عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - ضياء نافع

صفحات: [1] 2
1
  شولوخوف في قارب بشوارع موسكو
أ.د. ضياء نافع
سألني زملائي الروس القدامى – هل شاهدت شولوخوف وهو يجلس بالقارب في شارع  غوغول بموسكو ؟ ضحكت أنا من طبيعة هذا السؤال , وقلت لهم , لقد تذكرت كيف كنّا نمزح ونضحك عندما كنّا طلبة و ندرس معا في جامعة موسكو قبل ستين سنة , ولكن هل يمكن ان نمزح بهذا الشكل السريالي الغريب الان , وقد بلغنا من العمر عتيا ؟ فضحكوا جميعا على اجابتي , وقالوا لي , هيا لنذهب الى هناك , كي ترى بنفسك اننا لا نمزح ولا نضحك , ولكي تقتنع , بانك لم تعد تعرف موسكو اليوم كما كنت تعرفها سابقا في الايام الخوالي , لانك ( بلغت من العمر عتيا!) . اندهشت انا من اجابتهم الحاسمة تلك وقلت لهم انني حتى لم اسمع , ان شولوخوف يجلس في قارب و(يتنزه!!!) بشوارع موسكو , فقالوا لي ,لا يمكن للانسان ان يرى كل شئ ولا ان يسمع كل شئ , فهل نسيت هذه الحقيقة البسيطة في حياتنا ؟ فاضطررت ان اقول لفولوديا , وهو الذي كان ولازال اكثرنا جديّة وصرامة – حتى انت يا فولوديا ؟ فضحك  فولوديا وهو يقول – نعم نعم , حتى أنا , هيا لنذهب معا , هيا لنذهب , وهكذا توجهنا جميعا الى هناك , وكنت لاازال بين مصدّق لتلك الاقوال او غير مصدّق لها ...
وها انا ذا امام هذا النصب الهائل والغريب لشولوخوف وروايته ( الدون الهادئ) , هذا النصب الذي لم اشاهد سابقا شيئا مماثلا له بتاتا , حيث يجلس شولوخوف فعلا – كما قالوا لي - في قارب , وهو رافع الرأس بشموخ , وعن يمينه مجذاف , ويجري (نهر الدون ) تحت القارب هادئا كما أسماه في روايته , واسفل هذا القارب تحاول عشرات الحصن ان تعبر النهر سباحة وهي متعبة , ورؤوسها تبدو واضحة فقط ليس الا , اذ انها غاطسة باكملها في النهر , وامام هذا النصب المدهش تقف مصطبتان متلاصقتان ببعض من الظهر وبينهما جدارية تعلو حوالي المتر , ومحفور على تلك الجدارية مشاهد من المعارك التي كانت تحدث بين (البيض!) و(الحمر!) في الحرب الروسية الاهلية آنذاك, والتي تناولتها رواية شولوخوف الشهيرة ( الدون الهادئ ) , وكل ذلك مصنوع طبعا بشكل باهر , فماء نهر الدون الذي يجري هادئا فعلا , والقارب الذي يعلو النهر حيث يجلس شولوخوف شامخا من البرونز , والحصن التي تسىبح في ماء النهر متعبة وهي تحاول عبوره بعناد واصرار, و المصطبتان المتلاصقتان والجدارية الجميلة التي تفصل بينهما , و المليئة بالنحت البارز لاحداث الحرب الاهلية الروسية آنذاك. لقد أدهشني هذا النصب بافكاره الرمزية العميقة جدا وحجمه الهائل و غير الاعتيادي بتاتا وتصميمه الرائع المتناسق الجميل وتنفيذه بهذا الشكل الفني الحيوي المدهش, وفهمت بما لا يقبل الشك , ماذا يعني نصب تقوم الدولة بانجازه تخليدا وتكريما لأحد اعلامها الكبار مثل شولوخوف ...
بعد ان مكثنا عند النصب اكثر من ربع ساعة ونحن نتأمّله من كل جوانبه بامعان واهتمام , قررنا الجلوس في مقهى قريب لتناول القهوة , وهناك بدأنا ندردش حول انطباعاتنا حول هذا النصب , فقال لي احد الزملاء , انه لاحظ باني لم انبس بكلمة واحدة بتاتا عندما كنّا هناك , فاجبته ضاحكا , نعم لاني كنت مندهشا أشد الاندهاش امام هذا الانجاز الفني الكبيبر لدرجة لم استطع فيها ان اقول اي شئ بتاتا, اذ اني طوال حياتي اهتم بالتماثيل والنصب , واطلعت على الكثير منها في مدن العالم التي سافرت اليها ( وما اكثرها !) , وحتى بادرت بتنفيذ عدة تماثيل نصفية في روسيا والعراق لشخصيات عراقية ( وحسب امكانياتي المتواضعة ) , ولكني لم اشاهد ابدا مثل هذا النصب العملاق في اي مكان كنت فيه بالعالم . وأخذ الجالسون يحدثوني عن هذا النصب , وقد تبيّن من احاديثهم , ان الدولة السوفيتية اعلنت مسابقة عام 1980 لاقامة نصب لشولوخوف , وشارك طبعا عشرات النحاتين بتلك المسابقة , وفاز النحات روكافيشنيكوف بها , الا ان الدولة آنذاك لم تستطع تنفيذه , اذ كانت اوضاعها الاقتصادية والعامة في ثمانينيات القرن العشرين متدهورة , وليس عبثا ان الاتحاد السوفيتي نفسه قد انهار عام 1991 , وهكذا بقي هذا المشروع الفني العملاق بلا تنفيذ , ولكن ابن النحات استطاع ان ( يعيد الحياة الى هذا النصب !) لانه مشروع والده , وتمكّن من تحقيقه عام 2007, بعد اضافة بعض التعديلات عليه , وذلك بعد ان استقرت الاوضاع نسبيا في الدولة الجديدة , التي حلّت مكان الاتحاد السوفيتي , وهي - روسيا الاتحادية . امتدحنا جميعا موقف ابن النحات هذا , وقلنا يا له من ابن بار لذكرى والده . وتحدث بعض الزملاء ايضا عن اهمية هذا النصب مؤكدين , انه يجسّد موقف الدولة الروسية تجاه شولوخوف , اذ حاولت بعض الاوساط السياسية في خارج روسيا وحتى في داخلها تشويه سمعته الادبية والطعن بمكانته في مسيرة الادب الروسي , وقد جاء تنفيذ هذا النصب الكبير في موسكو لشولوخوف ولروايته الشهيرة ( الدون الهادئ ) جوابا حاسما على كل ذلك , اذ كانت تلك الحملة تدور بالذات حول هذه الرواية , ولهذا نرى شولوخوف في النصب يجلس بقاربه شامخا , وهو يعبر (نهره الهادئ )...       

2
مفتش غوغول سينمائيا 
أ.د. ضياء نافع
صدرت مسرحية غوغول – (المفتش) عام 1835 في روسيا , وتم عرضها على المسرح في مدينة بطرسبورغ الروسية لاول مرة عام 1836 بحضور قيصر روسيا نفسه آنذاك , ومنذ ذلك الحين والى وقتنا الحاضرتعرض ( بضم التاء) في مسارح روسيا و العالم , بعد ان ترجموها الى لغات عديدة . ان وصول مسرحية (المفتش) لغوغول الى مكانتها العالمية تعني انها لا تجسّد مشكلة روسية موجودة في النظام القيصري الروسي تحديدا كما كانوا يقولون ويؤكدون في الزمن السوفيتي انطلاقا من الانتقاد الدائم للنظام القيصري في روسيا السوفيتية والحديث عن سلبيات ذلك النظام , وانما تعني ان هذه المسرحية تجسّد مشكلة اجتماعية عالمية متأصلة في اعماق الانسان , كل انسان , ويمكن لهذه الموضوعة ان تظهر وتتبلور وتنطلق حسب الموقف الملائم لها بغض النظر عن طبيعة المجتمع والنظام السائد فيه , وليس عبثا , ان هذه المسرحية انتقلت بعدئذ الى الفنون الاخرى , مثل الفن التشكيلي ( رسما ونحتا ) , ثم الى الفن السينمائي , ونظن , انه من المهم والمناسب جدا ان نشير هنا , الى ان المرحومة أ.د. حياة شرارة كتبت مقالة في جريدة الجمهورية البغدادية في الربع الاخير من القرن العشرين حول مسلسل تلفزيوني مصري عرضه التلفزيون العراقي آنذاك عنوانه ( غريب في المدينة ) وتابعه المشاهدون في العراق باهتمام كبير ولافت للنظر , وهو مسلسل مقتبس من مسرحية غوغول ( المفتش) , وجعلوا احداثه تدور في مصر آنذاك , ولازالت المصادر المختلفة عن حياة شرارة تتحدث عن اهمية تلك المقالة في تراثها الفكري حول الادب الروسي وارتباطه بالعالم العربي وتفاعله معه وتأثيره عليه , وغوغول ومفتشه طبعا هو المحور المباشر لكل ذلك الارتباط والتفاعل هنا قبل كل شئ , والذي تناولته المرحومة حياة شرارة في مقالتها تلك بعد قرنين تقريبا من ظهور مسرحية غوغول ( المفتش ) في روسيا نفسها , والحليم تكفيه الاشارة طبعا .
 مقالتنا هذه  تتناول تاريخ مسرحية (المفتش) لغوغول في الفن السينمائي , وظهور افلام سينمائية لمفتش غوغول تعني ( فيما تعنيه ) , ان هذه المسرحية لازالت تتعايش مع عصرنا الحاضر وتتفاعل بحيوية معه , وهذا تأكيد واضح و جديد على عدم دقّة تلك الاقوال , التي أشرنا اليها حول علاقة المسرحية بنظام سياسي معيّن ومحدد . ومن الطريف والمهم ايضا ان نشير , الى ان اول فلم سينمائي لمسرحية غوغول لم يكن فلما روسيّا, اي ان ( المفتش) الروسي في مدينة روسيّة لكاتب مسرحي روسي لم يبتدأ سينمائيا في روسيا , وانما ابتدأ في اوروبا , اي خارج روسيا , لان موضوعة المسرحية تعتبر ظاهرة عالمية فعلا , اما في السينما الروسية فتوجد في بعض المصادر اشارة الى فلم صامت ظهر عام 1912 ولكن لا توجد منه الان اي نسخة ولم نجد مراجع عنه بتاتا , ولكن الانتاج الحقيقي لاول فلم روسي لهذه المسرحية ظهر عام 1952 فقط , بعد ان خرجت روسيا من الحرب العالمية الثانية عام 1945 وتنفست الصعداء قليلا, وبدأت تضع لمسات حياتها الاجتماعية الاعتيادية , وكان من الطبيعي ان تنتبه – قبل كل شئ - الى ادبها العملاق في القرن التاسع عشر , وهكذا ولد ( مفتش) غوغول في روسيا من جديد , ولكن ليس في المسرح , وانما في السينما هذه المرّة , لأن الفن السينمائي اصبح سيّد الفنون في القرن العشرين , ان صحّ التعبير. لقد التزم فلم عام 1952 حرفيا بالنص كما كتبه غوغول لدرجة , ان احد المعلقين قال عنه ساخرا , ان تلاميذ المدارس يمكن ان يشاهدوا هذا الفلم بدلا من قراءة النص المطلوب حسب المناهج الدراسية , وربما هكذا كانت خصائص وصفات الافلام السينمائية السوفيتية في تلك المرحلة بالذات من مراحل مسيرتها , الا ان الانتاج الثاني سينمائيا للمفتش قد تحرر من (..ذلك الالتزام الحرفي بالنص الغوغولي..) في الفلم الذي تم انتاجه عام 1977 , و حتى بالنسبة لعنوان  الفلم , اذ  جاء الفلم بعنوان – ( متنكر من بطرسبورغ ) , وليس ( المفتش ) كما هو عند غوغول , والعنوان الجديد قول مقتبس من نص تلك المسرحية ولا يتعارض بتاتا معها , بل بالعكس , فهو يؤكد على جوهرها , اذ ان المفتش كان يجب ان يكون متنكرا فعلا ومن بطرسبورغ بالذات . لقد حاز هذا الفلم على نجاح باهر في حينه , ولازال يشغل مكانة متميّزة بين الافلام الروسية لهذه المسرحية , بل ولازال مطلوبا من قبل المشاهدين لحد الان , اذ انهم يجدون فيه ( كما قال احد اصدقائي معلّقا على هذا الفلم!!!) بقايا تلك المظاهرالواضحة والصارخة – بعض الاحيان - في مسيرة حياتهم اليومية بروسيا المعاصرة في الوقت الحاضر , وهي مظاهر (معشعشة!) هنا وهناك , والتي تجعل مفتش غوغول (حيّا يرزق !) في الحياة الروسية .
الانتاج الثالث لمسرحية ( المفتش ) ظهر عام 1982 في السينما الروسية , وهو في الواقع مسرحية قدمتها فرقة مسرح ( ساتيرا ) الروسي بموسكو, وعلى الرغم من تحويل هذا العرض المسرحي الى فلم سينمائي , الا ان الاجواء المسرحية بقيت واضحة المعالم في هذا الفلم , اما الانتاج السينمائي الاخير للمسرحية فقد تمّ في عام 1996 , ولم يكن هذا الفلم تنفيذا حرفيا للمسرحية تلك , وانما جاء ( حسب موضوعها العام ) فقط , رغم انه لم يبتعد عن الاحداث الرئيسية للمسرحية .
مفتش غوغول لازال يعيش بيننا , ويمكن له ان يظهر في كل مكان ,عندنا وفي اجواء  عالمنا العربي خصوصا, وعندهم ايضا , والا لماذا يعودون اليه لحد الان في فنونهم المتنوعة ؟   
من كتاب – ( خمسون مقالة عن غوغول ) , الذي سيصدر قريبا عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ضياء نافع   

3
شئ عن  كتاب ترويا حول غوغول
أ.د. ضياء نافع
ولد هنري ترويا ( واسمه الحقيقي ليف ارسينوفيتش تاراسوف) في الامبراطورية الروسية عام 1911 بموسكو في عائلة غنية منحدرة من اصول شركسية وارمنية , وهاجر مع عائلته الى فرنسا عام 1920 ( اي بعد ثورة اكتوبر 1917) , وتوفي في فرنسا عام  2007 , واصبح هناك اديبا فرنسيا كبيرا , واصدر اكثر من مئة كتاب بالفرنسية بين روايات وقصص ودراسات تناولت السيرة التاريخية والفكرية لشخصيات بارزة, ومن بينها مجموعة من الكتب عن الادباء الروس الكبار , ومن جملة تلك الاصدارات كتاب عن غوغول صدر بالفرنسية وتمت ترجمته الى الروسية بعد اكثر من ثلاثين سنة على اصداره في فرنسا (  بعد انهيار الدولة السوفيتية) , وليس عبثا ان هنري ترويا حاز على تسمية ( اكثر الادباء الفرنسيين روسيّة ) , وان ابنته اهدت لروسيا بعد وفاته كل ارشيف والدها ووثائقه الفريدة , واعلنت , ان تراث والدها الفكري ( ..قد عاد الى الوطن الام ..) .
لم استطع في حينها ان اطلع على كتاب هنري ترويا عن نيقولاي غوغول , ولكني وجدت في احدى الاعلانات حول غوغول مقطعا من ذلك الكتاب , وقد ادهشني ذلك المقطع بصورته الفنية غير النمطية , اذ يؤكّد ذلك المقطع على جوانب غير اعتيادية بتاتا حول حياة غوغول وابداعه , منها مثلا , انه كان (... أغرب شخصية في تاريخ الادب الروسي...) وانه ( ....كانت و لازالت توجد اساطير عن حياته ومماته اكثر مما توجد وقائع محددة... ) , وهذا ما جعلني انتبه الى هذا الكتاب , وان ابدأ باليحث عنه فعلا كي اطلّع عليه بدقّة وامعان .
 اصدر هنري ترويا كتابه عن غوغول عام 1971 في باريس , اما الترجمة الروسية , فقد صدرت عام 2004 ( واعيدت طبعاتها عدة مرات لاحقا) , وتقع طبعة 2004 في( 640) صفحة من القطع المتوسط , وبعد الاطلاع على كتاب هنري ترويا عن غوغول فهمت طبعا , لماذا لم يترجم ( بضم الياء ) هذا الكتاب في الفترة السوفيتية , اذ ان الصورة الفنية التي رسمها هنري ترويا لغوغول تختلف تماما وكليّا عن المفهوم السوفيتي ( ان صح التعبير) لصورة غوغول الفنية ودوره في مسيرة الادب الروسي وتاريخه ,  فالمنظّرون السوفيت كانوا يعتبرون غوغول  واضع اسس الواقعية الانتقادية ( او الواقعية النقدية وفق بعض المصادر) في الادب الروسي , والتي انتهت بانتصار منهج  الواقعية الاشتراكية في آداب شعوب الاتحاد السوفيتي قاطبة حسب تلك المفاهيم , وقد لاحظنا كل ذلك في دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين , اذ كان التأكيد دائما يدور حول واقعية غوغول وانتقاده للجوانب السلبية في المجتمع المحيط به , اي مجتمع الامبراطورية الروسية القيصرية , دون الاشارة الى ان هذه الانتقادات موجهة ضد الجوانب السلبية في الحياة الانسانية عموما , وبالطبع , دون الاشارة  الى غرائبية بعض نتاجاته الفنية وخياله الجامح في مضمونها , الا انه يجب القول رأسا , ان هذه المفاهيم قد اختفت تقريبا في النقد الادبي السوفيتي منذ اواسط سبعينيات القرن العشرين في الاتحاد السوفيتي نفسه , ولكننا كنّا نرى بعض انعكاساتها في بعض اوساط عالمنا العربي ليس الا , وذلك لان تلك الاوساط كانت بعيدة ومنعزلة تقريبا عن الوقائع السريعة الجديدة التي كانت تحدث في المجتمع السوفيتي آنذاك , ولهذا فانها كانت تكرر –  بعناد يرفض حتى النقاش - نفس المعلومات السابقة لديها ليس الا , بينما الوقائع الجديدة كانت واضحة المعالم جدا لمن يتابع مسيرة المجتمع السوفيتي واحداثه ويعرف طبيعة ذلك المجتمع وصراع التيارات الفكرية في اعماقه, هذه الوقائع التي ادّت في بداية التسعينيات الى تلك النتائج المعروفة من الظواهر الجذرية والحاسمة وظهور دولة  روسيا الاتحادية واختفاء الدولة السوفيتية وتحوّلها الى مجموعة كبيرة من الدول المستقلة والمتنافسة- بعض الاحيان - حتى فيما بينها , اذ ان تلك الظواهر الجوهرية الكبرى لا تحدث في المجتمعات بين ليلة وضحاها كما يقول التعبير العربي المعروف , وانما تنضج تحت نار هادئة وتستغرق زمنا طويلا , والادب هو احدى المؤشرات المهمة في تاريخ ومسيرة تلك المجتمعات , التي تحدث فيها التغييرات الجذرية الكبرى .
كتاب هنري ترويا عن غوغول هو نتاج فني ووثائقي في آن , فني لانه مكتوب باسلوب ترويا الحيوي وكأنه رواية يلتهمها القارئ بمتعة , ووثائقي لانه يعتمد على رسائل غوغول وابداعه الادبي وسيرة حياته, والكتاب باختصار كلمة جديدة بالنسبة للدراسات حول هذا الكاتب الكبير , اذ تناول ترويا حياة غوغول الذاتية متجانسة مع  خصائص نتاجاته , واستطاع ان يرسم للقارئ لوحة فنيّة لغوغول في مزيج هارموني يوحّد ابداعه ومسيرة حياته , لوحة تساعد القارئ ان يتفهم اسرار غوغول ولماذا اصبح اكثر الادباء الروس محاطا بالاسرار والاساطير عن حياته وابداعه , ومن الطريف ان نختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى ان الترجمة العربية لهذا الكتاب قد صدرت في مصر عام 2010 بعنوان – ( غوغول سيرة حياة ممزقة ) , ويمكن القول ان هذا العنوان للترجمة العربية صحيح وملائم فعلا لمضمون الكتاب , ولم استطع ان اطلع على هذه الترجمة مع الاسف , وبالتالي , لا استطيع ان احدد , هل ان هذا العنوان موجود في النص الفرنسي للكتاب ام هو اجتهاد المترجم ليس الا, اذ ان عنوان الترجمة الروسية لا يشير الى تلك التسمية , وفي كل الاحوال , فان ظهور الترجمة العربية لكتاب هنري ترويا هو دليل آخر على اهمية هذا العمل الابداعي عن السيرة الذاتية لكاتب روسي وعالمي كبير مثل نيقولاي فاسيليفتش غوغول ... 




4
مئوية حمزاتوف في ليتيراتورنايا غازيتا
أ.د. ضياء نافع
ولد رسول حمزانوف في 8 ايلول / سبتمبرعام 1923 في داغستان , وتحتفل الاوساط الادبية الروسية منذ  بداية ايلول عام 2023 بالذكرى المئوية لميلاد الشاعر الداغستاني الكبير , وقد خصصت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا)  الاسبوعية كثيرا من صفحات عددها الصادر في 6-12 ايلول 2023 للحديث عن الذكرى المئوية لميلاد رسول حمزاتوف هذه لدرجة يمكن القول , ان هذا العدد من ( ليتيراتورنايا غازيتا ) خاص تقريبا بهذه الذكرى , ونعرض في مقالتنا هنا  للقارئ العربي قراءة وجيزة جدا ( او بتعبير أدق نظرة سريعة ليس الا ) للمواد العديدة والمتنوعة التي نشرتها هذه الصحيفة , وهي تحتفل بهذه المناسبة , لاننا نرى في تلك المواد وقائع جديدة وطريفة عن هذا الشاعر , الذي يعرفة القراء العرب حق المعرفة ويتقبّلون ابداعه باهتمام واعجاب كبيرين .
في الصفحة الاولى لذلك العدد من الصحيفة توجد صورة كبيرة للشاعر رسول حمزاتوف وهو يلقي قصائده على ما يبدو , وفوق الصورة مانشيت عريض عن الذكرى المئوية لحمزاتوف ومقطع من مقالة منشورة باكملها على الصفحة 22 حول تلك الذكرى , وتبدأ الصفحات المكرسّة لحمزاتوف في العدد المذكور من الصفحة 18 و19 و 20 و 21 و22 و23 و24 و 25 و26 و27 , اي(10) صفحات باكملها ( نكرر باكملها ) عدا الصفحة الاولى , التي أشرنا اليها .
يكتب محمد محمدوف , وهو بدرجة بروفيسور وحاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) ورئيس شعبة الادب الافاري في اتحاد ادباء داغستان , يكتب مقالا ( وهو واقعيا بحث علمي واسع و عميق ) وعلى صفحتين اثنتين ( 18 و19 ) بعنوان – ( داغستان مهد الشعر لرسول حمزاتوف) , وتحته يأتي عنوان اصغر وهو – (... جيد النظر الى العالم , عندما تشعر بارضك الحبيبة تحت قدميك ...) , وهو مقطع من قصيدة لحمزاتوف , واختيار هذا المقطع لم يكن عفويا ابدا , اذ ان جوهر هذا البحث الكبير يكمن بالذات في هذا المقطع , فالباحث اثبت بما لا يقبل الشك , ان رسول حمزاتوف وصل الى مكانته العالمية في دنيا الفكر لانه كان يقف بثبات على ارض وطنه داغستان , ولانه كان يتحدث في ابداعه عن مشاعره الجيّاشة حول شؤون شعبه الانسانية الاعتيادية ليس الا. لقد جاء هذا البحث عن حمزاتوف في اول تلك الصفحات عن مئويته , اذ ارادت الصحيفة ان تتكلم عن الشئ الاهم والاكبر في مسيرة حمزاتوف , وهو الموقف من الوطن ( اي داغستان ) , اذ ان حمزاتوف اصبح الان رمزا لداغستان , فعندما نذكر حمزاتوف نتذكر داغستان , وعندما نذكر داغستان نتذكر حمزاتوف , وما أعظم هذا التمازج بين الفن والوطن , والذي استطاع حمزاتوف ان ينجزه عن طريق ابداعه . 
في الصفحتين 20 و 21  نجد ملحمة في سونيتات بعنوان ( ازمان وطرق) لرسول حمزاتوف مع صورة كبيرة له وهو يجلس قرب والده عام 1983 عندما كان رسول شابا , علما ان والده شاعر داغستاني شهير ايضا , وتشغل هذه الملحمة كل الصفحتين 20 و21 وتحتوي على 33 سونيت , ومضمون تلك الملحمة الكبيرة يتناول موضوع انهيار الدولة السوفيتية ويعبّر بشكل واضح وصريح عن موقف حمزاتوف الرافض لتلك الاحداث رفضا قاطعا , وهذه مسألة معروفة في الاوساط الثقافية الروسية , والتي ازداد الحديث عنها في الوقت الحاضر بالذات ,  لان هذا الموضوع يرتبط الان بالوضع الحالي للدولة الروسية , اذ غالبا مانسمع بين الناس الرأي القائل , ان هذه الاحداث المأساوية التي تجري الان( بما فيها الحرب الروسية – الاوكرانية) لم تكن ممكنة الوقوع في اطار الدولة السوفيتية الموحدة آنذاك , وغالبا ما يذكرون هذه الآراء محبو حمزاتوف بفخر شديد.
لا يمكن الاستمرار حتى بهذا العرض الوجيز لكل ما جاء في صفحات ( ليتيراتورنايا غازيتا ) عن مئوية حمزاتوف , ولكننا لا يمكننا ايضا عدم التوقف عند صفحة رقم 23 , والتي نشرت في نصفها الاعلى وبترجمة مراد أحمدوف مقاطع من كتابات رسول حمزاتوف تحت عنوان ( المسموع  و المبتكر ) , وهي كتابات نثرية قصيرة و مليئة بالحكمة والرشاقة والابتكار , وكلها صفات امتاز بها ابداع حمزاتوف ,وتذكرنا بالقصة القصيرة جدا , وتذكرنا بقصيدة النثر , وتذكرنا بالحكم والامثال عند الشعوب ,وباختصار , فانها لوحات فنية مرسومة بالكلمات تعبّر عن مواقف الشاعر الكبير حول شؤون الحياة عموما , ونقدم للقارئ نماذج مختارة منها –
 الانسان الشرير لا يرى حبيبته  في الاحلام .
+++
  لا توجد جروح اكثر ألما , من الجروح التي تؤلمنا اليوم .
+++
 الشجرة الكبيرة القديمة تحمينا من الشمس ومن الثلوج ومن المطر . وكذلك الانسان العجوز .
+++
 ما فائدة الكراسي الكثيرة حولي , اذا كنت لا اقدر ان اجلس على اي كرسي منها .
+++
   عندما يبكي الطفل يصبح أكبر , وعندما يبكي العجوز يصبح أصغر .
+++
اطلق تسمية بابا و ماما حتى على مئة شخص , فانك لن تجد ابا و اما بينهم , وكذلك لا يمكن ان يصبح البلد الغريب وطنا .
+++
الذهب , حتى عندما يبقى لمدة عشرين سنة في الاوساخ , يبقى ذهبا برغم ذلك, والقصائد الجيدة مهما تبقى مجهولة طوال سنين عديدة , فانها تبقى رائعة برغم ذلك .
+++
     لا يمكن حلاقة اللحية من قبل اثنين رأسا , فواحد يحلقها بشكل قصير , والثاني يريد ان يحلقها أقصر, وهكذا الامر بالضبط مع القصائد في ايدي المحررين والنقاد .
+++
تحية للذكرى المئوية لميلاد رسول حمزاتوف , وتحية لصحيفة ليتيراتورنايا غازيتا على احتفالها الابداعي بذكرى الشاعر الداغستاني والعالمي رسول حمزاتوف......

5
للاطلاع غلى الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي

https://ankawa.com/sabah/fifty.pdf

6
المنبر الحر / حوار عن غوركي
« في: 18:08 07/09/2023  »
حوار عن غوركي 
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على حوار مع سفيتلانا ديومكينا – مديرة متحف مكسيم غوركي في معهد الادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم الروسية , وجرى هذا الحوار بمناسبة الذكرى ( 155) لميلاد غوركي , والتي احتفلت به الاوساط الادبية الروسية في مارت / آذار عام 2023 , وقد وجدت في هذا الحوار الحيوي جوانب طريفة و مهمة حول مكسيم غوركي , وأظن , انها ربما ستكون ممتعة ومفيدة وجديدة للقارئ العربي بالذات , اذ ان غوركي هو واحد من أشهر الادباء الروس بعالمنا العربي , بل انه كان في فترة ( مالئ الدنيا وشاغل الناس في عالمنا العربي !!! ), وكان رمزا كبيرا يحتذي به بعض الادباء العرب باعتباره مؤسس منهج جديد في الادب هو الواقعية الاشتراكية , وكلنا نتذكّر (سيل!!!) الكتابات العربية النظرية والتطبيقية في اواسط القرن العشرين عن هذا المنهج الادبي الجديد وكيف انعكس – كما كانوا يكتبون - في نتاجات ادباء عرب كبار مثل عبد الرحمن الشرقاوي وحنا مينا وغيرهم , وكيف ان هذا المنهج سينتصر لاحقا ويسود في دنيا الادب العربي , ويمكن القول طبعا ان هذه ( الموّجة!) قد انحسرت الان بشكل عام , رغم ان ( بقايا و آثار !) هذه الكتابات لازالت لحد الان  تظهر هنا وهناك احيانا في الدوريات العربية دون الأخذ بنظر الاعتبار , ان الكلام عن منهج الواقعية الاشتراكية قد اختفى واقعيا في الساحة السوفيتية نفسها منذ سبعينيات القرن العشرين تقريبا .
ولهذه الاسباب و العوامل بمجملها ارتأينا عرض المضمون العام لهذا الحوار حول غوركي في مقالتنا هذه , خصوصا وان الحوار يجري بالذات في وقتنا الحاضر (  اي في عام 2023) مع مديرة متحف غوركي في اكاديمية العلوم الروسية , اي مع شخص اكاديمي روسي يعمل من أجل الحفاظ على تراث غوركي ومكانته, وكي يطلع عليه الناس في متحف خاص بهذا الكاتب الروسي الكبير , ولا يمكن لهذا الشخص طبعا ان يكون مضادا لغوركي ( وما أكثرهم بيننا وحتى بين الروس ايضا !!!) , ويجب ان تكون افكار هذا الشخص حول غوركي بعيدة عن الشعارات الطنانة وهادئة و موضوعية ( وهذا هو المهم جدا ) بعد اكثر من قرن ونصف على ميلاد غوركي واكثر من ثمانين سنة على وفاته.
السؤال الاول الذي نود ان نتوقف عنده في هذا الحوار كان يدور حول منهج الواقعية الاشتراكية  في الادب , باعتبار ان غوركي  -  قبل كل شئ – هو , كما جاء في نص السؤال  (...واضع اسس هذا المنهج...) , فقالت مديرة المتحف في اجابتها عن هذا السؤال , ان هذا المفهوم الذي تنطلقون منه في سؤالكم  ( .. عتيق وغير دقيق ..) , واوضحت , ان منهج الواقعية الاشتراكية لا يرتبط بغوركي , وانما يرتبط بافكار ستالين حول الادب,  هذا الزعيم السوفيتي الذي كان متابعا دقيقا  للادب الروسي المعاصر له ويتفهمه بعمق, ولهذا فانه ( اي ستالين ) كان يعرف الدور الكبير و الحاسم  للادب في توجيه الرأي العام , وبالتالي في بلورة الوعي الاجتماعي للشعب, وكان يضع آماله حول هذا الادب وتوجيهه , وتستشهد مديرة متحف غوركي بقول ستالين الشهير حول تعريفه للاديب بانه - مهندس الروح الانسانية , وقالت ديومكينا , ان ستالين كان بحاجة الى ربط هذه الافكار باسم اديب كبير وبارز مثل غوركي , والذي كان اكبر الادباء الروس شهرة داخل روسيا وخارجها آنذاك , والذي كان مقبولا ومعترفا به من جميع الاطراف الادبية الروسية رغم خلافاتها و عدم انسجامها , اي ان غوركي لم يكن ( واضع اسس مفهوم الواقعية الاشتراكية) , وانما ربطوا هذا المفهوم باسم مكسيم غوركي ليس الا , علما , ان رواية (الام) , التي استشهدوا بها واعتبروها ( النموذج !) لهذا المنهج قد أصدرها غوركي عام 1906 , اي قبل ميلاد هذه المفهوم باكثر من ربع قرن , وقبل الافكار عن الاتحاد السوفيتي نفسه , وتضيف مديرة المتحف الى ان مكسيم غوركي واسلوبه ومنهجه في الكتابة الابداعية و مكانته الادبية في مسيرة الادب والفكر الروسي قد تبلورت كلها قبل ثورة اكتوبر بمدة طويلة , وانه لم يكتب اي شئ يتناسب او يتطابق مع مفهوم الواقعية الاشتراكية بعد المؤتمرالاول لاتحاد الادباء السوفيت (1934 ) , الذي اقر منهج الواقعية الاشتراكية . تختتم مديرة متحف غوركي اجابتها عن هذا السؤال قائلة , ان الحديث عن منهج الواقعية الاشتراكياة الان هو ( ... شئ شكلي وبلا حياة ...) , اذ يعني البحث في زوايا بعض النتاجات الادبية آنذاك , ومحاولة ايجاد بعض المقاطع فيها , وهي مقاطع تتناول الواقع عندها لا اكثر .   
الحوار مع مديرة متحف غوركي طويل ومتشعب , اذ تحدثت فيه عن الطريق الذاتي العصامي الصعب , الذي اخترقه غوركي , واستطاع ان يصل به الى مكانته المتميّزة في روسيا والعالم , وتوقفت عند قيصر روسيا آنذاك وعلاقته السلبية تجاه غوركي , لأنه اصبح في روسيا رمزا للحركة الثورية , وكيف تدخّل القيصر في قضيّة اخراجه من اكاديمية العلوم وكيف تضامن معه تشيخوف و كورولينكو, وتحدثت بتفصيل عن مواقف غوركي تجاه الادباء الروس وكيف حاول حمايتهم في بداية السلطة السوفيتية , وكيف عرض افكاره بكل شجاعة امام السلطة ...الخ ...الخ , وكم اتمنى ان يقوم أحد المترجمين بترجمة هذا الحوار باكمله الى العربية , لأن مديرة المتحف رسمت صورة حقيقية لمكانة غوركي واهميته في تاريخ الادب الروسي , صورة لغوركي كما هو في الواقع و دون رتوش واضافات من هذا الطرف او ذاك , وكم يحتاج القارئ العربي ان يطّلع على هذه الصورة الموضوعية , كي يعرف قيمة غوركي الحقيقية ومكانته في مسيرة الادب الروسي والعالمي .   

7
تولستوي وجامعة قازان
أ.د. ضياء نافع
تأسست جامعة قازان ( وقازان عاصمة تتارستان  ضمن روسيا الاتحادية ) عام 1804 حسب أمر اداري أصدره قيصر الامبراطورية الروسية آنذاك الكساندر الاول ( الذي يرتبط اسمه بالانتصار على نابليون في حربه ضد روسيا عام 1812 ) , وعندما كنت قبل اكثر من عشر سنوات في زيارة رسمية لجامعة قازان لاحظت لوحة كبيرة جدا لهذا القيصر تتصدّر القاعة الكبرى في تلك الجامعة , ولدى سؤالي عن ذلك , اوضحوا لي , ان هذه اللوحة كانت منسية ايام الاتحاد السوفيتي , ولكنهم اعادوها بعد ترميمها , وتبدو وكأنها مرسومة الان , وذلك احتراما لمؤسس جامعة قازان في الامبراطورية الروسية آنذاك , علما , ان هذه الجامعة تحمل اسم لينين ايضا , والذي اطلقوه عليها بالاتحاد السوفيتي في عام 1924 , عندما توفي قائد ثورة اكتوبر الاشتراكية , وذلك لان لينين كان طالبا بكليّة القانون في تلك الجامعة , وهكذا , فان جامعة قازان ترفع صورة الكساندر الاول قيصر الامبراطورية الروسية , وتحمل اسم لينين مؤسس الدولة السوفيتية في نفس الوقت التزاما بمسيرتها التاريخية واحتراما لتلك المسيرة عبر اكثر من قرنين من الزمان وبغض النظر عن النظام السياسي السائد في روسيا ( وكم يبدو ذلك الامر غريبا و مدهشا ورائعا بالنسبة لنا , نحن العراقيين , مقارنة مع واقعنا الاليم !!!) , علما ان هذه الجامعة تعدّ الان واحدة من الجامعات العشر الاولى بين الجامعات الروسية كافة , وهو موقع علمي متميّز فعلا في مسيرة التعليم العالي بدولة كبرى مثل روسيا الاتحادية , الدولة المتعددة القوميات والاعراق والثقافات والتي يوجد فيها المئات من الجامعات العامة و المتخصصة , اضافة الى مؤسسات التعليم العالي المتشعبة  الاخرى من معاهد ومدارس عليا...الخ.
من جملة ما تفخر به جامعة قازان , هو ان الكاتب الروسي تولستوي كان طالبا لديها في القرن التاسع عشر ( التحق بالجامعة عام 1844), ورغم انه قضى سنتين دراسيتين فقط في صفوفها ليس الا, حيث  كان في البداية طالبا يدرس اللغات الشرقية ( درس اللغتين التركية والعربية) , ثم انتقل للدراسة في كليّة القانون , و ترك تولستوي الدراسة الجامعة بعدئذ نهائيا , الا ان جامعة قازان لا زالت تحتفظ بوثائقه وتعتزّ طبعا  ان تولستوي كان طالبا لديها في فترة ما , ولهذا , فان الجامعة تقيم بين حين وآخر ندوات علمية ومحاضرات وسمنارات حول هذا الاديب الروسي الشهير , باعتباره  كان احد طلبتها , اضافة الى انها اطلقت اسمه على عدة مؤسسات داخل الجامعة , ونود ان نعرض للقارئ العربي في مقالتنا هذه بعض جوانب تلك الفعّاليات الثقافية في جامعة قازان حول تولستوي , اذ اننا نرى في جوهر هذه النشاطات جانبا مشرقا ورائعا للتعبير عن وفاء الجامعة تجاه طالب سابق لديها درس سنتين دراسيتين فقط , وكم يذكّرنا هذا الوفاء بواقعنا المرير عن ( عدم الوفاء , ولا اريد استخدام كلمة اخرى !!! ) لمؤسساتنا الجامعية العراقية تجاه اعلام عراقيين كبار درسوا في صفوفها  ( لم نشاهد مثلا في مئوية الشاعرة الكبيرة نازك الملائكة اي مشاركة حقيقية لجامعة بغداد في تلك المناسبة المهمّة , وكأن نازك الملائكة ليست خريجة تلك الجامعة , ولم نسمع بأي مبادرة حول خريج جامعة بغداد  بدر شاكر السياب ايضا , وهناك الكثير الكثير من اسماء المبدعين العراقيين طبعا في هذه القائمة !!! ) . ان المؤسسات الجامعية لدينا لا تتذكر خريجيها او الذين درسوا فيها من هؤلاء المبدعين العراقيين بتاتا مع الاسف , بل ولا تشير الى ذلك نهائيا حتى في اصداراتها و ادبياتها , ولهذا لا تعرف الاجيال العراقية الجديدة الجذور و الاسس الفكرية و الحضارية لهؤلاء المبدعين . لقد اطلعت على محاضرة تم تقديمها لطلبة الكورس الاول في جامعة قازان عن دراسة تولستوي في تلك الجامعة , وتحدّث المحاضر بالتفصيل عن مسيرة (الطالب تولستوي) , وكيف انه لم يتقبّل نظام التعليم الجامعي بشكل عام , ويشير المحاضر الى تفصيلات طريفة , منها , ان تولستوي لم يكن يستسيغ المحاضرات (الجافة!) , التي كان بعض الاساتذة يلقوها على الطلبة بالطريقة الاملائية , وكان الطالب تولستوي في هذه الاثناء يجلس في الصفوف الخلفية ( ..ليقرأ الجرائد ..) , وذكر المحاضر ايضا , كيف ان تولستوي كتب في مذكراته عن تلك الفترة , حيث جاء في تلك المذكرات السبب الذي قرر على اساسه ترك الدراسة الجامعية , وقال تولستوي في تلك المذكرات , ان  أحد الاساتذة طلب منه مرّة كتابة تقرير علمي , واستهوى تولستوي الموضوع فذهب الى القرية , وهناك اندمج مع قراءة مونتيسيكيو , وفتحت هذه القراءة المعمقة لتولستوي آفاقا واسعة , فانتقل لقراءة جان جاك روسو , واستمرّ في القراءة و البحث العلمي , وقرر بعد ذلك ترك الجامعة ( ...كي يتعلّم ..) , ويوضّح المحاضر للطلبة , ان هذا القرار كان يتناغم مع نفسية تولستوي ( الانسان الحر, والانسان المتمرد ) منذ ان كان في ذلك العمر اليافع , وانه استمر هكذا طوال حياته , ويشير المحاضر , الى ان روايته ( الحرب والسلم ) هي في الواقع ( .. نقاش مع علم التاريخ , الذي كان سائدا في عصره ...) , وان موقفه المعروف من الكنيسة الروسية هو تعبير آخر من مظاهر ايمانه المطلق بالحرية , وصولا الى حادثة هروبه الغريب من البيت قبيل وفاته,  ويصل المحاضر الى استنتاجه المنطقي الاخير عن سبب تركه  الجامعة , وهو ان تولستوي كان يجب ان يترك الجامعة , لأنه لا يمكن ان يخضع دون نقاش لقوانينها الصارمة .
تولستوي وجامعة قازان موضوع واسع جدا في الدراسات الروسية عن تولستوي , اذ توجد العديد من الكتب والبحوث حول ذلك , حيث يجد الباحثون في ثنايا التفاصيل الدقيقة لتلك المرحلة المبكرة ملامح و خصائص تولستوي الكاتب والمفكّر , والتي سوف تتبلور في مسيرته اللاحقة .
متى نرى بحوثا علمية عندنا بعناوين مثل – نازك الملائكة ودار المعلمين العالية , بدر شاكر السياب ودار المعلمين العالية , غائب طعمه فرمان وكلية الآداب ......   

8
المنبر الحر / غوغول والمأمون
« في: 12:59 27/08/2023  »
غوغول والمأمون
أ.د. ضياء نافع
كتب الباحثون العرب كثيرا حول التأثير العربي الاسلامي على بعض الادباء الروس , وانعكاس هذا التأثير في نتاجاتهم الادبية المتنوعة , مثل بوشكين وليرمنتوف وتولستوي وبونين ...الخ , وتوسّع الباحثون العرب في كتاباتهم هذه جدا وأضافوا لها اجتهادات ذاتية اكثر مما يجب ( وبعض تلك الاضافات لا يعرفها حتى هؤلاء الادباء الروس انفسهم , كما علّق احدهم مرّة ضاحكا !) , ولا مجال هنا للحديث تفصيلا عن هذه الاضافات طبعا, ولكننا نود ان نشير , الى ان غوغول – ويا للغرابة -  لم يكن بين هؤلاء الادباء الروس , الذين كتب عنهم الباحثون العرب في هذا المجال , رغم ان غوغول هو الاديب الروسي الوحيد عبر تاريخ الادب الروسي كله , الذي ترتبط باسمه محاضرة ألقاها شخصيا عن الخليفة العباسي المأمون , ولم يخطر ببال هؤلاء الباحثين طرح سؤال مهم في هذا الخصوص ,و هو - لماذا اختار غوغول هذه الشخصية من التاريخ العربي بالذات  , ولم يتحدث عن شخصية اخرى من الشخصيات الكبيرة, التي يزخر بها تاريخ العالم الواسع ؟ , ولماذا ألقى غوغول محاضرة عن المأمون في جامعة بطرسبورغ , والتي استمع اليها كبار المثقفين الروس آنذاك مثل بوشكين وجوكوفسكي ؟. ولازال هذا الموضوع غير واضح المعالم  في اذهان القراء العرب عموما لحد الان , وحتى بالنسبة لهؤلاء القراء العرب الذين يتابعون اخبار الادب الروسي , رغم بعض الكتابات العربية ( القليلة نسبيا ) عن ذلك الموضوع , التي ظهرت هنا وهناك في بعض بلدان عالمنا العربي .
 نود في مقالتنا هذه الكلام عن محاضرة غوغول حول الخليفة العباسي الشهير المأمون وانعكاساتها في الاوساط الروسية آنذاك قبل كل شئ , اذ لم تكن روسيا آنذاك تمتلك علاقات واسعة مع العالم العربي ( الذي كان اصلا تحت السيطرة العثمانية , كما هو معروف ) , وذلك كي نرى , كيف تقبّل المثقفون الروس انفسهم محاضرة غوغول عن خليفة عباسي ,  هذه المحاضرة الفريدة في تاريخ الادب الروسي , و التي بدأت الاوساط العربية تتحدث عنها في القرن العشرين ليس الا , اي بعد مرور اكثر من قرن ونصف على القاء غوغول لمحاضرته تلك في جامعة بطرسبورغ .
ألقى غوغول محاضرته تلك عام 1834 , عندما كان يريد ان يصبح استاذا جامعيا لمادة التاريخ , ولكن غوغول لم يستطع - في نهاية المطاف - تحقيق خططه في هذا المجال , ونشر تلك المحاضرة في كتاب له صدر عام 1835 . لقد حاولنا البحث في بعض المصادر الروسية حول تلك المحاضرة , و اندهشنا , اذ تبيّن ان هذا الموضوع لازال ينتظر الباحثين الروس انفسهم , ولم نجد – مثلا – جوابا محددا في تلك البحوث الروسية عن سؤال – لماذا اختار غوغول بالذات الخليفة المأمون موضوعا لمحاضرته آنذاك ؟   بل وجدنا اشارات صريحة تؤكد , ان موضوع (غوغول المؤرّخ) , و الذي  يدخل ضمن موضوع اكثر شمولية , وهو ( غوغول المفكّر )  تتطلب الدراسة الواسعة و العميقة لها في روسيا لحد الان , وان هذا الجانب في مسيرة غوغول لم يدرس ( بضم الياء) كما يجب سابقا في المصادر الروسية , ولم نعثر على ( بقايا !) الرأي السوفيتي , الذي كنّا نسمعه اثناء دراستنا للادب الروسي في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين , والذي كان يقول . ان سبب اختيار غوغول لشخصية الخليفة العباسي يكمن في رغبة غوغول بانتقاد القياصرة الروس , لانهم لم يقوموا بتحقيق تلك الجوانب الثقافية الرائعة , التي قام بها المأمون , وان غوغول اراد ان يقول للقياصرة الروس ( عبر محاضرته تلك ) كيف يجب على القياصرة ان يتصرّفوا , اي انه اراد انتقاد القياصرة الروس ولكن بشكل غير مباشر , وهو اجتهاد سياسي قبل كل شئ , اذ كانت وجهة النظر السوفيتية عموما ترى , ان كل الادباء الروس الكبار قبل ثورة اكتوبر 1917,  من بوشكين الى بقية الاسماء اللامعة الاخرى بعده , هم ( معارضون !) للنظام القيصري بشكل او بآخر , ونظن ان هذا الرأي ( رغم منطقية صياغته , ولهذا كنّا نتقّبله عندما كنّا طلبة في جامعاتهم ) لا يتناسق ولا ينسجم واقعيا مع مسيرة الادب الروسي وأعلامه عموما في تلك الفترة , وكذلك لا يتناغم هذا الرأي ايضا مع واقع غوغول بالذات ومواقفه الفكرية , اذ انه ( اي غوغول ) كان ارثذوكسيا متشددا جدا, وبالتالي فانه كان ينظر الى القياصرة ( مثل بقية هؤلاء المتشددين ) باعتبارهم حماة تلك المفاهيم الدينية اصلا . هذا وقد اوضح احد الاساتذة الروس لنا مرّة , ان سبب اختيار غوغول لشخصية المأمون يمكن تفسيره , بان غوغول كان مثقفا كبيرا , وانه اطلع على دور المأمون في تعزيز الثقافة , وكان معجبا جدا به , ولهذا اراد في محاضرته التعبير عن اعجابه الكبير بهذه الشخصية , ولم يرغب ان ينتقد القياصرة الروس بذلك , ولم يرد هذا التفسير السوفيتي عن سبب اختيار غوغول للمأمون الا في بدايات العصر السوفيتي فقط , اذ ان كل انسان يرى الشئ الذي يريد ان يراه , ويمكن القول , ان هذا الرأي قد اختفى بالتدريج وبمرور الزمن مثل الشعارات المتطرفة الاخرى في مجالات الحياة كافة , ونظن , ان كلام الاستاذ الروسي هذا هو ألاقرب الى المنطق السليم .
ختاما لهذه السطور نرى , انه من الضرورة الاشارة الى ان هذه المحاضرة قد ترجمها  عن الروسية المترجم الكبير كامران قره داغي في سبعينيات القرن العشرين ونشرها في مجلة ( آفاق عربية ) ببغداد , وبهذا , فان محاضرة غوغول عن المأمون كانت ولازالت ترتبط في العراق باسم كامران قره داغي , هذا المترجم الموهوب الذي كان يمكن ان يعطي لنا مكتبة عربية متكاملة حول الادب الروسي لو استمر بعمله الترجمي هذا , الا ان ( السياسة !!!) جذبته , وانغمر في مدّها وجزرها , وكم اتمنى ان يجمع كامران تلك المقالات حول الادب الروسي , التي ترجمها آنذاك , في كتاب , اذ ان تلك المقالات ( بما فيها محاضرة غوغول عن المأمون) لازالت تمتلك اهميتها للقارئ العربي لحد الان  . 

9
  جامعة العلوم الانسانية في روسيا
أ.د. ضياء نافع
توجد جامعات متخصصة لدراسة العلوم الانسانية فقط في العديد من بلدان العالم , بما فيها طبعا في بعض بلدان عالمنا العربي , ولكننا نريد التوقف في مقالتنا هذه عند جامعة العلوم الانسانية في روسيا بالذات , لاننا نتابع مسيرة التعليم العالي الروسي بكل ظواهره الايجابية والسلبيه , وذلك لأننا نظن , ان هذه المتابعة الدقيقة مفيدة لنا ,  اذ ربما ( نكرر – ربما) نستطيع ان نستخلص منها بعض الدروس والاستنتاجات المفيدة في حياتنا الجامعية العراقية , فالاطلاع على تجارب الاخرين في مسيرة التعليم العالي ضرورة  ( ونحن بشكل عام لازلنا مبتدئين في هدا المجال ,  فمسيرة التعليم العالي عندنا ترتبط زمنيّا ببداية القرن العشرين ليس الا) , والاطلاع على تجربة التعليم العالي في دولة مثل روسيا يعني , امكانيّة ان نأخذ بنظر الاعتبار ايجابيات تلك التجربة الجامعية ( ولكن ليس بشكل تلقائي اعمى , وانما حسب واقعنا و ظروفنا وامكانياتنا طبعا ) , وان نتذكّر دائما  سلبياتها و نتجنب تلك السلبيات قدر ما نستطيع , وهذه السلبيات ليست قليلة مع الاسف في الجامعات الروسيّة عموما ( رغم كل ما قيل ويقال من هذا الجانب المؤيد او من الجانب الآخر المعاكس له , فالاقوال كثيرة ولكن الوقائع هي التي تحدد و تتكلم في نهاية المطاف , وهي التي يجب ان نستند عليها  عند التقييم الموضوعي العام  لمستوى تلك الجامعات ) .
 بدأ التفكير بتأسيس جامعة للعلوم الانسانية في روسيا في تسعينيات القرن العشرين من قبل بعض اعضاء اكاديمية العلوم الروسية , اذ لاحظ اعضاء الاكاديمية الوهن والضعف ( ان صحّ التعبير) الذي اصاب المجتمع الروسي تجاه العلوم الانسانية حصرا , وقرروا معالجة هذا الجانب في المجتمع عن طريق تأسيس جامعة متخصصة تدرس العلوم الانسانية بالذات , وتحاول – بالتالي - الارتقاء بتلك العلوم وتوسيعها , كي تشغل هذه العلوم مكانتها الطبيعية في وعي المجتمع وتؤدي دورها المهم في مسيرته اللاحقة , وهي ملاحظة علمية صحيحة ودقيقة جدا في تلك المرحلة من تاريخ المجتمع الروسي وتشخيص موضوعي للخلل المرعب الذي اصاب الاوساط الاجتماعية الروسية , اذ انهارت الدولة السوفيتية عام 1991( وهو حدث هائل جدا محليا وعالميا !) , ولم تنهض بعد الدولة الجديدة و البديلة ( اي روسيا الاتحادية ) محلها كما يجب , وهي ظاهرة طبيعية في مثل تلك التحوّلات الاجتماعية الكبرى في تاريخ الامم والشعوب . وهكذا حققت اكاديمية العلوم الروسية افكارها تلك عام 1994 ضمن الامكانيات المتاحة لها آنذاك , واعلنت حكومة روسيا الاتحادية وفق أمر اداري رسمي  تأسيس - (جامعة العلوم الانسانية ) , وقد تم تسجيل عدة صفات محددة في نفس التسمية تلك , منها – ( الجامعة الحكومية الاكاديمية ) , فهي ( حكوميّة ) , اي انها جامعة رسمية تكون  الدراسة فيها مجانا , وليست جامعة اهلية خاصة تعتمد على اجور الدراسة وتهدف للحصول على الربح من تلك الاجور ( كما يحدث عندنا مع الاسف , وكذلك في بلدان اخرى في العالم , بما فيها روسيا ) , وان هذه الجامعة ( اكاديميّة ) , اي تديرها اكاديمية العلوم الروسية وتابعة لها و وهي التي تشرف عليها , ولا علاقة لها مع اي مؤسسة اخرى . لقد اثبتت تجربة السنوات الاخيرة نجاح هذه الجامعة فعلا , فاعداد طلبتها كانت غير كبيرة , ويستمع طلبتها منذ البداية الى محاضرات يلقيها عليهم اكاديميون كبار متخصصون في تلك العلوم الانسانية , ولا تهدف الجامعة الى (تخريج!) موظفين هنا وهناك , وانما تسعى الى خلق متخصصين شباب في العلوم الانسانية , يعرفون قيمة تلك العلوم وكيفية استخدامها في مسيرة المجتمع الروسي واهميتها لهم ولمجتمعهم .
 السؤال الذي يطرح نفسه بعد هذا التعريف الوجير بجامعة العلوم الانسانية في روسيا هو الآتي – هل يمكن للمجمع العلمي العراقي ان يقيم مثل هذه الجامعة في بغداد ؟ والجواب عن هذا السؤال – نعم ( حسب اجتهادنا المتواضع ) , فالمجمع العلمي العراقي يضم شخصيات علمية رفيعة المستوى , ويمتلك بناية كبيرة في قلب بغداد يمكن ان تستوعب المشروع , وليكن هذا المشروع في بدايتة مقتصرا على الدراسات العليا فقط , اي ان تكون هذه الجامعة مخصصة للحصول على شهادتي الماجستير والدكتوراه ليس الا , وان تكون اعداد طلبة الدراسات العليا هؤلاء ضمن الحد المعقول وفي اطار الاختصاصات المتوفرة  في المجمع العلمي العراقي , مثل اللغة العربية , او الادب العربي , او التاريخ , او الفلسفة , او الاقتصاد , او علم الاجتماع . او علم النفس ...الخ , ومن المؤكّد , ان ادارة المجمع العلمي (ذات التجربة الغنيّة) تستطيع تنظيم هذه الدراسة حسب الضوابط الجامعية المعمول بها في العراق من طريقة قبول الطلبة واعداد كورسات دراسية وامتحانات شاملة واشراف علمي على الاطاريح من قبل المتخصصين المرتبطين بالمجمع ومناقشة تلك الاطاريح .... .
  ان خطوة تأسيس جامعة خاصة للعلوم الانسانية باشراف المجمع العلمي العراقي ستكون الاجابة العلمية الحقيقية على هذا ( السيل !) من الجامعات الاهلية , التي ( غمرت!) العراق في السنين الاخيرة , والتي زادت من مشاكله المتشابكة , اضافة الى ( السيل الهائل الآخر !!!) , الذي غمرنا ايضا من جامعات تجارية او شبه وهميّة تأتينا الى بيوتنا عبر اجهزة الكترونية ( ليلا ونهارا !) .
يا رجالات العلم في المجمع العلمي العراقي العتيد , اتمنى ان تحاولوا دراسة هذا المقترح واتخاذ قرار مناسب بشأنه , فجامعة مثل تلك ستؤدي الى بناء جسر فكريّ صلب بين المجمع العلمي والمجتمع العراقي يربط علومكم بابناء مجتمعكم  , ويمكن له ان يساهم في اصلاح مسيرة التعليم العالي في العراق .

10
عن اول كتاب اصدره غوغول
أ.د. ضياء نافع
عندما زرت معهد بوشكين للغة الروسية بموسكو قبل عدة سنوات , فوجئت بمقطع من كتابات غوغول حول بوشكين منقوشة بحروف بارزة على الجدار اليمين في مدخل المعهد , وقد وقفت طبعا وقرأت ذلك النص الغوغولي المتميّز والعميق عن بوشكين , ثم استفسرت عن تلك الظاهرة الجديدة بالنسبة لي ( اذ اني من روّاد هذا المعهد منذ تأسيسه !) , فقال لي رئيس المعهد مبتسما , انه لم يجد أفضل من تلك الكلمات لغوغول عن بوشكين واهميته للغة الروسية وآدابها , وقد اتفقت معه في الرأي , واليوم , ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , لازال غوغول فارس الساحة الثقافية الروسية بلا منازع , فهو (الاوكراني!) العتيد والكاتب (الروسي!) الكبير في آن واحد, ومن يمكن له في اجواء الحرب الروسية – الاوكرانية ( التي بدأت في شباط ( فبراير) عام 2022 , ولازالت مستعرة لحد الان , ونحن في آب ( اغسطس) من عام 2023) ,من يمكن ان ينافس غوغول في موقعه المتميّز والخاص جدا بالساحة الثقافية الروسية المعاصرة ؟ اذ ان غوغول يجسّد اوكرانيا وروسيا معا وسويّة , ويرمز الى وحدتهما الطبيعية جغرافيا وتاريخيا وثقافيا و انسانيا ايضا  منذ انطلاق بداياتهما في القرن العاشر عند تأسيس دولتهما المشتركة - ( كيفسكايا رووس! والتي يمكن ترجمتها بلغة عصرية – روسيا الاوكرانية ) , ودون امكانية الانفصام بينهما لاحقا و ابدا , فلا يمكن ( تقسيم!) غوغول الواحد ( الكاتب والمفكّر والفيلسوف ) على كاتبين ومفكرين وفيلسوفين , واحد روسي والثاني اوكراني !!! .
مؤلفات غوغول المختارة والكاملة طبعوها عشرات المرات في الامبراطورية الروسية ( منذ ان كان غوغول على قيد الحياة ) والاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية ( طبعت مؤلفاته الكاملة ب 23 مجلدا , وانجزت عام 2013) , اضافة الى طبع نتاجاته الادبية من قصص ومسرحيات وروايات بكتب منفصلة بحد ذاتها كانت تلاقي الرواج آنذاك دائما , ولازالت كل هذه الكتب والمؤلفات مطلوبة من القراء لحد الان . غوغول كاتب قصص قصيرة وطويلة وكاتب مسرحي وروائي , ولكنه ابتدأ بالنشر شاعرا , واصدر كتابه الاول عام 1829 (وكان عمره 20 سنة) , والكتاب هو مجموعة شعرية باسم مستعار , ولكن غوغول شعر رأسا بالفشل الذريع لذلك الكتاب , فقرر رأسا شراء كل النسخ التي جرى طبعها وتوزيعها آنذاك من هذا الديوان , وحرقها باجمعها , وهذا يعني , ان عملية (حرق!) مؤلفاته ليست ظاهرة جديدة في مسيرته الادبية ابدا , اذ انه كررها مرّة اخرى في نهاية حياته – كما هو معروف -  وأحرق كليّا الجزء الثاني من روايته ( الارواح الميتة ) , والتي كتبها لفترة طويلة جدا , ولكن , والتزاما بعنوان مقالتنا هذه , لنبتدأ بالحديث عن  الكتاب الاول الذي أصدره غوغول , وهو الكتاب الذي يرتبط لحد الان بظهور نجم ساطع في دنيا الادب الروسي , والادب العالمي ايضا .
الكتاب الحقيقي الاول لغوغول صدر في بطرسبورغ , وعنوانه حسب الترجمة الحرفية هو – (امسيات في بيت ريفي منعزل قرب ديكانكا) . اصدر غوغول الجزء الاول من كتابه هذا عام 1831, وكان عمره آنذاك (22) سنة فقط , وصدر الجزء الثاني عام 1832 . نجح الكتاب بشكل ساطع و باهر جدا , اذ انه عكس خصائص غوغول الادبية التي سيتميّز بها لاحقا – العنوان الطريف ( والذي خلّد به قرية ديكانكا المجهولة , وهكذا اصبحت هذه القرية معروفة وليس فقط في اطار روسيا , وانما عالميا ايضا بفضل كتاب غوغول هذا , وقد تذكّرت رأسا قصيدة عبود الكرخي – قيّم الركاع من ديرة عفج , التي خلّد فيها الشاعر (ديرة عفج) بالنسبة لنا , نحن العراقيين !) وانعكست في الكتاب ايضا الروح الشعبية الاوكرانية والواقعية الممزوجة بالخيال الغرائبي والمرح والضحك و السخرية, وكل ذلك باسلوب جميل أخّآذ و بلغة روسية ذات مستوى رفيع جدا , وتكاد ان تكون لغته الخاصة به , فهي لغة روسية شاعرية مطعّمة بالاسماء والاماكن الاوكرانية ,  وقبل كل شئ بالفلكلور الاوكراني  طبعا بخرافاته واساطيره وحكاياته المثيرة . لايزال كتاب غوغول هذا مطروحا وبشكل واسع بين القراء الروس صغارا وكبارا , لدرجة , ذكر فيها رئيس اتحاد الادباء الروس في مدينة بطرسبورغ ( ما معناه ) انه عاد لقراءة ذلك الكتاب في بداية الحرب الروسية – الاوكرانية , لأنه لم يجد افضل من غوغول رمزا لانهاء هذه الحرب . ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان ناشر الكتاب في بطرسبورغ آنذاك ( اشتكى !!!) قائلا , ان عمّال المطبعة كانوا يقرأون كتاب غوغول هذا ويقهقهون , وان تلك القهقة قد عرقلت عملهم اثناء طبع الكتاب , ويا لها من شهادة رائعة وحقيقية وعفوية عن عبقرية الكاتب غوغول , شهادة أعمق كثيرا من (مقالات !!!) يكتبها بعض نقّاد الادب .
تم ترجمة هذا الكتاب الى الكثير من لغات العالم , ومن بينها طبعا لغتنا العربية ,  وبعناوين متعددة , منها – امسيات قرب قرية ديكانكا , الامسيات في قرية قرب ديكانكا , امسيات في قرية قرب ديكانكا ....
مؤلفات غوغول العديدة والواسعة المعالم تنتظر الباحثين العرب , فما اكثر العناصر الانسانية  المشتركة بيننا..................   

11
تماثيل  لقصص تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
 اقامة تماثيل لابطال النتاجات الادبية - ظاهرة طريفة في تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وهي ترتبط – مثلا – في ادبنا العربي بنتاجات شعبية واسعة الانتشار, مثل الف ليلة وليلة , وليس بادباء محددين , ومن لا يعرف – بين العراقيين -   كهرمانة والاربعين حرامي في قلب بغداد , او  شهرزاد  وهي تروي حكاياتها المثيرة لشهريار , ولكن هذه الظاهرة ( اي المرتبطة بنتاجات ادباء محددين بالذات ) لا توجد – حسب علمنا المتواضع - في ادبنا العربي , وهي نادرة جدا  في تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وتاريخ الادب الروسي خصوصا , اذ اننا نجدها هنا وهناك بعض الاحيان ليس الا ,  فيوجد مثلا تمثال شهير لبوشكين في روسيا وهو يجلس على مصطبة وينظر بتأمّل وهدوء واعجاب الى بطل روايته الشعرية المعروفة يفغيني اونيغين , الذي يقف – وبغرور - ليس بعيدا عنه , وهناك ايضا تمثالان ( وليس تمثالا واحدا !) في مدينة بطرسبورغ  لقصة غوغول الطويلة - ( الانف ) , وتوجد كذلك تماثيل مصغّرة ( وفي غاية الجمال والاتقان) لابطال النتاجات الادبية على قواعد تماثيل بعض الادباء الروس الكبار , مثل تمثال غريبويديف الضخم في موسكو( لابطال مسرحيته الشعرية المعروفة – ذو العقل يشقى , او المصيبة من العقل حسب الترجمة الحرفية ) , او تمثال غوغول ( تم افتتاحه عام 1909 في الامبراطورية الروسية بمناسبة مرور قرن على  ميلاد الكاتب ) , والذي نقلوه من مكانه الاصلي ,وهو يقف الان امام متحفه بموسكو ( لابطال مسرحيته الشهيرة – المفتش ) ...الخ..الخ , ولكن تماثيل ابطال قصص تشيخوف في روسيا اصبحت عديدة ومستقلة بحد ذاتها ولا ترتبط بتماثيل تشيخوف الشخصية بتاتا , وهي منتشرة في عدة مدن روسية , وتعني هذه الظاهرة - بلا شك - شعبية هذه القصص الواسعة , وتقبّل القراء الروس لابطال تلك القصص لدرجة , ان هذه التماثيل اصبحت تجسّد ظاهرة واضحة ومتكاملة و ملموسة ومقبولة جدا  في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة , ويتعاطف معها جمهور كبير من المشاهدين والمعجبين , بل واصبحت تمتلك حتى بعض (التقاليد!) المحددة والطريفة , مثلا , ان لمسها باليد يعني ان ذلك اللمس يمنح  للشخص التفاؤل بالنجاح والتوفيق في اداء مهمته , التي يتوّجه لتنفيذها ( وخصوصا يقومون بلمس تلك التماثيل الطلبة الروس قبل اداء الامتحانات بالاساس !!! )  ....الخ...الخ .
نحاول في مقالتنا هذه التحدّث للقارئ العربي عن هذه الظاهرة الغريبة , والفريدة فعلا , ونحاول ان نتوقف قليلا عند تلك التماثيل الجميلة , التي ترتبط بابطال قصص تشيخوف , اذ ان تلك التماثيل تعدّ حقا علامة حقيقية مادية محددة لشهرة تشيخوف وابداعه بين الاوساط الشعبية الروسية , والتي تؤكّد الحقيقة الكبيرة عن تشيخوف , وكيف انه اصبح يقف الان  - وبكل جدارة - جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي , اذ ان هؤلاء الثلاثة يجسّدون الادب الروسي  بكل عظمته محليّا ( اي في روسيا نفسها ) , ويعتبرون رمزا رائعا  لهذا الادب العملاق في كل بلدان العالم ايضا .
   توجد لقصة تشيخوف الشهيرة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , مثلا , عدة تماثيل في مدن روسيّة مختلفة,  واول هذه التماثيل - النصب الطريف والفريد من نوعه في مدينة يالطا , والذي اصبح الان (مرادفا!) لبطلي تلك القصة وهما يقفان ( دون منصّة ) على ارض شارع في مركز تلك المدينة , حيث يتكأ البطل على حافة سياج , وتقف السيدة مع كلبها الصغير غير بعيدة عنه , ومن الواضح تماما , ان النحّات درس نص القصة بعمق , وحاول التعبير عن جوهرها بعمله النحتي هذا , اذ انه جسّد بطل القصة ( وهو محاكاة لتشيخوف نفسه) و يقف حائرا ومتأمّلا , ولكن قريب من البطلة , أما هي , فقد جسّدها واقفة مع كل ماضيها ( ملابسها الجميلة وتسريحتها وكلبها الصغير) , ولكنها لا تستطيع ان تنطلق مع حبها الحقيقي , اذ انها لا تستطيع الانفصال عن ماضيها , ويقف هذا النصب غير الاعتيادي في شارع عام وبين الناس الذين يعبرونه ( كل حسب جهته) , وحتى مكان النصب تم اختياره بدقة ورمزية واضحة , اذ انه يذكّر الناس كافة , ان الحب الحقيقي والمتأخر يقف في طريق عبورهم الابدي بين جوانب الحياة , وهم لايستطيعون (التوقف عنده !) ولايستطيعون – في نفس الوقت - عدم رؤيته والاحساس به . وقد اقيم هذا التمثال الجميل في المدينة , التي جرت فيها بداية احداث تلك القصة , و هي القصة التي اعتبرها نابوكوف ( وهو على حق من وجهة نظرنا ) واحدة من أهم القصص في الادب العالمي عموما , وليس في الادب الروسي وحسب . التماثيل الاخرى , المرتبطة بهذه القصة تقع في مدن روسية اخرى  , وتجسّد بطلة تلك القصة وحدها مع كلبها الصغير , فهي تقف مثلا في الشارع المحاذي للبحر في مدينة غيلينجيك على البحر الاسود في ساحة صغيرة قائمة بين الاشجار والزهور , وهو تمثال في غاية الرشاقة والجمال , وفي مدينة ليبتسك تقف تلك السيدة وكلبها الصغير في مدخل مسرح الدراما , و هناك تمثال جميل آخر لهذه القصة في مدينة آستراخان , حيث تقف السيدة حزينة وجنبها كلبها الصغير  . القصة الاخرى لتشيخوف , والتي اقيم لها تمثالين , هي قصة ( البدين والنحيف , والتي كتبها تشيخوف عندما كان طالبا يدرس الطب !) , اذ يوجد تمثال في مدينة تاغنروك ( المدينة التي ولد فيها تشيخوف ) يجسّد النحيف منحنيا وزوجته وطفله خلفه من جهة ويقف امامهم صديق طفولته البدين , اما التمثال الثاني لهذه القصة , ففي مدينة يوجنوسخالينسك , حيث يقف البدين وامامه النحيف مرتعدا , ويمكن القول ايضا عن هذين التمثاليين , ان النحّاتين حاولا – وبعمق – التعبير عن الجوهر الحياتي العميق في تلك القصة القصيرة , اذ رسم فيها تشيخوف رعب الانسان البائس من الوقوف امام انسان آخر يعلوه في المناصب , بغض النظر عن علاقاتهما القديمة عندما كانا يدرسان في المدرسة معا , وصداقتهما الحقيقية آنذاك , وكم قابلنا في مسيرة حياتنا مثل تلك النماذج الجبانة , التي كانت ترتعد خوفا وهلعا امام هؤلاء الذين يشغلون مناصب عليا  !
هناك تماثيل اخرى لقصص تشيخوف لا يسمح المجال للتوقف عندها , مثل قصته الشهيرة بعنوان ( كاشتانكا) , وهي القصة التي لازال القراء الصغار والكبار ايضا ( يلتهمونها !) لحد الان , القصة التي كتب ايرنبورغ عنها مرة , انه لا ينسى , ان والدته قالت له في طفولته بجزع وحزن حول وفاة تشيخوف – لقد مات مؤلف قصة كاشتانكا , وهناك تمثال لقصة ( انسان في علبة ) , و..و..و...
تماثيل ابطال قصص تشيخوف تشغل الان المكان الاول بين الادباء الروس , وهي ظاهرة فريدة تؤكّد ان تشيخوف لازال يتعايش – وبشكل حيويّ -  مع الحياة الروسية لحد الآن , رغم انه رحل عام 1904 في الامبراطورية الروسية , ورغم التغيّرات الاجتماعية والسياسية الجذرية  الهائلة , التي مرّت بها روسيا بعد رحيله ... 

12
عن بعض (الغوغوليين) العراقيين 
أ.د. ضياء نافع
الغوغولي – نسبة الى اسم الكاتب الروسي نيقولاي غوغول , و نعني به في مقالتنا هذه الشخص الذي ساهم باي شكل من الاشكال بنشر مؤلفات غوغول بالعربية او الكتابة عنه , وواقعيا , فان كل المتخصصين العرب في الادب الروسي هم كذلك تقريبا , ولكننا نود ان نتوقف في مقالتنا هذه عند بعض الاسماء , التي تميّزت في هذا المجال , وأصدرت ( تأليفا او ترجمة) كتبا لغوغول او حوله بالعربية , ونؤكد , ان اختيار الاسماء هنا هو اجتهاد شخصي بحت من قبلنا , وكأي اجتهاد شخصي , يمكن ان يكون صائبا او غير صائب جزئيا او حتى كليّا , والامر متروك للقراء وآرائهم واجتهاداتهم ايضا , اذ لا يمكن لاي اجتهاد ذاتي ان يكون متكاملا , ومن المؤكد ان هناك اسماء اخرى في هذا المجال لا نعرفها او لم نتذكرها , وسنكون ممتنين لهؤلاء الذين سيذكّروننا  بتلك الاسماء . هذا  و قد تم ترتيب الاسماء طبعا حسب الحروف الابجدية , والاسماء هي كما يأتي , وسنتوقف عند كل اسم من تلك الاسماء بشكل وجيز , ونتحدّث عن العمل الذي انجزه حول غوغول بالعربية, تأليفا او ترجمة .
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الاسماء
=======
د.تحسين رزاق عزيز – مترجم عراقي قدير عن اللغة الروسية , وقد قدّم للمكتبة العربية أكثر من اربعين كتابا مترجما , ويمكن القول , انه الان واحد من أبرز المترجمين العراقيين عن الروسية . يرتبط د. تحسين رزاق عزيز بغوغول بترجمته لكتاب غوغول – مختارات من مراسلات مع الاصدقاء , الذي أصدرته دار المدى في بغداد هذا العام (2023) , وقد وضع هذا الكتاب النقاط على الحروف (كما يشير التعبير العربي العتيد ) بشأن غوغول ومواقفه الفكرية الكبرى حول تقدميته او رجعيته , والتي (تراكمت !!!) في الذهن العربي ( وليس فقط العربي ) بعد الانتقاد الحاد والمتطرّف ضد الكتاب المذكور , دون الاطلاع عليه ودراسته .
أ.د. جليل كمال الدين ( 1930 -  2014 ) -  اسم معروف في مسيرة الثقافة العراقية منذ اواسط القرن العشرين , وقد كتبت عنه عند رحيله مقالة بعنوان – وداعا ايها العبقري الذي لم يعرف قدر نفسه , وذكرت في تلك المقالة مجموعة من المواضيع , التي يقتضي الكتابة عنها , ومنها موضوع بعنوان – جليل كمال الدين وغوغول , اذ نشرت له دور النشر السوفيتية عندما كان طالب دراسات عليا في جامعة موسكو عدة كتب مترجمة عن الروسية , ومن ضمنها كتاب يتضمن قصصا طويلة لغوغول , وهي قصص مشهورة له , ومن بينها قصة ( المعطف ) , التي كانت ولازالت لحد الان مادة يتناولها النقد الادبي الروسي والعالمي , وتعدّ هذه الترجمة واحدة من أفضل الترجمات العربية العديدة جدا لتلك القصة الشهيرة . هذا , وقد أعاد د.جليل كمال الدين نشر الكتاب المذكور في بغداد بعد أكثر من عشر سنوات على اصداره  في موسكو.
غائب طعمه فرمان ( 1927 – 1990) – شيخ المترجمين العراقيين للادب الروسي في القرن العشرين بلا منازع , ويرتبط اسمه طبعا بغوغول , اذ انه ترجم او راجع ترجمة مؤلفات غوغول الرئيسية من قصص ومسرحيات وروايته الكبيرة ( الارواح الميتة ) والتي جاءت عند غائب بعنوانها الذي استقر اخيرا باللغة العربية , وهو ( الانفس الميتة ) , وقد صدرت كل تلك الكتب بموسكو من قبل دور النشر السوفيتية آنذاك , ولا زالت تصدر بطبعات جديدة في بغداد . غوغول بترجمة غائب طعمه فرمان – موضوع واضح المعالم لاطاريح الماجستير والدكتوراه في اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العربية كافة, وهو ما سيحدث في المستقبل حسب وجهة نظرنا , فغائب طعمه فرمان شخصية ثقافية مهمة في مسيرة الثقافة العربية , وفي تاريخ الترجمة الادبية بالذات .
أ.د. محمد يونس ( 1937 - 2009) – اسم كبير في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , وساهم بنشاط ملحوظ في حركة الترجمة والتاليف من موقعه الاكاديمي , وهو يعدّ الان واحدا من الاسماء البارزة في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية . يرتبط اسم د. محمد يونس بغوغول ارتباطا وثيقا , اذ انه العراقي المتخصص الوحيد بيننا , الذي اصدر كتابا كاملا عن حياة غوغول وابداعه ضمن سلسلة ( اعلام الفكر العالمي ) في بيروت , واعيد طبع هذا الكتاب لاحقا . يتميّز كتاب د.محمد يونس في كونه يعرض وجهة النظر السوفيتية حول غوغول , والتي كان مقتنعا بها قناعة تامة , وفي هذا الجانب بالذات تكمن الاهمية التاريخية لهذا الكتاب .
د. منذر ملا كاظم -  أحد التدريسيين النشطين حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , والذي اسميناه في احدى مقالاتنا  –  مؤرشف الادب الروسي في العراق , وهو يستحقها فعلا . يرتبط اسم د. منذر بغوغول في كونه المتخصص العراقي الوحيد , الذي أصدر بالروسية كتابا عن غوغول , وقد صدر هذا الكتاب ضمن منشورات جامعة فارونش الحكومية الروسية , وهي الجامعة التي حصل فيها د. منذر على درجة الدكتوراه في الادب الروسي حول غوغول , علما انه كان (غوغوليا !) ايضا عندما حصل على درجة الماجستير في جامعة بغداد .  مساهمات د.منذر ملا كاظم الواسعة في مجال نشر الادب الروسي عموما تستحق التقدير والاشادة  والثناء  .....

13
  280 عاما على ميلاد درجافين
أ.د. ضياء نافع
     درجافين اسم كبير في تاريخ الادب الروسي , ولكنه يكاد ان يكون شبه مجهول للقارئ العربي عموما , وحتى للقارئ الذي يتابع  الادب الروسي , اذ لا يعرف هذا القارئ المتابع ماذا تعنى القصيدة التي يسمونها بالروسية - ( اودا ) , واين ظهرت وكيف وصلت الى روسيا , وماهي مكانتها واهميتها في تاريخ الشعر الروسي , وهي القصائد التي ابدع فيها درجافين في نهاية القرن الثامن عشر وبداية القرن التاسع عشر في روسيا , واصبح – ولحد الان ونحن في عام 2023 – واحدا من ابرز روّادها الاوائل , وهذه القصائد هي التي اوصلته الى الاوساط العليا , وجعلته يشغل تلك المناصب الكبيرة الاهمية في الامبراطورية الروسية ( منها وزير العدل في تلك الامبراطورية الواسعة !) , وذلك بعد ان اطلعت على تلك القصائد الامبراطورة يكاترينا الثانية  بنفسها , وجعلته قريبا من الاوساط الحاكمة العليا آنذاك , وهذه ظاهرة نادرة جدا في تاريخ الادب الروسي ( والادب العالمي ايضا) , وتستحق هذه الظاهرة الدراسة المعمقة من قبل المتخصصين العرب لتحديد ابعادها كافة واستخلاص دروسها  .
تحتفل روسيا رسميّا هذه الايام بمرور 280 سنة على ميلاد درجافين , ونود ان نتحدّث في مقالتنا هذه عن ابرز نقاط هذه الاحتفالات , والتي تعني – فيما تعنيه – ان روسيا تتذكر مبدعيها كافة ولا تنساهم , وتحتفل في كل مناسبة من مناسبات مسيرة حياتهم بشكل حضاري واسع النطاق , وتربط حتما تلك الاحتفالات بواقعها المعاصر ومشاكل عصرها الحالي , و شئنا ام أبينا , تبرز امامنا رأسا ( عندما نرى هذه الاحتفالات في روسيا او غيرها من البلدان المتقدمة ) ما يحدث بالنسبة لمبدعينا كافة في العراق او عالمنا العربي الكبير بشكل عام , هؤلاء المبدعين المنسيين – مع الاسف الشديد - حتى اثناء حياتهم بيننا ,  والذين لا يذكرهم أحد بعد رحيلهم , ونظن , انه لا توجد ضرورة لذكر الاسماء طبعا , اذ يعرف جميع القراء مأساة هؤلاء المبدعيين المنسيين في بلداننا ..... 
ولد غافريل  رومانوفيتش درجافين عام 1743 , ومرور 280 عاما على ميلاده لا تعتبر مناسبة تقتضي الاحتفالات الواسعة بها , اذ ان ذلك يحدث عادة عند مرور قرن او قرنين ...الخ على ميلاد المبدعيين , ولكن الاوساط الثقافية الروسية , مع ذلك , تحدثت عن هذه الذكرى بشكل لافت للانتباه , مؤكدة على الجانب الوطني في شعره , فهو , مثلا , اول شاعر روسي استخدم كلمة ( الوطن ) بالمفهوم المعاصر لهذه المفردة في ابداعه , وربما يوجد من يقول  , ان الصحافة الروسية تريد ان ( تستخدم!) درجافين لاهداف سياسية معينة ترتبط بالاحداث الروسية اليوم , ويقصد هذا القائل طبعا  الحرب الروسية – الاوكرانية ونتائجها الواضحة المعالم على المجتمع الروسي , ويمكن اجابة هذا القائل هكذا -  وهل في ذلك ضير ؟ أليس من حق روسيا ان ( تستخدم !) مناسبات ترتبط باسماء مبدعيها لتتحدّث عن تاريخها وعن حاضرها , وتخطط لمستقبلها عبر تلك الاحتفالات ,المرتبطة بمبدعيها ؟ والجواب واضح عن هذا السؤال - طبعا من حقها , ويقول البعض - لكن الحديث عن درجافين اصبح مباشرا جدا , اذ يؤكدون في هذه المناسبة على اسم الامبراطورة يكاترينا الثانية , وكيف انتصرت على اتباع الامبراطورية العثمانية في حرب القرم , وكيف اصبح القرم منذ ذلك الانتصار في ذلك الزمن البعيد  جزءا من الامبراطورية الروسية , وان القرم الان هو احدى القضايا المطروحة بحدّة عالميا في احداث اليوم بين روسيا واوكرانيا , والتركيز على ذلك واضح  في مثل هذه الاحتفالات , وكل ذلك صحيح , وكل ذلك مقبول ومفهوم  في هذه الظروف المتشابكة والصعبة , فدرجافين يرتبط بشكل مباشر بهذه الاحداث  .
ختاما لهذه السطور ,  نرى , انه من الضروري الاشارة الى عمل جميل وفريد ضمن هذه الاحتفالات , وهو ما قامت به المكتبة العامة في بطرسبورغ , اذ نظّمت تلك المكتبة العامة المعروفة معرضا خاصا بهذه المناسبة للكتب التي أصدرها درجافين اثناء حياته والمصادر التي تناولت  ابداعه وتحدّثت عن مسيرته ومناصبه الرفيعة العديدة , وقد نشرت جريدة ( ليتيراتورنايا  غازيتا ) الروسية الاسبوعية خبر هذا المعرض  تحت عنوان  -  ( المحافظ والوزير والعبقري ) , وهو عنوان يلخّص فعلا مكانة درجافين في تاريخ روسيا وفي تاريخ أدبها ايضا , وتوقفت الجريدة بتفصيل عند بعض تلك المعروضات ونشرت صورا عديدة لها.     
 

14
فهرس بالروسية لكتابي – ( سبعون مقالة عن تشيخوف )
أ.د. ضياء نافع
صدر كتابي الموسوم – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) في حزيران / يونيو 2023 عن دار نوّار للنشر , وهو الطبعة الثانية المزيدة لكتاب ( احدى واربعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي صدر عام 2019 , وكما هو الحال بالنسبة للكتب كافة , الصادرة عن دار نوّار للنشر , فان الغلاف الاخير ( الايسر ) يكون عادة باللغة الروسية , وهكذا كان الامر- طبعا - مع كتاب ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الا ان الاضافة الجديدة  في هذا الكتاب , هو ان الفهرس صدر ايضا بالروسية , وذلك باقتراح من الاصدقاء الروس حولنا , الذين غالبا ما كانوا يبدون اعجابهم بالغلاف الروسي , ولكنهم لا يستطيعون الاطلاع غلى مضامين تلك الكتب بنصها العربي , وهكذا قررنا ( بالنسبة لكتابنا المذكور ) اضافة الفهرس باللغة الروسية , كي يتسنى للقارئ الروسي – في الاقل –  معرفة عناوين المقالات تلك , وذلك ( أضعف الايمان!) , كما علّق احد الاصدقاء مبتسما  , وقد اطلع بعض القراء الروس على ( أضعف الايمان!) هذا فعلا , وطرحوا استفسارات واسئلة عديدة حول عناوين تلك المقالات ومضامينها , وهي استفسارات واسئلة طريفة حقا وتستحق التأمل في رأينا , ونود هنا ان نتوقف عند بعضها , اذ انها تعكس وجهات نظر روسيّة حول كيفية تناولنا للادب الروسي , وربما ( ونؤكّد على كلمة ربما !) تؤدي هذه الاستفسارات والتعليقات حول هذا الموضوع المحدد جدا الى توسيع الحوار بصورة عامة بين ثقافتنا العربية وثقافتهم الروسية , وبالتالي , بين حضارتنا وحضارتهم عموما , هذا الحوار الذي يجري لحد الان بشكل عشوائي وعفوي و غير متكافئ بتاتا بين الجانبين العربي والروسي مع الاسف رغم مرور حوالي القرن  منذ ان ابتدأ هذا الحوار , وكلنا  , اي الروس والعرب , مذنبون في ذلك بلا شك , اذ اننا ( واكرر - نحن وهم ) لا نتفهّم واقعيا اهمية هذا الحوار وقيمته المادية والمعنوية , ولا ضرورته الحيوية لروسيا وللعالم العربي على حد سواء في الوقت الحاضر وفي المستقبل ايضا , ولا نتصوّر آفاق هذا الحوار بين روسيا العملاقة (الاورآسيوية) والعالم العربي الكبير (الاسيوافريقي)  .
نتوقف قليلا عند مقالة أثارت الاستفسارات والتعليقات من قبل هؤلاء القراء الروس وهي بعنوان – ( تشيخوف وخادمته المغفلة والوضع في العراق ) , اذ قالوا وهم يضحكون , لم تكن لتشيخوف خادمة اصلا , لا مغفلة ولا ذكية , ولم يكتب قصة او مسرحية بهذا العنوان ابدا , فمن أين جاء هذا العنوان الغريب في كتاب عربي حول تشيخوف ؟ , وكل هؤلاء القراء لم يفهموا طبعا, ما هي علاقة تشيخوف بالوضع في العراق , وأشاروا  الى ان تشيخوف كان يتجنب المواقف السياسية حتى في وطنه روسيا , اضافة الى ان تشيخوف قد توفي عام 1904 , اي قبل تأسيس الدولة العراقية اصلا , فكيف يقدر ان يؤثّر على الوضع في العراق هذا , وهو الذي عاش في روسيا وبرز مبدعا في نهاية القرن التاسع عشر ؟ . اضطررت طبعا الى توضيح عنوان تلك المقالة , وقلت لهم , ان الترجمة العربية لاحدى قصص تشيخوف القصيرة جاءت بعنوانين , هما (المغفلة) و (الخادمة) , لان عنوانها الروسي كلمة عسيرة على الترجمة العربية , واوضحت لهم , ان القراء في العراق ربطوا مضمون تلك القصة حول مدبّرة شؤون المنزل , التي يسرقون حقوقها وهي صامتة ولا تحتج او تعترض , بالوضع السياسي في العراق , حيث يسرقون حقوق الشعب العراقي وهو ايضا صامت ولا يحتج , ومن هنا جاء عنوان هذه المقالة . وبعد مناقشات تفصيلية طريفة جدا مع هؤلاء القراء الروس , تفهّموا عنوان تلك المقالة ومضمونها , بل انهم اقترحوا ترجمتها الى الروسية , لأن مضمونها يضيف الى تشيخوف اهمية جديدة للقراء الروس , وتكمن هذه الاهمية - حسب رأيهم – في ان ابداع تشيخوف يمكن ان يكون رمزا يستخدمه القارئ الاجنبي في مجالات مبتكرة بكل معنى الكلمة ولا تخطر على بال القارئ الروسي بتاتا , وان ذلك يدخل في موضوعة (تشيخوف والادب العالمي) , وفي موضوعة (انتشار الادب الروسي ومكانته خارج روسيا) .
استمرت المناقشات التفصيلية مع هؤلاء القراء الروس حول عناوين مقالات اخرى في الكتاب المذكور , منها مثلا , المقالات التي ترتبط باسماء عراقية مثل بدري حسون فريد وعادل كاظم , وتعجبوا , كيف استطاعا ان يحوّلا قصتين لتشيخوف الى مسرحية ذات فصل واحد , واعتبروا عملهم هذا ابداع كبير يستحق الاشادة والتقدير والثناء , واشاروا , الى ان القارئ الروسي يجب ان يعرف هذه الوقائع المجهولة لمكانة تشيخوف في الادب العالمي , ولا مجال للتوقف عند مقالات اخرى حول تشيخوف أثارت اعجابهم , وقد اقترحوا عليّ – في ختام تلك المناقشات - ان اترجم هذا الكتاب الى اللغة الروسية , وان اطلق عليه تسمية ( الموسوعة العراقية حول تشيخوف ) , وقد فوجئت طبعا بهذا المقترح , وشكرتهم جزيل الشكر , وقلت لهم – لا تعليق لديّ على هذا الاقتراح الغريب ...     

15
للاطلاع على الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي
https://ankawa.com/sabah/sabon.pdf

16
من كليّة اللغات الى جامعة اللغات في بغداد
أ.د. ضياء نافع
عندما كنّا تدريسيّين في قسم اللغات الاوربية بكليّة الاداب في جامعة بغداد في سبعينيات القرن العشرين , كنّا نحلم ( نعم نحلم!) ان ننفصل عن الكلية المذكورة , ونرجع الى كليّة اللغات السابقة , التي ألغوها و دمجوها مع كليّة الاداب حينئذ بقرار ارتجالي بعيد عن الموضوعية العلمية , أقول ( كنّا نحلم) , لاننا كنّا نشعر , ان قسم اللغات الاوربية لا يمنحنا حريّة الانطلاق والتطور اللاحق لفروعنا , اذ كان فرع اللغة الانكليزية هو المسيطر , ونحن , فروع اللغات الفرنسية والالمانية والروسية والاسبانية (تابعين!) له ليس الا , او كما علّق أحد الزملاء مرة – نحن (ملحق مجاني !) لقسم اللغة الانكليزية , ولهذا كنّا ( نحلم ) بالخروج من تبعيّة (لغة الجنرال مود ) كما قلت لهم ضاحكا مرة في احدى اجتماعات القسم (بالشقه وغلّ ايدك ) حسب مثلنا العراقي العتيد , اذ عبثا كنّا نحاول ان نقنع التدريسيين في فرع اللغة الانكليزية , ان اللغات كافة وتدريّسها ودراستها مهمّة لمسيرة تطور بلدنا وثقافتنا الوطنية , وانه لا توجد لغة أعلى او أدنى في تسلسل تلك اللغات , ولكن بلا جدوى , بل ان فروعنا اقترحت مرّة ( من اجل توسيع مدارك الطلبة وتعريفهم باسس الاداب الانكليزية و الفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية ونحن في قسم واحد اسمه قسم اللغات الاوربية وفي كليّة واحدة اسمها كليّة الاداب ! ) , اقترحنا تدريس مادة (الادب العالمي) في قسم اللغات الاوربية لفصل دراسي واحد في الصف الثالث والرابع باللغة العربية و بمعدل ساعتين بالاسبوع  ليس الا في كل فروع تلك اللغات, مادة تتناول بايجاز المعالم الاساسية لتلك الآداب واهم اعلامها , فاقترحوا في فرع اللغة الانكليزية عندئذ ان نقدم لهم المادة كاملة وجاهزة , وكانت متبلورة بالنسبة لفروعنا الفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية وباللغة العربية , وبعد تقديمنا للمواد ,فانهم سيقومون بترجمتها و تدريسها باللغة الانكليزية في فرعهم , وقد قلت لأحد التدريسسن آنذاك , انه يلفظ حتى اسم دستويفسكي بشكل غير صحيح , فكيف يمكن له ان يقوم بتدريس أدبه وفلسفته ويشرح مكانته في الادب الروسي و العالمي , علما انه كان مختصا بقواعد الجملة الانكليزية , ولا علاقة له بتاتا بآداب فرنسا و المانيا واسبانيا وروسيا , ولم يسمع حتى ببعض أعلام تلك الآداب , وكاد هذا المقترح العلمي المهم ان يتلاشى نتيجة لموقف فرع اللغة الانجليزية  , وقد (أنقذ!) هذه الخطوة  العلمية  آنذاك عميد كليّة الاداب , واقترح – كحل وسط - ادخال مادة ( الادب العالمي ) ضمن مناهج قسم اللغة العربية في كليّة الآداب , باعتبار ان لغة التدريس في ذلك القسم هي العربية , وهذا ما حدث فعلا ...
استمر الوضع بهذا الشكل غير الطبيعي الى عام 1987 , حيث صدر ألامر الوزاري باعادة كليّة اللغات ( بعد التي واللتيا طبعا , ولا مجال هنا للكلام عن ذلك !), وهكذا انتقلنا الى كليّة اللغات , بيتنا الطبيعي كما أسمينا تلك الكليّة عندئذ , واصبح لكل لغة من اللغات قسم مستقل خاص بتلك اللغة , وهو الشئ الاكاديمي و الموضوعي والصحيح , وكانت هناك في بداية مسيرة تلك الكليّة اقسام للغّات الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية والروسية والتركية والعبرية والفارسية , واضيفت اليها بالتدريج أقسام اللغات الايطالية والكردية والسريانية , وهكذا اصبحت كلية اللغات تضمّ ( 11) قسما علميا متكاملا باساتذته ومكتبته وخططه العلمية من دراسات اولية وعليا...الخ . 
الان , وقد مضى على عودة كليّة اللغات ( 36 ) سنة بالتمام والكمال , وبعد ان اثبتت اهميتها و جدارتها في الحياة العلمية والثقافية بالعراق , بدأ بعض  الزملاء بالكلام عن الانتقال الى مرحلة لاحقة أعلى , وهي ان تتحول كليّة اللغات هذه الى جامعة اللغات , جامعة يمكن ان تضمّ (11) كليّة باكملها , وهكذا يكون فيها كليّة اللغة الانكليزية وآدابها , وكلية اللغة الفرنسية وآدابها , وكلية اللغة الالمانية وآدابها , وكلية اللغة الروسية وآدابها , وكلية اللغة الاسبانية وآدابها , وكلية اللغة الايطالية وآدابها , وكلية اللغة التركية وآدابها , وكلية اللغة العبرية وآدابها , وكلية اللغة الفارسية وآدابها , وكلية اللغة الكردية وآدابها , وكلية اللغة السريانية وآدابها , وسيكون في كل كلية من تلك الكليات اقسام علمية خاصة بتلك اللغة وتاريخها , وآدابها , وحضارتها , والترجمة منها الى العربية , ومن العربية اليها , واقسام علمية اخرى مساعدة لتعميق الدراسات اللغوية , و ستكون هذه الجامعة مركزا حيويا ضروريا  للحوار بين مجتمعنا و الحضارات الاخرى وبلغات تلك الحضارات , اذ ان العلوم كافة تستخدم اللغات للتعبير عن نفسها , اي ان اللغات ضرورية لحياة العلوم وازدهارها , ولهذا يجب رعاية اللغات من اجل رعاية كل العلوم الاخرى .
قال صاحبي المتحمّس لتحويل كلية اللغات في جامعة بغداد الى جامعة اللغات في بغداد , ان الافكار مثل البذور , نزرعها في التربة الصالحة و نسقيها ونرعاها , فتبدأ بالنمو ,ثم تقف بشموخ على الارض وتمنحنا الثمار بعدئذ , فقلنا له - ولكن التربة الان غير صالحة اصلا لزراعة هذه الفكرة , اضافة الى أزمة (الجفاف !!!) , التي تخنق الزرع والضرع في بلاد (الرافدين !!!), فقال –  مع ذلك زرعوا فأكلنا , ويجب ان نزرع ليأكلون  , فقلنا له – هذه فكرة كبيرة وتحتاج الى ارض فسيحة وجهود هائلة , فقال -  طريق بالف ميل يبدأ بخطوة واحدة ...   

17
  غوغول ممنون يا تحسين 
أ.د. ضياء نافع
 اريد ان اسجّل – قبل كل شئ - شكري وامتناني وتقديري لدار المدى الرائدة في بغداد , لأنها قامت باصدار آخر كتاب في سلسلة مؤلفات نيقولاي غوغول و الموسوم – (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) بترجمة المترجم العراقي الكبير د. تحسين رزاق عزيز عن الروسية , وارتباطا بهذا الاصدار المهم جدا - من وجهة نظري- اكتب هذه السطور عن الكتاب المذكور واهميته الاستثنائية الكبرى بالنسبة لابداع غوغول اولا , وبالنسبة لتاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام , ثانيا .
 اصدار هذا الكتاب في بغداد بالعربية يعني , ان مرحلة جديدة بكل معنى الكلمة ستبدأ لدى القراء العرب ( ونؤكد على القراء العرب بشكل عام وليس العراقيين فقط ) باستيعاب و توضيح واحدة من القضايا (العالقة!) منذ اكثر من قرن ونصف في تاريخ الادب الروسي و مسيرته , عالقة في أذهان البعض من القراء العرب وافكارهم التبسيطية والساذجة حول (تقدميّة !) غوغول في بداية مسيرته الابداعية , ثم حول ( رجعيته!) في نهاية تلك المسيرة . توضيح هذه القضية الفكرية الكبيرة بشكل موضوعي وصحيح , استنادا للوقائع والوثائق , وليس لاي شئ آخر, وهذه خطوة تعني تغييرا نوعيا في النظرة العامة الى الادب الروسي وموقع ومكانة غوغول واهميته الكبرى في هذا الادب خصوصا . والمرحلة التي نتحدث عنها هنا يمكن ان نطلق عليها مجازا تسمية - مرحلة اطلاق الاحكام الصارمة والحاسمة والنهائية دون الاطلاع بتاتا على اوليّات الامور , وانما نتيجة لما قاله فلان او رأيّ الجهة الفلانية حول الموضوع المحدد ليس الا , وكم عانينا من ذلك المفهوم التبسيطي الساذج و(الخطير  جدا بالطبع!) في كل مجالات الحياة ( نعم , في مجالات الحياة كافة) , عندما كان الجميع مضطريّن ان يستمعوا صامتين الى تلك الاحكام النهائية ويوافقوا عليها (بالاجماع!!!) دون ان يمتلكوا الحق بمعارضتها , او مناقشتها او حتى الطلب بالاطلاع عليها ولو بشكل بسيط !!! وقضية الكاتب باسترناك وروايته الشهيرة (دكتور زيفاغو) ليست ببعيدة , واظن , انه لا يمكن ان ننسى قصيدة الشاعر العراقي  المشهور فلان الفلاني , الذي قال فيها (...فليخلقوا ألف زيفاغو ...) دون ان يقرأ او يطلع على تلك الرواية اصلا !!!
أصدر غوغول هذا الكتاب ( وهو آخر كتبه) عام 1847 , اي قبل اكثر من قرن ونصف , وقد أثار الكتاب آنذاك ردود فعل كبيرة ومتباينة لدى القراء في روسيا , اذ انه لم يكن متوقعا بتاتا من مؤلف (امسيات عند قرية ديكانكا) و(الانف) و(المعطف) و (المفتش) و (الارواح الميتة) ...الخ تلك الروائع الادبية , لم يكن متوقعا ان يصدر غوغول مثل هذا الكتاب , الذي يعكس افكاره في شؤون فكرية عديدة , ولهذا جاءت الآراء متنوعة جدا حول الكتاب , اذ قال البعض انه قمّة جديدة في ابداع غوغول الواقعي والغرائبي في آن , وانتقد البعض الآخر هذا الكتاب , وأشهر هؤلاء طبعا كان بيلينسكي , الذي كتب رسالته الشهيرة الصارمة والحادة ضد الكتاب , اذ ان  كتاب غوغول من وجهة نظر هذا الناقد , الذي كان يؤكّد على الجانب الاجتماعي للادب والفن قبل كل شئ وبعد كل شئ , ونتيجة لهذه الرسالة تبلورت المواقف تجاه الكتاب في الاوساط السوفيتية لاحقا , وانعكست طبعا على موقف هؤلاء القراء العرب ايضا , والحديث التفصيلي عن كل ذلك , حديث ذو شجون كما يقولون .         
وعلى الرغم من ان معظم مؤلفات غوغول الاساسية قد تم ترجمتها الى العربية عن الروسية او عن لغات اخرى وسيطة, الا ان كتاب ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لم يترجم الى العربية طوال هذه الفترة الطويلة من السنوات , وليس ذلك من باب الصدفة ابدا , اذ ان ترجمة هذا الكتاب كان يعني (خرق !) الحظر المفروض على هذا الكتاب المهم في تاريخ ابداع غوغول , هذا الحظر الذي لمسناه بشكل واضح حتى اثناء سنوات دراستنا في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن الماضي .
الآن , سيطّلع القارئ العربي على هذا الكتاب بترجمته الدقيقة والامينة , التي يتميّز بها المترجم الكبير د. تحسين رزاق عزيز , وسيجد فيه , انه كتاب فكري عميق وطريف , ويحمل كل سمات غوغول المفكّر وتأملاته حول مواضيع متنوعة جدا  . 
  ختاما اريد ان احيي المترجم الشجاع د. تحسين رزاق عزيز على عمله الترجمي الرائد في مسيرة الادب الروسي بالعالم العربي , اذ انه هو الذي اختار هذا الكتاب وقرر ترجمته , وبذلك العمل , فقد أضاف الى منجزاته الترجمية انجازا نوعيا جديدا ورائعا, واريد ان اقول له , ان غوغول سيكون ممتنا له , لانه ترجم اخيرا هذا الكتاب ( شبه المنبوذ !) للقراء العرب رغم انهم لم يطلعوا عليه , واريد ان اقول له , ان امتنان غوغول يكمن بالذات , في كونه  يستطيع الان ان يعلن لهؤلاء الذين كانوا يثرثرون عن (رجعيته وتقدميته!) وهو مبتسما – اطلعوا ايها السادة على الكتاب قبل ان تصدروا احكامكم بشأنه , ويستطيع غوغول الان ايضا ان يقول لهم ببساطة – كش ملك !

18
   
دردشة عفوية عن التشيخوفية
أ.د. ضياء نافع
...... وقالت نتاشا ( وهو اسم الدلع طبعا , اذ انها نتاليا ) -  ليس عبثا عدم وجود مفردة تشيخوفيزم ( اسم تشيخوف + لاحقة ... يزم) باللغة الروسية , (اي التشيخوفية ), وانما توجد فقط بالروسية كلمة ( تشيخوفيانا ) , وتعني الدراسات والآراء المختلفة عن حياة تشيخوف وابداعه , فعلّق فانيا ( وهو ايضا اسم الدلع , اذ انه ايفان ) معترضا على ذلك و بنبرة احتجاج واضحة  - ولكن لا توجد بالروسية ايضا مفردات مثل – بوشكينيزم , او تولستويزم , او دستويفسكيزم ...الخ , ومع ذلك فانني لم أجد في الادب الروسي , ولا في الادب العالمي حسب اطلاعي , على شئ يشبه او يوازي او حتى يقترب من قصة تشيخوف ( السيدة ذات الكلب الصغير ) , فهناك قال لنا تشيخوف بشكل بسيط ومقنع ورائع حقيقة هائلة في الحياة الانسانية تكمن في ان الحب المتأخّر للانسان هو الحب الحقيقي , رغم انه الحب المستحيل , وانا غالبا ما اعيد قراءة نهاية تلك القصة , التي تلخّص تلك الحقيقة الحياتية وتؤكّد عليها , وأظن , انها واحدة من خصائص التشيخوفية كظاهرة ادبية , اي انه يحدد لنا حقائق موجودة في مسيرة حياتنا دون ان يلاحظها الانسان , او – ببساطة - لا يريد ان يراها او الاعتراف بها , رغم انها موجودة  . انتبه الحاضرون الى هذا النقاش الفكري والذي انبثق بشكل عفوي بينهما , وانقسموا الى فريقين تقريبا , الاول يؤيد نتاشا , والثاني يؤيد فانيا , وكان هناك بعض الصامتين ( وربما هم الاكثرية !!!) , ولكنهم كانوا يتابعون بدقة وامعان وانتباه شديد ذلك النقاش الفكري حول تشيخوف , الذي بدأ في لقاء (ما تبقى على قيد الحياة !!!) من خريجي كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , اللقاء النادر جدا جدا , والذي ننتظره دائما بشغف كبير , لأنه يعيدنا الى حلاوة ذكرياتنا عندما كنّا طلبة شباب في كليتنا الحبيبة قبل اكثر من نصف قرن من الزمان .
صمتنا جميعا بعد تعليق فانيا , وهو صمت ضروري طبعا للتفكير والتأمّل وتحديد موقف واضح ومحدد تجاه هذا النقاش الغريب والطريف جدا بين زميلتنا نتاشا وزميلنا فانيا حول التشيخوفيزم , او التشيخوفية , وخرقت فيرا اخيرا هذا الصمت وقالت – أما أنا , فاعيد دائما قراءة قصص تشيخوف القصيرة , اذ انني بحاجة ماسة في حياتي الصعبة و المعقّدة الى الضحك , او في الاقل , الى الابتسامة , وقصص تشيخوف تلك تمنحني ذلك , اي انها (الدواء!!!) بالنسبة لي , هذا اولا , وثانيا , لأني أجد فيها عبقرية تشيخوف الشاب , العبقرية العفوية والنقيّة والخالية من اي تعقيد وتقعير , عبقرية طبيعية ونظيفة جدا وتنساب بهدوء وسكينة وتتغلغل رأسا في اعماق الروح , اذ انه كتب تلك القصص بسرعة ودقّة ودون اي ( مكياج!!!) عندما كان شابا يافعا , وطالبا مشغولا بدراسة الطب صباحا . أجابت نتاشا معلّقة على هذا الكلام – لم أقل أنا شيئا يتناقض مع ما ذكرتما من كلمات عن تشيخوف , بل , اني اؤيد ذلك , وانا ايضا اطالع نتاجاته دائما ومعجبة بها مثلكم , ولكن هذا لا يعني بتاتا , ان هناك ظاهرة متكاملة في علم الادب يمكن ان نسميّها التشيخوفية في الادب الروسي والعالمي , فطرح فانيا عليها رأسا سؤالا ( صارما وحادّا!) , وهو – وماذا يمكن ان نسميها في رأيك ؟ فابتسمت نتاشا وقالت – فانجكا , نحن في جلسة سمر لنستعيد ذكرياتنا الجميلة , وليس هدفنا الان صياغة دقيقة لمصطلحات علم الادب كما كنّا نفعل ايام الدراسة في الكليّة , فضحكنا جميعا تأييدا لها , ولكن فانيا قال وبنفس النبرة الغاضبة – ان تهربك من الجواب ذكي جدا يا نتاشا , ولكن التهرب بشكل عام  يعني انك لا تعرفين الاجابة الدقيقة عن سؤالي . قال ساشا – فانيا , لا ضرورة لاطلاق مثل هذه الاحكام المتوترة , نحن ندردش ليس الا , وقد نختلف وقد نتفق في دردشتنا , وهذا أمر طبيعي جدا , ولو كان تشيخوف حاضرا معنا الان لما سمح لك ان تتصرف هكذا , اذ ان تشيخوف نفسه كان وديعا و مسالما جدا , ويتجنب بالذات التصادمات الفكرية مع الآخرين , فضحكنا مرة اخرى , وقال اليوشا وهو يضحك  - فكرة رائعة يا ساشا , اذ يجب دعوة تشيخوف في اللقاء القادم  والاستفسار منه مباشرة حول التشيخوفية , فهو الذي سيحسم الموضوع , فعلّقت فيرا قائلة – لقد قال لنا تشيخوف في رسائله الى اصدقائه ماذا تعني التشيخوفية , ولعل اهم عناصرها يكمن في الايجاز , الا تتذكرون جملته التي اصبحت مثلا معروفا في روسيا , وهي – الايجاز شقيق العبقرية ؟ فتعالت الاصوات من هنا وهناك تأييدا لفيرا , وقال اليوشا – نعم , نعم , هذا  صحيح جدا ,  فالاطناب بالكلام والكتابة ظاهرة مملّة فعلا للمستمع والقارئ , خصوصا , وان عصرنا هذا باحداثه المتلاحقة السريعة لم يعد ملائما ابدا للاطناب , واريد ان اضيف , ان تشيخوف قال مرة في احدى رسائله لاديبة ناشئة – احذفي نصف القصة , وجاءت التعليقات من هنا وهناك مثل امواج البحر المتلاطمة , فهذا يصرخ – لا تنسوا اسلوب البساطة والوضوح والشفافية , وذاك يضيف – والكتابة عن المواضيع الانسانية الخالدة دون كلمات طنانة ورنانة , وثالث يقول – ولهذا فان الانسانية تتقبّله لحد اليوم , فصاحت نتاشا وهي تضحك مقهقهة – انا معكم ايها الزملاء الاعزاء , انا معكم فعلا وقولا , ودعونا نعود الى طبيعة جلسة السمر هذه , الجلسة النادرة واللذيذة , فتشيخوف يوحدنا ولا يفرقنا.......       

19
جوائز نوّار للعام 2023
اجتمعت لجان جوائز نوّار للعام 2023 واتخذت التوصيات الآتية –
اولا – جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي
قررت اللجنة منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي الى الاكاديمية الدبلوماسية التابعة لوزارة الخارجية لروسيا الاتحادية , تقديرا لموقفها في السنوات الاخيرة بدعوة مجاميع من موظفي الخارجية العراقية للمساهمة في دورات دبلوماسية تعقد بموسكو , وقد ساهمت مشاركتهم بتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وهو الهدف الذي تسعى اليه جائزة نوّار . علما , ان هذه هي المرّة الاولى , التي يتم منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي الى مؤسسة وليس الى افراد , كما جرت العادة طيلة السنوات الست منذ تأسيس الجائزة , وقد رحبت الاكاديمية الدبلوماسية بهذه الخطوة .
 هذا وقد تمّ – فعلا - منح الجائزة يوم 9 حزيران / يونيو 2023 من قبل سعادة سفير جمهورية العراق في روسيا الاتحادية الدكتور قحطان طه الجنابي الى رئيس الاكاديمية الدبلوماسية السيد ياكوفينكو , وبحضور رئيس لجان جوائز نوّار وممثلي عمادة الاكاديمية الدبلوماسية والسفارة العراقية بموسكو .
ثانيا - جائزة نوّار للمترجمين العراقيين
قررت اللجنة منح جائزة نوّار للمترجمين العراقيين الى المترجم العراقي الكبير الدكتور بسام البزاز , تقديرا لمساهماته الترجمية المتميّزة عن اللغة الاسبانية , والتي أغنت – وبكل معنى الكلمة - المكتبة العربية  في السنوات الاخيرة . وبذلك يكون الدكتور بسام البزاز الاسم الثالث ضمن المترجمين العراقيين الحاصلين على جائزة نوّار للمترجمين العراقيين , وهم كل من –
 تحسين رزاق عزيز ولطفية الدليمي وبسام البزاز .
ثالثا –  حول التماثيل النصفية للشخصيات الثقافية العراقية
قررت اللجنة الاستمرار بتحويل جائزة نوّار للمتميزين من خريجي مدرسة الموسيقى والبالية الى اقامة تماثيل نصفية للشخصيات الثقافية العراقية , علما انه سبق اقامة تماثيل للشهيد فؤاد ابراهيم – رئيس قسم اللغة الالمانية وعالم الآثار طه باقر وللفنان الكبير عزيز علي , وتفرر في العام 2022 اقامة تمثالين لانستاس الكرملي وعبود الكرخي , الا ان ظروف العراق قد حالت دون انجازهما في نفس ذلك العام, و تمّ انجازهما الان فقط   , وافتتح فعلا تمثال انستاس الكرملي يوم 9 حزيران / يونيو 2023 في مؤسسة ايشان ببغداد , وسيتم افتتاح تمثال عبود الكرخي قريبا , وهو التمثال الخامس في سلسلة هذا المشروع الحضاري . هذا وقد تمّ امام اللجنة طرح عدة اسماء من هؤلاء الشخصيات لاقامة تماثيل لهم مستقبلا , وسيتم تحديد الاسم لاحقا بعد انجاز التمثال الخامس المذكور .
أ.د. ضياء نافع
رئيس لجان جوائز نوّار
رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر
حزيران / يونيو 2023

20
  مسرح تشيخوف في رأي بروك
أ.د. ضياء نافع
 مقاطع من حوار مع المخرج المسرحي الانكليزي بيتر بروك ( 1925 – 2022 ) , الذي قدّم على خشبة مسارح باريس أعمال تشيخوف المسرحية .... .

..... يتميّز مسرح تشيخوف بالدقة والبساطة والاصالة ... كان تشيخوف يريد ان يكون الاخراج شفافا , وكذلك التمثيل , شفافا مثل الحياة نفسها , لكن عندما نحاول التعبير عن أجواء المسرحية , فاننا نعاني – بلا ارادتنا – من منح الجمل طابعا أدبيا , بينما هي بالروسية تجسّد البساطة بعينها , ان لغة تشيخوف مركّزة ومكثّفة جدا , وهي تذكّر بلغة بينتر او بيكيت , اذ كما هو الحال لديهما , يعتبر بناء الجملة مهما جدا , وكذلك ايقاعها والشعر المسرحي للمفردات , التي تشغل مكانها المحدد وتمتلك نبرتها الدقيقة والصحيحة , فعندما يقول شخص ما كلمة ( نعم ) مثلا , فانها تعتبر الكلمة الوحيدة التي تعبّر عن الموقف بشكل كامل , ولا يمكن ان تكون هناك كلمة اخرى ...
لم يستخدم شكسبير علامات الترقيم , وتلك التي نجدها في نتاجاته جاءت بعد فترة طويلة . ان مسرحيات شكسبير مثل البرقيات , ويجب على الممثلين انفسهم ان يقسموا كلماتهم الى مجاميع , أمّا  عند تشيخوف , فاننا نجد العكس تماما , فالنقطة والفارزة وتعدد النقاط , كل ذلك مهم وبشكل غير اعتيادي , وعندما لا نراعيها او نلتزم بها , فان المسرحية تفقد ايقاعها وتوترها . ان الفواصل بين الكلمات عند تشيخوف تؤدّي نفس أدوار علامات البرقيات السريّة , اذ انها تعبّر عن علاقات واحاسيس الشخصيات , وتسجّل لحظات امتزاج افكارهم وتلاحمها او الحركة الخاصة بتلك الافكار . ان علامات الترقيم تكشف الشئ الذي لزمت الكلمات الصمت عنه .
تشيخوف – استاذ مثالي في مجال المونتاج , فبدلا من الانتقال من مشهد الى آخر , ومن الممكن حتى من مكان حدث الى آخر , ينتقل تشيخوف من احساس الى آخر , وهو يقوم بذلك رأسا بعد لحظة من التعبير الكامل عن هذا الاحساس او ذاك , ففي تلك اللحظة , عندما تستحوذ شخصية ما على الانتباه كليّا , يظهر فجأة موقف غير متوقع . كل شئ عند هذا الكاتب المسرحي غير ثابت وغير مستقر . ان تشيخوف يعرض الناس والمجتمع في وضعية متغيّرة بلا توقف , انه كاتب الحياة المتحركة دائما , الحياة الجدّية والمرحة في آن واحد , المضحكة والمريرة معا . يجب ان ننسى الكآبة السلافية , الموجودة فقط في موسيقى المطاعم الليلية , وهذا هو الموضوع الذي غالبا ما كان يثير الخلافات بينه وبين ستانسلافسكي , اذ ان تشيخوف لم يكن يتحمّل تلك النبرة الدراماتيكية التي يضعها المخرج على تلك المسرحيات . ان هذا لا يعني بالطبع , اننا يجب ان نقدم مسرحية ( بستان الكرز ) مثلا , على اعتبارها مسرحية هزلية . ان تشيخوف هو مراقب دقيق جدا لكوميديا الحياة الانسانية . انه طبيب , ومن ثمّ , فانه يعرف مكنونات حياتنا وجوهرها , ويستطيع ان يشخّص الحالة المرضية .
توجد في أعماق تشيخوف الرقّة ويوجد الانتباه والحنان , ولكن لا توجد في أعماقه تلك العواطف الجيّاشة . هل يمكن ان  نتصور طبيبا يذرف الدموع على آلآم مراجعيه ؟ ان هذا سيكون منتهى السخف . لكنه مقابل ذلك , حتى عندما كان تشيخوف عاشقا , فانه كان يلاحظ عدم وجود التكامل وعدم الرضى الداخلي في كيان حبيبته , ولم يمتعض منه , وانما كان يستطيع ان يتعامل معه مبتسما .
يوجد الموت في مسرحيات تشيخوف دائما , الموت الذي نعرفه جيدا , لكن لا يوجد هنا شئ مؤلم , كما يحدث في المغالاة الفنية عند الآخرين . ان الاحساس بالموت مرتبط عنده بالتشّوق تجاه الحياة والموت . لقد جاب تشيخوف الحياة طويلا , وشارك في جوانبها الاجتماعية , وكتب , وأحب , ومات شابا , وعندما كان يموت طلب كأسا من الشمبانيا , اما جثمانه , فقد نقلوه في عربة قطار مكتوب عليها ( محّار طازج ) ... ان هذه الفكرة عن الموت وعن اللحظات الثمينة التي بقيت لديه في الحياة , هي التي كانت تمنحه دائما الوعي , بان كل الاشياء نسبية , وبتعبير آخر , هي التي ساعدته ان يحافظ على تلك المسافة الكافية , كي لا يغيب عن باله ابدا الجانب الكوميدي للدراما.....
-----------------------------------------
من كتاب – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر قريبا في بغداد وموسكو .
ضياء نافع

21
عن مكتبة لينين سابقا ولاحقا
أ.د. ضياء نافع
لا زال الروس يطلقون عليها تسمية – مكتبة لينين ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين !) , ولازال الوصول الى تلك المكتبة يعني  الذهاب الى محطة مترو تسمى ( مكتبة لينين ) , رغم ان الامر الاداري بتغيير تسمية المكتبة قد صدر عام 1992 عند انتهاء (العصر!) السوفيتي وولادة دولة روسيا الاتحادية, اذ انها اصبحت منذ ذلك الحين رسميا - المكتبة الوطنية . اختلف المترجمون العرب بترجمة تسميتها الجديدة , فمنهم من يقول – مكتبة الدولة , او , المكتبة الحكومية , او, المكتبة الرسمية , او , المكتبة العامة ... الخ....الخ , ولكننا نميل الى استخدام مصطلح المكتبة الوطنية , التسمية المستقرة في اذهاننا – نحن العراقيين – طوال النصف الثاني من القرن العشرين ولحد الان , اما بالنسبة للروس في الوقت الحاضر , فليس مهمّا كيف تسمّى مكتبتهم الاولى رسميّا , اذ انها بالنسبة لهم كانت وستبقى على ما يبدو – مكتبة لينين , والامر كذلك حتى بالنسبة للاجيال الجديدة من الروس , وقد وقف أحد العراقيين المرحين مرّة في مركز موسكو ( اي ليس بعيدا عن تلك المكتبة ) وأخذ يسأل الروس – اين تقع ( مكتبة الدولة ) ؟ وكانت الاجابات قاطبة تتوزع بين اجابتين لا غير , وهما - ( لا أعرف ) او ( تقصد مكتبة لينين؟ ) , وهي تجربة ضاحكة طبعا ضمن تجارب الشباب المرحة, ولكنها حيوية وفريدة في آن واحد , اذ انها تعني ما تعنيه في مفاهيم علم الاجتماع .
وعندما وصلنا في بداية الستينيات الى موسكو للدراسة في جامعاتها , لم تكن مكتبة لينين تخطر ببالنا اصلا , ولكن عندما ازدننا معرفة وعمقا في دراستنا , بدأنا نشعر بضرورة الذهاب الى المكتبات العامة ( اذ لم تكن في تلك الفترة الاتصالات الالكترونية كما هو الحال في الوقت الحاضر ) , واكتفينا في البداية باستخدام المكتبات العامة , التي كانت موجودة ومتوفرة في جامعاتنا ليس الا , ولكننا بالتدريج وصلنا الى القناعة بضرورة الانتقال الى مكتبة لينين واستخدام مصادرها المتنوعة والغنيّة , والاستفادة من تنظيمها الدقيق و المدهش , ولا زلت اتذكّر (الانبهار!!!) عندما دخلتها لاول مرّة , اذ اكتشفت عالما خاصا , مليئا بملايين الكتب والدوريات, ويخضع لتنظيم صارم وانسيابية دقيقة , خصوصا وان الادارة قد منحتنا – نحن الاجانب – حق استخدام القاعة رقم (1 ) في تلك المكتبة , وهي القاعة المخصصة للعلماء وكبار الشخصيات , وكنّا نرى بينهم , مثلا , مولوتوف , وزير خارجية الاتحاد السوفيتي السابق ايام ستالين , وكان يواظب يوميّا تقريبا على الجلوس في تلك القاعة بمفرده ويطالع بانتباه الكتب الموجودة امامه على الطاولة , وكان النظام السائد في المكتبة يمنع ادخال الحقائب , وكان هناك مكان خاص عند المدخل نضع فيه حقائبنا ونأخذ رقما خاصا , وعندما نخرج نستلم الحقيبة وفق الرقم , وكانوا يسمحون فقط بادخال دفاتر الملاحظات , وعند الخروج كانوا يلقون نظرة بشكل سريع ومؤدب على تلك الدفاتر ( ربما خوفا من وجود وريقة مقطوعة من الكتب ) , وقد لاحظت , ان مولوتوف كان يخضع ايضا – وبكل روح رياضية – لهذا النظام العام عندما يخرج من المكتبة. وتوجد في المكتبة كل وسائل الخدمات للقراء من مطعم ومقهى ...الخ , اذ ان المكتبة تعمل منذ الثامنة صباحا حتى العاشرة ليلا .
كل هذه الانطباعات كانت قبل اكثر من اربعين سنة مضت , وعندما عدت الى هذه المكتبة العتيدة قبل سنوات قليلة , وجدت انها قد ارتدت حلّة جديدة زادتها جمالا وتألقا , اذ اصبحت الكتب الشرقية – مثلا - في بناية مستقلّة تقع مقابل المكتبة , وهي بناية تاريخية جميلة , وعندما طلبت منهم كتابا عراقيا صدر في بغداد عام 1945 , ساعدني الموظف المختص بالعثور عليه في الفهارس الخاصة , ثم اخبرني بعد حوالي نصف ساعة ان هذا الكتاب دخل في خزانات خاصة للحفظ , وانني اقدر ان اطلع على الفلم المستنسخ منه في قاعة خاصة معدّة لتلك العروض , وحدد لي موعدا دقيقا لذلك . ويسود المكتبة الان نظام الكتروني في الدخول لها والتسجيل والخدمات الادارية الاخرى , وهناك برامج ثقافية ومعارض كتب متنوعة جدا في قاعاتها العديدة ....
في الستينيات كانوا يقولون لنا , ان مكتبة لينين تشغل المكان الثاني عالميا بعدد كتبها ودورياتها , وهو (33) مليون , وذلك بعد مكتبة الكونغرس الامريكية , التي كانت تحتوي على (40) مليون , ولكن هذه الارقام قد تغيّرت في الوقت الحاضر , وهناك الان خمس مكتبات تقف في الصدارة  عالميا , ومنها طبعا المكتبة الوطنية لعموم روسيا , اي مكتبة لينين كما يسميّها الروس , وقد اطلعت قبل مدّة على احصائية تشير , الى ان عدد الكتب والدوريات الموجودة بهذه المكتبة حاليا أكثر من (44) مليون , وان هذه الكتب و الدوريات ب ( 367 ) لغة من لغات العالم .
المكتبات العامة دليل حضارة الامّة , والحفاظ عليها والاعتناء بها وتطويرها دليل حيوية تلك الامّة , والحليم تكفيه الاشارة يا اولي الالباب ...

22
  .. و تذكّرت اصدقائي التورغينفيين .. 
أ.د. ضياء نافع
 تم افتتاح تمثال للكاتب الروسي ايفان سرغييفتش تورغينيف ( 1818 -1883) في موسكو , وذلك بمناسبة مرور قرنين على ميلاده , وقد افتتح التمثال في حينها الرئيس الروسي نفسه , وهو آخر تمثال لتورغينيف في روسيا , و يختلف هذا التمثال عن التماثيل الاخرى له تماما , اذ ان النحّات قدّم لنا تورغينيف في شبابه , عندما كان عمره 30 عاما فقط, وهو تمثال في غاية الرشاقة و الجمال , ويقف تورغينيف الشاب في حديقة بيت والدته , ويمسك بيديه عدة اوراق , وخلفه البيت الروسي الارستقراطي للوالدة , حيث كان لتورغينيف هناك غرفة خاصة يسكن فيها , اذ انه غالبا ما كان  يزور البيت ويبقى فيه عدة أيام .
تذكرت الاسماء العزيزة على قلبي وانا أتأمل هذا التمثال غير الاعتيادي للشاب الرشيق تورغينيف , الاسماء التي ترتبط بتورغينيف نفسه , اي اصدقائي (التورغينفيين !) الراحلين , ولكنهم دائما وابدا في وجداني وتفكيري , ومنهم الدكتور محمد يونس , استاذ الادب الروسي في جامعة بغداد , وزميل العمر كله , منذ معهد اللغات العالي في الوزيرية , وعبر القسم الداخلي لجامعة موسكو والدراسة معا في كليّة الفيلولوجيا هناك , الى العمل معا بعد التخرّج في قسم اللغة الروسية في كليّة الاداب اولا , ثم في كليّة اللغات بجامعة بغداد , هذه المسيرة المشتركة , والتي استمرت منذ ( الشباب الى المشيب !) , و من (فجر الحياة حتى المغيب!) يا أبا جاسم الحبيب ...
  كتب محمد يونس اطروحة الماجستير في جامعة موسكو عن تورغينيف في الستينيات , وأصدر كتابا بالسبعينيات في بيروت عن تورغينيف , وهو اول كتاب عراقي شامل عن هذا الكاتب الروسي الكبير حسب علمنا المتواضع , ولا يزال هذا العمل العلمي الرائد – ولحد اليوم - واحدا من المصادر العربية المهمة حول ادب تورغينيف , بغض النظر عن كونه قد صدر قبل حوالي نصف قرن تقريبا , وليس ذلك بالقليل . وبالرغم من ان محمد يونس ابتعد قليلا عن تورغينيف وكتب اطروحة الدكتوراه في جامعة موسكو عن تولستوي , الا انه كان مشرفا علميا لاول شهادة ماجستير يمنحها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , والتي كتبها آنذاك طالب الدراسات العليا حسين عباس ( الدكتور حاليا والقائم باعمال سفارتنا في كييف باوكرانيا , ونحن في اواسط عام 2023 ) , وكانت هذه الاطروحة عن الادب المقارن بين الكاتب الروسي تورغينيف والكاتب المصري محمد عبد الحليم عبد الله , ولم يكن هناك تدريسي آخر في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , يمكن ان يكون مشرفا على اطروحة تتناول هذا الموضوع عدا محمد يونس.
 ومن بين الاسماء العراقية العزيزة ايضا , والتي تذكرتها امام تمثال تورغينيف , اسم الدكتورة حياة شرارة , زميلة العمر كله كذلك , وهي البروفيسورة الاولى في تاريخ قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , فقد خططت حياة شرارة لترجمة المؤلفات الكاملة لتورغينيف عن الروسية , واستطاعت فعلا ان تنجز ثلاثة اعمال كبيرة من تلك المؤلفات واصدرتها في بغداد رغم كل الصعوبات الهائلة آنذاك , التي كانت امامها في ذلك الزمان الجهم , وتذكرت طبعا اصرارها على انجاز تلك الترجمات , وتذكّرت ايضا , انني لم أؤيدها في ذلك , و قلت لها , ان هذه الاعمال مترجمة , فقالت ضاحكة , انها ستطلّع على تلك الترجمات بعد انهاء العمل ( ..كي لا تؤثّر تلك الاعمال على ترجمتي ..) , واستمرّت ام مها فعلا في تنفيذ خططها , ولكن.....
 ومن بين الاسماء الحبيبة لي اسم غائب طعمة فرمان , التورغينفي العتيد والاصيل , لأن اسمه يرتبط بترجمة المؤلفات المختارة لتورغينيف بخمسة اجزاء , والتي صدرت في موسكو بالنصف الثاني من القرن العشرين , وتذكرت كيف تعجب غائب عندما حكيت له قصة حياة شرارة واصرارها على ترجمة مؤلفات تورغينيف , ولكن تواضعة العظيم منعه آنذاك من ان يقول لي , انه يترجم مؤلفات تورغينيف المختارة بناء على تكليف من دار رادوغا للترجمة والنشر في الاتحاد السوفيتي . 
وتذكّرت طبعا الدكتور أكرم فاضل , الذي ترتبط باسمه اول ترجمة عربية لرواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , والتي صدرت في بغداد عام 1950 , وتذكرت نقاشي ( الحاد!) مع المستشرقة الميرا علي زاده في المؤتمر الثالث لمترجمي الادب ( موسكو 2014 ) حول ذلك , اذ انها اعلنت امام اعضاء المؤتمر بعد ان القيت كلمتي عن المترجمين العراقيين وتورغينيف  , ان محمود احمد السيد وليس اكرم فاضل هو  اول عربي ترجم رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) , وقد قلت لها , ان المستشرقين السوفيت يشيرون الى هذه المعلومة , ويقولون , ان محمود احمد السيد قد نشر في احدى الصحف المصرية خلاصة لتلك الرواية في عشرينيات القرن الماضي , وان القارئ العراقي لم يطّلع حتى على هذه الخلاصة ولا يعرف طبيعتها , وأضفت , ان نشر رواية تورغينيف تلك ( وليست خلاصتها ! ) قد صدرت كاملة ولاول مرة بالعربية في بغداد عام 1950 , وان هذه حقيقة كان يجب على المستشرقين السوفيت ان يعترفوا بها في حينها , وان الاستشراق الروسي المعاصر يجب ان يصحح الان تلك النظرة غير الدقيقة للمستشرقين السوفيت ...
  الرحمة والذكر الطيب لاصدقائي التورغينفيين -  محمد يونس وحياة شرارة وغائب طعمه فرمان وأكرم فاضل .....

23
المنبر الحر / أخماتوفا و تشيخوف
« في: 17:47 11/05/2023  »
أخماتوفا و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع   
ولد تشيخوف عام 1860 , وولدت أخماتوفا عام 1889 , وتوفي تشيخوف عام 1904 , عندما كان عمرها 15 سنة ليس الا , ولهذا لا يمكن القول انهما عاصرا بعضهما البعض في مسيرة الابداع الادبي الروسي , ومن المؤكد , ان تشيخوف لم يسمع باسمها بتاتا . ومع ذلك  - وياللغرابة -  يمكن تلخيص موقف الشاعرة الروسية الكبيرة أخماتوفا تجاه تشيخوف بكلمة واحدة فقط , وهي – ( اللاحب ) , ولكن مما يخفف من وقع تلك الخلاصة , انها تمثّل موقفا عاما من قبل جماعة تيّار ( الذروة ) الادبي , الذي ظهر في بداية القرن العشرين , وكان على رأسه زوج أخماتوفا الاول , الشاعر والناقد الادبي والمترجم غوميليوف ( انظر مقالنا عنه بعنوان غوميليوف الشاعر الروسي المخضرم ) , هذه الجماعة التي ظهرت بالذات في فترة التحولات والاحداث المصيرية الكبيرة , التي مرّت بها روسيا ( الثورة الروسية الاولى والحرب العالمية الاولى وثورة اكتوبر الاشتراكية وانهيار الامبراطورية الروسية وبدايات بناء دولة الاتحاد السوفيتي ..الخ ..الخ ) , ولم يكن تشيخوف في تلك الاحداث الجسام نجما ساطعا طبعا , اذ لا توجد عنده – كما هو معروف – موضوعات تتناغم مع طبيعة تلك الاحداث الساخنة جدا , ولا يمكن لابطاله الذين يتحدثون عن شؤونهم ومعاناتهم الحياتية اليومية ان يثيروا ادباء وقراء ذلك الزمان العاصف , او ينسجموا او يتعاطفوا معهم , حتى تروتسكي نفسه ( الرجل الثاني في ثورة اكتوبر عندها ) كتب في كتابه المعروف ( الادب والثورة ) الصادر عام 1923 حول فرقة مسرح موسكو الفني ما يأتي – ( ... اناس يعيشون لحد الان في اجواء مسرح تشيخوف من الاخوات الثلاث والخال فانيا ونحن في عام 1922 .. وانهم لحد الان يعرضون للاوربيين والامريكان كيف كان رائعا بستان الكرز في روسيا الاقطاعية العتيقة ..) . آنا أخماتوفا ايضا كانت ضمن هؤلاء الذين لم يتقبّلوا تشيخوف , ولكن موقفها لم يكن بالطبع منطلقا من موقف تروتسكي تجاه تشيخوف ولا متطابقا معه ولا حتى قريبا منه ,  اذ انها لم تعتبر تشيخوف ممثّلا لروسيا العتيقة كما هو حال تروتسكي , وانما انطلقت من مواقف منها مثلا موضوع الفن ودوره الانساني وقيمته الاجتماعية , لانها تعتبر الفن ( ..ظاهرة سامية ..وان الفنان يتقبّل الفن من قوى روحية عليا ..وانه يميّز النص الشاعري العالمي المطلق ..) , وهذه بالطبع آراء جماعة تيار الذروة , وكانت تؤكد ان تشيخوف لم يكن فقط بعيدا عن تلك الافكار حول الفن , بل انه لم يكن يعترف بها اصلا , وانه بالتالي أساء لدور الفنان وقيمته – حسب رأيها – لانه أخذ يكتب كما اراد القارئ منه ان يكون . لقد كتب الكثيرون ممن كانوا يعرفون أخماتوفا ويختلطون معها أقوالها حول تشيخوف في مذكراتهم , ومنها – ( ..تشيخوف يتناقض مع الشعر ..) و ( ..لا اصدّق الذين يقولون انهم يحبون تشيخوف ويحبون الشعر ايضا ..) و ( .. ابطاله يثيرون الملل وهم باهتون وقرويون ..) الخ .. وبشكل عام كان من الواضح تماما , ان أخماتوفا لم تكن تحب قصص تشيخوف ومسرحياته , ولكن بعض النقاد والباحثين الذين كتبوا حول موقف اخماتوفا هذا توقفوا عند نقاط كانت – مع ذلك – تجمع بين خصائص ابداع اخماتوفا وتشيخوف حسب رأيهم , ومن بين هذه النقاط مثلا , آراء باسترناك حول تشيخوف , التي تحدّث عنها في اربعينيات القرن العشرين , اذ انه لم يتفق فيها مع أخماتوفا بشأن تشيخوف , معتبرا اياه  الكاتب الروسي الوحيد الذي لم يرشد القراء او ينصحهم او يعظهم , وبالتالي , فانه بقي فنانا (..نقيّا وخالصا..) , بل ان باسترناك اعتبره ( ..جوابا على فلوبير..) , وربط هؤلاء النقاد ملاحظات باسترناك بموقف غوميليوف وأخماتوفا , اذ انهما كانا يحلمان معا بتطبيق تلك المواقف والمبادئ نفسها لدرجة ان غوميليوف كان يقول لها مازحا ( ..اسقيني السمّ..) عندما ترين باني بدأت بارشاد الناس او نصحهم ووعظهم . وأشار هؤلاء النقاد ايضا الى مسألة في غاية الاهمية , وهي ان تروتسكي في كتابه الذي أشرنا اليه اعلاه قد ذكر , ان عبقرية أخماتوفا ترتبط بروسيا العتيقة , مثلما يرتبط موقف فرقة مسرح موسكو الفني بأدب تشيخوف المسرحي ( ..لروسيا الاقطاعية العتيقة ..) , ويستنتج هؤلاء النقاد ان أخماتوفا تناولت واقعيا في شعرها نفس تلك الموضوعات الانسانية والصور الخالدة في الادب , التي تناولها تشيخوف لدرجة  انهم وجدوا في شعرها بعض الاحيان (..تنفّسات بستان الكرز التشيخوفية ..) , كما كتب احدهم , وان تروتسكي كان محقا – من وجهة نظره طبعا – عندما اعتبرها تمثّل روسيا العتيقة مثلما كان تشيخوف يمثلها ايضا . وهذه كلها ملاحظات صحيحة من وجهة نظرنا . ومن الطريف ان ننهي هذه السطور الوجيزة عن هذا الموضوع الجديد تماما للقارئ العربي بالاشارة الى ما كتبته أخماتوفا نفسها مرّة , عندما كانت محاربة من قبل النظام وممنوعة من النشر في حينها , اذ انها لم تجد افضل من تشيخوف للحديث عن اوضاعها آنذاك . وهكذا قالت , انها تعيش وكأنها في ( ردهة رقم 6 ) , وهو عنوان لقصة تشيخوف المعروفة والمشهورة جدا , هذه القصة التي كتب عنها حتى لينين مرّة قائلا , انه ترك الغرفة متضايقا نفسيا عندما انتهى من القراءة , لانه شعر وكأنه كان في تلك الردهة . لينين استخدم القصة في روسيا القيصرية رمزا لها , وأخماتوفا استخدمتها في روسيا السوفيتية رمزا لها ايضا , وما أبعد روسيا تحت حكم القياصرة عن روسيا السوفيتية , ولكن كلاهما ( لينين وأخماتوفا) كانا على حق , ولا نظن ان هناك أروع واعظم من هذا المثل للتأكيد على ان تشيخوف قد رسم في ثنايا ابداعه كل معاناة الانسان في مسيرة حياته بغض النظر عن النظام السياسي القائم في بلاده , وهذا ما يفسّر سر استمرار حب القراء له الى الوقت الحاضر , وليس فقط في وطنه , وان أخماتوفا ( التي لم تكن تحبه ) قد ساهمت ايضا بالاقرار بذلك .
وختاما لهذه الملاحظات , نريد الاشارة الى ان اللاجئين الروس في الغرب قد اسسوا دار نشر كبيرة في نيويورك , والتي قامت بنشر الكثير من الكتب الروسية وتم توزيعها في اوروبا الغربية بالاساس طبعا وعلى نطاق واسع , وكانت تسمى دار تشيخوف للنشر , وقد طبعت دار النشر هذه مجموعة من قصائد أخماتوفا عام 1952 , وهكذا صدر كتاب يحمل اسمها واسم تشيخوف معا على غلاف ذلك الكتاب  , وقد أشار احد النقاد الروس المعاصرين الى ذلك واعتبره رمزا  للتقارب الروحي بين أخماتوفا وتشيخوف رغم كل مواقفها تجاهه , وهي اشارة جميلة ورشيقة جدا .
------------------------------------
من كتاب – ( سبعون مقالة عن تشيخوف ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ضياء نافع

24
حول مسرحية تشيخوف – الخال فانيا     -     42
أ.د. ضياء نافع
قررت كتابة الملاحظات الوجيزة الآتية عن مسرحية تشيخوف هذه بالذات لأني مازلت أرى عنوانها بالعربية في بعض الاحيان – ( العم فانيا ) لحد الان , وليس (الخال فانيا ) كما كتبها مؤلفها تشيخوف عام 1897 , وسبب ذلك بالطبع يكمن في ان هؤلاء الذين يحوّلون (الخال) الى ( العم) في هذه المسرحية يترجمون عنوانها عن لغات توجد فيها كلمة واحدة فقط تطلق على الخال والعم معا , بما فيها اللغة الروسية – لغة تشيخوف نفسه . عندما ارى , ان عنوان المسرحية قد تحوّل الى ( العم فانيا ) استنتج رأسا , ان كاتب المقالة او مترجمها لم يطلع على نص المسرحية ولم يشاهدها طبعا على خشبة المسرح , وابتسم , ومن ثمّ اضطر ان اعتذر همسا لروح تشيخوف على هذه الهفوة ( كدت استخدم كلمة اخرى!) العربية , التي تؤكّد عدم الاحساس بالمسؤولية عند بعض كتّابنا , عندما يسطرون الكلمات وينشرونها , وقد اعتذرت بهذه الطريقة آخر مرة , عندما قرأت خبرا تفصيليا جدا عن هذا ( العم !) في جريدة الشرق الاوسط اللندنية الشهيرة .
ونعود الى المسرحية تلك . مضمونها تشيخوفي بحت , اذ توجد فيها افكار يطرحها الابطال اثناء مسيرة حياتهم الاعتيادية ليس الا . وعن هذه المسرحية بالذات قال تولستوي كلمته الشهيرة عندما شاهدها , وخرج من المسرح غاضبا – ( ...قولوا لتشيخوف وستنسلافسكي , انه لا يمكن ان تكون هناك مسرحية لمجرد ان يرقد شخص على الاريكة وينظر الى الحديقة  عبر النافذة ويتحدّث...) . وقد كتب المسرحي الروسي نيميروفيتش – دانتشينكو بعدئذ لتشيخوف عن زيارة تولستوي للمسرح ومشاهدته لتلك المسرحية قائلا – ( .. تولستوي معجب بعبقريتك , لكنه لا يستوعب مسرحياتك . لقد حاولت ان اوضح له ذلك ( المركز ) الذي كان يبحث عنه ولم يجده ...وقال انه توجد في مسرحية الخال فانيا اماكن مدهشة , لكن لا توجد فيها تراجيدية الوضعية ...) , ويقصد تولستوي بذلك المصطلح الحدث الاساسي الذي يتمحور حوله البناء المسرحي , اي ما اطلق عليه دانتشينكو ( المركز ) , ويختتم رسالته تلك الى تشيخوف ويقول – ( .. ولكن من الطريف ان نقول , ان تولستوي كتب مسرحيته ( الجثة الحيّة ) بتأثير من الخال فانيا ..) . وفي الواقع , فان تولستوي لم يكتب مسرحيته ( بتأثير) من مسرحية الخال فانيا , وانما ( جوابا ) عليها , لأن تولستوي لم يعترف بمسرح تشيخوف الخالي من الاحداث , والذي يعتمد على الافكار والمزاج , او كما قال أحد النقاد الفرنسيين المعاصرين عن هذا المسرح – ( ..كل دقيقة فيه مليئة , ولكنها ليست مليئة بالحوار , وانما بالصمت وبالاحساس بالحياة ..) . ولا مجال في اطار هذه المقالة بالطبع الاسترسال في الكتابة عن هذا الصراع بين مفاهيم بنية المسرح عند تولستوي وتشيخوف , وكيف ان الزمن اثبت صمود وازدهار واستمرار الانتشار عالميا للمسرح التشيخوفي ( مسرح الافكار والاحاسيس الانسانية الاعتيادية ) مقارنة مع المسرح التولستوي ( مسرح الاحداث الدراماتيكية ) , ان صحّت كل هذه  التعابير والتعريفات والصفات . والاستشهاد بموقف تولستوي هذا يوجب علينا الاستشهاد بموقف مكسيم غوركي المعاكس تماما لرأي تولستوي تجاه هذه المسرحية , والذي كتب الى تشيخوف بعد ان شاهدها على خشبة المسرح قائلا – ( .. شاهدتها وبكيت مثل امرأة ..) . ويطرح السؤال نفسه تلقائيا , وهو – كيف ولماذا استطاعت هذه المسرحية ان تجعل تولستوي يكتب مسرحيته الشهيرة ( الجثة الحّية ) معارضا لها وحوابا عليها , ولماذا بكى غوركي مثل النساء عندما شاهدها ؟
الفكرة المركزية في مسرحية الخال فانيا تتجسّد في ( الخيبة ) , التي يحسّها الانسان عند نهاية مسيرة حياته , هذه الخيبة المريرة والخانقة , لأن الانسان لا يستطيع ان يلغيها او يغيّرها , اذ لا يمكن ان يعيد مسيرة حياته من جديد ( وما أكثر خيبات الامل التي تعرضّنا لها جميعا !) , وفي هذه الفكرة ذات الابعاد الانسانية الشاملة لكل المجتمعات تكمن عظمة تشيخوف الفنية والابداعية , والتي تجعل من فلسفة مسرحه مفهومة من قبل الانسان , كل انسان , بغض النظر عن مجتمعه وقوميته . وهكذا نرى في هذه المسرحية كيف ان زوج اخت فانيا المتوفية البروفيسور سيريبريكوف – العالم الجليل , الذي كان فانيا ينظر اليه طوال حياته باحترام وتبجيل مع ابنة تلك الاخت واسمها سونيا , وكيف كانا يعملان معا – وبكل اخلاص وتضحية – على خدمته , ولكنه اكتشف اخيرا انانيته , وانه  لا يفقه شيئا , وبالتالي , فان الحياة قد ضاعت هباء . وتحاول سونيا ( والتي تناديه طوال وقت بالخال فانيا , ومن هنا جاءت تسمية المسرحية ) تحاول ان تدخل الطمأنينة على تلك الاجواء المريرة من خيبة الامل هذه , وتقول لخالها فانيا , ان السماء والملائكة ستمنح الراحة له ... وهكذا نرى ان هذه المسرحية تنتهي بعدم انتصار أحد , وان الجميع هنا خاسرون ليس الا , وان تشيخوف يرسم كل هذه الامور ببساطةأ واعتيادية ودون احداث دراماتيكية متشابكة , وهو ما جعل مكسيم غوركي يبكي وهو يشاهدها , وهو ما جعل تولستوي يحتج عليها لانها لا تتضمن احداثا وصراعات بين ابطالها , وهو شئ يتناقض ومفهومه للمسرح , ولهذا قرر ان يكتب مسرحيته الاخيرة – الجثة الحية جوابا عليها , كي يثبت وجهة نظره حول بنية الفن المسرحي .
مسرحية ( الخال فانيا ) تدور حول فكرة الخيبة في حياة الانسان , وهذه المسرحية ما زالت تعرض على مسارح روسيا والكثير من مسارح العالم منذ ان كتبها تشيخوف عام 1897 ولحد الان , بل انها انتقلت من المسرح الى السينما , حيث تمّ انتاجها (11) مرة في مختلف البلدان , ومن الطريف ان نشير في نهاية مقالتنا حول مسرحية الخال فانيا الى قائمة الافلام السينمائية تلك , وهي كما يأتي – 1 –عام 1957 في امريكا // 2 – عام 1962 في فرنسا // 3 – عام 1963 في بريطانيا // 4 – عام 1967 في السويد // 5 – عام 1970 في يوغسلافيا // 6 – عام 1970 في روسيا // 7 – عام 1986 في روسيا // 8 – عام 1994 في امريكا // 9 – عام 1994 في السويد // 10 – عام 1996 في بريطانيا // 11 – عام 2004 في المانيا .
ختاما اكرر الرجاء الى زملائي الباحثين والمترجمين ان يكتبوا ما يريدون عن ( الخال) فانيا , دون ان يحولوه الى ( العم ) فانيا .


25
عن أدب الاطفال في روسيا
أ.د. ضياء نافع
 عندما وصلنا الى موسكو في ستينيات القرن العشرين , أدهشتنا ظواهر عديدة , لأنها كانت جديدة بالنسبة لنا , ومن بين تلك الظواهر الواضحة تماما كانت العناية الفائقة جدا بالاطفال من قبل الروس ,  لدرجة , ان أحد طلبتنا المرحين أطلق على الاطفال حينها تسمية  – ( أصحاب الجلالة في المجتمع الروسي !!!) , وعندما ازدادت معرفتنا باللغة الروسية (بعد دراستنا الاكاديمية لها) , اكتشفنا , ان هناك أدب متنوع جدا (لاصحاب الجلالة هؤلاء!!!) , أدب يرتبط حتى بمراحل أعمارهم منذ السنوات الاولى , اذ  تبيّن , ان هناك (أدب خاص!) لهم يستمعون اليه ( اي قبل تعلّمهم القراءة ) , ويتقبلونه بحب واهتمام وهم في بدايات حياتهم , وقد شاهدت ( بام عيني !) اطفالا روس يكررون تلك الحكايات الشعبية ويعرفون أبطالها ووقائعها , ويطالبون آبائهم وامهاتهم باعادتها امامهم قبل ان يخلدوا للنوم , وعمرهم أقل من ثلاث سنوات !!! , وهذا النوع من الادب يساهم طبعا – وبشكل دقيق و واضح جدا - في تربية الطفل وبلورة افكاره المستقبلية و شخصيته لاحقا , وغالبا ما أتذكّر قول استاذنا في مادة (علم التربية) باول محاضرة له ( وكنّا في الصف الثاني بكلية الفيلولوجيا في جامعة موسكو للعام الدراسي 1961/ 1962) , حول سيدة جاءت اليه وقالت له , ان ابنها بلغ خمس سنوات من عمره , وسألته - متى ابدأ بتربيته ؟ فقال لها رأسا – لقد تأخّرت خمس سنوات ياسيدتي .
أدب الاطفال موجود عند الشعوب كافة , بما فيها طبعا شعوبنا العربية , ولكن الاهتمام بهذا الادب وتدوينه و رعايته وتطويره يختلف عند مختلف تلك الشعوب , والظاهرة التي نود الاشارة اليها والتأكيد عليها بالنسبة لادب الاطفال في روسيا تكمن بالذات في الاهتمام الكبير وغير الاعتيادي هذا , وكذلك في التقسيم الدقيق جدا لادب الاطفال حسب اعمارهم ومداركهم , لدرجة , اننا لاحظنا كتابة ذلك حتى على أغلفة كتب الاطفال تلك , اذ توجد على الاغلفة كتابات واضحة تشير , مثلا , الى ان هذا الكتاب للاطفال ( قبل المدرسة !) , وذاك الكتاب للاطفال في المراحل الاولى بالمدارس , وهذا الكتاب للاحداث ....الخ , اضافة الى ان هذا الادب يرتبط باسماء ادباء كبار في تاريخ الادب الروسي ( لأن ادب الاطفال يتقبله الصغار والكبار , وفي هذا تكمن اهميته وروعته ودوره , فكل واحد من الصغار والكبار يجد في هذا الادب جماليته وعمق معانيه ! ), فكريلوف , مثلا , الذي أسميناه مرّة في احدى مقالاتنا عنه ( ابن المقفع الروسي ) كان ولايزال ( منذ نهاية القرن الثامن عشر ولحد الان , ونحن في العقد الثالث للقرن الحادي والعشرين) واحدا من تلك الاسماء الادبية اللامعة للقراء الروس الصغار والكبار على حد سواء , وتحولت الكثير من المقاطع في حكاياته حتى الى أمثال وحكم روسية ترد في احاديث الروس , ويمكن القول نفس الشئ كذلك بالنسبة لبوشكين , فحكاياته , التي كتبها شعرا , لا زالت ( ولحد الان ) في طليعة الكتب المطلوبة  للقراءة في روسيا, ولجميع القراء من صغارهم الى كبارهم , وغالبا ما تعيد دور النشر الروسية طباعة تلك الحكايات باشكال جذّابة , وتزيّنها بلوحات فنية جديدة , يرسمها فنانون تشكيليون روس معاصرون , وتعتبر هذه الكتب أجمل هدية يقدمها الروس للاطفال في مختلف المناسبات , وكم تمنينا ( نحن العرب الذين شاهدنا هذه الظاهرة الرائعة  ان  نحذوا حذوهم , ونتخلص من عادة منح النقود للاطفال !) , وقد التقيت جارتي قبل ايام , وكانت فرحة جدا , وعندما سألتها عن السبب , فقالت لي , انها وجدت في مخزن بيع الكتب طبعة جديدة في غاية الجمال لحكاية بوشكين عن الصياد والسمكة , واشترتها , وستقدمها قريبا هدية الى حفيدتها بعيد ميلادها , وقد ضحكت انا , وقلت لها , انك أخبرتيني مرة , ان حفيدتك تحب هذه الحكاية و تعرفها  عن ظهر قلب , فقالت , نعم , هذا صحيح , ولكن هناك رسومات ملوّنة رائعة في هذه الطبعة الجديدة , وانا متأكدة , ان حفيدتي ستفرح كثيرا عندما تشاهدها .
يستحق أدب الاطفال اهتماما كبيرا , لانه يرتبط بمستقبل الامة باكمله , ويؤسفني ان اشير في نهاية هذه الخواطر السريعة جدا , الى ان أدب الاطفال في روسيا بقي مجهولا بالنسبة لنا , نحن العرب , رغم بعض الترجمات التي ظهرت هنا وهناك , ولم يحاول اي طالب عربي ان يدرسه في روسيا ويتخصص به حسب معرفتي المتواضعة , رغم ان هذا الادب يمتد من القرن الثامن عشر ولا زال يتفاعل بحيوية وازدهار وتطور في المجتمع الروسي الى حد الان , ويؤدي دورا متميّزا في مسيرة هذا المجتمع ...   

26
حول سندباد السرد العراقي محمود البياتي
أ.د. ضياء نافع
   محمود البياتي سندباد السرد العراقي – هذا عنوان كتاب قام هيثم بهنام بردى باعداده وتقديمه , وهو عمل علمي نادر في زماننا الصعب , وقد صدر هذا الكتاب الفريد عام 2022 في بيروت عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر , ويقع في 269 صفحة من القطع المتوسط . هو كتاب جميل ومدهش قبل كل شئ , بدءا من لوحة الغلاف لمحمود البياتي نفسه , والتي رسمها الشاعر الكبير والفنان التشكيلي العراقي يوسف الصايغ , واستطاع الصايغ ان يجسّد في بورتريت محمود البياتي ملائكية هذا ( السندباد !) كما أسماه هيثم بهنام بردى بدقّة متناهية . مقالتنا هذه ليست عرضا للكتاب , وليست قراءة في صفحاته , فكل ذلك يتطلب مقالات تفصيلية عديدة , مقالتنا هذه عرض للاندهاش من هذا العمل الفكري النبيل , واكرر صفة ( النبيل !!!) هذه , النبيل قلبا وقالبا و بكل معنى الكلمة , والذي قدمه لنا – مشكورا - هيثم بهنام بردى .
الاندهاش الاول يكمن في الخطة العلمية المتقنة جدا لهذا الكتاب , الخطة التي قام بها (معلّم!) يعرف صنعته واسرارها وشعابها , وكل ذلك واضح جدا حتى من النظرة الاولى للكتاب . الخطة العلمية الصحيحة هي السكة الحديدية , التي سوف يتهادى عليها القطار , ويصل الى هدفه بسهولة , وهي ( المفتاح !) , الذي يفتح ( القفل!) ويغلقة متى يشاء , (وقد تذكرت كم عانينا اثناء عملنا في الدراسات الجامعية العليا من طلبتنا , الذين كانوا يريدون منّا مواضيع اطاريحهم وخططها العلمية الكاملة !!!) . هيثم بهنام بردى اختار موضوعه , لانه أحبه , واطلع بشكل معمق على اولياته كافة , ووضع الخطة العلمية الممتازة لعمله نتيجة لكل ذلك , ولهذا , فقد استطاع – وبجدارة عالية – ان يرسم صورة قلمية متكاملة لابداع محمود البياتي وبكل أبعادها .
الاندهاش الثاني يكمن , في ان بهنام قدّم لنا اسم مبدع عراقي كبير , لكنه شبه مجهول لعموم القراء العراقيين , لانه عاش (... اثنين وعشرين سنة داخل العراق , واربعة عقود وثلاثة اعوام خارج العراق....وان قريحته الابداعية نمت في تربة بعيدة عن العراق ...) اي ان ( ...جهل المتلقي العراقي في الداخل بهذا الرمز الابداعي العراقي لا يتحمله الطرفان ....)
الاندهاش الثالث – هو الاختيار الذكي والدقيق للنصوص الابداعية , التي كتبها محمود البياتي , ولنقرأ معا هذا المقطع ليس الا –
غافلتني ذات مرة وسبحت بعيدا عن الشاطئ , غابت عن مدى البصر , انتظرتها ساعتين ولم تعد , انتظرتها يومين , سنتين , لم تعد , لا أعرف كم بالضبط انتظرتها , ولما يئست أيقظني كابوس مفزع , رأيتها ترقد مهشمة الى جانبي على الفراش . آ , ماذا حدث ؟! , احتضنت كومة أحجار باردة وانتحبت , ماذا اقترفت خديجة ؟ سقطت من علو شاهق ؟ أم ضربتها مطرقة مجنون ؟ بذلت محاولات مضنية لترميمها بالعسل والدموع , أعطيتها دفقات من روحي , صرخت بالناس الذين تجمعوا – لم أقتلها , هي سقطت , قلت لهم ساعدوني , لعلها تاهت في الغابة او خطفها لصوص ...
وها أنا أنتظر مبتهلا الى الله ان يتغمدني برحمته , قد تحملها اليّ موجة أو قارب صيادين , قد يرشدها الى بيتي درويش ... لن أصنع اخرى , لقد تعبت , سألهو بالرمال وأنتظر .
بعد هذا المقطع , لم اتعجب , لأن طلال عبد الرحمن كتب مقالة بعنوان ( كافكا يلهم محمود البياتي ....) , ولم أتعجب ايضا , لأن علي عبد الامير كتب مقالة بعنوان ( رحيل كافكا العراقي محمود البياتي مسموما بذكرياته ) , والمقطع وكتابات الباحثين الاثنين ثبّتها هبثم بهنام بردى في كتابه هذا .
تصفيق حاد لهيثم بهنام بردى , لأنه قدّم اضافة جديدة نوعيا الى المكتبة العربية , رغم انه يشير , الى انه ليس ناقدا أدبيا , وان كتابه هذا هو (... رصد وأرشفة وتبويب وقراءة تاريخية لهذا الجنس السردي الجديد في العراق ...) , ونحن نقول له , تعليقا على قوله , ان ذلك هو التطبيق العملي للتعبير العربي الخالد – ( تواضع العلماء!) .
الذكرى العطرة للمبدع العراقي محمود البياتي , الذي يرقد في شغاف قلوبنا , رغم ان جثمانه الطاهر يرقد في مقبرة لندن , بعيدا جدا عن .. لوذ الحمائم ( العراقية) بين الماء (والدمع) والطين...     

27
مئوية أستروفسكي الثانية
أ.د. ضياء نافع
تحتفل روسيا هذا العام (2023) بالذكرى المئوية الثانية لميلاد كاتبها المسرحي الكبير ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي (  1823 - 1886) , شكسبير روسيا كما يطلق عليه الكثير من النقاد والباحثين في تاريخ المسرح الروسي . ومثلما يحدث عادة في مثل هذه المناسبات المرتبطة بكل الاسماء البارزة في مسيرة الفكر الروسي , صدر أمر رئاسي بتوقيع الرئيس الروسي عن الاستعداد لهذه الاحتفالات عام 1920 ( اي قبل ذلك الاحتفال بثلاث سنوات !) حول  تفاصيل الاحتفالات والتهيئة لها في عموم روسيا , كي تكون تلك الاحتفالات لائقة بالمئوية الثانية لميلاد هذا الكاتب المسرحي , ومن جملة فقرات تلك الاحتفالات سيكون افتتاح البيت الذي ولد فيه استروفسكي بموسكو , ومن حسن الحظ , ان هذا البيت لازال موجودا , الا انه – طبعا - بوضع يتطلب تصليحات جذرية لاعادته الى سابق عهده  ( اي كما كان قبل قرنين من الزمان !), وقد بدأت عملية التصليحات والترميمات فعلا , ومن المفروض ان يتم افتتاح ذلك البيت في بداية الاحتفالات , وبهذا ستكسب موسكو موقعا سياحيّا جديدا وطريفا يضاف الى معالمها السياحيّة العديدة جدا , المرتبطة بأسماء أعلامها عبر التاريخ ,علما , ان البيت الذي سكنه أستروفسكي بعد ذلك , والذي كتب فيه الكثير من نتاجاته المسرحية لا زال موجودا , وقد تم نشر صورا عديدة لهذا البيت في هذه المناسبة, وهو بيت خشبي روسي جميل وواسع , وقد تمّ التقاط تلك الصور في الشتاء الروسي , حيث تحيط البيت ثلوج هائلة , الا ان البيت الحقيقي الاول والاخير لأستروفسكي هو مسرح ( ماللي تياتر ) اي ( المسرح الصغير) المقابل لمسرح ( بولشوي تياتر ) اي ( المسرح الكبير) ,والذي يقع في مركز مدينة موسكو , وليس من باب الصدفة ابدا , ذلك التمثال الضخم لأستروفسكي وهو يجلس على كرسي وثير امام مسرح ( ماللي تياتر) , اذ ان هذا المسرح كان بيته الفني قبل كل شئ وبعد كل شئ , ففيه تم عرض كل مسرحيات أستروفسكي اثناء حياته, حيث كان يشارك شخصيا بالاعداد لتلك العروض , ولهذا , فقد أعدّ هذا المسرح برامج خاصة واسعة للمساهمة في احتفالات الذكرى المئوية الثانية لأستروفسكي , وسيتم عرض الكثير من مسرحياته او مقاطع مهمة منها , وفي فروع ( ماللي تياتر) في العديد من المدن الروسية , وسيكون هناك في ختام تلك البرامج حفل موسيقي كبير في ساحة المسرح , وقد صرّح مدير مسرح ( ماللي تياتر) للصحفيين , انهم يريدون ان يحوّلوا يوبيل أستروفسكي الى مهرجان احتفالي مهيب للمسرح الروسي بشكل عام .
 تمثال أستروفسكي , الذي يقف أمام مسرح ( ماللي تياتر ) يرتبط في ذاكرتي ارتباطا روحيّا وثيقا , لدرجة , انني لازلت وبعد أكثر من ستين عاما , عندما أمرّ بالقرب منه , أتأمّله بحب وابتسم بيني وبين نفسي , وأقول له في أعماقي –  سامحنا يا ألكساندر نيقولايفتش ,   اذ انني ( مع مجموعة من الطلبة العراقيين ) وقفنا امامه منبهرين عام 1959 , وقررنا (وبكل ثقة وسذاجة مضحكة!) , انه للكاتب السوفيتي نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي , مؤلف الرواية الشهيرة ( كيف سقينا الفولاذ ) , وكل ذلك لأننا كنّا في يفاعتنا لا نعرف عن الادب الروسي سوى تلك النتف البسيطة من ألكلمات الطنانة والرنانة التي سمعناها في عراق الخمسينيات عن هذا الادب العظيم واعلامه , ولم  يكن الكاتب المسرحي استروفسكي من ضمنهم طبعا , لانه لم يكن (ملائما !!!) لتلك الكلمات المعلّبة الطنانة عندئذ , أما الان , فان أستروفسكي يرتبط في وعيّ و ذاكرتي  باسم الفنان المسرحي العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد , الذي قدّم للمسرح العراقي مسرحيّة ( الحب والربح ) , والتي أعدّها وصاغها بنكهة وروحيّة عراقية ذكية  عن مسرحية أستروفسكي الشهيرة ( مكان للربح) , والتي نالت لدى الجمهور العراقي نجاحا باهرا آنذاك , ويرتبط أستروفسكي بذاكرتي باسم المترجم العراقي المعروف عبد الله حبه , الذي قدّم لنا ترجمة لمسرحيات أستروفسكي , والتي كتب حول تلك الترجمة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية طالب الدراسات العليا آنذاك ميثاق محمد ( الدكتور والاستاذ المساعد الان في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد )  باقتراحي واشرافي العلمي , ويرتبط أستروفسكي ايضا باسم  مجموعة من الزملاء المصرين الاعزاء , الذين ترجموا الى العربية الكثير من مسرحيات أستروفسكي , و تم نشر أغلبها في سلسلة المسرح العالمي التي تصدر في الكويت , وهؤلاء الزملاء هم كل من – فوزي عطية وسميّة محمد عفيفي وهاشم حمادي ومكارم الغمري وعطية عبد الرحمن السيد , ومن المؤكد , انه توجد اسماء عربية أخرى لا أعرفها , قد ساهمت ايضا في تعريف القراء العرب بمسرح أستروفسكي وأهميته في تاريخ الادب الروسي .
تحية للذكرى المئوية الثانية لميلاد أستروفسكي ,الذي كان  ولا يزال لحد الان ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) الاسم الاول في مسيرة الادب المسرحي الروسي ...       

28
شئ عن تولستوي وكورولينكو
أ.د. ضياء نافع
كلاهما ( تولستوي و كورولينكو) ولدا وعاشا وابدعا في الامبراطورية الروسية بالقرن التاسع عشر , وكلاهما توفيا في القرن العشرين ,  فتولستوي ولد عام 1828 , وتوفي عام 1910 , اما كورولينكو ( الاصغر من تولستوي عمرا)  فقد ولد عام 1853 , وتوفي عام 1921 . كلاهما كانا علمين كبيرين من أعلام الادب الروسي بشكل خاص , والفكر الروسي عموما ,  وكلاهما لعبا دورا بارزا في مسيرة التاريخ الروسي واحداثه , لدرجة , قالوا عن تولستوي في اوساط المثقفين الروس , انه يكاد ان يكون القيصر الثاني في روسيا ( وحتى الاقوى من القيصر الاول !!) من حيث قوة شخصيته وتأثيرها في اوساط المجتمع الروسي , ولدرجة , تم طرح فكرة ترشيح كورولينكو رئيسا للدولة الروسية السوفيتية الفتية آنذاك بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917, ورغم انها كانت فكرة ترشيح ليس الا فقط , الا ان هذا الحدث بحد ذاته ليس بالقليل , فهو الكاتب الروسي الوحيد في التاريخ الروسي , الذي جرى الحديث عن ترشيحه لمثل هذا المنصب ( رغم ان غوركي - كما يقال - كان يحلم ايضا بهذا المنصب , ولكن لا توجد وثائق تثبت هذا القول ) ,  ولهذا يمتلك ترشيح كورولينكو لمثل هذا المنصب اهمية معنوية استثنائية كبيرة , ويعني ما يعنيه بلا شك , ويؤكّد المكانة الخاصة , التي كان يشغلها في المجتمع الروسي عندئذ.
يجب الاشارة قبل كل شئ , الى ان هذا الموضوع واسع جدا في مجال علم الادب المقارن , اذ ان هناك الكثير جدا من المصادر الروسية من مقالات وبحوث وحتى كتب باكملها , والتي تناولت العلاقات الفكرية المتناغمة – ان صحّ التعبير -  بين كورولينكو وتولستوي , ويكفي – على سبيل المثال فقط - الحديث عن موقفهما الفكري المشترك ضد قانون حكم الاعدام , الذي كان سائدا في الامبراطورية الروسيّة , وكيف ان تولستوي كان معجبا جدا بمقالة كتبها كورولينكو حول الغاء هذا الحكم , واقترح تولستوي ( في رسالة شخصية الى كورولينكو) ان يطبعوا من مقالته تلك (...ملايين النسخ ...!) وتوزيعها على نطاق واسع كي تصل هذه الافكار الى جميع افراد الشعب الروسي آنذاك , وهو اقتراح فريد من نوعه في تاريخ الفكر الروسي عموما , وفي تراث تولستوي بالذات خصوصا .
  لايمكن في سطور قليلة تناول موضوع المقارنة بين تولستوي وكورولينكو بكل ابعاده , لهذا , فاننا أضفنا الى عنوان مقالتنا ( شئ عن .. ) بمعنى الاشارة ليس الا الى بعض الافكار الاساسية حول الموضوع , اذ اننا سنشير فقط – وبايجاز طبعا – الى آراء كورولينكو حول تولستوي , لان كورولينكو أبقى لنا مجموعة من المقالات حول تولستوي , أما تولستوي نفسه , فلم يكتب مقالات حول الادباء الروس عموما , وكل آراء تولستوي المعروفة عن الادباء الروس ( الذين سبقوه او كانوا معاصرين له ) جاءت في مذكرات ومقالات ابنائه او اصدقائه اومعارفه , او انعكست – بشكل او بآخر - في رسائله الخاصة ودفاتر مذكراته وملاحظاته .
 كورولينكو كتب عدة  مقالات حول تولستوي , وتشغل هذه الكتابات الان حيّزا مهما في نتاجات كورولينكو, وطبعا في تاريخ الادب  الروسي بشكل عام . هذه المقالات موزعة في نتاجات كورولينكو الكاملة , الا ان احدى دور النشر السوفيتية جمعت و اصدرت تلك المقالات عام 1953 في كتيب خاص بعنوان ( مقالات حول تولستوي) , وقد تكرر نشر هذا الكتيب عدة مرات حتى في القرن الحادي والعشرين , وهذا عمل مفيد جدا للباحثين اولا , ولكل القراء الذين يتابعون تفاصيل الادب الروسي وشعابه ثانيا , واعادة النشر هذه - دليل مادي واضح حول اهمية هذه المقالات  , فالصورة القلمية التي رسمها كورولينكو لتولستوي في مقالاته تلك تستحق التأمّل فعلا , اذ انها تحدد بعض الخصائص الفكرية لمؤلف ( الحرب والسلم ) من وجهة نظر كاتب روسي كبير مثل كورولينكو. 
  هذه المقالات عموما لم تتناول اعمال تولستوي الادبية , ولكنها توقفت – وبتركيز – عند الافكار وتطوّرها عند تولستوي , فقد أطلق كورولينكو – مثلا - في احدى تلك المقالات تسمية لاهوتية على تولستوي , وهي ( الحاج العظيم !) اي الحاج للاماكن المسيحية المقدسة في فلسطين , علما ان تولستوي لم يقم باي زيارة لتلك الاماكن , ولكن كورولينكو أراد بهذه التسمية ان يقول , ان تولستوي ( الذي كان مغضوبا عليه من قبل الكنيسة الروسية كما هو معروف ) هو الاقرب الى جوهر المسيحية فكريا لانه (يغرف !) افكارها من مصادرها الاساسية دون وساطة رجال الدين , وفي مقالة اخرى أشار كورولينكو الى انه التقى تولستوي  ثلاث  مرات , اللقاء الاول كان عام 1886 , والثاني عام 1902 , والثالث قبل وفاة تولستوي بثلاثة أشهر , وفي كل لقاء , كان يجد افكار تولستوي تتجدد وتتفاعل مع تجدد الحياة نفسها , وباختصار , فقد رسم كورولينكو لوحة (للمفكّر !) تولستوي .
موضوعة تولستوي وكورولينكو تصلح ان تكون اطروحة ماجستير في اقسام اللغة الروسية وآدابها في جامعات عالمنا العربي , اذ ان تلك الموضوعة جديدة ومبتكرة وترتبط بشكل او بآخر مع المشاكل المطروحة في مجتمعاتنا العربية , اضافة الى ان ترجمة كتيب كورولينكو ( مقالات حول تولستوي ) تصلح ان تكون مشروعا لدبلوم الترجمة الى العربية في تلك الاقسام العلمية ( وليس فقط لمشاريع الدبلوم ) , اذ ان هذا الكتاب – في حالة انجازه - سيكون اضافة نوعية الى المكتبة العربية ....   

29
حول مقالة رشيقة عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
ما أجمل هذه المقالة الرشيقة عن تشيخوف , التي اطلعت عليها في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية الروسية في عددها الصادر بتاريخ 25 كانون الثاني / يناير من هذا العام (2023) , والتي كانت بعنوان غريب جدا جلب انتباهي رأسا , والعنوان هذا هو – (شيلر شكسبيروفيتش غوته) . من الواضح طبعا , ان هذا العنوان يتكوّن من ثلاثة اسماء عملاقة في دنيا الادب العالمي , ومن الواضح ايضا , ان تركيب العنوان جاء حسب القواعد الصارمة لتسلسل الاسم الروسي الثلاثي , التي يعرفها الجميع , بما فيهم القراء العرب , اذ تحوّل اسم شكسبير الى شكسبيروفيتش باعتباره اسم الاب, وقد تبين , ان تشيخوف نفسه قد استخدم هذا الاسم المستعار في بداية طريقه الابداعي ( وبالمناسبة , فان لدى تشيخوف حوالي 50 اسما مستعارا في تلك الفترة !) عندما كان ينشر قصصه الضاحكة في شبابه ايام الدراسة في كلية الطب بجامعة موسكو . المقالة بقلم كاتبة شابة روسيّة اسمها يلينا سازانوفج , وصورتها منشورة مع المقالة , وهي ( اي الكاتبة ) جميلة , وترتدي في الصورة قبعة رجالية دلعا والتي زادتها جمالا, ومن الواضح جدا , انها تعرف تفاصيل حياة الانسان تشيخوف بعمق , وتعرف دقائق الكاتب تشيخوف وابداعه بعمق ايضا , وتفهم اهميته وموقعه الحقيقي والجدير به في دنيا الادب الروسي والادب العالمي معا .
كتبت يلينا سازانوفيج هذه المقالة بمناسبة يوم ميلاد تشيخوف ( ولد في 29 كانون الثاني / يناير عام 1860 ) , والمقالة مكتوبة باسلوب  جميل ورشيق ومدهش , وتكاد بعض مقاطعها ان تكون قصائد نثر , وتتضمن المقالة وقائع طريفة جدا جدا عن تشيخوف , فالكاتبة تشير مثلا , الى ان تشيخوف مع تولستوي ودستويفسكي اصبحوا الان ( الترويكا),التي تجسّد الادب الروسي وتمثّله امام العالم , فمسرحية ( النورس ) لتشيخوف قد تمّ عرضها( 74 ) الف مرّة , اكرر, (74) الف مرّة, على مسارح مختلف البلدان , وتمّ انتاج اكثر من 300 فلما سينمائيا مقتبسا من ابداعات تشيخوف في روسيا وخارجها , وفي هذا المجال ( اي الفن السينمائي) يقف تشيخوف الان جنبا لجنب مع شكسبير وديكنز, وتؤكد الكاتبة , ان كل هذه الوقائع لم تغيّر من تواضع تشيخوف في مسيرة حياته , ولكنها تستدرك قائلة , ان هذا التواضع لم يمنع تشيخوف من استخدام اسم مستعار له مثل ( شيلر شكسبيروفيتش غوته ) , وتضيف – ( ...وهذا هو تشيخوف...) , وهي اضافة ذكيّة والتفاتة حاذقة جدا , ونود ان نتوقف عندها قليلا ونعلّق حول مضمونها. لقد أشار معظم الباحثين الى ان تشيخوف كان (..يتجنّب المجد والشهرة ..) حسب تعبير ايليا ايرنبورغ , ولكن توجد عند تشيخوف – مع ذلك - جملة في مراسلاته تقول , ان الكاتب يتابع كل كلمة يقولوها الآخرون او يكتبونها حول نتاجاته , والاسم المستعار هذا  , الذي استخدمه تشيخوف , يعني ما يعنيه , فاذا وضعنا هذا الاسم المستعار تحت ( مجهر!!!) مفهوم تشيخوف حول متابعة كل جملة تقال حول الكاتب ,فان نتيجة التحليل ستقول لنا , ان تشيخوف – وهو في بداية طريقه الابداعي - كان يريد ( او يحلم) ان يكون بمستوى  شيلر وشكسبير وغوته معا , ورغم انه (.. تجنب المجد ..) , الا ان عمله الابداعي الذي لم يتوقف طوال حياته ( عاش تشيخوف 44 سنة ليس الا) , عمله الابداعي الهادئ والدائم والمتواضع جعله ( يدخل التاريخ!!! ) , وان يقف – في نهاية المطاف - جنبا لجنب مع تولستوي ودستويفسكي وشكسبير وووو..الخ , وهذا ما أشارت اليه فعلا يلينا سازانوفيج في مقالتها تلك .
تصفيق لكاتبة هذه المقالة الرشيقة والعميقة , وتصفيق لبطل هذه المقالة انطون بافلوفيتش تشيخوف , الذي لازال معاصرا لنا و يعيش بيننا , في وطنه روسيا , وفي بلدان العالم ايضا , بما فيها عالمنا العربي طبعا ...

30
هديتي لعام 2023 - كتاب صادرعام 1963
أ.د. ضياء نافع
ما أجمل هديّة زملائي الروس في الدراسة بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو بمناسبة حلول العام الجديد 2023 , اذ قدّموا لي كتابا صادرا عام 1963 , وقالوا لي , انهم اختاروا هذا التاريخ بالذات , باعتباره رمزا  لتلك السنوات الطلابية الجميلة التي قضيناها معا قبل اكثر من 60 عاما بالتمام والكمال , عندما كنّا ندرس اللغة الروسية وآدآبها في كليّتنا الحبيبة . لقد تقبّلت طبعا هذه الهدية الرمزية الرائعة بحب كبير وامتنان , واريد ان اتحدث لكم قليلا عن هذه الهدية الثمينة جدا وقيمتها الجمالية بالنسبة لي , وأظنّ ( رغم ان بعض الظنّ اثم) , ان الهدية ذات الطبيعة الثقافية المرتبطة بالادب الروسي يمكن ان تكون – بعض الاحيان - موضوعا طريفا للقارئ العربي , الذي يتابع هذا الادب  وشعابه و تفرعاته العديدة . 
عنوان هذا الكتاب – الهديّة هو ( المعاصرون ) ,  وتحت ذلك العنوان يوجد عنوان ثانوي هو ( بورتريتات و دراسات ) , والكتاب صادر عام 1963 ضمن سلسلة كتب ( حياة الاعلام , او , حياة المشاهير , او , حياة الناس الرائعين حسب الترجمة الحرفية) , ويقع الكتاب في( 700) صفحة من القطع المتوسط , وقد تمّ طبع( 100 ) الف نسخة منه في حينها ( كما تشير الى ذلك الصفحة الاخيرة ) , ومؤلف الكتاب هو الاديب الروسي و السوفيتي والناقد الادبي والمترجم والصحافي كورني ايفانوفيتش تشوكوفسكى ( ولد في القرن التاسع عشر عام 1882 بمدينة بطرسبورغ في روسيا الامبراطورية  وتوفي في القرن العشرين عام  1969 بمدينة موسكو في الاتحاد السوفيتي ) , والمؤلف معروف بشكل جزئي للقراء العرب من خلال بعض كتبه المترجمة الى العربية في ادب الاطفال ( وهو طبعا أحد عمالقة هذا الادب في الاتحاد السوفيتي , وفي روسيا الاتحادية و لحد اليوم ) , وعلى غلافي الكتاب ( اي الغلاف الاول والاخير) عدة صور لمجموعة من الادباء والفنانين الروس المعاصرين للمؤلف , والذين يرسم تشوكوفسكي صورا  قلمية لهم ( بورتريتات) ويكتب دراسات طريفة وعميقة وتفصيلية عنهم كما يشير العنوان الثانوي , وهم ( حسب فهرس الكتاب )  كل من-
  تشيخوف // كورولينكو // كوني // غارين // بوريس جيتكوف //  كوبرين // ليونيد أندرييف // غوركي // سوبينوف // ساشا تشورني // لوناتشارسكي // ألكساندر بلوك //  ماياكوفسكي // يوري تينيانوف // كفيتكو // ماكارينكو // ايليا ريبين .
 أكثرية هذه الاسماء معروفة – بشكل او بآخر وبمستويات مختلفة -  للقارئ العربي المتابع للادب الروسي , وكل تلك الاسماء طبعا معروفة – وبكافة أبعادها الفكرية – للقارئ الروسي , ولكن كورني تشوكوفسكي رسم صورهم القلمية بشكلل جديد ومبتكر , ولهذا , فقد جاءت هذه (البوريتريتات ) تنبض حيوية , اذ انه تناولها من جوانب اخرى , ورسمها ( على غرار الرسّامين في الفن التشكيلي) وهم تحت شعاع شمسه الخاصة به , اي , وجهة نظره الذاتية وآرآئه النقدية ومعرفته المعمقة عنهم , ولا يمكن طبعا التوقف عند كل اسم من هذه الاسماء اللامعة والتحدث عن خصائص الصورة الجميلة التي رسمها تشوكوفسكي له , الا اننا نود هنا ان نشير الى ملامح وجيزة عن تشيخوف وغوركي ليس الا , اذ ربما يمكن لتلك الملامح الخاطفة والملاحظات الدقيقة والصغيرة عنهما ان تقدّم للقارئ صورة تقربية لهذه البوريتريتات الفنية المدهشة , التي رسمها تشوكوفسكي لمجموعة كبيرة من هؤلاء الاعلام الذين عاصرهم في حياته الطويلة ( اذ انه عاش حوالي 90 سنة تقريبا) .
نبتدأ بتشيخوف , الذي كتب المؤلف عنه  اربعة فصول باكملها ( من ص 5 الى صفحة 122 ) , فقد ربط , مثلا , وقائع طريفة ومحددة من سيرة حياة تشيخوف ببعض نتاجاته الادبية , واستشهد بمقاطع من رسائل تشيخوف نفسه لاثبات تلك الوقائع , وتحدّث بعمق عن تواضع تشيخوف , وأشار الى رسالته , التي ذكر فيها , ان الرقم واحد بين مشاهير الادب والفن الروسي يرتبط بتولستوي , والرقم الثاني بالوسيقار تشايكوفسكي , اما هو ( اي تشيخوف ) فقد حدد لنفسه الرقم( 887) في سلسلة هؤلاء المشاهير.
ونتوقف قليلا عند غوركي , الذي كتب تشوكوفسكي عن ذكرياته الشخصية حوله , اذ تحدّث كيف كان غوركي يلقي كلمة عن تولستوي , وعندما وصل الى جملة (... ومات تولستوي... ) , لم يستطع غوركي لفظ هذه الجملة , فتوقف وترك المنصة , فذهب اليه تشوكوفسكي ووجده يقف عند النافذة وهو يبكي , ويسرد مؤلف الكتاب كيف عمل مع غوركي في عشرينيات القرن العشرين بمشروع ترجمة مختارات من مكتبة الادب العالمي , وهو مقترح غوركي , الذي تبنته الحكومة السوفيتية آنذاك , كي يطلع القارئ الروسي على افضل مصادر الادب العالمي , وكان غوركي يرأس اجتماعات لجنة انتقاء الكتب ومترجميها اسبوعيا , وكان تشوكوفسكي احد اعضاء تلك اللجنة ( عن المكتبة الانكليزية والامريكية ) , وكان من جملة اعضاء اللجنة الاكاديمي المستشرق الكبير كراتشكوفسكي (عن المكتبة العربية ) , والشاعر والمترجم غوميليوف ( عن المكتبة الفرنسية ) , وغيرهم , علما ان هذا المقترح الرائع لغوركي لا زال قائما لحد الان , وتنفّذه اكاديمية العلوم الروسية .....
شكرا لزملائي الروس على هديتهم الثمينة , والتي يجب ان ارجع لها حتما , اذ ان الافكار الموجودة على صفحاتها حول الادب الروسي تتماوج فكرة بعد فكرة مثل امواج البحار.....     

31
عن مسرحية غوركي – ( الحضيض)
أ.د. ضياء نافع
تمّ العرض الاول لمسرحية مكسيم غوركي ( الحضيض) في مسرح موسكو الفني وباخراج ستانسلافسكي بتاريخ 18 كانون الاول / ديسمبر من عام 1902 , وفي الذكرى السنوية ( 120) على هذا الحدث الثقافي (الروسي اولا , والذي تحوّل بعدئذ الى نقطة انطلاق عالمية) , نشرت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية مقالة شغلت الصفحة الثالثة باكملها في عددها الصادر بتاريخ 21 - 27   ديسمبر   2022 ,  وهي مقالة مثيرة حول هذه المسرحية وجاءت بعنوان غريب , وهو – هل الحقيقة ضرورية في القعر ؟ , وتعبير ( في القعر) هو عنوان هذه المسرحية بالروسية حسب الترجمة الحرفية كما جاءت عند غوركي (  العنوان الذي استقر بالروسية بفضل الكاتب الروسي أندرييف , صديق غوركي , بعد عدة عناوين اقترحها غوركي نفسه) , ولكن المترجم العربي لم يلتزم بالترجمة الحرفية ( وحسنا فعل !) , واعطى عنوان ( الحضيض ) لتلك المسرحية , والتي صدرت بترجمتين عربيتين بمصر في حينها وبنفس العنوان , وتهدف مقالتنا الى تعرّيف القارئ العربي ( الذي يعرف منذ فترة طويلة هذا العمل المسرحي الرائد ) بالافكار الجديدة التي طرحها كاتب المقال في (ليتيراتورنايا غازيتا) حول مسرحية غوركي الشهيرة بعد مرور 120 عاما على عرضها الاول في مسرح موسكو الفني , وهذا المقال يعدّ بحدّ ذاته ظاهرة طريفة و غير اعتيادية وتستحق التأمّل العميق , اذ نجد هناك عدة آراء متنافرة بعض الشئ ( ان صحّ التعبير) , رغم ان الكاتب يحاول ان يجيب عن سؤال مهم , والسؤال تحديدا هو - لماذا يعود النقد الادبي الروسي المعاصر الى مسرحية غوركي هذه من جديد ؟ , ولكن المقال هذا في الوقت نفسه يتحدث عن غوركي بشكل غير مباشر , في انه كان ( ضد الحقيقة !) في مسرحيته تلك , وانه لم يكن يعتقد بضرورتها  لهؤلاء , الذين ( في القعر) , وقد انعكس رأي الكاتب حتى على العنوان الاساسي للمقال , ولهذا السبب , فاننا نعرض هذا المقال للقارئ العربي ونحاول التوقف عند جوانبه المختلفة حول غوركي ومسرحيته ( الحضيض) والتعليق حولها في اطار معلوماتنا المتواضعة , اذ ان المقال منشور في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , وهي صحيفة تمتلك اهميتها وقيمتها في عالم الصحافة الروسية المعاصرة , ومن المهم للقارئ العربي متابعتها والاطلاع على آرائها وتوجهاتها .
مقال الكاتب بلاتون بيسيدين يبدأ بالاشارة الى الشهرة العالمية لمسرحية غوركي ( الحضيض) , ويعطي الكاتب نموذجا لهذه العالمية قائلا - ( انها المسرحية التي تم عرضها وبنجاح كبير في برلين , مثلا , مئات المرات !) , ويؤكد الكاتب ان هذه المسرحية لازالت ولحد الان واسعة الانتشار عالميا لدرجة ( وهنا يصل الكاتب الى استنتاج غريب !) ويقول , ان هذه المسرحية اصبحت (اكثر شهرة من غوركي نفسه !!!) , ويوضّح هذه الفكرة قائلا , ان شهرة غوركي بدأت بالانحسار عالميا مقارنة مع تلك المسرحية , خصوصا في روسيا المعاصرة , بينما هذه المسرحية لازالت تعرض وبنجاح على مسارح اجنبية عديدة , وفي اوروبا بالذات , ولا يأخذ الكاتب بالاعتبار الموقف تجاه غوركي في بقية الدول , ومنها عالمنا العربي . يرى الكاتب , ان السبب الرئيسي لشهرة هذه المسرحية يكمن في انها عمل فكري بحت قبل كل شئ , عمل يعكس صراع الافكار في اعماق غوركي نفسه , و لا تعتمد على احداث معينة , ويؤكد , ان حلاصة هذه المسرحية الفكرية يمكن اختصاره , في ان هؤلاء الناس اما ( قتلوا ) الرب في اعماقهم , او ( اضاعوه ) , وهم الان يبحثون عبثا عن البديل , ولهذا , فان الافكار التي يطرحها ابطال المسرحية لازالت تتفاعل مع روح عصرنا الحاضر بشكل مثير , اذ ما أكثر هؤلاء النماذج في كل العصور وفي المجتمعات الانسانية كافة . يتوقف كاتب المقال , مثلا , عند النقاش بين بطلين من ابطال هذه المسرحية هما ( لوكا) و(ساتين) , ويرى الكاتب , ان هذا الحوار في الواقع هو نقاش حاد يجري بين الفيلسوف الالماني نيتشه و الفيلسوف الروسي سولوفيوف , او بتعبير أدق , كما يضيف كاتب المقال , بين غوركي نفسه وتولستوي , ويشير الى كلمات تولستوي الشهيرة حول غوركي , والتي قال فيها , ان ( ...ربّ غوركي مشوّه....) , وهي كلمات تعبّر بشكل دقيق عن الموقف الديني لتولستوي , الذي كان يدعو الى ان العلاقة بين الانسان والرب ّ يجب ان تكون مباشرة ودون اي وسيط بتاتا , وكان يقصد الكنيسة طبعا . الا ان أغرب هذه الآراء التي جاءت في المقال تنعكس في ان الكاتب يرى , ان غوركي كان يعتقد , ان هؤلاء الناس الذين يقفون في الحضيض لا يحتاجون للحقيقة , وان الحقيقة غير ضرورية لهم , وقد انعكست هذه الفكرة في عنوان المقال كما أشرنا في بداية مقالتنا , ويحاول الكاتب تعزيز رأيه هذا بالاستشهاد بجملة قالها غوركي عام 1929 , الا اننا نرى , ان المسيرة العامة لغوركي لا تتوافق مع هذا الرأي , وليس عبثا , ان غوركي يشغل مكانته الخاصة به في تاريخ الادب الروسي بشكل خاص, وفي تاريخ الادب العالمي بشكل عام , وان هذه المكانة يعترف بها هؤلاء الذين يقفون ضده , قبل هؤلاء الذين يقفون معه , ويكفي ان نتذكر كلمات الشاعرة تسفيتايفا ( وهي كانت في هجرتها هربا من ثورة اكتوبر 1917 ) معلقة على منح جائزة نوبل لبونين ( وهوكان مهاجرا ايضا ) , اذ قالت , ان غوركي هو الذي يستحقها.       

32
عن صحيفة (كولتورا) الروسية
أ.د. ضياء نافع
 عندما اشتريت من الكشك صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا) اليوم صباحا ( ونحن في ديسمبر / كانون اول من عام 2022) , قالت لي البائعة هناك وهي تبتسم برقّة واضحة – انك قارئ دائم لصحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , فلماذا لا تأخذ ايضا صحيفة ( كولتورا) ( الثقافة ) , فهي قريبة من اهتماماتك ؟ لم استطع ان اقول لها , انني لا اعرف هذه الصحيفة بتاتا, بل وافقت رأسا على شراء صحيفة ( كولتورا ) كما اقترحت عليّ تلك البائعة وانا ابتسم ايضا لها , اذ انها في نفس مرحلة عمري تقريبا , اي اننا معا ( زملاء !)  في فترة  ( ما بعد التقاعد !) , وهكذا عدت الى البيت , وبدأت بتصفّح هذه الصحيفة ( الجديدة بالنسبة لي بشكل مطلق !) , وفوجئت رأسا بجملة مذكورة تحت التسمية تقول , ان هذه الصحيفة تصدر منذ عام 1929 , اي انها موجودة على مدار (93 ) عاما بالتمام والكمال , وتعجبت جدا , لاني لم الاحظها طوال هذه الفترة الطويلة من متابعاتي للادب الروسي في روسيا وخارجها , ولهذا تركت الصحيفة رأسا وعدت الى المصادر الروسية عنها , كي أعرف وادقق هذه الجملة المثيرة جدا تحت تسمية الصحيفة , و( اكتشفت !) , انها صدرت فعلا عام 1929 , ولكن بعنوان – ( العامل والفن ), والتسمية هذه تعكس بشكل واضح المعالم روح السنوات الاولى للدولة السوفيتية , واستمرّت بهذه التسمية حتى عام 1931 , حيث اصبح عنوانها - ( الفن السوفيتي ) , وفي عام 1942 ( سنوات الحرب العالمية الثانية ) توحّدت مع صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) وأخذت تصدر بعنوان ( الادب والفن ) الى عام 1953 , حيث بدأت تصدر تحت تسمية  ( الثقافة السوفيتية ) , ومنذ عام 1991 ( اي عندما تفككت الدولة السوفيتية ) اصبحت تصدر بعنوان ( الثقافة ) ,ثم توقفت عام 2011 لصعوبات مالية , ثم عاودت الصدور بعدئذ , ولكنها اصبحت شهرية منذ عام 2020 ولحد الان . لقد تذكرت وانا استعرض التسميات العديدة لهذه الصحيفة جريدتنا العراقية ( الاهالي ) و ( صوت الاهالي ) و ( صدى الاهالي ) لرائد الحزب الوطني الديمقراطي كامل الجادرجي , وتذكرت ايضا صلاح خالص ومجلته ( الثقافة ) , التي أصدرها على غرار ( الثقافة الجديدة ) , المجلة الرائدة العتيدة للحزب الشيوعي العراقي , ولكن , ويجب الاشارة الى ذلك حتما , فان هيئة تحرير الصحيفة الروسية ( كولتورا ) أصدرت عام 2017 ارشيفا الكترونيا كاملا لها منذ عام 1929 , وتحت كل التسميات التي مرّت بها , وهذا عمل رائع وكبير حقا , يساهم بتدوين تاريخ هذه الصحيفة اولا , وتاريخ الفن السوفيتي والروسي طوال هذه الفترة الطويلة والمهمة فعلا في تاريخ الفكر الروسي , وكم نحن بحاجة لمثل هذه الخطوة المهمة في تاريخنا بالنسبة لصحفنا ومجلاتنا , اذ ان الاجيال العراقية التي جاءت في نصف القرن العشرين ولحد الان لا تعرف شيئا عن مسيرة تلك الصحف والمجلات العراقية الرائدة , ولا يتذكّر العراقيون في الوقت الحاضر الدور السياسي الكبير والرائع للجادرجي , الذي كان يؤديّه في تلك السنوات , ولا يتذكرون صلاح خالص , الذي كان يمكن ان يكون عندئذ النجم الساطع في دنيا النقد الادبي العراقي في خمسينيات القرن العشرين لولا عالم السياسة , الذي انغمر في امواجه المتلاطمة.
بعد ان اطلعت على التاريخ الحافل لهذه الصحيفة الروسية , عدت اليها وبدأت بتصّفحها . انها بحجم متوسط , وعدد صفحاتها 32 صفحة , وصفحاتها مليئة بالصور الملونة الجميلة , اما مواضيعها , فهي متنوعة ومثيرة جدا للقارئ , فعلى الصفحة الخامسة باكملها تقرير تفصيلي عن خطاب وزيرة الثقافة الروسية في مجلس الدوما حول الوضع الثقافي في روسيا الاتحادية , وهناك ارقام دقيقة , منها مثلا , ان 1140 مدرسة روسيّة خاصة بالفنون قد استلمت حاجياتها من الآلات الموسيقية لطلبتها . وفي الصفحتين السادسة والسابعة حوار مهم جدا حول المتاحف الروسية المعاصرة لا يمكن اختصاره ابدا , وعلى الصفحة الثامنة حديث ممتع جدا عن الباليه في روسيا , هذا الفن الساحر , الذي امتازت به روسيا وتألّقت, وكيف تتهيأ روسيا الان للاحتفال بالذكرى 250 عاما على تأسيس فن الباليه لديها , وهناك حديث ممتع آخر عن السيرك الروسي المدهش في الصفحة التاسعة , وتوقفت طويلا عند الصفحة 24 , حيث كان الحديث عن متحف الانطباعية الروسية , وهو موضوع حيوي وطريف وجديد بالنسبة لي , وهناك عدة صفحات تتناول الادب الروسي الحديث ورجالاته , وباختصار , فان صحيفة ( كولتورا ) تتطلب منّي ان ادرسها بامعان ودقّة , وان اسجل في دفاترتي ملاحظات عديدة وجديدة بالنسبة لي حول جوانب تخص الحياة الثقافية في روسيا المعاصرة , ولهذا كله , قررت ان اقدّم في الاسبوع القادم شكري وامتناني لتلك البائعة , التي اقترحت عليّ شراء صحيفة ( كولتورا ) , وقررت ايضا , ان اطلب منها – لاحقا - حجز نسخة لي من تلك الصحيفة الشهرية الغنية جدا بموادها الثقافية المتنوعة .

33
(دبّ) تشيخوف في مصر يتحوّل الى ( الجلف)
أ.د. ضياء نافع
اطلعت في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعددها الصادر بتاريخ 14 ديسمبر/ كانون الاول 2022 على عرض لكتاب عنوانه ( نزهة في أرض المسرح ), الذي نشرته الهيئة المصرية العامة للكتاب, وهو من تأليف الشاعر والناقد المسرحي المصري يسري حسان , ويتناول المؤلف روائع مسرحية عالمية تم عرضها على خشبة المسارح المصرية ( برؤية مصرية بحتة !) , ويتحدّث العرض بشكل وجيز عن كل مسرحية من تلك المسرحيات العالمية الشهيرة , ومنها مسرحية ( الدبّ) للكاتب المسرحي الروسي انطون تشيخوف , والذي جاء اسمه بشكل صحيح وباللفظ الروسي في متن ذلك العرض الوجيز , الا ان اسمه في العنوان كان (تشيكوف) بدلا من (تشيخوف) , ولكن ليس عن ذلك (التباين باللفظين الانكليزي والروسي للكاتب الروسي !!!) نود الكلام هنا ( رغم ان هذا التباين بين ما جاء في متن العرض وعنوان العرض , غالبا ما يتكرر بالصحف والمطبوعات العربية في بلداننا - وهي ظاهرة معيبة جدا في وسائل الاعلام العربية المختلفة في عالمنا العربي ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ) , وانما نريد ان نتكلم قليلا هنا عن هذا (التحوير!) الغريب وغير الملائم بتاتا من وجهة نظرنا لعنوان مسرحية شهيرة جدا لتشيخوف ومعروفة للمشاهدين العرب في عالمنا العربي ومترجمة الى العربية منذ زمن طويل , اذ تحوّل هذا العنوان على خشبة مسرح الاسكندرية في مصر من ( الدبّ) عند تشيخوف الى ( الجلف) بكسر الجيم , وكما أشرنا في عنوان مقالتنا هذه .
حاولت – وباخلاص - ان اطلع على كتاب ( نزهة في أرض المسرح ) بشكل تفصيلي , قبل التعليق عليه , اذ قلت بيني وبين نفسي , ربما أجد على صفحاته تبريرا منطقيا ومقنعا لهذا التحوير ( الجذري !!!) في عنوان مسرحية معروفة في عالمنا العربي , ولكني لم استطع – مع الاسف – العثور على نسخة من الكتاب المذكور , ولهذا , فانني مضطر ان استند الى ما جاء في ذلك العرض الوجيز في صحيفة الشرق الاوسط حول مسألة تحوير عنوان مسرحية تشيخوف هذه .
 يشير العرض المشار اليه , الى ان عنوان ( الجلف ) للمسرحية بدلا من ( الدبّ) كما في الاصل عند  الكاتب الروسي يعتبر (... أفضل واوقع واكثر اتساقا مع بيئتنا ...) , وقد طرح هذا التبرير امامي رأسا السؤال الآتي - وهل مضمون المسرحية بشكل عام يتناسق فعلا مع واقعنا و بيئتنا وطبيعة حياتنا ؟  اي بتعبير أدق , هل يمكن ان يحدث ( في بيئتنا ) ان يأتي رجل غريب الى بيت ارملة توفي زوجها قبل فترة قصيرة ( كما حدث في تلك المسرحية ) , ويطلب مقابلتها , وتستقبله هذه الارملة في بيتها , وتتناقش معه حول ديون زوجها المرحوم , وتصل تلك النقاشات الحادة جدا الى درجة متأزمة , بحيث تدعو تلك الارملة الحزينة هذا الرجل الغريب الى مبارزة بالمسدسات لحسم هذه الخلافات الهائلة ؟ ثم ينتهي هذا الخصام والتوتر الشديد بينهما بعد (التي واللتيا!!!) الى غرام وعناق وقبل ؟ واظن , ان الاجابة عن هذا السؤال واضحة لكل عربي , ولا تحتاج الى اي تعليق او توضيح ,  فالمضمون العام لهذه المسرحية لا يتناسق بتاتا وكليّا مع واقعنا لا من قريب ولا من بعيد , ولا يمكن له ان يحدث في مسيرة حياتنا واخلاقيتها وواقعها الواضح المعالم , حتى دون ان نذكر تفاصيل اخرى في مضمون هذه المسرحية الروسية , فهل هذا يعني , اننا يجب ان ( نحوّر!!! ) مضمون المسرحية بحيث يتطابق مع ( البيئة العربية وتقاليدها وعاداتها !!!) كي نعرضها على خشبة مسارحنا ؟ واذا كان مبدأ التعامل مع الادب العالمي يقتضي بضرورة ان يتناسق هذا الادب الواسع جدا ( مع بيئتنا وطبيعة حياتنا وتقاليدنا ) , فان هذا يعني في نهاية المطاف , اننا لن نقدر حتى الاطلاع على الاوليات الاساسية لهذا الادب ولا على روائعه , التي ما زالت تتعايش معنا , ولا زلنا نرتوي من جداولها الرقراقة . ان التعامل الحيوي والموضوعي مع الادب العالمي يتطلب معرفة عميقة ودقيقة وشاملة  لخصائصه .
ختاما , ماذا سيقول انطون تشيخوف نفسه اذا عرف , ان الدبّ الروسي قد تحوّل الى جلف , والدبّ هو رمز للسلوك الطبيعي عند الروس ؟ وماذا سيقول تولستوي , الذي كان لا يعترف بمسرح تشيخوف , ولكنه – مع ذلك – حضر عرضا لمسرحية ( الدبّ) وكان يقهقه وهو يتابع احداثها ( ذات الروح والسمات التشيخوفية !) البسيطة والعميقة والرمزية ؟ واخيرا , ماذا سيقول طلبة قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , عندما يعلمون , ان هذا البطل قد تحوّل الى ( جلف ) , اذ انهم كانوا يتقافزون ويمرحون , وهم يؤدون ادوارهم على مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يقهقون – بنقاء - تعاطفا مع ابطال مسرحية الدب التشيخوفي ؟   
   

34
تكريم باحثة عراقية وابنتها في جامعة بطرسبورغ
أ.د. ضياء نافع
هذا حدث ثقافي فريد فعلا من نوعه وطريف ومدهش ايضا , ومفرح طبعا بالنسبة لي لأنه يرتبط بعراقنا الحبيب ( وما أندر ذلك في عصرنا المكفهر و المتجهم و المتشابك) , اذ اطلعت الان على خبر يقول , ان الكليّة الشرقية ( حسب الترجمة الحرفية وكليّة الاستشراق في بعض المصادر, وكلاهما صحيح) بجامعة بطرسبورغ العريقة والعتيدة في روسيا قد قامت بتكريم التدريّسية ( الاستاذة المساعدة) في تلك الكليّة الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها , التدريّسية (الاستاذة المساعدة) هناك ايضا الدكتورة آماليا موكروشينا , وذلك لنشرهما المشترك عام 2019 كتابا باللغة الروسية صدر ضمن منشورات تلك الجامعة نفسها عنوانه - ( وصف المخطوطات العربية) , وهو كتاب مهم جدا يحاول تعريف الطلبة الروس في جامعة بطرسبورغ بتاريخ هذه المخطوطات النادرة ومصطلحاتها ومواضيعها المتنوعة وكيفية الاطلاع عليها والتعامل معها .
ان المخطوطات العربية في مدينة بطرسبورغ تعد ثروة لا تقدر بثمن , وأذكر عندما زرنا جامعة بطرسبورغ بايفاد رسمي من جامعة بغداد قبل سنوات قد اطلعنا عندها على تلك المخطوطات , ولازلت مندهشا لحد الآن من الاجواء المحيطة بتلك المخطوطات من اجل الحفاظ عليها , اذ انها كانت معروضة في قاعات احد قصور القياصرة الفخمة , و محفوظة في خزانات زجاجية معدّة لهذا الغرض , ويغطّونها بغطاء سميك خاص وداكن اللون من القماش يحميها من ضياء الشمس او المصابيح الكهربائية , وعندما كنّا نقترب من تلك الخزانات الزجاجية كانوا يرفعون الاغطية عنها ليعرضوها لنا , ثم يعيدون الغطاء رأسا , ولم يكن ممكنا ابدا لمسها باليد , بل كنّا نتأمّلها وهي في تلك الخزانات الزجاجية الخاصة , وكانت المخطوطات بحالة رائعة وكأنّها مخطوطة الان بالوانها الزاهية . تذكرت كل هذه الاجواء وانا اقرأ خبر التكريم للعراقية الاستاذة المساعدة في جامعة بطرسبورغ الدكتورة يافعة يوسف جميل وابنتها ( العراقية حسب الام و الروسية حسب الاب) الاستاذة المساعدة في نفس تلك الجامعة الدكتورة آماليا موكروشينا , وربطت هذا الحدث الثقافي الفريد بعراقنا طبعا , ولكن ربّ من يقول , ان يافعة وابنتها هما في الوقت الحاضر جزء لا يتجزأ من حركة الاستشراق الروسية البحتة , اذ ان يافعة التحقت للدراسة بجامعة بطرسبورغ في اوائل السبعينيات من القرن الماضي , اي انها في ربوع هذه الجامعة العريقة حوالي نصف قرن تقريبا , وهي رحلة ابتدأت من الدراسة للحصول على البكالوريوس والماجستير والدكتوراه ثم الانتقال الى صفوف العمل في التدريس في نفس تلك الجامعة , وصولا الى درجة استاذة مساعدة , وبالتالي , فانها ابنة جامعة بطرسبورغ بكل معنى الكلمة , ولكننا نقول لهؤلاء , ان يافعة كانت وستبقى عراقية قلبا وقالبا ( ومن سابع ظهر!!!) , وان كل هذه المسيرة العلمية الرائعة والمدهشة قد أكّدت عراقيتها , وليس عبثا , ان كتبها المنهجية العديدة التي نشرتها في روسيا حول تدريس اللغة العربية للروس قد تحولت الى مصادر دائمية في هذا المجال العلمي (المهم جدا لنا نحن العرب) , وان  بحوثها العلمية الكثيرة ترتبط باللهجة العراقية قبل كل شئ , وان هذه البحوث اصبحت في الوقت الحاضر مرجعا متميّزا ويعترف به الجميع في حركة الاستشراق الروسية بشكل عام , وليس هذا بالشئ اليسير وسط الاجواء العلمية المتطورة في روسيا , ولعل ابرز عمل قدمته د. يافعة يوسف جميل هو تربيتها لابنتها آماليا , والتي اصبحت - بفضل هذه الاهتمام الكبير من قبل والدتها- تدريسيّة في نفس جامعتها , والفرق الوحيد الان بينهما , ان يافعة – استاذة مساعدة في قسم الفيلولوجيا العربية بالكليّة , وابنتها آماليا – استاذة مساعدة في قسم نظرية التطور الاجتماعي لبلدان آسيا وافريقيا في نفس الكليّة ايضا , وهذه ظاهرة فريدة جدا , ويمكن للوالدة وابنتها ان يفخرا بذلك الواقع , ويمكن لنا ايضا ان نفخر بهذه الظاهرة النادرة حقا .
ختاما لهذه السطور , اريد ان اعلق على صورة رأيتها حول هذا التكريم , الذي قام به المجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ ( وهو أعلى مؤسسة علمية في تلك الجامعة ) , اذ وجدت في تلك الصورة الام وهي تقف على يسار مندوبة المجلس العلمي للجامعة المذكورة وابنتها على اليمين , وهما يمسكان الشهادة الفخرية لهذا التكريم الفخري , والذي لا يقدر بثمن بالنسبة لهما , وبالنسبة لنا جميعا , في هذا الزمن الصعب , فشكرا يافعة وشكرا آماليا وشكرا للمجلس العلمي لجامعة بطرسبورغ , الذي قام بتكريم عملهما العلمي الرائد....

36
  شئ عن (القصائد الشرقية) لبوشكين

أ.د. ضياء نافع
  اكتب هذه السطور لأني اتابع  الترجمات العربية لقصائد بوشكين , واحلم ان أرى يوما بالعربية ( الديوان الكامل او مختارات شبه متكاملة في الاقل ) لقصائد هذا الشاعر , والذي حاز على تسمية فريدة بين شعراء العالم كافة , وهي ( شمس الشعر الروسي ) , وبوشكين جدير بهذه التسمية بلا شك , واود ان اتحدث قليلا في هذه السطور عن الترجمات العربية لقصائد هذا الشاعر الروسي الكبير .
  شعر بوشكين أكبر من ان يكون له اسم مترجم عربي واحد بارز , كما نقول – مثلا – ان سامي الدروبي مترجم دستويفسكي , او ان ابو بكر يوسف مترجم تشيخوف ( رغم العديد من المترجمين العرب الآخرين الذين ترجموا تشيخوف قبله و بعده ) , او ان فؤاد مرعي ( خصوصا في الفترة الاخيرة ) الذي يحاول – وبنجاح - ان يكون المترجم العربي الاول للاعمال القصصية والروائية لبوشكين , ولهذا , فعندما نتكلم عن ترجمات قصائد بوشكين الى العربية يجب ( ونؤكد على كلمة يجب ) ان نتذكر اسماء كوكبة رائعة من المترجمين المبدعين العرب , مثل - حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وجميل نصيف التكريتي وبرهان  شاوي وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر و ثائر زين الدين  ونزار محمود كنعان و طارق مردود و مكارم الغمري و رفعت سلام  و..و..و... ومن المؤكد , ان هناك اسماء عربية اخرى من هؤلاء المترجمين المبدعين , اذ ان هذه (المهمّة !) تحتاج حتما الى جهود لجان عربية واسعة متخصصة في الادب الروسي وحركة ترجماته الى العربية  منذ النصف الثاني للقرن التاسع عشر, و طوال القرن العشرين , و القرن الحادي والعشرين  ايضا (رغم اننا في عقده الثالث ليس الا).... ولكن مع ذلك , اود ان اكتب بعض انطباعاتي ( الذاتيّة !) عن بعض ترجمات بوشكين الشعرية من قبل بعض هؤلاء المترجمين , واريد ان اتوقف حصرا عند كتاب ( القصائد الشرقية ) بترجمة طارق مردود.   
واسرع بالقول – قبل كل شئ - انه لا يوجد عند بوشكين كتاب بعنوان ( القصائد الشرقية ) , ولكن المترجم طارق مردود  هو الذي حدد لنا هذا العنوان , لانه جمع فيه قصائد بوشكين عن الشعوب الشرقية في الامبراطورية الروسية , التي كانت (ولازالت ) متعددة القوميات و الاعراق والاجناس والاديان ( وحسب آخر احصائية رسمية , فقد بلغ عدد القوميات الان في روسيا الاتحادية 194 قومية) . وهذا يعني , ان تسمية ( القصائد الشرقية ) هي اجتهاد المترجم العربي . اجتهاد المترجم طارق مردود افضل كثيرا من التسميات العديدة الموجودة في الكثير من الدراسات والبحوث العربية حول بوشكين , والتي تتحدث عن التأثيرات والمؤثرات ( الدينية ! ) عند الشاعر الروسي , وخصوصا في السنين الاخيرة , حيث ازداد بشكل واضح ( طوفان تلك التيارات !!!) في كل شعاب عالمنا العربي ودهاليزه ,  واذكر مرة , ان احد الباحثين ( وكان مندوب الجامعة الاسلامية في احدى الجمهوريات ضمن روسيا الاتحادية ) قال في احدى المؤتمرات الادبية , ان بوشكين ( اكثر الادباء الروس اسلاميّة ) , ولم يتقبل المؤتمرون هذا ( الاستنتاج !) وابتسموا  ليس الا, ولا مجال في اطار مقالتنا للتوسع اكثر حول هذه النقطة (الملتهبة !) في عالمنا اليوم . المترجم طارق مردود حسم هذه ( المشكلة العربية !) بشكل ذكي جدا , وأطلق على تلك القصائد تسمية ( القصائد الشرقية ) , وترجم لنا قصائد بوشكين المرتبطة ( حسب مفاهيمنا نحن العرب ) بالشرق , اذ ان الروس لا ينظرون – بتاتا - الى تلك القصائد على انها مرتبطة بالشرق العربي او الاسلامي , فهي بالنسبة لهم انعكاس لثقافة شعوب تقطن بشكل دائمي على الارض الروسية  وتتعايش معا في كل شئ , وخصوصا في المجال الثقافي , ولهذا , فان بوشكين باعتباره ( شمس الشعر الروسي ) تناول في ابداعه ثقافات كل تلك القوميات , وقد أشار بوشكين نفسه الى هذه الظاهرة في قصيدته ( التمثال ) , حيث قال , ان تلك القوميات ستبقى تتذكره , وحتى قصيدة  بوشكين الشهيرة ( النبي ) يعتبرها الروس (... من وحي الاديان كافة...) , ولا يذكرون ابدا انها ترتبط بالدين الاسلامي فقط . ان هؤلاء الباحثين العرب , الذين يطرحون موضوع ( قصائد بوشكين ذات الطابع الديني !) يتناسون , ان روسيا كانت ولازالت بلد اوربي وآسيوي معا , والتي تسمى ( اورآسيا ) حسب المصطلح المعروف , وبالتالي , فان ثقافة روسيا هي مزيج حيوي ومتجانس من ثقافات تلك القارتين معا .
يقع كتاب ( القصائد الشرقية ) في 266 صفحة , وهو مترجم عن الروسية , مع مقدمة تفصيلية عن ادب بوشكين وحياته , ويضم العديد من قصائد بوشكين الشهيرة , وتأتي في المقدمة طبعا قصيدة ( محاكاة القران ) , والتي جاءت هناك بعنوانها ( المحوّر عربيا !) – قبسات من القران , وقصائد اخرى مثل النبي , وسعدي , و كليوباترا ...الخ , ويضم الكتاب ايضا مجموعة من القصص الشعرية لبوشكين مثل أسير القوقاز , ونافورة بقجة سراي , والغجر .

37
جوائز نوّار للعام 2022
اجتمعت لجان جوائز نوّار للعام 2022 واتخذت التوصيات الآتية –
أولا
=====
نظرا لظروف الحرب الروسية – الاوكرانية , التي بدأت منذ شباط / فبراير عام 2022 ولا زالت مستمرة لحد الآن , ترى اللجنة , ان الوضع العام غير ملائم لمنح هذه الجائزة , ولهذا توصي بحجب جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي لهذه السنة , وتأمل اللجنة بتحسّن الاوضاع في العام القادم 2023 , والاستمرار بمنح هذه الجائزة المركزية مستقبلا .
ثانيا
=====
الاستمرار بتوصية اللجنة في العام الماضي 2021  بشان تحويل جائزة نوّار للمترجمين العراقيين وجائزة نوّار لمبدعي مدرسة الموسيقى والبالية العراقية الى اقامة تماثيل نصفية للشخصيات الفكرية العراقية في بغداد , حيث تمّ في عام 2021 – وبنجاح - تحقيق تماثيل للفنان الكبير عزيز علي وعالم الآثار طه باقر ورئيس قسم اللغة الالمانية في كلية اللغات الشهيد فؤاد ابراهيم  , و قررت اللجنة اقامة تمثالين هذه السنة (2022 ) لكل من – (انستاس الكرملي) و(عبود الكرخي) , وقد ابتدأ العمل فعلا باعدادهما ووضعهما في المكان المناسب ببغداد , وسيتم الاعلان عن التفاصيل حول ذلك لاحقا .
أ.د. ضياء نافع
رئيس لجان جوائز نوّار
رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر
تشرين الاول / نوفمبر 2022

38
من لامانوسوف الى كارامزين
أ.د. ضياء نافع
اتابع دائما – وبكل سرور وحماس - أخبار كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو , التي درست فيها قبل أكثر من نصف قرن , اذ انها بالنسبة لي شخصيا ( بيتي الثاني !) , وقد اطلعت الان ( ونحن في الربع الاخير من عام 2022 ) على نشاطها الثقافي خلال عام 2021 الماضي , وتبين , ان ألاقسام العلمية المختلفة في كليّة الفيلولوجيا قد قامت ب ( 29) نشاطا علميا خارج مسيرة الدراسات الاعتيادية اليومية ومتطلباتها الاكاديمية المعروفة , نشاطات مثل  المؤتمرات العلمية والندوات والسيمينارات وجلسات ( الطاولة المستديرة )....الخ ... في شتّى مجالات العلوم الفيلولوجية ( اللغات وآدابها ) في ذلك العام المنصرم , ولم اندهش طبعا نتيجة هذا الرقم ( الرائع !) من تلك النشاطات العلمية المتنوعة هذه , وذلك لأني أعرف المستوى العلمي الرفيع لكليّتي الحبيبة , ولكني قررت كتابة عدة سطور وجيزة للقارئ العراقي (و العربي بشكل عام طبعا ) حول تلك النشاطات العلمية وابعادها العميقة , لتذكير هذا القارئ , اذ لعل هذا التذكير سيؤدي به عندها الى محاولة ( وهو اضعف الايمان !) كي  يقارن في الاقل بين واقع كليّاتنا وجامعاتنا وبين واقع كليّاتهم وجامعاتهم .... التذكير ليس الا ...ان نفعت الذكرى ...
لا يمكن طبعا استعراض كل تلك النشاطات العلمية , ولكن يمكن الاشارة الى مضامين بعضها , ثم التوقف قليلا عند نموذج واحد من تلك النشاطات , والتي اخترنا عنوان مقالتنا من شعارها المركزي , وهو – (من لامانوسوف الى كارامزين )  .
مضامين بعض تلك النشاطات تتمحور حول شخصيات علمية بارزة في مسيرة الكليّة , منها البروفيسوره غورشكوفا , بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها , والتي جرت تحت شعار – (العالمة والمعلّمة والانسانة) , ورافق هذه الفعالية العلمية معرض صور لكل مراحل حياتها , وكذلك كان هناك معرض لمؤلفاتها من كتب وبحوث علمية . غورشكوفا كانت استاذتنا في ستينيات القرن الماضي , وكانت معروفة بصرامتها وجديّتها وعلميتها , وكانت لها الكلمة الاخيرة و الحاسمة  في كل النقاشات العلمية حول مشاكل وقضايا اللغة الروسية المعاصرة في كليتنا آنذاك , حيث كانت واحدة من ابرز الاساتذة  في قسم اللغة الروسية المعاصرة . عند اطلاعي على برنامج تلك الفعالية , تذكرت اسماء اساتذتنا الراحلين في كلية اللغات بجامعة بغداد , والذين لا يذكرهم الان الجيل الحالي من الطلبة وحتى الاساتذة الجدد في الكليّة مع الاسف , اسماء مثل حياة شرارة ومحمد يونس وماري القطيفي وعلي منصور وخالد اسماعيل ويوسف قوزي..و..و..و.. وتساءلت , متى نرى ولو فعّالية بسيطة لاستذكار هؤلاء الاعلام في مسيرة كليّتنا الحبيبة ؟ ولماذا لا يمكن ولو اصدار كتيب متواضع يضم اسماء وصور ونتاجات تلك الكوكبة اللامعة من العلماء العراقيين ؟ وقائمة هذه الاسماء كبيرة وطويلة طبعا اذا اردنا ان نتكلم عن الكليات الاخرى في مختلف الجامعات العراقية , واعتذر من ابراهيم السامرائي وشاكر خصباك وطه باقر وكمال مظهر وعشرات الاساتذة الافذاذ الآخرين , وانا اتمتم بيني وبين نفسي - (....لقد أسمعت لو ناديت حيّا .....).
الفقرة التي نريد التحدّث عنها قليلا , ختاما لمقالتنا حول هذه الفعاليات الثقافية في كليّة الفيلولوجيا , هي المؤتمر العلمي , الذي  قام بتنظيمه قسم تاريخ الادب الروسي , و تناول هذا المؤتمر دراسة تاريخ الادب الروسي في الربع الاول من القرن الثامن عشر , و جاء تحت عنوان – من لامانوسوف الى كارامزين ( يكتبون بالعربية اسم لامانوسوف بصيغ عديدة , منها – لومونوسوف // لامونوسوف ... الخ) . الادب الروسي في القرن الثامن عشر هو- واقعيا – المرحلة ( التأسيسية) , ان صحّ التعبير ,  لهذا الادب , والذي اصبح في القرن التاسع عشر واحدا من آداب العالم البارزة والمعروفة بنضوجها وعمقها وتأثيرها , ولهذا , فان دراسة بدايات هذا الادب في القرن الثامن عشر مسألة في غاية الاهمية لفهم الابعاد الحقيقية للادب الروسي ومسيرته اللاحقة . يؤسفني ان اشير هنا , ان القارئ العربي يعرف هذه المرحلة في تاريخ الادب الروسي بشكل (ضبابي !) ليس الا , ويؤسفني ان اقول ايضا , انه لا يوجد بيننا , نحن العرب الذين درسنا الادب الروسي في روسيا , من اختص بدراسة ادب القرن الثامن عشر .  ولكل هذه الاسباب مجتمعة , توقفت انا عند هذه الفقرة طويلا واطلعت على تفصيلاتها , والتي صاغها بدقة مختصون كبار في دراسة تلك المرحلة ,و لهذا جاءت هذه التفصيلات شاملة جدا , وقد تم تقسيمها في ستة اتجاهات , وهي – ادب القرن الثامن عشر في السياقات السياسية والاجتماعية والايديولوجية // ادب القرن الثامن عشر في تاريخ الادب الروسي والفلسفة والفكر الاجتماعي // لامانوسوف والادب الروسي // كارامزين والادب الروسي // بوشكين والادب الروسي للقرن الثامن عشر // الادب الروسي بالقرن  الثامن عشر في سياقات الادب العالمي .
 تذكرت - وانا اطالع تفاصيل هذا المؤتمر العلمي - بالمثل الروسي الذي يقول – عش قرنا ادرس قرنا , وهذا المثل الروسي هو طبعا الترجمة ( التطبيقية !) للقول العربي الخالد – اطلب العلم من المهد الى اللحد .....

39
الطالب تشيخوف وقصصه
أ.د. ضياء نافع
اصبح تشيخوف طالبا في الكلية الطبية بجامعة موسكو عام 1880 , وفي هذا العام نفسه بدأ بنشر قصصه القصيرة ايضا , وتخرّج في الكلية الطبية عام 1884 , واصبح طبيبا ماهرا , و في الوقت نفسه اصبح ايضا كاتبا معروفا في عموم روسيا , فقد نشر خلال سنوات دراسته في الكليّة الطبية بجامعة موسكو الكثير من القصص القصيرة في مختلف الصحف والمجلات الروسية , ومع ذلك فانه كان يداوم بشكل منتظم ويؤدي واجبه الدراسي كما يجب , ونجح باستيعاب العلوم الطبية, وهي ظاهرة نادرة جدا , ويمكن القول انها لم  تحدث في تاريخ الادب الروسي لا سابقا ولا لاحقا , ونحاول في مقالتنا هذه ان نتكلم عن هذه الظاهرة  في مسيرة ابداع تشيخوف , اذ انها ظاهرة فريدة فعلا و تستحق الوقوف عندها وتأمّلها بعمق.
كانت حصيلة السنة الاولى في مجال نشر القصص متواضعة جدا , وهي في حدود عدة قصص ليس الا , اذ ان تشيخوف على ما يبدو لم يكن واثقا من نفسه في هذا المجال الادبي الجديد بالنسبة له , الا ان عدد القصص أخذ يتزايد بالتدريج , بعد ان فهم تشيخوف , انه يسير في الطريق الصحيح , الذي يتناغم وينسجم مع موهبته الادبية , ولا يتعارض في نفس الوقت مع واجباته الدراسية في الكليّة الطبية , وهكذا نشر تشيخوف اثناء سنوات دراسته الجامعية بين اعوام 1880 و 1884 اكثر من ( 200 ) قصة قصيرة (  منشورة حسب سنوات صدورها في المؤلفات الكاملة لتشيخوف بثلاثين مجلّدا , وهي المؤلفات التي صدرت في الربع الاخير من القرن العشرين وباشراف لجنة علمية مختصة ) , وكانت اكثر السنوات انتاجا هي سنة 1883 , اذ نشر تشيخوف فيها اكثر من مئة قصة , اي بمعدل قصة في كل ثلاثة الى اربعة ايام لا أكثر , (نكرر - يكتب قصة وهو يتابع واجباته الدراسية في الكلية الطبية) , واصبحت عدة قصص من تلك المرحلة المبكرة في ابداع تشيخوف معروفة ومشهورة لحد الان في روسيا وخارجها ايضا , اذ تم ترجمتها الى عشرات اللغات الاجنبية بما فيها طبعا لغتنا العربية , ومن بين هذه القصص , مثلا وليس تحديدا – ( البدين و النحيف ) و( نسى ) و ( المنتقم ) و ( موت موظف ) و ( رسالة الى جار عالم ) و ( فرحة ) و..و..و..الخ...
نشر تشيخوف (11) قصة قصيرة عام 1880 , واول تلك القصص كانت بعنوان ( رسالة الى جار عالم ) , والتي لازالت حيوية وتتعايش مع القراء حتى في روسيا المعاصرة اليوم , اذ يستخدمها مدرسو اللغة الروسية بالمدارس في تدريسهم , فيطلبون من التلاميذ ان يحددوا الاخطاء الواردة في تلك الرسالة , والتي تعمّد تشيخوف ان يذكرها في تلك القصة القصيرة تعبيرا عن المستوى الثقافي الواطئ لذلك الجار , وهو يكتب رسالته , وينفّذ التلاميذ هذا الواجب المدرسي بكل سرور وهم يقهقهون عند قراءة نص تلك القصة الطريفة .  لقد استطاع تشيخوف ( وهو طالب بالصف الاول في كلية الطب بجامعة موسكو ليس الا !!!) , استطاع ان يعطي لنا قصة تحتوي على درس تطبيقي و (دائمي!) لتلاميذ المدارس الروسية في موضوع الاملاء , درس حيوي وباسم ومهم جدا , لانه يجعل التلاميذ تسخر وتقهقه من الاخطاء اللغوية الموجودة في تلك الرسالة , اي ان تشيخوف حوّل ( الضحك !) الى اسلوب تربوي غير مباشر, اسلوب يصل تلقائيا الى قلوب التلاميذ رأسا , وبالتالي , الى عقولهم طبعا , ويعرف التربويون الاهمية الكبرى للاسلوب غير المباشر في ايصال المعلومة الى اذهان التلاميذ , وكيف ان تلك المعلومة في تلك الصيغة غير المباشرة تبقى راسخة في ذاكرة هؤلاء التلاميذ , لانها (... كالنقش على الحجر !) كما يقول مثلنا الشهير عن (العلم في الصغر. . .)
لا يمكن طبعا التوقف ( حتى ولو قليلا) عند هذا العدد الكبير من القصص التي نشرها تشيخوف في مرحلة دراسته تلك , ولكننا نشير هنا فقط الى نموذج من تلك القصص ليس الا , ويكفي ان نتوقف عند قصة ( موت موظف ) , التي اصبحت مشهورة عالميا . تصوروا , قصة (موت موظف ) كتبها تشيخوف وهو طالب في الكلية , هذه القصة التي تحوّلت في الوقت الحاضر الى رمز للانسان المسحوق في المجتمعات , حيث يشعر الانسان فيها بذنب لم يفعله , ويمكن لهذا الاحساس بالخوف ان يقضي حتى على حياته , كما حدث بالنسبة لذلك الشخص , الذي ( عطس !!!) ليس الا , والذي مات في نهاية القصة خوفا من ذلك ( الذنب !!!) . لقد رسم لنا هذا (الطالب!) لوحة مرحة  (لكنها تقطّر دمعا ) لحالة انسانية لازالت تتكرر في الكثير من المجتمعات الانسانية , ومن ضمنها مجتمعاتنا العربية مع الاسف ....
الا يستحق هذا ( الطالب ) ان نصفّق له تحية ؟ الا يستحق هذا ( الطالب ) ان يكون قدوة لنا جميعا ؟ الا يستحق هذا ( الطالب ) ان نقول له – شكرا يا انطون بافلوفيتش ؟ والاجابة عن كل هذه الاسئلة ستكون بكلمة واحدة لا اكثر , بكلمة نعم.. نعم.. نعم ...   

40
عن كوبرين ومقالته حول تولستوي
أ.د. ضياء نافع
 الكساندر ايفانوفيتش كوبرين ( 1870 - 1938 ) – اسم كبير في تاريخ الادب الروسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , ويعرفه القارئ العربي قبل كل شئ باعتباره  مؤلف ( سوار العقيق ), الرواية القصيرة التي قام بترجمتها الى العربية المرحوم د. ابو بكر يوسف , وأصدرتها دار النشر السوفيتية في ثمانينيات القرن العشرين , وعلمت ان د. ابراهيم استامبولي  قد أعاد ترجمتها قبل فترة قصيرة , ولكني لم اطّلع عليها مع الاسف , وهناك آراء متنوعة حول اعادة ترجمة النصوص المترجمة سابقا , ولكني أظن , ان اعادة ترجمة اي نص ادبي اجنبي هو عمل ابداعي يضاف الى المكتبة العربية ويجعلها أغنى وأوسع , ويمنحنا امكانية المقارنة بين الترجمتين مع النص الاجنبي الاصلي , وهذا يعني بالتالي , اثراء حركة الترجمة نفسها وتعزيز دورها الحضاري بشكل عام والثقافي بشكل خاص في حياة الشعوب, وأتمنى ان أرى يوما دراسة مقارنة يقوم بها باحث عربي حول الترجمتين لسوار العقيق في اي قسم من أقسام اللغة الروسية وآدابها او اي قسم للترجمة باي جامعة عربية من جامعاتنا العديدة , اذ ان ابو بكر يوسف وابراهيم استامبولي هما من المترجمين المبدعين الكبار في مسيرة الترجمة العربية عن الروسية , وهما يشغلان مكانة متميّزة بالمكتبة العربية  في مجال علم الترجمة , ومن المؤكّد , ان هذه الدراسة ستكون مفيدة وممتعة ايضا .
الا ان الكاتب الروسي الكساندر كوبرين اوسع كثيرا من كونه مؤلف الرواية القصيرة (سوار العقيق) فقط , فهو قاص وروائي وصحافي ومترجم وكاتب مقالة من الطراز الاول ومن النوع الفريد  فعلا , وهذا هو الجانب الابداعي الذي نريد بالذات ان نتوقف عنده هنا , فمقالاته اكبر من مفهوم المقالة الاعتيادية , اذ تنعكس فيها كل موهبته الفنية المتميّزة , ويمكن ان نسميّها – وبحق -  صورة ادبية نابضة بالحياة , او لوحة فنية متكاملة يرسمها فنان تشكيلي بالحروف والكلمات , وفي هذه السطور نتحدث قليلا عن طبيعة المقالة عند كوبرين وخصائصها الفنية , المقالة باعتبارها  شكل من أشكال الابداع الفني , شكل قائم بذاته بين اجناس الآداب المتنوعة , وخصوصا , ان المقالة اخذت ومنذ فترة ليست بالقصيرة (تدقّ بابنا !). 
يعرف القارئ العربي مقالة كوبرين عن تشيخوف , اذ انها جاءت بمثابة مقدمة في الجزء الثاني لمؤلفات تشيخوف المختارة باربعة اجزاء  , والتي اصدرتها دار النشر السوفيتية بترجمة د. ابو بكر يوسف , ولازلت لحد الان ( اي على مدى اربعين سنة ) اسمع من هنا وهناك كلمات الثناء و الاعجاب بتلك المقدمة , التي اختارتها دار النشر  للكتاب المذكور , وترجمها بابداع ابو بكر يوسف , ولن نتوقف هنا عند تلك المقالة لكوبرين , اذ يمكن للقارئ العربي الاطلاع عليها هناك , وبالتالي , يمكن ان يكتشف بنفسه ملامحها الجمالية المدهشة , ولكننا نود ان نتحدث قليلا ( والتزاما بعنوان مقالتنا ) عن مقالة كوبرين حول تولستوي غير المترجمة الى العربية حسب معلوماتنا المتواضعة.
أصل تلك المقالة محاضرة ألقاها كوبرين عام 1908 في احتفالية لتولستوي , وتحدّث فيها , كيف انه رأى تولستوي مرّة على ظهر باخرة روسيّة كانت تبحر من يالطا الى سيفاستوبول ,  والمحاضرة كانت بعنوان – كيف اني رأيت تولستوي على باخرة نيقولا المقدس . عنوان المقالة بحد ذاته يقول لنا , ان مقالة كوبرين غير اعتيادية بالمرة , اذ انها تتمحور حول حدث خاطف يضعه الكاتب تحت مجهره الابداعي ويرسمه بكلمات تدهش القارئ , ويذكر هناك وقائع جديدة وطريفة ومهمّة جدا للقارئ عن تولستوي بصيغة رشيقة , وقائع لا يتوقع هذا القارئ ان يجدها في تلك المقالة وهكذا تبدأ مقالة كوبرين عن تولستوي , اذ يقول في السطر الاول رأسا ( ... انه كان سعيدا  قبل فترة قصيرة لانه تكلم مع الشخص , الذي شاهد في طفولته بوشكين , ولم يبق في ذاكرته اي شئ عنه , سوى انه كان اشقرا, وقصير القامة , وغير جميل.. و كان ممتعضا جدا من الاهتمام الذي كان يوليه له المجتمع ... ) , وفي سياق مقالته تلك , يورد كوبرين نقطة اخرى غير متوقعة للقارئ ايضا , وهي طرفة رواها تولستوي نفسه مرّة , وتحدّث فيها , كيف زاره وفد من مدينة روسية , وكانت هناك سيّدة في هذا الوفد , والتي قالت لتولستوي , انها تريد ان تشكره على تلك النتاجات الادبية الرائعة , التي أغنى بها الادب الروسي والعالمي , فسألها تولستوي , اي تلك النتاجات بالذات , فلم تستطع هذه السيدة الاجابة , وحاول اعضاء الوفد ان ( يسعفوها !) وقالوا لها همسا – اذكري الحرب والسلم , فقالت لتولستوي – روايتكم السلم الحربي مثلا .
تقع مقالة كوبرين عن تولستوي في اربع صفحات من القطع المتوسط ليس الا , ولكنها تعدّ كلمة مبتكرة واصيلة عن ( كاتب الارض الروسية ), كلمة جديدة يمكن ان تضيف لنا معلومات صغيرة ولكن مهمة عن حياة تولستوي وابداعه , وكم أتمنى ان أرى يوما كتابا عربيا يضمّ مقالات كوبرين الرشيقة والعميقة عن الادب الروسي وأعلامه ... 

41
دردشة جامعيّة حول الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
اللقاءآت اصبحت أقلّ مما كانت سابقا بين زملاء الدراسة في بداية الستينيات بكليّة الفيلولوجيا  في جامعة موسكو , أقلّ عددا وأقلّ عدّة , اذ اننا نتناقص مع الاسف , لكننا – مع ذلك -  نستمربالتواصل ( عن قرب وليس عن بعد !) بيننا . دردشنا في اللقاء الاخير- قبل أيام ليس الا - عن الادب الروسي ( الذي يوحّدنا !) كما قال (مبتسما ) ايفان , الذي نسميه فانيا  دلعا , رغم الشيب الكثيف والجميل على رأسه وعويناته الطبّية ذات الموديل العتيق ( ... والشيب طبعا وقار!) . علّقت فيرا على جملة فانيا حول الادب الروسي قائلة , ان أحد اعضاء اتحاد الادباء الروس أخبرها , ان الوفد الروسي في مصر قد صرّح قبل فترة , ان الادب الروسي ( سيختفي نهائيا !) بعد خمسين سنة من الان في احسن الاحوال , وسيحل محله ادب آخر , أدب مكتوب باللغة الروسية , ولكن من قبل ادباء ليسوا روّسا ولا يسكنون في روسيا , بل في دول اخرى مثل امريكا وفرنسا وانكلترا واسرائيل (و خصوصا في اسرائيل ) , وان هذه ( العملية !) تبلورت بالتدريج وعبر سنوات طويلة , و اصبحت واضحة المعالم في الوقت الحاضر . تعجبنا جميعا من كلام فيرا هذا , وسألها فانيا , وماذا كان رد فعل المستمع المصري على هذا التصريح الغريب ؟ فقالت فيرا , ناقشوهم بحدّة و حتى بغضب شديد , ورفضوا تلك الفكرة جملة وتفصيلا , ولكن الوفد كان من روسيا و يتكلم حول الادب الروسي باسم ادباء روسيا . ضحكنا جميعا من هذا الموقف العجيب , وقالت نتاشا , لا تتعجبوا , فانها تدخل بعض الاحيان في (زوايا ودرابين !) المواقع الالكترونية العديدة حولنا , وتجد مثل هذا الكلام ايضا , فأيّدها  ساشا تأييدا قويّا , وقال , انه اطلع قبل فترة على موقع الكتروني اسمه – روسيا وراء العناوين , وشاهد ( العجب العجاب !) . انهالت عليه الاسئلة , وكلنا طلبنا منه , ان يحكي لنا ما شاهده في ذلك الموقع الالكتروني , اذ اننا لا نعرف جيدا كيف نستخدم اجهزة الكومبيوتر , فقال ساشا , ان هناك امراة تسمي نفسها ( ناقدة ادبية ! ) , ولا يتذكر الان اسمها , فسألناه ضاحكين, أليست هي من أحفاد بيلينسكي ؟ فعلق ساشا وهو يضحك , لو كانت من احفاد احفاده لتذكرتها حتما , واستمر قائلا , وقد اختارت هذه ( الناقدة ) مئة اسم من الادباء الروس , مئة من أبرز واكبر الاسماء حسب وجهة نظرها , ووجدت انا شخصيا هناك العديد من الاسماء التي لا اعرفها , بل ولم اسمع بها اصلا , وهم فعلا من هؤلاء الادباء, الذين يعيشون في تلك الدول , وفي اسرائيل بالذات , تصوّروا , لم أجد اسماء مثل – كوبرين او كورولينكو او أندرييف او بيللي او غرين وعشرات الاسماء اللامعة الاخرى في الادب الروسي . صمتنا جميعا بوجوم , ثم خرق الصمت ايغور , وقال بصوته الذي لازال جهوريا , ان بوشكين سيدعوهم الى المبارزة , وهم سيقتلوه مثلما قتله دانتيس , ولكنه سينتصر عليهم في النهاية , مثلما انتصر على قاتله دانتيس . صمتنا مرة اخرى , وخرق الصمت هذه المرّة ساشا نفسه , وقال , الافضل ان يتدخل تولستوي في هذه المبارزة باساليب ( اللاعنف ) العظيمة , التي كان يدعو لها , وهو حتما سينتصر , مثلما انتصر تلميذه الهندي غاندي على الامبراطورية الانكليزية , التي كانت الشمس لا تغيب عنها آنذاك ابدا. ضحكنا جميعا , وقالت فيرا , من الافضل ان يتدخل بوشكين وتولستوي معا في المبارزة هذه , اذ اني أخشى , ان مسدس بوشكين وحده ليس كافيا في هذه الحالة الخطيرة, واستمر ضحكنا , بل وتحوّل الى قهقهات مدوّية , وبدأت تعليقاتنا حول هذه المبارزة المقترحة , وقسم من هذه التعليقات لا يمكن حتى الاشارة اليها في سياق مقالتنا هذه , اذ انها (مملّحة اكثر من اللازم !) , الا ان القسم الآخر طريف فعلا , اذ جاء في تلك المقترحات , مثلا , عدم دعوة ليرمنتوف للمشاركة في هذه المبارزة , لأننا نخاف عليه , فهو لا زال ( يافعا وحزينا , ولم يصبح بعد بطلا في هذا الزمان , رغم محاولاته !) , او , دعوة غوغول للمشاركة بالمبارزة مع بطله الاوكراني تاراس بولبا , كي يعطيهم جوابا صارما على ثرثرتهم هذه , كما أعطى لابنه درسا , عندما انتقل ابنه الى معسكر الاعداء , او , دعوة دستويفسكي مع بطله راسكولنيكوف في رواية الجريمة والعقاب كي ( يؤدّبهم !) كما يجب , او , عدم دعوة تشيخوف لهذه المبارزة , لانه نهائيا دون خبرة برياضة (الملاكمة والمصارعة الحرّة !) .....
اختتم فانيا هذا اللقاء الضاحك والمرح (والحزين ايضا!) قائلا – ماذا سيقول اساتذتنا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو عندما يسمعون بهذه الثرثرة حول الادب الروسي ياترى ؟ قلنا له , لا تخبرهم بذلك , ودعهم يرقدون بسلام , ونحن , تلامذتهم , سنعالج الموضوع  ....

42
   
عود على كتاب ( تشيخوف ) بقلم ايرنبورغ 
أ.د. ضياء نافع
اتصل احد طلبتي القدامى , الذي كان يدرس ( في القرن الماضي !!!)  بقسم اللغة الروسية  في جامعة بغداد , وقال لي , انه جلب لي خصيصا هدية من بغداد الى موسكو , ضحكت انا وقلت له , انك تعرف حق المعرفة , انني لا اتقبّل اي نوع من  (الهدايا !!!) من طلبتي , فضحك طالبي ايضا وقال , اولا , لم أعد انا طالبا لديك منذ زمن بعيد جدا , وثانيا , لا يمكنك ( رفض !!!) هذه الهدية في كل الاحوال . جواب طالبي كان طريفا ومثيرا , رغم انه كان ( استفزازيا !) في نفس الوقت , فسألته رأسا وبحدّة , وما هي هذه الهدية من طالبنا سابقا , و التي لا يمكن لي ان ارفضها في كل الاحوال  , فأجابني ( رأسا أيضا وهو يضحك ايضا ) – ان الهدية هذه هي عبارة عن كتاب عتيق وجدته مرميا ضمن كومة كتب عتيقة اخرى على الرصيف في شارع المتنبي ببغداد عندما كنت هناك , و اشتريته خصيصا لاقدمه هديه اليك , عند اللقاء معك في موسكو  , وهو كتاب صادر في بيروت قبل اكثر من اربعين سنة من الآن وعنوانه – تشيخوف بقلم ايليا ايرنبورغ وبترجمتك . فوجئت انا طبعا بهذا الكلام , وقلت لطالبي السابق رأسا - اني اعترف – وبكل روح رياضية - انك حققت وبمهارة وجدارة هدف الفوز على استاذك .
عندما استلمت ( الهدية البغدادية !) , حاولت - قدر الامكان - السيطرة على احاسيسي (وعلى دموعي ايضا!) , فاللقاء مع ( الكتاب الاول ! ) بعد كل هذه السنين الطويلة ليس سهلا , مثل اللقاء مع ( الحب الاول !) , و أثار هذا اللقاء ذكريات كنت أتصور انها منسية تماما, ولكنها برزت فجأة مرة اخرى وبكل وضوح  , فقد تذكرت كلمات استاذ جيلنا المرحوم د.علي جواد الطاهر , التي كتبها آنذاك في جريدة الجمهورية عنه , والتي قال فيها ما معناه , انه لم يشعر بانه كتاب (مُترجَمْ) , وتذكرت , كيف اني قدمت ثلاث نسخ منه مع معاملة ترقيتي الجامعية باعتبار الكتاب المترجم يمكن ان يساعد على الترقية مع البحوث المطلوبة  , وبعد حصولي على الترقية , استلمت مظروف المعاملة , ووجدت على المظروف كلمة – ( اخذ الخبراء نسخ الكتاب المترجم ولم يرجعوه اعجابا به ) , وتذكرت كلمات الكاتب المرحوم ناظم توفيق عن الكتاب , والتي قالها لي في شارع السعدون عندما التقيته صدفة – لولا هذا الكتاب - الذي حلّقت مع افكاره عن تشيخوف - لما استطعت تحمّل مشاق السفر بالقطار كل هذا الوقت الطويل , وتذكرت , كيف جاء شخص وطلب منّي اصدار الطبعة الثانية للكتاب في بغداد , ووافقت طبعا , واستلمت منه مبلغا يعادل تقريبا ( نصف راتبي آنذاك ! ) , وصدرت الطبعة الثانية فعلا , وتذكرت , صدور طبعة اخرى ( ثالثة ) للكتاب في القاهرة دون علمي ومعرفتي , ولكني ابتسمت عندها وقلت للشخص الذي أخبرني بذلك – في الاقل سيعرف القارئ المصري خصائص تشيخوف الحقيقية بشكل دقيق و صحيح , وهذه المسألة بحد ذاتها خدمة كبيرة للادب الروسي واستيعاب دوره الاصيل في مسيرة الحياة الانسانية عموما . وبمناسبة معرفة خصائص تشيخوف , فان هذا الكتاب , الذي كتبه ايليا ايرنبورغ في بداية الستينيات ونشره بحلقتين في مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد) السوفيتية الشهرية , ثم أصدره بعدئذ بكتاب مستقل , هو استمرار لتلك الآراء الجريئة جدا و الشجاعة جدا , التي طرحها ايرنبورغ في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين  حول تلك الظواهر الادبية التي كانت الستالينية تمنع بتاتا الكلام عنها , والتي تسمى في تاريخ الادب الروسي الان بمرحلة ( ذوبان الجليد ) , وهي التسمية التي اطلقها ايرنبورغ نفسه على احدى نتاجاته الادبية , وأخذ النقاد يستخدمون هذا المصطلح في تاريخ الادب الروسي بعد وفاة ستالين . لقد تحدث ايرنبورغ عندها عن تسفيتايفا ( التي انتحرت ) وأخماتوفا ( التي منعوها من النشر ) وماندلشتام ( الذي أعدموه ) وغيرهم من الاسماء اللامعة في الادب الروسي الحديث , اما بالنسبة لتشيخوف , فقد سخر ايرنبورغ في كتابه هذا من تلك المفاهيم الجامدة و( المعلّبة !) , التي كان النقد الادبي آنذاك يستخدمها عند الكلام عن تشيخوف , مثل – (المعبّرالفذ عن سنوات الثمانينيات ) او ( سجلّ السنين الجهمة ) او ( كاتب الغروب ) او ( شاعر العتمة ) , وكذلك سخر من القاموس الموسوعي السوفيتي , وقد استشهد بجملة عن تشيخوف من ذلك القاموس , وهي – ( ...يرسم تشيخوف في نتاجاته بحث المثقفين الروس عن الايديولوجية , ويحطّم علم النفس البورجوازي ..واوهام حركة الشعبيين الليبرالية ..ويطرح تعميمات اجتماعية ..ويخلق شخوصا نموذجية تجسّم النظام القيصري البوليسي .. ويعرض نمو العلاقات البورجوازية في المدينة والريف ..ويكتب عن فقر الفلاحين وتفكك النظام الاقطاعي – البورجوازي ...) , وقد استطاع ايرنبورغ فعلا ان يرسم في كتابه ذاك – وبابداع – صورة تشيخوف الفنية الرشيقة الشفافة .
اتصل (طالبي القديم ) مرة اخرى بعد أيام من استلامي لهديته , وسألني عن انطباعاتي بشأن تلك ( الهدية !) بعد ان هدأت العواطف , فضحكت أنا , وشكرته من جديد على هذا ( العمل الجميل ) , وقلت له , انني اطلعت على النص , ووجدت , ان ايرنبورغ يذكر هناك العشرات من اعلام الادب الروسي والادب العالمي والظواهر الفكرية وعناوين نتاجات ادبية مختلفة , وهذا مفهوم للقارئ الروسي , لكن تلك الاسماء والظواهر تتطلب كتابة هوامش توضيحية للقارئ العربي , وانني اخطط الان لاضافة عشرات الهوامش التفصيلية للكتاب بطبعته الجديدة , كي يكون مفهوما وممتعا للقارئ العربي , فضحك طالبي وقال , اني انتظر ( هديتك !) الجوابية على ( هديتي !) .... 

43
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر
أ.د. ضياء نافع
الادب الروسي بعيون الشباب المعاصر - هو عنوان كتاب روسي صادر عام 2015 ويقع في(199) صفحة من القطع المتوسط , ويتضمن خلاصات لاربعين ( نكرر – لاربعين !) بحثا علميا حول تاريخ الادب الروسي ودور أعلامه والظواهر الكبرى في مسيرة هذا الادب , بحوث قام بها طلبة ( نعم , طلبة !) قسم الادب الروسي اثناء مؤتمر علمي تم عقده في جامعة نوسوف الحكومية الروسية في مدينة مغنيتاغورسك الروسية , ويوجد هناك مشرف علمي من التدريسيين في ذلك القسم ( مثبّت اسمه ) امام كل بحث من تلك البحوث الاربعين للطلبة , وكذلك توجد في نهاية كل بحث قائمة بالمصادر , التي اعتمدها الطالب في بحثه .
 مضمون هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا , اذ اني تذكرت – اولا - وأنا أطّلع عليه , اننا في العراق لم نستطع ان نصدر كتابا واحدا يضم خلاصات البحوث العلمية , التي قام بها الاساتذة انفسهم في عدة مؤتمرات دورية عقدناها ولعدة سنوات في كليّة اللغات بجامعة بغداد في تسعينيات القرن الماضي, رغم اننا حاولنا – وباخلاص – ان نصدرها فعلا في كتاب يؤرخ تلك المؤتمرات العلمية وننشر خلاصات بحوث المشاركين فيها , وهم تدريسيون بدرجات علمية رفيعة بكليتنا وفي أقسام علمية متنوعة . وتذكرت – ثانيا - , ان أحد وزراء التعليم العالي في العراق كان يؤكد دائما , ان تسمية وزارتنا تتألف من كلمتين – (التعليم العالي ) و ( البحث العلمي ) , وان مهمة الاستاذ الجامعي لا تنحصر بالتدريس فقط , بل يجب اكمالها بالبحث العلمي , والا, فان مهمة الاستاذ الجامعي ستبقى ناقصة . وتذكرت – ثالثا – ان طلبة الدراسات العليا عندنا , كانوا يأتون الينا ( بعد قبولهم في الدراسات العليا , وهي قضية معقدة وبيروقراطية بحد ذاتها ) ويطلبون منّا ان ( نعطيهم !) مواضيع لكتابة اطاريحهم العلمية , اذ لا توجد لديهم حتى ولا اي فكرة عن تلك الاطاريح ,التي يجب ان يعرفها طالب الدراسات العليا قبل تقديمه الوثائق المطلوبة للالتحاق في تلك الدراسات , وهي قاعدة معروفة في الجامعات الاجنبية (الحقيقية !), والا , ما قيمة طالب الدراسات العليا اذا كان لا يعرف ( بل وحتى لا يتصوّر ) ما هي طبيعة مهمته في دراسات عليا تقدّم اليها للحصول على درجة علمية أعلى ؟ وتذكرت – رابعا – انني (وزملاء  لي) لازلنا لحد الان نستلم في بريدنا الالكتروني طلبات من مختلف الاشخاص الذين لا نعرفهم اصلا , يريدون فيها ( مواضيع لاطاريحهم او لمشاريعهم العلمية ) , وحتى يطلبون بعض الاحيان ان نضع لهم الخطة العلمية لتلك الاطاريح او المشاريع  وان نحدد لهم مصادرها العلمية الاساسية...
لا يمكن بالطبع عرض البحوث الاربعين في ذلك الكتاب , ولكني اود ان اتوقف قليلا عند بحث واحد من تلك البحوث ليس الا , واظن , انه  يمكن لهذا البحث – النموذج ان يرسم للقارئ صورة عامة لهذا الكتاب الفريد من نوعه  . يتناول هذا البحث علم الادب المقارن , ويتحدث عن دستويفسكي والبير كامو ويقارن بينهما, وهو( اي البحث )  لطالب في الصف الثالث ( تصوروا – طالب في الصف الثالث !) . يقارن الباحث بين رواية ( الغريب ) لكامو مع رواية دستويفسكي القصيرة ( مذكرات من تحت الارض)( ان صح التعبير)  , ولم يستقر عنوان هذا النتاج الادبي بالعربية لحد الان , فقد ورد بشكل متنوع عند المترجمين العرب , مثل – ( في قبوي // في سردابي // مذكرات قبو // رسائل من باطن الارض // مذكرات من العالم السفلي // الانسان الصرصار... ولا مجال هنا للتوسع في هذا الموضوع ) . يرى الباحث ( وهو على حق ) , ان دستويفسكي هو احد اركان الفلسفة الوجودية في العالم , وان هذه الرواية القصيرة بالذات تعكس الافكار الوجودية عنده  بشكل واضح , و بالتالي , فان الباحث يجد , ان هناك بعض الافكار الفلسفية المشتركة بين الكاتب الروسي دستويفسكي (في القرن التاسع عشر) وبين الكاتب الفرنسي كامو ( في القرن العشرين ) , ويحاول هذا الباحث ان يحدد تلك الافكار الفلسفية المشتركة عند المقارنة بين العملين الابداعيين لديهما . بحث طالب الصف الثالث هذا - هو خطوة شجاعة جدا وجريئة جدا للخوض في موضوع فلسفي كبير بدنيا علم الادب المقارن . تتوزع بقية بحوث هذا الكتاب بين بوشكين ( الذي يكتبون عن فلسفته وعن انعكاس شخصيته عند الفنانين التشكيليين الروس ) وغوغول ( الذي يكتبون عن تأثيره على ادباء روس آخرين ) وتشيخوف ( الذي يكتبون عن خصائص الشعب الروسي في قصصه ) , وهناك بحوث عن الادب الروسي الحديث , وتتوقف تلك البحوث عند ابداع ايرنبورغ وايتماتوف وبقية ادباء القرن العشرين ...
  الادب الروسي بعيون الشباب الروسي المعاصر – كتاب مبتكر واصيل ومهمّ وجميل , وفي نفس الوقت , فانه كتاب يثير (الشجون!) العلمية في نفوس كل العاملين بالمجال الجامعي العراقي خصوصا , والعربي عموما ......

