عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Raheem Souhel

صفحات: [1]
1
المطرب والملحن سامي كمال تاريخ فني حافل

رحيم الحلي
الفنان سامي كمال ، فنان جميل لم يعرف المستحيل ، شمسُ غادرت اول الليل ليعود لوطنه اخر الليل وقد اضرت به ثلوج البلدان الباردة ، ولد في مدينة الكحلاء اواسط الاربعينات واكمل دراسته الاولية فيها ثم انتقل الى بغداد في بداية السبعينات ، امتلك صوتاً جنوبياً ساحراً يحمل قدراً كبيراً من الشجن والعذوبة ، بدأ رحلته مع الغناء اواخر الستينات في فرقة المنشدين الصباحية ، عام 1974  شكل مع بعض الشعراء والفنانين  تجمعاً او كروباً ضم الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع والشاعر كريم العراقي والشاعر فالح حسون الدراجي  ، والشاعر كريم راضي العماري الذي كتب له اغنية دورة عيونج والشاعر كاظم السعدي والملحن كمال السيد والملحن كوكب حمزة ، في هذه الفترة قدم مجموعة من الاغاني ، رايح يارايح وين ، مدللين ، بين جرفين العيون "البريسم" التي تكنى بها المطرب حسن بريسم ، ياساهي العيون ، مدللين ، احبة وريدة ، والحب ضاع للشاعر كريم العراقي ، غادر الفنان سامي كمال العراق عام 1979 بعد اشتداد الحملة الدموية ضد الشيوعيين حيث ضيقت السلطة الديكتاتورية الخناق على المثقفين وبقية شرائح الشعب الواعية ، تنقل في غربته بين عدن ودمشق وبيروت واستقر به المقام في السويد ، وقد اضرت به الغربة كثيراً حيث اتلفت الغربة ومراراتها حنجرته العسلية التي ابكتني كثيراً في ليالي دمشق وهو يصدح بأغاني حلقت بنا صوب الوطن ، صوب بساتينه وانهاره ونخيله واهله الطيبين ، قدم في غربته اغاني كثيرة بكى فيها وطنه الذي حطمته الديكتاتورية ، اغانٍ تجذرت في الوجدان ، بغداد ، صويحب ، دكيت بابك ياوطن ، يابحر ، مجبور افاركَ ، ودعونة  واغاني كثيرة .
 تميزالفنان سامي كمال بطيبته وبساطته ، ورغم شهرته ونجوميته حافظ على تواضعه وبساطته التي تجسدت بحبه لوطنه وللناس والوفاء لأحبته ، فقد امتلك قدراً عالياً من العاطفة الغناء التي بصمت روحه وتجذرت في روحه وصوته الشجي .

2
حسين نعمة الفنان الطيب العذب

رحيم الحلي
طائر عراقي انتمى لمدينته الناصرية بقدر انتماءه لوطنه العراق ، انه المطرب حسين سيد نعمة سيد لفتة سيد عزيز المَيّالي ، من مواليد محافظة الناصرية)  ذي قار ( عام  1944  ، وكانت تلك المدينة الغافية على الفرات بمثابة بيته الكبير ، وامه الحنون التي ما ان يفارقها حتى يعود لها سريعاً لتبادله الوفاء ولتختصر نفسها في شخصه ، ثمة قوة تجذبة نحو تلك المدينة انه المزيج الفاعل للحنين والمحبة والوفاء ، ليس بمقدور البلبل ان يغادر بستانه فلن يجد مثل ذلك الهواء ولا مثل ذلك الماء أو تلك الاشجار ، حين كان صغيراً كان يذهب متسللاً الى الحفلات الشعبية التي يسمونها الكيوف ليستمع الى صوت المغنيين ، تأثر بمطربي مدينته داخل حسن وحضيري ابو عزيز وناصر حكيم ، وفي المدرسة كانت الهيئة التدريسية تتباهى بصوته وتطلب منه تجويد القران امام ضيوف المدرسة المهمين حيث كان يقلد صوت عبد الباسط عبد الصمد ، انتمى الى فرقة التربية التي يقودها اللبناني سالم الشهلاني ، وفي الصف الاول المتوسط في متوسطة الجمهورية قدم اغنية داخل حسن ( فوك ارفع ايدك ) حيث لاقى تشجيعاً من هيئة التدريس ، في بداياته قلد المطرب الكويتي عوض دوخي والمطرب فهد بلان ، اضافة الى مطربي مدينته ومنطقته ، ذهب الى بغداد ليجتاز ببراعة ساحة الاختبار وليقدم اغنيته الاولى يانجمة عام 1969 التي كتب كلماتها الراحل كاظم الركابي ولحنها الملحن الجميل كوكب حمزة ، والتي لاقت نجاحاً مبهراً ، وكشفت جمالية صوته المميزة امام الملحنين ، فقد وصف الملحن الفذ محمد جواد اموري صوته بالصوت الحريري ذو الكسرات الحنونة غير الحادة ، واحاطه برعاية واهتمام كي يستثمر صوته غنائياً ويحافظ عليه من الانزلاق نحو اغاني غير مناسبة لمقدرته ، فقدم له اولاً اغنية ( جاوبني ) كلمات كامل العامري ، ثم قدم له سلة من الالحان العذبة مثل اغنية ( مالي شغل بالسوق ) ، واغنية ياحريمة من كلمات ناظم السماوي وهي اغنية لامقامية لاتستقر على مقام محدد ، وقد ُذهِلَ بها الملحن الراحل يحيى حمدي ويعتبرها البعض أهم اغانيه وقد وصفها المطرب الراحل عبد الحليم حافظ بسمفونية الشرق اضافة الى اغنية " جاوبني " و " حبيبي إنساني وآنه أنساك " و " أيامنا الحلوة " و أغنية " مكتوب أشوفك من بعيد"، ثم التقى بالملحن المبدع محسن فرحان وقدم له اغنية غريبة الروح عام 1971 وهي من كلمات الشاعر الراحل جبار الغزي وقد لاقت اعجاباً جماهيرياً ، هذه الاغنية التي ادخلته الى عالم لحني جديد مختلف ، مشبع بالعذوبة والساحرية بإلاضافة الى اغنية ( مابية اعوفن هلي ) ، اما الملحن المبدع طالب القرغولي فلم يقدم له سوى اغنيتين هما اغنية ياكمر واغنية فرد عود كلمات الشاعر زامل سعيد فتاح ، غنى للشاعر عادل العضاض اغنية ماتجينة التي دخلت قلوب الناس بعمق في بلد سيطرت على وجدانه حالة الغياب ، لحن هذه الاغنية الملحن الراحل جمال فاضل خريج كلية الادارة والاقتصاد الذي لو اعطته الايام فسحة اطول ولو اعطته الظروف فرصة افضل لاصبح من اعظم الملحنين في العراق ، وقد استطاع ان يقدم هذا النص بأجمل صورة لحنية بأسلوب مبتكر يتصاعد اللحن ثم ينزل ، الملحن يحاكي الشاعر في دعوته للغريب في ان يعود وان ينزل من معراج غيبته ، يعتبر الموسيقيون العراقيون حسين نعمة صاحب أجمل طبقة قرار غنائية بالمقارنة مع جميع المطربين الذين عرفتهم الساحة الغنائية العراقية ، واظنه انقى مطرب رأته عيني لما يحمله من صفاء روحي ووضوح ، اضافة الى اتصافه بالصراحة العالية ، وهو يحمل حباً ووفاءاً منقطع النظير ليس لمدينته فحسب بل لاصدقائه وفي البدء الفنانين الذين شاركوه رحلته الطويلة ، حين تشرفت برؤيته في شتاء 2011 وجدت نفسي امام كنز من الطيبة والخبرة الطويلة لكني لم استثمر ذلك اللقاء في حوار يتعلق بالغناء العراقي وبمنجزه الفني بسبب عدم توقعي رؤيته واستجابته الطيبة للقاء الذي شرفني به الشاعر الكبير عادل العضاض الذي اهداني قصيدته الرائعة ماتجينة واعتبرها اجمل هدية احصل عليها في عمري المشدود في الترحال والاحزان .
اعود الى اغنية الشهرة يانجمة والتي كانت ثمرة تلاقي ثلاثي الابداع الشاعر كاظم الركابي والملحن كوكب حمزة والمطرب حسين نعمة وكيف التقى ثلاثي الابداع في بيت الكاتب الدكتور محسن اطيمش ، ثم قدم له له اغنية ابن ادم كلمات الشاعر الغائب ذياب كزار ابو سرحان لكن علاقة المطرب حسين نعمة والملحن كوكب حمزة لم تحافظ على ذلك الود والحميمية فقد فرقت بينهما مسافات الغربة الطويلة التي اختارها الملحن كوكب حمزة بسبب الحكم الديكتاتوري الصدامي ، والعتاب المرير الذي وجهه المطرب حسين للملحن كوكب حمزة ، هذا العتاب الممزوج بالمحبة والحرص على تلك الصداقة التي سبقت منجزهما الفني .
الملحن الراحل كمال السيد قدم للمطرب حسين نعمة اغنية "كون السلف ينشال " من كلمات كاظم الركابي والاخرى اغنية "هي ولك يابلام "
الملحن جعفر الخفاف قدم الكثير من الأغاني للمطرب حسين نعمة ومن كلمات كريم العراقي منها اغنية  " تحياتي " حتى نصل إلى أغنية " رديت " وهي من كلمات هادي العكايشي وقد سُجلت هذه الأغنية بأسم الملحن محمد جواد أموري لأنه قام بتلحين المقطعين الأخيرين من الأغنية بعد أن ترك جعفر الخفاف العمل بها لظروف خاصة .
في الختام بودي لو امتلكت سعفة الاغنية الذهبية لقدمتها للمطرب حسين نعمة مع قبلة على جبينه لما قدمه للاغنية العراقية ولما يمتلك من خلق وطيبة كبيرة .



3
الشاعر رشدي العامل في الذكرى العشرين لرحيله
رحيم الحلي
في عام 1990 كنت مع صديقي الحلي الاستاذ حفظي شهيد ، متجهين صوب بيته او خرابته في سفح قاسيون ، ونحن نصعد بين الازقة المتعرجة الحادة ، اخبرني بوفاة الشاعر رشدي العامل ، تسمرت في مكاني واخذت شهيقاً ، كانت مصيبة حقيقية وخبر مؤلم في تلك الفترة الصعبة من حياتنا نحن المهاجرين البعيدين عن وطننا الملبدة سمائه بالمصائب ، فتتسرب لنا بين حين واخر اخبارمؤلمة برحيل احبتنا في السجون وساحات الموت المجاني ، ونرى الطاغية يزداد غلواً وعنجهية في ظل اصطفاف دولي مؤيد له ،  فنلحظ ان قبر الديكتاتورية لم يحفر بعد ، فجاءت وفاة شاعرنا رشدي العامل بمثابة جرعة مرة يطفح بها كأس مراراتنا الممتليء ولتزيد من مساحة احباطاتنا .
من مدينته الغافية على الفرات ببيوتها المسورة وشطآنها المرصوفة بحبات الرمل ، بنواعيرها الحزينة واشجار الصفصاف والتين اللائذة بالصمت وهي تدفع ريح الصحراء ، حياة موشحة بالاحزان لولد شقي اراد ان يختصر الزمن والمسافات ، عندما عرف للمرة الاولى ماذا يعني الظلم وهو يسمع خبراعدام ثلاثة رجال وطنيين في بغداد بقرار ملكي قاسٍ ، صار يرى في احلامه اجسادهم المعلقة بالحبال ، فتذكر مشاركته وهو صبي في مظاهرة ضد الاستعمار وضد معاهداته ، وتذكر قصيدته البسيطة التي القاها في المقبرة التي دفن فيها بعض الشهداء ، في تلك السنوات سمع بالشيوعية فهؤلاء المشنوقون هم شيوعيون ، بدأت قراءاته تتعمق ومن المكتبة المتواضعة في مدينته ، ابتدأ ركضته المبكرة في البحث المعرفي ، انه سعي مضني للوصول الى فهم العالم وكينونته وصراعاته وثوراته ، والبحث عن اجوبة لاسئلة ذكية تسبق عمر الصبي الجميل المدلل في اسرته المكافحة ، فقد عاملته الاسرة بدلال  واضح ، وارادوا ان يصنعوا منه شيئاً مميزاً ، فقد توقعوا له مستقبلاً باهراً ، فقد زرع والده فيه حب الوطن والشعر والتاريخ ، وبدأت تتشكل افكاره وتنمو بسرعة مثل الشجيرات الغافية على نهر الفرات فقد بدأت الماركسية تغزو ذهن ذلك الفتى الصغير ، واستطاعت مخيلته الواسعة ان تربط جسراً بين قراءاته الاولى من الكتب التي توفرت له في اسرته وبين كراسات الحزب وادبياته ، وابتدأت علاقته بالحزب الشيوعي وهو الذي كلف للذهاب الى بغداد لربط اولى خلايا الحزب في عانة مع المركز ، ليعود بمظروف فيه منشورات حزبية وكراريس صغيرة  ، توسعت مداركه وراح يفكر بالبؤس المنتشر في وطننا بالمظالم والفقر والاستغلال ثم الاستعمار الذي يهيمن على مقدرات بلدنا المقيد بالمعاهدات والاحلاف الجائرة .
بداياته الاولى في عالم النشر ، كانت مع مجلة العراق التي يصدرها رزوق غنام وابتدأت خطواته الاولى في شارع المتنبي وهو يمد الخطى صوب عالم الكتابة والنشر ثم اصدر مجموعته الشعرية الاولى عام 1951بعنوان " همسات عشتاروت" بمساعدة صديقه فيصل الياسري .
 تعرف على الشاعر عبد الوهاب البياتي عندما كان طالباً في متوسطة الرمادي ، وترسخت في ذاكرته تلك الابيات التي خطها بالطباشير على اللوح المدرسي :
اجمل ايام الهوى افلتت
منا، واخشى انها لن تعودْ
كانت سراباً عابراً وانتهى
كأنها حلم عزيز الوجود
في سنة العالم من بدئه
ان يسلم الشوك وتفنى الورود
جنة اهل الحب، في سحرها،
كانت وعوداً، وستبقى وعود
في مدينة الرمادي بدأت تتعمق قراءاته من خلال المكتبة العامة حيث كان الموظف المسؤول عن المكتبة هو احد اصدقاء خاله الكبير السيد ثابت الراوي ، الذي يسر له فرصة المطالعة في المكتبة وحرية البحث بين رفوف الكتب ، اتاحت له قراءة اولية لمؤلفات طه حسين والعقاد والمازني والرافعي وشوقي والرصافي وعشرات غيرهم ، يتحدث رشدي العامل عن تلك الفترة من حياته في مذكراته التي نشرتها صحيفة المدى بعنوان طائر الفرات في احدى عشر حلقة :
لقد كانت فترة اكثر من خصبة ضمن حدود الحياة القاحلة لبلدة عراقية مهملة ، في اواخر العقد الرابع من القرن العشرين ، وبالنسبة لصبي في نهاية دراسته الابتدائية وبداية لدراسة المتوسطة .
 في مدينته عانة تعرف على الاستاذ عزيز شريف مؤسس حزب الشعب وشقيقه الشهيد عبد الرحيم شريف وعلى العديد من المعلمين الذين جاءوا للتدريس فيها او المناضلين الشيوعيين المنفيين  اليها ، منهم المناضل خلوق امين زكي (سكرتير أول تنظيم طلابي في في العراق جرى انتخاب قيادته في مؤتمر السباع بعد وثبة كانون 1948 الملهمة ، باسم اتحاد الطلبة العام والاخران هما: محمد صالح الحيدري ، ومحمد رسول الحيدري . الذين نفتهم السلطات الملكية الى هذه المدينة الفراتية البعيدة والتي استعملت كمنفى لبعض الشيوعين الذين قضوا محكومياتهم في سجن الكوت او في نكرة السلمان .
تعرض للفصل اكثر من مرة ، ففي عام 1954 تم فصله من كلية الحقوق ، وفي عام 1958 عاد من منفاه في القاهرة وعمل في اول جريدة شيوعية علنية وهي اتحاد الشعب ، حيث عمل محرراًً في الشؤون الثقافية ، وبعد انقلاب 8 شباط 1963  تعرض للاعتقال والسجن ، ثم سُجِنَ  في قصر النهاية بعد انقلاب 17 تموز1968 .
 وفي عام 1973 عمل محرراً بارزاً في الشؤون الثقافية والسياسية في جريدة  طريق الشعب ، استمر في عمله حتى العدد الاخير ،  قررالبقاء في البلاد بعد الحملة الدموية ضد الشيوعيين اواخر السبعينات مما جعله يدفع ثمن كبير بين مطاردات واعتقالات واعتكاف ، وظل قوياً امام كل الإغراءات التي مارستها السلطة الصدامية مع النخبة المثقفة ، ليرحل في 19 أيلول 1990 وتحت وسادته نسخة من آخر أعداد جريدة"طريق الشعب" السرية .
واجه العديد من المحن ليس اقلها محنته في ضياع بيته وابتعاد زوجته وبقاءه وحيداً مع خمرته وذكرياته الطويلة ، حزنه على رفاقه الغائبين المتوزعين بين السجون و المنافي ، كيف يستطيع صبراً حين يرى الطاغية ضاحكاً وهو يحرق البلاد ويزجها في حروب وحماقات عبثية  ، او حين يرى قافلة الموت الممتدة في كل بقعة من الوطن ،  والحزن وقد حط رحله في كل البيوت  ، كيف يتحمل رؤية السياج العالي الذي طوق فيه الديكتاتور الوطن والثقافة فتعرض كل شيء للموت او التزييف ، ماذا عساه ان يفعل في مثل تلك الظروف ، ظل معتكفاً يجتر ذكرياته يندب وطناً تلتهمه النيران ، وكأن الموت بلسمه الاخير رحل المغني وهو ينشد :
أمسّ كنا أربعة
شاعرّ ظلَ طريقه ُ
كاتبّ يبحث في الظلمة
عن نور الحقيقة
ثالثّ يرسمُ بين الشوك والصبار أزهار حديقة
راهبّ يستلُ أناتً من القيثار
وسط الزوبعة
أمس كنا أربعة
هكذا كنا ،
ولكنا افترقنا،
عند نصف الليل
حدقنا طويلاً وضحكنا
عندما قال لنا الراهب،
اِنا اغنياء ،
خبزنا الصبر الآلهي ،
ومأوانا العراء ،
لم نخن شيئاً ولم نكذب ،
ولم نلبس أثواب الرياء ،
وأفترقنا..
نغرفُ الضحك وكنا سعداء
في مراسلاته ومكالماته الهاتفية مع محمد سعيد الصكار المقيم في باريس ، يبحث الشاعر رشدي العامل عن حبل النجاة ليخرج من حصاره ، طلب من الصكار ان يرسل له دعوة زيارة ، وبعد الحاح شاعرنا المحاصر بادره الصكار يسأله عن رقم جوازه ! ليجيب بمرارة وخيبة ان جوازه ساقط  سيسعى للحصول على جواز جديد ، ولكن هل سيعطي الجلاد جوازاً لشاعر شيوعي معروف ؟ احلامه هائمة دون جدوى ، اه فلقد مات المغني انهم يهيلون التراب في قبره الثري والشمس مالت للغروب وقبل ان يوارى التراب ، قرأ الدكتور علي جواد الطاهر كلمة رثاء أخيرة قائلاً:
ماتَ صوتُ القادمين الى العراق ..
وطني مات المغني...
فهل سنعيدُ حكايات السنين؟؟
أقول لك ايها الراحل ، صديقنا الجميل رشدي :
نحنُ نعيدُ حكايات السنين..
وطني لن يموتَ المغني...........
الشاعر رشدي العامل يمتزج بجيلين شعريين هما جيل الخمسينات وجيل الستينات فهو يعبر كل المساحة الممتدة بين هذين الجيلين ، هو شاعرُ مجيدُ ، رغم انشغاله بالعمل السياسي الذي اخذ الكثير من وقت شاعرنا وتفكيره ، ورغم سنوات السجن والتشرد لكنه استطاع ان يحتفظ بمقعده في الصف الامامي لشعرائنا المبدعين ، قصائده حافظت على علاقة وثيقة بالحياة والناس لم تكن قصائده بطرة او معجونة بزبد السلاطين او المترفين ولم تكن مفرداته متطايرة بمزاج عبثي ، كان طعم قصائده حاداً في افواه الحاكمين الظالمين ، وحلواً عذباً عند العاشقين ، ظلت قصائدة شديدة الحساسية كصانعها تنضح حزناً والماً ، متحدية وصلبة لكنها لينة وطرية شعرياً بمفرداتها الجذلة المعجونة بماء المحبة ، نفخ فيها من روحه ، فاعطاها ديمومة البقاء ، وطعم الحياة المنقوع باوجاع الفقراء والمظلومين ، ومن قصائده البارزة التي كتبها تشرين الثاني 1989، والقاها دون وجل وفي جو مشحون بالرعب ، قصيدة  تلمز بوضوح للديكتاتور ممثلاً بشخصية يزيد  ، اما الحسين فهو في القصيدة رمزُ لقافلة الشهداء الممتدة عبر الزمان والمكان في وطن القهر والسبي الازلي ، في بلد الثورات والقتل والسجون .
الحسين يكتب قصيدته الاخيرة
ها أنا الآن نصفان
نصفٌ يعانق برد الثرى
ونصفٌ يرف على شرفاتِ الرماحْ
ها أنا والرياحْ
جسدي تحت لحدي ورأسي جناحْ
ها أنا بين رمل الصحارى
ولون السماءْ
ها أنا في العراءْ
انكرتني ضفافُ الفرات
فلم ألقَ قطرة ماءْ
في رمال الجزيرةِ ضيعت إسمي
وغادرني الانبياءْ   
فاقطعْ الآن من جسدي ما تشاءْ
سيفل الحديد الوريدْ
جرّب الآن في جسدي ما تريدْ
ذاك رأسي على طبقٍ باردٍ يا يزيدْ
بعد شهر من اجتياح الكويت توقف قلب الشاعر الذي ظل غريبا في وطنه ، مات وتحت وسادته نسخة من إحدى صحف المعارضة لصوت الجلاد ، شاعرنا الراحل رشدي العامل حين نزور ضريحك سنفعل ماطلبته من احبتك ، حين قلت : اطرقوا ثلاث طرقات على قبري اذا سقط الطاغية حتى اعلم ان ليل العراق قد انتهى" ، هكذا كان العراق ، لا فرق بين نهاره وليله ، كان أنشودة يترنمها المناضلون بعذاباتهم ، حتى يجيء موسم البوح والغناء سندع شاعرنا مستريحاً في نومته رغم رغبتنا في ان نسمع  صوته والقاؤه الشجي ، كلماته ونصوصه الباذخة ، اين ذلك الخزين المعرفي هل حفظته كتبنا ؟ ام اين مخزون تجاربه النضالية ؟ اين عطر الصبا وذكريات مدينته الجميلة  ؟ اين تلك القراءات الشعرية وتلك الايام الشقية هل سيتذكرها المحبون ؟ ام ان ضجيج البلاء قد دفع المغني الى جب النسيان .
وطني .. قـصـيـدة لم تنشر من قبل لـ رشدي العامل قبل سقوط الديكتاتورية
وقد مات المغني
هل نستعيد حكاية السنوات عاريةٍ
بلا وترٍ يرافقها
ولا صوتٍ يغني
هل تعبر الايام ارصفة الشوارع
أوجه الاطفال ، اثقال الرجال
وكوةً في باب سجني
منها أرى أمي واصحابي
ومنها يدفع السجان لي خبزي وكفاف اليوم
منها ترحل السنوات عني
وتعود مثقلة السلال
أعود طفلاً ، اسرق التفاح من بستان جارتنا
وامنحه الصبايا
طفلاً بريئاً الثغ الراءات ، تفتنه الحكايا
والنهر والناعور ، والبلم الفراتي الجميل
تلهو به الامواج عابثة
وجبهته تميل
جذلى الى ضفةٍ تلألأ كالمرايا
والارض اغنية ، وعاشقة وبيت
والسفح مرتكن على الربوات
تحضنه الورود
والارض جذلى ، والسماء قريبة منا
وضحكتها وعود
والارض جارية ولود




4
الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع صوت الحزن العراقي
   رحيم الحلي
كنت اتوقع ان يصوت له الملايين خصوصاً اولئك الفقراء في مدينته التي انتمى اليها بكل مشاعره ونذر لهم سنين عمره المتعبة ، لكنهم اخطئوا طريقهم وتعثرت خطاهم ، عيونهم معمشة بالقذى والغبار ودخان الحروب وبصيرتهم اتعبتها قصص الافتراء وحكايا الليل الخرافية ، ربما سيبكي الكثيرون أسفاً حيث كان شاعرهم النبيل امامهم فتخطوه سائرين نحو الاوهام .
حين اختار الشاعر كاظم اسماعيل الكاطع طريق الشعر فانه اختاره شعراً شعبياً ليس شعراً نخبوياً ثم اختار ماءه دجلة والفرات ومن شواطيء الفقراء صعد زورقه اليساري يشق امواج الخوف عابراً سنوات الظلم والليل الطويل الذي كلكل بظلمته على مساءات الناس السابحة بالعتمة واللائذة من الخوف بالركون الى زوايا الصمت ، ابتدأ حياته رياضيأ ثم  بدأت اهتماماته بكتابة القصيدة مع بداية تساؤلاته عن الخلق والحياة ، فهو ابن مدينة الثورة الفقيرة وهو كل يوم يرى بعينه البؤس والفقر والعوز تتحدث به ابواب البيوت وشبابيكها والازقة والطرقات التي تطفح بالمياه الاسنة ، ولانه يساري الهوى فقد بداً يفك طلاسم الاحجية شعراً ، وكان الشعر ويبقى افضل وسيلة للتعبير ، واقوى صرخة ، سيتلقفها الفقراء موضوع رسالته ، في مدينته الفقيرة والغنية في ان واحد ، تعرف على كبار الشعراء ، الشاعر عريان السيد خلف ، شاكر السماوي كتابته الاولى كانت مع قصيدة انتهينا والتي أشرت لنهاية حلمه العاطفي ولخيبته الاولى  ، كانت حياته مليئة بالفواجع الفاجعة الاولى وهو يرى فقر الناس وعوزهم في بلد نفطي ينام على بحر من الذهب ، ليذهب هذا الكنز الاسود الى جيوب الحكام والدول الكبرى ، اما عامة الناس فتزكم انوفهم روائح المجاري النتنة وهي تقطع شوارع ازقتهم ، في واقع مثل هذا ، لابد ان يصبح الشاعر يسارياً او غيبياً قدرياً ، لكنه اختار الطريق العلمي ، لم ينفتح امامه واضحاً الا درب اليسار الذي مثل العراق بكل اطيافه وقومياته وانحاز عن قصد واصرار الى فقراءه  ، وجسد مؤسس الحزب الشيوعي فهد صورة الوطن ، كان طريقه الى الحزب الشيوعي من مدينة الثورة سالكاً وواضحاً يخلو من المطبات ولايحتاج الى استئذان او الى بطاقة دخول ، غنى للوطن  وحمل حنين المهاجر رغم انه لم يفارق الوطن كيف تلبسته عفاريت واوجاع الغربة وكيف عبر عنها بتلك الصور الدقيقة وبخطوطها الحادة التي تجرح فؤاد المغترب وتشده الى وطنه بطريقة مؤلمة وكادت ان تكون مذلة في ظل الفاشية التي اغلقت ابواب الوطن ووضعت الحراس على طرقات الناس :   
 علٌمني إل فراﮒ

أعزف لحن غربتي إبقيثارة أشواﮒ

أسهر  وحن وأنفعل

وأتمنىٌ واشتاﮒ

مامش مثل ديرتي

لو نمشي طول العمر !!!

ماﺘﻠﮔه مثل إعراﮔنا إعراگ
وكتب عن  الغربة  :

وإتعلٌمت عالسهرْ .. والسكتهْ .. والصفناهْ

ذلٌيت ذلْ النهر من ينكَطع مجراهْ

وإعرفت كل شي إعرفتْ

حتىٌ النخلْ ينحني لريح السفرْ من يجي

وجايب غريب إوياهْ

ألله !! يا هالوطن شمسٌوي بيٌه ألله

نيرانه مثل الثلجْ

كلما تدكْ عالضلعْ

أبرد وكَول إشٌاهْ

إللٌي إمضيٌع ذهب!!

بسوكَ الذهبْ يلكَــــــاهْ

وإللي مفاركْ محبْ ...

