(الحكم الذاتي ضمان وحدتنا القومية والعيش المشترك في الوطن)
ندرج في أدناه التقرير السياسي الصادر عن المؤتمر الشعبي (الكلداني السرياني الآشوري) الثاني (سورايا) المنعقد بتاريخ (3-4) كانون الاول 2009 في محافظة أربيل، حيث جرت المصادقة عليه بالإجماع من قبل أعضاء المؤتمر.
الديباجة:فضلا من استمرار العملية السياسية في العراق واتساع مشاركة القوى السياسية فيها مما يمنحها قاعدة جماهيرية صلبة، إلا أنها ما زالت تواجه تحديات عديدة منها ما يرتبط بالمشاركين في العملية من القوى السياسية العراقية حيث ما زالت أزمة الثقة قائمة بينهم وما زالت الانتماءات والصراعات الطائفية تفرض نفسها على تفاصيل العملية السياسية بالإضافة إلى التأثيرات الخارجية، ومنها ما هو مرتبط بالوضع الإقليمي والمحاور المتصارعة فيه، ونقلها لهذا الصراع إلى الساحة السياسية العراقية. فقد جاء انعقاد المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري في مرحلة بالغة الأهمية في مختلف المستويات والصعد القومية منها والوطنية، حيث يواجه شعبنا الكلداني السرياني الآشوري والشعب والوطن العراقي عموما تحديات وعقبات جمة كان لا بد للمؤتمر الوقوف عندها ومناقشتها واعتماد المواقف منها.
ان العملية السياسية والأمنية والنمو الاقتصادي والاجتماعي هي محاور مترابطة مع بعضها وهي مسؤولية جميع مكونات الشعب العراقي ونخبه السياسية والثقافية والإعلامية.
أما في ساحتنا القومية فرغم مخاطر التهديد الجدي التي تواجه شعبنا ومستقبله في العراق والتي يمكن تلمس مظاهرها في نزيف الهجرة المستمر فان شعبنا ومؤسساته ما زال لم يرتق إلى مسؤولية مواجهة هذه التحديات.
والخطاب السياسي لشعبنا ما زال يفتقر للحد الأدنى من الوحدة، بل ويتسم بالتناقض أحيانا وبالافتقار إلى الموضوعية أحيانا أخرى مما اثر على قاعدة الدعم والالتزام الجماهيري لمفردات ومطالب هذا الخطاب.
إن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري الذي انطلق في دورته الاولى ووضع في أولويات مهامه العمل على توحيد الخطاب السياسي لشعبنا وإقرار مطلبه في الحكم الذاتي والتعبير عن شعبنا بوحدته القومية في دستور إقليم كوردستان والتشريعات في مستوى العراق الفدرالي، سعى في هذه الفترة إلى تأطير العمل وتنسيقه ودفعه بهذا الاتجاه، مثلما شارك في العديد من محطات العملية السياسية، وبخاصة الانتخابية منها، وحقق نتائج ايجابية تعكس استعدادات وتوجهات أبناء شعبنا لدعم وحدة الخطاب القومي ومطلب الحكم الذاتي،فألاستحقاقات الحالية والقادمة هي أكبر، والتحديات هي أخطر مما فرض على المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري استحقاق التئام المؤتمر الشعبي الثاني ليس تلبية والتزاما لمقررات المؤتمر الأول فحسب، بل ومن اجل دراسة الواقع القومي والكوردستاني والوطني الراهن وتقييم مسيرة المجلس والانطلاق للمرحلة القادمة من خلال مراجعة نقدية موضوعية شاملة تلتزم الشفافية والموضوعية بشكل شامل.
ومن هذا المنطلق قدم المؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الأشوري الثاني المنعقد في مدينة اربيل للفترة من 3-4/ 12/2009، رؤيته السياسية في الجوانب القومية والكوردستانية الوطنية ومستقبل شعبنا على أرضه التاريخية ترسيخا للديمقراطية وإنجاحا للعملية السياسية.
أولا: الصعيد القومي: ناقش المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري مطولا محور واقعنا القومي بمختلف مستوياته كونه محور اهتمام المجلس الشعبي ومبرر وجوده وغايته. فقد ناقش المؤتمرون الأوراق المعدة من قبل اللجان المختصة وتم أغنائها بمختلف الآراء والملاحظات القيمة.
الوحدة القوميةأعاد المؤتمر للأذهان واعتماداً على الحقائق التاريخية والموضوعية، إن شعبنا الكلداني السرياني الآشوري كان وسيبقى شعب واحد وموحد قوميا ويشترك أبناءه في جميع مقومات وعناصر الهوية القومية الواحدة من لغة وتاريخ وتراث وثقافة وانتماء.
وان تعددية التسميات المعبرة عن شعبنا ليست ولا يفترض أن تكون مصدر تشكيك بوحدته، بل وعلى العكس تماما فهي دليل غنى ونتاج حضور قومي وثقافي وحضاري مستمر وفاعل لشعبنا على مدى عدة آلاف من السنين عبر فيها عن ذاته كما عبرت عنه الشعوب الأخرى بتسميات مختلفة. إن المؤتمر يستلهم ويسير على خطى مواقف الملافنة القوميين الكبار وكل الذين امنوا والتزموا ومارسوا ووهبوا له هوية قومية واحدة موحدة.
ان المؤتمر وهو يعيد التأكيد على الاعتزاز الكامل بالتسميات (الكلدانية السريانية الأشورية) المعتمدة من قبل أبناء شعبنا فانه يرفض الخطاب التعصبي وإلغاء الأخر والفرض ألقسري للتسميات دون توافق شعبي عليها. فهذا التعصب التسموي اثر سلبا على شعبنا وأساء إلى وحدتنا القومية وشجع بعض الأطراف التي كانت تسعى لغاياتها إلى تشتيت شعبنا لمجموعات عرقية متصارعة.