44
 
عود على كتاب ( تشيخوف ) بقلم ايرنبورغ 
أ.د. ضياء نافع
اتصل احد طلبتي القدامى , الذي كان يدرس ( في القرن الماضي !!!)  بقسم اللغة الروسية  في جامعة بغداد , وقال لي , انه جلب لي خصيصا هدية من بغداد الى موسكو , ضحكت انا وقلت له , انك تعرف حق المعرفة , انني لا اتقبّل اي نوع من  (الهدايا !!!) من طلبتي , فضحك طالبي ايضا وقال , اولا , لم أعد انا طالبا لديك منذ زمن بعيد جدا , وثانيا , لا يمكنك ( رفض !!!) هذه الهدية في كل الاحوال . جواب طالبي كان طريفا ومثيرا , رغم انه كان ( استفزازيا !) في نفس الوقت , فسألته رأسا وبحدّة , وما هي هذه الهدية من طالبنا سابقا , و التي لا يمكن لي ان ارفضها في كل الاحوال  , فأجابني ( رأسا أيضا وهو يضحك ايضا ) – ان الهدية هذه هي عبارة عن كتاب عتيق وجدته مرميا ضمن كومة كتب عتيقة اخرى على الرصيف في شارع المتنبي ببغداد عندما كنت هناك , و اشتريته خصيصا لاقدمه هديه اليك , عند اللقاء معك في موسكو  , وهو كتاب صادر في بيروت قبل اكثر من اربعين سنة من الآن وعنوانه – تشيخوف بقلم ايليا ايرنبورغ وبترجمتك . فوجئت انا طبعا بهذا الكلام , وقلت لطالبي السابق رأسا - اني اعترف – وبكل روح رياضية - انك حققت وبمهارة وجدارة هدف الفوز على استاذك .
عندما استلمت ( الهدية البغدادية !) , حاولت - قدر الامكان - السيطرة على احاسيسي (وعلى دموعي ايضا!) , فاللقاء مع ( الكتاب الاول ! ) بعد كل هذه السنين الطويلة ليس سهلا , مثل اللقاء مع ( الحب الاول !) , و أثار هذا اللقاء ذكريات كنت أتصور انها منسية تماما, ولكنها برزت فجأة مرة اخرى وبكل وضوح  , فقد تذكرت كلمات استاذ جيلنا المرحوم د.علي جواد الطاهر , التي كتبها آنذاك في جريدة الجمهورية عنه , والتي قال فيها ما معناه , انه لم يشعر بانه كتاب (مُترجَمْ) , وتذكرت , كيف اني قدمت ثلاث نسخ منه مع معاملة ترقيتي الجامعية باعتبار الكتاب المترجم يمكن ان يساعد على الترقية مع البحوث المطلوبة  , وبعد حصولي على الترقية , استلمت مظروف المعاملة , ووجدت على المظروف كلمة – ( اخذ الخبراء نسخ الكتاب المترجم ولم يرجعوه اعجابا به ) , وتذكرت كلمات الكاتب المرحوم ناظم توفيق عن الكتاب , والتي قالها لي في شارع السعدون عندما التقيته صدفة – لولا هذا الكتاب - الذي حلّقت مع افكاره عن تشيخوف - لما استطعت تحمّل مشاق السفر بالقطار كل هذا الوقت الطويل , وتذكرت , كيف جاء شخص وطلب منّي اصدار الطبعة الثانية للكتاب في بغداد , ووافقت طبعا , واستلمت منه مبلغا يعادل تقريبا ( نصف راتبي آنذاك ! ) , وصدرت الطبعة الثانية فعلا , وتذكرت , صدور طبعة اخرى ( ثالثة ) للكتاب في القاهرة دون علمي ومعرفتي , ولكني ابتسمت عندها وقلت للشخص الذي أخبرني بذلك – في الاقل سيعرف القارئ المصري خصائص تشيخوف الحقيقية بشكل دقيق و صحيح , وهذه المسألة بحد ذاتها خدمة كبيرة للادب الروسي واستيعاب دوره الاصيل في مسيرة الحياة الانسانية عموما . وبمناسبة معرفة خصائص تشيخوف , فان هذا الكتاب , الذي كتبه ايليا ايرنبورغ في بداية الستينيات ونشره بحلقتين في مجلة ( نوفي مير ) ( العالم الجديد) السوفيتية الشهرية , ثم أصدره بعدئذ بكتاب مستقل , هو استمرار لتلك الآراء الجريئة جدا و الشجاعة جدا , التي طرحها ايرنبورغ في النصف الثاني من خمسينيات القرن العشرين  حول تلك الظواهر الادبية التي كانت الستالينية تمنع بتاتا الكلام عنها , والتي تسمى في تاريخ الادب الروسي الان بمرحلة ( ذوبان الجليد ) , وهي التسمية التي اطلقها ايرنبورغ نفسه على احدى نتاجاته الادبية , وأخذ النقاد يستخدمون هذا المصطلح في تاريخ الادب الروسي بعد وفاة ستالين . لقد تحدث ايرنبورغ عندها عن تسفيتايفا ( التي انتحرت ) وأخماتوفا ( التي منعوها من النشر ) وماندلشتام ( الذي أعدموه ) وغيرهم من الاسماء اللامعة في الادب الروسي الحديث , اما بالنسبة لتشيخوف , فقد سخر ايرنبورغ في كتابه هذا من تلك المفاهيم الجامدة و( المعلّبة !) , التي كان النقد الادبي آنذاك يستخدمها عند الكلام عن تشيخوف , مثل – (المعبّرالفذ عن سنوات الثمانينيات ) او ( سجلّ السنين الجهمة ) او ( كاتب الغروب ) او ( شاعر العتمة ) , وكذلك سخر من القاموس الموسوعي السوفيتي , وقد استشهد بجملة عن تشيخوف من ذلك القاموس , وهي – ( ...يرسم تشيخوف في نتاجاته بحث المثقفين الروس عن الايديولوجية , ويحطّم علم النفس البورجوازي ..واوهام حركة الشعبيين الليبرالية ..ويطرح تعميمات اجتماعية ..ويخلق شخوصا نموذجية تجسّم النظام القيصري البوليسي .. ويعرض نمو العلاقات البورجوازية في المدينة والريف ..ويكتب عن فقر الفلاحين وتفكك النظام الاقطاعي – البورجوازي ...) , وقد استطاع ايرنبورغ فعلا ان يرسم في كتابه ذاك – وبابداع – صورة تشيخوف الفنية الرشيقة الشفافة .
اتصل (طالبي القديم ) مرة اخرى بعد أيام من استلامي لهديته , وسألني عن انطباعاتي بشأن تلك ( الهدية !) بعد ان هدأت العواطف , فضحكت أنا , وشكرته من جديد على هذا ( العمل الجميل ) , وقلت له , انني اطلعت على النص , ووجدت , ان ايرنبورغ يذكر هناك العشرات من اعلام الادب الروسي والادب العالمي والظواهر الفكرية وعناوين نتاجات ادبية مختلفة , وهذا مفهوم للقارئ الروسي , لكن تلك الاسماء والظواهر تتطلب كتابة هوامش توضيحية للقارئ العربي , وانني اخطط الان لاضافة عشرات الهوامش التفصيلية للكتاب بطبعته الجديدة , كي يكون مفهوما وممتعا للقارئ العربي , فضحك طالبي وقال , اني انتظر ( هديتك !) الجوابية على ( هديتي !) .... 

45
  شئ عن بليخانوف والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
قال لي احد اصدقائي القدامى قبل ايام قليلة ( وهو كان واقعيا يلومني تقريبا !!!) , انه لم يجد اسم المفكر الروسي الكبير بليخانوف في مقالاتي بشكل عام عن الادب الروسي طوال كل هذه السنوات التي أنشر فيها هذه المقالات , وسألني متعجبا , عن السبب , الذي جعلني (أتجاهل بليخانوف !!!) , وهو الاسم اللامع والمهم في تاريخ الادب الروسي . فوجئت أنا بدوري عند سماع سؤال صديقي القديم , وسألته  ( متعجّبا ايضا !!!) -  ومن أكون أنا , كي يكون لي موقف (التجاهل!) تجاه مفكّر شهير في تاريخ الفكر الروسي مثل بليخانوف؟  ضحك هذا الصديق وقال , ان جوابك يعني , انك تحاول ان تتهرب فعلا من الجواب الدقيق عن سؤالي المحدد والحاسم , وهذا دليل ملموس و     اكيد يبيّن انك تتجاهل بليخانوف حقا  , وانك – ببساطة وصراحة - لا تريد الاقرار او الاعتراف بذلك , اذ كيف يمكن الكتابة عن الادب الروسي دون التوقف عند بليخانوف او الاشارة الى آرائه حول هذا الادب , او الاستشهاد باقواله , التي جاءت في العديد من مؤلفاته حول الادب الروسي واعلامه , وخصوصا , في مجال النقد الادبي ؟ .
 لم أكن مستعدا في الواقع– لا نفسيا ولا فكريا -  لمناقشة صديقي وتفسيره لجوابي السريع حول هذا الموضوع , ولم أرغب بتذكيره , انني اكتب عن مختلف جوانب الادب الروسي طوال حياتي باعتباري قد درست هذا الادب ( في عقر داره !) و اصبحت متخصصا به وعاشقا له  ايضا, وانني عملت بعد انهاء دراستي لمدة اكثر من ثلاثين سنة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , اي ضمن اختصاصي العام والدقيق , وساهمت مع زملائي الآخرين بتدريس هذا الاختصاص للشباب العراقي في تلك الجامعة , و اضطررت ان اقول لصديقي فقط  , ان نظرته الى الادب الروسي ( وتلك هي المصيبة !) ترتبط بالسياسة قبل كل شئ , وليس بالادب الروسي ومظاهره واعلامه , وان هذه النظرة العراقية ( والعربية طبعا ) تنعكس في آراء الكثيرين من زملائي العراقيين و العرب ايضا , وان هذه النظرة (الضيّقة والمحدودة جدا) قد أضرّت واقعيا بالادب الروسي في عالمنا العربي بشكل عام , لانها ( اي هذه النظرة ) قد حوّلت هذا الادب الانساني العملاق الى ظاهرة سياسية ليس الا , والظواهر السياسية – كما هو معروف – غير دائمية , بل مؤقتة دائما , وذكرت له ايضا , اننا عانينا كثيرا من ( تسييس ) الادب الروسي في العراق ( سواء في الاوساط  الرسمية للدولة آنذاك , او في الاوساط الشعبية ايضا ) اثناء عملنا بالقسم المذكور في السبعينيات والثمانينيات من القرن الماضي بشكل خاص . لم يتفق صديقي مع تلك الآراء التي قلتها له, بل واحتج على كلامي هذا , وذكّرني , باني كتبت مقالات عديدة عن لينين وستالين وخروشوف وعلاقتهم بالادب الروسي وتفاعلهم مع اعلامه ومكانتهم في مسيرته , ولكنني لم اكتب بتاتا عن علاقة بليخانوف بهذا الادب , ولهذا قال لي , انه (استنتج !) تجاهلي للمفكر بليخانوف بشكل متعمد , وان هذا موقف واضح لكل من يتابع تلك المقالات عن الادب الروسي . شرحت لصديقي , ان كتاباتي عن لينين وستالين وخروشوف ارتبطت بموقعهم الرسمي في حكم الاتحاد السوفيتي وانعكاس هذا الموقع على مسيرة الادب الروسي , وان هذه ظاهرة طبيعية في البلدان ذات الحزب الواحد الحاكم , والذي لا يسمح بتاتا للرأي الآخر ان يتعايش ويتفاعل في ذلك المجتمع , وانني تكلمت في مقالاتي هناك عن وقائع محددة في تاريخ الادب الروسي ومصائر اعلامه , ولهذا , فان بليخانوف لا يدخل ضمن هذه الفئة , التي حكمت روسيا, او كانت في رأس السلطة هناك, وحاولت ان اوضح لصديقي , ان هذا المفكّر الروسي الكبير قد برز في مجال الفلسفة الماركسية وعلاقتها المتبادلة مع علم التاريخ وعلم الاقتصاد بالاساس , وان كتاباته عن النقد الادبي الروسي كانت مرتبطة بالذات مع اهتماماته تلك , وتوقفت طويلا عند معرفة بعض الفئات العربية اليسارية لبليخانوف نتيجة ترجمة بعض ( ونؤكّد على كلمة بعض ) نتاجاته الفكرية الى اللغة العربية في اواسط القرن العشرين  , وحاولت ان ابيّن له ( ولو بشكل غير مباشر ) ان رأيه حول مقالاتي في الادب الروسي جاء نتيجة لتلك المعرفة الجزئية لبليخانوف عند ذلك القارئ العربي المرتبط بالسياسة – اولا واخيرا - ليس الا , وحدثته في النهاية عن اقوال احد اساتذتي الروس حول بليخانوف , وخلاصتها , ان قيمة هذا المفكر الروسي تكمن في انه ( طوّع ) النظرية الماركسية حسب متطلبات الواقع الروسي , وان نظرته لم تكن ( نظريّة مجردة او جامدة ليس الا ! ) وانما كانت حيوية و ترتبط بواقع المجتمع الروسي ومستوى تطوره بصدق , ولهذا حاز على احترام الجميع , بما فيهم المضادين له فكريا .
صمت صديقي قليلا , ثم قال لي , انك ألقيت عليّ محاضرة باكملها عن بليخانوف , واود ان اشكرك عليها . ضحكنا معا , واخبرته, ان هناك مثل روسي طريف يقول – الصديق القديم افضل من صديقين جديدين ....



46
غائب طعمه فرمان وشولوخوف والتفاح الروسي
أ.د. ضياء نافع
كنت أتمشى مع غائب طعمه فرمان في الشوارع المحيطة بجامعة موسكو , وكان الوقت عصرا في نهاية آب / اغسطس , واقتربنا من  حديقة باكملها تضم اشجار التفاح فقط ومنسّقة بشكل هندسي رائع , وكان التفاح الجميل الناضج مفروشا على الارض , التفاح الذي سقط من تلك الاشجار , وبقي على الارض دون ان يقترب منه أحد بتاتا , بل وكانت عيون التفاح ( المكحّلة باللون القرمزي !) تحدّق بنا وتدعونا ان نلتقطها , وقد ( راودتني نفسي!) فعلا على ( تلبية !) نداء تلك العيون , لكني ترددت خجلا من الكاتب الكبير والمترجم الكبير غائب , فطرحت عليه سؤالا حول هذا المنظر السريالي الغريب , وسألته بشكل غير مباشر عن تفسيره لهذه الظاهرة , اذ انه ( موسكوفي عتيق !) .  ضحك ابو سمير وقال وهو يقهقه – نعم , نعم , انه منظر سريالي فعلا , تفاح حقيقي معروض على الارض مجانا , ولكن الروس لا يلتقطونه , بل و حتى لا ينظرون اليه , فقلت له , ولكننا عراقيين , فهل يمكن لي ان أختار ولو تفاحة واحدة لأجرّب طعمها , استمر غائب بقهقهته وهو يقول , طبعا طبعا , تفضل تفضل , فرفعت تفاحة ناضجة , وقلت لغائب بعد ان ذقتها , انها لذيذة جدا , وسألته , لماذا ذهب الروس الى الاراضي البكر البعيدة , كي يحرثوها ويزرعوها ويبذلوا كل هذه الجهود الهائلة من اجل ذلك , اذا كانت اراضيهم صالحة للزراعة حتى في ضواحي مدنهم الكبيرة مثل موسكو , وامامنا الان ( سجّادة التفاح!! ) مفروشة في الشارع الروسي ولا يوجد حتى من يرغب بالنظر الى اكوام التفاح هذه ؟ قال غائب (وهو ينظر اليّ باستغراب) , وهل تعتقد , اني استطيع الاجابة عن سؤالك الغريب هذا , والذي يرتبط بمسيرة التاريخ الروسي المتشابك ؟, فقلت له , ولكنك ترجمت رواية شولوخوف – الارض البكر حرثناها , والتي حوّلت انت عنوانها المستقر بالعربية الى عنوان جديد هو – ارضنا البكر , اي انك فكّرت عميقا بشأن هذه الرواية , لدرجة انك غيّرت – وبشكل جذري واضح - حتى بنيّة عنوانها , والذي أصبح ( حسب وجهة نظري الشخصية ) بعيدا عن الاصل الروسي مقارنة بالعنوان العربي المذكور, ولهذا طرحت أنا عليك هذا السؤال , لأني كنت على قناعة تامة , انك تعرف الاجابة , فضحك غائب وقال , وهل تعتقد انني انا شخصيا الذي اخترت هذه الرواية كي اترجمها ؟ فتعجبت أنا من طبيعة سؤاله , وقلت له , من المفروض ان يكون الامر هكذا , فقال لي , انه مثل كل من يعمل في مجال الترجمة هناك ينفّذ خطط دار النشر التي يعمل بها , وان الادارة الروسية  في تلك الدار هي التي تحدد الكتب الروسية للترجمة , وهي التي تحدد المترجمين لتلك الكتب , ولا تستشير المترجمين حول ذلك ابدا , بل هي تصدر الاوامر الادارية ليس الا , ونحن ننفذها دون اي اعتراض او حتى ابداء الرأي حول ذلك . تعجبت انا من هذا التوضيح ونكهته (الديكتاتورية الفظّة!), وقلت له , انه يعيش في موسكو منذ سنوات طويلة , وانه كاتب عراقي شهير ومهمّ في اطار العراق والعالم العربي برمّته , ومترجم بارز للادب الروسي الى العربية منذ زمن طويل , وكنت أظن , انك الان بمثابة مستشار ثقافي لدار النشر هذه . نظر غائب بأسى وقال , ينطبق عليك المثل العراقي الطريف – (اليدري يدري والما يدري كضبة عدس) .  شعرت ان غائب أخذ يتألم , وهو يتحدث عن علاقة دار النشر السوفيتية به , ولهذا حاولت رأسا تغيير الموضوع , وطرحت عليه سؤالا غير متوقع له , وقلت , من المؤكد انك التقيت بشولوخوف يوما - ما , وربما عندما كنت تترجم روايته تلك , فهل سألته , لماذا كتب هذه الرواية عن الاراضي البكر , بينما توجد حولهم مثل هذه الاراضي الخصبة , التي تمنحنا التفاح اللذيذ مجانا ؟ فضحك غائب وقال , انك فعلا (بطران!) , ضحكت انا وحاولت مرة اخرى تغيير طبيعة الحديث , بعد ان فهمت , ان غائب لا يمكن ان يلتقي بشولوخوف , فقلت له , (بطران) بلهجتنا العراقية , ولكن كيف نعبّر عن معناها بالعربية الفصيحة ؟ فقال وهو مستمر بالضحك – انا مثلك لا اعرف ...
 ختاما ,اود ان أذكر بعض الملاحظات الضرورية حول هذه السطور . اولا , حدثت هذه (السالوفة!) بتاريخ آب 2022 ليلا . ثانيا , لا اعرف كم استغرقت هذه الحكاية من وقت . ثالثا , عندما استيقظت من النوم , فهمت , ان هذا المنام الجميل – شكلا ومضمونا - يستحق التسجيل فعلا . رابعا , ان هذا المنام يعني , ان غائب طعمه فرمان حي يرزق بالنسبة لي شخصيا , وانه يرتبط – في أعماق روحي وعقلي وقلبي - بالتفاح الروسي والادب الروسي وترجمة هذا الادب الى العربية وبالتاريخ الروسي ايضا . خامسا واخيرا , اريد ان اقول – ان غائب طعمه فرمان موجود بيننا , نحن العراقيين , رغم انه رحل عن عالمنا في شهر آب / اغسطس من عام 1990 في موسكو , وتمرّ هذه الايام الذكرى( 32 ) لرحيل هذا المبدع العراقي الكبير , وكلماتي هنا هي بمثابة باقة ورد له في هذه الذكرى ...       

47
عن الذكرى المئوية الثانية لميلاد تولستوي
أ.د. ضياء نافع
ولد ليف نيقولايفتش تولستوي عام 1828 , وتستعد روسيا للاحتفال عام 2028 بالذكرى المئوية الثانية لميلاد مؤلف رواية ( الحرب والسلم ) , الرواية التي لا مثيل لها في مسيرة الادب عالميا , وبدأت الاستعدادات لهذه الاحتفالات  في روسيا الان , اي قبل ست سنوات من تلك الذكرى , فقد اصدر الرئيس الروسي (بتاريخ شباط / فبراير 2022) امرا رئاسيا بشان البدء في التحضير لهذه الاحتفالات في عموم روسيا , ويعدّ هذا الامر الرئاسي وثيقة رسمية تعني ( فيما تعنيه ) الاهمية الاستثنائية , التي توليها روسيا للاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لعملاق الادب الروسي والعالمي ليف تولستوي . ينص هذا الامر الرئاسي على ضرورة تشكيل لجنة خاصة لتنظيم هذه الاحتفالات والاشراف على تنفيذها في عموم روسيا الاتحادية , وحدد الامر الرئاسي مدة ستة أشهر لتنفيذ ذلك , وفعلا , أصدر رئيس الوزراء الروسي بتاريخ آب / اغسطس 2022  أمرا اداريّا لاحقا للامر الرئاسي المذكور حول تشكيل هذه اللجنة المركزية المشرفة على الاحتفالات  برئاسة مدير ديوان رئاسة روسيا الاتحادية وعضوية وزير الثقافة ووزير المالية ووزيرالعلوم والتعليم العالي ورئيس اكاديمية العلوم الروسية ورئيس لجنة الدولة للمطبوعات الدورية وصناعة الكتب ورئيس متحف تولستوي الحكومي ومدير عام المكتبة الوطنية الروسية ورئيس معهد غوركي للآداب ورئيس جامعة موسكو والرئيس الفني لمسرح موسكو للفن الحديث واعضاء آخرين . ان النظرة الاولية لاسماء هذه اللجنة تبين - وبكل وضوح – الاهمية القصوى التي توليها الدولة الروسية للاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لميلاد تولستوي , اذ ان رئيسها على اتصال دائمي بالرئيس الروسي بحكم منصبه , والاعضاء فيها يمثلون العناصر الاساسية لتنفيذ عمل هذه اللجنة , مثل وزير الثقافة والمالية والتعليم العالي ورؤساء المؤسسات الثقافية مثل اكاديمية العلوم والجامعات المختصة ومتحف تولستوي والمكتبات العامة والنشر ...الخ , وقد علّق أحد اصدقائي الروس على تشكيل هذه اللجنة ضاحكا , ان الدولة الروسية اصطادت (ثلاثة عصافير بدلا من عصفورين !!!) بحجر واحد , اذ انها اثبتت اولا الاهمية الكبيرة التي توليها للقيام بهذه الاحتفالات بالذكرى المئوية الثانية لتولستوي , وثانيا , تريد ان تثبت للعالم ان روسيا دولة عظمى في تراثها الفكري ومكانتها الثقافية عالميا في هذه الاوقات الحرجة من تاريخها , حيث تدور الحرب الروسية – الاوكرانية منذ اكثر من سبعة اشهر , وان هذا الحدث العالمي ( اي الحرب ) يمرّ خلال منعطفات دولية في غاية التعقيد , وتحاول الدولة الروسية ان تقول للعالم , ان هذه الحرب لا تعرقل روسيا بتاتا ولا تؤثر عليها بشأن القيام بالاحتفالات الواسعة والمتنوعة لكاتب روسي و عالمي بمستوى تولستوي , وثالثا , ان الحديث عن تولستوي يعني الكلام عن انتصار الروس في حروبهم عبر التاريخ الروسي كما كتب تولستوي في ( الحرب والسلم ) عن اندحار نابليون في حربه ضد روسيا او في قصص سيفاستوبول (او سيباستوبول كما يكتبها العرب ) وبطولات حرب القرم الشهيرة , وفي الاعادة افادة كما يقول المثل المشهور , فقلت لهذا الصديق الروسي ضاحكا ايضا , ان روسيا قد ( اصطادت فعلا ثلاثة عصافير !) , وكل ذلك بفضل تولستوي ليس الا , فما أعظم الادب (وبقية انواع الفنون الاخرى طبعا ) عندما يوجد اناس في ادارة الدولة يتفهمون دور تلك الفنون في مسيرة الحياة الانسانية وشعابها , ويعرفون كيفية توجيه هذا الدور لخدمة الاهداف النبيلة .
في الذكرى المئوية الاولى لتولستوي عام 1928 احتفل الاتحاد السوفيتي آنذاك بشكل مهيب جدا , وعندها ابتدأ طبع المؤلفات الكاملة لتولستوي , وهكذا ظهرت المؤلفات الكاملة له بتسعين مجلدا , وهو أجمل تكريم لاي كاتب في العالم , وفي الذكرى المئوية الثانية لتولستوي ابتدأت روسيا بطبع المؤلفات الكاملة له مرة اخرى , ويتوقعون هذه المرة ان يتخطى عدد مجلداتها المئة , اذ تم ايجاد الكثير من المخطوطات الجديدة من مسودات ومذكرات لم يسبق نشرها سابقا , وكلها وثائق ترتبط بتولستوي , وبالتالي , تمتلك اهمية في اكتمال الدراسه المعمقة لهذا المفكر الكبير وتحديد افكاره ودورها في روسيا وفي العالم قاطبة .
ختاما لهذه السطور اريد ان اشير , الى اني ( أحلم !) بصدور كتاب في بغداد بالذكرى المئوية الثانية لهذا الكاتب العملاق عنوانه - ( تولستوي في العراق ) , كتاب يسجل ألاعمال الابداعية من بحوث وترجمات قدّمتها اقلام عراقية حول تولستوي مثل - غائب طعمه فرمان و حياة شرارة ومحمد يونس و نجيب المانع وخيري الضامن وعبد الله حبه وجودت هوشيار وتحسين رزاق عزيز وفالح الحمراني و..و..و...الخ , كتاب يجرد المجلات الفكرية والصحف العراقية ويشير في الاقل الى عناوين تلك المقالات حول تولستوي ابتداءا من مجلة انستاس الكرملي (لغة العرب ) , اذ اني وجدت (عندما كنت أتصفح هذه المجلة الرائدة ) اسم تولستوي في احدى اعدادها , وكم أتمنى ان يحقق زملائي وطلبتي سابقا , (وهم الان تدريسيّون يحملون درجات علمية رفيعة) في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , ان يحققوا (حلمي!) المتواضع والجميل والمهم طبعا , اذ ان انجاز هذا الحلم ( يخفّف قليلا من جراحات عراقنا !).....






48
المنبر الحر / الطريق نحو بوشكين
« في: 20:59 21/09/2022  »

الطريق نحو بوشكين
أ.د. ضياء نافع
 ( الطريق نحو بوشكين ) – عنوان مقالة  تشغل نصف صفحة تقريبا , رأيتها بجريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 7 – 13 ايلول / سبتمبر 2022 , وقد أثارهذا العنوان عن بوشكين اهتمامي رأسا , اذ اني ظننت , ان هذه المقالة تتناول بالتحليل تلك الاسماء الادبية اللامعة في تاريخ الادب الروسي , التي سبقت ظهور بوشكين في مسيرة الشعر الروسي , وبالذات في  القرن الثامن عشر  وبداية القرن التاسع عشر , مثل لامانوسوف وديرجافين وجوكوفسكي وغيرهم , وكيف ان بوشكين قرأ واستوعب – وهو في مرحلة الصبا – كل نتاجاتهم الابداعية في مجال الشعر , واستطاع – بعبقريته ومهارته الذاتية - بعدئذ ان يبلّور لغته الشعرية الرائدة الخاصة به , وان يؤدّي هذا الدور الكبير في وضع اسس اللغة الروسية المعاصرة ويصبح مصدرا لها في مسيرة لغة امته ولحد الان لدرجة , ان روسيا الاتحادية وحّدت يوم ميلاد بوشكين  مع اليوم العالمي للغة الروسية لأنهما عنصران لا ينفصمان عن بعضهما عضويا , وهو موضوع كبير ومهّم جدا في تاريخ الادب الروسي لم يتناوله الباحثون العرب كما يجب بشكل عام , وبالتالي , فانه لا يزال شبه مجهول للقارئ العربي , ولكني عندما بدأت بقراءة المقالة المذكورة , فوجئت جدا بمسألة اخرى تختلف عن ذلك جذريا ( حتى من السطر الاول لتلك المقالة !!!) , اذ اني اكتشفت شيئا آخر نهائيا , شيئا لم يخطرعلى البال للوهلة الاولى , واود في هذه السطور ان اتحدث عن هذا (الشئ !) الغريب وغير المتوقع , الذي وجدته في تلك المقالة , لأني اعتقد جازما , ان هذا الشئ  (الذي يرتبط طبعا ببوشكين وموقعه ومكانته في قلوب الروس كافة وفي الوعي الاجتماعي الروسي بشكل عام ) يستحق فعلا ان نتحدث عنه للقارئ العربي بتفصيل , وان نشيد به ايضا , اذ انه يرسم لوحة جميلة وجديدة ومبتكرة تماما عن موقف الشعب الروسي من بوشكين .
تبتدأ السطور الاولى من المقالة المذكورة باعلان عن افتتاح معرض شخصي في موسكو بتاريخ 7 ايلول / سبتمبر بقاعة ( ارتيفاكت ) و تحت هذه التسمية ( اي الطريق الى بوشكين ) لفنان تشكيلي اسمه بوريس ديودوروف , ويعرّفه كاتب المقالة , بانه يحمل تسمية ( فنان الشعب ) , وهي تسمية متميّزة يتم منحها – وبشكل رسمي من قبل الدولة - للفنانين البارزين  في روسيا تقييما ودعما لدورهم المتميّز في مسيرة الفنون الروسية , ويشير كاتب المقالة الى ان هذا الفنان التشكيلي حاصل ايضا على جائزة رئيس دولة روسيا الاتحادية . لم افهم للوهلة الاولى ما هو المقصود من هذا الاعلان , وما هي العلاقة بين هذا المعرض الفني و(الطريق نحو بوشكين) , و حتى ظننت للوهلة الاولى , ان هناك خطأ مطبعي في هذه المقالة  ليس الا , وتعجبت من حدوث هذا الخطأ المطبعي في عصرنا وبصحيفة بمستوى ليتيراتونايا غازيتا , حيث التقنية الحديثة الالكترونية تتفادى وتعالج رأسا مثل هذه المظاهر ( العتيقة ) , التي كانت غالبا ما تحدث ( أيام زمان !), خصوصا عندنا وفي صحافتنا ومطبوعاتنا , الا ان الاستمرار بقراءة المقالة قد اوضح لي , بعدم وجود اي خطأ مطبعي , كما ظننت اول الامر , اذ تبين , ان هذا الفنان التشكيلي الروسي قد كرّس نفسه طوال حياته لرسم لوحات خاصة لكتب بوشكين , لوحات تجسّد تلك المواضيع التي يتناولها بوشكين في نتاجاته المختلفة المتنوعة , وتنشر دور النشر تلك اللوحات على صفحات كتب بوشكين , وقد بلغت اعداد هذه اللوحات رقما مذهلا , وهو ( 3000 ) لوحة فنية , وقد قرر هذا الفنان التشكيلي ان يعرض هذه اللوحات في متحف خاص أقامه في مدينته الروسية الصغيرة , (   وأخذ هذا الفنان على عاتقه تكاليف تنظيم هذا المتحف ), وأيّدت الفكرة وتنفيذها بهذا الشكل مجموعة من مثقفي تلك المدينة  , وتم تشكيل لجنة تضم العشرات من هؤلاء المثقفين المتطوعيين للاشراف على هذا المتحف المتميّز فعلا , والذي أطلقوا عليه تسمية – ( الطريق نحو بوشكين ) , لأن تلك اللوحات تجذب المشاهد نحو نتاجات بوشكين , وتجعله يعود لقراءة تلك النتاجات مرة اخرى واخرى كي يفهم عمق تلك اللوحات المرتبطة بابداع بوشكين , اي ان تلك اللوحات تشكّل فعلا ( الطريق نحو بوشكين ) , فما أجمل هذه الفكرة وما أجمل هذا المتحف الفريد من نوعه في روسيا . وحفاظا وتطويرا لهذه الفكرة , والتي تم تنفيذها فعلا في تلك المدينة الصغيرة , توجهت اللجنة المشرفة بنداء الى الدولة الروسية لتبني هذا المتحف , وجعله تحت اشراف الدولة , الا انهم لم يستلموا جوابا ايجابيا من الجهات الرسمية , التي فاتحوها , ولهذا قرروا الكتابة في وسائل الاعلام الروسية عن متحفهم هذا ,واضافوا , انهم مستعدون ان يستمروا بعملهم , حتى اذا لم تستجب الدولة لهم , وانهم مستعدون ان يقوموا بحملة تبرعات من كل الذين يؤيدون هذه الفكرة , كي يستطيعوا الاستمرار بتمويلها .
بعد ان انتهيت من قراءة تلك المقالة , قررت رأسا الكتابة للقارئ العربي عن هذه الفكرة الرائدة و المدهشة , وذلك تأييدا لهذه المبادرات الابداعية الشخصية , وتمنيّت لو يبرز شخص بيننا , ليعمل الشئ نفسه للفنان التشكيلي العظيم يحيى الواسطي ولوحاته لمقامات الحريري , كي يكون عندنا متحف (الطريق نحو لوحات الواسطي ومقامات الحريري) , لكني اعرف, ليس بالتمنيات وحدها يحيا الانسان... 


49
قراءة في كتاب
تشيخوف والادب العالمي
ا. د. ضياء نافع

تشيخوف والادب العالمي - هو عنوان كتاب روسي كبير بثلاثة اجزاء، صدر الجزء الاول منه عام 1997 والجزء الثاني والثالث عام 2005، والاجزاء الثلاثة للكتاب تقع في حوالي (1900) صفحة من القطع الكبير، ومن الواضح تماما، ان هذا الاصدار يعتبر جهدا علميا موسوعيا مدهشا ولا نظير له في المكتبة الروسية عن تشيخوف، وليست المكتبة الروسية فقط، وانما في مجال الدراسات العالمية عن تشيخوف بشكل عام، وقد ساهم في اعداد هذا المصدر والمرجع المهم عن تشيخوف مئات (نؤكّد على كلمة مئات!) المتخصصين من روسيا وبعض الدول الاجنبية الاخرى (بالاساس الدول الاوربية)، هؤلاء الذين يتابعون ويدرسون نتاجات تشيخوف الادبية ومكانة هذا الابداع المتميّز وانعكاساته وتفاعلاته في الاداب العالمية .

 منهج الكتاب ينطلق من مفهوم محدد لمصطلح (الادب العالمي)، وجوهر هذا المفهوم يكمن في ان الادب يعدّ ظاهرة قومية من ظواهر الفنون،لأنه يرتبط باللغة القومية (اي انه يبقى في اطار تلك الامّة فقط مهما يكن عظيما)، ولكن هذه الظاهرة القومية تتحول الى ظاهرة عالمية عندما يستطيع القراء خارج تلك الامّة من متابعة ذلك الادب بلغاتهم القومية (اي يقوم المترجمون بترجمته الى اللغات الاخرى وايصاله الى شعوبهم)، وغالبا ما يتحدث الباحثون في هذا المجال ونقاد الادب بشكل عام عن شكسبير، ويعتبرونه نموذجا مثاليا واضح المعالم لمصطلح الادب العالمي، لان القراء في العالم يستطيعون – ومنذ زمن بعيد - قراءة نتاجات شكسبير بلغاتهم المتنوعة والمختلفة، وتتفاعل تلك النتاجات مع الاداب القومية في تلك البلدان (تذكّرت سامي عبد الحميد وهاملت عربيا، وهو غيض من فيض كما يقول تعبيرنا الطريف) . ومن هذا المفهوم المحدد والدقيق ينطلق كتاب (تشيخوف والادب العالمي) بأجزائه الثلاثة، اذ انه يتناول كيفية تعامل الشعوب الاخرى مع نتاجات تشيخوف من قصص قصيرة وطويلة ومسرحيات، وكيف اصبح هذا الكاتب الروسي أحد أعلام الادب العالمي نتيجة لترجمة نتاجاته الى لغات عديدة متنوعة، مع التأكيد، ان مختلف الشعوب هذه قد تقبّلت نتاجات تشيخوف، لأن تلك النتاجات ذات (وجه انساني ناصع !)، وبالتالي، اصبحت هذه النتاجات جزءا لا يتجزأ من آداب تلك الشعوب (تذكّرت بدري حسون فريد وتحويره لقصة تشيخوف (الحرباء)، حيث اصبحت مسرحية، وتذكّرت عادل كاظم، الذي حوّل قصة (المنتقم) لتشيخوف الى مسرحية ايضا، وكل ذلك حدث قبل اكثر من خمسين سنة في عراقنا الحبيب).

لنتوقف الان قليلا عند هذا الكتاب الكبير . يجب القول بدءا، باستحالة عرض هذا المرجع المهم عن تشيخوف بكلمات وسطور محددة، مهما تكن هذه الكلمات والسطور، وأظن، انه من الكتب النادرة في تاريخ الادب الروسي، الذي يمكن ان يتحول الى موضوع لمؤتمر علمي متكامل عن تشيخوف، مؤتمر يتناقش فيه المشاركون حول كل فصل من فصول هذه الاجزاء الثلاثة، فمثلا، تناول الجزء الاول (الذي يقع في 614 صفحة من القطع الكبير) كيف تعاملت كل من فرنسا والمانيا والنمسا وانكلترا وايرلندا وبلجيكا مع ابداع تشيخوف، ويكفى الاشارة هنا، الى ان الجزء الخاص بفرنسا يشغل حوالي 111 صفحة، ويوجد فيه فصل خاص بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي الفرنسي يشغل حوالي 50 صفحة، وقد استخدم الباحث المصادر الفرنسية الصادرة حول تشيخوف من عام 1960 الى عام 1983 ليس الا لكتابة هذا الجزء، (تذكرت، اننا انجزنا اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد باشرافي العلمي بعنوان – تشيخوف في النقد الادبي العربي قبل اكثر من عشرين سنة، ولكن الفرق بيننا وبينهم يكمن، في انهم نشروا بحثهم هذا في مصدر عالمي، حيث يمكن للمهتمين كافة الاطلاع عليه، أما بحثنا فقد طواه النسيان، ولم يعد يتذكره أحد لا في العراق ولا في جامعة بغداد) .

الجزء الثاني من هذا الكتاب تناول ابداع تشيخوف في بولندا وبلغاريا وتشيخيا وسلوفاكيا وصربيا وكرواتيا وهنغاريا ورومانيا واليونان واسبانيا والبرتغال والدنمارك والنرويج وفنلندا، وتم تكريس الجزء الثالث للدول الشرقية مثل الصين والهند واليابان وكوريا وفيتنام ..الخ، ويوجد في هذا الجزء فصلان عننا، نحن العرب، الاول بعنوان – تشيخوف في البلدان العربية، كتبته المستشرقة المعروفة المرحومة الميرا علي زادة، وهو بحث يعتمد مصادر عربية قديمة نسبيا عن تشيخوف (رغم اني فرحت عندما رأيت هناك صورة فوتوغرافية لكتاب دار اليقظة العربية في دمشق لمؤلفات تشيخوف المختارة بترجمة الاخوين فؤاد وسهيل ايوب، الصادر في الخمسينيات)، اما الفصل الآخر، فكان بعنوان – تشيخوف في العراق، وهو البحث الذي كتبه الباحث السوفيتي جوكوف، والمنشور قبل اكثر من أربعين سنة، وهو بحث يتكلم عن تاثير تشيخوف في ادب شاكر خصباك وادمون صبري، والآراء المنشورة عند جوكوف حول هذا التأثير لا تعدّ وقائع دقيقة، ويمكن ان تخضع للمناقشة حتما، الا ان هذا موضوع خارج اطار مقالتنا . وفي ختام الجزء الثالث توجد مراسلات تشيخوف مع مترجميه الاجانب (من 11 دولة اوربية)، وهذه المادة جديدة في المصادر الروسية عن تشيخوف، ويمكن ان تساهم – بلا شك - في الدراسات المستقبلية عن عالمية تشيخوف .

كتاب تشيخوف والادب العالمي – وثيقة في غاية الاهمية تثبت، بشكل علمي واضح، مكانة تشيخوف في مسيرة الادب العالمي ....

***

أ.د. ضياء نافع

50
عن سلسلة كتب (التراث الادبي) الروسية
أ.د. ضياء نافع
صدر الكتاب الاول في هذه السلسلة من الاصدارت حول التراث الادبي الروسي عام 1931 في الاتحاد السوفيتي , ولا زالت اصدارات هذه السلسلة مستمرة لحد الان في روسيا الاتحادية ( ونحن في عام 2022 ) , دون تحديد موعد مسبق لتاريخ اصدار الكتاب اللاحق , وقد بلغ مجموع عناوين الكتب التي صدرت منذ عام 1931 والى الوقت الحاضر اكثر من مئة عنوان , وبعض تلك الكتب تقع بعدة أجزاء , ولهذا , فان عدد الكتب الاجمالي لهذه السلسلة قد بلغ حوالي مئتي كتاب ( والتي تحوّلت طبعا الى مصادر مهمة وضرورية جدا ولا يمكن الاستغناء عنها بتاتا في مسيرة البحث العلمي حول الادب الروسي واعلامه ) . يشرف على اعداد هذه السلسلة واصدارها معهد غوركي للادب العالمي , والمعهد المذكور هو مؤسسة علميّة مكرّسة لشؤون البحث في العلوم الانسانية , والمؤسسة هذه تابعة لاكاديمية العلوم السوفيتية ( زمن الاتحاد السوفيتي ) و الروسية حاليا , وتقوم دار نشر ( ناووكا )(العلم ) الروسية المعروفة بطبع هذه السلسلة من الكتب ونشرها وتوزيعها داخل روسيا وبعض الدول الاوربية الاخرى ايضا , وقد أخذت بعض دور النشر الروسية للقطاع الخاص في الفترة الاخيرة باعادة طبع مختارات من تلك الكتب , خصوصا تلك التي صدرت قبل سنوات بعيدة , ونفذت نهائيا من الاسواق , ولازال طلب القراء عليها قائما .
 تقع كل هذه الاصدارات في حدود مئات الصفحات من القطع الكبير عموما , و تحتوي عادة على دراسات معمّقة يكتبها متخصصون واكاديميون , وتكون مليئة بالصورالمتنوعة والوثائق الخاصة ( والتي تنشر لاول مرة في كثير من الاحيان بالاساس ) حول ذلك الكاتب الروسي , الذي تختاره هيئة التحرير , كي يكون موضوعا لذلك العدد من تلك السلسلة, وتحاول هذه السلسلة ان تتميّز في اصداراتها عن دور النشر الاخرى , فقد نشرت كتبا لا نظير لها فعلا في المكتبة الروسيّة ,  فمثلا , اصدرت كتابا في جزئين عن  تورغينيف بعنوان - ( من الارشيف الباريسي ) , وهو ارشيف واسع وغنيّ جدا بالوثائق الادبية, اذ ان تورغينيف كان طوال حياته يتنقل بين روسيا وفرنسا , وله علاقات واسعة جدا مع الادباء الفرنسيين المعروفين آنذاك , و من المعروف , ان تورغينيف قد توفي في باريس وجلبوا جثمانه الى روسيا لدفنه في وطنه , و اصدرت كتابا آخر عن تورغينيف ايضا بعنوان ( مواد جديدة ) , او , بعنوان – دستويفسكي ( وثائق جديدة ) , وكتابا آخر عن دستويفسكي بعنوان – ( دستويفسكي المجهول ) ويتضمّن دفاتره ومذكراته , او , الجديد عن ماياكوفسكي ( والذي صدر عام 1958 , اي بعد حوالي ثلاثين سنة من انتحاره ) , او , لينين و لوناتشارسكي ( مراسلات , محاضرات , وثائق ), وهي مواد مهمة جدا في تاريخ الادب الروسي الحديث وتتضمن وقائع مهمة للادب والفكر الروسي وللتاريخ الروسي في القرن العشرين ايضا , وكذلك  اصدرت هذه السلسلة كتابا عن الشاعر بلوك يقع بخمسة اجزاء باكملها , و عن اليكسي تولستوي بخمسة أجزاء ايضا , بل ويوجد بين هذه الاصدارات كتاب طريف جدا و متميّز فعلا بعنوان – الثقافة الروسية وفرنسا ( و بثلاثة أجزاء ! ) , وهو مصدر فريد في المكتبة الروسية حول هذا الموضوع , وكتاب آخر ( في نفس المواصفات ) بعنوان - الارتباطات الادبية الروسية – الانكليزية , وهناك طبعا امثلة كثيرة اخرى عن هذه التنوّع المدهش من الاصدارات حول التراث الادبي الروسي لا يمكن حتى الاشارة اليها في هذا العرض السريع لكتب هذه السلسلة , ولكني – ختاما – اريد ان اتوقف قليلا عند كتاب قريب لي روحيّا ( ان صح التعبير ) ضمن هذه السلسلة , وهو بعنوان – ( تشيخوف ) , هذا الكتاب الذي صدر بمناسبة الذكرى المئوية الاولى لميلاد تشيخوف . الكتاب المذكور عزيز جدا بالنسبة لي شخصيا , لانه ( ساعدني !!!) بقبولي في قسم الدراسات العليا بجامعة باريس في ستينيات القرن الماضي , وقد سبق لي ان كتبت في مقالاتي عن ذلك تفصيلا , واعود هنا للتذكير بذلك , اذ ان ذلك الحدث يرتبط بالذات بسلسلة هذه الكتب , وموجز هذه ( المساعدة !) يكمن , في ان مشرفتي العلمية المرحومة البروفيسورة صوفي لافيت سألتني في المقابلة الاولى معها ( المقابلة الحاسمة في قبولي من عدمه ) عدة اسئلة عن تشيخوف , وكنت اجاوب قدر معلوماتي آنذاك , وعندها سألتني – هل اطلعت على البحث العلمي بعنوان ( تشيخوف في فرنسا ) , اجبتها رأسا – نعم , وهو منشور في الكتاب عن تشيخوف , الذي صدر ضمن سلسلة ( التراث الادبي ) , فطلبت منّي الحديث عن مضمون البحث , فقلت لها , انه بحث جميل يتناول تاريخ ترجمات تشيخوف الى الفرنسية وكيف اصبح واحدا من اشهر الادباء الروس في فرنسا , وقلت لها , ان الباحث ارفق بحثة بصور وثائقية كثيرة عن الكتب الفرنسية حول تشيخوف والعروض لمسرحياته على المسارح الفرنسية , فسألتني , ومن هو هذا الباحث , فقلت لها , اسم فرنسي لا اذكره , فقهقت البروفيسورة لافيت وقالت – انه أنا . اصابني احراج هائل , وبدأت بالاعتذار وانا ( اتلعثم !) , فقالت لي وهي تبتسم – لقد كانت اجابتك حقيقية , وهكذا وافقت في نهاية المقابلة على قبولي , وكانت لحظة من اللحظات التي لا يمكن للانسان ان ينساها في مسيرة حياته , وقد تذكرت كل ذلك وانا اكتب هذه السطور عن سلسلة كتب التراث الادبي , هذه السلسلة المهمة جدا في تاريخ الادب الروسي , والتي قدّمها لنا – مشكورا - معهد غوركي للادب العالمي , التابع لاكاديمية العلوم الروسية .         

51
المنبر الحر / بوشكين والجواهري
« في: 22:49 01/09/2022  »
بوشكين والجواهري
أ.د. ضياء نافع
تابعت قبل ايام قليلة اخبار وصور افتتاح بيت الجواهري وتحويله الى متحف ادبي رشيق , و هو البيت المتواضع الذي يقع بمحلّة القادسية في بغداد , والذي كنت عدة مرّات في ضيافته واعرفه حق المعرفة ,  وكم فرحت بتلك الاخبار (رغم اننا جميعا غارقون في بحر الاحزان) , وقد ذكّرتني هذه الاخبار بحدثين اثنين في مسيرة حياتي , يرتبطان بالجواهري وبوشكين معا , وعلى الرغم من انها بسيطة جدا , الا ان بعض الاصدقاء (الذين يعرفون تفاصيلها)  قالوا لي , ان هذه الاحداث الطريفة تستحق ان تكون ضمن الوثائق الكثيرة عن الجواهري والادب الروسي خصوصا , وروسيا عموما , وها انا ذا اسجّلها واهديها لهم , و كذلك اهديها لكل من يرى , ان الجواهري هو بوشكين العراق من حيث المكانة الطليعية في قمة الشعر ببلديهما , ومن حيث الاهمية الفكرية وقيمتها في تاريخ الادب الروسي والعربي , رغم كل الخصائص والسمات الفنية المتباينة جدا لكليهما و الاختلافات  الجوهرية الهائلة بينهما .
الحدث الاول جرى في بداية سبعينيات القرن العشرين ببغداد , اذ وصل آنذاك وفد سوفيتي كبير برئاسة نائب رئيس حمهورية ارمينيا السوفيتية , وكان الوفد يضمّ عشرات الفنانين والفنانات والمستشرقين السوفيت , وقد طلبت منيّ وزارة الثقافة والاعلام ان اكون مترجما للوفد , فوافقت بكل سرور , وكان في برنامج الزيارة حفل ضخم في السفارة السوفيتية ببغداد , وكان الجواهري من جملة الشخصيات العراقية البارزة المدعوة لذلك الحفل , وقد حضر الجواهري باناقته المعروفة الجميلة , و(عرقجينه!) الكردستاني المتميّز على رأسه , وخصلات شعره الاشيب وهي (تتطاير!) يمينا ويسارا , واستقبله السفير السوفيتي بحفاوة كبيرة , وطلب منه – بعد فترة - ان يلقي للضيوف بعض اشعاره , وهكذا وقف الجواهري بقامته الرشيقة شامخا – كعادته - في القاعة , و ألقى (بصوته الرخيم وطريقته الفنية وحركات يديه)  بعض الابيات من قصيدته المشهورة عن سواستبول –
يا سواسبول سلام ...لا ينل مجدك ذام ...يذهب الدهر ويبقى ... من تفانيك نظام ...الخ ..الخ
وصفّق له الحاضرون ( من عراقيين وسوفيت ) باعجاب وحماس كبيرين , وطلبوا منيّ , باعتباري المترجم للوفد , ان (اترجم !!) لهم القصيدة , فوقفت امامهم و طرحت عليهم سؤالا بالروسية , وهو – لو ان بوشكين يلقي قصيدة له امامكم , فهل يقدر المترجم ان يترجمها الى لغة اخرى بشكل فوري كما تطلبون منّي الان ؟ ضحك الجميع وهم يقولون – طبعا لا يقدر , فقلت لهم , وانا ايضا لا اقدر ان اترجم قصيدة الجواهري , فهو بوشكين العراق والعالم العربي , وانما استطيع ان احدثكم عن مواضيعها ومضامينها وبعض صورها الفنية ليس الا , وهذا ما حدث , ثم ذهبت الى الجواهري وهمست في اذنه بايجاز حول ذلك , وقلت له , انني أسميته – بوشكين العراق والعالم العربي , فانتعش الجواهري جدا لهذه التسمية (مثل الطاووس , كما اخبرني فيما بعد احد الحاضرين في الحفل آنذاك ) , خصوصا ان الجواهري كان محاطا بالفنانات الروسيات , وهي مسألة حسّاسة جدا (لبوشكين العراق!) ونقطة ضعفه .... 
الحدث الثاني كان في مدينة فارونش الروسية عام 2009 , عندما قام مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الحكومية بافتتاح التمثال النصفي للجواهري , والذي كان ولايزال التمثال الوحيد خارج العراق للجواهري , وقد ذكرت في كلمتي , التي القيتها  في حفل الافتتاح , باعتباري مدير المركز المذكور ( المركز الذي اقترح فكرة اقامة التمثال وحققها فعلا رغم كل الصعوبات ) , ان هذا التمثال هدية من رئيس دولة العراق ( وكان آنذاك جلال الطالباني ) الى جامعة فارونش الروسية , لأن الجواهري هو رمز العراق , وان الاعراف الدبلوماسية حول المعاملة بالمثل  تقتضي الان , ان يقدّم رئيس دولة روسيا الاتحادية بالمقابل هدية لتمثال بوشكين الى جامعة بغداد , لان بوشكين رمز روسيا , مثلما الجواهري رمز العراق , وقد استطاع مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش ( وبالتعاون مع الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية , والتي كانت عندها برئاسة المرحوم ضياء العكيلي ) من تحقيق هذا المقترح فعلا, وتم افتتاح تمثال بوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد . ان التمثال النصفي للجواهري في جامعة فارونش والتمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد – هو الاعتراف الرسمي والعلني الصريح , بان الجواهري يجسّد الادب في العراق امام العالم , وان بوشكين يجسّد الادب في روسيا امام العالم , وهذا يعني , ان بوشكين والجواهري يقفان الان جنبا لجنب .
ما احوجنا الى تأمّل ابداع هذين الشاعرين الكبيرين , وما احوجنا الى القيام بدراسات مقارنة بين نتاجاتهما .... 

52
الادباء الروس في سلسلة اعلام الفكر العالمي
أ.د. ضياء نافع
بدأت المؤسسة العربية للدراسات والنشر بالعاصمة اللبنانية بيروت  في الربع الاخير من القرن العشرين باصدار سلسلة من الكتب تحت عنوان – اعلام الفكر العالمي , وبعد صدور اكثر من عشرة كتب من هذه السلسلة ( ولم يكن بينهم ادباء روس ) , اتصل الصحافي العراقي المعروف الاستاذ ماجد السامرائي , وكان حينئذ ممثل هذه المؤسسة البيروتية في بغداد , اتصل بقسم اللغة الروسية في كليّة الاداب بجامعة بغداد , واقترح على اساتذة القسم المذكور المساهمة في اصدارات هذه السلسلة والكتابة عن الادباء الروس الكبار , فوافقنا جميعا – وبحماس - على مقترحه هذا , وكنّا اربعة اشخاص متخصصين بالادب الروسي في ذلك القسم آنذاك , وهم ( حسب حروف الهجاء ) كل من – جليل كمال الدين وحياة شرارة وضياء نافع ومحمد يونس , واود هنا ان اكتب بعض السطور عن هذه المشاركة العلمية في تلك السلسلة , لأن هذه المشاركة – من وجهة نظري -  تعدّ جزءا لا يتجزّأ من مسيرة و تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ( الذي تأسس عام 1958 ) , جزءا يستحق  -  بلا شك - التدوين والاشادة وحتى الفخر , ومن المؤّكد القول , انه يمكن ان يكون موضوعا متكاملا لرسالة ماجستير في القسم المذكور , اذ يمكن لهذه الرسالة ان تتناول بالتحليل تلك الكتب حول الادباء الروس الكبار , وربطها باطاريح الاساتذة واختصاصهم الدقيق في تاريخ الادب الروسي ( وكلهم من خريجي الجامعات الروسية ) , وصولا الى الاستنتاجات المحدّدة والدقيقة حول دور قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في اغناء الحركة الثقافية في العراق , اولا , وفي عموم العالم العربي بشكل عام , ثانيا , وفي حركة نشر الادب الروسي وقيمته واهميته عالميا , ثالثا. وكل هذه النقاط تمتلك اهمية ثقافية , وتستحق فعلا المتابعة والتسجيل والدراسة والتحليل العلمي .   
كانت الحصيلة النهائية لمشاركة الاساتذة المذكورين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في سلسلة اعلام الفكر العالمي هذه كما يأتي –
محمد يونس – نشر ثلاثة كتب عن كل من .. تولستوي // تورغينيف // غوغول
حياة شرارة – نشرت كتابين عن كل من .. بيلينسكي // ماياكوفسكي
جليل كمال الدين – نشر كتابا واحدا عن غوركي
ضياء نافع – نشر كتابا واحدا عن تشيخوف .
اصدارسبعة كتب عن كبار الادباء الروس باللغة العربية خلال فترة قصيرة نسبيا -  ليست مسألة بسيطة في مجال تأليف الكتب ونشرها في عالمنا العربي , ويمكن ملاحظة ان هذه الكتب كانت من تأليف الباحثين انفسهم , عدا كتاب تشيخوف , الذي كان ترجمة لكتاب روسي من تأليف الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , واود هنا ان اتوقف قليلا عند هذه النقطة , اذ انني من قمت بترجمة هذا الكتاب . لقد طرحت عندها رأيا امام زملائي حول ضرورة ترجمة كتب روسية حديثة عن هؤلاء الادباء الكبار , اذ بدأت حينها في الاتحاد السوفيتي اتجاهات ومفاهيم جديدة حول هؤلاء الادباء , اتجاهات ومفاهيم تختلف جذريا عن تلك النظرة التقليدية , التي كانت سائدة في الفكر السوفيتي منذ نهاية عشرينيات القرن العشرين , وهي اتجاهات ترتبط بشكل او بآخر بظاهرة الستالينية ومرحلتها القاسية والصارمة المعروفة, التي بدأت تتبلور بالذات في تلك المرحلة , وكنت أرى , اننا يجب ان نعكس هذه الظاهرة الفكرية الجديدة للقارئ العربي , وان نعرض لهذا القارئ صورة قلمية لهؤلاء الادباء رسمها الباحثون الروس انفسهم لهذه المجموعة من ادباء روسيا , واننا بذلك نقدّم للقارئ العربي – عبر تلك الكتب المترجمة – ملامح الظاهرة الفكرية الجديدة في الاوساط السوفيتية , الا ان زملائي لم يقتنعوا بوجهة نظري تلك , واذكر ان المرحومة حياة شرارة قالت , ان التأليف أبسط من الترجمة , لان المؤلف يكتب الشئ الذي يقتنع به ويرى ضرورة تسجيله , اما المترجم , فانه يجب ان يلتزم بالنص الذي كتبه مؤلف الكتاب الاجنبي , ولكن تباين وجهات نظرنا آنذاك حول هذه المسألة او تلك , لم تؤثّر بتاتا على علاقاتنا وتعاوننا في مجال عملنا المشترك .
الكتب التي قدّمها قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في الربع الاخير من القرن العشرين , وتمّ نشرها ضمن سلسلة اعلام الفكر العالمي , الكتب هذه لازالت حيوية ( ونحن في العقد الثالث من القرن 21 ), ولازالت تتفاعل مع الحياة الثقافية , وكم يسعدني , عندما ارى طبعات جديدة لهذه الكتب في بغداد وبيروت والقاهرة والمغرب العربي , اذ ان هذه الظاهرة تعني , ان القارئ العربي يتقبّلها لحد الان ...   

53
محاضرة  فكرية  في الشارع الروسي
أ.د. ضياء نافع
حدثت هذه المحاضرة الفكرية عند كشك الجرائد صباحا , فعندما اقتربت من هذا الكشك , وجدت قبلي عدة اشخاص ينتظرون دورهم امام الكشك لشراء الصحف , فوقفت طبعا خلفهم ,  و في نهاية الطابور كانت امرأة ( ما بعد سنّ التقاعد !) تقف عند الكشك بانتظار دورها , التفتت اليّ وسألتني – ما هي الصحيفة التي تريد ان تشتريها ؟ فوجئت أنا من طبيعة هذا السؤال غير المتوقع بتاتا ( والفضولي اكثر من اللازم طبعا !) , وقلت بيني وبين نفسي رأسا , يبدو ان هذه المرأة المسنّة تحب ان تدردش هنا وهناك , وانها تحاول اختلاق الدردشة بغض النظر عن الموضوع وعن الشخص الذي تتحدّث معه , وذلك من اجل الدردشة والاختلاط مع الناس ليس الا , وهي ظاهرة شبه طبيعية للمسنّين في المجتمعات المعاصرة , ومنها المجتمع الروسي الحديث (حيث اصبح المسنّين في عزلة تامة في تلك المجتمعات) فابتسمت أنا , وأجبتها بكل هدوء – صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا , فتعجبت هذه المرأة أشدّ العجب, بل واندهشت , وقالت لي بالروسية – مولوديتس , وهذه الكلمة بالروسية تعني الاستحسان الشديد  والتعبير عن التأييد والمدح , ويترجمها مؤلف القاموس الروسي – العربي المعاصر الكبير هكذا – ( جدع ) , وهذه الكلمة تكاد ان تكون مثلما نقول بلهجتنا العراقية – ( عفيه ) . ضحكت أنا عند سماعي لهذه الكلمة , وسألتها باستغراب – لماذا تعتبريني ( مولوديتسا !!!) لمجرد انني قلت لك , انني اشتري صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا ليس الا ؟ فقالت ضاحكة – قل لي ماذا تقرأ اقول لك من انت , ثم صمتت قليلا وأضافت ( وبكل جديّة ) – لقد قلت لك ( مولوديتس ) بشكل عفوي جدا , لان جوابك ذكّرني بمرحلة شبابي , اذ اني كنت في الزمن السوفيتي قارئة دائمة ومتحمّسة لهذه الصحيفة , ولكني توقفت عن متابعتها قبل خمسين سنة تقريبا , عندما هاجمت هذه الصحيفة سولجينيتسين بعد نفيه من الاتحاد السوفيتي في السبعينيات , وذلك لاننا كنّا ( انا والكثير من زملائي واصدقائي آنذاك ) نتعاطف مع سولجينيتسين وموقفه الشجاع من السلطة السوفيتية في ذلك الوقت  , وقلنا , ان صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا يجب الا تهاجمه بهذا الشكل السياسي المباشر كما فعلت, مثل بقية الصحف السوفيتية عندئذ , وانها ( اي ليتيراتورنايا غازيتا ) يجب ان تكتب حول هذا الموضوع وتتناوله بشكل أرقى وبنظرة علمية أعمق مما تكتب بقية وسائل الاعلام السوفيتية الاخرى , ولكنني الان نادمة جدا على موقفي من تلك الصحيفة ذاك حينئذ , ولست انا النادمة فقط , بل كل من تبقى على قيد الحياة لحد هذا الوقت من اصدقائي وزملائي القدامى . ادهشتني طبيعة اجابتها وتوضيحاتها, وفهمت رأسا , ان (بعض الظن اثم ) , اذ اني ظننت , ان هذه المرأة تريد ان تدردش ( او بتعبير أدق ) تثرثر ليس الا , واذا بها تتحدث عن خيبة أمل جيل سوفيتي كامل من موقف فكري كبير في تاريخ الاتحاد السوفيتي . حفزني جوابها على ان استمر بالحديث معها , فسألتها – وهل انت الان ضد سولجينيتسين ؟ فقالت , ان سولجينيتسين ظاهرة فكرية كبيرة في تاريخنا , وان لست  ضده كأديب أغنى الادب الروسي بنتاجات فنيّة بارزة , لكنني الان ضد موقفه السياسي البحت آنذاك تجاه النظام السوفيتي , اذ ان هذا الموقف السياسي لم يكن حينئذ واضحا لنا بما فيه الكفاية من حيث تبعاته المستقبلية على مصير بناء الدولة السوفيتية , ولا يمكن القول طبعا , ان انهيار الاتحاد السوفيتي قد حدث نتيجة موقفه , ولكن هذا الموقف ( وكذلك موقف زملائه ) كان عاملا مساعدا  بلا شك في مصير الاتحاد السوفيتي بشكل عام , ونحن الان نقول , وبحسرة , لو ان الظواهر السلبية الرهيبة , التي كانت موجودة فعلا في الاتحاد السوفيتي , قد تم الاعتراف والاقرار بها , وتحديدها , ومعالجتها بشكل موضوعي علمي دقيق , وبعيدا عن الشعارات العتيقة الطنانة , لكان ذلك افضل كثيرا لنا جميعا , ولو تم الحفاظ على دولة الاتحاد السوفيتي لما حدثت الحرب الروسية الاوكرانية هذه , والتي لازالت مستمرة طوال نصف سنة باكملها .
كلانا صمتنا , وبعد دقيقة من الصمت تقريبا , جاء دورها , فدخلت الى الكشك واشترت صحيفتها , ثم خرجت , ودخلت انا بعدها واشتريت صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا وخرجت من الكشك , فرأيتها غير بعيدة عني , فاقتربت منها وسألتها ضاحكا – مع ذلك , لم افهم لماذا قلت لي , اني مولوديتس ؟ فاجابت ضاحكة ايضا , لاني رأيت - ولاول مرة – رجلا من القوقاز يريد ان يشتري صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا في هذه الايام , وهكذا ( انطلقت !) كلمة مولوديتس بشكل عفوي من لساني , فضحكت انا , وقلت لها , ولكني لست من القوقاز , فسألتني باستغراب شديد جدا جدا , من اين اذن , فانت لست روسيّا كما هو واضح على ملامحك ؟ فقلت لها – انا عراقي من بغداد , فاندهشت اشد الاندهاش عندما سمعت جوابي , ثم قالت – اذن انت مولوديتس فعلا ....

54
عن بيردنيكوف وكتبه حول تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
ولد بيردنيكوف في الامبراطورية الروسية عام 1915 , وتوفي في روسيا الاتحادية عام 1996 , ولم تؤثّر الفترة الصغيرة  من عمره في الامبراطورية الروسية ( اي قبل قيام الاتحاد السوفيتي ) , ولا السنوات الخمس في روسيا الاتحادية ( اي بعد انهيار الدولة السوفيتية ) على مسيرة حياته في مجال البحث العلمي بتاتا , اذ انه كان وسيبقى علما من أعلام المتخصصين السوفيت ( ونؤكّد على كلمة السوفيت ) في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر ضمن الاختصاص العام , وواحدا من المتخصصين السوفيت البارزين , والذين لازالوا يمتلكون صوتهم المسموع بروسيا اليوم في دراسة تشيخوف وابداعه ضمن الاختصاص الدقيق , اي ان بيردنيكوف باختصار شديد- علم في مسيرة الدراسات الاكاديمية حول الادب الروسي عموما , و في مسيرة الدراسات العميقة حول ابداع تشيخوف خصوصا و لحد الان .
لنبدأ اولا بتقديم هذا الباحث الاكاديمي المتميّز للقراء العرب , القراء الذين لا يعرفون – على الارجح – مكانته الحقيقية بمسيرة  البحث العلمي في مجال تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بشكل عام , ولا يعرفون طبعا اهميّته بمسيرة التعمّق  في تحديد واكتشاف عوالم تشيخوف الفنية بشكل خاص , وذلك بتحليل نتاجات تشيخوف قبل كل شئ واستنباط النتائج من هذا التحليل المختبري الموضوعي .
تخرّج بيردنيكوف في القسم الروسي بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها )  في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) عام 1939 , ثم التحق في قسم الدراسات العليا بنفس الكليّة عام 1940 , الا ان الحرب العالمية الثانية بدأت عام 1941 , وهكذا اضطر للالتحاق بالخدمة العسكرية , كما هو حال جيله كله , وساهم في تلك الحرب , ثم عاد الى قسم الدراسات العليا بعد الحرب, وأنهى تلك الدراسة بنجاح باهر, وحصل على شهادة (كانديدات العلوم الفيلولوجية ) , اي شهادة (دكتوراه فلسفة) في الادب الروسي, وكان موضوع اطروحته عن أدب تشيخوف المسرحي , واصبح تدريسيّا في نفس قسمه , قسم الادب الروسي بجامعته , ثم تدرّج في الخدمة الجامعية , و حصل بعدئذ على درجة الاستاذية ( بروفيسور) , ثم اصبح عميدا للكليّة , وبعدها انتقل للعمل باماكن كثيرة و متنوعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية , وقد كان يشغل دائما مكانا قياديّا في تلك المؤسسات , وفي عام 1962 انجز اطروحة دكتوراه العلوم , التي يسمونها عندنا ( ما بعد الدكتوراه ) , وناقشها بنجاح (وكانت ايضا عن جوانب تشيخوف  الفكرية والابداعية) , وقد استمر بيردنيكوف في مسيرة عمله الاداري الى ان وصل الى منصب الوكيل الاول لوزارة الثقافة في جمهورية روسيا السوفيتية ( اذ كان في كل جمهورية سوفيتية مجلس وزراء خاص بتلك الجمهورية ) , والذي شغله من 1966 الى 1977 , ثم اصبح رئيسا لمعهد غوركي للادب العالمي التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , ولكن كل هذه المناصب الادارية الرفيعة في المؤسسات الثقافية السوفيتية لم توقف نشاطه في مجال البحث العلمي , وهذا هو الموقف الحقيقي للباحث العلمي , اذ كم شاهدنا حولنا من مواهب علمية ( دفنتها !) المناصب الادارية , ونريد ان نتوقف ( وحسب عنوان مقالتنا ) عند الكتب التي نشرها بيردنيكوف حول تشيخوف بالذات , دون التطرّق الى كتبه وبحوثه الاخرى حول تاريخ الادب الروسي .
أصدر بيردنيكوف عدة كتب عن تشيخوف منذ خمسينيات القرن العشرين فصاعدا , وقد تناولت هذه الكتب قبل كل شئ سيرة حياة تشيخوف مرتبطة بمراحل ابداعه وبتداخل جميل جدا , واثبت بيردنيكوف , ان تشيخوف هو ( معاصرنا ) , وقد جاء عنوان أحد كتبه هكذا – ( معاصرنا تشيخوف ) , وتناولت كتبه ايضا مسرح تشيخوف , وكان عنوان هذا الكتاب – ( تشيخوف كاتبا مسرحيّا ) , والذي يقع في 356 صفحة من القطع المتوسط , ويوجد لديه كتاب يبحث في نثر تشيخوف بعنوان – السيدة ذات الكلب الصغير لتشيخوف , وهو كتاب يتحدّث بيردنيكوف فيه عن خصائص الفن القصصي لدى تشيخوف , مع التركيز على قصته الشهيرة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , هذه القصة التي اعتبرها الكثير من نقاد الادب واحدة من أبرز القصص في الادب العالمي , القصة التي خلّدت موضوعة الحب المتأخر و الحقيقي و المستحيل بين الرجل والمرأة , والتي انعكست من الادب على انواع اخرى من الفنون مثل السينما والنحت , وهناك كتاب آخر لهذا المؤلف بعنوان – ( تشيخوف – بحوث فكرية وابداعية ) , والذي يقع في اكثر من 500 صفحة من القطع المتوسط , وقد حاز هذا الكتاب على جائزة الدولة لعام 1985 كأفضل كتاب في مجال الادب والفن في الاتحاد السوفيتي . ويجب الاشارة حتما , الى ان هذه الكتب قد صدرت بطبعات عديدة , وكانت كل تلك الطبعات مزيدة دائما , وقد أدّت ظاهرة اعادة الطبعات هذه , الى ان يكون بيردنيكوف موجودا دائما في المصادر الروسية عن تشيخوف ولحد الان , وكم تستحق هذه الظاهرة في الاجواء الفكرية الروسية ان نتأمّلها بهدوء من قبلنا , اذ انها تجيب عن سؤال مهم جدا مطروح في واقعنا الفكري , سؤال يرتبط بهؤلاء الذين ( يحذفون !!!) دائما كل شئ حدث في مرحلة سياسية معينة من مراحل البلد , بما فيها الاعمال الابداعية في تلك المرحلة , دون ان يدرسوا طبيعة تلك الاعمال وقيمتها و اهميتها , بحجة انها ترتبط  بتلك المرحلة ليس الا , وهذه هي النظرة الساذجة و السطحية للامور , النظرة التي لا تتفهّم الفرق الجوهري بين ( الاخضر واليابس !!!)... والحليم تكفيه الاشارة..

55
كتاب بالروسية صدر في بغداد
أ.د. ضياء نافع
صدرت طبعا بعض الكتب باللغة الروسية في بغداد قبل هذا الكتاب, ولكنها كانت منهجية , اي ترتبط بتدريس طلبة قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد فقط  , أمّا هذا الكتاب , فانه يختلف تماما , اذ انه ليس مدرسيّا , وانما ( وحسب معلوماتنا المتواضعة ) يتوجه للقارئ بشكل عام , وانطلاقا من هذه النقطة الجوهرية وارتباطا بها , يمكن لنا القول ,انه يعدّ اول كتاب بالروسية يصدر في بغداد خارج اطار الكتب المنهجية التي أشرنا اليها , هذا اولا, وكذلك يمكن القول ( اي ثانيا ) , انه اول محاولة نشر لمواد علمية يجمعها طالب  دكتوراه للتحضير لكتابة اطروحته , ويرى , ان هذه المواد مهمة لدرجة , انه قرر نشرها بلغتها الروسية ( اي كما في الاصل الروسي) في بغداد , دون ان يترجمها من الروسية الى العربية (كما يحدث عادة عندما ينشر خريجو الجامعات الاجنبية نصوص اطاريحهم في بلدانهم) , و حول هاتين ( النقطتين المتميّزتين !) في (اولا ) و (ثانيا ) , اكتب هنا بعض السطور التعريفية عن هذا (الحدث الثقافي !) الفريد و غير الاعتيادي بتاتا في مسيرة الكتب و نشرها في بغداد , وطبعا يرتبط هذا الحدث بمسيرة اللغة الروسية في العراق بشكل عام , وهو موضوع مهم جدا بالنسبة لي شخصيا منذ الستينيات في القرن الماضي ولحد الان .
 صدر هذا الكتاب باللغة الروسية في بغداد الان ( ونحن في عام 2022 ) , ويقع في (380 ) صفحة من القطع المتوسط , ويتضمن مقدمة باللغة العربية تشغل 15 صفحة في بداية الكتاب . مؤلف الكتاب د. هيلان كريم المجمعي , الذي كان طالبا عندنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد قبل اربعين سنة , وكان انطباعنا – نحن التدريسيين – عنه ايجابيا دائما , اذ كان هادئا ونظاميّا ومنفّذا لكل الواجبات الدراسية , وهي سمات الباحث العلمي المستقبلي , وقد تذكرت صفاته تلك عندما كنت اتصفح كتابه هذا , الذي جاء تحت عنوان بالعربية هو – ( الكلمات العربية المستخدمة في اللغة الروسية ) , الا ان الترجمة الحرفية للعنوان بالروسية كالآتي – ( المفردات ذات الجذر العربي في اللغة الروسية المعاصرة ) , ويمكن للقارئ ان يلاحظ التباين بين العنوانين العربي والروسي , وهو تباين يختلف بشأنه المتخصصون , اذ ان تلك المفردات اصبحت روسيّة , رغم انها ( ذات جذر عربي ) , وهذه ظاهرة طبيعية جدا وتتكرر  في كل اللغات , وما أكثر الكلمات ذات الجذور الاجنبية في لغتنا العربية , ولا نقول عنها الان انها كلمات اجنبية في لغتنا العملاقة والشامخة بين اللغات , بل يشير المختصون الى جذورها الاجنبية ليس الا في معاجم خاصة ومحدودة التداول , ومن الطريف جدا ان نشير هنا , الى ان  المؤلف نفسه قد ذكر هذه النقطة المهمة حول الكلمات الروسية في مقدمة كتابه, اذ انه أجرى استبيانا في روسيا بين طلبة جامعيين روس , وطرح عليهم اسئلة عن تلك الكلمات ذات الجذر العربي , وتبين نتيجة هذا الاستبيان , انهم يعتقدون , ان هذه الكلمات روسية بحتة , ولا تمتلك اية علاقة باللغة العربية بتاتا , وأنا على يقين , ان الباحث سيصل الى نفس النتائج في حالة اجراء هذا الاستيبيان بين الطلبة العراقيين في بغداد حول الكلمات العربية ذات الجذور الاجنبية .
د. هيلان كريم المجمعي اصطاد عصفورين بحجر واحد عندما أصدر كتابه هذا , كتابه الفريد شكلا ومضمونا بالنسبة للمكتبة العربية بكل معنى الكلمة , العصفور الاول - هو تحقيقه هذا الموقع الريادي والتاريخي في مسيرة اللغة الروسية في العراق , والعصفور الثاني - هو تقديمه للقارئ العربي حوالي 500 مفردة روسية ذات جذر عربي , 500 مفردة تثّبتها المصادر الروسية نفسها , المصادر القاموسية المعتمدة في وثائق اللغة الروسية المعاصرة وتاريخها , الوثائق التي لا يمكن لأحد ( من العرب او الروس او غيرهم ) ان يشكك  في عمقها وصحتها و دقتها وعلميتها , فما أجمل هذا العمل الابداعي يا طالبنا القديم , العمل الذي يحق لنا (ان نباهي به الامم !!!).... 

56
 
عن غرين وأشرعته القرمزية بترجمة نزار كنعان
أ.د. ضياء نافع
هذا كتاب مدهش بدءا من غلافه - ( لوحة تشكيليّة حالمة وملوّنة بشكل ساطع ) , وحجمه - (المتناسق والمنسجم تماما مع سمات عصرنا العاصف وايقاعاته السريعة ) , ومضمونه - ( الرومانسي الواقعي الخيالي الغريب بخليط متجانس رائق ) , ولغته الروسيّة الجميلة الرقراقة , والتي حافظ عليها  - بمهارة ودقّة – المترجم الدؤوب نزار محمود كنعان بلغتة العربيه الصافية , وقد أشار د. نزار في بداية هذا الكتاب الى  شكره الجزيل للاديب علي احمد ناصر (.. .لجهوده الكبيرة في انجاز هذا العمل ... ) , وهي اشارة رائعة تؤكد على الموقف النبيل للمترجم , الذي لا يمكن له الا ان يذكر دور اليد التي تمتد لمساندته , وهذا بحد ذاته تأكيد للقول الشهير في تراثنا عن ( تواضع العلماء ) طبعا , وكل ذلك كان واضحا - و بسطوع - على صفحات هذا الكتاب الرشيق والجميل شكلا ومضمونا , والذي جاء بعنوان – ( ألكساندر غرين // الأشرعة القرمزية // ترجمة نزار محمود كنعان ) , وهو كتاب صادر في موسكو عام 2020 ويقع في 142 صفحة من القطع المتوسط , الكتاب الذي أضافه د. نزار محمود كنعان الى سلسله كتبه المتميّزة العديدة , التي قدّمها لنا في الفترة الاخيرة , وأغنى بها المكتبة العربية في مجال الادب الروسي مثل كتابه الموسوعي الكبير – ( أعلام الشعر الروسي ) , او في مجال اختصاصه العلمي - آفاق علم الفلك المعاصر , مثل كتابه – ( الطريق الى النجوم من أجنحة بن فرناس الى ملحمة فوياجير ) , وغيرها من المؤلفات والمساهمات الثقافية الاخرى له.... .
الاشرعة القرمزية للكاتب الروسي الكساندر غرين , هو الكتاب الذي قال عنه باوستوفسكي – اذا مات غرين , ولم يترك لنا سوى واحدة من قصائده النثرية , واعني – (الاشرعة الحمراء) , فان هذا سيكون كافيا كي نعتبره واحدا من كوكبة عظماء الادباء الروس , ونحن نتفق مع رأي باوستوفسكي الموضوعي والدقيق هذا , وليس عبثا , ان ( الاشرعة القرمزية ) قد تحولت ومنذ الستينيات ولحد الان  الى  (عيد الاشرعة القرمزية ) , الذي يحتفل به خريجو المدارس الثانوية بمدينة بطرسبورغ في اقرب يوم سبت لاطول ليلة بيضاء في تلك المدينة الرائعة الجمال, حيث تمخر سفينة باشرعة قرمزية نهر النيفا وترافقها مسيرة الالعاب النارية المتنوعة , وتستمر هذه الاحتفالات طوال الليلة البيضاء وحتى الصباح , ويشارك بها الملايين من الروس والاجانب , الا ان تسمية هذا المهرجان بعنوان رواية غرين قد تمّ عام 1968 , بينما توفي الكاتب عام 1932 , ولهذا , لا يوجد بتاتا اي ربط مباشر بين الكاتب غرين نفسه وبين هذا المهرجان , الا ان المنظمين الاوائل له استعاروا عنوان تلك الرواية القصيرة لغرين انطلاقا من جماليتها ورومانسيتها وانسجامها مع تلك الفعّالية ,
 ولا يعرف الادب الروسي ابدا تجربة تشبه هذا التقليد الشبابي الجميل في تاريخ روسيا , التقليد الذي يمكن لنا ان نقول – (خلقته !) واحدة من نتاجات غرين الابداعية , ولا مجال للحديث – في اطار مقالتنا – بتفصيل اوسع حول العلاقة المتبادلة بين هذا العيد غير الاعتيادي وبين رواية غرين القصيرة ( الاشرعة القرمزية ) , اذ ان هذه الظاهرة الجميلة تستحق مقالة تفصيلية باكملها .
ألكساندر غرين – مؤلف النتاجات الفلسفية السايكولوجية بعناصرها الخيالية الرمزية في تاريخ الادب الروسي , هو شبه مجهول وشبه معروف (في آن واحد!) للقراء العرب , اذ توجد بالعربية بعض الترجمات لبعض نتاجاته , بما فيها ترجمة اخرى للرواية القصيرة (الاشرعة القرمزية) نفسها , والتي يدور حولها حديثنا هنا بترجمة د. نزار محمود كنعان , الا ان القراء العرب لا يعرفون اهميّة الموقع الحقيقي لهذا الكاتب الروسي في مسيرة الادب الروسي وتاريخه عموما , الكاتب الذي عاش 37 سنة في الامبراطورية الروسية ( من ميلاده 1880 الى ثورة اكتوبر 1917 ) , وعاش 15 سنة في الاتحاد السوفيتي ( من 1917 الى وفاته عام 1932 ) , وامتاز عن جميع الادباء الروس قاطبة ( وعبر كل تاريخ الادب الروسي) بعالمه الخيالي البحت تماما , والذي لا مثيل له في الادب الروسي , لدرجة , انه حتى بعض القراء الروس كانوا يظنون , ان نصوصه الادبية ليست روسيّة , وانما هي لكاتب اجنبي , وانها مترجمة الى اللغة الروسية ليس الا , بل وتم اطلاق تسمية خاصة للمكان الذي تجري به احداث نتاجاته الخيالية , التي لا يمكن ان تحدث على الارض الروسيّة لأنها تمثّل رومانسية جديدة بكل معنى الكلمة , و هذه التسمية هي – غرينلانديا ( اي الارض المرتبطة باسم الكاتب غرين نفسه ) , ولم يتفهم البعض اثناء حياة هذا الكاتب عمق تلك النتاجات وجماليتها غير الاعتيادية , وانه كان ( المترجم بين العالم الواقعي والحلم الانساني ) كما كتب مرة أحد الباحثين الروس المعاصرين , وباختصار , فان غرين هو – أديب المعجزة , التي يحلم الانسان دائما ان يحققها ولو في الخيال , رغم انه قال مرة بحدة معترضا على ذلك  – روايتي رمزية وليس خيالية ... 
 ألكساندر غرين بانتظار الباحثين العرب , كي يقدموا ابداعه ومكانته الحقيقية للقراء العرب , وتحية للدكتور نزار محمود كنعان على مساهمته العلمية في تحقيق هذه الخطوة بكتابه هذا , اذ جاء الكتاب شاملا بمقدمته العميقة واسلوبه السلس الرقيق وصوره الملونة العديدة للفيلم السوفيتي (الاشرعة القرمزية ) الذي انتجته موسكو عام 1961 , وشاهده في حينها عشرون مليونا من المشاهدين .... 

57

الكرخي ونيرودا وغوغول
أ.د. ضياء نافع
   الكرخي , الاسم الاول في عنوان مقالتنا , هو طبعا الشاعر العراقي الكبير و ( المظلوم !!!) عبود الكرخي (المتوفي عام 1946 , ويوجد اختلاف بشأن تاريخ ولادته ,  اذ يقول البعض 1855 وهناك من يقول 1861 ) . يرتبط  عبود الكرخي دائما في وعينا العراقي الاجتماعي (بمجرشتة!) الخالدة (رغم كل الاجتهادات بشأن عائدية هذه القصيدة) ,  المجرشة التي لا تعرفها الاجيال العراقية ( ولا حتى تتصوّرها) منذ اكثر من ثلاثة أرباع قرن من الزمان واقعيا , لكن الاجيال العراقيّة تلك تربط المجرشة تلقائيّا بقصيدة عبود الكرخي عنها ليس الا , وتتذكّر رأسا معاناة تلك المرأة العراقية المسكينة , التي تسب وتلعن ( المجرشة وراعيها !!!) , رغم ان المسكينة تلك تستمرّ بعملها المضني هذا , و ( تجرش وتجرش ...!) بغض النظر عن لعناتها ومسباتها وموقفها , ولازلت أتذكر , كيف كانت بعض الموظفات في كليّة اللغات نهاية القرن العشرين يقولنّ لي ( بسْكوت !!!) , وكنت أنا معاون العميد آنذاك – ( ساعة واكسر المجرشة // وانعل ابو راعيها !) , وهنّ يتضاحكن , لأنهنّ يعلمنّ , انني كنت (اللاحزبيّ) الوحيد في ادارة الكليّة عندئذ , وكنت أنا أضحك بصمت طبعا , لأني كنت أفهم , ماذا يقصدنّ بذلك المقطع من قصيدة عبود الكرخي الخالدة ... ويقال كذلك , والعهدة على الراوي , ان أمير الشعراء احمد شوقي نفسه كان معجبا ببيت من تلك القصيدة , والبيت هو – ( هم هاي دنيه وتنكضي // وحساب اكو تاليها ) .
 وعلى اساس تلك الامثلة المحدودة ( اذ توجد الكثير مثلها حتما عند الآخرين )  يمكن القول وبكل ثقة , ان الدور , الذي تؤدّيه قصيدة ( المجرشة ) هذه لعبود الكرخي في حياتنا العراقية الخاصة و العامة منذ ظهورها في عشرينيات القرن العشرين والى حد الان ( ونحن في بداية عشرينيات القرن الحادي والعشرين) هو دور فريد جدا ومتميّز فعلا في تاريخ العراق الحديث , فما أعظم هذا الدور , الذي تؤديه قصيدة عبود الكرخي الحيوية تلك طوال قرن من الزمان ! 
أما نيرودا , الاسم الثاني في العنوان , فهو طبعا بابلو نيرودا , الشاعر التشيلي الشهير , الذي يعرفه القراء العرب حق المعرفة ,  وقد أضفت اسمه في عنوان مقالتي هذه بعد الكرخي مباشرة , لأني مندهش جدا و معجب جدا بالمقالة الجميلة (والمبتكرة قلبا وقالبا) , التي كتبها المبدع العراقي د. جمال العتابي الموسومة – ( تساؤلات بابلو نيرودا ومستحيلات عبود الكرخي  ) , والتي اطلعت عليها في حينها  بمجلة ( المثقف ) الغراء بتاريخ 2/ 8 / 2020 . لقد أثبت العتابي في مقالته المبتكرة والجريئة والرائعة تلك , ان علم الادب المقارن هو - ( علم بلا حدود !) فعلا , فالشاعر العراقي الكرخي نشر قصيدته قبل ظهور نيرودا أصلا , والقصيدة ذات نكهة عراقية بحتة , والشاعر التشيلي نيرودا كتب قصيدته دون حتى ان يسمع بالكرخي وبلده وقصيدته , ولكن العتابي في مقالته تلك تحدّث بمهارة عن مقارنة الصور الفنية في قصيدتيهما , وقد استطاع فعلا ان يرسم لوحة ذكية وحيويّة و ناطقة وطريفة جدا لتلك المقارنة بين قصيدة نيرودا ( تساؤلات ) وقصيدة الكرخي ( مستحيلات ).
أما الاسم الثالث في عنوان مقالتنا , اي غوغول , فانه ( فرض نفسه !) وأنا أكتب هذه السطور , اذ انه (طلّ) عليّ , وهو يسألني بلهجة ذات معنى واضح المعالم -  كيف يمكن ان تتحدث عن شاعركم العراقي , الذي يقول باستحالة ( ربط البقّة بحبل ! ), دون ان تتذكر استحالة (الانف !) , الذي كان يسيرفي شوارع بطرسبورغ بمفرده ؟ ضحكت أنا , وأجبته , طبعا طبعا يا نيقولاي فاسيليفتش , ارجوك لا , تغضب ,  فاني تذكرت رأسا الصورة الفنية الخالدة في ( انفك !) , رغم ان شاعرنا العراقي لم يطّلع عليها , ولا أظن انه حتى سمع عنها وعنك يا غوغول اصلا , ولكن العتابي كان يتحدث عن تلك الصورالفنية الاخرى , مثل ( علام يضحك البطيخ ساعة ذبحه ؟ ) , اي انه تحدّث عن جانب آخر من جماليات تلك الصور الفنية , الجماليات غير الاعتيادية والشاعرية المدهشة , ولكنه لم يتوقف بتفصيل عند سريالية تلك الصور عند الكرخي , مثل  (ربط البقّة بحبل ) او ( نملة تدفع الملوية ) , هذه الصور التي تذكرنا رأسا بلوحات سلفادور دالي , وطبعا , تعود بنا في نهاية المطاف الى صور( الواقعية الغرائبية) ان صحّ التعبير , التي يعتبر غوغول واحدا من روادها الكبار في الادب الروسي خصوصا , والادب العالمي بشكل عام .
تحية تقدير للعتابي , الذي اوحى لي – عبر مقالته المبتكرة والفريدة - بكتابة هذه السطور , والشكر- قبل كل شئ وبعد كل شئ - طبعا للكرخي ومستحيلاته , و لنيرودا وتساؤلاته , ولغوغول وأنفه .....

58
المنبر الحر / ايرنبورغ والسلطة
« في: 08:43 14/07/2022  »
ايرنبورغ والسلطة
أ.د. ضياء نافع
 ايرنبورغ والسلطة -  هوعنوان لكتاب صدر في روسيا عام 2018 ضمن سلسلة ( اصدارات علمية ) , ويقع هذا الكتاب في 215 صفحة من القطع المتوسط  وعدد النسخ المطبوعة منه هو مئة نسخة فقط .
  عنوان هذا الكتاب أثار انتباهي رأسا , اذ اني أعرف , ان ايليا ايرنبورغ ولد عام 1891 , اي انه عاش في الامبراطورية الروسية 26 سنة باكملها , وبعد ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية عاش في دولة الاتحاد السوفيتي 50 سنة باكملها , وكان ايرنبورغ طوال حياته مراقبا دقيقا لما كان يحدث في الامبراطورية الروسية وفي الاتحاد السوفيتي , فعن اي سلطة يدور الحديث في هذا الكتاب , السلطة القيصرية ام السلطة السوفيتية ؟ هذا هو السؤال الاول الذي طرحه عنوان الكتاب , وثانيا , أنا أعرف ايضا , ان ايرنبورغ كان في صباه وشبابه مشاركا – وبفعّالية ونشاط -  في معترك الحياة السياسية العاصفة قبل ثورة اكتوبر 1917, وكان مرتبطا بالحياة الحزبية المعارضة آنذاك , وتم الحكم عليه نتيجة مساهماته السياسية تلك , ولكنه ابتعد عن هذا المعترك السياسي بعد هجرته و حياته في باريس بالعشرينيات , ,وانا أعرف ايضا , ان ايرنبورغ بقي ( قريبا وبعيدا في آن واحد !!!) من السلطة السوفيتية و رجالاتها بعد عودته الى روسيا السوفيتية , وانه حافظ على هذا الموقع المتميّز طوال حياته رغم كل الصعوبات المرتبطة بهذا الموقف غير الحزبي  في دولة عقائدية واضحة وصريحة المعالم ايديولوجيّا مثل الاتحاد السوفيتي , و أثار انتباهي حول هذا الكتاب , ثالثا , ( عدد النسخ المطبوعة !) من هذا الاصدار , اذ ان هذا العدد ( اي مئة نسخة مطبوعة فقط ) يعني ان هذا كتاب محدود التداول جدا , وليس للقراء عامة , فلماذا هذا التحديد في التداول بالنسبة لهذا الاصدار ؟, ولهذا , وبحثا عن الاجابات لكل تلك التساؤلات , قررت , انه  يجب عليّ الاطلاع حتما على هذا الكتاب غير الاعتياي والمثير بعنوانه وخصوصيته , وعندها بدأت بالاطلاع على الفهرس اولا , وبعد الفهرس قلت بيني وبين نفسي , انه كتاب يستحق القراءة حتما, وهكذا  بدأت ب (التهامه !) , واريد في اطار هذه المقالة التعريفية الوجيزة ان أدردش قليلا مع القراء العرب عن انطباعاتي حول هذا الكتاب غير الاعتيادي فعلا , الذي صدر ضمن ( اصدارات علمية ) , اذ ان ايليا ايرنبورغ معروف  للقارئ العربي بنتاجاته الابداعية وآرائه النقدية ومواقفه الفكرية .
 يحتوي هذا الكتاب – بالاساس - على وثائق حول العلاقات المتبادلة بين ايليا ايرنبورغ ورجالات السلطة السوفيتية الحاكمة في زمانه , (اي انه يتناول علاقة ايرنبورغ بالسلطة السوفيتية فقط ) , وهم من الاسماء الكبيرة جدا والمؤثّرة جدا في مسيرة الاحداث في الاتحاد السوفيتي والحركة الشيوعية في العالم ايضا , وهذه الاسماء هم كل من -  بوخارين وستالين وخروشوف وسوسلوف , وفي هذه ( الوثائق ) الدقيقة حول علاقة ايرنبورغ برجالات السلطة هؤلاء  تكمن - بلا شك – اهمية هذا الكتاب وقيمته العلمية وطرافته ايضا , اذ ان العثور على هذه الوثائق في عصرنا المتشابك اصبحت مهمة ليست بسيطة ابدا .
الاسماء الاربعة هذه تجسّد واقعيا اربعة مراحل مختلفة في التاريخ السوفيتي فعلا , فبوخارين يمثّل المرحلة السوفيتية الاولى بعد انتصار ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , وهي المرحلة التي انتهت باعدامه عام 1938 من قبل ستالين , والمرحلة السوفيتية الثانية تسمى المرحلة الستالينية بكل ما فيها من اعتقالات واعدامات ومعسكرات وسجون , والتي انتهت بوفاته عام 1953 , حيث ابتدأت المرحلة السوفيتية الثالثة , عندما فضح خروشوف في المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفيتي الجزء الاكبر لما حدث آنذاك زمن ستالين , وتسمى هذه المرحلة حسب عنوان رواية ايرنبورغ القصيرة – ذوبان الجليد , أما المرحلة الرابعة (ما بعد خروشوف) , عندما كان بريجنيف على رأس السلطة السوفيتية, فان سوسلوف كان المنظّر الايديولوجي لتك المرحلة . وهكذا سيعرف قارئ  الكتاب , ان بوخارين كان رفيقا لايرنبورغ في المدرسة , وكيف ساعده للتخلص من السجن , وكيف بقي ايرنبورغ وفيّا لذكراه حتى بعد اعدامه , وسيعرف القارئ مواقف ستالين بشأن الادب في العالم وكيف اراد قيادته لصالح الايديولوجية السوفيتية , وسيعرف محاولة ستالين قبيل وفاته بتجميع اليهود السوفييت , وهي محاولة مهمة جدا بالنسبة لمصيرهم , ولمصير اسرائيل , التي قامت لتوّها آنذاك , وتعدّ هذه القضية في غاية الاهمية لبلداننا العربية , والتي تتطلب دراستها من قبل المتخصصين عندنا و بموضوعية تامة , وبعيدا عن ( الهتافات والكلمات الطنانة !) , التي ( غرقنا بها !) مع الاسف , وسيعرف القارئ ايضا , ان خروشوف ليس ذلك الشخص , الذي كان يمكن ان يسير الى النهاية في تنفيذ كل الوعود , التي اطلقها في بداية مجيئه للسلطة , اذ ان البناء الايديولوجي لحكم الحزب الواحد لم يتغيّر في الاتحاد السوفيتي عندها , وسيفهم القارئ ايضا , محدودية افكار سوسلوف  ...
كتاب – ايرنبورغ والسلطة , محاولة مهمة في تجميع المواد الضرورية للبحث العلمي اللاحق في تاريخ العلاقة بين السلطة والابداع الفني , بغض النظر عن الدولة والمبدع , وما أحوجنا نحن الى هذه الاصدارات العلمية , نحن , ابناء هذه البلدان , التي ابتلت بوباء حكم هؤلاء , الذين (يدسّون!) انوفهم في تفاصيل حياتنا  , او, حسب تعبير الشاعر ناظم حكمت – ( .....شواربهم في حسائنا ....) .

59
كاتايف –  البروفيسور التشيخوفي
أ.د. ضياء نافع
عندما يذكرون اسم كاتايف , فان هذا يعني – بالنسبة للمواطنين الروس طبعا – ان الحديث يدور عن الكاتب الروسي تشيخوف و خصائص ابداعه , وهذه ظاهرة نادرة جدا جدا - بشكل عام - في مسيرة الادب الروسي , لم تحدث سابقا , ولم تتكررلاحقا لحد الآن , ونحاول في مقالتنا هذه ان نرسم (ملامح!) هذه الظاهرة للقارئ العربي ليس الا ( الذي لا يعرف – على الاغلب - كاتايف , وحتى لم يسمع بعضهم باسمه أصلا ) , ونحاول ان نوضّح ايضا – لماذا وكيف حدثت هذه الظاهرة النادرة , ونود ان نؤكّد على كلمة ( ملامح ) ونكرّرها , اذ لا  يمكن لسطورنا الوجيزة هذه ان تتوغل في اعماق تلك الاعمال الثرية والمتنوعة وتحدد جوانبها المتشعبة, التي انجزها و قام بها البروفيسور كاتايف طوال حياته في البحث العلمي المعمّق حول ابداع تشيخوف من قصص ومسرحيات ورسائل ومواقف وعلاقات ادبية واسعة جدا, واهمية وقيمة هذا العمل الكبير الذي قام به كاتايف (المتخصص بابداع تشيخوف) بالنسبة لمجمل حركة البحث العلمي و النقد الادبي في تاريخ الادب الروسي عموما, وليس عبثا ولا من باب الصدفة , ان احد الباحثين الروس كتب , في محاولة للتعريف به , قائلا ( وهو على حق فعلا من وجهة نظرنا ) ,  ان  (كاتايف - ...مختص بابداع تشيخوف في تاريخ الادب الروسي قبل كل شئ وبعد كل شئ ... ) .
 كاتايف – تخرّج في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها / القسم الروسي ) بجامعة موسكو عام 1960 , وناقش اطروحة الكانديدات في العلوم الفيلولوجية ( دكتوراه فلسفة ) في نفس الكليّة عام 1965 , وكانت عن ابداع تشيخوف , ثم حصل بعدئذ على شهادة (دكتوراه علوم) في الفيلولوجيا , ( وكانت الاطروحة تلك عن تشيخوف ايضا ), وبدأ بالعمل في نفس كليّته ( الفيلولوجيا ) منذ عام  1968  ولا يزال يعمل هناك لحد الآن , اذ ان القوانين الروسية السائدة لا تفرّط بتلك الكوادر العلمية وخبرتهم المتراكمة , و لا تحيل الى التقاعد التدريسيين بدرجة الاستاذية ( اي الحاصلين على درجة بروفيسور ) , وانما تجعلهم يعملون طوال حياتهم وقدر استطاعتهم وامكانياتهم وحسب رغباتهم الشخصيّة طبعا , ووصل كاتايف – حسب التدرج العلمي الصارم والدقيق للتدريسيين في جامعة موسكو - الى درجة الاستاذية (بروفيسور) في تلك الجامعة , وقد نشرت له جامعة موسكو ثلاثة كتب مهمّة عن تشيخوف من تأليفه , وعنوان الكتاب الاول – نثر تشيخوف ( 1979 ) , وعنوان الكتاب الثاني - ارتباطات تشيخوف الادبية (1989 ) , و عنوان الكتاب الثالث - صعوبة البساطة – قصص ومسرحيات تشيخوف ( 1998 )( وصدرت عام 2005 الطبعة الرابعة لهذا الكتاب المتميّز ) , و اصبح كاتايف رئيسا لقسم تاريخ الادب الروسي بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو منذ اواسط التسعينيات ولحد الان ( ونحن في اواسط عام 2022 ) , وكاتايف عضو هيئة التحرير في مجلة ( تشيخوفسكي فيسنك ) اي ( أخبار تشيخوف , او الاخبار التشيخوفية حسب الترجمة الحرفية ) منذ عام  1998  ولا يزال , وهي مجلة علمية خاصة بدراسة تشيخوف وابداعه فقط , تصدر عن اكاديمية العلوم الروسية , وتتابع هذه المجلة كل الاصدارات الجديدة عن تشيخوف ونشاطات ومشاريع كل المتاحف الخاصة به في المدن الروسية كافة وعروض كل المسارح الروسية لمسرحيات تشيخوف وانعكاساتها و ردود الفعل تجاهها, وكاتايف ايضا رئيس لجنة تشيخوف لمجلس اكاديمية العلوم الروسية في مجال تاريخ الثقافة العالمية , وهو واحد من أبرز المساهمين باعداد المؤلفات الكاملة لتشيخوف في ثلاثين مجلّدا , التي صدرت في الربع الاخير من القرن العشرين , والتي تعدّ أكثر مؤلفات تشيخوف شمولية واكتمالا في روسيا لحد الان , وكاتايف هو المؤلف و المحرر العلمي للهيئة التي أشرفت على اصدار كتاب – (تشيخوف . الانسلكوبيديا ) , بمناسبة مرور 150 سنة على ميلاد تشيخوف والذي صدر عام2011 في موسكو, والذي يقع في  696 صفحة من القطع الكبير , وساهم كاتايف بكتابة عشرات الفقرات حول تشيخوف في ذلك الكتاب الموسوعي الفريد من نوعه بشأن ابداع تشيخوف في تاريخ الدراسات النقدية في الادب الروسي بالنسبة للادباء الروس قاطبة , ونود في ختام مقالتنا هذه ان نتوقف قليلا عند هذا المصدر الفذ في تاريخ الدراسات الروسية حول تشيخوف , المصدر الجديد والمبتكر - شكلا ومضمونا – في نوعيّة دراسات الاسماء الكبيرة بتاريخ الادب الروسي . عنوان هذا الكتاب (الانسكلوبيديا , اي الموسوعة ) يعني ما يعنيه بحد ذاته, فهو موسوعة فعلا , الا ان هذه الموسوعة تختلف كليّا عن المفهوم الكلاسيكي المتعارف علية حول الموسوعة , اذ انها موزعة حسب مواضيع وضعها كاتايف نفسه ,وكل المواد الموجودة في كل موضوع تندرج حسب تسلسل حروف الهجاء , كما هو الحال في بنية الموسوعات , والمواضيع في تلك الموسوعة هي كما يأتي – سجل وجيز لحياة تشيخوف وابداعه /// طريق تشيخوف الابداعي /// نتاجات تشيخوف – النثر , المسرحيات , المطبوعات , دفاتر المذكرات , الرسائل , ويقع هذا الموضوع في اكثر من مئتين صفحة /// شاعرية تشيخوف /// عقيدة تشيخوف . مواقفه الاجتماعية /// الارتباطات الادبية ويشمل ثلاث نقاط – الادباء الروس الذين ظهروا قبله ومعاصروه , والادباء الروس في القرنين العشرين والواحد والعشرين ,  والادباء الاجانب /// تشيخوف والمسرح /// تشيخوف وبقية انواع الفنون /// تشيخوف والثقافة العالمية /// دراسة ابداع تشيخوف ويشمل خمس نقاط – المذكرات عن تشيخوف , الرمزية وتشيخوف ,  تشيخوف في النقد الادبي الروسي خارج روسيا ,  تشيخوف في النقد الادبي السوفيتي وعلم الادب من 1917 الى بداية الخمسينيات , دراسة ابداع تشيخوف في النصف الثاني من القرن العشرين /// متا حف تشيخوف /// تشيخوف في المدرسة .
كاتايف – اسم روسيّ كبير في الدراسات عن تشيخوف وابداعه , وهو ينتظر الباحثين التشيخوفيين العرب .........

60
ميرسكي – مؤرّخ الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
 عندما كنّا ندرس اللغة الروسية وآدابها في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , لم نكن نعرف مؤرخ الادب الروسي ميرسكي , بل وحتى لم نسمع باسمه أصلا ( لا نحن , الطلبة الاجانب  ,  ولا الطلبة السوفيت ايضا , الذين كنّا ندرس معهم ), وذلك , لأن هذا  ألامير ( هكذا يسمّونه, اذ انه من عائلة ارستقراطية معروفة جدا في الامبراطورية الروسية )  كان ضمن قائمة الاسماء الممنوع تداولها  (وما أكثر تلك الاسماء آنذاك !) في الاتحاد السوفيتي , رغم ان ميرسكي كان عضوا في الحزب الشيوعي البريطاني , وانه عاد الى الاتحاد السوفيتي بعد الهجرة منه ( هاجرمثل معظم المثقفين الروس آنذاك عام 1920 احتجاجا على ثورة اكتوبر 1917 ), عاد لانه اصبح ماركسيا , والتقى مكسيم غوركي ( عندما كان غوركي مقيما في ايطاليا ), وان غوركي نفسه هو الذي أقنعه بضرورة العودة الى الوطن والمساهمة في بناء الاشتراكية , وقد عاد ميرسكي فعلا الى الاتحاد السوفيتي عام 1932 , وحتى التقى ستالين مرّة في بيت غوركي بموسكو , واصبح ميرسكي عضوا في اتحاد الادباء السوفيت ( الذي تأسس عام 1934 بعد انعقاد المؤتمر الاول الشهير للادباء السوفيت برعاية ستالين نفسه , حيث أصبح غوركي رئيسا لذلك الاتحاد )  , لكن كل تلك الخطوات الواضحة المعالم والصريحة جدا في مسيرته (السوفيتية!) بعد عودته الى الاتحاد السوفيتي ومساهماته الواسعة والمتنوعة في الحياة الفكرية السوفيتية , كل ذلك لم ينقذه من حملة الاعتقالات الستالينية الرهيبة , التي بدأت في نهاية الثلاثينيات, والتي أدّت ( كما هو معروف للجميع الان ) الى تصفية الملايين في الاتحاد السوفيتي , وهكذا كان الامر مع ميرسكي ( العائد الى الوطن !) , اذ تم اعتقاله عام 1938, وصدر الحكم عليه بالسجن لمدة 8 سنوات بتهمة (الاشتباه بالتجسس!!!)  , ثم مات بعد سنة في معسكر الاعتقال بسيبيريا عام 1939  , وكان عمره آنذاك 49 سنة ليس الا , ولكن – وقبل الحديث عن تفاصيل اخرى حول مؤرّخ الادب الروسي ميرسكي وبصماته الابداعية في هذا المجال – لنبدأ اولا بتعريف القراء العرب به , اذ انه كان (ولايزال مع الاسف ولحد الان ) مجهولا بالنسبة لهم تقريبا .
ولد دميتري بيتروفيتش ميرسكي عام 1890 في عائلة ارستقراطية , وكان والدة جنرالا في الجيش الامبراطوري الروسي , وحتى شغل  منصب وزير الداخلية في الامبراطورية الروسية ( للفترة من 1904 الى 1905 ) , واصبح ميرسكي عام 1908 طالبا في جامعة بطرسبورغ , حيث بدأ بدراسة اللغتين الصينية واليابانية في الكلية الشرقية بتلك الجامعة ( كان يتقن آنذاك اللغتين الانكليزية والفرنسية كما هو حال ابناء الارستقراطية الروسية ), وأصدر عام 1911 مجموعة شعرية تضم قصائده من ( عام 1906 الى عام 1910 ) , ولكنه ترك الجامعة عام 1911 لاستدعائه للخدمة العسكرية في الجيش الروسي , وبقي في الخدمة العسكرية لمدة سنتين وعاد الى الجامعة بعد ذلك ( اي في عام 1913 ) , لكن لدراسة علم اللغات وآدابها الكلاسيكية , وأقام علاقات مع أخماتوفا  ومندلشتام  وبقية شعراء مجموعة ( الذروة - الاكمايزم ) , الا ان الحرب العالمية الاولى , التي بدأت عام 1914 , اوقفت كل نشاطاته , اذ تم الاستدعاء مرة اخرى للخدمة العسكرية , وهكذا شارك في تلك الحرب , واصيب بجراح عام 1916 , فتم ارساله الى القوقاز , وحدثت ثورة اكتوبر عام 1917 , وبدأت بعدها الحرب الاهلية الروسية بين ( الحمر والبيض !) كما هو معروف في مسيرة التاريخ الروسي , وكان ميرسكي مع ( البيض ), بحكم كونه أحد افراد الجيش الامبراطوري , وهكذا اضطر ان يهاجر من روسيا عام 1920 , وبعد بولندا واليونان , وصل الى لندن عام 1921 , وبقي هناك الى عام 1932 , وفي لندن اصدر عدة كتب باللغة الانكليزية ( والتي كان يعرفها بشكل جيد جدا ويستخدمها في كتاباته ) حول الادب الروسي وتاريخه, ومنها عدة كتب ( انطولوجيا ) تضم نصوصا من الشعر الروسي , وألقى سلسلة من المحاضرات عن الادب الروسي في جامعة لندن , وحصل على درجة الماجستير ( عام 1926 ) من تلك الجامعة العريقة , وكانت اطروحته عن بوشكين , وأصبح أحد محرري مجلة انكليزية نقدية , كانت تصدر باشراف الشاعر أليوت نفسه ...
بعد اعتقاله عام 1938 , ثم وفاته في معتقل سيبيريا عام 1939, تم حظر كل مؤلفاته في الاتحاد السوفيتي , وتم منع اسمه من التداول في الاوساط الادبية السوفيتية , واعيد الاعتبار اليه عام 1963 , ضمن تلك الاسماء الكثيرة من المعدومين والمعتقلين والمسجونين الابرياء , بعد التغييرات الجذرية المعروفة في الحياة السوفيتية اواسط القرن العشرين , وهكذا بدأت كتب ميرسكي بالظهور مرة اخرى في نفس روسيا , ومنها  كتابه المهم جدا , الموسوم – تاريخ الادب الروسي منذ الازمان القديمة الى عام 1925 , الذي صدر في روسيا عام 2005 , ويقع في 965 صفحة من القطع المتوسط , وقد تم ترجمته عن الانكليزية , اذ ان ميرسكي أصدره في لندن عام 1927 , ولازال  هذا المصدر المهم في تاريخ الادب الروسي يطبعونه ويعيدون طبعه في انكلترا , وهو الكتاب , الذي قال عنه نابوكوف , انه ( ...أفضل كتاب حول تاريخ الادب الروسي بأي لغة , بما فيها اللغة الروسية ...)

61
وبالعربية ( ليث ) تولستوي...
أ.د. ضياء نافع
كانت الجلسة العفوية هذه مرحة جدا جدا ومليئة بالضجيج والانفلات من كل نظام في النقاشات , اذ تكلمنا جميعا ( وتقريبا في آن واحد !) عن ترجمة اسم تولستوي الى الانكليزية والفرنسية , واعترضنا ( وبالاجماع !) , لأن الانكليز يسمونه ( ليو ) والفرنسيون يقولون انه ( ليون ) , اي ان كلاهما لا يعترفان , ان اسمه ( ليف ) بالروسية .
الامر ابتدأ , عندما طرح ف . سؤالا دقيقا , وهو – هل انهما يترجمان اسمه من حيث المعنى , ام انهما يرفضان اسمه الروسي ولا يعترفان به ؟ وقال موضّحا , اذا كانوا يريدون ترجمة معنى الاسم , فعملهم صحيح , واذا يرفضون اسمه الروسي فعملهم خطأ في خطأ . أجاب ص. قائلا ( وهو يكاد ان يصرخ !) , عملهم خطأ في خطأ بالحالتين , فكيف نترجم معنى الاسم الى اللغات الاخرى ؟ , وأنا ضد تلك الظاهرة الخاطئة سواء قام بها انكليزي او فرنسي او اي شخص آخر في العالم و من أي قومية اخرى  , ونقطه راس سطر . نال هذا التعليق الحازم والصارم والحاد تأييد الجميع ( بالصراخ والهتافات والتصفيق  !) وليس بالتصويت طبعا , وبدأت (قفشات !!!) التطبيق والامثلة من الآخرين  , اذ قال ل. ان اسم تولستوي بالعربية سيكون ( ليث ) تولستوي , بدلا من ( ليف ) تولستوي بالروسية , لأن ذلك ( أحلى !) للاذن العربية بألف مرّة من كل هذا ( الليونيّات الانكليزية والفرنسية كافة !) , وعلّق م. ضاحكا , بل انا اقترح , ان يكون اسمه ( ضرغام ) , حتى يكون تولستوي أقرب للعرب قلبا وقالبا , اذ لن يستطيع الانكليزي والفرنسي والروسي طبعا ان يلفظ ( ضرغام ) ابدا , وعلّق ح. وهو يقهقه , يستطيع  يستطيع , اذ سيقول ( دركام ) , وصاح ع. من بعيد , بل هزبر , هزبر ,  واستمر سيل المقترحات من هنا وهناك وسط قهقات الجميع وصراخهم  – أسد أحسن .... سبع أكثر قربا للهجتنا ....
هدأت عاصفة التعليقات بعد ان ( تعبنا !) من الصراخ والقهقهات والمقترحات الساخرة , و ذكّرنا أحد الزملاء من الحاضرين في الجلسة , ان الكثير من المترجمين العرب , ومنهم سامي الدروبي و غائب طعمه فرمان كانوا يسمون  تولستوي ( ليو ) ايضا , بدلا من ( ليف ) , رغم ان غائب طعمه فرمان  كان يعيش في موسكو ويعمل في دور النشر السوفيتية , التي تترجم الادب الروسي . ساد الصمت قليلا , اذ ان اسم غائب طعمه فرمان مهمّ جدا  بالنسبة لمسيرة الثقافة في العراق  و عزيز علينا جميعا , وقلنا , نعم , هذا صحيح , لأن غائب كان مترجما عن الانكليزية الى العربية , وبهذه الصفة وصل الى الصين ( ولم يكن يعرف اللغة الصينية ) , وعمل في دور النشر بالعاصمة بكين , ثم انتقل بعد فترة وجيزة الى موسكو للعمل مترجما عن الانكليزية الى العربية ايضا , اذ انه لم يكن يعرف اللغة الروسية بتاتا , ولكنه تعلّمها بعدئذ بجهوده الخاصة نتيجة للفترة الطويلة من الحياة في موسكو والتعايش مع الروس هناك , رغم انه استمر طوال حياته بالتحدّث  غير السلس ( بتعبير دبلوماسي ! ) بها , وكان واضحا لأي شخص , ان غائب لا يستطيع التحدث بطلاقة عند الكلام بالروسية , ولكن غائب اصبح ظاهرة فريدة ومدهشة في مجال الترجمة بعد ان تعلّم الروسية , اذ انه كان يترجم عن الانكليزية ويقارنها بالروسية في آن واحد , او بالعكس , اي يترجم عن الروسية ويقارنها بالترجمة الانكليزية , ومن بين الثمانين كتابا التي ترجمها بهذه الطريقة الرائعة ,هناك كتابان لتولستوي  , يحتويان على قصص له , وقد صدرا ( حسب ذاكرتنا ) باسم ( ليو تولستوي ) وليس ( ليف تولستوي ) ,  رغم انهما صدرا آنذاك عن دار النشر السوفيتية في موسكو نفسها .
قال صديقنا , الذي كان يستمع الى كل ضجيجنا وتعليقاتنا الساخرة صامتا طوال الوقت -  انكم ايها الاصدقاء تتحدثون عن مسألة ثانوية جدا في مجال الادب الروسي , وهي اسم تولستوي , بينما نسيتم , اننا , نحن العرب , لا نمتلك لحد الان بالعربية سوى ذلك الجزء اليسير من مجموعة المؤلفات الكاملة لتولستوي , هذه المؤلفات التي تقع بتسعين مجلّدا ( وهو رقم فريد بين مؤلفات الادباء في العالم) , وقد بدأت روسيا بطبعها عندما احتفلت عام 1928 في الذكرى المئوية الاولى لتولستوي  ,  وان روسيا تستعد – ومنذ زمن ليس بالقصير – للاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لتولستوي في عام 2028 , وان هناك لجان عديدة تعمل من اجل اصدار مجموعة جديدة لمؤلفاته الكاملة , والتي يتوقعون ان تكون أكثر من مئة جزء هذه المرة , وأضاف صاحبنا قائلا , لماذا لا تتكلمون , مثلا , اننا لا نمتلك لحد الان ترجمة مباشرة عن الروسية لروايته الملحمية الكبرى ( الحرب والسلم ) ؟ أجاب أحدهم معلّقا – يقال , ان معهد الترجمة في موسكو طرح مرة مقترحا بشأن ترجمة رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) عن الروسية الى العربية مباشرة , وأبدى المرحوم خيري الضامن في حينها استعداده لانجاز هذا المشروع , ولكن كل ذلك لم يتحقق مع الاسف .
بعد تعليق صديقنا ( الصامت !) عن مؤلفات تولستوي التسعين , وبعد الاعلان (المثير!) بشأن مصير ترجمة ( الحرب والسلم ) عن الروسية مباشرة , بقينا جميعا صامتين , ونسينا ضجيجنا وتعليقاتنا الساخرة عن اسم تولستوي ...

62
بيت بوشكين في اكاديمية العلوم الروسية
أ.د. ضياء نافع
ولد بوشكين عام 1799 , و قد احتفلت الامبراطورية الروسية عام 1899 بالذكرى المئوية الاولى لميلاده , وفي تلك الاحتفالات المتنوعة في روسيا ظهرت فكرة تأسيس ( بيت بوشكين ) , او , حسب الترجمة الحرفية - ( البيت البوشكيني ) , اعتزازا بابداعه وحفاظا على قيمة هذا الابداع ومكانته واهميته  في تاريخ الفكر الروسي عموما , وقد حظيت الفكرة بعدئذ بدعم وتأييد الدولة الروسية ورعايتها , ووصل الامر الى صدور موافقة تحريرية (وأمر اداري تفصيلي بشأن تنفيذها و تحقيقها وتمويلها) من قبل القيصر الروسي نيقولاي الثاني نفسه ( آخر قياصرة الامبراطورية الروسيّة كما هو معروف ).
الفكرة بدأت عندما تمّ جمع اكثر من (700) مادة متحفية ثمينة ماديّا ومعنويّا , و ترتبط ( بشكل مباشر او غير مباشر ) ببوشكين ومسيرة حياته وابداعه , وذلك لغرض تنظيم معرض خاص بمناسبة الذكرى المئوية لميلاده , وبدأ الحديث آنذاك عن ضرورة اقامة تمثال جديد لبوشكين في هذه المناسبة , وقد اقترح رئيس اكاديمية العلوم الروسية عندئذ تشكيل لجنة خاصة من المثقفين الروس الكبار لمناقشة موضوع التمثال ,  واثناء سير المناقشات وتشعباتها في جلسات تلك اللجنة ولدت فكرة جديدة كليّا , وهي تاسيس ( بيت بوشكين ) بمثابة متحف او مركز ادبي يجمع كل المواد الارشيفية المرتبطة ببوشكين (وبقية ادباء روسيا في القرن التاسع عشر) , وذلك تخليدا لهم و حفاظا على تلك المواد الثمينة من الضياع والتلف اولا , ولدراستها وتحليلها من قبل المتخصصين ثانيا نظرا لاهمية تلك المواد لتدوين تاريخ و مسيرة الادب الروسي , وحدث ذلك يوم 15 ديسمبر/ كانون الاول عام 1905 , ولهذا تم اعتبار هذا اليوم - تاريخ تأسيس ( بيت بوشكين ) منذ ذلك الحين والى يومنا الحالي , وقد وافق القيصر عام 1907 على تمويل هذا المشروع المهم من قبل الدولة الروسية كليّا , بما فيها - جمع كل ما له علاقة بحياة بوشكين وابداعه وحفظها هناك , وكذلك جمع كل ما له علاقة بحياة وابداع الادباء الروس الكبار الآخرين لنفس الغرض النبيل هذا . وكانت مكتبة بوشكين طبعا اول خطوة تطبيقية في هذا المجال , وتم شراء هذه المكتبة فعلا باكملها من قبل الدولة ,وتمّ وضعها في ( بيت بوشكين ) , كبداية لتأسيس مكتبة عامة في ذلك ( البيت !) , واعقبت تلك الخطوة التخطيط لشراء مكتبة اخرى اسسها أحد المواطنين الروس , الذي كان معجبا جدا بابداع بوشكين لدرجة انه أطلق على نفسه لقب ( اونيغين ) , اي مثل لقب بطل الرواية الشعرية لبوشكين ( يفغيني اونيغين ) , وقد هاجر هذا المواطن الروسي في حينها للعيش في باريس , وهناك أقام متحف لبوشكين في شقته الباريسية , وهو أول متحف لبوشكين بشكل عام , والذي عرض فيه كل ما حصل عليه حول بوشكين , واهمها طبعا الكتب التي نشرها بوشكين نفسه وكل المؤلفات حوله , والتي جمعها طوال حياته , وتمّ فعلا شراء كل محتويات ذلك المتحف وحسب الشرط الذي وضعه اونيغين نفسه , و ينص هذا الشرط على استلام كل تلك الكتب بعد وفاته , و قد توفي اونيغين عام 1925 , وتمّ نقل تلك المكتبة الثمينة عام 1928 من ذلك المتحف في باريس الى بيت بوشكين في روسيا , وتوسّع  مشروع  (بيت بوشكين) هذا , وضمّ بعدئذ مكتبات ومخطوطات ومسودات كل من تورغينيف وليرمنتوف ونكراسوف وتولستوي ودستويفسكي , وقررت الدولة السوفيتية  تحويّل بيت بوشكين عام 1930 الى ( معهد الادب الروسي ) في اكاديمية العلوم , مع الاحتفاظ بالاسم التاريخي له , وهو بيت بوشكين , وهكذا اصبح يسمّى منذ ذلك التاريخ ولحد الان – معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية .
معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية يقع في مدينة بطرسبورغ الروسية , وهو معهد بحوث ودراسات تابع لوزارة العلوم والتعليم العالي الروسية , ويحتوي هذا المعهد على اقسام علمية – بحثية عديدة , وتوجد فيه مراكز علمية ومجاميع متنوعة وعدة مختبرات , ومتحف أدبي فريد من نوعه , وقسم فخم للمخطوطات والتسجيلات ( بما فيها تسجيلات فولكلورية لشعوب العالم ) , و قد أصدر هذا المعهد الكثير من الكتب والمصادر الاكاديمية في الادب الروسي , منها مثلا ( وليس حصرا ) -  مجلة فصلية تصدر منذ عام 1958 ولحد الان دون انقطاع ( اي طوال 64 سنة ) , واسم المجلة – الادب الروسي , وتعد هذه المجلة واحدة من أشهر المجلات الاكاديمية العلمية المعتمدة  بروسيا في مجال دراسات الادب الروسي بمراحله كافة ( من الادب الروسي القديم الى الادب الروسي المعاصر ), وتشترك في هذه المجلة معظم اقسام اللغة الروسية وآدابها في الجامعات العالمية , وأصدر المعهد ( 62) مجلّدا من أعمال قسم الادب الروسي القديم  , و( 33) مجلّدا للفلكلور الروسي , و(40) مجلّدا بعنوان بوشكين ومعاصروه ...و.. و.. و.. , ولا مجال هنا لذكر الندوات والؤتمرات العلمية العديدة جدا , التي قام هذا المعهد بتنظيمها حول الادب الروسي طوال كل هذه السنين ...
معهد الادب الروسي ( بيت بوشكين ) في اكاديمية العلوم الروسية – مثل رائع يُحتذى به عالميا  ,ولكل الشعوب, لدراسة آدابها وتوثيقه  , وما أحوج أدبنا العربي العملاق الى مؤسسات أكاديمية مماثلة ..... 

63
عن دستويفسكي ومعطف غوغول مرة اخرى
أ.د. ضياء نافع
 اتابع طبعا ( وحسب امكانياتي المتواضعة ) الكتابات العربية حول الادب الروسي دائما , و أنا سعيد جدا بتوسّع تلك الكتابات وتعمّقها وموضوعيّتها بشكل عام مقارنة مع واقعها الذي كان في القرن العشرين , وخصوصا في بدايات النصف الثاني من ذلك القرن , عندما كانت سائدة في تلك الكتابات النظرة السياسية الضيّقة والساذجة و(المعلّبة!) ان صحّ التعبير , سواء من قبل اصدقاء الادب الروسي ( سياسيّا !) او المعادين له ( سياسيّا ايضا !) , اذ كان الادب الروسي آنذاك ( عملا سياسيا بحتا !) ليس الا . الا اني – وللأسف -  ( اصطدم بالمعنى المباشر وغير المباشر !)  بعض الاحايين – ولحد الان -  بمجموعة من المفاهيم و التعابير غير الدقيقة ( بلغة الدبلوماسية طبعا , اذ يجب استخدام صفات اخرى حتما حول ذلك !!)  , وعندما ( اصطدم بها !) , أقول (بيني وبين نفسي وانا احاول تبريرها) , ان هذا التعبير او ذاك حدث بشكل عابر ومتسرّع , او , ان هذا المفهوم لن يتكرر لاحقا في الدراسات القادمة لنفس هؤلاء الكتّاب, او , انه ربما خطأ مطبعي فقط , او ,  من المحتمل انه سهو ليس الا , او... , أو ... الخ , ولكني بدأت الاحظ – ومع الاسف والاسى - تكرار هذه التعابير هنا وهناك ( وبعض الاحيان عند اسماء ليست مجهولة من الباحثين ) , ولهذا اود هنا ان اتكلم قليلا عن ذلك  في هذه السطور , اذ انها فعلا ( تخدش !) النظر ( بتعبير مخفف !) , خصوصا عندما نراها امامنا وهي مطبوعة في مقالات او ( وتلك هي المصيبة ) حتى في كتب ,  فالعين تبقى (بصيرة!) , رغم ان اليد قصيرة .
 الظاهرة , الذي اريد الاشارة اليها و التركيز عليها هنا , هو تكرار قول ينسبونه بشكل خاطئ الى دستويفسكي , وهذا القول هو  – (كلنا خرجنا من معطف غوغول) . لم يعد لهذا المفهوم اي اساس في الكتابات عن الادب الروسي في روسيا نفسها منذ اكثر من نصف قرن تقريبا , اذ اثبت الباحثون الروس انفسهم , و بما لا يقبل الشك , ان دستويفسكي لم يكتب ابدا هذه الجملة في كل مؤلفاته الادبية او كتاباته النقدية او رسائله الشخصية , ولم يكتب أحد من أصدقائه او معارفه او معاصريه بشكل عام انه سمع هذا القول من دستويفسكي , وبشكل عام , فان هذا المفهوم لا ينسجم مع الخصائص الفنيّة لابداع دستويفسكي وفلسفته الدينية , المرتبطة – كما هو معلوم - بمسيرة الكنيسة الروسية الارثذوكسية , وتحليله النفسي المعمّق , وليس عبثا , ان فرويد بالذات هو أحد تلامذة دستويفسكي , أمّا غوغول , فهو رمز الواقعية الغرائبية , الواقعية الممزوجة عضويا بالخيال الابداعي غير الاعتيادي , وليس عبثا , ان  بيكاسو وسلفادور دالي هما من تلامذة غوغول , والفرق شاسع بين فرويد من جهة وبين بيكاسو ودالي من جهة اخرى . وأذكر اننا تحدثنا عن ذلك في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد قبل اكثر من ثلاثين سنة مضت , ونشرت مقالة حول ذلك في مجلة ألف باء العراقية آنذاك ( أشار اليها قبل فترة مؤرشف الادب الروسي في العراق د . منذر ملا كاظم ) , ونشر بعض الباحثين ايضا مقالات بشأن ذلك , وأخص بالذات المقالة التفصيلية و الموضوعية حول هذا الموضوع للباحث العراقي الكبير في مجال الادب الروسي د. جودت هوشيار , ولكننا لا زلنا نرى – ولحد الآن – ان هذا القول غير الدقيق ( ولا اريد ان أقول اكثر !) حول دستويفسكي وانه ( خرج من معطف غوغول ) يرد هنا وهناك في مقالات عربية عديدة , وقد ( اصطدمت !) بهذا القول شخصيا في كتاب عن الادب الروسي صادر عام 2020 , وتعجبت ليس الا من ذلك , وقلت بيني وبين نفسي – آه لو استطيع ان أهمس في اذن هذا الباحث ,  أن دستويفسكي يبلّغك تحياته , واوصاني ان اقول لك , انه (لم يدخل ولم يخرج !) من معطف غوغول , وان كل هذه ( الحكاية !!!) اختلقها صحافي فرنسي في بداية القرن العشرين بكتاب له عن الادب الروسي , وانتشرت هذه الجملة الغريبة ذات البناء اللغوي الطريف, كما تنتشر كل الاقاويل والثرثرات والوشايات بين الناس ,  مثل (النار في الهشيم) , كما يقول تعبيرنا العربي الشهير ...
دستويفسكي – سيداتي سادتي – لا علاقة له بمعطف غوغول , ولا تورطونا بكتاباتكم وتصريحاتكم عن مسألة في تاريخ  الادب الروسي حسمها الباحثون الروس انفسهم منذ زمن بعيد , فهناك قراء عرب يتابعون ويحللون ويستنتجون ...والكلمة المطبوعة والمنشورة – موقف واضح وثابت ودليل مادي , ولهذا يجب التفكير بشكل جديّ قبل نشر تلك الكلمات...   




64
حوار غريب مع شخص مجهول
أ.د. ضياء نافع
التقينا صدفة في موسكو , وسألني عن مدينتي , وتعجّب كثيرا عندما علم اني من بغداد , وطرح عليّ سؤالا توضيحيا رأسا – من (بكداد) العراق ام من (بكدادي) جورجيا ؟ , فضحكت أنا , وكررت - (من بكداد الاصلية) , التي كانت ولازالت وستبقى عاصمة العراق , فقال  رأسا , أما أنا , فتركي من أذربيجان , فتعجبت أنا بدوري , وقلت له , اني أعرف الكثيرين من الاذربيجانيين , وكلهم  يقولون انهم أذربيجانيون من أذربيجان , أما انت فتقول – تركي من اذربيجان , فقال , نعم , هذا صحيح , أنا أذربيجاني من أذربيجان طبعا , وأذربيجان جزء من ( العالم التركي الواسع) ,  لكني قلت لك , اني تركي من أذربيجان , لأني أردت ان اذكّرك , ان الامبراطورية العثمانية كانت تضمّنا معا طوال قرون عديدة من الزمان في الماضي (رغم ان أذربيجان القوقازية ذات خصوصية) , الا انكم – العرب - قررتم الانفصال عنها والذهاب حتى للتعاون مع اعداء تلك الامبراطورية الاسلامية العظمى , الاعداء الذين كانوا يحاولون اسقاطها وتقاسم املاكها واقاليمها , ولهذا أصابكم ما أصابكم من ويلات و مصائب , وانكم تدفعون – ولحد الان -  ثمن تلك المواقف الانفصالية الرهيبة التي اتخذتموها ضد الامبراطورية المذكورة , وهو ثمن غال جدا جدا , ولا نعرف الى اين ستصل بكم لاحقا كل خطواتكم الانفصالية تلك , فالمستقبل المنظور غير واضح امامكم  .
 كان جوابه استفزازيا جدا بالنسبة لي وغير متوقع بتاتا , مما اضطرني ان أقول له رأسا وبشكل مباشر وحاد ايضا , اننا نسمّي تلك المرحلة التي تتحدث عنها بالفترة المظلمة , ونطلق عليها - ( السّبات العثماني) في تاريخنا العراقي الحديث , وانت تتهمنا ( بالانفصال عن الامبراطورية العثمانية العظمى والتعاون مع اعدائها !) . وقد لاحظ ( التركي من أذربيجان !)  طبعا رد فعلي الغاضب و الحاد هذا على كلماته, وابتسم , في محاولة لتخفيف التوتر بيننا , وقال ضاحكا – سّبات بين الاهل والاقارب افضل من يقظة بين الغرباء , ولا اريد ان اقول الاعداء , والتجربة تبين الان بوضوح , ان هذه الطريقة , التي اخترتوها لليقظة من ذلك السّبات , لم تكن صحيحة ابدا , وانكم الان – نتيجة لعملكم المذكور - امام مفترق طرق , وكلها ليست جيدة , وأحلاها مرّ. 
حاولت تجاهله ليس الا , وحاولت عدم الاستمرار بالنقاش مع هذا ( التركي من أذربيجان !) حول هذه القضايا التاريخية ( الساخنة لحد الآن من وجهة نظره ونظر المؤيدين له !) , وقد لاحظ هو ذلك طبعا , و قال لي ( في محاولة لاستفزازي على ما يبدو !) – من الواضح تماما انك لا تريد ان تستمر معي في هذا الحوار , وهو موقف ضعيف جدا من جانبك , اذ انكم لا ترغبون ولا تحبون – بشكل عام -  الاستماع الى آراء لا تتوافق مع افكاركم , ولا تعترفون بالرأي الآخر بتاتا , فقلت له موضّحا ( وانا احاول ان ابتسم) -  ليس لهذا السبب الذي تذكره , وانما لاننا ( شبعّنا !!!) من آراء ( المحللّين السياسيين الفطاحل !!!) , الذين ( يعرفون كل شئ حول الماضي السحيق والحاضر المرير وعلم المستقبليات ايضا !!!) . لم تعجبه جملتي طبعا , وقال متحديا – ان الامبراطوريات لا تموت ببساطة , واحداث الحرب الروسية – الاوكرانية ونحن في اواسط عام 2022 خير دليل على صحة ما أقول . تذكرت القول العربي المشهور – (آخر الدواء الكيّ ) وقلت بيني وبين نفسي , يجب عليّ فعلا ان استخدمه للتخلص من هذا الكابوس الذي فرض نفسه فرضا , وهكذا قلت له ساخرا كي انهي هذا الحوار العبثي – لا تخلط الاوراق بهذا الشكل كما يفعل المحللّون السياسيون وهم يتخبطون ب (غزارة  علومهم !!!), والا , فاننا – نحن العرب – سنطالب ( انطلاقا من نفس تلك المفاهيم التي تؤكّد عليها ) باذربيجان نفسها , لانها كانت ضمن (امبراطوريتنا !) في تلك الايام الخوالي. لم يتوقع طبعا جوابي هذا ابدا , وانزعج  أشد الانزعاج , وتركني غاضبا ......

65
  شئ عن احدى حكايات تولستوي
أ.د. ضياء نافع
 عنوان هذه الحكاية الشعبية هو - الاسد والكلب الصغير , وهي حكاية صغيرة جدا  تشغل اكثر او أقل من صفحة واحدة فقط لا غير في مؤلفات تولستوي العديدة المطبوعة باللغة الروسية ( سواء الكاملة او المختارة), صفحة في حدود العشرين سطرا او اكثر قليلا ليس الا . تولستوي نفسه أسماها ( قصة حقيقية ) وليس حكاية شعبية , ولكنها – واقعيا -  تندرج دائما ضمن حكاياته الشعبية الشهيرة , ومن المؤكد ان تولستوي ليس عبثا قد أسماها قصة حقيقية , رغم ان اطارها العام يمتلك سمات و خصائص فولكلورية طبعا , اذ انها تتحدث عن أسد وكلب صغير كما يشير عنوانها , الا انها ( قصة حقيقية فعلا !) لأنها خالية تماما من ألاجواء الخيالية وتفصيلاتها المتشعّبة من حوار بين الاسد والكلب الصغير مثلا وغير ذلك من الاحداث المرتبطة بمسيرة علاقاتهما معا ...الخ , والتي غالبا ما تكون قائمة في الحكايات الاسطورية عن الحيوانات (وهي حكايات معروفة من قبل القراء) , لدرجة , ان احدى الامهات الروسيات كتبت تعليقا حول حكاية تولستوي الشعبية هذه , وقالت في تعليقها , انها تنصح زميلاتها الامهات الروسيات (بعدم قراءة هذه  الحكاية !) لاطفالهّن قبل النوم ( كما يحدث عادة في البيوت الروسيّة ) , اذ انها ( جرّبت ذلك مرّة , فاجهشت – بعد الانتهاء من القراءة - هي وابنتها بالبكاء , لدرجة ان  صغيرتها نامت وهي في اشد حالات الحزن !!!) , وقد أثارني جدا تعليق الام الروسية هذه حول حكاية تولستوي ( الاسد والكلب الصغير) , وذكّرني هذا التعليق طبعا - مرة اخرى واخرى -  بعظمة الفنون الجميلة ( باشكالها وانواعها المختلفة كافة) وسلطتها وجبروتها وقوّتها المعنوية وتأثيرها العميق على الاحاسيس الانسانية وعلى مسيرة حياة الناس بشكل عام , و هذا التعليق الحزين للامّ الروسيّة هو الذي دفعني ايضا ان  اكتب هذه السطور حول حكاية تولستوي – الاسد والكلب الصغير , اذ ان الحكاية الشعبية عادة لا تثير مثل هذه الاحزان والدموع , بل انها أقرب الى المرح و الابتسامة  من أجل الوصول الى الحكمة العميقة الهادفة التي تسعى اليها الحكايات بشكل عام , وان القارئ على الاغلب يقرأ الحكاية الشعبية كي ( يتوّنس ويفرفش !) كما نقول بلهجاتنا العربية المتنوعة , وليس كي يبكي و يذرف الدموع ويتأّلم , ولهذا , فاني قلت بيني وبين نفسي ( بعد هذا التعليق الحزين للسيّدة الروسية ) انه من الضروري أن أتأمّل بهدوء اجواء حكاية تولستوي هذه وأتعمّق في مضمونها قدر استطاعتي , اذ لعلني أقدر في هذا التأمّل العميق ان أحدد السبب الذي جعل هذه الام الروسية تبكي مع طفلتها عند قراءة تلك الحكاية , التي تبدو بسيطة جدا للوهلة الاولى .
مضمون الحكاية – بايجاز شديد -  حزين فعلا , فهو يتحدث عن أسد يعرضوه للمشاهدين في قفص , و يجب على المشاهدين طبعا ان يدفعوا ثمنا لمشاهدة العرض او ان يجلبوا معهم طعاما للاسد من لحوم او فريسة له من كلاب او قطط , وقد جلب احد هؤلاء المشاهدين كلبا صغيرا كفريسة له , ورموا هذا الكلب الى الاسد , لكن الاسد امتنع عن افتراسه , بل و اصبح هذا الكلب الصغير بالتدريج (صديقا!) للاسد , و هكذا عاش لمدة سنة بأكملها معه في القفص , ولكن هذا الكلب الصغير تمرّض , ثم مات , ولم يسمح الاسد لاحد ان يحمل الكلب الميّت من القفص , وقد حاولوا رميّ كلبا آخر له كبديل , الا ان الاسد مزّقه رأسا , وعندما تأكّد الاسد من موت صديقه الكلب الصغير , رقد جنبه وامتنع عن الاكل والشرب , و بعد خمسة ايام مات الاسد نفسه.
لم يتوسّع تولستوي بكتابة تفاصيل هذه (العلاقة الروحيّة!) بين الاسد والكلب الصغير , بل اكتفى بايماءآت رمزية صغيرة جدا جدا هنا وهناك , فالاسد ( شمّ !) الكلب ليس الا , الذي ( رقد على ظهره وهو يهز ذيله !) , ثم ( وقف على رجليه الخلفيتين أمامه !) , ثم ( نام متوسدا مخالب الاسد !) , وهكذا بدأ الاسد باطعام الكلب الصغير من طعامه , وبدأت هذه الصداقة الغريبة والعجيبة بينهما .
موت الكلب الصغير بعد مرضه كان أمرا طبيعيا ومتوقعا , الا ان موت الاسد – وبهذه الطريقة التراجيدية - هو الذي يثير القارئ , اذ ان الاسد واقعيا قد (انتحر !) حزنا على موت صديقه (الكلب الصغير) , فالاسد ( ملك الحيوانات !) يعيش في قفص , ولكن كيف يمكن (للملك!) ان يعيش في قفص ؟ وكيف يمكن للملك الاسير ان يتصرّف وقد مات صديقه الوحيد , الذي كان يعيش معه في القفص ؟ وهكذا قرر الاسد ان ينتحر ( احتجاجا على هذا الوضع الرهيب و الحزين ) بالوسيلة الوحيدة المتوفرة لديه في القفص, وهي الامتناع عن الاكل والشرب , وهو موقف بطولي جدا ونبيل جدا من ( ملك الحيوانات ) , و موت الاسد بهذه الطريقة المأساوية هي التي جعلت تلك الام الروسية وطفلتها تذرفان الدموع , وذلك تعبيرا عن تعاطفهما مع موقف الاسد وحزنا على موته , وهو يرقد جنب صديقه الوحيد ...
حكاية تولستوي ( الاسد والكلب الصغير ) تثير الحزن فعلا لدى الصغار عندما يموت الكلب الصغير والاسد الكبير , وتثير الحزن لدى الكبار , لان الموت يجعلهم يتأمّلون بعمق معناه ورمزيته . حكاية تولستوي مدهشة , لانها تصلح للصغار وللكبار , وهذه هي عظمة الفن , الذي يجد فيه القراء كافة ( صغارا وكبارا ) ما يبحثون عنه من احاسيس وافكار ...   

66
أدب / ومضات بلمسة واحدة
« في: 13:11 14/05/2022  »

   ومضات بلمسة واحدة


قصائد للشاعر الداغستاني محمد أحمدوف
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



حتى الشيخوخة تجعل الشاعر شابا.
+++
 المستقبل ينتقم من أعداء الشاعر.
+++
الشاعر للشعراء فقط – ليس شاعرا.
+++
الشاعر – نبيّ بجزيرة  في الصحراء.
+++
ما الرماد ؟- نار قد ماتت .
+++
دمعة وراء دمعة – قطرات ندى الحب.
+++
الشعر – سرّ معروف للجميع وليس معروفا لأحد.
+++
 يذهب الشاعر دائما من أجل ان يبقى.
+++
 الطاعنون في السنّ والمولودون الجدد – افضل القصائد .
+++
 الزمن يضع النقطة في نهاية القصيدة .
+++
اليوم معتم لدرجة , ان المرآة تكذب .
+++
الشعراء – نجوم تعبت من التوهج .
+++
امنحوا الهدوء للافكار ذات الاصوات العالية .
+++
لحظة تغيّر قيمة الحياة .
+++
وجروح الماضي تؤلم في الحاضر .
+++
ضياء القلب – هو الاكثر سطوعا في العالم .
+++
تولد القصائد الحقيقية من المصيبة الكبيرة والفرح الكبير .
+++
  أعمى تقريبا , من يتعطش للمجد .
+++
الكلمة اصبحت دمعة – وهي الانقاذ .
+++
الشعر يحوّل الاحساس الى افكار .
+++
 فقير , لكن لا يطلب – فهو غنيّ .
+++
.. والايادي تكشف سرّ الشيخوخة .
+++
مهمة ليست سهلة – العيش بسهولة .
+++
  الحسود طوال حياته يعيش  في الجحيم ...

+++
ولد الشاعر الداغستاني محمد احمدوف عام 1955 , وأصدر اكثر من ثلاثين مجموعة شعرية , وهو ايضا ناقد ادبي ومترجم وصحافي . نشرت هذه القصائد صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الادبية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 4 – 10 مايس 2022

67
  تقاسم غوغول بين روسيا واوكرانيا
أ.د. ضياء نافع
 التقاسم يعني شطر غوغول الى قسمين اثنين متساويين ( اي قطع غوغول بمنشار حاد وتحويله الى جزئين متساويين بعد قياسات دقيقة وصارمة حد المليمتر !!!) , كي تستلم كل من روسيا القسم الخاص بها من غوغول وتستلم اوكرانيا القسم الخاص بها من غوغول , ( وما هو هذا الجزء الخاص بكل بلد من هذين البلدين – العلوي ام السفلى اذا كان التقسيم بالعرض , او الجزء الايمن او الايسر اذا كان التقسيم بالطول , وهذه مشكلة عويصة اخرى طبعا لا مجال لبحث تفاصيلها هنا في اجواء الحرب الروسية – الاوكرانية ونيرانها !!! ) , ولو كان غوغول (رقما محددا حسب علم الرياضيات !!!) , فان عملية تقاسمه بين روسيا واوكرانيا لن تكون صعبة , ولكن غوغول هو ظاهرة ابداعية وفكرية وفلسفية مثل غابة أشجار متشابكة الجذور والسيقان و الاغصان والثمار ( من امسيات ديكانكا وعبر الانف و المعطف والمفتش والارواح الميتة وانتهاء بمراسلاته العميقة مع الاصدقاء ), فكيف يمكن تحقيق هذا التقسيم لتلك الظاهرة الفنيّة الواسعة و العملاقة ؟  او , لنعرض موضوع التقاسم هذا بشكل آخر , وهو – هل يمكن الاعتراف بغوغول كاتبا روسيّا فقط ليس الا ولا شئ آخر , او كاتبا اوكرانيّا فقط ليس الا ولا شئ آخر , او كاتبا للامبراطورية الروسية باكملها ليس الا ؟ او , لنتكلم عن قضية التقاسم هذه بشكل ثالث , وهو – هل يمكن الوصول الى الحل العقلاني والاتفاق حوله بين الطرفين المتحاربين في الوقت الحاضر على أرض اوكرانيا  , الاتفاق الذي يؤكد على الوقائع كما هي فعلا ,  اي الاقرار , ان غوغول (الاوكراني حتى نخاع العظام) هو كاتب (روسي حتى نخاع العظام) حتى عندما يرسم بكلمات روسيّة مدهشة الجمال ومتنوعة الالوان امسيات القرى الاوكرانية (...قرب ديكانكا) , او, وهو يرسم بطله الاسطوري (تاراس بولبا) , تلك الشخصية الغريبة بخصلة شعره الكثيفة في منتصف رأسه الاصلع وشواربه الهائلة و شرواله وثيابه , وهو يقتل ابنه بيده لان هذا الابن قد انتقل الى (الاعداء البولنديين !!!) ؟
 لقد تحوّل غوغول الان الى (قضية مركزية!!!) في مسيرة الحرب الروسية – الاوكرانية الدموية الرهيبة هذه , وفي حلّ هذا (الاشكال الكبير!!!) يكمن الحلّ  الجذري لهذه الحرب على ما يبدو , وارتباط ازمة الحرب بين دولتين بالموقف من كاتب محدد هو حالة فريدة من نوعها في تاريخ الحروب في العالم , اذ لم يعرف العالم سابقا , ان الموقف من كاتب معيّن يقرر مصير حرب تؤثّر على كل دول العالم بمثل هذه السعة والخطورة ( وفي ذلك تكمن عظمة غوغول طبعا ومكانته ) . ولم تظهر هذه القضية امام روسيا واوكرانيا الآن , بل برزت في تسعينيات القرن الماضي , اي بعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي وظهور الدولة الاوكرانية , و حاولت الاوساط العلمية الروسية دراسة هذا الموضوع , ونود هنا ان نشير – ليس الا -  الى  ندوة مشتركة تم عقدها بتاريخ 3- 5 نيسان عام 2008 بمبادرة من – معهد اوروبا في اكاديمية العلوم الروسية , والمركز الاوكراني والبيلوروسي في  كليّة التاريخ بجامعة موسكو , ومعهد الدراسات السلافية في اكاديمية العلوم الروسية . لقد شارك في هذه الندوة مجموعة كبيرة من الاكاديميين المتخصصين الحاصلين على أعلى الدرجات العلمية في روسيا , و تناولوا في كلماتهم تفاصيل متنوعة حول تحديد معالم هذه القضية وابعادها المتشابكة جدا , كي يجدوا الاجابة الصحيحة عن هذا السؤال التاريخي المعقّد جدا , والذي يرتبط بموقع غوغول بين الدولتين والشعبين السلافيين الشقيقين.
كان شعار الندوة هذه واسعا جدا , ويتكون من ثلاثة محاور أساسيّة , والتي يمكن تلخيص جوهر تلك المحاور – وبايجاز- كما يأتي –
المحور الاول - هل كان غوغول كاتبا اوكرانيا , او امبراطوريا - روسيأ , او روسيّا ؟ /// المحور الثاني - المفاهيم الامبراطورية والقومية والروسية والروسية الشاملة والاوكرانية في ثقافة روسيا القرن 19 /// المحور الثالث - مكانة روسيا بين شعوب الامبراطورية.
 من الواضح جدا , ان هذه الندوة العلمية , التي انعقدت عام 2008 في اكاديمية العلوم الروسية , تؤكد بما لا يقبل الشك , ان موضوع تقاسم ابداع غوغول بين روسيا و اوكرانيا كان مطروحا قبل سنين طويلة من الحرب الروسية – الاوكرانية الحالية , والتي بدأت في شهر شباط ( فبراير ) عام 2022 ( ونحن نكتب الان في شهر مايس ( مايو) من نفس ذلك العام) .
ختاما لهذه السطور اودّ ان اشير الى مقالتين عميقتين اطلعت عليهما قبل فترة , الاولى بعنوان ( روسيا واوكرانيا ...حرب ثقافية حول معطف غوغول ) بقلم  بشير البكر , والثانية بعنوان ( هل ينبغي تقسيم غوغول بين روسيا واوكرانيا ) بقلم محمود عبد الغني ,  واريد ان اشيد بالموقف الموضوعي الرائع  للزميلين في مقالتيهما , ويسعدني ان ارى هذه النظرة الشمولية العلمية عندهما والمعرفة المعمّقة للادب الروسي , اذ ان ذلك يعدّ دليلا ماديا ملموسا لنضوج البحث الفكري العربي وتحرره من الشعارات الساذجة و( المعلّبة !) ....   

68
و تشيخوف  اوكرانيّ ايضا ؟ 
أ.د. ضياء نافع
 سألت جارتي الروسية (التي ادردش معها بعض الاحيان في الممرات او قرب بناية السكن ) – هل سمعت ما يقولونه الان حول تشيخوف ؟ هم يؤكدون ان انطون بافلوفيتش تشيخوف كاتب اوكراني وليس كاتبا روسيّا , فضحكت جارتي وقالت مصححّة قولي – غوغول , غوغول , وليس تشيخوف , وأضافت , ان غوغول فعلا اوكراني بكل معنى الكلمة , فهو ولد هناك , ثم انتقل في شبابه الى بطرسبورغ , الا انه كاتب روسي كبير وعملاق وترتبط باسمه نتاجات شهيرة في تاريخ الادب الروسي والادب العالمي ايضا ( وقسم منها طبعا بنكهة اوكرانية واضحة المعالم ) , وهذه مسألة طبيعية جدا في مسيرة روسيا التاريخية وآدابها وتعددية شعوبها, اذ يوجد الكثير من الادباء الروس الكبار من اصول غير روسيّة , مثل باسترناك وآيتماتوف وأكودجافا و كثيرون غيرهم , ولا أحد يقول الآن , ان باسترناك ليس كاتبا روسيّا وانما يهودي , وان آيتماتوف ليس كاتبا روسيّا وانما  قرغيزي , وأكودجافا ليس كاتبا روسيّا وانما قوقازي (من ام ارمنية واب جورجي)....الخ , ويبدو انك توهمت باسماء الادباء الروس واختلط عليك الامر ليس الا عندما سمعت هذا الشئ عن تشيخوف , فقلت لها وانا اضحك ايضا , كيف يمكن لي ان اتوهم باسماء الادباء الروس يا جارتي العزيزة ويختلط عليّ الامر وأنا اتعايش مع الادباء الروس ( في السّراء والضّراء !) اكثر من ستين سنة من حياتي , انهم يتحدثون عن تشيخوف , عن صديقي انطون بافلوفيتش تشيخوف , فسألتني والاستغراب كان واضحا بعينيها و على وجهها - الكلام يدور عن تشيخوف , هل انت متأكد ؟ قلت لها – طبعا متأكد جدا , وقد قرأت ذلك قبل أيام ليس الا واندهشت بشدة عندما اطلعت عليه , فقالت جارتي -  انها لم تسمع بذلك بتاتا , ولم يخبرها أحد من الاصدقاء حولها عن هذا الموضوع ابدا , ولكن كل شئ يمكن ان يحدث الان في عصرنا العاصف وغير الاعتيادي هذا, ثم أضافت - يوجد عندنا مثل روسي يقول – في الحب وفي الحرب كل الوسائل جيدة . ضحكت أنا , وقلت لها , ان الحرب بين روسيا واوكرانيا وصلت الى تاريخ الادب الروسي وأعلامه على ما يبدو , وقد توجهت نيران هذه الحرب الآن الى تشيخوف هذه المرّة . صمتت جارتي قليلا , ثم سألتني بصوت خافت  – وماذا يقولون حول تشيخوف بالضبط ؟ فقلت لها , يكتبون انه اوكراني , وانه ولد وترعرع في تاغنروغ , وهي مدينة قريبة جدا من اوكرانيا , ووجدوا حتى بعض الجمل و المقاطع - هنا وهناك – في رسائله وذكريات أصدقائه حوله , والتي تشير الى انه اوكراني ويعتزّ جدا بانتمائه لاوكرانيا , بل وان أحدهم كتب يقول , ان هناك من (أجبر!!!) تشيخوف ان يكتب نتاجاته باللغة الروسية وليس بلغتة الاوكرانية , فتعجبت جارتي من كل هذه الاقاويل , وقالت , اي هراء هذا ! و من الذي أجبر الصبي ( غير المعروف آنذاك بتاتا ) تشيخوف عندما كان عمره أقل من العشرين , و كان تلميذا في المدرسة ليس الا ( اي قبل ان يلتحق للدراسة في الكلية الطبية بجامعة موسكو) ان يكتب مسرحيته الرائعة بلا عنوان , والتي يسمونها الان ( بلاتونوف) باللغة الروسية , والتي لم ينشرها اثناء حياته كلها , بل نشرها أخوه بعد وفاة تشيخوف ؟ , ومن الذي أجبر تشيخوف  عندما كان طالبا جامعيا ان يكتب قصصه القصيرة الجميلة و الساحرة والمتنوعة جدا جدا بلغة روسية رقراقة وشفافة مثل الماء الزلال , هذه القصص التي لازلنا نطالعها بحب واعجاب واندهاش لحد الان , وان ابطالها ومضامينها لا زالت تتفاعل مع مسيرة حياتنا , ثم سألتني – هل تعرف ان تولستوي نفسه قرأ واحدة من تلك القصص مئة مرة امام الآخرين ؟ قلت لها , نعم , أعرف كل ذلك , وأعرف ايضا , ان تولستوي قال عنه بما معناه , ان تشيخوف في الفن ( أعلى منه !!!) , فقالت جارتي بألم واضح – نعم , لكن هؤلاء الذين يتكلمون عن اوكرانية تشيخوف لا يريدون الاقرار بكل هذه الوقائع على ما يبدو , ويريدون ان يؤججوا نيران الحقد والكراهية والخلافات بين الشعبين السلافيين الشقيقين الروسي والاوكراني بمثل هذه التشويهات والاكاذيب والتلفيقات , وان هؤلاء بالذات هم الذين يريدون استمرار هذه الحرب الرهيبة وتوسيعها , والتي أتمنى ان تنتهي باسرع وقت , واختتمت جارتي قولها – يا الآهي , ما الذي سيقوله تشيخوف نفسه لو سمع بهذه الترهات حوله ؟



69
   
شئ عن مصطلح (علم الثقافة)
أ.د. ضياء نافع
----------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
  مصطلح ( علم الثقافة ) باللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية و الروسية والكثير من اللغات الاخرى يتكون من كلمة واحدة فقط , وكل هذه اللغات تدمج كلمة ( الثقافة ) كما تلفظ بتلك اللغات مع لاحقة  ( لوجيا ) , وكمثال على ذلك , فان هذا المصطلح بالروسية هو – (كولتورولوجيا) , وهي كلمة مزدوجة كما في اللغات المشار اليها , اذ انها تدمج الكلمة الروسية ذات الاصل اللاتيني ( كولتورا = الثقافة // مع لاحقة  لوجيا  ذات الاصل الاغريقي القديم = دراسة , علم , فكر ...الخ ) , وهكذا باللغات الاخرى . هذا المصطلح شبيه من حيث البنية اللغوية بمصطلحات علمية عالمية كثيرة , اصبح بعضها مفهوما جدا لنا ( نحن العرب ) , وأخذنا نستخدمها ( مع كافة اشتقاقاتها ) حتى في كلامنا وكتاباتنا , مثل – بيولوجيا , جيولوجيا , سيكولوجيا , تكنولوجيا...الخ , رغم الرطانة الاجنبية الواضحة في تلك المصطلحات , الا ان مصطلح ( كولتورولوجيا , اي - علم الثقافة ) هذا بقي بعيدا عن التداول في عالمنا العربي ولحد الان , وأذكر مرة , ان أحد وزراء التعليم العالي العراقي في نهاية القرن العشرين كان يريد ارسال ابنه للدراسة في فرنسا , وقد منحه الملحق الفرنسي زمالة مجانية لدراسة  ابنه هناك , واستغل الملحق الفرنسي طبعا العلاقة الجيدة مع الوزير , و اقترح عليه توسيع صلاحية الاشراف على قسم اللغة الفرنسية في كليّة اللغات من قبل الملحقية والمركز الثقافي الفرنسي في بغداد , وهكذا جاء مقترح تدريس مادة في قسم اللغة الفرنسية بكليّة اللغات عن الثقافة الفرنسية , اي ( علم الثقافة ) واقعيا , ووافق الوزير طبعا على ذلك استجابة و ( امتنانا !) لمنح الزمالة المجانية لابنه, دون استشارة وتدقيق علمي سليم , او احالة الطلب الى اللجان المتخصصة لبلورته كما يجب , و (موافقة الوزير تعني طبعا موافقة الدولة في بلداننا !!!!) , وهكذا وصل الامر الوزاري الى كليّتنا ( كليّة اللغات ) , ولم تستطع اللجنة العلمية في القسم المذكور آنذاك ان تضع المفردات الملائمة لتدريس هذه المادة الجديدة , وبعد التي واللتيا والمناقشات الواسعة , اصبح اسم المادة – الحضارة الفرنسية ( ضمن مفردات متنوعة وغير متناسقة , او كما قال احد الزملاء ساخرا – كشكول ثقافي !) , وجرى تعميم المقترح على الاقسام الاخرى , وهكذا بدأ التخبط في اقرار المفردات العلمية لهذه المادة الجديدة في الاقسام الاخرى , فكل قسم وضع مفردات ترتبط به ( وحسب الاجتهادات الشخصية لمدرسي تلك المادة ليس الا ) بغض النظر عن مفردات الاقسام الاخرى , بل وبرز حتى خلاف بشأن تسمية تلك المادة , فمنهم من اقترح تسميتها بالحضارة , وآخرون اقترحوا تسميتها بالمدنية , وقال البعض , اننا نقوم بتدريس هذه المادة منذ فترة طويلة ونسميها ( الثقافة القومية ) , واقترحوا توسيع مفردات تلك المادة باضافة من هنا وهناك ليس الا , الى آخر الاجتهادات الاخرى . هذا المثل يعني ( فيما يعنيه ) , ان مصطلح ( علم الثقافة ) لم يكن مفهوما لدينا , وان ظروف دراسته لم تكن ناضجة آنذاك , رغم انه يرتبط بجوانب ثقافية قومية محددة ,  اذ انه علم خاص من العلوم الانسانية يدرس كل الظواهر المرتبطة بعادات تلك الامة وتقاليدها و طريقة حياتها وقيمها ومفاهيمها الاجتماعية والاخلاقية السائدة وخصائصها , اي العلاقة المتبادلة ( او التعايش ) بين الثقافة وحياة المجتمع اليوميّة الاعتيادية , ويحدد هذا العلم جوانب التميّز ( من تشابه وتباين ) في ثقافة الامة مقارنة  مع ثقافة الامم الاخرى , وبشكل عام , فان هذا العلم قريب جدا من مهام  قسم علم الاجتماع المعروف, الذي يدرس طبيعة المجتمع وخصائصه .  ان الملحق الثقافي الفرنسي كان محقا ( من وجهة النظر العلمية البحتة ) باقتراحه المذكور , اذ ان دراسة اللغة والتعمق فيها تقتضي حتما دراسة (علم ثقافة) تلك اللغة , لان اللغة تعبّر عن جوهر هذا العلم ومضمونه , اي ان هناك ارتباط عضوي وحيوي بين لغة الامّة وعلم ثقافة تلك الامّة , الا ان الملحق الفرنسي طبعا لم يكن على اطلاع واسع و دقيق حول واقع الدراسات اللغوية في العراق ,   وهذا ما انعكس لاحقا بشأن مقترحه , اذ تمّ (بعد فترة قصيرة نسبيا ) الغاء تدريس هذه المادة كليّا في الاقسام العلمية كافة , بما فيها قسم اللغة الفرنسية ( بعد ان تم نقل الوزير طبعا ! ), لأن ألاجواء العلمية السائدة عندنا لم تكن ملائمة بتاتا لدراسة هذه المادة الجديدة آنذاك , اذ اننا ندرس اللغات الاجنبية كافة ( عدا اللغة الانكليزية ) من الصفر , وبالتالي , فان الطالب لا يمكن ان يدرس ( علم ثقافة ) تلك اللغة  , التي يتعلم اوليّاتها فقط لا غير , فدراسة علم الثقافة تأتي بعد معرفة تلك اللغة بعمق , اي ان دراسة علم ثقافة اللغة الاجنبية هي مرحلة عليا في عملية دراسة تلك اللغة الاجنبية , ولا زلنا بعيدين عن هذه المرحلة في دراسات اللغات الاجنبية مع الاسف , وكم نحن بحاجة للاطلاع على ما وصلت اليه الامم التي سبقتنا في مجالات علمية كثيرة , ومن جملتها الدراسات في علم الثقافة ومعاهدها العديدة المتخصصة ...   




70
كرّاس عن لوحات عراقية  في سفارتنا بموسكو
أ.د. ضياء نافع
اول الغيث قطر ثم ينهمر , هكذا قلت لهم عندما قدّموا لي نسخة من هذا الكرّاس الجميل , المطبوع باللغتين العربية والروسية ابتداء من الغلاف الرائع , والذي يتضمن صورتين , الصورة الاولى ( العليا ) لمقطع  يرمز الى بغداد الحبيبة, وهي طبعا لجواد سليم و نصب الحرية في الباب الشرقي , والصورة الثانية ( السفلى ) لمقطع يرمز الى موسكو , وهي طبعا للكاتدرائية الملوّنة الرشيقة في قلب الساحة الحمراء , وبين الصورتين العراقية والروسية يوجد عنوان هذا الكرّاس و باللغتين العربية ( في الاعلى ) والروسية ( تحتها ) وهو –
لوحات لرواد الفن التشكيلي العراقي في سفارة جمهورية العراق / موسكو .                         
اطلعت – وبكل سرور ومتعة – على هذا العمل الفني المدهش الجمال , والذي يمكن ان نقول عنه ( وحسب علمنا المتواضع ) , انه اول نتاج تسجيلي تصدره سفارتنا بموسكو باللغتين العربية والروسية , نتاج يؤرشف لوحات رائعة لفنانين تشكيليين عراقيين موجودة في بناية السفارة العراقية بموسكو منذ فترة طويلة , وكان قسم منها معلّق هنا وهناك على جدران السفارة , والقسم الآخر محفوظ في المخزن , وقد ( شمّرت السفارة عن ساعديها !) , و أعادت الحياة لتلك اللوحات , ووضعتها في أطر تتناسب مع تلك اللوحات, وعلّقتها في القاعة الكبرى للسفارة بشكل منسّق وجميل , مع شروحات تفصيلية عن كل لوحة ,  و الاشارة الى اسم الفنان الذي رسمها , بحيث تحوّلت تلك القاعة الى معرض أنيق وصغير للفن العراقي التشكيلي المعاصر , هذا الفن ( الذي يعكس البعد الثقافي للعراق ) كما كتب في مقدمة الكرّاس السيد سفير العراق في روسيا الاتحادية د. عبد الرحمن الحسيني . لقد تحولت القاعة الكبرى للسفارة الى متحف يُدهش كل من يزوره من العراقيين والعرب والروس والضيوف الاجانب من دول اخرى صديقة للعراق .
يقع الكرّاس في 21 صفحة من القطع الكبير , وهو مطبوع على ورق صقيل ممتاز , وتوجد على كل صفحة منه صورة للفنان التشكيلي العراقي مع لوحتة وعنوانها وتعريف وجيز بسيرة حياته ودوره في تاريخ الفن التشكيلي العراقي وباللغتين العربية والروسية , والفنانون التشكيليون ( حسب تسلسل حروف الهجاء , والتي لم يؤخذ بها – مع الاسف - في الكرّاس) هم كل من –
اسماعيل الشيخلي // حسن عبد علوان // حسين الجمعان // خالد الجادر // رافع الناصري // راكان دبدوب // سعد الطائي // سعدي الكعبي // شمس الدين فارس //  عبد الجبار سلمان // عبد القادر الرسام // علاء بشير // علي الجابري // ليلى العطار // ماهود احمد // محمد علي شاكر // موريس حداد .
 تصفيق لهذا العمل الرائد , الذي قدمته سفارة العراق بموسكو , والشكر الجزيل للذين أنجزوه , وفي مقدمتهم السيد السفير , الذي كان متحمّسا جدا لتحقيق هذا المتحف الجميل الفريد من نوعه شكلا ومضمونا  , واصدار هذا الكرّاس التسجيلي حوله , الكرّاس الذي يمكن لنا – نحن العراقيين – ان نقدمه وبفخر لكل الاصدقاء الروس حولنا, الكرّاس الذي يجعلنا مرفوعي الرأس لأنه يُثبت للآخرين , اننا نمتلك في بلادنا هذه الثروة من اللوحات الفنية الرائعة الجمال , و(الجمال يُنقذ العالم) كما يقول دستويفسكي ...
 ختاما اكرر الجملة التي ذكرتها في البداية – اول الغيث قطر ثم ينهمر ..... ونحن ننتظر الاعمال اللاحقة للسفارة في هذه المسيرة المشرفة , المسيرة التي تعكس آدابنا وفنوننا وتاريخنا وحضارتنا , وهي بالطبع واحدة من أهم مهمات كل سفارة في العالم ......

71
ماذا تقرأ بطرسبورغ الآن ؟
أ.د. ضياء نافع
ماذا تقرأ بطرسبورغ  الآن ؟  - أثارني هذا العنوان في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ 6-12 / ابريل ( نيسان ) من عامنا الحالي 2022 , وتوقفت رأسا عند تلك المقالة, رغم اني كنت أتصفّح العدد بسرعة ليس الا . المقالة جاءت على الصفحة 17 من العدد المذكور , وشغلت حوالي نصف الصفحة بأكملها , وكانت تحت عنوان ( استيبيان ) , وكلمة استبيان مطبوعة بالخط الاحمر الواضح . وهكذا بدأت أقرأ بامعان هذا الاستيبيان , لأني كنت اريد ان أعرف ماذا تقرأ عاصمة روسيا الفكرية في هذا الزمن العاصف  (الذي تدور الحرب فيه بين الشقيقة السلافية الكبرى روسيا مع شقيقتها السلافية الصغرى اوكرانيا) , وهل تنعكس هذه الحرب على مسيرة القراءة في تلك المدينة الروسية العريقة , التي يرقد في ثراها بوشكين ودستويفسكي , والتي تجسّد واقعيا أحد اهم الفصول في تاريخ الادب الروسي والثقافة الروسية بشكل عام  منذ ان أسسها القيصر بطرس الاعظم والى حد الان .
اجرت الاستيبيان مندوبة صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) عند زيارتها لمخزن بيع الكتب للادباء في بطرسبورغ ,  وسألت مجموعة متنوعة من القراء حولها هناك – ( ماذا تقرأ الان ؟) , ونريد هنا ان نتوقف قليلا عند بعض هؤلاء القراء , واجاباتهم عن هذا السؤال الطريف والذكي , والذي يمكن على اساسه ان نصل الى تحديد( ولو تقريبي ) لموقف المثقفين الروس المعاصرين من تلك الاحداث  الرهيبة بين روسيا واوكرانيا , والتي تجري على الارض الاوكرانية.
 رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ فاليري بوبوف أجاب عن سؤال مندوبة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) قائلا – في الصباح اتابع اخبار الحرب , وفي المساء أقرأ – وبكل سرور – كتاب غوغول – امسيات في قرية عند ديكانكا , لأني أجد في هذا الكتاب - اوكرانيا (..المنيرة والمرحة ) , وذلك لان من طبيعة الادباء والكتّاب ان يحلموا  بالافضل دائما .  جواب بوبوف كان مدهشا وذكيّا و حاذقا جدا , اذ انه ربط – وبعمق - بين ما يحدث الان من تصادم مسلّح بين روسيا واوكرانيا مع غوغول ( وهو رمز الوحدة الاوكرانية – الروسية التي لا تنفصم ابدا في مسيرة الادب الروسي) , وأشار بشكل غير مباشر ( ولكنه صريح طبعا ) , الى انه (يحلم !) ان يرى اوكرانيا ( منيرة ومرحة ) كما رسمها غوغول ( الكاتب الروسي ذو الاصول الاوكرانية المعروفة) . جواب رئيس اتحاد ادباء بطرسبورغ هذا , هو خلاصة لموقف فكري واضح المعالم جدا ورائع جدا في آن.
الشخص الثاني , الذي ساهم في هذا الاستيبيان هو المؤرخ والصحافي دنيبروفسكي , الذي قال , انه يعيد قراءة رواية نيقولاي أستروفسكي الشهيرة ( كيف سقينا الفولاذ ) , لأنها ترتبط ( وبشكل نادر جدا) مع الاوضاع الراهنة في الوقت الحاضر , اذ انها تتحدث بالذات عن نفس تلك الاماكن , التي جرت فيها المعارك في اوكراينا آنذاك وتجري الآن ايضا , وأضاف دنيبروفسكي قائلا – انني من أب اوكراني , وعندما اعيد قراءة أستروفسكي , فانني أتأثر وأتألم جدا , واختتم قوله - اني احلم ان يسود السلام في اوكرانيا .     
الشخص الآخر , الذي نتوقف عند اجابته هي ايرينا رومانوفسكايا , والتي قالت , انها تعيد الان – وبامعان ودقّة - قراءة رواية دستويفسكي ( الجريمة والعقاب ) بطبعتها الجديدة , بعد ان عرفت , ان  جامعة ميلانو الايطالية قد منعت حتى ذكر اسم هذا الاديب الروسي العبقري في الفترة الاخيرة , وذلك لأنها تريد ان تفهم , لماذا لا ينسجم (او لا يتوافق) الكاتب الكبير دستويفسكي مع متطلبات واهداف هذه الجامعة الايطالية ؟
اخيرا , توجهت مندوبة الصحيفة بسؤالها الى بائعة الكتب في ذلك المخزن الخاص ببيع الكتب للادباء , فقالت اولغا كوزي , انها استلمت قبل ايام كتابا صدر حديثا بعنوان – (اوكرانيون خدموا روسيا . اوكرانيون في سانت – بطرسبورغ ) , وهو مجموعة دراسات وثائقية , وما ان تم عرض الكتاب للبيع , حتى تم شراء كل النسخ التي عرضناها .
الاستيبيان هذا شمل الكثيرين من القراء , وهناك اشارة الى كتب متنوعة عديدية , منها – مثلا – كتاب بعنوان ( قصص عن المتحف الروسي ) الذي يتناول الفنانين التشكيليين الروس الكبار ولوحاتهم عن المناظر الطبيعية , وكتاب يتحدث عن ولادة اول دولة روسية في التاريخ وكان اسمها ( كيفسكايا روس ) , وهي دليل لا يقبل الشك  للاخوة الروسية – الاوكرانية , وكتاب يتضمن قصصا قصيرة للكاتب الياباني (سانيوتيّا) الذي يتحدث عن الحدائق اليابانية ذات الاحجار وعن الفلاحين والفلاحات في اليابان وقصص العشق بينهم , وقد قال القارئ الروسي انه يقرأ  هذا الكتاب ( كي تشعر روحه بالهدوء والطمأنينة ) في اجواء هذه الحياة الصاخبة ...الخ .
الاستبيان هذا يقول لنا , ان الكتاب لا يزال – كما كان دائما- بخير , ويقول لنا ايضا , ان الانسان لا يزال – كما كان دائما – بحاجة الى قراءة الكتب ...

72
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عن زواج ابنك تشاور مع العشرات , وعن طلاقه مع المئات .
التعليق – وفي تراثنا نحن نقول عن الزواج انه اكمال نصف الدين , ونقول عن الطلاق , انه ابغض الحلال عند الله . المثل الداغستاني يؤكد ذلك بصيغة واضحة المعالم وبشكل صريح و بسيط وعملي و مقنع ايضا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تخلع نعليك قبل ان تدخل الى النهر .
التعليق – من الواضح ان هذا المثل يدعو الانسان الى اتمام العمل لاداء مهمة ما قبل الانتقال الى عمل آخر لاداء مهمة اخرى تختلف جذريا عن المهمة الاولى , اذ ان لكل مهمة ظروفها و شروطها , و ( رمانتين بفد ايد ما تنلزم ) كما يقول لنا مثلنا الطريف بلهجتنا العراقية . المثل الداغستاني هذا طريف وحكيم جدا رغم بساطته المتناهية .
+++++
الترجمة الحرفية – انسان بلا وطن , حقيبة بلا خبز .
التعليق – مثل عميق , وصيغة جديدة ومبتكرة في أمثال الشعوب عن الغربة . يوجد مثل كوري يقول – انسان بلا وطن أسوأ من كلب  بلا بيت . المثل الكوري قاس جدا وهو حقيقي فعلا , و المثل الداغستاني في نفس المعنى ولكنه مباشر أكثر .
+++++
الترجمة الحرفية – يعرفون الحصان بالسير , والانسان بالكلمات .
التعليق – النصف الاول من هذا المثل تأكيد لمثلنا الشهير – التجربة خير برهان , اما النصف الثاني , فانه يذكرنا بالجملة التي اطلقها سقراط - ( تكلّم حتى أراك ) , والمثل الداغستاني يؤكد صحة تلك الجملة ودقّتها . مثل داغستاني بسيط يعبّر عن فكرتين عميقتين ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الذهب وفي الارض لا يصدأ , البطل وفي القبر لا يموت .
التعليق – مثل جميل ومقارنة ذكية جدا بين ظاهرتين , الاولى ترتبط بالطبيعة والثانية ترتبط بالمجتمع . هذا المثل رائع وجميل , لأنه يقول للانسان – كن ذهبا كي لا تصدأ وكن بطلا كي لا تموت...   
+++++
الترجمة الحرفية – في الليل تنام , في النهار تنهض , ولا تتبع عادات البومة .
التعليق – ربط حاذق جدا بين طبيعة حياة الانسان وحياة البومة , ومن الواضح ان المثل يدعو الانسان ان يكون طبيعيا في مسيرة حياته , والا فانه سيصبح ( بومة !) , ومن الواضح ايضا , ان ( البومة ) في المجتمع الداغستاني تمتلك نفس (اوصافها وخصائصها السلبية )  في مفاهيم عالمنا العربي ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب الذي ينبح دون ضرورة يهرم بسرعة .
التعليق – مثل رمزي جميل , ويجب أخذه بنظر الاعتبار طبعا في مسيرة الحياة الانسانية , فردود الفعل والمعاناة دون ضرورة تؤدي بالانسان الى الهرم السريع...   
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان يطعم الارض , والارض تطعم الانسان .
التعليق – ملاحظة ذكية حقا , فبين الانسان والارض  توجد علاقة متبادلة فعلا , فالارض تطعمه اثناء حياته , والانسان يعود اليها بعد مماته . مثل فلسفي بامتياز ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي أضاع النقود يجدها , والذي أضاع الوقت لن يجده .
التعليق – مثل حكيم جدا , فالنقود تأتي وتذهب , ولكن الزمن يمرّ ولا يعود ثانية , وهو كما يقول المثل العربي الشهير -  الوقت كالسيف , ان لم تقطعه قطعك . يوجد مثل ياباني واضح ودقيق حول العلاقة بين الزمان والانسان , وهو يقول – الزمان لا ينتظر الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت مرة واحدة , الجبان – عدة مرات .
التعليق – خلاصة بسيطة ودقيقة لفكرة عامة موجودة في العديد من امثال الشعوب . فكرة هذا المثل جاءت عند شكسبير , الذي كتب يقول – يموت الجبناء مرات عديدة قبل ان يأتي أجلهم , اما الشجعان فانهم يذوقون الموت مرة واحدة ...
___________________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

73
بين غوغول واحمد شوقي
أ.د. ضياء نافع
كان صديقنا الكردي يصرّ ويؤكّد دائما على تسمية احمد شوقي ب ( الشاعر الكردي ) , وكنّا نضحك ونقول له , لكن شوقي ( أمير الشعراء العرب ) , فيجيبنا , نحن الاكراد (منحناه !) لكم , كي يكون ( أميرا !) للشعر العربي عندكم , اذ لم يكن لديكم أميرا للشعراء العرب عندها , وقد طالبه أحد الاصدقاء – ضاحكا ايضا – برقم وتاريخ الامر الاداري الكردي حول هذا ( المنح !) , او في الاقل , ببيت شعر من شوقي يشير الى ذلك , ولم يستطع صديقنا الكردي تلبية هذا الطلب المزدوج , لكنه – مع ذلك - استمر باصراره على تسمية شوقي بالشاعر الكردي , عندها قررنا الرجوع الى المصادر المتوفرة لدينا آنذاك , ووجدنا , ان (غوغل ) يشير , الى ان شوقي -  ( .....ولد من أب شركسي وام يونانية , وفي مصادر اخرى أباه كردي وامه من اصول تركية وشركسية ,... وبعض المصادر تقول , ان جدّته لابيه شركسية وجدّته لامه يونانية ... ) , ووجدنا كذلك , ان اسم احمد شوقي موجود هناك ضمن قوائم ( مصريون أكراد ) , وضمن قوائم  ( مصريون أتراك ) , وضمن قوائم ( مصريون شركس ) . وقد وصلنا جميعا الى استنتاج واحد يقول , ان المصادر العربية لم تتوقف بالتفصيل عند الاصول القومية لاحمد شوقي , اذ انه كان – للجميع - رمزا للشعر العربي في القرن العشرين ... 
 تذكرنا هذه الاحاديث الضاحكة قبل أيام , ونحن نستمع الى الاوكرانيين وهم في خضم هذه الحرب الدموية الرهيبة على اراضيهم مع شقيقتهم السلافية الكبرى روسيا , (والاقارب عقارب كما يقول المثل اللئيم ) , نستمع اليهم وهم يؤكدون , ان الكاتب الروسي نيقولاي فاسيليفيتش غوغول اوكراني ( أبّا عن جد ومن سابع ظهر) , اي انه من ( التبعية الاوكرانية ) حسب التعبير السياسي العراقي الذي كان سائدا قبل الاحتلال الامريكي  عام 2003 , وعلّق احد الاصدقاء قائلا – هذا يعني , ان اوكرانيا (منحت غوغول !) لروسيا (مثلما منح الاكراد احمد شوقي للعرب) , كي يكون ( أميرا !) للادب الروسي عندهم , لأن أدبهم كان يخلو آنذاك من منصب ( أمير الناثرين الروس !) , اذ كان عندهم فقط بوشكين (أميرا للشعراء الروس ) , وأضاف هذا الصديق قائلا - ان هذا الموقف يسمح لنا ان نقارن الآن بين غوغول ( الاوكراني ) واحمد شوقي ( الكردي التركي الشركسي) . ضحكنا جميعا , واعترضنا على هذا الاستنتاج الغريب العجيب وغير المتوقع بتاتا , وقلنا , انها ستكون مقارنة مصطنعة ليس الا , اذ ان هذه المقارنة غير دقيقة , بل وغير علمية بتاتا , لانها لا تتناول جوهر ابداعهما ( وهو العنصر الاهم في دراسات علم الادب المقارن عموما )  , وانما تعتمد فقط على اصولهما القومية , الا ان صاحبنا , الذي اقترح المقارنة بينهما أخذ يدافع بحماس – منقطع النظير- عن مقترحه هذا حول المقارنة بين غوغول وشوقي , ويبرر حتى ضرورته وقال - ارجوكم ان تمنحوني فرصة اكمال اقتراحي , وبعد ذلك سنتحدّث . وهكذا بدأ الكلام عن تلك المقارنة.
ومختصر كلام صاحبنا عن المقارنة بين غوغول وشوقي يكمن بما يأتي –
 كلاهما ( غوغول وشوقي ) كتبا ابداعهما ليس بلغتهما القومية , وانما باللغة السائدة في البلد الذي كانا يعيشان به , ولا يوجد لدينا اي نص عند شوقي باللغة الكردية او التركية او الشركسية , اذ ان كل ابداع شوقي مكتوب باللغة العربية , و كذلك الحال بالنسبة لغوغول , اذ لا يوجد لدينا اي نص عند غوغول  باللغة الاوكرانية , فابداع غوغول كله مكتوب باللغة الروسية , وحتى كتابه المبكر ( امسيات في قرية قرب ديكانكا ) الذي كان يتناول الفلكلور الاوكراني البحت بقصصه واماكن حدوثها , كان مكتوبا باللغة الروسية . هذا اولا , وثانيا , كلاهما ( غوغول وشوقي ) عبقريان , ولهذا وصلا – وبجدارة - الى قمة الابداع الادبي باللغة التي كتبا بها , وثالثا , كلاهما عبّرا في ابداعهما هذا عن أسمى ما كان يرغب بتحقيقه شعبا تلك اللغتين , ولهذا أصبحا خالدين في التاريخ الادبي لهذين الشعبين .
 اختتم صاحبنا كلامه بالقول – شوقي شاعر عربي بغض النظر عن اصوله القومية , وغوغول كاتب روسي بغض النظر عن اصوله القومية , وهذه هي خلاصة رأيّ الشخصي بعد هذه المقارنة بين شوقي وغوغول , فماذا تقولون ؟ بقينا جميعا صامتين , فقال مرة اخرى -  افهم ان السكوت من الرضا , ولكن – مع ذلك – اريد ان أسألكم , ماذا تريدون ان تضيفوا الى ما قلته ؟ قال أحد الحاضرين – اريد ان اكرر ما قاله شوقي - ...ودمع لا يكفكف يا دمشق ... . وقال الثاني – أما أنا , فاريد ان اقول للروس والاوكرانيين معا , الذين يتحاربون الآن – تذكروا , ان غوغول الاوكراني هو كاتب روسي , وان غوغول وبوشكين يقفان معا وجنبا لجنب في النصب الذي أقامه القيصر المحرر الكساندر الثاني في مدينة نوفغورد في القرن التاسع عشر بمناسبة الذكرى الالفية لتأسيس الدولة الروسية ( الدولة التي كانت تسمّى – كييفسكايا روس !!!) , هذا النصب التاريخي الذي لا يزال قائما وشامخا على الارض الروسية لحد الآن , ولا يمكن لبوشكين وغوغول ان يتحاربا مع بعض , اذ لا يمكن لبوشكين ان يريق دماء غوغول , ولا يمكن لغوغول ان يريق دماء بوشكين , وليتذكر الروس والاوكران معا هذه الحقائق الساطعة في تاريخهما المشترك  ... 
       


74
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تعمل من الفأرة قطّة , ولا من القطة لبوة .
التعليق –  هناك مثل عربي معروف يقول - يجعل من الحبّة قبّة , وهناك مثل عالمي في نفس المعنى يقول – يعمل من الذبابة فيلا . تتناول كل هذه الامثال مفهوم المبالغة والتهويل عند بعض الناس , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني أقل مبالغة بكثير , وربما يمكن القول ان تلك الصورة ( مقارنة مع تلك الامثال) اكثر منطقية بشكل او بآخر, رغم مبالغتها طبعا... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تضع ذئبا لحماية نعاج , ولا شابا لحماية فتاة .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل في أمثال العديد من الشعوب , بما فيها مثلنا الشهير بلهجتنا العراقية – سلّم البزون شحمه  ( البزون = القطة ), الا ان الصيغة في المثل الداغستاني عن الشاب الذي (يحمي!) الفتاة جديدة هنا , وهي صيغة مبتكرة وطريفة وصحيحة ايضا...
+++++
الترجمة الحرفية – في الغربة الانسان أعمى .
التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة بكل معنى الكلمة , اذ ليس لها شبيه في أمثال الشعوب حول الغربة الرهيبة , التي اصبحت – مع الاسف الشديد – متلازمة مع مسيرة حياتنا . الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني واقعية و صحيحة فعلا ....   
+++++
الترجمة الحرفية – الذئب الكسلان يموت من الجوع .
التعليق – مثلنا العربي الطريف يقول – الكسل ما يطعم بصل , و المثل الروسي يقول – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة . المثل الداغستاني في نفس المعنى , لكنه أكثر وضوحا و دقة وحسما ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تمدح بالوجه , ولا تقدح بالظهر .
التعليق – موقف اخلاقي عظيم و نبيل , وكم يحتاجه الانسان في كل المجتمعات , كي لا يكون الشخص ( بالوجه مرآية وبالكفة سلاية ) كما يقول المثل الشهير بلهجتنا العراقية. يوجد مثل صيني يقول – في الوجه ابتسامة , لكن في القلب خنجر .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت في المعركة , والجبان في الفراش .
التعليق – لقد حسم شاعرنا العظيم المتنبي هذه المعادلة عندما قال –
اذا لم يكن من الموت بد ///  فمن العار ان تموت جبانا...
+++++
الترجمة الحرفية – قبل ان تبدأ ببناء بيتك , اعرف كل شئ عن جيرانك .
التعليق – ومثلنا العربي يوصينا كذلك ويقول - الجار قبل الدار...
+++++
الترجمة الحرفية – بين الاحياء يوجد موتى , وبين الموتى يوجد أحياء .
التعليق – مثل واقعي و حقيقي فعلا ودقيق جدا بكل معنى الكلمة , وهذا المثل هو خلاصة شاملة لمسيرة حياتنا , اذ يوجد هذا الاحساس في أعماق كل البشر وفي المجتمعات كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – عنده زوجة جيدة – يعيش بشكل جيد , زوجة سيئة – يعيش بشكل سئ .
التعليق – يقول المثل الروسي - السلم في العائلة بيد الزوجة ...
+++++
الترجمة الحرفية –       الصبر – مفتاح الجنّة .
التعليق – مثلنا العربي يقول - الصبر مفتاح الفرج , وكم صبرنا , ولكن ( الفرج ) بقي بعيدا , ولم نستلم ( مفتاحه !!! ) . المثل الداغستاني اكثر واقعية , فهو يتحدث عن ( الجنة ) , والتي يقول عنها المثل الهندي – اذا لا تموت لن تشاهد الجنّة ..
+++++
الترجمة الحرفية – مطرقة صغيرة تهشّم حجرا كبيرا .
التعليق – مثل جميل يمجّد العمل والمثابرة بشكل واضح جدا وبسيط ومفهوم للجميع .  يقول المثل الروسي – النملة ليست كبيرة لكنها تحفر الجبال . لنتذكر القصة التي اطلعنا عليها في درس القراءة بطفولتنا عن القائد المنهزم الذي شاهد عمل النملة واصرارها , وعاد الى ساحة المعركة وحقق النصر ...
+++++
الترجمة الحرفية –     سرق – جاع .
التعليق – ونحن نقول ايضا , ان الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر . المثل الداغستاني اكثر وضوحا ودقّة وحسما , لكنه ( جاف ) , اما المثل العربي فانه أكثر حيوية ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا انت لا تعرف , فاستمع للذين يعرفون .
التعليق – مثل حكيم جدا و حازم وحاسم , ويحتاجه الانسان جدا جدا في مسيرة حياته , وتكمن صعوبة تطبيقه في عدم اقرار الانسان عموما , بانه ( لا يعرف !!!) ...
+++++
الترجمة الجرفية – ما دام الارنب في الادغال , لاتضع القدر على النار .
التعليق – وأمثالنا العربية في نفس المعنى , و توصينا ايضا – بعدم شراء (السمك بالشط ) , وعدم تحضّير (المعلف قبل الحصان) ....
___________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

75
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  يدان اثنان تساعدان الرأس الواحد .
التعليق – الرأس الذي يفكّر ويخطط يحتاج الى منفذين لافكاره وخططه . مثل لامع الذكاء و يجسّد نظرة علميّة حاذقة , والصورة الفنية في هذا المثل البشكيري نادرة بين أمثال الشعوب الاخرى  ...
+++++
الترجمة الحرفية –     من يسير –  يرى , و من يقرأ –  يعرف .
التعليق – خلاصة رائعة لما يجب ان تكون عليه حياة الانسان , فالسير يعني التفاعل مع الناس وعدم الانعزال عنهم , والقراءة تعني المعرفة وتعميقها .  مثل بسيط الشكل وعميق المضمون .
+++++
الترجمة الحرفية –  الى ان تصل الكلمة الباردة الى القلب تصبح ثلجا .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل معبّرة جدا وصحيحة وجميلة ايضا , اذ لا يتحمّل القلب فعلا وصول (ثلج الكلمات !) اليه .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسقط بذنبه , لا يبكي .
التعليق – صحيح جدا , لذلك يجب اعطاء الحرية للانسان كي يتصرّف كما يرغب ليكون مسؤولا عن نتائج تصرفه . مثل في غاية الاهمية لتنظيم العلاقات بين البشر .
+++++ا
الترجمة الحرفية – الشجرة جميلة باوراقها , والانسان بملابسه .
التعليق – مقارنة جميلة وصحيحة فعلا , فاوراق الشجر وملابس البشر يشكّلان المظهر الخارجي لهم , ويؤدي جمال المظهر الخارجي (  للشجر والبشر ) دورا  في التعامل اللاحق معهما , رغم ان المظهر الخارجي لا يعكس جوهر الامور ...
+++++
الترجمة الحرفية – الطفل اكثر حلاوة من العسل .
التعليق – اكيد , فالطفل في العائلة أجمل وأهم وأحلى من كل الظواهر الحياتية الاخرى , رغم كل مسؤوليه الطفل الكبيرة في العائلة . مثل واقعي وجميل وانساني شامل (شكلا ومضمونا) بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية –  تشاور مع الذكي وليس مع الغبي.
التعليق – نصيحة رائعة , فما أكثر الاغبياء الذين يطلقون نصائحهم الغبيّة هنا وهناك وحتى دون التشاور معهم...
+++++
الترجمة الحرفية – الغراب لا تربّيه , فانه سيفقأ العيون .
التعليق – مثل رمزي واضح المعاني وصورته الفنية ناطقة ودقيقة , وهو يدعو الانسان ان يكون حذرا جدا بشأن هؤلاء ( الغربان !) , اذ يوجد الكثير منهم في مسيرة حياتنا . لنتذكر القول العربي الشهير – اتق شر من أحسنت اليه ...
+++++
الترجمة الحرفية –         ذنب الطفل – ذنب الوالدين .
التعليق – أكيد , فالطفل يقلّد والديه وما يراه حوله . مثل حكيم جدا , ويجسّد قاعدة تربوية يجب الاقرار بها , وأخذها بنظر الاعتبار , فالبيت يؤدي دورا مهما جدا في تربية الطفل قبل المدرسة وبعدها ايضا .
+++++
الترجمة الحرفية – تناول خبزك , فهو أفضل  من الحلاوة عند الناس .
التعليق – كل أمثال الشعوب تؤكد هذه الحقيقة , ولكن الصيغ والصور الفنية تختلف طبعا . الصيغة البشكيرية في هذا المثل واضحة جدا وبسيطة جدا , فالفرق بين الخبز والحلاوة مفهوم لكل انسان ...
_____________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

76
أمثال شركسية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ثلاث مرات يخدعك شخص – فانت غبي , وثلاث مرات تسقط في نفس الحفرة – فانت أعمى .
التعليق – ضحك صاحبي وقال معلقا على هذا المثل – ثلاث مرات كثيرة جدا من اجل اثبات الغباء او العمى , فقلت له – ثلاث مرات كي لا يكون هناك اي شك في اثبات ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – الطير صغير , ولكنه يَحْبِكُ عشّا له .
التعليق – ما أجمل هذا المثل وما أروعه , بل ويكاد ان يكون قصيدة نثر تقريبا . المثل الشركسي هذا يدعو الانسان ان يتأمّل الظواهر الطبيعية حوله ويأخذ منها درسا ايجابيا لتنظيم حياته ...
+++++
الترجمة الحرفية –        ابن يحب العمل – فرح للامّ , ابن كسلان – دموع للامّ .
التعليق – عواطف الام ترتبط جذريا مع مسيرة الابناء ومصائرهم في الحياة , وهذا المثل الشركسي يجسّد هذه الحقيقة الساطعة بشكل بسيط وعميق في آن واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يعيدون هؤلاء , الذين يحملونهم الى المقبرة .
التعليق – حقيقة مؤلمة , ويجب علينا الاقرار بها رغم كل الألم والمرارة والعذاب النفسي الرهيب عند وفاة الناس القريبين حولنا . قال صاحبي , ان هذا المثل يجب ان يكون عالميا , فنحن جميعا – شئنا ام أبينا – نعيش مع اجواء هؤلاء الذين ( يحملونهم الى المقبرة !) .
+++++
الترجمة الحرفية –         العقل – روح الانسان الثانية .
التعليق – مثل فلسفي عميق وبامتياز , ويمكن القول ان هذا المثل فريد من نوعه بين أمثال الشعوب , اذ انه كلمة نادرة جدا بين الامثال , كلمة تمجّد العقل الانساني , وتمنحه دورا استثنائيا - و بكل معنى الكلمة – في حياة الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – اللطيف للقلب رائع للعين .
التعليق – طبعا , وبغض النظر عن شكله . هناك مثل يمكن ان نسميه عالميا يقول – البعيد عن العين بعيد عن القلب . المثل الشركسي يؤكد جانبا ثانيا في هذه المعادلة , جانبا اكثر واقعية , ويتعارض مع فكرة المثل العالمي , فالقلب يحتفظ بالاحاسيس رغم الفراق والابتعاد عن بعض . أليس كذلك , ايها العشّاق الاعزاء ؟
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد شباب جيدون هناك , حيث  لا يوجد مسنّون جيدون .
التعليق – فعلا , فالعلاقة بين الاثنين عضوية , فالشاب الجيّد يصبح مسنّا جيدا , والمسنّ الجيد كان بالضرورة شابا جيّدا , ولا يمكن ان تكون هذه العلاقة عكسية ابدا . مثل ذكيّ جدا وصحيح جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – من يقدر ان يكسر الحجر الكبير , فهو الذي يستلم السلطة .
التعليق – القوة هي التي تتولى السلطة , وليس العقل , وفي ذلك تكمن مأساة حياتنا , وحول ذلك يقول المثل الروسي بدقة متناهية –     توجد قوة – لا حاجة للعقل . الصورة الفنية في المثل الشركسي واضحة وطريفة ...
+++++
الترجمة الحرفية – ديك , و يطعم الكتاكيت ايضا .
التعليق – يا له من مثل رمزي وواقعي و جميل , وكم نحتاج نحن – في بلداننا – الى هذه المثل , حيث يتصرّف (الديكة!!!) عندنا بعنجهية وغرور ...
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

77
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – افضل ان تكون الزوجة الجميلة عند الجيران .
التعليق – قهقه صاحبي عندما استمع الى هذا المثل الداغستاني وقال – لا تعليق , لا تعليق , فالارض ملغومة , فقلت له – افهم من موقفك , انك تؤيد مضمون هذا المثل , فأجابني غاضبا – قلت لك ...لا تعليق ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يتكلم الاحمق , فالمستمع يجب ان يكون ذكيّا .
التعليق – ملاحظة صحيحة ودقيقة فعلا , اذ ان المستمع الذكي يعرف كيف يصغي الى الحماقات , ومتى يصمت او يبتسم ليس الا , ويعرف كيف يتغاضى , او يتظاهر وكأنه لم يفهم ( عمق تلك الترهات !!!) . مثل ضروري لمسيرة حياتنا المليئة بالحمقى , وهم الذين يتكلمون ويوجّهون مع الاسف ...
+++++
الترجمة الحرفية – اليوم طويل للكسلان , و الايام لا تكفي للذي يحب العمل .
التعليق – الوقائع ثابتة , ولكن الناس مختلفون في تعاملهم مع تلك الوقائع , وهذا هو جوهر الحياة . مثل يبدو بسيطا بالشكل , لكنه يمتلك عمقا فلسفيا من حيث المضمون .
+++++
الترجمة الحرفية – الحيّة تبدّل جلدها سنويا , الا انها تحتفظ بانياب السم .
التعليق – مثل في غاية الذكاء , اذ ان تبديل الشكل لا يغيّر المضمون . يحذّر هذا المثل من الانسان الشرير بغض النظر عن مظهره , فالطبع يغلب التطبّع كما يقول مثلنا المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – الذبابة المتسرّعة تسقط في وعاء الحليب .
التعليق – مثل طريف جدا , ويؤكد صحة مثلنا العربي – في التأني السلامة وفي العجلة الندامة . مثلنا عام وواسع وشامل وجدّي , اما المثل الداغستاني فانه واضح وبسيط ودقيق ومرح ...
+++++
الترجمة الحرفية – ليس كل من يمتلك شاربا – رجل , فالقطة تمتلك شاربا ايضا...
التعليق – مثل شرقي بحت ( رغم رمزيته العميقة عن مفهوم الرجولة ) , فالشارب لا يعني شيئا في كثير من المجتمعات الغربية . الصورة الفنية في هذا المثل الداغستاني ساخرة ومفهومة للجميع .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتزوجها اذا الام  تمدحها , واسرع كي لا تفلت منك اذا الجيران يحترمونها.
التعليق – نصيحة ثمينة للباحثين عن زوجة , لكن صاحبي اعترض على ذلك التعليق  , وقال , انها نصيحة عتيقة , ولم تعد تنسجم او تتناغم مع طبيعة العلاقات الاجتماعية في عصرنا الحاضر ... 
+++++
الترجمة الحرفية – بيضة مسلوقة اليوم افضل من دجاجة مسلوقة غدا .
التعليق – يوجد مثل مطابق لدينا بلهجتنا العراقية , وهو – بيضة اليوم احسن من دجاجة باجر ( باجر = غدا ) . هذا موضوع يستحق التأمّل فعلا , اذ ان الداغستانيين موجودون في بلداننا منذ ايام الدولة العثمانية , ودراسة تداخل امثالنا مع امثالهم مسألة تعني الكثير في تاريخ التفاعل الثقافي لشعوبنا   ... 
+++++
الترجمة الحرفية – من يسعى للحصول على الكثير , يفقد حتى القليل .
التعليق –    ... ونحن نقول - طمعه قتله ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان المتعلم – مثل الشمس , وغير المتعلم – ليل اسود .
التعليق – مثل رائع وجميل , والمقارنة فيه ساطعة ومفهومة لكل انسان , والصورة الفنية في هذا المثل تجسّد فعلا ما تعلمناه منذ الصغر – العلم نور والجهل ظلام ...
+++++
الترجمة الحرفية – كما تطعم المواشي , هكذا تستلم الحليب .
التعليق – يشرح هذا المثل الداغستاني بشكل واضح وبسيط ومفهوم جدا القانون العام , الذي يقول - لكل فعل رد فعل يساوية في القوة ويعاكسه في الاتجاه ...
________________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

78
أمثال شركسية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –          الصديق – مرآتك .

التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة فعلا وجميلة جدا للمثل الذي اصبح عالميا , وهو – قل لي من تصاحب اقول لك من انت . المثل الشركسي أكثر وضوحا وجمالا و دقة وحسما .
+++++
الترجمة الحرفية –         الحكيم – يتشاور .
التعليق – ولذلك فهو حكيم , والمغرور لا يتشاور (لانه غير حكيم !) , فضحك صاحبي وقال –  بل يجب ان تقول - ( لا يتشاور لانه غبي ) , كي تضع النقاط على الحروف , فكل مغرور غبي حسب طريقته الخاصة . ضحكت أنا وبقيت صامتا ...
+++++
الترجمة الحرفية – في العمل الذي لم يبدأ تجلس حيّة .
التعليق – صورة فنية غريبة ومثيرة فعلا في هذا المثل الشركسي , ومن الواضح انه يدعو الانسان ان يكون على حذر شديد قبل الشروع بكل عمل جديد , اذ يمكن (للحيّة الجالسة هناك !) ان تلدغه في اي لحظة . مثل واقعي في رداء خيالي طريف جدا , ولهذا يمكن القول ان هذا المثل فريد من نوعه بين أمثال الشعوب الاخرى .
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي وللاحمق يجد مفتاحا .
التعليق – الصورة الفنية طريفة جدا , (فايجاد  المفتاح !) يعني (فيما يعنيه) , ان الذكي سوف يعرف كل اسرار الاحمق وخفاياه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يعرف الماضي , لا يفهم الحاضر .
التعليق – هذه حقيقة ساطعة تؤكدها أمثال الشعوب قاطبة . لنتذكر بيت الجواهري الذي كاد ان يصبح مثلا , وهو –
  ومن لم يتعظ لغد بامس /// وان كان الذكي , هو البليد . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا علاقة للعقل بعمر الانسان .
التعليق – صحيح جدا , فالعمر يمنح الخبرة والتجربة للانسان ,  ولكنه لا يمنح العقل له . مثل صريح فعلا , ويمكن القول , انه مثل شجاع ورائد ايضا , اذ يوجد رأي غير واضح المعالم عند الناس حول علاقة العمر بالعقل , وهذا المثل يوضّح الموضوع بشكل حاسم .
+++++
الترجمة الحرفية – تحت التواضع يرقد ذهب .
التعليق – مثل جميل جدا جدا وصحيح . لنتذكرالقول العظيم في تراثنا , وهو – تواضع العلماء . المثل الشركسي يؤكد هذا القول العربي الرائع , فالعلماء هم الذين يمنحون ( الذهب !) الى شعوبهم ...
+++++
الترجمة الحرفية –                قيمة الانسان – عمله .
التعليق – خلاصة ذكية لحياة الانسان . كل أمثال الشعوب تؤكّد على العمل واهميته في حياة الانسان , ويقول المثل العربي المعروف – الافعال أبلغ من الاقوال . لنتذكر الآية الكريمة – وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجبان يرتعب من ذيله .
التعليق –  ونحن نقول - يخاف من ظله . الصورة الفنية في المثل العربي أكثر واقعية , اذ يوجد ظل لكل انسان , ولكن المثل الشركسي اكثر طرافة ومرحا , لانه أضاف للجبان (ذيلا !) .
+++++
الترجمة الحرفية – الحرب تنتهي بالجنازات .
التعليق – مثل عظيم , فلا يوجد غالب في الحروب , وكلها تنتهي بالموت والدمار .
+++++
الترجمة الحرفية – العقل أعلى من الثروة .
التعليق – اكيد , فالعقل هو الذي يجلب الثروة , وليس العكس . يوجد مثل روسي يقول – لا يمكن شراء العقل بالنقود .
_______________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

79
 
شئ عن غوركي وكتابه القديم واوكرانيا
أ.د. ضياء نافع
صدر هذا الكتاب عام 1963 في موسكو , اي قبل تسع وخمسين سنة باكملها , ويقع في (570) صفحة من القطع المتوسط , وقد اهداني اياه أحد زملائي القدامى ( كان طالبا  معي في جامعة موسكو قبل اكثر من نصف قرن) , وقال لي وهو يبتسم , ان الكتاب لا يعتق مثل الانسان , شكرته طبعا , وقلت له , ان ملاحظتك جميلة ودقيقة و صحيحة , فالانسان هو الذي يصبح عجوزا بمرور الزمن ولكن الكتاب يبقى حيويا ومتفاعلا مع الحياة رغم الزمن , وقلت لزميلي الروسي ايضا , ان الاحداث العاصفة حولنا ( ونحن في اواسط آذار2022 ) تعرقلني عن قراءة هذا الكتاب القديم في الوقت الحاضر , فقال لي , لكن بعض صفحات هذا الكتاب تتحدث عن مشاكل عالمنا المعاصر اليوم , وقد سألته رأسا عن تلك الصفحات , فأجابني وهو يبتسم – حاول ان تجدها انت بنفسك , مثلما فعلت أنا . أثارتني كلمات زميلي الروسي فعلا , ودفعتني رأسا الى قراءة هذا الكتاب القديم , كي اكتشف تلك الصفحات اولا , وكي أتأكّد ثانيا من صحة  رأي زميلي ... 
مؤلف الكتاب مكسيم غوركي , والذي توفي عام 1936 , ومن الواضح ان هذا الكتاب تمّ اعداده بموسكو في الستينيات , وقام المعدّون  بتجميع مقالات عديدة كتبها غوركي هنا وهناك ونشرها ضمن ما نشر في الصحف والمجلات الروسية آنذاك . الترجمة الحرفية لعنوان الكتاب – بورتريتات ( جمع كلمة بورتريه ) , اي صور قلمية  لشخصيات محددة مرسومة من قبل غوركي بالكلمات , وعددهم 28 شخصية بالتمام والكمال . صور بعض تلك الشخصيات مطبوعة على غلاف الكتاب , وقد عرفت بعضهم فقط مثل لينين وتشيخوف و تولستوي وكورولينكو ( وقلت بيني وبين نفسي , انني اعرف ما كتبه غوركي عنهم , ومن المؤكد ان زميلي لم يقصد تلك المقالات ) , ولكنني لم استطع معرفة الصور الاخرى المطبوعة على الغلاف المذكور , وعدم معرفتي لتلك الصور أثارت رغبتي اكثرللاطلاع على ما كتبه غوركي عن هؤلاء الذين لا أعرفهم , اذ ربما هي التي أشار زميلي الى انها تتحدث عن مشاكل عالمنا المعاصر اليوم . و بدأت اتوقف عند تلك الاسماء المجهولة من قبلي , وأقرأ مقالات غوركي عنهم , وابحث – طبعا -  ما بين السطور عن ( احداث عصرنا !) .
 وهكذا وصلت الى مقالة غوركي عن كوتسيوبينسكي , الذي لا اعرف عنه اي شئ نهائيا , بل ولم اسمع باسمه بتاتا , ولكني انتبهت الى جملة جميلة وغريبة لغوركي عنه , حيث يقول – (ان كوتسيوبينسكي يحب ان يتكلم عن اربعة مواضيع , وهي – الانسانية والجمال والشعب واوكرانيا) , فاستنتجدت رأسا انه اوكراني , ورجعت الى قائمة الملاحظات الموجودة في نهاية الكتاب حول تلك المقالات , وعرفت ان غوركي كتب هذه المقالة عام 1913 , اي قبل قيام الاتحاد السوفيتي وثورة اكتوبر ( 1917), وحتى قبل الحرب العالمية الاولى ( 1914) , وأخذت ملامح رأي زميلي حول مشاكل عالمنا المعاصر تتوضح تدريجيا امامي , فمقالة غوركي هذه , اذن , عن شخصية اوكرانية , ومن المؤكد ان زميلي وجد فيها بعض آراء غوركي حول اوكرانيا , وربط بين تلك الآراء وما يجري اليوم من احداث عسكرية عاصفة ورهيبة ومؤلمة جدا بين روسيا واوكرانيا , او واقعيا , بين شعبين شقيقين عاشا طوال حياتهما معا (ولم نكن نستطيع – نحن  العراقيين– حتى التمييز بينهما عندما كنّا طلبة في الجامعات السوفيتية بستينيات القرن العشرين) . وهكذا بدأت أقرأ- بامعان وانتباه - مقالة غوركي عن ميخائيل ميخائيلوفيتش كوتسيوبينسكي ( 1864 -1913 ) .
 وعرفت من مقالة غوركي هذه , ان كوتسيوبينسكي كاتب اوكراني كبير كتب نتاجاته من شعر ونثر باللغة الاوكرانية طوال حياته - منذ بداية طريقه الابداعي عام 1890 الى نهايته عام 1913 , اي ان نشاطه الابداعي من بدايته الى نهايته كان في الامبراطورية الروسية وباللغة الاوكرانية حصرا , وهذه هي النقطة الحيوية والاساسيّة في هذا الربط العضوي بين الماضي الذي يسجّله غوركي بدقّة وابداع في مقالته تلك عن الكاتب الاوكراني كوتسيوبينسكي وبين الحاضر الذي يذكّرني بمقطع من قصيدة بابلو نيرودا الخالد –
...تعالوا انظروا
كيف يسيل الدم
في الشوارع ...
اتصلت بزميلي , وقلت له ضاحكا , لقد اكتشفت ( مشاكل عصرنا ) في الكتاب العتيق كما قلت لي , وحدثته عن مقالة غوركي تلك , والتي تؤكد لنا بوضوح , ان اللغة الاوكرانية وآدابها قائمة ومزدهرة في ارجاء اوكرانيا منذ الامبراطورية الروسية . ضحك زميلي ايضا وهو يستمع اليّ , وقال لي – كلانا نضحك , ولكنه (ضحك عبر الدموع) , وسألني , هل تذكر هذا التعبير , الذي درسناه في الكليّة  عن غوغول ؟ , فقلت له , طبعا أتذكره , وهل يمكن لي ان أنسى غوغول ؟ , وأضفت قائلا  له -  يوجد شاعر في تراثنا العربي , وهو المتنبي , قال قبل الف سنه من غوغول , انه ( ضحك كالبكا ) , فأجاب زميلي الروسي – نعم , نعم , أعرف ان تراثكم عظيم ..... 


80
أمثال داغستانية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –       الكلب – وريث الحمار .
التعليق – يا له من مثل دقيق , (فالحمار!) لا يعرف كيف يستغل ثروته لنفسه . يقول المثل الهندي – من اين للحمار ان يعرف طعم الرفاهية ؟  وعندما يموت هذا ( الحمار !) , فان ثروته من بعده تذهب طبعا الى ( الكلاب !) . مثل واقعي ورمزي في آن واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس الذي يعيش كثيرا يعرف كثيرا , وانما الذي شاهد كثيرا .
التعليق – مثل حكيم وصحيح جدا .  يقول االمثل الصيني – لا أحد يرجع من السفر كما كان سابقا . لنتذكر ابيات الشعر من تراثنا التي تدعو للسفر وتقول ( ...في الاسفار خمس فوائد ) وهي –
تفريج همّ واكتساب معيشة /// وعلم وآداب وصحبة ماجد .
+++++
الترجمة الحرفية – الرقّة تجمّل المرأة .
التعليق – قال صاحبي , كل النساء جميلات , ولكن الرقّة تجعل المرأة أجمل ...
+++++
الترجمة الحرفية – ما رأيته حقيقة , ما سمعته كذب .
التعليق – خلاصة رائعة لظاهرة موجودة في المجتمعات قاطبة , و كل أمثال الشعوب تؤكد هذه الحقيقة الساطعة , ولنتذكر مثلنا الطريف والشهير بلهجتنا العراقية – شفت بعيني محّد كلّي ( محّد = لا أحد // كلّي = قال لي).
+++++
الترجمة الحرفية – تأكل كل البستان , او تأكل عنقود عنب واحد – الذنب نفسه .
التعليق – من يسرق بيضة يسرق بقرة ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الكذب رجل واحدة من النيران , والاخرى من الشمع .
التعليق – صيغة جديدة ومبتكرة فعلا للمثل العالمي – حبل الكذب قصير , والصورة الفنية فيه أكثر وضوحا و جمالا ودقة , ولو كان لهذا المثل الداغستاني ( اجنحة !!!) لازاح حتما ذلك المثل العالمي عن حبل الكذب القصير ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الاسد لا يأكل الفريسة , التي اصطادها الآخر .
التعليق – ولهذا فانه ( أسد !!!) . مثل رمزي يقول للانسان , انه يجب ان يأكل الطعام الذي يحصل هو عليه , وليس الطعام الذي حصل عليه الآخرون . مثل رائع .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الجيدة والخنجر تصدّه .
التعليق – صورة فنيّة جديدة حقا وجميلة جدا للكلمة الجيدة ودورها المهم في مسيرة الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الغنيّ لا تمدحه , والفقير لا تخذله .
التعليق – ما اروع هذه التوصية , وما أجمل هذا الموقف الانساني النبيل , فالناس فعلا ( تمدح !) الغنيّ لمجرد انه غنيّ , و ( تخذل !) الفقير لمجرد انه فقير . لنتذكر الآية الكريمة – فأما اليتيم فلا تقهر .. واما السائل فلا تنهر ..
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يكثر الرعاة , تهلك الاغنام .
التعليق – مثل يتطابق مع البيئة المحيطة حرفيا , فكلنا نردد المثل العالمي عن السفينة التي تغرق بسبب كثرة ملاحيها , ولكن المثل الداغستاني يعبّر عن نفس المعنى بشكل آخر . يقول المثل الروسي – الطفل بلا عناية عندما يكون عند سبع مربّيات , ويقول المثل الفيتنامي الطريف في هذا المعنى ايضا – عندما تكثر الخطّابات , ستنام وحيدا في المساء .
______________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

81
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الذكي يمدح الحصان , ونصف الذكي – يمدح الزوجة , والاحمق – يمدح نفسه .
التعليق – قهقه صاحبي عندما سمع هذا المثل وهو يكرر – مضبوط مضبوط مضبوط , وخصوصا بالنسبة لذاك الذي ( يمدح نفسه !!) . سألته – واذا لم يكن لدى الذكي حصانا ؟ فقال رأسا – كل ذكي يمتلك حصانه ...
+++++
الترجمة الحرفية – والدب يخاف من أخوين اثنين .
التعليق – الصورة الفنية ( والدب يخاف !) ترتبط طبعا بالبيئة هناك , وهي مبالغة جدا , الا انها في نفس الوقت رائعة وناطقة وغير اعتيادية بالمرة . لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب عندنا مثلا – أخاك أخاك ان من لا اخا له// كساع الى الهيجا بغير سلاح , لكن المثل البشكيري اكثر طرافة و سطوعا ...
+++++
الترجمة الحرفية – غير المحبوب فائض دائما .
التعليق – فعلا , وكم توجد مثل هذه الحالات في مسيرة حياتنا الاعتيادية . مثل واقعي جدا في المجتمعات كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الباب المفتوح اي شخص يدخل .
التعليق – نعم , هذا صحيح , ولهذا يجب عدم ترك الباب مفتوحا دائما ليدخل كل من هب ودبّ , ولا تركه مغلوقا دائما اذ ان هذا يعني العزلة عن المجتمع , وانما يجب فتحه لمن يطرقه ليس الا . مثل عميق وحكيم بامتياز. 
+++++
الترجمة الحرفية – الذكي واضح من وجهه , والاحمق من كلماته .
التعليق – مثل حاذق جدا , وخصوصا بشأن الاحمق , الذي لا يعترف مطلقا وبتاتا بالمثل الاذربيجاني العميق – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ... .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة القلبية تصل الى القلب .
التعليق – اكيد , بما انها (قلبيّة !) , فانها تصل حتما الى قلب المخاطب . يوجد مثل كوري جميل يوصي الانسان بذلك , وهو – قل كلمة حلوة من اجل ان تسمع كلمة حلوة .
+++++
الترجمة الحرفية – الخطير ليس القوي , وانما المنتقم .
التعليق – ظاهرة الانتقام خطيرة جدا , وخصوصا في المجتمعات الشرقية . المثل البشكيري هذا دليل ملموس لذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – يجب الخوف - من اغضاب صديق , ومن افشاء سر للعدو .
التعليق – تحذير اخلاقي رفيع , وهو موقف يتناغم مع المجتمعات كافة .
+++++
الترجمة الحرفية – ذيل وسخ لبقرة واحدة يلطّخ مئات .
التعليق – يقول المثل الروسي -  ملعقة قطران في برميل عسل , وهو في نفس المعنى طبعا , الا ان الصورة الفنية في المثل البشكيري اكثر وضوحا ...
+++++
الترجمة الحرفية – عدم المعرفة ليس ذنبا ,عدم الرغبة بالمعرفة ذنب كبير .
التعليق – تصفيق حاد لهذا المثل , هكذا قال صاحبي وأضاف – ولهذا تحاسب قوانين بعض الدول هؤلاء الذين يرفضون المعرفة  باعتبارهم مذنبين امام القانون . لنتذكر القول العظيم في تراثنا – اطلب العلم من المهد الى اللحد ...   
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يضيّفونك , والماء اشربه .
التعليق – هذا هو الشرق باخلاقياته وعاداته وتقاليده ....
+++++
الترجمة الحرفية – قرب امه – الطفل ليس يتيما .
التعليق – مثل صحيح طبعا , وفي كل المجتمعات , فالطفل يحتاج الى امه اكثر من حاجته الى ابيه في مرحلة الطفولة , وكلنا نعرف هذه الحقيقة الساطعة ...
_____________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

82
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الكلب الهادئ لا ينبح , لكنه يعضّ .
التعليق  – هناك مثل من أمثال الهنود الحمر يتحدث عن هذه الحالة بالذات , ويقول – احذر من الكلب الذي لا ينبح . و لنتذكر مثلا طريفا جدا بلهجتنا العراقية  يقول - من السكوتي طكي وموتي ومن الورواري خلي وفوتي ( السكوتي = الصامت / طكي = انفجري / الورواري =الثرثار) .
+++++
الترجمة الحرفية –         للجائع – خبزا , للشبعان – نزوة .
التعليق – خلاصة عميقة لحالتي الجائع والشبعان في الحياة . النزوات ترتبط غالبا بهؤلاء الذين نسوا طعم الخبز وقيمته . مثل واقعي عميق فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية –  بين الاطفال لا نميمة ولا قيل وقال .
التعليق – مثل صحيح ودقيق , فعالم الاطفال حقا نظيف روحيّا مقارنة بعالم ( الكبار !) المعقّد والحافل بالمكائد والوشايات والنفاق والاكاذيب , وفي كل المجتمعات قاطبة ...
+++++
الترجمة الحرفية – القوي يتغلب على واحد , العارف – على ألف .
التعليق – المثل الروسي يقول - العقل يغلب القوة , وهو مثل صحيح , لأن العقل هو الذي يصنع القوة . هناك مثل بشكيري آخر يقول – لا تعتمد على القوة , اعتمد على العقل . كل هذه الامثال حكيمة ودقيقة , لأنها تمجّد عقل الانسان , العنصر الاول في مسيرة الحياة الانسانية ...
+++++
الترجمة الحرفية – كتاب جديد – صديق جديد .
التعليق – تعريف جديد و رائع لخير جليس (حسب تعبير المتنبي العظيم) . قال صاحبي وهو يبتسم – سيكون شعاري القادم - الكتاب الجديد وقت الضيق الجديد ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الجيّد غنيّ بالاصدقاء .
التعليق – الاصدقاء ثروة . يقول المثل الروسي – انسان بلا اصدقاء , طير بلا أجنحة , والانسان الجيد حسب هذا المثل البشكيري طير باجنحة عديدة ... 
+++++
الترجمة الحرفية –     مجئ الضيف – زينة للبيت .
التعليق – الضيف يمتلك مكانته الخاصة في كل المجتمعات , وهو فعلا زينة البيت , الا انه يجب ان يعرف حدوده طبعا . يقول المثل الارمني الطريف – ملعون البيت بلا ضيوف , لكن ملعون الضيف الذي يأتي في المساء ولا يخرج حتى الصباح .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لم يمرض ابدا , لا يحرص على الصحة .
التعليق – لانه لا يعرف قيمة الصحة . يوجد مثل روسي يقول – أضعت النقود – لم تضع شيئا , أضعت الوقت – أضعت كثيرا , أضعت الصحة – أضعت كل شئ .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لن يعرق الجبين , لن يفور القدر .
التعليق – مثل في غاية الطرافة , فالصورة الفنية رمزية واضحة المعالم , وتربط بشكل مباشر وحازم  بين الجهد الانساني ( عرق الجبين ) مع غذاء الانسان ( فوران القدور ) .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحطّ الذبابة على قرن الوعل .
التعليق – المثل الصيني يقول - لا تحطّ الذبابة على بيضة دون شقوق , والمثل الصيني هذا يؤكد صحة المثل البشكيري , اذ لا  يمكن للذبابة ان تمتص اي شئ من قرن الوعل هذا ...
_______________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر قريبا .
ض . ن .

83
أمثال بشكيرية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –   رأيته مرة واحدة – أحد المعارف , رأيته مرتين – رفيق , رأيته ثلاث مرات – صديق .
التعليق – الصداقة هي أعلى المراحل في مسيرة العلاقات الانسانية , ولهذا فان الصديق وقت الضيق . هذه هي الفكرة الرائعة التي يؤكدها هذا المثل البسيط شكلا والعميق مضمونا والمفهوم لكل انسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء لا يأتي اليك , العطش يأتي .
التعليق – مثل طريف جدا , والمقارنة فيه بين الماء والعطش - لامعة الذكاء , وهو مثل رمزي طبعا , ويرسم صورة مبسّطة ولكنها حقيقية جدا لطبيعة الحياة الانسانية , اذ انه يبيّن لنا , ان الانسان يجب ان يبذل جهده للحصول على أبسط احتياجاته . يقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة .
+++++
الترجمة الحرفية – الحجر يجعل الجبل جميلا , والرأس – الانسان .
التعليق –  مثل جميل وحكيم وصحيح جدا , لأن الرأس يعني العقل , والعقل هو الذي يجعل الانسان جميلا . المثل الروسي يقول – رأس بلا عقل – قنديل بلا ضياء .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تمسح الكتابة على الحجر .
التعليق – ولهذا يقول مثلنا العربي الشهير – العلم في الصغر كالنقش على الحجر .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يرضعون الطفل الذي لا يبكي .
التعليق – دعوة رائعة للانسان كي يطالب بحقوقه الطبيعية والا فانها تضيع , اذ لا أحد يعطيها له تلقائيا دون ( بكاء !) . مثل فلسفي وعميق بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – بكلمة الحنان تكسر الحجر .
التعليق – مثل جميل , ويتكرر عند مختلف الشعوب . يوجد مثل روسي مشابه تقريبا لبنية هذا المثل البشكيري يقول – بكلمة الحنان والحجر يذوب , لكن  المثل البشكيري اقرب للواقعية ( تكسر الحجر) , أما المثل الروسي فأقرب للرومانسية ( يذوب الحجر ) , وفي كلا الحالتين , فانهما ضروريان لتلك العاشقة العراقية , التي لازالت تقول لحبيبها – قلبك صخر جلمود ما حنّ عليّ ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تثق بابتسامة العدو .
التعليق – مثل صحيح  طبعا , وكل امثال الشعوب تحذّر من خداع الاعداء ومكرهم . يقول المثل الروسي – ماء عند الصديق افضل من عسل عند العدو . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن أكثر ملوحة من الملح , ولا أكثر حلاوة من العسل .
التعليق – .. ولا تكن ملكيّا أكثر من الملك كما يقول المثل العالمي الشهير ,  اذ ان خير الامور اوسطها  . الصورة الفنية في هذا المثل البشكيري مبتكرة وطريفة بكل معنى الكلمة  .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة التي قيلت – مثل طير انطلق طائرا .
التعليق – فكرة هذا المثل تتكرر عند شعوب كثيرة اخرى وفي صيغ مختلفة , بما فيها طبعا امثالنا العربية الغنية والمتنوعة عن الكلمة واللسان , الذي ... ان صنته صانك وان خنته خانك ... . هناك مثل روسي مشابه لهذا المثل البشكيري بالذات , و يقول – الكلمة ليست عصفورا – تطير ولن تصطادها . يوجد مثل اذربيجاني حكيم يحسم هذه الحالة , وهو – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ...
+++++
الترجمة الحرفية –      حسب القامة – هكذا الظل .
التعليق – صيغة بشكيرية لفكرة مطروحة في امثال عديدة لدى شعوب اخرى , منها المثل العربي المعروف – لا يستقيم الظل والعود اعوج , ومنها ايضا المثل الياباني الذي يقول – غصن أعوج – ظل أعوج ...
------------------------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد و موسكو قريبا .
ض . ن .

84
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما يكون الرأس فارغا , تعاني الارجل .
التعليق – يقول المثل الروسي وفي نفس المعنى – الرأس الاحمق لا يعطي الراحة للسيقان . هناك مثل بلهجتنا العراقية يقول – أركض والعشه خبّاز , ( العشه = العشاء /// الخبّاز = خضراوات تنمو تلقائيا في البرية ) , و حسب هذا المثل الشيشاني ,فمن المؤكد , ان رأس هذا الراكض العراقي ( فارغ !) قلبا وقالبا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الثعلب الذي يركض أفضل من الذئب الذي يرقد .
التعليق –  ينطبق هذا المثل طبعا على حياتنا الانسانية قبل كل شئ وبعد كل شئ , فنحن –  ابناء ( كليلة ودمنه !) وحكاياتها الشهيرة عن مختلف انواع الحيوانات . وهكذا الامر في هذا المثل الشيشاني , فالذئب أقوى من الثعلب , ولكنه ( يرقد !) , والثعلب أضعف من الذئب , ولكنه ( يركض !) ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الضفدعة الجيدة تعيش في مستنقعها .
التعليق –  الذي يترك داره يقل مقداره , هكذا يقول مثلنا العربي بمختلف لهجاتنا , والمثل الروسي في نفس المعنى يقول - حيثما ولدت – هناك جدواك , والمثل الشيشاني هذا يؤكد , ان الضفدعة ( الجيدة !) تعرف فحوى تلك الامثال واهدافها , وتتصرّف بشكل دقيق على اساس معرفتها لتلك الامثال ...
+++++
الترجمة الحرفية – البحيرة لا تتجمد , ان لم يكن القعر باردا .
التعليق –  اي ان القعر هو الاساس , وهو الذي ( يقرر !) مصير البحيرة من الخارج . مثل رمزي رائع يتناول العلاقة العضوية المتبادلة بين القعر ( اي الشعب ) وبين الغطاء الخارجي له ( اي القيادة ) . قال صاحبي وهو يبتسم – كيفما تكونوا يولى عليكم .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يجري النهر دائما في مجرى واحد .
التعليق – وهكذا هي الحياة بمجملها , اذ انها ايضا تجري حسب طبيعة الارض حولها . مثل واقعي و حكيم وعميق , وينطبق على ( مجرى !) حياة المجتمعات الانسانية كافة ...
+++++
الترجمة الحرفية – توجد عربة يحملونها على قارب , ويوجد قارب يحملونه على عربة .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل غريبة بالنسبة لنا , الا انها تعبّر طبعا عن طبيعة الحياة في المجتمع الشيشاني . لنتذكر القول العظيم في تراثنا - يوم لك ويوم عليك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الشوك من بدايته ينمو حادا .
التعليق – يقول المثل العربي - الديك الفصيح من البيضة يصيح , وهو يمتلك نفس المعنى طبعا , الا ان المثل العربي رغم طرافته لا يمكن مقارنته بالنظرة العلمية الدقيقة في المثل الشيشاني .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تقدر ان تعيد التفاحة الى مكانها بعد قطفها .
التعليق – مثل واضح جدا و بسيط جدا , وعميق جدا , ويثبت بما لا يقبل الشك ان امكانيات الانسان محدودة مهما يكن هذا الانسان . يوجد مثل كوري يقول – لا يمكن للانسان ارجاع شعرة واحدة الى مكانها بعد اقتلاعها . المثل الشيشاني أجمل بكثير , رغم ان المعنى نفسه يتكرر ايضا في المثل الكوري .   
+++++
الترجمة الحرفية – كل واحد يحك صلعته .
التعليق –  يوجد مثل عربي شهير يقول - ما حكّ جلدك مثل ظفرك . المثل الشيشاني أكثر مرحا وطرافة من المثل العربي , الذي هو في الواقع أكثر شمولية وعمومية من المثل الشيشاني .

من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


85
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – دون غيوم في السماء لن يهطل المطر , ودون مصيبة في القلب لن تذرف الدموع .
التعليق – مثل جميل شكلا ومضمونا (وكأنه قصيدة نثر !) , وهو واقعي وحقيقي جدا , لأنه يعتمد على ملاحظة ذكيّة و دقيقة و صحيحة حول هطول المطر ( علميّا ) وذرف الدموع ( قلبيّا !)...
+++++
الترجمة الحرفية – بالاحاديث لن تطعم الضيوف .
التعليق – مثل طريف جدا , ويتناول (قضية !) مشتركة بين كل الشعوب قاطبة , خصوصا اذا كان الضيوف من ( الجنس اللطيف !) , اذ ان الضيافة عندها يجب ان تكون ( لطيفة ايضا !) ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتصادق مع انسان قبل ان تجرّبه .
التعليق – مثل حكيم , ويتكرر معناه في الكثير من أمثال الشعوب الاخرى , ومنها المثل العربي- خالطه وبعد سنة جرّبه , أما المثل الروسي فيقول – من اجل ان تعرف الانسان يجب ان تأكل معه رطلا من الملح ...
+++++
الترجمة الحرفية – حصّة المتأخر أكلتها القطة .
التعليق – يدعو هذا المثل المرح الى ضرورة الالتزام بالمواعيد , ويؤكد , ان ( حصّة ) المتأخر تتناولها ( القطط !) , اي انه يفقد ( حصته !) ولن يقدر ان يطالب الآخرين بارجاعها له . مثل حاسم لمشكلة دائمية , وخصوصا عندنا , نحن الشرقيين , وليس عبثا ان يتناول المثل الشيشاني هذه الحالة... 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يعرف كيف يعيش , يتكلم دائما عن الماضي .
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الذي ذهب مثلا في نفس المعنى  , وهو
 ان الفتى من يقول هاانذا     ليس الفتى من يقول كان ابي ...
+++++
الترجمة الحرفية – السماء مشرقة , القبور معتمة .
التعليق – الصورة الفنية ساطعة في هذا المثل, فالسماء المشرقة هي رمز التفاؤل , والقبور المعتمة هي رمز التشاؤم , وعلى الانسان ان يختار بينهما في مسيرة حياته. لنتذكر القول العظيم في تراثنا – تفاءلوا بالخير تجدوه ...
+++++
الترجمة الحرفية – عدم الاحترام للناس هو عدم احترام لنفسك .
التعليق – صحيح جدا , لأن عدم احترام الآخرين يعني , انهم ايضا لن يحترموك في نهاية المطاف , فلكل فعل رد فعل ...يعاكسه في الاتجاه ...
+++++
الترجمة الحرفية – تطلب – انت عبد , تعطي – انت أمير .
التعليق –  صورة فنيّة واقعية جدا , وخلاصة رائعة وحقيقية لموقف الانسان في كل المجتمعات , فالانسان فعلا عبد , عندما هو (يطلب من الآخرين !) , وأميرعندما هو نفسه (يعطي للآخرين!) . قال صاحبي – نعم , الفرق بين الموقفين مثل الفرق بين السماء والارض .
+++++
الترجمة الحرفية – الدجاحة , التي حاولت ان تصيح مثل الديك , انفجرت .
التعليق – مثل يبدو للوهلة الاولى في غاية الطرافة والمرح , ولكنه في الواقع عميق المعنى , ويؤكد على ان لكل انسان دوره المحدد في الحياة حسب امكانيته ومؤهلاته . لنتذكر الآية الكريمة – لا يكلف الله نفسا الا وسعها.
+++++
الترجمة الحرفية – برميل بلا قعر لن يمتلأ بالماء .
التعليق – يوجد مثل روسي مماثل لهذا المثل الشيشاني تماما , وكلاهما طبعا يؤكدان على نفس المعنى حول الجهد الانساني الضائع . لنتذكر مثلنا العربي الذي يقول – لا تنفخ في جرّة مثقوبة .
+++++
الترجمة الحرفية – طير في اليد افضل من غزال في الخريف .
التعليق – صيغة شيشانية جديدة ( وطريفة ايضا ) لمثل يتكرر عند مختلف الشعوب , ومنها طبعا المثل الذي اصبح عالميا عن (عصفور في اليد افضل من عشرة على الشجرة)... 
--------------------------------------------------------------------------------------- ----
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

86
حول رسائل تشيخوف بترجمة الضامن
أ.د. ضياء نافع
 على عكس الاخبار الكئيبة الاخرى في عالمنا العربي بشكل عام , والتي نسمع بها يوميّا , فان آخر الاخبار عن الكاتب الروسي تشيخوف في عالمنا العربي مختلفة تماما , وهو ما اريد ان اتكلم حوله قليلا مع القراء الآن في هذه السطور .
 لقد نشرت قبل فترة قصيرة مقالة بعنوان – المترجمون العراقيون وتشيخوف , وفوجئت بردود فعل متنوعة لهذه المقالة , ومن جملة ردود الفعل هذه - اتصال الزميل عبد الله حبه هاتفيّا  , والذي  اخبرني فيه , ان الكلمات التي كتبتها عن الراحل خيري الضامن في تلك المقالة , والتي اقترحت فيها ضرورة نشر رسائل تشيخوف التي ترجمها الضامن ( في طريقها الى التحقيق فعلا !) , وتبين , ان الضامن قد كتب الى عبدالله حبه رسالة قبل رحيله بشهر تقريبا , واخبره فيها , ان يتصل بابنته في حالة رحيله ( وكأنه كان يشعر بذلك كما قال لي عبد الله ) والاتفاق معها بشأن اصدار رسائل تشيخوف التي انتهى من ترجمتها عن الروسية , ويقول عبد الله  , ان هذا ما تم الان فعلا , وان رسائل تشيخوف تلك ستصدر قريبا عن دار النشر التي جرى الاتفاق معها حول نشر تلك الرسائل بترجمة المرحوم خيري الضامن ,  وسيكون هذا العمل  تتويجا لمسيرة حافلة من الابداع الترجمي للضامن في مجال نصوص الادب الروسي و الدراسات النقدية عنه , وفي حالة تحقيق ذلك ( واتمنى ذلك من اعماق قلبي ) , ستكسب المكتبة العربية مصدرا رائعا ومهمّا لمعرفة تاريخ الادب الروسي عموما , ومصدرا فريدا وأصيلا للاطلاع على ابداع تشيخوف نفسه والتعمّق في دراسته وتفهمه واستيعابه, اذ سجّل الكاتب الروسي في تلك الرسائل واقعيا – وبحرية كاملة -  كل افكاره ومفاهيمه حول الادب والفن كما كان يراها حوله اثناء مسيرة حياته القصيرة نسبيا ( عاش تشيخوف 44 سنة فقط ليس الا ).
 توجد في المكتبة العربية طبعا بعض المصادر حول رسائل تشيخوف , منها مراسلاته مع غوركي , التي صدرت في دمشق بترجمة جلال فاروق الشريف , وبطبعتين ( الطبعة الاولى عام 1953 والثانية عام 1983)  ومن الممكن جدا ان هناك مصادر عربية اخرى لا أعرفها حول تلك الرسائل , الا ان مجموعة رسائل تشيخوف الحقيقية بالروسية تشغل (12) مجلدا في مؤلفاته الكاملة , التي صدرت ب(30)  مجلدا في موسكو , وهذا يعني , ان الرسائل تشكّل نسبة أكثر من ثلث مؤلفاته الكاملة بأسرها , وهي موزعة حسب سنوات كتابتها في تلك المجلدات المذكورة , وهناك دراسات نقدية كثيرة باللغة الروسية حول الافكار التي وردت في تلك الرسائل , اذ استطاع الباحثون في ابداع تشيخوف ان يحددوا مواقفه الفكرية و آرائه الفنية والجمالية في دراستهم لتلك الرسائل باعتبارها وثائق لا تقبل الشك او التأويل بالنسبة للكثير من القضايا الادبية خاصة والحياتية عامة , ويمكن لنا الاشارة – ليس الا – الى عدة مصادر روسية في هذا المجال , منها كتاب مهم في تلك الدراسات عنوانه – (تشيخوف / عن الادب والفن) , والذي اصدرته دار نشر اكاديمية العلوم السوفيتية عام 1954 , ويقع في 460 صفحة من القطع المتوسط , و يعتمد هذا الكتاب على قراءة دقيقة لرسائل تشيخوف , ويستخلص منها مواقفه تجاه قضايا الادب والفن ( رغم ان تشيخوف نفسه كان يتجنب المشاركة في مثل هذه النقاشات ويبتعد عنها) , وتتناول فصول ذلك الكتاب أقوال تشيخوف عن الادب واهميته الاجتماعية , وعن اللغة والاسلوب وبنية النتاج الادبي , وكيف يعبّر الابداع الفني نفسه عن موقف الكاتب الاخلاقي والسياسي , وعن الادب المسرحي , وعن النقد الادبي ومهماته , وآراء تشيخوف حول ابرز الادباء الروس و عن بعض الادباء الاجانب , وكذلك توجد أقوال تشيخوف عن الصحافة الروسية في نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين .   
 لا اعرف انا شخصيا عن ترجمة الضامن لتلك الرسائل شيئا , ولا أظن انه قد ترجم (12) مجلدا من مؤلفات تشيخوف الكاملة , التي تضم تلك الرسائل بأكملها , ولكني على ثقة كاملة ومطلقة , ان المرحوم خيري الضامن قد ترجمها الى العربية بشكل رائع  , اذ المعروف عنه , انه  يقدم اعمالا ترجمية حقيقية  وبشكل احترافي متقن , وليس عبثا , ان اسمه اصبح رمزا  للاعمال العملاقة الرزينة والمعتمدة علميّا في دنيا الترجمة , وفي كل الاحوال , لننتظر هذا الجهد الكبير , وعندها يمكن لنا ان نحدد الرأي بشأنه , ومهما تكن كميّة تلك الرسائل المترجمة من المجموعة الكاملة  لرسائل تشيخوف, فان كتاب خيري الضامن هذا سيعدّ مساهمة مهمة في المكتبة العربية حول الادب الروسي بشكل وحول تشيخوف طبعا قبل كل شئ.
 رسائل تشيخوف – عالم متكامل من الافكار العميقة والرشيقة والاصيلة مثل قصصه ورواياته القصيرة ومسرحياته ذات الفصل الواحد او اعماله المسرحية الشهيرة , ولنتأمّل مثلا  هذا المقطع - ليس الا -  من رسائله العديدة - (..... أنا بصحة جيدة , لكني اصبحت  كسولا بشكل رهيب , ولا أعمل اي شئ , وهذا أسوأ من المرض ....) , الا يثير هذه المقطع الصغير ابتسامتنا , ويجعلنا نفكّر- في آن واحد- بتفسير مغاير لمفاهيمنا عن الصحة والمرض ؟







87
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من لم تلسعه نحلة لا يعرف ثمن العسل.
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك - بلاش ما ينحاش , فقلت له وانا اضحك ايضا – ولكن لسعة النحلة ثمن غال جدا للعسل ,فأجابني – الثمن الغالي يتناسب مع البضاعة الغالية , ولهذا اقول , ان هذا المثل الشيشاني عادل تماما ...
++++++
الترجمة الحرفية – لا ذئب دون اسنان , ولا شتاء دون طقس بارد .
التعليق – يجب على الانسان ان يعترف بالوقائع ويتقبلها ويتعامل معها كما هي فعلا وليس كما يتمنى ان تكون , وان التغاضي عنها لا يعني انها غير موجودة في مسيرة الحياة . المثل الشيشاني هنا يقول لنا ببساطة وعمق – كونوا واقعيين , وانطلقوا من هذه الحقيقة في مسيرة حياتكم ...
+++++
الترجمة الحرفية – القطيع لم يتكاثر عند الراعي الذي كان يخاف من الذئب .
التعليق – يوجد مثل روسي يقول – المجازفة عمل نبيل . ضحك صاحبي وقال –  ان التكاثر عمل نبيل فعلا , وسيتكاثر القطيع عندما يفهم الراعي ان الخوف يتعارض مع التكاثر ...
+++++
الترجمة الحرفية – الشمس ليست مذنبة , لأن البومة لا ترى في النهار .
التعليق – مثل طريف  جدا , والصورة الفنية فيه لامعة الذكاء فعلا, ويذكرنا بالحجج الواهية التي يحاول البعض التشبث بها لتبرير مواقفه. يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – المايعرف يركص يكول الكاع عوجه ( المايعرف = الذي لا يعرف // يركص = يرقص //  يكول = يقول // الكاع = الارض ) .
+++++
الترجمة الحرفية –  اليوم يجب ان تعرف الشئ الذي سيكون ضروريا لك غدا .
التعليق – مثل رائع . يوجد مثل روسي في هذا المعنى يقول -  فكّر في المساء ماذا ستعمل في الصباح . المثل الشيشاني أكثر دقة من المثل الروسي .
+++++
الترجمة الحرفية –        النكتة – بداية الزعل .
التعليق – يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول -  بالشقة وغلّ ايدك ( بالشقة = بالمزاح ) , اي ان المثل باللهجة العراقية يؤكد فعلا معنى المثل الشيشاني هذا . يوجد مثل عربي حكيم جدا في هذا الاتجاه يقول – المزاح مثل طعن الرماح .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يحب البقرة , كان دائما يحلم بالحليب .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو يؤكد لنا ما يقوله علم النفس , بانه يوجد دائما سبب كامن في أعماق النفس الانسانية توضّح  كل ظاهرة حب او كراهية في حياة البشر .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن حامضا مثل ثمر غير ناضج , كل من يتذوقه يرميه .
التعليق – توجد امثال عديدة في هذا المعنى عند مختلف الشعوب فنحن نقول لا تكن لينا فتعصر ولا جافا فتكسر والمثل الهندي يقول لا تكن حلوا فياكلوك ولا مرا فيبصقوك ...الخ . الصورة الفنية في المثل الشيشاني جديدة  وطريفة .
+++++
الترجمة الحرفية –  من يرقد في الصيف , يركض في الشتاء .
التعليق – يذكرنا هذا المثل ( الذي يكاد ان يكون عالميا) بالحكاية الشعبية الشهيرة , التي سمعناها في طفولتنا عن النملة والصرصور ...
+++++
الترجمة الحرفية –  من يتكلم عن العواقب لا يمكن ان يكون شجاعا .
التعليق –  لنتذكر بيت الشعر العربي , الذي حسم الامر و ذهب مثلا , وهو  -
واما حياة تسر الصديق     واما ممات يغيض العدى ...
+++++
الترجمة الحرفية – الاخ ليس أخا اذا لم يكن صديقا لك .
التعليق – يوجد مثل شيشاني آخر يقول – الصديق الذي يفهمك يعتبر أخا . المثلان الاول والثاني يؤكدان على هدف واحد وهو ان الاخوة والصداقة مترابطتان عضويا , ويكملان بعضهما البعض الاخر .
-------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

88
  أفكار عن غوغول من جامعة موسكو
أ.د. ضياء نافع

    لم انقطع لحد الآن عن  النبع الذي ارتويت منه  في شبابي , اي عن كليّة الفيلولوجيا الحبيبة بجامعة موسكو, و ( أغرف !) منها بين فترة واخرى مواضيع متنوعة في كتاباتي حول الادب الروسي , ولا أجد – مع الاسف الشديد - الوقت اللازم للكتابة عن كل جوانب تلك المواضيع الجديدة والطريفة – من وجهة نظري - للقارئ العربي ,  واود ان اتحدث مع القراء قليلا هنا , كيف اني قد ( غرقت !) قبل أيام بسيل من الافكار حول الكتابة عن الكاتب الكبير غوغول , عندما اطلعت على النشاطات , التي أقامتها كليّة الفيلولوجيا في الذكرى المئوية الثانية لميلاده عام  2009 ( لاحظوا ذلك 2009 !) , اذ اعلنت الكليّة آنذاك عن مسابقة بين طلبتها للكتابة عن غوغول , و أقامت ايضا ندوة عالمية حول تلك الذكرى , شارك فيها اساتذتها ومجموعة من المتخصصين الاجانب في الادب الروسي ,  وعندما بدأت بقراءة تفاصيل تلك النشاطات , تبلورت لدي مواضيع عديدة ومتنوعة تماما للكتابة عن غوغول وتقديمها للقارئ العربي , منها على سبيل المثال وليس الحصر , علاقة الاجيال الروسية المعاصرة بغوغول ( تلاميذ المدارس وطلبة الجامعات الروسية , الذين ساهموا في تلك المسابقة الواسعة عن نتاجات غوغول ) , وهو موضوع مهم وحيويّ جدا , اذ اكتشفت ( من جملة ما اكتشفت !) , ان الاجيال الروسية الجديدة لا تتوقف عند نتاجات غوغول الشهيرة مثل رواية (الارواح الميتة) او مسرحية (المفتش) او قصة ( المعطف ) , بل عند نتاجات اخرى لغوغول ( تبدو وكأنها شبه منسية الان بين القراء الروس , وتكاد ان تكون غير معروفة بعمق للقارئ العربي) مثل قصته بعنوان – كيف تخاصم ايفان ايفانوفيتش مع ايفان نيكيفوروفيتش ( والتي شغلت المكان الاول بين أعمال المتسابقين من تلاميذ المدارس باعتبارها النتاج الادبي المفضّل لديهم بين كل مؤلفات غوغول) , وهي قصة طويلة نشرها غوغول اواسط الثلاثينيات ودخلت ضمن كتابه ( ميرغورود ) الصادر في بطرسبورغ عام 1835, وهذه القصة غير معروفة للقارئ العربي بشكل متكامل (رغم انها ضرورية لهذا القارئ , لأنها تدور عن مسألة حادّة و مطروحة بقوة امام مجتمعاتنا , وهي مسألة التفاهة ودورها في الحياة !) . وهذا ( الاكتشاف !) كان  يعني بالنسبة لي ايضا , انه يمكن اعتبار غوغول اديبا معاصرا  لتلك الاجيال الروسية الجديدة بالرغم من انه ابن النصف الاول من القرن التاسع عشر , وهذا ( الاكتشاف !)  طرح طبعا امامي افكارا جديدة اخرى حول مفهوم ( الادب الحديث او المعاصر) ,  فقد اقتنعت , ان الادب الحديث هو ليس فقط الادب الذي يصدر في الوقت الحاضر( كما يظن الكثيرون!) , وانما هو ايضا , الادب الذي يتفاعل معه القارئ المعاصر بغض النظر عن زمن اصدار ذلك الادب , وينعكس هذا المفهوم على كل آداب العالم , بما فيها ادبنا العربي طبعا , فهل يمكن – مثلا – عدم اعتبار المتنبي شاعرا معاصرا , ونحن نستشهد بقصائده في مسيرة حياتنا اليومية لحد الآن ؟ وهل ان شكسبير قد اصبح ( عتيقا !) بالنسبة للقراء الانكليز وغير الانكليز في عالمنا المعاصر ( تذكرت سامي عبد الحميد ومسرحية هاملت عربيا على مسارح بغداد ) , و تذكرت طبعا تلك الصور الجميلة المطبوعة في اعماق قلبي وعقلي لطلبتي العراقيين في كلية اللغات بجامعة بغداد وهم يؤدّون – وبكل حماس الشباب ومرحه – أدوارهم بمسرحيات تشيخوف الكوميدية ذات الفصل الواحد باللغة الروسية على خشبة مسارحهم الطلابية البسيطة وهم يتقافزون ويضحكون ويتفاخرون ويلتقطون الصور التذكارية ...
ومن جملة المواضيع الجديدة الاخرى عن غوغول , والتي انبثقت من اطلاعي على تفاصيل نشاطات كليّة الفيلولوجيا هي تلك المحاضرات , التي تمّ تقديمها في الندوة العالمية عن غوغول بالذكرى المئوية الثانية لميلاده . لقد ساهم في أعمال هذه الندوة متخصصون كبار من روسيا واوكرانيا وبيلاروس وكازاخستان وايطاليا وهنغاريا وبلغاريا والمانيا وبولندا وفرنسا وتركيا وصربيا وامريكا ( ولم أجد اي دولة عربية بين المساهمين , وهي ظاهرة متكررة مع الاسف الشديد في الكثير من المؤتمرات العلمية العالمية تقريبا) , ومن جملة المحاضرات التي اطلعت عليها وأثارت انتباهي , محاضرات الوفد الاوكراني , اذ كان التركيز فيها على ( اوكرانية غوغول !) رغم التعبير عنها باللغة الروسية , وهي نبرة بدأت آنذاك وتوسعت لاحقا . وجدت كذلك محاضرة قدّمها ممثل جامعة استامبول التركية بعنوان – ترجمة ابداع غوغول في تركيا , وقلت بيني وبين نفسي , اننا – نحن العرب – ترجمنا ابداع غوغول منذ ثلاثينيات القرن العشرين , اي على مدى قرن تقريبا , ومع ذلك , لا يوجد بيننا من يقف امام هؤلاء ويقول لهم هذه الحقيقة الساطعة , وخلاصة القول , فقد قررت ان اكتب المقالات الآتية – غوغول والاجيال الروسية المعاصرة /// غوغول والادب الروسي الحديث /// غوغول ومسألة التفاهة /// غوغول والازمة الروسية الاوكرانية من جديد /// ترجمة ابداع غوغول في العراق /// ومن المؤكد ان هناك افكار جديدة اخرى حول تلك المقالات , اذ ان المحاضرة التي قدّمها مندوب ايطاليا – مثلا - قد أثارت ضرورة العودة الى الكتابة عن تأثير ايطاليا في ابداع غوغول .... فهل سيسمح الوقت بتحقيق كل هذه الافكار ؟؟؟ أتمنى ذلك ... 