يمكن سنهْ وينســــــاهْ

بس إل مضيٌع وطــــــــــــــنْ

وين الوطن يلكَـــــــاه ؟ ؟ ؟

 فالفاشيون لطخوا جدران البيوت بالسواد واحبوا سواد الليل وارادوا لنهاراتنا لون الليل  ، رغم ان لون السواد غطى قلوب العباد لكن لشاعرنا وجعاً مضافأ يطرق بابه ويقض مضجعه القلق برحيل ولده حيدر :
بدى العام الدراسي وبدت الهموم
وبيتي عالمدارس بابه صاير
نسيت ...وداعتك جيت اشتري هدوم
الك ...ومحضر اقلام ودفاتر
مو تسمع قيام ...وليش ماتكَوم؟
ومر اسمك ولا من كَال ...حاضر
الشمس طلعت علينا...مو وكت نوم
وهم عدكم صبح يا اهل المكَابر
وهم عدكم ...ضوه ...وشباج ...ونجوم
وهم ينطونكم واجب ال باجر ؟
وفي نفس الموضوع :
الوالد بالوداع يصير مهموم ...وانا اثنينهن والد وشاعر
خيلك طشرتني وجنت ملموم ...وصارت طيحتي بين الحوافر
اذا عشرين يوم وما شفت نوم...شيظل بالحيل بالعشره الاواخر ؟
فراش الفاتحه لو شفته ملموم ...بنص كَلوبنا تلكَى الجوادر
يمنه المصبغه ..ودينه لهدوم
الحزنك مشترينه قماش حاضر
تمنيتك جرح ...كلساع ملجوم
وتبات الليل بشفاف الخناجر
انا يا بوي من ونيت مالوم ...نزل مني دمع يعمي النواظر
خدودي متعوده تتندى كل يوم ...وتحب الماي خشبات الكَناطر
لمت الروح بس شفادني اللوم...شلحك ؟ وبسفينة الموت عابر
المنايا عالسطح وعيونها تحوم...عليك ...ونزلتلك نسر كاسر
ستر الله نغط بديارنا البوم...اخذ عين الكَلاده وراح طاير
ديني حلاتك حلو الرسوم...بلكي انعشك دنيانا مظاهر
اظل كاظم وصبري وياي مكظوم...لوما هالخشب جوه الاظافر
اهن كاسين بهن كاس مسموم...خاف اغلط وبالمسموم اكاسر
بعنه البيت ريت البيت مهجوم....وريت اكثر بعد من هالخساير
تحب انت اللعب والكبر ملموم ...شلون تحملت وشلون صابر؟
وليش من الهوى يابوي محروم ...ونسمات الهوى تطيب الخاطر
من هو ؟ الشوفك صورة المعدوم...وليش تعلكَت ياشاب يا قاصر
ما ظنيت زرعي يروح فد يوم ...وعصافير الحزن تگضي البيادر
من اكتب قصيده تزيد الغيوم...ومن عيني الدمع يملي
ومن قصائد الرثاء والبكاء كتب لزوجته الراحلة :
زكية احجيت قصتها على الدفان
لكن بالحجي الدفان ما صدﮒ
يا ﮔﺍع النجف وشكثر بيج اسرار
نحسدهه الصبرهه اشعجب ما تزهگ
ممصدگ غرفتج تبقى كلها اتراب
واخشاب العرس تابوت الج تندگ

ومن القصائد التي حفرت حزنها في اخاديد القلب قصيدة مامرتاح التي رسمت المشهد العراقي في ظل الظغيان والحروب و حالات الخوف والرعب المتعاظم وتفشي النفاق وتراجع قيم الجمال والخير امام طغيان  الجهلة الذين سيطروا على كل مرافق الحياة واغلقوا كل نوافذ الحياة والنور ، فتحولت المدينة الى قرية مشوهة ، لتؤكد تراجع الحضارة والمدنية امام العسكرة والاستخفاف بالثقافة ، شاعر نبيل يواجه محاولات حثيثة للاذلال يعاصر هزائم وانكسارات سياسية وتراجع وانبطاح كثير من المثقفين التي جرفتهم قوة الاعصار الهمجي ، لكنه تمسك بجذور النخلات النابتة على حروف انهاره فلم يجرفه الطوفان  ، لم اجد قصيدة اقوى في التعبير عن حالة الضياع التي عشناها والمهازل التي وعيناها وسيطرة النفاق على المشهد الكلي للحالة العراقية مثل قصيدة مامرتاح :
مامرتاح

عيوني تستحي بس الدموع اوكاح

ما مرتـــــــــاح

منٌك.. منٌي .. من الجاي من الراح

ما مرتــــــــاح
عركه وي الزمن ورجعنه مكسورين !!

وبعيده المسافه وينٌسي اللٌي طاح ..

ما مرتـــــــــــــاح

لأن شفت الشمس نزلت تبوس الكًاع

وبكف الطفل تنلاح

ولأن قاضي البلابل مدٌد التوقيف

ومفتوحه السما

والفيل عنده جناح !

ما مرتـــــــــــــــاح

لأن قفل المحبه إنباكً

وِترهٌم عليه مفتاح

متروك بجزيره وتيٌهت بالليل

وإجو ربعي عليٌه بقافلة أشباح

وإنته إشبيك ؟؟؟؟؟

لمٌن دافعت عن نفسي صابك غيض

مو حتى الكًنافذ من تحس بالخوف

تستخدم جلدها سلاح !!

ما مرتـاح من ربعي ولا مرتاح

تمساح إبنهرهم صاحوا من الخوف

وجازفت بحياتي من سمعت إصياح

صارعت المنيٌه وبيده هزني الموت!!!

ومدمٌى إطلعت

صفٌقًوا للتمســــــــاح !

كل هذا وتريد أرتاح؟؟؟؟؟؟؟؟

ما مرتـــــــــــــــاح

ولا جن الفجر مثل الفجر محبوب

لون الفجر صاير يقبض الأرواح !!

رجعت الستارة بحرقة عالشباك

ورثيت الورد وبجيت

من شفت الندى فوق المدافع طاح

قل شوف السفينة والضباب يزيد

وسيوف الملامة بجلوة الملاح

ياسن الصخر وتكسرت بالروج

مو كنت بزمانك ترهب السفان؟؟؟؟

ما مرتاح من ربعي ولا مرتاح

نادوونـي.. وركضت إبليــل

إيد الرسن بيها وإيد بيها سلاح

عثرت مهرتي ... وربعي قبل ما طيــح

واحد كًال للثاني:

أبشـــــرك طـــــاح

أبشــــــــرك طــــــــاح

قصائده مثل تمرات طازجة في سلة فلاح عراقي متعب ، هي ثمرة رحلة قطاف في صيف عراقي قائظ ، العمر المديد والعافية لشاعرنا الكبير كاظم اسماعيل الكاطع ، وادعو كل المثقفين في الوطن والمنافي لمتابعة وضعه الصحي ورعايته ولا ادعو المسؤولين ، الشعراء الشرفاء عيون الوطن ، يجب ان لانتركها تعاني الرمد وتسبح بالدموع .

arsrks@yahoo.com



5
المنبر الحر / حطب الايام
« في: 01:13 10/03/2010  »
حطب الايام
   رحيم الحلي
اجمع الحطب امام كوخي الصغير ، قطع صغيرة من شجرة جوز يابسة ، كي اطعم مدفئتنا الصغيرة ، فقد اصبحت الغربة وطناً وكما يقول الشاعر ليس بينك وبين الوطن نسب / خير البلاد ماحملك ، فقد رحلنا عن بلادنا عندما عجزت ان تحملنا ، اخبار الانتخابات تتصدر وسائل الاعلام ، وهاهي الشعارات الجميلة تتصدر الشوارع والحارات ، تستفزنا الاموال الطائلة التي تنفق على المحطات الفضائية حين نسمع ان سعر الدقيقة يساوي الاف الدولارات ، لماذا تهدر اموال العراقيين هكذا ؟ مرة تُنْفَقْ لشراء الاف الاطنان من الاسلحة لتتحول الى حديد خردة في ساحات القتال العبثية وتنتهي معها حياة مئات الالاف من المواطنين ، ومرة تُنْفَقْ لشراء الاسلحة لمواجهة الارهاب ومرة اخرى لشراء الحواجز الكونكريتية وتكوين جيوش مدججة بالسلاح ومرة اخرى تُنْفَقْ ثروة البلاد لتأمين الرواتب الضخمة للمسؤولين الحكوميين ، ولم نسمع ان مالاً انفق لبناء بيوت للفقراء ؟ ولا لبناء المعامل كي تستوعب ملايين العاطلين المعدمين ؟ واصبح العراق كالصومال في مستوى التخلف الاقتصادي والخدمي ومستوى الفساد الاداري.
 ولم نسمع ان احداً سأل عن العراقيين الموجودين في الخارج ، لازلنا نحن ضحايا الحقبة السابقة في غربتنا راقدين ، لم نجد احداً من قادة الاحزاب التي عملنا معها يوماً سأل عن حالنا ! جائتنا مساعدات من منظمات انسانية ! من الكنائس ! اما ربعنا فقد نسونا في غربتنا نعاني التعب والاسى والحرمان .
 هل الاخلاق لها حزب او جماعة محددة ؟ لا اظن ذلك ، الانسان هو الاهم وهو المقياس ، وقد شاهدت اناساً متدينين اطلقوا لحاهم لكنهم سرقوا وارتشوا وخانوا الامانة ، وذات يوم بنى احد اصدقائي اليساريين معملاً صغيراً وصديقي هذا كان يحفظ كتب ماركس عن العمال ومعاناتهم وحين بنى معمله كان اشد قسوة من اولئك الراسماليين الذين وصفهم كارل ماركس في القرن التاسع عشر ، وشاهدت يساريين باعوا بيوتهم ليساعدوا المحتاجين وشاهدت فناناً معروفاً باع عوده ليساعد امراة تريد اجراء عملية مكلفة لأبنتها الصغيرة في حين تنحى عن مساعدتها بعض رجال الدين ، بينما كان الامام علي وهو إمام المسلمين ، كان نموذجاً نادراً في حب الناس ، و جاء في القرأن الكريم وصفاً رائعاً لنفسه الطيبة المحبة للفقراء ودرجة ايثاره العظيمة وهو يقدم الطعام على قلته وحاجة اسرته اليه ، يقدمه للفقراء وحتى الاسرى : (وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِيناً وَيَتِيماً وَأَسِيراً) ، جاء في الحديث الشريف : (خير الناس من نفع الناس) ، بينما شاهدت اناساً اسلاميين وهم في ايام معارضتهم لحكم صدام بنوا القصور وبذخوا في انفاقهم وكانت وجبة غذائهم تعادل ماننفقه في ثلاثة اشهر .
الشاعر عبد الرزاق عبد الواحد في قصيدته صبر ايوب يصف حال العراقيين :
 هذا الفناءُ..وهذا الشاخصُ الجـَلـَلُ
هذا الخرابُ.. وهذا الضيقُ.. لقمتُنا
صارت زُعافاً، وحتى ماؤنا وشِلُ
الشاعرعبد الرزاق عبد الواحد يصور بصدق حال العراقيين ايام الحصار ، بينما كان قائد الامة المنصور يبني اعظم القصور التي ادهشت القادة العسكريون الامريكيون عندما دخلوها بعد احتلالهم ارض الوطن .
هذه الايام ينفق كثير من المسؤولين ملايين الدولارات على حملتهم الانتخابية بينما يعيش ملايين العراقيين فقر مدقع وسط حالة من انعدام الخدمات الانسانية ، لقد تهنا في هذه الزحمة وكما قال الشاعر الشعبي حرت وين انطي وجهي وين مكفاي ؟ .
هل صحيح ان السياسة ليس لها اخلاق ؟ لا اعتقد ذلك ، فالنظام الراسمالي الذي يبحث عن المصالح وتتقلب سياساته تبعاً لذلك ، هو السبب في نشوء فكرة ان السياسة ليس لها اخلاق ، صحيح ان في السياسة مصالح متصارعة وامتيازات واغراءات الكراسي ، لكن التاريخ حدثنا عن الكثير من القادة الصادقين ، كالامام علي وعمر بن عبد العزيز وجيفارا وعبد الفتاح اسماعيل وعبد الكريم قاسم ، الاخلاق موجودة في كل مكان وفي كل زمان ومرتبطة بصدقية الانسان بتربيته ومنطلقاته وليس لها علاقة بحزب او جماعة .
يقول المثل الشعبي : ابو كريوة يبين بالعبرة .
أي ان التجربة تثبت حقيقة الانسان ، وليس الشعارات التي يرفعها ، او المثل التي يدعيها ، او العقائد التي يحملها .

arsrks@yahoo.com


6
المطرب الكبير جبار عكار في محنة كبيرة



   رحيم الحلي
الثقافة في محنة كما قال الاستاذ فاضل ثامر ، وكذلك حال المثقفين فهم مهمشون ويتعرضون لمزيد من التهميش .
 الفنان جبار عكار هذا الصوت العراقي الكبير والعلم الغنائي المعروف الذي قدم اعماله في مسارح عربية واوربية ويعتبر صوته حالة فريدة في القوة والمساحة ، يعاني الفقر والاهمال بين كماشة العوز والنسيان ، كل الشكر للفنان الكبير النبيل سامي قفطان وبرنامجه الجميل منسيون الذي اطل علينا في احدى حلقاته مصوراً حالة هذا الفنان المؤلمة ، كل الشكر لكل من يحترم الفن والثقافة والانسان ، الثقافة والفن ضروريان في حياة الشعوب كضرورة الماء والهواء ، لايوجد شعب متحضر يفتقر للموسيقى والغناء ، المحزن ان العراق كلما تعرض للطغيان فان اول الضحايا هم المبدعون من الشعراء والمفكرين ، ففي عهد صدام كان يصول ويجول طه الجزراوي بينما يتشرد الجواهري ، واليوم يصول ويجول في بلدنا حملة البنادق ،  اما حملة الاقلام فيتعرضون للتهميش ، لنتذكر ان النازي غوبلز قال يوما كلما اسمع كلمة ثقافة اسحب مسدسي ، فماذا عسى هؤلاء فاعلون عندما يسمعوا كلمة مثقف او قنان .
دعوة لكل الاحرار في العراق ان يبذلوا جهدهم للاهتمام بمثقفي العراق ومبدعيه وحمايتهم من الاذلال المتعمد والتهميش .
لابد من رعاية الفنان الكبير جبار عكار والفنان سلمان المنكوب والفنان عبد الجبار الدراجي وغيرهم .

7
أدب / قصة قصيرة الاستاذ منسي
« في: 17:20 22/05/2009  »
قصة قصيرة
الاستاذ منسي
رحيم الحلي


وسط اشجار الجوز والزيتون والرمان توزعت العديد من القبور في مقبرة القرية الصغيرة المكونة من مجموعة بيوت مبعثرة وسط غابة كبيرة من اشجار الجوز والمشمش والزيتون ، الاشجار شكلت سياجاً منتظماً حول المقبرة التي لايزورها اهل القرية الا ايام الجمع والاعياد ، وفي احد بساتين القرية المسّورة بسياج اسمنتي كان هناك حارس غريب عن اهل القرية وقليل الاختلاط بهم رغم محاولة العديد من شباب القرية زيارته ، الا انه كان يقف عند باب البستان دون ان يدعوهم للدخول لذا تردد الكثير من شباب اهل القرية في زيارته واستضافتهم في غرفته الصغيرة التي احتوت على فراش متهالك ومجموعة صحف ومجلات قديمة وكتب تبعثرت في ارجاء الغرفة اضافة الى موقد خشبي توسط الغرفة ، كان شخصاً غامضاً هكذا تحدث شباب القرية عن الاستاذ منسي كما يسموه لايُعْرَفْ من اطلق عليه اول مرة كلمة استاذ رغم انه لم يدَّرس احداً منهم ، ولم يعرفوا ماهو اختصاصه ومن أي جامعة تخرج ؟ ورغم عمله البسيط الذي لايرضى به اصحاب الشهادات الدراسية ، لاندري كيف استحوذ على قلوبهم وكسب حبهم واحترامهم ؟ هل هو غموضه الشديد ؟ ام هي الكتب التي يحمل احدها في رحلته حتى ولو كانت الى حانوت القرية  ؟ الجميع ادركوا ان هذا الرجل لم يكن شخصاً عادياً ، اثار فضول الكثيرين حتى اصبح البعض يتراهن على كسر جوزة اسراره ، كان غموضه مثار قلق للجميع ويدفع لكثير من التكهنات احدهم قال : انتبهوا من الحديث امامه ولاتأمنوا جانبه ، كان الاستاذ منسي طويلاً ونحيفاً وعلى خده الايسر ارتسمت حبة بغداد.
 يأتي للقرية في بعض الاوقات عندما يريد ان يشتري حاجاته من ابو مرزوق صاحب الحانوت الوحيد في القرية الذي انتصب حانوته على الطريق المزفَّتْ متوجهاً صوب الغرب عند الكتف الايمن لباب المدرسة ، يسمونه الغلوجي فهو يتحكم بالبيع ويرفع الاسعار بطريقة قاسية ، فحانوته هو الحانوت الوحيد في القرية يبيعهم بالدين لاجل محدود ، فيسكت الجميع على مضض عن غلاء اسعاره ، على كل حال لاخيار عندهم فالقرية بعيدة عن المدينة ، فهم مضطرون للشراء ، اما الاستاذ منسي كان يقف بهدوء مثل شجرة حور أيبسها الزمن الطويل وتنتظر ريحاً تحرك اغصانها المتهدلة ، يظل واقفاً حتى يسأله صاحب الحانوت عن حاجته او حتى ينتهي الاخرون من شراء بضاعتهم فهناك معمل صغير لتعليب الخضار في الجانب الغربي من المقبرة او الجبانة كما يسموها اهل القرية سيجتَّه اشجار الجوز العالية ، وعلى بابه الرئيسي كانت هناك غرفة صغيرة لبواب المعمل الذي يجلس على كرسي بلاستيكي صغير امام طاولة صغيرة يضع عليها ابريق الشاي يرقب القادمين من خلال نافذة صغيرة بدت عيناه من بعيد كعيني ابن عرس تتحرك صوب اليمين والشمال ، عند الظهيرة يخرج كثير من العمال لشراء احتياجاتهم كان الكثير منهم قدموا الى القرية من انحاء بعيدة ، الاستاذ منسي كان يتعاطف مع العمال فيعطي دوره للعمال وهو يقول لصاحب الدكان : مَشّْيهُمْ خطية ساعة الغذاء محدودة ، كان يجلس بعض الوقت في مقهى القرية الوحيد الذي كان عبارة عن دكان يطل على فسحة خضراء صغيرة ارتفعت في وسطها شجرة تين كبيرة كان يجلس في احد الزوايا بعيداً عن الاخرين امام احدى الطاولات الخشبية ليحتسي كأس الشاي الذي لم يطب له مذاقه الا حين يصنعه بيده في غرفته ، اما صاحب المقهى ابو رياض فهو الوحيد الذي استطاع ان يحصل على نتف من اسرار هذا الرجل الغريب الذي يبخل في الكلام على الجميع ، وذات يوم سأله عن القَدَرْ الذي ساقه للعمل في هذه القرية النائية ، وسط اهلها الفقراء ، نظر اليه طويلاً ثم اخذ نفساً عميقاً وادار ببصره صوب البستان البعيد الذي يعمل به ناطوراً ، كثيراً ما كان يحمل بيده كتاباً يتصفحه اثناء جلوسه في مقهى القرية او احياناً يستغرق في قراءته ، ابو رياض كان يرفع صوت مسجلة الكاسيت على اغاني سعدي الحلي ، فلقد انتبه الى ارتياح استاذ منسي لسماع صوت سعدي الحلي ، وقد لاحظه يوماً وقد اصابه حزن شديد وهو يستمع لأغنية يمدلولة ونزلت دموعه ، ولمَّا احسَّ ان صاحب المقهى يختلس النظر اليه ، خرج بسرعة يداري حرجه فقد اعادته الاغنية الى الايام الخوالي في مدينته العراقية حيث عمل مدرساً للغة الانكليزية عدة سنوات وظل اعزباً رغم الحاح والدته عليه بالزواج كي ترى اولاده قال لها : اريد الرحيل ياامي ، تذكر الزورق الذي ينقله كل يوم الى مدرسته وهو يشق صفحة الماء ، وكم من المرات كاد ان يميل الزورق لولا سواعد قائده التي تشد الحبل الواصل بين ضفتي النهر قريباً من ضريح النبي ايوب ، اما عند الظهيرة فقد اصبح زبون دائم لباجة شرارة ، اما هنا في الغربة لاشيء يعوضه عن تلك الايام الغابرة ، جائته اخيراً اخبار من وطنه المشغول بضجيج الحرب ، انبئته بمقتل العديد من اصحابه واعتقال واختفاء اخرين ، وبموت والدته وحيدة في غرفتها ، ظل يمشي طويلاً بين الاشجار يتأملها ينظر الى ظلالها التي ترسمها فيودعها بعض احزانه وهمومه ، يتأمل زرقة السماء ويتمعن برؤية الغيوم فهو يخاف المطر ، وتثير فيه كأبة غريبة رغم فرح الجميع بالمطر ، لكن صوت المطر يثير في قلبه الحزن والمواجع ويجعله حبيس غرفته الصغيرة وسط البستان الكبير ، وبعد عشر سنوات مضت ثقيلة ورتيبة ، وجدوه ميتاً وقد اوصى ان يُدْفَنْ في القرية هكذا قال صاحب المقهى وقد اعترض الكثيرون بدعوى انهم لايعرفون اصله وفصله ، لكنهم وافقوا بعد تدخل معلم القرية استاذ رمضان حيث قال : عيب ياناس لاتستكثروا عليه قبراً هذا الرجل تشرد بسبب شجاعته ، فطلب منهم احضار صديقه الحميم فيصل ، ذهب احد شباب القرية لجلب فيصل الذي يعمل بائع للسكائر في مدخل المدينة ، كان في الاربعين من عمره طيب القلب وحلو المعشر ذو وجه باسم رغم التعب الذي افقده نضارته وخط عليه بعض التجاعيد التي ربما اكتسبها من تلك السنوات الطويلة التي قضاها في السجن ، كانا من مدينة واحدة هاجرا ليس بحثاً عن رزق بل هربا بجلديهما ، كان يتردد عليه كل خميس حيث ينام عنده حتى صباح السبت ليتفرغ الاثنان لعمليهما حتى يحصلا على لقمة العيش في هذه الغربة المريرة ، وحين حضر فيصل وقف مثل تمثال امام جثمان صديق غربته الوحيد الاستاذ منسي ، وجده ممدداً وقد فتح عينيه الذابلتين ، ثم انتبه الى كتاب صغير قرب رأسه لم ينتهي من قراءته بعد ، حيث وضع ورقة قبل اخره ، جلس فيصل القرفصاء على ارض الغرفة واضعاً رأسه بين يديه ، أحس بالمرارة واليأس ثم اخذ بالنحيب فتساقطت دموعه على الكتاب الذي كان ديواناً شعرياً لشاعر غريب .
في المقبرة حيث تبعثرت بضعة قبور كان بعضها قد درست اثاره ولم تبقى سوى كومة تراب واحجار ارتفعت عن سطح التربة ، قبور اخرى دهنت باللون الاخضر والازرق وضعت امام احدها باقة من الأس لازالت خضراء كان قبراً لشاب دهسته سيارة مسرعة ، وبضعة زهرات لشقائق النعمان الحمراء نمت في بعض الاماكن ، بضعة اشخاص هم من حمل الجثمان او مايسمونهم بالمشيعين ، بقي فيصل يحمل التابوت من احد اركانه يتقدمهم وقد اغرورقت عيناه بالدموع ، وفي احد زوايا المقبرة انزل التابوت وبدأ الحاضرون يتعاونوا في الحفر تحمل فيصل الجهد الاكبر وانزل الاستاذ منسي الى لحده ، اصر فيصل على وضع ديوان الشعر قرب رأسه ، ثم اقتطع بضعة وردات من شقائق النعمان وضعها على القبر.
 عند الغروب من كل خميس كان فيصل يأتي للمقبرة لزيارة صديقه ويقضي ليلته كعادته ، لاحظ اهل القرية ان فيصل كان يغني طوال الليل حتى يغلبه النعاس حتى ظن الجميع ان الرجل قد فقد عقله ، كانت بعض النسوة يضعن صينية طعام قرب قبر الغريب كل خميس ويشعلن البخور .
arsrks@yahoo.com