إن الغاية التي يسعى هذا البعض لتحقيقها هي الحيلولة بين شعبنا وبين حصوله على حقوقه القومية المشروعة في الوطن، لان حصول شعبنا على حقوقه وتعبيره عن ذاته سيحدد من فرص السلطة والهيمنة والتسلق لهم. وما التبريرات والتأويلات التي يبررون بها مواقفهم الانقسامية والتي تتناقض مع الحقائق التاريخية والموضوعية، وتتناقض مع حقائق الحياة اليومية لشعبنا إلا دليلا على الغايات والأهداف الفئوية والمذهبية والشخصية التي يخفونها تحت غطاء ما يقدمون من تبريرات متناقضة مع ذاتها.
إن المؤتمر يعيد توكيد موقفه ودعوته إلى اعتماد التسمية الموحدة لشعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) تسمية دستورية وتشريعية لشعبنا، تسمية تضمن وحدة وجوده وممارسته لحقوقه.
والمؤتمر، يثمن الجهود التي قام بها الأستاذ سركيس آغاجان والمجلس الشعبي وأحزابنا ومؤسساتنا القومية وأعضاء برلمان الإقليم وشخصيات شعبنا الفاعلة في الإقليم من جهود كبيرة في ضمان وحدة شعبنا القومية في دستور إقليم كوردستان العراق.
المؤسسات القومية :ناقش المؤتمر أهمية الدور التاريخي والحالي لمؤسساتنا القومية في خدمة شعبنا وطموحاته والتعبير عن ذاته وتفعيل طاقاته في مختلف المجالات السياسية والثقافية والاجتماعية والرياضية وغيرها.
إن احد عناصر القوة في مسيرة شعبنا في تاريخه القريب والمعاصر والتي ساهمت في تحصينه من الاستهدافات التي توجهت إليه هو امتلاكه المبكر لمؤسسات قومية في مختلف المجالات وبخاصة السياسية والثقافية.
فالجمعيات الأدبية والثقافية والإصدارات والمجلات التي أطلقها شعبنا في مختلف مناطق وجوده منذ القرن التاسع عشر كانت عوامل حصانة له مثلما كانت قنوات ووسائل لنشر الوعي القومي بين أبنائه بمختلف انتماءاتهم المذهبية والجغرافية واللهجوية والعشائرية وغيرها. كما كانت شاهدا على حيوية شعبنا وحافزا لأبنائه للمزيد من العطاء والإبداع.
فما تميز به عمل مؤسسات شعبنا القومية منذ انطلاقاتها الأولى في مختلف المراحل والأماكن وفي مختلف الحقول التي نشطت فيها إنها كانت تمتلك حسا قوميا وحدويا وتلتزم القضية القومية وتعبر عنها بعيدا عن الحواجز والأطر المذهبية والمناطقية. لقد كان القيمون على هذه المؤسسات والأنشطة يمتلكون وعيا قوميا سبقوا به مرحلتهم وهم بذلك يستحقون التكريم والاقتداء.
فمع تطور القضية القومية لشعبنا وتطور الوعي القومي لأبنائه فقد تطورت أيضا أشكال وأطر مؤسساته القومية فتأسست الأحزاب القومية لشعبنا منذ الخمسينيات من القرن المنصرم وكانت وما زالت هذه الأحزاب تتحمل مسؤولية الطرح والتعبير السياسي لقضية شعبنا ووجوده ومستقبله رغم ما تعرضت له من عوامل ضاغطة حددت من قدرتها في مختلف مراحل نضالها السلبي منه والعلني، حيث كانت بعض هذه العوامل ذاتي والبعض الأخر موضوعي.
إن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري على أهمية ما حققه من حضور بين أبناء شعبنا في الوطن والمهجر، وعلى أهمية ما حققه في مجال تنسيق بين مؤسساتنا القومية والسياسية والثقافية والاجتماعية المختلفة إلا انه يبقى هناك الكثير مما يتطلب العمل لتحقيقه مثلما هناك العديد من الخطوات الغير موفقة التي رافقت مسيرة المجلس في دورته الأولى مما يستدعي تقويمها وضمان عدم تكرارها.
ومن هنا فان المجلس الشعبي يدعو إلى بذل الجهود لتوحيد هذه المؤسسات العاملة في ذات الاختصاص وبخاصة في مجال الأدب والفنون. كما تتسم العديد من المؤسسات بالطابع المذهبي وهو ما لا يخدم شعبنا وتعزيز وحدته وتوحيد جهوده.
كما أن المؤسسات الإعلامية تمتلك دورا مهما ومؤثرا في مسيرة الشعوب ونضالها من اجل تحقيق طموحاتها. وفي شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وبسبب تشتت وجوده في الوطن الأم على عدة دول إضافة إلى توزعه المذهبي والمناطقي واللهجوي، وبسبب تشتته في الكثير من دول الاغتراب في مشارق الأرض ومغاربها، فان الإعلام المرئي منه والالكتروني له أهمية مضاعفة في التواصل الايجابي بين أبنائه وتنمية شعورهم وممارستهم بوحدة الانتماء وتمتين مقومات الهوية القومية الواحدة من لغة وثقافة وغيرها.
الوطن والمهجر:رغم تأسيس الدول الحديثة بعد الحرب الأولى وتعهداتها أمام المجتمع الدولي فقد استمرت هجرة شعبنا مع فشل هذه الدول في الإيفاء بتعهداتها وإقرار وتحقيق العدالة والمساواة ورفع التمييز بين أبناء الوطن الواحد.
