عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - د. دنحا طوبيا كوركيس

صفحات: [1]
1
عزيزي شمعون
لا يسعني إلا أن أقول كما قال السابقون:


كل الطرق تؤدي إلى روما
[/color]
و
في الاختلاف قوة

وبما أن الجميع متمسك بالثوابت، فلا خوف على كنيسة المسيح،
ولتحل بركة الرب على الجميع.

دنحا

2
ليرحمه الله ويسكنه فسيح جناته.
التقيت المرحوم قبل سنتين في كنيسة الكلدان بجبل اللويبدة في عمان وتحدثنا عن أمور كثيرة تخص العراق وأحوال العراقيين في الأردن.
خسارة فادحة لا يعلم حجمها إلا من عاصر بهنام ووقف على منجزاته.
نجم آخر يهوى من سماء الرافدين.

لا يسعني في هذه الفاجعة الأليمة سوى تقديم تعازي القلبية إلى أهلة وأقربائه وأصدقائه،
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
كاليفورنيا

3
أسباب سقوط الدولة الكلدانية
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

يتناول هذا المقال سقوط آخر دولة وطنية في بلاد ما بين النهرين دون الإشارة إلى سفر دانيال والإجتهادات في تفسيره بسبب المغالطات التاريخية الواردة في كتاب العهد القديم، كما جاء على لسان عدد من الباحثين. كنت أتمنى أن أجد نصا متكاملا باللغة الإنكليزية، بعيدا عن الدين، يحكي لنا قصة سقوط بابل كي أترجمه دون عناء، لكني لم أجد ذلك النص الذي يشفي غليلي. لذا قررت أن أكتب هذه المقالة إعتمادا على نصوص تتفق غالبا وتتعارض أحيانا في بعض من تفاصيل هذه القصة المثيرة التي سأبدأها بتذكير القارىء بالملك الكلداني الشهير نبوخذنصر (والأصح: نبوخذرصـّر).


رغم الإنجازات الباهرة التي حققها نبوخذنصرخلال حكمه، خاصة في الإعمار، وشهد لها العالم، فقد مرّت بابل وحكوماتها المتعاقبة بأوقات عصيبة وأزمات حادة كان سببها ذريته وجيوب الإمبراطورية الآشورية المنهارة. فأول من تولى العرش بعد نبوخذنصر كان نجله أميل مردوخ الذي لم يدم في الحكم سوى سنتين (562 – 560) لأن أخيه من غير أبيه، نيرﮔال آشور أوصر، أجهز عليه وذبحه وتولى العرش بدلا عنه. جاءت وفاته المبكرة بعد أربع سنوات من حكمه (560 – 556) فجلس على العرش نجله، لباشي مردوخ، الذي تعرض إلى مؤامرة وأقصي عن الحكم في انقلاب عسكري بعد تسعة أشهر فقط، هذا الإنقلاب الذي يعتقد بأن أمير البلاط الملكي بلشزر (أو: بعل شاروزر)، إبن نبونيدوس، هو من كان العقل المدبر لهذا الإنقلاب. إختار المتآمرون من بينهم نبونيدوس (أو: نبونايدو) ملكا على بابل (555 – 539)، وهو آخر ملوك بابل الحديثة. ويقال عن نبونيدوس بأنه كان مواليا للآشوريين.

تفيدنا أحدث المكتشفات التي خلفها لنا نبونيدوس، وكما جاء على لسانه، بأن الحكام الذين سبقوه ظلوا طريقهم وشذوا عن الحكامة الرشيدة التي أرسى قواعدها آبائهم. يقول عن أميل مردوخ بأنه لم يحافظ على عهد أبيه نبوخذنصر. وبالمثل، فأن لباشي مردوخ، حفيد نبوخذنصر، أخفق في السير على نهج والده نيرﮔال آشور أوصر، ولذلك كان القدر المحتوم بالمرصاد لهما في مقتبل العمر. أقسم نبونيدوس على الولاء لمبادىء الآباء في حكمه، وهذا ماجاء في شهادته الموثقة على لوحه الخاص ويؤكد على ما جاء فيها من تفاصيل المشهد السياسي المؤرخ الكلداني برحوشا (بيروسس)، ولكن يبقى هذا الوصف إفتراضيا، إذ ما يقوله الأعداء المتربصين بالحكم يخالف الوضع الراهن آنذاك. هنالك من يعطي تفسيرا مغايرا لتبرير نبونيدوس، مفاده أن الملوك الذين يشير إلى عجزهم في شهادته وجدوا في رجال الدين ملاذهم الآمن. ودليل هؤلاء الباحثين في التوجه الديني للحكم هو إطلاق سراح حاخام يهوذا من السجن ودعوته لمأدبة أميل مردوخ. ولكي نقطع الشك باليقين، علينا أن لا ننسى بأن المؤامرات الخارجية والداخلية هي السبب الرئيسي الذي هدد أمن واستقرار البلاد، وبالتالي سقوط آخر إمبراطورية سامية في بلاد ما بين النهرين. لقد كانت تحاك المؤامرات ضد الملوك الكلدان منذ أن استلم نبوخذنصر مقاليد الحكم، هذه السلسلة من الدسائس التي كان آخرها مؤامرة نبونيدوس وصحبه. لو كـُتبت حياة أطول للملك نيرﮔال آشور أوصر ، كنا شهدنا إعمارا ورخاء على خطى نبوخذنصر، وكان عمر الإمبراطورية الكلدانية أطول. وما النقوش التي عثرنا عليها إلا خير دليل على كفاءة هذا الملك في إعادة الإعمار وإدارته الحكيمة في قيادة الدولة عسكريا ومدنيا، فقد غزا الأناضول وعبر جبال طوروس وحقق نصرا في صقليا.

ترى ما الذي فعله نبونيدوس الموالي للآشوريين؟ الجواب الذي حصلنا عليه هو أنه ضرب الإرث الثقافي الكلداني عرض الحائط وذلك بتفضيله إله القمر الآشوري، سين، على كبير آلهة الكلدان مردوخ في حران وإلغائه إحتفالات رأس السنة البابلية، أكيتو.  وهذا الأمر مذكور صراحة في حوليات نبونيدوس التي عثرعليها المنقبون. ولأن مردوخ لم يكن مجرد رمز ديني للعبادة، بل كان رمزا  لهيبة بابل برمتها وشعب بابل بأجمعه، فقد أثار هذا السلوك سخط وغضب رجال الدين وكل مواطني بابل المخلصين ودفع بهم للترحيب بالإمبراطور الفارسي سايروس العظيم فاتحا ومنقذا من قبضة حاكم عسكري أهان إلههم الأكبر وتقاليدهم. لم يدخل سايروس بابل، وإنما عين إبنه قمبيز نائبا له لفترة من الزمن. تفيد إحدى القصائد الشعرية بأن نبونيدوس كان معتوها وكافرا. ورغم هذا الوصف، يقال بأنه استطاع ضم أجزاء مهمة من بلاد العرب إلى مملكته، خاصة نبطيا. يبقى سبب الضم مجهولا، ولكن أغلب الظن أنه كان يحاول إيجاد تحالفات أمام المد الفارسي.

وإضافة إلى ما تقدم، نستطيع القول بأن ضعف الحكومات التي جاءت بعد نبوخذنصر وانخفاض انتاج المحاصيل الزراعية والتراجع في التبادل التجاري وزيادة الضرائب سهلت الأمر على المحتل الفارسي. سقطت الإمبراطورية الكلدانية، كالآشورية التي سبقتها، ولم تنهض من جديد رغم محاولات الثوار المتكررة في استعادتها، نذكر منهم القياديين التالية أسماؤهم ممن يذكر التاريخ سنوات انتفاضتهم:

ندينتو- بعل (نبوخذنصر الثالث) – سنة 522
أراخا (نبوخذنصر الرابع) – سنة 521
بعل – شمـّاني – سنة 484
شمش – أريبا – سنة 484
ندين – بعل – سنة 336/335

وهكذا غابت الشمس عن إمبراطورية مزدهرة سلبت كنوزها ومجدها جيوش غازية من الشرق والشمال والغرب، وما بقي تحت التراب وفوقه وفي القبور الملكية من كنوز وألواح منقوشة وتاريخ حافل بالمآثر قد يفضي لنا بأسرار جديدة كنا نجهلها.

المصادر:

Godspeed, George (1902). A  History of the Babylonians and Assyrians. Part IV: The New Babylonian (or Kaldean) Empire. New York: Charles Scribner's Sons.
 http://history-world.org/chaldeansgodspeed2.htm

http://public.wsu.edu/~dee/MESO/CHALDEAN.HTM

http://rbedrosian.com/euseb2.htm

http://www.livius.org/ba-bd/babylon/babylonian_empire.html



سان دييـﮕو/ كاليفورنيا في 23/6/2011
gorgis_3@yahoo.co.uk

4
ما أسباب إنهيار الدولة الآشورية الحديثة؟
ترجمة بتصرف: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

لماذا انهارت الدولة الآشورية الحديثة، بل والسؤال الأهم من ذلك: لماذا لم تر النور ثانية؟ كانت سياسة الملوك الآشوريين أنفسهم على رأس قائمة الأسباب الرئيسية التي أدت إلى الإنهيار، فقد إتسمت هذه السياسة بالشمولية والمركزية المتطرفة، إذ لم تسلم منها شؤون مثل بناء العواصم الجديدة ومنح رتب عسكرية عالية للقادة من دون استحقاق بحيث تفشت المحسوبية وتلاشت الهرمية المفترضة بين الملك وقياداته. وهذا، بطبيعة الحال، ما يؤخذ على أي حكم يتجاهل القاعدة الجماهيرية ويتشبث بالطبقات العليا والمتنفذة في المجتمع. فالذي حصل في دولة آشور الحديثة هو تعزيز العلاقة بين الملك وبلاطه والجيش وأهل الذوات (النـُخب)، أي علاقة أفقية غير هرمية، الأمر الذي تسبب في ضعف الولاء للنسب والتقاليد الموروثة والوطن، وبالتالي ضياع التناغم بين من كانوا في قمة هرم السلطة نتيجة التبجح والتشبث بمواقع الدولة المتقدمة التي انقلبت عليهم وبالا في آخر الأمر. لقد طال انهيار السلطة، وبالتالي الدولة برمتها، ثلاث طبقات إجتماعية. أما الطبقة الإجتماعية الرابعة فكانت مؤلفة من الأسرى والمهجرين والنازحين إلى بلاد آشور، أي أن هويتهم لم تكن آشورية. تجدر الإشارة هنا إلى حقيقة أن نزوح هؤلاء الأقوام بدأ منذ العصر الوسيط لقيام الإمبراطورية الآشورية، لكنه إزداد تباعا وبأعداد غفيرة في عصر الدولة الحديثة، إذ أبعدهم ملوك آشور من مواطنهم الأصلية قسرا وأرغموا على الإقامة الجبرية في المستعمرات القديمة والجديدة بحيث برعوا في أنواع الفنون وتشييد القصور الفخمة، ومن هؤلاء القبائل الإسرائيلية العشرة المفقودة. كما تم ترحيل الكثيرين إلى القرى والأرياف فامتهنوا الزراعة وشقوا قنوات الإرواء تحت نظام إقطاعي بإمرة القادة العسكريين الذين حققوا نصرا عسكريا بتكريم من الملك. لم تكن لغة أغلبية هؤلاء العمال والفلاحين الآشورية (إحدى اللهجات الأكدية المهمة)، وإنما الآرامية، اللغة الرئيسية لشعوب سوريا وفلسطين واسرائيل. ولهذا من البديهي ألا تعير هذه الأقوام أية أهمية تذكر للأحداث السياسية، وربما لتاريخ وثقافة آشور.

نعم، لقد كان ارتباط هؤلاء الأقوام ببعضهم إرتباطا أفقيا أيضا، ولكن كان ارتباطهم بالطبقات الإجتماعية الآشورية العليا إرتباطا هزيلا. وهذا نقيض حالات الإنهيار المماثلة في وادي الرافدين، إذ بسقوط السلطة تنهض الطبقات الدنيا من المجتمع وتتولى زمام الأمور (والدولة الآشورية الوسيطة، بعدما انهارت القديمة، خير دليل على النهوض). لم تنهض الدولة الآشورية الحديثة لأن الطبقة الدنيا المؤلفة في معظمها من القرويين والعمال لم تبد أي اهتمام بإعادة إعمار أي شىء يحمل إسما آشوريا بسبب اختلافهم في العرق والدين واللغة.

ومن المفيد أن نعرج قليلا على العلاقات بين بابل وآشور أيام سقوط الأخيرة. بابل وآشور، كما نعلم، مكونان رئيسيان لحضارة وادي الرافدين، وكل منهما يـُعرف بلهجته المشتقة من اللغة الأكدية التي شهدت التدوين في عهد سرجون الأكدي. أحد أهم الجوانب الثقافية المثيرة التي شغلت حيزا في السياسة المركزية للدولة الآشورية الجديدة كان ما نستطيع تسميته بـ "الصراع الثقافي" أو "المشكلة البابلية" التي واجهت الملوك الاشوريين. ففي الوقت الذي كانت بابل قـِبلة الملوك الآشوريين الذين حملوا معهم أدب وطقوس بابل إلى بلادهم، نظروا إليها نظرة إزدراء وعدوها بلادا منحلة وبؤرة للفوضى. وما اندلاع التمرد في بابل بوجه الملك الآشوري سنحاريب واغتصابه بابل، هذه البلاد التي كانت تحكمها دمى آشورية خلال القرن الأخير من سطوة الدولة الآشورية على مقاليد الأمور، إلا عقوقا، كما وصفته بعض المقاطعات من بلاد آشور. إن ما يؤكد هذا الوصف هو تعبير أسرحدون عن أسفه للدمار الذي سببه والده سنحاريب بعد اغتياله. تبعت هذه الأحداث لاحقا تقسيم الحكم بين ولدي أسرحدون، أحدهما في بابل والآخر في آشور. ولكن الغريب العجيب في هذا الحكم هو أن الملك البابلي، رغم كونه آشوريا، تمرد على أخيه في آشور. وبعد أربع سنوات من الحرب الأهلية سيطرت آشور على الجنوب. ومع ذلك، فقد كلفت هذه الحرب الطويلة خسائر جسيمة في الأرواح والمعدات، ناهيك عن الغنائم التي كان من المفترض أن تكون مكسبا للجيش الآشوري في حملاته العسكرية. لقد كان القضاء على الحرب الأهلية نصرا مكلفا للغاية، وهدية للقوى الأقوى المتحالفة بوجه الدولة الآشورية المريضة التي لم تنهض بعدها.


المصدر:

Yoffee, Norman (2009). "Collapse in Ancient Mesopotamia: What Happened, What Didn’t". In: Questioning Collapse - Human Resilience, Ecological Vulnerability, and the Aftermath of Empire - Edited by Patricia A. McAnany and Norman Yoffee. Cambridge: Cambridge University Press, pp. 176-204.

نبذة عن الباحث:
هو البروفيسور المتمرس نورمان يوفي الذي عمل في قسمي دراسات الشرق الأدنى وعلم الأجناس بجامعة مشيكان للأعوام 1993- 2010 وفي جامعة أريزونا للأعوام  1972 – 1993. عمل كباحث أقدم في معهد دراسات العالم القديم بجامعة نيويورك سنة 2010 وهو يحاضر حاليا في قسم علم الأجناس بجامعة نيفادا في لاس فيجاس. كما كان أستاذا زائرا في عشرات الجامعات الأمريكية والعالمية خلال حياته الأكاديمية. ترأس تحرير سلسلة كيمبرج الدولية المختصة بعلم الآثار، وهو عضو هيئة تحرير عدد كبير من المجلات العلمية ذات الصلة. هو غزير في إنتاجه الفكري، فقد نشر العشرات من الكتب والبحوث التي يشار لها بالبنان، وهو غني عن التعريف في مجال اختصاصه.

ملاحظة:
جاءت هذه الترجمة بتصرف لضرورة نقل المعلومات الواردة في رسوم المؤلف وجعلها متناغمة مع سياق النص المترجم وتفادي التكرار مع الحفاظ على الأمانة في النقل.

سان دييـﮕو/ في 8/6/2011
gorgis_3@yahoo.co.uk

5
الآشوريون والكلدان: قومية واحدة أم قوميتان؟
ترجمة بتصرف: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

الآشوريون والكلدان قوميتان منفصلتان، شئنا أم أبينا، بغض النظر عما إذا كانت دولة كل منهما مستقلة إستقلالا تاما أو أيا منهما كانت واقعة تحت نفوذ الثانية بسبب التفوق العسكري والسياسي في أي عصر من العصور، وبغض النظر عن القواسم المشتركة التي تجمعهما، كاللغة والدين والتجاور مثلا. ويـُعزى هذا الفصل الحاسم بين القوميتين، أو الشعبين إذا شئت، إلى الجغرافيا، من جهة، وإلى التطور التاريخي، من جهة أخرى. وإن أضحت بلاد الكلدان مقاطعة من مقاطعات الدولة الآشورية زمانا، فالتبعية السياسية لم تصهر القوميتين بقومية واحدة. كما لا يخفى علينا حقيقة أن بلاد كلدو هي أقدم عهدا من بلاد آشور. فأولئك الذين نطلق عليهم التسمية الاشورية هم قوم تسنم السلطة وحقق أمجادا في فترة متأخرة، أي أن الآشوريين غرفوا الكثير من الحضارة الكلدانية ومن مراكز الحياة المدنية التي ازدهرت على أراضي غرينية بين خطي العرض 31-33، بل حتى آلهتهم، باستثناء آشور، هي كلدانية.

 ورغم العداء بين الحكـّام في فترات متقطعة، فقد ظلت العلاقة بين الشعبين علاقة حميمة وكأنهما شعب واحد. ومما تجدر الإشارة إليه هو أن بلاد كلدو كانت بمثابة الوطن الأم بالنسبة للآشوريين وقبلة لملوكهم الذين دأبوا على معاملة الثوار الكلدان بقسوتهم المعهودة وتقديمهم بكل فخر واعتزاز قربانا لآلهة الكلدان في معابد كلدانية حرصوا على ترميمها. يضاف إلى ما تقدم فروقات جوهرية بين الشعبين، أهمها نمط التفكير. فبينما إحتفظ كهنة الكلدان بالشرائع وأساطير الأولين وطوروها في المدن البابلية ، كمدينة بورسيبا والمدن الساحلية القديمة، لم يبدع الآشوريون بشىء فكري سوى بفنون القتال وقهر الشعوب. ولا ينكر سكان بلاد الرافدين فضل الكلدان وإبداعهم وتفوقهم الحضاري في كافة الميادين.

المصدر:

Perrot, Georges & Charles Chipiez (1884).  A History of Art in Chaldæa & Assyria, Vol. 1. Translated from French and edited by Walter Armstrong and released electronically by The Project Gutenberg EBook on February 14, 2009. London: Chapman & Hall, ltd. and New York: A. C. Armstrong & Son.

http://www.gutenberg.org/files/28072/28072-h/28072-h.htm

ملاحظة: العنوان إختيار شخصي أفرزته طبيعة المقارنة بين الشعبين القديمين في النص الإنكليزي، كما أن التصرف بالترجمة جاء نتيجة حتمية لتحقيق هذه المقارنة في نص عربي متماسك مضمونا وأسلوبا دون المساس بصحة المعلومات من عدمها، والعهدة على الراوي.

سان دييـﮕو/كاليفورنيا في 25/5/2011

6
حمار باطنايا السعيد الذِكر
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

قيل ويقال أن الذي لا يفكـّر أو يستخدم عقله بالشكل الذي ينبغي، فهو "حمار". كما ألصقت لفظة "حمار" و"مطي" و"كديش" و "زمال" بالتلميذ البليد والمتهرب أو"الكسلان" في المدرسة والصانع القاصر المقصـّرالذي يعمل لحساب صاحب مهنة حرة، خاصة الميكانيكي (الفيترچـي، باللهجة العراقية). وجاء في باب الغيرة مثل شعبي يقول بأن "اللي ميغار حمار" (الذي لا يغار فهو حمار). كما دأب الكثير من الآباء والأمهات على تقريع أولادهم ونعتهم بـلفظة "حمار"، إن لم يـُنعتوا بـ "إبن حمار" زيادة عليه، كلما أخفقوا في تحقيق شىء كـُلفوا به أو كانوا مصدر إزعاج.

دفعني هذا الإستهلال من واقع الحياة العراقية للدفاع عن الحمار الذي يبدو أنه يفكر على طريقته. فهو لا يخفق في عمله، قبل كل شىء، ولا يغار من طرق عيش أقرانه أو الحيوانات الأخرى أو حتى الناس وسلوكهم. بطل حلمي ليلة أمس حمار عايشته في طفولتي قبل أكثر من نصف قرن. كان أهل قرية باطنايا (15 كلم شمال مدينة الموصل) يطلقون عليه الحمار الأزرق أو الحساوي لبأسه. إمتطيته (ومن هنا جاءت تسميته الثانية "مـُطي") كما فعل رفاق الدرب قبل شروق الشمس وسلكنا الطريق الترابي المؤدي إلى الخوصر (خلف دير مار أوراها الواقع شرق القرية) لغرف حاجتنا اليومية من الماء المنحدر من زاب في أعالي دجلة لقلة مياه الآبار في القرية. تذكرت من هذا الحلم نتفا حالما استيقظت. لم أعد صغيرا في هذا الحلم، بل كهلا يدندن أغنية عراقية للمطرب سعدون جابر فأطربت الشلة التي كانت ترافقني على ظهور حميرها، بل والحق يقال، أطربت الحمار الذي كان يهز أذنيه مغتبطا. همست في أذن حمارنا المنزلي وقلت له: "أتعلم أن البشر بات يغار منك ويحسدك على صبرك الجميل في هذه الأيام العصيبة من عمر العراق؟" إلتفت إلي بزاوية حادة مكشّرا وكاشفا عن أنيابه ورافعا شفته العليا ليسمعني صوت نهيقه كما لو كان يعـده سمفونية الصباح. تسمـّر معاندا فسطـّر شيئا بحافريه على التراب، ثم هدأ واستمر بالتقدم لينضم إلى القافلة. إلتفتُ إلى الوراء وتمعنتُ بالخربشات التي خلـّفها وراءه فوجدتها أقرب إلى نقوش سومرية أو مصرية أو صينية أو طفولية تعذ ّر علي فكّ طلاسمها، ولكني توصلت إلى نتيجة مفادها بأن الإيماءات والإشارات التي أرسلها لي حمارنا "الشاطر" قد تحمل دلالات تتلخص بكلمة "شكرا" على إطراء ناله مني باستحقاق. ومن حقه أن يعدها مديحا مليحا لأنه الوحيد من بين كل الحيوانات الذي يتردد إسمه ومرادفاته على ألسنة الناس ومسامعهم، وإن كانت كل المسميات إستهجانا. وهو الوحيد الذي لا يتذمر إلا عندما يأبى المسير قدما فتجده مضروبا بالعصا ويتمنى أن يكون فرسا أصيلا يتباهى به فارسه. كما أنه لا يسعى لرئاسة بني جنسه أو يتهافت على الألقاب الرنـّانة، كـ "سفينة الصحراء" التي يكنى بها الجمل أو "ملك الغابة" الذي يتغنى به الأسد أو "معالي " كذا و "دولة" كذا و "عطوفة" كذا أو ما شابه ذلك في عالم البشر والحشر. يكفيه أن يكون خادما مطيعا لا يكلّ ولا يملّ ولا يحتاج سوى إلى صلاة "أعطنا خبزنا كفافنا اليوم" يتلوها بصمت. هو قنوع بـ "حصته التموينية" ولا ينتمي إلى "حزب الحمير" لينتخبوه حمارا أحمرا أو أزرقا أو رماديا، بل يأبى أن ينتخب بغلا معمما أو ذئبا ملـّثما إنتحل إسمه. هو قنوع بسنـّة حياته وحظيرة تقيه برد الشتاء القارس. هو سعيد بصاحبه الراعي الذي يقود قطيعا من الغنم بحماية كلب واحد بين المراعي الخضراء في موسم الربيع. هو نباتي لا يعاني من داء السكر أو ضغط الدم العالي والكوليسترول وانفصام الشخصية.

أفقت من نومي مبتسما وهرعت إلى مكتبي لأسجل ما تبقى من الحلم الجميل قبل أن يغدو طي النسيان كغيره من الآف الأحلام الجميلة والوردية والجهنمية والبغيضة والمرعبة والمهلكة. وأول عنوان اخترته لهذا الحلم هو "حمارنا يفكـّر". تراجعت عن هذا الاختيار كي لا يمتعض دعاة "الفكر" من المقارنة، وقد أكون واحدا منهم. ثم تسائلت: إذا كنا جميعا نفكـّر، ولو بطرق مختلفة، أما يجوز لنا أن نقول بأن حمارنا كان يفكـّر على طريقة "جـُحا وحماره" عندما توقف فجأة؟ صحيح أنه "حمار حلم"، ولكن عجيب أمرنا عندما نتكلم عن الحمار في يقظتنا سلبا بينما تزخر دنيانا بمن لا يرقى إلى مستوى "حمار باطنايا" لأن الحسد والغيرة والطمع والحقد والسطوة والخيانة والربح غير المشروع والسرقة والنهب والتهريب وتكفير الآخر، وما إلى ذلك من موبقات، باتت تجردنا من إنسانيتنا وتعبث بالفضائل التي نحسد الحمار عليها. لذلك، آثرت أن يكون عنوان هذا الحلم: حمار باطنايا السعيد الذكر. 


الأردن في 29/9/2010
gorgis_3@yahoo.co.uk

7
الدودة والعنكبوت: مشاهدة حية
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

كانت الساعة الثامنة وخمسون دقيقة من صبيحة يوم الجمعة المصادف 13/5/2011 عندما تقرفصت في حديقة الدار كعادتي لأشاهد نمو مزروعاتي المنزلية. وبينما كانت عيناي تجول هنا وهناك، وقع نظري على عنكبوت أسود اللون لا يتجاوز حجمه حبة حمص. نزل من عليائه مسرعا ليباغت دودة برتقالية اللون مرقطة بلون أسود، تشبه دودة القز إلى حد كبير ولا يتجاوز طولها إنجا واحدا. من عليائه، حيث نسج شبكة خيوط حديثة العهد بين أوراق الثوم ونباتات الصبير، هبط واقتنص الدودة المسكينة التي كانت تبحث عن وجبة فطورها. خطفها من وسطها بمخلبيه الأماميين ورفعها إلى عرينه فالتصقت بالشبكة وخارت قواها. وبسرعة البرق فصل رأسها عن جسمها وأودع الرأس بين فكيه. سقط جسم الدودة أرضا وولى العنكبوت هاربا برأس غنيمته غير آبه بالرقيب الذي سجل لحظات اقتناصه.

سان دييـﮕو/كاليفورنيا في 13/5/2011

8
البتولية في كنيسة المشرق
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

سألني صديق قبل عدة أيام عن معنى "البتولية" التي وردت في مقال لي عن أحوال وأهوال كنيسة المشرق في بلاد فارس، فأجبته باختصار شديد أنها تعني "العزوبية"، ولكني وعدته بالكتابة عنها وإطلاعه على المزيد. سأبدأ بالمعنى، أولا، فأقول بأن لمفهوم البتولية ثلاث معان: أولهما، "العزوبية"، ولكن العزوبية لا تعني البتولية بالضرورة، لأن البتول قد يكون متزوجا أو أعزبا خبـِر الإتصال الجنسي في ما مضى من حياته فأحجم عنه. وثانيهما، الإحجام عن الإتصال الجنسي، كان الفرد ذكرا أم أنثى، متزوجا أو مطلقا أو منفصلا. ويكون قرار الإمتناع شخصيا، كالناسك المتعبد أو المتصوف، أي بدافع ذاتي (كما جاء في قرار المطربة الأمريكية الشهيرة ليدي جاجا)، أو مؤسساتيا، أي ينص عليه قانون، كالقانون الكنسي، كما في حالة رسامة أسقف متزوج (وفق ما يرويه لنا تاريخ الكنيسة). وثالثا، الإمتناع عن الزواج بعد إداء القسم الرسمي أثناء رسامة الكاهن أو الراهب. البتولية ظاهرة متفشية بين رهبان الهندوسية والبوذية أيضا، ولكنها طوعية كما يبدو، بينما هي محرمة في الإسلام باستثناء بعض الحالات بين المتصوفين. إرتبط جزء من الخلافات الكنسية التاريخية بمفهوم البتولية، خاصة بين كنيسة المشرق والكرسي الرسولي في روما.

البتولية الرهبانية هي أحد أشكال التنسـّك (الزهد) في المسيحية، وربما وجب التمييز بينها وبين "العفـّة" الرهبانية، وإن كان كلاهما متداخلين منذ البشارة الرسولية الأولى. تقضي الأولى، حسبما تفيد مصادر القرون الأولى لانتشار المسيحية، تقديم تعهد (نـِذر) بعدم الزواج قبل أو بعد الرسامة (راهب، راهبة، شماس، قس، أسقف)، بينما تقضي الثانية تقديم تعهد بكبح جماح النزوات والشهوات الجنسية والابتعاد عن الملذات التي تقود إلى الفسق، وكذلك الإمتناع عن ممارسة الجنس مع الزوجة بعد رسامة رجل الدين، أي ما معناه "الصيام الجنسي" إلى أجل غير مسمى. 

ساد الصمت حول موضوع البتولية حتى القرن الثالث في كل من الغرب والشرق، ولا يوجد نص يتعارض مع تعاليم الرسل في مسألتي العفة والبتولية خلال هذه الحقبة الزمنية. وأغلب الظن أن الكنيسة كانت منشغلة بالبشارة ومحاربة تعدد الزيجات وإعلاء قيمة إماتة الجسد.

أحد أهم الأسباب لإقرار زواج رجال الدين الذي أقره سينودس الشرق سنة 486 وأكد عليه في سينودس سنة  497 هو نظرة الإزدراء الزرادشتية تجاه البتولية الرهبانية من جهة، والموقف السلبي للساسة والدولة من العزوبية على أنها موطن ضعف بالنسبة للإمبراطورية الفارسية. وهذا يعني بأن القرار الشرقي جاء نتيجة ضغوط سياسية فارسية ودينية زرادشتية أملت على كنيسة المشرق إتخاذه، وليس بسبب خلافات مزعومة مع كنيسة روما، كما يشاع. وهذا الإستنتاج ينطبق أيضا على إستقلالية إدارة كنيسة المشرق، وهو تنازل آخر من جملة التنازلات التي قدمتها كنيسة المشرق خلال مسيرتها في ظل الحكومات الفارسية المتعاقبة بشكل خاص. والسبب الرئيسي هو العداء القائم بين بلاد فارس وروما المسيحية، هذا العداء الذي أتاح لحكام بلاد فارس من كسب المسيحيين إلى جانبهم مقابل منحهم مساحة محدودة من الحرية الدينية كي لا يخلقوا منهم أعداء موالين للرومان في زمن الحروب. ولكن هذا لايعني بأن كنيسة المشرق كانت معادية لكنيسة روما، بل استمرت العلاقة بينهما على أساس تمتين أواصر الأخوة المسيحية، بعيدا عن المركزية الدينية الرومانية. لقد تعرضت الكنيسة الكاثوليكية إلى هزات عنيفة خلال ألفي سنة، ولكنها لم تقدم تنازلا أمام الضغوطات من داخلها أو خارجها لأنها تؤمن بأن البتولية هي متطلب رسولي لنيل درجة الكهنوت وليس نتيجة لقرار كنسي وضعي كي تنقضه وتستبدله بآخر. من جهة أخرى، فهي لا تمانع من رسامة المتزوج أو الأرمل كاهنا، لكنها ضد زواج الكاهن بعد رسامته. وبهذا فأنها تحذو حذو كنيسة المشرق في بعض مفاصل تشريعاتها.   

المصادر:

Cesare Bonivento (2006). Priestly Celibacy: Ecclesiastical Institution or Apostolic Tradition? Vanimo (Papua New Guinea):
http://www.vanimo-diocese.com/download/pastoral_letters/2005-Pastoral-Paper-On-Priestly-Celibacy.pdf
Jason Scot Carroll (2007). Reconstructing Celibacy: Sexual Renunciation in the First Three Centuries of the Early Church. M.A. Dissertation, University of Alberta.
Stefan Heid (2000 [1997]). Celibacy in the Early Church: The Beginnings of a Discipline of Obligatory Continence for Clerics in East and West. Translated by Michael J. Miller. San Francisco: Ignatius Press.
http://books.google.com/books?id=Qxy3l0F7mUwC&pg=PA3&vq=%22Apostolic+Origins+of+Priestly+Celibacy%22&dq=cochini+origins+celibacy+reviews&source=gbs_selected_pages&cad=3#v=onepage&q=%22Apostolic%20Origins%20of%20Priestly%20Celibacy%22&f=false
T.V. Philip (1998). East of the Euphrates: Early Christianity in Asia. Chapter 3: Christianity in Persia. India: CSS & ISPCK.
http://www.religion-online.org/showchapter.asp?title=1553&C=1367



سان دييـﮕو/كاليفورنيا في 3/5/ 2011

9
اليوم العاشر من أكيتو: قصيدة "بهجة سومر"
ترجمة: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

في القصريحتشد شعب سومر،
من هنا تدار الأرض،
ويبني الملك عرشا لمليكته.
يجلس بجانبها،
تبدأ رعاية طقوس يوم الأرض،
وعن كثب تدرس أحداث الفاتح من نيسان.
في اليوم الذي يختفي القمر عن الأنظار...
في اليوم الذي يخلد فيه القمر إلى النوم،
تنطلق المراسيم المقدسة، وأنا،
فيضحى رأس السنة الميلادية، يوم الشعائر،
أمرا محتوما.
في هذا اليوم يتقرر موضع مخدع إنانا...
 يطهـّر الشعب مخدعها بزيت الإرز الفواح،
ويلبي نداء الواجب في تزيينه بما هو متاح.
يـُكسى فراش العروس بمـُلاءة،
مـُلاءة تملأ فؤادها بالبهجة،
مـُلاءة تـُزيـّن عورتها،
إنها مـُلاءة لأجل إنانا وتموز.

تطهـّر الملكة عورتها غسيلا...
تستحم لتفوز بفحولة تموز المقدسة.
تستحم بالصابون،
وترش أرض المخدع بزيت الإرز الفواح.
يتقدم الملك نحو عورتها المقدسة مرفوع الرأس،
ثم يستلقي في الفراش بجانبها،
وفي الأحضان يأخذها مداعبا ومتمتما عبارات الهيام:
ياجوهرتي المقدسة، أيتها الرائعة إنانا!
يدخل بها فتبتهج...
يدخل بها فتنتشي...
تضمـّه إلى صدرها وتتمتم:
أيا تموز، أنت حبي الحقيقي.

يأذن الملك جمهوره بالدخول إلى الصالة الكبرى...
يتوافدون محمـّلين بأطباق من الطعام والشراب قربانا...
يحرقون أعشابا معطرة ويؤدون شعائر التطهير إيذانا...
يحرقون البخور لتتصاعد منها أبخرة تملأ المكان وجدانا.
يضمّ الملك عروسته المعبودة إلى صدره...
يضمّ تموز إنانا إلى صدره.
تجلس إنانا على عرشها فيشع منها نور كالنهار،
ويجلس الملك بجانبها كالشمس فيزيد النور لمعانا.
يـُعدّ لها ما شاء وطاب ولذ،
ويدعو شعب سومر للوليمة...
يدعو الأنامل لتعزف ألحانا لمليكتهم،
وتتراقص الأوتار منتشية بالنصر على الريح الجنوبية.
يعزفون أجمل الألحان على الزنـّار...أجمل آلة في القصر...
يعزفون على القيثارة لإسعاد الشعب...
ويستمر الطرب ليملأ قلب إنانا فرحا.

ينتقي الملك طعاما وشرابا...
يتناول تموز طعاما وشرابا.
إحتفال مهيب يملأ أرجاء المكان، ونشوة مليك يعجز عن وصفها اللسان.
في ذلك المكان الطاهر والنظيف تصدح الحناجر لإنانا مغنية...
إنانا هي قلادة هذا الحشد في سروره العظيم.
يقضي الجمهور يوما ممتعا بلا حدود...
يمثـُل الملك أمام الجمع مغتبطا،
فيمطر إنانا مديحا بإسم الآلهة والحشود:
أيتها الكاهنة القديسة، يا مخلوقة من الأرض والسماء،
إنانا، يا بـِكر القمر وسيدة المساء...
هائنذا أغني لك تبجيلا:
سيدتي، يا من وهبتك السماء حلاوة...
مواكب أهل سومر تمجـّد القديسة إنانا...
السيدة التي تصعد إلى السماء هي إنانا المشعـّة،
هي الجبـّارة، المهيبة، المتألقة والشباب النضر...
لك، إنانا، أغني...

المصادر:

Wolkstein, Diane and Kramer, Samuel Noah (1983) Inanna, Queen of Heaven and Earth: her stories and hymns from Sumer. Harper & Row, New York.
http://inanna.virtualave.net/inannatext11.html


سان دييـﮕو/كاليفورنيا/ في 10 نيسان 2011
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,496359.0.html

10
رسالة مثيرة من أنقاض اليابان
ترجمة بتصرف: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
مرحبا عزيزي القارىء

أرسل هذه الرسالة صديق على الفيس بوك. إنها رسالة من القلب إلى القلب، تجعلك تندهش وترى العالم بمنظور آخر. أريد أن أشارككم الشعور الإنساني الخلاق الذي عطـّر ثنايا سطورها، هذا الشعور الذي قد لا يصدقه من كان بعيدا عن الدمار الذي طال اليابان مؤخرا.

محبتي.

رسالة من منطقة سينداي اليابانية

سأرسم لكم لوحة أشبه ما تكون بالسريالية من سينداي. أشعر بأن بركة السماء قد حلت علينا جميعا لأنها أتاحت لنا أن نعقد صداقات عفوية رائعة بكافة المقاييس لأول مرة في حياتنا. هو كوخ ريفي بغرفة واحدة يضم بين جدرانه مجموعة من الناس تفترش أرضيته ليلا وتلتصق الأجساد ببعضها طلبا للدفء والأمان والطمأنينة. نشكل دائرة ضيقة حول موقد يعمل بالكيروسين ونحكي القصص الجميلة ونتناول الطعام على ضوء الشموع ونقتسم المياه.

وخلال النهار، نساعد بعضنا البعض في إعادة الأمور إلى نصابها في بيوتنا التي دمرها الزلزال. هناك من  يجلس في سيارته ويتابع ما استجد من أخبار على شاشات الملاحة، أو من يقف في طابور لغرف حاجته من مياه الشرب متى ما تيسر الضخ من المصدر الرئيسي. والطريف في تقريري هذا هو إذا ما تدفق الماء من دار ما، يهرع صاحب الدار إلى كتابة لافتة خارج داره ليدل المارة على صنبور المياه المتاحة من منزله لقضاء احتياجاتهم.

إنها صورة رائعة للإنسان الياباني، إذ ليس هنالك نهب أو سلب أو تدافع في الطوابير، بل والأجمل في هذه الصورة هو أن الناس تترك أبواب منازلها الأمامية مفتوحة على مصاريعها لشعورها بأمان أكثر بكثير مما كان الحال قبل الزلزال، الأمر الذي يجعلهم يستذكرون الأيام الخوالي التي كان الناس فيها يساعدون بعضهم البعض دون منـّة أو حرج.

هزتنا الزلازل ليلة أمس كل خمسة عشر دقيقة بشكل متواصل بينما راحت صفارات الإنذار تطلق صفيرها والطائرات المروحية تطوف الأجواء جيئة وذهابا. الشوارع خالية تماما من المارة أو العجلات، والسكون يلف منطقة سينداي الجبلية المنيعة. ننعم بالتيار الكهربائي لبضع ساعات ليلا وبالمياه لنصف يوم ونحرم من الغاز إلى أجل غير مسمى. السماء التي تعودنا ألا نرى فيها سوى نجمتين سابحتين في غيومها تتلألأ الليلة بجمهرة كثيفة من النجوم. يا لجمالها! إمتلكنا الذعر، لكننا تشبثنا بالبقاء. يتجول رجال بقبعات خضراء بين البيوت ويسألون قاطنيها، وكل غريب مرّ بها، عن احتياجاتهم رغم الفوضى العارمة في كل زاوية من زوايا المنطقة. إنهم هناك أيضا ليبددوا الخوف عنهم ويشاطروهم محنتهم. يقولون للناس بأن هنالك هزات أرضية ارتدادية محتملة، ربما تدوم شهرا أو أكثر، لكني أشعر بأن سينداي الصامدة مباركة لارتفاعها عن مستوى سطح البحر كثيرا. شعرت بأني ولدت مجددا لأن ما يحدث حوالي في هذا الكون الكبير أكبر مما أستطيع استيعابه.
ويدوم الحب بيننا،
آنا

سان دييـﮕو/ كاليفورنيا
في 25/3/2010
gorgis_3@yahoo.co.uk

11
مبروك لأهل عنكاوا،
وألف مبروك للدكتور الوسيم، وسام.
هنيئا للأخ أمجد والأخت فضيلة وعائلة بويا سولاقا. نفتقدكم جميعا.
مزيدا من التألق، يا وسام، وإن شاء الله يوم حصولك على الدكتوراه.

الدكتور دنحا طوبيا كوركيس والعائلة
سان دييكو - كاليفورنيا


gorgis_3@yahoo.co.uk

12
الأحوال الشخصية للمرأة في مملكة الكلدان
ترجمة: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
إن كان المؤرخون قد اتفقوا على أن أقدم الممارسات البشرية لمجتمع متحضر هي تلك التي شهدها وادي الرافدين كما تفيدنا شريعة حمورابي ذات القوانين الواضحة التي سُنـّت في ضوء العادات والتقاليد قبل ميلاد المسيح بألفي وخمسمائة سنة، فإن القوانين العامة كانت حاضرة في حياة شعوب المنطقة قرونا طويلة قبل ذلك، إذ يرى المؤرخون اعتمادا على حقائق فلكية أن الوعي الحضاري ابتدأ مع تاريخ وثقافة الكلدان قبل 5000 سنة قبل الميلاد، إن لم يكن في الألف السادس كما يحدده الباحث (بارتون). ولكن تبقى شريعة حمورابي المنهجية خير دليل موثق نعتمد عليه في إلقاء الضوء على حضارة وثقافة ذلك الزمان. نجد في تلك القوانين نصوصا دستورية خاصة بالحقوق الشخصية تساوي بين الرجل والمرأة إلى حد ما. فعلى سبيل المثال، نفهم من هذه القوانين أن الرجل لا يحق له الاقتران بأكثر من واحدة، لكن القانون يجيز له أن يتصرف على هواه مع المحظيات والرقيق وفق ما يراه مناسبا وتحقيقا لمآربه. إذن هنالك ثلاث فئات من النساء: الزوجة والأمة (المحظية أو الخليلة) والرقيق. وبما أن غاية قانون الأحوال الشخصية تتعدى حدود إبرام عقد زواج بين طرفين لتشمل أمورا ذات الصلة بالنزاعات الزوجية والملكية الفردية، فأن القانون هو المعني بتنظيم أحكام الزواج وما يترتب عليه من حقوق وواجبات. ويستند قانون الأحوال الشخصية، بطبيعة الحال، على موروث غني من العادات والتقاليد التي تناقلتها الأجيال وطورتها عبر قرون. ومن هذه التقاليد المتوارثة ما يسمى بالمهر والبائنة وهدايا الزواج.

يدفع العريس لعروسه ثمن الحصول عليها كجزء لا يتجزأ من المهر ، لكنه قد يحصل أيضا على مهر من زوجته. وعلاوة على ذلك، فأن والد العروس يقدم لها بائنة (هدية الأب، التي هي حصتها في ماله الخاص)، كما أن العريس يقدم لها هدية زواجهما. ويمكن للرجال تطليق زوجاتهم، ولكن يترتب عليهم دفع النفقة إذا ثبت أنهن لسن مذنبات. وهذا يسري على المرأة العاقر لأن الوظيفة الأساسية للزواج هي إنجاب الأطفال. وبالمقابل، فالمرأة التي تحمل طفلا  من رجل ما، حتى لو كانت من الرقيق، لها حقها القانوني في مطالبة الرجل بالنفقة والأمن والأمان. كما يجوز للنساء تطليق أزواجهن إذا ما فشلوا في الأيفاء بمتطلبات الحياة الزوجية. نجد في المعابد نوعين من النساء اللائي نذرن أنفسهن لخدمة الكهنوت. يعتقد (مولر) أن جميعهن كاهنات، لكن الفئة الأولى تختار الكهنوت سنـّة للحياة دون تقديم أي عهد بالحفاظ على العذرية وتلبس ملابس نسائية، بينما تنتسب الفئة الثانية إلى عامة الشعب وتلبس ثيابا رجالية. ويروي لنا لوح من الألواح الفخارية التي عثر عليها في حفريات تل العمارنة، الذي يعود تاريخه إلى سنة 1500 قبل الميلاد، أن شجارا حصل بين إله وزوجته. يؤنبها على فعل ما، لكنها تحتج غاضبة وتطلب منه ألا يتدخل في شؤؤنها، فكانت لها الغلبة ولم ينبس ببنت شفة بعد ذلك الشجار.

تظهر قوانين حمورابي بجلاء أن المسائل الزوجية ظلت على ما هي عليه منذ 2500 سنة قبل المسيح ولحد اليوم، إذ كشفت لنا تنقيبات تل العمارنة بأن دفة قيادة الأمور العائلية كانت بيد الأم الكلدانية في الألفية الثالثة قبل الميلاد، ومن هنا جاءت تسمية "آلهة الدار" أو "ربة بيت" بحيث كان يمكنها طرد زوجها من الدار. إنقلبت المعادلة تحت تأثير الهجرات السامية فأصبح الرجل "رب الأسرة" والمسؤول عن الرعاية والوصاية، غير أن للأبناء حق الإرتباط  بأمة، وليس الإقتران بها، دون موافقة الأب. ويفيدنا الشعر الشعبي أن المرأة من الرقيق كانت تتذمر إذا تجاهلها سيدها بسبب مخاوفه من ألاعيبها ولم يلب طلباتها.

كان من الجائز في مملكة بابل القديمة أن يطرد الزوج زوجته بمحض إرادته وأن يزودها بوثيقة طلاق. وتفيدنا الأوامر القضائية المتكررة التي تحيد عن الإنفصال أن ظاهرة الطلاق كانت شائعة وترتب عليها عجز المرأة وحرمانها من حقوقها رغم احتفاضها بكرامة أمومتها وسلطتها المنزلية ورعاية أطفالها. كان بإمكانها الزواج ثانية إذا تنكر لها زوجها وطلقها، ولكنها كانت تصول وتجول في الطرقات بحثا عن مكانة اجتماعية أو مغامرة تقودها إلى الفسق والفجور. وعندما عم الرخاء وازدهر النشاط الإجتماعي في وادي الفرات أصبح تعدد الزوجات أمرا مألوفا وأضحت النساء في عزلة نجم عنها فقدان الإستقلالية التي تمتعن بها فيما مضى من الزمان.

تميز نظام الحريم في مملكة الكلدان بخصوصيته، إذ تعيـّن على نساء الطبقة العليا ألا يظهرن بمعية أزواجهن أو أخوتهن، على النقيض مما كان عليه الحال في مصر. ويبدو أن رقعة هذا النظام اتسعت فشملت كلا من أوروبا وغرب آسيا في الأقل. كما نستنتج من العقود البابلية والآشورية المنسوبة إلى عصور الإزدهار أن حالات شراء الزوجات كانت نادرة، فقد عثر على عقد واحد تظهر البنود الواردة فيه طابعا تجاريا، على عكس ما كان معمول به في العصر البابلي القديم. كانت الزوجة هي التي تقدم مهر زواجها أو تـُحجب الهدايا عنها، وقد ينص عقد الزواج على ما سيهبه والدي العروس والعريس من هدايا صراحة. يظل المهر مسجلا بأسم الزوجة، لكن للزوج حق التصرف به. وفي حالة رفض الوالد زواج إبنه من الفتاة التي اختارها، تـُعد المرأة من الرقيق حينئذ. ويمكن للمرأة المتزوجة أن تدير عملا خاصا بها وتبرم عقودا دون تدخل زوجها بشؤون العمل بأي شكل من الأشكال. ولغرض تشجيع الزيجات بإمرأة واحدة، كان عقد الزواج ينص على دفع جزية محددة إذا ما اتخذ الرجل زوجة ثانية مستقبلا، والعقود العديدة التي عثر عليها تبين بجلاء مثل هذه الإجراء التجاري، خاصة فيما يتعلق بالرقيق والبغايا.

كان الاشوريون قساة قلوب ويتسمون بالعنف في الوقت الذي تحلى فيه البابليون بالشاعرية والجدية والمثابرة والذوق الفني، إذ يندر أن تلحظ جوا عائليا في المنحوتات الآشورية. نشاهد في أحد النقوش الآشورية ملكة بمعية ملك على مأدبة طعام، بينما تظهر النساء على المنقوشات الأخرى بصفة أسيرات. كما يصعب علينا أن نجد أثرا ملحوظا للجمال الأنثوي وسحره في النقوش الظاهرة على المباني الآشورية العامة. أما في بابل، فقد كانت صورة المرأة مختلفة تماما، إذ كان عليها أن تضاجع رجلا غريبا مرة في حياتها في معبد ملـّتا (فينوس) مقابل مبلغ من المال يودع في خزانة المعبد.

وجدت المرأة تحت وطأة القسوة والاستبداد أينما حل بها الدهر، ولأنها ظلت محرومة من حقوقها، فأنها سعت لقتل زوجها. وحسب شريعة حمورابي، تشنق المرأة التي قتلت زوجها أو تموت على الخازوق (ومعنى هذه الكلمةغير مفهوم لنا). ومع تزايد الثروة وظهور الطبقات الإجتماعية، تباينت الفروق الفردية بين الغني والفقير، إذ كان بمقدور المرأة الغنية ان تدافع عن ممتلكاتها ومصالحها الخاصة وتبرم عقودا وتقف على تنفيذها، وما إلى ذلك. ونجد البطل في ملحمة ﮔلـﮔامش وهو يخاطب شبح خلـّه ويسرد له تعاسة الموتى، فيقول: "لم يعد بمقدورك أن تضع المرأة التي أحببت ذات مرة بين أحضانك بعد اليوم، ولا أن تضرب المرأة التي كرهتها حينا". ولذلك وجب علينا أن نتخذ من هذا القول برهانا لأعراف سائدة لدى الطبقات العليا من المجتمع. كانت نساء الطبقات الأدنى في أرض الكلدان، سواء كانت المراة زوجة شرعية أم لا، متحررات، إذ كن يجبن الطرقات بحرية دون حجاب، بينما كانت نساء الذوات يعشن في عزلة تامة إلا اللهم عندما يجدن من يرافقهن من باب الحيطة والحذر.  

لم يعد خافيا على أحد حقيقة أن نساء الطبقات الفقيرة معرضات إلى المضايقات في كافة المجتمعات، لذلك وجب عليهن حماية أنفسهن. وبالمقابل، تنقلب عزلة النساء الثريات إلى وسام للتفوق وإرضاء للغرور. أما أساليب تدجين المرأة وترويضها وتدليلها، فقد أضحت قيودا مفروضة على حريتها واستقلالها، لأنه عندما لا يتعامل معها الرجل على قدم المساواة في المخاطر وتذليل صعاب الحياة تنقلب رعايته لها إلى الدونية والازدراء ولن يمنحها الكرامة والأحترام التي تستحقهما. وعندما يتنصلن من المسؤولية، يفقدن الحرية. ومع كل ما تقدم، فقد جرت العادة أن تقلد المرأة العادية نظيرتها في الطبقة العليا فيما يتعلق بالحجاب والملبس والتجمعات. وعندما نقارن درجة الأمان اللامحدود الذي كان يتمتع به الرجل مع سعي المرأة الحثيث إلى تسلق سلم الأناقة وتقليد أساليب من هن محسوبات على الطبقة الأرستقراطية، تعانق اهتمامات الرجال غرور النساء لتساير المألوف وتصل بالنساء إلى مستويات أدنى مما كن يتخيلن.


المصدر:

Sumner, William Graham (1919). "The Status of Women in Chaldea, Egypt, India, Judea, and Greece to the Time of Christ". In: Albert Galloway Keller, ed. War and Other Essays. New Haven: Yale University Press.

المؤلف في سطور:
يعتبر البروفيسور وليم ﮔراهام سمنر (30/10/1840 – 12/4/1910) موسوعيا متبحرا في العلوم الإنسانية، خاصة في التأريخ الأمريكي وتأريخ الاقتصاد وعلم الاجتماع وعلم الأجناس وله مؤلفات غزيرة في شتى المجالات المعرفية. كما يعتبر سمنر أول من درس مادة علم الاجتماع في البلدان الناطقة بالإنـﮔليزية (سنة 1875)، وأول رئيس لقسم العلوم السياسية والاجتماعية في جامعة ييل.



سان دييــﮔـو- كاليفورنيا في 29/1/2011

13
مرثية ذاتية لها بقية...
خاطرة قصصية رقم (11) بعنوان:
عندما يلوي الأقوى ذراع الأصلح
بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس

كم كنت غبيا (ربما شجاعا) عندما صدرت عني عبارة "كيلو التمّن (الرز) صار بثـْمانين دينارْ" أيام الحصار الإقتصادي الذي تسبب في فرضه على العراقيين من تسبب في تسعينيات القرن الماضي. اطلقتها حنجرتي عفويا في حضرة أقرب زميلين إلى نفسي كردّ فعل سلبي على طلب مسؤولنا الحزبي (وهو أحد طلابي) بتسديد الإشتراكات الحزبية. لم أكن اتصور أن التصريح بحقيقة ثمن كيلو التمّن في ذلك الوقت قد ينقله طالب من طلابي حرفيا بتقرير إلى مسؤوله (وهو زميلي وصديقي) ومن ثم إلى قيادة الفرقة الحزبية التي استدعتنا نحن الثلاثة بعد بضعة أيام للاستجواب. كنا نجهل سبب استدعائنا، ولم يخطر ببال أي منا أن رائحة التمّن تسربت إلى أنوف الرفاق في الفرقة التي فسرت التصريح على أنه امتعاض من "السياسة الحكيمة". لم نكن نتصور أبدا أننا على موعد مع "محاكمة" تهين كرامتنا. وبينما كنا نضرب أخماسا بأسداس أمام باب القاعة، نودي عليّ. دخلت وأديت التحية. لم أسمع سوى بضع تمتمات كردّ على "أحسن منها". تفاجأت من عدد رفاق الفرقة (ربما كانوا ثلاثين) ومن الوجوه التي وقع نظري عليها. كان أغلبهم طلابي وزملائي، ولكن في لحظة من لحظات الزمن الغادر تبخرت روح الزمالة وعلاقة الطالب بالأستاذ وساد محلهما الترهيب والترغيب، بل غابت اللياقة و "الكرم العربي". ولما لم يُطلب مني الجلوس شعرت بأن في الأمر اسوأ مما تخيلت. ولكن ما أن بدأ أحدهم بالثناء على علمي وعملي وسلوكي الايجابي في الجامعة، إنطلق صوت آخر من موقع متميز بين الجمع، صوت مألوف جدا لأحد طلابي الفاشلين:
-   رفيقي، هل تعترف بأن الكويت محافظة عراقية؟
سؤال إستفزازي يعرف جوابه سلفا، ويعلم جيدا بأن الماثل أمامه لا يمكن له أن يجادل في قضية الكويت أو غيرها من القضايا الساخنة والباردة التي يمليها الحزب على كوادره المتقدمة والمتخلفة. وعليه، ليس بمقدور أحد أن يتجاوز الحدود البايولوجية التي وهبها رب العالمين للببغاء:
-   بالتأكيد، رفيقي. وهل تشك في موقفي؟
-   لا، أبدا، ولكن لمَ قلت بأن كيلو التمّن "صار بثمانين دينار"؟
-   كانت مجرد ملاحظة اقتصادية عن ارتفاع الأسعار بسبب الحصار الجائر والمبرمج على القطر.
-   ولكن ملاحظتك خطرة وتسيء إلى الحزب والثورة.
-   لم يكن قصدي الإساءة لأن التصريح بالسعر لم يكن سوى اقتباس لحالة السوق.
تداخلت رفيقة (إبنة أختها طالبة فاشلة بين طلاب الماجستير):
-   الدكتور الرفيق "دنحا" معروف بنزاهته وعلمه وأخلاقه، ولا يمكن أن يسيء للحزب.
وأثنى على المديح صوت من علية القوم في صدر "المضيف":
-   وأنا أرشح الرفيق للعضوية. شكرا رفيقي. كانت غايتنا اللقاء والتعارف عن كثب على رفاقنا في القواعد. بارك الله فيك. مع السلامة. نادونا على الرفيق (س).
دخل (س) وخرج بابتسامة هجينية. نودي على (ص). دخل مرتعبا وخرج مصفرا. لم يكن بوسعنا مناقشة الحدث بسبب هواجسنا من وجود أجهزة تصنت مخفية، ولكننا تبادلنا النظرات المعبرة عن سخريتنا وهلعنا في آن واحد.

كم هو مؤلم أن يتحكم طالب فاشل بأستاذه للمرة الثانية. مضى على الواقعة الأولى قرابة عقدين من الزمان عندما كان هذا الفاشل قياديا في الاتحاد الوطني لطلبة العراق. إستطاع من موقعه القيادي إقناع رئيس القسم (الخائف من ظله) بأنني لا أصلح لتدريس الصف الذي كان فيه. بيد أن هذا الفاشل الذي كان يعجز عن نطق الباء المهموسة أو كتابة جملة إنكليزية سليمة واحدة، والشهود من زملاء صفه أحياء يرزقون، حصل على الماجستير من جامعة الموصل بطرق ملتوية وأصبح تدريسيا وزميلا لي. مُنح زمالة دراسية حزبية لدراسة الدكتوراه في بريطانيا، ولكنه عاد بخفي حنين بعد بضعة اشهر بعدما تمتع ببارات ومراقص إنكلترا بحجة أن مشرفته "صهيونية" حتى النخاع. عاد مولانا الفاشل وكأن شيئا لم يكن. وبدلا من مقاضاته ماديا، هلل رفاقه وانتخبوه عضوا لقيادة الشعبة تقديرا لموقفه القومي العروبي المشرف. يا للشرف! وإن شعرت في تلك اللحظة بأنني اصغر من أبو بريص (السحلية) أمام ديناصور، غير أنني تنبأت بأنه وأمثاله سينقرضون عاجلا أم آجلا مثلما سقطت أعتى الامبراطوريات في التاريخ وزالت عن الوجود. كما تنبأت أيضا بأن الأيام القادمة ستكون حُبلى بأكثر من سفاح. ظلت وقائع "المحاكمة" جاثمة على صدري وفكرت في إيجاد وسيلة  للهرب، كما فعل غيري، عن طريق جبال العراق. ولكنني تريثت حرصا على سلامة عائلتي وأطفالي الأربعة لأن الأخبار أفادت بأن نفرا من أساتذة جامعة الموصل قـُبض عليهم وأودعوا السجن بينما تمكن الآخرون من الفرار.

كانت توقعاتي صائبة، فقد تلبدت السماء بغيوم سوداء وصمّت آذانها غير آبهة بدعواتي لانتشالي من الجحيم الذي رُميت فيه. قدّم الرفيق الفاشل أوراقه وبحوثه إلى لجنة الترقيات في الكلية سعيا إلى نقله إلى مرتبة "مدرس". وبما أن لجنة الترقيات كانت تعلم جيدا بأنني لا أساوم في المسائل العلمية، وقع عليّ الاختيار لأكون محكّما لبحوثه، وربما اختارني هو على خلفية "المحاكمة" التي استمد منها جبروته وقناعته. كنت أعلم سلفا بأنه لم يكتب أيا من البحوث الثلاثة المقدمة للترقية. ومع ذلك، قرأت البحوث بعناية وسجلت ملاحظاتي وختمت التقرير بعبارة "غير صالحة للترقية". لم أفعل ذلك انتقاما من قيادته للمحاكمة المشؤومة أو إقصائي عن التدريس قبل عقدين، فـ "العين بالعين والسن بالسن" ليس ديدني مهما تجاوز الظلم حدوده، وإنما لأن اللغة التي كتبت بها البحوث (المشتركة) كانت لغة أحد طلابي في دراسة الدكتوراه. معذور هذا الطالب الذي كان يعفيه الرفيق الفاشل من الخفارات الحزبية الليلية، ولكن لن ألتمس له عذرا على تبنيه سياسة "شيلني داشيلك" في حياته الأكاديمية، وإن كان طالبا متميزا وتدريسيا جيدا وإنسانا مؤدبا ولطيف المعشر.

مرّ شهر تقريبا على تحكيمي، ولم يخطر ببالي أن الفاشل سيسعى لمعرفة مقيّمي بحوثه. لقد جرت العادة في كل المؤسسات الأكاديمية على وجه الكرة الارضية أن تـُحاط إجراءات الترقية بسرية تامة، ولكنه استطاع الحصول على الأسماء بحكم موقعه الحزبي. بطـُل الكلام وقـُرأ السلام على السلام، وكان ما في الحسبان من مظالم لا يمكن لها أن تبقى طي النسيان. إنقطعت صلتي بالعالم الأكاديمي الخارجي باستثناء المراسلات البريدية. كلما قدمت طلبا لحضور مؤتمر دولي، جائني الرفض لأن قرار الجامعة مبني على موافقات قيادة الفرقة الحزبية والأمن،
وللمرثية بقية ...

الأردن في 15/4/2010



   

14
أحوال وأهوال كنيسة المشرق في بلاد فارس
ترجمة: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

في الوقت الذي يسجل القرن الثالث الميلادي مآثر الجيوش الفارسية وانتصاراتهم المتلاحقة على الرومان، تصاعدت وتيرة العصيان والتمرد داخل الإمبراطورية الفارسية وأسفرت عن الإطاحة بحكم السلالة الفرثية سنة 226 ميلادية على يد الساسانيين الذين حكموا بلاد فارس لأربعة قرون حتى الفتح الإسلامي. وكان للنهوج السياسية الجديدة التي مارسها الحكام خلال هذه الحقبة الزمنية الطويلة تأثيرا كبيرا على حياة المجتمع المسيحي في عموم الإمبراطورية. 

ومن هذه السياسات، الجمع بين الدين والدولة، إذ أكد الملك الساساني الأول، أردشير، على توثيق العلاقة بين العرش والكهنوت الزرادشتي وذلك لقناعته بأن الدين يستطيع أن يستقل بذاته، بينما لا يمكن للدولة أن تقوم بمهامها بمعزل عن الدين، بل لا يمكن إضفاء الشرعية لأي حكم دون مباركته دينيا. وبناء على هذا التصور، كسب أردشير رجال الدين الزرادشتي إلى جانبه وأجزل عليهم العطاء مقابل تزكيتهم له وخصهم بامتيازات وعطايا فريدة. ومن البديهي، إذن، أن يكون حكم ملوك بلاد فارس أقوى مما كان عليه أيام الفرثيين. وهكذا أصبحت الزرادشتية الدين الرسمي للدولة الساسانية على يد أردشير الأول، وهو فرمان جائر ألقى بظلاله على الأقليات الدينية الأخرى، إذ تعرض المسيحيون إلى القمع والاضطهاد من وقت لآخر في العهود اللاحقة، خاصة في ظل حكم شابور الثاني في القرن الرابع الميلادي، وبهرام الخامس ويزدجرد الثاني في القرن الخامس الميلادي. ورغم التسامح الديني النسبي الذي حظي به المسيحيون من لدن بعض الملوك الساسانيين خلال السنوات الأولى من القرن الأول من الحكم الساساني تحديدا، إلا أن الهرمية الدينية الزرادشتية دأبت على مقارعة ومحاربة الأديان غير الزرادشتية، إجمالا. وهذا يذكرنا بالاضطهاد المسيحي على يد الرومان خلال القرون الثلاثة الأولى من عمر المسيحية مقابل التسامح الديني في العهود البارثية لنفس الفترة. وكذا كان الحال في بداية الحكم الساساني الذي انشغل في الحروب مع الرومان. وبما أن الأباطرة الرومان إعتبروا النصارى أعداء لهم، ما كان على الفرس إلا احتضانهم كأصدقاء لبلاد فارس في مجابهة العدو المشترك. ولكن بمجىء شابور الثاني وجلوسه على عرش الإمبراطورية الفارسية سنة 309 ميلادية، كانت المسيحية قد انتشرت في روما. ولذلك دعا قسطنطين الأكبر إلى حماية جميع المسيحيين أينما وجدوا. وقد وجه خطابا إلى شابور الثاني سنة 315 ميلادية طالبا منه حماية ورعاية جميع المسيحيين جاء فيه:

"سيكون من دواعي سروري أن أسمع عنكم بأن يكون المسيحيون زينة مقاطعاتكم التي يسودها العدل ..... ونظرا لما تتمتع به من قوة عظيمة وتتحلى بالتقوى، أناشدك أن تحرص على رعايتهم وسلامتهم." 

وبما أن الإمبراطوريتين الرومانية والساسانية كانتا في حالة حرب مستمرة تقريبا، كان من الطبيعي أن يترجم شابور الثاني هذه الرسالة إلى شك في ولاء المسيحيين له وإمكانية تحالفهم المشبوه مع العدو الروماني. ومما عزز شكوك شابور هو حقيقة استخدام المسيحيين للغة السريانية في كنائسهم، بمن فيهم أولئك الذين يستخدمون الفارسية إلى جانبها. ويضاف إلى هذا الشك كراهية رجال الكهنوت الزرادشتي تجاه المسيحيين. وأحد أسباب الحقد الدفين والكراهية هو اختلاف المسيحيين عن الزرادشتيين في عاداتهم وتقاليدهم، ومنها طريقة دفن الموتى واعتبار البتولية أرفع مقاما من الحياة اليومية المألوفة. وبناء على هذه المعطيات، بدأ الفرس ينظرون إلى المسيحيين نظرة دونية ظالمة كونهم يشكلون تهديدا للأمن القومي ودين الدولة.

ولكن لم يبدأ شابور الثاني إجراءاته القمعية ضد المسيحيين إلا بعد وفاة قسطنطين سنة 337 ميلادية. لقد إستمر اضطهاده لهم خلال الجزء الأعظم من فترة حكمه، فقد كان من بين الاجراءات التعسفية التي اتخذها بحقهم مطالبتهم بدفع ضعف ما كانوا يدفعونه من ضرائب، وطلب من الأساقفة القيام بعملية جبايتها مما أغاظ المطران شمعون (سمعان)، أسقف سلوقيا، الذي احتج قائلا: "ما أنا بجابٍ، وأنما راع ٍ لقطيع الرب". وكان الثمن الذي دفعه جراء شهادته باهضا، فقد أعدم هو ومجموعة كبيرة من القساوسة يوم الجمعة العظيمة.

ولم يكتف الفرس بهذا القدر من الحقد والاضطهاد، بل راحوا في تكثيف ممارساتهم القمعية ضد المسيحيين مع تقادم الزمن، فقد دمـّروا الكنائس وأعدموا كل قس وراهب يرفض عبادة الشمس، ولكن تفاوتت التدابير المناهضة للمسيحية من سلطة محلية لأخرى حسب الأهواء. ورغم أن المسيحية انتشرت بادىء الأمر بين السريان واليهود في بلاد فارس، إلا أن الفرس الذين اعتنقوا المسيحية تعرضوا لاضطهاد أشد شراسة بسبب ردتهم. ورغم همجية حكام بلاد فارس، فقد إزدادت أعداد المسيحيين من الفرس مع بدايات القرن الرابع الميلادي. كان يعلم هؤلاء الذين اعتنقوا المسيحية جيدا ، حتى أيام السلم، بأن عضويتهم في جسد الكنيسة تعني فقدان عوائلهم وممتلكاتهم وحرمانهم من حقوقهم المدنية. وقد ظلوا أوفياء ليسوع المسيح في زمن الاضطهاد واستشهد منهم من استشهد في سبيل إيمانه دون أي تردد أو خوف.

وأبرم الإمبراطور الروماني، جوفيان، سنة 363 ميلادية معاهدة سلام مع شابور الثاني قضت أن تكون بلاد ما بين النهرين وأرمينيا تحت السيطرة الفارسية، بيد أن معاهدة السلام هذه بين روما وبلاد فارس كانت وقتية حتى جاء الملك يزدجرد الفارسي إلى الحكم سنة 409 ميلادية وأصدر مرسوما للتسامح، الذي على أثره عمّ الهدوء وساعد المسيحيين بذلك على إعادة تنظيم حياتهم.


الأردن في 23/10/2010

المصدر (هذه الترجمة هي جزء من الفصل الثالث: المسيحية في بلاد فارس):

T.V. Philip (1998). East of the Euphrates: Early Christianity in Asia. Chapter 3: Christianity in Persia. India: CSS & ISPCK.
http://www.religion-online.org/showchapter.asp?title=1553&C=1367

15
البندول السياسي: هل أنت يساري أم يميني؟
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

"اليسار" و"اليمين" مفهومان شاع استخدامهما في عالم السياسة بمعنى القطبين المتضادين آيديولوجيا، فارتبط الأول بالتيار "الثوري" والثاني بـ "المحافظ"، عموما، لعقود عديدة، رغم تطور دلالتيهما وتفرعهما وتقاطعهما زمكانيا وتولد عنهما ما يسمى بـ "الوسطية". أي أن ما يـُفهم عنهما في الساحة السياسية البريطانية، مثلا، لايتطابق بالضرورة عما هو سائد في أمريكا أو الصين.  ما يهمني في هذه المقالة، على أية حال، هو البحث في أصل اللفظتين، أي منبعهما التاريخي، وليس في تقصي الأصول والفروع حول العالم وأيهما أفضل فكريا أو لقيادة شعب ما على وجه الكرة الأرضية. لكن قبل أن أبدأ رحلتي مع المفهومين، أود تذكير القارىء بأن البرنامج السياسي لحزب أو حكومة ما وترجمته على الأرض هو الذي يحدد عما إذا كان النهج يساريا أم يمينيا بالمفهوم الدارج إجمالا. إن الذي يروج للمفاهيم التالية: الليبرالية، الديمقراطية، الإشتراكية، الماركسية، الشيوعية، التقدمية، الحرية، العلمانية، الموضوعية (البرغماتية)، العمالية، النضالية، المساواة، وما شابه ذلك، على أنها شعارات يسارية، بغض النظر عن درجة تطرفها، فأنه سينظر إلى الأحزاب اليمينية على أنها تيارات فكرية جامدة، محافظة، رجعية، دكتاتورية، شمولية، قومية، إقصائية، رأسمالية، منغلقة، سائرة في ركاب الدين، عنصرية (فاشية) وطائفية، وغيرها. وهذا التمييز العام بين طرفي المعادلة غير دقيق إطلاقا بسبب نسبية المفاهيم وتأرجحها على بندول السياسة المقترن بظروف كل بلد أو حتى الحزب الواحد، لأنك قد تجد توجها يمينيا في حزب يساري أو العكس. ولكن ما يجمع كل التيارات الفكرية، في حقيقة الأمر، هو التعبير الشائع: "نحن، وهم".

تجمع معظم الأدبيات السياسية على أن الإصطلاحين يعود تاريخهما إلى سنة 1791 ، أي بعد قيام الثورة الفرنسية بسنتين، إذ كان يجلس النبلاء إلى يمين رئاسة المجلس التشريعي بينما الراديكاليين إلى يساره (أو شماله). ويبدو أن البرلمان البريطاني هو الآخر الذي شهد جلوس المؤيدين للسلطة على اليمين والمعارضين لها على اليسار. ترى ما الذي جعل جلوس النواب بهذا الشكل؟ هل هي الصدفة؟ دفعني فضولي لأبحث في الأدبيات الدينية والفلسفية عن أصولهما فعثرت على ضالتي، كما يبدو. سأبدأ بالكتاب المقدس. يفيدنا سفر الجامعة من العهد القديم (2:10) وفي باب "الحكمة أفضل من الحماقة" بما يلي:

قلب الحكيم عن يمينه، وقلب الجاهل عن يساره

(دار الكتاب المقدس، الإصدار الثالث، 2005)، علما أن في الإصدار الثاني (1995) لنفس الناشر لا ترد لفظتا "يمين" و "يسار". أما في العهد الجديد فيقول متى عن مجىء المسيح الموعود و"يوم الدينونة"  (25: 31 – 46) ما يلي:

"ومتى جاء إبن الإنسان في مجده، ومعه جميع ملائكته يجلس على عرشه المجيد، وتحتشد أمامه جميع الشعوب، فيفرز بعضهم عن بعض، مثلما يفرز الراعي الخراف عن الجداء، فيجعل الخراف عن يمينه والجداء عن شماله. ويقول الملك للذين عن يمينه: تعالوا، يا من باركهم أبي، رثوا الملكوت الذي هيـّأه لكم منذ إنشاء العالم ............ ثم يقول للذين عن شماله: إبتعدوا عني، يا ملاعين، إلى النار الأبدية المهيأة لإبليس وأعوانه..........."