89
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بالسلاح تقتل واحدا , باللسان – ألفا .
التعليق –  هناك امثال كثيرة عند مختلف الشعوب حول اللسان , منها مثلنا العربي عن جرح الكلمة , الذي (ما يطيب ) , ويقول المثل الصيني – اللسان مثل الطبر – يطبر , ويقول المثل الياباني – الكلمة يمكن ان تقتل الانسان ...الخ , لكن المثل الشيشاني يتضمن مبالغة هائلة , وهو اسلوب من اساليب الامثال لغرض ايصال الفكرة الاساسية لها .
+++++
الترجمة الحرفية – غضب الام مثل الثلج , يسقط كثيرا , لكنه يذوب سريعا .
التعليق – مثل يرتبط بالبيئة الشيشانية طبعا , اذ يتساقط الثلج هناك بكثرة الا انه يذوب بسرعة .الصورة الفنية جميلة في هذا المثل , فغضب الام ( ابيض ونظيف مثل الثلج ) , ( ويذوب بسرعة ويتحول الى ماء نقي يملأ الانهار والبحيرات ويسقي الارض ) فيا لها  من صورة فنيّة رمزية و مدهشة و رائعة الجمال...
+++++
الترجمة الحرفية – النسر بلا وطن , حتى الغراب لا يلاحظه .
التعليق – قال صاحبي وهو بالكاد يحبس دموعه – الله الله , مثل واقعي جدا ,  فقلت له , وهل نسيت مثلنا العربي و بمختلف لهجات شعوبنا – من يترك داره يقل مقداره , فقال – نعم , لكن هذا المثل الشيشاني ( على جرح القلب ) فعلا بالنسبة لكل ( نسر بلا وطن !).
+++++
الترجمة الحرفية – القطة التي لم تحصل على قطعة اللحم , تقول انها صائمة .
التعليق – المثل المناظر عندنا لذلك المثل الشيشاني هو وبلهجتنا العراقية – الما ينوش العنب يكول عليه حامض , لكن المثل الشيشاني أكثر وضوحا ودقّة و طرافة ومرحا .
+++++
الترجمة الحرفية – الاخ دون أخاه مثل نسر دون أجنحة .
التعليق – لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا عندنا , وهو –
 أخاك أخاك ان من لا اخ له /// كساع الى الهيجا بغير سلاح ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتقبل ما يبدو لك وكأنه حقيقة .
التعليق – مثل رائع وحكيم بكل معنى الكلمة , وما احوج الانسان ان يراعيه ويأخذه بنظر الاعتبار في مسيرة حياتنا المتشابكة. يوجد مثل روسي طريف في هذا المعنى يقول – سبع مرات لتقيس , ومرة واحدة لتقص ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي اغتنى للمرة الاولى أوقد شمعة في النهار .
التعليق – مثل طريف جدا , و يذكرنا بالمثل العراقي -  شاف وما شاف , الى آخر هذا المثل الذي يعرفه العراقيون كلهم طبعا ...
+++++
الترجمة الحرفية – القذر لا يُنظّف بالماء , والنظيف لا يحترق بالنار .
التعليق – مثل فلسفي ورمزي رائع حول طبيعة النفس الانسانية واخلاقيتها , والمثل رغم رمزيته فهو واقعي جدا , وكم شاهدنا مثل هؤلاء ( القذرين !) الذين لا يمكن للماء ان يجعلهم نظيفين , وكم شاهدنا مثل هؤلاء ( النظيفين !) الذين لا يمكن لايّ نيران ان تحرقهم ..
+++++
الترجمة الحرفية – عندما سألوا – ما هو الجيّد , الارنب أجاب – ان ترى الكلب قبل ان يراك .
التعليق – مثل طريف جدا يؤكد ان كل الامور في الحياة نسبية . هناك مثل ارمني طريف ايضا وفي نفس المعنى , وهو – لا يوجد للفأر وحش أقوى من القط .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تأكل كثيرا , والعسل يكون مرّ المذاق .
التعليق – خير الامور اوسطها ...وفي كل شئ ...
+++++
الترجمة الحرفية – خنجر الغبي المستل أكثر خطرا من خنجر الشجاع .
التعليق – عدو عاقل خير من صديق جاهل .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي بصحة جيدة لا يعرف حال المريض .
التعليق – لا يعرف الشوق الا من يكابده /// ولا الصبابة الا من يعانيها...
------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

90
أمثال شيشانية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  بالنار فقط يمكن اشعال النار .
التعليق – مثل رمزي واضح المعالم , ويستند الى حقيقة ثابتة ومعروفة من قبل الجميع . قال صاحبي , ان الصورة الفنية في هذا المثل الشيشاني فريدة من نوعها بين كل امثال الشعوب الاخرى , وتتميّز بقوة الملاحظة والاستنتاج اللامع الذكاء , فقلت له – نعم , كلامك صحيح فعلا , اذ لا يمكن ( اشعال اي نار !!! ) بوسيلة اخرى  ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يشترون العقل بالثروة .
التعليق – العقل , مثل العدل , اساس الملك , و يقول المثل الروسي – العقل يغلب القوة . المثل الشيشاني دقيق وحازم ويضع نقطة واضحة ونهائية بشأن العلاقة بين العقل والثروة .
+++++
الترجمة الحرفية – في الطريق , والعصا رفيق .
التعليق – يقول مثلنا العربي الشهير – الرفيق قبل الطريق , ولكن اذا لم يكن هناك رفيق , فالعصا تصبح الرفيق , اذ يمكن للانسان ان  (يتوكأ عليها ) اولا , و ان يحقق بواسطتها ( مآربه الاخرى ) . مثل طريف جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – عدوّان اثنان لا يعيشان تحت سقف واحد .
التعليق – صيغة جديدة لمثل عالمي معروف , ينعكس في امثال الكثير من الشعوب , فامثالنا تتحدث عن حصانين لا يمكن ربطهما معا ,  وعن  سيفين لا يمكن وضعهما في غمد واحد , وعند الروس عن دبيّن معا , وعند الافارقة عن ملكيين في مدينة واحدة , او اثنين لا يمكن ان يجلسا على كرسي واحد و..و..و. الخ , ولكن المثل الشيشاني أكثر وضوحا , فهو يضع – بدقّة متناهية - النقاط على الحروف , اذ انه يحدد – عدو مع عدو آخر ....
+++++
الترجمة الحرفية – القطط المتجانسة تنتصر على الذئاب المتنافرة .
التعليق – يقول المثل الروسي في نفس المعنى – في القطيع المتوافق والذئب ليس مخيفا . يدعو هذا المثل الى التجانس والتعاون  باسلوب بسيط ومقنع جدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – قوم تعاونوا ما ذلوا .
+++++
الترجمة الحرفية – الطعام لثلاثة أشخاص يكفي لاربعة .
التعليق – مثل طريف , ومن الواضح انه يدعو الى التعاضد بين البشر وضرورته في خضم الحياة ومسيرتها المعقدة ...
+++++
الترجمة الحرفية – وعن أجمل شخص قالوا , ان رقبته طويلة .
التعليق – يوجد مثل روسي يقول – اللسان بلا عظام , ونحن نقول بلهجتنا العراقية – الحجي بلا كمرك , ( الحجي – الكلام والثرثرة / كمرك – ضريبة الجمارك ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الام تطعم الطفل , كما الارض تطعم الانسان .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل رائعة جدا , وقد قال صاحبي – لو كنت فنانا تشكيليّا لرسمت لوحة تجسّد هذا المثل الرائع الجمال حول هذه المقارنة الذكيّة بين الام والارض ...
+++++
الترجمة الحرفية – النسر يولد فقط في الجبال .
التعليق – مثل جميل و يعبّر عن البيئة المحيطة بالشعب الشيشاني بشكل دقيق وحقيقي , فهناك جبال شاهقة , وهناك تولد النسور – رمز الشجاعة والشموخ عند مختلف الشعوب ...
+++++
الترجمة الحرفية - اذا لا تلتزم بالكلمة ,  فبالقسم لن تلتزم .
التعليق – صحيح , فوعد الحر دين كما يقول المثل العربي , ومن لا يلتزم بوعده , فانه حتما لا يلتزم بقسمه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الطيبة حرّكت الجبل من مكانه .
التعليق – مثل رائع رغم المبالغة الهائلة في صورته الفنية . توجد العديد من الامثال والاقوال حول الكلمة الطيبة عند مختلف الشعوب ,  وبالنسبة لنا, فالكلمة الطيبة (صدقة ) حسب القول العربي الكريم , والكلمة الطيبة هي التي أخرجت الحيّة من ( الزاغور ) حسب المثل الشهير بلهجتنا العراقية , وهي التي .....
+++++
الترجمة الحرفية –     الاكل – طعام الجسم , النوم – طعام النشاط .
التعليق – خلاصة في غاية الكمال للحياة الانسانية باكملها .
+++++
الترجمة الحرفية – الفتاة الجميلة جيّدة وفي البدلة العتيقة .
التعليق – يبقى الجوهر والمضمون مهمّا جدا واساسيّا بغض النظر عن الاطار , الذي يحيط ذلك المضمون ....
+++++
الترجمة الحرفية – التراجع امام هزيمة حتميّة – ليس موقفا جبانا .
التعليق – كلام منطقي جدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – الهزيمة ثلثين المراجل ( المرجلة = الرجولة ) .
--------------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

91
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بحضور الاعمى لا توبّخ الحيوان الاعمى .
التعليق – يوجد مثل يكاد ان يكون عالميا يقول – لا تتحدث عن الحبل في بيت مشنوق , وهو مناظر لهذا المثل الافريقي من حيث المعنى , رغم اختلاف الصورة الفنية جذريا . المثل الافريقي اكثر رقة , ورؤوف , اذ لا يشير الى كارثة المشنوق وحبله , رغم انه يؤكد على نفس الهدف والمعنى ...
+++++
الترجمة الحرفية – غالبا ما يضحك العاري على الانسان بملابس ممزقة .
التعليق – يعكس هذا المثل - وبشكل واضح تماما - صورة نموذجية لظاهرة سلبية جدا في الحياة الانسانية , والتي تؤكد , ان الانسان الذي يضحك ويسخر من الانسان الآخر هو في الواقع أسوأ منه .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان لا يترك النهر , حتى لو غرق أخوه فيه .
التعليق – لأن النهر هو الماء , والماء هو اساس الحياة . لنتذكر الآية الكريمة – ... وجعلنا من الماء كل شئ حي ...
+++++
الترجمة الحرفية – بدل كل واحد يجلس في الظل , يوجد واحد يعمل تحت أشعة الشمس .
التعليق – يكمن هدف الانسان في كل زمان و مكان بالوصول الى العدالة, اذ ان – (العدل اساس الملك) . المثل الافريقي يرسم هذه الحالة الخالدة بملامح ترتبط بالبيئة الافريقية قلبا وقالبا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الخيط يقول , ان مهمته صغيرة , فهو ببساطة يتبع الابرة .
التعليق – هذا ارتباط عضوي بين تابع ومتبوع . يقول المثل العربي – الحبل يلحق الدلو , وهناك مثل روسي في نفس المعنى يقول – اينما تسير الابرة يتبعها الخيط .
+++++
الترجمة الحرفية – كلما تكون الزواحف أصغر , كلما تريد بشكل أكبر ان تتحوّل الى تماسيح .
التعليق – مثل طريف جدا , وصورته الفنيّة أفريقية السمات , وكم رأينا مثل هؤلاء ( الزواحف الصغيرة !) في مسيرة حياتنا , وهي تتشبث بمختلف الوسائل ( وخصوصا الدنيئة طبعا ) , كي يصبحوا ( تماسيحا !) . مثل رمزي جميل وحقيقي بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تحب الكلب , فيجب عليك ان تتصادق مع براغيثه .
التعليق – يوجد مثل اذربيجاني يتناول العلاقة بين الكلب والانسان ايضا , وهو  - الذي يحترم صاحب البيت يعطي الخبز لكلبه . المثل الافريقي يختلف طبعا , رغم ان الكلام يدور حول الكلب , اذ ان المعنى الاعمق له يعني , ان الانسان المحب يجب ان يتجانس مع كل نواقص المحبوب وعيوبه , حتى لو كانت ( براغيث!!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لدغت الحيّة جيرانك , فستكون انت مرعوبا ايضا .
التعليق – ونحن نقول في نفس المعنى -  من حلقت لحية جار له , فليسكب الماء على لحيتة , رغم ان المثل الافريقي يبدو مخيفا مقارنة بحلاقة اللحية في مثلنا , بغض النظر عن كل الجوانب الرمزية فيهما. 
+++++
الترجمة الحرفية – في بيتك لا توجد عتمة .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى – في البيت حتى  الجدران تساعد .
+++++
الترجمة الحرفية – الطبل المتحدث لا يمكن ان يتكلم من جانب واحد .
التعليق – يتحدثون عبر المسافات المتباعدة في افريقيا بواسطة قرع الطبول , والمثل الارمني يقول – المتكلم يحتاج الى المستمع ...
+++++
الترجمة الحرفية –      العيش – يعني القتال .
التعليق – صورة افريقية نموذجية ومباشرة , وهي في نفس الوقت عامة جدا في مسيرة الحياة الانسانية , فالعيش في كل مكان يتطلب ( الصراع !) من اجل الحياة ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا أحد يقول , ان الثمر في حقله سئ .
التعليق – مثلنا بلهجتنا العراقية يقول - محّد يكول لبني حامض , ( محّد = لا احد , يكول = يقول ) .
________________________________________________________
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

92
رسالة بوشكينية الى الشاعر شوقي بزيع
أ.د. ضياء نافع
اطلعت – طبعا – على ردك الغاضب بشأن مقالتي ( غير الغاضبة !) حول بوشكين , وقرأت ما قلته لي , وباني لن أكون أرخميدس ,  وابتسمت ليس الا وقلت الحمد لله , اذ اني اعيش في اجواء روسيا وثلوجها الرهيبة , ولهذا لا يمكن لي ان أخرج مثلما خرج أرخميدس , حتى لو اني ( وجدتها !) , اذ انني عندها سأتجمّد , وقلت ايضا , بيني وبين نفسي , ان الشعراء يقولون ما لا يفعلون , ( وهي نفس الجملة التي قلناها لصديقنا الحبيب وزميلنا في الدراسة بموسكو في الستينيات حسب الشيخ جعفر عندما اطلعنا على كتابه الرومانتيكي الجميل رماد الدرويش الذي أصدره في بغداد ) .  لقد اكتشفت - في ثنايا ردك الغاضب - الكثير من المواقف المشتركة معا , والتي يمكن – قبل كل شئ - ان توحّد بيننا , واولها هو هذا الحب الكبير لشمس الشعر الروسي بوشكين , واظن , ان حبنا البوشكيني المشترك هذا هو الذي يمكن ان ( يزيل , او  في الاقل , يخفف !) من كل هذا التوتر في بداية تعارفنا معا , واتمنى ان نحقق بعد سوء الفهم هذا روح القول الشهير عن الوئام بعد الخصام , فانا اعشق الشعر واعتبره موسيقى الابداع الانساني , وطبعا احترم الشعراء , الذين يعزفون لنا هذه الموسيقى المدهشة الجمال ( وانت واحد منهم بلا ادنى شك) , احترمهم واسامحهم حتى عندما يغضبوا ..., ولهذا ايضا فاني اسامح صديقي الحبيب الشاعر حسب الشيخ جعفر ( وانت تعرف ماذا اقصد, والمعنى في قلب الشاعر!) ... ولكني أود ان اتوقف قليلا عند موضوع آخر , يرتبط طبعا بصلب هذه الرسالة , وهو نظرتنا , نحن العرب , الى الادب عبر السياسة . لقد اقمنا في روسيا تمثالا نصفيا للجواهري بجامعة فارونش الروسية , باقتراح من مركز الدراسات الروسية – العراقية , الذي أسسته وكنت مديرا له آنذاك , وتم افتتاح هذا التمثال فعلا عام 2009 , وكان هذا العمل (ولا يزال) رائدا وفريدا في مسيرة العلاقات الثقافية العراقية – الروسية , وهو اول تمثال للجواهري خارج العراق لحد الان , ولكني اصطدمت آنذاك باراء مضادة  بين بعض الزملاء العراقيين حولي , الذين ( لاموني !) , لاني قمت بهذا العمل , وقالوا لي , انني أقمت تمثالا لشاعر مدح الملوك , وذكروني بقصيدته – ته يا ربيع بزهرك العطر الندي ... , فقلت لهم , ما أجمل تلك الصورة الفنيّة التي رسمها الجواهري , هذا اولا , وثانيا, انه قال بعدئذ – خلفت غاشية الخنوع ورائي  , فقالوا , انه كرر هذه المواقف مع الآخرين . لم ارغب بالاستمرار في هذا النقاش معهم , وقلت لهم – لقد أقمت تمثالا لعلم من اعلام الفكر العراقي في القرن العشرين , والجواهري رمز للعراق , وهو يقف الان في جامعة فارونش الروسية , وان تمثال الجواهري هذا قد خلق فكرة اقامة تمثال مقابل له في العراق لرمز روسيا , وهو بوشكين , وهكذا تم اقامة تمثال نصفي لبوشكين في حدائق كلية اللغات بجامعة بغداد , وبمبادرة وتنفيذ من قبل مركز الدراسات الروسية - العراقية بجامعة فارونش والجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية .  وتمثال بوشكين هذا هو ايضا اول تمثال له في العراق , وأثار تمثال بوشكين ايضا في بغداد كلام هؤلاء الذين ينظرون بعيون سياسية الى كل ظواهر الادب والفكر , وقال فلان كذا وقال فستان كيت . لقد انعكس اقامة تمثال الجواهري في روسيا وتمثال بوشكين في العراق بشكل واضح في وسائل الاعلام الروسي , الا انه لم ينعكس هكذا في وسائل الاعلام العراقي , وهذا هو الفرق الجوهري والكبير بين وسائل الاعلام عندنا وعندهم , اذ ان وسائل الاعلام عندهم  قد تحررت من تلك النظرة السياسية الى كل شئ , كما كان الامر سابقا , وهي نظرة احادية طبعا , وذلك الان شئ واضح المعالم لكل متابع في الشؤون الفكرية الروسية , أما عندنا , فليس الامر هكذا بتاتا , ولا اريد الخوض في التفاصيل , ولكني اريد فقط ان نحترم ارآء الروس لنظرتهم الى ادبهم الروسي , وان لا نقول لهم , ان ...فرائص القيصر الروسي واتباعه ترتعد من مواقف بوشكين المناهضة للطغيان ...اذ ان ذلك يتنافى مع الحقائق ...

93
  المترجمون العراقيون و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
كان تشيخوف يرتبط بالنسبة لنا - نحن القراء العرب في خمسينيات القرن العشرين – بكتاب هنا وكتاب هناك ( منها طبعا كتاب شاكر خصباك المعروف عن تشيخوف , الذي اصدرته مجلة الثقافة الجديدة في بغداد عام 1954 ) , ثم بدار اليقظة السورية الشهيرة , وباسماء المترجمين فؤاد ايوب وشقيقه سهيل ايوب , حيث أصدرت دار النشر تلك جزئين من قصص تشيخوف المختارة, ثم بدأت الكتب العربية الاخرى لنتاجات تشيخوف بالصدور في بيروت والقاهرة ودمشق ...الخ , الى ان  ظهرت في موسكو وبترجمة د. ابوبكر يوسف المؤلفات المختارة لتشيخوف باربعة اجزاء , وهكذا حلّ اسم المترجم المصري الكبير أبو بكر يوسف محل دار اليقظة السورية (واخواتها !) بالنسبة لتشيخوف باللغة العربية , واستمر الحال بهذه الصورة طوال القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , رغم رحيل المرحوم أبو بكر يوسف ( الذي يسموه الان – مترجم تشيخوف) , ورغم اختفاء دار رادوغا السوفيتية للنشر مع الدولة السوفيتية نفسها .
 استمر تشيخوف طبعا بالانتشار عربيا , لأن تلك الترجمات مجتمعة لم تستطع ان تقدم للقارئ العربي كل نتاجات تشيخوف الواسعة , وبرزت اسماء مترجمين عرب في هذا المجال , ولا يمكن لنا بالطبع ( في اطار مقالتنا هذه) حتى التوقف عند تلك الاسماء والنتاجات العديدة التي قدموها لتشيخوف , ولكننا نود في مقالتنا هذه ان نتوقف قليلا ( وحسب عنوان مقالتنا ) عند المساهمات الجديدة للمترجمين العراقيين بالذات في هذه العملية الابداعية الجميلة لاغناء المكتبة العربية بنتاجات تشيخوف في الفترة الاخيرة من القرن الحادي والعشرين (اي في مرحلة ما بعد ابوبكر يوسف ودار رادوغا السوفيتية ان صح التعبير) , وهي ظاهرة تستحق – من وجهة نظرنا - ان نتوقف عندها ونحددها ونقدمها للقراء العرب , وتستحق من الباحثين العرب ايضا ان يدرسوها بامعان وتفصيل , لانها خطوة جديدة ومهمة في مسيرة الادب الروسي بعالمنا العربي , خطوة تمتلك سماتها الفنية الخاصة بها , وتعكس اجتهادات مترجمين من ذوي التجربة والمعرفة في هذا المجال , وذلك لان تشيخوف هو أحد رموز الادب الروسي .
الاسم الاول , الذي نتوقف عنده هنا هو عبد الله حبه - الاسم الكبير في عالم الترجمة عن الروسية . لقد قدّم حبه كتابين جديدين لتشيخوف في الفترة الاخيرة , واصدرتهما دار المدى الرائدة في بغداد , الكتاب الاول هو –  قصص ومسرحيات لتشيخوف ( وهي بشكل عام غير مترجمة الى العربية سابقا ) , والكتاب الثاني  – جزيرة سخالين , وهو كتاب متميّز وفريد من نوعه في مسيرة تشيخوف الابداعية , اذ كان تشيخوف نفسه يعتبره ( عمله العلمي ) , والذي قدّمه حتى الى الكلية الطبية , وطلب – على اساسه – اعتباره دراسة علمية وبحثية , تؤهله كي يكون تدريسيّا للعمل في كلية الطب , اي انه كان يعتبر كتابه هذا ( اطروحته ) , الا ان الكلية رفضت ذلك في حينه , ولا يمكن الحديث عن ذلك تفصيلا في مقالتنا هذه ( رغم اني تذكرت اطروحة علي الشوك الفنطازية في العراق ) , الا اننا نستطيع ان نقول , ان كتاب ( جزيرة سخالين) مهم جدا في مسيرة تشيخوف الابداعية , وان ترجمته الى العربية من قبل عبد الله حبه قد أكمل – واقعيا - صورة تشيخوف وقيمته واهميته امام القارئ العربي , وهو عمل رائد فعلا . 
المترجم الثاني هنا هو المرحوم خيري الضامن , والتي خسرت حركة الترجمة العربية عن الروسية برحيلة واحدا من أعلامها الكبار . لقد تم الاعلان قبيل رحيل الضامن , انه أنجز ترجمة رسائل تشيخوف باكملها , وانه تردد بنشرها , بعد ان تم اصدار ترجمته لرسائل دستويفسكي في كتاب دون الاشارة الى اسمه , وهو الذي ترجمه عن الروسية وتم اصداره باسمه في حينه . ولا ادري اين الآن رسائل       تشيخوف , التي ترجمها المرحوم الضامن , وكم اتمنى ان يقوم ورثته بنشرها , لاهميتها اولا بالنسبة للقارئ العربي , ولأن مثل هذا الكتاب ( في حالة صدوره ) سيكون نهاية رائعة ومهيبة لسلسلة كتب المرحوم خيري الضامن , التي ترجمها طوال حياته , حول الادب الروسي من نصوص للادباء الروس او دراسات نقدية عنهم .
المترجم الثالث في هذه المقالة هو فالح الحمراني , الاسم المعروف في عالم الترجمة عن الروسية . لقد صدر في بغداد عام 2021  كتابا لتشيخوف بترجمة د. فالح الحمراني عنوانه – دراما في الصيّد , ويقع في 344 صفحة من القطع المتوسط . احتفظ الحمراني بالترجمة الحرفية لعنوان هذا الكتاب كما اراد تشيخوف نفسه , وهو اجتهاد للمترجم العراقي , الا ان المترجم المصري يوسف نبيل ارتأى ان يترجمه بشكل تفسيري , وهو – ( جريمة في حفلة صيد ) , ويمكن الان للباحثين العرب ان يدرسوا الترجمتين ويقارنوا بينهما , وفي هذا اغناء للادب الروسي في المكتبة العربية , واغناء لحركة الترجمة العربية طبعا .
نختتم مقالتنا هذه بالتوقف عند اسم عراقي جديد في مجال الترجمة عن الروسية هو – محمد خميس . لقد صدر لهذا المترجم الشاب في بغداد لحد الان عدة كتب بترجمته عن الروسية , ويؤسفني باني لم اطلع على اي كتاب منها , اذ انها لم تصل من بغداد الى ( عاصمة الثلوج) حيث أقيم أنا منذ فترة , الا ان عناوين تلك الكتب مثيرة فعلا , وتشير بما لا يقبل الشك , الى ان هذا المترجم الشاب ( خريج قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد وماجستير في الادب الروسي من جامعة بطرسبورغ الروسية ) يعرف كيف يختار – وبدقة - نماذج ( ناطقة !) من الادب الروسي الحقيقي من بوشكين الى أندرييف , ومن بين هذه الكتب يوجد مصدر مهم جدا للمكتبة العربية حول تشيخوف عنوانه – انطون تشيخوف ...دفتر المذكرات واليوميات. ظهور مترجم شاب جديد وبهذا المستوى في بغداد يعني , اننا نستطيع ان نستخدم التعبير العربي الجميل بالنسبة لمقالتنا هذه عن المترجمين العراقيين وتشيخوف , ونقول , ان ختامها مسك . أليس كذلك ؟

94
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الحيّة والضفدع لا ينامان في مكان واحد .
التعليق – هناك مثل فيتنامي يقول – وضع الضفدعة سئ اذا كان وضع الحيّة جيد . المثل الافريقي يتحدث عن العلاقة بين الحيّة والضفدع ايضا , ولكن الصورة الفنية فيه أكثر وضوحا , وربما أكثر مرحا ايضا , رغم ان المعنى العام واحد .
+++++
الترجمة الحرفية – ذو الحدبة يضحك على المريض بالرعشة .
التعليق – نتذكر رأسا المثل العربي بلهجتنا العراقية , الذي يقول – البعير لو ينظر الى حدبته انكسرت رقبته . المثل الافريقي يذهب أبعد  , الا انه يثير الاسى و الاسف في النفس , اما المثل العربي فانه  لا يثير تلك المشاعر.
+++++
الترجمة الحرفية – بيد واحدة لن تربط العقدة .
التعليق – مثل عالمي يتكرر عند الكثير من الشعوب , وهناك صيغ عديدة له , منها الصيغة التي اصبحت عالمية , وهي – اليد الواحدة لا تصفق . المثل الافريقي واضح أشد الوضوح .
+++++
الترجمة الحرفية – حلو هذا , لكنه مرّ ايضا .
التعليق – مثل فلسفي واسع و عميق , اذ انه ينطبق على الانسان نفسه , وكذلك على الكثير من الظواهر المرتبطة بحياتنا الانسانية , فما اكثر الاشخاص حولنا , الذين يمكن ان نطلق على كل واحد منهم - ( حلو لكنه مرّ) في آن واحد , وما أكثر الاشياء والظواهر ايضا . يوجد مثل كوري يقول – والعسل يصبح مرّا اذا كان دواء ...   
+++++
الترجمة الحرفية – ليست كل البذور تنمو .
التعليق – صحيح , ويجب على الانسان ان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار في كل شئ , اذ لا يمكن ان تنجح كل خطوات الانسان في مسيرة الحياة الصعبة .
+++++
الترجمة الحرفية –      في جعبة السهام – توجد حياة وممات .
التعليق – حياة للرامي وممات للذي يرمونه بالسهام . مثل افريقي السمات شكلا ومضمونا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن لكلمة العجوز ان تبقى بلا اهتمام .
التعليق – لان كلماته حكيمة , وتنطلق من تجربته الطويلة في الحياة . يوجد مثل صيني يقول – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر .
+++++
الترجمة الحرفية – عنده لحم , لكن لا توجد لديه نار , وعند الآخر نار , لكن لا يوجد لديه لحم .
التعليق – اختلفنا بشأن تفسير هذا المثل , اذ رأى فيه البعض , انه دعوة لضرورة التعاون بين الطرفين , ورأى البعض الاخر انه صورة للتناقضات في مسيرة الحياة الانسانية .
+++++
الترجمة الحرفية – الشجرة العوجاء مريحة للجلوس .
التعليق – رب ضارة نافعة ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا يوجد في المرج كثيرا من البصل البريّ , فانه مرّ.
التعليق – طبعا , اذ لو لم يكن مرّا لما تركه الناس يتكاثر هكذا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الندى ليس مخيفا لذاك الذي ابتلّ تحت المطر .
التعليق – نتذكر مثلنا الشهير رأسا – المبلل ما يخاف من المطر . الصيغة الافريقية أكثر شاعرية من مثلنا .
+++++
الترجمة الحرفية – أجمل مدينة غريبة ليست جيدة مثل قريتك .
التعليق – نتذكر المثل العربي الطريف بلهجتنا العراقية - رحت لبيت الله مثل بيتي لا والله , ( رحت – سافرت ), ونتذكر ايضا بيت الشعر الذي ذهب مثلا – كم منزل في الارض يألفه الفتى /// و حنينه ابدا لاول منزل .
+++++
الترجمة الحرفية –     صديق القائد – هو نفسه قائد .
التعليق – صحيح جدا , وخصوصا في مجتمعات الدول ( المغلقة !) , وما أكثر هؤلاء المتبجحين في عالمنا العربي , وكم عانينا من تصرفاتهم الفجّة .
-----------------------------------------------------------------------------------------------
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


95
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – احب الذي يحبني , وانبذ الذي ينبذني .
التعليق –  معادلة دقيقة وعادلة لموقف الانسان في المجتمع , اي مجتمع . العين بالعين والسن بالسن والبادي أظلم ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تقل هذه الحيّة صغيرة , انها حيّة بكل الاحوال .
التعليق –  الشرير يبقى شريرا سواء كان صغيرا او كبيرا . يذكرنا هذا المثل الافريقي بحكاية نعرفها جميعا منذ طفولتنا , وكيف ان الحية التي أشفق عليها احدهم وحماها من البرد قد لسعته . يوجد مثل روسي يؤكد طبيعة الحيّة يقول – تلسع الحية ليس من اجل الشبع وانما من اجل المهارة .
+++++
الترجمة الحرفية – الفيل يقتل الكثيرين قبل ان يسقط .
التعليق –  الصورة الفنية في هذا المثل افريقية بكل معنى الكلمة من ناحية الشكل , اما بشأن المضمون , فان هذا المثل يعني ( فيما يعنيه ) , ان الرجال الشجعان يتصرفون هكذا في كل مكان .
+++++
الترجمة الحرفية – البطل يموت بطلا .
التعليق –  يوجد في تراثنا العربي بيت شعر للمتنبي ذهب مثلا , وهو– واذا لم يكن من الموت بد /// فمن العار ان تموت جبانا . فكيف اذا يموت البطل؟ المثل الافريقي يجيب عن هذا السؤال بشكل حازم .
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف الشجرة قيمة الغصن عندما يسقط .
التعليق – المثل الجورجي يقول – ما دام الانسان لم يمت فان اعماله ليست مرئية , ويقول المثل الافغاني – بعد الموت يحكمون على الانسان بشكل صحيح . المثل الافريقي يشير الى نفس هذه الحقيقة , ولكن بشكل رمزي جميل , اذ انه يتحدث عن الشجرة .
+++++
الترجمة الحرفية – دون المنخرين الانف بلا فائدة .
التعليق – مثل طريف وصورته الفنية في غاية الغرابة . قال صاحبي , ان هذا المثل يقول لنا – لا تستمر الحياة دون تكامل كل العناصر الصغيرة والكبيرة فيها . مثل عميق وحكيم في اطار بسيط ومفهوم ومرح . 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تقدر اليد ان تعمل شيئا – ما , فالفم لن يعرف الحاجة .
التعليق –  ومثلنا العربي يقول - الكسل ما يطعم بصل . مثلنا أكثر طرافة , الا ان المثل الافريقي أكثر وضوحا ودقة .
+++++
الترجمة الحرفية – العاشق غبي , فهو لا يعترف بالعقل .
التعليق – يعترف العاشق بعشقه فقط , ولا يرى شيئا آخر بتاتا . لنتذكر القول المشهور - الحب أعمى , وقصة هذا القول تشير , الى ان الجنون هو الذي جعله أعمى . علّق صاحبي قائلا - الان فقط وبفضل هذا المثل الافريقي فهمت , لماذا يسمونه (مجنون ليلى) ...   
+++++
الترجمة الحرفية – كل البطون متشابهة .
التعليق – مثل صحيح جدا , اذ ان كل البطون تريد ان تشبع .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الانسان الجيد – الحياة جيدة .
التعليق – أكيد , فالانسان الجيد لا يمكن ان يكون شريرا وجشعا وبخيلا و و و
+++++
الترجمة الحرفية – بالمثابرة والاصرار يمكن بالابرة ان تحفر البئر .
التعليق – حتى المستحيل يكون غير مستحيلا امام اصرار الانسان ومثابرته . مثل جميل رغم مبالغته الهائلة, ورغم ان فناننا الكببير عزيزعلي يقول في احدى اغانيه الخالدة –  يا ناس الابرة ما تحفر بير ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا ينام الفهد ابدا هناك , حيث تنام النعاج .
التعليق – طبعا لا ينام , فهو يصطاد بشكل مريح عندما تكون النعاج نائمة ...فيا ايها النعاج , وكذلك ايها البشر , تذكروا المثل العربي -  الحذر يقيك الضرر
___________________________________________________________________
من كتاب – (أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار في يغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

96
بوشكين وزوجته والقيصر و بزيع
أ.د. ضياء نافع
كان يمكن لهذه المقالة ان تكون بعنوان آخر , وهو – قراءة في مقاله الشاعر شوقي بزيع حول بوشكين , المنشورة في جريدة الشرق الاوسط بتاريخ 5 كانون  ثاني / يناير عام 2022 , والتي جاءت تحت عنوان – ناتاليا نيكولايفنا وبوشكين ..الجمال والموت على سرير واحد , وعنوان اضافي تحته , وهو – هل كان ارتباطهما الزوجي هو الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر ؟ .
ترجمت هذا العنوان المثير لصديقي الروسي , فاندهش جدا , وركّز خصوصا  على جملتين فيه , الجملة الاولى هي - ( الجمال والموت على سرير واحد ) , والجملة الثانية هي – ( الفخ الذي نصبه القيصر للايقاع بالشاعر ) , وسألني – هل انت متأكد من ترجمتك هذه ؟ قلت له – نعم ,نعم , هذه ترجمة حرفية للعنوان , وسألته أنا بدوري – لماذا تشك في ترجمتي لنص عربي امامي من جريدة عربية مشهورة ؟ فقال صديقي – لأني لا اتصور بامكانية الكتابة عن بوشكين هكذا ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , فضحكت أنا  وطلبت منه ان يوضح رأيه بشكل دقيق , فقال ببساطة , ان جملة ( الجمال والموت على سرير واحد ) مرعبة جدا , وغير شاعرية بتاتا , ولا يمكن لشاعرمعاصر في زماننا ان يكتبها عن بوشكين , هذا اولا , وثانيا , كيف يمكن لشاعر معاصر ان يعتقد , ان قيصر الامبراطورية الروسية ( ينصب فخا للايقاع بالشاعر ) ؟ قلت لصديقي , انك تفكر بطريقة مغايرة , ولا تعرف , ان الاسلوب العربي في كتابة العناوين يعتمد على اثارة القارئ العربي ولفت انتباهه لقراءة المقالة . فسألني – هل ان الجمال والموت عندما ينامان معا على سرير واحد يثير القارئ العربي فعلا ؟ , ثم هل يثير هذا القارئ عندما يقولون له , ان امبراطور روسيا بنفسه  ( ينصب فخا لشاعر ) ؟ ثم , هل استشهد شاعركم في مقالته هذه ولو بمقطع من قصائد بوشكين , كي يثبت للقارئ رأيه هذا ؟. لم استطع ان اجيبه عن السؤال الاول ولا عن السؤال الثاني, ولكني اجبت فقط عن السؤال الثالث , وقلت له – نعم , هو استشهد بمقطع من قصيدة ( النبي ) لبوشكين , وكتب امام هذا المقطع ما يأتي – ( أطلق بوشكين عبر قصيدته ( النبي )  دعوة غير مواربة للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي ) ثم يذكر المقطع من تلك القصيدة ,  فقال صديقي الروسي– اقرأ لي رجاء هذا المقطع , اذ ربما سيثبت كاتب المقالة بواسطة هذا المقطع من قصيدة النبي لبوشكين  عناصر طريفة وجديدة لم انتبه عليها أنا بشأن دعوة بوشكين (للاطاحة بنظام الاستبداد الدموي!) عندما قرأت انا قصيدة النبي , فقرأت له المقطع الموجود في تلك المقالة , وهو كالآتي , وترجمته الى الروسية –
الا انهض يا رسول روسيا
والتفّ بهذه الحلة المنسوجة من العار
وتقدم والحبل يشدّ على عنقك
امام القاتل الكريه .
 قال صديقي , انه لا يحفظ قصيدة النبي لبوشكين عن ظهر قلب , لهذا دعنا نرجع الى قصيدة النبي في ديوان بوشكين بالروسية , ونجد المقطع . وهكذا رجع الى ديوان بوشكين , وبحث في الفهرس عن القصيدة ووجدها , وقال لي , ترجم المقطع الى الروسية , كي اجده في النص الروسي , قلت له ضاحكا , لقد ترجمت هذه القصيدة قبل اكثر من عشرين سنة , فقال – حسنا , ارجع الى كتابك الموسوم ( ثمان وثلاثون مقالة عن بوشكين ) , وانا أذكر مقالتك في ذلك الكتاب بعنوان ( قصيدة النبي لبوشكين بثلاث ترجمات ) , وهكذا وجدت الكتاب , وأخذ صديقي يقرأ  النص الروسي للقصيدة حسب مقاطعها , وانا اقرأ الترجمة العربية , ولكننا لم نجد ذلك المقطع الذي استشهد به كاتب تلك المقالة بتاتا , بل لم نجد حتى ولا اي شئ شبيه به او مقاربا له من حيث المعنى . فقال صديقي وهو يضحك – انشر نص قصيدة النبي كاملا مرة اخرى, كي يقتنع القارئ العربي بما نقول , فقلت له – سانشره حتما , وها هو النص –
( ظمأ الروح اضناني / وانا في عتمة البيداء وحدي / اجرّ بالكاد اقدامي ,/ وفي مفترق الطرق / الملاك سيرافيم – المعلّى الاثير / ذو الاجنحة الستة / ظهر امامي , / وكالحلم , وبانامله الرقيقة / لمس مقلتيّ , / فانفتحت المقلتان المتنبئتان , / كما تفعل انثى النسر المرتعبة . / لمس الملاك اذنيّ / وملأهما بالضجيج و الرنين , / واصغيت انا لارتعاش السماء , / وتحليق ملائكة الجنان , / ومسير الاحياء في عمق البحار , / وخمول الكروم في الوديان . / انحنى الملاك على شفتيّ / واجتث لساني الآثم / والماكر والثرثار , / ووضع بيمناه التي يقطّر منها الدم / لسان حيّة حكيمة / في ثغري الاصم , / وشجّ صدري بسيفه / وانتزع القلب المرتعب / وغمد في جوفه / جمرة تلتهب . / استلقيت كالجثة في البيداء / وصوت الرب ناداني - / قم , ايها النبي , وابصر / وانصت ,/ ونفّذ ارادتي , / واجّج  بالكلمات قلوب البشر / وانت تجوب البّر والبحر .
 

97
نقاش عراقي حول غوغول
أ.د. ضياء نافع
ابتدأ هذا النقاش صدفة , عندما قال ( س) , ان غوغول أصبح (رجعيّا)  في سنين حياته الاخيرة , بعد ان كان (تقدميا) في بداية مسيرته الادبية , وقد أصدر في نهاية حياته كتابا يختلف عن افكاره القديمة , بل ويتعارض معها , فاعترض (ص) بقوة على هذه الجملة وقال عنها , انها تجسّد التفكير العراقي المتطرف والمحدود الافق والساذج بكل معنى الكلمة في آن واحد , وانها تذكّر بالموقف المتطرف و الساذج و المؤسف جدا من الشاعر العراقي الكبير بدر شاكر السياب , والذي وصفوه كذلك بنفس تلك المفاهيم , واطلقوا عليه نفس هذه المصطلحات , فالسياب ايضا – كما كانوا يقولون -  كان ( تقدميا ) ثم اصبح ( رجعيا ) في الساحة الادبية العراقية عندئذ , وكم عانى السياب المسكين من ذلك الموقف في حينه, وكم انعكس هذا الموقف على جمهورنا العراقي آنذاك . انفجر (س) بوجه (ص) عندما سمع تعليقه حول رأيه عن غوغول وهذه المقارنة مع السياب , لكننا تدخلنا جميعا و حاولنا تهدئة هذا الانفجار وايقاف هذا النقاش الحاد اصلا , الذي كاد ان يصل الى الاشتباك بالايدي , وكان (س) يرتجف غضبا , ثم قال بصوت مرتفع - ان غوغول اصبح رجعيّا , ولكنك لا تفقه شيئا في تاريخ الادب الروسي , ولا تريد الاعتراف بذلك , وان السياب خان موقفه السياسي , وترك الحزب الذي انتمى اليه بمحض ارادته , واصبح معاديا لافكاره ومواقفه , وانت تعرف ذلك حق المعرفة ولكنك تتجاهل الوقائع الثابتة في تاريخنا العراقي المعاصر . قلنا ل (س) و(ص) معا ان القضية لا تستحق ردود الفعل المتوترة هذه , وانه يمكن تبادل الافكار بهدوء وسكينة مهما تكن الاختلافات والمواقف المتباينة , فقال (ص) – قولوا ذلك له وليس لي , فانا لم انفجر مثله , وانما أبديت وجهة نظر مختلفة بشأن غوغول , أما هو فقد شاهدتم ردود فعله نتيجة رأيّ ذكرته حول الموضوع يخالف رأيه ليس الا , فصرخ (س) مرة اخرى وهو يكرر – كيف يمكن الاستماع بهدوء و سكينة الى هذا الرأي الخاطئ جدا جدا , الذي يربط بين الكاتب الروسي غوغول في القرن التاسع عشر والشاعر العراقي السياب في القرن العشرين ؟ انك تذكرني بالمثل العراقي الشهير – عرب وين طنبورة وين . ضحكنا جميعا على هذا المثل , لاننا نعرف طبعا قصته الطريفة , واراد احدنا ان يجعل الاجواء مرحة كي يخفف حدة هذا النقاش , فطرح على (س) السؤال الاتي – هل غوغول هو ( عرب ) و السياب ( طنبوره ) , ام غوغول ( طنبوره ) والسياب ( عرب ) ؟ ولكن (س) لم يتوقف عند هذا السؤال ولم يستجب اصلا له , وهكذا بقيت الاجواء متوترة , ولم يعلق أحد بشأن هذا السؤال , وصمتنا جميعا . بعد اكثر من دقيقتين من الصمت قال (ص) , انا لم اقارن نتاجات غوغول الروسي ابن القرن التاسع عشر بنتاجات السياب العراقي ابن القرن العشرين , ولكني تحدثت عن الموقف الفكري منهما ليس الا , عندما سمعت قول (س) حول رجعية غوغول . تدخل ( ع) في هذا النقاش وقال , ان بيلينسكي – حسب معلوماتي - لم يكتب في رسالته الشهيرة الى غوغول , ان غوغول اصبح رجعيا , فاجاب (ص) , انا قرأت هذه الوثيقة ايضا ولم أجد فيها اشارة واضحة الى موقف غوغول السياسي , رغم ان بيلينسكي كان ينتقد غوغول طبعا , فعلق (س) قائلا – ولكن بيلينسكي كتب هناك ان غوغول انتقل الى موقف هؤلاء الذين كان يسخر منهم , اي انه اصبح يؤيد موقفهم الفكري , فاجابه (ص) , لكن بيلينسكي لم يستخدم تعابير ( رجعي  او تقدمي) كما استخدمتها انت في حديثك عن غوغول , و هي – في الواقع -  تعابير استخدمها العراقيون بالذات في اواسط القرن العشرين فقط , عندما جعلوا السياسة هي المقياس الاساسي للابداع الادبي , وهكذا أخذوا يسمّون الكاتب فلان ( تقدمي ) لانه يؤيد هذا الاتجاه السياسي المحدد , ويسمّون الكاتب فستان ( رجعي ) لانه لا يؤيد ذلك الاتجاه السياسي , بغض النظر عن نتاجهم الادبي وقيمته واهميته للمجتمع . تدخلنا جميعا في هذا النقاش , وحاولنا ايقافه , وطلبنا من الآخرين الا يعلقوا او يساهموا بهذا النقاش , كي لا تعود ( المعركة !) مرة اخرى , خصوصا واننا نجلس في مكان عام .
 مرّ من قربنا أحد المواطنين الروس , والذي كان يجلس مع اصدقائه جنبنا على الطاولة المجاورة لنا , وقال لي , يبدو ان هناك مشكلة كبيرة عندكم , فانتم كنتم تتناقشون حولها بحيوية , فضحكت انا , وقلت له , لا , لا توجد لدينا مشكلة , لقد كنّا نتناقش حول غوغول ليس الا , فقال باندهاش , بينما كنا نعتقد ان لديكم مشكلة كبيرة , ثم أضاف , أنا ايضا أحب غوغول مثلما تحبونه , وغالبا ما اعود لقراءة نتاجاته الرائعة , وقد قرأت قبل فترة قصيرة (يوميات مجنون ) وربما للمرة العاشرة , ولا زلت اقهقه , عندما اعيد قراءة هذا الكتاب , واتعجب , كيف استطاع غوغول ان يصف سمات هذا المجنون بدقة متناهية , قلت له , كنا نتناقش حول موقفه السياسي , فقال , الفنان لا يمكن ان يكون سياسيا , اذ انه ينطلق من مواقفه الذاتية الابداعية , اما السياسي , فلا يوجد لديه آراء ابداعية محددة , بل مواقف سياسية تنسجم وتتناغم مع رأي حزبه السياسي , ويجب عليه ان يؤيد رأي حزبه بغض النظر عن موقفه الشخصي , وكل العباقرة من ادباء وفنانين , ومن جملتهم طبعا غوغول , لم يكونوا سياسيين ابدا , ثم ودّعني بلطف وابتسام وذهب ....     


98
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – حتى الابن المحب لا يدخل وراء الاب الى القبر .
التعليق – صورة فنيّة حزينة جدا وحقيقية فعلا , هكذا علّق صاحبي عندما استمع الى هذا المثل الافريقي , فقلت له – نعم , هذا انطباع دقيق حول هذا المثل , الذي يرسم طبيعة الحياة الانسانية , وتعاقب الاجيال ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يأكل الانسان بفكيّه .
التعليق – طبعا , بل هو يمضغ الطعام بفكيه ليس الا , اذ ان الانسان يأكل نتيجة عمله . مثل في غاية الذكاء ويعكس ملاحظة صحيحة جدا لحياة البشر . يقول المثل العربي – لا شئ يأتي دون عناء سوى الفقر, ويقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة ...   
+++++
الترجمة الحرفية – قلب الانسان الشرير لا يرتاح حتى في وقت الراحة .
التعليق – صحيح جدا , فالقلب ينبض دائما , وقلب الانسان الشرير ينبض بالشر طبعا , (فالاناء  ينضح بما فيه ) كما يقول مثلنا العربي , ولهذا فان هذا القلب لا يرتاح فعلا كما يقول المثل الافريقي , لأنه ينضح دائما بالشرّ . 
+++++
الترجمة الحرفية – العقل والغباء يسيران جنبا لجنب .
التعليق – نعم هكذا هي الحياة , ولا يمكن التمييز بين العقلاء والاغبياء الا بالتعامل التطبيقى والعملي معهم . يقول المثل الياباني – يعرفون الحصان بالسفر والانسان بالاختلاط ...
+++++
الترجمة الحرفية – الندم يأتي متأخرا دائما .
التعليق – يأتي الندم بعد الخطأ الذي يرتكبه الانسان في مسيرة حياته  وليس قبل ارتكاب الخطأ , اي متأخرا فعلا . مثل واقعي يصف حالة انسانية دائمية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الألم الغريب لا يعرقل النوم .
التعليق – يوجد مثل اندونيسي في نفس المعنى , رغم ان الصورة الفنية فيه تختلف جذريا عن هذا المثل الافريقي , وهو – الذي يأكل الفلفل هو الذي يحس بطعمه اللاذع ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء والنار لا يتناقشان .
التعليق –  يتطلب النقاش بين جانبين التنازل من كل جانب  وصولا الى الحل الوسط المقبول من كلا الجانبين , والا , فلا نقاش بين طرفين , كل طرف منهما يريد الغاء الطرف الآخر , مثل النار والماء في هذا المثل الافريقي . يوجد مثل عربي مناظر يقول – لا يجتمع الذئب والحمل , وهناك مثل روسي في نفس المعنى يقول – القش والنار لا يتصادقان .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب العجوز لا يزمجر وينبح دون سبب .
التعليق – والمثل الروسي يقول كذلك – الكلب العجوز لا ينبح على الريح , وهناك مثل روسي آخر في نفس المعنى يقول – الغراب العجوز لا ينعق عبثا ...
+++++
الترجمة الحرفية – من يسير في طريقين يخلع رجله .
التعليق –  جوهر هذا المثل يكمن في قول السيد المسيح – لا يقدر احد ان يخدم سيدين . توجد امثال عديدة عند الشعوب في هذا المعنى , منها مثل أفغاني يقول – الانسان لا يعبر النهر بزورقين . الصورة الفنية في المثل الافريقي طريفة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تسير بخطوات صغيرة , مما ان تجلس .
التعليق – يوجد مثل جورجي في نفس المعنى يقول – افضل مما ان تجلس دون جدوى , اعمل دون جدوى . المثل الافريقي أكثر وضوحا ودقة .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يزمجر الاسد , يسكت الضبع .
التعليق – طبعا يسكت الضبع في هذه الحالة , لأن الاسد هو الاقوى , وبالتالي , هو الذي يقرر, بغض النظر عن اي شئ آخر , او كما يؤكد المثل الروسي  – من الاقوى , فهو على حق ...
+++++
الترجمة الحرفية – سنّ منخور واحد يجعل الفم نتنا .
التعليق –  تؤكد امثال الشعوب على هذه الفكرة , فالمثل العربي يقول – معظم النار من مستصغر الشرر , والمثل الروسي يقول - ملعقة قطران في برميل عسل , والمثل الكوري يقول – سمكة واحدة صغيرة تعكر كل الماء .....
+++++
الترجمة الحرفية –  الضفادع تتسلق على الموز , عندما يغيب الفهد .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل تعكس البيئة الافريقية بدقة , وهكذا هي الامثال . المثل العربي المناظر لهذا المثل الافريقي الطريف , هو  – غاب القط العب يافار .
_____________________________________________________________________



99
حول الادب الروسي في عالمنا العربي
أ.د. ضياء نافع
 كنّا نشرب القهوة  – نحن الاربعة – ودردشنا حول الادب الروسي في عالمنا العربي , اذ قال الاول , ان هناك في الوقت الحاضر  مترجمون عرب عن اللغة الروسية مباشرة يصدرون العديد من الكتب المترجمة لنتاجات الادباء الروس وحولهم , وهذه ظاهرة رائعة جدا في أدبنا العربي المعاصر. علّق الثاني قائلا , وفي النصف الثاني من القرن العشرين كانت هناك ايضا كوكبة لامعة من المترجمين عن الروسية مباشرة وقدّمت الكثير من الكتب المترجمة , فقال الثالث , ولكن تلك الكوكبة كانت تعيش بالاساس في الاتحاد السوفيتي , وكانت تعمل في اطار ايديولوجي سوفيتي صارم , وقد أخضعت السلطات السوفيتية عملهم الترجمي لتخطيطها ذاك , فعلّق الرابع حول ذلك مبتسما وقال , ان التخطيط افضل من اللاتخطيط في كل الاحوال , اذ انه يعني ان الدولة تسانده , وهذا عامل مهم جدا في تطوير العمل واستمراريته , هذا اولا , أما ثانيا , فقد اعطتنا تلك الكوكبة أعمالا رائعة في الادب الروسي رغم كل ما تقوله حول اخضاع عملهم للايديولوجيه السائدة في الاتحاد السوفيتي آنذاك , فهل يمكن نسيان ما قام به , مثلا , غائب طعمه فرمان او ابو بكر يوسف او خيري الضامن او عبد الله حبه اوحسيب الكيالي او برهان الخطيب وغيرهم في هذا المجال , فقال الاول , صحيح , وأنا أؤيد هذه النظرة الموضوعية لما قام به هؤلاء رغم الاطار الايديولوجي السوفيتي الصارم , الذي تكلمت عنه , لقد قدموا لنا فعلا مختارات رائعة من نتاجات بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغوركي وشولوخوف وغيرهم , ولكن يجب الا ننسى , ان المترجمين الذين أشرت اليهم في بداية حديثي هم الذين يختارون الان النصوص الروسية التي تتناغم مع رغباتهم الشخصية وآرائهم الذاتية البحتة, وهذا شئ مهم جدا للمترجم , اذ ان الترجمة ليس ( النقل من لغة الى اخرى ) وانما هي عملية ابداعية متكاملة , وتقتضي قبل كل شئ التوافق والانسجام الروحي بين النص الاجنبي والمترجم نفسه , فقال الثاني  , ان ( التوافق والانسجام الروحي ) بين النص الاجنبي والمترجم كان يحدث عند تلك المجموعة من المترجمين في الاتحاد السوفيتي اثناء العمل الترجمي نفسه , واضاف ضاحكا , اي الحب بعد الزواج وليس قبله ( كما يحدث عادة عندنا!) , والا , هل تعتقد , ان ابو بكر يوسف لم ( يتناغم !) مع تشيخوف عندما ترجم المؤلفات المختارة له باربعة أجزاء , والتي أصدرتها دار النشر السوفيتية آنذاك ؟ ضحكنا جميعا - ومن أعماق قلوبنا - حول ( الحب بعد الزواج !) ولم نستطع نفي تلك الظاهرة طبعا . بعد لحظات صمت وتأمّل , قال الرابع , لا توجد ظروف مثالية متكاملة لعمل المترجمين لا في ذلك الزمن ولا الان , ولكن المترجم الحقيقي يستمر بعمله الترجمي بغض النظر عن تلك الظروف , وهذا ما لمسناه في أعمال المترجمين العرب في الاتحاد السوفيتي عندئذ وفي أعمال المترجمين الحاليين بالوقت الحاضر ايضا , رغم الاختلافات الجذرية الهائلة في ظروف عملهم , وبالمناسبة , لم يكن غائب طعمه فرمان يحب عمله كمترجم , وكان يمارس عمله الترجمي من اجل كسب لقمته , ولكنه اعطانا مجموعة رائعة من الكتب المترجمة لأنه كاتب مبدع , ولا يمكن ان يسمح لنفسه ان ينشر شيئا لا يتناغم مع ابداعه,  فقال الثالث , نعم هذا صحيح , وهناك مثل آخر في عالم الترجمة حول ذلك هي الشاعرة الروسية آنّا أخمانوفا , اذ انها ايضا لم تكن تحب الترجمة , الا ان ظروف حياتها أجبرتها على ممارسة الترجمة , فأعطتنا مجموعة رائعة من القصائد , فالترجمة عمل ابداعي , مثلما يكتب الشاعر قصيدة  او يرسم  الفنان التشكيلي لوحة ....الخ , اي ان المترجم لا يقدر ولا يستطيع ان يتوقف عن الاستمرار في عملية الابداع , بغض النظر عن الظروف المحيطة به , ومهما تكن المكاسب , التي يحصل عليها المترجم عند انجاز عمله الابداعي هذا .
انتقلنا بعد ذلك الى الدردشة حول قضية اخرى , مرتبطة طبعا بموضوع ترجمة الادب الروسي الى العربية , والقضية هي – هل استطاع المترجمون ان يرسموا للقراء  العرب صورة متكاملة للادب الروسي ؟ واتفقنا جميعا , ان عملية الترجمة هذه عن الروسية او عن لغات وسيطة اخرى , لم تنجز لحد الان رسم الصورة المتكاملة للادب الروسي , رغم ان هذه العملية ابتدأت منذ نهاية القرن التاسع عشر واستمرت طوال القرن العشرين و في العقدين الاول والثاني في قرننا الحادي والعشرين ولا زالت مستمرة لحد اليوم , واتفقنا جميعا ايضا , ان القارئ العربي الان يمتلك – مع ذلك – صورة تقريبية لهذا الادب بشكل او بآخر , وتمنينا ان تستمر عملية الترجمة في هذا المجال لاحقا , لانها ضرورية جدا لاكمال صورة الادب الروسي للقارئ العربي , ولأنها ضرورية ايضا لتعميق الحوار العربي – الروسي لمصلحة الطرفين المتحاورين , حوار يحتاجه العرب والروس معا ......    

100
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الانسان في وطنه مثل الاسد في الغابة او التمساح في النهر .
التعليق – مثل افريقي بامتياز قلبا وقالبا , اذ لا يمكن لنا ان نجد اسدا بالغابة وتمساحا بالنهر سوى في افريقيا , الا ان الفكرة في هذا  المثل تتكرر في امثال الشعوب الاخرى . لنتذكر مثلنا – كل كلب ببابه نبّاح , اما المثل الاندونيسي فيقول – والكلب في شارعه أسد . المثل الافريقي اكثر وضوحا ودقّة وجمالا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الحليب وفي الليل أبيض .
التعليق –  الصورة الفنية في هذا المثل طريفة ومبتكرة فعلا . يوجد مثل افغاني قريب لهذا المثل الافريقي يقول – البقرة سوداء لكن حليبها ابيض , الا ان المثل الافريقي يؤكّد - و بشكل حاسم – على استنتاج مهم جدا بمسيرة حياة الانسان في كل المجتمعات, وهذا الاستنتاج هو - ان الوقائع لا تتغيّر بتغيّر الزمن , وكم نحتاج – نحن في بلداننا العربية قاطبة – الى ان نتذكّر هذا الاستنتاج في عصرنا الحالي وأن نأخذه بعين الاعتبار , اذ بدأ البعض حولنا بمحاولات عديدة للتلاعب بالوقائع هنا وهناك ( لغاية في نفس يعقوب !) , وما أدراك ما يخطط له هذا ( اليعقوب !!!) . 
+++++
الترجمة الحرفية – استلام الهدية ليس صعبا , الاصعب ايجاد جوابها الملائم .
التعليق – يقول المثل الجورجي – الهدية تتطلب هدية , وهي ظاهرة عامة لدى معظم الناس , ولنتذكر مثلنا الطريف والواضح جدا - كل شئ دين بدين حتى دموع العين . المثل الافريقي يكرر هذا المفهوم , ولكنه يتميّز عن بقية الامثال المناظرة له عند الآخرين بصيغته الجميلة و المرحة والواقعية و الشمولية ...
+++++
الترجمة الحرفية – السلحفاة تسير ببطء , لكنها تذهب بعيدا .
التعليق –  يذكرنا هذا المثل الافريقي بحكاية نعرفها جميعا منذ طفولتنا عن السباق الطريف بين الارنب والسلحفاة , وكيف فازت السلحفاة في نهايته . المثل يقول لنا , ان العمل الدؤوب والاستمرار به يوصلنا الى الهدف المنشود , ومن سار على الدرب وصل , كما يقول المثل العربي المعروف .
+++++
الترجمة الحرفية – احترم جدتك , اذ  لولاها لما كانت لديك ام .
التعليق – مثل رائع , اذ انه يربط بين الام والجدّة بشكل ذكي جدا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان النتن الفم لا يلاحظ تلك الرائحة عنده .
التعليق –  نعم , هذا صحيح فعلا , وينطبق ذلك على الانسان الذي يتميّز بالصفات (النتنة!!!) الاخرى , وما اكثر هؤلاء البشر حولنا مع الاسف . هذا المثل الافريقي واقعي جدا ودقيق جدا وشامل جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى القيصر لا يتغلب على كيد المرأة .
التعليق –  .... ان كيدهن عظيم ...
+++++
الترجمة الحرفية – افضل دواء من الدخان , الابتعاد عنه .
التعليق – ... وليس الدخان وحده , فهناك مثل عربي بلهجتنا العراقية يقول – باعد من الشر تسلم , الا ان هناك مثل عربي آخر اصبح شهيرا جدا لانه دخل ضمن اغنية عربية شائعة , وهو - ابعد عن الشر وغنيله ...
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان يكون المخ في الرأس , مما في العمود الفقري .
التعليق – مثل مرح جدا في الظاهر , وحقيقي وواقعي في الباطن , هكذا قال صاحبي عن هذا المثل الافريقي وهو يضحك , فسألته لماذا تضحك , فاجاب , لان هذا المثل ذكّره بالكثيرين من ( جماعة العمود الفقري !) حولنا , وأضاف – هل تريد ان أذكر لك الاسماء ؟ فضحكت أنا ايضا وقلت له – لا , لا ( يمعوّد !!!) , لا تورطنا مع (جماعة العمود الفقري!) , اذ يوجد بينهم ( كبار!!!).   
+++++
الترجمة الحرفية – حيثما توجد طيور هناك ماء , وحيثما يوجد ضحك هناك اناس .
التعليق – ما أجمل هذا المثل , وما أروع هذه الصورة الفنية فيه , اذ انه يقول بشكل غير مباشر , ان الماء ضروري لحياة الطيور مثل  ضرورة الضحك لحياة البشر . فليسمع (الذين لا يعجبهم العجب ولا الصيام في رجب ) ما يقوله هذا المثل الافريقي الجميل .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تركض العظام وراء الكلب .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى الرمزي ايضا – الشعير لا يسير وراء الحصان . امثال الشعوب قاطبة تؤكد على ضرورة العمل من اجل كسب العيش , فالكسل ما يطعم بصل كما يقول مثلنا الشهير .
+++++
الترجمة الحرفية -  ملكان لا يعيشان في مملكة واحدة .
التعليق – مثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , فمثلنا بمختلف اللهجات العربية يقول – حصانين على مربط واحد ما تنربط  , والمثل الروسي يقول – دبّان لا يعيشان في مأوى واحد ..... المثل الافريقي واضح المعالم جدا , ويضع النقاط على الحروف بدقة متناهية .
____________________________________________________________________________


101
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – العتيق يتهدّل , الجديد يهبّ.
التعليق – خلاصة واقعية و دقيقة , بل يمكن القول ان هذا المثل الافريقي هو خلاصة الخلاصات للحياة الانسانية باكملها , فالعتيق فعلا ( يتهدّل !) ثم ينتهي دوره و يخرج من الحياة , و ( يهبّ) الجديد وينهض ويحل محله , وهكذا هي طبيعة الحياة الانسانية ومسيرتها الخالدة من جيل الى جيل .....   
+++++
الترجمة الحرفية –      الفقر – مقصّ للعادات .
التعليق – مثل حقيقي طريف رغم مأساويته , والصورة الفنية فيه مبتكرة بكل معنى الكلمة . علّق صاحبي على هذا المثل الافريقي قائلا – نعم , هذا صحيح , اذ كيف يمكن للفقير , مثلا , ان يرتدي الملابس الجديدة في العيد , وان يعمل كليجة ام الجوز والشكر والتمر ؟ , فضحكت أنا وقلت له – يا لك من بطران , لأنك لم تجد غير هذه الصورة للتعبير عن الفقر الرهيب , الذي يعاني منه الناس في الكثير من المجتمعات , بما فيها عالمنا العربي , فقال لي , انه يتفق مع هذا الجواب طبعا , الا (انها الصورة التي انحفرت في اعماق روحي منذ الطفولة , ولا يمكن لي ان أنساها ابدا ! ) , ولهذا انعكست رأسا وقبل كل شئ في تعليقي حول هذا المثل , وبقيت أنا صامتا.. 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا يقول الكلب لك , انه سيجلب لك الفيل , فاعلم انه يخدعك .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل خيالية ومرحة جدا , الا انها ترمز بشكل واضح ودقيق , ان هذا ( الكلب !) كاذب , وبالتالي , فان وعوده مليئة بالكذب الهائل جدا وحتى غير المنطقي تماما . قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بحت , لانه يصف وعود السياسيين الفنتازية عندهم وعندنا معا , ويصف ايضا سذاجة الذين يصدقونها , ويدعوهم ان ( يعلموا !) ان هؤلاء ( الكلاب !) يخدعونهم ليس الا . قلت لصاحبي – آه منك ومن تفسيراتك الخطيرة للامثال ...
+++++
الترجمة الحرفية – الملابس الوسخة أفضل من اللاشئ .
التعليق – علّق صاحبي على هذا المثل الافريقي وهو يضحك - طبعا أفضل من ان يبقى الانسان عاريا , فقلت له , لماذا تضحك , بل يجب ان تبكي , لأن هذا المثل - من جانب آخر - يعني , ان هناك اناس فقراء لا يستطيعون حتى تبديل ملابسهم كي يغسلوا الملابس الوسخة التي يرتدونها , ومن المؤكد , ان هذا المثل يعبّر عن هذه الحالة المأساوية في افريقيا , فالامثال لا تولد عبثا في اي مجتمع انساني , فلاذ صاحبي بالصمت...
+++++
الترجمة الحرفية – الناس الذين يجمعون الثمار في الغابة لا يحبون بعضهم .
التعليق –  ابناء المهنة الواحدة في تنافس دائم . يوجد مثل مناظر في هذا المعنى بلهجتنا العراقية يقول – امجدّي ما يحب المجدّي ( المجدّي = المتسوّل ) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا السمكة تقول , ان التمساح قد مات , فهذا صحيح .
التعليق – مثل حقيقي رغم كل الاجواء الخيالية فيه , فالتمساح والسمكة يعيشان معا في النهر نفسه , والتمساح عدوها , ويمكن له ان ( يلتهما!) في اي لحظة ,  ولهذا فان قولها صحيح . لنتذكر بيت الشعر العربي الشهير الذي ذهب مثلا –
 اذا قالت حذام فصدقوها //// فان القول ما قالت حذام
+++++
الترجمة الحرفية – اطعم الضعيف , هو سيطعمك غدا .
التعليق –  ...هل جزاء الاحسان الا الاحسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يقول الجدّ شيئا , لا ضرورة لاعادة السؤال على الاب .
التعليق – مثل طريف البنية فعلا , وهو دليل - لا يقبل الشك - على احترام المجتمعات الافريقية لكبار السنّ والاقرار بخبرتهم في الحياة , وهي واحدة من صفات المجتمعات الشرقية عموما .
+++++
الترجمة الحرفية – من لم يضل بالليل , لن يضل بالنهار .
التعليق – هذا هو المنطق السليم , الذي يجب ان يسود بين البشر . مثل بسيط شكلا وحكيم وعميق مضمونا , والمجرب لا يجرب كما يقول مثلنا الشهير .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يشبهك – ليس أنت .
التعليق – نعم , نعم لهذا المثل الطريف والعميق , فلكل انسان قيمته واهميته واخلاقه وعاداته وصفاته الذاتية المتنوعة الاخرى الخاصة به , وان التشابه في الشكل لا يعني بتاتا التطابق في كل السمات المختلفة عند البشر . مثل ضروري ومهم جدا في العلاقات بين الناس .
________________________________________________________________


102
حوار مع ابنة حفيد تولستوي
أ.د. ضياء نافع
تمّ نشر هذا الحوار عام 2018 في مجلة ( أغنيوك ) الاسبوعية الروسية بمناسبة احتفالات روسيا بالذكرى (190) لميلاد تولستوي , وقد اطلعت عليه صدفة قبل أيام ليس الا وتمتعت جدا بمضمونه الانساني و ( الانثوي !) الرشيق , اذ كان حديث ابنة حفيد تولستوي يصدر من القلب مباشرة وبعفوية حقيقية اصيلة وغير مصطنعة بتاتا وبعيدة جدا عن كل الكلمات ( الرنانة والطنانة !) , التي نراها عادة في مثل هذه الحوارات مع ابناء المشاهير وأقاربهم , واظن ان الحديث عن مضمون هذا الحوار سيكون ممتعا ايضا للقارئ العربي , خصوصا واني قد وجدت في ثنايا هذا الحوار نقاطا جديدة فعلا عن تولستوي , و رغم انها معلومات صغيرة ( اي  نواعمّ كما نقول بعض الاحيان ونحن نبتسم !!!), الا ان هذه النواعم – في رأي الشخصي – تستحق الاطلاع عليها لانها طريفة فعلا, و تضيف شيئا جديدا لنا عن تولستوي الانسان وتولستوي الفنان ايضا , ولهذا قررت كتابة هذه  السطور عن هذا الحوار الجميل .
اسم ابنة حفيد تولستوي – فيكلا تولستايا ( اسم الدلع لها – فيكا , ولقبها تحوّل من تولستوي المذكر الى تولستايا المؤنث حسب القواعد الصارمة للغّة الروسية ), و تولستايا - هي رئيسة قسم تطوير متحف تولستوي الحكومي , و مقدّمة برامج تلفزيونية معروفة في نفس الوقت. الحوار معها عن جدها الكبير تولستوي كان متشعّبا جدا , وبما انه كان بمناسبة الذكرى 190 لميلاد تولستوي , فقد ابتدأ هذا الحوار طبعا بالسؤال عن تقاليد العائلة التولستوية الكبيرة بالنسبة ليوم ميلاد هذا الكاتب الشهير . أشارت تولستايا الى ان يوم ميلاد تولستوي ( ...جميل ومتميّز جدا , اذ هو يصادف يوم 28 / 8 / 1828 ... حسب التقويم القديم الذي كان سائدا في الامبراطورية الروسية ...) , ومن المعروف , ان ثورة اكتوبر 1917 قد ألغت هذا التقويم القديم ووحّدته مع التقويم العالمي , ولهذا اصبح يوم ميلاد تولستوي بالاتحاد السوفيتي في الشهر التاسع / ايلول  بدلا من الشهر الثامن / آب , اي تغيّر تاريخ ميلاده , وفقد بالتالي هذا التناغم الرشيق المرتبط برقم 8 , اي 28/8 /28 , (كما ان الاحتفال السوفيتي بذكرى ثورة اكتوبر كان يجري بالاتحاد السوفيتي في شهر نوفمبر , وليس في شهر اكتوبر , رغم ان اسمها بقي و لحد الان كما كان سابقا , اي ثورة اكتوبر). لقد اختصرت تولستايا اجابتها عن هذا السؤال بالقول , انها تحتفل بذكرى ميلاد تولستوي مثل كل المواطنين الروس باعتباره كاتبا روسيّا عظيما , ولكنها قالت ايضا انهم لايزالون لحد الان يعملون (كيكة الليمون) في بيته بياسنايا بوليانا بمناسبة عيد ميلاده وحسب الوصفة القديمة لتحضيرها ويقدموها لكل الضيوف, وهو تقليد كانت تحرص على اقامته في ذلك اليوم زوجته صوفيا اندريفنا كل عام . وبمناسبة الاشارة الى زوجته , فقد ذكرت تولستايا بشكل غير مباشر , انها تحترم صوفيا اندريفنا , وان هذا الاحترام يزداد لديها عند معرفتها اكثر واكثر حولها , اي على عكس ما كتب الكثير من الباحثين حول علاقتها مع زوجها , وان تولستوي هرب في اواخر ايام حياته منها بالذات . وقد تذكّرت – عندما قرأت رأيها هذا – ما قالته لي مرة استاذتي والمشرفة على اطروحتي في جامعة باريس البروفيسورة صوفيا لافيت حول زوجة تولستوي , اذ انها ذكرت , ان زوجة تولستوي لو لم تكن منسجمة معه لما ولدت له ( 13) طفلا , ولما أعادت كتابة مسوّدة روايته الملحمية ( الحرب والسلم ) سبع مرات باكملها بعد كل تصليح كان تولستوي يجريه على روايته .
هناك نقاط طريفة اخرى في الحوار مع تولستايا , منها ( على سبيل المثال وليس الحصر ) , ما ذكرته عندما احتفل الاتحاد السوفيتي عام 1928 بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تولستوي ,  اذ قالت ان الجلسة المركزية لتلك الاحتفالية جرت في البولشوي تياتر , وان الكلمة الاولى ألقاها الوزير السوفيتي لوناتشارسكي واستغرقت ساعة ونصف , وقد شارك في تلك الاحتفالية كل القادة السوفيت ومجموعة من كبار الضيوف الاجانب , منهم الكاتب الالماني ستيفان زفايج , وتحدثت تولستايا عن مناسبة اخرى جرت عام 1978 , عندما احتفل الاتحاد السوفيتي بالذكرى ( 150 ) على ميلاد تولستوي , وقالت تولستايا , ان الصورة المنشورة لهذه الاحتفالية ( والتي كانت ايضا في البولشوي تياتر ) ,  كانت كما يأتي - هناك صورة ضخمة لتولستوي في واجهة المسرح , وكان بريجنيف وبقية اعضاء المكتب السياسي للحزب الشيوعي السوفيتي يجلسون على منصة المسرح وخلفهم تلك الصورة الضخمة لتولستوي , وقد أثارت هذه الصورة تعليقات أقارب تولستوي , اذ انهم أشاروا , لو ان تولستوي رأى هذه الصورة  لشجبها , لانها تتعارض مع كل مفاهيمه الفكرية. 
ومن النقاط الطريفة الاخرى في هذا الحوار , ما ذكرته تولستايا حول المؤلفات الكاملة لتولستوي في تسعين مجلدا , اذ تبين انها ابتدأت عام 1928 ليس الا وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية لميلاده , وان ابنته أشرفت على اصدار الجزء الاول , ولكنها اضطرت بعدئذ الى الهجرة من الاتحاد السوفيتي , اذ بدأ اخضاع تولستوي للمفاهيم التي كانت سائدة في الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات بشكل صارم .
الحوار مع تولستايا يستحق الترجمة الكاملة الى العربية , لانه يتناول معلومات جديدة فعلا عن الكاتب العظيم للارض الروسية...





103
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تشرق الشمس لشخص واحد فقط .
التعليق – هناك مثل روسي يقول – لا يتلألأ في السماء نجم واحد فقط , وهو المثل المناظر لما يشير اليه المثل الافريقي , اذ ان المعنى العام لكلا المثلين يؤكد على تضخم ( الأنا ) عند بعض الناس , وما أكثرهم مع الاسف في مجتمعاتنا . في المثلين توجد مبالغة , وهو اسلوب في بنية الكثير من أمثال الشعوب لغرض ايصال المعنى , ولكن الصورة الفنيّة (في المثل الافريقي والمثل الروسي كذلك) جميلة ومتميّزة وساطعة وغير اعتيادية .
+++++
الترجمة الحرفية – يحدث ان الصديق يكون أقرب من الاخ .
التعليق –  يحدث ذلك فعلا بعض الاحيان , فالاخ الحقيقي بعيد عنك والصديق الحقيقي قربك . لنتذكر القول العربي المشهور في هذا المعنى , وهو– ربّ اخ لك لم تلده امك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة الطويلة – معاناة .
التعليق – تعب كلها الحياة كما يقول فيلسوفنا المعري , فكيف اذا كانت الحياة طويلة , حيث يصل الانسان فيها الى مرحلة ( ارذل العمر ) . مثل واقعي و دقيق فعلا , خصوصا في المجتمعات التي لا تتوفر فيها الخدمات الضرورية للانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقدر التمساح ان يرمي درعه , لأنه ولد فيه .
التعليق –  مثل يعكس طبعا البيئة الافريقية بدقة , ولكنه في نفس الوقت مثل رمزي بامتياز , اذ انه يعني ( فيما يعنيه ) , ان الانسان لا يقدر ايضا ان يرمي الدرع عندما يقاتل دفاعا عن المكان الذي ولد فيه .
+++++
الترجمة الحرفية – باصبع واحد لا يمكن ان تمسك البراغيث .
التعليق – مثل عالمي , وصيغته المشهورة تتحدث عن عدم امكانية اليد الواحدة ان تصفق , والصيغة العربية له تشير الى عدم امكانية حمل بطيختين ( او رمانتين باللهجة العراقية) بيد واحدة , والمثل الصيني يقول – بيد واحدة لا يمكن ان تصطاد ضفدعتين , ولكن الصيغة الافريقية تتحدث عن (البراغيث!!!).
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل أنواع الثوم لا يحل محل البصل .
التعليق – وافضل انواع البصل لا يحل محل الثوم , وبشكل عام لا يمكن لشئ ( او لأحد ) ان يحل محل الآخر . مثل فلسفي عميق بصيغة واضحة ومبسّطة جدا , صيغة تصل بدقّة الى قلب المتلّقي وعقله .
+++++
الترجمة الحرفية – كل من يأكل من جوز القيصر يجب ان يحارب من أجل القيصر .
التعليق – يقول المثل الارمني – لا تشرب من قدح القيصر , اي لا تختلط معه , لان الاختلاط خطر, ولكن المثل الافريقي هذا يذهب أبعد , ويتحدث عن القتال لحماية القيصر , وهو مثل صحيح فعلا , ويعرف عالمنا العربي هذه الظاهرة مع ( قياصرته !!!).
+++++
الترجمة الحرفية – النار تحرق الاشياء , لكن لا تحرق الحديد .
التعليق – مثل رمزي واضح المعالم . يوجد تعبير بالعربية يقول – الضرب بيد من حديد , اي انها - حسب مفهوم هذا المثل الافريقي – يد قوية لا تحترق بالنار .
+++++
الترجمة الحرفية – تريد ان تتسلّق الشجرة , ابدأ من الاسفل .
التعليق – مثل مرح جدا , وحتى يثير الابتسامة , ولكن معناه عميق , اذ انه يؤكد على ضرورة الخضوع للمنطق السليم للوصول الى الهدف , اذ لا يمكن ان ( تتسلّق الشجرة من الاعلى !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – وزن الفيل ليس ثقيلا بالنسبة له .
التعليق – يقول المثل الروسي – حملك ليس عبئا عليك ...
+++++
الترجمة الحرفية -  الجالس على الارض لا يخاف من السقوط .
التعليق – الصيغة الافريقية لمثل عالمي يتكرر عند شعوب كثيرة , فالمثل الصيني يقول – اذا لا تتسلق لن تسقط , والمثل الروسي يقول – من لا يسير لا يسقط , والمثل الهندي يستخدم فعل يتزحلق بدلا من يسقط , ولكن ( الجالس على الارض ) في الصيغة الافريقية تحسم الموضوع جذريا , وتذكّرنا بمثلنا الشهير عن ( المبلل !) الذي لا يخاف من المطر.


104
عن بعض المفردات العربية و الروسية
أ.د. ضياء نافع
اكتب هذه السطور بمناسبة يوم اللغة العربية العالمي , الذي تحتفل به منظمة اليونسكو سنويا في 18 كانون الاول / ديسمبر , هذه اللغة التي لم نشعر بجماليتها وعظمتها وتميّزها في يفاعتنا . المرة الاولى في حياتي , التي شعرت بذلك حدثت قبل نصف قرن بالتمام والكمال , عندما كنت عام 1960 طالبا في الصف الاول بكليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو , حيث كانت الاستاذة موراتوفا ( لازلت لحد الان اتذكر لقبها ) تلقي علينا محاضرة في القاعة الكبرى بالكليّة  في مادة ( مدخل في علم اللغة ) , وقالت – توجد كلمات مشتركة في كل لغات العالم , مثل كلمة ( سوتسياليزم ) و ( كومونيزم ) , فقلت لها باعلى صوتي – لكن باللغة العربية ليست هكذا , فتوجهت نحوي طبعا انظار الاستاذة المحاضرة وكل طلبة الكورس الاول قاطبة , وسألتني الاستاذة باندهاش – وكيف تسمّون تلك الكلمتين بالعربية ؟ فاجبتها رأسا – سوتسياليزم  الاشتراكية وكومونيزم الشيوعية , فقالت بعد لحظة صمت – سأدقق تلك المعلومة في مصادرنا . تذكرت هذه الحادثة الطريفة والفريدة في مسيرة حياتي الدراسية عندما كنت اتحدث مرة مع مجموعة من الزملاء الروس في مركز الدراسات العراقية - الروسية بجامعة فارونيش الحكومية عن  لعبة ( الفوتبول ) , اذ قال احدهم , ان هذه الكلمة مشتركة بكل لغات العالم , فاخبرته وانا ابتسم , اننا لا نسميها فوتبول بل – كرة القدم ( وشرحت له تلك التسمية حرفيّا !) , وسألني متعجبا – وهل الناس يفهمون ذلك ام يجب استخدام كلمة فوتبول ؟ فاوضحت له , ان كلمة فوتبول غير مفهومة للناس الاعتياديين , وحدث نفس رد الفعل ذاك عنده وعند الزملاء الآخرين طبعا, كما حدث آنذاك عند استاذة علم اللغة بجامعة موسكو , وانهالت عليّ اسئلة هؤلاء الزملاء عندها , حول تسميات الالعاب الاخرى بالعربية , مثل الباسكتبول و الفاليبول والهاندبول ( الخاندبول بالروسية ) , وأنا اجيب عن كل اسئلتهم مبتسما ( وبرهاوة !!!) , وهم ينظرون اليّ مندهشين و متعجبين , وحكيت لهم بعدئذ قصتي مع كلمتي (السوتسياليزم) و(الكومونيزم) واستاذة مادة (مدخل في علم اللغة ) بجامعة موسكو .
لكن ألطف ما حصل لي في هذا المجال هو حديثي مع جارتي الروسية , والتي ادردش معها غالبا عندما نلتقي صباحا في الممر او قرب العمارة بعض الاحيان , اذ قالت لي مرة , انها حضّرت أمس طعاما لذيذا جدا باضافة قليلا من الكركم اليه ( بالروسية – كوركوما , وهي كلمة مؤنثة ) , وان هذه الاضافة جعلت الطعام بنكهة خاصة , وسألتني – هل تعرفون في العراق ذلك ؟ فضحكت أنا وقلت لها , طبعا نعرفه , فسألتني – وماذا تسمونه بالعربية , فقلت لها مثلما تسمونه بالروسية , فاجابت – ربما انكم اخذتم التسمية من الروسية , قلت لها ضاحكا, ان اللغة العربية أقدم من اللغة الروسية , وربما انتم أخذتم التسمية من عندنا , فضحكت وقالت , الكلمة غير روسية حتما , و على الاغلب انها جاءت الينا من الهند , ولكن يجب طبعا ان ندقق الموضوع في القواميس المتخصصة .  بعد هذه الدردشة مع جارتي عدت انا الى القاموس الايتومولوجي (اصل الكلمات او علم التأثيل ) الروسي الموجود في مكتبتي الشخصية , ولكني لم أجد كلمة ( كركم ) في ذلك القاموس الوجيز , فاضطررت ان  ابحث عن أصلها في القاموس الكبير , فوجدت ان هذه الكلمة دخلت الى الروسية عن طريق اللغة اللاتينية , وان اصلها عربي ( ويعطي الكلمة بالعربية كركم مع حركاتها ) الا انه يضع علامة استفهام بعد ذلك ويشير الى عدم معرفة الاصل قبل العربية , وتذكرت عندها , ان عالم الآثار العراقي  طه باقر كتب في احدى مؤلفاته , ان هذه الكلمة موجودة في اللغات القديمة لوادي الرافدين , الا اني لم استطع – مع الاسف الشديد - الرجوع الى مؤلفات طه باقر لتدقيق هذه المسألة .
تحية لمنظمة اليونسكو , التي حدّدت يوما عالميا خاصا للاحتفال بلغتنا العربية , وهي خطوة حضارية و علميّة جديرة بها , وتحية خاصة للغتنا العربية الجميلة , التي قال لي عنها مرة أحد كبار أساتذتي العلماء المتخصصين في اللغات – ان اللغة العربية هي الثروة الاساسية الكبرى للعرب ولكل الناطقين بها .....   

105
مسلّة حمورابي في مدخل سفارة العراق بموسكو
أ.د. ضياء نافع
يا لها من مفاجأة جميلة وكبيرة جدا بالنسبة لي شخصيّا, عندما  دخلت الى سفارتنا بموسكو قبل أيام , واذا بمسلّة حمورابي تقف في صدارة المدخل , وتستقبل كل من يدخل الى السفارة, مسلّة حمورابي بحجمها الطبيعي , مسلّة حمورابي (بلحمها ودمها!) . وقفت مندهشا أمامها وانا أتأمّل الملك البابلي العظيم وهو يستلم القوانين بخشوع وبرأس مرفوع ليعلنها للشعب ويقول للجميع – بلا استثاء مطلقا -  بضرورة العيش حسب تلك القوانين والانظمة في مملكته العتيدة , وفهمت طبعا , هذه الاشارة ( الذكيّة!!!) لنا جميعا في هذا الظرف الدقيق في تاريخ عراقنا الحالي, وتذكرت قصة هذه المسلة عندما قرر مركز الدراسات العراقية - الروسية في جامعة فارونش الروسية ( الذي اسّسته وكنت رئيسا له ) قبل اكثر من عشر سنوات نصب تلك المسلة امام كليّة القانون في جامعة فارونش , بعد انجاز التمثال النصفي للجواهري في معهد العلاقات الدولية (2009 ) , والتمثال النصفي لأحمد بن فضلان في كليّة العلاقات الدولية ( 2011) , وتذكرت ما قاله لي عندها أحد المتحمسين الروس عندما طرحنا الفكرة – ( دراسة القانون في كل العالم تبدأ من قوانين حمورابي , ولنتذكر فقط – العين بالعين والسنّ بالسنّ !) , وتذكرت طبعا كل التعقيدات التي صاحبت انجاز وضع مسلّة حمورابي امام كليّة القانون في تلك الجامعة آنذاك , وكل الحجج التي طرحتها العناصر الروسية المضادة للمسلّة كانت مضحكة وواهية , اذ انها كانت تخفي ( الاسباب الحقيقية المخفية !!!) , وهكذا استلمنا من النحات الروسي مسلّة حمورابي ولم نكن نعرف اين سنضعها , واضطررت ان أتصل بالسفير العراقي بموسكو حينئذ الاستاذ فايق نيروي , وأحكي له الحكاية , فاقترح رأسا جلب المسلّة الى السفارة , وانه مستعدّ ان يتحمّل تكاليف نقلها من مدينة فارونيش الى موسكو , وكان هذا مخرجا من المأزق وموقفا مشرفا من السيد السفير , و هذا ما حدث فعلا , وعندها اتصلت بعمادة كليّة القانون في جامعة موسكو , واقترحت عليهم وضع المسلة في كليتهم , واستقبلني عميد الكلية بترحاب كبير, واعلن عن موافقته على هذا المقترح ( الذي تقدمت به باسم الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية عندما كنت نائبا للرئيس فيها ) ولكن الجهاز الاداري هناك لم يستوعب الهدف من تلك الهدية , واعتقدوا , اننا كنّا نريد تحقيق مكاسب محددة لنا , وبين الموافقة والتردد , لم نستطع الوصول الى اتفاق نهائي بشأن مقترحنا آنذاك , وهكذا بقيت المسلة في القاعة الكبرى بسفارتنا , ولكن السيد سفير العراق الحالي الدكتور عبد الرحمن الحسيني ارتأى اخراج المسلة من القاعة الكبرى ووضعها في مدخل السفارة لقيمتها الحضارية في تاريخ وادي الرافدين وباعتبارها الرمز الاساسي لتلك الحضارات الرائدة في تاريخ الانسانية ودور القوانين في بلورتها, وهي خطوة صحيحة جدا ورمزية وذات دلالة عميقة بكل معنى الكلمة.
وعندما تم منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي في دورتها الرابعة في شهر تشرين الاول / اكتوبر من هذا العام ( 2021) , توقفت ابنة المرحوم فيكتور بوسافليوك ( آخر سفير سوفيتي في بغداد وأول سفير لروسيا الاتحادية , و الحائزعلى الجائزة لهذا العام ) طويلا عند مسلة حمورابي , والتقطعت عدة صور لها , بما فيها صورتها الشخصية وهي ترتدي الميدالية الذهبية لجائزة نوّار وتمسك في يدها الشهادة التوثيقية لتلك الجائزة , وقد نشرت هذه الصور في صفحتها , وأثارت تلك الصور تعليقات وتساؤلات كثيرة , وبالذات صورتها عند المسلّة , حيث أجابت عليها وهي تؤكّد اهمية مسلة حمورابي في تاريخ الحضارات الانسانية , واشارت , ان النسخة الاصلية موجودة بمتحف اللوفر في باريس, وان الجائزة التي حصل عليها والدها المرحوم فيكتور بوسافليوك جاءت من بلد حمورابي , وعندما كنت اتابع هذه التعليقات شعرت كم كان قرار السيد السفير صائبا , وقد قلت بيني وبين نفسي , رب ضارة نافعة فعلا كما يقول المثل العربي الشهير , اذ لو تمّ وضع مسلّة حمورابي كما خططنا في البداية , لما كانت تقف الان في مكانها الصحيح واللائق بها في مدخل سفارة البلد الذي ولدت فيه .
مسله حمورابي تقف الان في مدخل السفارة العراقية بموسكو وهي تقول – ها انا ذا امام سفارة وطني .....


106
بين غوغول وفيصل لعيبي
 
أ.د. ضياء نافع
  هناك قصة طويلة عند غوغول نشرها في روسيا عنوانها ( بورتريه ) , و يترجمونها الى العربية بعنوان ( اللوحة) او ( الصورة)  , وهي ترجمة صحيحة طبعا, اذ ان البورتريه تعني لوحة فنية لشخص ما , ولكن أغرب ما في ذلك النتاج الفني عند غوغول يكمن في ان الشخص المرسوم فيها يخرج حيّا من اطار تلك اللوحة ويتفاعل مع صاحب اللوحة و مشاكله في مسيرة حياته, وهي قصة فلسفية ورمزية عميقة جدا, الا اننا لا نهدف الى الحديث هنا عن جوانبها الفكرية , وانما نتوقف فقط عند حدثها الجوهري ليس الا, و هناك   لوحة جميلة رسمها الفنان التشكيلي العراقي المعاصر فيصل لعيبي لبائع فواكه عراقي , ولا يوجد اي رابط  بتاتا (لا من قريب ولا من بعيد) بين قصة غوغول في القرن التاسع عشر ولوحة الفنان العراقي في القرن الحادي والعشرين , ومن المؤكّد , ان غوغول لم يكن يفكّر ابدا بظهور فنان تشكيلي عراقي بعد قرنين من الزمان اسمه فيصل لعيبي , ومن المؤكّد ايضا , ان فيصل لعيبي لم يكن يتصوّر عندما رسم لوحته عن بائع الفواكه العراقي , ان مجموعة من العراقيين سيتحدثون يوما عن هذا البائع و يقارنونها بحدث من احداث ابداع غوغول ,  الا ان الخيال شطح بنا ( ويعرف الخياليّون معنى ذلك !) , عندما كنّا نتأمّل صورا جميلة لمعرض فيصل لعيبي الاخير في الدوحه ( الذي افتتح في تشرين الثاني / نوفمبر 2021 ), حيث تم عرض لوحة مدهشة الجمال لبائع الفواكه العراقي وهو يرتدي  الجرّاوية و التي كانت نظيفة جدا , لأنه استعارها من ملك لكش نفسه بلحمه ودمه ,  وكان يدخن النركيلة بهدوء وسكينة , وكأنه جالس باسترخاء في مقهى الزهاوي , فاشتهى أحدنا نوعا من انواع الفاكهة المرسومة بمهارة فنيّة عالية جدا في تلك اللوحة , وقال بحسرة – آه لو أستطيع ان ( ألتهما الآن !) , فعلّق زميل آخر قائلا , ان بطل البورتريه عند غوغول قد خرج من اللوحة وأصبح عضوا فعّالا في المجتمع , وربما يمكن لك ان ( تلتهم !) تلك الفاكهة , عندما تخرج هذه الفواكه من لوحة فيصل لعيبي وتصبح صالحة (للألتهام !) , كما حدث في لوحة غوغول . ضحكنا جميعا على هذا التعليق الغريب وغير الاعتيادي وغير المتوقع بتاتا , وهكذا بدأت حكاية هذه المقالة , او بالاحرى , الدردشة حول ذلك  التعليق ( الواقعو – خيالي !!!) حسب سيل المصطلحات الجديدة لنقاد ما بعد الحداثة في الفنون والآداب  .
قال ذاك الذي اشتهى الفاكهة , كيف استطاع غوغول ان يرسم هذا الخيال الغريب وهو ( ابو الواقعية الانتقادية ) كما أكّد لي مرارا وتكرارا الناقد الادبي العراقي المعروف فلان الفلاني ؟ فأجاب الثاني موضّحا , لا تناقض بتاتا في ذلك , فأبو الواقعية الانتقادية كتب عن افكاره الموجودة في اعماق روحه , اي انه كتب عن ( واقعيته) الموجودة في رأسه وعقله ,لأنه ( ابو الواقعية ) . اعترض الثالث وقال , كيف يمكن اعتبار غوغول واقعيا , وهو يتحدّث عن شخص يخرج  من اللوحة ويبدأ بتقديم النصائح لصاحب اللوحة وحتى يمنحه النقود , ان غوغول – في رأيّ - هو ( ابو الخيال) , وليس (ابو الواقعية) , وأضاف ضاحكا - الا اذا كانت لديه زوجتين اثنتين , واحدة ولدت له ( واقعية ) والثانية ولدت له ( خيال ) ؟ فأيّد الاول (الذي اشتهى الفواكه وهو يتأمّل لوحة فيصل لعيبي) هذا الرأي , وقال – طبعا , طبعا , غوغول ليس واقعيا بالمرّة , وحتى نتاجاته ,  التي يسمونها (واقعية ) مليئة بخيال غريب جدا , اذ كيف يمكن , مثلا , لحلاق ان يجد أنف زبون له في قطعة الخبز ؟  فسأل الثالث , وهل فيصل لعيبي واقعي وهو يرسم هذا البائع مرتديا جراويّة ملك لكش ويدخن النركيلة , ولا يهتم بتاتا بمن يريد شراء الفواكه ؟ حتى ( ابن كنّو ) بسوق الامانة في بغداد لم يعمل ذلك مع ان نوري السعيد نفسه كان زبونه. ضحك الجميع , وعلّق أحدهم قائلا – طبعا لم يعمل ابن كنّو ذلك , لأن نوري السعيد كان يشتري ( بالدين على راس الشهر) , ولهذا كان ابن كنّو حذرا منه , لأنه يعرف ألآعيب السياسيين العراقيين وأفعالهم , فقال الرابع , اتركوا السياسة رجاء ايها العراقيون النجباء , ودعونا نستمر بالحديث الممتع هذا عن غوغول وفيصل لعيبي , فهو موضوع جديد وطريف جدا بالنسبة لي , واريد ان أقول, بأني اؤيد ايضا رأي زميلي , بأن فيصل لعيبي ليس واقعيا , واود ان اضيف , اني معجب جدا بلوحة من لوحات هذا الفنان التشكيلي , ولا اذكر عنوانها , ولكنها تصوّر بغداد بألوان زاهية, حيث مزج فيها سينما روكسي وشربت زبيب حجي زباله وكعك السيد وسيارة ذات طابقين لمصلحة نقل الركاب مليئة بركاب عراقيين يمثلون كل طبقات مجتمعنا وكان هناك ايضا في تلك اللوحة مظاهرات الشعب وشعاراتها في الشارع, واعطانا فيصل لعيبي لوحة خيالية في غاية الجمال بمزجه الفنتازي الغريب لكل هذه العناصر, وكلها عناصر واقعية , اي انه مزج عناصر واقعية محددة , وخلق لوحة فنية خيالية تجسّد افكاره , لوحة خيالية مفهومة للمشاهد رغم كل خيالها الغريب , فعلق الآخر صارخا , نعم , نعم , هذا الكلام ينطبق فعلا على اسلوب غوغول يا جماعة , فغوغول ايضا يمزج عناصر واقعية مع بعضها البعض ويرسم لوحة خيالية مدهشة الجمال , ولكن اساسها يبقى واقعيا .
قلنا لبعضنا , لنتوقف عن هذه الدردشة , ولنبعث للفنان المبدع فيصل لعيبي شكرنا الجزيل لأنه يمنحنا الجمال في عصرنا القبيح.....         

107
أمثال أفريقية مترجمة عن الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اللسان يُهلك الانسان , و ينقذ الانسان .
التعليق – خلاصة دقيقة و رائعة لدور اللسان في حياة الانسان , وكما تؤكّد دائما أمثال الشعوب كافة , ومنها طبعا أمثالنا العربية , والتي تقول عن اللسان في نفس المعنى - ( ...ان صنته صانك , وان خنته خانك ...) . 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تحتقر الناس , فهم ايضا سيحتقروك .
التعليق – صحيح جدا , فلكل فعل رد فعل يساويه في المقدار ويعاكسه في الاتجاه .
+++++
الترجمة الحرفية – يشعر بالألم صاحبه ..
التعليق – لنتذكر بيت الشعر العربي الجميل الذي ذهب مثلا – لا يعرف الشوق الا من يكابده /// ولا الصبابة الا من يعانيها . المثل الافريقي دقيق وحاسم و مباشر جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يستطيع اثنان الجلوس على كرسي واحد .
التعليق –  الصيغة الافريقية لمثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , ولنتذكر المثل الافغاني – في الجزمة الواحدة لا يمكن حشر قدمين ,والمثل الصيني – في فم واحد لا يحشرون ملعقتين , لكن المثل الافريقي يذكّرنا بصراع السياسيين  على كرسي المنصب في عالمنا , ولهذا فان هذه الصيغة للمثل هي الاقرب الى عقولنا وقلوبنا في حياتنا اليومية الكئيبة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحماقة لا تطيق الحكمة .
التعليق – مثل حكيم وعميق جدا , اذ انهما – كما قال صاحبي – (حيّة وبطنج!) , فضحكنا , لكننا اختلفنا مع بعض , اذ لم نستطع ان نحدد من هي منهما ( الحيّة ) ومن هي ( البطنج)....
+++++
الترجمة الحرفية – الخوف الشديد يؤدي الى التعاسة .
التعليق – نعم , هذا صحيح . هكذا علّق صاحبي وهو يستمع الى هذا المثل قائلا – لقد جربّنا هذه المعادلة الرهيبة في مجتمعاتنا العربية وغرقنا في بحر التعاسة فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – جالسا لن تصطاد الارنب .
التعليق – يقول المثل الروسي – دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من البركة , فكيف يمكن للافريقي ان يصطاد الارنب جالسا ؟
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن للقطة والفأر ان يكونا جارين لفترة طويلة .
التعليق – مثل في غاية الطرافة وفي غاية الحكمة ايضا , ويعتقد صاحبي , ان هذا المثل سياسي بحت , وانه يصف بشكل غير مباشر العلاقات بين الدول المجاورة بعضها بعضا , وحاول ان يعطي مثلا من واقعنا المرير , ولكني قلت له ضاحكا – ألا تكفي مآسينا  الحالية ,  وانت تريد ان تحدد الان هل بلدنا هو القطة ام الفأر؟
+++++
الترجمة الحرفية – تقع الثمار تحت شجرتها .
التعليق –  يقول المثل الروسي – التفاحة لا تسقط بعيدا عن شجرة التفاح . قال صاحبي عن هذا المثل الافريقي , انه يعني قبل كل شئ , ان الابناء يشبهون الآباء , وردد المثل العربي الشهير – الولد على سر ابيه , فقلت له , كل انسان يفسّر الامثال حسب وجهة نظره ...   
+++++
الترجمة الحرفية – الجسم السليم – ثروة .
التعليق – لأن العقل السليم في الجسم السليم , والعقل ثروة بلا شك . مثل في غاية الذكاء
+++++
الترجمة الحرفية – تنام البطن – ينام الانسان .
التعليق – نعم , اذ كيف يمكن للجائع ان يغفو , فالجوع كافر كما يقول مثلنا العربي .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس في المدينة , بل في الغابة تتعرّف على الانسان .
التعليق – لأن الصديق وقت الضيق ,  و(وقت الضيق هذا) يكون غالبا في اماكن بعيدة ومنعزلة , مثل (الغابة!) بالنسبة للافريقي...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الانسان الجيّد – الحياة جيّدة .
التعليق – صحيح جدا , اذ ان اعمال الانسان الجيّد تكون – عادة - جيّدة . مثل فلسفي جميل.
+++++
الترجمة الحرفية – الوصول في الوقت المحدد أفضل من الوصول المبكر .
التعليق – لنتذكر المثل العربي الطريف والدقيق والحاسم - الزايد كالناقص .
+++++
الترجمة الحرفية – لن يستمع الاطرش اليك , حتى اذا تقول له اشياء ذكية .
التعليق – مثل حكيم فعلا , اذ يجب على الانسان ان يعرف خصائص المستمع اليه قبل ان يتكلم معه , والا , فان الكلام سيكون عبثا , اذ ما قيمة الكلام مع ( الاطرش بالزفّه ) كما يقول المثل بلهجتنا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يقدر الفأر ان يقول للقطة , ان لون جلدها ليس جميلا .
التعليق – مثل يبدو للوهلة الاولى مرحا , ولكنه واقعيا مأساوي , لانه يعني , ان الحوار الحقيقي والموضوعي والمتوازن بين القوي والضعيف غير ممكن ابدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية في نفس المعنى وهو – منو يكدر يكول للسبع حلكك جايف ( من يقدر ان يقول للاسد ان فمك نتن الرائحة ) . المثل الافريقي أكثر طرافة ورشاقة وحلاوة .
=========================================================


108

عن علم الادب المقارن بجامعة موسكو
أ.د. ضياء نافع
-------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
علم الادب المقارن واسع جدا ,  ويطلق عليه  بعض المتخصصين التسمية الشائعة اليوم في كثير من الاوساط , وهي - ( علم بلا حدود !) , اذ انه يتناول فعلا كل الآداب قاطبة عند كل الشعوب قاطبة بغض النظر عن الزمن وخصائصه , وبغض النظر ايضا عن الاجناس الادبية المتنوعة جدا في الآداب القومية هنا وهناك , وربما لهذا السبب , لم يصبح ( علم الادب المقارن ) مادة دائمية في المناهج الاكاديمية بشكل عام , ولا يوجد لدينا (متخصّصا أكاديميّا!) في علم الادب المقارن , مثلما نقول ان فلان متخصص في الادب العربي او الفرنسي او الروسي ...الخ . ولكن – مع ذلك - يجب الاقرار , ان هذه المادة ( تكافح وببطولة فائقة !) من اجل ان تجد لها ( مكانا !) لائقا بها بين المواد الاكاديمية الاخرى في مناهج الجامعات المختلفة , هذا (الكفاح !) الذي بدأ اولا في بعض الجامعات الغربية ( وخصوصا في فرنسا ) , وكم حاول وتكلم في جامعة بغداد المرحوم ألاستاذ الدكتور داود سلوم في قسم اللغة العربية بكليّة الآداب وغيره من الاساتذة حول ضرورة ادخال هذه المادة في المناهج الدراسية , ولكن دون جدوى , فالاجواء العلمية في جامعاتنا لا ولن تسمح بمثل هذه الخطوات الجديدة والجريئة , وخصوصا في هذا الزمن الحرج  بمسيرة العراق المثقل بالجراح والهموم ومشاكل الاحتلال البغيض , ولكن مع ذلك دخلت مادة (علم الادب المقارن ) ضمن مقررات بعض الجامعات العالمية هنا وهناك , رغم كل (القيل والقال),
 ومن جملة هذه الجامعات التي  تساهم اليوم بتدريس مادة الادب المقارن  - جامعة موسكو العتيدة , وذلك ضمن مناهج كليّة الفيلولوجيا (الكليّة التي تمثّل بالنسبة لي شخصيا مرحلة شبابي الجميلة عندما كنت طالبا فيها, ومن الطبيعي جدا ان اتابع أخبارها ومسيرتها) , ومن جملة الظواهر الجديدة فيها , وجدت انها أدخلت مادة ( علم الادب المقارن ) ضمن المواد المنهجية لها , وهي مادة لم تكن موجودة لدينا , عندما كنّا طلبة في تلك الكليّة بستينيات القرن العشرين , اذ اننا كنّا ندرس مادة تسمّى - ( الادب الاجنبي ) , وتبدأ من الكورس الاول ( اي الصف الاول ) وتنتهي في الصف الرابع , وتهدف هذه المادة الى تعريف طلبة القسم الروسي باهم خصائص ومراحل الآداب الاوربية , ويتناوب اساتذة مختلفون على القاء المحاضرات كل حسب اختصاصه الدقيق , وقد اقترحنا مرة في كليّة الاداب بجامعة بغداد تدريس هذه المادة في كل فروع اللغات الاوربية وقسم اللغة العربية , وفعلا تم ذلك , وكانت المادة تسمى ( الادب العالمي ) , وقد تقبّل الطلبة هذه المادة الجديدة بكل حماس واهتمام , الا انه تم الغاء تدريسها بعد ثلاث سنوات لا أكثر من قبل العمادة الجديدة , ولكن تلك المادة لم تكن تتناول طبعا دراسة الادب المقارن  .
لقد اطلعت على برنامج علم الادب المقارن في جامعة موسكو , والذي تم طبعه عام  2001 ويقع في 94 صفحة من القطع المتوسط  , وشارك بوضعه (18) مؤلفا , وكل واحد حسب اختصاصه الدقيق , و معظمهم بدرجة استاذ ( بروفيسور ) , وهو عمل علمي مدهش بسعته وشموليته ومصادره , وعلى الرغم من انه معدّ للدارسين في جامعة موسكو بالذات , اي انه يؤكد على موقع واهمية الادب الروسي طبعا , الا ان مضمونه يثبت – مرة اخرى – كيف يجب ان تكون دراسة هذه المادة اكاديميا , ولا اريد التعليق اكثر بشأن ذلك , كي لا اتوقف عند الآرآء التي ( اصطدمت بها!) عندما قمت بتدريس مادة ( الادب المقارن ) لمدة شهر واحد فقط  بمعدل ساعتين اسبوعيا, عندما كنت استاذا زائرا في كليّة اللغات باحدى الجامعات العربية يوما – ما , اذ ( لاموني!!!) لأني ركزّت في محاضراتي على الموضوعة العربية في الادب الروسي ( اختصاصي العلمي الدقيق), اذ كانوا يريدون ان أتحدّث عن ( كل آداب العالم واقارن بينها !!) .
ختاما لهذه الملاحظات السريعة , اودّ ان استعرض مفردات برنامج ( علم الادب المقارن ) بجامعة موسكو ,والتي جاء ت كما يأتي –
مدخل نظري في دراسة علم الادب المقارن /// في الآداب الاوربية ( الغرب وروسيا ) /// الدراسات التاريخية المقارنة للفلكلور /// العلاقات المتبادلة للآداب في اوروبا الغربية وروسيا وامريكا /// الارتباطات المتبادلة للآداب الغربية والجنوبية للسلاف مع الادب الروسي /// الادب الروسي  من القرن الحادي الحادي عشر الى القرن التاسع عشر في سياق آداب الغرب /// روسيا والغرب في القرن العشرين – آفاق الارتباطات الادبية المتبادلة /// دراسات المتخصصين باللغة الروسية في الخارج حول الادب الروسي في القرنين  التاسع عشر و العشرين  /// علما , انه تم تثبيت المصادر باللغة الروسية والانكليزية بعد كل فصل من تلك الفصول , واعتقد اعتقادا جازما , ان هذا العرض السريع لمفردات مناهج مادة علم الادب المقارن في جامعة موسكو كافيا للاجابة عن ( اسئلتنا !!!).
 

109
شئ عن الموسيقار خاتشاتوريان
أ.د. ضياء نافع
ولد الموسيقار الارمني آرام خاتشاتوريان عام 1903 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1978 في الاتحاد السوفيتي , وعندما وصلنا الى موسكو عام 1959 لم نكن نعرفه , ولم نكن قد سمعنا باسمه اصلا , ولكن بعد عدة شهور من دراستنا للغة الروسية وبداية تعايشنا مع المجتمع السوفيتي المحيط بنا ( اكتشفنا !) هذا الموسيقار الشهير جدا في الاتحاد السوفيتي آنذاك , واصبحنا جميعا من المعجبين (بل والمندهشين!) جدا بفنّه الموسيقي , وعشقنا خصوصا مقطوعته الموسيقية الشهيرة بعنوان ( رقصة السيوف ) , وكنّا نتحدث عن انبهارنا بها , لأنها كانت تتناغم وتنسجم جدا مع روحيّتنا الشبابيّة المتأججة وحيويتها .
 لم نستطع طبعا ان نلتقي بخاتشوتوريان , او حتى الاقتراب من تلك الاوساط التي يختلط معها هذا الموسيقار الشهير , الا ان د. خليل عبد العزيز , الذي بدأ يعمل – بعد حصوله على شهادة الدكتوراه في الصحافة - بمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , التقاه عدة مرات وتحدث معه , لأن طبيعة عمل د. خليل في المعهد المذكور( ومع رئيس المعهد الاكاديمي غفوروف بالذات ) سمحت له اللقاء مع الوفود العربية التي كانت تزور موسكو برئاسة القادة العرب , ومنهم عبد الناصر والملك الاردني الحسين والملك المغربي محمد الخامس ...الخ , وهكذا التقى الموسيقار خاتشوتوريان اثناء زيارة الملك المغربي لموسكو وتحدّث معه , وعندما كنت ادردش مرة مع د. خليل ( وما أكثر تلك الدردشات , والتي كتبت عنها عدة مقالات ) , قلت له , انت تتحدث دائما حول السياسة والسياسيين , واريد ان اسمع منك حديثا بعيدا عن السياسة , فضحك د. خليل وقال , لأحدثك عن الموسيقار الارمني الكبير خاتشوتوريان , فعندما التقيته وعرف اني من العراق , قال لي مبتسما , عندكم ( حرامي بغداد ) جديد , ظهر في الموسيقى العربية المعاصرة اسمه محمد عبد الوهاب . اندهشت أنا من كلام خاتشوتوريان هذا , بل امتعضت في الواقع , وقلت لخليل رأسا , ألم تقل له , ان محمد عبد الوهاب هو موسيقار الاجيال العربية , واننا جميعا نستمع اليه طوال حياتنا بكل اعجاب وحب ولا نملّ ابدا من اغانيه الجميلة ذات الالحان الرائعة , فأجابني د. خليل , نعم قلت له ذلك , ولكن خاتشوتوريان أوضح لي , ان محمد عبد الوهاب موسيقار ذكي جدا , وانه يعرف كيف يتعامل مع الالحان الاجنبية ويستخدمها في موسيقاه , بل ان خاتشوتوريان قال لي , انه يمتلك مكتبة موسيقية كاملة تبين جذور تلك الظاهرة وتثبتها , فقلت أنا لخليل , أخشى ان هذا الكلام ينطلق من حسد او غيرة ليس الا من شخص ناجح مثل عبد الوهاب , فقال لي د. خليل , ان نجاح وشهرة خاتشوتوريان ليست أقل من نجاح وشهرة عبد الوهاب , بل هي واقعيا أكبر , وحدّثني , كيف دعاه الملك محمد الخامس لزيارة المغرب , وكيف ان الموسيقار الارمني قد اعتذر عن تلبيتها قائلا للملك , ان اجازته قد شارفت على الانتهاء , وبالتالي ليس لديه وقتا لتلبية تلك الدعوة , وان الرئيس السوفيتي عندئذ بودغورني كان يستمع الى دعوة الملك واعتذار الموسيقار , وقال لخاتشوتوريان ان يوافق على الدعوة , وانه لا توجد اي مشكلة بشأن تمديد اجازته , وقد زار خاتشوريان المغرب فعلا , واعتذر هناك عن تلبية الدعوة لتأليف موسيقى النشيد الوطني لهم .
بقيت كلمات خاتشوتوريان عن عبد الوهاب في ذاكرتي طويلا , اذ اني من المعجبين جدا باغاني هذا الفنان العربي الكبير , ولكن – مع هذا – بدأت بالبحث والاستفسار حول ذلك , اذ ان آراء موسيقار كبير بمستوى خاتشوتوريان لا يمكن ان تكون عبثية , وقد وجدت مرة اغنية يونانية لمطربة اسمها صوفيا فيمبو , والاغنية هذه نسخة طبق الاصل لاغنية عبد الوهاب ( يا مسافر وحدك ) المعروفة , وقد استمعت فعلا الى تلك الاغنية اليونانية مع مجموعة من الزملاء , وعلّق أحدهم قائلا – ربما هذه المغنية هي التي اقتبست اغنيتها من عبد الوهاب , وضحكنا جميعا , وقلنا , اننا لا نقدر ان نتناقش لا مع خاتشوتوريان , ولا مع هذه المغنية اليونانية , وقال شخص آخر بيننا , ان هذه الاحاديث ليست جديدة ابدا بالنسبة لمحمد عبد الوهاب , ويقال , انه يوجد حتى تقرير تفصيلي لليونسكو حول (13) اغنية من أغانيه مقتبسة ( ولا اريد استخدام كلمة مسروقة !) من ألحان غربية معروفة , وأشار زميل رابع , الى انه سمع , ان هناك أغان مشهورة لعبد الوهاب مأخوذة من ألحان اجنبية مثل اغنيته المشهورة من كلمات بشارة الخوري - ( جفنه علّم الغزل ) , الا اننا اتفقنا جميعا , اننا لسنا من العارفين ( بخفايا !) الموسيقى والموسيقيين والملحنين , ولكننا نحب عبد الوهاب ونحترم موهبته ونستمع الى اغانيه ونطرب لها , ونقدّر دوره الكبير في عالم الموسيقى العربية , وبدأ زميل بيننا (كان صامتا اثناء هذه الدردشة) يدندن باغنية وهو يقول , انها الاغنية التي يعشقها طوال حياته, رغم انه سمع ايضا, ان محمد عبد الوهاب ( استعارها !) من الاخرين , والاغنية هي  –
أحب عيشة الحرية ....زي الطيور بين الاغصان
مادام حبايبي حواليه... كل البلاد عندي اوطان

110
تمثال عزيز علي بمبادرة من دار نوّار
أ.د. ضياء نافع 
الى المبدع جمال العتابي , الجندي المجهول , الذي صاغ – وبمهارة دبلوماسية عالية - هذا الحدث العراقي التاريخي الجميل.
تم ازالة الستار وتدشين التمثال النصفي للفنان عزيز علي بقاعة الرباط في بغداد بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر 2021, وهو اول تمثال يقام في العراق لهذا الفنان الرائد الكبير , الذي كان يكتب كلمات أغانيه ويلحنها ويغنيها بنفسه , انطلاقا من هوايته ليس الا , والذي لم يكسب من تلك الاغاني الرائعة الجمال (من حيث الكلمات والالحان والغناء) شيئا , سوى محبة الناس وكراهية الحكّام , وربما يمكن القول , ان عزيز علي هو الفنان العراقي الوحيد الذي رسم في تلك الاغاني صورة فنيّة (دائمية !) لما يجري في العراق منذ تأسيس دولته قبل قرن والى حد الوقت الحاضر , صورة تدهش كل المستمعين العراقيين قاطبة , بغض النظرعن طبيعة هؤلاء المستمعين وثقافتهم وانحدارهم الطبقي , بل انني سمعت مرة تعليقا (وقبل فترة ليست بعيدة بتاتا) لأحد العراقيين البسطاء عندما كان يستمع الى اغنية لعزيز علي وهو يقول – (يمعوّد هاي اغنية كاتبيها هسّه ويذبّوها براس عزيز علي , لأن يخافون من الحكومه !) .
وقصة هذا التمثال ابتدأت عام 2020 , عندما وسّعت لجنة جوائز نوّار( كانت الجائزة الاولى لتعزيز الحوار العراقي – الروسي والجائزة الثانية للمترجمين العراقيين )  , وقررت تأسيس جائزة ثالثة لخريجي مدرسة الموسيقى والبالية العراقية , وهكذا تم منح تلك الجائزة للفنان عزيز علي باعتباره احد مؤسسي هذه المدرسة ولمساهمته الابداعية بالحركة الفنيّة في العراق , وفي عام 2021 قررت لجنة جوائز نوّار الاستمرار بمنح جائزة تعزيز الحوار العراقي – الروسي فقط , وتحويل الجائزة الثانية والثالثة الى اقامة ثلاثة تماثيل في بغداد لرجالات العراق لمناسبة الاحتفال بمئوية الدولة العراقية , وهم – الفنان عزيز علي و عالم الآثار طه باقر والشهيد فؤاد ابراهيم رئيس قسم اللغة الالمانية في جامعة بغداد . وقد تم فعلا افتتاح تمثال الشهيد فؤاد ابراهيم في كليّة اللغات , ومن المفروض قريبا افتتاح تمثال طه باقر في كليّة الآداب بجامعة بغداد , ولكن تمثال عزيز علي بقي معلقا بشأن مكان اقامته , وأخذ الدكتور جمال العتابي على عاتقه كل المسؤلية بشأن هذا التمثال , فهو الذي اتصل بالنحات المبدع موفق مكي , وهو الذي تفاوض مع وزارة الثقافة حول مكان التمثال , وهو الذي تابع كل مسيرة هذا العمل غير السهل وغير الاعتيادي بتفاصيله اليومية ضمن وضع الادارة العراقية الخاص جدا  , واستطاع  د. جمال العتابي بخبرته الادارية ودبلوماسيته الرقيقة ومعرفته الواسعة انجاز هذا العمل التاريخي بالنسبة للحركة الفنية في العراق , وتحقيق هدف جائزة نوّار باقامة التمثال النصفي لعزيز علي تخليدا لهذه الشخصية الفنيّة باعتباره واحدا من رجالات الدولة العراقية التي تحتفل هذا العام (2021) بمئويتها.
تصفيق حاد للدكتور جمال العتابي , وللنحات المبدع موفق مكي , ولدائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة ومديرها الفنان علاء مجيد , ولكل الذين ساهموا بالحفل الجميل والرائع في قاعة الرباط بتاريخ 23 تشرين الثاني / نوفمبر عندما ازيل الستارعن التمثال النصفي للفنان العراقي  الكبير عزيز علي , والشكر الجزيل لكل الاصدقاء الذين ساندوا الفكرة وساعدوا من اجل تنفيذها , ومنهم -  د. خليل عبد العزيز وصلاح الماشطة وعلاء المفرجي ود. غازي شريف , وتصفيق خاص للقرار الذي أعلنه السيد مدير عام دائرة الفنون الموسيقية بوزارة الثقافة في الحفل المذكور عن وضع ذلك التمثال النصفي في مدخل مدرسة الموسيقى والبالية , حيث سيقف مؤسس تلك المدرسة العريقة مع أحد الذين درس وتخرّج فيها ليقولا للتلاميذ الجدد – اهلا وسهلا بالاجيال العراقية الجديدة في مسيرتكم الفنية ...

111
البرجوازي الصغير تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
كان هذا الحديث عن تشيخوف ممتعا جدا بالنسبة لي , ولا أدري اذا سيكون ممتعا ايضا للقراء , الذين يتابعون الادب الروسي و ( درابينه !) وانعكاساته في الوعي الاجتماعي العراقي بشكل خاص , والعربي عموما , ولكني أظن ( وبعض الظن اثم ) , ان هذا الحديث ربما سيكون طريفا لبعض القراء ( خصوصا لهؤلاء الذين عاصروا عدة مراحل زمنية متنوعة جذريّا في مسيرة العراق الفكرية منذ اواسط القرن العشرين) , ولهم بالذات  قررت كتابة خلاصة لهذا الحديث , الخلاصة ليس الا , دون تكرار , او حتى الاشارة البسيطة الى الشعارات و ( الهتافات !!!) التي رافقت هذا الحديث (  الادبي البحت !!!) عن تشيخوف , والذي استمر في حدود نصف ساعة لا أكثر , ولكن هذه (النصف ساعة !)  كانت مليئة بالافكار الغريبة جدا و العجيبة فعلا , والتي من الصعب - بالنسبة للاكثرية - حتى التفكير بامكانية الاعلان عنها بهذه الصيغة والتحدّث حولها, ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين .
سألني ( بطل الحديث !!) بحدّة وقوة – ما هو موقف تشيخوف من الطبقة العاملة ؟ لم اكن اتوقع بتاتا هذا السؤال عن تشيخوف , وبالتالي لم استطع الاجابة رأسا , وحاولت ان اكسب وقتا اضافيا للتفكير فطرحت عليه سؤالا تفسيريا مضادا , وسألته وأنا اكرر – موقف تشيخوف من الطبقة العاملة في الامبراطورية الروسية ؟ فأجابني وبنفس الحدّة والتوتر -  نعم , من الطبقة العاملة المضطهدة والمسحوقة من قبل الرأسمالية الروسية في تلك الامبراطورية الوحشية , التي كان يحكمها القياصرة الطغاة . قلت له مبتسما, وانا احاول تهدئة الاجواء المتوترة , ان تشيخوف كان متعاطفا مع الشعب الروسي باكمله , ولكنه لم يركّز اهتمامه على طبقة معينة بالذات , ولم يكن ضد اي طبقة من طبقاته , بل وكان تشيخوف متعاطفا اصلا مع كل انسان بشكل عام , فضحك (بطلنا!) من جوابي باستهزاء , وقال , طبعا , لا يمكنك ان تجيب بشكل دقيق وحاسم عن سؤالي المحدد , وتحاول ان تتهرب من الموضوع الواضح للعيان بالنسبة لكل شخص يمتلك رؤية ثورية حقيقية واصيلة تجاه ظواهر الفن عموما , والادب خصوصا , هذه الظواهر التي يجب ان تخدم الشعب وطبقته العاملة قبل كل شئ , وأضاف بعد ان صمت قليلا , لقد طرحت عليك سؤالا محددا , وهو بالنسبة لنا , نحن الذين درسنا واستوعبنا النظرية الثورية الحقيقية , مثل الترمومتر لقياس حرارة الجسم , اذ ان الموقف من الطبقة العاملة يحدد بشكل واضح وصريح كل شئ في ابداع اي كاتب في العالم , والنموذج الذي نعرفه في الادب الروسي هو مكسيم غوركي وروايته ( الام ) , والتي أعطت للادب الروسي ( والعالمي ايضا ) بداية مفهوم الواقعية الاشتراكية , وتشيخوف الذي عاصر غوركي لم يلاحظ حتى بدايات ذلك الاتجاه الادبي والفني العظيم , واستمر بكتابة قصص عن ( عطسة موظف ) او ( عضة كلب ) او ( سيدة ذات كلب صغير ) , او  مسرحية ( الدب )  وما شاكل ذلك من تلك المواضيع الساذجة وغير المهمة بتاتا للناس , لأن تشيخوف برجوازي صغير ليس الا , والبرجوازية الصغيرة في كل المجتمعات لا يمكن لها ان تستوعب ابدا طبيعة المشاكل الاجتماعية الكبرى والاساسية في المجتمع , ولا يمكن لهذه البرجوازية الصغيرة ان تجد حلّا لتلك المشاكل التي تعاني منها الطبقات المسحوقة في تلك المجتمعات . حاولت اثناء حديثه المتشعب هذا ان اتدخل بالكلام , وان اقول له في الاقل , ان فلسفة تشيخوف كانت تكمن في ان الادب يطرح المشكلة فقط , أما ( حلّها ) , فان ذلك ليست مهمته , ولكنه لم يسمح لي بذلك بتاتا , وعندما توقف بعد هذا ( الخطاب !) الحماسي , قلت له بهدوء -  يجب عليك – يا صاحبي -  دراسة الادب الروسي خارج هذه النظرة السياسية المحدودة , والتي كانت موجودة بشكل او بآخر زمن جدانوف وغيره  من ( موظفي !) تلك الاجهزة التي تم رفضها والتخلص من بقاياها وآثارها منذ أكثر من نصف قرن في الاتحاد السوفيتي نفسه , واصبحت الان نسيا منسيا , فالواقعية الاشتراكية – مثلا - لم تعد موجودة منذ سبعينيات القرن العشرين حتى في النقد الادبي السوفيتي , والنتاجات الادبية التي أشرت اليها لتشيخوف وأسميتها ( ساذجة !) اصبحت الآن في الواقع قمما في الادب الروسي والادب العالمي ايضا , قمما دخلت في أعماق الآداب القومية لكثير من الثقافات وأخذت تتعايش معها , بما فيها ثقافتنا العربية , ولم استطع الاستطراد , كي أحكي له , كيف كان طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد يمثّلون على مسارحهم الطلابية الجميلة مسرحيات تشيخوف بكل حب وحماس .
 اغتاظ صاحبي من هذا الجواب وامتعض كثيرا , وقال لي بعصبية , انه مستعد ان يثبت للجميع صحة موقفه هذا , وان الادب الروسي سيتحرر من شوائب البرجوازيين الصغار امثال تشيخوف , عندما سينهض الشعب الروسي من جديد ويحقق اهداف ثورته , التي اوقفتها قوى الرأسمالية العالمية . فهمت أنا  طبعا عدم جدوى النقاش معه , فقلت له – دعني اذكرك فقط بجملة عن تشيخوف قالها عالم اجتماع روسي كان بروفيسورا في جامعة موسكو اسمه كوفاليفسكي , والذي كان يعرف تشيخوف حق المعرفة , والجملة هذه هي – (... لم يكن تشيخوف يهتم بقضايا النظام الجمهوري او الملكي ..ولكنه كان يتمنى ان يرى روسيا حرّة ...)

112
عن كليّة التاريخ بجامعة موسكو وانعكاساتها
أ.د. ضياء نافع
الى المؤرخ العراقي الكبير أ.د. ابراهيم خليل العلاف , الذي يتابع و يؤرّخ – بموضوعية وابداع – كل ما يشاهد حوله .           
----------------------------
من الكليّات التي اندهشنا بوجودها عندما وصلنا عام 1959 للدراسة في جامعة موسكو هي كليّة التاريخ , اندهشنا , لأن التاريخ كان آنذاك بالنسبة لنا- نحن العراقيين - قسم علمي في كلية الاداب بجامعة بغداد ليس الا , ولكننا اكتشفنا , ان هناك كليّة خاصة باكملها للتاريخ بجامعة موسكو , وانها قد تأسست عام 1934 , واندهشنا ايضا عندما وجدنا , ان هذه الكليّة تحتوي على العديد من الاقسام العلمية المتشعبة جدا , والتي ترتبط طبعا بالدراسة العلمية المتخصصة والمعمقة لتاريخ روسيا قبل كل شئ وفي كافة مراحله ,وكذلك لتاريخ العالم ايضا وباكمله, و نود هنا ( في تعريفنا السريع والمبسّط لكليّة التاريخ ) ان نشير قبل كل شئ الى تسميات الاقسام العلمية الموجودة في تلك الكليّة ( والتي يعمل فيها أكثر من 300 تدريسي متخصص في علم التاريخ)  دون تفصيلات وشروحات اضافية حول مهمات تلك الاقسام العلمية , اذ ان التسميات بحد ذاتها تتكلم بشكل واضح عن ذلك , فالتسميات نفسها وبحد ذاتها تعني ما تعنيه , والاقسام العلمية هذه هي كما يأتي –
 قسم تاريخ روسيا الى بداية القرن التاسع عشر// قسم تاريخ روسيا في القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين// قسم تاريخ روسيا في القرن العشرين والقرن الحادي والعشرين // قسم علم مصادر التاريخ الروسي // قسم تاريخ العالم القديم // قسم تاريخ القرون الوسطى // قسم تاريخ بلدان اوروبا وامريكا الحديث والمعاصر // قسم تاريخ السلاف الجنوبيين والغربيين // قسم الاثار القديمة (اركيولوجيا) //    // قسم تاريخ الحركات الاجتماعية والاحزاب السياسية في روسيا // قسم تاريخ بلدان الشرق الادنى الاجنبية // قسم تاريخ الكنيسة // قسم الاعلام التاريخي // قسم اللغات القديمة // قسم اللغات الاجنبية // قسم تاريخ الفنون الوطنية // قسم التاريخ الشامل للفنون.
 وعدا هذه الاقسام العلمية , توجد في كليّة التاريخ مختبرات ( نعم مختبرات !) , وهي –
مختبر دراسة النصوص القديمة // مختبر التاريخ البيزنطي وما وراء البحر الاسود // مختبر تاريخ الثقافة الروسية // مختبر تاريخ العلاقات القومية بروسيا القرن 20 // مختبر التاريخ الحديث والمعاصر لبلدان اوروبا وامريكا // مختبر الجاليات والهجرة .
 واضافة الى كل تلك الاقسام العلمية والمختبرات , يوجد في كليّة التاريخ ايضا مركزان علميّان هما – المركز الاعلامي – التحليلي للمشاكل النظرية في العلوم التاريخية // و// مركز الدراسات الاوكرانية والبيلوروسية .
 وتم في عام 1985 تأسيس ( غرفة المجد الحربي لكلية التاريخ ) , والتي تدرس وتدوّن تاريخ الكلية ومشاركة طلبتها وموظفيها واساتذتها في الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى .
بعد هذا التعريف العام لكليّة التاريخ بجامعة موسكو , هل يمكن لنا ان نتحدث عن امكانية تأسيس كلية تاريخ عندنا ؟ دردشنا حول هذا الموضوع مع مجموعة من الزملاء , وقد اتفقنا بالاجماع ( وهي حالة نادرة بيننا!) بشأن عدم امكانية ذلك في ظروف بلادنا , لا في الوقت الحاضر ولا في المستقبل المنظور, وتحدثنا عن قسم التاريخ وقسم الآثار في كلية الاداب بجامعة بغداد , وقال احد المتابعين , ان القسم الاول هو توأم للقسم الثاني , فكلاهما واقعيا يدرسان التاريخ , ولكن قسم الآثار يدرس تاريخ الحضارات القديمة في وادي الرافدين حصرا , اما قسم التاريخ فانه يدرس تاريخ العراق الحديث والمعاصر وعلاقاته مع دول الجوار ومع العالم العربي وبقية دول العالم التي يرتبط بها بشكل او بآخر , ولا يدرس مواضيع تاريخية اخرى خارج هذا الاطار , وتشعبت الدردشة طبعا , وتساءل البعض , أليس من الضروري ان يكون لدينا متخصص في تاريخ امريكا وروسيا والصين وانكلترا وفرنسا والمانيا وووو , او, في الاقل متخصص في تاريخ اوروبا , او افريقيا , او آسيا, متخصص يعرف دقائق تفصيلية حول تلك البلدان والقارات , ويعرف كيف يجيب عن الاسئلة الكبيرة , التي يطرحها الواقع الدولي امام بلداننا وشعوبنا عند التعامل معها . واتفق الجميع تقريبا , بانه من الممكن في الوقت الحاضر اقامة مراكز علمية مصغّرة في اقسام التاريخ وبرئاسة تدريسيين متخصصين , مراكز تبدأ – في الاقل - بتجميع المواد العلمية اللازمة لدراسة تاريخ تلك القارات و البلدان , وتكون هذه المراكز بداية حقيقية لدراسة علمية في المستقبل تتخصص بالتاريخ العالمي , ولكن بعض المشاركين في الدردشة سخروا من هذه الفكرة , وقالوا , أليس الاكثر واقعية ان تبدأ عملية اقامة فروع في قسم التاريخ تتخصص بدراسة مراحل التاريخ العربي في الاقل , اذ اننا بحاجة ان نتعمق بدراسة تاريخنا وتحريره من الافكار العتيقة , التي تعرقل مسيرة مجتمعنا المعاصر , بل وتسبب له مشاكل كبيرة واقعيا .
 انتهت الدردشة باشتباك آراء الحابلين و النابلين , وقال أحد الشيّاب كي يختتم الدردشة – اعط الخبز لخبازته ولو أكلت نصفه.......   


113
 
عن عناوين الكتب الروسية المترجمة
أ.د. ضياء نافع
صدرت عن دار المدى في بغداد طبعة جديدة لرواية شولوخوف بترجمة غائب طعمه فرمان عنوانها – أرضنا البكر . رأيت غلاف ذلك الكتاب في الصحيفة ليس الا, وخطرت  رأسا ببالي الترجمة القديمة لتلك الرواية , وكانت بعنوان - الارض البكر حرثناها , وتذكرت كيف كنّا ( في درس الترجمة بقسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) نقارن هذا العنوان بترجمة ( الاراضي المستصلحة ) , وهو العنوان الذي جاء في مجلة سوفيتية كانت تصدر بالعربية آنذاك , ونقول لطلبتنا , ان الترجمة هي عمل ابداعي وليس ( نقل من لغة الى اخرى ) كما يكتبون – مع الاسف - في كثير من الاحيان على بعض أغلفة الكتب المترجمة . وتذكرت ايضا دردشتي – مرة – مع غائب طعمه فرمان في موسكو , عندما قلت له , اني شاهدت اليوم ترجمتة لكتاب ( البصقماط الاسود ) , ولم استطع ان ( اهظم !) كلمة ( البصقماط ) في هذا العنوان , اذ ان موسيقيّتها ثقيلة جدا على الاذن العربية, ولهذا فقد ( شذّبتها !) اللهجة العراقية , وحولّتها الى ( بقصم ) ليس الا , فضحك غائب وقال , ان هذه المفردة موجودة في القاموس العربي , فقلت له , ما أكثر المفردات الموجودة في القواميس , والتي لا تتناسق ولا تنسجم مع الاذن العربية ومتطلباتها , ثم سألته , ألم يكن من الافضل التصرّف بهذا العنوان و ايجاد عنوان آخر ملائم يتقبله القارئ العربي , الذي يتوجه اليه المترجم ؟ فقال بأسى - ان ترجماتنا هنا تخضع لرقيب روسي صارم وشديد جدا و لا يتساهل ابدا مع اي تحوير او اعادة صياغة , وخصوصا بالنسبة للعناوين .
( ارضنا البكر ) و ( الارض البكر حرثناها ) – عنوانان يخضعان للاجتهاد الترجمي الابداعي , وكلاهما جميلان فعلا, الا ان الترجمة الثانية , اي ( الارض البكر حرثناها ) تعبّر بشكل أدق عن نص العنوان الروسي لرواية شولوخوف , رغم ان فعل ( زرعناها ) اكثر دقّة من فعل ( حرثناها ). هناك رواية اخرى لشولوخوف , وهي الاهم في نتاجه الابداعي , وعنوانها ( الدون الهادئ ) , والتي ترجمها مجموعة من فطاحل المترجمين العراقيين في حينها , واصدرت دار المدى ايضا طبعة جديدة لها بمراجعة غائب طعمه فرمان . يوجدعنوان آخر بالعربية لهذه الرواية , وهو (هادئا ينساب الدون ) . العنوان الاول , اي ( الدون الهادئ ) هو ترجمة حرفية , ولكنها تحتفظ ببنية النص الروسي وتحافظ على جماليته بالعربية في نفس الوقت , اما العنوان الثاني , اي ( هادئا ينساب الدون ) فهي ترجمة ابداعية , وتعبّر ايضا عن طبيعة النص الروسي , ولكن ترسمه  باجواء شاعرية تتناسق مع روحية القارئ العربي ومتطلباته , ولا تتعارض – في نفس الوقت - مع ذلك النص الروسي (رغم انها ذهبت أبعد من البنية الروسية !) , اذ ان فعل ( ينساب ) يعبّر طبعا عن حركة الماء الهادئة في  نهر (الدون ) .
 عنوان النتاج الادبي مهم جدا , فهو ( الناطق الرسمي !!!) امام القراء باسم ذلك النتاج , و هناك آراء مختلفة بشأن ترجمة العناوين , اذ يرى البعض , انه لا ضرورة للتصرّف بترجمة العنوان , اذا كانت الترجمة الحرفية تفي بالغرض فعلا , اي تعبّر عن النص الاجنبي وعن جمالية النص العربي في آن , ولكن بعض العناوين تتطلب – وبشدّة والحاح -  التغيير والتحوير والاجتهادات الابداعية (وعنوان الاراضي المستصلحة لشولوخوف من ضمن هذه العناوين طبعا) . هناك أمثال كثيرة اخرى لهذه الظاهرة في ترجمات الادب الروسي الى اللغة العربية, ولا يتسع المجال للتوقف عندها , ولكننا نختتم هذه الملاحظات السريعة عن ترجمة العناوين بمثل (صارخ !) يرتبط بغوركي , اذ توجد لديه رواية قصيرة مشهورة عنوانها( حسب الترجمة الحرفية ) هو- ( اناس سابقا ) , وهو عنوان طريف وجميل بالروسية , وغير اعتيادي بالمرّة , ولكن لا يمكن بتاتا ترجمته حرفيا , وقد تم ترجمته الى العربية فعلا بطريقة مبتكرة وجميلة وهي – (مخلوقات كانت رجالا ) .
الترجمة علم وفن معا , وترجمة العناوين تتطلب من المترجمين  جهودا علمية وفنيّة مضاعفة وتأمّلات فكرية هادئة , لأن العنوان هو – الواجهة الاولى والحقيقية للعمل الترجمي ...

114
نحو طبعة منقّحة ومزيدة للقاموس العربي – الروسي
أ.د. ضياء نافع
عندما نقول ( القاموس العربي – الروسي ) في روسيا , فان هذا يعني اننا نتكلم عن قاموس بارانوف الشهير , والذي صدر بعدة طبعات منذ اربعينات القرن العشرين ولحد الان , ورغم  اختلاف الشكل جذريّا في كل طبعة , الا ان المضمون بقي كما هو تقريبا منذ الطبعة الاولى , رغم الخطوات التي تم اتخاذها في الطبعات اللاحقة , والاشارة الى ان هذه الطبعات مزيدة ومنقّحة .
 لقد أصبح هذا القاموس – المرجع الاول والاهم بالنسبة لكل الروس ( والسوفييت ايضا ) , الذين درسوا اللغة العربية في الجامعات والمعاهد الروسية والسوفيتية منذ اواسط القرن العشرين والى الوقت الحاضر , واصبح هذا القاموس طبعا واحدا من المراجع المهمة ايضا لكل العرب , الذين درسوا في المعاهد والجامعات السوفيتية والروسية , رغم انه قاموس عربي – روسي , وليس العكس , ولكنه كان ضروريا جدا في بعض الحالات .
حاز قاموس بارانوف على مكانة مهمة بالنسبة لدارسي اللغة العربية من غير الروس ايضا , وأذكر مرة , ان صديقي سلفادور ( المستعرب الاسباني ) , الذي كان يدرّس اللغة الاسبانية في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب في جامعة بغداد في السبعينيات طلب منّي نسخة من ذلك القاموس , لأن استاذه في اسبانيا يحتاجه , وقد اوضح لي سلفادور , ان استاذه لا يعرف الروسية , الا انه يحتاج الى دراسة الكلمات العربية في قاموس بارانوف وترتيبها , وقال لي سلفادور, ان هذا القاموس معروف في اوساط المستشرقين الاسبان , وقد شكرني جدا عندما قدّمت له نسخة من القاموس , وأذكر ايضا , كيف ان مجموعة من الزملاء العراقيين ( المتحمّسين سياسيا وفكريا للجانب السوفيتي في كل شئ !!!)  حاولوا مرة في بغداد اصدار الجزء العربي في هذا القاموس بطبعة خاصة ( باعتباره قاموسا للغة العربية المعاصرة !) , ولكنهم لم يستطيعوا تنفيذ فكرتهم تلك , اذ كيف يمكن ( بيع الميّة في حارة السقايين ؟) .
لم نستخدم , نحن الطلبة العرب عموما , هذا القاموس بشكل واسع عندما كنّا ندرس في الجامعات السوفيتية والروسية , اذ كنّا نحتاج الى القاموس الروسي العربي قبل كل شئ , ولكننا استخدمناه في حالات خاصة , و كنّا نعتبره المرجع الاول للطلبة الروس , الذين يدرسون اللغة العربية , ولهذا , فاننا بشكل عام لم نعرف هذا القاموس بعمق , ولكنني (اصطدمت!) مرة باحد الطلبة الروس , الذين يدرسون العربية , اذ انه قال لي , ان كلمة ( أيوه ) هي كلمة عربية فصيحة , فاوضحت له ان كلمة ( نعم ) هي الفصيحة , وان ( ايوه) من اللهجات العربية , ولكنه لم يقتنع بتاتا , واصرّ على موقفه , فتعجبت أنا من ذلك الموقف , وقلت له – كيف يمكن لك ان تناقشني حول أوليات لغتي العربية وهي لغتي الام وانت طالب روسي يدرس العربية في روسيا ؟ فقال لي , لانه قرأ ذلك في قاموس بارانوف , وانه يثق به بشكل مطلق . وقد اضطررنا للرجوع الى القاموس , ووجدنا فعلا ضمن حرف الالف كلمة ( أيوا / أيوه ) وامامها كلمة ( دا ) الروسية , اي نعم , لكن بارانوف يضع امامها مختصر (شعب.) , اي انها شعبية , فقلت للطالب الروسي , ان توضيح مؤلف القاموس ليس كافيا , ولهذا فان موقفك لم يكن دقيقا , فقال لي هذا الطالب – وهل ترى ان موقفه غير صحيح , فقلت له , ان القاموس يجب ان يفرّق بشكل واضح و دقيق بين اللغة الفصيحة وبين لهجاتها , وخصوصا بالنسبة للغة العربية , التي توجد فيها لهجات عديدة نتيجة عوامل كثيرة , وقلت له اننا في العراق – مثلا - لا نقول ( ايوه ) ابدا  .
بعد هذه الحادثة ( الطريفة !) مع الطالب الروسي , عدت الى قاموس بارانوف بهدوء , وراجعت كل حرف الالف , فوجدت مفردات قليلة جدا من اللهجات , الا انها موجودة , مع ذلك ,  وتحتاج هذه الكلمات (رغم قلّتها) الى تنقيح , او تصحيح , او الغاء , او هوامش توضيحية حتما , مثل كلمة ( أسانسير) بمعنى مصعد , او (اريال) بمعنى هوائي لبعض الاجهزة , او (اسكي) بمعنى أداة التزلج على الجليد, او (أدبخانه) بمعنى تواليت , او (خوي) بمعنى أخي , او (أجنسيّة) بمعنى وكالة , او (احنا) بمعنى نحن , او (اجبتولوجي) بمعنى متخصص بالآثارالمصرية, او (اجزاجي) بمعنى صيدلي , او (اتمبيل و اتوموبيل) بمعنى سيارة , او (أبّلة) بمعنى عمّة , او (أباجور) بمعنى غطاء المصباح , وربما توجد مفردات اخرى مشابهة في الحروف اللاحقة بهذا القاموس .
ان قاموس بارانوف العربي الروسي مهم جدا في مسيرة حركة الاستشراق الروسي , وفي عالم القواميس العربية الروسية والروسية العربية ايضا , ولا زال يعدّ مصدرا علميا معتمدا لكل دارسي اللغة العربية في روسيا او المرتبطين بها بشكل او بآخر, وكذلك لكل العرب المرتبطين باللغة الروسية ايضا , رغم كل ما حدث من تطور تقني هائل في مجال القواميس والترجمة بشكل عام , ولهذا , فاننا نقترح تشكيل لجنة من المتخصصين ( واتمنى ان يكون من بينهم د. جابر ابي جابر- مؤلف القاموس الروسي – العربي الكبير) لتنقيحه بشكل جذري, واعداد طبعة جديدة منه , طبعة منقّحة ومزيدة ( بشجاعة وبكل معنى الكلمة ) من هذا الجهد العلمي الكبير , الذي قدّمه لنا العالم الجليل بارانوف منذ عشرات السنين , بل انه بدأ بالاعداد له منذ عشرينيات القرن العشرين ( كما يذكر المستشرق الكبير كراتشكوفسكي في مقدمته الواسعة والعميقة للطبعة الاولى من القاموس عام 1945) , ونعتقد جازمين , ان هذه الطبعة المنقّحة ستعيد الحياة الى هذا القاموس الرائد في مسيرة الاستشراق الروسي ومسيرة العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي ...   

115
المنبر الحر / ماياكوفسكي و غوغول
« في: 22:06 04/11/2021  »
ماياكوفسكي و غوغول
أ.د. ضياء نافع
  ماياكوفسكي ( 1893- 1930) ابن الثلث الاوّل من القرن العشرين في روسيا السوفيتية بلينينها وستالينها وثورة اكتوبرها عام 1917 , التي ( هزّت العالم في عشرة أيام !) , أمّا غوغول ( 1809 – 1852) فانه ابن النصف الاوّل من القرن التاسع عشر في روسيا الامبراطورية بقياصرتها واحداثها الهائلة و الجسام ايضا , ولكن تلك الاحداث وحتى اسماء القياصرة في الامبراطورية الروسية تكاد ان تكون منسية في الوقت الحاضر حتى من قبل المواطنين الروس انفسهم , وغير المعروفة اصلا للكثيرين منّا , نحن العرب , ( كنت اتحدّث مرة مع أحد الزملاء العراقيين , الذين ( يعشقون صياغة النظريات !!!) عن هجوم نابليون على روسيا , فقال لي مصححا معلوماتي و ساخرا طبعا – هتلر هجم على روسيا يا استاذ وليس نابليون!!! ) .
 ونظرا لهذه الاختلافات الهائلة بين غوغول وماياكوفسكي , لم اخطط ( ولم افكّر ايضا ) ان اكتب عنهما معا لأنهما – حسب رأي الشخصي عندئذ -  بعيدين تماما عن بعضهما البعض في الزمن وفي المواقف الفكرية تجاه الاحداث التي احاطتهما وكتبا عنها في نتاجهما الابداعي , اذ لا علاقة بين شاعر يمجّد ثورة اكتوبر الاشتراكية وزعيمها في القرن العشرين مع مؤلف الرواية القصيرة ( المعطف ) او مسرحية ( المفتش ) في القرن التاسع عشر , ولكني اطلعت – قبل فترة قصيرة جدا - على بحث علمي بالروسية بقلم هاركوف ف. غ. وهو باحث من الجامعة التقنية في مدينة  فينيتسا الاوكرانية , وعنوان البحث المذكور هو – ماياكوفسكي وغوغول , واندهشت جدا ( حتى عندما كنت  أقرأ  سطوره الاولى) , حيث يشير الباحث الى بعض الارقام المثيرة والغريبة فعلا بالنسبة لي , ومنها مثلا , ان هناك ( 39) نتاجا لماياكوفسكي ترتبط ( بشكل او بآخر ) باسم غوغول وابداعه , وان ماياكوفسكي ذكر في نتاجاته الادبية ( 14) عملا من ابداعات غوغول , وأشار الباحث ايضا الى ان ماياكوفسكي وجماعته (الفوتوريستي) , اي انصار الاتجاه الفني الادبي ( فوتوريزم – المستقبلية ) في روسيا , الذين قرروا ان  يتخلصوا من ( الادباء الكلاسيكيين ) ويرموهم من ( سفينة المعاصرة ), حسب عنوان بيانهم الشهير , لم يذكروا اسم غوغول بين اسماء الادباء الكلاسيكيين هؤلاء , وحتى لم ( يرموه بالحجارة ) كما فعلوا مع الادباء الكلاسيكيين الآخرين , ويؤكد الباحث المذكور , ان هذا الموقف المبدئي (يعني ما يعنيه!) من قبل ماياكوفسكي وجماعته , وان ذلك الموقف لم يأت  من فراغ ابدا ولم يحدث عبثا.
قرأت هذا البحث العميق (من ألفه الى يائه!) بتأمّل وهدوء , وقلت بيني وبين نفسي , كم نحتاج من الجهد والوقت كي نتعرّف ( نتعرّف ليس الا ) على اوليات الادب الروسي المتشعبة وتاريخه , وكم نحتاج ايضا الى جهود كبيرة اخرى للغور في اعماق هذا الادب واستيعابه .  ومن المؤكد , ان هذا المفهوم عام جدا ومنطقي جدا بالنسبة للادب العربي ايضا بمراحله العديدة , او بالنسبة لاي ادب عالمي آخر في هذا المستوى , (وتذكرّت الاحكام التي يطلقها فلان وفستان و علّان هنا وهناك - دون اي احساس بالمسؤولية - حول الادب الروسي وشعابه واسراره , ويربطونها بمفاهيمهم السياسية البحتة ,  وابتسمت بيني وبين نفسي ايضا  , ابتسمت أسفا وألما على هؤلاء , الذين يطلقون هذه الاحكام المتسرعة نتيجة عدم معرفتهم الحقيقية لهذا الادب  !) .
حاولت – بعد قراءة البحث - الرجوع الى بعض المصادر التي استخدمها الباحث واستند الى بعض مقاطعها ( والموجودة في نهاية البحث كما تقتضي القواعد العلمية الدقيقة لكتابة مثل تلك البحوث ) , فقد ادهشتني – مثلا - جملة الفنان التشكيلي الروسي الكبير ريبين  (1844- 1930 ), التي ذكرها الباحث , اذ تبيّن ان ريبين كان حاضرا عندما ألقى ماياكوفسكي قصيدته الشهيرة ( غيمة في سروال ) لاول مرة , وقارن الفنان التشكيلي ريبين حماسة ماياكوفسكي المتدفقة بغوغول , وهي مقارنة أثارت اندهاش الحاضرين آنذاك , والتي لا زالت هكذا لحد الان , ويتطلب موقف ريبين هذا التأمّل حقا من قبل المتخصصين في تاريخ الادب الروسي , اذ ان مقارنة ريبين هذه  بحد ذاتها تعدّ موضوعا يستحق الدراسة الدقيقة , خصوصا وان ماياكوفسكي كان آنذاك في بداية طريقه الابداعي .
 قائمة تلك المصادر متنوعة جدا في عالم الفكر الروسي , فهناك , على سبيل المثال وليس الحصر, اسم الكاتب الروسي أندريه بيللي (1880 – 1934 ) ( يكتبون اسمه بيلي في بعض المصادر العربية ) , الذي يستشهد به الباحث عندما تكلم عن سخرية ماياكوفسكي المريرة والضاحكة معا وكيف تذكّر بسخرية غوغول ومفهوم ( الضحك عبر الدموع ) , الذي يرتبط طبعا بابداع غوغول ...
ماياكوفسكي وغوغول – موضوع أصيل وجدير بالدراسة المعمقة , ويحتاج الى جهود المتخصصين العرب في تاريخ الادب الروسي ...

116
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (17)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أطفال الضفدعة – ضفادع .
التعليق – علّق صاحبي على هذا المثل قائلا , وهو يبتسم – يجب اقناع حجي أحمد أغا وتلامذته بذلك , اذ انهم لا زالوا يأملون , ان ( أطفال الضفدعة ) سيختلفون , وان هؤلاء (الاطفال الجدد!) سيغيّرون الوضع تماما , قلت له , اني لم افهم ماذا تقصد , فاجاب بحدة وتوتر– تلامذة حجي أحمد أغا سيفهمون... 
+++++
الترجمة الحرفية – رأس تنيّن , لكن ذيل أفعى .
التعليق – صورة يابانية نموذجية جدا ( ومخيفة ومرعبة في نفس الوقت ! ) لمثل يتكرر عند شعوب اخرى عديدة ( ونحن طبعا من ضمنها ) , وهي صورة رمزية لازدواجية الانسان في علاقاته مع الآخرين , فمظهره الخارجي ( مرآيه !) و لكن حقيقته ( سلاّيه !) .
+++++
الترجمة الحرفية – المريض لا يمكن ان يكون سعيدا .
التعليق – مثل حكيم وصحيح جدا وشامل ايضا لكل انسان بغض النظر عن جنسه وقوميته , اذ كيف يمكن لشخص مريض ان يكون سعيدا , فالمريض يتطلع للشفاء فقط , و لا هدف له سوى الصحة . لنتذكر القول الدقيق والشهير – الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يرغب بشدّة ان يرتقي للاعلى , فانه يختلق السّلم .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل – على ما يبدو - خاص بهؤلاء , الذين يريدون ان يتسلقوا الى المناصب الاعلى , اذ انهم فعلا ( يختلقون !!!) مختلف الحجج و( السلالم ) كي يحققوا هدفهم , وغالبا ما تكون هذه ( السلالم ) واهية ومفتعلة , فأيدّته بقوة , وذكّرته بالتعبير الشائع في لهجتنا العراقية – لوكي و يمسح جتاف ... 
+++++
الترجمة الحرفية – سبع مرات تسقط , في المرة الثامنة انهض.
التعليق – مثل رائع , وكم نحتاجه في مجتمعاتنا , التي يسيطر عليها اليأس والقنوط نتيجة عوامل عديدة , اذ ان هذا المثل يؤكد على ضرورة النهوض رغم كل الصعاب التي يقابلها الانسان في حياته . اليابان ومسيرتها أعطت لنا نموذجا حيّا لهذا المثل .
+++++
الترجمة الحرفية – المهارة أكثر أهمية من القوة .
التعليق – نعم , هذا صحيح جدا , فالقوة وحدها لا تعني شيئا عندما لا توجد المهارة .
+++++
الترجمة الحرفية – ضروري مثل النقود للقطة .
التعليق – توجد امثال كثيرة لدى مختلف الشعوب حول هذه الحالة الواردة في العلاقات الانسانية , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الياباني ساخرة جدا وناطقة فعلا , وتصل الى هدفها مباشرة .
+++++
الترجمة الحرفية -      الصمت – وردة .
التعليق – نحن نقول ان السكوت ذهب ( مقارنة مع الكلام الذي من فضة ) , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الياباني تختلف جذريا , وهي صورة في غاية الجمال , اذ ان الورود – أجمل ما في الطبيعة , اي ان الصمت هو أجمل ما في العلاقات الانسانية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الصديق المزيّف أكثر خطرا من العدو الحقيقي .
التعليق – نعم صحيح جدا جدا , لأن الصديق يعرف كل الاسرار والخفايا عن صديقه , ويستطيع استخدامها ضدّه  ... 
+++++
الترجمة الحرفية – من السهولة للشبعان مراعاة الاتيكيت.
التعليق – الجوع كافر , هكذا يقول مثلنا , والبطن الجائعة صمّاء , كما يقول المثل الروسي , بل وهناك مثل عند الهنود الحمر يقول – الجائع ومع الذئب يتغدى , فكيف يمكن للجائع ان يراعي الاتيكيت ؟ اما الشبعان , فمن السهل له طبعا ان يراعي الاصول والقواعد . مثل حكيم ودقيق فعلا .
==========================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

117
غوغول وسلفادور دالي
أ.د. ضياء نافع
كنت أتجول بين لوحات سلفادور دالي الغريبة والعجيبة والجميلة وأتأملها باندهاش واعجاب شديدين , فاقترب مني الفنان التشكيلي الغريب الاطوار دالي  وسألني متعجبا – ما الذي جاء بك الى معرضي؟  فأجبته بسؤال ايضا – ولماذا هذا التعجب ؟ فقال ضاحكا – لانك تتنفس هواء الادب الروسي فقط , ولا يوجد هذا الهواء هنا , وأخشى عايك ان تختنق بين لوحاتي ,  فقلت له وانا اضحك ايضا – نعم , أنا أتنفس هواء الادب الروسي , هذا صحيح , ولهذا أنا هنا , اذ ان بعض الاجواء والملامح في لوحاتك تذكرني بنتاجات غوغول الادبية , فصمت دالي قليلا و برم شاربيه المعقوفتين , ثم قال لي – ادعوك لشرب القهوة والدردشة عن هذا الموضوع الطريف جدا بالنسبة لي ,  فهل تتقبّل دعوتي ؟ قلت له – نعم وبكل سرور. وهكذا بدأنا بهذا الحديث الممتع ونحن نشرب القهوة معا , واظن ان هذا الحديث ربما سيكون ممتعا للقراء ايضا , ولهذا اقدم خلاصته لهم ...
سألني دالي في البداية – اين رأيت أجواء و ملامح نتاجات غوغول الادبية في لوحاتي ؟ فقلت له – في كل لوحاتك , اذ ان عوالكما الفنية , انت وغوغول, مشتركة ومتشابهة بشكل واضح , اذ انكما تستخدمان الخيال الجامح والجميل , الخيال الغريب جدا ولكنه مفهوم للمتلقي , بل وان المتلقي هذا يندهش امام هذا الجمال غير الاعتيادي في اطار هذا الخيال غير الاعتيادي , فقال دالي – لقد سمعت مثل هذه الآراء الغريبة جدا عندما تحدثت مرة مع بعض اللاجئين الروس في باريس , وحتى قال لي أحدهم – ان دالي هو غوغول في الفن التشكيلي , ولكن هذه اول مرة اسمع تلك الآراء من عراقي , ولهذا دعوتك لشرب القهوة والدردشة معك حول ذلك , لانني أعرف , ان العراقيين عموما ينظرون الى غوغول بعيون بيلينسكية بحتة . ضحكت أنا , وقلت له , هذه اول مرة ايضا اسمع بكلمة ( بيلينسكية!) هذه , فما قصتها ؟ ضحك دالي وقال – لقد رسم بيلينسكي صورة غوغول في النصف الاول من القرن التاسع عشر , وعكس بيلينسكي في صورته تلك خصائص ذلك العصر ومشاكله باخلاص , واراد ان يؤكد على صحة آرائه الشخصية البحتة في كل شؤون الحياة ( بما فيها الآراء السياسية) عبر نتاجات غوغول ,  ولازالت هذه الصورة ذات الصفات النموذجية لذلك الزمان (ملصوقة!) في رؤوس وعقول الكثيرين من الروس طوال قرنين من الزمان تقريبا, اذ ان الاحداث الهائلة في ذلك البلد تسارعت , ولم تسمح لهم ان يتأملوا تلك الصورة القديمة لغوغول او تطويرها , او حتى تشذيبها في الاقل وجعلها تتناسق وتتناغم مع خصائص الازمنة اللاحقة المتنوعة جدا , التي تلتها , و العراقيون يكررون هذه الصورة القديمة ليس الا, الصورة التي (استنسخوها!) طبق الاصل في اواسط القرن العشرين بروسيا السوفيتية , عندما تعرفّوا على الواقع الروسي آنذاك . صمتنا كلانا , دالي وأنا , بعد هذه الاستطرادات الفكرية الحاسمة التي قالها دالي , ثم اضطررت أن اقطع هذا الصمت , وقلت له , انت لا تعرف الظروف الرهيبة , التي مرّت بنا في العراق , والتي جعلت المثقف العراقي ( يستنسخ !) الصور والافكار , ولكن المثقف العراقي وبالتدريج بدأ يتطور , وهو اليوم يختلف عن هؤلاء , الذين ( استنسخوا الصور طبق الاصل في ذلك الزمان!) كما قلت انت . ابتسم دالي وقال  لي , انه لا يتابع دقائق احداث العراق ابدا , ولا اي بلد من هذه البلدان المشابهة له , ولكن الصدفة فقط هي التي أتاحت له ان يستمع الآن الى أقوال عراقي , وقال -  (المهم بالنسبة لي , هو اني اريد ان اعرف اين وجدت العناصر المشتركة بيني وبين غوغول ) . انتعشت أنا , وقلت له – ان لوحتك الغريبة والرائعة ( اصرار الذاكرة) , حيث  الساعات المائعة ذكرتني بغوغول , اذ انك اردت هناك ان توقف الزمن , واوقفته فعلا , لكن الاجواء المحيطة بهذا الفعل الفلسفي الجبار قد ماتت , اي انك اوقفت الزمن لكنك فشلت في ايقاف الحياة وديمومتها , وهذا ما فعله غوغول قبلك بالضبط في الثلث الاول من القرن التاسع عشر, اذ انه انهى مسرحيته المشهورة ( المفتش ) بمشهد صامت رهيب, حيث تجمّد فيه كل ابطال المسرحية , اي انه اوقف الزمن ايضا , ولكنه فشل بايقاف الحياة . انت كررت نفس الفكرة الفلسفية (التي يحلم بها الانسان دائما ) , ولكن بشكل فني جديد و مدهش وجميل وخاص بك وحدك ويرتبط بخيالك الجامح , هذا  مثل واحد ليس الا , مثل وجدت به أنفاس غوغول في لوحاتك , واريد ان اتحدث لك عن مثل آخر , اذ انك عرضت في احدى افلامك كيف ان بطلك ( أضاع فمه ) , الا يذكرك هذا الشئ ببطل غوغول الذي ( أضاع أنفه ) في روايته القصيرة - الانف ؟ ضحك دالي , وقال , هذه ملاحظات دقيقة جدا , وربما انعكست في نتاجاتي عبر اللاوعي ليس الا , وهي تحتاج الى تأمّل عميق وهادئ , واراد ان يضيف شيئا , الا ان جرس المنبّه اللعين ايقظني من نومي ...           


118
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (16)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  رفيق الدرب ضروري في الطريق , و في الحياة – الصديق .
التعليق –  مثلنا الشهير يؤكد هذه الخلاصة العميقة , بل ويرى ان (الرفيق قبل الطريق) , اما الجزء الثاني من المثل الياباني حول الصديق  , فكل أمثال الشعوب تكرره ايضا , اذ كيف يمكن للانسان ان يعيش دون صديق ...
+++++
الترجمة الحرفية –  الطقس الحارّ ينتهي – والظلّ ينّسي .
التعليق – يقول المثل الصيني – عندما يلتئم الجرح تنسى الالم , والمثل الياباني هنا يؤكد نفس المعنى , ولكن الصورة الفنية فيهما مختلفة تماما, وقد قال صاحبي , ان هذه الصورة اكثر سطوعا في المثل الصيني , رغم انها أكثر ( نزاكة !) في المثل الياباني , ضحكت أنا , وقلت له – السطوع والنزاكة ( ولد عم!) ...
+++++
الترجمة الحرفية –  والجنة والنار – في روح الانسان .
التعليق – يوجد مثل عند الهنود الحمر يقول  – في اعماق كل انسان يجري صراع بين الذئب الشرير والذئب الطيب, وينتصر ذاك الذئب الذي انت تطعمه . علّق صاحبي قائلا – هذا مثل فلسفي يرسم الصراع الابدي بين الخير والشر في أعماق كل انسان...
+++++
الترجمة الحرفية – الفقراء لا يمتلكون أقارب .
التعليق – هذا المثل مؤلم جدا , و حقيقي جدا . لنتذكر مثلنا وبمختلف لهجاتنا – اذا كثر مالي كل الناس خلاني .
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان – مصدر الكثير من المصائب .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل الصحيح والدقيق عند كل الشعوب , فالكلمة هي ( ام العداوة والكراهية ) كما يؤكد السومريون منذ تلك الازمان السحيقة بالقدم , ولا زال الحال هكذا لحد اليوم ...   
+++++
الترجمة الحرفية -  العبقرية الكبيرة تنضج متأخرة .
التعليق – مثل صحيح جدا , لان العبقرية الانسانية الكبيرة تحتاج الى الوقت كي تتبلور وتنمو قبل ان تنتج . 
+++++
الترجمة الحرفية – حيثما  يسيطر الغباء , يضطر العقل للاختفاء.
التعليق – صرخ صاحبي عندما سمع هذا المثل قائلا – مضبوط , مضبوط , وكم اضطررنا ان نختفي عندما كنّا تحت سيطرة الاغبياء ! فسألته , وكيف وضعكم الان ؟ فأجاب ضاحكا – لازلنا مختبئين.....
+++++
الترجمة الحرفية –  الغصن لا يكون اكثر اكتمالا من الشجرة .
التعليق – مثل رمزي بامتياز , ويرسم بشكل واضح جدا , ان الجزء يرتبط بالكل ويخضع له , ولا يمكن لهذه القاعدة ان تحدث بالعكس بتاتا .
+++++
الترحمة الحرفية –  بعد ان ضرط أخفى مؤخرته .
التعليق – قال صاحبي , وماذا كان يجب ان يعمل هذا الياباني المسكين بعد وقوع ( الحادث!) ؟ فقلت له , ان مثلنا بلهجتنا العراقية يكرر نفس الشئ بعد هذا ( الحادث!), اذ يقول - بعد ما ضرطت تربعت ...
+++++
الترجمة الحرفية – الاعمال تتكلم بصوت أعلى من الاقوال .
التعليق – يتكرر معنى هذا المثل عند الكثير من الشعوب , ولنتذكر مثلنا العربي الجميل – الافعال أبلغ من الاقوال . مثلنا أعمق , ولكن المثل الياباني أكثر وضوحا ,اذ ان  الافعال فيه ( تتكلم !) ايضا.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا المرأة تريد , فانها تخترق الصخرة الصماء.
التعليق – سألني صاحبي ضاحكا , ماذا سيقول هؤلاء , الذين يعتبرون المرأة ( ناقصة !)؟ , ضحكت أنا وقلت له , ربما سيؤكدون , ان
 اليابان ( تنقصها !!!) افكارهم  ...
+++++
الترجمة الحرفية – من الافضل للجنرال المندحر الا يتحدّث عن المعارك .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا , يبدو ان جنرالاتنا لم يطلعوا على هذا المثل , فقلت له , نعم لانهم لا يعرفون اللغة اليابانية. ضحكنا معا , وكان ( ضحكنا كالبكا ...).
+++++
الترجمة الحرفية – في كل الحي فقط الزوج لا يعرف .
التعليق –  علّق صاحبي قائلا  - مثلنا يؤكد , ان الزوج آخر من يعلم , اي انه في نهاية المطاف ( يعلم ) , ولكن هذا المثل الياباني يقول , ان الزوج فقط , وفي كل الحي , لا يعرف اصلا , ثم سألني – هل هذا يعني , ان الزوج عندنا افضل من الزوج عندهم ؟ ضحكت أنا , وبقيت صامتا ...
=====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

119
أعلام الشعر الروسي بقلم نزار محمود كنعان
أ.د. ضياء نافع
اسرع بالقول , ان كتاب د. نزار محمود كنعان الموسوم – ( أعلام الشعر الروسي ) , الصادر في موسكو عام 2021 ( والذي يقع في 437 صفحة من القطع المتوسط) – هو محاولة شجاعة جدا ومتميّزة جدا وبارزة جدا في هذا المجال بالنسبة لكل القراء العرب قاطبة, الذين يتابعون ( ويعشقون !) الشعر الروسي في عالمنا العربي الواسع , واسرع بالقول ايضا ,ان هذا الكتاب سيجد حتما مكانته اللائقة والجديرة به بين المصادر العربية الاخرى ( و ما اندرها مع الاسف ) في الشعر الروسي من حيث التعريف العلمي السليم و المتكامل بالشعراء وموقعهم ومكانتهم في تاريخ الادب الروسي ( وهذه مسألة في غاية الاهمية ) , وكذلك من حيث ترجمة نماذج (مختارة بدقة وبعناية) من قصائدهم عن الروسية الى العربية مباشرة , ومن الواضح ان اختيار تلك القصائد وترجمتها ( حسب اجتهاده الشخصي ) قام به فنان يمتلك عين خبير في الشعر الروسي وعاشق لهذا الشعر حتما . وأظن ,  ان هذا الجهد العلمي الكبير والاجتهاد الترجمي للدكتور نزار محمود كنعان يمكن ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة الروسية وآدابها في  جامعات عالمنا العربي كافة , كي يرجع اليه الطلبة العرب الذين يدرسون الشعر الروسي , وذلك من اجل تثبيت معرفتهم الصحيحة والدقيقة لهؤلاء الشعراء ومقارنة قصائدهم المترجمة مع النص الروسي , ومناقشتها تفصيلا وعمليا (اي دراسة الشعر الروسي وترجمته في المختبر!) , والوصول الى استنتاجات محددة بشأن ذلك , وكذلك يمكن لهذا المصدر المهم ان يكون (كتابا منهجيا مساعدا) في اقسام اللغة العربية وآدابها في الجامعات الروسية ايضا , كي يرجع اليه الطلبة الروس الذين يدرسون الترجمة الادبية من الروسية الى العربية وبالعكس , ليطلعوا على هذا الاجتهاد الترجمي الابداعي , الذي قدّمه لهم د. نزار محمود كنعان , هذا الاجتهاد الشخصي الذي يجسّد عصارة تجربته الفنّية الغنية وعمق معرفته بدقائق اللغتين العربية والروسية ومكامن الجماليات في ثنايا تلك اللغتين الجميلتين والعريقتين معا .
يتناول الجزء الاول من كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) أبرز شعراء العصر الذهبي في مسيرة الادب الروسي , وهم - جوكوفسكي و   بوشكين وليرمنتوف ونكراسوف وتيوتشيف وفيت . هذا الجزء وحده يتطلب من كل باحث يكتب عنه ان يتوقف عنده طويلا , اذ ان تلك الاسماء اصبحت الآن معروفة جدا في مجال الشعر العالمي وليس الروسي وحسب , ولهذا , فاننا لا نقدر في هذا العرض السريع ان نتكلم عنهم تفصيلا , ونكتفي بالاشارة الى تلك اللوحات التي رسمها د. كنعان بالكلمات الملوّنة لترجماته , فهل يمكن مثلا الا نلاحظ عند جوكوفسكي ( وهو الاب الروحي للرومانسية في الشعر الروسي ) هذه اللوحات المدهشة الجمال , والتي ترجمها لنا د. كنعان , مثل – ( جدول يتلوى فوق الرمال البيضاء ) , او – (...يتأرجح النسيم على صفحة الماء , /// وتتمايل الصفصافة الميساء !), او هذا المقطع من قصيدة (انشودة عربي على قبر حصانه) – ( ...انه نائم ..في فراش من الرمال ...دائمة الترحال ..) , أما بوشكين ( شمس الشعر الروسي ) , فنود ان نتوقف عند قصيدة ( الى تشادايف ) فقط , اذ انها قصيدة شهيرة ومترجمة عدة مرات الى العربية . لقد حاول د. كنعان ان يقدّم لنا اجتهاده الخاص بترجمته لتلك القصيدة , واستطاع فعلا ان يقدّمها باطار عربي شاعري جميل , انطلاقا من مفهوم-  (الترجمة بتصرّف) , وهو اسلوب شائع استخدمه المترجمون العرب للشعر الاجنبي عموما , ويثير هذا الاسلوب نقاشات متنوعة جدا بين القراء , فمنهم من يؤيده ومنهم من يعارضه , أمّا أنا , فأقول لهما – ( ... المجتهد اذا أصاب فله أجران , واذا أخطأ فله أجر واحد...  ) . ولا يمكن لي الاستمرارهنا حتى  في هذه التأملات السريعة ,  وهذا يعني ( فيما يعنيه ) عدم التوقف عند ليرمنتوف الرائع ( شاعر الحزن الجميل ) , ولا نكراسوف بمواقفه الفكرية الشجاعة , ولا توتشيف ( الذي كان تولستوي دائما يترنم بمقاطع من قصائده ) , ولا فيت , الذي قرأت باعجاب ترجمة د. كنعان لقصيدته الرائعة – (يا لها من سعادة انا وانت والليل ...) , وتذكرت ردود الفعل (الشبابية!) لطلبتي في كلية اللغات بجامعة بغداد عندما كنّا نقرأ تلك القصيدة معا اثناء دراستنا للشعر الروسي...
الجزء الثاني في الكتاب أوسع من الجزء الاول, اذ انه يتحدث عن خمسة عشر شاعرا , ومن بينهم اسماء لامعة مثل بلوك وماياكوفسكي وباسترناك ويسينين وأخماتوفا وتسفيتايفا ...ويتطلب حتى العرض السريع لهذا الجزء كتابات واسعة , والتوقف التفصيلي عند الاجتهادات الجديدة لترجمات قصائدهم كما جاءت في هذا الكتاب, ولكن العين بصيرة واليد قصيرة كما تعرف ايها الفنان التشكيلي والشاعر والكاتب والمترجم (والمتخصص في علوم الفلك والتصوير الفلكي!!!) د. نزار محمود كنعان ...
كتاب ( أعلام الشعر الروسي ) -  لوحة رشيقة وجميلة رسمها فنان موهوب اسمه نزار محمود كنعان , لوحة تحمل خصائصه  واجتهاداته الذاتية طبعا, ولكن بفضل هذه اللوحة اصبح يسير جنبا لجنب مع رواد الترجمة العربية للشعر الروسي  , اي مع حياة شرارة وحسب الشيخ جعفر وابراهيم استنبولي وايمن ابو الشعر وثائر زين الدين و برهان شاوي و..و..و..و..و..و..و..و.....

120
غفوروف وخليل عبد العزيز في طاجيكستان
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على مقال  بالروسية عنوانه – (الاكاديمي غفوروف بعيون الصحافي والسياسي العربي خليل عبد العزيز) . المقال بقلم تاج الدين ماردوني , وهو حاصل على شهادة دكتوراه علوم في الفيلولوجيا و باحث علمي في قسم الشرق الاوسط والادنى بمعهد اسيا واوروبا في جمهورية طاجيكستان ( والمجلة العلمية لهذا المعهد هي التي نشرت المقال في نهاية آب / اغسطس 2021 ) , ويمكن القول – وبكل ثقة -  ان هذا المقال  يعدّ بحثا علميا حقيقيا ورصينا وأصيلا بكل معنى الكلمة , بحثا يعتمد بالاساس على قراءة معمّقة وشاملة وذكيّة لكتاب ( محطات من حياتي), الذي أصدره خليل عبد العزيز في بغداد عام 2018 , مع التركيز على موضوعة مهمة جدا (بالنسبة لتاريخ طاجيكستان المعاصر) وهي - موقع ودور غفوروف ( تلك الشخصية الطاجيكية السوفيتية المرموقة في عالم السياسة السوفيتية والدراسات العلمية للتاريخ آنذاك ), ومكانته في كتاب خليل عبد العزيز المذكور , والدور الذي لعبه في المسيرة الشخصية لعبد العزيز اثناء عمله في معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية آنذاك , عندما كان غفوروف رئيسا للمعهد.
عنوان هذا البحث ( أجبرني!) على ان اتوقف عنده , وان اطالعه بانتباه وبشكل دقيق وعميق , اذ انه يعني (فيما يعنيه) , ان كتاب العراقي خليل عبد العزيز اصبح مادة لكتابة بحوث من قبل باحثين أجانب من خارج العراق والوصول الى استنتاجات مبتكرة واصيلة في تاريخ بلدان اجنبية, وهي ظاهرة جديدة ( قلبا وقالبا !) بحياتنا الفكرية في العراق , ظاهرة تثير طبعا الاعتزاز و الفخر عند كل عراقي ( وقد شعرت بذلك خصوصا , عندما قرأت اشارة صريحة جدا في ثنايا ذلك البحث تقول , ان الطاجيك سيعرفون اشياء جديدة لم يسبق لهم الاطلاع عليها عن النشاطات السياسية والعلمية لغفوروف من كتاب خليل عبد العزيز!) , وهذا اولا , أما ثانيا , فانها ظاهرة تستحق ان نتوقف عندها – نحن العراقيين -  بتأمّل وندرسها بشكل واسع وشامل , ونكتب ردود فعلنا حولها , اذ انها ظاهرة جديرة بهذا الاهتمام , وهو ما نحاوله بايجاز في مقالتنا هذه .
من الواضح تماما , ان هدف الباحث د. تاج الدين ماردوني من كتابة بحثه هذا هو دراسة اهمية غفوروف ودوره في مسيرة جمهورية طاجيكستان , اذ ان هذا الشخص ( اي غفوروف ) كان السكرتير الاول للحزب الشيوعي الطاجيكي الحاكم من عام 1946 الى عام 1956 ( والسكرتير الاول للحزب الشيوعي يعني الشخص الاول في الدولة آنذاك ) , عندما كانت طاجيكستان تدخل ضمن دولة الاتحاد السوفيتي , وكان غفوروف واقعيا الشخص الاول فيها زمن ستالين , ولكن غفوروف وصل الى هذا المنصب باعتباره شخصية علمية مرموقة ايضا , اذ كان مؤرخا كبيرا , وكان اختصاصه – تاريخ شعوب أسيا الوسطى , وهو مؤلف كتاب – ( الطاجيك )  الخاص بتاريخ الشعب الطاجيكي  , ولهذا , وبعد وفاة ستالين عام 1953 ومجئ خروشوف ( وكل التغيّرات الجذرية المعروفة و المرتبطة بهذا الحدث, التي تمّت في الاتحاد السوفيتي) , انيطت لغفوروف مهمة اخرى , وهكذا اصبح رئيسا لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية باعتباره حاصل على شهادة دكتوراه علوم في التاريخ , وباعتباره عضوا في اكاديمية العلوم السوفيتية , وقد شغل هذا المنصب من عام 1956الى تاريخ وفاته عام 1977, ورئاسة هذا المعهد موقع سياسي مهم جدا سواء في الاتحاد السوفيتي آنذاك , او في روسيا الاتحادية الان , وليس من باب الصدفة ابدا , ان جاء بريماكوف رئيسا للمعهد بعد غفوروف , ويعرف القارئ طبعا , ان بريماكوف اصبح بعدئذ وزيرا للخارجية الروسية ثم رئيسا للوزراء .
ان مرحلة ادارة غفوروف لمعهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية ( الروسية حاليا ) , التي امتدت طوال هذه السنين ,تعدّ مرحلة تاريخية مهمة في مسيرة المعهد سياسيا وفكريا , اذ انها رافقت  تحولات كبيرة في مسيرة السياسة السوفيتية آنذاك , والباحث الطاجيكي تاج الدين ماردوني استفاد بعمق من كتاب خليل عبد العزيز ( محطات من حياتي ) , لتسجيل الدور الهائل الذي لعبه غفوروف في سياسة الاتحاد السوفيتي باكمله تجاه البلدان العربية واقامة اوثق العلاقات معها ( السياسية والثقافية معا ) عن طريق نشاطات معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية , وكيف استطاع بمهارة عالية توجيه ذلك خدمة لسياسة بلده , هذا الدور (غير المدروس كما يجب ) في الاوساط الاكاديمية الطاجيكية , وحتى الاوساط الاكاديمية الروسية ايضا , وحاول الباحث الطاجيكي الاستفادة القصوى من كتاب خليل عبد العزيز لابراز دور غفوروف واهمية وقيمة تلك الشخصية الطاجيكية المعاصرة .
تحية اكبار واعتزاز للباحث الطاجيكي د. تاج الدين ماردوني على بحثه العلمي الرائد هذا , وتحية اكبار واعتزاز  لمؤلف كتاب ( محطات من حياتي ) د. خليل عبد العزيزعلى كتابه التاريخي المهم في مسيرة الحياة السياسية العراقية المعاصرة , مع التمنيات له بانجاز الطبعة الثانية المنقّحة والمزيدة لكتابه المذكور ...

121
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – يكفي حجر واحد كي تطرد ألف غراب .
التعليق – مثل ذكي جدا , لانه يدعونا ان نستخدم ( الحد الادنى ) من الاشياء المتوفرة حولنا , للوصول الى ( الحد الاعلى ) من الفائدة في حياتنا , وما أكثر (الاحجار!) حولنا , وما اكثر (الغربان!) التي تحيطنا...
+++++
الترجمة الحرفية –     الكلمات - بذور الخصام .
التعليق –  يوجد مثل سومري يقول – ليس القلب , انما الكلمة ام الكراهية , وفي صيغة اخرى - القلب لا يؤدي الى العداوة , انما اللسان يؤدي الى العداوة , وهناك امثال اخرى كثيرة جدا عند الشعوب في نفس المعنى , منها مثلنا العربي الشهير – اللسان عدو الانسان . الصورة الفنية في المثل الهندي هنا جميلة و محددة ودقيقة , اذ يسمّي الكلمات – بذور , اي انها يمكن ان تنمو وتؤدي الى الخصام ...
+++++
الترجمة الحرفية – انثر بيد واحدة , اجمع بكلتا اليدين .
التعليق – خلاصة بسيطة وعميقة وثمينة جدا للحياة الانسانية , وكيف يجب ان يتصرّف الانسان في شعاب الحياة المعقدة والمتشابكة . مثل جميل شكلا ومفيد مضمونا , ومن الضروري ان نضعه نصب أعيننا في كل مجالات الحياة ...
+++++
الترجمة الحرفية – من أجل ان تسامح العدو , يجب ان تجرحه أولا .
التعليق – هذا مثل فلسفي قبل كل شئ , لانه يطرح سؤالا جوهريا امام الانسان , وهو – هل يمكن مسامحة العدو بشكل عام ؟ يقول البعض – نعم يمكن , بعد ان تجرحه كما يشير هذا المثل , اي بعد ان تتغلب عليه , فالمسامح كريم والعفو عند المقدرة كما نقول , ولكن يعترض البعض الآخر, ويطرح السؤال الآتي -  هل سيسامحك هذا العدو نفسه بعد ان تجرحه , ثم تسامحه؟   
+++++
الترجمة الحرفية – تتكلم عن المبادئ السماوية مع ثور يهجم عليك .
التعليق – مثل رائع وطريف وواضح المعالم جدا , والصورة الفنية فيه ناطقة بكل اللغات , وبكل معنى الكلمة , ولا تحتاج الى اي توضيح او اضافة . قال صاحبي معلقا وهو يضحك – أظن ان الهندي الذي صاغ هذا المثل كان في زيارة طويلة لبلادنا , فقلت له , ان الثيران التي تهاجم الانسان البسيط والساذج هذا موجودة في كل مكان  ... 
+++++
الترجمة الحرفية – في الطعام وفي الاعمال – لا مكان للتواضع .
التعليق – التواضع ضروري في الحياة الانسانية , ولكن يجب ان نعرف اين نستخدمه . يوجد مثل عربي يقول – الافراط في التواضع يجلب المذلة . المثل العربي يتحدث بشكل عام عن نتيجة الافراط في التواضع , لكن المثل الهندي يحدد بشكل دقيق وحاسم  عن ( لامكان ) التواضع هذا . المثلان الهندي والعربي يكملان بعضهما البعض .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن التنبؤ بمصير الحجر والشجر والانسان .
التعليق – مثل واقعي و حكيم و صحيح فعلا ...لنتذكر الآية الكريمة – ... وما تدري نفس باي ارض تموت...
+++++
الترجمة الحرفية – في السعادة يستخدمون الصداقة , وفي التعاسة يدققونها .
التعليق – مثلنا العربي يقول - الصديق وقت الضيق , وهناك مثل أرمني يوسّع هذا الاطار ويقول – تعرف العدو والصديق وقت الضيق , ولكن الصيغة الهندية في هذا المثل تطرح الموضوع بشكل جديد ومبتكر وطريف ايضا .
+++++
الترجمة الحرفية – دلال المرأة ودلعها – علامة الحب .
التعليق – قال صاحبي بحسرة -  نعم , نعم , هذا صحيح جدا , رغم اني لم استوعب هذه الحقيقة الحلوة والمرّة معا في حياتي , وكم أنا آسف لأني لم أطلع على هذا المثل الهندي في شبابي , ضحكت أنا وقلت له –... ولآت ساعة مندم .
+++++
الترجمة الحرفية – الصمت – نصف الموافقة .
التعليق –  نصف الموافقة , وليس كل الموافقة كما يقول مثلنا . قال صاحبي , ان الهنود أكثر دقّة منّا , فالصمت فعلا يبيّن , ان هناك شك وتردد بشأن الموافقة التامة ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الزمان يمرّ , الاشاعة تبقى .
التعليق – نعم , هذا صحيح مع الاسف , لهذا يقولون في عصرنا – اطلق اشاعة وليس رصاصة على عدوك ...
==============================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للطبع في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

122
عن قصة تشيخوف القصيرة – (الى باريس)
أ.د. ضياء نافع
عنوان القصة مثير جدا للقارئ الروسي , وغير الروسي ايضا , اذ ان القارئ ( اي قارئ) يتوقع ان يجد هناك ( احداثا ذات نكهة باريسيّة طريفة ! ), والاحداث الباريسية دائما ( تثير!) الخيال ضمن الأجواء الذاتية , والخيال الباريسي يعطّ طبعا بكل تلك المغامرات , وهو ( اي الخيال) مثل النفس (الامّارة بالسوء!), رغم ان هذا السوء (جميل ورومانتيكي !!!), الا ان قصة تشيخوف القصيرة ( الى باريس) لا تتضمن ابدا احداثا باريسية ورومانتيكية من هذا القبيل لا من قريب ولا من بعيد , بل هي قصة ترسم صورة ساخرة (وقاتمة ومؤلمة جدا في نفس الوقت , ولكن ليس بشكل مباشر وصريح ) للواقع الروسي المرير آنذاك ليس الا ( وهو واقع لم يتغيّر كثيرا بمسيرة الزمن , ولازالت سماته وخصائصه واضحة المعالم الى يومنا الحالي ) , وفي هذه النقطة بالذات تكمن روعة تشيخوف , وسرّ ديمومة ابداعاته الفنية لحد الآن في روسيا اولا , وخارج روسيا ايضا , بما فيها عالمنا العربي طبعا , وهذا ما نحاول الكلام عنه بايجاز في سطور مقالتنا هذه عن قصة تشيخوف القصيرة – ( الى باريس ).
نشر تشيخوف قصته – ( الى باريس ) عام 1886 , وكان عمره حينئذ 26 سنة ليس الا , وقد تخرّج لتوّه في كلية الطب بجامعة موسكو . لم ينشر تشيخوف هذه القصة باسمه الصريح , بل باسم مستعار هو (تشيخونتيه) , وقد ظهرت القصة في مجلة روسية فكاهية من الدرجة الثانية ( ان صح التعبير ) اسمها ( اسكولكي ) اي ( الشظايا) , والتي أطلق عليها أحد الطلبة العراقيين المرحين في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين تسمية عراقية طريفة جدا , وهي  - ( واحدة من المجلات القرندلية في الامبراطورية الروسية !) .
ترتبط هذه القصة بحدثين تاريخيين محددين , الحدث الاول روسي بحت , والثاني عالمي بحت , وهذا شئ نادر جدا جدا في مسيرة تشيخوف وابداعه , اذ ان نتاجاته عموما تتناول عادة احداثا اعتيادية جدا , والتي تجري في مسيرة الحياة الانسانية اليومية بغض النظر حتى عن الانتماء القومي للانسان . الحدث الروسي في تلك القصة هو ما اعلنه عضو الاكاديمية الروسية (غروت ) حول كتابة بعض الحروف باللغة الروسية  , هذا الاعلان الذي أثار ضجة وردود فعل مختلفة في الاوساط الروسية , وكان تشيخوف ( ومعظم المثقفين الروس آنذاك ) ضد ذلك الاعلان , اما الحدث العالمي , فهو افتتاح المعهد الخاص بعلاج داء الكلب في باريس , والذي يرتبط باسم العالم الفرنسي الشهير لوي باستور . لقد ذكر تشيخوف هذين الحدثين باسلوب غير مباشر( و دون ان يركّز عليهما بشكل خاص) , ولكنه مع ذلك , أشار اليهما معا في قصته المشار اليها في هذه المقالة , دون ان يلاحظ القارئ الاعتيادي حتى تلك الاشارة الدقيقة , ولا زالت قصة تشيخوف هذه تذكّر القارئ الروسي بهذين الحدثين , رغم ان من المفروض ان يكون الامر عكس ذلك تماما , وفي هذه النقطة طبعا يكمن دور الفن واهميته في مسيرة المجتمع الروسي وغير الروسي ايضا .
مضمون القصة بسيط جدا (مثل معظم نتاجات تشيخوف) , فهناك اثنان يعودان الى البيت ذات مساء وهما في حالة سكر , احدهما معلم , وكان يتحدث لصديقه بشكل تفصيلي عن كيفية كتابة نهاية الاسماء في حالة المضاف اليه حسب المقترحات الجديدة لكتابة حروف الهجاء الروسية , وكان الثاني لا يستمع لهذا الحديث , لانه كان مشغولا بمراقبة مجموعة كلاب تعوي في الشارع , واراد ان يطردها , فعضوا اصبعه , وكذلك مؤخرة المعلم نفسه , وفي اليوم التالي نصحهم أحد معارفهم ان يعالجوا انفسهم من عضة الكلب في باريس بالمعهد الخاص بداء الكلب , وهكذا قررا السفر بالقطار الى باريس , ولكن شاهدوا احدهم وقد رجع بعد يوم فقط , وأخبرهم , انهما توقفا في مدينة كورسك , ووجدا ان المطعم غالي , فذهبا الى مكان ارخص , وهناك شربا حتى الثمالة , ونفذت نقودهما , وهكذا رجع الاول الى البيت , كي يرسل للثاني نقودا ليرجع هو ايضا الى البيت .  وهذا كل مضمون تلك القصة .
قال تشيخوف مرّة , انه يكتب ( للقارئ الذكي ) , الذي ( تكفيه الاشارة !) كما يؤكد مثلنا المعروف , وقد اطلعت على تعليقات أحد القراء  حول هذه القصة , ومن الواضح انه ليس ضمن القراء الاذكياء( ولا ارغب ان اسميّه بشكل آخر !) , ويقول هذا القارئ , ان القصة ( التي تقع بصفحتين !) لا تستحق القراءة بتاتا , لانها ترسم صورة لاثنين من التافهين, وان الحياة بالنسبة لهما تكمن بالادمان على الكحول ليس الا, وتذكرت قول مكسيم غوركي , الذي كتب ما معناه , ان التفاهة في المجتمع هي العدو الاكبر لابداع تشيخوف .
قصة تشيخوف ( التي تقع بصفحتين ! ) ترسم لنا التفاهة فعلا , وتجعلنا نضحك عليها , والضحك هو شجب للتفاهة , قصة تشيخوف  تجعلنا (نضحك!) على التفاهة , وتجعلنا في نفس الوقت ( نلطم !) ايضا , لان التفاهة موجودة في حياتنا اليومية ......   

123
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عسل باللسان , وسمّ بالقلب .
التعليق – تتكرر هذه الصورة الفنية في أمثال شعوب كثيرة , ومنها طبعا مثلنا الشهير (بالوجه مراية.....) , الا ان المثل الهندي هنا يرسم هذه الحالة بشكل مرعب وبصورة قاسية جدا , اذ ان الفرق هائل بين ( السلّاية... في مثلنا), والتي تنغز الانسان ليس الا , وبين ( السمّ بالقلب... في مثلهم ) , والذي يمكن ان يؤدي الى موت الانسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – بعين واحدة يذرف الدموع , وبالاخرى يغمز .
التعليق – مثل كوميدي وتراجيدي في آن واحد , والصورة الفنية في غاية الخيال والواقعية في آن واحد ايضا . قال صاحبي , ان هذا المثل يرسم صورة كاريكاتيرية مدهشة للنفاق والرياء عند البشر , وهي صورة لم  يشاهدها سابقا في أمثال الشعوب الاخرى ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن تعليم الببغاء العجوز أي شئ  .
التعليق – وليس فقط الببغاء , هكذا قال صاحبي مبتسما , فقلت له , ان هذا المثل الهندي يتحدث عن الانسان بلغة كليلة ودمنه , فقال – نعم , وهي لغة رمزية و بليغة ورفيعة جدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – العصا هي الجواب على الوقاحة .
التعليق – نحن نقول العصا لمن عصى , ولكن الهنود يحددون استخدام العصا للوقاحة , وهم الأكثر دقّة وصحة بشأن استخدام العصا , اذ انها ( اي العصا ) ضرورية فعلا للوقاحة قبل كل شئ ...
+++++
الترجمة الحرفية – الوقت اثناء المعاناة يكون طويلا .
التعليق –  يوجد مثل عربي يقول – الانتظار اشد من النار , وهناك مثل روسي يقول – لا يوجد أسوأ من ان تنتظر او تلحق بشئ , ولكن المثل الهندي يحدد الوضعية بشكل أدق , اذ انه يتحدّث عن ( وقت المعاناة ) بالذات . 
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد اناس يعرفون كل شئ , ولا اناس لا يعرفون أي شئ.
التعليق – حقيقة بديهية وصحيحة , الا ان هناك الكثير من البشر – مع الاسف - لا يعترف بهذه الحقيقة , ولهذا , فان المثل الهندي هنا يذكّرهم بها ...فذكّر ان نفعت الذكرى ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعلّم السعال لجدّك.
التعليق – مثل طريف جدا , وهو عميق في آن واحد , اذ انه يسخر من هؤلاء ( الزعاطيط !!!) كما قال صاحبي بلهجتنا العراقية , الذين يحاولون تعليم ( آبائهم وأجدادهم ) حتى ( كيفية السعال !). يوجد مثل روسي ساخر وفي نفس المعنى , يقول – البيض لا يعلّم الدجاجة ..
+++++
الترجمة الحرفية – التجربة فقط تخلق (الاسطة) الحقيقي .
التعليق – الاسطة باللهجة العراقية , او الاستاد ( بالدال ) , اوالمعلم باللهجة المصرية , اي الحرفيّ الحاذق والماهر , وغالبا ما يكون رئيس العمل المهني المحدد . المثل الهندي هذا صحيح جدا , اذ ان المهارة تأتي عند تراكم التجربة وممارسة تلك المهنة , وليس عن طريق الشهادات الجامعية والاكاديمية . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يؤكد هذه الحقيقة , وهو – الصانع استاد ونص ( الصانع –  الصبي الذي يعمل مساعدا عند الحرفي , استاد ونص – اي يكون افضل من الحرفي نفسه , لانه يتعلّم المهنة بالتطبيق )   
+++++
الترجمة الحرفية – المعلم أخرس , والتلميذ أطرش .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل يرسم صورة واقعية لحالنا , وسألني وهو يضحك – هل هذا المثل الهندي للتصدير؟ ضحكت أنا ايضا, وأجبته –  هذا المثل للتصدير وللاستخدام المحلي ايضا , فما أكثر المعلمين الخرسان.. والتلاميذ الطرشان.. في كل زمان و مكان..
+++++
الترجمة الحرفية – العين (الجقله) أفضل من العين (العميه) .
التعليق-  احتفظنا بكلمتي ( جقله و عميه ) باللهجة العراقية , كي نقارن هذا المثل بمثلنا ( وبلهجتنا) في نفس المعنى , الذي يقول – (التبربش ولا العمه) . مثلنا أكثر حيوية ورشاقة من مثلهم , لكن  المثل الهندي اكثر دقة  وتحديدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – قصب السكّر الاعوج - حلو ايضا.
التعليق – جوهر هذا المثل يؤكّد , ان المضمون أهم من الشكل , لكن صاحبي أعترض على ذلك , وقال – ليس الامر هكذا دائما , فالشكل بعض الاحيان مطلوب وضروري ايضا , ضحكت أنا وسألته - هل نسيت الحكمة التي حفظناها منذ الصغر ؟ , فسألني – وما هي ؟ فأجبته -  ...عين الرضا عن كل عيب كليلة  ...
+++++
الترجمة الحرفية – التحدّث معك مثل العزف على الناي امام الجاموس .
التعليق – ضحك صاحبي وقال – كم هي جميلة ومعبّرة هذه اللوحة الهندية , و اقترح تحويل هذا المثل الواقعي فعلا (رغم كل الخيال الساخر فيه) الى شعار نكتبه بحروف كبيرة أمام الكثيرين من حولنا , فقلت له وأنا أضحك ايضا – ولكن , هل تعرف لغة الجواميس , كي تكتبه لهم بلغتهم؟
+++++
الترجمة الحرفية – ما فائدة البكاء , اذا أكلت الطيور كل الحصاد؟
التعليق – و المثل العالمي المناظر لهذا المثل الهندي يقول في نفس المعنى – لا تبكي على اللبن المسكوب , ولكن صاحبي قال - ان  الصورة الفنية في مثلهم .. (تعطّ!) بروح الافلام الهندية .. فضحكت أنا , وقلت له – طبعا , فالامثال والافلام وكل النتاجات الابداعية (تعطّ!) بروح شعوبها..
+++++
الترجمة الحرفية – فرخ الغراب بالنسبة لامّه – ذهب .
التعليق – طبعا , فالقرد بعين امه غزال ...
======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض . ن .

124
جائزة نوّار(2021) لمؤلف كتاب - سماء بغداد القرمزية.
أ.د. ضياء نافع
أعلنت لجنة جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي اسم الفائز بالجائزة لهذا العام ( 2021) , وهو – فيكتور فيكتوروفيتش باسوفاليوك ( 1940 -1999) - وكيل وزير الخارجية الروسية سابقا , وآخرسفير للاتحاد السوفيتي واول سفير لروسيا الاتحادية في العراق , ومؤلف كتاب – ( سماء بغداد القرمزية ) , الصادر بالروسية في موسكو عام 2010, والذي ترجمه د. فالح الحمراني الى العربية وصدر في بيروت عام 2017 .
 تمّ تسليم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي يوم الخامس من شهر تشرين أول / اكتوبر 2021 الى ابنته السيدة يلينا فيكتورفنا باسوفاليوك في سفارة جمهورية العراق بموسكو من قبل السيد سفير العراق في روسيا الاتحادية الدكتور عبد الرحمن الحسيني , والذي ألقى كلمة في بداية الحفل , وقال فيها , ان جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي أصبحت واحدة من الظواهر البارزة في مسيرة العلاقات العراقية الروسية , وأشاد بمؤسسيها وجهودهم الدائمة من أجل استمرارها , وتوقف قليلا عند اسماء الحائزين على هذه الجائزة في السنوات السابقة , وهم بوغدانوف وكيل وزير الخارجية الروسية , ومكسيموف سفير روسيا في بغداد و العذاري سفير العراق في موسكو , وديوكوف المدير التنفيذي لشركة ( غاز بروم نفط ) الروسية , وتكلّم بعدئذ عن شخصية الحائز على هذه الجائزة لهذا العام وهو فيكتور باسوفاليوك , وأشاد بدوره الكبير ومكانته المتميّزة في تعزيز العلاقات العراقية الروسية في كافة المجالات , وتحدث عن كتابه ( سماء بغداد القرمزية ) باعتباره وثيقة مهمة ومتميّزة في مسيرة العلاقات العراقية الروسية , والتي ابتدأت قبل أكثر من خمس وسبعين سنة , وتوقف عند اهمية هذه العلاقات بالنسبة للبلدين .     
 جرى بعدئذ منح المدالية الذهبية للسيدة يلينا باسوفاليوك وسط تصفيق الحاضرين , ثم تم تسليمها الشهادة الخاصة بتلك الجائزة من قبلي , باعتباري رئيس مجلس ادارة دار نوّار ومؤسس الجائزة , وقد تحدّثت عن معرفتي الشخصية بوالدها في بغداد , واعلنت عن سعادتي بتوحيد اسمي باسوفاليوك ونوّار في مسيرة العلاقات العراقية الروسية وتعزيزها , فهما يمتلكان صلة عضوية ومباشرة بهذه العلاقات .
 تحدّثت بعد ذلك السيدة باسوفاليوك عن انطباعاتها حول هذا التكريم , الذي حظى به والدها , وردود فعل عائلتها على هذا العمل , الذي قالت عنه , انه كان ( ..مفاجأة سارّة جدا لكل عائلتها ..) , وقالت, ان هذ الجائزة تجسّد وفاء العراقيين تجاه عمل والدها بشأن تعزيز العلاقات العراقية الروسية , وتوقفت عند ذكرياتها عندما كانت تعيش في بغداد مع والدها آنذاك , وكيف كانوا  يعشقون بغداد , وقالت انها ( ...لازالت تتذكر طعم الخبز العراقي اللذيذ ..) وطيبة العراقيين وضيافتهم , ثم توقفت عند سيرة حياة والدها , وعن دراسته المعمقة للغة العربية وعشقه الكبير لها , وكيف انه بدأ عمله في مجال الترجمة من الروسية الى العربية وبالعكس , وأصبح نجما ساطعا في عمله , وترجم مباحثات القادة السوفيت مع القادة العرب وهو في هذا العمر اليافع , وتحدثت كذلك عن بقاء ثلاثة سفراء فقط في بغداد اثناء القصف الامريكي , وهم السفير الروسي والكوبي والفلسطيني . لقد كانت كلمة السيدة باسوفاليوك شفهية وحميمية جدا واستخدمت اللغة العربية في بعض المقاطع , وقالت في نهاية كلمتها وهي تمسك بالمدالية – ( ..ما أجمل النخلة, رمز العراق , وما أجمل شجرة البتولا , رمز روسيا , على هذه المدالية !..)  وشعرنا جميعا , ان هذه الكلمات صادقة وحقيقية و تخرج من القلب مباشرة .
تكلم في نهاية الحفل الدكتور فالح الحمراني , مترجم كتاب سماء بغداد القرمزية , وأشار الى عمق افكار الكتاب , والتي عكست عواطف المؤلف  تجاه بلدنا وصدق كتاباته حول كل ما شاهده هناك  , وأشاد د. الحمراني بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي ومؤسسة دار نوار , التي اقترحت اقامتها والاستمرار بتنفيذها طوال كل السنوات الماضية , وقال في الختام  , ان هذه الجائزة – ( .. تعدّ ظاهرة فريدة ولا مثيل لها في اطار علاقات البلدان العربية كافة مع روسيا ..) .   

125
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما تتعارك الخيول , فلا شأن للحمير بذلك .
التعليق – قال صاحبي – هذا صحيح , ولكن كيف يمكن ان نوضّح ذلك (لحجي أحمد أغا !!!)...فضحكنا سوية ... وقلت له -  ان المعنى ( في قلب الشاعر !!!) طبعا , فأجابني صاحبي ضاحكا – بل في قلب حجي أحمد أغا نفسه , فهو المسؤول الاول والاخير عن الحمير...
+++++
الترجمة الحرفية – مهما أضاء القمر , لا يمكن مقارنته بضوء النهار .
التعليق – مقارنة جميلة وواضحة المعالم . ضوء القمر رائع طبعا , ولكن ضوء الشمس أكثر روعة وسطوعا , وشتّان ما بين الليل والنهار ...
+++++
الترجمة الحرفية – تكلم عن شؤونك , واترك لي شؤوني .
التعليق – مثل ضروري جدا في مجتمعاتنا المتزمتة والمغلقة , حيث يسمح لنفسه كل (من هبّ ودبّ !) ان يتدخل في شؤون الآخرين , بل ويوجهّهم دون معرفة حتى باوليات الموضوع .
+++++
الترجمة الحرفية – يصب الماء على ظهر البطّة .
التعليق –   ما أجمل الصورة الفنيّة المرحة في هذا المثل الافغاني وما احلاها , وكم هي معبّرة عن مفهوم السذاجة عند الانسان , هكذا قال صاحبي ثم أضاف وهو يبتسم  -  عندهم هذا المثل , لانهم لا يعرفون اغنية طفولتنا -  يا بط يا بط ... اسبح بالشط ...فقلت له – رسم المثل الافغاني مفهوم السذاجة بشكل رشيق جدا , اما اغنيتنا , فهي تختلف, اذ اننا لم نكن نصبّ الماء على ظهر البط , وانما نقول للبط.. ان يسبح بالشط , كي يحذر السمكة .. من الشبكة...ليس الا ...   
+++++
الترجمة الحرفية -  العقل أهم من القوة .
التعليق – العقل هو الذي يجب ان يوجّه القوة وليس العكس , وتحدث المصائب عندما تحل القوة محل العقل , اي عندما تنقلب الامور المنطقية , وتصبح القوة ( أهم !) من العقل , وكم عانينا (ولا زلنا نعاني) في مجتمعاتنا عندما تكون ( القوة أهم من العقل !!!). مثل أكثر من رائع ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يعرف السكّين صاحبه .
التعليق –  ولهذا يمكن للسكّين ان ( يذبح !!!) صاحبه ... وكم حدث ذلك في تاريخنا الدامي الطويل . مثل واقعي بامتياز .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الليل توجد الكثير من العيون والآذان .
التعليق – يقول المثل الكوري – كلمة النهار يسمعها الطير وكلمة الليل يسمعها الفأر , ويقول المثل العالمي – للجدران آذان , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الافغاني جديدة , وهي صورة واقعية فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الأكل – بصحة جيدة , عند العمل – مريض .
التعليق –  يقول المثل الروسي -  الى العمل آخر المتأخرين , والى ألأكل أول ألمتقدمين . المثل الافغاني اكثر دقة ووضوحا من المثل الروسي , فالمتكاسل الروسي يذهب الى العمل ( ولو متأخرا !) , ولكن المتكاسل الافغاني لا يذهب الى العمل اصلا, اذ انه  يتحول الى (متمارض !) . قال صاحبي – ما أكثر هؤلاء النماذج في مجتمعاتنا مع الاسف الشديد.
+++++
الترجمة الحرفية – العجل يسير وراء البقرة .
التعليق – نعم , هذا هو المنطق , وليس العكس , كما يحدث في بلداننا يا اولي الالباب , هكذا  قال صاحبي , وأضاف ضاحكا – لأن العجل عندنا (لا يقرأ ولا يسمع !!!) , فقلت له وانا اضحك ايضا – ولهذا يسمّونه عجلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الحجر تحت الماء لا يعرف بهطول المطر .
التعليق – وهكذا هم المعزولون عن مسيرة الحياة في كل انحاء العالم , رغم انهم ( يثرثرون كثيرا , بل ويوجهّون ايضا !!!) . مثل جميل  شكلا , و فلسفي عميق مضمونا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – بالوجه انسان , بالقلب شيطان .
التعليق – بالوجه مرآيه وبالكفه سلايه , هكذا يقول مثلنا الشهير بلهجتنا العراقية , الا ان المثل الافغاني يذهب أبعد , ويحدد صفات الانسان حسب الوجه والقلب . الصورة الفنية في مثلنا أكثر حيوية ومرحا وجمالا  , لكن المثل الافغاني أكثر صرامة وأكثر دقّة .
+++++
الترجمة الحرفية – لاحظ الخطر عندما دخلت الطلقة في الصدر .
التعليق – مثل تراجيدي جدا , وكم يحتاج الانسان عموما الى ان يلاحظ الاخطار المحيطة به , وان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار ( قبل , وليس بعد !!!) اصابة الاطلاقات للصدر...
+++++
الترجمة الحرفية – الاسنان واللسان يتخاصمان , لكنهم يعيشون جنبا لجنب .
التعليق –  دور ( الاسنان !) في حياة الانسان واضح , و دور ( اللسان !) معروف ايضا في حياة كل انسان .  مثل طريف ومرح , ورمزيته وواقعيته واضحة المعالم جدا , وكم تتخاصم ( ضرورات الاسنان ) مع ( ثرثرات اللسان ) في مسيرة الحياة الانسانية المعقدة...
+++++
الترجمة الحرفية – صياد الافاعي يموت من لدغة أفعى .
التعليق – هذا المثل رمزي وعميق في آن واحد , اذ انه يقول لنا بكل وضوح , ان الاعمال الخطيرة للانسان تؤدي به حتما الى نهاية مأساوية دائما , طال الزمان او قصر ...
=======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

126
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –      الخداع - انه دخان لا يمكن ان تخفيه .
التعليق –  مثل حكيم جدا , والصورة الفنية فيه واضحة المعالم وتتميّز بخيال جميل فعلا .  قال صاحبي - ما أحوجنا الى تطبيق هذا ( المفهوم !) في مسيرة حياتنا , فأجبته قائلا – عندها سيخنقنا هذا الدخان , فقال صاحبي وهو يضحك –
 فاما حياة تسر الصديق /// واما ممات يغيض العدى ...
+++++
الترجمة الحرفية – بعد ان تعضّك الحيّة , ستهرب حتى من الضفدعة .
التعليق – يذهب هذا المثل أبعد من كل الامثال المشابهة له عند الشعوب الاخرى , التي تؤكد على خوف الانسان بعد لدغة الحية من كل شئ يشبهها , اما المثل الافغاني هذا فيرسم صورة اخرى مرحة وغير متوقعة بتاتا , فقال صاحبي , ان هذه الصورة الفنية حقيقية فعلا , فالخوف ليس (من الحبل !) كما يقول مثلنا , اذ توجد مبالغة في تلك الصورة , وانما الخوف من ( الضفدعة وأخواتها !) , اي من الزواحف الحيّة , التي تتحرك على الارض ...
+++++
الترجمة الحرفية – كلمة الحنان تطرد الغضب .
التعليق – قال صاحبي معلقا على هذا المثل – كلمة الحنان طردت حتى غضب الحيّة العراقية (التي ارادت ان تسمم اهل الدار) , وجعلتها تعيد النظر بموقفها . قلت له – كلامك صحيح للذي يعرف قصة ( حيّة البيت!) تلك , ولكن كلامك غير مفهوم للجميع , فأجابني بحدة – الشخص الذي يتابع أمثال الشعوب يجب ان يعرف قبل كل شئ أمثاله وقصصها ...
+++++
الترجمة الحرفية -  السمكة الصغيرة لا تغرق في المياه العميقة .
التعليق – علّق صاحبي وهو يضحك - طبعا لا تغرق , فهي ( في بيتها وبين أهلها !!!) , فقلت له – ولكننا غرقنا رغم اننا كنّا في بيتنا وبين أهلنا , فأجاب وهو مستمر بالضحك – لانكم لم (تسبحوا !!!) مثل الاسماك الصغيرة حولكم ...
+++++
الترجمة الحرفية -  لا  ترقص امام الاعمى , ولا تعزف امام الاطرش .
التعليق – مثل مرح وحزين في آن واحد , فهو يتحدث عن الرقص والعزف , ولكنه يذكرنا بالعميان والطرشان . من الواضح ان هذا المثل يقول لنا , ان الفنون الجميلة ليست لذلك الانسان الذي ( لا يرى ولا يسمع !) , وانما للانسان السويّ ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية -  لا تسرع , من أجل الا تبكي لاحقا .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل مبتكرة بكل معنى الكلمة , فالامثال المناظرة عند الكثير من الشعوب ( بما فيها أمثالنا العربية) توصي بعدم التسرّع , ولكنها لا تشير الى البكاء اللاحق . مثل جميل وحكيم ودقيق .
+++++
الترجمة الحرفية –      الوعد – هو دين .
التعليق – ونحن نقول ايضا الشئ نفسه - وعد الحر دين ...
+++++
الترجمة الحرفية – القلب ليس عظما .
التعليق –  المثل الروسي يقول – اللسان دون عظام , وهو صحيح , لان اللسان ليس جامدا , و يمكن ان يخطأ . المثل الافغاني هنا يقول نفس الشئ عن القلب , اي ان القلب يمكن ان يخطأ ايضا . علّق صاحبي – هذا المثل يريد ان يقول , ان القلب يمكن ان يلين...
+++++
الترجمة الحرفية – مهما يكن الصرصور قويا , فانه لن يذهب ليتعارك مع الدجاجة .
التعليق – صورة فنيّة طريفة جدا . قال صاحبي معلّقا – هل يمكن ان تعترض الان , عندما أقول لك , ان هذا المثل ذكّرني بذلك ( الصرصور !!!) الذي تعرفه حق المعرفة , وكيف انه ( تكاون !!!) مع كل الدجاج حوله ؟ ودفعنا نحن ثمن كل تلك الحماقات .  لم اعلق أنا بشئ , وبقيت صامتا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – صديق اليوم – عدو غدا .
التعليق –  يوجد في عالم السياسة هذا المفهوم , اذ لا صداقات دائمة وانما مصالح دائمة , لكن هل يشمل هذا المفهوم السياسي العلاقات الانسانية الشخصية ؟, فقال صاحبي – نعم , اذا كانت تلك العلاقات مبنية على المصلحة ايضا , وانه يعرف كثيرا من تلك الحوادث , بما فيها حوادث زواج وارتباطات عائلية ...
+++++
الترجمة الحرفية – النار ليست طبلا , لكن اذا تدوس عليها فسوف ترقص .
التعليق – مثل طريف جدا , والخيال مدهش في صورته الفنيّة , وهو يصلح لرسم كاريكاتيري جميل جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – ما الذي يفهمه الجاموس عن عطر الزهور .
التعليق – ضحك صاحبي كثيرا وهو يردد – يا لجمال هذا المثل الحاذق , فسألته – ولماذا تضحك بشدة هكذا , فقال – لأنه تذّكر أحد أصدقائه , الذي يتكلم في الشؤون السياسية ويعتبر نفسه محللّا سياسيا يشار اليه بالبنان , فضحكت أنا وقلت له –  وانت تذكرني بالمثل العراقي الطريف -  عرب وين طنبوره وين ...
====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

127
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أثر ابيض يبقى بعد الطباشير, وأثر أسود يبقى بعد الفحم .
التعليق – مثل رمزي جميل وعميق المعنى , وصورته الفنية ذات خيال متفرّد فعلا ومبتكرة بكل معنى الكلمة . الفرق واضح طبعا بين (الأثر الابيض ) و( ألأثر الاسود ) في مسيرة الحياة الانسانية , و يجسّد هذا المثل دعوة رائعة لعمل الخير وابقاء الأثر الابيض , والابتعاد عن الشر وأثره الاسود . لنتذكر الآية الكريمة –  ...يوم تبيض وجوه وتسود وجوه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يخاف من الحيّة , يخاف من الزواحف  .
التعليق – مثل يتكرر عند الكثير من الشعوب , وفي نفس المعنى طبعا , وهكذا يخافون عندنا (من الحبل !) لانه يشبه الحيّة , وعندهم يخافون (من الزواحف !) لانها تشبه الحيّة . علّق صاحبي قائلا - تعددت الاسباب و(الخوف !) واحد , فضحكت أنا وقلت له – نعم , نعم , تعليقك حاذق فعلا... 
+++++
الترجمة الحرفية – الشجرة الكبيرة تحمينا من الشمس ومن المطر الغزير .
التعليق – الصورة الفنية لهذا المثل طريفة جدا وجميلة , وهي تقول لنا , ان الوقائع الكبيرة على الارض تحمي الانسان من مختلف الظواهر , مهما تكن هذه الظواهر متناقضة فيما بينها , وسواء كانت ( اي الظواهر) ترتبط بالطبيعة او بالمجتمع . قال صاحبي , انه يعتبر هذا المثل فلسفي عميق رغم بساطة صورته الفنية , ثم أضاف وهو يضحك –  لنتذكر الاغنية الفلكلورية العراقية الجميلة – (جلجل عليّ الرمان ...) ومعناها وسبب خلودها في قلوبنا ...
+++++
الترجمة الحرفية – التمساح في الماء لا يغلب ( بضم الياء ) .
التعليق – مثلنا يقول – كل كلب ببابه نبّاح , ويقول المثل الافغاني – الكلب في شارعه – نمر , و يوجد مثل هندي يقول – في الماء لا تتخاصم مع التماسيح , ولم يأت هذا المثل الهندي عبثا , فالتمساح في الماء مثل كلبنا ببابه او الكلب الافغاني في شارعه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الماء يبلل , النار تحرق .
التعليق – هذا هو المنطق وهذه هي الحقيقة , ومع ذلك هناك اناس لا يعترفون بها , ولهذا فانهم - في نهاية المطاف - اما يبللّهم الماء او تحرقهم النار . قال صاحبي – أعرف انك ستعترض , لكني أعتقد , ان هذا المثل ينطبق قبل كل شئ على هؤلاء القادة الجهلة والمغرورين عندنا , الذين لا يعترفون بابسط قواعد المنطق , والذين أحرقوا شعوبهم , ثم احترقوا هم انفسهم ايضا , او سيحترقون , فقلت له بأسى – لا , لن اعترض , بعد كل ما رأيت من أعمال هؤلاء الجهلة ...   
+++++
الترجمة الحرفية – الكلام خفيف , لكنه يكسر العظام .
التعليق – مثل يتكرر عند العديد من الشعوب وبمختلف الصيغ , والصيغة الاندونيسية جميلة ومبتكرة وجديدة فعلا عند مقارنتها بالصيغ الاخرى , فنحن نقول – احذروا اللسان فانه سهم يخطأ , والمثل الروسي يقول – الكلمة ليست سهما لكنها تتوجه نحو القلب , والمثل الياباني يقول – الكلمة يمكن ان تقتل الانسان ...الخ . المثل الاندونيسي يقول , ان الكلام يكسر العظام ...
+++++
الترحمة الحرفية – يطير , يعني طير .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل ينطبق على العلاقات بين البشر قبل كل شئ , فكم كان حولي من أصدقاء ومعارف , ولكنهم ( طاروا !) عند الحوادث والمحن , اي انهم كانوا ( طيورا !) في الواقع , ولم اكن أعرف أنا , انهم كانوا ( طيورا) , لأني لم اكن أعرف عندها هذا  المثل الاندونيسي العميق . أردت أنا ان أقول له ( وما أكثر الاخوان حين تعدهم /// ولكنهم في النائبات قليل ) , ولكني لم أتكلم , احتراما لتفسيره الطريف لهذا المثل ...
+++++
الترجمة الحرفية – هلكت النملة بسبب السكّر .
التعليق – مسكينة هذه النملة الاندونيسية , اذ انها لا تعرف مثلنا وبمختلف لهجاتنا , والذي يقول - كل شي يزيد عن حده ينقلب ضده , وهكذا هلكت هذه النملة (بدلا من ان تتمتع بالسكّر), عندما ازداد السكّر عن حده  ...
+++++
الترجمة الحرفية – سر دون سرعة – تصل الى الهدف , تكلم غير مسرعا – لن تخطأ .
التعليق – في التأني السلامه , هكذا نقول نحن , وهذا ما يقوله المثل الاندونيسي بتفصيل اكثر, كي يصل الانسان الى الهدف المنشود , وكي يتكلم مع الآخرين ايضا حول ذلك الهدف المنشود . مثل في غاية الحكمة والتعقّل ...
+++++
الترجمة الحرفية – تعيش في البحر ولا تتشبّع بالملح ؟
التعليق – كل انسان هو ابن تلك الاجواء التي يعيش فيها , والتي تحيط به , وبيئة الانسان تنعكس على صفاته وتصرفاته عموما . قال صاحبي , ان المثل هذا غريب البنية فعلا , فما معنى ان الانسان يتشّبع بالملح , فقلت له , اي يعطّ برائحة بيئته التي تحيطه ...
===================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

128
عن الصحف الروسية الادبية في ثلاث دقائق
أ.د. ضياء نافع
 لم استطع الذهاب لشراء صحيفتي ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ( الصحيفة الادبية ) و ( ليتيراتورنايا راسيّا ) ( روسيا الادبية )  الاسبوعيتين هذه المرة , وذهبت بعد يومين الى كشك الجرائد القريب في محاولة الحصول عليهما , وقلت بيني وبين نفسي - لعل وعسى , وما ان اقتربت من كشك الصحف , واذا بالبائعة ( وهي امرأة في مرحلة ما بعد التقاعد وتضطر للعمل طبعا , وهذه ظاهرة عامة في روسيا !) تلوّح لي وهي تبتسم , وقالت لي , انها احتفظت بالعددين خصيصا لي , لانها كانت واثقة من حضوري  . شكرتها طبعا باجمل كلمات الشكر والامتنان , فقالت , انها ايضا تقرأ هذه الصحف بانتظام , ولهذا حرصت على ابقاء العددين لي , لانها تعرف ( لذة القراءة !) هذه . وهكذا بدأنا بهذا الحديث الخاطف و السريع وغير المتوقع بالنسبة لي بتاتا , والذي استغرق في حدود ثلاث دقائق لا أكثر , والذي كان – من وجهة نظري – عميقا وطريفا ويستحق النشر . أخبرتني تلك البائعة, انها تبدأ بقراءة صحيفة ( ليتيراتورنايا راسيّا ) اولا , فسألتها متعجبا – لماذا ؟ فأجابت , لان هذه الصحيفة لا تعرف مفهوم ( المديح !) , ولأنها أدبية بحتة فعلا , ولان سمة المعارضة واضحة على صفحاتها , فهي تنتقد وزارة الثقافة دون تردد وبشجاعة و موضوعية دقيقة , عندما تجد ان خطوات الوزارة غير صحيحة , وسألتني – هل تذكر كيف انتقدت موقف وزارة الثقافة لانها لم تؤيد اقامة متحف بونين في موسكو آنذاك , بينما لم تتحدث الصحف الاخرى عن تلك المسألة ؟ قلت لها , نعم , نعم , اذكر ذلك الموقف المبدئي الشجاع , فعلّقت قائلة – صحيح ان بيت بونين في مدينة يليتس قد تحوّل الى متحف بونين , ولكن هذا لا يكفي . قلت لها , نعم انا اؤيد افكارها , وانني زرت هذه المتحف المتواضع لبونين , وهو بيت خشبي بسيط جدا , فقالت ان الفرصة لم تسمح لها بزيارة ذلك المتحف , وسألتني رأسا , وما هو انطباعك الرئيسي عن ذلك المتحف ؟ فقلت لها , لقد شاهدت هناك الشهادة التي منحوها لبونين من لجنة جائزة نوبل عندما استلم تلك الجائزة عام 1933 , وهي معلّقة على جدار ذلك المتحف , وتعدّ وثيقة في غاية الاهمية بالنسبة لتاريخ الادب الروسي الحديث , وكانت في المتحف ايضا الحقيبة التي أخذها بونين معه عندما سافر من باريس لاستلام تلك الجائزة , وهي حقيبة بسيطة جدا , وأذكر ان الفتاة التي كانت تشرح لنا كل تلك التفاصيل  قالت , ان بونين صرف كل مبلغ الجائزة بعد سنة من استلامه لها ( بين احتياجاته وتبرعاته للاصدقاء ) , ثم عاد مفلسا وقال ما معناه , آه لو يعطوني الجائزة مرة اخرى . ضحكت البائعة وقالت , عاش بونين بضنك ( كما هو حال المثقفين من اللاجئين الروس , الذين تركوا روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917 ) , واضافت – ( انها معجبة جدا برقة نتاجاته وجماليات تلك الصور الفنية الاخّآذة للطبيعة الروسية التي رسمها لنا) , ولهذا فانها كانت تؤيد – وبشدّة - اقامة متحف له في موسكو , لانه يستحق ذلك . انتقلت محدثتي بعدئذ الى صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) , وقالت , ان هذه الصحيفة أعرق طبعا , وتاريخها طويل , وكانت تمتلك تأثيرا كبيرا في الاتحاد السوفيتي في تلك الايام , أما الان , فانها اصبحت جريدة ثانوية , الا انه من الواضح ان وضعها المالي جيد جدا , ومن المؤكد ان ميزانيتها أكبر من ميزانية ( ليتيراتورنايا راسيّا) , ولهذا فانها تصدر لحد الان ب (32) صفحة , ومواضيعها متنوعة جدا رغم انها تحمل تسمية -  ( أدبية ) , ولكنها في الواقع ادبية وسياسية واجتماعية وفكرية عامه , وقالت , انها لا تستطيع قراءة كل صفحاتها لأن ذلك يتطلب وقتا طويلا , الا انها تتصفّحها بامعان , وتتوقف خصوصا عند كتاباتها حول الادباء الكلاسيكيين الروس الكبار , وتتوقف كذلك عند مقالاتها حول الشخصيات التاريخية الروسية , اذ انهم يكتبون عنهم بشمولية ذكية ومن وجهة نظر موضوعية ,  وقالت لي , اقرأ ما كتبته هذه الصحيفة في عددها هذا الذي بين يديك عن ستوليبين بمناسبة الذكرى 110 على اغتياله في كييف , اذ انها مقالة تحليلية ممتازة عن هذا المفكر الاصلاحي الكبير , الذي كنّا ننظر اليه في الفترة السوفيتية على انه شخصية رجعية مضادة للثورة والنظرية الماركسية ( هكذا كانوا يقولون لنا) , ولكنه ليس هكذا ابدا , انه شخص يحب وطنه , و فهم بعمق وضع روسيا وحاول اصلاحها باخلاص .   
رجعت الى بيتي ومعي الصحيفتين , وحكيت لمن حولي ما سمعته من بائعة الصحف في الكشك , واعجابي واندهاشي بحديثها الممتع , فقالوا لي , انها واحدة من الطبقة الوسطى الروسية , والتي تفتّحت في ظروف الاتحاد السوفيتي , واستطاعت حتما ان تدرس في معاهده العديدة , وان تساهم – حسب امكانياتها - في مسيرة حياته , ثم انتهى بها المطاف الان الى التقاعد , الذي ( لا يسمن ولا يغني من جوع ) , وها هي ذا تعمل – وحسب امكانياتها ايضا – في كشك لبيع الصحف والمجلات , لأن الحياة الروسية المعاصرة تتطلب ذلك , وانها ( استغلّت !) موقفك , وتحدثت اليك (في دقائق) بمكنونات قلبها وعقلها , فضحكت أنا , وقلت – ما أجمل هذا ( الاستغلال !) وما أحلاه ...

129
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (13)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – افضل ان تطلب من نفسك , مما ان تطلب من الآخرين .
التعليق – مثل رائع , فالاعتماد على النفس ( مليون مرة افضل ) كما قال صاحبي , مؤيدا دعوة هذا المثل الصيني ومضمونه . قلت له , لكن بعض الاحيان يتطلب الامر ذلك , فقال – نعم , مع الاسف الشديد ...
+++++
الترجمة الحرفية – بائع الخمر لا يقول , ان خمره مخفّف.
التعليق –  المخفف يعني , انه قد أضاف الماء اليه . ونتذكر نحن رأسا مثلنا باللهجة العراقية – (محّد يكول لبني حامض ) ( محّد – لا أحد // يكول – يقول ) , وهو مثل هندي بالاصل كما يقال , الا اننا ( عرقّناه ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجلوس على الحصان بسيط , الهبوط صعب .
التعليق – نعم , هذا صحيح فعلا , اذ يساعدك الآخرون على ( الجلوس !) , ولكن ( الهبوط !) يتم نتيجة مسيرتك وانت جالس على الحصان , وغالبا ما يساهم الآخرون ايضا بهذا الهبوط ( كل بطريقته الخاصة !) , ولهذا , يقول المثل الصيني , ان الهبوط ( صعب !) .  مثل رمزي جميل وحقيقي , ويا ما شاهدناه في مسيرة مجتمعاتنا ( المتميّزة !!!). يوجد مثل روسي يصف هذه الحالة , وهو – السقوط مؤلم من مكان مرتفع... 
+++++
الترجمة الحرفية – الناس تتجنب النمور , والنمور تتجنب الناس .
التعليق –  عندما يخاف كل جانب من الجانب الآخر , هكذا تكون العلاقة المتبادلة بينهما . قال صاحبي , ان هذا المثل الصيني يذكّره  بمثل ( وبمختلف لهجاتنا العربية) هو - يا جاري انت بدارك وآني بداري , فقلت له , جزئيا نعم , اذ ان المثل الصيني يشير- وبشكل مباشر ودقيق -  الى الخطر والخوف المتبادل بين الجانبين  ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الكبار صعوبات كبيرة , عند الصغار صعوبات صغيرة .
التعليق – نعم , ايها المعرّي العظيم , لقد قلت ذلك قبل أكثر من ألف سنة مضت – ( ...تعب كلها الحياة .....) , وها ان المثل الصيني يؤكد قولك بصيغة اخرى...
+++++
الترجمة الحرفية –  التسرّع  يدمّر العمل .
التعليق – لنتذكر مثلنا حول التأني والعجلة , والذي يقول – (... في العجلة الندامة) . تتكرر هذه الفكرة في الكثير من امثال الشعوب , فيقول المثل الروسي – العجلة تثير ضحك الناس , الا ان المثل الصيني هذا دقيق ومحدد , اذ انه يشير الى – ( تدمير العمل !) , وهذا ما يميّزه عن الامثال المشابهة الاخرى ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد غابة بلا شجرة عوجاء , ولا انسان بلا نواقص .
التعليق –  ونحن نقول – الكمال لله وحده , و يقول المثل الروسي - حتى في الشمس توجد بقعة , وهناك أمثال كثيرة اخرى لدى الشعوب حول ذلك المفهوم ...
+++++
الترجمة الحرفية – المرأة الحكيمة غالبا ما تعيش مع رجل غبي .
التعليق –  غالبا ما تضطر المرأة الحكيمة الى التعايش مع الرجل الغبي , وذلك حفاظا على عائلتها , وهي حالة انسانية تتكرر في معظم المجتمعات , ويتوقف هذا المثل الصيني عند تلك المأساة ..
+++++
الترجمة الحرفية – يمكن التداوي من ضربة السيف , لكن ليس من ضربة اللسان .
التعليق – تؤكد امثال مختلف الشعوب على معنى هذا المثل , وتوجد بالعربية العديد من هذه الامثال المناظرة , منها بيت الشعر الذي ذهب مثلا –
وقد يرجى لجرح السيف برء /// ولا برء لما جرح اللسان
+++++
الترجمة الحرفية – مهما ارتفعت الى الاعلى , لن تكون أعلى من السماء .
التعليق –  ونحن نقول دائما لهؤلاء ( المتعالين !!! وما أكثرهم حولنا ) - الله اكبر من السلطان .
+++++
الترجمة الحرفية – تلمس غصنا واحدا – تهتز عشرة أغصان .
التعليق – صياغة المثل الصيني هذا جميلة وشاعرية , ومعناه عميق جدا . لنتذكر الحديث الشريف المشهور في تراثنا ( ...مثل الجسد اذا اشتكى منه عضو ,تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى.)
+++++
الترجمة الحرفية – اعمل خيرا , والاخطاء يسامحونها .
التعليق – صحيح , ولنتذكر الآية الكريمة - ان الحسنات يذهبن السيّئات ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن معرفة افكار الانسان حسب وجهه .
التعليق – نعم , هذا كلام دقيق , والا لما ظهر مثلنا الذي يقول – بالوجه مرايه وبالكفه سلايه , ولا الامثال المناظرة ( وهي عديدة ) لهذا المثل عند الشعوب الاخرى ... 
+++++
الترجمة الحرفية – ظهر النحلة مخطط , لكن لا يمكن ان تسميها نمرا .
التعليق – مثل طريف وذكي ومتميّز , ومعناه رمزي طبعا , اذ انه يقول بما لا يقبل الشك , ان التشابه في بعض المظاهر الخارجية لا قيمة له بالنسبة للجوهر.
+++++
الترجمة الحرفية –  الورود لا تزدهر دائما , والانسان لا يكون سعيدا دائما .
التعليق – هذه خلاصة لحقيقة ساطعة فعلا . قال صاحبي - وما أجمل مقارنة السعادة بازدهار الورود في هذا المثل الصيني , فكلاهما ( اي تفتّح الورود والسعادة ) يحدث في الحياة لفترة قصيرة ليس الا , فقلت له – نعم , نعم , ويا للأسى ...   
=======================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

                                                    

130
أمثال كورية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – القطة لن تصبح بقرة أبدا.
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة وغير متوقعة ابدا . قال صاحبي - كم ينطبق هذا المثل الساخر على جماهير غفيرة في بلداننا , والذين يعتقدون – وبعمق - لحد الان , ان القطة يمكن ان تتحول بمعجزة – ما الى بقرة , وان هذه البقرة سوف تعطي لهم الحليب و مشتقاته المتنوعة !!! ضحكت أنا , مثلما ضحك المتنبي عندها ( ...كالبكا ...) , ولم اعلّق .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلب العجوز لا ينبح عبثا .
التعليق – تنعكس الخبرة والتجربة دائما على المسيرة اللاحقة للحياة , وتؤكد أمثال الشعوب المختلفة على هذه الحقيقة الخالدة , فمثلنا العربي يقول – أسأل  مجرّب ولا تسأل حكيم , والمثل الصيني يقول – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر , و المثل الروسي يقول - الحصان العجوز لا يفسد الاخاديد ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الحدث السعيد لا يحدث مرتين .
التعليق – ولهذا يجب على الانسان ان يكون يقظا دائما , كي لا يفوّت فرصة ذلك الحدث في مسيرة حياته , ويصبح بعدئذ ( .....من   النادمين... !) . قال صاحبي – آه , لا تذكّرني , فقد ( عضيّت اصابعي عندها ندما !!!)
+++++
الترجمة الحرفية – عند كل انسان توجد كرامته .
التعليق – نعم , نعم , هذا صحيح جدا , ويجب على كل عاقل ان يراعي ذلك , وان يأخذه بنظر الاعتبار عند التعامل مع كل انسان , بغض النظر عن مكانة ذلك الانسان وموقعه ومستواه . لنتذكّر القول العميق في تراثنا - (الناس سواسية كأسنان المشط ...) ...
+++++
الترجمة الحرفية – زوج الام ليس أبا , زوجة الاب ليست أمّا .
التعليق – قاعدة انسانية في كل المجتمعات وعبر كل تاريخ الانسانية . الاب يبقى ابا ابدا , والام تبقى امّا ابدا , ولا بديل لهما ابدا , ولا نقول نحن لهما (افّ!) ابدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – كلب صغير حيّ اكثر فائدة من وزير ميّت .
التعليق – هناك مثل جورجي يقول – كلب حيّ افضل من اسد ميت , وهي مقارنة منطقية , ولكن المثل الكوري ينتقل الى مقارنة اخرى غير متوقعة بالمرّة . قال صاحبي معلّقا على هذه المثل – انها اشارة واضحة المعالم الى الموقف من الوزراء بشكل عام في كوريا , وفي الكثير من البلدان ( المشابهة !) لنظامها , فقلت له , ان الوزير يبقى وزيرا في كل النظم , فضحك وقال , كلا , كلا , فالمقارنة بالكلب الصغير ليست عبثية في هذا المثل الكوري بتاتا ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسرق ابرة يسرق بغلا .
التعليق –  ونحن نقول في مثلنا  - الذي يسرق البيضة يسرق الجمل , والمثل الصيني يقول – في طفولته يسرق ابرة , يكبر يسرق ذهبا , وهناك أمثال اخرى في نفس المعنى عند الشعوب الاخرى طبعا , ومنها هذا المثل الكوري ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن البصاق في الوجه المبتسم .
التعليق – لان الابتسامة قوة , ويتعامل بها الانسان في علاقاته مع البشر , وتستطيع هذه القوة او توقف الاعتداء من قبل الآخرين , وان تمنع الاهانة من قبلهم ايضا . مثل فريد من نوعه فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الاخرس الذي يتودد للمرأة ويلاطفها , يريد ان يقول لها الكثير .
التعليق –  قال صاحبي ضاحكا , انه يعرف امرأة تشكو لزوجته دائما , ان زوجها صامت ابدا , و كانت تسميه ( ابو الهول ) , وقال , انه قرر ان يوصل لها هذا المثل الكوري , لعل وعسى ... , فضحكت أنا , وقلت له – حاول , ولكني أخشى ان تكون النتائج أسوأ , اي كما نقول  بلهجتنا العراقية ( اجه يكحلها عماها ) ( اجه – جاء ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – المسموع لا يقارن مع المرئي .
التعليق –  المثل العراقي يقول - الشاف مو مثل السمع , والمثل الروسي يقول – افضل ان ترى مرة , من ان تسمع مئة مرة , والمثل الصيني يقول - ما تراه العينان حقيقة , ما تسمعه الاذنان مشكوك فيه , والمعنى العام للمثل الكوري يقول ذلك ايضا ...
+++++
الترجمة الحرفية – يطلب من النمر لحما .
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه معبّرة فعلا عن السذاجة المتناهية عند بعض البشر . قال صاحبي , انه يتذكر سذاجة الناس , الذين يأملون الخير من هؤلاء ( النمور !) , التي تتحكّم بمصائرهم في عالمنا المبتلى . أردت ان أقول له – عادت حليمه الى عادتها القديمه , لكني سكت ولم انبس باي حرف ...
+++++
الترجمة الحرفية – ثلاثة أيام تجوع –  ستسرق في اليوم الرابع .
التعليق – ولهذا يقول تراثنا , لو كان الجوع انسانا لقتلته ...
==================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

131
  دردشة عن دستويفسكي في مئويته الثانية
أ.د. ضياء نافع
عندما التقي جارتي الروسيّة صباحا , ادردش معها دائما عن اخبار الادب والادباء  , لأني أعرف , انها عاشقة  للادب الروسي ومتابعة جيّدة لاحداثه , وقد سألتها في ذلك الصباح عن أخبار الذكرى المئوية الثانية ( 1821 – 2021) لميلاد الكاتب الروسي دستويفسكي في أوساطها, فقالت انها لا تعرف اي شئ عن ذلك , و انها أعادت قراءة رواية دستويفسكي القصيرة ( المساكين) آخر مرة قبل اكثر من ثلاثين سنة , لأن هذه الرواية القصيرة ( جميلة وساحرة جدا كما قالت !) , وأصبح دستويفسكي الآن بالنسبة لها شيئا من الماضي البعيد جدا جدا, وقالت وهي تضحك – لقد كنّا نتحدث عنه كثيرا أيام الاتحاد السوفيتي باعتباره (سياسيّا!!!) ,   كي (ننغز!!!) الحزبيين السوفييت حولنا ونستفزهم , ونذكّرهم ان دستويفسكي كان كاتبا عظيما ومبدعا متميّزا , رغم انه لم يكن ماركسيا , بل و حتى كان معاديا للماركسية أصلا , ولم يعرف الحزبيون السوفييت آنذاك كيف يجيبوننا بشأن تعليقاتنا حول فلسفته , ولا كيف يوضّحون الموقف الرسمي تجاه دستويفسكي في الاتحاد السوفيتي , أما في روسيا الحديثة بوقتنا الحاضر , فلا أحد حولي يتذكّر جريمة الشاب راسكولنيكوف حول قتله الوحشي لتلك المرأة المسنّة ولا عقابه على تلك الجريمة الرهيبة , ولا خطابات حبيبه سونيا وكلامها الاخلاقي الطويل والعريض( رغم ان القراء يعرفون من هي !!!) , ولا كل هذا الوعظ الديني المطوّل (الذي صبّه دستويفسكي على رؤوسنا !!!), ثم أضافت جارتي بعد لحظة صمت (عندما لاحظت عدم ارتياحي لكلامها بشكل عام) , انها – مع ذلك - سترى حفيدتها اليوم وسوف تسألها حول اخبار مئويه دستويفسكي الثانية في اوساط الشباب عندهم ( ... و من المؤكد انها ستحكي لي شيئا - ما عن ذلك , وسأخبرك حتما بما ستقوله حفيدتي لي في المرّة القادمة) . وهكذا اتفقنا , ثم ودّعنا بعضنا البعض.
وعندما التقينا مرة اخرى , فهي التي بادرت بالكلام رأسا عن موضوع دستويفسكي , وقالت لي , ان حفيدتها أخبرتها , ان الشباب حولها نادرا ما يتحدثون عن دستويفسكي و مئويته الثانية , ولا يعودون الان لقراءة رواياته (الطويلة جدا!) , ثم أضافت جارتي , ان الروس احتفلوا فعلا ( وبصدق ومن أعماق قلوبهم ) بالمئوية الثانية لبوشكين عام 1999 , ولكن هذه الظاهرة لا تتكرر مع المئوية الثانية لدستويفسكي , وقالت , ان حفيدتها تقرأ الان (للمرة العشرين !!!) رواية بوشكين الشعرية ( يفغيني اونيغين) , وتتمتّع برشاقة تلك الرواية وذكاء صياغتها وجماليات كلماتها البسيطة العميقة وحلاوتها ومضمونها الانساني الخالد . قلت لها , ان حب بوشكين لا يتعارض مع حب دستويفسكي , وان ( طعم !) دستويفسكي وبوشكين يكمن في قلوب وعقول الروس دائما , فاعترضت رأسا على استنتاجي هذا , وقالت بحزم – كلا , كلا , كلا , طعم بوشكين يختلف تماما , وبوشكين هو دائما الاقرب الى عقولنا وقلوبنا . حاولت أنا الابتعاد عن الكلام حول بوشكين (لأني أعرف , ان الكلام عن بوشكين مع الروس له بداية , لكن ليست له نهاية ) , وقلت لها , ان الدولة الروسية بأسرها تتحدث عن المئوية الثانية لدستويفسكي , ويوجد حتى بيان رسمي حول ذلك بتوقيع الرئيس بوتين نفسه , فقالت , ان هذه البيانات والاعلانات لا تعني اننا سنحتفل ( من كل قلوبنا !!! ) بذلك الحدث , مثلما احتفلنا فعلا بالمئوية الثانية لبوشكين , فقلت لها , حتى منظمة اليونسكو دعت الى الاحتفال عالميا بهذه الذكرى , فسألتني فجأة , اذا كان هذا الشئ يجري عالميا , فهل احتفلتم انتم في العراق بالذكرى المئوية الثانية لدستويفسكي ؟ كان هذا السؤال بالنسبة لي مفاجأة غير متوقعة بتاتا , ولم استطع طبعا الاجابة عن هذا السؤال رأسا , وقلت لها ( من أجل كسب الوقت للتفكير!!!) , ان الوضع في العراق خاص  جدا  وفي غاية التعقيد , ولا يسمح بمثل هذه النشاطات الفكرية في الوقت الحاضر, فأجابتني بسؤال آخر قائلة , وهل تعتقد ان الوضع في روسيا ليس خاصا جدا وفي غاية التعقيد , وانه يسمح بذلك , ( كررت هذه الجملة وهي تحاول ان تلفظها مثلما لفظتها انا وبنفس اللكنة تهكّما طبعا !!!) , قلت لها وأنا احاول – وبصعوبة - ان أكتم ضحكي , باني أعرف طبعا صعوبات ومشاكل الحياة عندكم ,  ولكن مهما يكن الوضع في روسيا , فلا يمكن مقارنته ابدا بالوضع الصعب جدا في العراق , فقالت , ولكنك ذكرت لي مرة , انكم احتفلتم في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد بالذكرى المئوية الثانية لبوشكين عام 1999 , فلماذا لا يحتفل قسم اللغة الروسية عندكم بالذكرى المئوية الثانية لميلاد دستويفسكي ؟ قلت لها , انني بعيد الان عن هذا القسم ( الحبيب الى قلبي لاني عملت فيه اكثر من ثلاثين سنة ) , وبالتالي لا استطيع الاجابة عن سؤالك , و مع ذلك يمكن لي طبعا ان اطرح هذا السؤال عليهم الان , ولكني , يا جارتي العزيزة , أردت ان اعرف منك كيف يتقبّل الناس في روسيا هذه المناسبة , ورغم انك لم تجيبي عن سؤالي بشكل مباشر ودقيق  , الا انك – مع ذلك - رسمت لي صورة واضحة بما فيها الكفاية عن هذا الموضوع , فضحكت جارتي , وقالت - لقد اخبرتك بالحقيقة كما أراها أمامي وكما أعرفها فعلا وكما أتحسّسها , اذ انتهى في روسيا - ومنذ زمان بعيد - عصر اطلاق الكلمات الطنانة والرنانة , وعصر صياغة الشعارات من تلك الكلمات...     