ومذبحة سميل 1933 هي الشاهد والمحطة الأبرز في هذا المجال، فهي من ناحية شهادة على النظرة والسلوك والتعامل الوحشي مع أبناء شعبنا في بحثهم عن الكرامة والشراكة الوطنية من جهة، وهي شاهد أيضا على النتائج المأساوية على وجود شعبنا ليس من حيث الشهداء والضحايا والخسائر الاقتصادية التي قدمها فحسب بل وفي تهجيره وتشتيته ودفعه إلى الهجرة والنزوح داخل وخارج الوطن أيضا.
لقد اتصف العراق بعدم الاستقرار السياسي والتصاعد في استخدام القوة العسكرية في التعامل مع المطالب القومية والوطنية تزايدت واتسعت موجات النزوح الداخلي، وكان أوسعه ما ترافق مع انطلاقة ثورة 11 أيلول عام 1961 حيث قام النظام بالاعتداء على قرى ومواطن شعبنا وأبنائه ودفعهم إلى النزوح إلى المدن العراقية الكبرى ليتعرضوا إلى مراحل صعبة من التأقلم والتكيف مع الواقع السكاني والثقافي والاقتصادي وغيره.
إن سياسات التعريب والصهر القومي وأساليب القمع والاضطهاد والتغييرات الديموغرافية والأرض المحروقة وتدمير البنى التحتية التي قام بها النظام السابق، فضلا عن مغامراته في الحروب مع دول الجوار وما جلبته من كوارث وماس بشرية واقتصادية وثقافية واجتماعية على المواطن والوطن من جهة، والخوف من المستقبل من جهة أخرى كانت وراء موجات الهجرة الجماعية لشعبنا أثناء وبعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ومن ثم حرب الخليج الأولى عام 1991، مثلما كان الفراغ الأمني وما افرزه من عمليات عنف وإرهاب وجريمة منظمة كان شعبنا احد أسهل أهدافها وراء الهجرة الجماعية المستمرة منذ عام 2003.
إن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري وقد أطلق نشاط مكاتبه المهجرية إنما يلتزم بدعم عمل هذه المكاتب وتوسيع نشاطها على مستوى جالياتنا أو مستوى الدول التي تعمل فيها. وهذا يتطلب من هذه المكاتب المزيد الكمي والنوعي من الأنشطة والحضور الجماهيري وتنسيق وتوسيع العمل مع مؤسساتنا القومية والسياسية التي تلتزم دعم شعبنا في الوطن وشراكاته لبناء مستقبله وتحقيق مطالبه في الحكم الذاتي.
إن المؤتمر الشعبي يدرك هذا الجهد المهم والحيوي لا يمكن تحقيقه دون توفير الموارد والتخصيصات المالية اللازمة له.
من هنا فان المؤتمر يوصي بتخصيص موارد كافية له وضمان استثمارها وصرفها بما يخدم ما سبق إيراده من مهام. كما يطالب بضرورة ضمان حق العودة والتعويض ورد الاعتبار لكافة المهجرين منذ عام 1933 ولحد الآن إلى مواطن سكناهم .
الحكم الذاتي: رغم أن ما اقر في المؤسسات الدولية وما صدر من قوانين ومواثيق وقرارات تخص حقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير المصير منذ تأسيس المنظمات الدولية كعصبة الأمم في أعقاب الحرب العالمية الأولى عام 1918، والهيئة العامة للأمم المتحدة في أعقاب الحرب العالمية الثانية عام 1945، وما تفرع عنهما من هيئات فرعية ليست بالقليلة ومعظمها تولي اهتماما لا لبس فيه بقضايا الشعوب وحقوقها، ورغم أن هذه الهيئات والمؤسسات الدولية صدرت عنها الكثير من القرارات والمواثيق التي تدعم توجهات الشعوب نحو المطالبة بحقوقها السياسية والإنسانية على أراضيها، وأهمها ما ورد في المواد (55، 73، 75) من ميثاق الأمم المتحدة والتي عرفتها المادة الأولى من العهد الدولي لحقوق الإنسان الصادر عن الجمعية العامة للأمم المتحدة بقرارها المرقم 2200 في كانون الأول عام 1966 استنادا إلى المادة 49 من ميثاق الأمم المتحدة، والتي تقر بـ (لجميع الشعوب حق تقرير مصيرها بنفسها وهي بمقتضى هذا الحق حرة في تقرير مركزها السياسي، وحرة في تامين نموها الاقتصادي والاجتماعي والثقافي) وألزمت جميع الدول الموقعة على العهد باحترام هذا الحق.
كما وان الدولة العراقية كانت قد ألزمت نفسها في المادة 16 من وثيقة منح الاستقلال مع منظمة عصبة الأمم عام 1932 بضمان حماية الحقوق الإدارية والثقافية للأقليات القومية والدينية في الوطن.
فمنذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة عام 1921 وشعبنا الكلداني السرياني الآشوري يعاني الحرمان الدستوري والتشريعي والممارساتي لهويته وخصوصيته القومية والدينية، بل وتعرض هذه الهوية ورغم انتمائها التاريخي إلى العراق ورغم كونها إرثا وغنى للهوية العراقية إلى محاولات السلب والتغيير والصهر. فشعبنا الذي هو احد مكونات النسيج الوطني العراقي يعمل ويطمح إلى نموذج لعراق فدرالي يؤطر حقوق الجميع دستوريا بما يزيل عن أبناء المكونات القومية المهددة المخاوف ويطمئن أجيالها إلى مستقبلها.
إن حق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في المناطق التي يعيش فيها بكثافة ديموغرافية،هو الضمانة والثقة بالمستقبل وهو المعالجة الناجعة لتجارب الماضي ومعاناته من المذابح والتطهير والصهر والتغيير الديموغرافي. والحكم الذاتي هو احد أشكال أنظمة الحكم اللامركزية وهو بذلك يتوافق مع المبادئ الدستورية التي اعتمدها العراق في دستوره الحالي وبموافقة أبناء الشعب العراقي وقواه ونخبه السياسية.