8
الشاعرالغائب ذياب كزار ابو سرحان
رحيم الحلي
arsrks@yahoo.com
ابا سرحان هل لازال الدرب طويل كما تنبأت منذ زمن بعيد ، هل حقاً سنصل الى تلك القنطرة البنفسجية الغافية على نهر الاحزان السرمدي ، ام كانت احلامنا محض سراب رسمته قسوة الايام  فكانت مثل زورق ملون يهرب بنا من واقعنا المرير ، اي حاجز كتائبي لئيم استوقفك ايها الشاعر الجميل ، لاشك انك تذكرت الشاعر لوركا حين اوقفته الكتائب الاسبانية السوداء فكلها كتائب ارتدت سواد الليل وكشرت انيابها بوجه الصباح الفيروزي ، وبوجه الغرباء حملوا اعظم الاحقاد ، مالنا هل اصبحنا نحن الغرباء دودة الارض المخيفة ام صرنا شذاذ الافاق ، الم يكن الحسين غريباً في كربلاء اما كان جيفاراً غريباً في جبال بوليفيا ، لم تكن أشراً يا ابا سرحان فلقد رحلت بعيداً تحمل دفاتر اشعارك وجسدك المنهك من سنوات السجن في نقرة السلمان ، لقد ناصرنا وناصرتنا الثورة الفلسطينية وكيف لا يتعاون المظلومون ويتعاضدوا ، اتذكر ان فرقتنا الغنائية التي اسسها الملحن كمال السيد في دمشق اوائل الثمانينات كانت تتدرب في مقر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في اليرموك وكنا اخوة حقيقيون وصدق ابو فراس الحمداني الذي ذاق مرارة الغربة في الأسر حين قال
نسيبكَ منْ ناسبتَ بالودِّ قلبهُ   وجاركَ منْ صافيتهُ لا المصاقبُ
بالامس استمعت الى اغنية شوك الحمام التي كتبتها يا ابا سرحان في اواخر الستينات ولحنها الملحن المبدع كوكب حمزة وغناها المطرب الدكتور فاضل عواد ، انسكبت الكلمات على قلبي مثل شلال من الاحزان فبكيت ثم بكيت تمنيت ان ابحث عنك في كل ربوع لبنان انبش كل حجارة واسأل كل الاشجار هل تعرف اين تنام ؟ ثم سالت دموعي حين وصلت الاغنية الى المقطع التالي :
خليني حدر الزلف …
ترجيه
أرد أغفه !
حسنج كَمر …
 لو شمس …
لو فرحه لو زفه
يلماي وين النبع … ؟
مدفون بالشفه
وشوق الحمام ابهيد …
والونه ترفه
اين غفوت يا ابا سرحان تحت اية ارزة او سندنيانة وضعوك ستنطق كل اشجار لبنان شعراً ستسقيها من روح شعرك عذوبة الكلمات ، شجرات الارز حزينة حين ارادوا اخفائك تحت جذورها فتشربت منك سحراً وبيانا ًوموسيقاً لابد انك أفقت في احدى الليالي لتغني شوك الحمام فخرج الحمام ليلاً ليستمع الى صوتك الحزين ايها الشهيد الغريب بكت كل الحمامات حين سمعن كلماتك وانت تردد يلماي وين الندى فانت عطشان ايها الشاعر الغريب عطشان الى نبع يسقيك ثم بَقِيتَ تغني قصيدتك الخالدة :
ذبلن وعود العشق بشفافك ..
 وماتن
وطيور حبنه ارحلن ..
وي طيفك وتاهن
وكل المهاجر اجه ، وكَلبك بعد ما حن
وشوق الحمام ابهيد .. 
 والونه ترفه
يلرمشه بستة فرح …
وعيونه تجليبه
يلطوله نايل عشق …
والشعر مدري به
 مجتول من صيد أمس
 من كثر تعذيبه !
ابا سرحان لقائنا حتماً تحت جسر الاحلام فهناك قنطرتنا البعيدة وهناك غفت احلامنا ونامت ، فالليل موحش وطويل وضباع الليل قتلت الفرحة في قلوبنا  ، ارجوك لا ترحل ! سنصل اليك سنتسامر طوال الليل ونغني اغنيتك الرائعة
حـــدر التراچي بـــرد والگنطره اِبعيده
أمشي وأگول أوصلت والگنطره اِبعيده
             *****
حلمانه برد الصبح رجف خلاخلهه
يا دفو... چمل دفو يا گمر ضويلهه
يا ذهب خيـــــط الشمس
والدغش ماريده
أمشي وأگول أوصلت والگنطره اِبعيده
         *****
لا ..لا .. يبـــــرد الصبح
ما تحمل اِچفوفهه
اِزغيره وچواهه العشگ
واِتوسد اِزلوفهه
هيــــــمه وجحيل الوكت
ما لمني نفنوفهه
لوذي اِعله باجي البعـد
يا روحي حدر ايده
أمشي وأگول أوصلت
والگنطره اِبعيده
ولد شاعرنا الغائب أبو ســــــرحان في محافظ البصرة عام 1946 من أبوين عراقيين ينحدران من قضاء الشطرة قرية ( آل جار الله ) رحلا إلى البصرة طلباً للعيش ، قاده ادراكه الفكري المبكر الى الانتماء  لحزب الفقراء الحزب الشيوعي ، سُجنَ في سجن نفرة السلمان ولم يبلغ السابعة عشرة من عمره النيزكي ، قادت الاحزاب الشيوعية واليسارية حملة لانقاذه باعتباره اصغر سجين سياسي و قاد الفيلسوف  جان رســل والقائد الشيوعي الفرنسي  جورج مارشيه  الحملة العالمية و زارا السجن الذي إمتلأ بالاف السجناء الشيوعيين  .
اصدر ديوانه الوحيد حلم وتراب في بداية السبعينات  وكانت نبوءة مبكرة فقد اختلط حلمه مبكراً بتراب الارض فغاب في ارض غريبة دافع عنها ضد الاجتياح الاسرائيلي فوقف الى جانب اخوته الفلسطينيين واللبنانيين الوطنيين يدافع عن حق الشعب الفلسطيني في دولة مستقلة تنهي حياة التشرد والغربة ، فاستضافته بيوت الفلسطينيين واللبنانيين الذين تضامنوا مع محنة الشيوعيين والشعب العراقي من الديكتاتورية الصدامية ، اما الكتائبيون فقد تضامنوا مع الديكتاتور ومع الاحتلال الاسرائيلي ، فاستبشروا بقدومه بينما تصدى له المقاومون الشجعان وكانت بينهم ثلة من العراقيين الاحرار ذهب منهم عدد من الشهداء سقت دمائهم ارض لبنان تضامناً مع اخوتنا الفلسطينيون ، اما ذياب كزار فقد استوقفه حاجز كتائبي ليغيب هذا القمر اليساري العراقي وليسقي ارض لبنان شعره وكلماته الساحرة .
كان من الكتاب الاوائل الذين عملوا في جريدة طريق الشعب عند صدورها عام 1973 مع نخبة من الكتاب البارزين كشمران الياسري ابو كاطع ورشدي العامل والفريد سمعان وسعدي يوسف .
كما شارك أبو ســرحان في المجموعة الشعرية الخالدة ( أغاني .. للوطن .. والناس ) والتي صدرت عــن دار الرواد في 31 /آذار /  1974 بمناسبة العيد الأربعين للحزب الشيوعي العراقي مع مجموعـة من الشعراء الشيوعيين وأصدقـــائهم منهـم الشاعــر المبـدع عريــان سيــــد خلف والشاعرالراحل كاظم ألركابي والشاعر عبد الأمير العضاض والشاعررحيم ألغالبي ، فاضل السعيدي وعبد الله الرجب والشاعر إسماعيل محمد إسماعيل وكامل ألركابي من الناصرية ، إضافة إلى الشعراء شاكر السـماوي وكريم العراقي ، كاظم غيلان ، ريسان الخزعلي والشاعر الشهيد فالح الطائي وأبـو وليـــد ، الشاعر الشهيد أبو سميح والراحل كاظم الرويعي ، وعبد السادة العلي وفالح حسون الدراجي ورياض النعماني وغيرهم (1)
نشرت جريدة الصباح مقالة للدكتور سعدي السماوي كتبها عام 1974 في مجلة التراث الشعبي بعنوان الخصائص الفلكلورية في اغاني ابو سرحان ذياب كزار يقول فيها :
بحكم ارتباط الاغنية عند ابو سرحان بالجو الفلكلوري ارتباطا اساسيا بحيث يبدو احيانا ان الابيات في اغانيه لا يمكن ان تكون الا من الفلكلور بحكم هذا الارتباط نجد ان اللغة هي ايضا محملة بالالوان الفلكلورية الصارخة النارية فهي لغة مرتبطة بأعنف العواطف ، لغة الاغاني عند ابو سرحان جميلة ، مفرداته فيها الكثير من عالم الريف من الوانه من مفاهيمه عن الحب والحياة ، هذا يشير الى ان جذور اشعاره تمتد بعيداً في تراب الوطن وتتصل بمشاعر ومفردات  الناس البسطاء الذين انحدر منهم ودافع عنهم عبر انتمائه الفكري ، ومن هنا نجد ان اغاني ابو سرحان ذات لغة طفولية ريفية غارقة في الروح الفلكلوري الملون حتى لتبدو بعض أغانيه وكانها قطع من المنسوجات الريفية ذات الالوان النارية التي تعبر عن عواطف اهل الريف واشواقهم ولنلاحظ المفردات الفلكلورية والوانها وايحاءاتها:
غاد ابعد خليني احصد
واسمع رنات احجولي
اشرايد يحبيب تنشد
طولك ما والم طولي
مخوصر وعكالك مرعز
واحزامك فضة مرصع
ان هذه اللغة الموحية الملونة ليس من السهولة استعارتها بل لابد من معايشتها طويلا حتى تصبح جزء من الشخصية وفي كل محاولات الشعر الشعبي لم يستطع احد اجادة استعمال هذه اللغة (لغة الريف) سوى ابو سرحان ومظفر النواب مستفيدا ابو سرحان من ريف البصرة ومظفر من ريف العمارة والغريب اننا نجد ان مظفر النواب وابو سرحان عبرا بهذا اللغة على لسان امرأة رغم ان ابو سرحان كان غالباً ما يعبر عن عواطف مجموعة من البنات وهذه احد اسباب اقتراب ابو سرحان من مظفر وليس معنى ذلك ان ابو سرحان واقع تحت تاثير مظفر انما لكل منهما عالمه الخاص المميز بالوانه وعواطفه رغم انهما يقفان على ارض واحدة وينحدران من منبع واحد هو (الريف) المسحور.
وهذا ما يجعلني الاحظ هنا ان كل الذين كتبوا غزلاً على لسان المرأة خرجوا من معطف مظفر الا ابو سرحان فهو عالم قائم بذاته له حدوده الخاصة.
يريد الكاتب الدكتور سعدي السماوي في مقالته ان يرسم جسراً بين اغاني ابو سرحان والفلكلور ويصور قصائده وكأنها خرجت من معطف الموروث الشعبي  ثم يؤكد خصوصية الشاعر في هذا الجانب وتفرده .
ولكن ليس معنى ذلك ان الشاعر لا يملك ايقاعاته الخاصة النابعة من روحه التي تمتزج وتتوحد بايقاعات الفلكلور ولكنه عندما يتحدث عن نفسه بعيداً عن اجواء الفلكلور نجد انه يعطينا ايقاعات خاصة به كما نلاحظ:
وين يلمحبوب      وين كلبي يلوب
تتحمل اذنوب
وين رايح وين      والمن ادير العين
شلك عليه           خايب خطيه
ولنلاحظ هنا:
مره مرني الطيف نسمه اعله جنح
وبلل اعيوني ابدمعتين الصبح
ونكط ابهيده اعله روحي الغافية اسوالف عرس
وجانت الكذلة ذهب
وجانت الدنية كرستال وشمس
يتحدث الكاتب عن الصور في اغاني ابو سرحان معتيراً اغانيه تتفرع من شجرة الفلكلور الشعبي وتعنى بالموسيقى والغناء والرقص ولذلك يجب ان لا نطالبها بالصورة الكاملة المستديرة ولا حتى بالمعنى الكامل المحدد انما هي تستثمر ايقاع الكلمات واجواء الكلمات اكثر من اي شيء.
ان اغنية مثل اغنية (ام زلوف) لا يمكن ان نجد فيها صورة كاملة واضحة الملامح انما نجد ان الابيات القصيرة اللاهثة والمفردات ذات الدلالة العميقة تعطينا في النهاية جواً خاصاً:
حبس بالبيت حبسوني
هلي بلا صوج.. هيبله
وصحت وابجيت ارحموني
انه المكروده.. هيبله
بعيد بعيد بالدنيا
تعال وياي.. هيبله
انكط الروح حنيه
واشربك ماي.. هيبله
امشنه ابكاع ما بيها
ظليمة وخوف.. هيبله
واعيش واياك واكضيها
ابطرك نفنوف.. هيبله
يريد الكاتب اقناعنا بأن الشاعر ابو سرحان لم يكن مبالياً بالصورة وان الايقاع يشد قصيدته وينسج كلماتها اعتقد ان بامكانه القول بان الصورة في قصيدة ابو سرحان كانت بسيطة وسلسلة ومتناغمه تناغم فطري قريب الى قلوب الناس وايقاع حياتهم وحركاتهم وكانت الصورة بسيطة صافية تندفع كالماء  .
فهل هناك اجمل من هذه الصورة
حسنج كَمر …
لو شمس …
 لو فرحه لو زفّه
خليني حدر الزلف …
ترجيه
أرد أغفه
ويعود الكاتب ليضع الابيات التالية للتوكيد على فكرته بارتباط قصائد ابو سرحان بالفلكلور الشعبي وايقاعاته وموسيقاه
خبره يبعد اروحيتي
عن روحي ناشف مايها
لولي وسولف حالتي
حال الكطاية التايها
لا لا لول لوه
خلخالي صاح اودوه
لا لا لا لول ليه
ترجيتي اتضوي عليه
خذني اعله جفك سمسمه
ما هي ثجيله ياسمه
وذبني ابحلاتي مديرمه
يم ولفي وانسه الغيبه
يلراكب مهره ازغيره
ويلشايل خنجر عربي
هي انه ابدربك ليره
نزلني ابكوشر ربي
ان هذه اللغة الموحية الملونة ليس من السهولة استعارتها بل لابد من معايشتها طويلاً حتى تصبح جزء من الشخصية وفي كل محاولات الشعر الشعبي لم يستطع احد اجادة استعمال هذه اللغة (لغة الريف) سوى ابو سرحان ومظفر النواب مستفيدا ابو سرحان من ريف البصرة ومظفر من ريف العمارة والغريب اننا نجد ان مظفر النواب وابو سرحان عبرا بهذا اللغة على لسان امرأة رغم ان ابو سرحان كان غالبا ما يعبر عن عواطف مجموعة من البنات وهذه احد اسباب اقتراب ابو سرحان من مظفر وليس معنى ذلك ان ابو سرحان واقع تحت تاثير مظفر انما لكل منهما عالمه الخاص المميز بالوانه وعواطفه رغم انهما يقفان على ارض واحدة وينحدران من منبع واحد هو (الريف) المسحور، وهذا ما يجعلني الاحظ هنا ان كل الذين كتبوا غزلاً على لسان المرأة خرجوا من معطف مظفر الا ابو سرحان فهو عالم قائم بذاته له حدوده الخاصة . (2)
غاد ابعد خليني احصد
واسمع رنات احجولي
اشرايد يحبيب تنشد
طولك ما والم طولي
مخوصر وعكالك مرعز
واحزامك فضة مرصع
من هذه النماذج نرى ان طبيعة الصورة في اغاني ابو سرحان هي ايضا قريبة من طبيعة الصورة في الاغاني الفلكلورية من ناحية كثافة احساسها وسذاجتها ودورها في بناء القصيدة .
ولابد من تذكر الملحن المبدع كوكب حمزة الذي ابدع في تلحين هذه القصائد والبسها حلتها الموسيقية الساحرة التي كانت كالحلوى التي ذابت في افواه الناس التي ذاقت مرارة الظلم والطغيان والفقر .
لا اظن ان شاعرنا الغائب سيعود الينا لذا سأبكيه ماتبقى من عمري ، وسأعانق اشجار الارز واعاتبها بان تخبرنا عن مكانه نريد معرفة  مصير شاعرنا الغائب ابو سرحان نريد ان نعيده الى وطنه  الى ربوع البصرة او الى قرية جار الله في الشطرة او أية بقعة في وطني العراق واشد ما اخشاه ان تقول يا ابا سرحان : اتركوني حدر الارزة ارد اغفة.

(1)   أبو سرحان .. شاعر في ذاكرة الزمن : حسين جهيد الحافظ
(2)   الخصائص الفلكلورية في اغاني ابو سرحان : الدكتور سعدي السماوي


9
المنبر الحر / في صباح بارد
« في: 02:46 20/01/2009  »
في صباح بارد
   رحيم الحلي

رأيتهن يجلسن على الطريق وقد اوقدن بعض الإعشاب والاخشاب الصغيرة يطلبن دفئاً لاصابعهن المتيبسة ليس فقط بفعل البرد ولكن  أيضا من العمل اليومي المضني فهن عاملات يقبضن اجورهن بعدد ساعات العمل فمنهن من تركت ورائها مولودها الصغير ومنهن العجوز التي لملمت جسدها النحيل ، وقد آذاهن البرد الشديد فالوقت الآن هو ساعات الصباح المبكرة أما أنا فاركب دراجتي واشعر بارتجاف جسدي المنهك وبتجمد اصابعي التي تتمسك بالمقود لاقطع اميالاً عديدة باتجاه عملي ، كنت كلما أمر بهذا المسطر الصغير وارى تلك النسوة أتذكر مباشرةً الإمام علي وهو يحلم بقبر الفقر ، أتذكر ماركس وجيفارا وفهد وسلام عادل وفاخر الخليلي هؤلاء القديسون الذين دافعوا عن الإنسان دون النظر إلى جنسه أو لونه أو قوميته أو معتقده ، أعود إلى تلك النسوة الجالسات بشكل نصف حلقي حول النار المشتعلة ببرود وببطء حيث جمعن من حافة الطريق بعض الإعشاب وقطع الخشب التي بللها الندى الصباحي والمطر المتبقي من المساءات الممطرة ، يرقبن السيارات المارة على الطريق الريفي ، حيث نبتت على حافاته بعض الشجيرات وقد غطى الندى الأبيض المتجمد اغصانها العارية فالصباح تلون بلون ابيض شاحب ، كان الجو حزيناً هذا ما بدا لي في تلك اللحظة فاليوم هو الأول من عام جديد لن يختلف كثيراً على البؤساء ، فالاغنياء قضوا ليلتهم بشكل مختلف في قصور منيفة واضواء مبهرة وموسيقى صاخبة تزداد اموالهم بسرعة في كل يوم جديد والفقراء يزداد بؤسهم وحرمانهم بسرعة أشد ، كيف قضت تلك النسوة الفقيرات ليلتهن الأخيرة من العام الماضي فقد نمن ليلتهن تحت خيمات صغيرة صنعت من اكياس بالية وعلى ضوء الفوانيس المسودة فهن يجهلن الأيام ودورتها كدورة اسطوانة حزينة في مقهى مهجور ، ربما انشغلن برضاعة الوليد الذي اعتصره المغص أو الجوع ، أما الرجل في عالمنا الشرقي يتحول إلى فارس في بيته فهو يستفرغ اوجاعه وبؤسه في عالم غابي يظلمه هو الأخر ، عالم رأس المال القرشي الذي تستوحش ماكنته في الشرق ففي الغرب استطاع الإنسان بنضاله الطويل أن يقلم اظافر الدب الراسمالي ويجعلها اقل ايلاماً ، أما في الشرق فلا رقيب على رأس المال وقد عقد شراكته مع رجال الدين والساسة ، أما المرأة فقد كانت مركز كل دوائر الظلم المتقاطعة .
أعود لقصتهن الحزينة فقد تحلقن في احد الصباحات حول بائع الصمون المحلى ليشترين بعض الصمونات ، وليفطرن في هذه الصباحات المتجمدة فالبطن الخاوية تشعر بضراوة البرد أكثر ، بدا هو الاخر حزيناً وبائساً ونحيلاً وهو يدفع عربته الصغيرة ، كن يتجادلن معه لتخفيض سعر الواحدة فيما راح يغلض الايمان بعدم قدرته ، كل واحد من هؤلاء البائسين يحاول أن يلقي باوجاعه وضعفه على الأخر ، فعندما يشتد الألم يصبح الفرد أكثر فردية وعندما يزداد البرد يلتم الجسد البارد حول نفسه ويلتف مثل قوقعة صغيرة ، تذكرت الحروب الصدامية وكيف مات بالتدريج الإحساس بالأخر وأصبح كل فرد يغوص في ذاته ، هذه إحدى اكبر أهداف الحروب وهي قتل الإنسان الذي يعيش في دواخلنا .
في لحظات توقفت إحدى السيارات الصغيرة تفرقن وتركن الصمونات على الصينية ، فوق الكيس الشفاف المتماوج ذهبن للحصول على فرصة للعمل في هذا اليوم ، راح الرجل الجالس خلف المقود يتأملهن واحدة واحدة فهو يرغب باكثرهن فتيةً ومن في وجها بقية من جمال الحياة الذابل في وجوهن المتعبة ، فالرجل يريد أن يشتري ليس فقط سواعدهن فهو يطمح لاكثر من ذلك فهي صفقة على كل حال والفوز للاقوى والأفضل ، اختار أربعة منهن وانطلقت سيارته بسرعة مثل ذئب انطلق بفريسته .
أما الشاب بائع الصمون فقد راح يعيد وضع صموناته تحت الكيس الشفاف الذى يغطي الصمون والذي فقد بعض شفافيته وأصبح مائجاً حيث تجمعت فوقة حبات السكر وبقع الزيت المستعمل في صناعة الصمون  طلبت منه إحدى العجائز التي لم تحصل على فرصة عمل هذا اليوم أن يشحذها إحدى الصمونات ، فقبل الشاب وراح يعد الصمونات وهو ينظر إلى القصب الذي امتد على طول الطريق حيث اصفرت اطرافه بينما بقي الجزء القريب من الأرض اخضر شاحب تشوبه بعض الصفرة ، دفع عربته إلى الإمام وهو يأمل أن يعود إلى بيته ببعض الطعام وبعض الدفء .

arsrks@yahoo.com


10
المطرب كمال محمد صوت عراقي دافيء

   رحيم الحلي

لأننا نراهن على الفرح ونكره الاحزان ، لذلك أحببنا البلابل والحقول وننتظر قدوم الصباح حتى نسمع صوت العندليب ، أما الليل فكنا نحب أضواء نجومه واقماره ونبتعد عن ظلمته ، حين يعود البلبل إلى اشجاره وحين يعود للغناء هذا يعني أن بشائر الصبح قد لاحت وان جيوش الظلام والخوف قد رحلت وربما انهزمت ، فهناك من خوَّف البلابل من الغناء وجفَّل قلوبها الرقيقة وحذَّرها من الاحتراق أن استمرت بالتغريد ، هربت كثير من البلابل أما خارج بساتينها  أو اختبات في اعشاشها ، اليوم سنتحدث عن عودة الفنان كمال محمد إلى عالم الفن بعد غياب دام قرابة ثلاثة عقود ، أن عودته ادخلت الفرحة إلى قلوبنا نحن العراقيون حيث يذكرنا بأجمل الأغاني التي انعشت قلوبنا بجمال الحانها وحلاوة كلماتها وعذوبة صوته ، ولابد من توجيه الشكر للشاعر عارف الساعدي وبرنامجه الاسبوعي الجميل "في سيرة مبدع " الذي يستضيف فيه المبدعين في عالم الثقافة ، والفن هو احد الوان الثقافة ، فلقد استضاف في احدى حلقات برنامجه الاسبوعي في قناة الحرة .
الفنان كمال محمد الذي بزغ نجمه عام 1971 في اغنية معاتبين من الحان عبد الحسين السماوي ومن كلمات عبد الرضا اللامي ومن نغم السيكَاه ، ثم اغنية ردي بينة كلمات عباس جيجان والحان عبد الحسين السماوي ، وأغنية يحاجي الناس من كلمات جليل هادي العضاض وأغنية لا أول ولاتالي من كلمات الشاعر الراحل جبار الغزي والحان محمد جواد اموري ، وأغنية دلليني كلمات الشاعر الراحل كاظم الركابي والحان طالب القرغولي من نغم الحجاز ، وأغنية مانامت الليل عيني بغيابك ساهرت وظنوني غيمة وسافرت تمطر مواويل مانامت الليل الأغنية من الحان الملحن محسن فرحان وكلمات الشاعر كريم راضي العماري ومن نغم الكرد ، وفي عام 1978  قدم اغنيته الأخيرة "كلشي يهون" وكانت من الحان عبد الحسين السماوي ثم انسحب بهدوء وصمت وليرحل بعيداً عن عالم الشهرة والاضواء عالم الإذاعة والتلفزيون غير مبالٍ بمنجزه الفني الذي جعله نجماً مضيئاً بين نجوم الغناء المعروفين ولو استمر في الغناء لانجز اغنيات خالدة وربما امتلأت سلة اغانية باجمل وأطيب الالحان ، ولربما تفوق على كثير من النجوم لامتلاكه صوتاً عذباً نادراً  ، أن ابتعاده ورحيله المبكر حرم محبيه وعشاق صوته من بستان أغانيه ومن اطيب الثمار ومن صوت غنائي دافيء غاية في الجمال والعذوبة فيه حلاوة الريف وطراوة المدينة  .
 غنى للملحن الراحل كمال السيد اغنية يلي يلي اغنيلك كلمات زامل سعيد فتاح  ولم يستطع كمال السيد من دخول الإذاعة والاشراف على تسجيلها خشية الاعتقال داخل الإذاعة بسبب انتمائه السياسي تقول كلمات الأغنية يلي يلي أغنيلك وبغناي انة اشتكيلك ، وداعتك وعيونك واحلى الليالي طيفك بكل لحظة يتراوى لخيالي افرح ولاجلك غناي ومن هواك انة هواي.
وفي معرض شهادته الفنية بحق المطرب كمال محمد قال الفنان الموسيقى جمال عبد العزيز أن الفنان كمال محمد ظهر مع مطرب أخر هو المطرب سامي كمال وكان لهما لونا غنائياً متشابهاً وقد طغى كمال محمد على الأخر وبتقديري أن هذا الرأي ليس دقيقاً ، وان حصل ذلك فعلاً فبسبب هجرة الفنان سامي كمال ومعارضته لنظام صدام وبالتالي تم تغييبه فنياً  ومنعت أغانيه في الإذاعة والتلفزيون رغم إنني كنت أتمنى أن يصدح صوتيهما في ساحة الغناء لانهما من أجمل بلابل الغناء  وكلاهما مبدعين وكانا من أجمل الأصوات العراقية التي خسرناها بسبب غياب كمال محمد الطوعي وغياب سامي كمال القسري .
كمال محمد الشاب الذي قدم من جنوب العراق وفي المرحلة الذهبية للاغنية العراقية وفي وجود عمالقة الغناء العراقي كفؤاد سالم وحسين نعمة ورياض احمد وياس خضر وسعدون جابر حيث وقف بينهم بجدارة بفضل صوته الفراتي الدافيء ونبرته  الريفية الجميلة المميزة  ، ارتفع نجم كمال محمد في سماء الأغنية العراقية وغنى لكبار الملحنين ومنهم : عبد الحسين السماوي ، محمد جواد اموري ، محسن فرحان ، كمال السيد ، ياسين الراوي و طالب القرغولي وكبار الشعراء منهم كاظم الركابي ، جبار الغزي ، جليل العضاض ، كريم راضي العماري وعباس جيجان .
أما عقده الغنائي اللؤلؤي ففيه الحبات التالية
1-   معاتبين
2-   ردي بينة
3-   ثلاث رسايل
4-   هلي يظلام
5-   ليل ياليل
6-   اسأل ياغالي
7-   وسل الليل
8-   مانامت العين
9-   ها خوية
10- يلي يلي اغنيلك
      11- يحاجي الناس
      12- دلليني
      13- كلشي يهون
مواليد الناصرية عام 1945  تخرج من معهد المعلمين في بعقوبة عام 1965 ثم تخرج من معهد تطوير اللغة الانكليزية في بغداد عام 1975 ، وعمل في المجال التربوي من خلال ادارته لعدد من المدارس طيلة ثلاثين عاماً ، سجلت له شركة النظائر الكويتية ثلاث البومات غنائية عام 1975 وقد أحيى حفلات غنائية في الخليج وسوريا ومصر وعدة دول الاوربية ، حصل على جائزة درع الابداع من نقابة الفنانين العراقيين 2008 .


arsrks@yahoo.com

11
في الذكرى السادسة لرحيل الأديب والمناضل عبد الغني الخليلي



رحيم الحلي


رايته عند الفجر يطوف في ازقة حارته النجفية ، بثوب ابيض مثل قلبه الصافي ، يضع طاقية مزركشة بخارطة العراق ، يسير بخطىً هادئة ووئيدة  ، يصغي إلى صوت المأذن ، وتلتمع في عينيه أضواء القباب الذهبية ، فهو شديد التعلق بمدينته وبنصير الفقراء وامام الزاهدين النائم في ضريحه المقدس ، حيث جاء محبوه ليبنوا بيوتهم ، فكان النبع الذي الذي جذب الضامئون لمائه الغذب ، فامتدت الحارات مثل السواقي فنشأت مدينة النجف على أطراف صحراء ممتدة .
في الذكرى السادسة لرحيله لابد أن نستذكر هذه النخلة العراقية المثمرة المليئة برطب الأدب الذهبية والتي قلعتها من ارضها أيادي همجية لم تألف الأنهار والازهار ، لترمى على حدود غريبة لم تفهم لغته وجمالها وحلاوتها .
في إحدى رسائله للأستاذ ثائر صالح صديق ابنه فارس
 يقول( أمس مررت - وأنا في طريقي الى البريد - بحي قديم مهجور، يسرح الحمام على أرضه ، مطمئناً ، فترامى إليَّ صوت عجلات مطبعة تدور ، وكنت قد ألفت هذا الصوت منذ صغري ، فوقفت أستزيد منه ، ففي صداه تسكن طفولتي ، وذكريات مجلات نجفية ، كانت تطبع في مثل هذه المطبعة ، وكنت مولعاً بقراءتها كم تمنيت ، لو يتيح ليَ صاحب هذه المطبعة فرصة العمل عنده مجانا ً، ولو لساعات قليلة ، لأعيش تلك الأيام التي قضيتها عاملاً في احدى مطابع النجف ، وأنا في الثانية عشرة من عمري ، وفي هذا المنفى البعيد صرت أحلم بذكريات ذلك العمر وإنا كنت قد شقيت به )
(ربما يجمعنا الربيع أو الصيف في مدينتك الخضراء فقد دعاني صديق حميم يقيم في بودابست لزيارته وألح بدعوته وبين اسبوع وآخر يتصل بي عبر الهاتف واذ أسمع صوته أنسى أنني في هذا المنفى البعيد فكأن الوطن يقترب والأهل يقتربون معه وتلتف حولي ذكرياتهم الحلوة...)
(عزيزي ثائر : هل قرأت مجلة (الكرمل) وهل لديك عدد منها؟ منذ فترة وأنا أبحث عنها ولا أحد من اخواني أهدى إليَّ عددا منها وكذلك ما زلت أبحث عن مجلة (الطريق) اللبنانية. ولو كان بريد بيروت مضموناً لاشتركت فيها، ويوم كنت في العراق وبرغم سوء الاوضاع لم يتعذر علي الحصول على أية مجلة أو كتاب ولكن المصيبة أن هذا المنفى لا يستقبل أي كتاب جديد أو أية مجلة غنية بالفكر والأدب وهكذا أقضي أيامي في وحدة قاتلة تزيد باحساسي بالغربة ..)
(قريباً ألتقيك وأرجو أن تكون بانتظاري في المطار ولعل الربيع بكر في هذا العام فاخضر ذلك العش الذي كنا نلوذ به كلما اضطهدتنا الغربة والوحدة .. هل تزور أهله الذين لا يغيب من سمائهم القمر .. سوف أقضي كل أيامي معهم ومع صخورهم وطيورهم وأرى كيف تزهر أشجار الكرز..)
ولد الأديب عبد الغني الخليلي في مدينة النجف عام 1925  ، عُرفت أسرة الخليلي التي سكنت النجف في أواسط القرن الثامن عشر ، بحبها الشديد للفكر والأدب ، ومنها نبغ مشاهير في العلم والأدب والشعر والصحافة، بل والكفاح الثوري ضد الظلم والاستبداد، منهم القاص جعفر الخليلي والشاعر الناثر عباس الخليلي، وكانت مدرسة الخليلي منارة للعلم والمعرفة حيث خّرجت علماء وأدباء ومثقفين تتلمذوا على أيدي  أساتذة كبار مثل حسين مروة ومحمود الحبوبي ومحمد جمال الهاشمي وغيرهم.*
عَرفْتهُ من خلال كتاباته الرائعة ، في مجلة الثقافة الجديدة الذي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي ، وهي منبرُ فكري كبير ، حيث دأب على الكتابة في هذه المجلة اليسارية ، في الثمانينات من القرن الماضي وربما قبل ذلك ، أتسمت كتاباته بمتانة أدبية مميزة ، وإحساس مرهف ، كان غالبا ما يتحدث عن ذكرياته في النجف ، علاقته بالأدباء والأدب ، وعلاقة أسرته بهذا الوسط الثقافي ، تسحرني كتاباته في أجوائها الممتلئة بعبق الماضي ، ودف الذكريات ، وحنينه وحبه الشديد لوطنه العراق وأدباؤه وأنهاره ، كلما أقرأ ما كتبه عن تلك الأيام في مدينته ، فانه يحملني في بساط سحري جميل ، فيطير بي فوق العراق ، فوق مدينته الحلوة ( النجف) ، في تاريخها السياسي والديني والثقافي العريق ، ليطل على مئاذنها وقببها التي يحن إليها، وينوح مثل نوح الحمام ، وفي سنواته المبكرة أحب الشعر و الكتابات الأدبية ، قرأ كثيرا للمتنبي وأحب ابن عربي ، وحفظ ديوانا كاملاً للجواهري ، وعن علاقته بالشاعر ألجواهري يقول
-”علاقتي بالجواهري قديمة فعائلتانا كانتا متجاورتين ، أذكر محمد ألجواهري عندما كنت في الثانية عشرة من عمري ، كنت أزور عمي الطبيب محمد الخليلي حيث كان يقيم في الكوفة ، وكان ألجواهري يعمل أستاذا للأدب العربي في ثانوية النجف ، وكان بيت عمي مرتاد الأدباء والشعراء النجيين وغيرهم".
وأما الجواهري الخالد فقد خَصَّهُ بقصيدةٍ جميلة منشورة في المجلد الرابع من ديوانه وكانت قد نشرت في جريدة اليوم اللبنانية 27/2/1968:
" أبا الفرسان انك في ضميري
                              و ذاك     أعز    دار    للحبيبِ
وبي شوق   إليك   يهز   قلبي
                               ويعصره     فيخفق    بالوجيبِ
وذكرك في فمي    نغم  مصفى
                                يرتّل في الشروق وفي الغروبِ
سلام   الله    يعبق    بالطيوب
                              على    ربعٍٍ   تحل   به  خصيبِ
ثري بالمفاخر    والمزايا
                            تورثها    نجيب    عن    نجيب
أبا    الفرسان   إن  عقّت  ديار
                             عقدت بها    شبابي   بالمشيب
وذوّبت   الضلوع  على  ثراها
                             ولم أطلب   بها   اجر   المذيب
فلا عجب   فقلبي  ضاق  ذرعا
                            بخير الناس    احمد   والحبيب
فذياك  استبيح  دما    وعِرضا
                            وذاك قضى بها  نحب   الغريب
وسيم   البحتري الهون   فيها
                             وغص بحسرة الترب الحريب
على حين   استباح   الغر فيها
                          بقايا السيف   والسلب  الجليب
أبا   الفرسان  لاعجب     بانا
                         نؤدي     فدية البلد   العجيب ِ"