132
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اختر مكانا للسكن , وآخر للّعب .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل هو نصيحة ثمينة حقا , الا انها مثالية جدا , مثالية لدرجة انها تصبح مستحيلة التطبيق , ليس فقط في الفيتنام , وانما في كل مكان , وأضاف وهو يضحك - اذ  كيف يمكن اقناع الزوجة بذلك . ضحكت أنا ولم اعلّق ...
+++++
الترجمة الحرفية – كي ترسم الفيل , يجب ان تراه اولا .
التعليق – هذا مثل واقعي جدا ومهم للجميع بشكل عام , واكثر اهمية لهؤلاء ( الرسّامين !) الذين يحيطوننا , و يمسكون بدفّة قيادة مجتمعاتنا , و ( يرسمون طرق حياتنا !) , دون ان يشاهدوا معاناتنا في دهاليز هذه الحياة , و حتى دون ان يشعروا بها ...
+++++
الترجمة الحرفية – فقط عندما تتغطى بالبطانية تعرف اذا كان فيها براغيث .
التعليق –  ونحن نقول - التجربة احسن برهان , ولكن المثل الفيتنامي اكثر حيوية من مثلنا , وطريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة بكل معنى الكلمة , اضافة الى انها واضحة المعالم جدا جدا , اي عندما تبدأ البراغيث ب ( العمل !) ...
+++++
الترجمة الحرفية -  من الافضل ان تتكلم بشكل ممتع , من ان تتكلم كثيرا .
التعليق – قال صاحبي , انه يريد ان يرسل هذا المثل الى الكثيرين من أصدقائه وزملائه , الذين ( ذبحوه بثرثرتهم !!!) , فضحكت أنا , وقلت له – وحتى اذا ترسله لهم , فانهم مشغولون بالثرثرة , ولا وقت عندهم  للاطلاع على الامثال الفيتنامية ...
+++++
الترجمة الحرفية – الموت في النظافة افضل من العيش في القذارة .
التعليق – النظافة من الايمان , هكذا نحن نقول , والقذارة رهيبة حقا , الا ان صاحبي قال , ان هذا المثل الفيتنامي متطرف جدا في بنيته , وكان يتمنى استخدام كلمة اخرى غير ( الموت ) في هذه المقارنة ... 
+++++
الترجمة الحرفية – ثروة الزوج – جهد المرأة .
التعليق – صحيح جدا , فالمرأة المسرفة والمبذّرة هي سبب فقر الزوج , أما المرأة الحريصة فهي التي يقصدها هذا المثل الفيتنامي , والذي يمكن ان نعتبره بحق مثلا انسانيا شاملا وحكيما بكل معنى الكلمة . يوجد مثل روسي يقول – (الزوج هو الرأس , لكن الزوجة هي العنق)...و(الحليم تكفيه الاشارة) كما يقول مثلنا ... 
+++++
الترجمة الحرفية – لا تضحك على الفقير ,  ولا تعقد الآمال على الغنيّ  .
التعليق – هذا ما يطلقون عليه ( كلمات من ذهب ) , هكذا علّق صاحبي وهو يستمع الى هذا المثل الحكيم جدا والعميق جدا والواقعي جدا , وأضاف – انها خلاصة رائعة للموقف الصحيح في مسيرة الحياة...
+++++
الترجمة الحرفية – الهروب من الفيل ليس مخجلا لأحد .
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك , ان هذا المثل يؤكد صحة النظرية النسبية , فسألته متعجبا – كيف ؟ فأجاب , لاننا يجب ان نحدد مفهوم (الفيل!) اولا , فما أكثر ( الأفيال !) في حياة مجتمعاتنا ...
+++++
الترجمة الحرفية -  شاهد واحد ليس شاهدا .
التعليق – مثل حكيم وعادل , وهو خلاصة انسانية شاملة جدا , اذ  تأخذ به كل قوانين البشر وعبر كل التاريخ الانساني .
+++++
الترجمة الحرفية –     مئة طريق – ألف خطأ .
التعليق – نعم , لأن الخطأ يكمن في كل طرقات الحياة الانسانية , وما أحوجنا الى الاقرار بهذه الحقيقة وأخذها بنظر الاعتبار. يوجد في هذا المثل تطرّف ومبالغة طبعا , الا ان  ذلك  لا يقلل ابدا من دقته وصواب فكرته العامة , اذ غالبا ما نرى هذه المبالغة في الامثال والاقوال , ولنتذكر فقط القول الطريف بلهجتنا العراقية – قلت لك ( ألف مرة !) ....
+++++
الترجمة الحرفية – والمرأة  الغبية يمكن ان تلد طفلا ذكيّا .
التعليق – مثل طريف جدا , والصورة الفنية فيه مبتكرة جدا . علّق صاحبي على هذا المثل قائلا- انه جيد جدا للنساء الغبيات , لانه يمنحهنّ فرصة للزواج ...
=====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

133
أمثال الهنود الحمر مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – استمع الى الهمس , وعندها لن تضطر للاستماع الى الصراخ.
التعليق – مثل جميل شكلا ومضمونا , شكلا لانه يشبه قصيدة نثر ويرسم لنا صورة فنيّة فريدة من نوعها, ومضمونا لانه يعني , ان الهمس يعبّر عن مكنونات الروح الانسانية وحقيقة مشاعرها  ( سواء كان هذا الهمس سلبيا او ايجابيا) , اما الصراخ فانه تعبير عن حالة غير اعتيادية  يمرّ بها الانسان , وهي حالة يفقد فيها العقل دوره في الكلام . قال صاحبي , ان هذا المثل عميق جدا , و يستند الى التحليل العلمي لنفسية الانسان , ويثير الاعجاب الشديد بثقافة الهنود الحمر, هذه الثقافة التي تتعارض كليّا مع سذاجة وتفاهة الافلام الامريكية عن الهنود الحمر , الافلام التي حاولت تشويه مكانتهم الحضارية  .
+++++
الترجمة الحرفية – ذاك الذي يصمت , يعرف مرتين أكثر من الثرثار.
التعليق – هذه حقيقة ساطعة فعلا , فالثرثار يثرثر بالترهات دون معرفة معمّقة , اما الذي يصمت , فانه يفكّر قبل الكلام . توجد امثال عديدة عند الشعوب المختلفة في هذا المعنى , منها مثلنا المعروف – الندم على السكوت خير من الندم على الكلام , وهناك مثل أذربيجاني طريف يقول – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ...
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الجيد يرى العلامات الجيدة .
التعليق – صحيح جدا , والعكس صحيح ايضا , فالانسان الردئ يرى العلامات الرديئة . يوجد عندنا مثل شهير وبصيغ عديدة , يقول – الحليم تكفيه الاشارة , ولكن مثل الهنود الحمر يذهب أبعد من مثلنا , اذ انه يربط رؤية الانسان بصفة ذلك الانسان , وهي ملاحظة ذكيّة فعلا . قال صاحبي , ان هذا المثل فريد من نوعه حقا.   
+++++
الترجمة الحرفية – استمع الى قلبك , وتعلّم من تجربتك , وكن مستعدا دائما لتقبّل تجربة جديدة .
التعليق – مثل رائع وشامل جدا , ويمكن القول – وبكل ثقة – ان مثل الهنود الحمر هذا يصلح شعارا  لكل انسان وفي المجتمعات الانسانية كافة . قال صاحبي مضيفا – وخصوصا في مجتمعاتنا , التي لا تريد ابدا ان تتقبل التجارب الانسانية الجديدة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الوطن هناك حيث تشعر بشكل جيد.
التعليق – يوجد في تراثنا أقوال و أمثال عديدة حول ذلك , منها – الغنى في الغربة وطن , والفقر في الوطن غربة . يعرف المغتربون عن اوطانهم هذا المفهوم بشكل عام , الا انه لا يمكن ابدا لهذا المفهوم ان يحل محل الوطن , وتلك هي مأساة كل المهاجرين وفي كل زمان ومكان. قال صاحبي , ان الهنود الحمر ومسيرة حياتهم كانت بعيدة عن مفهوم الغربة كما نعيشها في الوقت الحاضر , ومثلهم هذا يعبّر عن حياتهم بلا شك  .
+++++
الترجمة الحرفية – الحياة ليست منفصلة عن الموت , رغم انها ظاهريا تبدو هكذا .
التعليق – مثل فلسفي عميق فعلا , ولنتذكر المقولة العظيمة في تراثنا ( وهي مقولة مناظرة لمثل الهنود الحمر هذا ) عن ضرورة العمل ( وكأنك تعيش ابدا ) و العمل ايضا (و كأنك تموت غدا ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – تكلم مع الاطفال عندما يأكلون , وما تقوله سيبقى حتى عندما انت تغادر.
التعليق – مثل طريف جدا والصورة الفنية فيه غير اعتيادية بالمرّة . قال صاحبي , ان هذا المثل دقيق جدا جدا , اذ ان الاطفال اثناء الاكل يركزون على الاقوال التي يستمعون اليها اكثر , من تركيزهم على الكلام معهم عندما يلعبون .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس مهما كيف تسمي ربك ,لأن الحب هو الرب الحقيقي لكل العالم .
التعليق – مثل رائع , وما أحوج مجتمعاتنا الى هذا المفهوم العميق للاديان كافة . قال صاحبي , ان مضمون هذا المثل هو الحل الامثل لكل مشاكلنا الحالية , ولكن ( منو يقره ومنو يسمع !!!)
+++++
الترجمة الحرفية – كن انسانا نشطا في كل عمل مهم .
التعليق –  دعوة في غاية الاهمية لاداء العمل بكل اخلاص ونشاط , اذ ما أكثر هؤلاء الذين يؤدّون أعمالهم تحت شعار المثل العراقي الطريف – ( جفيان شر ملا عليوي ) , والذي يعرف العراقيون قصته ...
================================================= ==
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

134
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – البصير يسأل الاعمى .
التعليق – يقول المثل الهندي – (يوجد عميان عيون , ويوجد عميان قلوب) , ومن المؤكد , ان هذا البصير الفيتنامي (أعمى قلب) , ولهذا يسأل (أعمى عيون) عن نبضات قلوب البشر . قال صاحبي , انه لا يتفق مع هذا التفسير , وانه يرى , ان هذا المثل سياسي بامتياز , لانه يسخر من الجمود العقائدي عند البصير , الذي يقوده أعمى , وهي ظاهرة عامة في تلك المجتمعات (المغلقة!) . قلت لصاحبي – آه من تفسيراتك السياسية لكل شئ , فأجاب بحدّة – لأن السياسي يقود المجتمع  ...
+++++
الترجمة الحرفية – كل غبيّ , غبيّ بطريقته.
التعليق –  لا توجد قواعد عامة للغباء , لهذا , فان هذا المثل واقعي جدا , و صحيح جدا , اضافة الى انه طريف جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – الاطلاقات لا تهمّ الاطرش .
التعليق – يوجد عندنا مثل طريف مناظر لهذا المثل الفيتنامي يقول – (أطرش بالزفّه) , وكلاهما يصفان حالة انسانية عامة حول عدم التفاعل بما يجري حول هؤلاء الناس من أحداث , لكن مثلنا أكثر طرافة وحيوية من المثل الفيتنامي .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا قمت بعمل كبير , فلا تتوقف عند النفقات .
التعليق –  ان نتائج الاعمال الكبيرة ستكون ايضا كبيرة , الا ان ظهور تلك النتائج يتطلب وقتا طويلا ,ولهذا , فان هذا المثل حكيم جدا , لأنه يستشف هذا الاستنتاج المستقبلي لتلك الاعمال , ويدعو الى عدم التوقف عند تكاليف هذه الاعمال المهمة عند تنفيذها , اذ ان تلك النفقات – مهما كانت – ستكون لاشئ مقابل نتائج هذه الاعمال الكبيرة...
+++++
الترجمة الحرفية – الحروف عوجاء, لكن الفكرة مستقيمة .
التعليق –  المثل الفيتنامي هذا يؤكد صحة مثلنا المعروف – الامور بخواتمها , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الفيتنامي مبتكرة بكل معنى الكلمة , مما يجعل هذا المثل طريفا ومرحا جدا , مقارنة مع مثلنا . 
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يتنزهون تحت ضوء القمر ينسون المصباح .
التعليق – هذا هو حال الناس في كل مكان , الا ان صاحبي اعترض على هذا التعليق , وقال - هذا حال العشاق فقط , أما بقية البشر , فانهم لا ينسون المصباح , ثم سألني بتهكم - هل تنسى أزمة الكهرباء لدينا , عندما تتنزه تحت ضوء القمر ؟ فنظرت اليه بحزن وبقيت صامتا ...
+++++
الترجمة الحرفية – شجرة واحدة تحمل كثيرا من الاغصان .
التعليق – مثل رمزي جميل يرسم صورة بهيّة للانسان الحقيقي , الذي يجب ان يكون مثل الشجرة (كثير الاغصان !!!) , والا , فانه يفقد انسانيته ...
+++++
الترجمة الحرفية – يملّح البحر .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا – آه كم يوجد حولي أناس مثل هؤلاء , فسألته , هل كنت في فيتنام ؟ فقال وهو يقهقه , كلا , كلا , حولي هنا في بلدي , فالاغبياء عندنا في ازدهار.
+++++
الترجمة الحرفية – قبل ان تضرب الكلب , انظر , أين صاحبه .
التعليق – يوجد مثل صيني يقول – قبل ان تمسك النمر من ذيله , انظر اي أسنان عنده . المثل الفيتنامي مناظر له , رغم ان الخطورة تختلف بين ( أسنان النمر !) و ( أسنان صاحب الكلب !) . قال صاحبي معلّقا على ذلك وهو يضحك - بعد هذين المثلين لن أمسك نمرا من ذيله  في الصين , ولن أضرب كلبا في فيتنام بغض النظر عن مكان صاحبه , فقلت له وانا اضحك ايضا – الامثال تعلّم الانسان كيف يتصرّف مع البشر ومع الحيوانات ...
====================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


135
أمثال جورجية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  كلاهما كانا يصليان للرب – الهارب , والذي يلاحقه.
التعليق –   سألني صاحبي , هل انت متأكد , ان هذا المثل جورجي فعلا ؟ تعجبت أنا من سؤاله , وسألته بحدة , ما هذا السؤال ؟ فأجابني وهو يضحك – لا تغضب , اذ ان هذا المثل على ما يبدو عراقي النكهة جدا , فضحكنا كلانا , وقلت له , هناك مثل هندي يقول – لا يصبح الانسان جيدا لمجرد ان يزور المعبد .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يشجبون الطفل ولا المجنون .
التعليق –  قال صاحبي معلقا – يوصي هذا المثل بعدم شجبهما , لأنهما غالبا ما يقولان الحقيقة , وليس عبثا القول الشهير – خذوا الحكمة من افواه المجانين ...
+++++
الترجمة الحرفية – مرحبا ايتها الفودكا , وداعا ايها العقل .
التعليق –  مثل رمزي عميق , يعالج بشكل دقيق وساخر مشكلة اجتماعية كبرى عند بعض الشعوب , وبدأت هذه المشكلة تنتقل – وباساليب اخرى – الى مجتمعات لم تكن تعرفها سابقا , لأن المثل الردئ يؤدي الى العدوى دائما . لنتذكر بيت الشعر الذي ذهب مثلا –
لا تربط الجرباء حول صحيحة /// خوفا على تلك الصحيحة تجرب.
+++++
الترجمة الحرفية - الحسّاد يموتون , لكن الحسد يبقى .
التعليق –  عندما يدور الحديث عن الحسد , فاننا نتذكر رأسا الآية الكريمة –  ( قل أعوذ برب الفلق ......ومن شر حاسد اذا حسد) .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تسقط , فالافضل من حصان , وليس من حمار.
التعليق –  يوجد مثل عربي في نفس المعنى يقول – اذا سرقت فاسرق جمل واذا عشقت فاعشق قمر , و المثل الروسي المناظر له يوصي بسرقة مليون وعشق ملكة . المثل الجورجي متواضع جدا جدا مقارنة معهما , الا انه طريف فعلا , وصورته الفنية مبتكرة .
+++++
الترجمة الحرفية – الطريق الى الاخ قصير دائما .
التعليق – العامل النفسي مهم دائما في مسيرة حياتنا اليومية . لنتذكر القول العظيم في تراثنا – تفاءلوا بالخير تجدوه .
+++++
الترجمة الحرفية – سئ عندما لا يكون لك أخ , لكن الاسوأ عندما لا يكون لك أصدقاء .
التعليق – ليس بيد الانسان ان يكون له أخ او لا , لكن اختيار الاصدقاء بيد الانسان نفسه , ولهذا , فان هذا المثل صحيح جدا ودقيق جدا  وحكيم ايضا...
+++++
الترجمة الحرفية – للكسول , اما المطر يهطل , او الثلج يتساقط .
التعليق – لتبرير الكسل يختلق الكسول دائما الاسباب , والتي تحدث يوميا واعتياديا حوله . مثل حقيقي بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية – المياه تتسرب , الرمال تبقى .
التعليق – مثل رمزي جميل يقول لنا , ان الوقائع على الارض باقية رغم كل محاولات الالغاء , التي تتعرّض لها . 
+++++
الترجمة الحرفية – العيون – مرآة القلب .
التعليق –  عندما نقرأ هذا المثل الجورجي , فاننا نتذكر طبعا بيت الشعر العربي الجميل –
وتعطلت لغة الكلام وخاطبت عينيّ في لغة الهوى عيناك...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن شراء التربية في السوق .
التعليق – مثل عظيم , اذ ان التربية تبدأ منذ ولادة الانسان الى حين بلورته ونضجه , ولهذا فلا يمكن ابدا ( شراء التربية في السوق !) كما يقول هذا المثل الجورجي بدقة متناهية جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الطيبة تفتح البوابة الحديدية .
التعليق –  يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول -  (اللسان الحلو يطلع الحيّة من الزاغور) , ويعرف العراقيون قصة هذا المثل الطريف , والمثل الهندي يقول – (لاشئ يمكن ان ينعش الانسان مثل الكلمة الطيبة) , والمثل الجورجي في نفس المعنى , وهو يرسم لنا صورة مبتكرة جديدة لعظمة الكلمة الطيبة وقوّتها...
+++++
الترجمة الحرفية – شجرة الحقيقة لا تجف حتى اذا زرعوها على حجر .
التعليق – مثل رائع . المثل الروسي في نفس المعنى يؤكّد , ان – الحقيقة لا تحرق ( بضم الياء) , و بالماء لا تغرق .
==============================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

136
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – في البيت أسد , في الشارع قطة .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو مرح ومؤلم في آن واحد . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول -  (ابوي ما يقدر الاّ على امي) , وهو طبعا بنفس المعنى . المثل الارمني أكثر شمولية , الا ان الصورة الفنية في المثل العراقي أكثر حيوية...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يخاف من الموت , ميّت هو بين الاحياء .
التعليق – مثل واقعي جدا , فالخوف يؤدي بالانسان الى عدم التفكير الموضوعي . لنتذكر مثلنا العربي ( وبمختلف اللهجات العربية ) الذي يقول - اللي يخاف من العفريت يطلع له .
+++++
الترجمة الحرفية – جئت الى القرية , اسأل الطفل عن اخبارها .
التعليق – مثل طريف فعلا . يكرر الطفل ما يسمعه بين اهله (دون تحفّظات وحذف ورتوش !!!) وعندها تظهر الحقيقة باكملها . يوجد مثل يقول – خذوا الحكمة من أفواه المجانين , وهناك من يضيف – ومن أفواه الاطفال.... والحقيقة حكمة ايضا.
+++++
الترجمة الحرفية – صدأ الروح يبدو واضحا على الوجه .
التعليق –  مثل سايكولوجي عميق جدا , وهو يتطلب الخبرة في تحليل شخصية الانسان استنادا الى ملامح وجهه قبل كل شئ . توجد العديد من التعابير والاقوال عن الوجه عند مختلف الشعوب , فنحن مثلا نقول – وجهه يبكي ..او ..وجهه بشوش ..او ..وجهه شرّاني ..ألخ , لكن المثل الارمني هذا يشير الى ( صدأ الروح ) , وهي صورة فنية متميّزة وفريدة من نوعها.   
+++++
الترجمة الحرفية – الوردة المفتوحة بالقوة لا تمتلك عطرا .
التعليق –  قال صاحبي , لنتذكر مثلنا الشهير - كل شئ بالسيف الا المحبه بالكيف , قلت له , نعم , وحتى الوردة ترفض التعامل معها بالقوة , اي ان مثلنا لا يتحدّث فقط عن الانسان , وانما يشمل كل شئ حي , وثانيا , فان هذا المثل الارمني رمزي جدا , اذ انه يعني , ان الشئ , الذي يحصل عليه الانسان بالقوة يفقد قيمته...
+++++
الترجمة الحرفية – قبل ان تدخل , فكّر , كيف يمكن ان تخرج .
التعليق –  يدعو هذا المثل الى ضرورة التفكير بنتائج العمل قبل الاقدام على تحقيقه , اذ يمكن ان تكون تلك النتائج كارثية للانسان . مثل حكيم وعميق بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية – سارق البيضة , والدجاجة يسرقها .
التعليق – السرقة سرقة بغض النظر عن الشئ المسروق , اذ انها تعني , ان المبدأ الاخلاقي قد تمّ خرقه , ولهذا , فان هذا المثل منطقي وصحيح جدا . توجد امثال كثيرة عند الشعوب في هذا المعنى , منها المثل العربي – من يسرق بيضة يسرق جملا .
+++++
الترجمة الحرفية – الروح أكثر حلاوة من الجسد .
التعليق – العلاقة بين الروح والجسد علاقة حيوية و عضوية متكاملة , واي خلل في هذه العلاقة ينعكس على ( حلاوة !!!) الجانبين. قال صاحبي , لكن هذا المثل الارمني يقول , ان الروح أكثر حلاوة من الجسد , فقلت له , نعم , من الواضح ان هذا المثل يقول , ان الروح تعني (السكّر) الذي يضاف الى (الجسد) كي يكون أكثر حلاوة . مثل فلسفي بامتياز وعميق جدا في معناه.
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن شراء الحظ بالنقود .
التعليق – لا يمكن بالنقود تحقيق كل شئ كما يظنّ الاغنياء , اذ كيف يمكن شراء العقل او الحكمة او التجربة ...الخ . و(الحظ) ايضا واحد من تلك المفاهيم التي لا يمكن ان يشتريها الانسان في مسيرة الحياة . مثل واقعي و دقيق فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – حبيبة تلك , التي عشقها القلب .
التعليق – العشق شئ ذاتي بحت لا يخضع لقوانين المنطق الصارمة , وبما ان القلب قد عشق , فانه ( اي القلب) وحده الذي يقرر من هو الحبيب , بغض النظر عن آراء الآخرين . مثل حقيقي و صحيح جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تصل الى بلاد وترى ان الجميع عميان , كن انت أعمى ايضا .
التعليق – مثلنا العربي يقول -  يا غريب كن أديب , وهو صيغة دبلوماسية راقية حول طريقة التصرّف في الاجواء الغريبة . المثل الارمني يمتلك نفس المعنى , الا انه يرسم صورة تطبيقية واضحة المعالم وصارمة جدا لطريقة التصرّف عندما تكون غريبا, وهي صورة فنية جميلة فعلا .
========================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن. 

137
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اطلب من الربّ , لكن المسحاة تبقى في اليد .
التعليق –  يوجد مثل عالمي , استقر بالعربية كما يأتي – يساعد الله الذين يساعدون انفسهم , وهناك مثل بمختلف اللهجات العربية يقول -  العبد في التفكير والرب في التدبير , وهناك مثل روسي في نفس هذا المعنى يقول - اعتمد على الرب ولكن انت لا تتقاعس , ومن المؤكد , ان هناك امثال اخرى لدى الشعوب حول ذلك . المثل الارمني في نفس المعنى , الا انه يتوجه نحو الفلاّح بالذات , وهذا ما يجعله متميّزا عن الامثال الاخرى....
+++++
الترجمة الحرفية – من يسرع , هو الذي يتأخّر .
التعليق –  لنتذكر امثالنا العربية المعروفة في هذا المجال , ومنها – في التانّي السلامة  وفي العجلة الندامة , او , من أسرع كثر عثاره .... يوجد مثل روسي في نفس المعنى يقول – العجلة تثير ضحك الناس . المثل الارمني يرسم نتيجة واضحة و مضادة لمن يسرع .
+++++
الترجمة الحرفية – الناس الصغار يرون أحلاما كبيرة .
التعليق – قال صاحبي معلقا – نعم , هذا صحيح , وذلك تعويضا عن واقعهم الاليم في مجتمعاتنا,  الواقع الذي جعلهم ( صغارا !) وسط الحيتان الكبيرة , فقلت له , لكن يوجد اناس صغار في كل المجتمعات , بغض النظر عن وجود الحيتان او عدم وجودهم , فضحك وأجابني , ان الامثال الارمنية أقرب الى مجتمعاتنا ( ذات الحيتان الكبيرة !)...
+++++
الترجمة الحرفية – الطحين نحن طحناه , لكن البقلاوة أكلها شخص آخر .
التعليق – مثل مرح و طريف حقا , وهو واقعي جدا , و يعبّر بشكل ساخر (وعميق ايضا) عن اللاعدالة السائدة في مسيرة الحياة الانسانية بشكل واضح وسافر . يوجد مثل ساخر وطريف جدا بلهجتنا العراقية ( يرسم نفس حالة اللاعدالة في المجتمع ) يقول – ناس تاكل دجاج وناس تتلكى العجاج ( تتلكى – تتلقى ) ,
+++++
الترجمة الحرفية – لا ينبح الكلب على عصا دون انسان .
التعليق – الانسان هو الذي يستخدم العصا ضد الآخرين , ولا قيمة للعصا دون استخدامها من قبل الانسان , ويعرف الكلب طبعا هذه الحقيقة ( المرّة!) , فالكلب ( لا ينبح عبثا !) كما يقولون في الامثال ...
+++++
الترجمة الحرفية – الافكار طويلة , لكن الحياة قصيرة .
التعليق – ونحن نقول – العين بصيرة واليد قصيرة .  يتحدث المثل العربي عن عدم امكانية تحقيق (اليد) لكل ما تراه (العين) , اما المثل الارمني ,فهو أعمق  , اذ يتحدث عن افكار الانسان الواسعة الكبيرة ويشير الى ان سنوات الحياة قليلة ومحدودة, ولا تكفي لتحقيق تلك الافكار . مثل فلسفي بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الغاضب يشيب مبكرا .
التعليق – كلام صحيح . لنتذكّر الحديث الشريف العميق في تراثنا , الذي يقول – لا تغضب ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد عرس دون دموع , ولا مأتم دون فرح .
التعليق – الدموع في الاعراس ظاهرة طبيعية , لان العرس وداع لحياة قديمة وبداية لحياة جديدة , أما المأتم , فكما يقول المتنبي العظيم - مصائب قوم عند قوم فوائد. المثل الارمني هذا يوجز تلك الحالة بدقة متناهية .
+++++
الترجمة الحرفية – مع الذئب لا يتصادقون .
التعليق – كلمات صحيحة جدا , وعلينا أخذها بنظر الاعتبار دائما , فكم توجد حوادث مأساوية في مسيرة حياتنا نتيجة الصداقة مع الذئاب البشرية حولنا . مثل حكيم فعلا , ويدعونا الى تحديد طبيعة الانسان قبل الصداقة معه , وليس بعدها , اذ عندها سنردد المثل الشهير - ( ..ولآت ساعة مندم ) .
+++++
الترجمة الحرفية – الثروة مثل العشيقة , يمكن ان تذهب اليوم او غدا .
التعليق –  مثل واقعي جدا .علّق صاحبي على هذا المثل وهو يضحك قائلا – وحتى لو يذهبان , فان طعمهما اللذيذ يبقى ابدا في أعماق الروح , فقلت له وأنا أضحك ايضا , يبقى الانسان الشرقي حالما...
+++++
الترجمة الحرفية – الشمس – سجّادة الفقير .
التعليق – صورة فنية جميلة جدا, وتكاد ان تكون قصيدة نثر , او قصيدة ( هايكو ) يابانية متكاملة. تشغل الشمس مكانة كبيرة في امثال الشعوب , الا ان الصورة الفنية في هذا المثل الارمني فريدة من نوعها فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس بيتا تشتري , وانما جيرانا تختار .
التعليق – ونحن نقول - الجار قبل الدار , ويتكرر نفس المعنى في امثال عديدة عند شعوب اخرى ...
+++++
الترجمة الحرفية –  يرتفع سعر الحمار عندما لا يوجد حصان .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو واقعي فعلا . يوجد مثل ساخر وطريف ايضا في نفس المعنى بلهجتنا العراقية يقول - من قلّة الخيل شدوّا على الكلاب سروج ...
==========================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد و موسكو قريبا .
ض. ن.

138
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما تحفر حفرة لشخص – ما , احفرها حسب طولك .
التعليق – صياغة فنية جديدة فعلا وطريفة جدا ومبتكرة حقا لمضمون هذا المثل المعروف و العميق . المثل العربي المناظر يقول – (من حفر حفرة لأخيه وقع فيها) , ويتذكّر العراقي طبعا الاغنية العراقية الشعبية الشهيرة – يا حافر البير لا تغمج مساحيها.... خاف الفلك يندار وانت التكع بيها ( تغمج – تعمّق // التكع – الذي يقع ).
+++++
الترجمة الحرفية – اهرب من المياه التي بلا ضجيج ولا خرير.
التعليق –  مثل صحيح ودقيق جدا , فالمياه الراكدة غير صالحة للاستخدام ابدا , ولا يمكن للانسان ان يتعامل معها . الصورة الفنية في هذا المثل تعبيرية جدا وحيوية بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية – ارم للكلب عظما , وهو سيصمت.
التعليق –  قال صاحبي , انه رأى كثيرا من هذه الحالات في مجتمعاتنا , حيث يرمون (العظام!) لهؤلاء الذين ( لا يصمتون !) واذا بهم يتحولون الى (معسكر الصامتين!) . قلت له , نعم , وأنا أيضا رأيتهم . مثل رمزي طبعا , وواضح المعالم جدا ...
+++++
الترجمة الحرفية – قبعة كبيرة , لكن تحتها فراغ .
التعليق – هناك مثل ساخر جدا لدينا يقول – ( فحل التوت بالبستان هيبه ) , والقبعة الكبيرة في هذا المثل الارمني تذكّر ب ( فحل التوت !) في مثلنا . الصورة الفنية في هذا المثل طريفة جدا ومبتكرة فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – كثير من العقول تعلّم الفقير , لكن لا أحد يعطيه الخبز.
التعليق –  و المثل الياباني يقول – ( الكلام بسيط , العمل صعب) .
+++++
الترجمة الحرفية – وانا مذنب وانت مذنب , من الذي سيدخل الجنة .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل واقعي و طريف ومرح , وهناك مثل (وبمختلف اللهجات العربية) مناظر له شكلا ومضمونا  يقول – (أنا أمير وأنت أمير فمن يسوق الحمير) . ضحكت أنا , وقلت له , مثلنا أكثر واقعية في كل الاحوال .
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل عندما يجبرك حكيم ان تبكي , من أحمق يجبرك ان  تضحك .
التعليق – والمثل بلهجتنا العراقية يقول -  امشي ورا اليبجيك وليس ورا اليضحكك ( اليبجيك – الذي يبكيك // اليضحكك – الذي يضحكك // ورا - وراء )
+++++
الترجمة الحرفية – العربة الفارغة ترنّ بقوة .
التعليق – و المثل الروسي يقول – البرميل الفارغ يرنّ , والمثل الصيني يقول – القنينة المليئة تصمت والقنينة نصف المليئة تلقلق , ونحن نقول عن السنابل الفارغات ايضا – (...رؤوسهنّ شوامخ ) .....
+++++
الترجمة الحرفية – يمسك الصليب بيد , ويسرق باليد الاخرى .
التعليق – قال صاحبي , آه , كم يذكرني هذا المثل بواقعنا المرير , فعلّق أحد الاصدقاء قائلا – انه لص ليس الا , ويمسك بالصليب كذبا وبهتانا , ولهذا السبب بالذات ظهر عندنا شعار -  (باسم الدين باكونا الحرامية) , اي انهم ( حرامية ), ولكنهم يستخدمون الدين ...
+++++
الترجمة الحرفية – عند كل وردة عطرها .
التعليق – مثل في غاية الجمال فعلا , ومعناه عميق طبعا , اذ انه يؤكد على الخصائص الذاتية , التي يتميّز بها كل شئ جميل في الحياة , ويرمز هذا المثل طبعا الى الانسان , باعتباره الاجمل والاثمن ...
+++++
الترجمة الحرفية –  اذا حلّ الشتاء , فسيحلّ الصيف ايضا .
التعليق – مثل طريف ومنطقي جدا . نحن نقول – (كل حال يزول) , ولكن مثلنا لا يحمل روح الأمل و التفاؤل , الموجودة في ثنايا هذا المثل الارمني.
=============================================

من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة  , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض.ن.


139
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (9)
أ.د.ضياء نافع
الترجمة الحرفية – تريد الصحة – لا تأكل كثيرا , تريد الاحترام – لا تتكلم كثيرا.
التعليق -  مثل طريف وعميق ومفيد ودقيق جدا , وهو يجمع فحوى مثلين من أمثالنا المعروفة ويوحّدهما معا رغم البعد الشاسع بينهما- ( المعدة بيت الداء)  و ( لسانك حصانك ان صنته صانك وان خنته خانك)....
+++++
الترجمة الحرفية – الكسل اسوأ من المرض .
التعليق – صحيح , اذ ان ( الكسل لا يطعم بصل) كما يقول مثلنا الشهير , بينما المرض يمكن ان يعالجوه , اي ان الكسل بلا علاج , وبالتالي , فانه اسوأ فعلا من المرض . مثل حكيم .
+++++
الترجمة الحرفية -  ليس مخجلا الا تعرف , المخجل الا تتعلم .
التعليق – كم اتمنى ان نضع هذا المثل على جدران مدارسنا وجامعاتنا , هكذا قال صاحبي معلّقا وهو يستمع الى هذا المثل , فقلت له , ان هذا المثل يتوجّه الى الانسان عموما وفي كل الاعمار . لنتذكّر القول الشهير في تراثنا - اطلب العلم من المهد الى اللحد...
+++++
الترجمة الحرفية – قطرة قطرة تمتلأ البحيرة .
التعليق –  يقول مثلنا – (قطرة قطرة تمتلي الجرّة) , أما هذا المثل الاذربيجاني , فانه يقول ( البحيرة ) بدلا من ( الجرّة ) . امتلاء الجرّة يتطلب الصبر بهذه الطريقة ولكنها يمكن - مع ذلك - ان (تمتلي) , ولكن هل يمكن امتلاء البحيرة ؟ . يريد هذا المثل الاذربيجاني التأكيد على ان الوصول الى هدف كبيرجدا جدا يتطلب الصبر الطويل جدا جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يتمسك بباخرتين – يغرق .
التعليق – توجد أمثال نظيرة لهذا المثل عند الشعوب الاخرى , وكل هذه الامثال تنطلق من قول السيد المسيح – (لا يقدر أحد ان يخدم سيدين...) . يقول المثل الافغاني ( كنموذج لتلك الامثال ) في هذا المعنى – (الانسان لا يعبر النهر بزورقين) . المثل الاذربيجاني هنا يرسم صورة فنيّة مبتكرة , ويبيّن بوضوح النتائج المأساوية لهذه الحالة ...
+++++
الترجمة الحرفية – من القلب الى القلب – أقصر طريق .
التعليق – مثل جميل فعلا , اذ ان العلاقات القلبية تعني ( فيما تعنيه ) الحب والوئآم والانسجام الروحي بين البشر , ولكن صاحبي قال معترضا ومبتسما , ان هذا المثل يتناول الحب والغرام قبل كل شئ ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد للانسان مصيبة أكبر من الخوف .
التعليق – نعم , هذا صحيح , وتعرف شعوبنا العربية معنى الخوف في مسيرة حياتنا اليومية , وكيف انه قلب مجتمعاتنا رأسا على عقب. علّق صاحبي على ذلك قائلا –  وليس فقط مجتمعاتنا, فقلت له مؤيدا – نعم , والدليل على صحة ذلك هذا المثل غير العربي ... 
+++++
الترجمة الحرفية – نميمة الاقارب تفرّق بين الاخوة.
التعليق –  مثل واقعي فعلا , وكم توجد مثل هذه الحالات المؤسفة والمؤلمة في مسيرة الحياة الانسانية عندنا وعندهم . النميمة صفة مكروه جدا في العلاقات بين البشر , لنتذكر الآية الكريمة – ( .... ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا...) .   
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تنضج الثمار على الشجرة , فان الشجرة تحني رأسها .
التعليق –  نعم , النضوج يؤدي الى التواضع حتما , ونحن نقول هكذا ايضا (وفي نفس المعنى) في بيت الشعر الذي ذهب مثلا –
   ملأى السنابل تنحني بتواضع /// و الفارغات رؤوسهن شوامخ ....
==========================================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية) بطبعته الثالثة المزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

140
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا يمكن كبت أفواه الناس .
التعليق – حقيقة ساطعة , وكم حاول الانسان عبر تاريخه ان يوقف هذه الظاهرة وان يكبت أفواه الناس , ولكن دون جدوى . يقول المثل الروسي – على كل فم غريب لا يمكن ان تضع منديلا , اما المثل الياباني , فانه يذهب أبعد من المثل الروسي ,ويقول – لا يمكن ان تضع بابا على كل فم ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الدورق الوسخ , والماء وسخ .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بامتياز , لانه يذكّرنا بوضع بلادنا في هذا الزمن الردئ , حيث ان ( الماء) قد أصبح وسخا فعلا , لانه في ( دورق) وسخ  . قلت له , ان موقفك مفهوم , لكن هذا المثل أوسع من نظرتك السياسية البحتة , اذ انه يتحدث عن ( دورق ) الحياة بشكل عام ...   
+++++
الترجمة الحرفية – والحياة لنا , والموت لنا .
التعليق – مثل واقعي يجسّد حياة الانسان من بدايتها الى نهايتها بشكل وجيز و دقيق جدا . خلاصة فلسفية بسيطة وعميقة في آن , وهي تؤكّد القول الشهير في تراثنا العظيم عن ضرورة العمل... ( ...وكأنك تعيش ابدا...) و (...وكأنك تموت غدا ...) .
+++++
الترجمة الحرفية – المصيبة على الرأس تقع من اللسان .
التعليق – نعم , فاللسان عدو الانسان , كما يقول مثلنا العربي , وهناك الكثير من الامثال عند الشعوب حول ذلك , ولكننا نود هنا ان نشير الى مثل سومري عميق من حضارة وادي الرافدين العريقة حول ذلك (وهو أصل كل الامثال الاخرى) يقول , ان الكلمة هي - امّ الكراهية والعداوة .
+++++
الترجمة الحرفية – والعقل للحسناء ليس عائقا .
التعليق – اختلفنا ( ونحن نضحك ) حول فحوى هذا المثل , فقسم قال , ان العقل ( عائق ) للحسناء قد يؤثّر على حسنها وجمالها, وقسم كان يؤيد ما جاء في هذا المثل , ويرى , ان توحيد العقل والجمال شئ رائع , ولم نصل الى قرار حاسم , رغم اتفاقنا طبعا , ان الحسناء حسناء , سواء كانت بعقل او بدون عقل .
+++++
الترجمة الحرفية –     الشعب - هو نفسه مرآة نفسه .
التعليق – قال صاحبي انه يصفق باعجاب شديد لهذا المثل , لانه يرى , ان هذا المثل يجسّد الاجابة الحاسمة على كل تخرّصات هؤلاء الطغاة , الذين يعلنون انهم يمثّلون الشعب ويعكسون آماله.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يقع بلسان النمّامين , يحترق بلا نار .
التعليق – نعم , هذا استنتاج صحيح , ولهذا , فان النمّام مكروه في كل المجتمعات ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الحركة – رفيقة الصحة .
التعليق – ونحن نقول , في الحركة بركة ...
+++++
الترجمة الحرفية – ثروة الانسان في مهنته .
التعليق – يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – الصنعة محبس ذهب , ( الصنعة – المهنة , محبس – خاتم ) , والمثل العراقي في نفس المعنى طبعا , ولكن بمفهوم ونكهة عراقية . المثل الاذربيجاني أكثر شمولية , لكن المثل العراقي أجمل .
+++++
الترجمة الحرفية – على أغصان شجرة التفاح لا ينضج الخوخ .
التعليق – مثل في غاية الطرافة فعلا , وهو يؤكد على ضرورة التفكير المنطقي السليم , الذي يعتمد على الحقائق والثوابت . توجد امثال عديدة في هذا المعنى عند مختلف الشعوب , منها المثل الكوري الطريف – من بذور الخيار لن ينمو الباذنجان .
=============================================
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض.ن.

141
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الوحدة للشعب , مثل الاجنحة للطيور.
التعليق – قال صاحبي معلقا على هذا المثل – ولهذا , فان شعوبنا لا تقدر على التحليق , لأنها بلا أجنحة ! قلت له , ولكننا كنّا نحلّق سابقا , فأجاب بأسى , لأن النسيج المجتمعي لم يكن مريضا آنذاك , ثم ابتسم وقال - ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية – العقل ليس في السنين , وانما في الرأس .
التعليق – نعم , هذا صحيح , فكم يوجد حولنا اناس بلا عقل رغم تراكم سنين حياتهم . مثل في الصميم .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تسأل الطبيب , بل اسأل المريض .
التعليق – ونحن نقول – (اسأل مجرّب ولا تسأل حكيم) , والحكيم بلهجتنا يعني الطبيب , والمجرّب هو المريض طبعا , الذي عانى من المرض . امثال الشعوب تقترب من بعضها البعض احيانا حد التطابق  ( كما هو الحال في هذا المثل ), لأن هذه الامثال تعكس مسيرة الحياة الانسانية وخبرتها بغض النظر عن اختلاف المجتمعات .
+++++
الترجمة الحرفية – نم مع الشمس , واستيقظ مع الشمس .
التعليق – كل أمثال الشعوب تتحدث عن النوم المبكّر والاستيقاظ المبكّر , فالصباح رباح كما يقول مثلنا الشائع ...
+++++
الترجمة الحرفية – على الحمار الخنوع يركب اثنان .
التعليق –  صورة رمزية جدا وبسيطة و مفهومة للجميع , وتدعو هذه الصورة بشكل غير مباشر الى رفض الخنوع والخضوع . قال صاحبي ان هذه الصورة تذكّرنا بمثلنا العراقي الطريف – حايط نصيص (حائط واطئ يمكن لاي شخص ان يتجاوزه ) , فقلت له , نعم يذكّرنا فعلا بهذا المثل العراقي , الا ان المثل الاذربيجاني أكثر دقّة وحيوية .
+++++
الترجمة الحرفية – شيطان ذو خبرة أفضل من ملاك بلا خبرة .
التعليق – اختلفنا في تفسيرنا لهذا المثل وموقفنا منه ايضا , اذ يرى البعض , انه لا يمكن للشيطان (سواء كانت لديه خبرة ام لا) ان يكون افضل من الملاك حتى لو كان هذا الملاك بلا خبرة , الا ان البعض الآخر أصرّ , ان الخبرة واستخدامها أهم في تنفيذ العمل , وان الهدف هو انجاز مهمة – ما  بغض النظر عن منفّذها . 
+++++
الترجمة الحرفية – التباهي في الغربة , مثل غناء الاغاني في الحمّام .
التعليق – آه كم ضحكنا وقهقهنا عند قراءة هذا المثل , وكل واحد منّا كان يقول , انه يتذكّر فلان او فستان او علاّن , الذين كانوا في الغربة ( يغنّون حتى المقامات العراقية !!!) في الحمّام ...
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان الاخرس أفضل من اللسان الكاذب .
التعليق – توجد امثال كثيرة عند مختلف الشعوب عن اللسان . المثل الاذربيجاني هذا يأتي بصورة فنية جديدة تشجب الكذب بشكل حازم وصارم . مثل رائع فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – افتح عينيك بنفسك , قبل ان يفتحها لك الآخرون .
التعليق – الله الله , هكذا قال صاحبي عندما سمع هذا المثل , فقلت له , ان الصورة الفنية هنا جميلة ودقيقة فعلا , وهي تثير الاعجاب حقا , فأضاف صاحبي قائلا , ان هذا المثل ضروري جدا (لجماعتنا!) , الذين يظنون انهم ( مفتّحين باللبن!!!) , ولكنهم في الواقع يجب ان يأخذوا بنظر الاعتبار هذا المثل العميق شكلا ومضمونا .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد مستنقع بلا ضفادع .
التعليق – ضحكنا جميعا , وتذكرنا المثل العراقي الطريف – (فهّم حجي احمد أغا) , ويعرف العراقيون قصة هذا المثل , وكيف انه ينطبق على وضع ( مستنقعنا!!!) الحالي , والذي يقولون لنا , انه ( بلا ضفادع !!!) , وكان ضحكنا طبعا ( ...كالبكا ..).
=======================================
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض.ن.

142
امثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (6 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الذي عنده اطفال يبكي , والذي ليس عنده اطفال يبكي ايضا .
التعليق – مثل حقيقي بكل معنى الكلمة , ويذكّرنا بفيلسوفنا العظيم المعري , الذي قال مرّة , وذهب قوله مثلا , وهو –
تعب كلها الحياة فما اعجب الا من راغب بازدياد...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تنظر من كتب , انظر ماذا كتب .
التعليق – مثل صحيح جدا , وكم نحتاج , نحن العرب , ان نتأمّل هذه الكلمات الحكيمة , وان ننطلق من هذا المفهوم العلمي الدقيق , كي نتخلّص من (السذاجة , ولا اريد استخدام مفردة اخرى !) التي تحيطنا , وتكاد ان تخنقنا في مسيرة حياتنا اليومية...
+++++
الترجمة الحرفية – تستند العائلة على الطاعنين في السنّ .
التعليق – ونحن نقول بلهجتنا العراقية دائما - الشيّاب بركة في البيت ...
+++++
الترجمة الحرفية – الشئ الذي تحصل عليه بالخداع لا يعطيك ربحا .
التعليق –  صحيح جدا , ويذهب مثلنا العربي أبعد من ذلك , اذ انه ( اي مثلنا ) يتحدث عن نتائج اعمال الحيلة والخداع هذه , ويقول -  الذي يعيش بالحيلة يموت بالفقر ...
+++++
الترجمة الحرفية – ليس كل من ينبح – كلب , وليس كل من يتكلم – انسان .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل الاذربيجاني يتميّز بالقسوة , رغم انه دقيق جدا في تعبيره عن واقع حقيقي نراه كل يوم , وبقيت أنا صامتا , عندما استمعت الى تعليقه . يوجد مثل عميق عند الهنود الحمر يتناول هذه العلاقة الفلسفية بين الكلب والانسان ( ولكن من جانب آخر) ,و يقول مثل الهنود الحمر ما يأتي – احذر من الانسان الذي لا يتكلم , ومن الكلب الذي لا ينبح ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يحل الفيل محل الحمار.
التعليق – لم نستطع الوصول الى رأي واضح ومحدد بشأن هذا المثل , واختتم أحدهم نقاشنا الفلسفي الحاد و المتشعب حول هذا المثل الطريف وهو يضحك قائلا عن خلافاتنا –  ربما , لأن الفيل أكبر حجما من الحمار, وبالتالي , فانه يحتاج الى مكان أوسع , بينما قال الآخر , وهو يضحك ايضا  - خلاصة القول , ان الحمار يحل محل الحمار الآخر ليس الا...
+++++
الترجمة الحرفية – قوة الرجل في قبضته , والمرأة في دموعها .
التعليق – خلاصة دقيقة وصحيحة فعلا . يوجد مثل روسي يقول  - قوة المرأة في ضعفها , الا ان هناك مثل عربي أكثر دقة وتحديدا وشمولية, اذ انه يقول – تتسلط المرأة بدموعها وضعفها ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تسأل الناس اي ذيل عند حمارك –  اذ سيقول بعضهم , انه قصير , وسيقول بعضهم , انه طويل .
التعليق – ضحكنا جميعا ونحن نقرأ هذا المثل الطريف , واتفقنا جميعا , انه يذكّرنا بقصة جحا وحماره المشهورة , وكيف حاول مع ابنه استخدامه ولم يستطع نتيجة تناقض آراء الناس وثرثرتهم المتنوعة . المثل الاذربيجاني أكثر دقة وحزما من حكاية جحا , اذ انه يحدد الحل في هذه القضية , والحل هو – ( لا تسأل الناس...) حول الوقائع الثابتة... 
+++++
الترجمة الحرفية – مرآة الانسان – عمله .
التعليق – مثل عظيم وعميق رغم بساطته , و يذكّرنا ببيت الشعر العربي , الذي ذهب مثلا , وهو –
ان الفتى من يقول ها انا ذا /// ليس الفتى من يقول كان ابي ....
+++++
الترجمة الحرفية – ابنة عمياء أفضل من ابن أحمق .
التعليق – العائلة الشرقية تفضّل دائما الابن وليس الابنة , ولكن هذا المثل الاذربيجاني يحدد مفهوما آخر , فالابنة أفضل من الابن الاحمق حتى لو كانت عمياء . قال صاحبي , انه كليّا مع هذا المثل , لأن الحماقة ( أعيت من يداويها !) كما يقول بيت الشعر العربي الذي ذهب مثلا –
لكل داء دواء يستطب به /// الا الحماقة أعيت من يداويها
+++++
من كتاب – (أمثال شرقية مترجمة عن الروسية) بطبعته الثالثة المزيدة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض.ن.

143
جوائز نوّار للعام 2021
عقدت لجان جوائز نوّار عدة اجتماعات حول تحديد جوائز نوّار لعام 2021 وتمّ اتخاذ التوصيات الآتية –
اولا
===
الاستمرار بمنح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي - الروسي  كما في الاعوام السابقة  باعتبارها  الجائزة  الاولى في تاريخ  جوائز نوّار, والتي تعبّر بدقّة عن روحية هذه الجوائز , واعلان اسم الفائز بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي  قبل بداية الشهر التاسع , ليتسنى تسليمها للفائز في شهر ايلول / سبتمبر ( وهو تاريخ توقيع اقامة العلاقات العراقية – السوفيتية عام 1944 ) كما كان الحال في السنوات الاربع الماضية .
ثانيا
===
تحويل جائزة نوّار للمترجمين العراقيين , وجائزة نوّار للمبدعين من خريجي مدرسة الموسيقى والبالية الى اقامة تماثيل نصفية في بغداد لأعلام الثقافة العراقية بمناسبة الذكرى المئوية لتأسيس الدولة العراقية , وقد اختارت اللجنة الاسماء الآتية –
1- عزيز علي - تخليدا لدوره الرائد والمتميّز في مسيرة الفنون الموسيقية  بالعراق , وسيقام التمثال النصفي له في وزارة الثقافة .
2-  طه باقر - تخليدا لدوره الرائد والمتميّز في مسيرة الحفاظ على آثار حضارة وادي الرافدين ومؤلّفاته العلميّة حول قيمتها واهميتها في مسيرة الحضارة الانسانية , وسيقام التمثال النصفي له في كليّة الآداب / جامعة بغداد.
3- الشهيد  فؤاد ابراهيم البياتي ( رئيس قسم اللغة الالمانية في جامعة بغداد ) - تخليدا لدوره الرائد في تطوير دراسة اللغة الالمانية خصوصا و دراسات اللغات الاجنبية عموما في العراق , وسيقام التمثال النصفي له في كليّة اللّغات / جامعة بغداد .
يتم اعلان مواعيد تنفيذ ذلك لاحقا .
 
أ.د. ضياء نافع
رئيس لجان جوائز نوّار
رئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر 
 2021 / آب - اغسطس

144
ماياكوفسكي يكتب عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
يبدو للوهلة الاولى انهما ( ماياكوفسكي وتشيخوف) بعيدان جدا عن بعضهما , وبالتالي , فان الكتابة عنهما معا غير واردة في اطار   الخطوط الاساسية لعلم الادب المقارن , فماياكوفسكي ولد عام 1893 , عندما كان تشيخوف في قمّة مجده الادبي , وتوفي تشيخوف عام 1904 , عندمت كان عمر ماياكوفسكي (11) سنة , ورغم انهما عاشا معا في روسيا القيصرية احدى عشر سنة مشتركة , الا ان العصر الذي تألّق فيه ماياكوفسكي ( وهو بداية القرن العشرين ) يختلف جذريا وكليّا عن العصر الذي تألّق فيه تشيخوف ( وهو نهاية القرن التاسع عشر ) , وباختصار, فان الصورة الفنيّة المتكاملة لماياكوفسكي قبل كل شئ في وعينا تقول , انه كاتب ثوري مندفع و بحماس هائل في مسيرته الابداعية , أما الكاتب تشيخوف , فانه بعيد جدا جدا عن اي ثورة وعن اي اندفاع و عن اي حماس .لكنني اكتشفت صدفة ( اثناء اطلاعي الدائم على مصادر الادب الروسي ) , ان ماياكوفسكي – مع ذلك - قال عنه مرة , ان تشيخوف – (...واحد من سلالة ملوك الكلمة ...) , وهذا موقف واضح المعالم جدا للكاتب ماياكوفسكي تجاه ( صاحب الجلالة !) الكاتب تشيخوف , وهذه الكلمة , او هذا الموقف الصريح والواضح بتعبير ادق , هو الذي جعلني افكّر بالكتابة حول ماياكوفسكي وتشيخوف معا في مسيرة الادب الروسي رغم كل هذا التباعد الفكري والتباين الواضح في المفاهيم بينهما ( بما فيها القضية المركزية , وهي - عن دور الادب والفن في الحياة ) , اذ اني اعتقدت جازما , ان هذا الموقف الصريح والواضح  لماياكوفسكي تجاه ( صاحب الجلالة !) تشيخوف لم يأت من فراغ حتما , وهكذا بدأت فكرة هذه المقالة عن ماياكوفسكي و تشيخوف معا.
حاولت قبل كل شئ ان أجد المصدر لكلمة ماياكوفسكي عن تشيخوف , ووجدت تلك الكلمة فعلا في مقالة كتبها ماياكوفسكي ونشرها عام 1914 بعنوان – (تشيخوفان ) في مجلة ( الحياة الجديدة ) الروسية بمناسبة الذكرى العاشرة لوفاة تشيخوف . لم يكن ماياكوفسكي آنذاك شهيرا جدا في الاوساط الادبية الروسية ( ظهر اسمه في النشر لاول مرة عام 1912 فقط ليس الا , وصدر ديوانه الاول بعنوان (أنا) عام 1913 ) , ولكن تلك المقالة كانت تحمل كل سمات ماياكوفسكي , التي ستتبلور بعدئذ , وقد أشارت مجلة ( الحياة الجديدة) الى انها لا تتفق مع بعض طروحات هذه المقالة , رغم انها تنشرها باكملها على صفحاتها . مقالة ماياكوفسكي عن تشيخوف ليست قصيرة , وشغلت في المجلة حيّزا كبيرا , وكذلك في المؤلفات الكاملة له ( المؤلفات الكاملة في 13 مجلّدا / موسكو 1958 - 1961) . مقالة ماياكوفسكي عن تشيخوف فريدة في تراث ماياكوفسكي , اذ اننا لا نجد عنده مقالات مشابهة لها عن ادباء روس كبار آخرين من السابقين او المعاصرين له, رغم ان علاقات ماياكوفسكي بهم كانت واسعة جدا , اذ ان افكاره عنهم انعكست في قصائده او رسائله او في أقواله للمحيطين به , والذين كتبوا ذكرياتهم عنه, اي انه لم يكتب مقالات محددة عن الادباء الآخرين مثل تلك المقالة عن تشيخوف ( انظر مقالتينا , مثلا, بعنوان – ماياكوفسكي وبوشكين , و , ماياكوفسكي وغوركي).
تبدأ المقالة بشكل غير اعتيادي جدا , اذ يكتب ماياكوفسكي رأسا  وبهذا الترتيب للكلمات بالضبط , واقدمها للقارئ حسب الترجمة الحرفية قلبا وقالبا , وكما جاءت عند ماياكوفسكي –
(طبعا , ستنزعجون , اذا سأقول -
- انتم لا تعرفون تشيخوف !
- تشيخوف؟)
 وهكذا تسير بنية المقالة وكأنها قصيدة من قصائد ماياكوفسكي , قصائده التي تثير القارئ رأسا , او بتعبير أدق , تستفزّ هذا القارئ رأسا , اذ ان ماياكوفسكي هنا يستفز القّارئ فعلا في مقالته عن تشيخوف  منذ السطور الاولى , ويصيغ مقالته على شكل حوار مباشر مع هذا القارئ , ويسخر من اجاباته , التي يكرر فيها تعريفه لتشيخوف على انه – نصير المذلين والمهانين , او , مغنّي العتمة والغسق , او , الساخر اللاذع , او..او..او.. , ويصرخ ماياكوفسكي بهؤلاء القراء قائلا لهم – ( ...اسمعوا ..اني اريد ان اتكلم عن تشيخوف الآخر ...عن تشيخوف الكاتب ..واود ان احييه باعتباره  واحدا من سلالة ملوك الكلمة ..)
مقالة ماياكوفسكي عن تشيخوف لا يمكن تلخيصها بعدة كلمات , ولا أدري اذا كانت هذه المقالة مترجمة الى العربية ( شخصيا لم أطلع عليها بالعربية ), ولكني أرى – حسب رأي المتواضع – بضرورة ذلك لانها مهمة جدا. لقد اراد ماياكوفسكي ان يقول فيها , ان تشيخوف اعطانا صيغة جديدة في الادب , صيغة الافكار القصيرة المضغوطة دون استخدام الكلمات الفائضة , ويرى ماياكوفسكي ( وهو على حق ), ان هذه هي صيغة الفن المستقبلي , ولهذا فان تشيخوف من وجهة نظر ماياكوفسكي هو استاذ الكلمة وفنّانها .....
 





145
تمثال جديد للقيصر الروسي الكساندر الثالث
أ.د. ضياء نافع
تستمر في روسيا الاتحادية ظاهرة اعادة قراءة التاريخ الروسي من وجهة نظر جديدة و موضوعية وهادئة, وهي ظاهرة واضحة المعالم بدأت واقعيا في الربع الاخير من القرن العشرين , عندما نضج المواطن الروسي الاعتيادي ( او الطبقة الوسطى الروسية كما قال لي مرّة أحد ألاصدقاء الروس وهو يبتسم!) , وعندما اصبحت الشعارات المعلّبة الجاهزة عتيقة ومنسية , وقد شاهدت ذلك ( بامّ عيني!) عند زيارتي  لموسكو في نهاية التسعينيات , واستمعت – وبكل اندهاش – الى نقاشات الاساتذة الروس في الجامعات التي زرناها حول         ضرورة الحفاظ على معالم المدن ونُصبها وتماثيلها ورموزها المتنوعة ( وعدم تكرار أخطاء الماضي المُخجلة ! كما قال أحدهم) بغض النظر عن  المواقف السياسية المتناقضة جدا التي كانت سائدة بينهم آنذاك , مؤكدين , ان الذين حكموا روسيا قاطبة ( من قياصرة وبلاشفة !) حاولوا , كل حسب مفهومه وافكاره واجتهاداته, ان يبني روسيا  ويساهم بتطويرها, وبالتالي , فان الحفاظ على كل ما قام به هؤلاء الحكام هو دليل نضوج المواطن الروسي وعلامة صحيّة لا تقبل الشك لوطنيته واخلاصه لمفهوم المواطنة . لكن هذه العملية معقّدة جدا لأنها ظاهرة فكرية قبل كل شئ , وفي كل زمان ومكان , (ونحن في العراق نعرف حق المعرفة ماذا يعني ذلك!!!), ولهذا فان هذه الظاهرة لا تسير بشكل سلس جدا وبسيط كما يبدو للبعض ظاهريا , اذ لا زالت هناك في روسيا عناصر معارِضة لتلك العملية تبرز هنا وهناك في دولة هائلة المساحة جغرافيا مثل روسيا ومتعددة التنوع في مكوناتها القومية رغم الاكثرية الروسية الساحقة, وتتكلم هذه العناصر عادة عن الادارة السيئة والفاسدة واعمالها المختلفة الرهيبة سواء في النظام القيصري او في النظام السوفيتي , الا ان هذه الاصوات – مع ذلك - اصبحت تمثّل الاقلية الضئيلة ليس الا , ولم تعد مؤثّرة ابدا على سير الاحداث اليومية في روسيا الاتحادية المعاصرة , ويمكن القول – وبكل ثقة – ان ظاهرة قراءة التاريخ في روسيا من جديد وبنظرة موضوعية هادئة قد انعكست بوضوح وسطوع عندما احتفلت روسيا عام 2017  في الذكرى المئوية الاولى لثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية , والتي ادّت – كما هو معروف - الى تحويل دولة الامبراطورية الروسية الى دولة الاتحاد السوفيتي , ولا مجال هنا للحديث التفصيلي حول كل ذلك...
 الكساندر الثالث ( الذي نود ان نكتب هنا قليلا عن تمثاله الجديد في روسيا حسب عنوان مقالتنا) هو القيصر ما قبل الاخير في تاريخ الامبراطورية الروسية , وقد جاء بعد القيصر الكساندر الثاني ( والذي يسمونه القيصر المحرر لانه أصدر عام 1861 قانون الغاء حق القنانة ( العبودية) للفلاحين الروس , وهي المسألة الكبرى في مسيرة روسيا وتاريخها) , والذي اغتالته حركة سياسية متطرّفة تسمى بالروسية ( نارودنايا  فوليا)  اي ( الارادة  الشعبية ) عام 1881 , هذه الحركة التي كانت تعتقد (بشكل حازم وجازم وصارم ولا يقبل اي نقاش او اجتهاد!) ان اغتيال القيصر سيؤدي الى نهاية الخوف والتردد لدى الشعب , وبالتالي سيؤدي حتما الى انطلاق الجماهيرالمظلومة وتحقيق الثورة الشعبية العارمة , ولم يحدث ذلك بعد الاغتيال كما كانت تؤكّد وتجزم تلك الحركة السياسية في منشوراتها وأدبياتها, وانما جاء ابنه – ليس الا - وحلّ محله , وهو القيصر الكساندر الثالث , والذي حكم منذ عام 1881 والى حين وفاته عام 1894 , واستطاع هذا القيصر ان يحافظ على السلام طوال الثلاث عشرة سنة , التي حكم فيها , ولذلك أطلقوا عليه تسمية – (حافظ السلام ) , الا ان هذا القيصر قد حصل ايضا على تسمية اخرى بعدئذ , وهي - ( القيصرالمنسي ) , وقد جاءت هذه التسمية طبعا بعد مرور سنوات طويلة في تاريخ روسيا , اذ لم يعد يتذكره الناس وسط تلك الاحداث الجسام , التي مرّت منذ الحرب الروسية اليابانية 1904 وثورة عام 1905 والحرب العالمية الاولى عام 1914 وثورة شباط 1917 ثم ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917, ثم المراحل المتنوعة لمسيرة الدولة السوفيتية في القرن العشرين من الصراع على السلطة ثم انتصار الستالينية ثم الحرب العالمية الثانية واحداثها الهائلة ثم مرحلة ذوبان الجليد ..و..و..و, وصولا الى عام 1991 , عندما انهارت تلك الدولة...
التمثال الجديد للقيصر الكساندر الثالث جاء طبعا نتيجة القراءة الموضوعية الهادئة للتاريخ الروسي , والتي أشرنا اليها في مستهل هذه المقالة , وقد تم تدشين هذا التمثال في بداية شهر حزيران / يونيو من هذا العام ( 2021) , وافتتحه الرئيس الروسي بوتين نفسه في ضواحي بطرسبورغ , ووضع باقة من الزهور على منصته وهو جاثيا على ركبتيه امامه احتراما وتبجيلا ( وهي حالة نادرة جدا جدا, وقلّما تحدث من قبل رؤساء الدول عندما يضعون باقات الزهور في مثل هذه المناسبات ),  وعبّر بوتين عن اعجابه الشديد بالتمثال الهائل للقيصر ( والذي كان جالسا وبشكل مهيب جداعلى كرسي العرش القيصري بزيّه العسكري)  , وألقى الرئيس بوتين بعدئذ كلمة أشاد فيها بمكانة القيصر ألكساندر الثالث المتميّزة في التاريخ الروسي الحديث , وأشار الى حب هذا القيصر المتناهي لروسيا وعمله المخلص من اجل تطويرها والدفاع عن مصالحها وتعزيز مكانتها في اوروبا والعالم أجمع .   

146
 
شئ عن كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو

أ.د. ضياء نافع
 عندما وصلنا الى جامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين أدهشتنا تسميات بعض الكليّات الموجودة فيها , اذ لم تكن ابدا تتناسب او تنسجم مع تسميات الكليّات في جامعة بغداد , ففي كليّتنا , التي كنّا ندرس فيها , وهي كليّة الفيلولوجيا ( وكنّا نسميها كلية الاداب) , لم يكن هناك غير قسم اللغة الروسية وآدابها , وقسم اللغات الاوربية وآدابها , أما الاقسام الكثيرة الاخرى في العلوم الانسانية , الموجودة في كلية الاداب بجامعة بغداد , فلم تكن موجودة فيها بتاتا , وانما كانت تلك الاقسام كليّات مستقلة وقائمة بذاتها تماما , وهكذا وجدنا في جامعة موسكو كليّة الجغرافيا , وكليّة التاريخ , وكليّة الفلسفة , وكليّة علم النفس , ومعهد اللغات الشرقية , أما الاقسام الخاصة بالعلوم البحتة, الموجودة في كليّة العلوم  بجامعة بغداد , فلم تكن موجودة ايضا , وانما كانت موجودة هناك ايضا كليّات مستقلة وقائمة بحد ذاتها , وهي -  كليّة الكيمياء وكليّة الفيزياء وكليّة الجيولوجيا , وكليّة البايولوجيا .
الحديث عن انطباعاتنا عند وصولنا الى جامعة موسكو طويل ومتشعب طبعا , ولا يمكن اختصاره  بكلمات او سطور , بل هو موضوع يستحق الدراسة التفصيلية الواسعة , اذ انه يعني ( فيما يعني ) الوصول الى استنتاجات جذرية عميقة مقارنة مع بنية التعليم العالي العراقي , وكل هذا خارج اطار الامكانيات الواقعية المتاحة آنذاك في بلدنا وحتى الوقت الحاضر( والامكانيات هذه اصبحت أسوأ الان في الوطن الجريح) , ولكننا نكتب هذه السطور انطلاقا من مفهوم – ( فذكّر ان نفعت الذكرى) ليس الا .
كليّة الفيلولوجيا , التي التحقنا بها عام 1960 كانت واقعيا كليّة تدرس اللغة الروسية وآدابها قبل كل شئ , وبعض اللغات الاوروبية وآدابها مثل الانكليزية والفرنسية والالمانية , اي انها كليّة خاصة لدراسة اللغات وآدابها . كنّا - نحن الطلبة العراقيين جميعا - ندرس في – ( الفرع الروسي ) , هكذا كانوا يسمونه (رسميّا وشعبيّا) , ويحتوي هذا الفرع على العديد من الاقسام العلمية المستقلة تماما بعضها عن البعض الآخر , فهناك قسم اللغة الروسية المعاصرة , وقسم تاريخ اللغة الروسية  , وقسم علم اللغة , وقسم علم الادب , وقسم الابداع الشعبي الشفاهي ( الفلكلور) , وقسم الادب الروسي القديم , وقسم الادب الروسي في القرن الثامن عشر , وقسم الادب الروسي في القرن التاسع عشر , وقسم الادب الروسي في القرن العشرين , وقسم آداب شعوب الاتحاد السوفيتي , وكل هذه الاقسام العلمية المتكاملة بكل معنى الكلمة كانت ضمن ( الفرع !) الروسي في كليّة الفيلولوجيا, اذ يوجد رئيس قسم بدرجة بروفيسور , ومقرر قسم بدرجة استاذ مساعد في الاقل , ومجموعة كبيرة من التدريسيين المتخصصين ( الاختصاص الدقيق حصرا) في ذلك المجال , وكلهم بدرجات علمية رفيعة , وتوجد غرفة واسعة نسبيا لكل قسم مع مكتبة متخصصة , وكنّا نتجنب الدخول الى تلك الغرف , اذ توجد فيها دائما مجموعة ليست قليلة من التدريسيين والموظفين , وكانت دائما تشبه خلايا النحل كما قال لنا أحد الطلبة الروس مرّة وهو يحذرنا من الدخول الى تلك الاقسام قائلا – الافضل انتظار الاستاذ في الممر , والتحدث معه هناك , اذ لا يمكن القيام بذلك عندما تكونون داخل القسم  ...
لا توجد للطلبة قاعة دائمية , وكنّا نتنقل من قاعة الى اخرى حسب الجدول . كان عدد طلبة الفرع الروسي في تلك السنة الدراسية ( 1960/1961) اكثر من مئة طالب , وكنّا موزعين على شعب صغيرة ( من 6 الى 10 طلبة في الشعبة ) , ولكن كانت توجد محاضرات عامة للجميع , ويلقيها علينا بروفيسور متخصص عادة , اما الدروس التطبيقية , فتكون في الشعبة الصغيرة , ويقوم بها تدريسيون شباب بدرجة مدرس او استاذ مساعد بالاساس , وكان يوجد لكل شعبة تدريسي تربوي مشرف على الشعبة , يتابع طلبة تلك الشعبة ومسيرتهم الدراسية بالاساس , وتكون علاقته بهم بشكل عام جيدة .
جدول دروسنا كان يتوزع بين مواد اللغة الروسية وتاريخ الادب الروسي وتاريخ الادب الاجنبي , وكانت لدينا في الصف الاول مادة- مدخل في علم اللغة ومادة - مدخل في علم الادب ( والتي تصبح في الصف الخامس علم اللغة او نظرية الادب حسب تخصص الطالب) , وكانت لدى الطلبة الروس عدة مواد سياسية مثل تاريخ الحزب الشيوعي السوفيتي والفلسفة الماركسية ..الخ , الا اننا , الطلبة الاجانب كنّا معفيّين من دراستها . في كل هذه المواد كانت لدينا محاضرات عامة يلقيها بروفيسور متخصص , وهكذا كان يتغيّر البروفيسور حسب الاختصاص الدقيق , فيلقي المحاضرة متخصص بالادب الروسي في القرن الثامن عشر مثلا , ويأتي آخر متخصص بالادب الروسي في القرن التاسع عشر , وكذلك الحال بالنسبة للغة الروسية , فهذا متخصص بعلم الجملة , وآخر بعلم المفردات , وهكذا بالنسبة للادب الاجنبي ( الاوربي فقط , اذ ان الاداب الشرقية يدرسونها في معهد اللغات الشرقية) , ويتم من الصف الثاني فصاعدا تقسيم الطلبة الى متخصصين بعلم اللغة او بعلم الادب , وحسب اختيار الطلبة انفسهم , حيث يبدأ الطلبة بكتابة بحوثهم الخاصة حسب هذا التقسيم وباشراف استاذ مشرف , وفي الصف الخامس , يجب كتابة بحث التخرّج حسب ذلك الاختيار , ومناقشته امام اللجنة العلمية , ويتفرّغ الطالب كليّا لكتابة بحث التخرج في الفصل الثاني من الصف الخامس , ويخضع البحث لضوابط  علمية دقيقة وصارمة .
هذه صورة مختصرة جدا جدا للدراسات الاولية في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين كما عشناها ...




 

147
اليابانيون يحبون تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
قال صاحبي محتجّا – وما شأننا , نحن العراقيين , اذا كان اليابانيون يحبون تشيخوف او لا يحبوه ؟ ابتسمت أنا محاولا تهدئة الموقف المتوتر , وقلت له , هذا عنوان مقالة كتبها ياباني في دورية يابانية اسمها ( اليابان اليوم) , وتصدر بعدة لغات , وقد اطلعت عليها بالروسية , بعد ان أثارني العنوان , ووجدت في نهاية تلك المقالة قصيدة هايكو يابانية طريفة لشاعر ياباني معاصر تقول –
...ليلا
قرأت تشيخوف
وأصبحت أخرسا.
وبعد ان قرأت أنا المقالة , سألت نفسي , هل يصبح العراقي أخرسا ايضا عندما يقرأ تشيخوف ؟ وأردت ان اكتب عن ذلك , ولكنك , يا صاحبي , اصبحت عصبيّا رأسا بعد ان اطلعت على عنوان المقالة ليس الا , وأصدرت حكمك الصارم بصيغة ذلك السؤال الواضح المعالم حول علاقتنا , نحن العراقيين , بحب اليابانيين لتشيخوف او لا حبهم له , بعد ان تذكّرت , على ما يبدو , قصة الحلاق الثرثار , التي درسناها  ضمن مادة ( القراءة) في المدرسة الابتدائية , وكيف لعن الزبون المسكين في نهاية القصة ( الصين واليابانيين والناس اجمعين!) . اعتذر صاحبي مبتسما , وقال انه فهم من العنوان , ان الكلام سيدور حول اليابان ليس الا , فقلت له , انني قد تعوّدت على ردود الفعل السريعة والغاضبة هذه من المحيطين بي , وانني احاول دائما ان استوعب وبطريقة هادئة تماما هؤلاء الذين (لا يعجبهم العجب ولا الصيام  في رجب !) . ضحكنا معا , وكرر صاحبي اعتذاره , وسألني , وما الذي أردت ان تقوله حول العراقي عندما يقرأ تشيخوف ؟ قلت له , اردت اولا ان أذكر , ان الصورة الفنية المدهشة الجمال في الهايكو الياباني تؤكّد , ان تشيخوف قد استطاع ان يعبّر في نتاجاته عن احاسيس القارئ الياباني لدرجة , ان هذا القارئ لا يريد ان يضيف اي شئ آخر , وانه ( يصبح اخرسا ) , لان تشيخوف قال ما يريد هو ( اي القارئ الياباني) ان يقوله , وبالتالي اصبح اخرسا . لم يستوعب صاحبي هذه الفكرة الغريبة بالنسبة له, وقال , ان تشيخوف تكلم عن مشاكل الانسان الروسي في فترة معينة من مسيرة المجتمع الروسي , فما علاقة ذلك بالمجتمع الياباني ؟ قلت له , نعم , هذا صحيح , تشيخوف تكلم عن المجتمع الروسي طبعا , ولكن كلامه يتفهمه كل انسان بغض النظر عن مجتمعه , اذ ليس الموظف الروسي يعطس فقط ,بل والموظف الياباني والعربي والصيني والاوروبي ...الخ يعطس ايضا , ولهذا , فان الموظفين كافة وفي كل انحاء العالم يتعاطفون مع ذلك الموظف الروسي المسحوق, الذي كتب عنه تشيخوف , وهذا يتطابق مع معظم قصصه ومسرحياته , اي يتناغم مع روحية النتاجات الابداعية له  بشكل عام , وقد كتب ايليا ايرنبورغ حول مسرحية تشيخوف ( النورس) مرّة قائلا ما يأتي – ( ...أما مسرحياته , فانها لا تتجانس مع المفهوم الشرطي للعروض المسرحية , ولكنها لا زالت تعرض في مسارح العالم , في موسكو ولندن وطوكيو وباريس واستوكهولم ونيويورك ...الخ , وتكلم الناس معي في كل مكان زرته عن (نورس) تشيخوف . لقد طاف هذا النورس كل بحار الدنيا ) . قال صاحبي , ولكن مسرحية النورس لم تكن واسعة الانتشار في العراق حسب علمي , قلت له – نعم , مسرحياته ذات الفصل الواحد كانت( و ما زالت) تعرض على المسارح العراقية ,  ولكن مسرحياته الكبيرة , مثل بستان الكرز مثلا , لم تكن واسعة الانتشار , لأن عرضها صعب ويتطلب امكانيات تقنية عالية و كبيرة جدا بالنسبة للمسرح العراقي ومستواه المتواضع , ولكن مع ذلك , فاني شاهدت شخصيا عروضا عراقية لمسرحية الخال فانيا , والاخوات الثلاث , وقلت لصاحبي , اننا كتبنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ( وقبل أكثر من عشرين سنة ) اطروحة ماجستير وباشرافي العلمي عنوانها – مسرح تشيخوف في العراق , وأشرنا فيها الى كل هذه الوقائع والحقائق , وحتى قدمّنا نسخة منها في حينه هدية الى جامعة موسكو , وعبّروا عن اعجابهم بها . صمت صاحبي قليلا , ثم كرّر اعتذاره من جديد لانه تسرّع بالكلام في بداية الامر , فقلت له , ان مقالة ( اليابانيون يحبون تشيخوف ) في الدورية اليابانية طريفة جدا , وتتناول تاريخ تشيخوف في اليابان , وكيف ترجم المترجمون هناك نتاجات تشيخوف الى اللغة اليابانية , وما هو رد فعل النقد الادبي تجاه ذلك , وما هي النتاجات البارزة لتشيخوف , التي تقبّلها القارئ الياباني , ولماذا أحبها هذا القارئ ...الى آخر تلك الملاحظات الذكية والحاذقة حول ابداع تشيخوف في اليابان , وان كل هذه النقاط تستحق ان يطّلع عليها القارئ العربي , فهي ممتعة اولا , ومفيدة ثانيا للالمام بموقع تشيخوف في اطار الادب العالمي , ولهذا كله , فان تلك المقالة تستحق الترجمة الى العربية , وتستحق ان نتكلم عنها كي يتعرّف القارئ العربي عليها , من اجل اغناء معلومات هذا القارئ حول تشيخوف , وحول الادب الروسي عموما , حتى لو لم نتحدث عن علاقة ذلك بنا , وان احتجاجك في بداية الامر حول عدم اهمية الموضوع لم يكن موقفا سليما ...   
   

148
رأيت غوغول في منامي
أ.د. ضياء نافع
كان أنيقا بشعره الطويل المسترسل حتى كتفيه , فقلت له رأسا , آه لو قابلك الآن خير الله طلفاح , لسحبك بالقوة وحلق شعرك كله , ولجعلك ( أقرعا!) . تعجّب غوغول من كلامي , وقال ضاحكا , ان أنفي سيبدو عندها أكبر حجما و أكثر طولا , فقلت له , ان الفنان التشكيلي العراقي فيصل لعيبي عندها سيكون أكثر سعادة , لانه كتب عن اعحابه الشديد بقصتك ( الانف ) , ورأى ان هذه القصة وتماثيلها في بطرسبورغ تمجّد ذوي الانف الكبير. ضحك غوغول وقال , آه لو يرسم هذا الفنان العراقي لوحات لكتاب ( الانف) , اذ ستكون القصة عندها ذات نكهة تشكيلية عراقية , قلت له , ان الفن التشكيلي العراقي حقق نجاحات باهرة جدا , لكنه لم يصل الى هذا المفهوم الموجود في مسيرة الفن التشكيلي الروسي , الذي يرسم عدة لوحات تعبّر عن مضمون الكتاب , رغم ان هذا المفهوم كان مزدهرا في ماضينا الجميل , ولازلنا نندهش من جماليات لوحات الفنان الكبير الواسطي لمقامات الحريري. صمت غوغول قليلا , ثم سألني – ولكنك  لم توضّح لي , لماذا يقوم خير الله طلفاح عندكم بهذه الاعمال الغريبة  وغير المنطقية تماما , التي قلتها لي حول حلاقة الشعر؟ فهمست باذنه بصوت خافت - اسكت ولا تطرح هذه الاسئلة الخطرة , اذ ان السلطة عندنا لا تحبها ولا تطيقها, بل ويمكن حتى ان تفتك بك . وهكذا أنتقلنا للحديث عن الاشياء التي تحبها السلطة ( عندنا وعندهم!) , وعن الاشياء التي لا تحبها ايضا. قال غوغول بأسى , انه عندما قدّم روايته ( الارواح الميتة) للنشر , كان يجب عليه ان يذهب الى الرقابة اولا , اذ هكذا كانت قوانين السلطة في الامبراطورية الروسية , فقال له الرقيب رأسا ( ودون ان يقرأ الرواية , التي لم تكن تدور حول اي أرواح أصلا ), ان العنوان يتعارض مع قوانين السلطة , لان الارواح عندنا لا تموت , فاضطر غوغول ان يضيف على العنوان عنوانا ثانيا وهو – مغامرات جيجيكوف , ثم بدأ بعدئذ بالبحث عن اشخاص مؤثرين كي يساعدوه  بالحصول على موافقة الرقابة بشأن الحفاظ على العنوان الاول . صمت غوغول ثم سألني – هل الارواح عندكم  في وضع يختلف عن الوضع في امبراطوريتنا ؟ فقلت له , ان قوانيننا الحالية مثل قوانينكم في الامبراطورية الروسية , ولهذا اضطر المترجم العربي الى تغيير عنوان روايتكم , فقال غوغول – اي ابقى فقط مغامرات جيجيكوف , فقلت له لا, لا, لقد ألغى كلمة الارواح نفسها اصلا . ضحك غوغول وقال يا لكم من شعب حاذق , ولكن هل القراء العرب يعرفون , انني لم اتكلم هناك عن الارواح بتاتا , وانما عن الجيجيكوفيين , الذين يستغلون بشكل بشع ورهيب كل تلك المواقف السائدة في قوانين النظام السياسي من اجل تحقيق مصالحهم الخاصة فقط ؟ قلت له مطمئنا – نعم , نعم , فالقراء العرب يعرفون ذلك ويتفهمونه , اذ ان تجربة الجيجيكوفيين عندنا مزدهرة جدا , وهم يتزوجون الجيجيكوفيات , وقد ولد الان عندنا جيل (كامل الاوصاف!) منهم , واستطيع ان أقول لك بكل ثقة , ان جيجيكوفيّنا قد غلبوا جيجيكوفيّكم , اذ انهم الان يبيعون ويشترون حتى الارواح الحيّة ايضا , فقال غوغول رأسا , لهذا أحرقت أنا الجزء الثاني من روايتي تلك , لأنني أردت ايقاف هذا المثل السئ وتأثيره على الآخرين , فالمثل السئ معدي كما يقولون في الامثال الشعبية , فقلت له رأسا , يا نيقولاي فاسيليفتش, روايتك لم تخلق ظاهرة الجيجيكوفيين , وانما انت تحدثت عنهم في المجتمع الذي يسود فيه النظام الفاسد  أصلا , ولا علاقة لروايتك بمجتمعنا المعاصر , حيث تزدهر فيه الجيجيكوفية في كل المجالات , ولكن غوغول لم يتفق معي , وقال انه حسنا فعل بحرقه الجزء الثاني من الرواية , اذ لا ضرورة لنشر  اعمال هذه النماذج الشريرة , قلت له , ولكنك سخرت منهم وضحكت عليهم , اي انك شجبت اعمالهم , ولكن غوغول اصرّ على موقفه وبعناد وتوتّر, فحاولت تغيير موضوع الكلام كي اخفف توتره, وقلت له , أتعلم اننا نحب مسرحيتك ( المفتش العام ) ؟ فاجابني مستفسرا – العام؟ وأضاف , عنوان مسرحيتي ( المفتش) دون اي صفة اخرى , فكيف اصبحت ( المفتش العام) عندكم ؟ قلت له , ان المذنب بذلك هو (ابو ناجي ) , فسألني , من هو ابو ناجي هذا ؟ فضحكت أنا , وقلت له , العراقيون يسمون الانكليز هكذا , وهم الذين أضافوا لمفتشك صفة ( العام) , فقال غوغول متوترا و معترضا , ان ذلك لم يحدث في فرنسا والمانيا وايطاليا , فلماذا أخذتم الترجمة الانكليزية بالذات ؟ , فقاطعته أنا قائلا , اني غيّرت حديثي معك كي اخفف من توترك , ولكنك تعود مرة اخرى الى حالة التوتر هذه , فابتسم غوغول واعتذر وقال , انني أتحدث لاول مرة مع عراقي , وكنت اتمنى ان اسمع منك اشياء سارة , ولكنك قلت لي , كيف يمكن ان يحوّلوني في بغداد الى أقرع , وكيف يزدهر عندكم الجيجيكوفيون وتذكرت كيف أحرقت الجزء الثاني من روايتي , ثم حدثتني , كيف حوّلتم المفتش الذي كان في العشرينيات من عمره ليس الا الى مفتش عام , ولهذا اصبحت أنا عصبيا , فقلت له , حسنا , ساخبرك الان بشئ يسرّك جدا , فقد كتبنا عنك اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد باشرافي العلمي , واستطاع منذر ملا كاظم تحقيقها ومناقشتها بنجاح , وسافر بعدئذ الى روسيا , وهناك حصل على شهادة الدكتوراة , وأصدر كتابا عنك بالروسية , وهو اول كتاب عن غوغول بالروسية يؤلفه عراقي , فهل يسرّك هذا الخبر يا نيقولاي فاسيليفتش ؟ فابتسم غوغول وقال , نعم, نعم ,  وبكل تأكيد , انه خبر جميل جدا بالنسبة لي , واراد غوغول ان يضيف شيئا , ولكني استيقظت من نومي , ولم اسمع جملته الاخيرة ... 


149
    سولجينيتسين و تشيخوف
أ.د. ضياء نافع

 ترتبط عوالم سولجينيتسين الفنية قبل كل شئ ( كما هو معروف ) بواقع السجون السوفيتية الرهيبة ايام حكم ستالين في الاتحاد السوفيتي , وهذه الاجواء طبعا بعيدة جدا عن عوالم تشيخوف الفنية , الذي توفي عام 1904 في الامبراطورية الروسية آنذاك , اما  سولجينيتسين فقد ولد عام 1918 , اي بعد عام من ثورة اكتوبر 1917 , ولهذا , فان النقد الادبي الروسي لم يتحدث عن هذين الاسمين ( اي سولجينيتسين وتشيخوف ) معا ضمن بحوث الادب المقارن , رغم انه كانت هناك بعض الآراء ( والتي تكاد ان تكون شبه مستقرة ) حول عدم تناغم ( بتعبير مخفّف !) سولجينيتسين مع ادب تشيخوف بشكل عام , اذ لا توجد بينهما فعلا جوانب مشتركة او حتى متقاربة . لقد حاول سولجينيتسين دائما ان يقارن نفسه بتولستوي ودستويفسكي ( وهذه مسألة تتحمّل النقاش طبعا , اذ ان هناك آراء ومواقف متباينة تماما بشأن هذه المقارنة , وحتى مضادة لذلك , ولكن الموضوع بعيد عن مقالتنا) , الا ان سولجينيتسين لم يقترب من تشيخوف بشكل عام , منذ بداية ظهوره المدوّي ( يوم واحد في حياة ايفان دينيسوفتش) في الاتحاد السوفيتي نهاية الخمسينيات وبداية الستينيات والى القرار السوفيتي الرسمي بنفيه من الاتحاد السوفيتي في عام 1974 , واستمر الموقف من تشيخوف هكذا ايضا طوال فترة مكوث سولجينيتسين خارج الاتحاد السوفيتي , الا ان الوضع تبدّل بعد انهيار النظام السوفيتي عام 1991 وعودة سولجينيتسين الى روسيا الاتحادية عام 1994 , وهكذا بدأت تظهر – بالتدريج - آراء كثيرة في النقد الادبي الروسي تتناول العلاقة الفكرية بين سولجينيتسين وتشيخوف , وتوجد الان مصادر روسية عديدة ومتنوعة تتناول هذه العلاقة الفكرية بينهما. ان هذا الموضوع غير واضح المعالم  للقارئ العربي المهتم بمسيرة الادب الروسي , والمتابع لتفاصيل العلاقات الفكرية بين أعلامه , ونظن , انه موضوع يستحق ان نتوقف عنده قليلا, وان نقدّم الملامح الاساسية له في الاقل .
اصبح سولجينيتسين بعد عودته الى روسيا عام 1994 نجما ساطعا جدا في سماء الفكر الروسي , وعندما احتفل مسرح موسكو الفني بالذكرى المئويه لتأسيسه عام 1998 , قرر اقامة تمثال لتشيخوف امام بنايته القديمة في مركز موسكو , اذ ترتبط مسرحية تشيخوف ( النورس) , كما هو معروف , بمسيرة هذه الفرقة المسرحية العتيدة ( لازال طير النورس مرسوما على ستارة المسرح لحد الان وفي بنايته الجديدة ايضا ) , وتم دعوة سولجينيتسين للمشاركة بحفل تدشين تمثال تشيخوف والقاء خطاب بهذه المناسبة , باعتباره من ابرز الاسماء الادبية الروسية آنذاك , وقد أشارت الصحف الروسية في حينها , ان سولجينتسين يذكّر بدستويفسكي عندما ألقى خطابه الشهير عند افتتاح تمثال بوشكين في موسكو , وتوقعوا ان يكون خطاب سولجينيسين بمستوى خطاب دستويفسكي المذكور, وسيتحول بالتالي الى وثيقة من وثائق الادب الروسي وتاريخه مثل خطاب دستويفسكي, وألقى سولجينيتسين الخطاب فعلا في حفل افتتاح تمثال تشيخوف , الا ان خطابه عن تشيخوف هذا لم يتحول الى وثيقة جديدة في مسيرة تاريخ الادب الروسي , ولم يكن بمستوى خطاب دستويفسكي عن بوشكين باي حال من الاحوال. كانت مناسبة افتتاح تمثال تشيخوف ترتبط بمسرح موسكو الفني , والدور المتميّز لتشيخوف باعتباره كاتبا مسرحيا في تاريخ هذه الفرقة المسرحية , الا ان سولجينيتسين لم يتطرق حتى الى مسرح تشيخوف في كلمته تلك . لقد أثار موقف سولجينيتسين هذا تعليقات كثير من الباحثين الروس , وقد أشار احدهم قائلا , ان تولستوي لم يكن يتقبّل مسرح تشيخوف , وان سولجينيتسين اراد ان يكرر موقف تولستوي . باحث آخر أجابه , ان تولستوي كان يعتبر تشيخوف قمة من قمم الادب الروسي , لا يمكن مقارنتها بتورغينيف او دستويفسكي او به ( اي بتولستوي نفسه) .
نشر سولجينيتسين في ذلك العام نفسه ( 1998) مقالة عن تشيخوف في مجلة (نوفي مير) تناول فيها مجموعة من قصصه , وهي المقالة الوحيدة عن تشيخوف بقلمه . عنوان المقالة طريف جدا وهو – (الغوص في تشيخوف) , وقد اقترح أحد زملائي ترجمته هكذا – ( الغوص في بحر تشيخوف) , وقال تبريرا لاضافة كلمة (بحر) , ان الانسان لا يمكن ان يغوص في بركة ماء او في نهير , وان تشيخوف هو بحر , فقلت له , ولكن سولجينيتسين لن يوافق على هذه الاضافة , وانه كان يمكن له ان يضيف كلمة ( بحر) لو اراد ذلك , فقال صاحبي ضاحكا – يبقى تشيخوف بحرا من وجهة نظري , سواء وافق سولجينيتسين  ام لا. ضحكت أنا , وقلت له , ان موقفك كمترجم غير صحيح , وذكّرته بالقول العربي الشهير – ناقل الكفر ليس بكافر.

تعليقات الباحثين الروس كانت عديدة حول خطاب سولجينيتسين عن تشيخوف وعن مقالته حوله, نختتمها بتعليق أ.د. كاتايف ,
رئيس قسم تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر بكلية الفيلولوجيا في جامعة موسكو,والذي يعدّ واحدا من أبرز المتخصصين الروس بابداع تشيخوف , الذي كتب يقول –... سيقرر الزمن من هو الكاتب الذي سيختاره القراء مستقبلا...     





150
ذكرى ميلاد بوشكين في مترو موسكو
أ.د. ضياء نافع
احتفلت روسيا بتاريخ 6/6/2021 بيوم اللغة الروسية , والذي وحدّته بالذات مع يوم ميلاد بوشكين , باعتبار اللغة الروسية وبوشكينها (وجهان لعملة واحدة!) . وبعد ايام من ذلك التاريخ دخلت انا الى مترو موسكو , فوجدت امرأة ( في مرحلة ما بعد التقاعد!) تقف عند المدخل وتوزع مجانا جريدة , وكان المارة يمرون مسرعين  من قربها  ولا يأخذون منها تلك الجريدة , فاقتربت انا منها , وطلبت منها نسخة , فاعطتني الجريدة وهي تبتسم راضية , فشكرتها , وحاولت ان القى نظرة على الجريدة امامها , كي لا تشعر باني قمت بذلك تعاطفا واشفاقا , فوجدت ان اسم الجريدة (مترو) , وعلى صفحتها الاولى لوحة ملوّنة جميلة وغير اعتيادية تماما لبوشكين , ومكتوب تحتها بخط بارز – ( عملنا من بوشكين بطلا لزماننا) , وتعبير ( بطل زماننا ) هو عنوان رواية ليرمنتوف , العنوان الجميل , الذي ترجمه سامي الدروبي بشكل اجمل , وهو – ( بطل من هذا الزمان) , وتذكرت أنا آنذاك المثل العالمي الشهير حول اصطياد عصفورين بحجر واحد , فالعصفور الاول – ابتسامة الرضا من تلك المرأة التي كانت توزع الجريدة , والعصفور الثاني لوحة بوشكين المدهشة تلك , وهكذا اسرعت بالذهاب , بعد او وضعت (العصفور الثاني !) في حقيبتي , كي أتأمّله عند وصولي الى البيت بامعان ودقّة , واحاول ان أجد في تلك اللوحة السمات الجمالية بشكل تفصيلي .
بدأت في البيت بالاطلاع على جريدة (  مترو) ذات العشرين صفحة من الحجم الصغير , ووجدتها منوعة ورشيقة جدا , ومن الواضح انها تعتمد على واردات الاعلانات , وتوقفت طبعا عند الصفحة السادسة , التي نشرت خمس لوحات اخرى عن بوشكين بريشة الفنانة الروسية المعاصرة انجيلا جيريخ , التي نظرت الى بوشكين بعيون الواقع الروسي المعاصر , حيث كتبت تقول – ( ..ما الذي كان سيفعله بوشكين لوكان يعيش الان بيننا في روسيا؟) واجابت عن هذا السؤال بنفسها قائلة – ( ..كان سيذهب الى المستشفى ويقف في الطابور , وسيذهب الى المخزن للتسوق , والتنزه مع اصحابه...) , وهكذا رسمت انجيلا لوحاتها عن بوشكين في مستشفى روسي بحت وهو يرتدي الكمامة المضادة لكورونا ويقف عند الجدار بانتظار دوره للدخول الى غرفة الطبيب  , او , وهو يخرج من المخزن ويحمل في كلتا يديه الاكياس المليئة بالطعام , او, متنزها في الغابة الروسية بين اشجار البتولا ذات الساق الابيض والاسود , او , وهو يدخن خلسة عند تمثاله , اما اللوحة المنشورة على الصفحة الاولى , فنراه يقف عند شباك شقة روسية نموذجية جدا وشعره مشعّث وهو ينظر بحزن الى جهة اليسار . لوحات انجيلا مرسومة باسلوب يذكّرنا برسومات الاطفال التي غالبا ما نراها في المعارض الفنية . انها لوحات ذات واقعية مباشرة بغض النظر عن تناسق عناصرها , وتحمل كل سمات الفن التشكيلي البدائي (الفطري) وقواعده المتنافرة جدا ومبالغاته الملوّنة الرائعة الجمال وانطلاقات الخيال التي لا تخضع لمنطق الاشياء , وتتناسب تلك اللوحات طبعا  مع رشاقة الصحيفة فعلا , وتعكس – بلا شك – المزاج الروسي العام تجاه شاعرهم  بوشكين , الذي يتقبله الروس باعتباره رفيقا دائميا - بالسراء والضراء - في مسيرة حياتهم اليومية , بما فيها من مرح وحزن  .
تمتعت جدا وانا اتأمّل هذه اللوحات البوشكينة , وتذكرت طبعا , موقع بوشكين (الثانوي!) في حياتنا الثقافية العربية , و تذكرت ايضا, كيف دردشنا مرة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد عن ذلك , بعد ان اطلعنا على حوار مع عبد الوهاب البياتي في احدى الدوريات , والذي قال البياتي فيه ما معناه , ان بوشكين عند الروس مثل المتنبي عند العرب . كان النقاش اولا , هل كان البياتي يعرف ابداع بوشكين فعلا ؟ ووصلنا الى قناعة , ان البياتي لم يكن يعرف ذلك , رغم انه عاش في موسكو عدة سنوات ( ولا مجال للحديث هنا عن هذا الواقع المؤلم) , وتناقشنا ثانيا , هل ان اهمية بوشكين عند الروس هي فعلا مثل اهمية المتنبي عند العرب ؟ ووصلنا الى قناعة تقول , انهما يختلفان من حيث الاهمية لشعبيهما , فنحن العرب نبحث عند المتنبي عن الحكمة الانسانية الخالدة , اما الروس , فانهم لا يبحثون عند بوشكين عن الحكمة , وانما عن لغتهم الروسية المعاصرة , اذ ان بوشكين ( الذي عاش 38 سنة فقط) هو احد الذين صاغوا هذه اللغة , التي يتحدث بها الروس اليوم , ويكفي الاشارة هنا الى ان (قاموس لغة بوشكين) يتضمن مفردات روسية اكثر بكثير من المفردات التي يضمها ( قاموس لغة تولستوي ) , صاحب الرقم الاول في عدد مؤلفاته , اذ ان مؤلفات تولستوي الكاملة تبلغ التسعين , علما ان تولستوي عاش اكثر من سبعين سنة بعد وفاة بوشكين  , وليس من باب الصدفة ابدا , ان روسيا اعلنت يوم اللغة الروسية في عيد ميلاد بوشكين بالذات كما أشرنا في بداية هذه المقالة .
تحية من القلب الى بوشكين , استاذ السهل الممتنع العميق , والذي تحتفل بلاده بمرور 222 سنة على ميلاده, وشكرا جزيلا للفنانة التشكيلية انجيلا جيريخ , التي أتحفتنا  بلوحاتها المدهشة الجمال عن بوشكين وهو يقف بيننا , وشكرا لجريدة (مترو), التي احتفلت باسلوبها المتميّز بعيد ميلاد بوشكين , والتي أشارت , الى ان بوشكين سيكون سعيدا بهذه اللوحات المرحة والضاحكة , لان بوشكين نفسه كان يعشق المرح والضحك ......... 

151
غوغول وغوركي يلتقيان في ايطاليا
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على بحث علمي (يتناول تاريخ الادب الروسي) بعنوان – (لقاءآت غوغول الايطالية مع اللاجئ غوركي) , وقد كتبته عام 2005 الباحثة الروسية بيلونوفا , الاستاذة المساعدة في جامعة نوفغورد السفلى ( نيزني نوفغورد) الحكومية  , والباحثة حاصلة على شهادة مرشح علوم فيلولوجية ( اي شهادة  دكتوراه فلسفة في علم اللغة وآدابها) . عنوان البحث غريب جدا (ومثير جدا ايضا) , ويمكن القول انه حتى لا يتناسب اصلا مع طبيعة عناوين البحوث العلمية ( التي يجب ان تكون دائما دقيقة و محددة وصارمة , اي دون اضافات فنيّة مثلما نجد في النتاجات الابداعية ).
النقطة الاولى , التي تثير دهشة القارئ بشأن هذا العنوان هي كلمة ( لقاءآت) , اذ كيف يلتقي غوغول , الذي توفي عام 1852 في الامبراطورية الروسية , مع غوركي , الذي ولد في نفس تلك الامبراطورية عام 1870 , اي بعد(18) سنة من وفاة غوغول ؟ النقطة الثانية هي لقاء اديبين كبيرين من روسيا في بلد اوربي بعيد جدا عنها هو ايطاليا , والنقطة الثالثة هي تسمية غوركي ب ( اللاجئ غوركي ). كل هذه النقاط ( الغريبة !) تؤدي بالقارئ , بل وتدفعه الى الاسراع بقراءة هذا البحث طبعا وبكل دقّة , كي يجد الجواب الشافي عن تلك الاسئلة المثيرة , التي يطرحها عنوان هذا البحث غير الاعتيادي , وهذا ما فعلته أنا , وأظن , ان القارئ العربي المتابع لتاريخ الادب الروسي يريد (ويرغب ايضا) الاطلاع على تلك الآراء الجديدة في دنيا  الادب الروسي , والتي تظهر في وطن هذا الادب نفسه ( بعد كل التغيّرات الجذرية الهائلة التي حدثت هناك) ومن قبل الباحثين الروس انفسهم , وذلك , لأن الاطلاع على تلك الآراء و الافكار تعني اغناء المعرفة وتوسيع آفاقها حول الادب الروسي لدى القارئ العربي هذا , ومن نافل القول طبعا التذكير- مرة اخرى - هنا , الى ان الاطلاع على الافكار شئ , والموافقة عليها او مساندتها شئ آخر تماما.
لا يمكن (اختزال او تلخيص!) البحوث العلمية بشكل عام , اذ ان عملية الاختصار قد تشوّه الفكرة الاساسية في البحوث هذه , ولكن يمكن الحديث عن الانطباعات , التي تثيرها تلك البحوث العلمية لدى القراء , والانطباعات هذه ترتبط بطبيعة البحوث , اي انها ( الانطباعات ) تكون متناسقة ومتطابقة مع تلك الافكار في البحث المذكور . الانطباع الاول , الذي كان لديّ عند بداية قراءة البحث , جاء نتيجة تسمية غوركي ب ( اللاجئ غوركي ) , اذ اني توقعت ( نتيجة لهذه التسمية ) ان تقارن الباحثة الوضع الاقتصادي الصعب جدا لغوغول في ايطاليا ( وهو لم يكن لاجئا !) , مع الوضع الباذخ جدا لغوركي هناك , رغم انه ( لاجئ ! ) كما أسمته , وكنت أظن , ان الباحثة ستحاول هنا ان تتحدث سلبا عن غوركي , بل وكنت أخشى ان تتحول الى ( منظّرة !) , وتصب ( جام غضبها !) عليه , وانه قال كذا لفلان وأعلن كيت لفستان, الى آخر هذه التصريحات والثرثرات الباهتة ( وما أكثرها مع الاسف في هذا الزمن الفيسبوكي !), والتي تنطلق عادة من مواقف سياسية بحتة و مضادة للاتحاد السوفيتي وتاريخه  بشكل عام , و بغض النظر عن كل شئ , وهو ما نجده طبعا عند البعض من الروس (وغير الروس ايضا) , الذين يكتبون عن الادب الروسي في المرحلة السوفيتية , ولكني وجدت منذ  السطور الاولى لهذا البحث موقفا موضوعيا وعقلانيّا يختلف جدا عن كل توقعاتي تلك ,  اذ تكلمت بيلونوفا في بحثها هذا عن قضايا متنوعة ترتبط بغوغول وغوركي معا , بما فيها انطباعاتهما عن ايطاليا , ويجب القول انها استطاعت وبشكل ذكي جدا , ان تجد تفصيلات دقيقة ( وحسب مصادر معتمدة ومحددة تشير اليها في البحث ) بشأن موقع غوغول واهميته في فكر غوركي , واريد ان اتوقف هنا عند نقطة واحدة فقط ( من بين تلك النقاط) التي أشارت اليها الباحثة , وهي نقطة مهمة جدا – حسب رأيّ الشخصي – في تاريخ الادب الروسي بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 في الامبراطورية الروسية , وتحوّل هذه الامبراطورية الى الاتحاد السوفيتي, نقطة رأيت حتى (بقايا !) آثارها و  انعكاساتها في بداية وصولنا للدراسة في موسكو بستينيات القرن الماضي . ترتبط هذه النقطة بالنظرة السوفيتية , التي كانت سائدة في بدايات السلطة السوفيتية , وهي تقسيم مسيرة الادب الروسي الى ( بوشكيني , اي نسبة الى بوشكين , وغوغولي , اي نسبة الى غوغول ) , وكانت هذه النظرة السوفيتية تؤكد , ان الغوغولية ( اي واقعية غوغول) هي التي ( انتصرت !) على البوشكينية لاحقا . 
  ان تقسيم الادب الروسي الى بوشكيني وغوغولي , هو  تقسيم مبسّط وساذج جدا , بل وحتى يمكن ان نعتبره غير صحيح بتاتا , و تبيّن بيلونوفا في بحثها المذكور, بعدم وجود اي علاقة لغوركي بهذه النظرة الساذجة, بل انها تثبت , ان غوركي لم يكن اصلا موافقا بشأنها , اذ كيف يمكن لغوركي ان يجد تنافرا وصراعا بين بوشكين وغوغول ؟
نعم , غوغول وغوركي التقيا فكريّا معا , في ايطاليا وفي روسيا , رغم تباعد سنين حياتهما , وأبقيا بصمات هذه اللقاءآت على الارض الروسية , وشكرا  للباحثة بيلونوفا , التي اكتشفت هذه البصمات وذكّرتنا بها .....   

152
المنبر الحر / عن تشيخوف وشوارعه
« في: 00:16 25/04/2021  »
عن تشيخوف وشوارعه
ا.د. ضياء نافع
..لأنه لا توجد شوارع وساحات في بغداد تحمل اسم بدر شاكر السياب او نازك الملائكة او غائب طعمه فرمان او..او..او.. , قررت ان اكتب هذه السطور, كي اهديها , اولا , الى ...من يهمّه الامر... ( كما تعوّدنا ان نكتب في عرائضنا غير المجدية !!!) انطلاقا من مبدأ – ... فذكّر ان نفعت الذكرى... رغم اني أعرف مسبقا , ان  عملية التذكير هذه ( لم تنفع في حينها ولن تنفع لاحقا !!!) ..... و اكتب هذه السطور, ثانيا , كي اخفف الوطأ ( كما اوصانا المعرّي العظيم) عن روحي وقلبي وعقلي , بعد ان اطلعت على احصائية ( غريبة وطريفة جدا !) تتحدث عن عدد الشوارع في روسيا (وبعض دول الاتحاد السوفيتي سابقا  ) , التي تحمل اسم الكاتب الروسي انطون تشيخوف , بل ان عالمية تشيخوف واطلاق اسمه على الشوارع تخطّت حدود روسيا ودول المجموعة السوفيتية السابقة , ووصلت الى دول اوربية اخرى , وليس فقط  دول المعسكر الاشتراكي السابق , والتي كانت تسير ضمن المدار الفكري السوفيتي كما هو معلوم , بل وصلت عالمية تشيخوف الى دول اوربية غربية بعيدة جدا جدا عن التأثير الروسي و السوفيتي سياسيا وفكريا بكل ما تحمل الكلمة من معنى , فهناك الان شوارع وساحات تحمل اسم تشيخوف في المانيا وايطاليا وفرنسا ..., وكل هذا يعدّ طبعا ظاهرة حضارية متقدّمة و مدهشة و تستحق التأمّل العميق بلا شك ...
تقول ارقام تلك الاحصائية الطريفة , ان تشيخوف يشغل المكان رقم واحد بين الادباء الروس , الذين تمّ اطلاق اسمائهم على الشوارع في روسيا , وكذلك المدن السوفيتية سابقا , عندما كان الاتحاد السوفيتي قائما آنذاك , و على الرغم من تغيير معظم التسميات في تلك الدول بعد الغاء دولة الاتحاد السوفيتي عام 1991 كما هو معروف , الا ان اسم تشيخوف لم يتغيّر, وقد علّق احد اصدقائي العراقيين على ذلك قائلا وهو يضحك – ... لأن تشيخوف ( فوق الميول والاتجاهات !) , وكان هذا ( المصطلح السياسي العراقي البحت !) موضوعا لحديثنا وتعليقاتنا المتنوعة المرحة والعميقة الحزن في آن , نحن العراقيين , الذين التقينا آنذاك - و بمحض الصدفة - في موسكو . قال الاول , ان تشيخوف لم يكن بالنسبة للعراقيين ( فوق الميول والاتجاهات ) , والدليل على ذلك , ان مجلس السلم العالمي طلب من انصاره في العالم الاحتفال عام 1954 بذكرى مرور خمسين عاما على وفاة تشيخوف , وقد ( لبّى!) هذا النداء الحزب الشيوعي العراقي , وأصدر اول كتاب عن تشيخوف في العراق , وهو كتاب شاكر خصباك الشهير . اعترض الثاني قائلا , ان كتاب خصباك كان فعلا متناسقا مع نداء مجلس السلم العالمي , وهو منظمة تابعة للحركة الشيوعية العالمية بقيادة الاتحاد السوفيتي آنذاك , وبالتالي , فانه جاء ضمن نشاط الحزب الشيوعي العراقي , الا ان كتاب خصباك عن تشيخوف تخطى ذلك (الحاجز!) ان صح التعبير , واصبح – وبمرور الزمن – كتابا عراقيا جميلا ومفيدا ورائدا وقائما بذاته عن تشيخوف , يرتبط باسم خصباك فقط , ولم يعد عملا فكريا , جاء نتيجة نداء مجلس السلم العالمي ليس الا , والدليل على ذلك , ان خصباك نفسه أعاد طبع هذا الكتاب في اليمن نهاية القرن العشرين , وذلك باعتبار هذا الكتاب واحدا من المصادر المهمة لتعريف القارئ العربي بالكاتب الروسي تشيخوف , وبغض النظر عن موقف الحزب الشيوعي العراقي تجاهه عند صدوره في الخمسينيات ببغداد عندئذ . قال الثالث , ان كل الادباء الروس في العراق الملكي وبداية العراق الجمهوري كانوا يُعتبرون ( بضم الياء )  ضمن (الميول والاتجاهات اليسارية) وليس فوقها , لانهم فقط روس ليس الا , بغض النظر عن مواقفهم الفكرية و نوعية كتاباتهم ومضامينها واهدافها ( بما فيهم حتى بوشكين وغوغول ودستويفسكي وتورغينيف وتولستوي وتشيخوف ), وان هذه النظرة الساذجة جدا (التي كانت سائدة في شعاب المجتمع العراقي كافة آنذاك ) دليل اكيد على سذاجة الساحة الفكرية العراقية عموما في تلك الفترة , وهي اثبات مادي ملموس ليس فقط لسذاجة السلطة الحاكمة وحدها , وانما لسذاجة كل القوى الاخرى في ذلك المجتمع , بما فيها القوى السياسية المعارضة للسلطة والمضادة لها .
 اتفقنا في نهاية دردشتنا الطريفة تلك , ان ظاهرة ( شوارع تشيخوف !) العالمية ترتبط بابداع تشيخوف الانساني الهادئ والعذب بعمق وابتسامته الجميلة والحزينة , وان ( عطسة موظفه الروسي , التي ادّت الى موته رعبا !) مفهومة جدا لكل انسان , بغض النظر عن قومية هذا الانسان وجنسيته ودينه وبقية خصائصة المتنوعة الاخرى , واتفقنا ايضا , ان بغداد ستشهد يوما ما ميلاد شارع يحمل اسم بدر شاكر السياب او غائب طعمه فرمان او نازك الملائكة او. ..او.. الخ , ولكن لن يكون فيها شارع يحمل اسم تشيخوف الروسي , او حتى شكسبير الانكليزي , والحليم تكفيه الاشارة....       

153
تحية لروّاد الادب الروسي بالعراق في مئوية الدولة العراقية
أ.د. ضياء نافع
تقوم الامم عادة بالمناسبات الكبرى في مسيرة تاريخها بتأمّل تلك المسيرة , وتحاول ان تتذكّر الاحداث التي مرّت بها و تحللّها , كي تصل الى اجابة صحيحة (وخالية من اخطاء الماضي !) للتخطيط اللاحق في المسيرة هذه , وكم يحتاج العراقيون في مئوية تاسيس الدولة العراقية ( 1921 – 2021 ) ان ( يتوقّفوا !) و ( يتذكروا !) و ( يتأمّلوا !)  مسيرتهم تلك وفي المجالات كافة (  اي ليس فقط الاحداث السياسية يا اولي الالباب !) ....  وانطلاقا من هذا المفهوم , ومساهمة متواضعة جدا في هذه العملية الفكرية المهمة للتخطيط اللاحق , نود هنا ان نتوقف قليلا عند نقطة صغيرة جدا (ولكنها مهمة ) في مسيرة الثقافة في العراق , وان نتذكر – ليس الا -  اسماء روّاد الادب الروسي العراقيين الراحلين , ونقول عدة كلمات عن كل واحد منهم لا أكثر , كي نعلن , اننا بحاجة ان نسجّل هذه الظاهرة في مسيرة الثقافة في العراق عبر قرن باكمله , لانها تعني بداية تفاعل المثقف العراقي مع الآداب الاجنبية وكيف تقبّلها القارئ في العراق الحديث بعد قرون ( السبات!) العثماني , وكي نعلن ايضا , اننا بحاجة الى عمل جماعي يشارك فيه المتخصصون في بلادنا لتسجيل اعمال هؤلاء الروّاد , قبل ان تضيع كليّا , وتصبح ( نسيا منسيّا ) , اذ ان هذه الاعمال الابداعية دليل مادي على بداية نضوجنا الفكري , وتعني اننا نتطلّع للحوار والتعايش مع ثقافات الشعوب الاخرى , وكي نعلن ايضا , اننا ننتظر الآخرين كي (يدلو بدلوهم!) في هذا المجال , وفي كل المجالات الثقافية الاخرى بدولة العراق ونحن نبتدأ الطريق في وضع خطط مسيرتنا المئوية الثانية ...
الاسماء
=====
هذه بعض اسماء الرواد الراحلين ليس الا في مجال الادب الروسي في العراق , واكرر كلمة ( بعض ) , واضع تحتها خطّا عريضا.  الاسماء مرتّبة طبعا حسب الحروف الهجائية , واؤكّد مرة اخرى واخرى , ان هذه القائمة واسعة جدا , ولا يمكن لي وحدي وبمفردي وحسب ذاكرتي – وانا في خريف عمري - ان اقوم بها , اذ انها بحاجة الى مشاركة الآخرين حتما لتطويرها واكمالها -
أكرم فاضل ( 1918 -1987) – مترجم رواية تورغينيف ( الاباء والبنون ) عن الفرنسية ( بالاشتراك مع ذنون أيوب عن
 الانكليزية , والترجمة عن لغتين في آن واحد – تجربة فريدة ورائدة في تاريخ الترجمة بالعراق , ولم تتكرر لاحقا) ونشرها عام 1950 في بغداد , وهي اول ترجمة كاملة لرواية تورغينيف ظهرت في العالم العربي عموما.// أنور شاؤول ( 1904 - 1984) – ترجم قصة   لغوركي ,  ونشرت مجلته ( الحاصد ) في الثلاثينيات نتاجات عديدة في الادب الاجنبي عموما والروسي خصوصا , وكم نحن بحاجة الى دراسة تفصيلية لتلك المجلة الادبية الرائدة // بدري حسون فريد (1927 - 2017) – حوّل قصة ( الحرباء) القصيرة لتشيخوف الى مسرحية ذات فصل واحد ونشرها , وقدّم قصة ( ردهة رقم 6 ) لتشيخوف ايضا بعد اعدادها مسرحيا على خشبة المسرح العراقي // جليل كمال  الدين ( 1930 - 2014) – أصدر كتابا عن غوركي , وترجم قصصا لغوغول ورواية لآيتماتوف // حياة شرارة ( 1935 - 1997)-  ايقونة الادب الروسي في العراق والتي اصبحت الاسم الرمزي الساطع له بعد انتحارها المأساوي // خميس حرج  نشمي( 1941 - 2014 ) – مترجم ملحمة الادب الروسي القديم – كلمة عن فوج ايغور , وهو عمل ابداعي رائد في العالم العربي  عموما // سعدي المالح ( 1951 - 2014) – ترجم العديد من الكتب , منها , رواية آيتماتوف – ويطول اليوم اكثر من قرن //
    شاكر خصباك ( 1930 - 2018 ) – قدّم عام 1954 اول كتاب عراقي ( وثاني كتاب عربي عموما) عن تشيخوف / عادل كاظم ( 1939 - 2020 ) – حوّل قصة ( المنتقم ) القصيرة لتشيخوف الى مسرحية ذات فصل واحد ونشرها , وهو عمل ابداعي كبير / عامر عبد الله (1924 - 2014) – يرتبط اسم هذا السياسي الكبير بترجمته مع عبد الجباروهبي [ الصحافي المعروف للعراقيين بمقالاته الساخرة (ابو سعيد)]  في الاربعينيات لكوبرين وغوركي وغوغول وتولستوي /  عبد الوهاب الامين – قدّم قصتين قصيرتين لتشيخوف عام 1934 في كتابه ( مجموعة قصص من الادب الحديث) , الذي صدر في البصرة  / علي الشوك (1930 - 2018) – مقالاته وتأملاته وترجماته حول الادب الروسي لازالت تمتلك اهميتها وقيمتها / غائب طعمة فرمان ( 1927 - 1990 ) – شيخ المترجمين العراقيين للادب الروسي بكل معنى الكلمة, وهو ايضا واحد من ابرز المبدعين العرب في هذا المجال , وترتبط باسمه قائمة باكثر من ثمانين كتابا مترجما  /  محمود احمد السيد (1903 - 1937) – الاسم الاول بين الرواد العراقيين, فقد ظهر في العشرينيات وقدّم ملخصات لنتاجات تولستوي وتورغينيف / محمد يونس ( 1937 - 2009 ) – أصدر وترجم العديد من الكتب حول الادب الروسي, وابرزها كتابه الرائد في هذا المجال وهو – الكلاسيكيون الروس و الادب العربي  / موفق الدليمي  – مترجم عدة كتب ابرزها – التأرجح على الهاوية – العام الاخير من حياة دستويفسكي / نجيب المانع ( 1926 - 1991 ) – مترجم كبير, له كتاب مهم جدا عن تولستوي , وآخر عن دستويفسكي بنفس الاهمية / نعيم بدوي ( 1911 - 2002 ) – يرتبط اسمه بالنسبة للادب الروسي في العراق مع تشيخوف قبل كل شئ ...

154
عن الجزء الثاني لكتاب -  الادب الروسي والعالم العربي (3)
أ.د. ضياء نافع
نعود – وللمرّة الثالثة – للكتابة عن هذا المرجع الوثائقي المهم في تاريخ العلاقات العربية – الروسية الثقافية , وذلك كي نتوقف قليلا عند الفصل الثاني للكتاب فقط , والخاص بالاديب والفيلسوف الروسي دستويفسكي في العالم العربي , وكما أشرنا في مقالتنا الثانية عن هذا الكتاب , عندما تكلمنا عن الفصل الاول الخاص بتولستوي .
 دستويفسكي ظهر باللغة العربية متأخرا مقارنة مع الادباء الروس الكبار بشكل عام , رغم انه يقف في طليعة هؤلاء الادباء , وكان اول ظهور له ( حسب كتاب المستشرقة الميرا علي زاده المذكور)  عام 1911 – 1912 على صفحات المجلة الفلسطينية ( النفائس ), التي كان يصدرها  خليل بيدس , اذ جاء – ولأول مرة باللغة العربية -  اسم دستويفسكي و بعض مقولات له ليس الا في مقالة مسلسلة  تم نشرها طوال عام 1911  بعنوان – ( رزنامة  تولستوي ) , وجاء اسمه وبعض مقولاته واشارة الى خطابه عن بوشكين  عام 1912 في مقالة اخرى ظهرت في نفس المجلة ايضا . تولستوي وتشيخوف وغوركي مثلا ظهروا في العالم العربي اثناء حياتهم , اما دستويفسكي , فقد ظهر بعد ثلاثين سنة تقريبا من وفاته ( توفي عام 1881) , وهذه نقطة مثيرة جدا, و تستحق التأمّل والدراسة والتحليل بعمق من قبلنا , نحن العرب , لانها حالة واضحة المعالم تعكس مستوى وطبيعة الثقافة فعلا في عالمنا العربي الحديث , هذا الواقع الثقافي الذي بدأ بالتبلور منذ نهاية القرن التاسع عشر فصاعدا ليس الا. ان الظهور المتأخر لهذا الكاتب الروسي هو أول شئ يلاحظه قارئ هذا الفصل عن دستويفسكي من كتاب – (الادب الروسي و العالم العربي) , اذ يبرز رأسا السؤال في ذهن هذا القارئ عن سبب تأخّر ظهور كاتب كبير ومتميّز مثل دستويفسكي بهذا الشكل , ولا مجال طبعا للتوقف التفصيلي في مقالتنا هذه عند هذا الموضوع غير الاعتيادي والجدير بالدراسة التحليلية من قبل باحثينا , اذ اننا نستعرض هنا – ليس الا - كتاب المستشرقة المرحومة الميرا علي زاده عن الادب الروسي والعالم العربي.
الفصل الثاني (والذي جاء في الكتاب المذكور بعنوان دقيق جدا وهو – حياة وابداع دستويفسكي بعيون العرب ) يقع في 133 صفحة بأكملها , ومن الواضح تماما الجهود التي بذلتها الميرا علي زاده في البحث عن المصادر العربية , التي تناولت دستويفسكي في بداية القرن العشرين , وهي جهود فذّة فعلا , اذ ان هذه المصادر تكاد ان تكون شبه منسيّة في عالمنا العربي , ولا يتذكرها القارئ العربي المعاصر بتاتا , رغم انها مصادر مهمة في مسيرة الثقافة العربية وتاريخها , وكم  حريّ بنا – نحن العرب – ان نتذكّر تلك المصادر وندرس بعمق دورها في مسيرة الثقافة العربية منذ نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 , مثل مجلة ( المجلة الجديدة ) , التي نشرت عام 1929 مقالة بعنوان – في ساعة الاعدام , وفيها رسالة دستويفسكي الشهيرة الى أخيه حول الغاء اعدامه في اللحظات الاخيرة  قبل تنفيذ عملية الاعدام وتبديل الحكم الى النفيّ الى سيبيريا , ثم تنتقل المستشرقة للحديث تفصيلا عن ترجمة سلامة موسى لرواية دستويفسكي – ( الجريمة والعقاب ) , والتي قام بترجمها عن الانكليزية ونشرها على حسابه الخاص لانه لم يجد اي دار نشر لاصدارها , وذلك عام 1914 , ويعدّ هذا الاصدار الكتاب العربي الاول لدستويفسكي , وقد طبع سلامة موسى الجزء الاول فقط ويقع في 120 صفحة ليس الا , وفشل فشلا ذريعا بتسويقه , لدرجة انه اضطر في النهاية ان يبيع النسخة الواحدة من الرواية بمليّم مصري واحد فقط كي يتخلص منه , ولم يستمر طبعا باكمال ترجمته للرواية بعد هذا الفشل الذريع . تنتقل المؤلفة بعدئذ – وبالتدريج – للحديث عن المصادر العربية الاخرى  التي تناولت دستويفسكي , ومنها مقالة شاملة كتبها الباحث الفلسطيني اديب سعد خوري عنه ونشرها في مجلة ( الاخاء ) الفلسطينية عام 1931 , وتترجم الى الروسية مقاطع كبيرة منها , وتثبت تلك المقاطع – وبلا شك -  المعرفة العميقة والدقيقة  لهذا الباحث لابداع دستويفسكي , ثم تشير المؤلفة الى مصدر عربي مهم حول ذلك , وهو كتاب حسن محمود , الذي صدر عام 1943 في القاهرة ضمن سلسلة ( اقرأ ) الشهيرة عن دستويفسكي .
لا يمكن لنا التحدّث عن كل هذه التفاصيل الطريفة والمهمة, التي توقفت عندها الميرا علي زاده في هذا الفصل الخاص بدستويفسكي في الجزء الثاني من كتاب ( الادب الروسي والعالم العربي ) , اذ  ترد هنا اسماء كثيرة لباحثين وادباء عرب كبار, منهم على سبيل المثال وليس الحصر, محمد حسين هيكل ويحيى حقي وميخائيل نعيمه وسامي الدروبي و..و..و , ولكني أود ان أختتم هذه المقالة بالتوقف قليلا عند اسم الدكتور عماد حاتم , صديقي و زميلي في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , والذي كان نموذجا للطالب الملتزم والمجدّ , واريد رأسا ان أذكر , انه الوحيد بيننا ( نحن الطلبة العرب آنذاك في تلك الكليّة من سوريا والعراق ومصر ) , الذي تخصص بادب دستويفسكي . لقد تحدّثت المستشرقة الميرا علي زاده عن كتابات عماد حاتم من ص 261 والى ص 273 باكملها , واستشهدت ببحوثه عن دستويفسكي , وترجمت مقاطع مهمة منها , وجاء اسمه (31) مرة في تلك الصفحات , وكم شعرت بالفخر وأنا أقرأ تلك الصفحات , وكلمات الثناء , التي كتبتها مؤلفة الكتاب عن الباحث السوري الكبير الدكتور عماد حاتم , والذي لا اعرف عنه الان – مع الاسف - اي شئ ولا أدري اين هو الان , ولكني أود هنا ان ابعث له بتحياتي وتمنياتي ومحبتي واعتزازي اينما يكون , يا ابن جامعة موسكو البار ورافع رايتها العلمية المجيدة , ويا ( رفعة راسنا ) ...
كتاب المرحومة المستشرقة الميرا علي زاده الموسوم – (الادب الروسي والعالم العربي) يعدّ مصدرا علميّا مهمّا جدا في تاريخ العلاقات العربية – الروسية الثقافية , ويجب علينا – نحن العرب – ان نأخذه بنظر الاعتبار ونوليه الاهتمام العلمي الجدير به , ونقدمه للقراء العرب , وان نكمل مسيرته الفذّة .....

155
المنبر الحر / شئ عن (انف) غوغول
« في: 21:58 24/03/2021  »
شئ عن (انف) غوغول
أ.د. ضياء نافع
لازلت اتذكّر قهقهات طلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد وتعليقاتهم , عندما كنت أقرأ لهم ( ضمن مادة النصوص الادبية ) مقاطع  من هذا العمل الابداعي المتميّز لغوغول , واحاول ان اجعلهم يساهمون معي بترجمة تلك المقاطع الى العربية, وعندما وصلنا الى المقطع الذي يصف فيه غوغول كيف وجد أحد ابطاله (أنف زبونه في قطعة الخبز), فاذا  بواحدة من الطالبات ( التي كانت بالكاد تحاول ان تسيطر على ضحكها )  تسأل – همسا - زميلتها ( وبلهجتها العراقية الجميلة ) – (.. شنو غوغول جان مخبّل ؟) , اي , هل  كان غوغول مجنونا ؟ ولم تجرأ هذه الطالبة طبعا ان تطرح عليّ هذا السؤال , أما أنا , فقد تغاضيت عن ذلك , واستمر الدرس وكأنني لم اسمع تلك الهمسات , وانا احاول ايضا ان اكتم ضحكي , ونسيت الامر بعدئذ كليّا , ولكنني تذكرت (همس طالبتي!) الان , وبعد مرور أكثر من ربع قرن , عندما قرأت ما كتبه الصحافي محمد حسن المرزوقي بمقالته بعنوان – ( أنف غوغول ) في صحيفة ( الامارات اليوم ) حول انطباعاته بشأن رواية غوغول القصيرة  - ( الانف ) , فهو يقول – ( ...لو أردت ان أصف غوغول ..بكلمة , فلن أجد أفضل من كلمة مجنون ..) , اي انه كرر واقعيا استنتاج طالبتي آنذاك في تلك السنين الخوالي حول جنون هذا الكاتب , الذي كتب لنا ( الانف) , الا ان الصحافي هذا ( وكذلك طالبتي طبعا ) كان مندهشا ومعجبا جدا بذلك النتاج غير الاعتيادي بكل معنى الكلمة , وكتب خلاصة صحيحة جدا وذكيّة عنه , قائلا - ( ...انها ... قصة موغلة بالرمزية ... وكل قارئ يستطيع تفسيرها بطريقته الخاصة ...) , وهذا تحديد دقيق فعلا , وقد رافق هذا ( التحديد!) واقعيا تلك الرواية القصيرة منذ ان كتبها غوغول عام 1834 وذهب بها الى احدى المجلات لنشرها , الا ان المسؤول هناك رفض ذلك , و اعتبرها غير صالحة للنشر, اذ انه لم يفهم - ( كيف يمكن لانسان ان يستيقظ من نومه ويكتشف انه بدون أنف ؟) , ولكن بوشكين ( شاعر روسيا الاكبر ) نشرها عام 1836 في مجلته ( سفريمينك ) ( المعاصر) وبكل اعجاب , اذ انه ( فسّرها بطريقته الخاصة !) , وكتب ملاحظة حولها , وقال فيها , ان غوغول لم يوافق على نشر هذه النكتة , لكننا وجدنا فيها فنتازيا ومرح واصالة , واقنعناه ان يسمح لنا ان نتقاسمها مع الجمهور والتمتع بها , اي ان بوشكين  وجد فيها تلك الصورة الفنيّة الاصيلة والمبتكرة , التي  تعكس خيال غوغول وغرائبيته وعالمه الخاص به , والذي يميّزه عن كل الادباء الروس الآخرين  حوله . ومنذ ذلك الحين , اي منذ الثلث الاول من القرن التاسع عشر والى حد الآن ( ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين ) , يوجد دائما من ( يفسّر) هذا النتاج بطريقته الخاصة , رغم ان النقد الادبي الروسي آنذاك لم يركّز على ( أنف ) غوغول , بل كان مشغولا بجوانب اخرى كثيرة ومتشعبة من نتاجاته الابداعية , مثل مسرحيته المدويّة ( المفتش ) , والذي حضر القيصر الروسي نفسه عرضها الاول عام 1836 في بطرسبورغ , او ببطله ( تاراس بولبا ) , تلك الشخصية الاوكرانية البطلة , التي كانت تمجّد الامبراطورية الروسية وقيصرها ضد البولونيين , والذي قتل ابنه لانه تعاون مع الاعداء البولونيين , ولم يتوقف عند ( الانف ) حتى بيلينسكي , الناقد الادبي الروسي المعروف , والذي لا زال اسمه يرتبط برسالته التوبيخية الشهيرة الى غوغول و ردود الفعل المتباينة بشأنها لحد الان , رغم ان بيلينسكي أشار الى ( الانف) في تعليق سريع في نفس مجلة بوشكين بعد عددين من صدورها, وتحدث قليلا عن ازدواجية بطلها ليس الا , وهي نقطة تعبّر بشكل دقيق عن وجهة نظر معروفة لهذا الناقد , الذي كان يؤكد دائما على الجانب الاجتماعي في كل النتاجات الادبية , بل ان هناك من كتب , ان غوغول في روايته القصيرة الانف ( شجب !) النظام القيصري في روسيا  آنذاك ,  وان غوغول اراد ان يقول , ان هذا نظام يعتمد على الرشاوي ...ولا مجال هنا لعرض كل وجهات النظر المتباينة عن هذه الرواية القصيرة لغوغول , ولكن من المؤكد , ان هذا التباين الصارخ ( ان صح التعبير ) يثبت , حيوية هذه الرواية لحد الأن , وخير دليل على ذلك , انها تحولت الى اوبرا على يد الموسيقار السوفيتي شيستوكوفيتش , والى فلم سينمائي سوفيتي , وساهم المسرح السوفيتي في مسرحة هذا النتاج ايضا , بل هناك فلم فرنسي وآخر بولندي لها , ولكن ألطف وأغرب من ذلك ما حدث في بطرسبورغ عام 1995 , اذ تم افتتاح تمثال لهذا ( الأنف ) , وفي نفس الشارع الذي ذكره غوغول في روايته , الا ان هذا التمثال اختفى , وهكذا ( ضاع) انف غوغول مرة اخرى , فقرروا عمل تمثال بديل , وأنجزوه فعلا عام 2002 , ولكن تم ايجاد التمثال الاول , فقرروا اعادة التمثال القديم الى مكانه , ووضعوا التمثال الثاني ( البديل) في مكان آخر عام 2003 , وهكذا اصبح لهذا الانف تمثالين في بطرسبورغ , وفي عام 2009 , وبمناسبة الاحتفال بالذكرى المئوية الثانية لميلاد غوغول ( والتي اعلنت منظمة اليونسكو انها سنة غوغول ) تم افتتاح تمثال ثالث لهذا الانف في كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة بطرسبورغ , وهناك تمثال رابع له في كييف – عاصمة جمهورية اوكرانيا ( وطن غوغول), اذ ان غوغول تحوّل الى مادة للصراع الروسي – الاوكراني كما هو معروف ...
لقد أصبح (أنف) غوغول شهيرا جدا و متميّزا فعلا في مسيرة ابداع غوغول بشكل خاص , و في تاريخ الادب الروسي بشكل عام , وحتى في ( عدد!) التماثيل التي اقيمت لهذا (الانف !!!)... 

156
عن الجزء الثاني لكتاب – الادب الروسي والعالم العربي (2)
أ.د. ضياء نافع
أشارت مؤلفة الكتاب المرحومة المستشرقة الميرا علي زاده الى اسماء عشرات الادباء والباحثين العرب في الجزء الثاني لكتابها الموسوعي – الادب الروسي والعالم العربي , وقد ذكرنا بشكل سريع جدا بعضهم في مقالتنا التعريفية لذلك الكتاب , وهم - ( طه حسين وسامي الدروبي وحياة شرارة , وهي اسماء اخترناها بشكل رمزي و دقيق جدا ! ) , ونودّ في مقالتنا الثانية هنا ان نتوقف عند الاسماء الاخرى قدر الممكن في اطار المقالة . الاسماء المصرية , او التي هاجرت الى مصر , تأتي في الصدارة ( وكلنا فتحنا أعيننا ونحن نقرأ الكتابات الابداعية لتلك الاسماء) , وكذلك جاءت طبعا اسماء الادباء والباحثين من لبنان وسوريا والعراق وبقية البلدان العربية, ونحاول تعريف القارئ العربي قليلا بما كتبت المستشرقة عنهم , اذ ان التوقف عند هذه الاسماء وكتاباتهم حول الادب الروسي ( حتى بايجاز شديد ) يكشف لنا ملامح الصورة المتكاملة بشكل عام لمسيرة الادب الروسي في عالمنا العربي , وهي مهمة واسعة المعالم ومتشعبة جدا , وقد حاولت المرحومة الميرا علي زاده الاحاطة بها – وباخلاص – في كتابها المذكور, وتوقفت – وهي على حق - عند بعض ادباء روسيا الكبار في القرن التاسع عشر فقط .
يتناول الكتاب – كما أشرنا في مقالتنا الاولى - موقف الادباء والباحثين العرب بالنسبة لأديبين كبيرين من روسيا هما تولستوي ودستويفسكي , ولا يمكن الحديث المتكامل عن هذين الاديبين سوية وما كتبه العرب عنهما , لهذا فاننا سنتحدث قليلا في هذه المقالة عن تولستوي فقط , ونأمل الحديث عن دستويفسكي في مقالة اخرى مستقلة  لاحقا.
  تشير المؤلفة في الفصل الاول حول هذا الكاتب الكبير , الى ان العرب عرفوا تولستوي اثناء حياته ومنذ نهاية القرن التاسع عشر فصاعدا , واصبح تولستوي بالنسبة للعرب (... فيلسوفا ومفكّرا ...  حول قضايا ملتهبة ...لازالت مطروحة لحد الان في العالم العربي ...) , وهذه ملاحظة مهمة جدا و رائعة في نفس الوقت من قبل مؤلفة الكتاب , ملاحظة تكاد ان تكون مجهولة للكثيرين لنا , نحن العرب , وكذلك للروس ايضا ( وكم اصطدمت { نعم اصطدمت !!!}  في مسيرة حياتي بعرب وروس حولي يجهلون ذلك ولكنهم – مع هذا - يتحدثون بثقة {مطلقة!!!} حول الموضوع ). تستشهد المستشرقة لتأكيد ملاحظتها هذه بمجلة (المقتطف ) القاهرية , التي نشرت مقالة في شهر كانون الثاني ( يناير ) لعام 1888 ( ونؤكّد على عام 1888 , اي قبل وفاته بعقدين ونيّف من السنين , لأن تولستوي توفّي عام 1910 !) تحت عنوان – ( الكونت تولستوي الروسي ) , وتتضمن المقالة هذه تلخيصا وافيا جدا لما كتبه الباحث الامريكي جورج كينان عن رحلته الى روسيا وبعنوان – (في ضيافة الكونت تولستوي) , حيث كان في ضيعة تولستوي ياسنايا بوليانا , وبقي في ضيافته هناك يوما واحد باكمله  معه , وذلك بتاريخ 17 حزيران 1886 , ونشر انطباعاته عن هذا اللقاء في نيويورك عام   1887 , وقد ركّزت مجلة المقتطف على جانب مهم جدا من افكار تولستوي التي وردت في تلك المقالة, والتي تتحدث عن اهمية المقاومة السلمية فقط , اي عدم مقاومة الشر بالعنف , لأن العنف سيكون بلا فائدة , بل و سيخلق عنفا مضادا للعنف السابق ليس الا , وهي الافكار التي كان يدعو لها تولستوي طوال حياته , والتي تأثّر بها الزعيم الهندي غاندي بعدئذ ( انظر مقالتنا بعنوان – تولستوي وغاندي) و استخدمها – بنجاح وابداع - في نضاله من اجل تحرير الهند من الاستعمار البريطاني كما هو معروف.
تتوقف المؤلفة بعدئذ عند اسماء اخرى في نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 , وهي اسماء كثيرة و كبيرة , مثل الزيّات و جرجي زيدان واحمد شوقي وحافظ ابراهيم و الشرقاوي والزهاوي وجبران و..و..و ..,  وتوجد كذلك بعض الاسماء , التي اصبحت منسيّة او شبه مجهولة للقراء المعاصرين , مثل فرح انطون ( 1874 – 1922 ) , الصحافي والروائي والفيلسوف  والكاتب المسرحي  والشخصية  الاجتماعية والسياسية , الذي هاجر من لبنان الى مصر عام 1897 وبقي هناك الى وفاته ,  وقام  بنشاطات فكرية متنوعة , منها اصدراه  مجلة ( الجامعة ) لأكثر من عشر سنوات , وتعرض المستشرقة  آراء هذا المثقف الكبير حول تولستوي , وتكرّس له عدة صفحات من كتابها , وتترجم مقاطع مهمة مما كتبه حول تولستوي وفلسفته .
هناك اسماء عربية كثيرة جدا ترتبط بتولستوي , توقفت عندها الميرا علي زاده في كتابها الموسوعي الكبير هذا , وهي تستعرضهم منذ نهاية القرن التاسع عشر والى بدايات القرن الحادي والعشرين , ولكن , ومن اجل ان يكون ختام حديثنا (مسك !) , نريد ان  نتوقف قليلا في نهاية مقالتنا الوجيزة هذه عند اسم قريب جدا من قلبي وعقلي , هو المرحوم أ.د. محمد يونس , صديقي  منذ دراستنا الجامعية في ستينيات القرن العشرين بجامعة موسكو , وزميلي – ولسنين طويلة - في العمل معا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد . لقد أشارت المستشرقة بمكانة محمد يونس في الدراسات العربية حول تولستوي ومساهماته العلمية في تعريف القارئ العربي باهمية هذا الكاتب الكبير , وذكرت عنوان اطروحته التي ناقشها في جامعة موسكو عام 1972 حول تولستوي في الادب العربي الحديث, واستشهدت بمقطع من مقالته المنشورة في مجلة الاقلام عام 1969 , وذكرت كتاب ادينوكوف حول تولستوي الذي ترجمه عن الروسية , واعتبرت كلمات محمد يونس عن مكانة تولستوي في العالم العربي ( تنبؤ ية !) .لقد شعرت بالفخر والاعتزاز وانا اقرأ ما ذكرته الميرا علي زاده عن محمد يونس , وقلت بيني وبين نفسي , كم هو رائع ان يحظى محمد يونس بهذا التقديرالكبير و العميق من قبل مؤلفة هذا الكتاب الموسوعي الصادر في موسكو عن اكاديمية العلوم الروسية عام 2020 , وتذكرت بحزن , كيف انني دعوت وكتبت – ولعدة مرات – ان يكون المرحوم  محمد يونس وبحوثه وكتبه ومقالاته حول الادب الروسي موضوعا لكتابة اطروحة ماجستير في قسم اللغة الروسية  بجامعة بغداد , حيث عمل هناك عشرات السنين , ولكن ..... ...




 وابتدأ بالعراقيين , وهم ( حسب حروف الهجاء طبعا ) – ادمون صبري // اكرم فاضل // جميل نصيف // حياة شرارة // ذو النون ايوب // ضياء نافع // عامر عبد الله // عباس خلف // عدنان رشيد // علي الشوك // فالح الحمراني // محمد يونس // محمود احمد السيد // نجيب المانع .

157
المنبر الحر / تشيخوف في الصين
« في: 22:46 11/03/2021  »
تشيخوف في الصين
أ.د. ضياء نافع
الكتابة عن تشيخوف في الصين تعني الكتابة عن تاريخ ترجمات نتاجاته  الى اللغة الصينية , ومن ثمّ ,  كيف تقبّلها القارئ الصيني بشكل عام وكيف تناولها النقد الادبي الصيني بالذات , وهل هناك انعكاسات او تأثير- ما  لتلك الترجمات على مسيرة الادب الصيني نفسه , ومن نافل القول , ان الحديث الشامل عن كل هذه الجوانب الواسعة والمتنوعة يتطلب عملا كبيرا  لمجموعة من المتخصصين في الادب الروسي والصيني معا , ولا يمكن طبعا لمقالتنا هذه ان تتناول كل هذه الجوانب المتنوعة , الا اننا نظن , ان التوقف عند هذا الموضوع ولو بشكل وجيز جدا , او حتى الاشارة الى معالمه الاساسية ربما يكون ممتعا وطريفا للقارئ العربي , وذلك لأن الموضوع جديد  بكل معنى الكلمة لهذا القارئ , وهذا اولا , ومن المحتمل ان يكون مفيدا ايضا له , وهذا ثانيا , لأن هذا القارئ يهتم بالادب العالمي وعلم الادب المقارن , وهذا يعني طبعا , الاهتمام بموقع اعلام الادب الروسي خارج روسيا , وتفاصيل هذه العملية الابداعية ...
الخطوة الاولى لمسيرة تشيخوف ( 1860 – 1904 ) في الصين ابتدأت بترجمة لاحدى نتاجاته عام 1907 ( اي بعد وفاته بثلاث سنوات ) وعن اللغة اليابانية , ولكن الغريب بالامر , ان اول نتاج مترجم له الى الصينية هي القصة الطويلة – ( الراهب الاسود ) , وتشغل هذه القصة مكانة خاصة جدا في ابداع تشيخوف , و تعدّ عملا فنيّا متميّزا جدا في تاريخ نتاجاته الادبية , وقد كتبها تشيخوف عام 1893 , ويتمحور مضمونها حول ( مرض الروح الانسانية ) كما اشار الكثير من الباحثين الروس آنذاك, ولا زالت هذه القصة الطويلة لحد اليوم تثيرمختلف النقاشات حولها , اذ لم يتم الاتفاق حتى على تحديد جنسها الادبي , اذ يسميها البعض ( رواية قصيرة) ( بوفست بالروسية ) , ويسميها البعض الآخر ( قصة )( رسكاز  بالروسية ) , ونحن نميل الى تسميتها ( قصة طويلة ) , اذ انها تقع في حوالي 30 صفحة بطبعتها الاولى , وفي كل الاحوال وبغض النظر عن كل هذه النقاشات والتباينات حول ( الراهب الاسود ), فانه لا يمكن بتاتا اعتبار هذه القصة نموذجا ساطعا لادب تشيخوف كما يراه العالم ويتقبله في الوقت الحاضر, اذ لا يمكن ان نجد هناك تلك الاجواء التشيخوفية ( ان صحّ التعبير ), التي اشتهرت في قصصه او مسرحياته بشكل عام , ولا نعرف السبب , الذي جعل المترجم الصيني هذا آنذاك ان يختار هذه القصة بالذات ويقدمها الى القارئ الصيني , الذي لم يكن يعرف عندها اصلا من هوهذا الكاتب الروسي  تشيخوف , وربما يمكن توضيح ذلك السبب بالاجتهاد الشخصي لهذا المترجم واعجابه الذاتي ليس الا , اذ ان هذه القصة ذات طابع فلسفي , وتتداخل فيها  عناصر الحقيقة مع الخيال , وتمتزج في صياغتها اجواء الرمزية مع الواقعية ...
وهكذا ابتدأت مسيرة تشيخوف في الصين , وقطعت خمسة مراحل باكملها كما يشير الباحثون في هذا الموضوع كافة . ترتبط هذه المراحل طبعا بتاريخ الصين نفسه منذ بدايات القرن العشرين , مرورا  بحركات التحرر من السيطرة اليابانية , ثم انتصار الثورة واعلان جمهورية الصين الشعبية (1949) ومسيرتها واحداثها المتنوعة ( لنتذكر فقط الثورة الثقافية وكتاب ماوتسي تونغ الاحمر , الذي طبعوا منه أكثر من 800 مليون نسخة !!!) , وصولا الى حركات الاصلاح الجذرية , والتي أدّت الى ان تشغل الصين الان هذا الموقع المتقدم عالميا وفي الميادين المختلفة كافة . كل هذه المراحل جعلت من تشيخوف في نهاية المطاف واحدا من أكثر الادباء الروس ( وليس فقط الروس ) انتشارا وشهرة  بالصين  في الوقت الحاضر , وترتبط هذه المراحل ( كما حدث ذلك في عالمنا العربي ) بلغات وسيطة عديدة قام المترجمون الصينيون بترجمة نتاجات تشيخوف عنها في بداية هذه المسيرة الطويلة , منها اليابانية والانكليزية , الى ان وصلوا بعدئذ الى لغة تشيخوف نفسها , اي الروسية , وأخذوا يترجمون نتاجاته  الى اللغة الصينية عن الروسية مباشرة , ومن قبل المتخصصين الصينيين أنفسهم , الذين درسوا اللغة الروسية وآدابها ( في عقر دارها ! ) , وأبدعوا في دراستهم ( وقد شاهدتهم شخصيا اثناء دراستي هناك وأشهد على ذلك ) , ونتيجة لتفوقهم هذا , جاءت الثمار باهرة جدا في اغناء الحركة الادبية بالصين , وحصل تشيخوف على واحدة من (حصص الاسد!) في بستان هذه الثمار , اذ توجد الان المؤلفات الكاملة لتشيخوف باللغة الصينية في ( 27) مجلدا ( وهذا شئ لم يحدث حتى في اكثر الدول ازدهارا في العالم ولحد الان !!!), اضافة الى عشرات الكتب الصينية الاخرى لقصصه ومسرحياته , والتي صدرت قبل مجموعة المؤلفات الكاملة وبعدها ايضا , والى العديد من الكتب النقدية باللغة الصينية , التي كتبها المتخصصون الصينيون انفسهم , او التي ترجموها الى الصينية , وكلها تتناول دراسة ابداع تشيخوف  وخصائصه الفنية.
لقد سألوا مرة فنانة صينية كانت تؤدي دورا في مسرحية ( بستان الكرز) لتشيخوف باحدى مسارح بكين  – من هو تشيخوف بالنسبة لها ؟  فاجابت رأسا  -  انه المعلّم , الذي بقول  لنا دائما - (... في الانسان كل شئ يجب ان يكون رائعا – والوجه , والملابس , والروح , والافكار... ) , ولهذا , فاننا نقول له دائما – شكرا  يا انطون بافلوفيتش ....


 


158
عن الجزء الثاني لكتاب – الادب الروسي والعالم العربي
أ.د. ضياء نافع
صدر الجزء الثاني لكتاب – ( الادب الروسي والعالم العربي ) بقلم المستشرقة الميرا علي زاده عن معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية عام 2020 , ولكن – ومع الاسف الشديد – بعد موتها , اذ انها رحلت عام 2019 عن عمر يناهز 79 عاما . لقد صدر الجزء الاول من هذا الكتاب عام 2014 ( انظر مقالاتنا الخمس بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي ) , والذي  يعّد  واحدا من أهم المصادر الاساسية حول الادب الروسي في العالم العربي وتاريخ العلاقات العربية الروسية الادبية , وكيف تناول الادباء والباحثون العرب الادب الروسي منذ اواسط القرن التاسع عشر والى بداية القرن الحادي و العشرين , وهو جهد علمي هائل وفريد من نوعه في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية  أنجزته المرحومة الميرا علي زاده  طوال سنين طويلة من عملها في معهد الاستشراق التابع لأكاديمية العلوم الروسية . لقد تحدثت المستشرقة  في الجزء الاول  من كتابها  عن  نتاجات  الادباء الروس  في القرن التاسع عشرمن  بوشكين وتورغينيف وتشيخوف ...الخ , اما الجزء الثاني من هذا الكتاب , فكرّسته للحديث عن تولستوي ودستويفسكي فقط. 
يقع الجزء الثاني لكتاب – الادب الروسي والعالم العربي في 382 صفحة من القطع المتوسط  . ويحتوي على فصلين ,  الفصل الاول بعنوان – ليف تولستوي غازي الشرق العربي ويتضمن اربعة أقسام هي – على مشارف المجد في العالم العربي ( نهاية القرن 19 – اوائل سنوات القرن العشرين ) , ثم , تولستوي فنانا في مركز اهتمام الادباء العرب في السنوات 1920 – 1940, ثم , الترجمات الجديدة والنقد في النصف الثاني للقرن العشرين , ثم , تراث تولستوي الابداعي في الشرق العربي في القرن الحادي والعشرين . الفصل الثاني من الكتاب بعنوان – حياة وابداع دستويفسكي بعيون العرب , ويتضمن خمسة أقسام هي – الترجمات الاولى ( بداية القرن العشرين ) , ثم ,التاثير على الادباء العرب في سنوات 1920 – 1940 , ثم , ابداع دستويفسكي  بتفسير وترجمات الباحثين  العرب في سنوات 1950 – 1990 , ثم , علاقة القراء في سنوات 1970 – 1990 , ثم , دستويفسكي والادب العربي في نهاية القرن العشرين – وبداية القرن الحادي والعشرين . وتاتي بعد ذلك قائمة بالمصادر ( من ص 331 الى ص 365 ) وهي باللغتين الروسية والعربية مع ملحق خاص بالمجلات العربية . وتختتم المستشرقة الميرا علي زاده كتابها بقائمة لاسماء الاعلام التي وردت في الكتاب ( من ص 365 الى ص 382) , ثم تأتي الخلاصة للكتاب باللغات العربية والانكليزية والفرنسية  .
من الواضح للقارئ (حتى من هذا العرض السريع لفهرس الكتاب) سعة هذا الجهد العلمي الكبير , الذي بذلته المستشرقة المرحومة , وكيف انها استطاعت فعلا ان تغطي مرحلة زمنية واسعة من النشاطات الفكرية , التي قام بها الادباء والباحثون العرب لتعريف القارئ العربي بانجازات الادباء الروس الكبار , ولا نظن , ان هذه السطور الوجيزة يمكن ان تفي هذا الكتاب حقه , ولهذا , فاننا نريد ان نقترح – قبل كل شئ – ان يكون هذا الكتاب مرجعا اساسيا في كل الاقسام الروسية في جامعات العالم العربي , مرجعا يستخدمه اساتذة تلك الاقسام في عملية تدريس مادة الترجمة الادبية في الدراسات الاولية والعليا ( من الروسية الى العربية وبالعكس ) لطلبتهم , واتمنى ان يكون هذا الكتاب يوما ما مصدرا محوريا لاطروحة ماجستيرعندنا ,  تتناول موضوع تاريخ العلاقات الثقافية العربية الروسية  .
  نحاول - في ختام هذا العرض الاوليّ الوجيز جدا للكتاب -  الاشارة فقط الى بعض الاسماء العربية التي وردت فيه , والتعليق قليلا على ما جاء حولهم في هذا العمل الموسوعي  . الاسم الاول , الذي نتوقف عنده هو طه حسين عميد أدبنا وأجيالنا, فقد أشارت المستشرقة الى كتابه الموسوم - ( صوت باريس ) الصادر عام 1943 في القاهرة , حيث كتب فيه انطباعاته عن تولستوي , وترجمت الى الروسية مقاطع مهمة من ذلك الكتاب . الاسم الثاني هو سامي الدروبي , الذي أشارت اليه المؤلفة في ثمانية مواقع  في كتابها , اذ كيف يمكن الكلام عن دستويفسكي في العالم العربي دون التوقف عند سامي الدروبي , الذي نحت لنفسه تمثالا عربيا شامخا من نتاجات دستويفسكي . الاسم الآخر الذي اريد التوقف عنده هو حياة شرارة  , الرمز الابداعي الساطع  لقسم اللغة الروسية الحبيب في جامعة بغداد , فقد اوردت المستشرقة  ما كتبته حياة شرارة حول تولستوي بسبع صفحات كاملة..... وكان بودي طبعا ان اتوقف – ولو سريعا - عند اسماء اخرى من المبدعين , لكن العين بصيرة واليد قصيرة   يا اكرم فاضل وعلي الشوك ومحمد يونس ومحمود احمد السيد و نجيب المانع وبقية اسماء  الادباء والباحثين  الكبار من العراق ومن البلدان العربية الشقيقة الاخرى , الذين ورد اسمهم في هذا الكتاب ...
الرحمة والغفران  للمرحومة الميرا علي زاده ( 1940 - 2019 ) , والصبر والسلوان لنا جميعا على هذه الفاجعة  التي اصيبت بها حركة الاستشراق الروسية , وسيبقى اسمك خالدا  يا  الميرا  علي زاده , لأنه يرتبط ببحوثك وكتبك التي تحوّلت الى مصادر اساسية دائمية في حدائق مكتبة العلاقات الثقافية العربية – الروسية ...
 


 

159
خروشوف والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
نيكيتا خروشوف  ( 1894 - 1971) هو الزعيم الثالث , الذي برز في تاريخ الاتحاد السوفيتي بعد لينين ( الذي حكم منذ ثورة اكتوبر عام 1917 الى عام1924) , وستالين ( الذي حكم من عام 1924الى عام 1953 ) , اما خروشوف فقد حكم من 1954الى 1964 , ولكنه لم يحصل على مكانتهما في ( قلوب! ) الشعوب السوفيتية , على الاقل من الناحية الشكلية العامة ( لا يوجد مثلا اي تمثال له , او مؤسسة او شارع يحمل اسمه , وهذه ظاهرة غريبة مقارنة بلينين وستالين في روسيا!) , رغم ان اسم خروشوف ارتبط بتغيّرات جوهرية هائلة جدا في مسيرة الاتحاد السوفيتي والمكانة العالمية لتلك الدولة الكبرى وحتى بشأن مستقبلها , ولا زلت اتذكر النكتة التي رواها لي احد الطلبة الروس في جامعة موسكو ايام حكم خروشوف وهو يوصيني بكتمانها لخطورتها , والنكتة تقول , ان احدهم قال في المترو , انه يعرف شخصا في الحكومة يشبه الخنزير , فاعتقله رجال الامن السوفيتي رأسا , وسألوه في مركزهم عن هذا الشخص في الحكومة الذي يشبه الخنزير , فقال لهم انه تشرشل في الحكومة الانكليزية , فاعتذروا منه واطلقوا سراحه رأسا, وودّعوه الى باب الخروج وهم يعتذرون منه , وعندما اصبح في الشارع التفت نحوهم و قال , انه يعرف ذاك الشخص ( الذي كنتم  تظنون اني اقصده في كلامي!). .
كل زعيم من هؤلاء السياسيين السوفيت الكبار كان له تأثيره و بصماته ( ان صحّ التعبير) على مسيرة الادب الروسي ومصائر الادباء   اثناء فترة حكمه في دولة الحزب الواحد وفلسفتها . (بصمات!) لينين وستالين معروفة - بشكل او بآخر- على الادب الروسي بالنسبة للقارئ العربي, وقد كتب عنها الباحثون العرب ولا زالوا يكتبون هنا وهناك , وكل واحد من هؤلاء الباحثين ينطلق من موقفه الفكري و السياسي طبعا وبعيدا عن الموضوعية بالاساس مع الاسف, (وليس الحديث عن ذلك هدفنا هنا ) , لكن ( بصمات!) خروشوف لازالت شبه مجهولة في هذا المجال , رغم ان اسمه ارتبط بمرحلة ( ذوبان الجليد ) المعروفة والمهمة جدا في تاريخ الادب الروسي , وهذا ما نحاول الحديث عنه هنا بايجاز شديد ( فالموضوع واسع جدا ) , ونحاول الاشارة الى ابرز الادباء آنذاك ومواقف خروشوف تجاههم .
يجب القول قبل كل شئ , ان خروشوف كان بعيدا جدا عن اجواء الثقافة والفنون مقارنة بلينين وستالين ( والامور كلها نسبية طبعا !), بعيدا لدرجة ان البروفيسور كورميلوف ( استاذ تاريخ النقد الادبي الروسي في القرنين العشرين والحادي والعشرين في جامعة موسكو ) كتب في عام 2018 بحثا في مجلة  زناميا ( وهي مجلة شهرية مهمة صدرت في موسكوعام 1931 ولازالت مستمرة بالصدور لحد الان) بعنوان – ( نيكيتا خروشوف كناقد أدبي ) , وأشار في بدايه بحثه , الى ان خروشوف ( أكثر الزعماء السوفبت أُميّة , اذ انه أنهى فقط المدرسة الابتدائية ليس الا) , وهناك من يرى , ان هذه الشئ ليس مهما جدا , او هو - في الكثير من الحالات – ليسس العامل الحاسم في تاريخ الزعماء السياسيين ومسيرتهم , ولكن الرأي الآخر حول هذا الجانب يشير الى حوادث معينة في تاريخ حياة خروشوف , منها مثلا استخدامه للحذاء في جلسة الامم المتحدة , وهي حادثة معروفة عالميا ( وقد أشار اليها حتى بيان عزله آنذاك ) , او ما قاله مرة للنحات والفنان التشكيلي السوفيتي نيئزفيستني حول بعض لوحاته الفنية , وامام الجميع , بما فيهم مندوبي وسائل الاعلام المختلفة , بان ذيل الحمار الملطّخ بالالوان يمكن ان يرسم ايضا مثل هذه اللوحات , ( انظر مقالتنا بعنوان – خروشوف والفنان نيئزفيستني ) , ويؤكد اصحاب هذا الرأي , ان هذه التصرفات وغيرها هي انعكاس واقعي جدا لتلك الامّية التي كان يتميّز بها خروشوف. 
الاحداث الكبيرة في مسيرة الادب الروسي اثناء حكم خروشوف كانت ترتبط بعدة اسماء , وابرزهم – باسترناك وسولجينيتسن , وعلاقة خروشوف بكل اسم منهما يتطلب مقالة مستقلة بحد ذاتها , ولهذا فاننا نحاول هنا الاشارة اليها فقط .
  حاز باسترناك على جائزة نوبل للآداب عام 1958 . لم تسمح السلطة السوفيتية بقيادة خروشوف ان يستلم باسترناك تلك الجائزة كما هو معروف , واعتبرتها عملا سياسيا مضادا للدولة السوفيتية , وقد اضطر باسترناك ان يرفضها . خروشوف لم يتحدث شخصيا عن كل ذلك , ولكنه قال في مذكراته ( التي كتبها بعد عزله عن السلطة) , انه لم يكن مطلعا على رواية باسترناك آنذاك , وانه يجدها الان غير مضادة !!!
سولجينيتسن خرج من السجن بعد حملة خروشوف ضد الاضطهاد الستاليني, وارسل روايته القصيرة ( يوم واحد في حياة ايفان دينيسيفتش) الى مجلة (نوفي مير) , والرواية عن تلك السجون والمعتقلات السوفيتية أيام ستالين, ولم يتجاسر رئيس تحرير المجلة ان ينشرها , فذهب بها الى خروشوف , والذي وجدها ملائمة جدا لحملته ضد ستالين , ووافق على نشرها شخصيا , وهي الخطوة الاولى لسولجينيتسن نحو العالمية , بما فيها جائزة نوبل للآداب طبعا .
دراسة موقف خروشوف من الادب الروسي والادباء الروس يمكن ان ترسم لنا صورة واقعية و حقيقية ومتكاملة و واضحة المعالم لمسيرة دولة الحزب الحاكم الواحد – بغض النظر عن اي نظام سائد في الدولة - وتأثير الرجل الاول على مجمل حياة شعوب تلك البلدان ومصيرها ومستقبلها . ومثل هذه الدراسات التفصيلية تعني  طبعا , من جملة ما تعنيه , اطلاع الشعوب الاخرى على حقيقة ما حدث في تلك البلدان , وأخذ ذلك بنظر الاعتبار... 

160
عود على الامثال الروسية (52)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –          تعليم الطائش – صب ماء في برميل مثقوب .
التعليق – الطائش  هنا  بمعنى الذي لا يعترف بقيمة  التربية والتعليم واهميتهما , وما اكثر هؤلاء في عصرنا الردئ مع الاسف الشديد وفي كل المجتمعات بشكل عام , ومجمتعاتنا خصوصا  . الصورة الفنية للمثل الروسي طريفة جدا , وهي تذكرنا بالصورة الفنية لمثلنا العربي  المعروف – النفخ في جرّة مثقوبة ... 
+++
الترجمة الحرفية – الجمال فارغ دون عقل .
التعليق – يوجد مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) يقول – حسناء دون عقل , مثل محفظة دون نقود . المثلان في نفس المعنى , فالمثل  الاول طريف بصورته الفنية المتميّزة , والثاني يعكس الخلاصة لهما معا , وكلاهما صحيح ...
+++
الترجمة الحرفية – الصياد يسمع , كيف تتنفس الغابة .
التعليق –  صياغة هذا المثل جميلة جدا وشاعرية بكل معنى الكلمة , والمثل روسي بحت , اذ ان الغابة جزء لا يتجزأ من الطبيعة الروسية , وبالتالي من الحياة الروسية طبعا , و  يصف المثل بدقة متناهية ( موهبة !) الصيادين في الغابات عندما يمارسون عملهم هذا ( وهي هوايتهم ايضا ) . يضرب المثل للتعبير عن المقدرة الحاذقة في تنفيذ الاعمال  بشكل عام . هناك مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا )  يتضمن  صياغة مشابهة لهذا المثل شكلا ومضمونا , وهو - يسمع كيف ينمو العشب .
+++
الترجمة الحرفية – المحكمة  الذاتية  ليست  محكمة .
التعليق – هناك مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) يقول – في قضيتك انت نفسك لست الحاكم , وهو في نفس المعنى . المحكمة الحقيقية تستمع الى الطرفين المتخاصمين ثم تقرر , وهذا لا يحدث ابدا في المحكمة الذاتية . مثل حكيم وعادل ...
+++
الترجمة الحرفية – عملت خيرا , لا تندم .
التعليق – مثل نبيل  حقا , لكن صاحبي قال , ان هذا المثل الروسي يتعارض مع مثلنا  العربي الشهير – اتق شر من أحسنت اليه . تحدثنا ( صاحبي وأنا ) حول الجوانب الفلسفية , واتفقنا , ان عمل الخير شئ رائع , و اتفقنا ايضا , ان ( الحذر يقيك الضرر !!!) , وذلك لأن ( مو كل أصابيعك سوه !!!) .
+++
الترجمة الحرفية – بالشبكة لا يمكن ان تغطي العاري .
التعليق – اضفنا كلمة ( يمكن ) رغم عدم وجودها في النص الروسي كي يكون المثل مفهوما . قال صاحبي , ألا يذكرك هذا المثل الروسي بمثلنا الشهير بلهجتنا العراقية – (الركعة زغيّره والشك جبير) ( زغيرة = صغيرة / الشك = الشق / جبير= كبير ) ؟ ضحكت أنا , وأجبته – جزئيا نعم , لكن المثل الروسي أكثر شمولية , وصورته الفنية أوسع , رغم انهما فعلا يعبران عن نفس المعنى ... 
+++
الترجمة الحرفية – ارادتك أعلى من كل شئ .
التعليق –  كلمة (الارادة ) هنا رديف لكلمة  (الحرية) , وهي ( اي الحرية ) فعلا أعلى من كل شئ آخر بالنسبة لحياة الانسان الحقيقي . مثل رائع .
+++
الترجمة الحرفية –  القطرة في البحر غير مرئية .
التعليق –  قال صاحبي , ان امثلتنا تكرر نفس المعنى  , ولكن بصورة أكثر واقعية وطرافة من المثل الروسي ( الجامد !) هذا , مثل ( بوله بشط !) , او , ( ضرطة بسوق الصفافير !) .  ضحكت أنا , وقلت له , ولكننا نتجنب كتابة تلك الكلمات عادة , فقال لا, والف لا , فكل المصادرالمعتمدة  تكتب هذه الكلمات (الحيوية ! ) , واذا لا تصدق , فاسأل محمود شكري الآلوسي , او , أحمد باشا تيمور , فقلت له ضاحكا , انت تطبّق المثل الشهير – ذبه براس عالم واطلع منها سالم ...
================================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

161
عود على الامثال الروسية (51)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الحب خاتم , وليس للخاتم نهاية .
التعليق – الله ..الله.. مثل جميل جدا , ويرسم فعلا لوحة فنية حلوة و بسيطة وحقيقية للحب , هكذا علّق صاحبي عندما اطلع على هذا المثل , اما أنا , فلم اعلّق بشئ , وانما كنت استمع  و أبتسم فقط ...
+++
الترجمة الحرفية – والبيت الصغير يُشّيد بجهد كبير.
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل صحيح وحقيقي جدا , فالبيت الصغير يشيده الانسان دائما في بداية مسيرة حياته , ولهذا فان هذا البيت ( رغم صغره وتواضعه ) يتطلب عملا كبيرا وجهدا هائلا من قبل ذلك الانسان , الذي لا يزال بلا تجارب تطبيقية عميقة وعلاقات واسعة مع شعاب الحياة المتشابكة ...   
+++
الترجمة الحرفية – للصحة لا يوجد ثمن .
التعليق – يقول مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا) – أضعت النقود – لم تضع شيئا ,أضعت الوقت – أضعت  كثيرا ,أضعت الصحة – أضعت  كل شئ . نعم , لا يوجد اي ثمن للصحة ...
+++
الترجمة الحرفية – الدم ليس ماء , والقلب ليس حجرا .
التعليق – من الواضح ان هذا المثل يرتبط بالاحاسيس تجاه الاقرباء , والموقف العام تجاههم , وهو يذكرنا بمثلنا المعروف – الدم يحنّ , فنحن – شئنا ام أبينا – نتعاطف مع الاقرباء في السراء والضراء . لنتذكر (الشعار!! ) السائد في مجتمعنا – انا واخي ضد ابن عمي , وانا وابن عمي ضد الغريب ...
+++
الترجمة الحرفية – بسهولة  جاءت , وبسهولة  ذهبت .
التعليق – كل شئ يأتي بسهولة , يمكن ان يضيع بسهولة ايضا ...
+++
الترجمة الحرفية – مصيبة من القلب , جبل من الاكتاف .
التعليق – المعنى المجازي لهذا المثل واضح ومفهوم جدا , فالقلب الغارق في مصيبة يجعل صاحبه مشلولا امام متطلبات الحياة , وعندما تنتهي المصيبة , يتحرر الانسان من ضغطها , وكأن هناك جبل ازيح عن اكتافه . الصورة الفنية في المثل تبدو وكأنها مبالغة , لكنها هكذا فعلا في واقع حياتنا المعقّدة والمريرة بالاساس مع الاسف ...
+++
الترجمة الحرفية – الناس يقولون , عبثا لا يتحدثون .
التعليق –  الناس يثرثرون حول بعضهم , وهي صفة ذميمة في كل المجتمعات , ولكن الرأي العام  يتبلور – مع الاسف – على اساس تلك الثرثرة , باعتبار – ( لا دخان بلا نار ) . قال صاحبي , وهو يسخر من هذا المفهوم –  يمكن الان صنع (الدخان الاصطناعي !) بكل بساطة , وتسريبه في المكان اللازم  في (حرب الاشاعات  العالمية !) ...
+++
الترجمة الحرفية – اناس كثيرون , لكن لا يوجد انسلن .
التعليق – مثل مأساوي جدا , وهو – مع الاسف – حقيقي فعلا في كل المجتمعات ...
+++
الترجمة الحرفية – الخيّال ليس رفيقا للراجل .
التعليق – سألني صاحبي , أليس هذا المثل عتيقا بالنسبة لعصرنا ؟ فأجبته , الامثال تعكس عصرها طبعا , لكنها لا تصبح عتيقة , لانها تعبّر عن استنتاج اخلاقي في المجتمع , ولهذا فانها تبقى حيّة بغض النظر عن العصر , ويضربون هذا المثل لحد الان للحديث عن ضرورة ايجاد العوامل العامة المشتركة لطرفين في علاقاتهما الرفاقية ... 
===========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

162
عود على الامثال الروسية (50)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  في الكلمات الصغيرة يمكن ان تغرق الاعمال الكبيرة .
التعليق –  يذكرنا هذا المثل الروسي الطريف بالتعبير المشهور , والذي استقر بالعربية كما يأتي - الشيطان يكمن في التفاصيل . قال صاحبي , ان هذا المثل حقيقي فعلا, لأن الجهلة يحبون الثرثرة واطلاق الكلمات وحتى التنظير , في محاولة لتغطية جهلهم , ولا يهمهم بتاتا , سواء غرقت الاعمال الكبيرة او لم تغرق  ...
+++
الترجمة الحرفية – والعيون تنخدع .
التعليق – توجد أمثال كثيرة وعند مختلف الشعوب تتناول هذه المعنى , فلكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة ,  والسباحون الماهرون يغرقون ,  والقرد  يمكن ان يسقط من الشجرة ...الخ..الخ , لكن هذا المثل الروسي يتميّز بالذات عن كل تلك الامثال ,اذ انه مباشر جدا , ويؤكد على ان الانسان يجب ان يكون دقيقا جدا وحذرا جدا و متأنّيا جدا في كل خطواته , حتى اذا كانت امام عيونه ... 
+++
الترجمة الحرفية – الجبين عريض , والدماغ  قليل .
التعليق –  هناك مثل ارمني  يقول -  الرأس كبير , لكن العقل صغير , ومثلنا العربي الطريف وبمختلف لهجاتنا عن (.. طول النخلة وعقل الصخلة ..) يصف نفس الحالة , اي - (تعددت الاقوال والوصف واحد !)...
+++
الترجمة الحرفية – أفضل ان تعيش فقيرا , من ان تغتني مع الذنوب .
التعليق – مثل نبيل , فالفقير الذي يريد ان يكون غنيّا يجب ان ( يرتكب الذنوب !) , ولهذا يقول له هذا المثل الروسي , انه من الافضل ان يبقى فقيرا ونقيّا , من ان يكون غنيّا مذنبا .
+++
الترجمة الحرفية – الكتاب في السعادة يجعلك أجمل , وفي التعاسة – أهدأ .
التعليق – مثل جميل جدا , فالكتاب هو مصدر المعرفة , وبالتالي , فانه مفيد في كل الحالات . يؤكد هذا المثل على حقيقة تكاد ان تكون شبه مجهولة لدى الانسان , ولكنها رائعة حقا , وهذه الحقيقة  تقول -  ان المعرفة ضرورية جدا  في السعادة والتعاسة ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تثق بدموع الذئاب .
التعليق – مثل رمزي عميق , يدعو الانسان ان يكون حذرا من دموع الوحوش حوله . قال صاحبي , ان هذا المثل يذكره بدموع سكبها امامه (ذئاب !) بعد كل تغييرجذري كان يحدث في مسيرة  المجتمع...
+++
 الترجمة الحرفية – الحجر الضروري  ليس حملا ثقيلا .
التعليق – يضرب هذا المثل لحثّ الانسان على التحمّل اذا كانت هناك ضرورة لذلك , الصورة الفنية طريفة في المثل ومباشرة جدا , اذ ان ( الحجر !) الذي يعتبر دائما (حملا ثقيلا) , يصبح عند الضرورة  (ليس ثقيلا !) ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تتحدث مع الاحول حول الاعوج .
التعليق – مثل طريف جدا , ويبدو للوهلة الاولى مرحا , الا انه في الواقع ذكيّ و دقيق جدا ,اذ انه يحذر من الكلام مع شخص يرى ( المستقيم  اعوجا ) بالاساس , اذ لا جدوى ابدا من هذا الكلام مع شخص يمتلك نظرة مسبقة للاشياء والظواهر,  ولا يقدر ان يراها بشكل آخر , لانه ( أحول!!!).  مثل حكيم حقا .
+++
الترجمة الحرفية – بالانتظار شبعانا لن تكون .
التعليق – اي بالانتظار ستبقى جوعانا . من الواضح ان هذا المثل يدعو الانسان للعمل من اجل ان يأكل كي تستمر الحياة  , لا ان يسكت وينتظر , والا فانه سيموت جوعا , وهي دعوة صادقة ونبيلة للسعي نحو حياة  انسانية كريمة . لنتذكر الآية الكريمة – ...وان ليس للانسان الا ما سعى , وان سعيه سوف يرى  ...   
=====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

163
عود على الامثال الروسية (49)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تزعل من خشونة كلمة  , ولا تستسلم من حنان كلمة .
التعليق – مثل طريف وفريد من نوعه , يدعو الانسان ان يسيطر على ردود فعله تجاه الكلمات , والتأنّي باتخاذ القرار المناسب بشأنها . قال صاحبي , انه يتمنى تعميم هذا المثل على الجميع لانه ضروري للحياة اليومية في كل المجتمعات , فما أكثر ما زعلنا وما أكثر ما استسلمنا نتيجة سماعنا لكلمة هنا او كلمة هناك  ...
+++
الترجمة الحرفية – عندما ترقد للنوم , فكّر , بأي شئ تبدأ صباحا .
التعليق – كل خطوات الانسان يجب ان تخضع للتفكير السليم والهادئ , ولا يوجد مكان أهدأ من الفراش عندما ترقد للنوم . مثل حكيم جدا , وكم سيساعد الانسان عندما يصبح قاعدة عامة لحياته  .
+++
الترجمة الحرفية – الفأر في العنبر لا يهلك .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بامتياز , ويتطابق مع واقع السياسيين في عنابر بلداننا . ضحكت أنا وقلت له , لن اتناقش معك , لأني أعرف مسبقا عدم جدوى النقاش مع شخص عانى ولازال يعاني من هؤلاء ( الفئران !) , وهم يسرحون ويمرحون في عنابر بلداننا الغنية و العامرة بالخيرات ...
+++
الترجمة الحرفية – امدح الصباح في المساء .
التعليق –  يوجد مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) يقول – لا تقل ما عملت  , بل قل ما انتهيت من عمله  , وبشكل عام , توجد امثال مختلفة تؤكد على عدم التسرع  بمدح الاشياء  او الظواهر  قبل نهايتها , فالامور بخواتمها . مثل صحيح وحكيم وجميل . 
+++
الترجمة الحرفية –  و يحدث الكذب ببساطة , أما الافتراء - فدائما  بقصد وبتعمّد  .
التعليق – مثل حقيقي فعلا , اذ حتى يوجد تعبير – ( كذب أبيض ) , والذي قد يضطر الانسان في بعض الحالات الى استخدامه في مسيرة حياته اليومية , ولكن الافتراء  لا يحدث بالصدفة ابدا , وانما يخضع مسبقا الى تخطيط شرير ولئيم حتما ...
+++
الترجمة الحرفية -  عند المصيبة المرّة لا يوجد طعام حلو .
التعليق – صحيح جدا , اذ عند حدوث المصيبة يصبح كل شئ امام الانسان أسود اللون , بما فيه الطعام الذي يجب ان يتناوله – ولو حتى  في حده الاقل –  اثناء المصيبة .
+++
الترجمة الحرفية -  في  الغربة  والكلب  يشتاق .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل رمزي واضح المعالم و يقول , ان كل انسان في الغربة يشتاق ويحنّ الى بلده حتى لو كان كلبا . سألته – ولماذا يفسّر هذا المثل هكذا , فقال , لأن الغربة ترتبط بحياة الانسان فقط  وبغض النظر عن طبيعة هذا الانسان وصفاته وموقعه في المجتمع , اما الكلاب الحقيقية , فانها لا تهاجر ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تخاف من السيد النبيل , وانما من الخادم .
التعليق – هذا مثل روسي بحت , ويرتبط بتراثهم وتاريخهم, حيث كان هناك سادة وعبيد , ولكن هذا المثل – مع ذلك – يتناول حالة انسانية عامة في كل المجتمعات . لنتذكر القول العميق والعظيم في تراثنا , الذي يقول – ليس الخوف من الشبعان اذا جاع , بل الخوف من الجائع اذا شبع ...
============================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

164
زولوتسكي الذي  لم أتذكره
أ.د. ضياء نافع
  نشرت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية في عددها الصادر بتاريخ  25/ 11 / 2020 وعلى صفحتها الاولى صورة ملوّنة كبيرة لايغور زولوتسكي بمناسبة بلوغه التسعين من عمره . تساءلت انا بيني وبين نفسي , من هو زولوتسكي هذا , الذي نشرت صورته وبهذا الشكل البارز صحيفة شهيرة مثل (ليتيراتورنايا غازيتا ) . حاولت – وانا اشتري الصحيفة – ان أتذكر , اذ كان يبدو لي انه اسم معروف لديّ , ولكنني نسيته ( عمر واتعده  الثمانين يا مظفر النواب !!!) . استلمت الصحيفة , وبدأت رأسا بالقاء نظرة سريعة على المقالة التفصيلية عنه , وتذكرت طبعا , انه مؤلف الكتاب الشهير عن غوغول , الذي صدر ضمن سلسلة روسية شهيرة تسمى - ( حياة الناس الرائعين , حسب الترجمة الحرفية , او حياة العظماء , او حياة الاعلام , حسب الترجمة السليمة الصحيحة ) , هذا الكتاب الذي تميّز آنذاك فعلا ضمن الكتب الروسية عن غوغول ( ظهرت طبعته الاولى عام 1979 , والثانية عام 1984, والثالثة عام 1998 , والرابعة عام 2005 ) , والذي جعل من زولوتسكي رأسا ناقدا بارزا شهيرا , وباحثا متميّزا جدا في مجال دراسة غوغول وابداعه, اذ ارتبطت باسمه آنذاك  الاستنتاجات الشجاعة ( في ذلك الزمن طبعا ) عن غوغول , وقد تمّت ترجمة الكتاب هذا الى ثلاث لغات في حينها , وهي – الليتوانية والبلغارية والسلوفينية, حيث تم طبع هذا الكتاب في ثلاث جمهوريات ( ليتوانيا وبلغاريا وسلوفينيا ) , وهذه ظاهرة نادرة جدا بالنسبة  لكتب تلك السلسلة , وليس عبثا طبعا , ان زولوتسكي حصل على جائزة غوغول الادبية في حينه ,  ثم  على جائزة سولجينيتسن عام 2005 , وأشارت لجنة تلك الجائزة , الى انها تمنحه اياها نتيجة بحوثة النقدية المتميّزة  في تاريخ الادب الروسي بشكل عام وفي دراساته التحليلية المعمقة (ذات النظرة الذاتية المستقلة) في ابداع غوغول بشكل خاص , وهي ملاحظة ذكية جدا من قبل تلك اللجنة لتحديد مكانة هذا الباحث الكبير وقيمته الحقيقية في مجال دراسة الادب الروسي . زولوتسكي الان يشغل منصب رئيس صندوق غوغول في موسكو , الذي يسعى الى تأسيس متحف غوغول , والى تنفيذ وصية غوغول بشأن دفنه , اذ ان الكاتب أوصى الا يضعوا على قبره تمثالا له ( انظر مقالتنا بعنوان – حول موت غوغول . هل دفنوه حيّا ؟ ) .  لقد أصدر زولوتسكي (29) كتابا في تاريخ الادب الروسي و أعلامه , (8) منها عن غوغول , وأعدّ برامج تلفزيونية حول الادب الروسي , منها سلسلة برامج عُرضت من عام 1992 الى عام 1996 بعنوان – امسيات في بيت غوغول , وبرنامج آخر تم عرضه عام 2009 بعنوان – تبرير لغوغول  , وباختصار شديد , فان زولوتسكي هو- قبل كل شئ - الغوغولي الاول ( ان صحّت التسمية !) , وقد قال مرّة لأحد الصحفيين الروس في حوار تم نشره , ان زوجته كانت ( تغار!!!) من غوغول , لأنه كان يقضي كل وقته وهو يدرس ابداعه ومسيرة حياته .
 صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا كرّست معظم الصفحة الاولى لمقالتها عن زولوتسكي , وصفحتين باكملهما داخل عددها ذاك لتلك المقالة التفصيلية عنه , اذ انه ارتبط مع هذه الصحيفة في الستينيات , واصبح أحد محرريها , والمسؤول عن قسم (تاريخ الادب الروسي ) فيها , ونحاول في هذه السطور التوقف - ليس الا- عند ابرز المحطات الابداعية لزولوتسكي , كي نرسم للقارئ العربي صورة قلمية ( ويجب  القول رأسا , انها صورة تقريبية جدا جدا ليس الا) لهذا الاسم الكبير والمتعدد المواهب في دنيا الادب الروسي المعاصر , اذ ان زولوتسكي يكاد ان يكون مجهولا او شبه مجهول في افضل الحالات للقارئ  العربي هذا .
ولد ايغور بيتروفيتش زولوتسكي عام 1930 . كان والده عسكريا , ويعمل في الاجهزة السوفيتية الامنية آنذاك , وتم اعتقاله عام 1937 اثناء الحملة الستالينية المعروفة ضد ( اعداء الشعب !) , ثم تم اعتقال والدته ايضا عام 1941 لأنها زوجة ( عدو الشعب !) , وهكذا بقي ايغور وحيدا , وانتقل الى مدرسة خاصة بالايتام من ابناء اعداء الشعب ( حيث كان مبدأ القسوة والقوة سائدا , كما كتب هو بعدئذ ) , واستطاع ان يلتحق بعد المدرسة في القسم الروسيي بكلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها )  في  جامعة قازان بجمهورية تتارستان السوفيتية , وتميّز حتى في سنوات الدراسة بموهبة الكتابة النقدية , وهكذا بدأ ينشر في الصحف والمجلات المحيطة به , وانتقل بعد انهاء دراسته الجامعية الى الصحف المركزية ( ومنها ليتيراتورنايا غازيتا كما أشرنا ) بعد ان لاحظ كتاباته المتميّزة في النقد الادبي الكاتب السوفيتي كورني تشوكوفسكي في ندوة النقاد الشباب , التي انعقدت عام 1961 .
زولوتسكي – ناقد ادبي روسي معروف , وكاتب , وصحافي له مكانة خاصة في اوساط الاعلام الروسية المختلفة من مجلات وتلفزيون وراديو , و شخصية اجتماعية بارزة يشغل مناصب ادارية كبيرة في المنظمات الثقافية الروسية . لقد قال زولوتسكي مرّة , ان شعلة الحب تجاه الادب كانت تتوهج في روح غوغول , ويمكن القول , ان هذه الشعلة نفسها قد انتقلت من غوغول الى زولوتسكي نفسه .....   

165
عود على الامثال الروسية (48)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من ينام في الربيع , يبكي في الشتاء .
التعليق –  مثل رمزي جميل وعميق المعنى . قال صاحبي , ان هذا المثل يذكّره بحكايةعن النملة والصرصور , والتي كانوا يحكونها للصغار , فقلت له , ان الامثال والحكايات هي صور في غاية الجمال  تجسّد معنى الفن وعظمته , وهي في نفس الوقت نماذج تربوية رائعة للبشر صغارا وكبارا , لانها تعكس خلاصة لحكمة الشعوب ...
+++
الترجمة الحرفية – شجرة التفاح عوجاء , لكن تفاحها حلو .
التعليق –  يوجد مثل ( يكاد ان يكون عالميا ) يقول - البقرة سوداء لكن حليبها ابيض , اي ان الشكل غير مهم بتاتا , وانما المهم هو المضمون  . قال صاحبي , ربما يمكن القول , ان المثل العربي المناظر لهذا المثل الروسي , بشكل او بآخر , هو - الامور بخواتمها . المثل الروسي هذا طريف وجميل وحلو مثل التفاح... 
+++
الترجمة الحرفية – كل طير يحب عشّه .
التعليق –  العش هو وطن الطير , وكل انسان يحب وطنه , والذي لايبدّله ( ...بالخلد ...) كما كنّا نقول بدرس ( المحفوظات ) في الايام الخوالي ,  الا ان صاحبي علّق قائلا – ولكن الكثير من ( طيورنا !!!) اثبتوا بالدليل (الملموس!) , انهم لا يحبون (أعشاشهم !!!) , وقد لاحظ السياب هذه الظاهرة الرهيبة , وكتب ابياته الخالدة  –
....ايخون انسان بلاده ؟ / ان خان معنى ان يكون / فكيف يمكن ان يكون ؟.....
+++
الترجمة الحرفية – وليس تحت المطر ننتظر .
التعليق – المثل الروسي يقول لنا – نعم , يمكن ان ننتظر , ولكن في ظروف ملائمة وطبيعية , وليس ( تحت المطر !) . مثل طريف جدا , ويعني – فيما يعنيه – ان هناك ضوابط  اخلاقية صارمة يجب على الطرفين الالتزام بها عند اي اتفاق , حتى لو لم تكن تلك التفاصيل مذكورة بين الطرفين ... 
+++
الترجمة الحرفية – الشرير يبكي من الحسد , والطيّب – من الفرح   .
التعليق – مثل واقعي قلبا وقالبا , وعن طريق متابعته بدقة في مسيرة حياتنا , يمكن لنا ان نحدد فعلا من هو الانسان الشرير ومن هو  الانسان الطيّب حولنا , وهذه مسألة في غاية الاهمية بالنسبة لكل انسان .
+++
الترجمة الحرفية – والكلب يعرف كلمة الحنان .
التعليق –  كلمة الحنان أحلى من العسل , هكذا يقول مثل روسي سبق وان أشرنا اليه , ولكن هناك اناس لا يريدون الاقرار بذلك , ويسخر هذا المثل الروسي هنا منهم , وهي سخرية لاذعة و صحيحة جدا ...
+++
الترجمة الحرفية – والشيخوخة ليست مخيفة , اذا الشباب يساعدون .
التعليق – الشيخوخة مؤلمة لانها تجعل الانسان عاجزا عن خدمة نفسه , وهي حالة رهيبة فعلا , ولكن الشباب المحيط  بهؤلاء الشيوخ يخفف عنهم هذا الوضع . المثل الروسي يقول - ( اذا ) يساعدون , و(اذا) الشرطية هذه تعني , انه من الممكن  ان يساعدوا  او لا  يساعدوا ,  وعندما  لا يساعدوا , فان الشيخوخة تكون مخيفة فعلا . المثل حقيقي , رغم قسوته . يوجد مثل كوري يقول – كبار السن يصبحون أطفالا مرة اخرى , اي انهم بحاجة الى رعاية مثل رعاية الاطفال ...
+++
الترجمة الحرفية – والثعلب ماكر , لكن جلده يبيعونه .
التعليق – مثل واضح المعالم , فالحيلة والمكر لا تنقذ حتى الثعلب من ( بيع جلده !). يوجد مثل بمختلف اللهجات العربية يقول – اللي يعيش بالحيلة يموت بالفقر. المثل الروسي أكثر وضوحا , ويضع النقاط على الحروف  بدقة ... 
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

166
عود على الامثال الروسية (47)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الطاحونة  تطحن – طحين سيكون , اللسان يطحن – مصيبة ستكون .
التعليق – مثل جميل وعميق . اللسان عدو الانسان كما يقول مثلنا العربي الشهير , وعندما ( يطحن !) هذا العدو , الذي هو ( مثل الطبر - يطبر ) كما يقول المثل الصيني , فان المصائب ستكون حتما و بلا شك , مثلما سيكون الطحين عندما  الطاحونة  تطحن ...
+++
الترجمة الحرفية – النقود النحاسية أكثر رنينا من الذهبية .
التعليق – يشير المثل العربي الى ان (السنابل المليئة)  تنحني تواضعا , و ( السنابل الفارغة ) شوامخ , ويقول مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) , ان البرميل الفارغ  يرن ,(وهو تقريبا مثل عالمي) , ويوجد مثل صيني يقول , ان ( القنينة  المليئة تصمت , والقنينة نصف المليئة تلقلق ) . تختلف الصور الفنية بشكل جذري في كل تلك الامثال المتنوعة , لكن المعنى يبقى واحدا ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تضع اصبعك بين الابواب .
التعليق – مثل رمزي عميق جدا , اذ عندما يغلقون الابواب هذه . وهو أمر طبيعي جدا لتحقيق الهدف من صنعها , فان ( اصبعك !) سيكون في خبر كان , اذ ان الابواب لن تنتظر ان ترفع اصبعك , الذي ( أدخلته متعمدا بين تلك الابواب ) . يقول مثلنا – لا تتدخل فيما لا يعنيك فتلقى ما لا يرضيك , وتوجد صيغ مختلفة لهذا المثل الشعبي الطريف ...
+++
الترجمة الحرفية – الضحك يؤدي الى البكاء .
التعليق – يوجد مثل جورجي يقول – تأتي الدموع دائما بعد الضحك , وفي تراثنا الخالد , فان ضحك المتنبي العظيم كان (... كالبكا ...) , وفي التراث الروسي يوجد تعبير شهير هو – ( ضحك عبر الدموع ) ...
+++
الترجمة الحرفية – العسل  حلو  باعتدال .
التعليق –  يقول مثلنا المعروف - كل شئ يزيد عن حده ينقلب ضده , و هذا المثل الروسي هنا  يشير , الى انه حتى العسل الحلو يمكن ان يفقد ( حلاوته !) اذا زاد عن حده ...
+++
الترجمة الحرفية – يقودون اللص الى المشنقة , ومع هذا فهو يبرر كل شئ .
التعليق – يقول المثل العربي – من شب على شئ شاب عليه , واللص الذي يصل الى المشنقة يعني , انه يسرق طوال حياته , منذ ان ( شبّ) الى ان ( شاب ) ...
+++
الترجمة الحرفية -   العلم – جمال , والجهل – جفاف .
التعليق –  تعريف جديد للعلم والجهل , وهو تعريف رائع , لا يتعارض و لا يتناقض مع الصورة الراسخة في اذهاننا حول ( العلم نور والجهل ظلام ) . الجمال يمكن ان ينقذ العالم (حسب دستويفسكي) , وهو نفس دور العلم طبعا , والجفاف يعني , ان العالم سيجوع , وهو نفس دور الجهل . مثل جديد بصورته الفنية الفريدة , وهو يؤكد نفس المعنى للعلم والجهل في حياة الانسان .
+++
الترجمة الحرفية – العين ترى بعيدا , لكن العقل يرى أبعد .
التعليق – نعم , هذا استنتاج صحيح  , فالعقل السليم  يفكّر اولا , ثم يخطط خطواته اللاحقة بعد التفكير , ولهذا يرى ابعد من العين . مثل حكيم جدا , لأنه يمجّد المنطق الذي يجب ان يسود في مسيرة حياة البشر .
+++
الترجمة الحرفية – الحب  يحتاج الى ارادة , والعقل – الى آفاق واسعة .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل رومانسي , فقلت له , بل واقعي بما فيه الكفاية , وهو جميل جدا , لذلك اعتبرته رومانسيا , فالحب يحتاج فعلا الى ارادة كي يكون حقيقيا ودائميا , والعقل يحتاج الى فضاء واسع كي يبدع وينطلق , لكن صاحبي لم يتفق معي , وأصرّ على موقفه قائلا – كل كلام عن الحب هو رومانسية , 
==========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

167
عود على الامثال الروسية (46)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – تقول الحقيقة , تفقد الصداقة .
التعليق –  قال صاحبي  , ان المثل المعروف  بلهجتنا العراقية يؤكد ,  ان الانسان  يجب ان يصادق ( الذي يبكيه ) , وليس ( الذي يضحكه ) , اي ان يكون صديقا لذاك, الذي يقول له الحقيقة . قلت له , ان المثل العراقي  ينصح الانسان ان يستمع الى الحقيقة  من صديقه, اما المثل الروسي فيتكلم عن نتائج قول الحقيقة للصديق , اي ان الاهداف النهائية تختلف بين المثلين , ولا يوجد تناقض بينهما ..
+++
الترجمة الحرفية – حيثما يوجد القانون , فهناك خوف .
التعليق –  الخوف في هذا المثل يعني ,  ان هؤلاء يخافون من القانون الذي يخرقونه , ورغم انهم أقلية , ومضادة للاكثرية الصامتة , ولكنها مؤذية جدا للمجتمع عموما . لقد جرّبت شعوب كثيرة هذه الحالات في مسيرة تاريخها , ولا زالت هذه الشعوب ( ومنها شعبنا ) تتذكر تلك ( المصائب!) التي حدثت عندما اختفى الخوف من عقاب القانون . علّق صاحبي قائلا – ما اروع حضارة وادي الرافدين , لأنها ترتبط بقوانين حمورابي قبل كل شئ ...
+++
الترجمة الحرفية -  الحراثة ليست تلويحا بالايدي .
التعليق – مثل طريف وحكيم , اذ ان الحراثة عمل منظّم يقوم به الانسان عبر كل تاريخه , وليس ( تلويحا  بالايدي !!) كما يقول هذا المثل الروسي الدقيق . كل عمل يمتلك قواعده , والالتزام  بتلك القواعد المرتبطة به ضرورية من أجل القيام به , ويتطلب بذل الجهود من قبل الانسان لتنفيذه , فليس ( كلمن صخّم وجه صار حدّاد ) ( كلمن – كل من // صخّم – وضع السخام على وجهه ) كما يقول المثل العراقي الطريف  ...
+++
الترجمة الحرفية – دون ان تطعم الحصان , لن تذهب بعيدا .
التعليق – الذهاب بعيدا يتطلب التهيئة المسبقة والاعداد المتكامل لكل مستلزمات  ذلك الانطلاق . مثل طريف وحكيم فعلا ...
+++
الترجمة الحرفية – قوي مثل الثور , و مستكين مثل البقرة .
التعليق –  يضرب هذا المثل للشخص القوي الذي لا يستخدم قوته كما يجب , وحيثما تقتضي الضرورة , بل يتصرّف باستكانة وخضوع في تلك المواقف  التي تتطلب اظهار القوة والحزم . من الواضح تماما , ان هذا المثل الروسي قديم , وان صورته الفنية ترتبط بالحياة القروية  , رغم انه يعبّر عن حالة دائمية في الحياة الانسانية .
+++
الترجمة الحرفية - جذر العلم  مرّ , لكن ثمرته حلوة .
التعليق – مثل رائع فعلا , فطريق العلم صعب ومرير , وهناك مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) يقول – لا علم دون معاناة , ولكن ثمار العلم ( حلوة ) فعلا للباحث العلمي اولا , ولكل البشر ثانيا , ف (العلم نور...) , كما يقول المثل العالمي وبمختلف اللغات  .
+++
الترجمة الحرفية – من السهولة نسيان الشئ الذي لا تعرفه .
التعليق – مثل صحيح جدا , اذ لا ترسخ في الذهن فعلا تلك الاشياء التي لا يعرفها الانسان بشكل عميق , فكيف بالاشياء التي يعرفها بشكل سطحي بسيط ؟
+++
الترجمة الحرفية – عش من اجل الناس , سيعيش الناس من اجلك .
التعليق – مثل نبيل حقا . قال صاحبي , ان هذا المثل غير واقعي , وان الانسان  في المجتمعات كافة يعيش من اجل نفسه قبل كل شئ , وليس من اجل الناس الآخرين . قلت له , ولكن الامثال – وبشكل عام - تؤكد دائما على ضرورة عمل الخير للآخرين , فأجاب ضاحكا – وهل نسيت مثلنا الشهير – سويّ زين وذبّ بالشط ( اعمل الجيد وارمه  في النهر )...
+++
الترجمة الحرفية – السلم  في العائلة  بيد الزوجة .
التعليق – مثل صحيح , وفي كل المجتمعات , رغم التباين بين تلك المجتمعات بشكل عام  . يوجد مثل روسي طريف ( أشرنا اليه سابقا ) يقول , الزوج  هوالرأس , لكن الزوجة هي العنق . ويعلق الكثيرون على هذا المثل قائلين , ان العنق طبعا هو الذي يوجّه الرأس , وليس العكس ...
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


168
عود على الامثال الروسية (45)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لم يسمع أحد , عدا السوق .
التعليق – مثل مرح جدا للوهلة الاولى , لكنه مؤلم حين نتأمّله بهدوء , فالثرثرة والنميمة والكلام عن الآخرين ... الخ هي صفات ذميمة عند البشر . لنتذكر الآية الكريمة - .... ولا يغتب بعضكم بعضا أيحب أحدكم ان يأكل لحم أخيه ميتا ....   
+++
الترجمة الحرفية – سريعا يغرسون الاشجار , وليس سريعا يأكلون منها الثمار .
التعليق – ونحن ننطلق من القول العربي الشهير -  زرعوا فاكلنا ونزرع  فيأكلون . قال صاحبي , ان ( جماعة عباس مستعجل !) لا   تعجبهم هذه الطريقة بغرس الاشجار . ضحكت أنا وقلت له , هناك مثل صيني يقول – غرس  الشجرة صباحا , ويريد بعد الظهر ان يتمتع بظلها , فقال صاحبي ضاحكا ايضا –  اي ان عباس الصيني أكثر استعجالا من عباس العراقي ...
+++
الترجمة الحرفية – الضيف في الوقت غير المناسب أسوأ من العدو .
التعليق – صحيح , صحيح , هكذا صرخ صاحبي عندما سمع هذا المثل وقال – وما أكثر هؤلاء ( الاعداء !) حين تعدّهم , ولكنهم في النائبات قليل . ضحكنا معا , لكن ضحكنا كان ( ...كالبكا ... ) .
+++
الترجمة الحرفية – شعر طويل , لكن اللسان أطول .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل عن المرأة طبعا , لكني قلت له , يوجد رجال ايضا شعرهم طويل ولسانهم أطول , فضحك صاحبي وقال , نعم , نعم , واعترف باني ربما  تسرّعت في الكلام , فاللسان الطويل صفة الثرثارين من النساء والرجال فعلا , ولكن – مع هذا – فالثرثرة أكثر في الاوساط النسائية , والا  لما  ظهر التعبير بلهجتنا العراقية – ( حجي نسوان !) ( حجي = كلام ), فسألته , الا يمكن للرجال من ذوي الشعر الطويل واللسلن الاطول  هم الذين اطلقوا هذا التعبير ؟  ...
+++
الترجمة الحرفية – البطن الجائعة لا تمتلك آذانا .
التعليق – يوجد مثل روسي (سبق وان أشرنا اليه) يقول – البطن الجائعة صماء امام كل شئ . المثلان في نفس المعنى , اذ لا يمكن فعلا للانسان الجائع ان يستمع الى اي شئ , بل هو يرى الخبز حتى في منامه , كما يقول المثل الارمني ...
+++
الترجمة الحرفية – الحقيقة المرّة  أفضل من الكذب الحلو .
التعليق – مثل فلسفي جميل , وهو صادق فعلا , ويجب على الانسان العاقل ان يتقبّله و يجعله المبدأ السائد في حياته , رغم ( المرارة !) في الحقيقة  و ( الحلاوة !) في الكذب . يوجد مثل عربي شهير يقول – النجاة في الصدق ...
+++
الترجمة الحرفية – الذئب لا يأكل ذئبا .
التعليق –  يوجد مثل روسي ( أشرنا اليه سابقا ) يقول – الغراب لا يفقأ عين الغراب الآخر , ويوجد بيت شعر ذهب مثلا عندنا يقول –
وليس الذئب يأكل لحم ذئب /// ويأكل بعضنا بعضا عيانا
+++
الترجمة الحرفية – لن تُغرق ( بضم التاء) المصيبة في الخمر , انت نفسك ستغرق .
التعليق – مثل حكيم جدا , وكم توجد من هؤلاء النماذج في المجتمعات كافة , الذين يتهربون من مواجهة المصيبة بشكل مباشر , وبدلا من ذلك يحاولون ( اغراقها !) بواسطة الخمور والمخدرات و..و..و.. , وهم بهذه الطريقة يغرقون هم انفسهم ليس الا ...
+++
الترجمة الحرفية – المصائب كثيرة , لكن الموت واحد .
التعليق – يذكرنا هذا المثل الروسي ببيت شعر عربي ذهب مثلا , وهو -
ومن لم يمت بالسيف مات بغيره ///  تعددت الاسباب والموت واحد
========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

169
عود على الامثال الروسية (44)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – يعالجون  الارق  بالعمل .
التعليق –  قال صاحبي , ان هذا العلاج رائع , فهو مجاني اولا (اذ لا يشتريه الانسان في الصيدلية مثل الادوية الاخرى) , و نتائجه مضمونة  تماما  ثانيا , بل وتعود بالفائدة في نهاية المطاف لذلك الذي يصيبه الارق , فقلت لصاحبي – نعم , وقد استخدم الجواهري الكبير هذا (العلاج !) مرة , وكتب قصيدته الشهيرة في ديوانه ( ايها الارق ) –
 مرحبا يا ايها الارق  //  فرشت انسا  لك الحدق ....
+++
الترجمة الحرفية – المقص مستقيم , لكن الايادي عوجاء .
التعليق – مثل رمزي جميل وطريف جدا . العمل هو مسؤولية الانسان , بغض النظر عن الآلة التي يستخدمها لتنفيذ ذلك العمل . يوجد مثل بلهجاتنا العربية  كافة يقول – النادرة  تغزل برجل  حمار ... 
+++
الترجمة الحرفية – مهما تتحدث , من الحديث لن تشبع .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو صحيح و واقعي , اذ ان الحياة تعني العيش مع الناس , والاختلاط  بهم , والحديث معهم , ولا يمكن للانسان ان يعيش في عزلة عن الآخرين . لنتذكر مثلنا المرح ( رغم سمة التطرّف فيه ) , و الموجود باللهجات العربية كافة – جنة بدون ناس ما تنداس ...
+++
الترجمة الحرفية – دون  معرفة الامر , لا تحكم .
التعليق – كم نحن بحاجة الى هذا المثل البسيط والعميق في آن , اذ ان هناك ( سيل !!!) من هؤلاء الناس حولنا , الذين ( ينظّرون !) و ( يوجّهون !) دون معرفة الامور التي يتحدثون عنها  ...
+++
الترجمة الحرفية – طرف  واحد  دائما  ليس على حق .
التعليق –  مثل بسيط وعميق جدا , اذ  انه خلاصة عقلانية واستنتاج منطقي لكل خلاف بين البشر , الا ان المصيبة تكمن , في ان كل طرف يرى انه على حق , وان الطرف الآخر هو المذنب , وهذا هو جوهر الصراع الانساني الازلي . لنتذكر مثلنا الشعبي الطريف بلهجتنا العراقية – منو يكول لبني حامض , ( يكول – يقول )...
+++
التعرجمة الحرفية – لا حصان  بلا  لجام , لا ثروة  بلا عقل .
التعليق – لأن الحصان بلا لجام  يمكن ان يتسيب و يضيع , والثروة  بلا عقل يمكن ان  تتسيب و تضيع ايضا . مثل حكيم جدا .
+++
الترجمة الحرفية – للفأر  والقطة  وحش .
التعليق –  المثل الارمني يقول – لا يوجد للفأر وحش اقوى من القط  . المثل الروسي يكرر نفس المعنى بشكل عام . يؤكد هذا المثل , ان كل الامور نسبية في الحياة , وان كل واحد ينطلق من موقعه , و(كل يبكي على ليلاه) كما يقول المثل الشهير ...
+++
الترجمة الحرفية – من الاقوى , فهو على حق .
التعليق – هناك مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول – (توجد قوة , لا حاجة للعقل ) , واذا كانت القوة  تلغي العقل , فمن الطبيعي انها تلغي القانون ايضا , وتعرف شعوبنا العربية  كيف يتصرّف الاقوياء في مجتمعاتنا , وهذا المثل الروسي يؤكد طبعا , ان هذه الظاهرة موجودة ليس فقط في مجتمعاتنا ...
+++
الترجمة الحرفية – من الشرارة  يولد الحريق .
التعليق – مثل صحيح وحاسم , ونحن نقول - معظم النار من مستصغر الشرر ...
====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

170
عود على الامثال الروسية (43)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ذهب الشباب دون وداع , وأتى المشيب دون تحية .
التعليق – صورة فنية جميلة جدا . قال صاحبي , ان هذه الصورة جميلة فعلا , مثل تلك التي ( انحفرت !) في ذاكرتي , والتي تقول –
ذهب الشباب وما له من عودة // وأتى المشيب فاين منه المهرب
قلت له – الصورتان جميلتان , وهما بنفس المضمون طبعا  ,الا  ان الصورة العربية أكثر منطقية و واقعية  ودقّة , امّا الصورة الروسية , فانها أكثر مرحا  ورومانسية...
+++
الترجمة الحرفية – الضحك الاخير أفضل من (الضحك) الاول .
التعليق – حصرنا كلمة الضحك في المقطع الثاني بين قوسين لعدم ورودها في النص الروسي . مثل عالمي استقر بالعربية كما يأتي – من يضحك اخيرا  يضحك كثيرا .
+++
الترجمة الحرفية –        زرعت الشر – لا تنتظر الرحمة .
التعليق – يوجد مثل عربي شهير يقول – من يزرع الريح  يحصد العاصفة . المثل الروسي في نفس المعنى , الا انه أكثر وضوحا  , اذ لا يمكن ان تكون الرحمة  لمن يزرع  الشر , فلكل فعل رد فعل يساوية بالقوة ويعاكسه بالاتجاه ...
+++
الترجمة الحرفية – من الصعب علاج الجرح المغلق .
التعليق – مثل فلسفي بامتياز وعميق جدا , وهو يذكرنا بجروحنا الكثيرة  في أعماق نفوسنا , جروح القلب والعقل والروح ( وما أكثرها في نفوس البشر عامة وعندنا , نحن الشرقيين , خاصة ) , جروحنا  (المغلقة !) والتي تنزف دائما , ( من الصعب علاجها ) فعلا ...
+++
الترجمة الحرفية – الكلمة التي تقال – سهم قد انطلق .
التعليق –  مثل صحيح ودقيق جدا , وتتكرر صورته الفنية بمختلف الصيغ في امثال العديد من الشعوب  , ولهذا على الانسان ان ( يمضغ الكلمة جيدا قبل ان يطلقها من فمه ) , كما يقول المثل الاذربيجاني الطريف , لانها فعلا (سهم قد انطلق) , وهيهات ان توقف هذا السهم بعد انطلاقه , و(الندم على السكوت افضل من الندم على الكلام ) كما يقول مثلنا المعروف ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تثق بالبحر , ثق بالسفينة .
التعليق – مثل رمزي جميل ينطبق على جوانب عديدة في مسيرة الحياة الانسانية , فالثقة يجب ان تتركّز فعلا حول اعمال الانسان اولا ,  الاعمال التي يستخدمها البشر في قهر الطبيعة ... 
+++   
الترجمة الحرفية – الملابس تعرقل الراقص السئ .
التعليق – لنتذكر مثلنا الشهير بلهجتنا العراقية  - (المايعرف يركص يكول الكاع عوجه) ( الذي لا يعرف الرقص يقول الارض عوجاء) . المثل العراقي أطرف وأجمل من المثل الروسي , رغم انهما في نفس المعنى.
+++
الترجمة الحرفية – من الحاجة يصبحون أذكياء , ومن الثروة يصبحون أغبياء .
التعليق – نعم , هذا استنتاج صحيح , اذ ان (الحاجة ام الاختراع) كما يقول مثلنا الشهير, والاختراع هو عمل الاذكياء طبعا, اما ابناء الثروة , فكل شئ لهم متوفر  بفضل تلك الثروة , وغالبا ما يؤدي ذلك الى الكسل والخمول وعدم التفاعل الحيوي مع متطلبات الحياة المختلفة , وهكذا يولد الاغبياء ...
+++
الترجمة الحرفية – لا  يأخذون  ضرائب على الكذب .
التعليق – ضحك صاحبي وقال – كم هو رائع , ان ( الجماعة!) لا يتابعون الامثال الروسية , خصوصا وان هذه الضرائب كانت ستمنحهم  اموالا  هائلة . قلت له ضاحكا – لا, لا , اذ ان هذه الضرائب ستشمل نفس تلك ( الجماعة !) التي تقصدها ايضا .
=========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

171
عود على الامثال الروسية (42)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – المصيبة على اثنين – نصف مصيبة , والفرحة على اثنين – فرحتان .
التعليق – مشاركة الاخرين للانسان في مصيبته تخفف عنه تلك المصيبة حتما , والفرحة تكون مضاعفة للانسان واحبابه فعلا . مثل فريد من نوعه بين أمثال الشعوب , ويؤكد ان الانسان (حيوان ناطق ) كما يقول تعريف ارسطو الشهير, الذي تعلمناه بمدارسنا  في الايام الخوالي  دون ان نفقهه, والذي يعني ,ان الانسان لايمكن ان يعيش منعزلا , ويحتاج الى الاختلاط  بالآخرين في السراء والضراء.     
+++
الترجمة الحرفية – بعد العمل الطعام اطيب .
التعليق – صحيح جدا , اذ يشعر الانسان بعد العمل بالجوع , والطعام للانسان الجائع يكون لذيذا دائما . يوجد مثل روسي  ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول – الجوع أفضل طبّاخ .
+++
الترجمة الحرفية – ليست البضاعة تلك التي ترقد , وانما التي تركض .
التعليق – مثل طريف , وهو ينطبق تماما على كل الاسواق , وعالم التجارة بشكل عام , وفي المجتمعات كافة.
+++
الترجمة الحرفية – الزوجة المريضة ليست حبيبة للزوج .
التعليق – حقيقة أليمة , ولكنها تبقى حقيقة رغم ألمها , فالزوج  فعلا لا يقدر ان يداري الزوجة المريضة كما تفعل الزوجة نفسها مع زوجها المريض .
+++
الترجمة الحرفية – كيفما يكون الراعي , يكون القطيع .
التعليق – مثل دقيق , اذ ان ( القطيع)  يتبع ( الراعي ) حتما , ولهذا فانه ( قطيع ) , ولا يمكن مقارنة هذا المثل الروسي ابدا بالحديث الشريف المعروف – ( كيفما تكونوا يولّى عليكم ) , اذ ان الفرق جذري بينهما , فالمثل الروسي يتحدث عن ( قطيع ) , والذي لا يمكن له الا ان يخضع  له , اي للراعي , ولا توجد اي علاقة اخرى بين القطيع والراعي  سوى الخضوع , اذ لايمكن ان يكون (راعيا !) من القطيع ابدا .
+++
الترجمة الحرفية – يسمع , كيف ينمو العشب .
التعليق – الصياغة في هذا المثل الروسي شاعرية و جميلة وتكاد ان تكون قصيدة هايكو . يضرب هذا المثل للانسان الذي يسمع كل شئ ولا تفوته اي شاردة وواردة كما يقول التعبير العربي الدقيق .
+++
الترجمة الحرفية – الفرح ليس خالدا , والحزن ليس بلا انتهاء .
التعليق – لاشئ دائم في مسيرة الحياة  , اذ ان  (دوام الحال من المحال)  , بما فيها طبعا حالات الفرح والحزن وبقية الاحاسيس الانسانية الاخرى في حياة البشر ... 
+++
الترجمة الحرفية – ما لا تحبه في الشخص الآخر , لا تعمله انت نفسك .
التعليق –  قال ذلك - و قبل قرون عديدة -  شاعرنا العربي , وذهب قوله مثلا منذ تلك الازمان البعيدة  ولحد الآن  -
لا تنه عن خلق وتأتي مثله      عار عليك اذا فعلت عظيم
+++
الترجمة الحرفية – من كان في البحر, لا يخاف من برك المياه .
التعليق – تتضمن الصورة الفنية في هذا المثل مفهوم المقارنة , وهي صيغة تتكرر في امثال الشعوب كافة , لانها نموذجية للتعبير عن الفكرة المطلوبة  في الامثال وايصالها الى المتلقي . يوجد مثل هندي , قريب جدا لهذا المثل من حيث المعنى والصياغة , يقول – ليس صعبا لذاك الذي عبرالبحر ان يعبر القناة .
=======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

172
عود على الامثال الروسية (41)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الكلمة غير الطيبة  تحرق أشدّ ايلاما من النار .
التعليق – مثل واقعي آخر عن الكلمة  , والذي  يبيّن  دورها الهائل في حياة البشر , وما أكثر هذه الامثال لدى الشعوب كافة , اذ ان هذه الموضوعة مهمة جدا بمسيرة  حياة الانسان في كل مكان وزمان , فالكلمة يمكن ان تكون للانسان ( صدقة ! ) او (احلى من العسل !), ويمكن  ايضا ان تلسعه او تكويه وتسبب له آلآما ( أشدّ من النار !) .
+++
الترجمة الحرفية – افضل ان تكون الاول في القرية ,  من ان تكون الاخير في المدينة .
التعليق – مثل طريف وفريد بين أمثال الشعوب . يسعى الانسان دائما ان يتميّز بين الآخرين , وفي القرية  الناس أقل والاعمال محدودة , وبالتالي , فان التنافس أسهل , اما في المدينة , فان الامر يختلف . المثل هنا يبالغ طبعا , ولكنه صحيح من حيث الجوهر . قال صاحبي , ان هذا المثل ضروري لنا جدا , لانه يدعو اهل القرية ان يبقوا في قراهم  و يمارسوا اعمالهم  ويتميزوا  بين أقرانهم , ولا يهاجروا  الى المدن , ويصبحوا ( في المكان الاخير !) , وسألني عن رأيّ , فضحكت  وقلت له , ان اهل القرية عندنا لا يعرفون الامثال الروسية , وان  نقاشنا حول هذه الامثال لن يصل اليهم ... .
+++
الترجمة الحرفية –       ابذر الخير – لن تندم .
التعليق –  يا لها من دعوة نبيلة في هذا المثل الجميل . قال صاحبي , ان هذا المثل يتعارض مع مثلنا بلهجتنا العراقية  – ( سويّ زين وذبّ بالشط )( سويّ – اعمل , الزين – الجيد . ذبّ – ارم ) , فقلت له ضاحكا – لايتعارض , فالسمك في الشط  يأكل ( الزين ) فقط , ولا يقترب من ( الشين )...
+++
الترجمة الحرفية – القطة  تنام , لكنها ترى الفئران .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو حقيقي فعلا , ويضرب – واقعيا - لدعوة الانسان ان يكون متيقظا ومنتبها دائما لما يجرى حوله  .
+++
الترجمة الحرفية – كل يوم تشرق الشمس , لكن ليس من الجانب الذي تغرب فيه .
التعليق – كل شروق  يتبعه غروب , ولكل ظاهرة من هاتين الظاهرتين مكانها وزمانها . مثل يبيّن للانسان كيف يجب ان ( يشرق وأين ) , وكيف يجب ان ( يغرب وأين ) , وان عدم الخضوع الى هذه القاعدة (البسيطة والعميقة في آن !) يؤدي الى الفوضى والارباك في مسيرة الحياة ...
+++
الترجمة الحرفية – الضمير مستشار مخلص .
التعليق – مثل رائع وجميل جدا , وينسجم مع الانسان في كل مكان وزمان , وكم نحتاج الى تعميم هذا المثل الروسي في مجتمعاتنا , التي ( تتناسخ!) فيها مناصب المستشارين ...
+++
الترجمة الحرفية – والحقيقة  تغرق , اذا يعوم الذهب .
التعليق – مثل واقعي ويعكس ظاهرة خطيرة في مجتمعات كثيرة. يوجد مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول – المفتاح الذهبي يفتح كل الابواب .  المثلان في نفس المعنى , لكن الصورة الفنية في كلا المثلين  تحمل خصائصها التي تتميّز بها .
+++
الترجمة الحرفية – لا تعلّم السمكة كيف تسبح , ولا الكلب كيف ينبح .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو حقيقي فعلا رغم صورته الفنية الغريبة , اذ كيف يمكن تعليم السمكة ان تسبح والكلب ان ينبح , ولكن يوجد مثل هذه النماذج في كافة المجتمعات , الذين يعلّمون الآخرين ويوجهونهم في كل صغيرة وكبيرة من شؤون الحياة , وهم لا يفهمون ان ( السمكة تسبح والكلب ينبح ) دون ثرثرتهم الباهتة ونصائحهم الفارغة وتدخلاتهم الفجّة ... 
============================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

173
عود على الامثال الروسية (40)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الاكاذيب كثيرة , لكن الحقيقة واحدة .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل ( على جرح القلب ) كما نقول بلهجتنا العراقية , فقلت له , انه (على جرح ) كل القلوب البشرية , اذ كم يعاني الانسان في كل مكان من سيل  هذه الاكاذيب , رغم ان الحقيقة واحدة وساطعة دائما ...
+++
الترجمة الحرفية – القطة شجاعة على الفئران .
التعليق –  أصرّ صاحبي على ان المثل المناظر لهذا المثل الروسي عندنا هو – (ابوي ما يكدر الا على امي) , ضحكت أنا ولم استطع ان اقنعه , ان المثل الروسي يتناغم مع الطبيعة , بينما لا ينسجم مثلنا مع الطبيعة بتاتا , وقلت له كي انهي هذا النقاش معه – قل (يقدر) وليس ( يكدر) في الاقل ... 
+++
الترجمة الحرفية –      المصيبة مثل البحر – الشواطئ غير مرئية .
التعليق – نعم , هذا المثل صحيح عندما تحل المصيبة , والصورة الفنية فيه دقيقة وتعبّر عن حالة اليأس والالم عند الانسان في لحظة حدوث المصيبة , ولكن على الانسان - مع ذلك – ان يتذكر, ان للبحار شواطئ  , رغم انها بعيدة , وكذلك للمصائب في نهاية المطاف , والوصول الى تلك الشواطئ  يتطلب العمل الدؤوب والصبر , اذ ان  ( الصبر مفتاح الفرج ) ...
+++
الترجمة الحرفية – أجّل التقاعس والكسل , ولا تؤجّل العمل .
التعليق –  المثل العالمي يقول – لا تؤجّل عمل اليوم الى الغد , أما هذا المثل الروسي , فانه يدعو الى تأجيل التقاعس والكسل بشكل عام , وعدم تأجيل العمل بشكل عام ايضا . المثلان ( العالمي والروسي ) قريبان من بعض , وكلاهما يتحدثان عن موضوعة  تأجيل الاعمال , الا ان المثل الروسي يذهب أبعد , وهو بالتالي أوسع وأشمل و أكثر دقة .
+++
الترجمة الحرفية –  السقوط مؤلم  من المكان العالي .
التعليق – مثل صحيح جدا ماديا ومعنويا . قال صاحبي – كم اتمنى ان يتحول هذا المثل الى  شعار يُعلّق امام هؤلاء الذين يتكالبون على المناصب العليا , بل و حتى يشترونها بالنقود في مجتمعاتنا المبتلية بهم , وذلك  لتذكيرهم  بالمصير الذي ينتظر  تكالبهم هذا ...
+++
الترجمة الحرفية – أفضل ان تتحسّر , من ان تسرق .
التعليق – مثل حاسم فعلا ورائع جدا , وهو شامل جدا ايضا , اذ انه يتناغم مع كل البشر وفي كل المجتمعات . اعترض صاحبي على فحوى هذا المثل , وقال , ان المثل لا يبين الحل في مثل هذه المواقف , فقلت له – ليس من الضروري مطلقا على كل مثل من امثال الشعوب ان يطرح القضية وحلولها , ويكفي لهذا المثل انه أعطانا جوابا اخلاقيا شافيا لموقف الانسان في حالة معينة , لكن صاحبي لم يتفق معي بشأن هذا الجواب ... 
+++
الترجمة الحرفية – عندما وزعوا  الضمير , لم يكن هو  في البيت .
التعليق – مثل طريف جدا , وساخر جدا , وفريد من نوعه ايضا , ومن الواضح انه يضرب للشخص الذي لا يعرف معنى الضمير, ولا اهميته وضرورته الاخلاقية , وتوجد في كل المجتمعات نماذج من هؤلاء مع الاسف , الذين لم يكونوا في البيت عندما وزعوا  الضمائر بين افراد عوائلهم !!! ...
+++
الترجمة الحرفية – الارنب يهرب من الثعلب , والضفدع  من الارنب .
التعليق –  مثل رمزي واضح المعاني و جميل جدا , وهو يعكس الصراع  الدائم  في مسيرة الحياة بين الاقوى والاضعف عند كل الاحياء , بما فيهم طبعا الانسان ...
============================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

174
عود على الامثال الروسية (39)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – تضحك على صديقك – ستبكي على نفسك .
التعليق – نعم ستبكي , لانك ستفقد ذلك الصديق . يوجد مثل عربي يرسم هذه الحالة بدقّة, وهو – المزاح مثل طعن الرماح , اما المثل الروسي , فانه يرسم - وبدقّة ايضا – النتيجة الحتمية و المأساوية  لهذا ( الطعن بالرماح !) ...
+++
الترجمة الحرفية – في اللعب وفي السفر تعرفون الناس .
التعليق –  تتحدث الامثال العربية عن اكتشاف حقيقة البشر اثناء السفر , ولكن الجديد في هذا المثل الروسي هو اضافة ( اللعب ) , وهي ملاحظة صحيحة , اذ ان (اللعب) يبيّن الانسان على حقيقته بشكل عفوي ومباشر فعلا.
+++
الترجمة الحرفية – الى القبر ينظر , والنقود  يدّخّر.
التعليق –  يوجد تعبير باللهجة العراقية يقول – واصل الى باب قبره , وهو قريب بالمعنى من الجزء الاول لهذا المثل , ولكن المثل الروسي يتكلم عن بخيل رهيب يقتّر النقود رغم انه ( واصل الى باب قبره ) . يوجد مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول – البخل أعمى  .
+++
الترجمة الحرفية – لا تثق بالمريض في الأكل .
التعليق – لنتذكر الآية الكريمة – ( ..ولا على المريض حرج ..) . ان المثل الروسي يتناول العلاقة بين المرضى والاصحاء , وهو يحذرنا - وبشكل صحيح - من التعامل المتكافئ  بين الطرفين . مثل فريد من نوعه بين امثال الشعوب  ..
+++
الترجمة الحرفية –  لن تعمل الحرير من الصوف .
التعليق – يدعو هذا المثل الانسان الى ضرورة التفكير الواقعي  تجاه الاشياء المحيطة  به ,  وان يتعامل معها بشكل سليم ودون  شطحات خيالية , والتي تكون حتى شبه مريضة بعض الاحيان ..
+++
الترجمة الحرفية – ثعلب واحد يخدع سبعة ذئاب .
التعليق – اذا كان الثعلب الواحد يخدع سبعة ذئاب , فكم يستطيع ان يخدع  من الناس البسطاء , لهذا , فالحذار الحذار من هؤلاء ( الثعالب ) المحيطين بنا , وما أكثرهم ... هذا هو جوهر هذا المثل الروسي وفحواه . مثل حكيم .
+++
الترجمة الحرفية -  الشجرة العوجاء لا تتعدّل.
التعليق –  كان يجب تعديلها منذ ان كانت شجيرة صغيرة , امّا الآن , فينطبق عليها المثل الياباني الطريف – اراد تعديل قرون الثور فقطع رأسه .
+++
الترجمة الحرفية – القسم  مُرعب للذكي , و مُضحك للغبي .
التعليق – لان الذكي يعرف قيمة القسم واهمية الالتزام  بالكلمة , التي يعلنها امام الجميع , اذ ان ( وعد الحرّ دين عليه ) , وهو قول  عربي رائع  , اما الغبي ......
+++
الترجمة الحرفية – المصيبة لن تصمت .
التعليق – مثل صحيح جدا , فالدموع تتكلم بصوت عال شاء الانسان أم أبى , حتى اذا كان هذا  الانسان ( عصيّ الدمع  ....وشيمته الصبر..) كما يقول الشاعر العربي الكبير الحمداني ...
+++
الترجمة الحرفية – ودّع الضيف الخيّال حتى الحصان , والراجل حتى البوابة .
التعليق – مثل طريف يوجز قاعدة عامة لدى كل البشر تجاه ضيوفهم , منذ كان الضيوف يأتون ( على الحصان ) , و المثل ( ساري المفعول ) الى الوقت الحاضر , عندما اصبح الضيوف  يأتون بوسائط  النقل الحديثة .
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

175
موسكو تحتفل بمئوية الموسيقار باباجانيان
أ.د. ضياء نافع
سألوه مرة – اين تعيش ؟ فأجاب – انا أسكن في موسكو ولكني أعيش في ارمينيا . انه الموسيقار الارمني السوفيتي ارتو  باباجانيان , الذي ولد في مدينة  يرفان عاصمة ارمينيا بتاريخ 22 / 1 / 1921 , والذي احتفلت موسكو بالذكرى المئوية لميلاده  بشكل واسع جدا في وسائل الاعلام الروسية كافة من صحف وتلفزيون وراديو ...الخ , وقد بثّت قنوات التلفزيون الروسية المختلفة , بما فيها قناة كولتورا ( الثقافة , و المتميّزة بين كل القنوات الاخرى ) برامج متنوعة عن هذا الموسيقار الكبير , تضمنت لقاءآت عديدة ومتنوعة معه ومع اصدقائه ومعارفه وعائلته والمتابعين لابداعه والمعجبين به , وكذلك عرضت  افلاما كتب هو موسيقاها , وحفلات للموسيقى السمفونية التي ألّفها , والاغاني التي لحّنها ( وما أكثرها ) , ومعظم تلك الاغاني مشهورة ومعروفة جدا للمستمعين الروس , اذ كتب كلماتها كبار شعراء روسيا آنذاك مثل يفتوشينكو و فوزنيسينسكي و رشديستفينسكي وديمنتيف ..الخ , ومن اداء مغنين سوفيت معروفين جدا  , مثل المغني السوفيتي الاذربيجاني الشهير مسلم ماغومايف وغيرهم . وفي عروض الافلام التلفزيونية  الوثائقية  تلك ( او التسجيلية كما يسميها البعض) كانت تظهر لقطات تعرض الزعيم السوفيتي الشهير نيكيتا خروتشوف وهو يقول جملته الشهيرة عن الحان باباجانيان لعدد من الاغاني وبشكل حاسم جدا – ( موسيقى جاز ؟ وفي موسكو ؟ كلا ) , حيث منعها خروتشوف رسميا ( رغم ان باباجانيان كان عضوا في الحزب  الشيوعي السوفيتي ,  بل و حائزا على جائزة ستالين للفنون) , ولكن بعد تنحيته ( اي خروتشوف ) من السلطة عام 1964 , سمح السكرتير الاول للحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك  ليونيد  بريجنيف باعادة تلك الاغاني الى البث العلني في الاتحاد السوفيتي , لانه كان معجبا جدا بالمغني مسلم ماغومايف وبكل الاغاني التي يؤديها وبغض النظر عن نوعيتها, ( كم يبدو الأمر مؤلما ومضحكا ايضا , عندما يقرر الحاكم الاول في البلد وحسب ذوقه الذاتي الخاص مثل هذه القضايا !!!) , وهكذا عادت هذه الاغاني الى الحياة السوفيتية  عندئذ , و التي كان المستمعون السوفيت قاطبة يستمعون اليها ويحبونها , وكانوا يرقصون على انغامها وهم يستمعون اليها , و يمكن القول – وبكل ثقة – انها لازالت حيوية ومحبوبة الى الوقت الحاضر في روسيا الاتحادية اليوم , و من المؤكد ان الطلبة الاجانب في الجامعات السوفيتية وبضمنهم الطلبة العرب  في تلك المرحلة ( اي نهاية الستينيات من القرن العشرين ) يتذكرونها , اذ  كانت كل الفرق الموسيقية تعزفها في كافة الحفلات  الطلابية والشبابية آنذاك .
ولد ارتو  باباجانوف في عائلة ارمنية  مثقفة , اذ كان والداه  مدرسين , ولاحظ جميع من كان حول هذا الطفل ميله للموسيقى وشغفه بها , واستطاعت عائلته ان تنظم لقاء هذا الولد المتميّز بالموسيقار الارمني المشهور عالميا ارام  خاتشاتوريان , وقد أشار الموسيقار الكبير الى ضرورة تسجيله في مدرسة الموسيقى التابعة  لكونسيرفاتوار العاصمة الارمنية يريفان , وهذا ما حدث فعلا , وقد ألّف الصبي باباجانيان مقطوعة موسيقية عندما كان  طفلا ليس الا , وفاز بجائزة للعزف عندما كان عمره 12 سنة فقط , وكان هذا الفوز  بداية طريقه الفني طبعا . انهى الدراسة الموسيقية في يرفان وانتقل للدراسة في موسكو , ورغم بداية الحرب العالمية الثانية وظروفها الرهيبة , استمر باباجيان بمسيرته الابداعية , وساهم لاحقا في كتابة السمفونيات وتلحين الاغاني وبقية النشاطات الموسيقية الاخرى , متعاونا مع ابرز المبدعين السوفيت , وقد توقفت وسائل الاعلام الروسية كثيرا عند الثلاثي الذي تبلور آنذاك من الشاعر  رشديستفينسكي والمغني  ماغومايف وهو , وقد علّق أحد  معارفي الروس قائلا , ان هذا الثلاثي الروسي – الارمني – الاذربيجاني هو صورة رائعة لواقع الفن آنذاك , وانه تذكّر قول دستويفسكي الخالد  – الجمال ينقذ العالم , وقال بحسرة , لو استمر هذا الثلاثي الاممي لما حدثت الحرب الاذربيجانية – الارمنية حول ناغورني قره باغ قبل فترة , لان هذا الثلاثي الجميل كان سيحل الموضوع بالشعر والموسيقى والغناء , وعندها كانت ستتحقق مقولة دستويفسكي فعلا ...
اختتم هذه الخواطر والتخطيطات السريعة حول احتفالات موسكو بمئوية باباجانيان (1921 – 1983) بمقطع  صغير من قصيدة الشاعر روبرت  روشديستفينسكي , والتي أعادت نشرها جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) بتاريخ 20/1/2021على صفحتها الاولى وتحت صورة كبيرة للموسيقار باباجانيان وهو يكتب النوتة الموسيقة . القصيدة بعنوان – (الاغنية الاخيرة لارو  باباجانيان ) –
....حتى لو أسقط فجأة...
...فاني في الارض لن أذهب...
....في الاغنية...
...سأذهب...

176
عود على الامثال الروسية (38)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – مرحلة الشباب بلا حب , مثل الصباح بلا شمس .
التعليق – ما اجمل هذا المثل وما اصدقه , لدرجة , ان صاحبي اقترح ان يكون شعارا من شعارات المنظمات الشبابية العديدة عندنا , وقد أوضح مقترحه  قائلا - اولا ,لأن ذلك  يؤدي الى تخلّص الشباب من المواقف المتطرفة لهم , او في الأقل للتخفيف منها , وثانيا ( وهذا مهم جدا ) - لتذكيرهم  باهمية ( الشمس في الصباح !) وضرورتها ...
+++
الترجمة الحرفية – لا يمكن قلع الظلال من الجدار .
التعليق – يرى صاحبي , ان هذا المثل يتحدث عن ذكريات الانسان التي لا يمكن له ان ( يقلعها ) من ( جدار حياته ) , فقلت له , كل انسان يفسّر الامثال كما يفهمها هو , او كما تتوائم معه , وفي ذلك تكمن عظمة الامثال , فسألني – وانت كيف تنظر الى هذا المثل؟ , فأجبت – انه مثل فلسفي يدعو الانسان الى الاعتراف بالواقع كما هو وليس كما يريده ان يكون... 
+++
الترجمة الحرفية – على الشاطئ  لن  تتعلم السباحة .
التعليق – السباحة تعني النزول الى الماء في النهر او البحر , وليس الوقوف على الشاطئ فقط . مثل رمزي جميل يضرب للانسان الذي يقف متفرجا على الحياة دون الخوض بمسيرتها , ودون ان يفهم ان ( التفرّج  على الحياة) شئ , و( المساهمة في مسيرة الحياة ) شئ آخر تماما . قال صاحبي معلّقا – كالفرق بين النظرية والتطبيق , و الذي اصطدمنا به في يفاعتنا ...
+++
الترجمة الحرفية – مرحلة الشباب ليست ذنبا , والشيخوخة ليست ضحكا .
التعليق – مثل رائع وصحيح فعلا , فالذنوب التي يعملها الشباب ليست ذنوبا , وانما نتيجة لتلك المرحلة ( الفوّارة ) في حياة الانسان , والشيخوخة ليست ( ضحكا ) , ولهذا اراد الشاعر العربي ان يخبر الشباب (... بما فعل المشيب) ...
+++
الترجمة الحرفية – أقصى الارض , نهاية البحر , في كل مكان المصائب كثيرة .
التعليق – صحيح , المصائب ملازمة لحياة الانسان في كل المجتمعات , وهناك مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول –  المصيبة لا يدعوها , هي نفسها تأتي ...
+++
الترجمة الحرفية – للشاب , الزواج مبكرا , وللشيخ – متأخرا .
التعليق – صحيح , ولكن مع ذلك نرى في مسيرة الحياة زواج الشباب المبكر , وزواج الشيوخ المتأخر , لكن صاحبي قال ضاحكا – لماذا  لا نفهم المثل على انه دعوة للشاب ان يتزوج مبكرا , ودعوة للشيخ ايضا ان يتزوج متاخرا؟ فقلت له , انك ترى ذلك لانك تذكرت الآن كتابا تراثيا بعنوان - ( رجوع  الشيخ الى صباه !) ..
+++
الترجمة الحرفية – الأكل حسب العمل , والعمل حسب الأكل .
التعليق – طبعا , فاذا كان ربّ العمل يريد انجاز عمله بسرعة واتقان , فان الأكل الذي يقدمه للعامل يكون دسما , وكذلك موقف العامل , فاذا كان ربّ العمل ( يقتّر) في الأكل , فان العامل ايضا ( يقتّر) بالعمل .
+++
الترجمة الحرفية –  القطعة  تبدو  أكبر في الايادي الغريبة .
التعليق – يتكرر هذا المفهوم في أمثال الشعوب المختلفة , اذ انه يتناول حالة عامة في حياة الانسان بكل مكان , الانسان الذي يراقب الناس الآخرين (... ويموت همّا) ...
+++
الترجمة الحرفية –  في الفم المغلق والذبابة لن تدخل.
التعليق – يوجد مثل صيني يقول – الامراض تدخل بالفم , والمصائب تخرج منه . الذبابة طبعا تدخل في الفم ( المفتوح !) على مصراعيه . مثل رمزي طريف يدعو الى الحذر من الثرثرة و عواقبها المريرة ...
=================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض . ن .

177
عود على الامثال الروسية (37)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الشجرة خرساء , لكنها تعلّم الوقار .
التعليق – مثل جميل جدا , ولو كنت فنانا تشكيليّا لرسمت لوحة مستوحاة من هذا المثل الروسي المدهش بخياله الفني , هكذا قال صاحبي , فقلت له – نعم , فعلا , انه مثل رشيق جدا و غير اعتيادي بكل معنى الكلمة , ويكاد يكون مثل قصيدة نثر ...
+++
الترجمة الحرفية – اذا لا تدخل ( بضم التاء) روحك الى جهنم , لن تصبح غنيّا .
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك – صحيح صحيح , وخصوصا الاغنياء الجدد حولنا بمجتمعاتنا في قرننا الحادي والعشرين , والذين سيلتقون جميعهم في جهنم حتما . سألته متعجبا – لماذا ذكرت قرننا فقط ؟ فقال – لانهم سرقوا  كل شئ , وحتى قوت الفقراء ...
+++
الترجمة الحرفية – مندفع في الكلام , و كسول في الاعمال .
التعليق – آه , ما أكثر هؤلاء عندنا, الذين يثرثرون فقط , بل ويتفلسفون ايضا , والمشكلة انهم ليسوا ( كسالى ) كما يقول المثل الروسي , ولكنهم لا يعملون اي شئ  اصلا , فقال صاحبي ضاحكا , ان المثل يجب ان يكون عندنا كما يأتي – مندفع في الكلام , وصفرعلى الشمال في الاعمال , كي يكون معاكسا لمثلنا الشهير – ( قول وفعل )...
+++
الترجمة الحرفية – تحت كل سقف فئرانه .
التعليق – تذكر صاحبي المثل المشهور بلهجتنا العراقية , وهو -  ماكو زور يخله من واوية , وقال , هذا هو المثل العربي المناظر للمثل الروسي . علّقت انا على ذلك قائلا –  المعنى قريب فعلا , الا ان المثل بلهجة عراقية بحتة , ويحتاج الى توضيح  لكل مفرداته , فأجاب – هذه مسألة بسيطة , ماكو – لايوجد , زور – مكان مزروع بكثافة  , يخله – يخلو , واويه – جمع واوي اي ابن آوى ...   
+++
الترجمة الحرفية – يسحبون الحجر الى الجبل , لكن هو بنفسه يتدحرج الى الاسفل.
التعليق – مثل رمزي واضح المعالم , ويذكرنا بتلك ( الاحجار !) , التي (سحبوها !) في مجتمعاتنا الى قمم الجبال , وكيف ( تدحرجوا الى اسفل السافلين !) بعدئذ , لانهم غير مؤهلين , بل وغير جديرين ان يجلسوا هناك , حيث وضعوهم ...
+++
الترجمة الحرفية – لن تدعك الطين , لن تكون خزّافا .
التعليق –  يوجد مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) في نفس المعنى , وهو-  دون ان تبتل الايدي لا يمكنك ان تغتسل ...
+++
الترجمة الحرفية – سلوك ذئب , لكن روح ارنب .
التعليق – يضرب للانسان العدواني , الذي يتصرّف مثل الذئب , لكنه في الواقع  جبان مثل الارنب , وهو مثل صحيح فعلا , وما أكثر الذين استغلوا مواقعهم الادارية والحزبية وقراباتهم العائلية وتصرفوا مثل الذئاب في مجتمعاتنا , رغم انهم واقعيا  جبناء مثل الارانب ...
+++
الترجمة الحرفية – تحت الشبكة لا يمكن حبس الدخان .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو يضرب عادة لهؤلاء الذين يحاولون اخفاء ( دخان أعمالهم !) دون ان يفقهوا , ان غطاء مجتمعاتنا هو شبكة كبيرة , واننا جميعا نسكن تحتها .
+++
الترجمة الحرفية – لا يطلقون نيران المدافع على العصافير.
التعليق – هناك مثل  ياباني يقول – لا يقطعون  رأس البرغوث بالطبر , وعلى الرغم  من الاختلاف الجذري في الصورة الفنية بين المثل الياباني والروسي , الا انهما يمتلكان نفس المعنى العام , لكن صاحبي قال , ان المثل الروسي اكثر جمالية  و رشاقة ووضوحا .
+++
الترجمة الحرفية – من مدينة واحدة , لكن الاخبار متباينة .
التعليق – يمكن ان تكون الآراء متباينة , لكن الوقائع يجب ان تكون متطابقة , و المفروض ان الاخبار هي وقائع , لكن المثل صحيح فعلا , اذ يوجد اناس يقلبون حتى الوقائع . يضرب المثل لهؤلاء الذين يطرحون الوقائع لخدمة مصالحهم , وكم اكتوينا بنارهم في بلداننا.
=========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

178
عود على الامثال الروسية (36)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من الصعب تدقيق النقود في الجيب الغريب .
التعليق – مثل طريف , والصورة الفنية فيه مبتكرة فعلا . يبدو هذا المثل – للوهلة الاولى - وكأنه تعبير لرغبات الفضوليين , الذين يريدون متابعة دقائق حياة الآخرين وتفاصيلها , لكنه في الواقع يصف حالة انسانية عامة لكثير من ( المدّعين!) في المجتمعات , وخصوصا مجتمعاتنا , حيث المظاهر الشكلية تمتلك اهميتها و دورها  بشكل واسع جدا ...
+++
الترجمة الحرفية – لن تخيف الصقر بالغراب .
التعليق – مثل رمزي عميق , اذ انه  يعكس طبيعة حياتنا ومجتمعاتنا , التي  يخيف القوي فيها الضعيف, وليس العكس , اي لا سلطة فيها للضعيف . المثل الروسي هذا, من حيث صيغته , تجسيّد طريف للمجتمعات (البعيدة!) عن سلطة القانون , فعلّق صاحبي ضاحكا  – يا لك من دبلوماسي كبير , و كان يجب ان تقول ( على الاقل بيني وبينك ) , ان هذا المثل  دليل على اننا ( اي نحن وهم )  أقارب ! ... 
+++
الترجمة الحرفية – لم يشتر البقرة بعد , وحضّر وعاء الحليب .
التعليق – لنتذكر مثلنا العربي المناظر - حضّر المعّلف قبل الحصان . قال صاحبي , ان المثل العربي يبين اهتمام هذا الشخص بغذاء الحصان , اما المثل الروسي فيبين اهتمام الشخص بغذائه هو , وهذا اختلاف جذري بين الاثنين ...
+++
الترجمة الحرفية – يقودون الحصان باللجام , أما الانسان – فبالكلمة .
التعليق – مثل دقيق يؤكد على اهمية الكلمة وقيمتها بالنسبة للانسان , لكن صاحبي قال , ان هذا المثل يساوي بين اللجام والكلمة , اي انه يعني , ان الحصان والانسان يجب ان يخضعا لمن يقودهما , وبالتالي , فان هذا المثل يعكس حالة سلبية في المجتمع الانساني , ولهذا فان صاحبي يرفض فلسفة هذا المثل وفحواه , ولم نصل الى نتيجة مشتركة بشأن هذا التفسير ...
+++
الترجمة الحرفية – الحاجة اكثر دهاء من الحكيم .
التعليق – صحيح , فالحاجة ام الاختراع كما يقول مثلنا الشهير ,وهي التي تجبر الانسان ان يجد مخرجا  من المصائب والكوارث اسرع  (وادهى!!!) من اي حكيم ...
+++
الترجمة الحرفية – جيران طيبون أفضل من أقارب بعيدين .
التعليق –  يوجد مثل عربي في نفس المعنى , وهو – جار قريب خير من أخ بعيد , وتوجد عدة صيغ اخرى لهذا المثل , وبشكل عام تؤكد الامثال العربية على الجار والجيرة , وتشير حتى الى - (حق الجار على الجار) .
+++
الترجمة الحرفية – الوئام يوسّع البيت .
التعليق – يستخدم النص الروسي للمثل كلمة خاصة ببيت الفلاح الروسي , وهو عادة  بيت  خشبي صغير , لهذا , فان الوئام فعلا (يوسّعه !) , لان البيت بحاجة ماسة للتوسع , اذ ان العيش دون وئام يخنق سكانه شكلا ومضمونا . قال  صاحبي , ان الوئام يوسّع كل البيوت صغيرها وكبيرها , فقلت له , ان ملاحظته صحيحة , اذ ان الانسان يهرب من اي بيت بلا وئام وانسجام بغض النظر عن حجمه.
+++
الترجمة الحرفية – صديقي هو , لكن هو الذي يمتلك عقله .
التعليق – فرح صاحبي وهو يستمع الى هذا المثل الروسي , وقال انه سيستخدمه عندما يطلبون منه ( التوسّط) لدى فلان وفستان وعلاّن لانه صديقهم , وغالبا ما تكون هذه الطلبات محرجة , بل وحتى غير منطقية , فقلت له ضاحكا – من الواضح  تماما , ان هذه الظاهرة السلبية لا تقتصر على مجتمعاتنا العربية فقط ...
+++
الترجمة الحرفية – افضل ان تصمت , من ان تكذب .
التعليق – مثل اخلاقي رائع , وضروري جدا لكل البشر وفي كل المجتمعات الانسانية , فالكذب صفة ذميمة جدا , والصمت ليس صعبا .
==============================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

179
عود على الامثال الروسية  (35)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عش قرنا , اعمل قرنا .
التعليق – العمل عنصر ضروري ومهم جدا في الحياة الانسانية , وتوقف العمل يعني توقف الحياة نفسها . المثل الروسي هذا يؤكد هذه الحقيقة الساطعة في مسيرة الانسان . يوجد مثل روسي مقارب ( سبق وان أشرنا اليه) يقول – عش قرنا , ادرس قرنا , ( والدراسة عمل طبعا ) وهو يذكرنا بالقول العظيم في تراثنا - ( اطلب العلم من المهد الى اللحد ) .
+++
الترجمة الحرفية – والذئب يحب النعجة .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا – واخيرا فهمت تعبيرنا العجيب الغريب جدا - ( ومن الحب ما قتل )...
+++
الترجمة الحرفية –        شيب في اللحية – عقل في الرأس .
التعليق –  صورة فنيّة جميلة و طريفة تعكس التناسب الطردي الصحيح بين ( سنوات العمر ) وبين ( تراكم التجربة الحياتية ) , ولهذا السبب يقول المثل الصيني – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر...
+++
الترجمة الحرفية – الحدّاد  يطرق الحديد , وليس المطرقة .
التعليق – الانسان يقوم بالعمل , اما المطرقة فهي اداة ليس الا لتنفيذ العمل من قبل الانسان نفسه . مثل رمزي رائع ينسجم مع كل النشاطات والاعمال ,التي يؤديها الانسان في مسيرة حياته ...
+++
الترجمة الحرفية – تسلل الى الثروة , ونسى الاخوة .
التعليق –  ونحن نقول - الفلوس تغّير النفوس , الا ان المثل الروسي هنا أكثر دقّة , اذ انه يستخدم فعل ( تسلل ), اي انه لم يحصل على الثروة  بشكل قانوني صحيح , ثم يحدد المثل طبيعة هذا ( التغيّر) , وهو ( نسيان!) الاخوة . مثل واقعي فعلا , وكم يوجد من هؤلاء النماذج في حياتنا بالوقت الحاضر , الذين ( تسللوا ) بغفلة الى الثروة في زماننا البائس ...
+++
الترجمة الحرفية – من الطحين وحده لا تخبز الخبز .
التعليق – صحيح ان الطحين عماد الخبز , لكنه ليس بالطحين وحده يخبزون , كما ان الخبز عماد الحياة , لكن (ليس بالخبز وحده يحيا الانسان) . كل شئ مهم في حياتنا , وكل شئ يمتلك قيمته وضرورته , والحياة الانسانية هي تناسق وتناغم وتفاعل بين كل الاشياء المادية والمعنوية  المحيطة  بنا  ...
+++
الترجمة الحرفية – في قضيتك , انت نفسك لست الحاكم .
التعليق – مثل دقيق جدا , وكم نحتاجه في مسيرة حياتنا , فاننا نعلن دائما احكامنا القاطعة في قضايانا وكأننا الحكام والقضاة , اذ ( كل يبكي على ليلاه ) , متناسين , ان الحاكم يجب ان يستمع لكلا الطرفين كي يصدر الحكم النهائي ...
+++
الترجمة الحرفية – لا يرمون الكلب باللحم .
التعليق – مثل مرح جدا يضرب في ضرورة الاستخدام الصحيح لكل شئ , والا فان النتائج تكون عكسية تماما ...
+++
الترجمة الحرفية – لن تذهب الى الجيران طلبا للعقل .
التعليق – مثل طريف جدا وبنيته في غاية الذكاء , اذ ان الانسان غالبا ما يطلب من جيرانه حاجة ما لا يمتلكها في الوقت الحاضر , ولكن العقل ...
+++
التر جمة الحرفية – احذر من مدح الخصم .
التعليق –  مثل حكيم جدا , ويجب أخذه بنظر الاعتبار , اذ ان مدح العدو او الخصم يعني , ان هذا الخصم  قرر الوصول الى اهدافه عن طريق الحيلة والخداع .
====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

180
عود على الامثال الروسية (34)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – أكثر القضاة صرامة – أطفالنا .
التعليق – مثل رائع حقا , فالاطفال يقولون الحقيقة بشكل مباشر ودقيق , دون خوف او مجاملة او اي اعتبار آخر , ولا يقدر القضاة على ذلك في معظم الاحيان ( خصوصا  في ظروف بلداننا ) , ولهذا فان اطفالنا فعلا ( أكثر القضاة صرامة !) . ما أجمل هذه الملاحظة الذكيّة جدا والصحيحة جدا في مسيرة حياة الانسان في كل مكان وزمان .
+++
الترجمة الحرفية – في العالم كثرة من كل شئ , كالماء في البحر .
التعليق – يضرب هذا المثل للمتشائمين ( وما أكثرهم في حياتنا ! ) , الذين يرون الاشياء السلبية فقط في عالمنا , ويتحدثون عنها , ويبالغون في احاديثهم تلك , ويتناسون كل الجوانب الايجابية الاخرى في حياتنا . يوجد مثل روسي ( سبق وان ذكرناه ) يقول -   ( العالم  - جبل ذهبي) ...
+++
الترجمة الحرفية – امّا تتأسف على العلف , وامّا على الحصان .
التعليق – يضرب هذا المثل الطريف عندما يجب على الانسان ان يختار بين شيئين بملامح وصفات واضحة  تماما  في كل الجوانب , ولكن هذا الانسان  - مع ذلك - لا يستطيع تحديد موقفه ...
+++
الترحنة الحرفية – كلمة الاذعان تتغلب على الغضب .
التعليق –  نعم , المثل صحيح فعلا , فمن اجل اطفاء جذوة الغضب يجب التساهل , اذ ان العناد او المناقشة في تلك اللحظة تؤدي الى نتائج عكسية تماما . 
+++
الترجمة الحرفية – الخطأ ليس خداعا .
التعليق – يمكن لكل انسان ان يخطئ , ولكن الخطأ لا يعني , ان الانسان يخدع الآخرين , أمّا الخداع  فيعني ان الانسان يخطط لذلك ويعرف مسبقا انه يكذب . مثل عام  ودقيق جدا , ويتناول حالة انسانية تحدث في كل المجتمعات , ويجب أخذها بنظر الاعتبار ...
+++
الترجمة الحرفية – الدموع ليست حلّا للمصيبة .
التعليق – موقف يتكرر امام المصائب تلقائيا عند الانسان , لكن هذا المثل يذكّر هذا الانسان , ان الدموع  لا تقدّم الحل لتلك المصيبة . خلاصة حكيمة رغم صعوبة تطبيقها . يوجد مثل روسي آخر سبق وان أشرنا اليه يقول – لا فائدة من الدموع امام المصيبة ...
+++
الترجمة الحرفية – لست أنا الذي يغنّي – الروح تغنّي .
التعليق – وصف شاعري جميل للتعبير عن حالة الفرح , التي يمرّ بها الانسان بعض الاحيان . ما أندر هذه الحالات في حياتنا مع الاسف الشديد ...
+++
الترجمة الحرفية –  بسبب كلمة واحدة – خصام ابدي.
التعليق –  يحدث ذلك فعلا , و في كل المجتمعات بشكل عام , وفي مجتمعاتنا خصوصا , التي لازالت تنطلق من مفاهيم قبلية وعشائرية في علاقاتها العامة.
+++
الترجمة الحرفية – من الصحة لا يتعالجون .
التعليق –  يوجد فعلا اناس اصحاء ولكنهم يتعالجون , لانهم ( سمعوا !) بالعلاج الفلاني من المرض الفلاني , ولكن صاحبي قال , ان هؤلاء مرضى ايضا , اذ ان نفسيتهم مريضة , رغم ان اجسادهم صحيّة تماما , والصعوبة تكمن , في ان هؤلاء المرضى لا يعرفون انهم مرضى , بل ولا يعترفون بذلك اصلا....
+++
الترجمة الحرفية – للبداية الواحدة  لا توجد نهايتان .
التعليق – لم نصل الى اتفاق بشأن هذا المثل . يؤكد البعض ان هذا المثل فلسفي , وان لكل بداية نهايتان فعلا , بل وربما حتى اكثر من نهايتين  , ويؤكد الآخرون , ان المثل صحيح بشكل عام , وان اخضاعه للمفهوم الفلسفي يبعده عن معناه المنطقي المباشر والدقيق والحاسم  في ان لكل بداية واحدة نهاية واحدة ليس الاّ.
==================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر في بغداد وموسكو قريبا.
ض . ن

181
عود على الامثال الروسية (33)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الطيبة دون تعقّل فارغة .
التعليق –  هناك مثل ياباني يقول  - (يجب مراعاة الاتيكيت حتى في الصداقة) . فماذا يجب ان نراعي  مع الطيبة ؟ المثل الروسي هنا يجيب عن هذا السؤال ...
+++
الترجمة الحرفية – لا يحملون الماء بالمصّفي .
التعليق – المثل واضح المعاني , وهو يضرب لهؤلاء الناس الاغبياء الذين لا يريدون الاقرار بالوقائع ولا الاعتراف بها , ويبين المثل طبعا نتائج عدم الاقرار او الاعتراف  بتلك الوقائع .
+++
الترجمة الحرفية – الدببة جيران سيئون .
التعليق – الدب في التراث الشعبي الروسي رمز للتصرّف الفج , البعيد جدا عن السياق الاخلاقي الطبيعي . المثل هنا هو روسيّ بحت , ويرمز الى همجية هؤلاء الجيران . توجد امثال عديدة وعند مختلف الشعوب حول الجيرة والجيران , اذ ان هذا الموضوع عام ومشترك بين كل البشر , منها امثالنا العربية  طبعا , التي تؤكد ان ( الجار قبل الدار ) , و لنتذكر مثلنا الطريف حول ( هؤلاء الدببة الروس ) – كوم حجار ولا هالجار ...
+++
الترجمة الحرفية – البقّة صغيرة جدا , لكنها تشرب دم الانسان .
التعليق –  سألني صاحبي – تشرب ام تمتص دم الانسان ؟ قلت له – النص الروسي يقول (تشرب) , وهو أشد وقعا من (تمتص) , رغم ان ملاحظتك منطقية و دقيقة فعلا . المثل الروسي هذا رمزي طبعا , اذ انه يضرب لتصوير حالات الضرر الرهيبة في حياة الانسان , التي يمكن ان تقوم بها عناصر صغيرة جدا حوله , عناصر لا يلاحظها الانسان تقريبا في خضم حياته المتشابكة والصعبة ...
+++
الترجمة الحرفية – زوج بلا زوجة - حصان  بلا لجام .
التعليق – لم نتفق على رأي واحد بشأن هذا المثل , اذ يرى البعض ان الزوجة بلا زوج ايضا فرس بلا لجام , ولكن البعض الآخر يؤكد انها صفة ترتبط بالزوج قبل كل شئ كما يقول المثل الروسي هذا , ولاثبات هذا الرأي يشيرون الى وجود  ظاهرة (تعدد الزوجات ) ,  بينما لا توجد ظاهرة ( تعدد الازواج !). 
+++
الترجمة الحرفية – في النار والحديد ينصهر .
التعليق – صورة فنيّة تتكرر في امثال الشعوب حول النار وتأثيرها على كل شئ , وان النار تصهر حتى الحديد . علّق صاحبي وهو يضحك – ولكن العاشقة عندنا تقول – نارك ولا جنّة هلي , فقلت له وانا اضحك ايضا, ان نار العشق تختلف جذريا , فهي  تصهر القلوب  و( تلحمها ) مع بعض ...
+++
الترجمة الحرفية – نحن جميعا نتكلم , ولا يوجد من يستمع .
التعليق – يوجد مثل ارمني يقول - المتكلم يحتاج الى المستمع , وهو مثل منطقي طبعا بكل معنى الكلمة , ولكن  صاحبي قال , ان الواقع الذي يشير اليه المثل الروسي يذكرني ببيت الشعر الذي ذهب مثلا وهو  –  لقد أسمعت لو ناديت حيّا // ولكن لا حياة لمن تنادي ...
+++
الترجمة الحرفية – قرنا  بلا خطأ لن تعيش .
التعليق –  لنتذكر الحديث الشريف – كل بني آدم خطّآء , وخير الخطّائين التّوابون ....
+++
الترجمة الحرفية – الماء يجد الطريق .
التعليق – مثل طريف يضرب للتأكيد على ان هناك دائما مخرج من اي ازمة تقف امام الانسان ...
==============================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

182
عود على الامثال الروسية (32)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – نفس العيون وتبكي وتضحك .
التعليق – عندما تبكي العيون , فانها حالة مفهومة لنا جميعا ( فنحن امّة – قفا نبك...) , ولكن عندما تضحك - فهي حالة استثنائية لنا (مع الاسف) . المثل الروسي هذا في غاية الجمال والشاعرية , وهو يجسّد فعلا احاسيس الانسان المتنوعة وانعكاساتها في عيونه...
+++
الترجمة الحرفية – كل قسّ يمدح مقدساته .
التعليق –  ونحن نقرأ هذا المثل الروسي نتذكر رأسا فيلسوفنا المعريّ , الذي ذهب شعره مثلا- منذ ذلك الزمان البعيد والى حد الآن- حول هذه الظاهرة ,التي تتكرر دائما في كل المجتمعات –
 ....هذا بناقوس يدقّ     وذا بمئذنة يصيح ...
+++
الترجمة الحرفية – في الخريف والعصفور غنيّ .
التعليق – تغمر الثلوج في الشتاء الارض الروسية , ويسرع الانسان الروسي بتهيئة زراعة الارض تلك عند بداية ذوبان الثلوج , وفي موسم الحصاد نهاية الصيف و بداية الخريف يصبح الانسان الروسي  (غنيّا!) طبعا , وبالتالي , فان العصفور ايضا  يستلم ( حصّته) من ذلك الحصاد . مثل طريف جدا يعكس - وبدقة متناهية - ظاهرة طبيعية روسيّة جميلة  تتميّز بفصولها الاربعة  الواضحة المعالم جدا . 
+++
الترجمة الحرفية – من المحفظة الغريبة الدفع سهل .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا – هذا مثل عالمي بكل معنى الكلمة , ويمكن ان يفهمه كل انسان في كل المجتمعات , وهو صحيج بشكل مطلق . ضحكت أنا ايضا وقلت له – نعم , هذا مثل يتكرر فعلا في كل زمان و مكان .
+++
الترجمة الحرفية – كلمة المديح تكون عفنة بعض الاحيان.
التعليق – نعم , هي عفنة فعلا , اذا كانت للمجاملة , او للنفاق , اي عندما تكون غير نابعة من القلب , ولا تمتّ للحقيقة بصلة . مثل يذكّرنا  بواقعنا  الملئ  بالكلمات ( العفنة!) حولنا ...
+++
الترجمة الحرفية – العقل عون للتعقّل .
التعليق – خلاصة منطقية رائعة , فالتعّقل نتيجة حتمية لفعل العقل السليم , وكم نحن بحاجة الى أخذ هذا المثل بنظر الاعتبار ....
+++
الترجمة الحرفية -  الذكي يتنازل .
التعليق – يتنازل ام يتساهل ؟ هكذا سألني صاحبي , فقلت له , انهما مفهومان قريبان من بعض , فالتنازل شقيق التساهل , وكلاهما يؤديان الى التفاهم بين البشر, أما العناد فيؤدي الى تأجيج الصراع ليس الا . الذكي مع التفاهم والغبي مع الصراع , ولنتذكر كم دفعت شعوبنا من دماء نتيجة عناد الاغبياء ...
+++
الترجمة الحرفية – والمحكمة  تحاكم  الحاكم .
التعليق – نعم , اذا كانت المحكة عادلة , وكان الحاكم ظالما . علّق صاحبي قائلا , ان هذا المثل بعيد جدا عن واقع الانسان عندنا وعندهم , رغم اننا نقول في تراثنا -  الحق يعلو ولا يعلى عليه . قلت له , ملاحظتك صحيحة مع الاسف, الا ان الانسان يحلم بتحقيق ذلك , عندما يرى الظلم سائدا حوله ...
+++
الترجمة الحرفية – دون تفكير , والطير الصغير لا يطير .
التعليق – مثل جميل وبسيط وعميق جدا , وهو دعوة صريحة للانسان ان يفكّر قبل كل خطوة يخطوها في مسيرة حياته, بل ان الانسان يجب ان يفكّر حتى قبل ان يطلق الكلمة , او كما يقول المثل الاذربيجاني الطريف – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ...
+++
الترجمة الحرفية – كل شئ مرّ , لمن لديه مرارة في الفم .
التعليق –  قالها المتنبي العظيم قبل قرون عديدة –
ومن يك ذا فم مرّ مريض     يجد مرّا به الماء الزلالا
==========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

183
عود على الامثال الروسية (31)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – السعادة ليست طيرا , وهي نفسها لا تطير اليك.
التعليق – الصورة الفنية في المثل هنا جميلة جدا . يوجد مثل روسي ( سبق وان أشرنا اليه ) يقول , ان الانسان ( حدّاد ) سعادته , اي ان الانسان يصنع سعادته بيديه ... 
+++
الترجمة الحرفية -  العمل مع الاسنان , والكسل مع اللسان .
التعليق – مثل واقعي  وحقيقي فعلا , فالذي يعمل يحتاج الى الطعام ( اي الاسنان) , والذي لا يعمل , اي الكسول , فانه يثرثر ليس الا , اي يحتاج الى اللسان . صياغة المثل متميّزة فعلا , و الرمز فيه واضح جدا وطريف جدا.
+++
الترجمة الحرفية – الخبز في الطريق ليس عبئا .
التعليق –  هناك مثل روسي آخر في نفس المعنى ( سبق وان أشرنا اليه ) يوصي بأخذ طعام لمدة اسبوع عندما تسافر ليوم واحد . الجوع كافر في حياة الانسان , وتجربة الشعب الروسي مع الجوع  تجربة مريرة في التاريخ... .
+++
الترجمة الحرفية – غنيّ مثل فأر الكنيسة .
التعليق – لا احد يحاول مكافحة فئران الكنائس , لأن الموضوع ( حسّاس جدا !!!) في معظم المجتمعات , لهذا فان الفئران هذه تعيش بامان , وبالتالي تصبح ( غنيّة جدا !) . علّق صاحبي وهو يضحك -  ....ويفهم العراقيون طبعا  (رمزية!!!) هذا المثل الطريف , فقلت له -  نعم , نعم ,  اذ ان الحليم تكفيه الاشارة , فقال مصحّحا – تقصد انهم ( مفتحين باللبن ) ...
+++
الترجمة الحرفية – ليست الابرة تخيّط , وانما الأيادي .
التعليق – كل شئ في الحياة هو من عمل الانسان , اي نتيجة تفكيره وتنفيذه . المثل الروسي هنا يرسم بشكل تطبيقي واضح وبسيط ودقيق هذه الفكرة  العميقة و الخالدة ...
+++
الترجمة الحرفية – الماء للاسماك , والهواء للطيور , اما للانسان فكل الارض .
التعليق – جميل جدا وصحيح ايضا , فالانسان يحتاج الى كل الارض بمائها وهوائها ... خلاصة دقيقة للحياة بشكل عام .
+++
الترجمة الحرفية – الطمع يعمي العيون .
التعليق – ولهذا نقول (طمعه قتله) , اذ ان الطمّاع  يصبح أعمى , وهكذا يذهب الى حتفه دون ان يرى الوقائع حوله ...
+++
الترجمة الحرفية – الارض لا تطعم ( بضم التاء ) , وانما الماء .
التعليق – طبعا , فالارض جرداء دون ماء . لنتذكر الآية الكريمة  - ... وجعلنا من الماء كل شئ حي ...
+++
الترجمة الحرفية – ليس المريض مزعجا , وانما الألم .
التعليق – نعم , هذا كلام صحيح جدا .. اذ ان (الصحة تاج على رؤوس الاصحاء لا يراه الا المرضى) ...
+++
الترجمة الحرفية -  الجيب جاف , هكذا والحاكم اطرش .
التعليق – الصورة الفنية هنا دقيقة جدا , ف(جفاف!) الجيب يؤدي حتما الى (طرش!) الحاكم , وكم تبدو هذه الصورة مفهومة لنا , لانها تتطابق جدا مع واقع عالمنا العربي , ومع العوالم الاخرى ايضا , و التي نسمع عنها هنا وهناك ...
+++
الترجمة الحرفية – دون العيش معا , لن تعرف الصديق .
التعليق –  صحيح جدا , فالمعرفة  ( عن بعد ) لا ترسم صورة واقعية للاشخاص . امثالنا العربية تقول , ان النقود والسلطة والسفر معا تبين حقيقة الصديق , وهي طبعا نفس الفكرة العامة في هذا المثل الروسي . 
=================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .


184
عود على الامثال الروسية (30)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بكلمة الحنان و الحجر يذوب .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا, يجب على تلك العاشقة العراقية , التي  تغنّي لحبيبها – ( قلبك صخر جلمود ما حنّ عليّ) ان تطلّع على هذا المثل الروسي , وان تجرّب مع حبيبها هذا ( اللقاح الروسي !!!), وتهمس في اذنه  ببعض كلمات الحنان  , لعل وعسى ...
+++
الترجمة الحرفية – الالم دون لسان , لكنه يعلن عن نفسه.
التعليق – ومن منّا لم يسمع صوت الالم هذا في مسيرة حياته . مثل واقعي فعلا , وفي الصميم , وصيغته دقيقة ومبتكرة... .
+++
الترجمة الحرفية -  الصمت للثرثار عبء ثقيل .
التعليق – مثل صحيح جدا . قال صاحبي – بل ان الصمت للثرثار عقاب , وقد لا يقدر ان يتحمله , ولهذا اقترح تثبيت هذا العقاب بحق الثرثارين في كل مكان , ويجب ان نضع قواعد قانونية لهذه العقوبة , كي نعالج بها ( جائحة الثرثرة !) التي تجتاحنا في عقر دارنا و تهاجمنا من كل الجوانب... 
+++
الترجمة الحرفية – الديك يقول للدجاجة , وهي – لكل الشارع .
التعليق – ضحكنا معا , صاحبي وأنا , وقال صاحبي , ان على الديك ان يأخذ ذلك بنظر الاعتبار , لأن الدجاجة تبقى دجاجة , بغض النظر عن كل شئ يميّز هذه الدجاجة عن الدجاجة الاخرى , اذ ان الجيران في الشارع ينتظرون يوميا ( نشرة اخبارها !!!) على أحرّ من الجمر...
+++
الترجمة الحرفية – فكّر أكثر , تكلم اقلّ .
التعليق – هذه خلاصة دقيقة جدا لما توصينا به امثال كل الشعوب , فعثرة القدم اسلم بكثير من عثرة اللسان , ولجرح السيف (برء) ولكن ( لا برء لما جرح اللسان)  كما تؤكد امثالنا واقوالنا العربية .
+++
الترجمة الحرفية – والقوة تعرف الحقيقة , لكنها لا تحب ان تقولها .
التعليق – الجميع يعرفون الحقيقة , وكما يقول مثلنا – ( وهل يخفى القمر !) , ولكن القوة لا تحب ان تعلنها لانها تتعارض مع مفاهيمها , والناس يخافون من القوة , ولهذا لا يستطيعون ان يعلنوا الحقيقة ايضا . مثل روسي سياسي بامتياز , يرسم بشكل دقيق وصحيح واقع الحال عندهم و في الكثير من بلدان عالمنا المعاصر , ويذكّرنا طبعا بحال عالمنا العربي المبتلى ...
+++
الترجمة الحرفية – اللص لا يثق بالانسان الشريف .
التعليق – طبعا , لان الطيور على اشكالها تقع ...
+++ 
الترجمة الحرفية – لا تحكم عند الوصول , احكم عند الرحيل .
التعليق – اصدار الحكم يقتضي الاحاطة التامة والكاملة لكل الامور والجوانب وتحليلها بهدوء , ولا يمكن الحكم نتيجة الانطباعات الاولية عند الوصول فقط . مثل حكيم وعادل . لنتذكر الآية الكريمة – ( ...واذا حكمتم بين الناس ان تحكموا بالعدل ..)
+++
الترجمة الحرفية -  السمكة في النهر – ليست باليد .
التعليق –  يوجد مثل بلهجتنا العراقية يسخر من ذاك , الذي  - (يشتري سمك بالشط) ( الشط = النهر) . المثل الروسي يجيب بشأن هذه الحالة بصورة دقيقة وحاسمة , ويتناغم هذا المثل طبعا مع كل الحالات غيرالمضمونة في الحياة .
+++
الترجمة الحرفية – لا يتلألأ في السماء نجم واحد فقط .
التعليق – اضفنا كلمة ( فقط ) رغم عدم وجودها في النص الروسي للتأكيد على معنى هذا المثل الجميل . من الواضح ان هذا المثل يضرب لمن يظن انه ( الوحيد ) الذي يتلألأ بين الآخرين , هذا الذي تخنقه ( الأنا) المتورّمة في اعماقه , وما أكثر هؤلاء المرضى النفسيين في كل المجتمعات ...
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا.
ض . ن .

185
عود على الامثال الروسية (29)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –      البلد الحبيب - ام , و الغريب - زوجة أب .
التعليق – الفكرة واضحة تماما في هذا المثل الروسي الدقيق , ويعرفها ويتفهمها طبعا كل من اضطر الى ترك ( بلده الحبيب ) , وما اكثرهم  في عالمنا المعاصر المضطرب . قال صاحبي ,تذكرت مثلنا الطريف في هذا المعنى – اليترك داره يقلّ مقداره  ( اليترك – الذي يترك ), قلت له – طبعا , اذ ان زوجة الاب ليست مثل الام ...
+++
الترجمة الحرفية – الحديد الصدأ لا يتلامع .
التعليق – كل شئ يحتاج الى عناية من اجل ان يؤدي دوره المطلوب , والحديد يصدأ طبعا دون الاعتناء به . مثل دقيق وحاسم , ويتناغم فعلا مع مسيرة حياتنا بكل تفاصيلها الكبيرة والصغيرة .
+++
الترجمة الحرفية – العادات أكبر سنّا من القوانين .
التعليق –  النص الروسي بالمفرد , ولكننا  ترجمناها  بالجمع كي نعبّر بشكل افضل عن شمولية هذا المثل الفريد من نوعه . العادات طبعا ولدت قبل القوانين , فهل هذا يعني انها أقوى من القوانين ؟ المثل لا يجيب عن هذا السؤال المهم والحيوي . قال صاحبي , ان الاجابة  عن هذا السؤال هي التي تحدد فعلا مستوى التطور في كل مجتمع .
+++
الترجمة الحرفية – الثوب ابيض , لكن الروح سوداء .
التعليق – المظهر الخارجي لا يدلّ على نوعية الانسان وخصائصه . صياغة هذا المثل الروسي ساطعة جدا , والصورة الفنية فيه تحقق رأسا المعنى المقصود . قال صاحبي – مثلنا ( بالوجه مراية وبالكفة سلاية) يؤدي نفس المعنى , لكن المثل الروسي  فعلا واضح و ساطع وحاسم ودقيق جدا 
+++
الترجمة الحرفية – لن تعيد يوم الامس .
التعليق – مثل فلسفي بامتياز, فعقارب الساعة لا ترجع الى الوراء .
+++
الترجمة الحرفية –       البحر – حقل صيد الاسماك .
التعليق – كل الامور نسبية في الحياة , وهي تخضع لرؤية الانسان لها . هناك مثل روسي ( سبق وان أشرنا له) يقول – العيون مرآة الروح , وهكذا يرى صياد السمك , ان البحر ( حقل لصيد الاسماك ليس  الا ) ...
+++
الترجمة الحرفية – والكلب يعرف , ان بالاعشاب يتعالجون .
التعليق –  يسخر هذا المثل من الانسان لعدم معرفته بهذه الحقيقة , الا ان صاحبي قال , ان هذا المثل أعمق وأوسع من ذلك , اذ انه يدعو الانسان ان يتعلم من الكلب ليس فقط ماذا يعني الوفاء , وانما كيف يتعالج من الامراض ايضا .
+++
الترجمة الحرفية – بالاستدانة لن تكون غنيّا .
التعليق – يلجأ الانسان الى الاستدانة عند الضرورة , رغم انه يعرف مسبقا , ان الدين ( همّ في الليل وذلّ في النهار) , ولكن المثل الروسي هنا يتناول هؤلاء الذين يريدون ان يصبحوا اغنياء عن طريق الاستدانة , وهم موجودون فعلا في كل المجتمعات , ويضع المثل هذا ( النقاط على الحروف ) بشأن هذه الظاهرة المعيبة .
+++
الترجمة الحرفية – في البيت الغريب لا يأمرون .
التعليق – ونحن نقول في مثلنا الشهير – ( ياغريب كن أديب ) . قال صاحبي , ان المثل العربي دبلوماسي جدا , ورقيق ايضا , اما المثل الروسي  فانه واضح جدا و مباشر جدا وصارم جدا مقارنة بالمثل العربي , ولكنه يفتقد الى رقة المثل العربي وجمالياته...
===========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ), الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض . ن .

186
عود على الامثال الروسية (28)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عند القلب توجد آذان .
التعليق – قال صاحبي , ما اجمل هذا المثل الروسي , فقلت له – فعلا , اذ توجد فيه صورة فنية جديدة ومبتكرة حقا , فقال , ان الصورة الفنية ليست جديدة  كليّا, ولكنها صورة  شجاعة جدا , لأن المثل حوّل كلمة ( الجدران ) في المثل العالمي الى ( القلب ) , ولكني قلت له ,  ان الجدران (تسمع) فعلا , اما القلب بالنسبة لي , فانه يعشق و يحسّ ويخفق و يضطرب ويقفز ويهبط ووووو , الا انه هنا ( يسمع !!!)  ايضا , وهذه هي النقطة الجديدة  في هذا المثل الجميل ...
+++
الترجمة الحرفية – الاعمال المعتمة تخاف من الضياء .
التعليق – طبعا تخاف الاعمال التي تجري تحت جنح الظلام من الضياء , لأنه يكشفها , اي يفضحها , رغم ان الضياء لا يتكلم حولها . المثل واقعي جدا ودقيق جدا حول كل الاعمال السيئة في كل المجتمعات. علّق صاحبي قائلا , ان مجتمعنا يحتاج الى اضاءآت خاصة هائلة لكشف ما يجري عندنا من اعمال معتمة رهيبة...
+++
الترجمة الحرفية -  المحكمة مستقيمة , لكن الحاكم أعوج .
التعليق – مثل طريف جدا , وينطبق على حالات عديدة في مجتمعاتنا مع الاسف الشديد , وكم سقطت ضحايا نتيجة ( اعوجاج !) هؤلاء الحّكام و القضاة ... 
+++
الترجمة الحرفية – بالضجيج محقا لن تكون .
التعليق – الضجيج يتعارض مع المنطق السليم , بل وحتى يعرقل تطبيق المقولة العظيمة - (الحق يعلو ولا يعلى عليه).
+++
الترجمة الحرفية -  دمعتك دائما أكثر ملوحة .
التعليق – لأن دمعتك تأتي نتيجة معاناتك الذاتية , وهي ليست مثل دموع التضامن مع معاناة الآخرين . لنتذكر المقولة العربية والتي ذهبت مثلا , وهي – ليست النائحة الثكلى كالنائحة المستأجرة... 
+++
الترجمة الحرفية – سبعة أعمال في أيادي واحدة لا يأخذون .
التعليق – ونحن نقول – رمانتين ( او بطيختين ) بيد واحدة (ما تنلزم) , و يقول المثل الفيتنامي – بكل يد من يديه يريد ان يصطاد سمكة , وهناك امثال عند الشعوب الاخرى في هذا المعنى ايضا , لكن هذا المثل الروسي يتحدث عن ( سبعة اعمال !) باكملها , وهي مبالغة طريفة من اجل ايصال الفكرة ذاتها ....
+++
الترجمة الحرفية – الذئب لا يختبأ في ثوب حمل .
التعليق – تناقشنا حول فكرة هذا المثل واتفقنا , ان الكلام يدور حول الانسان , و لكننا اختلفنا , اذ يرى البعض ان الذئاب البشرية ( يمثّلون ) دور الحمل فعلا, وهؤلاء - بالتالي - لا يؤيدون صحة هذا المثل , ويرى البعض الآخر , ان الذئاب تتصرّف بشكل مباشر, وان المثل صحيح جدا , ولكن الرأي الثالث يقول , ان سذاجة وغباء المتعاملين مع هؤلاء الذئاب هي السبب في كل هذا الاختلاف , ويورد انصار الرأي الثالث المثل الروسي , الذي يقول – دهاء الثعلب في غباء الدجاج . 
+++
الترجمة الحرفية – من يركض , هو الذي يعثر.
التعليق – لنتذكر مثلنا العربي الشهير والواضح المعالم والدقيق جدا -  في التأني السلامة وفي العجلة الندامة .
=================================================
من الطبعة الثانية لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

187
عود على الامثال الروسية (27)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الذكي يصمت , عندما يغمغم الاحمق متذمرا .
التعليق – ... والمثل الهندي يقول في نفس المعنى , ولكن بشكل أدق وأوضح  – عندما تثرثر الضفادع , فمن الافضل السكوت . ضحك صاحبي وسألني – هل يعني هذا , انك تعتبر الحمقى مثل الضفادع ؟ فضحكت انا ايضا , وقلت – لا,لا, انهم مختلفون ...
+++
الترجمة الحرفية – الجائع يتأوه , والشبعان يتجشأ .
التعليق –  فهمنا ان الجائع يتاوه بسبب الجوع , ولكني لم افهم فعل ( يتجشأ ) هذا , المرتبط بالشبعان  , هكذا كان رد فعل صاحبي عندما سمع هذا المثل الروسي , فقلت له , يتجشأ حسب شرح القواميس اللغوية يعني -  تنفّس المعدة بعد امتلائها عن طريق الفم , فضحك صاحبي وقال – فهمت , فهمت , يعني( يتريع !) كما نقول بلهجتنا العراقية , ثم أضاف قائلا – تذكرت المثل العراقي – (يتريع ويقول لنفسه عوافي ) , لأن المثل ينطبق فعلا على هذا النموذج الاناني الشره من هؤلاء الشبعانين, الذين يتنهد الجياع بسببهم , فقلت لصاحبي – آه من تفسيراتك للامثال , وكيف انك تتقبّلها دائما حسب افكارك ...
+++
الترجمة الحرفية -  حيثما توجد السعادة , فهناك الحسد .
التعليق – قال صاحبي -  يتحدث الجميع عن الحسد , ولكن ( بالخفاء ), اي دون الاعتراف العلني به ,  فقلت له – لا , لا , ليس ذلك صحيحا , اذ اننا دائما وعلنا ( نتعوذ ) ...من شر حاسد اذا حسد ...
+++
الترجمة الحرفية – السعادة ليست طيرا , وهي نفسها لا تطير اليك .
التعليق –  السعادة ليست ظاهرة اجتماعية عامة , بل هي حالة شخصية بحتة ترتبط بحياة الانسان , اي انها من صنع الانسان نفسه في مسيرة حياته الشخصية . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي رمزية و جميلة جدا .
+++
الترجمة الحرفية -  الكلب العجوز لا ينبح على الريح .
التعليق – يمتلك الكلب العجوز خبرة الحياة , وعندما ينبح , فان ذلك يعني انه يريد ان ينبّهنا الى شئ محدد ينبغي علينا ان نأخذه بعين الاعتبار حتما. المثل واضح المعنى , ويرمز – بلا شك - الى ان الانسان  العجوز يستند الى خبرته في الحياة عندما يقول لنا ملاحظاته ونصائحه . لنتذكر المثل الصيني – (كلمات الكهول غالية مثل الجواهر) .
+++
الترجمة الحرفية -  الموت عند الصديق أفضل من العيش عند العدو .
التعليق – مثل صحيح وحاسم فعلا , اذ لا قيمة للحياة بلا كرامة عند العدو . هناك بيت شعر ذهب مثلا في هذا المعنى وهو –
عش عزيزا او مت وانت كريم /// بين طعن القنا وخفق البنود .
+++
الترجمة الحرفية – القبر ليس مخيفا للميّت .
التعليق – ونحن ايضا نقول مع المتنبي العظيم وفي نفس المعنى - ... ما لجرح بميت ايلام ....
+++
الترجمة الحرفية – ليس مضحكا – الزوجة تضرب الزوج , وانما المضحك , ان الزوج يبكي .
التعليق – و المثل العربي الشهير – (شر البلية ما يضحك ) يؤكد  فحوى هذا المثل الروسي الطريف ...
+++
الترجمة الحرفية – كل بيت بسقف مغطّى .
التعليق – البيوت اسرار كما نقول نحن في مثلنا المعروف, و هو ما تشير اليه  امثال الشعوب الاخرى . لنتذكر المثل الصيني الدقيق - لا تنشرخارج البيت الاعمال المخجلة داخل البيت .
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

188
عود على الامثال الروسية (26)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -          تحرث – تبكي , تحصد – تقفز فرحا.
التعليق – العمل يتطلب جهدا كبيرا , في حراثة الارض , او اي نوع آخر من الاعمال , ولكن نتائج هذا العمل تمنحك الفرح . المثل يجسّد خلاصة منطقية للعمل , الذي يبذله الانسان , والنتائج  التي يحصدها بعد هذا الجهد . لنتذكر مثلنا المعروف والبسيط والواضح , وهو – من جدّ وجد ...
+++
الترجمة الحرفية – بعد الضيوف , ولنا جيدا.
التعليق – هكذا الامور دائما وفي كل مكان طبعا , فعلى المائدة يبقى ما لذ وطاب من الطعام , الذي تم اعداده خصيصا للضيوف , وبالتالي يكون من حصة اهل الدار انفسهم . المثل في غاية الطرافة , وهو واقعي جدا .
+++
الترجمة الحرفية – الغابة لا تبكي على شجرة , البحر لا يحزن على سمكة .
التعليق – لان الشجرة الواحدة لن تؤثّر على طبيعة الغابة , والسمكة الواحدة لن تغيّر طبيعة البحر . الاعمال االانقلابية الجذرية الكبيرة , هي التي تؤدي الى ( بكاء الغابة!) , وليست الغابة وحدها , والى ( حزن البحر!) , وليس البحر وحده . مثل فلسفي بامتياز .
+++
الترجمة الحرفية – الثعلب يعيش أكثر شبعانا من الذئب.
التعليق – الثعلب يأكل بالحيلة والذئب بالقوة ,  اي ان المثل يرمز الى ان الحيلة تطعم اكثرمن القوة , رغم ان صاحبي يرى , ان المثل يعني , ان استخدام التفكير افضل من استخدام القوة , ولكني قلت له , ان استخدام القوة ايضا تتطلب التفكير, فقال غاضبا – اي تفكير, القوي يستخدم عضلاته فقط في حلّ كل الامور .
+++
الترجمة الحرفية -  الجوع يعلّم الانسان ان يتكلم .
التعليق – اضفنا كلمة ( الانسان ) على الترجمة الحرفية رغم عدم وجودها في النص الروسي , كي يكون المثل واضحا في ترجمته. المثل يمتلك سمات عالمية طبعا , وليس عبثا , ان هناك مصطلح عالمي يرتبط بظاهرة الجوع , و هو -  (ثورة الجياع) , اي عندما يتحول الكلام الى عمل منظّم يقضي على ظاهرة الجوع  في المجتمع.
+++
الترجمة الحرفية – العالم – جبل ذهبي .
التعليق – يضرب بعد حدوث ضياع ما لدى الانسان تذكيرا  له ان العالم ملئ بالثروات التي تنتظر الانسان , وانه يقدر ان يسترد ما ضاع منه , لان الفرص كثيرة في العالم . علّق صاحبي قائلا , ان جبل الذهب هذا يتطلب جهدا كبيرا من اجل الحصول على الذهب , فقلت له – دون جهود لا يمكن الحصول على اي شئ ...
+++
الترجمة الحرفية – بقايا ( الطعام) حلوة ( المذاق) .
التعليق – اضفنا كلمة الطعام وكلمة المذاق بين قوسين , رغم عدم وجودهما في النص الروسي , كي يكون المثل واضحا للقارئ الروسي , لان هذا المثل يضرب في روسيا حصرا لبقايا الطعام فقط , تأكيدا على ضرورة تناوله وليس رميه والتخلص منه , وذلك لان بقايا الطعام بشكل عام لا تؤكل , بل وتسمى بلهجتنا العراقية – ( فضاله ) , وتسبب هذه التصرفات خسارة كبيرة للطعام الجيد والصالح للاكل اولا , وثانيا ضياع تكاليفه و الجهود في تحضيره , ومن هنا جاء هذا المثل الروسي , الذي يرتبط بوقائع مريرة في تاريخ روسيا , وهو مثل ضروري ايضا للكثير من الشعوب الاخرى , والتي عانت من الجوع , ولكنها لم تبلور عاداتها بعدئذ حسب تلك المعاناة.
+++
الترجمة الحرفية – الحوصلة مليئة , لكن العيون جائعة .
التعليق – ونحن نقول في نفس المعنى و بلهجتنا العراقية - جدره على ناره و عينه على جاره . قال صاحبي – مثلنا أجمل . قلت له , نعم هو أجمل فعلا , اذ توجد هناك صورة فنية طريفة , لكن المثل الروسي أكثر وضوحا ...
+++
الترجمة الحرفية –       على البضاعة الممنوعة – كل السوق .
التعليق – هناك مثل عالمي , استقر بالعربية كما يأتي -  الممنوع مرغوب . المثل الروسي هنا يؤكد على نفس المعنى , وهو مثل صحيح فعلا , فالناس ترغب بشراء البضاعة الممنوعة , ولهذا فانها تطغي - في السوق - على البضائع الاخرى .
=======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض. ن.

189
عود على الامثال الروسية (25)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بالملعقة لا تغرف البحر .
التعليق –  ونحن نقول - بالابرة ما تحفر بير ( بير= البئر ) . صور المبالغة (الجميلة والطريفة) واضحة المعالم جدا في هذه الامثال , وذلك كي تصل الفكرة المقصودة بشكل صادم ولا تقبل اي شك . قال صاحبي , ان الصور الفنية في بنية هذه الامثال مليئة بالخيال الشعبي الحاذق والغريب , وهي تذكرني بقصيدة ( مستحيلات ) لعبود الكرخي – ( ..يصير نملة و تدفع الملوية / ..يصير توضع جبل بقوطية ../ ..يصير من لندن تجي مجارية ...)...الخ تلك القصيدة اللاذعة الشهيرة .
+++
الترجمة الحرفية -  السمكة التي لا نصطادها تبدو دائما كبيرة .
التعليق –  هذا صحيح فعلا , فالشئ الذي لا نحصل عليه يبدو لنا دائما أكبر وأفضل وأهم من الاشياء المتوفرة لدينا . توجد عندنا امثال عديدة و طريفة في هذا المعنى , منها – دجاجة الجيران وزّة , او , مركة ( مرق) الجيران اطيب .....الخ.
+++
الترجمة الحرفية – كلمة تكسر العظم , واخرى تجبره .
التعليق – مثل روسي آخر حول الكلمة , وهو يؤكد – مرة اخرى واخرى –  على دور الكلمة واهميتها في حياة الانسان . الصورة الفنية في هذا المثل تذكرنا بالصورة الفنية الموجودة في مفاهمينا حول الكلمة ( التي تجرح ! ) ,وحول الكلمة ( التي تداوي !) .
+++
الترجمة الحرفية – تفطن الى الاحتياجات وتدركها اثناء العمل .
التعليق – التجربة احسن برهان , والنظريات المنعزلة عن التطبيق تبقى بعيدة عن الواقع , وكم شاهدنا (وعانيّنا!) من اناس يثرثرون ويثرثرون دون معرفة الواقع , بل ودون حتى الاعتراف والاقرار به , رغم انه يقف امامهم بكل وضوح .
+++
الترجمة الحرفية – السوق يحدد السعر.
التعليق – كانوا يقولون لنا , ان هذا المبدأ رأسمالي , لكن هذا المثل الروسي يثبت غير ذلك , هكذا قال صاحبي , فقلت له , هو رأسمالي واشتراكي في آن , وينطبق على كل الاسواق , بما فيها (سوق مريدي عندنا والسوق السوداء عندهم), لانه مبدأ صحيح , فالسوق فعلا يحدد السعر في كل مكان وزمان وفي كل نظام , وعدم الاعتراف به رسميا لايعني انه غير موجود على ارض الواقع . صمت صاحبي , ثم قال – نعم , انهم لم يكونوا يعرفون الحقائق على الارض كما يجب , اذ اطلعوا عليها نظريا ليس الا ....
+++
الترجمة الحرفية – قطعة الفحم ليست كبيرة , لكنها  تلطّخ .
التعليق – قال صاحبي , الكلمة المناسبة هنا هي – ( تصخّم ) باللهجة العراقية , وليس ( تلطّخ ) . ضحكت أنا , وقلت , اني متفق معك خصوصا وان كلمة ( سخام ) فصيحة ,  ثم أضفت ضاحكا – ومع ذلك , فان (التلطيخ) هو (صخام) بلهجتنا ايضا , بالمعنى المباشر للكلمة وبالمعنى غير المباشر لها...
+++
الترجمة الحرفية – الفأرة تهدد القطة , لكن من المخبأ .
التعليق – ضحك صاحبي وقال – هذا المثل الروسي هو كاريكاتير رائع لما يجري حولنا من احداث جسام , فقلت له – آه من تفسيراتك السياسية لكل شئ حولنا , اذ انك ترى , ان السياسيين يتغلغلون في كل شعاب حياتنا , وحتى في مخابئ الفئران , فأجاب صاحبي وهو مستمر بالضحك – ان السياسيين يتغلغلون قبل كل شئ في مخابئ الفئران...
+++
الترجمة الحرفية – من يحب شخصا , فانه يدلّعه .
التعليق – ولهذا , فان امهاتنا كانوا ينادوننا دائما باسماء الدلع . قال صاحبي , وانا ايضا انادي حبيبتي دائما باسم الدلع , بل انني افكّر ان أنحت لها اسماء دلع جديدة , اذ ان الاسم الواحد قليل بحقها .
=============================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – (معجم الامثال الروسية ) ,الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

190
عود على الامثال الروسية (24)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – اذا كانت الروح سوداء , فالصابون لا ينظّفها .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا – آه , كم ينطبق هذا المثل على اناس كثيرين  أعرفهم شخصيا , واضاف قائلا , يمكن اعتبار هذا المثل الروسي نموذجا لعالمية الامثال , وشموليتها بغض النظر عن قوميتها . ضحكت انا وأيدّت استنتاجه حول طبيعة الامثال , وقلت له -  توجد ظواهر لا ترتبط بجنسية او قومية معينة , ويمكن لنا ان نضيف الى هذه الظواهر الامثال التي تشمل كل البشر ايضا ...   
+++
الترجمة الحرفية – دون لسان والناقوس أخرس .
التعليق – مثل طريف جدا , فالناقوس يصبح بلا اي فائدة اصلا دون اللسان , الذي يقرع به , اي ان الناقوس بلا لسان يفقد دوره نهائيا , ولهذا , فاللسان للناقوس اهم من اللسان للانسان , لكن صاحبي لم يوافق على ذلك , وقال , ان اللسان عند الانسان ايضا يؤدي دورا اساسيا في مسيرة حياتنا , وليس عبثا المثل العربي الذي يقول – ربّ كلمة سلبت نعمة . لم ارغب بالاستمرار في هذا النقاش , وقلت له , ان اللسان عند الانسان مهم طبعا , الا ان اللسان عند الناقوس أكثر اهمية ...
+++
الترجمة الحرفية – النوم أعمق دون نقود .
التعليق – هذا صحيح بشكل عام , ولنتذكر مثلنا الطريف – ( المفلس في القافلة امين ) , الا ان صاحبي اعترض على هذا التعليق , وقال , صحيح ان المفلس في القافلة امين لكنه ينام اذا كان شبعانا , اما اذا كان جوعانا , فلا اظن انه يقدر ان ينام , فقلت له ضاحكا , ان المفلس العربي و الروسي ينامان دون قلق بشأن ( نقودهما !) , اما لقمة الخبز فيمكن ايجادها ....
+++
الترجمة الحرفية – لا يبحثون عن الطرق , بل يسألون .
التعليق – ضحك صاحبي وقال , هذا مثل عتيق جدا بالنسبة لعصرنا , فقلت له , صحيح ان هذا المثل يعكس حالات قديمة , لكن الامثال لا تصبح عتيقة , فالبحث عن الطرق في الحياة عموما يقتضي الحوار  مع الآخرين , الذين يمتلكون تجارب , وتذّكر مثلنا العراقي الجميل – اسأل مجرب ولا تسأل حكيم . ( الحكيم = الطبيب) . 
+++
الترجمة الحرفية – المصيبة لا يدعوها , هي نفسها تأتي .
التعليق – ولهذا نسميها مصيبة , اذ ان  كل شئ يأتي بلا دعوة , او دون انتظار او توقعات -  هو مصيبة بلا شك , وكل  مصيبة تخلق مصائب اخرى , وليس عبثا المثل العربي المعروف – المصائب لا تأتي فرادى , او كما يقول المثل الروسي المناظر له , وهو – جاءت المصيبة – افتح الابواب ...
+++
الترجمة الحرفية –      التجارة بلا عقل - ضياع للنقود ليس الا.
التعليق – كل شئ يعتمد على عقل الانسان , والتجارة طبعا تقتضي ذلك . المثل الروسي يعبّر عن هذه الوضعية بشكل صحيح و دقيق وحازم جدا , لأن هدف التجارة هو الربح , وعندما تكون بلا عقل , فان النتيجة كارثية جدا .
+++
الترجمة الحرفية – قرب النهر لا يحفرون البئر .
التعليق – مثل رمزي جميل , وهو يتكرر من حيث المعنى باشكال وصور متنوعة في امثال العديد من الشعوب , بما فيها طبعا امثالنا العربية المعروفة , مثل - (... التمر في البصرة ..) , او ( ..الميّه في حارة السقايين) , وهناك مثل روسي عن (.. السماور في مدينة تولا ..) , وامثال مختلفة عند الاخرين , مثل ( ..السمك عند البحيرة ..)  و ( ..الحطب قرب الغابة ..).....الخ ..الخ
+++
الترجمة الحرفية -  الشتاء والربيع يلتقيان لاول مرة في شهر شباط ( فبراير).
التعليق – شهر شباط ( فبراير) عندنا يعني بداية بوادر الربيع , وهناك مثل طريف جدا بلهجتنا العراقية يقول – (شباط  لو شبّط لو لبّط به روايح الصيف) ( روايح = روائح ). المثل الروسي هنا أكثر جديّة وعقلانية , رغم انه يحمل نفس المعنى , فهو يحدد الربيع بالذات وليس الصيف كما في المثل العراقي.
====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

191
عود على الامثال الروسية (23)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الرب أعطانا اذنين اثنين , ولكن لسانا واحدا .
التعليق – من الواضح تماما , ان هذا المثل الروسي الطريف يقول لنا بدقة متناهية , انه يجب على الانسان ان يصغي ويستمع مرتين , ويتكلم مرة واحدة . توجد امثال كثيرة عند مختلف الشعوب حول ضرورة الاستماع بدقة قبل الكلام , اذ ان ( اللسان عدو الانسان ) كما يقول المثل العربي المعروف , والكلمة تجرح , والجرح عموما قد يشفى , لكن جرح الكلمة (... ما يطيب ) كما نقول في مثلنا و بلهجتنا العراقية ( يطيب = يشفى) . يوجد مثل  أذربيجاني يقول – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك ..
+++
الترجمة الحرفية – الشجرة لا تبحث عن الطير , بل الطير يبحث عن الشجرة .
التعليق – أثار هذا المثل نقاشا حادّا مع صاحبي , اذ انه اراد ان نحدد موقفنا بشكل واضح وصريح من العلاقة بين الشجرة ( رمز الاستقرار والثبات ) والطير ( رمز الانطلاق والحرية ) , فقلت له , اني اريد  ان اكون مثل الطير منطلقا وحرّا , رغم ان الطير هو الذي يبحث عن الشجرة , اما هو فلم يستطع ان يحدد موقفه , وقال لي – انني اريد الثبات والحرية في آن , فاجبته ضاحكا - اي تريد ان تكون شجرة وطيرا , وهذا مستحيل  ...
+++
الترجمة الحرفية – واحد يصاب بالعمى من الجوع , والآخر من الذهب .
التعليق –  مثل رمزي عميق . قال صاحبي , العمى في هذا المثل الروسي هو عمى القلوب والعقول , فالفقير يريد الخبز فقط , ولهذا يراه دائما في يقظته ومنامه , والغني يريد الذهب فقط , ولهذا يراه في يقظته ومنامه , اي - كلاهما يصابان بالعمى فعلا ... 
+++
الترجمة الحرفية -  النسر لا يتحدث مع الغراب .
التعليق – سألني صاحبي متعمدا – لا يتحدث معه لانه لا يعرف لغته , فلماذا لا يبحث عن مترجم ؟ ضحكت انا , وقلت له ,  من المؤكد ان النسر لا يعرف لغة الغراب , ولكنه لا يبحث عن مترجم , لأن النسور تترفع عن الكلام مع الغربان ...
+++
الترجمة الحرفية – ليس كل ما يضئ يمنح الدفء , فالقمر يضئ ولا يمنح الدفء .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل جميلة جدا , ومعنى المثل صحيح جدا . قال صاحبي ضاحكا –  تذكرت المثل الطريف بلهجتنا العراقية – (مو كل مدعبل جوز) , ضحكت انا ايضا , وقلت له , الصورة الفنية في مثلنا بعيدة جدا عن أجواء المثل الروسي , لكن المعنى العام قريب فعلا ...
+++
الترجمة الحرفية -  لا ثمر من الحجر , ولا خير من اللص .
التعليق – مثل رائع . الثمار تأتي من الارض الخصبة فقط , والخير يأتي من عمل الشرفاء و الطيبين فقط ...
+++
الترجمة الحرفية – من لا يبذر , لا يحصد .
التعليق – مختصر مفيد لحقيقة الحياة الانسانية . يقول المثل العربي في نفس المعنى – كل ما تزرع تحصد ...
+++
الترجمة الحرفية – اللوم الذكي أفضل من المدح الغبي .
التعليق –  يقول المثل بلهجتنا العراقية - امشي ورا  اليبجّيك , ولا تمشي ورا  اليضحكك ( اليبجيك = الذي يبكيك , اليضحكك = الذي يضحكك ) . الصورة الفنية في المثل العراقي طريفة ومبتكرة, اما في المثل الروسي فتوجد خلاصة صارمة ودقيقة لطبيعة العلاقات التي يجب ان تسود بين الناس.
+++
الترجمة الحرفية - دون عمل والمدفأة باردة .
التعليق – لا شئ يحدث تلقائيا في مسيرة الحياة , فكل شئ يحتاج الى العمل , اي ان العمل اساس الحياة الانسانية  , مثلما (العدل اساس الملك ) . يوجد مثل روسي سبق وان أشرنا اليه يقول -  دون جهد لا يمكنك حتى اخراج سمكة صغيرة من البركة .
===========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض. ن.

192
عود على الامثال الروسية (22)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – و للكنز لا حاجة , اذا كان الوئام سائدا في العائلة .
التعليق – نعم , هذا كلام صحيح , فالخلافات في العائلة الواحدة تؤدي الى دمار العائلة وتقويضها , وتكمن طرافة وجمالية وقيمة هذا المثل الروسي في الاشارة الى انه حتى الكنز لا تحتاجه العائلة التي تعيش في وئام , لأن الانسجام والوئام والتضامن بين افراد مثل هذه العوائل يكفل ويضمن كل متطلباتها  واحتياجاتها . الصورة الفنية في هذا المثل جميلة رغم المبالغة التي فيها .
+++
الترجمة الحرفية -  الذي في كل مكان , هو ليس في اي مكان.
التعليق – اذا كانت  رمانتين , اقصد بطيختين بيد واحدة ( ماتنلزم !) , فكيف يكون الامر مع ( سلّة باكملها من الرمان والبطيخ ! ) ؟ . علّق صاحبي قائلا , ان زعماء عالمنا – على ما يبدو - يحبون الرمان والبطيخ حبّا شديدا, ولا يمكن لهم ان يعيشوا  بدون  الرمان والبطيخ , ولهذا يحملون السلّة باكملها على رؤوسهم دائما وفي كل مكان , فقلت لصاحبي –  يا اخي , لا علاقة للسياسة بمثلنا الروسي هذا , ولكنه قال متحدّيا -  ان هذا المثل سياسي بحت ...
+++
الترجمة الحرفية -  لكل كلمة مكانها .
التعليق – مثل يحتاجه كل من يتكلم مع الناس , فقال صاحبي معترضا – لا , لا , يحتاجه اولا وقبل الآخرين كل من يكتب للناس , كي نتخلص من كل هذه السيول من الكتابات , التي لا افهمها...
+++
الترجمة الحرفية – بقرة في الدفء – حليب على المائدة .
التعليق – الحليب على المائدة يرتبط - اولا واخيرا - برعاية البقرة , وليس فقط الحليب ... والحليم تكفيه الاشارة ....
+++
الترجمة الحرفية – على العمل المؤجل تتساقط الثلوج .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل يجسّد الطبيعة الروسية البحتة, ولو كان لدينا , لقلنا – يتساقط الغبار , فقلت له – تتساقط الثلوج او يتساقط الغبار ليس مهمّا , المهم , ان المثل يقول لنا - لا تؤجل عمل اليوم الى الغد, والا فان النسيان سيطمره , سواء كان هذا الطمر بالثلوج او بالغبار ....
+++
الترجمة الحرفية – لا اتحاد بين الشتاء والصيف .
التعليق – نعم , لا يتحدان , ولكنهما يتعاقبان , وتلك هي القاعدة السائدة في الطبيعة , وفي طبيعة الحياة الانسانية ايضا . قال صاحبي ساخرا – وكيف استطيع ان اقنع الناس حولي بحتميّة هذه الدورة الطبيعية للاشياء ؟. قلت له – علّمهم هذه الفلسفة البسيطة , فبعد كل شتاء يأتي صيف , وبعد كل صيف يأتي شتاء , اي لا اتحاد وانما تعاقب , فاجابني بأسى – الكلام شكل والتطبيق شكل آخر , فضحكت وقلت له – ذكرّهم بمثلنا العتيد – الصبر مفتاح الفرج ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تتشاجر مع أحد , ستكون جيدا للجميع .
التعليق – سألني صاحبي ساخرا – وكيف يمكن لي ان اتصرّف مع الاغبياء الذين يحيطون بي ؟ ضحكت انا وقلت له , ان تشاجرت معهم او لم تتشاجر , فانهم سيبقون اغبياء , لهذا فمن الافضل ان تتجنبهم .
+++
الترجمة الحرفية – لا تقل ما عملت , بل قل ما انتهيت من عمله .
التعليق – لأن ( الامور بخواتمها ) كما يقول المثل العربي . قال صاحبي , آه لو نأخذ هذا المثل الروسي بعين الاعتبار , عندئذ سوف تقلّ الثرثرة والمبالغة والاكاذيب في احاديث المحيطين بنا ...
=======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

193
عود على الامثال الروسية (21)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تمسك السعادة بالايدي .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل مدهشة الخيال , اما المعنى المجازي للمثل , فانه يعني ان السعادة ليست حالة دائمة في حياة الانسان , وانها تمرّ ( مرور الكرام على ارض اللئام !) , والانسان لا يقدر ان ( يمسكها بالايدي !) ويبقيها دائما عنده , رغم رغبته بذلك طبعا . مثل فلسفي بامتياز .
+++
الترجمة الحرفية –  متى استدنت – اعرف , متى ارجع  الدين – لا اعرف.
التعليق – ولهذا يوجد المثل الطريف والواقعي فعلا بلهجتنا العراقية , وهو الجواب على حالة المثل الروسي هذا , ومثلنا يقول -  (تنطي بيدك وتركض برجلك) . الاستدانة حالة مزرية في كل المجتمعات للدائن والمدين معا , ومن الافضل تجنبها , اذ انها قد تؤدي – في معظم الاحيان - الى فقدان النقود والصداقة معا , ويوجد مثل عندنا يقول – الدين يعمي العين .
+++
الترجمة الحرفية – ليست المصيبة بالخطأ , المصيبة بعدم اصلاحه .
التعليق –  نعم , هذا صحيح فعلا , اذ اننا جميعا نخطأ هنا وهناك في مسيرة حياتنا المعقّدة والصعبة , لكن المصيبة تكمن بالذات بعدم اصلاح الخطأ , وحتى عدم الاعتراف به . يقول المثل الصيني - اذا لا تعترف بالخطأ الاول ستقترف الخطأ الثاني . لنتذكّر الحكمة العربية الخالدة - الاعتراف بالخطأ فضيلة , والفضيلة هنا تعني بالذات عدم اقتراف الخطأ الثاني . كل هذه الامثال واقعية و تكمل بعضها البعض بلا ادنى شك ...
+++
الترجمة الحرفية – المفتاح الذهبي يفتح كل الابواب .
التعليق – توجد امثال كثيرة عند مختلف الشعوب حول دور الذهب والنقود في حياة الانسان , منها مثلا وليس حصرا  المثل الروسي , والذي سبق وان أشرنا اليه ويكاد ان يعيد الفكرة نفسها في مثلنا هنا , وهو – النقود تفتح كل الابواب . استخدام تعبير ( المفتاح الذهبي ) يضفي على هذا المثل جمالية خاصة , رغم انهما يتحدثان عن ظاهرة واحدة هي الرشوة , و ظاهرة الرشوة واسعة الانتشار في معظم المجتمعات البشرية مع الاسف , وخصوصا في المجتمعات الفقيرة والمتخلفة والمضطربة ...
+++
الترجمة الحرفية – الذئب ليس رفيق الحصان .
التعليق – مثل ساخر جدا , اذ كيف يمكن للذئب الذي يفترس الحصان ان يكون رفيقا له ؟ يضرب هذا المثل للحالات الكارثية في العلاقات بين طرفين لا يمكن الجمع بينهما بتاتا .
+++
الترجمة الحرفية – البخيل يدّخر , والشيطان يهزّ كيس النقود .
التعليق – الامثال كثيرة حول البخل والبخلاء عندنا وعند الروس والشعوب الاخرى , وكلها تؤكد حالة واحدة , وهي - ان البخيل يقتّر على نفسه وعائلته , وان نتائج هذا التقتير لن يتمتع بها هو, ويأخذها الورثة بعد موته . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي رمزية وطريفة , اذ ان ( كيس النقود ) بيد الشيطان , الذي سيلعب دوره الخبيث بين الذين سيورثون تلك النقود بعد موت البخيل . البخل عادة مذمومة في كل المجتمعات , و لنتذكر الآية الكريمة – ...ولا تجعل يدك مغلولة الى عنقك ...
+++
الترجمة الحرفية -  مهما يكن ضياء القمر , فهو ليس شمسا .
التعليق – مثل جميل جدا من حيث الشكل الفني , ويعتمد على مبدأ المقارنة بين الظواهر المتشابهة في الطبيعة , و لكن لكل ظاهرة – مع هذا - خصائصها. يضرب هذا المثل  للاشياء التي لا يمكن ان يحل اي شئ محلها في كل الاحوال . 
+++
الترجمة الحرفية – ليس اللص , هو الذي يسرق , وانما الذي يتغاضى عن اللصوص ويتساهل معهم .
التعليق –  لنتذكّر القول العربي العظيم - الساكت عن الحق شيطان اخرس ...
======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

194
عود على الامثال الروسية (20)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من دخل الى المنصب ثعلبا , يصبح في المنصب ذئبا .
التعليق – خلاصة رائعة لحقيقة ساطعة في مسيرة الحياة الانسانية في كل المجتمعات . قال صاحبي , انه يريد ان يضيف هنا مثلا - بلهجتنا العراقية  - مكملا لهذه الخلاصة , وهو – (اليعيش بالحيلة يموت بالفقر ) , بقيت أنا صامتا , فسألني صاحبي – السكوت من الرضا ؟ فأجبته – ليس دائما , فكم من الذئاب يسرحون ويمرحون حولنا.....
+++
الترجمة الحرفية – عندما تتكلم النقود , تصمت عندها الحقيقة .
التعليق – هذا صحيح جدا ومؤلم جدا ايضا . علّق صاحبي قائلا – انه مندهش جدا ومتألم جدا عندما يتذكّر كيف ( تتكلم وتصرخ !) الملايين من النقود في وطني , وكيف ( تصمت وتتوارى !) الحقيقة خجلا , فقلت له , هناك مثل روسي آخر يقول – النقود جذر كل انواع الشر...
+++
.الترجمة الحرفية – كل البوابات مغلقة امام الفقير.
التعليق – نعم , ويسمونه بلهجتنا العراقية - ( ابن الخايبة ) , و ان ( السطرة ) اي الضربة ب ( رقبته ) . سأل صاحبي مندهشا- هل هذا المثل لا زال على قيد الحياة في روسيا ؟ , فقلت له - هذا المثل موجود في كتاب الامثال الروسية , الصادر عام 1988 بموسكو .
+++
الترجمة الحرفية – تلطع السكين – تجرح اللسان .
التعليق–  ونحن نقول – (طمعه قتله) . مثلنا العربي يتحدث عن ( القتل ) , وبالتالي فانه عنيف كعادتنا دائما , المثل الروسي يتحدث عن ( الجرح ) , وهو عنيف ايضا , ولكن ( الجرح ) أهون من ( القتل ) . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي فريدة و متميّزة جدا .
+++
الترجمة الحرفية – من يركض , هو الذي يعثر .
التعليق –   المثل الروسي هذا يقول ان  السير الاعتيادي الواثق للوصول الى الهدف أكثر ضمانا وأأمن وأفضل من اللهفة والعجلة و الركض للوصول الى الهدف , فعلّق صاحبي قائلا , ان المثل العربي الشهير – ( في التأني السلامة وفي العجلة الندامة ) يوجز بدقّة  وبجمالية  نفس هذه الفكرة .
+++
الترجمة الحرفية – لا يبذرون الحقل بالكلمات.
التعليق –  ضحك صاحبي وهو يردد – لقد شبعنا من الكلمات التي بذروها في حقول وطننا , والتي تذكرني بمثلنا الطريف بلهجتنا العراقية – اللو.. زرعوه وما خضّر( اللو – لو ) . قلت له , ان المثل الروسي هذا واضح المعنى , فقال وهو مستمرا بالضحك – منو يقرأ ومنو يسمع ( منو – من )...
+++
الترجمة الحرفية – العتمة  لا تحب الضياء , والشرير لا يطيق الطيبة .
التعليق –  كلام صحيح , لأن الضياء يفضح العتمة , ولأن الطيبة تبيّن حقيقة الشرير . مثل فلسفي بامتياز , يعتمد على المقارنة ما بين الظواهر المتضادة , ومقارنة الاضداد اسلوب شائع لتوضيح معانى الكلمات والافكار. يوجد مثل أفغاني يقول – تعرف معنى دماثة الخلق عند رؤية الوقاحة ... 
+++
الترجمة الحرفية – لا تثق باذنيك , ثق بعينيك .
التعليق – مثل يتكرر عند مختلف الشعوب وبصيغ عديدة , وهو يؤكد على تجنب الاشاعات والثرثرة بين البشر . هناك صيغة طريفة لهذا المثل بلهجتنا العراقية تقول – شفت بعيني , محّد كلّي , ( رأيت بعينّي ,لم يقل لي أحد ) , وهناك مثل صيني دقيق في هذا المعنى , وهو -  ( ما تراه العينان حقيقة , ما تسمعه الاذنان مشكوك فيه ).
=====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

195
مع الملحق الثقافي المصري في موسكو د. الجبالي
أ.د. ضياء نافع
تعارفنا قبل عدة سنوات في احدى مؤتمرات مترجمي الادب الروسي في موسكو . كان أ.د. محمد الجبالي عندها رئبسا لقسم اللغة الروسية في جامعة عين شمس المصرية , وكان يمثُل مصر في المؤتمر المذكورمع زميلتي الرائعة أ.د. مكارم الغمري , الباحثة المصرية المعروفة في الادب الروسي , والتي كتبت عنها عدة مقالات ( انظر مقالتي  عنها بعنوان – مع أ.د. مكارم الغمري في موسكو) .  قضينا ثلاثة أيام باكملها معا في المؤتمر المذكور , وكنّا نتناول فطورنا صباحا سوية على مائدة واحدة – هو ومشرفته العلمية في دراسة الماجستير بمصر أ.د. مكارم , والمترجم العراقي المعروف د. تحسين رزاق عزيز وانا ( مشرفه العلمي في دراسة  الماجستير في جامعة بغداد ) , وكانت فترة الفطور مليئة بالاحاديث والذكريات الجميلة والهموم العربية المشتركة بين المختصين العرب في اللغة الروسية وآدابها , وأحلام هؤلاء المختصين , الاحلام التي تحققت ( وما أقلّها ) والاحلام التي ضاعت ( وما أكثرها ) في خضم الحياة العاصفة وغير المستقرة بتاتا في عالمنا العربي ( من المحيط الهادر الى الخليج الثائر !!) .
أ.د. محمد الجبالي- ومنذ فترة ليست بالقصيرة – يشغل منصب الملحق الثقافي لمصر في موسكو , وقد أفرحني هذا النبأ عندما علمت به في حينها , وكتبت له رأسا قائلا , ان شعار ( الرجل المناسب في المكان المناسب ) قد تحقق اخيرا في احدى اهم بلداننا العربية . حقق ا.د. محمد خلال هذه الفترة القصيرة نسبيا اعمالا رائعة حقا في مجال الحياة الثقافية الروسية – المصرية من اتفاقات ونشاطات ثقافية مهمة جدا مع المتاحف الروسية الشهيرة ( منها الارميتاج في بطرسبورغ , ومتحف بوشكين في موسكو ) , وتوسيع العلاقات مع مختلف الجامعات الروسية , وحتى استطاع ان ينظم اجتماعا موسّعا في موسكو بين رؤساء الجامعات الروسية والمصرية , وشارك فيها العديد من الاساتذة من الجانبين , وهو عمل رائد وخطوة جديدة تماما في مسيرة العلاقات الثقافية بين روسيا والعالم العربي باجمعه , وكان آخر عمل مبتكر قام به , هو اعلان مسابقة للاطفال الروس , دعاهم فيها الى رسم لوحات تجسّد الحضارة المصرية من وجهة نظرهم , وقد نشر مجموعة في غاية الجمال والابتكار من تلك اللوحات , التي رسمها هؤلاء الصغار الروس , وشكّل لجنة من الفنانين التشكيليين المصريين والروس لاختيار عشر لوحات , وستكون المكافأة للفائزين - تنظيم سفرة سياحية لهؤلاء الروس الصغار الى مصر مجانا , حيث استطاع الاتفاق بشأن تنفيذ ذلك مع بعض الشركات الروسية الكبيرة .
عندما بدأت دار نوّار للنشر باصداراتها , قررنا تقديم مجموعة من تلك الكتب هدية الى الملحقية الثقافية المصرية , وقد استقبل أ.د. محمد الجبالي تلك الهدية بترحاب شديد , واستلمها بكل سرور, وأضافها الى مكتبة الملحقية المصرية ( وهو بالمناسبة من قام بتأسيسها ) , وساهم بعرض تلك الكتب في المعارض الثقافية في الجامعات الروسية المهتمة باللغة العربية وآدابها ( وقد شاهدت شخصيا صورا عديدة لمعرض كتب في جامعة بطرسبورغ الروسية ساهم بتنظيمه أ.د. محمد باسم الملحقية الثقافية المصرية, وكانت كتب دار نوّار للنشر من ضمنها ) , وكذلك أوصل تلك الكتب الى جهات مصرية داخل مصر . واليوم , وبمناسبة صدور الكتاب الخامس من سلسلة كتبي بعنوان – ( دفاتر الادب الروسي ) عن دار نوّار للنشر , اتصلت تلفونيا به واتفقنا ان نلتقي في الملحقية الثقافية المصرية , كي اقدّم لهم عدة نسخ من الكتاب الخامس هذا , والذي يضم (52) مقالة حول الادب الروسي , وهكذا التقينا مرة اخرى , وكان اللقاء ودّيا للغاية , اذ اطلعت على بناية الملحقية الثقافية , وكيف انها تبدو وكأنها متحف مصرّي مصغّر , اذ تزدان جدرانها بلوحات مدهشة الجمال من الحضارة المصرية العريقة , ومرتّبة بتنسيق رائع , وكان أ.د. محمد الجبالي يشرح لي كل لوحة من تلك اللوحات وتاريخها واسرارها وخصائصها , وتوقفنا طويلا عند لوحة مدهشة لحجر رشيد بلغاته الثلاث , هذا الحجر التاريخي , الذي اكتشف العلماء عن طريقة اسرار اللغة المصرية القديمة. ثم جلسنا لشرب القهوة والدردشة , وعلمت منه , ان هناك الان ( 15) الف طالب مصري في الجامعات الروسية , وان اكثر من 90% منهم يدرسون في الاختصاصات العلمية , وتطالبهم الملحقية ببحوثهم العلمية , وترسلها الى المختصين داخل مصر لمناقشتها ومحاولة الاستفادة منها علميا وعمليا , وعرفت منه ايضا , ان هناك قناة تعاون بين الجامعات المصرية والروسية لايفاد التدريسيين  المصريين الذين يرغبون بكتابة بحوث ترقيتهم الى مرتبة الاستاذية في الجامعات الروسية و ذلك بالاشتراك مع الاساتذة الروس في اختصاصاتهم , وغالبا ما تكون هذه البحوث باللغة الانكليزية , وتخضع هذه البحوث بعد انجازها الى تقيييمات علمية موضوعية وحسب المتطلبات العلمية داخل الجامعات المصرية .
واثناء احاديثنا الممتعة هذه , اتصل مكتب دار نوّار للنشر تلفونيا , واخبروني بانجاز آخر كتاب من اصداراتنا , وهو بعنوان – (دراسات في الاثر العربي في اللغة والطبع والتراث الاسباني ) من تأليف د. بسّام ياسين البزّاز , رئيس قسم اللغة الاسبانية الاسبق في كليّة اللغات , والاستاذ حاليا في جامعة الجزائر , والمترجم العراقي الكبير عن اللغة الاسبانية , وأخبرت أ.د. محمد بذلك , وأبدى اهتمامه بهذا العنوان المهم , واتفقنا رأسا ان استلم هذا الكتاب الان , كي اقدّمه هدية الى الملحقية الثقافية المصرية , وهذا ما تم فعلا , وشكرني جدا على هذه الهدية العلمية القيّمة , ووعد بايصال هذا الكتاب المهم الى الجامعات المصرية داخل مصر , وادخاله طبعا الى صفوف مكتبة الملحقية الثقافية المصرية في موسكو ليطلع عليه الجميع . 
تحية تقدير الى الملحق الثقافي المصري في موسكو أ.د. محمد الجبالي ,, الرجل المناسب في المكان المناسب بكل معنى الكلمة...

196
عود على الامثال الروسية (19)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – كل شئ يمكن ان تجده في العالم , عدا الاب والام .
التعليق –  الله ! ما أجمل هذا المثل , هكذا صاح صاحبي عندما سمع المثل الروسي هذا . أيّدته انا طبعا , وقلت له - لا يوجد عند الانسان – اي انسان – أعزّ وأقرب من الوالدين .
+++
الترجمة الحرفية – اللسان الطويل ليس من أقرباء العقل .
التعليق – طبعا , اذ لو كان من أقرباء العقل لما أصبح ( طويلا !) . الصورة الفنية في هذا المثل مبتكرة بكل معنى الكلمة , وهي في غاية الطرافة والدقة ايضا . هناك امثال وحكم كثيرة عند مختلف الشعوب حول اللسان , وكلها تؤكد , ان اللسان الطويل ليس من أقرباء العقل فقط , وانما من ألدّ أعداء العقل ايضا . لنتذكر نموذجا واحدا من تلك الامثال , وهو المثل العربي – اللسان أجرح جوارح الانسان.
+++
الترجمة الحرفية – لا تسأل الاطرش عن تغريد البلبل .
التعليق – قال صاحبي وهو يضحك , انه بعض الاحيان يسأل الطرشان حول تغريد البلابل متعمدا , كي ( يتمتعّ !) بثرثرتهم ويحدد مستوى ( طرشهم الثقافي ! ), ولهذا فانه ليس موافقا على ما يدعو اليه المثل الروسي . ضحكت أنا , وقلت له , ان المثل لا يجبرك على ان تخضع له , خصوصا اذا كنت ( تتمتع !) بالحديث مع  (الاطرش بالزفّة ) ...
+++
الترجمة الحرفية – العيش و الحياة  ليس مع الثروة , وانما مع الانسان .
التعليق – هذا جواب حازم وصارم ورائع ل ( اللواتي !) يبحثن عن زوج غنيّ ليتمتعن بثروته , بغض النظر عن كل شئ آخر , وكم من مآسي حدثت بسبب هذه المفاهيم ( التجارية !) في المجتمعات كافة , وليس فقط في مجتمعاتنا ...
+++
الترجمة الحرفية – دون ان تتذوق , لن تعرف الطعم .
التعليق – مثل منطقي واضح المعالم , وهو ينطبق على كل شئ في الحياة , ف ( النظرية دون تطبيق ميّتة ) كما يقول المثل الاغريقي الفلسفي القديم . لنتذكّر مثلنا البسيط والعميق – التجربة احسن برهان ...
+++
الترجمة الحرفية – ليس الحصاد من الندى , وانما من التعرّق .
التعليق – الحصاد يأتي نتيجة عمل الانسان وجهده , اي (من عرق جبينه ) كما يشير القول العربي المأثور . المثل الروس هذا – واقعي وحقيقي ورمزي ايضا.
+++
الترجمة الحرفية –  بالدموع لا يوجد حلّ للمصيبة .
التعليق –  تسيل الدموع عند المصائب غصبا على الانسان وبلا ارادته , والدموع تخفف الضغط الهائل للمصيبة على النفس الانسانية , ولكن الدموع ليست حلّا لمعالجة المصيبة طبعا . المثل الروسي منطقي جدا , وهو يذكّر الانسان بضرورة التماسك والتحلّي بالصبر عند المصائب ...
+++
الترجمة الحرفية – البحر يحب الشجعان .
التعليق – والشجعان يحبون البحر ايضا . نحن نتذكّر ونتعاطف طبعا مع ابيات الشعر التي ذهبت مثلا , عندما جاءت معذّبة الشاعرالاندلسي (...من غيهب الغسق) وسألها – (... أما خشيت من الحرّاس في الطرق ؟ ) , فقالت له الحبيبة الشجاعة يكل ثقة - (...من يركب البحر لا يخشى من الغرق ).
+++
الترجمة الحرفية – كل انسان حدّاد سعادته .
التعليق –  نعم , هذا صحيح , و ( الحدّاد ! ) يصنع كل شئ بالعمل اليدوي الشاق والصعب , اذ انه يتعامل مع الحديد . مثل جميل وعميق , ويؤكد على ان سعادة الانسان من صنع عمل ذلك الانسان , عمله الشاق والصعب , الذي يشبه عمل الحدّاد وهو يطاوع الحديد .
==========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

197
عود على الامثال الروسية (18)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من ينام طويلا , يعيش مديونا .
التعليق – سبق وان أشرنا الى مثل روسي مشابه شكلا ومضمونا لهذا المثل , وهو – طويلا تنام خيرا لا تنال , ولكننا – مع ذلك - ارتأينا تثبيت هذا المثل هنا لانه اكثر دقة اولا , واكثر طرافة ثانيا .
+++
الترجمة الحرفية – لا تمدح نفسك , دع الناس يمدحوك .
التعليق – مثل حكيم . يوجد مثل عربي يقول – من مدح نفسه فهو كذاب . المثل الروسي هنا لا يشير الى ذلك , ولكنه يقول – لا تمدح نفسك ,  الا ان الجزء الثاني من المثل الروسي مهم جدا , اذ عندما يمدحك الناس , فان هذا يعني انك تستحق ذلك , اي ان المثل العربي والمثل الروسي يكملان بعضهما البعض -  من يمدح نفسه فهو كذب , ومن يمدحه الناس فهو حقيقة و صدق.
+++
الترجمة الحرفية – لا تسرع بالموت , دع الشيخوخة تأتي .
التعليق – الموت حق , وكل نفس ذائقة الموت , ولكن على الانسان – مع ذلك - ان يحيا محافظا على نفسه وصحته. هناك امثال واقوال مأثورة كثيرة عند مختلف الشعوب تؤكد على ضرورة هذا المفهوم السليم للحياة . لنتذكر القول المشهور في تراثنا  - ( اعمل لدنياك كأنك تعيش ابدا , واعمل لآخرتك كأنك تموت غدا ).
+++
الترجمة الحرفية – الفأرة ليست كبيرة , لكن اسنانها حادة .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو رمزي طبعا , اذ انه يذكّر الانسان بعدم الاستهانة بالظواهر الصغيرة حوله , والتي يمكن ان تؤدي الى كوارث هائلة في مسيرة حياته .  لنتذكرالمثل الشهير بلهجتنا العراقية , الذي يقول –  الحجارة الما تعجبك تفشخك . يوجد مثل ياباني يقول – التعاسات الكبيرة تحدث من اسباب صغيرة...
+++
الترجمة الحرفية – ليس صعبا حمل الحقيبة , اذا كان الخبز فيها .
التعليق – مثل رمزي جميل وحقيقي فعلا. الخبز يعني الحياة واستمرارها , والمثل يؤكد , انه ليس صعبا على الانسان ان يقوم ب ( حمل الحقيبة !) التي تطعمه , مهما تكن هذه ( الحقيبة !) ثقيلة .
+++
الترجمة الحرفية – لا تتفاخرعند الذهاب الى الحقل , تفاخر بعد العودة منه .
التعليق – رغم ان الصورة الفنية في هذا المثل ترتبط بطبيعة الحياة القروية , الا ان المعنى العام لهذا المثل عميق جدا , فما أكثر هؤلاء الذين يتفاخرون ويتبجحون قبل ( بداية العمل ! ) , ولكن الواقع يبّين حقيقتهم ( بعد العمل !) . مثل صحيح وشامل في كل المجتمعات .  يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – (رجّال اللي يعبي بالسكلة ركي ) ( السكلة – سقيفة لبيع الرقّي , او البطيخ الاحمر كما يسمى في   بعض البلدان العربية) .
+++
الترجمة الحرفية – ارتداء المعطف ليس للجمال , وانما للدفء.
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل يجب ان تعرفه كل النساء . قلت له ضاحكا – كل النساء وبعض الرجال ايضا . استمر النقاش بيننا حول هذا المثل , وتوصلنا – بعد التي واللتيا – الى ان  الدفء هو الهدف طبعا , ولكن المعطف الجميل يمنح الدفء ايضا ...
+++
الترجمة الحرفية – الوئام يوسّع البيت .
التعليق –- مثل جميل ودقيق جدا . يقول المثل الياباني – الخصومات في البيت تزرع الفقر .
+++
الترجمة الحرفية – دون ان تذوق المرّ , لن تعرف طعم الحلو .
التعليق – صحيح جدا , وما أكثر الامثال عند الشعوب , والتي تستخدم مفهوم المقارنة للوصول الى معانيها , ونذكر هنا مثلا من جورجيا يقول – اذا لم تر الظلام لا تعرف قيمة الضياء....
+++
الترجمة الحرفية – الايادي العاملة لا تعرف الملل .
التعليق – الملل يتعارض مع العمل , وهذه حقيقة ثابتة وواضحة في الحياة الانسانية . قال صاحبي , انه يتذكّر الان المثل بلهجتنا العراقية عن – ( الماعنده شغل يلعب .. ) فقاطعته وقلت له – لا تكمل , فالمثل معروف للجميع ...
=====================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

198
عود على الامثال الروسية (17)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية –  من النعجة لن يولد ذئب .
التعليق – مثل ساخر وطريف , والصورة الفنية فيه ساطعة , والمعنى المقصود به واضح جدا ولا يحتاج الى اثبات, ومع ذلك , فان هذا المثل ضروري جدا لهؤلاء الساذجين من البشر ( وما أكثرهم , خصوصا في مجتمعاتنا ) , الذين لا زالوا يعتقدون بامكانية مثل هذه الظواهر . يوجد مثل كوري يقول – من بذور الخيار لن ينمو الباذنجان .
+++
الترجمة الحرفية – لص البيت أخطر من اللص الغريب .
التعليق –  قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بامتياز . ضحكت انا وقلت له - فهمت قصدك , ولكن هذا المثل ظهر في روسيا قبل ظهور تلك السرقات (التي تقصدها في حياتنا السياسية !) , فضحك صاحبي وقال – ان هذا المثل قد تنبأ مسبقا بذلك وحذّرنا من ( حرامي البيت !) , ولكننا لم نأخذ تحذيره بنظر الاعتبار مع الاسف الشديد , لأننا كنّا عندها قاصرين....
+++
الترجمة الحرفية – واحد يذنب , ويتهمون الجميع .
التعليق – مثل صحيح , يرسم – بدقة واختصار - صورة تتكرر في كل زمان ومكان , وقد علّق صاحبي بأسى قائلا – ... وخصوصا في هذا الزمن  الرهيب , عندما يقوم مخبول بجريمة ارهابية وحشية , فيتهمون امما وشعوبا باكملها ...
+++
الترجمة الحرفية –  اللص يسرق جيدا , عندما يكون الليل معتما .
التعليق – كل السرقات تتم في ( العتمة!) , الا ان صاحبي اعترض بشدّة على ذلك , وقال - ان السرقات الكبرى عندنا تحدث في وضح النهار , فضحكت انا وقلت له - اعتراضك صحيح جدا , لأن ( حاميها حراميها ) .
+++
الترجمة الحرفية – من الافضل ان تعطي , مما ان تأخذ .
التعليق – قال صاحبي - لا ينطبق هذا المثل على كل الحالات , فالبخيل يفضل الأخذ على العطاء دائما , قلت له – كلامك صحيح , لأن البخل مرض يصيب الانسان , والمثل الروسي يقول – الغني البخيل افقر من الفقير , ولكن هذا المثل يتحدث عن الاكثرية من الناس الطبيعيين , الذين يخجلون ان ( يأخذوا ) , ويفضلون ان ( يعطوا ) , حتى اذا كانوا هم  انفسهم محتاجين .
+++
الترجمة الحرفية – كلمة الحنان أحلى من العسل .
التعليق – مثل جميل جدا . قال صاحبي , لو استطيع لارسلت هذا المثل بالبريد المسجّل العتيق الى اصدقائي ومعارفي كافة , فضحكت انا وقلت له – ذكّرني, عندما تبدأ بتنفيذ هذه الفكرة ( الجهنميّة ) , كي اعطيك انا ايضا قائمة متكاملة باسماء اصدقائي ومعارفي وعناوينهم , كي ترسل المثل لهم ايضا , فضحك صاحبي وقال – هذا يعني اننا ... في الهوا سوا....
+++
الترجمة الحرفية – بالصراخ تخيف الغربان , ولكن ليس لمعالجة الامور و الاعمال .
التعليق – مثل ساخر من هؤلاء , الذين ( يصرخون !) ليس الا في كل توجيهاتهم , دون ان يعرفوا معنى  التخاطب الطبيعي والانساني بين البشر . لنتذكر المثل الجميل وحكايته بمختلف اللهحات العربية عن الحيّة ,  وكيف انها تخرج من ( الزاغور, كما نقول بلهجتنا العراقية  ) عند سماعها الكلام الحلو ...
+++
الترجمة الحرفية – من يطرق الباب , يفتحون له .
التعليق –  ونحن ايضا نقول - من يطرق الباب يسمع الجواب , رغم ان المثل الروسي يذهب أبعد من سماع الجواب , اذ حتى يفتحون له الباب. ولكن في كل الاحوال , فان كل هذه الامثال , هي دعوة للانسان ان ( يطرق الباب ) , اي ان يعمل و يحاول , لا ان يجلس دون فعل وينتظر ليس الا ...
=======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض. ن.

199
عود على الامثال الروسية (16)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الزمان لا يغفو .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل الروسي غير اعتيادية جدا , وجميلة ايضا . توجد امثال عربية عديدة حول ذلك الموضوع ,  ومنها مثلنا العربي المعروف عن الوقت , الذي يقول , انه (.. كالسيف ان لم تقطعه قطعك ) . المثل الروسي هادئ ولا يشير الى ( القطع) , اما المثل العربي فانه اكثر حدة وحسما , ولكن وفي كل الاحوال , كلاهما يؤكدان على نفس المعنى , وهو ان الزمان يراقب الانسان دائما وابدا .
+++
الترجمة الحرفية – ضخم بجسده , لكن ضئيل بعمله .
التعليق – نتذكر - وبلا ارادتنا – مثلنا العربي الشهير وبمختلف لهجاتنا العربية حول ذاك الشخص الذي ( ... بطول النخلة ) , لكن عقله (.. عقل الصخلة ) .
+++
الترجمة الحرفية –  للمريض والسرير الذهبي لا يساعد .
التعليق – لا يمكن للنقود ان تنقذ صحة الانسان , اذ ان الصحة أغلى من كل شئ . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي دقيقة وساطعة جدا . يوجد مثل روسي سبق وان أشرنا اليه يقول -  أضعت النقود – لم تضع شيئا , أضعت الوقت  - أضعت كثيرا , أضعت الصحة – أضعت كل شئ .
+++
الترحمة الحرفية – لا توجد قاعدة دون استثناء.
التعليق – مثل واقعي في حياتنا المعقدة والمتشابكة , وكثيرا ما يصطدم الانسان ب ( قواعد !) تقتضي الاستثاء , وعلى العقول الجامدة ان تستوعب هذه الحقيقة الضرورية في مسيرة الحياة .
+++
الترجمة الحرفية – يحدث والمذنب على حق .
التعليق – يوجد مثل عربي شهير يقول – يا ما في السجن مظاليم  ,  وهناك امثال كثيرة لدى مختلف الشعوب حول هذا الموضوع , منها مثل اذربيجاني يقول – بقي اللص حرّا , واصبح الشاهد سجينا .
+++
الترجمة الحرفية – لا يمكن اخفاء الحقيقة .
التعليق –  لنتذكر القول الشهير - يمكن ان تخدع كل الناس بعض الوقت , و بعض الناس كل الوقت , ولكن لا يمكن ان تخدع كل الناس كل الوقت . هذا القول يؤكد طبعا صحة هذا المثل الروسي , وهناك امثال كثيرة اخرى عند مختلف الشعوب تؤكد ذلك ايضا , اذ لا يمكن حجب الشمس بالغربال , كما يقول مثلنا العربي ...   
+++
الترجمة الحرفية – الارمل ليس أبا للاطفال , هو نفسه يتيم .
التعليق – لا يمكن لاي شخص ( وحتى الاب ) ان يحل محل الام , اما زوجة الاب فان دورها السلبي معروف في هذا المجال حتى في القصص والحكايات الشعبية ...   
+++
الترجمة الحرفية – الرياح تحرّك البحر , والاشاعة – الشعب .
التعليق – اطلق على عدوك اشاعة , هذا هو شعار الحرب الاعلامية , التي اصبحت سائدة في عصرنا المتشابك ...
+++
الترجمة الحرفية – الشجرة السيئة لا تقطعها , بل اقتلعها.
التعليق – قال صاحبي ضاحكا, يبدو ان من اطلق شعار – (شلع قلع)  في العراق كان يعرف هذا المثل الروسي , فقلت له – ليس ذلك ضروريا , اذ ان تجارب كل الناس في كل البلدان تؤكد هذه الحقيقة , ومثلنا العربي يقول – لاتربط الجرباء حول صحيحة // خوفي على تلك الصحيحة تجرب ...
+++
الترجمة الحرفية – صديق الى حين – ليس صديقا .
التعليق – لا يوجد صديق مؤقت . المثل الروسي هذا يقول لنا - حذار من هؤلاء المنافقين , الذين يتظاهرون بالصداقة من اجل المصالح الشخصية , وما أكثرهم في كل المجتمعات .
=======================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

200
عود على الامثال الروسية (15)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الاصبع الواحد ليس قبضة يد .
التعليق – مثل بسيط وطريف في نفس الوقت , ومن الواضح ان هذا المثل يؤكد على ان الجهد الفردي ليس مثل الجهد الجماعي , وان القوة تكمن في الاتحاد معا . الصورة الفنية معبّرة جدا في صيغة هذا المثل الروسي . لنتذكر امثالنا وتعابيرنا  العديدة , التي تؤكد على نفس المعنى , ف ( الكثرة تغلب الشجاعة ) و ( الاتحاد قوة ) ...الخ . يوجد مثل كوري طريف جدا في هذا المعنى ايضا يقول – عندما تكون العصافير بالمئات فانها تستطيع ان تفقأ عين النمر .
+++
الترجمة الحرفية -  شخص واحد – سرّ , اثنان – نصف سرّ , ثلاثة – لا سرّ .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا , انه تذكّر النكتة العراقية عن الكتب السريّة التي تصدر في دوائرنا , وكيف ان المدير كتب على ذلك الكتاب مرة  ( سري للغاية والله العظيم ) . المثل الروسي هذا  صحيح في كل المجتمعات , وخصوصا في اوساطنا النسائية قبل كل شئ , والرجالية ايضا وبلا ادنى شك... 
+++
الترجمة الحرفية -  وتأكل جزر , عندما لا يوجد تفاح .
التعليق – مثل طريف جدا , وصيغته روسيّة بحتّة , فالارض الروسية مشهورة بوفرة الجزر والتفاح , ولكن التفاح يبقى ( تفاحا!) بالطبع مقارنة مع الجزر , ومن هنا جاء هذا المثل الروسي . كل شئ في حياتنا يخضع لهذه المفاهيم النسبية .  لنتذكر القول العربي الشهير – للضرورة احكام ...
+++
الترجمة الحرفية – الطير لا يبذر ولا يحصد , لكنه شبعان .
التعليق – مثل منطقي تماما , فالطير يطير ويبحث عن طعامه , اي انه يعمل – وحسب طريقته - من اجل الحصول على طعامه , اما الانسان فانه بلا اجنحة , ولهذا , يجب عليه ان يبذر ويحصد , والا سيبقى جائعا , فالكسل لا يطعم بصل كما يقول مثلنا المعروف .
+++
الترجمة الحرفية – الكسول وسط النهر ويطلب ان يرتوي .
التعليق – قال صاحبي , ان كل كسول هو ( تنبل ابو رطبة ) على طريقته الخاصة . ضحكت انا , وأيدّته . الصورة الفنية في المثل الروسي واضحة المعالم و معبّرة جدا وطريفة .
+++
الترجمة الحرفية -  رأس واحد جيد , رأسان  افضل .
التعليق – ونحن نقول ايضا -  ما خاب من استخار ولا ندم من استشار . الصيغة في المثل الروسي واضحة جدا وبسيطة جدا و دقيقة وحاسمة جدا .
+++
الترجمة الحرفية -  مهما تحاول مع الثور, لن تحصل منه على الحليب.
التعليق – مثل واقعي و طريف وصحيح جدا , وهو ينطبق على حالات اجتماعية عديدة ومتنوعة , ويذكرنا بالمثل المشهور بلهجتنا العراقية – ( اكول له ثور , يكلي حلبوه ) ( اقول له ثور , يقول لي احلبوه) . قال صاحبي , ان الثيران في مجتمعاتنا تتخفى باشكال متنوعة جدا , وهنا تكمن صعوبة تطبيق هذا المثل  عندنا , اذ  لا يمكن تحديدها بسهولة ...
+++
الترجمة الحرفية –  ليس لشرب العسل تتزوجين , وانما لصبّ الدموع .
التعليق – سألني صاحبي , هل انت متأكّد , ان هذا المثل روسي ؟ قلت له – الامثال تتناول حياة الناس بغض النظر عن تباين الاقوام والشعوب , ثم سألته , لماذا يشك في روسيّة هذا المثل , فقال لي ضاحكا - لاني كنت اظن , ان زواج الروسيات يختلف عن زواجنا ...
+++
الترجمة الحرفية – الكلمة تولد كلمة , اما الثالثة فتركض بنفسها .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل الروسي طريفة جدا . تؤكد امثال الشعوب كافة على ضرورة التفكير والتأني قبل اطلاق الكلمة , لأن  – (الندم على السكوت خيرمن الندم على الكلام) كما يقول مثلنا العربي ...
================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن. 

201
ديوكوف يستلم جائزة نوّار للحوار العراقي - الروسي
أ.د. ضياء نافع
استلم مدير عام شركة ( غاز بروم نفط ) الروسية السيد الكساندر فاليريفتش ديوكوف بتاريخ 10/11/ 2020 جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي في مقر الشركة بموسكو . قام بتسليم الجائزة السيد سفير جمهورية العراق في روسيا الاتحادية الدكتور عبد الرحمن الحسيني , وكان الحفل ( نتيجة للوضع الصحي المرتبط بجائحة كورونا ) محدودا جدا , و مقتصرا على عدة مدعويين فقط , وقد حضر عن الجانب العراقي السفير ورئيس لجنة جوائز نوّار , مع مترجمة السفير ومسؤول الاعلام في السفارة , اما عن الجانب الروسي , فقد حضر المدير العام لشركة ( غاز بروم نفط) ومساعده ومسؤول الاعلام في الشركة . جرى تسليم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي في قاعة خاصة بمقر الشركة في موسكو , وقد تم اعداد هذه القاعة الخاصة بالمفاوضات بشكل دقيق كي تتناسب مع هذه المناسبة , اذ جرى تزيين احد الجدران من بدايته الى نهايته باعلام روسيا الاتحادية وجمهورية العراق , وقد انتبه اعضاء الجانب العراقي عند دخول القاعة رأسا الى هذا الجدار الملائم تماما لروحيّة جائزة نوّار للحوار العراقي – الروسي فعلا , وعبّر السيد رئيس الجانب العراقي عن اعجابه الكبير بهذه الاعداد الفني  وجماليته وتعبيريته الرائعة , فاجاب احد اعضاء الوفد الروسي , انه كانت هناك عدة مشاريع لتنفيذ فكرة اعداد هذا الجدار ليكون مناسبا لهذه المناسبة , الا ان الرأي استقر على هذا الشكل الاخير باعتباره ملائما جدا للتعبير عن طبيعة هذه الجلسة التاريخية و الفريدة في شركة ( غاز بروم نفط) مع الجانب العراقي .
تكلم في بداية الجلسة السيد سفير جمهورية العراق , واشار في بداية كلمته الى ان جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي اصبحت جزءا مهمّا وحيويا في مسيرة العلاقات العراقية – الروسية , وتقليدا راسخا من تقاليد هذه العلاقات , وان هذه الجائزة قد تم منحها سابقا الى كل من السيد بوغدانوف وكيل وزارة الخارجية الروسية ( والذي وصفه السيد السفير بأنه - صديق العراق ) , وكذلك تم منحها الى السيد مكسيموف سفير روسيا الاتحادية في بغداد . توقف السفير العراقي في كلمته بعدئذ عند  آفاق العلاقات العراقية – الروسية , والتي مضى عليها 76 عاما , وأشاد بالدور الكبير الذي تؤديه شركة (غاز بروم نفط ) الروسية في تعزيز العلاقات الاقتصادية بين الدولتين الصديقتين , وذلك عن طريق بناء المشاريع النفطية في العراق .  تكلم بعد ذلك رئيس لجان جوائز نوّار , وقدّم شكر اللجنة العراقية للسيد ديوكوف على موافقته ان يكون الاسم الثالث في روسيا ضمن الاسماء الحائزة على جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وتحدّث عن نوّار , الذي اصبح اسمه الان رمزا من رموز مسيرة العلاقات العراقية – الروسية , هذه العلاقات التي تصبّ بمصلحة الشعبين العراقي والروسي . اختتم رئيس لجنة جوائز نوّار كلمته بالاشارة , الى اسم السيد ديوكوف والشركة الروسية ( غاز بروم نفط ) يرتبط في الوعي الاجتماعي العراقي بحقل ( بدرة ) , وبتلك النشاطات الاجتماعية للشركة في محافظة واسط , واختتم كلمته بتهنئة السيد ديوكوف على حصوله – وبجدارة - على هذه الجائزة الفريدة في تاريخ العلاقات العراقية – الروسية . تحدّث بعدئذ السيد ديوكوف , وعبّر عن شكره الجزيل على اختياره لهذه الجائزة , وأشار الى ان شركته مستمرة في عملها ونشاطاتها في العراق , خدمة لمصلحة البلدين الصديقين .
بعد انتهاء الكلمات , وقف الجميع عند الجدار الخاص بهذه الجلسة , حيث اعلام العراق وروسيا , وتم منح السيد ديوكوف الميدالية الذهبية لجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وذلك بتعليقها حول رقبته من قبل السفير العراقي, وبعد ذلك سلّم رئيس لجنة جوائز نوّار له الجدارية الخاصة بتلك الجائزة , والمكتوبة باللغتين العربية والروسية , وتم التقاط الصور التذكارية لهذه الفعّالية , وقد شرح رئيس لجنة الجائزة المضمون الرمزي في تلك المدالية الذهبية , حيث توجد نخلة ( رمز العراق) وشجرة البتولا ( رمز روسيا) على جانب مع صورة لنوّار على الجانب الآخر للميدالية , وهناك كتابة باللغتين العربية والروسية للتسمية الخاصة بهذه الجائزة , وهي – جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي .   

202
عود على الامثال الروسية (14)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ليست السنوات , وانما المصائب تجعل الانسان هرما .
التعليق – ... ويعرف الذين عانوا من المصائب في مسيرة حياتهم معنى هذا المثل الواقعي والحقيقي . هل تذكرون هذه الابيات من الشعر التي ذهبت مثلا –
لا يعرف الشوق الا من يكابده     ولا الصبابة الا من يعانيها   
لا يسهر الليل الا من به ألم    ولا تحرق النار الا رجل واطيها...
+++
الترجمة الحرفية –     عقلك – قيصر في الرأس .
التعليق – القيصر الروسي هو الحاكم المطلق , ولازالت الامثال الروسية تستخدم هذه التسمية , رغم انتهاء عصر القياصرة منذ زمن طويل . المثل الروسي هنا صحيح جدا , فالعقل بالذات هو الذي يجب ان يكون ( الحاكم المطلق) , والذي يجب ان يقرر كل شئ في مسيرة الانسان .
+++
الترجمة الحرفية -  لا يسوقون الحصان بالسوط , وانما بالشعير.
التعليق – وليس الحصان فقط . هل تذكرون التعبير الطريف بلهجتنا العراقية الذي يؤكد على  وسيلة – (...بالعيني والاغاتي ..) . المثل الروسي هنا اكثر وضوحا و دقة , اذ انه يتحدث عن ضرورة توفير الطعام عندما يسوقون الحصان . قال صاحبي انه يتمنى ان يوصل هذا المثل الى هؤلاء الذين يحكموننا بالسوط , دون ان يعرفوا انهم يقدرون ان يحكموا بشكل ابسط واضمن لهم اذا يوفرون الطعام ...
+++
الترجمة الحرفية – غضب القياصرة – سفير الموت.
التعليق –  قال صاحبي , انه تذّكر (المصطلح!!!)  الذي كان شائعا عندنا , و هو– (شهيد الغضب !) , ويطلق على الذين تم قتلهم بسبب غضب قياصرتنا , ثم (ندم !!!) هؤلاء القياصرة على ذلك بعدئذ , و ( لآت ساعة مندم ) . قلت له , غضب الحاكم المطلق في كل مكان يؤدي الى نفس النتائج . 
+++
الترجمة الحرفية – العمل و يعذب ويطعم ويعلّم .
التعليق – كلام صحيح جدا , فالعمل عنصر ضروري جدا للحياة الانسانية . لنتذكر القول العربي العميق - العمل عبادة . يوجد مثل افغاني يقول – لا يوجد عمل , لا توجد راحة .
+++
الترجمة الحرفية – الخادم ليس رفيقا للسيد .
التعليق – مثل يثير الكثير من الجدل بين من يؤيده بقوة , وبين من يعارضه بقوة ايضا , ويمتلك كل جانب منهما امثلته وبراهينه وفلسفته , ولا يوجد رأي محايد بين الاثنين .
+++
الترجمة الحرفية – كل شئ حنطة للدجاجة العمياء.
التعليق – يمكن خداع كل من لا يقدر ان يرى , ولهذا , افتحوا عيونكم جيدا كي تعيشوا بشكل طبيعي , هذا هو جوهر هذا المثل الروسي , والذي يبدو وكأنه بسيط جدا , ولكنه في الواقع عميق الدلالة .
+++
الترجمة الحرفية – والدب يعلموه الرقص .
التعليق – كل شئ يمكن ان نتعلمه , سواء الذي يتناسب مع طبيعتنا او لا يتناسب مع هذه الطبيعة , ولكن يبقى ( الطبع يغلب التطبع) , كما يقول المثل العربي الشهير وحكايته الطريفة .
+++
الترجمة الحرفية – لا يبيعون الحكم والامثال في السوق , لكن الجميع يحتاجونها.
التعليق – لا يمكن شراء كل ما يحتاجه الانسان في السوق , فالحياة الانسانية اوسع واكبر واعظم من عمليات البيع والشراء في السوق بالنقود . مثل عميق ورائع .
================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.    

203
عود على الامثال الروسية ( 13)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – على مسمار واحد لا يمكن ان تعلق كل شئ.
التعليق – مثل رمزي عميق المعنى , والصورة الفنية فيه طريفة جدا , اذ انها تستخدم ( طريقة التعليق!) لدى الناس البسطاء في كل المجتمعات , ولكن الرمز في هذا المثل واضح المعنى , وكم توجد في عالمنا العربي من ( مسامير !) يعلق عليها (القادة!!!) كل مشاكلنا.
+++
الترجمة الحرفية – لا يمكن الهروب من ظلّك .
التعليق – يوجد مثل هؤلاء الناس بيننا , الذين يريدون الهروب من ماضيهم وحتى من حاضرهم , ولكن هذا المثل الروسي يقول لهم  بدقة ووضوح وحزم – هيهات هيهات , فالهروب مستحيل...
+++
الترجمة الحرفية – من يثرثر كثيرا , يكذب كثيرا .
التعليق –  الكذب صفة تلازم دائما مسيرة الانسان الثرثار. المثل الروسي يقدّم لنا خلاصة بسيطة ودقيقة جدا لهذه الحالة السلبية في مسيرة حياة بعض البشر , وهم ليسوا بقليلين في مجتمعاتنا مع الاسف . الحذار الحذار من الثرثارين , فانهم يكذبون ...
+++
الترجمة الحرفية – قلب الام يمنح الدفء افضل من الشمس .
التعليق – صحيح جدا , والصورة الفنية في هذا المثل ( دافئة ) جدا ...
+++
الترجمة الحرفية – لا يعالجون المرض برنين الاجراس .
التعليق – المثل الروسي يعكس حالة المجتمع الروسي طبعا , و ( رنين الاجراس ) يعني , كيف ان الانسان البسيط كان يأتي بمريضه الى الكنائس لعلاجه . قال صاحبي بأسى – لا تذكرني بما كنت اشاهده في مدينتي الحبيبة , حيث ولدت وترعرعت , اذ كانت هذه الحالات المأساوية  تجري امامي غالبا , لأن بيتنا كان بجوار أحد المراقد  ...
+++
الترجمة الحرفية –  بعض الاحيان الكلمة اسوأ من السهم.
التعليق – يتكرر هذا المثل عند مختلف الشعوب وبصيغ عديدة جدا , ويؤكد هذا المثل وتكراره على خطورة الكلمة ودورها الهائل في المجتمعات كافة , بغض النظر عن اختلافات هذه المجتمعات وتنوعها . لنتذكر فقط هنا مثلنا العربي البسيط والعميق والواضح وهو بلهجتنا العراقية  – الجرح يطيب  والكلمة ما تطيب ( تطيب = تشفى ) .
+++
الترجمة الحرفية -  الاحتياط لا يطلب ملحا .
التعليق – دعوة عقلانية لتذكير الانسان بمبدأ سليم وضروري في مسيرة الحياة , اذ لا يعلم الانسان ما الذي ينتظره غدا . الصورة الفنية في هذا المثل طريفة جدا .
+++
الترحمة الحرفية – يحرّك لسانه , مثلما تحرّك البقرة ذيلها .
التعليق – ضحك صاحبي عندما سمع هذا المثل الروسي , وقال انه تذكّر أحد معارفه الثرثارين , والذي كان ( يحرّك لسانه ) في كل المناسبات بغض النظر عن معرفته او عدم معرفته بها , وكأن هذا المثل عنه بالضبط . قلت له ضاحكا , يبدو انه كان يزور روسيا غالبا , لدرجة ان الروس قرروا ان يقيموا له ( مثلا !!!) خاصا به وعنه .
+++
الترجمة الحرفية – صداقة سيئة افضل من خصام جيد .
التعليق –  ونحن نقول بلهجتنا العراقية – الف صديج ( صديق ) ولا عدو . اعترض صاحبي قائلا - الصورة الفنية في المثل الروسي غريبة بعض الشئ , اذ ما معنى ( صداقة سيئة ) , فقلت له , وهل ( الف صديق ) في مثلنا تعني , ان كل هؤلاء (الالف صديق) هم اصدقاء حقيقيون , ومن المؤكد ان بينهم ( سيئون) , ولكن مع ذلك , فان هذه ( الصداقة! ) افضل من العداوة والخصام . يوجد مثل روسي أشرنا اليه سابقا في نفس المعنى وهو – سلم ردئ افضل من خصام جيد .
+++
الترجمة الحرفية – مثل الاعمى , يتناقش عن الالوان .
التعليق – مثل طريف جدا , اذ لا يمكن لك ان تقول للاعمى انه لا يعرف معنى الالوان , ولا يمكن ان تقول له انه اعمى ولا يرى اصلا تلك الالوان , ولهذا تضطر ان تستمع اليه وتلعن - بينك وبين نفسك – تلك اللحظة , التي جعلتك تتناقش معه .
========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة من كتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا.
ض. ن.

204
جوائز نوّار ( 2020) لالكساندر ديوكوف و لطفية الدليمي وعزيز علي
أ.د. ضياء نافع
كان من المفروض ان تعلن نتائج جوائز نوّار في ايلول ( سبتمبر ) 2020 كما جرت الامور سابقا , الا ان جائحة كورونا عرقلت ذلك مع الاسف الشديد , ومع ذلك , فان لجان جوائز نوّار استطاعت ان تنجز اعمالها , وها هي تعلن النتائج النهائية لهذا العام ( 2020 ) وكما يأتي –
1 – جائزة نوّار لتعزيز الحوار  العراقي – الروسي للسيد ديوكوف.
قررت اللجنة منح هذه الجائزة للسيد الكساندر فاليريفتش ديوكوف – المدير العام لشركة ( غاز بروم نفط ) الروسية تقديرا لجهوده الكبيرة في حقل بدرة في محافظة واسط بالعراق, ومساهمة الشركة المذكورة بالاعمال الاجتماعية في تلك المحافظة . ان منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي للسيد ديوكوف يؤكد اهمية التعاون الاقتصادي العراقي – الروسي للجانبين وفائدته المشتركة . تتشرف جائزة نوّار ان يقترن نشاطها باسم  الكساندر فاليريفتش ديوكوف .
2 - جائزة نوّار للمترجمين العراقيين للسيدة لطفية الدليمي .
قررت اللجنة منح هذه الجائزة للسيدة لطفية الدليمي تقديرا لجهودها المتميّزة الكبيرة في اغناء حركة الترجمة العراقية والعربية عموما في السنوات الاخيرة , واصدارها مجموعة ممتازة من الكتب المترجمة في مجالات ثقافية متعددة . لطفية الدليمي الان تعد واحدة من الاسماء الكبيرة في عالم الثقافة العراقية عموما , والترجمة خصوصا . تتشرّف جائزة نوّار ان يقترن نشاطها باسم المبدعة لطفية الدليمي .
3- جائزة نوّار للمبدعين من مدرسة الموسيقى والباليه للمرحوم  عزيز علي .
قررت اللجنة منح هذه الجائزة للمرحوم عزيز علي , أحد اوائل مؤسسي مدرسة الموسيقى والباليه , وقد تم الأخذ بنظر الاعتبار دور الفنان عزيز علي في تاريخ حركة الفن العراقي ومكانته المتميّزة فيها , اذ انه كان يؤلّف قصائده ويلحّنها ويغنيها بنفسه , وادّت اغانيه ( ولازالت تؤدي لحد الآن ) دورها الكبير في مسيرة المجتمع العراقي. تتشرف جائزة نوّار ان يقترن نشاطها باسم فنان الشعب العراقي المرحوم عزيز علي . 
سيتم الاعلان عن تفاصيل تسليم جوائز نوّار لاحقا  .
أ.د. ضياء نافع
 رئيس لجنة جوائز نوّار ورئيس مجلس ادارة دار نوّار للنشر
4/11/2020


205
عود على الامثال الروسية (12)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – ترقد قرب النار , وتريد الا تحترق .
التعليق – يقول المثل الصيني – الاقرب الى النار هو اول من يحترق . قال صاحبي - ( الراقدون !) قرب النار في بلادنا , الذين ( يتكسبون !) منها , سيحترقون ان عاجلا او آجلا , وان الاقرب من النار – كما يقول المثل الصيني الحكيم – هو الذي سيحترق اولا , فقلت له -  ( غدا لناظره قريب )... .
+++
الترجمة الحرفية - من الصعب السباحة ضد الماء .
التعليق – من الواضح في هذا المثل , انه يتناول حياة الانسان الذي ( يسبح ضد التيّار) في مسيرة الحياة . نعم , من الصعب طبعا  السباحة هكذا , ولكن ما العمل عندما يضطر الانسان على السباحة ضد تيّار الحياة ؟ قال صاحبي -  هناك جواب واحد عن هذا التساؤل , وهو بيت الشعر الشهير – ( اما حياة تسرّ الصديق //  واما ممات يغيظ العدا) ...
+++
الترجمة الحرفية -  الايادي الكسولة ليست من اقارب الرأس الذكي .
التعليق –  بنيّة هذ االمثل الروسي في غاية الطرافة . نعم فعلا , لا يمكن للرأس الذكي الا ان ( يتصاهر !!) مع الايادي النشطة , التي تنفّذ خططه ومشاريعه الذكية , اذ ان ( الطيور على اشكالها تقع )... . 
+++
الترجمة الحرفية -  الشبعان لا يتفهم الجوعان , والفقير لا يثق بالغني .
التعليق – صيغة اخرى لمثل مشهور عالميا , وقد سبق لنا ان ذكرناه , الا اننا نكرره هنا بسبب اضافة الجزء الآخر له , وهو عدم ثقة الفقير بالغني . الشبعان هو الغني والجوعان هو الفقير , والعلاقة بينهما متشابكة جدا- ( عدم التفهّم وعدم الثقة )  , ونتيجة لهذه العلاقة سيحدث حتما – التصادم . مثل عميق يؤكد على حتمية الصراع الازلي في مسيرة البشر .
+++
الترجمة الحرفية -  للطير اجنحة , وللانسان عقل .
التعليق – وهذا المثل الرائع يعني , ان قوة الطير باجنحته وقوة الانسان بعقله , فالطير ( باجنحته يطير!) ويحصل على مقومات حياته, والانسان ( بعقله يطير ايضا!) ويحصل على مقومات حياته . مقارنة جميلة حقا .
+++
الترجمة الحرفية -  لا تقطع الغصن , حيث تجلس .
التعليق – .. فعندما تقطع الغصن حيث تجلس , فانك تسقط . ومع ذلك , كم تتكرر هذه الحالات في حياتنا . الانسان بلا ( غصن !) يستند اليه يصبح تائها وضعيفا امام عواصف الحياة . الغصن في هذا المثل الروسي هو رمز بيت الانسان وجذوره , وهناك مثل بلهجاتنا العربية كافة يقول – الذي يترك داره يقل مقداره ....
+++
الترجمة الحرفية – مئة صديق افضل من مئة روبل .
التعليق – الصداقة اهم من الثروة وافضل منها , وهي عماد الحياة وضمانتها بلا ادنى شك .
+++
الترجمة الحرفية -  طويلا تنام – خيرا لا تنال .
التعليق –  المثل واضح المعالم طبعا , فالخير يأتي للانسان نتيجة عمله ومسعاه ونشاطه , ولنتذكر الآية الكريمة – ( .. ليس للانسان الا ما سعى , وان سعيه سوف يرى ..)
+++
الترجمة الحرفية – ليس عند العمل ايادي , وانما عند الايادي عمل .
التعليق – العمل لا يطرق باب الانسان لانه لا يمتلك ايادي , وان على الانسان الذي يمتلك الايادي ان يطرق بها باب  العمل . مثل طريف ودقيق وصحيح جدا .
==============================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

206
عود على الامثال الروسية (11)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -     الكلمة الجميلة - فضة , العمل الجيّد - ذهب .
التعليق – مقارنة غير اعتيادية بين الفضة والذهب , اذ ان المثل العالمي المشهور جدا يقول , ان الكلام من فضة والصمت من ذهب , اما في هذا المثل , فان العمل الجيد وليس الصمت هو من ذهب . قال صاحبي , انه يؤيد – وبحماس - هذا ( التعديل الرائع!) للمثل التقليدي القديم و( يبصم عليه بالعشرة !) , فالعمل افضل مئات المرآت من الصمت , فقلت له – نعم , وانا ايضا اؤيد ذلك التعديل الجميل .  لنتذكر القول العربي الخالد - ( العمل عبادة) .
+++
الترجمة الحرفية – الورقة لا تحمّر من الخجل .
التعليق – لهذا فان الورقة تتحمّل كل ما يكتبون عليها من حماقات وسخافات وترّهات واكاذيب و وشايات ...الخ . مثل رمزي عميق وطريف ايضا , والصورة الفنية فيه مدهشة الجمال و مليئة بالخيال . قال صاحبي - كم نحن بحاجه الى التأكيد على مضمون هذا المثل الاخلاقي الرائع بمسيرة حياتنا في الوقت الحاضر ...
+++
الترجمة الحرفية – اذا تخاف من الضفادع , لا تسبح في النهر.
التعليق –  جوهر الموضوع يكمن في ان هذا الشخص ( يخاف من الضفادع !) ومع ذلك (يصرّ على السباحة في النهر!) . علّق صاحبي على هذا المثل ضاحكا – مثلنا الشهير عن الرمانتين في يد واحدة يبدو باهتا جدا جدا امام هذا ( الشجاع العنيد !) .
+++
الترجمة الحرفية -  السمكة التي لم تصطادها تبدو دائما كبيرة .
التعليق – كل الاهداف التي لا يستطيع الانسان تحقيقها في مسيرة حياته تبدو له اكبر من حجمها , وهي ظاهرة عامة في كل المجتمعات . المثل يجسّد هذا المفهوم الانساني الخالد بصيغة رمزية جميلة وواضحة جدا . مثل فلسفي بامتياز .
+++
الترجمة الحرفية – عندما يفكّر الرأس , اللسان يرتاح .
التعليق – صيغة اخرى جميلة للكثير من الامثال وعند مختلف الشعوب , و التي تؤكد على ضرورة التفكير قبل اطلاق الكلمة . جمالية هذا المثل الروسي تكمن بالاشارة الى اللسان ( ان يرتاح !!) , وهي صيغة طريفة ومؤدبة جدا , تقول للانسان بما معناه ( ان يصمت !) , عندما يفكر العقل لاعداد الجواب. 
+++
الترجمة الحرفية – وستأتي الشمس نحو نوافذنا .
التعليق –  لولا الامل لبطل العمل ... 
+++
الترجمة الحرفية -  النحلة تلسع بالابرة  , و الانسان بالكلمة .
التعليق – ياله من مثل حاذق .  فبالكلمة يمكن للانسان ان ( يلسع !) الآخرين . كم توجد امثال عند مختلف الشعوب تتحدث عن تلك الظاهرة الخطيرة واللئيمة في حياة البشر. لنتذكر مثلنا الطريف و ( اللئيمّ) بمختلف اللهجات العربية , وهو كما يأتي بلهجتنا العراقية – احاجيج يا بنتي واسمعج يا جنتي .
+++
الترجمة الحرفية -  اطلب الكثير , وخذ ما يعطونه .
التعليق –  يذكرنا هذا المثل بالشعار السياسي , الذي كان مطروحا  في زمن الملك فيصل الاول  بالعراق في بداية تأسيس الدولة العراقية , وهو  - خذ وطالب , الا ان صاحبي قال , ان شعار فيصل الاول كان اكثر دقة , اذ انه قدّم عملية ( الأخذ) قبل ( المطالبة ), اي انه يختلف جوهريا عن بنية وفلسفة المثل الروسي هذا .
+++
الترجمة الحرفية – الكلمات الفارغة ,  جوز بلا لبّ .
التعليق – صورة فنيّة جميلة , ومقارنة حقيقية فعلا . لا فائدة من الكلمات الفارغة ولا من الجوز بلا لبّ , اذ ان هذا الجوز فارغ ايضا مثل تلك الكلمات .  نحن بحاجة جدا ان نتذكر هذا المثل الروسي , اذ ان سيل ( الجوز الفارغ!) يكاد ان يجرفنا .
==================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

207
عود على الامثال الروسية (10)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  النقود ليست في النقود , وانما في الاعمال .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل الروسي ينطبق على حالنا بشكل غريب , فقلت له , وينطبق على حال كل المجتمعات ايضا , فما قيمة تكديس النقود المجرّدة دون ان  تتحول الى اعمال ؟ ولكن صاحبي أصرّ على ان هذا المثل الروسي يكاد ان يكون ( مصنوعا خصيصا لنا ) , اذ انه يذكّره بالارقام الخيالية للنقود التي تمنحنا اياها ثروات بلدنا الهائلة  والاوضاع الخيالية ( ايضا) للبطالة السائدة والفقر الرهيب في بلدنا الحبيب . قلت لصاحبي - بعد ان صمتنا قليلا – نعم , ان المثل ينطبق علينا قبل الآخرين فعلا ...
+++
الترجمة الحرفية – بخيل مثل ذئب , وجبان مثل أرنب .
التعليق – هذا المثل يحمل صفة البيئة الروسية طبعا , وتكمن طرافته في هذا الجانب بالذات . علّق صاحبي قائلا , انه لم يكن يعرف , ان الذئب بخيل , والارنب جبان , وقال ضاحكا – هذه هي فائدة الاطلاع على امثال الشعوب الاخرى , فانها توسّع المعرفة والثقافة لدى الانسان , فقلت له نعم , الحياة الانسانية المعاصرة تتطلب الاطلاع على ثقافة الآخرين , والحياة تصبح أجمل وافضل في الحوار بين الحضارات الانسانية المختلفة والمتنوعة , والامثال عنصر مهم من عناصر ثقافة الشعوب .
+++
الترجمة الحرفية – الرجل بلا امرأة , مثل الوزّة بلا ماء .
التعليق – قال صاحبي ضاحكا -  والمرأة بلا رجل , مثل الوزّة في الصحراء , قلت له , اي ان المرأة بلا رجل في نفس حالة الرجل بلا امرأة , فقال وهو يستمر بالضحك – لا , لا , اسوأ , خصوصا عندنا في الشرق , اذ ان الرجل يستطيع ان يجد بعض الاحيان ( الماء ) في بعض ( الحنفيات!) هنا او هناك , ولكن المرأة المسكينة لا تستطيع ان تجد حتى قطرات من الماء الا بصعوبة كبيرة جدا في الصحراء القاحلة , اذ لا توجد ( حنفيات !) في الصحراء ... 
+++
الترجمة الحرفية – لا يمكن الرقص في عرسين بآن واحد .
التعليق –  الصورة الفنية لهذا المثل طريفة وجميلة ومبتكرة بكل معنى الكلمة . توجد امثال كثيرة في نفس المعنى عند الشعوب الاخرى , منها المثل العربي الطريف والعميق , وهو – (من أكل على مائدتين اختنق) , وهناك مثل افغاني طريف ايضا يقول -   (الانسان لا يعبر النهر بزورقين ) .
+++
الترجمة الحرفية – الضحك بلا سبب , علامة الحماقة .
التعليق – ونحن نقول بالعربية - الضحك بلا سبب من قلة الادب . المثل العربي أشد وضوحا و صرامة وحزما من المثل الروسي , رغم انهما يشجبان طبعا حالة الضحك بلا سبب في العلاقات الانسانية .
+++
الترجمة الحرفية – الشروق يعطي النقود .
التعليق – يوجد مثل عربي شهير يقول – (( الصباح رباح)) , بل ويوجد مثل آخر اكثر دقة في نفس المعنى , وهو – (( اصبح ( بكسر الباء) تربح )) .  المثل الروسي هنا يحدد الموقف نفسه بشكل واضح جدا . كل هذه الامثال تؤكد على ضرورة العمل الانساني النشط منذ الصباح , حيث يكون الانسان بكامل قواه  البدنية والذهنية , وان هذا العمل يؤدي حتما الى نتائج ايجابية تنعكس على مسيرة حياة الانسان نفسه , وحياة عائلته طبعا .
+++
الترجمة الحرفية – وراء العيون , والقيصر يسبّونه .
التعليق – مثل سياسي بامتياز , وهو يصلح لكل زمان ومكان في مسيرتنا , وكم مارست شعوبنا ( المقهورة !) ولازالت تمارس هذا الاسلوب للتنفيس عن افكارها الدفينة في اعماق النفس .   
====================================================
من الطبعة الثانية لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

208
عود على الامثال الروسية (9)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تشيّد سبعة كنائس , بل اطعم سبعة أطفال يتامى .
التعليق – و في التراث الاسلامي ايضا توجد هذه  المفاهيم , التي تؤكد ان اطعام جائع افضل من بناء جامع . الجوهر الانساني الحقيقي لكل الاديان واحد , الا ان ( التجّار !!) شوهّوا هذه الصورة الانسانية الرائعة , والذين حاولوا ( ولا زالوا يحاولون ) ان ينسفوا  الشعار العربي العظيم  , والذي رفعته الشعوب العربية كافة منذ فترة طويلة , وهو – الدين لله والوطن للجميع...
+++
الترجمة الحرفية – نسي الثور , عندما كان عجلا .
التعليق – يوجد مثل مناظر لهذ المثل الروسي بمختلف اللهجات العربية يقول – (يا عمّه ما كنتي كنّه) . الصورة الفنية في المثل العربي أجمل وارشق وأكثر واقعية , اما الصورة الفنية  في المثل الروسي فاكثر قسوة, رغم ان المعنى مشترك .
+++
الترجمة الحرفية – فكّر مرتين , وتكلم مرة واحدة .
التعليق – كل امثال الشعوب تؤكد على ضرورة الحذر من الثرثرة دون تفكير , اذ ان عواقب زلّة اللسان وخيمة , و توجد امثال عربية كثيرة حول ذلك , منها – (ربّ كلمة سلبت نعمة) , و يقول المثل الهندي – في البداية فكّر , بعدئذ تكلم , ويوصي المثل الاذربيجاني – امضغ الكلمة قبل ان تخرجها من فمك.....
+++
الترجمة الحرفية – على شعيرة من الموت .
التعليق –  يوجد تعبير مشابه بالعربية يقول - على شفا الموت , ويوجد مثل باللهجة العراقية حول هذه الحالة يقول -  واصل الى باب قبره . كل هذه الامثال والتعابير قاسية , الا انها تعبّر فعلا عن طبيعة الحياة الانسانية , ف (كل نفس ذائقة الموت) ....
+++
الترجمة الحرفية – الجد كان يعرف كثيرا , لكنه مات .
التعليق –  مثل رمزي عميق , خصوصا بالنسبة للناس الذين ( يتباهون!!!) دائما ب ( ماضيهم المجيد و التليد !!!) . قال صاحبي , ولماذا لا تشير الى ان هذا المثل الرمزي يشمل ايضا شعوبا باكملها , فقلت له , اخفض صوتك يا صاح , فالحليم تكفيه الاشارة ...
+++
الترجمة الحرفية – لا تثق بالبداية , ثق بالنهاية .
التعليق –  نعم , هذا صحيح جدا , لان (الامور بخواتمها ) كما يقول المثل العربي المعروف .
+++
الترجمة الحرفية –      اصبحت نعجة – الذئاب مستعدة .
التعليق – هذا مثل صحيح فعلا , ويوجد مثل باللهجة العراقية يقول - ( السطرة بعلبة الفقير) ( الضربة برقبة الفقير ) . المثل الروسي واضح ودقيق وصارم , وهو يؤكد المثل العربي المعروف -  (ان لم تكن ذئبا اكلتك الذئاب) .
+++
الترجمة الحرفية -  القلب ليس حجرا , انه يذوب.
التعليق – توجد اغنية  تراثية عراقية شهيرة جدا لدرجة انها تكاد ان تكون مثلا من الامثال العراقية , وتقول هذه الاغنية -  (قلبك صخر جلمود ما حنّ عليّ) . المثل الروسي يتعارض مع مضمون تلك الاغنية , اذ انه يشير , الى ان القلب ليس حجرا , وانه يتعاطف ويذوب . قال صاحبي , ان المثل الروسي أكثر واقعية , اذ ان القلب هو رمز العواطف عند كل الشعوب , وان الصورة الفنية في الاغنية العراقية مبالغ بها , وان هذه الصورة ربما تحاول ان تعكس وضع المرأة بمجتمعنا في فترة العهود القديمة , أما أنا , فقد  لذت بالصمت ...
+++
الترجمة الحرفية – الوزّة ليست رفيقة للخنزير.
التعليق – يترجم جابر ابو جابر في القاموس المعاصر الكبير ( روسي – عربي ) هذا المثل  كما يأتي – (لايجمع بينهما اي جامع ), وهذا مثل صارخ الى ما ندعو له في كتاباتنا حول ضرورة الترجمة الحرفية للمثل اولا , ومن ثم الاشارة الى استخداماته واغراضه , اذ ان المثل بلغته الاصلية يمتلك خصائص يجب ان يطلع عليها المتلقي قبل ترجمة المعنى المقصود في جوهر المثل .
=====================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

209
عود على الامثال الروسية (8)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  لا يمكن شراء العقل بالنقود .
التعليق – كلام صحيح , ولو كان الشراء ممكنا , لاصبح كل الاغنياء – اذكياء , بينما نرى واقعيا , ان معظمهم ليسوا هكذا , الا ان صاحبي لم يتفق معي حول ذلك , وقال لي , ان الاغبياء لا يصبحوا اغنياء , وان الغبي يفقد الثروة حتى اذا جاءت له بالوراثة , وان الحفاظ على الثروة يتطلب الذكاء , فقلت له , ولكن فلان اصبح مليونيرا وهو غبي , فقال , ان هؤلاء السرّاق سيدفعون الثمن غاليا , ولو كانوا اذكياء لما سرقوا وطنهم , وضحكنا كلانا بحزن , ثم قال لي صاحبي – هل تذكر بيت شعر للجواهري قال فيه , ان هؤلاء سيحاسبون ( ...  وسينطق الرقم الخبيث بما جنى ) , فقلت له – نعم اتذكره , و ( اللي يعيش يشوف) كما نقول بلهجتنا العراقية ... 
+++
الترجمة الحرفية – رأس بلا عقل – قنديل بلا ضياء .
التعليق – مثل جميل ومقارنة طريفة و دقيقة وصحيحة  جدا, فالعقل هو ضياء الحياة الانسانية فعلا , ولا فائدة من رأس بلا عقل , مثلما لا فائدة من قنديل بلا ضياء ...
+++
الترجمة الحرفية -  ليس الحصان الذي يكبو سيّئا , وانما ذاك الذي يسقط .
التعليق – لكل حصان كبوة , ولكن الحصان الجيد عندما يكبو لا يسقط, بل ينهض من جديد . مثل رمزي رائع يتناغم مع الحياة الانسانية في المجتمعات كافة . الاصرار على المسيرة في الحياة رغم العثرات والكبوات - هو  جوهر هذا المثل الروسي العميق . هناك مثل صيني يقول – لا تخافوا من التباطؤ بل من التوقف...
+++
الترجمة الحرفية – البحر لا يغرق ( بضم الياء) السفن , وانما الرياح .
التعليق – لنتذكر القول العربي الشهير -  من يركب البحر لا يخشى من الغرق ... , ولكن ما العمل اذا هبّت الرياح ؟ معنى المثل الروسي صحيح وحازم ,  ويبقى الانسان ضعيفا امام هذه الظواهر الطبيعية العملاقة ...
+++
الترجمة الحرفية – للبضاعة الرخيصة والسعر رخيص .
التعليق – يوجد مثل روسي سبق وان أشرنا اليه يقول – (الشئ الجيد لا يمكن ان تشتريه رخيصا) , وهو في نفس المعنى طبعا , او الوجه الآخر للميدالية كما يشير التعبير الشائع .
+++
الترجمة الحرفية – احب العمل –  وستكون عندها من المهرة المتفوقين فيه.
التعليق – النص الروسي للمثل يستخدم كلمة ( ماستر) وغالبا ما يترجموها – معلم / معلم حرفة / استاذ / ماهر او حاذق في عمله ...الخ , وباللهجة العراقية – اسطه او استاد , وبالمصرية معلم  . ارتأينا ان نضعها في الترجمة الحرفية بصيغة جملة توضيحية , كي تعبّر عن المعنى الدقيق لنص المثل الروسي . المعنى العام للمثل الروسي صحيح جدا وحقيقي فعلا , فعندما يحب الانسان عمله يبدع فيه , ويؤديه بمهارة , ولا يؤديه كما يقول المثل الطريف باللهجة العراقية - (جفيان شر ملا عليوي) , والذي يعرف العراقيون قصته .
+++ 
الترحمة الحرفية – هو يخاف من ظله .
التعليق – يوجد مثل مشابه له باللهجة العراقية وهو – يخاف من خياله ( الخيال – الظل ) , ويضرب هذا المثل للدلالة على ان هذا الشخص جبان جدا .
+++
الترجمة الحرفية – لا يمكن اخفاء الحقيقة .
التعليق – وهل يخفى القمر ...
+++
الترجمة الحرفية – عيون الحسد لا تعرف الحياء .
التعليق – لهذا نحن نقول - عيون الحسود بيها عود , لأنها فعلا لا تعرف الحياء كما يقول المثل الروسي .
===================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

210
عود على الامثال الروسية (7)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  لا يمكن ان تأمّر القلب .
التعليق – نعم هذا قول صحيح , فلو كان يمكن ان نصدر ( أمرا اداريا ) الى القلب كي ينفّذ كذا وكذا , لتبدلت كثير من الامور في مسيرة حياتنا , وخصوصا في المجال الشخصي البحت . يوجد مثل عربي واقعي و طريف  في نفس معنى هذا المثل الروسي , وهو – كل شئ بالسيف الا المحبه بالكيف .
+++
الترجمة الحرفية – الكلب الغاضب لا يخاف من العصا .
التعليق – وليس الكلب الغاضب فقط لا يخاف من العصا , وانما كل كائن حي غاضب ايضا , ولنتذّكر المثل العربي المشهور  – اتق شر   الحليم اذا غضب...
+++
الترجمة الحرفية -  لا تثق بالكلمات , ثق بالاعمال .
التعليق – قال صاحبي , لو كان بمقدوري ان اكتب هذا المثل بحروف كبيرة في سماء العراق لفعلت , فقلت له , ليس ذلك بمقدور احد الآن , فسألني – وما هو الحل ؟ فقلت له ضاحكا – امسح السبورة اولا , ثم ابدأ بعدئذ بالكتابة عليها, فهذا هو واجب المعلّم ... 
+++
الترجمة الحرفية -  والقمر يضئ , عندما لا توجد الشمس .
التعليق – الشمس هي الاساس , وعندما يغيب الاساس يحل البديل , ولكن البديل يمنحا الضياء فقط , ولكنه لا يمنحنا الدفء والضياء معا. مثل رائع جدا . قال صاحبي معلقا , ان الشمس مثل الحب الاول , وما الحب الا للحبيب الاول , فقلت له ضاحكا – آه من عقليتنا  ومن رومانتيكيتنا ...
+++
الترحمة الحرفية – لا يرسلون الاعزب للخطوبة .
التعليق – والا , فانه يمكن ان يخطب العروس لنفسه , اذ ان ( النفس امّارة بالسوء !).
+++
الترجمة الحرفية -  رغم الضيق , لكن معا افضل .
التعليق – يوجد مثل روسي سبق وان اشرنا اليه وهو – في ضيق ولكن دون زعل . الصيغة الاخرى هنا تتكلم عن الافضلية , وهي ملاحظة دقيقة وصحيحة , فالعيش معا افضل من الحياة الانعزالية...
+++
الترجمة الحرفية -  البضاعة فسدت , لكن التاجر أعمى .
التعليق – كم ضاعت بضائع وفسدت لان التاجر لا يرى الحقيقة ولا يريد الاعتراف بها , وهو الذي يخسر في النهاية . قال صاحبي , ان هذا المثل ينطبق على كل مسيرة الحياة عندما يكون الامر بيد ( تجار!) عميان , لا يرون شيئا سوى مصالحهم الشخصية...
+++
الترجمة الحرفية -  قلب الام – متنبأ .
التعليق – نعم , هذا صحيح فعلا , وكلنّا رأينا ولمسنا هذه الظاهرة الطبيعية مع امهاتنا الرائعات العزيزات.....
+++
الترجمة الحرفية -  الحاجة تمزق الاغلال .
التعليق – مثل سياسي بامتياز ويدعو الى الثورة , هكذا قال صاحبي , فسألته – وهل الاغلال تكبّل الانسان في السياسة فقط ؟ فابتسم بأسى وقال – انت على حق , فالاغلال تكبّل حتى ارواحنا ...
+++
الترجمة الحرفية – من لا يغار , فانه لا يحب .
التعليق – هكذا يقول العشاق كافة , ولا يمكن عدم تصديقهم , ف ( اهل مكة أدرى بشعابها !) .
+++
الترجمة الحرفية -  من لم يمرض , لا يعرف قيمة الصحة .
التعليق – ونحن نقول - الصحة تاج على رؤوس الاصحّاء لا يراه الا المرضى . الصورة الفنية في المثل العربي أكثر حيوية وأجمل من المثل الروسي . 
===============================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

211
عود على الامثال الروسية (6)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الذئب تطعمه اسنانه , والارنب تنقذه سيقانه .
التعليق – يمتلك كل كائن حي امكانياته من اجل ان يعيش , وهو يستخدمها اثناء حياته . قال صاحبي معلقا – ولكن عند الانسان خصائص الذئب ( اسنان تطعمه ) وخصائص الارنب ( سيقان تنقذه ) , وربما ان المثل الروسي يقصد ان الانسان ذئب وارنب في آن واحد , اذ انه يتصرّف بعض الاحيان مثل الذئب وبعض الاحيان مثل الارنب . ضحكت انا وبقيت صامتا , فقال لي صاحبي – السكوت علامة الرضا... 
+++
الترجمة الحرفية –   سبعة يرفعون قشّة واحدة .
التعليق – توجد مبالغة هائلة في هذا المثل , والفكرة تصلح لرسم كاريكاتيري طريف جدا . تستخدم الامثال – بعض الاحيان - صيغة المبالغة من اجل ايصال الفكرة رأسا, والمثل الروسي هنا نموذج واضح لهذا الاسلوب. سألني صاحبي ضاحكا – عن اي دائرة حكومية عراقية يدور الحديث ؟ فقلت له مبتسما – لا تورّطنا يا رجل  في عصرنا الغريب و العجيب و الرهيب,  فالمثل المذكور هنا من بلاد الثلوج الشمالية ليس الا ....   
+++
الترجمة الحرفية -  كلمات كثيرة , لكن الاعمال قليلة .
التعليق – يوجد مثل روسي في نفس المعنى سبق وان ذكرناه وهو – (الذي يتكلم كثيرا يعمل قليلا ) , ولكن صاحبي قال معلقا حول هذه الصيغة , ان هذا المثل عراقي معاصر بامتياز , وضحكنا معا , ولكني – مع ذلك – قلت له , ان المثل روسي بحت , فقال رأسا , لنتفق على ان هذا المثل يشمل كل الشعوب التي (تجعجع بلا طحين ) , مع الاعتذار لشكسبير...
+++
الترجمة الحرفية – بعد المطر في الخميس .
التعليق – مثل ساخر حول استحالة حدوث الشئ , وهو يشبه امثالنا المشهورة – ( من يبيض الديك ) او ( بالمشمش ) ...الخ . يوجد مثل سومري قديم في هذا المعنى  يقول – ثوري سيجلب لك الحليب , وربما يمكن اعتبار هذا المثل السومري جذر المثل الموجود عندنا الان بلهجتنا العراقية – ( اكلّله ثور يكللّي حلبوه ) ( اقول له ثور يقول لي احلبوه ).
+++
الترجمة الحرفية – الافكار في السماء , لكن الارجل في الفراش .
التعليق – آه من هؤلاء الحالمين , الذين يعرقلون حياتنا ( في السراء والضراء !!!) . مثل دقيق وواقعي جدا لابطال ( الثرثرة فوق النيل) ( و الثرثرة فوق كل انهار العالم ايضا !) .
+++
الترجمة الحرفية –  لا تعمل , على الخبز لا تحصل .
التعليق –  قال صاحبي , ان هذا المثل هو ترجمة حرفية لشعار سياسي قديم في الاتحاد السوفيتي , واستخدمته بعض القوى السياسية العربية , و هو – من لا يعمل لا يأكل , ولكني لم اتفق معه , اذ يبدو لي ان هذا المثل اوسع من الشعارات السياسية , وانه دعوة للحث على العمل وللتاكيد على ضرورته الاساسية في الحياة اليومية .
+++
الترجمة الحرفية – الذئب ليس رفيق الحصان  .
التعليق – مثل واقعي طريف ينطبق على مجمل حياتنا الانسانية , وهو يذكرنا بروحية القصص الرمزية الاخلاقية في تراثنا الشعبي الجميل والحكيم من اجواء الف ليلة وليلة وكليلة ودمنة  وكل الحكايات والاساطير منذ الطفولة الى الشيخوخة . الصورة الفنية في هذا المثل الروسي واضحة و طريفة .
+++
الترجمة الحرفية -  من يكذب , هو الذي يسرق .
التعليق – يوجد مثل ياباني يقول – الكذب اول خطوة للسرقة , وهو تاكيد على صحة هذا المثل الروسي , اذ ان الكذب فعلا ( جذر كل الشرور في حياة البشر) .
=====================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

212
عود على الامثال الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – لا تضع اصبعك في فم الذئب .
التعليق – مثل طريف وغريب جدا , اذ كيف يقدر الانسان ان يضع اصبعه في فم الذئب . اعترض صاحبي على تعليقي , وسألني – وهل نسيت كم من الناس السذّج والمنافقين والوصوليين عندنا وعندهم , الذين وضعوا ( ولا يزالون لحد الان ) يضعون اصابعهم في ( افواه الذئاب !) الذين  يحكمون بلدانهم ؟ بعد هذا الاعتراض الصادم والعنيف لصاحبي ساد الوجوم , اذ تذكرنا – وبصمت وأسى - كل ما جرى ويجرى من حولنا ...
+++
الترجمة الحرفية – العالم ليس بدون اناس طيبين . 
التعليق – لنتذكر القول المعروف في تراثنا العربي – ( لو خليت قلبت). نعم , نحن على حق , والروس على حق ايضا . علّق صاحبي على تعليقي ضاحكا وهو يقول - لكن الصورة الفنية في القول العربي تعبّر بدقة عن طبيعة العقلية العربية المرتبطة ( بحرارة الانقلابات!) , اما المثل الروسي فانه ( بارد مثل ثلوجهم!) ...
+++
الترجمة الحرفية -  لا توجد حكم ( بكسر الحاء) دون حقائق .
التعليق – نعم هذا الاستنتاج صحيح جدا , فالامثال والحكم عند مختلف الشعوب تولد نتيجة احداث ووقائع حقيقية تحصل في تلك المجتمعات , ويوجد الان علم باكمله يدرس تلك الوقائع ويسجّلها ويستنبط الخلاصات المرتبطة بخصائص تلك المجتمعات  .
+++
الترجمة الحرفية – واحد الان افضل من اثنين غدا .
التعليق –  معنى المثل واضح , اذ انه يؤكد على ان الشئ الملموس باليد اليوم افضل من الشئ الموعود في الغد . توجد امثال مناظرة لهذا المثل , لعل اشهرها المثل الذي اصبح عالميا وهو – عصفور باليد افضل من عشرة على الشجرة , وهناك مثل طريف في هذا المعنى وهو -  بيضة اليوم خير من دجاجة الغد .
+++
الترجمة الحرفية – اطفال صغار – حزن صغير , اطفال كبار – حزن كبير .
التعليق – هذا مثل عالمي الان , وهناك صيغة اخرى تبدل كلمة ( حزن ) بكلمة ( هموم ) ., وذلك لأن الابناء يبقون اطفالا للاباء والامهات مهما بلغت أعمارهؤلاء الابناء ...
+++
الترجمة الحرفية – العينان اكثر ثقة من الاذنين .
التعليق – يتكرر هذا المثل في صيغ عديدة عند مختلف الشعوب , اذ ان المرئي اهم من المسموع حتما واكثر قيمة وواقعية , وهناك مثل روسي آخر معروف جدا يقول – افضل ان ترى مرة من ان تسمع مئة مرة, والمثل الهندي يقول لا تصدّق الذي يسمع صدّق الذي يرى , والمثل العربي يقول ليس من رأى كمن سمع , والذي نعبّر عنه بلهجتنا العراقية – الحجي مو مثل الشوف , لكن يوجد مثل جورجي يقول – عندما تختار زوجة ثق اكثر باذنيك مما بعينيك , وهو مثل صحيح ولا يتعارض مع الامثال التي ذكرناها , اذ ان اختيار الزوجة يرتبط حتما بسمعتها بين الناس ...
+++
الترجمة الحرفية – ليس بالقلم يكتبون , وانما بالعقل .
التعليق – ما اجمل هذا المثل الروسي . انه مثل دقيق وعلمي وصحيح بكل معنى الكلمة , وما احوجنا اليه – نحن العرب - في زماننا المضطرب هذا , حيث بدأ يكتب بالقلم ( كل من هبّ ودبّ).
+++
الترجمة الحرفية – الشكر لا يضعوه في الجيب .
التعليق – هناك امثال كثيرة في هذا المعنى عند مختلف الشعوب , وكلها تؤكد على ان كلمات الشكر المجردة غير كافية لذاك الشخص الذي يقدّم الخدمات لك , وانه يجب تقديم اشياء ملموسة للتعبير عن الامتنان , ويوجد مثل روسي آخر في هذا المعنى يقول -  من كلمة شكرا لا تخيّط معطفا.
======================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

213
عود على الامثال الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترحمة الحرفية -  موسكو امّ للبعض , وزوجة أب للبعض الآخر .
التعليق – لا نعرف تاريخ هذا المثل في روسيا  وقصته, ولا الظروف التي أدّت الى ظهوره , رغم انه من الواضح تماما انه يعبّر عن الموقف تجاه موسكو , الا ان هذا المثل ينطبق تماما على موقف الكثيرين من القوى السياسية العراقية (والعربية بشكل عام) في القرن العشرين بالذات , عندما كانت موسكو عاصمة للاتحاد السوفيتي ورمزا للمعسكر الاشتراكي آنذاك . قال صاحبي , انه يعتقد ان هذا المثل الروسي يرتبط بشكل مباشر بموقف الاجانب تجاه موسكو , ولا علاقة له بالمواطنين الروس انفسهم , لكن الاعتراض الوحيد على هذا الرأي يشير , الى ان الدولة الروسية كانت دائما خليطا من قوميات عديدة جدا رغم ان اكثرية سكانها من القومية الروسية .
+++
الترجمة الحرفية – لا يأخذون الحطب الى الغابة , ولا يصبون الماء في البئر .
التعليق – وهناك مثل عندنا يشير الى عدم بيع الماء في حارة السقايين , وهناك مثل صيني يقول – في الغابة لا يتاجرون بالحطب وعلى ضفاف البحيرة بالسمك .  وتتكرر هذه الامثال بصيغ اخرى عند شعوب عديدة  , لأن متطلبات الحياة الانسانية وضروراتها متشابهة في كل زمان و مكان .
+++
الترجمة الحرفية -  حسناء بلا عقل , مثل محفظة بلا نقود .
التعليق – مقارنة غريبة جدا , الا ان صاحبي اعترض بشدّة على هذا التعليق , وقال – بل انها مقارنة دقيقة وصحيحة , اذ لا فائدة من جمال هذه الحسناء التي بلا عقل , وكذلك لا فائدة من المحفظة بلا نقود .
+++
الترجمة الحرفية – الرفيق الذكي – نصف الطريق .
التعليق – الرفيق قبل الطريق , هكذا نحن نقول , الا ان الروس يعتقدون , ان الرفيق ( الذكي ) فقط هو نصف الطريق ليس الا . قال صاحبي , ان الروس اكثر دقة منّا , فقد حددوا ان الرفيق يجب ان يكون ذكيا اولا , وانه ( نصف الطريق ) ليس الا , واضاف , انهم على حق في تأكيدهم ان يكون رفيق الدرب ذكيا , فالرفيق الغبي في الطريق هومأساة بحد ذاتها تعرقل المسيرة وتخلق المتاعب , اضافة الى ان (الطريق) يبقى قضية معقدة وصعبة مهما كان الشخص المرافق لك في مسيرتك.
+++
الترجمة الحرفية – الزمن يمنح البصيرة .
التعليق –  نعم , هذا صحيح , فالزمن يعطي النضوج والخبرة والادراك ويبلور صوت العقل عند الانسان , وكل ذلك ينعكس على تصرفات الانسان بمسيرته اللاحقة في الحياة.
+++
الترجمة الحرفية -  الكلمة تحرق اسوأ من النار.
التعليق – الانطباع الاول حول هذا المثل يبدو وكأن الصورة الفنية فيه تمتاز بالمبالغة , الا ان التأمّل الدقيق حول المعنى يبين , انه صحيح فعلا , لدرجة ان هناك الان قول شائع يقول – اطلق على عدوك اشاعة ترديه قتيلا . امثالنا العربية تسمي اللسان ( عدو الانسان ) و ( منشار ) و ( سهم ) و ( سيف ) ...الخ , و يوجد مثل صيني يقول ( اللسان مثل الطبر – يطبر) ,  الا ان المثل الروسي هنا يطلق عليه صفة جديدة . 
+++
الترجمة الحرفية – اهلك انت نفسك , لكن انقذ رفيقك .
التعليق – يؤكد هذا المثل الروسي على ضرورة التضحية حتى بالنفس من اجل انقاذ رفيقك في لحظة الصعوبات التي تحدث في الحياة. يترجم مؤلف القاموس الروسي العربي الكبير جابر ابوجابر هذا المثل كما يأتي  - حافظ على الصديق ولو في الحريق , وهي ترجمة طريفة تعبّر عن روحيّة المثل الروسي وموسيقيته ومعناه , الا انها تبتعد كثيرا عن النص الروسي للمثل .  اقترح صاحبي ان نترجم هذا المثل كما يأتي –  لا تتردد بالتضحية حتى بنفسك من اجل انقاذ صديقك . 
===============================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

214
عود على الامثال الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – دون ان تعرف الجار لا تقوم بشراء الدار.
التعليق – ونحن نقول الجار قبل الدار . قال صاحبي , ان هذا المثل الروسي هو ترجمة ابداعية لروح المثل العربي , واتفقت معه كليا على قوله هذا . المثل العربي قديم في تراثنا , ومن المؤكد انه وصل الى روسيا عير عدة مراحل , وكم هو جميل ان ندرس هذه الظواهر الفكرية المشتركة بين الثقافتين العربية والروسية .
+++
الترجمة الحرفية – لا تتمازح مع النار , ولا تثق بالريح .
التعليق –  مثل حكيم فعلا بالمعنى المباشر وغير المباشر ايضا . قال صاحبي , توجد اغنية مشهورة تبدأ بجملة – ( لا تلعب بالنار تحرق اصابيعك ) , فضحكنا معا , ولكننا تحدثّنا بأسى عن المعنى غير المباشر للمثل , اذ ان مجتمعنا – مع الاسف الشديد - لازال يعبّر عن احاسيسه باطلاقات النار العشوائية , وكم من الحوادث التراجيدية حصلت نتيجة هذه الحماقة , واتفقنا ( صاحبي وانا ) على اهمية هذا المثل وقيمته وضرورته في حياتنا , ولكن ....
+++
الترجمة الحرفية -  لا يمكن اللحاق بظلك .
التعليق – مثل طريف جدا لدرجة اني قهقهت عندما ( تخيّلت) انسانا يركض من اجل اللحاق بظلّه , الا ان صاحبي قال , انه مثل فلسفي عميق يبيّن ان الانسان محدود الامكانيات , ويجب عليه ان يستوعب هذه الحقيقة في حياته ويأخذها بنظر الاعتبار .
+++
الترجمة الحرفية – لا تطلب المهنة خبزا , وانما هي نفسها تطعمك .
التعليق – دعوة جميلة وصادقة للانسان بضرورة تعلّم مهنة ما , فكل مهنة يتعلمها الانسان مفيدة له في الحياة . يوجد مثل باللهجة العراقية يقول – (الصنعة – محبس ذهب ) , ( المهنة – خاتم من الذهب) , والمثل العراقي في نفس المعنى , الا انه رمزي و صيغته عراقية بحتة تنطلق من مفهوم الذهب باعتباره  ضمانة للمستقبل , اما المثل الروسي فهو أكثر واقعية ودقة ووضوحا.   
+++
الترجمة الحرفية – النظر جيد الى الزوجة الجميلة , لكن الحياة جيدة مع الزوجة الذكية .
التعليق –  الجمال يزول لكن الذكاء باق , والفرق هائل بين الظاهرتين , لكن صاحبي قال ضاحكا , انه يفضل الزوجة الجميلة والذكية معا , فقلت له , لهذا فانك لا زلت اعزبا لحد الان .
+++
الترجمة الحرفية – المحب لنفسه غير محبوب من احد .
التعليق – المحب لنفسه يعني , انه الشخص الذي يمدح نفسه , وهي صفة مقرفة عند الانسان , ولهذا فانه ( غير محبوب ) كما يؤكد المثل الروسي . قال صاحبي , ان المثل الروسي ( رقيق ) بالتعبير عن هذه الظاهرة , وان من المفروض ان يشير الى ان هذا الشخص ( مكروه ) بين البشر , فهو اناني بالضرورة ويفضّل نفسه على الآخرين دائما .
+++
الترجمة الحرفية – الحنطة ليست تلك المزروعة في الحقل , وانما الموجودة في العنبر.
التعليق – مثل صحيح جدا , فالامور بخواتمها كما يقول المثل العربي . يوجد مثل روسي آخر في نفس المعنى ولكن بصيغة تختلف تماما , وهو -  يعدّون فراخ الدجاج ( الكتاكيت ) في الخريف .
+++
الترجمة الحرفية – وفق الكلمات لا يحكمون , بل وفق الاعمال .
التعليق –  هذا هو المفهوم العادل عندما نعلن الاحكام , فما اكثر الثرثرة حولنا وبيننا , خصوصا وان – (الاشاعة تولد الاشاعة) كما يقول المثل الكوري ...
+++
الترجمة الحرفية – الكسول ينام جالسا ويعمل راقدا .
التعليق –  تعريف ساخر للكسول , ولكنه تعريف حقيقي فعلا .
==============================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

215
عود على الامثال الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – امدح الحلم عندما يتحقق .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل الروسي يذكرني بالحكاية التي كانت موجودة في درس القراءة بالمدرسة الابتدائية في الايام الخوالي عن ذاك الذي كان يمتلك بيضة دجاجة وكان يحلم ان يحوّلها الى ثروة من البيض والدجاج , ولكنها انكسرت ليس الا . ضحكنا معا , وقلنا , ان هذا الشخص الساذج لم يطّلع حينها على هذا المثل الروسي الحكيم , الذي يوصي بعدم الثرثرة حول الخطط والمشاريع والاحلام الا بعد تحقيقها .
+++
الترجمة الحرفية – لا يبقى الضيف طويلا , لكنه يرى كثيرا .
التعليق – مثل صحيح فعلا وفي كل المجتمعات , خصوصا اذا كان هذا الضيف من الجنس اللطيف (قلبا وقالبا!!!) .
+++
الترجمة الحرفية – العقل يغلب القوة .
التعليق – العقل هو الذي يخلق القوة , ولهذا فهو يستطيع ان ينتصر عليها . العقل اساس الحياة الانسانية , مثل ( العدل اساس الملك ). 
+++
الترحمة الحرفية -  الحاجة تعلّم كل شئ .
التعليق – ونحن نقول الحاجة ام الاختراع . المثل الروسي أكثر بساطة , فهو يتحدّث عن ( التعلّم ) وليس عن ( الاختراع ) , والفرق واضح بين المفهومين .
+++
الترجمة الحرفية -  النحلة لا تعمل لنفسها .
التعليق – مثل الجندي المجهول , يمنحنا النصر والقادة يحتفلون بمجد هذا الانتصار دون ان يذكروا هذا الجندي المجهول , والنحلة تمنحنا العسل ونحن نتمتع بطعمه دون ان نعرفها. مثل ذكي يذكّرنا بكثير من الحالات المشابهة في مسيرة المجتمعات العربية , وليس العربية فقط.
+++
الترجمة الحرفية – البلبل ليس كبيرا , لكن الصوت ذهبي .
التعليق – مثل جميل , فليس (الحجم !)مهمّا , وانما (النوعية!) . لنتذكر مثلنا الطريف – الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة .
+++
الترجمة الحرفية – الى الغد يبقون الخبز وليس الاعمال .
التعليق – تأكيد للمثل العالمي – (لا تؤجل عمل اليوم الى الغد) , لكن الصيغة الروسية أكثر دقة , اذ انها توصي بابقاء الخبز الى الغد . الصيغة حكيمة فعلا .
+++
الترجمة الحرفية – مع الثرثارين احفظ لسانك وراء اسنانك .
التعليق – اللسان عدو الانسان كما يقول مثلنا العربي , ولكنه يصبح أخطر اذا ( يقع !) بين الثرثارين.
+++
الترجمة الحرفية – الاحمق اكثر خطرا من العدو .
التعليق – ونحن نقول عدو عاقل خير من صديق جاهل. المثل الروسي أكثر دقة , اذ يتحدّث عن خطورة الاحمق .
+++
الترجمة الحرفية – ترى أقل - تحب أكثر .
التعليق –  ندرة اللقآءات تجعل الشوق متوهجا دائما بين المحبين , وكثرة اللقآءآت تؤدي الى الملل , رغم ان صاحبي لم يتفق مع هذا الرأي , وقال , يوجد مثل معاكس يؤكد , ان البعيد عن العين بعيد عن القلب . ولم نصل الى رأي وسط متوافق بشأن هذا ( الخلاف المتناقض) بيننا.
 +++
الترجمة الحرفية – الشمس لا يمكن ان تحجبها , والحقيقة لا يمكن ان تخفيها.
التعليق – مثل فلسفي عظيم وعميق , والروعة والجمال فيه انه يوحّد بين الشمس ( الساطعة ) والحقيقة ( الساطعة ايضا) . لنتذكر المثل العربي الشهير –  (وهل يخفى القمر ) , الا ان المثل الروسي يذهب أبعد ويرسم صورة فكرية متكاملة .
===========================================
من الطبعة الثانية لكتاب – ( معجم الامثال الروسية ) , الذي سيصدر عن دار نوّار في بغداد وموسكو قريبا .
ض. ن.

216
عود على الامثال الروسية (1)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – وعلى الذهب تتساقط الدموع .
التعليق – مثل رمزي جميل جدا , فالذهب رمز الثروة , والدموع رمز الحزن .  المثل الروسي يؤكد , ان الثروة لا تعني دائما السعادة , بل ربما العكس . مثل يستحق التأمّل .
+++
الترجمة الحرفية – .يجب ان يكون راعي لقطيع الاغبياء.
التعليق –  قطعان الاغبياء كبيرة ومتعددة , ولكنها – في الغالب - دون رعاة لها , وتلك هي المأساة في كل المجتمعات البشرية . مثل كوميدي يصف حالة تراجيدية في المجتمع .
+++
الترجمة الحرفية – الاحمق لا يعرف الوقت .
التعليق – ولهذا فهو احمق , اذ ان الوقت كالسيف , ان لم (تقطعه!) يقطعك ويجعلك احمقا .
+++
الترجمة الحرفية – القطة الكسولة لا تصطاد الفئران .
التعليق –  الكسل يغيّر طبيعة الاشياء لدرجة , ان الفئران تتقافز امام عدوّتها التقليدية – القطة , لانها تعرف ان القطة كسولة . المثل العربي يقول – الكسل ما يطعم بصل , والمثل الارمني يقول – للكسول حتى ابواب الجنة مغلقة . الكسل – ظاهرة خطيرة و تؤدي الى نتائج وخيمة .
+++
الترجمة الحرفية – في الغربة يكون الوطن اجمل بشكل مضاعف .
التعليق – مثل يتكرر  - بصورة او باخرى -  عند كل الشعوب , وهو قول حقيقي فعلا , يعرفه كل الذين يعانون من الغربة , وما اكثرهم في مجتمعاتنا العربية المعاصرة .
+++
الترجمة الحرفية – للكلمة الطيّبة  - جواب طيّب .
التعلق – لكل فعل رد فعل مماثل , يساويه  في القوة ويعاكسه في الاتجاه . هكذا تعلمنا في المدارس , وهكذا تعلمنا في مسيرة الحياة ايضا . لنتذكر القول الشريف – الكلمة الطيبة صدقة ...
+++
الترجمة الحرفية – من الخريف الى الصيف لا توجد بوّابة .
التعليق –  قوانين الحياة صارمة , ولا تخضع لرغبات البشر , وعلى الانسان العاقل ان يخضع لهذه القوانين من اجل ان تكون حياته طبيعية وسليمة . ما ابسط هذا المثل وما اعمقه .
+++
الترجمة الحرفية – الوطن ام لكل الامهات .
التعليق – ما اروع هذه الكلمات وما اجملها , اذ ان الوطن والام هما أقدس الكلمات في حياة الانسان , وان المثل الروسي رائع لانه يوحّدهما في تعبير واحد مشترك .
+++
الترجمة الحرفية – النقود مصيبة , وبدون نقود المصيبة مضاعفة .
التعليق –  يقول صاحبي , ان ترجمتي غير دقيقة , وانني يجب ان اضع كلمة ( اعظم ) بدلا من كلمة ( مضاعفة ) مثل بنية القول العربي الشهير - ( ان كنت  تدري فتلك مصيبة وان كنت لا تدري فالمصيبة اعظم ) , فقلت له , انني اشير الى ان الترجمة (حرفية) , اي بغض النظر عن الامثال العربية وبنيتها , وهذا اولا , وثانيا , فان كلمة (مضاعفة) تمتلك مفهوما محددا , اي الضعف , اما كلمة ( أعظم ) فانها بلا تحديد , لكن صاحبي لم يوافق على تفسيري...   
+++
الترجمة الحرفية – الابواب مفتوحة على مصراعيها للضيف النادر .
التعليق – مثل جميل وصحيح جدا وفي كل زمان ومكان , فالضيف ( غير النادر) يكون مملّا وحتى مزعجا بعض الاحيان .
+++
الترجمة الحرفية – عاش الناس قبلنا , وسوف يعيشون بعدنا .
التعليق – خلاصة فلسفية واضحة وبسيطة وعميقة لمسيرة الحياة الانسانية وديموميّتها رغم ان – ( كل نفس ذائقة الموت ) .

===========================================================
من الطبعة الثانية المزيدة لكتاب – (معجم الامثال الروسية) الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد وموسكو قريبا . 
ض. ن.

217
حول كتاب حكمت شبّر – ذكريات الزمن الجميل
أ.د. ضياء نافع
تمتعت بقراءة كتاب أ.د. حكمت شبّر الموسوم – ذكريات الزمن الجميل في روسيا , الصادر في دمشق هذا العام (2020). ويتضمن الكتاب عنوانا ثانويا هو – موسكو , لينينغراد , سوجي / محطات تستحق التوقف , و يقع في (280) صفحة من القطع المتوسط .  لكن حدث خلاف في الآراء حول تحديد نوعية التسمية التي تطلق على هذا الكتاب , اذ رأى البعض , ان هذا الكتاب هو (رواية) بكل معنى الكلمة , ولكن الرأي الآخر كان يؤكد ان الكتاب (سيرة ذاتية) للمؤلف ليس الا , وبرز رأي ثالث يقول , ان هذا الكتاب عمل ابداعي صرف يمزج عناصر الرواية وعناصر السيرة الذاتية , وان هذا التمازج الابداعي بين الرواية والسيرة الذاتية هو ما يميّزه عن الكتب الاخرى العديدة لحكمت شبّر ويجعله أكثر جمالا وتألقا .
عندما سألوني عن رأي الشخصي حول هذا الخلاف , قلت لهم , انني ( التهمت) الكتاب رأسا لانه يتناول موضوعة مهمة جدا بالنسبة لي وقريبة من قلبي وعقلي , وهي حياة العراقيين في روسيا , وان تسجيل كل الوقائع الخاصة بهذه الحياة من وجهة نظري ( مهما تكن هذه الوقائع صغيرة) تعتبر مساهمة جديدة واصيلة في كتابة تاريخ العراق المعاصر , اذ ان هذا التاريخ يتكون من مجمل احداث حياة العراقيين داخل العراق او خارجه ( وخصوصا في الخارج بعد كل الذي جرى ولازال يجري في بلادنا الجريحة ) ,  وكل ذلك يستحق التثبيت تحريريا اولا , ومن ثمّ الدراسة والتأمل , فقال الاول , ان هذا يعني انك تؤيد موقفي , اي انه رواية عن العراقيين في روسيا , وقال الثاني , بالعكس , فهذا الرأي يؤيد موقفي , اذ انه عرض دقيق لسيرة المؤلف الذاتية . ابتسمت انا وقلت , اني اؤيد – بشكل او بآخر - الرأي الثالث , فالكتاب فعلا مزيج ابداعي رائع بين الرواية والسيرة الذاتية , اذ ان شخوصه معروفة ومحددة , رغم ان المؤلف يشير اليهم  بالاسم الاول فقط , وعلاقته معهم اثناء دراسته في روسيا – وكل هذا يعني انها  السيرة الذاتية له , ولكن الاستطرادات الواسعة التي يذكرها والشعاب التي يسير فيها بثقة وعمق , والتفاصيل التي يوردها اثناء مسيرة دراسته في روسيا جعلت من الكتاب (رواية) فعلا , رواية تتناول مسيرة كل جيله في اواسط القرن العشرين , وهذه هي النقاط التي ( تستحق التوقف !) عندها في كتاب أ.د. حكمت شبّر هذا , الكتاب الذي اعتبره المؤلف ( محطات تستحق التوقف عندها!) والتحدّث تفصيلا عنها , و( القفز) اثناء هذا الحديث الى الاحداث القديمة الكامنة في اعماق النفس الانسانية المرتبطة بذلك الحديث او القريبة منه, ويجري كل ذلك في هارمونية فنيّة متجانسة , تجعل القارئ مشدودا للنص ولا يقدر ان يتركه باي حال من الاحوال , لانه حلو المذاق شكلا ومضمونا.
ما أكثر (النقاط!) التي شدّتني الى هذا الكتاب , والتي اريد ان اتوقف عند بعضها ليس الا , اذ لا يمكن الاشارة اليها جميعا , والا فان مقالتي هذه ستتحول الى كتاب مرادف لذكريات حكمت شبّر الجميلة . ( النقطة ) الاولى تكمن في ذلك الشئ الجديد حول ابطاله , الذين كنت اعتقد انني اعرفهم جميعا , واذا بالمؤلف يكشف لي جوانب جديدة حولهم . لقد ادهشني – مثلا- حديثه الجميل عن المرحومة حياة شرارة , والتي اعرفها حق المعرفة طوال سنين  الدراسة في جامعة موسكو والعمل المشترك في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد, وكتبت عنها العديد من المقالات , ولكني لم اكن اعرف كيف درست حياة اللغة الروسية في السنة التحضيرية , ولم اكن اعرف انهما ( حكمت وحياة) كانا سوية في نفس المجموعة الصغيرة التي درست اللغة الروسية في الكلية التحضيرية آنذاك , وكيف انهما كانا يتميّزان بين اقرانهم , وعندما قرأت تلك الفقرة في كتاب حكمت شبّر عن حياة شرارة تذكرت المثل الجميل وتأكّدت من صحته , والمثل هو – ( الديك الفصيح من البيضة يصيح ) . توقفت ايضا عند ( نقطة) طريفة حول المترجم عبد الواحد كرم , الذي ترتبط باسمه ترجمة كتاب المستشرق الروسي المعروف كوتلوف عن انتفاضة العشرين العراقية , والذي ترجمه عبد الواحد بعنوان ثورة العشرين . كنت اقول لطلبتي في مادة الترجمة , ان عدم دقّة هذا المترجم قد انعكست حتى في ترجمة  اسماء الاعلام , وقد ذكر عبد الرزاق الحسني , عندما سألوه عن سبب مراجعته لذلك الكتاب في طبعته الثانية وهو ( اي الحسني) لا يعرف اللغة الروسية , فضحك وقال انه صحح النص العربي ليس الا , وهذا ما يؤيد الرأي الذي ذكره حكمت شبّر حوله . توقفت ايضا عند ( نقطة) صغيرة ولكنها كبيرة الاهمية , وهي عن اللقاء الذي حدث بين المحامي حكمت شبّر والمحامي هلال ناجي في النجف في القرن الحادي والعشرين , وكيف تذكرا خصامهما ( او بالاحرى عراكهما) في بيروت عند انعقاد مؤتمر المحامين العرب , هذا الخصام ( او العراك ) (بين المحامين!) الذين يؤيدون عبد الكريم قاسم ضد جمال عبد الناصر , وبين الذين يؤيدون جمال عبد الناصر ضد عبد الكريم قاسم , لدرجة ان الشرطة اللبنانية تدخلت لايقاف هذا التصادم , وقرأت ضاحكا ( ولكنه ضحك كالبكا ) كلمات الندم الحقيقي لدى الاثنين ( شبّر وناجي) على ذلك الخصام العبثي آنذاك , ولكن ( لآت ساعة مندم ) وكلاهما الان في عراق اليوم , العراق الجريح ...
هذه المقالة ليست قراءة في كتاب ( ذكريات الزمن الجميل في روسيا ) , ولا عرض لمحتوياته , اذ ان ذلك يتطلب مقالات عديدة , وانما هي تحية للمؤلف أ.د. حكمت شبّر, الذي قدّم للمكتبة العراقية (والعربية ايضا) هذا المصدر المبتكر والاصيل ...     

218
أدب / احلك الايام في الحياة
« في: 18:49 26/09/2020  »


 احلك الايام في الحياة
=======

قصيدة للشاعر كيسار باييخو / بيرو

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع

الاول قال –
  احلك الايام في حياتي
عندما رموني
باطلاقات في صدري
وجرحوني..
+++
ألآخر قال –
  احلك الايام في حياتي
عندما حدث زلزال رهيب
على شاطئ البحر,
 وغمرت
 الامواج الهائلة
  كل البشر,
ولكني نجوت
بمعجزة ,
وبقيت
 على قيد الحياة.
+++
الثالث قال –
انه اليوم الذي
أغفو به
 في النهار.
+++
الآخر قال –
 احلك الايام
عندما كنت وحيدا,
وحيدا ,
 وحيدا
 تماما .
+++
الآخر قال –
 احلك ايامي
عندما سجنوني.
+++
الآخر قال –
 احلك ايام حياتي
هو اليوم الذي
فهمت به أبي .
+++
أما ذاك الذي
صمت أكثر من الاخرين
فقال –
 احلك يوم في حياتي
لم يأت
 بعد ...


كيسار باييخو ( ويترجمون اسمه بالعربية بعض الاحيان – قيصر بدلا من كيسار)
 شاعر من بيرو , ولد في سنتياغو عام 1892 وتوفي في باريس عام 1938 وتم دفنه هناك ,
 اذ اضطر الى الهجرة من وطنه نتيجة لمساهمته في الحركة السياسية اليسارية .
 وهو شاعر وروائي وقاص وكاتب مسرحي ومترجم .




219
بعض الكلمات عن مجلة ( يونّست) الروسية 
أ.د. ضياء نافع
صدرت هذه المجلة الشهرية عام 1955 في موسكو باقتراح ومبادرة من الكاتب الروسي السوفيتي كاتايف (1897 - 1986) , والذي اصبح اول رئيس تحرير لها . وهي مجلة ادبية – فنية مصوّرة للشباب السوفيتي , وكلمة ( يونّست) بالروسية تعني مرحلة الشباب , مرحلة ( الصبا والجمال !) , و هذه المجلة تختلف كليّا عن بقيّة المجلات الادبية الروسية الاخرى (التي يسمونها  السميكة , او ( الثخينة) كما ترجمها مرة احد الطلبة العراقيين المرحين في موسكو) , اذ ان تلك المجلة تمتاز فعلا بالرشاقة , وهي الصفة الاساسية لمجلة ( يونّست ) , رشاقة ( الصبا والجمال ) , رشاقة نصوص الشباب ومواضيعها , والتي كانت تبتعد – وبشكل واضح المعالم - عن المفاهيم الصارمة والحازمة( لقوانين!) الواقعية الاشتراكية والبطل الايجابي ( المعلّب !) وغيرها من تلك المفاهيم التي اختفت تقريبا الان من الواقع الروسي , ولكنها كانت سائدة ومسيطرة - وبقوة - في الاجواء الفكرية السوفيتية آنذاك , وليس من باب الصدفة ابدا , ان المجلة ظهرت بالذات عام 1955 , اي في بداية المرحلة الفكرية السوفيتية الجديدة  , التي يسمونها في تاريخ الفكر الروسي - ( مرحلة ذوبان الجليد ) , والتي حدثت بعد وفاة ستالين عام  1953 , والمرتبطة بالوقائع المعروفة والتغيّرات الجذرية التى أعقبت ذلك الحدث النوعي الكبير في مسيرة دولة الاتحاد السوفيتي وقيادتها السياسية والحزب الشيوعي الحاكم فيها وتاريخ الادب والفن الروسي بشكل خاص , ومسيرة كل الشعوب السوفيتية عموما.   
عندما التحقنا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو بداية الستينيات في القرن الماضي لاحظنا هذه المجلة بيد بعض الطلبة الروس , ولاحظنا ايضا الاهتمام غير الاعتيادي من قبلهم بتلك المجلة , الا انهم كانوا يتجنبون الحديث عن المجلة معنا- نحن الطلبة الاجانب - اذ لم يتحرر الانسان السوفيتي آنذاك من الخوف و التوجس والحيطة و الحذر من كل اجنبي مهما يكن موقفه السياسي , خصوصا وان الحديث عن هذه المجلة بالذات كان يجب ان يتناول حتما السمة الجديدة لهذه المجلة واتجاهاتها الفكرية , وهو موضوع حساس ,و قد يضطر السوفيتي ان يقول بعض الافكار الممنوعة او شبه الممنوعة في اطار المجتمع السوفيتي في تلك الاوقات . وانتبهنا كذلك الى شعار تلك المجلة المتميّز, وهو الرسم التخطيطي الجميل على غلافها (  يمثّل وجه فتاة شابة) ,  هذا الرسم التخطيطي البسيط والمدهش الجمال في آن , والذي اصبح شهيرا ومعروفا في الاتحاد السوفيتي لدرجة , انه تم رسمه كشاهد على قبر ذلك الفنان التشكيلي الذي رسمه , وهذا يعني طبعا كيف كان هذا الفنان التشكيلي يفتخر بلوحته التخطيطية تلك , ويمكن القول , ان رسم اللوحة على شاهد القبر يعدّ  ظاهرة نادرة جدا في تاريخ الفنون التشكيلية ليس فقط في روسيا , وانما في العالم ايضا .
هدف المجلة هو البحث عن الاسماء الادبية الشابة الجديدة في دنيا الادب الروسي , وقد نفّذ رؤساء تحرير المجلة هذه المهمة تنفيذا مبدعا, وهم من كبار الادباء في الاتحاد السوفيتي انذآك , مثل كاتايف , الذي اقترح تأسيسها كما ذكرنا اعلاه , وهو رئيس تحريرها  منذ سنة التأسيس 1955 الى عام 1961 , وبوريس بوليفوي ( من عام 1961 الى عام 1981) , واندريه ديمينتيف ( من عام 1981 الى عام 1992 ) , وغيرهم . اما اذا استعرضنا اسماء الادباء الذين ظهرت نتاجاتهم على صفحات تلك المجلة , فسيكون من الواضح لدينا , كيف ساهمت هذه المجلة في اغناء الادب الروسي آنذاك , فقد نشرت نتاجات يفتوشينكو واكسيونوف وفوزنيسينسكي واسكاندر وفوينوفيتش وليونوف وغيرهم , والذين يعتبرون الان من ابرز الاسماء الادبية  بروسيا في القرن العشرين , وليس فقط في روسيا , وهي اسماء معروفة حتى للقراء العرب , الذين يتابعون الادب الروسي باللغة العربية فقط .
هذه بعض الكلمات عن مجلة يونّست, اما الكلمة الختامية عنها , فانها تتناول اعداد النسخ التي صدرت لهذه المجلة , اذ ان عدد النسخ من اي مطبوع هو دليل واقعي ملموس يبيّن المسيرة الحقيقية لذلك المطبوع . اعداد النسخ لمجلة يونّست كانت كما يأتي – في عام التأسيس 1955 كان عدد النسخ 100 الف نسخة , وبعد ثلاث سنوات , اي في عام 1958 اصبح 300 الف نسخة , واستمر هذا العدد بالازدياد , اذ ان المجلة اصبحت تجسّد روح الشباب السوفيتي وتطلعاته نحو التغيير , وقد وصل  عدد النسخ المطبوعة عام 1989 رقما مذهلا وهو 3 مليون و100 الف نسخة ,الا انه انخفض عام 1991 الى مليون , وهو العام الذي شهد انهيار الاتحاد السوفيتي , وبعد هذا الانهيار , تراجعت اعداد النسخ , واصبح عام 1994 – 33 الف نسخة , واستمر بالتراجع واصبح 6500 نسخة فقط عام 2015 , ثم اصبح 3500 نسخة فقط عام 2019 . لقد انتهى عصر هذه المجلة بانتهاء الدولة السوفيتية , حيث كان الشباب متعطشا لاي كلمة تعارض ولو بشكل غير مباشر تلك المفاهيم الصارمة في الادب والفن وكل ممنوع مرغوب كما يقال , اما في روسيا الان , فان الوضع اصبح مختلفا تماما , وعلى الرغم من ان مجلة ( يونّست ) لازالت تصدر , الا انها لم تعد لسان حال الشباب , كما كانت في السابق...   

220
 
بورسوف الذي يتذكره العراقيون
أ.د. ضياء نافع
بوريس ايفافوفيتش بورسوف ( 1905 – 1997 ) يرتبط في ذاكرتنا باسم كامران قره داغي , الذي ترجم عن الروسية كتابه الشهير – (الواقعية اليوم وابدا) في سبعينيات القرن العشرين , وقامت وزارة الاعلام العراقية في حينها بنشره , ولكنها حذفت (في اللحظة الاخيرة) اسم المترجم كامران قره داغي من الغلاف , لانه ترك بغداد والتحق بالحركة المسلحة آنذاك في كردستان العراق ( انظر مقالتنا بعنوان – كامران قره داغي والادب الروسي في العراق ) , وهكذا اصبح كتاب بورسوف ( تاريخيّا!) , لانه اول كتاب مترجم ( بضم الميم ) يصدر عن وزارة الاعلام العراقية دون اشارة الى اسم المترجم , او بتعبير أدق , بحذف اسم المترجم قبيل اصداره ( والاسرار لا تبقى اسرارا في العراق) كما هو معروف . والكتاب هذا اصبح مشهورا ايضا , لانه يتناول  الادب الروسي  بشكل موضوعي وشامل وعميق , وتلقفه القراء بحب ولهفة , خصوصا وانه مترجم بامانة و بلغة عربية رقراقة وسليمة و سلسة من قبل مترجم كبير ومبدع هو كامران قره داغي . ثم تم اصدار الطبعة الثانية من هذا الكتاب ولكن باسم المترجم كامران قره داغي هذه المرّة بعد ان هدأت العواطف والعواصف و عودة المترجم الى بغداد . ان قصة هذا الكتاب جعلت بورسوف اسما معروفا للقارئ العراقي بشكل ما, وهذا هو تفسير طبيعة عنوان مقالتنا , ولكننا في نفس الوقت يمكن ان نطرح السؤال من جانب آخر , وهو - هل يعرف القراء في العراق او في عالمنا العربي بشكل عام من هو هذا الناقد الادبي فعلا ؟ لقد (دردشت) مع عدد من الزملاء حول بورسوف , ووجدت آراء متضاربة جدا بشأنه , فمنهم من يرى , ان كامران قره داغي قدّمه لنا ليس دون هدف معيّن , وانما باعتباره الكتاب المضاد لروجيه غارودي وكتابه ( واقعية بلا ضفاف ) الشهير ( وقد تعجبّت جدا عندما استمعت الى هذا التحليل العراقي العميق !!!) , ومنهم من يرى , ان بورسوف هو النسخة الماركسية ( المحسّنة) لمفهوم الادب والفن , ومنهم لم يسمع باسمه ولا يعرفه اصلا . وبعد هذه (الدردشات الطريفة والغريبة ايضا!) بدأت بكتابة هذه المقالة عن بورسوف , وهي محاولة لرسم صورة تخطيطية لبورسوف لا اكثر , اذ ان الصورة التفصيلية لهذا الناقد الادبي الروسي السوفيتي تحتاج الى تفصيلات متشعبة وغور في مؤلفاته العديدة حول الادباء الروس الكبار , وحول مكانة النقد الادبي في الحياة الفكرية عموما ( يوجد لديه كتاب صدر عام 1976 بعنوان – النقد كأدب ), بورسوف الذي حصل على شهادة دكتوراه علوم في اختصاصه , واصبح بروفيسورا في جامعة لينينغراد ( 1948 – 1966 ) , ثم بروفيسورا في معهد غيرتسن التربوي في لينينغراد ( 1966 – والى تاريخ وفاته عام 1997 ) .
ولد بورسوف في قرية بضواحي فارونش في الامبراطورية الروسية عام 1905 , وبقي هناك ومارس مختلف المهن الفلاحية في قريته, ولم يدرس في المدرسة سوى 3 سنوات فقط , حيث انهى الصف الثالث الابتدائي ليس الا , ثم حدثت الحرب العالمية الاولى 1914 ثم ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية , ثم الحرب الاهلية في روسيا بعد تلك الثورة بين ( الجيش الاحمر والجيش الابيض!), وبعد ان استقرت السلطة السوفيتية بشكل او بآخر, انتقل بورسوف الى مركز مدينة فارونش وانهى هناك المدرسة  (كان عمره 25سنة آنذاك) ,ثم تخرّج  في معهد خاص بالصحافة والنشر في موسكو , ثم التحق بالدراسات العليا في اكاديمية الفنون وحصل على شهادة الكانديدات ( دكتوراه فلسفه) هناك , وكانت اطروحته عن البناء الفني لابطال رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) , وجاءت الحرب العالمية الثانية عام 1941 , فالتحق بالجبهة مثل كل الشباب الروسي, وهناك ( وسط نيران الحرب الرهيبة تلك) انتمى الى الحزب الشيوعي السوفيتي عام 1942 عن قناعة تامة, وبقي محافظا على انتمائه الفكري هذا الى نهاية حياته , ولم يساهم بحركة البيريسترويكا ( اعادة البناء) في الثمانينات , وكان ضد الغاء دولة الاتحاد السوفيتي بقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي , و توفي في روسيا الاتحادية عام 1997 . لقد عاصر بورسوف الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي وروسيا الاتحادية , ولكنه استمر طوال الوقت مخلصا لافكاره الشيوعية السوفيتية , التي اقتنع بها في بداية مسيرته وبقي امينا لها الى نهاية حياته.
هذا عرض وجيز جدا لمسيرة حياة بورسوف , ولا يمكن ان يكون هذا العرض متكاملا دون الاشارة الى اهم اعماله المنشورة في كتب ومقالات وبحوث . ظهر اول مقال له عام 1935 في مجلة ( زفزدا) الادبية بلينينغراد وكان بعنوان – نظام تولستوي الاستيتيكي , اما اول كتاب له فصدر عام 1951 بعنوان – الام لغوركي وقضايا الواقعية الاشتراكية , وأصدر طبعة ثانية موسّعة و مزيدة لهذا الكتاب عام1955 , علما انه كتاب  مهم من وجهة  النظر السوفيتية الرسمية المعروفة آنذاك حول مفاهيم الواقعية الاشتراكية , وليس من باب الصدفة ابدا ان هذا الكتاب قد تم ترجمته في بعض دول المعسكر الاشتراكي , اذ ظهر في ثلاث دول اشتراكية آنذاك هي – بلغاريا وجيكوسلوفاكيا وهنغاريا . لقد اصدر بورسوف اكثر من عشرة كتب تتناول الادباء والنقاد الروس الكبار, ومن اهمها كتاب بعنوان – شخصية دستويفسكي , وهو رواية وبحث , وصدر بطبعتين الاولى عام 1974 والثانية عام 1979 , وكتاب آخر بعنوان – مصير بوشكين , وهو ايضا رواية وبحث , وصدر ايضا بطبعتين الاولى عام 1985 والثانية عام 1989 .
دراسة مسيرة بورسوف ونتاجاته النقدية المتنوعة بموضوعية تعني دراسة التجربة السوفيتية الفكرية في مجال الادب بكل جوانبها الايجابية والسلبية معا , وهي دراسة تستحق فعلا اهتمام الباحثين العرب.   

221
شئ عن مجلة ( الادب الروسي )
أ.د. ضياء نافع
مجلة ( روسكايا  ليتيراتورا ) ( الادب الروسي) الروسية تصدر منذ عام 1958 ولحد الان , اي ان عمرها في هذا العام (2020) قد بلغ (62) سنة باكملها , ولم تتوقف طوال هذه الفترة عن الصدور, وهي واحدة من المجلات المعتمدة علميا في مجال الادب الروسي وتاريخه . يصدر المجلة معهد الادب الروسي في بطرسبورغ (والذي يسمى ايضا بيت بوشكين ) التابع لاكاديمية العلوم الروسية , وهذا ما يميّزها عن المجلات الادبية الاخرى , التي تصدر في روسيا , اذ انها المجلة الوحيدة ذات الصفتين – الصفة الاكاديمية الصرفة باعتبارها لسان حال معهد الادب الروسي في اكاديمية العلوم الروسية , وثانيا - الصفة الجماهيرية الواسعة الانتشار بين القراء في آن واحد.
المجلة فصلية , اي تصدر اربع مرات في السنة , ولهذا فانها (لا تلهث!) وراء الاحداث السريعة في الحياة الثقافية مثل المجلات الادبية الشهرية , وهي صفة واضحة المعالم على صفحاتها , صفة جعلتها مجلة اكاديمية متأنية جدا وبكل معنى الكلمة , رغم انها تواظب على ( التزاحم ) مع المجلات الادبية الروسية الاخرى اربع مرّات سنويا , وهي سمة تفتقدها المجلات الاكاديمية عادة , التي غالبا ما تكون محصورة باوساط المتخصصين ليس الا , اذ ان هذه المجلات لا تصدر بشكل فصلي , وانما تكون سنوية في الغالب او نصف سنوية في احسن الاحوال , وهي مجلات ( شبه محنّطة) كما يسميها البعض , ورغم ان هذه التسمية – من وجهة نظرنا - متطرفة جدا وغير موضوعية جدا و قاسية و حتى لئيمة الى حد ما, الا ان تلك المجلات فعلا لا تمتلك جمهورها الواسع من القراء واقعيا, وانما تستخدم لاغراض الترقيات العلمية بالاساس للعاملين في الاوساط الاكاديمية , ولا تتعدى حدود تلك المؤسسات واللجان المختصة بتلك الترقيات في هذه المؤسسات . وباختصار , فان مجلة ( الادب الروسي ) تتضمن فعلا السمتين ( وكما أشرنا اعلاه ), السمة الاكاديمية البحتة , والسمة الآخرى الخاصة بالمجلات التي ينتظرها القراء للتمتع بها والاستفادة منها , وليس من باب الصدفة ابدا , ان هذه المجلة تتفاخر باشتراك جامعات ومكتبات عامة بها من( 34) بلدا في العالم خارج روسيا, حيث توجد في جامعاتها اقسام علمية خاصة بدراسة  الادب الروسي ومتابعته , وعدد الاشتراكات هذه يستحق الفخر والاعتزاز  فعلا .
تتناول المجلة كل مراحل الادب الروسي قاطبة بالدراسة والتحليل ابتداء من تراثه الشفاهي وعبر الادب الروسي القديم وصولا الى القرن الثامن عشر , ثم تألق هذا الادب ونضوجه في القرن التاسع عشر وحتى يومنا الحالي في القرن الحادي والعشرين , اي انها مجلة شاملة  لدراسة الادب الروسي باكمله , ويذكرني نهج هذه المجلة ببرنامج دراستنا للادب الروسي في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين, اذ اننا درسنا ايضا الادب الروسي الشفاهي ( الفلكلور) اولا , ثم الادب الروسي القديم وصولا الى ادب القرن الثامن عشر , ثم تتوقف المناهج بتفصيل اكثر عند دراسة ادب القرن التاسع عشر , الذي يقسم الى قسمين , يدرس القسم الاول ادباء النصف الاول من القرن , ويتناول القسم الثاني ادباء النصف الثاني , ثم ادب القرن العشرين والذي يقسم ايضا الى قبل ثورة اكتوبر وبعدها , ولازال هذا النهج الاكاديمي العلمي سائدا رغم كل التغيّرات الجذرية المعروفة التي حدثت في مسيرة روسيا .
  أصدر معهد الادب الروسي في اكاديمية العلوم الروسية اليكترونيا كل اعداد هذه المجلة منذ صدورها عام 1958 ولحد عام 2017 , وهو عمل علمي هائل يعزز عملية البحث العلمي في مجال الادب الروسي وتاريخه الطويل , ويجعل هذه الاعداد بمتناول الجميع , وقد اطلعت عليه وادهشني فعلا , وكم كنت اتمنى – وانا أقرأ محتويات تلك المجلة الغنيّة ببحوثها الشاملة العميقة – ان أجد يوما اعمالا مماثلة لاصداراتنا ومجلاتنا , اذ ان كل المحاولات التي لدينا لحد الان في هذا المجال مبتورة او مشوشة , لانها محاولات فردية بشكل او بآخر , ولم تخضع لضوابط صارمة ودقيقة من قبل مؤسسات علمية رصينة , والحديث عن ضياع تراثنا الفكري وجهود المؤلفين العراقيين الذين ساهموا في تلك المجلات يثير الشجون طبعا .
اختتم مقالتي عن مجلة الادب الروسي بالاشارة , الى ان المجلة طوال هذا الستين سنة واكثر من مسيرتها كانت برئاسة تحرير اربع اشخاص فقط لا غير , وكل رؤساء التحرير هؤلاء كانوا من العلماء المتميّزين في مجال اختصاصهم , وهو علم اللغة الروسية وآدابها ( الفيلولوجيا الروسية ) , وهم من الحاصلين طبعا على اعلى الشهادات العلمية في اختصاصهم واعضاء في اكاديمية العلوم الروسية , وكانت هناك دائما في هيئة التحرير مجموعة واسعة من الباحثين الموهوبين المتخصصين , الذين يحملون ايضا شهادات علمية رفيعة, ويعملون في مجال تخصصهم العلمي الدقيق حصرا .   
تحية اعجاب واحترام وتقدير لمجلة روسكايا ليتيراتورا ( الادب الروسي ) وهيئة تحريرها ولمعهد الادب الروسي ( بيت بوشكين) في اكاديمية العلوم الروسية , الذي يصدرها منذ عام  1958 ولحد الان ....

222
الامبراطورة يكاترينا الثانية وانقلابها الثقافي
أ.د. ضياء نافع
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------

سبق وان تناولنا موضوع يكاترينا الثانية ومواقفها الثقافية ( انظر مقالتنا بعنوان – يكاترينا الثانية والادب الروسي ) , ولكننا نعود الى هذا الموضوع لاهميته في تاريخ الادب الروسي  , وكذلك لظهور مصطلح طريف في المصادر الروسية يرتبط بها هو ( الانقلاب الثقافي ) في البلاط القيصري الروسي , وهو يتناول بالاساس المراسلات الفكرية العميقة بينها وبين فولتير وديدرو.
ض.ن.
الامبراطورة الروسيّة يكاترينا الثانية (1729– 1796 ) , هكذا يكتبون اسمها باللغة الروسية , ولكنها حسب التسميات العربية السائدة عندنا فهي كاترين , ولا  اظن ان هناك ضرورة لتوضيح  سبب ذلك , فنحن (لا نعترف!)  بشكل عام بتعددية اللغات ( ولا اريد حتى الاشارة هنا الى مسألة تعددية الآراء !!!) , واذكر مرّة ان احدى زميلاتي في قسم اللغات الاوربية بكليّة الاداب بجامعة بغداد ( وهي حاصلة على الماجستير من جامعة امريكية ) قد ( صحّحت !) لي لفظي عندما ذكرت اسم الكاتب الروسي تشيخوف مرّة, وقالت لي امام الجميع في اجتماع اللجنة العلمية للقسم – ( اسمه تشايكوف وليس تشيخوف  كما تقول ). هذه هي الملاحظة الاولى حول عنوان مقالتنا , اما الملاحظة الثانية , فهي عن ( الانقلاب الثقافي ) , اذ اننا نتناقش – وبشكل حاد جدا – لحد اليوم , هل نطلق على الاحداث الفكرية الكبيرة في مسيرة حياتنا – ( ثورة ) ام (انقلاب ) , وقد ألقى عليّ احد زملائي (محاضرة!) باكملها حول ذلك, وقال لي – وبحماس - ان ماوتسي تونغ نفسه أطلق عليها تسمية ( الثورة الثقافية ) في الصين , وليس ( الانقلاب الثقافي ) , فسألته , وكيف نسمي العمل الترجمي الكبير  لمصطلحات الجيش العراقي , الذي قام به المترجم العراقي عبد المسيح وزير في بدايات تأسيس الدولة العراقية ؟ فقال لي – بسخرية - انه لم يسمع بهذا الاسم اصلا  . ورغم ملاحظة زميلتي و( تصحيحها بنكهة ولكنّة امريكية !) لاسم تشيخوف الروسي , ورغم محاضرة زميلي عن ( الثورة والانقلاب !) وهو الذي لا يعرف من هو عبد المسيح وزير , فان عنوان مقالتنا يبقى كما تكتبه المصادر الروسية وباللغة الروسية – الامبراطورة يكاترينا الثانية وانقلابها الثقافي .
عاشت يكاترينا الثانية (67) سنة,  وهي المانية الاصل , وانتقلت الى روسيا وتزوجت من وصي العرش القيصري الروسي عندما كان عمرها (15) سنة, ثم اصبحت هي نفسها قيصرة  روسيا ذات الصلاحيات المطلقة , وحكمت الامبراطورية الروسية (34) سنة بالتمام والكمال (من عام 1762 الى عام 1796) , وهي اطول فترة حكم لأمرأة في تاريخ روسيا منذ بداية الدولة الروسية و حتى الوقت الحاضر , وهذه الفترة من الحكم لم يصل اليها في القرن العشرين حتى ستالين نفسه , الذي حكم ( 30) سنة فقط . ولا نريد الخوض هنا في كل التفاصيل , اذ ان مقالتنا تتناول الانقلاب الثقافي , الذي يرتبط باسمها فقط بين كل القياصرة الروس ( وليس القياصرة فقط ) , الذين حكموا روسيا عبر تاريخها الطويل و المتشعب.
الانقلاب الثقافي ( كما تتحدث عنه المصادر الروسية الحديثة ) لهذه الامبراطورة يرتبط بموقفها من الادب والفن في روسيا  بشكل عام ودورها  ودعمها الهائل لهذا النشاط , ويشمل كذلك مساهماتها الشخصية في مسيرة الادب والفن , ويرتبط طبعا بالعلاقات الثقافية الواسعة , التي حققتها مع مجموعة من المثقفين و المفكرين الروس مثل لامانوسوف ونوفيكوف  وغيرهم , وكذلك مع المفكرين الاوربيين الكبار ايضا مثل فولتير وديدرو وغيرهم , ومراسلاتها الفكرية العميقة مع تلك الاسماء اللامعة في دنيا الادب العالمي , والتي لازال الباحثون يكتبون عنها ويتناولوها بالدراسة و التحليل  .
النقاط الواسعة جدا في المجال الثقافي لهذه الامبراطورة لا يمكن تلخيصها , ويكفي ان نقول هنا , ان تلك الاعمال لا زالت موجودة في المجتمع الروسي لحد الان , وان الجميع يتعايش معها , ومتحف ( الارميتاج ) في بطرسبورغ وحده هو الشاهد الاكبر على ذلك , ولكننا نود هنا ان نؤكد على نقطة واحدة فقط من هذا النشاط الثقافي لها , وهي مراسلاتها مع فولتير وديدرو , اذ  لم يتراسل احد من القياصرة الروس مع مفكرين اوربيين كبار كما فعلت يكاترينا . نصوص هذه المراسلات منشورة الان في روسيا وفي الغرب ايضا , ولكني بحثت عنها في المصادر العربية ولم اجدها مع الاسف , وربما يكون بحثي هذا غير شامل  ليس الا , وفي كل الاحوال فان علاقة يكاترينا بفولتير وديدرو موضوع يستحق منّا ان نتأمله وندرسه ونترجمه الى لغتنا العربية , اذ توجد هناك افكار عميقة ومفيدة جدا لنا , افكار يمكن لنا حتى ان نستخدمها في مسيرة حياتنا الان , مثل دور التعايش الديني في مجتمع متعدد الاديان وضرورته, وكيف ان التعصب الديني يؤدي الى خرق الهدوء والاستقرار في ذلك المجتمع , او عن اهمية الترجمة , وكيف انها تعدّ عاملا مهما في موضوع التقارب والتفاهم  بين الحضارات , او حتى عن ضرورة حملات التشجير حول المدن ودورها في الحفاظ على البيئة , وغيرها من المواضيع المتنوعة و الحيوية جدا في مسيرة الامم .
يكاترينا الثانية ودورها في الحياة الثقافية الروسية - موضوع كبير ومهم يستحق اكتشاف شعابه....




 

223
مقالة لاكشين المنسية عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
يرتبط اسم فلاديمر ياكوفليفتش لاكشين ( 1933 – 1993 ) بظاهرة البحث العلمي الاصيل والمعمق في تاريخ الادب الروسي ( انظر مقالتنا عنه بعنوان – لاكشين والادباء الروس الكبار ) , ويمكن القول ايضا , ان لاكشين يرتبط باسم تشيخوف في بداية مسيرته , ولازال كتابه الشهير – ( تولستوي و تشيخوف ) يعدّ - ولحد الان - احد المصادر المهمة لدراسة تشيخوف وابداعه والمقارنة بينه وبين تولستوي , رغم ان الطبعة الاولى لهذا الكتاب صدرت عام 1963 , وعندما احتفلت روسيا بالذكرى ( 160 ) لميلاد تشيخوف في شهر كانون الثاني / يناير من هذاالعام ( 2020) , اهدى لي أحد زملاء الدراسة الروس بجامعة موسكو في الايام الخوالي عددا قديما من مجلة ( فبروسي ليتيراتوري )( قضايا الادب) , الصادر في عام 1960 , وقال لي , انه حصل على هذه المجلة صدفة , وقرر ان يهديها لي  قائلا – ( ان هناك مفاجأة طريفة لك على صفحات هذه المجلة العتيقة , وانك يجب ان تكتشفها بنفسك ). أثارتني هذه ( الهدية!) والكلمات التي سمعتها حولها , وعندما بدأت بتصفّح المجلة , فهمت طبعا , ان زميلي يقصد مقالة لاكشين عن تشيخوف , اذ انه يعرف (ولعي الشديد !!) بتشيخوف , وانه يعرف ايضا , باني ( احب كلمن يحبه !!!) كما يقول ناظم الغزالي في اغنيته الشهيرة. وقرأت المقالة تلك طبعا بكل سرور , واود ان ( ادردش ) حولها قليلا مع القراء العرب , لاني اظن , ان الدردشة هذه ستكون ممتعة لهم ومفيدة على الاغلب , اذ ان تشيخوف هو واحد من الادباء الروس القريبين روحيا لهؤلاء القراء .
ابدأ الدردشة بالحديث عن ذلك العدد العتيق من مجلة ( قضايا الادب ) , اذ انه صادر قبل خمسين سنة مضت , اي في عام 1960 , وهو العام الذي احتفلت به روسيا بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تشيخوف . ومن الطبيعي ان يكون هناك ملف خاص في تلك المجلة  حول هذه الذكرى . وساهم بالكتابة في هذا الملف عدد من الباحثين الروس , ومن بينهم لاكشين , الذي انهى دراسته الاولية  في القسم الروسي بكلية الفيلولوجيا في جامعة موسكو عام 1955 , والتحق بقسم الدراسات العليا في نفس القسم والجامعة بعدئذ , وحصل على شهادة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة) عام 1962. وكل تلك الوقائع تعني , ان لاكشين كتب مقالته تلك في مجلة (قضايا الادب) عندما كان طالب دراسات عليا و في السنة الاولى من دراسته ليس الا . عنوان المقالة هو – الارث الفني لتشيخوف اليوم , وتشغل 19 صفحة من المجلة المذكورة , وهي مقالة واسعة وشاملة, وتتضمن نظرة دقيقة على كل ابداع تشيخوف من قصص ومسرحيات , وهي بالتالي خطوة جريئة فعلا من قبل باحث شاب لم يكن يمتلك بعد الخبرة والتجربة في عالم الكتابة الجميل والشائك في آن . الانطباع الاول عن هذه المقالة هو شجاعة لاكشين الادبية , اذ قرر طالب الدراسات العليا ان يكتب في مجلة بمستوى ( قضايا الادب )  عن (كل تشيخوف !) رأسا , وهي خطوة يقدم عليها فقط الشباب الشجاع والذي لا يأخذ بنظر الاعتبار – وكما يجب – بالنتائج النهائية لعمله , والانطباع الثاني , هو ان لاكشين قد نجح فعلا في خطوته الشجاعة تلك نجاحا علميا باهرا .
الافكار الاساسية في تلك المقالة انعكست لاحقا وبشكل واسع في كتاب لاكشين – ( تولستوي وتشيخوف ) , وهي موضوع اطروحته آنذاك في دراسته العليا , ولا يمكن طبعا تلخيص هذه الافكار في عدة أسطر , ولكننا نريد ان نتوقف عند جملة واحدة منتقاة من تلك المقالة, والجملة هذه هي مثل نموذجي يمكن – من وجهة نظرنا - ان تعبّر عن طرافة النظرة العلمية للباحث تجاه ابداع تشيخوف , مثل يبيّن كيف ان لاكشين نجح برسم الخصائص الاساسية لهذا الابداع  . الجملة هذه وتعليقاتنا عليها هي  كالآتي –
(... كان باستطاعة تشيخوف ان يرسم اللوحة بضربة واحدة  ... ) . هذه الجملة التي كتبها لاكشين عن تشيخوف بحد ذاتها تعني , ان هذا الباحث قد فهم  - وبعمق- كل خصائص تشيخوف الفنية وقيمته الجمالية وكل الاجواء الجديدة التي ارتبطت باسمه في تاريخ الادب الروسي , فأي كاتب روسي آخر يقدر ان يرسم لوحة كاملة بحركة واحدة من فرشاته , التي تحمل كل تلك الالوان الزاهية ؟ ان قصصه القصيرة , والتي قال له عندها محررو بعض المجلات الروسية وهم يرفضون نشرها , انها ( أقصر من منقار الطير ) حسب ما كتب تشيخوف نفسه بعدئذ , هذه القصص القصيرة  لازالت معروفة في روسيا وخارجها , مثل الموظف الذي عطس في المسرح وتوفي نتيجة ذلك , والذي أصبح الان رمزا من رموز الهلع التراجيدي للانسان المسحوق اجتماعيا وفي كل زمان و مكان رغم انه لم يرتكب اي ذنب. لقد تحوّلت جملة كتبها تشيخوف في احدى رسائله مرّة الى قول روسي مشهور , بل و الى مثل من الامثال الروسية , و ترجمتها الحرفية هي – ( الايجاز شقيق العبقرية ) , وهناك اجتهادات اخرى متنوعة لترجمة هذا القول , الا انها خارج اطار مقالتنا طبعا. , جملة تشيخوف هي في الواقع  تعبير دقيق يتناغم فعلا مع كل ابداعه , وهذه الجملة تذكرنا بمثلنا العربي – ( خير الكلام ما قل ودل) طبعا , الا انها تبقى جملة تشيخوفية بامتياز.
لاكشين ودوره في ( تحرير!) تشيخوف من ( الشوائب ) التي أحاطت به يتطلب التعمق بدراسة كتابات هذه الباحث الكبير...     

224
المنبر الحر / غوركي و يسينين
« في: 19:27 28/07/2020  »
غوركي  و يسينين
ا.د. ضياء نافع
عندما ولد سيرغي  يسينين العام 1895, كان مكسيم غوركي اديبا معروفا في روسيا الامبراطورية, اذ ان غوركي اكبر من يسينين ب (27) سنة. وعندما توفى يسينين العام 1925 كان غوركي خارج روسيا السوفيتية - مرة اخرى – مضطرّا , وذلك نتيجة لخلافه مع السلطة السوفيتية  هذه المرّة ( انظر مقالتنا بعنوان – غوركي ولينين ). وعندما نشر يسينين اول قصيدة له العام 1914 في احدى المجلات الخاصة بادب الاطفال, كان غوركي  لا يزال خارج روسيا هاربا من مطاردة السلطة القيصرية له لنشاطه السياسي والفكري المعارض للنظام القيصري الروسي آنذاك , وكان يلتقي خارج روسيا القيصرية مع لينين نفسه ويشارك بنشاطات حزبه  الماركسي المعروف , الذي سيحقق ثورة اكتوبر 1917 , ويحوّل دولة روسيا الامبراطورية الى دولة الاتحاد السوفيتي .  الكاتبان غوركي ويسينين – باختصار -  عاشا في روسيا القيصرية وروسيا السوفيتية , وفي زمن واحد متقارب, لكن مسيرتهما الحياتية كانت مختلفة تماما , ورغم كل هذا الاختلاف النوعي الكبير( شكلا ومضمونا) في مسيرتيهما ونتاجاتهما , فانهما – مع ذلك – يعدّان الان قمّتين من سلسلة قمم الادب الروسي في النصف الاول من القرن العشرين , وانطلاقا من هذه الحقيقة الساطعة والثابتة في تاريخ الادب الروسي , تناول الباحثون الروس موضوعة المقارنة بينهما, اي العلاقة بين عالمين اثنين مختلفين تماما في زمن روسيّ واحد , وهي موضوعة طريفة فعلا , وهذا ما نحاول الحديث عنه بشكل عام ( اي عن اهم ملامح هذه المقارنة ) في مقالتنا هذه .
المقارنة تبدأ بين الوقائع في طفولة غوركي ويسينين , اذ انها ( اي الطفولة ) تنعكس لاحقا وحتما في بلورة خصائص المبدعين كافة . طفولة غوركي كانت صعبة وقاسية جدا , وهي تذكّر بجملة  كتبها تشيخوف مرّة واصبحت قولا شائعا باللغة الروسية , وهذه الجملة هي– ( في طفولتي لم تكن عندي طفولة ) . طفولة الصبي اليتيم غوركي معروفة بشكل عام للقارئ العربي , اذ انه كتبها في روايته الثلاثية المعروفة و المترجمة الى العربية ( طفولتي / في الناس / جامعاتي) , ويعرف هذا القارئ ان غوركي اضطرفي طفولته ان يمارس  مختلف الاعمال التي يضطر الانسان ان يمتهنها وهو في وضعه التعيس هذا , مهن مثل  صبغ جلود الاحذية وغيرها من المهن , وان غوركي لم يستطع - نتيجة هذا الظرف الصعب - ان يكمل سوى مدرسة مهنية ليس الا. طفولة يسينين تختلف تماما , اذ انه قضاها في قريته الروسية  التي ولد فيها ( وانعكست مناظرها الريفّية الخلاّبة لاحقا في شعره) , وكان يدرس في المدرسة ( ويلتهم !) الكتب الموجودة في مكتبتها العامة , وهناك تعرّف يسينين على الادباء الروس ومنهم غوركي , والذي كان يكنّ له اعجابا متناهيا كمناضل وكأديب متميّز في مسيرة الادب الروسي , ولهذا , وعندما أصدر يسينين اول ديوان شعر له , فانه اهداه الى غوركي , وحدث ذلك في بداية عام 1916 , عندما التقيا اول مرة في مدينة بيتروغراد ( وهي المدينة التي تحولت الى لينينغراد ثم عادت الى بطرسبورغ وهو اسمها الاصلي ) , بعد عودة غوركي من ايطاليا الى روسيا , وقد كتب يسينين في ذلك الاهداء على ديوان شعره جملة تعبّر عن موقفه هذا تجاه غوركي , وقد جاء في ذلك الاهداء – (الى مكسيم غوركي كاتب الارض والانسان ...), , و تمّ عرض هذا الكتاب باهداء يسينين في معرض اقيم في متحف يسينين بموسكو لمناسبة مرور 150 عاما على ميلاد غوركي العام 2018 بموسكو .
غوركي كان مراقبا فذّا لمسيرة الادب الروسي , وكان يتابع بدقّة كل الاسماء الجديدة في هذا الادب , ويحاول ان يرعاها حسب امكانياته,   وقد لاحظ غوركي بالطبع موهبة يسينين المتميّزة رأسا , ودعاه للمشاركة في النشر بمجلة ( ليتوبيس ) , التي بدأت لتوّها , واستجاب يسينين لهذه الدعوة ,والتي جاءت من قبل كاتب يعتزّ به مثل غوركي , وظهرت فعلا في العدد الثاني ( شباط 1916 ) للمجلة قصيدة ليسينين , ثم نشر غوركي قصائد ليسينين في جريدته ( الحياة الجديدة ) التي بدأ باصدارها آنذاك, وهي الصحيفة لعبت دورا كبيرا في التعبير عن خلافات غوركي مع السلطة السوفيتية . و من الطريف ان نذكر هنا , ان اعجاب غوركي بشعر يسينين قد انعكس حتى على مراسلات غوركي مع الاديب الفرنسي رومان رولان , اذ وجد الباحثون جملة كتبها غوركي الى رولان , يخبره فيها بظهور شاعر روسي عبقري شاب في روسيا السوفيتية هو يسينين . نختتم مقالتنا هذه بمقطع بما كتبه غوركي عن يسينين , – ( ... أثارتني قصائده حتى الدموع ...اردت حتى ان ابكي...ولم استطع ان اقول له اي كلمات مديح , والتي اعتقد انه ليس بحاجة اليها ...ان تلك القصائد تجعلك تفكّر وبلا ارادتك ...ان الطبيعة قد خلقته ليكون لسان حالها ... وانها خلقته للشعر .. وللتعبير عن حزن الحقول ..وعن الحب تجاه كل ما هو حي في العالم).
غوركي ويسينين موضوعة جميلة في تاريخ الادب الروسي , وهي تستحق – وبجدارة – ان يوليها الباحثون انتباههم , والتعمق في دراسة الآراء التي كتباها او ذكراها كلاهما عن بعضهما البعض , والتوقف عند آراء الآخرين حول هذه العلاقة وتحليلها ...

225
  شئ عن الجمعية الجغرافية الروسية وعن الجغرافيا
أ.د. ضياء نافع
احتفلت روسيا هذا العام 2020 بالذكرى( 175) للجمعية الجغرافية الروسية , التي تأسست عام 1845 في الامبراطورية الروسية , وهي واحدة من اوائل الجمعيات الجغرافية عالميا في سلسلة هذه الجمعيات العلمية , اذ تأسست في اوربا الجمعية الجغرافية الفرنسية في باريس عام 1821  وتلتها الجمعية الجغرافية الالمانية  في برلين عام 1828 , ثم جاءت الجمعية الجغرافية الانكليزية في لندن عام 1830 . هناك في الوقت الحاضر طبعا العشرات من هذه الجمعيات الجغرافية وفي العديد من بلدان العالم , بما فيها بعض البلدان العربية , الا ان الروس يعتبرون جمعيتهم رائدة وطليعية في هذا المجال , ويعتزون ويتفاخرون بها كواحدة من امجادهم العلمية , والتي حملت كل السمات التاريخية للدولة الروسية , اذ كانت في بدايتها تسمى الجمعية الامبراطورية , ثم تحولت الى الجمعية السوفيتية , ثم اصبحت الان الجمعية الروسية .  كانت احتفالات روسيا كبيرة ومتميّزة بذكرى تأسيس هذه الجمعية ( رغم جائحة كورونا التي اجتاحت العالم وعرقلت مسيرة الحياة بشكل عام) , علما ان رئيس الجمعية الجغرافية في الوقت الحاضر هو شايغو – وزير الدفاع الروسي حاليا , والشخصية القريبة جدا من الرئيس الروسي بوتين , ومن الواضح جدا المعنى (الكامن!) باختيار هذه الشخصية العسكرية على رأس الجمعية الجغرافية الروسية , وفي هذا الوقت العصيب بالذات , وماذا تريد روسيا ان تقول للعالم عبر هذا الاختيار الرمزي الدقيق  لرئيس جمعيتها الجغرافية .
الحديث عن تاريخ هذه الجمعية كان يشمل كل الجوانب المتعددة المرتبطة بعلم الجغرافيا , فهناك الجغرافيا السياسية , ولا اريد ان استخدم مصطلح ( الجيوبوليتيك ) الذي اصبح شائعا بلغتنا العربية , اذ ان تعبير ( الجغرافيا السياسية ) يشير بوضوح الى تأثير الجغرافيا على  السياسة وانعكاساتها ( تذكرت منطقة الحياد , التي كانت في خارطة العراق عندما كنّا ندرس الجغرافيا بالمدرسة الابتدائية في الايام الخوالي , والتي كنّا نسميّها بلهجتنا العراقية ضاحكين – ( البقلاواية !) , وكيف اختفت هذه ( البقلاواية ) من خارطة العراق في الثلث الاخير من القرن العشرين , اي الفترة البعثية طبعا , والحليم تكفيه الاشارة ) , وهناك الجغرافيا الاقتصادية , والجغرافيا الاجتماعية , والجغرافيا الزراعية , والجغرافيا الثقافية , والجغرافيا التاريخية , والجغرافيا الجيولوجية  , والجغرافيا الفيزياوية , وجغرافيا المحيطات والبحار وغيرها , وهناك تفرعات تفصيلية كثيرة ومتشعبة لكل هذه الانواع والاشكال في علم الجغرافيا الواسع جدا , وهو الشئ الذي اصتدم به احد زملائي المترجمين عندما تمّ تكليفه بترجمة دليل كليّة الجغرافيا في جامعة موسكو , اذ لم يستطع ايجاد المصطلحات العربية اللازمة لترجمة حتى تسميات بعض الاقسام العلمية في تلك الكليّة , ناهيك عن تسميات مفردات المناهج وتفصيلاتها في تلك الاقسام العلمية , وقد اضطر هذا الزميل ان يعتذر – في نهاية المطاف - عن الاستمرار بذلك العمل الترجمي آنذاك , واقترح تكليف لجنة متخصصة لتنفيذ هذا العمل العلمي  .
 وانا اتابع احتفالات روسيا بجمعيتها الجغرافية , تذكرت واقع علم الجغرافيا في العراق , الذي لازال العراقيون يدرسونه في كلية الاداب ضمن قسم الجغرافيا , وهذا يعني , ان علم الجغرافيا في مفاهيمنا التربوية هو جزء من العلوم الانسانية البحتة ليس الا , وتذكرت , عندما شاركت مرة ( عندما كنت مقررا لقسم اللغات الاوربية ) في اجتماع مجلس كلية الاداب , كيف ان ممثل قسم الجغرافيا في تلك الكلية عرض على المجلس الخلاف الذي حصل في مجلس قسم الجغرافيا بشأن مادة ( قاع البحار ) , اذ وافق بعض اعضاء مجلس القسم – وبحماس - على ادخال هذه المادة ضمن مفردات المناهج التدريسية , وعارض بعض اعضاء المجلس – وبحماس ايضا – هذا المقترح , و لم يصلوا الى حلّ في  القسم لهذه المعضلة العلمية, وبناء على ذلك قرروا عرض الموضوع على مجلس الكلية من اجل حسمه , باعتبار هذا المجلس هو أعلى سلطة في الكلية , وأذكر ايضا ردود الفعل المتنوعة جدا لاعضاء مجلس كلية الاداب بجامعة بغداد حول هذه الفقرة , والتعليقات الطريفة بشأنها , والتي كانت تبيّن و تؤكد كم كنّا بعيدين ( ونحن اساتذة نحمل الالقاب العلمية الرنانة من استاذ الى استاذ مساعد ) عن فهم واستيعاب علم الجغرافيا وخصائصه الدقيقة  , هذا العلم الكبير والمتشابك , و بعد التي واللتيا ,  أرجع مجلس الكلية هذه الفقرة الى اللجنة العلمية في قسم الجغرافيا لايجاد القرار العلمي الملائم بالنسبة لمادة ( قاع البحار ! ) هذه , معترفا بفشله , ولكن بشكل دبلوماسي وغير مباشر طبعا وتحت ذريعة ( الاختصاص الدقيق !) وضرورته في ايجاد الحلول بهذا الشأن.
علم الجغرافيا ينتظر جهود الجغرافيين العرب , كي  يشغل هذا العلم مكانه الحقيقي والجدير به في مسيرة حياتنا , فنحن احفاد الادريسي..   

226
أدب / مناصفة
« في: 21:53 09/07/2020  »


 مناصفة
======

قصيدة للشاعرة الاذربيجانية المعاصرة مايا بادالبيلي

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


اتقاسم كل شئ مناصفة معك –
القمر والنجوم ,
والليل في السكون,
وشعاع الشمس
  في الصباح ,
والدفء لنا معا
سيكون..
+++
اتقاسم كل شئ مناصفة معك –
يوم الربيع ,
 و نسمات الهواء
في الفضاء ,
وكل العالم لنا معا
سيكون..
+++
 لكن احزانك,
لا اتقاسمها معك ,
اذ كل احزانك -
احزاني
ستكون..

227
تسفيتايفا و ماياكوفسكي
أ.د. ضياء نافع
مارينا تسفيتايفا وفلاديمر ماياكوفسكي دخلا – وبكل جدارة واستحقاق – تاريخ الادب الروسي في القرن العشرين بشكل عام , و اصبحا بالذات فصلا متميّزا ( بنكّهة  واضحة المعالم )في تاريخ الشعر الروسي ومسيرته بشكل خاص . كلاهما ولدا بالامبراطورية الروسية في تسعينيات القرن التاسع عشر, وكلاهما انهيا حياتهما انتحارا بالقرن العشرين في الاتحاد السوفيتي , ماياكوفسكي انتحر عام 1930 باطلاق النار على نفسه وكان عمره 37 سنة , وتسفيتايفا انتحرت بشنق نفسها عام 1941 بعد عودتها من الغرب وكان عمرها 49 سنة ( هاجرت تسفيتايفا الى اوربا الغربية عام 1922 مع الموجة الكبرى للمثقفين الروس الذين هاجروا من روسيا السوفيتية احتجاجا على ثورة اكتوبر الاشتراكية , وبقيت هناك طوال ذلك الوقت , ولكنها - بالتدريج - اقتنعت بضرورة  العودة الى الاتحاد السوفيتي , وعادت فعلا عام  1939 , ولكنها انتحرت بعد سنتين من عودتها).
ماياكوفسكي – كما هو معروف – كان شاعر الثورة الاشتراكية, اما تسفيتايفا فقد رفضت الثورة اصلا, والمقارنة بينهما - للوهلة الاولى - تبيّن طبعا التباين الجوهري لموقفهما من أهم واكبر حدث في تاريخ روسيا آنذاك , فماياكوفسكي يمجّد الثورة البلشفية , و تسفيتايفا ترفضها بشكل واضح وصريح وتهاجر من بلد الثورة احتجاجا , ولكن - مع هذا التناقض الواضح بالموقف من ثورة اكتوبر1917 ونتائجها - توجد بين ماياكوفسكي وتسفيتايفا مع ذلك روابط وعلاقات تستحق التأمّل والدراسة والتحليل, وهي وقائع تناولها الباحثون في تاريخ الادب الروسي  الحديث, ونود ان نتحدث عن اهم ملامح هذه الوقائع للقارئ العربي في مقالتنا هذه , اذ اننا نظنّ ان هذه الوقائع غير معروفة بشكل متكامل لهذا القارئ , وربما تساعدنا للوصول الى بعض الاستنتاجات المفيدة بشأن معرفتنا لتاريخ الفكر الروسي الذي غالبا ما نتحدّث عنه – نحن العرب - ونستشهد بوقائعه دون معرفته بعمق , وفي كل الاحوال , فان هذه المعلومات يمكن ان توضّح لنا بعض الجوانب الفكرية في مسيرة حياتنا المتشابكة.
من الوقائع الثابتة والموثّقة ( و الطريفة ايضا ) في تاريخ العلاقات بين تسفيتايفا وماياكوفسكي ما كتبته الشاعرة نفسها  عام 1928 , اي بعد ست سنوات من هجرتها  الى الغرب . لقد وصل ماياكوفسكي  الى  باريس في تلك السنة , وكانت تسفيتايفا هناك , ونشرت في جريدة روسية كانت تصدر في باريس وهي ( يفرآسيا ) ( اوروآسيا )  بتاريخ تشرين الثاني / نوفمبر كلمة قصيرة بمثابة تحية موجهة لماياكوفسكي , وقد جاء فيها , ان تسفيتايفا التقت ماياكوفسكي في الشارع بموسكو صدفة قبيل رحيلها من روسيا عام 1922 وسألته – ( ماذا تريد يا ماياكوفسكي ان ابلّغ اوربا عنك ؟ ), فقال لها بلّغيها ( ان الحقيقة – هنا )  , وتكتب تسفيتايفا في مقالتها القصيرة تلك لاحقا , انها عندما كانت في مقهى فولتير بباريس عام 1928 , حيث ألقى ماياكوفسكي قصائده , وخرجت لتوّها من المقهى , طرح أحدهم عليها سؤالا , وهو – ( ماذا تقولين عن روسيا بعد قراءآت ماياكوفسكي ؟ ) فأجابت تسفيتايفا رأسا , دون ان تتمعن بالتفكير قائلة – ( ان القوة – هناك ) , اي انها استخدمت – واقعيا - نفس شكل و مضمون جملة ماياكوفسكي, التي ذكرها  لها عند اللقاء معها في موسكو .
لم يتقبّل اللاجئون الروس في باريس هذه الكلمة – التحية لماياكوفسكي , التي نشرتها تسفيتايفا , واعتبروها انحيازا للنظام السوفيتي ومواقفه الفكرية , واتخذت الصحيفة قرارا بمنع تسفيتايفا من النشر لاحقا في تلك الصحيفة , وقد كتبت تسفيتايفا رسالة الى ماياكوفسكي  بتاريخ 3 / 12 / 1928 حول ذلك , ولازالت هذه الرسالة موجودة في روسيا , وقد تم نشرها . وطلبت تسفيتايفا من ماياكوفسكي في رسالتها تلك , ان يحكي هذه الحوادث لباسترناك وللآخرين عند عودته الى روسيا السوفيتية , وتختتم تسفيتايفا رسالتها الى ماياكوفسكي بالقول – (اني احبكم) . هذه الرسالة تبيّن بوضوح ودقّة , ان تسفيتايفا لم تكن بعلاقة جيدة مع اللاجئين الروس المحيطين بها , وربما يمكن القول , انها البداية لفكرة العودة الى روسيا , هذه الفكرة التي ستتبلور بالتدريج لديها , وستنفذها فعلا عام 1939 , وهي الخطوة التي ادّت الى نهايتها التراجيدية والانتحار شنقا .
هناك وقائع اخرى في تاريخ العلاقات بين تسفيتايفا وماياكوفسكي , منها مثلا , انها كتبت قصيدتين حوله , الاولى اهدتها له في روسيا عام 1921 , والثانية بعد انتحاره عام 1930 , بل توجد جملة لديها , وجدوها في مسوّدات احدى رسائلها عندما كانت في الغرب , تقول فيها , ان ماياكوفسكي  أقرب اليها روحيا من كل الذين يمجّدون العالم القديم , اي روسيا القيصرية .
 لا يمكن الاستطراد اكثر في اطار مقالتنا هذه , ولكننا نقول ختاما , ان تمثال ماياكوفسكي و تمثال تسفيتايفا يقفان الان شامخين في موسكو , وتحولت بيوتهما الى متحفين . صحيح , ان تسفيتايفا عادت الى مكانتها متأخرة عن ماياكوفسكي كثيرا , لان الحكّام لم يرغبوا بذلك , ولكن الشعراء أقوى من الحكّام , وهذه هي الحقيقة الخالدة , التي يحاول الحكّام تجاهلها دائما , ويفشلون دائما ... 

228
بوشكين والنقد الادبي
أ.د. ضياء نافع
النقد – حسب تحديد بوشكين – هو ( ... علم يكتشف الجمال والنواقص في نتاجات الفن والادب ..) , ولكن بوشكين يضيف , ان هذا العلم يتطلب (.. الحب تجاه هذا الفن ... وعندما تحب الفنان , ابحث عن الجمال في ابداعاته...) . بوشكين لم يكن ناقدا ادبيا , ولكن مجموعة الآراء التي كتبها هنا وهناك من مقالات و ملاحظات ورسائل الى الآخرين  تمنحنا الحق ان نتكلم عن بوشكين باعتباره يمتلك نظرة نقدية واضحة المعالم , اذ يكفي ان بوشكين حدّد النقد الادبي بانه ( علم ) , وحدّد مهمة هذا العلم  بانه - ( يكتشف الجمال والنواقص) , واستخدم بالذات فعل ( يكتشف ) , اي ان النقد هو ( اكتشاف) , وعملية الاكتشاف هذه لا يقدر ان يمارسها اي شخص , وانما يقوم بها المكتشفون فقط , ووضع بوشكين ( شرطا مهمّا) لهذا المكتشف , وهو ( الحب !) نحو الفن والفنان , وذلك لأن (من يحب!) لا يمكن (ان يطعن!) , فما أجمل هذا الكلام الدقيق والواضح والحازم , الكلام الذي ( يقلّ ويدلّ) حول النقد  . وهذا ما تناوله الباحثون الروس حول بوشكين و منذ زمن بعيد , وهذا ما نحاول ان نتحدث عنه بايجاز في مقالتنا هذه .
توجد العديد جدا من المصادر الروسية حول علاقة بوشكين بالنقد الادبي , وتتفق هذه المصادر( الواسعة والمتباينة جدا) بالاساس على بعض النقاط العامة والمشتركة , واول تلك النقاط  المتفق عليها, ان بوشكين لم يساهم في حركة النقد الادبي الروسية بشكل واسع في بداية مسيرته الابداعية , ولكنه في العشر سنوات الاخيرة من عمره تقريبا ( منذ نهاية العشرينات في القرن التاسع عشر الى تاريخ نهايته التراجيدية ومقتله في المبارزة عام 1837 ) ساهم بالكتابة في المجلات الادبية الروسية , بما فيها طبعا المجلة التي اصدرها هو , وهي مجلة ( سوفريمنك ) ( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين صحافيا ) . النقطة الثانية , التي اتفقت عليها ايضا هذه المصادر , هي ان مجموع كل ما كتبه بوشكين في هذا المجال يبلغ( 160 ) فقرة , مابين مقالات وملاحظات ورسائل واحاديث سجّلها ونشرها الادباء الذين كانوا يحيطون ببوشكين في تلك الفترة , وهذا الرقم الدقيق ( والطريف ايضا ) جاء نتيجة عمل هائل قام به العديد من الباحثين في تراث بوشكين الادبي, بما فيه دراسة ومتابعة ما كتبه حوله الادباء والاصدقاء الذين عاصروه , وتبيّن هذه النقطة بوضوح تام , ان هذا التراث البوشكيني حول مفاهيم النقد الادبي قد تم جمعه وترتيبه على مدى سنين طويلة من البحث العلمي , وباشراف متخصصين كبار  في ادب بوشكين . ونتيجة لكل هذه الجهود وصل الباحثون الى انه يمكن القول بشكل عام , ان بوشكين كان ايضا ناقدا ادبيا , وقد صدرت فعلا عدة كتب بهذا العنوان بالذات , ومنها كتاب صدر في الاتحاد السوفيتي عام 1933 وكان بمقدمة لوناتشارسكي نفسه ( انظر مقالتنا بعنوان – لوناتشارسكي الفيلسوف والاديب والوزير ) . يرى البعض , ان النظرة العامة في روسيا الى بوشكين مبالغ فيها الى حد ما , وان تسمية بوشكين ناقدا ادبيا جاءت نتيجة لذلك . لقد قال الناقد الروسي في القرن التاسع عشر غريغوريف حول بوشكين , انه ( كل شئ ) , وأشاد كبار الادباء الروس ببوشكين من غوغول الى تورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وغيرهم  , واختصر غوركي هذا الكلام بخلاصة محددة ودقيقة وهي , ان بوشكين هو ( بداية كل البدايات ) . ان بوشكين يستحق فعلا هذا ( التكريم والتبجيل ) في مسيرة تاريخ روسيا وادبها , وليس عبثا , ان الكثير من الروس يعتبرونه  حتى ( رمزا لروسيا ) كما حدث مرّة في احدى الندوات التلفزيونية عندما أدلى المشاهدون باصواتهم وشغل بوشكين المكان الرابع بعد نيفسكي وستالين وستوليبين , ولكن البعض الآخر – مع ذلك -  يرى ان بوشكين ( بداية كل البدايات ) في الادب الروسي  وليس ( كل شئ ) في هذا الادب .
 نعم , بوشكين شاعر روسي عظيم و رائد في كتابة الرواية الشعرية وقاص متميّز وكاتب مسرحي كبير و مؤرّخ وصحافي , ولكنه ليس ناقدا ادبيا , رغم انه أبقى في تراثه الكثير من الآراء العميقة في النقد الادبي , ولهذا نرى , انه من الاصح ان يكون عنوان هذه الدراسات عنه في هذا المجال - ( بوشكين والنقد الادبي ) , اذ ان هذا العنوان أكثر موضوعية ودقّة من عنوان - ( بوشكين ناقدا ادبيا ) , وهذا هو عنوان مقالتنا ايضا...   

229
ثلاثة تماثيل لزعماء الهند في موسكو
أ.د. ضياء نافع
الزعماء الهنود , الذين اقيمت لهم تماثيل في موسكو هم كل من - المهاتما غاندي وجواهر لال نهرو وانديرا غاندي . وهكذا اصبحت الهند الدولة الاولى بعدد تماثيل قادتها في العاصمة الروسية موسكو , وهي ظاهرة جديدة وغريبة بالنسبة لمدينة موسكو , ظاهرة تمتلك طبعا اهميتها وقيمتها السياسية قبل كل شئ , و اهميتها الثقافية والتاريخية ايضا , وتعني ما تعني في مجال العلاقات الدولية بين الامم , علما انه توجد في العاصمة الروسية تماثيل اخرى لعدد قليل من زعماء العالم المعاصر, لعل ابرزها هو تمثال الرئيس الفرنسي ديغول , والزعيم الفيتنامي هوشي منه , و الشخصية البلغارية المشهورة ديمتروف وغيرهم .
التمثال الاول لهؤلاء الزعماء الهنود كان لانديرا غاندي , الذي تمّ تدشينه عام 1987 , والتمثال الثاني كان للمهاتما غاندي عام 1988 ( وكلاهما كانا قبيل انهيار دولة الاتحاد السوفيتي بقليل ) , اما تمثال نهرو , فقد تم تدشينه عام 1996 ( اي في روسيا الاتحادية الحديثة ) , ونحاول الحديث في مقالتنا  عن هذه الظاهرة , اذ اننا نظن ان الحديث عن هذه النشاطات الفنية والسياسية معا والاستفادة منها ربما سيكون درسا مفيدا لنا – نحن العرب - في مجال العلاقات الدولية وتعزيزها , وما احوجنا فعلا الى الاطلاع على تجارب الشعوب الاخرى في هذا المجال الحيوي والجديد كليّا بالنسبة للعرب ( ولا استثناء لنا سوى الشقيقة الكبرى مصر الى حد ما ) ,هذه التجارب التي تؤكد على ضرورة الحوار الفكري مع العالم بشتّى الوسائل , بما فيها اقامة التماثيل للشخصيات الفكرية الكبيرة , و التي تستحق ذلك بجدارة , ويمكن لنا ان نباهى بها الامم . ان اقامة التماثيل في العلاقات بين الدول لا تكلّف مبالغ طائلة ولا جهودا استثنائية كبيرة , ولكن هذه الظاهرة تمتلك تأثيرها الايجابي الهائل في تعزيز اواصر العلاقات الدولية , والتي تنعكس على طبيعة تلك العلاقات لاحقا . 
الملاحظة الاساسية هنا , ان تماثيل زعماء الهند هذه تحققت في فترة اقتراب انهيار دولة الاتحاد السوفيتي , والذي حدث – كما هو معروف – عام 1991 , وهذه الملاحظة تعني , ان العقلية السوفيتية الصارمة , و التي كانت سائدة منذ تأسيس هذه الدولة عام 1917 , وعبر الفترة الستالينية بما فيها مرحلة الحرب العالمية الثانية , وما اعقبها من تحولات جذرية في بنية النظام السوفيتي , قد بدأت ( اي العقلية الصارمة تلك) بالانحسار تدريجيا وببطء شديد, اذ لم يكن ذلك ممكنا ابدا في مسيرة هذه الدولة منذ بدايتها وعبر سنوات تبلورها وجبروتها , ولكن اصبح ممكنا في مرحلة انحسارها واقترابها من انهيارها , وهذه ظاهرة تستحق التأمّل العميق ودراسة اسبابها بلا شك , وقد استمعت الى آراء متعددة بشأن هذه الظاهرة , اذ حاول البعض تبريرها , وذلك بالاشارة الى الظروف غير الاعتيادية والمعقدة والصعبة جدا , التي مرّت بها دولة الاتحاد السوفيتي منذ تأسيسها وعبر كل تلك الاحداث التي عانت منها , وهو رأي سليم بلا شك , اذ ان هذه الدولة عانت معاناة مريرة فعلا نتيجة تلك الظروف الاستثنائية التي رافقت مسيرتها , الا ان البعض الآخر ربط ذلك بطبيعة الايديولوجية المتزمتة والمغلقة وجمودها  العقائدي , هذه الايديولوجية التي كانت سائدة – وبقوة - طوال تلك الفترة . وتلخيصا للموضوع , فانه يمكن القول , ان كل تلك الآراء صحيحة بشكل او بآخر ولا تتناقض مع بعضها , اذ انها كانت ترتبط قلبا وقالبا مع الواقع السوفيتي فعلا , وفي كل الاحوال , فان اقامة تماثيل لزعماء اجانب في العاصمة الروسية دليل حياتي ومادي ملموس وساطع , و يعكس الواقع الفكري الذي كان سائدا – وبكل أبعاده - في تلك الدولة الفريدة في التاريخ الانساني .
التمثال الاول في هذه السلسلة للزعماء الهنود هو لانديرا غاندي , كما ذكرنا . كانت انديرا غاندي مشهورة جدا في الاتحاد السوفيتي ,  وقد منحتها جامعة موسكو لقب بروفيسور شرف ( وهي حالة نادرة في تاريخها ) . وعندما تمّ اغتيال انديرا غاندي عام 1984 , قررت الحكومة السوفيتية تسمية ساحة في موسكو باسمها تقديرا لجهودها في تعزيز العلاقات السوفيتية – الهندية , وفي هذه الساحة تمّ تدشين تمثالها عام 1987 . التمثال الثاني كان للمهاتما غاندي , وهو هدية من الحكومة الهندية والشعب الهندي الى العاصمة موسكو , وقد تمّ تدشينه في مكان ليس ببعيد عن تمثال انديرا غاندي , اما التمثال الثالث فهو لنهرو , والذي افتتح عام 1996 .
ان المدينة التي تضم تماثيل لشخصيات اجنبية تعني , انها مدينة عملاقة وتمتلك اهمية عالمية , وموسكو طبعا هي واحدة من هذه المدن , اذ توجد فيها العديد من تماثيل المفكرين الاجانب من الادباء والفنانين والعلماء وغيرهم , ولكننا تحدثنا هنا عن الشخصيات السياسية الاجنبية بالذات , وعلى الرغم من ان اعداد هذه التماثيل لازالت محدودة فيها , الا ان موسكو بلا شك تعدّ الان واحدة من تلك المدن الكبرى ذات  الاهمية العالمية .....

230
تشيخوف واحد ام تشيخوفان
أ.د. ضياء نافع
هذا العنوان الطريف و المثير معا جاء عند الباحث الروسي المعاصر دميتري بيكوف  في كتابه الصادر عام 2011 في موسكو . عنوان الجزء الاول من الكتاب – تقويم 1 ( وبعنوان اضافي هو – احاديث عن الشئ الرئيسي ),  وعنوان الجزء الثاني  - تقويم 2 ( وبعنوان اضافي هو – نقاشات عن الشئ غير القابل للنقاش )  . يضم الكتاب تواريخ ميلاد في كل شهر من شهور السنة لمختلف الشخصيات في روسيا والعالم ايضا وبعناوين طريفة ومبتكرة بكل معنى الكلمة ترتبط بتلك الشخصية , التي يصادف يوم ميلادها في ذلك الشهر او هناك حدث مهم جرى  لتلك الشخصية في ذلك اليوم , وهي صياغة مبتكرة فعلا لتأليف كتاب باكمله حول الشخصيات التي يرغب المؤلف ان يختارها للكتابة عنها , وقد اتاحت هذه الطريقة للمؤلف ان يختار شخصيات متنوعة جدا , لايوحّدها موضوع واحد ولا يربطها مع بعض اي رابط , سوى انها ولدت في ذلك اليوم ليس الا او حدث شئ كبير في مسيرة حياتها بذلك التاريخ, وهكذا استطاع هذا الباحث ان يتكلم عن اي شخصية تخطر بباله , وقد تناول لينين وستالين وتشي جيفارا ومارغريت تاتشر والثورة الثقافية في الصين ومجموعة من الشخصيات العالمية الاخرى و في عدة مجالات , ومن جملة هذه الشخصيات كانت مجموعة من الادباء الروس , اذ تحدّث المؤلف عن – تشيخوف واخماتوفا وشولوخوف وتولستوي  وبوشكين وماياكوفسكي وبابل واكسيونوف ولوناتشارسكي وغريبويديف وفيسوتسكي ونابوكوف واندرييف  وسولجينيتسن , ومن الواضح تماما , ان هذه الاسماء مختلفة ومتنوعة جدا ولا يجمعها اي شئ مشترك .... وكل واحد من تلك الشخصيات الادبية الروسية جاء تحت عنوان طريف خاص به , وكان تشيخوف بعنوان – تشيخوفان ( الترجمة الحرفية لعنوان المقالة عن تشيخوف كما جاء عند المؤلف هو – 2 تشيخوف) , وقد ارتأينا ان نترجم عنوان تلك المقالة – (تشيخوف واحد ام تشيخوفان وكما ذكرنا في عنوان مقالتنا هذه) , وذلك للتركيزعلى هذا العنوان الغريب اولا , وثانيا لايصا ل الفكرة الاساسية التي اراد المؤلف ان يقولها للقارئ ( و القارئ العربي بالذات الذي نكتب له ) , وخلاصة تلك الفكرة تكمن في انه اراد ان يقول , ان هناك ( تشيخوفان اثنان ) وليس تشيخوف واحد في الادب الروسي , وهي فكرة غريبة فعلا ومثيرة ايضا لكل القراء , بغض النظر عن كونهم قراء روس او من قوميات اخرى , اذ ان تشيخوف اصبح كما هو معروف – ومنذ فترة ليست بالقصيرة - اديبا عالميا وليس اديبا روسيّا وحسب.
لقد جاءت مقالة بيكوف عن تشيخوف تحت تاريخ ( 29 ) كانون ثاني / يناير 1860 , وهو يوم ميلاد تشيخوف , وتقع المقالة في ( 21) صفحة من الجزء الاول من ذلك الكتاب , ( تشيخوف 1 ) من ص37 الى ص 48 , و(تشيخوف 2) من ص48 الى ص 58 . يرسم المؤلف في مقالته تلك صورة ( انطباعية ) جميلة لتشيخوف , تعتمد بالاساس على نتاجاته الادبية ( ومن الواضح ان المؤلف يعرف  نتاجات تشيخوف بعمق ), واقول ( انطباعية ) لأن الصورة تتكون من ( نتف ) , ان صح التعبير , من هنا وهناك من تلك النتاجات , حسب تعبيرنا العربي الشائع – (من كل بستان زهرة ) , وتبدو هذه النتف – للوهلة الاولى – وكأنها منتقاة بشكل عشوائي ودون اي خطة دقيقة واضحة المعالم لدى المؤلف, ولكن هذه المقاطع ترسم - في نهاية المطاف - فعلا صورة فنيّة متكاملة لتشيخوف الاديب , وهذه الصورة الفنية ذكرتني بقول لتولستوي عن تشيخوف , اذ قال تولستوي آنذاك  ما معناه, ان تشيخوف يرسم بالكلمات لوحاته مثل الفنانين التشكيليين الانطباعيين , لا تستوعبها للوهلة الاولى , ولكن عندما تتراجع قليلا وتتأملها تكتشف جماليتها , وعندها تندهش . وهكذا الامر مع هذه الصورة الفنية لتشيخوف و التي رسمها بيكوف له , اذ اننا نكتشف هناك الاستنتاجات التي وصل اليها المؤلف , نكتشفها عبر الايماءآت في تلك المقالة , اوما بين سطور تلك المقالة ايضا .  انها لوحة مرسومة وفق اجواء المدرسة الانطباعية في الفن التشكيلي , لوحة لتشيخوف , والتي اراد المؤلف ان يثبت فيها وجود ( تشيخوفيين اثنين ) في الادب الروسي , الاول هو تشيخوف (المعروف!) في الزمن السوفيتي , والثاني هو تشيخوف (غير المعروف!) لدى القراء في الوقت الحاضر , اي ان المؤلف رسم صورة تشيخوف كما يراها هو الآن , ونحن في القرن الحادي والعشرين , وهو يرى ان تشيخوف اكبرمن ان يكون كاتبا واقعيا وحسب , وانه كاتب يمتلك وحهة نظره الفكرية الخاصة به , وجهة نظر تتبلور فيها حتى الآراء السياسية والاجتماعية رغم انه قال كلمته هذه بشكل غير مباشر , ولكن القارئ الفطن يقدر ان يتلمّس كل هذا عبر الايماءآت التشيخوفية الفريدة في ادبه الرائع.
تشيخوف كان اديبا  مشهورا في روسيا الامبراطورية , وكان علما من اعلام الادب  في روسيا السوفيتية , وها هو ذا يثير الباحثين من جديد  في روسيا الاتحادية . لقد تذكرت ما قاله لي المرحوم د. عبد الامير الورد عن تشيخوف , عندما دردشت معه قبل اكثر من عشرين عاما في كليّة اللغات بجامعة صنعاء , وسألته لماذا كرّر تقديم مسرحية تشيخوف في العراق بعد ان قدّم نفس تلك المسرحية  الفنان الكبير سامي عبد الحميد , اذ قال لي الورد عندها – لكل منّا تشيخوفه الخاص به ...   
   

231
مارك سلونيم والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
ولد مارك لفوفيتش سلونيم عام 1894 في الامبراطورية الروسية وتوفي عام 1976 في فرنسا , وهو اسم معروف – بشكل او بآخر - للقارئ العربي المتابع للادب الروسي , اذ صدر في مصر كتابه بعنوان – مجمل تاريخ الادب الروسي بترجمة صفوت عزيز جرجيس ومراجعة علي ادهم , واعيد طبعه مرة اخرى عام 2012 وبمقدمة د. احمد الخميسي , وهذا الكتاب بالاصل اصدره سلونيم بثلاثة اجزاء باللغة الانكليزية وبعنوان – تاريخ الادب الروسي , الا ان الترجمة العربية وحّدت الاجزاء واطلقت عليه عنوان  -  مجمل تاريخ الادب الروسي  , (علما ان كتب سلونيم صدرت باللغات الروسية والفرنسية والانكليزية والايطالية والجيكية والصربية) . يعدّ هذا الكتاب ( اي تاريخ الادب الروسي ) آخر اصدار للمؤلف في مجال الادب الروسي , والذي صدر في اواسط الستينيات من القرن العشرين , اما كتابه الاول حول الادب الروسي فقد صدر باللغة الصربية عام 1931 بعنوان – بورتريتات الادباء الروس المعاصرين ( البورتريه كما هو معروف - هي اللوحة التي تجسّد صورة شخص ما في الفن التشكيلي , وقد جمعناها – بورتريتات حفاظا على العنوان الاصلي للكتاب طبعا , رغم ان البعض لا يرى ذلك , و يترجم هذه المفردة - صور شخصية بالرسم ) , ثم أصدر بعد سنتين باللغة الروسية, اي في عام 1933 كتابا في باريس بعنوان – بوروتريتات الادباء السوفييت , ثم صدر له في نفس العام كتابه الثالث بعنوان – انطالوجيا الادب الروسي , وفي عام 1944 صدر له كتاب بعنوان – الادباء اليهود في الادب السوفيتي , ثم صدر عام 1953 كتاب بعنوان – ثلاث قصص حب لدستويفسكي ( الترجمة الحرفية لعنوان هذا الكتاب هي – 3 حب لدستويفسكي ) , ومن الواضح تماما , ان هذا الباحث في الادب الروسي ( اي مارك سلونيم ) يمتلك مكانة متميزّة في هذه المجال , وانه ساهم مساهمة كبيرة في دراسته و نشره وتوسيع آفاقه بين القراء , ولهذا نود هنا ان نقدم صورة متكاملة له – في اطار هذه المقالة الوجيزة - باعتباره باحثا وناقدا ادبيا, لان المصادر العربية تتكلم – قبل كل شئ – عن نشاطه السياسي , والذي اسهم به فعلا مارك سلونيم عندما كان مشاركا في احداث ثورة شباط / فبراير 1917 الروسية , ثم في ثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 ايضا , اذ انه كان عضوا في الحركة الاشتراكية الروسية , وهي الحركة التي اختلفت مع البلاشفة لاحقا , مما أدى الى ان يترك سلونيم روسيا عام   1922 ويسافر الى الغرب مهاجرا , ولم يرجع الى روسيا بتاتا , حيث توفي في فرنسا كما ذكرنا في بداية مقالتنا . مارك سلونيم باختصار وكما تعرّفه الموسوعة الروسية هو – ( .. كاتب روسي وامريكي وناقد ادبي ومترجم واستاذ جامعي وصحافي وشخصية سياسية ...) , ولكننا في مقالتنا هذه نتناول جانبا واحدا فقط وهو نشاطه في مجال الادب الروسي وكما حددنا في عنوان المقالة . 
نتوقف اولا عند كتابه الاخير , وهو تاريخ الادب الروسي , والذي كانت ترجمته العربية متوفرة لدينا في اوساط المهتمين بالادب الروسي بالعراق في السبعينيات من القرن الماضي, وقد استخدمه المرحوم د. محمد يونس كمصدر من مصادر كتابه المعروف – (الكلاسيكيون الروس و الادب العربي ) , هذا الكتاب المهم جدا في مسيرة دراسة الادب الروسي في العراق , وفي العالم العربي ايضا ( انظر مقالتنا بعنوان – محمد يونس والادب الروسي في العراق ) , اذ ناقش د. محمد يونس آراء عدة باحثين غير سوفيت جاءت في كتبهم المترجمة الى العربية , ومنهم سلونيم , حول تاريخ الادب الروسي من وجهة نظر سوفيتية درسها د. محمد يونس بعمق في جامعة موسكو آنذاك وبقي امينا لها . ان التعريف بهذا الكتاب يتطلب مقالة خاصة , اذ انه يتناول كل تاريخ الادب الروسي منذ بداياته الى كل الاسماء والظواهر البارزة فيه عبر كل العصور , بما فيها الفترة السوفيتية , ولكني اود ان اشيد بالمقدمة التي كتبها د. احمد الخميسي لهذا الكتاب بطبعة عام 2012 , والتي أشرت اليها في بداية المقالة , هذه المقدمة التي تعكس بلا شك عمق النظرة العلمية الشاملة للخميسي , واريد ان اصل الى استنتاج مفاده , ان هذا الكتاب معروف للقارئ العربي بشكل عام , ولهذا اود ان انتقل للحديث قليلا عن كتاب آخر لمارك سلونيم غير مترجم الى العربية , وهو كتاب صدر في باريس عام 1933 كما ذكرت اعلاه بعنوان – بورتريتات الادباء السوفيت , وهو كتاب صدر في فترة لم تكن تميّز بين مصطلح الادب الروسي بشكل دقيق ومصطلح الادب السوفيتي .
يقع هذا الكتاب في 167 صفحة من القطع المتوسط , ويشير سلونيم في مقدمته انه لا يهدف الى كتابة ( ..تاريخ الادب السوفيتي ..), وانما يسعى الى رسم صورة لمجموعة بارزة - من وجهة نظره - لاسماء من الادباء الذين يكتبون الشعر والنثر , وقد وزّعهم على 12 فصلا , وكل فصل يحمل اسم ذلك الكاتب , وهم حسب تسلسل هذا الكتاب كل من – يسينين وماياكوفسكي و باسترناك وايفانوف ورومانوف وتولستوي ( اليكسي ) و زوشنكو وايرنبورغ وفيدين وبيلينياك وبابل وليونوف . هذا كتاب مهم في مسيرة الادب الروسي بعد ثورة اكتوبر 1917 , اذ انه تناول اسماء ادباء كان ( مغضوب عليهم في الاتحاد السوفيتي) او لم تتبلور كل خصائصهم ومعالمهم بعد ( في تلك الفترة , اي بداية الثلاثينات ) , ولكن سلونيم بحكم معرفته الدقيقة للواقع الروسي استطاع ان يحددهم ويرسم صورة متكاملة  لهم .
مارك سلونيم اسم يشغل مكانة متميّزة في دراسات الادب الروسي , اسم جدير بالمتابعة رغم اختلاف الآراء معه في بعض الجوانب ...

232
عن مؤلفات تولستوي الكاملة في تسعين مجلّدا
أ.د. ضياء نافع
 قلت مرّة لطلبتي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد مازحا , ان تولستوي عاش 82 سنة , ولكن مؤلفاته الكاملة بلغت 90 مجلّدا , وهذا يعني , انه كان يكتب مجلّدا واحدا ( وكسر) كل سنة من عمره , و منذ ان كان عمره سنة واحدة فصاعدا , وكانت ردود فعل الطلبة على هذه ( الملاحظة !) متنوعة طبعا وفي اطار من مرح الشباب الجميل , وقد قال لي أحد طلبتي القدامى من تلك المجموعة ضاحكا, والذي التقيته بالصدفة بعد سنوات طويلة جدا , انه من المستحيل ان ينسى , ان تولستوي عاش 82 سنة وان مؤلفاته الكاملة تبلغ 90 مجلّدا , بعد تلك ( الملاحظة !) الطريفة , التي قلتها لهم انذاك مازحا .
تذكرت كل تلك الايام الخوالي عندما علمت , ان اكاديمية العلوم الروسية تعمل – ومنذ فترة - من اجل اصدار المؤلفات الكاملة لتولستوي من جديد , وانها ستبلغ 100 مجلّدا هذه المرة بدلا من 90 كما صدرت في القرن العشرين , اذ انها ستضم حتى مسوّدات مؤلفاته ورسائله , التي لم تنشر في تلك المؤلفات حينئذ , وستكون هناك هوامش تفصيلية اضافية يكتبها متخصصون في أدب تولستوي حول معظم فقرات تلك النتاجات المتنوعة له , ومن المفروض اكتمال هذا العمل الكبير عام 2028 , وهي السنة التي ستحتفل فيها روسيا بذكرى مرور قرنين على ميلاد تولستوي ( 1828 - 2028 ) , هذا الاحتفال الذي سيكون طبعا بمستوى متميّز ولائق وملائم لمكانة تولستوي واهميته في تاريخ الادب والفكر الروسي .
مقالتنا هذه تتحدّث عن بعض الجوانب المرتبطة بالمؤلفات الكاملة لتولستوي في تسعين مجلّدا ( هذا الاصدار الفريد في مسيرة الادب الروسي والادب العالمي ايضا , والذي لم يصله أحد في روسيا , لا قبل ليف تولستوي ولا بعده) , هذه الجوانب التي نظن انها شبه مجهولة تقريبا للقارئ العربي .
بدأت فكرة هذه المؤلفات الكاملة لتولستوي بالظهور بعد ثورة اكتوبر 1917 , واستغرق العمل بتنفيذها طوال اربعين سنة بالتمام والكمال , وذلك لان هذا العمل الكبير كان يخضع طبعا لكل تقلبات الزمان واحداثه غير المتوقعة, وما اكثر تلك الاحداث الكبيرة التي حصلت في مسيرة الدولة السوفيتية في تلك الاوقات العصيبة  .
قصة هذه المؤلفات ابتدأت في نهاية عام 1918 , عندما  تقدّم جيزتكوف  باقتراح الى وزير الثقافة والتعليم بعد ثورة اكتوبر 1917 لوناتشارسكي ( انظر مقالتنا بعنوان – لوناتشارسكي ..الفيلسوف والاديب والوزير ) لاصدار ( المجموعة العلمية الكاملة لتولستوي ) ,  وذلك بالاعتماد على الارشيف الكامل لتولستوي , والذي جلبوه الى روسيا من انكلترا و تمّ حفظه ( ولمدة خمس سنوات ) في قسم المخطوطات التابع لمكتبة اكاديمية العلوم بمدينة بطرسبورغ في تلك السنوات العاصفة للحرب العالمية الاولى وما اعقبها من احداث هائلة . وافق الوزير السوفيتي طبعا على هذا المقترح , خصوصا ان روسيا ستحتفل بالذكرى المئوية الاولى لميلاد تولستوي عام 1928 , وتوجّه الى رأس الدولة آنذاك لينين لاستحصال موافقته على تنفيذ هذا المقترح الرائد, وحصل على موافقة لينين , وتمّ تكليفه ( اي تكليف لوناتشارسكي ) لانجاز هذا المشروع الكبير , والذي خصص له من ميزانية وزارته عشرة ملايين روبل لتحقيقه , وهو مبلغ هائل وغير اعتيادي بالنسبة لذلك الزمن المضطرب . تمّ تشكيل لجنة خاصة لتنفيذ هذا المشروع , وقد اطلعت اللجنة على الارشيف الخاص بتولستوي , ووصلت الى قناعة متكاملة , في ان نشر هذا الارشيف يتطلب تسعين مجلّدا , نصفها يتضمّن نتاجات تولستوي الادبية (مع مسوّداتها والهوامش التوضيحية للشخوص والاحداث التي تناولتها هذه النتاجات , ومنها مثلا مقاطع شبه متكاملة في رواية الحرب والسلم , والتي حذفها تولستوي من روايته تلك ) , أما النصف الآخر من تلك المؤلفات , فانه يحتوي على مذكراته الشخصية ( والتي تمّ نشرها فعلا في 13 مجلّدا ) ورسائله ( كان في هذا الارشيف حوالي 9000 رسالة كتبها تولستوي نفسه الى الآحرين او كتبها الآخرون له , وقد تمّ نشرها فعلا مع المقالات غير المنشورة في 31 مجلّدا) .
الحديث عن المؤلفات الكاملة لتولستوي باللغة الروسية تتطلب طبعا التوقف – ولو قليلا - عند كل جزء من اجزائها التسعين هذه ,والتعريف بمحتوياته في الاقل, وهو أمر ممتع ومفيد بلا شك , ولكن مقالتنا هذه لا تستوعب هذا الاستطراد , لهذا , اختتم هذه السطور بالاشارة فقط  الى انني التقيت مرّة أحد المهتمين الروس بحضارتنا العربية في بغداد , وطلب منّي ان أحصل له على المؤلفات الكاملة للمتنبي , فاعتذرت – بدبلوماسيّة - عن تلبية طلبه ... والحليم تكفية الاشارة ... 

233
المنبر الحر / تشيخوف وجايكوفسكي
« في: 22:35 09/06/2020  »
تشيخوف وجايكوفسكي
أ.د. ضياء نافع
تشيخوف أصغر عمرا من جايكوفسكي بعشرين سنة , وليس ذلك الفرق بقليل , ولكنهما التقيا مع ذلك , اذ ان الفن هو الذي جمعهما معا , وقصة تشيخوف الاديب وعلاقته مع جايكوفسكي الموسيقار تستحق التوقف عندها بلا شك , اذ انها ليست عفوية ابدا , بل ابتدأت عندما اطلع جايكوفسكي على قصة قصيرة منشورة لتشيخوف في بداية مسيرته الابداعية واعجب جدا بها , وكتب الى احد معارفه يقول , ان هذا الكاتب الجديد سيكون ( قوة ادبية هائلة ) , و كتب جايكوفسكي ايضا الى تلك المجلة رسالة تحدث فيها عن اعجابه بالقصة وكاتبها , ولكن المجلة لم توصل مع الاسف رسالة  جايكوفسكي تلك الى تشيخوف في حينها . وتمرّ الايام , وكان تشيخوف في بطرسبورغ , ودعاه شقيق جايكوفسكي الى بيته , وقد مرّ الموسيقار جايكوفسكي الى بيت أخيه في هذه الاثناء , وتمّ تعارفهما , فقال جايكوفسكي لتشيخوف انه معجب بقصصه ومتابع لنشاطه الادبي منذ فترة , وقد حدث هذا اللقاء عام 1887( عندما كان عمر تشيخوف 27 سنة ) . كان جايكوفسكي آنذاك في أوج مجده وشهرته في روسيا , أما تشيخوف , فكان لا يزال في بداية طريقه الابداعي , وكان قد أصدر مجموعته القصصية الاولى ليس الا , ولم يكن معروفا عندها في الاوساط الادبية الروسية بما فيه الكفاية . اندهش تشيخوف من موقف جايكوفسكي هذا , وقرر ( بينه وبين نفسه ) ان يهدي المجموعة القصصية الثانية ( التي كان يعدّها آنذاك) الى جايكوفسكي , للتعبير – اولا - عن امتنانه له طبعا على هذا الموقف الايجابي تجاه نتاجاته , وثانيا , للتعبير ايضا عن اعجابه بالدور الكبير , الذي كان يؤدّيه جايكوفسكي  في عالم التأليف الموسيقي الرائع ( والذي كان تشيخوف يعشقه من كل قلبه ) , ولكن تشيخوف لم يذكر له ذلك اثناء اللقاء معه , وانما كتب بعد عودته الى موسكو رسالة خاصة الى جايكوفسكي يرجوه فيها الموافقة على ذلك ( اي اهداء مجموعته القصصية الثانية لجايكوفسكي ) , وكان ينتظر الجواب على رسالته تلك طبعا على أحرّ من الجمر كما يقول تعبيرنا العربي الطريف , ولكنه فوجئ ان جايكوفسكي قرر المجئ شخصيا الى بيت تشيخوف بموسكو ليخبره بموافقته على اقتراحه هذا , وكانت هذه الزيارة طبعا حدثا كبيرا لتشيخوف وعائلته , اذ ان جايكوفسكي كان شخصية بارزة وشهيرة جدا في المجتمع الروسي آنذاك ( وحسب كلمات تشيخوف نفسه والتي كتبها في احدى رسائله وقال فيها , ان جايكوفسكي في الفن الروسي يشغل المكان الثاني بعد تولستوي , الذي يشغل المكانة الاولى منذ زمن طويل ) , وقد جلس جايكوفسكي طويلا في بيت تشيخوف في تلك الزيارة , وشرب الشاي معه ومع عائلته طبعا , و كتب شقيق تشيخوف عن هذه الزيارة بعدئذ - تفصيلا - في ذكرياته عن تلك الزيارة, و تحدّث عن الانطباع الرائع الذي تركته بساطة جايكوفسكي على كل فرد من افراد عائلة تشيخوف .
تعمقت العلاقة بين تشيخوف وجايكوفسكي , واهدى الموسيقار له صورته ( كما كان سائدا آنذاك بين الاصدقاء ) تعبيرا عن هذه الصداقة وكتب عليها اهداء الى تشيخوف (من قارئ معجب متحمّس ), وطلب من تشيخوف كتابا وصورة له ,  وارسل تشيخوف  طبعا صورته و الكتاب وكتب له قائلا – (ارسل لكم الصورة والكتاب , ولوكنت أقدر لارسلت لكم الشمس ...) , وكتبت شقيقة تشيخوف بمذكراتها عن ذلك وقالت, ان تشيخوف كان سعيدا جدا في ذلك اليوم . أما جايكوفسكي , فقد كان فخورا جدا بكتاب تشيخوف هذا , الذي اهداه له تشيخوف في صفحته الاولى, وبقي معتزّا به طوال حياته.                                                                                             
الرسائل المتبادلة بين تشيخوف و جايكوفسسكي قليلة نسبيا , الا انها مع ذلك تعدّ الان واحدة من الوثائق المهمة لدراسة ابداع تشيخوف في تلك المرحلة من مسيرته , اذ انها تعكس صفات وخصائص واسلوب وافكار هذا الاديب , الذي تنبأ له جايكوفسكي في بداية الثمانينات , عندما كان تشيخوف طالبا في الكلية الطبية بجامعة موسكو وينشر قصصا قصيرة و مرحة وساخرة كي يكسب بعض النقود التي تساعده على العيش , تنبأ له بمستقبل ادبي باهر , وكم كان جايكوفسكي محقا ( ودقيقا ايضا) في كلماته تلك , وكم كانت تلك النبوءة صحيحة , لان عيون الفنان الثاقبة ( وخصوصا عند موسيقار بمستوى جايكوفسكي) لا تخطأ ابدا في هذا المجال. 

234
ميرشكوفسكي – من تولستوي و دستويفسكي الى موسوليني وهتلر
أ.د. ضياء نافع
ولد ميرشكوفسكي في الامبراطورية الروسية عام 1865 وتوفي في باريس عام 1941 , وهو كاتب روسي وشاعر وفيلسوف ومؤرخ ومترجم  ( انظر مقالتنا بعنوان – الاديب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي ) . رفض ميرشكوفسكي ثورة اكتوبر 1917 بشكل قاطع , وهاجر من روسيا الى الغرب احتجاجا ضد ( البلشفية ) , وقد اوصله هذا الاحتجاج الى التعاون الوثيق مع اعداء مفاهيم تلك الثورة في البلدان الغربية التي هاجر اليها , وبالذات مع موسوليني في ايطاليا وهتلر في المانيا , دون ان يميّز او يستوعب الفرق بين مفهومين كبيرين متضادين واقعيا فيما بينهما , وهو , ان العداء لنظام معيّن سائد في بلاده و العداء للبلاد نفسها ككل - هما موقفان مختلفان تماما وجذريا ولا يمكن الجمع بينهما , فالاستعانة باعداء البلاد ضد نظام سائد في تلك البلاد – لعبة خطرة جدا , اذ لا يمكن لعدو البلاد ان يتحول الى منقذ لتلك البلاد باي حال من الاحوال , وهذا موضوع عالمي وحساس مرّت به كثير من حركات المعارضة السياسية هنا وهناك ولازال يتكرر مع الاسف ولحد الان في عالمنا, ومقالتنا هذه تتناول موقف الكاتب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي هذا , والذي أدّى به – في نهاية المطاف - الى ان يعلن في راديو باريس (عند احتلال فرنسا من قبل الفاشست الالمان) , ان نشاط وأفعال هتلر شبيه باعمال وتضحيات جان دارك  في تاريخ فرنسا , وكل هذه المواقف السياسية المتطرفة والخاطئة لميرشكوفسكي كان يبررها هذا الفيلسوف الروسي بالعداء للبلشفية في بلاده روسيا  .
مقدمة هذه المقالة – واقعيا – هي خلاصتها وخاتمتها , وقد تعمّدت ان اضعها في المقدمة لاهميتها وارتباطها مع واقعنا الاليم , ونتحدث الان عن مسيرة هذا الكاتب والفيلسوف الروسي , وكيف انحدر في نهاية حياته الى هذا الموقف .
 كان شعار ميرشكوفسكي (عندما هاجر من روسيا السوفيتية) يتمحور في العداء لثورة اكتوبر 1917 وقيادتها, وكان نشاطه يتمركز  في كيفية ان يساهم في تحقيق اي وسيلة ممكنة من اجل القضاء عليها وتدميرها , وهو موقف سياسي وفكري واضح المعالم , ويمكن لكل شخص ان يتخذه في مسيرة حياته , وخصوصا بالنسبة لاديب وفيلسوف مثله , ولكن المشكلة تكمن في الوسائل التي يتخذها هذا الشخص من اجل تحقيق اهدافه تلك , وقد اقتنع هذا الاديب بفكرة تقول , ان الغرب يجب ان يساهم في عملية تحقيق هذا الهدف , وذلك لان القضاء على البلشفية هو جوهر الحضارة الغربية , وقد كتب ميرشكوفسكي مرة تلخيصا لافكاره تلك وكما يأتي – ( ..المسألة الروسية هي قضية دولية , وان انقاذ روسيا من البلشفية هي المهمة الاساسية والرئيسية , وفي ذلك بالذات يكمن جوهر الحضارة الغربية ..) .
كان ميرشكوفسكي اسما بارزا بين المثقفين المهاجرين الروس في الغرب لدرجة انه تمّ ترشيحه لجائزة نوبل عدة مرات , وكان مشهورا في الاوساط الفكرية الغربية , ونتيجة لهذه الشهرة , فقد دعاه موسوليني الى روما كي يكلفه بتأليف كتاب عن دانتي , وسافر ميرشكوفسكي طبعا الى روما تلبية لدعوة رأس النظام الايطالي في حينها , واستطاع الدكتاتور الايطالي ( وهو في خضم مشاغله الهائلة ) ان يجد الوقت الكافي كي يلتقيا معا , والتقيا حتى عدة مرات , وتحدّثا عن السياسة و الفن والادب , ومن الطبيعي ان يتطرّق ميرشكوفسكي في تلك اللقاءآت الى الحديث مع موسوليني عن (عدوه اللدود!) , اي البلشفية في روسيا , وحاول اقناع موسوليني بضرورة ( الحرب المقدّسة !!!) ضد روسيا السوفيتية , انطلاقا من مفهومه الفلسفي في تعارض البلشفية مع الحضارة الغربية , وقد كانت هذه الافكار قريبة ومنسجمة تماما مع محور موسوليني وهتلر, ومع هدف الفاشية طبعا .
كتب ميرشكوفسكي بعد تلك اللقاءآت في روما عن موسوليني ما معناه , ان دانتي هو موسوليني , وان موسوليني هو دانتي , وقد علّق أحد القراء الروس على هذه الكلمات قائلا , انه لا يكاد يصدّق عينيه عندما قرأ تلك الكلمات الساذجة للفيلسوف الذي أعطى للمكتبة الروسية مصدرا خالدا في بداية القرن العشرين عنوانه – دستويفسكي وتولستوي , هذا الكتاب الذي لازال يعدّ واحد من  المراجع الروسية المهمة حول اهمية هذين المفكرين الكبيرين في تاريخ الفكر الروسي , ويختتم هذا القارئ الروسي تعليقه بالقول , انه مقتنع تماما , ان ميرشكوفسكي قد اصيب بمرض العمى السياسي , وان هذا المرض هو الذي جعله يصل الى هذه المواقف الفكرية المريضة ...