من هنا فقد أكد المؤتمر على أن المطالبة بالحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري هو حق مشروع لا يخرج عن إطار ما أقرته المواثيق والقوانين الدولية مثلما لا يهدد الوحدة الوطنية.
فمطالبتنا بتثبيت حق شعبنا بالحكم الذاتي دستوريا ضمن الدولة العراقية الموحدة لا تستهدف الوحدة الوطنية، بل وعلى العكس تماما هي إحدى الضمانات الأساسية لترسيخ تلك الوحدة والعيش المشترك. فالوطن الذي لا يحترم مكوناته ولا يضمن لها ممارسة ذاتها وحمايتها من التهديد والصهر سيبقى وطنا مهددا في وحدته واستقراره.
والتي تمارس ذاتها ضمن الوحدة الوطنية، بأنها مطالبات انفصالية ومؤامرات أجنبية لتهديد وحدة الوطن هي اتهامات باطلة لتغطية النظرة الشوفينية لأصحابها ومحاولاتهم لإلغاء الأخر وتهميشه ووضعه في أسفل سلم درجات المواطنة التي يصنفها هؤلاء بحسب الانتماء القومي أو الديني أو المذهبي.
إن مطالبتنا بتثبيت حقوقنا بصيغة الحكم الذاتي لا ينتقص من انتماء شعبنا للوطن، ولا تعبر عن الرغبة في الجنوح للانعزال، فالوطن العراقي هو وطن الجميع وهو وطننا لأننا نحن جزء من هذا الجميع.
إن المطالبة بالحكم الذاتي ليست دعوة لهجرة أو إسكان قسري لشعبنا في مناطق الحكم الذاتي بل هي مطالبة لمنح هذه المناطق صلاحيات تشريعية وتنفيذية تسهم في الحفاظ على وجودنا وتطوير مناطقنا وتفعيل دورنا الوطني.
إنها مطالبة تنطلق من ثوابتنا الوطنية والقومية التي هي تعبير عن قناعات يلتزم بها شعبنا في الوطن، وهي:
1) احترام وحدة العراق الفدرالي أرضا وشعبا.
2) احترام وحدة شعبنا القومية واحترام التسميات المتداولة باعتبارها تعبر عن التراكم الحضاري لشعبنا.
3) التمسك بالوحدة الجغرافية والديموغرافية لمناطقنا والتي يشكل فيها شعبنا كثافة ديموغرافية وتجنيب تشتيتها بين الأقاليم أو إخضاعها إلى سلطتين أو دستورين.
4) ترسيخ العلاقات الأخوية بين شعبنا وبقية مكونات الشعب العراقي القومية والدينية وتعميق مفهوم العيش المشترك فيما بينها.
الإرهاب والتهجير وبرامج التوطين:إن حملات التطهير القومي والديني التي استهدفت شعبنا في بغداد والموصل وكركوك والبصرة والانبار وغيرها، إنما كانت تستهدف دفعه إلى الهجرة واجتثاث جذوره وإخلاء الوطن من أي وجود ومستقبل له، ويكاد يتحقق للقائمين بهذه الأعمال ما أرادوه.
فالنزوح الجماعي من المدن التي عاش فيها أبناء شعبنا عبر التاريخ، والتقلص الكبير الحاصل في أعداد العوائل المتبقية في مدن كالبصرة وبغداد والموصل هو بالضبط ما سعت إليه هذه التنظيمات الإرهابية التي عملت في وضح النهار وبعجز وشلل تام من الحكومة العراقية في حماية شعبنا ومؤسساته ورموزه وأبنائه.
وإذا كان النزوح باتجاه مناطق سهل نينوى وإقليم كوردستان العراق، هو نزوح داخلي قد تتم معالجته في فترات لاحقة مع استقرار الأوضاع السياسية والأمنية والاقتصادية، كما وان نسبة كبيرة من النازحين داخل الوطن باتجاه سهل نينوى وإقليم كوردستان العراق إنما هم عائدون إلى مواطنهم وقراهم وأراضيهم حيث تم التعامل بايجابية وتسهيلات كبيرة من حكومة إقليم كوردستان العراق ومختلف السلطات الإدارية، هذا من جهة ومن جهة أخرى برامج إعادة الأعمار وبخاصة الذي أنجزها السيد سركيس اغاجان من خلال لجان شؤون المسيحيين، التي هيأت لهم المستلزمات القانونية والخدمية والحياتية الممكنة وتم إعادة أعمار المئات من القرى والآلاف من الدور لاستيعاب العائدين إلى هذه القرى. فان الخطر الحقيقي في موجة النزوح الجماعي هي في تلك المتوجهة إلى دول الجوار كمحطة انتظار للهجرة والاغتراب في دول الشتات.
إن المؤتمر الشعبي الثاني يؤكد رفضه لما يسمى برامج إعادة التوطين التي تقوم بنقل أبناء شعبنا إلى دول الاغتراب، حيث إن هذه البرامج وبغض النظر عن نوايا ومنطلقات القائمين بها فإنها في نتائجها تحقق مخططات القوى الإرهابية في تهجير شعبنا وإخلاء الوطن منه.
إن الدعم الحقيقي لشعبنا من الدول والجهات الراعية لهذه البرامج ليس في تهجير شعبنا إلى دول الاغتراب بل معالجة أسباب هجرته في المستويات السياسية والاقتصادية، وفي المقدمة منها تبديد المخاوف وتعزيز الثقة بالمستقبل والشراكة الوطنية من خلال الدعم المعنوي والسياسي والمادي لإقرار وتجسيد الحكم الذاتي لشعبنا ضمن إطار الوحدة الوطنية.