 تأسست أفكاره الأولى ومنطلقاته الفكرية من واقعه الاجتماعي النبيل ، فقد عاش الأديب الخليلي في أسرة أدبية طيبة ، شرب من ماء طيبها وأدبها ، وتربى على حب الناس والأدب والشعر ، يتحدث عن طفولته وذكرياته الأولى مع مدينته وبساتينها وأدباؤها ، ينابيع معرفته.
"وكنت قضيت طفولتي بين أفياء تلك البساتين بصحبة مجموعة من أدباء المدينة ، كان من بينهم خال أبي الميرزا محمود الخليلي والشيخ جواد الشبيبي وحيدر الحلي وجعفر الحلي ورضا الموسوي وباقر الهندي والشيخ هادي كاشف الغطاء وغيرهم."
من هذه البيئة الصافية الطيبة ، وفي مدينة النجف التي رأى فيها وهو ابن الثانية عشر ، صفوفاً من جنائز الشهداء التي وضعت في ضريح إمام الشرفاء علي (ع) ، كي تدفن إلى جواره ، كَتَبَ عن تلك الأيام المزدحمة بالآلام ، ولكن كتاباته لم يقدر إن ينشرها
- ”لا، أبداً لأن ماكتبته لم تكن لتسمح به الرقابة ، فكانت كتاباتي لاتخلو من السياسة والإشارة إلى الاضطهاد الذي كان يعانيه الشعب من الحكم الملكي آنذاك ، أتذكر وأنا في الثانية عشر من عمري وربما  أكثر بقليل عندما خرجت من بيتي في حي العمارة إلى صحن الإمام علي ، عليه السلام ، فوجدت الصحن غابة من الجنائز، صفوفا ممتدة حتى باب السلام، ثم ذهبت إلى والدي فوجدت عنده علي الشرقي وإبراهيم الوائلي والزعيم عجمي أبو كلل يتحدثون عن مجزرة في الجنوب، في أطراف الرميثة،   قام بها رشيد عالي الكيلاني وهذه الجنائز كانت ضحايا المجزرة ، كان من بينهم مئات الأطفال ، هذه الحادثة دونتها ، وهي مازالت تثير الرعب في نفسي كلما تذكرتها ، وأنت تعرف إن هذه وأمثالها كثير ترعب السلطة الحاكمة آنذاك”.*
شهداء من فلاحي الوطن قتلتهم بنادق الحكم الملكي ، كانت تلك صدمته الأولى التي رسخته في طريقه ، حيث انتصر للفقراء والشرفاء ، ووجد في اليسار فلسفته للخروج من محنة الظلم والفقر والقسوة ، فاختط طريق الناس ودرب الفقراء الذي اتصف العراق بهم ، فبفضل حكامه أشتهر العراق بالفقراء منذ الولاة الأمويين والحكام العباسيين حتى الولاة البريطانيين والأمريكيين .
 وكما يقول السياب ما مر عام والعراق ليس فيه جوع.
بدأ كتاباته الأولى في مراسلة الأدباء والكتاب ، حيث كان الخليلي مولعا ً، ومنذ صغره بكتابة الرسائل ، كان يراسل شخصيات ثقافية وأدبية عربية وعراقية كثيرة.. وفي إحدى المرات كانت قد وصلت له رسالة من الشاعرة مي زيادة عنونتها إلى الأخ الشاعر الكبير عبد الغني الخليلي يقول ، في آخر مقابلة أجريتها معه ، انشرها هنا لأول مرة ، إن هذه الرسالة أطْلَعَ عليها عمه الكاتب جعفر الخليلي فكتب إلى زيادة يقول إن الأخ الكبير عبد الغني الخليلي ليس سوى صبياً لم يتجاوز الرابعة عشرة من عمره.*
لقد برع الأديب عبد الغني الخليلي ، في ميدان أدبي ، عرف بأدب الرسائل ، وله كتابات كثيرة في هذا الميدان .
"أهتم الخليلي كثيرا بهذا اللون من الكتابة أو مايسمى بأدب الرسائل. وعن سؤالي له عما تعني إليه تلك التي الرسائل التي كان يدونها قال إنها تعني له الكثير. ”إنها تعني لي المحبة التي تربطني بأصدقائي ، خاصة وان كانوا هؤلاء بعيدين عني.. لكني كنت أراسل حتى الذين يسكنون على مقربة مني ، في مناطق قريبة من منطقتي  التي اسكن بها”.*
نظم الشعر وهو دون العشرين من عمره العطر ، وكان يحلم إن يكون شاعرا كبيرا .
-” كان لدي ديوان معداً للطبع بحوالي أكثر من ألف وخمسمائة بيت ، وكان لي صديق محامي يدعى حسن الحكيم كان يحفظ مانظمته من أشعار ، ولا اعلم إن كان هذا الشخص على قيد الحياة، بعضاً من تلك القصائد نشرتها في صحيفة ”الغري” النجفية.
غادر النجف أواسط الأربعينات ليعمل معلماً في مدينة الكاظمية ، ثم فصل من التدريس بسبب نشاطه السياسي ، ثم عمل في مطبعة الزهراء التي يملكها عمه ، ثم في مصرف الرافدين عام 1954 حتى أحيل على التقاعد عام 1976 ، وقد بلغ ماكتبه الألفي صفحة ، صادرها منه نظام صدام ، حين داهموا بيته ونهبوا كل محتوياته ، وذهبت مخطوطاته بين أيدي ذئاب صدام ، فحُرم القارئ من كتابات وذكريات ، كانت سترفد مكاتبنا بنتاجه الخصب الثري ، كانت كتاباته تاريخ سياسي ناصع ، مكتوب بلغة النثر تتعشق فيه روح شعرية وتعطره نفسُ شاعرية شفافة ، اقتلعوا هذه النخلة العراقية وداسوا ثمارها ، ورموها على حدود الوطن ، منتزعين هويتها ووثائقها ، معتقدين إن الوطن هو وثيقة يمنحها موظف حكومي ، وكما نعرفهم فهم جهلة أغبياء ، متسلطون ، قدموا من إطراف الصحراء ، أشباه أميين ، لايجيدون سوى الضغط على الزناد ، ميزتهم الوحيدة هي الغلظة والفضاضة ، عُرفوا بطباعهم القاسية الفظة التي صنعتها ، ريح الصحراء الصفراء المغبرة ، حكموا مدن سومر وبابل ، وهم نفايات الصحراء ومخلفاتها .
تعرض لمأساة التهجير التي يندى لها جبين البشر ، وقد بكيت مراراً هؤلاء المهجرون من أبناء وطني ، رغم إني غريب مثلهم ، أتنقل بين المعامل والورش حيث أتعرض للطرد على خلفية معتقدي وانتمائي ، ابحث عن لقمة خبز مرة ، في هذه الغربة القاسية ، والتي وجدت حتى السجن أهون منها ، بكيت هؤلاء المهجرين واعتصر قلبي ألمُ شديد وحزن كبير، حين وجدت رجالاً كباراً ، صودرت ممتلكاتهم وأموالهم ، وانتُزع منهم أبنائهم الشبان ، ورُموا في السجون ثم عرفنا بعد سقوط الطاغية صدام أنهم أُعْدُموا ، أصبح هؤلاء الرجال والمسنون مسؤولون عن إطعام أسرهم ودفع إيجارات السكن الغالية ، حيث تعرضوا لاستغلال المالكين ، فلم أجد أذىً وألماً وبؤساً مثل ذلك ، يتحدث الخليلي عن رحلة التهجير الظالمة ، ففي وصفه لرحلة التهجير السيئة الذكر وهو يسير بين الأدغال حاملاً أمه على ظهره لاينسى الخليلي ذكر الربيع الذي بدأ ” يفرش الوديان والجبال والسهوب ، بالأعشاب البرية ، فخفقت أولى وريقاتها الخضر، وتغلغل الدفء إلى عظام أمي التي مسها البرد، وأضناها التعب ، فتململت بحركة شفتيها تطلب مني شيئاً من الطعام ، إذ ألحّ عليها الجوع ، فمنذ ثلاثة أيام ، لم تذق خلالها طعاماً ولاشراباً ، سوى جرعات من ماء المطر المتجمع في الحفر، كنت أغرفه لها بيدي فتشرب.. وبينما كنت أبحث لها عن أعشاب ندية في مساكب الخضرة يمكنها أن تسد بها جوعها عثرت على الخباز البري، وحين عرفت أنها تعجز عن مضغه ، رحت أمضغه لها وأدسه في فمها .
وفي عقد الثمانينات ، عاش في دمشق عدة سنوات ثم غادرها إلى السويد ، التي أعطته ماحرمه الحاكمون في وطنه ، الأمان والمواطنة ، فأخذ فرصة من الهدوء والاستقرار ليكتب كتابه اللطيف الشفاف ، سلاما ياغريب ، المكتنز بعطر الذكريات ، المكتوب بلغة أدبية غاية في الثراء والخصوبة ، جزلة وحلوة المذاق ، متينة ورصينة ، عبرت عن مخزون طافح ، من قراءات نابتة في جذور نفسه الطيبة  ، التي شبت على حب الأدب والناس ، لتقدم ملكة أدبية نفيسة ، غيبتها سنوات العسف والظلم وقائمة الممنوعات بحق الكتاب الثوريين ، أخذ يستجمع ذاكرته التي ارهقها الظلم والإرهاب ، مستذكراً أحبته في الوطن ، ابنه فارس ، فبدأ يكتب حنينه ، حبه ممزوجاً بحزن عراقي متجذر في النفوس المرهفة .
"كان الخليلي كلما خيم عليه ظلام ستوكهولم في نهاراتها الشتوية ، التجأ إلى دفء ذاكرته ، بشمس العراق وهديل حمائمه ، وكثيراً ماتمنى لو أنه عاد إليه ، رغم انه كان يخشى إن يكبر حزنه إن تنكرت له نخلته العزيزة يوم يعود ، ثم يستدرك: ”لكن من يدري، ربما أجدها مثلي وحيدة وقد خط الشيب ضفيرتها ، ونأى عنها الجيران ولم يعد القمر ينثر عليها فضته ويسهر عندها في الليل…”*
غير انه سرعان مايصحو من حلم يقظته فيتألم لما أصاب الوطن "ويخشى إن يراه مظلما ، ليس كما في صورته التي يحملها عنه كل هذه السنين العجاف،  لكن لو تفتح أبواب الوطن وأعود إليه ، فلن أرى نجمة الصباح تتألق خافقة في زرقة السماء. فسيحجبها عن عيني دخان الحرائق ودموع الثكالى.."
ذات يوم من أيام غربتي الطويلة ، كنت أسير برفقة صديقي الغالي ، شوان جعفر نوري وهو احد الشباب المهجرين الذي نجا بقدرة قادر من الاحتجاز في سجون صدام ،  كنا  نتمشى في شوارع حلب ، استوقفنا معرض للكتاب ، فاشتريت نسخة من  كتابه ، سلاما ياغريب ، قرأته بلهفة ، كان قطعة نفيسة من أدب الذكريات ، تحدث فيها عن ذكرياته مع الجواهري ومهدي المخزومي ورحلاتهما ومشاركاتهما في مهرجانات المربد الشعرية ، حيث ربطته علاقة وثيقة بأدباء العراق وكتابه ، ومنهم الناقد الدكتور علي جواد الطاهر.
تحدث في كتابه سلاما ياغريب الذي صدر الجزء الأول في السويد والثاني من دار المدى في دمشق والتي أسسها الأستاذ فخري كريم ، هذه المؤسسة التي دعمت الكتاب والأدباء اليساريين ورعت الثقافة بشكل عام ، تحدث عن أيام صباه ، داره ونخلته الشامخة ، جيرانه ، المئاذن والقباب ، وهدير الحمام .
لم يفتقد روح الشباب رغم السنوات المُرَّة ، والخطوب الجِسام ، فهو كما سماه الشاعر مصطفى جمال الدين شيخ الشباب ، كان يحلم إن يرى نجمة الصباح تتألق خافقة في زرقة السماء التي تبتهج نفسه ، حين تراها تلمع فوق المئاذن الجذلة بأنوارها الذهبية ، كأنها نقطة فضة في صحن من ذهب ، هذه الصور لازمته في يقظته وأحلامه ، كنت أتمنى إن نعود لنراها معا بعد زوال دولة الظلم الصدامية.
صُدمت برحيله حين غادر عالمنا المزدحم بالآلام والأحزان ، الممتلئ باللصوص والدجالين والمدعين والحكام الظالمين ، رحل  إلى نجمته التي أحبها كي يعيش في عالم أبهى وأرق ،  في يوم الجمعة ، الخامس عشر من تشرين الثاني عام 2002 ، محمولاً على أكتاف محبيه ، نحو مقبرة في شمال العاصمة السويدية ستوكهولم ، حيث يوارى ثرى ارض غريبة ، بعيداً عن مدينته التي ولد فيها ، وعن كثيرٍ من أحبته الذين حلم برؤيتهم ، تاركاً كثيراً من الأمنيات اًلتي لم تتحقق ، رحل قبيل الفجر بلحظات ، الفجر الذي سهر لأجله سنوات طوال ، كي يرى نهاية الطغاة الذي فتكوا بالعباد وسرقوا رغيف الجياع ، والذين حولوا ليل العراق إلى طقس للموت والعذاب على ايقاعٍ ورقصٍ غجري بليد .
كنت أتمنى إن أكون هناك لأحمله على راسي ، بعد إن كنت أتمنى إن نعود سويةً ، ظافراً برؤية عراق حر ديمقراطي ، كتبت عن ذلك في مجلة رسالة العراق التي يصدرها الحزب الشيوعي العراقي في الخارج أيام الحكم ألصدامي ، بعد سماعي بخبر رحيله ، حيث كنت احلم بأن احمله على ظهري إن عجزت إقدامه ، كانت هذه عندي لحظة انتصار ضاعت ولم تتحقق  .
 وفي فترة مرضه رقد في سريره متعباً ، بعد إن عانى وحدة كبيرة بعد رحيل شقيقه علي الذي كان سلوته الوحيدة والأخيرة ، أقعده المرض حيث اصابته جلطة دماغية ، أضرت بذاكرته التي احتوت كنوزا من الأدب ومن الذكريات الجميلة .
كتب له الشاعر العراقي خلدون جاويد هذه الأبيات ، وقد ربطتهما ، علاقة صداقة طيبة
قم ياغني الليل زائل
                      والسجن حّطم والسلاسل
ولربما المنفى الكسير
                         إلى المزار الأُم راحل
قم ياغني لعلنا
                          متنسمين هواء بابل
وعسى الجنائن أورقت فرحا
                              وغرّدت البلابل
قم ياغني لنحتفي
                       بك كالأزاهر بالجداول
قم فالبلاد على شفا الطوفان
                             تجرف كل قاتل
قم ياغني لنغتني بك
                            بالمنابع بالمناهل
يابن الفرات الفذ لا
                       تذبل فما الجوري ذابل
يازهرة النجف المنيف
                          أريجك العلوي حافل
ياغصن أجمل كربلا
                    في الكون يانفح الخمائل
قم يابن أزهى كعبة للعلم
                              يالغة الفطاحل
تربطني علاقة مميزة بأسرة الخليلي ، والتي لها فضلُ كبير علي ،  حيث أنقذوني من الضياع في الصحراء أثناء هروبي من العراق  ، ومن المكوث في السجن طويلا ، حيث طلبوا من الجواهري التوسط لإخراجي منه ، تربطني علاقة قديمة ومتينة مع هذه العائلة الرائعة ، فقد سكن فرع من هذه الشجرة الطيبة في مدينة الحلة ، حين قصدها  المرحوم محمد حسين الخليلي مع بعض من أقرباءه ، فكانت عائلته ، بقعة لامعة في المجتمع الحلي ، حيث امتازت بالطيبة والإيثار والتفاني من اجل الآخرين وخاصة المظلومين ، وانخرط كثيرون منهم في حزب الفقراء ، الحزب الشيوعي العراقي ، تعرض بعضهم للاعتقال السياسي ، وتعرضت الأسرة لتهجير عنصري طائفي ، دشنه العفالقة ضد أبناء وطننا ، وأُعتقل احد أبناء الأسرة ، الأخ فارس ، وأُعدم في نقرة السلمان التي أعادها للعمل الطاغية المقبور ، وقدمت الأسرة بطلاً أخر ، الأخ فاخر، الذي استشهد في جبال كردستان  في حركة الأنصار في نيسان عام 1983 ، وهو يسعى ، إلى اقتلاع أفاعي الصحراء المتحكمة ببلد الحضارة ، وقد كان فاخر نموذجاً نادراً للتضحية وحب الناس ، وخاصة الفقراء ، ورمزا للوفاء ، ربطتني معه إخوة لن يطفئ جذوتها الزمن ، وتظل لهفتي وحزني عليه ، ترافقني حتى نهاية العمر ، وعندما أطيل النظر في صورة عبد الغني الخليلي ، أرى الشهيد فاخر الخليلي وقد امتد به العمر.

arsrks@yahoo.com

كثير من النصوص والمعلومات أخذتها
* من مقالة الأستاذ طالب عبد الأمير بعنوان "في رحيل الأديب عبد الغني الخليلي "