كما وترد لفظة "يمين" بمعناها الديني في قانون الإيمان المسيحي الذي ينص على جلوس المسيح "عن يمين الله الآب".

أما الفلسفة اليونانية، فتذهب أبعد من ذلك بكثير، إذ نقرأ عنها في مؤلفات أرسطو وأفلاطون وغيرهم، خاصة ما جاء على لسان فيثاغورس وأنصاره، بأن الكون مؤسس على مبدأ التضاد كما هو مدرج في الحقلين المتقابلين في أدناه:

حار                         بارد
جاف                       رطب
محدود (خير)            لا محدود (شر)
فردي                      زوجي
يمين                       يسار
ذكر                        أنثى
ثابت (مستقر)           متحرك
مستقيم                   منحرف
نور                       ظلام
جيد (إيجابي)           ردىء (سلبي)
مربع                     مستطيل

ليس هذا وحسب، وإنما يذهب بعض الفلاسفة إلى القول بأن الحقل الواحد بمجموعه هو نقيض الثاني، أي أن الصفات التي تنسب إلى "اليمين" هي في صراع أبدي مع مجموع ما نجده إلى "اليسار". ومن هذا الصراع يتولد إيقاع الكون وجماله، وبالتالي يعم النظام بسيطرة "اليمين" على "اليسار". وأعتقد أن  المرأة أضحت ضحية لمثل هذا التصنيف كما هو واضح من الصفات التي تقع في خانتها. وقد يفسر هذا تأبطها للذراع الأيسر للرجل أثناء المشي طمعا في حرارة قلبه الذي يقع على يساره أو لدورها الثانوي، أو سيرها خلف الرجل للاحتماء به. وقس على ذلك أمورا حياتية أخرى، منها على سبيل المثال لا الحصر وضعية خاتم الزواج وقربه إلى جهة قلب الرجل.

ورغم قناعتي بأن الأديان السماوية تقترب كثيرا من المفاهيم الفلسفية القديمة، سأترك الحديث عن مدلولات "اليمين" و"اليسار" في الدين الإسلامي للفقهاء خشية أن تتعارض ترجمتي عما جاء في كتب الأعاجم مع النصوص الإسلامية العربية وحرصا على النقل الدقيق والموثق في القرآن والحديث، ولكني توصلت إلى نتيجة مفادها بأن "اليمين" هو رمز أسطوري للقوة والقداسة والطاعة، وإلا ما كانت بعض الشعوب القديمة تربط اليد اليسرى لأبنائها لمنعها من العمل. وما الجلوس إلى اليمين أو اليسار في البرلمانات الأوروبية إلا تجسيدا للنصوص الدينية والفلسفية المتوارثة وما حوته الأساطير من خرافات.

وعودة إلى السؤال الذي طرحته في عنوان المقال، أقول: ليس من الحكمة أن يختار السياسي بين الإثنين، بل ليس من الحكمة أيضا أن يتخيل بأن مبادئه تتحدد بنقطة ما على مسطرة طولها 12 إنجا. مثل هذه النظرة تتسم بالجمود، والأفضل أن يتعض السياسي من حركة البندول، في أقل تقدير. أختتم هذا المقال فأقول بأن للطير جناحان، ومن البديهي أن يتعثر في طيرانه إن آلمه أحدهما أو يعجز عن الطيران تماما لو فقد جناحه الأيسر أو الأيمن. وفي كلتا الحالتين، يضحى فريسة سهلة لاقتناصه. أما قلنا ونقول دائما بأن اليد الواحدة لا تصفق؟

الأردن في 17/10/2010

المصادر الأجنبية:

G. E. R. Lloyd (1962), "Right and Left in Greek Philosophy," JHS 82: 56-66.
Kyrel Zantonavitch (2010), The Ideological Origins of Right and Left.
http://www.solopassion.com/node/7428
 

16
حرب التسميات: ما هكذا تورد الإبل، يا كتـّابنا الأفاضل
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

حرصت على قراءة معظم ما ينشر على المواقع الإلكترونية بشأن التسميات والسعي المحموم لإيجاد تسمية موحدة، وخرجت بنتيجة تشبه إلى حد بعيد ذلك اللقيط الذي يبحث عن ذويه، وكأنما نجهل فعلا هويتنا. ترددت كثيرا في الكتابة حول الموضوع كي أبتعد عن الاتهامات وآثرت التعبير عن موقفي برسائل خاصة (وهي محفوظة لدي بتواريخها). طلب أحد الأخوة علنا معرفة هويته بسبب الحروب الكلامية التي يبدو أنه سئم منها، كما سئم منها الآخرون. سأدلو بدلوي هذه المرة على الملأ، فقد طفح الكيل، وإن قلتها لماما في مناسبات أخرى وترجمتها على أرض الواقع.

لم يعد خافيا على أحد بأننا قبلنا، شئنا أم أبينا، بتسمية "مسيحي" التي أفرزتنا عن "المسلم" في "الجنسية" أو "هوية الأحوال المدنية" العراقية على المستوى الرسمي في العهود السابقة، وما زال هذا الفرز ساري المفعول، ناهيك عن استخدام لفظة "نصراني" المرادفة في سياقات معروفة و"فلا" الكردية. وكنتيجة لهذا الفرز الديني، دخلنا صاغرين الإنتخابات البرلمانية الفائتة بـ "حصة" مسيحية مفروضة وغير متناسبة مع العدد الحقيقي، رغم علم الجميع بأن "الأرمن" مسيحيون كذلك، بينما أضحت لفظة "سرياني" على المستوى الثقافي الرسمي هي الرائجة، وخير شاهد على ما أذهب إليه هو "مجمع اللغة السريانية" الملغى والمدارس وقسم اللغة السريانية بجامعة بغداد،...إلخ. أما على مستوى التجمعات الشعبية (والقروية)، كنسية كانت أم إجتماعية، فكلنا يعلم بأن ما جمعنا ويجمعنا هو لفظة "سورايا" أو "مشيخايا". وإضافة إلى ذلك، فقد مارسنا أدوارا إثنية (عرقية) بعلم الحكومات المتعاقبة تمثلت منذ القرن الماضي بالنادي الآثوري، أو الأرمني، بشقيه الإجتماعي والرياضي، ونادي بابل الكلداني أو المشرق، مثلا.  فذاك الذي كان منتميا للأول كان آثوريا أو أرمنيا قطعا ولا تسمع بين منتسبيه سوى اللهجة الآثورية أو اللغة الأرمنية. وكذا الأمر بالنسبة إلى الكلدان أو السريان، ولو بدرجة أقل، ما عدا بعض الاستثناءات التي طفت على سطحها العربية مما حدا بالآثوري أن يتهم الكلداني، والسرياني خاصة، بانتمائه إلى العروبة. وقد يكون محقا بهذا الاتهام لأن الكثير من الأسماء ولغة التخاطب في العائلة الواحدة أضحت عربية، خاصة في بغداد، في الوقت الذي تناسى من يوجه إتهاما كهذا بأن الكثير من الأسماء، بغض النظرعن التسميات الطائفية، أصبحت أجنبية أيضا، بيد أن حصة الأسد من الطقوس الكنسية الكلدانية أو السريانية أخذت منحى عربيا أو ثنائية عربية/سريانية لأسباب وضعية لا مجال لتبريرها.

لم تتأثر علاقاتي بالمئات من أصدقائي وطلابي من الآثوريين والكلدان والسريان طوال أكثر من نصف قرن من عمري لأن لفظة "سورايا" هي التي قربتني منهم روحيا ولغويا، وليست المسميات "كلداني، آثوري، سرياني"، أو "كلدوآثور" المركبة. وعلى هذا الأساس كان اقتراني بآثورية. بل لم يناقشني أحد يوما ما حول انتمائي من عدمه إلى ما يسمى اليوم بـ"القومية الآشورية" أو "القومية الكلدانية". كما لم أستخدم الصفة القومية إلا منذ سنة 1977 عندما طرق بابنا في الموصل/منطقة الدواسة السيد "العداد" المغلوب على أمره أثناء الإحصاء السكاني. عندما سألني عن إسمي الكامل وقوميتي، قلت له "كلداني" بالفم المليان، والديانة "مسيحية". رفض تثبيتها، فقال لي: لدينا تعليمات بإثنين فقط، إما عربي أوكردي، فأجبته: "بكيفك". فقال بأن المسيحيين محسوبون على العرب"، وسجلني عربيا. وكذا الأمر بالنسبة إلى زوجتي التي قالت له بأنها "آثورية" (ولم تقل له "آشورية" في حينها). والجدير بالذكر، أن رسالة الماجستير التي تقدمت بها إلى جامعة بغداد سنة 1975 كانت عن اللهجة الكلدانية، بيد أن عنوانها كان "اللغة السريانية". لماذا؟ أنا باحث أكاديمي وأعلم علم اليقين بأن لهجاتنا المحكية في العراق هي "سريانية" شرقية، حتى وإن كان البعض منها محسوبا على الغربية، بسبب تجاور أقوامنا واختلاطهم وتزاوجهم، وأن السريانية هي الآرامية الحديثة بعينها كما يجمع عليها علماء اللغة. أما أن يأتيني اليوم كاتب ويقول بأن الآرامية أو السريانية، بضمنها لهجاتنا، هي آشورية أو كلدانية دون إجراء دراسة علمية تقارن بين اللغة المسمارية البائدة واللهجات السريانية الحالية هو أمر مرفوض جملة وتفصيلا إلا إذا أثبت المدّعي عكس ذلك بدلائل مادية كافية يـقتنع بها العلماء أهل الاختصاص. نعم، هنالك مفردات أكدية ما زلنا نتداولها في لهجاتنا العراقية، بضمنها العربية، ولكن ما هي أوجه التشابه النحوية والمعجمية بين المسمارية (سومرية، أكدية، آشورية، بابلية) والآرامية القديمة أو الحديثة بلهجاتها المختلفة؟ سأكون مسرورا لو جائني باحث وقال بأن السومرية أو الأكدية هي اللغة الآشورية أو الكلدانية أو ربما كلاهما. ترى من لا يقبل بنتائج العلم، بعيدا عن العواطف الجياشة ؟ أما التخريجات اللغوية البسيطة، على شاكلة قل "قـِمـّة" ولا تقل "قـُمـّة" لأن الأخيرة من "القـُمامة"، وهي "الزبالة" (التي أزعجت أهل "قـُم" الأيرانية)، فهي لا تمت إلى علم اللغة وأصوله بصلة وينقصها البيان العلمي الرصين. وهذا ينطبق على قول أحدهم بأن السين والتاء والثاء والألف في اللفظة الإنكليزية أصلهما كذا وكذا والإستعمار فعل بنا ما فعل وفرّقنا، متباكيا، للإستدلال بأن السريانية (الآرامية) هي الآشورية المسمارية، مثلا. كنت أتمنى أن أجد على الخارطة المدرجة في كتاب المؤرخ والآثاري جورج رولنسون لفظة "أسيريا"، وإنما وجدتها "آتوريا" (أو آطوريا)؟ فهل يـُعقل أن تكون هذه اللفظة مساوية للفظة "السريانية" وبالتالي للفظة "الآشورية"؟ نعم، يـُعقل للبعض، خاصة عندما نجد باحثا قوميا متزمتا، وهو عضو متمرس في الاتحاد الآشوري العالمي منذ عقود طويلة، يترجم "الأمة السريانية" التي يقصدها مؤلف الكتاب التالي:

Malech, George David (2009 [1910]). History of the Syrian Nation and the Old Evangelical-Apostolic Church of the East: From Remote Antiquity to the Present Time. Whitefish, MT: Kessinger Publishing LLC.

إلى "الأمة السورية" خطئا، ثم يقول أن لا فرق بين "السريانية" و "السورية"، فكلاهما يعنيان "الآشورية"، علما بأن المؤلف يؤكد في متن كتابه عدة مرات بأن الكلدان والآشوريين والسريان يشكلون مجتمعين "أمة سريانية واحدة"، وليس "أمة سورية واحدة" أو "أمة آشورية واحدة". وفي مقال آخر يتهم صاحبنا الباحث زملائنا الكتـّاب الكلدان بالعجز الفكري ويطلب من الله أن ينـّجيه من الكلدان "الضالين" لأنهم، وبحسب قوله، لا يتمتعون بـ "عقل ومنطق سليم". ماهكذا تـورد الإبل، يا أستاذنا الفاضل، فرحمة بالذي يسمي نفسه كلدانيا ويفتخر بكلدانيته.

ونعم، يـُعقل مرة أخرى، عندما نجد أن هنالك من لا يتمالك أعصابه، فينطلق لسانه بالقدح والذم وشتم الآخرين ممن يخالفه الرأي على المنبر الحر ويكرر على مسامعنا تخريجاته اللغوية ليقول لنا (نقلا عنه حرفيا): "الاصل اشور ومنه الاشتقاقات:- اثور، اتور، أسور، سور، سورايا، سوريويو أو سوريايو، عسرايا، سريان مشارقة، نسطوريين، جبليين، فليحي"، وهو لا يعلم قطعا بأن لفظة "فلـّيحي" هي أقرب إلى الشتيمة منها إسما مشتقا من آشور. وأهل الموصل أيام زمان أدرى بها، حالها حال لفظة "تلكيفي" التي كانت تطلق على كل مسيحي هاجر من الشمال وسكن أحياء بغداد الشعبية في عقد النصارى والعوينة والمربعة والسنك وآخرها البتاويين والأورفلية في منتصف القرن الماضي.

ونعم، مرة ثالثة، فالمضحك المبكي فيما أسميته في العنوان بـ "حرب التسميات"، هو أن يخرج علينا أحدهم بمقال منشور على منتديات عنكاوا يجزم فيه بأن الرقصة الفلانية هي آشورية 100% لأنها هكذا وردت في أرشيف بلاد آشور وهو يجهل تماما بأن الآثاريين لم يحصلوا على نقش واحد يحكينا قصة هز الكتف وحركة الأرداف والرقص الشعبي المختلط. كفانا استسلاما لعواطفنا الجياشة ولنتكلم علما موثقا وواقعا معاشا، ورحمة بالقارىء العادي الذي قد يصدق التهويل والتسويف والتخريج معا.

 حرية التعبير، يا سادتي، تحكمها معايير أخلاقية، أهمها الإلتزام والتوثيق الصحيح والدقيق والابتعاد عن الإطناب غير المبرر والتلاعب بالألفاظ. ما يزعجني حقا  في كتـّابنا، وأحدهم يذيل خطابه بصفة مسؤول إعلامي، هو إتهام غيره علنا بالعجز اللغوي (كارتكاب الأخطاء الإملائية والنحوية) في الوقت الذي أرى بأن هذا المسؤول، مثلا، يقدم المفعول به في رده على صاحبه ويرفعه متصورا أنه مبتدأ كما لو كان سيبويه زمانه. كلنا نخطأ لغويا، وهذا ليس بعيب، وإنما العيب هو في الشخصنة ومحاولة التشفي من الآخر على المكشوف والتصيـّد في الماء العكر أو التهرب من جوهر الموضوع والالتفاف عليه بأساليب ملتوية، كلدانيا كان الكاتب أم آثوريا، لا فرق، والأمثلة على ذلك كثيرة. قبل عدة أسابيع، قرأت مقالتين لكاتب جيد يبدو في ظاهره معتدلا، وأشاد باعتداله آخرون. مكـّنته لغته الجيدة، والحق يقال، من التلاعب بالألفاظ  ليخرج علينا بنتيجة مفادها أن "التسمية الآشورية حضارية"، جاعلا بذلك من التسميات الأخرى، وقصده الكلدانية، غير حضارية أو بربرية، وليحقق بالتالي شعار"الغاية تبرر الوسيلة" من حيث يدري أو لا يدري، ويطلب من الآخرين أن يعتمروا عمامته. بالله عليكم، ألا يتكدر الكلداني من سفسطته؟ كفانا تشويشا ولغطا إعلاميا. وإن كانت إحدى فوائد الكتابة هي خلق حالة من الوعي الثقافي لدى أبناء وبنات شعبنا، إلا أن ما نكتب قد يسىء أكثر مما يفيد. ولست هنا في باب تبرئة ذمتي من بعض الإثم غير المقصود، فأنا أكتب عن تاريخ الكلدان كما ترويه المصادر، وهذا شىء حسن، وإن فسّره الآخرون في الخندق الآخر سلبا، ولكني أعيش عصر المعلوماتية وأنا شاهد عليه. أنا كلداني مذهبا وقومية وزوجتي آثورية قومية وكلدانية مذهبا، وغيرنا سرياني غربي وكلنا أعضاء في جسم أمة حية تمشي على الأرض وتتنفس وتضم بين أحضانها شعبا ناطقا بالسريانية بمختلف لهجاتها، وهو جزء لا يتجزأ من الشعب العراقي بقومياته المتعددة. أفتخر بكلدانيتي مثلما تفتخر زوجتي بآثوريتها، وما يجمعنا هو سقف واحد لا غير، وهكذا يجب أن يكون جميع أبناء وبنات شعبنا بمختلف هوياتهم التي يشعرون بالانتماء إليها فطريا، ومن المخجل حقا محاولة شطب أي منها بجرة قلم سياسي. إن الذي ينهل من التأريخ الرافديني المطمور شيئا ثمينا كان غائبا عن وعينا ويعي الحاضر ويستشرف المستقبل هو ذلك الذي يردّ على المتزمت بسلسلة متعاقبة من الأسئلة التقريرية التي لا تحتاج إلى شاطر كي يجيب عليها، ومنها:
لماذا لا نستأنس بسجلات دوائر المخابرات والشرطة وملفات اللاجئين لدى الأمم المتحدة ومنظمة الهجرة الدولية، مثلا؟ هل تدوّن هذه الدوائر لفظة "الكلدانية" مذهبا و"الآشورية" قومية؟ هل تفرض هذه الدوائر علينا التسميات أم كل قوم بإسمه يـُعرف؟ وهل من قوة، مهما كانت غاشمة، ستفرض على الكلداني أو الآثوري تغيير قوميته في التعداد السكاني القادم إلى ثلاثية؟ أرجو ألا يحدث ذلك رأفة بالفطرة التي نشأ عليها كل قوم.

إن ما يعوزنا في المرحلة القادمة هو تثقيف شعبنا بأننا جميعا ننتمي إلى أمة سريانية واحدة بتسمياتها المحلية التي نفتخر بها. وشخصيا، لا أسمي هذه التسميات إنقساما أو تقسيما، بل تنوعا، وفي التنوع قوة. وهل الشعب الأمريكي أمريكي القومية أبا عن جد، أم متعدد القوميات؟ لكي نضع حدا لحرب المسميات وأفضلية هذه على تلك، على السياسين تبني الأمة السريانية الواحدة (بعيدا عن التخريجات اللغوية غير المجدية) تحت علم موحد تتفق عليه الأطراف الحزبية والإعلامية المتناحرة، وبتمثيل دبلوماسي واحد في كل المحافل العالمية ذات العلاقة بالدولة العراقية، وإسم واحد في الدستور العراقي والإقليمي، بدلا عن "المكون المسيحي" الذي يعزز النزعة الطائفية سيئة الصيت، وبدلا عن تثبيت إسم قومي فئوي واحد يقوم مقام الوصي على غيره من الأسماء المتناظرة، مما يخلق حالة من الغبن في التمثيل، وبالتالي البلبلة والتناحر بين الأقوام الناطقة بذات اللغة المشتركة. أقول هذا لإيماني المطلق بمقولة: "لا تتحزبوا لئلا تتفرقوا". وفي غياب واجهة إعلامية سياسية موحدة، تتبعثر الجهود ولا يمكن لنا أن نضمن حقوقنا السياسية والقومية الوطنية كاملة ما لم نكن قلبا واحدا. هل تعوزنا الشجاعة في أن نقول "وداعا" لحرب التفضيل بين التسميات ونبدأ بتسجيل تراثنا الحاضر، بفروعه الثلاث، بكل مفرداته إحتراما للخصوصية لنودعه أمانة تحت مظلة لغوية وثقافية حضارية واحدة في أعناق الأجيال القادمة قبل فوات الأوان؟

الأردن في 8/9/2010

17
الفلسفة الكلدانية في الموسوعة البريطانية
ترجمة: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

توطئة

بينما كنت أبحث عن تاريخ الفلسفة ونشأتها، عثرت من قبيل الصدفة على عنوان فرعي ضمن مدخل "الفلسفة" تحت مسمى "الفلسفة الكلدانية" في المجلد السادس عشر من الموسوعة البريطانية التي ظهرت طبعتها الأولى سنة 1797 وتوالت طبعاتها منذ ذلك التاريخ حتى سنة 2010 . قرأت المعلومات الواردة في صفحة 307 من هذا المجلد فوجدتها مألوفة لدي إلى حد ما. ولكن لما كانت هذه المعلومة حبيسة الموسوعة ولم تر النور بالخط العربي (حسب اطلاعي)، قررت ترجمتها دون أي تصرف خشية ألا يتهمني أصحابي المقربين أو غيرهم مجددا بأنني أتعمد في حشر لفظة الكلدان في عناوين مقالاتي لغاية في نفس يعقوب أو يطعن بنزاهتي العلمية في النقل.

ترجمة النص عن الأصل

ثلاثة هي المواضيع التي تتناولها الفلسفة: الله، الطبيعة، الإنسان. نسمـّي تلك التي تتناول موضوع "الله" باللاهوت، وتلك التي تتناول "الطبيعة" بالفيزياء وما ورائها، بينما يخضع "الإنسان" لجدلية علم المنطق والأخلاق. ورغم الفصل بين هذا وذاك، إلا أن المواضيع الثلاثة تتداخل فيما بينها. وبما أن الإنسان حاول تفسير الظواهر من حوله إزاء مسبباتها منذ بداية وجوده، لا يمكن أن نعوّل على أية محاولة تسعى لتثبيت أصل الفلسفة بدقة. أما يبدي الأطفال إهتماما بدقات الطبل وإيقاعاته؟ لذلك، يمكننا اعتبار الأطفال، حالهم حال أي شخص أمـّي، فلاسفة زمانهم عبر العصور. بيد أن علينا الإقرار بأن الشعب الكلداني كان أول الشعوب التي اتخذت من الفلسفة ميدانا للبحث والتقصي. ومما لا يقبل الشك، فإننا لم نقرأ فلسفة لأي شعب سبقهم في التاريخ الإنساني. ورغم حيازتنا على نصوص موثوقة وموغلة في القـِدم عن الشعب العبراني، بل وسابقة لأية أمة قديمة أخرى، ما علينا سوى التسليم بحقيقة وجود شعب كلداني وحضارة لا سابق لها من بين الأمم. لكن الظروف الغامضة والغريبة التي ألمـّت بهذا الشعب طمست معالمه وأصبح البحث عن إرثه أمرا متعذرا، بل وأعاق مسيرة البحث العلمي الجاد. يزعـُم المصريون بأنهم أول أمة فلسفية أخرجت للناس، وأنهم أول من بشـّروا بتعاليم الدين ونشروا نور العلم في أرجاء المعمورة، لكن هذا الزعم باطل وعار عن الصحة بسبب ما تيسر لدينا من وثائق تاريخية أتلفها الدهر، وثائق تقيم الحجة بأن الكلدان شكلـّوا أمة حضارية عظيمة قبل أن يوطد المصريون سلطة حكمهم.

قيل الكثير عن الفلسفة الكلدانية وعـُرف القليل منها، وأهمها ما يتعلق بالعلوم الفلكية التي اشتهر بها الكلدان وذاع صيتهم. فعندما استولى الإسكندر المقدوني على بلادهم، كانوا يتفاخرون بأنسابهم بغلو مفرط، إذ كانوا يدّعون بأنهم تواصلوا في رصد الكواكب والنجوم على مدى 470000 سنة. ويبقى التفاخر شيمة من شيم كل الأمم التي تزهو بتاريخها. كان على (ليسثينيس)، الفيلسوف والمؤرخ اليوناني الذي صحب الإسكندر في حملاته الشرقية، أن يزود أرسطو بتقرير عن أصل العلوم في بلاد الكلدان. وجاء في تقريره بأن تاريخ مراقبة ورصد علماء الكلدان للنجوم والكواكب لا يتعدى حدود سنة 1903 – 2234 ق. م. ولكن يتعارض هذا التاريخ وحسابات بطليموس الذي لم يكن بوسعه تسجيل أي أثر كلداني لرصد الأجرام السماوية يسبق عهد نبوخذنصـّر أو سنة 747 ق. م. كحد أقصى. ورغم هذا الفارق الشاسع في تحديد التاريخ الدقيق، لا نشك في قدرة الكلدان على زرع بذور الفلسفة في وقت أبكر من هذا التاريخ لأن أرسطو، وفي معرض حديثه عن أقدم سجـّل لتاريخ الفلسفة، يتناول طقوس السحر الكلدانية التي سبقت ممارسات كهنة مصر، مما جعله يقرّ بأن الكلدان كانوا أهل علم حتى قبل ظهور النبي موسى على ساحة الأحداث. ومع ذلك، لم يتسن للمؤرخين الحصول على أدلـّة عما إذا كان الكلدان قد إشتهروا بعلوم أخرى إضافة إلى علوم الشريعة المتعلقة بحركة الكواكب والنجوم. جـُلّ ما استطاعوا الحصول عليه هو محاولات الكلدان في إقناع الجماهير بأن كل السلوك البشري مرهون بحركة الكواكب والنجوم والإفصاح عن درايتهم بالطبيعة والقوانين الكونية التي تتحكم بهذا السلوك. وفضلا عن ذلك، فقد دأب حكماء الكلدان على التظاهر بأن ما من أحد يجاريهم في قراءة الطالع والمواليد.

ومما تقدم، بوسعنا القول أن الوثنية والخزعبلات نشأت في هذه البقعة الجغرافية. ورغم الاعتقاد بأن الكلدان إنهمكوا بممارسة الخرافات، لا يمكننا نكران فضل الكلدان علينا، وإن كان محدودا، في نشأة التاريخ الحقيقي للعلوم. وخير شاهد نستدل به هو ما اقتبسه صاحب السيـّر اليوناني (لوكياس بلوتارك) والمهندس المعماري الروماني (ماركوس فيتروفياس) عن المؤرخ الكلداني بيروسز (بيروشا) قوله بأن خسوف القمر يحدث عندما يكون الجزء المواجه للأرض فاقدا للنور. وكما يحفظ لنا (سينزيلوس)، نقلا عن (بيروسز) أيضا، فأن نشأة الكون لدى الكلدان تتلخص بفكرة مفادها أن في البدء كان ظلام وماء وأن العناية الإلهية شطرت هذه الكتلة الرطبة وكوّنت العالم وأن العقل البشري إنبثق من الطبيعة الإلهية.

إن الأرض الشاسعة التي احتضنت الإمبراطوريتين الكلدانية والآشورية كانت أول مهد للبشرية على وجه الكرة الأرضية. ومن تلك البقعة الجغرافية إنتشرت مبادىء العلوم إلى أرجاء شتى من العالم. ولكن من كانت الأمة التي تلت الكلدان في رعايتها للفلسفة؟ إنه سؤال صعب يصعب تحديد جوابه بدقة.

الأردن في 30/9/2010

المصدر:
Anonymous (1797). Encyclopaedia Britannica: OR, A Dictionary of Arts, Sciences, and Miscellaneous literature.
Edinburgh: Archibald Constable & Co., Vol. 16, p. 370.

18
نبو ر ِمـّاني الكلداني: عالـِم رياضي وفلكي يشهد له التاريخ بالعرفان
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

يحصر بعض المؤرخين حياة نبو ر ِمـّاني الكلداني أو البابلي (كما تورد شهرته جميع المصادر) بين (560 – 480) قبل الميلاد. يتصدر إسمه قائمة علماء زمانه ممن عـُرفت أسمائهم في تاريخ العراق القديم، فجاء إسمه على ألفاظ مختلفة (أغلبها أغريقية أو لاتينية)، ولكنها متقاربة، ومنها (نبوريانوس، نبو ريانو، نبو ريانواس، نبوريمانو، نبو رمانو، نبوريماني). من معاصريه نذكر كليوستراتس (من جزيرة تينودس القبرصية التركية، الذي تقول عنه الموسوعة البريطانية بأنه عالم فلكي مصري)، أخيلوس (أول كاتب مسرحي تراجيدي أغريقي)، وفي أواخر سنين حياته المؤرخ الشهير هيرودوتس. هو إبن بيلاطو، وزاول علومه في الرياضيات والفلك في ظل حكم ملوك الفرس، وأشهرهم داريوس (521 - 486  ق. م.) الذي يقال بأنه كلـّف نبو ر ِمـّاني شخصيا لمراقبة ودراسة ظاهرة الكسوف والخسوف. وضع كتابه الموسوم بـ "رصد القمر والنجوم" باللغة الأكدية وتـُرجم هذا الكتاب إلى اللغة اليونانية. كما نـُقلت علوم الطب والهندسة والرياضيات والفلك والزراعة والفلسفة في عهد الاسكندر المقدوني الذي أطاح بالحكم الفارسي في بابل إلى اللغة القبطية إضافة إلى اليونانية. ويـُروى عن الإسكندر حسده القاتل إزاء ما شاهده في بابل من تقدم علمي وإزدهار تفتقر إليها بلاده، إذ أمر بنقل كل علوم بابل المترجمة وغير المترجمة إلى الغرب. كما أمر بقطع رقاب العلماء والكهنة والكتبة والمدنيين وحرق المكتبات بعد الانتهاء من مهمته. على أية حال، لنرى ما الذي أضاف هذا العالـِم الكلداني إلى العلم والمعرفة الإنسانية.

 تذهب الموسوعة البريطانية إلى القول بأنه أول من وضع التقويم الفلكي وجمعه في ألواح. أطلق على برنامجه نظام (أ)، الذي بموجبه تمكن من تحديد مواضع وحركة الشمس والقمر والكواكب الأخرى. وبعد قرن من الزمان على هذا الاكتشاف، أدخل عالـِم فلكي كلداني آخر، إسمه (قدّينو، أو كديناس باليونانية)، تعديلات على نظام مواطنه وسـُمي بنظام (ب). سـُمي النظامان بـ "دورة ساروس" (أي دورة التعاقب)، التي هي عبارة عن فترة مؤلفة من 223 شهرا تقرّبيا، أو 18 سنة و 11 يوما و 8 ساعات، ينتج عنها تكرار ظاهرة الخسوف والكسوف على نفس خط العرض. ظل استخدام النظامين قائما في العالم حتى سنة 50 ق. م. وبما أن إنجازات علماء بابل الأوائل سبقت نبو ر ِمـّاني وقدّينو ومن عاصرهما بمئات السنين، خاصة في عهد نبونصـّر الكلداني (747 – 732 ق.م.)، فقد سـُجـّل أول خسوف للشمس يوم 15 حزيران/يونيو سنة 763 ق. م. ومن الجدير بالذكر، فقد ربط السومريون والأكديون والبابليون/الكلدان والآشوريون ظاهرة الخسوف والكسوف بالمعاصي والمآثم (وما زال الناس ينظرون إليها على أنها نذير شؤم وعلامة من علامات القيامة)، مما حدا بملوكهم وكهنتهم طلب المغفرة عن الذنوب التي اقترفوها، وبالتالي السعي وراء التنحي عن مناصبهم ليشغلها غيرهم كي لاتحل لعنة الآلهة عليهم وعلى شعوبهم.

بعد دراسات مستفيضة ورصد دقيق لحركة الكون، خلص نبو ر ِمـّاني إلى نتيجة مفادها أن طول الفترة الواقعة بين بدر وآخر هي 29,530641 يوما، بينما جاءت معدّلة وفق حسابات قدّينو 29,530594 يوما، أي بفارق 4,32 ثانية عن حساباتنا الراهنة. والفرق الثاني بينهما هو حساب أيام السنة الشمسية، إذ وردت في كتابات نبو ر ِمـّاني على أنها تتألف من 365 يوما وخمس ساعات وثمان وأربعين دقيقة و 45,17 ثانية، بينما نرى الدقائق عند قدّينو بأنها أربع وأربعين دقيقة والثواني 12,52، أي بفارق 4,32 دقائق و 65% من أعشار الثانية. وهذه الدقة المتناهية في الحسابات فاقت تلك التي اشتهر بها علماء اليونان من أمثال بطليموس وكوبرنيكوس، هذه الدقة التي يشهد عليها التاريخ في غياب التقنيات الحديثة، فاقتصرت على استخدام الساعة المائية والميل (مزولة) وكرة مائية، وما إلى ذلك من أدوات بدائية. ومما تقدم نخلص إلى القول بأن هنالك العشرات، بل المئات، من الأسماء البابلية/الكلدانية/الرافدينية التي ساهمت في إثراء الحضارة الإنسانية بشتى الأشكال، ولكنها اقتـُلعت عن جذورها وتغيرت ألفاظها بتغير مواطنها الأصلية والثقافات التي نهبت عطائها ونسبتها إليها زورا وبهتانا وظلت حبيسة رفوف مكتبات أمم، تنتظر من يزيل التراب عنها.

الأردن في 24/9/2010


المصادر:

1. Kidinnu, the Chaldaeans, and Babylonian Astronomy
http://www.livius.org/k/kidinnu/kidinnu.htm
2. Nabu-rimanni
http://www.wordiq.com/definition/Nabu-rimanni
3. Nabu-rimanni
http://www.britannica.com/bps/browse/alpha/n/1
4. Nabu-rimanni Biography
http://www.biographybase.com/biography/Nabu-rimanni.html
5. Science and Its Times on Nabu-Rimanni
http://www.bookrags.com/printfriendly/?p=lens&u=Naburimannu
6. Astrology and Astronomy in Iran and Ancient Mesopotamia
http://www.astrologycom.com/iranastrol1.html

19
أنخيدوانا الأكدية أول شاعرة في تاريخ البشرية
الجزء الثاني: إيضاحات ومقتطفات شعرية
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

قلنا في الجزء الأول أن المقطع الأول من إسم (أنخيدوانا)، كان بالفتح أم بالكسر، لا فرق، يعني "الكاهنة العظمى" (أو"المعظـّمة") أو "الراعية" للشؤون الدينية وغيرها، ولكننا وجدنا أن المقطع الأول من إسم شاعرتنا له دلالات أكبر بكثير من المعنى التقليدي المتعارف عليه آنذاك. وأهم ما يحمله من معنى هو أنه كان لقبا يكنى به ملوك أوروك (الوركاء) القدماء لأن تنصيبهم ملوكا كان يقتضي اختيارهم بمباركة رجال الدين قبل كل شىء وإقامة احتفالات رسمية بمناسبة الجلوس على العرش. وربما لأنه لقب ذكوري أيضا، إختارته (أنخيدوانا) بدلا عن لقب "زرو" الأنثوي الذي كان يمنح للكاهنات من قبلها. وهذا يعني بأنها كانت تعلم تمام المعرفة بأن هذا اللقب يمنحها سلطات دستورية سياسية واسعة إضافة إلى مركزها الديني، ناهيك عن مسؤوليتها الاعتبارية في تعزيزحكم والدها في سومر. ويضاف إلى هذه المعاني معنى أسمى، فهو فضلا عن كونه يشير إلى الجاه والسلطة والنفوذ والنجاح، فقد كان عنوانا للقداسة والخير بنظر عامة الشعب خلال حياة حامله وبعد مماته. ولذلك أقيمت الأضرحة لحاملي اللقب في المعابد لتظل القداسة والبركة قائمة إلى أبد الدهور، إذ تقدم النذور وترفع الابتهالات لهم طمعا في الخير والبركة والشفاعة. ويبدو أن هذه الطقوس أضحت تقليدا لدى الأديان المتعاقبة، خاصة المسيحية.

قلنا في الجزء الأول أيضا بأن (أنخيدوانا) هي أكدية المولد وسومرية الثقافة لأنها عاشت معظم حياتها في بلاد سومر ودفنت في المقبرة الملكية، وتحديدا المعبد  الذي يطلق عليه إسم (گيبارو)، علما أن والدتها، (تشلوتم)، سومرية الأصل ونـُقشت كتاباتها بالخط السومري. ومهما حامت الشكوك حول محل ولادتها، فدمها أكدي ملكي وتنتمي لسلالة أكدية – سومرية دامت خمسة قرون بعد وفاتها. كما رجـّحنا لأسباب منطقية بأنها تسنمت رئاسة المعبد في وقت مبكـّر من حياتها، وهذا ما تؤكده الباحثة في تاريخ سومر وأكد (ميگان بومر) رغم زعم بعض المؤرخين، ومن بينهم الإعلامية الأمريكية (باتريشا ماكبروم) من جامعة كاليفورنيا - بيركيلي من أن (أنخيدوانا) تسلمت منصبها في عهد متأخر. وقد يستند هذا الزعم إلى حقيقة أن شاعرتنا استمرت في منصبها على مدى إثنتين وعشرين سنة في ظل حكم أخويها (ريموش) و (مان - إشتوشو) بعد وفاة والدها، ولكن تناسى هؤلاء بأن حاكم الوركاء المنحط أخلاقيا تمرد على والدها وأقصاها من منصبها لأنها كانت بمثابة سفيرة تحاول التقريب بين اللغتين السومرية والأكدية بين العامة، ومد الجسور بين المذاهب الدينية والعادات المتناظرة بين الأقوام في بلاد سومر وأكد. ورغم ظلم الحاكم الذي قارعته (أنخيدوانا) بكافة الوسائل، ومنها الهجاء في شعرها وتبجيل شفيعتها (إنانا) في معظمه، عادت إلى وظيفتها واستمرت بها، ربما حتى وفاتها في عهد  إبن أخيها (نرام سين) الذي تسلم قيادة دفـّة الإمبراطورية. والجدير بالذكر، فإن (نرام سين) شيـّد الكثير من المعابد في مراكز المدن والبلدات الجنوبية وعيـّن فيها بناته وأخواته كاهنات رئيسيات، مما يعني أن الدين والدولة كانا يسيران في خطيين متوازيين ومتداخلين في آن واحد. ما لا نعلمه حتى لحظة كتابة هذه السطور هو عدد السنين التي أمضتها أنخيدوانا في موقعها الرسمي، ولكن نخمـّن بأنها ليست أقل من ثلاثة عقود بأي حال من الأحوال.

قد يتبادر إلى ذهن القارىء سؤال عن صاحب الخط السومري على الرُقم الفخارية التي عثر عليها في مقبرة أور الملكية، فنقول: رغم أن (أنخيدوانا) كانت تتمتع بثقافة عالية وأنضجت الشعر السومري الذي يعود عهده إلى مئات السنين، إلا أنها لم تخط قصائدها بأناملها، وإنما عـُهد بها إلى الكتبة المختصين بالتدوين والنسخ. معظم تراتيلها منقوشة بالخط السومري، ولكن أسلوب نظم الشعر في اللغتين السومرية والأكدية متشابه جدا، إذ يجمع المتخصصون في الأدب الرافديني القديم على غياب الجناس والقافية والبحور من القصائد والتراتيل الدينية وحضور مشهود للغة المجاز، خاصة الاستعارة. إخترت لكم في هذا الجزء المقتضب من الدراسة نموذجين مقتطفين من قصائد شاعرتنا الأسطورية (أنخيدوانا) وحاولت قدر المستطاع ترجمتهما شعرا عربيا:

1. النفي من مدينة أور

 ناديتني لأسكن المعبد المقدس،
گيبارو،
فلبيت النداء، أنا الكاهنة العظمى،
أنخيدوانا.
حملت سلـّة الطقوس ورتـّلت ترتيلا،
وما تغنيت باسمك سوى تبجيلا.
نـُفيت ورُميت بين حثالات البشر،
فأضحى العيش من غيرك كدرٌ في كدر.
يحـُلّ النهار بضوئه مرتعبا،
من ظلام يلفـّني،
ومن نور ألبسه الظلام سوادا،
وحجبته حبات رمل عصفت بها الرياح.
جفّ ثغري الباسم وبات التلعثم مباحا،
وغدا وجهي الجميل ترابا.

2. لعنة الوركاء

من أكون أنا في بلادٍ همـّها وغمـّها بطنها،
وبعدها رُقاد؟
من أكون أنا،
والوركاء أضحت معقلا للعصيان،
وجحودا بنعمة الآلهة بعد فلتان؟
أسألك، أيها الإله (آن) أن تهدي القوم،
وإلا مزّق جمعهم إربا إربا.
أدعو الإله أنليل أن تحـُلّ عليهم لعنته،
وأن يدع الطفل في مهده وحيدا يئنّ
من غير أم عليه تتحنـّن.
سيدتي، وضعت قيثارة الحزن عند مرافىء العداء،
وتموضعت فوق الصخور.
وعندما يسمع أهل المدينة أغنيتي،
يتقاطرون نحوي وكلهم فداء.


الأردن في 18/9/2010


المصادر:

Boomer, Megan (2008). Priestess and King: Representations of Power and Gender in the Akkadian Royal Family, MS, pp. 1-19.
Meador, Betty De Shong (2000). Inanna Lady of largest Heart: Poems of the Sumerian High Priestess Enheduanna. Austin: University of Texas Press.
Roberts, Janet (2004). Enheduanna, Daughter of King Sargon: Princess, Poet, Priestess (2300 B. C.). Transoxiana 8.


وهذا رابط الجزء الأول لمن فاتته قرائته:

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,442375.0.html

20
أنخيدوانا الأكدية أول شاعرة في تاريخ البشرية
الجزء الأول: مقدمة تعريفية
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

أن – هيدو – أنا ، أسم أنثوي أكدي مركب عـُرّب بصور مختلفة على المنابر العربية الثقافية الشحيحة التي توفرت لدينا، فظهر رسمه على هيئة "أنخدوانا، أنخيدوانا، إنخيدوانا، إيهودينا"، ومن معانيه "سيدة أو زينة السماء (القمر)".  يتألف الإسم من خمس مقاطع سومرية: إن، هي، دو، أن، نا. وتعني "إن" الكاهنة العظمى (أو بالأحرى الكاهنة الراعية لشؤون المعبد والخدم والحشم والزراعة وتربية الأسماك والحيوانات في محيط المعبد المترامي الأطراف). أما "هيدو" فتعني "زينة"، بينما "أنـّا" هي النسبة إلى السماء أو إله السماء (القمر). صاحبة هذا الإسم هي إبنة سرگون الأكدي (المعروف بإسم شروكين أيضا)، ويقال أنها كانت الوحيدة بين إخوتها. تضع الدكتورة جوان ويستنهولز تاريخ حياتها بين (2300 – 2225 ق.م.) في حين أن مكتشفها في مقابر أور الملكية، عالم الآثار السير ليونارد وولي، يضح ولادتها ووفاتها بين (2285 – 2225)، علما أن تاريخ حكم والدها الذي يتراوح النصف قرن يختلف عليه علماء التاريخ، فهناك من يحصره بين (2296 – 2240)، وقسم آخر بين (2334 – 2279)، وآخرون بين (2334 – 2290). يذهب البعض إلى القول بأن سرگون عيـّن إبنته رئيسة لكهنة معبد إله القمر (ما يناظره اليوم برئيس الوقف) في بلاد سومر في أواخر حكمه، ولكن هذا القول يناقض استراتيجية والدها المبدئية في إقامة إمبراطورية ذات حكم مركزي يضم أكثر من خمسين ولاية أكدية – سومرية، أولا، وفي تطمين أهل بلاد سومر على حرصه في استمرارية شعائرهم الدينية التقليدية، ثانيا، وفي إضفاء هالة دينية على شرعية حكمه، ثالثا، وتبرير مركزية حكمه القائم على خلق جسر من التفاهم بين الدين والدولة، رابعا. ولإرساء هذه الدعائم في السيطرة على زمام الأمور في الإمبراطورية المترامية الأطراف تحت شعار "الموت لمن يعادينا"، نرجح بأن تعيين أنخيدوانا كان مبكرا، وليس متأخرا.

قد يأخذك العجب لو قلنا بأن أنخيدوانا ما زالت حية بشحمها ولحمها على أقراص  فخارية محفوظة في متحف جامعة بنسلفانيا
. كتب عنها الكثير وترجمت أشعارها إلى الإنكليزية والألمانية (الصور الحقيقية والمراجع والمصادر في ذيل المقالة)، وأن جمعية بريطانية تأسست حديثا بإسمها. ترى ما حقيقتها؟ هي امرأة تقدمت على كل رجالات الأدب ونسائه في التاريخ البشري، بل وهي الأولى التي خاطبت قرائها بضمير المخاطب وأعلنت عن إسمها وهويتها دون لبس في الوقت الذي نجهل بأن معظم الأدب السومري مجهول الهوية، ومنه ملحمة گلگامش. وهذا الأمر يدحض كل النظريات التي تشكك بشخصية أنخيدوانا التي نسخت أعمالها الشعرية وتراتيلها لمئات السنين من بعدها. أنخيدوانا الأميرة ليست سومرية كما يروج البعض لها، وإنما أكدية. وهذا الوهم ناجم بسبب انتقالها من أكد إلى مدينة أور السومرية لتولي المسؤولية التي أناط بها والدها، من جهة، ولأنها إبنة غير شرعية (كما يشاع) لأم سومرية، من جهة ثانية، بل أن البعض راح يلقبها بـ "العاهرة القديسة" على غرار مريم المجدلية. ومهما كثرت الأقاويل حولها، فإنها االكاهنة العظمى والشاعرة والزوجة، وسيدة زمانها، ولم تناظرها سيدة أخرى في تاريخ الأدب الأوروبي سوى الشاعرة الأغريقية (سيبفو) بعد مرور 1700 سنة. والأنكى من ذلك، أنها سبقت كتابة ملحمة گلگامش بـ (800) سنة، ولذلك يصفها الناقد والمترجم والمولع بأدبها الدكتور وليم هالو بـ "شكسبير الأدب السومري". وقد ترجم أعمالها فريق متخصص من جامعة بيركيلي بكاليفورنيا نثرا ثم قامت بصياغة الترجمة شعرا سلسا إلى الإنكليزية الباحثة في آداب بلاد الرافدين (بيتي دي شونغ ميدر). يغلب شعرها الذي يجمع بين التراتيل والقصيدة الشعبية (ما مجموعه 45 عملا إبداعيا) طابع الصراع والمعاناة والنشوة والمدح والهجاء بسبب إقصائها عن مركزها السياسي/الديني بعد وفاة والدها. كما يعكس صورة المرأة ومشاعرها وشخصيتها الحقيقية في تلك الحقبة الزمنية. وسيتضمن الجزء الثاني من هذه السيرة أحدث ما قيل فيها حتى سنة 2010 وترجمتي العربية عن الإنكليزية شعرا لبعض من أبيات قصائدها، وإليكم منها رباعية من قصيدتها المؤلفة من 153 بيتا أختتم بها مقالي:

مزهوة بنصري كنت ذات مرّة،
ونـُفيت من معبدي على حين غرّة،
كالخـُطـّاف مرغمة من نافذة تسلـّلتُ،
بعد عمر بين رائحة البخور أفنيتُ.


الأردن في 15/9/2010

المصادر الرئيسية المعتمدة:

McHale-Moore, Rhonda (2000). The Mystery of Enheduanna' Disc. Journal of the Ancient Near Eastern Society 27, pp. 69-74.
Meador, Betty De Shong (2009). Princess, Priestess, Poet: The Sumerian Templr Hymns of Enheduanna. Texas: Texas University Press.
http://www.angelfire.com/mi/enheduanna/
http://www.angelfire.com/mi/enheduanna/Enhedwriting.html
http://www.angelfire.com/mi/enheduanna/Enhedbibliography.html
http://www.gatewaystobabylon.com/myths/texts/enheduanna/enhedwriting.htm
http://www.zyworld.com/DrBernardSButler/Enheduanna.htm











21
أصل الإنسان في عقيدة الكلدان
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

ينتقدني بعض الأصقاء المقربين، بروح من المحبة، حول إصراري على الكتابة في مواضيع تتعلق بالتأريخ الرافديني الوثني الذي أكل عليه الدهر وشرب، وينصحوني أن أكتب، عوضا عن ذلك، بما يمليه علينا الحاضر من متطلبات ومنغصات خشية توسيع رقعة الخلافات بين ورثة هذا التأريخ حول أحقية العائدية والملكية. لهؤلاء الأحبة وللقراء الكرام أقول: كنت جاهلا بدقائق الأمور في تأريخ وادي الرافدين خلال العقود الماضية حتى جاء عصر المعلوماتية وأفاقني من سباتي، والشكر موصول لكل من كتب عن التأريخ الكلداني/الآشوري بتوثيق أكاديمي رصين أو محرّف عن الأصل أو حتى من كتب بوازع من العاطفة وتمسك بحرفية الأسماء البائدة على حساب التأريخ المعاصر. وإذ قررت ألا أبقى جاهلا إلى أجل غير مسمى ، خرجت عن صمتي باحثا عن الحقيقة التأريخية، كما يفعل غيري في العالم، في بطون الكتب الأجنبية التي تعتمد الدلائل المادية لأضع النقاط  فوق الحروف من وجهة نظر تأريخية بحتة لا علاقة لها بواقع إثني معاش، ومنها قصة آدم وحواء وقبور الكلدان وعلومهم وآدابهم. ولا شك في أن القارىء يتشوق إلى معرفة الأصول، مثلا. لا يهم إن كنت داروينيا أم متدينا، كلدانيا أم آشوريا، فموضوع الخلق ما زال يستهوينا جميعا، وإليك الحكاية من البداية في عقيدة الكلدان القديمة كما تنقلها لنا المؤرخة زينادي اليكسفنا روكوزين (1835-1924) الذي نشر كتابها عشر مرات بين سنة (1886-1905) فقط  وأودع في  264 مكتبة عالمية حتى هذا التاريخ، فضلا عن الطبعات اللاحقة حتى يومنا.

يفيدنا نقش مرسوم على لوح فخاري إسطواني الشكل (محفوظ الآن في المتحف البريطاني) أن قصة آدم وحواء التي يتحدث بها سفر التكوين هي واحدة من أقدم قصص التأريخ التي حصلنا عليها من الأساطير البابلية/الكلدانية المدونة. نجد في هذه الصورة رجلا وامرأة وقد جلسا على مقعدين تتوسطهما شجرة. يد الرجل اليمنى ويد المرأة اليسرى ممدودتان نحو الثمرة (المحرمة، كما تقول التوراة وتداولتها الكتب الدينية لاحقا)، بينما تنتصب حيـّة خلف المرأة. وجدنا تطابقا بين ما يرويه لنا بيروسز (بيروشا)، المؤرخ الكلداني الأول الذي شهد أحداث التأريخ، وبين ما هو مدون في النصوص البابلية الأصلية، وإليكم ما جاء في كتاب المؤلفة روكوزين:

من طين خلق الإنسان، ولكن بعد أن جبله بعل (الله) بدمه ونفخ فيه روحا. وهذا ما يفسر تمتع الإنسان بالعقل دون غيره من الخلائق، من جهة، ورواية الطبيعتين الإنسانية والإلهية في ملوك بابل (كما جاء في ملحمة گلگامش، مثلا)، من جهة ثانية. من العدم خرجت المخلوقات بعد أن كان الكون ماء وظلاما. وقبل أن ينتصب الإنسان على قفاه وبشكله الحالي، كان هنالك من يتشبه به من الإنس بأشكال متعددة. ظهر في الوجود الأولي بشر برأس واحد أو رأسين، بأجنحة من عدمها، بأرجل وقرون ماعز، أو بمؤخرة تشبه مؤخرة حصان. كما ظهرت إلى الوجود ثيران برأس إنسان وكلاب بذيل سمكة وأحصنة برؤوس كلاب، وكل ما جاز لك أن تتخيله من مخلوقات غريبة، كما في الأفلام. وعندما حانت ساعة الحسم، فـُرزت المخلوقات على هيئتها الحالية واختفت المخلوقات الغريبة عن الوجود إلى الأبد منذ اللحظة التي فصل فيها الإله بعل السماوات عن الأرض وأخرج خليقته إلى النور. ولإحياء ذكرى الخروج من العدم إلى النور ومن العالم الوحشي إلى عالم الإنسان المتحضر، أقيمت المعابد وسطرت على جدرانها ملاحم القضاء التام على ذلك العالم الخرافي الزائل. وجدران معبد الإله بعل – مردوخ في بابل تتغنى بهذه الأساطير الخالدة التي يشهد عليها بيروسز، راعي هذا المعبد الشهير. ومما يؤسف له، إن هذه الآثار التي بقي القليل منها طالتها يد الزمن والعبث والسرقة والتكفير، وخير مثال حي نسوقه في هذا الباب هو ما فعله أهل الموصل بآثار نينوى في القرن التاسع عشر من تخريب وتهشيم تارة، بحجة أن التماثيل الآشورية هي أصنام تتعارض وشريعة الإسلام، وسرقة المصوغات الذهبية والفضية وغيرها من النفائس تارة أخرى. ومذكرات الآثاري لايارد المحفوظة في المتحف البريطاني هي خير شاهد على ما نسوقه في هذا الباب. وتروي لنا مؤرخة الكتاب الذي بين أيدينا بعض الطرائف التي تعكس مدى التخلف الحضاري الذي كانت تعيشه مدينة الموصل آنذاك، ربما بسبب الهيمنة العثمانية التي عاثت في الأرض فسادا. وسرقة لايارد وغيره للآثار وتهريبها إلى بريطانيا وفرنسا هي، حسب اعتقادي، سرقة حضارية خدمت الإنسانية جمعاء، وستبقى ذكراه وذكرى من عمل في فريقه عطرة في نفوس الباحثين من بعده.

على أية حال، نعود إلى تكملة حديثنا عن النقش البابلي على إسطوانة "آدم وحواء" ونعلق على موضوعة الشجرة تحديدا. تقول المؤرخة أن الآثاريين عثروا على إسطوانات وأختام مماثلة تظهر فيها الشجرة وكأنها شجرة نخيل بابلية بدليل أغصانها التي تشبه السعف أحيانا أو شجرة السروّ الآشورية. ومهما يكن من أمر، فقد اتخذ منها الكلدان البابليون رمزا مقدسا جدا في ديانتهم لاعتبارها شجرة الحياة، ودليلنا في ذلك هو كثرة رسمها على جدران المعابد والمنحوتات والأختام التي كانت تظل معلقة على خاصرة من يـُوارى التراب، وهذا ما حصلنا عليه من مقبرة الوركاء الشهيرة، مما يقودنا إلى الاستنتاج بأن الكلدان كانوا يؤمنون بالحياة بعد الممات أيضا. وقد ورث الآشوريون عن بلاد الأم، بلاد الكلدان، تعويذة الخير هذه، من جملة الطلاسم والطقوس الدينية، بدليل أن ملابس ملوكهم كانت تزينها الشجرة المقدسة إيمانا منهم بأنها تحميهم من الشرور والأعداء، ناهيك عن إضفاء القداسة والرعوية والعظمة لشخصهم. ومن المفارقات التي ما زالت تحيـّر علماء الآثار أن آثار آشور، بعكس الكلدان، تخلو من المقابر الآشورية، باستثناء ما هو فرثي وفارسي وعثماني في العصور المتأخرة، مما عقـّد الأمر على علماء الأجناس في تحديد هوية الأعراق. وهذا ما سنتحدث عنه في مقال منفصل.

المصدر:

Ragozin, Zénaïde Alexeïevna (1886 [2008]).  Chaldea from the Earliest times to the Rise of Assyria: Treated as a General Introduction to the Study of Ancient History. London: T. Fisher Unwin. The Project Gutenberg eBook, 2008.

الأردن في 10/9/2010

22
صفحة مشرقة من تاريخ الكلدان
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

يتناول مقالي لهذا اليوم فقرات محددة من الفصل الثالث عشر لكتاب المؤرخة دروسيلا دنجي هيوستن (1876-1941) تحت عنوان "بلاد الكلدان". ما دفعني للكتابة نصيحة يسديها أحد المفكرين، يقول فيها: "من لا يقرأ التأريخ يظل صغيرا"، وأنا أزيد عليه فأقول: من يقرأ التأريخ بتبصر وروية يصبح كبيرا، ومن لا تأريخ له فهو قطعا يعيش على فتات تأريخ الآخرين وهامشه، وتلك مذلـّة ما بعدها مذلـّة. سأبدأ بقول منسوب للمؤرخ والآثاري المعروف جورج رولنسون، الذي يقتبس من كتابه الشهير"سبع ممالك شرقية عظيمة في العالم القديم" بعض المتعصبين من كتـّابنا ويشجعوني لقرائته، وهذا ما وجدت على أمل الكشف عن المزيد من الشواهد في أصل الكتاب. تقول المؤلفة نقلا عن رولنسون: "كان الشعب الكلداني يتمتع بمخيلة خصبة وعبقريه لا يمكن نكرانها، فهم أناس مبدعون رغم افتقارهم إلى موارد طبيعية، مما جعلهم يتبؤون مركز الصدارة في سلم الرقي بين الأمم، خاصة بين معظم تلك التي يقال عنها أنها تنحدر من أصل حامي". وتربط المؤلفة هذا الاقتباس بقول شهير لأرسطو، مفاده أن لصاحب براءة الاختراع الفضل في أكثر من نصف الكل. وبناء على هذه المقولة، يكمل رولنسون حديثه فيقول: "إن الشعب الذي وضع حجر الأساس للقانون والفن والعلم يستحق أكثر من النصف الممتلىء لأنه هو الذي أوجد ونحن نبشر بما أوجده". شكرا يا سيد رولنسون على هذا الوصف الجميل.

ماذا أوجد الكلدان حتى يستحق هذا الوصف؟


هنالك إجماع لا ينكره أحد بأن البابليين وجدوا في الكواكب آلهة لتـُعبد، غير أنهم ومنذ قديم الزمان نسبوها مجتمعة إلى الإله الواحد في تعاليمهم كما تخبرنا نقوشهم المحفوظة في المتحف البريطاني، وإن طالها التلف. ولم يدخل السحر والشعوذة والاعتقاد بالأرواح الشريرة حياتهم إلا بعد اختلاطهم بالأقوام الوافدة إلى بلادهم. وقد غزت ثقافة الخرافات تدريجيا كل بقاع الأرض حتى العصور الوسطى الميلادية. ونجم عن هذه الطقوس قراءة الطالع بالإشارة إلى الكواكب في كل مكان، ولم تسلم منه أمة، لأنه أضحى ممارسة شعبية رائجة. لقد سعى الكلدان، كا أوردت في مقال سابق، إلى ربط مصير الإنسان ومستقبله بحركة النجوم والمذنـّبات والكواكب والخسوف والكسوف، ثم انتقلت إلى اليونان وروما بعدئذ. كان يفتقر تنجيم الكلدان الأوائل إلى مقومات علم الفلك التي توفرت في العصور المتأخرة، فأنتقلت بذلك مرحلة التنجيم البدائي إلى مرحلة متقدمة مبنية على أسس علمية رصينة. وبهذا الصدد، يروي لنا (ديودورس سيخولوس) عن الكلدان بأنهم كانوا يعزون حركة المذنـّبات إلى أسباب طبيعية وكان بمقدورهم التنبؤ بأوقات حدوثها. ويضيف (سينيكا) بأن النظرية الكلدانية في أمر المذنـّبات لم تكن بأقل دقة وبراعة مما جاء به المحدثون من بعدهم. كما يذهب الألماني (إدلر) إلى القول، وكما يقتبسه الفيلسوف (بطليموس)، بأن الحسابات الكلدانية القديمة المتعلقة بخسوف القمر لا تختلف عن حسابات اليوم إلا في دقة التفاصيل، مما يجعلنا نستنتج بأنه كان هنالك مراصد فلكية منتشرة في المدن الرئيسية للبلاد، إذ كان على فلكيي البلاط الملكي تزويد جلالته بتقارير منتظمة عما توصلوا إليه. وما زال المتحف البريطاني يحتفظ بأجزاء من خارطة ترينا بوضوح نصف الكرة السماوية، حيث تظهر السماء أثناء الاعتدال الربيعي (للفترة ما بين 21 آذار/مارس – 23 أيلول/سبتمبر). والشاهد العيان على تقنية الكلدان في الفلك هو الإسكندر المقدوني الذي احتل بابل سنة 331 ق. م. ونـُقل عنه قوله بأن عمر الفلك لدى الكلدان يقدر بـ (1903) سنة دون انقطاع، أي اعتبارا من سنة 2234 ق. م. ومن هذه الجهود الجبارة تمكنا في زماننا هذا من الحصول على علم  ندعوه اليوم بـ "علم الفلك" الحديث. ولا يراودنا شك في أن الكلدان تمكنوا من صناعة التلسكوب. ودليلنا في هذا، هو عثور المؤرخ المعروف (لايارد) على عدسات مكبـّرة خلال حفرياته في آثار بابل.

المصدر:

Houston, Drusilla Dunjee (2008 [1926]). Wonderful Ethiopians of the Ancient Cushite Empire. London: Hogarth Blake Ltd.


الأردن في 6/9/2010

23
الكلدان وحكاية نشأة الأديان
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس


كانت بلاد الكلدان لقرون طويلة ملاذا لأقوام وفدت إليها من جهات عديدة واختلطت ببعضها فكونت ما يسمى بـ "الشعب الكلداني"، إذ قدمت من الشمال الشرقي أقوام طورانية ذات البشرة الصفراء وأخرى كوشية ذات بشرة سمراء داكنة قدمت من الشرق، وثالثة سامية شبيهة بملامح عربية من الشمال. توزعت هذه الأقوام على مساحات واسعة من السهول الرسوبية الخصبة التي احتضنتها ضفاف دجلة والفرات قبل أن يلتقيا في قصبة القرنة الحالية بمدينة البصرة. وإن كانت الأمطار نادرة الهطول، إلا أن تفرعات هذين النهرين العظيمين مكـّنت هذه الكتل البشرية من سقي مزروعاتهم بواسطة قنوات إروائية محكمة خلدتها غابات واسعة من أشجار النخيل ليقتات عليها ويتفيأ بظلها الصديق والعدو ولتصبح مصدرا أساسيا لتصنيع الخمر على مدى الآف السنين. تعتبر الإمبراطورية الكلدانية أول إمبراطورية حضرية تشكلت في التاريخ الإنساني وتعاقب على حكمها ملوك عدة ودامت لقرون طويلة حتى سقوطها الأول سنة 2300 ق. م.

كان الطورانيون بحسب المؤرخ الفرنسي شارل سينوبو (1854-1942) يعتقدون بأن عالمهم مأهول بالشياطين، الأمر الذي حدا بهم للإعتقاد بأن الطاعون والحمـّى والجن والخفافيش، وما إلى ذلك من أوبئة وأمراض وخرافات، هي من أعمال الشيطان. ولذلك، إنتشر بينهم السحر والشعوذة لطرد الأرواح الشريرة والنجسة من جسد وحياة الإنسان. أما الكوشيون، فكانوا يؤمنون بآلوهية الذكورة والأنوثة، إذ كان الإله الذكر معبودا كونه رمزا للقوة والجبروت، بينما الأنثى رمزا للإخصاب والأمومة. ومن هاتين العقيدتين الوافدتين إلى أرض الكلدان ظهرت الديانة الكلدانية الوثنية الأولى إلى الوجود التي نسخها عنهم الآشوريون لاحقا مع بعض التحوير في أسماء آلهتها وطقوسهم. إعتقد كبار الكهنة المتنفذين بحكم السلالات الملكية المتعاقبة بأن للكواكب السيارة والنجوم المتلألأة في السماء قدرة على التحكم بمصير البشر وسلوكهم اليومي. ويعزى سبب هذا الاعتقاد إلى وهج الأجرام السماوية وحركتها وتبدل هيئتها من وقت لآخر، بل إلى سحر ضيائها وتموجها وكأنها فعلا آلهة تسبح في الفضاء الخارجي وبوسعها أن تفعل ما تشاء بالأرض. وعلى هذا الأساس، سموا آلهتهم بأسمائها وأقاموا لها معابد خاصة يؤدي فيها الناس من مختلف طبقاتهم الاجتماعية صلواتهم وابتهالاتهم ويتضرعون إليها أوقات المحن ويقدمون نذورهم وقرابينهم ويقيمون فيها ومن حولها إحتفالاتهم وزيجاتهم (وممارساتهم الجنسية الطقسية، كما يروي لنا هيرودوتس). من ملاحظة السماء وما يدور في أفلاكها تطور ما يسمى اليوم بـ "علم الفلك". وزيادة على ذلك، كان يعتقد الكلدان الأوائل، وما زال الاعتقاد قائما، بأن الطفل يولد وتلد معه حظوظه في الدنيا، أي أن قدر المولود الجديد مرسوم سلفا (ما يطلق عليه اليوم بـ "القسمة والنصيب"). وهذا ما جعلهم يمتهنون قراءة الطالع وربط إسم المولود أول ما يبصر الدنيا ببرج من أبراج السماء. ومن هنا انتشرت عدوى طقوس الأبراج والحظ إلى كل العالم ونحن نشهد الألفية الثالثة.

المصدر:
Seignobos, Charles (1907). History of Ancient Civilization London: T. Fisher Unwin. The Project Gutenberg eBook (2006).

الأردن في 2/9/2010

24
قواعد اللغة الكلدانية: كتاب قديم أثار فضولي
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

أثار عنوان الكتاب التالي فضولي، وقد يثير فضول القارىء الباحث عن إجابات لأسئلة تتعلق بالتسمية الكلدانية، هذا العنوان الذي أترجمه إلى: "الوجيز في اللغة الكلدانية"، المنشور سنة 1832 وأعيد نشره ثلاث مرات لاحقا:

Riggs, Elias (1858 [1832]). A Manual of the Chaldee Language, 4th edition. New York: Anson D. F. Randolph & Co.

أرسلت رسالة إلى صديق له باع طويل في الدراسات السريانية قلت له فيها:

" استغربت من الخط الذي يسميه المؤلف كلدانيا (آرامي شرقي). ألا تعتقد بأنه آرامي قديم؟ إنه يشبه الخط العبري، أليس كذلك؟ مع شديد الأسف، لا أعرف أقرأ (أو أكتب) بأي من اللهجات. ومثلما قلت لك، يقارن بين السريانية والكلدانية والعبرية بشكل لا لبس فيه. والعجيب الغريب في هذا الكتاب أيضا أنه يعتمد مصادر عديدة كلها تتكلم عن الكلدانية والآرامية والسريانية، وكأن للكلدانية هوية متميزة".

وجائني الجواب التالي:

إن المؤلف خلط الدنيا ببعضها في تصنيفه للهجات الارامية. كما كتبتُ لك سابقاً ان المؤلف يسمي آرامية الكتاب المقدس بالكلدانية. ان هذه المواضيع تعتبر اليوم من الأمور البديهة بين العلماء أصحاب الاختصاص؛ إن آرامية الكتاب المقدس كما تراها في بعض اجزاء سفر دانيال وعزرا تسمى علمياً "آرامية الكتاب المقس" Biblical Aramaic لا غير. ولا يوجد اليوم باحث واحد في العالم يسميها باسم آخر.
إن حدود اللهجات الارامية في الكتاب غير محددة ودقيقة بشكل علمي. فهو يضم آرامية الترجومات تحت إسم كلدي وهذا خطأ، بينما آرامية ترجوم أنقلوس شي وآرامية ترجوم يوناثان شىء آخر، والآرامية السامرية شيء آخر، إلخ.
ويسمي السريانية "آرامية غربية" وهذا خطأ، بينما تصنيفها العلمي الصحيح هو "آرامية شرقية".

إقتنعت بالجواب إلى حد ما بناء على معرفتي الجيدة بالعائلة اللغوية، ولكن لم يهدأ لي بال، وإن كنت جاهلا بالخطوط والقواعد. تناولت كتابا بالعربية، أحتفظ به في حاسوبي، لمؤلفه القس بولس الكفرنيسي (1888 – 1963)، وقرأت فيه ما يلي:

"ومن المحقـّق الذي لا ريب فيه أن الآرامية تغلبت على اللغة العبرانية منذ الجلاء البابلي سنة 599 ق. م. فلما سـُبي العبرانيون إلى بابل وأقاموا فيها نحو 70 سنة نسوا لغتهم العبرانية وتعلموا اللغة الآرامية الفلسطينية أو السريانية الكلدانية. وبهذه اللغة الكلدانية كـُتب سفرا دانيال وطوبيا وسفر يهوديت وسفرا عزرا وسفر إستير" (من كتاب: غرامطيق اللغة الآرامية السريانية لمؤلفه القس بولس الكفرنيسي (1888 – 1963)، مطبعة الاجتهاد – بيروت، 1929).

وبغض النظر عن دقة تاريخ ووصف ما يسميه المؤلف بـ "اللغة الكلدانية" في كتابه، استوقفتني المصادر التي اعتمد عليها، فتسائلت في ضوء الجلبة واللغط الذي يثار حول التسمية "الكلدانية" وسلخها عن أهلها واتهامهم بالسحر والعرافة والتنجيم في أيامنا هذه، وقلت مبتسما: تـُرى، هل دفع بابا الفاتيكان لهؤلاء العلماء مبالغ ضخمة لكي يروجوا للتسمية الكلدانية على حساب التسمية الآشورية؟ وهل فعلا أن ما يروج له البعض اليوم بأن "اللغة الآشورية" هي أمّ لكل لهجاتنا السريانية (بضمنها الكلدانية)، علما بأنه ثبت علميا بأن لهجاتنا الحالية هي آرامية حديثة؟ إذا كان الأمر كذلك، فسنخرج باستنتاج بأن هؤلاء العلماء (رحمهم الله جميعا) إما كانوا مرتزقة للفاتيكان في حينها أو جهلاء في عصر ذهبي من عصور تاريخ علم اللغة. إعتمد المؤلف على أربع وعشرين مصدرا، وكلها تتحدث عن شىء إسمه "اللغة الكلدانية". ثمانية من هذه الكتب عامة، وثلاثة تختص بالمفردات، وثمانية تختص حصرا بقواعد اللغة الكلدانية، بينما الخمسة المتبقية تشير إلى مختارات من آثار مؤلفين. سأدرج في أدناه نخبة من أسماء أصحاب المؤلفات العامة (بالألمانية والفرنسية) التي تتناول اللغات الشرقية، وتحديدا الكلدانية والعبرية والآرامية والسريانية والعربية والكلدانية/السريانية (السامرية أو لهجة فلسطين) وتاريخ نشر أعمالهم، وتواريخ نشر كتب أخرى:

J. Buxtorf (1615)
    J. Buxtorf (1629)
Lud. De Dieu (1628)
Andr. Sennert (1653)
Car. Schaaf (1686)
1669, 1787, 1791, 1793, 1802, 1817, 1819
وفيما يلي قائمة بأسماء مؤلفي الكتب الخاصة بالكلدانية وقواعدها (إثنان منها بالإنكليزية):
Chph. Cellarii (1685)
Henr. Opitii (1696)
J. Dav. Michaelis (1771)
N. W. Schroder (1787)
F. Nolan (1822). An Introduction to Chaldean Grammar.London.
W. Harris (1822). Elements of the Chaldean Language. London.
وأعيد نشره في نيويورك لاحقا.
Jul. Furst (1835)
G. B.Winer (1824)
الذي اتخذه إلياس ريكز، مؤلف كتاب "الوجيز في اللغة الكلدانية" (1832) مصدرا أساسيا له.

عزيزي القارىء.
لا يهمني الكتاب ككتاب بمحتوياته ودقة تفاصيله بقدر ما تهمني التسمية الكلدانية الرائجة بين علماء اللغة في أوروبا في الفترة الواقعة بين أول تاريخ تجده في هذه القائمة وآخر تاريخ. هل كان في أوروبا لوبي "كلداني" مسيس في بداية القرن السابع عشر؟ لماذا لم تكن "اللغة الآشورية" بديلا عن "الكلدانية" أو في أحسن الأحوال رديفا لها كالآرامية. لماذا تذكر "العربية" ولا تذكر "الآشورية" إلا في هامش إستهجاني واحد من الكتاب الذي نلقي عليه الضوء؟ ولماذا يقول هؤلاء بأن الكلدانية هي نفسها اللغة البابلية على الأرجح، وليست الآشورية؟ أعتقد أن تساؤلاتي مشروعة، وأترك الإجابات العلمية الموثقة لأهل الاختصاص بعيدا عن العواطف الجياشة.