مثلما يكون الدعم الحقيقي من خلال تخصيص ميزانيات لبرامج اقتصادية تخلق فرص عمل وتقوم بتطوير أنماط الإنتاج الاقتصادي للقرى والمناطق التي يعيش فيها شعبنا.
حيث يدعو المؤتمر إلى المطالبة بوضع برامج للإنتاج الاقتصادي والتنمية وخلق فرص العمل مما يجعل هذه البرامج ورغم ما قدمته من سكن ومدارس وكنائس لعوائل شعبنا، وبخاصة النازحين منهم والعائدين إلى قراهم، قاصرا ما دام لم يتعامل مع خلق وتنمية الدخل الاقتصادي للمواطن.
ثانيا: على صعيد إقليم كوردستان إحدى أهم الحقائق التاريخية والجغرافية التي لا يمكن إنكارها أو التغاضي عنها بشان الوجود الديموغرافي القريب والمعاصر لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري هو اشتراكه مع الشعب الكوردي في الجغرافيا السياسية حيث تداخلت مناطق التمركز والوجود الديموغرافي لشعبنا مع الشعب الكوردي فكان وما زال من نتائج ذلك أن يتشارك الشعبان تفاصيل العيش المشترك بما تتضمنه أحيانا من معاناة ومآس مشتركة وما تتضمنه في فترات أخرى من الآمال والطموحات المشتركة.
وإذا كانت العوامل والمفاهيم المتحكمة بعلاقات الشعوب في حينها مثل (الأكثرية) و(الأقلية) أو الهوية والصراعات الدينية ناهيك عن هيمنة السلطات العثمانية والفارسية، قد أنتجت مواقف وممارسات وشوائب في هذه العلاقة في العديد من الفترات والأحداث، فان الحكمة الفطرية للشعوب وقياداتها بعدم البقاء أسرى ورهائن لحوادث تاريخية بل يجب الاستفادة من دروسها لبناء مستقبل مشترك لأجيال الشعبين للمساهمة في تأسيس وتعزيز حياة مشتركة بين شعبينا وفي مختلف تفاصيل الحياة اليومية وبخاصة في العديد من المناطق التي تتداخل فيها قرى شعبينا ليس في الجغرافيا فحسب بل وفي الموارد الاقتصادية والبيئة الثقافية والاجتماعية أيضا.
وقد تجلى العيش والمصير المشترك بين شعبنا والشعب الكوردي في ما شهده العراق وإقليم كوردستان العراق من أحداث ومآس، وتجارب وطموحات خلال العقود الخمسة الأخيرة.
كما تعرض أبناء شعبنا وقراه في الإقليم ذات المعاناة للقرى الكوردية من القصف والحصار والحرمان والتهجير والمجمعات القسرية.كما حدث في عمليات الأنفال السيئة الصيت من دمار للبنى التحتية للإقليم دون تمييز.حيث ساق إلى غياهب السجون والمقابر الجماعية عشرات الآلاف من أبناء كوردستان ومن بينهم المئات من ابناء شعبنا.
وفي الجانب الأخر من العيش والمصير المشترك، فان شعبنا وقواه وشخصياته شاركت وهي مستمرة في المشاركة في بناء نموذج متطور للإقليم والعيش المشترك بين مكوناته من مختلف القوميات والأديان. فمنذ 1991 يشارك شعبنا في بناء وتطوير تجربة الإقليم سياسيا واقتصاديا وعمرانيا وثقافيا وغيرها، وان شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وقواه السياسية ومؤسساته المختلفة وعموم أبنائه يتفاعلون بايجابية مع تجربة الإقليم وما حققته لعموم أبناء الإقليم من استقرار سياسي وامني وحضور وتفعيل لمؤسسات الدولة التشريعية منها والتنفيذية.
فشعبنا يحترم ويشارك في تجسيد الخيار الفدرالي الذي يعبر عن الإرادة الحرة لإقليم كوردستان العراق ضمن العراق الموحد، وهو الخيار الذي اثبت انه ضمانة لوحدة الوطن وتحقيق كرامة أبنائه وتعزيز دورهم ومشاركتهم في بناء المستقبل. حيث أن الاستقرار السياسي لإقليم كوردستان العراق ساهم ايجابيا في حماية العراق من الانزلاق إلى الحرب الأهلية وتفكيك أوصال الدولة العراقية.
كما يتفاعل شعبنا بايجابية عالية مع ما حققته تجربة الإقليم من مكاسب وانجازات هي سابقة في تاريخ شعبنا القريب منه والمعاصر. فلأول مرة في تاريخ شعبنا تتحقق له إمكانية العودة وإعادة أعمار ما اضطر إلى تركه جراء سياسات التهجير ألقسري.
ولأول مرة في تاريخ شعبنا المعاصر يتم اعتماد لغته السريانية الأم، لغة التعليم في مختلف مراحله.
ولأول مرة في تاريخ شعبنا السياسي تتاح لقواه حرية العمل السياسي والإعلامي وغيرها مما أتاحته تجربة الإقليم منذ عام 1991.
أما في المستوى السياسي أيضا فان دستور إقليم كوردستان، في ديباجته لم يشر إلى ما تعرض له شعبنا من قتل واضطهاد في سميل 1933 وصوريا 1969 وكذلك في عمليات الأنفال، إلا انه في ذات الحين نثمن تضمين الدستور اعترف بالوحدة القومية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري مثلما اقر حق شعبنا وبقية المكونات القومية الصغيرة في الإقليم لتطبيق الحكم الذاتي وفق المادة 35 من دستور الإقليم. و شعبنا الذي يثمن هذه الانجازات يدعو إلى اعتمادها سابقة في التعامل مع شعبنا في الدستور العراقي. كما أن إقرار حق التمثيل لشعبنا بهويته القومية هو نموذج آخر يتوجب الاقتداء به على مستوى المؤسسات التشريعية العراقية التي مارست التشويه والتقزيم لحق شعبنا في التمثيل إذ جعلته تمثيلا دينيا فحسب وحصرته بالحد الأدنى للتمثيل.