12
كمال السيد .. ذكرى وتأريخ حياة
رحيم الحلي

 تمر هذه الأيام الذكرى السابعة لرحيل  الملحن كمال السيد ففي يوم الاربعاء 24/10/2001 رحل من دنيانا هذا الفنان المبدع ، وهو يحلم برؤية ضوء الفجر كي ينتهي الليل الطويل ، وحتى تخرج البلابل من اقفاصها المتكسرة ، وتطير الفراشات في الحقول ،  ويعود المغني يغني للارض والانسان أغاني الحب والجمال ، المبشرة بنهار جديد يعود فيه الغريب إلى دياره  .
الفنان كمال السيد ولد أواسط الأربعينات  في مدينة الناصرية  ، هذه المدينة الفراتية الحلوة التي قدمت أعظم  المواهب  وكانت للغناء ميدانه ، حيث قدمت ابرز معالمه  ، جبار ونيسة ، حضيري أبو عزيز ، داخل حسن ، ستار جبار ، فتاح حمدان ، الشهيد صباح السهل ، حسين نعمة ، طالب القرغولي ...
قدم كمال السيد لحنه الأول إلى الإذاعة العراقية ، بعد إن أضناه التعب في البحث عن الصوت الذي أعجبه ، واختاره بذكاء لأداء أغنيته الأولى المكَير ، هذا الصوت الذي سمعه في كاسيت غنائي شعبي في اغنية الهدل وأعجبه صوت صاحبه ، وعرف انه من مدينة النجف فذهب إليه ليغني لحنه وقد تردد صاحب الصوت في الحضور لتسجيل الأغنية في الإذاعة ، بسبب خشيته من موقف والده من الغناء ، عاد الملحن كمال السيد إلى النجف ليبحث عنه ويقنعه أن لايحرم الناس من صوته الجميل  ،  فأطلقه  إلى عالم الإذاعة عالم الشهرة الواسعة ، الأغنية من كلمات الشاعر المبدع زامل سعيد فتاح ، وأصبح الفنان ياس خضر فناناً كبيراً ، لكنه لم يسأل يوماً عن الفنان الذي اطلقه نجماً في سماء الأغنية العراقية كما تنكر له فنانون آخرون خوفاً من الديكتاتورية أو ارضاءاً لها ومنع اذاعة الأغنية في العهد الصدامي وكل أغاني الملحن كمال السيد ولم تقدم محطاتنا الفضائية واذاعاتنا المحلية هذه الأغنية الجميلة لجمهورنا الذي حرم منها زمناً طويلاً في عهد الديكتاتورية البغيض ، هذه الأغنية الحلوة التي مثلت اسلوباً جديداً في التلحين يزاوج بين لون المدينة والريف ويتميز بتنقلات اللحن بين مقامات عدة بأنسياب عذب ورسمت كلماتها ارق صورة لريفنا الجميل ولأحاسيس العشق وتصور وداع الأحبة ولوعة الفراق في محطات السفر وكانت نبوءة للرحيل والبعد .
 قدم للفنانة الكبيرة أنوار عبد الوهاب ، ابنة الشهيد عبد الجبار وهبي أبو سعيد  ، الذي قتله مجرموا انقلاب شباط الأسود ، اغنية  كصة المودة ، من كلمات الشاعر كاظم الركابي  والتي غناها أيضاً المطرب فتاح حمدان الذي قدم اغنية (ويل كلبي اشهل مصيبة) واغنية (لعيونك الحلوات) واغنية (يسألوهه عليه الناس) وكلها من الحان الفنان كمال السيد ، "المطرب فتاح حمدان واحد من اولئك المطربين الذين لم يأخذوا نصيبهم من الانتشار والنجومية على الرغم من امتلاكه لصوت عذب وجميل وأغان رغم قلتها الا انها اغان رائعة وجميلة ومتكاملة.. ربما هناك سبب اخر في ان هذا المطرب لم يغادر مدينته (الناصرية) والمعروف ان للعاصمة تأثيرا كبيرا في شهرة ونجاح وتألق الفنان بكل اضوائها وبهرجتها وثقلها الاعلامي والفني اضافة الى رحيل هذا المطرب المبكر وهو ما يزال في بداية مشواره الفني وعطائه".(1)
وللفنان  الرائع  قحطان العطار سلمت وانته مارديت السلام ، وللفنان الكبير حسين نعمة كون السلف ينشال وأغنية البلام . وأغنية " البلاّم " التي كتب كلماتها الشاعر أحمد عبد الجبار غنيت في النصف الأول من سبعينيات القرن المنصرم ، قال عنها الملحن العراقي الكبير كوكب حمزة " إنها من أهم الألحان العراقية، وتعد في المرتبة الأولى من حيث القدرة الإبداعية اللحنية التي تميز الملحن ، هي بحق شهادة إبداع لهذا الملحن المهم الذي طبع بصماته بجدارة تامة على تاريخ الأغنية العراقية " ، و الفنان الكبير فاضل عواد ياريحان شعر مظفر النواب وأغنية روحي بيدة تأملت يلمح خيالة كلمات الشاعر عريان السيد خلف ، ولسعدون جابر يا أهيف الطول ، وحميد منصور اغنية الشموع ، و حدايق ، واغنية نجمة حبيبي ، اضافة الى الفنان عبد الزهرة مناتي الذي لحن له اغنية الروح كلمات الشاعر الراحل كاظم الرويعي.
" أما أغنية مدللين فقد أدخلت المطرب سامي كمال إلى عالم الغناء بعد أن كان أحد أعضاء فرقة الكورال التابعة لدار الإذاعة والتلفزيون، وهي من كلمات الشاعر إسماعيل محمد إسماعيل واغنية اخرى هي اغنية “ رايـح يرايـح وين يويلي يا بوية” من كلمات اســــماعيل محمد اسماعيل وأغنية (أحبه وأريده) للشاعر كاظم اسماعيل كاطع و(لاتكولون الحب ضاع) كلمات كريم العراقي وقدم للمطرب سامي كمال أغنية " بين جرفين العيون " التي كتب كلماتها الشاعر مهدي عبود السوداني, واستمر سامي كمال بمرافقة ابوه الروحي كمال السيد حتى بعد رحليه عن العراق قسراً الى اليمن وسوريا" (2)
وقد عرضت الفضائية البغدادية التي قدمت برامج جميلة  ، تهتم بالاغنية العراقية وكرمت الفنانين المبدعين ورعت المغنين الشباب عرضت لقاءاً مع الفنان المغني والملحن المهاجر سامي كمال الذي حرمتنا سياسة صدام من الاستماع لصوته ثلاثة عقود وحرمت الوطن من الاستفادة من مواهبه المتعددة ، هذا الفنان الذي اتعبته الغربة الطويلة وانهكه المرض فلم يقدر أن يوصل في هذا اللقاء طاقاته الفنية المكبوتة إلى الجمهور الذي يجهل الكثيرين منه امكانات هذا الفنان الكبير ولكني أُسجل عليه عدم اشارته في اللقاء إلى استاذه الملحن الراحل كمال السيد لا من قريب ولا من بعيد.
وغنى من الحانه المطرب عارف محسن اغنية حبنة حبيبي لو لاه مع أديبة ، والمطرب الشهيد صباح السهل في اغنية  العشك مو بالشكل واللون والفنان صباح السهل أعدمته سلطات صدام بسبب نقده لممارسات أقطاب السلطة.
 إما لحن مابدلك والنبي الذي غناه المطرب فتاح حمدان فقد وضعه الفنان كمال السيد لأحدى أغاني اوبريت ياهيل ، إما الكلمات فهي للشاعر كاظم الركابي وقد غناه ايضاً المطرب سعدي الحلي.
وفي دمشق غنى كمال السيد للعراق وكانت رائعته  سعود للشاعر العظيم مظفر النواب ، وأغنية  بغداد ، وأغنية ياشعبي دمي إلك للشاعر العراقي كريم العراقي ، وذهب فكر الشغيلة ، وأغنية مفروض الواحد للشاعر الثوري المصري نجيب سرور ، وغنى لفلسطين المظلومة اغنية يمه ياويل الهوى حكم الخناجر ولة حكم النذل بية لمحمود درويش ، هذه الأغنية التي تصور الظالمين وقسوتهم وضياع الأحلام ، حين تقول كلمات الأغنية خسرت حلما جميلا خسرت نفح الزنابق ، لقد تعود كفي على سياج الحدائق.
 وللشاعر هاشم شفيق غنى استمد الشجاعة منك ، هذه الأغاني التي كنا نؤديها والدموع تنهمر رغماً عنا حين نتذكر أحبتنا في سجون الطاغية ، أو نتذكر أصدقائنا في خطوط القتال في الحرب مع الجارة ايران ، ثم سافر إلى ليبيا مع الشاعر العظيم مظفر النواب ، وبعد عودته من ليبيا هاجر إلى الدانمارك عام 1986.
الفنان كمال السيد بعد إن انهى دراسته ، أصبح معلما في مادة الموسيقى ، وتعرفت عليه في مدينتي الحلة في أواسط السبعينات ، عندما كان معلما في مدارسها في مادة الموسيقى ، وعن طريق الأستاذ نهاد عبد الستار رشيد ، احد مثقفي الحلة المعروفين ، كان لقائي به في الحلة عابرا لم ينطوي على ملامح تسجل للذكرى.
ثم تعرفت عليه في دمشق أوائل الثمانينات ، عندما جاءها من عدن  ، واستقر بها بضعة سنوات ، وأسس فيها فرقة المنظمات الديمقراطية ، في الفرقة غنينا أغاني أكثرها من الحان كمال السيد ، ومن الطرائف التي تدل على اخلاق الفنان كمال السيد العالية وأدبه الجم وشدة تهذيبه ، كان لي صديق من السليمانية اسكن واياه في غرفة واحدة ، وكنا لانستطيع إن نفارق بعضنا وهو الصديق رزكار عبد الفتاح من محلة شورش في السليمانية ، حين انضممت إلى الفرقة الفنية ، قال لي: كاكا اني مايقدر يضل وحدي بالبيت يضوج اني ، اطلب من الفنان كمال السيد يضمني للفرقة ، شرحت للراحل كمال السيد الموضوع ، ولما جاء للاختبار وجده لايجيد نطق العربية واحتار كمال ، حين وجد الدمعة كادت تنزل من عينه ، فقبله عازف ايقاع ، وبدا يعلمه فن الايقاع ، وكان ذلك عملا مرهقا اخذ كثير من وقت الفنان كمال السيد ، كان معنا في الفرقة عازف الكمان الاخ محفوظ البغدادي أبو نجيب من كربلاء الذي قاد الفرقة بعد سفر كمال السيد ، وعازف العود أبو صفاء من الناصرية ، أحلام الكشميري (منشدة) من كربلاء ، جواد أبو علاء (منشد) من البصرة ، وجواد ابو اثير (منشد) من كربلاء ، وكاتب المقال منشد ، كنا نؤدي الاغاني بطريقة حماسية ، فهي اغاني وطنية تلهب الحماس ، كنا نؤديها وكأننا نقاتل وفي لحظات تكاد الدمعة تسقط من العيون ، وكثيرا ما أجد الأخ رزكار يضرب الطبلة والدموع قد سالت على خديه ، حين يصعد اللحن إلى ذروته ، في اغاني كمال السيد مثل سعود وبغداد وياشعبي دمي الك للشاعر كريم العراقي .
ذات يوم سألته عن أجمل صوت عراقي يحب سماعه فاجابني بانه يحب صوت الفنان الراحل ستار جبار الذي غنى له اغنية “تمر بيه ولا جنه تعرف اشصار واغنية ليــــش حبينه ، ثم أسس مع الفنان كوكب حمزة ، فرقة بابل ، مع المغني سالم البهادلي وفلاح صبار ، وضارب الايقاع حمودي عزيز ، وقدم كمال السيد موهبته الفنية لشعبه ، وانحاز للفقراء ، وناهض ديكتاتورية صدام ، وقدم أهم أعماله الفنية السياسية في المنفى الذي اختاره ، وكان بمقدوره  إن يكون بوقا لصدام وغجره ، وان يغدقوا عليه الملايين من أموال شعبنا المنهوبة ، مثلما فعلوا مع العديد من الفنانين الانتهازيين الذين باعوا ضمائرهم ، وملئوا جيوبهم من أموال شعبنا البائس ، وغنوا ، وطبلوا ، وصفقوا  للطاغية ومجدوا ظلمه وطغيانه ومغامراته الطائشة ، وإفقاره وإبادته لشعبنا وتدمير إمكاناته.
هناك العديد من الأعمال التي قدمها الملحن الراحل والتي سجلها على اشرطة الكاسيت لكن لم تنل الشهرة التي تستحقها. أعمال لا تقل أهمية وجمالاً عن سابقاتها. أغاني سمعها المقربون من الملحن كمال السيد في الأمسيات التي كانت تقام في عدن و دمشق و كوبنهاغن بمناسبات مختلفة، أذكر منها، أغنية " إجه المطر وانتَ بلا حبيبة " و " أبو المواني " وأغنية " ترافه وليل " التي كتب كلماتها الشاعر مظفر النواب .
عند مغادرتي وطني العراق ومدينتي الجميلة الحلة الفيحاء ، واقامتي في دمشق ، عند اقامتي في دمشق في بداية الثمانينات عملت كما ذكرت مع الملحن الكبير كمال السيد ، والذي قدم من اليمن الديمقراطية مع الملحن والمطرب سامي كمال والملحن حميد البصري والملحن كوكب حمزة اضافة للفنانة شوقية وعازف الايقاع الفنان الحلاوي حمودي عزيز في نهاية عام 1981 ، وقدَّمت فرقة المنظمات أجمل الحان الملحن كمال السيد أبو الحان ، وبالمناسبة الحان هي إبنته البكر من زوجته الحلاوية الشهيدة هناء عثمان عبد السادة ، في دمشق قدمنا على اشهر صالاتها ومسارحها الاغاني الوطنية الثورية ، مثل اغنية ويهة يهلنة واحنة منهة وبيهة ، بغداد شمعة وماهوا يطفيهة ، للشاعر كريم العراقي ، واغنية سعود للشاعر العظيم مظفر النواب ، والتي تقول كلمات الاغنية يسعود احنة عيب نهاب يابيرغ الشرجية ، هذي يشاميغ الثوار تبرج نار حربية ، وذات يوم اختارني الفنان كمال السيد لمشاركته في حفل مصغر اقامته اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوري ، وحضرت الحفل الذي اقامه الحزب الشيوعي العراقي في العيد الخمسين لتأسيسه ، على صالة سينما الزهراء في دمشق وحضر الحفل الشاعر العظيم الجواهري ، وكان مدير الحفل الراحل عامر عبد الله ، وبعد سفر الملحن كمال السيد بمعية الشاعر مظفر النواب إلى ليبيا قاد الفرقة عازف الكمان الاخ محفوظ البغدادي ابو نجيب  ، ثم تشتت اعضاء الفرقة رزكار ذهب إلى كردستان ، الباقي هاجروا للمنافي الاوربية ، الفنان كمال السيد هاجر للدانمارك ، وبقيت ذكريات هذه الفرقة ونشاطاتها طرية في الذاكرة ، حيث عرفت الناس في المغترب اللحن العراقي العذب والكلمة الحلوة واوصلت مظلومية شعبنا إلى احرار العالم .
عرفني على الفنان كمال السيد ، الشهيد أبو توفيق ، المهندس رشاد عباس ، استشهد في بشت اشان في كردستان عام 1983 ، وهو من اهالي النجف ، اوصلني له الدكتور عبد الحسين شعبان  .
"الغربة لم تستطع اخماد موهبة وطاقة هذا الفنان الكبير بعطائه الفني وحبه للغناء, الدنمارك كانت محطته الاخيرة فقام ما بتأسيس فرقة للاطفال العراقيين قدم من خلالها العشرات من الاعمال الجميلة باصوات هؤلاء الاطفال مثل اغنية(محروس يا عراقنا) و أغنية( أجمل وطن)واغنية(يا بلبل الصباح ) واغنية(يا بنيات المحلة )و(ما أبسط الحياة) واغنية( يمه يا يمة) واغنية( قلم التلوين) والعديد من الاغاني الرائعة" .(3)
وأغنيتان افرزهما البعد عن الوطن وحملت مشاعر كل الراحلين بعيداًعن ديارهم وهي امنيات بالخير والسلام غناهما الفنان قحطان العطار (كل سنة وإنت طيب)  التي يقول مطلعها : كل سنة وإنت طيب اه يحبيّب يا وطني الحزين واغنية ياغريب الدار، وتقول كلمات الاغنية :
            ياغريب الدار عن دار الاهل هاك لهفة شوك معتز بيها
                                               هاك بوسة لعينك الحلوة كحل شوف بيها احبابك وناغيها
                  من نواعير الغفت حدر النخل من ثنايا الهور من برديها
                                                     هاك وادري بدمعتك ترفة وتهل وادري بيك بمستحة مداريها
               هاك وادري الغربة ابد ماتنحمل وادري بيك بحيلك تلاويها
                                                      شما ثكل ضيم الوكت باجر يطل فجر جيتك واحنة المتانيهة
" يتحدث الكاتب والمخرج صالح البدري عن عطاء كمال السيد في مجال الاوبريت وتجاربهما المشتركة في تقديم هذا اللون الابداعي الذي تمتزج فيه فنون عدة فيقول :
"كان ذلك في عام 1971 يوم نُسبت مشرفاً للنشاط الفني في محافظة ذي قار بعد تخرجي من كلية الفنون الجميلةعام69/70 - قسم الفنون المسرحية - حيث إلتقيت الفنان كمال السيد كمشرف للموسيقى في هذا النشاط . وحيث عرض علي مسألة التعاون لأخراج ( أوبريت أبو الهيل ) وكان من تأليف الشاعر الشعبي الراحل المبدع ( كاظم الركابي ) وضمن المهرجان القطري للفنون الجميلةالسنوي في العاصمة الحبيبة بغداد مع فرقة موسيقى مديريةالتربية وحيث كانت نتيجة هذه المشاركة حصول الأوبريت على المرتبة الأولى وكان من بطولة الفنان الراحل فتاح حمدان بدور( أبو الهيل ) وقد شاركت فيه أيضا كممثل لشخصية ( أبو الزبيب )! وبمشاركةالفنانين المبدعين عبد الرزاق سكر وحازم ناجي وفرقة كورال مديرية التربيةوبأشراف الأستاذة فاطمة العودة ، وفي العام 1972 تكررت أيضا تجربة العمل المشترك وفي نفس المهرجان في محافظة البصرة الفيحاء لترشيح الأوبريت الفائز الى بغداد، وهذه المرة كانت المشاركة من خلال أوبريت ( هلاهل ) من تأليف الشاعر الراحل أحمد عبد الجبار ومن تلحين الفنان السيد ومن إخراجي والذي حاز على جائزة تقديرية حينها، وكذلك أوبريت ( جنيات الوادي ) الذي كتبه الشاعر الراحل قيس لفتة مراد وكان من ألحان السيد , من اخراجي أيضاًً وكان من بطولة الفنان زكي عطا وبمشاركة فرقة موسيقى التربية أيضاًً وتصميم الديكور وتنفيذه لهذه الأوبريتات الثلاث للفنان التشكيلي عبد الكاظم إبراهيم. وهذا الأوبريت قد ترشح الى العاصمةبغداد مع أوبريت مديرية تربية البصرة ( مابيع طوكي ) وكان من تأليف الشاعر المبدع ( كزار ذياب - أبو سرحان ) ومن ألحان الفنان المبدع كوكب حمزة ومن إخراج الفنان قصي البصري . حيث حصل حينها أوبريت ( جنيات الوادي ) على المرتبة الأولى وحصل ( مابيع طوكي ) على المرتبة الثانية.وكان يحدونا الأمل جميعامن فنانين وشعراء ومخرجين أن نقدم فناًً راقياً ومعبراً ويعكس معاناتنا ومعانات شعبنا بجهد فني وجمالي وحيث هكذا كنا نعمل في عهد الديكتاتورية والتسلط والطغيان الصدامي والذي من نتائجه أن تلقفتنا المنافي وأبعدتنا المسافات ! إن العمل في هذا النوع من الأبداع الفني (الأوبريت ) يتطلب خبرة حقيقية وخبرة فنية عالية (نصاً و تلحيناً وأخراجاً وأداءً ) ولكنها بقيت تجارب رائدة لمن يتذكرها في هذا الفن الجماهيري الرائع ، وكان الفنان كمال السيد _ كزميله الفنان كوكب حمزة وغيرهم - مجيدا بارعا في التعبير الموسيقي الذي تجسد على خشبة المسرح حركياوبصرياًًوتجديداًًً، إنها وقفة إستذكار لتخليد كمال السيد، ليس في تلحينه ( الأغنية الشعبية والتي تفوق بهاأيضاًً ) ولكن كفنان كبير ومبدع في فن الأوبريت أيضا" (4).
تزوج الفنان كمال السيد من السيدة الحلاوية الشهيدة هناء عثمان عبد السادة  في أواسط السبعينات ، وأنجبت ابنته البكر الحان ، التي قضت سنوات السجن مع أمها قبل إعدامها ، وله ابن  اسماه عراق من زوجته السورية التي تزوجها في أواسط الثمانينات.
وفي عام 2002 بمناسبة مرور عام على رحيله قدمت لجمهور الاغنية العراقية كاسيت ياغريب الدار بصوته احتوى رثاء شعري كتبه الشاعر السوري الشعبي محمد صخر قدمت فيه مجموعة من اغانيه .
ودعوة للحكومة العراقية للاهتمام بتراث هذا  الفنان وإنصافه ، بعد الإهمال المتعمد من قبل  حكم الطاغية ، أتمنى من الحكومة العراقية الحالية أن تنصف هؤلاء الفنانين ، لأن لهؤلاء الفنانين من أمثال كمال السيد  حقاً ، فهم ضحوا وتشردوا ، وكان بإمكانهم إن يعيشوا مترفين لو باعوا أنفسهم مثل بعض الفنانين الانتهازيين ، وهم اليوم لن يحتاجوا من حطام الدنيا شيء سوى إنصاف ذويهم  ، وإظهار فنهم الذي عتمت عليه الديكتاتورية .
رحل كمال السيد في كوبنهاكن في الرابع والعشرين من تشرين الأول من عام 2001 بعيداً عن الناصرية وعن العراق الذي أحبه وغنى له ، في منفى المنافي وفي مدن الثلج الباردة ، لكنها كانت دافئة في حنوها على المنفيين ، الذين شردتهم أوطانهم التي يحكمها الجهلة ، والذين لم يحترموا فنهم أو إنسانيتهم ، وحقهم في التفكير المختلف ،هؤلاء الفنانون لم يقبلوا إن يطبلوا أو يصفقوا للجهل والحماقة ، أحبوا العراق ومدنه وأنهاره ، أحبوا الفن وأحبوا الجمال ، ونفروا من قبح التخلف والجهل ، وفظاظة الجاهلين .
 استاذي ابا الحان دعني احلم قليلاً ، كي  تأتي  إلى إحدى القاعات لنغني الأغنية التي غنيناها كثيراً ، بغداد ، والتمعت عيناك لاجلها مرارا .
                    ويهة يهلنة واحنة منهة وبيهة
                                                 بغداد شمعة وماهوى يطفيهة
                    ويهة يهلنة وياشعبنة الصورة
                                                   متوزع بكل بيت بالمعمورة
                    بس ياضماير سود يا ماجورة
                                              وبلادي مايغفة وغصن دم بيهة
                    واحنه فكرنة وياج يابغدادنة
                                              واطفالنة يكولون صوتج صوتنا
                    يامحلا من اجل المبادىء موتنا
                                              وبلادي ماتغفة وغصن دم بيهة
قد مرت خمس سنوات على سقوط الديكتاتورية ، ولحد الان لم يتم تكريم هذا الفنان النبيل ، ولم تقم أي محطة فضائية بتقديم دراسة وندوة تقدم فيه نتاجه الفني وتلتقي بالفنانين الذي عملوا معه من شعراء ومطربين وملحنين ، كي لاننسى منجزه الموسيقي وكي لاتضيع حقوقه الفنية حيث تنهب أعماله من قبل البعض وتغنى وتنسب للتراث ، في هذه الظروف التي تدهورت فيها المقاييس الفنية وتراجع تصدر الأغنية الراقية بسبب سيطرة الشركات التجارية وغياب دور الدولة في رعاية الأغنية ، على المؤسسات الثقافية والاعلامية الوطنية أن تتذكر هذا الفنان الصادق  كي نقدر وقفته مع الفن والوطن وكي يبقى الناس يتذكروا أغانيه الجميلة أو لِنُذَكِّر من نسى من الناس الذين اتعبتهم الأيام السوداء لحظات الفرح والذكريات الحلوة ، ولنهتم بابنائه الذين يحملون اسمه الجميل والذين ورثوا معاناته من سجن وتشرد وخاصة ابنته الحان ابنة الشهيدة هناء عثمان عبد السادة التي ولدت في السجن.
واسأل الفضائية العراقية التي تحمل اسم العراق وتمثل حكومة العراق ، هل قامت بتكريم هؤلاء المبدعون المظلومون ؟ هل بثت اغانيهم التي منعت طيلة الحكم الصدامي ؟! ، هل افردت مساحة مناسبة للاغنية ؟ ، هل اهتمت بالمواهب الجديدة  ؟ هل اكرمت المغنيين الكبار الذين يعانون من التغييب والعوز المادي ؟ ! ، هل أعطت مساحة مناسبة للفرح في بثها  ؟ ، أم أن بث الأغنية هو رفع عتب كي لاتتهم بالجهل والتخلف ! .
 الأغنية توحد قلوب الناس وتجمعهم أكثر من أي شيء أخر ، سلاما لك ياكمال السيد فلا زلت مظلوماً وأنت تنام في قبرك منذ سبعة سنوات ، تنتظر من ينصفك ، وينصف الغناء التي وهبت له وللناس عمرك الحزين .
(1) من مقالة للاستاذ عوني حامد حسين .
(2)من مقالة للأستاذ حسين السكاف
(3) ضياء السيد كامل
(4) الكاتب والمخرج صالح البدري

13
يحيى قاف يقول الكلمة وما يخاف

  رحيم الحلي
رجل ذكره طيبُ وعطرُ كأريج أزاهر أم الربيعين ، أما شجاعته فلولا سنوات الظلام والتعتيم الهمجي وتحكم الجهلة فينا ، لطارت قصته في الافاق ولصارت مضرباً للامثال عن شجاعة الانسان المتنور والمحب للناس حد الشهادة.
قصتنا اليوم عن رجل يسموه في مدينته المعلم الاول ولكن المجرمون جعلوه المعذب الاول رغم كبر سنه ورغم حبه للناس وتفانيه لتعليمهم حروف الكلمات كي يستطيعوا فك طلاسمها وليروا نور المعرفة ، انتصر للفقراء ووقف بوجه الظلم ، حكايته تثير الاعجاب وتستحق التأمل وحياته تستحق منا كل الاحترام والاجلال ، البشر كثيرون أما هذا الرجل فقليلُ مثله ، وربما نادر الوجود في زمن اصر فيه الحمقى الظالمون أن يطفئوا انواره وان يقتلوا حملة القناديل ، فهم واثقون بان بلطاتهم ستكسر الرؤس الحالمة بحياة أفضل للناس ، مثل هؤلاء الزعران هم من قتل ثورة تموز وقتلوا أفضل الرجال واوصلونا إلى حالة الاحتراب والخراب .
ما اكثر خلقك يالله ، كان هذا ماينادي به بائع متجول يبيع بضاعته في احد الاسواق المزدحمة ، ويمر من أمامه سيل جاري من البشر ، والناس مختلفون في معادنهم فهناك النفيس الثمين وكلما مرت السنون زاد تألقاً وهناك من تهزمه الشدة فيرمي رايته عندما تشتبك الخطوب وترتفع الغبرة ، وهناك من يثبت كما ثبت مالك الاشتر ، ويستمر في رفع الرايه كما رفع عمار بن ياسر رايته وهو في السبعين .
وهذا الرجل الموصلي يذكرنا بهذا النوع من الرجال انه المناضل الشجاع يحيى قاف ، انتصر للفقراء وكان مربياً فاضلاً ، دافع عن ثورة تموز وحذر زعيمها من الرياح والامواج المتلاطمة التي تريد أن تغرق السفينة .
يحيى قاف وهو الذي وقف إمام الزعيم عبد الكريم قاسم اثناء احداث الموصل يبين للزعيم خطورة الموقف في الموصل يتحدث الأستاذ حامد الحمداني عن تلك الايام فيقول :
 أنتهز أعضاء المؤتمر الأول لنقابة المعلمين في الموصل ـ وكنت احدهم وكان الشهيد يحيى قاف ابو سعد مديراً للمدرسة القحطانية ، وكنت  انا مديراً لمدرسة الفلاح بالموصل ـ انتهز وجوده في بغداد ، لحضور المؤتمر ،المنعقد في أواسط شباط 1959 ، الفرصة وطلب مقابلة الزعيم عبد الكريم قاسم لأمرٍ يخص الثورة والجمهورية وأمنها وكان ذلك قبل حركة الشواف بسبعة أيام .
 وافق عبد الكريم قاسم على استقبال الوفد في مقره بوزارة الدفاع ، وحضر الوفد في الوقت المحدد  ولم تمضِ سوى دقائق معدودة حتى حضر عبد الكريم قاسم ، ودخل القاعة وسط التصفيق والهتاف باسم الثورة وقيادتها . بدأ الزعيم الحديث موجهاً كلامه للوفد مرحباً به وقائلاً { إنني كنت واحداً منكم ، أنتم مربي الأجيال ، نعم  لقد كنت معلماً ، في إحدى قرى الشامية بعد تخرجي من الإعدادية ، وقبل أن أدخل الكلية العسكرية ،وأنا فخورٌ بذلك.
وتحدث الزعيم طويلاً عن دور المعلم في المجتمع ، وبعد نهاية حديثه ، طلب من الوفد الحديث .
  بدأ أكبر أعضاء الوفد سناً ، الشهيد المناضل [ يحيى الشيخ عبد الواحد ] المعروف[ يحيى ق] الذي كان مشهوداً له بالمواقف الوطنية أيام الحكم الملكي ، والمواقف الجريئة ضد حكم الطاغية نوري السعيد ، وناله بسبب مواقفه تلك صنوفٌ من الاضطهاد ، والاعتقال ، وأستحق محبة الشعب العراقي وقواه الوطنية .
بدأ يحيى بالحديث عن أوضاع الموصل المتدهورة ، والنشاط التآمري الذي يجري على قدم وساق  موضحاً للزعيم ، أن العراق في خطر ، وإن الثورة في خطر كذلك ، إذا لم تسارع حكومة الثورة في معالجة الأمور بأسرع وقت ممكن ، من أجل نزع الفتيل قبل حدوث الانفجار ، مشيراً إلى العناصر التي تقود ذلك النشاط ، وعلى رأسها العقيد الشواف ، وزمرة من الضباط القوميين والعفلقيين المتعاونين معه ، بالإضافة إلى القوى الرجعية والإقطاعية  .
 وتحدث يحيى عن السلاح الذي كان المتآمرون ينقلونه عبر الحدود ، ويخزنوه في الموصل ، وكذلك عملية تسليح بعض القبائل ، التي تدين بالولاء لشيوخها الذين كانوا من كبار الاقطاعيين ونواباً دائميين في البرلمان الملكي ، وكانوا حاقدين على الثورة وعلى قانون الإصلاح الزراعي الذي جردهم من سلطانهم . كما تحدث يحيى عن نشاط عملاء شركات النفط في عين زالة ، في الموصل .
 إلا أن الزعيم عبد الكريم قاسم ، كان رده بارداً جداً ، حيث أجاب الوفد بعباراته المشهورة : الصبر والتسامح والكتمان والمباغتة ، والتي كان يرددها دائماً . وقد رد عليه يحيى قائلاً :
يا سيادة الزعيم ، إن هناك حكمة تقول  الوقاية خيرٌ من العلاج  ، إن انتظار حدوث الكارثة ومعالجتها بعد ذلك ، أمرٌ خطيرٌ جداً ، إذ ربما  تكون لها إمتدادات في مختلف أنحاء العراق ، ولربما تؤيدها غيرها من القطعات العسكرية في مناطق أخرى ، وربما تنجح تلك المحاولات في اغتيال الثورة  وفي أحسن الأحوال ، حتى لو قامت المحاولة وفشلت ، فلا أحد يستطيع تقدير خسائرها وأضرارها  لذلك فأن منع وقوعها ، أفضل بكثير من انتظار وقوعها ، والقضاء عليها .
  كان جواب عبد الكريم قاسم غير متوقع إطلاقاً ، لقد غضب قاسم من حديث يحيى ، وأجاب قائلاً : { إننا ندرك الأمور إدراكاً جيداً ، وإن العقيد الشواف هو أحد الضباط الأحرار وأنتم تهولون الأمور ، وتضخمونها ، نحن أقوياء واثقون من أنفسنا } .
  وعاد الأستاذ يحيى مخاطباً الزعيم قاسم قائلا :
 سيادة الزعيم : إننا لا نطلب من سيادتكم سوى طلب بسيط ، فنحن لا نطلب أن تعاقب أحداً ، أو تسجن أحداً ، وكل ما نطلبه هو نقل زمرة الضباط المذكورة ، وتفريقها في مناطق أخرى ، منعاً لوقوع الواقعة ، لكن الزعيم قاسم رفض ذلك رفضاً قاطعاً ،وأجاب بحدة : { إن هذه الأمور تتعلق بنا وحدنا ، ونحن لا نسمح لأحد بالتدخل فيها } .
وحين حدث انقلاب شباط الاسود برعاية امريكية وبريطانية  ، دشن المجرمون عهدهم بقتل زعيم ثورة تموز الذي تساهل معهم وسامحهم عن محاولة اغتياله ومؤامراتهم لاسقاطه ، ثم زجوا بأحرار العراق في سجونهم الدموية ، ومارسوا ابشع انواع التعذيب والتنكيل ، وكان نصيب الأستاذ يحيى قاف نصيب رفاقه الأحرار من انصار ثورة تموز المدافعين عن فقراء العراق وحقهم في حياة كريمة ، الذين ارادوا ازالة الظلم والاستغلال والحرمان من حياتهم ، زُجَ بهذا الأستاذ الفاضل وهو يقترب من الثمانين من عمره الحافل بالشجاعة والكرامة .
تحدث لي الأستاذ حامد الحمداني عن صداقتهما الحميمة وعن الايام الجميلة التي جمعته بالشهيد يحيى قاف ، والاستاذ الحمداني كاتب ومؤرخ سياسي يحمل قنديلاً كبيرا ً، سلط الاضواء على تلك الحقبة التي مضى عليها قرابة نصف قرن من الزمان .
  وساترككم في السطور التالية مع ماكتبه الأستاذ جاسم المطير المناضل والاديب  في ذكرياته عن سجن نقرة السلمان وفي رسالة جاءته تقول :
أود أعلامك ان يحي قاف قد وصل الى سجن الحلة وهو بصحة غير جيدة إذ أن طريق السفر اتعبه خاصة في المسافة بين سجن السلمان ومدينة السماوة حيث الطريق الوعرة واهتزازات السيارة غير المريحة أصلاً وكذلك العواصف الترابية المتواصلة في تلك المنطقة .
قال لي أن السفرة غير مريحة وقد صادفتهم عاصفة قوية جداً لم تنفع معها كل محاولة للتخلص من ترابها فصارت الاجسام والاغراض والافرشة وسيارة الشرطة جميعها مغطاة بالاتربة الكثيفة ولا يسعني سوى القول : يا لبؤس حال السجناء .. الى متى سيبقون على هذه الحال يا ترى ..؟
هنا أود أن أذكر لك حالة آلمتني كثيراً ..
وصل يحي قاف الى السجن صباحاً .. ظل حتى الظهيرة بلا مكان ..
مع الاسف الشديد ان بعض السجناء رفضوا قبول وجود هذا المناضل في قاعاتهم وذلك بسبب كبر سنه وشيخوخته وأمراضه التي تستلزم عناية متواصلة لمساعدته وخدمته من قبل السجين الذي يجاوره ..
كان السجناء يتقاعسون وبعضهم يتهرب من مساعدته لأنه كان ، كما تعلم أنت ، يستقبل كثيراً من الضيوف من السجناء بل هو مركز تجمع السجناء من أبناء مدينة الموصل والكثير من ادباء السجن .. وانه من هذه الناحية يحتاج الى مكان واسع لأستقبال ضيوفه .. وهذا يعني ان المجاورين له سوف لا يجدون الراحة في مجاورته ما دام هو قريباً منهم ..
للعلم أقول لك ان سجن الحلة قائم على نفس نظام بناء سجن نقرة السلمان من حيث التشابه في القواويش . ليس في السجن غرفة منفردة حتى يستقل بها هذا الرجل . وعندما سمعت عن الموقف المحرج بينه وبين السجناء قررت التنازل عن مكاني له في القاعة رقم 3 في السجن الجديد .
كان مكاني في موقع مريح ، لأنه في زاوية ، وعلى الرغم من محاولات عدنان عبد الصاحب والمسؤولين في القاعة المذكورة أخذت فراشي الى الساحة وطلبت نقل يحي قاف اليها بدلا مني ، فعلا تم ذلك حيث اخلي مكان عند مدخل باب القاعة وهو نفس المكان الذي انتقل اليه صالح الشايجي وهو مناضل من اهل الزبير مارس النقد الادبي كما عرف بانه نهم لقراءة الكتب اثناء وجوده في سجن السلمان وقد نذر نفسه ووقته لمساعدة يحي قاف . يقدم له اصعب مطالب شيخ عاجز عن الحركة وعن السمع وعن البصر التام فكان صالح الشايجي مثالا نادرا يعتز به السجناء .
أخي العزيز جاسم :
أنت قبل غيرك تعرف أي عمل عظيم وجبار يقدمه هذا الشاب صالح الشايجي الذي لا يمكن تصور شهامته ..
في يوم إعلان سقوط طائرة عبد السلام عارف وموته كان يحي قاف نائماً ، وقال لي يونس مجيد ، أبن مدينته الموصل : تعال نجلس الى جانب فراش يحي قاف الى حين استيقاظه من نومه ونخبره عن الحدث الذي هز العراق كله
ذهبت معه وجلسنا معا الى جانبه .
استيقظ من نومه وتحدث اليه يونس باللهجة المصلاوية ملاطفاً إياه .
أهتم كعادته بالراديو فكان يحرك مؤشره بينما وضع اللاقطة في أذنه . بعد انتهاء تلاوة القرآن الكريم سمع يحي قاف خبر موت عبد السلام عارف ، فسأل يونس مجيد عن صحة الخبر فأكده له ..
في تلك اللحظة بدأت ملامح يحي قاف يشوبها حزن عميق ، فهمس يونس في أذني بأنه يتذكر موت أحد أولاده في حادث حريق حدث في الموصل كلما طرقت اسماعه حادثة موت أحد من الناس ..
لم يكن صالح الشايجي موجوداً حين طلب يحي قاف مصاحبته للذهاب الى المرافق الصحية فذهب معه يونس مجيد وبقيت في مكاني منتظراً عودتهما ..
لم تمض سوى دقائق معدودات حتى عاد يونس ليخبرني أن يحي قاف سقط على الأرض متشنجاً وقد حمله الشباب بسرعة الى الأدارة ومنها الى المستشفى ..
كانت مدينة الحلة كما العراق كله منشغلاً بموت عبد السلام عارف وبالبحث عن بديله في الرئاسة ..
فجاء خبر محزن في المساء : مات يحي قاف بالسكتة الدماغية ..
حزن الجميع حزناً شديداً .. كان صالح الشايجي أكثرنا حزنا وألما ً..
بقيت جثته في مستشفى الحلة ليومين حتى وصول عائلته لاستلامها . رحمه الله وتعازينا لكم ولكل محبيه في سجن نقرة السلمان ..
قدمنا تعازينا الحارة لصالح الشايجي الأبن الوفي والمثال الحقيقي للأخلاص في هذا الزمان ..
ولا بد من التذكير بأن يحي قاف كما اخبرني يونس مجيد هو من مواليد الموصل عام 1988 يلقبه أهالي الموصل بالمعلم الأول لأنه مارس مهنة التعليم قبل الحرب العالمية الأولى . كما عمل صحفياً وكاتباً بمجلة الغري الصادرة بالنجف . أبتكر طريقة خاصة لمكافحة الأمية لدى الكبار . وقد طبق سجناء السلمان طريقته التي أثمرت في تعليم عشرات الاميين من السجناء ..
من مواقفه المشهورة أنه أعلن عدم موافقته على استفتاء تنصيب فيصل الأول ملكاً على العراق . وقد أعلن موقفه في اجتماع عام حضره الملك نفسه . وعندما لامه بعض اصدقائه وحذروه من مغبة صراحته ، قال عن نفسه : يحي قاف يقول الحق ولا يخاف ..
أعتقل في شباط 1963 وأرسل الى سجن نقرة السلمان ..
تحية وسلاما لك يا ابو سعد يا يحيى قاف وسلاما لكل من وفى ، وسلام واجلال لصالح الشايجي هذا الوفي الطيب النبيل
الأستاذ محمد علي الشبيبي في ذكريات الزمن القاسي تحدث عن هذا الرجل الشجـاع ، والشبيبي فعالية ثقافية وسياسية كبيرة، عاش السجن في نقرة السلمان وكان شاباً يافعاً ، ولازال يواصل طريق الاباء في نصرة الفقراء ، كتب عن يحيى قاف نفس الرواية التي ذكرها الأستاذ جاسم المطير لانهما كانا في نفس السجن وفي نفس الفترة تقريباً .
سلاما ليحيى قاف يوم ولد ويوم رحل شهيداً صريعاً في سجن الحلة وهو يواجه المرض و في عقده الثامن من عمره الجليل الذي كان سفراً خالداً من التضحية والغيرة على الوطن وفقراءه وعلى حزبهم الشيوعي .
ايها الشجاع والمربي يحيى قاف : يؤلمني انك مت في مدينتي الحلة مظلوماً ، تمنيت لو كنت كبيراً لأزورك وأخدمك مثل ولد وفى لوالده .