الأردن في 29/8/2010

25
الكلدان في غابر الأزمان
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس

كانت تسمى المنطقة الجغرافية المسماة اليوم بالفرات الأوسط وجنوب العراق وصولا إلى الخليج الفارسي (بحر الكلدان أو البحر المالح) بأرض الكلدان في قديم الزمان. يروي المؤرخون بأن بلاد الكلدان كانت تتألف من مقاطعتين، هما كلدو السفلى في الجنوب، وهي بلاد سومر (أي أرض شنعار، كما يسميها الكتاب المقدس)، وكلدو العليا في الشمال، وهي بلاد أكد. يقال أن الأقوام الأولى التي سكنت أكد بشكل خاص كانت طورانية امتزجت في دمائها أصول سامية نتيجة هجرة الأقوام التي وفدت إليها فاخذت منها آدابها وفنونها وانصهرت في ثقافتها وسبل عيشها وهذبت لغاتها، وكانت المحصلة بالتالي ظهور شعب واحد يسميه المؤرخون بـ "الكلدان" الذين كانت لغتهم الكلدانية (الأكدية المطعمة بمفردات سومرية). وبسبب شحة الأدلة، يتعذر علينا الحديث عن التاريخ السياسي لشعب سومر وأكد قبل مقدم القبائل السامية، ولكننا نستطيع أن نقول بأن ملوكا من الطورانيين والأكديين والساميين تناوبوا الحكم على مدن سومر وأكد الكلدانيتين. إن ما نستطيع تأكيده هو أن التاريخ السياسي للكلدان بدأ مع تولي سركون الأول (شيروكين) مقاليد الحكم في أكد حوالي سنة 3800 ق. م. حسبما جاء في لوح منقوش عثر عليه مؤخرا. ويقال عن هذا الحاكم بأنه حقق إنجازا عظيما في توحيد وتنظيم القبائل المنتشرة في السهول الكلدانية. لم يكن سركون محاربا، وإنما راعيا لشعبه ورافعا لراية العلم والثقافة التي ظلت خفاقة ترفرف في سماء الماضي والحاضر. ويستحق هذا القائد أن نطلق عليه أبا للترجمة (أو مأمون عصره) لأنه أوعز بنقل علوم الفلك وطقوس الدين والأساطير من اللغة الكلدانية/الأكدية إلى نظيرتها الآشورية وتصنيفها في المكتبات العامرة، بل ويطلق عليه المؤرخ الشهير آركيبولد سايس لقب "سليمان الكلداني" لحكمته وتشريعاته الإنسانية.


تعاقب على حكم السلالة الكلدانية في سومر وأكد ملوك عدة حتى سقوط الدولة الكلدانية سنة 2286 ق. م. على يد الأمراء العيلاميين، وهم من أصل طوراني، بعدما تمكنوا من تأسيس مملكتهم القوية عند الحدود الشمالية الشرقية لمدينة سومر، وتحديدا عند تخوم الهضاب الفارسية المطلة على الخليج. استولى ملكهم المسمى (خضر ناخونتا) على جميع المدن الكلدانية التي أقامها سركون الأول ومن أعقبه في الحكم حتى سقوط كلدو وحكموها لمدة قرنين أو ثلاث. يقول صاحب كتاب "التاريخ العام لطلبة الكليات والمدارس الثانوية"، فيليب مايرز (1846-1937)، أنه لا يسعفنا التاريخ بمعلومات كافية عن الفترة الواقعة بين انحطاط الدولة العيلامية وسقوطها حتى سنة 1300 ق. م. ولكننا نعلم بأنه خلال هذه الفترة الطويلة بدأت بابل تظهر إلى الوجود تدريجيا وحجبت عنا أخبار سومر وأكد. ونعلم أيضا بأن خلال هذه الفترة كانت بلاد آشور في نينوى تعد جيشا جرارا سنة بعد أخرى وتقيم دعائم مملكتها بعد أن كانت مقاطعة تابعة للحكم الجنوبي. يخبرنا المؤلف بأن الجيوش الآشورية زحفت باتجاه الجنوب واستولت على بابل ومدنها وسحقت العيلاميين في عقر عاصمتهم سوسة واسترجع قادتها كل الأصنام التي نهبها العيلاميون من بلاد كلدو ووضعوها في معابدها الأصلية. ولكن، هل أصبح الكلدان آشوريين خلال ما يقرب من ستة قرون من الحكم الآشوري وفق مفهوم الحاكم والمحكوم؟ التاريخ يقول: لا. لو كان الأمر كذلك، لما حكم بابل عشرة ملوك كلدان، وهم حسب التسلسل الزمني:
1.   نبو نصـّر 747-733
2.   نادينوس 733-731
3.   كنزينوس بورس 731-726
4.   إليوس 726-721
5.   مروداخ بلادن 721-709
6.   نبوبلاصر 625-604
7.   نبوخذنصر 604-561
8.   إيفل مروداخ 561-559
9.   نركال شاروصر 559-555
10.   نبونيداس 555-538  

وبالمثل، لم يصبح الآشوريون كلدانا في عهد نبوبلاصر، مثلا، الذي حكم مملكتي بابل وآشور في آن واحد. وهل أصبحت القبائل الآرامية التي بسط سيطرته عليها، ناهيك عن جزء من عيلام وفلسطين وسوريا ومصر كلدانا وفق مفهوم الحاكم والمحكوم الذي أشرنا إليه؟ وفي نفس السياق، نقول بأن الشعوب لا تنقرض مهما أودت الحروب بحياة مواطنيهم، وإنما تنصهر مع المحتل بدرجات متفاوتة في تغيير ثقافتها وعاداتها وفق مقتضيات الزمن.

الأردن في 20/8/2010

المصادر:
Myers, Philip V. N. (1890). A General History for Colleges and High Schools. Boston & London: Ginn & Co.
Malech, George David (2009 [1910]). History of the Syrian Nation and the Old Evangelical-Apostolic Church of the East: From Remote Antiquity to the Present Time. Whitefish, MT: Kessinger Publishing LLC.

26
"الكلدانيون" إسم علم أولا وقبل كل شىء
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

رد متهكما على مقالي الموسوم: " الكلدان والآشوريون: أخوة في الدم واللغة وعداء تأريخي متأصل" كاتب مغمور يقدم نفسه للعالم ككاتب وإعلامي آشوري ليضرب بذلك مثلا حيا عن نفسه في العداء الذي أشرت إليه. هذا الكاتب الذي يقول بأن آشور هو "الله" بالفم المليان في خطبته بمناسبة يوم الشهيد الآشوري يسخر من مؤلفي كتاب "تاريخ الفنون في كلدو وآشور" المنشور في القرن التاسع عشر (الذي اعتمدت على جزئه الأول في مقالي) فيقول عن هذين الكاتبين الفرنسيين بأنهما "نحاتان" و لا يعول على ما جاء في كتابهما. أقول لأخينا، الذي يتحدى بأن يكون هنالك ذكر للكلدان يسبق القرن التاسع قبل الميلاد، إذا كان النحات غير مؤهل ليكتب عن الفن بأنواعه، فمن يكتب يا ترى؟ والغريب في الأمر، أن صديق صباي وشبابي ما زال يشاطر أولئك الذي يتنكرون لشعب إسمه "الكلدانيون" ويصر على أنها صفة (أو نعت) ألصقت بمجموعة من البشر تزاول مهنة التنجيم والسحر والشعوذة. قلت لصاحبي في رسالة بعثتها له قبل أيام محاججا: بما أن هؤلاء البشر كانوا يعيشون في كنف الإمبراطورية الآشورية في فترات متقطعة، فإن من نعتوا بـ "الكلدان" في ذلك الزمان هم آشوريون إذن. وكتحصيل حاصل أيضا، يصرّ القوميون العرب على تسمية الكلدان بالعرب. ولكن، يا صاحبي، المضحك المبكي في هذه المعادلة، لو قبلنا بها وفق مفهوم الحاكم والمحكوم، هو أن العربي سيرحب بالكلداني تحت خيمته العربية حتى لو انحدر من قبيلة الخرسان أو الطرشان في حين أن أي آشوري سيلفظ الكلداني خارج خيمته القومية معنويا، على أقل تقدير، إذا قال له هذا "الكلداني" المغلوب على أمره بأنه ينتمي إلى الأمة الآشورية التي مارس أجداده "الكلدان" في ظلها يوما ما مهنة السحر والشعوذة والتنجيم. ودليلي في هذا الاستنتاج هو أن إعلاميي بني آشور يسخرون من كتاب بني كلدو اليوم على صفحات الشبكة الإلكترونية بسبب "مهنة" زاولها أجدادهم ويقال عنها "كلدنة" في دساتيرهم ولا يقبلون سوى بالتسمية الآشورية، أليس كذلك؟ وهنالك من يدعي العكس، أي أن الآشوريين كلدان وفق ما تيسر لهم من معلومات تاريخية متضاربة، وكلا الإدعائين غير صحيح، بطبيعة الحال.

وكرد على بطلان إدعاء صاحبي ومن يسايره في هذا المنحى، سأورد في مقالة اليوم أدلة لعلماء يشهد لهم التاريخ بالنزاهة على أن "الكلدان" إسم علم أولا وقبل كل شىء، إسم أطلق على شعب وأمة عريقة، كالآشوريين بالضبط، مستندا بذلك على ثلاثة مصادرأصحابها ليسوا بنحاتين هذه المرة كي أرضي غرور وغطرسة محاوري عله يحترم قلم الآخرين بشكل حضاري بعيدا عن التهكم والسخرية. مؤلف الكتاب الأول هو البريطاني آركيبولد هنري سايس (1845 – 1933) المعروف بمؤلفاته الرصينة، فهو بروفيسور (أستاذ) متمرس في الآشوريات من جامعة أوكسفورد (1891 – 1919). ومؤلف الكتاب الثاني طبيب جراح وجيولوجي، هو الباحث وليم فرانسيس أينزوورث الذي رافق البعثة الأثرية الإنكليزية في رحلة التنقيب إلى ضفاف الفرات في القرن التاسع عشر. أما مؤلف الكتاب الثالث، فهو من أهل الدار. إنه الأستاذ جورج ديفد مالك (1837 – 1909 ) الذي وافته المنية يوم 15/6/1909 إثر حادث مؤسف على الحدود الروسية/الأيرانية في طريق هربه مع إبنه نسطورس وإبنته سارة من مسقط رأسه في بلدة أورميا يوم 27/5/1909. جورج رجل دين ومبشر وباحث وأستاذ متمرس في تاريخ حضارات ولغات الشرق والفقيه في الشريعتين الإسلامية والمسيحية. كتب كتابه، الذي سرق من عمره خمسة عشر سنة حتى أنجزه، باللغة السريانية الحديثة بعد أن جال وصال في بابل ونينوى والهند وبلاد فارس وأوصى أبنه قبيل وفاته بضرورة طبع الكتاب الذي خطه بيده وبدمه وترجمته إلى لغات العالم. تـُرجم الكتاب إلى الفارسية والإنكليزية ولم يترجم إلى العربية بعد.

وقبل أن أوجز ما ورد في كتب سايس وأينزوورث ومالك عن الشعب الكلداني وبابل، لابد لي من توضيح مفردة رائجة، ألا وهي تسمية "الآشوريات". من البديهي أن ننظر إلى هذه المفردة كناتج طبيعي لمجريات البحوث الميدانية ولا يمكن استبدالها بتسمية "الكلدانيات" التي يحاججني بها كاتبنا المغمور وينصحني متهكما بالابتعاد عن الدراسات التاريخية لأن جامعتي ليس فيها قسم للدراسات الآشورية. يا لسذاجة هذا الكاتب! ربما لا يعلم القارىء بأن معظم الدراسات الآثارية والتاريخية عن حضارات وادي الرافدين استندت على مقتنيات مكتبة آشور بانيبال بالدرجة الأولى فأصبحت التسمية الآشورية من المسلمات التي لا جدال فيها ولا يجوز التبجح بها من طرف واحد والانتقاص من قيمة الآخر الذي شارك أجداده فعليا في بناء حضارتي آشور وكلدو رغم العداء التاريخي على مستوى القيادات. كما لا يجوز للباحث الكلداني أو غيره أن يحتج على التسمية التي أضحت عرفا في الغرب بشكل خاص لأن الجزء الأعظم مما قيل في قومه محفوظ في هذه المكتبة التي هي إرث إنساني، وليس آشوري وحسب. وهذا لا يعني بأن التسمية تجعل من الكلداني أو العيلامي أو الكنعاني أو الفارسي أو الآرامي أو العربي دونت أخباره في تاريخ الحضارات القديمة آشوريا. إن الباحث يسعى وراء الحقيقة أينما وجدت.

يعتمد كتاب سايس الذي نشر سبع مرات (راجع المصدر في ذيل الدراسة) على كتب تاريخية عديدة، أهمها كتابات بيروسز (بيروسوس)، الراهب والفلكي والمؤرخ الكلداني الذي قيل بأنه ولد في القرن الرابع ق. م. عندما احتل اسكندر المقدوني بلاد بابل في ربيع سنة 323 ق. م. وإن كان سايس يحاجج بيروسز في بعض التفاصيل، إلا أنه يؤكد على مكانتة التاريخية، خاصة إذا علمنا أن بيروسز كان أمينا لمكتبة الإله مردوخ، أي ما معناه: "وشهد شاهد من أهلها" أو كما يقال: "أهل مكة أدرى بشعابها". دعونا نرى ماذا يقول البروفيسور سايس حول هوية الكلدان.

 يقول سايس (ص 9) بأن بابل كانت مركزا لاستقطاب أقوام سامية من شتى الاصقاع، خاصة من صحراء النجد في الجزيرة العربية، وامتزجت بالثقافة السومرية. وبالمثل، كانت "كلدة" الواقعة في منطقة الأهوار على نهر الفرات التي أشتق منها أسم "الكلدان" جغرافيا ثم توسع استخدامه  فشمل سكان بابل برمتها وأصبح "الكلدانيون" جزءا حيويا من الشعب بسبب حكم الأمير الكلداني ميروداخ بلادان لبلاد بابل، هذا الأمير الذي أضحى رمزا لحرية البابليين في صراعهم مع الآشوريين على سدة الحكم، الأمر الذي يدعونا إلى تبني النظرية القائلة بأن نبوخذنصر ينحدر من أصول كلدية. وهذا سبب كاف لأن يجعلنا أن نقر بأن التسمية الكلدانية لقوم أسمهم "الكلدانيون" موغلة في القدم. ويشاطره في هذا البروفيسور أينزوورث الذي يقول عن الكلدان بأنهم "أمة" ويقتبس سايس عن سترابو قوله بأن الكلدان كانوا فلاسفة وشعب مثقف امتلأت بهم طرقات ومعابد بابل ونينوى (أنظر المصدر في ذيل الدراسة).

ماذا يقول المرحوم جورج مالك عن الكلدان؟

كان يعبد الكلدانيون (البابليون الأوائل) الشمس في بداية الأمر، وتبعهم في ذلك الآشوريون من بعد. إتخذ الكلدانيون من بعل إلههم الأعظم من بين عدة آلهة. كان بعل على هيئة إنسان قبيح جدا بلباس آدمي وعلى رأسه تاج ذهبي بقرنين. وعلى غرار الكلدانيين، كان للآشوريين آلهة عدة، ولكنهم اتخذوا من آشور إلها جبارا. ويروي المؤلف بأن الألهين بعل وآشور تعاونا بطرق خبيثة على تسمية إثني عشر إلها دونهما رتبة وأوعزا إليهم القيام بوظائف محددة. فعلى سبيل المثال، كان الإله مردوخ مسؤولا عن الفلك وشؤونه والثقافة وقراءة الطالع، ونيبو حامي السماء، بينما كان أدر – شمدان بطل الحرب وداحر الأعداء في الوقت الذي كان الإله نركال رئيس أركان حرب ومشرفا عسكريا عاما، والحديث يطول عنهم وعن قائمة ملوك كل مملكة. ورغم تحكم الآلهة بالحياة العامة للشعب، إلا أن الكلدان والآشوريين على السواء كانوا يعتقدون بقوة خفية أعظم من آلهتهم تدير شؤونهم وتسيطر على حركة الكون.

يقول لنا صاحب الكتاب أن مملكة بابل أخرجت إلى الوجود بفضل الكلدانيين والبابليين الأوائل الذين شكلوا شعبا متجانسا، ولكن لم تنعم بابل بالسلام والاستقلالية التامة حتى تولي نبونصر العرش لأنها كانت خاضعة للدولة الآشورية التي فرضت الجزية على أهلها رغم محاولاتهم المتكررة لإزاحة الظلم المفروض عليهم. تمكن نبونصر أخيرا من تلبية نداء شعبه فكانت له الغلبة سنة 747 ق.م. حكم مملكة بابل عشرة ملوك كان آخرهم نبونيدوس الذي نصـّب إبنه بيلشصر وليا للعرش وراح يقاتل الفرس بعيدا عن بابل. إنتهز سايروس فرصة غياب نبونيدوس عن المدينة فوجـّه فيالقه نحو بابل وحاصرها لمدة سنتين وأسقطها فأصبحت رهينة الحكم الفارسي منذ سنة 538 ق. م.

وبعد سقوط بابل، بدأ إسم الكلدانيين بالإنحسار بسبب الموجات الآرامية المتلاحقة والمتسارعة وتأسيس دولة آرام وانتشار اللغة الآرامية عالميا فأضحت التسمية الآرامية بديلا عن الكلدانية أو مرادفا لها. إستمر هذا الوضع حتى فجر المسيحية وشيوع اللغة السريانية في المنطقة. ويروي لنا حسن بار (بن) بهلول (القرن العاشر الميلادي) بأن المسيحيين الأوائل كانوا يسمون بـ (الآراميين) ثم تبعتها التسمية الكلدانية مجددا واستقروا أخيرا على تسميتهم بالسريان. وهذا ما يؤكده جورج مالك الذي يقول بأن آبائنا السريان الأوائل أوضحوا بما لايقبل اللبس في كتاباتهم التاريخية أن الكلدان والآشوريين والسريان "أمة سريانية واحدة" أصولها آرامية، وإن اجتهد البعض في نسبهم إلى الآشورية خطئا، إذ يكفينا أن نقارن ما تيسر لنا من نقوش وكتابات وصور ولـُقى في آثار نينوى وبابل للإستدلال على ما ذهبنا إليه في أننا فعلا "أمة سريانية واحدة" بعيدا عن التلاعب بالألفاظ وتخريج قيم الحروف حسب الأهواء.

الأردن في 14/8/2010

Ainsworth, William Francis (2009 [1838]). Researches in Assyria, Babylonia and Chaldea; Forming Part of the Labors of the Euphrates Expedition. London: John W. Parker.
Malech, George David (2009 [1910]). History of the Syrian Nation and the Old Evangelical-Apostolic Church of the East: From Remote Antiquity to the Present Time. Whitefish, MT: Kessinger Publishing LLC.
Sayce, A. H. (2008 [1899]). Babylonians and Assyrians: Life and Customs. New York: Charles Scribner's Sons.

27
صوت صارخ من أعماق القبور المنسية
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

عدت من غربتي إلى الوطن على بساط حلم وردي فوجدته أسير مصباح فخاري كمصباح علاء الدين وقد نقشت عليه ثلاث مقاطع بخط تعذرعلي قرائته. كنت قد سمعت عن حكاية المصباح السحري والجني العجيب الذي ظل في داخله دهورا عندما كنت صبيا، لكنني لم أسمع يوما بوجود نقش أو صورة على سطحه. خلتها قطعة أثرية مزينة بنقش سومري أو أكدي أو بابلي أو آشوري خلـّفتها مافيا الآثار ورائها بعد أن حمل جحوشها ما حملوا من كنوز وهربوا بها. تأملت في النقش ثانية. أردت أن أتلمس محيطه بأناملي، ولكن الذعر تملكني خشية أن يكون في داخله عبوة ناسفة. تذكرت أنه كان هنالك مجمع للغة السريانية في بغداد. نقلت الحروف كما هي على قصاصة ورق وتوجهت ببساطي إلى المجمع مسرعا. لدهشتي، وجدت الباب موصدا ومزلاجه مختوما بالشمع الأحمر. لم أرَ أحدا ً في الجوار كي أسأله عما حل ّ بأهل الدار. بدأ السكون المخيف يلج مسامات جلدي ويتغلغل إلى أوردتي وشراييني ويغادرها مزهوا ليستقر خلف الكتل الكونكريتية المنتشرة في أرجاء البلاد في عز النهار ثم يتمدد بفعل الحرارة الملتهبة ليرقد بسلام ليلا بين قبور منسية.

توجهت ليلا برعاية ضوء قمر تموزي أول طلوعه إلى مقبرة الوركاء التي تـُعد الأشهر في تاريخ البلدان ودخلتها خلسة من الطرف الغربي. كم كنت راغبا في أن أطلق صرخة مدوية لكي أكسر جدار الصمت الذي ساد المكان، ولكنني تراجعت خشية أن يتهشم ما تبقى من عظام سواعد بناة أور وأريدو ونيبور. جلست بجانب صخرة انحنى ظهرها بفعل الزمان. أخرجت منديلا من جيبي لأزيل عنها ما علق بها من تراب لأتكأ عليها وأسند رأسي كي أتأمل النجوم التي ملأت السماء. ولدهشتي، وجدت نقشا ثلاثيا كالنقش الذي وجدته على المصباح، ولكن هذه المرة بخط آرامي قديم. حاولت قرائته فلم أفهم منه شيئا. يا لتعاستي! ضربت محيط الصخرة التي يلفها تراب غريني براحة يدي اليمنى مرة تلو الأخرى ظنا مني بأن صوت الطرق يصل أسماع أرواح ما زالت تتجول في دهاليز العالم السفلي. شعرت بأن يدي بدأت ترتجف وتنزف دما. إختلطت قطرات الدم بالتراب فعجنت شيئا منه ووضعته على الجرح كي أوقف النزف. وبينما كنت منشغلا في تضميد جرحي، لاحظت بأن الصخرة استوت وأصبحت قائمة. لم أصدق عيني. حسبت أن ثقل رأسي وجسمي هو الذي دفعها إلى الوراء فاستقامت، ولكن بعد لحظات من التأمل، سمعت صوتا أجشا صادرا من باطن الأرض يقول: لا تنبشوا في القبور أو تعبثوا بها، ولكن مضايفنا عامرة، فأهلا بكم في عالمنا السفلي كلما نحرتم بعضكم بعضا.
تملكني خوف شديد وبدأت أحدث نفسي وأتمتم بصوت خافت: ولكنني لم أسع إلى نبش القبور، يا سيدي، بل جئت هنا طمعا في طلب المعونة التي لا يقوى الاحياء على تقديمها.
وانبعث صوت أجش آخر من الأعماق:
-   وما طلبك، أيها الطارق؟
شعرت بشىء من الطمأنينة هذه المرة فقلت:
-   لم أفلح في فك رموز منقوشة على آنية فخارية والصخرة الموضوعة هنا.
تعالت قهقهات الموتى فملأت المكان، وجاء الجواب من بينها مشوشا:
-   أنا، أنت، أنتم.
وساد المكان سكون لم أعهده من قبل.
إنتصف الليل. تطلعت إلى النجوم المتلألأة التي تسبح حول القمر في كبد السماء وقد زال عني الخوف. خلتها لأول وهلة أسماء لآلهة شبيهة بإسم آنو، إله السماء، فلم تكن هي قطعا. اجتهدت في تفسيرها على أنها الثلاثية الكونية التي قرأت عنها في فلسفة وادي الرافدين إجمالا، فوجدتها الأقرب، رغم علمي بأن فك رموز حضارات اندثرت قبل الآف السنين أمر صعب. وعندما أوشكت خيوط الصباح الأولى بإسدال الستار عن حلمي الوردي، تيقنت أن ما عناه الصوت الصارخ من القبور المنسية هو دستور أخلاقي يقول بأنه ليس ثمة تفاهم وحياة شراكة بين البشر في غياب المثلث النوني: "أنا، أنت، أنتم".

الأردن في 9/8/2010

28
فيثاغورس ونظام الأعداد الكلداني/ج2
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

قلنا في الجزء الأول من هذا المقال أن فلسفة الكلدان في الحياة كانت مبنية على مقولة أن "لكل شىء حساب". هذا ما يؤكده المؤرخون بقولهم أن الحياة الكلدانية بكافة مرافقها، بشقيها المادي والروحي، كانت تحكمها الأعداد. وحسب "كتاب الكلدان في الأعداد"، كان يرى الكلدانيون في الأعداد طاقة خلا ّقة دائمة الحركة ومتناغمة روحيا مع نظام الكون لأنها ترتبط بحركة الكواكب والنجوم والأجرام السماوية المختلفة، بل وأنها تناظر الطاقة التي نشأ عنها الخلق وتطور بمرور الزمن. وبناء على هذا التصور الشمولي للوجود عُدّ نظام الأعداد نظاما متكاملا في تشخيص حركة الطبيعة وزمن حدوث ظواهرها المتعددة وسبر أعماق حياة الناس والمجتمعات برمتها. ولم تكن علوم الطب واللاهوت والفلك بمعزل عن علم الأعداد، بل انصهرت جميعها في بوتقة علمية واحدة موغلة في القِدم وتحيطها هالة من القداسة. ومن هذا النبع الصافي ارتوى فيثاغورس وبطليموس وأبقراط وغيرهم وترجموا العلوم الكلدانية إلى الإغريقية التي نقلها عنهم الرومان في أوروبا والعرب في الأندلس حتى عصر النهضة. ومن الملفت للنظر أن لقب "كلداني" كان يطلق فخرا على كل إغريقي تلقى العلوم في بلاد كلدو، ومنهم تلامذة فيثاغورس، وكأنه تخرج من جامعة عالمية رصينة يُحسب لها ألف حساب.

نؤكد على ما أوردنا في الجزء الأول من موضوعنا الشيق هذا فنقول بأن علماء الأعداد يـُجمعون على حقيقة أن نظام الأعداد الكلداني هو أقدم وأرقى وأعقد وأدق نظام عددي في الوجود. ماهو هذا النظام الذي توجهت إليه الأنظار بعد الآف السنين وعكف الخبراء على برمجته حاسوبيا في الألفية الثالثة، وما مغزاه؟ باختصار شديد وبشىء من التبسيط، هو نظام حسابي يعتمد على الأرقام 1 – 8 تحديدا، وتمثل هذه الأرقام قيما للحروف اللغوية، أية لغة كانت، أي أنك تجد زمرة من الحروف تحت الرقم 1، وزمرة ثانية تحت الرقم 2 ، وهكذا. وهذه الحروف ليست مرتبة ألفبائيا على شكل متوالية عددية، كأن نقول أ = 1، ب = 2، ج = 3، وهلم جرا. إن القيمة العددية مرهونة بعدد ذبذبات وشدة الحروف (الأصوات) التي يتألف منها إسمك، مثلا. ليس لك أن تسأل أو تحاجج النظرية  لأن القيمة العددية للحرف سرّ بابلي دفين لا يعلم به سوى كبار كهنة المعابد في حضارة كلدو القديمة. ما عليك سوى إدخال حروف إسمك، أو إسم حبيبتك التي ستقترن بها، تحت ما يناظرها من أرقام وتجمع القيم الناتجة. سترى نفسك بأنك تقع بين الأرقام 1 – 8، ولا يحصل على الرقم 9 أي شخص إلا ما ندر لأن الرقم 9 كان مقدسا لدى الكلدانيين، بعكس فيثاغورس الذي يستخدمه. أجريت العمليات الحسابية لإسمي فخرجت بحاصل جمع قيمته رقم 6 ، ووجدت تفسيره مطابقا للجزء الأعظم من شخصيتي وسلوكي في الحياة. ترقبوا الجزء الثالث الذي سيشرح لكم الخطوات العملية في كيفية عمل النظام العددي الكلداني، هذا النظام الذي يفسر دواخلنا وآمالنا في الحياة، من جهة، ونظرة الناس إلينا وكيفية التعامل معهم، من جهة ثانية. إن شئت أن تحسبه سحرا أو تنجيما، غض الطرف عنه وصلي صلاتك، ولله في خلقه شؤون.

الأردن في 1/8/2010

29

الكلدان والآشوريون: أخوة في الدم واللغة وعداء تأريخي متأصل

بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا[/color]/ الأردن

لم كن أعلم بأن العداء بين الكلدان والآشوريين هو حقيقة تأريخية متأرجحة على بندول "المحبة الظاهرية – الكراهية الدفينة" إلا بعدما خبرته وتلمسته في موضعين، عائلتي والمواقع الإلكترونية. وإن كان إسمي الذي تخلو حاءه من نقطة يدل على كلدانيتي بوضوح، مذهبا وقومية، إلا أن كلدانية زوجتي المذهبية لا تضفي ذرة على كبريائها الآشوري. تلمست الفرق بين أصدقائي وطلابي، ولكن لم تصل خلافاتنا إلى حد العداء، ربما بسبب اعتبارنا من "الأقليات القومية المتآخية" المغلوب على أمرها. قرأت معظم المقالات المنشورة على المواقع الإلكترونية بخصوص العلاقة المتشنجة بين الكلدان والآشوريين فوجدتها أسوأ بكثير من علاقتي القومية بزوجتي رغم السقف الذي يجمعنا. ولو استثنينا الدوافع السياسية، استطيع القول جازما بأنه لم تسعفني أية مقالة منشورة بالعربية لحد هذه اللحظة في معرفة أسباب الخصام واحتواء الآخر، حتى تلك التي يروج لها من يسمي نفسه عالما بالآثار. سعيت وراء الحقيقة من مصادر أجنبية محايدة وموثقة لمعرفة السبب فوجدت العجب التأريخي الذي اتخذت منه عنوانا لهذا المقال. أرجو من القارىْ الكريم ألا يقفز إلى الاستنتاجات السريعة ويتخذ من سقوط بابل أو نينوى ذريعة لإقامة الحجة أو اتهامي بالانحياز لطرف على حساب الآخر. إنني مجرد ناقل للمعلومات بأمانة كما قرأت واستوعبت.

نجد في كتاب "تاريخ الفنون في كلدو وآشور" في الجزء الأول منه (398 صفحة)، المنشور سنة 1884 (أنظر تفاصيل المصدر والرابط في أدناه) المترجم عن الفرنسية إلى الانكليزية، نجد تفاصيل دقيقة موثقة ومثيرة، ليس عن الفن، بضمنها المعماري، وحسب وإنما العلاقة بين أقوام كلدو وآشور وإنجازاتهم الحضارية. يخبرنا المؤلفان بأن الدولتين الكلدانية (في الجنوب) والآشورية (في الشمال) كانتا تعيشان حالة مدّ وجزر على ضفاف دجلة والفرات وما يجاورها. كانت الغلبة للأقوى عسكريا وسياسيا على مر العهود بحيث يصبح هذا الطرف أو ذاك تابعا وذليلا للآخر. هكذا كان حال الكلدان عندما أصبحت كلدو مقاطعة خاضعة للسيطرة الآشورية، وإن كانت الدولة الكلدانية هي الأقدم والأعرق وأشهر مدنها بابل، ولكن بقي الحد الفاصل بين القوميتين متميزا وأصبح أكثر جلاء جغرافيا رغم التطورات التاريخية. لقد بنى الآشوريون الذين تسنموا الحكم بعدئذ ووسعوا مملكتهم وحضارتهم على أكتاف الكلدان ومن خيرات بلادهم رغم اشتراكهم مع الكلدان في لغتهم وعاداتهم وطقوسهم الدينية وآلهتهم باستثناء أسمائها وعددها. أصول كل الآلهة كلدانية، لكن الأسم الوحيد الذي لا يظهر في أدبيات الكلدان هو الأله آشور الذي اعتبره الكلدان إلها ثانويا بينما اتخذه الآشوريون شفيعا لهم ومباركا لنصرهم في غزواتهم وهو الذي سقط بسقوط نينوى. وبما أن بلاد كلدو كانت بمثابة أم حلوب وحنون بالنسبة للآشوريين، ورغم العداء والاقتتال ومعاقبة الثوار الكلدان بالضرب والفتك وتقديمهم قربانا للآلهة، الذي لم يؤثر البتة على العلاقات غير العسكرية والسياسية بين الشعبين حتى ليوم واحد، أضحت هذه البلاد قبلة دينية ومركزا تجاريا وثقافيا للآشوريين. وباختصار شديد، لم يخترع الآشوريون شيئا يذكر، بل كانوا قساة قلوب، حتى في الممارسات الدينية، ويدقون طبول الحرب كلما دعت الحاجة. ونرى صورة معكوسة تماما لدى الكلدان، فهم أهل العلم والثقافة والفكر البناء وينتهجون المنهج التحليلي والاستنباطي ويتمتعون بقدر كبير من الكياسة وحسن الأخلاق والانفتاح على الآخر.

الأردن في 25/7/2010


Perrot, Georges & Charles Chipiez (1884).  A History of Art in Chaldæa & Assyria, Vol. 1. Translated from French and edited by Walter Armstrong and released electronically by The Project Gutenberg eBook on February 14, 2009. London: Chapman & Hall, ltd. and New York: A. C. Armstrong & Son.

http://www.gutenberg.org/files/28072/28072-h/28072-h.htm
[/font]

30
فيثاغورس ونظام الأعداد الكلداني
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

يفترض بالذي درس الهندسة المستوية في المرحلة المتوسطة أن يتذكر منطوق نظرية (6) التي تقول: الزاوية الخارجية لمثلث قائم الزاوية تساوي مجموع الزاويتين الداخليتين المقابلتين لها إذا لم تسعفه الذاكرة بأن صاحب هذه المبرهنة هو فيثاغورس الأغريقي (اليوناني) المولد الذي عاش في القرن السادس قبل الميلاد وقيل فيه بأنه "أب" للرياضيات وفيلسوف زمانه فضلا عن كونه رياضيا. جاب بلاد ما بين النهرين في ريعان شبابه لسنوات ونهل من علوم الشرق، خاصة  النظام العددي الكلداني الذي أسعفه ببلورة نظام عددي منافس له شاع في الغرب واتخذ أسمه وأصبح النظام الكلداني في عقر داره منسيا.

نتناول في هذا المقال نبذة مختصرة عن هذا الموضوع الشيق الذي دوّخ الأقدمين والمحدثين على أمل تتمة الموضوع في حلقات قادمة. نبدأ من حيث تعلمنا أن "لكل شىء حساب". ما أجمل هذه المقولة التي ورثناها عن أجدادنا! ليست هذه بفرضية كي نتحقق منها، بل نتيجة لدراسات معمقة عن أحوال الكون والبشر توصل إليها الكلدان قبل الآف السنين. وأهم ما قدم الكلدان للبشرية جمعاء هو الأرقام ولغتها والدراسات الفلكية وما تمخضت عنه، فكان الوليد نظاما لرياضيات معقدة يصعب فك رموزه السحرية حتى الساعة بسبب سرية العمل في تطويره. يسمى النظام الرياضي هذا بـ (النظام العددي الكلداني) الذي يقرن مع الحروف اللغوية فيعطينا قيما نفسر في ضوئها خط الحياة والمستقبل وحركة الكون برمته. لقد حاول الكلدان الربط بين تناغم الكواكب والنجوم وما يحدث على الأرض وكأن الكون يرقص على سمفونية بإيقاعات رقمية مختلفة.

يعتبر النظام العددي الكلداني أقدم وأعقد نظام حسابي من كل الأنظمة الرقمية في العالم القديم والحديث، بل وأكثر دقة من نظام فيثاغورس الذي نال شهرة أوسع بسبب بساطته. إن ما يميز النظام العددي الكلداني عن نظيره الفيثاغورسي هو انغلاق الأول على نفسه، ربما بسبب حكمة نجهلها، وانفتاح الثاني على العالم الغربي. كان الكلدانيون يعتبرون الرقم (9) مقدسا لاعتبارهم أن ما من شخص يمكنه كسب قيمة هذا الرقم من الطاقة وتوظيفها خلال سنين حياته ما لم يكن استثناء، بينما يرى أنصار فيثاغورس المحدثين في الرقم (10) بعدا روحيا وأنسانيا متمثلا بخطى المسيح ودرب صلبه ورمزا للكمال. وبينما يرتبط النظام العددي الكلداني بالحروف اللغوية كأن نقول بأن حرف الألف يساوي واحد، فأن نظام فيثاغورس عبارة عن متوالية عددية، كما هو الحال في كتابتنا الأعداد بالترتيب، أي على خط مستقيم. ويتميز النظام الكلداني باستخدام العدد المزدوج، أي رقمين متجاورين، مما يجعل طريقة حساب العمليات الرياضية معقدة بالنسبة إلى المفسر لكثرة المعاني المتولدة والتأويلات، بينما يختزل النظام الغربي كل الأعداد إلى رقم منفرد. ورغم هذه الاختلافات، فان النظامين متشابهان في غايتيهما، أي أن القاسم المشترك بينهما واحد، خاصة اعتماد الأرقام من 1 – 8، وهو محاولة الكشف عن لغة الأرقام وتناغمها مع الكون. وبمعنى آخر، يحاول علماء الأعداد الكشف عن ماهية الأرقام والحروف اللغوية المكافئة لها والصلة الوثيقة بينها وبين الجوانب الروحية والمادية لبني البشر. وأية محاولة لفهم هذه العلاقة الوشيجة بين الجوانب المختلفة ستمكننا مستقبلا من فهم افضل للتناغم القائم بين كل مكونات الكون الذي يشكل الإنسان محورا مركزيا فيه.

وإلى الملتقى في حلقة قادمة...

الأردن في 23/7/2010

31
الدكتور حكمت حكيم، أستاذ القانون الدستوري والنظم السياسية، يغيبه الموت

اختلفت مع المرحوم أم لم تختلف، فالأمر سيان: لقد فقدنا محاورا غيورا على وحدة العراق بكافة أطيافه قبل أن نفقد علمانيا يساريا أو كلدانيا يعتز بخصوصية قوميته. يكفينا فخرا أنه قارع الظلم على الجبهة السياسية وكان علما في جبهة الإنقاذ الوطني. ويزيدنا فخرا أنه كان أستاذا في حقل تخصصه العلمي. إنها خسارة مضاعفة لا تقل الواحدة عن الأخرى أهمية، إذ كان القلم سلاحه في محاربة الجهل ونشر الفضيلة وروح القانون أينما حل غريبا طوال عقود من الزمن في أرض الشتات والبندقية درعه في مواجهة الطاغوت على قمم جبال شمالنا الحبيب ووديانه. إنها خسارة بكل معنى الكلمة لأنه خبر النضال بكل تفاصيله وسيحتاج شعبنا عقودا لأن يلد مثيلا له. لم أكن أعرف المرحوم شخصيا، ولكنني قرأت له وتتبعت مسيرته فحزنت حزنا شديدا لفراقه وهو لا يزال في عنفوان شبابه المتأخر.

نقدم لعائلته الصغيرة وأسرته الكبيرة وخلا ّنه ومعارفه تعازينا القلبية بهذا المصاب الجلل،
وإنا لله وإنا إليه راجعون.

الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

32
ملحمة گلگامش نثرا: اللوح الثاني عشر وخاتمة
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


يفقد گلگامش لعبة، ربما كانت آلة موسيقية، قيل أن عشتار كانت قد صنعتها له خصيصا من خشب شجرة اقتلعتها الريح الجنوبية وجرفتها مياه الفرات فانتشلتها ثم غرستها في بستانها المقدس ورعتها كي تصنع منها سريرا وكرسيا، لكنها اكتشفت بعد أن ترعرعرت وكبرت أن ثعبانا اتخذ أسفلها مأوى له وأن طيرا بريا حط عليها فبنى عشا لفراخه وأن شيطانة سكنت منتصفها مما أحزنها. وما أن هبت عشتار لنجدة گلگامش حتى راح ينشد مساعدة شباب أوروك لاقتلاعها من جذورها وقصها. قيل أن لعبته سقطت في حفرة عميقة ولم يستطع استعادتها رغم محاولاته العديدة، فبكى بكاء مريرا وندب حظه على فقدان هديته. ولما علم أنكيدو بحزن گلگامش، إستجاب لنحيبه وقرر النزول إلى عالم الأموات من أجل استعادة لعبته. يخاف گلگامش على خلـّه أنكيدو فيرشده من أجل أن يعود سالما إليه. ولذلك ينصحه بألا يتهندم بملابس زاهية ويلبس نعلا أو يعطر جسمه بعطور نفاذة كي لا يثير شكوك من يحوم حوله ويبعد الشبهات عنه. ينصحه أيضا بألا يحمل عصا أو يرمي رمحا فقد يصيب أحدهم. على أنكيدو ألا يقبـّل الزوجة التي أحبها أو يعنـّف الزوجة التي نبذها فيما لو صادفهما. كما وجب عليه ألا يقبـّل الإبن الذي أحبه أو يضرب الإبن الذي أطار صوابه. وتتلخص تعليمات گلگامش بألا يحدث أنكيدو أي ضجيج يثير الانتباه. ولكن أنكيدو يخالف الوصايا فيقع فريسة سهلة بين مخالب الأموات. 

يبكي الملك گلگامش، إبن نينسون، بمرارة على صديقه الذي قبض عليه فيتوجه أولا إلى أنليل ومن ثم إلى إيا معبرا عن حزنه وألمه لفقدان خلـّه من أجله وطالبا منهما العون لاستعادته، ولكن لم يستجب أياً من الآلهة لتوسلاته ونحيبه، بيد أن مساعيه تتكلل بالنجاح مع الإله شمش الذي استجاب لطلبه وأعاد روح أنكيدو من العالم السفلي. يعانق گلگامش شبح أنكيدو ويلتئم شملهما لبعض من الوقت. يطرح عليه گلگامش أسئلة كثيرة عن الأوضاع في العالم الآخر. ويبدو من الصورة التفصيلية القاتمة التي يرسمها أنكيدو عن عالم الأموات بأن قلبه الذي كان يعشقه گلگامش ويغمره بفرح عارم عندما كان ينبض بالحياة تعشعش الآن فيه ديدان وتتغذى عليه. يطير صواب گلگامش ويصرخ ويبكي ويمرغ نفسه بالتراب. يستمر أنكيدو في سرده قائلا بأن أولئك الذين يحيون ذكراهم في عالم الأحياء ويقدمون لهم ذخرانا يشعرون بالغبطة والسرور. وبالمثل، فأن أولئك الذين لقوا حتفهم في منازلة شريفة يحظون بالرعاية الجيدة. ويسأله گلگامش عن أولئك الذين يموتون في العراء دون أن يحظوا بمراسيم دفن، فيجيب أنكيدو بأن قرارا لم يصدر بحق هؤلاء. أما أولئك الذين أضحوا في طي النسيان بعد أن واراهم التراب وليس هنالك من يقدم لهم ذخرانا جنائزيا أو أضحية من أجل راحة نفوسهم  في عالم الأموات فأنهم يقتاتون على فضلات الطعام التي ترمى في القمامة.


وينتهي اللوح الأخيربشكل مفاجئ، إلى حد ما، بما بدأت به الملحمة
:


هو الذي رأى كل شىء.

خاتمة

بينما كنت أسطر إعادة كتابة ملحمة گلگامش نثرا وردتني عدة تساؤلات وملاحظات عن لفيف من أصدقائي وزملائي وطلابي وبعض القراء ممن لا تربطني بهم سابق معرفة عما إذا كان هذا العمل ترجمة عن الأصل أو ترجمة لترجمة معينة عن الأصل، فأجبتهم بأنها ليست ترجمة بالمعنى الدقيق للترجمة، وإن كانت في بعض مفاصلها ترجمة توفيقية أو توليفية، غير أن ترجمة المرحوم طه باقر إلى الشعر عربيا ساعدتني الكثير في حبك الملحمة سرديا، بيد أنني اعتمدت على تراجم شعرية ونثرية انكليزية قديمة وحديثة، ومن ضمنها دراسات نقدية، لم تسعف المنية الأستاذ الكبير طه باقر أن يطلع عليها، ومن بينها رسائل دكتوراه، اعتمدت النسخ البابلية والآشورية والكيشية وغيرها مما عثر عليه في الأناضول وفلسطين، وما زال البحث والتنقيب جاريا.  ورغم الجهد الجبار الذي بذلته في إخراج النص النثري بالشكل المنشور إلكترونيا على عدة مواقع، لا أعتقد بأنني ألبست النص الحلة التي تليق به، إن كان من حيث سلامة اللغة العربية أو بلاغتها أو حتى التفاصيل السردية. وخير مثال على ذلك، هو اللوح الثاني عشر التي تضاربت حوله الآراء لأنه يخرج عن التسلسل المنطقي للأحداث التي سبقته، بل وحتى في تفاصيله. وهذا يعني بالضرورة أن ما ورد في هذا اللوح هو محاولة توفيقية لربط سعي گلگامش وراء الخلود وإخفاقه ببعث أنكيدو وسرده عن عالم الأموات. وتجدر الإشارة إلى أن كتابة الأسماء الواردة في الملحمة ليست ذات أهمية كبيرة، إذ لا تؤخر وتقدم في فهم الملحمة طالما حافظ الكاتب على طريقة واحدة لرسمها، ومثال ذلك أسم "همبابا" الذي وجدته معربا إلى "خمبابا". على أية حال، سأترك أمر تقييم وتقويم النصوص الحالية للقارىء العاشق للتراث الرافديني القديم وأدبه العظيم وبانتظار ما يردني من ملاحظات، أيا كانت، لأنني سأعيد كتابة الملحمة وأزيل عنها كل ما علق بها من شوائب لغوية وأسلوبية وألحقها بدراسة نقدية وقائمة للمصادر، إن أمدنا الله بعمر أطول، وأنشرها ورقيا.

 وختاما، أشكر كل القراء الأعزاء الذين بعثوا بملاحظاتهم، كما أدعو من هذا المنبر أن تدرج الملحمة ضمن المناهج الدراسية المقررة،

وإلى الملتقى مع كنوز رافدينية مطمورة... 

الأردن في 18/6/2010
gorgis_3@yahoo.co.uk
[/size]

33
ملحمة گلگامش نثرا: اللوح الحادي عشر
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

لم يقتنع گلگامش بما أورده أوتو - نبشتم عن الخلود لأنه هو نفسه كان خالدا. وإن كان أوتو - نبشتم لا يختلف عن غيره من البشر كما يبدو للرائي، إلا أن گلگامش تساءل كيف له أن ينعم بالخلود ما لم يكن قد سعى إليه بطريقة ما ومنحه إياه الآلهة العظام. ولكي يريح گلگامش، قرر أوتو - نبشتم أن يكشف له عن سر دفين يعود به إلى قصة الطوفان التي راح يسردها على مسامعه كالتالي: منذ أمد بعيد، قررت الآلهة العظام إحداث فيضان من شأنه القضاء على جميع أشكال الحياة على الارض. ولكن إله المياه، إيا، انشق عنهم وراح يهمس في كوخ من القصب يسكنه رجل من مدينة شـُري باك، وهو نجل أوبارا -  توتو، ويحثه على تهديم كوخه  وتحميل ضروراته في سفينة والتخلي عن أملاكه والفرار بجلده. كان هذا الرجل هو أوتو -  نبشتم عينه، الذي بدا سعيد جدا بما أوعز به الإله إيا، ولكنه عبـّر عن خشيته من أقاويل واستغراب قومه إزاء ما هو مقدم عليه. يطمأنه إيا بحبك رواية مقنعة مفادها بأن عبده المطيع، أوتو -  نبشتم، قد غضب منه الإله أنليل وبدأ يبغضه، ولهذا كان عليه ترك المدينة لأهلها دون رجعة والنزول إلى اعماق المياه حيث يقيم ربـّه إيا بدعوة منه. كما عليه أن يعد قومه بأمطار غزيرة تزيد من غلالهم وخيراتهم وتكثر من طيورهم وأسماكهم. وما أن انتشر الخبر حتى راح أهل المدينة، صغارا وكبارا، بالتجمع حوله مع انبلاج الصبح مقدّمين له أنفس الهدايا والعطايا قرابينا، ومن بينها أغنام السهوب وما كان يحتاجه لبناء السفينة.

يسترسل أوتو -  نبشتم في قص روايته على مسامع گلگامش فيقول بأنه بدأ العمل في بناء السفينة الذي استمر سبعة أيام حسب المواصفات التي زوّده بها إيا، إذ كان ينبغي أن يكون طولها بقدرعرضها وأن يسع حجمها كل ما قدّر له أن يكون على متنها من أحياء ومؤن. ولم يبخل على العاملين معه بشىء، فقد نحر لهم الاغنام والبقر وأقام لهم الولائم وسقاهم ما طاب ولذ ّ لهم من عصير الكرم والخمر الأبيض والأحمر ليدخل السرور والبهجة إلى قلوبهم، كما لو كان احتفالا برأس السنة. وعند مغيب الشمس في اليوم السابع كانت السفينة محملة بممتلكاته ومقتنياته من ذهب وفضة فأركب أهله وذويه وجميع أقاربه وبعض الحرفيين ممن خدموه، إضافة إلى أزواج من الحيوانات الأليفة والبرية وبذرة عن كل حياة. وأردف أوتو -  نبشتم قائلا بأنهم واجهوا صعوبات جمة في إنزال السفينة إلى المياه بسبب ضخامتها. وقبل أن تنطلق السفينة في موعدها كما حدده الإله شمش وجاء مطابقا للإنذار الذي تلقاه من إيا، سلـّم أوتو -  نبشتم دفة قيادة ذلك الهيكل العملاق بكل طوابقه العليا والسفلى وما تحتويه إلى ربان محنك، هو المراكبي بوزر- أنليل (آموري)، الذي أحكم اغلاق باب السفينة إثر هبوب زوابع رعدية ممطرة بانتظار لحظة الانطلاق.  

اشتدت العواصف والأمطار طوال الليل وزادت حدتها وهيجانها مع خيوط الفجر الأولى، فبدأت تكتسح كل ما يعيق طريقها. اقتلعت الشجر والحجر وحطمت السدود التي فاضت مياهها. انشقت الأرض وابتلعت ما عليها. ظلت زوابع الريح الجنوبية تزمجر وتفتك بكل شىء يوما كاملا، وكأنها حرب ضروس، حتى غمرت المياه السهول والجبال. بلغ عنفوانها عنان السماء فأحالت كل نور إلى عتمة واختلط الحابل بالنابل بحيث تعذرت الرؤية تماما. لم يسلم حتى الآلهة العظام من ذلك الدمار الذي احدثه الطوفان، فقد ارتعدوا هلعا وفرّوا صوب السماء وربضوا كالكلاب عند بوابتها متشبثين ببعضهم البعض وكلهم نحيب وعويل وندم على ما أقروه في اجتماعهم المشين. وإن تعطلت لغة الكلام، فقد انتفضت عشتار مذهولة تصرخ كمن تعاني من الآم مخاض ساعة الولادة وتعبرعن أسفها وندمها لأنها شاطرت قرار الآلهة العظام في تسليط دمارغير محسوب النتائج على خلقها.

استمرت العواصف والأمطار ستة أيام وسبع ليال، ولم تهدأ سوى في اليوم السابع. فتح أوتو -  نبشتم كوة سفينته فأبصر نورا. تأمل الخراب الذي دمر كل شىء وأحاله إلى مجرد كتل طينية متناثرة. تملكه الحزن واليأس والقنوط فخرّ على ركبتيه راكعا ومنتحبا والدموع تنهمر من مآقيه. وفي نهاية المطاف، استقرت السفينة على جبل نيموس وظلت هناك لمدة سبعة أيام. أطلق أوتو -  نبشتم في اليوم السابع حمامة، ولكنها عادت خائبة لأنها لم تجد ما تحط عليه. ومن ثم عاود الكرّة فأرسل طائر السنونو الذي عاد خائبا أيضا. حاول ثالثة مع غراب. وما أن اطلق سراحه حتى راح الطير يحوم بشكل دائري ويحلق بعيدا دون رجعة، فأدرك أوتو -  نبشتم أن المياه قد انحسرت وأضحت اليابسة على مقربة منه، الأمر الذي جعله يطلق سراح جميع طيوره في الاتجاهات الأربعة.

وما أن لامست قدمه الأرض اليابسة حتى راح يقرب القرابين للآلهة باتجاه الرياح الأربع. أعد سبعة قدور وكدّس تحتها حزما من نبات القصب الحلو والآس وخشب الإرز ففاح عطرها مما قادت رائحتها الزكية الآلهة إلى موضع أوتو – نبشتم، فاحتشد الآلهة حول قرابينه كالذباب لأنهم لم ينعموا بتلك التقدمة من البشر لوقت طويل بسبب الطوفان. تعهدت عشتار على نفسها بأنها لن تنسى الذي حصل وأقسمت بأنها ستحظر أنليل من التواجد بينهم في ذلك التجمع لأنه لم يترو في قراره وهو الذي تسبب في حدوث الفيضان وهلاك من هلك. ولكن من البديهي أن يكون أنليل على مقربة من هذا التجمع لأنه شاهد السفينة واستشاط غضبا، فقد استاء من الآلهة الذين خططوا لنجاة بعض  البشر من الفيضان المدمر وإبقائهم على قيد الحياة. ألقى الإله نينورتا باللوم على إيا، ولكن إيا حاول اظهار براءته مشددا على حقيقة أن أنليل هو المسؤول الوحيد عما حدث من هلاك، إذ كان الأجدر به وهو الرحيم العليم، أن يتقدم ببدائل أقل فتكا، كهيمنة الحيوانات البرية على البشر أو تفشي المجاعة والطاعون بينهم  أو تسليط الآفات على مزروعاتهم. لم يفصح أوتو - نبشتم عن سر منحه صفة الآلوهية لحد هذه اللحظة، لا بل لم يفشه لأحد من قبل، لكنه أخبر گلگامش بأنه تراءى له كل شىء كحلم، واسترسل في سرد قصته قائلا بأن الإله أنليل كان مسرورا من دفاع إيا، ولذلك دخل السفينة يدا بيد مع أوتو - نبشتم وزوجته وأعلن على الملأ خلودهما، تماما مثل الآلهة. ثم اقتيد أوتو - نبشتم وزوجته إلى مصب النهر للعيش إلى الأبد.

وفي ختام روايته، يكرر أوتو - نبشتم على مسامع گلگامش بأن قصته حالة فريدة لا تتكرر، ولا يمكن أن تناظرها حكايته مع صديقه أنكيدو، بل لن يكون هنالك طوفان آخر. ومع ذلك، فأن أمام  گلگامش فرصة واحدة للفوز بالحياة الخالدة، وإن كانت صعبة التحقيق. إذا تمكن گلگامش من مقاومة النوم لمدة ستة أيام وسبع ليال، نال حياة الخلد. يقبل گلگامش التحدي بلهفة على الفور، ولكنه يغط في نوم عميق من حيث لا يدري، كما لو سحره ضباب كثيف ولفـّه بين ثناياه، بينما هو جالس على الأرض كالقرفصاء. تشعر زوجة أوتو - نبشتم بالأسى حياله وتطلب من زوجها أن يتلمس گلگامش كي يستيقظ ويعود سالما من حيث أتى. ولما كان أوتو -نبشتم، الحكيم الذي أنقذ الإنسان من الفناء، يعلم جيدا أن المخادعة شيمة من شيم البشر، أمر زوجته بأن تعد لرحلته أرغفة من الخبز ووضعها عند رأسه وعدّ الأيام التي ينام فيها، وذلك بوضع علامة على الحائط لتبيان مجموعها. كانت سنـّة من النوم قد أخذت من گلگامش مأخذا، ولكنه لم يكن يعلم بأنه حط في سبات عميق استمر سبعة أيام إلا عندما مسّه أوتو - نبشتم في اليوم السابع فاستيقظ ليخبره بقصة الخبزالذي يبس الرغيف الأول منه في اليوم الأول من نومه وتعفن الثاني في اليوم الثاني بينما كان الثالث ما زال رطبا في اليوم الثالث. وبينما اكتست قشرة الرغيف الرابع بياضا في اليوم الرابع، حافظ الرغيف الخامس على طراوته في اليوم الخامس من نومه. أما الرغيف السادس فقد كان صالحا للأكل، بينما كان السابع في اليوم السابع لنوم گلگامش ما زال على الجمر.

يخسر گلگامش رهانه ولم يبق أمامه سوى العودة إلى دياره خائبا ليلاقي حتفه. يتذرع إلى أوتو - نبشتم ليجد له مخرجا من ورطته، ولكن توسلاته تذهب سدى لأن أوتو - نبشتم لم يعد يتحمل إصراره، بل راح يعنف ملا ّحه الخاص، أورو -  شنابي، بسبب استقدامه دخيلا على شواطىء موطنه، ويقول له بأنه لم يعد موضع ترحيب أيضا وعليه الرحيل عن عالمه إلى غير رجعة. وفي الوقت عينه، أمره بأن يأخذ گلگامش إلى موضع الاغتسال كي يزيل عنه ما تعلق به من أوساخ خلال رحلته ليبدو نظرا كالثلج وأن يتخلص من ملابسه الجلدية القذرة ويهذب شعره ويلبسه حلـّة تكسي عريه وتليق بجماله وأن يرافقه في رحلته راجعا به من حيث قدم. ينفذ أورو  - شنابي ما أمر به سيده ويصعد مع گلگامش إلى متن القارب الذي أقلهما. وبينما يستعدان لإنزال القارب إلى المياه والشروع في الابحار، تتدخل زوجة أوتو - نبشتم بأمرگلگامش ثانية وتقول له بأن الرجل حلّ ضيفا عليهما بعدما أنهكته المسافات الشاسعة التي قطعها بحثا عنه وهو يستحق أن نمنحه هدية بمناسبة رحيله. يذعن أوتو - نبشتم لشفاعة زوجته ويقرر في تلك اللحظة أن يدرك گلگامش قبل اقلاعه ويفشي له سرا ثانيا من أسرار الآلهة. يقول له بأن هنالك نبتة تنمو في اعماق المياه، وتشبه وخزة أشواكها تلك التي يخزها شوك الورد تماما، فإذا ما عثر عليها عليه التقاطها لأنها تجدد القوى. ورغم أنه لا توجد أية ضمانة بالخلود، إلا أنها تطيل العمر وتساعد في تأجيل الشيخوخة والوفاة إلى حد ما.

وما أن سمع گلگامش بهذا النبأ المفرح، حتى راح يربط حجرا ثقيلا بكلتا قدميه كي تمكنه من الغوص إلى اعماق المياه. بحث في أثر النبتة فأبصرها. كاد أن يغرق بعدما اقتلع تلك النبتة التي لا تقدر بثمن وأدمت أشواكها يديه. يتمكن منها ويصعد بها إلى سطح المياه سالما غانما، ولكنه لم يكن متيقنا من قدرتها على ما تنبأ به أوتو -  نبشتم بسبب الحيل التي يحملها في جعبته. يقول گلگامش للمراكبي أورو -  شنابي بأنه سيأخذ النبتة العجيبة إلى أوروك ويطلب من مسنـّي أهل مدينته أولا الأكل منها ليتأكد من صحة ادعاء أوتو -  نبشتم ويبقي له شيئا منها عندما يدركه الشيب.    

وبعد أن قطعا البحر وسارا عشرين ساعة مضاعفة، توقف گلگامش والمراكبي أورو -  شنابي لتناول الطعام. ثم بعد ثلاثين ساعة مضاعفة، توقفا ثانية ولكن ليمضيا ليلتهما. أبصر گلگامش بركة من المياه الصافية ورغب في أن يغتسل بها لبرودتها. وضع نبتتة الثمينة على حافة البركة دون مبالاة. وما أن نزل إلى البركة حتى شمّ ثعبان خرج من المياه رائحة النبتة وراح يزحف إليها بصمت ويختطفها ويولي هاربا ليعود بعدها بحجم أصغر وبجلد جديد. تيقن گلگامش من مفعول النبتة التي لم يقتف لها أثرا، فانهار تماما وبدأ يبكي وينوح بمرارة على فقدانها ويستجدي العزاء من أورو -  شنابي على ما آل إليه مصيره. يصبح گلگامش منهك القوى ويندب حظه لأن كل الذي جاهد من أجله صار من نصيب أسد الأرض، ولم يجن شيئا مما ضحى لأجله سوى العودة سالما بجلده من حيث أتى.

يقرر گلگامش العودة إلى أوروك بصحبة أورو -  شنابي، ولكن الغريب في الأمر، يستعيد گلگامش عافيته أثناء عودتهما بعد ان كان لتوه منكسرا وتتبدد أوهامه وأحلامه ويشعر بالفخر والاعتداد بالنفس. ولهذا فأنه يدعو رفيق رحلته ليرتقي جدران أوروك ويتأمل أسسها المتينة وآجرها المفخور ويلقي نظرة فاحصة على محيط المدينة وسهولها ويمتع ناظريه بحقولها وببساتين نخيلها الباسق وروعة هيكل عشتار.

وإلى الملتقى مع اللوح الأخير...

الأردن في 12/6/2010

34
ملحمة گلگامش نثرا: اللوحان التاسع والعاشر
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


اللوح التاسع

وما أن انتهت مراسيم الدفن حتى يصاب گلگامش باكتئاب عميق وحزن دفين على فراق خلـّه ويبكيه بمرارة. من أجل أنكيدو يأخذ طريقه إلى المجهول هائما في السهوب والبراري وخائفا من ذات المصير المحتوم الذي أودى بحياة رفيق دربه، بل ومذعورا من الأسود التي كان يفتك بها في سالف الأيام. يتذرع إلى الإله سين، إله القمر، كي يبعد عنه هاجس الخوف من الموت ويبتهل إلى عظيمة الآلهات لتحميه وتبعده عن أي مكروه وتسانده في مشواره. يحث الخطى في القفار وبين الجبال بحثا عن جده الخالد أوتو- نبشتم، أبن أوبارا - توتو، القابع في أقاصي الدنيا ليسأله عن سر الخلود. 

وبحلول الليل يأخذ گلگامش قسطا من الراحة فيخلد إلى النوم. وأثناء نومه يراوده حلم جميل فيوقظه. يرى في هذا الحلم بأنه كان محاطا بأسود تمرح في ضوء القمر. تفائل خيرا فاستعاد بأسه ورفع فأسه واستل سيفه لينقض عليها كالسهم فيضرب اعناقها ويمضي في سبيله. يصل في نهاية المطاف إلى جبال التوأم التي تحرس مشرق الشمس ومغربها. تعانق قمم هذه الجبال العملاقة كبد السماء وتستقرقواعدها في بواطن العالم السفلي ويقوم بحماية مداخلها رجل وزوجته، نصفهما أنس والنصف الآخر وحش مرعب يشبه العقرب.

يصيب گلگامش الهلع لأول وهلة عندما يرى المخلوقين المرعبين فيغطي وجهه فزعا، لكنه يستجمع قواه أخيرا ويتقدم منهما بحذر. ترتسم على وجهي الرجل العقرب وزوجته علامات فضولية أكثر مما هي عدوانية، بل ربما انتابهما شعور بالأسى والأسف والشفقة على الحالة المزرية التي كان عليها گلگامش. وإن بدا وجهه شاحبا، فقد أدركا للحال بأن جزءا من تكوينه إلهي. يسألانه باستغراب عمن يكون وما غايته في قطع كل هذه المسافات والطرق الوعرة التي سلكها وما وجهته، فيجيبهما بأنه يقصد جده الخالد أوتو - نبشتم بحثا عن سر الحياة الأبدية ولغزها. يحاول الرجل العقرب أن يثني گلگامش عن عزمه في البحث عن المستحيل لأنه لم يسبق لأي انسان وأن حاول اجتياز مسالك تلك الجبال العصية التي يلفها ظلام دامس ويقتضي عبورها مدة اثنتي عشر ساعة مضاعفة. ولكن گلگامش يؤكد بأنه ليس لديه خيار آخر ولا يمكن العودة إلى الوراء.

يوافق الرجل العقرب على مرور گلگامش والمضي قدما. ودون تردد وبغية كسب الوقت، يخطو گلگامش باتجاه مسار الشمس. إنه يحتاج إلى اكمال مسيرتها من خلال جبال التوأم قبل أن تنشر الشمس خيوطها وإلا ذهبت جهوده ادراج الرياح. وهذا يعني بأنه كان عليه أن يخوض سباقا مع الزمن لكي يتمم رحلته بنجاح. يندفع إلى الأمام لمدة خمس وست وسبع وثماني ساعات مضاعفة خلال ظلام دامس لا يسمح له أن يرى أمامه بوضوح أو أن ينظر إلى الوراء. ولكن بعد أن قطع تسع ساعات مضاعفة، يشعر بهبوب الرياح الشمالية وهي تلفح وجهه، بيد أنه ما يزال غير قادر على الرؤية بجلاء حتى تلك اللحظة. لذلك كان عليه أن يتحمل ساعة مضاعفة أخرى في تقدمه. ولكن عندما زفت الساعة الحادية عشرة مضاعفة، يدرك گلگامش أن رحلته القاتلة قد اكتملت مع ظهور أول خيوط الشمس. وبعد اثنتي عشرة ساعة مضاعفة بالتم والتمام يبصر نورا متألقا فيجد نفسه في جنة تتدلى من أشجارها وأشواكها أحجار كريمة تحبس الأنفاس وتأخذ بالألباب لما تتمتع به من جمال ساحر. يبدأ گلگامش بالتجول في هذه الحديقة الخلابة حرا طليقا لم يلحظ وجوده أحد.
[/size]

اللوح العاشر


يستأنف گلگامش رحلته. يقترب من نزل على شاطئ البحر تعيش فيه امرأة تديرحانة للخمر تزهو بمعدات تخمير وأقداح وأوعية مصنوعة من الذهب. تلحظ سيدوري، صاحبة الحانة، گلگامش من بعيد فتتحجب على الفور وتأخذ الحيطة والحذر بعدما توجست بأن القادم قد يكون لصا أو مجرما. ما أثار شكوكها كان لباس گلگامش الجلدي وشعره الأشعث ومظهره المزري. لذلك اقفلت بابها بوجهه. ولكن ما أن سمع گلگامش صرير الباب حتى راح يزجرها ويهددها بكسره والدخول عنوة. يحاول أن يقنعها بأنه گلگامش، ذلك البطل الذي قضى على همبابا الوحش ونحر ثور السماء وصرع الأسود. تظل سيدوري متوجسة من هويته لأنها لم تصدق أن يظهر الأبطال بمظهر يرثى له حيث كانت الكدمات تملأ وجهه. ولكن بعد أن امطرته بوابل من الأسئلة وتبددت مخاوفها تعبرعن رغبتها في سماع قصته وتأذن له بالدخول.

يروي گلگامش حكايته من ألفها إلى يائها ويعزي سبب حالته المزرية إلى رحيل خلـّه عن الدنيا التي شاطره فيها بطولاته. تستمع سيدوري إلى شرحه المسهب وكلها آذان صاغية. تتعاطف معه. ولكن قبل أن تقول كلمتها وتسدي له النصح، يطلب گلگامش منها أن تدله الطريق إلى أوتو - نبشتم، وإذا ما فشل في تحقيق هدفه، فهذا يعني بأن قد كـُتب عليه ان يجوب السهوب والقفار والبراري لبقية حياته. تحذره سيدوري بقولها أنه ما من أحد عبر البحر سوى الإله شمش لأن مياه الموت تغمره وتعيقه من ركب امواج البحر. وعوضا عن المخاطرة بحياته، تنصحه بأن يتمتع بالحياة وملذاتها وأحكامها لأن الآلهة استأثرت بالخلود وحكمت على البشر بالفناء. ولما كان گلگامش مصرا على اتمام رحلته مهما كلف الثمن، تضطر سيدوري إلى ارشاده. تقول له بأن هنالك مراكبي أسمه أور - شنابي في وسط الغابة، وهو ملاح يعمل عند أوتو – نبشتم، وأن بحوزته قارب متين مزود بصور حجرية تدله على طريقه، وعليه أن يركب البحر بصحبته.

وما أن سمع گلگامش بهذا الخبر السعيد حتى انتفض من مكانه وشد قبضته على فأسه واستل سيفه وشرع يجوب الغابة بحثا عن المراكبي أور- شنابي وقاربه المزود بالصورالحجرية. يباغت گلگامش المراكبي ويمسك به. وليطفأ سورة غضبه، ينقض على الصورالحجرية ويبدأ بتكسيرها ورميها في البحر. يتفاجأ المراكبي من فعلته، ربما بسبب الخوف الذي تملكه. يفصح عن هويته أولا، ثم يطرح على گلگامش ذات الأسئلة التي طرحتها عليه سيدوري، صاحبة الحانة. يعرّفه گلگامش بنفسه، ثم يقص عليه قصته ويندب حظه بفقدان صديقه أنكيدو الذي دفعه ليركب المخاطر من أجله. ولكي يجتاز گلگامش بحرالموت، يطلب من أور- شنابي القوي والخبير معاونته. يتفاعل المراكبي مع مأساة گلگامش ويتعاطف معه، غيرأن گلگامش قوّض فرصته الأخيرة لعبور مياه الموت وتحقيق مراده لأنه من دون الصور الحجرية التي حطمها بكلتا يديه وألقى بها في البحر لن يكون بمقدوره انجاز مهمته. ورغم ضياع هذه الفرصة، يجد له أور- شنابي بديلا نافعا. يشير إليه بتناول فأسه والذهاب إلى الغابة وقطع ما تيسر له من خشب يصلح لصنع عدد كاف من المجاذيف تمكنهما من الإبحار بيسر.

يصعد گلگامش والمراكبي إلى القارب بعد اتمام مهمتهما بنجاح. يكملان رحلتهما البحرية التي تستغرق شهرا ونيف وفق الحسابات التقليدية في ثلاثة أيام. وعندما يصلان حدود مياه الموت، يحذ ّرالمراكبي گلگامش بألا يلمس الماء لكونه ساما، وإنما عليه استخدام المجاذيف حصرا لتسيير القارب، ولكن گلگامش استنفذ كل المجاذيف التي بلغ تعدادها مائة وعشرين بسبب عمق البحر مما اضطره إلى استبدال مجذاف بعد آخر في كل دفعة قارب إلى الأمام. ولذلك يشمـّر گلگامش عن ساعديه وينزع ثيابه وينشر القلوع بيديه.

يشاهد أوتو - نبشتم القارب من بعيد وعلى متنه تابعه أور- شنابي وشخص ثان. يستغرب مثلما استغربت سيدوري، ساقية الحانة، عندما لمحت گلگامش ويتساءل عمن هشـّم الصور الحجرية الخاصة بالزورق وعمن يكون الشخص الثاني. يستنتج أن الشخص الثاني على متن القارب لابد أن يكون غريبا وجاء في طلب ما. يلتقي گلگامش بجده الأكبر أوتو – نبشتم ويدور بينهما حديث طويل. تتكرر الأسئلة والإجابات، كسابقاتها مع سيدوري وأور – شنابي، فيستطرد گلگامش قائلا أنه كان عليه أن يلتجأ إلى جده الأكبر في أقاصي الدنيا بعد مخاض عسير في قطع المسافات الشاسعة ليقص عليه قصته الحزينة ويضع حدا لكآبته. 

قبل أن يلقي أوتو - نبشتم محاضرة عميقة الدلالات على اسماع گلگامش، ينعته بالأحمق لعدم قدرته على التمييز بين المشورة والهراء. يطلعه على الحقيقة المرة التي تفيد بأن الآلهة هي التي تتحكم في مصائر البشر منذ لحظة ولادتهم وأنه يرهق عقله وجسده في مقارعة قانون الخلق والحياة والموت. يسترسل أوتو - نبشتم في عظته فيقول بأن الحياة تدب وتستمر في جميع المخلوقات لكن الموت يأتي إليها زاحفا بصمت وينهيها بضربة قاضية، تماما كما تشاء الآلهة العظام، ولا يعلم أحد من البشرمتى يحين الأجل سوى الآلهة التي قررته سلفا ولكنها لا تعلن عن موعده جهرا. يصغي گلگامش باهتمام بالغ إلى عظته المليئة بالحكم، فيقول له أوتو - نبشتم بأن الموت قاس لا يرحم أحدا، ويتساءل: هل تدوم الدار التي نبنيها أو العقود التي نختمها؟ وهل يقتسم الأخوة ميراث آبائهم ليبقى حتى انقضاء الدهر؟ وهل تبقى البغضاء إلى الأبد؟ وهل يفيض النهر على الدوام؟ لا تكاد الفراشة تخرج من شرنقتها حتى تبصر الشمس ويحل أجلها، وما كان هنالك ديمومة وخلود منذ غابر الأزمان. ويختتم أوتو – نبشتم عظته مشبـّها النوم بالموت والعبد بالسيد متى ما حان أجلهما. 

وإلى الملتقى مع اللوح الحادي عشر....