235
المنبر الحر / تولستوي و غوغول
« في: 22:32 31/05/2020  »
تولستوي و غوغول
أ.د. ضياء نافع
ولد تولستوي عام 1828 , وكان عمر غوغول آنذاك 19 سنة , وتوفي غوغول عام 1852 , وكان عمر تولستوي عندها 24 سنة , اي ان تولستوي وغوغول عاصرا بعضهما البعض , لكنهما لم يلتقيا شخصيّا رغم انهما عاشا معا في روسيا, اذ لم يكن تولستوي قد بدأ مسيرته الابداعية الكبيرة بعد, اما غوغول فكان في أوج مجده الادبي , ولكن مع ذلك و رغم ذلك , فان الحديث عن علاقة تولستوي بغوغول اصبح الآن موضوعا واسعا و كبيرا في مسيرة النقد الادبي الروسي , و نحاول في مقالتنا هذه الاشارة – ليس الا – الى واحدة من اهم معالم هذه العلاقة بين الاديبين الكبيرين , و تعريف القارئ العربي بها , اذ اننا نظن , ان القارئ العربي لم يطلع على تلك التفاصيل التي قد تبدو صغيرة , ولكنها – في الواقع - مهمة جدا (وطريفة ايضا) في مسيرة الادب الروسي وتاريخه .
يتحدث الباحثون الروس عن عدة مراحل لعلاقة تولستوي بغوغول , ويختلفون طبعا بتقييم هذه العلاقة وحسب مواقفهم الفكرية تجاه ابداع غوغول وتولستوي , ولكنهم يتفقون ان ذروة تلك العلاقة حدثت في اعوام الثمانينات من القرن التاسع عشر , عندما بدأت ما يسمى بالازمة الروحية لتولستوي ( على وفق التعبير السوفيتي , الذي كان سائدا في المصادر الروسية السوفيتية آنذاك ) , وهي –  في واقع الحال – ليست أزمة , وانما يمكن تسميتها مرحلة التأمّل الروحي او الصحوة و الاستيقاظ  او لحظة التفكير المعمّق في مجمل مسيرة الحياة الماضية, والتي يمر بها الانسان المثقف ( وخصوصا المبدع ) في كل زمان و مكان , وذلك لمراجعة صحة مسيرته الفكرية السابقة , وهل يجب عليه الاستمرار بها كما كانت سابقا , ام يعيد البناء الفني والفكري لمسيرته من منطلق آخر, تتقبّل ( المسيرة) وجهات النظر الاخرى وتأخذها بنظر الاعتبار , وهذه المرحلة  تحدث عادة في مسيرة حياة الانسان المثقف , وحسب كلمات تولستوي نفسه – ( ...في شبابه او في سنوات نضجه او في شيخوخته , او على فراش الموت ...).
أعاد تولستوي في تلك المرحلة من مسيرته قراءة كتاب غوغول الاخير –  مراسلات مختارة مع الاصدقاء ( انظر مقالتنا بعنوان – حول آخر كتاب أصدره غوغول) ,  للمرّة الثالثة كما كتب تولستوي نفسه في احدى رسائله الى اصدقائه, وان الانطباعات لديه هذه المرّة ( اي الثالثة )  أشدّ وأقوى من القراءات السابقة . العودة الى قراءة هذا الكتاب لم تكن عفوية ابدا , اذ ان تولستوي كان يعتبر هذا الكتاب تعبيرا دقيقا عن تلك الحالة الفكرية التأمّلية لغوغول  بشأن مسيرته الابداعية الماضية, والتي كان تولستوي نفسه يمرّ بها آنذاك , مرحلة تقييم واعادة تقييم المواقف الماضية تجاه كل شؤون الحياة . وفي هذه النقطة بالذات كان يكمن اختلافات الباحثين الروس حول تلك العلاقة بين الاديبيبن الكبيرين – غوغول وتولستوي , اذ كان الرأي السائد في الاتحاد السوفيتي حول كتاب غوغول ( مختارات من مراسلات  مع الاصدقاء ) هو موقف سلبي , الموقف الذي حدده بيلينسكي آنذاك في رسالته المشهورة الى غوغول ( انظر مقالتنا بعنوان – حول بيلينسكي ورسالته الى غوغول ) , ولهذا أطلقوا تسمية ( الازمة الروحية لتولستوي ) على تلك المرحلة من مسيرة تولستوي الابداعية , لانه عاد مرة اخرى لقراءة كتاب غوغول السلبي هذا , أما الرأي الآخر عند الباحثين هؤلاء , فكان يرى ان كتاب غوغول هذا هو التقييم الصحيح لغوغول , والذي قام به غوغول نفسه بشأن مجمل ابداعه في نهاية حياته, هذه الحياة التي  انهاها غوغول حسب رأي تولستوي بنضوج اخلاقي وانبعاث روحي .
 تولستوي بعودته الى قراءة هذا الكتاب لغوغول - وللمرة الثالثة - تعني تأييده – بشكل او بآخر - لموقف غوغول الفكري المحدد ذاك , وان هذا يعني ( فيما يعنيه ايضا ) , ان تولستوي كان غير متّفقا مع آراء بيلينسكي وموقفه المضاد من كتاب غوغول ذاك , على الرغم من ان تولستوي لم يذكرذلك ولم يتحدث عنه بشكل صريح ودقيق, وربما كان هذا الموقف يعني , مثلما علّق أحد القراء الروس , ان تولستوي العملاق أكبر من ان يتوقف عند هذه النقطة عندما يحدد موقفه الفكري من أي قضية كانت , فقد كان في روسيا آنذاك (وكما قال أحد كبار النقاد الروس في حينه) قيصران ولم يكن هناك قيصر واحد , وهما – قيصر الكرملين والقيصر تولستوي , وان قيصر الكرملين لا يقدر ان يؤثّر على تولستوي , بينما تولستوي يقدر ان يؤثّر على قيصر الكرملين ...
هذه هي بايجاز خلاصة الخلاصة بشأن موقف تولستوي تجاه كتاب غوغول ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء ) , الكتاب الذي أثار زوبعة من الآراء المتناقضة في تاريخ الادب الروسي , وهي زوبعة لم تخفت لحد الآن , علما ان النقد الادبي السوفيتي في حينه لم يأخذ بنظر الاعتبار رأي تولستوي هذا , وحاول تجاهله اصلا و عدم التطرق اليه بشكل عام عند الكلام عن الكتاب المذكور, وهذا موضوع آخر طبعا ...   

236
حي بن يقظان بالروسية
أ.د. ضياء نافع
 التقيت احد الروس المهتمين بالحضارة العربية صدفة في احدى المناسبات , وعندما عرف اني من بغداد , سألني بشكل غير متوقع لي بتاتا , هل يوجد في بغداد نصب لحي بن يقظان ؟ تعجبت أنا جدا من سؤاله هذا , ومن أجل ( كسب الوقت للتفكير بالاجابة عن هذا السؤال الغريب ) طرحت عليه سؤالا ( مضادا !) عن سبب سؤاله هذا, فابتسم وقال موضّحا , لان مدينة بغداد بالنسبة له ترتبط بالحضارة العربية العريقة , وانّ حي بن يقظان - كما يراه - هو التجسيد الفلسفي والادبي الرائع لهذه الحضارة , و ليس عبثا ان اسم هذا البطل الاسطوري دخل – وبكل جدارة - في الموسوعة الفلسفية الروسية والموسوعة الادبية ايضا واصبح فقرة مهمة وبارزة في تلك الموسوعتين , ولهذا سألني عن موقع هذا الرمز الكبير والمتميّز في تلك المدينة العريقة , ولا ضرورة للحديث هنا عن ( تهرّبي !) من الاجابة آنذاك عن هذا السؤال (المحرج !) بطريقة ( اللف والدوران !) الدبلوماسية الشائعة , اذ اني لم استطع ان أقول له المثل العراقي الشهير – (اليدري يدري والما يدري كضبة عدس) , المثل الذي يعرف العراقيون كافة ماذا يعني .
أثار ذلك الحديث ( الحزين!) شجوني طبعا , وهكذا بدأت بالبحث عن هذا ( الحيّ) و ( اليقظان) بالروسية ومتابعة مسيرته في روسيا, كي أجد – في الاقل - جوابا شافيا لي عن سؤالي ( الذي طرحته انا نفسي امام  نفسي ) حول جذور واصول تلك الانطباعات لهذا الروسي المعجب حد الانبهار بهذه الشخصية الاسطورية في التراث العربي , هذه الشخصية التي تمّ رسم ملامحها قبل اكثر من تسعة قرون في حضارتنا , والتي يعرفها ويثمّنها الان العالم كله .
 ظهر حي بن يقظان في روسيا بالقرن العشرين ليس الا , اي بعد قرون من الترجمات الاوربية ( اذ ظهرت الترجمة اللاتينية لهذا الكتاب المدهش في القرن السابع عشر , وبالذات عام 1671 ), وقام المترجم كوزمين بترجمتها ونشرها عام 1920 ضمن سلسلة الادب العالمي , وقد اعيد طبع هذه الترجمة عدة مرات في الاتحاد السوفيتي , اذ ظهرت عام 1961 ضمن كتاب بعنوان مختارات من نتاجات مفكّري بلدان الشرق الاوسط والادنى , وظهرت كذلك عام 1976 ضمن كتاب بعنوان  النثر الكلاسيكي للشرق , ثم في عام 1985ضمن كتاب بعنوان النثر الاندلسي للقرون الوسطى , وكتب ساغادايف عن حي بن يقظان في كتاب بعنوان فلسفة الشرق الاجنبي , الذي صدر عام 1986 , وتوقفت الموسوعة الفلسفية الروسية والموسوعة الادبية عند هذا الكتاب في فقرتين تفصيليتين , و استمر هذا الاهتمام بحي بن يقظان بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , ففي عام 2005 ظهر كتاب بعنوان الفكر السياسي للقرون الوسطى الاسلامية , وفيه دراسة عن هذا النتاج الخالد , وتتناول المصادر الروسية بالتفصيل تاريخ هذا الكتاب ابتداء من ابن سينا , وتتوقف عند ابن طفيل طويلا ومكانته العلمية الموسوعية , وكيف استطاع صياغة افكاره الفلسفية عبر هذا الكتاب الممتع , وتتحدث المصادر الروسية حول موضوعة تأثيره في مجال الادب المقارن و تربطه بروبنسون كروزو طبعا .
  لم أجد في تلك المصادر عن حي بن يقظان اية اشارة الى الادب الروسي , وهل انعكست افكار هذا الكتاب وموضوعته على بعض نتاجات الادباء الروس , وقد تذكرت , اني دردشت مرة مع أحد اساتذتي الروس في جامعة موسكو حول المواضيع المرتبطة بالمقارنة بين الادب الروسي والعربي من وجهة نظره , فقال , ان ذلك يقتضي التعاون العلمي المتبادل بيننا , اذ ان هناك مواضيع كثيرة يمكن لنا طرحها , وتحدث عن الف ليلة وليلة  وعلاقة بوشكين وتولستوي وغوركي مثلا بهذه الحكايات الجميلة , وتطرق ايضا الى حي بن يقظان , وقال , ان هذا النتاج يوحّد وبشكل رائع الادب والفلسفة والتناسق بينهما, واستطاع ان يعكس آراء الكاتب بقضايا فلسفية عميقة , وان دستويفسكي في الادب الروسي هو النموذج المثالي لظاهرة التلاحم الرائع بين الادب والفلسفة , ومن الممكن جدا الكلام عن امكانية المقارنة بينهما , اذ ان كلاهما استخدما الادب للوصول الى اثبات افكارهما الفلسفية تلك , ويمكن ان يكون هناك تعاون بين اثنين او حتى اكثر من الباحثين لتحقيق هذا البحث العلمي المبتكر .
حي بن يقظان اسم عظيم منسي في تراثنا العظيم , وما اكثر تلك الظواهر والاسماء العظيمة المنسية في تاريخنا...   




237
ابداع تشيخوف في عالم مورافيا الفني
أ.د. ضياء نافع
عنوان مقالتنا هو عنوان بحث علمي نشرته مجلة ( فيسنك) التي تصدرها جامعة خاركوف التربوية في اوكرانيا بعددها المرقم 4 (59) لعام 2016 , و هذا البحث بقلم أندرونوفا و جورينكو . العنوان مثير فعلا , او كما كنّا نقول في شبابنا ضاحكين – (يسيل اللعاب) , ومن الواضح انه بحث في الادب المقارن . استوقفني هذا العنوان المتميّز والجديد بالنسبة لي كليّا , اذ لم يسبق لي ان اطلعت على مقارنة بين الكاتب الروسي تشيخوف والكاتب الايطالي مورافيا , وهكذا بدأت رأسا ب(التهام!) هذا البحث , واود ان أعرض للقارئ العربي انطباعاتي عن هذا (الالتهام !) , اذ يبدو لي ان هذه المقارنة المبتكرة بين أديبين متباعدين (من حيث المكان والزمان واللغة والثقافة) ربما ستكون طريفة ومفيدة ايضا للقارئ , الذي يتابع ظواهر الادب العالمي بشكل عام , والادب المقارن بشكل خاص .
القيت النظرة الاولى على البحث اولا, ووجدته مكتوبا باللغة الروسية , رغم ان هناك في بدايته خلاصة باللغة الاوكرانية ثم بالروسية ثم بالانكليزية , وهذه ظاهرة علمية سليمة جدا , ويبدو ان ذلك من مستلزمات النشر في تلك المجلة العلمية الاوكرانية لجامعة خاركوف التربوية . يشغل البحث ست صفحات كاملة من المجلة المذكورة, وتوجد في نهاية البحث قائمة بالمصادرالتي اعتمدها الباحثان , وعددها ( 13) مصدرا , وكلها باللغة الروسية ليس الا. الاشارة الى المصادر وتثبيتها هي ضرورة علمية طبعا في نهاية البحوث كافة , ولكن الذي أثار استغرابي هنا , هو عندما وجدتها فقط باللغة الروسية لبحث يقارن بين ابداع كاتب روسي  بابداع كاتب ايطالي , اذ كنت أتوقع ان تكون هناك مصادر باللغة الايطالية ايضا  .
اطلعت على هذا البحث بكل امعان , وحاولت حتى ان أقرأ ما بين سطوره ايضا , واود ان أشير- قبل كل شئ – الى اعجابي الشديد  بالعنوان , اذ ان صياغته جاءت بشكل دقيق و موضوعي وموفّق جدا , فلا توجد في ذلك العنوان اي اشارة الى ( تأثير) تشيخوف على مورافيا , وانما هناك مفردة ( ابداع ) تشيخوف , وهو ابن القرن التاسع عشر واوائل القرن العشرين في روسيا , ( في العالم الفني) لمورافيا , وهو ابن اواسط القرن العشرين ونهايته في ايطاليا, ومن الواضح جدا , ان هذا العنوان لم يكن عفويا ابدا .  ان العنوان لا يوحي , الى ان ابداع تشيخوف قد ( أثّر) على ابداع مورافيا , كما يحاول عادة بعض الذين يكتبون في الادب المقارن , دون ان يأخذوا بنظر الاعتبار , ان ( المتأثّر به ) ان صحّ التعبير, لا يمكن ان يكون اديبا حقيقيا كبيرا , اذ ان القارئ يذهب مباشرة الى ( الاصل) , اي الى ( الذي يؤثّر) , وليس الى ( الفرع) , اي ( الذي يتأثّر به ) , وقضية ( التأثّر ) و ( التأثير) مسألة جديرة بالتأمّل العميق في دراسات الادب المقارن , وهي مسألة تختلف جذريا عن تشابه الموضوعة في نتاجات الادباء , سواء في اطار الادب القومي الواحد او في اطار الادب العالمي عموما , ابتداء من ( حي بن يقظان ) الى ( روبنسون كروزو ) فصاعدا .
يركز البحث على موضوعات تميّز بها ابداع تشيخوف , مثل سيكولوجية العبودية في علاقات البشر بين بعضهم البعض, او , التفاهة التي تسود في الحياة الانسانية الباهتة أصلا , او , ضيق النظرة الجامدة الى الحياة والتعامل معها انطلاقا من ( العلبة! ) التي صنعها ذلك الشخص لنفسه ويريد ان يخضع العالم حوله لمفاهيمه الجامدة , الى آخر تلك الافكار التشيخوفية العميقة التي ترتبط بابداعه . ثم يحاول الباحثان ان يشيرا الى تحديدها او ظهور ملامح منها في ابداع مورافيا هنا وهناك , مستندين الى الترجمات الروسية  لبعض روايات مورافيا ليس الا , وكذلك الى الدراسات الروسية حول مورافيا . البحث لا يرسم طبعا صورة متكاملة وشاملة لكل ( العالم الفني لمورافيا ) كما يشير العنوان , ولكنه يحدد فعلا وبشكل صحيح جدا خصائص التشيخوفية , ويحاول ان يجد انعكاساتها في عالم مورافيا الفني , وليس ذلك بالقليل في عالم البحث العلمي للادب المقارن , هذا المصطلح ( اي الادب المقارن), الذي لم يتبلور لحد الان كمادة مستقلة وقائمة بذاتها في الدراسات الانسانية , ولا يوجد قسم خاص للادب المقارن في الجامعات التي مررت بها اثناء مسيرتي , رغم ان قسم اللغة العربية في كليّة اللغات بجامعة صنعاء في اليمن قد كلّفني بتدريس مادة ( الادب المقارن) عندما كنت استاذا زائرا لمدة شهر واحد عندهم , وقد القيت محاضرات بمعدل ساعتين اسبوعيا , ولم يكن لديهم مفردات معينة لتلك المادة , فتناولت في محاضراتي الموضوعة العربية في الادب الروسي عند بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتولستوي وبونين , وذلك حسب اختصاصي الدقيق في تاريخ الادب الروسي , وكان الطلبة يتقبلون المادة بحماس لانها جديدة عليهم بكل معنى الكلمة ...
ابداع تشيخوف في عالم مورافيا الفني – محاولة مهمة في اغناء علم الادب المقارن وتوسيع مداراته, ولا اظن ان ترجمته الى العربية ستكون مقبولة, لانه يرتبط قبل كل شئ بالترجمات الروسية لادب مورافيا والدراسات الروسية عنه , ولكن الفكرة الجوهرية لهذه الدراسة تمتلك – بلا شك - حيويتها وقيمتها العلمية العميقة ... 

238
عن المواقف السياسية للكاتب كورولينكو
أ.د. ضياء نافع
قال عنه لوناجارسكي في اسفتاء تحريري بعد ثورة شباط / فبراير الروسية عام 1917 , ان الكاتب كورولينكو يصلح ( وجدير) ان يكون اول رئيس للجمهورية الروسية في التاريخ , وعلى الرغم من ان ذلك لم يحدث كما هو معروف, الا ان كورولينكو – مع ذلك - كان الكاتب الروسي الوحيد , الذي تمّ ترشيحه لهذا المنصب الرفيع في تاريخ روسيا ( وليس ذلك بالقليل ), وخصوصا ان ترشيحه قد تمّ من قبل شخص بمستوى لوناجارسكي واهميته, اذ انه اول وزير سوفيتي للثقافة والتعليم في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – كورولينكو- الاديب والمناضل) . لقد تحدثنا في مقالتنا المذكورة تلك عن هذا الكاتب الروسي الكبير , وعن خصائص نتاجاته الابداعه وكذلك توقفنا قليلا عند  مواقفه السياسية بشكل عام , ولكننا نعود في مقالتنا هذه للحديث عن تلك المواقف السياسية بشكل دقيق ومحدد , وذلك بمناسبة عودة الاوساط الفكرية الروسية بشكل واسع للحديث عن تلك الايام و الاحداث التي ( هزّت العالم !!!) كما يقول عنوان الكتاب التاريخي الشهير للباحث الامريكي جون ريد.
 لقد صدر كتاب روسي عام 2017 بعنوان – ( كورولينكو والاضطرابات الثورية في روسيا 1917 – 1921) من تأليف الباحث الروسي سيرغي دميتريف , وهو كتاب ضخم يقع في (608) صفحة من القطع المتوسط , ومن الواضح طبعا حتى من عنوان هذا الكتاب , انه يتناول موقف كورولينكو من تلك الاحداث الهائلة , التي حصلت في تلك السنوات العاصفات في دولة الامبراطورية الروسية , والتي أدّت الى انهيار تلك الامبراطورية وتحوّلها الى دولة اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية ولأول مرّة في تاريخ العالم . صدور هذا الكتاب عام 2017 ليس صدفة طبعا , اذ ان الاوساط الفكرية عموما في روسيا الاتحادية بدأت بالكلام الواسع حول هذه المواضيع منذ اقتراب الذكرى المئوية الاولى لثورة اكتوبر 1917 , ولازالت تتحدّث عن تلك الاحداث الهائلة في تاريخ روسيا (والتي أثّرت طبعا حتى على مسيرة الاحداث في العالم ايضا) , ابتداء من الحرب العالمية الاولى (1914 ) , وثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , والحرب الاهلية التي أعقبتها في روسيا, واخيرا الذكرى 150 عاما على ميلاد لينين ( 1870 – 2020 ) , التي مرّت قبل فترة من السنة  الحالية هذه, وقد انعكست اهتمامات المجتمع الروسي المعاصر هذه  طبعا في وسائل الاعلام الروسية كافة من تلفزيون وصحافة وندوات ومسرح وحتى في الاعمال السينمائية , ومن الطبيعي القول , ان الحديث عن المواقف السياسية لكورولينكو يرتبط حتما بهذه الاجواء الفكرية السائدة في الاوساط الروسية طبعا .
يجب الاشارة – قبل كل شئ – الى ان كورولينكو (  1853- 1921) كان علما فكريا متميّزا في مسيرة الفكر في روسيا اديبا وصحافيا, وقد أصدر كورولينكو مؤلفات عديدة جدا و متنوعة الاجناس , لدرجة , ان هناك بعض النقاد الروس يعتبرونه – ( وريث تولستوي) في تاريخ الادب الروسي , وهناك تصريح  للكاتب الكبير ايفان بونين يشير , الى ما معناه , انه ( اي بونين) كان لا يخاف من اي شئ ومن أي أحد عندما كان تولستوي على قيد الحياة , وانه الان كذلك (..لأن كورولينكو الرائع على قيد الحياة..) . لقد بدأ كورولينكو مسيرة حياته عبر السجون والمعتقلات نتيجة لمواقفه الفكرية المعارضة للسلطة القيصرية , اذ كان قريبا من الحركة الثورية الشعبية , حتى انه رفض ترديد القسم الخاص بالولاء للقيصر الروسي الجديد الكساندر الثالث عام 1881 , وتحمّل ( بسبب هذا الرفض) النفي الى سيبيريا لعدة سنوات نتيجة لهذا الموقف المبدئي المتميّز. لقد كان هذا الاديب والصحافي والمناضل نصيرا مخلصا وحقيقيا للحرية والعدالة في المجتمع الروسي بغض النظر عن طبيعة السلطة القائمة في البلاد, وعندما حدثت ثورة اكتوبر الاشتراكية 1917 , وقف الى جانبها مؤيدا , ولكنه لاحظ رأسا تلك الخروقات الرهيبة لحقوق الانسان , التي قام بها رجالات هذه الثورة وانصارها , ولم يتردد ابدا من الاعلان عن هذه الظواهر وشجبها بشكل علني وصريح ودقيق , لدرجة , ان لينين اقترح ان يتصل به لوناجارسكي ( الوزير السوفيتي للثقافة والتعليم كما أشرنا أعلاه) , وهذا ما حدث فعلا , اذ سافر الوزير اليه عام 1920 خصيصا الى بولتافا حيث كان كورولينكو مستقرّا والتقى معه , واتفقا ان يكتب كورولينكو له رسائل تتناول مواقفه الفكرية , ووعده لوناجارسكي ان يطلّع عليها ويجيبه , وقد كتب كورولينكو فعلا ست رسائل مطوّلة وتفصيلية اليه , الا ان لوناجارسكي لم يلتزم بوعده ولم يكتب له اي رسالة جوابية على رسائله تلك , وعندما توفي كورولينكو عام 1921 , ظهرت هذه الرسائل في كتاب خاص تمّ طبعه ونشره في باريس عام 1922 , وقد وصل هذا الكتاب طبعا الى روسيا , وذكر أحد البلاشفة في مذكراته , ان لينين اطلّع على هذا الكتاب عندما كان راقدا للعلاج في تلك الفترة ( بعد محاولة اغتياله المعروفة ) , وتشير المصادر الروسية الان حتى الى رقم هذا الكتاب في مكتبة الكرملين آنذاك .
مواقف الكاتب التقدمي الثوري كورولينكو من احداث بلاده السياسية الكبرى يمكن ان تعطينا – نحن العراقيين - درسا بليغا .  وهذا الدرس البليغ  يؤكّد مرة اخرى واخرى ,  ان الحرية والالتزام بها والدفاع عنها تبقى الهدف الاسمى للمثقفين كافة بغض النظر عن مسيرتهم السياسية وشعاراتها , وان  اي خرق للحرية من أي جهة كانت هو عمل مشين يؤثر سلبا على مسيرة الحرية باكملها .



239
أدب / الجبل والنهر والانسان
« في: 18:07 12/05/2020  »

الجبل والنهر والانسان


قصيدة للشاعر الكوري خفان جزين اي

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


الى المبدع يحيى السماوي , سيّد الشعراء...
ض.ن.
وحده الجبل ,
ثابت ابدا,
لايتحرّك ولا يتغيّر.
النهر
يتحرك دائما,
 يتحرك ويتغير.
امّا الانسان
فانه ليس ثابتا
 مثل الجبل ,
الانسان
مثل النهر
 يتحرّك دائما
 ويتغيّر,
و لكن الانسان
ليس مثل النهر
 دائما ,
اذ يمكن للانسان
 ان يذهب مرة ,
ولا يعود مرة اخرى
ابدا..
.....

هذه القصيدة اختارتها آنّا أخماتوفا ضمن اختياراتها من الشعر الكوري الكلاسيكي وترجمتها الى الروسية , وقد ترجمنا النص الروسي كما جاء عند أخماتوفا . القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا .

240
تأملات حول حكاية بوشكين عن الصياد والسمكة
أ.د. ضياء نافع
عنوان هذه الحكاية الشعرية التي كتبها بوشكين هو – ( حكاية عن الصياد والسمكة) , وقد نشرها عام 1835( اي قبل وفاته بسنتين فقط) , وكان آنذاك في اوج شهرته ونضجه الفكري , واصبحت هذه الحكاية واحدة من أشهر حكاياته في روسيا , وخارجها ايضا ( هي مترجمة الى العديد من اللغات الاجنبية , بما فيها العربية ) . الحكاية موجودة اصلا باللغة الالمانية عند الاخوين غريم , بل وهناك حتى من يقول عن بوشكين , انه ( سرقها !!!) من الالمانية ( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين بين الترجمة والاقتباس) , ونحن نقول هنا وبكل ثقة ايضا, هل كان الشاعر الروسي الكبير بوشكين فعلا بحاجة الى ( هذه السرقة !) الادبية العلنية , وهو الذي كان يمنح – وبكل طيبة خاطر- للادباء الروس حوله افكارا وموضوعات للكتابة الابداعية , ومنهم غوغول مثلا , الذي أعطاه فكرة ( المفتش), و فكرة ( الارواح الميّتة) والتي حوّلهما غوغول  بعدئذ الى نتاجات خالدة في الادب الروسي والعالمي .
( حكاية عن الصياد والسمكة) لبوشكين تبدو للوهلة الاولى نتاجا فنيّا يدخل ضمن أدب الاطفال ليس الا, وهي فعلا هكذا في الواقع , بل واصبحت حكاية حبيبة للصغار وقريبة جدا لقلوبهم , ولكن عظمة هذا  ألادب تكمن في انه أدب صغار وأدب كبار معا , فالصغار يجدون فيه ما يريدون ان يجدوا من متعة , والكبار يجدون فيه كذلك ما يبحثون عنه من حكمة وافكار عميقة , ولهذا , فان الادباء الذين يكتبون لنا هذا النوع من الادب هم دائما القلّة فقط , او النخبة منهم فقط , من (وزن!!!) بوشكين وأمثاله من القمم الادبية لدى مختلف الشعوب, ونتناول في مقالتنا هنا الجانب ( الآخر!) لهذه الحكاية الجميلة , الجانب العميق , الذي يخاطب به بوشكين الكبار في حكايته الطريفة للقراء الصغار, الجانب الذي كان يثير بوشكين في تلك المرحلة من مسيرته الفكرية .
نذكّر القارئ العربي – اولا - بالمضمون العام لتلك الحكاية . هناك صياد سمك يعيش في كوخ متواضع مع زوجته عند ساحل البحر , وهما يقتاتان السمك الذي يصطاده هذا الصياد , وفي يوم من الايام اصطاد سمكة ذهبية , ولكن هذه السمكة قالت له ان يعيدها الى البحر , وانها مقابل ذلك تستطيع ان تحقق له كل ما يطلب منها , وهكذا اعادها للبحر تلبية لرغبتها دون ان يطلب شيئا , وعاد الى بيته وحكى لزوجته قصة تلك السمكة الذهبية , وبدأت زوجته باجباره على العودة الى السمكة والطلب منها ان تحقق رغباتها , اذ طلبت تغيير المنزل , ثم تحويلها من فلاّحة الى نبيلة , ثم الى قيصرة , وكانت السمكة تحقق كل ما يطلب منها الصياد , ثم طلبت الزوجة من السمكة ان تحولها الى اميرة البحار وان تكون السمكة خادمة لها , فاستمعت السمكة الى ما قاله الصياد لها وغطست في البحر دون اي جواب , وظل الصياد يناديها ويناديها , ولكن السمكة تركته و اختفت , فلما عاد الصياد الى بيته , وجد بيته القديم وقد عاد كما كان سابقا , وشاهد زوجته وقد عادت الى وضعها كما كانت في السابق ايضا.
القارئ الصغير يبقى مندهشا وهو يتابع رغبات الزوجة وتحولاتها , ثم يرى عودتها الى حياة البؤس مرة اخرى , ويفهم هذا القارئ بنفسه (او ربما  يوضّحون له ), ان طمع الانسان يقتله . والقارئ الكبير يبقى مشدودا الى احداث الحكاية , ويفهم رأسا ( كما الصغير) ان الطمع قاتل , وان رغبات الطمّاع بلا انتهاء , ولكن هذا القارئ يبدأ بطرح الاسئلة, المرتبطة باحداث الحكاية وابطالها , ولماذا كتبها بوشكين وهو في ذروة مسيرته الابداعية. ابطال الحكاية هم الصياد وزوجته والسمكة . الصياد رمز الطيبة والبساطة والنقاء , و تسحره الكلمة الطيبة للسمكة , فيطلق سراحها دون ان يطلب اي شئ . زوجته رمز الطمع والجشع والرغبة باخضاع الجميع دون استثاء . السمكة رمز القوة والسلطة , والتي تقدر ان تعمل كل شئ , الا انها – مع ذلك – سقطت في شباك الصياد البسيط . ولكن اين موقع بوشكين بين هذا الثلاثي المتجسّد بالطيبة والجشع والسلطة ؟ هنا تكمن نقطة الخلاف بين ( المجتهدين !) . يرى البعض ان بوشكين أقرب الى الصياد , اي أقرب الى النقاء الذي تسحره الكلمة الطيبة , وان القيصر عندما قابله بعد منفاه , وقال كلمته الشهيرة , في انه سيكون رقيب بوشكين فقط ( وهو موقع لم يصله اي شاعر في كل تاريخ روسيا ), اي ان بوشكين , مثل الصياد , سحرته الكلمة الطيبة , وتقبّلها ووثق بها , ولكن لا السمكة ولا القيصر التزما بتلك الكلمة امام رمز النقاء في نهاية المطاف , وهكذا عادا الى حياتهما البائسة مرة اخرى , بغض النظر عن الاسباب التي أدّت الى تلك النتيجة. لكن البعض الآخر لا يتفق مع هذا الاجتهاد , ويرى , ان بوشكين أقرب للسمكة , التي اصطادها الصياد , فوعدته بتلبية مطالبه من اجل حريتها , وان السمكة فهمت في النهاية , انها يجب ان تختار بين الحرية وبين تلبية تلك المطالب , وانها اختارت الحرية , رغم ان الصياد أصطادها ثم منحها الحرية , اذ ان السمكة كانت آنذاك مضطرة ان تعده بتلبة مطالبه , ولكن الحرية تبقى أغلى من كل شئ وأعلى , وعندما وصلت تلك المطالب الى التخلّي عن حريتها , فانها اختارت الحرية رأسا دون اي تردد بشأن هذا الاختيار , وهذا ما فعله بوشكين ايضا في نهاية المطاف . وبغض النظر عن اختلاف المجتهدين بتفسيرهم لموقف بوشكين الفكري , ولكنهم اتفقوا , ان الشاعر الكبير استخدم تلك الحكاية الشعبية الشائعة للتعبير عن موقفه الفكري العميق تجاه تلك القضايا الكبرى , التي كانت تقف امامه في مجتمعه , وهي قضايا خالدة في مسيرة الانسان في كل مكان.....
     
   

241
أخماتوفا ليست أخماتوفا
أ.د. ضياء نافع
الى روح المبدع العراقي الراحل علي الشوك.
ض.ن.
اردت ان اهدي هذه المقالة الى الكثيرين من المعجبين بالشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا , ولكني قررت ان اهديها الى علي الشوك بالذات , لاني اتذكر جملته في مقالته عن أخماتوفا بعنوان – ( كنت أمتلك كل شئ / نموذج اديب زمن الدكتاتورية ) , والجملة تقول -  ( كانت تثير فضولي كثيرا باسمها الاسلامي ....فهي من سلالة جنكيز خان ...وقد اختارت اسمها التتري من جهة امها ...) . ومقالة علي الشوك المذكورة رائعة من وجهة نظري , وقد سبق لي ان كتبت حولها مقالة خاصة بعنوان – ( علي الشوك والادب الروسي ) , ولكني اريد هنا ان اتحدث عن موضوع آخر تماما , موضوع يرتبط ب ( اسمها الاسلامي !) كما يقول الشوك , وهذا الموضوع , كما يشير عنوان مقالتنا , عن أخماتوفا , التي هي (ليست أخماتوفا !!!) .
قبل كل شئ , يجب ان نتوقف قليلا عند لقب أخماتوفا باللغة الروسية , كي نوضّح أصله . اصل هذه اللقب هو الاسم العربي المعروف – ( أحمد ) , ولكن لا يوجد حرف الحاء بالروسية , وهكذا يتحول الحاء تلقائيا الى خاء , الموجود بالروسية , اما حرف الدال , فانه (وحسب قواعد التلفظ الروسية) يصبح مخففا لانه جاء في نهاية الكلمة , وهكذا يتحول الى تاء , ويضاف حرف الالف بعد الميم الى هذا الاسم تعويضا عن الفتحة , لعدم وجود (الحركات) بالروسية , وهكذا يتحوّل (أحمد) بالعربية الى (أخمات) بالروسية , وعندما يكون هذا الاسم لقبا للشخص , فانه وحسب القواعد الروسية ايضا يصبح (أخماتوف) للمذكر , و(أخماتوفا) للمؤنث , مثل ايفانوف وايفانوفا وبيتروف و بيتروفا ...الخ الالقاب الروسية المعروفة للجميع . وعليه , فان لقب الشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا هو عربي الاصل وليس تتريا, ولكنه خضع للقواعد الروسية ليس الا واصبح هكذا . علي الشوك يقول , ان اسمها ( وهو يقصد هنا - لقبها  ) أثار فضوله, لانه (اسم اسلامي) , وما ذهب اليه علي الشوك بخصوص لقبها صحيح جزئيا , ولكن لا توجد ( لغة اسلامية !) , و اللغة العربية هي لغة الاسلام طبعا, ولهذا اقول ( صحيح جزئيا) حول ما كتب علي الشوك . هذا الاسم عربي بحت , ودخل الى لغات كثيرة اخرى ( بما فيها التترية ) عن طريق الاسلام طبعا , وعليه , اكرر , انه يمكن لنا ان نقول وبكل ثقة , ان لقب هذه الشاعرة الروسية عربي الاصل , وهو ( أحمد ) , وعندما دخل هذا الاسم العربي البحت الى اللغة الروسية , فانه خضع طبعا للقواعد الروسية وصياغتها , وهكذا تحول الى أخماتوفا .
النقطة الثانية , التي نريد ان نتوقف عندها قليلا ايضا , و ترتبط  بما أشرنا اليه أعلاه حول اصول لقبها ,  هي ان الشاعرة آنّا أخماتوفا نفسها لم تذكر , ان اصل اللقب الذي اختارته لنفسها هو عربي الاصل , وانما قالت , انه تتري , ويرتبط باسم احد اجدادها البعيدين من ناحية الام , وكل المصادر الروسية طبعا تؤكد وتكرر هذا الشئ , اي تعيد ما قالته وكتبته الشاعرة نفسها حول ذلك اللقب, ولم أجد اي اشارة في المصادر الروسية كافة الى ان اصول لقبها عربي , بل ان الجميع يقولون انه تتري  , وعلى الاغلب, فان الشاعرة نفسها لم تكن تتصوّر ذلك ايضا , وهي اصلا لم تفكّر بعمق ورويّة بخصوص ذلك اللقب , اذ انها كانت صبية في مقتبل عمرها , وهناك جملة طريفة كتبتها ليديا جوكوفسكايا في مذكراتها عن اخماتوفا تؤكد هذه الحقيقة,  والجملة جاءت على لسان اخماتوفا نفسها, والتي تقول فيها , انه ( ... فقط الفتاة المجنونة كان يمكن لها ان تختار هذا اللقب التتري لشاعرة روسية ...), اي ان اخماتوفا اختارت اللقب وهي فتاة مراهقة في ذلك العمر اليافع دون تفكير وتأملّ كما يجب .
اللقب الذي اختارته الشاعرة الروسية الشابة كان لاحدى جداتها من امها , والتي اكتسبته( اي اللقب) عند زواجها من اخماتوف التتري , وهو تتري متروّس , وكان اختيار الشاعرة لهذا اللقب لان والدها قد منعها منعا باتا من استخدام لقب عائلتهم عندما بدأت بنشر قصائدها , واعتبر ان ذلك يسئ الى اسم العائلة , وهكذا اضطرت الى اختيار اسم مستعار لنشر قصائدها , ووجدت اسم زوج ام جدتها لامها بهذا اللقب , واعجبت به واختارته ( وهي فتاة مراهقة ) نتيجة لرغبتها بالتفرّد , اضافة الى جمالية الاسم وجرسه ان صح التعبير , ولانه يتناغم مع روحية الاجواء الغرائبية التي كانت سائدة في روسيا بداية القرن العشرين بين الشعراء, ولانه يذكّر بلقب الخان أخمات , الذي يرجع اصوله - حسب الاقوال والاساطير - الى جنكيز خان نفسه في تلك القرون البعيدة.
آنّا أخماتوفا ليست أخماتوفا في الواقع , بل هي آنّا  أندريفنا غورينكو , التي ولدت عام 1889 في اوديسا باوكراينا في الامبراطورية الروسية , وتوفيت عام 1966 في الاتحاد السوفيتي , وتم دفنها في ضواحي لينينغراد, وعند قبرها ينتصب الصليب مثل قبور كل المسيحيين الارثذوكس , ولا علاقة لآنا أندريفنا غورينكو بأي تتري اسمه احمد او اخمات او اخماتوف , و هي ليست من احفاد جنكيز خان باي حال من الاحوال ...

242
عن تشيخوف في القرن الحادي والعشرين
أ.د. ضياء نافع
ولد تشيخوف في القرن التاسع عشر( كانون الثاني 1860) , وفي القرن الحادي والعشرين ( كانون الثاني 2020) , احتفلت الاوساط الثقافية الروسية بمرور ( 160 ) سنة على ميلاده . ظهرت الكثير من الكتابات الجديدة (والافكار الجديدة طبعا ) حول تشيخوف بهذه المناسبة , ونحاول هنا ان نستعرض للقارئ العربي النقاط الاساسية في تلك الكتابات , التي تحمل طبعا آراء الباحثين الروس عن تشيخوف في القرن الحادي والعشرين , وهي آراء واجتهادات ذاتية , ولكنها – بالتأكيد – تستحق التأمّل , وتستحق ان يتعرّف عليها القارئ العربي , اذ ان تشيخوف هو واحد من هؤلاء الادباء الروس القريبين روحيّا من هذا القارئ , وبالتالي , فان كل شئ جديد عنه سيكون – بلا شك - طريفا وممتعا لهذا القارئ.
توقف باحث من هؤلاء عند موضوع ( الثلاثي الروسي العالمي للادباء الروس) , وأشار انهم كانوا في البداية هكذا – دستويفسكي الاول وتولستوي الثاني وتشيخوف الثالث , ولكن ترتيبهم قد تغيّر بمسيرة الحياة الفكرية , اذ اصبح تولستوي الاول وجاء دستويفسكي الثاني , و تشيخوف بقى في موقعه الثالث , ولكن , الثلاثي هذا , كما يراه هذا الباحث اصبح هكذا الان – تشيخوف الاول وتشيخوف الثاني وتشيخوف الثالث , اذ تراجع الاهتمام بتولستوي رغم ان روايته الملحمية ( الحرب والسلم ) لا زالت تحتفظ بمكانها المتميّز واهميتها الاستثنائية في الادب العالمي , وتراجع الاهتمام بدستويفسكي رغم انه لازال يحتفظ بمكانته المتميّزة في مجال تشابك او تعشيق الادب والفلسفة معا , اما تشيخوف , فلا يوجد مكان لبيع الكتب في العالم لا يحتوي على كتاب لتشيخوف , ولا يوجد مسرح في العالم لا يعرض مسرحياته ضمن نشاطاته الفنية , ولا يوجد مخرج في العالم لا يحلم ان يقدّم مسرحية من مسرحياته ( وقد تذكرت اسماء مثقفي العراق ومسارح العراق ومخرجي العراق في النصف الثاني من القرن العشرين فصاعدا مثل شاكر خصباك ونعيم بدوي وعبد الامير الورد وسامي عبد الحميد وصلاح القصب وغيرهم , وقلت بيني وبين نفسي – نعم , هذا كلام صحيح فعلا عن تشيخوف, وان هذا الامر لازال كذلك ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين رغم ان العراق جريح الان كما هو معروف ولا يزال ينزف دما مع الاسف الشديد) .
 باحث آخر أشار الى ان تشيخوف عاش 44 سنة ليس الا , وانه توفي عام 1904 , اي انه رحل قبل تلك الاحداث الكبيرة و الهائلة التي حدثت في روسيا مثل الحرب الروسية – اليابانية , ثم ثورة 1905, ثم الحرب العالمية الاولى 1914, ثم ثورة اكتوبر1917 الاشتراكية , وانه لم يكتب عن كل ذلك طبعا, ولكن الروس الذين هربوا من روسيا بعد ثورة اكتوبر واصبحوا لاجئين , كانوا يعرضون وهم في الغرب مسرحية ( الاخوات / او الشقيقات الثلاث ) لتشيخوف , وهم يبكون ويرددون , كم تبدو الامور وكأنها من الماضي العتيق , و كم تبدو ايضا وكأنها تتحدّث عن الامس القريب ليس الا , اي ان اللاجئين الروس ( وهم صفوة المثقفين الروس آنذاك ) لم يجدوا في الادب الروسي غير تشيخوف ( الذي رحل قبل كل هذه الاحداث) كي يعبّر عن معاناتهم  وحنينهم الخانق الى موسكو ( وقد تذكرت ان اللاجئين الروس أطلقوا على دار النشر التي نظمّوها في الغرب اسم – دار تشيخوف للنشر, والتي ساهمت بشكل كبير في عملية النشر العالمي للادب الروسي ودراساته باللغة الروسية , وقدّمت مصادر مهمة جدا في هذا المجال لازالت تمتلك اهميتها لحد الان , وقلت بيني وبين نفسي , ان اطلاق اسم تشيخوف على دار النشر هذه لا يمكن ان تكون عفوية ابدا ).   
الباحث الثالث تحدّث عن العلاقة بين تشيخوف وبوشكين , وهو موضوع تناوله النقد الادبي الروسي بشكل او بآخر ( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين وتشيخوف ) , ولكن هذا الباحث أشار الى عنصر جديد في هذه العلاقة , اذ انه يرى , ان بوشكين هو الاديب الروسي الوحيد , الذي يمكن ان نسميه ( الكاتب الحضاري ) , الذي تكلّم عن الانسان كما يجب ان يكون , خارج نطاق مشاغله ومشاكله الاجتماعية اليومية , ولم يأت من بعده من أستمر بهذا الطرح , لا غوغول ولا تورغينيف ولا دستويفسكي ولا تولستوي , وان تشيخوف عاد بالادب الروسي الى تلك المسيرة البوشكينية ( ان صح التعبير) , اي الى الموضوعة الحضارية العامة . و يرى هذا الباحث , ان اهمية تشيخوف تكمن في انه يجسّد الاستمرار الحقيقي لخط بوشكين في الادب الروسي , الخط الذي انقطع في مسيرة الادب الروسي بعد وفاة بوشكين ( وقد تذكرت ما قاله تولستوي عن تشيخوف بعد وفاته , وهو حديث واسع ومنشور في كثير من المصادر الروسية , ولكني اريد التاكيد هنا على جملة واحدة قالها تولستوي عن تشيخوف في ذلك الحديث, اذ قال , ان تشيخوف فنان لا يمكن مقارنته بأحد , لانه خلق اشكالا جديدة في الادب , وانه في مجال التكنيك أعلى منيّ كثيرا , وانني اقول هذا متخليّا عن كل مظاهر التواضع الكاذب ) .
ان الحديث المتنوع في القرن الحادي والعشرين عن ابداع تشيخوف يعني , ان هذا الفنان يخترق فعلا حدود الزمان ...

243
كريلوف في المناهج المدرسية الروسية
أ.د. ضياء نافع
لم اقابل شخصا من روسيا لا يعرف حكايات كريلوف واساطيره , او لا يحبها , وكان هناك دائما من يستشهد بمقاطع من تلك الحكايات والاساطير اثناء مسيرة الحياة بحلّوها ومرّها, وكنت اعتقد , ان هذا التعاطف الشامل والتناغم مع تلك الحكايات جاء نتيجة لجمالياتها وسلاستها وعمقها وحكمتها , ولكني فهمت الان , ان هذه الظاهرة الفكرية و الحيوية ليست فقط نتيجة لتلك الاسباب, وانها ليست عفوية ليس الا  , وانما جاءت ايضا نتيجة ( زراعة!) هذا الحب بين الناس والاعتناء به , اذ تبين , ان تلاميذ المدارس يدرسون هذه الحكايات والاساطير منذ الصف الثالث الابتدائي فصاعدا ( انطلاقا من المبدأ التربوي العتيق والخالد -  النقش في الحجر.. منذ الصغر!!! ), وتبين لي ابضا , ان هذه العملية التربوية الفريدة ابتدأت في روسيا قبل( 150) سنة ولم تتوقف لحد الان , بغض النظر عن كل الاحداث الهائلة التي حدثت في روسيا خلال هذه الفترة الطويلة من مسيرتها , والتي تحولت فيها الدولة الروسية من الامبراطورية الروسية التي يحكمها القيصر بشكل مطلق الى اتحاد الجمهوريات السوفيتية الاشتراكية بقيادة الحزب الشيوعي السوفيتي بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 والى روسيا الاتحادية في الوقت الحاضر بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 .
لقد كتب كريلوف أكثر من (200)  حكاية واسطورة , ونشرها اثناء حياته بتسع طبعات , وهو رقم مدهش بالنسبة لذاك الزمان ( القرن التاسع عشر ) ولزماننا ايضا ( ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين) , واختارت اللجنة التربوية لاعداد المناهج الدراسية في المدارس الروسية مجموعة صغيرة من تلك الحكايات , وأدخلتها ووزعتّها ضمن النصوص والكتب المنهجية للغة الروسية وآدابها , وأعطت الى المدرسين الصلاحية المطلقة لاختيار اربع حكايات منها فقط ضمن المناهج المقررة لتلك المراحل. نحاول في هذه المقالة التحدّث عن حكايتين فقط من تلك الحكايات التي تم اختيارها من قبل اللجنة التربوية لاعداد تلك المناهج .
الحكاية الاولى , التي تتصدر هذه القائمة هي (الغراب والثعلب) , للكاتب الفرنسي لافونتين , والتي ترجمها كريلوف عن الفرنسية بتصرف ابداعي كبير جدا وصاغها بشعر روسي رقيق وسلسل وعذب جدا, وهكذا (التصقت!) هذه الحكاية باسم كريلوف في الوعي الاجتماعي الروسي لدرجة , ان الانسان الروسي البسيط ( ولحد الان !) لا يمكن ان يتقبّل- باي حال من الاحوال- ان كريلوف ليس مؤلفها وانما  مترجمها ليس الا , وقد علّق أحد الطلبة العراقيين المرحين مرة حول ذلك الموقف قائلا ( انها مسجّلة باسم كريلوف في الطابو الروسي !!!) . لقد كتبت عن اهمية تلك الحكاية في مقالتي بعنوان ( كريلوف ابن المقفع الروسي ), والتي يمكن الرجوع اليها طبعا , وتحدّثت في تلك المقالة حتى حول الترجمة العربية عن الفرنسية كما جاءت عند لافونتين( والتي قام بها علاء شطنان التميمي, وهو أحد خريجي قسم اللغة الفرنسية في كليّة اللغات الحبيبة) . عندما يقرأ التلميذ الروسي هذه الحكاية الجميلة في منهجه المدرسي بلغة كريلوف الرقراقة يتفهّم رأسا ( بشكل غير مباشر) ماذا يعني المديح الزائف للثعلب وهو ينظر الى قطعة الجبن عند الغراب , اي ان الفكرة التربوية العميقة تصل الى ذهنه اليافع بشكل مقنع وسلس , وهكذا تبقى في عقله وقلبه ( كالنقش في الحجر ) .
الحكاية الثانية هي ( الذئب والحمل ) , وهذه الحكاية ايضا للكاتب الفرنسي لافونتين , والتي ترجمها كريلوف بنفس ذلك الاسلوب الروسي الخالص ( ان صحّ التعبير) , والتي اصبحت كذلك – بالنسبة للروس - ترتبط باسمه , مثل حكاية (الغراب والثعلب) , التي أشرنا اليها أعلاه .  تقدّم حكاية الذئب والحمل ايضا للتلميذ الروسي درسا تربويا رائعا بشكل غير مباشر , اذ يرى هذا التلميذ اليافع كيف يتصرّف الذئب من موقع القوة, من اجل ان يفترس الحمل الصغير المسكين , ويحفظ التلميذ الجملة الاولى التي ترد في بداية هذه الحكاية , الجملة الحكيمة , التي تؤكّد , ان الضعيف مذنب دائما امام القويّ .
لقد اختارت لجنة المناهج حوالي عشرين حكاية واسطورة لكريلوف , منها مثلا , الكذاب / برميلان / الفضولي / الحمار والبلبل/ الفيل والكلب الصغير / وغيرها  , وكل هذه النتاجات المتنوعة الجميلة تحمل في سطورها حكمة تربوية عميقة ,و تؤكّد على القيم الاخلاقية في حياة الانسان في اطار رشيق ومرح وشفاف ...
حكايات كريلوف واساطيره (التي ترجمها او استعارها من الثقافات الاخرى وصاغها بلغته الجميلة) تساهم بشكل واضح في تربية الاجيال الروسية الصاعدة , فمتى تساهم حكايات ابن المقفع واساطيره التي ترجمها لنا  في تربية اجيالنا الصاعدة ؟

244
أدب / القارب
« في: 22:40 27/04/2020  »
القارب
=====

قصيدة للشاعرة الصينية المعاصرة فو تيانلين
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

 أقصى سعادة
 للقارب –
ايصال البشر
الى اماكنهم
وديارهم ,
 لكن القارب
يخاف جدا
من السير
في البرّ,
لأن
اسم القارب
في طفولته –
نهر ,
واسمه
في رجولته –
بحر ...
========================
ولدت الشاعرة الصينية فو تيانلين عام 1946 /  أصدرت العديد من المجاميع الشعرية , منها – نوتات خضراء / بين الاطفال والعالم / جزيرة موسيقية / عاشقة الشمس / نهاية وبداية / اوراق اشجار الليمون .../  تتضمن قصائدها دائما صورا فنية رمزية, لكنها واضحة المعالم ومفهومة  للقارئ رغم رمزيتها , لأن الرمزية هناك شفافة جدا, ويمكن ملاحظة ذلك حتى في عناوين دواوينها , وكذلك في قصيدتها هنا ,   فسعادة القارب ...ايصال البشر, لكنه لا يقدر ان يحصل على سعادته هذه , لأنه يخاف من السير في البرّ...

245
جوكوفسكي الشاعر والصحافي والمترجم والمعلم‬
أ.د. ضياء نافع
 هو المعلوم  جدا والمجهول جدا معا , المعلوم في تاريخ الادب الروسي ومسيرته بكل معنى الكلمة , والمجهول لدينا عربيّا مع الاسف الشديد بكل معنى الكلمة  ايضا , انه فاسيلي أندريفيتش جوكوفسكي ( 1783 – 1852 ) , أحد أعلام الادب الروسي الكبار في النصف الاول من القرن التاسع عشر , والذي يقف اسمه الان جنبا لجنب مع ادباء روسيا المشهورين في تلك الفترة مثل كارامزين وفانفيزن و بوشكين  وغوغول وغيرهم .... .
 سمعنا باسمه لاول مرّة عندما كنّا طلبة في جامعة موسكو , حيث ذكره استاذ مادة تاريخ الادب الروسي في النصف الاول من القرن التاسع عشر , وحدّثنا , كيف أهدى جوكوفسكي صورته الى بوشكين , وكتب عليها جملة دخلت في تاريخ الادب الروسي , وهي – ( الى  التلميذ المنتصر من المعلّم المندحر ) . هذه الجملة انحفرت في بالنا عندما كنّا يافعين , وادهشتنا بتواضعها وعمقها وجماليتها وطرافتها, ولازالت ترتبط باسمه لحد الان بالنسبة لنا . وعندما بدأنا لاحقا بالتعمق في دراستنا , ارتبط شئ آخر مهم جدا باسمه ايضا في أذهاننا , اذ تبين ان جوكوفسكي هو (ابو الرومانسية !) في تاريخ الشعر الروسي , وأحد طلائع الشعراء الرومانسيين  الروس , فما أجمل هذا الموقع وما أروعه في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , وهكذا بدأنا ندرس نتاجاته  و ابداعاته , والتوسّع بالاطلاع على مختلف جوانب هذا الابداع , واكتشفنا انه شخصية كبيرة جدا في دنيا الادب والثقافة الروسية في ذلك العصر لدرجة انه اصبح عضوا عاملا في اكاديمية العلوم للامبراطورية الروسية منذ عام 1818 فصاعدا  باعتباره واحدا من أكابر الادباء الكلاسيكيين الروس , بل انه أضاف في علم العروض الروسي بحرا خاصا الى بحور الشعر الروسي يرتبط بخماسيات الشعر الحر في  روسيا , وكل هذا يرتبط بالنقطة الاولى في عنوان مقالتنا , اي جوكوفسكي الشاعر , اما النقطة الثانية , وهي الصحافي , فيرتبط اسمه باصدار دورية معروفة في تاريخ الصحافة الروسية هي – ( فيسنك يفروبا ) , والتي لعبت دورا بارزا في اوائل القرن التاسع عشر , عندما كان جوكوفسكي المحرر الرئيسي لها , واستمرّت هذه المجلة بالصدور طوال القرن التاسع عشر تقريبا , وساهمت مساهمة فعّالة في الحركة الثقافية الروسية. أمّا بخصوص النقطة الثالثة , وهي الترجمة ,  فاننا اكتشفنا ايضا , ان جوكوفسكي مترجم بارز (في ذلك الزمان البعيد) عن اللغات الالمانية والانكليزية والفرنسية , عندما كانت حركة الترجمة الادبية الى الروسية في بداياتها ليس الا , وان اسمه في مجال الترجمة يرتبط في كونه مترجم  (الاوديسه) الى الروسية , وان هذه الترجمة الرائدة  لازالت لحد الان تتفاعل و تتعايش مع القراء في روسيا رغم مرور قرنين ونيّف من الزمان على ظهورها , اذ انها لازالت تطبع ويعاد طبعها.أمّا النقطة الرابعة في عنوان مقالتنا , وهي – جوكوفسكي المعلّم , فان عائلة القيصر الروسي اختارته لتعليم ابنائها اللغة الروسية ,  وقد أدّى مهمته في هذا المجال بشكل مدهش  وحاز على ثقتهم وعلى مكانة متميّزة عندهم , واستخدم  جوكوفسكي علاقته الجيّدة بعائلة القيصر في خدمة الادباء الروس والحركة الادبية عموما ( انظر مقالتنا بعنوان – رسالة غوغول الى قيصر روسيا )
 وكل هذه النقاط التي ذكرناها بشكل خاطف وسريع ليس الا , تستحق واقعيا التوقف التفصيلي عندها باعتبارها جوانب مهمة في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , ولكننا لا نستطيع في اطار مقالتنا التعريفية هذه  ان نتوقف عندها تفصيلا , ولهذا نختتم مقالتنا بالتوقف  عند حادثة تاريخية متميّزة ترتبط بهذا الكاتب الروسي الكبير , وهي , موقفه بعد مبارزة بوشكين عام 1837 , والتي أودت – كما هو معروف -  بحياة شاعر روسيا الكبير , او شمس الشعر الروسي كما يسمونه . لقد سمع جوكوفسكي في مدينة بطرسبورغ بمبارزة بوشكين , وحاول ان يقنع بوشكين بعدم القيام بها - و بكل ما يستطيع – وان يثنيه عن ذلك , ولكن بوشكين رفض كل هذه المحاولات , وأصرّ على المبارزة , وبعد ان حدثت تلك المبارزة و تم جرح بوشكين , ذهب جوكوفسكي الى بيت بوشكين , وعرف من طبيبه الخاص , ان جرحه مميت  , وكان في الغرفة المجاورة التي كان يرقد فيها بوشكين , وكان بوشكين في لحظاته الاخيرة , فأخذ جوكوفسكي يده وقبّلها , وعندما حملوا الجثمان , ذهب جوكوفسكي الى القصر الملكي , وحصل على الموافقة بحصر كل وثائق بوشكين واوراقه  في غرفة خاصة وختمها بمهره حفاظا عليها , ثم نقلها بعدئذ الى بيته مع أحد أقرب اصدقاء بوشكين , وهكذا استطاع الحفاظ على هذه الاوراق والوثائق التاريخية المهمة للشاعر الروسي الكبير , وابتدأ باعداد المؤلفات الكاملة لبوشكين للنشر , وأخذ على عاتقه المساعدة على استمرار طبع مجلة ( سوفريمينك ) التي كان يصدرها بوشكين ( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين صحفيا ) .
كم توجد في تاريخ الادب الروسي من اسماء واحداث وظواهر شبه مجهولة للقراء العرب , وكم نحتاج الى جهود لتعريف هؤلاء القراء بكل هذا الكم الهائل من الاسماء والاحداث والظواهر في تاريخ الادب الروسي قديما وحديثا . 

246
تمثال لجحا وحماره في موسكو
أ.د. ضياء نافع
 نحن نسميه – جحا , ونعرفه حق المعرفة , وكنّا ولازلنا نحكي لبعضنا البعض حكاياته ونوادره المرحة , وقد ذكره ابن النديم نفسه في الفهرست هكذا – جحا العربي , اما عند الشعوب التي تتكلم الفارسية فاسمه - ملا نصر الدين , وعند الشعوب التي تتكلم التركية فهو - خوجه نصر الدين , وهناك اسماء عديدة اخرى لهذه الشخصية المرحة والطريفة في الشرق عند الشعوب الاخرى , وقد اطلعت على قائمة غير اعتيادية تتضمن ثلاثين اسما لهذه الشخصية المتميّزة  بثلاثين لغة من لغات مختلفة تماما لبلدان متنوعة , من القوقاز الى البلقان والى اسيا الوسطى , وهذا دليل طبعا على انه شخصية فولكلورية , ولا تهدف مقالتنا الى بحث اصول هذه الشخصية وتاريخها , ولكن من الواضح , ان  شعوب هذه البلدان تعرفه معرفة جيدة وتتمتع بحكاياته وجماليتها وحكمتها وعمقها الفلسفي , لانه شخصية ساخرة  ومشهورة جدا بمقالبها ومواقفها وخلاصة اقوالها الدقيقة والذكية , وباختصار , فان شخصية جحا تعيش بيننا دائما و منذ مئات السنوات , رغم اننا لا نعرف اسمه وتفاصيل حياته, فبعض المصادر تذكر , ان اسمه دجين بن ثابت الفزاري من الكوفة , والذي عاش في القرن السابع , وتتحدث مصادر اخرى , انه شخص آخر ولد وعاش وتوفي في تركيا حيث يوجد قبره , رغم اننا نقرأ على هذا القبر , انه فارغ , وان خوجة نصر الدين نفسه هو الذي بناه ليوهم الجميع انه توفي , وذلك كي يسافر متجولا في بلدان العالم , وفي ختام هذه الكتابة نقرأ , ان مناقشة ذلك الان دون فائدة , وانه يمكن ان نتوقع كل شئ من خوجة نصر الدين (وبالمناسبة , يوجد فلم سينمائي سوفيتي بعنوان – ( 12 قبرا لخوجه نصر الدين ) وهو فلم كوميدي تم انتاجه عام 1966 في طاجكستان السوفيتية , ويتحدث عن عودته على حماره الى عاصمة طاجكستان في القرن العشرين )  .
 لقد  اقاموا له  في تركيا عدة تماثيل , ومنها التمثال الذي يجسّده وهو يمتطي حماره , ولكن بعكس الشكل المفروض , اي ان وجهه الى الخلف وليس الى الامام كما يمتطون الجياد او الحمير عادة , وهي واحدة من حكاياته ومقالبه الشهيرة, ويوجد له ايضا تمثال آخر في مدينة بخارى باوزبكستان وهو يمتطي حماره , ولكن بصورة طبيعية , وليس بالعكس كما في التمثال التركي ,  اما تمثاله في موسكو , والذي نود ان نتوقف عنده هنا حسب عنوان مقالتنا , فقد تم افتتاحه عام 2006 بمبادرة وتنفيذ مؤسسة اسمها – (حوار الثقافات – عالم موحّد) , وهي منظمة توجد في اكثر من خمسين بلدا , وترعاها اليونسكو وجهات رسمية في نفس تلك البلدان , وفي روسيا ترعاها وتساندها وزارات الثقافة والتعليم والخارجية . التمثال الذي اقامته هذه المنظمة لجحا  مع حماره ايضا ( حمار جحا جزء لا يتجزأ من تراثه ), الا ان الفرق هنا بين هذا التمثال , وتماثيل تركيا واوزبكستان يكمن , في ان جحا يسير على قدميه , ويحمل بيده اليمنى كتابا كبيرا , ويسحب بيده اليسرى رشمة حماره , الذي يسير خلفه, والكتاب طبعا رمز المعرفة , ويرتدي جحا في هذا التمثال الرداء الشرقي ويضع عمامة صغيرة على الرأس , اما حماره , فهو في غاية الرشاقة  ويثير تعاطف الجميع واعجابهم, خصوصا وانه يذكّر بافلام الكارتون , وليس عبثا انه اصبح محبوبا جدا من قبل الصغار  , ومن الواضح للمشاهدين رأسا تلامع اذنيه ومكان الجلوس على ظهر هذا الحمار الرشيق , وذلك من كثرة جلوس المشاهدين عليه , اما التماع اذنيه , فيعزى الى ان الجميع يمسكون اذنيه , حيث اصبح ذلك رمزا  للفأل الحسن , كما اصبح تمثال كلب في احدى محطات المترو  بموسكو , لدرجة , ان هذا الكلب اصبح حتى مكانا لزيارة السواح الاجانب , هذا وقد سأل أحد المشاهدين لتمثال جحا فتاة امامه مسكت باذني الحمار عن سبب ذلك , فأجابت الفتاة ضاحكة , لانها تريد ان تصبح مثل جحا مرحة ومحبوبة وحكيمة .. علما ان النحّات الروسي أرلوف , الذي قام بنحت التمثال قد صرّح في يوم افتتاحه , ان هذا البطل الحكيم والمرح قد وصل الان الى موسكو من اعماق القرون السحيقة , كي يذّكرنا مرة اخرى , ان الكلمات المضحكة والحكيمية يمكن ان تساعد الانسان في اكثر المواقف صعوبة . وبالمناسبة , فان هناك اكثر من ألف حكاية وقصة لجحا مترجمة الى الروسية , وقد كتب مرة احد القراء الروس تعليقا يقول , انه يتذّكر دائما احدى هذه الحكايات وغالبا ما يرويها لاصدقائه والمحيطين به , وملخص هذه الحكاية , ان جحا وابنه كانا يركبان على الحمار معا , فقال له الناس , ان ذلك ظلم للحمار المسكين , فنزل جحا وترك ابنه على الحمار , فقال له الناس , ان ابنه عاق يركب الحمار ويجعل والده يمشي , فنزل الابن وركب جحا , فقال له الناس , يا له من أب قاس , يركب الحمار ويترك ابنه يمشي , فنزل جحا وأخذ يسير مع ابنه جنب الحمار , فقال الناس , ياللغباء , عندهما حمار ولا يستخدماه ويسيران جنبه . ويختتم هذا القارئ الروسي تعليقه قائلا , انه لم يجد طوال حياته ابدا حكاية حكيمة وحقيقية وواقعية ومرحة مثل هذه القصة .
تحية لمؤسسة -  (حوار الثقافات – عالم موحّد) الروسية , التي قامت بنصب تمثال جميل ورشيق وغير اعتيادي بتاتا في قلب موسكو , وتحية لهذا البطل الاسطوري الشرقي , الذي وصل الى موسكو مشيا على الاقدام , كي يقول للروس , ان الكلمة المرحة الحكيمة ضرورية و مهمّة للانسان وحياته ......




247
 
غوغول بين روسيا واوكرانيا
أ.د. ضياء نافع
لم يكن هذا الموضوع مطروحا في مسيرة الادب الروسي , ولم يتحدث أحد عنه بتاتا آنذاك  في الستينيات فصاعدا في الاتحاد السوفيتي او خارجه  , لكن بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 , ظهرت وبرزت مواضيع جديدة وغريبة جدا ترتبط بمسيرة روسيا في مختلف المجالات , بما فيها طبعا في تاريخ الادب الروسي ايضا , و لم تكن هذه المواضيع متوقعة ابدا , ومنها هذا الموضوع عن الكاتب الكبير غوغول , الذي نتوقف عنده  في مقالتنا هذه , اذ يتناول الباحثون هذا الموضوع في السنوات الاخيرة , ويحالوا ان يحددوا , هل ان غوغول كاتب روسي ام كاتب اوكراني , وكل يدلو بدلوه كما يقولون , وما أغرب هذا الكلام وهذا الخيار بالنسبة لمؤلف تلك النتاجات الادبية الروسية العملاقة مثل قصص المعطف والانف وغيرها , او مسرحية المفتش ( التي يسمونها المفتش العام ) او رواية الارواح الميّتة ( التي يسمونها الانفس الميتة) , تلك النتاجات التي يعرفها العالم باكمله , وهي طبعا جزء لا يتجزأ من الادب الروسي  .
ظهر غوغول كما هو معروف في العقد الثاني من القرن التاسع عشر في الامبراطورية الروسية , وساهم جنبا لجنب مع بوشكين وادباء تلك الحقبة في مسيرة الادب الروسي وتوسيعها وتعميقها , واصبح – في الثلث الاول من ذلك القرن - اسما كبيرا ولامعا وعالميا في هذا الادب , رغم انه ( اي غوغول ) ولد في اوكرانيا من اب وام اوكرانيين , وان لغته الام كانت اللغة الاوكرانية طبعا ( وهي لغة شقيقة للغة الروسية ,  اذ انهما لغات سلافية , الا انها – مع ذلك - لغة اخرى ) , اي ان غوغول اوكراني اصيل , او ( ابّا عن جد ) كما نقول بلهجتنا العراقية الجميلة, ولكن اوكرانيا آنذاك كانت جزءا لا يتجزأ من الامبراطورية الروسية  ( واللغة الرسمية والسائدة في تلك الامبراطورية الواسعة هي اللغة الروسية ), ولم تكن اوكرانيا يوما من الايام  دولة مستقلة عنها , وكانت تسمى بكلمة روسية واحدة هي - ( مالو راسّيا ) , اي روسيا الصغرى , وهي جزء حيوي جدا من تلك الامبراطورية بكل معنى الكلمة , بل ان الدولة الروسية نفسها , في بدايتها في القرن العاشر , تأسست باسم يرتبط بمدينة كييف الاوكرانية , اذ كانت تلك الدولة نفسها تسمى – ( كييفسكايا  رووس ) , و  لم تستقر الترجمة العربية لهذه التسمية  لحد الان , فالترجمة الحرفية لها هي – ( روسيا الكييفيّة ) , واجتهادات المترجمين العرب كثيرة حول تلك التسمية, وليس ذلك موضوعنا الان.
 عندما وصلنا الى موسكو في بداية ستينيات القرن العشرين, وعشنا مع الطلبة الروس في الاقسام الداخلية للطلبة في الجامعات السوفيتية, لم نكن نميّز بين الروس والاوكرانيين بتاتا, اذ كانوا جميعا – بنين وبنات - بالنسبة لنا طلبة روس من حيث (الشكل والمضمون)  ان صح التعبير , فكلهم يتكلمون بلغة واحدة هي الروسية, واشكالهم وعاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم واعيادهم ...الخ واحدة تماما , وحتى الاسماء نفسها , فذاك ايفان ( ودلعه فانيا ) وتلك نتاليا ( ودلعها نتاشا ), و لم نكن آنذاك نعرف - ونحن نعيش بينهم ونتقاسم معهم كل شئ - من هو الروسي منهم ومن هو الاوكراني . كنّا طبعا نميّز بينهم القوقازيين مثلا , من اذربيجانين او جورجيين او أرمن , اذ كانت اشكالهم وتصرفاتهم تختلف عن الروس , والاسماء ايضا تختلف طبعا , وبالتدريج , وبمرور الوقت فهمنا , ان لاريسا من اوكرانيا وساشا من روسيا , الا اننا شعرنا انهم شعب واحد تقريبا, وانهم يتميزون , كما يتميّز ( المصلاوي ) عن ( البصراوي ) كما كنّا نتحدّث بيننا ونحن نضحك ونلهو  . وقد تذكرت كل هذا وانا اقرأ ما كتبه أحد الباحثين الروس عن غوغول , اذ كتب يقول , ان الكاتب الروسي العظيم غوغول , هو الابن العظيم للشعب الاوكراني , وان هذا ( العبث ) كما أسماه , في اننا يجب ان نحدد الان هل هو كاتب روسي او اوكراني  يجسّد ذلك الانفصال التراجيدي الاليم , الذي حدث بين الشعبين الروسي والاوكراني عام 1991 , وهو انفصال غير طبيعي بالمرّة , اذ لا يمكن ان يكون انفصال بين الكاتب غوغول والانسان غوغول .
 ان انفصال روسيا واوكرانيا عن بعضهما بعد كل هذه المسيرة التاريخية المشتركة الطويلة منذ القرن العاشر ولحد الان  يعني , كما يقول باحث روسي آخر , اننا يجب ان نفصل بين بوشكين وغوغول , ويستمر بالقول , ان تمثال بوشكين وتمثال غوغول يقفان معا وجنبا الى جنب ابدا في النصب الذي أقامه القيصر الروسي الكساندر الثاني وافتتحه في مدينة نوفغورود بمناسبة الذكرى الالفية لتأسيس الدولة الروسية , و الذي يقف شامخا منذ القرن التاسع عشر و لحد الان , ويختتم هذا الباحث كلامه قائلا , لا يمكن ان نهدم هذا النصب الخالد في تاريخ روسيا .
غوغول الاوكراني وابداعه الروسي هو رمز للتقارب الروحي والتعايش الفكري المتبادل بين روسيا واوكرانيا , رمز التلاحم  بين الثقافتين الشقيقتين , رمز لظاهرة خالدة وارتباط عضوي لا ينفصم , ولا يمكن له ان ينفصم ....



248
   
هل اختفت تتيانا بوشكين ومفاهيمها ؟
أ.د. ضياء نافع
تتيانا لارينا هي بطلة رواية بوشكين الشعرية – ( يفغيني اونيغين) , التي أحبت بطل تلك الرواية يفغيني اونيغين وكتبت له رسالة  رقيقة وصريحة ومباشرة  تعبّر فيها عن حبها له, وتبتدأ تلك الرسالة هكذا –
  أنا التي أكتب اليك , فماذا أكثر,                                                                                                             
      وماذا أقدر ان أقول أكثر ...                                                                                                                   
ولكن يفغيني اونيغين رفض الاستجابة لحبها آنذاك , ثم عاد بعد سنوات طويلة جدا يطلب حبها , فقالت له (ايضا بصراحة وبشكل مباشر) انها لاتزال تحبه , ولكنها ترفض الان الاستجابه له .
شخصية تتيانا لارينا أثارت ولا تزال تثير الجدال والنقاش بين نقاد الادب الروسي والباحثين في  تفصيلات تاريخه الصغيرة والكبيرة على السواء , هؤلاء الذين يدرسون نتاجات الادب الروسي , كي يحددوا سمات الشخصية الروسية وخصائصها في الواقع الحياتي, لانهم يعتبرون الادب هو التعبير الحي والتصوير المتكامل للحياة كما هي , وهم على حق طبعا بشأن ذلك , اذ حتى عندما نتأمل و نحلل بدقّة وعمق اللوحات السريالية ( بالمعنى العام للكلمة ) في الفن التشكيلي نجد ان تلك اللوحات (غير المفهومة للوهلة الاولى)  هي تعبير حي فعلا لواقع الانسان في ذلك المجتمع الذي رسم فيه الفنان التشكيلي لوحاته تلك ( لنتذكر الغورنيكا لبيكاسو مثلا ) , وذلك لان الفنون في كافة اجناسها واشكالها هي انعكاس للمجتمع الانساني مهما كانت انواعها.
كثيرون من النقاد و الادباء الروس كتبوا عن بطلة بوشكين - تتيانا لارينا , ومن هؤلاء النقاد يستشهدون عادة  باسماء بيلينسكي وبيساريف من القرن التاسع عشر و افسيانكو – كوليكوفسكي ( 1853 – 1920) من النقاد الذين ظهروا بعدهم  , و من الادباء باسم دستويفسكي , ونحاول ان نتوقف عند جوهر افكارهم العامة حول هذه البطلة , وموقفهم تجاهها .  لقد كان بيلينسكي مناصرا  لتتيانا لارينا وبحماس وكذلك افسيانكو – كوليكوفسكي , اما بيساريف فكان مضادا لها كليّا , وكان دستويفسكي يمجّدها , مثلما كان يمجّد بوشكين بشكل عام , ونحاول في نهاية المقالة توضيح الاجابة – بشكل او بآخر - حول السؤال الذي ثبتناه في عنوان مقالتنا , وهو – هل اختفت فلسفة تتيانا لارينا ومفاهيمها و روحيتها , ام هي موجودة لحد الان في روسيا ؟.
كتب بيلينسكي عن بوشكين كثيرا من المقالات المهمة , والتي لازالت تمتلك اهميتها من اجل فهم بوشكين ومكانته في مسيرة الادب الروسي , وقد توقف طبعا عند تتيانا لارينا بطلة روايه بوشكين المركزية – يفغيني اونيغين . تتيانا لارينا كما يراها بيلينسكي – ( ...استثنائية .. عميقة ..عاشقة ..الحب بالنسبة لها يمكن ان يكون متعة عظمى او معاناة عظمى , ولاشئ وسط .. ) رغم ان بيلينسكي يرى انها اصبحت ربّة عائلة هادئة , بعد ان ارتضت بتضحيتها لحبها , ويدافع كوليكوفسكي عنها ايضا في كتاباته بعد أكثر من نصف قرن من بيلينسكي , ويعتبرها ( أقوى روحيا من اونيغين ) , ويقارنها بسلسلة بطلات ظهرن في مسيرة الادب الروسي مثل بطلات تورغينيف وتولستوي , ولكنهن جميعا ( لم يجعلننا  ننسى تتيانا بوشكين ) , ويؤكد انها ( ستبقى  في أدبنا الى الابد ) .
اما بيساريف , فقد كان يرى انها – ( قروية حمقاء ) , وكتب يقول , انها تمتلك ( تصوّرات مريضة ) , ولهذا , ونتيجة لتلك التصوّرات , كانت تختلق احاسيس ومتطلبات وواجبات مفتعلة , وتصل الى تخطيط برامج لا تتناسق مع الواقع , وتحاول ان تحققها بعناد غريب . وبشكل عام , فان بيساريف صوّرها وكأنها امرأة مريضة , وكان ضدها تماما . بيساريف كان يعتبر بوشكين قد اصبح يمثّل مرحلة انتهت , ولا مجال هنا للحديث عن علاقة بيساريف ببوشكين , الا ان موقف هذا الناقد لم يؤثر على موقع بوشكين واهميته في دنيا الادب الروسي , ولم تتغيّر مكانة تتيانا لارينا نتيجة ذلك لدى القراء الروس ابدا .
اما دستويفسكي , فقد قال عن تتيانا لارينا, انها شخصية قوية , وتقف على تربتها بثبات وصلابة , وانها أعمق من يفغيني اونيغين وأذكى منه , ولهذا , فانها تعرف بدقة اين الحقيقة , وتقدر ان تحددها . ويرى دستويفسكي , ان بوشكين كان يجب ان يسمي روايته تتيانا لارينا وليس يفغيني اونيغين . لانها البطل الحقيقي الاول في تلك الرواية الشعرية .
هناك طبعا آراء اخرى حولها , منها مثلا , رأي نابوكوف , الذي يرى , ان ثورة اكتوبر 1917 قد غيّرت تلك المفاهيم , وان تتيانا لم تعد تلك البطلة النموذجية , ولا مجال لعرض تفصيلي لآراء نابوكوف , الذي ( يسيّس) الموضوع انطلاقا من موقفه السياسي طبعا , وهي نظرة نعرفها – نحن العراقيين – نتيجة تجربتنا الحياتية المريرة , وكم يوجد لدينا من هؤلاء الذين ( يسيّسون !) كل شئ.
ختاما , اود ان أشير , الى اني شخصيا رأيت كيف يتقبّل الروس هذه البطلة , وكيف ان تلاميذ المدارس الثانوية ( وخصوصا التلميذات ) يحفظون عن ظهر قلب رسالة تتيانا لارينا الى يفغيني اونيغين , وكيف يتنافسون لالقائها امام الآخرين عندما يطلبون منهم ذلك , وشاهدت كيف كان الطلبة (يتدافعون!) لاقتناء بطاقات لمشاهدة الفلم الذي يعرض الاوبرا حسب رواية بوشكين تلك , واعرف ايضا , ان تتيانا لارينا قد تحولت الى موضوع دائم لمادة ( الانشاء ) في المدارس الروسية.
تتيانا لارينا وفلسفتها لازالت موجودة في روسيا , ولازالت تتيانا تتمشى في شوارعها , ولازالت تثير التعاطف والحب ,  لان بوشكين لازال حيّا في روح روسيا و شعابها...

249
تصفيق لمؤرشف الادب الروسي في العراق
أ.د. ضياء نافع
المؤرشفون لا يولدون رأسا . ولادة المؤرشفين أكثر تعقيدا من ولادة الانسان , فالمؤرشف لا ينتظر تسعة أشهر في بطن امه كما الانسان , ولكنه ينتظر سنوات طويلة جدا في بطون الكتب والمصادر الصغيرة والكبيرة ويتعايش معها في السراء والضراء , لانه ( وقع في عشقها ), كما وقع قيس بحب ليلى , واحترقت يداه ( وما شعر ) حسب ما ذكر لنا احمد شوقي , الذي رأى هذه الحادثة بنفسه , عندما كان يراقبهما سرّا, ورواها لنا بعدئذ , وفضحهما , وجاء محمد عبد الوهاب وزاد الطين بلّة .
لقد التقيت مرّة في سبعينيات القرن الماضي بواحد من هؤلاء المؤرشفين ( من مدرسة قيس !) في البصرة , اثناء مهرجان المربد , ومن المؤكد ان القراء يعرفونه . انه عبد الرزاق الحسني صاحب تاريخ الوزارات العراقية . كنّا في صالة الفندق ننتظر الباص للذهاب الى جلسات المهرجان, وكان هناك ركن خاص يبيعون فيه الكتب , فتوجه الحسني الى هذا المكان بلهفة , واشترى كتابا , ورجع فرحا الى مكانه , وأخرج قلم الرصاص من جيبه , وبدأ يقرأ ويؤشّر في الكتاب , وقد أثار ذلك اهتمامي ( ولا اريد ان اقول فضولي طبعا ) , فاقتربت منه لارى عنوان هذا الكتاب الذي استحوذ على اهتمام المؤرشف الكبير , فاذا به أحد كتبه هو , فاقتربت منه وعبرّت عن استغرابي  مما رأيت , فقال لي بثقة , انه لم يراجع هذا الجزء من سلسلة كتبه مراجعة دقيقة وكما يجب , وانه فرح لانه وجده هنا , ويريد ان يستغل دقائق الانتظار هذه لمراجعة بعض صفحات هذا الجزء .
تذكرت اخبار قيس وكيف احترقت يداه وما شعر , وتذكرت كيف فرح الحسني عندما وجد كتابا من تأليفه واشتراه بلهفة , أقول , تذكرت كل ذلك عندما كنت اطالع ما نشره الدكتور منذر ملا كاظم ( الاستاذ المساعد في قسم اللغة الروسية بكليّة اللغات في جامعة بغداد) حول غوغول قبل أيام قليلة . لقد نشر د. منذر هذه المادة في الفيسبوك فقط , ولم ينشرها في اي مجلة او جريدة ورقية او الكترونية ( وما اكثرها  في هذا الزمان ) , والنشر في الفيسبوك ( او صفحات التواصل الالكترني هذه ) يختفي بعد دقائق او ساعات ليس الا , وذلك لان د. منذر ملا كاظم نسّق واعدّ صورة ممتازة ورائعة ومتنوعة حول مادته تلك يتصدرها غوغول نفسه على اليسار , وجنبه كل تلك المصادر العربية , التي ذكرها حوله , وهي مصادر ومراجع نادرة جدا, ولم يعثر عليها - وبهذه السعة والشمولية - حتى المتخصصون في الادب الروسي من الباحثين العرب , بل حتى لا يحلمون بايجادها والاطلاع عليها , ولا اريد ان اقول ان البعض  منهم لا يعرف اصلا بوجودها.
لم أتذكر فقط قصص قيس والحسني , بل تذكرت طالبنا الهادئ والذكي منذر , عندما كان طالبا عندنا في قسم اللغة الروسية آنذاك , وكيف كان من بين أبرز الطلبة المتميّزين , لكنه لم يحاول , كما حاول معظم هؤلاء , الحصول على درجات التميّز باي وسيلة , كي يكون في الصدارة , وتذكرت عندما كتب منذر باشرافي اطروحة الماجستير عن غوغول , وكيف انه حصل على كل مصادره بنفسه , وتذكرت , كيف اني ( اكتشفت !!) موهبته بجمع المصادر , بما فيها رواية المرحومة حياة شرارة – ( اذا الايام أغسقت ) , وكيف انه جلبها لي للاطلاع عليها , عندما كانت هذه الرواية من أكبر الممنوعات , وكم كنت ممتنا له على هذا العمل الشجاع والجرئ في ذلك الوقت الصعب والرهيب  الذي كنّا نعيشه, وتذكرت , ان صديقي كامران قره داغي أعلمني قبل فترة في رسالة من لندن حيث يقيم , ان د. منذر اتصل به من بغداد ( دون معرفة سابقة ) وأخبره , انه يمكن له ان يرسل اليه كتبه المفقودة عن الادب الروسي , التي صدرت في بغداد في حينها , و هذا الشئ لكامران يعتبر لقطة رائعة , والتي لم يكن حتى ان يحلم بها , وتذكرت طبعا , ان جامعة فارونش , التي حصل فيها د. منذر على شهادة الدكتوراه  قد أصدرت له كتابا بالروسية عن غوغول في المشرق العربي , وهو طالب الدكتوراه العراقي الوحيد , الذي حقق هذا النجاح الباهر , والذي لم يتبجح د. منذر بشأنه او يتباهى , لانه لا يعرف هذه المظاهر اصلا , ويمكن لي ان أتصور ماذا كان سيفعل الآخرون لو حققوا مثل هذه النجاح الكبير , وكم اتمنى ان أحصل على نسخة من هذا الكتاب كي اطالعه واكتب عنه للقراء العرب , لانه يستحق ذلك فعلا .
هناك الكثير من النقاط الرائعة الاخرى حول هذا المؤرشف الموهوب للادب الروسي في العراق , ولا مجال حتى للاشارة اليها في مقالتنا هذه , ولكني أود ان اختتم حديثي عنه بما قاله لي المترجم العراقي الكبيرعن الروسية  د. تحسين رزاق عزيز حوله . لقد استطاع د. منذر ان يحصل على مسودات المرحوم  محمد يونس الخاصة باطروحته عن تولستوي , التي ناقشها في جامعة موسكو آنذاك , وهي مسودات مكتوبة بخط رشيق (تميّز به المرحوم محمد ) حول تلك المصادر الخاصة بتولستوي , فما أعظم هذه الثروة .
اعلن هنا وبكل فخر ميلاد مؤرشف الادب الروسي في العراق الدكتور منذر ملا كاظم , واشارك مع الجميع بالتصفيق الحاد له , وانتظر  تألّقه اللاحق في هذا المجال الجديد في الساحة الثقافية العراقية , واحلم ان  أرى يوما كتابا ضخما من تأليفه بعنوان – فهرس الادب الروسي  في العراق ( على غرار كتاب المرحوم د. عبد الآله أحمد عن فهرس القصة في العراق) كي نباهي به الامم ... 


250
المنبر الحر / تسفيتايفا مترجمة
« في: 17:55 06/04/2020  »
تسفيتايفا مترجمة
أ.د. ضياء نافع
لم نسمع باسمها عندما كنّا طلبة في بداية الستينيات  بجامعة  موسكو , الا ان الطلبة الروس حولنا كانوا يتهامسون حولها , خصوصا عندما بدأ ايليا ايرنبورغ  بنشر مذكراته (الناس . السنوات .الحياة) في مجلة (نوفي مير / العالم الجديد ) , حيث أشار هناك الى اسماء عدد من الادباء الروس , الذين كانوا  ممنوعين من التداول العلني آنذاك , ومنهم تسفيتايفا , وعندما سمعنا باسمها , اعتقدنا , انها شاعرة مضادة للاتحاد السوفيتي وبنيته وآيدولوجيته , مثل كل مهاجر روسي الى الغرب بعد ثورة اكتوبر1917 , وكانت هذه الآراء متبلورة وجاهزة عندنا دون ان نقرأ حتى سطرا واحدا من شعرها .
عندما انتقلت الى جامعة باريس في النصف الثاني من الستينيات , اصطدمت ( نعم اصطدمت ) بواقع آخر يختلف تماما , اذ وجدت , ان جميع الاوساط الروسية هناك يعرفون شعرها , ويتحدثون عن انتحارها التراجيدي بعد سنتين من عودتها الى وطنها روسيا ( عادت عام 1939 وانتحرت عام 1941 ) وكان عمرها 49 سنة ليس الا . وقرأت قصائدها طبعا في باريس, ولم أجد ايّ أثرهناك لذلك التصوّر الساذج الذي كان لدينا ايام الدراسة في موسكو, بل اكتشفت عالما في غاية الروعة والجمال من الشعر الروسي , ولهذا , حرصت – أشدّ الحرص - على تعريف شعرها وحياتها لطلبتي  في جامعة بغداد لاحقا , وقد ذكّرني أحد طلبتي السابقين , عندما التقيته صدفة في موسكو مرّة قبل فترة قصيرة , انه لايزال يحفظ عن ظهر قلب قصيدتها الشهيرة – (يعجبني انك لست مريضا بي) , والتي كانت ضمن منهجنا الدراسي في الصف الثالث بقسم اللغة الروسية لمادة الشعر الروسي , وألقاها هذا الطالب امامي كي يثبت لي انه لازال يحفظ عن ظهر قلب تلك القصيدة  وهو يبتسم , وابتسمت أنا ايضا , وقلت له , ان القصيدة هذه قد تحولت الان الى اغنية روسية شهيرة جدا .
الحديث عن تسفيتايفا ( ذو شجون ) كما يقولون , لكني اريد ان اتوقف في هذه المقالة عند مجموعة مدهشة الجمال من القصائد , التي ترجمتها تسفيتايفا الى الروسيّة , والتي اطّلعت عليها قبل فترة قصيرة ليس الا , قصائد مختارة بعناية ورشاقة من الشعر الالماني والانكليزي والفرنسي والاسباني والبولوني  والجورجي والبلغاري وغيرها , وهي قصائد تستحق القراءة و التأمل فعلا , اولا , لأن شاعرة رائعة مثل  تسفيتايفا هي التي اختارتها , وهذا يعني انها كانت معجبة بها طبعا , و ثانيا ,لان شاعرة عظيمة بمستوى تسفيتايفا هي التي ترجمتها الى الروسية وصاغتها, فما أروع ذلك وما أجمله.
 و نبدأ الحديث قليلا عن مترجمة الشعر الاجنبي الى الروسية , الشاعرة مارينا تسفيتايفا , ونحاول ان نعطي نموذجا من تلك الترجمات .
ترجمت تسفيتايفا من الشعر النمساوي , ومنها قصيدة بعنوان – من قال لكم , ان كل شئ سيختفي , ومن الشعر الانكليزي , ومنها اغنية ستيفانو من المشهد الثاني لمسرحية شكسبير العاصفة , وترجمت من الشعر الالماني , ومنها اغنية شعبية بعنوان – اليوم الابيض لي أكثر سوادا من الليل , ومن الشعر الفرنسي , ومنها اغنية شعبية بعنوان – وأنا اقبّل حبيبتي , اقتطفت وردة , ومن الشعر الاسباني ترجمت تسفيتايفا  مجموعة مختارة من قصائد غارسيا لوركا , واقدم للقراء – ختاما - مقطعا من قصيدة  لوركا بترجمة تسفيتايفا, والقصيدة بعنوان – القيثارة .
القيثارة
=====
..........
يبدأ
  بكاء القيثارة .
آه , لا تنتظر منها
الصمت ,
لا تطلب منها
الصمت.
القيثارة تبكي
كما المياه تبكي
في المنحنيات,
كما الرياح  تبكي
فوق الثلوج,
......
كما الغروب يبكي
وهو يودّع الفجر,
كما الطير يبكي
وهو يودّع الحياة
تحت تهديد
لدغات
 الحيّات...
....
.....
تحية حب وتقدير للشاعرة مارينا تسفيتايفا وتصفيق حاد لها, وتحية حب وتقدير للمترجمة  مارينا تسفيتايفا وتصفيق حاد لها....

251
المنبر الحر / فيريسايف
« في: 21:49 03/04/2020  »
فيريسايف
أ.د. ضياء نافع
فيريسايف قبل كل شئ اديب وطبيب في آن واحد . ولد في روسيا الامبراطورية عام 1867 , وعاصر كل احداثها الكبيرة مثل الحرب الروسية – اليابانية (وشارك فيها كطبيب عسكري و لديه رواية قصيرة بعنوان – في الحرب اليابانية ) والحرب العالمية الاولى ( شارك فيها كطبيب عسكري ايضا ) , وتوفي في روسيا السوفيتية عام 1945 , اذ انه رفض الهجرة من روسيا كما فعل معظم المثقفين الروس بعد ثورة اكتوبر 1917 , و لهذا , فانه عاصر ايضا كل احداث روسيا السوفيتية مثل ثورة اكتوبر والحرب العالمية الثانية ونهايتها , اذ انه توفي في حزيران 1945 , اي بعد شهر من الانتصار على الهتلرية, وفي كل مسيرته الطويلة هذه كان طبيبا واديبا معا , وفي هذه الثنائية الغريبة ( ان صح التعبير ) تكمن احدى صفات التميّز لدى فيريسايف , اذ ان تشيخوف مثلا كان ايضا طبيبا واديبا معا , الا انه تفرّغ للادب وترك الطب واقعيا , اما فيريسايف فقد مارس عمله في كلا المجالين معا , ومن الطريف ان نشير هنا , ان فيريسايف ( وهو ابن طبيب بارز في حينه بمدينة تولا الروسية ومؤسس مستشفى فيها) التحق في الجامعة لدراسة الادب اولا, وبعد ان انهى دراسته تلك , عاد و التحق في الجامعة من جديد لدراسة الطب , وانهى ايضا دراسته هناك , وهكذا اصبح فيريسايف يمتلك اختصاصين - الادب والطب , و بقي هكذا طوال حياته متنقلا بينهما , وموحّدا لهما ايضا , وتوجد الان مستشفى بموسكو تسمى مستشفى فيريسايف , ويوجد تمثال للكاتب فيريسايف في مدينته تولا , تم افتتاحه عام 1958 .
لن نتوقف في مقالتنا هذه عند مهنة الطب طبعا , بل نريد فقط ان نتحدث بايجاز عن فيريسايف الاديب , كي نرسم صورة قلمية له للقارئ العربي , الذي يعرف عنه القليل جدا ليس الا. قبل كل شئ يجب القول , ان فيريسايف الاديب متعدد المواهب جدا, فهو قاص وروائي وكاتب مسرحي ومترجم وناقد ادبي وباحث وكاتب مذكرات وكاتب مؤلفات وثائقية ( وهي كتب تعتمد ترتيب الوثائق فقط وصولا الى رسم صورة قلمية متكاملة لشخصية شهيرة – ما), و في كل نشاطاته الادبية والفكرية الواسعة والمتنوعة هذه كان واقعيا وموضوعيا ويستند في كتاباته و بحوثه ودراساته دائما الى مصادر دقيقة واصيلة لا تقبل الشك , وكل هذا طبعا هو تأثير مباشر لمهنة الطب, اذ لا يمكن للطبيب الا ان يكون واقعيا في نظرته الى كل شئ حوله , فالطبيب يفحص اولا ثم يشخّص المرض ثم يحدد العلاج , وهذا ما فعله فيريسايف واقعيا في ادبه الابداعي .
  لنستعرض قليلا نشاطات فيريسايف الابداعية . فقد كان ينشر ومنذ عام 1887 قصصا قصيرة , وآخر نتاجاته في هذا المجال صدر عام 1945 بعنوان – قصص غير مختلقة عن الماضي , ولديه حوالي عشر روايات قصيرة , اما مساهماته في الكتابة المسرحية , فقد نشر مسرحيتين , واحدة منها بالاشتراك مع الكاتب الشهير بولغاكوف بعنوان – الايام الاخيرة , وقد صدرت عام 1935 , وهو مترجم للشعر  الاغريقي القديم , وقد زار اليونان من اجل هذا , و أصدر ديوانا خاصا يحتوي على ترجماته من الشعر الاغريقي القديم وحاز عام 1919 على جائزة بوشكين على هذا الديوان , ولازالت ترجمات فيريسايف الشعرية تطبع , ويعاد طبعها في روسيا لحد الان,
 وتوجد لديه مجموعة من كتب المذكرات , منها – ( مذكرات طبيب ) والتي أثارت ردود فعل كبيرة عندما نشرها , اذ انها تعدّ صورة فنية وسيكولوجية عميقة لفلسفة مهنة الطبيب , و ( في سنوات الشباب ), و ( السنوات الطلابية ), و( مذكرات أدبية ) , اما في مجال النقد الادبي , فيوجد عنده كتاب صادر عام 1910 عن دستويفسكي وتولستوي , وتوجد لديه ثلاثة كتب ضخمة يصنّفها النقاد تحت تسمية – وثائقيات , وتعتمد – كما ذكرنا أعلاه – على ترتيب الوثائق فقط وربطها مع بعض حسب تسلسلها الزمني, وهذا الاسلوب بالكتابة يحتاج الى معرفة معمقة جدا بالموضوع , ولأن فيريسايف كتب عن اديبين كبيرين في تاريخ الادب الروسي , فان هذه الكتب تعتبر الان كتابات في النقد الادبي , واصبحت هذه الكتب مصادر اساسية لكل من يريد ان يكتب عن هذين الاديبين , والكتب هذه هي – بوشكين في الحياة ( 1925 – 1926 ) , غوغول في الحياة ( 1933) , ورفاق بوشكين ( 1937 ) . لقد نشرت مقالة خاصة حول كتاب فيريسايف عن غوغول في الحياة بعنوان –  غوغول بقلم فيريسايف, واخطط لاحقا لكتابة مقالة حول فيريسايف وبوشكين , اذ ان الكتابين عن بوشكين تستحقان التأمل , وتستحقان تقديمهما للقارئ العربي بلا شك .
الكاتب الروسي فيريسايف ينتظر المترجمين العرب والباحثين العرب ....

 

252
شئ عن جامعة الصداقة في موسكو
أ.د. ضياء نافع
  كنّا في ذلك الحين طلبة في جامعة موسكو , عندما تم الاعلان في الاتحاد السوفيتي عام 1960 عن تأسيس جامعة جديدة في موسكو تسمى جامعة الصداقة بين الشعوب , وفهمنا, ان هذه الجامعة كانت خاصة فقط لطلبة بلدان آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية , وانها تهدف الى اعداد كوادرعلمية في مختلف الاختصاصات لتلك البلدان , التي حصلت على استقلالها في الفترة الاخيرة , البلدان التي كانت تسمى ( النامية ) عندئذ, و كلمة النامية هي مفردة مؤدّبة ومحسّنة لكلمة ( المتأخرة ) طبعا , وهي البلدان التي كانت تندرج ضمن ( العالم الثالث ) كما كانوا يسمّوه في ذلك الزمان ( ولا يزال هذا التعبير سائدا لحد الان  مع الاسف)  , وهو تعبيردقيق جدا يعني, ان هذه البلدان بعيدة جدا عن العالمين الاول والثاني ( ولم يخطر ببالنا آنذاك من هي بلدان العالم الاول ومن هي بلدان العالم الثاني!!) , وفهمنا ايضا ,ان الطلبة الذين سيدرسون فيها  يجب ان يكونوا من انصار ومؤيدي تلك الاحزاب السياسية التي تقف ضد سياسة الغرب وتؤيد اقامة و توسيع العلاقات المختلفة مع الاتحاد السوفيتي والمعسكر الاشتراكي في بلدانهم بشكل او بآخر . وعلمنا ايضا , ان القبول في هذه الجامعة يتم عن طريق المنظمات الاجتماعية مثل النقابات والاتحادات ...الخ وليس عن طريق الاتفاقات الدولية العامة كما كان يجري تنظيم العلاقات الثقافية بين الدول  , وباختصار , فان  جامعة الصداقة بين الشعوب كانت منذ بدايتها ذات طبيعة سياسية واضحة المعالم , وهذا هو الخطأ التاريخي الجسيم , الذي ارتكبته الجهات السوفيتية عند تأسيسها لتلك الجامعة , اذ ان الجامعة , اي جامعة , هي مؤسسة اكاديمية تخضع لضوابط علمية محددة وصارمة فبل كل شئ وليس لضوابط سياسية ابدا , وتلك ضوابط علمية معترف بها في كل بلدان العالم ,ونحن ( شاهدنا !) في العراق , ما الذي فعلته السياسة عندما ( اقتحمت !) الجامعات العراقية وخرّبت الضوابط العلمية وتقاليدها الممتازة , التي كانت سائدة فيها منذ تأسيس كلياتها المتفرقة في النصف الاول من القرن العشرين . ولكن يجب القول الان , ان  انطباعاتي عن الجامعة الروسية هذه اصبحت عتيقة جدا وترتبط بعصر انتهى فعلا , اذ ان جامعة الصداقة بين الشعوب في الوقت الحاضر قد تخلّصت بالتدريج من ذلك الخطأ الجسيم , ومن هذه المفاهيم السياسية الضيقة ( رغم ان هذه العملية المعقدة قد استغرقت فترة طويلة زمنيا) , وهكذا اصبحت هذه الجامعة في زماننا الان واحدة من الجامعات الروسية المرموقة جدا , رغم كل القيل والقال هنا وهناك , و ما اكثر تلك الاقاويل التي سمعناها بعد عودتنا الى العراق , وما أغرب الحكايات التي حاكتها ونشرتها القوى السياسية العراقية االمعادية للاتحاد السوفيتي سياسيا ضد هذه الجامعة المتفردة في بنيتها ونظامها , واروي هنا مثلا واحدا من تلك الثرثرات الغريبة التي سمعتها شخصيا مرة , ومن احد المسؤولين العراقيين والذي كان يسميها جامعة لومومبا , والذي تحدّث وبكل ثقة قائلا , ان هذه الجامعة تبعث طائرة سوفيتية خاصة الى افريقيا , ويقف الطيار في باب تلك الطائرة بالمطار الافريقي ويصيح – موسكو موسكو ( على طريقة سيارات النفرات في علاوي الحلة آنذاك ) , وهكذا يهرع الشباب الافريقي الى الطائرة , وعندما يتم اشغال كل مقاعدها , واستخدم هذا المسؤول كلمة ( تقبط ) , تقلع الطائرة من المطار الافريقي وتعود الى موسكو , حيث تلتحق هذه المجموعة بجامعة لومومبا , وتمنح هذه الجامعة بعد عدة سنوات شهادات عليا للجميع , حسب ما تقتضيه (القنطرات !!) .
لم اكن قريبا من اوساط هذه الجامعة في الستينيات, ولم اتعامل معها في تلك الفترة , ولكني كنت أعرف معلومة شبه علنية تقريبا, مثل كل الطلبة العراقيين في موسكو بشكل عام , و المعلومة هذه تقول , ان الحزب الشيوعي العراقي كان مسؤولا عن قبول الطلبة العراقيين في تلك الجامعة , وقد سمعت مرة من أحد الزملاء الذين أثق جدا بما يقول , ان الحزب الشيوعي العراقي أرسل من العراق المرحوم د. عبد الزهرة العيفاري ليكون طالبا في تلك الجامعة باسم الحزب الشيوعي العراقي, وقد وصل فعلا الى موسكو والتحق بهذه الجامعة , ثم اصبح ايضا مسؤولا عن عملية القبول في تلك الجامعة بالنسبة للعراقيين . والمرحوم العيفاري درس في جامعة الصداقة وتخرج فيها , ثم عاد الى العراق , ثم رجع لاكمال الدراسة العليا في تلك الجامعة , وبعد حصوله على درجة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة ) تم تعينه في نفس كليّته , وهناك استطاع ان يحصل على شهادة دكتوراه علوم ( دوكتور ناووك ) وهي اعلى شهادة علمية في روسيا, واستمر بالتدريس هناك وحاز على درجة بروفيسور . وتوفي في موسكو قبل فترة قصيرة وتم دفنه هناك , وهو واحد من اوائل الطلبة العراقيين , الذين لم يرجعوا الى العراق بعد انهاء دراستهم , والذين قرروا البقاء في الاتحاد السوفيتي والاستقرار فيه والعمل في مؤسساته وضمن ضوابطه الادارية السائدة , ويستحق العيفاري - بلا شك - ان نتوقف أكثر عند مسيرته الطويلة في موسكو , ونروي قصته المتشعبة .
جامعة الصداقة الان تسمى رسميا – الجامعة الروسية للصداقة بين الشعوب , ويدرس فيها مئات الطلبة الروس جنبا لجنب مع الطلبة الاجانب , وتعدّ واحدة من ابرز الجامعات الروسية المعاصرة ...



253
وميداليته في موسكو  تمثال ستوليبين
أ.د. ضياء نافع
من التماثيل الجديدة التي اقيمت في موسكو في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين تمثال لرئيس وزراء روسيا القيصرية ستوليبين , الذي تم تدشينه عام 2012 في مركز موسكو (حيث تقع بناية مجلس الوزراء او البيت الابيض الروسي كما يسميه البعض) , و بحضور الرئيس مدفيديف ( في حينه) ورئيس الوزراء بوتين آنذاك . ستوليبين هو واحد  من الشخصيات السياسية البارزة جدا في الامبراطورية الروسية القيصرية , وقد شغل عدة  مناصب كبيرة في حينه مثل منصب رئيس الوزراء , ووزير الداخلية ...الخ , وتم اغتياله عام 1911 في مدينة كييف الاوكرانية , حيث سافر للمشاركة بافتتاح تمثال للقيصر الكساندر الثاني (القيصر المحرر كما يسمونه لانه ألغى حق القنانة , اي عبودية الفلاحين الروس ) . لقد كان الجميع موجودين ( بما فيهم القيصر نيقولاي الثاني وعائلته ) في قاعة مسرح , وهناك أطلق احدهم اطلاقات نار من مسدسه على ستوليبين , وتوفى متأثرا بجراحه بعد فترة قصيرة في المستشفى , وتقول المصادر الروسية , ان ستوليبين توجه الى  ناحية القيصربعد اصابته وقال انه سعيد بالموت في سبيل القيصر .
اقامت روسيا القيصرية تمثالا ضخما لستوليبين في مدينة كييف بعد اغتياله  , الا ان البلاشفة ازالوا هذا التمثال عندما انتصرت ثورة اكتوبر 1917 , وكان اسم ستوليبين في العهد السوفيتي رمزا للفكر الرجعي المعادي للثورة . واتذكر الان الحوار الذي حدث مرة
    بين مجموعة من العراقيين اليساريين في موسكو بالستينيات حول نوري السعيد العراقي , وكيف قارنوه بشخصية ستوليبين الروسي , اذ ان كلاهما – حسب ذلك الحوار - لعبا دورا كبيرا في مسيرة الاحداث السياسية, وكلاهما حاولا – وبكل قواهما - تثبيت النظام الملكي الذي كان سائدا في بلاديهما , وكلاهما حاولا ايقاف وعرقلة المد الثوري الجماهيري بمختلف الوسائل , ولهذا, فان المتحاورين وصلوا الى استنتاج مفاده , ان مقتل ستوليبين ساعد على انتصار ثورة اكتوبر الروسية عام 1917 , مثل مقتل نوري السعيد , الذي ساعد على انتصار ثورة 14 تموز في العراق .
الامور تغيّرت طبعا بعد انهيار الدولة السوفيتية عام 1991, وحاولت بعض العناصر القومية المتطرفة الروسية ازالة تماثيل الحقبة السوفيتية هنا وهناك, كما حدث بعد ثورة اكتوبر آنذاك , ولكن اغلبية الشعب الروسي كانت ضد تكرار هذه العمليات غير الحضارية في تاريخ الشعوب , وقد كنت شاهدا اثناء زيارة لموسكو في اواسط التسعينيات لنقاش جرى في جامعة موسكو التربوية ( وهي الجهة التي دعتنا واستقبلتنا آنذاك ) بين رئيس الجامعة ومساعده ومجموعة من عمداء كليات تلك الجامعة , وكان من الواضح وجود اختلافات كثيرة وعميقة  بينهم بشأن ما كان يحدث في روسيا من احداث عاصفة , الا انهم كانوا جميعا – رغم اختلافاتهم الشديدة تلك حد التناقض - متفقين تماما على ضرورة ابقاء كل المعالم العمرانية في موسكو وبقية المدن الروسيّة كما هي , لأن هذه المعالم تعكس ( تعبيرا لعصرها وخصائصه الدقيقة بغض النظر عن الافكار السياسية التي كانت سائدة عندها ) , وكانوا يستشهدون بالمدن الاوربية العتيدة وكيف احتفظت بمعالمها رغم الاحداث الهائلة التي جرت هناك , وهو الرأي الذي انتصر فعلا رغم كل الخروقات التي حدثت هنا وهناك , وهكذا نرى الان تماثيل لينين لازالت في مختلف المدن الروسية , ومنها طبعا موسكو, ولا زال جثمانه مسجّى في مرقده الخاص الشهير وسط الساحة الحمراء بموسكو. 
 تغيّر الامور في روسيا الاتحادية قد انعكس ايضا باعادة النظر في بعض الافكار السوفيتية السابقة , وهناك نماذج كثيرة جدا حول ذلك , ومنها مثلا , الموقف تجاه ستوليبين, اذ ان هذه الشخصية السياسية دخلت التاريخ الروسي لانها ترتبط بمقترحات اصلاحية هائلة تقدّم بها ستوليبين في مختلف الامور, وخصوصا بشأن المسألة الفلاحية وتوزيع الارض على الفلاحين, وهي مسألة حسّاسة جدا في مسيرة روسيا , اذ ان المجتمع الروسي فلاحيّ بالاساس . الموقف من ستوليبين ابتدأ في برنامج تلفزيوني حاول ان يحدد اسماء شخصيات روسية بارزة في تاريخها , وقد شارك حوالي نصف مليون مشاهد بالتصويت , وكانت النتيجة تحديد ثلاثة اسماء هي - نيفسكي وستوليبين وستالين   (وجاء بوشكين الرابع) . اما اقامة تمثاله , فقد تم طرح المقترح في مجلس وزراء روسيا الاتحادية , وكان رئيس الوزراء بوتين آنذاك , والذي اقترح جمع تبرعات لاقامة هذا التمثال وافتتاحه في الذكرى ال150 سنة على ميلاده , وتبرع بوتين نفسه براتبه لذلك الشهر , وساهم الكثيرون بحملة التبرع تلك .
ختاما لهذه المقالة , نود ان نشير , الى ان وزير الخارجية الروسي لافروف احتفل في مايس 2020 بالذكرى السبعين لميلاده , وقد جرى تكريمه من قبل الحكومة الروسية بمنحه ميدالية ستوليبين ( صدر الامر باقامتها عام 2008 ) , اي ان الدولة الروسية لم تكتف بتدشين تمثال له , وانما قامت بتأسيس ميدالية تحمل اسمه , ومنح هذه الميدالية الى لافروف تعني , ان الدولة الروسية تقرن اسم ستوليبين بالخدمة الوطنية المتميّزة لروسيا , فما أعظم هذا الاعتراف بهذه الشخصية الكبيرة , وما أعظم هذا الاعتذار امامه ... 
 

254
لاكشين و الادباء الروس الكبار

أ.د. ضياء نافع
   هذه المقالة حول شخص روسي مجهول تماما للقارئ العربي اسمه فلاديمير ياكوفليفتش لاكشين , والذي اريد تقديمه للقارئ العربي , لانه يستحق ذلك فعلا , اذ انه متخصص بارز في تاريح الادب الروسي , بل يمكن القول انه عاشق متحمّس للادباء الروس الكبار ابتداء من بوشكين الى دستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وانتهاء بسولجينيتسن , ولازالت  هذه الظاهرة واضحة المعالم لحد الان في مؤلفاته العديدة من كتب ومقالات ودراسات عن هؤلاء الادباء , والتي يتداولها القراء الروس في المكتبات العامة والخاصة او في مخازن بيع الكتب , او يطلعون عليها في المواقع الالكترونية المفتوحة للجميع , رغم ان لاكشين قد رحل مع الاسف الشديد عن الحياة منذ اكثر من ربع قرن , وكان آنذاك في الستين من عمره .
ولد لاكشين في موسكو عام 1933 , وعاصرفي طفولته الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس الحرب الوطنية العظمى ( 1941 – 1945 ) وسنواتها المرعبة الرهيبة , ثم عاصر اواخر زمن الستالينية الصارمة الصعىة , ثم ( وبعد وفاة ستالين عام 1953) عاصر بدايات مرحلة (ذوبان الجليد !) زمن خروشوف فصاعدا , ثم شاهد بعد ذلك كل التغييرات التي  حدثت في الاتحاد السوفيتي , وشاهد ايضا انهيار الدولة السوفيتة عام 1991, اذ انه توفي عام 1993 , وكان دائما في قلب كل هذه الاحداث الكبيرة في مصير روسيا , وكانت له مواقف محددة وواضحة تجاه كل ما حدث في وطنه , لانه كان الابن المثقف الروسي الحقيقي لبلده , وقد انعكس موقفه هذا في نشاطاته الفكرية تلك في الصحف و المجلات الادبية , التي كان يعمل فيها , او في الكتب العديدة التي اصدرها .
اصبح لاكشين في بداية الخمسينيات طالبا في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) بجامعة موسكو وتخرّج عام 1955  , ثم التحق بقسم الدراسات العليا في الكليّة التي تخرّج فيها , وحصل على شهادة الكانديدات في العلوم الفيلولوجية ( دكتوراه فلسفة)عام 1962 , وكان موضوع اطروحته حول تولستوي وتشيخوف , هذه الاطروحة التي بلورّها بعدئذ واصدرها في كتاب , وهكذا ظهر كتاب لاكشين الاول  عام 1963 , وكان بعنوان – تولستوي وتشيخوف  . جلب هذا الكتاب انتباه الباحثين و القراء رأسا بموضوعيته وعلميته وابتعاده عن الكلمات الطنانة والرنانة الجاهزة , والتي كانت سائدة بشكل او بآخر, اذ كان هذا الكتاب تعبيرا حقيقيا عن طبيعة المرحلة الجديدة في البحث العلمي السوفيتي , الذي كان يسعى الى تثبيت المفاهيم الحياتية ( ان صح التعبير) كما هي , وليس كما تريد الايديولوجية السائدة آنذاك , ولهذا , يعدّ هذا الكتاب ولحد الان واحدا من المراجع المهمة في موضوعة علم الادب المقارن بين علميين من أعلام الادب الروسي هما تولستوي وتشيخوف . لم يصدر لاكشين اي كتاب جديد منذ عام 1963 والى عام 1975 , اذ كان يعمل في الصحف والمجلات الادبية , وكان ايضا يحضّر اطروحة للحصول على شهادة دكتوراه العلوم ( دوكتور ناووك ) , وهي أعلى شهادة اكاديمية في روسيا , وقد حصل عليها لاكشين فعلا عام 1975 , وكانت اطروحته عن الكاتب المسرحي الروسي الكبير أستروفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان – أستروفسكي شكسبير روسيا ). وهكذا بدأ لاكشين باصدار سلسلة كتبه بعد ذلك , اذ أصدر الطبعة الثانية المزيدة من كتابه الاول ( تولستوي و تشيخوف ) عام 1975 , ثم أصدر عام 1976 كتابه الثاني – ( أستروفسكي ) , ثم ( اللقاء الثاني ) , ثم ( مسرح أستروفسكي ) , ثم ( خمسة أسماء عظيمة ), ثم ( الباب المفتوح ) , ثم ( طرق صحفية ), ثم ( نوفي مير في زمن خروشوف ) , ثم ( شواطئ الثقافة ) , وغيرها ...اما نشاطه في الصحافة , فقد نشر اكثر من 300 مقالة متنوعة عن الادباء الروس , اذ انه عمل بعد تخرجه في اواسط الخمسينيات في صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) ثم في مجلة ( نوفي مير / العالم الجديد ) عندما كان الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي رئيسا لتحريرها , واصبح لاكشين نائبه الاول , وبالذات عندما نشرت هذه المجلة رواية سولجينيتسن القصيرة – ( يوم واحد من حياة ايفان دينيسيفتش ) , هذا النشر الذي فتح الطريق امام سولجينيتسن في الاتحاد السوفيتي والعالم , وهي مسألة معروفة طبعا , ولا ضرورة لاعادتها هنا . لقد كتب لاكشين عن موقف سولجينيتسن ودافع عنه , الا انه اختلف  معه سياسيا عندما سافر الى الغرب , وهو موقف يحتاج الى دراسة موضوعية هادئة  الان , اذ ان لاكشين لم يتقبل الهجوم الحاد على روسيا آنذاك , وكانت آخر مقالة له عام 1993 تدافع عن اسم روسيا والروس , اما آخر منصب في الصحافة الادبية , فقد كان لاكشين رئيسا لتحرير مجلة الادب الاجنبي , اضافة الى ان لاكشين عمل في مجال التلفزيون , وقدّم برامج تلفزيونية مشهورة جدا عن الادباء الروس الكبار , وهو الذي  ارشف الافلام الروسية عنهم .
 الصورة القلمية التخطيطية لهذا الناقد الادبي تعني , اننا يجب ان نتوسع بدراسة آثاره الفكرية , و ان نتعمق في تحليلها . لاكشين هو الارض البكر , التي تنتظر جهود الباحثين العرب لحراثتها ....




255
 
ايرنبورغ وخليل عبد العزيز في تأبين ناظم حكمت
أ.د. ضياء نافع
التقينا مرات ومرات , د. خليل عبد العزيز وانا , فهو زميل الدراسة في جامعة موسكو بالستينيات, وكتبت عدة مقالات تفصيلية ونشرتها عن احاديثه السياسية الممتعة وشبه المجهولة بالنسبة للتاريخ السياسي العراقي المعاصر , ورغم ان تلك الاحاديث كانت تدور عن قضايا صغيرة , الا انها مهمة للتعمق في مسيرة التاريخ السياسي العراقي الحديث وتحليل وقائعه والقاء الضوء على اسراره ( انظر مقالاتنا العديدة عنه ومنها على سبيل المثال وليس الحصر – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز) , وأذكر اني قلت له مرة , انك سياسي قبل كل شئ وبعد كل شئ , فضحك خليل وقال نعم , هذا صحيح , فانا امارس السياسة منذ عام 1952 ولحد الان . ولكن يجب القول – مع ذلك – اننا تحدثنا في تلك اللقاءات العديدة عن بعض الاحداث الجانبية ايضا , البعيدة نسبيا عن السياسة رغم ارتباطها بالسياسة  - بشكل او بآخر- في نهاية المطاف , ويبدو لي انها تستحق التسجيل ايضا, اذ انها ممتعة اولا كما اظن , وثانيا , ربما تضيف تلك الاحاديث شيئا جديدا للقارئ , وها انا ذا اروي واحدة من تلك الاحاديث الطريفة هنا –
 حدث ذلك في موسكو عند وفاة الشاعر التركي الكبير ناظم حكمت في عام 1963 . كلّف تنظيم الحزب الشيوعي العراقي / فرع الاتحاد السوفيتي خليل عبد العزيز بالذهاب الى قاعة الاعمدة في مركز موسكو لتمثيل الحزب في تأبين الشاعر , حيث كان جثمان ناظم حكمت مسجّى في تلك القاعة المهيبة بمركز موسكو لوداعه من قبل اهله واصدقائه , وذلك حسب التقاليد الروسية للدفن . ذهب خليل طبعا , ووقف مع الحاضرين , وقام بدوره كمندوب للحزب الشيوعي العراقي. في هذه الاثناء شاهد  فجأة الكاتب السوفيتي الشهير ايليا ايرنبورغ , او اهرنبورج كما يكتبه بعض المترجمين العرب . استطاع خليل طبعا التعرّف عليه , اذ انه معروف اعلاميا , واراد ان (ينتهز!) هذه الفرصة النادرة للحديث معه . لم يكن خليل يتصور هذا اللقاء او يتوقعه ,و لم يكن طبعا مستعدا له بتاتا , ولكن ومن اجل عدم تفويت فرصة مثل هذا اللقاء الطريف والتاريخي بالنسبة له ,  اقترب خليل من ايرنبورغ , ولم يستطع ان يقول السياسي خليل لارنبورغ سوى جملة واحدة  تعكس فعلا شخصية خليل السياسي في كل شئ , وتعبّر عن ذلك خير تعبير, والجملة هي  - هل انت ايليا ايرنبورغ , الذي كان ضد ستالين ؟  اندهش ايرنبورغ  من هذا الشخص الغريب في مأتم ناظم حكمت , ومن طبيعة سؤاله الغريب ايضا , وغير المتلائم بتاتا مع هذا الموقف , واستنتج ايرنبورغ طبعا , ان هذا الشخص , الذي يطرح مثل هذا السؤال عام 1963( اي بعد كل هذه السنوات من وفاة ستالين , وفي تأبين الشاعر التركي ناظم حكمت ) لا يمكن ان يكون سوفيتيا باي حال من الاحوال, فابتسم ايرنبورغ وسأله – من اين انت ؟ فاجاب خليل , انا من العراق , فقال له ايرنبورغ , وانتم تعرفون في العراق اني كنت ضد ستالين ؟ وتركه وهو يبتسم , وذهب للاستمرار بالمشاركة في عملية تنظيم التابين تلك .
ضحكت أنا , عندما حكى لي د. خليل عبد العزيز هذه الحادثة , وحكيت له , باني ساهمت ايضا في ذلك التابين , اذ كنت مع مجموعة من طلبة كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو ( وكانت قريبة من تلك القاعة في مركز موسكو ) , وعندما سمعنا بوفاة ناظم حكمت , قررنا الذهاب الى التأبين والمشاركة به تعبيرا عن حبنا واحترامنا لهذا الشاعر الكبير , وشاهدت هناك ايرنبورغ طبعا , الذي كان نشيطا بالمشاركة في مراسم التابين , لان ناظم حكمت كان صديقه و رفيق دربه الفكري , ولكني لم اتجاسر ان اقترب منه والتكلم معه , بل كنت انظر الى جثمان ناظم حكمت المسجّى بملابسه على سرير وسط القاعة , وكانت زوجته الروسية تجلس جنبه وهي تبكي بصمت وتمسّد وجهه بيدها , اما زوجته التركية وام ابنه  , فقد كانت تقف على بعد مترين تقريبا وهي تبكي بصمت ايضا وتنظر اليه والى زوجته الروسية الجالسة عند رأسه بحزن واضح .
اتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا للحديث عن لقاء د. خليل عبد العزيز مع الموسيقار السوفيتي الارمني الشهير آرام خاجاتوريان , وماذا قال لخليل عن الموسيقار محمد عبد الوهاب ...

256
بيساريف في تاريخ النقد الادبي الروسي
أ.د. ضياء نافع
   يعدّ بيساريف الناقد الثالث بعد تشرنيشيفسكي ودبرالوبوف في تاريخ النقد الادبي الروسي في الستينيات بالقرن التاسع عشر, اذ انه يتميّز باهميته وقيمته الفكرية ودوره الكبير في الحياة الادبية الروسية , اما نحن الطلبة العراقيين في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو آنذاك , فان بيساريف ( عندما سمعنا باسمه في محاضرات استاذنا اول الامر ) فقد ركّزنا في حينها على نقطتين فقط , الاولى , انه مسكين لأنه غرق في النهر وتوفي عندما كان عمره 27 سنة ليس الا, وقد ترحّمنا عليه طبعا وتألّمنا لوفاته المبكرة, اما النقطة الثانية , فانه الناقد الادبي الذي كان يخطط زميلنا العراقي طالب الدراسات العليا سليم غاوي كتابة اطروحته عنه ( انظر مقالتنا بعنوان – العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم –  10) , وأتذّكر الان كل ملامح هذه الصورة الساذجة وابتسم ...
نقاد الادب ليسوا نجوما في عالم الشهرة في كل مكان وزمان , وقد كنت اتحدث مرة – وقبل فترة قصيرة ليس الا – مع أحد الزملاء العراقيين عن الدكتور علي جواد الطاهر, فقال لي , انه لم يسمع بهذا الاسم ابدا .  ومهما تكن مكانة بيلينسكي كبيرة في دنيا النقد الادبي الروسي , ورغم اننا قد سمعنا عنه بعض الشئ آنذاك , فهو- مع ذلك – كان أقل شهرة من أي أديب روسي معروف لدى القراء العرب , ولهذا يمكن القول وبكل ثقة, ان الناقد الادبي بيساريف يكاد ان يكون شبه مجهول تقريبا لهؤلاء القراء , ولهذا ايضا , فاننا , الطلبة آنذاك في جامعة موسكو , ليس فقط كنّا لا نعرف مكانته وقيمته , بل – واقعيا - لم نكن حتى قد سمعنا باسمه أصلا .   
دميتري ايفانوفيتش بيساريف ( 1840- 1868 ) كاتب متعدد المواهب الفكرية بكل معنى الكلمة فعلا, فهو فيلسوف وناقد ادبي ومترجم وصحافي , واستطاع ان ( يحفر !) اسمه في تاريخ الفكر الروسي و في كل تلك المجالات الفكرية المتنوعة , رغم انه توفي في ريعان شبابه , اذ  كان في السابعة والعشرين من عمره ليس الا . ومن الضروري هنا اضافة ملاحظة مهمة جدا , وهي ان بيساريف حاز على هذه المكانة المتميّزة في تاريخ الفكر الروسي دون ان يصدر الكتب في حياته , بل نشر مقالاته ودراساته المتنوعة حول كل تلك المواضيع في  المجلات والصحف الروسية آنذاك ليس الا , والتي تمّ جمعها واصدارها من قبل الباحثين بعد فترة من وفاته , وصدرت مؤلفاته المختارة والكاملة  بعدة طبعات في روسيا (الامبراطورية والسوفيتية والاتحادية) منذ القرن التاسع عشر ولحد الان , وصدرت آخر تلك الطبعات في 12 مجلدا عن دار نشر ( العلم / ناووكا ) الروسية الشهيرة بين اعوام 2000 – 2012 , وكل هذا يعدّ – بلا شك - ظاهرة فكرية نادرة جدا في روسيا , ظاهرة تدعو الى التامّل فعلا.
بيساريف الفيلسوف يستحق التوقف عنده , اذ انه يعدّ الان واحدا من أعمدة الفلاسفة الروس , وقد تحدثت حتى بعض المصادر العربية حول فلسفته , وبيساريف المترجم يستحق التوقف عنده ايضا , لأنه قدّم ترجمات لا زالت مهمة في دنيا الفكر الروسي , وبيساريف الصحافي يستحق التوقف عنده ايضا , لأنه لعب دورا بارزا في مسيرة الصحافة الروسية بالستينيات وكان حتى المحرر الاساسي لاحدى اهم المجلات الفكرية الروسية وهي مجلة ( روسكويه سلوفو / الكلمة الروسية ) , وقد أدّت مساهماته الحادة في النشر والمناقشات المرتبطة بافكاره حتى الى اعتقاله لفترة طويلة نسبيا , ولكننا , والتزاما بعنوان مقالتنا , نتوقف فقط عند بيساريف الناقد الادبي في تاريخ النقد الادبي الروسي , ويجب التأكيد هنا , ان هناك العديد من الدراسات الاكاديمية باللغة الروسية حول هذا الناقد الادبي , بما فيها طبعا كتب ضخمة باكملها واطاريح علمية , ولهذا , فان هذه الموضوع كبير ومتشعب , وعليه فاننا – وفي اطار مقالتنا – لا يمكن لنا ان نتحدث عنه الا بايجاز شديد جدا ... 
بدأ الناقد الادبي بيساريف طريقه في مجال النقد الادبي بمقالات ظهرت في الصحافة الادبية منذ عام 1859( اي عندما كان عمره 19 سنة ليس الا ) , وهي مقالات تحليلية تناولت آخر ظواهر الادب الروسي في عصره , وكذلك تناول تاريخ اعلام الادب الروسي والموقف تجاههم . لقد اختلف بيساريف مع دبرالوبوف حول الكاتب المسرحي أستروفسكي وحول الروائي أبلوموف . وكتب بيساريف عن تورغينيف كثيرا , ورأى في شخصية روايته ( الاباء والبنون ) بازاروف – بطلا جديدا , رغم ان الناقد كان يعتقد , ان مأساة هذا البطل تكمن في وحدته المطلقة , وانه بسبب ذلك لم يستطع ان يحقق افكاره , وانه في نهاية المطاف أضاع حياته . هناك موقف مهم آخر يستحق الاشارة اليه هنا , وهو ما كتبه عن بوشكين في مقالة بحلقتين عنوانها – بوشكين وبيلينسكي , وغالبا ما يتحدث عنها الباحثون في تاريخ الادب الروسي . بيساريف كتب , ان بوشكين يمثّل مرحلة انتهت , وان بطله ( يفغيني اونيغين ) هو ( غير مفيد ) للمجتمع , لانه يبعد ( بضم الياء ) القارئ عن المشاكل الحقيقية للحياة , وتحدث بيساريف عن ضرورة ( عدم الاختلاط ) معه . لقد كانت هذه الافكار عن بوشكين جديدة وجريئة في مسيرة الادب الروسي , رغم انها لم تغيّر مكانة بوشكين في روسيا واقعيا .
بيساريف اسم كبير و مثير للجدل  في تاريخ روسيا وأدبها و فكرها  , واتمنى ان يساهم زملائي في الكتابة عنه وتعريف القراء العرب بنشاطاته الفكرية المتعددة , لأنه يستحق ذلك حقا.       




257
اول قصة قصيرة نشرها تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
عنوان هذه القصة القصيرة هو – رسالة الى جار عالم , وقد نشرها تشيخوف عام 1880 , عندما كان طالبا في الصف الاول  بكلية الطب في جامعة موسكو , وهي ليست اول نتاج ادبي كتبه  تشيخوف, وانما اول عمل ابداعي نشره ( والفرق كبير طبعا بين الكتابة والنشر) , وبما ان هذا ( الطالب الشاب)  كان في بداية الطريق الى عالم الادب  والمساهمة به , ولأنه لم يكن واثقا من نفسه في مسيرته الابداعية , فقد نشر هذه القصة القصيرة باسم مستعار وهو – ( ....ف) , وهذا استخدام طريف جدا ومبتكر فعلا , اذ  جرت العادة على الاشارة الى الحرف الاول للاسم  في مثل هذه الحالات, اما تشيخوف فقد استخدم الحرف الاخير من اسمه, علما ان تشيخوف استخدم في بداية حياته الادبية العديد من الاسماء المستعارة الطريفة, وقد تمّ جمعها بعدئذ في قوائم خاصة, وهي منشورة الان بالروسية , وذلك باعتبارها جزءا  لا يتجزأ  من تراث تشيخوف الابداعي.
لازالت قصة ( رسالة الى جار عالم ) معروفة ومشهورة لحد الان , اي انها ( اخترقت !) القرن التاسع عشر والعشرين ونحن الان في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين . ومن الطريف الاشارة هنا, الى انها اصبحت القصة رقم واحد في مؤلفات تشيخوف المختارة بترجمة المترجم المصري الكبير المرحوم د. ابو بكر يوسف , والتي نشرتها دار رادوغا السوفيتية باربعة أجزاء في حينها ( وتم اعادة طبعها ونشرها في عالمنا العربي عدة مرات ), والتي تعد الان واحدة من اهم المصادر لنتاجات تشيخوف الادبية باللغة العربية , وبالتالي , يمكننا ان نقول وبدقة , ان هذه القصة القصيرة للطالب الروسي الشاب معروفة للقارئ العربي ايضا, وقد اطلعت مرّة على تعليقات كثيرة و متنوعة من القراء العرب حول هذه القصة القصيرة , منها على سبيل المثال , تعليق طريف باللهجة المصرية الجميلة حول رد فعل العالم بعد قراءة الرسالة ( مع صورة لفنان كوميدي مشهور) وهو يمسك بيده رسالة و يقول –  لو سمحتم شوفولي مين الاهبل اللي كتب الرسالة دي .
عنوان هذه القصة عندما تمّ  نشرها هو – ( رسالة من الاقطاعي بمنطقة الدون ستيبان فلاديميروفيتش ن الى الجار العالم الدكتور فريدريخ), وقد ظهرت بموسكو في العدد العاشر من مجلة (ستريكازا ) الفنية الفكاهية بتاريخ 9 آذار / مايس عام 1880 . حاول تشيخوف ان يصدر مجموعة من قصصه عام 1882 , وأدخل هذه القصة في تلك المجموعة , وعدّل العنوان الاصلي الى عنوان – رسالة الى جار عالم , الا ان المجموعة لم تصدر آنذاك لاسباب عديدة لا مجال للكلام عنها الان  .
 مضمون القصة بسيط جدا , اذ يكتب أحد الساكنين في قرية روسية ( وهو عسكري بسيط متقاعد ) رسالة الى جاره العالم, الذي وصل من بطرسبورغ للعيش في تلك القرية , والقصة القصيرة هذه لا تتضمن غير هذه الرسالة , التي تبدأ – مثل اي رسالة – بالتوجّه الى المرسل اليه , وتنتهي باسم المرسل . ويكتشف القارئ لهذه الرسالة مستوى كاتبها الضحل جدا ( شكلا ومضمونا ), والذي يحاول  في رسالته هذه ان ( يتباهى !) بمعلوماته العلمية وبشكل مضحك جدا وبلغة ركيكة ومليئة بالاخطاء الاملائية والاسلوبية , لدرجة ان واضعي المناهج في المدارس الروسية أدخلوا هذه القصة ضمن الدروس التعليمية , وذلك كتمرين لغوي للتلاميذ , ويطلبون منهم الاطلاع عليها وايجاد تلك الاخطاء , ويعد هذا التمرين من انجح الدروس , لأن التلاميذ يقرأون القصة بمتعة كبيرة ويصلّحون النص ذاك .
 لقد كتب شقيق تشيخوف ( واسمه ميخائيل) في ذكرياته عنه , ان تشيخوف في صباه كان يلقي امام ضيوف بيتهم ( محاضرة!) ساخرة , يجسّد فيها شخصية بروفيسور يتحدث عن اختراعاته العلمية , ويقول شقيقه , ان تشيخوف استخدم تلك الصور الفنية , التي كان يلقيها آنذاك , وكان الضيوف يستمعون اليه ويقهقهون من اعماق قلوبهم  . بل ان أحد الباحثين كتب مرة عن هذه القصة قائلا , ان طالب الكلية الطبية تشيخوف أراد ان يسخر من المضادين لافكار دارون , متأثرا بأحد اساتذة تلك الكلية , الذي كان مغرما بالدارونية  ويتكلم دائما عنها , وان ذلك انعكس بشكل مباشر في تلك القصة . 
قصة تشيخوف القصيرة ( رسالة الى جار عالم ) هي بداية لمرحلة مهمة جدا من مراحل مسيرة تشيخوف الابداعية , تسمى الان مرحلة القصص القصيرة الفكاهية الساخرة , والتي كتب فيها تشيخوف قصصا عديدة و شهيرة جدا , مثل الحرباء وموت موظف والبدين والنحيف وغيرها, هذه القصص التي لازالت حيوية في روسيا و في بقية بلدان العالم ايضا , بما فيها طبعا عالمنا العربي , وهي قصص قال عنها أحد النقاد الروس , لو ان روسيا تختفي من الوجود , فيمكن اعادتها على وفق قصص تشيخوف هذه... 


258
حياة شرارة ويسنينها في الربوع العربية
أ.د. ضياء نافع
يمكن القول ان الكتابة عن المرحومة أ.د. حياة شرارة قد بدأت لتوّها - ليس الا- في العراق , وقد لعبت دار ( المدى ) باعادة اصدار مؤلفاتها دورا بارزا بلا شك في هذه العملية , ولكنها ( اي الكتابة عن حياة شرارة ) لازالت تنتظر الباحثين العراقيين للتعمق في تراثها  واكتشاف وتحديد قيمته الحقيقة في تاريخ الادب الروسي ومسيرته في العراق , واريد ان اكرر – مرة اخرى واخرى - مقترحي السابق لقسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد بضرورة كتابة اطروحة ماجستير عن دور أ.د. حياة شرارة في تاريخ القسم العلمي باعتبارها  واحدة من أبرز الاسماء وأعمقها في مسيرته , واكرر ايضا استعدادي للتعاون مع المشرف العلمي وطالب الماجستير لانجاز هذا العمل العلمي الرائد .
هذه المقالة هي واقعيا ذكريات و انطباعات خطرت لي بعد قراءة بحثها الموسوم – ( يسينين في الربوع العربية ) , المنشور في مجلة الاقلام العراقية ( العدد الصادر في شباط ( فبراير) لعام 1989 ) , التي أعدت الان الاطلاع عليه بمحض الصدفة , بعد كل تلك السنوات الطويلة التي مرّت , اطلعت عليه اعتزازا بذكرى المرحومة حياة ( ام مها ) واسمها ودورها في مسيرة قسم اللغة الروسية الحبيب الى قلبي وقلبها طبعا , واظن ,ان هذه الانطباعات ربما ستكون مفيدة حول هذا البحث المهم في تاريخ دراسة الادب الروسي في العراق , وهو موضوع اهتم به طوال مسيرة حياتي , منذ ان بدأت بدراسة اللغة الروسية وآدابها في جامعة موسكو عام 1959 ولحد الآن .
تذكرت رأسا , ان المرحومة حياة طلبت منّي (اي مصدر روسي حديث عن الشاعر يسينن في مكتبتي الشخصية) , فجلبت لها في اليوم التالي كتابا يتضمن دراسة عن ثلاثة شعراء روس هم كل من ماياكوفسكي وبيدني و يسنين , والكتاب هذا صادر في مدينة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ) العام 1980 . لقد أشارت حياة الى هذا الكتاب في مصادر البحث ضمن الكتب الروسية التي استخدمتها عند كتابة بحثها المذكور , علما انها كانت تعتمد دائما على مصادر باللغات العربية والروسية والانكليزية في بحوثها و كتاباتها , وهذه ملاحظة مهمة وجديرة بالتذكير بها عند الكلام عن حياة وعمق كتاباتها العلمية.
وتذكرت ايضا حديثنا عندما انجزت حياة بحثها , اذ انها اخبرتني عن رغبتها بنشره في مجلة الاقلام  , ولكني قلت لها , ان المجلة غير معتمدة بالنسبة للترقيات العلمية , ولكنها قالت , انها لا تهتم بذلك , وان هناك الكثير من القراء , الذين يتابعون هذه المجلة , وان هذا البحث ينسجم مع الصفة العامة لهذه المجلة , وان تقييم البحث من قبل القراء هو المهم وليس مكان النشر . وانا بشكل عام أؤيد هذه النظرة العلمية والموضوعية للبحث العلمي , ولكن الاجواء الاكاديمية الصارمة , التي كانت محيطة بنا لم تكن تؤيد ذلك ( لغة البحث يجب ان تكون بلغة الاختصاص والنشر في مجلات معتمدة ) , وأذكر اني ناقشت اللجنة العلمية في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب حول هذا الموضوع , عندما كان فرع اللغة الروسية هناك ضمن ذلك القسم قبل عام 1987 , وهي سنة تأسيس كلية اللغات ( انظر مقالتنا بعنوان – كلمة ليست متأخرة عن كمال قاسم نادر) . لقد اصطدمت حياة بهذه المشكلة عندما قدّمت هذا البحث للترقية العلمية ( للحصول على مرتبة الاستاذية ) , ولكن اسمها ومكانتها وتعاون لجنة الترقيات وتعاطفها معها ( كانت برئاسة المرحوم أ. د. علي منصور ) والظروف السياسية المحيطة بالعراق آنذآك , والتي أدّت الى عزل البلاد عن العالم , كل ذلك قد ساعدها على تخطي هذه العقبة البيروقراطية في نهاية المطاف .
تسمي حياة بحثها عن يسينين  ( مقالا ) , ولكن واقعيا , ان ماقدمته هناك هو بحث علمي صرف ومتكامل ومبتكر وأصيل في مجال الادب الروسي وجهود المترجمين العرب بتقديم هذا الادب بالعربية , اذ انها قارنت ترجمة حسب الشيخ جعفر وعبد الرحمن الخميسي وترجمتها الشخصية لقصيدتين مشهورتين من قصائد يسينين , وكانت المقارنة موضوعية وعلمية وصارمة فعلا , لدرجة انها اشارت الى ان ترجمة حسب الشيخ جعفر لاحدى مقاطع يسينين جاءت افضل من ترجمتها هي وترجمة الخميسي مرة , وكذلك اشارت , الى ان حسب اخطأ في فهم النص الروسي عند يسينين في مقطع آخر . وتحدثت حياة ايضا عن الفرق بينها وبين الخميسي , اذ اعتبرالخميسي ان قصائد يسنين ( من الشعر السوفيتي ) , بينما حياة تقول , انها اعتبرتها ( من الشعر الروسي ) , وتستشهد بموقف طه حسين من بعض الشعراء العرب وهل هم   من شعراء صدر الاسلام ام من شعراء الجاهلية , وهو موقف علمي شجاع جدا ومقارنة مبتكرة بكل معنى الكلمة ودليل على سعة الآفاق الثقافية لها , ولكن حياة لم تتطرق الى تفصيلات هذا الموضوع الشائك والحساس في ذلك الوقت , والذي اصبح في وقتنا الحاضر واضحا ( انظر مقالتنا بعنوان – حول مصطلح الادب السوفيتي).
لقد تمتعت جدا وانا اعيد قراءة بحث حياة شرارة الموسوم – يسينين في الربوع العربية , اذ اني تذكرت الايام الخوالي , وتذكرت صحة افكارنا حول طبيعة البحوث العلمية بغض النظر عن لغة البحث ومكان نشره , وتذكرت تلك المرأة العراقية اللبنانية الهادئة , ولكن الأحزان غمرتني بعدئذ, عندما تذكرت نهايتها المأساوية ...


259
مسرح غوغول يتحول الى مركز غوغول
أ.د. ضياء نافع
 
تأسس هذا المسرح  في موسكو عام 1925 , ومرّ طبعا - منذ ذلك الوقت ولحد الآن - بمختلف المراحل المتنوعة وحسب الاحداث التاريخية السوفيتية المعروفة , و التي كانت سائدة آنذاك  , وليس هدف هذه المقالة الحديث عن تاريخ  المسرح العتيد هذا, اذ اننا نود ان نتحدث هنا فقط عن نقطة واحدة محددة ومتميّزة جدا في مسيرة هذا المسرح ,  وهي , كما يشير عنوان مقالتنا , مسألة تحويله الى مركز بطراز خاص جدا للفنون , وهي ظاهرة فريدة جدا في تاريخ المسارح الروسية ومسيرتها بشكل عام , لم تحدث سابقا , ولم تتكرر لاحقا حسب معلوماتنا المتواضعة في هذا المجال.
   تمّ تحويل هذا المسرح الى مركز غوغول عام 2012 .  وجرت تحويرات في نفس تلك البناية , بحيث اصبحت  تضم  عدة اماكن وقاعات منفصلة عن بعضها البعض , يمكن لها ان تعرض عدة نشاطات ثقافية مختلفة في آن واحد , وتمّ كذلك تأهيل تلك القاعات  للعروض السينمائية , وتم تهيئة اماكن في البناية لأقامة معارض لغرض عرض الكتب والمطبوعات كافة وبيعها ايضا , واماكن معدّة لعقد الندوات الفكرية والاجتماعات المختلفة و القاء المحاضرات , واقامة معارض عرض اللوحات التشكيلية , وحتى تم تنظيم مقهى خاص , حيث يمكن لكل من يهتم بالشؤون الثقافية ان يجلس هناك ويدردش مع زملائه حول تلك الامور المرتبطة بتلك الاهتمامات الثقافة في مختلف فروعها وشعابها العديدة . وباختصار , حولّوا  مسرح غوغول الى مركزثقافي حقيقي بكل معنى الكلمة لمختلف النشاطات الفنية, مركز يحمل اسم غوغول طبعا  ويتناسب مع مكانته الكبيرة والمتميّزة في عالم الفكر الروسي والعالمي , وهكذا بدأ هذا المركز بالمساهمة في الحياة الثقافية الروسية وتفعيلها . وكما يحدث عادة في كل مكان , فقد أثار هذا العمل غير الاعتيادي ردود افعال مختلفة , اذ هناك من تقبّل هذه الخطوات الجديدة بحماس وتأييد كبير , وهناك من وقف ضدها بشدة وحزم ايضا , وكل جانب من هؤلاء كان يدافع عن رأيه ووجهة نظره , ومصالحه طبعا , اضافة الى الثرثارين والطفيليين والمدّعين وذوي النفوس المريضة نفسيا , الذين ( يدلون بدلوهم !!!) في مثل هذه النقاشات والحالات والتغيّرات , وهم ( يوزعون!) النصائح والارشادات والحكم والتعليقات والخلاصات, وهؤلاء - كما هو معروف - يبرزون في كل المجتمعات ... .
ترتبط كل هذه التغّيرات في مسرح غوغول باسم الفنان المسرحي سريبرينيكوف , الذي اصبح عام 2012 المدير الفني لهذا المسرح , وهو الذي اقترح تحويله الى مركز , واستطاع الحصول على الموافقات الاصولية اللازمة بشأن تنفيذها .
 ولد كيريل سيميونوفيتش سريبرينيكوف بالاتحاد السوفيتي عام 1969 في مدينة روستوف , وبرز هناك في عالم المسرح المحلي لتلك المدينة , وانتقل الى موسكو عام 2000 , واصبح واحدا من الفنانين البارزين الروس في مجال المسرح والسينما , وهو شخصية متميّزة اينما يعمل ويحلّ , ومن المؤكد ان تثير هذه الشخصية الفنية الناجحة الضجة حولها , وقد وصلت هذه ( الضجّة !) حتى الى المحاكم الروسية , التي تحاكمه منذ اكثر من سنتين بتهمة (سرقة!) اموال احدى الفرق المسرحية التي يديرها , ولكن على الرغم من كل هذا الضجيج حوله والحملات ضده , فانه يستمر بعمله الابداعي في المسرح والسينما , والحديث عن هذا الفنان الروسي المعاصر يتطلب مقالة خاصة تفصيلية طبعا كي تعرض ما له وما عليه كما يقولون , ولكني اريد ان اتوقف قليلا عند نقطة طريفة جدا في مسيرة ابداعه , نقطة تكمن في تناوله لبعض روائع الادب الروسي والعالمي وتحويلها الى مسرحيات تعرض على خشبة المسارح , ويمكن الاطلاع فقط على ريبورتوار مركز غوغل لعام 2020 لمعرفة هذه النقطة الفريدة والمتميّزة في ابداع ومسيرة مركز غوغول . نجد في قائمة هذا الريبورتوار تلك الروائع الادبية وتحويلها الى عروض مسرحية في القاعة الكبرى او القاعة الصغرى للمركز , فهناك مثلا رواية غوغول – الارواح الميتة ( والتي يسميها بعض زملائي العراقيين والعرب الانفس او النفوس الميتة خوفا من اجتهادات اللاهوتيين الجدد في عالمنا العربي العاصف !!) , وهناك ايضا رواية الكاتب الاسباني سرفانتس – دون كيخوته , وهناك ايضا اعمال ترتبط بالشعرمثل  الشاعر الروسي الكبير نكراسوف ( وهو ابرز شاعر روسي في النصف الثاني من القرن التاسع عشر) وملحمته الشهيرة , او قصائد ماندلشتام , او آنّا أخماتوفا , او ماياكوفسكي , او بوشكين  ...
وأنا اكتب هذه السطور تذكرت صورة رهيبة شاهدتها لمسرح بغداد , حيث كانت فرقة المسرح الفني الحديث تقدّم روائعها . الصورة تلك تعرض مسرح يوسف العاني وسامي عبد الحميد وقاسم محمد... وقد تحوّل الى مكبّ للنفايات و الازبال ....

















 


260
مع سائق روسي في موسكو
أ.د. ضياء نافع
قلت له مبتسما , اني نادرا ما التقي بسائق روسي في سيارات الاجرة بموسكو , اذ ان معظمهم يكونون عادة من الشعوب السوفيتية سابقا , فقال لي , نعم , ان الامر فعلا كما تقول , و انا سائق (طارئ!!) على هذه المهنة , وهكذا بدأنا ندردش مع بعضنا . حكي لي هذا السائق الروسي قصته التي تعكس بلا شك وضعا خاصا في روسيا الاتحادية اليوم , ونحن في بداية العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين . وتبين من حديثه هذا , انه خريج كليّة الادارة في احدى الجامعات الروسية, وكان موظفا حسب اختصاصه وتحصيله الجامعي , ولكن الراتب في دائرته لم يكن يكفي بتاتا لمتطلبات الحياة , فاضطر ان يترك الوظيفة , و بدأ يبحث عن وظيفة اخرى أفضل , لكنه لم يجد عملا ملائما كما كان يرغب , فقرر ان يصبح سائقا لسيارة اجرة . سألته , ألم يندم بعدئذ على هذا القرار , فقال لي - الان احصل على دخل اعلى ( رغم انني مضطر ان اعمل طوال الوقت كي اكسب عيشي) , لكنني واقعيا نادم طبعا على كل ذلك , واحاول دائما ان أجد بديلا لعملي هذا , ولكن الابواب مغلقة مع الاسف امامي في مجتمعنا المعاصر , ولا اريد ان أترك روسيا واهاجر الى الخارج كما يقولون لي وكما فعل الكثيرون من زملائي .
 ثم بدأ يحدثني عن معاناته في مسيرة الحياة , واخبرني , انه وزوجته يعملان طوال الوقت من اجل تسديد ايجار الشقة ومصاريف الحياة ليس الا , وانهما بالكاد يستطيعان تدبير الامور , وان متطلبات الحياة تتوسع أكثروأكثر , فسألته , هل هذه المتطلبات تتوسع بشكل سريع , بحيث تجبركما على الصرف أكثر من المعتاد , فقال , نعم , اذ بدأت ابنتنا الدراسة في المدرسة المتوسطة , وهذا يقتضي ان يكون لها عدة مدرسين خصوصيين بمواد متنوعة, وكل واحد من هؤلاء المدرسين يكلف الكثير, وان المدرسة لا تقوم بتدريسهم كما يجب , فالمدرس هناك يستلم ايضا راتب لا يكفي لحياته الاعتيادية , لذلك فانه لا يقوم بواجبه كما ينبغي , من اجل ان يجبر التلاميذ على الذهاب الى التدريس الخصوصي , وان جميع تلاميذ المدرسة واقعيا يدرسون عند مدرسين خصوصيين . قلت له , ان هذه مشاكل موجودة بشكل عام في الكثير من بلدان العالم , فاعترض رأسا على كلامي وبشدة , وقال , ان روسيا دولة كبيرة وعملاقة وغنيّة جدا بمواردها, ويجب الا تكون فيها مثل هذه الظواهر الموجودة في بلدان ضعيفة التطور , وان اسلوب المقارنة مع هذه البلدان هو مفهوم عتيق , وقد ملّ الناس منه , ولا نتقبله الان بتاتا ولا نعتبره منطقيا بتاتا, واننا يجب ان نقارن روسيا مع دول متطورة لا توجد فيها مثل هذه الظواهر السلبية , وقال بأسى – في تلك البلدان المتطورة, يحقق اللاجئون الروس نجاحات علمية هائلة , وهم يعملون في أرقى الجامعات والمؤسسات العلمية هناك , وقد حصل قسم منهم على جوائز متميّزة , منها حتى جائزة نوبل , ولكنهم كانوا في بلدهم روسيا منسيين تقريبا , ولم يهتم أحد بهم ويساندهم من اجل اظهار امكانياتهم العلمية وتوظيفها لتطوير روسيا  .
 ساد الصمت بيننا قليلا بعد هذه الاحاديث التراجيدية ان صح التعبير  , ثم قطعته أنا و قلت له , انك تتحدث عن قضايا كبيرة وكأنك سياسي معارض ومحترف , وانني لم اقابل سابقا سائقا يتحدث مثلك وبهذا المستوى عن قضايا مصيرية وجوهرية عميقة حول مسيرة الحياة في روسيا المعاصرة , فقال لي , انه لا ينتمي الى اي حزب سياسي لأن الانتماء الى اي حزب سياسي يلغي السمات الشخصية للفرد ويجب عليه ان يخضع لارادة ذلك الحزب واهدافه , ولكنه يصوّت للشيوعيين في الانتخابات التي تحدث في روسيا , لانهم من وجهة نظره – ( أفضل السيئين !!!) , كما قال بالضبط . ضحكت انا من هذا التعبير السياسي الغريب والطريف , ثم سألته عن هذا ( المصطلح !) السياسي الجديد , الذي استخدمه , وتفسيره , فقال لي , ان جميع القوى والاحزاب السياسية يساهمون في هذا الفساد الاداري السائد في بلدنا بشكل او بآخر , وانهم جميعا مسؤولون عن هذا الوضع الحالي لروسيا ويكسبون منه , الا ان الشيوعيين – نظريا على الاقل – يعارضون ذلك , اي انهم أقرب القوى السياسية لمعارضة هذا الواقع , وعلى الرغم من قناعتي , انهم لن يصلوا الى السلطة , و انهم لن يستطيعوا تغيير هذا الواقع المرير, ولهذا , فانا اسميهم ( افضل السيئين) , واصوت لهم , رغم اني لست منتميا اليهم .
عندما اقتربنا من العنوان المطلوب , اعطيته الاجرة وقلت له , ربما ساكتب مضمون حديثك هذا وأنشره , فقال ضاحكا , لم اتوقع انك اجنبي , فسألته , هل تخاف ان أنشر حديثك ؟ فاجاب رأسا , كلا ابدا , فقد انتهى زمن الخوف في روسيا , وأضاف , بل اني ساكون سعيدا ان يعرف القارئ الاجنبي الوضع الحقيقي في روسيا , لان روسيا دولة مهمة للعالم...

261
عند تمثال القيصر الكساندر الاول في موسكو
أ.د. ضياء نافع
   اقامة تمثال لقيصر روسيا الكساندر الاول في روسيا الاتحادية بموسكو , وعند جدار الكرملين بالذات , وفي العام 2014 , ويدشن التمثال رئيس روسيا الاتحادية فلاديمر بوتين بنفسه, ويشيد بدور هذا القيصر المتميّز في تاريخ روسيا . كل ذلك يثير الدهشة طبعا , ويطرح عشرات الاسئلة الكبيرة امام الروس وامام الاجانب ايضا , الذين يتابعون أخبار روسيا ومسيرتها ويعرفون اهميتها في عالمنا العاصف . وتذكرت نقاشا قديما استمعت اليه مرة – وبمحض الصدفة - بين اثنين من اصدقائي الروس , اذ سأل الاول عن سبب تعليق صورة كبيرة لستالين في احدى الشوارع وعلى واجهة مؤسسة تربوية , فاجابه الثاني رأسا , لأن ستالين كان قائد الانتصار على هتلر , فسأل الاول , ومن كان قائد الانتصار على نابليون , فاجاب الثاني , انه كوتوزوف , فضحك الاول وقال , وعلى هذا الاساس , يجب تعليق صورة جوكوف بدلا من ستالين . ضحك الثاني ايضا , وقال معلقا , وهل تريد ان نرفع صورة القيصر ألكساندر الاول  في الاتحاد السوفيتي , أول دولة اشتراكية في العالم , والتي تأسست بعد ثورة ضد القياصرة في اكتوبر 1917 ؟ فقال الاول ضاحكا ايضا , اما نعلق صورة القائد العام للانتصار على هتلر وعلى نابليون ( اي ستالين والقيصر ألكساندر الاول ) , او نعلّق صورة القائد العسكري للانتصار على هتلر وعلى نابليون ( اي جوكوف وكوتوزوف ) . كان هذا النقاش ضاحكا بين اثنين من الاصدقاء , الا انه – في الواقع – كان نقاشا يتّسم بالعمق الفكري والتاريخي , وقد علّق صديق ثالث كان يستمع اليهما قائلا , ان الذي انتصر على نابليون وهتلر هو الشعب الروسي , وليس ألكساندر الاول او ستالين او كوتوزوف او جوكوف , الشعب الروسي , الذي لا يمكن ان يتقبّل ابدا الاحتلال الاجنبي لوطنه باي حال من الاحوال , ومن أي جهة كانت , ولأيّ سبب من الاسباب .
تذكرت ذلك النقاش العتيق , عندما أقترح عليّ زملاء الدراسة في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة موسكو ان نتمشى في متنزه الكساندروفسكي الرائع الجمال بمحاذاة جدار الكريملين , كما كنّا نفعل عندما كنّا طلبة في الكليّة في ستينيات القرن الماضي( كانت كليّتنا في بنايتها القديمة بمركز موسكو ) , فوافقت انا طبعا وبكل سرور , فقالوا لي , ستشاهد اشياء جديدة لم تكن موجودة آنذاك , ومنها التمثال الضخم للقيصر ألكساندر الاول , الذي تمّ نصبه في الذكرى المئوية الثانية للانتصار على نابليون , فضحكت وحكيت لهم قصة ذلك النقاش , فضحكوا هم ايضا , وقال أحدهم , لقد تغيّر الزمان , وتغيّرت الافكار طبعا تبعا لذلك , وان موسكو اليوم ليست مثل موسكو الامس , اذ انها الآن تضم تماثيل كل المراحل التي مرّت بروسيا , ولهذا فانك ترى فيها الان تماثيل لينين ورفاقه و تماثيل  العديد من القياصرة معا , فكل واحد منهم يجسّد مرحلة معيّنة من مراحل تاريخ روسيا , وان هذه هي دلائل نضوج الامّة , ايّ أمّة , اذ ان كل واحد من هؤلاء ساهم في بناء وطنه كما كان يرى ويعتقد , وان الوطن هو الحصيلة النهائية لكل مساهمات رجاله وأعمالهم بغض النظر عن عصرهم وعن مواقفهم السياسية المختلفة وحتى المتناقضة مع بعضهم البعض.
وهكذا بدأت نزهتي وسط الاشجار والورود المنسّقة بذوق وعناية فائقة , ولاح من بعيد تمثال القيصر الروسي ألكساندر الاول مرتديا زيّه العسكري , وهو يقف شامخا ويضع قدمه اليمنى على السلاح الفرنسي , رمزا لانتصاره عليهم وتحرير وطنه من احتلال نابليون آنذاك . القيصر هذا كان جميلا ورشيقا جدا , وقد استطاع النحّات الروسي ان يعكس كل تلك الخصائص , وان يعبّر – وبشكل رائع – معنى الانتصار على ملامحه وضمن كل تلك اللوحات النحتية المحيطة به من كل الجوانب , والتي تجسّد مختلف المعارك والمواقف المرتبطة بهذا القيصر , وكان جدار الكرملين الاحمر اللون هو الخلفية الجميلة  لهذا التمثال , الخلفية التي تضفي عليه جمالية اخرى , ومن الواضح ان النحّات أخذ كل هذه الاجواء والجوانب بنظر الاعتبار , واستطاع ان يوظّفها بابداع في عمله الفني الرائع هذا . التمثال يقف على منصة عالية ويشغل مساحة ملائمة له , وكانت هناك عدة أشجار تحيطه بحساب هارموني محسوب بدقة , وكانت هناك عدة مصاطب هنا وهناك حوله , تسمح للجالسين عليها أن يتأمّلوا هذا الانجاز الفني المتناسق الجميل بهدوء . وقفت بعض الوقت أتأمل التمثال , ووقف زملائي معي تضامنا ليس الا طبعا وهم يتأملون القيصر الروسي ايضا . وعندما عدنا , سألني أحدهم عن انطباعاتي , فقلت له , انه عمل فني مدهش الجمال , ولكني اريد ان اكرر ما سمعته من زميلي الروسي قبل قليل , والذي أشار, الى ان الامّة الروسية قد وصلت فعلا الى مرحلة النضوج ...

262
     
عن أكساكوف وعائلته في تاريخ الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
الكلمات الاساسية , التي يمكن ان نقولها – قبل كل شئ -  حول اكساكوف بالنسبة للقارئ العربي , هي انه – الكاتب الروسي شبه المنسي , او بتعبير ادق , شبه المجهول تقريبا في مصادرنا العربية بشكل عام حول الادب والفكر الروسي , والسبب الاوّل – في رأينا -  يكمن في ان أكساكوف لم يكن ضمن تلك الاسماء ( الرنّانة و الطنّانة !) في دنيا الصراع الفكري الحاد في روسيا , التي ركّزت عليها الاقلام العربية ( ولازالت )  وهي تتناول الادب الروسي وأعلامه و الفكر الروسي ومسيرته عموما, وقد كان هذا الموقف عندنا انعكاسا للموقف السوفيتي طبعا , وأذكر اننا عندما كنّا طلبة في الاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن الماضي , لم يأت اسم أكساكوف في مناهج دراستنا حول اللغة الروسية وآدابها سوى عند الكلام عن الكاتب غوغول , وذلك باعتباره  كان صديقا قريبا لغوغول ليس الا وانه كتب عنه كتابات قيّمة لازالت تمتلك أهميتها لحد الان .
أكساكوف يعتبر ظاهرة باكملها في مسيرة الفكر الروسي , فقد برز في عدة مجالات فكرية متنوعة وبعيدة عن بعضها البعض , وبرز ثلاثة من ابنائه بمختلف المجالات الفكرية ايضا , ولهذا فانه يتميّز عن الآخرين , اذ ان اسمه في مسيرة الفكر الروسي يرتبط بمفهوم ( عائلة فكرية متكاملة ) , وهي ظاهرة لم تكن موجودة قبله , ولم تتكرر بعده , ونود في هذه المقالة ان نشير – ليس الا – الى المعالم الاساسية لهذه الظاهرة الفكرية الفريدة في دنيا الادب والفكر الروسي , وان نقدّم  للقارئ العربي شيئا ما , اي تعريفا وجيزا فقط عن هذه العائلة الابداعية في القرن التاسع عشر بروسيا , اذ ان الكلام الموسع والتفصيلي عن هذه العائلة يقتضي كتابة العديد من الدراسات و المقالات عن جوانب ابداعاتها المتنوعة .
أكساكوف الاب (1791 – 1859 ) هو سيرغي تيموفيفتش , وهناك  عدة نقاط رئيسية يتوقف عندها مؤرخو الادب الروسي عند الكلام عن مسيرته , ومن أهمها اربع نقاط , اولها - عمله في مجال الرقابة على المطبوعات , وثانيا - علاقته بالكاتب الكبير غوغول , وثالثا - نتاجاته المتميّزة جدا في مسيرة الادب الروسي بما فيها مساهماته الواسعة بحركة الترجمة وكتابة المذكرات, ورابعا - مصائر ابنائه ودورهم في الحياة الفكرية الروسية , ونحاول في ادناه الحديث بايجاز عن كل نقطة من هذه النقاط.
حول النقطة الاولى , اي عمله في رقابة المطبوعات , يتحدثون كيف تم اخراجه من هذا العمل , وكيف نشر مقالا بتوقيع مستعار حول الرقابة , والذي أثار الاوساط الرسمية الحكومية ضده , وكيف أرادت تلك الاوساط ان تعرف اسم ذلك الكاتب , ولكن رئيس التحرير رفض الاعلان عن اسمه , أما أكساكوف نفسه , فقد أعلن انه كاتب تلك المقالة , وانه مستعد لتحمّل كل تبعاتها , مما جعل الاوساط الادبية تقف معه وتناصر موقفه وتجبر السلطات على ارجاعه لوظيفته بعدئذ .
النقطة الثانية , وهي مهمة جدا في تاريخ الادب الروسي, ترتبط بعلاقة أكساكوف مع غوغول . لقد تعارفا عام 1832 في موسكو , عندما  كان غوغول هناك بزيارة سريعة , واستمرت هذه العلاقات الفكرية طوال حياتهما ( توفي غوغول عام 1852 ) . توجد دراسات كثيرة وتفصيلية عن هذه العلاقة في تاريخ الادب الروسي , اذ تحولت المقالات التي كتبها أكساكوف عن غوغول الى مصادر مهمة حول سيرة حياة غوغول وابداعه . لقد كتب أكساكوف عند وفاة غوغول مقالة بعنوان – ( رسالة الى أصدقاء غوغول ) , ثم نشر مقالة اخرى عام 1853 بعنوان – ( عدة كلمات عن سيرة حياة غوغول ) , وهكذا بدأت أفكاره بشأن تأليفه لكتاب كامل حوله , والذي صدر بعدئذ بعنوان – تاريخ  تعارفي مع غوغول , ويعتبر هذا الكتاب واحدا من اهم المصادر الروسية لدراسة سيرة حياة غوغول وابداعه , منذ ظهوره ولحد الان , ونحن في العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين .
النقطة الثالثة تكمن في مؤلفاته المتنوعة جدا , اذ أصدر أكساكوف عدة كتب في مجالات متنوعة جدا , منها مثلا , كتاب بعنوان – ( عن صيد الاسماك وعن الصيد) , وهو كتاب فريد في تاريخ الادب الروسي يتضمن صورا قلمية مدهشة , وقد قال عنها تورغينيف ( وهو مؤلف مذكرات صياد !) , انها مبتكرة جدا في تاريخ الادب الروسي ولا مثيل لها سابقا , اضافة الى ان النقاد يعتبرونه واحدا من أبرز الادباء الروس في مجال كتابة المذكرات .
النقطة الرابعة , التي نود التوقف عندها قليلا هي عائلته الكبيرة , اذ كان عنده سبع بنات واربعة اولاد , وبرز منهم ابنه قنسطنطين أكساكوف , الذي أصبح أديبا ومؤرخا ولغويّا وأحد أبرز الدعاة الى النزعة السلافية ومنظّريها في صراعها مع النزعة الغربية , وهو الصراع الفكري الكبير , الذي كان محتدما في الادب والفكر الروسي في القرن التاسع عشر ( انظر عن هذه الظاهرة مقالاتنا عن دستويفسكي وأستروفسكي وتورغينيف ...) , وبرز كذلك ابنه الآخر ايفان أكساكوف , الذي أصبح صحافيا وناشرا وكذلك أحد الدعاة الى النزعة السلافية , وبرزت كذلك ابنته فيرا أكساكوفا , التي أصبحت كاتبة مذكرات وواحدة من أبرز أنصار النزعة السلافية .
وباختصار شديد , فان كل نقطة من تلك النقاط التي أشرنا اليها حول أكساكوف تتطلب مقالات تحليلية وتفصيلية بالنسبة للقارئ العربي , وأتمنى ان تسمح لي ظروفي بالعودة الى هذا الموضوع المهم في تاريخ الادب الروسي ...

263
أمثال افغانية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الاطفال لا يلعبون بالنار ابدا .
التعليق – لأن الاطفال يفهمون خطرها بشكل دقيق وحاسم و مباشر , أمّا الكبار, الذين لا يفهمون خطرها , فهم الذين ( يلعبون!!!) بها , وهم الذين يحترقون بها ويحرقون الذين من حولهم بها ايضا . هل يمكن اعتبار هذا المثل سياسي؟ قال صاحبي نعم , ولكني قلت له , انه  أوسع , اذ انه يشمل كل شؤون الحياة , بما فيها السياسة طبعا  .
+++++
الترجمة الحرفية – الشئ الذي لا تحصل عليه بالصراخ , تحصل عليه بالصمت .
التعليق – الصمت يعني الهدوء , والهدوء يعني التفكير الشامل دون صراخ وضجيج , وبالتالي سيكون الوصول الى اي شئ أسهل , لأنه سيأتي نتيجة هذا التفكير الموضوعي  . مثل فلسفي عميق وذكي جدا , ويجب ان نتفهمه هكذا ...
+++++
الترجمة الحرفية – انسان واحد لا يذهب الى الحرب .
التعليق –  نعم صحيح , لأن الحرب عمل جماعي كبير و رهيب , وهذه هي مأساة الحروب كلها , اذ انها ( تحرق الاخضر واليابس ) كما يقول مثلنا المعروف  ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تعلّم البطّة كيف تغوص .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى – البيض لا يعلّم الدجاجة . المثل الروسي يبالغ كثيرا ويسخر طبعا من هذا الموقف بشكل كاريكاتيري , أما المثل ألافغاني فان الصورة الفنية فيه واقعية و منطقية جدا . لنتذكر مثلنا العربي الشهير – ابن البط عوّام ...
+++++
الترجمة الحرفية – الفأر لا يزيّن نفسه في المكان , الذي يعيش فيه القط .
التعليق – طبعا , فلا أحد يتزيّن في مكان يوجد فيه الاعداء , بل يجب ان يكون حذرا ليس الا , لأن الحذر يقيك الضرر كما يقول مثلنا المعروف . المثل الافغاني هذا طريف فعلا , والصورة الفنية فيه غير اعتيادية بالمرّة  .
+++++
الترجمة الحرفية – لو لم يكن هناك ثالث , لتصالح الاثنان فيما بينهما .
التعليق – آه من تدخل الشخص الثالث في كل شئ وحشر نفسه في كل شئ من اجل مصلحته طبعا ,  و كلّنا نعرف  ( الطرف الثالث !!!) وما أدراك ما الطرف الثالث ... والحليم تكفيه الاشارة ...
+++++
الترجمة الحرفية – الطريق الطويل لا يقتل أحدا .
التعليق – نعم , الطريق الطويل صعب , ولكن – من سار على الدرب وصل , والسير مهما طال لن ( يقتل!!!) احدا أبدا. المثل صحيح جدا وواقعي بكل معنى الكلمة...   
+++++
الترجمة الحرفية – الحربة الصغيرة يمكن ان تقتل الانسان .
التعليق – مثل صحيح جدا . يوجد مثل بلهجتنا العراقية يقول – الحجارة الما تعجبك تفشخك , والمثل الاذربيجاني يكرر واقعيا تلك الصورة الفنية , اذ يقول -  والحجر الصغير يمكن ان يشق الرأس . المثل الافغاني يؤكد هذه الحقيقة الساطعة ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد عمل , لا توجد راحة .
التعليق – الراحة مرتبطة بالعمل , والمثل الافغاني يقول , لا راحة دون عمل , وهو مفهوم صحيح , اذ ترتاح من ماذا اذا كنت لا تعمل ولا تتعب في العمل ؟ العمل اولا , والراحة تأتي بعد العمل , وهذا هو الواقع فعلا , وهو ما يؤكده المثل الافغاني هذا ...
+++++
الترجمة الحرفية – النار خادم جيّد , لكنها سيّد سئ .
التعليق – مثل جميل وحقيقي , فعندما يسيطر الانسان على النار , فانها تخدمه , ولكن عندما النار هي التي تسيطر على الانسان فانها كارثة بكل معنى الكلمة . مثل في غاية الذكاء والدقة.
+++++
الترجمة الحرفية – يقدر الكبار ان يأكلوا طعام الصغار , لكنهم لا يستطيعون أن يرتدوا ملابسهم .
التعليق – مثل رمزي جميل جدا , والصورة الفنية فيه ذات مغزى عميق , اذ انه يعني , ان الطامعين لن يقدروا ابدا ان يسلبوا كل شئ من الصغار , رغم كونهم أكبر منهم...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تهبط الثروة  بلمح البصر .
التعليق – صحيح جدا , فالثروة تأتي نتيجة عمل طويل وشاق جدا يقوم به الانسان على مدى سنين طويلة ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا حصلت على شئ جيد , فيجب ان تستطيع المحافظة عليه .
التعليق – خلاصة رائعة فعلا , اذ ما فائدة الحصول على الاشياء الجيّدة اذا لا نقدر ان نحافظ عليها ؟
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.



264
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (15)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – المحيط لا يستخف  بالنهيرات الصغيرة .
التعليق – كم نحن بحاجة الى تأمّل هذا المثل العميق بمعناه المباشر والمجازي , فالمحيط بحجمه الهائل لا يستخف بالنهيرات الصغيرة , فكيف يمكن للانسان المغرور ان يستخف بالآخرين من حوله , كما يحدث غالبا في المجتمعات , وخصوصا عندنا ؟ مثل جميل وعميق , والرمزية فيه واضحة المعالم جدا , رمزية تشمل كل جوانب الحياة المختلفة .
+++++
الترجمة الحرفية – الخطيب السئ مطنب بالكلام .
التعليق –  هذا المثل الياباني هو تأكيد على صحة مثلنا العربي الجميل والصحيح والرائع  - خير الكلام ما قلّ ودلّ .
+++++
الترجمة الحرفية – الجمال لا يرافق السعادة .
التعليق – يقول المثل الروسي حول العلاقة بين الجمال والسعادة ما يأتي – لا تولدي جميلة بل سعيدة . المثل الياباني ينطبق على مسيرة حياة البشر في كل مكان , فالجمال زائل بعد فترة من العمر, اما السعادة فباقية بغض النظر عن سنوات العمر ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا يوجد ضوء دون ظل .
التعليق – ما احرانا ان نتذكر هذا المثل الياباني ونحن نتحدث عن ( المستقبل المشرق  والوضّاء!!) . لا يوجد شئ مطلق في الحياة , ولنتذكر مثلنا الطريف باللهجة العراقية – حتى القمر به لوله , ويقول المثل الروسي – حتى في الشمس توجد بقعة ...
+++++
الترجمة الحرفية – هرب من النار فسقط في المياه .
التعليق – تتكرر هذه الصورة الفنية في امثال الشعوب المختلفة وبأشكال متنوعة ترتبط طبعا بالبيئة المحيطة , فالمثل بلهجتنا العراقية يقول – هرب من المطر ووقف تحت المزراب ( او المزريب كما يلفظ احيانا ) , و المثل الاندونيسي يقول  – تخلّص من اسنان التمساح ووقع في فم النمر ...
+++++
الترجمة الحرفية – مالك الجبل الذهبي بخيل ايضا .
التعليق – البخل خاصيّة ذميمة في الانسان بغض النظر عن امكانياته المالية وملكيته . المثل الياباني يصوّر البخيل بشكل مبالغ به جدا , وهي صورة ساخرة طبعا لايصال الفكرة العامة للمثل . يقول المثل الروسي – البخل أعمى ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تتعارك العصافير لا تخاف من الانسان .
التعليق – اثناء العراك يختفي الحذر من المخاطر المحيطة , لأن المعركة ونتائجها تسيطر على كلا الجانبين . مثل رمزي جميل وعميق , يؤكد ان العقل والمنطق يتراجعان عند الخصام والتصادم .
+++++
الترجمة الحرفية – الاشياء التي للبيع يزيّنوها بالورود .
التعليق –  المثل الياباني هذا يلخّص المفهوم العالمي لبيع مختلف الحاجيات , ولا أحد يقول ان (لبني حامض !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – التكلم بسيط , العمل صعب .
التعليق – يا له من مثل دقيق وحاسم جدا , والذي يمكن لنا ان ( نلقم به !!) كل الثرثارين ونصائحهم الفارغة ...
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل خمسين الان من مئة فيما بعد.
التعليق –  لنتذكر المثل الطريف بلهجتنا العراقية - بيضة اليوم احسن من دجاجة باجر , ( باجر – الغد ) ...
+++++
الترجمة الحرفية – العّراف لا يعرف مصيره .
التعليق – سخرية رائعة من هذه (المهنة!) , التي غالبا ما تثير الناس البسطاء وتعكّر مسيرة حياتهم . لنتذكر القول العربي الشهير – كذب المنجمون وان صدقوا ...
+++++
الترجمة الحرفية – النهوض والسقوط من طبيعة الامور .
التعليق – طبعا , فلكل شئ بداية ونهاية , وكم نحتاج الى استيعاب هذه الحقيقة المنطقية الساطعة في مجتمعاتنا المليئة بالكلمات الطنانة والرنانة عن ( خلود وضرورة !!!) هذا وذاك من الشخوص والافراد والاتجاهات والتنظيمات و..و...
+++++
الترجمة الحرفية – أجب بالخير على الشر .
التعليق – لأن هذه الاجابة , رغم صعوبتها , توقف الشر...
+++++
الترجمة الحرفية – في الفيض عن الحاجة والدواء – سمّ .
التعليق – ونحن نقول - الزائد كالناقص . المثل الياباني يضع النقاط على الحروف , ويرسم صورة واضحة لعواقب هذه الظاهرة .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.

265
أدب / مدرسة الفنّان
« في: 20:22 19/02/2020  »

 
مدرسة الفنّان





قصيدة للشاعر الفيتنامي المعاصر تي خان( 1920 – 2009) 


ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


ترسم السمكة ,
وكأنها
أكثر حيوية
من  تلك
 الاسماك
 الاحياء
السابحات ,
وأكثر جمالا و سطوعا
من اسماك
الحدائق والمتنزهات ,
و تحدّق الالوان
 من اللّوحة
بحيوية,
و تثير الاندهاشات ...
اين علّموك ان ترسم 
مثل هذه اللّوحات
النابضات
بالحياة؟
أجاب الفنان –
 قلبي ,
هو فقط -
مدرستي .



266
أمثال يابانية مترجمة عن الروسية (14)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – القريبون من بعض روحيّا ينجذبون نحو بعضهم البعض .
التعليق –  ونحن نقول في مثلنا الشهير – شبيه الشئ منجذب اليه . المثل الياباني اكثر دقة , اذ انه يتحدّث عن ( القريبين روحيّا ) . يوجد مثل روسي طريف جدا في نفس هذا المعنى ايضا يقول – صيّاد السمك يرى صيّاد السمك الآخر عن بعد...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتدخل في الخلاف بين الزوج والزوجة .
التعليق – هذه ( نصيحة !) يابانية صحيحة فعلا وثمينة حقا , فالخلاف بين الزوج والزوجة ظاهرة طبيعية في كل المجتمعات , وغالبا ما تنتهي بالتسامح والتغاضي و(عودة المياه الى مجاريها !) , وعندئذ يبقى أثر التدخل سلبيا تجاه ذاك الذي تدخل بينهما . المثل العربي يقول – لا تتدخل بما لا يعنيك فتسمع ما لا يرضيك .
+++++
الترجمة الحرفية – المهم ان تبدأ.
التعليق – البداية صعبة عادة في كل شئ, وغالبا ما يتردد الانسان من الاقدام عليها , لهذا يشير المثل الياباني الى ان المهم ان يبدأ الانسان . المثل الروسي يقول - البداية الطيبة تشفط نصف العمل , والمثل الهندي يقول – البداية الجيدة نصف النجاح , وكل ما تشير اليه هذه الامثال صحيح فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – في أيام السلم لا تنسى أخطار الحرب .
التعليق – مثل يتناسق وينسجم كلّيا مع تاريخ الكثير من شعوب العالم , بما فيها الشعوب العربية , رغم ان ايام السلم أقل – مع الاسف الشديد – من ايام الحروب لدينا ...
+++++
الترجمة الحرفية – يعطون من أجل ان يستلموا .
التعليق – ولا يوجد من يعطي عبثا ودون ان يفكّر او يخطط كي يستلم , وهناك مثل بلهجتنا العراقية يقول -  بلاش ما ينحاش , ( بلاش – مجانا / ما ينحاش – لا يمكن ان تحصده , اي دون نتائج ).
+++++
الترجمة الحرفية – عندما ترتوي , تنسى العطش .
التعليق – يوجد مثل صيني في نفس المعنى يقول – عندما يلتئم الجرح تنسى ألالم . هذه هي طبيعة الحياة الانسانية , ف ( الزمن يداوي ) , كما يقول المثل الروسي ...
+++++
الترجمة الحرفية -  المهم ليس المنصب , المهم التربية .
التعليق – كم يبدو هذا المثل مطابقا لما يحدث بيننا الان وحولنا , وكم من امثلة رهيبة صادفناها في حياتنا تؤكد صحة هذا المثل ! هناك مثل روسي يصف هذه الحالة يقول – من القذارة الى الامارة ...
+++++
الترجمة الحرفية – والضيف النادر في اليوم الثالث يصبح مزعجا .
التعليق – المثل الارمني يقول – ملعون البيت بلا ضيوف , لكن ملعون ايضا الضيف الذي يأتي في المساء ولا يخرج حتى الصباح .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يتكلمون عن المستقبل , الابالسة تضحك .
التعليق – مثل مرح وحزين في آن واحد , رغم ان صاحبي قال , انه تراجيدي بكل معنى الكلمة وقبل كل شئ ...
 +++++
الترجمة الحرفية – لا الكهول ولا الشباب يعرفون متى تحلّ ساعتهم .
التعليق – لنتذكر الآية الكريمة  -  ... ولا تدري نفس بأي ارض تموت ...
+++++
الترجمة الحرفية – الندم المتأخر لا يصلح ( بضم الياء ) الذي حدث .
التعليق – ... ولآت ساعة مندم ...
+++++
الترجمة الحرفية – ما دامت توجد حياة , فالأمل موجود .
التعليق – ونحن نقول ايضا -  لولا الامل لبطل العمل . المثل الياباني دقيق وحاسم جدا واكثر وضوحا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا نقيّمه ما دام على قيد الحياة , يموت فنتأسّى عليه .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى –  لا نحافظ على ما نملكه , و نبكي عليه عندما نفقده ..
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.






267
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (12)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – انسان بلا رأيّ لا يصلح ان يكون عرّافا او طبيبا .
التعليق – الانسان بلا رأي محدد هو الانسان المتردد في اتخاذ قراره الحاسم في كل شئ , فكيف يمكن – فعلا – ان يكون طبيبا ؟ ولكن الطرافة في هذا المثل الصيني تكمن في الاشارة الى ( مهنة!!!) العرّاف ايضا . مثل حاذق جدا ويدعونا الى ( التأمّل ) بطبيعة الانسان وتأثيرها على مهنته , خصوصا اذا كان هذا الانسان طبيبا يعالج أجسادنا , او عرّافا (يتوغل !) في أرواحنا .
+++++
الترجمة الحرفية – العجل الذي ولد لتوّه لا يخاف من الذئاب .
التعليق – الخوف ظاهرة اجتماعية تأتي نتيجة النضوج والتعامل مع العناصر المحيطة بنا في مسيرة االحياة , والذي تلدغه الحيّة – كما يقول مثلنا الشهير -  يخاف من ....
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان مثل الطبر –  يطبر.
التعليق – صورة فنية جديدة عن اللسان في هذه الامثال العديدة جدا وعند مختلف الشعوب , فهو ( عدو الانسان ) , و ( منشار ) , و (  سهم ) , و ( سيف ) و..و..و.. , ولكن هذا المثل الصيني يسميّه طبرا ... وقد قال صاحبي وهو يضحك – نعم نعم , هذه هي التسمية الدقيقة فعلا...
+++++
الترجمة الحرفية – في النهار افكار , في الليل أحلام .
التعليق –  نحن نقول كلام الليل يمحوه النهار , فهل المثل الصيني يرى , ان هذه ( المعادلة !!!) صحيحة فعلا ؟ هناك من يقول , ان المثل الصيني يؤكّد صحة مثلنا العربي , لان افكار النهار الواقعية تنسف احلام الليل الخيالية , وهناك من يقول , ان المثل الصيني يقف ضد المثل العربي , لأن الافكار النهارية هي التطبيق العملي لأحلام الليل, وهناك من يقول , ان المثل الصيني هذا ( حمّال أوجه ) , فافكار النهار واحلام الليل قد يتطابقان بعض الاحيان وقد يتصادمان في أحيان اخرى... وفي كل الاحوال المثل الصيني هذا جميل ويدعونا الى التأمّل في العلاقة بين افكارنا في النهار واحلامنا في الليل ...   
+++++
الترجمة الحرفية – كلمات الكهول غالية مثل الجواهر .
التعليق – لان هذه الكلمات تعكس خبرة الحياة الطويلة , ويعرف ( الراسخون في العلم !) , ان اللقب الذي يحمله شاعرنا الجواهري جاء من كتاب كتبه أحد اجداده بعنوان ( جواهر الكلام )...
+++++
الترجمة الحرفية – على شجرة واحدة تنمو الثمار الحلوة والحامضة .
التعليق – وكذلك هي الحياة , ولكن صاحبي قال , ان الثمار الحامضة في شجرة الحياة أكثر من الثمار الحلوة مع الاسف .
+++++
الترجمة الحرفية – كالفأر عندما كان يحلم ان يكون موظفا ,  وكالنمر عندما أصبح موظفا .
ألتعليق – مثل صحيح وطريف ايضا , وكم تكون المأساة كبيرة , عندما يبدأ هذا ( النمر! ) بنهش وافتراس المحيطين به قبل كل شئ  , وحتى الذين كانوا يتعاطفون معه عندما كان ( كالفأر ).
+++++
الترجمة الحرفية – دون صديق جيّد , لا يعرف الانسان أخطاءه .
التعليق – مثلنا العربي يقول - الصديق من صدقك وليس من صدّقك . المثل الصيني يذهب أبعد , ويحدد الموضوع بشكل أكثر وضوحا و دقة .
+++++
الترجمة الحرفية –  الذي تراه العيون – حقيقة , والذي تسمعه الآذان – مشكوك فيه.
التعليق – كل الامثال عند مختلف الشعوب تؤكد هذه الحقيقة الساطعة, وكم هو مؤسف , ان الانسان في كل مكان لايزال يصدّق ( ما تسمعه الآذان ) , ومايزال يكرر ما يسمعه ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجرذان لا يعضّون القطط .
التعليق – لأنهم لا يقدرون على ذلك , ولهذا يجب ان تسود هذه العلاقة تجاه  جرذان المجتمع الانساني ايضا , والاّ , فان جرذان المجتمع يمكن ان يعضّونا , كما يحدث في بعض مجتمعاتنا .
+++++
الترجمة الحرفية – والجبال الشاهقة لا تعيق الغيوم .
التعليق – مثل جميل شكلا ومضمونا , شكلا لأنه يرسم لنا لوحة شاعرية جدا , ومضمونا لأنه يؤكد على ان الحياة تنتصر في نهاية المطاف على كل الصعاب والعراقيل التي تقف امامها , مهما تكن تلك الصعاب.
+++++
الترجمة الحرفية – في الغابة لا يتاجرون بالحطب , وعلى ضفاف البحيرة بالسمك .
التعليق – هل تذكرون المثل الشهير باللهجة المصرية - متروحش تبيع الميّة في حارة السقايين .
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد عقل يمكن ان تطعم الآف الافواه , لا يوجد عقل بصعوبة تعيش لوحدك .
التعليق – العقل اساس الحياة وجوهرها  , مثلما العدل اساس الملك  ...
+++++
الترجمة الحرفية – بلسانه مرح , وراء الظهر سكيّن .
التعليق – ونحن نقول بلهجتنا العراقية -  بالوجه مراية وبالكفه سلاّيه....
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المنقحة والمزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا .
ض.ن.




268
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – في الشؤون الغريبة بصير , في شؤونه – أعمى .
التعليق – آه !!!  كم يذكّرني هذا المثل الفيتنامي بتاريخنا العراقي السياسي , والذي عاصرته منذ اواسط القرن العشرين , عندما كان رفاقي يتحدثون لي عن تلك ( الشؤون الغريبة !) وتفاصيلها وانتصاراتها , وهم لا يعرفون  ( درابين بلادهم وشعابها !!) . هكذا قال لي صاحبي وهو يهزّ رأسه مبتسما بحزن. قلت له , انت - مرة اخرى - تفسّر المثل تفسيرا سياسيّا بحتا , فقال لي بحدّة , فسّره انت كما تشاء , فكل واحد منّا ( يبكي على ليلاه!) .
+++++
الترجمة الحرفية – يدور في مكان واحد , مثل قارب في عتمة الليل .
التعليق – قلت لصاحبي , لا اريد ان تشرح  لي , ان هذا المثل يتناول ايضا تلك الجماعات السياسية العراقية, التي (تدور!) في مكانها , فضحك صاحبي وقال , لقد اصبحت ( تقرأ !) افكاري ( وهيّ طايره ) . قلت له , لماذا لا تتأّمل الجمالية المدهشة لهذا المثل , الذي يشرح الدوران في مكان واحد بسبب ( عتمة الليل ) , ولماذا لا ترى , ان هذا المثل يعني , ان الانطلاق يأتي عندما يتحرر الانسان من ( العتمة ) , اي عندما يفتح الانسان عينيه في (ضياء) الحرية والمعرفة والتسامح و..و..و....
+++++
الترجمة الحرفية – اذا كنت تحب ثمار شجرة , فحافظ على أزهارها .
التعليق –  كل شئ جميل ورائع في الحياة  يتطلب جهدا للحفاظ عليه , والحب بمعناه الواسع يقتضي جهودا مضاعفة لأنه يقع على رأس الاشياء الرائعة في حياتنا .
+++++
الترجمة الحرفية – الثروة تخلق مراسيمها .
التعليق – صحيح جدا , ولهذا يتغّير الاثرياء وفق تلك الثروة ويصبحون – بالتدريج - اناسا آخرين بتصرفاتهم ومطاليبهم وعاداتهم ...
+++++
الترجمة الحرفية -  العسل قليل والذباب كثير .
التعليق – وهذا هو معنى التكالب , والتكالب – حسب هذا المثل الفيتنامي -  يقوم به الذباب فقط , وكم يبدو ذلك التحديد دقيقا وصحيحا , ولهذا فان هذا المثل واقعي وصارم و حازم جدا . آه من (الذباب!!!) وتكالبه في مجتمعاتنا ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الرياح والشعلة تنطفئ .
التعليق – من الضرورة ان يسود التفكير الموضوعي السليم ,الذي يأخذ بنظر الاعتبار الظروف الواقعية المحيطة ويبني على اساسها مسيرة الانسان اللاحقة . انه مثل رمزي عميق المعنى . توجد أمثال عديدة عند مختلف الشعوب تدعو الى التفكير الواقعي السليم , وهي ذات صور فنية متنوعة جدا . لنتذكر المثل المشهور وبلهجتنا العراقية – الما يعرف تدابيره حنطته تاكل شعيره , وهناك مثل كوري ساخر في هذا المعنى يقول – من بذور الخيار لن ينمو الباذنجان ...
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمات وحدها  ليست اثباتا .
التعليق –  عندما تكون الكلمات وحدها , فانها تتحول الى ثرثرة ليس الا ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا تبتلع الشئ الذي لم تمضغه , ولا تثرثر بالشئ الذي لم تفكّر حوله .
التعليق – مثل رائع , ويحتاجه الانسان في كل المجتمعات , لأنه ضروري للصحة البدنية اولا , وضروري ثانيا للسلامة الامنية والنفسية ايضا , فاللسان في كثير من الاحيان عدو للانسان...
+++++
الترجمة الحرفية – كل خطوة في الطريق تضيف شيئا من الحكمة .
التعليق – مثل واقعي فعلا , فالحكمة هي تراكم التجربة والتطبيق في حياة الانسان , وكل خطوة يخطوها الانسان في طريق حياته تمنحه تجربة و خبرة , والحكمة طبعا تأتي من هذه التجارب والتفاعلات اثناء مسيرة الحياة ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تكثر الخطّابات , ستنام وحيدا في المساء .
التعليق – ويقول المثل العربي , وهو واقعيا عالمي , ان السفينة تغرق من كثرة الملّاحين , ويقول المثل الروسي في هذا المعنى ايضا , ان الطفل بلا عناية عندما يكون عند سبع مربيّات . المثل الفيتنامي يتناول نفس الفكرة طبعا , ولكن في اطار اجواء جديدة و طريفة  ولا تخطر على البال للوهلة الاولى , خصوصا ان ( مرحلة الخطّابات ) قد تلاشت تقريبا في حياة الناس ...
+++++
الترجمة الحرفية – تعرف معنى الاخلاص في الزمن المضطرب .
التعليق – المثل العربي المشهور( وهو عالمي ايضا ) يشير الى ان الصديق وقت الضيق , ويتوسّع المثل الارمني أكثر ويقول , انك تعرف العدو والصديق وقت الضيق , ولكن المثل الفيتنامي هنا يحدد وبشكل دقيق , ان الزمن الصعب والمضطرب هو الذي يعرف فيه الانسان  معنى اخلاص الآخرين . مثل حقيقي وواقعي ودقيق بكل معنى الكلمة ...
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقّحة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.

269
أمثال صينية مترجمة عن الروسية (11)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من عش الغراب لن تأخذ بيضة دجاجة .
التعليق – مثل جميل وطريف , وصورته الفنية جديدة ومبتكرة بكل معنى الكلمة . قال صاحبي , ان هذا المثل سياسي بحت , وانه ينطبق على هؤلاء الذين يأملون العدالة من الطغمة الظالمة بسبب سذاجتهم وعدم معرفتهم بقواعد اللعبة . قلت له , انك تحمّل المثل بافكارك العراقية الملتهبة , لانك ترى كل شئ عبر هذه المعاناة في بلادنا. لم يوافق , ولكنه لم يعلق بشئ , وقال فقط بسخرية ظاهرة  – اذهب وخذ بيض الدجاج من عش الغراب ...
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يكون الانسان محبّا للعمل , الارض لن تكون كسولة .
التعليق – تلاعب غير اعتيادي بالكلمات ومعانيها وموقعها في الجملة , ولكن هذا ( التلاعب!) جميل جدا , لأنه يؤكد حقيقة ساطعة تقول , ان ( كسل!) الارض يرتبط فعلا ب ( كسل ! ) الانسان , ومعروفة علاقة الكسل والبصل في مثلنا العربي الشهير والعتيد - الكسل ما يطعّم بصل ... مثل فريد جدا بصياغته المتميّزة .
+++++
الترجمة الحرفية – الافضل ان ترى الوجه , مما ان تسمع الاسم .
التعليق – توجد علاقة وثيقة بين مشاهدة العين وسماع الاذن , وقد تناولتها أمثال الشعوب كثيرا , بما فيها أمثالنا العربية طبعا , ولكن المثل الصيني هذا يحدد موقفا دقيقا واضحا جدا , وهو – رؤية الوجه مقارنة بسماع الاسم , ومن الواضح هنا , ان الكلام يدور حول الانسان , الذي يتطلب ان يحدد الشخص موقفا بشأنه . طرح صاحبي عليّ سؤالا طريفا حول هذا المثل , وهو – هل ان الصينيين أخذوا يصيغون ألامثال الملائمة لنا , مثلما يعملون البضائع الملائمة لنا ؟ ضحكت أنا , وقلت له – لا أعرف , ولكن يجب ان تسأل دلاّلاّت الزواج عندنا , فضحك صاحبي ايضا وقال – هنّ اختفين في عصرنا تقريبا , ولكن المثل الصيني لازال حيّا يرزق .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تتسلق – لن تسقط .
التعليق – ما ابسط هذه المثل وما اعمقه ! سألني صاحبي - هل يسمع (المتسلقون العرب !) تحذير المثل الصيني يا ترى ؟ فقلت له , المتسلقون العرب وغير العرب لن يسمعوا هذا التحذير الا بعد ان يسقطوا ...وتلك هي التراجيديا والكوميديا في الفن المسرحي وفي مسرح الحياة ايضا.
+++++
الترجمة الحرفية – لم يتعلم المشي بعد , ويريد ان يركض .
التعليق – يقول المثل الروسي في هذا المعنى – لم يجفّ الحليب على شفتيه بعد . كل الامثال العالمية حول هذه الظاهرة الانسانية تمتلك صورا فنية طريفة طبعا . هل تذكرون تعابيرنا المتنوعة بلهجتنا العراقية عن (اللحيمية) , وعن (الزعاطيط) , و عن ( الحثلّك ) ... 
+++++
الترجمة الحرفية – الف معلّم , ألف طريقة و اسلوب .
التعليق – كلام صحيح فعلا . تلاميذ المعلمين سيختارون في مسيرة حياتهم اللاحقة الطريقة الأفضل والاسلوب الأمثل لهم في حياتهم , ولكن المثل الصيني هذا يؤكد حقيقة ساطعة تقول , ان  هذه المهنة ترتبط بالمهارة الذاتية للمعلّم قبل كل شئ . 
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان الذكي لا (يصرف) كلمات كثيرة .
التعليق – وضعنا كلمة يصرف بين قوسين في الترجمة الحرفية رغم عدم وجود ذلك في النص الاصلي , وذلك لأن روحية هذا المثل الصيني تكمن في هذه الكلمة , اذ انه يريد ان يقول لنا , ان (الكلمات) ثمينة مثل (النقود) , ولهذا , فان الانسان الذكي لا ( يصرفها! ) عبثا . مثل ذكيّ ومبتكر فعلا.
+++++
الترجمة الحرفية – قلوب البشر ليست متشابهة , مثل الوجوه .
التعليق – الله الله ...هكذا صاح صاحبي عندما قرأت له هذا المثل , فسألته متعجبا عن سبب ذلك فقال , المعنى جميل جدا والصياغة كأنها قصيدة نثر , وانني صحت هكذا اعجابا بالمثل شكلا ومضمونا . ثم سألني , وانت ماذا ترى ؟ قلت له , اني اتفق معك كليّا ...
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.




270
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – تبدو للغريق , ان القشّة يمكن ان تنقذه .
التعليق – ونحن نقول بلهجتنا العراقية – الغركان يجلّب بكشّاية ( الغريق يتمسّك بقشة ) . قال صاحبي , يبدو ان هذا المثل الهندي هو اصل المثل العراقي , فقلت له , انني وجدت هذا المثل عند اليابانيين ايضا , وهو – الغريق يتشبث حتى بقشة , وعلّقت عليه حينها , انه متطابق مع المثل العراقي , ولا نعلم من الذي استخدمه اولا , والان وبعد النموذج الهندي , اظن , ان المثل هذا يرتبط بتلك المناطق وشعوبها فعلا , وانه تم تحويره عندنا وبلهجتنا , لأنه يصوّر حالة مأساوية عامة تتكرر في المجتمعات كافة .
+++++
الترجمة الحرفية – شئ ما أفضل من لاشئ .
التعليق –  ونحن نقول بلهجتنا العراقية - احسن من الماكو , ( الماكو – اللاشئ ) . مثل منطقي بكل معنى الكلمة , وتنطبق عليه - شكلا ومضمونا - النظرية النسبية بشكل واضح .
+++++
الترجمة الحرفية – الرقّة لا تتحدد بنعومة الجلد , وانما بالسلوك .
التعليق – مثل جميل جدا , وهو يؤكد على ان تصرفات الانسان اهم من شكله العام ومظهره الخارجي , وان هذا السلوك هو الذي يضفي على الانسان جماليته و( رقّته !) .
+++++
الترجمة الحرفية – المهم ان يكون هناك بيض , الكتاكيت عندها ستكون .
التعليق –  الشئ رقم واحد هو الاهم دائما , اما بقية الاشياء التي ترتبط به , فانها تأتي بعده , رغم انها مهمة ايضا . الكتاكيت من البيض وليس البيض من الكتاكيت , وهكذا الامور كلها في مسيرة الحياة . المثل الهندي هذا طريف جدا ويشرح - بشكل واضح وبسيط - الموقف الصحيح من مشكلة اجتماعية معقدة .
+++++
الترجمة الحرفية – في الماء يلتقون أزهار اللوتس والتماسيح .
التعليق – نعم , هذا صحيح طبعا , وهذه هي قوانين الحياة دائما . يوجد مثل أرمني جميل في هذا المعنى العام لهذا المثل الهندي يقول -  يتساقط المطر على الاخيار والاشرار .
+++++
الترجمة الحرفية – البطولة لا تحتاج الى تمجيد .
التعليق – لأن البطولة هي بحد ذاتها تمجّد نفسها بنفسها . لنتذكر الآية الكريمة - وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ..
+++++
الترجمة الحرفية – الاسد لا يأكل العشب , حتى اذا لا يوجد طعام آخر .
التعليق – مثل رائع حقا . فالاسد أسد في كل شئ , ولهذا فانه رمز الشموخ عند مختلف الشعوب . لنتذكر شموخ ( أسد بابل ) الخالد في تاريخنا . يوجد مثل  كوري في اطار نفس المعنى يقول – النسر لا يصطاد الذباب .
+++++
الترجمة الحرفية – يمضي الزمان , والصديق يصبح عدوا , والعدو صديقا .
التعليق – مثل الهنود الحمر يقول – ليس العدو دائما عدوا , والصديق صديقا . الفكرة نفسها عند شعوب متباعدة , لانها فكرة صحيحة وعامة عند الجميع .
+++++
الترجمة الحرفية – كل حرفة ليست سهلة .
التعليق – المثل الروسي يقول -  دون جهد لا يمكنك اخراج حتى سمكة صغيرة من الماء , فكيف بحرفة يتعلمها الانسان ؟ المثل الهندي هذا دقيق جدا , ويصلح في كل المجتمعات . 
+++++
الترجمة الحرفية – المرأة والريح والنجاحات لا يمتازون بالديمومة .
التعليق – قال صاحبي , ان هذا المثل ينطبق على الريح والنجاحات فعلا , ولكنه لا ينطبق على المرأة , فابتسمت أنا ولذت بالصمت , فسألني صاحبي , لماذا لا تعلّق على ما قلته لك , فأجبته – السكوت من الرضا .
+++++
الترجمة الحرفية – من يسمّي لبنه حامضا ؟
التعليق – يوجد بلهجتنا العراقية هذا المثل بالضبط , وهو - منو يكول لبني حامض ( من يقول لبني حامض ) . اذن هو مثل هندي وصل الى العراق مع الهنود - قلنا انا وصاحبي ذلك سوية ونحن نضحك . 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يسير يقهرالطريق .
التعليق – ونحن نقول -  من سار على الدرب وصل .
+++++
الترجمة الحرفية – في البداية فكّر , بعدئذ تكلّم .
التعليق – تؤكّد امثال الشعوب كافة على هذا المفهوم المنطقي الصحيح , لأن اللسان عدو الانسان كما يقول مثلنا الشهير, ويمكن لزلّة اللسان ان تؤدي الى نتائج وخيمة بالانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – عند الضرورة حتى الغبي يتملقون له بالمديح .
التعليق – كم هي مؤلمة هذه ( الضرورة !) , عندما يضطر الانسان ان يمدح الغبي تملقا .  يوجد مثل بلهجتنا العراقية يصف هذه الحالة المزرية , وهو - اذا حاجتك يمّ الجلب سميه حجي جليب ( يمّ – عند / سميه – اطلق عليه تسمية / حجي – الحاج / جليب – تصغير لكلمة كلب )
+++++
الترجمة الحرفية – الاعتدال بالطعام صحة دائمة .
التعليق –  يوجد مثل هندي آخر حول نفس الموضوع  يقول - الاعتدال بالطعام اكثر فائدة من مئة طبيب , وفي هذا المثل مبالغة طبعا , والمبالغة سمة من سمات الامثال , خصوصا الامثال الشرقية , ولكن بنية المثل صحيحة فعلا , فالمعدة بيت الداء ...
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا .
ض.ن.

271
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – جيش بلا قائد مثل نمر بلا رأس .
التعليق – صورة فنية مرعبة حقا , فالنمر حيوان مفترس دموي, وهذا الوحش بلا رأس ! يرسم هذا المثل صورة سريالية للوهلة الاولى ( نمر بلا رأس ) , ولكن من الواضح تماما , ان هذه الصورة السريالية ذات ابعاد واقعية جدا , اذ تعني ان هذا الوحش بلا عقل يقود افعاله , وهنا يكمن جوهر هذا المثل ورمزيته, فالجيوش ( وكل فئة مسلحة ) بلا عقل هي وحوش خطرة يمكن ان ترتكب اعمالا رهيبة .
+++++
الترجمة الحرفية –          الثروة - مدّ وجزر .
التعليق – مثل صحيح , وكم شاهدنا مدّ هذه الثروة وجزرها  في الحياة . لنتذكر القول العظيم – يوم لك ويوم عليك ...
+++++
الترجمة الحرفية – توجد عيون , لكن لا توجد رؤية .
التعليق –  لأن الرؤية ترتبط بالعقل وليس بالعيون . مثل عميق يدعو الى التفكير والتأمّل فعلا ...
+++++
الترجمة الحرفية – رأس كبير , لكنه غبي .
التعليق –  يوجد مثل طريف بمختلف اللهجات العربية في هذا المعنى , وهو  - الطول طول النخلة والعقل عقل الصخلة . مثلنا مرح جدا وخفيف الظل , أما المثل الفيتنامي فانه جاف جدا مقارنة مع مثلنا , الا انه اكثر دقّة واوضح.
+++++
الترجمة الحرفية – كل الاحزان ينساها الانسان , وكل المصائب تمر .
التعليق – توجد امثال كثيرة عند الشعوب في هذا المعنى , فنحن نقول - لا يوجد حزنا مهما كان لا يخففه الزمان , والروس يقولون – الزمن يداوي...
+++++
الترجمة الحرفية – في السماء طيور , وفي الماء سمك , يمكنك ان تصيد وتتناول طعامك .
التعليق – العمل يطعم الانسان , والكسل لا يطعم بصل كما يقول المثل العربي المعروف , و المثل الروسي يقول – دون العمل لا يأكلون العسل , لكن الصورة الفنية في المثل الفيتنامي تبقى متميّزة تماما .
+++++
     
الترجمة الحرفية – يأكل الموز ولا يعرف كيف يقشره .
التعليق – مثل ساخر جدا , والصورة الفنية فيه مدهشة فعلا , فتقشير الموز لا تتطلب معرفة اي شئ  . المثل يتناول أقصى انواع الاتكالية على الاخرين . قال صاحبي , ان هذا المثل يذكرني بمفهوم التنابلة في تراثنا , وقد أيدته بذلك , وتحدثنا كلانا عن ( تنبل ابو رطبة ) العراقي , وقارناه ب ( تنبل ابو الموز ) الفيتنامي . 
+++++
الترجمة الحرفية – التكلم بصورة شيقة افضل من التكلم كثيرا.
التعليق – مثل رائع , وما أحوجنا الى هذا المثل , عندما ( يهاجمنا الثرثارون !!!) , وما أكثرهم في المجتمعات كافة .
+++++
الترجمة الحرفية – المبالغة في التقدير تتحول الى خوف.
التعليق – الزائد كالناقص كما يقول مثلنا المعروف , وهناك حدود دقيقة وحازمة لكل الظواهر , ويجب مراعاتها وعدم خرقها بتاتا  . المثل الفيتنامي صحيح جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – ماء في النهر – رز في السوق .
التعليق –  كل الامثال تنطلق من البيئة المحيطة بها , فنحن نقول عن ماء المطر- انه خير , والروسي يقول عنه - انه خبز , والفيتنامي يقول - انه رز , وهكذا دواليك . لنتذكر الآية الكريمة حول الماء – وجعلنا من الماء كل شئ حي ...
+++++
الترجمة الحرفية –عالج انحناء الشجرة ما دامت صغيرة , وعلّم الطفل ما دام صغيرا .
التعليق – العلم في الصغر كالنقش في الحجر , هكذا نحن نقول . المثل العربي جميل , لكن المثل الفيتنامي اكثر دقّة , فهو يضع النقاط على الحروف ...
+++++
الترجمة الحرفية – الفقير يحلم ان يصبح غنّيا , والمريض – متعافيا .
التعليق – كل انسان يحلم بالشئ الذي ينقصه , و الجائع يرى الخبز في منامه ...
+++++
الترجمة الحرفية – في الداخل بصيص , في الخارج شعلة .
التعليق – المثل العربي حول هذه الحالة يقول - من فوق رخام ومن تحت سخام , وتوجد العديد من الامثال الطريفة لدينا حول ذلك . هناك  مثل اندونيسي مناظر لهذا المثل الفيتنامي يقول – من الخارج يتلامع , من الداخل يعلوه الصدأ...
+++++
الترجمة الحرفية – الجدّ يتكلم عن الدجاجة , والجدّة تحدّثه عن البطة .
التعليق – يقول المثل الكوري – كبار السن يصبحون اطفالا مرة اخرى , اي ان الجد والجدة الان في مرحلة الطفولة من جديد , الا ان صاحبي قال , انه غير متفق مع هذا التفسير للمثل الفيتنامي , اذ انه يرى , ان المثل يعني انهما ( الجد والجدة ) وصلا الى نقطة اللاتفاهم المطلق بينهما , وان المثل العراقي -  اكله ب يكولي ت ( اقول له باء يقول لي تاء ) هو المثل المناظر.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا سرت في طريق , فلا تتراجع في منتصفه .
التعليق – مثل جميل ومفيد , و يحتاجه الانسان فعلا في مسيرة حياته . يقول المثل العربي – الامور بخواتمها .
+++++
الترجمة الحرفية – يسير في الماء ولايزال يخاف ان تبتل قدماه .
التعليق – صورة كاريكاتيرية واضحة المعالم جدا للانسان غير الواقعي والبعيد جدا عن ظروفه المحيطة به.  رسومات الكاريكاتير تتميّز دائما بالمبالغة كي توصل الفكرة بشكل واضح جدا , والمثل الفيتنامي هذا يجسّد هذه الخصائص طبعا .
+++++
الترجمة الحرفية – طريق العودة يبدو أقصر دائما .
التعليق – كثير من الامور في الحياة ترتبط بالحالة النفسية للانسان , والمثل الفيتنامي هذا يرسم صورة طريفة فعلا لذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – ذكي واحد لا يقدر ان يقاوم مجموعة من الاغبياء .
التعليق – الكثرة تغلب الشجاعة بغض النظر عن الذكاء والغباء ...
+++++
الترجمة الحرفية – الطير الحكيم يحافظ على الريش , والانسان الحكيم على الكلمات .
التعليق – مثل حكيم عن الحكماء , والمقارنة في هذا المثل جميلة جدا ومبتكرة بكل معنى الكلمة.
+++++
الترجمة الحرفية – في المرة الاولى أخفق , في المرة الثانية يكون أكثر حذرا .
التعليق – لا يلدغ المؤمن من جحر مرتين , ونحن نتعلم من الاخطاء ... المثل الفيتنامي يلخّص كل هذه المعاني  بشكل دقيق وبسيط وواضح جدا.
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب – ( امثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المنقحة والمزيدة , والذي سيصدر عن دار نوّارللنشر قريبا في بغداد.
ض.ن.

272
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الرحمة تجمّل الانسان القويّ.
التعليق – ونحن نقول - العفو عند المقدرة . أليس العفو يعني قوة الانسان ؟ وأليس العفو يجعل الانسان جميلا ؟ وأليس العفو هو الرحمة؟ المثل الهندي صحيح مثلما القول العربي . 
+++++
الترجمة الحرفية – بائع النظارات في عالم العميان .
التعليق – مثل ساخر جدا , وهو يصطاد عصفورين بحجر واحد , اذ يسخر من سذاجة هذا البائع المنفّذ للفكرة , و يسخر طبعا من غباء مخططي هذه التجارة الكاسدة. توجد امثال كثيرة حول هذه الحالة , منها المثل المشهور باللهجة المصرية –  متروحش تبيع الميّة في حارة السقايين . المثل المصري طريف , والمثل الهندي دقيق .
+++++
الترجمة الحرفية – اللص للّص ابناء عم .
التعليق – الاعمال السيئة توحّد القائمين بها . مثل دقيق جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – البطالة تخلق افكارا شيطانية .
التعليق – مثل واقعي صحيح جدا , ونراه واضحا – مع الاسف الشديد - في ظروف عالمنا المأساوية . 
+++++
الترجمة الحرفية – الذي لا يجيب بغضب على الغضب , ينقذ الاثنين – نفسه والشخص الذي غضب اولا.
التعليق – يوجد حديث شريف في تراثنا يقول – لا تغضب . المثل الهندي تطبيق عملي لجوهر ذلك الحدبث العظيم .
+++++
الترجمة الحرفية – حاول الغراب ان يسير مثل البجعة , ولم يعد يقدر- بعدئذ-  السير مثل الغراب .
التعليق -  هل تذكرون المثل بمختلف اللهجات العربية – غراب البين ضيّع المشيتين ؟ مثلنا هذا يتطابق شكلا ومضمونا مع المثل الهندي , لكن صاحبي قال لي , ان هناك مثل عراقي آخر أكثر طرافة يتطابق مع هذه الحالة ايضا , وهو – لا حظت برجيله ولا خذت سيد علي , و( ترجمة !) هذا المثل هكذا – لم تحظ بزوجها ولم تتزوج سيد علي . قلت لصاحبي مبتسما , نعم المثل يتطابق فعلا , الا انه صعب لغير العراقي , اذ يقتضي شرحا تفصيليا للحكاية . المثل الهندي واضح المعالم .
+++++
الترجمة الحرفية – من اين للحمار ان يعرف طعم الرفاهية ؟
التعليق – صاح صاحبي عندما سمع هذا المثل – الله ما أجمل ذلك ! , فقلت له متعجبا – ما سبب هذا الاعجاب , فقال – البناء الفني لهذا المثل الهندي , فالحمار هو رمز الحيوان الصبور , الذي يذهب محمّلا ويعود محمّلا , كما يقول مثلنا الشهير- حمار المشاهدة يخرج بزبالة ويدخل بجص , فكيف يمكن لهذا المسكين ان يعرف معنى الرفاهية . قلت لصاحبي – نعم , موقفك صحيح فعلا , وكنت أتذكّرفي هذه اللحظة - وبأسى - بعض حالات البشر ...
+++++
الترجمة الحرفية – الغراب الصغيرمثل الذهب بالنسبة للغراب الكبير .
التعليق – يقول المثل العالمي - القرد بعين امه غزال , وهناك مثل هندي آحر في نفس هذا المعنى يقول – القنفذ يعتبر جلد اطفاله ناعما . المثل المذكور هنا يأتي بصورة جديدة للمثل القديم , فالهند مليئة بمختلف الحيوانات , وملاحظاتهم الدقيقة حول هذه الحيوانات تؤدي الى صياغة امثال ترتبط بحياة المجتمع . الاجتهاد الجديد جميل دائما , والصور الفنية الجديدة تنعش الروح والقلب .
+++++
الترحمة الحرفية – حتى في الدورق المكسور يمكن ان تضع سكر .
التعليق –  الصورة الفنية جميلة ورمزية في هذا المثل , والدورق المكسور يمكن ان يعني حتى الانسان المكسور , الذي يحتاج ايضا الى ( سكّر!!!) , سكّر من العناية والكلمات الطيبة , و المثل الروسي يقول – الكلمة الطيبة تداوي والكلمة الشريرة تقتل ....
 +++++
الترجمة الحرفية – لا تصدّق الذي يسمع , صدّق الذي يرى .
التعليق – المثل الروسي يقول – افضل ان ترى مرة , من ان تسمع مئة مرة , والمثل العربي يقول – ليس من رأى كمن سمع , وبلهجتنا العراقية نقول – الحجي مو مثل الشوف ( الحجي – الكلام , مو – ليس , الشوف – الرؤية بالعين ) . وكل هذه الامثال صحيحة جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – في الماء لا تتخاصم مع التماسيح .
التعليق – مثل حكيم , فالانتصار في معركة الحياة تقتضي ان يحدد المنتصر اين ومتى يجب ان ( يتعارك !).
+++++
الترجمة الحرفية – الصمت – نصف موافقة .
التعليق – المثل العالمي , والذي استقر بالعربية هو - السكوت من الرضا . المثل الهندي يختلف , رغم انه لا يتناقض جوهريا مع المثل العالمي . ربما يمكن القول , ان المثل الهندي أكثر دقة , اذ انه يعني فعلا – نصف الموافقة .
+++++
الترجمة الحرفية – لا تحكم حسب المظهر الخارجي .
التعليق –  المثل الروسي يقول – حسب الملابس يستقبلون , وحسب العقل يودعون . المثل الروسي يوضح صحة المثل الهندي ويعطي نهاية منطقية له .
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدرعن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.



273
أمثال هندية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – النصر اولا على نفسك , وبعدئذ على الاعداء .
التعليق – مثل فلسفي عميق , هكذا قال لي صاحبي , فطلبت منه توضيحا لذلك , فضحك وقال , الا يذكرك هذا المثل باوضاع بلداننا العربية ؟ ثم بدأ (يدندن!) بمقطع من اغنية عراقية شهيرة ظهرت في بداية الثمانينات تقول – ألف مبروك انتصرنا ... , ثم سألني – هل تريد ان (ادندن !!!) لك باغنيات عربية اخرى عن النصر ؟ فقلت له مبتسما - لا لا , اذ ان الفكرة قد وصلت ...
+++++
الترجمة الحرفية – يوجد عميان عيون , ويوجد عميان قلوب .
التعليق – صورة فنية واقعية فعلا . عميان العيون واضحون , ونحاول ان نساعدهم قدر الامكان لاننا نراهم , لكن عميان القلوب خطرون جدا , لأننا لا نراهم رغم انهم يعيشون بيننا , ولهذا , لا يمكن لنا ان نتجنبهم , وتلك هي المصيبة . يوجد مثل روسي يقول – العين بلا روح عمية , والاذن بلا قلب طرشة . المثل الروسي أوسع , الا انه يتحدث عن نفس الظاهرة  ...
+++++
الترجمة الحرفية – اذا لا تموت لن تشاهد الجنّة .
التعليق – وهل يحتاج هذا المثل الواضح والحاذق الى تعليق ؟ وهل من الضروري ان نشير هنا الى ان هذا المثل يعني عدم وجود الجنّة في حياتنا على الارض ؟ وهل من الواجب ان نستنتج ما هي طبيعة هذه الحياة , التي نحياها ؟ وهل يجب علينا ان نستمر بطرح هذه السلسلة من الاسئلة ؟؟؟
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تظهر الشمس , تختفي النجوم .
التعليق – نعم , هذا صحيح جدا في الواقع , وما وراء الواقع ايضا كما يقول ( الراسخون في النقد والفكر !!!) . مثل واضح ورمزي جميل , واضح وضوح الشمس عندما تشرق , وجميل جمال عودة النجوم عندما تعود ليلا , فظهور الشمس يعني سطوع النهار والنشاط والعمل , وعودة النجوم تعني الراحة والاسترخاء والاحلام ...
+++++
الترجمة الحرفية – الصمت أفضل من الكلمات الكاذبة .
التعليق – المثل العالمي وبمختلف الصيغ  و الاشكال يقول -  الكلام من فضة والصمت من ذهب , ولكن الصورة الفنية في هذا المثل الهندي جديدة ومبتكرة ورائعة فعلا , فلا توجد فيها فضة ولا ذهب , وانما يوجد فيها حل للانسان امام الكلمات الكاذبة , حل واقعي سليم , وما أحوجنا له في اطار واقعنا المرير , واقعنا الملئ ب ( الكلمات الكاذبة !) .
+++++
الترجمة الحرفية – النار تنطفئ لكنها لا تبرد .
التعليق –  مثل رائع . فهل نار الحب تبرد , الحب بمعناه الواسع والكبير , مثل حب الوطن وألاهل و الاحبة والاصدقاء والجدران التي كان يقبّلها الشاعرالعربي , هل تذكرون المقطع –  ... أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا ...؟
+++++
الترجمة الحرفية – فقط الذي يمتلك العصا يقدر ان يسوق الثور.
التعليق – ونحن نقول العصا لمن عصى . المثل العربي في نفس المعنى ولكنه أكثر شمولية , رغم رمزية المثل الهندي وصياغته الجميلة, اذ انه يرسم – وبمنطق واقناع والوان زاهية – ضرورة القوة والحزم عندما يقودون الثيران ... 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا أردت ان تعرف هل الرز جاهز , يكفي ان تجرّب حبّة واحدة .
التعليق –  يقول المثل الكوري ليس من الضروري شرب كل ماء البحر كي تعرف انه مالح . المثل بلهجتنا العراقية يقول – علج المخبل ترس حلكه , ( علك المجنون ملأ فمه ). أليس ذلك واضحا ؟
+++++
الترجمة الحرفية – بكى الذئب , عندما ابتلّت النعاج تحت المطر .
التعليق – لأن الذئب (رومانتيكي جدا ورقيق جدا !!!). ولهذا , فالحذار الحذار من دموع الرومانتيكيين واحاسيسهم الرقراقة . هذا ما يقوله لنا هذا المثل الهندي الواقعي جدا, والطريف جدا  , والساخر جدا .
+++++
الترجمة الحرفية – التعاطف وقت التعاسة مثل المطر وقت الجفاف .
التعليق – مقارنة شاعرية وحقيقية معا .  آه كم يحتاج الانسان في لحظات حزنه ومصائبه الى تعاطف الناس حوله , ويفهم الانسان الذي مرّ بهذه التجارب ماذا يعني كل ذلك ... 
+++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب – ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية , المزيدة والمنقحة , والذي سيصدر عن دار نوّار قريبا في بغداد.
ض.ن.


274
رواية تولستوي (الحرب والسلم ) بين أمريكا وروسيا
أ.د. ضياء نافع
تابعت – وبكل متعة  – برنامجا خاصا في بداية عام 2020 بثته محطة ( ايستوريا ) (التاريخ ) التلفزيونية الروسية حول الزيارة التي قام بها نيكيتا سرغييفتش خروشوف – الرجل الاول في الحزب الشيوعي السوفيتي والدولة السوفيتية في نهاية الخمسينات وبداية الستينيات الى الولايات المتحدة الامريكية  , حيث كنت أنا آنذاك طالبا في جامعة موسكو. لقد تذكرت ردود فعل الشباب الروس ونكاتهم ( نصف السرية ) حول تلك الزيارة , وكيف كانوا يسمونه ( كوكوروزنك ) اي ( ابو الذرة ) , لانه جلب معه من امريكا فكرة زراعة الذرة في الاتحاد السوفيتي , وتذكرت النكتة التي كانوا يحكونها عن رجل الفضاء الامريكي الذي وصل الى القمر ليزرع الذرة , فوجد القمر مزروعا بالذرة , وعندما سأل , من الذي قام بذلك , أخبروه بمجئ شخص سمين قصير القامة واصلع قد وصل الى القمر فجأة وزرع الذرة في كل مكان وعاد الى الارض دون ان يفهموا لماذا. القناة التلفزيونية الروسية لم تتحدث عن ذلك طبعا , ولكنها أشارت , الى ان خروشوف زار هوليود , واطلع ( بام عينيه !) على اخبار السينما الامريكية وفنانيها , وقد سمح – بعدئذ - بعرض الفلم الامريكي ( الحرب والسلم ) , الذي انتجته هوليود حسب رواية تولستوي في هوليود عام 1956 , وقال معلق البرنامج التلفزيوني المذكور , ان القيادة السوفيتية آنذاك لم تفكر بردود فعل المشاهدين السوفيت على هذا الفلم الامريكي , ولا بشأن ردود فعل الفنانين السوفيت بالذات , و توقف المعلق التلفزيوني بالتفصيل عند هذه النقطة الحساسة جدا  آنذاك , وكيف  ان الفنانين السوفيت طرحوا سؤالا كبيرا امام السلطات السوفيتية بعد عرض الفلم , وهو – لماذا انتجت امريكا رواية أعظم كاتب روسي في تاريخ روسيا , ولم تستطع روسيا نفسها القيام بذلك , وهي الاحرى بانتاج مثل هذا الفلم . وهكذا بدأ الحديث الصريح حول ذلك , ثم التنافس بين الفنانين السوفيت حول انتاج فلم سوفيتي لرواية تولستوي , والذين كانوا يقولون , انه يجب ان يكون أعظم من الفلم الامريكي لتلك الرواية , وذلك حسب الروحية التي كانت سائدة عندئذ في الفكر والمزاج السوفيتي  , واستقر هذا التنافس بعد فترة ليست بالقصيرة على اسم سيرغي باندرتشوك لاخراج هذا الفيلم , وبدأ البحث عن البطلة الروسية , التي سوف تؤدي دور نتاشا  رستوفا , كي تكون أروع من اودري هيبورن الامريكية في الفلم الامريكي, التي لعبت دور تلك الشخصية في رواية تولستوي , وبعد اللتي واللتيا اختاروا لودميلا سافيليفا لتمثيل هذا الدور, والتي حازت على الاوسكار بعدئذ . وقد تبيّن ( حسب البرنامج التلفزيوني المذكور ) ان المخرج الايطالي الشهير فيتوريا دي سيكا وصل الى موسكو( بعد انتاج الفلم السوفيتي ) وعرض على الممثلة الروسية لودميلا سافيليفا ان تشارك في عمل سينمائي له في ايطاليا , ولكن ( الظروف السوفيتية ودهاليزها , خصوصا بعد ان تمّت ازاحة خروشوف !!) لم تسمح للمخرج الايطالي دي سيكا ان يحقق اقتراحه المثير هذا , ومن المعروف ان دي سيكا ( الذي ارتبط اسمه بموجة الواقعية الجديدة في السينما ) هو الذي قدّم الى السينما الايطالية ( والعالمية طبعا ) افلاما خالدة مثل سارق الدرّاجة وماسح الاحذية وغيرها... .
بعد ظهور الفلم السوفيتي , هبّت عاصفة المقارنة بينه وبين الفلم الامريكي في اوساط الشباب السوفيتي , وتذكرت كل تلك النقاشات العاصفة بين الطلبة السوفيت عندما تم عرض الفلم السوفيتي في موسكو , وانتبهنا – نحن الطلبة الاجانب – الى طبيعة هذه النقاشات , وكيف طرح السوفيت الموضوع وكأنه مسألة سياسية بحتة , اذ كان التركيز ينطلق من مفهوم المقارنة بين  الاتحاد السوفيتي و الولايات المتحدة الامريكية وهم يستخدمون تولستوي وروايته ( الحرب والسلم ) في ثنايا نقاشهم , لدرجة , ان احدهم طرح سؤالا حول ذلك , وهو-  لو كان تولستوي حيّا فماذا كان سيقول ؟ وكانت الاجابات متنوعة جدا , اذ ابتدأت اولا بالقول , ان تولستوي كان وسيبقى حيّا في مسيرة الادب والفكر الروسي , وثانيا , ان الصراع الروسي – الغربي الذي صوّره تولستوي في روايته حول حرب نابليون ضد روسيا يجب ان يتم توظيفه ( اي الصراع ) لصالح روسيا وليس ضدها , وان الفلم الامريكي طرح الموضوع بشكل غير موضوعي , اذ صوّر الموضوع بموقف محايد , و ( الحياد هذا !!) واقعيا كان يعكس موقفا واضحا تجاه روسيا وتاريخها , واعترض البعض على هذا المفهوم قائلا , ان الفن يجب ان يكون هكذا , وتحدث البعض عن موضوع ( الابهار ) في الفلم الامريكي مقارنة بالفلم السوفيتي , وان هذا الجانب جعل الفنان السوفيتي ( يركض لاهثا ) من اجل ان يحاكي الفنان الامريكي , وجرى الحديث هنا طبعا عن ( الابهار ) عند تولستوي اصلا في هذه الرواية ( المبّهرة شكلا ومضمونا ) في الادب الروسي والعالمي ايضا , وان الامريكان حاولوا ان يعكسوا الابهار التولستوي في فلمهم , وان السوفيت حاولوا ايضا , وكلاهما لم يستطيعا اللحاق بتولستوي نفسه ...
رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) دخلت ضمن الحرب الباردة بين الولايات المتحدة الامريكية والاتحاد السوفيتي في ستينيات القرن العشرين , وعلى الرغم من ان هذه الحرب قد اصبحت من الماضي بعد زوال الاتحاد السوفيتي, الا ان رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) لازالت حيّة ترزق!!!   

275
أمثال اندونيسية مترجمة عن الروسية (4)
أ.د. ضياء نافع
 الترجمة الحرفية – والحكيم يمكن ان يخطأ .
التعليق – والمثل الياباني يقول – والقرد يمكن ان يسقط من الشجرة . هناك أمثال كثيرة لدى مختلف الشعوب حول هذه الحالة  الانسانية الاعتيادية في الجياة البشرية في كل مكان , ولنتذكر مثلنا العربي الشهير - لكل عالم هفوة ولكل جواد كبوة . آه من الانسان المغرور و الجاهل , الذي لا يفهم هذه الحقائق الدامغة والطبيعية جدا في مسيرة حياتنا ولا يعترف بها .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تظهر عند القطط  قرون .
التعليق –  المثل العراقي المناظر لهذا المثل الاندونيسي هو-  من يبيض الديج ( من بكسر الميم – عندما , الديج – الديك ) . المبالغة الخيالية الهائلة ضرورية في تلك الامثال التي تعني الاستحالة , وذلك كي توصل الفكرة مثل الومضة الساطعة الى المتلقّي ...
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يتكلم أفضل – هو الذي ينتصر.
التعليق – تسود الحرب الاعلامية في عالمنا ومنذ زمن بعيد , والمتحاربون يطلقون على بعضهم البعض ( اشاعات متنوعة بدلا من الاطلاقات النارية !!!). يقول المثل الروسي – الكلمة ليست سهما , لكنها تتوجه نحو القلب .
+++++
الترجمة الحرفية – بالكاد تسلّق الجبل , واذا هناك جبل آخر .
التعليق – الصورة الفنية في هذا المثل الاندونيسي جميلة ورمزية ومعبّرة جدا عن طبيعة الحياة وديمومة صعوباتها , وتذكّرنا طبعا بكلمات المعرّي الخالدة – تعب كلها الحياة فما أعجب الا .....
+++++
الترجمة الحرفية – والملعقة الكبيرة دون طعام لا تشبع .
التعليق – المضمون هو المهم وليس الشكل في الحياة اليومية للانسان , الذي يحتاج الى الطعام كي يشبع , وهي الحاجة الاولى لكل البشر . هناك مثل ياباني طريف جدا وحقيقي جدا يقول – الحاجة للطعام أقوى من الحب .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تعبر الابرة , يعبر الخيط .
التعليق – يصوّر هذا المثل الارتباط العضوي بين شيئين متلازمين لا يمكن الفصل بينهما , كالنار والدخان مثلا . الصورة الفنية في هذا المثل الاندونيسي مبتكرة فعلا .
+++++
الترجمة الحرفية – الماء العكر لا يجري من بحيرة صافية .
التعليق – يؤكد هذا المثل على (الاصل) , اذ هو الذي يحدد الامور لاحقا . مثل حاذق جدا , ومن الواضح ان المثل يدور حول الانسان ( العكر) ,لأن ( منبعه عكر), وبالتالي , سيكون دوره ( عكر ) في المجتمع  .
+++++
الترجمة الحرفية – سمكة واحدة علقت بسنارتين .
التعليق – المثل العالمي يتحدّث عن – (اصطياد عصفورين بحجر واحد) , اي تحقيق هدفين بفعل واحد محدد. الصورة الفنية المعاكسة له هنا في هذا المثل الاندنوسي , اذ  ان هذا المثل يتحدّث عن حالة اخرى معاكسة تماما , وهي صراع بين اثنين من اجل تحقيق هدف واحد محدد. مثل نادر بين امثال الشعوب .
+++++
الترجمة الحرفية –   كثيرا – لا تعني دائما جيدا .
التعليق – الكثرة لا تعني الجودة , وهناك مثل عربي قديم يقول - كثرة على قلة خير , و يضرب هذا المثل عندما لا يرتجى من الكثرة نفع عام . المثل الاندونيسي أوسع وأشمل , ولكنه في نفس المعنى .
+++++
الترجمة الحرفية – اذا كان غير محظوظ , يغرق في اليابسة .
التعليق – المثل الاذربيجاني في هذا المعنى يقول – اذا بدأت الاخفاقات , فان الاسنان تتكسرحتى عند أكل الحلاوة . 
+++++
الترجمة الحرفية – ركض وراء الدخان , وبقي دون نار .
التعليق – صورة فنّية جميلة , وتعني وبوضوح و سطوع , ان السير وراء اهداف هلامية غير محددة يؤدي الى الضياع .
++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++++
من كتاب ( أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية المزيدّة والمنقّحة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.

276
أمثال أفغانية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – قول الحقيقة للصديق لا يسئ الى الصداقة .
التعليق – ونحن نقول صديقك من صدقك لا من صدّقك . قال صاحبي , ان هذا المثل الافغاني ينطبق على الاصدقاء الحقيقين فقط , فالصديق غير الحقيقي لا يتحمل الحقيقة ابدا مع الاسف, فابتسمت أنا ووافقته على ذلك .
+++++
الترجمة الحرفية – الفقر في الحرية افضل من الغنى في الحظر.
التعليق – الحرية أغلى من كل شئ . هناك مثل فيتنامي يقول – اذا انطلق الطير من القفص , لا تأمل انه سيرجع اليه . المثل الفيتنامي في نفس المعنى طبعا , اذ ان الطير في القفص كان يضمن طعامه وشرابه , ولكنه يفضّل الانطلاق ...
+++++
الترجمة الحرفية – اعمل خيرا لذاك الذي عمل لك الشر.
التعليق – دعوة نبيلة لايقاف الشر ومعالجته بشكل عقلاني , والمسامح كريم كما يقولون . هناك مثل صيني يذكّر بهذه الحالة , وهو – الانسان النبيل لا يتذكر الشر القديم.
+++++
الترجمة الحرفية – في الغربة تقيّم الوطن أكثر .
التعليق – نجد مثل هذه الامثال عند مختلف الشعوب التي ابتليت بالهجرة , ومنها طبعا شعوبنا العربية . توجد أمثال كثيرة حول هذا الموضوع , منها المثل الاذربيجاني – الشوك في الوطن افضل من الورد في الغربة , ويقول المثل الكوري في هذا المعنى – انسان بلا وطن اسوأ من كلب بلا بيت . امثال هذه الشعوب مبالغة في تصويرها للغربة , لأن الغربة تعيسة ورهيبة فعلا , الا ان المثل الافغاني هذا بعيد عن تلك المبالغة , ودقيق جدا في التعبير .
+++++
الترجمة الحرفية – بعد الموت يحكمون على الانسان بشكل أصح.
التعليق – نعم , هذا صحيح , وربما , لأننا ننفذ القول العظيم - اذكروا محاسن موتاكم , وربما , لأننا نحكم عليهم بعد موتهم بشكل موضوعي هادئ دون الخوف من ردود فعلهم تجاه ما نتحدّث به عنهم . يقول المثل الجورجي في  هذا الخصوص – ما دام الانسان لم يمت فان اعماله ليست مرئية.
+++++
الترجمة الحرفية – الذي كان , فانه مضى .
التعليق – مثل واقعي فعلا , وهو يذكرنا بمثلنا العربي المعروف - ما فات مات.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تكن حلوا اكثر مما يجب , والا سيأكلوك .
التعليق – المثل الهندي في نفس المعنى يقول - لا تكن حلوا فيأكلوك ولا مرّا فيبصقوك , و المثل العربي ايضا يقول - لا تكن لينا فتعصر ولا جافا فتكسر. لنتذكر - مرة اخرى – القول العربي الشهير – خير الامور أوسطها ...
+++++
الترجمة الحرفية – الرب أقوى من الشرطي .
التعليق – مثل طريف جدا , وهو تعبير صادق لتفكير الناس البسطاء امام جبروت السلطة وظلمها , فالشرطي هو رمز السلطة القاسية تجاه شعبها , وتعرف شعوبنا العربية معنى كل ذلك في مسيرة حياتنا المعاصرة .
+++++
الترجمة الحرفية – السير بلا هدف أفضل من الجلوس بلا هدف .
التعليق – يقول المثل الجورجي في نفس المعنى – افضل مما ان تجلس دون جدوى , اعمل دون جدوى. المثل الافغاني أوسع , فهو يدعو الى السير ليس الا...
+++++
الترجمة الحرفية – عند الانسان الغبي عين واحدة .
التعليق – طبعا توجد لدى الغبي عين واحدة , اذ انه لا يستطيع ان يرى جوانب الحياة باكملها . الصورة الفنية لهذا المثل ساخرة جدا ودقيقة جدا.
+++++
الترجمة الحرفية – في اليد خمسة أصابع , وكلها مختلفة .
التعليق – تذكرت رأسا مثلنا بلهجتنا العراقية -  مو كل اصابعك سوه . المثل الافغاني يكرر نفس المفهوم , الا انه يعبّر عنه باسلوب هادئ وعلمي وموضوعي دون سخرية .
+++++
الترجمة الحرفية – مد رجليك حسب السجادة .
التعليق – ومن منّا لا يعرف مثلنا الشهير في كل بلداننا العربية ( وكلّ بلهجته ) والذي يقول - مد رجليك على كد لحافك ؟
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان لا يعبر النهر بزورقين .
التعليق – مثل بخيال مدهش , ويذكّر بامثال عديدة عند مختلف الشعوب في نفس المعنى , منها – قبل كل شئ - القول العظيم والشهير للسيد المسيح – ( لا يقدر أحد ان يخدم سيدين.....)


277
أمثال جورجية مترجمة عن الروسية ( 3 )
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – يغرق الناس في الخمر أكثر مما يغرقون في الماء.
التعليق – الصورة الفنية صادمة في هذا المثل الجورجي , وبالتالي , فانها تستحق فعلا التأمل والتفكير, وتدعو الى الاستنتاجات العميقة  رغم ان هذه الحالة تبدو محصورة في اطار بعض المجتمعات , الا ان ( الموضوع !) , مع ذلك , يمتلك امكانية الانتشار , اذ انه يحمل ( بذور العدوى !), والوقاية خير من العلاج كما يقول مثلنا العربي المعروف.
+++++
الترجمة الحرفية – ضيف دعى ضيفا آخر, وصاحب البيت طرد الاثنين معا .
التعليق – الضيف غير المدعو ثقيل دائما وغير مرحب به, وهناك أمثال عديدة عند مختلف الشعوب حول هذه المواقف العامة بين البشر , فنحن نقول بلهجتنا العراقية – (اللي يروح بليا عزيمة يرقد بليا فراش)( الذي يذهب دون دعوة يرقد دون فراش), وهناك مثل روسي يقول – غير المدعو اسوأ من التتري , و المثل الافغاني في هذا المعنى يقول – المكان يكفي لمئات الضيوف المدعوين , ولكنه لا يكفي لضيف غير مدعو....الخ , لكن المثل الجورجي يعطي حلا ( حاسما !!) للامر, وفي هذا ( الحل!) تكمن طرافة هذا المثل وتميّزه عن امثال الشعوب الاخرى حول ذلك , ف ( صاحب البيت طرد الاثنين معا !!!).    
+++++
الترجمة الحرفية – الهديّة تتطلب هديّة .
التعليق – يطرح هذا المثل قضية عامة تشمل كل الناس في مختلف المجتمعات , فالهدية تعتبر ( دينا !) للمهدى اليه , ويجب عليه ان ( يردّها يوما ما و باحسن منها , اي يجب ان يسدد الدين !!! ) . المثل الجورجي هذا صحيح جدا ويصف بكلمات وجيزة هذه الحالة بشكل دقيق. عندما يستلم الانسان هدية , فيجب عليه ان يبدأ رأسا بالتفكير حول كيفية ( تسديدها!).
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة الطيبة تفتح البوابة الحديديّة .
 التعليق –  المثل المناظرلهذا المثل الجورجي بلهجتنا العراقية يقول – الكلمة الطيبة تطلع الحيّة من الزاغور , ( تطلع – تخرج بضم التاء , الزاغور – الجحر) . الصورة الفنية في المثل العراقي طريفة جدا وذات نكهة اسطورية , و تختلف تماما عن الصورة الفنية في المثل الجورجي , الا ان المعنى واحد دون شك .
++++++
الترجمة الحرفية – الاخ ( الصديق ) ضروري قبل كل شئ اثناء المصيبة .
التعليق – معنى المثل واضح ويتكرر بمختلف الصور عند الشعوب , ولنتذكر مثلنا العربي الشهير – الصديق وقت الضيق . يقول المثل الياباني – تعرف الانسان عند الكوارث.
+++++
الترجمة الحرفية – الحديد يصبح أقوى في النار , والانسان في الصعوبات .
التعليق – الصعاب والمعاناة تصقل الانسان فعلا وتجعله قوي الارادة و العزيمة . المقارنة بين الحديد في النار والانسان اثناء الصعوبات مقارنة غير اعتيادية و في غاية الجمال .
+++++
الترجمة الحرفية – افضل ان تحاكيهم ,  من ان تحسدهم .
التعليق – مثل رائع , اذ انه يدعو الانسان الى التحرر من مراقبة الناس وحسدهم , ولنتذكر القول الشهير - ( من راقب الناس مات همّا).  الافضل للانسان فعلا ان يكرر اعمال هؤلاء الذين يحسدهم , ويحاكيها . حلّ مثالي فعلا , رغم انه – مع الاسف الشديد – لا يحدث  في  واقع الحياة ومسيرتها.
+++++
الترجمة الحرفية – الثعلب أسمى ذيله شاهدا .
التعليق –  مثل طريف جدا , ويذكرنا بصيغة المثل المعروف بلهجتنا العراقية  - عصفور كفل زرزور وثنينهم طيّاره , ( ثنينهم – كلاهما )  . الصورة الفنية في هذا المثل الجورجي في قمة الخيال والجمال .
+++++
الترجمة الحرفية – يعرفون قيمة الثروة عندما يحصلون عليها , وقيمة الصديق عندما يفقدونه .
التعليق – مثل واقعي و حقيقي , و يتضمن حكمة خالدة فعلا في حياة البشر...

 ===================================================
من كتاب – (أمثال شرقية مترجمة عن الروسية ) بطبعته الثانية المزيدة والمنقحة , الذي سيصدر عن دار نوّار للنشر في بغداد قريبا.
ض.ن.

278
أمثال الهنود الحمر مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – من اجل الاستماع الى نفسك , تحتاج الى أيام من الصمت .
التعليق – مثل فلسفي عميق , فالانسان يجب فعلا ان يتخلص من الضجيج حوله ومن ثرثرة الآخرين كي يتفرغ لنفسه ويستمع اليها . لنتذكر الآية الكريمة –  اني نذرت للرحمن صوما فلن اكلم اليوم انسيا...
+++++
الترجمة الحرفية – الطفل ضيف في بيتك - اطعمه و علّمه واطلقه .
التعليق – مثل رائع في التربية , وهو واضح المعالم جدا بالنسبة لطبيعة الحياة عند الهنود الحمر , ولكنه – مع ذلك - يمتلك ابعادا مشتركة مع مسيرة حياة البشر عموما , اذ نتذكر رأسا القول التربوي العظيم في تراثنا – لا تؤدبوا اولادكم باخلاقكم , لانهم خلقوا لزمان غير زمانكم .
+++++
الترجمة الحرفية – أقوى قوة هي اللين و المرونة.
التعليق – مثل حكيم جدا , يؤكد على الحلول المرنة والتفاهم المتبادل . كم نحتاج الى هذا المثل بعض الاحيان ! لا تكن ليّنا فتعصر ولا جافّا فتكسر – هكذا يقول المثل العربي ,ولا تكن حلوا فيأكلوك ولا مرّا فيبصقوك – وهكذا يقول المثل الهندي , وتتكرر نفس الفكرة عند الهنود الحمر طبعا , ولكن بشكل  واضح ومباشر وحاسم .
+++++
اترجمة الحرفية – تذكّر دائما , ان الابتسامة شئ مقدّس , و يجب ان تتقاسمه .
التعليق – الابتسامة علامة التفاؤل في الحياة , والمتفائل يجد طريقة في الحياة بشكل أسهل من المتشائم .  المثل يؤكد على هذا الجانب من الحياة , بل ويعتبره ( مقدّسا !) , ويذكرنا طبعا بالحديث الشريف المعروف لدينا عن العلاقة العضوية بين التفاؤل وايجاد الخير , ولكن المثل يذهب أبعد , ويدعو الانسان الى ان ( يتقاسم ) هذا الشئ المقدس مع الناس الآخرين , فما أروع ذلك !
+++++
الترجمة الحرفية – العدو ليس دائما عدوا, والصديق كذلك.
التعليق – مثل سياسي بامتياز, ومن الواضح ان الهنود الحمر ليسوا مثلما كانت تصورهم الافلام الامريكية , اذ انهم كانوا ينطلقون من هذا المفهوم السياسي والدبلوماسي في علاقاتهم المتشابكة مع بعضهم البعض , و هذا المثل واقعيا يتطابق مع طبيعة العلاقات الانسانية عموما , بما فيها العلاقات الشخصية ايضا...
+++++
الترجمة الجرفية – احذر من الانسان الذي لا يتكلم , ومن الكلب الذي لا ينبح.
التعليق –  الانسان الذي لا يتكلم عن افكاره ولا يعبّر عنها يبقى مجهولا للآخرين , وبالتالي لا يمكن التكهن بافعاله او ردود افعاله تجاه الامور المطروحة حوله , وطرافة المثل هذا هو التحذير ايضا من الكلب الذي لا ينبح , وربما يريد مثل الهنود الحمر ان يساوي هذا الانسان بذلك الكلب . يوجد مثل ياباني في نفس المعنى وهو – كن حذرا مع الذي يصمت , وهناك مثل مشهور بلهجتنا العراقية يصف نفس الحالة ولكن بشكل مرح جدا , وهو - من السكوتي طكي وموتي ومن الورواري خلي وفوتي , ( السكوتي – الصامت ,طكي – انفجري , الورواري – الثرثار ). 
+++++
الترجمة الحرفية – اذا عندك ما تقوله , انهض كي يشاهدونك .
التعليق – دعوة واضحة و صريحة ودقيقة للاعلان عن الافكار التي يقتنع بها الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – تقديم الخدمات عمل روحاني.
التعليق – مثل نبيل بكل معنى الكلمة .
+++++
الترجمة الحرفية – احكم بقلبك وليس بعقلك .
التعليق – ما أجمل هذا المثل , اذ انه يلغي صرامة العقل عند الحكم ويدعو الى الاستماع الى عواطف القلب ورقته . انها دعوة صادقة للتسامح والعفو عند اتخاذ الاحكام . قال لي صاحبي , ان هذا المثل يذكر بقولنا الشهير – العفو عند المقدرة , فقلت له , أما انا فقد تذكرت قولا آخر وهو – المسامح كريم ...
+++++
الترجمة الحرفية – ذاك الذي يمتلك كثيرا من السلطة , يجب ان يستخدمها دون ضغط .
التعليق – آه لو كان هؤلاء ( الهنود الحمر!!) يحكمون الان في عالمنا المعاصر , هكذا قال لي صاحبي وهو يتحسر أسفا.
+++++
الترجمة الحرفية – الضفدعة لا تشرب ماء البركة التي تعيش فيها .
التعليق – البركة للضفدعة هي الوطن , ولهذا فانها تحافظ عليه ولا يمكن ان تجففه . الهنود الحمر يلاحظون - و بدقة عميقة - الطبيعة وقوانينها حولهم , ويصيغون امثالهم نتيجة هذه الملاحظات الذكية , ولهذا فان امثالهم تتناسق مع مسيرة الحياة البشرية عموما لأنها ملاحظات صادقة وحقيقية . الضفدعة لا تجفف ماء البحيرة رغم عطشها وحاجتها لشرب الماء , لانه وطنها , الذي يبقى عزيزا عليها .  لنتذكر بيت الشعرالعربي الجميل والمعروف الذي ذهب مثلا عن ( بلادي وان جارت عليّ عزيزة ....)  .




279
أمثال كوريّة مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الطريق طويل عندما تسير وحيدا.
التعليق – نعم , الطريق طويل جدا عندما يكون الانسان بمفرده , ولهذا فاننا نبحث قبل السفر عن ( الرفيق ) انطلاقا من مثلنا ( الرفيق قبل الطريق ) . المثل العربي هذا هو الحل الصحيح و الدقيق والحاسم للمشكلة التي يشير اليها المثل الكوري .
+++++
الترجمة الحرفية – الاحمق وفي ملابس جديدة يبقى أحمقا .
التعليق – يوجد مثل باللهجة العراقية يقول – الزمال ذاك الزمال بس الجلال تبدّل . ( الزمال – الحمار , بس – غير ان , الجلال – ما يوضع فوق الحمار لجلوس الراكب) . المثل العراقي أقبح , لكنه أوضح وتصل فكرته الى المتلقّي رأسا .
+++++
الترجمة الحرفية – المرعوب من النمر يخاف من القطط .
التعليق –  صحيح جدا , ونحن نقول بلهجتنا العراقية - العاضته حيّة يخاف من جرّ الحبل , وهناك صيغة اخرى لهذا المثل وهي – الملدوغ يخاف من جرّ الجبل . الصور الفنية في الامثال تختلف طبعا باختلاف البيئة ليس الا ( عندهم نمر وعندنا حيّة ), ولكن المعنى العام للمثل يبقى نفسه .
+++++
الترجمة الحرفية – سمكة واحدة صغيرة تعكر كل الماء .
التعليق – صغائر الامور يمكن ان تلعب ادوارا كبيرة في مسيرة حياة الانسان وحتى في حياة المجتمع . لنتذكر المثل العربي المعروف – معظم النار من مستصغر الشرر . الصورة الفنية طريفة ومبتكرة فعلا في المثل الكوري .
+++++
الترجمة الحرفية – ليس من الضروري ان تشرب كل ماء البحر كي تعرف انه مالح .
التعليق – يجب ان تسود النظرة العقلانية و المنطق  في حياة البشر , وتحدث نتائج مأساوية عندما نفقد هذه العناصر الضرورية في مسيرة حياتنا , اذ يقتضي عندها( ان نشرب كل ماء البحر !!!) من أجل استنتاج بسيط . ما أجمل الصورة الفنية لهذا المثل الكوري رغم كل هذه المبالغة فيها.
+++++
الترجمة الحرفية – المعرفة بداية الشك .
التعليق – مثل فلسفي بامتياز, اذ ان الشك يطرح الاسئلة المتشعبة حول كل الظواهر والاشياء, وهذا هو الطريق الوحيد نحو التعمق في التفكير والوصول الى المعرفة .
+++++
الترجمة الحرفية – اعمل اطول , وتكلم أقصر .
التعليق – مثل حكيم جدا , فالعمل ونتائجه هي التي تتكلم ويراها الناس والمجتمع . كلنا نعرف الآية الكريمة – وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون ...
+++++
الترجمة الحرفية – الهزيمة ام النجاحات .
التعليق – المفهوم العام لهذ المثل يتكرر عند مختلف الشعوب , بما فيها طبعا شعوبنا العربية , فنحن نقول الخسارة تعلم الشطارة , ويقول المثل الياباني الفشل اساس النجاح . يتذكّر جيلنا القصة التي قرأناها في درس ( القراءة ) بالمدرسة الابتدائية عن القائد المهزوم وكيف راقب عمل النملة بعد هزيمته وعاد الى المعركة وانتصر .
+++++
الترجمة الحرفية – يشبه القط , لكنه لا يعرف اصطياد الفئران .
التعليق – مثل مرح جدا , ولكن صاحبي قال , انه مثل رمزي عميق , لانه يذكّرنا ب ( اشباه الرجال ) الذين يتصدرون الامور في مجتمعاتنا , والذين جعلوا (الفئران!) يسرحون ويمرحون بيننا وحولنا لأن الفئران تعرف, ان اشباه الرجال هؤلاء لا يعرفون كيف يصطادوهم . اتفقت مع صاحبي في مفهومه لهذا المثل , ولكنني كررت – مع ذلك -  ان صياغة هذا المثل ظريفة جدا...