arsrks@yahoo.com




14

المفكر هادي العلوي الاشتراكي الصادق في الذكرى العاشرة لرحيله






 ضريح هادي العلوي في مقبرة الغرباء في السيدة زينب

                             
رحيم الحلي
arsrks@yahoo.com
هادي نوري العلوي احد الذين صدقوا فيما أمنوا ، وكانت حياته انسجاماً كاملاً مع عقيدته الانسانية رحل من عالمنا يوم الخميس27/9/1998 غريباً يحلم بعالم يزول منه الظلم وبوطن تسوده العدالة ، منذ نشأته في أسرة فقيرة في مواردها المالية والغنية في مواردها المعرفية ، والتي اخرجته إلى الوجود عام 1932، وعرفته بهذا العالم المليء بالآلام والأحزان ، خاصة في بلد مثل العراق الذي تطرف فيه الفقر والظلم مثلما تطرفت أنوارالمعرفة في توهجها ، خاصةً في أسرة ترسخت في اركانها أبواب المعرفة ، حين فتح عينيه على مكتبة جده سلمان المكتنزة بكتب التراث والفقه والتاريخ ، وحفظ القرآن الكريم ونهج البلاغة وكثير من قصائد الشعر العربي ، هذا الخليط المعرفي اضاء له دروب البحث عن فلسفة الوجود وجذور الصراع الإنساني واسباب التناقضات في الطبيعة والحياة الاجتماعية واسباب التفاوت الاقتصادي واسباب نشوء الغنى المفرط والفقر المدقع ، هذه المسالك والطرق التي تسببت في المأسي والجوع وعذابات الإنسان ، وتسببت في الثورات الانسانية والتي حاولت الاديان أن تهديء وتهذب هذا الصراع وتعقلن مساره لتخفف من دمويته وقسوته .
تعرف هادي العلوي على  جريدة (الأهالي) التي كان يصدرها كامل الجادرجي فصارت جريدته المفضلة ، في نفس الفترة الزمنية تعرف إلى (علي الشوك) ، احد أبرز المثقفين العراقيين .
بدأ  العلوي نشر بحوثه بعد أن استكمل أدوات المنهج الماركسي ، وكان أول بحث قد نُشر في مجلة (المثقف) سنة 1960 التي كان يصدرها العّلامة الفاضل الباحث علي الشوك ، وكان البحث عن أبي حيان التوحيدي وكتابه (مثالب الوزيرين).*
لقد وجد نفسه يقترب من الفكر الشيوعي الذي كان اقوى المنادين بالعدالة الاجتماعية ، ووجد في الماركسية فكراً انسانياً دافع عن الفقراء ووضع منهجاً عميقاً ومدروساً للوصول إلى نظام اقتصادي لامكان فيه للاستغلال الذي كان السبب في نشوء الظلم والحرمان .
المفكر هادي العلوي درس التاريخ بعمق وأراد أن يفهم منه مكامن الحقيقة ، وراح يبحث عن حملة قناديل المحبة الانسانية ورواد الفكر الاشتراكي ، وكان الصوفيون احد حملة هذه الصلبان المضحية لاجل الإنسان الأخر ، وهو القائل اجوع مع الجائعين فذلك هو شرط المعرفة ، والتحف المنافي فذلك هو شرط الحرية .
في شقته المتواضعة في ضاحية دمر السكنية باثاثها البسيط علقت على الجدران صور لماركس ولينين وجيفارا عاشت معه زوجته أم الحسن التي شاركته رحلته الصعبة بدماثتها وطيبتها العراقية الاصيلة فظلت تتحدث بعفوية عن طيبته و معشره الحلو عن سيرته النادره في رفضه للترف وكرهه للنفاق والمهادنة وكيف رفض مصافحة الملك فيصل الثاني في أثناء حفلة للمتفوقين المتخرجين من كلِّية التجارة والاقتصاد ببغداد ، حيث نال منها الشهادة الجامعية في العام 1954، لم يدخل يومًا إلى فندق من ذوات النجوم الخمس ، وكان يتفادى حضور الحفلات والولائم والمناسبات التي يُدعى إليها  ذلك أنه ليس من طبعه أن يعيش ، ولو لهنيهات عابرات ، في مظاهر البذخ والترف مادام هناك جياعٌ في هذا العالم .
لماذا أصبح هادي العلوي صوفياً ، هل لأنها أي الصوفية كانت نقلة معرفية أو لأنها امتلكت رؤية متميزة حول الإنسان والوجود ولكنه لم يبدي اهتماماً لطقوسها وتحولها إلى الدروشة وابدى اهتماماً باللغة الصوفية في انتاج النص المعرفي واقتنع بوجود صلة بين الصوفية والمحبة المسيحية والتصوف عنده هي إلغاء الفروق بين الاديان والمذاهب واعتبارها صحيحة كلها وتنشد الحق وهذا حب المتصوف ابن العربي (ادين بدين الحب أنى توجهت ركائبه فالحب ديني وايماني )
اعتقد المفكر هادي العلوي أن أقرب المذاهب الى الصوفية الاسلامية هي التاوية الصينية التاوية الفلسفية دون التاوية الدين وبينهما جذر المشاعية والكفاح ضد سلطة الدولة وسلطة المال قاسم مشترك للمتصوف والتأوي ، الحكمة الهندية والزرادشتية والمانوية هي منحى ضعيف التأثير على التصوف بمناحيه الثلاثة: المعرفي والاجتماعي والاهتيامي المقارنة تتم فقط مع التاوية الفلسفية.**
الاشتراكية أوالعدالة  فكر إنساني موجود في كل مكان وفي كل تاريخ الشعوب ومن خلال كثير من الثائرين الذين دفعوا حياتهم ثمنا لخلاص الناس من عذاباتهم ، أراد أن يكتشف جذورها في واقعنا وتاريخنا الإسلامي ومن هم روادها ، فقد حاول أن يجد جذور الاشتراكية الماركسية  في دعوات الاسلاميين الصوفيين أو في حياتهم وفي امتلاكهم اعلى درجات الإيثار والحب والشجاعة والتضحية دفاعاً عن الناس كما تسامى أبو علاء المعري  والحلاج .
لقد وجد في سلمان الفارسي وابو ذر الغفاري نموذجين رفيعين للمشاعية الشرقية ، بسبب امتناعهما عن التملك والزواج بواحدة ،إذ جسّد سلمان الفارسي بعد أن أصبح واليا ما سبق ان قاله لاوتسه "حاكم يؤم القوم وهو وراءهم، ويتدبر شؤونهم وهو خادمهم"! بينما وجد في موقف الحسين بن علي عندما واجه الموت وخطابه القائل "هيهات منا المذلة! يأبى الله من ذلك ورسوله والمؤمنون، وحجور طابت وتطهرت، وأنوف حمية ونفوس أبية لا تؤثر طاعة اللئام على مصارع الكرام" موقفاً مشتركا للقاحية، أي لمساعي الحرية في دروب العدل.***
وفي سؤاله عن اشتغاله كثيراً على الصوفية قراءة وكتابة وماهية ارتباط الصوفية فكراً وممارسة اجاب الراحل العلوي :
موافقتي على التزامات الصوفية ومبادئهم يضعني في خط التصوف كالتزام ، وقد تابعت المعري في عدم أكل اللحم والنباتية الصرفة وخالفته في أكل منتجات الحيوان كالحليب والعسل اذ ليس فيها عدوان على الحيوانات ، الاشكال في ذبح الحيوان ، أي قتله لأكله ، وخالفت المعري أيضا في عدم الدعوة الى النباتية فهي خيار شخصي للمثقف الصوفي ولا يجوز تحويلها الى دعوة لئلا تلتبس أهداف النضال وتختلط أولوياتها ، ووافقت المعري في عدم الانجاب فلم أجن على أحد ولو أني تزوجت.....
ان الممارسة الصوفية تعني عدم الامتلاك أولا والاكتفاء بما يقيم ضرورات العيش ، من الطعام والملبس والمسكن ، البسيطة كلها ، ويدخل ذلك في مقاطعة سلطتي الدولة والمال ، والمتصوفة يختلفون في درجة الموقف من سلطة الدولة : مقاطعتها سلباً أو المضي أكثر في معارضتها ومحاربتها ، وقد سلكت الطريق الثاني وهو المعارضة وعدم الاكتفاء بالمقاطعة السلبية ولذلك هاجرت من العراق ، وهجرتي مراغمة ، وأنا أعمل لاقامة المجتمع المشاعي الذي دعا اليه شيوخي التاويون والصوفيون ، لكني لا أحسن السياسة واعتمد لذلك على الفئات العاملة في المعارضة لدعمها وساعدتها في تطوير عملها السياسي والاجتماعي ، وأنا الآن أبحث عن زعيم قائد كفؤ يجمع بين الشرف الشخصي والشرف الوطني والطبقي لاشتغل في معيته ، وللأسف لم أعثر على هذا الزعيم لحد الآن .
واكد على اهمية تكوين الشخصية الصوفية كي نؤسس مثقفاً مناضلاً ضد الرأسمالية المحلية والاستعمار العالمي ودعا إلى استيعاب التراث التقافي ليس الإسلامي وحده بل الشرقي لاسيما الصيني فهو اقرب إلى الانسنة من الثقافة الغربية ، فالمثقف عنده منخلع عن تراثه الصوفي .
لقد انتقد العلوي الثقافة الغربية وانتقد الاستشراق واهدافه وقد اعتبره المستشرق الفرنسي جاك بيرك احد أهم عشرة  مفكرين في القرن العشرين ، وفرَّق بين الثقافة الغربية وبين الثقافة الحديثة التي لم يكن خطها غربيًّا خالصًا ، بل تُستمثَل فيه مصادر متعددة ، كالرشدية اللاتينية ، فلسفة الأحرار الأوربيين في أواخر العصور الوسطى وأوائل عصر النهضة ، ومن روافد هذه الثقافة أيضًا الفكر الحر الوافد من العرب ، ومن معالمها ثقافة غوته التي امتزجتْ فيها مسيحيةُ الأناجيل مع الأفق الشرقي المُرَوْحَن ، ثم تأتي الماركسية ، بثورتها الفكرية الشاملة والمنفتحة على ثقافات الأمم ، في حركة انشقاق كبرى على خطِّ الثقافة الغربية ، بمنهجَيها التدميري الصراعي والتجاري .
وهو، في إدانته للثقافة الغربية ، لم يسكت عن عيوب الثقافة الشرقية في بعض الجوانب ، ولم يرضَ أن يقف بعيدًا عن حلبة المماحكات والسِّجالات ، على الرغم من انشغاله بأبحاثه ودراساته العلمية المعمَّقة ، فكثيرًا ما انتقد العلوي المثقفين على نفاقهم وتملقهم للسلطة ، وفي هذا السياق ، أخرج شعر المديح من تاريخ الأدب العربي واعتبره "عارًا ، وعلى الرغم من تقديره العميق لما قدَّمه أدونيس ، نقدًا وإبداعًا ، لكنه عارضَه في عبارته : "قل كلمةً وامضِ/ زِدْ سعة الأرض". فالعلوي يرى أنه يجب أن "تقول كلمتك" من دون أن تمضي، بل تناضل في سبيلها. ودعا في سياق تكريس مفهوم المعارضة ، إلى قطع العلاقة مع الدولة وأربابها، الذين هم – في عرف العلوي – "عماد الظلم".****
يكون شرط المثقف عند هادي العلوي هو :
مناهضة الظلم ، والعمل على إقامة العدل الاجتماعي ، والنأي عن الحكام وعدم العمل معهم ، والدفاع عن المستضعَفين من كلِّ جنس ودين ، والاستقلالية القائمة على عدم حبِّ المال ، والروحانية ، أي التجرد عن اللذائذية .
كانت مواقف العلوي مشرفة بحق فقراء الشعب العراقي من خلال ماكتبه ومن ثم تشكيله للهيئةالمشاعية العليا للعراق ووضعه لبرنامج تفصيلي وهو برنامج لجمهورية العلوي الفاضلة لعلمه بان امكانيات العراق تفوق حتى جمهورية افلاطون او يوتوبيا توماس مور او مدينة الفارابي الفاضلة وكانت امنيته ان يطبق برنامج الهيئة المشاعية فور زوال النظام وقد وثّق برنامجه في نهاية كتابه "مدارات صوفية" الصادر عام 1997 وقد قام بتطبيق عملي لمشروعه  من خلال ( جمعية بغداد المشاعية ) التي شكلت لتقديم المعونات للنازحين العراقيين في سوريا والاردن ، وكان نصيراً للمراة مرتين مرة نظرياً في كتابة فصول عن المراة ، ومرة ثانية عملياً حين دعا من خلال بيان للنساء العراقيات اللواتي يشتغلن خادمات في المنازل يدعوهن الى ترك هذا العمل المهين وستدفع الجمعية الاجر الذي كن يقبضنه من الخدمة  . *****
عاش في الصين سنوات عديدة وفي دمشق التي دفن فيها وقضى فيها ردحاً من الزمن ، رفض الهجرة إلى الغرب الرأسمالي واعتبرها هزيمة فكرية ، وقد بعث برسائل يوصي فيها الحفاظ على زكي خيري باعتباره شيخ الشيوعيين ومن اوائل المؤسسين للماركسية في العراق ، وشعر بحزن وألم حين كان يتخيله واقفاً مع طوابير من الشبان طالبي اللجوء ، وقد كتب رسائل عديدة إلى زكي خيري يناظره حول سياسة غورباتشوف واسباب انهيار الدول الاشتراكية وأراد أن يخرج بتحليل ماركسي يقوَّم التجربة ويؤسس لفكر تحليلي وتنظيري واقعي ، ولقد شخص الفساد والبيروقراطية وتعسف السلطة باعتبارها أعظم اسباب انهيار التجربة الماركسية في دول أوربا الشرقية .
أما عن علاقته بشقيقه الاستاذ حسن العلوي ، فقد كان الاستاذ حسن قومي الهوى منذ صباه وانخرط في صفوف البعث ، وظل محافظاً على نزعته وميوله القومية ولكونه مثقف كبير فلم يتعصب للقومية ، بل كانت قوميته وطنية وانسانية ، وكونه مطلع بعمق على التاريخ ومتأثر بافكار أخيه هادي الماركسية فانه استطاع أن يُخرج من عين التاريخ العربي المكتوب بمداد السلاطين كثير من القذى والغبار واعاد كتابة التاريخ بصورة اقرب للواقع وبلغة خلاقة ، وسياسياً أحب كل الناس العقائديين ولم يجنح في اختلافه مع الآخرين على طريقة الحرس القومي اوجلادي قصر النهاية أو الديكتاتور المقبور صدام ، ولم يتعادى مع الشيوعيين ولا المعارضيين الآخرين ، بل انصفهم حين وقف بوجه صدام معارضاً ومسانداً لمشروع إسقاطه ، وتحدث عن أخيه هادي حديث الطالب عن استاذه المحبوب ، فهو معجب بشدة التزامه بالاشتراكية حيث عاش مؤمناً زاهداً ، ومن طرائف قوة إيمان المفكر هادي العلوي بعقيدته وصدقه انه أعطى سجادة ثمينة اهديت له من أخيه حسن إلى ناطور البناية ورفض أن يضعها في غرفته لان الناطور لايملك سجادة في غرفته ، وحين كان يعطيه اخيه مائتي دولار شهرياً يعطي مائة دولار للناطور ويقول لأخيه حسن أن مائة دولار تكفيه وحين جلب له أخيه سيارة لتنقله وسائق خاص أعطى السائق اجازة ولم يستخدم السيارة حتى غطاها الغبار وفرغت دواليبها الاربع من الهواء وظل يتنقل بوسائل النقل العامة ، فهو يريد أن يتساوى مع الفقراء وعامة الناس ، لايريد أن يبتعد عنهم فهو لاجلهم اختط طريقه الماركسي وهذه اشتراكيته وصوفيته .
                  من مؤلفاته وكتاباته
1)   خلاصات في السياسة والفكر السياسي في الاسلام
2)   الاغتيال السياسي في الاسلام
3)   شخصيات غير قلقة في الاسلام
4)   فصول عن المرأة
5)   المرئي واللامرئي في الأدب والسياسة
6)   المعجم العربي الجديد المقدمة
7)   ديوان الهجاء
8)   مدارات صوفية
9)   نظرية الحركة الجوهرية عند الشيرازي
10) أراء وأصداء
11) الرازي فيلسوفاً
12) فصول من تاريخ الإسلام السياسي
13) من قاموس التراث
14) المستطرف الجديد
15) المنتخب من اللزوميات نقد الدولة والدين والناس
16) المستطرف الصيني
17) الكتاب الاحمر
18) كتاب التاو
19) ديوان الوجد
20) قاموس الإنسان والمجتمع
21) قاموس الدولة والاقتصاد
22) قاموس العلوم والصناعات
رحل المفكر الصوفي هادي العلوي في 27/9/2008 غريبا ً ليدفن في مقبرة الغرباء في دمشق ، فخسرت الثقافة العراقية اكبر اعلامها ، وخسر عالم الفكر أعظم مبدعيه ، وخسر الفقراء اصدق المحبين والمدافعين  ، أما نحن الغرباء المنسيين من قبل ساسة الكراسي فقد خسرنا معلمنا الكبير ، زعيم الزهاد ، الاشتراكي الصادق ، الذي كان يمدنا بالامل ويشعرنا بأننا لم نكن خائبين ولم نضل الطريق ، ولم نضيع زماننا سدى .
لم أجد ماركسياً زاهداً مثل هادي العلوي ، فلم يكن مدعياً مثل بعض الذين ادعوا الماركسية وعاشوا ترفاً سلطانياً ، كان اشتراكياً صادقاً وملتزماً ، ولم أجد الا قلائل كانوا اشتراكيين حقيقين مثله ، لازلت أتذكر الاخ أبو محمد قاسم الحلاق الذي كان يأتي من المعمل الذي يعمل فيه اجيراً ببدلة العمل الزرقاء ليدير مكتب الحزب في دمشق في بداية الثمانينات وليوزع المساعدات على المحتاجين ، في حين عاب علي بعض المدعين لأني عملت عاملاً اغسل الصحون في احد المطاعم .
كثير من المعلومات والنصوص أخذت من مقالة
* مازن لطيف علي :هادي العلوي .. حلاج القرن العشرين
* * هادي العلوي المثقف الكوني مقابلة اجراها الكاتب شاكر الانباري .
***  ميثم الجنابي :إحياءً لذكرى هادي العلوي.. هـادي العلوي المثقف المتمرد
* * **  عودة هادي العلوي مثقفاً كونياً :ابراهيم حاج عبدي
***** فارس الكامل من شارع المتنبي دخل حياتي هادي العلوي

15
الاستاذ محمد علي محي الدين حقاً انت قلم الشهداء

رحيم الحلي
arsrks@yahoo.com
الشهيد ملك الثوار

عندما عدت إلى الوطن بعد غياب قسري دام قرابـــة ربع قرن ، هالني حجم الدمار الذي أصاب حياة الناس ونفوسهم ، لقد استطاعت السلطات الديكتاتورية أن تدمر القيم النبيلة عند الإنسان الـعـراقـي الطيـب ، وحاولت كسر ارادة المناهضين لسلطتها عبر القتل أو السجن اوالتدجيــن .                                                         
     وحين زرت مكتب الحزب الشيوعي في الحلة ، وجدت صور الشهداء من اخوتنا الشرفاء الذين قدموا حياتهم دفاعاً عن شرف الكلمة ، كان بعضهم صغاراً في اعمارهم وتجاربهم لكنهم كانوا كباراً في وقفتهم وتذكرت مقاطع من قصيدة الجواهري تناثرت في رأسي تناثر الذكريات .
تَمَثَّلْتُ يومَكَ في خاطـرِي...... ورَدَّدْتُ صوتَكَ في مَسْمَعِـي
وجَدْتُكَ في صورةٍ لـم أُرَعْ............بأعظـمَ منهـا ولا أرْوَعِ
وماذا! أأرْوَعُ مِنْ أنْ يَكُون............لَحْمُكَ وَقْفَاً على المِبْضَـعِ
فموكب الشهداء متصل مهما امتد الزمن أو اختلفت الأفكار وتطورت فالشهداء في طريق واحد وهم احبة سينامون في مكان قدسي عالي علو نفوسهم الصافية .
لكن اشد ما أحزنني هو الضرر الشديد الذي لحق بابنائهم وهم شموعهم وزهورهم التي أرادوا أن يضعوها في طريق شعبنا ، وجدت بعضهم قد ترك دراسته مبكراً لاعالة أسرته ، كما هو حال ابن الشهيد محمد علي الحمامي وكثيرون مثله وربما مروا بظروق اقسى ، فالمدرسة الصدامية في القتل  تتلذذ بتعذيب الضحية والانتقام من ذويها بتحطيمهم باشكال عدة .
 لكن الأشد مرارة كان جواب احد رفاقنا في المحلية وهو رفيق أكن له كل الحب والاحترام لكونه من الشيوعيين الأوفياء ، عندما قال لي أن رفاقنا قد خف حماسهم ومتعبين في هذا الشأن ، وقد بكيت بصمت وأنا أرى الإهمال بحقهم ليس فقط في مجال مساعدة أسرهم بل وحتى الكتابة عنهم ، مما قادني الى أن اكتب عن بعضهم ، وأنا  الغريب الفقير البعيد عن الوطن وبالتالي تشح عندي المعلومة التي تكون الاساس في الكتابة في هذا الباب .
تذكرت السياب في قصيدة المسيح
بعدما أنزلوني ، سمعت الرياح
في نواح طويل تسف النحيل
و الخطى وهي تنأى ، إذن فالجراح
و الصليب الذي سمروني عليه طوال الأصيل
لم تمتني ، و أنصت : كان العويل
يعبر السهل بيني و بين المدينه
مثل حبل يشد السفينه
وهي تهوي إلى القاع ، كان النواح
مثل خيط من النور بين الصباح
.و الدجى ، في سماء الشتاء الحزينه
ثم تغفو ، على ما تحس ، المدينه
  لكن ما روى ضمئي وهدَّءَ خاطري وخفَفَ ألمي هو الجهد الرائع والنبيل للأستاذ الكاتب محمد علي محي الدين ، حين كتب بشكل مشرف عن حياة هؤلاء الشرفاء من رفاق دربنا حين ذكَّرنا بالبطل الاسطوري الشهيد مطشر حواس وخالد احمد زكي وكاظم الجاسم وابو عبيس وابو رهيب وكتاباته الاخيرة في حلقات محطات العمر عن البطل الاسطوري عبد الجبار علي أبو هادي .
 كتب كثيراً عن شهداء مدينته ليس تفضيلاً فكل الشهداء مفضلون ، بل لأنه قريب منهم ويستطيع بعد جهد الحصول على اخبارهم ، ولا انسى ماكتبه الآخرون الطيبون ، ولكن أبو زاهد كان القامة الاعلى في هذا الميدان ، أتمنى أن اضمه إلى صدري وان اقبل جبينه الطاهر وان اقبل يديه التي حملت قلماً قدسياً .
أن الوفاء للشهداء يعكس حقيقة المرء ، مدى تماسكه وقوة عزيمته واصراره ، لا ينسى الشهداء سوى الاموات ، ولانريد أن نموت وندعي الحياة .
لن ينسى الشهداء سوى المزيفون المنافقون والمنحشرون خطئاً في مسيرة النضال ثوار المكاتب والمناصب .
أتمنى أن يعطى ملف الكتابة عن الشهداء الشيوعيين للأستاذ محمد علي محي الدين فهو خير من تصدى له ولتعطى الأرض لفلاحها النشيط ، فالنيام لن يطعموا الجياع .
أتعلم أن جراح الشهيد ...... تظل عن الثأر تستفهم
أتعلم أن جراح الشهيد ........ من الجوع تهظم ما تًلهم 
جرح الشهيد هم أهله ، أبناءه الذين تركهم للزمن القاسي ، في ظلام الليل الطويل ، الذين خيب رجائهم الثوار المزيفون حين لاحت خيوط الفجر الواهية ، ضاعت امالهم حين جاء المحتل وحين جاء ابطال المكاتب وفحول الليالي الحمراء الذين لايهمهم سوى اشباع ماتشتهي نفوسهم الشبقة .
يا ملك الثوار..
أنا ابكي بالقلب لان الثورة يزني فيها 
والقلب تموت أمانيه


16
قصة قصيرة بعنوان : حكاية ليلي
 
كتابة : غدير رحيم الحلي
 
هناك في مكان بديع الجمال ، قرب الوادي الاخضر ، منزل تعيش فيه فتاة تدعى ساندي ، تُحِب كلَّ المخلوقات ، وكان من أكثر أصدقائها قطة ٌ أسمها  ليلي ، ربتها منذُ أن كانت صغيرة واحبتها وعاشت معها ، وعندما كبرت أصبحت من أعز أصدقاءها  ، و في أحد الأيام كانت ساندي ذاهبةُ لتزور صديقتها العزيزة ليلي ، فطرقت الباب كثيراً لكنها لم تجب ، فدخلت الى المنزل  فلم تجدها ، ووجدت هراً صغيراً حديث الولادة فأدركت أنه أبن ليلي فجلست بقربه وهي تنظر إلى أبن أعز صديقة لها ، وبعد قليل جاءت ليلي
 فقالت لها: أنت هنا كنت ذاهبة لأخبرك بهذا النبأ السار. فقالت لها: مبارك لك يا صديقتي الغالية  ،ولكن ماذا سوف تسمينه ؟
فاجابتها: لا أعرف ، وما الذي تقترحيه أنت ؟
فكرت ساندي ملياً ثم قالت: ما رأيك بجوجو!
فاجأبت: إنه أسم جميل ، وعندما أنجب أختاً له سأسميها جيجي ، لو أنك تعلمين كم اشتاق إلى إن يكبر جوجو .
فقالت: معك حق وانا أيضاً احب إن أراه يركض أمامنا وكيف يذهب ويزورني معك.
وبدأ جوجو يكبر ويكبر وهو يتعلم كل الأمور الحسنة ، وكانت ليلي تحب هذا القط حباً شديداً ولا تتخيل الحياة من دونه، وماكانت بحياتها تضربه بل كانت تحضر كل ما يتخيل أو يطلب ، كانت أماً رائعةً حنونةً كأمها لولو .
وذات يوم كان جوجو خارجا ليلعب عند ساندي ، وبينما هو يسير لحق به ولد مشاغب يتسلى بقتل الحيوانات، فأمسك بحجر كبير ورما به على رأس جوجو الصغير فشعر جوجو بالدوار وبدأ بالركض وهو يتمايل يميناً ويساراً ، فأسرع واختبأ في منزله الصغير الذي صنعته له ساندي حيث مات فيه دون أن يعلم أحد، ثم بينما كانت ساندي تريد تنظيف منزل جوجو، لأنها تعلم أنه كل يوم بهذا الوقت يأتي لعندها ، وجدته ممداً على الأرض والدماء تسيل من رأسه فوجئت بما حصل ، وأحست بالخوف تجاه ردة فعل ليلي عندما تعلم بالأمر، فقررت أن لا تخبرها وأن تتظاهر بأنها لم تره ، فحملت جوجو الصغير وهي تبكي بألم ودفنته قرب منزلها وزينته بالورود وزرعت بقربه النباتات والأزهار الملونة ، وبعدها جاءت ليلي وهي تقول: مرحباً ساندي كيف حالك ، هل تسليت مع الشقي جوجو ؟
فصمتت ساندي ولم تنطق بأي حرف !
فسالتها ليلي: ما خطبك؟ لماذا لاتتكلمين؟ الم يحسن جوجو التصرف على غير العادة ؟
فأجابتها : لا ، لكنني لم أره ظننت أنك لن تبعثيه لي اليوم .
فقالت ليلي: ما الذي  تقولينه يا ساندي أنا أخبرته بأن يأتي ، وقد خرج منذ الصباح ولم يعد حتى الان ، وتقولين انك لم تريه ، يا الهي ما الذي حصل بصغيري؟
فأجابتها ساندي :لا تقلق ِ لابد أنه سيعود ، فربما ذهب في رحلة طويلة دون أن يخبرك ، فلم يتسع الوقت الكافي له كي يخبرك .
فقالت ليلي لها: لا أظن ذلك ياعزيزتي فليس ذلك من عادته .
وهكذا ظلت ليلي أياماً طويلة تأمل أن يعود ابنها جوجو إلى  حضنها الدافئ ، حتى لاحظت صديقتها ساندي بانها تنهار أمام أعينها يوماً بعد يوم وخافت أن تفقدها أيضا ، فقالت لها: ليلي إذا سمحت أريد أن أخبرك بأمر مهم يتعلق بجوجو ،لكن تعالي معي .
فرحت ليلي لأنها ظنت إن ساندي عثرت على جوجو وهو خائف من أن تغضب أمه منه ، فطلب من ساندي أن تخبرها ، فأخذتها ساندي إلى قبره ووقفتا أمامه ، فسألتها ليلي : والآن يا ساندي أين تخبئين جوجو؟
فأشارت ساندي بأصبعها إلى قبره وقالت : هنا .
نظرت ليلي إلى ساندي وقالت مالذي تعنينه ،أهذ ما قصدته عندما قلت أنه ذهب في رحلة طويلة؟
فقالت لها :أنا آسفة حقا لأنني أخفيت عليك هذا الأمر المهم ، وأخبرتها بكل ما حصل .
لم تتحمل ليلي هذا الأمر المحزن وبدأت بالبكاء ،وفي اليوم التالي ذهبت ساندي لزيارتها لأنها لم تكن بصحة جيدة عندما أخبرتها فأرادت الأطمئنان عليها، لكنها عندما ذهبت وجدتها ميتة ملقاةَ على الأرض وقد تركت لها رسالة تقول فيها:
صديقتي الغالية إنًّ خبر موت جوجو كان مؤلماً فلم اتحمله وأنا أشعر بأن الموت اقترب مني وأرجوا أن نبقى اصدقاء حتى بعد موتي ، وأنا قد اشتقت إلى جوجو وأريد رؤيته، وهذا الحل الوحيد ، لذلك لم آخذ الدواء التي أعطيتني إياه ، وداعا يا صديقتي العزيزة لن انساك ابداً وساشتاق لك ، وانا أريد منك تدفنيني قرب قبر جوجو إذا سمحت .
فبدأت ساندي بالبكاء ، وأخذتها ودفنتها قرب جوجو ، وقالت لها:
 سوف نبقى أصدقاء بالتأكيد وأنا بالحياة وأنتِ بالموت ، أنتِ الآن ياصديقتي حيث تريدين مع ابنك جوجو ، فنامي بهدوء .   
هكذا حصلت ليلي على ما تريد فجوجو الآن يجلس في حضنها الدافئ وكل من تحب مازل عالقاً في ذهنها ،و تذكر اللحظات التي عاشتها معه ، و حتى لو تركت الواقع والحياة فهي ماتزال حية في قلب ساندي وذاكرتها .