الأردن في 6/6/2010

gorgis_3@yahoo.co.uk
[/size]

35
ملحمة گلگامش نثرا: اللوحان السابع والثامن
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


اللوح السابع

يقص أنكيدو تفاصيل كابوسه على گلگامش. وما رواه لصاحبه لم يعد حلما وإنما حقيقة على الأرض، بل مصيرا محتوما ينتظره. ينعقد المجلس بحضور الآلهة العظام آنو وأنليل وأيا وشمش. يتناولون في نقاشاتهم الأحداث الساخنة على الساحة، وتحديدا مقتل همبابا ونحر الثورالسماوي. يسود الاجتماع شعورعام بأن گلگامش وأنكيدو تجاوزا حدوديهما في تنفيذ المجزرتين طمعا في المجد. ولوضع حد لهذا التجاوز، كان على احدهما أن يلقي حتفه عاجلا أم آجلا. يقرر أنليل أن يكون أنكيدو كبش الفداء. يحاول الإله شمش أن يجهض قرار أنليل لأنه هو الذي أوعز إليهما بقتل همبابا والثورالسماوي، ولكن أنليل يردّه على اعقابه متهما إياه بالتواطؤ مع بني البشرلأنه يمكث معهم طوال النهار. وما أن وصل قرارالآلهة بفناء أنكيدو حتى يخيم الحزن والأسى على الصديقين الحميمين گلگامش وأنكيدو.

وتستمر الاحزان والخوف من قادم الأيام حتى يصبح أنكيدو طريح الفراش ويصاب بحمى اوصلته إلى حد الهذيان، وبالتالي اطلاق سيل من الشتائم الغاضبة، بدءا بلعن الباب الذي صنعه في غابة همبابا. لقد اضحى يخاطب الباب وكأنه انسان. كان يتمنى لو لم ينقش أسمه عليه لأن ملكا ما سيأتي من بعده ويستبدله. كان يتمنى لو حطم ذلك الباب الجميل الذي صنعه من خشب الغاب النادر بفأسه وحوله إلى قارب بسيط لأن الجمال جلب له المصائب. يراقبه گلگامش عن كثب ويواسيه بقوله أن الآلهة حبته بقلب كبيرومنحته الحكمة، وما احزانه سوى تلك التي تقدرها الآلهة على بني البشر. ويقترح عليه التوسط لدى الآلهة العظام لتحريره من اللعنة التي حلت عليه والحزن الذي غلبه. كما يعده أن يصنع له تمثالا من ذهب خالص لا يقدر بثمن. وفي عين الوقت، راح گلگامش يعزّيه ويعرب عن أسفه لأنه كان يعلم جيدا بأن قرارات الإله أنيل لا رجعة فيها وأن شتائم أنكيدو لا طائل منها. ولكن أنكيدو لم يتوقف، بل بات يطلب من الإله شمش مزيدا من اللعنات والشتائم، يطلب منه أن تحل اللعنة على الصياد الذي لمحه في الغابة لأول مرة، وعلى البغي شمهات التي فتحت له عينيه وصهرته في الحياة المدنية وملذاتها. يطلب أنكيدو من الإله شمش ألا يجعل الصياد  يغنم بصيد أو تتحقق له أمنية وأن تقتات شمهات على فضلات المدينة وتجوب الدروب المظلمة بحثا عن مأوى وأن ينبذها عشاقها بعد أن يقضوا منها وطرا وتضحى سلعة رخيصة لقارع طريق وسكران وكل من ينشد المتعة. ولكن الإله شمش ينحاز إلى ما فعلته شمهات فيذكـّر أنكيدو بحلاوة حياة الحضر ومفاتنها، ولذة طعام وشراب الآلهة والملوك، كما يذكـّره بأفخرالملابس التي كان يرتديها. وفضلا عن ذلك، فقد عثر على نصفه الآخر، خلـّه الوفي گلگامش. ويضيف الإله شمش بأن گلگامش سيكرمه بعد موته ويحزن عليه حزنا شديدا، مثلما سيحزن عليه أهل أوروك ويرثوه برثاء تتناقله الأجيال. والأنكى من ذلك، سيهمل گلگامش مظهره من أجله. سيطلق شعره ويلف جسده بجلد أسد ويجوب السهوب ويهيم على وجهه في القفار والبراري بسببه. وكل هذا التقدير شرف عظيم له، شرف يخزي من يأتي على ذكره بلائمة أو يهينه بعد رحيله عن الدنيا.

يخفف الإله شمش نوعا ما عن الآم ومخاوف أنكيدو، ولذلك يتراجع عن لعناته لشمهات، بيد أن صحته تزداد سوءا، إذ كان يعاني من شدة الأوجاع في معدته. يتقلب على فراش مرضه وحيدا ثم يناجي گلگامش ليقص عليه حلما ثانيا راوده الليلة الفائتة فأزعجه كثيرا كسابقه. يروي له بأنه بينما كان واقفا زمجرت السماء وبدأ الرعد يعانق الأرض. ظهر أمامه فجأة شاب مخيف يشبه وجهه نسرا أسودا فأمسك به بمخالبه، وكأنها مخالب أسد، وبدأ يضيق الخناق على رقبته حتى كادت انفاسه تتقطع. شعرأنكيدو أن بدنه تبدل تماما وأن يداه اضحتا كجناحي طير كساهما الريش. يمضي أنكيدو قائلا بأنه جرّده من ملابسه وربطه ثم اقتاده بعيدا إلى دارجهنم، دارتكسوها العتمة. إنها دارالظلمات، تلك الدارالتي لا يدخلها نور. إنه عالم الأموات، عالم لا يرجع منه من دخله. يضيف أنكيدو بأنه رأى ملوكا وحكاما وقد تجردوا من تيجانهم. كان زادهم الطين والتراب، كبقية القوم، بينما كان طعام وشراب نواب الآلهة آنو وأنليل اللحم المشوي والخبز والماء البارد. وفي نهاية حلمه، يخبر گلگامش بأنه عندما وجدت آلهة العالم السفلي إسمه على قائمة الوافدين رفعت رأسها وقالت: من أتى بهذا الرجل هنا؟ وبما أن أنكيدو شعر بأن نهايته المحتومة قد قربت، تودد إلى گلگامش راجيا منه تخليد صداقته إلى الأبد. يشتد المرض بأنكيدو ويلزم فراشه لأثني عشر يوما متتالية متمنيا لو سقط في ساحة الوغى كبطل، ولكنه يستدعي گلگامش ليلفظ انفاسه الأخيرة مستسلما لقدره بعد صراع مرير مع المرض الذي هزمه.


اللوح الثامن


يبدأ گلگامش باعداد طقوس الحداد لصديقه أنكيدو بدءا بدعوة سكان أوروك قاطبة ومحاكاة الاشجار والأنهار والحيوانات البرية ومناجاتهم بهذا المصاب الجلل. يفصح عما يجيش في صدره من حزن ويعلن بأنه سيبكيه بمرارة كنحيب النسوة. لم يصدق گلگامش حقيقة أن صاحبه رحل عنه إلى غير رجعة. كان يعتقد بأنه في سبات عميق فهزه لكي يستيقظ فلم يستجب. تحسس قلبه ولم يشعر بدقاته. حينئذ فقط أدرك تماما بأنه فارق الحياة. يغطي گلگامش وجه صديقه أنكيدو كما تبرقع العروس وجهها. يحوم حوله كالنسر ويذهب جيئة وذهابا أمام فراشه ويتمعن النظر فيه ويزأرمثل لبوة سقط شبلها في حفرة. ينتف ظفائره ويمزق ملابسه الجميلة ويرميها أرضا كما لو كانت نجسة.

وما أن لاح أول خيط من خيوط الفجر حتى راح گلگامش يدعو الحرفيين لمعاونته في صنع تمثال من اللازورد والذهب لصديقه. يعد أنكيدو مرة أخرى بأنه سيلزم الجميع على وجوب تكريمه بإعلان الحداد الرسمي على وفاته. أما هو، فأنه يتعهد بأنه سيطلق شعره وينبذ الملابس الفاخرة ويلبس عوضا عنها جلد الأسود ويجوب السهوب والبراري هائما على وجهه. يبدأ گلگامش بعد ذلك بانتقاء الاحجار الكريمة وجمع الكنوز المختلفة التي سترافق صديقه إلى العالم السفلي من أجل إرضاء الآلهة والشياطين هناك. يصف گلگامش هذه الهدايا بقدر كبير من التفصيل، ويختتم طقوسه بفتح باب خزينته وجلب طاولة كبيرة من الخشب الثمين وملأ وعائين من اللازورد، احدهما بالعسل والآخربالزبدة. يزين كلا الوعائين بزينة تليق، على ما يبدو، بإله الشمس كي يرضى عما فعله وسيفعله لصديقه أنكيدو وفاء له.

وإلى الملتقى مع الألواح المتبقية...

الأردن في 1/6/2010

gorgis_3@yahoo.co.uk
[/size]

36
ملحمة گلگامش نثرا: اللوحان الخامس والسادس
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


اللوح الخامس

يلتقط گلگامش وأنكيدو انفاسهما عند مدخل غابة الإرز ويتأملان جمال الطبيعة الخلابة أمامهما. يقفان منبهرين في حضرة غابة مزهوة بأشجارها الباسقة وسحرها وظلالها الوارفة التي تبهج الناظر وتدخل السرور إلى قلبه. ولكن متعتهما لم تدم طويلا، فقد عيـّن همبابا الوحش عفريتا ليحرس بوّابتها. كان عليهما التخلص منه قبل أن يتوغلا في جنباتها. أجهزا عليه، فخر صريعا في الحال. تقدما نحو قلب الغابة بحذر شديد مسترشدين بآثار اقدام همبابا على المسالك التي يسير فيها عادة. وما أن شرع گلگامش بقطع بعض اشجار الإرز بفأسه حتى انتفض همبابا المخيف مسرعا باتجاه ضجيج قطع الاشجار ومصدره. ومن حيث لا يدريان من أين أتى، بدأ همبابا على الفوربسب وشتم ولعن واستهجان المتطفلين على خلوته في عقر داره، فيصف گلگامش بالمعتوه وأنكيدو بفرخ سمكة وسلحفاة تجهل ذويها. يهدد گلگامش بقتله وتقديم لحمه طعاما فاخرا للطيورالجارحة. لم يبال گلگامش بتهديده، بل راح يشد من أزرأنكيدو لتوجيه ضربة قاضية له.

ويبدأ النزال بعد مشادة كلامية. يتصدى البطلان للمارد. تهتز الأرض تحت أقدام المقاتلين وترتعد جبال صور ولبنان هلعا. من البديهي أن تكون الغلبة للأقوى، للعملاق همبابا في بادىء الأمر، الذي ادخل الرعب إلى قلبيهما وكاد النصر أن يكون حليفه بادىء الأمر. ولكن بعد أن يتدخل الإله شمش ويستجيب لتضرعات نينسون، يثير ثلاثة عشر ريحا هوجاء ويسوقها بوجه همبابا فتعميه وتعيق حركاته مما مكـّن گلگامش وأنكيدو من الاجهاز عليه بأسلحتهما الفتاكة وارغامه على الاستسلام. ها وقد خارت قواه، يتوسل إليهما بشتى السبل أن يبقيا عليه. يشيد همبابا بشجاعة گلگامش ونبله ويعرض عليه ما طاب ولذ ّ له من الاشجارلتزيين قصره ثمنا لحياته، بل يهبه الغابة المسحورة بأسرها ويستجديه بأن يكون له خادما مطيعا. يلين قلب گلگامش ويتردد في قتله، ولكن أنكيدو يسخر من هذا العرض السخي الذي يسيل اللعاب له ويمنح همبابا فرصة للهرب بجلده فراح يسدي النصح لصاحبه گلگامش بألا يعطي له أذنا صاغية مهما تعددت الاغراءات وأن يقتله على الفور. تثور ثائرة همبابا ويحاول النهوض للهجوم على أنكيدو، ولكنه يهدأ قليلا لأنه يعلم بأن قرار الابقاء على حياته رهن بإشارة من أنكيدو الذي لا يرد له گلگامش طلبا. ورغم هدوء همبابا، يظل أنكيدو محافظا على صلابة موقفه في عدم الافراج عنه لأنه كان يعلم علم اليقين بأن الإله أنليل القابع في نيبوركتب على همبابا الفناء. وبعكسه، فأنه سيغضب منهما، كما سيغضب الإله شمش في سيبار ايضا فيما لو علم بأنهما لم ينفذا ما كان مخططا له. وفضلا عن ذلك، فقد أعاد أنكيدو إلى أذهان گلگامش رغبته الجامحة في طلب الخلود الذي يحتم عليه القضاء على همبابا ومحوه من الوجود.

ومع اقتراب لحظات الحسم التي باتت وشيكة أطلق همبابا المارد المخيف العنان للسانه فشرع يلعن گلگامش وأنكيدو ويتمنى لهما موتا شنيعا سابقا لأوانه، يطال گلگامش أولا وأنكيدو من بعده. وفي لمح البصر يسدد گلگامش فأسه بضربة قاضية لا ترحم ويفصل رأس همبابا عن جسده. يقطـّع گلگامش وأنكيدو جسد همبابا إربا إربا ويحتفلان زهوا بنصرهما المؤزر ثم يجولان ويصولان في اعماق غابة الإرز بحرية مطلقة. وهكذا بزغ فجرجديد يبدأه البطلان بإزاحة الحجاب الذي كان يغطي بوابة مسكن آلهة العالم السفلي العظام، ثم يشرعان في قطع الاشجار كما يحلو لهما ويعتزمان على استخدام الخشب في صناعة باب عملاق تتفاخر به نيبور، موطن الإله أنليل. أعدا العدة للرجوع إلى أوروك فجمعا ما يمكن جمعه من الغنائم، ومن بينها رأس همبابا ليكون شاهدا حيا على بأسهما وقدرتهما على مقارعة الشر
.


اللوح السادس

وقبل أن يقفل گلگامش راجعا إلى أوروك بصحبة خلـّه أنكيدو معلنا نصره الساحق على الوحش همبابا، كان عليه أن يفعل شيئا حيال مظهره المتسخ. وبينما كان يغتسل ليزيل عن جسده ما خلفته المعركة الطاحنة وما علق به ويلبس جلبابا أخـّّّّاذا يليق بملوكيته، كانت عشتار، آلهة الحب والحرب، تراقبه عن كثب. انجذبت أبنة أوروك البارة وراعيتها إلى مفاتن گلگامش ووسامتة والأناقة التي ظهر بها. باتت متيـّمة به منذ اللحظة الأولى.  ووجها لوجه مع گلگامش، تفصح له عن مكنونات قلبها وحبها الجنوني له. تطلب منه الاقتران بها أو معاشرته دون تردد أو استحياء. تعده بتلبية رغباته في ممارسة الجنس وتعرض عليه الجاه والثروة والسلطة المطلقة، بل  وكل ما يتمناه الرجل. لم يقع گلگامش في حبائلها رغم النزوات التي اشتهر بها. كان يعلم جيدا بأن المصير الذي ينتظره لن يكون افضل من ذلك الذي طال عشاقها السابقين. ولذلك لم يتردد في ردّها على اعقابها وراح يقذفها بأقذع الالفاظ وينعتها بالفجورمذكـّرا إياها بدسائسها مع من طارحها الغرام وأضحى مجرد رقم من بين ضحاياها.

وما أن انتهى گلگامش من تقريعه لها حتى شعرت بأنه جرح كرامتها، فاستشاطت غيظا وعرجت إلى السماء لتمثل في حضرة أبيها آنو وأمها آنتم والدموع تنهمرمن مآقيها شاكية لهما سباب گلگامش لها وإهانته وتحقيره لأنوثتها وتوجيه سيل من الاتهامات لسيرتها. واستدراكا للموقف، حاول والدها جاهدا نزع فتيل غضبها الصبياني والتخفيف من آلامها، لكنه أشار إليها بأن اللوم يقع عليها لأنها، وكما يبدو له، هي التي شرعت بالتحرش بگلگامش وتسببت في هيجانه. لم ترق لها تهمة والدها، فأطلقت العنان لبكائها وغضبها مجددا وراحت تطلب منه أن يخلق لها ثورا سماويا لينتقم لها من گلگامش في قصره. وما لم يذعن لطلب إبنته عشتار، فأنها ستقلب الدنيا رأسا على عقب، إذ ستحطم بوابة العالم السفلي وتفتحها على مصراعيها فينهض الموتى من مثواهم ويشرعوا في التهام كل ما هو حي ليصبح الأموات اكثر من الاحياء. يحذرها والدها آنو من مخاطر الثور، فقد يسبب أضرارا بالغة للمحاصيل الزراعية، وما لم تكن قد اتخذت الاجراءات التموينية المناسبة لمواجهة الموقف، ربما تحل على أوروك سبع سنوات عجاف يهلك خلالها الانسان وكل دابة على الارض. بعد أن طمأنت عشتار والدها على سلامة قرارها والاحتياطات الواجب اتخاذها، وافق على مبتغاها وحط في يدها سلسلة الثور السماوي لتمضي به إلى الأرض نزولا من السماء.

نزل الثور من السماء وعبث بأرض أوروك عبثا لم تشهده المدينة من قبل وحوّلها إلى جحيم لا يطاق. ففي أول خوار للثور الهائج، انشقت الارض وابتلعت مائة رجل ورجل. تكررالخوار فطال المئات من البشر الذين ابتلعتهم الارض.  وعندما اطلق العنان لخواره الثالث، احدث حفرة عميقة وهجم على أنكيدو، ولكن أنكيدو قفز قفزة الابطال وصدّه فأحكم قبضته على قرنيه ورشقه بزبده ورغائه. نادى أنكيدو على صاحبه گلگامش كي يسانده في جولته الثانية للقضاء على الثور. وبينما كان جمهور أوروك يشاهد المنازلة الحافلة والمثيرة بمجرياتها، أمسك أنكيدو بذيل الثور بينما راح گلگامش يسدد سيفه بين قرني الثور وسنامه ليدق عنقه بضربة قاضية. يقتلع گلگامش وأنكيدو قلبه من جحره ويقدمانه قربانا للإله شمش تعبيرا عن ايمانهم به وتشريفا له.

انزعجت عشتار وثارت ثائرتها مجددا لمصرع الثور. ترتقي أسوار أوروك وتصب جام غضبها على گلگامش. تتقافز وترقص بجنون للتنفيس عن ألمها بفقدان حيوان عزيز على قلبها وتلعن گلگامش وتشتمه لأنه أهانها ثانية وقتل ثور السماء الذي تقدسه. وعندما سمع أنكيدو هذه الشتائم، استشاط غضبا وبتر فخذ الثور وقذفه بوجه عشتار. كما راح يهددها بتشويه خلقتها وقتلها مثلما فعل هو وگلگامش بثورها وربط احشاء الثور بأطرافها.
استدعت عشتار حاشيتها من بنات المعبد وبغاياه وكاهناته لتقديم التعازي بمقتل الثور المأساوي ومشاركتها احزانها. أما گلگامش فقد دعا جميع حرفيي المدينة لرؤية رأس الثور الذي غنم به والتمتع بمشاهدة جماله وضخامة حجمه وسمك قرونه. ثم قدم زيتا يعادل الرأس وزنا قربانا لإلهه الحامي لوگال بندا وعلق الرأس وقرونه في حجرة نومه تذكارا خالدا.

وبعد أن أديا المهمة بنجاح، يغسل گلگامش وأنكيدو ايديهما بماء نهر الفرات. وبفرح غامر واحتفاء بالنصر المؤزر يتعانقان ويمضيان صوب أوروك. وخلال سيرهما في دروب المدينة صدحت حناجر أهل اوروك بأهازيج وأناشيد حماسية تمجد نصر الابطال. أقام گلگامش حفلا صاخبا بهذه المناسبة في قصره دعا إليه حاشيته وكل من هب ودب. وبعد أن أنهك الاحتفال بكل مفرداته كل من شارك فيه ومضى في سبيله، خلد گلگامش وأنكيدو إلى النوم. يحلم أنكيدو حلما مزعجا وينهض فزعا وكأنه كابوس. يوقظ گلگامش من نومه ليسأله وقد تملكه الذعر: أما تعلم، يا صاحبي، لماذا تجتمع الآلهة في مجلس للتشاور؟

وإلى الملتقى مع احداث الالواح التالية...

الأردن في 29/5/2010

gorgis_3@yahoo.co.uk

37
ملحمة گلگامش نثرا: اللوحان الثالث والرابع
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


اللوح الثالث

ملاحظة: مما يؤسف له، عثرالآثاريون على اللوح الثالث في حالة يرثى لها، ولكن رغم الكسورالعديدة التي طالته عبرالدهور، تمكن المترجمون من اعادة بناء السرد، ولو بصور مختلفة، لكنها تنسجم والاحداث السابقة واللاحقة في غياب التفاصيل، ونوجزها للقارىء تواصلا مع نهاية احداث اللوح الثاني كالتالي:

وكان لقهقهات گلگامش وقعها على شيوخ المدينة الذين ادركوا بأنهم غير قادرين على ثني مليكهم الشاب عن عزمه في المضي قدما نحو الهدف. ولذلك ما كان عليهم سوى توديعه ومناشدته بألا يتكل على قوته وحسب، وإنما عليه الوثوق بصاحبه أنكيدو واعتباره ساعده الأيمن. كما طلبوا من أنكيدو أن يكون عيون گلگامش الساهرة وأن يسهر على سلامته، وتمنوا لهما عودا حميدا وآمنا.  

وقبيل انطلاقهما، يطلب گلگامش من أنكيدو مرافقته إلى هيكل والدته نينسون. وفي الهيكل، يعيد إلى اسماعها عزمه على الترحال في غياهب المجهول وتصميمه على خوض نزال حاسم لا يمكن التكهن بعواقبه. ولذلك يتذرع إليها لتمنحه بركاتها كي يعود إليها غانما معافى ويشاركها احتفالات رأس السنة.

وتلبية لنداء گلگامش تشرع نينسون في اداء طقوس السفر البعيد. تغسل جسمها وتمسحه بالزيت المقدس وتتزين بلباسها وحليها وتضع تاجا على رأسها، ثم تتسلق الهيكل صعودا إلى سطحه وتقدم النذور والقرابين إلى الإله شمش وتحرق البخور شفاعة لتحل بركاته. ومع ذلك، فأنها تلقي باللوم عليه لأنه وهب ابنها گلگامش قلبا لا يهدأ ولا يستكين، القلب الذي طاوعه أن يركب المخاطر، وهو يعلم تمام المعرفة بأن رحلة گلگامش وأنكيدو محفوفة بالمخاطر ومجهولة النتائج. وتذكـّر نينسون الإله شمش ايضا بأن همبابا هو الشر بعينه، الشر الذي يمقته، وبأن الشابين قررا محوه من على وجه الارض تماما. تتضرع نينسون إلى الإله شمش وعروسته آيا أن يمنحا المقاتلين بأسا وإلى ثلاثة عشر ريح هوجاء كي تعمي بصيرة همبابا لتفتك به اسلحة گلگامش فتكا وتحيله أثرا بعد عين.

وبعد أن تنهي نينسون طقوسها وتطفأ مبخرتها تنزل من السطح وتستدعي أنكيدو للمثول امامها في حضرة كاهنات وبغايا وعذارى معبدها وتقول له أنه على الرغم من أنها لم تنجبه، فقد اصبح الآن ولدا لها بعد أن قدمت نذورا وقرابينا لإبنها گلگامش. ثم قلدت عنقه بقلادة من الجواهرتعميدا لبنوته وليكون بمثابة رمز يعتد به. وتختتم نينسون مراسيمها بعد أن تأتمن أنكيدو على سلامة گلگامش بالرجوع إليها. وقبل أن ينطلقا إلى المجهول، يؤدي المقاتلان طقوسا ختامية ويذكـّرالشيوخ أنكيدو ثانية بنخوته
وأن يكون خير رفيق لمليكهم.


اللوح الرابع

يحدثنا اللوح الرابع عن رحلة مضنية صوب غابات الأرز، رحلة يقوم بها گلگامش وأنكيدو على خمس مراحل متطابقة في احداثها ونهجها. هي رحلة تتطلب في العادة شهرا ونيف لإتمامها، ولكن المسافة الشاسعة تختزل بثلاثة أيام فقط. يحفرا بئرا ويؤديا طقوسا خاصة للإله شمش. وعند المغيب يخيـّمان لتمضية الليل. لم ينعم  گلگامش بنومه بسبب الرؤى التي خالها كوابيسا. تفزعه الكوابيس هذه خمس مرات متتالية. يتراءى له في احدها بأنه اضحى كالأوزة التي نـُتف ريشها. وفي حلم ثان، يرى بأنه وأنكيدو سقطا من قمة جبل وهويا إلى اسفله كذبابتين صغيرتين. كما يتراءى له في كوابيسه الاخرى بأن جبلا هوى عليه ولكن يدا من نور وهـّاج تنتشله وتسقيه ماء فيـُسر قلبه. يطلب گلگامش من أنكيدو تفسيرا لهذالاحلام المزعجة. يخفف أنكيدو من روعه قائلا بأن الجبل الذي سقط عليه فأل حسن، إذ يرمز إلى المارد الجبار همبابا الذي سينالون منه.
 
شارف گلگامش وأنكيدو تخوم الغابة التي يسكنها همبابا، هذه الغابة القريبة جدا من لبنان. تغرورق عيناي گلگامش بالدموع عند مدخلها. يبتهل إلى الإله شمش ويذكرّه بنذور ودعوات أمه نينسون من أجل عودته سالما غانما إلى أوروك. ينبئه قلبه بأن الرسالة وصلت وأن عليه وعلى خلـّه أنكيدو الصمود والتصدي بحزم لما يخبئه لهما همبابا من شر وأن عليهما مباغتته قبل أن يدجج نفسه بالسلاح. وما أن سمع أنكيدو هدير زمجرة همبابا الرهيبة من بعيد حتى خارت قواه. جاء الآن دور گلگامش ليشد من أزر أنكيدو الذي بدا له مرتعبا. يذكرّه گلگامش بسالف بطولاتيهما التي توّجت اصرارهما بالتقدم نحو الهدف المرسوم.

وإلى الملتقى مع احداث الالواح المتبقية.

الأردن في 21/5/2010

38
ملحمة گلگامش نثرا: اللوح الثاني
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

تذكرنا الابيات الشعرية التي يفتتح بها اللوح الثاني بايجاز بمشهد ممارسة أنكيدو الحب مع الغانية شمهات لمدة ستة أيام وسبع ليال، التي على ما يبدو أن أنكيدو نسي خلالها أين كان مولده، وبحثّّّّّّّ شمهات له للمضي قدما نحو أوروك وموافقته. تبدأ رحلتهما وهي ممسكة بيده بعد أن مزقت ثوبها إلى نصفين وأكست عريه بالنصف الثاني. تقوده في أول محطة استراحة الى مخيم للرعاة. وما أن لمحوا أنكيدو، اصابهم الذهول بسبب الشبه الكبير بين قوامه وجسم گلگامش الشبيه بالآلهة. وتحولت الضيافة على الفور إلى حفلة اشتد صخبها ليلا بسبب إفراط أنكيدو في اللهو والشرب والرقص والمداعبة.

ويستمرأنكيدو في التأقلم مع الحياة الجديدة التي تـُعد له الطعام والشراب بعدما كان يسعى إليهما بمفرده. يضعون الخبز والجعة أمامه وهو لا يعرف بالضبط ما ينبغي عليه فعله بهما، فتنقذه شمهات من محنته كعادتها وتطمئنه بقولها أن الملوك والآلهة تقتات على الخبز وتروي غليلها بما طاب ولذ لهم من الجعة. وكما اصبح شبقا بعد الجولة الأولى من تجربته الجنسية، أخذت الشراهة منه مأخذا فكان له مع الخبز سبع جولات ومع الجعة سبع صولات اسكرته تماما فجعلته يطرب غناء بصوت عال.  يغسل الرعاة الشعر الكثيف الذي يغطي جسده بالماء ويمسحونه بالزيت ويلبسوه هنداما يليق به فيتحول إلى مخلوق بشري كامل. وكرد ايجابي على خدماتهم وكرم الضيافة، يتبرع أنكيدو بحراسة الرعاة اثناء نومهم وحماية قطعانهم من الذئاب والأسود.

والآن حان موعد توجه أنكيدو وشمهات الى أوروك. وما أن دخلا المدينة لاحظا جمهرة وصخبا وإثارة. إقتربا من شاب وسألاه عما يجري. أجاب الشاب بأن الناس منهمكون بالاعداد لمراسيم زواج يتقدمهم گلگامش، ملك أوروك. وأضاف بأنه جرت العادة على أن يدخل گلگامش بالعروس قبل أن يدخل زوجها بها.  وما أن سمع أنكيدو هذا الخبر امتعض وثارت ثائرته. وعلى وجه السرعة، توجه بمعية الغانية إلى ساحة الاحتفالات وسط المدينة حيث تجري الطقوس علانية في بيت الاخصاب.

تجمعت الحشود المتجمهرة حول أنكيدو وشرع البعض يتوسل ويقبـّل قدميه كي لا يتدخل بشؤون الملك، ولكن  كان غضب أنكيدو مستعرا إزاء سلوك الملك اللاأخلاقي، فتوجه مسرعا إلى مخدع الزوجية ليمنع گلگامش من الوطوء بالعروس. وبحركة بهلوانية ذكية ثبـّت أنكيدو قدمه عند ناصية باب نزل المجامعة ليرد گلگامش على اعقابه ويقف له بالمرصاد. تناطح الخصمان كالثيران الهائجة وابتدأ القتال الضاري بينهما بحيث باتت الجدران المحيطة بهما تهتز من شدة المنازلة. سقط أنكيدو أرضا فثنى گلگامش ركبته وثبـّت احدى قدميه بالأرض ليرفع أنكيدو. تنفس أنكيدو الصعداء وهدأت سورة غضبه. وعندما استدار ليمضي، اعترف علنا بأن نينسون أمه، آلهة البقرالوحشي، ارضعته القوة وأن الإله أنليل قد جعل من گلگامش أن يكون قدر الشعب ومليكه باستحقاق. وهكذا ينتهي التحدي بين العملاقين ويقبـّلان بعضهما الآخرمعلنين صداقتهما أمام الملأ.

يعرّف گلگامش صديقه الجديد إلى والدته نينسون، ولكن ما أن تخبرهما بأن أنكيدو محروم من أب وأم وأنه ولد في السهوب يتكدر مزاج أنكيدو ويصيبه الاكتئاب ويشرع بالبكاء. وللتخفيف عن الآمه، يسارع گلگامش في سؤاله عن سبب قنوطه. يفصح أنكيدو عن سر قوته التي حبته طبيعة الغاب والوهن الذي يعاني منه بسبب مسايرته للحياة المدنية وانغماسه بملذاتها. ولكن گلگامش يجد له حلا، حلا يقضي القيام بمغامرة جديرة بمقامه. يرى گلگامش بأن هذه المغامرة هي مغامرة يتحدى بها الموت والشر لكونها الدواء الوحيد لمعضلته. يقترح گلگامش على أنكيدو الذهاب إلى غابة الأرز وملاقاة الوحش الكاسر همبابا في عقر داره وتحديه والنيل منه. ويضيف گلگامش قائلا بأنه حتى لو افناهما همبابا الوحش من الوجود، فأن الواقعة ستسجل انتصارا لهما لأن اسميهما سيخلدان إلى الأبد. ويتسائل گلگامش: وهل هنالك افضل من هذا المقترح؟


 لم يرق هذا الاقتراح لأنكيدو، فقد أصابه الذعر لأنه كان يعرف همبابا حق المعرفة بينما گلگامش لم يره قط، وإن كان يعرف أسمه ولا يستهين بجبروته. لقد شاهده أنكيدو مرارا وتكرارا عن كثب في تلك الأيام الخوالي التي كان يسرح ويمرح فيها على روابي السهوب مع حيواناته الوحشية. وبناء على خبرته، يحذرگلگامش عدة مرات من منازلة همبابا، هذا الوحش الذي يـُسمع زئيره الهادر من مسافات بعيدة، صوت لا يماثله عنفوانا سوى ذلك العباب الذي رافق الطوفان العظيم. ويسترسل أنكيدو في وصفه لهذا الوحش فيقول بأن إله النار جعل من فمه بركانا ملتهبا وأن أنفاسه هي الموت بعينه. بل والاسوأ من هذا كله، فأن الإله أنليل خصـّه بحماية غابة الأرز من الدخلاء غير المرغوب فيهم.

ولكن گلگامش يسخر من مخاوف أنكيدو ويصف حكايته عن همبابا المارد على أنها هراء في هراء. وعوضا عن ذلك، فأنه يقوي من عزيمة أنكيدو بالاشارة إلى ماضيه التليد، فهو أولا وقبل كل شىء ولد في الغاب ونشأ بين الأسود والوحوش المفترسة وما كان لمخلوق بشري ضل طريقه الجرأة في التقرب منه. وبعد أن اشاد گلگامش ببأس صديقه أنكيدو الذي تأثر بمديحه له، قررا الذهاب فورا إلى المدينة والطلب من حرفييها الاسراع بصناعة اضخم السواطير والسيوف الفتاكة تحت اشرافيهما.  وكان لهما ما أرادا بالضبط.

وقبل أن يغادرا إلى الغاب، ألقى گلگامش خطبة بشعب مدينة أوروك بشيبها وشبابها معلنا أنه على موعد مع المجهول، طريقا وخصما. يلتمس منهم البركة والشد على أزره، ويعدهم بأنه سوف يحتفل وإياهم بالسنة الجديدة مرتين في حالة عودته سالما غانما. هلل الشباب، بطبيعة الحال، لما هو عازم عليه، بينما لم يشاطرهم أنكيدو حماستهم واصرار گلگامش في المضي قدما نحو هدفه، لذلك وجه أنكيدو نداءا إلى شيوخ أوروك يحثهم فيه على مؤازرته في ثني گلگامش عن عزمه بعد أن اعاد إلى اذهانهم هول الملحمة القادمة وبأس همبابا وبطشه. أخذ الشيوخ تحذير أنكيدو على محمل الجد وشرعوا في انتقاد مليكهم  على ما تنطوي عليه خفة دمه وهم يكررون على مسامعه الكلمات التي نطق بها أنكيدو. لم يأبه گلگامش بما قيل فيه وعليه، بل راح يلتفت إلى صاحبه مقهقها ساخرا من تحذير قومه.

الأردن في 16/5/2010
gorgis_3@yahoo.co.uk

39
ملحمة گلگامش نثرا: اللوح الأول
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

تبتدأ ملحمة گلگامش الشعرية بافتتاحية وملخص لها على لسان راو ٍ مجهول الهوية، يرجح أن يكون ذكرا. يعلن هذا الراوي عن قصة بطل ذاع صيته في جميع أنحاء المعمورة، فهو الذي خبـِر العالم السفلي وكشف لنا اسراره وأتانا بأخبار ما حدث قبل الطوفان. إنه شخص ستتذكر الاجيال حكمته جيلا بعد جيل، ولكن الطرق التي سلكها في تحقيق مجده كانت وعرة وشاقة وطويلة للغاية. ورغم هول هذه الطرق التي لم تطأها الارجل إلا ما ندر، فقد تحدى الصعاب وواصل مشوار رحلته فأضحى اشهر من نار على علم بين الحكماء على الأرض ونقش ما خبر ليكون قبسا مضيئا على مسلة تستنير به الأجيال القادمة. وما سيطلع عليه القارئ هي  الكلمات التي سطـّرها بدمه. هنالك اشارة عمن يكون هذا الشخص، فهو الذي شيّد أسوار أوروك ومعبد الآلهة إيانا المقدس. 

كما يوجه الراوي في هذه الديباجة دعوة مفتوحة إلى كل من له أذن صاغية للتقرب اكثر وإلقاء نظرة فاحصة على هذه الجدران الشامخة التي تسطع شرفاتها النحاسية بريقا. كما ويدعو الناظر إلى التأمل بعتبة البوابة التي تفتح ذراعيها لسالف الأزمان والتقرب من معبد إيانا حيث تقيم عشتار، إذ لن يكون بمقدور الملوك ورجالات المستقبل أن يشيدوا صرحا كهذا الذي يأخذ بالألباب. ويجدد الراوي دعوته المفتوحة فيطلب من مستمعيه التسلق على أسوار أوروك والتجول في فضاءاتها والوقوف على متانة أسسها التي صممها حكماء أوروك السبعة وشيدت من الآجر المفخور. ويمكن للناظر من على هذه الجدران أن يرى بأم عينيه جمال المدينة وضواحيها الموشحة ببساتين النخيل الخضراء والصهريج المبني من الطين المفخور وحرم عشتار ومكان اقامتها. ورغم أن مدينة أوروك غنية بمساحات زراعية واسعة، ألا أن قسما من أراضيها لم يستغل بعد.

وبعد هذا العرض يحث الراوي مستمعيه لزيارة قلب المدينة والتجول فيها والبحث عن صندوق ذي صفائح نحاسية ورفع المشبك البرونزي عنه وفتح بابه الذي يخبأ وراءه سرّا، هذا السرّ الذي يفصح عن لوح منقوش باللازورد. وحالما تقع عينيك على النقش، ستقرأ  بصوت جهوري: هذه هي قصة گلگامش.

وبطل قصتنا گلگامش هو ملك الملوك الذي ذاع صيته بين الأمم. إنه البطل الذي لا يـُقارع ولا يعرف للخوف معنى وتشهد عليه ساحات المنازلة. لا يتردد البتة، فهو فضلا عن كونه ظهيرا يُعتد به في ساحات الوغى، فأنه يتقدم صفوف المقاتلين لينهلوا منه العزم وروح الاقدام. بطلنا هذا موضع ثقة شعبه ورمز شموخهم وإلهامهم، فهو الباني والمحارب المغوار والمنتصر. هو الذي اركع الجبال فجعل من بطونها ممرات سالكة، وحفر الآبار لتروي مياهها البشر والشجر وأعاد اعمار المعابد التي طالها االطوفان. ركب گلگامش البحراللامتناهي وضرب في الأرض مضربا آملا في الوصول إلى عين الشمس وقت شروقها. إنه رحـّالة من نوع فريد، رحـّالة يستكشف العالم كله بحثا عن الحياة وعن الأله يوتا نبشتم في اصقاع الأرض، ولكن البحث أعياه.

ومع أنه كان يدعى بالأبن البار لمدينة أوروك ، فأن بنوّته، كما يبدو، مزيج من الآلوهية والبشرية، إذ كان والده لوگـالبندا أ ُنسا فانيا ً بينما كانت والدته، سيدة البقر البري، آلهة خالدة. ويقال أنه ورث الثلثين عن  أمه وثلثا ًعن أبيه. وكان گلگامش بهي الطلعة، فقد تفرّد بوسامة تناقلتها الاجيال، ويقال أن الآلهة بيليت إيلي هي التي قررت أن تكون هيئته المتفردة مثار اعجاب القاصي والداني، إذ يروى أن طوله بلغ أحد عشر ذراعا وعرض صدره تسعة أشبار.

ورغم كل الوصف الحميد الذي تقدم فأن الملحمة تبدأ فعلا بنقيض لها.  فعوضا عن ترقب القارىء للمثول أمام ملك حكيم يحبه قومه، يفاجئنا الراوي، إلى حد الصدمة، بخبرطاغوت گلگامش وتعسفه وشبقه، إذ يصوره كاتب الملحمة وحشا كاسرا وظالما رعاياه ليل نهار. لا يفصح الكاتب عن طبيعة تحرشاته الجنسية، لكنه يخبرنا بأنه لم يترك عذراء لحبيبها أو خطيبة لخطيبها أو ابنة مقاتل لذويها إلا ودخل بها. وما الشكاوى المريرة التى قدمتها عذارى ونسوة المدينة إلى الآلهة أرورو ضده إلا دليلا كافيا لإدانته بالفجور. لقد ذكـّرتها النساء مرارا وتكرارا بالطاقة الجنسية الهائلة التي وهبته إياها وهو الآن يستغلها لتحقيق مآربه الخسيسة. لذلك رجونها أن تخلق شبيها له، ند ّا يقف له بالمرصاد ويضع حدا لنزواته الجنسية وغطرسته كي تنعم البلاد بالهدوء والسكينة.

امتثلت أرورو لدعائهن فغسلت يديها بالماء وتناولت جبلة من الطين ونحتت منه مخلوقا بدائيا أسمته أنكيدو وجعلت من السهوب عالما يعيش فيه مع الحيوانات التي ألفته. كان أنكيدو أشبه بوحش، قوي البنية ويكسو جسمه شعر كثيف. كانت الغابة موطنه الوحيد ولا يعلم من لغة البشر أو الحياة المدنية شيئا، لكنه مخلوق غير مؤذ بالمرة، بل تجده سعيدا جدا وهو يشارك الغزلان طعامها من الحشيش وجذلا بالحياة التي يحياها مع الحيوانات المفترسة التي تشاطره شرب المياه من منابعها.

شاءت الصدفة أن يلمح صياد هيئة أنكيدو العملاقة في الغابة فراقبه على مدى ثلاثة أيام متتالية. لم يكن يعلم  الصياد بأن ذلك المخلوق الوحشي كان مسالما، ولذلك تملكه خوف طبيعي من التقرب منه بسبب خلقته أولا، وبسبب نزع شباك صيده ثانيا. أجبره الذهول والهلع للعودة بقطعانه إلى دياره. أصابه الخرس لبعض من الوقت، ولكنه تمكن أخيرا من مخارج حروفه العصية ورواية ما جرى له على السهوب لوالده. أخبره بأنه حالما دخل الرعب قلبه توقف عن الصيد وقفل راجعا إلى الدار.

أشاراليه والده بالذهاب إلى أوروك ونقل نبأ بأس ذلك الوحش إلى گلگامش، ثم عليه العودة إلى السهوب بمعية شمهات البغي، التي ينبغي أن يطلب منها خلع  جميع ملابسها على مرأى من الوحش. وعندما يقع بصر الوحش على جسم البغي العاري سيفتن بها وينجذب إليها وتلوذ جميع حيواناته الوحشية بالفرار كرد فعل لتقربه من البشر. فعل الأبن ما نصح به والده وتوجه إلى المدينة ليقص روايته على گلگامش. أثنى الملك على نصيحة الوالد فكانت شمهات البغي هي العلاج المطلوب لترويض أنكيدو. 

مضى الصياد والبغي قدما في مهمتهما وقضيا ثلاثة أيام في رحلتهما نحو الهدف. كما امضيا ثلاثة أيام أخرى في الجلوس عند مورد المياه بانتظار الوحش. وعندما رصده الصياد في نهاية المطاف قادما باتجاه المياه، أوجز شيامات بما ينبغي عليها فعله من تعرّ وهيام واختفى عن مسرح الاحداث تماما. وبكل هدوء ودون خوف، تعرّت شمهات تماما وكشفت عن نهديها وعورتها كما قيل لها. وما أن لمحها أنكيدو، تقرب إليها واستجاب لأيماءاتها الجسدية فاشتهاها ودخل بها لستة أيام وسبعة ليال متواصلة. وبعد ان اشبع غريزته الجنسية، فضل العودة إلى السهوب وقطيعه، ولكن ما أن رأته الحيوانات منهكا شعرت بأن شيئا غريبا طرأ عليه ولاذت بالفرار من قدّامه. كما أن أنكيدو نفسه شعر بالتحول الذي طال جسده، فلم تعد ركبتاه تحمله وشعر بوهن عام حال بينه وبين الركض السريع الذي ألفه ومن ثم اللحاق بحيواناته واللعب معها ومعايشتهم. ولكن، وإن خارت قواه العضلية، فاز باللذات التي قوّت بصيرته وإدراكه مما جعله أن يكون أسيرا لحبائل شيامات كي يتعلم منها المزيد من فنون ممارسة الحب.

وهكذا أكملت شيامات مهمتها بنجاح فجعلت من وحش رجلا يفكر، رجلا تملي عليه رسالته الحقيقية في الحياة، مفادها أن عليه لقاء گلگامش الملك في أوروك. وكوسيلة لإغراءه في مرافقتها، استرسلت شيامات في حديثها عن ملذات المدينة وصخبها، عن الرقص والسكر والعطر والطيب والغواني الفاتنات. لم يبد انكيدو اعتراضا، بل اعلن عن استعداده للقاء گلگامش المرتقب لأنه بات يدرك بأن خلقه كان ربما من أجل ملاقاته في نزال التحدي ليبرهن له ان رجل السهوب هو الأقوى. ولكن شيامات خالفته بقولها أن گلگامش المزهو برجولته وبأسه وفتنته الساحرة هو محط انظار ورعاية الآلهة آنو وأنليل وإيا  وحبهم له. وأضافت بأنه حالما يغادر السهوب يكون گلگامش قد حلم حلمين غريبين يلجأ إلى والدته لتفسيرهما.

بينما يغمره الفرح بين خلا ّنه في الحلم الأول تظهر فوق گلگامش العديد من نجوم السماء، ولكن يسقط من بينها شيء ما، أشبه بشهاب، ظنا بأن الآلهة آنو قد ارسلته. يحاول رفعه ولفه، لكنه يعجز عن زحزحته لثقله. تجمع حشد من قوم أوروك حوله وبدأ صحبه بتقبيل ذيله، فتعلق به گلگامش وخاله زوجة احبها. داعب گلگامش هذا الكائن الغريب وطلب من صحبه معاونته في رفعه ووضعه عند أقدام أمه الآلهة نينسون التي طلب منها أن يكون هذا الجرم السماوي الغامض مكافئا له.

وببصيرة حادة بدأت نينسون باسترجاع ما نطق به گلگامش من كلمات وتفسير ما ينطوي عليه حلم أبنها. وأوجزت فأفادت بأن ابنها على وشك ان يتخذ له صديقا وفيا يوازيه جبروتا، وسيكون رفيق درب جدير بالثقة يسايره تحت أي ظرف كان، أي صديق عند الضيق. وختمت تفسيرها بقولها أنها ستتخذ من هذا الصديق إبنا نظيرا له دونما أي تمييز بينهما.

أما حلم گلگامش الثاني فله صلة بأمه ايضا. في هذه المرة، يتحدث گلگامش عن فأس يقع في ساحة مدينة أوروك. وكالحلم الأول، فقد تجمع حشد كبير من حوله. تعلق به گلگامش كتعلقه بزوجة. يأخذه ويذهب به إلى أمه ويضعه عند قدميها ليطلب تفسيرا. لم يختلف تفسيرنينسون للحلم الثاني عن الأول كثيرا، ولكنها أضافت بأن الرفيق اذي أشارت إليه في الحلم الأول سيكون عزيزا وقادرا على تقديم الموعظة الحسنة في الوقت المناسب وأنه سيظهر على الملأ قريبا جدا.

وإلى الملتقى مع أحداث اللوح الثاني...

الأردن في 7/5/2010

gorgis_3@yahoo.co.uk
[/color]

40
المنبر الحر / ملحمة گلگامش نثرا
« في: 13:16 30/04/2010  »
ملحمة گلگامش نثرا
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


مقدمة

لا يخامرني شك بأن العلاّمة طه باقر (رحمه الله)، وربما قرّاء ترجمته المنقحة لملحمة گلگامش كان يواكب ما ينشر من نقد وتفسير وتصحيح وسد الثغرات التي رافقت إعادة بناء وترجمة ملحمة گلگامش. وربما كان قد شاطرني في بعض الرأي حينما يجد بأنني اتفق مع عدد من الباحثين والنقاد في القرن الحادي والعشرين على أن ملحمة گلگامش ليست ملحمة بالمفهوم الدقيق، وإن كانت بنيتها شعرا مرسلا أو منثورا، كالشعر الذي نقرأه في مسرحيات شكسبير، لأنها لا تحكي قصة شعب ورموزه أيام السلم أو الحرب، أو كلاهما، بحيث تـُعد رمزا وطنيا، بل هي قصة بطل نـُظمت شعرا لأن الثقافة التي انجبتها كانت تفتقر إلى مفهوم الملحمة وحتـّمت ترديدها غناء أو ترتيلا في المناسبات، ومنها أعياد أكيتو. وبعيدا عن البنيوية التي لجأ إليها الاستاذ طه باقر في تقريبه لگلگامش من ملاحم عالمية، أرى بأن ملحمة  گلگامش ليست أكثر من قصة بطل خارق يصارع الأقوياء ويتغنى بأمجاده ويسعى إلى الخلود، من جهة، والموت، من جهة ثانية، بينما تخونه الأقدار في نهاية سلسلة بطولاته فيضحى إنسانا في مهب الريح. لست هنا في معرض نقد عمل المترجم، وإنما نقد تسميتها بـ "الملحمة"، خاصة إذا أخذنا بنظر الاعتبار اقحام قصة الطوفان البابلية فيها ، كما هو واضح في اللوح الحادي عشر، وانتهاء حكاية اللوح الثاني عشر بشكل مفاجىء، مما اخرجها عن السياق القصصي التقليدي، ناهيك عن الملحمي البطولي، إضافة إلى ما ورد في اعلاه.

 الملحمة كما ترجمها الاستاذ طه باقر بحـِرفية عالية إلى العربية عن النصوص المسمارية الأكدية مباشرة بعد أثنتي عشر سنة من ترجمته (الحـَرفية) المشتركة (سنة 1950) مع السيد بشير فرنسيس لترجمتين انكليزيتين صادرتين سنة 1946وسنة 1950 منشورة على موقع ايلاف (الرابط في أدناه)، أي أن عمر النص المترجم شخصيا عن النصوص المسمارية يناهز نصف قرن تقريبا. قرأت هذا النص العربي الجميل عدة مرات، ولكن عندما قرأت النصوص الانكليزية المترجمة حديثا، شعرا ونثرا، عن النصوص الأصلية المودعة في المتحف البريطاني، شعرت بأن النثر يتفوق على الشعر في حبكة القصة وخيوطها، وإن كنت قد ترجمت ملحمة عربية إلى الشعر الانكليزي قبل بضع سنوات. ورغم انحيازي إلى الشعر ورواج ملحمة گلگامش (جلجامش) بهذه التسمية بين قراء العربية، قررت أن اصيغ القصة بأسلوب روائي مبسط على شكل حلقات، حسبما جاء في الالواح الطينية الاثني عشر، دون الدمج بين لوح وآخر (كما فعل الاستاذ طه باقر)، معتمدا على التراجم والادبيات الانكليزية الحديثة وعلى ترجمة الاستاذ طه باقر العربية. وفي سردي القصصي المتسلسل، سأضطر إلى قبول تسميتها بـ "ملحمة" تماشيا مع شهرتها، على غرار الملحمتين اللتين سبقتا گلگامش زمنيا، وهي ملحمة "إيزدوبار"، الرواية الكلدانية في شأن الخلق والطوفان (انظر الرابط في ادناه)، التي تغير اسم بطلها إلى "أتراخاسيس" (بمعنى حكيم الحكماء) سنة  1899(أي بعد ربع قرن من تسميتها بالأسم الاول)، وهي منقوشة باللغة الأكدية على ثلاثة ألواح طينية متضررة ومحفوظة في المتحف البريطاني (حالها حال مكتبة آشور بانيبال برمتها)، ومن بينها النسختين البابلية والآشورية. وما قصة الطوفان المكتوبة على اللوح الحادي عشر في ملحمة گلگامش، أو في التوراة (العهد القديم) والحضارات المتعاقبة، إلا صورة عن مثيلتها في اللوح الثالث للرواية الكلدانية في الخلق (كما تفيدنا بعض المصادر). أما الثانية، فهي ملحمة "إينوما إيليش" المنقوشة باللغة الأكدية بما يقارب ألف بيت شعري على سبعة ألواح طينية وتحكي لنا ايضا قصة الخلق البابلية التي يعتقد بانها جزء لا يتجزأ من سابقتها، أي أننا في حضرة قصة خلق وفلسفة بابلية واحدة (بضمنها الطوفان). وبسبب غياب حقوق الملكية الفكرية وتفشي ظاهرة النسخ الحر التي ورثناها عن العالم القديم، يتعذر على الباحث نسب أي عمل فكري وتسميته، خاصة إذا تعددت المسميات والنسخ، إلى كاتبه الأصلي أو الأمة والفترة اللتين انجبتاه بدقة، ولكن لا مفر من القبول بما حلّ بين ايدينا من كنوز الماضي، أيا كانت التسميات والأزمان. وقصة گلگامش ليست استثناء، إذ تقدر الفترة الزمنية بين ظهور أول اشعار سومرية قصيرة، المسماة بـ "قصائد بيل كامس (جامس)"، مرورا بملحمة الخلق البابلية بنسختيها، وبين كتابة ملحمة گلگامش، بشكلها المتطور والكامل، التي سنرويها قريبا جدا، قرابة 1300 سنة، أي بين بداية الالف الثاني ق.م. والقرن السابع ق.م.


http://www.a-olaf.com/home/viewtopic.php?f=17&t=534&sid=d7b1148cbd9898440acfcf06d059ce0a


http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,381950.0.html


الأردن في 30/4/2010

41
الإنسان في فلسفة الكلدان
بقلم: الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

يعتبر بيروسز (Berosus ) أول من روّج لفلسفة الكلدان وعلومهم الفلكية بين فلاسفة اليونان، ومن بينهم افلاطون الذي تأثر كثيرا بالفكر الفلسفي الكلداني. الأفكار الواردة في هذه المقالة تتناول بإيجاز بعض أفكار كاتب مجهول الهوية يحمل الحرفين (L. O ). استند هذا الباحث في تقديمه للفلسفة الكلدانية على تراجم انكليزية لنصوص لاتينية تناولتها ثلاثة عشر دراسة منشورة في كتب محفوظة في المكتبة البريطانية يعود تاريخها للفترة ما بين الربع الثالث من القرن السادس عشر والنصف الأول من القرن التاسع عشر الميلادي. يخبرنا الباحث في مقدمة بحثه بأن تعليم الفلسفة في الحياة الكلدانية كان تقليدا عائليا، على عكس تعليمها من على المنابر الاغريقية (اليونانية)، وكأنه تعليم بالوراثة، مما يقتضي اعفاء الابناء من القيام بأعمال تقل شأنا عن تعلم الفلسفة بيتيا. ويسمي الباحث هذه الفلسفة لاهوتا لأنها تحتم على من يمارس طقوسها التأمل في اربعة عوالم، هي: (1) العقل الأول: ويتخصص بعالم المُدركات السرمدي الذي لا بداية له ولا نهاية. ويسبق هذا العالم خالق الكون، وفيه رؤساء الملائكة وآلهة غير مقيدة بزمان أو مكان وآلهة الكواكب. وهذا العالم يسمو فوق المُدركات الحسية. (2) العقل الثاني: وهو العالم السامي الذي له بداية ولكن لا نهاية له ويعبر عن كينونة فكرية منتجة وآليات العمل الذهني. ويُعتقد بأن الملائكة تحرسه. (3) العقل الثالث: وهو عالم الارواح الأثيري الزائل، عالم الارواح البشرية، الذي له بداية محكومة زمنيا ونهاية حتمية. (4) العالم البدائي، وهو عالم المخلوقات الكونية المادية المؤلفة من عناصر أولية ونارية، ومنها الملائكة التي في أدنى السلـّم.

كان الكلدان يعتقدون بأن هذه العوالم التي يتألف كل واحد منها من ثلاثية ينجم عن اتحادها عنصر رابع يسمى بأسمها مجازا (كقولنا في "الله" الآب والابن والروح القدس) تفضي إلى ثلاثة مبادىء يتألف منها معدن الانسان اللامادي، وهي: (1) الروح المدركة أو الالهية. (2) الروح الفكرية أو العقلانية. (3) الروح اللاعقلانية أو العاطفية. وتطرأ على هذه الروح الثالثة تغييرات وتقلبات وهي آيلة للفناء بموت الجسد. ومن هذا التصور الكلداني لمكونات الانسان رسم افلاطون ثلاثيتة المشهورة في التركيبة النفسية للإنسان فجعل المبدأ الكلداني الثاني أولا وحدد مكانه في رأس الإنسان وقسم المبدأ الثالث المتعلق بالعواطف إلى قسمين، هما الروح العاطفية المتخصصة ببعض العواطف والسجايا، كالجـَلـَد مثلا، ومكانها القلب، في الوقت الذي اعتبر الروح العاطفية الثالثة عبارة عن ترجمة لمؤهلات القلب والمتمثلة بالرغبات والشهوات والميول والنزعات وحدد مكانها في محيطي المعدة والطحال.

تفيدنا الموعظة الكلدانية الأولى بأن الروح الالهية هي نار ساطعة وأزليتها مرهونة بقدرة "الآب"، كما أنها "خليلة" للحياة. ومن الممكن فهم قوة الروح الالهية بشكل محدود جدا وذلك باللجوء إلى صناعة خيال جامح أو عندما تتوقف الروح العقلانية عن الاستجابة للعواطف. وتفيدنا الموعظة الثانية بأنه من الجائز أن تتأرجح الروح الفكرية أو العقلانية بين الآلوهية واللاعقلانية، أي بين الموعظتين الأولى والثالثة. وحالة التأرجح هذه يحسمها الانسان، فمن سعى لتحقيق غاياته من خلال العواطف والنزوات لا يرقى إلى مستوى الآلوهية، بينما من تقشف في ملبسه وانتصر على الشهوات يسمو بفكره إلى العُلى ويغنم القداسة. وتتخذ الموعظة الثالثة نهجها المادي من النجوم والكواكب وتدور في فلك القمر بينما تشكل الارض مركزها. وتنصح المواعظ إجمالا، وعددها 324 ، تنصح الإنسان بأن يرفع عينيه إلى السماء أملا في نيل حياة سرمدية. وخلاصة القول، فأن الفلسفة الكلدانية التي عرضناها بشكل مقتضب جدا سعت للبحث عن الحقيقة الكامنة وراء الماديات وصولا إلى الجمال الروحي.

الأردن في 18/4/2010

42
سيدة بابل الثانية واحتفالات أكيتو الأزلية

الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

عشتار، أسم اشهر من نار على علم، تلقفته الاجيال لاعتبارات تاريخية دون الخوض في تفاصيله وكأن "عشتار" هي صورة طبق الاصل عن "فينوس" (الاغريقية) أو "إيزيس" (المصرية)، أو غيرهما من آلهات الجمال في اساطير الشعوب المختلفة. فمن هي عشتار؟ اسميتها في هذا المقال بـ "السيدة الثانية" بعد أن عرفنا من هي السيدة الأولى (انظر الرابط في ادناه). "عشتار" أسم بابلي- آشوري استخدمه الأكديون في الحياة العامة كمرادف للأسم الديني السومري "إنانـّة". وأصل "إنانـّة" غير معلوم تماما لدى المؤرخين الذين مثلما يرجحون بأنه اسم مركب من كلمتين، هما "نين" (بمعنى السيدة) و "آن" (بمعنى السماء)، أي "سيدة السماء"، فهم يرجحون ايضا بأنها حفيدة السيدة الأولى، آلهة الخلق، "تيامات" (أو "نمـّو" أو "نمـّة"، حسبما تفيد الخطوط السومرية). وتفيد المصادر التاريخية بأنها أبنة آلهة القمر "ننـّة". أخواها هما "أوتو"، إله الشمس، و "إشكور"، إله المطر، وأختها "اريشكيجالا"، ملكة العالم السفلي (مملكة الظلام). ومن اسمائها الأخرى "إستر".

ما حكايتها الاسطورية؟

هي اجمالا آلهة الحب والحرب، كما تعلمنا من التاريخ المبسط، ولكن يروى عنها بأنها "زقاقية" (كما في اللهجة العراقية)، أي بنت الشوارع، تقتنص بسحرها ما اشتهى قلبها من الشباب وتشبع غريزتها الجنسية معهم. وبعكس جدتها "تيامات" وأمها "ننـّة"، فهي لم توصف بالآلهة الأم، وإن خصها المؤرخون بالخصوبة ايضا، لأنها ربما كانت عاقرا. ذاع صيتها في مدينة أوروك (أورو) السومرية/البابلية (4000-3100 ق.م.) التي تبعد عن شرق مدينة السماوة العراقية بثلاثين كيلومترا في منطقة الاهوار،  ويعتقد بأن اسم "العراق" مشتق منها. وعلينا الا نخلط بينها وبين مدينة "أور الكلدانيين" الواقعة في الناصرية (وإن كانت أم عشتار من تلك المدينة العريقة، كما يبدو، بسبب الزقورة المسماة باسمها) لأن أوروك شهدت قيام أول دولة مؤسسات ذات جيش نظامي في التاريخ واصبحت عاصمة لا مثيل لها في عالم ذلك الزمان يشهد لها ابنها البار "كلكامش"، الذي حاولت "عشتار" اغواءه بشتى السبل. ومما أثار فضولنا في رواية قصة عشتار هو علاقتها بـ "أنكي"، إبن "تيامات" الذي نحر والده "إبسو" ونفى نفسه وعائلته إلى أهوار أريدو (تابع القصة في الرابط ادناه). ويعتقد علماء التاريخ والآثار بأن  قصة عشتار التي سنرويها تعيننا في فهم سبب انتقال السلطة من أريدو إلى أوروك.

إليكم القصة الممتعة:

قررت عشتار ذات يوم زيارة اختها الملكة في العالم السفلي (مملكة الظلام). وسكان هذه المملكة هم من الأموات النبلاء والعامة وكلهم متساوون في الحقوق والواجبات بناء على سلوكهم اليومي الذي قد يؤهلم لتسنم مناصب تتناسب ومؤهلاتهم. سبب هذه الزيارة غير معلوم، ولكن يرجح المؤرخون بأن عشتار كانت تنوي القضاء على مملكة الظلام. وهذا ما كانت تشك به أختها "اريشكيجالا"، ملكة العالم السفلي (مملكة الظلام) التي اساءت اليها، إلا أن عشتار اعطت تفسيرا مغايرا لبوّاب المملكة، وهو أنها جاءت لحضور مراسيم جنازة زوج شقيقتها. ومع ذلك، فقد كانت عشتار حذرة، إذ اوصت وصيفتها "نينقوربا" بأن تبقى على اتصال مع الآلهة "إنليل" و "ننـّة" و "أنكي" إذا ما حصل لها مكروه اثناء زيارتها.

حطت على رأسها شعرا مستعارا وتبرجت بالكحل واعتمرت عمامتها وزينت صدرها بالزمرد والياقوت وكأنها ذاهبة إلى عرس ملكي مهيب، فحامت الشكوك حول مقدمها. قضت تعليمات أختها أن تودع صولجانها المطرز بالاحجار الكريمة لدى البواب. لم تجادله، ففعلت، بل كان ينبغي عليها ايضا أن تمر من خلال ما مجموعه سبعة بوابات. وعند كل بوابة كان عليها أن ترمي ارضا قطعة مما كان يكسو جسمها لتجريدها من حصانتها في الدفاع ودرء خطرها.

مثـُلت أمام شقيقتها عارية تماما. تقدمت بجرأة فتربعت على عرش اختها. أمطرها قضاة البلاط السبعة بوابل من غضب الكلم ونظروا إليها بازدراء. اصدروا حكمهم بفناء عشتار، فغدت على الفور جثة هامدة معلقة على صنارة قصاب. بعد أن مرّت ثلاثة أيام بلياليها على الحادث، توجهت "نينقوربا" إلى الآلهة "إنليل" و "ننـّة" و "أنكي" لطلب النجدة. وفي الوقت الذي رفض كل من "إنليل" و "ننـّة" تقديم العون بسبب رعونة عشتار وتهورها، حنّ قلب "أنكي" عليها (ربما لأنه كان احد عشاقها)، وصنع مخلوقين مجردين من أية علامة ذكورية أو انثوية، اسماهما "جالا طورا" و "كور يارا" وارسلاهما كمندوبين عنه إلى ملكة الظلام لبعث عشتار. عندما سـُئلا عن مهمتهما، قالا بأنهما جاءا في طلب جثة عشتار لرشها بالماء المقدس واعادتها إلى الحياة العليا. وكان ما كان للإله "أنكي". ورغم أن عشتار عادت إلى الحياة، فقد اوعزت اختها إلى شياطينها بأن يأتوها ببديل عنها. اقتفوا اثرعشتار بعدما خرجت إلى النور وطلبوا منها وصيفتها فرفضت لأنه ساعدتها في عملية انقاذها من براثن اختها. طلبوا اثنين آخرين ممن اعتنوا بجمالها ورفضت لأنهما ما زالا في فترة حـِداد عليها. وجاء دور زوجها "تموز"، فلم تمانع، لأنه كان مهندما بملابس مزركشة لا تعبر عن حزنه. بل والانكى من ذلك، لم يسع للبحث عن زوجته عندما فقدت. عندما علم بالأمر، قرر النفاذ بجلده، ولكن ذبابة ذكية همست في أذن عشتار فكشفت هي والشياطين الذين كانوا يقتفون أثره مخبأه. وصدر الحكم بأن يقضي تموز نصف السنة الأولى في العالم السفلي (بين الأموات) وأخته نصف السنة الثانية. عشتار هي فعلا المرأة الحديدية الثانية في وادي الرافدين، أوامرها مُطاعة، ليس من شياطين العالم السفلي وحسب وأنما من كبار الآلهة. ترفع إلى العلياء من تشاء وتنزل اللعنة بمن تشاء، ولكن يبقى كلكامش استثناء ممن فازت بهم في مخدعها أو غدرت بهم فأهلكتهم. ورغم كل جبروتها، لم تنجح سبلها الملتوية في اغراء واغواء كلكامش الذي خبـِر لعناتها. كلكامش هو الوحيد من بين الآلهة الذين كسروا شوكة وغرائز عشتار. كلكامش هو الوحيد الذي احتقرها، وهو القائل لها بأنها "النعل الذي يشوّه خلقة واخلاق صاحبه" بسبب كثرة عشاقها وعجرفتها، ولكن كلكامش دفع ثمنا باهضا لعداءه معها، وهو خسارة صديق روحه "أنكيدو". ومهما قلنا عن نزعتها الجنسية التي طغت على سيرتها، تبقى عشتار رمزا للغضب والعنفوان والجمال والجبروت والحياة الجديدة التي بعث بها "أنكي" بواسطة مخدوميه إلى العالم السفلي. وإذا كانت علاقتها بزوجها تموزعلاقة جنسية طقسية عابرة باركها ومارسها كهنة "أعياد أكيتو"، فأن مراسيم هذا الزواج اصبحت تقليدا يشهد عليها الشعب، بل ويحاكيها في بداية كل سنة بابلية جديدة كطقس لإخصاب الأنثى في الربيع بانتظار المولود في الشتاء القارص.


http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,400737.0.html


الأردن في 1 نيسان 2010
[/size]

43
سيدة بابل الأولى واحتفالات أكيتو الأزلية

الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


تيامات، السيدة التي انجبت آلهة بابل العظام، تبدأ قصة الخلق من العدم وتؤسس لأعياد أكيتو بأشلاء جسدها منذ فجر التاريخ المدون. إنها القصة الاسطورية التي رواها البابليون الأوائل، قصة خلق السماوات وأجرامها والأرض وما عليها، إنها قصة تيامات، المرأة الحديدية الأولى في التاريخ، آلهة المياه المالحة التي اتخذت هيئة تنين كاسر، كما أنها قصة بعلها "أبسو"، إله المياه العذبة، الذي كان يشكوها صخب ذريتهم من الآلهة والآلهات، صخب الصبايا والشباب والجلبة التي يحدثوها ليلا مما كان يؤرق نومه. يروى أن "تيامات" كانت أم رؤوم في ريعان شبابها وحتى بعد وفاة زوجها "أبسو" الذي تآمر مع مدير اعماله لقطع أنفاس ذريته بسبب ضجيجهم. ولكن "تيامات" وقفت لهما بالمرصاد كي لا ينفذا ما سعيا إليه من إبادة، بيد أن الدسيسة شاعت فوصلت اسماع الآلهة الصغار الذين آثروا التصدي بحزم لهذه المؤامرة الدنيئة. لذلك قرر"أنكي"، أحد اولادهم، إله السحر والمياه العذبة والفنون وجميع الحرف، أن يتخلص منهما. سقاهما منوما ثم قضي عليهما، فانقلب السحر على الساحر. وإن كان منقذا لأخوته وأخواته، فقد ندم "أنكي" ندما شديدا على فعلته الشنيعة وحزن حزنا عظيما دفعه للرحيل عن ديار ابيه إلى اهوار "أريدو" التي بنى فيها معبدا تخليدا لوالده. رافقته في رحلته إلى الاهوار زوجته "دمكينا" التي احبها ورزقت منه الآله العجب جمالا وقوة وحكمة، الإله الاسطورة "مردوخ" الذي باركته جميع الآلهة.

وبمرور الأيام على نحر زوجها فقدت "تيامات" نضارتها وشرعت في التفكير بالانتقام له من ذريتها. أعدت العدة من اعتى مصادر الشر، وحوش اسطورية كاسرة مؤلفة من انواع التنين والأفاعي والعقارب والثيران الوحشية التي وضعتها بإمرة المهيب "قينكو" الذي سلمته فرمان الاقدار لتسهيل مهمة تنفيذ هجومه الكاسح. ولم يكن هنالك من خيار أفضل في المجابهة سوى "مردوخ" الشاب الإله الذي اختارته الآله، الشاب الذي فطر على الشجاعة، وإن لم يدخل معتركا حقيقيا، ولكنه حفيد "تيامات" قبل كل شىء، فقد اتسم بجرأة لم تعهدها الآلهة الشباب. حاول "قينكو" مراوغة "مردوخ" والالتفاف عليه ففشل. ثم استخدمت "تيامات" سحرها للانقضاض عليه وباءت بالفشل. لم ترهبه خلقتها "التنينية" فطلب منها منازلته فرديا. رضخت وابتهجت لهذا العرض. استخدمت فنون سحرها للنيل من "مردوخ"، ولكنه تمكن من ردها بزوبعة من رياح عاتية حاولت امتصاصها دون جدوى. وهنت، فانقض عليها ليمزق قلبها ويهشم جمجمتها. انتهى الصراع الدموي بفوز "مردوخ" جاعلا من أشلاء جدته "التنين" الكاسرالذي سقط من عليائه رموزا لأكيتو الخير. لقد اضحت عيون "تيامات" منابع دجلة والفرات، ونصف جسمها قبة للسماء، والنصف الآخر سمادا لأرض معطاء في بابل العظيمة التي اعادت للعالم العلوي والسفلي توازنه وبهجته. وهكذا حلت النعمة والبركة على شعب استطاع قهر القوة "الديكتاتورية" الغاشمة المتمثلة بالمرأة الحديدية، سيدة بابل الأولى، "تيامات" بفضل القرار "الجماعي" في اختيار "مردوخ" بطلا لأمة برعت في تدوين اساطيرها شعرا ونثرا، ودأبت على تلاوة ملحمة النصر المؤزر والخلق على رعاياها في احتفالات ما درج على تسميته بـ "أكيتو"، رأس السنة البابلية الذي نسخته شعوب المعمورة بتصرف (حتى القرن السادس عشر الميلادي) ونسبته إليها، مع شديد الأسف، ومنه "نوروز" الفارسي.

الأردن في 30/3/2010

44
شخبطة على جدران السياسة العراقية
 
الاستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


ما من سياسي عراقي خاض الانتخابات البرلمانية الاخيرة إلا وكان هاجسه البحث عن موقع "أنا" من الإعراب قبل أن يغمض له جفن وهو يخلد إلى النوم، إن استطاع النوم فعلا بمعية احلام برلمانية. لا أستثني احدا من تقديم "الأنا" على "أنتم" وهو مستلق على فراشه. تخونه الشجاعة في أن يفصح للعلن حقيقة حلمه على حساب احلام "انتم" المؤجلة. ما اسهل عليه أن يقرّ بأنه كان يحلم نيابة عن احلام المساكين، وإنه كان ملاكا حارسا لأحلامهم الوردية كي لا تنقلب إلى كوابيس، بل وفوّض نفسه (او بالاحرى فوّضوه) لأن يكون فارسا لأحلام يقظتهم. من فوق الانقاض والنفايات يعلن بأنه سينقضّ على القوارض والفئران بمبيدات محلية (بالدينار) أو مستوردة (بالدولار). فمن على منابر المساجد يتوعد صاحبنا (المؤمن جدا !) الشيطان الأكبر بصرخاته المدوية ليكسب عواطف طائفته وبالتالي أصوات المئات ممن فطروا على ترديد "الله اكبر"...إلخ. أما نسائهم، فحدث ولا حرج: هن صاغرات. لا خروج على طاعة الرجل، ولا حول ولا قوة إلا بالله، وتتوالد الاصوات كما تتوالد ارحام الارانب. ولا يختلف صاحبنا (من أهل البيت!) عن نظيره العلماني كثيرا، فهو الشهم الذي سيمحو الأمية بنهج ليبرالي يدعو إلى التعبير عن الديمقراطية بملأ ما تبقى من مساحة على الحيطان بشعارات يخال للزائر الاجنبي بأن العراق الذي اختزل الشعارات بـ "أمة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة" لعقود خلت أصبح بلادا عامرة بالفن التشكيلي الذي تزخر به جدرانه دون أن يسأل عن اللون الاسود الذي عاد إلينا مجددا وبات اكثر اسودادا بعد أن كان عنوانا لكل بيت عراقي بغض النظرعن المذهب أو القومية.