280
أمثال أرمنية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية -  الكذب شظايا الحقيقة .
التعليق – ونحن نقول - يفوتك من الكذاب صدق كثير , وهناك امثال كثيرة لدى الشعوب تشير الى هذه الظاهرة الاجتماعية المشتركة بين البشر, منها المثل الياباني – وفي الكذب توجد حقيقة .
+++++
الترجمة الحرفية – الخبز عند الجيران أطيب .
التعليق – توجد امثال كثيرة عند مختلف الشعوب حول حالة الحسد والغيرة هذه عند الانسان , اذ نقول نحن , ان ( مرقة الجيران أطيب) و ( دجاجة الجيران أسمن ) , وهناك مثل جورجي طريف يوضح هذه الحالة ويقول -  زهرة الجيران تنغز الحسود مثل الشوك , وكذلك يوجد مثل افغاني طريف ايضا في هذا المعنى , وهو – حمار الغريب يبدو اقوى من حمارك ...
+++++
الترجمة الحرفية –  لا يقدر الفأر ان يفلت من القطة الجائعة .
التعليق –  وهناك مثل صيني غريب معاكس له يقول , ان الفأر الجائع مستعد ان يفترس القط .  ويوجد مثل روسي في هذا المعنى يقول , الذئب الجوعان اقوى من الكلب الشبعان , وهناك مثل ياباني وفي نفس المعنى ايضا يقول - الكلب الجائع لا يخاف من العصا. كل هذه الامثال – رغم مبالغاتها -  تؤكد مثلنا العربي الشهير – الجوع كافر.
+++++
الترجمة الحرفية – والقمر ليس بلا نواقص .
التعليق –  يوجد مثل باللهجة العراقية يكرر هذا المضمون بالضبط , وهو – حتى الكمر بي لوله . ( الكمر – القمر , بي  - به , لوله – عيب او نقص ) , وبشكل عام  فان ( الكمال لله وحده ) .
+++++
الترجمة الحرفية – عندما يأكل الفقير دجاجة , يعني اما هو مريض او الدجاجة.
التعليق – مثل يثير الابتسام , رغم انه يتحدث عن وضع مأساوي بكل معنى الكلمة ,  اذ ان هذا يعني , ان الفقير لا يأكل الدجاج في مسيرة حياته الاعتيادية , ولنتذكر المثل الساخر الشهير باللهجة العراقية – ناس تاكل دجاج وناس تتلقى العجاج.
+++++
الترجمة الحرفية – أفضل شيطان مجرّب من ملاك غير مجرّب.
التعليق – يقول المثل باللهجة العراقية وفي نفس هذا المعنى - الشين التعرفه احسن من الزين المتعرفه , ( الشين – السئ , التعرفه – الذي تعرفه , الزين – الجيد) . المثل الارمني يذهب أبعد من المثل العراقي , اذ يتحدث عن ( شيطان !) و ( ملاك! )...
+++++
الترجمة الحرفية – كما ينظر الاعمى الى الرب , الرب ينظر الى الاعمى .
التعليق – الايمان كامن في اعماق النفس الانسانية بغض النظر عن كل شئ , ولهذا يشعر الاعمى برعاية الرب له , وانه ينظر اليه .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يغسلون الدم بالدم وانما بالماء.
التعليق – دعوة جميلة ومهمة جدا لمعالجة حالات الانتقام الرهيبة , وهي دعوة ضرورية جدا بالنسبة لكل المجتمعات الانسانية عموما , والشرقية خاصة .
+++++
الترجمة الحرفية – متى ما تصطاد انت السمكة , فانها طازجة .
التعليق – مثل طريف , وهو واضح المعنى طبعا , ويدعو الانسان الى الاعتماد على نفسه في تدبير كل اموره و متطلباته والاجابة عن تساؤلاته . يقول مثلنا المعروف – ما حك جلدك مثل ظفرك.
+++++
الترجمة الحرفية – مصيبة تجلب مصيبة .
التعليق – المصائب لا تأتي فرادى , هذا هو المثل العربي المناظر , اما المثل الروسي المناظر فيقول – المصيبة لا تأتي بمفردها ابدا , وهناك مثل روسي آخر في هذا المعنى وهو – جاءت المصيبة – افتح البوابة .
+++++
الترجمة الحرفية – الذي يعرف أكثر ليس الذي عاش أكثر , وانما الذي ذهب أبعد .
التعليق – معنى المثل واضح جدا , فالذي يختلط ويتفاعل مع الحياة هو الذي يمتلك المعرفة , نتيجة التجربة . نقول نحن – اسأل مجرب ولا تسأل حكيم , ( الحكيم باللهجة العراقية هو الطبيب ) .
+++++
الترجمة الحرفية – اليد الكسولة ترقد على معدة فارغة .
التعليق – يقول المثل العربي الذكي جدا – الكسل ما يطعم بصل . الصورة الفنية جميلة في المثل الارمني , الذي هو في نفس المعنى طبعا , رغم انه اكثر شمولية.
+++++

281
أمثال فيتنامية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – بكل يد من يديه يريد ان يصطاد سمكة .
التعليق –  صياد السمك الفيتنامي هذا لن يصطاد شيئا ابدا , لأنه لا يعرف مثلنا العربي الجميل عن الطمع , وكيف يمكن لهذا الطمع ان  ( يقتله !). 
+++++
الترجمة الحرفية – الطويل يضحك على العمالقة , والقصير يضحك على الاقزام .
التعليق – لوحة كاريكاتيرية رائعة لعالمنا , وهي ( لوحة!!) تجعلنا نضحك على طويلي القامة وقصيري القامة معا , لأنهم لا يعرفون التباين الطبيعي للبشرشكلا ومضمونا , ولا يعترفون بتلك الوقائع الاساسية للحياة الانسانية . ما أعمق هذا المثل الفيتنامي وما ألطفه .
+++++
الترجمة الحرفية –  البيت يتيم بلا رجل , والمطبخ يتيم بلا امرأة .
التعليق – هذا هو النظام السائد في كل مكان وزمان في مسيرة حياة الانسان , وكم حاول ( البعض!!) من الرفاق تغييره هنا وهناك انطلاقا من نظريات يؤمنون بها , ولكنهم فشلوا فشلا ذريعا في التطبيق العملي لنظرياتهم تلك . المثل الفيتنامي هذا يضع النقاط على الحروف بشكل واضح وبسيط و دقيق .
+++++
الترجمة الحرفية – الغني يصبح أحد الاقارب , والفقير يبقى غريبا .
التعليق – حقيقة مؤلمة في حياة الناس شرقا وغربا ...
+++++
الترجمة الحرفية – المرض يدخل عبر الفم , والمصيبة تخرج من الفم .
التعليق – المعدة بيت الداء , اي ان المرض يدخل فعلا عن طريق الفم , واللسان عدو الانسان , اي ان المصيبة تخرج فعلا من الفم . ما أجمل هذه الخلاصة الواضحة والصحيحة في هذا المثل الفيتنامي الدقيق و الجميل .
+++++
الترجمة الحرفية – البطن شبعانة والعيون جوعانة .
التعليق – مثلنا يصف نفس الحالة بالضبط ,ويكرر  نفس الصورة الفنية تقريبا. لنتذكر هذا المثل  - جدره على ناره وعينه على جاره .  الافكار بين الشعوب متناسقة , لأن قواعد الحياة الانسانية واحدة في كل مكان بغض النظر عن كل شئ.
+++++
الترجمة الحرفية – الخمر يدخل , والكلمات تخرج .
التعليق – المثل الروسي يقول – ما يوجد في عقل الصاحي ينعكس على لسان السكران , والمثل العربي المناظر له يقول – الخمر حلاّل لعقدة اللسان . المثل الفيتنامي مختصر مفيد في وصف هذه الحالة العامة عند الانسان .
+++++
الترجمة الحرفية – الماء من السقف يصب دائما الى الاسفل.
التعليق – مثل رمزي واقعي فعلا , اذ ان (عدم انتظام العمل !) في السقف , اي الذين في الاعلى , ينعكس دائما على الذين يكونون تحت السقف , اي  في الاسفل . المعادلة الدائمية للعلاقات في المجتمعات الانسانية بين ( الناس اللي فوق !) و ( الناس اللي تحت!)...
+++++
الترجمة الحرفية – دون فيل , يبدو الثور ضخما .
التعليق – كل الامور نسبية في حياتنا...
+++++
الترجمة الحرفية – السمكة الكبيرة تبتلع السمكة الصغيرة .
التعليق – وكذلك الحال في ( أنهار و بحار!) المجتمعات الانسانية كافة .
+++++
الترجمة الحرفية – يعيش الدجاج في قفص واحد ويتعاركون فيما بينهم .
التعليق – ما أجمل هذا المثل الواقعي فعلا , وكم يذكّر بواقع بلدان عالمنا ( الثالث !!!), بما فيها بلداننا العربية طبعا. لقد قال لنا المتنبي قبل أكثر من عشرة قرون , انه ( ضحك كالبكا ....) .
+++++

282

 القيود و اللهيب و الايقاعات

قصيدة للشاعر اوغستينو نيتو / انغولا

ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع

 
القيود -
رنينها في الطرقات ,
وفي هديل حمام الغابات..
وفي انين النخيل الباسقات..
.......
و اللهيب
يتأجج في جذور الاعشاب ..
و فوق سطوح الاكواخ...
وفي كل الطرقات ..
 جموع الشعب
جموع الشعب
جموع الشعب
جموع الشعب,
 المشردون المنفيون من كل مكان
في كل الطرقات...
يسيرون ,
بتوهج يسيرون..
و بايقاعات...
في الضوء ايقاعات ,
وفي اللون ايقاعات,
وفي الصوت ايقاعات,
وفي الحركات ايقاعات,
وفي خطوات الارجل الملطخة بالدماء
 ايقاعات,
وفي الدم الذي يسيل من تحت الاظافر
ايقاعات,
في كل مكان
 ايقاعات,
ايقاعات..
 آه
يا نداءآت
بلادي الجريحة ...
.........
.........
===============
اوغستينو نيتو ( 1922- 1979 ) -  شاعر وشخصية سياسية كبيرة في تاريخ أنغولا المعاصر / رئيس حزب الحركة الشعبية لتحرير انغولا , واول رئيس لجمهورية انغولا الشعبية منذ تأسيسها عام 1975 والى تاريخ وفاته عام 1979 / يعد - ولحد الان - البطل القومي لانغولا / بدأ بنشر قصائده منذ العام 1947 , وصدر اول ديوان له باللغة البرتغالية عام 1961 / قصائدة مترجمة الى لغات عديدة منها – الايطالية والروسية والصينية والصربية والعربية ...

283
أمثال كوريّة مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما ستكون هناك سلطة , سيكون المناصرون لها جاهزين .
التعليق – ينطبق هذا المثل على ما يجري في العديد من بلدان العالم بشكل واضح, بما فيها طبعا عالمنا العربي , حيث يفدي المناصرون هؤلاء حكامهم ( بالروح والدم !!!) .
+++++
الترجمة الحرفية – الكلمة بلا أرجل , لكنها تسير آلآف الاميال.
التعليق –  في البدء كانت الكلمة , وستبقى هكذا ابدا في حياة المجتمعات الانسانية. المثل الكوري رشيق وواسع الخيال والجمال . هناك اشارة الى هذا المثل الكوري بترجمة اخرى , تجعل الكلمة ( بلا اجنحة ) و( تطير ) آلآف الاميال, ويبقى المعنى نفسه طبعا رغم هذا التباين .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن دقّ المسامير في الرماد .
التعليق – الصورة الفنية لهذا المثل الكوري جميلة جدا وغير اعتيادية بكل معنى الكلمة . مضمون هذا المثل واضح , وهو يؤكد بالطبع على ضرورة التفكير الواقعي والسليم للانسان ...
+++++
الترجمة الحرفية – لا توجد شجرة لن تسقط بعد مئة ضربة بالطبر.
التعليق – مثل عميق المعنى يؤكد على ان الاستمرار بالعمل يوصل الانسان الى هدفه مهما كان هذا الهدف صعبا او بعيدا . يوجد مثل روسي يقول – الصبر والعمل يمحوان كل شئ , والمثل العربي المناظر لهذه الحالة هو – من صبر ظفر , ولكن المثل الكوري يبقى متميّزا بصياغته وصورته الفنية الفريدة والجميلة.
+++++
الترجمة الحرفية – والجانب الظليل يصبح مشمسا .
التعليق –  ونحن نقول في هذا المعنى - كل حال يزول , ونقول ايضا – يوم لك ويوم عليك , ولكن بنية المثل الكوري شاعرية ورومانسية اكثر بلا شك.
+++++
الترجمة الحرفية – المنظر الخارجي لبوذا يتوقف على النحّات .
التعليق –  ونحن , في بلداننا المبتلية بهذا (الداء !!!),  نعرف ايضا ان  المنظر الخارجي ( لبوذانا !!!) يرتبط برغبات وارادة و أيادي ( نحاتينا !!!) وخططهم .....
+++++
الترجمة الحرفية – وعند التوأم الاصابع مختلفة .
التعليق – توجد لدينا امثال مناظرة جدا لهذا المثل الكوري , وربما  المثل الاقرب  باللهجة العراقية هو-  ( مو كل اصابعك سوه ) .
+++++
الترجمة الحرفية – حتى الجبال والانهار تتغيّر بعد عشر سنوات .
التعليق – مثل رائع , وما أحوجنا ان نتفهم عمقه الفلسفي , ونأخذ مضمونه بنظر الاعتبار في مسيرة حياتنا, ولا نطلق تعابير ( الخيانة !!!) لهذه الجبال والانهار.... 
+++++
الترجمة الحرفية – اي شئ يقوله المدير هو صحيح .
التعليق –  مثل في غاية المرح وفي غاية الدقة ايضا, رغم ان صاحبي قال لي , انه مثل حزين وتراجيدي جدا, وانه دليل لا يقيل الشك على تخلّف المجتمع الذي يردده , وأضاف مبتسما , الا يذكرك بمثلنا باللهجة العراقية – منو يكدر يكول للسبع حلكك جايف ( من يقدر ان يقول للاسد ان فمك نتن الرائحة ) , فضحكت انا وقلت له نعم , وانه يذكرني ايضا بمثل آخر وهو – اذا حاجتك يمّ الجلب سميّ حجي جليب (يم – عند / الجلب – الكلب / سميّ – اطلق عليه تسمية / حجي - الحاج ).
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن للانسان ارجاع شعرة واحدة الى مكانها بعد اقتلاعها.
التعليق – يضرب هذا المثل الطريف جدا لبيان ضعف الانسان امام حالات صغيرة في مسيرة الحياة اليومية الاعتيادية , فكيف يكون  موقف الانسان امام الحالات الصعبة والمعقدة . 
+++++
الترجمة الحرفية – القدور سوداء , لكن العصيدة فيها ليست سوداء .
التعليق –  يوجد مثل افغاني جميل في هذا المعنى يقول - البقرة سوداء لكن حليبها ابيض . المثل الافغاني أجمل , لكن المثل الكوري أكثر واقعية وأقرب للحياة اليومية...
+++++
الترجمة الحرفية – عبقرية الانسان لا يلاحظها القريبون منه .
التعليق – لأن ( مطربة الحي لا تطرب ) كما يقول مثلنا الشهير.
+++++



284
أمثال أذربيجانية مترجمة عن الروسية (5)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – البارود والنيران لا يتصادقان.
التعليق – ويقول المثل الروسي في هذا المعنى – القش والنار لا يتصادقان . المثل الاذربيجاني يعكس نفس تلك الحالة ولكن بشكل دراماتيكي واضح . تضرب هذه الامثال ايضا لتصوير حالة عدم الانسجام التام - ولحد التنافر- في العلاقات الشخصية بين البشر .
+++++
الترجمة الحرفية – اللسان أشدّ حدّة من السيف .
التعليق – يقول المثل الاندونوسي- لا يوجد مقص او طبر اكثر حدة من لسان البشر , وامثالنا العربية تؤكد هذه الحقيقة , ومنها (الجرح يطيب والكلمة ما تطيب) , ومنها ايضا بيت الشعر الذي ذهب مثلا , وهو  –
وقد يرجى لجرح السيف برء   ولا برء لما جرح اللسان 
+++++
الترجمة الحرفية – ابوك البصل وامك الثوم , فكيف تكونين انت وردة.
التعليق –  مثل طريف ومرح جدا , ومن الواضح انه يضرب للشخص الذي يتنصل عن جذوره واصوله , وما أكثرهم حولنا !
+++++
الترجمة الحرفية – من لا يعرف الغربة , لا يعرف قيمة الوطن.
التعليق – يوجد مثل كوري يقول – انسان بلا وطن اسوأ من كلب بلا بيت . هناك أمثال كثيرة عند الشعوب الاخرى حول الغربة والوطن , بما فيها طبعا شعوبنا العربية , الشعوب التي عانت ولازالت تعاني من  ظروف الحياة الصعبة , والتي تؤدي الى الهجرة والغربة والحنين الخانق للوطن ...
+++++
الترجمة الحرفية – العيون تتحدث عن الحب .
التعليق – هذا المثل الاذربيجاني مفهوم جدا لنا , نحن العرب , اذ اننا جميعا نعرف لغة العيون و ( نتحدّث بها !!!), والتي هي لغة الشرقيين عموما , وتوجد في تراثنا وامثالنا الصورالفنيّة العديدة حولها , و يكفي ان تنذكر فقط  شاعرنا المعاصر احمد شوقي وهو يقول- وتعطلت لغة الكلام وخاطبت   عيني في لغة الهوى عيناك ... 
+++++
الترجمة الحرفية – بقي اللص حرّا , واصبح الشاهد سجينا .
التعليق – ما أكثر هذه الحالات في مجتمعاتنا , لدرجة , ان الشاهد أخذ يخاف من المشاركة بفضح الجريمة التي شاهدها بام عينيه ليتجنب هذا المصير. ما أفظع الحياة عندما تفقد العدالة و الانظمة مكانتها في المجتمع !
+++++
الترجمة الحرفية – سيكون الغريق سعيدا حتى لو يمسك بثعبان .
التعليق –  ونحن نقول بلهجتنا العراقية – ( الغركان يجلّب بكشّاية ) ( الغركان – الغريق , يجلّب – يمسك , يتشبّث , كشّاية – قشة ) . المثل الاذربيجاني أكثر دقّة من مثلنا في التعبير عن حالة اليأس , فالقشة لن تنقذ الغريق من الغرق , لكن الثعبان قد يقتل الغريق قبل الغرق , ومع ذلك فانه يحاول ان يمسك به.
+++++
الترجمة الحرفية – قل كلمة (حلوى) قدر ما تقدر , فلن يحس فمك بطعم الحلوى.
التعليق – هناك مثل اغريقي قديم يقول - النظرية دون تطبيق ميّتة , وهو مثل فلسفي عميق . المثل الاذربيجاني هذا في نفس المعنى , الا ان  صيغته واضحة وبسيطة ومرحة .


285
سينيافسكي  وكتابه ( نزهة  مع  بوشكين)
ا.د. ضياء نافع
(نزهة مع بوشكين) - هو عنوان كتاب صدر في باريس العام 1989 من تأليف الكاتب الروسي المعاصر اندريه دوناتوفيتش سينيافسكي (  1925 - 1997 ) . و سينيافسكي اسم شبه مجهول تقريبا للقارئ العربي , ولكنه يكاد ان يكون علما من اعلام الكتّاب الروس في الغرب الاوربي , بعد ان تم اعتقاله مع زميله دانييل في الاتحاد السوفيتي  في ستينيات القرن الماضي , وجرت محاكمتهما ( المدويّة آنذاك ) بسبب كتابات مضادة للايديولوجيا السوفيتية وتوجّهاتها , ارسلوها الى الغرب بشكل سريّ , وتم نشرها هناك باسماء مستعارة بالطبع, وكان الاسم المستعار لسينيافسكي هو ابرام  تيرتس ( وهو اسم يهودي واضح جدا بالنسبة للروس) , ولكن سينيافسكي كان روسيّا , اي انه حاول ان يتخفى ( تحت اسم يهودي مستعار) عن عيون الرقابة السوفيتية الشديدة جدا و الصارمة جدا ( والتي كان سينيافسكي يعرفها حق المعرفة !), ولكنه لم يستطع طبعا, اذ ان هذه الرقابة – كما هو معروف للجميع , ولسينيافسكي ايضا وبلا شك - كانت تمتلك عيونا وآذانا عديدة في كل مكان داخل الاتحاد السوفيتي وخارجه .
سينيافسكي خريج كليّة الفيلولوجيا (اللغات وآدابها) بجامعة موسكو العام 1949 , وحاصل على شهادة الكانديدات ( دكتوراه فلسفة) في العلوم الفيلولوجية  من نفس الكليّة و الجامعة العام 1952 , وكانت اطروحته بعنوان – ( رواية غوركي (كليم سامغين) وتاريخ الفكر الروسي الاجتماعي نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 ) , وهي اطروحة سوفيتية النكهة والمضمون والروح بامتياز , وبعد تخرجه بدأ العمل في معهد الادب العالمي باكاديمية العلوم السوفيتية ( وهو الذي كتب الفصل الخاص بغوركي في كتاب الاكاديمية الموسوم ( تاريخ الادب الروسي السوفيتي ), واصبح ايضا محاضرا في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وعضوا في هيئة تحرير مجلة ( نوفي مير)( العالم الجديد) الشهرية , وهي  واحدة من أشهر المجلات الادبية السوفيتية آنذاك ( ولازالت لحد الان ) , والتي كانت هيئة تحريرها برئاسة الشاعر تفاردوفسكي . وباختصار شديد , اصبح سينيافسكي اسما مرموقا في الاوساط الادبية السوفيتية في النصف الثاني من الخمسينيات فصاعدا باعتباره  ناقدا ادبيا وباحثا في مجال الادب الروسي السوفيتي (و يوجد رأي يقول , ان الكتاب الاول الذي اصدرته سفيتلانا ابنة ستالين بعد هروبها من الاتحاد السوفيتي العام 1966 بعنوان – ( عشرون رسالة الى صديق ) هو سينيافسكي , وعلى الرغم من ان هذا الرأي بقي دون اثبات , الا انه مهم فعلا ) . ولكن سينيافسكي لم ينشر نتاجاته الابداعية داخل الاتحاد السوفيتي , وتم اعتقاله عام 1965 بتهمة الدعاية المضادة للاتحاد السوفيتي , وحكموه عام 1966 بالسجن لمدة سبع سنوات , ولكن تم اطلاق سراحه عام 1971( بأمر من   اندروبوف  رئيس جهاز المخابرات السوفيتية آنذاك , والذي اصبح عام 1984 رئيسا للدولة والحزب بعد وفاة بريجنيف ) , فدعته رأسا جامعة السوربون للعمل استاذا للادب الروسي لديها , وهكذا سافرمع عائلته الى هناك , وعاش في باريس وتوفي فيها عام 1997 . كان سينيافسكي نجما بارزا في عالم الادب والفكر الروسي واوساطه في باريس آنذاك , بعد اعتقاله ومحاكمته في الاتحاد السوفيتي و كل هذه الاحداث المرتبطة بمسيرته, ونشر في باريس العديد من الدراسات والكتب , ومن جملتها كتابه الموسوم ( نزهة مع بوشكين ) , والذي نريد ان نتوقف عنده قليلا لتعريف القارئ العربي به .   
يقع الكتاب في( 201   ) صفحة من القطع المتوسط , وهو كتاب يرسم صورة بوشكين بشكل مغاير عن تلك الصورة السائدة في مسيرة النقد الادبي الروسي , وقد رسمها سينيافسكي  مستندا على معلومات عميقة حول نتاجات بوشكين ومستشهدا بمقاطع دقيقة ومحددة من تلك النتاجات , اضافة الى دراسة تفاصيل شبه منسية من سيرته الحياتية . أثار هذا الكتاب رأسا ردود فعل مختلفة ومتباينة بشكل حاد و لدرجة التناقض بين القراء , ولا زالت هذه الآراء المتنوعة سائدة حول الكتاب لحد الان , وقد اطلعت على رأي كتبه أحد الباحثين الروس عام 2019 يقول ما معناه, ان الموقف تجاه بوشكين كان ( شبه مقدّس) , وان كتاب سينيافسكي ( نزهة مع بوشكين ) قد ساعدنا على التحرر من هذه النظرة غير الموضوعية للامور . اما الرأى الآخر , المضاد لهذا الكتاب , والذي أسماه باحث بانه ( المحاكمة الثانية لسينيافسكي ) , مشيرا , الى ان المحاكمة الاولى جرت في موسكو السوفيتية عام 1966 بسبب موقفه تجاه الايديولوجية السوفيتية , اما المحاكمة الثانية فانها بسبب موقفه من بوشكين .
سينيافسكي وكتابه ( نزهة مع بوشكين ) يستحق النظرة الموضوعية العميقة والهادئة , اذ ان ذلك كله جزء لا يتجزأ من تاريخ الادب الروسي المعاصر , هذا الادب الذي لايزال غير واضح المعالم بالنسبة للقارئ العربي.... 

286
أدب / لينغرس , لينغرس خنجرك
« في: 19:59 18/12/2019  »
لينغرس , لينغرس خنجرك
===============

قصيدة للشاعر الكوبي خوسيه مارتي
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

 اطعنّي
بخنجرك ,
 ولينغرس ,
ولينغرس
 خنجرك
بين أضلاعي!
 عندي أنا
قصائدي ,
وهي أقوى
 من خنجرك!
+++
دعه ,
 دع هذا الالم الرهيب يسري ,
 و للسماء دعه
 يلطّخها ,
والبحار دعه
 يجفّفها ,
فقصائدي
 - في ذروة
 ألمي -
 تخلق اجنحة
لألمي .
========================
خوسيه مارتي ( 1853 – 1895 ) – شاعر كوبا الكبير , ويعدّ شاعر امريكا اللاتينية قاطبة.






287
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (11)
أ.د. ضياء نافع
 هذه هي الحلقة الاخيرة في سلسلة مقالاتي عن العراقيين بجامعة موسكو , ولهذا فانها تتضمن اشارات سريعة - ليس الا- لاسمين منهم , والتي كان من الضروري التوقف عندهما قليلا , واتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا للحديث التفصيلي عن البقية , او , ان يكمل الآخرون من زملائي هذه الكتابات ( اذ ربما أججت هذه السطور ذكريات زملائي القدامى , فلا يمكن لشخص واحد قاب قوسين او ادنى من الثمانين عاما ان يقوم بهذه المهمة الكبيرة جدا بمفرده يا أعزائي !) . لقد أثارت هذه الكتابات انتباه الكثير من القراء , وكتب لي احد الاصدقاء القدامى قائلا – ( انه يتابع هذه المقالات لانها احياء لذاكرة وطن في الغربة ) , واشارت التعليقات والرسائل التي استلمتها, الى ان هذه الكتابات ضرورية فعلا لتدوين تاريخنا المعاصروالحفاظ عليه, تاريخنا المخفي والمنسي  ( رغم انه تاريخنا الحقيقي ), كي نتأمّله في الاقل ( ولا أقول نتفحصه او بعمق ندرسه) على ضوء هذه الوقائع الصغيرة (ولكنها مهمة مع ذلك ) كما حدثت فعلا, ومن  ثمّ , ربما نقدر ان نستخلص منه شيئا مفيدا لحاضرنا ومستقبلنا .
الاسم الاول الذي أود التوقف عنده هنا هو المرحوم أ.د. هادي عوض , خريج كلية الكيمياء . كان الوحيد بيننا في جامعة موسكو, الذي يحمل شهادة الماجستير من امريكا , وجاء ليحصل على الدكتوراة من جامعة موسكو( وكنّا نستشهد باسمه دائما عندما نتحدث عن موضوع معادلة الشهادات السوفيتية في العراق , وكان هذا الموضوع حادّا جدا آنذاك لأنه واقعيا يعكس الصراع السياسي على الساحة العراقية في ستينيات القرن العشرين ). كان هادي عوض بالطبع اكبر منّا عمرا , وكان انسانا متّزنا وحصيفا وحكيما, وكنّا جميعا نكنّ له الاحترام والتقدير , وكذلك كانت علاقة الروس حولنا تجاهه من طلبة وادارة واساتذة . هذا الاسم يستحق ان نتحدث عنه تفصيلا , اذ انه شغل في العراق ( بعد تخرجه من جامعة موسكو ) عدة مناصب مهمة وكبيرة , منها , رئيس جامعة السليمانية , ورئيس هيئة الطاقة الذرية , ويمكن القول انه الوحيد الذي تميّز بهذا الشكل الواضح  بين خريجي جامعة موسكو من جيلنا آنذاك , وهذا التميّز والنجاحات في العمل يجلب عادة الاقاويل المتنوعة في مجتمعاتنا العربية المغلقة والثرثارة و الساذجة , الاقاويل الايجابية والسلبية  طبعا. لهذا اقول , ان هذا الاسم يستحق الحديث التفصيلي عنه من قبل الذين عاصروه اثناء الدراسة في جامعة موسكو واثناء العمل معه في العراق , كي نرسم صورته الحقيقية و نعطيه حقه.
الاسم الثاني الذي نتوقف عنده في هذا السرد السريع هو د. سامي النصراوي , خريج كلية القانون في جامعة موسكو , الذي اصبح الان روائيا بارزا في المغرب , وهذه ظاهرة فريدة بكل معنى الكلمة بين الخريجين العراقيين من الجامعات الروسية بشكل عام , ولم تتكرر ابدا . لقد عمل النصراوي في الجامعات العراقية بعد عودته من موسكو , ثم سافر الى المغرب للعمل في جامعة محمد الخامس المغربية موفدا من جامعتة العراقية , وهكذا بقي هناك , ثم بدأ ينشر رواياته في المغرب , وبلغ عددها عشر روايات , وبعضها بعدة اجزاء , واغلبها تتناول الواقع المغربي , الذي يعرفه النصراوي الان بعمق نتيجة حياته ولمدة طويلة هناك ( وما أغرب ذلك ) , ولكن توجد – مع هذا - رواية عن العراق , وعنوانها ( شروخ في اسوار بغداد) , علما انه قد  تمّت ترجمة بعض هذه الروايات الى الفرنسية والروسية . اصبح النصراوي اديبا مشهورا جدا في المغرب , وحتى تم تدريس احدى رواياته في كلية الاداب هناك. ومع هذه التألق في دنيا الادب , لم يترك النصراوي عمله الاساسي , و هو الاستاذ في كليّة القانون  بجامعة محمد الخامس , واصدر الكثير من الدراسات القانونية , والتي تعد الان مصادر مهمة في اختصاصه الدقيق وهو القانون الجنائي و علم الاجرام.
ختاما , نود ان نشير الى الاسماء التي لم نذكرها في الحلقات السابقة (والتي اتذكرها طبعا ) , ومن المؤكد ان هناك اسماء اخرى نسيتها بعد مرور اكثر من نصف قرن من زماننا العاصف هذا , وكم أتمنى ان يقوم الآخرون باكمال هذا العمل او تصحيحه او تدقيقه..ألخ.
 كليّة القانون – د. آرسين ( نسيت اسم والده) / المرحوم د. خليل الطائي / د.صالح العبيدي / طارق الدرويش / طلعت نادر / المرحوم د. سامي السعد/ المرحوم د. سعد الجوهر/ المرحوم د. مصباح الخيرو / د. نوري لطيّف .
كليّة الفيزياء – د. ادمون طوبيّا / خضر العالم / المرحوم د. رضا الهر/ المرحوم د. عبد الوهاب الجواهري/ ماهر العاني / د. منيب عادل /
كليّة الاقتصاد –  سعاد سميسم / المرحوم د. عزيز وطبان / د. منيب السكوتي ( نسيت هذه الاسماء عندما كتبت عن كلية الاقتصاد).
كليّة الصحافة – د. حسن العيدي / د. حميدة سميسم / د. خليل عبد العزيز / المرحوم سعود الناصري / د. سلوى زكو.         
كليّة الكيمياء – د. عدنان الظاهر / المرحوم د. ماجد علوش ( لا اتذكر هل كان في كليّة الفيزياء ام الكيمياء) .
كليّة الجغرافيا – محمود البصراوي / د. مهدي الصحاف .
كليّة البايولوجي – د. جواد البدري / المرحوم د. فتاح العاني / د. قتيبة خاشع الراوي / د. كامل ( نسيت اسم ابيه) / المرحومة د. ماجدة عبد الرضا .
كليّة علم النفس – د. ناهدة البدري .
معهد اللغات الشرقية – المرحوم د. حسين قاسم العزيز / المرحوم د. مجيد بكتاش / المرحومة د. وفية ابو قلام / المرحومة ام ذكرى  ( نسيت اسمها . زوجة المرحوم عزيز وطبان ) / المرحومة صبيحة الخطيب (ام شذى , زوجة نوري لطيّف ) .
كليّة الرياضيات – د. جمال الدباغ / محمد بابان

 
 

288
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (10)
أ.د. ضياء نافع
نتحدث في هذه الحلقة عن اثنين من العراقيين في كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو . كلاهما ترك الدراسة فيها . اتوقف اولا عند اسم طالب الدراسات العليا المرحوم سليم غاوي عبد الجبار, الذي كان يحمل شهادة البكالوريوس من دار المعلمين العالية في اللغة العربية وآدابها . كان انسانا هادئا ومتواضعا وخلوقا , الا انه كان منعزلا بعض الشئ, وارتبط اسمه بيننا ( نحن الطلبة العراقيين ) باسم الناقد الروسي بيساريف , و الذي كان سليم غاوي يخطط ان يكتب عنه اطروحته وكان يتحدث عن هذا الناقد الروسي دائما , لدرجة , ان بعض الطلبة كانوا يطلقون عليه اسم بيساريف في احاديثهم الضاحكة الخاصة جدا في اوساطهم , ولم يكن سليم يعرف بذلك طبعا. لم يتميّز سليم غاوي بمعرفته العميقة للغة الروسية , هذه المعرفة الضرورية جدا – بلا شك - لدراسة النقد الادبي الروسي وكتابة اطروحة دكتوراة حول واحد من اعلامه الكبار مثل دميتري ايفانوفيتش بيساريف ( 1840 -1868) , ولا اعرف سبب تركه الدراسة لاحقا , ولكني اظن , ان احدى هذه الاسباب حتما تكمن في انه فهم تلك الحقيقة العلمية والبسيطة في آن . ان الكتابة عن بيساريف ( رغم ان هذا الناقد عاش 27 سنة فقط ) تتطلب معرفة معمقة لمفاهيمه وآرائه حول بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي , ومعرفة معمقة لمسيرة النقد الادبي الروسي واعلامه من بيلينسكي وتشرنيشيفسكي ودبرالوبوف, وكل ذلك يتطلب طبعا معرفة معمقة باللغة الروسية , ويتطلب سنوات طويلة من الدراسة تكاد تصل – بالنسبة للاجنبي - الى ضعف المدة القانونية المحددة للدراسة . ولكن مع ذلك , يجب القول هنا , ان اختيار سليم غاوي لهذ الموضوع المهم والمتميّز في تاريخ النقد الادبي الروسي يعني ان غاوي كان يعرف بعض اوليات الموضوع , ويعني ايضا انه قرار شجاع وطموح جدا , ولكنه قرار غير واقعي , ولا يتناسب مع شخص اجنبي متخصص في اللغة العربية وآدابها ويريد ان يكتب اطروحة دكتوراة في النقد الادبي الروسي في جامعة موسكو .
حاولت ان ابحث عن معلومات اخرى حول سليم غاوي وانا اكتب هذه السطور عنه بعد اكثر من نصف قرن من آخر لقاء لي معه في جامعة موسكو آنذاك , ووجدت مقالة نقدية له نشرها في مجلة ( الرسالة ) الشهيرة عام 1952 بعنوان – (القيم الفنية للشعر المنطلق) , وما اجمل هذا العنوان وما أعمقه , اذ انه يحمل مصطلحات مبتكرة واصيلة حتى بالنسبة للقارئ المعاصر , ووجدت ايضا اشارة جميلة في مذكرات عبد الرزاق عبد الواحد حول سليم غاوي ( الذي كان يدرس معه في قسم اللغة العربية في دار المعلمين العالية ), ويقول عبد الرزاق عبد الواحد  عنه – ( كان لي ابن عم  اسمه سليم غاوي عبد الجبار ..كان معنا في القسم  ...انه مشروع ناقد يلفت النظر , لولا ان تشعبت به سبل الحياة..) , ويتحدث عبد الواحد في مذكراته تلك عن دراسة نقدية عميقة كتبها سليم غاوي عن شعر عبد الوهاب البياتي وألقاها امامه في (البرازيلية ) , المقهى البغدادية الشهيرة في شارع الرشيد , وكل ذلك حدث في العراق الملكي قبل ثورة 14 تموز 1958 طبعا.
الاسم الثاني , الذي يستحق ان اتوقف عنده وبكل جدارة هو د. سعد الجادر , الاخ الاصغر للفنان التشكيلي العراقي الكبير المرحوم د. خالد الجادر , والذي يرتبط اسمه في تاريخ العراق المعاصر بتأسيس اكاديمية الفنون الجميلة وكان اول عميد لها , وأخ الآثاري العراقي المرحوم  د. وليد الجادر , الاستاذ في قسم الآثار بكلية الاداب في جامعة بغداد , والذي يرتبط اسمه باكتشافات آثارية عالمية مهمة في  تاريخ حضارات  وادي الرافدين , وابرزها طبعا مكتبة سوبار (انظر مقالتنا بعنوان – وليد الجادر ..عشرون عاما بعد الرحيل ). سعد الجادر هو الابن البار لهذه العائلة العراقية  العريقة في دنيا الثقافة العراقية المعاصرة . كان طالبا متميّزا جدا في الصف الاول في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو, وكان واحدا من ألمع العراقيين معرفة باللغة الروسية , ومتابعا دقيقا للحياة الثقافية الروسية حوله آنذاك . انتقل سعد للدراسة في معهد الهندسة المعمارية عندما دعت الملحقية الثقافية طلبة الدراسات الانسانية الى تبديل اختصاصاتهم ( انظر الحلقة رقم 8 من هذه السلسلة ), وانهى الدراسة الاولية  ثم الدراسة العليا في هذا المعهد وبشكل متميز , وعمل في عدة دول باختصاصه الهندسي المعماري هذا , وأخذ يجمع التحف الفضيّة في تلك البلدان التي عمل فيها , وهكذا استطاع ان يجمع كمية هائلة منها , مستخدما كل طاقته وامواله , وتحولت هذه الهواية الفنية الى هدف حياتي له , وقام بتنظيم عدة معارض كبيرة في بلدان مختلفة لتلك التحف الفضية , وأثارت تلك المعارض ردود فعل عالمية , ثم أصدر كتابا ضخما باللغة الانكليزية عن هذه التحف الفضية الرائعة , ويضم هذا الكتاب صورا تفصيلية وتعليقات وشروحات عن تلك التحف . اعلن د. سعد تبرعه بكل هذه التحف الى المتحف العراقي في بغداد لعرضها الدائم في قاعة تحمل اسم الجادر , ووضع كل هذه الثروة الفنية الهائلة في بنك بالمانيا , ونشر وصيّة في موقع ( ايلاف ) يعلن فيها ذلك . لقد قرأت تلك الوصيّة وانا اكاد أبكي , وقلت بيني وبين نفسي لماذا لا تتبنى جمعية الفنانين العراقيين مثلا ( او اي جهة عراقية اخرى ذات علاقة بالموضوع) هذا المقترح العملاق وتسعى الى تنفيذه ؟ ...   

289
أدب / نسيج الصباح
« في: 23:00 03/12/2019  »
نسيج الصباح
=========

قصيدة للشاعر البرازيلي المعاصر جوان كاربال دي ميلو نيتو
==================================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
=====================

 لا يقدر ديك واحد بمفرده
 ان يحوك نسيج الصباح ,
 فيطلب مساعدة اقرانه
 بصيحته ,
وها هو ذا ديك آخر يستلم اشارته
التي وصلت طائرة له,
ويطلق صيحتة
لديك آخر جاره,
و هكذا تبدأ الديكة
حياكة الخيوط  الشمسية
من الصيحات المبكّرة الصباحية,
و يظهر الصباح عندها
فوقنا
مرتديا نسيجا
 شفافا
حاكته الديكة .
وها هي ذي قبّة النسيج هذا
تحيطنا,
 وندخل جميعا
 خيمتها,
وترفرف هذه الخيمة
 فوقنا .
+++
نسيج الصباح هذا
 رقيق وشفاف,
انه كرة
عديدة الالوان ,
تتلاشىى
بعد برهة
 من الزمان...
================================================================================================================================================
جوان كاربال دي ميلو نيتو ( 1920 – 1999 )  شاعر برازيلي ومترجم وكاتب مقالة / قصائده مترجمة الى العديد من اللغات , منها الانكليزية والاسبانية والروسية .../ حائز على الكثير من الجوائز الادبية / يوجد تمثال جميل له وهو يجلس – متأمّلا - على مصطبة عند ضفاف النهر في مدينه ريسيفي التي ولد فيها / يعدّ واحدا من شعراء طليعيين في الشعر البرازيلي المعاصر , الذين يؤكدون في قصائدهم على الموضوعة الانسانية البسيطة الخالدة في حياة البشر , ويمكن حتى في هذه القصيدة الرمزية الصغيرة ملاحظة تلك الظاهرة , اذ ان القصيدة تشير , الى ان ( ديك بمفرده ) لا يقدر ان يمنحنا ( الصباح) , وان ( قبّة الصباح الملوّنة ) هي نتيجة عمل جماعي تشارك به ( الديكة كافة ) ...فما أجمل هذه الصورة الرمزية الخالدة في حياتنا وما أعمقها!!! .



290
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم ( 9 )
أ.د. ضياء نافع

نتوقف في هذه الحلقة عند كليّة الفيلولوجيا في جامعة موسكو . كنّا نسميها آنذاك (كليّة الاداب) انسجاما مع تسميات الكليّات السائدة في العراق وعالمنا العربي , ولكنها كانت تختلف عنها بشكل جذري . كليّة الاداب في العراق ( عندما عملت فيها تدريسيّا منذ 1973 الى 1987 حيث انتقلنا للعمل في كليّة اللغات ) هي واقعيا جامعة الدراسات الانسانية , ففيها اقسام اللغة العربية و اللغات الاوربية ( تحول الى قسم  اللغة الانكليزية بعد تأسيس كلية اللغات ) والتاريخ والجغرافيا وعلم الاجتماع والآثار والدراسات الشرقية ( انتقل الى كلية اللغات ) والفلسفة واللغة الكردية ( انتقل الى كلية التربية ) والصحافة ( تحول الى كلية الاعلام ) , وربما نسيت بعض الاختصاصات الاخرى في كليّة الاداب بجامعة بغداد , اما كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو فكانت تقتصر على دراسة اللغات وآدابها فقط , وكلنا ( نحن العراقيين ) كنّا في القسم الروسي , وهذه هي التسمية الرسمية لهذا القسم ( وليس قسم اللغة الروسية كما هو متبع في العراق) , و القسم الروسي هذا واسع جدا , ويكاد ان يشكّل كليّة باكملها بالمفهوم العراقي , ففيه عدة فروع مستقلة بعضها عن البعض , وفي كل فرع توجد ادارة فيها رئيس ومقرر وسكرتارية متكاملة من عدة موظفين , و توجد طبعا مجموعة من التدريسيين المتخصصين واعداد كبيرة من طلبة الدراسات الاولية والعليا وكافة المستلزمات العلمية الضرورية من المصادر والمكتبة والنشر ...الخ .  يوجد في القسم الروسي هذا - فرع اللغة الروسية المعاصرة وفرع تاريخ اللغة الروسية وفرع علم اللغة وفرع علم الادب وفرع الفلكلورالروسي وفرع الادب الروسي القديم  وفرع تاريخ الادب الروسي للقرن الثامن عشر وفرع تاريخ الادب الروسي للقرن التاسع عشر وفرع تاريخ الادب الروسي للقرن العشرين وفرع تاريخ آداب شعوب الاتحاد السوفيتي , اما بشأن تدريس مادة  الادب الاجنبي لطلبته في الدراسات الاولية ( والتي تبدأ منذ الصف الاول وتنتهي في الصف الخامس جنبا لجنب مع مواد التخصص المرتبطة باللغة الروسية وآدابها , وهي مادة ضرورية وليست ثانوية بتاتا ) فيجري التنسيق من اجل تدريسها بين القسم الروسي والقسم  المختص بدراسة اللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية والاسبانية وغيرها, والذي يضم ايضا فروعا عديدة اخرى, وباختصار شديد , فان كليّة الفيلولوجيا تختلف جذريا عن بنية كليّة الاداب بالمفهوم و الواقع العراقي , ولهذا , اطلق عليها الخريجون العرب مختلف التسميات , منها مثلا , كليّة فقه اللغة , ولكننا نظن , ان الافضل والاصح ان نسمّيها - كليّة اللغات وآدابها , فكلمة ( فيلولوجيا ) تعني دراسة اللغة وآدابها .
العراقيون في الدراسات الاولية بهذه الكلية ( وحسب الابجدية طبعا ) هم -  المرحوم ادهام يحيى سليم ( اولية وعليا ) و سعد الجادر ( انتقل الى معهد الهندسة المعمارية ) و ضياء نافع وعادل الجبوري ( اولية  ثم عليا في كلية الصحافة , انظر مقالتنا بعنوان – مع د. عادل الجبوري في موسكو, ومقالتنا بعنوان – المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي ) والمرحوم غازي العبادي ( انظر مقالتنا بعنوان عراقيون مرّوا بموسكو (12) غازي العبادي ,  ومقالتنا بعنوان – حديث مع فيرا , ومقالتنا بعنوان – جولة في القسم الداخلي لجامعة موسكو , ومقالتنا بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي) و فاروق الشيخ وفاضل فرج وماركريت طاويد كانيكانيان ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيات درسن في جامعة موسكو ) والمرحوم محمد يونس ( اولية و عليا  , انظر مقالاتنا العديدة جدا عن د. محمد يونس ) و ناشئة بهجت الكوتاني ( اولية وعليا , انظر مقالتنا بعنوان – عراقيات درسن في جامعة موسكو, ومقالتنا بعنوان حديث مع فيرا  ) والتحق معنا في السنة التالية كل من حسين محمد سعيد ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مروا بموسكو (18) مرتضى سعيد الحديثي ) وماهي قاسم , اما العراقيون في الدراسات العليا فهم – المرحوم جليل كمال الدين ( انظر مقالتنا بعنوان – وداعا جليل كمال الدين , العبقري الذي لم يعرف قيمة نفسه ) و جميل نصيّف التكريتي ( انظر مقالتنا بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي  ومقالتنا بعنوان – تسفيتايفا و بوشكينها) وحسن البياتي ( انتقل الى الدراسات الشرقية , انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو (25) د. حسن البياتي , ومقالة د. حسن البياتي نفسه بعنوان –  رسالة الى د. ضياء نافع تعقيبا على مقالته ) والمرحومة حياة شرارة ( انظر مقالاتنا العديدة جدا عن حياة شرارة ) و المرحوم سليم غاوي عبد الجبار( ترك الدراسة ) والمرحوم فائق ابو الحب ( ترك الدراسة , انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو , و بعنوان - كلمات عربية في اللغة الروسية)
كليّة الفيلولوجيا بجامعة موسكو تستحق ان نتوقف عندها في الحلقة القادمة , ليس فقط لأنها كليّتي الحبيبة , وانما لأنها تضم فعلا اسماء عراقيين جديرين ان نتحدث عنهم وعن دورهم بالحياة الثقافية في العراق المعاصر.

 

291
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم ( 8 )
أ.د. ضياء نافع
نستمر في هذه الحلقة بحديثنا عن الطلبة العراقيين في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو في الستينيات . نتوقف عند المرحوم د . عباس الدباغ . كان واحدا من طلبة الدراسات العليا , الذين كانوا يحملون شهادة البكالوريوس العراقية عند وصولهم الى موسكو . كان طالبا جدّيا , وانهى دراسته ضمن الفترة القانونية بنجاح , وعاد الى العراق , وعانى ( كما هو حال خريجي الجامعات الروسية بشكل عام ) من مشاكل معادلة الشهادة والتعيين , واستطاع – بعد التي واللتيا - ان يعمل في جامعة الموصل لفترة , واضطر اخيرا للسفر الى اليمن للعمل هناك , واختاروه عميدا لاحدى كليات الجامعة التي كان يعمل بها في اليمن , اذ لاحظوا هناك مستواه العلمي الراقي ونضوج شخصيته وجدّيته واخلاصه في العمل  , و سمعت, انه وضع في تلك الجامعة  كتابا منهجيا لهم في اختصاصه, ولكني لم اطلع عليه ولا اعرف مضامينه . لقد علّق أحد الزملاء مرة قائلا , ان العراقيين لم يلاحظوا شخصية د. عباس المتميّزة علميا واخلاقيا , لأن مغنية الحي لا تطرب ( خصوصا اذا كانت خريّجة الاتحاد السوفيتي) , بينما اكتشفوا في اليمن رأسا تلك الميزات الواضحة بسهولة .  رجع د. عباس الدباغ الى العراق بعد العمل – ولمدة ليست قصيرة -  في اليمن , وساهم مساهمة فعّالة ورائعة في عملية تأسيس الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية والاعداد القانوني لانبثاقها , وتم انتخابه في لجنتها الاولى في الاجتماع العام لخريجي الجامعات الروسية , الذي انعقد في كلية اللغات بجامعة بغداد عام 2004 . توفي المرحوم د. عباس مبكرا في بغداد اثر مرض عضال , ولازالت ذكراه العطرة راسخة في نفوس كل اصدقائه وزملائه . اختتم هذه السطور الوجيزة عنه بذكرياتي في جامعة موسكو معه , اذ كنت غالبا ما اتلاطف معه في جامعة موسكو  واطرح عليه سؤالا واحدا وهو  – من وجهة نظر علم الاقتصاد , لماذا يستلم طالب الدراسات العليا 150 روبلا شهريا , بينما نستلم نحن طلبة الدراسات الاولية 90 روبلا شهريا , وهل هذا يعني ان طالب الدراسات العليا يحتاج ان يأكل أكثر من طالب الدراسات الاولية ؟ وكان عباس يضحك من اعماق قلبه عندها , وقد ذكّرني مرة في بغداد بذلك السؤال , وقهقهنا معا , وهو يقول لي , انه لن يجيبني ابدا عن هذا السؤال  من وجهة نظر علم الاقتصاد .
الاسم الثاني الذي اود ان اتوقف عنده هو المرحوم خالد الزبيدي , الذي كان طالبا في كلية الاقتصاد , ولكن الملحق الثقافي محمود شكري استدعانا , نحن طلبة الدراسات الانسانية , واخبرنا بضرورة تبديل اختصاصنا الى دراسات علمية , وان ذلك التبليغ رسمي وصادر من الدولة العراقية , وانه اتفق مع الجانب السوفيتي بشأن تنفيذ هذا النقل . لقد كنّا آنذاك في الصف الثاني , وقد ناقشناه – نحن طلبة كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) -  وقلنا له ان العراق يحتاج الى مترجمين عن اللغة الروسية لتوسّع العلاقات العراقية – السوفيتية في مجالات متنوعة وعديدة جدا , فأجابنا , ان العراق يحتاج الى مترجمين اثنين فقط لا غير من الذين يعرفون اللغة الروسية , وان البقية فائضين عن حاجة العراق , وقد ضحكنا من منطقه الافلج  هذا . يمكن القول ان اكثرية الطلبة رفضت مقترح الملحقية , الا ان بعض زملائنا وافقوا على ذلك , معتبرين انه لا ضير من الانتقال الى الاختصاص الذي يرومون دراسته , وانها  فرصة يجب الاستفادة منها رغم كونها تحمل صفة سياسية واضحة المعالم , اذ انها انعكاس لما كان يجري في العراق اواخر حكم عبد الكريم قاسم .  كان خالد الزبيدي من جملة الطلبة الذين قرروا الانتقال الى كليّات اخرى , رغم انه كان الشخص الثاني في رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , وهكذا ترك خالد كليّة الاقتصاد و انتقل الى الدراسة في معهد الهندسة المعمارية , اذ وافق الجانب الروسي على ذلك بتنسيق مع الملحقية الثقافية طبعا . وأذكر اني تحدثت معه عندئذ , وقلت له , ان هذا الاختصاص يتطلب موهبة ذاتية في قضايا الرسم والتخطيط المعماري , فقال لي مبتسما , ان المهندس المعماري في العراق يرسم خريطة بناء البيت على ( باكيت جكاير تركي او لوكس ) (وهي سجائر عراقية كانت موجودة في الخمسينيات  ويتذكرها زملائي الشيّاب طبعا) ويعطي الخريطة للمقاول , ويؤكد المهندس فقط على مواقع الابواب والنوافذ . لقد كان المرحوم خالد الزبيدي انسانا مرحا ولطيفا وبسيطا ومجاملا ومحبوبا من الجميع , ولكنه لم يتميّز علميا , ومع انه اكمل دراسته وحصل على شهادة الهندسة المعمارية , وعمل في العراق مهندسا في احدى دوائر الدولة , فانه واقعيّا لم يكن مهندسا معماريا حقيقيا مثل بعض زملائه الذين انهوا دراستهم في هذا المعهد الشهير , ومنهم , مثلا , المعماري العراقي المعروف د. خالد السلطاني , الذي يعدّ الان واحدا من كبار منظريّ الهندسة المعمارية في العراق وأحد اهم مؤرخيّها , واصبحت كتبه وبحوثه مصادر اساسية في المكتبة المعمارية العربية .   



292
تورغينيف بين حياة شرارة ومحمد يونس
أ.د. ضياء نافع
المرحومة ا. د.حياة شرارة كانت بعيدة عن الكاتب الروسي تورغينيف عندما كانت تدرس في جامعة موسكو, اذ انها كتبت اطروحة الدكتوراه عن الكاتب تولستوي , اما المرحوم أ.د. محمد يونس فقد كان يدرس في جامعة موسكو نتاجات تورغينيف , و كتب عنه رسالة تخرجّه , اي رسالة الماجستير . وهكذا اصبحت حياة شرارة – بعد تخرجها – متخصصة بادب تولستوي , واصبح محمد يونس متخصصا بادب تورغينيف .  كلاهما عادا الى العراق في الستينيات وهما يحملان هذا التخصص الدقيق في الادب الروسي, وبدأ كلاهما بالعمل في قسم اللغة الروسية بكلية الاداب في جامعة بغداد . محمد عاد قبل حياة , وبدأ يعمل رأسا في القسم المذكور باعتباره قد حصل على ( شهادة جامعية اولية أمدها خمس سنوات – هكذا اطلقت عليها وزارة التعليم العالي العراقية تلك التسمية آنذاك كي لا تعادلها بالماجستير) , فلا هي بكالوريوس ولا هي ماجستير , او كما قال عنها احد المسؤولين العراقيين في الوزارة ساخرا مرة – (شبر اعلى من البكالوريوس وشبرين اوطأ من الماجستير!). عاد محمد يونس الى جامعة موسكو مرة اخرى لاكمال دراسته العليا بعد ان فهم , ان وزارة التعليم العراقية لن تعادل هذه الشهادة بالماجستير بأي حال من الاحوال , وحصل فعلا على شهادة الدكتوراه هناك, ولكنه ترك تورغينيف , وكتب اطروحة عن تولستوي . وهكذا اصبح في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد واقعيّا متخصصان في ادب تولستوي هما د. حياة شرارة ود. محمد يونس ( انظر مقالتنا بعنوان تولستوي بين حياة شرارة ومحمد يونس ). لم ينعكس التخصص الدقيق هذا على طبيعة العمل التدريسي في القسم , اذ كانت التدريسات في هذا القسم كلها تدور في اطار المعلومات الاولية البسيطة ليس الا في اللغة الروسية وآدابها لطالب عراقي يبدأ بدراسة اللغة الروسية من الصفر, بل وان معظم هؤلاء الطلبة كانوا حتى لا يرغبون بدراستها , ولكن بالنسبة للبحث العلمي اللاحق لكليهما انعكس هذا التخصص طبعا بشكل واضح , فقد نشرت حياة شرارة كتابا بعنوان ( تولستوي فنانا ) , وهي اطروحتها واقعيا , ولكنها لم تستمر بالكتابة عن تولستوي , بل ابتدأت بالانتقال ( ان صح التعبير ) الى تورغينيف بالتدريج , وهكذا قررت ترجمة اعماله الكاملة الى العربية , واستطاعت ان تترجم وتنشر فعلا عدة نتاجات لتورغينيف هي (مذكرات صياد) و(عش النبلاء)  و (رودين)  , وحياة ( وليس محمد ) التي كتبت الفصل الخاص بتورغينيف في كتاب ( مدخل الى تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر ) , الذي صدر في بيروت آنذاك ( واعادت دار المدى طبعه ثانية في بغداد ), وهو كتاب منهجي باللغة العربية لطلبة قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد حول مادة تاريخ الادب الروسي من تأليف حياة شرارة ومحمد يونس معا , اما محمد , فكتب الفصل الخاص بتولستوي في ذلك الكتاب.
  جاء مرّة الى قسمنا الصحافي المعروف الاستاذ ماجد السامرائي , وطلب منّا باسم صاحب المؤسسة العربية للنشر في بيروت ( الكيالي ) المشاركة بمشروعها الثقافي , وهو نشر سلسلة حول اعلام الفكر العالمي . اختار محمد الكتابة عن تورغينيف وتولستوي معا ( اختصاصه الدقيق الاول واختصاصه الدقيق الثاني ) , اما حياة , فقد قررت الكتابة عن بيلينسكي , اي انها لم تقرر الكتابة عن تولستوي ( اختصاصها الدقيق ) , ولا عن تورغينيف , الذي بدأت بالانتقال اليه , وذلك لأن محمد أخذ على عاتقه الكتابة عنه باعتباره اختصاصه الاول آنذاك , و حياة لم تكن تحب المنافسة والدخول بدروبها الضيّقة, اذ انها كانت دائما موسوعية الافآق , و تجد دائما المواضيع الجديدة ضمن اختصاصها العام طبعا , وكانت حتى لا تطيق تدريس نفس المواد كل عام , وانما كانت تحاول تنويع جدولها ولو جزئيّا . ان ثقافة حياة شرارة الواسعة جعلتها هكذا , فقد ترعرت منذ صباها في اجواء ثقافية راقية , اذ انها ابنة الكاتب محمد شرارة , وهي خريجة قسم اللغة الانكليزية قبل ان تسافر الى موسكو , اي انها تحمل شهادة البكالوريوس في اللغة الانكليزية وآدابها , وكانت لغتها الانكليزية ممتازة , وكانت تستخدم هذه اللغة ومصادرها في بحوثها حول الادب الروسي , اما محمد يونس , فانه خريج المدرسة السوفيتية منذ الدراسات الاولية وحتى العليا , ولذلك , فانه يمكن القول , ان محمد يونس هو الابن البار لهذه المدرسة الفكرية, وقد انعكست كل هذه الخصائص لدى حياة شرارة ومحمد يونس على مسيرتهما العلمية اللاحقة , ولا مجال هنا طبعا للكلام التفصيلي عن كل ذلك , اذ يقتضي هذا مقارنة كل نتاجات د. حياة شرارة و د. محمد يونس , وهي عملية ليست بسيطة ابدا في مجال البحث العلمي حول الادب الروسي في العراق ( وكم أتمنى ان أعود الى هذا الموضوع يوما ما ), ولكن التزاما بعنوان المقالة هذه نود ان نشير في الختام , الى ان حياة شرارة ساهمت – في نهاية المطاف - بنشر اسم تورغينيف ونتاجاته ( والذي هو ليس اختصاصها الدقيق ) بشكل اوسع من محمد يونس ( الذي هو اختصاصه الدقيق الاول ) .
دور حياة شرارة و دور محمد يونس في اطار دراسة الادب الروسي في العراق لازال ينتظر الباحثين العراقيين ...   

293
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم ( 7 )
أ.د. ضياء نافع
نستمر في هذه الحلقة بالحديث عن الطلبة العراقيين في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو . في الحلقة السادسة تكلمنا عن اول رئيس لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي المرحوم د. محمد علي الماشطة , الطالب في كليّة الاقتصاد , ونتحدث في هذه الحلقة عن الرئيس الثاني للرابطة , الطالب ايضا في كليّة الاقتصاد وهو المرحوم د. وجدي شوكت سري . وصل وجدي الى موسكو بعد عامين من وصولنا , والتحق بكليّة الاقتصاد بعد ان درس اللغة في الكلية التحضيرية . كانت هناك هالة كبيرة حوله باعتباره كان مناضلا شيوعيا في العراق و دخل السجون والمعتقلات بسبب عقيدته الشيوعية, وهكذا اصبح رأسا الرئيس الثاني لرابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , و لكن الفرق بينه وبين محمد علي الماشطة كان واضحا , اذ كان وجدي مغرورا ومتعجرفا ويهتم بمظهره الخارجي ودائم الحديث عن نفسه ونضاله عكس محمد علي الذي كان يمتاز بالبساطة المتناهية والتواضع والطيبة والابتسامة الدائمة , ولم يكن وجدي يتقن اللغة الروسية ولا يعرف خصائص المجتمع السوفيتي حوله مثل محمد علي الماشطة طبعا , وكان يحتاج دائما الى مترجمين عند تعامله مع الروس . أذكر مرة , عندما زار موسكو الشاعر محمد صالح بحر العلوم , دعوناه كي نلتقي معه في جامعة موسكو , وكان وجدي باعتباره رئيس الرابطة مدعوا طبعا . كان اللقاء في قاعة صغيرة في الاقسام الداخلية لجامعة موسكو , واشترينا قليلا من الفواكه والشربت البسيط كي نقدمها للجميع اثناء اللقاء , فاذا بوجدي شوكت سري يطلب ان تكون له مع بحر العلوم مائدة خاصة تمتاز عن موائد الطلبة , مائدة تحتوي على كذا وكذا من الطعام والشراب , وعندما اخبرناه بعدم امكانية ذلك , غضب وأخذ يهدد ويرعد و يزبد, وقال وهو يصرخ , انه رئيس الرابطة , وان كلمته لا يمكن ان نناقشها . بل يجب ان ننفذها . لم ننفذ طلباته طبعا , ولكن وجدي – مع ذلك - جاء الى اللقاء وجلس مع بحر العلوم بشكل طبيعي ولكنه كان متجهما , ولم يتكلم بتاتا . انتهت فترة وجدي لرئاسة الرابطة , وبقي طالبا في كلية الاقتصاد وحسب , ولكنه استمر طبعا كواحد من قادة التنظيم الشيوعي الطلابي , وبعد ان انهى الدراسة , عاد الى العراق وترك كل ارتباطاته السابقة وكل علاقاته مع زملائه واصدقائه القدامى اثناء مرحلة الدراسة , ورجع مرة اخرى في السبعينيات للدراسة العليا في جامعة موسكو وفي كليّة الاقتصاد طبعا , ولكنه كان يختلف جذريا عن تلك الشخصية السابقة بكل معنى الكلمة , وقد كنت انا بايفاد الى موسكو للمشاركة بندوة اساتذة اللغة الروسية وادابها في آسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية , ومررت لزيارة اصدقائي العراقيين القدامى بجامعة موسكو , فرأيتهم يلعبون كرة القدم في باحة الاقسام الداخلية , وتعجبت  عندما رأيت وجدي بينهم وهم يهزأون بلعبه وتصرفاته , وقلت لاحدهم ذلك همسا , فاجابني ضاحكا , انك تنظر اليه بعيون الستينيات عندما كان ( قائدا منتفخا !) ,  اما الان , فانه اصبح شخصا آخر تماما . تحدثت معه قليلا عندما لاحظني , وقال لي انه يعرف انني اعمل في صحيفة الجمهورية البغدادية, فتعجبت انا من قوله , وقلت له انني اعمل تدريسيّا في قسم اللغة الروسية بكليّة الاداب في جامعة بغداد , فاندهش وقال لي , انه قرأ مقالاتي شخصيّا في جريدة الجمهورية , فقلت له , انني انشر ترجماتي عن الروسية في صفحة آفاق , التي اسسها ويديرها الصحافي العراقي المعروف محمد كامل عارف خريج كلية الصحافة في جامعة لينينغراد , وان  النشر في صفحة آفاق لا يعني انني اعمل في تلك الصحيفة , فصمت وجدي ولم يعلق بأي كلمة حول ذلك , وقد فهمت طبعا حتى من طبيعة حوارنا القصير هذا , انه اصبح شخصا مختلفا فعلا . وكان هذا آخر لقاء لي مع المرحوم د. وجدي شوكت سري وآخر دردشة معه .
ان المرحوم د. وجدي شوكت سري هو جزء لا يتجزأ من تاريخ الطلبة العراقيين في موسكو ومسيرتهم في الستينيات , جزء ايجابي وسلبي في آن واحد , ايجابي لانه أدّى دورا واضحا و معيّنا في ادارة عمل الرابطة , اذ كان رئيسا لها لمدة سنة دراسية باكملها رغم بيروقراطيته و عنجهيته , وايجابيا ايضا لانه لم ينحدر في العراق ( عندما ترك كل شئ) الى مواقع مضادة لافكاره السابقة التي تركها , وانما اكتفى بعزل نفسه كليّا عن كل ماضيه ليس الا , وهذا موقف شخصي بحت , ولكنه موقف اخلاقي ايجابي بحد ذاته , موقف يستحق عليه التقدير والاحترام  بلا شك , اذ كانت هناك تجارب اخرى مع هؤلاء الذين تركوا مواقعهم الفكرية السابقة وتحولوا الى عناصر مضادة عدوانية وانتهازية , ولكن وجدي لم يكن هكذا ابدا . 
ختاما , اود ان اشير , الى ان ارملته اتصلت مرة بعمادة كلية اللغات ( وكنت انا معاونا للعميد آنذاك ) , وقالت انها تريد ان تهدي للكلية القاموس الروسي – الانكليزي الكبير , الذي كان عند المرحوم زوجها , فرحبنا  بها واستلمنا منها القاموس المذكور , وكان اسم وجدي شوكت سري مكتوبا على صفحته الاولى وبخط يده , وقد شكرناها على هذه المبادرة العلمية الطيبة , وترحمّنا على روحه , واودعنا القاموس في مكتبة قسم اللغة الروسية بكليتنا , المكتبة التي احترقت باكملها اثناء الاحتلال الامريكي للعراق عام 2003 .

294
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات (6)
أ.د. ضياء نافع
نتوقف في هذه الحلقة عند كليّة الاقتصاد . كان فيها مجموعة من الطلبة العراقيين في الدراسات الاولية والعليا , وهم ( حسب الابجدية ) كل من – اسماعيل خليل (عليا) / خالد الزبيدي ( اولية )/ شريف الشيخ (عليا) / عباس الدباغ  ( عليا)/ عبد الحسين زيني ( عليا )/ عبد القادر الجبوري  ( اولية ثم عليا )/ علوان  الحمداني ( عليا ) / فتاح السامرائي  ( عليا ) / كمال جرجيس انطون ( اولية ) / محمد علي الماشطة ( اولية ثم عليا) / ميسّر قاسم ( عليا ) / نجيب نجم الدين ( عليا ) / وجدي شوكت سري ( اولية  ثم عليا) , واخشى انني نسيت اسماء طلبة آخرين في تلك الكليّة ( وكم أتمنى ان يشارك الاخرون في هذه المقالات باضافة معلومات او تصحيح ما اكتبه الان ).  لقد كانت كليّة الاقتصاد هذه واحدة من الكليّات المرغوبة جدا من قبل الطلبة العراقيين , اذ انها كانت رمزا لدراسة الاقتصاد الاشتراكي في قلب المعسكر الاشتراكي (في ستينيات ذلك القرن ) وعاصمته موسكو طبعا .
أقدم طالب عراقي في هذه الكليّة هو المرحوم د. محمد علي الماشطة , الذي وصل الى موسكو العام 1957 ضمن الوفد العراقي للمشاركة في المهرجان العالمي للطلبة والشباب ( وهو وفد ارسله الحزب الشيوعي العراقي آنذاك ) , وبقي محمد علي الماشطة للدراسة في موسكو بعد المهرجان  , وكان من الطبيعي ان يلتحق بكلية الاقتصاد في جامعة موسكو لدراسة اسس الاقتصاد والفكر الاشتراكي , وكان آنذاك الطالب العراقي الوحيد في جامعة موسكو .  بعد ثورة 14 تموز 1958 تدفق العراقيون للدراسة في الجامعات الروسية , وهكذا اصبح محمد علي الماشطة نجما ساطعا بالنسبة لنا, اذ كان في الصف الثاني بكليّة الاقتصاد في جامعة موسكو عندما كنّا نحن جميعا ( الوجبة الاولى ) طلبة في الكلية التحضيرية لدراسة اللغة الروسية في العام الدراسي 1959 / 1960 . ارتبط اسم محمد علي الماشطة برابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي  ( انظر مقالاتنا بعنوان – رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي 1 – 5 ), اذ انه كرّس كل وقته وجهده ونشاطاته من اجل تأسيسها واخراجها الى حيّز الوجود كما يقولون  , وكان رئيس اللجنة التحضيرية لها واول رئيس للرابطة , حيث انتخبناه بالاجماع لهذا الموقع في المؤتمر الاول للرابطة الذي انعقد في جامعة موسكو , وكنّا نسميه آنذاك ( واضع اسس الرابطة ) , وقد اصبح اسمه رمزا للرابطة لدرجة , ان جواد البدري ( طالب الدراسات العليا في كلية البايولوجي بجامعة موسكو آنذاك ) كتب قصيدة ( وكان عندها  زعلانا على الرابطة ولا يريد المساهمة في احدى اجتماعاتها ) تبدأ هكذا – ( ايها الذاهب الى الرابطه ... سلملّي على الماشطه ) , وهي قصيدة طريفة مثل كل قصائده المرحة الاخرى . كان محمد علي الماشطة انسانا مرحا وبسيطا ومتواضعا و اجتماعيا , رغم انه ابن الشيخ عبد الكريم الماشطة – عضو مجلس السلم العالمي والشخصية العراقية الشهيرة , ورغم انه كان الطالب الابرز والاشهر بين الطلبة  العراقيين بالنسبة للجانب الروسي سواء في اوساط جامعة موسكو او خارجها , وأذكر اني التقيت مرة أحد كبار الروس المسؤولين عن الاجانب في جامعة موسكو اثناء ايفاد لي في نهاية الثمانينات, فحدثني عن احترام الادارة الروسية آنذاك لمحمد علي الماشطة , وكانوا يسمونه ( كريم ) , وذكر لي هذا المسؤول , انه خاض مرة نقاشا حادا مع الطلبة الشيوعيين الصينيين حول الخلاف بين الحزب  الشيوعي السوفيتي والحزب الشيوعي الصيني ( وهو خلاف كبير ومشهور جدا حدث في الستينيات بين الحزبين الشيوعيين الاكبر في العالم الاشتراكي ) , وان الجانب الصيني كاد ان يتغلب عليه لولا ( كريم ) , الذي تدخل في ذلك النقاش وكان مع الحزب الشيوعي السوفيتي بقوة وثبات ضد الحزب الشيوعي الصيني , وانه ( اي هذا المسؤول الروسي ) استطاع بمساعدة محمد علي الماشطة ان يدحض مواقف الشيوعيين الصينيين في ذلك النقاش الحاد آنذاك .
انهى محمد علي الماشطة كلية الاقتصاد , واستمر رأسا بدراسة الدكتوراه , وحصل على شهادة الدكتوراه في الاقتصاد , وسافر الى الجزائر للعمل هناك , ثم عاد الى العراق , وعمل على ما اتذكر في شركة النفط الوطنية , وتوفي في بغداد . لم يبرز د. محمد علي الماشطة علميا في مجال اختصاصه , ولم يترك لنا مصادر او كتبا مؤلّفة او مترجمة له عن الروسية في علم الاقتصاد , رغم اني أتذكر دراسة نشرها في مجلة الثقافة الجديدة , (وهي مجلة مرموقة في مسيرة الثقافة العراقية و يصدرها الحزب الشيوعي العراقي منذ اواسط الخمسينيات والى حد الان ) , دراسة حول اقتصاد النفط العراقي , وهو موضوع اطروحة المرحوم د . محمد علي الماشطة في كليّة الاقتصاد بجامعة موسكو عندما كان طالب دراسات عليا هناك في الستينيات . واختتم هذه السطور عن المرحوم محمد علي الماشطة بالقول , انه كان شخصية متميّزة بين طلبتنا في الاتحاد السوفيتي , شخصية تستحق منّا جميعا – نحن خريجي الجامعات الروسية في تلك الفترة – ان نكتب ونسجّل ذكرياتنا وانطباعاتنا عنه .
 الكتابة عن العراقيين الآخرين في كليّة الاقتصاد بجامعة موسكو في تلك الفترة ومصائرهم  هو موضوع الحلقة القادمة  ..... 
     

295
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (5)
أ.د. ضياء نافع
استمر في هذه الحلقة بالحديث عن كليّة التاريخ في جامعة موسكو. تخرّج في هذه الكليّة ثلاثة طلبة دراسات عليا هم المرحوم د. جبار عطيوي والمرحوم د. نوري السامرائي وأ.د. هاشم التكريتي , وقد عملوا جميعا – بعد عودتهم – في جامعة بغداد , ( جبار في قسم التاريخ بكلية التربية ونوري وهاشم في قسم التاريخ بكلية الاداب ) . كان جبار عطيوي طالب دراسات اولية في كلية الصحافة , وبعد ان تخرّج , انتقل الى كلية التاريخ لاكمال دراسته العليا , وكانت القوانين والتعليمات الجامعية هناك تسمح ( ولازالت) بذلك الانتقال بين الكليّات المتقاربة من حيث الاختصاص . لقد كان قرار جبارهذا شجاعا جدا ويعبّر عن موقف علمي سليم , اذ انه اعتراف ذاتي امام نفسه وامام الآخرين ايضا , انه لا يمكن ان يكون صحافيا , اذ ان هذه المهنة ترتبط قبل كل شئ بالموهبة الذاتية ( مثل الرسم والنحت والشعر ...الخ) , ويمكن للدراسة الاكاديمية ان تبلورهذه الموهبة وتصقلها وتطوّرها , ولكن لا يمكن ان تخلقها من العدم , ولهذا , فان قبول الطلبة الروس في هذه الكليّة يكون على هذا الاساس , اي ان تكون لديهم موهبة الكتابة , ولكن الكليّة كانت تتساهل بشأن قبول الاجانب , ولكن جبار اقتنع انه لا يمتلك هذه الموهبة , واتخذ قراره بالانتقال الى دراسة التاريخ , ولهذا اسميت هذا القرار شجاعا وعلميا .  اصطدم جبار بمشكلة تعادل الشهادة في العراق , اذ لا تسمح التعليمات العراقية الصارمة والجامدة جدا ( ان صح التعبير) بذلك , وكم عانى العراقيون من خريجي الجامعات الاجنبية من قضية تعادل الشهادة الاجنبية, ولا مجال طبعا للتوقف عند هذا الموضوع هنا . و استطاع د. جبار عطيوي بعد التي واللتيا وبصعوبة من ايجاد حل لهذه المشكلة , وهكذا حصل على تعادل شهادة الدكتوراه و اصبح تدريسيا في قسم التاريخ في كلية التربية , الى ان ترك العراق في التسعينات وانتقل للعيش في المانيا مع عائلته , وهناك توفي وتم دفنه في المانيا . كان جبار عطيوي ضمن الاسماء الشيوعية البارزة بين طلبتنا في جامعة موسكو , اذ كان أحد قادة اتحاد الطلبة في العراق قبل مجيئه الى موسكو , وكانت زوجته المرحومة د. ماجدة عبد الرضا اخت ماجد عبد الرضا , الشخصية الشيوعية المعروفة آنذاك , وهو أحد قادة اتحاد الطلبة العالمي واتحاد الشبيبة العالمي في براغ عندئذ ( قبل ان يعود الى بغداد ويغيّر موقفه كما هو معروف) , الا ان المرحوم جبار لم يتميّز – مع ذلك – لا في موسكو اثناء دراسته الطويلة نسبيا في كليتين من كليّات جامعة موسكو وتخرّجه فيهما ( وهو أمر نادر جدا بين العراقيين ) ,  ولا في العراق بعد عودته وعمله تدريسيّا في قسم التاريخ  بكليّة التربية بجامعة بغداد , ولا في المانيا – محطته الاخيرة في الحياة .
المرحوم د. نوري السامرائي انهى دراسته العليا في كلية التاريخ بجامعة موسكو , وعاد رأسا الى العراق , وتم تعينه في قسم التاريخ بكلية الاداب في جامعة بغداد . كان انسانا محترما و مسالما ورقيقا ومؤدبا وهادئا , وكان محبوبا اينما يحل , وهكذا كان في جامعة موسكو وجامعة بغداد , وساهم في حركة النشر والترجمة عن الروسية ضمن اختصاصه  وبشكل محدود, ولكنه لم يبرز , ورحل مبكرا.
ا.د. هاشم التكريتي اصبح واحدا من ابرز اساتذة قسم التاريخ في كلية الاداب بجامعة بغداد , فهو باحث علمي من الطراز الاول , ومترجم عن الروسية أغنى المكتبة العربية بمصادر مهمة , وهو الاستاذ اللامع في كلية الاداب في قاعات التدريس او قاعات المناقشات العلمية لاطاريح الماجستير والدكتوراه في التاريخ . لا اريد ان اكتب تفصيلات عن كل هذه الجوانب المرتبطة به , اذ انها معلومة ومثبّتة في العديد من المصادر المطبوعة او المنشورة الكترونيا ( توجد حتى اطروحة ماجستير حوله ), ولكني اود ان أذكر فقط بعض اللقطات ( ان صح التعبير ) , التي علقت في ذهني عنه . اللقطة الاولى عندما كنت عميدا لكلية اللغات , اذ جاء اليّ شخص من السفارة السويسرية في بغداد وقال لي ان احدى الجامعات السويسرية ترغب بدعوة استاذ عراقي لالقاء محاضرة حول العراق , فرشحت أ.د. كمال مظهر احمد لذلك , وعندما اتصلت بكمال اعتذر لاسباب صحيّة ورشّح هاشم بدلا عنه , فوافقت طبعا وبكل سرور , وطلبت منه متابعة الموضوع , وهكذا سافر د. هاشم وقام بالمهمة خير قيام , وقد التقيت بعدئذ بالشخص الذي قدّم الدعوة تلك , فشكرني على تلبيتنا لدعوته , واخبرني ان الجامعة السويسرية كانت مندهشة من علمية وموضوعية هذا الاستاذ , وانها حتى اقترحت عليه ان يعمل عندهم , ولكنه اعتذر وعاد الى كليته في جامعة بغداد . اللقطة الثانية عندما كنت في ايفاد بعاصمة جورجيا – تبليسي , حيث التقيت بمجموعة من اساتذة معهد اللغات الشرقية , فاذا باحد الاساتذة الجورجين يقول لي , انه جاء خصيصا الى هذا الاجتماع ليسألني عن صحة الخبر الذي سمعه قبل فترة عن ترجمة كتابه حول العراق الى العربية في جامعة بغداد , واخبرته ان هذا الخبر صحيح , وان مترجمه هو الاستاذ الدكتور هاشم التكريتي . فرح هذا الاستاذ الجورجي بشكل لا يوصف وهو يكرر امام زملائه – ( ألم أقل لكم ذلك , ولكني لم استطع اثبات الخبر آنذاك ) , وقد كتب اسم هاشم التكريتي كي لا ينساه , وطلب مني ان ارسل له ولو صورة الغلاف , وان اتقدم بشكره الجزيل الى المترجم العراقي , وقد كنت في تلك اللحظة أشعر بالفخر والاعتزاز بهاشم وعمله العلمي الرائد . اللقطة الثالثة عندما كنت حاضرا في مناقشة رسالة دكتوراه في التاريخ , وكان هاشم مناقشا فيها . لقد اشتد النقاش حول بعض الاراء , والتي اشار بعض المناقشين الى انها صحيحة لانها وردت في احدى كتب حنا بطاطو , ورفضها آخرون رغم ذلك , فتدخل د. هاشم وحسم الموضوع بكل هدوء وموضوعية , ورفض الفكرة القائلة , ان كل ما قاله بطاطو هو صحيح , واثبت ذلك الرأي . لقد كانت مداخلته تلك حاسمة , لأنها تعكس الرأي العلمي الموضوعي , واقتنع الجميع بذلك . ان الحديث عن ا.د. هاشم التكريتي يطول , الا اني اود ان اختتمه بالاشارة , الى انه ترجم عن الروسية كتابا صدر في الامبراطورية الروسية سنه 1910 عنوانه – ( العراق العربي ) , وهو كتاب نادر جدا , مؤلفه القنصل الروسي في ولاية البصرة آنذاك , وتوجد نسخة منه في مكتبة لينين بموسكو . ان عين المؤرخ هاشم التكريتي قد شاهدت هذا المصدر الفريد في تاريخ العراق , والتقطته عندما كان طالب دراسات عليا في موسكو . وبهذه ( اللقطة الرابعة  !!) اختتم هذه السطور عن الاستاذ الدكتور هاشم التكريتي – خريج جامعة موسكو العريقة , وواحد من نجوم جامعة بغداد , وابن  العراق البار ... 
   

296
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (4)
أ.د. ضياء نافع
اتوقف في هذه الحلقة عند كليّة التاريخ في جامعة موسكو. لا توجد في العراق كليّة خاصة بالتاريخ , بل قسم في كليّات الاداب اوكليّات التربية ليس الا , ولهذا كانت كليّة التاريخ في جامعة موسكو بالنسبة لنا ظاهرة غريبة , وكثيرا ما كنّا نتحاور فيما بيننا حول الاشياء المحيطة بنا وامكانيّة الاستفادة من هذه التجربة العلمية الجديدة امامنا , وضرورة عكسها على واقع العراق بعد عودتنا, ومن جملة تلك الاشياء هو الدعوة لتأسيس كليّات في العراق على غرار كليّة التاريخ وكليّة الجغرافيا وكليّة الجيولوجيا وكليّة الكيمياء..الخ الكليّات العلمية المتكاملة و الرصينة في جامعة موسكو, اذ ان القسم العلمي الواحد – مهما يكن واسعا وكبيرا -  لا يستطيع ان يتناول بالدرس والتحليل كل الجوانب المتشعبة العديدة لذلك الاختصاص العلمي الكبير, الا ان العين ( كانت ولازالت مع الاسف !) بصيرة واليد قصيرة , خصوصا وان فلسفة التعليم في العراق ومسيرته التاريخية مبنيّة على اسس بعيدة جدا عن المفاهيم الروسية للتعليم... 
الحديث عن كليّة التاريخ يعني التوقف عند جبار عطيوي وخليل العبيدي وسعيد نفطجي ونوري السامرائي وهاشم التكريتي ( ترتيب الاسماء طبعا حسب حروف الهجاء). كان هناك طالبان فقط في الدراسات الاولية هما خليل العبيدي وسعيد نفطجي. خليل كان اكبر منّا عمرا , وكنّا نعرف انه كان معلّما في العراق, وانه جاء لاكمال تعليمه . وكان خليل دائما محطّ احترامنا وتقديرنا نتيجة عمره وسلوكه واخلاقه الراقية . كان منعزلا . وعلمنا بعدئذ انه تزوج وقرر البقاء في روسيا , ولازال حتى اليوم (وانا اكتب هذه السطور في نهاية العام 2019) يسكن في موسكو , وربما يمكن القول انه اكبر العراقيين سنّا بين كل العراقيين المقيمين الان في روسيا , و الذين اكتسبوا الجنسية الروسية طبعا بمرور السنين. لقد أخبرني صديقي عبد الله حبه مرة ( وهو من المقيمين ايضا ) , انه يزوره بين فترة واخرى , وان خليل العبيدي لا يخرج الان من بيته لانه ( بلغ من العمر عتيّا). لا اعرف كيف أمضى خليل كل هذه السنوات الطوال في روسيا بعد تخرّجه , الا انني لم أجد يوما أثرا ثقافيا له , كبحث علمي او ترجمة عن الروسية او مشاركة في نشاطات فكرية ...الخ .
الطالب الآخر في الدراسات الاولية كان سعيد نفطجي , الذي كان محبوبا من قبلنا لطرافته وثقافته الموسوعية , رغم طريقة حياته الغريبة جدا مقارنة بطريقة حياتنا. كان يتقن الانكليزية والتركية , وتعلّم الروسية بشكل ممتاز , وكانت هوايته القراءة , وكنّا نعرف انه ( يلتهم الكتب !) نهارا , ولكن ( عندما يأتي المساء ونجوم الليل تظهر ) يتفرّغ سعيد عندها - ويوميّا – للكأس . وكان يقول لنا دائما , انه هنا لكي يتابع الثقافة نهارا والكأس ليلا , وهكذا استمر على هذا الحال الى ان تم فصله من كلية التاريخ , فعاد الى العراق , واصبح طالبا في قسم اللغة الروسية بكليّة اللغات في جامعة بغداد , وقد تم قبوله هناك باعتباره يتقن الروسية , واصبح طالبا لدى زملائه العراقيين في جامعة موسكو , الذين انهوا دراستهم في تلك الجامعة وتم تعينهم هناك , وهم كل من د. محمد يونس ود. ناشئة الكوتاني . تخرّج سعيد نفطجي بعد اربع سنوات من الدراسة في جامعة بغداد, وكان من الطبيعي ان يكون الخريج الاول في قسم اللغة الروسية هناك, فارسلته الدولة الى الاتحاد السوفيتي لاكمال دراسته العليا , فعاد الى جامعة موسكو مرة اخرى , واراد ان يكتب اطروحة عن ناظم حكمت , وكان يمكن له ان يحقق هذا العمل العلمي بلا شك , ولكن (عادت حليمه الى عادتها القديمه) , وهكذا تم فصله من الجامعة مرة اخرى و لنفس السبب . عاد سعيد الى العراق وتم تعينه مترجما عن الروسية في وزارة الاعلام , ثم وصل الى سنّ التقاعد , وكان مستمرا على فلسفته وطريقة حياته . لا اعرف الان أخباره , ولكني سمعت من البعض انه توفي , ولم استطع تدقيق هذا الخبر المؤسف . لقد كان سعيد نفطجي مثقفا متميّزا بكل معنى الكلمة , وكان متابعا دقيقا لمسيرة الادب والفكر عموما , وكان الحديث معه حول الثقافة واحداثها عميقا و ممتعا دائما , اضافة الى انه كان كريم الطبع والنفس , وكان يحافظ دائما على كرامته ومكانته المعنوية . لقد قال لي المرحوم ا.د. كامل الشيبي ( استاذ الفلسفة في جامعة بغداد , وهو نسيب سعيد ) مرة عنه , ان سعيد نفطجي فيلسوف عراقي مجهول , وقد أيّدته في ذلك ...
كليّة التاريخ في جامعة موسكو تستحق حلقة اخرى للحديث عن طلبة الدراسات العليا من العراقيين فيها , اي عن جبار ونوري وهاشم...

297
أدب / موسيقى حالمة
« في: 22:07 10/11/2019  »
موسيقى حالمة
=========

قصيدة للشاعر البرازيلي المعاصر أسفالد دي أندراديه
==============================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
=====================

هناك ..
 بعيدا..
وراء النوافذ,
لازال
 ضياء القمر
 ساطعا و منيرا,
والقطار
يخترق اراضي
 البرازيل
من أقصاها الى أقصاها - -
بخط مستقيم...
================================================================================================================================================
ولد أسفالد دي أندراديه العام 1890 في البرازيل , وهناك توفي العام 1954 . وهو شاعر وروائي وكاتب مسرحي , ويعدّ واحدا من قادة الحداثة في الادب البرازيلي , والثقافة البرازيلية عموما .


298
  قصة النخيل بكليّة اللغات في جامعة بغداد
ا.د. ضياء نافع
 قال لي أحد طلبتي القدامى , الذي التقيته قبل فترة وبمحض الصدفة في موسكو , ان كليّة اللغات في جامعة بغداد, و بفضل زراعتك للنخيل في حدائقها ( عندما كنت أحد مسؤوليها الاداريين ) اصبحت تسمى الان في بعض الاوساط الجامعية هناك  – ( واحة باب المعظم ) , وذلك, لان  الشخص الذي يقترب من كليّة اللغات في مجمع الكليات  , يلاحظ من بعيد تلك الواحة المكتظة بالنخيل , والتي تقف شامخة امام بنايات كليّة اللغات . وقال لي هذا الطالب القديم , اننا – نحن الطلبة آنذاك – كنّا نتساءل فيما بيننا , لماذا قرر معاون العميد ان  يزرع ذلك العدد الكبير من النخيل في حدائق كلية اللغات فجأة وفي نهاية التسعينيات بالذات . ثم طرح عليّ هذا السؤال ضاحكا وهو يقول , اننا لم نتجاسر ان نسألك حول ذلك عندما كنّا طلبة لديك , ولكنني اتمنى ان اسمع منك الجواب الآن , اذ ان الاسرار لا تبقى اسرارا بعد مرور السنوات , واليوم مضى ربع قرن على هذا الحدث ( الاخضر الجميل !) . ضحكت أنا طبعا , وقلت له , ان اسلوب طرحك للسؤال يجبرني فعلا ان اجيب عنه بلا شك , وهكذا بدأت بالحديث عن قصة تلك الحملة التي اسميناها آنذاك ( نزرع 100 نخلة في حدائق كليّة اللغات ) , وها هي ذا بتفاصيلها كما حدثت , ارويها للقارئ العراقي , لاني أرى انها تعدّ الان تاريخا طريفا يستحق ان نعرفه و نتأمله ونستنتج منه دروسا .
استدعاني مرّة عميد الكليّة أ.د. مخلف الدليمي فورا لأمر هام جدا ( وكنت أنا حينئذ معاون العميد ) , وعندما ذهبت اليه وجدته قلقا , وقال لي , ان رئيس جامعة بغداد أ.د. عبد الاله الخشاب اتصل به هاتفيا الان , وأخبره وهو غاضب وزعلان جدا , انه عرف من مصادره الموثوقة , ان  الاستاذ فلان الفلاني في كليّة اللغات قد استلم رشوة جماعية من طلبة الماجستير , وانه طلب من عمادة الكليّة متابعة ذلك ومعالجة الموضوع بكل حزم ودقّة واعلامه فورا بالنتائج . قلت له , ان احالة ذلك الامر الى اللجان التحقيقية سينعكس سلبيا على سمعة الكلية ( خصوصا وان هذا الاستاذ معروف في الاوساط الاعلامية) , لهذا اقترحت عليه ان نعالج الموضوع بحذر شديد وفي اضيق مجال , وطلبت منه ان اذهب انا الى بيت هذا الاستاذ اليوم مساء واتكلم معه بشكل مباشر ورسمي حول ذلك , اذ ربما نصل معه الى حل محدد لهذه القضية الاخلاقية المعيبة . وافق العميد على هذا المقترح , وهكذا اتصلت هاتفيا بالاستاذ المذكور واخبرته , اني سازوره مساء في بيته لأمر هام . ذهبت في الموعد المحدد , ووجدت ذلك الاستاذ ينتظرني بقلق امام باب بيته , وسألني رأسا عن الموضوع ونحن لانزال في الشارع , فقلت له بشكل مباشر ودقيق وموجز ما ذكره رئيس الجامعة , وانني جئت لبحث الموضوع معه , لأن عمادة الكليّة تريد ان تجد حلا لهذه المسألة دون تلطيخ سمعة الكليّة بمثل هذه الامور غير الاخلاقية في حالة نشرها واعلانها . اخبرني هذا الاستاذ رأسا وبدون لف او دوران, انه أخذ من كل طلبة الماجستير فعلا مبلغا متساويا من المال , لانهم ارادوا ان يساعدوه بعد ان أخبرهم حول حادث جرى له في بيته , وانه حذّرهم من عدم الكلام عن ذلك بتاتا , وقال لي وهو يكاد يبكي انه مستعدّ الان وفورا ان يسلمني المبلغ باكمله واعلام عميد الكليّة و رئيس الجامعة بذلك . استلمت منه المبلغ , وهو ليس بالقليل , خصوصا في زمن الحصار آنذاك , وعدت في اليوم التالي الى العميد ووضعت المبلغ على منضدته وحكيت له ما دار في اللقاء . اتصل العميد رأسا برئيس الجامعة , واخبره بذلك , وقال له انه مستعد الان ان يجلب المبلغ له لبحث الموضوع . رفض رئيس الجامعة هذا المقترح رفضا حادا وشديدا ومطلقا , وقال , المهم ان الاستاذ هذا فهم ان الجامعة تتابع الامور و لا تتهاون مع هذه الافعال المشينة, ويجب على العمادة الان ان تجد حلا  للموضوع , وان هذا المبلغ لا يمكن ان يدخل في حسابات الكلية او الجامعة باي حال من الاحوال . وهكذا قررنا ان نعيد المبلغ الى الطلبة كي يعلموا بموقف العمادة والجامعة اولا, وثانيا , كي نتخلص من هذا المأزق , واتفقنا ان نستدعي كل طالب على حدة ونرجع المبلغ له . تقبّل بعض هؤلاء الطلبة المبلغ بكل سرور وقالوا انهم كانوا مضطرين لذلك , و رفض البعض الآخر الاقرار بانهم أعطوا المبلغ هذا خوفا من تبعات هذا الاقرار . بقي لدينا مبلغا لا نعرف (العميد وانا ) ماذا يمكن العمل به , اذ لا يمكن الحديث حوله مع رئيس الجامعة بتاتا بعد موقفه الغاضب والحازم والصارم عندها , ولا يمكن ادخاله ضمن ميزانية الكلية وحساباتها باي شكل من الاشكال, ولا يمكن اجبار هؤلاء الطلبة على الاقرار بعملهم واستلام المبلغ  مثل بقية زملائهم . وبعد التي واللتيا , اقترحت استخدام المبلغ المتبقي لشراء فسائل نخيل كي نزرعها في حدائق الكليّة ( والاقتراح طبعا يعكس عشقي الدائم للنخيل !)  , وقد وافق العميد على هذه الفكرة , وهكذا ابتدأت بشراء الفسائل وحددنا اماكن زرعها بمساعدة المهندس الزراعي ومساهمة الفلاحين وتأييد بعض الزملاء المتحمسين للفكرة من حولنا , وأخص بالذكر منهم بالذات المرحوم أ.د. علي يحيى منصور ( المعاون العلمي آنذاك ) , وانجزنا العمل كما يجب . وقد زار كليتنا مرة رئيس الجامعة الخشاب , ورافقته في زيارته , واثناء مسيرتنا في الممر الخارجي للكليّة تحدثت معه حول النخيل التي كانت امامنا في الحدائق وقد كان منظرها  جميلا, وقلت له انها نتيجة حملة ( لنزرع 100 نخلة في حدائق كلية اللغات ) , والتي قامت العمادة  بها بعد مكالمته الهاتفية حول تلك ( القضية !!!) التي يعرفها ومن المؤكد انه يتذكرها, فضحك الخشاب وقال – احسنتم .
هذه هي قصة النخيل التي تم زرعها قبل ربع قرن في حدائق كليّة اللغات , الحدائق التي يسميها البعض ( واحة باب المعظّم ) , كما قال لي طالبي القديم عند اللقاء معه في موسكو...         

299
موسكو بعيون العراقيين في ايامهم الاولى
أ.د. ضياء نافع
  هناك مثل روسي يقول – العين ترى الشئ الذي تريد ان تراه , وهو مثل دقيق فعلا وينطبق على العراقيين في الايام ( او حتى الاسابيع والشهور) الاولى من وصولهم الى روسيا , ولازلت أتذكر حادثتين طريفتين حدثت معي في اليوم الاول من وصولي الى موسكو العام 1959 . الحادثة الاولى في المطار , حيث كان هناك موظف سوفيتي يستقبلنا مع طالبين عراقيين وصلا قبلنا باسبوعين , فطلب منّا الطالب الاول ( واسمه أحمد ) ان نناديه ( احمدوف ) , وقال لنا الطالب الثاني ( واسمه تحسين) ان نناديه ( تحسينوف) , واوضحا سبب هذا الطلب , ان قواعد اللغة الروسية تقتضي ذلك , وان الروس حولهم  ينادونهما  هكذا الان , وانهما تعوّدا على ذلك , وكنّا ننظر اليهما متعجبين , ولا نعرف ماذا نقول لهما . أما الحادثة الثانية , فقد جرت في القسم الداخلي , حيث وصلنا , وبدأ مسؤول القسم منحنا ارقام الغرف التي سنسكن فيها . كنّا اول وجبة تصل الى هذا القسم , وتبين ان الغرف التي منحونا اياها تقع في الطابق الخامس , فطلبنا تبديلها , كي نسكن في الطابق الثاني كي لا نصعد وننزل كل يوم خمسة طوابق , خصوصا وان كل القسم الداخلي كان فارغا . لم يوافق المسؤول على ذلك , وقال , انه لن يغيّر الغرف . انزعجنا نحن من هذا الموقف , فانبرى  أحد العراقيين  بيننا وقال لنا , انه واثق , ان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفييتي قد بحثت هذا الموضوع قبل وصولنا , وان هذا الموظف ينفّذ قرارات اللجنة المركزية للحزب ليس الا , ولهذا فانه يرفض تلبية طلبنا , اذ ان هذا يعني عدم تنفيذ قرارات  اللجنة المركزية للحزب . تعجبنا جميعا من تعليقه هذا , وسألناه ان يوضح لنا هذا الذي يقوله لنا , فقال , من المؤكد , ان اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي تعرف , ان العراقيين لا يمارسون الرياضة البدنية الضرورية للانسان يوميّا, ولهذا قررت اللجنة المركزية تقديم غرف الطابق الخامس للطلبة العراقيين الذين يصلون قبل الآخرين تقديرا ومكافأة  لهم , كي يمارسوا الرياضة البدنية تلقائيا وهم يصعدون الى الطابق الخامس وينزلون منه كل يوم ولعدة مرات . استمعنا الى زميلنا هذا بغرابة , ولكننا لم نستطع ان نناقشه طبعا , اذ كان يتكلم بثقة مطلقة , لدرجة , ان أحد الطلبة قال , يبدو انه يعرف ذلك من مصادر عليا , وهكذا اضطررنا ان نوافق – وعلى مضض طبعا – للسكن في الطابق الخامس  , وبدأنا بحمل حقائبنا الثقيلة (كما تعوّدنا السفر على الطريقة العراقية !) والصعود – وبصعوبة - الى الطابق الخامس .
 وهناك حادثة طريفة جدا وقعت امامي , وهي وصول أحد الرفاق المتحمسين جدا الى موسكو , وقال لنا , ان من جملة الاشياء المدهشة , التي لاحظها منذ وصوله ولحد الان عدم وجود الذباب في موسكو, واضاف قائلا , ان هذا يعني , ان السلطة الثورية البلشفية هنا قد قررت ( ونفّذت فعلا ) تخليص الانسان  نهائيا من الذباب و شروره على حياة الانسان.  ضحكنا نحن جميعا , اذ مضى علينا عدة سنوات هناك , ولكن احد العراقيين المرحين انسحب رأسا , وعاد بعد دقائق وبيده قنينه زجاجية صغيرة مليئة بالذباب وهو يضحك ويعطيها له ويقول – ( اصطدت مجموعة من الذباب لاجلك خصيصا )...
وهناك حوادث ( من الجانب الآخر ) طبعا , اي من هؤلاء الذين كانوا  ضد الاتحاد السوفيتي على طول الخط ( ان صح التعبير ) , وهي حوادث تدخل ايضا  ضمن هذه الآراء الجاهزة والطريفة والبعيدة طبعا عن النظرة الموضوعية والمنطقية ايضا , وأذكر حديثا رواه لي أحد هؤلاء عندما التقيته في باريس مرة في نهاية ستينيات القرن الماضي ( وهو مدير عام زمن عارف الثاني ) , وقال لي انه زار موسكو ضمن وفد رسمي عراقي , وذهبوا به لزيارة مرقد لينين في الساحة الحمراء , فشاهد ( بامّ عينيه !) كيف كان الناس يقبّلون الابواب وحتى العتبة عند الدخول لزيارة مرقد لينين , وانه قال لهم , لماذا تقومون بهذه الطقوس الدينية المقدسة وهو انسان مثل كل البشر , فأجابوه انهم يعبدونه , فقال لهم , ولكن الجثمان سيتلاشى بمرور الزمن , فقالوا له , انهم عندها سيجلبون جثمانا جديدا لهذا الغرض . وقد سألت هذا الشخص وانا استمع اليه مندهشا , باي لغة تحدثت معهم , اذ انك لا تعرف اللغة الروسية , فقال , انه تحدث معهم باللغة الانكليزية , التي يجيدها كل الروس  .
هذه الامثلة تبدو – للوهلة الاولى – طريفة ليس الا , ولكن تحليلها بعمق وموضوعية تبين اسلوب التفكير لدينا وطريقة انعكاسه على مسيرة حياتنا الفكرية والعملية ايضا . كم من الاخطاء تم ارتكابها نتيجة هذا التفكير السطحي الساذج , وما احوجنا الان ان نتأمل – وبعمق - كل ذلك ...

300
العراقيون بجامعة موسكو في الستينيات ومصائرهم (3)
أ.د. ضياء نافع
نستمر في هذه الحلقة بالحديث عن طلبة كلية الجيولوجيا في جامعة موسكو. الاسم الذي اريد ان اتوقف عنده قليلا هو المرحوم غريب رياح . كنّا نناديه باسمه واسم ابيه دائما – غريب رياح , ربما (لغرابة!) هذين الاسمين معا , وربما لطرافة غريب نفسه ورشاقته الروحية وخفّة دمه وابتسامته الدائمة واستجابته للتعاون والتعاطف مع الجميع . لقد كان منسجما مع جميع المحيطين به من عراقيين وروس . ذهبت اليه مرّة , وقلت له , ان الكليّة دعتنا – نحن العراقيين – للمشاركة في حفلتها , ونحن لسنا مستعديّن , فقال لي رأسا , انه يعرف اغنية روسيّة يغنيّها الشباب الروس في سفراتهم ويحبونها جدا , وانه يمكن لنا – نحن العراقيين - ان نحفظها ونغنيّها بسرعة , واذا ما قدمناها امامهم في الحفلة , فستكون مشاركة ناجحة وطريفة . وافقنا جميعا على هذه الفكرة ( الغريبية الرياحية !), وامسك غريب بيده غيتارا ( وهو لا يعرف بتاتا العزف عليه) وبدأ وكأنه يعزف , وبدأنا نحن حوله نتدرب على غناء تلك الاغنية الروسية حسب الكلمات التي علّمنا اياها , وهي كلمات رقيقة وبسيطة تتحدث عن انطباعات الناس وهم ينظرون الى الجنود الذين يمرّون امامهم و يدكّون الشوارع باحذيتهم العسكرية  . حفظنا الاغنية – بحماس الشباب ومرحه - خلال اقل من ساعة , واتفقنا ان نكون هناك في الوقت المحدد . حضرنا طبعا , واخبرت مسؤول الحفلة , اننا سنقدّم اغنية روسيّة . فرح المسؤول الروسي واندهش من قرارنا , ووافق رأسا على هذه ( المشاركة العراقية الجميلة ! ) دون ان يسألنا عن تلك الاغنية , وهكذا ظهرنا على خشبة المسرح و قدمّنا تلك الاغنية وغريب رياح يتوسطنا وهو يمسك بالغيتار وكأنه يعزف عليه . استقبلنا الحضور الكبير( وهم طلبة روس طبعا ) بحرارة وحماس هائل و مرح وابتسامات وضحك وهم يستمعون الينا , وصفقوا لنا تصفيقا حادا جدا أدهشنا عندما انتهينا من الغناء , وما ان انسحبنا من خشبة المسرح ونحن سعداء بهذا النجاح الرائع , فاذا بالمسؤول عن الحفلة يركض نحونا وهو يصرخ قائلا , ماذا عملتم , وكيف تقدمون اغنية ممنوعة في الاتحاد السوفيتي على خشبة مسرح بجامعة موسكو !! . فوجئنا نحن طبعا بردة الفعل هذه , وقلنا له , اننا لا نعرف انها ممنوعة , ولكننا سمعناها من الشباب الروس انفسهم وهم يغنونها. حاولنا طبعا ان نخفف من ردود فعله , ونحن نعتذر ونتعثّر بالكلام معه ونتحدث عن مضمون تلك الاغنية البسيط جدا, وانسحبنا – بعدئذ - رأسا بهدوء وبسرعة من تلك الحفلة . لقد تبين لنا ( بعد فترة طويلة طبعا ) , ان هذه الاغنية من تأليف وتلحين وغناء الشاعر بولات أكودجافا , وهو من اوائل الشعراء السوفيت الذين بدأوا بالقاء قصائدهم مغناة امام الجمهور وهم يعزفون على الغيتار , وقد تقبّله الجمهور السوفيتي بحماس منقطع النظير, لأن أشعاره كانت بسيطة ورقيقة وذات مضامين انسانية بحتة , وخالية بتاتا من الشعارات والكلمات الطنانة والرنانة , التي كانت تسود في تلك الايام الخوالي . والشاعر أكودجافا من أب جورجي تمّ اعدامه زمن ستالين بتهمة ( عدو الشعب !! ) وامّ ارمنية تمّ سجنها ونفيها لنفس تلك الاسباب السياسية الواهية والرهيبة في ذلك الزمن المتجهم ( انظر مقالتنا بعنوان – الشاعر بولات أكودجافا ..تعريف وقصائد) . كان الشباب السوفيتي يتابع اغانيه سرّا وعن طريق اشرطة التسجيل التي يسربوها من يد الى يد , وان الدولة السوفيتية آنذاك قد منعت رسميّا نتاجاته كليا من التداول في وسائل الاعلام السوفيتية, ولكن الممنوع مرغوب كما يقول المثل , ولهذا كان الشباب يغنون تلك الاغاني بحب وحماس اثناء سفراتهم , وكان الجميع طبعا يعرفون تلك الاغاني , ولكن لا احد يجرأ ان يقدمها في الحفلات الرسمية او يتحدث عنها علانية, ولهذا السبب بالذات استقبلتنا القاعة آنذاك بذلك الحماس والتصفيق , لانهم ظنوا , اننا قررنا تأييدهم وتقديم الاغنية من على خشبة المسرح بغض النظر عن منعها من قبل السلطات السوفيتية , وذلك لكوننا أجانب , وان السلطات لا تستطيع ان تحاسبنا مثلهم . ضحكنا كثيرا – بعد انسحابنا من الحفلة بعد هذا العرض -  ونحن نقول لغريب رياح انك ورطّتنا , رغم اننا جميعا كنّا لا نعرف طبعا تلك التفصيلات عن الرقابة السوفيتية ومفاهيمها وتعليماتها الصارمة واجهزتها, و الحمد لله , ان المسألة انتهت آنذاك بسلام .
عاد غريب رياح الى العراق بعد التخرّج , ولم يحاول التشبث بالبقاء للحصول على الدكتوراه كما فعل بعض الخريجين آنذاك , وسمعت انه شغل منصبا محترما في احدى المحافظات , وسمعت ايضا بوفاته مع الاسف , ولا اعرف سبب رحيله المبكر.
 الرحمة والسكينة لروحك يا صديقنا وزميلنا الرائع غريب رياح .


301
هاملت من وجهة نظر تورغينيف
أ.د. ضياء نافع
الى روح صديقي المبدع المرحوم غازي العبادي , الذي كتب رسالة التخرّج في الستينات بجامعة موسكو حول هذا الموضوع .
ض.ن.
تورغينيف كان قريبا من الافكار السائدة في اوربا الغربية بشكل عام ومتعاطفا معها, رغم انه كان اديبا روسيّا حقيقيا ومتميّزا في تاريخ الادب الروسي , بل و يعدّ – ولحد الان - أحد أبرز أعلامه , وكان – كما هو معروف - مع النزعة الغربية ( و تسمى بالروسية زابودنيتشستفو, والتي اختلف المترجمون العرب بترجمتها ) في صراعها مع النزعة السلافية او السلوفيانية ( و تسمى بالروسية سلافيانوفيلستفه , والتي اختلفوا  ايضا حول ترجمتها) , وهو الصراع الذي اصبح واضحا جدا منذ اواسط القرن التاسع عشر بين المثقفين الروس كافة بما فيهم الادباء طبعا , ويقول البعض من النقاد الروس, ان هذا الصراع  الفكري بين النزعتين لايزال قائما و مستمرا في روسيا الاتحادية المعاصرة لحد الآن , وذلك عندما يدور الحديث حول الطرق التي يجب على روسيا ان تسلكها لاحقا,  رغم اننا على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين , ويشيرون الى بعض الوقائع المحددة حول ذلك , و التي تبرهن على صحة هذا الرأي , وهو شئ طريف حقا ومثير جدا , لكنه خارج اطار مقالتنا بلا شك. 
انطلاقا من هذا الموقف الفكري الواضح لتورغينيف , ابتدأ الاهتمام لديه بشخصيات بارزة وابطال متميّزين في الادب والفكر الاوربي الغربي , وجاء هاملت ( بطل مسرحية شكسبير ) في مقدمة تلك الشخصيات .  شكسبير كان واسع الانتشار في روسيا طبعا , وقد ابتدأ الروس بترجمته منذ  القرن الثامن عشر , حتى ان بوشكين أسماه في وقته - ( ابونا شكسبير ) . نجد استخدام تورغينيف لاسم هاملت في كتابه المبكر الشهير ( مذكرات صياد ) , الذي صدر العام 1852, والذي ضمّ  قصصا بدأ الكاتب بنشرها في المجلة الادبية ( سوفريمينك / المعاصر ) منذ عام 1847 , اذ توجد قصة هناك بعنوان ( هاملت منطقة شيغروفسكي) , والتي نشرها في تلك المجلة العام 1848 . لا علاقة مباشرة طبعا لاحداث تلك القصة بهاملت الشكسبيري, ولكن التحليل المعمق للقصة يشير , الى ان تورغينيف ربما اراد ان يقول , ان بطل  القصة هاملتي النزعة والاتجاه والمصير( ان صحّت هذه التعابير) . مضمون تلك القصة بسيط جدا , اذ يروي البطل نفسه سيرة حياته للكاتب , ولا يذكر له اسمه , ويقول للكاتب اثناء هذا السرد, انه يمكن ان يسميه هاملت , اي ان الامر يبدو وكأنه صدفة ليس الا , ولكن سيرة حياة ذلك البطل تبين , ان هناك تشابه ما بين البطلين , اذ ان بطل قصة  تورغينيف لا يذكر اباه , ويلعب عمّه دورا في حياته , وبعد مسيرة حافلة عبر اوربا لا ينجح بالحصول على اي شئ رغم محاولاته العديدة ولفترة ليست  بالقصيرة, ثم يعود البطل الى روسيا ويبدأ بالتفاعل من جديد مع وتيرة الحياة فيها واحداثها , وينتهي به المطاف (في النهاية ايضا ) الى انه لم يحصل على نتيجة ايجابية واضحة المعالم  في الحياة . لقد اراد تورغينيف ان يقول , ان كل هذا البحث الانفرادي والجهد الكبير , الذي قام به بطل هذه القصة, لم يجعل منه انسانا سعيدا وناجحا ومفيدا للآخرين من حوله , ولم يصل به الى الهدف الانساني العام , الذي يسعى اليه كل البشر.
رأي تورغينيف حول هاملت لم يكن واضحا ومتبلورا  بشكل نهائي عبر تلك القصة المبكرة في مسيرة نتاجاته , رغم ان عنوان القصة يحمل اسم هاملت ( و هذا العنوان بحد ذاته يعني ما يعنيه) , ولكن تورغينيف سيلقي محاضرة في بداية العام 1860 (و سينشرها في مجلة المعاصر / سوفريمينك في نهاية نفس العام ) عن هاملت بعنوان – ( هاملت ودون كيخوت ) , ويمكن القول , ان هذه المحاضرة , او الصورة القلمية التحليلية العميقة التي رسمها الكاتب الروسي  للبطلين في مسيرة الآداب الاوربية قد حددت وبصورة دقيقة وحاسمة آراء تورغينيف بهما , ولازالت تلك الآراء حيوية ومهمة في مسيرة النقد الادبي الروسي, وتؤخذ بنظر الاعتبار حتى في الاوساط الغربية نفسها . ونود هنا – التزاما بعنوان مقالتنا طبعا وختاما لها – ان نتحدث عن هاملت قليلا فقط وبايجاز مكثّف جدا من وجهة نظر تورغينيف ( اي دون الحديث عن البطل الآخر دون كيخوت حسب عنوان المحاضرة تلك) .
 يتميّز هاملت - حسب تورغينيف – اولا,  بخاصية التحليل , تحليل كل شئ يجري حوله , ولكنه اناني , يعيش لنفسه فقط , ويهتم بنفسه فقط , ولهذا فانه مشغول دائما ليس بواجباته , وانما بوضعيته . هو شديد الذكاء , وعقله متوهج , ولهذا , فانه يشك في كل شئ , ولأنه ذكي جدا , فانه يعرف ايضا نقاط ضعفه ويعترف بها , في الاقل امام نفسه . وهاملت بشكل عام لا يعرف ماذا يريد ولماذا يعيش , لكنه يتشبث – مع ذلك – بالحياة , يتشبث بقوة هائلة ...
هاملت قريب من اهتمامات القراء العرب, وتورغينيف ايضا , لهذا , فاننا نظن, ان طرح اسميهما معا يجب ايضا ان يثير اهتمامات هؤلاء القراء.

302
العراقيون بجامعة موسكو في الستينات ومصائرهم (2)
أ.د. ضياء نافع
كلية الجيولوجيا هي المحطة الثانية في هذه السلسلة من المقالات عن الطلبة العراقيين بجامعة موسكو في ستينات القرن العشرين ومصائرهم . كانت هذه الكليّة جديدة كليّا لمفاهيمنا , اذ استطعنا ان نترجم الى العربية اسماء معظم الكليّات تقريبا , الا اننا كنا نقول – كليّة الجيولوجيا . تميزت هذه الكليّة بقبول مجموعة كبيرة نسبيا من الطلبة العراقيين و في الدراسات الاولية فقط , اذ لم يكن هناك طالب عراقي في الدراسات العليا . اسماء هؤلاء الطلبة وكما اتذكرهم و حسب حروف الهجاء هم كما يأتي – المرحوم انترانيك ( نسيت اسم والده ) / المرحوم الشهيد د. حامد الشيباني / المرحوم جمال منير / د. ديكران يوسف / صاحب ( نسيت اسم والده ) / صدّاع العاني / المرحوم د. عدنان عاكف / المرحوم غريب رياح / المرحوم فيصل الجبوري/ كبه ( نسيت اسمه) / د. محي السعد / منذرنعمان الاعظمي / د. يحيى قاسم.
احاول ان اتوقف عند هذه الاسماء (الحبيبة الى قلبي ) ومصائرهم حسب معلوماتي المتواضعة , وحسب ما انحفر في ذاكرتي عن احداث ارتبطت بهم وعرفت بها او سمعت عنها , وكم أتمنى ان يكمل الآخرون هذه السطور او يصححونها في الاقل , اذ رحل البعض منهم عن الحياة , ومن واجبنا , نحن الذين لازلنا على قيد الحياة , ان نسجّل ما شاهدناه و ما عرفناه آنذاك للاجيال العراقية القادمة من الابناء والاحفاد وابناء الاحفاد , كي نبرز الحقائق والوقائع كما كانت فعلا ونسجلها قبل ان تضيع الى الابد , اولا , وكي لا تكرر هذه الاجيال الاخطاء والعثرات الى حدثت في مسيرتنا, ثانيا , وتلك هي مهمة التاريخ العظيمة  .
المرحوم انترانيك , وكنت اسميه دلعا انتران . كان مرحا وبسيطا ومبتسما ومتفائلا دائما , وهو الذي اطلق ( هلهولة عراقية مدوّية ) عندما اجتمع معنا الدكتور المشاط ( مدير البعثات في وزارة المعارف آنذاك ) في قاعة (02) بجامعة موسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي 2 ) . لقد تصرف المشاط بعنجهية وغرور وبشكل فظ تجاه الطلبة العراقيين , واستخف بالشهادات السوفيتية , واعلن ان شهادة الكانديدات حسب القاموس الروسي العربي الذي اطلع عليه هذا المدير بحثا عن معنى تلك الكلمة الروسية هي ( مرشح علوم ) , وبالتالي فانها لا يمكن الا ان تعادل شهادة ماجستير ليس الا , وكان رد فعل القاعة واضحا ضد هذه الافكار السطحية , واذا بنا نسمع (هلهولة) مدوّية من وسط القاعة يطلقها انترانيك , وقد ضجّت القاعة بالضحك طبعا , وكان ذلك اجمل رد (شبابي!) رائع ( رغم كل ما قيل ويقال ) على هذا  المدير ( المبوّز !) , الذي  يتكلم عن العلم السوفيتي ( وكان آنذاك يغزو الفضاء) وتعادل شهاداته من وجهة نظر سياسية عراقية ساذجة ومضحكة وضحلة ولئيمة , وجهة نظر تعكس طبعا تلك الخلافات السياسية التي كانت سائدة في الساحة العراقية بداية الستينات . ولقد تذكرت المرحوم انترانيك وهلهولته المدوية عندما جمعنا مرّة ( نحن اساتذة جامعة بغداد والمستنصرية)  وزير التعليم العالي والبحث العلمي الدكتور المشاط نفسه , وتكلم امامنا بنفس ذلك التعجرف والعنجهية والغرور و السطحية ايضا , نحن الاساتذة , وهو يمجّد ويمجّد (القائد الضرورة!!!) بتلك الكلمات الطنانة والرنانة المقرفة حتى الضجر, وقلت بيني وبين نفسي , آه لوكنت معنا الان ايها المرحوم انترانيك !!! , وتذكرت المرحوم انترانيك ايضا عندما قرأت اسم الدكتور المشاط  ضمن عرائض الذين ( يرجون !!! ) الامريكان بالتدخل لانقاذ العراق ...
   الاسم الثاني هو الشهيد د. حامد الشيباني , والذي كتبت عنه عدة مرات , وسأبقى اكتب عنه وأذكر سيرته المتواضعة ( والعظيمة ايضا ) منذ كان طالبا متميّزا (علما واخلاقا ) في كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو وهو يرفع اسم العراق عاليا , وكيف اقترح مشرفه العلمي نفسه ان يكمل حامد دراسته العليا لانه لاحظ تميّزه, وهكذا حصل على شهادة الدكتوراه , و عاد الى العراق واصبح – وبجدارة - شخصية علمية وادارية بارزة في شركة النفط الوطنية في السبعينات, وكيف اعتقلوه في شركة النفط هذه واثناء الدوام , ومن ثم اختفى أثره , ولا يوجد له الآن حتى قبر , رغم كل محاولات عائلته , التي ارادت فقط ان تعلم مصير ابنها , او حتى مكان قبره في ارض الوطن , الوطن الذي رفع المرحوم د . حامد الشيباني رايته عاليا في اجواء كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو في تلك الايام الخوالي ... الرحمة والذكرى العطرة والخلود لك ايها الشهيد الدكتور حامد الشيباني .   

303

العراقيون بجامعة موسكو في الستينات ومصائرهم (1)
أ.د. ضياء نافع

هذا موضوع واسع و كبير جدا , ولا يمكن لشخص واحد ان يرسم كل ابعاده وجوانبة . لا توجد لديّ ارقام محددة عن اعدادنا , لكننا كنّا أكثر من مئة طالب في بداية ستينات القرن العشرين , موزعين في معظم كليّات جامعة موسكو , بين طلبة دراسات أولية ودراسات عليا . طالما تحدثت مع زملائي العراقيين حول هذا الموضوع , وحاولت ان اقنعهم , ان يكتب كل واحد من الذين درسوا في اي جامعة سوفيتية آنذاك عن زملائه العراقيين الذين درسوا معه ومصائرهم بعد التخرج, وحاولت ان اثبت لهم , ان كتابة تلك الوقائع تعني كتابة التاريخ العراقي المعاصر الحقيقي بحذافيره , ولكن الذين كانوا يتقبلون هذه الفكرة نظريا لم ينفذوها عمليا ( وهم الاغلبية ), اما الذين لم يتقبلوها ( وهم الاقليّة ) , فانهم كانوا يحاولون السخرية منها او, في كل الاحوال , التقليل من اهميتها وجوهرها, ولازالت أتذكر جملة قالها  لي احد هؤلاء  مرّة ساخرا  – (شنو الفائدة اذا نكتب جاسم درس بفلان كليّة ؟ ) , فقلت له , ان جاسم عراقي ولد في العام الفلاني بمدينة عراقية واكمل المدرسة الثانوية الفلانية او الكلية الفلانية ووصل الى الاتحاد السوفيتي في السنة الفلانية وتخصص في العلم الفلاني ورجع الى العراق وعمل في مجال تخصصه او لم يستطع ان يعمل نتيجة الاسباب الفلانية , واضطر ان يترك العراق ...الخ , وان كل هذه الوقائع الخاصة بجاسم العراقي هذا تعني تاريخ العراق الحقيقي , التاريخ الذي نفتقده لحد الآن , لانه تاريخ الناس العراقيين الاعتياديين في مسيرة الحياة الاعتيادية في العراق , وليس تاريخ الزعيم فلان والقائد فستان .
الموضوع كبير كما أشرنا في البداية , ولكني قررت ان ابدأ به , اذ ربما تدفع هذه السطور بعض الزملاء الى اكمالها , او اضافة تعليقات توضيحية حولها , او توسيعها وتعميقها , او تصحيحها , اذ ربما تكون هناك جوانب غير دقيقية لم أعد أتذكرها تفصيلا , فاني الان على مشارف العقد الثامن من عمري .
ابدأ من الكليّات التي كان فيها اعداد صغيرة من الطلبة , مثل كليّة الفلسفة . كان هناك طالب دراسات اولية هو سليمان اللوس, وطالبان في الدراسة العليا هما المرحوم عبد الرزاق مسلم والمرحوم توفيق رشدي , وعند كل واحد من تلك الاسماء يجب عليّ حتما ان اتوقف قليلا . انهم – قبل كل شئ – يشكّلون باقة ورد فريدة ورائعة, او ( شدّة ورد !) بلهجتنا العراقية الجميلة , فسليمان اللوس مسيحي وعبد الرزاق مسلم صابئي وتوفيق رشدي كردي , ولكننا لم نكن ننظر اليهم آنذاك هكذا , بل ولم نكن حتى نعرف , ان سليمان مسيحي , او عبد الرزاق صابئي , ولكننا كنا نعرف فقط ان توفيق كردي . كل واحد من هؤلاء (الفلاسفة !) يمتلك قصة تستحق ان نرويها للاجيال العراقية اللاحقة . لقد تحول اثنان منهما الى ( شهداء!) , وهما المرحوم الدكتور عبد الرزاق مسلم والمرحوم الدكتور توفيق رشدي . واحد استشهد داخل العراق , والآخر استشهد خارج العراق . الشهيد عبد الرزاق تم قتله في مدينة البصرة من قبل اجهزة السلطة البعثية العراقية باطلاق النار عليه في الشارع, والشهيد توفيق تم قتله في مدينة عدن في اليمن من قبل اجهزة السلطة البعثية العراقية وباطلاق النار عليه في الشارع ايضا , وكلاهما كانا أساتذة في الجامعة آنذاك . وهكذا اصبح الفيلسوف د.عبد الرزاق مسلم ( التدريسي في جامعة البصرة ) , والفيلسوف د.توفيق رشدي ( التدريسي في جامعة عدن ) ضمن اسماء شهداء العراق ( وما اكثرهم مع الاسف ) , اولا , وضمن قائمة الشهداء العراقيين من خريجي الجامعات الروسية , ثانيا , فما اعظم هذا ( اللقب!) الذي حصلا عليه وتميّزا به , وما أقساه وما افظعه , وما أشدّ الألآم والاحزان والدموع , التي تثيرها كل هذه الاحداث المأساوية الرهيبة في قلوب الاهل والاصدقاء والزملاء , عندما يتذكرون الدماء الطاهرة وهي تسيل وتتدفق في الشوارع من اجسادهما نتيجة غدر السلطة واجرامها ومفاهيمها الوحشية الرهيبة ضد الرأي الآخر والاجتهاد الآخر ليس الا . وكم يؤلمني ان أشير هنا , الى اننا – نحن خريجي الجامعات الروسية – لم نقم باي رد فعل يشجب هذا العمل الاجرامي منذ تنفيذه ولحد الان , حتى حينما تسنّى لنا ذلك , واقصد بالطبع عندما تم تأسيس الجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية في بغداد , رغم اني أتذكر ردود الفعل الايجابية لزملائي في الجمعية ( واخص بالذكر رئيس الجمعية آنذاك الزميل المهندس ضياء العكيلي ) حول مقترحي باعادة نشر كتاب عبد الرزاق مسلم حول المصطلحات الفلسفية  من قبل الجمعية تكريما لذكراه , ولكننا لم نستطع حتى تحقيق ذلك المقترح البسيط مع الاسف الشديد .
أمّا سليمان اللوس ,الذي أنهى الدراسة في كلية الفلسفة بنجاح , فقد كتب لي ( عندما كنت ادرس في جامعة باريس ) , انه يخطط ان يكمل دراسته في جامعة باريس ايضا , وقد استقبلته هناك , واستطاع ان يلتحق بجامعة باريس فعلا  وكانت اطروحته للدكتوراه عن الفيلسوف الروسي بيرديايف , وغالبا ما كنّا نلتقي في المكتبة السلافية العامة في باريس , حيث كنّا نطلع على المصادر الروسية المتنوعة , كل في مجال اختصاصه . انسجم سليمان بوتيرة الحياة الباريسية , وتعلّم اللغة الفرنسية بعمق , وهكذا اصبح يتقن الانكليزية والروسية والفرنسية , وكان واحدا من أبرز المثقفين العراقيين الذين التقيت بهم عمقا وموضوعية . عدت انا الى العراق بعد انهاء دراستي , وبقي سليمان هناك , واستمرت المراسلات بيننا , ولكنها انقطعت مع الاسف نتيجة لمسيرة حياتنا , هو في باريس وانا في بغداد , ثم انقطعت كل اخباره . وذهبت مرة الى محل اخيه في شارع الكفاح , وسألته عن سليمان , ولكن اخيه رفض حتى الاقرار ان لديه اخ في باريس , وحاولت ان اذكّره , باني كنت عندهم مرة , وكيف استقبلني هو ووالده باعتباري صديق ابنهم سليمان , ولكنه أصرّ على موقفه , وقد فهمت طبعا , انه كان يخشى الكلام عن ذلك في اجواء الاوضاع العراقية الامنية آنذاك , فاضطررت ان اتركه احتراما لرغبته . حاول اصدقاء سليمان ان يعرفوا اخباره ايضا , ولكن دون جدوى مع الاسف . لو ساهم سليمان اللوس في الحياة الثقافية العراقية لكان له الان مكانة مرموقة في هذا المجال , ولكن الرياح تجري بما لا تشتهي السفن ...
الرحمة والخلود لكما , ايها الشهيد د. عبد الرزاق مسلم و الشهيد د. توفيق رشدي , واتمنى ان يكون سليمان اللوس بصحة وعافية , واود ان ابعث له تحية اعتزاز واحترام وتقدير   ...     

304
مع سائق أرمني في موسكو

أ.د. ضياء نافع

 ما ان جلست في سيّارة الاجرة  , فاذا  بسائقها يقول لي رأسا بعربية ركيكة ولكن مفهومة – ( كيفك ؟). اندهشت انا طبعا من سؤاله, واجبته مبتسما – ( زوين ) , فقال لي بالروسية , انه لم يفهم جوابي , واضاف انه كان يتوقع  ان اقول له – ( كويّس), فضحكت أنا واوضحت له باختصار ( صلب الموضوع !) , وهكذا بدأنا ندردش معا وبحيوية ومرح طوال الطريق , ورغم هذا المرح , فان  المواضيع التي تكلمنا حولها كانت في غاية الاهمية والجديّة .
انه أرمني يسكن ويعمل في موسكو , وقد تعلّم عدة كلمات عربية من أصدقائه الارمن , الذين هربوا من سوريا . قال لي , ان هؤلاء الارمن يحنون للعودة الى سوريا ويعتبرونها وطنهم , رغم انهم واقعيا عادوا الى وطنهم الحقيقي ارمينيا ,  و ان الارمن كافة قد هاجروا فعلا من سوريا , وهاجروا ايضا من العراق , ولم يبق اي ارمني في العراق الان , رغم ان اجيالا منهم قد ولدوا و عاشوا هناك عشرات السنين .  ابتسمت أنا , وقلت له , ان معلوماته ليست دقيقة , وانها تعتمد على اقوال فلان وفستان ليس الا , فسألني رأسا , وهل تعرف انت عراقيين ارمن لا زالوا يعيشون في العراق ؟ قلت له , نعم اعرف الكثيرين منهم , وهم عراقيون مثلنا جميعا . نظر اليّ باندهاش , وقال , انه يفهم الان لماذا الارمن الذين هربوا من سوريا يريدون العودة من وطنهم ارمينيا الى بلد هجرتهم سوريا , وانها لظاهرة غريبة فعلا بالنسبة لامثاله من الارمن . قلت له , ان الارمن من اصدقائي في العراق عراقيون بكل معنى الكلمة , وانهم عاشوا ودرسوا معي في الاتحاد السوفيتي وعادوا الى العراق بعد انتهاء دراستهم ليعملوا ويعيشوا في وطنهم العراق , مثل معظم طلبتنا آنذاك , رغم انهم زاروا وطنهم الاصلي ارمينيا , وكانوا يقدرون ان يبقوا هناك طبعا , ولكنهم عادوا الى العراق . سألني مرة اخرى , وهل انت تعرف بعضهم شخصيا ؟ فقلت له , لقد درست معنا وفي كليتنا ارمنية عراقية , وتزوجت من عراقي وولدت بنتا اسمتها سيفان , وهي تسمية البحيرة الارمنية الجميلة كما تعرف , وعادت الى العراق مع زوجها وابنتها بعد ان تخرجت في جامعة موسكو . سألني السائق , وهل زوجها كان ارمنيا ايضا ؟ قلت له لا , انه عراقي عربي , فسألني رأسا , هل هو مسيحي ؟ فقلت له لا , انه مسلم , فاندهش وسألني , وهل وافقت عائلتها على زواجها هذا , فقلت له , ربما لم يوافقوا كليا , ولكنها تزوجت قبل اكثر من خمسين سنة , وعندهم الان اولاد واحفاد , وهم لايزالون يعيشون في بغداد ضمن عائلة عراقية جميلة وعريقة , فقال , لو ان ابنته قررت الزواج بهذا الشكل لما وافق على ذلك ابدا , ضحكت انا , وقلت له , انني اعرف الكثير من الزواج المختلط في الاتحاد السوفيتي آنذاك , ومن بينهم زواج ارمنيات , فقال نعم , ولكن دون موافقة اهلهم كما يجب ان يكون الامر وحسب التقاليد الارمنية , وأضاف بحزن , بعد ان صمت قليلا , قائلا – لقد تعرّض الشعب الارمني الى حملات ابادة رهيبة , ويجب علينا الان -  نحن الارمن - ان نحافظ على ما تبقى لنا , قلت له , ان الارمنية التي تتزوج غير الارمني تبقى ارمنية طوال حياتها , فقال نعم , هي تبقى ارمنية , لكن اطفالها لن يكونوا ارمن , اذ اننا لسنا مثل اليهود , الذين يعتبرون ان كل من يلد من امرأة يهودية هو يهودي بغض النظر عن جنسية والده او قوميته او دينه , وضحك وقال , ان اليهود شياطين , و قد وجدوا حلاّ لهذه القضية المعقدة جدا . 
عندما اقتربنا من العنوان المطلوب , قال لي هذا السائق , انه ممنون جدا من موقف العراقيين والعرب عموما تجاه الارمن , وان هذا هو رأي كل الارمن الذين يعرفهم في ارمينيا او خارجها , وانه لهذا لا يريد ان يأخذ منيّ اجرة سيارة الاجرة تعبيرا عن امتنان الارمن لنا . رفضت انا هذا العرض ( الحاتمي !) من قبله , وقلت له , انك حتما تحتاج لهذا المبلغ البسيط منيّ ومن غيري من الركاب , للعيش في مدينة غالية مثل موسكو , فشكرني جدا على ذلك , وقال , انكم تتفهمون مشاكلنا , فنحن – ابناء الشعوب السوفيتية سابقا -  نتصارع مع الحياة من اجل عوائلنا , كي نوفر لهم – وبالكاد – لقمة العيش الضرورية - ليس الا - في موسكو او في بلداننا هناك... 

305
تمثال في جامعة موسكو للطالب تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
واخيرا , تذكّرت جامعة موسكو , ان تشيخوف كان أحد طلابها وواحدا من أبرز وأشهر خريجيها , وقررت – اعتزازا به وتكريما له - ان تضع له تمثالا على ارض جامعته , جامعة موسكو العريقة . لقد سألت مرة أحد مسؤولي تلك الجامعة عن عدم وجود تمثال لتشيخوف وهو خريج تفخر باسمه كل جامعة , فقال لي , ان هناك اسباب كثيرة , اهمها طبعا تلك الظروف والاحداث التي اعقبت وفاة تشيخوف , اذ انه توفي العام 1904 , اي عندما بدأت سلسلة احداث تاريخية  كبيرة و هائلة في روسيا – الحرب مع اليابان , ثورة  1905 وفشلها , الحرب العالمية الاولى 1914 , ثورة اكتوبر 1917  والحرب الاهلية  التي أعقبتها, السنوات السوفيتية الاولى وصعوباتها , ظاهرة الستالينية وعواقبها, الحرب العالمية الثانية ونتائجها , وكل هذه الوقائع الكبيرة  قد عرقلت اقامة تمثال او نصب لهذا الخريج المتميّز فعلا ... وكلام ذلك المسؤول منطقي ودقيق  طبعا , اذ ان الامة تضع تماثيل رجالاتها لتخليدهم عندما تستقر الامور والاحوال فيها . يمكن ان نضيف هنا سببا وجيها آخر لتلك العوامل والاسباب التي حالت دون عمل تمثال لتشيخوف في جامعة موسكو , وهو ان النظام السوفيتي ألغى كليات الطب من الجامعات العامة منذ العام 1930, واقام بدلا عنها معاهد وجامعات طبية متخصصة لدراسة العلوم الطبية بشكل متكامل ومستقل ,  اي بمعزل عن تلك الجامعات الكلاسيكية ( ان صح التعبير ) ,  ولا زال هذا النظام معمولا به في روسيا الاتحادية لحد الان , ولهذا , فان جامعة موسكو ( كما هو حال الجامعات الروسية الاخرى ) كانت بلا كلية للطب في العهد السوفيتي , و تشيخوف خريج كلية الطب بالذات , ولهذا لم يتم نصب تمثال له , لان الكلية التي تخرّج فيها لم تعد قائمة في تلك الجامعة . الان , تم اقامة المركز الطبي العلمي - التعليمي في جامعة موسكو , وامام بناية هذا المركز بالذات تم وضع تمثال لطالب الطب تشيخوف , وهي خطوة تتلائم طبعا وتنسجم مع طبيعة الدراسة في هذا المركز العلمي بكل معنى الكلمة. تم وضع اساس هذا النصب العام 2010 , عندما احتفلت روسيا ( والعالم ايضا ) بذكرى مرور ( 150 ) على ميلاد تشيخوف , وقد شارك محافظ موسكو آنذاك في تلك المراسيم , وأشار في كلمته الى ( .. ان عشق تشيخوف للعاصمة موسكو ابتدأ بالذات منذ  ايام الدراسة في جامعة موسكو ..) , وهي كلمات حقيقية وصادقة فعلا بالنسبة لمسيرة تشيخوف الحياتية والابداعية  .
 تم تدشين النصب في الاول من ايلول / سبتمبر من العام 2014 , اي في اليوم الدراسي الاول في الجامعة . يجسّد النصب الشاب تشيخوف مرتديا معطفه وهو جالس على مصطبة , ويحتضن بيده اليسرى كلبا صغيرا . التمثال يعتمد على صورة مشهورة جدا لتشيخوف ايام شبابه وهو يجلس – بمرح - بين افراد عائلته .  على الجانب الايسر للنصب توجد لوحة نحاسية للعريضة التي كتبها تشيخوف بخط يده الى رئيس جامعة موسكو العام 1884 , حيث يرجو فيها منحه دبلوم كلية الطب , التي انهاها بنجاح في ذلك العام الدراسي , اما في الجانب الخلفي للنصب , فتوجد قائمة بالاسماء المستعارة , التي استخدمها تشيخوف , عندما كان ينشر قصصه الساخرة الاولى في الصحف والمجلات الروسية , وهو طالب في كلية الطب بجامعة موسكو , وهي اسماء طريفة  جدا, واصبحت الان معروفة طبعا في تراث تشيخوف, مثل – ( انتوشا تشيخونتيه , او , شقيق شقيقي , او , طبيب بلا مراجعين مرضى ...الخ ). بعد سنة من تدشين النصب هذا , اي في العام 2015 , تم زرع حديقة كبيرة من اشجار الكرز امام هذا التمثال , تذكيرا بمسرحية تشيخوف الشهيرة ( بستان الكرز ) , واكمالا للاجواء التشيخوفية حول هذا النصب الرمزي الجميل لطالب كلية الطب بجامعة موسكو تشيخوف , والذي اصبح واحدا من الاسماء العملاقة في مسيرة الادب الروسي , والادب العالمي ايضا.     

306
عز الدين مصطفى رسول ...وداعا
أ.د. ضياء نافع
حملت لنا الانباء قبل ايام رحيل الاستاذ الدكتور عز الدين مصطفى رسول . أثارت هذه الانباء حزني وذكرياتي , اذ اننا تعارفنا في موسكو عام 1960 , عندما كنّا ندرس اللغة الروسية , كي نلتحق بكلياتنا لاحقا , انا في الدراسات الاولية وهو في الدراسات العليا . كان كاكا عزي ( هكذا كنّا نناديه ) أكبر منّا عمرا ومعرفة وخبرة وتجربة في الحياة , ولهذا كنّا نكنّ له كل الاحترام وكنّا نتحفّظ في علاقاتنا معه , ولكننا ( اكتشفنا !) بساطته وطيبته المتناهية ومرحه الطبيعي الجميل اثناء الاختلاط معه , وهكذا اصبحنا – وبسرعة – اصدقاء قريبين معه . تعمقت العلاقات , رغم انه سافر الى باكو لاكمال الدراسة , وكان غالبا ما يزور موسكو , وكان يزور الجميع ويختلط مع الجميع , ويجد المواضيع التي يتحدث حولها مع الجميع . لقد تحدث معي مثلا حول المواد الدراسية في كليتنا , وعندما اخبرته , ان هناك مادة اسمها – ( مدخل في علم الادب ) . أثارت هذه المادة  انتباهه , وطلب منّي ان اشرح له تفاصيل اكثر عن طبيعة هذه المادة , ثم طلب ان يتعرّف على الكتاب المنهجي المقرر , وبعد ان تصفّحه , طلب منّي ان احصل له على نسخة منه , وقال , ان هذا الكتاب يستحق الترجمة الى العربية . حصلت على هذا الكتاب لاحقا , وارسلته اليه فعلا , وكان ذلك في حدود بداية الستينات على ما اذكر , ومرّت عشرات السنين , والتقينا في بغداد , وكان عز الدين مفصولا من الخدمة في الجامعة نتيجة الوضع السياسي والموقف تجاه القضية الكردية , ففال لي , انه الان يستطيع ان يتفرّغ للترجمة عن الروسية , ويخطط ان يترجم كتابين لنشرها ضمن منشورات وزارة الاعلام , وانه سيقترح اسمي , كي تحيل الوزارة لي  ترجماته للمراجعة , لانه يعرف موقفي تجاهه . وافقت انا طبعا , وكدت انسى الموضوع  , واذا بالوزارة ترسل لي فعلا - بعد فترة - مسودات كتاب ضخم عن  وقائع مؤتمر حول الآداب الشرقية بترجمته , وقد ظهر هذا الكتاب فعلا بترجمته ومراجعتي . ولازلت اتذكر اهمية ذلك الكتاب حول الاداب الشرقية , اذ انه يتناول بالعرض آراء ومناقشات باحثين متخصصين في الادب الصيني والفيتنامي وغيرها من الاداب شبه المجهولة للقارئ العربي , والتي لا توجد حولها مصادر بالعربية ولحد الان . ان هذا الكتاب , الذي ترجمه عز الدين عن الروسية يعدّ اضافة نوعية جديدة الى مصادر المكتبة العربية , ولازال يمتلك اهميته العلمية في وقتنا الحاضر . اما الكتاب الثاني , فقد كان عن علم الادب المقارن, وهو الموضوع الذي دردشنا حوله في تلك السنين الخوالي بموسكو آنذاك . ان هذين الكتابين بترجمة أ. د. عز الدين مصطفى رسول عن الروسية هما برهان ساطع على امكانياته ومهارته واستاذيته في مجال الترجمة عن الروسية ,  رغم انه لم يكن يتكلم عن ذلك بتاتا , ولم اسمع منه ابدا يوما , انه يتكلم عن امكانياته الادبية والفكرية عموما , وهي طبعا صفات العلماء وتواضعهم الاصيل, وكم أتمنى ان يقوم أحد طلبة الماجستير في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد بكتابة رسالة ماجستير , تدرس هذين الكتابين بترجمته , اذ ان هذا موضوع يستحق الدراسة فعلا عن مسيرة الترجمة عن الروسية  و تاريخها في العراق.
اختتم هذه السطور عن المرحوم عزي بالاشارة الى انه حاصل على شهادة دكتوراه علوم ( بالروسية – دوكتور ناؤوك , والتي أسماها الجهاز الاداري العراقي - ما بعد الدكتوراه) من اكاديمية العلوم السوفيتية في اواسط السبعينات , وهي اعلى شهادة علمية يمكن الحصول عليها في الاتحاد السوفيتي آنذاك , وفي روسيا الاتحادية الحالية ايضا , والتي لم يحصل عليها من العراقيين سوى بعض افراد ليس الا , منهم الدكتور كمال مظهر في التاريخ , والدكتور عز الدين رسول في الاداب , والدكتور ميثم الجنابي في الفلسفة . لقد بلغ تواضع أ.د. عز الدين درجة متناهية فعلا , اذ انه عاد الى العراق , ولم يستلم شهادته تلك , وكنت انا اتهيأ للسفر الى موسكو للمشاركة في الندوة العالمية لمدرّسي اللغة الروسية , فطلب مني ان استلم شهادته, واعطاني تخويلا بذلك . راجعت الجهات المختصة في موسكو طبعا من اجل استلام الشهادة , وبعد التي واللتيا (في صراعي مع البيروقراطية الروسية ) استطعت استلامها , واتذكر , ان الموظفة الروسية قالت لزميلتها , ان العراقيين يسمون شهادة الكانديدات دكتوراه , ولهذا ابحثي في سجل آخر , رغم انه يقول ( اي انا ) غير ذلك . قلت لها , ان صاحبي حاصل على شهادة دكتوراه علوم من اكاديمية العلوم السوفيتية , فقالت بحدّة , كيف حصل صاحبك العراقي على هذه الشهادة التي نحن الروس نحصل عليها بصعوبة بالغة , ولكنها اعتذرت لي بعد ان وجدوا , ان شهادة عز الدين مصطفى رسول هي حقا كما قلت لهم . ولازلت اتذكر حالة الزهو والفخر بعراقيتي , التي شعرت بها في تلك اللحظة  , وهي حالة نادرة في تلك الاجواء.
الرحمة والسكينة  لروحك ايها المفكّر والعلاّمة العراقي الحقيقي والاصيل الاستاذ الدكتور عز الدين مصطفى رسول ...
 

307
 
المترجم العراقي الاوّل في القرن العشرين
--------------------------------------------------------------
أ.د. ضياء نافع
ولد الكاتب العراقي الكبير غائب طعمه فرمان في بغداد عام 1927 وتوفي في موسكو عام 1990 ودفن فيها , وهو الكاتب العراقي الوحيد الذي يرتبط اسمه ببغداد وموسكو, والتي عاش فيها الثلاثين سنة الاخيرة من حياته . لقد انجز غائب خلال هذه الفترة من حياته ترجمة اكثر من ثمانين كتابا  تضم مؤلفات كبار الادباء الروس مثل تورغينيف ودستويفسكي وتولستوي وغوركي ...الخ , وعليه , هل يمكن اعتباره المترجم العراقي الاول والابرز في القرن العشرين ؟ . هذا هو السؤال , الذي حاولنا ان نناقشه في تلك الجلسة العراقية بموسكو, و التي حدثت بمحض الصدفة ليس الا , و نحاول في هذه المقالة عرض بعض الاراء التي تم طرحها حول هذا الموضوع الطريف والجديد فعلا , الجديد قلبا وقالبا كما يقال .
قال الاول , ان البعض منّا يركّز على الادب الروسي بالذات من منطلقات سياسية بحتة , والتي اصبحت عتيقة في زماننا , ولهذا يأتي اسم غائب طعمة فرمان في المقدمة طبعا , والا , اين نضع المترجم جبرا ابراهيم جبرا مثلا ؟ أجاب الثاني بهدوء , نضعه في مكانه الطبيعي , اي في فلسطين , فقاطعه الثالث وقال , كلا , كلا , جبرا يبقى في العراق لان كل نشاطه الابداعي المتميّز بما فيها الترجمة كان في العراق بالذات , واضاف مبتسما -  جبرا الفلسطيني ازدهر على الارض العراقية واصبح جزءا لا يتجزأ من مسيرة الثقافة العراقية , بما فيها الترجمة طبعا , ويجب الاقرار بهذه الوقائع الثابتة بغض النظر عن اي اجتهاد آخر . رفض بعضهم فكرة الغاء ( الاجتهاد الآخر) , حتى لو كان يتعارض مع الوقائع , مؤكدين ان الوقائع نفسها هي ( اجتهادات فكرية ) بعض الاحيان . قال احدهم , لا تدخلوا بالفلسفة رجاء, ولنرجع الى موضوعنا المحدد ونبقى في اطاره, واود ان اتحدث عن قضية واضحة هنا, وهي - اين نضع الاسماء العراقية الاخرى في مجال الترجمة , مثل المترجم العراقي الكبير والمنسي مع الاسف يوسف عبد المسيح ثروت مثلا , او المترجم المبدع عبد الواحد لؤلؤة , او او او ...الخ . طرح شخص آخر رأيا جديدا في هذا الحوار قائلا , انكم تتحدثون عن ترجمة الادب فقط , وتتناسون جوانب الحياة الاخرى الكثيرة والمتنوعة , والتي تحتاج الى جهود المترجمين أكثر بكثير من الادب . أيّدته عدة أصوات رأسا من هنا وهناك , بل قال احدهم ضاحكا – ( نعم نعم يا اخي فقد شبعنا من الآداب !) . علّق احدهم بعد ان هدأت الاصوات قائلا – وهل يوجد مترجم عراقي كرّس كل وقته وجهده  لترجمة اشياء بعيدة عن الادب ؟ فاجابه واحد من الحاضرين – نعم , مثلا الدكتور داود المنير( الذي كنّا نسميه داود كرومي ) ترجم لنا عن الروسية عشرات الكتب العلمية البحتة عن الروسية في مجالات الهندسة و الفيزياء والميكانيك وغيرها من العلوم , والتي تحوّل حتى قسم منها الى كتب منهجية اوكتب مساعدة في بعض الجامعات العربية , وهو الوحيد بين العرب كافة ( الذين قضوا حياتهم في موسكو ) الذي اعطانا قاموسا روسيّا – عربيا في مجال العلوم البحتة , وهذا بحد ذاته يعدّ عملا علميا رائدا في مجال الترجمة و خدمة عظيمة للاجيال اللاحقة في هذا المجال . قال واحد من الذين كانوا صامتين كل الوقت , انكم نسيتم المترجم الذي سبقهم جميعا وبزمن طويل ,   وقدّم لنا حتى ترجمة تسميات تسلسل الضباط ورتبهم في عشرينيات القرن العشرين عند تأسيس الدولة العراقية بلغة عربية سليمة ولا زالت معظم تلك التسميات سائدة لحد الان , واظن انكم فهمتم طبعا اني اتكلم عن المترجم الكبير عبد المسيح وزير , والذي يمكن القول انه المترجم العراقي الاول في القرن العشرين , اذ  انه كرّس كل حياته لمهنة الترجمة وما حولها  من تعليم اللغات واعداد المترجمين والاشراف على امتحاناتهم ...الخ . اعترض آخر على كلامه قائلا , ان معظم العراقيين حتى لا يعرفون اسمه الان , فعلّق احدهم قائلا , وهل يعرف العراقيون تاريخهم الفكري بشكل دقيق وصحيح ؟ ضحك الجميع , وقال احدهم – انهم اصبحوا سياسيين من صغيرهم الى كبيرهم , وتخضع كل الاسماء لهذه النظرة السياسية الضيقة , وبما ان عبد المسيح وزير لا يرتبط بهذه الجماعة او تلك , فانه يبقى مجهولا حتى للذين يعتبرون انفسهم ( مثقفين !!!) . قال شخص بصوت جهوري واضح , ما رأيكم ايها الرفاق بمقترحي لانهاء هذا النقاش الطويل العريض , والذي يبدو انه بلا انتهاء ولن نصل فيه الى قرار , فسأله الجميع , وما هو مقترحك هذا ؟ فاجاب ضاحكا – ان نعلن , اننا بعد مناقشاتنا المتشعبة , توصلنا الى قرار يقول , ان المترجم العراقي الاول هو حنين بن اسحاق , وان ذلك يقتضي فقط ان نحذف من كلامنا كلمتين لا غير , وهما – القرن العشرين . انه مترجم كبير وعظيم , ويتمتع بكل الصفات , بما فيها ( صفة!) - ان معظم العراقيين لا يعرفونه ... استهجن البعض هذه السخرية , وصفّق البعض لها , وضحك البعض منها , وتباينت الآراء بشأنها , ولكن الجميع وافقوا على انهاء المناقشات , رغم ان البعض اقترح عقد جلسة لاحقة و موسّعة لبحث الموضوع من كافة جوانبه بعد ان تهدأ ( العواصف !!!) الترابية وتستقر النفوس , وعلّق احدهم مبتسما – وهل ستهدأ تلك العواصف الترابية فعلا وتستقر النفوس ؟؟؟...   



308
صحيفة ازفيستيا شقيقة برافدا الصغرى
أ.د. ضياء نافع
استلمت تعليقات كثيرة ومتنوعة جدا حول مقالتي بعنوان – ( شئ عن جريدة برافدا الروسية ) , وكان من جملة هذه التعليقات طلب ورجاء من أحد القراء بالكتابة ( وبنفس تلك الرشاقة الجميلة عن الشقيقة الصغرى لصحيفة برافدا , وهي صحيفة ازفيستيا !! / هكذا كتب لي) , وها انا ذا اكتب هذه السطور , مستخدما في العنوان تعبير (الشقيقة الصغرى) , الذي أعجبني فعلا   ...
لازالت هذه الجريدة تصدر وبنفس صيغة و طريقة كتابة التسمية كما كانت سابقا, مع الاشارة الى تاريخ صدورها اول مرة ولكن بحذف صور الاوسمة والمداليات السوفيتية التي حازت عليها في العهد السوفيتي ( وكلها تحمل صور لينين طبعا ) , بينما تحتفظ شقيقتها الكبرى  برافدا  بتلك الاوسمة باعتبارها لسان حال الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية , اما ازفيستيا فانها تكتب  فقط جملة – جريدة يومية اجتماعية - سياسية , وفي يدي الان عددها المرقم 30410 الصادر بتاريخ 24 ايلول / سبتمبر العام 2019 , وتوجد في نهاية الصفحة الثامنة منه عدة ملاحظات , اقدّم للقراء بعضها – سعر الجريدة حر / كل حقوق النشر محفوظة / عند اعادة نشر المواد يجب الاشارة الى الجريدة / آراء الكتّاب في عمود ( آراء ) يمكن الا تتطابق مع موقف هيئة التحرير / عدد النسخ المطبوعة من هذا العدد هو 83890 / .
صدرت صحيفة ازفيستيا في بداية عام 1917 ( شباط – مارت ) , واصبحت بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 لسان حال مجالس نواب العمال والجنود والفلاحين , وكلمة مجلس بالروسية – ( سوفيت ) , ومن هذه الكلمة تبلور اسم الدولة الجديدة – اتحاد المجالس , اي اتحاد السوفيتات , وهكذا اصبح اسم الدولة – الاتحاد السوفيتي . يشير رئيس تحرير صحيفة ازفيستيا في العشرينات , ان لينين كان يعتبر هذه الصحيفة أعلى من  برافدا  , وذلك لان هذه الصحيفة ملزمة ان تنشر كل قرارات وتعليمات ال ( سوفيتات ) باعتبارها لسان حال تلك المجالس , اي لسان حال حكومة الدولة الجديدة , اما صحيفة برافدا فانها كانت لسان حال الحزب الشيوعي , ولهذا , كانت ازفيستيا تطبع 400 الف نسخة آنذاك , اما برافدا فتطبع 150 الف نسخة  فقط . وهكذا استمرت الامور , وهكذا اصبحت برافدا لسان حال الحزب وازفيستيا لسان حال الحكومة , وعندما كنّا في الستينات طلبة في موسكو كان الامر مستقرا بهذه الصورة الواضحة جدا امامنا , نحن الاجانب , وكان رئيس تحرير ازفستيا عندها الصحافي أدجوبيي , وهو زوج ابنة خروشوف ,  وكلاهما ( الزوج والزوجة ) من خريجي كلية الصحافة في جامعة موسكو . توجد قائمة طويلة من اسماء رؤوساء تحرير هذه الصحيفة عبر تاريخها منذ تأ سيسها  ولحد الان , ولكن هناك اسمان يتميّزان بينهما فقط  هما – بوخارين و أدجوبيي . ربما يعرف بعض القراء العرب ( الذين يتابعون تفاصيل تاريخ الحركة الشيوعية في الاتحاد السوفيتي )  اسم بوخارين ومكانته البارزة في مسيرة الحزب الشيوعي الروسي و الدولة السوفيتية عموما . لقد شغل بوخارين مناصب قيادية كبيرة في الاتحاد السوفيتي , وآخر تلك المواقع هو رئيس تحرير صحيفة ازفستيا ( 1934 – 1937 ) , ثم جرت محاكمته السريعة واعدامه زمن ستالين في تلك الحملة الستالينية الرهيبة التي ترتبط بعام 1937 الشهيرة . أمّا أدجوبيي , فقد كان رئيس تحرير هذه الصحيفة منذ عام 1959 والى عام 1964, عندما تم عزل خروشوف من مناصبه كافة , وهكذا تم طبعا نقله من صحيفة ازفستيا – لسان حال الدولة السوفيتية . كانت صحيفة ازفيستيا برئاسة زوج ابنة خروشوف منبرا لافكاره وطروحاته السياسية والاجتماعية , تلك الافكار التي كانوا يسمونها آنذاك ( ذوبان الجليد ) , وكان القراء يتابعون ما تنشره بحذافيره وكل تفاصيليه , ونتيجة لذلك فقد تضاعف عدد النسخ التي كانت تطبعها الى اربع مرات  , ووصل الى اكثر من 6 مليون نسخة ( كما تشير المصادر الروسية ) , وأخذت تصدر ملاحق خاصة اسبوعية , وتحولت تلك الملاحق الى مجلات اسبوعية واسعة الانتشار , مثل مجلة ( زا روبيجوم ) ( وراء الحدود ) , وهي مجلة تتابع ما تنشر الصحف والمجلات الاجنبية وتقوم بترجمتها الى الروسية , وكانت هذه المجلة الاسبوعية مطلوبة جدا من القراء السوفيت , وهي مجلة سياسية واجتماعية وادبية متنوعة , وكنّا نضطر ( في جامعة موسكو ) الى الوقوف في الطوابير للحصول عليها في يوم اصدارها . وأصدرت صحيفة ازفيستيا ايضا مجلة اسبوعية اخرى هي ( نيديليا ) ( الاسبوع ) , وقد حازت تلك المجلة ايضا على مكانة متميّزة عند القراء السوفيت , وعلى نجاحات و شهرة كبيرة . ان هذا التألق لصحيفة ازفستيا يرتبط باسم أدجوبيي , القريب جدا من مركز القرار السياسي طبعا , بل انه اصبح حتى عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي السوفيتي في المؤتمر الثاني والعشرين للحزب . واختتم هذه الملاحظات عن أدجوبيي بما كنّا نسمع – نحن طلبة جامعة موسكو آنذاك – من نكات واشاعات وتعليقات حوله , ومنها مثلا ,  يوجد مثل روسي شائع يقول – مئة روبل لا تمتلك, بل مئة صديق امتلك , وقد تم تحوير هذا المثل كالآتي –  مئة روبل لا تمتلك , بل تزوج مثل أدجوبيي ...
صحيفة ازفيستيا لازالت مزدهرة بين الصحف الروسية المعاصرة , ولازالت تعدّ واحدة من الصحف المركزية في روسيا الاتحادية , وليس مثل شقيقتها الكبرى برافدا , التي تراجع دورها , واصبحت تصدر ثلاث مرات في الاسبوع , ويتداولها انصار حزبها فقط ...     

309
جائزة نوّار الثالثة
أ.د. ضياء نافع
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي هي الجائزة الاولى في سلسلة هذه الجوائز , التي تحمل اسم نوّار( الراحل الذي لم يرحل ) باعتباره ابن العراق وابن روسيا معا . فاز بهذه الجائزة في دورتها الاولى السيد بوغدانوف نائب وزير خارجية روسيا الاتحادية ( انظر مقالتنا بعنوان – بوغدانوف يفوز بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي ) ,  وكان ذلك في العام 2018 , و في الذكرى الرابعة والسبعين لاقامة العلاقات الدبلوماسية العراقية – الروسية , أمّا  في العام 2019 , عندما احتفل الجانبان العراقي والروسي بالذكرى اليوبيلية ( 75 سنة ) على اقامة تلك العلاقات , فقد قررت لجنة جائزة نوّار منح جائزتين بدلا من جائزة واحدة تحية لهذه الذكرى اليوبيلية , جائزة للعراق (ويستلمها سفير العراق في روسيا السيد حيدر العذاري) , وجائزة لروسيا (و يستلمها سفير روسيا في العراق السيد مكسيم مكسيموف) . الجائزة الثانية في سلسلة هذه الجوائز هي جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية , والتي تحمل اسم نوّار باعتباره ابن الثقافتين العربية والروسية , وثنائية الثقافتين هذه تحتاج الى تعزيز حركة الترجمة بينهما وتوسيعها . فاز بهذه الجائزة بدورتها الاولى ( 2019 ) المترجم العراقي الدكتور تحسين رزاق عزيز , رئيس تحرير المجلة العراقية العريقة ( الثقافة الاجنبية ) التي تصدرها وزارة الثقافة في العراق .
جائزة نوّار الثالثة في سلسلة هذه الجوائز ترتبط بمدرسة الموسيقى والباليه العراقية , وذلك لأن نوّار هو خريج هذه المدرسة الفريدة في العراق , المدرسة التي تأسست في بغداد العام 1968 , وكان من المفروض ان تكون لديها بعض الفروع في المدن العراقية الاخرى , ولكن ذلك لم يحدث – مع الاسف الشديد – نتيجة عوامل عديدة . مدرسة الموسيقى والباليه في بغداد ترتبط ايضا بالعلاقات العراقية – الروسية , اذ ان هذه العلاقات هي التي منحت الكوادر التدريسية الفنية لها من المدرسين الروس في الموسيقى والباليه , ومن الخريجين العراقيين , الذين درسوا في الجامعات الروسية . ان مدرسة الموسيقى والباليه في العراق تذكرنا – نحن العراقيين – باسماء مبدعين كبار في تاريخنا المعاصر مثل فنان الشعب العراقي عزيز علي ( الذي عمل هناك في اوائل تأسيس تلك المدرسة الرائدة ) والموسيقيّ منير بشير وشقيقه فكري بشير وغيرهم , ان هذه المدرسة  هي تعبير رائع لمسيرة بناء المجتمع المدني العراقي السليم, الذي ابتدأ منذ ثلاثينات القرن العشرين في الدولة العراقية الفتيّة , عندما تمكن عباقرة العراق الاوائل  من وضع اسس  الفنون الجميلة (كما استقر هذا المصطلح لغويا في مجتمعنا ), والتي تعني تلك الجوانب الضرورية للحياة الانسانية من الفنون المسرحية والتشكيلية والموسيقية وكل ما له علاقة بهذا الجانب الجمالي للحياة الانسانية , وقد انعكس كل ذلك في تأسيس معاهد الفنون الجميلة واكاديميتها , وجاءت مدرسة الموسيقى والباليه تتويجا منطقيا لكل هذه الظواهر .
جائزة نوار الثالثة ترتبط بهذه المسيرة وتسمى – ( جائزة نوّار للمبدعين من مدرسة الموسيقى والباليه ) . وهكذا تصبح هناك ثلاث جوائز تحمل اسم الراحل الذي لم يرحل نوّار وكما يأتي -
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي
جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية
جائزة نوّار للمبدعين من مدرسة الموسيقى والباليه
  وتخطط لجنة جوائز نوّار لاعلان نتائج كل هذه الجوائز في الشهر التاسع من العام القادم ( 2020) . 

310
أدب / مقتطف
« في: 19:46 21/09/2019  »
  مقتطف
=======

قصيدة للشاعرة آنّا أخماتوفا
===============
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
=====================

تلك النيران
كانت
 تبدو لي,
وكأنها تتطاير حتى الفجر
من اجلي,
ولم أفهم أنا
هل تلك النيران
عيون غريبة كانت
أم ألوان ...
.............
وكان
 الجميع حولي
   يثرثرون
ويثرثرون,
ولم أعرف أنا
حتى الآن ,
عدو أم صديق كنت
أنت ,
 ولم اعرف لحد الان
شتاء أم صيف  كان ..
================================================================================================================================================
نشرت الشاعرة الروسية الكبيرة آنّا أخماتوفا ( 1889 – 1966 ) هذه القصيدة العام 1959 , ولازالت هذه القصيدة تثير مختلف تعليقات القراء , وقد كتبت احدى القارئات الروسيات مرة تقول – ( لو كنت انا الشاعرة أخماتوفا لاسميت هذه القصيدة – تلك النيران ..). 


311
أدب / بقصيدة واحدة
« في: 20:36 18/09/2019  »
بقصيدة واحدة
=========

قصيدة للشاعر فاليري تورغاي / جمهورية جوفاشيا في روسيا الاتحادية
=========================================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
=====================

العالم
يمكن ان يتغيّر
بقصيدة واحدة
لا أكثر,
 قصيدة
  تنبض بالايمان,
 قصيدة
 تتنفس هواء الحب ,
 قصيدة
تحمل انفاس الرب .
نعم ,
العالم
يمكن ان يتغيّر
بقصيدة واحدة
لا أكثر.
================================================================================================================================================
جمهورية جوباشيا تقع ضمن روسيا الاتحادية , وهي جمهورية ذات حكم ذاتي محاذية لجمهورية تتارستان  في روسيا , وعدد سكانها حوالي مليون وربع مليون نسمة  , وعاصمتها مدينة جيبوكساري . القصيدة اعلاه منشورة في صحيفة ( ليتيراتورنايا  غازيتا ) الروسية بتاريخ 13 – 19 / نيسان / ابريل  للعام 2011


312
مع د. فاضل مرزوك في موسكو
أ.د. ضياء نافع
فاضل مرزوك أحد طلبتنا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ( الدراسات المسائية) في تلك السنين الخوالي بتسعينات القرن العشرين , عندما كنّا ندعو الى حرية  الطلبة في اختيارهم لتخصصهم  اللغوي في الدراسات المسائية ( نسبيا طبعا ) دون الالتزام الدقيق و الاعتماد فقط على مجموع الدرجات التي حصلوا عليها في امتحانات البكلوريا في الصف السادس الاعدادي كما هو معمول به في العراق, و رغم اننا لم نستطع التحرر كليا من تلك التعليمات المركزية الصارمة  حول  تلك التعليمات  , الا اننا – مع ذلك – حاولنا قدر المستطاع  الأخذ برغبة الطلبة في اختيار اختصاصهم , او في الاقل مراعاة هذه الرغبة , وقد ساعدنا بالطبع ان طلبة الدراسات المسائية كانوا بالاساس انضج و اكبر عمرا مقارنة مع طلبة الدراسات الصباحية . وهكذا بدأنا التعامل مع هذه التجربة, ونتيجة لكل هذه العوامل, كان انسجامنا الروحي والعلمي والتربوي مع طلبة المساء اكثر و اعمق من انسجامنا مع طلبة الصباح  . وبالفعل , برز من ضمن خريجي الدراسات المسائية اناس متميزون في علميتهم , واستطاعوا اكمال دراساتهم العليا لاحقا في بلدان تلك اللغات التي تخصصوا بها , ومن جملتهم د. فاضل مرزوك , الذي حصل على شهادة الدكتوراه في اللغة الروسية من روسيا نفسها , وعاد الى العراق , وحاول – وبكل طاقته وامكانياته – ان يحصل على تعيين في جامعة بغداد / قسم اللغة الروسية ليمارس اختصاصه  , ولكنه لم يستطع , اذ كانت امكانية التعيين مغلقة تماما امامه وامام زملائه الآخرين ايضا , وهكذا , وبعد ان فهم ان ابواب التعيين كافة مغلقة امامه , اضطر للعودة الى الخارج , واستطاع ان يشق طريقه في بولندا , مستخدما معرفته العميقة باللغة الروسية وشهادة الدكتوراه , التي حصل عليها في روسيا , وهو الان يقوم بتدريس اللغة الروسية في بولندا وبنجاح , ويقوم بين فترة واخرى بزيارة ( معهد بوشكين للغة الروسية ) , وذلك للمشاركة في الندوات العلمية والسيمينارات التي ينظمها المعهد المذكور للمتخصصين في اللغة الروسية  , وقد التقيته في موسكو اثناء مشاركته في ندوة علمية عندئذ . اللقاء كان ( حارّا جدا !) بين معلّم يكنّ الاحترام لطالبه ويعرف تفاصيل مسيرته الدراسية منذ بدايتها , وطالب يكنّ اضعاف هذا الاحترام لمعلّمه ويعرف ايضا تفاصيل مكانته التربوية والعلمية ودوره المتميّز في كلية اللغات بجامعة بغداد , وبما ان هذا اللقاء حدث دون موعد مسبق وجاء عفويا , فانه كان  طبيعيا جدا و دون رتوش كما يقال...
حكى لي ( ابو عباس ) كيف قابل رئيس جامعة بغداد عند عودته , وكيف حاول الحصول على التعيين , ولكن بلا جدوى , وكيف اضطر ان يقول لرئيس الجامعة , انه يتعجب كيف لا يعترف ( وهو خريج جامعة غربية !!) بوثائق علمية صادرة من جهات عالمية تشهد بامكانياته العلمية , وانه حصل على ذلك بعد جهد هائل , فسألته – وماذا قال لك ؟ أجابني ابو عباس , ان رئيس الجامعة قال لي اذهب الى هؤلاء الذين نصحوك بالعودة واطلب منهم ان يمنحوك  وظيفة ما , وابتسم د . فاضل وقال , انه فهم بعد كل محاولاته الطويلة والعريضة, انه حتى رئيس الجامعة لا يقدر ان يصدر أمرا بتعيين اي شخص منذ فترة طويلة , ولهذا قرر السفر مرة اخرى , ووجد مكانا مرموقا ومحترما في بولندا لتدريس اللغة الروسية , والمساهمة في عملية البحث العلمي هناك . وقدّم د. فاضل لي عدة كتب باللغتين البولونية والروسية , تحتوي على بحوث كثيرة , وكان اسمه موجودا بين المشرفين على اصدارات تلك الكتب , ثم قدّم لي كتابا جميلا باللغة الروسية من تأليفه عنوانه – الوسائل الشفاهية لمفهوم العمر في اللغة الروسية , ويقع في 236 صفحة من القطع المتوسط , ووجدت على الغلاف الاخير للكتاب صورة فاضل مرزوك بشكل واضح وملوّن , وخلاصة تعريفية حوله باللغة الروسية تشير الى انه خريج جامعة بغداد وانه عضو في جمعية المترجمين العراقيين , اضافة طبعا الى شهاداته الروسية , وانه مدرس اللغة الروسية في الوقت الحاضر ومترجم محلّف . كتاب د. فاضل مرزوك , كما ارى , هو على الاغلب اطروحته , اذ انه يتكون من المقدمة وثلاثة فصول وخلاصة ختامية ومصادر البحث , الا انه لا يشير الى ذلك في كتابه . وفي كل الاحوال , شعرت بالفخر وانا اطلّع على كتاب روسي من تأليف متخصص عراقي , كان يوما ما طالبا يجلس امامي في صفوف كلية اللغات الحبيبة ... 
لم استطع بالطبع ان أقرأ البحوث باللغة البولونية في تلك الكتب , ولكني اطلعت على البحوث باللغة الروسية بشكل عام , وهي ذات طابع اكاديمي بحت , وقد توقفت طويلا عند بحث كتبه شونيكوف من جامعة العلوم الانسانية في موسكو حول الدراما الروسية المعاصرة , حيث يتناول بعض خصائص الدراما في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين , واثارني المقطع الخاص حول مسرحية عنوانها – ( نضج الكرز في بستان الخال فانيا ) , وهي مسرحية توحد مسرحيتين من أعمال تشيخوف ( بستان الكرز والخال فانيا ) , وتنقل ابطال تلك المسرحيتين الى احداث ثورة اكتوبر 1917 الروسية , وهي فكرة خيالية شجاعة وغير اعتيادية تماما .
اللقاء بين معلّم وأحد طلبته القدامى لذيذ دائما , خصوصا اذا كان هذا الطالب القديم قد أحرز خطوات كبيرة وناجحة في مسيرة الحياة ...

313
د. تحسين رزاق عزيز يفوز بجائزة نوّار للترجمة
أ.د. ضياء نافع
قررت لجنة تحديد الفائز بجائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية  منح الجائزة المذكورة لهذا العام ( 2019 ) الى المترجم العراقي المعروف  الدكتور  تحسين رزاق عزيز  ( وكما أشرنا في مقالتنا التي نشرناها عندما أعلنّا عن هذه الجائزة  و بعنوان –  جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسيّة ) , وذلك لأن الدكتور تحسين رزاق عزيز يعدّ - في الوقت الحاضر - واحدا من أبرز المترجمين عن الروسية في العراق , والذي ابتدأ طريقه الترجمي الطويل منذ ان كان في صفوف الدراسة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد في العراق والى ان اصبح رئيس تحرير أهم وأكبر مجلة متخصصة بالترجمة في العراق وهي مجلة ( الثقافة الاجنبية ) العريقة , و التي تصدرها وزارة الثقافة, علما ان الدكتور تحسين قد حصل في نهاية العام الماضي على جائزة حمد للترجمة والتفاهم الدولي , وهو المترجم العراقي الوحيد عن اللغة الروسية الذي حصل على هذه الجائزة الدولية الكبيرة والرفيعة , وتتشرف  لجنة تحديد جائزة نوّار , ان يكون هذا المترجم العراقي البارز اول فائز بجائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية  .
ندرج في أدناه موجزا للسيرة العلمية للدكتور تحسين رزاق عزيز –
بكالوريوس لغة روسية وآدابها 1985 ( فرع اللغة الروسية / كلية الاداب / جامعة بغداد ) // ماجستير 1997 ( قسم اللغة الروسية / كلية اللغات / جامعة بغداد ) // دكتوراه 2009 ( قسم اللغة الروسية / كلية الفيلولوجيا / جامعة فارونش الروسية ) // .
أما مساهماته في مجال الترجمة عن الروسية فهي واسعة و عديدة من مقالات ودراسات روسية متنوعة وكتب روسية صادرة , ونذكر من بينها الكتب الآتية التي صدرت خلال السنوات الاخيرة ( اعتبارا من العام 2011 ولحد الان ) – 
حوارات في النثر الروسي المعاصر ///  ابحاث في اللسانيات /// فلسفة اللغة /// اللسانيات الادراكية /// سوسير واللسانيات المعاصرة /// اساسيات نظرية اللغة والتواصل /// قصة الحاج مراد بوصفها الوصية الفنية لتولستوي /// اللسانيات العامة /// تأملات في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر /// أساسيّات تأثير الكلام /// حياة وابداع كتّاب الادب الريفي الروسي /// ملامح من الادب الروسي في القرن العشرين /// مشاركة في الموسوعة – اللسانيات العربية . رؤى وآفاق /// أثر على أثر – رواية للكاتب الروسي المعاصر شاروف ///  سلاح الانتقام – نماذج من القصة القصيرة الروسية المعاصرة /// آدام و ميريام – رواية للكاتبة الروسية المعاصرة روبينا /// اللغة والترجمة ///  النظام المعجمي للغة /// لاوروس – رواية للكاتب الروسي المعاصر فودولازكين /// صبيّة من متروبول – رواية للكاتبة الروسية المعاصرة  بتروشيفسكايا ///  ميديا واولادها – رواية للكاتبة الروسية المعاصرة  اوليتسكايا /// يوميات رجل ميّت – للكاتب الروسي بولغاكوف /// الطيّار – رواية للكاتب الروسي المعاصر فودولازكين /// حوارات في الرواية الروسية المعاصرة /// الراعي والراعية – رواية للكاتب الروسي المعاصر استافييف /// مورفين – للكاتب الروسي بولغاكوف /// اولاد الفولغا – رواية للكاتبة المعاصرة غوزيل ياخيتا /// .
هذا ويتم تسليم جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية  الى د. تحسين رزاق عزيز في الحفل الكبير الذي تقيمه جمعية المترجمين العراقيين في مقرّها ببغداد يوم 28 ايلول / سبتمبر 2019 بمناسبة اليوم العالمي للمترجم . 
 
 

314
أدب / مجد الارض كالدخان ..
« في: 21:06 15/09/2019  »
مجد الارض كالدخان ..
=============

قصيدة للشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا
=====================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
====================

مجد الارض كالدخان,
وليس هذا مرامي.
وهبت الحب والحنان
لكل عشّاقي وخلّاني,
أحدهم الان
لازال حيّا
وعاشقا...
والثاني
أصبح برونزّيّا
في الساحة التي
تغمرها الثلوج .
1914
========================================================================================================================================
القصيدة في الاصل بلا عنوان , وقد كتبتها أخماتوفا( 1889 - 1966 ) عندما كان عمرها 25 سنة , وربما تقصد في قصيدتها هذه ( أحدهم لا زال حيّا ...) زوحها الشاعر غوميليوف , التي كانت زوجته  آنذاك , اذ انهما انفصلا العام 1918 ( انظر مقالتنا بعنوان – غوميليوف الشاعر الروسي المخضرم ) , اما الشخص الثاني فربما كانت تقصد بوشكين , والتي كانت أخماتوفا عاشقة لشعره
طوال حياتها ...
ض.ن.

315
 
شئ عن جريدة ( برافدا) الروسيّة
أ.د. ضياء نافع
عندما كنت قبل أيام أشتري الصحف الروسية – كما أفعل يوميا – ألقيت نظرة عامة على الصحف الكثيرة جدا المعروضة امامي , ووقع نظري – بالصدفة - على صحيفة ( برافدا ) الشهيرة , وهي نادرا ما تكون معروضة في الوقت الحاضر بين الصحف الروسية , فطلبت من بائعة الكشك ان تضيف تلك الجريدة الى الصحف التي طلبتها , وذلك لانني أردت ان أطلع عليها متذكرا تلك الايام الخوالي , عندما كنّا نشتريها يوميا بسعر كوبيكين اثنين فقط ( الروبل الواحد يساوي 100 كوبيك) ايام الدراسة في الاتحاد السوفيتي في ستينات القرن العشرين , وهكذا بدأت بتقليب صحيفة ( برافدا ) من جديد وانا ابتسم , بعد أكثر  من  50 سنة تقريبا من القراءة اليومية لها آنذاك , حيث كنت افتح رأسا الصفحة الثالثة فيها لأقرأ اخبار العالم باحثا – قبل كل شئ طبعا - عن اسم العراق واحداثه , وغالبا ما كانت تلك الاخبار شحيحة جدا جدا عندئذ ...
عندما مسكت العدد الجديد من جريدة برافدا , تذكرت رأسا صديقي المرحوم أ.د. محمد يونس ( استاذ الادب الروسي في جامعة بغداد والباحث والمترجم الكبير ) , الذي جاء اليّ مرة وقال لي , انه يمتلك نسخة من العدد رقم (1 ) من جريدة ( برافدا ) , الصادر العام 1912 , وانه يعتز به جدا , ولكن – واقعيا -  لا احد يمكن ان يطلع عليه في مكتبته الخاصة به في بيته , وانه يريد ان يهديه الى مكتبة قسم اللغة الروسية في كلية اللغات , ولكنه يخشى ايضا ان ( ينام !) هذا العدد بين طيّات الكتب ورفوفها , وتناقشنا حول الموضوع تفصيلا , واتفقنا ان نؤطّر ذلك العدد التاريخي والفريد بالنسبة للعراق ( وليس فقط للعراق ) ونعلّقه على جدار المكتبة عند مدخلها , وهذا ما تمّ فعلا . وهكذا اصبح هذا العدد معروفا لجميع اساتذة القسم وطلبته , وكنّا نلفت اليه نظر الوفود الروسية التي غالبا ما كانت تزور قسمنا ونتفاخر به , وكانت تلك الوفود تتعجب من رؤية العدد الاول من هذه الجريدة المشهورة لديهم معلّقا على جدار مكتبة قسمنا في جامعة بغداد , واذكر ان احد اعضاء تلك الوفود قال لي مرة , انه توقع ان يرى (مختلف الاعاجيب في بغداد , اذ انها  بلاد الف ليلة وليلة !) , الا انه لم يخطر بباله ابدا رؤية العدد الاول لجريدة ( برافدا ) , والتي لم يشاهدها في بلده نفسه. لقد احترقت مكتبة قسم اللغة الروسية - مع الاسف الشديد - باكملها العام 2003 عند الاحتلال الامريكي لبغداد , وتحولت الكتب المنهجية لتدريس اللغة الروسية وكذلك المعاجم والقواميس الروسية - العربية و مؤلفات بوشكين وغوغول ودستويفسكي وتولستوي وتشيخوف وبقية ادباء روسيا العظام الى رماد , بما فيها طبعا ذلك العدد التاريخي الفريد من جريدة ( برافدا ) ..
كانت صحيفة برافدا في الاتحاد السوفيتي هي الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوفيتي , وكان اسمها على لسان كل شيوعيي العالم طبعا , بما فيهم العرب , بل و اني سمعت , ان أحد الشيوعيين في العراق اطلق على ابنته اسم ( برافدا ) , وهكذا اصبحوا ينادونه - ( ابو برافدا !) على الطريقة العراقية , ويقال انه كان فخورا جدا – وطوال حياته - بهذه التسمية . 
رافقت جريدة برافدا كل تاريخ الحركة الشيوعية الروسية قبل ثورة اكتوبر 1917 , واستمرت بمسيرتها بعد الثورة , واصبحت في الاتحاد السوفيتي سجلّا خالدا لتاريخ تلك الدولة ومسيرتها اليومية بكل احداثها و تفاصيلها , وكانت تمتلك امكانيات مادية واسعة جدا , ووصلت عدد نسخها في السبعينات الى اكثر من عشرة ملايين نسخة يوميا , وكانت توزع صباحا في المدن السوفيتية كافة رغم ان مساحة الدولة السوفيتية كانت تشغل سدس الكرة الارضية كما هو معلوم , بل اننا كنّا نراها يوميا معلّقة في الكثير من المناطق السكنية ومحطات الباصات والشوارع العامة في موسكو . انحسرت اهمية هذه الصحيفة بعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي , ولكنها استمرت بالصدور ناطقة باسم الحزب الشيوعي في روسيا الاتحادية , وبنفس التصميم ونفس الاسلوب الحزبي الصارم جدا , الا انها لم تعد تطبع اكثر من 100 الف نسخة باليوم , وأخذت تصدر ثلاث مرات اسبوعيا ليس الا.
جريدة ( برافدا ) واحدة من صحف العالم العريقة , وهي تستحق الدراسة من قبل العرب المهتمين بالشأن الروسي في الماضي والحاضر والمستقبل ايضا...   

316
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي  في دورتها الثانية (2019)
أ.د. ضياء نافع
يحتفل العراق وروسيا في هذا العام ( 2019)  بالذكرى الخامسة والسبعين لاقامة العلاقات الدبلوماسية بينهما , وانطلاقا من هذه الذكرى اليوبيلية  وتحية لها , فقد قررت لجنة تحديد الفائزين  بجائزة نوّارلتعزيز الحوار العراقي – الروسي لعام 2019 اليوبيلي هذا منح جائزتين  اثنتين بدلا من جائزة واحدة كما كان الامر في العام الماضي عند تأسيس هذه الجائزة , واحدة للعراق واخرى لروسيا , اي ان العراق وروسيا فازا  معا لهذا العام ( في الذكرى الخامسة والسبعين لاقامة العلاقات بينهما ) بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي - الروسي , وذلك لأنهما باتخاذهما القرار باقامة علاقات دبلوماسية بينهما يعني انهما يسعيان معا لاقامة حوار دائم بين الجانبين , وهذا القرار ( الذي تم اتخاذه العام 1944 ) بحد ذاته يجسّد خطوة مهمة  جدا في انطلاقة مسيرة هذا الحوار وتعزيزه  لاحقا .
  يستلم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي في دورته الثانية للعام 2019  باسم العراق  سفير جمهورية العراق في روسيا السيد حيدر منصور هادي العذاري باعتباره رئيس هيئة تمثيل العراق في روسيا , ويستلم الجائزة باسم روسيا  سفير روسيا الاتحادية في العراق السيد مكسيم كنستونتينوفتش  مكسيموف باعتباره رئيس هيئة تمثيل روسيا في العراق .  هذا وستجري مراسم تسليم الجائزتين في الحفل الكبير , الذي تقيمه بموسكو سفارة جمهورية العراق في روسيا الاتحادية ( لمناسبة الذكرى 75 للعلاقات بينهما ) مساء التاسع من ايلول / سبتمبر 2019 , وهو اليوم الذي وقّع فيه الجانبان اقامة علاقات دبلوماسية بينهما في عام 1944 , اي قبل 75 سنة .
لتزدهر وتتعزز العلاقات العراقية – الروسية لمصلحة الشعبين الصديقين 
عاشت جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي
                       

317
عن الطاغية والبهتان والمرأة

قصيدة للشاعر الكوبي خوسيه مارتي (1853 -1895 )
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


عن الطاغية ؟
قل عنه
  كل شئ,
وقل اكثر
عن الطاغية.
اشجبه
بكل الغيظ  الذي
في اعماق صدرك,
ضعه
في قفص
اللاشرف,
وفي قفص
العار
والشنار.
+++
عن البهتان ؟
قل عنه
كيف ينسل خلسة
- بحذر -
في العتمة,
قل كل شئ
يمكن ان تقوله
عن الطاغية,
 وعن البهتان.
+++
عن المرأة ؟
لا تقل ابدا
شيئا سيّئا,
حتى اذا
  انتزعوا منك
 مجدك,
او عذّبوك,
او قتلوك .
لا تلوّث نفسك,
ولا تقل عن المرأة
شيئا
 سيّئا
ابدا ...


318
مع سائق اوزبيكي في موسكو
أ.د. ضياء نافع
 الاكثرية من سائقي سيارات الاجرة في موسكو هم من شعوب الاتحاد السوفيتي السابق . هذه ظاهرة واضحة المعالم الآن لكل من  يستخدم سيارات الاجرة في موسكو , اذ ان فرص العمل امامهم في دولهم المستقلة تقلصت بشكل هائل . لقد سبق لي ان كتبت عدة مقالات عن انطباعاتي حول تلك الظاهرة , واظن ان تلك المقالات كانت تعكس وضع تلك الشعوب في الوقت الحاضر , او في الاقل تعطي صورة واقعية لظروف حياة بعض ابنائهم . وامس كنت مع سائق من اوزبكستان . لم يكن ثرثارا  كما هي العادة , ولكن ما ان عرف اني من العراق , حتى ( انفتحت قريحته !) , و بدأ يمطرني بسيل  من الاسئلة والآراء المتنوعة , والتي تعكس بالطبع افكاره الخاصة واهتماماته الشخصية وثقافته العامة ومعاناته الحياتية. قرأ لي اولا سورة الاخلاص بعربية ركيكة جدا ( بالكاد فهمتها !) , وطلب منّي ان اشرح له معناها , فقلت له انها سورة الاخلاص , فاعترض قائلا , كلا كلا, انها سورة (قل هو) , ولفظها ( كل خو) . ضحكت انا طبعا واوضحت له صلب الموضوع ( كما يقال ) , فاندهش اندهاشا مثيرا , وسألني وبكل جديّة - هل انت من رجال الدين ؟ ولما علم انني لست من رجال الدين ازداد اندهاشه اكثر . ثم قال لي , انه امس علّم ابنته هذه السورة , وانه سيقول لها اليوم انها سورة الاخلاص , وأضاف قائلا , انه يقدسّ هذا النص لانه من القرآن الكريم , ولكنه لا يفهم معناه بتاتا ( تذكرت قصة زميلتي الصحافية الكبيرة د. سلوى زكو , التي قرأتها قبل ايام في الفيسبوك عن صديقتها السوفيتية ايام زمان في كلية الصحافة بجامعة موسكو , والتي اسمها تكزبان , والتي قالت لسلوى – وهي تعيّرها – انها ( اي سلوى ) لا تعرف ان اسمها مقتبس من الاية الكريمة – وبأي آلاء ربكما تكذّبان !!! , اذ انهم يلفظون الفعل – تكزبان , دون ان يفقهوا معناه طبعا).
بدأ هذا السائق بعدئذ يتحدث بأسى وبشكوى مريرة جدا عن وضع حياته في موسكو , وقال لي انه يعمل طوال النهار و بعض الاحيان في الليل ايضا , وكذلك تعمل زوجته الاوزبيكية , وانهما – مع ذلك - يعيشان بالكاد , لان ايجار الشقة بموسكو غال جدا , ومتطلبات الابن والبنت في المدرسة تقتضي صرف مبالغ كبيرة بالنسبة لدخلهم المحدود , ويجب عليهما ايضا مساعدة والديهما في اوزبكستان رغم انهم لازالوا يعملون هناك , وذلك لان وضع اوزبكستان الاقتصادي صعب جدا جدا.  وأضاف انه لولا عمل زوجته , فانهم ( سيموتون جوعا !) . حاولت انا ان اخفف من صعوبات حياته , والتي كان يحكيها لي وهو يتألم بوضوح , وقلت له , انني التقيت كثيرا من ابناء شعوب الاتحاد السوفيتي , وان وضعهم كان لابأس به رغم انهم كانوا ايضا يعانون مثله بشكل او بآخر, ويساعدون اهلهم في بلدانهم , فقال , نعم , ولكن معظمهم لا يأتون بعوائلهم , و يسكنون في موسكو سوية و في غرف صغيرة , و حتى غير ملائمة للسكن الطبيعي بعض الاحيان اقتصادا بنفقات الايجار, أما انا , فلا استطيع ان اسكن هكذا مثلهم , اذ اني مع زوجتي وابني وابنتي , ولهذا فاننا نؤجّر شقة مستقلة .
 وانتقل بعدئذ بالحديث عن مشكلة اخرى يعاني منها , وهي قضية تربية الاطفال , اذ انهما – هو وزوجته – يحاولان دائما الكلام معهم باللغة الاوزبيكية وتعليمهم لها, ولكن الاطفال يدرسون في مدرسة روسية ويتحدثون في الشارع مع الاخرين بالروسية , ولهذا فان اللغة الروسية اصبحت بالنسبة لهم اللغة الام قراءة وكتابة وكلاما , اما اللغة الاوزبيكية , فانها ثانوية بالنسبة لهم , وقال لي وهو يبتسم , ان الاطفال يسخرون مني ومن والدتهم عندما نتحدث معهم بالروسية , ويصلّحون الاخطاء التي نعملها  اثناء الكلام , واختتم حديثه عن هذه المشكلة وهو يتنهد بعمق قائلا , كيف سيكون مصيرهم عندما نرجع الى اوزبكستان ؟ فسألته , وهل تخططون للرجوع الى هناك ؟ فقال انا وزوجتي نريد الرجوع حتما , ونتمنى ذلك كل يوم , ولكن الاطفال لا يرغبون بذلك بتاتا, ولا يمكن لهم حتى ان يتصوروا العيش دون مدرستهم الروسية , ولهذا , فانهم جميعا يستمرون بالعيش في موسكو , ولا يعرفون مستقبل حياتهم , وتحسّر هذا السائق على ايام الاتحاد السوفيتي , وقال , لم تكن الامور معقدة هكذا رغم بعض المشاكل , فقد كانت الحياة بسيطة و مضمونة من دراسة وعمل و علاج مجاني وتقاعد , وكنا نعيش بدولة واحدة , ولم تكن هناك امام الاوزبيك او غيرهم من الشعوب السوفيتية مثل هذه الصعوبات , التي نعاني منها اليوم , وقال بحسرة , انه من المستحيل العودة الى تلك الايام .
عندما وصلنا الى العنوان المطلوب , دفعت له المبلغ اللازم مع اكرامية بسيطة , فرفض ذلك , وقال ان ذلك (حرام ) , فابتسمت انا , وقلت له , ان ذلك (حلال) , اذا كان برضا الزبون ومبادرته ...     

319
بوشكين كاتبا مسرحيا
أ.د. ضياء نافع
بوشكين- قبل كل شئ – شاعر كبير , اي ان الشعر يأتي اولا عندما يجري الحديث عنه , اذ انه ( شمس الشعر الروسي ) بلا منازع , ولكن بوشكين ساهم – وبشكل كبير وهائل ورائع ايضا – في مجالات ابداعية اخرى , فما هو الجانب الثاني في ابداع بوشكين يا ترى ؟ يعتقد بعض الباحثين , ان النثر يأتي ( ثانيا ) , اذ مازالت قصصه ورواياته القصيرة شاخصة في عالم الادب الروسي , ويشيرون مثلا الى ابنة الضابط ( حسب ترجمة الدروبي والتي اختلف المترجمون العرب على ترجمة عنوانها لاحقا!) , وهناك من يرى , ان مسرح بوشكين اهم من نثره , ويذكرون  مسرحيته التاريخية – ( بوريس غودونوف ) والتي لازالت تتفاعل مع الحياة الروسية المعاصرة ولحد الان , وذلك عندما يدور الكلام عن المسرح الروسي او التاريخ الروسي , ويظن آخرون , ان هناك جوانب ابداعية اخرى في نشاط هذا (المعلّم !) الكبير , وان تلك الجوانب هي التي تستحق ان تكون ( ثانيا) . وبغض النظر عن تحديد الموقع ( الثاني!) في ابداع بوشكين ( وكل ذلك يخضع للنظرة النسبية للباحثين طبعا , اذ يجد كل باحث تبرير موقفه تجاه بوشكين وابداعه ) , فاننا نود ان نتوقف في مقالتنا هذه عند جانب مهم في مسيرته الابداعية , وهو بوشكين - الكاتب المسرحي في تاريخ الادب  الروسي , وفي تاريخ المسرح الروسي .
هذا الموضوع يذكّرني رأسا بحدث محفور في اعماق روحي , وهو - كيف جاءت المرحومة أ.د. حياة شرارة مرة اليّ ( عندما كنّا نعمل سويّة في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد ) , وقالت لي انها ترجمت تراجيديات بوشكين الصغيرة عن الروسية , وتريد ان تقدمها الى وزارة الاعلام العراقية لنشرها في كتاب , ولكنها مترددة جدا, لانها تخشى ان يحيلون الترجمة الى شخص غير مؤهل لمراجعتها كما كانت الامور متبعة بشأن اي كتاب مترجم تنشره الوزارة ,  ويبدأ هذا الشخص  ( يتفلسف برآسي !) ( هكذا قالت لي المرحومة حياة مازحة ) , ولهذا سألتني , هل توافق ان تكون انت المراجع لتلك المسرحيات ؟ فقلت لها , اني اوافق على ذلك دون اي تردد , وأضفت قائلا , انها يجب ان تكون مثل جبرا ابراهيم جبرا , الذي يشترط عدم مراجعة ترجماته من قبل مراجعين  , وانها جديرة ان تشغل مكانة جبرا في عالم الترجمة عن الروسية في العراق , ( انظر مقالتنا بعنوان – حياة شرارة والادب الروسي في العراق / لقطات ) . وهكذا صدر كتاب المرحومة حياة عن وزارة الاعلام العراقية بعنوان – ( مسرحيات بوشكين ), وهو اول كتاب عراقي متكامل عن مسرح بوشكين , اذ يضم نصوص المسرحيات تلك , التي أسماها بوشكين – ( تراجيديات صغيرة ) بترجمة د. حياة شرارة عن الروسية , وبمقدمة عن مسرح بوشكين بقلمي , والمقدمة تلك هي في الاصل بحث نشرته اولا في مجلة كلية الآداب / جامعة بغداد ( وقدمته في حينها للترقية العلمية حسب تعليمات الترقيات العلمية في الجامعة ) , واتفقنا ( حياة وانا ) انه يصلح ان يكون مقدمة لكتابها المترجم ذاك , وهذا ما تمّ فعلا . ولهذا , فان مسرح بوشكين – بالنسبة لي شخصيا - يرتبط بترقيتي العلمية في الجامعة , ويرتبط ايضا باول كتاب عن مسرح بوشكين في العراق اصدرته المرحومة المبدعة حياة شرارة .
 تراجيديات بوشكين ( الصغيرة!) تلك هي مسرحيات ( كبيرة!) الاهمية في تاريخ الادب المسرحي الروسي , اذ انها تعدّ كلمة جديدة لم يسبق لاحد قبل بوشكين في روسيا ان قدّم شيئا مماثلا لها , وكتب بوشكين تلك المسرحيات عام 1830, اي عندما كان في قمّة ( نضوجه الابداعي!) ان صحّ التعبير( توفي بوشكين عام 1837) , وليس عبثا , ان تلك المسرحيات كانت تعكس مواضيع انسانية شاملة , او (امميّة) كما أسماها باحث سوفيتي مرّة في محاولة لاستخدام المصطلح السياسي المعروف في سياق النقد الادبي. التراجيديات الصغيرة , او (مآس صغيرة) كما جاءت في بعض الترجمات العربية , كانت تدور حول صفات عامة توجد عند البشر كافة , صفات وردت الى ذهن بوشكين نتيجة قراءآت واسعة جدا في الادآب العالمية , (اي لا تتناول الخصائص القومية البحتة ولا الاحداث القومية) , كالحسد مثلا ( انظر مقالتنا بعنوان – مسرحية بوشكين الشعرية موتسارت و ساليري) .
المسرحية المركزية لبوشكين هي ( بوريس غودونوف ) طبعا , والتي قرأ بوشكين مقاطع منها لقيصر روسيا الكساندر الاول عندما استقبله بعد الغاء عملية النفي وعودة الشاعر الى بطرسبورغ , وهي دراما تاريخية ضخمة ومليئة بالاحداث والشخوص , بدأ بوشكين بكتابتها بعد ان اطّلع على نتاج كارامزين الشهير ( تاريخ الدولة الروسية ) , ويرى بعض النقاد , ان بوشكين اراد ان يكون ( شكسبير روسيا ) بواسطة هذا العمل المسرحي الكبير . استمر بوشكين بكتابة هذه المسرحية طوال سنوات , ونشرها عام 1830 فقط , ولم يستطع ان يراها على خشبة المسرح اثناء حياته نتيجة عوامل كثيرة , منها سياسية وفكرية , ومنها كذلك صعوبة تحقيق ذلك تقنيا . لقد تم تقديم تلك المسرحية على خشبة المسرح الروسي بعد اكثر من ثلاثين سنة على وفاة بوشكين , ولا زالت تعرض لحد الان , بل انها تحولت حتى الى اوبرا , والى عروض موسيقية غنائية متنوعة , وحولتها السينما الروسية منذ اواسط القرن العشرين الى افلام سينمائية عديدة , وكان آخرها  فلم سينمائي تم انتاجه عام 2011 ليس الا...
شمس الشعر الروسي بوشكين استطاع ان يمنح لشعبه ايضا المسرح الشعري الروسي , وهو عمل ابداعي كبير وعنصر ضروري جدا  في تاريخ كل شعب من شعوب العالم المتحضّر...             

320
المنبر الحر / غوركي ولينين
« في: 22:45 18/08/2019  »
غوركي ولينين
أ.د. ضياء نافع
هذا موضوع مثير للقارئ العربي , اذ انه يقترب من عالم السياسة ويسير على  حافة حدوده (الملغومة دائما !) , بل ان بعض القراء العرب ربما يعتقدون انه موضوع سياسي بحت حول تاريخ الحركة الاشتراكية ومسيرتها بالذات, اذ انه يرتبط ب ( قائد الثورة الاشتراكية في روسيا والعالم ايضا - لينين ) و ( قائد الواقعية الاشتراكية في الادب الروسي والادب العالمي ايضا - غوركي ) . لكن هذا الموضوع  لا يرتبط بعالم السياسة مباشرة رغم كل هذا التقارب فعلا, بل يتحدث عن جزء غير واضح المعالم للقارئ العربي ( و ربما يمكن القول شبه مجهول تقريبا) من تاريخ العلاقة الفكرية المعقدة والمتشابكة بين أديب روسي كبير برز في بداية القرن العشرين هو مكسيم غوركي وبين شخص لم يكن مشهورا جدا في تلك الفترة هو لينين , ولكنه سيكون قائدا لثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية الروسية , والتي أدّت به الى ان يصبح  - بعد نجاح تلك الثورة - واحدا من أشهر رجالات القرن العشرين ( وهو كذلك ولحد الان ونحن في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ) ليس فقط في روسيا , بل في العالم أجمع .
 كلاهما , غوركي ولينين ولدا في روسيا (غوركي العام 1868 ولينين العام 1870, اي انهما متقاربان جدا من حيث العمر ),  و لكنهما تعارفا والتقيا خارج روسيا ,لانهما تركا وطنهما المشترك لاسباب سياسية , اذ اصبح لينين قائدا لحزب مضاد للقيصرية الروسية ويسعى لاسقاطها , واصبح غوركي اديبا كبيرا ومعارضا للنظام ايضا , و يؤيد اهداف ذلك الحزب (الذي يقوده لينين) بكل قواه الفكرية والمادية. تعمّقت علاقتهما خارج روسيا ( كل من موقعه ) وخصوصا في ايطاليا ( كان غوركي يسكن هناك , وزاره لينين وبقي بضيافته فترة ), واستمرت العلاقة بينهما ايضا في روسيا   عندما انتصرت ثورة اكتوبر 1917 , وهناك الكثير جدا من المصادر الروسية , التي تتحدث عن تفصيلات تلك العلاقات المتبادلة بينهما , وانتهت طبعا بوفاة لينين العام 1924 , عندما طلب غوركي ان يضعوا اكليلا من الورود باسمه ويكتبون عليه – ( وداعا يا صديقي ). وكتب غوركي بعد وفاة لينين مقالة كبيرة وطويلة عنه , وهي واقعيا صورة قلمية فنية ووثائقية رائعة , وتم نشرها في كتيب خاص في الاتحاد السوفيتي آنذاك , وصدرت بلغات عديدة , منها لغتنا العربية , بل ويقال في بعض المصادر الروسية , ان ستالين كان يطمح ويتمنى ان يكتب عنه غوركي شيئا مماثلا , ولكن غوركي لم يكتب ذلك . لم يتناول غوركي في كتابه عن لينين كل ما حدث بينهما , بما فيها خلافاته معه طبعا , والتي حدثت اثناء تلك المسيرة الطويلة معا ( وهو أمر طبيعي ), ونحاول في هذه المقالة ان  نشيرالى بعض تلك الخلافات بشكل وجيز وضمن نقاط , اذ انها تكاد ان تكون شبه مجهولة تقريبا في المصادر العربية عموما.
الخلاف الاول ظهر عندما نشر غوركي كتابه الشهير ( الاعتراف), والذي صدر العام 1908 , عندما كان في كابري بايطاليا . لقد حاول غوركي في روايته القصيرة تلك ان يعكس طروحاته الفلسفية بشأن توحيد الافكار الدينية للشعب الروسي مع الاهداف الثورية ( التي كان يؤمن بها غوركي ), وهي وجهة نظر غير جديدة في الفكر الروسي اصلا , ولكنها كانت جديدة بالنسبة لغوركي ومسيرته الابداعيه ( وهو مؤلف رواية الام !) . لقد أكّد غوركي هناك , ان القيم الاخلاقية والروحية اكثر أهمية لنجاح الثورة من العناصر الاقتصادية والسياسية . وقف لينين ضد هذه الطروحات الفكرية الجديدة لغوركي بشكل مباشر وحاد جدا, وانتقده بشدة وعلنية , بل واعتبرها غير صحيحة تماما , ولكن غوركي أصرّ على موقفه الفكري هذا. ان هذا الخلاف العلني بينهما هو واقعيا يجسّد عدم توافق السياسي المحترف لينين مع الكاتب والمفكر غوركي , وهو عدم توافق دائم بين السياسيين من جهة , وبين الكتّاب والادباء والفنانين بشكل عام من جهة اخرى , اذ ان المبدع يعبّر عن افكاره بحرية مطلقة دون الأخذ بنظر الاعتبار متطلبات السياسيين واهدافهم المحددة ضمن مسيرة صارمة وشعارات حزبية مرسومة , وهي ظاهرة عامة ( اي التناقض بين السياسيين والمبدعيين ), و غالبا ما نجدها في مسيرة الحياة وفي كل المجتمعات , بما فيها طبعا مجتمعاتنا العربية.
الخلاف الثاني بين غوركي ولينين حدث بعد فترة قصيرة جدا من انتصار ثورة اكتوبر 1917 , اذ كان غوركي يصدر جريدة اسمها – ( الحياة الجديدة ) , وقد هاجم غوركي في جريدته تلك الخروقات التي حدثت في الايام الاولى للثورة , وكتب يقول , ان ( ... لينين وتروتسكي قد تسمموا بالسم العفن للسلطة ...وانعكس ذلك في علاقة العار تجاه حرية الكلمة , والحرية الشخصية  وضد مجمل الحقوق , التي ناضلوا من اجل انتصارها ....) , بل وقارن لينين حتى بالقيصر وتصرفاته تجاه حرية الفكر واضطهاده لها . وكل هذه الخلافات انعكست في كتاب أصدره غوركي بعنوان – ( افكار في غير أوانها ) , والذي اعيد طبعه فقط بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , ولا يسمح المجال للتوقف عنده تفصيلا , ولكن من الضروري الاشارة هنا , ان غوركي قد تراجع عن تلك الافكار بعد محاولة اغتيال لينين , واعتذر له عندما زاره بعد المحاولة تلك , ولكن مع هذا , فقد ارتأت السلطة ان يسافر غوركي الى اوربا( للعلاج!) , ( وبعكسه سنرحّلك..), كما قال له لينين مازحا...

321
عند نصب المذيع السوفيتي ليفيتان
أ.د. ضياء نافع
يقولون انه النصب الوحيد في العالم لمذيع في الاذاعة , وبالنسبة لي شخصيا وحسب معلوماتي المتواضعة , فانا لا اعرف فعلا اي شئ مماثل لهذا الذي شاهدته اليوم في احدى ساحات مدينة فلاديمر الروسية , مسقط رأس المذيع السوفيتي الشهير ليفيتان , وهي المدينة التي تبعد في حدود 200 كيلومترا عن العاصمة الروسية موسكو , والتي كانت في غابر الازمان واحدة من مراكز روسيا القديمة .
 ولد المذيع يوري بوريسوفيتش ليفيتان في مدينة فلاديمر العام 1914 , واصبح المذيع الاول في الاتحاد السوفيتي , وهو الذي أذاع يوم التاسع من مايس / مايو  العام 1945 بيان الدولة السوفيتية عن استسلام المانيا الهتلرية وانتهاء الحرب واعلان النصر , وهناك احصائية طريفة تشير ,الى ان المذيع ليفيتان قرأ اكثر من ( 2000 ) نشرة أخبار عن مسيرة واحداث تلك الحرب , والتي يسميها الروس – ( الحرب الوطنية العظمى ) , وهكذا ارتبط اسم ليفيتان بيوم النصر في تاريخ روسيا . لقد سمعنا عندما كنّا طلبة في الاتحاد السوفيتي في ستينات القرن العشرين , ان الالمان قرروا ان يعدموه بعد ستالين رأسا , ولكن المصادر الروسية الرسمية الحديثة اعتبرت هذا القول مجرد اشاعة تداولها الناس - ليس الا- انطلاقا من شهرته وسعة شعبيته بين المستمعين آنذاك, وأشارت تلك المصادر الى ان هناك وثيقة ألمانية تعلن مكافأة قدرها( 250 )الف مارك الماني لمن يقبض عليه او لمن يقتله, وهو مبلغ ضخم وكبير جدا بالنسبة لتلك الايام  , ولهذا فقد كان ليفيتان محاطا دائما برجال الحماية ايام تلك الحرب , وكان مكانه سريّا . وللعلم , نود ان نضيف هنا, ان ليفيتان هو الذي أذاع خبر انطلاق اول انسان سوفيتي الى الفضاء يوم الثاني عشر من نيسان / ابريل العام 1961 , عندما طار غاغارين الى الفضاء وعاد سالما , وهو حدث تاريخي عالمي طبعا , لهذا يطلقون على ليفيتان الان تسمية – ( صوت التاريخ وصوت النصر ).
امتدت حياة ليفيتان من العام 1914 الى العام 1983 , وقد اتخذت ادارة مدينة فلاديمر ( مسقط رأسه ) توصية بشأن ضرورة الاحتفال بالذكرى المئوية لولادته العام 2014  وذلك باعتباره الابن البار للمدينة التي تفخر باسمه, وقررت تلك الادارة اقامة نصب خاص به في مدينة فلاديمر تخليدا له , وهكذا تم اعلان المسابقة بين النحاتين الروس , وشارك في المسابقة ( 36 ) نحّاتا روسيّا من كل انحاء روسيا , وفاز بها النّحات الذي قدّم فكرة لاقامة نصب يتميز بالابتكار( وبكل ما تعني كلمة الابتكار فعلا ), اذ ان النصب ركّز على الصوت وكيف كان الناس ينتظرونه ويصغون اليه عن طريق المذياع  بكل لهفة وتعاطف, اي ان النّحات جسّد مهنة المذيع وطبيعتها , ولم يجسّد شكل المذيع او جسمه كما جرت العادة في التماثيل والنصب الاخرى , وهكذا تم تنفيذ تلك الفكرة , وتم تدشين النصب العام 2015 ( في يوم الراديو الذي يصادف 7/5 , وعندما كانت روسيا تحتفل بالذكرى السبعين للنصر). وضع النصب في ساحة وسط مدينة فلاديمر اطلق عليها اسم ساحة ليفيتان. نرى هناك شخصيتين في ذلك النصب هما الجد وحفيده , ينظران ويستمعان بكل انتباه الى ميكروفون معلّق امامهما على عمود به مصباح لاضاءة الشارع , وعلى هذا العمود توجد لوحة حديدية صغيرة, فيها صورة للمذيع ليفيتان مع الاشارة الى سنين حياته . لقد اراد الفنان ان يقول , ان الجد العجوز( وهو يتوكأ على عصا بيده ) مع حفيده الصبي كانا يستمعان الى بيان النصر , اما الابن ( والد الصبي ) فقد كان يحارب آنذاك في جبهات القتال .
الساحة التي يقف فيها النصب معبّدة بالحجر بشكل جميل وانيق, وتحيطها الاشجار الباسقة , وفي اطراف الساحة توجد المصاطب المنسقة الجميلة . لقد جلست انا على احدى هذه المصاطب , وتأملت النصب الطريف هذا بدقة, واكتشفت ان الجد وحفيده يرتدون ملابس بسيطة سوفيتية الصنع ومن طراز ذلك الزمان بالذات , وشاهدت اسراب الحمام تتطاير حول النصب وتتمشى حوله بسلام ووئام , وجاءت امرأة مسنّة , وأخذت ترمي الحبوب لتلك الطيور , وكانت الطيور تتزاحم على هذه المرأة كي تحظى بالطعام ... وكان هناك اناس بمختلف الاعمار يسيرون – ذهابا وايابا - حولنا بهدوء دون ان ينظروا الى النصب او الى تزاحم الطيور حول تلك المرأة.... 
 


322
أدب / العطش
« في: 17:31 12/08/2019  »

العطش
=====

قصيدة للشاعرة ايولاندا بيدريغال (1916 – 1999 ) / بوليفيا
====================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=======================

لا الماء,
ولا الخمر,
ولا الدماء
تروي عطشي.
اريد أنا
الشئ الذي كان,
والشئ الذي
مستحيلا كان ,
والشئ الذي
كان يجب ان يكون.
وكل هذا
 لن يكون -
لهذا
 لا انتظر انا
لا الشئ الذي
لا يتكرر,
و لا الشئ الذي
لا يمكن ابدا
ان يكون.
+++
أتعطش للخلود أنا,
وأتوق ايضا الى
كأس زجاجي
 ملئ
 بوميض هذي اللحظة
من  هذا الزمان..



323
بيلينسكي جديد ؟ يا حبذا لو...
أ.د. ضياء نافع
هذا عنوان لمقالة ظهرت في صحيفة ( ليتيراتورنايا راسيّا ) الادبية الروسية الاسبوعية , الصادرة بتاريخ 2 – 8 آب / اغسطس 2019.  شغلت المقالة صفحة كاملة من ذلك العدد من الصحيفة , و من الطريف ان نشير هنا , الى ان بداية المقالة ( والبداية هذه جزء مهم كمدخل للمقالة ) ظهر على الصفحة الاولى من الجريدة وتحت مانشيت عريض وواضح وكبير , مما يدلّ طبعا على الاهمية التي أولتها هيئة تحرير الصحبفة لهذه المقالة .  كان عنوان المقالة مثيرا جدا بالنسبة لي , اذ انه يوحي وكأنما هناك ناقد جديد بمستوى بيلينسكي يلوح في افق روسيا , مما جعلني أبدأ رأسا بقراءة تلك المقالة , وان أستمر بذلك الى نهايتها . بعد الانتهاء من قراءة تلك المقالة الدسمة , قررت ان (ادردش!) مع القارئ العربي حولها , و ( الدردشة ) طبعا تختلف عن العرض العام للمقالة او التحليل المعمّق لافكارها او مناقشة خلاصاتها , اذ ان هذه المقالة غنية وزاخرة جدا بمضامينها المتشعبة , فهي تتحدث عن بيلينسكي ناقدا أدبيا في اطار تفاصيل صغيرة ومنمنمات منتقاة بمهارة فائقة من مقالاته النقدية العديدة , و تتحدث عن مفهوم النقد الادبي بشكل عام وموقعه في مسيرة تاريخ الادب , و تتحدث عن نظرية الادب ومصادرها الاساسية باللغة الروسية منذ اواسط القرن العشرين ولحد الآن , وتتحدث ايضا ( وهذا هو الجانب الاهم فيها ) عن جائزة خاصة بالنقد الادبي , و التي تم استحداثها في روسيا  الاتحادية , ويرتبط اسمها بالناقد الادبي الكبير فيساريون بيلينسكي . وباختصار , فان هذه المقالة – من وجهة نظرنا - تستحق الترجمة الكاملة الى العربية فعلا, اذ انها ترسم صورة فنيّة متكاملة الابعاد لواقع النقد الادبي ومكانته في الادب الروسي المعاصر وآفاقه المستقبلية لاحقا , وبالتالي , فانه من غير الممكن عرض المقالة بايجاز او تحليل افكارها ومناقشتها بشكل مختصر,  ولهذا فاني سوف ( ادردش ) قليلا حولها مع القارئ العربي ليس الا , واتمنى ان استطيع (عبر هذه الدردشة البسيطة ) ان انقل للقارئ هذا بعض ما جاء فبها من نقاط مهمة فقط .
اتوقف عند الجملة الاولى في تلك المقالة . يقول ألكساندر كوريلوف , كاتب المقالة , في تلك الجملة ما يأتي - ( مع فيساريون المحتدم ,  استلم فريق من شغيلة القلم , الذين يعتبرون انفسهم نقٌادا , جائزة خاصة بهم أخيرا – وهي شهادة , وفي نفس الوقت رمز للاعتراف الادبي – الاجتماعي .) . لقد اربكتني هذه الجملة ( ان صحّ التعبير ) , فانا اعرف ان اسم بيلينسكي هو فيساريون , ولكني لم افهم لماذا اقتصروا على اسمه فقط دون لقبه المشهور , وهي ظاهرة غريبة ونادرة جدا بالروسية , ثم اربكتني ايضا صفة ( المحتدم ) هذه والتي ألحقوها باسمه هكذا , اذ ان هذه الصفة تمتلك بالروسية معان متعددة قريبة من بعضها البعض ( وكما يشير القاموس الروسي – العربي الكبير ), مثل –  الحانق / العنيف / الهائج / الغاضب ...الخ . عندما انهيت قراءة المقالة فهمت طبعا , ان جائزة النقد الادبي في روسيا الاتحادية أطلقوا عليها تسمية مبتكرة جدا , وطريفة جدا , وجديدة جدا , تسمية ترتبط باسم ابرز نقّاد الادب الروسي في تاريخه , ولكن بصيغة غير مطروقة سابقا , و التسمية هي -  (جائزة فيساريون المحتدم ) , اي انها جائزة بيلينسكي , ولكنهم أرادوا بهذه التسمية ان يؤكدوا على ان هذه الجائزة ترتبط بصفات ذلك الناقد الادبي الحاد الطبع والغاضب والعنيف وغير المتهادن والصريح والمباشر وغير المتردد ابدا في عرض افكاره النقدية حول قضايا الادب بغض النظر عن اسم الاديب او مكانته في معترك الادب والفكر والمجتمع, وهي صفات امتاز بها بيلينسكي فعلا بمسيرته الشجاعة ونشاطه الكبير في مجال النقد الادبي , ولهذا كان بيلينسكي محبوبا من قبل البعض ومذموما من قبل البعض الآخر , وفي نفس المستوى ذاك من الحب والاحترام ومن البغض والذم عند الطرفين في المجتمع الروسي آنذاك , وقد استمرت هذه العلاقة ( المزدوجة) تجاهه الى حد الآن , وهي ظاهرة تستحق التأمّل العميق فعلا .
يشير كوريلوف في مقالته , ان بيلينسكي كتب مرّة يقول – ( .. عندنا , كل مقالة تتناول اي مادة أدبية يسمونها نقدا ..) , وانه مرّت أكثر من قرنين على كلام بيلينسكي (البسيط والعميق في آن) ولم يتبدل الوضع , اذ كل من ينشر كلمة تقريظ يسمي نفسه ناقدا ادبيا ولحد الآن . أما من وجهة نظر بيلينسكي , فان ذلك ليس هو ( النقد الادبي ) , وانما ( ...هو الرأي الذاتي حسب الانطباع الشخصي ..) , وما أشبه ما يجري في بلاد بيلينسكي بما يجري في بلاد علي جواد الطاهر , ولكن الفرق بينهما , ان بلاد بيلينسكي أطلقت جائزة النقد الادبي باسمه , فمتى تطلق بلاد علي جواد الطاهر جائزة النقد الادبي باسمه ياترى ؟ وهل ستطلقها أصلا ؟ ...

324
المنبر الحر / تورغينيف و بوشكين
« في: 18:34 08/08/2019  »
تورغينيف و بوشكين
أ.د. ضياء نافع
تورغينيف كان المسؤول الاول لتدشين تمثال بوشكين في موسكو العام 1880 , التمثال الذي لازال يعدّ النصب الاول لبوشكين في روسيا لحد الان , ولازال يقف شامخا في ساحة بوشكين في مركز موسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – تماثيل بوشكين في موسكو ) . لقد ألقى تورغينيف خطابا حول بوشكين اثناء الاحتفال بتدشين ذلك التمثال لا يقل اهمية في تاريخ الادب الروسي عن خطاب دستويفسكي في تلك المناسبة ( انظر مقالتنا بعنوان – خطاب دستويفسكي عن بوشكين ), ولازالت المصادر الروسية عن بوشكين تستشهد ببعض المقاطع من هذا الخطاب التاريخي لتورغينيف .
 يرى بعض الباحثين , ان عمل تورغينيف ونشاطه الكبير في تنظيم تمثال بوشكين يعدّ رمزا فريدا في تاريخ الادب الروسي , اذ ان تورغينيف توفي عام 1883 , اي ان تمثال بوشكين هو آخر عمل كبير قام به , والرمزية في ذلك تكمن , في انه اختتم حياته بعمل يرتبط باسم بوشكين و تخليده بهذه الصورة. والحديث عن رمزية تخليد بوشكين من قبل تورغينيف يرتبط بقصة طريفة جدا ( لا يعرفها القارئ العربي على ما نظن ولم يسمع بها بتاتا ), وتدور حول خاتم كان بيد بوشكين عندما توفى , وقد نزعه من يده في تلك اللحظة الشاعر الروسي جوكوفسكي ( الذي كان يقف مع مجموعة من أقرب اصدقاء بوشكين حوله وهو يموت ) ووضعه في اصبعه , وبقي هذا الخاتم في اصبع جوكوفسكي الى لحظة وفاته , وبعد وفاة جوكوفسكي قرر ابنه ان يهديه الى تورغينيف ( لا نعرف لماذا , ولكن على الاغلب ان ذلك كان بتوصية من أبيه , وذلك لان تورغينيف كان آنذاك واحدا من الادباء الروس الكبار ) , وقد وضع تورغينيف خاتم بوشكين في اصبعه عندما استلمه من ابن جوكوفسكي , وبعدئذ, اوصى تورغينيف ان يمنحوه بعد وفاته الى تولستوي ( .. باعتباره أعلى من يمثّل الادب الروسي .. وليقرر تولستوي نفسه لمن يمنحه عندما تحلّ نهايته ...) . عندما توفي تورغينيف في فرنسا , قدّمت بولينا فياردو (حبيبته الفرنسية , و المشهورة قصة حبهما الغريبة!) الخاتم المذكور الى المتحف  التابع لمدرسة ( الليتسيه ) , التي درس فيها بوشكين , وقد تم – مع الاسف الشديد - سرقة الخاتم المذكور عام 1917 , عندما حدثت ثورة اكتوبر. وهكذا ضاع خاتم بوشكين , و لم تتحقق وصية تورغينف بشأن ذلك الخاتم . لهذا نعود ونقول , ان تمثال بوشكين ( الذي كان تورغينيف على رأس لجنة تنظيمه ) هو الشاهد الوحيد الآن , الذي لازال قائما على الارض الروسيّة ويؤكد على حب تورغينيف لبوشكين وارتباطه الروحي والفكري به .
قصة الدور الكبير الذي لعبه تورغينيف باقامة تمثال بوشكين في موسكو , وقصة الخاتم الذي كان في يد بوشكين ثم انتقل الى يد تورغينيف , هي في الواقع احداث ( خارجية ) ان صح التعبير , وبالتالي , فانها لا تمتلك ارتباطا بصلب الموضوع الاساسي حول تورغينيف وبوشكين , اذ ان جوهر الموضوع يكمن بالطبع في الحديث عن جوانب انعكاس ابداع بوشكين في  مسيرة ابداع تورغينيف , والجواب عن سؤال كبير وهو -  هل توجد ملامح بوشكينية او ( أنفاس بوشكين!) في نتاجات تورغينيف , وهل يمكن القول ان تورغينيف هو استمرار لخط بوشكين الابداعي في مسيرة الادب الروسي؟ وكيف يمكن اثبات ذلك ؟ وتلك هي القضية كما يقولون . يتذكر الباحثون الروس قول غانجيروف عن بوشكين عندما يتناولون موضوع تورغينيف وبوشكين , اذ قال غانجيروف – ( .. ان بوشكين هو الأب بالنسبة للفن الروسي , مثل لامانوسوف , الذي هو الأب  بالنسبة للعلم في روسيا ...), ويتذكرون ما كتبه تورغينيف الى ابنة بوشكين ,عندما اختارته لاعداد رسائل والدها الى والدتها , اذ وافق تورغينيف على تنفيذ تلك المهمة بكل سرور وفخر , وكتب اليها يقول , انه يعتبر نفسه ( ...منذ نعومة أظفاره تلميذا عند والدها....وانه لازال يعتبر نفسه هكذا لحد الان ...) .
تناول النقد الادبي الروسي منذ القرن التاسع عشر موضوعة تورغينيف وبوشكين , وكتب حتى بيلينسكي ( الذي توفي العام 1848) حول نتاجات تورغينيف المبكرة جدا قائلا - (... يجد الكثيرون فيها.. محاكاة بوشكين ...) , ومن الطريف ان نذكر هنا , ان الباحثة الروسية المعاصرة دوبينينا قد ناقشت اطروحة دكتوراه فلسفة العام 2011 في جامعة موسكو التربوية بعنوان – ( التقاليد البوشكينية في ابداع تورغينيف 1840 – بداية 1850 ) , وما بين بيلينسكي في النصف الاول من القرن التاسع عشر الى دوبينينا في العقد الاول من القرن الحادي والعشرين توجد عشرات من الكتب والدراسات والبحوث والمقالات والملاحظات , التي تتناول موضوعة تورغينيف وبوشكين, ونختتم مقالتنا بجملة ( كنموذج  لذلك ) وردت في خطاب دستويفسكي التاريخي عن بوشكين  , عندما قال عن تتيانا لارينا (بطلة رواية بوشكين الشعرية يفغيني اونيغين), انها رمز لشخصية المرأة الروسية لم يتكرر بعد بوشكين في مسيرة الادب الروسي عدا ليزا في رواية عش النبلاء لتورغينيف ...   

325
  تشيخوف في النقد الادبي الروسي قبل الثورة
أ.د. ضياء نافع
تشيخوف في النقد الادبي الروسي قبل ثورة اكتوبر 1917 -  مصطلح سوفيتي بحت كان سائدا في ستينيات القرن العشرين , عندما كنت طالبا آنذاك في القسم الروسي لكلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة موسكو . وكانت هناك خلاصة عامة مستقرّة حول هذا المصطلح تقول , ان كل هؤلاء النقاد قبل الثورة لم يفهموا بشكل صحيح ومتكامل خصائص الاديب الكبير تشيخوف وابداعه , وان هذا الفهم العلمي والحقيقي لنتاجاته على اسس فكرية ماركسية حدث فقط بعد ثورة اكتوبر1917. لم نسمع باسماء النقاد والباحثين هؤلاء, و لم نطلع على كتاباتهم حول تشيخوف , وانما كنّا , نحن الطلبة , نكرر ما يقول الاساتذة لنا حول ذلك ليس الا .
اثناء الدراسات العليا في جامعة باريس شعرت بضرورة الاطلاع على هذا النقد الادبي بشكل موضوعي معمق , اذ ان التحدث عن  ذلك الرأي السوفيتي حول النقد الادبي عن تشيخوف في مرحلة باكملها دون الاطلاع المتكامل عليه هو موقف غير علمي بتاتا, ولكني اصطدمت بعدم وجود المصادر الاساسية له في المكتبات الفرنسية , اذ ان معظم هؤلاء النقاد كانوا ينشرون كتاباتهم في مجلات روسية نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , وهي محفوظة في المكتبات الروسية فقط بالاساس . وهكذا كنت انتظر العطلة الصيفية , واسافر الى موسكو ( من اواسط حزيران الى اواسط ايلول ) للاطلاع على تلك المصادر في مكتبة لينين بالاساس , وبعد الاطلاع على تلك المصادر اصبح لديّ – بشكل عام ليس الا - تصوّر متكامل على معالم ذلك النقد  الغني فعلا بافكار متنوعة عن تشيخوف , وأذكر من بينها دراسة ليف شيستوف المشهورة بعنوان – ( ابداع من لاشئ ) ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف والفيلسوف شيستوف ) .
 اصطدمت خططي العلمية هذه بصعوبة الحصول على سمة الدخول ( الفيزا) الى الاتحاد السوفيتي وانا طالب الدراسات العليا في باريس , وكذلك السكن في موسكو نفسها , اذ كان كل ذلك يخضع لروتين سوفيتي محدد حسب قوانين صارمة جدا , وقد قررت ( حلّا لكل هذه الصعوبات ) ان احاول الالتحاق بقسم الدراسات العليا بجامعة موسكو ( عن بعد) , او ما يسمى في العراق ( الدراسة بالمراسلة ) . وهكذا ارسلت وثائقي من باريس بالبريد المسجّل الى جامعة موسكو , ومضت فترة ليست بالقصيرة ( كدت انسى الموضوع برمته ) , وفجأة استلمت رسالة بالبريد المسجّل ايضا من جامعة موسكو يعلمونني فيها بالموافقة على قبولي بالدراسة العليا عن بعد , وكان هذا يعني بالنسبة لي الحصول على الفيزا السوفيتية والسكن الرسمي في القسم الداخلي بجامعة موسكو طوال أشهر الصيف , وهذا ما تمّ فعلا . طلبت مني الجامعة ان احدد موضوع الاطروحة وموافقة المشرف العلمي كخطوة اولى لهذه الدراسة , وحددت لي موعدا مع البروفيسور كوليشوف رئيس قسم ( تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر) من اجل ذلك. قابلت البروفيسور كوليشوف طبعا , وقال لي انه يتذكرني بالشكل ولكن لا يعرف اسمي , وحدثني عن انطباعاته الجيدة حول جميل نصيف التكريتي وجليل كمال الدين , ثم سألني عن الكاتب الروسي الذي اود كتابة اطروحتي عنه , فقلت له – تشيخوف , فقال لي رأسا – ( لا تقترح تشيخوف في العراق , فانا لا اوافق بتاتا على مثل هذه المواضيع , ليس لانها غير علمية , ولكن مكانها ليس هنا في قسمنا , اذ ان المشرف العلمي يجب ان يعرف اللغة العربية ايضا , وهذا اختصاص آخر لا يتوفر في قسمنا ) , فقلت له , انني اقترح موضوعا آخر وهو – ( تشيخوف في النقد الادبي الروسي ما قبل الثورة ). اندهش البروفيسور كوليشوف بشكل واضح جدا وسألني اذا كنت اعرف ولو اوليات هذا الموضوع , فحكيت له قصتي , وانني اكتب اطروحة في جامعة باريس وكيف بدأت بالاطلاع على الموضوع , فطلب منّي ان احدثه بتفصيل اكثر عن ذلك , وبعد ان استمع بانتباه الى كلامي , قال لي رأسا , انه موافق على ذلك , ولكن هذا الموضوع (الحسّاس!) يتطلب موافقة مجلس القسم , ودعاني لحضور جلسة المجلس , وقد حضرت طبعا وشاهدت النقاش الحاد حول موضوع الاطروحة تلك , وكيف دافع كوليشوف بحرارة عن تلك الفكرة ضد هؤلاء الذين عارضوها وهو يقول – آن الاوان ان ندرس هذا النقد عن تشيخوف بتفصيل وموضوعية , وقد تمّت الموافقة على الموضوع بصعوبة وبعد التصويت .
رجعت في السنة التالية الى جامعة موسكو واضطررت ان اؤدي امتحانين , الاول في اللغة الروسية المعاصرة والثاني في تاريخ الادب الروسي في القرن التاسع عشر , والتقيت عدة مرات بالمشرف العلمي وهو البروفيسور ألباتوف , ولكني عدت الى العراق بعد انهاء دراستي في باريس , وكتبت لجامعة موسكو اعتذارا حول عدم امكانية اكمال الدراسة نتيجة لظروف عملي في العراق , وقد أخبرتني السيدة ناديجدا اوكتابرسكايا مسؤولة الاجانب في الكلية بعد عدة سنوات اثناء لقاء معها , انهم تأسفوا لعدم اكمالي تلك الدراسة , خصوصا وانني قطعت مرحلة مهمة في مسيرة متطلباتها ( هكذا قالت لي ) , فاعتذرت مرة اخرى .
تشيخوف في النقد الادبي قبل الثورة يعدّ الان موضوعا طبيعيا في روسيا الاتحادية , وغالبا ما يستشهدون بافكار وملاحظات وردت في تلك المصادر , اما بالنسبة لي فهو موضوع اطروحة لم تتحقق ..

326
همنغواي في رأيّ الادباء الروس
أ.د. ضياء نافع
نشرت صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الادبية الاسبوعية بتاريخ 17 – 23 تموز/ يوليو 2019 صورة كبيرة على صفحتها الاولى للكاتب الامريكي آرنست همنغواي تحت مانشيت بحروف كبيرة لمناسبة الذكرى 120 على ميلاده , وقد أطلقت عليه الصحيفة اسم – ( القاهر) , وجاءت على الصفحات ( 1) و (8)  و(9) من الصحيفة المذكورة آراء مجموعة كبيرة من الادباء الروس المعاصرين حول همنغواي في هذه الذكرى , وذلك جوابا على سؤال وجّهته هيئة تحرير الصحيفة لهم , وهو – ( ماذا يعني آرنست همنغواي لك شخصيا, ولماذا ظهر هذا الاهتمام الكبير تجاهه في بلدنا ؟ ). نقدم للقراء العرب ملخصا وجيزا جدا ( رؤوس أقلام ليس الا ) لبعض ما ورد في هذه الصفحات من آراء طريفة تعكس الدور الذي لعبه همنغواي في وعي الكاتب   الروسي في النصف الثاني من القرن العشرين, وهو دور متميّز فعلا , ليس فقط للكاتب , وانما للقارئ الروسي عموما , ونظن , ان هذه الآراء ستكون طريفة ومفيدة للقارئ العربي ايضا , وذلك لان همنغواي قد دخل الى قلوب القراء العرب منذ اواسط  ذلك القرن  .
تبدأ الصحيفة بعرض رأي  للكاتب يوري كازاكوف , جاء فيه – ( ..كنّا نفتخر به وكأنه كاتب روسيّ.. لقد كانت تسعدنا فكرة ان همنغواي يحيا ويمارس الصيد والسباحة , وانه يكتب عدة آلاف من الكلمات الرائعة في اليوم , كما وكأنه  واحدا من أقاربنا الذين نحبهم.....). أما الكاتب يوري أليوشا فيقول – ( ...همنغواي فنان شريف جدا . هو لا يستطيع ان يكذب .) ويضيف لاحقا – ( .. انه واقعي قبل كل شئ. واقعي بارع. لاشئ ضبابي , لاشئ غير مترابط في اسلوبه ..). الكاتب يوري دومبروفسكي  يشير , الى ان همنغواي – ( .. فتح لي فعلا الآفاق الجديدة ..) . ويوضح هذه الافاق ويقول ,  انه بعد تولستوي ودستويفسكي وتشيخوف كان يعتقد باكتمال الواقعية ذات التحليل النفسي , وانه لا يمكن الذهاب أبعد منهم , ولكن جاء همنغواي واثبت ان هناك جوانب اخرى في النص لا يكتبها الكاتب ولكن – مع ذلك - يجدها القارئ, جوانب مخفية ما بين سطور النص او حتى تحته , أي – المعنى الخفي او الكلام الذي يتضمن معاني غير مباشرة و يصل اليها القارئ نفسه في بحثه المعمق في ثنايا ذلك النص . الكاتب ميخائيل ميلر تحدّث عن عام 1959 في الاتحاد السوفيتي , عندما صدر لاول مرة كتاب همنغواي , الذي يعتبره ميلر ( ...مثل هزّة أرضية .. غيّرت الصورة الادبية السائدة آنذاك ..) , ويربط  الكاتب بين تلك ( .. اللحظة من  ذوبان الجليد  زمن خروشوف ....وظهور همنغواي ..الذي لم يكن يجسّد فقط اسلوبا أدبيّا ... وانما تحوّل الى ايديولوجيّة متكاملة.... تكمن في الحقيقة , كل الحقيقة , ولاشئ آخر عدا الحقيقة .... وان الكاتب يكون مسؤولا عن كل كلمة  يكتبها , كل كلمة ...  ) . يشارك  رئيس تحرير مجلة ( الادب الاجنبي ) الروسية  الكساندر ليفيرغانت  في هذا الاستيبيان حول همنغواي , ويقول – ( همنغواي بالنسبة لي ليس كاتبا بالغ الشأن جدا , رغم انه من غير الممكن عدم تقدير اهميته ومهارته ... وانا لا اعيد قراءة نتاجاته ولا اظن باني سأقوم بذلك مستقبلا , على الرغم من ان (لمن تقرع الاجراس) او (الشيخ والبحر) يستحقان ذلك.. ) , ويتوقف ليفيرغانت عند الاسباب التي جعلت القراء السوفيت يهتمون به , ويشير الى انه (.. كان غير اعتيادي بالنسبة لهم , ولا يشبه الادباء السوفيت الذين كانوا يحيطون بهم .... اذ انه يعطي للقراء الحرية الكاملة لتأويل ما يكتبه ...والقراء يحبون ذلك ... ). الكاتب دينيس  دراغونسكي أشار الى ثلاثة اسباب في  الاتحاد السوفيتي لحب همنغواي والاهتمام به – ( ..قبل كل شئ لأن همنغواي كاتب رائع ...استمر بتقاليد تشيخوف ... وثانيا , لأنه كان في الاتحاد السوفيتي نوعا من الجيل الضائع بعد الحرب , والذي توقع حياة اخرى بعد الانتصار ولكنه لم يعثر عليها... واخيرا لأن همنغواي  كان مرتبطا بكوبا وبالحرب الاهلية في اسبانيا , اي بكل هذه الرومانتيكا التي كانت عزيزة بشكل خاص  على قلب الانسان السوفيتي آنذاك...) . الكاتب رومان سينجين لا يرى ان روسيا وحدها كانت مهتمة به ( .. اذ ان همنغواي كان واحدا من أكثر الادباء انتشارا في العالم .. ربما لانه خلق ابطالا يتميزون بالرجولة....) , ويتوقف سينجين عند ( الشيخ والبحر ) ويقول عنها – ( ..انها عمل فني عظيم ...تفاصيل دقيقة وصغيرة ...تحليل نفسي عميق...والرجل العجوز لم ينقذ صيده , لكنه مع ذلك اصبح منتصرا ...ولو جاء بالسمكة كاملة ووضعها على الشاطئ لكان قد جسّد الحلم الامريكي , اما هو فقد جاء فقط بالعظام .... همنغواي فنان حقيقي..) . 

327
اعلان عن مطعم في موسكو
أ.د. ضياء نافع
عندما كنّا ندرس بالاتحاد السوفيتي في ستينات القرن الماضي لم يكن هناك مفهوم الاعلانات ابدا , وأذكر ان الكاتب الكولومبي غابرييل غارثيا ماركيز أصدر كتابا شهيرا بعنوان غريب , وهو  - ( الاتحاد السوفيتي - 22مليون و400 الف كيلومترمربع بلا اعلان واحد للكوكا كولا) , و الكتاب  هذا يحتوي على صور قلمية حول الاتحاد السوفيتي , وقد اطلعت عليه بالروسية , ولا ادري اذا تم ترجمتة الى العربية , ومن الواضح , ان عدم وجود الاعلانات في الاتحاد السوفيتي آنذاك قد أدهش الكاتب , مما جعله يختار هذه التسمية الغريبة والطريفة جدا لكتابه ذاك . الوضع  قد تغيّر طبعا بالتدريج ومنذ الثمانينات, و الان غزت الاعلانات روسيا الاتحادية من أقصاها الى أقصاها , لدرجة ان هناك نكتة يتداولها الناس في روسيا تقول , ان البرامج التلفزيونية (تعرقلنا!!!) من متابعة الاعلانات  المهمة والضرورية جدا للمشاهدين والاطلاع عليها , وأذكر مرة , ان احد موظفي الملحقية الثقافية السوفيتية زار قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد , وحدّثنا  ( وكان غاضبا جدا )عن اعلان ظهر في التلفزيون الروسي بطله غورباتشوف نفسه, وهو يعلن عن وجبة طعام ( البيتزا) الايطالية لصالح احد المطاعم .
غالبا ما نرى في شوارع موسكو الان اناسا يقفون في الاماكن المزدحمة ويوزعون الاعلانات ( ومن بينهم حتى طلبة أجانب او نساء متقاعدات !) , ويرفض معظم المارة أخذها من الموزعين هؤلاء  ويستمرون بمسيرتهم السريعة دون مراعاة اليد الممتدة اليهم وهي تحمل الاعلان , أما أنا , فاحاول ان استلم منهم الاعلانات , عطفا عليهم وتعاطفا مع مجهودهم اولا , وللاطلاع على تلك الاعلانات ثانيا ولو بسرعة , ثم ارميها بعدئذ في اقرب مكان ممكن , وهذا ما حدث عندما كنت أسير قبل ايام قرب احدى محطات المترو , اذ ناولني شخص اعلانا صغيرا جميلا و ملوّنا , وعندما بدأت بالاطلاع عليه بسرعة , كي أرميه كما افعل عادة , وجدت فيه كلمة بالعربية , فاحتفظت به , وفي البيت بدأت بالاطلاع عليه بامعان , واود ان اتحدث عنه هنا , اذ انه اعلان طريف ويثير عدة قضايا ثقافية ولغوية  ترتبط بواقع روسيا الاتحادية ولغتها الروسية المعاصرة.
الاعلان هذا عن مطعم يحمل اسم مدينة اوزبكستانية ترتبط بالتراث العربي الاسلامي وهي مدينة (بخارى) الشهيرة , واسم المطعم – ( جايخانه ),  والقاموس المعاصر الكبير الروسي – العربي  يعطي معناها كما يأتي – ( مقهى في آسيا الوسطى ), وتحت تلك التسمية في الاعلان توجد صورة تخطيطية لجامع جميل جدا بست منارات متناسقة , وفي مركز هذا التخطيط توجد كلمة ( حلال ) باللغة العربية , ومكتوبة بشكل بارز وواضح تماما ( وهي الكلمة التي لاحظتها عندما القيت النظرة الاولى على الاعلان ), وتحتها بخط أصغر نفس الكلمة باللاتينية – ( هلال ) بالهاء , لعدم وجود حرف الحاء باللاتينية . تحت هذه الصورة توجد نماذج من انواع الطعام مع التسميات بالروسية ( اي ان كلمة الجايخانة تعني مطعم باللغة الروسية المعاصرة , وقد فات ذلك على واضع القاموس الروسي العربي ), و انتبهت الى كلمة ( شوربه ) مكتوبة بالروسية ( حرف الباء بثلاث نقاط) , وبحثت عن هذه الكلمة في القاموس المذكور أعلاه ووجدت معناها كما يأتي – ( حساء من لحم الضأن والرز في آسيا الوسطى ) , ثم يعطي القاموس كلمة ( الشوربة ) ايضا. كنت اعتقد ان كلمة ( الشوربة )  هي مفردة عاميّة , ولكن المعاجم العربية تشير الى انها من ( شرب ) العربية الفصيحة , رغم ان المعجم يوضحها كما يأتي – ( طعام مائع من الرز او العدس او الخضر ) , وقد تذكرت النكتة ( الكلاسيكية !!) عن ( الشاطر والمشطور والكامخ بينهما ) , وضحكت ,  وبدأت أتصور شخصا عربيا يجلس في تلك (الجايخانة  الاوزبيكية في موسكو !) ويطلب من النادل - ( صحنا من طعام مائع من الرز مع قطعة واحدة من الشاطر والمشطور والكامخ بينهما...).
توجد في قائمة الاطعمة تسميات اخرى لم أجد اي اشارة اليها في القاموس الروسي – العربي , مثل –  (لاغمان ) , او (خاشلامه) , او ( جوجفارا ) , وهذا يعني ضرورة العودة الى القاموس الروسي الكبير , او قاموس الكلمات الاجنبية , او موسوعة العلاقات الروسية – الاوزبيكية , او مصادر روسيّة اخرى ....
هذا الاعلان الصغير هو في الواقع وثيقة تثبت ان روسيا هي دولة اوروبية واسيوية بامتياز ( اوروآسيا ) , وانها المزيج النموذجي للحضارتين الغربية والشرقية , وانها دولة متعددة القوميات والاجناس بما لا يقبل الشك , رغم ان اكثرية سكانها من القومية الروسية طبعا , و يثبت ايضا , ان كتاب ابن فضلان العظيم في القرن العاشر عن رحلته اليها من بغداد وسر من رأى باسم الخلافة العباسية  لازال يمتلك قيمته العلمية الكبيرة باعتباره وثيقة صحيحة ومعتمدة في مسيرة تاريخها ...
 

328
صحافيون عراقيون من خريجي الجامعات الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
 استلمت ردود فعل كثيرة حول مقالتي الاولى عن الصحافيين العراقيين من خريجي الجامعات الروسية , ومن بينها , ان كلية الصحافة لا يمكن ان تخلق الصحافيين , لان الصحافة موهبة مثل بقية المهن الابداعية , وهي ملاحظة دقيقة وصحيحة جدا من وجهة نظري, ولم نتحدث عن ذلك في مقالتنا , وانما ذكرنا مجموعة (من خريجي كلية الصحافة ) برزت في صحافة العراق بعد عودتها الى الوطن . هذه الملاحظة ذكرتني بقول كنت غالبا ما اسمعه من بعض العراقيين حولي عندما كنّا طلبة في موسكو , وخلاصة هذا القول , ان كلية الصحافة هي مكان الذين لا مهنة لهم , ويستشهدون بان كل صحافيو العراق الكبار ليسوا من خريجي كلية الصحافة , بل ان أحدهم  قال لي مرة , انه حتى شهادة الدكتوراه التي يستلمها خريج تلك الكلية في روسيا تشير , الى ان حاملها هو – ( كانديدات العلوم الفيلولوجية , اي دكتوراه فلسفة في علوم اللغات وآدابها ) , ويستنتجون من ذلك , انه لا توجد ( علوم صحافية  بحتة) يمكن ان يدرسها طلاب تلك الكلية , ولو كانت موجودة لأشاروا اليها في الشهادة الجامعية. وقد وجدت مثل هذه المفاهيم في العراق ايضا , اذ غالبا ما كنت اسمع , ان الطلبة في كلية الصحافة والاعلام هم ( بلا مهنة ) , وان الصحافة الحقيقية لا تحتاج الى هذه الاعداد من الخريجين , وانها تنتظر الموهوبين منهم فقط . ان هذه الآراء طبعا تتعارض مع الواقع العلمي , اذ ان اي موهبة ( خصوصا في عصرنا) تحتاج الى المعرفة وصقلها والتعمق بها , والا فانها تضيع في خضم الحياة ( وما أكثر المواهب التي ضاعت  في مجتمعاتنا العربية !),  وان كلية الصحافة باقسامها الاعلامية المتشعبة – ضرورية جدا مثل بقية فروع الدراسات الفنيّة الاخرى مثل الفن التشكيلي (الرسم والنحت) والموسيقى والفنون المسرحية والسينمائية  بفروعها المتشعبة والخ..., شريطة ان يتم القبول في تلك الدراسات كافة ( بما فيها الصحافة ) حسب تعليمات محددة وامتحانات خاصة تختبر مبادئ الموهبة في مراحلها الاولية لدى الراغبين بالالتحاق فيها, ولا مجال هنا للتوسع اكثر .
ومن جملة ردود الفغل على مقالنتا تلك ما قاله لي البعض , بان الاسماء غير كاملة , وذكروا مثلا اسم الدكتور خليل عبد العزيز , الذي انهى الدراسات الاولية والعليا في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وأجبتهم , انني حددت في مقالتي اسماء هؤلاء الذين عملوا في صحافة العراق حصرا , وانني كتبت عن د. خليل ونشاطه الاعلامي المتميّز عدة مقالات  , وقد كرر د. خليل عبد العزيز نشر بعض تلك المقالات  في كتابه الموسوعي الموسوم – ( محطات من حياتي ) , وان مسيرة هذا الرجل ونشاطه الاعلامي المتنوع  تستحق دراسة واسعة ومعمقة بلا شك , وقد أعود الى الكتابة عنه لاحقا . وذكر البعض الآخر لي اسم  الزميل كامران قره داغي , الذي برز – كما هو معروف - في صحافة العراق وبشكل متميّز فعلا , وانني لم أشر اليه في مقالتي تلك , فقلت لهم اني اؤيد – وبحرارة - كل ما تقولون عنه . ان كامران صحافي موهوب واصبح  فعلا واحدا من الصحافيين البارزين في العراق بين خريجي الجامعات الروسية , ولكنه لم يتخرّج في كلية الصحافة , وانما هو خريج كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا), وبالتالي , فانه النموذج الذي يثبت ان مهنة الصحافة هي مهنة ابداعية يبرز فيها الموهوبون بغض النظر عن شهاداتهم , علما اني كتبت ايضا عن نشاط كامران  الابداعي عدة مقالات . وجاء اسم الزميل سلام مسافر بين التعليقات حول مقالتنا , وأشاروا الى انه اصبح صحافيا عالميّا الآن , وانه – في أجواء عالميته وشهرته – لازال يحمل راية هموم وطنه الام – العراق , فقلت لهم , ان سلام مسافرقد اضطر ان يهرب من عراق البعث عندما كان صحافيا معروفا بجريدة الجمهورية البغدادية في سبعينيات القرن العشرين , عندما اراد النظام الصدامي ان ( يؤدلج!) الاعلام العراقي  ( جاء اسم سلام مسافر مع مجموعة بارزة من الصحافيين العراقيين الذين نقلوهم من جريدة الجمهورية آنذاك الى اماكن لا علاقة لها بعملهم الصحفي ) , وان سلام مسافر قد تخرّج في كلية الصحافة بجامعة بغداد وليس خريج كلية الصحافة الروسية , اي انه كان صحافيا عراقيا معروفا قبل وصوله الى موسكو, وانه استمر بنشاطه الصحافي رأسا بعد وصوله اليها , وكلنا نتذكر انه كان مندوبا نشيطا جدا لاذاعة مونتي كارلو من موسكو لسنوات طويلة .
اضطررت الى تكريس هذه الحلقة من مقالتنا حول الصحافيين من خريجي الجامعات الروسية الى ردود الفعل هذه , واتمنى العودة قريبا الى اكمال الحديث عن الاسماء التي أشرنا اليها في الحلقة الاولى , اذ اننا تحدثنا عندها فقط عن جلال الماشطة , ولم نتناول بقية الاسماء , وهم - سعود الناصري وسلوى زكو ومحمد عارف...

329
أدب / اصوات اخرى
« في: 13:58 27/07/2019  »
اصوات اخرى
=========

قصيدة للشاعرة الروسية المعاصرة فالنتينا بوروفيتسكايا
=================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================

 اصوات اخرى.
اوقات اخرى.
وروحي 
 في هذا اليوم الصيفي -
هادئة
ومتكاملة.
+++
لكن,
 ما ان أتذكر للحظة
انك موجود في مكان ما
من هذا العالم -
فان موجة برد قارس
تخترق قلبي..
========================================================================
من ديوان الشاعرة الروسية فالنتينا  بوروفيتسكايا الموسوم – (شعر) , الصادر بموسكو العام 2009 . القصيدة في الاصل بلا عنوان , وعنوانها هنا من وضعنا .
 ض.ن.

330
انطباعات عن جلسة عراقية في موسكو
أ.د. ضياء نافع

تلقيت دعوة كريمة من مجموعة عراقية في موسكو ترتبط بالحزب الشيوعي العراقي  لحضور ندوة تعقد في موسكو للاحتفال بالذكرى الحادية والستين لثورة 14 تموز 1958 , وقد حضرتها طبعا و بكل سرور , من اجل ان التقي مع زملاء واصدقاء قدامى لي منذ ايام الدراسة , ومن اجل ان استمع الى آراء حول هذا الحدث الكبير في تاريخنا العراقي الحديث . واود ان اسجل هنا للقارئ انطباعاتي حول تلك الندوة , واطرح بعض الافكار التي استمعت اليها , والتي أدلى بها بعض المشاركين في تلك الندوة العراقية البحتة ونحن نجلس في موسكو , وتحت امطارها الصيفية التموّزية ونتذكر ( امطار!!) ذلك التموّز العراقي العاصف من عام 1958 عندما حدث ما حدث ...
شاهدنا في البداية مقاطع من لقطات تاريخية عن مسيرة تلك الاحداث ورجالاتها, اللقطات التي انتهت بذلك المنظر التراجيدي الرهيب والمؤلم لعبد الكريم قاسم وصحبه وهم يرقدون على الارض بملابسهم العسكرية الكاملة مضرّجين بالدماء ( بعد رميهم بوابل من الرصاص ) وخلفهم كراسي قديمة فارغة وباهتة تحدّق بهم في تلك الغرفة البائسة , التي تقع في بناية اذاعة وتلفزيون بغداد , وهي الصورة التي نشرتها في  شباط/ فبراير 1963 معظم صحف العالم تقريبا , وتذكرت كيف انني شخصيا – عندما كنت طالبا آنذاك - اشتريت من الكشك الخاص لبيع الصحف الاجنبية في جامعة موسكو جرائد فرنسية وانكليزية والمانية وايطالية واسبانية لدرجة ان بائعة الصحف استغربت وسألتني – كم لغة تعرف ؟ فنظرت اليها صامتا ومبتسما بألم وأسى ولم أقل  لها شيئا , وكان بودي ان اقول لها – اعرف لغة واحدة فقط هي لغة الحزن , التي لازلنا ولحد الان نتكلم بها في العراق مع الاسف الشديد. وتذكرت ايضا , كيف اننا – نحن الطلبة العراقيين في جامعة موسكو آنذاك – حاولنا الاتصال تلفونيا بوكالة انباء تاس السوفيتية  في اليوم الاول لانقلاب 8 شباط الاسود لمعرفة آخر الانباء عن الشئ الذي يجري في بغداد الحبيبة, وبعد التي واللتيا من جانب وكالة الانباء تلك واستفساراتها المتنوعة و التفصيلية عن المتكلّم , قالوا لنا – نعم , حدث انقلاب مضاد لعبد الكريم  قاسم في العراق وانهم يتابعون الاخبار وسوف يعلنونها لاحقا بعد التأكّد من حقيقة احداثها و..و.. و .و ..و
بعد ذلك العرض التلفزيوني الوجيز والمعروف طبعا , ابتدأت وقائع تلك الندوة الفكرية, والتي قالوا لي عنها  , انك تشبه مشجّعا متحمّسا للعبة كرة القدم الذي يذهب الى الملعب لمشاهدة لعبة يعرف  مسبقا نتائجها بالضبط , وقد ضحكت انا وقلت لهم , نعم هذه صورة فنية دقيقة و صحيحة , اذ ماذا يمكن فعلا ان يقول الشيوعيون العراقيون وغيرهم من القوى الوطنية الاخرى عن ثورة 14 تموز بعد مرور (61 ) سنة من حدوثها , لكني – مع ذلك –  سأذهب الى تلك الندوة , كي  ابحث عن نقاط ونواعم جديدة (او شبه جديدة) في ركام الكلام القديم و العتيق الذي سوف استمع له حتما , وذلك لان عملية البحث هذه في الركام القديم للكلمات بحد ذاتها تمنح الانسان بعض السكينة و السلوان وسط حياتنا اليوميّة الصاخبة الان . وهكذا استمعت – صامتا - بانتباه وامعان شديدين الى كل الكلمات والتعليقات التي وردت في تلك الندوة عن ثورة 14 تموز العراقية, رغم اختلاط الحابل بالنابل بعض الاحيان لدرجة باني لم اسّتطع أن أميّز بين كلام ( الحابلين والنابلين!) في تلك اللحظات المتشابكة, ولكن يجب القول انها كانت لحظات قليلة  نسبيا , مقارنة مع طبيعة الجلسات العراقية عموما . واودّ هنا ان أذكر رأسا , اني وجدت تلك النقاط والنواعم الجديدة , التي كنت أبحث عنها, ومن بينها , تلك القصّة الجديدة فعلا , التي رواها زميلنا ضياء العكيلي ( ضيف الندوة ) عن اللقاء الذي حضره  مع عبد الكريم قاسم بعد محاولة اغتياله الشهيرة عام 1959 , اذ رافق ضياء أخيه الاكبر عبد الامير العكيلي , المستشار القانوني لقاسم آنذاك , وسمع من الزعيم قوله , انه لا يتفق مع آراء عبد الامير العكيلي بشأن تفسيره للقوى التي قامت بمحاولة اغتياله , وقال قاسم للعكيلي ما معناه , ان تفكيره يشبه تفكير المهداوي , وقد وجدت في هذه القصة الحقيقية فعلا تأكيدا جديدا على سذاجة هذا الرجل النظيف والعفيف , والتي كانت مصائر العراق كلها بيده تقريبا, الرجل الذي لايزال الشعب العراقي يقارنه بحكامه كافة منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921 ولحد الان ولا يجد شبيها له ( لا من قريب ولا من بعيد ) من حيث النزاهة والاخلاص والعفّة , الرجل الذي حتّى الاعداء يقولون عنه انه كان نزيها و عفيفا . ولابد من الاشارة الى بعض الافكار العميقة , التي تم طرحها في الندوة , رغم انها مكررة , مثل تحديد الحدث , وهل هو ثورة ام انقلاب , وهو الموضوع الذي تكلم حوله د. ابراهيم الخزعلي , والذي أثار ردود فعل متباينة جدا , بحيث لم يتسع المجال للخزعلي حتى ان يجيب عن تلك الآراء حول ذلك , او الصورة التي رسمها د. فالح الحمراني لعبد الكريم قاسم من وجهات نظر بعض الباحثين في كتبهم حول قاسم , وهناك طبعا مسائل اخرى مهمة ترتبط مع المفاهيم الماركسية المعروفة, منها مثلا , هل غيّرت ثورة 14 تموز من طبيعة القوى المنتجة في المجتمع العراقي , او , الاصلاح الزراعي ومسيرته ....الخ
لا يمكن لندوة عامة ان تتسع لكل القضايا المرتبطة بهذا الحدث الكبير , خصوصا بعد كل هذه الفترة الطويلة , لهذا , ومن اجل التعمق في دراسة هذا الحدث , يجب تحديد موضوع دقيق ليكون محور الندوة الفكرية , ويجب التهيئة المبكرة لها , كي تكون الكلمات موضوعية ومعمّقة , وليست انطباعات عامة او ذكريات ذاتية ليس الا , ومع ذلك , فقد كانت الندوة بشكل عام ناجحة ومفيدة للتذكير (  والتفكير ايضا ) باحداث عراقنا الجريح , والذي لازال ينزف ...