17
الأغنية العراقية في خطى النجوم

   رحيم الحلي
arsrks@yahoo.com

قناة البغداية ببرنامجها الرائع على خطى النجوم ، الذي يديره اساتذة الغناء العراقي من امثال الملحن الكبير محسن فرحان والناقد الفني عادل الهاشمي والفنان يحيى حمدي تذكرنا بالمرحلة الذهبية في تاريخ الأغنية العراقية وهي فترة السبعينات ، التي كانت مرحلة الابداع والخصوبة ، بعض الاستقرار النسبي في الواقع السياسي والاقتصادي ائنذاك ، منح المبدعين فرصة لكتابة وتلحين أجمل ماقدمته الأغنية العراقية في كل تاريخها ، كانت هذه الأغاني نجوماً زينت سماء الفن الموسيقي في العراق ، رغم أن النظام العفلقي نظر إلى الأغنية العراقية نظرة دونية واعتبرها تمثل فناً قطرياً ومحليا ً، ولا تحمل سمات فنية راقية ، ونظر بازدراء إلى الفنانين العراقيين من شعراء واعتبرهم اعداء للثورة والأمة لانتمائهم إلى التيار اليساري ، واعتبر الملحنين العراقيين دون مستوى الملحنين العرب ، واعتبر الفنانين المصريين هم قبلة العرب غناءاً وتلحيناً وشعراً مع حبنا وتقديرنا الكبير لهم ، وحين نستمع إلى الإذاعة العراقية في ذلك الزمن ندرك بسرعة مظلومية الأغنية العراقية بسبب ضئالة مساحة البث  للأغنية العراقية ، حتى اصبحنا نستمع للأغنية العراقية من بعض الاذاعات العربية وخاصة الخليجية ، ولايخفى على احد أن المؤسسات الاعلامية الصدامية كانت تنظر بازدراء إلى الأغنية الريفية العراقية لانتمائها إلى الريف في جنوب العراق .
لكن الفترة الأخيرة من حياة النظام الصدامي وحيث ظهرت الحاجة لاستخدام الأغنية العراقية في الدعاية السياسية والعسكرية وخاصة في فترات حروبه الطويلة ، استخدمت استخداماً بشعاً ومبتذلاً في هذا الميدان ، وظهر الشعراء المداحون والذين غنوا للموت وكتبوا ورقصوا على ايقاعه اللئيم ، وبرز جيل جديد في رموزالسلطة تمثل بظهور أبناء المسؤولين الذين أحبوا أغاني الردح الليلية في سهراتهم اليومية وظهر مطربوا الردح وراقصاته الغجريات ، هذه الأغاني الرادحة اشتهرت ولمعت بشدة لفترة قصيرة وانطفئت بسرعة رغم إنها ساهمت في تقوية جمهور مستمعي ومحبي الأغنية العراقية خارج العراق  فهي لم تستند على كلاما شعرياً عالياً وعلى عمل لحني مدروس ، حيث ظهر المبتدئون على الصنعة الذين استسهلوا صناعة الأغنية واصيبوا بالاسهال  .
 لفد كان أول سفير للاغنية العراقية الفنان الكبير ناظم الغزالي حين استخدم المفردة القريبة للفصحى والجمل الموسيقية البسيطة التي تحتوى على مقام واحد ، ثم أكمل مشواره الفنان المبدع كاظم الساهر الذي استعان بموهبة الشاعر كريم العراقي وشعره الذي امتاز بالمفردة البسيطة الحلوة إضافة إلى عبقرية كاظم الساهر التلحينية فقد كان موفقاً في اختياره للنص ، وكان فنانا مقرباً للاوساط الحاكمة مع ذلك كان فناناً رصيناً ومحترماً قدم كثير من الأغاني الرائعة ، ولاننسى أغاني الفنانين الكبار داخل حسن وحضيري أبو عزيز وسعدون جابر وياس خضر ورياض احمد وحسين نعمة وسعدي الحلي وحميد منصور ومحمود انور واسماء أخرى كثيرة لم اتذكرها لكنها لاتقل اهمية عمَّن ذكرتهم ، هذه الاغاني التي انتشرت انتشاراً كبيراً في البلدان العربية المجاورة للعراق .
عانت الأغنية العراقية في فترة التسعينات كثيراً بسبب الظروف الاقتصادية الصعبة التي مر بها الفنان العراقي ومعاناته المادية بسبب انعدام الدعم الحكومي للفنان ولعطائه ، سوى لمجموعة من مطربين ارتبطوا برموز السلطة وكانوا جزء من مطبخ الترفيه والسهر اليومي ، وغادر الكثير من الفنانين ارض الوطن سعياً وراء لقمة العيش وعانوا الكثير من التشرد والعوز المادي ، فقد عمل بعضهم في الملاهي الليلية التي قتلت ابداعهم وحتى إنسانيتهم ، وعمل أخرون في احياء الحفلات الشعبية وتعرضوا لايذاء المسيئين من الجمهور ، ومن بديهيات النجومية هي أن لاتكون النجوم قريبة جداً لعين ناظرها وعاشقها ، وكان هناك حصاراً اعلامياً عربياً على الأغنية العراقية ، وكما منع المواطن العراقي من دخول المطارات والمدن العربية منعت الأغنية العراقية في وسائل الإعلام العربية من اذاعات وتلفزيونات ، ذلك ساهم في حرمانها من الوصول إلى إذن المستمع العربي وعينه ، وجال المطربون الآخرون لوحدهم في الميدان وبرزت في هذه المرحلة الأغنية اللبنانية والمصرية والخليجية مع تقديرنا وحبنا لهذه الأغاني ، وتراجعت شعبية الأغنية العراقية لولا جهود الفنان كاظم الساهر الذي حصل على دعم الاوساط الفنية العربية والاعلام الحكومي العربي وكانت اغانيه لا تحمل هوية أو ملامح عراقية رغم إنها كانت روائع غنائية .
اما الفنانين الذين تعرضوا للاضطهاد وغادروا الوطن بسبب معارضتهم للديكتاتورية الصدامية ، كالفنان قحطان العطار والفنان فؤاد سالم والفنانة أنوار عبد الوهاب والملحن الكبير الراحل كمال السيد والملحن الكبير كوكب حمزة والفنان سامي كمال والملحن حميد البصري والفنانة شوقية ، فقد تعرضوا للاهمال والتهميش المتعمد من المؤسسات الاعلامية العربية ، وتعرضت ملكاتهم الفنية للضياع بسبب تشردهم ومعاناتهم في الحصول على الاقامة أو الحصول على رغيف الخبز وقتلهم الإحساس بالاغتراب والحنين إلى وطنهم الذين حرموا منه سنوات طويلة ، وقد منع نظام صدام ذويهم من الاتصال بهم وانقطعت  بهم السبل ، واضر ذلك كثيراً بهم وبعطائهم الفني .
شكراً لقناة البغدادية ولكل قناة تساهم في دعم الأغنية العراقية ولكل القنوات الأخرى التي ساهمت في هذا المجال ، فكثير من الفنانين من مغنين وشعراء غنائيين عاشوا حالة معاناة وخوف بسبب خشيتهم من القوى الظلامية التي هيمنت على الشارع بسبب ظروف انعدام الاستقرار الامني ، تعرضت حياتهم للخطر وغادروا الوطن وكل المحبة لمن بقيَّ في الوطن وتحمَّل المخاطر ونتمنى لهم السلامة والعمر الطويل فهم شموع الفرح في ليلنا الطويل وهم الأمل في مستقبل الأغنية العراقية الاصيلة ، فهناك من يريد أن يحولهم إلى بكائين وكتاب مراثي وندب ، كي يضيفوا ندوباً أخرى إلى حياة الناس ، فبعض القوى السياسية تعتبر الغناء عيباً رغم إنها لاتجرؤ على تحريمه رسمياً ، لكنها لو استحكمت واستبدت في السلطة لحرَّمته وقتلت أصحابه أو شردتهم .
 ولا بد من توجيه اللوم والنقد للقنوات الفضائية التجارية التي تسيء إلى الأغنية العراقية ولا أريد أن اذكرها بالاسم ، حين تبث الأغاني الهابطة فنياً ، وحين تقدم بعض المغنين المبتدئين وتبتزهم مالياً وتسوق أغانيهم المتسرعة باضافة التوابل اليها باضافة الراقصات بطريقة مبتذلة رخيصة مسيئة للغناء العراقي ، فتحرم المشاهد من الاستماع وهو الركن الاهم في الأغنية ، لتعتمد فقط على عنصر الاثارة الرخيصة في حركة ارداف وسيقان تلك الراقصات ، مما تساهم في تغجير الأغنية وتهبط بمستواها الفني ، فالغناء هو صنعة فيها جهد وخبرة موروثة وفيه قواعد الصنعة وهوعمل فيه ذوق وإحساس وغايته نشر الفرح والسرور أو تخفيف الأوجاع وامتصاص الاحزان ، وليس صنعة من لاصنعة له أو نزوة رقص انفعالية مثيرة للغرائز ، وقد أَنشئت هذه المحطات الفضائية شراكة مقاولة مع بعض الملحنين والكتاب الصغار ، ونست الفنانين الكبار الذين يعيشوا الغربة والتشرد والإهمال ، لان هؤلاء يطالبوا بحقوقهم عندما يقدموا نتاجهم الفني فمن حقهم أن يعيشوا حياتهم مثل اقرانهم في بقية دول العالم ويحصلوا على حقوقهم المادية ، ويبدو أن بلوة الفنان في العراق اكبر من بلوة المواطن فهي بلوة مضاعفة ، حيث تنظر بعض الاوساط الاجتماعية المتخلفة بازدراء للغناء ، وقد ابتلينا بحكومات تسمي الفنان شعَّاراً وتغجره .
متى يعود زرياب إلى الوطن ، فتقوم الناس لتغني معه جذلاً وفرحاً وترفع عوده فوق جذوع النخل الممتد في ارض العراق الطيب ، أم لا زال لؤم الحجاج يحكمنا ويقتل الحياة باسم عمامته اللئيمة لينقل عورته وقبحه إلى حياتنا حزناً وتقتيلا ، متى تعود البلابل إلى أغصان اشجارك ياوطني ليأكل البلبل من تمرك وتينك ، وتغادر الغربان التي تأكل من لحم ابنائك القتلى ، الغناء هو علامة الفرح ، كما الطبل علامة الزفاف فمتى يعود الفرح وتموت الاحزان ؟
 وقد قال السياب : بالأمس حين مررت بالمقهى ، سمعتك يا عراق وكنت دورة أسطوانه





18
أدب / قصة قصيرة بعنوان : حلم
« في: 17:57 12/08/2008  »
قصة قصيرة بعنوان : حلم
كتابة :رحيم الحلي

الحلم الاول

واخيراً رأيته بعد مرارة الفراق الطويل ، كان يمشي على سفح الجبل برفقة صديق له لا أعرفه ، ربما أحد أصدقائه الشهداء فهم كثر في الوطن المستباح فحين تبتعد الشمس ترحل الفراشات وتذبل الورود وتنطلق الذئاب و الغربان السود ، جلست خلفه على الصخرة  وكان الوقت صباحاً والشمس تشع نورها الطيب الهاديء ، رأيته جالساً يتحدث مشغولاً ومهموماً كعادته ، نظرت إليه ملياً قلت انه هو ، ناديته بأسمه يافاخر التفتَ اليَّ هرعتُ صوبه عانقته وشممته طويلاً ثم تحدث معي عن رحلته فقال انه في عالم سعيد ولكنه حزين  لما يحصل في الوطن ، فلا زال الفقراء تعساء ، ومازال اللصوص يتسلقون الأشجار ويسرقون الثمار ، وقد سكتت الاجراس ، ونام النواطير ، ولبس اللصوص ثياب الكهان ، واصطبغت كثير من الأشياء وازداد السواد بارض السواد ، ولبست الظلمة ثوبها الجديد ، هذه المرة جاء المشخصاتي يلبس ثياب التاريخ ،فتحول السيف إلى حكاية وملهاة محببة عتد العجائز والاطفال ، أحببت أن أذهب معه ، لكني خجلت من صاحبه ، لم ارغب أن أتطفل عليهما ، وأن اقطع خلوتهما ، فصعدا إلى قلعة في سفح الجبل وبقيت على الصخرة وحيداً . بعد أن ذكرني بشعر نزار حين يقول
ما لليساريين من كتابنا؟
قد تركوا (لينين) خلف ظهرهم
وقرروا..
ان يركبوا الجمال!!

الحلم الثاني

أصر أن يدعوني إلى مأدبة عشاء  في داره بعد أن فارقته أكثر من ثلاث وعشرين عاماً ، كنا نجتمع في بيتنا أو خرابتنا أو في بيته أو خرابته ، عمل نجاراً وحين حل ظلام الليل ، ودَّعني حتى محطة القطار ، وحين عدت أطلق لحيته وأمسك بمسبحةٍ طويلة ، وقد أوشى بشريكه ورفيق دربه حتى يبقى بلاشريك ، وحين زاره احد رفاقه النازلين من الجبل قاده إلى حتفه ، وقد وجد له مكاناً في جوقة اللصوص وأخذ حصته ، فإمتلك بيتاً مترفاً وسيارة فارهة  وورشة كبيرة أما العمال في ورشته فيمضغون مرارة ظلمه وجشعه ، سألني أحدهم عن فاخر فقلت له انه يسكن في القلعة البعيدة ثم رددت أمامهم وصيته بشعر السياب
كنت بدء ، وفي البدء كان الفقير
مت ، كي يؤكل الخبز باسمي، لكي يزرعوني مع الموسم
كم حياة سأحيا : ففي كل حفره
صرت مستقبلا ، صرت بذره
صرت جيلا من الناس ، في كل قلب دمي .
سألوني متى يعود ؟
ربما يأتي في المساء ، فرفع أحد العمال رأسه إلى السماء كانت الشمس قد رحلت وبدأت الظلمة مرة اخرى تمد عبائتها لتغطي كل شيء ، لكن نجمة بعيدة راحت تلتمع بشدة وترسل خيوطها الفضية .

arsrks@yahoo.com

19
قصة قصيرة بعنوان :الملك العادل (لاسي)*

كتابة:غدير رحيم الحلي
في بلاد الخير الدافئة ، بعيداً عن كل مخاوف الغيب المخبأ في مملكة الشر ، تعيش الحيوانات  بأمان و سلام ويحكم بينهم ملك عادل اسمه لاسي، جعل من بلاد الخير مكانا ياتي له كل حيوان مظلوم من أرجاء الممالك الأخرى ليستعيد حقه ويحكم له بالعدل ، ولبلاد الخير قانون مهم ، على ملك البلاد إن يرتدي ردائه باللون الأخضر وتاجاً اصفراً عليه وردة حمراء  ، ولذلك معنى كبيرعندهم ، فاللون الأخضر رمز الحياة والأمل  .
وفي احد الأيام فكر ملك مملكة الشر " سيدرك "  وزوجته  " جيني "  انه لابد إن يجدوا طريقة ما  كي  يتخلصوا من لاسي ، فعندها ما إن يموت لاسي ،  لن يبقى هناك ملك أقوى من سيدرك وهكذا ظل يفكر هو و بعض القادة الذين يعملون عنده ومعهم الرأس المدبر زوجته جيني ثم  بعد وقت قليل قالت جيني : و هي تضحك أيامك يا لاسي معدودة .
فسألها سيدرك: وكيف؟
فأجابته:  إليك خطتي سوف نخطف ابن مستشارة لاسي ،  فكما تعلم هي ساعده الأيمن وبئر أسراره ، وهي المدبرة لكل خطط الحروب التي نخسرها ، وعندما نخطف ابنها سوف نهدهدها بقتله إن لم تستجب لأمرنا ،  ثم نجعلها تصنع خطة تمكننا من الفوز الأكيد عليهم ، وستمكننا من قتل الملك السابق لاسي .
فقال لها سيدرك :احسنت يا عزيزتي ، لكن ماذا سنفعل بابنها جوجو بعد أن ننفذ الخطة ؟ هل سنرجعه كما نقول لها ؟
فأجابت بتذمر: أوه كيف نرجعه نحن نعدها فقط وهل من عادتنا أن نفي بوعودنا ؟
فأعجب سيدرك وكل من معه بدهاء جيني وأخيراً سوف ينتصر الشر على الخير بعد خسارات فادحة .
وفعلا سارت خطة جيني كما تريد فخطفوا جوجو إلا أن ليلي عندما علمت بذلك شكّْت  بالامر فوافقت على ما يطلبون ،  لكنها لا تخون سيدها حتى لو قتل ابنها فذهبت إلى الملك لاسي وأخبرته بالأمر فقال لها : افعلي كما يطلبون .
فقالت : كيف تطلب مني أن أساعدهم وأنا لا أخونك يا سيدي حتى لو كانوا سيقتلون جوجو؟
فأجابها : أنا اعرف سيدرك حق المعرفة انه لا يمتلك رحمة ولا شفقة في قلبه ، وسيقتله على كل الأحوال ، لذلك نحن أيضا سنجد حيلة ما كي نستعيد ابنك و نتخلص من شره وشر زوجته . 
فكرت ليلي ملياً كيف ستصنع حيلة ما كي تخدعهم وتستعيد ابنها وتتخلص من شرهم .
وبعد يوم من التفكير رجعت إلى الملك لاسي وهي تقول : لقد وجدتها وجدت الخطة التي ستمكننا منهم .
فسألها :  وما هي؟
فأجابت علينا أولا أن نعرف خطة سيدرك وهذا أنت من سيفعله ،  فعندما ياتي احد من أتباعه ليسألني عن الخطة سنسجنه ونهدده بالقتل ، فيبوح بكل شيء عندها سنبقيه سجيننا حتى ننتهي من شر سيدرك ، وعندما يتأخر لا بد أنهم سيرسلون شخصاً أخر  فسأخبره إنني لم أره وسأخبره بخطة معاكسة لخطتنا وهكذا سوف استعيد صغيري ونتغلب عليهم في الآن نفسه.
فقال لاسي بكل فخر: احسنت لطالما كنت عند حسن ظني.
وبعد ثلاثة أيام جاء قائد من قادة سيدرك سائلا عن الخطة فقيده الجند ووضعوه في السجن واجبروه على الاعتراف بخطة جيني وبمكان حبس جوجو فأجابهم على كل شيء بصدق ، وعندها أعدت ليلي الخطة المناسبة لضمان فوزهم ، لكن عندما تأخر القائد  عن سيدرك بعث لليلي شخصاً أخر فسألها : أين القائد الذي بعثه سيدي سيدرك لك ؟
فأجابته  لا اعلم لم يأتني احد ، هل أنت متأكد انه جاء لبلاد الخير ؟ .
فقال :  لا اعرف فقد ارسله الملك سيدرك ليسالك عن الخطة .
فاجابته: لم اره ، ولم ياتي إلى هنا.
 فقال : حسنا إذا دعك منه و اخبريني هل وجدت خطة كي نتغلب على الملك لاسي ؟
فأجابته : اجل ساخبرك بها، فاصغي لي جيدا  .
فأخبرته بخطة كي يأتوا ويقتحموا القصر أثناء نوم الحراس والملك ، إلا أن الملك لن يكن نائماً فسيكون خارج القصر مع كل الحرس والجند  فيدخل الكل على ملك مملكة الشر ويحاصروهم ويحكمون عليهم حكما عادلا ،  ثم سيذهب الملك لاسي إلى مملكة الشر بنفسه ويستعيد جوجو وهكذا ذهب القائد  إلى سيده سيدرك واخبره بخطة ليلي وقد صدُّق الأحمق حيلة ليلي  وانطلت عليه .
وهكذا  في اليوم المحدد خرج سيدرك مع كل من في مملكة الشر ماعدا جيني بقيت وحدها في قصرهم ، و عند حلول الظلام اقتحم سيدرك القصر وفتشه بأكمله ولم يجد أحداً فأحس بإلعوبة ليلي بعد فوات الأوان وفجأة دخل الحرس والجند وكل الحيوانات وحاصروهم ، وبسرعة قاموا بسجنهم الواحد تلو الأخر وكان أولهم سيدرك الذي ذُلُّ وخُدِعَ وبدا أمامهم عاجزاً عن نطق حرف خائفاً وجباناً .
 وفي هذه الأثناء  دخل لاسي الشجاع لقصر مملكة الشر ونزل إلى قبوه ، حيث المكان الذي يسجن فيه جوجو لكنه لم يعلم أن جيني مازالت موجودة ، و بينما هو ينزل على الدرج بهدوء غدرته جيني وطعنته  بقلبه طعنة غادرة فدوى صوته في أرجاء القصر،  فسمعته أخته ريري التي كانت قادمة من المهمة التي بعثها إليها وعلمت انه ذهب لمملكة الشر فلحقت به  فركضت ريري وكشرت عن أنيابها وقفزت على جيني تريد تمزيقها بأسنانها إلا أن قلبها الرقيق لا يقوى على القتل ، فاقتربت ريري من أخاها وهو ينطق كلماته الأخيرة  فقال:
ريري اسمعيني أنا أوصي بالمُلْك من بعدي لك على أن تكوني كما عهدتك عادلة طيبة  قوية صبورة ، تعلم أن القوة هي قوة العقل والتفكير لا قوة العضلات ، فاحكمي يا ريري بعدل وكوني متسامحة و اوصيكي بان تأخذي مبدأ التعاون سبيلاً للنجاح وان تستشيري ليلي بكل أمر فهي ذكية وعبقرية وطلبي الأخير منك أن تخبري كل من في القصر بما قلت لك فهي رسالتي الأخيرة ولا تنسي حققي السلام والحب في كل الكون أرجوك  عديني بذلك ، فقالت  ريري: أعدك يا اخي .
وعندها كانت هذه الكلمات أخر ما قال قبل موته فضمته ريري إليها بحنان والدموع تهطل بغزارة ، وهي تحفظ كل حرف مما قال ، وفي هذه اللحظة دخلت ليلي و معها بعض الجند فنظروا ولم يصدقوا أعينهم الملك لاسي مات، فقالت ريري:  وهي تشير إلى جيني : خذوا هذه القاتلة  .
فأخذها الجند وقيدها وساقها إلى السجن ثم ذهبت ليلي وأخذت ابنها ، فقالت ريري : إني أريد أن أوصل إليكم أخر ما اخبرني وأوصاني به أخي قبل أن يمت، فذهب الجميع لبلاد الخير فوقفت ريري معتزة بأخيها الرائع فقالت : هذا أخي الذي رضعت معه حليب الكلاب وعشنا سوية وكان يعلمني العدل و التسامح والمحبة قد قتله معشر الأشرار و كان أمله الوحيد أن يعم العدل والسلام هذا العالم وأنا الآن أعاهده أمامكم وأقول بإذن الله سلاحنا الحكمة و العقل والتفكير السليم ليكون النصر حليفنا، ربما أنا لا أكون حاكمة كأخي إلا إنني سأسعى جاهدة أن أنفذ كل ما طلب من تنفيذا دقيقا  ليسود الأمن والعدل هذا الكون.
وحقا ساد الكون الفرح وقد قام على مبدأ العدل و قد كانت ريري تسير على خطى أخاها الملك العادل لاسي .
*لاسي هو قصة كلب كان لي ظُلِمَ وعانا من حياة قاسية لكنني  كتبتها على شكل قصة خيالية  كان هو بطلها أتمنى أن أكون احسنت كتابتها  .