 توجه الناخب الغلبان إلى صناديق الاقتراع وفي ظنه أن الوعود الوردية أو البنفسجية التي قطعها صاحبنا هذا أو ذاك من شأنها إبادة القوارض في مراكز التشريع والتنفيذ، ولكن لم يخطر بباله إن العراق الذي يتحكم به أكثر من ثلاثمائة حزب، وهي ظاهرة فريدة في التاريخ الانساني، سيبقى خالدا في اللعبة السياسية المعاصرة. إذا كان الحـَكم يتعثر في قيادة مباراة لكرة القدم، فكيف تتخيل قيادة ثلاثين مليونا من البشر في حضرة ثلاثمائة حزب؟ حتى الذي يتبجح بالنزاهة وبمقولة "من أين لك هذا؟" مشكوك في أمره، ويتزايد الشك بتزايد عدد الجنسيات التي يتمتع بحقوقها العدّاء إلى قمة البرلمان. لقد تناسى المواطن الغلبان بأن نظافة البرلمان والحكومة ليست نابعة من الإيمان بالله وبرسله، وإنما من الايمان بالشعب ومن نظافة الشوارع والأزقة والمدارس. والله، لو كان المرشح ملحدا ويتعهد لي بأن أنام قرير العين وأصحو لأرى الزقاق الذي أعيش فيه نظيفا كنظافة عقله لانتخبته، ولكن ما باليد حيلة، فللجدران آذان بين شخبطة وأخرى على سطوحها وفي الجحور الذي خلفها الرصاص الطائش فيها شعب يقوده "أنا وانت ولا حد تالتنا" التي اطربنا بها زمانا الراحل فريد الاطرش.

الأردن في 26/3/2010

45

شهدت مدينة الموصل ميلاد المسرح العراقي، و قد طبع اول كتاب مسرحي سنة 1893 حيث احتوى على نص مسرحية "لطيف وخوشابا" الذي ترجمه الى العربية عن الفرنسية نعوم فتح الله سحار (1855-1900) و سبق ذلك الخوري هرمز نرسو الكلداني اذ كتب مسرحية عن نبوخذنصر قدمها سنة 1888 على مسرح الاكليريكية في الموصل , و من قبلها كانت هنالك تمثيليات دينية تعرض في الاديرة مثل "آدم و حواء", "يوسف الحسن" , "كوميديا طوبيا" , و هي ثلاث مسرحيات مرتبطة بأسم الشماس حنا حبش والتي ختمت نصوصها بتاريخ سنة 1880
 
عن كتاب ارشيف المسرح العراقي: جمع و ترتيب احمد فياض المفرجي , بغداد
 
 

46
أول كتاب عربي في موسوعة جينيس

  The longest title of a book is 1,518 characters (301 words)
and was written by Essam Mashaly (Egypt) in November 2009.
 
 
عن مؤسسة شمس للنشر والإعلام بالقاهرة؛ صدر للمحاضر والمدرب " عصام بدر مشالي" كتابه الجديد في فن الاتصال ومعايير تمكين الذات. عنوان الكتاب جاء غير معتاد وغير تقليدي حيث احتوى (301) كلمة تجمل جميع محاور الكتاب.
عنوان الكتاب جاء غير معتاد وغير تقليدي حيث احتوى (301) كلمة تجمل جميع محاور الكتاب. وتم تسجيله في موسوعة جينيس للأرقام القياسية كأطول عنوان كتاب، ليصبح بذلك أول كتاب عربي يسجل في الموسوعة، وكان الرقم المسجل سابقًا يحوي 290 كلمة لكتاب إيطالي عام 2007. وتشترط الموسوعة أن يكون العنوان المطول معبرًا ومتضمنا لكافة محتويات الكتاب، وهو ما توافر في كتاب "عصام مشالي".
الكتاب يقع في 104 صفحة من القطع المتوسط. ويعد نطاق حياة لإعادة بناء واكتشاف القدرات.

كتاب ( فن الاتصال ومعايير تمكين الذات، رؤية تجاه صناعة الأهداف بناء الرسالة، الارتقاء بالقدرات، معرفة الذات والآخرين، مربع سمات للتعرف على الشخصيات، منظومة الإقناع، إدارة الحوارات، كيفية قياس الأنظمة التمثيلية، الوصول إلى منظومة التوافق (مثلث نون)، لماذا التأثيرات غير الملفوظة (لغة الجسد)، الأبعاد الشخصية للتميز في الاتصال، التميز والارتقاء في خدمة العملاء، القيادة في إدارة التغيير ..... ) عنوان الكتاب 301 كلمة.

يقول المؤلف في مقدمة كتابه:
( معًا عزيزي القارئ نقدم إطارًا حقيقيًا لا نعبر عنه بكلمات، بل نضعه في آلية التنفيذ.. كفى من الوقت ما مضى ونحن في عتاب مع أنفسنا والآخرين، الرؤية غير الصائبة في تقدير الأمور والأشخاص، التمسك بالطباع، الرغبة في الاستمرار بالعناد سواء على علم أو بدون وعي وهذا أفظع.
من أجل بناء إرادة أفضل لتنقية المشاعر من كل شوائب ومهاترات الظنون، وتصفية الخلافات بانتقاء الكلمات، وتحسين لهجة الحوار، حتى الوصول بما نريد أن نقول، لإقناع الآخر أو عرض وجهات النظر.
التعرف على كيفية تفعيل التأثيرات غير الملفوظة للتميز في الإلقاء.
التعرف على الشخصيات، وقبلها معرفة الذات، اكتساب مجموعة من المهارات: المرونة، التميز في السمات، التأثير والتوافق، التحكم في الانفعالات.


ولا تمضي الحياة بدون تجديد، حتى أن الأساليب المتبعة سواء في عملنا أو حياتنا الشخصية إذا ظللنا عاكفين على إتباعها لفترات زمنية طويلة، فليس هذا نتيجة فاعليتها بل نتيجة لفشلها، لأن التجديد نبع صافي من لا يغترف منه سيظل يدور في نفس الدائرة، لا يستشعر معاني جديدة تساعده على الحد من الشيخوخة. (رغم الشيب سنظل شباب) طالما نسعى تجاه التطور والبحث عن التجديد، الذي يتطلب وقت لإبداع أفكار جديدة حتى وإن كانت قليلة ولكنها جديدة علينا في التطبيق.
- من يسلك طريقًا آخر غير الذي اعتاد عليه وهو ذاهب إلى العمل.
- من يدعو الله اليوم أكثر من كل يوم.
- من يقول للمحيطين به.. أنا سعيد.
- من يدخل اليوم .. يصافح أهله في البيت.
- من يرفع السماعة ويقول أحبك يا أمي.
- من يرسل وردًا لزوجته.
- من يقول لمديره أود أن تشاركني فكرة جديدة دعني أطرحها عليك.
- من يبحث عن مسكين ويقول له أين أنت.
- من يذهب لزيارة دار أيتام وهو عائد من العمل.
- من يتصفح الجريدة في ربع ساعة بدلاً من ساعة.
- من يحرص على ترتيب مكتبه قبل الانصراف.
- من يتخيل هدفًا ويسعى تجاه تحقيقه بصدق.
- من ينوي تفويض وقته للعمل في سبيل الله الآن.
- من يحرص على تحفيز الآخرين اليوم حتى وإن كان يدرك أنهم سيتفقون عليه غدًا.
- من يمنح النصيحة في الخفاء، ويوجه النقد بلا عتاب.

كل هذه إبداعات جديدة، تغير نمطية الحياة، وتدفع إلى الشعور بالامتلاء، التطلع لرؤى جديدة تمنحنا، تساعدنا، تجعلنا "نستطيع" أن نقفز فوق حواجز التمسك بالطباع، العناد، التكبر، الأنانية.

لا تتردد في التطبيق، فكل شيء في البداية يعتقد البعض أنه صعب، لذا فإن بدايتنا معًا هي افتراض، نحياه في الخيال، مع توليد روح الدافعية والرغبة في التغيير، وتفعيل مهارات الاتصال هي السبيل نحو التطوير وذلك لأننا:
بفضل الله نستطيع...
نستطيع أن نقفز بالرغبة في التطوير.
نستطيع أن نتجاوز المحن والآلام.
نستطيع أن نرسم صورة جديدة لإطار حياتنا الروتيني.
نستطيع أن نرى كيف نتصرف مع الآخرين.
نستطيع أن نعدل بل ونطور السلوك.
نستطيع أن نمنح الآخرين التحفيز.
وأيضًا نستطيع أن نرسم أهدافنا. )

من فصول الكتاب :
- صناعة الأهداف
- بناء الرسالة
- الارتقاء بالقدرات
- اعرف ذاتك والآخرين
- سمات الشخصيات
- منظومة الإقناع
- إدارة الحوارات
- بحث استراتيجيات التخيل – التعميم – الإلغاء
- الأنظمة التمثيلية
- منظومة التوافق
- لماذا التأثيرات غير الملفوظة؟ (لغة الجسد)
- لماذا الاتصال؟
- الأبعاد الشخصية للتميز في الاتصال
- التميز والارتقاء في خدمة العملاء
- القيادة في إدارة التغيير
- الاتصال يمنحك القدرة على الصلابة
- الدعوة إلى الاسترخاء

 

47
لندن ، مونتريال - وكالات الانباء

منعت بريطانيا امس مسلمتين رفضتا فحصهما من خلال ماسحات ضوئية (سكانر) تكشف الجسم بكامله من صعود طائرة كانت متجهة إلى باكستان. وخلال الحادث الذي وقع قبل اسبوعين عللت المرأتان رفضهما المرور عبر الماسحات الضوئية والذي بدأ تطبيقه في مطارات رئيسية بريطانية الشهر الماضي بأسباب دينية وطبية.

وقالت متحدثة باسم مطار مانشستر امس ان "راكبتين كانتا قد حجزتا في طائرة كانت من المقرر أن تنطلق من الصالة رقم 2 رفضتا الخضوع للفحص لاسباب طبية ودينية. وطبقا لتعليمات الحكومة حول الماسحات لم يسمح لهما بالسفر". وقالت ان 15 ألف شخص اختيروا للفحص العشوائي اجتازوا هذه الماسحات منذ بدأ العمل بها.

وتسمح الأجهزة المثيرة للجدل التي تعمل بأشعة إكس لموظفي الامن بالبحث عن أي أسلحة أو متفجرات مخبأة بالاضافة إلى تحديد جنس الراكب. وينتقد نشطاء الحريات المدنية الماسحات الضوئية باعتبارها انتهاكا للخصوصية.

الى ذلك ذكرت صحيفة "لا برس" الكندية امس الاول ان مسلمة ترتدي النقاب طردت من حصة للغة الفرنسية في مقاطعة كيبيك مخصصة للمهاجرين لانها رفضت الكشف عن وجهها في الصف. وطردت المرأة وهي من اصل مصري وحاصلة على اقامة دائمة في كندا ، من حصة اللغة الفرنسية المخصصة للمهاجرين في معهد سان لوران في مونتريال ، وذلك بعدما رفضت المرأة الكشف عن وجهها في الصف بسبب وجود رجال وطلبت عدم اجلاسها مقابل هؤلاء.

وحاولت المعلمة وادارة المعهد خلال بضعة اشهر ايجاد تسوية معها وسمح لها حتى بان تتواجد في اخر القاعة وتقرأ واجبها وهي تدير ظهرها للرجال. وقد خلق هذا الوضع توترا بين الطلاب والمعلمة. ورفعت الطالبة شكوى امام لجنة حقوق الانسان في كيبيك.

نقلا عن جريدة الدستور الاردنية الصادرة اليوم، الخميس 4/3/2010
http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\ArabicAndInter\2010\03\ArabicAndInter_issue875_day04_id217609.htm

48
لغة الأم واللغة القومية (2)
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


في الجزء الثاني من موضوع "لغة الأم واللغة القومية" المنشور على موقع عنكاوا (الرابط في ادناه)، سأحاول الاجابة على مجموعة تساؤلات وردتني من عدة اشخاص، أهمها ما يلي:
1. يقصد بالتعبير الانكليزي mother tongue شيوعا اللغة الأم ، وليس لغة الأم (كما جاء في أصل مقالي)، فهل من فرق بينهما؟
2. تعلمنا بأن اللغة الأم هي اللغة التي يتعلمها الإنسان من بيئته التي ولد وترعرع فيها بغض النظر عن قوميته. وقد تكون للإنسان أكثر من لغة أم كالأكراد والتركمان والسريان مثلاً ممن ولدوا ونشأوا في بيئة عربية وثقافة عربية فتجدهم يتكلمون العربية ولغتهم القومية معاً وبنفس الطلاقة.  هل من ايضاح لهذه الاشكالية؟
3.  إذا كان ثمة لغة أم، فأين لغة الأب إذا؟
4. لو افترضنا أننا حققنا الحكم الذاتي، فهل يمكن أن نقول أن لغة الأم بالنسبة للكلداني، مثلا، هي الكلدانية لأنه اكتسب الكلدانية من أمّه بغض النظر عن خلفية الأب وأن قوميته (الخاصة) ستصبح هي السريانيّة (لأنه سورايا) ويتكلم باللغة السريانية (سورث )؟
5. وبما أن اللغة الرسمية المشتركة لقوميات شعبنا الثلاث كانت وما زالت هي السريانية، فهل ستكون اللغة القوميّة الرسمية (العامة) للأمّة السريانية التي تتكون من عدة شعوب (الكلدان السريان الآشوريين) هي التسمية التي من المفروض أن تطلق علينا؟
6. إذا كان الجواب بالايجاب، هل يمكننا من الآن فصاعدا اطلاق هذه التسمية اللغوية على القومية السريانية (سورايي) طالما نطقنا باللغة السريانية كلغة رسمية يعرفها العالم (مثلما عرفها قبل سيطرة اللغة العربية عليها) لتصبح لغة قومية ( خاصة ) للشعوب الأصلية؟ أي، لما كانت اللغة هي مرآة الأمة، فلماذا لا تكون اللغة القومية (الخاصة بشعبنا) هي السريانية وتكون التسمية القومية لشعبنا "السريانية" كتحصيل حاصل، كما هو الأمر بالنسبة للعرب ولغتهم، مثلا؟
قبل أن اجيب على هذه التساؤلات، ارجو أن يكون معلوما لدى جميع من يقرأ ما اكتب عن أي شأن من شؤون شعبنا بأنني اتجرد من العواطف تجاه س أو ص تماما. سأبدأ بالحقائق على الارض كالتالي:
لغة الأمة العربية = اللغة العربية (بكل لهجاتها) = اللغة القومية = اللغة الأم = لغة الأم بالنسبة للعربي، أي أن:
  mother tongue = native language
أما اللغة التي ترعرعت عليها (ورضعت منها) قبل نزولي إلى الشارع والتحاقي بالمدرسة لم تكن عربية، وإنما كانت اللهجة الكلدانية (السهلية، نسبة إلى سهل نينوى) التي لم تكن والدتي تعرف غيرها في القرية. هذه هي اللغة المكتسبة التي يجب أن نطلق عليها تسمية لغة الأم
 (mother tongue). أما العربية، فقد تعلمتها من المحيط الخارجي. ولو افترضنا بأنك كنت ابن محلتي (وكنا بنفس العمر وأمك تتكلم العربية حصرا) ستكون افضل مني (بفارق زمني لا يقل عن سنتين أو ثلاث سنوات) باستخدام العربية. لماذا الفرق بيني وبينك؟ السبب هو أنني كنت اتنقل ما بين عملية استكمال "اكتساب" الكلدانية في البيت (تحت تأثير الأم بالدرجة الاساس، ومن المحيطين بي، ثانيا، بضمنهم الأب) وبين "تعلم" العربية من اولاد المحلة، اولا، ومن ثم المدرسة، ثانيا. تصوروا بأنني رسبت في الصف الثالث الابتدائي عندما انتقلت من قرية باطنايا/الموصل إلى بغداد. والسبب هو سيطرة لغة الأم على اللغة الأم، أي اللغة القومية أو الوطنية (العربية)، التي لم اتحرر منها إلا بعد سنتين من تعلمي للغة العربية.
 ولو سألني ضابط في أحد مطارات الغرب: What's your mother tongue
 سأجيبه  Aramaic, the language of Christ
(الآرامية، لغة المسيح)، علما أن الآرامية سبقت المسيح بقرون، ولن أقول "الكلدانية". والسبب هو أن الكلدانية مجرد لهجة من لهجاتها وغير مدرجة في شجرة العائلة الدولية للغات التي تدرس في الجامعات. ولكن سأقول بأن لغة أمي هي "الكلدانية" حتما لو سألني أي عربي او سرياني.
ولو سألني هذا الضابط What's your native language
  سأقول:   Arabic
في حين أن جواب العربي سيكون "العربية" لكلا السؤالين، التي هي بالنسبة له "لغة الأم" و "اللغة الأم" في عين الوقت دون أي تمييز بينهما. وما ينطبق عليه، ينطبق على سريان مركز الموصل (وبضمنهم الكلدان الذين عاشوا في بغداد والبصرة خاصة) ممن لا يعرفون من السريانية شيئا بسبب الضغوطات الاجتماعية التي تعرض لها آبائهم وامهاتهم، خاصة فيما يتعلق بتسمية اطفالهم بأسماء عربية، إذ اضحت اسماء مثل ججو وميخا وطوبيا ومرقس ودنحا وقرياقوس مثار سخرية. ولهذا يتهمون بأنهم استعربوا. ومع ذلك، يستطيع اللغوي أن يميز بين عربية الكلداني أو السرياني أو الآشوري وعربية العربي. ولكن الفروقات تختفي كتابيا، وقد يتفوق متكلم السورث على العربي في استخدام العربية الفصحى، والامثلة على ذلك لا حصر لها.   
ولمزيد من التوضيح، ساقلب الآن المعادلة التي اشرت اليها في الجزء الأول. تخيل إعرابي أو فارسي عندما كانت الآرامية اللغة الرسمية في عموم بلاد آرام لغاية اعلان العربية اللغة الرسمية البديلة للدولة الاسلامية. ولنفترض أن هذا الاعرابي أو الفارسي سافر إلى بلاد  الروم أو الاغريق، خاصة إذا كان مندوبا من دولة آرام (وقس على ذلك سفيرنا السرياني في السويد حاليا). لو سُأل هذا الاعرابي أو الفارسي من اين قدمت وبأي لغة تخاطب ابناء بلدك، لقال لهم من بلاد آرام وأعلن عن لغته الرسمية، أي اللغة الأم (القومية أو الوطنية)، بأنها الآرامية، بغض النظر عما تكون عليه لغة الأم التي يتخاطب بها مع ذويه وأبناء قومه ممن يشكلون أقلية في بلاد آرام.
لنفترض أن مشروع الحكم الذاتي لشعبنا تحقق. في هذه الحالة، سيكون هنالك ناطق رسمي باسم شعب له حدود جغرافية، أي حكومة مصغرة ولغتها الرسمية "السريانية"، كما هو الحال في ما يسمى بـ "كردستان" العراق ولغتها الكردية، ونتغاضى عن الخصوصيات في استخدام اللهجات. وإذا ما حدث ذلك ضمن ما يسمى بـ "الفيدرالية"، يجب أن تكون العربية والكردية لغتان رسميتان في الدستور الاقليمي، وذلك بسبب توزع شعبنا بين العرب والاكراد (والتركمان). ويجب أن ينص دستور العراق على ذلك. وطالما كان العراق جزءاَ من الوطن العربي، ستبقى العربية هي اللغة القومية (بالمفهوم العام) للبلاد كلها في التعامل الدولي، وتصبح السريانية (أو الاقدم منها، أمها الآرامية) هي اللغة القومية (بالمفهوم الخاص) لقوم يقطنون اقليما ضمن دولة اسمها العراق.
أكرر مرة أخرى فأقول بأنني كلداني واتكلم اللهجة الكلدانية التي اكتسبتها عن والدتي (رحمها الله) قبل أي انسان في الدنيا. وبما أن هذه اللهجة هي احدى اللهجات السريانية (لفظا وكتابة)، ستكون السريانية بالنسبة لي هي لغة الأم. وبما أنني اعلم بأن السريانية (بمختلف صورها) هي امتداد للآرامية، ستكون الآرامية بالنسبة لي هي اللغة الأم، أي اللغة المظلة، وهي مرادفة للغة القومية (بالمعنى العام إذا توفر لها وطن، كما اسلفنا). وبناء على هذا الفهم، علينا التمييز بين لغة الأم و اللغة الأم (اللغة القومية) لأن الثانية ترتبط بأرض مؤطرة بحدود جغرافية معلومة دوليا ومثبتة على خارطة. أما زوجتي، فهي آثورية وتتكلم اللهجة الآثورية، لكنها منتمية إلى الكنيسة الكلدانية وجنسية والدها (رحمه الله) ايرانية، لكن لغته القومية (اللغة الأم) كانت فارسية ولغة أمه آثورية. إذن لغة الأم التي اكتسبتها زوجتي من أمها (وممن حولها في العائلة) هي الآثورية، وهي ايضا احدى اللهجات السريانية (أي الآرامية الحديثة). وما اكتسبه اولادنا هي لغة أمّهم (أي اللهجة الآثورية). وهذا يعني بأن اللغة الأم (وليس لغة الأم) بالنسبة لي ولزوجتي وأولادنا واحدة، وهي الآرامية الحديثة دون أدنى شك، لأننا نتفاهم فيما بيننا. المشكلة القائمة بيني وبين زوجتي هي القومية، فهي تصر على أنها آشورية (من سلالة آشور) بينما أنا لا زلت ابحث في بطون التاريخ عن مزيد من الحقائق، وإن كانت كفة اللغة مرجحة عندي، أي الآرامية، لأنها مازالت حية، وإن تعددت لهجاتها، بينما ليس هنالك شىء اسمه اللغة الآشورية سوى تلك التي نجدها في الألواح والرقم الطينية التي خلفتها الحضارة الآشورية، أو ما تتداوله الاقلام والألسنة عاطفيا. ولو قارنت لهجة زوجتي (الأورمية الأصل) بالآشورية المنقوشة، سنصل إلى نتيجة مفادها أن لغة زوجتي لا تشبه اطلاقا اللغة الآشورية المنقوشة، وإنما هي آرامية بحتة. ولما كانت الحقائق على الارض تفيد بأننا نتكلم السورث، علينا أن نتشبث بكوننا سورايي (أو سوريايي)، أي بالعربية "شعب سرياني"، إلى أن تثبت الدراسات العلمية عكس ذلك، وهذا ما أشك به. إننا "سورايي"، ليس لكوننا مسيحيين (وإن كنا نطلق لفظة سورايا أو مشيخايا على أي مسيحي)، ولكن لأننا نتكلم السورث. إذن التسمية القومية للغة (بالمفهوم الخاص) تستند في تبرير اقرارها على اللغة المشتركة بشكل اساسي.

كان الأخ السائل يستأنس برأي عما إذا كنت أقر بمبدأ انتشار اللغة السريانية كلغة قومية، كما كانت في سالف عهدها، أي قبل احلال العربية محلها. اعتقد بأن الجواب بات واضحا. شخصيا، لا أود الدخول في معمعة الحكم الذاتي لشعبنا، وإن اشرت اليه باقتضاب في اعلاه مقارنة بالحالة الكردية. لست من انصار الحكم الذاتي في سهل نينوى، لأسباب جوهرية عديدة، ولكن يمكن تلخيص موقفنا اللغوي كالآتي: إن لغة شعب العراق القومية (بالمفهوم الوطني العام) هي العربية، وعلينا الحفاظ عليها، وأية محاولة ترمي إلى توطين اللغات العرقية، ومنها الكردية، هي بمثابة طلاق بائن محفوف بمخاطر انفصالية على المدى البعيد.  لنفترض أن مشروع الحكم الذاتي لشعبنا تحقق، أسوة بالأخوة الاكراد. في هذه الحالة، سيكون هنالك شعب له حدود جغرافية، أي حكومة مصغرة ولغتها الرسمية "السريانية"، كما هو الحال في ما يسمى بـ "كردستان" العراق ولغتها الكردية. وإذا ما حدث ذلك ضمن ما يسمى بـ "الفيدرالية"، يجب أن تكون السريانية لغة رسمية في الدستورين الاقليمي والفيدرالي. ويجب أن ينص دستور العراق على ذلك. ولكن طالما كان العراق جزءاَ من الوطن العربي، ستبقى العربية هي اللغة القومية (بالمفهوم العام) للبلاد كلها في التعامل الدولي، وتصبح السريانية هي اللغة القومية، أي اللغة الأم (بالمفهوم الخاص) لقوم يقطنون اقليما ضمن دولة اسمها العراق. وفي ضوء ما تقدم، أقول بأنه علينا الحفاظ على التنوع اللغوي وإثراءه، ولكن ليس على حساب العربية التي عاشت معنا قرونا طويلة وسجلت تراثنا الوطني بكل فخر. ستبقى اللغة السريانية لغة الثقافة القومية (اللغة الأم، بالمفهوم الخاص كما اشرت) لشعب سرياني ينطق بالسريانية شاء أم أبى، ولكنها لن تحل محل العربية كلغة قومية (بالمفهوم العام) على مستوى العلاقات الدولية وفي أروقة الأمم المتحدة والجامعة العربية، على سبيل المثال لا الحصر. وتبقى لغة الأم هي اللغة الشعبية الحية التي نتخاطب بها مشافهة بين اقراننا.

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,388880.0.html

الأردن في 27/2/2010     

49


فتاوى الزواج تحولت إلى وجبات سريعة بحثاً عن المتعة الجنسية!
الجزيرة السعودية   
GMT 0:53:00 2010 الجمعة 26 فبراير

«المسيار والسري» يتصدران قائمة الطلبات

الرياض - نوال الراشد

فتح زواج المسيار قبل عدة سنوات الباب حول مسميات أخرى جديدة للزواج؛ فمن المسيار إلى المسفار، والمصياف، وزواج الابتعاث، والعرفي، وزواج اليوم الواحد، والزواج من أجنبية بدون تصريح، والزواج السري أو غير المعلن، وزواج القاصرات، والزواج المنتهي بالطلاق، وزواج المتعة، وزواج الوناسة، وزواج القبلي المعروف بعدم تكافؤ النسب، وغيرها من المسميات.. منها ما تم إجازته من الناحية الشرعية وآخر تم تحريمه.

وقد أسهم الإعلام المفتوح بشكل مباشر بمختلف فئاته في صناعة فتاوى الزواج التي تم تداولها بين الناس، وأوجدت مساحات للرأي ما بين مؤيد ومعارض لها كما حسم المفتون جوازها من عدمه من منطلق الشريعة الإسلامية، كما بنيت على تلك الفتاوى ردود أفعال متباينة ما بين مفتٍ وآخر..

"الرياض" بحثت في هذا التحقيق عن المصدر الحقيقي لصُناع فتوى الزواج وخرجنا بعدد من الآراء التي تحدد ذلك المصدر..

مخرج عن الحلال والحرام

د. توفيق بن عبدالعزيز السديري وكيل وزارة الشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد يقول: إن انتشار هذا النوع من فتوى الزواجات هو لإيجاد مخرج عن (الحلال والحرام)، وهذه الزيجات تحقق لطالبيها هذا المخرج وبسهولة، بالإضافة إلى أن له عدة مسببات منها وجود طبقة جديدة في المجتمع من محدثي النعمة الذين لم يعد الوضع المالي عائقاً بالنسبة لهم، فالزواج على أكثر من زوجة بالمسيار أو بأي مسمى آخر هو الهدف والغاية، وتعطي للرجل المقدم عليها ما يتمناه في عدم تحمل مسؤولية البيت والأسرة والإنجاب، بالإضافة إلى ثقافة المجتمع الذي يعزز في نفس الرجل بأن فحولته هي بتكرار الزواج أكثر من مرة، فيتزوج بسهولة ويستطيع أن يطلق أيضاً بسهولة، مؤكداً على أن الإعلام هو من كتب عنها وبث التوعية بمخاطرها ولكن ليس هو من صنعها، وإنما هي ثقافات الزواج لدى الرجل في المجتمع هي التي صنعتها فيما يتناسب مع ظروفه ومتطلباته في الزواج.

فتاوى الوجبات السريعة!

د. عبدالله محمد الفوزان أستاذ علم الاجتماع المشارك -كلية الآداب- بجامعة الملك سعود قال: إنه معلوم أن العلاقة بين الدين والمجتمع علاقة وثيقة، والفتوى تشكل عنصراً مهماً في تكييف الواقع لمعطيات وتعاليم الدين الإسلامي، والزواج هو أحد أوجه الحياة التي يوجهها الدين بتعاليمه ويسبغ عليه قدسية خاصة ويعده عبادة يتقرب بها الإنسان إلى خالقه، بل إن الإسلام وضع الشروط والأسس التي ينبغي أن يقوم عليها الزواج، وهذا الارتباط الوثيق بين الدين والزواج هو الذي يجعل الفتوى ذات صلة مباشرة بالزواج، لأنها تشكل موجهات دينية للحياة الزوجية؛ ولكن الملاحظ أن هناك حالة من الفوضى وعدم التقنين للفتوى مما فتح الباب على مصراعيه أمام أنصاف الفقهاء والفتاوى الجاهزة والسريعة (على غرار الوجبات السريعة) دون تعمق في فقه الواقع، وهذا أحدث حالة من البلبلة واستغل البعض هذه الفتاوى لتحقيق مآربهم ويشرعنون تصرفاتهم بتلك الفتاوى.

 وأضاف أن الزواج في الإسلام ميثاق غليظ ويقتضي تحمل المسئولية ويفترض فيه الاستمرار والإنجاب، ولكن هناك فتاوى جردت الزواج من جوهره وحصرته في المتعة فقط لتظهر أمامنا تلك المسميات لأنواع مختلفة من الزواج فتساهل الناس في أمره والتفريط بمتطلباته، وهذا يشكل تشويهاً صريحاً لمفهوم الزواج كما أراده الشارع الحكيم، ونتج عن هذه الزيجات زيادة معدلات الطلاق وانتشار الزواجات التي تستغرق ساعات أو أياما أو أسابيع أو أشهرا وغلب مفهوم إشباع الغريزة على مفاهيم السكن والمودة والإنجاب والاستمرارية، مؤكداً على أن بعض الفتاوى قادت إلى التلاعب بالمفهوم الشرعي للزواج وأدت إلى الاستهانة به وتحويله إلى ممارسة أساسها الإشباع الجنسي فقط وفي هذا تهديد لمنظومة القيم الاجتماعية والعلاقات الاجتماعية ويعد نكوصاً مريعاً عن مقاصد الزواج في الشريعة الإسلامية.

وأشار إلى أن الإعلام كان له دور ملحوظ في الترويج لمثل هذه الزيجات وانساق خلفها بعض المفتين ليمنحوها مشروعية دينية، كما فتح الإعلام ذراعيه أمام الفتوى وبرامج الإفتاء بصورة غير مسبوقة فتهافت الناس على الفتاوى السريعة والجاهزة على الهواء واختلط الحابل بالنابل وتضاربت الفتاوى بين محرم ومحلل، مما يستدعي تقنين الفتوى بهيئة خاصة بدلاً من الفتاوى الفردية التي نراها اليوم حفاظا على مقاصد الشريعة وحفاظا على تماسك المجتمع.

عدم وجود سكن

الشيخ والمستشار الشرعي عبدالعزيز محمد الفهيد يقول: إن أغلب هذه الزواجات وما خرج منها من مسميات جديدة جميعها مرتبطة بعدم وجود السكن الدائم والاستقرار، ومن هنا نشأت تلك الزواجات، وأصبح الفرد يبحث عن فتاوى جديدة للزواج الشرعي، وهو ما يتناسب مع ظروفه وحاجته من الزواج، وفي المملكة لا يمكن أن يعقد أي زواج تحت أي مسمى جديد إلا ما نصت عليه الشريعة الإسلامية وهي موافقة الزوجة ووجود ولي أمر الزوجة والشهود، وان اختلفت مسميات الزواج المتداولة عبر وسائل الإعلام الآن، ولو لاحظنا ان أحد الأسباب في انتشارها هو الترف الذهني لدى الرجل في البحث عن الجمال والمتعة لدى المرأة بصرف النظر عن الاستمرار في هذا الزواج من عدمه، وضعف الوازع الديني في عدم تحمل المسؤولية وعدم الإنجاب والتنصل من المسؤولية، ثم الفراغ لدى شريحة كبيرة من الرجال في المجتمع والتأثر بالقنوات الفضائية والإعلام، ولا ننسَ أن للمرأة دورا في القبول والتنازل عن بعض حقوقها مقابل هذا النوع من الزواجات، بالإضافة إلى أن المرأة تريد الزواج بالرجل ولكن لا تريد الارتباط به طوال الوقت نظراً إلى وجود الأولاد من زواج سابق أو عمل أو عدم تحمل مسؤولية الزوج طوال الوقت، والمبالغة في أمور الزواج والتقاليع في التجهيز لزواجات والمصاريف وتكاليف الزواج بالتأكيد أثرت بشكل مباشر على الزواج التقليدي.

 واختتم الشيخ الفهيد رأيه بقوله: إن صناعة الفتوى هي صناعية إعلامية أريد منها البحث عما يستجد في حياة الناس من أمور ومنها الزواج، كما أن المجتمع ساهم في انتشاره بوجود الرجل المقبل عليه والمرأة الموافقة على التنازل عن حقها مثل المبيت أو المصروف أو السكن، وإذا عقد النكاح بشروط فعلى الطرفين الالتزام بتلك الشروط فيما بينهما.

الزواج بــ"ولي"

د. غازي عبد العزيز الشمري رئيس التكافل الأسري ومستشار إمارة المنطقة الشرقية في الشؤون الأسرية يقول: أين كانت مسميات تلك الزواجات التي طرأت في المجتمع وكانت مستوفاة الشروط الشرعية لعقد القران فهي صحيحة؛ وليس الاسم هو الذي يحدد شرعيتها إنما شروط عقد النكاح وموافقة الزوجة ووجود ولي أمرها والشهود، وليس من شروط عقد القران السكن كما هو في عقود زواج المسيار وغيره وتنازل الزوجة عن حقها في المبيت.

وأضاف أن الكثير من طالبي هذه الزواجات يريدون أن يعفوا أنفسهم بما يستطيعون من قدرات مادية تتناسب مع ظروف من مثلهم من النساء اللاتي سبق لهن الارتباط ولديها أولاد أو أشغال أو أعمال تجعلها غير متفرغة لزوجها طوال الوقت، بالإضافة إلى أنها تريد أن تصون نفسها فما المانع في ذلك.

وأضاف: لا تستطيع المرأة أن تزوج لنفسها أيا كان عمرها إلا بولي، وإذا كان لا يوجد لها ولي يعقد لها القاضي في المحكمة، كما أن مأذوني الانكحة لا يمكنهم أن يعقدوا قران امرأة إلا بوليها فهذا هو الشرع وهذا هو النظام المتبع في عقد الانكحة حتى في حالات العضل التي يصر فيها ولي الأمر إلى عضل المرأة في عدم تزويجها؛ فللمرأة أن تكتب للإمارة التابعة لسكنها والامارة تقوم بمتابعة حالتها وتحويلها إلى المحكمة التي تتولى مباشرة حالتها مع وليها؛ وفي حال استمرار الرفض يتم تزويجها عن طريق القاضي، ولدينا في إدارة التكافل الأسري في إمارة الشرقية حالات تم معالجتها وكان آخرها فتاة تجاوزت الثلاثين عاماً تم عضلها من قبل تسعة من أخوتها الذكور وبعد أن رفعت أمرها إلى الإمارة تم تحويل موضوعها إلى المحكمة التي باشرت الموضوع بشكل سريع مع أخوتها الذين استجابوا مع دعوة المحكمة وتم حل الموضوع وتزويج الفتاة بعد فترة عضل استمرت سنوات.
 
الزواج السري

بالفعل إذا أردت الحديث عن كواليس الخطبة وما يدور فيها فاسأل أهل المهنة من الخطّابات فهن أعرف الناس بخفاياها، تقول أم فهد: أكثر الزواجات المطلوبة في هذا الوقت سواء من الرجل أو المرأة وخاصة من سبق لهم الزواج أكثر من مرة هو الزواج (غير المعلن) ولقد انتشر بكثرة ولا تتخيلي عدد الرجال الباحثين عن المرأة التي توافق على عدم إشهار الزواج لدى أهله وحتى اقرب الناس له، أما المرأة فتكتفي بوليها الذي يعقد نكاحها ولا تخبر أحداً من أسرتها بأنها قد تزوجت، مشيرة إلى أن بعض الأسر للأسف لم يعد يسألوا عن الرجل في دينه وسمعته ووظيفته؛ إنما السؤال الأول ماذا يملك وكم رصيده وكم عنده؟؛ حتى وان كان صاحب سمعة غير طيبة، فالناس يبحثون عن الثراء من وراء تلك الزيجات والمفهوم السائد هي صفقات للذي يدفع أكثر.

واشارت إلى أن الزواجات الجديدة التي ظهرت بأسماء جديدة في المجتمع لا تحبذ الخطبة فيها نظراً إلى كثرة المشاكل التي تكون بعد الزواج، وان كلا الطرفين الرجل أو المرأة لا يصدق في حديثه ويبحث عن مصلحته وبمجرد الحصول على المصلحة تبدأ المشاكل، ومن ثم يقوم الزوجان بإدخال الخطابة في مشاكل وهذا ما لا أقبله ولا أود الخطبة فيه.

زواج الستر والعفاف

الخطابة أم محمد تقول: ازداد طالبي الزواج من الشباب في هذه السنوات نظراً إلى كثرة حالات الطلاق ووجود أعداد كبيرة من المطلقات في البيوت، بالإضافة للاتي لم يتزوجن بعد، فالشباب يبحثن عن الفتيات الجميلات ولا يقبلن بغيرهن، والفتيات يبحثن عن الرجل الثري والغني واختلفت معايير الزواج عن الماضي في البحث عن دين الرجل وعفاف وأخلاق الفتاة فالكل يعتقد انه على صواب لذا يكثر الطلاق في البيوت، مشيرة إلى أن كثيرا من اسر الفتيات هم من يبحثون عن الأزواج لبناتها وهذا منتشر بين مجتمع الخطابات، فالبنات أكثر من الشباب في طلب الزواج، والشباب هم أكثر طلباً على زواج المسيار والزواج السري وغيره، فهم لا يريدون أن يتحملوا كامل المسؤولية، كما ان المرأة لم تعد تريد الإنجاب وتحمل المسؤولية والارتباط بالرجل كامل الوقت لذا ترضى بالمسيار أو السري نظراً إلى حاجتها وما يتوافق مع ظروفها، مؤكدة على أن "الدارج" في الزواج حالياً هو المسيار والسري..

 
نقلا عن ايلاف اليوم 26 شباط 2010
http://www.elaph.com/Web/NewsPapers/2010/2/537612.html

50
في ليلة دخلتها تكتشف أن عريسها ...؟!

كتب –عطية شعت

المنحوس منحوس بهذه العبارة بدأت خالدة 33عاما من جنوب قطاع غزة تروى تفاصيل قصتها مع" عريس الغبرة" حسب تعبيرها فقالت قصتي بدأت منذ عام ونصف العام تقريبا عندما تقدم لخطبتي شاب من شمال قطاع غزة وحسب العادات والتقاليد جاءت أم العريس وشاهدتني وأعجبتها وبعدها بثلاثة أيام جاء العريس وأمه ، وكانت المفاجأة أن العريس وسيم وجذاب في منتصف الثلاثينات قاطعتها متسائلا وما المفاجأة بذلك أجابت لاننى تعديت سن الثلاثين بعبارة أخرى أصبحت ضمن قوائم العوانس الأقل حظا بالارتباط من شاب وسيم ولاسيما أن كل الذين تقدموا لخطبتي كانوا من الجيل السادس والسابع اى في سن والدي واكبر ، مستدركة كل فتاة تتعدى الثلاثين في مجتمعنا الفلسطيني فان فرصتها بالزواج من شاب مناسب فكريا وعمريا تكون صفرا وتعود خالدة لتكمل قصتها وتقول أعجبت به من أول نظرة وتمنيت أن أعجبه وحدث ما كنت أتمنى لقد وافق وأتممنا إجراءات كتب الكتاب والإشهار وحدنا موعد الزفاف بعد ستة أشهر.

كنت اتفاخر بخطيبى

تتذكر خالدة فترة خطوبتها فتقول عشت أيام جميله وكنت أتباهى بخطيبي وكنت أقول لنفسي أن الله عز و جل عوضني خيرا على صبري وتضيف عندما كنت اخرج معه اشعر اننى ملكت العالم وخاصة عندما أرى نظرات الفتيات له وحديثهن عن جاذبيته ووسامته ولا أنكر أن الكثيرين من محيطي كانوا يحسدوني عليه في تلك الفترة .

راحت السكرة وجاءت الفكرة

وتتابع خالدة قصتها قائلة بعد ستة أشهر جاء اليوم الموعود الليلة الكبيرة حسب تعبيرها فبعد أن تمت مراسيم العرس وانصرف المعازيم وأغلق علينا باب غرفتنا ، كنت خائفة جدا مثل اى فتاة في ليلة دخلتها ولكنني تفاجئت بزوج الغبرة على غير عادة متوتر أكثر منى وبتصبب عرقا تشجعت واقتربت منه لأهدأ من روعه ولكنه زاد وبدأت تعابير وجه تتغير وتثير العديد من علامات الاستفهام وبدأ يتلعثم وكأنه يريد أن يقول شيء خطيرا ولكنه لايعرف من أين يبدأ وتابعت شعرت بالخوف ولكنني حاولت أتمالك وأشجعه على الحديث وتضيف وبعد ثلاث ساعات من المراوغة هدأ فجأة وقال بصوت متماسك بعد أن جمع كل قواه أريدك أن تتفهميني جيدا وبدأ يتلعثم مرة أخرى ويتحدث عن أنواع العلاقات الإنسانية المختلفة مركزا على أن العلاقات بين الزوجين ليست بالضرورة أن تقوم على العلاقة الجنسية وبعد حديث متسلسل لم افهم نصفه فجر زوج الغبرة القنبلة قائلا " أنا مش رجل " أنا أنثى محبوسة في جسد رجل ، لم افهم كلامه كثيرا أو بالأحرى لم استوعب ما قاله فأصبت بصدمة غبت فيها عن الوعي وصحوت من غيبوبتي لأجد نفسي في المستشفى وطلبت من والدي أن ياخذنى معه إلى البيت بعد أن حدثته عن موضوع زوج الغبرة وفعلا ذهبت إلى بيت اهلى وتمت إجراءات الطلاق خوفا من فضيحة ابنهم عفوا أو بنتهم .


المجتمع حكم على بالإعدام

وتابعت خالدة حديثها منتقدة كل العادات والتقاليد والأعراف في المجتمع والتي تحمل المرأة دائما المسؤولية وتعتبرها المجرم قائلة أنا منذ عام ونصف وأنا حبيسة المنزل فقد حكم المجتمع على بالإعدام خاصة بعد أن خرجت إشاعات تتهمني بشرفي فلا أحدا يريد تصديقي فالكل يعتقد اننى السبب فالمجتمع يعتقد أن الفتاة التي تطلق ليلة دخلتها تكون على الأرجح غير شريفة ولا حد يصدق قصتي إلا المقربين منى وهذا ما جعلني اعتزل الحياة كلها وانتظر بفارغ الصبر قضاء الله وتضيف لا أنكر اننى فكرت ومازلت بالانتحار لأتخلص من نظرة المجتمع القاسية لولا مخافتي من الله.


عن دنيا الوطن:
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-146874.html

51
لغة الأم واللغة القومية

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


تحتفل البشرية اليوم، الحادي والعشرين من شهر شباط، باليوم العالمي للغة الأم. وترمي هذه المناسبة إلى الحفاظ على لغة الأم والتعليم بها وبالتالي إلى تعزيز التنوع اللغوي في بلدان تتعايش فيها قوميات تتباين في السنتها. ولكي نفهم معنى لغة الأم mother tongue علينا تمييزها عن اللغة القومية native language ، أي لغة الاغلبية. فإذا ما تتطابقت لغة الأم مع اللغة القومية، تكون لغة الأم واللغة القومية واحدة، بغض النظر عن درجة الفصاحة. كما علينا تمييز اللغة القومية بالمفهوم العددي عن اللغة الوطنية national language ، ففي كندا لغتان رسميتان، هما الانكليزية والفرنسية، وكذا الحال دستوريا في العراق بالنسبة للعربية والكردية. دعونا نأخذ مثال العربي المولود من أم لا تتقن سوى العربية، بغض النظر عن دينها وقومية بعلها والبلد الذي تعيش فيه. إذا استمرت هذه المرأة باستخدام العربية مع مولودها، نقول بأن اللغة العربية التي اكتسبها هذا المولود هي لغة مكتسبة acquired language وهي في عين الوقت لغة الأم واللغة الاولى first language . وإذا ترعرع هذا المولود في ارض عربية، ستنسب لغته العربية إلى الجغرافيا، أي الوطن العربي، وإلى الأمة التي ينتمي إليها، أي الأمة العربية، حتى لو كانت اصول اهله غير عربية. وإذا ما تتلمذ هذا الطفل في مدارس عربية، أو غير عربية، لكنها تستخدم العربية كأحد المقررات الدراسية، فأن الطفل سيتعلم اللغة العربية الفصحى، كما لو كان يتعلم الانكليزية أو الفرنسية، مثلا. وفي هذه الحالة، نسمي الفصحى لغة متعلمة learned language ، علما أن الكثيرين من الباحثين يخلطون بين تعلم اللغة واكتسابها، مثلما يخلطون بين تعلم اللغة الثانية second language (التي هي لغة رسمية، كما الانكليزية في الهند، مثلا) واللغة الاجنبية foreign language  (كما هو الحال في تعليم اللغة الانكليزية في الدول العربية). ومن هذا نفهم بأن المولود العربي الذي تحدثنا عنه تصبح له ملـَكة لغوية عربية أشبه ما تكون بعملة ذات وجهين يمثلان اللهجة الدارجة والفصحى، و ندعوها باللغة العربية إجمالا ونطلق على ظاهرة استخدامهما مصطلح "الازدواجية اللغوية" ( diglossia ).

وقد يسأل من ينطق بالسريانية: ولكن ألا تعتقد بأن مفهوم لغة الأم يتطابق مع اللغة القومية عند السريان أو الكلدان أو الآثوريين. الجواب، نعم إذا ما رجعنا إلى الماضي، إذ كانت هنالك أمة معروفة بجغرافيتها ولغتها الرسمية. أما اليوم، لا يجوز أن نطلق على اللغة السريانية لغة قومية بمفهوم المواطن الذي ينتمي إلى بلد مستقل، وإنما هي "قومية" بالمفهوم الضيق، بمعنى الانتماء إلى أقلية من القوم بين اقوام اخرى تتعايش معها. باختصار، اضحت السريانية لغة أقلية عرقية، وما عدا ذلك فهو ضرب من ضروب العواطف التي نقدرها. ولكي اضرب لك مثالا حقيقيا عن كون لغتك القومية native language هي العربية دوليا، ربما يتذكر البعض عملية خطف الفلسطينيين لطائرة اسرائيلية في ألمانيا سنة 1974. كنت مع زميل لي، وهو أصلا من تلكيف لا يعرف من السريانية شيئا يذكر، متوجهين من النمسا إلى ألمانيا بالقطار. توقف القطار فجأة وإذا بضباط يصيحون بأعلى صوتهم: عرب، عرب. وما أن رأوا الجوازات العراقية، طلبوا منا النزول...إلخ. على أية حال، الفرق بين من كانت لغة الأم عنده السريانية (أو احدى اللهجات الآرامية الحديثة) وبين العربي الذي ترعرع في احضان احدى اللهجات العربية هو أن الأول يتعلم العربية، بينما الثاني يكتسبها. وهذا يعني بأن العربية بالنسبة للسرياني (شريطة أن يتقن لغة أمه) هي لغة ثانية. ومن لا يتقن السريانية اطلاقا (كالسريان الكاثوليك واليعاقبة من سكنة مركز الموصل تحديدا)، فهو محسوب على العرب لغويا وقوميا.

بعد هذا التقديم نسأل: من المشمول باحتفالية اليوم؟ الجواب: كل قوم يبكي على ليلاه، حتى العربي الذي يعلم جيدا بأن اللغة العربية لن تنقرض طالما تحدثت بها عشرات الملايين من البشر قد احتفل بمقالة في الصحافة العربية الصادرة هذا اليوم، ولكنه يروّج للعربية الفصحى التي ليست لغة أم بالمعنى الدقيق لأي عربي في الكون. من حق العربي أن يقلق على الفصحى لأنها لغة أمة واحدة، وهو شعور قومي تنامى عنده عبر قرون من الزمان جعلته وجدانيا أن يتخذ من الأمة العربية مجازا أمّا لكل العرب. وإن كانت منظمة الأمم المتحدة حريصة ايضا على سلامة وديمومة اللغة العربية، إلا انها قصدت بلغة الأم تلك اللغات المهددة بالانقراض، ومن بينها اللهجات الآرامية الحديثة التي تتكلم بها أمهات حقيقيات بعفوية خالصة، عكس من يدعي بأن العربية الفصحى هي لغة أمه، مثلما كانت الآرامية لغة عالمية لقرون طويلة حتى حلت العربية مكانها لأسباب معروفة لتصبح بعدئذ ثانوية جدا وآيلة للزوال بسبب اضطهاد وقتل وتهجير وهجرة متكلميها. إذن كيف نحتفل بلغة الأم في ظل هذه الظروف دون توفر المستلزمات وتوفير الاجواء السياسية وبعث الحس الوطني؟ لا أطالب بأن تكون جميع اللغات العراقية لغات رسمية يفصح عنها جواز السفر العراقي، بل أن تصبح لغات رسمية إلى جانب العربية والكردية دون إلغاء دورالعربية الريادي وموروثها الثقافي والديني والحضاري. إنها، وبكل بساطة، بحاجة إلى رعاية خاصة، كتقديم تخصيصات مالية لتسجيل تراث متكلميها، على سبيل المثال. نعم، نحن مطالبون بالحفاظ على سلامة اللغة العربية في كتاباتنا، كنا عربا أم غير عرب، طالما كنا نعيش في وطن واحد. لماذا نحرص على الكتابة بلغة انكليزية سليمة، مثلا، بينما لا نبالي إن كتبنا بعربية سقيمة احيانا؟  لا شك في أن من يدعو إلى سلامة اللغة العربية يعي جيدا بأن النشر الإلكتروني غير المقيد ساهم وسيساهم في تدهور اللغة العربية الفصحى. ولن يكون الاحتفال بالمناسبة احتفالا لغويا شعبيا ما لم تتخذ الاجراءات السياسية الخاصة بلغة الأم، أولا، ومن ضمنها اللهجات العربية الدارجة، وبسلامة العربية الفصحى، ثانيا. وأهم المطالب التي تحضرني في هذه اللحظات هي اصدار قرارات سياسية تنص على عودة المجامع اللغوية الخاصة بالقوميات غير العربية وتشريع قانون ينص على تشكيل لجان متخصصة لدراسة الموروث الشعبي اللغوي بدءاً بجنوب العراق ومقارنته باللغة الآرامية ليكون بوسعنا قراءة التاريخ الرافديني المطمور بشكل علمي. كما اتمنى من كان في أعلى هرم الدولة العراقية أن يتحدث بالعربية الفصحى على المستوى الرسمي اعلاميا. وإن لم يستطع المشافهة بها، فعليه أن يقرأ خطابه بعربية لا يجر فيها ما ينصب ويرفع ما يخفض. وكل عام ولغات الامهات بألف خير.


الأردن في 21/2/2010
[/size]

52
الجزيرة نت- وكالات: اصطدمت طائرة صغيرة اليوم بمبنى مكون من سبع طبقات في مدينة أوستن عاصمة ولاية تكساس الأميركية وسط معلومات بأن شخصا قد فقد وأصيب اثنان آخران بجراح.

وسارعت الشرطة إلى تطويق المبنى الذي كانت تندلع منه سحب الدخان والذي يقع قرب أحد أفرع مكتب التحقيقات الفدرالي الأميركي.

وأشار مسؤول في الشرطة المدنية إلى أن النار اندلعت في الطبقة الثانية وأن بعض المقيمين هناك ما زالوا عالقين وتجرى محاولات للوصول إليهم وإنقاذهم.

وقالت مسؤولة في قسم الإطفاء في مدينة أوستن إن اثنين من المقيمين في المبنى لم يعثر عليهما وإن الطائرة المسببة للحادث صغيرة وخاصة.

وأبلغ شاهد مقيم في مبنى قريب محطة سي إن إن، أن سكان المبنى أصيبوا بالصدمة، وشبّه ما حدث بالهزة الأرضية.

وذكرت مراسلة الجزيرة في واشنطن أن هذه الحادثة أعادت شبح أحداث الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 عندما اصطدمت طائرات مدنية بمبنيي برج التجارة العالمية وبمقر وزارة الدفاع الأميركية مما أدى إلى مقتل نحو ثلاثة آلاف شخص.


المصدر: التجديد العربي في 19/2/2010
 http://arabrenewal.com/news.aspx?id=1384

53
ثنائيات في مدح وذم الحبيبة بمناسبة عيد الحب
بعنوان: إلى زوجتي

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


زوجتي، حبيبتي، يا اجمل الأماني
زواجنا عبث، زلزل كياني.

كلما تراءى لي وجهك في حلم جميل
انهض مذعورا وما أنا بعليل.

حنان وحب ودفىء وذكاء،
ما نلت منها سوى العزاء والشقاء.

ما تخيلت يوما سأحب سواك،
حتى نهرني المحروس أخاك.

عطرك كالبنفسج والريحان...وحلاوتك يعجز عن وصفها اللسان،
ولكن كما يذوي الورد ويموت البنفسج، ستغدين طي النسيان.

كم اشتقت إلى ضمك على صدري،
ولكن افقدني الثوم والبصل صبري.

اتغزل بوجهك المشرق، بابتسامتك، واراك بعيون شاعر اديب،
ولكن، لا اخفيك، فكل هذا المديح اكاذيب في اكاذيب.

كلما فاح عطرك تتعطر انفاسي،
ولكن عطر اليوم يُنبأ بغد قاس.

تعجز الكلمات عن وصف حسنك المثير وفرشك الوثير،
إلا ما كان على وزن "إلى جهنم وبئس المصير".

تُرى ما الذي جعلني انشد لك شعرا؟
لا اخفي عليك سرا، فهما قدحان لا اكثر، زاداني سكرا.

نُظمت هذه الثنائيات الفريدة من نوعها على غرار القصيدة الفائزة بجائزة جريدة "واشنطن بوست" بمناسبة "عيد الحب"، إذ كان احد شروط المسابقة هو نظم قصيدة بنفس القافية في كل بيتين منها، شريطة أن يكون البيت الاول مدحا للحبيب أو الحبيبة بينما الثاني ذما أو استهجانا.

الأردن في 11/2/2010
[/size]

54
استاذ ودكتور وألقاب اكاديمية
بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن
   


تطلق تسمية الدكتور أكاديميا على الحاصل على شهادة دكتوراه في أي من العلوم، ومنها اللاهوت وعلم اللغة والطب...إلخ. وتعرف عالميا بأنها دكتوراه فلسفة  Doctorate of Philosophy، واختصارها PhD . ولخصوصية التخصصات في العلوم المختلفة، يلجأ البعض من حملة شهادة الدكتوراه إلى استخدام القاب بديلة، كأن تكون واحدة من الامثلة التالية:
EDD دكتوراه في التربية
D.M.Sc. دكتوراه في الطب
D.M.L. دكتوراه في اللغات الحديثة
ولكن ليس بالضرورة أن يكون الحاصل على هذه الشهادة تخصصه فلسفة. ويضع الحاصل عليها أمام اسمه اللقب المختصر Dr  (بوضع نقطة بعد حرف الراء، كما في اللهجة الامريكية، أو بدونها، كما في اللهجة البريطانية الحديثة). وشاع استخدام كلمة الدكتور شعبيا، بدلا من "حكيم" قديما أو "طبيب" حديثا في ميدان الطب. لذلك فالحاصل على البكالوريوس (الليسانس) أو الماجستير في أي فرع من فروع الطب (انساني أو حيواني) يسمي نفسه دكتورا. ويمنح لقب الأستاذية في العالم العربي (بمعنى البروفيسور) أكاديميا لكل باحث يعمل في أي مركز ابحاث أو جامعة ممن استوفى شروط الترقية العلمية إلى هذه الدرجة بناء على جودة البحوث التي انجزها خلال عمله. ويقيّم هذه البحوث نخبة من علماء العالم للتحقق من أصالتها واضافتها للمعرفة الانسانية. وليس بالضرورة أن يكون الحاصل على لقب "بروفيسور" أن يكون حاملا لشهادة الدكتوراه (ولكن في الاغلب يكون حاملها هذه الايام). إذن الدكتوراه شهادة عالية يحصل عليها الشخص الدارس في جامعة أو معهد ما (ربما دون الحصول على شهادة الماجستير)، لكن "البروفيسور" درجة (رتبة) علمية يحصل عليها الباحث من مقر عمله، وهي أرقى الدرجات التي يحصل عليها الشخص من خلال انجازه العلمي (مؤلفات وبراءات اختراع، إن وجدت). ولذلك فأن عدد الحاملين للقب "بروفيسور" في العالم أقل بكثير من اولئك الذين يحملون شهادة الدكتوراه أو من الذين يحملون رتبا أدنى، كالاستاذ المساعد أو المشارك. والحاصل على شهادة الدكتوراه ورتبة الاستاذ معا يضع أمام اسمه (أ. د.) عادة، أي الاستاذ الدكتور فلان بن فلان. ومن هذا الشرح نفهم بأن الدكتور في الجامعة ليس بالضرورة أن يكون استاذا (بروفيسورا). وقد يكتفي من كان حاملا للدكتوراه ودرجة الاستاذية بذكر لقب "بروفيسور" أمام اسمه (أو اسمها، في اغلب الاحيان) دون ذكر (الدال نقطة). وجرت العادة على أن تكون الاسماء مجردة من الالقاب لأغراض النشر، ولكن يصر الاوروبيون، بشكل عام، على ذكر Prof. متبوعا بـ Dr. (أي ما يناظرهما بالعربية أ. د.) قبل الاسم. ويبدو أن هذه النزعة رائجة جدا في العالم العربي والعالم الثالث ايضا. ومن الملفت للنظر أن هنالك من يصر أن يدعو نفسه بروفيسورا على المستوى الاعلامي دون أن يحصل على مرتبة الاستاذية، ولكن علينا الانتباه إلى حقيقة أن الفرنسيين يستخدمون لقب البروفيسور للمعلم بمعنى "المهنة"، ولاعلاقة لهذا الاستخدام (الرائج ايضا في الدول الناطقة بالفرنسية) بالدرجة العلمية للشخص. وإذا ما استخدمت كلمة "الاستاذ" أو "البروفيسور" لوحدها أو بمعية "الدكتور" في غير هذه المواضع (ربما لجهل مستخدميها بما ورد في اعلاه)، فأنها تعني للقارىء واحدة من شيئين، إما احتراما او استهزاء، حالها حال "باش مهندس" أو "أستاز" (بقلب الذال زاء) في مصر.
وهنالك إشكال ثان في استخدام وفهم ست من التسميات المتعلقة بلقب "بروفيسور"، وهي تحديدا:
1.   الاستاذ المساعد      Assistant Professor
2.   الاستاذ المشارك      Associate Professor
3.   استاذ (بروفيسور)     Full Professor
4.   استاذ (محاضر) غير متفرغ     Adjunct Professor
5.   استاذ متفرغ           Tenured Professor                  
6.   استاذ متمرس (كرسي)      Emeritus Professor
هذه الالقاب الست اكثر شيوعا من غيرها في جامعات العالم، خاصة الامريكية وأغلب الجامعات العربية التي يندر أن تمنح اللقب الاخير رغم مرور نصف قرن على خدمة الاستاذ! قد يحصل حامل الدكتوراه على اللقب الأول عند تعيينه لأول مرة في الجامعة، أو بعد مرور سنة من تعيينه بعد تثبيته في الوظيفة على أن يقدم بحثا. وبعض الجامعات العربية، كالعراقية مثلا، تمنح اللقب الاول لحامل شهادة الماجستير شريطة أن يكون قد تعين برتبة "مدرس مساعد"  Assistant Lecturer وترقّى إلى مرتبة "مدرس" Lecturer أو Instructor بعد تقديمه البحوث المطلوبة لكل ترقية، إضافة إلى نشاطه وخدماته الجليلة للمؤسسة التي يعمل بها. ولا يمنح اللقب الاول لحامل الدكتوراه في العراق، عكس ما معمول به في الجامعات الاردنية، إلا اذا قدّم بحوثا خلال اربع سنوات، في الأقل، تؤهله لنيل مرتبة الاستاذ المساعد. أي ان حامل الدكتوراه يعين برتبة "مدرس" اولا في الجامعات العراقية. وهنالك من قضى حياته كلها في التعليم الجامعي كـ "استاذ مساعد" دون ان يستطيع الانتقال إلى رتبة "الاستاذ المشارك" التي ألغيت في العراق لأنها تتطلب اربع أو خمس سنوات اضافية لما هو معمول به في جامعات العالم، وربما تماشيا مع نظام التعليم العالي السائد في بريطانيا. وكتحصيل حاصل، فأن من يحمل لقب "الاستاذ المساعد" من الجامعات العراقية يعين بمرتبة "استاذ مشارك" في الجامعات الاردنية، شريطة أن يكون حاملا لشهادة الدكتوراه لأنه استوفى شروط نشر العدد اللازم من البحوث العلمية. وهذا يعني بالضرورة أن "الاستاذ المساعد" في العراق و "الاستاذ المشارك" في أي من جامعات الدنيا يتساويا في الحقوق عند التقديم إلى درجة الاستاذية Full Professor بعد مرور خمس سنوات، كحد أدنى، على الترقية السابقة لها.

 أما كلمة adjunct بمعنى "المحاضر أو الاستاذ غير المتفرغ" فهي مأخوذة من قواعد اللغة بمعنى "الفضلة"، أي الظرف الذي يمكن الاستغناء عنه، ولكن لضرورة السياق أحكام. والمحاضر أو الاستاذ "غير المتفرغ" (المستعملة في الأردن، وفي كل أمريكا) هو الذي يعمل وقتيا في مؤسسة تعليمية أو أكثر، ربما لفصل دراسي أو أكثر، وليس بالضرورة وجود عقد مبرم، لأن المحاضر بمثابة "أجير" وتخصم منه أجرته إذا تغيب بعذر مشروع أو غير مشروع، ولا يتمتع بامتيازات جامعية، إذا توفاه الله مثلا، أو أصيب بمرض. وهي قريبة من معنى Part-timer ، لكنه لقب أكاديمي غير قابل للتدرج العلمي. وعكسه تماما الأستاذ الموظف على الملاك الدائم  Tenured professor ، المشمول بكل الامتيازات الجامعية والحقوق. وقد عشت حالة وسطية بين الأثنتين شخصيا في الأردن، ولكن بعقد سنوي قابل للتجديد، وهي "محاضر متفرغ" براتب، وليس برتبة "أستاذ"، رغم حقيقة ان قرارات اتحاد الجامعات العربية ملزمة لكل الاعضاء. جلت وصلت في قواميس الدنيا، فلم أجد مفهوما لهذا العنوان الوظيفي الذي يجمع بين العناوين الواردة في اعلاه. ولكن بعد القيل والقال، وتقديم ما يثبت مؤهلاتي العلمية، تقرر أن احصل على مرتبة "استاذية" ثانية بعد مرور اربعة عشر سنة على حصولي الأولى من جامعة الموصل.

وأخيرا، نأتي إلى المحطة الختامية لرحلة الباحث المضنية، المتمثلة بلقب الاستاذ المتمرس (استاذ كرسي، أو أميري، كما اقترحت ترجمته قبل عدة سنوات). الذي يمنح للبروفيسور المتقاعد تكريما له، إذ يخصص له مقعد في الجامعة التي خدمها. وعندما تمر في رواق القسم العلمي الذي كان يعمل فيه ستجد أسمه على باب مكتبه، فهو العالم الذي ما زال باحثا أو حتى زائرا، والآن مستشارا، ويمكن الاستعانة بخدماته في البحث والتدريس والاشراف كجهد اضافي مدفوع الثمن. ويبدو أن الجامعة الاردنية تسير في هذا الاتجاه.

الأردن في 10/2/2010    
[/size]

55
مرثية ذاتية لها بقية...
خاطرة قصصية رقم (10) بعنوان
:


شتيمة من ناقص في عقر داري

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس

جامعة جدارا/ الأردن


حبّذا لو اخذونا في نزهة بين الحملان برعاية كلب يحمينا من الذئاب وراع يهدينا إلى مراع تتغنى ببرسيم نيساني أخضر تزينه ازهار البيبون ذات اللب الاصفر والاجنحة البيضاء وقالوا لنا: ها هنا انتم قاعدون سالمون غانمون، ولكن كالدجاج اقتادونا إلى معسكر "درنجوخ" لتدريب الجيش الشعبي وقالوا لنا: ها هنا تصنع الفحول وليس في الحقول. كان ذلك في صيف سنة 1984 من تاريخ جامعة الموصل، صيف لاهب تنقلب فيه المعادلة بين الاستاذ والطالب لتصبح مفردة "الرفيق" جسرا يعبر عليه الأمير والحمير. والأنكى من ذلك، يُخاطب بها من تلصق به تهمة أو يحاكم بالخيانة العظمى. هكذا شاء منظرو "الاشتراكية" و "الوطنية" في العراق، ومن على الجسر سقط اساتذة جامعات اجلاء، ومنهم ابن خالي قرياقوس ميخا خمي الذي ابتلعه نهر "القارون" في الحرب مع ايران. يبدو أن قيادتنا لم تقرأ مذكرات تشرتشل، رئيس وزراء بريطانيا، الذي رفض أن يرسل اساتذة الجامعات إلى جبهات القتال في الحرب العالمية الثانية. ولكن حصل الذي حصل وما علينا سوى كتابة التاريخ كما عاصرناه بأمانة.

استغربت من تسمية "درنجوخ" للمنطقة الواقعة في الطرف الجنوبي لناحية الرشيدية/ قضاء تلكيف الواقعة على الضفة الغربية من نهر دجلة. قد تكون الكلمة كردية أو تركمانية لأن اغلب ساكني الناحية هم من التركمان الذين استقبلونا بالاهازيج والتصفيق على حافتي الطريق المؤدية إلى المعسكر ظنا منهم أننا في طريقنا إلى تحرير المناطق العراقية التي وجدت فيها القوات الايرانية "موطأ قدم" بينما تتبادل الدولتان قصف المدن. كان الطلبة، خاصة الراسبين والمكملين في الدور الأول من الامتحانات النهائية، فرحين بتواجدهم مع اساتذتهم الذين يشاركونهم خيمهم وقصعتهم ودس اصابعهم فيها لتناول وجبات الغداء والعشاء، ناهيك عن انتعاش آمالهم في النجاح. للمقاتل "الصنديد" خياران، إما دس الأصابع في القصعة المشتركة، أو الامتناع عن الطعام بانتظار سائق التموين، الاستاذ سليمان، كي يأتيه بما يتيسر له من السيكاير والمعجنات في طريق عودته إلى المعسكر. كنت أنا وزميلي الاستاذ صبحي نمتنع عن تناول الطعام في الأيام التي يرى احدنا بأن حاوية الشِـجر (الكوسة، بلهجة الشام) تكسوها طبقة سوداء وخضراء وزرقاء. تأملنا مرة الوعاء (الطشت) الذي يحتويه الشـِجر المقطع. تغاضينا عن الاتربة وحبات الرمل التي كانت تأتي بها الرياح لأن الشـِجر سيغسل بالماء قبل وضعه على النار، ولكن ماذا عن جيوش الذباب؟
علق صبحي بفكاهته المعهودة: اشبع اليوم بروتينات!
-   ولكن الذباب الأخضر، يا أبا بسمان.
انفجر صبحي ضاحكا لأنه يعلم بأن هذا النوع من الذباب يعيش على فضلات الانسان وروث الحيوانات وكل ما هو "فطيس" (أي نافق).
وفي حضرة ملايين المايكروبات، تبدأ الاتصالات والمشاورات للحصول على فتات من الخبز أو بقايا المعجنات.

مرّ اسبوعان على تواجدنا في المعسكر الذي تأقلمنا مع سلوكيات القائمين عليه. اقتصر التدريب على الرياضة والانضباط والتوجيه المعنوي. كنت انتظر بفارغ الصبر صدور الامر الجامعي الذي يقضي مشاركتي في مؤتمر دولي بالنمسا. لم يكن صبحي متفائلا حول امكانية حصولي على موافقة جامعة الموصل بايفادي إلى الخارج في ظل الحرب الدائرة بين العراق وايران، ناهيك عن أننا كنا في معسكر تدريبي لا يسمح بالخروج منه سوى للضباط المجندين. انتهزت فرصة وجود (النقيب) الدكتور مؤيد معنا، وطلبت منه متابعة الموضوع.
وجاء الجواب بالايجاب...
لم يصدق احد عينيه وهو يقرأ الأمر الجامعي القاضي بإيفادي، كما لم اصدق سماع سيل من كلمة "مبروك" من افواه الزملاء والطلبة. هرعت إلى آمر المعسكر، النقيب (م ح) للحصول على موافقته بترك المعسكر. عندما وصلت إلى خيمته كان يتناول طعام الغداء (الخاص) مع معاونه الملازم الأول (س ص). اديت التحية العسكرية التي لم اتقنها، حالها حال الرقص والغناء، في حياتي، وقدمت الأمر الجامعي له. تأمل في الكتاب قليلا، ثم علق ساخرا:

-  هـَم "دنحا"، وهـَم "طوبيا" وهـَم "النمسا"؟

تسمرت في مكاني دون تعليق، وارتفع الدم إلى رأسي، وشعرت بالغثيان بينما راح قلمه يذيّل الكتاب بالموافقة. ومع ذلك، شكرته، لكنني توجهت مسرعا إلى الرفيق (ص م)، عضو فرع نينوى للحزب، آمر القاطع، وشكوته بالذي بدر من المسئول العسكري. حاول الرفيق امتصاص غضبي بقوله:
-  هذه نماذج سيئة تسىء إلى الحزب والثورة. أما يعلم بأن القائد المؤسس والرفيق طارق عزيز مسيحيان؟ توكل على الله، وامض في مشوارك. رافقتك السلامة.
لم تسعفني مواساة الرفيق كثيرا لأن البيئة التي تخرج منها السيد النقيب موبوءة، بل كانت خشيتي في الذي سيحصل لمسيحيي الموصل تحديدا. لو كان معلمه قد تبرع فعلمه بأن اسم "دنحا" اسم عراقي أصيل وأسمه دخيل على العراق، فضلا عن كونه حاملا لشهادة الدكتوراه، ما سخر هذا الناقص من الأسماء السريانية التي وهبتها السماء.

وإلى الملتقى في مرثية قادمة...