إن شعبنا وقواه تسعى إلى تجسيد الحكم الذاتي ونقله من إقرار دستوري إلى ممارسة على ارض الواقع وتهيئة مستلزمات ذلك من اطر سياسية وتشريعات قانونية وموارد مادية. فالحكم الذاتي هو عامل استقطاب لإمكانات شعبنا في الوطن والمهجر على مختلف الصعد والعمل على وضعها في خدمة شعبنا والإقليم والوطن العراقي.
كما إن شعبنا وقواه السياسية يؤكدون على ضرورة تنفيذ الاستحقاقات الدستورية فيما يخص المناطق المتنازع عليها والتي خضعت لسياسات التعريب والتغيير الديموغرافي والتي تدخل ضمن اختصاص وتطبيقات المادة 140 من الدستور (المادة 189 في التعديل)، التي ندعو لاعتمادها والتزامها خارطة طريق لإحقاق الحق وإنصاف جميع الأطراف بعيدا عن محاولات فرض الأمر الواقع الموروث من سياسات النظام، فتجربة إقليم كوردستان العراق ورغم ما تضمنته من مكاسب وانجازات للإقليم وشعبه، وتحديدا لشعبنا والإخوة التركمان، فإنها ما زالت دون مستوى الطموح حيث ما زال لشعبنا العديد من الاستحقاقات التي يسعى إليها في الإقليم.
فشعبنا وقواه المؤمنة بالشراكة الوطنية والمتفاعلة ايجابيا مع تجربة الإقليم بعيدا عن الشعاراتية وتأجيج العواطف وتخديش الجراح، وفي الوقت الذي تتفهم فيه إن الظروف الاستثنائية التي مر بها الإقليم وخضوعه لسياسات التغيير الديموغرافي وتدمير البنى التحتية التي مارسها النظام على مدى عقود لا بد أن تفرز أوضاعا غير قانونية في ملكية الأراضي واستغلالها فإننا ندعو إلى المزيد من الاهتمام والتعامل الجدي مع التجاوزات التي لا تزال قائمة على العديد من القرى والأراضي العائدة لشعبنا اعتماد على الاحصاء السكاني لعام 1957 معيارا ومرجعية قانونية في هذه العملية، وفي الوقت ذاته نثمن خطوات التي باشرت بها حكومة اقليم كوردستان للاستمرار بمعالجتها للتجاوزات بالصيغ القانونية دون انتهاك حقوق احد.
ورغم ما قام به المجلس من انجازات على صعيد إقليم كوردستان العراق فان المؤتمر يدعو المجلس الشعبي في دورته الثانية إلى بذل المزيد من الجهد السياسي والإعلامي والثقافي للإقليم. كما يدعو إلى ضمان مشاركة أبناء شعبنا وقواه السياسية في ممثليات الإقليم في الخارج وبما يعكس الانتماء التاريخي والوجود القائم والمستقبلي لشعبنا في إقليم كوردستان العراق.
ثالثا: على الصعيد الوطني:المجلس الشعبي كأحد المؤسسات العاملة على الساحة القومية لشعبنا والمتفاعلة مع الشأن الوطني يعتبر الساحة الوطنية العراقية مدخلا لتحقيق الطموحات القومية والوطنية المشروعة لشعبنا اعتمادا على حقيقة الانتماء التاريخي إلى الوطن العراقي واعتمادا على الشراكة الوطنية لشعبنا مع بقية أبناء العراق بمختلف انتماءاتهم القومية والدينية والمذهبية والثقافية. كما ان الانتماء التاريخي والشراكة الوطنية والمستقبل والمصير المشترك للعراق شعبا ووطنا هو حقيقة لا يمكن إلغاؤها أو تجاوزها أو التقليل من أهميتها في أية رؤية أو مشروع سياسي يعتمده المجلس الشعبي في مسيرته نحو تحقيق مستقبل شعبنا وطموحاته.
من هنا فقد أولى المؤتمر اهتماما كبيرا بهذا المحور حيث ناقشت لجانه المختصة والمؤتمرون الأوضاع الوطنية والتحديات التي تواجهها العملية السياسية المستمرة لبناء عراق فدرالي ديمقراطي تعددي يحترم حقوق الإنسان والمكونات القومية والدينية والثقافية على أسس العدالة والتكافؤ والمساواة التي افتقر إليها العراق على المستويين الدستوري والممارساتي منذ تأسيسه كدولة حديثة بعد الحرب العالمية الأولى.
ان الأزمات المستمرة للعراق والتي جلبت الكوارث على أبنائه منذ بدايات تأسيسه ولغاية انهيار النظام الشمولي في 9 نيسان 2003 كانت نتيجة افتقار بناء الدولة العراقية على أسس المواطنة السليمة والضمانات الدستورية والتشريعية لحقوق أبنائه دون تمييز أو تمايز بسبب الانتماء القومي أو الديني. لذا يجب السعي لتصحيح هذا الخلل، وتحقيق الشراكة الوطنية وإحقاق الحقوق القومية كانت وراء الانتفاضات والحركات التحررية الوطنية التي قامت في العراق ومنها مذبحة سميل عام 1933 التي تم قمعها بأسلوب وحشي لتكون أول جريمة إبادة جماعية في تاريخ العراق الحديث، والتي تجاوزت نتائجها أعمال الإبادة الوحشية إلى نتائج سياسية كان لها تأثيرها في تحديد مسارات العراق ومنطقة الشرق الأوسط.