20
المنبر الحر / الجذور
« في: 20:01 25/07/2008  »
الجذور

رحيم الحلي

ذات مرة قمت باقتلاع شجيرة صغيرة لأزرعها أمام شباك غرفتي ، نبهني جاري أن أغطي جذورها ، الإنسان لاتخرج جذوره مهما شددته أو ابعدته ، فان جذوره تمتد ولاتنقطع قد تصبح رفيعة كخيط الحرير او مثل اوتار الة موسيقية مشدودة ، الشعوب والقبائل شردت بعضها ، وكم من حضارة قامت على ركام حضارة قبلها ، وكم مدن قامت على خرائب مدن سبقتها ، الأمويون حين تحطمت دولتهم الجائرة ذهبوا إلى غرب أوربا لبناء دولة جديدة ، والمواطن الغربي حين اكتشف القارة الجديدة ، شرد السكان الاصليين الهنود الحمر ، الفلسطينيون احد الشعوب التي تعرضت للتشريد والابادة والإذابة ، بفعل المشروع الغربي الذي افرزته السياسة الاستعمارية للنظام الرأسمالي الجديد ، فأن جمع يهود العالم في بقعة واحدة وتكوين دولة لهم ، عمل غير منطقي وغير مبرر ، لان الدول الدينية هي دول عنصرية وتقوم على دعاوي تاريخية ، وهي دعاوي غير عقلانية ولا واقعية وتثير نزاعات دموية ، أراد النظام الراسمالي أن تكون النزاعات الدينية والقومية وسيلة لإثارة الحروب التي تسوق بضاعة السلاح ، الميدان الاكثر ربحاً وتكوين دول رخوة تصبح حليف مخلص أو ذنباً .
الاحتلال الأمريكي في العراق حاول تاسيس دويلات على نفس الاسس ، دويلة كردية وأخرى شيعية وثالثة سنية ، مستغلاً أخطاء نظام صدام القاتلة ، باعتباره نظام شوفيني بل وطائفي بل وعشائري خلق مشكلات داخلية خطيرة مزقت جسد الوطن ووجدان الشعب ، لذا فيمكن القول أن كثير من الاعمال الإرهابية كان هدفها اثارة الخوف والرعب بين أبناء الشعب من أجل مزيد من الانكفاء والعزلة والخوف من الأخر ، المستفيد من هذه السياسة اولاً الاحتلال الأمريكي ثم الأحزاب الطائفية والشوفينية والعشائرية ، والمليشيات والعصابات الاجرامية ، وكانت سياسة الاحتلال هي اغراق البلد في الفوضى كي تجعل العراقيون يخافون من بعضهم ويحتمون بالمحتل ، ويصبح العراق سوقاً استهلاكياً في كافة المجالات .
اتسائل كيف يسمح العالم لمستوطن ليس له صلة بفلسطين ، أن ياتي من كل بقاع العالم ليبني مستوطنات في ارض غيره ، ويشرد الفلسطيني بأي حق يجري هذا ، وحين تحدث ردة الفعل وهي ردة فعل طبيعية حين يرفع الفلسطيني سلاحه أو حجارته أويداهم المعتدي بجرافته ، يحاول الإعلام الغربي أن يقلب الصورة .
 أتذكر حين عدت إلى وطني بعد تشرد قسري قارب ربع قرن ، وجدت دار والدي يسكنها شقيقي ، لم أقبل أن أسكن مكانه ، وجدت في ذلك ظلماً له مهما كانت المبررات ، فبقيت مشرداً في وطني ، وهو بيت والدي ولدت وعشت فيه ولازالت ذكرياتي طرية لم تجف ، فبأي حق يأتي المستوطنون .
الجذور يمكن أن تمتد وتصبح رفيعة مثل خيط الحرير لكن إذا شدت أكثر ومر زمن اطول بعدها ستصبح واهية مثل خيوط العنكبوت ، وإذا استخدم التاريخ كوسيلة لاقامة الدول لحدثت نزاعات دموية كثيرة ، وسوف يطالب الفرس ببغداد ويطالب العرب باسبانيا ، ارجعوا أيها المستوطنون الصهاينة من حيث اتيتم  فان بيتكم من أوهى البيوت فهو بيت العنكبوت ، ارجعوا كي يعد شعب فلسطين إلى أرضه ، فجذوره متينة مثل الحبال يكفيه تشرداً وغربة ، لم أجد الماً اشد من الم الغربة وأنا الغريب الذي شردتني حكومات الظلم الديكتاتورية الجاهلة .

arsrks@yahoo.com

21
المنبر الحر / جزاء الطمع
« في: 22:08 18/07/2008  »
جزاء الطمع
غديررحيم الحلي
                                                                                                                                     
                 
تحت ظل شجرة الصنوبر الكبيرة كانت القطة الأم ترضع صغيرها وتلعقه بلسانها بكل حنان ، فما أن انتهى القط  من رضاعته ذهب المشاكس ليلعب قليلا فقالت له أمه:لا تبتعد كثيرا، ولا تقترب من بائع الحليب.
فقال لها:لا عليك يا أمي لن ابتعد.
و ركض مسرعا وبينما هو يلعب رأى بائع الحليب فقال في نفسه: لماذا لا اذهب واشرب الحليب ريثما يتكلم البائع مع الرجل فما أن خطى خطوة حتى أن رآه الكلب بوبي فقال له:
 لكن أمك حذرتك وطلبت منك أن تبتعد عن البائع وسيارته
 فأجابه الهر: حسنا هي لن تعلم و لن يؤثر ذلك على البائع إن شربت القليل من الحليب .
وقفز القط إلى السيارة ولم يصغي بالاً للكلب ، وبدأ بشرب الحليب وهو يقول: هذا يكفي سوف انزل ثم يجيب نفسه ويقول لا لا لن يحصل شيء إن شربت القليل بعد ، وهكذا ظل يشرب و يشرب حتى انه لم يدرك أن البائع صعد في السيارة وبدأت بالمسير ، أما الكلب فصار ينبح حتى جف حلقه ، ولم يكترث الهر الصغير بنباح الكلب لأنه لم يفهم معناه فقد كان مشغولاً بشرب المزيد من الحليب.
وفي المساء بدأت القطة الأم بالبحث عن صغيرها لكنها لم تجده فأدركت انه لم يستمع إلى كلامها ، أما القط فوجد نفسه في مكان لا يعرف عنه شيء فنزل من السيارة بعد أن رماه البائع منها وهو يقول له أيها الشره من يراك لا يعلم بان هراً صغيراً مثلك يشرب كل هذا الحليب .
فنظر الهر إلى الأرض وهو يتحدث مع نفسه قائلا: والآن ماذا افعل وكيف سأرجع إلى حضن أمي الدافئ ، كل هذا لأني لم استمع لكلام أمي ولم أصغي لما قاله لي الكلب.
وبعد أشهر كان القط قد أصبح كبيرا وقويا  وبينما يسير في الطريق رأى سيارة لبائع حليب وكأنه رآها من قبل فقال أنها هي السيارة التي ركبتها  عندما كنت صغير لا بد إن لحقت بها سوف أجد أمي ، فصار يركض خلفها ثم رأى طريق كان رآه من قبل وبعد تعب وإنهاك وصل فنظر إلى شجرة الصنوبر فلم يجد أحدا وذهب إلى المكان الذي كان يربط فيه الكلب فوجده نائما فصاح :بوبي استيقظ ، لكن الكلب لم يعرفه وبدا بالنباح عليه،فقال له الهر مهلاً الم تعرفني؟
فقال الكلب بوبي: ومن أنت فانا لم أراك في حياتي ؟
 فأجابه الهر: معك حق، أنا القط الذي أضاع أمه أما عرفتني؟
فقال الكلب: وكيف لا سامحك الله ماذا فعلت بقلب أمك ؟
فسأله: وأين هي الآن فقد اشتقت لها؟
فأجابه : أنها قرب باب الحظيرة تجلس تنتظر فريسة.
فشكره ، وذهب ليرى أمه فهو يحلم أن تلعقه بلسانها وتحضنه وتضمه بحنان ، لكن كما نعلم أن القطة الأم عندما يكبر أطفالها ويتعدى عمرهم 3 أشهر تتركهم بعد أن تكون علمتهم الصيد ليعتمدوا على أنفسهم ، وعندما ذهب إلى أمه وجدها جالسة نظر إليها وهو يشعر بتأنيب الضمير لأنه لم يستمع لكلامها ، فذهب إليها  وهو يسير ببطء شديد فوصل إليها وقال أمي فنظرت إليه وقالت: من أنت أنا ليس لي ابن فهو ضاع منذ أشهر طويلة .
فأجابها: لكن أنا ابنك وقد صعدت إلى سيارة بائع الحليب وتهت والآن عدت هراً صياداً ماهراً، أيعقل انك لم تعرفيني!
فقالت له :ألا تعلم قوانيننا ؟ ربما لأني لم أعلمك إياها فأنت عمرك الآن أكثر من 4 أشهر وكما تقول انك صياد ماهر، فلا دخل لي بك ، وأنسى أن عندك أم .
لم يعرف القط  ما الذي سيفعله فقد استدار ونظر لأمه النظرة الأخيرة نظرة الوداع ولم يعد يلتفت خلفه وقال آه هذا جزاء طمعي ولا ألوم أمي على شيء فأنا المخطئ ، وتمنى لو أنه لم يعد وظلت صورة الأم الحنونة في ذاكرته و قلبه.

arsrks@yahoo.com

22
خمسون مضين ولازال الحب باقيا
   رحيم الحلي

تمر الذكرى الخمسين لثورة الرابع عشرمن تموز ، ونحن لازلنا بعيدين عن تحقيق الاماني الغالية التي حلم بها الضباط الاحرار الوطنيين ، فوطننا قد فقد سيادته وتعرض للاحتلال بسبب تسلط الحكم الديكتاتوري الفردي الذي جاء بعد الانقلاب الدموي على ثورة تموز وقام بقتل القائد الوطني الشهيد عبد الكريم قاسم ، أن الانقلابيين الذين اطفئوا شمس تموز ، ادخلوا وطننا في بحر من العذاب والأحزان والمصائب بقتلهم الاحرار والاخيار وتسليطهم للاشرار والفجار ، واجتمعت كل قوى الشر بكل الوانها من القوى والأحزاب الرجعية تساندها القوى الاستعمارية لإسقاط الثورة التي اخرجت العراق من حلف بغداد البغيض ، وجاء العفالقة وحلفائهم للسلطة راكبين القطار الأمريكي ليقدموا الخدمة الاكبر للاستعمار العالمي عبر ضربهم للقوى الثورية المناهضة للمشروع الغربي ، وتدمير الوحدة الوطنية ، وتحطيم امكاناتنا العسكرية باقحام جيشنا بحروب عبثية أتعبته وحطمت معنوياته ، وخلقت مأسي اجتماعية ، ومزقت النسيج الاجتماعي الطيب لشعبنا العراقي ، ودمرت المقدرات الاقتصادية للبلد ، وتعرض وطننا لأسوأ حكم فردي دموي وحشي عرفه التاريخ ، تسبب في إضعاف الحس الوطني ، حيث أراد شعبنا الخلاص من وحشية السلطة الصدامية الدموية ، فتجرع شعبنا مكرهاً سم الاحتلال الممزوج بعسل الحرية يحلم بالأنعتاق من الديكتاتورية الصدامية ، أن الصداميين الذين اخرجتهم من السلطة حماقاتهم وغرورهم وتمردهم على اسيادهم الأمريكان الذين دعموهم في كل حماقاتهم ، ادخلوا بلدنا من جديد في دوامة العنف بدعمهم عصابات الإرهاب الطائفية يحلمون بالعودة للحكم بأي ثمن ، حتى وان اغرقوا وطننا مرة اخرى ببحر الدماء ، عليهم قبل كل شيء تقييم تجربتهم وتصويب سياساتهم وادانة مرحلة الديكتاتورية الصدامية وجرائمها كي يستطيعوا الاقتراب لشعبنا والتيقن بان قوى الارهاب لن تخدم سوى الاحتلال ، أن النضال ضد الاحتلال لايكون بالضرورة عبر الوسائل العسكرية وحدها ، فليس الكفاح العسكري هو الطريق الوحيد المثمر في مقاومة المحتل ، ففي ظروف العراق الحالية وتعقيداتها التي سببتها الديكتاتورية الصدامية والمصالح الذاتية للدول المتدخلة والأحزاب والتنظيمات الطائفية ومليشياتها المجرمة ، وماتسببت من ضعف اللحمة الوطنية تجعل من الحكمة اللجوء للطريق السلمي في مقاومة المحتل في الوقت الحاضر ، وتحقيق الوحدة الوطنية قبل كل شيء ، واحترام كل الاجتهادات في مقاومة الاحتلال ، وفق منهج سياسي وطني يستند على احترام وتقدير لكل أطياف النسيج الوطني للحفاظ على الوحدة الوطنية التي مزقتها السياسات اللاوطنية لنظام صدام الذي حاول قتل الزعيم قاسم تحت دعاوي معاداة قاسم للوحدة القومية وإذا بالعفالقة يتسببوا بتفكيك عرى الوحدة الوطنية سياسياً واجتماعياً وخرج العراق اثر أربعة عقود من ليل حكمهم الدامي محطماً من الناحية الاقتصادية وجريحاً تنزف كل أطرافه .
لقد قضت الديكتاتورية السوداء التي اجهضت ثورة تموز على كل أحلام الثورة وعلى امال وتطلعات شعبنا في بناء نظام وطني ديمقراطي تقدمي ، يحقق التطور الاقتصادي والاجتماعي ، وتسبب الانقلابيون في تعريض وطننا للاحتلال واعادة عقارب الزمن لعشرات السنين ، وهذه معجزتهم الوحيدة ، إذ تراجع الواقع الاجتماعي والاقتصادي إلى سنوات ماقبل الحضارة الحديثة .
وتسبب سياسة العفالقة المتسمة بالتعصب القومي والمذهبي وقمع المشاعر الدينية والقومية لبعض أطياف المجتمع العراقي ، إلى خلق ردة فعل اجتماعية سلبية خدمت أهداف القوى والاحزاب الطائفية المرتبطة بجهات خارجية ، أن عسكرة المجتمع وشيوع الفقر ومحاربة القوى الديمقراطية أدى إلى انحسار الثقافة والتعليم وخلق المناخ السياسي والاجتماعي الذي ساعد في وصول قوى سياسية للحكم في العراق ماكان لها أن تحكم العراق لولا الاشكاليات والتعقيدات والمعادلات السياسية اللاوطنية التي تسببوا بها ، والتي خلقتها ايضاً ظروف الاحتلال ومصالح المحتل والدول المتدخلة التي دعمت قوى سياسية لا يتقبلها الشعب العراقي المعروف بتاييده للقوى السياسية الوطنية .
أن شعبنا العراقي إذ يتذكر بحب ممزوج بحزن وألم عميق ثورة تموز وزعيمها الوطني الخالد عبد الكريم قاسم الذي انحاز للفقراء ، وكان قائداً وطنياً حقاً ، سيقى عنواناً للوحدة الوطنية وللشرف والنزاهة ، وسيقى زعيماً شعبياً يعيش في قلوب وضمائر الناس لعقود طويلة ولقد أثبتت الأيام أن اعداء ثورة تموز كانوا اعداء الشعب العراقي ودمروا تجربته الوطنية التي كانت ستجعل العراق في مقدمة الدول المزدهرة والسعيدة  .
سلام لكل القوى الديمقراطية والوطنية ، يجب أن لا ننسى أهم أهداف ثورة 14 تموز الخالدة وهي تحرير العراق من الهيمنة الاستعمارية ، والقضاء على الظلم التي تعرضت له الطبقات المحرومة في الريف والمدينة وتحسين ظروف حياتها ، والقضاء على الظلم التي تتعرض له المرأة ، حيث اصدرت ثورة 14 تموز قانون الاحوال الشخصية الذي يعتبر منجزاً تقدمياً لرفع الظلم والجور والاحتقار الذي تعانيه المرأة ، أن الحكم الديكتاتوري الصدامي تسبب في تمزيق الرباط الأسروي واضعاف القيم الاجتماعية النبيلة ، حين أراد أن يحول المرأة إلى بضاعة استهلاكية رخيصة في سوق ملذات ومتع أقطاب حكمه البغيض ، أن الفكر الاشتراكي الذي يحمله ورثة ثورة تموز الأوفياء ، لم يكن هدفه نشر الفقر بل محاربة الفقر ونشر الغنى والاكتفاء والسعادة ، وفي قضية المرأة كان هدفهم إنصاف المرأة واعطائها حقها في حياة انسانية كريمة ، ومنحها الحق في التعليم والعمل واختيار الزوج والحفاظ على الاسرة والأبناء ، وعدم السماح للرجل باستغلال المرأة وتحويلها لبضاعة استهلاكية تخضع لقانون العرض والطلب ، الناجم عن موروث اجتماعي متخلف تسانده القوى الرجعية والطبقات والفئات المنتفعة التي حاولت أن تستخدم الدين كغطاء يبرر الظلم التي تعانيه المرأة وبدعوى أن الآخرين يريدون افسادها ، أن الذي يريد افساد المرأة وتحويلها إلى كأس للماء لايحترم انسانيتها ولايحمل فكراً انسانياً عادلاً ، أن هذه القوى استخدمت الدين كغطاء لتعطيل الكثير من منجزات تموز ولاجهاضها ولتبرير الظلم بحق الطبقات والفئات المضطهدة.
حاولت ثورة تموز أن تحقق السعادة لكل أفراد المجتمع وخاصة الفقراء بتوفير السكن والعمل لهم ، بينما حول اعداء تموز الاغنياء إلى فقراء فاتسعت دائرة الفقر ، قدمت ثورة تموز البيوت للفقراء بينما حطم اعداء ثورة تموز حتى بيوت الاغنياء ، فحولوا العراق إلى خرابة كبيرة بشوارع متهالكة ومزابل تفترش الحارات والطرقات ، كان قائد ثورة تموز الزعيم عبد الكريم عنواناً للنزاهة ، فلارصيد نقدي ولادار مميزة ، بينما نهب اعداؤه ثروة الوطن لصالح ارصدة نقدية لهم في بنوك دولية وبنوا القصور وملكوا البواخر واليخوت ، لم يحقق قائد ثورة تموز عبد الكريم قاسم غرضاً شخصياً له ولاقربائه فبقي شقيقه نائب ضابط ، في حين حول اعداء تموز أقاربهم أشباه الاميين إلى قادة عسكريين كبار ، ومنحوا الآخرين مناصب وزارية ، حيث وزعت المناصب والوظائف الكبيرة  بدافع القرابة والولاء الحزبي والانتماء العشائري والمذهبي ، وحرم المواطن خارج هذه الاطر الضيقة من الحصول على حقوقه ، وساهمت سياسة القمع وتكميم الافواه وقطع الالسن إلى انتشار الفساد والخراب وضاعت الأموال والحقوق العامة ، وشاعت فكرة التحزب والانتماء كوسيلة من وسائل تحقيق المكاسب الشخصية .
سلاما لك أيها الزعيم الخالد عبد الكريم قاسم ، أن مافعله بك اعداؤك من محاكمة همجية دامت بضعة دقائق يدل على طبعهم الاجرامي فلم يسمحوا بدفن جثمانك فهم لايسمحوا حتى بقبرٍ لضحاياهم ربما بدافع الحقد أو إخفاء معالم الجريمة ، لايضرك ذلك فانت تنام في قلوب الناس الشرفاء .
تمر هذه الذكرى ولازال بعض من قتلوك طلقاء ولم تجري محاكمتهم على جرائمهم بحقك وبحق إخوتك من الضباط الوطنيين والمناضلين الشيوعيين أنصار ثورة تموز ، تمر الذكرى والوطن محتلاً ، ولازال انصارك مهمشين فهم اعداء الاحتلال والهيمنة الاجنبية كيف لا وهم الوطنيون الغيارى وهم حملة شعار وطن حر وشعب سعيد ، لايمكن أن يكون شعبنا سعيداً في ظل الاحتلال الذي ضحى الزعيم قاسم بحياته لتخليص العراق من حكم اعوانه .
سلاماً لأبناء ثورة تموز، واشجع انصارها وسانديها ، الشيوعيين البواسل الذين هيئوا الارضية السياسية التي قامت عليها ثورة تموز ، الذين بقوا أوفياء لثورة تموز وقاوموا الانقلابيين وبذلوا حياتهم للدفاع عنها ، وقدموا الآلاف الضحايا ، من اشرف أبناء شعبنا الغيارى ، واكثرهم اخلاصاً للوطن والناس ، سلاما لشهداء ثورة تموز عبد الكريم قاسم وفاضل المهداوي ، ووصفي طاهر وماجد محمد امين وسلام عادل وغيرهم من شهداء الشعب العراقي .

arsrks@yahoo.com


23
المنبر الحر / الناصرية ملهمتي
« في: 19:39 01/07/2008  »
الناصرية ملهمتي
   رحيم الحلي

طريقنا كان محفوف بالمتاعب أما طريقهم مملوء بالرياحين ، وعطر الفنادق الراقية ، مسائنا كان جوع واحزان وخوف ، أما مسائهم كان عامراً بالولائم ، والبيوت الامنة المحروسة بجنود الاسياد .
اتحدث اليوم إلى الاخ امير امين منشد الذي كتب عن اسرته النبيلة وعن مدينته الحبيبة الناصرية ، منذ علمت أن هذه المدينة تأسس فيها الحزب الشيوعي ، وعاش فيها الشهيد الخالد فهد ، فأنها تسربت إلى قلبي كتسرب الماء البارد في اخاديد الأرض المتيبسة عطشاً ، كنت اظنها إحدى قلاع اليسار ، حيث امتازت بأنتشار الفكر اليساري بين ابنائها ، وانتشار الثقافة والأدب ، حتى يمكن تسميتها مدينة الثقافة أو مدينة اليسار ، وللفن في هذه المدينة مكانة عزيزة في قلوب أبنائها ، ولاأنسى سِحْرَ هذه المدينة حين عشت فيها بضعة أشهر أثناء خدمتي العسكرية  ، مشيت في شوارعها وحاراتها التي لبست ثياب الفقر والحزن ، كنت أنظر في الوجوه وأقول أن كثير منهم رفاق الدرب ، رأيت الفنان الكبير داخل حسن في إحدى مقاهيها ، والفنان الكبير حسين نعمة في إحدى محلات بيع الادوات الكهربائية يحتضن طفلة ، كنت أرى صور حضيري عزيز وجبار ونيسة ترتسم على ملامح الجدران في هذه المدينة الصامتة والحبلى بالآلام والأحزان .
هذه المدينة فعلت فعلها الثوري الساحر مرة أخرى في حياتي ، وحيث كنت أتمنى أن أعيش فيها بقية عمري ، رغم إني من مدينة أخرى هي مدينة صفي الدين الحلي ، وكنت احلم أن اعمل مدرساً في مدارسها ، حيث تعرضت هذه المدينة لكرهٍ وظلمٍ شديد على يد العفالقة حيث تحملت أزراً كبيراً بسبب تأسيس الحزب الشيوعي العراقي فيها ، وفي إحدى سنوات غربتي التي إستمرت ثلاثة وعشرين عاماً حتى سقوط الديكتاتورية نفضت هذه المدينة مني غبار الغربة ، فذات يوم من أيام الغربة المؤلمة ، حيث كنت منشغلاً في عملي في منطقة بعيدة عن العاصمة دمشق ، حيث اعمل في مجال بيع اشرطة الكاسيت ، واعمل بهمة عالية لنشر الأغاني التي منعتها سلطة صدام ، فمرة أقدم لجمهور الأغنية شريط منوعات فيه أغاني الشهيد صباح السهل وأنوار عبد الوهاب أو فؤاد سالم معطرة بأشعار مظفر النواب ، ومرةُ أخرى شريط لإحياء ذكرى رحيل الفنان الملحن كمال السيد ابن مدينة الناصرية ، وأنا على هذه الحال منشغلاً معزولاً ومنعزلاً بل ومنطوياً على ذاتي ، أعيش حالة إنكسار كبيرة ، أعيش حالة محزنة من الإحباط واليأس لاتخلو من خيط رفيع من الامل ، وذات مرة وكعادتي كنت أذهب إلى مكتب الحزب في دمشق ، كي استلم صحيفة طريق الشعب ومجلة رسالة العراق التي يصدرها إعلام الخارج في الحزب الشيوعي ، كان في أحد الأعداد موضوعاً عن الشهيدة سحر أمين منشد قرأته وأنا في طريق العودة فبكيت حزناً وربما خجلاً ، لقد ترك في نفسي اثراً عظيماً ، حيث وجدت نفسي رغم غربتي ومعاناتي مقصراً ، أمام معاناة هذه الفتاة وهي تحاول إعادة بناء التنظيم في الناصرية متحدية السلطة الديكتاتورية ، مع زوجها الشهيد البطل صباح طارش ، كيف ودعت طفلها قبل ذهابها إلى المشنقة ، لقد شعرت بالخجل وانتفضت على حزني ويأسي ، واغتسَلتْ روحي بماء بطولتها وأنطلقت روحي في عنفوان كفاح جديد تلبس رداءاً جديداً من الشجاعة سيحتمل سنوات أخرى  ، أصبحتُ مثل عداء نهض بعزيمةٍ عظيمة بعد وقوعه مغشياً من التعب ، سلاماً لك ياسحر ولأختك الشهيدة انسام ولوالدك امين منشد ولأمك التي كتب عنها شقيقك العزيز أمير ، أن مدينة فيها مثلكم لن تنام رغم انتشار أفكار التخلف والظلام بين ابنائها الطيبين ، ضحايا الفقر والظلم وبسبب غياب حمائم اليسار من اشجارها وأزقتها ، حيث كانت القوى الظلامية تتلقى الدعم بسخاء من بعض الدول المجاورة ، فلعبت هذه الأموال لعبتها في أجواء الفقر وانحسار الثقافة واستغلت قوى الظلام مشاعر الناس الدينية المكبوتة بعد أن داس نظام صدام على مشاعر الناس وحياتهم وخبزتهم فاصطادت هذه القوى في الماء العكر ، فكما للظلام زمانه ، فللنهار أوانه ، ولابد أن تشرق الشمس وتغني البلابل .
 أحزنني شقيقك أمير حين تحدث عن بيتكم ياسحر وكيف لم يعد إليه أهلك ، يا امير هذا قدر الاحرار في كل العصور ، يا امير أنا لازلت أعيش بعيداً عن وطني رغم مرور خمس سنوات على سقوط الطاغية ، فمن يحكمنا يا أخي بعيدُ عنا ، لقد عرفتهم في الغربة ، لم يكن ولائهم للعراق ، رغم الادعاء ، لقدملئوا جيوبهم من أموال الدول المتدخلة ، أكلوا من طعام الغرباء ، وعاشوا على موائدهم ، رغم أنهم شاركونا معارضة سلطة صدام ، ولكن لم نكن بذات الطريق ، طريقنا كان مليء بالمصاعب والجوع والبطالة ، أما طريقهم كان سفرات وفنادق وشقق فارهة ، ووولائم باذخة ، لذا نسونا حيث لم نكن همهم ، فهم مشغولون كعادتهم في ملء بطونهم وجيوبهم وشراء الشقق الباذخة ، ونحن لازلنا مشغولون بأحزان الفقراء ، لازلت أنت ترى بيت اهلك ولاتقدر أن تدخله ، وأنا انظر إلى وطني وليس عندي بيت أو أهل فيه ، إنشغل أياد علاوي وغيره بإعادة أنصار صدام إلى مراكزهم ، أما نحن ضحايا صدام لازلنا نجوع ومشردين ، فضباط الأمن والمخابرات وغيرهم من أعوان صدام واتباعه وانصاره ممن ساعدوه في تدمير وطننا وذبح شرفاءه ، يستلمون رواتبهم التقاعدية كل شهر ، ونحن معارضوا صدام من احرار العراق لازلنا نعيش ذات المرارة من والعوز والبطالة ، وهاهو العام الثامن والعشرين لرحلة الغربة والأحزان سينقضي بالنسبة لي بعد فترة قصيرة ولازلت منفياً ، لكن لازالت أسرتك تمدني بالصبر والعزيمة ، لازلت احلم أن أعود إلى وطني الذي لازال يبدد حكامه المليارات على السلاح والأعوان وتختفي مليارات أخرى في جيوب اللصوص والمفسدين ، وأتحسر هنا في غربتي على رغيف الخبز ، فأين حقوقنا ؟ ، وهل حقاً رحل الديكتاتور؟ ، فالمحتلون ازاحوا ديكتاتوراً مستهلكاً ، لايمكن لشجرة الوطن أن تعطي ثماراً طيبة ، واللصوص لازالوا يجلسون على سيقانها ، لايمكن لبستاننا أن يزدهر واللصوص والشقاوات يسرحون ويعربدون ، يشعلون نيران الفتن ويطفئوا أنوار الحياة ، وينبشوا قبور الاموات لايمكن لشعبنا أن يكون سعيداً دون أن يكون وطننا حراً .
سلاماً للناصرية ملهمتي وكل مدن العراق فيها أحبتي ، وسلاما لك يا أمير أمين منشد حين تحدثت عن مدرسة البطولة أسرتك الغالية لا زلت أتزود منكم دروس الشجاعة ، فهل أرى مدينة الناصرية مرة أخرى تصدح فيها أغاني داخل حسن وحضيري وستار جبار وصباح السهل وهل سترفرف فيها الحمامات البيضاء والحمراء ، ام سيرتفع صوت السيوف والسلاسل واللطم ويستمر ليل الاحزن والالام ، للظلمة الوان عدة ، وان اختلفت الازمان .

ما يأتي مع الليل
سوى الموتى. فمن ذا يرجع الغائب للأهل
إذا ما سدت الظلماء
دروباً أثمرت بالبيت بعد تطاول المحل ؟
وأن الليل ترجف أكبد الأطفال من أشباحه السوداء

arsrks@yahoo.com

24
أدب / قصة قصيرة بعنوان صورتان
« في: 18:02 16/06/2008  »
قصة قصيرة بعنوان :صورتان
رحيم الحلي
الصورة الاولى : في السوق

كانت في الثلاثينات من عمرها حين التقت به في احد الاسواق الشعبية لبيع المفروشات ، جلس على احد الارائك المعروضة للبيع واضعاً قدميه على المسند ، لم يكترث للمارة وحين مرت من قربه نظر إليها مبتسماً رامياً أولى شباكه على جسدها المشوق ، بدت حزينة فقد كانت عزباء في أسرتها الصغيرة حيث لم يتبقى شاباً من اقاربها على قيد الحياة بعد أن غرق الواحد تلو الأخر في اعماق الحروب المتكررة ، نظر إلى الصليب الذي وضعته على صدرها ، إن لمعانه وانعكاس ضوء الشمس عليه  أثار عيونه المتطفلة المتحركة بطريقة ثعلبية  ، صلح جلسته واستقام على اريكته التي اشتراها من امرأة باعتها كي تشتري علبة دواء لأبنتها التي تعاني من سعال شديد مزق صدرها الصغير ، اقسم أمامها قابضاً على لحيته الشقراء ، بأنه سيدفع لها كامل قيمتها حين يبيعها إلى مشتريها ، سقطت الفتاة في شباكه وكان الصليب أولى غنائمه ثم استفاقت من كبوتها لتبصق بوجهه حين أراد أن يتاجر بجسدها ، ولتحمل في احشائها طفلة صغيرة زادت من همومها ومعاناتها في ظل حاجة وعوز وعزلة شديدة  ، حيذ نبذها الاقربون ولتهيم على وجهها في عالم قاسي أشبه بغابة مظلمة ملئى بالذئاب .
  
الصورة الثانية : في الربوة
ذات يوم أعطى ساعته لشحاذٍ كهل في احد الأحياء الخربة حين لم يجد في جيبه نقوداً تقضي حاجته ، أما الآن فقد جلس على سفح الربوة الجميلة يقرأ شعراً للسياب فوق بيتهم الصغير الذي استأجرته اسرته بعد ان هُجِّرتْ بسبب ماضيها اليساري ، لم ينخرط في ذلك الحزب الوردي حيث أدان تحالفه مع حزب الذئاب السود ، كيف لحزب الورد أن يتحالف بهذا الشكل الساذج ، ستدوس الذئاب الصحراوية تلك الورود الحمراء ، قرر أن ينخرط في ذلك الحزب اليساري حين نفض يديه من دنس الذئاب وصعد إلى سفوح الجبال بكسرة خبز يابسة وبضعة كتب لجيفارا والسياب ومظفر النواب ، تاركاً زهور الربوة الخضراء ونسيمها البارد في صيفها الجميل حيث يرتاده الزائرون من اقصاع بعيدة وعديدة ، ثم نام في لحده مع كتبه الاثيرة وكما اوصى رفاقه في معركته الأخيرة على سفح الجبل العالي معانقاً صليبه الذي حمله على ظهره سنواته الاربع والعشرين وظل مبتسماً وحزيناً وقد تسمرت عيناه على وجوه الأطفال الفقراء في الحارات البائسة كان اسمه فاخر ، وكان حلواً مثل اسمه .

arsrks@yahoo.com


صفحات: [1]