الأردن في 2/2/2010

56

مقدمة كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق"

ترجمة الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


ترجمة مقدمة كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق" للمؤلف جورج سميث، الصادر أصلا سنة 1874، كتبها آركيبولد هنري سايس (1845-1933) في طبعته المنقحة والمزيدة سنة 1880

الجزء الأول

مرت خمس سنوات على صدور الكتاب الحالي، وهو من تأليف  الباحث جورج سميث الذي قضى نحبه، بعد صدوره مباشرة، في آخر رحلة استكشافية  إلى الشرق. وتكمن أهمية هذا الكتاب في ايقاظ سبات تاريخي يثير الفضول، إذ لم تعد روايات الفصول الأولى من سفر التكوين سردا قائما بحد ذاته، بدليل ما اكتشفه المؤلف من حقائق في الرُقم الطينية من بابل القديمة، توازيها أهمية بالغة. والتي يعود تاريخها إلى عصور سبقت ظهور الكتاب المقدس، الأمر الذي جعل منظري التاريخ واللغة والدين أن يعيدوا حساباتهم بترو بعد أن استحسنوا النتائج الباهرة التي خرج بها جورج سميث من الوثائق التي تفحصها مليا. لقد اتسمت السنوات الخمس التي تلت نشر كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق" بالعمل الدؤوب والمثمر بين علماء الآشوريات. واستمرارا لنهج جورج سميث وتخليدا له، تواصل البحث ونفلت الألواح والرُقم الطينية من بابل وآشور إلى اوروبا. ومن هنا بدأ الاهتمام بدراسة اللغة الآشورية ونقوشها، خاصة في المانيا، التي مكنت العلماء وطلابهم من فهم أفضل لتاريخ وادي الرافدين. ومن العلماء الافذاذ الذين ذاع صيتهم في هذا المجال نذكر كل من (أوبيرت) و (لينورمانت) و (جويارد) من فرنسا، و (شريدر) و (ديلتزش) و (هوبت) و (هومل) من ألمانيا. فالنصوص التي كانت غامضة ومشكوك فيها أيام جورج سميث وحتى بعد وفاته أصبحت الآن شبه واضحة، خاصة الاجزاء الصعبة من العهد القديم.

وعلاوة على ذلك ، فأن الباحث في الآشوريات يتفوق على الباحث الملم بالعبرية بسبب توفر القواميس والمسارد التي وضعها الآشوريون والبابليون أنفسهم. وبطبيعة الحال،فإن هذه المصادر الثمينة من شأنها أن تلقي الضوء على الكلمات المبهمة وتحسم الاشكالات السابقة بخصوص معانيها. لقد تحدى جورج سميث الموروث من جهلنا بتاريخ الآشوريات، وتحدى الزمن الذي كان يسابقه في انجاز هذا الكتاب قبل انطلاقته الأخيرة إلى الشرق. كما شكلت النصوص التي قام بتحقيقها تحديا آخر لأنه خرج بنفائس تضاهي جودة تلك التي حصل عليها من سبقه في اسلوبها ومفرداتها وايحاءاتها، اضافة إلى القواعد التي تمتاز بها. ولو كانت النصوص التي عثر عليها جورج سميث كاملة وغير مشوهة، لما لاقى أية صعوبة تذكر في تفسيرها. ورغم الصعوبات التي واجهته، فقد تمتع بمهارات استثنائية للتغلب عليها. وإن كان علماء الآشوريات الأقل خبرة يركنون إلى نتائجه الباهرة، فمن المفيد أن نعلم بأن بعض النصوص المبتورة خذلت عبقرية السيد سميث أحيانا ولم يخرج منها سوى باستنتاجات عامة.

وعند مقارنة تراجم النصوص الواردة في الطبعة الحالية مع سابقاتها، سيجد القارىء فروقات مهمة في التفاصيل الناجمة عن تصحيح ترجمة كل ما له صلة ببرج بابل، هذه الفروقات التي من شأنها إزالة الشكوك التي خامرت جورج سميث في ترجمته لصحة هذا الحدث. وينسحب هذا التصحيح أيضا على ترجمة نص من نصوص ملحمة إيزدوبار (Izdubar) الذي يظهر لنا بأن الفن المعماري الشاخص في بناء (بيثل)، أي دار العبادة أو الحجر المقدس كان مماثلا لما ابدع به البابليون القدماء في وقت سابق. هذا وقد تعذر على جورج سميث احيانا تفسير نص ما برمته بسبب صعوبة فحواه. فعلى سبيل المثال، إن ما كان يعتقده سجلا لقصة "سقوط الانسان" كان في الحقيقة "ترنيمة للخالق"، كما جاء على لسان العالم (أوبيرت) لأول مرة في التاريخ.

ومن ناحية أخرى ، فقد مكنتنا دراستنا المستفيضة للقى الجديدة التي حصل عليها المتحف البريطاني خلال السنوات الخمس الماضية ، أو تلك التي كانت بحوزته، مكنتنا من إضافة عدد آخر من الألواح الطينية المسمارية التي تظهر بوضوح أجزاء مبكرة من سفر التكوين. فعلى سبيل المثال، زودنا السيد هرمز رسام متبرعا بجزء من رُقيم الطوفان ليملأ بذلك بعض الثغرات المهمة، ليس في قصة الطوفان وحسب وإنما في نصوص أخرى. وهذه مكتوبة بالحروف المسمارية البابلية، وليس الآشورية، كما أن مصدر ايداعها هو المكتبة البابلية وليست الآشورية، بيد أن القصة تتطابق تماما مع الطبعات الآشورية. وعليه، فأننا نعد النسخة الحالية دليلا آخرعلى مصداقية النسخ الآشورية حول الهوية البابلية القديمة للقصة. والنص الذي بين ايدينا يحكي قصة تدمير مدينة بوابل من نار جهنم. وإن كانت القصة محفوظة لفترة طويلة بين مجموعة مقتنيات المتحف البريطاني، فقد كنت أول من لاحظ  بأنها لا تختلف عن الصيغة البابلية التي تحكي لنا قصة هلاك سادوم وعمورة الواردة في العهد القديم.

الأردن في 14/1/2010


الجزء الثاني

كان لابد من اجراء العديد من التعديلات والاضافات على النص المصاحب للترجمة التي نالت قسطا كبيرا من اهتمام السيد سميث، إذ لم يسعفه الوقت ولا تملكته الرغبة في معالجة الأسئلة التي أفرزتها بشكل معمق، أو الدخول في جدل حول ايضاحات ممكنة تقترحها جهات أخرى. فعلى سبيل المثال، تتطلب الدراسة المستفيضة
لملحمة عظيمة، كملحمة إيزدوبار، إلماما خاصا بأساليب ونتائج فقه اللغة المقارن ، إضافة إلى معرفة أدق وأشمل بتاريخها وطابعها مما كان متاحا للسيد سميث في تدوينه آنذاك.

وتجدر الاشارة إلى أن النسخة الحالية من الكتاب تضم في دفتيها نسبة كبيرة من النصوص المسمارية المترجمة التي لم يسبق نشرها من قبل. ولذلك حاولت جاهدا في تنقيح ما أمكن تنقيحه من هذه التراجم بعناية فائقة، باستثناء جزء صغير من ملحمة إيزدوبار (Izdubar)، سعيا مني في تقديم ترجمات ترقى إلى مستوى معرفتنا الحالية باللغة الآشورية. وفي عين الوقت، اتقدم ببالغ الشكر والامتنان للسيد (بنجيز) على ما قدمه لي من عون وعطف كريمين في تزويده لي بجميع النسخ غير المنشورة تقريبا من أساطير ملحمة إيزدوبار. كما قام بتصحيح العديد من قراءاتي الخاطئة ، خاصة اسم الربان خيسوثروس (Xisuthrus) الذي ينبغي أن يكون (نيس – هيئا)، أي (أسد هيئا)، بدلا منه. لقد أكد لي السيد (بنجيز) أن اسم الإله يعبر عنه الجزء الثاني من الاسم بشكل متواتر لأن الرقم 40 يدل عليه كتابة، وهو رمزا للإله (Heâ)، باستثناء حالة نقش واحدة يعبر عنه الرقم 50 كبديل، علما أن الرقم 50 هو رمز للإله بيل (Bel). ومن جملة ما أشار إليه أيضا فقرة من رُقيم ثنائي اللغة يظهر شرح الاسم فيها، أي (نيس – هيئا)، باللغة الآشورية. ومما يؤسف له، فقد تعذر العثور على النصوص المشار اليها في الصفحات 103-124 مما جعلني مضطرا لاقتباس ترجمة السيد سميث دون أي تغيير.

ومع ذلك، يجب أن يتذكر القارئ بأن ما من ترجمة لهذه الالواح الطينية المتضررة تصلح لأن تكون صورة مطابقة للأصل في دلالتها. وحتى لو تسنى لنا الوقوف على معانى كل الكلمات، أو كانت درجة وضوح تمييز المفردات عن بعضها البعض متيسرة (وفي الحقيقة، لم تكن متيسرة)، فإن الضرر الذي لحق العديد من النقوش سيجعل جزءا كبيرا من الترجمة محل تساؤل وتخمين . ومما زاد الطين بلة هو جهلنا التام، أو نصفه، بمغزى بعض الكلمات. لقد سعيت دوما الإ شارة إلى مكامن الظن عند مروري بالكلمات والفقرات المشكوك في صحتها، ولكنني اجتهدت في بعض الحالات فاقترحت معان قابلة للتقصي والتحقيق منها في ضوء الاكتشافات القادمة. كما وينطبق هذا المنهج بشكل اوسع على ما يمكن تسميته بالتعليق المصاحب للترجمة. ولا يخفى على مفسر النقوش الآشورية بأن المفاجآت التي تعترضه باستمرار لا مفر منها، إذ قد يسعفه جزء صغير، من حيث يدري ولا يدري، في القاء ضوء جديد على معضلة يعتقد بأنها حسمت إلى غير رجعة. وفي حقيقة الأمر، فأننا في علم الآشوريات، كما هو الحال في جميع العلوم المختلفة، لا نرقى إلى الدرجة القطعية، إذ لا يمكننا سوى تقديم ما يقرب من الحقيقة والدقة، وليس الحقيقة كلها، في وقت محدد. وهذا يعني بأنه يمكننا اجراء تعديلات على ما انجزناه كل شهر في ضوء المعطيات الجديدة.

وكشاهد حي على ما ذهبت إليه، فقد زودني السيد (بنجيز)، بينما كان الاصدار الذي بين يدي القارىء في طريقه إلى المطبعة، زودني بلوحتين تنتميان إلى نسختين (أو اصدارين منفصلين) عن مخطوط مثير للدهشة (احداهما تحمل الرقم س 669 بينما تخلو الثانية من أي رقم). ولا ريب في أن هذا المخطوط (النقش) عبارة عن قائمة تضم سردا لملاحم واساطير كلدانية قديمة بأسماء مؤلفيها من الذين يشار لهم بالبنان. والكثير من هذه الملاحم تحكي لنا قصصا على غرار اساطير ريشيس (Rishis) الهندية الشهيرة في اغلب الظن. وإن دلت هذه القائمة على جمهرة من القصائد في وقت مبكر من التاريخ،  إلا أننا لا نملك منها إلا القليل نسبيا في الوقت الحاضر. و تنتمي اللوحتان اللتان حصلنا عليهما إلى نفس الجزء من القائمة المذكورة، هذه القائمة التي نجهل العديد من المؤلفات القديمة التي سطرت عليها أصلا، بيد أننا نعلم بأن اسماء بعض الأعمال المذكورة تستقي عناوينها من أسماء ابطال حكاياتها تقديرا، فيما يكنى البعض الآخر مجازا من مطلعها كما يرد في السطر الاول. وتمكنا من التمييز بين الألواح التي تنتمي إلى الفترة الاكدية، كونها تمثل قصائد الشعراء باللغة الاكدية، وتلك التي يرجع اصلها إلى السامية البابلية. وتكمن اهمية القائمة في قدم القصائد التي تتضمنها، إذ لا يرجع تاريخ نظم أي منها إلى فترة تعقب سنة 2000 قبل الميلاد تقريبا.


تنويه وتعليق:

 وبعد هذا التقديم لطبعة الكتاب المنقحة يقدم لنا آركيبولد هنري سايس ترجمة لنص اعاد له عافيته من إجراء مقارنة بين اللوحين المذكورين وفق النسخ المصورة عن كل منهما. ولما كان النص مبتورا، ولجهلي بعلم الآشوريات وأسماء الاعلام الواردة في النقوش، تعذر علي ترجمة الجزء المتبقي, لذا اقدم اعتذاري للقارىء الكريم. كما أود الاشارة ثانية بأن ترجمتي لهذه المقدمة هي ترجمة امينة ولم اتصرف بها قطعا. واؤكد هنا بأن ما ذهب إليه أحد الأخوان في تعليقه على منتديات باقوفا بأن جورج سميث غير رأيه بشأن التسمية الكلدانية بعد ظهور هذا الكتاب عار عن الصحة تماما لأنني، وكما جاء في ردي عليه من باب الامانة العلمية، اوضحت بأن الكتاب الذي نتناوله كان في طريقه للطبع بينما جورج سميث وافته المنية وهو في طريق رحلته الأخيرة إلى الشرق. لذا اقتضى التنويه. وبما أن الترجمة العربية الكاملة لهذا الكتاب ضرورية جدا، ولكنها بحاجة إلى تفرغ المترجم لضخامة الكتاب وباحث آثاري لمعاونة المترجم في فك طلاسمه، سأحاول ترجمة اجزاء مميزة منه مستقبلا إن طال بنا العمر.

البروفيسور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن
 في 25/1/2010
[/size]
[/font]

57
ايديولوجية المؤتمر العالمي للشياطين

أ. د.  دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


دعا الرئيس الاعلى لمجالس الشياطين في العالم جميع ممثلي الأبالسة إلى مؤتمر دولي لمناقشة الوضع الراهن في عموم الكرة الارضية، خاصة شأن مسيحيي العراق. وجاء في كلمة الافتتاح ما يلي:
أخوتي في العقيدة... رفاق الدرب الطويل...
بما أننا عاجزون تماما عن منع  المسيحيين على وجه الارض من ارتياد الكنيسة أو قراءة إنجيلهم في سعيهم لمعرفة الحقيقة وتوثيق علاقتهم بمخلصهم وكسر شوكتنا في ارجاء المعمورة، ينبغي علينا من الآن فصاعدا العمل على اشغالهم بكل ما له صلة بالأمور الدنيوية لإضعاف تلك العلاقة المنشودة مع مسيحهم، وأخص بالذكر أهل العراق.
صرخ المؤتمرون: وكيف لنا أن نفعل ذلك، يا سيادة الرئيس؟
أجابهم الرئيس: دعوهم يعطوا وزنا ووقتا للسياسة ومغرياتها. دعوهم يتعلقون بالماضي ويكتبون عن آلهتهم وملوكهم وأمجادهم. وهل نسيتم كيف حرضتم الأقوام الغازية على نهب مدنهم وذبح رجالهم واغتصاب نسائهم وبناتهم، وجعلتم من الجبال معقلا أخيرا لهم؟ لا تمنحوهم فرصة للصلاة على أمل احياء اطلالهم، بل شتتوهم إن اجتمعوا على كلمة مسيحهم. امنحوهم وقتا لكي يتآمروا على بعضهم البعض. تهللوا لنفاقهم وغطرستهم وشتائمهم. شجعوهم على الانفاق والاقتراض والاستجداء من الغرب المسيحي. شجعوا الزوجات للخروج إلى العمل وقضاء ساعات طوال خارج المنزل، واطلبوا من الرجال العمل طوال ايام الاسبوع. دعوا كلا الجنسين منشغلا. ارقصوا على عامل الوقت، يا أحباء لوسيفوروس، ولا تمنحوهم فرصة التواصل مع مخلصهم. ارقصوا على وتر من ليس على ملتهم أو دينهم في ليال حمراء كي ينغصوا عليهم عيش النهار. اجعلوهم أسرى للأنترنت لأنكم أقوى من الغرب الذي أوجده. شجعوهم على نشر غسيل بعضهم على الانترنت كي يتخاصموا. وسوسوا في عقول اطفالهم  كي يتمردوا على ذويهم. لا تطبقوا على صرخات من يستهجن أفعال كهنتهم. اقضوا على مقولة مسيحهم: "إن اجتمع اثنان باسمي فأنا ثالثهم" ما استطعتم إلى ذلك سبيلا. ومع ذلك، لا تمنعوهم من التردد إلى الكنائس، بل اعطوا تفويضا لوكلائكم على الأرض كي يفعلوا ذلك. اسلبوهم عقولهم. احشوا رؤوسهم بالاخبار المحلية والعالمية. شتتوا افكارهم المسيحية وفرقوا مذاهبهم. أما رفعتم على الدوام شعار "فرق تسد"؟ وإذا تواجدتم بين قوم ليس على هدى مسيحهم، لا تبخلوا عليهم بالدعاء والجري وراء مغريات الجنة الوهمية من حور العين والغلمان والخمر وانهار من العسل. لعل قوم عيسى بن مريم يهتدي. وإن لم يهتدوا، فافعلوا ما فعلتم بهم خلال الألفي سنة الماضية.
- ولكن، يا دولة الرئيس، هذا عمل يفوق قدراتنا، ولعنة المسيح علينا ما زالت قائمة.
- إنما هذا هراء. لا أخال بأن قوات السماء تقوى عليكم، فحلفائكم على الأرض العراقية يتناسلون بسرعة، ومن نسلهم نستلهم العزم والمقدرة. ولا مانع في أن تكون العورات وما جاورها مضاجعكم! وأكرر: الوقت لصالحكم. سيروا وعين رئيس ملائكتنا، لوسيفوروس، ترعاكم.

الأردن في 21/1/2010

58
شخص يقتل قريبة زوجته ويرمي بها في البحر

ستنظر ابتدائية الرباط في قضية الفتاة القاصر، 17 سنة، التي يشتبه في كونها قتلت من قبل زوج ابنة عمتها بعد معرفته بأنها حامل منه في 22 فبراير القادم. وتعود تفاصيل القضية -حسب رواية الأم المكلومة-، إلى أن ''الضحية'' اختفت عن البيت، وبعد بحث طويل لم تتمكن الأسرة من العثور عليها، وبعد سبعة أيام من الاختفاء، اتصل الأمن بالأسرة ليخبرها بأن ابنتهم رمى بها بحر سلا، وبعد تشريح الجثة أكد التقرير الطبي أن الفتاة حامل في الشهر الثالث، وأنها تعرضت للخنق قبل رميها بالبحر. وتتهم والدة الضحية في حديث لـ''التجديد''، زوج ابنة عمتها الذي يسكن بالشقة السفلى لبيتها. وأضافت أن ذلك يعززه تصريح الشهود أمام الضابطة القضائية، موضحة أنهم رأوه يقف وحيدا بمكان ببحر هرهورة بجانب الصخر بالرغم من أن المكان مظلم، وحين تقدموا منه أخبرهم أنه يحاول أن ينقذ فتاة من العائلة انتحرت للتو، فأخذوا بطاقته الشخصية وسجلوا المعلومات التي بها لتقديمها إلى الجهات المعنية. وشددت والدة الضحية أنها لم تتصور أن يحدث هذا الفعل من قبل قريب لهم في الدم، لاسيما وأن العلاقة بين العائلتين متوترة وبينهم قضايا، مشيرة إلى أنه وزوجته ''قاما مؤخرا بضرب ابنتها، فتقدمت بشكاية إلى الأمن، إلا أن هؤلاء لم يفتحوا أي محضر، ولو قامت السلطة باستدعائهم لكانت حتما ستعرف سبب الضرب المبرح التي تعرضت له الضحية''.

من جهتها، حملت نجية أديب، رئيسة جمعية ''متقيش ولادي''، مسؤولية تفشي ظاهرة الاغتصاب والاعتداء الجنسي على القاصرين، سواء الجناة المغاربة أو الأجانب، إلى الدولة، مشيرة في تصريح لـ''التجديد'' إلى أن الأمر يحتاج إلى إرادة حقيقية آنية على الأقل للحد من المشكل، لاسيما وأن بعض القضاة يتساهلون من خلال إصدار أحكام لا تتناسب مع خطورة الجرم المرتكب على المغتصبين والمعتدين جنسيا على الأطفال.

سناء كريم

20/1/2010
 
نقلا عن جريدة التجديد:
http://www.attajdid.info/def.asp?codelangue=6&infoun=55660&date_ar=2010/1/20

59
وفي النصف الأول من سبعينيات القرن الماضي تمكن مهندس طيران عراقي (رحمه الله)، من شحن صديقي المهندس الشاب "منهل" (في حاوية امتعة حجمها 1م3 ) في طائرة شحن إلى امريكا من مطار بغداد الدولي.

60
القراء الكرام
أضع بين ايديكم ترجمة أمينة لمقدمة كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق" للمؤلف جورج سميث، الصادر أصلا سنة 1875، كتبها آركيبولد هينري سايس (1845-1933) في طبعته المنقحة والمزيدة سنة 1880 . وبسبب طولها والتعقيدات الرمزية التي تحتويها، آثرت أن انشرها في جزئين. إليكم الجزء الأول على أمل الانتهاء من الجزء المتبقي قريبا.


مقدمة كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق"


ترجمة الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

مرت خمس سنوات على صدور الكتاب الحالي، وهو من تأليف  الباحث جورج سميث الذي قضى نحبه، بعد صدوره مباشرة، في آخر رحلة استكشافية  إلى الشرق. وتكمن أهمية هذا الكتاب في ايقاظ سبات تاريخي يثير الفضول، إذ لم تعد روايات الفصول الأولى من سفر التكوين سردا قائما بحد ذاته، بدليل ما اكتشفه المؤلف من حقائق في الرُقم الطينية من بابل القديمة، توازيها أهمية بالغة. والتي يعود تاريخها إلى عصور سبقت ظهور الكتاب المقدس، الأمر الذي جعل منظري التاريخ واللغة والدين أن يعيدوا حساباتهم بترو بعد أن استحسنوا النتائج الباهرة التي خرج بها جورج سميث من الوثائق التي تفحصها مليا. لقد اتسمت السنوات الخمس التي تلت نشر كتاب "الرواية الكلدانية في شأن الخلق" بالعمل الدؤوب والمثمر بين علماء الآشوريات. واستمرارا لنهج جورج سميث وتخليدا له، تواصل البحث ونقلت الألواح والرُقم الطينية من بابل وآشور إلى اوروبا. ومن هنا بدأ الاهتمام بدراسة اللغة الآشورية ونقوشها، خاصة في المانيا، التي مكنت العلماء وطلابهم من فهم أفضل لتاريخ وادي الرافدين. ومن العلماء الافذاذ الذين ذاع صيتهم في هذا المجال نذكر كل من (أوبيرت) و (لينورمانت) و (جويارد) من فرنسا، و (شريدر) و (ديلتزش) و (هوبت) و (هومل) من ألمانيا. فالنصوص التي كانت غامضة ومشكوك فيها أيام جورج سميث وحتى بعد وفاته أصبحت الآن شبه واضحة، خاصة الاجزاء الصعبة من العهد القديم.

وعلاوة على ذلك ، فأن الباحث في الآشوريات يتفوق على الباحث الملم بالعبرية بسبب توفر القواميس والمسارد التي وضعها الآشوريون والبابليون أنفسهم. وبطبيعة الحال، فإن هذه المصادر الثمينة من شأنها أن تلقي الضوء على الكلمات المبهمة وتحسم الاشكالات السابقة بخصوص معانيها. لقد تحدى جورج سميث الموروث من جهلنا بتاريخ الآشوريات، وتحدى الزمن الذي كان يسابقه في انجاز هذا الكتاب قبل انطلاقته الأخيرة إلى الشرق. كما شكلت النصوص التي قام بتحقيقها تحديا آخر لأنه خرج بنفائس تضاهي جودة تلك التي حصل عليها من سبقه في اسلوبها ومفرداتها وايحاءاتها، اضافة إلى القواعد التي تمتاز بها. ولو كانت النصوص التي عثر عليها جورج سميث كاملة وغير مشوهة، لما لاقى أية صعوبة تذكر في تفسيرها. ورغم الصعوبات التي واجهته، فقد تمتع بمهارات استثنائية للتغلب عليها. وإن كان علماء الآشوريات الأقل خبرة يركنون إلى نتائجه الباهرة، فمن المفيد أن نعلم بأن بعض النصوص المبتورة خذلت عبقرية السيد سميث أحيانا ولم يخرج منها سوى باستنتاجات عامة.

وعند مقارنة تراجم النصوص الواردة في الطبعة الحالية مع سابقاتها، سيجد القارىء فروقات مهمة في التفاصيل الناجمة عن تصحيح ترجمة كل ما له صلة ببرج بابل، هذه الفروقات التي من شأنها إزالة الشكوك التي خامرت جورج سميث في ترجمته لصحة هذا الحدث. وينسحب هذا التصحيح أيضا على ترجمة نص من نصوص ملحمة إيزدوبار (Izdubar) الذي يظهر لنا بأن الفن المعماري الشاخص في بناء (بيثل)، أي دار العبادة أو الحجر المقدس كان مماثلا لما ابدع به البابليون القدماء في وقت سابق. هذا وقد تعذر على جورج سمث احيانا تفسير نص ما برمته بسبب صعوبة فحواه. فعلى سبيل المثال، إن ما كان يعتقده سجلا لقصة "سقوط الانسان" كان في الحقيقة "ترنيمة للخالق"، كما جاء على لسان العالم (أوبيرت) لأول مرة في التاريخ.

ومن ناحية أخرى ، فقد مكنتنا دراستنا المستفيضة للقى الجديدة التي حصل عليها المتحف البريطاني خلال السنوات الخمس الماضية ، أو تلك التي كانت بحوزته، مكنتنا من إضافة عدد آخر من الألواح الطينية المسمارية التي تظهر بوضوح أجزاء مبكرة من سفر التكوين. فعلى سبيل المثال، زودنا السيد هرمز رسام متبرعا بجزء من رُقيم الطوفان ليسد بذلك بعض الثغرات المهمة، ليس في قصة الطوفان وحسب وإنما في نصوص أخرى. وهذه مكتوبة بالحروف المسمارية البابلية، وليس الآشورية، كما أن مصدر ايداعها هو المكتبة البابلية وليست الآشورية، بيد أن القصة تتطابق تماما مع الطبعات الآشورية. وعليه، فأننا نعد النسخة الحالية دليلا آخرعلى مصداقية النسخ الآشورية حول الهوية البابلية القديمة للقصة. والنص الذي بين ايدينا يحكي قصة تدمير مدينة بوابل من نار جهنم. وإن كانت القصة محفوظة لفترة طويلة بين مجموعة مقتنيات المتحف البريطاني، فقد كنت أول من لاحظ  بأنها لا تختلف عن الصيغة البابلية التي تحكي لنا قصة هلاك سادوم وعمورة الواردة في العهد القديم.


الأردن في 14/1/2010

61
الجزائر : أب يمارس الفاحشة مع زوجة إبنه

نقلا عن صحيفة النهار الجزائرية، نشرت جريدة دنيا الوطن خبرا مفاده أن الجزائر شهدت نهاية الأسبوع الماضي فاجعة مؤلمة، أبطالها والد وابنه وكنته، انتهت بجريمة بشعة.

حيث تقول المعطيات بأن الولد لايزال تحت وقع الصدمة، بعد أن غدر به من قبل أقرب شخصين إلى قلبه، إذ ضبط والده متلبسا في وضعية غير لائقة مع زوجته، على فراشه وفي بيته، الأمر الذي جعله تحت وقع الصدمة، يقوم بملاحقة زوجته التي فرت إلى وجهة مجهولة وبتر العضو التناسلي لوالده العجوز، الذي لا يزال يصارع الموت إلى حد كتابة هذه الأسطر في مستشفى تيزي وزو، وفي الوقت الذي يقبع الابن المغدور في السجن من دون محاكمة.

هذه الوقائع كانت مادة الملف، الذي فتحه قاضي التحقيق لدى محكمة عزازڤة نهاية الأسبوع الماضي، بعد أن وضع المتهم رهن الحبس المؤقت، رافضا الإدلاء بشهادته ورافضا النطق، حتى بعد أن خرجت القضية من بين يدي عقال المنطقة الذين وقفوا عاجزين أمامها، مما جعلهم يقررون تحويلها إلى العدالة، وتعود وقائع الحادثة إلى أمسية يوم 2 ديسمبر، حينما عاد الشاب المتهم صاحب 31 سنة من عمله على مستوى مقهى الأنترنت التي يملكها، وحال ولوجه البيت وجده خاويا، فما كان منه إلا التوجه إلى غرفة نومه، وما إن فتح بابها حتى صدم بمشهد زوجته في أحضان والده وهما يمارسان الرذيلة، بعد أن تجردا من إنسانيتهما ومن أي روابط أخلاقية، وهو المشهد الذي جرده بدوره من إنسانيته وجرده من وعيه، فقصد المطبخ وحمل سكينا وجه بواسطته عدة طعنات إلى جسد والده، ولم يكتف بهذا القدر، وإنما تعمد أن يقطع جهاز والده التناسلي، بينما تمكنت الزوجة الخائنة من الفرار إلى وجهة مجهولة، بينما نقل العجوز إلى المستشفى في محاولة لإنقاذ حياته.

و حسب شهود عيان،
فإن علاقة غرامية قديمة جمعت الضحية بزوجة ابنه، تعود إلى تاريخ عملها عنده بمقهى الأنترنت، والتي استمرت حتى بعد زواجها بابنه، في انتظار ما سيكشف عنه المتهم في حال تكلمه، والضحية بعد أن يتماثل للشفاء.

http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-145306.html[/font][/size]

62
تجدون في هذا الملف دراسة علمية رائعة (بالصور) عن تاريخ الكلدان ودولتهم وامبراطوريتهم الأولى، التي يعود تاريخها إلى القرن الثالث عشر قبل الميلاد؟ وما يسمى بالخليج الفارسي (من ضمنه شط العرب) هو البحر الكلداني (المالح). وللحصول على صورة أفضل لتاريخ الكلدان، اقترح قراءة كتاب جورج سمث (المنقح) عن التصور الكلداني لسفر التكوين والعالم في ذلك الزمان وعلاقتهم بالآشوريين والأقوام الأخرى، المطبوع سنة 1880 في لندن. الدراسة التي تجدها في هذا الملف، والكتاب الذي يتألف من 416 صفحة، توأمان، يكملان بعضهما البعض، وكلاهما باللغة الانكليزية. ولا علم لي إن كانت هنالك ترجمة عربية لهذا التاريخ المطوية صفحاته.

أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

رابط الملف:

http://www.gutenberg.org/files/17323/17323-h/v3a.htm


رابط الكتاب للتحميل:

http://www.scribd.com/doc/3982283/Smith-The-Chaldean-Account-of-Genesis-

63
مام بير المختار وخِيار جهنم

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

القصة التالية، ويخال لي بأنها نكتة، تداولتها الألسن لعقود خلت من القرن العشرين في شمال العراق. يقول الكاتب الكلداني جلال جرمكا بأنه قرأها في كتاب علاء الدين سجادي/ رشتي مرواري بعنوان "عقد اللؤلؤ أو اللآلي" وأوردها على منتديات "كرملش لك" (الرابط في أدناه) كما يتذكرها على أنها قصة حقيقية جرت أحداثها في أحدى قرى قضاء قلعة دزة التابعة لمحافظة السليمانية. والاعتقاد الثاني هو أنها قصة قديمة قِدم تواجد الجيش العراقي في جبال كردستان، وبالتحديد في "دهوك" التابعة للموصل آنذاك. تقول القصة (مع اعتذاري سلفا للأخوة المسلمين،  لكنها هكذا وردت على مسامعي، وأقدمها هنا كنص أدبي للمتعة، بعنوان "مام بير المختار وخِيار جهنم")، تقول:

كان هنالك مختار لقرية كردية في دهوك أسمه مام بير، وهو الوحيد الذي يستطيع التواصل بالعربية إلى جانب مؤذن القرية وخطيب مسجدها لأن قراءة القرآن يجب أن تكون بالعربية. ومختارنا هذا تُعهد إليه جميع المعاملات الرسمية لأهالي القرية ليأخذها إلى مدينة الموصل. تجمع أهل القرية ذات يوم لصلاة الجمعة، فبدأ القارىء بالتلاوة ... وأثناء التلاوة وردت أسماء الأنبياء بشكلها الأيقاعي المعهود:
موسى وعيسى ومحمدا .....
فهمس مام بير في أذن القارىء، وقال: وأين أسمي، يا شيخنا؟
فقال له الشيخ: ولكن هذه أسماء أنبياء ...
أجابه مام بير: ولكنني أنا الذي يأخذ معاملاتكم إلى الموصل لإنهائها.
قال الشيخ: إتق الله، يا مام، فهذا حرام.
قال مام بير: إن ذكرت أسمي، فسيكرمني أهل القرية، أيما إكرام، ولك المقام.
أجابه الشيخ: ولكن، يا مام ....
قاطعه مام قائلا: سأعطيك ثلاثين "عنزة" إن ذكرت أسمي بين هذه الأسماء.
فكر الشيخ مليا في طريقة للخروج من المأزق، فقال له: حسنا، يا مام.
شرع الإمام ثانية بالتلاوة على نفس الإيقاع:
موسى وعيسى ومحمدا، ومامبيرا:
مكانك الجهنم وبئس المصيرا.
-إحم ....إحم ... (يبدو أن هنالك عسكري عربي بلباس مدني).
إلتفت إليه القارىء مكملا تلاوته على نفس الايقاع:
لا تنحنحون ... العنز ثلاثون ... لك عشرة، ولي عشرون!

الأردن في 8/8/2008
نشرت على موقع منتديات كرملش لك:
[/size]http://www.karemlash4u.com/vb/showthread.php?t=30786[/size]

64
الأخ متي
أولا، لا اعتبر ردك اعتذارا لأنه مشروط بـ "لو".
ثانيا، أصر بأنك كنت متسرعا في ردك بدليل اخطاءك اللغوية وألفاظك التي لا تليق بالمنتدى الذي تحبه. أشكرك على اللتر من "بول البعير". وهل خلا القاموس العربي من المفردات المهذبة كي ترد على ما لم يصدقه عقلك؟ أما قرأت "والعهدة على المواقع" التي نشرت الخبر؟ كان بإمكانك تكذيب الخبر بعبارات جميلة.
ثالثا، كنت شاهدا حيا على الطفل الشبيه بالحمار، وتجمع في حينها المئات من البشر لمشاهدة الحادثة. وبالمناسبة كانت المرأة التي دفنته في "حديقة الاطفال" التي كنا نلعب بها مسيحية.
رابعا، بإمكانك الدخول إلى موقع "اوبرا" الشهير للتأكد شخصيا من صحة خبر امكانية حمل المرأة بدون رجل، وبالتحديد من الخلايا التي في ساقها.
خاطبتك بـ "أخي" رغم اسلوبك في المداخلة الأولى، وحتى الثانية.  وطلبت منك حذف مداخلتك، لكنك لم تفعل، مع كل الأسف. وأقول مرة أخرى: سامحك الله.

وإسمي "دنحا"، وليس "دنخا"

65
يا أخ متي
هذا الكلام عيب، حتى لو لم أكن الشخص المقصود.
أولا، هذا اسمي الحقيقي، ويبدو أنك لا تعرف شيئا عن مشاركاتي على منتديات عنكاوا ومواقع أخرى.
ثانيا، "حديقة الاطفال" أسم كان يطلق على الحديقة التي يفصلها عن الاورفلية شارع المشجر الذي يربط شارع النضال بشارع السعدون (عند سينما السندباد). ولا علم لي ماذا يسمونه اليوم.
اقترح عليك أن تحذف ردك وألا تتسرع في الرد قبل التحقق من هوية المشارك الحقيقية.
سامحك الله، يا ولدي.
البروفيسور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

66
الأخوة الاعزاء
بما أن الصورة تتكلم عن نفسها، لا تعليق لدي على مدى صحة الخبر، ولكنني كنت شاهدا على حادثة ولادة حمار من إمرأة عراقية في ستينيات القرن الماضي دفنته في حديقة الأطفال/ شارع المشجر بالبتاويين في بغداد. لم تتناوله وسائل الاعلام في وقتها لأنها كانت فضيحة. ولمعلومات الأخ متي، أقول بأن الطفرات الوراثية يقرها العلم. وربما لم تسمع مؤخرا بأن الأنثى لا تحتاج إلى رجل لتلقيح بويضاتها، وإنما في ساقها ما يعادل ملايين النطف الذكرية للتلقيح.

على أية حال، العهدة على المواقع الإلكترونية العديدة التي تناقلت الخبر.

مودتي.

67

أعجوبة 2010
الخبر منشور على مواقع عديدة. اخترت منها الموقع التالي:

http://www.3gypt.com/vb/showthread.php?p=1038421407

68
أخبار طريفة في الصحافة العالمية‎

 سبيسيوزا كازيبوري نائبة رئيس أوغندا قالت لزوجها حين صفعها: إنك تضرب نائب رئيس الدولة، وهذا يستدعي تدخل الجيش

ملك المغرب محمد السادس أصدر قراراً بالعفو عن 7100 سجين بمناسبة حفل طهور ابنه

نكاية في طليقته التي قالت له: لن ترضى بك امرأة بعدي، قام شاب من أحد الدول العربية بالزواج من أربع نساء في ليلة واحدة

رئيس الوزراء الكندي السابق جان كريتيان تجنب ارتداء الجوارب ذات اللون الأخضر في أثناء زيارته إلى السعودية بسبب نصيحة بروتكولية خاطئة مفادها أن هذا اللون يرمز إلى الإسلام، وربما فُسّر ذلك أنه ازدراء للإسلام

ترك عريس من الباحة بالسعودية عروسه في إحدى الشقق المفروشة في مدينة جدة، وعاد إلى مدينته الباحة، وكان قد خرج من الشقة لإحضار طعام العشاء لهما، ولكنه تاه، ويئس من الاستدلال على مكان الشقق المفروشة

مهندس معماري مصري صمم أول مسجد سيقام على كوكب المريخ حرصاً منه على أهمية صلاة المسلمين في المسجد

الناخبون في مدينة سان فرنسيسكو رفضوا إطلاق اسم جورج بوش على مركز للصرف الصحي في مدينتهم؛ بحجة أن اسمه يعدّ ملوثاً أكثر من الصرف الصحي ذاته

جامعة فورتسبوغ الألمانية نشرت إعلاناً في الصحف أنها بحاجة إلى 170 حشاشاً متطوعاً، لإجراء تجارب عليهم في أثناء قيادة السيارة

المليونير الألماني شتيفان ليشتابه يلقى حتفه طعناً في تركيا، بعد أن هرب من ألمانيا من السجن الذي ينتهي مدة حكمه فيه عام 2011م؛ بسبب رفضه دفع ليرة تركية واحدة (47 سنتاً) لشحاذ تركي

صرح الأمير فيليب زوج الملكة إليزابيث بأنه يقتضي عليه أن يسير دائماً خمس خطوات خلف زوجته

أطلق قاضٍ سراح المشجع الكرواتي لأحد فرق كرة القدم، ادعت عليه فتاة أنه قبلها في وجنتيها، بعد أن أخذ بأقواله أنه كان يقبل العلم المرسوم على وجنتيها

وعد الحاخام عوديا يوسف بإرسال ناخبيه إلى الطابق الخامس من الجنة إذا انتخبوه

تحظر القوانين في معظم المدن الألمانية الاستحمام أو سحب سيفون الحمام بعد الساعة العاشرة ليلاً خشية إزعاج الجيران

سيدة من مقاطعة هامشير طالبت البلدية بقطع أشجار البتولا في حيّها لأنها تسبب حساسية لكلبها

أجبر وزير الزراعة الإسباني ميغيل آرياس على الاستقالة لأنه قال: الاعتناء بالري كالاعتناء بالمرأة

بيل كلينتون ينام بجوار كلبه بسبب غياب زوجته هيلاري الطويل والمتكرر

مدينة كاسكافيل البرازيلية تفرض عقوبة صارمة على الموظفين النمامين في أثناء العمل

إسبانية طلبت الطلاق بعد عودتها إلى بيتها من بعثة لمدة طويلة، لأنها سمعت ببغاءها يردد كلمات: أحبك، سأطلقها

اقترح الوزير الإيطالي ربورتو كالديرو على البرلمان الإيطالي إصدار تشريع جديد يسمح للقضاء الحكم على المغتصب بالإخصاء بدل السجن الطويل

الأمريكي أريك ويلكز قتل زوجته طعناً بالسكين لانزعاجه من كثرة غسيل يديها

ألقي القبض على موظف برج المراقبة في مطار عمان لأنه قال لطيار شركة العال الإسرائيلية عند إقلاع طائرته: اذهبوا إلى الجحيم.. بدلاً من: رافقتكم السلامة

69

لم يكن ليصدق الجمهور في احدى الغابات الممنوعة من السياحة شمالي تايلاند حين شاهدوا راس شاب يصرخ من فم افعى عملاقة , وقد تفاجئ الناس وحاولوا انقاذ الشاب وهو سائح كندي من فم الافعى , ولكن دون جدوى، بحيث قام بعض صيادو الافاعي في تايلاند بمحاولة لاقتلاع راس الافعى بواسطة حبل غليظ ولكن الافعى التي اختنقت وماتت , لم تستسلم بسهولة , بحيث استطاعت ادخال الشاب الى احشائها . وقد توفي توماس كليفوريد , البالغ من العمر 22 عاما بداخل بطن الافعى , وهو حضر الى تايلاند في رحلة مع الاصدقاء.

شاهد الصورة:
http://www.aljazeeratalk.net/forum/showthread.php?t=191507

نقلا عن موقع:
www.News-All.com

70
المنبر الحر / كتاب أم كباب؟
« في: 22:43 03/01/2010  »
مرثية ذاتية لها بقية...
خاطرة قصصية رقم (9) بعنوان:

كتاب أم كباب؟
بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

كُتب على العراقيين أن يكون رغيف خبزهم اليومي المطعّم بالرمل ونشارة الخشب عنوانا لـ "الصمود والتصدي" خلال السنوات التي تلت خروج الجيش العراقي من الكويت، وكانت لفافة التبغ المحلية، الحبلى بورق العنب والديدان، وربما روث الحيوانات، عنوانا لـ " النصر" و"الكبرياء". كانت لفافتي تحديا أمام الدخان المنبعث من سيكارة المالبورو التي كان يتغنى بها نفر من الطلبة العرب، وبعض الفاشلين من طلبتي العراقيين، جيئة وذهابا أمام مكتبي في الكلية. ورغم وضوح الرسالة التي كانت سحابات دخان تلك السيكارة بالتحديد تحملها إلى مكتبي لمئات الأيام من الحصار أثناء الدوام، لم استسلم أمام المغريات من أجل شراء علبة مارلبورو. رفضت التدريس الخصوصي كوسيلة لكسب العيش. رفضت التدريس في البرنامج المسائي لنيل درجة البكالوريوس. كان بإمكاني أن أكون تاجرا كوالدي منذ أن نبت شاربي، ولكنني اخترت العلم دون التجارة، على عكس ما كان والدي يتمناه لي. تذكرت الديك التي اهدته والدتي (رحمها الله) إلى المعلم أوغسطين (رحمه الله) في قرية باطنايا بالموصل سنة 1956، وتذكرت يحي برصوم، المدرس في كلية بغداد سنة 1964، عندما أخذني والدي إلى داره في الكرادة لأتلقى منه دروس خصوصية في مادة الكيمياء التي اخفقت بها في الدور الأول ونجحت في الدور الثاني. تلازم عقدة النجاح والرسوب كل تلميذ، ولكن ربّ عقدة هادية! لم أساوم على العلم سوى مرتين مكرها أخاه. الأولى كانت سنة 1973عندما توقفت التعيينات في دوائر الدولة العراقية، باستثناء منطقة الحكم الذاتي، أيام تأميم النفط. لم أكن مدرسا رسميا، لكنني كنت خريجا متفوقا يساعد أخاه في محل لتصليح الاجهزة الكهربائية. طـُلب مني تدريس ثلاثة من طلاب البكالوريا الراسبين في اللغة الاتكليزية بالدور الأول، كل على حدة. نجح الثلاثة في الدور الثاني وقبضت أجوري من اثنين منهما، بينما ولّى الثالث هاربا. أما الثانية، فكانت سنة 2000 في ليبيا التي حجبت رواتبي ورواتب زملائي العراقيين دون مبرر لمدة أشهر عديدة. ولهذا السبب، كان التدريس الخصوصي في ليبيا أمرا مألوفا بين العراقيين. لقد زلت قدمي من أجل لقمة عيش عائلتي ودفع بدل ايجار الشقة والفواتير التي لا ترحم أحدا.  والأنكى من ذلك، فقد شمل الحجب مكافأة نهاية الخدمة إلى يوم القيامة رغم حصولي على موافقة وزارة المالية في هذه الدولة الغنية بوجوب صرفها. ومع كل ما تقدم، أشعر بازدراء إزاء التدريس الخصوصي، وإن شرعنه الكثيرون.

ورغم رداءة الحصة التموينية وتدني الراتب الشهري إلى ما يعادل أربعة دولارات إلا ربعا (وهذا أعلى راتب كان يتقاضاه البروفيسور) امتنعت عن تدريس طلبة البكالوريوس في الحصص المسائية لإيماني بأن التدريس سيكون شكليا ولا يمكن معادلته بالتدريس الصباحي. لقد استشرى الفساد العلمي الذي تشمئز النفس من الخوض في تفاصيله. وبديهي أن الاستثناءات أمر وارد في هذا المقام لأن هنالك من أكمل الدراسات العليا بجدارة. كان يأتيني بعض طلبة الدراسة المسائية إلى مكتبي صباحا للاستشارة وبين اصابعهم سيكارة المارلبورو أو الروثمنز. كان الاستاذ احمد يتردد إلى مكتبي، ولا يمانع في أن يقبل منهم سيكارة يضعها خلف أذنه كي يعطيها لي بعد انصرافهم. والحق يقال: كنت أدخنها بعمق وحسرة، بينما يواسيني احمد بروحه الخفيفة المرحة ونكاته الساخرة وهو ينوب عني بـ "لف" السيكاير المحلية الواحدة بعد الأخرى ويودعها في علبة المارلبورو الفارغة. كان دائما يذكرني بالعلم والكتاب ويقول بلهجته المصلاوية:
أبو لورا، أيما كتاب، أيما بطيخ...
وعندما كنا نعبر الشارع المقابل لبوابة الجامعة، الذي تنتشر على ناصيته المطاعم، كان يستنشق رائحة الدجاج المشوي ويناغي معدته:
- الحمد لله رب العالمين... لقد شبعت من الرائحة
وما ان نقترب من شوّاية الكباب، يسحب احمد نفسا عميقا وكأنه يطير على سحابة الدخان المنبعث إلى الأعالي، فيقول:
-   ها أبو لورا... لو خيّرني أحد بين الكتاب والكباب، لما ترددت في طلب الكباب ونبذ الكتاب.
كنت أضحك، بينما هو يسترسل في كلامه مشيرا إلى الجالسين في المطاعم:
-   أنظر من هناك؟ جماعة المارلبورو... أغلبهم طلبة عرب وجماعة البورصات.
كنت اتفق مع احمد في كل ما يقوله عن هولاء النماذج من الطلبة. كان أغلب الطلبة العرب من المبعوثين على حساب القيادة القومية أو وزارات بلدانهم أو ممن كان يعلم ذووهم بأن المائة دولار التي يرسلوها لهم شهريا مبلغ يحسدون عليه في العراق... شقق مفروشة وسهرات ليلية حتى الفجر. أما جماعة البورصات، فهم اولئك الطلبة الفاشلون اكاديميا ويتاجرون بأرزاق المعدومين من مواطنيهم. إنهم تجار حروب يسخرون من منصب "أستاذ جامعي" بسبب راتبه المتدني. ومع ذلك، لم اتفق مع الاستاذ احمد في تفضيل الكباب على الكتاب الذي كنت اطلبه ليس من الصين فقط، وإنما من أرجاء العالم، رغم الحصار، والشهود من طلبتي ممن حصلوا على الماجستير أو الدكتوراه ما زالوا أحياء يرزقون، وأغلب ظني أنهم، كأستاذهم، من عشاق الكتاب مهما تعددت اسباب تفضيل الكباب.

الأردن في 3/1/2010
[/size]

71
أفضل 100 جامعة عربية من بين 8500 جامعة، والعراق العظيم في الجحيم. هلهولة لجامعاتنا!

http://www.webometrics.info/top100_continent.asp?cont=aw

72
عاش المعاش!
عاش..عاش..عاش

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا
/ الأردن


قد لايعلم الجيل الجديد بأن كلمة "الراتب" مفردة حلت محل "المعاش" التي كانت شائعة على ألسنة الأجيال التي سبقته، وأن مفردة "موظف" أصبحت عامة لتطلق على جميع العاملين في دوائر الدولة العراقية، بمن فيهم العمال بمختلف مهاراتهم. كان العراقيون يتطلعون إلى عيش كريم منذ عقود خلت، ولكن ما وجدوا في عيشهم على رواتبهم سوى الرّتَبُ، أي ضنك العيش، سابقا ولاحقا. كانت مفردة "المعاش" كلمة سحرية لدى العراقيين، خاصة في القرى، إذ كان للمعلم هيبته. وكانت بطبيعة الحال حظوظه في الزواج أوفر من غيره، لأنه أفندي، ويحال على المعاش (أو التقاعد) وهو مطمئن البال على مستقبل أطفاله. ومع مرور الزمن، ضاع الخيط والعصفور (كما يقول المثل العراقي)، واصبح المعلم (والموظف) في أدنى سلم المعيشة مقارنة بجماعة الرواتب الخاصة. كان (سليم) الأستاذ في كلية التربية يبيع بنزين سيارته البرازيلي في القوش، وكان (داود) الاستاذ في المعهد الفني بالموصل يبيع اسطوانات الغاز، بمساعدة اولاده، في المجموعة الثقافية. قُبضت عليه الفرقة الحزبية متلبسا بجرم العيش. ولم يكن الدكتور (صادق) في قسم اللغة العربية بكلية الآداب/ جامعة الموصل، كغيره من اساتذة الجامعات، قادرا على النزول إلى الشارع ليصرخ "عاش المعاش". ولو قدُر له فعل ذلك، ما سمع أحدا يردد بعده "عاش..عاش..عاش" لأنها ماركة مسجلة ولا يجوز العبث بها في غير موضعها. لقد اختار أن يكون عرضحالـﭽيا (كاتب عرائض) أمام محاكم الموصل. ورغم مرور سبع سنوات على تغيير النظام السابق، مازال مئات الأساتذة ممن فرّوا بجلدهم إلى دول الاغتراب، الذين خدموا في الجامعات العراقية لعقود، بدون راتب تقاعدي. إنه "المعاش" الذي يدفع المحروم منه لأن يصرخ: "قطع الاعناق ولا الارزاق"، وربما فعلها أولاده واحفاده من بعده. ومن لا يستطيع أن "يحل رجل دجاجة"، كحالي أنا العبد الفقير، كان الله في عونه، وما عليه سوى أن يطلق العنان للهتاف الشعبي: "عاش المعاش" على صفحات الشبكة العنكبوتية، كأضعف الأيمان في سعيه، علّ الجمهور الافتراضي يردد من بعده: "عاش..عاش..عاش" تضامنا مع المبادىء الاساسية لحقوق الانسان. ربّ آذان صاغية في البرلمان العراقي!

الأردن في 26/12/2009

ملاحظة: الأسماء الواردة مستعارة، ولكن الشخصيات حقيقية.

73

امرأة تسقط البابا أرضا اثناء قداس عيد الميلاد
الفاتيكان - وكالات الأنباء

واصل البابا بنديكتوس السادس عشر الذي تعرض لهجوم في بداية قداس منتصف الليل في قلب كاتدارئية القديس بطرس ، امس برنامجه لعيد الميلاد بالمباركة البابوبة عند منتصف النهار ، فيما نقلت مهاجمته التي نفى الفاتيكان ان تكون مسلحة واكد انها مضطربة نفسيا الى المستشفى.

وظهر البابا على شرفة كاتدرائية القديس بطرس وهو يبدو في صحة جيدة بعد مهاجمته خلال قداس منتصف الليل ، لالقاء مباركته لعيد الميلاد "الى المدينة والعالم" كما هو مقرر.

وقال الفاتيكان امس ان المرأة التي أسقطت بنديكت على الارض عندما قفزت فوق حاجز واندفعت نحوه في بداية قداس عيد الميلاد الذي قاده أمس "غير مستقرة نفسيا" ولم تكن مسلحة. وفي أول بيان رسمي بشأن الواقعة التي صدمت العالم الكاثوليكي مساء الخميس ، قال الفاتيكان ان المرأة تدعى سوزانا مايولو 25( عاما) وتحمل الجنسيتين الايطالية والسويسرية ، وأضاف أنه تم القاء القبض عليها ونقلها الى مؤسسة طبية لم يعلن عنها لاخضاعها لفحوص لازمة.

وقال البيان ان مايولو امسكت بملابس البابا وانه فقد توازنه ما اسقطه على الارض. وقفزت مايولو التي كانت ترتدي قميصا أحمر ذا غطاء للرأس من فوق حاجز واندفعت نحو البابا في بداية القداس. وقال الاب فديريكو لومباردي المتحدث باسم الفاتيكان ان مايولو هي نفس المرأة التي حاولت القفز فوق حاجز للوصول الى البابا في قداس عيد الميلاد العام الماضي.

واثناء الحادث سقط الكردينال الفرنسي روجيه اتشيغاراي 87 (عاما) ارضا واصيب بكسر في عظم الفخذ وادخل مستشفى في روما حيث قرر الاطباء اجراء عملية له ، كما اوضح لومباردي مؤكدا ان وضعه يدعو الى الارتياح.

http://www.addustour.com/ViewTopic.aspx?ac=\ArabicAndInter\2009\12\ArabicAndInter_issue807_day26_id199432.htm

74
المقال منقول والعهدة على الكاتب.

أكيتـو عيد كلــداني ام آشـوري ؟

الدكتور : إياد يونس


في المقدمة أقول ان هذا العيد هو عيد عراقي اصيل تمتد جذوره في اعماق التاريخ العراقي ، والى اليوم تتفرع اغصانه وتتفتح ازهاره في مخيال الفكر العراقي فنحتفل في عيد الشجرة وعيد نوروز وعيد سري صال (Sare Sal ) أي عيد رأس السنة لأخوتنا اليزيديين وذلك في الأربعاء الأول من شهر نيسان من كل سنة ، وها هو شعبنا يعيد ذكريات الأحتفال بمختلف تسمياته ، لقد كان الأحتفال ببداية العام في نيسان ويصادف في الأعتدال الربيعي ، الى ان اصبح التقويم الغريغوري قيد الأستعمال فانتقل راس السنة من نيسان الى الأول من يناير كانون الثاني من كل عام
أكيتو في مصطلح أكيتو يكتب ماجد عبدالله الشمس في الحضارة والميثولوجيا في العراق القديم : ان الأستعراض الحرفي في كلمة آ ـ كي ـ تي تعني الأرض ، أما تي فبمعنى يقرب او يستنزل وبهذا يكون المعنى محل استنزال المطر ويبدو ان الطقوس كانت تجري خريفية في الأصل ما دام البذار.
كما ان الأحتفال بأكيتو وبالسومرية أكيتي يمثل احدى المناسبتين ( اكيتو وزاكموك ) كان الوسط جنوبيون يحتفلون بهما منذ عهد الكلدان الأوائل في اريدو 5300 ق . م  وقد اعتمدوا الأعتدال الخريفي زاكموك الذي يتم فيه جمع التمور كبداية للسنة بكلا الأعتدالين الربيعي والخريفي وعن اسم أكيتو يقول فتوحي : ان التسمية قديمة جداً ومشتقة من (أكيتي شي كور كو a-ki-ti-se-gur-ku ) وهو عيد جز الصوف الذي كان يحتفل به ما بين شهري آذار ونيسان ، وكان يعني عند العامة عيد رأس السنة الجديدة ايضاً ... ويحتفل في مدينة اور اولاً ثم في مدينة نيبور ، وبعد هيمنة العموريين المنحدرين عن الكلدان الأوائل لازمته صفة عيد بداية السنة أي رأس السنة البابلية القديمة (Resh Shattim ) فصار أكيتو الأحتفال الرسمي الوحيد الخاص برأس السنة الجديدة القراءات في البداية نستفيد من مقدمة المؤرخ العراقي طه باقر في مقدمته لتاريخ حضارة العراق يكتب ان الملك نبوخذنصر عندما بنى السور الثاني ( لبابل ) لتعزيز قدرة المدينة الدفاعية ، ومن البنايات الضخمة بين السورين كانت واحدة وهي قصره الصيفي ، اما البناية الضخمة الثانية فيرجح كانت المعبد المخصص لأعياد راس السنة المسمى بالبابلية ( بيت أكيتو Bit Akitu ) ويضيف : .. وباب عشتار الضخم مكون من مدخلين أي انه مدخل مزدوج حيث مواكب اعياد راس السنة ( 12 يوم الأولى من شهر نيسان ) كانت تسير من منطقة معبد مردوخ ( أي ـ ساكلا ) وتجتاز باب عشتار شمالاً الى حيث المعبد المخصص لهذه الأحتفالات أي ( بيت أكيتو ) و أكيتو في بابل كان يقام سنوياً احتفال ديني يسمى احتفال اكيتو ، الذي كان يلغى فقط عنما تكون الأوضاع السياسية مضطربة .. وقد اخذ تجلات بلاسر فيما بعد يد الأله مردوخ أي رافقه في احتفالات السنة الجديدة ( أكيتو ) في ( بابل ) ومنح الملكية على بلاد بابل ، وهي وظيفة لم يتقلدها أي ملك آشوري لأكثر من اربعة قرون واحد الأحتفالات التي نسمع عنه كثيراً كان يسمى أكيتو ... ويترجم غالباُ عيد رأس السنة .. أن الأحتفال اصبح كذلك في مديتة بابل في الأول من نيسان وكان يعقد في الأيام الأولى من الشهر الأول من السنة ... وقد ضم في بابل تلاوة قصة الخلقة بأكملها .. الخ وعن الحياة اليومية في بلاد بابل وآشور و اكيتو :كان اهم الأعياد عيد رأس السنة في شهر نيسان وأضيف الى هذا العيد تمجيد الأله مردوخ فيحتفل بمآثر التي دفعته الى مقامه الجليل بين الآلهة . ويستمر عيد السنة الجديدة في (بابل ) اثني عشرة يوماً ... كان العيد يضم احتفالاً بعودة مردوخ الى الحياة فيتحول الحزن الى فرح ثم يسير مجموع الآلهة برفقة الموكب الى المعبد خارج المدينة ، والذي يعرف باسم أكيتو وهو الأسم الذي يطلق على المعبد ايضاً ، في هذه الأحتفالات تجري نوع خاص من المسرحيات التي تصور ملحمة كلكامش ، ومنها ايضاً نداء الآلهة الى مردوخ لكي يكون بطلهم في مقاومة تيامات أو كاوس كما تصور النصر الذي أحرزه وتنصيبه رئيساً لمجمع الآلهة وإداء اهم الواجبات الرئيسة وبخاصة تثبيت مصائد مدينة بابل و إذا استثنينا الأله اشور من المعتقدات الآشورية فإن الأشوريين كان لهم نفس المعتقدات الكلدانية البابلية ، اما سائر آلهتهم كنابو ، إله الحكمة ، وعشتار ( أشتار ) إله الحب ، فهي آلهة بابل غير ان ذلك لم يجعل الآشوري يحتذي بالبابلي فيدع النفسية الثقافية تتغلب على نفسيته الحربية . ومن المسلم به ان الآشوري اقتبس أدبه واستمد دينه ولكن بشئ من الصعوبة والبطء من جيرانه ابناء عمه البابليين وهذا ليس غريباً إذ ان اصل الآشوريين من سهل شنعار ومن المعتقد ان القائد الكبير آشور جد الآشوريين قد هاجر هو ايضاً من شنعار وحل في طقوس الأحتفال بأكيتو في الأحتفال برأس السنة ( الأكيتو) يجري الزواج المقدس بين الملك ممثلاً الأله تموز وكاهنة تمثل عشتار ، وتعود نصوص هذا الزواج الى عصر اور الثالثة ويمثل هذا الزواج محاكاة طقوسية لزواج ربة الخصب أينانا من تموز . لقد كان العيد يستغرق 12 يوماً ويبدأ في نيسان حيث يرمز الى الصراع بين القوى الطبيعية وانتصار العناصر المولدة للحياة في الربيع ، وممثلة في انتصار اله الخير الممثل بالأله مردوخ على قوى الشر الممثلة في تيامة .
في الأيام الأربعة الأولى من الأحتفال تخصص لتقديم الأضاحي ويقوم الكاهن الأعلى ( الشيشكال بوضع ثوب جديد على تمثال مردوخ ، وينتهي اليوم الرابع بأن يقوم الكاهن الأعلى بقراءة اسطورة الخلق البابلية بلحن شجي مؤثر .
في اليوم الخامس يدخل الملك الى معبد مردوخ برفقة الكاهن الأعلى ، ويقوم هذا بخلع التاج وشارات الملك وهو في حضرة الأله مردوخ ، ويقرأ الملك اعترافه فيقول
لم أذنب يا سيد البلدان ولم اكن مهملاً لألوهيتك ، ولم اخرب بابل ولم اسبب لها الهوان . .. ويجيبه الكاهن :لا تخف ولا تحزن ، إن مردوخ سيسمع صلاتك ويوسع سلطانك ويعلي من شأن ملكوتيتك وينصرك على أعدائك ومناوئيك .. الطريف في هذه الطقوس ان الكاهن يدنو من الملك ويصفعه على وجهه ويفرك أذنيه ويرجع له ما انتزعه من شاراته ، كما ان الضربة كلما كانت قوية فتوجع الملك الى الحد الذي تدمع معها عينا الملك ، كان ذلك فألاً حسناً للسنة القادمة ... ويكون الناس في خارج المعبد في قلق كبير حيث يعتقدون ان الأله مردوخ اسير في العالم السفلي ، وإن بقي ملكهم مجرداً من صفته الرسمية فإنهم باقين دون سلطة ..
في اليوم السادس يأتي الأله نبو لتخليص والده مردوخ من اسره في عالم الأموات ، وينزل نبو خلال إقامته في مدينة بابل في معبد الأيساكيلا . ثم ترد الى بابل الهة المدن الأخرى مثل نفر الوركاء كيش ... في اليوم السابع تمثيلية تصور موت مردوخ وعروجه الى السماء حيث يجرح الأله ثم يموت ويخرج الناس الى الشوارع يبكون مفتشين عنه وتسود الفوضى بين الناس في اليوم الثامن تدب الحياة في الأله مردوخ بعد انتصاره على تيامة .. وفي اليوم التاسع يقف الناس بهدوء في الخارج فتسير تماثيل الآلهة في استعراض كبير من معبد الايساكيلا مارة بشارع الموكب ثم باب عشتار وتعبر نهر الفرات الى الى معبد أكيتو ...في اليوم العاشر يحتفل الأله مردوخ مع الآلهة الأخرى لانتصاره ، وتقام وليمة خاصة في هذه المناسبة في معبد اكيتو ويعود بعدها مردوخ الى معبده للأقتران بعروسه وهو الزواج المقدس الذي يمثل فيه مردوخ وزوجته في المخدع بأعلى الزقورة . في اليوم الحادي عشر تعود الآلهة للأجتماع في معبد الأيساكيلا لتأكيد آجال البشر وفي اليوم الثاني عشر تعود الآلهة الى معابدها في مدنها ( للمزيد راجع ماجد عبدالله الشمس في الحضارة والميثولوجيا
نأتي الى المفيد من الكلام ان التاريخ يجعل من مناسبة اكيتو تقليد عراقي مركزه مدينة بابل ، ويحتفل به العراقيون القدماء ومنهم الآشوريون ، حيث كان تماثيل آلهتم تتوجه في هذا العيد الى بابل ثم تعود الى مدنها بعد الأحتفال ، أي ان الأحتفال كان اساسه بابلي كلداني ، لكن كما هي العادة فإن الماكنة الأعلامية الآشورية الحديثة تحاول أشورة كل ثقافة شعبنا ، تجعل من هذه المناسبة عيداً آشورياً خالصاً ، ويبح صوت الكلدانيين الذين رفضوا شخصيتهم وهويتهم الكلدانية ، وسَحَرهم بريق الفكر القومي الآشوري وهم يصيحون ان هذه المناسبة هي ( على الأقل ) مناسبة بابلية آشورية ، او كلدو اشورية ، الا ان صيحاتهم لا تلقى صدى في الجانب الآشوري المتعصب الذي يصر ان المناسبة هي اشورية صرفة .
ان الأحتفال بعيد رأس السنة في شهر نيسان ثقافة عراقية جذورها كلدانية بابلية عراقية وكل العراقيين من عرب وأكراد وكلدان وتركمان وآشوريين وسريان ويزيدية وشبك وصابئة وأرمن كلهم مدعوون للأحتفال بهذا العيد العراقي الأصيل ليمثل رمز انبثاق الربيع العراقي في الأستقرار والمحبة السلام والوئام .

منقول للفائدة العامة من:
http://iyadyounessarqyology.jeeran.com/archive/2008/5/[/size
]

75
رباب أشهر فتاة هوى في الشقق المفروشة

رفضت رباب إشباع رغبة الجياع من جسدها، ولكن الحب جعلها فريسة سهلة لسائق من زملاء والدها الذي دخل السجن لقضاء فترة عقوبة، لتهوره في القيادة وقتله أحد المارة، وبعد حبسه بعدة أشهر لفظت الأم أنفاسها الأخيرة، وأصبحت رباب فريسة لصديق والدها الذي أوهمها بالحب ليشبع رغباته منها.

ورغم أنها أبت تسليم جسدها لمن حاولوا إغداق أموالهم عليها، إلا أن الحب دفعها لتسليم نفسها لشخص في عمر والدها وأشبعت رغباته منها، وفقدت عذريتها وعندما طالبته بالتستر عليها بالزواج منها، وكانت في حالة انهيار، فكَّر في حل يجعلها أسيرة لرغباته وتسعى هي لإمتاعه بدلاً من لهثه هو خلفها، ومن خلال حبوب مخدرة نجح صديق والدها، الذي قضى على عفتها، أن يلقي بها في دائرة الإدمان لكي يتأكد من أنها ستظل أسيرة له.

عجزت عن جلب أموال لكي تتمكن من شراء المواد المخدرة التي تتعاطاها، ولم تجد إلا جسدها الذي قدمته لراغبي المتعة من زملاء عشيقها، والمقابل الحبوب والمواد المخدرة التي تتعاطاها والكحوليات أيضاً، وأصبحت رباب أشهر فتاة هوى بمدينة الباجور بمحافظة المنوفية.. راغبو المتعة في الشقق المفروشة يعشقون جسدها الذي لا يكلفهم شيئاً، مقابل لحظات المتعة التي يقضيها الراغب أدمنت الجنس مثل المخدرات، وتحولت من مجبرة لامرأة تهوى الرجال وتستمتع بمعاشرة أفراد معينين، وتعاشر الآخرين لتلبية رغبات مزاجها من خمور ومخدرات.

ذاع صيتها في تجارة المخدرات وإشباع الرغبات، ورصدتها أعين رجال الشرطة لخطورتها في تجارة المواد وإمتاع راغبي المتعة، ومال قلبها لأحد راغبيها ويدعى تامر، يكبرها بعشر سنوات في العقد الرابع من عمره، وكان الراغب الوحيد الذي تعاشره برغبته، في أي مكان حتى لو اضطرها الأمر لإشباع رغباته داخل سياراته على أحد جانبي الطريق سعت إليه حباً ورغبة.
وتم عمل كمين لها ليتم القبض عليها في حالة تلبس بوضع مخل بالآداب مع تامر، وأبلغ مصدر سري يترقبها النقيب أحمد عبد المعبود، معاون مباحث قسم منوف، بتواجدها داخل سيارة تامر على جانب الطريق في وضع مخل بالآداب.

وبانتقال قوة أمنية مصرية لمكان تواجدها، تم ضبطها في حالة فقدان للوعي من المواد المخدرة بين أحضان عشيقها، وبتفتيشهما عثر بداخل حقيبتها على ملابس داخلية خليعة، تستخدمها في بغائها و21 قطعة حشيش، واعترفت بحيازتها للمواد المخدرة، ورغبتها في معاشرة عشيقها جنسياً على جانب الطريق، وتحرر لهما محضر، وبعرضهما على النيابة أمرت بحبسهما أربعة أيام على ذمة التحقيقات.

نقلا عن دنيا الوطن:
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-144455.html

76
شاب مصري يحرق نفسه لأجل فتاة فلسطينيّة في الشارقة

في تجسيد فعلي للمقولة الشهيرة " ومن الحب ما قتل " ، توفي شاب مصري (21عامًا) ، بعد أن أقدم على إحراق نفسه أمام منزل حبيبته الفلسطينية التي يبدو أنها تركته من أجل أحد أصدقائه.

ونقلت وكالة الصحافة الفرنسية (أ.ف.ب) عن ضابط في شرطة الشارقة بالامارات اليوم الأربعاء، ذكره أن الشاب قدم أمام نافذة منزل حبيبته في الشارقة فجر الجمعة الماضية ، وهدد بقتل نفسه حرقا إذا لم ترد على اتصالاته، مؤكدا لها أنه يحبها ولا يستطيع العيش من دونها، وعندما تجاهلت الشابة حبيبها السابق وأغلقت النافذة وأطفأت الأضواء لتعود إلى النوم، صب الشاب المصري، وهو طالب يقيم مع والده، البنزين على نفسه وأشعل النار بجسده.

وأصيب الشاب بحروق بنسبة 95% وتوفي بعد ساعات قليلة في المستشفى. وترك الشاب رسالة يؤكد فيها أنه مستعد للموت لأن حبيبته تركته.

نقلا عن دنيا الوطن:
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-144946.html

77
أدب / حافلة
« في: 21:53 23/12/2009  »

                             حافلة



 أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
      
جامعة جدارا/ الأردن



حافلة، حافلة ٌ بصبية وشباب،
تذاكر درسا، أو تحكي وتحكي..
تحكي درسا في العلم،
فرعوني أو بابلي أصله..
أو تحاكي درسا في الحب،
أفلاطوني، أفلاطوني نسله.

حافلة الصبح، أو الظهر، أو المساء،
أيا كانت، لافرق..
مزدحمة، أو هكذا أرادوها،
بأجسام غضة ترتطم..
تعبق بعطور الدنيا..
فوق وتحت الثياب.

حافلة وما أدراك من حافلة!
يختلط صوت المذياع
برائحة "الزرقاء" على الطريق،
وبقهقهة الطلاب والطالبات،
فتتبخر همسات الحب،
ويقطع العلم أنفاسه،
بنبأ أن العراق سيباع.

سماع، سماع ياصبية!
وأنتم ياشباب!
لكن.. لاحياة لمن ينادي،
فهم في واد، والعالم في واد.

صراخ أطبقت عليه..
صراخ لم أجهز عليه..
إنني أخرس،
ومن حولي طرشان.

ظل النداء في سبات..
أيقظته فاتنة،
يفوح منها عطر الليمون.
حاكتني بطرف عينها.
لم أبالي..
فلي في لغة العيون باع،
وأشتري ما لايباع.

غزتني ثانية، وثالثة، ورابعة..
وكأنها تريد الغوص في عيوني!
تتأمل صمتي المطبق..
تتفحص شعري الثلجي..
تنظر خلسة إلى هذه الكلمات..
تنهدت!

رفعت رأسي دون حياء!
فإذا بي أرى السماء..
التقت عيوننا..
إحراج وما بعده إحراج!

سألتني: هل أنت شاعر؟
قلت: لا.
دكتور بالجامعة؟
قلت: آ.
إحمرت وجنتاها، فابتسمت..

أنستني العراق في لحظة،
كان عطر الليمون أقوى!
إفترقنا في موقف الحافلات،
ومضى كل في سبيله.



ملاحظة: نظمت هذه الأبيات في الحافلة التي تقل الطلبة من عمّان إلى الجامعة الهاشمية في محافظة الزرقاء صبيحة يوم 27/10/2002 قبيل احتلال العراق بأشهر.

78
مايأتي بسرعة وبدون تخطيط يذهب بسرعة

هــــروب جماعي من دبي والامارة تتحول الى مواقف للسيارات ومباني تسكنها الأشباح

بقلم : الكاتبة الاماراتية فايزة البريكي

http://sport4ever.maktoob.com/t653741/

79
هل تعكس اللغة المجتمع؟

أ.د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن



هذا عنوان محاضرة ألقيتها باللغة الإنكليزية على طلبة الدراسات العليا في جامعة الموصل عام 1988، أنقلها لكم باللغة العربية لفائدة الجميع. أرجو أن تنال استحسانكم.


لقد شغل هذا السؤال أذهان الباحثين في علم اللغة الأنثروبولوجي (الأجناس) من أمثال أدوارد سابير وتلميذه بنيامين لي هورف، ويتوسطهما تاريخيا فرانز بوآز، منذ بداية القرن العشرين. ثم تبعهم في ذلك علماء اللغة الأجتماعي من أمثال الرائدين ديل هايمز ووليم لابوف منذ بداية الستينيات. كما وتناولت البراغماطيقا (التداولية، أو الفائداتية)، التي باتت تتألق منذ نهاية السبعينيات، الموضوع عينه دون الوصول إلى نتائج حاسمة.