إن مخططات الصهر القومي التي استهدفت شعبنا وسياسات التعريب والتغيير الديموغرافي وتدمير البنية التحتية لإقليم كوردستان العراق وعمليات الأنفال وقمع الانتفاضة وتجفيف الاهوار، إلى جانب الحروب المستمرة مع دول الجوار قد جلبت الكوارث على العراق، ليس السياسية والاقتصادية منها فحسب، بل الإنسانية والاجتماعية منها بوجه اكبر.
فسياسيا ومع افتقار العراق ما بعد سقوط النظام إلى المؤسسات التشريعية والتنفيذية فانه كان عليه أطلاق عملية سياسية معقدة وصعبة لإعادة بناء مؤسسات الدولة العراقية السياسية من دستور وسلطة تشريعية وتنفيذية وقضائية.
وهي عملية لم تكن وليست بالعملية السهلة مع ما في المشاركين فيها من قوى سياسية من تقاطعات وتجاذبات وصراعات وأزمة ثقة متبادلة، ومع العبء الثقيل الموروث عن النظام وسياساته وبخاصة في مجال التعريب والتغيير الديموغرافي وترسيم الحدود الإدارية بين المحافظات والوحدات الإدارية العراقية.
كما ان استمرار القوى السياسية المشاركة في العملية السياسية بالتزام المحاصصة الطائفية أرهق العملية السياسية ووضعها في أزمة مستمرة مع حرص كل من هذه القوى، وبسبب الموروث الطويل لسياسات الإلغاء والتهميش والحرمان بسبب الانتماء القومي أو المذهبي، على وضع مصالحها ومصالح من تمثلهم كأولوية مطلقة لها.
وفي الجانب الأمني الحاصل جراء سقوط النظام وتحلل أجهزته القمعية أفضى إلى قيام المجموعات المسلحة سواء المرتبطة منها بقوى سياسية عراقية معلنة أو المرتبطة منها بتنظيمات إرهابية عراقية أو متسللة إلى اخذ زمام الأمور بأيديها وفرض قوانينها وسلطتها على المواطنين وتفاصيل حياتهم.
ومع التقاطعات والتناحرات المذهبية والسياسية والقومية بين هذه التنظيمات من جهة وفراغ السلطة الأمنية ومؤسسات الدولة المختصة من جهة أخرى فقد ساد انعدام الأمن وفرض السلاح والإرهاب والعنف نفسه على الشارع العراقي.
كل ذلك وفر البيئة المناسبة لانتشار ظاهرة الفساد الإداري والمالي والنهب والسلب للممتلكات العامة ومصادر الاقتصاد الوطني، وبالنتيجة أدت هذه الأسباب مع غيرها على انتشار ثقافة العنف والرغبة في الانتقام والثأر والسعي لإخضاع الأخر، وبالتالي دفع البلاد إلى حافة الحرب الأهلية والمصير المجهول الذي بات يهدد وحدة أراضيه وشعبه.
وقد كان للمكونات القومية والدينية الصغيرة، ومنها شعبنا الكلداني السرياني الآشوري والصابئة والايزيدية، الحصة الأكبر من هذا الاستهداف والإرهاب والعنف حيث تعرض شعبنا إلى محاولات فرض نمط ثقافي حياتي محدد عليه، كما تم استهداف أبنائه ورموزه، وبخاصة الكنائس ورجال الدين، في عمليات اختطاف وقتل وتهجير بغية اجتثاثه من جذوره في عمليات اقل ما يقال عنها إنها عمليات تطهير قومي وديني وثقافي أدت إلى نزوح عشرات الآلاف من عوائله إلى داخل وخارج العراق في اكبر موجة هجرة جماعية من العراق.
إن الطريق لإعادة الأمن والاستقرار إلى البلاد وحماية وحدة ترابه لا يكمن في ممارسة سياسة رد الفعل والعنف المضاد، وإنما في العودة إلى جذور المشكلة وأساس المسببات والعمل على معالجتها بروح من الوطنية والشعور بالمسؤولية والتجرد والابتعاد عن رؤية الغالب والمغلوب، والعمل الجاد لاستيعاب المجموعات العراقية المسلحة الخارجة على القانون وتأهيلها بعد فرزها عن الجماعات الإرهابية والتنظيمات الدخيلة على الوطن، وإتاحة الفرص المتكافئة أمام كافة الأطراف في المشاركة السياسية ودون استثناء والمضي في المصالحة الوطنية وتجنب تحميل الشعب العراقي وزر جرائم النظام وإيديولوجيته وبطشه ضد الشعب والوطن العراقي.
والمحطة الأبرز في عراق ما بعد التغيير، هي في إعادة بنائه دستوريا ومؤسساتيا بما يحقق بناء دولة المواطنة الحقيقية القائمة على التكافؤ والمساواة ويشعر فيها الإنسان بكرامته، الدولة التي تضمن حقوق مكوناتها وتحترم هوياتهم القومية والدينية والثقافية وتضمن الاعتراف بها دستوريا، وتشرع الآليات والأطر الإدارية وتوفر الموارد المادية الكافية لحماية وتطوير هوياتها باعتبارها ارث وطني وبما يطمئن أجيال هذه المكونات إلى مستقبلها في الوطن.
فالمؤسف والمؤلم حقا أن لا ترتقي العملية السياسية إلى هذا المستوى من الطموح، وان لا ترتقي القوى المؤثرة في هذه العملية إلى هذا المستوى من الالتزام الوطني عندما يكون الأمر متعلقا بالمكونات غير العربية أو غير المسلمة من أبناء العراق ومنهم شعبنا الكلداني السرياني الآشوري.