لاشك في أننا نتفق جميعا بأن اللغة عبارة عن وسيلة للتفاهم والأختلاف في وجهات النظر بين البشر، وأنها فوق كل هذا وعاء يحفظ لنا التراث الحضاري. لذلك نستطيع، وكما ألفنا على سماعها، بأنها مرآة للأمة، أية أمة كانت. وكنتيجة حتمية لهذا الأعتبار، جاز لنا أن نقارن بين اللغات كي نجيب على السؤال المطروح.

لقد قيل في التراث العربي، ويقال اليوم، بأن أمة العرب مضيافة وكريمة، من جملة الخصال الحميدة (دون الخوض في المذمومة منها أوالقبيحة)، على غير شاكلة الأمم الأخرى. قد يكون هذا صحيحا من وجهة نظر اجتماعية بحتة، وليس لغوية صرفة، بسبب ما ترويه لنا قصص الضيافة وأحاديث الكرم الموثقة، والتي يشهد عليها التاريخ. ولكن قد يكون هنالك مجتمع يزيد العرب أو يقل عنهم ضيافة أو كرما، أو أي من الأخلاق الأخرى. ولأيجاد طريقة علمية، بعيدة عن الأنطباعية والتعصب الديني والقومي، أجد لزاما على الباحثين في علم اللغة الأجتماعي والفائداتية أن يلجأوا إلى المقارنة، ليس بين سجايا مجتمع وآخر كما تتناوله الأدبيات المتناظرة ، وإنما بين التعابير اللغوية الرائجة بين لغة وأخرى، والمستخدمة في سياقات متماثلة. وسيكون هذا المنهج الفيصل العلمي الذي يركن إليه في تحديد خصال هذا المجتمع أو ذاك. وبناء على هذا الفهم، ارتأيت أن أقارن بين عربية بغداد واللغة الأنكليزية المستخدمة في انكلترا في واحدة من الأستعمالات اللغوية اليومية، ألا وهي تعابير الضيافة المألوفة بعد الأنتهاء من الوليمة وحال مغادرة الضيف دار مضيفه. وحسبي في ذلك الجواب الشافي.

ماذا نجد في عربية بغداد؟
تأملوا الأمثلة التالية التي نسمعها عن الضيف بواحدة منها في الأقل:
1. الله يزيد.
2. صفرة عامرة.
3. عاشت ايدك (أو ايدچ)، أو عاشت الأيادي.
4. بيت العامر.
هنا يتحتم على المضيف الجواب الذي لايقبل التأخير على هذا المديح المليح، ومنها (وهي كثر):

1. بالعافية.
2. عوّافي.
3. هنيئا.
4. هنيئا مريئا.
5. عافيات.
6. ألف عافية.
7. ميت (بتسكين كل الحروف، أي مائة) ألف عافية.
8. وين مينزل، خلي يهلل.
9. يمعود، شسوّينالك.

وعلى نقيض هذه التعابير المشحونة بغلو انفعالي وعاطفي، والتي تزداد فيها درجة الكياسة والمجاملة طرديا مع زيادة طول التعبير، نرى في الأنكليزية تعابير يسيرة وقصيرة، وخالية من أي غلو، حتى وإن كان بعضها طويلا:

1. Thank you for everything
2. It was great
3. It was) delicious food
4. (It was) marvelous

Responses

1. Honour
2. Pleased
3. (It's my) pleasure
4. (With) pleasure
5. Bon apetit

وعندما يستأذن الضيف البغدادي بالأنصراف، كأن يقول:

1. نرفع الزحمة.
2. ( إحنا) نستأذن.
 3. طالت الـﮔعدة (وياكم)  
يتحتم على المضيف أن ينطق بواحد أو أكثرمن هذه التعابير:
 1. أهلا، يا هلا.
 2. يامرحب.
 3. زورونا.
 4. هذا بيتكم .
 5. كل زحمة ماكو (هذا بيتكم).
 6. هاي وين؟ مو بعد وكت.
 7. مو ﮔاعدين.
 8. مو ﮔاعدين متونسين.
 9. يمعود، شسوينالكم.
 10. شرفتونا (وآنستونا).

أما الأنجليزية، فأنها تكتفي بالقليل. أذكر منها:
1. Excuse me, I (we) have got to go
2. It's rather late
3. I need to get up early

Responses

1. Nice to see you
2. See you again
3. Hope you enjoyed
4. You're) welcome


ومن هذه المقارنة البسيطة، والتي أدعوكم للبحث فيها بشكل واقعي ميداني وتفصيلي بين المجتمع العربي والأنكليزي، أو أي مجتمعين، نخلص إلى القول مبدئيا بأن البغدادين أكثر ضيافة من الأنكليز، ودليلنا في ذلك النماذج اللغوية التي تيسر لنا إدراجها في هذا المقام.


الأردن في 28/9/2006
[/color]

80
فيديو مذهل حقا!
تمتعوا بالمشاهدة.
ملاحظة لقليلي الخبرة بتحميل الفيديو: انتظر حتى يتم تحميل جميع اللقطات المتقطعة، ثم أعد التشغيل كي تشاهد الفلم بشكل مستمر.

http://www.youtube.com/watch?v=wQr8UWuVefA

82
زواجا المليونيرة هند رفيق الحريري واعتناقها المسيحية، والعهدة على الراوي:

http://nihaia.wordpress.com/2008/12/08/hind-hariri-convert-to-christianity/

83
المنبر الحر / معنى سوق الهرج
« في: 22:06 12/12/2009  »
معنى سوق الهرج

بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

يعتقد د.توفيق آلتونجي (مجلة الصوت الآخر، العدد 166 في 10/10/2007) أن اصل مفردة الهَرَج التي تطلق على سوق الخردة في كركوك، متناسيا سوق بغداد، فارسي، في الوقت الذي ترد بكثرة في التراث العربي القديم بتسكين الراء. هنالك من يشاء معرفة معناها وهنالك من يدرجها كتعبير مألوف في حياتنا (أنظر الرابطين في أدناه). ومن يجتهد, يذهب إلى القول بأن لها أكثر من معنى، والصحيح أن لها معنى واحد يستخدم مجازا في عدة مواضع. الهَرْج (بتسكين الراء، وتفتح إذا جاءت فعلا ماضيا) تعني الاختلاط، كاختلاط الاصوات فيما بينهما وفقدان التمييز (أي باللهجة العراقية هوسة أو طربــﮕة) واختلاط الحيوانات المختلفة في مرعى واحد. وأصلها الكثرة في المشي والاتساع. ومن ظلال معانيها: الفتنة في آخر الزمان وشدة القتل (بلسان أهل الحبشة) وكثرته، وكثرة الشىء، ومنه الجماع، كقولنا "بات يهرجها ليلته جمعاء" (أي جامعها طوال الليل). وفي حديث صفة أهل الجنة: "إنما هم هرْجا مرْجا"، والهرْج هنا "كثرة النكاح" (عن لسان العرب لإبن منظور صفحة  4647). والهرْج في الحديث الشريف "القتل والاقتتال"، وتفسر على أنها من علامات قيام الساعة لأنها فتنة تؤدي إلى الاختلاف. وتشكل المرْج قرينة لفظية مع الهرْج التي تتضمن معناها للدلالة على الشدة. وأقرب مرادف لها في العربية الفصحى هو "اختلاط الحابل بالنابل".

الأردن في 12/12/2009

 وحيد كوريال ياقو:  برلمان الهرج وبضاعته الفاسدة   
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,371265.0.html
هرمز كوهاري: سمفونيات في سوق الهرج والمرج
http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=57336

84

وسأجد لكم في القلب متسعا!

بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

نهضت من فراشي صباح اليوم فزعا جزلا، شعور آني مركب لم يرد في قائمة الأحاسيس والمشاعر التي يتناولها علماء النفس. ربما هوليود توسعت فترجمته إلى شريط سينمائي، كما فعلت مع كثير من الاحلام التي تراودنا. هكذا بدأت قصة حلم ليلة أمس:
شعرت بضيق في التنفس ... قررت زيارة عيادة طبيب في الأمراض القلبية لأنني في عقدي السادس...تجولت في ساحة الأندلس ببغداد باحثا عن يافطة لأي "دكتور" كتب عليها FRCS - لندن - اختصاصي جراحة القلب. وقعت عيني على واحدة كتب عليها "زهير ......." وفي أسفلها "طبيب ..." بدلا عن المفردة الشائعة "دكتور". اختطلت المشاعر وأنا أتفحص أسم الطبيب ... أحسب أني أعرفه كزميل دراسة في كلية بغداد قبل أربعة عقود.
دخلت البناية ... كانت العيادة في الطابق الرابع ... المصعد خارج الخدمة مؤقتا بسبب انقطاع التيار الكهربائي ... هو الآخر بحاجة إلى طبيب! توكلت على الله صعودا درجة بعد أخرى، ولم أحس بشىء ... يا للغرابة! دخلت العيادة ... لم أجد سكرتيرة أو مريض آخر ... شىء غريب حقا ... قلت لنفسي: إما أن يكون أهل بغداد كلهم أصّحاء، أو لأن كلمة "طبيب" التي نراها في المستشفيات حلت محل "دكتور" على اليافطة! وقفت بباب الطبيب الذي تساقط شعره تماما ... رفع رأسه وتأمل شعري الأبيض من فوق عدسات نظاراته السميكة ... نهض من مكانه وكأن شبحا دخل مكتبه ... صرخ مناديا بأسمي ... تعانقنا وتعانقنا ... واللقاء الشرقي لايحتاج إلى وصف ... و "شلونك" وبعد "شلونك" .... والذكريات والآهات .....

- دكتور، دعنا نختصر (حتى لا أقطع رزقك!).
- مم تشكو، ومتى؟
- قلبي.
- دعني أفحصك ... تمدد على السرير.
تجولت سماعته على صدري... وبعدما انتهى من نزهته قال ضاحكا: أتمزح معي؟ إن قلبك كقلب الثور. إنهض يا رجل، إنها ارهاصات العمل وهموم الدنيا.
قلت له: ولكنني أريد قلبا أكبر من قلب الثور... أريده أن يكون بحجم "كراج أبو خاطر" الذي كان في منطقة "السنك" قبل أربعين سنة... أريده أخضرا، ولكن ليس بحمرة "المنطقة الخضراء"، لأن قلبي لم يعد يتسع لكل الأحباب الذين ضيّّق عليهم صدري الخناق كمتاريس الاحتلال في منطقتي "الاعظمية" و "الثورة".
إبتسم زهير ابتسامة عريضة، وقال: إنك لم تتغير يا رجل. سأعطيك حبة واحدة هذا اليوم كي لايزاحمني أحد في إيجاد "موقف" في قلبك لأركن فيه "حبي"!

وسيظل قلبي خافقا لكم، أيها الاحبة. 

الأردن في 4 تموز 2008

85
وجها لوجه مع الحقيقة المرة
بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

كان الأقدمون مقتنعين تماما بأن الأرض ليست كروية، ولا يزال من حظي بقدر من الألفية الثالثة، ومنهم والدتي الأمية (رحمها الله)، كغيرها من الأمهات، يؤمن بأن الأرض مسطحة، وأن من يغزو القمر يحترق، وأن الأنثى لا تحبل دون جماع مع الذكر. ما زال الكثيرون غير مصدّقين ما ألفنا على تسميته بالخيال العلمي، وأن هنالك حرب نجوم قادمة، لا محال. جنّ جنون هؤلاء بمقدم أنابيب الحمل وصناعة الأحياء وتحديد الجنس وتطوير النسل. وربما سيصابون بنوبة قلبية لو نقلنا لهم خبرا مفاده أن القمر تغمره مياه كثيرة، أو أن شركة كندية تمكنت من صنع لعبة حية، إحداها تعيش لمدة سنة كاملة، وأخرى لمدة ثلاث سنوات. قد يصدقوا خبر زواج شاب هندي عمره (25) سنة من جدته البالغة (80) عاما، ولكن لن يصدقوا أبدا بأنني متزوج من إمرأة تعيش في القطب الشمالي وأنا في آسيا، وأنها رزقت بطفل، دون جماع، أسميناه "نِتنِتْ"، وهو يعيش حاليا على كوكب زُحَل، ولن نستطيع طبع قبلة على جبينه. لكنني سأسهّل عليهم الأمر حتى يقتنعوا بالحقيقة المرة، وأبدأ بقصة قدوم الهاتف والتلفاز إلينا، ومن ثم أعرج على عجائب وغرائب الشبكة العنكبوتية. سأروي لهم إذ ذاك حكايتي عن الزوجة الثانية، وكيف أصبحت حُبلى بواسطة شفرة الكترونية جينية أرسلتها عبر الشبكة العنكبوتية دون رقيب، أو علم "أم عيالي" الأرضية كي لا تغار، أو مهر وسيارة وقصر وقطار يجره حمار. وربما سأتزوج بعدد أصابعي العليا والسفلى، وعلى قدر أهل العزم. سأقول لهم أن عصر الزيجات وجها لوجه، أو ظهرا لظهر، سينتهي، وأن طريقة "نظرة، فابتسامة، فموعد، فلقاء، فخطوبة، فزواج" قد أصبحت بالية أمام التحديات الإلكترونية واللعبة الجينية التي يعجز الكثيرون عن فهمها.

الأردن في 25/7/2008
[/size]

86
                     
  الرئيس ونائبه والفئران
قصة: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

كان يا ما كان في قريب الزمان حاكم عربي قيل فيه الكثير مما له والأكثر مما عليه، الأمر الذي حدا بأحد نوابه أن يطلب منه أن يحل محله لفترة وجيزة.
ذات يوم من أيام تموز/يوليو الساخن، قال له السيد النائب:
سيدي، ما رأيك لو أخذت إجازة صيفية حتى تريح نفسك وأعصابك وعائلتك، بينما أتولى أنا رئاسة الدولة، ولو لشهرين؟ يتملكني هاجس بأن شعبيتي انحدرت إلى الحضيض. لذلك أود أن أعرف رأي الشعب بي كرئيس.
الرئيس: هههههههههههههههها (بملأ صدره، وكعادته المشهورة). والله، فكرة معقولة. ولكن، يا...(ص)، الرئاسة بحاجة إلى دهاء من نوع فريد.
النائب: أوَ لست ذكيا؟! أما جرّبتني في المعاقل والسجون وخلف جبهات القتال؟
الرئيس: طيب، يا...(ص)، ولكن عليك أن تجتاز اختبارا قبل توليك الرئاسة.
النائب: أمرك، سيدي.
الرئيس: إذن موعدنا في الفجر، كالعادة!

وعند الفجر...
حضر الرئيس (وحرسه الخاص) ونائبه (ص) في المكان والزمان المألوفين لهما. طلب الرئيس من حرسه اخلاء غرفة واسعة من غرف القصر اخلاءا تاما، وأن يتأكدوا من أن الغرفة خالية تماما من أية ثقوب في الجدران. تم اجراء اللازم بسرعة مدهشة. ثم طلب منهم جلب صندوق يحتوي على (25) فأرة! تم تنفيذ الأمر بدون نقاش.

وفي حضرة الفئران، توسط الرئيس ونائبه (ص) الغرفة.
 قال له الرئيس: ما عليك الآن سوى فتح الصندوق وتحرير الفئران منه، ثم إعادتها إليه، وهو المطلوب.
ولكن المطلوب اثباته كان أمرا صعبا. فتح (ص) الصندوق، وإذا بالفئران الجائعة تندفع بسرعة مذهلة خارجا وتصيح: ويص...ويص...ويص............. وتنتشر في أرجاء الغرفة هربا أو بحثا عن فتات!
بدأ النائب الكهل جريا في كل الاتجاهات ليمسك بهذه أو تلك. لم يفلح...لم يفلح...لم يفلح، رغم محاولاته المتكررة. وبعد أن تقطّعت أنفاسه، قال للرئيس: إنه اختبار صعب، سيدي. فهل لك أن تساعدني للخروج من هذه المحنة؟!
الرئيس: ههههههههههههها! والله، يا (ص)، ذكّرتني كيف انتشلتك من الطرقات والأزقة وجعلت منك نائبا. هل تذكر ذلك؟ حرس....!
حضر الحرس بلمح البصر!
الرئيس (مؤشرا براحة يده): تخلصوا منهم بالطرق المعتادة! ثم آتوني بصندوق آخر يحتوي على نفس العدد من الفئران الجائعة.
تم التنفيذ!
يا الله! رفع الرئيس الصندوق بكلتا يديه إلى الأعلى، وبدأ برجّه يمنة ويسرة بكل ما أوتي به من قوة. وضع الصندوق على الأرض وفتح بابه، وإذا بالفئران تخرج منه مترنّحة وقد خارت قواها رغم حاجتها للغذاء. وبكلتا راحتيه، راح الرئيس بادخالها إلى الصندوق دون مشقة!
إصفرّ النائب وتصبّب عرقا وهو يشاهد دهاء رئيسه. فقال في نفسه: أعرف مكره جيدا، ولولاه لما كنت نائبا. ولولاه لما....................!
الرئيس: أرأيت يا (ص)؟! هكذا التاريخ، وإجازة الصيف مبروك عليك!

الأردن في 7/10/2007

87
اكد العالم الفنزويلي البرفسور الجراح سالفادور نارفاريتي نجاعة العمليات الجراحية التي تجرى لمرضى السكري كونها تقضي على المرض بشكل قطعي.

واكد الجراح الفنزويلي الذي أجرى العديد من العمليات الجراحية لمرضى السكري داخل وخارج فنزويلا منذ عام 2005 في حديث الى وكالة الأنباء الأردنية (بترا) أن العديد من مرضى السكري سيتحررون من عبودية وقهر الادوية والأنسولين وتقليل مخاطر بتر الأطراف وبالتالي تخطي معاناتهم مع المرض بعد إجراء العمليات الجراحية.

ويقول :إن المعالجة في العمليات الجراحية تعتبر فتحا في عالم علاج مرض السكري الذي ظل لقرون طويلة تحديا كبيرا أمام المختصين في علوم أمراض السكري ما يشكل تهديدا لحياة العديد من المرضى.

وأشار نارفاريتي إلى أن العديد من الدول الغربية كايطاليا وفنزويلا واسبانيا وغيرها نجحت باجراء العديد من العمليات الجراحية لمرضى السكري وثبت ان المرضى الذين اجريت لهم العمليات الجراحية منذ عامين قد شفوا تماما.

وأوضح ان العملية الجراحية تعتمد على ركنين رئيسين يستهدف الأول تغيير مسار عصارة البنكرياس والقنوات المرارية ويتم فيها استئصال المعدة والأمعاء جزئياً مع ربط الإثني عشر وهو أحد أجزاء القناة الهضمية وأول جزء من الأمعاء الدقيقة يصل المعدة بالأمعاء الدقيقة. أما الثاني فيتمحور حول تحوير الأمعاء حيث يتم قص المعدة إلى جيب صغير وتوصيلها بالأمعاء الدقيقة.

ويشدد العالم الفنزويلي على أن العديد من المرضى لن يخضعوا بعد إجراء العملية الجراحية لحقن الأنسولين اوالأدوية مضيفا أن مستوى السكر بالدم سيعود خلال أربعة شهور إلى مستواه الطبيعي.

ولفت إلى انه سعيد بالتعاون مع جراحين أردنيين في الخدمات الطبية على إجراء مثل هذه العمليات ليكون الأردن من الدول الرائدة في التخلص من مرض السكري مشيدا بسمعة الخدمات الطبية الملكية وما تقوم به من عمليات جراحية صعبة على مستوى دول الشرق الأوسط.

واشار الى ان مؤتمرالجراحين والباحثين الدوليين الذي عقد في نيويورك في ايلول من العام الماضي اكد نجاح العمليات الجراحية التي تجرى لمرضى السكري للقضاء على اعراضه واكدته الجمعية الدولية للجراحة. من جانبه أكد رئيس الجراحة العامة في الخدمات الطبية الملكية الجراح العميد الدكتور صلاح هلسه أن الخدمات الطبية الملكية تجري مثل هذه العمليات التي تساعد بشكل كبير مرضى السكري.

وقال: إن الخدمات الطبية الملكية تقف بشكل مستمر على كل ما هو جديد من خلال تشبيكها مع العديد من المستشفيات العالمية واستضافة المختصين والباحثين في مجالات العلوم الطبية المختلفة لتبادل الخبرات والتعاون مع مختلف العلماء المشهورين على مستوى العالم.

عن جريدة الدستور الأردنية
التاريخ : 27-11-2009 
 
 

88
هل تحقيق الديمقراطية في العراق حلم بعيد المنال؟
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

تعقيبا على مقالة الأخ الكاتب المتألق هرمز كوهاري عن حقوق الأقليات في "الديمقراطية" االعراقية (الرابط أدناه)، وفي الوقت الذي اثمن عاليا جميع ما نشر من مقالات على موقع عنكاوا، ورغم تطابق أحلامنا، أود أن اشير إلى مسألة في غاية الأهمية، وهي استحالة مقارنة الحالة الطبيعية في الدول الديمقراطية مع الحالة العراقية، وإن كانت التمنيات مشروعة، لسبب بسيط ألا وهو غياب الثقافة الشعبية والوعي السياسي واحترام الرأي الآخر، بدءا من الأقليات (القومية اللامتآخية). وخير دليل على ذلك ما نقرأه من تجاذبات وقدح بين المسيحيين انفسهم على منتديات عنكاوا. وإن كان (المثقف) العلماني يتطلع إلى ما يتطلع اليه الأستاذ هرمز في تحقيق نسبة معقولة من ديمقراطية الغرب، إلا أن غالبية الشعب العراقي يجهل معنى الديمقراطية. وقد أتطرف في تعميمي لو قلت بأن الذين يتشدقون بالديمقراطية على الساحة السياسية التي تقود عراق اليوم بحاجة إلى دروس إضافية في ممارسة الديمقراطية. ربما هم معذورون بسبب الضغوط الدينية والعشائرية والإثنية والمناطقية وترسبات الماضي. لا أشك في أنهم يعلمون جيدا بأن الديمقراطية ممارسة جماهيرية قبل أن تكون برلمانية، وأنها إرث جميل يتنعم به الغرب بينما العراق يفتقر إليه. ليس العراقيون وحدهم يلعبون لعبة المحاصصة الطائفية والقومية، بل هنالك قوى خارجية، دولا وشركات، تشجعهم على الاستمرار في هذه اللعبة من حيث يدرون ولا يدرون لتحقيق أهداف اقتصادية قبل أن تكون سياسية بعيدة المدى. والخسران في هذه اللعبة هو العراقي الغلبان. ما العمل؟ سؤال يطرحه الكتاب السياسيون والأحزاب الديمقراطية والعلمانية التي ترفض المساومة على حساب قوت الشعب وكرامته. كم كنت اتمنى أن يرشح أحد من هذه التيارات، انثى كانت أم ذكرا، لرئاسة الجمهورية، مع احترامنا للمرشح مام جلال، شريطة ألا يملك عقارات وشركات أو أن يسعى لامتلاكها وهو في سدة الحكم، وأن يخصص له الجمهور، وليس البرلمان، راتبا يتناسب ومعدل الحالة المعاشية للفرد العراقي على أن لا يزيد عن راتب استاذ جامعي وأن يكون مستشاروه من الاقتصاديين البارزين. وهذا ينطبق على نواب الرئيس. ولكن هذا الإجراء بعيد المنال في ضوء المعطيات الراهنة. ورغم مشروعية الحلم، لن أراهن على فوز مقترحي هذا في ظل التجاذبات السياسية حول المقاعد البرلمانية وحصة الأقليات ومن هم في الغربة. و"العمل" يكمن في العمل الجاد: أن يقسم النائب بشرفه أن يبلط وينظف شوارع دائرته الانتخابية وأن يبنى المدارس والمستوصفات وأن يزور أهلها ويقف على احتياجاتهم ومشاكلهم. ومن لا يفعل ذلك لا شرف له لأن المواطن أمانة في عنقه، والعراق كل العراق تاج فوق رأسه، والمواطنة حق رافديني مكتسب يسمو فوق جميع الاعتبارات الدخيلة إلى هذه الأرض. لا يهمني من يكون النائب القادم، شيعيا أم سنيا، شيوعيا أو بعثيا، مسلما أومسيحيا، بل مواطنا رافدينيا، مواطنا يحترمني واحترمه ويعمل جاهدا لتوفير الأمن والأمان والمدرسة والصحة واللقمة الحلال ويصون مياه وهواء وأرض العراق. هل أحلم؟ ربما، ولكنه حلم جميل عسى ألا يحرم منه العراقيون خارج المنطقة الخضراء.
 
الأردن في 19/11/2009
http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,366020.0.html

89
حكمت محكمة الجنايات الثانية على رجل بالسجن لمدة ثمانية وعشرين عاما بتهمة الاعتداء الجنسي على ابنته القاصر عدة مرات وإجبارها على ممارسة الجنس مع شقيقها.

وذكرت صحيفة "الثورة" السورية أن المتهم "زكوان" المقيم في ريف دمشق كان يرغم ابنته القاصر وشقيقها الحدث الأصغر منها على مشاهدة أفلام إباحية بوجوده بعد أن اشترى جهاز عرض (ريسيفر).

ونقلت الصحيفة عن القاصر قولها إن والدها اغتصبها ثلاث مرات و أجبر أخاها القاصر "13 سنة" على ممارسة الجنس معها أمام عينيه , و أن الفتاة هربت بعد ذلك مع شاب بهدف الزواج منه , و قدمت شكوى ضد والدها أمام المحكمة .

وبين تقرير الطب الشرعي صحة أقوال الفتاة بعد اجراء الفحوص اللازمة , كما أكد الشقيق صحة أقوالها .

نقلا عن دنيا الوطن في 17/11/2009
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-143919.html

90
قضت محكمة الجنح المستأنفة بمنطقة امبابة بمحافظة الجيزة المصرية بتأييد الحكم الصادر من محكمة أول درجة والقاضى بمعاقبة رضا عيد محمود مدرس علم النفس والاجتماع بمدرسة باحثة البادية الثانوية التجارية بامبابة بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ وتغريمه 10 آلاف جنيه، وذلك بعد إدانته بممارسة الجنس مع تلميذاته أثناء إعطائهن دروسا خصوصية وتصويرهن بهاتفه المحمول دون علمهن .

وقالت المحكمة فى حيثيات حكمها إن المتهم قضي علي براءة مجموعة من الفتيات في مقتبل حياتهن وأنه اتخذ من وظيفته وسيلة وغنيمة لارضاء ذواته منتهكا حرمة المنازل والأهالي وعرضهم.

وأضافت المحكمة أن المتهم استغل علاقة تعلق التلميذ بمعلمه وحولها لعلاقة جنسية ليرضي من خلالها نزواته وغرائزه وأنه قد أيقظ الغرائز في نفوسهن وهون سلطان الفضيلة علي مسلكهن وهن في ريعان شبابهن.

وتابعت المحكمة قائلة إن قيام المتهم بالتسجيل ماهو إلا تدخل العدالة حتي لا يفلت من العقاب وإن نشر ذلك التسجيل يجب أن يتحمله المتهم لأنه النتيجة الحتمية الناتجة عن التسجيل وان ما قام به المتهم يعتبر سلوكاً اجراميا متتالياً لفترات زمنية تنم عن احترافه لتلك الجريمة والاعتياد عليها وانه لم يراع وظيفته ومالها من سمو تهذيبي للأخلاق.

وكانت محكمة الجنح بمنطقة امبابة قد قضت فى 13 سبتمبر الماضى وفى أول جلسة لنظر القضية بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة ثلاث سنوات مع الشغل والنفاذ وتغريمه 10 آلاف جنيه .

وأكدت المحكمة فى حيثيات حكمها أنها إطمئنت لإدانة المتهم بعد إعترافه فى تحقيقات النيابة وتطابق أقوال 3 من الضحايا مع هذه الإعترافات. وقال رئيس المحكمة إن المحكمة شددت حكمها وطبقت أقصى عقوبة على المتهم نظرا للتجاوزات الشاذة التى صدرت منه ليس فى حق تلميذاته فقط وإنما فى حق المجتمع بأكمله ، مشيرا إلى أن هذه الأفعال النكراء تجرمها كافة الأديان السماوية والقوانين والأعراف الأرضية .

وكانت النيابة العامة بمحافظة الجيزة قد أمرت بإحالة القضية المتهم فيها المدرس بممارسة الجنس مع 18 من تلميذاته بطريقة شاذة أثناء إعطائهن دروسا خصوصية سواء فى منازلهن أو فى شقته وتصويرهن دون علمهن لمحكمة الجنح بعد أن وجهت له تهم الاستغلال الجنسى وهتك العرض بالرضا ومواقعة نساء وانتهاك حرمة الحياة الخاصة وتصوير الضحايا دون رضاهن ونسخ أسطوانات جنسية وتوزيعها.

وكشفت تحقيقات النيابة العامة عن مفاجأت مثيرة، حيث تبين أن المتهم بدأ فى إرتكاب جريمته النكراء منذ أكثر من عام ونصف تقريبا، وأنه كان يمارس الجنس مع ضحاياه من الخلف خوفا عليهن، وأنه أقام مع 18 منهن تتراوح اعمارهن بين 16 و 18 عاما علاقات جنسية صوّرها بهاتفه المحمول ونقلها على أسطوانات مدمجة دون علمهن، وانه كان يقوم بضبط هاتفه المحمول على وضع الفيديو ثم يضعه على حافة "ترابيزة السفرة" لتصويره أثناء ممارساته الشاذة مع ضحاياه.

وأشار المتهم فى إعترافاته أمام النيابة إلى ان أخر مرة مارس فيها الجنس كانت منذ 4 شهور، ونفى المتهم أمام النيابة أن يكون هو المسئول عن توزيع "السى ديهات" التى تجمعه بضحاياه ، موضحا انه لم يكن يقصد من وراء جريمته الشيطانية إبتزاز ضحاياه أو التسبب فى أي مشاكل لهن وإنما كان يفعل ذلك لإشباع رغباته الشهوانية. ولإن ظروفه المادية لا تسمح له بالزواج ولهذا كان يمارس الجنس مع طالبات المدرسة، فى حين قالت تحريات المباحث أن المدرس كان يوزع السيديهات للتفاخر بين اقرانه. وكشفت تحقيقات النيابة أن المدرس قام بتصوير 12 كليبا مدتها ساعة ونصف وأن من بين الضحايا شقيقتان لا تعرف كل منهما ان الاخرى كانت على علاقة جنسية بالمدرس .

يذكر أن تفاصيل الواقعة المثيرة بدأت بورود معلومات للادارة العامة لمباحث الآداب بالجيزة تفيد إنتشار أسطوانات جنسية وفيديوهات على الهواتف المحمولة مع شاب فى الثلاثينيات وبعض الفتيات اللاتى تتراوح أعمارهن بين 16 و18 سنة، وأن المشاهد تجمع بين الشاب والفتيات كل واحدة بمفردها.

وتبين من تحريات رجال الادارة أن الشاب هو مدرس علم نفس واجتماع بمدرسة باحثة البادية بمنطقة امبابة وانه مشهور جدا ، وأنه يمارس الجنس مع الطالبات داخل شقته حين يستقبل البعض منهن لإعطائهن دروساً خصوصية، وأحيانا تحدث الممارسة داخل منزل الطالبة حين تكون أسرتها أكثر حرصاً وتطلب أن يأتى المدرس للمنزل . ألقى القبض على المدرس واعترف تفصيلياً بارتكاب الجريمة، وأنه كان يواقع الطالبات برضاهن، وأنهن لا يعلمن موضوع التصوير، وكشفت الفيديوهات والمشاهد الجنسية بينه وبين الطالبات أنها تحوى مشاهد شاذة.

منقول عن دنيا الوطن/ غزة في 17/11/2009
http://www.alwatanvoice.com/arabic/content-143888.html

91
أخرب واتكهرب ...
رأي في معاكسة الصبايا

بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن


قد لا يختلف إثنان بأن للحرشة اللفظية (أو التحرش، أو المعاكسة) وجهان، سلبي وإيجابي، وإن كان المجتمع الشرقي  يجمع على أنها ظاهرة سلبية منتشرة بين الشباب وينبغي محاربتها، أو في الأقل الحد منها. والمتهم في أغلب الحالات  هو الشاب، وليس الفتاة. ومن المعلوم أن الحرشة بأنماطها المختلفة منتشرة في صفوف الشباب أمام مدارس البنات وأقلها في داخل الجامعات والمعاهد والدوائر وفي الباصات والاسواق والحدائق العامة. السؤال الذي يطرح نفسه هو: هل أن الحرشة اللفظية جريمة أخلاقية يجب أن  يعاقب عليها القانون في مجتمع مغلق أو محافظ؟ الجواب البديهي هو "نعم" إذا تجاوز حدود الإطراء والذوق السليم. ويبدو أن البنات لا يتجاوزن هذا الحد، بل يكبتن ما في دواخلهن، وقد تقتصر حرشتهن على "أناقة" و"كشخة" زملاء لهن في العمل أوالجامعة، وربما عطورهم المفضلة. وعلى العكس من ذلك، فالشاب له متسع من الحرية، ويوظف جرأته أمام أقرانه ليريهم بأنه "عنتر زمانه". فلو وجّه شاب لفتاة سمراء كلاما من مثل "يـﮔولون بيتنجان ماكو بالسوﮒ، لعد هالسمار منين؟"، أو "اليوم مغاسلة وجهها" لاستهجنت الفتاة عبارات كهذه وعدّتها تجاوزا صارخا بحق أنوثتها وجمالها. أما إذا كانت اللفظة على وزن "أخرب واتكهرب" أو "الـﮔمر ديمشي عالـﮔاع اليوم" فأنها تنال استحسانا، لاريب، وقد تصاحبها ابتسامة عريضة أو قهقهة.  وفي كلتا الحالتين، نتوقع من الفتاة "المؤدبة" أو "بنت ناس" السكوت وعدم الرد في مكان عام. معظم من تجاوز العقد الرابع، ولا أقول الجميع، يتذكر شيئا من هذا القبيل، وقد يشعر بالحنين إلى الأيام الخوالي التي كان يناجي فيها زهرة خياله بعبارات يفوح منها العطر عن قرب، كعبارات "الـﮔيمر" و "الـﮔمر" و"الجُمّار" و "خدود التفاح" و "نبع الريحان" و "الغزال". ليست الحرشة أكثر من متنفس شبابي لإفراغ الشحنات الكهرومغناطيسية في انبوبة اختبار كيميائية قد ينجم عنها نظرة أو ابتسامة انثوية تروي غليل الذكر وغزل أفلاطوني ذكري مباح يدخل البهجة إلى قلوب العذارى. لم ولن تتوقف الحرشة بمقدم وشيوع الحجاب والنقاب. الممنوع مرغوب. إنه نداء الطبيعة. ورائحة الأنثى، ناهيك عن حركة الأرداف، كفيلة في انجذاب الشباب إلى الصبايا ودفعهم إلى الحرشة بلغة خاصة تبدأ من "هاي شلون عربانة" (للدلالة على الأرداف المكتنزة)، أو "هاي شلون عيون حرّاﮔـة"، وتنتهي بــ "عزا، احترﮔنا" أو "انلبسنا" و"انضربنا بوري" في غياب رد الفعل، أو "ما عندك خوات" ...إلخ في اسوأ الأحوال، وربما إلى المشاجرة والاقتتال في حضور حامي الحمى، قريبا كان أم خطيبا أم أخا، أوحتى صديقا للأنثى المستهدفة. السينيوهارات متعددة، وقد تقتصر على الصفير المبرمج بلغة البلابل، ولايمكن حصرها سوى بين قوسين. وبعيدا عن "التحرش الجنسي" أو "الملامسة" المتعمدة في الباص، جلوسا أو وقوفا، أو الاحتكاك المتعمد  في أماكن مزدحمة، لا أجد ضيرا في أن تقتصر معاكسة الصبايا على الكلام الجميل، شعرا كان أم نثرا. لو جلست بجانب شابة انجليزية في باص عام وأطريتها لفظا بسبب العطر الذي يفوح منها، مثلا، دون معرفة سابقة، شكرتك حتما لأنك ادخلت البهجة إلى قلبها الذي لن تفوز به. ربما ينبغي أن يكون الأمر كذلك بين الجنسين في مجتمعاتنا الشرقية. اسألوا الأنثى عن شعورها عندما يخاطبها الذكر بـ "كيكة" أو "صدقة لألله على هالعيون أو الطول" أو ما يناظرها من التعابير، وخاصة إذا ما ميّزها الشاب بصفة تفتقر إليها زميلاتها. كانت الحرشة (أو المعاكسة)، وما زالت، "عيبا" في لعبة الكبار ورجال الدين الذين تناسوا مرحلة شبابهم، وكأنهم من طينة أخرى، مما جعلهم يسلطون الضوء على جانبها السلبي، دون الايجابي، الذي أضحى حديث الشارع والاعلام والبيوت والمدارس. لو كان في بلاد العرب برلمانات شبابية مناظرة للبرلمانات الحالية وطُرح مشروع قرار حرية الاطراء في باب المعاكسة (الحرشة) الجميلة بين الجنسين على نوابه من الصبايا والشباب، كان التصويت بالاغلبية المطلقة لصالح القرار، وأضحى رافض الجميل قبيحه!

الأردن في 15/11/2009
[/size]

92
تطارد الشرطة الباكستانية حاليا ثلاث نساء اختطفن رجلا وخدرنه وقمن باغتصابه لمدة أربعة أيام متتالية والقاءه قرب نهر في مدينة كراتشى .

وذكرالضحية، ويدعى خليل 23 عاما، بانه وصل حديثا لكراتشي بحثا عن الرزق وانه يعمل كنادل بمطعم بضاحية كليفتون الراقية حيث طلبت منه مجموعة من النساء توصيل طعام  إلى مسكنهن يوميا، ووافق على ذلك .

وأوضح مصدر أمنى لصحيفة "ديلي تايمز" الباكستانية بموقعها الإلكترونى على الانترنت أن النساء اغتصبن خليل على مدى أربعة أيام متتالية وقذفن به بعد أن اشبعن غريزتهن قرب نهر "قيوم أباد" حيث تمكن من الوصول إلى مستشفى مجاور وهو في حالة سيئة للغاية، إذ كان عضوه الذكري ينزف ولا يستطيع المشى.

واكد خليل بمحاضر الشرطة ان النساء الثلاثة قدمن له بعض الحليب الممزوج بمخدر ما مما أفقده الوعي بعد شربه. وعندما استرد وعيه اكتشف ان النساء مارسن الجنس معه بشراهة.

93
مرثية ذاتية لها بقية
خاطرة قصصية رقم (8 ) بعنوان:
[/siz
بروفيسور في دائرة تجنيد الرصافة (3)
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن
[/size]كانت فرحته لا توصف عندما أنهى متطلبات دراسة الدكتوراه من جامعة بريطانية عريقة في كانون الاول سنة 1982. قرر العودة مع زوجته وطفلتيهما إلى العراق رغم نصيحة أصدقاءه من الإنجليز والعراقيين والعرب بالبقاء. لم يعر للتحذير أهمية، فقد كان الوطن فوق جميع الاعتبارات، وإن كان يعلم جيدا بأن قصف المدن بين العراق وايران لا يرحم أحدا ولا يمكن لأحد التكهن بنتائجه، ناهيك عن درايته التامة بهول الحرب على جبهات القتال بين البلدين. من أحد الأكشاك القريبة من جامعته أدار قرص الهاتف مرتين فكانت بغداد على الطرف الآخر من الخط مستيقضة على أصوات انفجارات صواريخ بعيدة المدى. لم يبال. زفّ بشرى حصوله على الشهادة التي كان يحلم بها إلى ذويه وأبلغهم بموعد وصوله إلى أرض الوطن. ولكن عوضا عن الفرح المتبادل، جاءه صوت أنثوي ممزوج بالمرارة والسعادة والبكاء المتقطع. كانت كلمات أمه التي مازالت تؤرقه عين العقل. قالت:
-   إبني روح أبعد. هل جننت؟ نحبك. وهل من أم في الدنيا لاتحب أن تشم رائحة وليدها وأحفادها عن قرب؟ إذهب أبعد، يا بني، ولا تقرب النار.
-   لا يا أمي. أنا قادم، وشهادتي في خدمة الوطن.
شدّ الرحال رغم معرفته بالمثل العراقي القائل: اللي ميمشي بشور أبوه وأمه، شغله يجي أعوج (أي بالعربي الفصيح: من يتجاهل نصيحة والديه، عليه أن يتوقع نتائج غير مرضية).
حطت طائرة البوينغ التابعة للخطوط الجوية العراقية على أرض مطار صدام الدولي بسلام صبيحة يوم 25/1/1983. تنفس الدكتور ومن كان معه في الرحلة هواء بغداد، وإن كان ممزوجا برائحة بعض سحب من الدخان المتراقصة في الأفق البعيد والقريب. لم يبال. وبعد انتظار طويل على مشارف الحزام الناقل لأمتعة المسافرين، لم تظهر حقيبتان، وعدت من المفقودات. بداية غير موفقة تنذر بالشؤم. لم يبال. استقل سيارة أجرة في طريقه إلى بغداد الجديدة، وملخص حديثه مع السائق الشهم وما كان يبثه المذياع لم يتجاوز حدود الديباجة المعروفة: "النصر بعون الله" والأهزوجة الشعبية: "يا حوم اتبع لو جرينا" التي لم يستطع ترجمتها للإنجليزية بما يتناسب وثقافة الإنجليز.

وعند مدخل الدار، تعالت الزغاريد وتناثر الجكليت (الملبس) في الهواء وبودلت القبل ورويت القصص والطرائف على الأقرباء والاصدقاء في سهرة المساء وحتى منتصف الليل.

وقبل أن يتوجه إلى دائرة تجنيد الرصافة الثالثة في الصباح الباكر لتأشير دفتر خدمته العسكرية، سأل الدكتورعن موقعها المتنقل كقطعات الجيش، فقيل له بأنها انتقلت في رحلتها المكوكية هذه المرة إلى ضاحية من ضواحي رصافة بغداد، وتحديدا في بيت عتيق مؤجر كعادتها، يقع خلف القصر الابيض بمنطقة السعدون. لم تكن النداءات المتكررة مثل "باب السرجي .. نفرين .. باب السرجي" التي كان يطلقها "سِكنية الفوردات" (مساعدو الباصات) غريبة عليه. صعد الدكتور إلى الباص الذي أوهمه "السِكن" بأنه يحتاج إلى "نفرين" (أي شخصين). ومع ذلك، تقبل الدكتور الأمر فحشر جسده بين أجساد "العِبرية" (الركاب) التي لم تكن تعلم أين يقودها القدر. صورة متناقضة تماما بين وسائط النقل في بريطانيا وبغداد. لم يكترث.. كفة الوطن كانت أرجح!

وأمام شباك "القلم"، ناول الدكتور دفتر خدمته العسكرية وشهادة الدكتوراه. وبعد بحث بين السجلات القديمة وإدخال المعلومات الجديدة في سجل مواليد 1948، طلب من الدكتور أن يراجع "المقدم" (مدير تجنيد الرصافة/3) في الطابق الثاني من البناية لتوقيع دفتره. بعد انتظار لم يدم طويلا، نادى نائب ضابط على أسم الدكتور. ولما لم يكن الدكتور قد تعود على التحية العسكرية، كانت "صباح الخير أستاذ"، وليس"سيدي" المعتادة، بديلا أزعج سيادة المقدم الذي تعمد في ممارسة الأعراف العسكرية الصارمة:
-   أسمك الثلاثي؟
-   دنحا طوبيا كوركيس
-   مواليدك؟
-   1948
-   لماذا لم تلتحق بالخدمة العسكرية لحد الآن؟
-   دافع البدل النقدي.
-   ولكن جماعتك ممن دفعوا البدل الآن في الخدمة. نحن في حالة حرب.
-   أعلم ذلك، ولكنني مؤجل من إداء الخدمة حسب قرار مجلس قيادة الثورة.
-   كلا. لست مؤجلا. سأرسلك إلى معسكر تدريب الحلة.
-   ولكنني أحمل شهادة الدكتوراه.
-   "علّكها بطيزك"!
لم أصدق ما سمعت. ارتفع ضغط الدم إلى رأسي. لم استطع أن اتنفس بيسر. إسودت الدنيا في عيوني. ولكن يبدو أنه شعر بوقع تعبيره النابي، فأردف قائلا:
-   هل لديك شهادة أخرى؟
-   ماجستير.
-   لا أريدها.
-   بكالوريوس.
-   ولماذا لم تقل ذلك منذ البداية؟
-   لأن قرار مجلس قيادة الثورة الأخير يستثني أساتذة الجامعات من حملة الدكتوراه.
-   من أي كلية تخرجت ومتى؟
-   التربية/جامعة بغداد 1972
-   إذن سأستثنيك بصفة "مدرس".

أجري اللازم وكأن شيئا لم يكن.

وأنا في طريق العودة إلى الدار، بدأت اتسائل: أمعقول أن يكون "مقدم" في الجيش العراقي بهذا المستوى؟ أما كانت والدتي على صواب حينما طلبت مني أن أذهب "أبعد" من انجلترا عندما أخبرتها بأنني راجع إلى الوطن؟ كيف سأروي قصتي مع السيد المقدم لزملائي في الجامعة ولأهلي وأصدقائي؟ راودتني أسئلة كثيرة لم استطع الإجابة على أي منها. لازمني صداع لأيام عديدة وصورة "المقدم الشهم" لم تفارق مخيلتي، فتولد عندي شعور بالندم منذ تلك اللحظة.

وفي الدار رويت القصة. صعق الجميع... رفع والدي سماعة الهاتف ليطلب من صديقه الوفي العميد جميل الشيخلي (أبو سعد)،رحمه الله، أن يتشرف بزيارتنا على وجه السرعة. وخلال نصف ساعة كان الرجل في بيتنا. رويت له القصة على الفور. لم يتمالك أعصابه، فأطلق العنان للسباب. رفع سماعة التلفون ليذهب بـ "المقدم" إلى الجحيم. وإن كان الرجل قوميا، فقد كان آمرا لموقع البصرة، وقبلها آمرا لمعسكر الرشيد. رجوته ألا يفعل ذلك بينما كان والدي يصر على معاقبة "المقدم" وإقصاءه من مركزه.

وبعد اسبوعين من الحادثة، وصلنا خبر وفاة "المقدم"، وكان لله في خلقه شؤون.

وإلى مرثية تاسعة ...
الأردن في 5/11/2009            
[/size]

94
أحدث فضيحة: بريطانيون يبيعون بناتهم العذارى لأثرياء العرب

كشفت صحيفة بريطانية أن "معظم البريطانيين يبيعون بناتهم العذارى عند بلوغهن سن 12 عاما لأثرياء عرب من أجل ممارسة الجنس لمرة واحدة فقط". وذكرت صحيفة 'صن' أن بعض الآباء يجبرون فتياتهم الصغيرات على ممارسة البغاء، ومن ثم يبيعونهن إلى أثرياء لممارسة الجنس. وأضافت " أن الأثرياء العرب يدفعون مبالغ كبيرة قد تصل إلى 50 ألف جنيه إسترليني (321،81 ألف دولار) مقابل ممارسة الجنس مع هؤلاء الفتيات". وقام أفراد شرطة شعبة مكافحة الرذيلة في بريطانيا من القبض على ثلاث نساء ورجل من مانشستر بعد تصويرهم سرا وهم يعرضون ست فتيات تتراوح أعمارهن بين 14 عاما و23 عاما إلى قواد في فندق خمس نجوم في غرب لندن. وقال مسؤول بارز في الشعبة "عثرنا على فتيات صغيرات يعرضن لممارسة الجنس...هؤلاء من أصغر الفتيات اللاتي وجدنا أنهن يعرضن لممارسة الجنس معهن". كما سجلت الشرطة أيضا أشرطة مصورة للعصابة يجرون فيها استعدادات لبيع فتيات أصغــر سنا، وربما فتيات لم يصلن لسن البلوغ بعد.

95

مرثية ذاتية لها بقية... خاطرة قصصية رقم (7)
بروفيسور في دائرة الأمن و "شيك على بياض"
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
      جامعة جدارا / الأردن


ذات صبيحة من صباحات عام 1986 كان البروفيسور متواجدا في مكتب رئيس  قسم الغة الأنجليزية/ كلية الآداب بجامعة الموصل عندما رنّ جرس الهاتف. رُفعت السماعة... وانتهت المكالمة في غضون ثوان معدودة. على إثرها، طلب رئيس القسم منه مراجعة العميد فورا...
- ماذا يريد مني؟
- لم يقل لي أكثر من ذلك...
وعلى الفور نزل البروفيسور السلالم باتجاه مكتب العميد...
تجاهلت السكرتيرة كل من كان في الأنتظار لمقابلة العميد. ومن عند الباب أعلمته بأن البروفيسور قد وصل. أدارت وجهها وقالت:
- تفضل دكتور. العميد بانتظارك.
دخل البروفيسور مرحبا، ورُد بتحية أفضل منها.
- دكتور... تلقيت مكالمة هاتفية قبل قليل من مديرية الأمن، وعلي إبلاغك بضرورة مراجعتهم على الفور.
- على الفور؟ خير ان شاء الله؟
- والله، لا أعلم... إن شاء الله، كل الخير...
خرج البروفيسور من مكتب العميد وهو يضرب أخماسا  بأسداس ويدور في فلك التكهنات... حدّث نفسه:
- يا ترى، هل هنالك مقابلة تسبق التعيينات في مواقع ادارية مهمة، أم لها علاقة بطلبي المقدم لغرض الأشتراك في مؤتمر دولي خارج العراق، أم ماذا؟

شق البروفيسور طريقه إلى مديرية أمن الموصل التي تبعد أقل من كيلومترين عن الجامعة. دخل إلى مكتب الأستعلامات وعرّف بنفسه... طلب منه مسؤول الأستعلامات الأنتظار ريثما يُستدعى... جلس البروفيسور وهو مستغرب من هذا الأستقبال الحار!... حتى أن المسؤول لم يقل له: "تفضل دكتور، أو ما شابه. رافقت انتظاره، الذي دام أكثر من نصف ساعة، علامات استفهام كثيرة قفزت إلى رأسه، واختلط بعضها ببعض... لم يستطع الأجابة على أي منها...
في هذه الأثناء، دخل شخص متوسط القامة، يرتدي سترة جلدية ذات اللون البني الفاتح، من الباب الخلفي للأستعلامات (تبين بعدئذ أنه ضابط أمن برتبة نقيب). لم يكن في غرفة الأنتظار ذلك الصباح سوى البروفيسور الذي كان يسمع صيحات من يُضرب (أو ربما يُعذّب!).
- تفضل معي...
نهض البروفيسور واستغرابه على أشده... اختفت كنية التخاطب تماما، وانعدمت معها القيم العربية في تأدية التحية... زادت مخاوفه:
- يا للهول! يبدو أن هذه المقابلة ستنقلب إلى تحقيق في أمر، ربما يكون "تحرش جنسي" من طالبة راسبة في مادته مما سبب ترقين قيدها من الجامعة.
تبع البروفيسور الضابط إلى الطابق الثالث من إحدى مباني المديرية وهو مضطرب التفكير...
وفي مكتب مسؤول أمني رفيع المستوى (تبين بعدها أنه نائب مدير أمن الموصل، وبرتبة مقدم)... بودلت التحايا، والحمد لله... لقد خفّ التوتر قليلا...
- تفضل دكتور... (مؤشرا بكفه ليطلب من البروفيسور الجلوس)... ثم أردف قائلا:
- لولا مكانتك العلمية وتقديرنا العالي لها، لأتينا بك من الجامعة أو الدار.
- خيرا يا أستاذ؟
أومأ برأسه للضابط الذي أسرع بجلب رسالة بريدية. كان المظروف مفتوحا... أخرج منه رسالة ليريها للبروفيسور...
- هل تعرف صاحب هذا الخط؟
- كلا.
- تمعن به جيدا.
- ولكن اسمك مذكور في الرسالة!
- وإن يكن. ما علاقتي؟
- هل تعرف أحدا بأسم "بنيامين"؟
- نعم. إنه ابن الدكتور (ي)، ونختصره إلى (بن).
- هذه الرسالة واردة من لندن... أنظر الطابع والختم... ألا يعني هذا لك شيئا؟
- أبدا.
- ولكن كاتبها يقول بأنك التقيت به في لندن وحدثته عن مخاوفك ومخاوف الدكتور (ي) في ترك العراق للعمل في الجامعات البريطانية. كما أنه يهنىء فيها الدكتور (ي) على ترشيحه لمنصب عمادة كلية الآداب.
- هذا غير صحيح يا أستاذ... لقد رجعت من انجلترا عام 1983 بمحض ارادتي في الوقت الذي كان تبادل قصف المدن بين العراق وايران على أشده... حتى أن مديرة مدرسة بناتي اتهمتنى بالجنون عندما ابلغتها بأنني وعائلتي راجعون إلى أرض الوطن... كما أنني اشتركت في مؤتمر دولي بالنمسا عام 1984 ورحى الحرب دائرة. أما كان بأمكاني البقاء في كلتا الحالتين؟
- هل لديك خصوم في لندن؟
- وهل من مبعوث على حساب الدولة لا خصوم له؟!!! ولكنني إنسان مسالم.
أومأ برأسه ثانية إلى الضابط ثم قال:
- هذا كل ما لدي الآن... عسى أن تتذكر وتفيدنا... رافق السيد النقيب.
نهض البروفيسور من مقعده وقد فقد رباطة جأشه إلى حد كبير... رافق الضابط إلى غرفة أخرى... طُلب منه الجلوس...
- إعترف أحسن لك...
- أعترف بماذا؟
- أنك تعرف صاحب الرسالة...
- ومن أين لي أن أعرف؟
- ربما كتبها له شخص آخر بأملاء منه وقلت له ما قلت...
- صدّقني... لم يصدر عني أي شىء، وشهودي فلان وفلان في الحكومة.
- طيب. أجلب لك كفيلا غدا صباحا... والآن باستطاعتك المغادرة.
توجه الضابط برفقة البروفيسور إلى مكتب الأستعلامات... خروج آمن من مديرية الرعب والخوف والترهيب دون وداع، لأن في الآتي ترحاب ما بعده ترحيب!
وعلم البروفيسور بعدئذ أن الدكتور (ي) كان على موعد متزامن في عملية التحقيق، وفي غرف أخرى...

توجه البروفيسور إلى جامعته... قصّ قصّته على اثنين من زملائه المقربين... طلب من المقرّب الأول أن يتكفله... كان جوابه كالصاعقة:
- لا...لا... كل شىء، ولا الأمن!
واعتذر المقرّب الثاني لنفس المخاوف... كانت الردود قاسية... يالسخرية القدر! يقولون أن الصديق وقت الضيق، ولا يستحون من تلفظها!
لقد كانت سيارة البروفيسور تحت امرتهما في التنقل والتبضع وفي السراء والضراء... والمصيبة الأكبر هي أنهما يسكنان في الحي الذي يقطنه البروفيسور... قد يكون معهما الحق لأنهما أصحاب عوائل، ولأن من يدخل إلى الدوائر الأمنية قد لايخرج منها!
لم يبق له أحد من المقرّبين في القسم سوى صديقه الحميم الدكتور أمين، الذي كان يقول (رحمه الله) بأنهما مواطنان من الدرجة الثامنة. قصّ له قصته، وقال بأنه سيتصل بوالده في بغداد من أجل الكفالة. سارع المرحوم بالقول:
- إذا لايقدر والدك على المجىء، بسبب كبر سنه، فأنا مستعد للذهاب معك.
- شكرا يا أبا محمد... لقد أثلجت صدري... ولكن والدي سيأتي حتما.

وفي دائرة الأمن صباح اليوم التالي...
تكررت اللعبة المقيتة وطال الأنتظار في مكتب الأستعلامات...
وبعد حين... جاء النقيب وقاد البروفيسور ووالده إلى غرفة أخرى من غرف الطابق الثالث... تقاطرت الأسئلة عينها وبشكل تهديدي أمام الرجل العجوز. ولكن أجوبة البروفيسور لم تتغير... تدخل الوالد:
- يا سيدي، إن ابني نظيف، ويعرف أمن بغداد الجديدة موقفنا من الحكومة والحزب جيدا. كما أن إبني نصير للحزب.
- يا حجي... كل هذا لايعني شيئا... لقد أعدمنا اعضاء في القيادتين القطرية والقومية ممن خانوا الوطن!
- ولكن الدكتور وطني إبن وطني...
وجاء النقيب بورقة... طلب من والد البروفيسور التوقيع عليها... يجهل الوالد القراءة والكتابة، ولايعرف سوى التوقيع الي تعلمه ليكون بديلا لبصمة الأبهام... تم التوقيع! ثم طلب من البروفيسور التوقيع على الجانب الأيمن من الورقة...
- ولكن هذه الورقة بيضاء!
- إنه الأجراء المتبع هنا!
- علامَ أوقع؟ على اعدامي؟
- إنها كفالة بخمسة الآف دينار.
- ولكنها لاتنص على شىء!
- أتوقع أم لا؟
وما كان للبروفيسور سوى الرضوخ للأمر الواقع... يبدو جليا أن عدم التوقيع عواقبه وخيمة... تم التوقيع!!!!!!

وبعد مضي شهر من الزمان، طرق مكتب البروفيسور شاب وسيم عرّف نفسه على أنه ضابط أمن الجامعة:
- لاتقلق يادكتور، لقد أمسكنا بالخيط الأول... والآن لي طلب...
- تفضل...
- أرجو مساعدة غادة (في هذه الأثناء، كان يداعب مسدسه المخفي تحت سترته)...
- سأبذل ما بوسعي... إن شاء الله خير... ولكن عليكم بالجاني!
وعلم البروفيسور بعدها أن الملازم الوسيم على علاقة غرامية بطالبته الذكية جدا!!!! وشكك في صدق ادعائه بأن الأمن أمسك بخيوط المؤامرة الدنيئة.

غلق الملف إلى اشعار آخر... ولم يحصل البروفيسور على الموافقات الأمنية لحضور المؤتمرات الدولية خارج العراق، رغم الدعوات الموجهة له، حتى سنة 1999 ، الذي يعتبره عام الرئة التي يستطيع التنفس بها من جديد.

وإلى مرثية جديدة أخرى، بأذن من الله.

الأردن في الرابع من كانون الثاني 2007
[/color]

96
هل تعلم أن المكافىء العربي الفصيح للكلمتين:

handsome
و

beautiful

المستخدمتين في وصف الذكر (وسيم) والأنثى (حسناء أو جميلة) على التوالي هو:

"الوَضَّاحُ"، أي الرَّجُلُ الحَسَن الوَجْهِ

و

"الغَيْلَمُ" و"الغَانِيَةُ"، أي المَرْأَةُ الحَسْنَاءُ، (علما أن "الغانية" تحمل مدلولا سلبيا اليوم)؟


عن "فقه اللغة" للثعالبي.

97
يوسف حبي كما عرفته شخصيا
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/الأردن

تعمذت على يديه ابنتنا البكر سنة 1978 بالموصل في كنيسة ام المعونة، وأسماها "سارة" ليصبح صوتها الصادح بمرّ السنين بشرى سارة في جوقات كنائس الكلدان والسريان الكاثوليك والأرثذوكس والإنجيلية واللاتين. جمعتني والمرحوم هذه الألوان الطقسية بأسم الصليب تحت خيمة واحدة منذ أول لقاء لنا في جامعة الموصل سنة 1975، السنة التي تعينت فيها تدريسيا وهو كان محاضرا. لم يكن زميلا جامعيا وحسب، بل صديقا للعائلة قبل أن يكون كاهن رعيتي الكلدانية. كنت أزوره في بيت شقيقته (التي كانت تعمل موظفة في رئاسة جامعة الموصل) وفي غرفته المزدحمة بالكتب والمراجع النادرة في كنيسة مسكنتة. كنا نتحاور في مواضيع فلسفية ولاهوتية وتاريخية شتى، بينما الضيوف والاصدقاء والمعارف، مسيحيين ومسلمين، تتوافدعليه لإلقاء التحية أو الاستئناس برأيه. لم يكن يمل من الإجابة على اسئلة محاوريه. كانت الابتسامة المصاحبة للكنته المصلاوية المحببة لاتفارق شفتيه. كان فخورا بالكاميرا السينمائية التي يحملها من دار لأخرى كي يعرض فلم "حياة المسيح" لساكنيها ويقضي أمسية رعوية مع الصغار قبل الكبار.

دعاني في أحد الأيام إلى كنيسة مسكنتة لتصوير فلم تلفزيوني وثائقي عن التراث السرياني (وأرجو أن يكون هذا الفلم مازال محفوظا في أرشيف الإذاعة والتلفزيون). أخرج من دهاليز الكنيسة عينات من مخطوطات سريانية يعود زمن كتابتها بخط يد جميل إلى مئات السنين. اندهشت، واندهش المصورون، من الكنوز التي تلمستها أصابعي أمام الكاميرا بينما كان المرحوم يسجل حديثا عنها. كم كانت دهشتي عندما وجدت بأن هذه الكنوز، رغم اصفرار صفحاتها الجلدية، قد حافظت على قوامها متحدية تقادم الزمن. كانت فرحته لا توصف وهو يسجل للمشاهد التراث السرياني العريق الذي تكدس عليه الغبار ولم يترجم إلى العربية، وربما ظل كذلك حتى الآن. لم تدم فرحة المسكين، رحمه الله، طويلا، كما لم تدم فرحة مثقفينا من السريان ومن تعاطف معهم من مكونات الشعب العراقي الأخرى. لقد أوصدت أبواب المجمع العلمي السرياني، الذي زرته مرتين في السبعينيات من القرن الماضي، ليختزل إلى مكتب من مكاتب المجمع العلمي العراقي. ومع ذلك، لم يستسلم، فكانت كلية بابل للفلسفة واللاهوت في الدورة ببغداد بديلا أكاديميا على المستوى الدولي. بعد رجوعي من انكلترا، طلب مني المرحوم تدريس اللغة الانكليزية فيها، ولكن بسبب بعد المسافة بين الموصل وبغداد، اعتذرت، فكان الأستاذ (الدكتور) ليون يوسف برخو، أول وأفضل طلابي في تاريخي المهني، المتواجد في بغداد وقتئذ رهن الإشارة، حسبما اتذكر.

كنت أفرح لسماع أخباره، وخاصة نجاح معالجة نظره الضعيف جدا بالليزر. ولكن الاخبار المفرحة توقفت عندما كنت أدرس في الجامعات الليبية سنة 2000، إذ وردني خبر صاعق مفاده أن الصديق الأب الدكتور يوسف حبي رحل في حادث مؤسف على طريق بغداد-عمان أشيع عنه بأنه مدبّر. ومهما تكن صحة الاشاعة، فقد رحل إلى العلي. وبفقدانه أرضيا، كسبنا درسا من اصراره على صون الهوية الثقافية السريانية بابتسامة شفافة يخجل منها من يريد صهرنا بثقافة بديلة لا تحتفظ  دهاليز كنيسة مسكنتة او دير مارمتي او ربان هرمز بأي منها.

الأردن في 16/10/2009[/color
]

98
الرصافي يصف عراق اليوم من مثواه:

انا بالحكومة والسياسة جاهلُ
عما يدور من المكائد ِ غافل ُ

لكنني هيهات افـْقهُ كوننا
شعبا ً يتامى جـُلـّه ُ وأرامل ُ

في كل ّ يوم ٍ فتنة ٌ ودسيسة ٌ
حربٌ يفجّرُها زعيم ٌ قاتل ُ

هذا العراقُ سفينة ٌ مسروقة ٌ
حاقت براكينٌ بها وزلازل ُ

هو منذ تموز المشاعل ظلمة ٌ
سوداءُ ، ليل ٌ دامس ٌ متواصلُ

شعبٌ اذا حَدّقـْتَ ، كلّ ُ جذوره
اقتـُلِعـَتْ ، وان دققتَ شعبٌ راحلُ

اما قتيلٌ شعبـُنا او هاربٌ
متشردٌ او ارملٌ او ثاكلُ

هذا هو الأمل المرجى صفقة ٌ
أثرى بها الوغدُ العميلُ السافل ُ

هذي شعارات الطوائف كلها
وهم ٌ ، سراب ٌ ، بل جديب ٌ قاحل ُ

والقادة " الأفذاذ "! سرب ٌ خائب ٌ
هم في الجهالةِ لو نظرتَ فطاحل ُ

هذا هو الوطنُ الجميلُ مسالخ ٌ
ومدافن ٌ وخرائب ٌ ومزابل ُ

سحقا لكم يامن عمائِمكم كما
بـِزّاتكم ، شكل ٌ بليدٌ باطل ُ

سحقا كفى حِزبية ً ممقوتة ً
راحت تـُمايز دينـَها وتفاضلُ

ما الحزبُ الاّ سرّ ُ فـُرقة ِ رُوحِنا
فقبائلٌ هو شعبُنا وعوائلُ

في كل حزب ٍ مصحف ٌ مُوحى به
وبغار حـَرّاء ٍ ملاك ٌ نازل ُ

في الثأر أوطانُ التطرفّ مسلخ ٌ
متوارث ٌ او مذبح ٌ متبادلُ

في كلِّ حزبٍ للنواح منابرٌ
وبكل قبو ٍ للسلاح معاملُ

ولدق رأس العبقريّ ِ مطارقٌ
ولقطع عنق اللوذعي ّ ِ مناجلُ

انتم بديباج الكلام أماجدٌ
وبنكث آصرةِ الوفاء أراذل ُ

لا لم تعد نجفٌ تفاخرُ باسمكم
لاكوفة ٌ ، لا كربلا ، لا بابلُ

ما انتمُ الا بناءٌ ساقط ٌ
نتنٌ مليءٌ ارضة ً متآكلُ

انتم كأندلس الطوائفِ اُجهضتْ
والموت اما عاجلٌ او آجلُ

هجرت عباقرة ٌ مساقط َ رأسِها
وخلافها ، لم يبق الأ الجاهل ُ

لم يبق الا الجرح ُ قد خدعوه اذ
قالوا لنزفه انت جرحٌ باسلُ

لا ياعراقُ ثراك نهرٌ للدما
وعلى ضفافِه للدموع خمائلُ

الارض كل الارض من دم شعبنا
اتقـّدَتْ مصابيح ٌ بها ومشاعلُ

الارض نبع الحُبّ لولا شلة ٌ
هي حابلٌ للاجنبيّ ونابلُ

يتآمرون على العراق وأهلِهِ
زمرٌ على وطن الإبا تتطاولُ

فهنا عميلٌ ضالع ٌ متآمرٌ
وهناك وغد ٌحاقدٌ مُتحاملُ

" شايلوكْ "جذلانٌ بكون بلاده
فيها مآس ٍ جمة ٌ ومهازلُ

ومتى العراقُ مضى ليرفعَ رأسَهُ
دارت فؤوسٌ فوقـَهُ ومعاولُ

تـُجـّارنا اوطانـُهُمْ صفقاتـُهُمْ
هم في الخيانة والرياء اوائل ُ

لكن برغم صليبنا ونجيعنا
فيسوع جلجلة العذاب يواصل

يحيا العراق برغم شائكة الدما
للنور نبعٌ للحياة مناهلُ

لاتبك ِ قافلة ً تموت ، فإثرها
ازدحمت على درب الفداء قوافل ُ

ما أعظم الوطن الفخور بحتفه ِ
متشائم ٌ بحياته ، وبموته متفائل

99

مرثية ذاتية لها بقية...خاطرة قصصية رقم (6):
البروفيسور الذي فقد عقله
بقلم: الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا
/ الأردن

غمرت الفرحة عائلة البروفيسور بحصول ابنته داليا على شهادة الثانوية العامة. وكانت الفرحة أكبر عندما قبلت في قسم اللغة الأنجليزية/ كلية التربية بجامعة الموصل عام 1998. كان هذا التخصص حلمها...ربما لأن والدها يعمل استاذا في ذات المجال. قدمت داليا أوراقها الثبوتية، ومن ضمنها شهادة الجنسية العراقية، إلى شعبة التسجيل في الكلية.
وبعد شهرين من دوامها المنتظم...
أبلغت بوجوب جلب ما يثبت عراقيتها!!!
إنزعجت العائلة من سماع هذا الخبر، وانزعج الوالد أكثر، وذلك بسبب معاملة المواطن في بعض الدوائر الرسمية بشكل يتقاطع واللياقة واللباقة والتأدب والأحترام، ناهيك عن أن عليه قطع مسافة 800 كم ذهابا إلى بغداد وإيابا إلى الموصل.
- لاحول ولاقوة إلا بالله... هذا ما تلفظ به عندما استقل سيارته عند الفجر في طريقه إلى عاصمة الرشيد!
كان الدوام قد بدأ عندما اقترب من مديرية الجنسية في حي الكرادة. ركن سيارته في أحد الأزقة المتاخمة للمديرية... هرع إلى المبنى وبيده طلب تحقيق الجنسية وهوية الأحوال المدنية وشهادة الجنسية العراقية. قدمها للضابط المسؤول بعد أن عرّفه بنفسه... بدأ الضابط يبحث في السجلات القديمة، التي يرجع تاريخها إلى العهد العثماني. استمر البحث مدة ساعة أو أكثر. خرج الضابط مبتسما... أفاد، وهو يذيّل  الطلب، بما يلي:
جنسية الأب السابقة: عثمانية
جنسية الأب الحالية: عراقية
إذن داليا...عراقية
- لم يبق سوى أن نتأكد من جنسية الأم، يا دكتور...تفضل بالجلوس ريثما أنتهي.
قالها الضابط بكل كياسة، ولم يكن يعلم البروفيسورالسر وراء هذا الأنعطاف التاريخي في التعامل الأيجابي مع المواطنين.
بدأ الضابط جولته الثانية في البحث بين السجلات ذات الصلة... خرج بعد نصف ساعة وعلامات الأكتئاب على وجهه:
- آسفين، يا دكتور... لم أجد لعائلة الأم أثرا... لقد أحرق الغوغائيون المبنى والسجلات.
- ما العمل إذن، وأنا قادم من الموصل، وطلبتي بانتظاري؟
- أنا مقدّر ذلك، يا دكتور. ما عليك سوى مراجعة المديرية العامة للأحوال المدنية في حي السنك بشارع الرشيد.
خرج البروفيسور من الدائرة وهو يلعن حظه العاثر...
استقل سيارته واتجه نحو المديرية الكائنة في الحي الذي كان يقطنه عندما كان لايزال في العاشرة من عمره...
قدم اوراقه إلى الموظف المسؤول، الذي بدأ البحث في سجلات القرن التاسع عشر. وبعد ساعة من التنقيب...
لم يجد شيئا...
إعتذر الموظف من البروفيسور وطلب منه أن يرجع من حيث أتى، ويطلب من مديرية الجنسية البحث في الشرائح (السلايدات).
خرج وهو يلعن حظه ثانية وثالثة...
اتجه بسيارته صوب الجنسية...
ركن سيارته في مكان ما...
تسلق سلالم المبنى وهو يترنح...
ووجها لوجه مع الضابط أمام مكتبه، قال البروفيسور:
- لم يعثروا على شىء. أرجو البحث في السلايدات.
- "هاذي عليها غدا إلي ولجماعتي"، قالها الضابط وكأنه يمزح.
- "مو تدلّل...بس بسرعة خلّصني ايّاها"...
- "من عيوني! ارتاح".
وانكشف السر!!!
بدأ البحث المقيت، الذي استمر ساعة كاملة... خرج الضابط بعدها ليقول للبروفيسور:
- وجدتها، يا دكتور... لقد وجدتها، والحمد لله.
أكمل الضابط الشهم مهمته في تذييل الطلب، وأفاد بما يلي:
الجنسية القديمة لوالد الأم: ايرانية
الجنسية القديمة لوالدة الأم: عراقية
الجنسية الحالية لوالدة الأم: عراقية
الجنسية الحالية لوالد الأم: عراقية/ بالزواج
إذن داليا... ايرانية!!!
صعق البروفيسور بما رأى من استنتاج على الطلب. قال للضابط:
- وما معنى هذا؟  هل داليا عراقية، أم ايرانية؟
- على الأرجح "عراقية"، لأن الأولاد يتبعون جنسية والدهم. خذ الأوراق إلى شعبة الطابعة، ومن ثم إلى المدير لتوقيع الكتاب.
وبعد ساعة أخرى من الأنتظار... تم إجراء اللازم!
رجع البروفيسور إلى الضابط وشكره على تعاونه. مدّ يده إلى جيبه وأخرج منه خمسة الآف دينار عراقي...
- تقبل مني هذا المبلغ البسيط واشتري غداء لك ولرفاقك.
- شكرا، يا دكتور، وسلامي لأهل الموصل.
وهو ينزل من السلالم، وبيده الظرف المختوم، بدأ البروفيسور يتمتم وقد اختلط عليه الأمر:
- عراقية/ايرانية!!! عراقية/ايرانية!!!
وعلى بعد عشرات الأمتار من مبنى الجنسية، سمع نفر من الشباب وهم يتذمرون من التناقض في تعريف المواطنة. سمع البروفيسور أحدهم يقول، وبصوت عال:
- "للحرب مع ايران يأخذونا جنودا، والآن يتنكرّون لعراقيتنا! أرسلونا إلى ايران، إذن!"
ازداد قلق البروفيسور لدى سماعه هذه الشكوى المنطقية... ربما انسحب الأمر على ابنته... من يدري؟!!!
عبر الشارع للبحث عن سيارته... لم يجدها! التفت يمنة ويسرة... لم يجدها! سار في كل الأزقة المجاورة... لم يجدها!
ازداد قلقه، وبدأ يتسائل:
- يا الهي! ترى هل سرقت، أم فقدت عقلي، ولم أعد أتذكر أين ركنتها؟
كست الغشاوة عينيه، ولم يعد يميز حتى بين ألوان السيارات... اتجه إلى أقرب بقال كي يتصل بالشرطة ليبلغ عن اختفائها.
تردد...اتكأ على حائط واغمض عينيه... بدا يتنفس بعمق وهو يقول:
- ما هذا الذي يحصل لي، يا الهي؟
وبدأ البحث بين السيارات المرصوفة على جانبي الشارع العام وفي الشوارع الفرعية... كل السيارات التي اكتضت بها شوارع بغداد متشابهة... أغلبها برازيلي/باسات. وأثناء بحثه المضني، وقع بصره على سيارة بيضاء... خيّل له أنها هي... تقدم منها.
ولكنها لم تكن هي، بل شبيهتها تماما، مع فارق ضئيل في أرقام لوحة التسجيل.
لعن حظه العاثر مرة أخرى، ولعن اليوم الذي رجع فيه إلى وطنه بعد حصوله على الدكتوراه. ولكن لاحول ولا قوة إلا بالله!
استمر في بحثه... ومن بعيد، تيقن بعض الشىء أن السيارة المركونة في مثلث، أشبه ما يكون بمثلث برمودا تحيط به قاطرتان عملاقتان، هي سيارته. سار صوبها، متّكلا على الله. اقترب منها... لفّ حولها... انطلقت منه ضحكة هستيرية... بدأ يركلها
على مؤخرتها بقدمه اليمنى ويؤنبها:
- أين كنت أيتها الفاجرة؟ لقد أعياني التعب في البحث عنك...
كانت الساعة قد جاوزت الرابعة عصرا، وهو لم يكن قد تناول فطوره أصلا...
استقل سيارته وقفل راجعا إلى الموصل...
معدته فارغة...ولكن رئتيه أشبعها النيكوتين من حشاشته في التدخين طوال رحلة الأربعمائة كيلو متر... أنهكه التعب من شدة التفكير بما سينطلي عليه الكتاب الذي يحمله...
وصل مدينة الموصل الساعة التاسعة ليلا، سالما معافى بحمد من الله...
خرج من كان في المنزل إثر سماعهم الرنين المعهود لبوق السيارة... أمطره أولاده بالقبل، وحمدوا الله على سلامته.
دخل الدار... طلب قدحا من الشاي وقليلا من الماء البارد، وإن كان شتاء. جلس على الأرض بجانب المدفأة... التفوا حوله بعدما هدأت أنفاسه... وبدأ يروي لهم قصته...
وفي صباح اليوم التالي، أخذت داليا الكتاب إلى شعبة التسجيل في كليتها...
فتح المسجل المظروف... بدأ يقرأ الكتاب... نظر اليها، وكأنه يريد أن يقول لها شيئا لا يسرّ الألباب... عاود القراءة... رفع رأسه... وبكل برود، قال لها:
- إنك ايرانية!!!
فأجابته على الفور:
- ما هذا الذي تقوله؟ إنني عراقية، وهذه شهادتي... إنها تقول بأنني عراقية... أبي بروفيسورعراقي في هذه الجامعة لربع قرن. وأمي عراقية، خريجة هذه الجامعة.
أجابها بالقول:
- ولكن جدك من أمك من أصول ايرانية. هذه تعليمات... وعليك الآن ايجاد مقعد في كلية قبلت طلابا بمعدلات أدنى من معدلك... لاأستطيع فعل أي شىء لك، لكن يمكن لوالدك أن يقابل رئيس الجامعة.
هرعت داليا إلى مكتب والدها في كلية الآداب والدموع تنهمر من عينيها...
- ما بك يا داليا؟
- يقولون عني بأنني ايرانية، ولم يبق لي خيار آخر سوى الأنتقال إلى كلية الأدارة والأقتصاد.
- لاعليك... اهدأي... سأقابل رئيس الجامعة على الفور.
أخذ البروفيسور طريقه إلى مكتب رئيس الجامعة وقد جن جنونه... لقد حدث ما كان يتوقعه!
وفي المكتب... طلب البروفيسور مقابلة الرئيس.
- تفضل، يا أستاذ. سأبلغه حالا.
وبعد ربع ساعة من شد الأحزمة على البطون، أذن له بالدخول.
بودلت التحايا، ورويت القصة...
- طيب، يا دكتور. أكتب لي القصة بتفاصيلها، وبضمنها خدمتك وعطائك لهذه الجامعة، وسأسلمها شخصيا للسيد الوزير،
 مع توصيتي الأيجابية طبعا، فلا تقلق، وإن شاء الله كل الخير.

وبعد شهر...جاء جواب الوزارة، ومفاده:
"استثناء من شروط القبول، وحسب الصلاحيات، تنقل الطالبة داليا..................... من كلية التربية إلى كلية الأداب/ قسم اللغة الأنجليزية".

أبلغ البروفيسور، الذي فقد عقله لأكثر من شهر، بمضمون الكتاب، وتم اجراء اللازم.

وإلى مرثية ذاتية أخرى.

الأردن/ في الثالث من كانون الثاني، سنة 2007

100
أدب / كلمة: قصة قصيرة جدا
« في: 00:00 01/10/2009  »
كلمة: قصة قصيرة جدا
بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/الأردن

كم من مرة قلت لــ "كلمة" ألا تخرج من عتبة الشفاه كي لا يحسدها المارة أو يحدث لها مكروه!
لكنها عصيت النصح، فخرجت مسرعة ورمت بوشاحها أرضا وصاحت: صاحب البيت الذي كنت أسكنه فيه مسّ من الجنون، فادفنوه!

الأردن في 1/11/2007

101
أدب / بروفيسور في مزبلة
« في: 11:31 28/09/2009  »
مرثية ذاتية لها بقية... خاطرة قصصية رقم (5)

                 
                                بروفيسور في مزبلة             


بقلم الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا
/ الأردن


كان من عادته أن يرتاد سوق "الخردة" كل صباح أثناء العطلة الصيفية، وقبل أن يتوجه إلى سوق "الخضار" الشعبي المجاور له وسط البلد. لم تكن "الخردة" ضالته المنشودة، وإن كان يشتري البعض منها كيفما اقتضت الحاجة، ناهيك عن السعر المعلن. لقد كان في كل قطعة يتلمسها تاريخا يروي له قصة مع مقتنيها الأول، ومع كل من اقتناها من بعده. كان يتأمل الوجوه القابعة خلف "البسطة" وهي تنادي بلهجات عربية مختلفة، جمعها القدر لأن تحاكي "المتبضع" أو "الفضولي" بلسان تخرسه "البلدية". كان يجد في بعضها الهدوء والسكينة، وكأنه تناول حبوبا مهدئة قبل مقدمه إلى هذا "التجمع العربي" الشعبي التي دأبت "البلدية" على "تمزيق وحدته" في الانقضاض على المعروض ومصادرته من حين لآخر. يبدو أن ذلك اليوم كان استثناء فريدا لكل الأيام التي خلت. كان جميع الباعة في حالة ترقب، لا بل في حالة تأهب للفرار واستنفار ما تبقى من همم.

وبينما كان البروفيسور "متقرفصا" عند إحدى "البسطات"، داهمت فرقة من البلدية " الأقربون أولى بالمعروف !". فتشت "الجمع"، وقد أصابه الذعر والفزع ، وفر من فر....

انتصب البروفيسور مذهولا، وقد تشتت أفكاره... كان هذا السوق ملاذا له... لم يجد حتى في البحر الذي كان يرتاده مع عائلته كل يوم جمعة هربا من قيظ الصيف ورطوبته بديلا. وإن كان يتأمل في زرقته وعمقه وسحره، ألا أن همومه كانت "كبر البحر" الذي تغنت به فيروز التي عشق صوتها مذ بدأ يعشق الجمال من حوله. حتى الكوابيس التي كانت تزوره ليلا عشقت نهاره، فأضحت لها مسميات أدرجها في "سجل الأحوال الشخصية" على وزن "مرثية"، وكأنه  يعلم بان ذلك النهار كان يخبأ له "بقية !" بعدما أخفق في محاولاته مع "مديرية الرقابة المالية" للحصول على مكافأة نهاية الخدمة، وبعدما شهد ما شهد من أفعال "البلدية".

لم تكن الظهيرة قد حلت بعد... ولم يبق أمامه سوى التجوال في سوق الخضار ليقارن بين الأسعار إجمالا،  وقبل أن يتسوق  ويصبح حمالا ! وإن كان الحمل بدون أجر، فأجره عظيم... لقد كان ثقل ما حمل من أكياس إلى داره يمتص جزءا مما ثقل به رأسه ويزيده صبرا على صبر...

ترجّل عن الحافلة التي أقلته من سوق الخضار إلى الدار الذي تفصله عن الشارع العام مسافة مائة متر تقريبا. وإن كان يترنح تحت وطأة الحمل الثقيل حتى بلوغ العمارة التي يسكن في طابقها الثالث، فقد كان يستعمل منديله يمنة ويسرة كي يخفف عن الضغط الذي شدّ على راحتيه. صعد السلالم الأولى وهو يترنح... أخذ نفسا عميقا... فكر في أن يأخذ كيسين فقط إلى السلالم الثانية, فعل ذلك، ثم نزل إلى الأولى... أعاد الكرة تلو الأخرى إلى أن وصل نهاية السلالم الثالثة قبالة باب شقته حيث تكدست الأكياس جانبا، وهو يتصبب عرقا من شدة الإعياء.

طرق الباب...

خرجت زوجته وابنته البكر، كعادتهما، لتنقلا الأكياس إلى الداخل. دخل كمن فقد عقله بحثا عن رشفة من الماء البارد ليبلل بها شفتيه... افترش الأرض القريبة من المطبخ بانتظار طعام الغداء. وعلى مسمع من زوجته، بدأ يروي قصته الحزينة مع "المالية" التي خرج منها خال الوفاض... حضر الطعام، ولكن معدته لم تكن مؤهلة لهضم ما كان يحتاج فعلا، لذا قرر أن يأخذ قيلولة بعد أن أنهى لفافة تبغه.

استيقظ عصرا طالبا من زوجته أن تأتيه بكيس الزيتون الأخضر الذي اشتراه  من السوق ليريها مهارته في "كبس" الزيتون على طريقته الخاصة.

- أي زيتون هذا الذي تتحدث عنه؟
- الزيتون الأخضر... كيس الزيتون الأسود الذي فيه جوازات سفرنا.
- لم أر أي كيس فيه زيتون، ولكن دعني أتأكد.

دخلت الزوجة إلى المطبخ بحثا عن الكيس الأسود... لم تجده. سالت ابنتها إن كانت قد أدخلت الكيس، فأجابتها بالنفي. ثم أردفت قائلة:

- لعلك نسيته في الحافلة!
 
استشاط غضبا...

- تأكدي من أنه لا يزال في الخارج.

فتحت الباب على عجل... التفتت يمنة ويسرة... لكنها لم تجد له أثرا.

أخذ يلطم على رأسه... ينتحب... يتعالى صراخه:

- الجوازات! الجوازات! ماذا حل بنا يا الهي!

هرع إلى علية العمارة بحثا عن الحارس. طرق بابه بقوة. فتح له "عبدو" فزعا.

- ما الأمر يا دكتور... "هو فيه حاجة"؟

- هل رأيت كيسا أسودا فيه زيتون عند باب شقتنا؟
- لم أر ما في داخله... اعتقدت أنه كيس للنفايات. ولذلك، وكما جرت العادة، أودعته حاوية البلدية خارج العمارة.
- ولكن فيه جوازات سفر العائلة، يا عبدو!
- ما الذي تقوله، يا دكتور؟ هلم بسرعة، ولنبحث عنه في الحاوية.

سارعت السيقان الريح... امتدت الأعناق بحثا... جال البصر ثنايا الحاوية، ولكن عمال النظافة قد سبقوا الحدث الجلل، وباتوا يطوفون أرجاء الحي، جامعين ما تبقى من قمامة. تجمع فتية الحي حول البروفيسور المغلوب على أمره، وتسائلوا:

- ما الذي تبحث عنه، يا دكتور؟
- جوازات سفرنا...
-لا إله إلا الله. الحقوا بسيارة النفايات التي غادرت المنطقة قبل ربع ساعة. إنها في طريقها إلى مجمع النفايات خارج المدينة.
- وكم تبعد من هنا؟
- حوالي عشرة كيلو مترات.
- هيا يا عبدو. بسرعة! جد لنا سيارة أجرة!

وفي هذه الأثناء وصل سامر، شاب من "بلديات" البروفيسور، وصديق للعائلة.

- ما لي أراك مرتبكا يا دكتور؟ ما الذي حدث؟
- مصيبة! سأحدثك في الطريق. أسرع، فقد أوقف حارس العمارة سيارة أجرة.

انطلقت بهم السيارة على عجل... لم يكن أمام السائق حلا آخر سوى اللحاق بناقلة النفايات بأقصى سرعة ممكنة، غير آبه بقواعد السير. وبينما كان يروي البروفيسور قصته بألم وحزن، كان الجميع يترقب مرور عربات "النظافة" باتجاهي الشارع...

- تلك هي واحدة في الأفق، عائدة من مجمع النفايات...  يبدو أنها قد أفرغت حمولتها، وقد أشار سامر بإصبعه إليها... لنطلب من سائقها التوقف.

 رصف سائق الأجرة سيارته على جانب الطريق، وانتصب وسط الشارع ملوحا... توقفت العربة... سأل سائقها عن قرينتها التي جابت الحي الذي يسكنه البروفيسور، فأجابه بأنها تفرغ حمولتها الآن... كان سائق الأجرة شهما. ركض إلى سيارته، وانطلق مسرعا... وفي لحظة الوصول، كانت عربة الحي تهم بالخروج من البوابة... بعد أن تأكد سامر من هويتها، سأل عمال النظافة الذين كانوا يقلوها عما إذا كانوا قد  عثروا على كيس للزيتون وفيه الجوازات. فأجابوه بالنفي. صعق البروفيسور عند سماع ذلك، وأصيب بخيبة أمل. وكذا الأمر بالنسبة لسامر، الذي استعلم  عن الموضع الذي أفرغت به الناقلة حمولتها...أشاروا إلى مكان التفريغ... طلب سامر الإذن من حارس المجمع  للنبش في القمامة التي تم تفريغها توا بغية العثور على الجوازات... تقدم البروفيسور وسامر وعبدو، وحتى سائق الأجرة، باتجاه كومة القمامة. وبدأت حملة "العمل الشعبي"، وكأنها موسم للحصاد بالمناجل!

لم يكن هنالك معول أو مشبك أو فأس، أو... أو... أي  من أدوات الحفر والتنقيب وتقليب القمامة التي كانت تنبعث منها رائحة الموت البطيء. بدأ البحث بالأيدي، من أسفل وأعلى الكومة التي لا يتصور العقل حجمها، حتى أضحى المنقبون جزءا لا يتجزأ منها... أكياس تنتشل وترمى جانبا، أو تحلق في الهواء من شدة الغضب... تتناثر أشلائها وتتطاير كيفما شاءت الريح الساخنة والنتنة... وكانت النتيجة: الإخفاق!

اعتذر سائق الأجرة عن مواصلة البحث لأنه، وكما قال: "على باب الله"، وتمنى لهم التوفيق في مساعيهم. كانت ناقلات النفايات تدخل وتفرغ حمولتها بالجوار، ثم تقفل عائدة من حيث أتت. وعلى مقربة من مكان البحث انهمك سائقو الجرّافات والحفّارات بعملية دفن القمامة، هذه العملية التي كان يصورها فريق تلفزيوني، وكأنها نجمة من نجوم هوليود. أدار البروفيسور وجهه جانبا خوفا من أن تلتقطه عدسة المصور، وبدأ يبحث عن أي أداة تمكنه من نبش القاذورات التي علت نعليه وأزكمت أنفه حتى الثمالة... وفي هذه الأثناء، تقاطرت مجموعة من الشباب، من كل صوب وحدب، وبدأت بالتنقيب عن كل ما يمكن بيعه في سوق "الخردة"، وكأنه منجم للذهب. ويبدو أن هؤلاء الشباب قدموا من بلد عربي مجاور مزقته الحرب الأهلية. حدث البروفيسور أحدهم عن محنته، ووعده بان يكرمه وجماعته إذا ما عثروا على الجوازات. لكن حارس المجمع كان حريصا ألا يظهروا على شاشة التلفاز، فبدأ بتشتيتهم رميا بالحجارة. وما كان للبروفيسور فعله سوى التوسل إلى الحارس كي يسمح لهم بتقليب القمامة بحثا عن "الكنز المفقود" خوفا من أن يحل الظلام. حصلت الموافقة، وكأنها صادرة من المدير العام لمديرية "الزبالة"...

بدأ البحث الجماعي بهمة يصعب وصفها... كل واحد على طريقته الخاصة، وبمهنية رفيعة المستوى... إنها الجائزة الكبرى! جائزة ثمنها البحث بين فوط الأطفال والنساء المتسخة،  وواقيات الرجال، وزجاجات الويسكي المهرب عبر البحر المتوسط، وبقايا ما ترشح عن ولادة طفل أو هر هرم قضى نحيبه مواء على حبيبته... قمامة... وما أدراك من قمامة! عالم غريب عجيب يصنعه البشر دون عناء... وتعجز الكلمات النثرية عن وصفه، بل ويعجز الشاعر عن نظم قصيدة تتغنى به أو تقبحه... الصورة سريالية بكل معنى الكلمة!

وفجأة تعالى الصراخ: وجدتها!
"ماذا وجدت؟", تسائل أحدهم.
"زيتونة!"
"ما لونها؟"
"سوداء".
"ولكن الزيتون كان أخضرا".
"وهل يخلو الورد من الشوك!"
"أصبت"، أيها الشاب. وهنا تذكر البروفيسور قصة "الابن الضال" التي وردت في الإنجيل. "هلموا يا شباب... دعونا ننقب هنا"...
ولكن ضاعت الجهود هباء... كانت الزيتونة اليتيمة التي احتضنتها النفايات...

جاء المغيب مشرئبا بنحيب... حل الظلام تماما... وعدمت الرؤيا... يا للخيبة!
لم يبق أمام البروفيسور وصحبه سوى اللجوء إلى الشرطة لتسجيل الواقعة، وإلا المقاضاة بألوف الدولارات، ناهيك عن البقاء في ذلك البلد لأجل غير مسمى.

وفي مركز الشرطة... وجها لوجه مع الضابط الذي بدأ يستمع إلى قصة البروفيسور ويدون البيانات المطلوبة. وما لبث إلى أن وصلته الشحنة الأولى من الرحيق المهيج للمجاري التنفسية... سارع إلى فتح النافذة المجاورة متمتما وممتعضا: "ما هذه الرائحة النتنة! لقد تشبع هواء الغرفة بها". وعلى عجل، تناول علبة معطر الجو وبدأ يرش من حوله وتحت مكتبه... طلب من سامر والحارس مغادرة المركز على الفور والعودة إليه بعد أن يغتسلوا جيدا. وإن كان الضابط مصيبا فيما أمر، ألا أن رائحة الموت كانت قد سكنت كل ثقب وكل نسيج من موجودات الغرفة والمركز.
انتهت الإجراءات الروتينية...
رجع البروفيسور إلى منزله نادبا حظه العاثر، ولاعنا اليوم الذي وطأت قدمه ذلك البلد.
دخل مترنحا... لا يدري ما يقول... افترش الأرض... طلب قدحا من الماء البارد، ثم تمتم: "لقد ضعنا وضاع كل شىء...".

بعد دقائق معدودة... ثمة من يطرق على باب الشقة... كان سامر، بعد أن اغتسل، برفقة شابين من بلدته. سلموا على البروفيسور... أبدوا أسفهم لما حصل له، ووعدوه بأنهم لن يرجعوا  دون العثور على الجوازات... مضوا في سبيلهم...

كانت الساعة قد قاربت الثامنة مساء... سمع الباب يطرق بقوة وبشكل متتالي... هرعت الزوجة لفتحه، وإذا ببسام يزغرد فرحا... يبارك الدكتور... يطلب عشاء فخما... يروي حكايته المقتضبة:
"لقد كانت بحوزة الحارس الثاني الذي استلمها أول ما دخلت ناقلة النفايات بوابة المجمع، وغادر على الفور لغرض الاتصال هاتفيا مع المؤسسة التعليمية التي كان البروفيسور يعمل لديها. ويبدو أنه اتفق مع العمال،  الذين أنكروا وجود الجوازات، على كتمان الأمر لحين الحصول على "فدية" يسيل  لها اللعاب، شريطة أن يأخذ هو حصة الأسد. ودون أن يطلب، مددت يدي إلى جيبي وأعطيته مائة دولار. كان فرحه شديدا لأن الدولار في ذلك البلد يباع في السوق السوداء، كما تعلم. وهذا كل ما في الأمر. سنذهب الآن إلى مركز الشرطة لإبلاغهم وإسقاط الدعوى، بينما تعد لنا أم داني ألذ عشاء"...

وإلى الحمّام...

وإلى مرثية ذاتية أخرى... لها بقية!

الأردن
في 8/ 8 /2006

 
[/size]

102
عزيزي الطالب
يمكنك تحديد مستواك في اللغة الانكليزية من خلال الرابط أدناه:

http://www.francesking.co.uk/test/default.asp

تمنياتي لك بالتفوق.
أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

103

وهل سيطلع باسما
ذات يوم ... قمر؟!

أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

أبيات للعراق من وحي قصيدة بعنوان "مطر الاحزان" للدكتورة كوكب سالم محمد
بمناسبة مرور عامين على نظمها، أبدأها جوابا من حيث انتهت تساؤلا:

ربما في جلسة سمر،
نحتفل بها طربا
على رحيل "الهَمر"
وتقهقر العلوج وأحفاد التتر.
ربما في آخر طلعة جوية للشبح،
تزمجر فيها السماء،
ولن يبقى للعدوان أثر.
ربما في أيلول!
من يدري؟
فقد ضجر منهم الضجر
بعدما استباحوا البشر والشجر والحجر،
وكلّ حي لا يُرى بالبصر.
ربما يأتينا به زرياب على وتر.
من يدري؟
وربما يأتينا به أبو نؤاس
على ظهر قصيدة منتشية بخمر معتّق
تزف الينا بشرى الظفر.
من يدري؟
إنه القدر!!!

الأردن في 25/8/2007

رابط القصيدة

http://www.wata.cc/forums/showthread.php?t=14782

104
المنبر الحر / كلمة...لابد منها
« في: 19:40 18/09/2009  »

كلمة...لابد منها                                                             

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس                                                                       
جامعة جدارا/الأردن


الكلمة حورية تسبح في فضاءات لا حدود لها. أشر إليها بسبابتك فتأتيك صاغرة. إن اغتصبتها، لعنتك إلى يوم القيامة. وإن ناجيتها، عشقتك. ومن العشق تلد لك جيشا جرارا من اللغو يخاطب الوجدان ليصحو من غفلته، إن كان غافيا، ويقارع الجور والفجور، إن تماديا في غيّهما وإصبحا سرطانا. إن خنتها يوما، خانتك فأصبحت وبالا عليك. ترفق بها أينما تشاء رسم محيط جسمها. أناقتها من أناقتك، وذوقها من ذوقك. لا تحسبها غجرية، وإن كشفت عن عريها أحيانا، وترقص لك أيذانا...فهذا حلال، وإن كان بعضه حرام. إن استخدمتها طعما لطعن الآخرين، أضحت بائعة للهوى، وإن اسأت معاملتها، اساء لك أهلها بما هو اعظم. إعلم أنها تكره التبرج أمام المرآة، ففي التبرج إسراف وإسفاف، وإن ظنه البعض دهاء، فهو لا يسحر إلا البلهاء. كما تنأى الكلمة عن التبرقع لأن ما خفي تحت البرقع بلاء واستياء، وإن ظنه البعض حياء. وفي كلتا الحالتين تكون قد سلبت الكلمة سجيتها وعفويتها وهيبتها ووقارها وسحرها. إعلم أن بفعلتك هذه سيدرج أسمك في قائمة المهللين الخائبين والخاسرين في عالم الكلم الجميل ما وراء البحار والمحيطات وقدّامها أو في السهول وعلى التلال أو الجبال.


الأردن في 18/9/2009
gorgis_3@yahoo.co.uk

105

أنا وباخوس "وفي نفسي شىء من حتى"

بقلم: البروفيسور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/الأردن

يا باخوس، عبدتك إلها للخمرلقرابة نصف قرن كي لا أموت "وفي نفسي شىء من حتى".
عبدتك دون أن أكون عبدا لك، أو لغيرك.
 إتخذت من شهر تموز عيدا بابليا تيّمنا بفينوس وعشتار...وكل أنثى رقصت معي على إيقاع مقاطع الكلمات.
إتخذت من تموز شهرا مخلدا تنضج فيه الأعناب والأرطاب والألباب و .....
ما اتخذتك يوما إلها للنسيان والهرب،
 فقد كنت خيرجليس، كالكتاب، بل أنيسا للهو والطرب.
ما رفعت يوما كأس خمر معتق أو زائف نحو شفتي إلا وشتمت من ملكني عبدا مكرها أخاه.
ما رفعت يوما كأس عَرَقٍ عراقي أو يوناني إلا وشتمت كل من اغتصب العراق عبر التاريخ وآذاه ...
وتدوم الشتائم كأسا بعد كأس حتى صياح الديك في منفاه.
يخلدك الكثيرون حتى الثمالة، فتتبخر الأنساب والألقاب.
كم من مرة كررت وصيتي أمام من تربطني بهم صلة الرحم والقربى ان يسكبوا على جثتي قارورة "عَرَق زحلاوي" كي يلوذ الدود والنمل بالفرار ويسلم لحمي من النهش والبطش.

ولكن في غفلة من أمري، يا صديق العمر، يا باخوس!
إليك ورقة "طلاق بائن"، ولا تسأل عن السبب، ففيه كل العجب...
صدر القرار وحرّر في 30 تمّوز من سنة 2007 بعد رحلة نصف قرن ممتعة.
أستحلفك بكل الآلهة التي تربعت على عروش بابل وفارس وروما ألا تنعتني بناكر للجميل....
لن أنكر جمائلك ما دام الكتاب الذي تتراقص أوراقه أمامي تؤنس وحشتي.
يا باخوس، أقدم لك اليوم اعتذاري.
ستستمر احتفالات تموز، ولكنك لست مدعوا، لا اليوم ولا غدا، إلى مائدتي.
ستستمر احتفالات تموز في غياب كؤوس الأنخاب،
"وفي نفسي شىء من حتى".

الأردن في 5 آب 2008
gorgis_3@yahoo.co.uk

106
أدب / بروفيسور للبيع
« في: 20:25 04/09/2009  »
مرثية ذاتية لها بقية
خاطرة قصصية رقم (4) بعنوان: بروفيسور للبيع

بقلم: أ.د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/الأردن


"الحمد لله على السلامة"، عبارة تبادلها المسافرون فيما بينهم على مضض عندما حطت طائرة الأيرباص على مدرج مطار (س) بعد ظهر يوم 29/10/1999. كانت المضيفات ترددنها على مسامعهم وهم يهمون بمغادرتها. نقلتنا المركبات إلى مجمع المطار عند صالة استلام الأمتعة الشخصية. انتظرنا حتى جاءنا الحزام الدائري بحقائبنا. حمّلتها على عربة وجدتها في الجوار، ثم توجهنا إلى قاعة "رقابة" الجوازات. تجمعنا بانتظار إشارة من أحد ضباط أمن المطار ليدلنا على ما يتوجب فعله لأننا، وببساطة، كنا نجهل ما إذا كانوا سيعاملوننا كعرب أم كأجانب، رغم أن الملصقات تقول صراحة أن هذا البلد هو بلد العرب جميعا!
في هذه الأثناء، بقيت أتمعن في أرضية القاعة الواسعة وجدرانها، وأراقب حركة ضباط أمن المطار وموظفيه، وأتفحص وجوه رفاق الرحلة الذين وفدوا من بلد واحد! كانت الأرضية (حدّث ولا حرج) مقززة، ولا تليق ببلد يقال عن إمكانياته المادية بأنها هائلة. كانت قيادة أمن المطار الراجلة، ورغم التباين في عدد (النجمات) على أكتاف الضباط ، غير منضبطة، بل غائبة وحاضرة في كل شنب.
وقف رفاق السفر قبالة أحد مكاتب "رقابة" الجوازات بشكل حضاري + لا حضاري ÷ 2، وكانت الحصيلة تراجعي وعائلتي إلى الخلف. قلت لنفسي: "لا ضير في التسابق بين الأساتذة، إذا كان المتسابق حريصا على إلقاء محاضرته مبكرا قبل غيره!". لم تكن هذه بمشكلة، على أية حال، لأننا تعودنا في بلادنا على أن يكون التراكض إلى حافلات نقل الركاب <والركوب عليها> للأقوى!
وبينما كانت زوجتي منشغلة في الحديث إلى أطفالها، أخذتني الدهشة عندما وجدت أن ترجمة الشعارات القومية والوطنية المعلقة هنا وهناك قد وقعت أسيرة قانون نيوتن في الجاذبية اللغوية: على الصفات وليس غيرها، أن تسبق الأسماء، وكأن الترجمة شريعة الفاتيكان: كاثوليكية المذهب، لا تسمح بالطلاق أو تعدد الزيجات. ربما تناسى المترجم المسكين....
"العائلات في ذلك الطابور"... صوت بتر ملاحظتي إلى حين.
لم تكن في "ذلك الطابور" سوى ثلاث عائلات!!! " أربع عائلات فقط على متن تلك الطائرة؟" تساءلت باستغراب. " لكن لا يوجد بين الحشد من هو دون سن الأربعين!" على أية حال، ختم الضابط جوازات سفرنا وتوجهنا نحو الخارج. كان النسيم عليلا رغم تشبعه برطوبة عالية. انتظرنا في العراء حتى الانتهاء من ختم آخر جواز (ربما كان الرقم 138). كان الظلام قد حلّ تماما عندما جاءتنا مركبات محملة بهموم زمانها ومكانها...منهكة القوى! نادتنا بأبواقها لتقلنا إلى حيث لا ندري. سارت بنا وسارت في موكب (مهيب!) لرجالات العلم من دون أطفال يلوّحون لنا بأعلام بلادهم أو أعلامنا ابتهاجا بمقدم (المعلّم) على جانبي الطريق. "هكذا أحسن" قلت في نفسي "وبعيدا عن الأضواء التي تعمي البصائر ...ولنترك السياسة والأبّهة والبروتوكولات للساسة!"
وبينما كان جميع من في حافلتي في حالة ترقب بسبب عدم توفر شروط المتانة والأمان في المركبة التي كانت تقلنا، تعطلت واحدة فتوزع ركابها على الأخريات. وكان ما كان من اختناق نتيجة الزحام وعدم صلاحية العادم. لم يبال أحد من أي من هذين الأمرين لأن <المنفى> علّمهم أن نفي النفي لا ينمّ إلا عن وفاء، وعليهم تقبل الواقع وكأنه ذات الإملاء.
وأخيرا وصلنا بحمد الله!
رصفت الحافلات أمام قلعة ذات بوابة عملاقة يتوسطها باب لدخول السابلة! نزل (محمود) من سيارته (البيكاب اليابانية)، وأوعز إلى سائقيها بالدخول إلى المبنى. لم يكن هنالك من استغراب أو شىء ملفت للنظر في الباحة الداخلية. ولكن الاستغراب بدأ عندما طلب منا الاستماع إلى ما سيقوله محمود لنا.
ظهر محمود (المغلوب على أمره) مخاطبا إيانا:
"أعذرونا أخوان...هذا قسم داخلي للطالبات في معهد رياضي...ستمكثون فيه الليلة، وسنلتقي صباح الغد في تمام الساعة الثامنة ليتم توزيعكم على أماكن عملكم. أما العائلات، فسنأخذها إلى مكان آخر".
صعق الرجال الرجال لهذا الاستقبال! ولكن لم يبالوا كعادتهم، لأن الإرث ثقيل...لقد تدرب جميعهم على النوم الجماعي أرضا في قاعات ثكنات عسكرية كريهة، زوارها من الذباب والعقارب... توجهت الأغلبية (العزاب!)، أو هكذا فرضت عليهم مؤسساتهم التعليمية اجتهادا منها، إلى داخل المبنى بحثا عن سرير نظيف، بينما تسلل من كان شاطرا عبر فتحة في جدار مهدم ليجد طريقه إلى مسكن صديق أو قريب مغترب. أما نحن، فقد افترشنا الأرض بانتظار سيارة لتقلنا إلى حيث لا ندري.
جاءت ساعة الفرج قبل منتصف الليل بقليل، وشكوى الأطفال ما زالت...
"تفضلوا إلى (الكوستر) أخوان"...قالها محمود وقد خارت قواه من المتابعة، وإن كانت الابتسامة ما زالت مرتسمة على وجهه.
طافت بنا المركبة شوارع (ص) الخالية من المارة دون أن نعلم أين سيستقر بنا المقام! توقف الكوستر في باحة بناية قديمة يفصلها عن الشارع العام طريق رملي طوله 150 مترا تقريبا، وعلى جانبه الأيمن كلاب تعالى نباحها إثر وصولنا. ولا اعلم إن كان في لغة الكلاب طقوس ومراسيم احتفائية! كانت البناية قسم داخلي آخر تابع لمعهد رياضي، ولكن أصغر حجما واكثر تخلفا عن سابقه.
ترجلنا من الحافلة، وإذا بمحمود يقول لأحد مساعديه: "وزعوا العائلات على الغرف واحضروا لهم عشاء وماء"... ثم غادر. أشار إلي المساعد، الذي نسيت اسمه، بالدخول إلى غرفة قريبة منه. دخلنا الغرفة على الفور لأن الأطفال قد أنهكهم التعب...يا للعجب! وجدناها خالية من كل شىء تماما. هرعت إلى الخارج على الفور لأناشد المساعد على تأمين مستلزمات المبيت.
"اطمئن يا أستاذ، سيأتيك الفرش حالا"...قالها بنبرة المغلوب على أمره هو الآخر وفعلا، جاءنا الفرش، الذي كنا نستحي أن نهب مثله إلى فقير أيام زمان في بلدنا...جاءت بعده الوسائد التي لم نكن نعلم كم من أعشاش القمل تقيم الأعراس فيها. مهما يكن من أمر، افترشنا الأرض، وقلت لزوجتي: "ليكن ما يكن، والله كريم"... طرق أحدهم الباب، وإذا به يناولني علبا تحتوي على قطع من الدجاج المشوي على غرار (كنتاكي!). نهمنا كالأسود ونهضنا نهوض الكلاب، وإن لم يكن هنالك من ينافسنا أو يحسدنا على الوليمة! كل ما في الأمر، كان علي أن استيقظ باكرا لأرى ما يخبئه لنا القدر في التجمع المرتقب.
جاء الصباح بخيوط لم أكن الفتها من قبل. تناولنا الفطور في مطعم الطلبة على عجل...امتعضت العائلات التي تعرفت على بعضها على عجل، ثم مضى كل في سبيله إلى مدن أخرى. بقيت وحيدا بانتظار من يقلني إلى حيث اللقاء المرتقب. لم يأت أحد...خرجت إلى الشارع العام، ونباح الكلاب تلاحقني. رفعت ذراعي عاليا كي أستقل سيارة أجرة... طلبت من سائقها أن يوصلني إلى المعهد الأول الذي لم أكن أعرف في أي صوب يقع .
عندما وصلت، وجدت أن حشد يوم أمس قد تقلص عدده نسبيا، بينما كان الباقون بانتظار من يخاطبهم. وبينما كان الجميع يتساءل عن المصير الذي ينتظرهم، بعد قضاء ليلة أشبه ما تكون بالعسكرية، تعالى صوت من بين المحتشدين مناديا:
"من حاسوب؟ أساتذة الحاسوب!"
تحركت مجموعة من الرؤوس باتجاه المنادي، الذي كان يلبس الزي الشعبي، وتجمعت حوله، ثم اختفت عن الأنظار بعد دقائق... وتلا ذلك نداء آخر:
"من لغة إنجليزية؟ أساتذة الإنجليزي!"
رفعت يدي، ثم نظرت حولي فلم أجد يدا أخرى مرفوعة. توجهت إلى صاحب الصوت،الذي كان هو الآخر بلباسه الشعبي، وألقيت عليه التحية، فبادلني بالمثل، ثم أردف:
- ماجستير، لو دكتوراه؟
- دكتوراه ...
- هل من أساتذة آخرين بين المجموعة؟
- لا أعلم ...
- إذن تفضل معي ...
- أين؟
- إلى معهد (غ) ...
- وأين يقع هذا المعهد؟
- في جنوب البلاد ...
- هل يوجد عندكم هندسة كهربائية؟
- كلا، ولكن لماذا تسأل؟
- لأن ابنتي سنة ثانية كهرباء، ويجب أن تكمل دراستها ...
- يمكن أن تسجلها في جامعة (ف)، وان تسكن في قسم داخلي للطالبات.
- آسف، إنها غريبة في هذه البلاد، ويجب أن تكون مع العائلة...
تركني وهو مغتاظ جدا لأنه لم يجد ضالته! وراح ينادي: "إنجليزي! وينكم يا أساتذة الإنجليزي؟" ولكن لا حياة لمن ينادي. وجاء نداء آخر، بحثا عن عملة صعبة أخرى، ولكن أقل عسرا:
"لغة عربية! من اختصاصه العربية؟"
تحركت مجموعة من الرؤوس باتجاه المنادي (مدير لمعهد آخر بزيه الشعبي)... التفت حوله الأعناق... وتم الأتفاق، ثم اختفت عن الأنظار ... وهكذا دواليك مع بقية التخصصات، سوى الكيمياء والزراعة وعلوم الحياة والتربية الرياضية، والتي ما كان لأصحابها، حتى اليوم الثالث، أي اعتراض على تدريس مواد بديلة!!!
بعد ساعتين تقريبا، وقد تقلص العدد، جاء نداء مماثل يطلب "إنجليزي! إنجليزي!"
رفعت يدي، ثم توجهت إليه. رحبّ بي، وقال على الفور:
- تعال معي.
- أين؟
- إلى معهد (ق)...
- وأين يقع هذا المعهد؟
- في الجنوب الغربي ...
- أنا مسيحي. هل يوجد كنيسة في مدينتكم؟
- تعال معي، وسأبني لك كنيسة!
- ولكن لدي بنت في الهندسة الكهربائية، وعليها إكمال دراستها...
- لقد عقدت علي الأمر يا أستاذ، فمن أين أجد معلم لغة إنجليزية؟
- ستأتي طائرة أخرى غدا ...
رجع مدير المعهد هذا، كسابقه، بخفي حنين من حيث أتى، ولكن ليس قبل أن قدم شكواه إلى اللجنة الموقرة، التي كان من بين أعضائها ممثل من بلادي حجز له مقعدا في إحدى الجامعات وهو غير مكترث سوى بوجبة الغداء التي لم ندع لها، ولو من باب المجاملة. لم يكن لي بدّ، سوى التذرع بحجج يستحيل وإياها شرائي على هذه الشاكلة، وكأننا في سوق للغنم! واعتبرت هذه المسرحية، كما اعتبرها غيري، مهزلة تاريخية، بل خيانة وإهانة لنا وللعلم ولبلادنا! إذ كان الجميع يتوقع أن يتم توزيعهم على الجامعات، وليس على المعاهد العليا. ولكن حصل الذي حصل!
انسحبت إلى الخلف عند الزملاء الذين لم (يشتريهم) أحد! سألت أحدهم:
"كم تكلف أجرة العودة للشخص الواحد برّا؟ "
أجابني: "بحدود 100-120 دولارا"...
داعبت ما تبقى من نقود في جيبي، فوجدت أنني لا أملك سوى 550 دولارا! وهذا المبلغ لم يكن ليغطي نفقات سفر خمسة أشخاص عبر بلدين أو ثلاث، ناهيك عن مشقة الرحلة البرية مع العائلة. كنت على وشك أن ألعن حظي العاثر، ولكنني تذرعت بالرحمن ونعمة الصبر، فقلت في نفسي:
"ربما كانت هذه إرادة رب العالمين! لقد سبقني "أيوب" إلى أسوأ منها ... سأخوض هذه التجربة، ولكن لن أتنازل عن قبول العمل في إحدى المدينتين الكبيرتين التي أوصى بهما زملائي قبل الرحيل". ولذلك تمسكت بحجة "الهندسة الكهربائية" كملاذ وحيد ومنطقي.
كانت الساعة الرابعة عندما غادرت اللجنة التي طلبت منا الحضور في اليوم التالي ... رجعت بنفس الطريقة، والبطن خاوية، إلى معهد المبيت ... ورويت الأحداث لزوجتي وأطفالي!
تكرر المشهد في اليوم التالي، ولكن الذي قابلني صباحا كان حضريا ومتفهما لوضعي. قال بأنه سيعينني رئيسا للقسم، وأن الجامعة التي ستدرس بها ابنتي لا تبعد عن معهده سوى عشر كيلو مترات. اعتذرت منه لأن الطائرة الثانية المحملة بجنود العلم من نفس البلد كانت على وشك الوصول.

جاءني آخر، وبمواصفات أفضل, بعد الظهر. عرض علي رئاسة قسم والتدريس الإضافي في معهد قريب من معهده الذي أسماه بكلية تابعة إلى جامعة (ط). شكرته على هذا العرض، ولكنني اعتذرت لنفس السبب.
كانت الساعة الثانية ظهرا عندما طلبني رئيس اللجنة. دخلت إلى غرفته، وإذا به يعنفني:
"سنحيلك إلى لجنة تحقيقية ما لم ترض بالعروض المقدمة لك. إنك وقعت معنا على عقد".
أجبته:"ضع نفسك في مكاني يا أستاذ. هل كنت تتخلى عن مستقبل ابنتك بهذه البساطة؟"
سكت، ثم رفع سماعة الهاتف، وقال لي: "انتظرني في الخارج".
انتظرت حتى الرابعة بعد الظهر دون أية نتيجة، فقفلت راجعا إلى معهد المبيت، ورويت قصتي لزوجتي وأطفالي الذين ازدادوا قلقا.
تكرر المشهد في يوم (الشراء) الثالث! كان الجمع غفيرا لأن الطائرة الثانية كانت قد وصلت مساء أمس. التقيت بالزملاء الذين لم يحالفهم الحظ حتى تلك الساعة. كانوا يلعنون ويلعنون!!!!!!!
كان منتصف النهار قد حل عندما ظهر رئيس اللجنة من صومعته مبتسما:
"تعال يا دكتور ... والله انك محظوظ! إنهم يحتاجونك في مدينة (ب)...لكن أطلعني عن سير دراسة ابنتك ... مع السلامة! تعال يا محمود...خذ الدكتور وعائلته فورا إلى المطار".
أخذنا محمود إلى مكتب للخطوط الجوية. اشترى لنا تذاكر سفر، واعتذر عن توصيلنا إلى المطار بسبب انشغاله مع الوافدين الجدد. قال لي: "خذ تاكسي. المسالة بسيطة".
قلت له: "ولكن ليس معي من العملة المحلية ما يكفي".
أوقف سيارة أجرة ...تحدث إلى سائقها، وأعطاه عشرة دنانير، ثم تحدث إلي بينما انهمك السائق بنقل أمتعتنا من (بيكاب) محمود إلى سيارته: "يمكنك إرجاع النقود متى ما شئت... ربما بعد أن تشتري سيارة ...مع السلامة!"
تعانقنا، ورحل كل منا إلى حال سبيله، وأنا ما زلت مدينا لهذا الرجل (الغلبان) إلى يوم القيامة!

الأردن في 21/10/2006

107
درس الانكليزية / ترجمة kick-back
« في: 21:21 02/09/2009  »
أفضل ترجمة عربية لمصطلح kick-back نجدها في التعبير العراقي: جوّا العبا (أي تحت العباءة)، أو القومسيون غير المشروع (وهو نوع من انواع الرشوة). وبما انها قد ترد مع كلمة bribe ، أي الرشوة، في نفس النص، تكون أقرب ترجمة فصيحة لها "عمولة سوداء" أو غير قانونية.

أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا
الأردن

108
عيش وشوف:
عشرة الآف شهادة مزورة بالأسماء والجنسيات والجامعات:
http://3rbnews.net/content/view/8909/193/
http://www.spokesmanreview.com/data/diploma-mill/

109
مرثية ذاتية لها بقية...خاطرة رقم ( 3 )
بقلم: أ.د. دنحا طوبيا كوركيس

منفى رقم واحد

كنت أعلم أن ظل <المنفى رقم واحد>  لا ينفك عن ملاحقتي أينما كانت وجهتي...
لم يخني ظني، فقد وجد مقعدا في السيارة التي كانت تقلني وعائلتي إلى بلد الحدود!
اقترنت الرحلة بمزيج من المشاعر لم أجد لها في أدبيات علم النفس مفردة تصلح لوصفها. ربما لم تسعفني ذاكرتي، لأنه كلما خطر ببالي أن أتمرد على "التعليمات" وأجعل من بلد الترانزيت وطنا، كان الظل بالمرصاد  يذكرني بعبارة "الخيانة" التي وصف بها (الرفيق) الذي غادر (موفدا) ولم يعد. حاولت غربلة المشاعر بعد سين وجيم عند النقطة الحدودية. أفلحت... تنفست الصعداء...
أردت أن أصرخ بأعلى صوتي، لكنني خشيت أن أقطع على الظل شخيره بعدما كان يسهر على (راحتي) حتى الحدود!

ترجلت من السيارة عند البوابة الشرقية للجامعة...نظر الحرس إلى داخل السيارة...توجس! ربما لاحظ الظل، فمنعها من دخول الحرم. ربما جاء المنع بسبب هندامي الذي لم يكن يتناسب وقرار تعيين "الدكتورة..." بوظيفة "عضو هيئة تدريس"، وربما أيضا بسبب شعري الأشعث ووجهي الذي لم تلامسه قطرة من ماء الصباح.
قلت في نفسي: وإن كانت تاء التأنيث زائدة، فالمثل يقول: (الزايد خير)! و(الصباح رباح)...
كان الطريق إلى القسم العلمي طويلا، ومع ذلك لم أتذمر لأن الظل بقي في سبات عميق، كما حدثتني نفسي. مشيت ومشيت وأنا ألتفت إلى الوراء تارة، وأخرى يمينا أو أخرى يسارا.
كنت مشدوها بما أرى...انبهرت بما شاهدت...لقد أنساني الصرح الشامخ أمام ناظري ومن حولي <المنفى>  وظله... خلتها جامعة أمريكية وسط صحراء نيفادا...جعلني ذلك المنظر أسافر بذاكرتي قرابة نصف قرن من الزمان إلى الوراء لأجد العزاء...إنها مدرستي التي تزيد هذه العمارة الأنيقة جمالا وبهاء، وهي مكسوة بحلة خضراء.

أفقت من هذا الحلم الجميل أمام نقاط دالة عديدة، ولكنني لم أجد ضالتي بينها...
سألت أحد الطلبة مستغيثا، فأشار بسبابته إلى المبنى المقصود... قصدته.
عندما وصلت، لم أشاهد سوى مخطوطة واحدة فوق المبنى تقول: "قسم الرياضيات".
تساءلت: ترى أين قسم اللغة الانجليزية ؟
سألت طالبا ثانيا، فأشار إلي بالدخول إلى ذات المبنى والصعود إلى الطابق الثاني. شكرته،
ثم توكلت باحثا عن إدارة القسم.
وقفت أمام رقعة مثبتة على حائط المكتب، لا يتجاوز طولها 12 سنتيمترا وعرضها ثلاث سنتيمترات، وقد كتب عليها:"سكرتيرة قسم...........". دخلت.......
"السلام عليكم".
"وعليكم السلام"...نظرت إلي بابتسامة وكأنها تتوقع حضوري في أية لحظة.
"أنا الدكتور...."
انتفضت من مكانها وقالت مبتهجة ومعاتبة:
"وينك يا دكتور؟ لقد قلبنا الدنيا عليك، وأرسلنا لك عدة فاكسات، واتصلنا بك تلفونيا عدة مرات...وكلما اتصلنا بك، قالوا لنا: "إنه في المحاضرة".
"ولكنني لم أتلق شيئا، ولم يبلغني أحد باتصالاتكم".
غضبت، فرفعت سماعة الهاتف وهي تقول: "إذا كنت لا تصدق، استمع بنفسك إلى ما سيقوله لك مسؤول المقسم".
استمعت إليه، واعتذرت، فشكرته...
على أية حال، سمعت السكرتيرة وهي تقول لي:"مرحبا يا دكتور...جدول محاضراتك جاهز،
ورئيس القسم بانتظارك".

دخلت مكتبه...ألقيت عليه التحية... قدّمت له نفسي... وكان الترحاب حارا.
أحببت الرجل منذ اللحظة الأولى،  واعتقد أنه بادلني بالمثل (وما زال كذلك). تجاذبنا أطراف الحديث...رويت له قصتي في <المنفى رقم واحد> ، قصة كتابنا وكتابكم...جامعتكم...وزارتنا ووزارتكم، الأمن القومي ومخابراتكم...الخ   من "هات وخذ"، وطالت القصة خمسة أشهر بالتمام...وكان بعدها الحاسوب منقذي من حيث أدري ولا أدري، ولكن وجهة السفر المقررة تغيرت من الشرق، كما كان
متفق عليه بروتوكوليا، إلى الغرب العربي...
تعاطف الرجل السمح معي وقال:" طيب، استشر عائلتك، طالما كان هنالك تبعات على بقاءك معنا، ووافيني غدا صباحا".
وأنا في طريق عودتي إلى السيارة، شعرت بأن الظل كان يتابع خطواتي... أصبحت في حالة من الهذيان، وغير قادر على اتخاذ القرار السليم. لعنت كل القائمين على إدارة <المنفى رقم واحد> لأنهم لم يتصلوا بي مرة واحدة في الأقل... وللحديث شجون!
وجاء القرار العائلي لصالح الرياح التي لا تشتهيها السفن...
هلل الظل ونحن في طريقنا إلى المطار، وأبى أن يفارقنا حتى لحظة الوداع...                                                           
ثم عاد إلى المنفى منتشيا!!

الأردن في 28/1/2006

110
أدب / فينوس
« في: 23:21 11/08/2009  »
فينوس

بقلم: أ.د. دنحا طوبيا كوركيس

توأم أنا للأرض التي تدور أمامي،
صخري ترابي مثلك أنا...
أقرب إليك من أي كوكب...
ساطع في سمائك قبل الشروق بقليل،
وبعد الغروب بقليل،
ولكن قبلتي من المحرّمات على البشر.
أتبختر أمام الشمس في غضاضتي دهرا...
أنا نار الشوق الأزلي في قلوب العشاق،
إسمي عند الأغريق "أفروديت"،
وعند الرومان "فينوس".
و "آلهة الحب والجمال" على لسان العرب...
ما سكنت القصور،
ولا امتهنت الفسق والفجور،
بل كنت، وما زلت، حرة طليقة كالعصفور ...
تتجول بين الأحياء وفي القبور...
تتسكع بين مواكب الغجر،
بحثا عن إله البخور.


الأردن في 22/8/2008

111
في حضرة مَلَك الموت (عزرائيل)، أو الملاك گورييل

بقلم: أ. د. دنحا طوبيا كوركيس

كانت الدقائق القليلة التي تكلمت خلالها من عمّان مع والدتي (رحمها الله) على فراش الموت في بغداد يوم 12 آيار 2009 لحظات حاسمة في علاقتنا الارضية التي انتهت ببضع كلمات: "لا استطيع التكلم، يا ولدي، فالملاك گـورييل على اكتافي". سمعت هذه العبارة عن كل من كنت له شاهدا وهو ينازع الموت إلا جدتي (صالحة، والدة والدتي) عندما كنت في السادسة من عمري، التي غابت عنا لساعتين أو أكثر ورجعت قافلة لتروي لنا قصتها مع الملائكة في السماء، بينما تطلب من الناحبات حولها ألا يبكين وأن يعدن لها صحن (عدس). وما ان فرغت من الأكل، سلمت روحها لباريها وهي تتمتم: "سأرجع حيثما كنت".  

وفي اللحظة التي وضعت هاتفي المحمول جانبا بانتظار العرس المبكي على والدتي، ظهر شريط متحرك على شاشة التلفاز يحمل خبرا عاجلا: "عزرائيل يحصد ارواح عراقيين بالجملة". أتذكر جيدا أن آيار هو شهر الخير، شهر يحصد فيه الشعير بالمناجل في العراق، ولكن ما لم يرد في كل الاديان، حتى الوثنية منها، أن يأتينا هذه المرة عزرائيل بمفرقعات ليحصد البشر. رنّ جرس الهاتف لتبلغني اختي بأن الملاك گـورييل استلم الأمانة التي اودعها رب العالمين على الأرض قبل تسعين سنة. لم أذرف دمعة واحدة بسبب عزرائيل الذي كان منشغلا في مدينة الثورة (تيمنا بعبد الكريم قاسم، رحمه الله). بدأت اتأمل في المعتقدات، واتساءل: هل يمكن أن يكون گـورييل وعزرائيل وجهين لعملة واحدة؟ وإذا كان الأول قد أمهل والدتي التي كانت تصلي وهي تنازع الموت، وسمح لجدتي أن ترافقها الملائكة، فلمَ لم يمهل عزرائيل الابرياء لينطقوا بالشهادة؟ لو قلت بأنني اشكك في عدالة السماء، ما لبث احدهم إلا وقال لي: إنها ارادة رب العالمين، ومكتوب عليهم أن يموتوا بهذه الطريقة، ولا خيار للانسان في انتقاء طريقة موته، حتى لو كان انتحارا. مفاهيم ايمانية يرقص لها عزرائيل ومن يواليه طربا، أليس كذلك؟ غريبة هي افكارنا، ولكننا نخاف ان نعلن عنها على الملأ كي لا نوصم بالالحاد، أو في الأقل نفسح للفقيه أو اللاهوتي مجالا في ان يعترض طريقة تفكيرنا. لا أشك في أنه خطر ببال بعضكم بأن عزرائيل ليس واحدا، بل يمتلك جيشا جرارا في العالم، يأتيك من الاطلسي غربا ويتجه إلى طورا بورا شرقا، وإلا كيف تفسر حصاد الأنفس بالجملة؟ وإذا كانت الشياطين هي التي تدفع بالبشر لأن يزرعوا عبوات ناسفة، أو يقطعوا رؤوسا ويفجروا الكنائس والمساجد، فهل يكون ذلك بإمرة عزرائيل؟ وإذا كان عزرائيل ارهابيا، فلماذا يفجر نفسه احيانا؟ وهل عزرائيل (مَلَك الموت) ارسله الخالق ليحصد أنفسا بالمتفجرات ما زُرع لأجل الخير، بينما يرسل لوالدتي الملاك گـورييل الذي سمح لها بأن تكلمني؟ أعلم جيدا أنها اسئلة محيرة نعجز الإجابة عنها، ولكن هل يمنعنا الله في أن نسأل كيف ندركه؟ ورغم كوننا احرارا في الافصاح عما تختلج به صدورنا والتعبير بصدق عن مكنوناتنا، فأن عزرائيل يتربص بنا في كل حي وزقاق ومتجر ومركبة ومطية، وحتى في الفضاء الخارجي. ولو سألته متى يحين دورك في (زفته) الجماعية أو المنفردة، سيقول لك: لو بالليل لو بالنهار!

112
تعلم وتعليم الأفعال الشاذة في اللغة الانجليزية

الأساتذة الأفاضل والطلبة الأعزاء.

إذا كانت الأفعال الشاذة في الانجليزية مشكلة كبيرة، فمشكلة الهمزة في العربية أكبر، ناهيك عن جر ما يرفع ورفع ما يجر أو ينصب. تابعوا اللغة العربية في المقابلات التلفزيونية مع من يظهر على الشاشة من أعضاء برلمان إحدى الحكومات العربية، وحدّث فلا حرج! ومشكلة الأفعال الشاذة هي مشكلة الإنجليز قبل أن تكون مشكلة متعلميها كلغة ثانية أو أجنبية، فلا عجب!
قبل أن أدلو بدلوي، دعوني أروي لكم هذه الواقعة:
بينما كان المعلم يختبر تلامذته، طلب من أحدهم تصريف الفعل speak ، فأجاب التلميذ:
spoke, spoken
وبينما كان يتحدث تلميذ آخر إلى زميله، صرخ المعلم بوجهه متسائلا (باللهجة العراقية): "شبيك؟" (أي ما بك، أو ما الذي تفعله)، فأجابه التلميذ على الفور، وكأن ما نطق به المعلم كانت كلمة إنجليزية:
shbeek, shboken

ربما لايعلم الكثيرون أن هنالك 620 فعلا شاذا (قويا) في الإنجليزية، منها 211 فعلا أساسيا. حفظنا الجزء الأعظم منها، وتبقى ما تبقى (وهذا ليس بعيب) إلى اللحظة التي أكتب بها لكم. وطريقة الحفظ التي انتقلت من جيل إلى آخر لم تتغير، وكأنها جدول الضرب. ولذلك كان نسيان القسم الأكبر منها وليد الحفظ الببغائي.
إذا كان الإنجليز يتواصلون يوميا، فلماذا يخطأون في تصريف الأفعال. وإذا كان العرب يتواصلون بالعربية، فلم الأخطاء؟ هذه حقيقة لا يمكن أن يتجاهلها أحد. والطريقة التواصلية في التعليم لا تعر اهتماما للأخطاء التي لا تعيق التواصل، ومنها استعمال الأفعال الشاذة. إلا إن أولئك الذين امتلكوا كفاية متميزة ينزعجون، وعلى رأسهم سدنة اللغة. كان بودي أن أضرب لكم أمثلة حقيقية من كتابات طلبة الماجستير في اللغة الإنجليزية (وهي بحوزتي للإستدلال)، لكن الحليم تكفيه الإشارة.
من خبرتي في تدريس اللغة الإنجليزية على المستوى الجامعي لمدة 35 سنة، يمكنني القول أن أفضل الطرق لتعليم وتعلم الأفعال الشاذة هي في تقسيمها من الأقرب إلى الجسد، مرورا بما يتعلق بالحاجات اليومية، ثم إلى ما هو أبعد، فالتجريد. أي أنك تبدأ بالنظر والسمع والوقوف والذهاب والمجىء والجلوس والأكل والشرب ...إلخ. وتوضع هذه الأفعال في سياقات لأغراض التدريب الصفي. وبتوجيه من المعلم، يفترض بالمتعلم أن يلصق الأفعال حسب أبوابها الدلالية الحياتية على حيطان المدرسة وحيطان غرفته البيتية بدلا من صور نانسي عجرم أو كاظم الساهر( مع اعتزازي بالفنانين وحبي للطرب!). وليس الحمّام استثناء لأنه أفضل مكان لبلورة أفكار جديدة. ولهذا، فإنني أعتبر الحمّام خير مكتبة إذا احتوت على مجلات وقصّاصات ورق تحتوي على أفعال شاذة (ويستثنى من ذلك من لا حمّام له!). وفي هذه الحالة، لاتنطبق كلمات أغنية الراحلة أم كلثوم: "البعيد عنك قريب" أو "القريب منك بعيد"، وإنما القريب للقريب، وغدا لقوائم الشواذ عيد!!!!!!!!!

الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
الأردن
13/4/2008

113
مرثية ذاتية لها بقية...
خاطرة قصصية رقم (2)

دنحا طوبيا كوركيس
   

 

    على خطى غادة السمّان، ولكن... بتصرف!

"وأنا في الوطن كنت ابكي شوقا للرحيل ]من منفى رقم واحد[ إلى المنفى.."

وأنا في الوطن كنت أتحرّق   شوقا للتغيير أو "للرحيل إلى المنفى"..

حدث ]التغيير[ .. وسبحان مغيّر الأحوال!

هدأت الريح "الصفراء" شرقا، وتلتها النفطية "السوداء" جنوبا فأخمدت. ثم هبّت أخرى رمادية رملية فقمعت في عقر دارها. توجهت شمالا فكانت وبالا. امتزجت بريح باردة سبّبها منخفض جوي قادم من البحر المتوسط. ابتهج أهل الشمال بخير المطر القادم، لكن السماء الملبدة بالغيوم السوداء زمجرت فأعلنت الحداد لمدة سنتين وكان الجفاف بديلا! وما كان بيد دجلة والفرات حيلة سوى "الصمود" و"النصر" أو "الاستشهاد"!!!

في وقتها سألني (رفاق): كيف ترى العراق؟

وبلا تردد، جاءت إجابتي (بالإنكليزية): من سيء إلى أسوأ.

كان ذلك مطلع عام 1991. وبحلول الربع الأخير من عام 1999، كنت قد أنفقت ما ادّخرت خلال ربع قرن من العمل المضني، لأن راتبي آنذاك لم يتجاوز الأربع دولارات شهريا!

"كنت أبكي شوقا للرحيل" إلى منفى أفضل..

جاء يوم الرحيل (وبقدرة قادر، كما يقول العراقيون)..

رحلت إلى (وطن) من أوطان الإمام علي (رض)، فضربت في بلاد يعرب مضربا..

وجدت وعائلتي فيه مأوى وقتيا بتوجيه من رب العمل وعلى حسابه ( في فندق ترتاده شلة من العاهرات العربيات كانت تقهقهن فوق رؤوسنا وتتخاصمن على الزبائن كل ليلة!!!!).

وجدت فيه المأكل والملبس (والرواتب المؤجلة حتى انقضاء السنة الدراسية!!!).

وجدت في واحدة من أفضل مكتباته، عام 2000، أحدث كتاب يقول لي:

"معليش، أنا مطبوع عام 1985، لكنني بحاجة إلى (غسيل وكوي) لو سمحت!"

ترفقت به، فأزلت الغبار عنه..

عندما استعرته وبدأت أتصفحه من حين لآخر، كان يبتسم ساخرا ويقول لي: " سبّابات رجال الشرق تداعبني وتناغيني، وأنامل نساء الغرب عاجزة عن أن تغريني ".

ربما كان الكتاب أفصح مني! ومع ذلك، فقد أغاظني لهذا التمايز!

أطبقت على فكيه فأخرسته، ثم أقفلت به راجعا إلى حيث ما كان قابعا ليكسوه الغبار من جديد!!!

لم أكن مدركا حينئذ أن أسلافه في هذا (الوطن) قد تم حرقهم على طريقة (جان دارك)، وأنه كان محظوظا إذ بقي على قيد الحياة!

رجعت إلى نفسي بعدما كان لهذا الكتاب فضل على صحوتي من غيبوبتي، فوجدت نفسي "مغتربا" في (وطن) أشعرني بالحنين إلى منفاي الأول!

ما أنا الذي أطلقت هذه التسمية على نفسي، إنما هكذا شاءت السلوى والبلوى، بينما بقي المصران الأعور يتلوى!

لا أخفيك سرا أيتها الياسمين الدمشقي...فقد وجدت ما لم تجدينه في باريس!

ختم الضابط المغلوب على أمره جواز سفري في دائرة الإقامة. أتعلمين كم كانت فرحتي في وقتها؟ أتعلمين لماذا؟ كانت لا توصف...

 ببساطة: الختم = صرف الرواتب المؤجلة جملة وتفصيلا، بعد اقتطاع 33% منها للضرائب!

 ومع ذلك، فأنهم يشعرونك بأنهم يسدون لك جميلا، وكأنه (مكرمة!) من مكارم المنفى رقم واحد.

لم تدم فرحتي طويلا، يا سيدتي...

كنت ساعتها فضوليا...

وقعت عيناي على ملاحظة في أسفل الختم تقول:

"على أن تجدد الإقامة قبل شهر من نفاذها"

ترددت قليلا عند باب مكتب الضابط وقلت في نفسي: "يا ابن الشرق، القانون قانون، وعليك التقيد به أينما حللت، وخاصة أن الوطن الذي تستنشق هواءه هو وطن بين قوسين!

رجعت إلى الضابط الذي كان منهمكا في ختم جوازات (الغلبة) من أمثالي تقبيلا!

عفوا، أستاذ..

رفع رأسه..

هل لك أن تجدد إقامتي حسبما ورد هنا في التعليمات؟

إليك عني (ملوّحا بظهر كفه)..

تسمّرت في مكاني، ولم أجد في تلك اللحظة مخرجا سوى الباب سبيلا!

والى الملتقى في مرثية ثالثة ورابعة..............!



جامعة جدارا - الأردن
10/1/2006

 

114
مرثية ذاتية لها بقية: خاطرة رقم (1)

بقلم الأستاذ الدكتور دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا/ الأردن

أ‌.   حكمة بدون عنوان

أهون على المظلوم أن يكون نزيل السجون من أن يكون الظلم عنوانا له في كل مكان وفي كل الشؤون. قد يكون المظلوم أشبه بسمكة في علبة سردين، لكن العناوين تقود الحر إلى الجنون. صاحبنا ذاك في بؤرة الضوء وإن عزلته جدران السجن. أمّا هذا الحر الطليق، فهو في بؤرة الجور، يتوسم بمن كان طريقه إلى الجلجلة. إنه يدخر أنينا بعد أنين إلى يوم القيامة. ما من مظلوم سجين إلا ورسم تقويما على جدران زنزانته بانتظار ساعة الفرج، بينما يظل صاحب العنوان يتأمل التقويم الذي رسمه الجلاد على جدران بستان الزيتون بانتظار نزع الروح عن الجسد. وهذا التأمل أسوأ أنواع التألم الذي يسبق الصلب. كل الجروح تندمل، إلا جرح ذلك العنوان الذي لايقاضيه سوى رب الأكوان. عندما تتحمل نصف قرن من الشقاء، فهل تحتاج بعد إلى مرثية من الأصدقاء بعد فناء؟ أما تصلح هذه الكلمات لأن تكون مرثية، قبل أن توافيك المنية، بل حكمة من حكم البلهاء الذين ما ورثوا عن هذه الدنيا سوى العزاء في صمت، وكأنهم غرباء في وطنهم؟!

الموصل في 7/1/1999


ب. فلسفة

كلما رضعت من الفلسفة أجد نفسي ما زلت في مهد الفلسفة. حليبها لاينضب. تعطي لمن يشاء، حتى وإن أساء إليها. ربما كانت هي مريم العذراء، يرى البعض فيها نورا لقضاء بعد فناء كي يلتقيها في السماء، بينما يراها البعض الآخر أمّا لمسيح يأتينا كل شتاء. وبين البعضين بعض يتأمل المصلوب بين ثدي أرضي وآخر سماوي دون عناء، جل غايته أن يعرف هل شبّه به، أم مات وقام وصعد إلى السماء. وبين هذا وذاك حقيقة أن الفلسفة هراء وافتراء على الحقيقة عندما يصبح المنطق السفسطائي عنوانا لها، كأن نقول أن لكل بداية نهاية ولكل نهاية بداية، لنحصل على ناتج رياضي نشكك اليوم بصحته، وهو أن البداية بداية والنهاية نهاية (بالاستعاضة)، دون الأخذ بعين الاعتبار أن بداية النهاية هي نقطة في أعلى سلم النهاية. وهي حالة تختلف جوهريا عن النهاية التي في أسفل سلم البداية. ترى ماذا يمكن أن نطلق على نقطة تقع مابين البداية والنهاية قبل أو بعد المنتصف بقليل؟ أهي الحالة الحرجة، أم نقطة التّماس؟ إنها أسئلة على شاكلة عمن تكون، وماذا تريد، وماينبغي أن يكون الكون عليه، وأنت ما زلت طفل رضيع!

الموصل في 11/3/1999

115
الطلبة الاعزاء

إليكم درسا شيقا في:

تكرار الحرف الساكن الأخير في الكلمات الإنجليزية

http://www.4shared.com/get/97646038/a8566620/______.html

أ. د. دنحا طوبيا كوركيس
جامعة جدارا
الأردن

116
أدب / همسة في أذن صماء
« في: 19:49 09/04/2009  »
   
همسة في أذن صماء

دنحا طوبيا كوركيس
   

في رحلة من شمال انجلترا إلى لندن عام 1974 ، كنت جالسا بجانب سيدة انجليزية
وهي تقرأ إحدى قصص آرسين لوبين التي تجري أحداثها في قطار. سألتني: من أين أنت؟ قلت لها من العراق. صعقتني بسؤالها: وأين العراق؟ قلت لها: إنها بلاد السندباد وعلي بابا وجحا وحماره. كلمتها عن حلاوة أدب الترحال بحرا ومشيا على الأقدام أو على الحمار، فأنسيتها القطار ، وكأنني لعنتها ولعنت الغرب كله بينما كنت أجهل وقتئذ أن القطار خير ملهم للأفكار، وأن ثقل ما يقرأه الغرب على متنه في يوم واحد لا يتحمله حمار في بلاد العرب!

 
الأردن 20/4/2006

   

117
عزيزي أبا رامز.
أسعدني مرورك الكريم وتعليقك على النص الذي كتبته في لحظة خوف من كل كلمة سطّرتها خشية أن يقع بأيدي خبيثة. كتبتها في لحظة كان ج، ح، خ....وآخرون يرهبون ويهددون من علّمهم، ويستبدون بالآخرين من المناصب التي اعتلوها دون وجه حق. كتبتها في لحظة كنت أتمنى فيها أن يرميني فاعل خير خارج الحدود العراقية عاريا مقابل تنازلي عن موجوداتي في الدار، شريطة أن يسمح لي أن أصرخ بأعلى صوتي:

اللـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــه!!!

والحمد لله أنك وجدتني اليوم بين هذه السطور حيا أرزق. ويمكنك قراءة المزيد من خواطري على منتديات الجمعية الدولية للمترجمين واللغويين العرب: www.arabswata.org ، كما يمكنك تصفح مجلة الجمعية التي ارأس تحريرها: www.arabswata.info
وإذا تعذر عليك ذلك، يمكنك زيارة منتديات المعهد العربي للبحوث الاستراتيجية:

  http://airss.net/forums   أو مراسلتي على:   gorgis_3@yahoo.co.uk

مودتي.
د. دنحا

118
مرثية ذاتية لها بقية: خاطرة رقم (1):  بدون عنوان

دنحا طوبيا كوركيس


أهون على المظلوم أن يكون نزيل السجون من أن يكون الظلم عنوانا له في كل مكان وفي كل الشؤون. قد يكون المظلوم أشبه بسمكة في علبة سردين، لكن العناوين تقود الحر إلى الجنون. صاحبنا ذاك في بؤرة الضوء وإن عزلته جدران السجن. أما هذا الحر الطليق، فهو في بؤرة الجور، يتوسم بمن كان طريقه إلى الجلجلة. إنه يدخر أنينا بعد أنين إلى يوم القيامة. ما من مظلوم سجين إلا ورسم تقويما على جدران زنزانته بانتظار ساعة الفرج، بينما يظل صاحب العنوان يتأمل التقويم الذي رسمه الجلاد على جدران بستان الزيتون بانتظار نزع الروح عن الجسد. وهذا التأمل أسوأ أنواع التألم الذي يسبق الصلب. كل الجروح تندمل، إلا جرح ذلك العنوان الذي لايقاضيه سوى رب الأكوان. عندما تتحمل نصف قرن من الشقاء، فهل تحتاج بعد إلى مرثية من الأصدقاء بعد فناء؟ اما تصلح هذه الكلمات لأن تكون مرثية، قبل أن توافيك المنية، بل حكمة من حكم البلهاء الذين ما ورثوا عن هذه الدنيا سوى العزاء في صمت، وكأنهم غرباء في وطنهم؟


جامعة جدارا/ الأردن

   

صفحات: [1]