ففضلا عن تركيز الدستور العراقي بصيغته المطروحة حاليا في لجنة صياغة الدستور ومجلس النواب العراقي على الهوية الإسلامية للعراق والتشريعات وفرض مفاهيم وتحديدات إسلامية على قيم وحقوق أساسية للمواطن وبما يجعل الدستور يشرعن التمييز على أساس الانتماء الديني، فانه ورغم إن عمر شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وانتماءه إلى العراق هو بعمر العراق، فان الدستور بصيغته المطروحة، وخاصة المواد والفقرات التي تشير مباشرة أو ضمنا إلى هوية وحقوق شعبنا في الوطن فيها إجحاف لافت في حق شعبنا.
فالديباجة التي اتسعت وبكل وضوح وشفافية لمعاناة جميع مكونات الشعب العراقي فإنها ضاقت على معاناة شعبنا، ولم تأت على ذكر ما عاناه من عمليات إبادة جماعية وتطهير عرقي في سميل عام 1933 وصوريا 1969 ونصيبه من الأنفال 1987 وغيرها من عمليات إلغاء هويته وسلب حقه في تثبيت انتمائه القومي في الوثائق الرسمية أو الإحصاء السكاني.
كما أن الحقوق الإدارية والسياسية الواردة في المادة 125 من الدستور العراقي المادة (173) في التعديل،لا تصل درجة تلبية طموحات شعبنا القومية كأحد المكونات الأساسية والأصيلة للشعب العراقي، فهذه المادة تضع هذه الحقوق بصيغة حقوق إدارية قاصرة لا تمتلك سلطة التشريع وتجعلها خاضعة لسلطة مجالس المحافظات، التي لا يمكن لشعبنا أن يمتلك القدرة على التأثير فيها. ناهيك عن كون صياغة المادة بحد ذاتها مبهمة وغير واضحة وخاضعة لتأويل واجتهاد القوى السياسية المهيمنة على مجالس المحافظات.
فضلا عن فشل المادة المعتمدة في التعبير عن وحدة شعبنا القومية وإصرارها على تقسيمه خلافا للحقائق التاريخية والحضارية والثقافية.
إن الشعب الكلداني السرياني الآشوري وقواه السياسية ومؤسساته القومية، ومنها المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، ترى وجوب مراجعة الصيغة المطروحة للدستور العراقي وتعديلها بما يعكس الانتماء الوطني والتاريخي لشعبنا إلى العراق ومعاناته في مختلف الحقبات ومن بينها حقبة ما بعد تأسيس الدولة العراقية الحديثة.
كما يدعو إلى أهمية تضمين الدستور العراقي وحدة شعبنا القومية أينما أشار هذا الدستور إلى المكونات القومية العراقية كما في المادة 173 في التعديل.
كما يدعو إلى تعديل المادة 116 من الدستور الدائم (المادة 161 في التعديل) بإضافة عبارة (ومناطق الحكم الذاتي) ضمن هيكل النظام الاتحادي لجمهورية العراق في المادة المذكورة بما يعنيه من ضمان حق شعبنا الكامل في إقامة الحكم الذاتي في مناطق تواجده التاريخية وذات الكثافة السكانية .
إن المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري يعي تماما هذه الإخفاقات في إحقاق حقوق شعبنا في العملية الدستورية والسياسية المستمرة يتحمل جزءا منها شعبنا ومؤسساته، وبخاصة الممثلة منها في العملية السياسية، التي عجزت عن الإيفاء بمسؤوليتها ، بسبب مواقفها وسلوكياتها الحزبية في كسب الدعم والتأييد من القوى السياسية العراقية الوطنية.
فالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ومن خلال قوى شعبنا وتنظيماته السياسية المتمثلة فيه مدعوون للحضور والتفاعل على الساحة الوطنية وفق خطاب سياسي يقوم على الشراكة الوطنية وينبثق من الثوابت القومية والوطنية المتفق عليها بين المجلس الشعبي والقوى السياسية لشعبنا، وفي مقدمة هذه الثوابت هو الانتماء التاريخي إلى العراق ووحدة ترابه وبناء مستقبله لجميع أبنائه على أسس العدالة والتكافؤ وقبول الأخر والاعتراف بخصوصيته وهويته واحترامها وضمان التعبير عنها وتطويرها.
الخاتمـــة:إن المؤتمر الشعبي الثاني لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري إذ يقدم رؤيته السياسية على الصعد القومية والكوردستانية والوطنية، إنما يعيد تأكيد تعهده بالتزامها منهاجا لعمله المؤسساتي والإعلامي والجماهيري لما فيه مصلحة أبناء شعبنا وانتمائهم الوطني على مبادئ الشراكة مع بقية أبناء الشعب العراقي.
إن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري إذ يعيد تأكيد التزامه بتوحيد الخطاب القومي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري فانه يعيد مد يده وتوجيه الدعوة لجميع القوى والمؤسسات العاملة على ساحتنا القومية والوطنية من اجل التزام وحدة الخطاب القومي والعمل المشترك نحو إقرار وممارسة حقنا في الحكم الذاتي ضمن إطار الوحدة الوطنية العراقية.
مثلما يعيد تأكيد دعوته إلى جميع أبناء شعبنا للترفع عن الصراعات الداخلية غير المبررة سواء ما كان منها تسمويا أو حزبيا أو شخصيا، فمستقبل أجيال شعبنا في الوطن يتوقف على ما نقوم به اليوم من جهد بناء لآجل هذا المستقبل أو من تدمير له وقتل الفرص أمامه. أن شعبنا يمتلك من الحكمة ما يؤهله للتمييز بين الموقفين والجهدين.
ان المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري قد حسم أمره واتخذ قراره وخياره من خلال التزام وحدة شعبنا القومية والتزام المطالبة بالحكم الذاتي ضمن عراق فدرالي ديمقراطي موحد.
المؤتمر الشعبي
الكلداني السرياني الآشوري الثاني (سورايا)
اربيل (3-4) كانون الأول/ 2009
[/b]