331
ماياكوفسكي وبوشكين
أ.د. ضياء نافع
 لم يعترف ماياكوفسكي بالاسماء الكبرى في تاريخ الادب الروسي في بداية طريقه الادبي , مثل بقية الادباء الذين كانوا ينتمون الى تيّار أدبي وفني برز في بداية القرن العشرين بروسيا وهو – ( الفوتوريزم ), اي ( المستقبلية ) , ولا مجال هنا طبعا للحديث عن هذا التيّار ومكانته في مسيرة الادب والفن في روسيا . كان ماياكوفسكي متحمسا جدا لتلك الآراء , ومتطرفا كالعادة في مواقفه الحادة , ولهذا فقد رفض حتى بوشكين , انطلاقا من ضرورة التخلص من الماضي, والارتباط مع الحاضر فقط , والانطلاق منه نحو المستقبل. لقد دعى ماياكوفسكي في تلك الفترة المبكرة من مسيرته الابداعية الى (...اسقاط بوشكين من منصة العصر الحديث وخلعه والاطاحة به..) , وهذه الكلمات موثّقة ومنشورة في المصادر الروسية عن ماياكوفسكي وعن تيّار المستقبلية وأنصارها عموما . وأذكر ان أحد أصدقائي من الطلبة الروس , الذي كان يدرس معي في جامعة موسكو في الستينيا ت , والذي كان معجبا جدا بماياكوفسكي , قال لنا مرة , انه قرأ حول تلك الفترة من مسيرة ماياكوفسكي ما معناه , ان ماياكوفسكي كان يرغب ان يقود بوشكين الى جدار ويوقفه عند ذلك الجدار ويعدمه رميا بالرصاص , ولازلت أتذكر الاشمئزاز والامتعاض والاستهجان الذي ساد  عند جميع الطلبة من الذين كانوا يستمعون الى ذلك الحديث آنذاك , وقد علّق أحد المستمعين عندها قائلا – طبعا اراد ماياكوفسكي ان يعدم بوشكين لانه كان يرغب ان يخلق اوزانا موسيقيّة جديدة ومبتكرة من قبله  في مسيرة الشعر الروسي , ولكن بوشكين العظيم كان له بالمرصاد , ولم يسمح له بتاتا بذلك , رغم ان بوشكين عاش ومات قبل ماياكوفسكي بقرن كامل من الزمن . وفي تاريخ الادب الروسي توجد حادثة طريفة ( سبق لي ان تحدثت عنها تفصيلا في احدى مقالاتي القديمة ببغداد السبعينات حول ماياكوفسكي ) , واعيد ملخّصها الان , وهي ان لينين حضر في احدى مؤتمرات الشباب السوفيتي مرة , وسألهم – ( هل تقرأون شعر بوشكين؟) , فأجابوه –  كلا , نحن لا نقرأ شعر البرجوازي بوشكين , وانما نقرأ شعر البروليتاري  ماياكوفسكي , فاجابهم لينين مبتسما بجملته الشهيرة والواضحة وضوح الشمس كما يقول تعبيرنا العربي الجميل , اذ قال – لكن شعر بوشكين أفضل .
موقف ماياكوفسكي من بوشكين بدأ بالتغيّر تدريجيا , اذ انه صرّح برغبته ( الاطاحة !) ببوشكين في عام 1912  ( ولد ماياكوفسكي العام 1893 ) , ومن الواضح تماما , ان مثل هذه (الاقوال!) يطلقها عادة الشباب الغض المتطرف في كل زمان ومكان  ( قالها عن بوشكين ايضا بازاروف – بطل رواية تورغينيف الآباء والبنون ) . ان الآراء الفكرية و المواقف المرتبطة بها, مثل كل البشر, تنضج وتتطور وتتغيّر بمرور الايام والشهور والاعوام  , وهذا ماحدث طبعا مع ماياكوفسكي , الذي كتب العام 1924 , اي بعد 12 سنة من أقواله المتطرفة تلك , كتب قصيدة طويلة جدا وجميلة ومكتوبة طبعا باسلوب ماياكوفسكي و بعنوان – ( اليوبيلية ) , وهي مكرسّة للذكرى ( 125 ) لميلاد بوشكين , وتوجد اشارة في المصادر الروسية الى ان ماياكوفسكي كتب هذه القصيدة وكان الشاعر ماندلشتام يقرأ له رواية بوشكين الشعرية – ( يفغيني اونيغين ) , رغم ان ماياكوفسكي – كما تشير تلك المصادر نفسها – كان يعرفها عن ظهر قلب تقريبا.
لم يصل ماياكوفسكي طبعا الى قصيدته عن بوشكين تلك رأسا , اذ ان آراء المستقبليين وغيرهم من الشباب المتطرف حول ( الاطاحة!) بالتراث الادبي الروسي ( بما فيهم تولستوي ودستويفسكي ايضا ) اصطدمت واقعيا بموقف الناس الطبيعي والسليم دائما من ذلك التراث العظيم , بل ان موقف لوناتشارسكي , وزير التعليم والثقافة السوفيتي الاول ( انظر مقالتنا بعنوان  - لوناتشارسكي الفيلسوف والاديب والوزير) من ذلك التراث كان مضادا كليا لتلك الآراء المتطرفة تجاه رفض التراث , وقد بدأ موقف ماياكوفسكي من بوشكين يتغيّر , اذ أعلن انه ضد تحويل بوشكين الى تمثال , اي الى مفهوم ( الصنم!) ان صح التعبير , وانما هو ( اي ماياكوفسكي) مع التفاعل الحيوي والحياتي بشعر بوشكين , وقد كتب ماياكوفسكي في قصيدته الجميلة تلك كل ما اراد ان يقوله عن بوشكين  –
أنا الوحيد / الذي يأسف / لانك لست حيّا / ....... احبك / لكن حيّا / وليس مومياء .......
 

332
نقاط وجيزة عن غوركي
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على مقالة طريفة جدا بالروسية عنوانها – ( مئة حقيقة عن غوركي ) , مقالة ذكرّتني رأسا بالقول العربي  الذكي والدقيق – ( ما قلّ ودلّ). تتضمن تلك المقالة مئة فقرة وجيزة  ومختصرة جدا  حول حياة غوركي وابداعه , وقد كتبها – كما هو واضح -  متخصصون في تاريخ ومسيرة هذا الاديب الروسي الكبير , ووجدت في تلك المقالة وقائع وحقائق وآراء مختلفة ومتنوعة جدا, قسم منها يتناول وقائع معروفة عن غوركي ولكنها منسية الى حد ما ولم تعد مثيرة للقارئ رغم اهميتها, وقسم يرتبط بحياة غوركي وابداعه ولكنه يثير نقاشات عديدة ويتطلب اثباتات وبراهين و تحديد مصادر دقيقة حول ما ورد في تلك الوقائع , واود هنا ان استعرض للقارئ العربي  بشكل عام بعض تلك الفقرات ليس الا , التي جاءت في هذه المقالة واعلق عليها من وجهة نظري , واظن , ان عرض تلك الفقرات ومناقشتها ربما سيكون مفيدا (وممتعا ايضا) للقارئ العربي , الذي يجب عليه – بلا شك -  ان يطلع على آراء القراء و الباحثين الروس المعاصرين حول أديب مثل غوركي , وذلك لأن هذا الكاتب الروسي  قريب جدا من  اجواء القارئ العربي ونفسيته نتيجة عوامل آيديولوجية معروفة في مسيرة مجتمعاتنا العربية.
الوقائع الاولى في هذه الفقرات ( والتي أشرنا اليها في اعلاه على انها معروفة ولكن منسية ) تتمحور حول اسمه الحقيقي ( بيشكوف) , وانه اصبح يتيم الاب والام عندما كان عمره 11 سنة , وانه اضطر ان يمارس مختلف المهن , ومنها غسل الصحون في المطاعم , وان تعليمه يرتبط بمدرسة مهنية ليس الا , وان اسم (غوركي) الذي يعني ( المرّ) ظهر لاول مرة عام 1892 في احدى الصحف المحلية . بعد ذلك تأتي الفقرات التي نريد ان نتوقف عندها ونعلق عليها بشكل او بآخر , مثلا , ان غوركي كان يقرأ بسرعة 4 ألف كلمة في الدقيقة الواحدة , وهي معلومة جديدة لم يسبق لنا الاطلاع عليها , اذ انها ترتبط باتجاه جديد نسبيا يسمى – ( القراءة السريعة) ظهر في النصف الثاني من القرن العشرين (اي بعد وفاة غوركي عام 1936 ), ويخضع هذا الاتجاه  لقوانين وقواعد وضوابط محددة وصارمة , ولا تشير تلك الفقرة الى مصدر هذه المعلومة الجديدة والطريفة عن غوركي . توجد فقرة تشير , الى ان دماغ غوركي تم انتزاعه بعد تشريحه وتم الاحتفاظ به لغرض دراسته لاحقا من قبل المختصين , ومن المعروف ان دماغ لينين خضع ايضا لمثل هذه العملية , وهي طريقة كانت متّبعة في الاتحاد السوفيتي , ولكنها لم تسفر عن نتائج عملية وعلمية واضحة , وقد تركوها بعد فترة .
 هناك فقرة اخرى تثير النقاش( وخصوصا للقارئ العربي) حول علاقة غوركي بلينين, اذ تشير الى ان غوركي كان غالبا ما ينتقد سياسة لينين . ان المفهوم السائد في الوعي الاجتماعي العربي يؤكد على ان هناك تجانس هارموني بين افكار لينين وغوركي , وان كلاهما كانا يسعيان الى تحقيق هدف واحد وهو الثورة ( وهو رأي سوفيتي معروف ), ولكن هذه الفقرة تتناقض مع ذلك المفهوم . لا يوجد مصدر محدد ودقيق في تلك المقالة على ما جاء في الفقرة هذه , وعلى الرغم من ان القارئ العربي بعيد نسبيا عن الافكار المعاصرة السائدة في روسيا اليوم , الا ان هذا القارئ سيندهش من هذه الفقرة فعلا . ان العلاقة بين غوركي ولينين مسألة لم يتناولها الباحثون العرب بشكل متكامل , اما القارئ الروسي فلم يعد مهتما بها كما كان الامر في الاتحاد السوفيتي , واتمنى ان تسمح ظروفي بالعودة الى هذا الموضوع وكتابة اضاءة حوله , اذ انه لازال موضوعا مهمّا للقارئ العربي. هناك فقرة في تلك المقالة عن ستالين تقول , ان غوركي كان الكاتب المفضّل لستالين , وهي فقرة عامة جدا , اذ ان ستالين كان يتابع نتاجات الادباء السوفييت كافة , وتشير كل المصادر الروسية الى ان ستالين كان يرى في غوركي الكاتب الوحيد الذي يصلح ان يكون رئيسا لاتحاد الادباء السوفيت في حينه , والذي يمكن ان يوحدهم , وبشكل عام , فان علاقة غوركي وستالين تستحق ايضا كتابة خاصة وموسّعة . في ختام هذا العرض نود التوقف عند فقرة مهمة جاءت في تلك المقالة , وهي تخص مصطلح ( الواقعية المثالية ) . تقول الفقرة , ان غوركي قد طرح مسائل ترتبط بمفهوم (الواقعية المثالية) , اي ان غوركي لم يطرح مفهوم الواقعية الاشتراكية , التي تبناها المؤتمر التأسيسي الاول لاتحاد الادباء السوفيت عام 1934 المشهور , هذا المصطلح الذي اصبح شائعا في آداب الشعوب السوفيتية , وفي اوساط الادب اليساري في العالم ايضا , بما فيه عالمنا العربي طبعا . ان مفهوم الواقعية الاشتراكية اصبح الان مسألة ترتبط بالماضي ليس الا , ولم تعد مطروحة بتاتا في عالم الادب والفن الروسي منذ سبعينيات القرن العشرين , اي عندما كان الاتحاد السوفيتي موجودا , وقد تناولت المصادر الروسية المعاصرة موقف غوركي من ذلك المفهوم , الذي تم فرضه واقعيا في الاوساط الحزبية السوفيتية . وموضوع الواقعية الاشتراكية في عالمنا العربي جدير طبعا بدراسته و التوقف الموضوعي الهادئ عنده .
مكسيم غوركي – واحد من عمالقة الادب والفكر الروسي , وابداعه لايزال بحاجة الى دراسات  جديدة و معمقة لسبر غور ذلك الابداع وفهم ابعاده, واتمنى ان تكون ملاحظاتنا الوجيزة هذه مساهمة متواضعة في التأكيد على ذلك . 
   

333
المنبر الحر / بيكاسو و روسيا
« في: 13:32 13/07/2019  »
بيكاسو و روسيا
أ.د. ضياء نافع
في العام 1908 كان بيكاسو ( الذي ولد في اسبانيا العام 1881 ) شابّا فقيرا ومجهولا وعاشقا ( كعادته طبعا !) , وكان يعيش (بعد انتقاله الى فرنسا) مع حبيبته فيرناندا اوليفيه في غرفة بمنطقة  مونمارتر الباريسية ( مكان الرساميين ومقرهم في باريس لحد الان ), و تقع تلك الغرفة اسفل الطابق الارضي في البناية , اي ( سرداب ), وهناك كان مسكنه ومرسمه . زاره  صديقه الفرنسي الشاب هنري ماتيس ( الذي سيصبح رساما عالميا ايضا ) ومعه رجل يهوى جمع اللوحات الفنية اسمه سيرغي شوكين , وهو روسي , والذي اعطى تقييما دقيقا وصحيحا لابداع هذا الرسّام الشاب الاسباني , واشترى منه لوحتين بسعر كان يعدّ خياليا في ذلك الوقت . واستمر الروسي شوكين بزيارة مرسم بيكاسو الى عام 1914 , و اصبح زبونا دائما له, واشترى منه خلال هذه الفترة 50 لوحة ( والكثير منها الان يعتبر من  ضمن اللوحات المتميزة والشهيرة لبيكاسو) . وهكذا استطاع بيكاسو الانتقال الى منطقة مونبرناس وشغل مرسما واسعا وجديدا بفضل هذا الزبون الروسي . وليس عبثا , ان الباحثين الروس يعتبرون هذا ( التعارف!) بين بيكاسو و شوكين هو نقطة مهمة جدا في تاريخ العلاقات الوديّة ( ان صح التعبير ) بين بيكاسو وروسيا طوال حياته . ويتحدث الباحثون الروس ايضا عن الزوجة الاولى لبيكاسو , وهي راقصة الباليه الروسية اولغا خوخلوفا , التي تزوجها بيكاسو العام 1918 , واستمر زواجهما حوالي عشر سنوات ( رغم انهما رسميا كانا يعتبران  متزوجين الى عام 1955 ) , وهي التي ولدت له اول طفل في حياته , ويعتبرون زواجه هذا عاملا مهما ايضا في تعميق تلك العلاقات الروحية بين بيكاسو وروسيا .
كان لبيكاسو علاقة مع الكثير من فناني المسرح الروسي , الذين كانوا يزورون باريس , وكذلك مع الادباء والشعراء الروس , ولعل ابرز تلك الاسماء كان المخرج المسرحي الشهير ميرخولد , الذي قدّم العام 1930 في باريس مسرحية غوغول المعروفة – ( المفتش ) , ويقال , ان بيكاسو كان يتابع كل تلك العروض بشكل دائم تقريبا, و حتى انه اراد ( اي بيكاسو ) ان يشترك مع هذا الفنان الروسي بتقديم  مسرحية ( هاملت ) على خشبة المسرح , الا ان السلطات السوفيتية آنذاك لم تسمح بهذا التعاون الفني بينهما, وعندما تم اعدام المخرج المسرحي الكبير ميرخولد العام 1940 من قبل الاجهزة الامنية في روسيا السوفيتية ( تم اعادة اعتباره بعد وفاة ستالين) , صرح بيكاسو , انه يعدّ هذه العملية الرهيبة ( ضربة هائلة له شخصيا ).
ومن بين الشخصيات الروسية البارزة في العلاقات مع بيكاسو هو الشاعر ماياكوفسكي , وقد تعارفا العام 1922 . كان ماياكوفسكي من المعجبين بفن بيكاسو اعجابا شديدا , وكتب عنه  مرّة قائلا , ان بيكاسو هو –  ( ...أكبر الفنانين التشكيليين حجما وأهميّة .. في الفن التشكيلي العالمي ..) , وبيكاسو بدوره كان معجبا ايضا بماياكوفسكي , وقال عنه , انه معجب به لأن ماياكوفسكي  لا يخضع لمسيرة التاريخ , وانما يحاول ان يساهم في عملية خلقه و صياغته.
وعند الكلام عن بيكاسو وروسيا , يجب التوقف عند ايليا ايرنبورغ حتما , والذي تمتد صداقته مع بيكاسو اكثر من نصف قرن . ان العلاقة بين بيكاسو وايرنبورغ تعدّ موضوعا قائما بحد ذاته في تاريخ الفكر الروسي  , وتوجد فعلا عدة دراسات تفصيلية عن هذا الموضوع باللغة الروسية , حيث يتناول الباحثون الروس ما كتبه ايرنبورغ في مذكراته الشهيرة , والتي صدرت بعدة مجلدات تحت عنوان – ( الناس , السنوات , الحياة ) . لقد ساهم ايرنبورغ  مساهمة شجاعة جدا وذكية في تقديم بيكاسو بصورة صحيحة وموضوعية للجمهور السوفيتي , الذي كان يخضع للرأي  (الرسمي !) السائد في الاتحاد السوفيتي آنذاك عن ( البرجوازي المعادي للفن الواقعي ) , هذا الرأي المتزمت والصارم والعنيف , الذي استطاع حتى ان يغلق العام 1948 متحف الفن الغربي في موسكو .
 ان مرحلة ( ذوبان الجليد ) في الاتحاد السوفيتي , التي حدثت بعد وفاة ستالين (1953) قد ساعدت – بلا شك - على اعادة النظر في الآراء المتزمتة التي كانت سائدة عندئذ , ومنها الموقف من بيكاسو طبعا, وهكذا تم افتتاح معرض خاص له العام 1956 في موسكو , وكانت تتصدره لوحته عن ( حمامة السلام ) , هذه اللوحة الشهيرة التي اصبحت رمزا لحركة السلام العالمي ( المرتبطة كما هو معروف بالحركة الشيوعية العالمية) , وهكذا حصل بيكاسو حتى على جائزة لينين للسلام العالمي , واصبح اسم بيكاسو ولوحاته واقعا طبيعيا في الحياة الفنية السوفيتية آنذاك , ثم استمر هذا الوضع وتطوّر لاحقا في روسيا الاتحادية طبعا .
بيكاسو في روسيا الان – جزء لا يتجزأ من الفن التشكيلي العالمي , جزء رائع الجمال والابداع والابتكار ...   

334
أدب / انتهى كل شئ , ولكن..
« في: 22:21 10/07/2019  »
  انتهى كل شئ , ولكن..
===============

قصيدة للشاعرة  الروسية المعاصرة  فالنتينا  بوروفيتسكايا
=================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=======================

وهكذا,
 كل شئ
 قد انتهى.
انهارت حلقة الايادي
وعناق الايادي.
أمّا أنا,
فما زلت
كما كنت -
احب وجهك.
+++
 اريد ان انساك,
ولكنك
 في الليالي
 تأتي اليّ,
ومبتسما
 -في عتمة الليالي -
 تنظر اليّ..
======================================================================
من ديوان فالنتينا بوروفيتسكايا بعنوان – ( شعر ) , الصادر في موسكو العام 2009 , والقصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا ....... ض.ن.

335
صحافيون عراقيون من خريجي الجامعات الروسية
أ.د. ضياء نافع
هم ليسوا بكثيرين , هؤلاء الذين درسوا في كليات الصحافة بالجامعات الروسية  وحصلوا على شهاداتها , وعمل قسم منهم  في الجامعات وبرزوا فيها, ولكننا نريد التوقف هنا عند بعض الاسماء العراقية المختارة بينهم , الاسماء التي برزت في العمل الصحفي التطبيقي بالذات , اي اصبحوا صحافيين محترفين فعلا بعد تخرجهم في تلك الجامعات , وهؤلاء هم - وحسب حروف الهجاء – كل من  المرحوم  د .جلال الماشطة  والمرحوم سعود الناصري  و د. سلوى زكو و محمد كامل عارف . ان كل واحد من هؤلاء الصحافيين  يستحق ان نكتب عنه مقالة تفصيلية خاصة به , كي نوفيه حقه ونتحدث بشكل موضوعي  وشامل عن مكانته ونشاطه الصحفي الابداعي , ونرسم للقارئ صورة متكاملة  عن دوره في مسيرة الصحافة والاعلام . ونبدأ بالمرحوم د. جلال الماشطة , ونقدم للقارئ موجزا  عن مسيرته الصحفية الحافلة , ونأمل ( عندما تسمح ظروفنا ) ان نعود لاحقا للحديث عن الاسماء الاخرى من هؤلاء الخريجين الكبار في كليات الصحافة من الجامعات الروسية , الاسماء اللامعة في دنيا الصحافة العراقية والعربية ايضا .
نتوقف عند اسم المرحوم د. جلال الماشطة . قصة جلال مع الصحافة طريفة جدا ,اذ لم يصل اليها رأسا , فقد درس اول الامر في معهد  الطاقة مع أخيه صلاح الماشطة ( صديق العمر بالنسبة لي منذ 1959 ولحد الان ) , وكان طالبا متقدما في دراسته تلك , وكان واضحا انه سيكون مهندسا كهربائيا ناجحا , الا انه بدأ منذ دراسته في معهد الطاقة بالميل ( بفتح الياء) نحو الادب  واللغة والعلوم الانسانية عموما, وأخذ يقترب من جماعات طلابية عراقية كانت تهوى الادب والفكر , وقد ساعدت معرفته العميقة للغة الروسية على هذا التوجّه الادبي , وهكذا اصبح هذا النشاط الهاجس الاساسي بالنسبة لجلال لدرجة , انه بدأ يشعر بالندم لانه اختار دراسة لا تتناسق  وهوايته هذه وميوله الفكرية , بل - و يمكن القول-  حتى مع طموحه الشخصي, وهكذا وصل الى قرار شجاع سيغير مجرى حياته , وهو – ترك معهد الطاقة والانتقال الى الدراسة في كلية الصحافة رغم كل تلك السنين الناجحة دراسيا في ذلك المعهد . وقد كلّفه هذا القرار الرجوع الى العراق والعودة ثانية الى موسكو للبدء بتلك المسيرة الجديدة , ونجح بتحقيق رغبته رغم كل الصعوبات الهائلة التي عانى منها نتيجة لهذا القرار, الصعوبات  الادارية والبيروقراطية ومواقف الآخرين وتدخلاتهم و ( سيل نصائحهم !), ويمكن القول الان – وبكل ثقة – ان جلال حقق آنذاك اول نصر باهر وكبير في حياته الشخصية , اذ انه اكتشف نفسه , وعلى اساس هذا الاكتشاف أخذ يبني مستقبله . وهكذا بدأ جلال بالسير في طريق الترجمة , مستخدما معرفته العميقة للغة الروسية , واصبح واحدا من ألمع المترجمين العراقيين في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي ) , وتخرج في الوقت نفسه في كلية الصحافة بجامعة موسكو( حصل بعدئذ على شهادة الدكتوراه في الصحافة والاعلام ) , ثم اصبح مدير مكتب صحيفة الحياة في موسكو , وهكذا دخل عالم الصحافة من اوسع ابوابه , وبرز اسمه في هذه الصحيفة  اللندنية الشهيرة باعتباره صحافيا موهوبا  يغطي ما يجري في موسكو من احداث تخص مسيرة الاتحاد السوفيتي والعالم العربي . وعاد جلال الى العراق رأسا بعد الاحتلال الامريكي و سقوط نظام صدام , وتفاعل مع الاحداث السياسية الكبيرة المعروفة باعتباره صحافيا مرموقا , واصبح رئيس تحرير صحيفة ( النهضة ) البغدادية , والتي كانت واحدة من اوائل الصحف الجديدة الواسعة الانتشار بين القراء العراقيين في تلك الفترة , ثم انتقل جلال بعدئذ للعمل في الاذاعة والتلفزيون واصبح المسؤول الاول في تلك المؤسسة الاعلامية المهمة , ثم استقال احتجاجا على بعض الاعمال التي حدثت فيها , ثم اصبح مستشارا ثقافيا للرئيس جلال الطالباني , واخيرا  اصبح  سفيرا للجامعة العربية في موسكو , ولكنه رحل  مبكرا عن الحياة مع الاسف الشديد نتيجة مرضه , وتم دفنه في موسكو.
جلال الماشطة ومسيرته الصحفية الحافلة تصلح ان تكون موضوعا للبحث في علم الصحافة بشكل عام , وفي تاريخ الصحافة العراقية بشكل خاص , موضوعا يمكن ان يكون كتابا خاصا او اطروحة جامعية للماجستير اوالدكتوراه , اذ ان مسيرته الثقافية في دنيا اللغات و الترجمة والصحافة وصولا الى المناصب الرفيعة التي شغلها تعني الحديث عن هؤلاء العراقيين الموهوبين , الذين شقّوا طريق نجاحاتهم بعملهم الذاتي البحت , عملهم العنيد والدؤوب, والذين استطاعوا اكتشاف طاقاتهم الابداعية  و استخدموها  للوصول الى اهدافهم .

336
غوغول استاذا جامعيا
أ.د. ضياء نافع
كان غوغول تدريسيا في جامعة بطرسبورغ العريقة للفترة من ايلول/ سبتمبر العام 1834 والى نهاية العام 1835 ( ولازالت صورته لحد الان موحودة على جدران تلك الجامعة  ضمن صور اساتذتها المشهورين والمتميزين ,المعلقة في الممر التاريخي الكبيرفيها , وقد رأيتها شخصيا عند زيارتي لتلك الجامعة ), و كان يلقي محاضرات للطلبة في التاريخ, وفي تلك الجامعة قدّم غوغول  محاضرته الشهيرة عن الخليفة العباسي المأمون , المحاضرة التي استمع اليها آنذاك بوشكين وجوكوفسكي , والتي قال عنها بوشكين رأسا - ( انها ممتعة!) , ونتوقف في مقالتنا هذه عند بعض تفصيلات هذا العمل التدريسي, الذي مارسه غوغول , وهو – من وجهة نظرنا - موضوع طريف وغير اعتيادي بتاتا في تاريخ الادب الروسي وخصوصا للقارئ العربي ( رغم ان هذا القارئ يعرف محاضرة غوغول عن المأمون , التي ترجمها بشكل رائع صديقي وزميلي في الدراسة كامران قره داغي في السبعينات ببغداد , وتناول هذه المحاضرة بعض الباحثين العرب ايضا عندما كتبوا عن الموضوعة العربية في الادب الروسي ) , ونحاول ( محاولة ليس الا ) ان نعرض في مقالتنا هذه جانبا شبه مجهول في سيرة حياة هذا الاديب الكبير في تاريخ الادب الروسي و العالمي طبعا , و نحاول ايضا ان نجبب عن سؤال -  هل كان غوغول يصلح ان يكون استاذا جامعيا في جامعة بطرسبورغ  , ولماذا لم يستمر في عمله الجامعي آنذاك ؟
تحدثت بعض المصادر الروسية عن فترة عمل غوغول في الجامعة , وأشارت هذه المصادر الى السمعة العامة عنه ( ان صحّ التعبير) , والتي كانت تتمحور في انه  كان (محاضرا  ضعيفا ) , وانه لم يكن ملتزما في الدوام ولم يخضع لضوابطه الدقيقة  كما يجب في الجامعات عموما  , بل ان بعضهم تحدث عن تأخّره حتى عندما حضر بوشكين وجوكوفسكي للاستماع الى محاضرته عن الخليفة المأمون , رغم انه كان يعرف بانهما سيأتيان خصيصا للاستماع الى محاضرته تلك . وكتب تورغينيف في مذكراته عن غوغول المدرّس في الجامعة قائلا – ( ... انه كان يتكلم همسا , وجمله غير مترابطة , وان الجميع كان متفقا انه لا يفقه في التاريخ , وان غوغول المدرّس لا يمتلك اي شئ مشترك مع غوغول الاديب والكاتب ..) , وجملة تورغينيف هذه تحتوي على خلاصة دقيقة لتلك الآراء العامة في الاوساط الروسية حول عمل غوغول في الجامعة , الا ان بعض الباحثين يرون , ان غوغول المدرّس هو نفس غوغول في الادب , اي انهم غير متفقين مع تورغينيف , الذي ذكر , ان ( غوغول المدرّس لا يمتلك اي شئ مشترك مع غوغول الاديب والكاتب ) , ويبررون هذا الرأي بالتأكيد على ان غوغول كان يمزج الواقع والخيال معا ( وبشكل رائع ومدهش الجمال ) في نتاجاته الادبية وابداعه , وان غوغول استمر بهذه الخاصية في عمله الجامعي ايضا , ولهذا السبب لم ينجح في عملية التدريس , لأن هذه العملية العلمية والتربوية تستوجت الالتزام الموضوعي الحازم والصارم بالوقائع التاريخية , بينما هو التزم بالمبدأ المرتبط بابداعه الادبي , اي التفاعل الحيوي والعضوي بين الوقائع والفنتازيا , ولهذا فانهم لا يتفقون مع رأي تورغينيف المشار اليه في جملته التي استشهدنا بها في أعلاه , اي انهم يقرون برأي تورغينيف حول فشل غوغول بعمله التدريسي في الجامعة , ولكنهم يفسرون هذا الفشل  بسبب آخر هو بالذات – ( التزام غوغول بخصائصه كأديب وكاتب ) وليس لانه ( لا يمتلك اي شئ مشترك مع تلك الخصائص ) كما أشار تورغينيف . وفي كل الاحوال , يمكن لنا في الوقت الحاضر ان نقول و بكل تأكيد وثقة, ان غوغول لم ينجح في عمله التدريسي في الجامعة , الا ان الاسباب التي أدّت الى ذلك الفشل لازالت تثير النقاشات والجدل حولها في اوساط الباحثين .
استاذ التاريخ في جامعة بطرسبورغ غوغول ونشاطه في مجال التدريس لازال موضوعا مطروحا وحيويّا في تاريخ الادب الروسي  ...
 

337
هل انتحر يسينين أم قتلوه؟
أ.د. ضياء نافع
انتحر الشاعر الروسي الكبير يسينين عام 1925 , وكان عمره آنذاك ( 30) سنة ليس الا . هكذا علمنا , او , بتعبير أدق , هكذا قال لنا اساتذتنا الروس , عندما كنا طلبة في ربيع أعمارنا بالجامعات السوفيتية في ستينيات القرن العشرين . لازلت اتذكر كيف قرأت لنا مدرّستنا قصيدة ( شاغانيه) الرائعة ليسينين , والتي يتغزّل فيها بفتاة فارسية اسمها شاغانيه التقاها في القوقاز , وشرحتها لنا ( وقد حفظناها عن ظهر قلب تقريبا اثناء الدرس !)  , وتحدثت بعدئذ عن انتحاره في غرفتة بفندق بمدينة لينينغراد , وكيف انه كتب بالدم ( احتجاجا على عدم وجود حبر في الغرفة !!!)  قصيدته الاخيرة على جدار تلك الغرفة  , وهي قصيدة بعنوان – ( وداعا يا صديقي  وداعا) , ولازلت أتذكر كم تألمنا ونحن نستمع الى قصة انتحار هذا الشاعر ذو الوجه النوّار والرائع والمبتسم , الذي كتب تلك القصائد الرقيقة والجميلة والمليئة بروح الشباب واحلامهم الخياليّة الحلوة .
ومرّت الاعوام , وانهينا دراستنا وعدنا الى الوطن , وعندما كنّا نزور موسكو في العطل الصيفية , بدأنا نسمع من اصدقائنا الروس انفسهم ايضا قصة اخرى حول موته  , وهي ان يسينين  لم ينتحر , وانما تم تدبير مقتله عمدا من قبل أجهزة معينة في الدولة السوفيتية, وان قصة انتحاره غير حقيقية جملة وتفصيلا . بدأ هذا الحديث همسا اول الامر , في اواسط السبعينات من القرن الماضي , وسمعنا هذا ( الهمس !) اولا من الاصدقاء الروس القريبين الينا روحيا , اي الذين كنا نمتلك معهم علاقات تسودها الثقة المتبادلة نتيجة سنوات طويلة متراكمة من الصداقة والاختلاط معا , وكنّا نقول لهم آنذاك , ان كل شئ جائز في هذا العالم العاصف , وان الحقائق يجب ان تظهر يوما مهما طال الزمن , ولكننا كنّا نقول ايضا , ان نصف قرن مضى على حادث انتحاره , وان تلك الفترة كافية من اجل ان تظهر الحقيقة , فلماذا السكوت لحد الان عنها ؟ ولماذا لا يتحول هذا الهمس ( ان كان حقيقة ) الى كلام علني صريح , خصوصا وان شعر يسينين كان يزداد انتشارا  وشعبية  في روسيا , بل و في  العالم ايضا ؟ ولكن لم يكن باستطاعة هؤلاء الاصدقاء الروس آنذاك أن يجيبونا عن  تلك الاسئلة طبعا , اذ كان الخوف من الكلام الصريح في مثل هذه الامور لازال سائدا في سبعينات القرن الماضي رغم كل التغييرات التي حدثت في الاتحاد السوفيتي, اذ كانت – مع كل ذلك - هناك (آذان عند الجدران !) تسمع وتصغي وتتابع و تدقق وتحاسب , وكنّا نحن نتصرف دائما بحذر شديد ( ترسّب في اعماق روحنا منذ ايام الدراسة في الستينات بموسكو) , و لاننا – ايضا - كنّا ضيوفا عند هؤلاء الاصدقاء الروس , وكنّا ننطلق طبعا من مفهومنا العربي الخالد  – يا غريب كن أديب .
جاء ت الثمانينات , وبدأت في الاتحاد السوفيتي ظواهر جديدة لم نكن نعرفها سابقا, مثل البيريسترويكا ( اعادة البناء) و الغلاسنوست ( العلانية ) وغيرها ( والتي أدّت في النهاية الى ما ادّت اليه , وصولا الى انهيار الدولة السوفيتية كما هو معروف ), وتحوّل الهمس الذي كنّا نسمعه آنذاك  حول انتحار يسنين الى كلام علني صريح  , وأذكر اني قرأت ( اثناء احدى زياراتي لموسكو في العطلة الصيفية) مقالا مسهبا بقلم أحد رجالات الشرطة , من العاملين في التحقيقات , اشار فيه الى الثغرات غير القانونية في التقارير الرسمية عن انتحار يسينين , وعندما حكيت ذلك للمرحوم د. محمد يونس في بغداد, سألني رأسا – ( هل جلبت معك هذا المقال؟) , فقلت له – كلا , فقال محمد – ( آه لو جلبته معك , فاني كنت سأقوم بترجمته الى العربية الان) .
الحديث عن انتحار او مقتل يسينين   لازال مستمرا  لحد اليوم  في روسيا  الاتحادية , فقد عرض التلفزيون الروسي – مثلا – قبل ثلاث سنوات مسلسلة بعدة حلقات عن حياة يسينين , وقد تابعتها بدقة في حينها , وكان من الواضح فيها الاشارة الى مقتل يسينين  وليس انتحاره , ولكن الموضوع – مع ذلك - لم يكن نهائيا, ونقرأ في المصادر الروسية المختلفة عن آراء  متنوعة ,  بل ومتناقضة بعض الاحيان حول هذه القضية , وقد قالت لي واحدة من زميلات الدراسة  بجامعة موسكو (في تلك الايام الخوالي) مرة – ( لم يتدخل يسينين في السياسة ولم يكن له مواقف محددة من مشاكلها , فلماذا يقتلوه ؟ )
 اود – ختاما لهذه المقالة – ان اشير الى مقالة جاءت قبل ايام ليس الا في صحيفة ( ليتيراتورنايا   راسيّا ) الادبية الاسبوعية , الصادرة بتاريخ 20 – 27 حزيران / يونيو 2019 , مقالة شغلت صفحتين باكملهما عن موت يسينين , حيث يعرض الكاتب كل هذه الآراء , ويدعو الى ضرورة  دراستها بموضوعية  , لغرض الوصول الى الحقيقة بشأن هذا الموضوع المهم في تاريخ الادب الروسي , وهي دعوة صادقة تعبّر فعلا عن آراء كل المهتمين بالشأن الثقافي الروسي  وعشاق ومحبي يسينين - شاعر ( الصبا والجمال !)...

338
أدب / جسدان
« في: 20:20 01/07/2019  »
جسدان
=====

قصيدة للشاعر المكسيكي    اوكتافيو  باس (1914 – 1998)
==================================
ترجمها عن الروسية – أ. د. ضياء نافع
=======================

جسدان
يلتقيان
بعض الاحيان –
موجتان
في مياه البحر
 ليلا..
+++
جسدان يلتقيان
بعض الاحيان –
جذران متشابكان
في اعماق الارض
 ليلا..
+++
وفي بعض الاحيان
هما –
حجران باردان
في الصحراء
 ليلا..
+++
وبعض الاحيان -
سكيّنتان
حادتان,
 يتلامعان
ليلا..
+++
وبعض الاحيان -
نجمان
 من السماء
 يسقطان,
وفي الفضاء
يتلاشيان
 ليلا..

339
جولة في القسم الداخلي لجامعة موسكو
أ.د. ضياء نافع
سنحت لي فرصة زيارة جامعة موسكو قبل فترة قصيرة , وقررت طبعا ان اتجول في القسم الداخلي , حيث كنّا نسكن هناك  عندما كنّا طلبة  في تلك الجامعة   . ذهبت رأسا الى غرفتي , وطرقت الباب , فخرجت فتاة روسيّة فاتنة ( زي القمر!) بعمر احفادي , وقالت لي – نعم جدو ماذا تريد ؟ فقلت لها , اعذريني , فانا كنت اسكن في هذه الغرفة قبل اكثر من نصف قرن مضى , واريد الان ان ( اسلّم عليها!) فقط ليس الا , و(اتلمس جدرانها!) .ابتسمت تلك الفتاة الجميلة برقّة وعذوبة وقالت – (تفضل تفضل ) , وشعرت ان كلماتها كانت صادقة جدا و تنطلق من اعماق قلبها . دخلت الى ( غرفتي!) , ونظرت بامعان الى كل مافيها , وتذكرت وتذكرت وتذكرت و فهمت بعمق احاسيس الشاعر العربي قيس بن الملوح الذي كان ( يقبّل ذا الجدار وذا الجدارا). اما الفتاة الروسية المسكينة فقد احتارت بكيفية التعبير والترحيب ب ( المقيم القديم هذا من العراق !),  و ارادت ان تقدم لي الشاي والمرّبى ( على الطريقة الروسية بشرب الشاي ) , ولكني شكرتها , واعتذرت مرة ثانية على هذه الزيارة الغريبة جدا , وأسرعت بالخروج من ( غرفتي ) , لانني كنت بالكاد أسيطر على دموعي , وقلت لها , ان وقتي محدود جدا , و اني اريد ان أزور غرفا اخرى في القسم الداخلي , كان يسكن فيها آنذاك العراقيون من أصدقائي  في جامعة موسكو في تلك الايام الخوالي .
توجهت رأسا الى غرفة محمد يونس , ولم اطرق الباب , وانما وقفت عندها قليلا , وقلت بيني وبين نفسي لروح المرحوم أ.د. محمد يونس وانا ابتسم –  (مرحبا يا صديق تورغينيف ) , اذ اني تذكرت كيف كان محمد يحضّر اطروحة الماجستير حول تورغينيف , وكيف كان (غارقا !) في المصادر الروسية عنه , وتذكرت طبعا , كيف أصدر محمد يونس كتابه عن تورغينيف ضمن سلسلة أعلام الفكر العالمي في بيروت, وتذكرت مقالته التي نشرها في مجلة الاقلام بعنوان – ( تورغينيف والمرأة ) , وقلت لروحه همسا , اني ابحث عن مقالتك  الان يا ( ابو جاسم ) , لاني اريد ان انشرها من جديد ضمن سلسلة كتبي – ( دفاتر الادب الروسي ) , التي تصدر عن دار نوّار للنشر , وانني كلفت بعض طلبتنا لايجادها  . وتركت باب غرفة محمد يونس وأنا أتذكر الكلمات  الطيبة  والعطرة  ,  التي قالتها لي الباحثة المصرية الكبيرة أ.د. مكارم الغمري (عندما التقيتها في المؤتمر العالمي لمترجمي الادب الروسي بموسكو في العام الماضي ) عن جارها آنذاك المرحوم محمد يونس وزوجته ام بشار , كلمات مليئة بالاحترام الحقيقي والمحبة الصادقة والتقدير الهائل...
وغير بعيدة كانت غرفة غازي العبادي , ومررت من قربها , و توقفت عندها ايضا, وقلت لطيف المرحوم غازي العبادي – ( مرحبا يا غازي الحبيب !) و صفة (الحبيب  ) هذه هي تعبير حقيقي عن مشاعر كل العراقيين الذين كانوا حوله في جامعة موسكو, وتذكرت ابتساماته وطيبته ورومانسيته وبساطته المتناهية والنقيّة , وتذكرت ايضا , انه ( تورغينيفي الاختصاص ) , الا انه كتب عن جانب آخر من ابداع تورغينيف , وكان موضوعه تحليل آراء تورغينيف حول بطلين من ابطال الادب العالمي , وهما -  هاملت ودون كيخوت  , اي ان غازي تخصص في موضوعة تورغينيف باعتباره ناقدا ادبيا , وهو تخصص فريد جدا بالنسبة لنا جميعا , الا ان المرحوم غازي بتواضعه  الجم  لم  يتحدث عن تخصصه هذا بعد عودته الى العراق لانه كان بعيدا جدا عن التباهي بأي شكل من الاشكال, وتذكرت كيف ان ابنته الدكتورة ضفاف غازي العبادي , التدريسية الان في كلية الفنون الجميلة بجامعة بغداد سألتني مرة  عندما كانت تعمل معنا في كلية اللغات , كيف يمكن لها ان تجد اطروحة والدها هذه , اذ انها الابنة البّارة , التي تجمع كل تراثه وتؤرخ نشاطه الابداعي الجميل وتنشر في موقعه الالكتروني( الذي عملته هي ويحمل اسمه وصورته) حتى قصصاصات الورق بخط يده حول الكتب التي كان يستعيرها منه الاصدقاء, ولم استطع مع الاسف ان اساعدها .
 تركت الطابق الذي كنّا نسكن فيه  و صعدت الى الطابق الاعلى , حيث كان يسكن طلبة كلية الجيولوجيا , وتوقفت قليلا عند غرفة  عدنان عاكف , وقلت بيني وبين نفسي , من الضروري جدا جمع مقالات المرحوم د. عدنان عاكف واصدارها  بكتاب  , خصوصا مقالاته الرائدة والمهمة حول التراث العلمي العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو (22) / د. عدنان عاكف ) , وفكرت ان اطرح هذا المقترح على د. صائب خليل , وكم أتمنى الموافقة على هذا المقترح يا اخي د . صائب , وانتظر جوابك ( على أحرّ من الجمر!) . وتوقفت ايضا عند غرفة الشهيد د. حامد الشيباني ( أعدمه النظام البعثي في السبعينات), المبتسم دائما , وقرأت سورة الفاتحة بصمت على روحه الطاهرة , وتذكرت حديثي مع د. ديكران حول اعتقال حامد في شركة النفط الوطنية في بغداد ( انظر مقالتنا بعنوان – مع د. ديكران يوسف كيفوركيان في موسكو ) . بعد غرفة حامد وذكرياتي عنه لم استطع الاستمرار بهذه الجولة , فتوقفت , وخرجت من القسم الداخلي لجامعتي وانا حزين ...

340
أمثال صربية مترجمة عن الروسية (3)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – الماء يغسل كل شئ عدا الشرف الملوّث .
التعليق –  كلمة الشرف هنا تعني كل تصرفات الانسان الاخلاقية  عموما , اذ كيف يمكن (غسل !)الخيانة  او الغدر  اوالسرقة ...الخ هذه التصرفات التي  ( تلوّث ) شرف الانسان ؟ . المثل الصربي هذا جميل و عميق و مبتكر شكلا ومضمونا . 
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان دون حريّة , مثل السمكة دون ماء.
التعليق – مثل عظيم يمجّد الحريّة ويعتبرها اساس الحياة الانسانية , اذ انه يؤكد , ان الانسان ( يختنق و يموت!) دون حرية , مثل السمكة دون ماء . توجد في الصورة الفنية لهذا المثل  مبالغة , لكنها مبالغة رائعة .
+++++
الترجمة الحرفية – الكذب يقفز على قدم واحدة , الحقيقة تمشي على قدمين.
التعليق –  الصورة الفنيّة في هذا المثل جميلة جدا ومبتكرة بكل معنى الكلمة , والمعنى العام لهذا المثل يؤكد قوة الحقيقة وصلابتها مقارنة بالكذب . يقول المثل الروسي – الحقيقة بالنار لا تحرق وبالماء لا تغرق , والصورة الفنية في هذا المثل الروسي جميلة وحاسمة ايضا , الا انها في المثل الصربي أكثر رشاقة  وطرافة وخيالا.
+++++
الترجمة الحرفية – عند رجل عجوز زوجة شابة – المصيبة جاهزة.
التعليق – مثل واضح  المعنى  والمعالم , ويمكن القول انه عام وشامل ومفهوم في المجتمعات الانسانية كافة . 
+++++
الترجمة الحرفية –  من الشرارة الصغيرة  نيران كبيرة .
التعليق – ونحن نقول في مثلنا العربي الشهير – معظم النارمن مستصغر الشرر , اي ان المعنى يتكرر , والصورة الفنية كذلك . يوجد مثل عربي طريف في هذا المعنى ايضا وهو – شرارة تحرق حارة , ويوجد مثل روسي يقول – احترقت موسكو من شمعة بكوبيكات.
+++++
الترجمة الحرفية – الضربة من يد الحبيب لا توجع.
التعليق – ونحن نقول في مثلنا العربي وبكل اللهجات العربية - ضرب الحبيب زبيب . المثل العربي اكثر طرافة ومرحا و جمالا وخيالا , لكن المثل الصربي اكثر واقعية و دقّة. 
+++++
الترجمة الحرفية – عش كما تقدر اذا لا تقدر ان تعيش كما تريد .
التعليق –  كتب ابو الاسود الدؤلي في وقته بيت شعر بهذا المعنى , وهو -
اذا لم تستطع شيئا فدعه/// وجاوزه  الى ما تستطيع
+++++
الترجمة الحرفية – لا خبز دون اليد , ولا يد دون الخيز.
التعليق – مثل رمزي بسيط وعميق جدا , اذ انه يتناول العلاقة العضوية الدائمية بين العمل و ديمومة الحياة ويصوّرها بشكل واضح فعلا , فاليد (تعمل) الخبز , والخبز ( يديم) الحياة , وبدون هذا التعايش العضوي الضروري بينهما لا يمكن  للحياة  ان تستمر. مثل فلسفي طريف رغم بساطته الظاهرية .
+++++
الترجمة الحرفية -  عيون الخوف واسعة.
التعليق –  يوجد مثل روسي مطابق تماما , وهو دليل لا يقبل الشك حول التقارب الروحي والفكري بين الشعبين الروسي والصربي باعتبارهما شعوب سلافية . معنى المثل واضح طبعا وصحيح جدا , فالانسان الخائف يفقد الرؤية الموضوعية  للامور , ويرى الخطر في كل شئ يحيطه . يوجد مثل عربي يعكس هذه الحالة بشكل دقيق , وهو – ان لم تقتل الخوف قتلك.
 
 

341
تشيخوف في رأيّ نابوكوف
أ.د. ضياء نافع
ولد نابوكوف ( مؤلف رواية لوليتا الشهيرة ) في روسيا عام (1899) , اي قبل (5) سنوات من وفاة تشيخوف (1904) , وترك روسيا عام 1919  (بعد رفضه لثورة اكتوبر1917 ) , ولم يرجع الى روسيا بعدئذ ابدا, اذ عاش في المانيا وفرنسا اولا, ثم سافر بعد ذلك  الى امريكا واصبح مواطنا امريكيّا (انظر مقالتنا بعنوان نابوكوف بين روسيا وامريكا ) , ثم عاش اواخر حياته في سويسرا وتوفي  فيها عام ( 1977) ودفن هناك عن عمر يناهز الثامنة والسبعين , بعيدا عن وطنه الام روسيا.
نابوكوف متعدد المواهب والاختصاصات والمهن, ومن بينها ( وليس ابرزها !) ,  انه كان استاذا متألقا في الجامعات الامريكية على مدى سنوات طويلة , و ألقى هناك محاضرات شيّقة جدا ومتميّزة وذات نظرة مبتكرة وابداعية وعميقة عن تاريخ الادب الروسي وتوقف فيها عند ابرز أعلامه ,   و قد تم نشر تلك المحاضرات بعد موته  ( انظر مقالتنا بعنوان – محاضرات نابوكوف حول الادب الروسي ), ونجد في تلك المحاضرات آراء نابوكوف حول كبار الادباء الروس  , ومنهم طبعا تشيخوف , ونود في مقالتنا هذه ان نتحدث للقراء قليلا عن بعض تلك الآراء التي كتبها نابوكوف بشأن وجهة نظره حول تشيخوف وابداعه, اذ ان تلك الكتابات كانت ولا تزال تمتلك قيمتها واهميتها في تاريخ الادب ( والنقد الادبي) الروسي اولا , و ثانيا , لأن تشيخوف يعدّ بالنسبة  للقارئ العربي واحدا من أقرب الادباء الروس اليه , وبالتالي ,فان الاطلاع على رأي كاتب روسي كبير مثل نابوكوف حول تشيخوف سيكون – بلا شك - مفيدا وممتعا له في نفس الوقت. ولا يمكن طبعا لهذه السطور ان تتناول كل تلك الافكار الجميلة والعميقة عن تشيخوف , التي جاءت في كتابات نابوكوف حوله , ولكننا نحاول ان نتوقف عند بعض ( وأؤكد هنا على كلمة  بعض ) تلك النقاط المتميّزة ليس الا , والتي نرى انها لازالت غير واضحة تماما للقارئ العربي بشكل عام لحد الان, وربما حتى لبعض الباحثين العرب ايضا , الذين يتحدثون عن تشيخوف حسب مفاهيم محددة سلفا , دون الاخذ بنظر الاعتبار كل الاحداث الهائلة التي حصلت ونحن على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين .
توقف نابوكوف في بداية محاضراته عن  تشيخوف عند سيرة حياته بشكل وجيز جدا , واستطاع بموهبته ان يلتقط من تلك الحياة مواقف ولحظات ( ان جاز التعبير) مثيرة للمتلقي الامريكي , اذ انه بدأ محاضرته – مثلا - بجملة ( كان جده قنّا ...واشترى حريته وحرية عائلته من العبودية بمبلغ من الروبلات قدره  3500 ...), وهذه الجملة بحد ذاتها تثير كثيرا من التساؤلات حول تاريخ روسيا ومسيرتها , اذ انها تعني ان ( القنّ او العبد) فيها كان يمكن له ان ( يشتري!) حريته وفق القانون الرسمي , الذي صدر في روسيا القيصرية آنذاك عام 1860, وكان يعني ايضا كيف يمكن لحفيد هذا العبد ان يصبح طبيبا بعد تخرجه في جامعة موسكو , ثم يصبح بعدئذ اديبا عالميا بمستوى تشيخوف واهميته بالنسبة لروسيا وبالنسبة للعالم , ويتوقف نابوكوف بعد تلك الجملة القصيرة و ( الكبيرة المعنى!) عند والد تشيخوف , ويقول عنه ايضا بايجاز دقيق وحاسم – ( انه صاحب دكان صغير , وافلس ..واضطر الى الرحيل مع عائلته الى موسكو) , ويعقبها رأسا بجملة – ( ... ويبقى الصبي تشيخوف وحيدا في مدينة تاغنروغ كي ينهي المدرسة ... واضطر ان يكسب قوته بنفسه ...). ان هذه الجملة المركبة عن الجد والابن والحفيد ومسيرتهم ومصيرهم في روسيا آنذاك  قد رسمت للمتلقي الامريكي عندها ( ولكل القراء الآن طبعا ) صورة قلمية واقعية ودقيقة ومحددة - لا تقبل الشك ابدا – عن الوضع العام في روسيا , التي تركها نابوكوف بسبب الاحداث الهائلة التي وقعت فيها واضطرته ان يتحول الى لاجئ – ليس الا - يعيش و يعمل خارج وطنه  ثم يموت بعيدا عن وطنه ايضا, رغم انه يحمل هذا الوطن في اعماق عقله وقلبه و روحه , مثل كل اللاجئين ( وما أكثرهم مع الاسف , وكدت أقول وما أكثرنا) في كل زمان ومكان في عالمنا الصاخب المضطرب هذا...
يتناول نابوكوف بشكل وجيز ايضا مسألة مهمة جدا في مسيرة تشيخوف وهي قضية موقفه السياسي , وهذه مسألة أثارها الكثير من الباحثين حول تشيخوف , وانطلقوا من مفاهيم مختلفة بشأنها , ولا مجال هنا طبعا للتوقف عند تلك الآراء . لقد حدد نابوكوف بجملة بسيطة موقف تشيخوف السياسي , وكتب يقول – (...لم يمارس تشيخوف النشاط السياسي ابدا...ولم ينتم الى اي حزب سياسي...). ويوضح نابوكوف موقف تشيخوف هذا -  ( ... لكنه كان يعتبر العدالة اهم شئ , ولهذا رفع صوته ضد اللاعدالة.. باعتباره فنّانا).
يعرض نابوكوف في محاضراته تلك وقائع تفصيلية شبه مجهولة من حياة تشيخوف , وكيف انه بنى اربع مدارس , وكيف ساهم في بناء مستشفى ومكتبات عامة وقاعات ومسرح , وكيف كان يعالج الفلاحين المرضى مجانا ويوفر لهم الدواء وحتى السكن ...
وتناول نابوكوف في محاضراته طبعا نتاجات تشيخوف الادبية من قصص ومسرحيات , ولا مجال هنا للحديث عن ذلك , ولكننا – ختاما – نود ان نشير فقط الى اعجاب نابوكوف المتناهي والشديد والكبير بقصة ( السيدة ذات الكلب الصغير) , والتي اعتبرها واحدة من أروع القصص ليس في الادب الروسي وحسب , وانما في الادب العالمي ايضا...     
محاضرات نابوكوف حول الادب الروسي – بشكل عام - تنتظر مترجمها العربي , وتنتظر طبعا دراسات وبحوث العرب حولها.




342
أدب / ألوان داكنة
« في: 18:45 20/06/2019  »

ألوان داكنة


قصيدة للشاعرة الصربية المعاصرة لوبيتسا ميليتيج

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


نشيد الرهبان
 من ذلك الجانب هناك ،
وهنا انت ،
 وهناك
ايضا انت.
اين اذن
انت؟
+++

ينبثق فجأة
ضحكك،
يفلق الصلاة
اسمك.
+++

كيف يمكن ان احكي لك
الشئ
الذي لا تعرفه؟
كيف يمكن ان احكي لك
رأسا كل شئ
لا تعرفه ؟
كيف يمكن ان احكي لك
كل شئ.....؟

+++
وهنا انت،
وهناك انت.
اين اذن انت ؟

343
المنبر الحر / بونين يدق بابنا
« في: 20:48 19/06/2019  »
بونين يدق بابنا
أ.د. ضياء نافع
----------------=========================
 لا يمكن ان يكون عنوان مقالتنا صحيحا اذا قلنا  - (بونين في العراق ) , فهو ليس مثل غوركي او تشيخوف او بوشكين او دستويفسكي او تولستوي او تورغينيف...الخ اسماء الادباء الروس الكبار والمشاهير عندنا , و الذين بدأت شهرتهم بالتدريج منذ الثلث الاول للقرن العشرين فصاعدا , لكن بونين مع ذلك دخل الى العراق  بشكل متأخر مقارنة بتلك الاسماء, وانه دخل دون (تأشيرة دخول , او فيزا كما نقول) , لأنه كان من المغضوب عليهم في الاتحاد السوفيتي بعد رفضه لثورة اكتوبر, ثم هجرته من روسيا السوفيتية, ثم (ثالثة الاثافي!) وهي حصوله على جائزة نوبل للآداب في الثلاثينات, و لكنه – مع هذا - فقد حصل على ( الاقامة !) القانونية في بلدنا رغم هذا الدخول غير القانوني والمتأخر , ويمكن الان ان نقول انه موجود بيننا في العراق - بشكل او بآخر - مثل بقية الادباء الروس الكبار, الذين ذكرناهم اعلاه, رغم انه لم يصل بعد الى شهرتهم وشعبيتهم الواسعة.
 بونين في العراق يرتبط  قبل كل شئ باسم د. جودت هوشيار, والذي يمثّل ظاهرة فريدة وجميلة جدا في تاريخ الادب الروسي في العراق , اذ انه جاء الى الادب الروسي من اختصاص بعيد جدا عن الادب , وهو الهندسة و الكهرباء , فقد تخرّج في معهد الطاقة ( جامعة الطاقة الان) في موسكو, حيث كان معنا ضمن الطلبة العراقيين الاوائل في الاتحاد السوفيتي بداية الستينات , وحصل على شهادة الدكتوراه في اختصاصه ذاك , وعاد الى العراق وعمل بشكل ناجح هناك في مجال اختصاصه , ولكن جودت كان عاشقا كبيرا للادب الروسي ,وقد تفاعل مع هذا الادب بحكم دراسته الطويلة في روسيا واتقانه للغة الروسية بشكل معمق وممتاز, والعشق يمنح للعاشق قوة جبّارة وخارقة كما هو معروف, و يستطيع العاشق بها ان يحقق المعجزات , وهذا ما حدث فعلا , وهكذا برز د. جودت هوشيار في مجال الترجمة عن اللغة الروسية , وأصدرت له وزارة الاعلام العراقية كتابا مترجما عن الروسية في بداية السبعينات عنوانه – ( دراسات معاصرة ), وفيه اشارات عميقة الى بونين ,  ثم نشر قصصا مترجمة لبونين في الدوريات العراقية , وانتبه الى ترجماته استاذ جيلنا د. علي جواد الطاهر , الذي كان يرصد ما يجري آنذاك في مجال الادب بعيونه النقدية الذكية , وطرح استفسارا حول بونين , اذ لم يكن لا بونين ولا هوشيار من الاسماء المعروفة آنذاك للطاهر, ويفخر د. جودت بكل هذه التفاصيل حول بدايات مسيرته الترجمية حول بونين , والذي تبين انه (اي جودت هوشيار) كان من المعجبين جدا بادبه ومن المطلعين بعمق على ابداعه. وأذكر جيدا , ان صديقي المرحوم د. احسان فؤاد ( الشاعر الكردي الرقيق وخريج جامعة موسكو والمثقف العميق) , الذي كان مديرا عاما لمديرية الثقافة الكردية في وزارة الاعلام (و التي أصدرت بالذات ذلك الكتاب آنذاك) كان معجبا جدا بموهبة جودت الترجمية والادبية عموما , وقد حدّثني مرة عن ذلك . واستمر د. جودت بتقديم بونين لنا لحد الان في نشاطه الادبي المتنوع , اذ لانزال نقرأ نصوصا لبونين بترجمته ودراسات عميقة وجميلة عن مكانته في مسيرة الادب الروسي, وكم اتمنى ان ارى يوما كتابا خاصا يضم تلك الكتابات البونينية ( ان صحّ التعبير ), خصوصا وان جودت هوشيار اصبح اليوم نجما من نجوم الباحثين العراقيين في مجال الادب الروسي والعالمي ايضا , وذلك عندما (تحرر!) من اختصاصه الهندسي الكهربائي وتفرّغ كليّا لعشقه الادبي  ...
ولابد من التوقف هنا عند اسم آخر هو - حسين علي خضير الشويلي , التدريسي الان في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , الذي أصدر اول ديوان لبونين في العراق , وربما في عالمنا العربي ايضا حسب علمي المتواضع حول شعر بونين بالعربية . الشويلي كان طالبا في قسمنا , وقد طلب منيّ – بحكم العلاقة بين الطالب واستاذه – ان اكتب مقدمة لديوانه ذاك , وقد كتبت تلك المقدمة بكل سرور وحب  , وصدر الديوان فعلا بترجمته الحلوة تلك ومقدمتي (  انظرمقالتنا بعنوان – مترجم جديد في قبيلتنا ) . وأصدر الشويلي كتابا آخر في بغداد يضم مختارات من الشعر الروسي , وهناك ايضا بعض قصائد لبونين . يقول البعض , ان الشويلي كان جريئا جدا حين أقدم في اول عمل ترجمي له على هذه الخطوة , وانه كان يجب عليه ان يتمرّن اكثر في مجال الترجمة قبل ذلك , ولكن البعض الآخر يقول , ان اي عمل ابداعي يتطلب الشجاعة والاقدام , وان عمله هو محاولة جريئة تحمل روح الشباب وحماسه , وانه اجتهاد ابداعي جميل , ومثل كل اجتهاد , قد يخطئ وقد يصيب , ولكنه عمل جيد ومفيد في كلا الحالتين.
ويجب الاشارة حتما الى اسم عبد الله حبه عند الكلام عن بونين الذي يدق باب العراق , فهو الذي ترجم كتابه الشهير ( الدروب الظليلة) , رغم ان الكتاب صدر في موسكو ضمن منشورات دار رادوغا المعروفة عام1987 ( انظر مقالتنا بعنوان – عبد الله حبه والادب الروسي ) .  ان عبد الله حبه عراقي اصيل يعيش في موسكو منذ ستينيات القرن العشرين ولحد الان نتيجة ظروفه الحياتية الخاصة ( اي حوالي ستين سنة !), ولكن نشاطه الابداعي يمكن ان نسجله لوطنه الام - العراق ايضا , وليس عبثا , ان دار المدى العراقية قد اعادت اصدار هذا الكتاب في العراق قبل فترة قصيرة...
بونين يدق باب العراق , فلنفتح له الابواب على مصراعيها , واهلا وسهلا ومرحبا بالمبدعين الروس وغير الروس من امثاله في البلاد التي تحتضن اور و بابل ونينوى وبغداد والكوفة وسرّ من رأى...                           

344
المنبر الحر / غوركي و ماياكوفسكي
« في: 03:31 16/06/2019  »
غوركي  و ماياكوفسكي
أ.د. ضياء نافع
كلاهما , غوركي و ماياكوفسكي , يرتبطان في الوعي الاجتماعي العام لدى القراء والمتابعين للادب الروسي بتاريخ روسيا السوفيتية  و ايديولوجية  ثورة اكتوبر 1917 بعد انتصارها  و بشكل واضح وساطع , وكلاهما سوفيتيان (حتى نخاع العظام ) كما يقولون و يعدّان – بشكل او بآخر -  لسان حال تلك الثورة وافكارها في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , رغم ان غوركي ولد عام 1868, وماياكوفسكي ولد عام 1893 , ورغم ان غوركي توفي عام 1936 , وانتحر ماياكوفسكي عام 1930 . ومع  كل هذه الوقائع  و الحقائق الثابتة, فان علاقة غوركي وماياكوفسكي واقعيا كانت متوترة , لدرجة  , ان هناك مصدر روسي يتناول هذه العلاقة بينهما جاء بعنوان مثير و غريب وطريف , وهو– ( علاقة جيدة لماياكوفسكي بالخيول وسيئة بغوركي ) , وهو عنوان ساخر طبعا , الا انه حقيقي فعلا , اذ انه يعبّر بشكل واضح عن واقع تلك العلاقة , وقد تم ايجاز هذه العلاقة المتوترة  ايضا  في عنوان بحث آخر حول ذلك الموضوع , وهو – ( غوركي وماياكوفسكي – صداقة عاصفة وقصيرة), ونود في هذه المقالة القاء الضوء على هذه العلاقة بين اديبين كبيرين في تاريخ الادب الروسي , خصوصا واننا لم نجد انعكاسا لهذا الموضوع في مصادرنا العربية بتاتا , رغم التعاطف الكبير للقراء العرب تجاه هذين الاسمين , ورغم المصادر العربية الكثيرة حولهما .
ابتدأ غوركي طريقه الابداعي في نهاية القرن التاسع عشر , واصبح اسما كبيرا ولامعا في مسيرة الادب الروسي آنذاك , وارتبط بصداقات مع الادباء الروس الكبار البارزين في ذلك الوقت مثل تولستوي وتشيخوف وغيرهم  , وكان يراسلهم ويلتقي بهم ويكتب عنهم , وكانت له علاقات ونشاطات ومواقف سياسية مع الحركة الاشتراكية الروسية وقادتها , بما فيهم لينين نفسه , اما ماياكوفسكي , فقد ابتدأ نشاطه الابداعي بعد غوركي ( بحكم سنين العمر طبعا , فالفرق بينهما ربع قرن ) , وعندما بدأ نجم ماياكوفسكي بالسطوع في دنيا الادب الروسي في بدايات القرن العشرين , كان غوركي الاسم الاكبر و الاكثر شهرة وسطوعا في ذلك الادب والفكر خصوصا بعد رحيل تشيخوف وتولستوي , وبالتالي , فقد اصبح غوركي  وكأنه الاب والراعي والوصي على الادباء الشباب . وبالفعل , بدأ غوركي يكتب عن هؤلاء الادباء الجدد , ويراسلهم ويراسلوه , ويقدمهم للصحف والمجلات الادبية ودور النشر...الخ , اي بدأ يؤدي فعلا دور الوصي الامين لرعايتهم واسنادهم  , ولكن ماياكوفسكي  كان منذ بداياته متمردا على كل التقاليد السائدة في الثقافة الروسية , واراد ان يخط لنفسه طريقه الخاص به واسلوبه في الادب والفن التشكيلي وحتى في المسرح والسينما . يتحدث بعض الباحثين في تاريخ الادب الروسي عن هذه النقطة بتفصيل , ويرون , ان غوركي بدأ يشعر , ان ماياكوفسكي ربما سيشغل موقعا متقدما وبارزا في مسيرة الادب الروسي , وانه بالتالي يمكن ان ينافسه في صدارة هذا الادب , بل ان بعض الباحثين أشاروا بشكل مباشر الى ان غوركي بدأ ( يغار!) من ماياكوفسكي , وهذه كلها آراء ذاتية طبعا , ولا يمكن الاتفاق معها او حتى اخذها  بنظر الاعتبار دون دراسة شاملة و دقيقة ومتأنية ونظرة تحليلية موضوعية وعميقة لها .
بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 , ترك غوركي روسيا السوفيتية  ثم عاد اليها, اما ماياكوفسكي فقد بقي في روسيا طوال الوقت , وظهرت على السطح الخلافات بينهما في العشرينات , بما فيها الاقاويل والثرثرة والاشاعات هنا وهناك ( و لا نريد التوقف عندها لأنها لا تستحق ذلك ), وقد كتب ماياكوفسكي قصيدة عام 1926 بعنوان – ( رسالة من الكاتب فلاديمير فلاديميروفيتش ماياكوفسكي الى الكاتب مكسيم مكسيموفيتش غوركي ) , حيث اراد ماياكوفسكي ان يقول في عنوان القصيدة , انه كاتب وغوركي كاتب ايضا , اي انهما متكافئان , وهذا اولا , واراد ثانيا ان يعلن على الملأ انهما متخاصمان , بل وتبتدأ القصيدة هكذا بالضبط –
اليكسي مكسيموفيتش
كما أذكر,
حدث بيننا
شئ ما-
مثل عراك
او خصام
القصيدة طويلة , ومكتوبة باسلوب ماياكوفسكي المباشر والعنيف والمتطرف , ويمكن ان نسميها حسب المفاهيم العربية انها قصيدة هجاء, حيث يسخر ماياكوفسكي من غوركي ,ولم يكن مسموحا التكلم عنها في الفترة السوفيتية طبعا , وعندما كنّا طلبة في الجامعات السوفيتية لم نسمع حتى بها . غوركي لم يكتب شيئا مضادا للقصيدة او لماياكوفسكي , الا انه ذكر رأي الآخرين في مقالة عنه , وقال فيها , ان ماياكوفسكي ( لم يقدّم لنا شيئا جديدا ) , وهو رأي سلبي حول ماياكوفسكي طبعا , رغم انه طرحه باسم الآخرين.
موضوعة غوركي وماياكوفسكي لازالت مطروحة امام الباحثين ونقاد الادب في روسيا , وهي تحتاج الى دراسة  موضوعية معمقة تستند الى نصوص مكتوبة قبل كل شئ من قبلهما , ثم الاطلاع على ما كتبه اناس كانوا يحيطون بهما آنذاك حول ذلك الخلاف , وتحتاج طبعا الى تحديد بدايات هذا الخلاف واسبابه , ونأمل ان تسمح الظروف للعودة الى هذا الموضوع لاحقا .
   

345
مع د. خليل عبد العزيز في موسكو مرة اخرى (2)
أ.د. ضياء نافع
أشرت في نهاية الحلقة الاولى من هذه المقالة الى ان الحديث مع د. خليل عبد العزيز قد تشعّب , واريد هنا ان اتوقف عند ( شعابه) هذه. سألته عن أخبار كتابه (محطات من حياتي ) , فقال خليل لي , ان الكتاب  يباع بشكل واسع جدا في العراق , وقد اخبرني بعض الاصدقاء بطبع اعداد اضافية منه وتسويقها دون حتى اعلامي  او موافقتي , وأخبرني اصدقائي ايضا , ان الذين يقتنوه  يبحثون فيه عن اجابات لعدة اسئلة تدور في ذهنهم  حول المواضيع التي تناولها الكتاب , لعل اهمها سؤال كبير, وهو – ( لماذا انهار الاتحاد السوفيتي ؟) , اذ ان هذا الموضوع كان بعيدا جدا عن توقعات ومفاهيم القارئ العراقي الاعتيادي, ولازال هذا الموضوع غير واضح المعالم لهم لحد الان رغم مرور اكثر من ربع قرن على ذلك الحدث الهائل , وضحك د. خليل  وأضاف قائلا – ( لدرجة ان بعض الشيوعيين العراقيين , الذين قابلتهم في بغداد , لازالوا يعتقدون بامكانية عودة الاتحاد السوفيتي مرة اخرى ) , وقد أيدّته في ذلك , وقلت له اني صادفت هذه الآراء الساذجة ايضا عند بعض العراقيين , الذين قابلتهم هنا وهناك. سألته عن مشاريعه اللاحقة بشأن كتابه هذا , فقال انه يحضّر الان  طبعته الثانية , وستكون منقحة ومزيدة طبعا , اذ ينوي ان يضيف لها مقالات ظهرت له بعد طبع الكتاب المذكور حول مشاهداته وذكرياته الشخصية في الاتحاد السوفيتي ومسيرة الحياة اليومية فيه , وخصوصا تلك الانطباعات في الجمهوريات السوفيتية الشرقية عندما زارها او تعامل مع بعض المسؤولين الكبار فيها  , وأضاف د. خليل , انه سيبقي طبعا عنوان الكتاب ( محطات من حياتي ) كما كان في السابق , لكنه سيحذف من عنوان الكتاب الكلمات الاضافية – ( سجون / اغتراب / نضال ) , وسيبدل حتما صورة الغلاف التي لم تعجبه في حينها , فقلت له ان هذه الخطوات بشأن الكتاب دقيقة وصائبة من وجهة نظري, اذ انه كتاب تاريخي مهم , وكم اتمنى ان يطلع عليه الكثيرون من القراء العراقيين , لانه يعكس وجهة نظر موضوعية وواقعية حول تلك المواضيع , فهو لا يهدف الى الطعن بالاتحاد السوفيتي كما هو الحال ببعض الكتب الدعائية المعادية للاشتراكية , وانما هو وثيقة صادقة وصادرة من قبل شخص واضح المبادئ والمواقف الفكرية , ويعتز بماضيه ومسيرته .
 توسّع الحديث معه حول موضوع انهيار الاتحاد السوفيتي , وقال د. خليل , ان القيادة السوفيتية  في السنوات العشرين من عمرها ( او أكثر ) كانت منعزلة عن الواقع  تقريبا, واعطاني مثلا دقيقا حول ذلك , وهو ما حدث مع عبد الفتاح اسماعيل سكرتير الحزب الاشتراكي  اليمني ( اليمن  الجنوبي) , اذ كان لديه موعد مع سوسلوف ( فيلسوف الحزب الشيوعي السوفيتي آنذاك ) , وقد اخبره عبد الفتاح انه قلق جدا , اذ كيف سيقابل هذه الشخصية الشيوعية السوفيتية الفذة وماذا يمكن ان يقول له ...الخ , وعندما التقى خليل به بعد المقابلة تلك , قال عبد الفتاح له , ان الكلام الذي قاله سوسلوف عن اليمن غير دقيق بالمرّة , وانه اضطر ان يسكت كي لا يخبره  برأيه ذلك , وكان عبد الفتاح اسماعيل مصابا بخيبة أمل مريرة بعد اللقاء مع سوسلوف. وحكى لي د. خليل حكاية اخرى غريبة حول العقلية الساذجة التي كانت سائدة في الاوساط  الاعلامية السوفيتية آنذاك , والتي اطلع عليها د. خليل بحكم عمله معهم . الحكاية هذه بسيطة جدا , فقد عرض التلفزيون السوفيتي مراسم  دفن  سوسلوف , وكان السكرتير العام للحزب الشيوعي السوفيتي ليونيد بريجنيف طبعا مشاركا بها , وعندما أنزلوا الجثمان في القبر , بكى بريجنيف , وتم عرض هذا المشهد ( اي بكاء بريجنيف) في التلفزيون , وبعد العرض , تم فصل كل فريق العمل وكذلك مسؤولي برامج  التلفزيون , لانهم عرضوا  بريجنيف وهو يبكي , وذلك لانهم اعتبروا ذلك بمثابة عرض لضعف الدولة السوفيتية امام الملأ , ولم يستطع احد ان يوقف هذه الاجراءات الصارمة وغير العادلة بحقهم رغم تعاطف الجميع مع فريق العمل ذاك . وقال د. خليل , ان الهمس والاستنكار و الانتقاد الشديد  في الاوساط الاعلامية السوفيتية آنذاك ضد هذه الخطوات الحمقاء كان شديدا جدا , ولكن دون اي فائدة , اذ كان الجميع يخاف ان يعلن موقفه الحقيقي بالنسبة لهذه الاجراءآت , ويختتم د.خليل كلامه قائلا – ( لقد تذكرت كل تلك المواقف عندما كنت في الساحة الحمراء  بموسكو وانا اشاهد كيف يرمي الشيوعيون الروس هويات الانتماء الى الحزب الشيوعي السوفيتي تخلّصا منها , بعد انهيار الاتحاد السوفيتي )...
تحية اعتزاز الى الدكتور خليل عبد العزيز , العراقي الاصيل , الذي شاهد في حياته مواقف تاريخية كبيرة , وتحدّث حولها لنا بكل صدق واخلاص وموضوعية  ...   

346
 
عراقيون مروا بموسكو (29) / فكري بشير
أ.د. ضياء نافع
حملت لنا الانباء قبل أيام خبر رحيل فكري بشير , العنقود الاخير في عائلة بشير الموسيقية العراقية الشهيرة  , العائلة التي أعطتنا تلك الباقة الرائعة من الموسيقيين العراقيين الكبار -  جميل بشير ومنير بشير وفكري بشير .
خبر رحيل فكري أعادني الى أيام موسكو في بداية ستينات القرن الماضي , حيث كان فكري ضمن الطلبة العراقيين الاوائل هناك , و تذكرت طبعا كيف كان فكري يقف بهدوء وهو يقود تمريناتنا على اداء الاغاني العراقية  لتقديمها في حفلات الطلبة العراقيين وبقية طلاب العالم من حولنا في قاعات جامعة موسكو وبقية الجامعات الروسية , وتذكرت كيف كان يجري امتحانا لكل واحد على حدة لاصواتنا , وتذكرت روح المرح الشبابي ( كلنا كنا بعمر الورود الربيعية !!!) عندما ( يسقط ! ) احدنا في ذلك الامتحان عند فكري , و نحاول جميعا ان نقنعه ان يمتحنه مرة اخرى , وكيف كان فكري يقول لنا , ان صوته لا  ينسجم  مع  المجموعة  ولا يمتلك قابلية الغناء الجماعي , وكيف كنا نكرر له - ( انه خوش ولد , وسيواصل معنا التمارين بانتظام !) ....
كان فكري هادئا دائما , وكان يستمع الى مختلف الآراء وهو يبتسم , ولم يكن محبا للظهور والشهرة  والتبجح  ابدا, ولم يقل يوما امامنا انه من عائلة فنانين مشهورين كبار , وقد استمر هكذا طوال حياته , وهي صفة رائعة من صفاته .  انهى فكري دراسته الموسيقية في الاتحاد السوفيتي  بنجاح وضمن المدة القانونية للدراسة , وهي مسألة كبيرة جدا لم يستطع كل الطلبة تحقيقها ( خصوصا طلبة الفنون الجميلة من زملائه العراقيين الآخرين , والذين اضطر بعضهم الى تبديل اختصاصهم ) , وعاد فكري الى العراق مع زوجته أكنيس السوفيتية , وعملا معا في مجال تخصصهما , وهي الموسيقى , واصبحت اكنيس ايضا ضمن عائلة بشير العراقية الموسيقية , وبرزت معه في مدرسة الموسيقى والبالية الفريدة في العراق , وكان تلاميذ تلك المدرسة يحبونهما ويعتبرونهما مثل الاصدقاء الكبار لهم (  وانا كنت شاهدا على ذلك ). استمرت علاقاتنا في العراق ( عن بعد ) , وكنت متابعا لنشاطات فكري الفنية والتربوية  في مدرسة الموسيقى والبالية  , وكذلك في مشاركته ( مع اكنيس طبعا ) بالعزف في الفرقة السمفونية العراقية  , وأذكر مرة اني كنت مرافقا لوفد سوفيتي كبير بناء على طلب شخصي من المرحوم أمير الحلو من وزارة الاعلام , وكان ضمن اعضاء هذا الوفد مجموعة من العازفين الموسيقيين لتقديم بعض الفقرات الموسيقية , وشاهدت فكري جالسا في القاعة , فطلبت منه ( بحكم علاقات الود القديمة معه) ان يساعدني بتقديم العازفين السوفيت , اذ انه موسيقيّ محترف ويعرف دقائق المصطلحات والتسميات الموسيقية , فقام فكري من مكانه بكل تواضع واخذ يقدمهم للجمهور العراقي مستخدما التعابير الموسيقية الدقيقة والمناسبة والصحيحة بالعربية والروسية  مما أضفى على الحفلة رونقا جميلا جدا , وقد شكرته  جزيل الشكرعلى موقفه النبيل ذاك و تلك المساعدة القيّمة , فقال فكري بهدوء وصدق – ( لا شكر على واجب).
اضطر فكري وعائلته ان يهاجر من العراق نتيجة الوضع الصعب المعروف , فانتقل الى الاردن , وعمل هناك مع اكنيس  في مجال الموسيقى , ثم انتقل بعدئذ الى اوربا  كما هو حال الكثير من العراقيين , وانقطعت اخباره , وفجأة استلمت منه رسالة الكترونية قبل  فترة قصيرة جدا يطلب فيها صداقتي عبر الفيسبوك , وقد فرحت جدا بها , وارسلت له رأسا جوابي الايجابي , وهكذا بدأنا نتراسل بودّ, ولكن هذه المراسلات  استمرت عدة اشهر ليس الا , اذ اصطدمت بخبر رحيله  ...
الرحمة والسكينة لروح الفنان الهادئ و المتواضع والاصيل فكري بشير , والذكر الطيب والخالد لاسمه ومكانته في عالم الموسيقى في العراق عموما , وفي تاريخ مدرسة الموسيقى والبالية العراقية والفرقة السمفونية العراقية , وتاريخ العراقيين الذين مرّوا بموسكو ...
 

347
مع د. خليل عبد العزيز في موسكو مرة اخرى (1)
أ.د. ضياء نافع
وصل د. خليل عبد العزيز من ستوكهولم الى موسكو في زيارة قصيرة جدا وسريعة كما اعتدنا على هذه ( الزيا رات الخاطفات!) من قبل صديقنا العزيز عبد العزيز , الذي يجسّد روح الشباب وتطلعاته وخططه , رغم بيت الشعر العربي الذي ذهب مثلا حول (  الثمانين التي احوجت سمع الشاعر الى ترجمان) , ويجب  علينا ( ان ندقّ على الخشب!) ونقول الحمد لله, اذ ان ( شكل د. خليل ومضمونه) لا يخضع بتاتا لبيت الشعر ذاك ولا يحتاج سمعه او ذاكرته ابدا الى ايّ نوع من انواع ال (ترجمان!) . هدف الزيارة الخاطفة هذه للدكتور خليل هو استلام  وسام من تجمّع خريجي كلية الصحافة في جامعة موسكو بعد الاحتفال بمرور نصف قرن على التخرّج من تلك الكلية العتيدة ( انظر مقالتنا بعنوان - كتاب نصف قرن بالروسية ) , ولا اريد التحدث اكثر عن هذا الوسام التكريمي الكبير, الذي استلمه زميلنا عبد العزيز , واترك تلك المهمّة له شخصيا كما وعدنا , واريد هنا ان اتحدث قليلا وباختصار عن مضمون تلك الاحاديث الممتعة والطريفة والمهمة لتاريخنا  , التي تزخر بها ذاكرة الدكتور خليل , الرجل ذو الروح الشبابية الحيوية المتدفقة , رغم كل تلك السنوات ( العجاف ) كما كتب هو عنها في كتابه الشهير – ( محطات من حياتي ).   
قال لي خليل في بداية اللقاء , وهو يذكّرني بمقالتي الاخيرة عن السائق الداغستاني الذي استشهد برأي رسول حمزاتوف  ( انظر مقالتنا بعنوان – مع سائق داغستاني في موسكو ) , انه قابل حمزاتوف مرّة عند مدير معهد الاستشراق الاكاديمي المشهور غفوروف , وسأله حمزاتوف ( هل قرأ كتابه عن داغستان ؟) , فأجابه خليل – ( نعم , ولكن بالعربية ) , فسأله رأسا – ( وهل الترجمة العربية للكتاب جيدة وتعكس للقارئ العربي روحية  ذلك الكتاب ؟) , فقال خليل لحمزاتوف – ( الترجمة ممتازة , والقراء العرب يتابعون نتاجاته  باعجاب وحب.) , فابتسم حمزاتوف وقال له ( ساجلب لك في المرة القادمة شيئا يعبق بعطر داغستان ) , ونسي خليل كل تلك الحكاية , ولكن حمزاتوف جلب له فعلا في زيارته الثانية لمعهد الاستشراق( بعد فترة طويلة) كيلوغراما من عسل جبال داغستان , وقال له , ان هذا العسل خاص ولا يباع في الاسواق , وان سكان الجبال يجلبونه له خصيصا اعتزازا بمكانته الادبية . وقال خليل لي , انه لحد الان يتذكر طعم ذلك العسل الرائع واللذيذ , رغم مرور اكثر من نصف قرن على تلك الحادثة , وانه تذكر طعم ذلك العسل عندما قرأ اسم حمزاتوف  في مقالتي تلك . وجرّنا الحديث عن الشاعر حمزاتوف الى الحديث عن شاعرين من فلسطين هما محمود درويش وسميح القاسم , الذين قابلهما اثناء مسيرة حياته الحافلة  , اذ تذكر خليل , كيف ان رئيس تحرير مجلة ( أغنيوك ) الاسبوعية السوفيتية  الشاعر سفرونوف طلب منه مرّة ان يجلس معه في احدى المؤتمرات عندما قدّم سفرونوف لمحمود درويش الترجمة الروسية لمجموعة من قصائدة , والتي أصدرتها مجلة ( أغنيوك ) ضمن سلسلة الكتيبات الشعرية التي كانت تصدرها بمئة الف نسخة اسبوعيا , وحكى خليل كيف تناول محمود درويش الكتاب وفتحه وأشار الى مقطع في قصيدة وطلب من المترجم الروسي ان يقرأ له ذلك المقطع وان يترجمه له  الى العربية رأسا, ففعل المترجم ذلك , وطلب منه ان يترجم له مقطعا آخر , ثم قال لهم – ( أنا لم أقل ذلك في قصائدي ) , وتوتر الجو طبعا , اذ ان المترجم  الروسي لا يستطيع ان يقرأ تلك المقاطع بالروسية ويترجمها رأسا الى العربية كما كتبها درويش نصا وبهذه السرعة , وانتهت تلك ( الجلسة الوديّة !) بان نهض محمود درويش وترك المكان , ولم يأخذ معه الكتاب , بل أبقاه امامهم على المنضدة , وقد استاء سفرونوف  جدا من هذا التصرّف غير اللائق جدا , وقال لهم ان ذلك يحدث لاول مرة في حياته  . أما سميح القاسم , فقد التقى به خليل في برلين اثناء انعقاد احدى المؤتمرات , وذهب دون موعد الى غرفته , بعد ان سمع , ان بعض العراقيين بصقوا في وجهه عندما رأوه وهو يسير مع الوفد الاسرائيلي . فتح القاسم باب غرفته , فقال له خليل , انه عراقي , فأجاب سميح مستفسرا – ( هل جئت لتبصق مرة اخرى في وجهي ؟) , فاجابه خليل – كلا , بل جئت معتذرا عن ذلك . وحدثني خليل كيف دعاه سميح للدخول الى غرفته , وكيف تحدثا سوية عن تلك الحادثة , اذ اوضح خليل له , ان بعض اعضاء الوفد العراقي( تنرفز) من رؤية العلم الاسرائيلي , فقال له سميح , انه رجع الى غرفته وأجهش بالبكاء , لأنه يحب العراق والعراقيين كما يحب فلسطين والفلسطينيين , وان العلم المرفوع فوق العراقيين لا يرمز الى النظام الدكتاتوري هناك ( كان الحادث زمن نظام صدام ) , بل الى المكان الجغرافي المحدد , وانه فلسطيني في بلد محتل , وانه يصمد هناك رغم انه مواطن من الدرجة الثانية بسبب هذا الاحتلال, ولكنه لا يترك وطنه , بل يتشبث بارضه هناك , وان هذا هو الموقف الصحيح – من وجهة نظره – الذي يجب ان يقوم به كل فلسطيني.
 الحديث الممتع مع د. خليل عبد العزيز يتشعب دائما , وهذا ما سوف اتناوله في الحلقة الثانية حول هذا اللقاء...

348
   كيف احتفلت روسيا هذا العام بميلاد بوشكين   
أ.د. ضياء نافع
اكتب هذه السطور في اليوم السادس من حزيران / يونيو عام 2019 , والذي تحتفل فيه روسيا بميلاد بوشكين ,  والذي وحّدت معه يوم اللغة الروسية ايضا , لأن بوشكين واللغة الروسية الادبية المعاصرة صنوان .  ولد بوشكين في هذا اليوم قبل 220 سنة , وعندما ذهبت اليوم لشراء الصحف الروسية كالعادة , شاهدت صور بوشكين على الصفحات الاولى وهي معلقة على واجهات الاكشاك .  ها هي صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) وعليها بورتريت بوشكين بشعره المجعّد , او ( المكعكل !) كما نقول بلهجتنا العراقية الحلوة , والمانشيت الكبير فوق تلك اللوحة الجميلة هو – ( نطير مع بوشكين ) , وهي جملة غريبة جدا وغير مفهومة للقارئ بتاتا , ولكن الجملة الاصغر تحتها توضحها , اذ نقرأ ما يأتي – ( الان مطار شيرميتوفو  الموسكوفي  يحمل اسم الكلاسيكي الروسي ) , اي ان روسيا قررت في عيد ميلاد بوشكين ان تطلق اسمه على واحد من اكبر مطارات العاصمة الروسية , وهكذا تتوضح جملة المانشيت , اذ ستقلع مئات الطائرات الان من (مطار بوشكين) وستهبط مئات الطائرات في (مطار بوشكين) ..., وذلك بعد ان وقّع الرئيس الروسي الامر الاداري الخاص باطلاق تلك التسمية  نتيجة لفوز اسم بوشكين في مسابقة ( الاسماء  العظيمة لروسيا ) في التصويت الشعبي الواسع حول تلك الاسماء التي كانت مرشحة لتسمية ذلك المطار الدولي الكبير, وارتباطا بهذه الذكرى يفتتح تمثال لبوشكين في المطار وهو يقف بحجمه الطبيعي يلقي القصائد ويمسك بيده كتابا مفتوحا , والتمثال من ابداع النحات الروسي المعاصر بورغانوف , و الذي سبق له ان عمل التمثال الشهير لبوشكين وزوجته في موسكو , وكذلك تمثال بوشكين في واشنطن . يتضمن هذا العدد من صحيفة ( ليتراتورنايا  غازيتا ) ايضا مقالتين تشغل كل واحدة منهما صفحة كاملة, الاولى بعنوان – (الشاعر) , وهي مقاطع من مقالة منشورة في نفس تلك الصحيفة عام 1937 , اي عندما احتفلت روسيا السوفيتية بالذكرى المئوية لميلاد بوشكين , وتستعرض المقالة بعض نتاجات بوشكين باسلوب شاعري رقراق , وتقول مثلا عن الحكايات الشعبية له – (... انها حلمه عن مستقبل الانسانية , حيث البحر يجب ان يكون أزرقا , والاسماك والطيور يجب ان يكونوا  من ذهب , وخدود الفتيات يجب ان تكون متوردة .... ) . اما المقالة الثانية فقد كتبها باحث من القوقاز حول ملحمة شعرية  عن حوادث وشخوص من تلك المناطق الجبلية  بدأ بوشكين بكتابتها عام 1829 , ولكنه لم يكملها , ووجدوها ضمن مسوداته الكثيرة, والتي يقول عنها هذا الباحث , انها ذات  اهمية رغم ان بوشكين لم يكملها , لانها لازالت تمتلك ارتباطها بواقع القوقاز لحد الان , ولا مجال هنا للتوسع في الكلام عن ذلك اكثر. 
اما صحيفة ( ليتيراتورنايا  راسيّا ) فقد نشرت على صفحتها الاولى ايضا لوحة جميلة لبوشكين على خلفية منظر للريف الروسي  النموذجي بسعته واشجاره وانهاره , وتحت تلك اللوحة مانشيت كبير يقول – ( لقد حكى لروسيا عن روسيا ) , وهذا هوعنوان مقالة تشغل حوالي  صفحة ونصف من العدد المذكور في تلك الصحيفة , وتتناول موقف بوشكين الفكري العميق من قضية كانت ولازالت ملتهبة – ان جاز التعبير – في روسيا , وتكمن في تحديد موقع روسيا في العالم ومسيرتها اللاحقة , وهل هي اوربية بحتة , ويجب عليها الالتحاق بالركب الاوربي, ام انها تمتلك خصائصها القومية المحددة , والتي تقتضي التركيز على تلك الخصائص وتطوير مسيرتها الخاصة بها , وهي مسألة شطرت الفكر الروسي على مدى اكثر من قرنين من الزمان بين مؤيد للنزعة الاوربية الغربية وآخر يؤيد النزعة السلافية , والمقالة تؤكد طبعا , ان بوشكين كان أقرب ( واؤكد على كلمة أقرب هذه ) الى افكار النزعة السلافية الخاصة بروسيا,  لان بوشكين كان يعبّر عن الروح الروسيّة حسب بيت الشعر البوشكيني الشهير ,و الذي ذهب مثلا  –
 الروح الروسية هناك..
 وعبق الروسيا هناك..
ختاما لهذه الملاحظات السريعة عن احتفالات روسيا بميلاد بوشكين , اود ان اشير- ليس الا - الى البرامج الحافلة والمتنوعة في قنوات التلفزيون الروسية العديدة حول بوشكين من علاقته الصعبة والمعقدة مع السلطة ( بما فيهم القيصر الروسي  وزوجته ) , والى عشقه للنساء من حوله ومغامراته معهنّ , والتي انعكست طبعا في قصائده , و الى مبارزته مع دانتيس ومقتله , والى احفاده و احفادهم , والى قصائده المغناة , والى طبعات  مؤلفاته المختلفة , والى ترجمات نتاجاته , والى آراء الناس البسطاء حول شعره , والى الافلام السينمائية التي انتجتها روسيا , المقتبسة من نتاجاته الادبية , والى والى والى ....
بوشكين في روسيا اكثر من شاعر , انه ظاهرة فذّة في تاريخ الفكر و الادب الروسي , وقد تحوّل اسمه الى رمز خالد من رموز روسيا , و بوشكين هو الذي يوحّد الروس  جميعا , بغض النظر عن اختلافاتهم  وتناقضاتهم ...   

349
مع سائق داغستاني في موسكو
أ.د. ضياء نافع
سألني رأسا ما ان جلست في سيارة الاجرة التي كان يقودها وبدون اي مقدمات – هل انت يهودي ؟ تعجبت من سؤاله , وقلت له انني عربي من العراق , وسألته عن سبب هذا السؤال الغريب والعجيب , فأجابني قائلا , انه داغستاني , ويستطيع ان يميّز رأسا انني لست من مناطق القوقاز المعروفة لديه مثل اذربيجان او ارمينيا او جورجيا او غيرها , ولهذا فانه سألني هذا السؤال , اذ لم يخطر بباله بتاتا انني اجنبي . ضحكت انا , وقلت له , ان معرفته بعلم الاجناس هذه المرّة لم تنجح , فاعترف بذلك واعتذر منّي اعتذارا شديدا جدا وكرّره, وقال لي وهو يضحك – ( سأحكي لاصدقائي هذه الغلطة الكبيرة التي ارتكبتها بحق عربي من العراق ) . وهكذا بدأنا بالدردشة وهو يقود سيارة الاجرة في شوارع موسكو , وطالت الدردشة تلك بسبب الازدحام الشديد في شوارع العاصمة الروسية الضخمة , والتي يسميها البعض دولة كاملة داخل الدولة الروسية .  تحدثنا طبعا عن اوضاع داغستان الان , اذ اني شاهدت في عاصمتها مخجكلا ( محج قلعة)  قبل عدة سنوات كثيرا من نقاط الحراسات في شوارعها حيث تقف قوات من الجيش والشرطة بشكل دائم , فقال ان نشاط الارهابيين هناك مستمر , ولا يريدون له ان ينتهي , وذلك لأن هذا النشاط يصب في صالح الفساد الاداري السائد في داغستان , اذ ان القضاء على ارهابي واحد يكلف الخزينة اكثر من سبعة ملايين روبل , تعجبت انا مرة اخرى وسألته – من اين لديك هذا الرقم الدقيق والغريب, وهل هو نتيجة احصاءآت رسمية ؟ فقال ضاحكا – لا لا, ولكننا هكذا نقول في احاديثنا العامة في الشارع الداغستاني , فسألته -   اليست هذه مبالغة ؟ فقال -  لا لا , فمن الذي يحسب عدد الاطلاقات النارية , التي يطلقها افراد الشرطة والجيش عند التصادمات مع الارهابيين ؟ وهذا بالذات ما يستغله الفساد الاداري في تلك الاجهزة , وقال ضاحكا – (و يضربون الرقم  في مئة عندما يقدمون التقرير النهائي , وهي صفقة مغرية جدا , وتدر ارباحا خيالية ويتقاسمها الجميع من كبيرهم الى صغيرهم ! ). سألته عن هؤلاء الارهابيين وماذا يريدون , فقال انهم يريدون الانفصال عن الدولة الروسية واعلان دولة داغستان الاسلامية , وان هدفهم هذا خيالي جدا ويتعارض مع واقع داغستان و لا تتقبله الاكثرية من الداغستانيين , ولن يتحقق ابدا , ولكن العوامل الخارجية والفساد الا داري يلعبان دورا في كل هذه القضية المعقدة . وسألني فجأة – هل تعرف شاعرنا رسول حمزاتوف ؟ فقلت له طبعا اعرفه , وهو معروف جدا لكل القراء العراقيين , فارتاح جدا لجوابي , وقال , ان حمزاتوف صرح في اواخر حياته , انه متألم جدا من تلك الافكار التي كانت شبه سا ئدة تقريبا لدى الكثيرين من الداغستانيين بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حول ضرورة انفصال داغستان مثل ما قامت به جمهوريات القوقاز السوفيتية المجاورة لنا  كأذربيجان وارمينيا وجورجيا , وكان حمزاتوف ضد تلك النزعة , وضد الانفصال عن روسيا باي حال من الاحوال , وقال السائق مضيفا – ( ونحن نفهم الان في داغستان كم كان حمزاتوف محقا ) . انتقل السائق الداغستاني للحديث عن  ايام الاتحاد السوفيتي , وقال ان والديه يحنان لحد الان الى تلك الايام الخوالي , حيث كانت حياتهما مستقرة ومريحة كليا , وكان عملهما وراتبهما وتقاعدهما وعلاجهما مضمونا بكل معنى الكلمة , فسألته – ( وانت ايضا تحن الى الاتحاد السوفيتي ؟) , فأجاب – ليس مثلهما , اذ كانت هناك اشياء ايجابية رائعة , ولكن كانت هناك ايضا الكثير من السلبيات , وضحك وقال – ( لم يكن باستطاعتي مثلا ان اتحدث بهذه الصراحة مع اجنبي  , كما اتحدث معك الان ).


350
( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) لغوغول / تأملات
أ.د. ضياء نافع
كتبت عن هذا الكتاب في مقالتي بعنوان – (حول آخر كتاب لغوغول) , وقدمت هناك ترجمة لفهرسه ليس الا , وكتبت عن هذا الكتاب ايضا في مقالتي بعنوان – ( حول رسالة بيلينسكي الى غوغول ) , وذكرته في مقالاتي الاخرى عن غوغول  , واعود هنا اليه, وذلك لانه من  الكتب النادرة , التي تجبر القراء على العودة اليها  بهدوء وامعان وتأمّل,  اذ ان غوغول وضع هناك خلاصة افكاره  بعد تلك الفترة الطويلة من التفكير العميق في ايطاليا , والتي أدّت به الى اتخاذ القرار الخطير بعدئذ , وهو حرق الجزء الثاني من روايته ( الارواح الميتة) , والتي انجزها طوال فترة غير قصيرة من العمل الفكري الدؤوب , وقد تحولت تلك الغرفة التي حرق غوغول في موقدها  روايته  الى متحف الان ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت غوغول ) .
 كتاب ( مختارات من مراسلات مع الاصدقاء ) هو النتاج المركزي في ابداع غوغول بفترته الاخيرة , اذ صدر عام 1848 , بعد ان بدأت ازمته الفكرية الروحية الخانقة ( توفي غوغول عام 1852) . لقد صدرت كل مؤلفات غوغول بين اعوام 1829 و 1842 , اي انه ابتدأ بالنشر عندما كان عمره 20 سنة , واصدر رواية الارواح الميتة عندما كان عمره 33 سنة ليس الا . كتابه الاخير هذا أثار ( زوبعة !) من ردود الفعل  الصاخبة والمتنافرة في اوساط الادب الروسي خصوصا والمجتمع الروسي المثقف عموما , والتي يمكن القول ان آثارها وبقاياها لازالت واضحة المعالم لحد الان بشكل او بآخر .
نقرأ في مقدمة هذا الكتاب كلمات صادمة حقا , اذ يبتدأ غوغول هكذا – (كنت مريضا بشدة , وكان الموت قاب قوسين او أدنى منّي ). ويستمر غوغول – (استجمعت قواي المتبقية , واستخدمت في اول لحظة من الصحو قواي العقلية , وكتبت وصيتي الروحية , والتي أضع فيها المسؤولية على عاتق أصدقائي كي ينشروا  بعد موتي بعض رسائلي.) , ويكتب غوغول لاحقا في مقدمته للكتاب قائلا – ( لقد أردت ان اكفّر عن كل ما نشرته , لانه في رسائلي وحسب اعترافات هؤلاء الذين كتبتها لهم , توجد ضرورة اكثر للانسان مما في مؤلفاتي ). وهذه هي الفكرة التي لم يتقبّلها الكثيرون , وخصوصا بيلينسكي , والتي رفضها بكل وضوح وعنف في رسالته المشهورة الى غوغول, وهذه هي الفكرة التي تثير نقاشات حادة بين المتخصصين في الادب الروسي ولحد الان , ولا يمكن طبعا التوسع هنا حول هذه النقطة الفكرية البحتة, ولكن ايجازها يشير , الى ان غوغول اراد ان يقول ان رسائله تتضمن افكارا محددة ودقيقة حول مشاكل وقضايا اجتماعية وثقافية تقف امام الانسان الروسي, اما مؤلفاته الادبية فانها تحتوي على صور فنية قد لا تصل فحواها الى القارئ بشكل محدد و دقيق كما في رسائله , او انه اراد ان يقول كلمة جديدة للقارئ . لكن مؤلفات غوغول الادبية – من جانب آخر - لازالت حيّة وتتفاعل بقوة في اوساط المجتمع الروسي والمجتمعات العديدة الاخرى في العالم بما فيها مجتمعاتنا العربية , ولو كانت ضرورة هذه المؤلفات أقل للانسان من رسائله ( كما يقول غوغول في تلك المقدمة ) , لما حدث ذلك التفاعل الانساني الشامل معها , وهنا يكمن التنافر او حتى يمكن القول – التناقض بين الواقع الموجود لحد الان وبين آراء غوغول , الذي ابدع هو نفسه تلك النتاجات الفنية , وهو نفسه الذي كتب تلك الرسائل ايضا , ولهذا أشرنا في بداية هذه المقالة , الى ان  بقايا ردود الفعل على هذا الكتاب لا زالت موجودة الى حد الان.
يستمر غوغول في مقدمته تلك بتبرير تأليفه لهذا الكتاب , ويقول , انه قرر السفر الى الديار المقدسة ( اي القدس في فلسطين ) بعد الشفاء من مرضه , وذلك لأن هذه الزيارة ( ضرورية لروحه ) , ولكنه يشعر ( ان حياته معلقة بشعرة واحدة ) , وانه يمكن ان يحدث كل شئ في هذه الرحلة , ويقصد طبعا الموت ( كان هاجس الموت يسيطر عليه اثناء تلك الازمة الروحية ) , ولهذا يكتب غوغول قائلا - ( اردت ان ابقي لمواطنيّ شيئا ما من كياني عند الفراق . لقد اخترت بنفسي من رسائلي الاخيرة , التي استطعت ان استلمها مرجعا , كل ما له علاقة بالقضايا التي تشغل المجتمع الآن , وسأضيف مقالتين او ثلاث مقالات ادبية , واخيرا وصيتي , في حالة وفاتي في الطريق .) , ثم يضيف غوغول – ( .. وقلبي يقول ان هذا الكتاب مهم ويمكن ان يكون مفيدا ..) .
 نعم يا غوغول , قلب الفنان يقول له الحقيقة , فكتابك هذا مهم فعلا ومفيد فعلا , ولكن نتاجاتك الفنية الاخرى مهمة ومفيدة ورائعة ايضا يا نيقولاي فاسيليفتش , ولهذا فان روسيا لا زالت (تتغنى!) بها , وليس روسيا فقط , وانما شعوب العالم ايضا , بما فيهم طلبة قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد , يا نيقولاي فاسيليفتش , الذين كانوا يقهقهون عندما يقرأون قصة ( الانف) , او عندما يؤدون ادوارهم في مسرحية ( المفتش) على ( خشبة!) مسرحهم  الطلابي الجميل.   


351
 
سفراء من خريجي قسم اللغة الروسية / د. غالب عبد حسين التميمي
ا.د. ضياء نافع
كان يمكن لعنوان مقالتنا هذه ان يكون ايضا – ( عراقيون مرّوا بموسكو ) , اي ضمن سلسلة مقالاتنا عن العراقيين الذين درسوا في الجامعات الروسية , ولكننا ارتأينا ان يكون العنوان مرتبطا بقسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ( بيتنا الحبيب , والذي عملت فيه 35 سنة باكملها  !), وذلك للتأكيد , على ان هذا القسم هو البوابة التي قد ( واؤكد على قد ) تؤدي للدراسة اللاحقة في تلك الجامعات , وقد ( واقصد ربما) تؤدي ايضا الى تلك النتائج الباهرة, رغم انه يجب الاشارة هنا رأسا , ان منصب السفير في العراق هو منصب سياسي بحت قبل كل شئ وبعد كل شئ وبغض النظر عن اي اختصاص , ولكن.. مع ذلك .. مع ذلك ..مع ذلك.. , كما يقول الشاعر الروسي السوفيتي تفاردوفسكي في احدى قصائده المشهورة عن الحرب بترجمة الراحل الكبير د. ابو بكر يوسف ...
 السفراء حسب التسلسل الزمني لتعينهم  هم –  د. غالب عبد حسين التميمي  , ثم , المرحوم د. عباس خلف كنفذ , ثم , د. فلاح عبد الحسن عبد السادة . غالب و عباس كانا طالبين في فرع اللغة الروسية بقسم اللغات الاوربية  في كلية الاداب بجامعة بغداد, و فلاح كان طالبا في قسم اللغة الروسية  في كلية اللغات , بعد اعادتها (الى الحياة!) من جديد عام 1987 .
د . غالب كان سفيرا للعراق في أذربيجان , وهو أول تعيين له كسفير, وكان آخر سفير هناك قبل الاحتلال الامريكي عام 2003 وسقوط نظام  صدام , والمرحوم د. عباس كان سفيرا للعراق  في روسيا , وهو ايضا اول تعيين له كسفير , وكان آخر سفيرهناك قبل احداث عام 2003 تلك  , أما د . فلاح , فقد اصبح سفيرا للعراق بعد عام 2003 , في صربيا اولا , وهو الان سفير العراق في الهند . لقد أشرنا في بداية مقالتنا هذه , ان منصب السفير هو منصب سياسي بحت, وبالتالي , فان هؤلاء الخريجيين أصبحوا سفراء نتيجة لمواقفهم ومواقعهم السياسية طبعا , ولكننا نكتب مقالتنا هذه للتاريخ اولا , و ثانيا , استمرارا  لمحاولة تسجيل تاريخ قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد ومسيرته  منذ تأسيسه عام  1958 , وتسجيل مصائر خريجيه طبعا تعد مسألة حيوية في تاريخ هذا القسم , وكم اتمنى ان أرى يوما ما قائمة شاملة تضم اسماء كل خريجيه ( او معظمهم في الاقل) ومصائرهم ومناصبهم وطبيعة اعمالهم بعد تخرجهم , وهو عمل ارشيفي كبير يقتضي جهودا جماعية منسقة بلا شك , وهو كذلك جزء حيوي لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر طبعا . مقالتنا هذه تتوقف عند اول سفير في هذه السلسلة  وهو-  د. غالب عبد حسين التميمي , ونأمل العودة الى الاسماء الاخرى لاحقا.
 د. غالب . كان أحد مسؤولي الاتحاد الوطني لطلبة العراق في كلية الاداب في السبعينات , والاتحاد هذا كان خاضعا كليّا لحزب البعث الحاكم آنذاك , ولهذا , فان غالب كان طبعا ضمن اعضاء  ذلك الحزب , و كما يقول المثل العالمي , يمكن معرفة جوهر الانسان عندما يكون لديه المال او السلطة . كان غالب نموذ جا  للانسان المؤدب والخلوق , خصوصا تجاهنا نحن اساتذته , وقد كنا نشعر بذلك , ولهذا اصبحت العلاقات معه واسعة جدا, وبعد انهاء دراسته في فرع اللغة الروسية , سافر الى الاتحاد السوفيتي لاكمال دراسته , وحصل على الدكتوراه في اللغة الروسية من جامعة مينسك في جمهورية بيلوروسيا السوفيتية , وقد التقينا بمشرفته العلمية مرة في احدى المؤتمرات العلمية في موسكو, وكانت راضية عنه علميا واخلاقيا لدرجة انها شكرتنا , وقالت انه عكس لنا طبيعة اخلاق العراقيين الراقية , وكذلك مستوى تدريس اللغة الروسية في جامعة بغداد , وقد شعرنا آنذاك بالفخر عندما كنّا نستمع اليها . عمل  د. غالب في قسمنا بعد حصوله على الدكتوراة لفترة قصيرة ثم انتقل الى الخارجية ( لانه اصطدم برئيس القسم المتزمت والمتهور, والذي كان  رأس البعثيين آنذاك) , وعندما كنا نسافر الى موسكو صيفا , كان هو موظفا في سفارتنا هناك , وكان  يستقبلنا بحفاوة متناهية وكرم حاتمي ويقدمنا للحميع على اننا اساتذته . لقد كان د. غالب انسانا بسيطا ونقيّا و صادقا وعراقيّا اصيلا و محبوبا من قبل الجميع ومحترما من قبل الجميع  منذ ان كان طالبا في القسم , وهكذا بقي دائما , اذ ان تربيته العائلية واخلاقه الراقية تغلبت على حزبيته  في  كل تصرفاته الحياتية  و علاقاته مع  الآخرين , وهي ظاهرة نادرة جدا بين صفوف البعثيين  . د. غالب الان متقاعد و يسكن في بغداد مع زوجته واولاده في بيته المتواضع, ويعيش  بانعزال عن  المجتمع ومشاغله ومشاكله , ولكنه يسير برأس مرفوع , لأنه يحصد ما زرعه في مسيرة حياته  النظيفة.
 

352
أمثال صربية مترجمة عن الروسية (2)
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – حافظ على الطرق الجديدة والاصدقاء القدامى.
التعليق – تؤكد الكثير من امثال الشعوب على الاصدقاء القدامى , منها مثل روسي يقول ان الصديق القديم افضل من صديقين جديدين , ولكن الشئ الطريف والغريب في المثل الصربي هو الربط مع الطرق الجديدة ... .   
+++++
الترجمة الحرفية -  الامانة أثمن من النقود.
التعليق – مثل انساني نبيل تتناوله أمثال الشعوب و المجتمعات كافة , والامانة بالنسبة لشعوبنا العربية – ( اصدق الصدق..)  .
+++++
الترجمة الحرفية –  اختفاء القرية افضل من اختفاء التقاليد.
التعليق – يبين هذا المثل رسوخ التقاليد والحفاظ عليها والالتزام  بها عند الصرب , ويمكن فعلا لاي شخص ان يلاحظ ذلك  حتى عند الاختلاط البسيط معهم , ومع ذلك , فان بنية هذا المثل متطرفة و قاسية , وربما تعكس هذه البنية  وضعية محددة في تاريخهم. 
++++
الترجمة الحرفية – أي أب , أي ابن.
التعليق –  ونحن نقول ايضا , الولد على سر ابيه.
+++++
الترجمة الحرفية – اذا تقدر ان تقضم , لا تعرض اسنانك.
التعليق –  مثل طريف في معناه المباشر و(غير المباشر ايضا !!), اذ ان صفة التباهي ومدح النفس مذمومة عند الانسان في المجتمعات الانسانية كافة . الصورة الفنية في هذا المثل تعكس فعلا المعنى  الدقيق والساخر الذي اراد المثل ان يقوله في ذم التباهي وشجبه .
+++++
الترجمة الحرفية – لا يمكن ان تجلس عند النيران ولا تفوح  منك  رائحة  الدخان .
التعليق – مثل طريف جدا  يتناول تأثير الظواهر المحيطة بالانسان على خصائص ذلك الانسان وسماته , وهو موضوع  ينعكس في امثال الكثير من الشعوب .  الصورة الفنية في هذا المثل الصربي مبتكرة وغير اعتيادية فعلا.
+++++
الترجمة الحرفية – اينما ستذهب , ستعود الى البيت في كل الاحوال  .
التعليق – يذكّر هذا المثل من حيث المعنى بقصيدة أبي تمام الخالدة , والتي ذهبت مثلا –
نقّل فؤادك حيث شئت من الهوى // ما الحب الا للحبيب الاول
كم منزل في الارض يألفه الفتى // وحنينه ابدا لاول منزل.
 
  المثل العربي أجمل , لكن المثل الصربي أكثر سعة و شمولية.
+++++
الترجمة الحرفية – لا تطلق العنان للسان في الاحتفالات وفي الحديث , ولا للقلب في الغضب.
التعليق –  اللسان عدو الانسان كما يقول المثل العربي الشهير, ولهذا تحثّ امثالنا للحد من اطلاق العنان للسان , وكذلك  تدعو امثالنا لكبح الغضب , ولكن الطرافة في هذا المثل الصربي تكمن في توحيد هذين الظاهرتين معا .
+++++
الترحمة الحرفية – من الصعب ايجاد الانسان الحقيقي , لكن من السهل التعرّف عليه.
التعليق –  يلخّص هذا المثل حقيقة ساطعة فعلا من حقائق الحياة الانسانية.
+++++
الترجمة الحرفية – عندما تكذب , اكذب هكذا , وكأنما انت نفسك تصدق ذلك.
التعليق –  هذه (نصيحة !) مهمة للكذابين في كل زمان ومكان , وربما يمكن لهذه ( النصيحة الثمينة!) ان تقلل من كذب الكذابين هؤلاء ( وما أكثرهم حولنا !) . معنى المثل عميق بلا شك , وبنيتة  ساخرة جدا ,
+++++
الترجمة الحرفية – الانسان يريد ان يكون أفضل من الآخرين , لكن أسوأ من ابنه.
التعليق – كل اب يريد لابنه ان يكون متميّزا وناجحا , ولكن طرافة هذا المثل تكمن في الربط  بين وضع الاب مقارنة مع ابنه , اذ ان الاب يريد ان يكون الاسوأ.


353
 
شئ عن متحف تسفيتايفا وبرنامجه الثقافي
ا.د. ضياء نافع
متحف تسفيتايفا في موسكو هو الشقة التي عاشت بها الشاعرة وعائلتها الصغيرة منذ عام 1914 الى عام 1922 (هاجرت بعدئذ من الاتحاد السوفيتي مع زوجها) . و الشاعرة مارينا تسفيتايفا ( 1892-1941 ) هي ابنة بروفيسور جامعة موسكو  ومؤسس متحف الفنون الجميلة  في موسكو واول مدير له  , ووالدتها عازفة بيانو معروفة في روسيا .
 عندما قررت الاوساط الثقافية في روسيا الاتحادية عام  1992 تحويل هذه الشقة الى متحف , تم دمج الشقة المجاورة لها مع المتحف , اي اصبح كل الطابق في تلك البناية متحفا , وأقامت تمثالا رائعا لتسفيتايفا في الشارع امام تلك البناية , وهكذا اصبحت تسمية هذا المكان  – ( بيت – متحف تسفيتايفا ) , ويعدّ واحدا من المتاحف الحديثة نسبيا في موسكو , ويضم الان 45 الف مادة ترتبط بتسفيتايفا وحياتها من رسائل وصور ولوحات وكتب وحاجات شخصية وأثاث ....الخ . لقد زرت هذا البيت – المتحف قبل فترة ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت تسفيتايفا) , وعندما خرجت , طرحوا عليّ سؤالا هو – هل ترغب ان نعلمك بنشاطات متحفنا الثقافية ؟ فأجبت – نعم وبكل سرور , فطلبوا عنواني الالكتروني , وهكذا ابتدأت باستلام برامجهم الثقافية المتنوعة , والمرتبطة طبعا بالادب الروسي ومسيرته. لقد اختتمت مقالتي المشار اليها أعلاه ببرنامج ذلك المتحف عندما زرته آنذاك , وحاولت بعدئذ متابعة نشاطاتهم الثقافية حسب وقتي وظروفي , واليوم استلمت برنامجهم الثقافي لشهر نيسان / ابريل 2019 , ويتضمن خلاصة وجيزة لكل فقرة من فقراته , وكم تأسفت لان ظروفي الان لا تسمح لي بالمشاركة معهم وحضور هذه الفعاليات الجميلة والممتعة حول الادب الروسي , ولهذا قررت اطلاع القراء على بعض فقرات هذا البرنامج بشكل وجيز , اذ في الاقل سيعرف القراء طبيعة هذه البرامج الثقافية , التي يقدمها هذا المتحف للجمهور المتابع لاخبار الادب الروسي , وأظن ان  القراء العرب ربما سيجدون في هذا التعريف الوجيز معلومات مفيدة وجديدة عن الادب الروسي و اعلامه وتاريخه ومسيرته. 
الفقرة الاولى , التي اتوقف عندها في هذا البرنامج جاءت بعنوان – توتشيف وفيت , وهما شاعران عملاقان في تاريخ الشعر الروسي بمنتصف القرن التاسع عشر ( اي بعد بوشكين) . الخلاصة الوجيزة عنهما في ذلك البرنامج تتناول مكانتهما المتميّزة في مسيرة الشعر الروسي , وتأثيرهما بالذات على شعراء العصر الفضي ( وهي تسمية لعشرينيات القرن العشرين تمييزا  لها عن تسمية العصر الذهبي للشعر الروسي , وهو زمن بوشكين) , و تنتقل الخلاصة  للحديث عن انعكاس خصائصهما الفنية في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة , وهو موضوع جديد بكل معنى الكلمة , و تختتم الخلاصة عرضها لطبيعة هذه الفقرة بجمل تحمل سمات شعر هذين الشاعرين , وهي كما يأتي – ( ...و كيف كانا يسكبان الهدوء والسكينة على الاصوات وضجيجها , و الليل على النهار , و الاحاسيس على التعقّل...) , و يتساءل كاتب تلك الخلاصة في النهاية  قائلا – هل كانا يمثلان البوذية الروسية العفوية ؟ . وباختصار , فان تلك الكلمات القليلة عن هذه الفقرة في البرنامج الثقافي لمتحف تسفيتايفا تثير القارئ المتابع للظواهر الجديدة في الادب الروسي , وتجعله متلهفا فعلا لحضور هذه المحاضرة العميقة والطريفة في مسيرة الشعر الروسي .
      الفقرة الثانية التي نتوقف عندها قليلا في هذا البرنامج ترتبط بتاريخ المسرح الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( من غريبويديف الى استروفسكي ) . يشير البرنامج الى ان المحاضرة هذه تتناول المسرحيات الكلاسيكية البارزة في هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبيا في تاريخ المسرح الروسي .
الفقرة الثالثة جاءت بعنوان – ( مارينا تسفيتايفا عن الكساندر بلوك ) , وهذا  موضوع كبير لازال النقاد والباحثون يتناولونه , اذ ان علاقة تسفيتايفا تجاه بلوك كانت غير اعتيادية بتاتا , فهي لم تستطع ان تتقبّل امكانية ان تقابله وتتكلم معه اثناء حياته , لأنها كانت تعدّه ظاهرة استثنائية وخاصة جدا بين البشر , ولهذا كانت تخشى اللقاء معه وتخجل وترتبك. لقد كتبت له القصائد وارسلتها اليه ليس الا , واحتفظت بطبيعة هذه العلاقة الروحية الغريبة طوال حياتها , ويشير بعض الباحثين الى ان هذه العلاقة تكاد ان تكون ( الآهية!) .
الفقرة الاخيرة , التي اخترناها من ذلك البرنامج تدور حول الرواية في الادب الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( المشترك بين ابطال روايات تورغينيف وغانجيروف ودستويفسكي ) , وهو طرح جديد في عالم النقد الادبي الروسي , اذ  يتناول مجموعة مختلفة من الروائيين الروس الكبار , بعيدين عن بعض كليّا من حيث الافكار والاسلوب والاهداف ومسيرة حياتهم بشكل عام.
لقد تحولت بيوت الادباء الروس الكبار الى متاحف تحافظ على تراث هؤلاء الادباء , وتساهم في نفس الوقت بدراسة تراثهم  , ومكانة هذا التراث واهميته في مجمل مسيرة الادب الروسي , ومتحف تسفيتايفا هو واحد من عشرات المتاحف الاخرى في روسيا.
متى نحقق نحن اقامة متاحف لادبائنا؟ ومتى نرى بيوتهم وقد تحولت الى متاحف تحافظ على تراثهم , وتقوم بدراسته ونشره ؟ في بغداد يدور الحديث منذ سنوات طويلة عن بيت الجواهري ولكن..... 
 

354
عراقيون مرّوا بموسكو(28 )/ فريد الله ويردي
ا.د. ضياء نافع
فريد الله ويردي بالنسبة لي هو تجسيد رائع و رمز خالد لتواضع العظماء , الذين مرّوا  في حياتي . وكنت اخطط طوال  السنوات العشرين الماضية ان اكتب عنه , خصوصا عندما عرفت بوفاته , وذلك لانني اودّه جدا واحترمه كثيرا ومعجب ببساطته وعمق ثقافته وتواضعه الرائع , ولكني لم اكتب , اذ وجدت ان الدكتور سيّار الجميل قد كتب  عنه – بعد وفاته - اعمق واوسع مما اردت ان اكتب انا , وهكذا تركت الموضوع , وكنت آنذاك لازلت في بغداد , ولكن عندما انتقلت للسكن في موسكو , وبدأت بنشر سلسلة مقالاتي ( عراقيون مرّوا بموسكو ) , عادت فكرة الكتابة عنه من جديد, باعتباره علما من اعلام العراقيين بموسكو, الذين كانوا معنا في بداية ستينات القرن الماضي , ولكني وجدت , ان الزميل عبد الله حبه كتب عنه بالذات مقالة جميلة ووافية حول ذلك الجانب المشرق من حياة ويردي آنذاك ونشرها ضمن مقالاته الاخرى عن اعلام العرب بموسكو في موقع ( روسيا اليوم ) والتي تم حذفها مع الاسف بعدئذ , وقد سألتني ارملته السيدة لودميلا( و كنا نسميها جميعا ميلا ) ويردي عن كاتبها في احدى رسائلها لي, واخبرتها  طبعا باسم الزميل عبد الله حبه , ثم علمت من عبد الله بعدئذ , انها طلبت منه ان يترجم مقالتها ( التي كتبتها طبعا بالروسية ) عن زوجها الراحل , وفعلا قام عبد الله حبه بترجمة رائعة لتلك المقالة المليئة بالحنان والامتنان والمعلومات البيبلوغرافية المهمة جدا حول مسيرة المرحوم  فريد الله ويردي في عالم الموسيقى الساحر الجمال منذ خطواته الرائدة الاولى في المملكة العراقية  ثم في الجمهورية العراقية ودراسته لاحقا في شتى بقاع العالم وعمله الفني الكبير, اذ ان السيدة لودميلا ويردي رافقته منذ ان كان يدرس بموسكو في الستينات وبعد رجوعه الى بغداد , ثم سفره مرة اخرى الى الغرب , وعودته الى الاردن للسكن والعمل هناك , ثم هجرته الاخيرة الى ايرلندا حيث توفي عام2007.
لم أشأ ان اكتب عن المرحوم فريد الله ويردي بعد مقالات سيّار الجميل وعبد الله حبه و ارملته السيدة ميلا ويردي ومقالات عديدة اخرى , اذ ان تلك المقالات قد رسمت فعلا صورة متكاملة ومشرقة وحقيقية عنه كانسان وكموسيقي رائد ومتميز في دنيا الموسيقى العراقية , ولكني اطلعت قبل ايام على مقالة جميلة وموضوعية وموسوعية بعنوان – ( الثقافة الامريكية وتعزيز قيم الحداثة  في العراق ), يتناول فيها كاتبها الاستاذ علي عبد الامير عدة شخصيات ثقافية عراقية كبيرة و متميزة فعلا في تاريخ العراق المعاصر ممن درسوا في امريكا , ويتحدث في سطور وجيزة عن ابرز اعمالهم الثقافية  ( مثل علي الوردي واحمد سوسه وطه باقر وكامران حسني ونازك الملائكة وبياتريس اوهانيسيان وجعفر علي وبدري حسون فريد...الخ هذه الاسماء اللامعة الاخرى ) , ووجدت  هناك اسم فريد الله ويردي ايضا ,  , وهي اشارة صحيحة طبعا , لان فريد درس في امريكا فعلا  بعد موسكو, ولكني فوجئت , لاني وجدت في تلك السطور عن فريد الله ويردي فقط ( دون الاسماء الاخرى ) تأكيدا على الجانب السياسي لنشاطه اكثر من الحديث عن الجانب الابداعي لدى هذا الموسيقيّ الكبير , اذ يقول الاستاذ علي عبد الامير هناك , ان ( النظام البعثي – القومي قد حكم عليه غيابيا بالاعدام ...) , وذلك عندما كان فريد يدرس بموسكو في الستينات , ثم يشير كاتب المقالة بعدئذ , الى ان فريد ( ..وجد ملاذا في الدولة التي كان يقف بالضد من نظامها السياسي وفكرتها , فيما هرب من الدولة التي توقعها جنة على الارض...) . اقول اني قد فوجئت من كل ذلك , اذ ان المرحوم فريد الله ويردي لم يكن سياسيا ابدا , بل كان يجسّد في كل سلوكه وتصرفاته وعلاقاته ومسيرة حياته صورة الفنان الرقيق والخلوق والمبدع والمؤدب والخجول و المسالم والدائم التفكيربالموسيقى ليس الا , ولم نسمع – نحن العراقيين المحيطين به في موسكو آنذاك – الحكم عليه بالاعدام غيابيا ( ولا اظن ان هذا الامر الكبير و الخطير يمكن التعتيم عليه او عدم اعلانه , رغم اننا نقرأ الان ذلك في بعض المواقع الالكترونية دون الاشارة الى المصدر ) , ولم نسمع منه ابدا , انه كان يرى في الاتحاد السوفيتي ( جنة على الارض ) , بل ولم نسمع منه ابدا اي حديث سياسي محدد , اذ كان فريد يعيش ويتفاعل ويتناغم مع الموسيقى حتى في حياته اليومية  الاعتيادية . ولهذا اكتب انا هذه السطور عن المرحوم فريد الله ويردي .
الرحمة والسكينة والطمأنينة لروح الفنان الكبير فريد الله ويردي , والذكر الخالد لاسمه ولمكانته الفريدة في عالم الموسيقى في العراق.
 


355
أمثال صربية  مترجمة عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
الترجمة الحرفية – عندما يقوم الرب بتوزيع السعادة , فانه لا يسأل ابن من انت.
التعليق – صورة فنية جميلة جدا  في هذا المثل الصربي , اذ انها تعكس المفاهيم الشعبية الراسخة عند مختلف الناس وعبر كل العصور حول مصدر السعادة اولا , وان السعادة هذه , ثانيا , عندما تكون صادرة عن العادل المطلق , فانها لا تخضع ابدا للاحكام الطبقية الظالمة في المجتمع الانساني . 
++++
الترجمة الحرفية – ليس وراء المائدة , وانما في السجن تفهم , من هم الاصدقاء الحقيقيون لك.
التعليق –  الصديق وقت الضيق كما يقول المثل العربي الشهير, و يتكرر نفس المعنى عند معظم الشعوب وبصيغ مختلفة و متنوعة , والصيغة الصربية طريفة حقا , فالسجن هو ( وقت الضيق ) فعلا و بلا ادنى شك.   
+++++
الترجمة الحرفية – اذا كنت جسرا , فكل واحد يقدر ان  يعبر فوقه.
التعليق –  دعوة دقيقة وصريحة لضرورة بلورة الملامح والسمات الشخصية عند كل انسان , كي لا يكون ( معبرا ) ليس الا للآخرين. مثل تربوي عميق بصيغة تطبيقية طريفة وذكيّة ومفهومة للجميع .
+++++
الترجمة الحرفية – الاكثر ثقلا هو الكيس الفارغ.
التعليق – هل تذكرون القول الخالد في تراثنا عن الذي ( حمل الحديد والصخر ولم يجد اثقل من الدين!) ؟ . المثل الصربي رمزي وفلسفي ويتضمن صورة فنية مثيرة و جميلة.
+++++
الترجمة الحرفية – العلم هو ثمرة حلوة ذات جذر مرّ.
التعليق – طبعا , لان العلم يتطلب جهودا هائلة و(مريرة !)  للوصول الى ثمرته ( الحلوة!) . مثل جميل وذكي , ومعناه العام موجود باشكال مختلفة عند الكثير من الشعوب الاخرى , بما فيها طبعا شعوبنا العربية .
+++++
الترجمة الحرفية – خذ تحية للشيطان , اذا هو يقول الحقيقة.
التعليق – مثل يمجّد الحقيقة بغض النظر عن مصدرها, وفي هذا الجانب فانّه مثل رائع , ولكنه من جانب آخر غير واقعي تماما , اذ كيف يمكن للشيطان ان يقول الحقيقة ؟ ورغم ذلك , فان المثل طريف بشكل عام .
+++++
الترجمة الحرفية – الشكوى والبكاء لذاك الذي يقدر ان يساعد.
التعليق – مثل صحيح جدا , ولهذا نحن نقول – الشكوى لغير الله مذلة.
+++++
الترجمة الحرفية – الانهار العميقة تجري بهدوء.
التعليق –  مثل عالمي عند الكثير من الشعوب , فالضجيج والادّعات العنترية تصاحب دائما الناس الفارغين والتافهين ( وما اكثرهم في مجتمعاتنا مع الاسف ) . هل تذكرون بيت الشعر العربي الجميل والذكي والخالد , الذي ذهب مثلا, عن السنابل المليئات اللواتي (ينحنين تواضعا) وعن السنابل الفارغات وكيف ان (رؤوسهن شوامخ!) ؟


356
المنبر الحر / تشيخوف و غوركي
« في: 10:07 12/05/2019  »
تشيخوف و غوركي
ا.د. ضياء نافع
اسمان معروفان للقارئ العربي بشكل جيد بين الادباء الروس الكبار , بل يوجد في المكتبة العربية كتاب بترجمة جلال فاروق الشريف صادر عن دار اليقظة الشهيرة آنذاك في دمشق عام 1953  بعنوان – ( مراسلات غوركي وتشيخوف ) , واعيد طبعه عام 1983 في دمشق ايضا ( انظر مقالتنا بعنوان – جلال فاروق الشريف والادب الروسي ) , الا ان القراء العرب ينظرون اليهما – بشكل عام - على انهما غير قابلين للمقارنة  في كل المقاييس , و البعض منهم ( وهم الاكثرية ) يرون , ان غوركي هو الاعلى مقارنة بتشيخوف , اذ انه بالنسبة لهؤلاء القراء العرب مؤلف رواية – ( الام ) , بينما لا يرتبط تشيخوف بعمل ابداعي بهذا السطوع المحدد بالنسبة لهم . وفي كل الاحوال , فان شهرة غوركي أكبر من شهرة تشيخوف  في عالمنا العربي , ومؤلفاته المترجمة اوسع انتشارا من مؤلفات تشيخوف المترجمة , وكل ذلك طبعا نتيجة تداخل الادب الروسي بمسيرة الحركة السياسية في مجتمعاتنا العربية ( انظر مقالتنا بعنوان – الادب الروسي في الوعي الاجتماعي العراقي ) , وأذكر مرة , اني شاركت بحديث جرى بالصدفة عن تشيخوف وغوركي مع أحد معارفي العراقيين , فقال لي (غاضبا!!!) , كيف يمكن مقارنة غوركي ( وأسماه  ابو الواقعية الاشتراكية ) بتشيخوف البائس هذا؟ ثم امطرني بسيل من الآراء  والاحكام حول الادب الروسي وأعلامه, وحذرني في نهاية حديثه قائلا , انه يجب ان اكون حذرا في اقوالي وكتاباتي عن الادب الروسي , والا , فانني يمكن ان اتحول الى ( باسترناك جديد ) , ولم افهم فحوى هذا التحذير ولا جوهره ولا علاقة باسترناك الرائع بكل هذا الموضوع, ولم أسأله تفاصيل ذلك   , أذ أني  ( لذت بالصمت وانا مبتسما!) امامه ليس الا ,  , كما أفعل عادة مع هؤلاء الاشخاص , الذين ( لا يعرفون , ولا يعرفون انهم لا يعرفون !) , وما أكثرهم حولنا في عالمنا العربي مع الاسف  .
    تشيخوف وغوركي – موضوع  مهم  في علم الادب المقارن و تاريخ الادب الروسي بشكل عام , وهو موضوع واضح المعالم بالنسبة للباحثين الروس , لأن غوركي نفسه قد حدد موقعه الحقيقي  في هذه المقارنة , اذ انه ظهر في مسيرة الادب الروسي وبرز فيها بعد تشيخوف , ونجد في اول رسالة كتبها غوركي لتشيخوف جملة دقيقة يقول فيها غوركي , انه معجب به  منذ نعومة أظفاره  , وهناك في مذكرات أحد معارف غوركي اشارة , الى انه ( اي غوركي ) عرض له في شبابه  قصة قصيرة لتشيخوف , منشورة في احدى المجلات الفكاهية بداية الثمانينات , وهي من قصص تشيخوف المبكرة جدا , وقال غوركي له  ما معناه , انه يتعلم منها .  وتشيخوف كان معجبا بغوركي ايضا , وقد أشار اليه في الكثير من رسائله الى الآخرين , وهناك عدة بحوث بالروسية تتناول اعجاب تشيخوف بمسرح  غوركي و نشاطه الابداعي عموما , وكذلك بشخصيته وعصاميته, على الرغم من ان اسلوبهما الفني مختلف تماما , وتوجد في احدى رسائل تشيخوف الى غوركي تفصيلات دقيقة وجميلة حول ذلك , اذ اخبره مرة , انه يكتب جملة – ( جلس الرجل على العشب ) , اما هو , اي غوركي , فانه يكتب نفس هذه الجملة بشكل مطول جدا , يصف فيها كيف ان الرجل يجلس ببطء ويتلفّت وينظر حوله بامعان ...الخ , ويقول تشيخوف , ان هذا الوصف يشتت ذهن القارئ , ولا يجعله يصل الى الفكرة التي يريد الكاتب ايصالها له .
لقد توفي تشيخوف عام 1904 , وبالتالي , فانه لم يعاصر مسيرة غوركي لاحقا , وكيف ساهم في مسيرة الحياة السياسية الروسية وكل الاحداث الكبيرة في تاريخ روسيا العاصف من ثورة 1905 والحرب العالمية الاولى وثورة اكتوبر 1917 وعلاقة غوركي مع لينين ( التي ابتدأت قبل ثورة اكتوبر ومرّت بمراحل متشابكة ومعقدة )  و علاقته مع ستالين بعد تأسيس الاتحاد السوفيتي , هذه العلاقة التي يمكن ان نسميها ( غير السلسة ) ان صح التعبير . وكل هذه الجوانب حول غوركي لازالت غير واضحة المعالم للقارئ العربي , ولهذا , فان القارئ العربي لا يستوعب المقارنة بين هذين الاديبين , بل وحتى لا يتقبلها , كما هو حال صاحبنا العراقي , الذي أشرت اليه في بداية مقالتي , اذ لا يجد التشابه بينهما , ولا يفهم امكانية المقارنة بينهما . ان موضوع تشيخوف وغوركي حيوي جدا في روسيا , ويمكن على سبيل المثال الاشارة الى موضوع طرحه احد الباحثين الروس عام 2015 ليس الا , وكان بعنوان ( تشيخوف وغوركي ضد تولستوي ) , بل ان ميرشكوفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان – الاديب و الفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي ) قد كتب بحثا معمقا في وقته , ذكر فيه ان تشيخوف وغوركي أقرب الينا ( وحسب طاقتنا , كما يقول ) من دستويفسكي وتولستوي ( واللذان هما اعلى من طاقتنا ) , وذلك لان تشيخوف وغوركي يعكسان حاضرنا , اما دستويفسكي وتولستوي فانهما يعكسان الماضي والحاضر والمستقبل , وهي افكار فلسفية عميقة وممتعة تستحق التأمل فعلا , ولا يمكن ايجاز كل ذلك  ضمن هذه السطور . وهذا الموضوع حيوي ايضا بالنسبة لاوربا ايضا  , وخصوصا بالنسبة للموقف من غوركي بالذات , وذلك لان اوربا تتابع بدقة ما يجري في الفكر الروسي , ودراسة غوركي ترتبط بشكل مباشر بهذه المتابعة الفكرية ولحد الان. وباختصار شديد , يمكن لنا ان نقول – ختاما لهذه المقالة – ان هذا الموضوع يستحق ان نكتب عنه بتفصيل و ان ندرسه بعمق و من كافة الجوانب , كي لا تتكرر تلك الآراء الساذجة عند بعض القراء العرب ...   
   


357
تولستوي وتورغينيف
أ.د. ضياء نافع
ولد تورغينيف عام 1818 , بينما ولد تولستوي عام 1828 , اي ان تورغينيف اكبر عمرا من تولستوي بعشر سنوات , ومن الطبيعي انه ابتدأ مسيرته الابداعية قبل تولستوي , اذ بدأ تورغينيف بنشر قصصه في مجلة ادبية شهيرة آنذاك في روسيا عام 1847 , وهي القصص التي ستظهر لاحقا في كتابه - ( مذكرات صياد ) . اطلع تولستوي طبعا على تلك القصص وكان من اشد المعجبين بهذه (القصص  المتوهجة) حسب تعبيره , بل ان تولستوي كتب في مذكراته عام 1853 قائلا  – ( ... قرأت مذكرات صياد لتورغينيف , و من الصعب الكتابة بعد هذا الكتاب ) . توجد بين مؤلفي رواية ( الاباء والبنون) لتورغينيف و رواية ( الحرب والسلم ) لتولستوي كثيرا من الوشائج المشتركة , وكلاهما اصبحا علميين من اعلام الادب الروسي ( عرّف رسول حمزاتوف الادب الروسي مرّة في لقاء صحفي كما يأتي - انه ادب... (الاباء والبنون) و(الجريمة والعقاب) و(الحرب والسلم)... )  , رغم ان الفوارق بين اهميّة الروايتين المذكورتين ومكانتهما في الادب الروسي (والعالمي ايضا) تبين بشكل واضح ودقيق الفوارق الهائلة بين هذين الاديبين بشكل عام , اذ ان رواية تولستوي ( الحرب والسلم ) كانت ولازالت واحدة من اعظم الروايات في تاريخ الآداب , وهي رواية فريدة ومتميّزة بكل معنى الكلمة .     هناك – مع ذلك - الكثير من التباين والاختلافات وحتى التناقضات بينهما ايضا , بل حصل مرة خلاف بسيط بينهما وتطور, و وصل الى حد ان تولستوي دعاه الى المبارزة , والتي لم تحدث والحمد لله , اذ اعتذر بعدئذ تورغينيف بعد تدخل الاصدقاء المحيطين بهم , ولكن الامر كان خطيرا لو حدث , وكان يمكن ان يتحول الى مأساة كبيرة في تاريخ الادب الروسي , رغم انهما – بعد ذلك -  تباعدا عن بعض حوالي 17 عاما باكملها , ولكن العلاقات عادت بعد ان هدأت النفوس طبعا . وكل هذه الجوانب من التشابه والتباين والتناقض بينهما يشير اليها مؤرخو الادب الروسي بالتفصيل في دراساتهم وبحوثهم عن هذين الاديبين , ولا يمكن بالطبع عرض كل ذلك للقارئ العربي في اطار مقالتنا هذه عن تولستوي وتورغينيف, ولكننا  سنحاول الايجاز  قدر المستطاع .
تؤكد الدراسات والبحوث قبل كل شئ  على التقارب والتشابه والتناغم بين تورغينيف وتولستوي بشأن الموقف من حق العبودية او حق القنانة , الذي كان سائدا في روسيا آنذاك, رغم انهما كانا ضمن هؤلاء النبلاء من مالكي الاراضي الزراعية وفلاحيها الخاضعين للعبودية , وهو موقف سياسي وفكري طبعا , ولكنه مهم فعلا , اذ انه يعني الكثير بالنسبة لروسيا ولحركة المثقفين فيها بشكل عام , وتربط تلك الدراسات هذا الموقف مع  كونهما  كانا ضمن كبار ادباء تحرير مجلة ( سوفريمينك) في نهاية خمسينات القرن التاسع عشر  (توجد صورة جميلة و مشهورة تجمعهما في المجلة مع بقية الادباء الروس مثل غانجيروف واستروفسكي , وغالبا ما ينشروها في مختلف المصادر عنهما  ) , وكلاهما تركا تلك المجلة بعد ان بدأت بنشر مقالات ذات توجه ثوري , لانهما لم يتفقا مع هذا الخط الفكري , الذي بدأت المجلة بانتهاجه برئاسة الشاعر نكراسوف , وهي مواقف فكرية مشتركة طبعا من قبلهما , باعتبارهما اديبين يصوران الواقع الروسي بموضوعية , ولا يدعوان الى الثورة كأسلوب لتغيير الواقع . ولكن هذا كله لا يعني , انهما كانا في اطار ( جبهة فكرية واحدة ) ان صحّ التعبير , اذ  ان  تورغينيف فلسفيا كان يميل الى النزعة الغربية , بينما كان تولستوي يؤكد دائما , ان الانسان الحقيقي يجب ان يكون قريبا من  ارضه , وان الانسان الذي يبتعد عن الارض , فانه يبتعد عن انسانيته . يتناول احد الباحثين الروس مسيرة تورغينيف وتولستوي في شبابهما , وكيف ان تورغينيف ( فتح عينيه ) في اجواء جامعات موسكو وبطرسبورغ وبرلين (  درس في جامعة برلين بعد انهاء دراسته في روسيا) , اما تولستوي , فقد درس في جامعة قازان ( درس اللغة العربية والتركية فترة , ثم درس القانون لفترة ) ثم ترك الدراسة الجامعية , وتطوع بعدئذ في صفوف الجيش , وهكذا يصل هذا الباحث , الى ان تربية تورغينيف ومسيرته قد أدّت به الى النزعة الغربية نتيجة لدراسته الاكاديمية العميقة ( كان تورغينيف معجبا جدا بحضارة اوربا ), بينما تولستوي كان أقرب الى الروح الشعبية الروسية , المرتبطة بالارض . ان هذه الطروحات فلسفية بحتة , ولا يمكن طبعا الاتفاق معها او الاقرار بها دون دراسة معمقة ومناقشة شاملة ومتعددة الجوانب , ولكن هذا الباحث – مع ذلك - استند الى وقائع حياتية محددة ودقيقة عندما عمل استنتاجاته حولهما .
نختتم هذه الملاحظات الوجيزة حول هذا الموضوع الكبير في تاريخ الادب الروسي بالتوقف عند الرسائل الاخيرة , التي تبادلاها تولستوي وتورغينيف , عندما كان تورغينيف في باريس طريحا على فراش الموت , اذ كتب تولستوي اليه رسالة مؤثرة يقول له فيها – ( لقد شعرت كم احبكم أنا , وحتى فكرت  ان اسافر الى باريس لرؤيتكم ...) وينهي تولستوي رسالته هكذا – ( .. اعانقك ايها الانسان والصديق القديم والحبيب والعزيز عليّ جدا ), اما تورغينيف فقد طلب منه في جوابه ان يرجع الى الكتابة الادبية, وقد أسماه - ( الكاتب العظيم للارض الروسية) ...   

358
 
عن البروفيسور ستروفه الفرنسي الروسي
أ.د. ضياء نافع
 ( ستروفه) كان لقبا غريبا بالنسبة لنا , نحن الطلبة الاجانب  بموسكو في ستينات القرن العشرين , اذ انه لا يتناسب ولا يتناسق ولا ينسجم مع الالقاب الروسية التي كانت سائدة حولنا , والتي تنتهي عادة بحرفي الواو والفاء  مثل ليرمنتوف او تشيخوف ...الخ , او التي تنتهي بحرفي الياء والنون مثل بوشكين او بونين ...الخ , او التي تنتهي بحروف السين والكاف والياء مثل دستويفسكي او بيلينسكي ...الخ , ولهذا اعتبرنا ( ستروفه) لقب شخص اجنبي لا علاقة له بروسيا , ولكن , و بعد ان تعمّقت معارفنا بتاريخ الثقافة    الروسية ( اكتشفّنا !) , ان بيوتر ستروفة (1870 – 1944) وفلاديمر لينين كانا رفيقين معا في الحركة الاشتراكية الروسية , ولكنهما اختلفا في نهاية القرن التاسع عشر و بداية القرن العشرين بشكل جذري حول مسيرة الافكار الاشتراكية ومستقبلها في روسيا , ولهذا انفصلا بعضهما عن البعض , وسار كل واحد منهما في طريقه الخاص. وهكذا عرفنا , ان ستروفه هو فيلسوف روسي واقتصادي ومؤرخ وشخصية سياسية مرموقة في الحياة الفكرية والسياسية الروسية , وكان مؤثرا في مسيرة التاريخ السياسي واحداثه , وكل ذلك طبعا يرتبط بتاريخ الفكر الروسي بشكل عام , وتاريخ الحركة السياسية الروسية قبيل ثورة اكتوبر 1917 وما أعقبها من أحداث , وهي بعيدة عن موضوعنا , الذي نود ان نتكلم عنه في مقالتنا هذه , رغم انها مقدمة ضرورية جدا , اذ ان مقالتنا تدور حول حفيد ستروفه هذا , وهو مواطن فرنسي ( ولد في فرنسا من أب روسي وام روسية ايضا , وهو بالتالي فرنسي من اصول روسية ), واصبح  البروفيسور نيكيتا ستروفه ( 1931 – 2016) – استاذ الادب الروسي في جامعة باريس , والشخصية التي لعبت دورا (مع اللاجئين الروس الاخرين طبعا) في تعزيز   التعاون الثقافي بين روسيا و فرنسا (بعد انهيار الاتحاد السوفيتي طبعا) , وقد تم منحه مدالية بوشكين لتعزيز التعاون الروسي – الفرنسي في مجال الثقافة والتعليم , ومدالية الدولة الروسية للحفاظ على الثقافة الروسية وتراثها خارج روسيا , ومدالية ( اسرعوا لعمل الخير) الروسية في مجال حقوق الانسان.
غالبا ما كنا نلتقي طبعا, نيكيتا ستروفه وانا  في القسم الروسي بجامعة باريس نهاية الستينات من القرن الماضي عندما كنت طالب دراسات عليا هناك , وكان هو آنذاك تدريسيّا في القسم المذكور , ويكتب ايضا اطروحة دكتوراه دولة حول الشاعر ماندلشتام , والذي كان شبه ممنوع آنذاك في الاتحاد السوفيتي ( أصدر ستروفه بعدئذ كتابا ضخما عن ماندلشتام , ويعدّ الان واحدا من المصادر المهمة لدراسة حياة ماندلشتام وابداعه ) , وغالبا ما كنّا نتحدث سوية , و سألني ستروفه مرة عن انطباعاتي حول موسكو والاتحاد السوفيتي بشكل عام باعتباري درست وتخرجت هناك, وقد تكلمت عن الجوانب الايجابية , التي رأيتها شخصيا رغم بعض السلبيات التي كانت موجودة  فعلا في الحياة السوفيتية , ولكنه قال لي , انهم (  وكان يتحدث باسم اللاجئين الروس في فرنسا ) يعتقدون , ان دولة الاتحاد السوفيتي ستنهار في نهاية القرن العشرين او , كحد اعلى , في بداية القرن الحادي والعشرين , ولم اتفق معه مطلقا وكليّا حول ذلك , وقلت له , ان الدولة السوفيتية قوية جدا بجيشها ومؤسساتها الامنية وتنظيماتها الحزبية , وانني لم أجد اي معارضة في تلك الدولة , عدا النكات السياسية التي كانت سائدة بين اوساط الطلبة بالاساس , وان قضية باسترناك وجائزة نوبل التي اضطر باسترناك ان يرفضها هي ليست قضية كبيرة يمكن ان تؤثر على مسيرة تلك الدولة , وقد استمع ستروفه اليّ بكل أدب , وقال لي مختتما هذا الحديث بمثل روسي  هو – ( نعيش ونرى ) ( وهو يذكّر طبعا بالمثل بلهجتنا العراقية – نعيش ونشوف ) . لقد تذكرت وقائع حديثنا هذا عندما انهار الاتحاد السوفيتي طبعا في بداية التسعينات , وقلت بيني وبين نفسي , كم كان ستروفه على حق بكلامه آنذاك حول ذلك . لقد رويت هذه الحادثة مرة في مؤتمر علمي بجامعة قازان عام 2006 , وقد علّق بروفيسور روسي من جامعة موسكو ( كان يشارك في اعمال المؤتمر المذكور ) قائلا , ان اللاجئين الروس كانوا يحللون بعمق واهتمام حقيقي كل صغيرة وكبيرة تحدث في الحياة السوفيتية , وكان لديهم الوقت الكافي لمتابعة ذلك بدقة ودراسته , بينما لم يكن لدينا نحن السوفييت سوى التأييد المطلق لكل خطوة يتخذها الحزب الشيوعي السوفيتي دون اي تحليل وتمحيص ونقاش موضوعي متفتح لدرجة , اننا نسينا حتى معنى التحليل والتدقيق والنقاشات المعمقة والعلمية حول تلك الخطوات وقيمتها و جدواها في مسيرة حياتنا اليومية آنذاك...
نيكيتا ستروفه اسم كبير في دنيا الادب الروسي , وله عشرات المؤلفات المنشورة باللغتين الفرنسية والروسية , ولديه مئات المقالات والدراسات والبحوث حول هذا الادب باللغتين ايضا , ولا مجال هنا حتى للتعريف بها , ويؤسفني الاشارة في الختام , الى ان ستروفه يكاد ان يكون مجهولا تقريبا للقارئ العربي... 

359
حول صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية
ا.د. ضياء نافع
 صورة بوشكين وغوركي على صفحتها الاولى دائما , جنبا لجنب مع تسميتها , وذلك لان بوشكين اقترح اصدارها آنذاك, وصدرت فعلا عام 1830 وكان بوشكين محرر صفحة الشعر فيها , الا انها توقفت عن الصدور عام 1831 , أما غوركي فقد اقترح اعادة اصدارها عام 1929 في الاتحاد السوفيتي باعتبارها صحيفة ترتبط باسم بوشكين, وعادت فعلا للصدور حسب اقتراح غوركي, ولم تتوقف منذ ذلك الحين و لحد الوقت الحاضر . الحديث يدور هنا طبعا و حسب عنوان مقالتنا عن صحيفة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية , والتي يعرفها القارئ العربي جيدا الان , بحيث لم نعد نكتب له ترجمة تسميتها الى العربية - ( الجريدة او الصحيفة الادبية ) كما كنا نفعل سابقا , عندما نكتب عنها او نترجم من موادها الثقافية المتنوعة . وتعميقا لمعرفة القارئ العربي بهذه الصحيفة و تاريخها , نحاول هنا ان نقدّم بعض الملاحظات عنها , و التي نرى – من وجهة نظرنا - انها طريفة ومهمة اولا ,  و  نظن , ثانيا , ان القارئ العربي لا يعرفها عن هذه الصحيفة , ونعتقد بشكل عام , ان هذه الملاحظات تزيد من معرفة القارئ بالثقافة الروسية ومصادرها .   
ا نتوقف عند نقطة ترتبط بعدد النسخ التي تطبعها هذه الصحيفة , اذ توجد ارقام طريفة حول ذلك , وهذه الارقام هي مؤشّر لا يقبل الشك على نجاح او فشل تلك الصحيفة . كان العدد في عام 1930 هو 60 الف نسخة , و في عام 1962 اصبح 300 الف , وفي عام1973 ارتفع الى مليون و نصف مليون نسخة , وفي عام 1982 اصبح 3 ملايين  , وفي عام 1989 اصبح 6 ملايين ونصف المليون, وفي عام 1991 انخفض الى مليون ونصف , وفي عام 1993 اصبح 2 مليون , وفي عام 2010 تراجع الى150 الف فقط , وفي عام 2013 اصبح 148 الف نسخة .
ان النظرة التحليلية البسيطة على هذه الارقام ترسم لنا صورة ناطقة ( ان صحّ التعبير) لهذه الصحيفة . لقد بدأت الصحيفة برقم معقول و متواضع بالنسبة لبلد مثل الاتحاد السوفيتي في الثلاثينات - (60) الف نسخة , وتحوله الى (300) الف نسخة في الستينات ايضا رقم منطقي ومفهوم , اذ اصبح الاتحاد السوفيتي اكثر استقرارا بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية والتغيرات المعروفة بعد وفاة ستالين والتي تسمى مرحلة ذوبان الجليد , ولكن هناك طفرة مدهشة وغريبة حدثت في السبعينات , عندما وصل الرقم الى ( مليون ونصف) نسخة , وتضاعف الرقم في الثمانينات – (3 ملايين) نسخة , وفي نهاية الثمانينات اصبح ( 6 ملايين ونصف) , وهي ارقام ضخمة وكبيرة جدا بالنسبة لصحيفة تعنى بالادب والفن , وتعتبر لسان حال اتحاد الادباء السوفييت ليس الا. صحيح ان الصحيفة اصبحت اوسع من الاهتمام بقضايا الادب فقط , وأخذت تتناول مواضيع حادة مطروحة امام المجتمع , بما فيها السياسة والاقتصاد , الا ان الاهم , هو ان ( ليتيراتورنايا غازيتا ) قد تحولت الى منبر للتعبير عن تطلعات المواطن السوفيتي نحو التعايش الفكري و الحضاري مع العالم المحيط به خارج مفاهيم الشعارات المعلبة والجاهزة , التي كانت (تخنقه!) , والتي ضجر منها حد القرف. اكرر الارقام مرة اخرى – في السبعينات مليون ونصف, في بداية الثمانينات 3 ملايين , في نهاية الثمانينات 6 ملايين ونصف , واذكّر القارئ , ان انهيار الاتحاد السوفيتي حدث عام 1991 . لقد استطاعت هذه الصحيفة ان تعكس كل تلك التغييرات الجذرية التي حدثت في المجتمع السوفيتي دون ان تتحول الى صحيفة سياسية تتابع الاحداث وتلهث خلفها ليس الا , وقد كنت شاهدا , عند زياراتي المتكررة اثناء العطل الصيفية في السبعينات والثمانينات الى روسيا , كيف كان القراء السوفييت يحصلون على اعداد تلك الصحيفة بصعوبة , وكيف يتجمعون عند اكشاك الصحف للحصول عليها قبل نفاذها, وقد اضطررت انا للاشتراك بها , اذ لم يكن بمقدوري ان اتنافس مع السوفييت للحصول عليها , وقد استفدت من ذلك الاشتراك بها كثيرا , لأني كنت اترجم مقالاتها اول باول في العراق , واختتم هذه الملاحظات عن الصحيفة بالاشارة الى بعض  المقالات , التي لازلت اتذكر عناوينها , والتي ترجمتها من تلك الصحيفة و نشرتها في صفحة (آفاق) بجريدة الجمهورية البغدادية عندما كان الصحافي العراقي الكبير محمد كامل عارف يديرها , ومنها – ( دالي يقول للحقيقة – كش ملك ) و ( نقاش مثل حبل طويل مع رسول حمزاتوف ) و ( حوار بين طبيب روسي وطبيب امريكي حول قول الحقيقة للمريض ) و ( الحرية – يا لها من كلمة حلوة ) ..الخ , وكنت حتى اعطي بعض تلك المقالات لزملائي كي يترجموها وينشروها باسمهم لأنه لم يكن باستطاعتي القيام بكل ذلك بمفردي .
صحيفة ليتيراتورنايا غازيتا الان اصبحت واحدة من الصحف الروسية الاعتيادية , ولم تعد تطبع اعدادها بتلك النسخ الهائلة طبعا , ولكنها لازالت تمتلك بريقها العتيق ومجدها التليد ...     

360
المنبر الحر / دستويفسكي وغوغول
« في: 06:31 27/04/2019  »

أ.د. ضياء نافع
يربط القارئ العربي غالبا هذين الاسمين الكبيرين في الادب الروسي بالقول الشائع , الذي ينسبونه لدستويفسكي – ( كلنا خرجنا من معطف غوغول), وهو تبسيط التبسيط للحديث عن علاقة هذين الكاتبين في اطار علم الادب المقارن , ويذكرني بما قاله لي مرة احد معارفي , عندما سألته عن انطباعاته حول العاصمة النمساوية فيينا التي زارها,  والذي أجابني قائلا – ( ليالي الانس في فيينا // سمعها الطير بكى وغنّى ) , وقد قهقهت عندها , وقلت له , انه من المؤكد , ان اسمهان نفسها تعرف جيدا , ان الطير لا يبكي ولا يغنّي اولا , و تعرف ثانيا , ان الطير ينام طوال الليالي بغض النظر عن اي انس يجري في زوايا تلك الليالي و شعابها.
لقد كتبت مقالة قبل سنوات طويلة بعنوان – ( هل خرج دستويفسكي من معطف غوغول ؟) ويمكن الرجوع اليها طبعا , وتحدثت فيها بالتفصيل عن ذلك القول , و ذكرت في نهاية المقالة المذكورة كيف اني استمعت الى محاضرة ألقاها بروفيسور سوفيتي في باريس نهاية ستينات القرن العشرين عن هذا القول , بعد بحث وتمحيص طويلين له حول اوليّات ذلك , وكيف فنّد الرأي القائل , ان دستويفسكي كتب هذا القول . استجدت بعد ذلك عناصر جديدة اخرى باللغة الروسية حول هذا الموضوع , منها ما نشرته مجلة ( قضايا الادب) الروسية , وما  تم نشره في المعجم الكبير للتعابير والاقوال المتداولة تحت جملة – ( كلنا خرجنا من معطف غوغول) ...الخ , وكل هذه المصادر تشير بالاجماع الى ان دستويفسكي لم يكتب هذه الجملة , وانها وردت في كتاب أحد الباحثين الفرنسيين حول الادب الروسي ليس الا, ولا مجال هنا للحديث التفصيلي عن كل ذلك طبعا .
دستويفسكي وغوغول والمقارنة بينهما – موضوع عميق جدا في تاريخ الادب الروسي ( يكفي فقط ان نشير مثلا الى موضوعة مدينة بطرسبورغ وانعكاساتها في نتاجاتهما الادبية)  , وهو موضوع عميق ايضا في تاريخ الفلسفة الروسية  ( ويكفي فقط ان نشير مثلا الى موضوعة الكنيسة الارثذوكسية الروسية في مفاهيمهما ودورها الذي ينبغي ان تؤديه في المجتمع حسب رأيهما) . لقد ابتدأ موضوع المقارنة بينهما واقعيا منذ ظهور دستويفسكي في دنيا الادب الروسي , اذ أسماه الشاعر والصحافي الروسي الكبير نكراسوف ( غوغول الجديد ) عندما تكلم عنه مع بيلينسكي , أما بيلينسكي نفسه , فقال , ان ( غوغول هو الاب لدستويفسكي) , وكل ذلك طبعا في بداية ظهور دستويفسكي , اي قبل اعتقاله من قبل السلطة القيصرية والحكم عليه بالاعدام , ثم الغاء هذا الحكم ونفيه الى سيبيريا بدلا عن الاعدام , وهي وقائع معلومة في تاريخ روسيا وادبها , اما دستويفسكي بعد العودة من سيبيريا , ومسيرته الادبية الجديدة , ووصوله الى القمة والعالمية , فان الامر يختلف طبعا , اذ يدأ النقاد والباحثون يتناولون مبدأ المقارنة بين دستويفسكي وغوغول  باعتبارهما  قمتين من  قمم الادب الروسي والعالمي ايضا , وهناك مجموعة من الدراسات المعمّقة في هذا الخصوص , منها على سبيل المثل وليس الحصر كتاب كامل صدر عام  1921 في روسيا بعنوان – ( دستويفسكي وغوغول ) من تأليف تينيانوف ( تأملوا سنة اصدار الكتاب , عندما كانت روسيا تتبلور لتوّها بعد ثورة اكتوبر 1917 وتتحول الى دولة الاتحاد السوفيتي)  , ومؤلف الكتاب تينيانوف هو احد الادباء الروس واحد  نقاد الادب البارزين في مسيرة الادب الروسي آنذاك , وتعدّ كتبه – ولحد الان - مصادرمعتمدة للباحثين , وخصوصا عن اعلام الادب الروسي في القرن التاسع عشر مثل بوشكين وغريبويديف وغيرهم . من الممكن طبعا الاشارة الى مصادر روسية اخرى تناولت موضوع المقارنة بين غوغول ودستويفسكي من مختلف الجوانب , منها ان دستويفسكي حاول ان يحاكي غوغول ( وفق اساليب مخفيّة وغير مباشرة ) كي يقارعه فنيّا ويصبح بنفس مستواه , مثلما حاول غوغول ان يحاكي بوشكين ( وفق تلك الاساليب ايضا) كي يصبح بنفس مستواه , ولكن هذا الجانب غير الواضح وغير المباشر يحتاج الى اثباتات وبراهين عميقة و موضوعية, ويخضع كل ذلك طبعا الى وجهات نظر شخصية للباحثين مختلفة و متباينة, بل وحتى متناقضة بعض الاحيان . اختتم العرض الوجيز لهذا الموضوع المهم في علم الادب المقارن بالاشارة الى وجود فلم وثائقي روسي بعنوان – ( غوغول و دستويفسكي ) , وهذه ظاهرة نادرة في الدراسات المقارنة .
دستويفسكي وغوغول – موضوع كبير ومهم في تاريخ الادب الروسي وفي علم الادب المقارن , وقد انعكس باشكال مختلفة في مسيرة النقد الادبي الروسي نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين , وفي النقد الادبي السوفيتي , ولازال مطروحا لحد الان , وكم نحتاج – نحن العرب – الى متابعة هذا الموضوع وغيره من اجل ان نتفهم تاريخ الادب الروسي وخصائصه ... .

361

أ.د. ضياء نافع

ورد اسم علي الشوك في كتاب المستعربة الاذربيجانية الروسية الدكتورة  الميرا علي- زادة الموسوم ( الادب الروسي والعالم العربي)  و الصادر عام 2014عن معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية . لقد ذكرته المستعربة علي – زادة  ضمن اسماء الادباء والباحثين العراقيين , الذين ساهموا بالكتابة عن الادب الروسي , وقد أشرت اليهم جميعا في مقالاتي عن هذا الكتاب الروسي المهم في تاريخ العلاقات الادبية العربية - الروسية ( انظر مقالاتنا بعنوان – العراقيون في كتاب الادب الروسي والعالم العربي 1,2,3,4,5 ) , وتوقفت في تلك المقالات عند بعض الاسماء, وناقشت مؤلفة الكتاب بشأن ما ورد عنهم في كتابها , ولكني لم  استطع طبعا ان اتوقف بالتفصيل عند كل الاسماء العراقية هناك ومن جملتهم علي الشوك , هذا الكاتب المتميّز في دنيا الادب والفكر في العراق المعاصر, والذي ذكرته د. الميرا علي- زاده باعتباره مترجما لمقالتين ليس الا حول الادب الروسي منشورتين في مجلتين عراقيتين هما الاقلام  والثقافة الجديدة , وهذا طبعا لا يتناسب بتاتا ومكانة علي الشوك في هذا المجال . لقد أشرت بشكل عابر جدا الى ان الشوك قدّم مساهمات عميقة حول عدة اسماء كبيرة في الادب الروسي , ومن جملتهم أخماتوفا ,  واريد هنا ان اتحدث حول مقالته عن الشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا فقط , والتي جاءت بعنوان – ( كنت امتلك كل شئ / نموذج عن معاناة اديب زمن الدكتاتورية ) , اذ ان هذه المقالة بحد ذاتها تستحق ان نتوقف عندها فعلا بعمق وتأمّل لتحديد موقف علي الشوك ليس فقط بالنسبة للشاعرة أخماتوفا وحسب, وانما بالنسبة لمجمل الادب الروسي في القرن العشرين , او بتعبير أدق , الادب الروسي في الفترة السوفيتية بالذات .   
يجب الاشارة قبل كل شئ , ان هذه المقالة تحدثت عن أخماتوفا وما حولها من ظواهر تتعلق بالادب الروسي عامة, وقد تطرق الشوك الى تلك الظواهر بقلمه الساحر الرقيق والدقيق والواضح , و بالتالي , فانه يمكن القول , ان هذه المقالة  هي صورة قلمية شجاعة رسمتها ريشة يساري عراقي ( وهو يسمّي نفسه هكذا في تلك المقالة ) عن كل الادب الروسي في القرن العشرين منطلقا من افكاره الذاتية البحتة فقط , ودون ان يأخذ بنظر الاعتبار الآراء الفكرية التقليدية ( الراسخة !!!) في حركة اليسار العراقي والعربي عموما . يتناول الشوك في مقالته تلك مفهوم ( الحزبية في الادب ) , وهو المبدأ الذي كان سائدا طوال الفترة السوفيتية, ويذكر الشوك بصراحة دقيقة و متناهية , ان لينين نفسه قد طرح هذا المبدأ, ويشير الى مقالة لينين المحددة بشأن هذا المفهوم , ويذكر( ان لينين كتب في 1905 مقالا بعنوان ( التنظيم الحزبي وادب الحزب) . اصبح هذا المقال وثيقة ( مقدّسة) , جاء فيها , ان الادب ينبغي ان يخضع بالكامل للاهداف السياسية , ويصبح اداة للدعاية الثورية , الادب ينبغي ان يخضع للايديولوجيا الثورية . أنا كيساري احزنني جدا ما لقيه المثقفون الروس من معاملة ..) . لقد كان الشوك رقيقا ومؤدبا جدا ومتواضعا, ولم يقل بشكل مباشر , انه لا يتفق مع لينين في طرحه لتلك المفاهيم , ولكنه قال – ( انا كيساري احزنني جدا ما لقيه المثقفون الروس من معاملة ..) , ويتحدث الشوك في مقالته تلك عن مواضيع انبثقت بالذات من سيطرة هذا المفهوم على مسيرة الادب الروسي , ويذكر مثلا موقف ماياكوفسكي , وهو شاعر الثورة الاشتراكية كما هو معروف في الاوساط اليسارية , ويقول الشوك عنه , ان ( ماياكوفسكي المسكين انتحر لانه لم يتحمل وضعه كمصفق للنظام ) , وهي جملة عابرة جاءت في ثنايا تلك المقالة , لكن تسمية ماياكوفسكي ب ( المسكين!!!) وربط انتحاره برفضه ان يكون ( مصفقا للنظام ) ,  تعبّر بلا شك عن رأي جرئ جدا وواضح المعالم حول انتحار ماياكوفسكي , وهذا رأي لم يتقبله النظام السوفيتي وايديولجيوه , ولم يعترفوا به ابدا , ولم يعترف به اليسار العربي ايضا ( نتيجة لذلك الموقف السوفيتي طبعا) , ولكن الشوك يشير اليه بوضوح و بساطة ودقة ودون اي صيغة شك او تردد او عدم قناعة , وهذه كلها كلمات شجاعة وحقيقية يكتبها الشوك بموضوعية هادئة , ويشير بعد الجملة عن ماياكوفسكي الى انتحار الشاعر يسينين ورئيس اتحاد الادباء السوفيت فادييف .
ان مقالة الشوك هي عن أخماتوفا كما ذكرنا أعلاه , ولكن الشوك استطاع بمهنية ومهارة عالية جدا ( دون ان يثير أحدا ضده !)  ان يعبّر عن آرائه بالنسبة لكل سمات الادب الروسي في تلك المرحلة , أما عن أخماتوفا , فقد أشار الى وضعها الصعب ايضا , وقال انه لم يقرأ بما فيه الكفاية شعرها , وبالتالي لم يتكلم عنه , ولكنه تكلم عن تلك القسوة التي تعامل معها النظام السوفيتي آنذاك , وخصوصا في زمن ستالين , واكرر- ختاما - هنا الجملة التي استشهدت بها , وهي التي عبّر فيها الشوك عن حزنه , اذ قال  ( أنا كيساري أحزنني جدا ما لقيه المثقفون الروس من معاملة , مثل أخماتوفا وزملائها ...).
ان الخطوط العامة لافكار علي الشوك هذه تتناسب مع السمات العامة السائدة في روسيا المعاصرة حول تلك الفترة المحددة لمسيرة الادب الروسي بعد أكثر من ربع قرن من انتهاء الاتحاد السوفيتي وايديولوجيته , ولهذا , يمكن القول , ان افكار علي الشوك حول الادب الروسي تلك كانت تنبؤية بشكل عام , وذلك شئ يثير الاعتزاز والفخر بهذا المثقف والكاتب العراقي الكبير...   

362
                        شئ عن متحف تسفيتايفا وبرنامجه الثقافي


ا.د. ضياء نافع

متحف تسفيتايفا في موسكو هو الشقة التي عاشت بها الشاعرة وعائلتها الصغيرة منذ عام 1914 الى عام 1922 (هاجرت بعدئذ من الاتحاد السوفيتي مع زوجها) . و الشاعرة مارينا تسفيتايفا ( 1892-1941 ) هي ابنة بروفيسور جامعة موسكو  ومؤسس متحف الفنون الجميلة  في موسكو واول مدير له  , ووالدتها عازفة بيانو معروفة في روسيا .
 عندما قررت الاوساط الثقافية في روسيا الاتحادية عام  1992 تحويل هذه الشقة الى متحف , تم دمج الشقة المجاورة لها مع المتحف , اي اصبح كل الطابق في تلك البناية متحفا , وأقامت تمثالا رائعا لتسفيتايفا في الشارع امام تلك البناية , وهكذا اصبحت تسمية هذا المكان  – ( بيت – متحف تسفيتايفا ) , ويعدّ واحدا من المتاحف الحديثة نسبيا في موسكو , ويضم الان 45 الف مادة ترتبط بتسفيتايفا وحياتها من رسائل وصور ولوحات وكتب وحاجات شخصية وأثاث ....الخ . لقد زرت هذا البيت – المتحف قبل فترة ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت تسفيتايفا) , وعندما خرجت , طرحوا عليّ سؤالا هو – هل ترغب ان نعلمك بنشاطات متحفنا الثقافية ؟ فأجبت – نعم وبكل سرور , فطلبوا عنواني الالكتروني , وهكذا ابتدأت باستلام برامجهم الثقافية المتنوعة , والمرتبطة طبعا بالادب الروسي ومسيرته. لقد اختتمت مقالتي المشار اليها أعلاه ببرنامج ذلك المتحف عندما زرته آنذاك , وحاولت بعدئذ متابعة نشاطاتهم الثقافية حسب وقتي وظروفي , واليوم استلمت برنامجهم الثقافي لشهر نيسان / ابريل 2019 , ويتضمن خلاصة وجيزة لكل فقرة من فقراته , وكم تأسفت لان ظروفي الان لا تسمح لي بالمشاركة معهم وحضور هذه الفعاليات الجميلة والممتعة حول الادب الروسي , ولهذا قررت اطلاع القراء على بعض فقرات هذا البرنامج بشكل وجيز , اذ في الاقل سيعرف القراء طبيعة هذه البرامج الثقافية , التي يقدمها هذا المتحف للجمهور المتابع لاخبار الادب الروسي , وأظن ان  القراء العرب ربما سيجدون في هذا التعريف الوجيز معلومات مفيدة وجديدة عن الادب الروسي و اعلامه وتاريخه ومسيرته. 
الفقرة الاولى , التي اتوقف عندها في هذا البرنامج جاءت بعنوان – توتشيف وفيت , وهما شاعران عملاقان في تاريخ الشعر الروسي بمنتصف القرن التاسع عشر ( اي بعد بوشكين) . الخلاصة الوجيزة عنهما في ذلك البرنامج تتناول مكانتهما المتميّزة في مسيرة الشعر الروسي , وتأثيرهما بالذات على شعراء العصر الفضي ( وهي تسمية لعشرينيات القرن العشرين تمييزا  لها عن تسمية العصر الذهبي للشعر الروسي , وهو زمن بوشكين) , و تنتقل الخلاصة  للحديث عن انعكاس خصائصهما الفنية في الحياة الثقافية الروسية المعاصرة , وهو موضوع جديد بكل معنى الكلمة , و تختتم الخلاصة عرضها لطبيعة هذه الفقرة بجمل تحمل سمات شعر هذين الشاعرين , وهي كما يأتي – ( ...و كيف كانا يسكبان الهدوء والسكينة على الاصوات وضجيجها , و الليل على النهار , و الاحاسيس على التعقّل...) , و يتساءل كاتب تلك الخلاصة في النهاية  قائلا – هل كانا يمثلان البوذية الروسية العفوية ؟ . وباختصار , فان تلك الكلمات القليلة عن هذه الفقرة في البرنامج الثقافي لمتحف تسفيتايفا تثير القارئ المتابع للظواهر الجديدة في الادب الروسي , وتجعله متلهفا فعلا لحضور هذه المحاضرة العميقة والطريفة في مسيرة الشعر الروسي .
      الفقرة الثانية التي نتوقف عندها قليلا في هذا البرنامج ترتبط بتاريخ المسرح الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( من غريبويديف الى استروفسكي ) . يشير البرنامج الى ان المحاضرة هذه تتناول المسرحيات الكلاسيكية البارزة في هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبيا في تاريخ المسرح الروسي .
الفقرة الثالثة جاءت بعنوان – ( مارينا تسفيتايفا عن الكساندر بلوك ) , وهذا  موضوع كبير لازال النقاد والباحثون يتناولونه , اذ ان علاقة تسفيتايفا تجاه بلوك كانت غير اعتيادية بتاتا , فهي لم تستطع ان تتقبّل امكانية ان تقابله وتتكلم معه اثناء حياته , لأنها كانت تعدّه ظاهرة استثنائية وخاصة جدا بين البشر , ولهذا كانت تخشى اللقاء معه وتخجل وترتبك. لقد كتبت له القصائد وارسلتها اليه ليس الا , واحتفظت بطبيعة هذه العلاقة الروحية الغريبة طوال حياتها , ويشير بعض الباحثين الى ان هذه العلاقة تكاد ان تكون ( الآهية!) .
الفقرة الاخيرة , التي اخترناها من ذلك البرنامج تدور حول الرواية في الادب الروسي , وقد جاءت تحت عنوان – ( المشترك بين ابطال روايات تورغينيف وغانجيروف ودستويفسكي ) , وهو طرح جديد في عالم النقد الادبي الروسي , اذ  يتناول مجموعة مختلفة من الروائيين الروس الكبار , بعيدين عن بعض كليّا من حيث الافكار والاسلوب والاهداف ومسيرة حياتهم بشكل عام.
لقد تحولت بيوت الادباء الروس الكبار الى متاحف تحافظ على تراث هؤلاء الادباء , وتساهم في نفس الوقت بدراسة تراثهم  , ومكانة هذا التراث واهميته في مجمل مسيرة الادب الروسي , ومتحف تسفيتايفا هو واحد من عشرات المتاحف الاخرى في روسيا.
متى نحقق نحن اقامة متاحف لادبائنا؟ ومتى نرى بيوتهم وقد تحولت الى متاحف تحافظ على تراثهم , وتقوم بدراسته ونشره ؟ في بغداد يدور الحديث منذ سنوات طويلة عن بيت الجواهري ولكن..... 
 

363
المنبر الحر / ثرثرة فوق الفولغا
« في: 20:27 19/04/2019  »
                                                        ثرثرة فوق الفولغا


ا.د. ضياء نافع

قال لي فلان الفلاني - بكل جديّة وهو يبتسم بثقة - ان هناك اسرار و تفصيلات مخفية بعناية من قبلك حول مقالاتك العديدة في الادب الروسي , التي تنشرها منذ عدة سنوات في مواقع مختلفة , وقال لي ايضا , ان (الذين يتابعونك , وهم ليسوا بسطاء وانما خبراء ويحملون شهادات علمية عليا من جامعات مرموقة !!!) لا يصدقون بتاتا , انك تكتب كل هذه المقالات شخصيا دون مساعدة اناس كثيرين يقفون سرّا في الظل , وانهم ( اي الذين يتابعوني) على ثقة تكاد ان تكون مطلقة تقريبا, ان هناك مجموعة ليست بسيطة تعمل معك وباشرافك المباشر في اختيار مواضيع تلك المقالات والتخطيط لها و اعدادها وكتابتها وطبعها وارسالها للنشر باسمك , وان دورك في كل هذه العملية الكبيرة هو الاشراف العام فقط ليس الا على نشاط هذه المجموعة , مثلما كانت تعمل بعض دور الترجمة و النشر البيروتية  في الايام الخوالي , وتصدر الكتاب تلو الكتاب باسم مترجم واحد فقط , بينما كان هناك في الواقع الكثير من المترجمين الذين يترجمون باشراف ذلك الشخص ويعملون من اجل تنفيذ خطط دار النشر تلك . ويقول فلان الفلاني ان مسيرة هذا العمل المبرمج والمنظّم بدقة من قبلي – وعبر سنوات طويلة - أخذ  بالتحسن والتطور والتوسع تدريجيا , ووصل   (نتيجة للخبرة في هذه النشاطات الثقافية وتراكمها ) الى حوالي سبع مقالات او حتى تسع مقالات شهريا او أكثر , بعد ان كان في اطار ثلاث او اربع مقالات شهريا ليس الا . ويقول هذا الشخص ايضا, أن هؤلاء المتابعين يتعجبون جدا لانك تخفي هذه المعلومات ( المنطقية!) حسب تعبيرهم , ويقولون , كيف يمكن لشخص واحد ان يكتب ويطبع و ينشر مقالة كل ثلاثة او اربعة ايام تقريبا وهو يتنقل من بوشكين الى ليرمنتوف الى غوغول الى دستويفسكي الى تولستوي الى تشيخوف الى غوركي والى غيرهم من أعلام الادب الروسي , ثم يعود الى هذه الاسماء مرة اخرى ويتناولها من جانب آخر ومن جديد و بكل هذه السرعة والتنوع , ويضيف فلان الفلاني , ان هؤلاء المتابعين - الخبراء يقولون , لو كانت المقالات تلك تتناول المواضيع السياسية لكان الامر مفهوما ومقبولا الى حد ما , وذلك لان الاحداث السياسية تسير متسارعة يوميا وبشكل عاصف بعض الاحيان, وخصوصا في بلادنا غير المستقرة , وبالتالي يمكن الكتابة عن مسيرة تلك الاحداث وتأثيرها على مجمل افراد المجتمع وعلى قواه السياسية العديدة والمتناقضة فيما بينها والمتصارعة على مصالحها المادية قبل كل شئ , ولكن الامر لا يمكن ابدا تصديقه عندما يدور الحديث عن كتابة مقالات حول الادب الروسي واعلامه ومسيرته وظواهره المتنوعة .
لقد تعجبت بشدة عندما سمعت هذا الكلام , وقلت لفلان الفلاني , ان تنظيم هذا العمل مثلما يقول هؤلاء هو – في الواقع - أصعب بكثير من كتابة تلك المقالات نفسها , اذ ان الكتابة عن قائمة الادباء الروس الذين  ذكرتهم , وهي قائمة ثابتة ومعلومة ويمكن لاي شخص ان يتناولها كما يريد ودون ايّة صعوبات لأنها بمتناول اليد كما يقال , أمّا هذا العمل الذي تكلمت عنه , فانه يقتضي ايجاد عاملين شبه دائميين و بمستوى معين من الثقافة و المعرفة والخبرة , وايجاد طريقة للاتصال بهم  في مقرّ او  مكان محدد ولائق للاجتماع معهم وتنظيم عملهم والاشراف عليه, وان كل ذلك يتطلب طبعا تمويلا ماليّا كبيرا يضمن مسيرة العمل المعقّد هذا وديمومته وتنسيق نتائجه, اذ لا يمكن ان تعتمد كل هذه النشاطات الثقافية المتنوعة و تنظيمها على العمل التطوعي فحسب , فقاطعني فلان الفلاني في هذه اللحظة بالذات , وقال  , ان هؤلاء الذين يتابعونك يقولون الشئ نفسه بالضبط , وانهم لهذا يتعجبون جدا من اخفاء هذه المعلومات المنطقية من قبلك ,  بل ويقولون ان الامر على الاغلب واضح جدا , وانك ربما تنسّق بهدوء مع طلبتك الكثيرين من خريجي قسم اللغة الروسية  في كليّة اللغات بجامعة بغداد لتحقيق هذا الغرض .
سألت فلان الفلاني وانا ابتسم  – هل قرأت رواية نجيب محفوظ الجميلة – ( ثرثرة فوق النيل) ؟ فقال لا , ولا اعرفها , فقلت له , اما أنا فأعرفها ومعجب بها , وانني تذكرتها الان ( رغم ان موضوعها  بعيد جدا عن موضوعنا) , لأن هذه الاقوال ثرثرة ليس الا , ويقوم بها اناس يحملون كما تقول شهادات اكاديمية عليا , ولكنهم لا يعرفون , ان كل شهادة ( وهذه معاييراكاديمية عالمية ) تفقد قيمتها العلمية عندما لا يمارس صاحبها العمل في مجال اختصاصه لمدة خمس سنوات , وان هؤلاء ( الخبراء!!!) لا يعملون في اختصاصهم منذ اكثر من ربع قرن ونيّف , وانهم  فقدوا بالتالي جوهر اختصاصهم واهمية شهاداتهم الاكاديمية, وفقدوا حتى التفكير العلمي و المنطق السليم, و لهذا فانهم لا يمارسون الان سوى هذه الثرثرة , التي تعكس عقدهم النفسية العميقة, ولهذا ايضا فانهم يذكّروني بعنوان رواية نجيب محفوظ الشهيرة – ( ثرثرة فوق النيل ) , لأن  كل احاديثهم هذه هي ثرثرة ليس الا, ويمكن ان نطلق عليها تسمية – ( ثرثرة فوق الفولغا ) , مع الاعتذار طبعا من الروائي المصري (النوبلي) الكبير نجيب محفوظ ...       

364
بيلينسكي في روسيا بين الامس واليوم

أ.د. ضياء نافع
كان بيلينسكي ( 1811-1848) في الاتحاد السوفيتي الناقد الادبي
رقم واحد في كل الدراسات والبحوث الادبية , وكان الاستشهاد
باقوال بيلينسكي وافكاره يعني صحة اي موقف من المواقف الادبية
في اي نقاش او حوار يجري حول اي موضوع من مواضيع
الدراسات الادبية تلك بغض النظر عن طبيعتها وتفاصيلها
وأغراضها. وعندما كنّا طلبة في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها )
بجامعة موسكو في ستينيات القرن العشرين , كنّا نوصي بعضنا
البعض اثناء اداء الامتحانات ( وهي شفهية بشكل عام وامام لجان
مختصّة) ان (نقحم!) اسم بيلينسكي في اجاباتنا ونذكر اي قول من
أقواله ونستشهد بها , كي تبدو هذه الاجابات علمية ومقنعة امام تلك
اللجان الامتحانية . لقد كان بيلينسكي رمزا فكريا واضحا لمجتمع
الحزب الواحد
والرأي الواحد , المجتمع الذي انتصرت فيه ايديولوجيا واحدة , ولم
تكن تسمح لأيّة ايديولوجيا اخرى حتى بالتعايش معها وبأي شكل من
الاشكال , (وتوجد لوحة سوفيتية يقف في يسارها بيلينسكي وفي
يمينها رائد الفضاء غاغارين وفوقه العلم السوفيتي يرفرف فوق
برلين عندما دخلت القوات السوفيتية منتصرة بعد انتهاء الحرب
العالمية الثانية ويوجد في وسط تلك اللوحة صاروخ سوفيتي ضخم
, وتجسّد هذه اللوحة كل المفاهيم السوفيتية حول بيلينسكي وموقعه

في الاتحاد السوفيتي ) , وقد تم نصب تمثال له وعدة تماثيل نصفية
في مدينة بينزا الروسية , وتم حتى تسمية مدينة صغيرة باسمه في
محافظة بينزا هذه , وتوجد شوارع وساحات عديدة ومكتبات عامة
تحمل اسمه في العديد من المدن الروسية ...الخ .
انعكس هذا الرأي السوفيتي طبعا على الحركة اليسارية العربية
عموما, فقد اصبح بيلينسكي نجما ساطعا في دنيا النقد الادبي العربي
, وكذلك بالنسبة لنا نحن العراقيين الذين كنّا ندرس الادب الروسي
في موسكو , فقد كتب عنه د. حميل نصيف التكريتي اطروحته في
جامعة موسكو, وكان بيلينسكي جزءا من اطروحة المرحوم د. جليل
كمال الدين عن النقد الادبي الثوري الديقراطي في نفس تلك الجامعة
, وأصدرت المرحومة د. حياة شرارة كتابا في بيروت عن بيلينسكي
ضمن سلسلة أعلام الفكر العالمي , وأذكر – مرة- ان جاء المرحوم
د . عبد الآله أحمد ( الناقد الادبي و الباحث المشهور ) الى قسم اللغة
الروسية وكان غاضبا وزعلانا على د. جميل نصيف التكريتي
الذي كان آنذاك رئيسا لقسم اللغة العربية في كليّة الآداب , حيث كان
يعمل د. عبد الآله , وقال بصوت عال وهو يحاول ان ينتقص من
علميته – لماذا لا ينشر اطروحته عن بيلينسكي ؟ معتبرا ان ذلك
نقيصة في نشاطه العلمي آنذاك , وقد حاولنا جميعا ان نهدّأ من
غضبه وزعله بالطبع ونحن نبتسم , ونقول له , ان د. جميل يستشهد
بافكار بيلينسكي دائما , وان افكار هذا الناقد الكبير تنعكس تلقائيا
على مجمل نشاط التكريتي الادبي حتى دون نشر اطروحتة عنه ,

الا ان د. عبد الآله ( الغاضب على د. جميل نصيف عندها) لم يقتنع
بكلامنا ولم يهدأ.
لكن بيلينسكي لم يكن هكذا عندما ظهر في الساحة الفكرية الروسية
في الثلث الاول من القرن التاسع عشر, وانما كان واحدا من
مجموعة متنوعة الاتجاهات من النقاد والمفكرين الروس في الثلث
الاول من ذلك القرن في روسيا , وكان بيلينسكي ناقدا بارزا وذكيّا
وشجاعا , واصبح مشهورا رغم انه كان عليلا بشكل عام و عاش
37 سنة ليس الا ( وتوفي بسبب مرض السلّ) , واستطاع – مع ذلك
- ان يلعب دورا كبيرا في عالم الادب الروسي آنذاك , وكتب مقالات
عميقة في النقد الادبي عن بوشكين وليرمنتوف وغوغول , وكذلك
عن ادباء روسيا في القرن الثامن عشر , واصبحت كل تلك المقالات
شهيرة في ذلك الزمن بالذات , وأثارت اهتمام الاوساط الادبية في
روسيا آنذاك ولازالت تمتلك اهميتها وقيمتها لحد الان ويدرسها
الباحثون في تاريخ الادب الروسي , ولكنها – مع ذلك - لم تكن
تعني انها الكلمة النقدية الفاصلة والحاسمة , وان اي رأي آخر
معاكس او غير مطابق لها او غير متناسق معها هو خاطئ او غير
صحيح كليّا او جزئيّا , وانما كان باب الاجتهاد مفتوحا على
مصراعيه كما يقولون , وكان هو واحدا من النقاد ليس الا, رغم انه
كان ناقدا متميزا بينهم .
يعدّ بيلينسكي من ضمن اوائل المثقفين والنقاد والادباء الروس ,
الذين كانوا يؤيدون النزعة الغربية ضد النزعة السلافية , وهو

الصراع الفكري الذي سيطر بعدئذ – وبكل وضوح - على مسيرة
الادب الروسي لاحقا وعبر كل القرن التاسع عشر , وعندما حلّ
القرن العشرون وانتصرت ثورة اكتوبر1917, اصبح الرأي
المرتبط بهذه النزعة هو الرأي الصحيح لأنها كانت المضادة للنظام
القيصري , النظام الذي أسقطته الثورة , و اصبح الرأي المعاكس له
غير صحيحا ( اي النزعة السلافية) لانها لم تكن مضادة للقيصرية .
ان هذه النظرة ( المبنية على الموقف السياسي فقط) في الفكر هي
نظرة سطحية بلا شك, لأنها تلغي كل الالوان وتبقي على اللونين
الابيض والاسود فقط , دون ان تفهم , انه حتى اللون الابيض (عندما
نحلله بعمق) يمتلك العديد من الالوان , وهذا موضوع فلسفي
مطروح امام البشرية جمعاء , وكم عانت الشعوب ( بما فيها شعوبنا
العربية) في مسيرتها من هذه النظرة التبسيطية والساذجة ...
بيلينسكي اليوم في روسيا – ناقد ادبي كبير في تاريخ الادب
الروسي , ولكنه ليس الناقد الاوحد . انه جزء مهم وحيوي ورائع
ايضا في مسيرة الفن والادب الروسي والفلسفة الروسية , ولكنه ليس
كل شئ وفوق كل شئ في هذا البحر الفكري الكبير بامواجه الهائلة
والمتلاطمة مع بعض .
هل تتذكرون شعار – لتتفتح مئة زهرة ؟؟ الشعار الذي كنا نراه
معلقا فوقنا , ولكننا لم نراه يمشي حيّا في الشارع معنا وبيننا ...

365
خلاف بين خليل وابراهيم ثم حوار فوئام

أ.د. ضياء نافع

 خليل هو الدكتور خليل عبد العزيز, السياسي المعروف و مؤلف كتاب – (محطات من حياتي) الصادر في بغداد العام 2018 , و ابراهيم هو ألاستاذ الدكتور  ابراهيم خليل العلاف , المؤرخ العراقي الكبير والاستاذ اللامع في جامعة الموصل , والخلاف الذي حدث بينهما هو خلاف فكري بحت حول موقفهم الشخصي من احداث معينة جرت في التاريخ الحديث للعراق كانا ( كلاهما) شاهدين لها وشاهدين عليها كل من موقعه. ولنبدأ قصة الخلافات (الفكرية !) الطريفة هذه من بدايتها , اذ انها – في رأينا - تستحق المتابعة الدقيقة فعلا ( وصولا الى الاستنتاج المنطقي حول ذلك , وهو الهدف الاساسي لهذه المقالة ), فهي خلافات بين علميين من أعلام المثقفين العراقيين المعاصرين , الذين يساهمون (بحياكة!) التاريخ العراقي الحديث وتدوينه للاجيال العراقية الحالية و اللاحقة , وتدوين الاحداث ( مهما كانت صغيرة) بدقة وموضوعية ينعكس – بالتأكيد – على مجمل مسيرة التاريخ العراقي ومصيره , و على نبض الحياة طبعا بالنسبة لحاضر بلادنا و لمستقبلها ايضا , ولنتذكر بيت الجواهري , الذي رسم صورة فنيّة و عميقة لهذه الحالة   –
 ومن لم يتعظ لغد بامس   وان كان الذكي- هو البليد
القصة هذه بدأت عندما كتب العلاف عرضا  جميلا – كعادته دائما لأنه مؤرخ يتابع ويسجّل ما يجري حوله من أحداث – لكتاب  خليل عبد العزيز ( محطات من حياتي ) باعتباره وثيقة مهمة من وثائق العراق وتاريخه, ونشر العلاف هذا العرض في موقع الكتروني معروف وواسع الانتشار , وهذا العرض هو قراءة موضوعية وهادئة وشاملة للكتاب المذكور . في ذلك العرض جاءت نقطة الخلاف الوحيدة واقعيا بين الاثنين , وكانت تدور حول تفاصيل احداث الموصل عام 1959 الشهيرة  , والمرتبطة بحركة الشواف, والتي ساهم بها شخصيا د. خليل عبد العزيز , عندما كان أحد المسؤولين عن التنظيمات الطلابية آنذاك , والتي شاهدها أ.د. ابراهيم العلاف ايضا عندما كان يافعا.
 بعد ان نشر د. ابراهيم العلاف تلك القراءة للكتاب , أجاب د. خليل عبد العزيز عليه بمقالة نشرها ايضا , ودافع طبعا عن وجهة نظره التي جاءت في كتابه المذكور حول تلك الاحداث, وهكذا اصبح الخلاف بينهما علنيا , وقد اضطر العلاف بالطبع ان يجيب بمقالة جديدة يناقش فيها ذلك , و عاد  عبد العزيز وكتب جوابا على ذلك الجواب , وهكذا أصبح لدينا مجموعة مقالات , وهي - عرض للكتاب بقلم العلاف وجواب على العرض بقلم عبد العزيز وجواب على الجواب بقلم العلاف وجواب على جواب الجواب بقلم عبد العزيز , وكنت اتابع هذا النقاش بدقّة بين زميلين  أعتّز جدا بزمالتهما , وبغض النظر عن رأيّ الشخصي الخاص حول ذلك الخلاف, فقد كنت ارى في تلك النقاشات بينهما المستوى الرفيع  والعفيف والنبيل للتعبير عن تلك الخلافات , فلا يوجد تشنج ولا عصبية ولا اتهامات ولا احكام حادة تجاه البعض , وكان كل باحث يعرض بهدوء رأيه الخاص به, مع التأكيد على احترام الرأي الآخر رغم الاختلافات غير البسيطة بين الاثنين , وهذه مسألة كبيرة جدا في زماننا الردئ هذا , حيث نرى النقاشات (البذيئة والوسخة!) مع الاسف الشديد جدا, والتي يعطّ منها الاندفاع الذاتي الوقح, و الذي ينطلق من المصالح الشخصية البحتة , والمنافع المادية ليس الا , وكل ذلك يجري طبعا ( برعاية !!!) من جهات واضحة المعالم ...
ونعود الى قصة هذا الخلاف بين خليل وابراهيم ( التزاما بعنوان مقالتنا طبعا) , فقد انقطعت  أخباره عنّي رغم اني كنت اتابعه بدقة , واستفسرت عن ذلك , فجاء الجواب من الزميل الدكتور خليل نفسه , اذ تبين انه زار العراق , ومن الطبيعي انه يجب ان يمرّ حتما بمدينته الحبيبة الموصل , وطنه الصغير ومسقط رأسه, ولكن هذا المرور كان لمدة يوم واحد فقط لا غير , اذ لم تسمح ظروفه باكثر من ذلك , ومع هذا , فقد اراد ان يلتقي بالدكتور ابراهيم  الذي يسكن هناك, ولكن كيف ؟ وهكذا قرر ان ( يجازف!) ويبعث اليه بخبرعن رغبته تلك بحذر شديد وبوجل طبعا , واذا بالدكتور ابراهيم يستجيب للمقترح رأسا وبحماس منقطع النظير , وهكذا تم اللقاء في بيت الدكتور ابراهيم نفسه , وفي هذا اللقاء الجميل تحدثا عن تلك المقالات والخلافات , وتم ( تسويتها!!!) بنفس تلك الروحية الانيقة والراقية والنبيلة , التي تحدث بين المثقفين الحقيقيين , الذين توحّدهم روحيّة عراقيتهم الاصيلة وعراقة اصالتهم العراقية وجذورهم الوطنية في اعماق الارض العراقية . وهذا هو الاستنتاج الذي أشرت اليه في بداية هذه المقالة , وهذا هو الهدف من كل هذه السطورالتي أكتبها , والتي أريد في نهايتها ان أحيي الدكتور خليل , الذي كتبت عنه العديد من مقالاتي , ومنها مثلا – ( خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز بحلقتين / كتاب نصف قرن بالروسية ..وغيرها ) , وكذلك اريد ان أحيي الاستاذ الدكتور ابراهيم  خليل العلاف , الذي أعرفه منذ سنوات النشر في جريدة الجمهورية البغدادية في سبعينات القرن العشرين , والذي اقترحت مرة عليه ( عندما كنت مديرا لمركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونش الروسية بداية القرن الحادي والعشرين هذا) اصدار كتاب بتأليفه عن المركز, يعرّف الروس بعدة شخصيات عراقية , وأذكر استجابة د. العلاف السريعة لهذا المقترح , وكيف انه أرسل لي فعلا المواد الاولية عن هؤلاء الاعلام العراقيين , وكم تأسفت آنذاك لان مركزنا لم يستطع تحقيق ذلك المقترح الرائد , والذي لازلت لحد الان أحلم بتحقيقه مستقبلا ضمن خطط دار نوّار للنشر.       

366
المفكّر و الفيلسوف غوغول
أ.د. ضياء نافع
  غوغول هو احد الادباء الروس الكبار الذين دخلوا في تاريخ الفلسفة الروسية ( انظر مقالتنا بعنوان – الادباء الروس في تاريخ الفلسفة الروسية) , وتوجد الكثير من المصادر الروسية ( من كتب وبحوث و مقالات ... الخ) تتناول طبيعة فلسفتة وتحلل  خصائصها و تدرسها, و تطلق تلك المصادر عليه بشكل مباشر وواضح وصريح تسمية - ( الفيلسوف غوغول ) , لكن غوغول يرتبط ايضا بتسمية اخرى ( و موجودة ايضا في العديد من المصادر الروسية) , وهذه التسمية هي – ( المفكّر غوغول ) . لا يوجد بالطبع تناقض او تنافر  بين التسميتين , بل انهما ينسجمان ويتناغمان في الواقع معا , فالفيلسوف هو مفكّر , والمفكّر - فيلسوف , ولكن هذه الحالة ( اي ثنائية التسمية) لا تبدو بمثل هذا الوضوح مع دستويفسكي وتولستوي ولا تظهر متلازمة مع اسميهما في المصادرالروسية , وهما – كما هو معروف - الاسمان الاكثر سطوعا بين الادباء الروس في تاريخ الفلسفة الروسية ومسيرتها . مقالتنا هذه  تتوقف  قليلا عند هاتين التسميتين حول غوغول, وتحاول تعريف القارئ العربي بهذا الموضوع الطريف والكبير والمهم ايضا في تاريخ الادب الروسي ( التعريف ليس اكثر, لأن الموضوع اكبرمن سطور مقالة محدودة ) , وذلك لان  غوغول هو احد الاسماء المشهورة والمعروفة لهذا القارئ , بل وحتى  يمكن القول , انه من جملة الادباء الاجانب ( وليس فقط الروس ) الذين يتعامل القارئ العربي والمبدع العربي ايضا معهم بحب وتعاطف و ابداع , ويحوّر نتاجاته الى اعمال ادبية وفنيّة تعكس مشاكل العالم العربي نفسه , ولنتذكّر فقط مسرحيته الشهيرة ( المفتش العام) كمثال على ذلك , والتي تحوّلت الى اعمال مسرحية وتلفزيونية في عالمنا العربي , او كانت  تتمحور حول الفكرة الرئيسية في تلك المسرحية او تقتبس منها وتتم عملية تحويلها و توليفها , وبالتالي جعلها ذات طابع عربي يرتبط بالواقع العربي ويعالجه من وجهة نظر محددة و دقيقة , ومازلت اتذكر , كيف ان المرحومة أ.د. حياة شرارة كتبت مقالة طريفة وعميقة ونشرتها في جريدة الجمهورية آنذاك حول مسلسلة تلفزيونية مصرية بثّها في حينها تلفزيون بغداد مقتبسة من مسرحية غوغول – ( المفتش العام) , وقد دخلت هذه المقالة الان ضمن تراث المرحومة حياة شرارة.
 لم يكن غوغول - منذ بداياته الادبية – يكتفي بنشر النتاجات الادبية البحتة فقط ( ان صحّت صفة البحتة هنا ) , بل كان يحاول ايضا ان ينشر و يطرح افكاره النظرية العامة , و هي افكار مرتبطة بدور الادب والفن عموما بمسيرة الحياة الاجتماعية , و هو جوهر البحث الفلسفي لغوغول , ولهذا , فان النقاد يرون ( وهم على حق ) , ان هناك جانبان او نشاطان يسيران معا في نتاجات غوغول – جانب ادبي يكمن في السرد الفنّي (نتاجاته النثرية العملاقة وابداعه المتميّز فيها ) , وجانب آخر يكمن في الفلسفة ( نتاجاته التأملية حول دور الادب والفن عموما في جوهر الحياة الاجتماعية وافكاره الدينية والاستيتيكية عن هذا الدور) . لقد أدى هذا الانشطار ( ان صحّ هذا التعبير) في مسيرة غوغول الابداعية الى التصادم بين الجانبين في نهاية المطاف , بل و الى تناقض صارخ بينهما في اعماق روحه, بحيث ان غوغول وصل الى قرار فكري خطير( لم يتكرر في تاريخ الادب الروسي ) , وهو ان يحرق الجزء الثاني باكمله من روايته الارواح الميتة قبل رحيله الابدي , الجزء الذي كتبه طوال سنوات مكوثه في ايطاليا , والذي كانت كل روسيا المثقفة تنتظره واقعيا, اي حدث في اعماق روحه انتصار الجانب الفلسفي على الجانب الفني في مسيرة ابداعه , اي انتصر غوغول الفيلسوف والمفكّر على غوغول الاديب والفنان في عملية الانشطار الفكري الذي كان يعاني منه غوغول, والذي كان واضحا جدا عندما أصدر كتابه الاخير(  مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) , وهو الموقف الذي شجبه بيلينسكي في رسالته المشهورة له آنذاك – (انظر مقالتنا بعنوان  -حول  بيلينسكي ورسالته الى غوغول )  . وتشير المصادر الروسية الحديثة والمعاصرة الآن , الى ان بيلينسكي لم يستوعب ولم يفهم هذه الظاهرة الفكرية الفلسفية العميقة , التي حدثت في مسيرة غوغول ( وهو عكس الموقف الفكري السوفيتي تماما من هذا الحدث, ولا مجال للتوسع أكثر حول ذلك في اطار مقالتنا هذه )  , وان رساله بيلينسكي تلك الى غوغول هي دليل واضح على ذلك ( اي عدم استيعاب بيلينسكي لتلك الظاهرة المرتبطة بغوغول وعدم فهمها) . ان هذه الرسالة في نهاية المطاف هي تأكيد على ان غوغول وليس بيلينسكي هوالذي انتصر في تلك المعركة الفكرية التي حدثت بينهما , والتي بدأها بيلينسكي نفسه , و كان غوغول مدافعا عن نفسه ليس الا ضد هذا الهجوم .
المفكّر والفيلسوف غوغول لايزال حيّا في أجواء الفكر والفلسفة الروسية , مثلما لايزال حيّا في مسيرة الادب الروسي , وكم نحن بحاجة الى الدراسة المعمّقة في ابداع هذا المفكّر والفيلسوف والاديب ... 

367
روسيا تحتفل بالذكرى 250 لميلاد كريلوف
أ.د. ضياء نافع
اسميناه في مقالة سابقة لنا - ( ابن المقفع الروسي ) ( انظر مقالتنا بعنوان – كريلوف ابن المقفع الروسي ) لأنه يذكرنا – نحن العرب – بابن المقفع الذي ترجم لنا الكتاب الخالد ( كليلة ودمنه ) , اذ ان كريلوف ايضا ترجم وقدّم للقراء الروس ( كليلتهم الخالدة ) , كما يطلقون عليه في روسيا بعض الاحيان تسمية (لافونتين الروسي) , لأنه ترجم حكاياته الخرافية واساطيره الى الروسية  , ولكنه كان و سيبقى طبعا بالنسبة للروس كما يسميه الجميع في روسيا – الجدّ كريلوف , المحبوب والمفهوم من قبل الصغار والكبار معا( وهي ظاهرة قلما تحدث في  تاريخ الآداب عند الشعوب بشكل عام ) , وها هي روسيا تحتفل هذا العام (2019) بالذكرى 250 على ميلاد (جدّها!) , وهي تتذكر مقاطع خالدة من حكاياته الخرافية واساطيره , والتي تحولت مقاطع كثيرة منها الى أمثال وحكم يستخدمها الروس ويستشهدون بها لحد الان في مسيرة حياتهم اليومية , لدرجة , ان جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا ) الروسية الاسبوعية قد نشرت على صفحتها الاولى في عددها الصادر بتاريخ 13- 19 شباط / فبراير 2019 مانشيتا رئيسيا كبيرا لها بعنوان – (جدّ كل الروس كريلوف  بلغ من العمر 250 سنة) , وتحت هذا المانشيت البارز نرى جزءا من صورة لتمثاله الشهير مع مقطع من حكايته الخرافية عن اربع حيوانات تريد ان تعزف الموسيقى (كفرقة رباعية) ولكنهم لا يستطيعون, وكل واحد منهم يقول , ان السبب يكمن في  انهم يجلسون بشكل خاطئ , وكل واحد يوجّه الاخرين كيف يجب ان يجلسوا , ولكن بلا نتيجة, الى ان يأتي البلبل ويقول لهم الحقيقة في نهاية الحكاية ( والتي اصبحت مثل روسي شهير ),  و الحقيقة البسيطة تلك هي جملة يقول فيها  البلبل –
وانتم ايها الاصدقاء
كيفما تجلسون
كموسيقيّن لا تصلحون
وقد تم نشر هذا المقطع في جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا) على خلفية صورة لصالة كبيرة مليئة بالجالسين امام اجهزة الكومبيوتر وهم يمارسون عملهم , ولا تحتاج هذه الصورة الى تعليق طبعا , اذ ان معناها واضح , فهي تشير الى مؤسسة هائلة يجلس فيها مئات العاملين امام اجهزة الكومبيوتر يوجهون بها الامور , ولكنهم لا يصلحون لادارة تلك الشؤون رغم مظاهرهم واجهزتهم , كما لم تكن تلك الحيوانات ( ومنهم حمار ودب) تصلح لعزف الموسيقى كفرقة رباعية بغض النظر عن امتلاكهم للآلات والنوتات الموسيقية المدوّنة والمثبّتة امامهم وكل المستلزمات الاخرى .....
وكريلوف ليس مجهولا لدى القراء العرب , رغم اننا لا نستطيع القول – مع ذلك - ان معرفتنا لابداعه متكاملة . لقد قدّم المترجمون  لدينا  بعض حكايات كريلوف الى القراء العرب , ومنهم غائب طعمه فرمان وامين سلامة مثلا ,  لكن ما قدموه من نتاجاته هو في نهاية المطاف قليل جدا , ولا يتناسب مع مكانته الرفيعة والمتميّزة في الادب الروسي بلا شك , ولا يعرف القارئ العربي طبعا , لماذا قال عنه  شمس الشعر الروسي بوشكين , انه ( اي كريلوف)  – ( أكثر شعرائنا وطنية وأعظمهم شعبية ) , ولا يعرف القارئ العربي ايضا موقعه الحقيقي في مسيرة الادب الروسي , بل اني وجدت بعض الباحثين العرب يشيرون الى ان كريلوف هو ( مناضل !) ضد النظام القيصري الجائر , وانه كان ( مضطهدا) , وانه كان ( مضطرا) لكتابة حكاياته الرمزية واساطيره تلك ...الخ من الكتابات  العامة التي يكتبها هؤلاء ( الملكيون أكثر من الملك !) , ولم يسأل هؤلاء انفسهم , لماذا يقرأ الروس نتاجات كريلوف لحد الان , رغم ان النظام القيصري قد انتهى منذ عشرات السنين , وان الانسان الروسي المعاصر لا يعرف ( لا هو ولا اجداده) حتى اسماء هؤلاء القياصرة. لقد كنت – مرّة – شاهدا بمحض الصدفة  (قبل  فترة قصيرة في روسيا) على واقعة حدثت امامي , اذ قال مواطن روسي (وهو في حالة غضب) الى شخص آخر كان يتحدث معه – ( لقد تصرّف معي مثل الذئب مع الحمل عند جدنا كريلوف , لأن الضعيف مذنب دائما امام القوي بغض النظر عن كل منطق!) , وقد سألت صديقي الروسي الذي كان يشاهد هذه الواقعة ايضا – ( هل يعرف هذا الروسي , ان الاغريقي ايسوب هو الذي كتب هذه الحكاية قبل ميلاد السيد المسيح , اي قبل أكثر من ألفين  سنة ؟) , فضحك صديقي الروسي وقال , ولا انا ايضا اعرف ذلك , فهي بالنسبة لنا – نحن الروس - واحدة من الحكايات الخيالية الرائعة , التي كتبها لنا كريلوف بلغتنا الروسية , ولهذا, فاننا سنحتفل في هذا العام (2019) بمناسبة مرور 250 سنة على ميلاده.   

368
مع سائق طاجيكي في موسكو
أ.د. ضياء نافع
يثرثر سائقو سيارات الاجرة من الشعوب السوفيتية سابقا ( وما أكثرهم الان في المدن الروسية الكبيرة ) مع الركاب في موسكو , ويذكروني بالقصص الطريفة عن ثرثرة الحلاقين في مادة القراءة بمدارسنا الابتدائية ايام زمان , وهذا ما حدث معي قبل فترة قصيرة في موسكو, اذ لاحظ سائق سيارة الاجرة ملامحي غير الروسية رأسا , وسألني بفضول واضح وصريح ومباشر – من اين انت ؟ اضطررت طبعا ان اجيبه عن سؤاله ( خصوصا واني لاحظت ان ملامحة وكلامه بالروسية تبينان بوضوح انه ليس روسيّا ), وقلت له اني  من العراق , فصاح باندهاش واضح – آه لو كان المرحوم جدي يعلم , ان عراقي جلس معي في سيارة الاجرة التي أقودها في شوارع موسكو . تعجبت انا طبعا من رد فعله غير الاعتيادي هذا , ومن اندهاشه , ومن مضمون جملته تلك التي قالها لي , وسألته رأسا – وما علاقة جدك بكل ذلك ؟ فقال , لأن جدي قد مرّ في بغداد عندما سافر الى الحج مع مجموعة كبيرة من الحجاج الطاجيك الآخرين, الا ان الباص الذي كان يقلّهم قد تعطّل في بغداد اثناء تلك الرحلة, ولم يستطيعوا تصليحه رغم كل محاولاتهم , وقد احتاروا ولم يعرفوا ما العمل , فنصحوهم ان يتوجهوا الى السلطات العراقية بطلب للمساعدة و بالذات الى صدام حسين, وفعلوا ذلك فعلا , فجاءت المساعدة , وتم توفير باص جيد لهم , واكملوا سفرتهم الى الحج , وانتظرهم الباص العراقي هناك وعاد بهم الى بغداد , حيث وجدوا ان حافلتهم قد تم تصليحها مجانا من قبل السلطات العراقية, وهكذا عادوا الى طاجكستان سالمين , وقد بقي جدي يتحدث عن هذه الحادثة طوال عمره  في البيت وفي كل مكان يحل به , وعندما تم اعدام صدام , كان عند جدي مأتم حقيقي , وكم حاولنا ان نقنعه , ان الشعب العراقي يفكّر بشكل آخر حول صدام , ويعتبره دكتاتورا  قاسيا , ولكن دون فائدة , اذ كان جدي يكرر قصة مساعدته لهم عندما كانوا في رحلة الحج , ويقول لولا صدام لما استطاع لا هو ولا رفاقة من الوصول الى مكة واكمال مراسم الحج ولا الرجوع الى طاجكستان . صمت السائق قليلا , ثم سألني – هل فهمت الان لماذا قلت لك جملتي الاولى عندما عرفت انك عراقي ؟ ابتسمت أنا , وقلت له – نعم فهمت , فارتاح جدا لاجابتي , وأضاف قائلا – ولهذا قلت لك آه لو كان جدي يعرف ان عراقي جلس معي وانني حدثته عن هذه الحادثة المهمة جدا في حياته , ثم  سألني – ما ذا تقول حول هذه القصة , التي نرويها في عائلتنا  دائما و حتى بعد وفاة جدي قبل عشر سنوات من الان ؟ اذ اننا لا نستطيع نسيانها . قلت له ان جدك على ما يبدو كان انسانا بسيطا جدا وساذجا, وانه تأثّر بالحادث طبعا , ولكنه لا يعرف بتاتا ماذا عمل صدام في العراق طوال تلك السنين الطويلة التي حكم فيها , ففرح السائق بجوابي , وقال , اننا جميعا في عائلتنا كنا نقول له ذلك الرأي , ولكنه كان يرفض الاستماع الينا , وانني الان , عندما سأعود الى بيتنا في طاجكستان , سأحكى لهم ماذا قال العراقي الذي جلس معي في سيارة الاجرة في موسكو حول قصة جدي . سألته , وهل ستعود نهائيا الى بيتكم في طاجكستان؟ فأجاب بحسرة – ياليت , اذ ان هناك زوجتي و اطفالي , ولكني أعمل في موسكو لعدم وجود العمل هناك , وان والدي ووالدتي وزوجتي يعملون في طاجكستان , ولكنهم لا يستطيعون العيش حتى بشكل متواضع , ولهذا فانني مضطر ان أعمل سائقا في موسكو لمساعدتهم في العيش , وازور بيتنا في طاجكستان مرة كل ستة أشهر , ولمدة اسبوعين لا أكثر , وأعود الى العمل في موسكو . قلت له , الا تستطيع ان تعمل هناك سائقا ايضا , اذ ستكون عندها قرب عائلتك واهلك , فقال , ان السائق في موسكو يكسب  أضعاف السائق هناك , وانه لهذا يعمل في موسكو , فقلت له , ولكنك تصرف هنا ايضا اضعاف ما تصرفه هناك , فقال لالالا , انا وخمسة من اصدقائي الطاجيك نعيش سويّة في غرفة واحدة صغيرة و متواضعة جدا نؤجرها  في اطراف موسكو لأن الايجارات خارج موسكو أرخص  , ونقتصد في كل شئ , و حتى في اكلنا وشربنا , من اجل ان نساعد عوائلنا هناك , ثم أضاف ضاحكا انه يرتاح فقط  اثناء الاسبوعين تلك , عندما يزور بيتهم في طاجكستان , ويكون  مع والديه وزوجته واطفاله , وتأسف جدا لان الايام الجميلة  في تلك الاسبوعين تمرّ بسرعة مثل لمح البصر .
عندما وصلنا الى العنوان المطلوب , اعطيته اجرته (وبخشيشا ) جيدا ايضا , وقلت له , انها  لشراء هدية متواضعة بهذا المبلغ لعائلتك , وان يقول لهم انها من العراقي الذي لا يؤيد بتاتا  المرحوم جدكم في احاديثه , فضحك وقال , سأحكي لهم ذلك حتما , وستكون هذه القصة الجديدة المرتبطة بالعراق ايضا مهمة جدا في مسيرة حياة عائلتنا  بطاجكستان.

369
صوفي لافيت – الفرنسية الروسية التشيخوفية
أ.د. ضياء نافع
صوفي لافيت – بروفيسورة في جامعة باريس , التقيتها عام 1966 عندما وصلت الى باريس ( بعد انهاء دراستي في الاتحاد السوفيتي) للالتحاق في قسم الدراسات العليا بتلك الجامعة , وقد تحدثت عن هذا اللقاء الطريف في مقالتي بعنوان – ( تشيخوف في العراق وتشيخوف في فرنسا ) , حيث كتبت بالتفصيل كيف ان لافيت قامت ( في ذلك اللقاء الاول معها ) بتدقيق معلوماتي عن تشيخوف , بل يمكن القول انها اجرت لي امتحانا في الادب الروسي من حيث لا ادري ( وهو اسلوب رائع من اساليب التدريس , حيث يتخلص الطالب من حالة التوتر النفسي عند الامتحان , وغالبا ما استخدمته انا لاحقا في حياتي التدريسية في جامعة بغداد) , وكيف سألتني عن بحثها حول تشيخوف , وكيف اني تحدثت لها عن ذلك البحث العلمي لكني لم استطع الاجابة عن سؤالها – ( من هو كاتب ذلك البحث؟)  واجبتها  اني لا اتذكر ذلك الاسم الفرنسي , وكيف خجلت وانحرجت واعتذرت لها عندما قالت لي وهي تبتسم , انها هي التي كتبت  هذا البحث  . بعد ذلك اللقاء (الغريب والحاسم في مسيرة حياتي) وافقت البروفيسورة صوفي لافيت على قبولي في جامعة باريس و ان تكون المشرفة العلمية على اطروحتي في  تلك الجامعة , وقد فرحت انا طبعا وسألتها رأسا – ( متى يجب عليّ ان اؤدي امتحان القبول ؟) , فابتسمت المرحومة صوفي لافيت وقالت لي – ( لقد أدّيت هذا الامتحان الان وبنجاح) , وهي جملة لن انساها مدى الحياة .
  انتهيت من الدراسة عام 1971 , و عدت الى بغداد بعد اكمال دراستي, ثم تراسلت قليلا معها من بغداد, وانقطعت المراسلات واقتصرت على المناسبات , ثم علمت بوفاتها بعد فترة وجيزة .
تذكرت المرحومة صوفي لافيت اليوم ( ونحن في نيسان / ابريل من عام 2019) , بعد ان اطلعت على بحث علمي عميق وجميل كتبه المرحوم البروفيسور في جامعة باريس نيكيتا ستروفه ( الفرنسي الروسي ايضا مثلها ) عن تشيخوف , وجاء هناك اسمها وموقف ايليا ايرنبورغ منها في كتابه عن تشيخوف , والذي ترجمته أنا الى العربية في سبعينيات القرن العشرين , وصدرت طبعته الاولى في بيروت والثانية في بغداد والثالثة في القاهرة دون موافقتي , بل ودون ان أعرف ذلك   . عندما قرأت بحث البروفيسور نيكيتا ستروفه , تذكرت طبعا مشرفتي العلمية المرحومة البروفيسورة صوفي لافيت , وقررت كتابة هذه السطور عنها تحية لذكراها العطرة , و لتعريف القارئ العربي بهذه الباحثة الكبيرة في مجال الادب الروسي في فرنسا .
لا زال اسم صوفي لافيت يرتبط باسم تشيخوف في فرنسا رغم انها رحلت منذ سنوات طويلة , اذ انها مؤلفة كتاب مهم جدا حول تشيخوف بالفرنسية عنوانه – ( تشيخوف بقلمه) , وقد صدر ضمن سلسلة كتب مشهورة جدا في فرنسا تتناول حياة المشاهير استنادا الى ما كتبوه هؤلاء المشاهير من رسائل او مذكرات او اي كتابات اخرى . لقد اثبتت لافيت في كتابها ذاك معرفتها الدقيقة والعميقة والشاملة بابداع تشيخوف وتفاصيل حياته , واستطاعت في كتابها ان ترسم للقارئ الفرنسي صورة تفصيلية لهذا الكاتب الروسي الكبير , مستخدمة مقاطع من رسائله ونتاجاته الفنية من قصص ومسرحيات , اي انها واقعيا أعادت للقارئ صورة تشيخوف كما رسمها هو لنفسه ( دون ان يعرف تشيخوف نفسه بذلك واستغرق برسمها طوال حياته , ولا قارئ نتاجاته كان يعرف بذلك ايضا), أقول , أعادت لافيت رسم صورة الكاتب الروسي الكبير  هذا وعبر تفاصيل دقيقة وصغيرة لا يمكن للقارئ ان يلاحظها حتى عندما يقرأ نتاجات تشيخوف , وبالتالي , فان القارئ (والباحث ايضا) يجد في كتابها هذا كل الاجابات عن اي سؤال يخطر بباله عن تشيخوف , وهذا عمل رائد وأصيل في النقد الادبي وفي علم الادب بشكل عام , عمل لا يستطيع ان يقوم به سوى الباحث الحقيقي الذي يعرف بعمق كل نتاجات تشيخوف ورسائله وما كتبه عنه الباحثون والنّقاد من دراسات وابحاث,  وقد استفدت انا شخصيا منه كثيرا في اطروحتي عن تشيخوف , اذ وجدت هناك تفصيلات صغيرة و لكنها مهمة عن خصائص بعض قصص تشيخوف القصيرة ... وكم نحن بحاجة الى مثل هذه النوعية من الكتب والبحوث بالنسبة لكتّابنا وفنانينا ومبدعينا في عالمنا العربي , كتب يؤلّفها متخصصون عرب حول ادبنا العربي . لقد سألني مرة أحد أقارب الجواهري والمهتمين بالحفاظ على ابداعه , ما هو مقترحي الذي يمكن ان اقدّمه له حول شاعرنا الكبير , فقلت له رأسا – اتمنى ان أرى كتابا بالعربية عنوانه – الجواهري بقلمه , والذي يجب ان يؤلفه أحد الذين يعرفون بعمق ابداع الشاعر الجواهري وتفاصيل مسيرة حياته , وهي مهمة علمية في غاية الصعوبة , ولا يستطيع ان يقدم عليها سوى العلماء .
الرحمة والطمأنينة و السلام لروح هذه الباحثة الفرنسية ( ذات الاصول الروسية), المتخصصة المرموقة في الادب الروسي  , البروفيسورة في جامعة باريس – صوفي لافيت.

370
ثلاثي لينينغراد العراقي
أ.د. ضياء نافع
كان يمكن لعنوان هذه المقالة ان يكون – شبّر/ عارف / القرة داغي , اي حكمت شبّر ومحمد عارف وكامران القرة داغي , وكان يمكن ايضا ان يكون –  ثلاثي لينينغراد العراقي ومصيره , وكان يمكن ان يكون ايضا - و ببساطة - حلقة جديدة برقم جديد ليس الا في سلسلة مقالاتي عن (عراقيين مرّوا بموسكو) , والتي احاول ان اسجّل فيها تاريخ العراقيين , الذين درسوا بروسيا في النصف الثاني من القرن العشرين فصاعدا , والذين لم يكتبوا هم انفسهم – وكما ينبغي ان يكتبوا - عن تجربتهم و تاريخهم الممتع والجديد في مسيرة المجتمع العراقي , وكذلك لم يكتب عنهم – مع الاسف – الآخرون ايضا بشكل عام , ولا عن دورهم اللاحق ( والمبدع ) في مسيرة الحياة العراقية بعد تخرّجهم , والذين ( طمغتّهم! رسميّا وشعبيّا) النظرة العراقية الساذجة جدا ب ( الطمّغة ) ( والطمّغة باللهجة العراقية تعني الختم) الماركسية – اللينينية – الستالينية - السوفيتية , وهي نظرة , أقل ما يمكن وصفها , انها بليدة بكل معنى الكلمة , والتي لازالت الى حد ما قائمة ( وبشكل من الاشكال) رغم انف كل الحقائق الموضوعية (وغير الموضوعية ايضا) مع الاسف الشديد .
ثلاثي لينينغراد تبلور صدفة وفي اطار جامعة لينينغراد العريقة اوائل الستينات من القرن العشرين , اذ تم ارسال هؤلاء العراقيين الثلاثة للدراسة في تلك الجامعة , وهم حكمت شبّر- للدراسة في كليّة القانون ( قسم الدراسات العليا) , ومحمد كامل عارف للدراسة الاولية في كليّة الصحافة , وكامران قرة داغي للدراسة الاولية في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها). جمعتهم قبل كل شئ عراقيتهم طبعا واختصاصاتهم في العلوم الانسانية عامة والسكن في نفس الاقسام الداخلية للجامعة, و لكنهم – مع كل تلك العوامل - اصبحوا قريبين الى بعض بعد ان اكتشفوا ان افكارهم ( واحلامهم الفكرية ايضا ) توحّدهم . يقول البعض انهم جميعا كانوا يساريين , ولهذا اصبحوا قريبين الى بعض , ولكن معظم الطلبة العراقيين آنذاك كانوا يساريين بشكل او بآخر , فلماذا برز هذا الثلاثي اللينينغرادي بالذات؟ . لقد وحدّتهم بذرة الابداع , التي كانت كامنة في اعماقهم , فمحمد كامل عارف كان قاصا عراقيا واعدا وصحافيا حتى قبل ان يصل الى الاتحاد السوفيتي , وحكمت شبر كان يحلم ( في اعماقه ) ان يكون شاعرا , رغم انه كان خريج كلية الحقوق ( هكذا كان اسمها آنذاك) من جامعة بغداد ويملك الحق ان يكون محاميا في العراق , وكامران قرة داغي كان مشروعا لكاتب في مجال الترجمة و الصحافة, حيث يمكن ان يستخدم عدة لغات كان يتقنها آنذاك بشكل رائع , وهي الكردية ( لأنه كردي)  والعربية ( لأنه عراقي) والانكليزية ( لأنه درس في كلية بغداد الشهيرة) , وأضاف الى تلك اللغات عندئذ اللغة الروسية. وساهمت الاحداث التي كانت تحيطهم في الاتحاد السوفيتي بتقريب بعضهم الى البعض ايضا , فبعد انقلاب 8 شباط 1963 تأسست لجنة الدفاع عن الشعب العراقي برئاسة الجواهري الكبير خارج الوطن , واصبح هذا ( الثلاثي!) نواة هذه اللجنة في لينينغراد , ولم يكن ذلك عفويا بالطبع .
بعد انهاء الدراسة , عاد الثلاثي الى بغداد , واصبح الدكتور حكمت شبّر استاذا جامعيا في كلية القانون وصدرت اطروحته بالعربية ضمن كتب وزارة الثقافة والاعلام , واصبح محمد كامل عارف صحافيا بارزا وارتبطت باسمه صفحة (آفاق) التي أسسّها في جريدة الجمهورية البغدادية , والتي لعبت دورا متميّزا ورائدا في مسيرة الصحافة العراقية والثقافة العراقية آنذاك  , واصبح كامران قرة داغي مترجما حرّا في الصحف والمجلات والاذاعة والتلفزيون والمركز الثقافي السوفيتي , مترجما يشار اليه بالبنان , كما يقول التعبير العربي الجميل , اذ ارتبط باسمه عمله الابداعي المستقل كمترجم , اي خارج التعيين الرسمي في الدوائر الحكومية كما كان يسعى الجميع , وهو موقع جديد ومبتكر خلقه كامران نفسه لحاضره ومستقبله . واستمرّت علاقات الصداقة والودّ و التواصل بين ذلك الثلاثي اللينينغرادي في بغداد مثلما كانت في لينينغراد , وكنت شاهدا - من بعيد - على ذلك التواصل الجميل بينهم في بداية السبعينيات ببغداد  , رغم اني لم اكن قريبا جدا – نسبيا- من ثلاثي لينينغراد ذاك .
 لكن الرياح العراقية تجري عكس ما تشتهي سفن العراق المحمّلة بثروات وادي الرافدين , اذ ان مقود تلك الرياح بايدي مراقبين خارج الحدود الجغرافية لدجلة والفرات , وهم الذين يوجّهون اتجاهاتها حسب رغباتهم ومصالحهم , و هبّت تلك الرياح – وبقوّة شديدة - من خارج الحدود  و ( طشّرت) الثلاثي اللينينغرادي العتيد , وليس فقط الثلاثي ...
لازال ( أقطاب!) هذا الثلاثي يتفاعلون مع الحياة بحيوية وابداع كل من موقعه الجديد, ولازالوا يتواصلون مع بعض من بعيد ومن قريب ايضا , رغم ان عواصف تلك الرياح اللعينية فرّقتهم عن بعض ...
كم اتمنى ان أقرأ يوما ما  ذكرياتهم عن مسيرتهم باقلامهم هم , اذ ان هذا يعني , اننا سوف نقرأ  صفحة في غاية الاهمية في تاريخ العراق المعاصر, وصفحة رائعة الجمال في تاريخ المذكرات...

371
تفصيلات صغيرة عن مجلة (قضايا الادب) الروسية
أ.د. ضياء نافع
قال صاحبي , انك لم ترسم صورة تفصيلية ومتكاملة عن مجلة ( قضايا الادب) الروسية في مقالتك عن هذه المجلة المهمة ( انظر مقالتنا بعنوان – عن مجلة  قضايا الادب الروسية) , وان المعلومات التي جاءت في تلك المقالة كانت نظرية بحتة و تخطيطية  فقط  ان صح التعبير, وان هذه المعلومات غير كافية لتعريف القراء العرب تفصيليا وتطبيقيا  بمجلة ادبية تمتلك اهميتها وتاريخها في مسيرة روسيا منذ ان كانت سوفيتية , ثم استمرّت (المجلة) بالصدور في ظل نظام روسيا الجديد ولازالت تصدر لحد الان . وأضاف صاحبي قائلا, ان تلك المقالة واقعيا - (  يتيمة!) بالعربية , اذ لا توجد مصادر عربية كثيرة وكافية تتناول الصحافة الروسية و اصداراتها بشكل عام ولا تتناول ايضا تلك المجلة بشكل خاص , ولهذا فان تلك المقالة جاءت (مبتورة! كما قال صاحبي) وتحتاج الى اضافات تفصيلية و توسيع الجانب التطبيقي والعملي فيها . قلت له , ان المصادر العربية في كل المواضيع الروسية تقريبا غير كافية بشكل عام , وان هذه المهمة الواسعة الآفاق تقع على عاتق الجانبين الروسي والعربي في مجملها النهائي , وبالذات على التعاون بين الدولة الروسية والدول العربية في المجالات الرسمية والشعبية , وانها قضية كبيرة جدا لأنها تتطلب وضع الخطط المسبقة وتوزيع ادوار المساهمة من كل جانب ومسؤولياته المحددة , و لا يستطيع شخص واحد او حتى عدة اشخاص ان ينجزوا هذه المهمة مهما حاولوا ومهما كانت امكانياتهم وطاقاتهم . أتفق صاحبي معي في هذا الرأي , لكنه أضاف , انه كان يمكن لي ان اورد - مع ذلك - امثلة محددة مما تنشره تلك المجلة من بحوث ومقالات  وتعليقات وملاحظات ...الخ كي تكون عند القارئ صورة محددة وامثلة ملموسة عن مضامين تلك المجلة . ضحكت أنا , وقلت له , انني أشرفت على اطروحتين في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , واحدة عن الادب الروسي في مجلة الاقلام العراقية , والثانية عن الادب الروسي في مجلة الثقافة الاجنبية العراقية ( انظر مقالتنا بعنوان – اطاريح الماجستير التي أشرفت عليها ) , وكم كنت أتمنى – بعد الانتهاء من عملنا ذاك - ان يصدر في العراق فهرس متكامل ( فهرس ليس الا) يتضمن اشارة الى عناوين كل المقالات حول الادب الروسي في تلك المجلتين فقط , ومع ذلك لم نستطع تحقيق هذه (الامنية!) رغم انجازنا الاطروحتين بنجاح في حينها , فكيف تريد يا صاحبي العزيز ان أعطيك امثلة عن المقالات والبحوث وغيرها في مجلة (قضايا الادب) الروسية , والتي تصدر منذ اكثر من ستين سنة في روسيا دون انقطاع  ؟ اقتنع صاحبي طبعا بما قلته بشكل عام , لكنه – مع ذلك – أخذ ( ينغبش) كما نقول بلهجتنا العراقية, و سألني , هل استخدمت مواد هذه المجلة في مقالاتك عن الادب الروسي مثلا؟ وكيف؟ واين؟ فقلت له نعم طبعا , لكني لا استطيع  الان الاشارة الى التفاصيل بالضبط , وان ذلك يقتضي مراجعة شاملة ودقيقة لمقالاتي , رغم اني استطيع الان ان اضرب مثلا لاهمية المجلات الادبية الروسية بشكل عام, والمثل هو مقالة لي بعنوان – تولستوي والتولستويون , والتي اخذتها في حينها من مجلة ( نوفي مير) , واردت ان اترجمها كاملة من تلك المجلة لاهميتها واصالتها , اذ انها كانت تتناول مفهوم (التولستوية) في روسيا وانتشارها في بعض الدول الاخرى , اي المفهوم العالمي لنظرية تولستوي الفلسفية وكيف انعكست هذه النظرية في التطبيق العالمي , ولكن ظروفي آنذاك لم تسمح لي بذلك مع الاسف , ولهذا اضطررت ان اعطي خلاصة وافية لتلك المقالة ليس الا , ومع ذلك , فقد استقبلها القراء بايجابية , بل ان مجموعة من طلبتي ( الذين عشقوا اختصاصهم بعد تخرجهم !) لاموني , لان هذا الموضوع المهم لم يكن ضمن مفردات مادة تاريخ الادب الروسي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد عندما  كنت اقوم بتدريس تلك المادة في القسم المذكور آنذاك .
ختاما , ومن اجل الا (يزعل !) صاحبي وربما بعض القراء الاعزاء , قررت – مع ذلك – ان ارفق في نهاية هذه التفصيلات (الصغيرة!) عن تلك المجلة (الكبيرة!) نماذج لعناوين مقالات مختارة ومنتقاة من  العدد السادس لعام 2018 من عمرها ( المديد!) , نماذج لمقالات ارى انها ربما تستحق الترجمة الى العربية , او في الاقل , تستحق الاطلاع والتأمّل , او تستحق التفكير العميق حول مختلف جوانبها , او تستحق طبعا جمعها وترجمتها واصدارها بكتاب خاص يضم مقالات مختارة من مجلة ( قضايا الادب ) , و يضاف الى المكتبة العربية في الادب الروسي , ليكون واحدا من المصادر العربية المهمة للقراء العرب وللباحثين العرب ايضا  في مجال الادب الروسي , وهذه العناوين هي -
   1 - تورغينيف في مرآة علم الثقافة المعاصر
2- اصدارات ( قصائد في النثر) لتورغينيف في فرنسا اثناء حياته .
(كان عام 2018 سنة الاحتفال بالذكرى 200 لميلاد تورغينيف )
3 – ترجمة جديدة مع هوامش ل ( كلمة عن فوج ايغور) ( وهي ملحمة صادرة في القرن الثاني عشر باللغة الروسية القديمة , وتعدّ واحدة من بدايات الادب الروسي . ( وبالمناسبة فقد ترجمها الى العربية في حينها المترجم العراقي خميس حرج نشمي - انظر مقالتنا الرابعة بعنوان المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي)   
4– اوسيب ماندلشتام بين كييف.. ولينينغراد.. ( 1927 – 1929) . المصادر الحقيقية لشعر ماندلشتام ونثره  .
5 – بين كافيرين و بونين  .
6 – الجسر كرمز..في رواية الجريمة والعقاب .
هل تريدون المزيد ؟                                       

372
المنبر الحر / بوشكين و غريبويديف
« في: 15:43 31/03/2019  »
بوشكين و غريبويديف
أ.د. ضياء نافع
عاش الكساندر سرغييفيتش غريبويديف 34 سنة ( 1795 – 1829) , وعاش الكساندر سرغييفيتش بوشكين 38 سنة ( 1799 – 1837 ) ( كلاهما – وياللغرابة - بنفس الاسم واسم الاب !!!) , اي ان غريبويديف كان اكبر من بوشكين اربع سنوات فقط عندما كانا على قيد الحياة, و ليست هذه الفترة كبيرة بين الاثنين , رغم انها انعكست في بداية مسيرة حياتهما بشكل واضح المعالم, اذ لم يشارك بوشكين في الحرب الفرنسية – الروسية ( عندما هجم نابليون على روسيا عام 1812) , فقد كان عمر بوشكين آنذاك 13 سنة ليس الاّ , اما غريبويديف فقد تطوع للمشاركة في الحرب , ولكن كلاهما ذهبا بعدئذ للعمل في وزارة الخارجية الروسية . اصبح غريبويديف سفيرا لروسيا في طهران وهناك قتله  المتطرفون الاسلاميون عام 1829( انظر مقالتنا بعنوان – تمثال غريبويديف في طهران اولا , ثم في موسكو ثانيا) , اما بوشكين فلم يكن ياخذ بنظر الاعتبار عمله في الخارجية , لكنه اصبح مع ذلك (سفيرا في روسيا وفي العالم !) للادب الروسي كما كتب أحد الباحثين الروس وهو يحاول المقارنة بينهما  , وتم قتل بوشكين ايضا في مبارزة مع اللاجئ دانتيس عام 1837 . اتهمتهما الحكومة الروسية بعد حركة الديسمبريين 1825 بالانتماء الى تلك الحركة , وحقّقت معهما ( جرى حتى استدعاء غريبويديف واحتجازه رهن التحقيق لفترة طويلة) , ولكن لم تثبت الحكومة اي شئ ضدهما , وألغت بعدئذ كل الاجراءآت ضدهما بالنسبة لهذه القضية. 
لاحظ الباحثون , ان بطل مسرحية غريبويديف الشعرية ( ذو العقل يشقى , وهي النتاج المركزي له) كان بعمر بوشكين , وان بطل رواية بوشكين الشعرية  ( يفغيني اونيغين , وهي النتاج المركزي له ايضا) كان بعمر غريبويديف , ومن المؤكد ان ذلك جاء بمحض الصدفة ليس الا , الا ان ذلك – مع هذا – اصبح موضوعا للتأمل لدى الباحثين الروس الذين يدرسون موضوع المقارنة بين الاديبين وفي كل المجالات المتنوعة وبالتفصيل, اذ أشار بعضهم , الى ان بوشكين اراد ان يكون بطله في روايته الشعرية تلك ( انضج منه , اي من بوشكين نفسه) , وان غريبويديف اراد ان يكون بطله في مسرحيته الشعرية ( اصغر منه , اي من غريبويديف نفسه). لكن كل نقاط التشابه والتباين في هذه الدراسات الادبية المقارنة ( وما أكثرها طبعا ) بين الاثنين  لم تؤثر على المحصلة الاخيرة والنهائية , و التي جعلت الباحثين الروس يسمون غريبويديف (مولير روسيا) , ويسمون بوشكين (شكسبير روسيا) , وهناك دراسات واسعة وعميقة بالروسية حول دور غريبويديف و دور بوشكين في تاريخ المسرح الروسي ومسيرته وتطوره.
 لقد كانت العلاقات بين غريبويديف وبوشكين علاقة الند للند , بل ان غريبويدف كان يبدو بعض الاحيان حتى أكثر سطوعا من بوشكين بموقعه المتميّز ( والذي كان يتقدّم في ذلك الموقع الوظيفي بوضوح) في وزارة الخارجية الروسية , ومعرفته للعديد من اللغات ( منها لغتنا العربية قليلا , انظر مقالتنا بعنوان غريبويديف والمتنبي ) , رغم ان بوشكين أصبح طبعا في تلك الفترة واحدا من أكبر الاسماء وابرزها في دنيا الادب الروسي شعرا ونثرا ومسرحا وصحافة . ومع كل هذا , فان بوشكين وغريبويديف لم يصبحا صديقين قريبين , رغم انهما كانا يعرفان بعضهما البعض والتقيا عدة مرات معا , ولكن عندما قتلوا غريبويديف في طهران , فان بوشكين كان من ضمن المستقبلين لجثمانه في القوقاز , وقد كتب بوشكين عن ذلك في كتابه ( رحلة الى ارضروم) ( الذي ترجمه الزميل عبد الله حبه عن الروسية قبل فترة وجيزة وصدر عن دار المدى في بغداد  ) , وتحدّث بوشكين في ذلك الكتاب عن تاريخ تعارفه بغريبويديف وطبيعة علاقاته معه.
النقطة الاساسية في موضوعة بوشكين وغريبويدف , والتي يركز  عليها الباحثون الروس عندما يتناولونها في بحوثهم ( وهم على حق) , هي الآراء التي طرحها بوشكين حول مسرحية غريبويدف ( ذو العقل يشقى) , هذه الآراء التنبؤية بكل معنى الكلمة , والتي توقع بوشكين فيها ان تتحول الكثير من مقاطع تلك المسرحية الى حكم وامثال روسيّة , وهذا ماتم فعلا . آراء بوشكين حول مسرحية غريبويديف جاءت في عدة رسائل شخصية كتبها بوشكين لاصدقائه ومنهم بيستوجيف وفيازمسكي في اواسط العشرينات من القرن التاسع عشر , وقد دخلت هذه الرسائل باعتبارها وثائق في مؤلفات بوشكين الكاملة , وكذلك تم نشرها في كتاب بعنوان – ( بوشكين عن الادب ) , وهو كتاب يضم كل المقالات والملاحظات التي كتبها بوشكين حول الادب والادباء .
موضوعة بوشكين وغريبويديف لازالت مطروحة وحيوية في تاريخ الادب الروسي وفي مسيرة دراسات الادب المقارن (في اطار الادب الروسي نفسه) , ولكن هذه الموضوعة بعيدة عن قضايا الادب الروسي في العالم العربي , اذ لا يعرف القارئ العربي لحد الان النتاج المركزي لغريبويديف – ( ذو العقل يشقى) , وبالتالي لا يعرف طبعا اهمية هذا الكاتب وقيمته في مسيرة الادب الروسي كما يجب , اذ لم يتجاسر اي مترجم عربي على ترجمة تلك المسرحية الشعرية لحد الان حسب علمنا المتواضع . دعونا نأمل ان نرى هذه المسرحية الشعرية بالعربية يوما ما ...

373
حول وفيّة ابو قلام ...مرة اخرى
أ.د. ضياء نافع
 لم أكن أتوقع ردود الفعل الكثيرة والمتنوعة حول مقالتي عن المرحومة الشاعرة وفيّة ابو قلام ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو (27) – د. وفيّة ابو قلام) , ولهذا اكتب هذه السطور عنها مرة اخرى , في محاولة للرد على تلك الآراء المتنوعة او مناقشتها في الاقل , والتي أثارها طبعا اناس يهتمون ( سلبا او ايجابا) بوفيّة ابو قلام و مكانتها بمسيرة العراق في القرن العشرين , وهذا الاهتمام بحد ذاته يعني , ان وفيّة ابو قلام تستحق ان نكتب عنها ونحدد موقعها في مجتمعنا لانها متميّزة فعلا .
النقطة الاولى في تلك الملاحظات جاءت حول دورها في العراق الجمهوري قبل وصولها للدراسة في جامعة موسكو ,  وهذه النقطة ترتبط طبعا بالمواقف الذاتية , بل والشخصية للمعلقين . قال احدهم مثلا , ان وفيّة لم تكن معروفة ابدا , وانها برزت عندما بدأت تلقي قصائدها في المحكمة ليس الا ( والتي طالبت فيها بالاعدام لمتهمين لم تنته محاكمتهم بعد , والمتهم برئ الى ان تثبت ادانته كما قال ), اي انها حازت على الشهرة لاسباب سياسية بحتة , وليس لانها شاعرة , وحتى لو كان الامر كذلك فعلا , فان ذلك يعني انها استطاعت ان تجد طريقة ناجحة ومتميزة واصيلة  للتعبير عن الاراء السياسية التي كانت تعتقد بصحتها , وهو ما جعلها مشهورة ومتميزة في المجتمع العراقي .  أشار قارئ آخر الى انني لم أبيّن بوضوح و كما يجب موقف وفية السياسي , بل انه قال انني ذكرت حتى اسم المحكمة بتسلسل غير موضوعي , اذ ذكرتها هكذا - ( محكمة الشعب ثم المهداوي ثم العسكرية العليا الخاصة) . ان هذا الموضوع كان بعيدا جدا عن هدف تلك المقالة , اذ اننا نسعى في هذه السلسلة من المقالات الى الحديث عن العراقيين الذين مرّوا بموسكو فقط  , لاننا نرى , ان العراقيين خارج العراق ومسيرتهم واعمالهم وسلوكهم ...الخ , هو جزء لا يتجزأ من تاريخ العراق المعاصر , وذلك لأن الشخص   خارج بلده يظهر خصائصه بشكل أكثر وضوحا ودقة , ولا تهدف تلك المقالات الى توضيح او تحديد مؤسسات داخل العراق ودورها ومواقفها السياسية . أشار قارئ آخر الى ان وفيّة كانت (سياسيّة صغيرة ليس الا ولا تستحق الكتابة عنها ابدا ) , وقد ذكّرني هذا القول بما كتبه مرة صحافي عراقي اسمه خالد الدرّة في جريدته ( الوادي) ببغداد عام 1960 ساخرا ( اثناء قمة الصراع الشيوعي – القومي الذي انتهى باحداث 8 شباط 1963 التراجيدية الرهيبة)  عن فريق نسائي يلعب كرة السّلة وكان برئاسة نزيهة الدليمي , ووضع وفيّة ابو قلام في الموقع الثاني بعدها , واود ان اشير , الى ان موقف الطرفيين هنا متطرف جدا وغير موضوعي بتاتا وينطلق من  المثل العراقي العتيد والشهير - ( لو طخّه لو اكسر مخّه!!!) .
 و اعترض أحد القراء على صفة (.. الساذجة الى حد ما ..) التي ذكرتها في مقالتي , واود ان احكي له قصة  احد الاصدقاء حول وفيّة , اذ كان مع مجموعة كبيرة من الطلبة العراقيين في حفلة ( وكانت هناك حفلات كثيرة للطلبة الاجانب) , وتنتهي هذه الحفلات عادة بالرقص في صالة كبيرة , حيث تعزف فرقة موسيقية , ويرقص الشباب بكل احترام , وقد رأى هذا الشاب ان وفية كانت تجلس في احدى زوايا القاعة وتنظر الى الراقصين ليس الا , فذهب اليها ودعاها وبكل ادب للرقص ( توجه اليها بقوله ست وفية , وقد جرى هذا الحادث امامي ), لكنها رفضت , وقالت له , ان محمد علي الماشطة ( وهو اول رئيس لرابطة الطلبة العراقيين وأبرز المؤسسين لها ) قد دعاها للرقص مّرة في احدى الحفلات ورفضت , وان وجدي شوكت سري ( وهو ثاني رئيس للرابطة) قد دعاها للرقص ايضا في حفلة اخرى ورفضت , فكيف توافق على الرقص معه الان ؟ و ابتسم صاحبنا وتركها طبعا, وعاد للرقص مع الروسيات . لقد ضحكنا عندها آنذاك , وقلنا جميعا , ان وفية امرأة ساذجة ولم تقصد اي شئ من جوابها ذاك , رغم ان البعض قال انها ارادت ان تتباهى ( كأي امرأة اخرى !) بتلك الاسماء , فقلنا لهم ان ذلك بحد ذاته سذاجة ايضا ليس الا  . ان صفة ( السذاجة ) ليست سمة سيئة ابدا بل بالعكس, اذ انها تعني هنا البساطة , وان وفيّة كانت امرأة بسيطة جدا , وهذه الصفة تتعارض مع طبيعة السياسة وألاعيبها والتي تقتضي من الانسان ان يكون ( مشيطن !) كما نقول بلهجتنا العراقية , وهو ما اردت ان اذكره في مقالتي عنها دون الاشارة الى كل تلك التفاصيل وغيرها طبعا .
اكرر – ختاما – ما ذكرته في مقالتي السابقة عن احترامي الشديد للمرحومة الشاعرة الدكتورة وفيّة ابو قلام , واكرر الدعاء بالرحمة  على روحها والذكر الطيّب و العطر لها ...     

374
عن مجلّة ( قضايا الادب) الروسيّة
أ.د. ضياء نافع
قضايا الادب هي ترجمة لتسمية هذه المجلة الروسية الشهيرة , وهناك من يترجمها – شؤون الادب , وهناك من يترجمها – مسائل الادب , وربما توجد ترجمات اخرى لتلك التسمية , وكل هذه الترجمات صحيحة طبعا , وكلها جاءت نتيجة لان المترجم العربي ( والقارئ العربي طبعا) لا يستسيغ ( وهو على حق) ان يسمّي هذه المجلة على وفق تسميتها الروسية وهي – (فابروسي ليتيراتوري) , كما نسمّي الصحف والمجلات الاجنبية المعروفة بلغاتها الاصلية , مثل (برافدا) بالروسية او ( فيغارو) بالفرنسية او( نيويورك تايمز) بالانكليزية , وهناك عشرات الامثلة الاخرى طبعا في هذا المجال وبمختلف لغات العالم ..., اي ان بعض تسميات هذه الصحف والمجلات لا تتلائم مع لغتنا العربية وتبدو ثقيلة ومعقدة جدا في لفظها وكتابتها ( وبالتالي لا يتقّبلها القارئ العربي) , ولهذا نضطر ان نطلق عليها ترجمة التسمية , ومنها هذه المجلة الروسية , التي نريد ان نتحدث عنها قليلا هنا في مقالتنا هذه .
مجلة ( قضايا الادب ) الروسية واحدة من المجلات المهمة والرئيسية  في روسيا , وقد  تأسست عام 1957 في الاتحاد السوفيتي في مرحلة استقرّت تسميتها في التاريخ السوفيتي ب ( ذوبان الجليد ) , وهي مرحلة معروفة بعد وفاة ستالين وبداية انحسار ظاهرة (عبادة الفرد) المرتبطة به وكل الشرور التي حدثت نتيجة لها. استمرت المجلة بالصدور منذ ذلك التاريخ و لحد الان . لقد كان الهدف من تأسيسها هو اصدار مجلة علمية تتناول النقد الادبي وعلم الادب وتكون خاصة للباحثين في هذا المجال العلمي اولا , وتكون في نفس الوقت مجلة عامة لكل القراء المهتمين بذلك ( وهي مهمة ليست بسيطة كما يعرف المتخصصون باصدار المجلات) , ولهذا السبب تم تكليف اتحاد الادباء السوفيت ومعهد غوركي للادب العالمي معا للاشراف عليها , وقد نجحت المجلة فعلا بتحقيق هذا الهدف .  كانت هذه المجلة تصدر شهريا في الاتحاد السوفيتي , الا انها في الوقت الحاضر تصدر مرة كل شهرين , اي بمعدل ستة اعداد سنويا , وباشراف مؤسسة ( النقد الادبي) , وهي منظمة اجتماعية متخصصة يطلقون عليها تسمية (الصندوق الاجتماعي) , اي انها مؤسسة تمتلك استقلاليتها المالية.
تتناول مجلة ( قضايا الادب ) مواضيع ترتبط بالنقد الادبي وعلم الادب بشكل عام , ولهذا , يجد القارئ على صفحاتها مقالات تبحث في نظرية الادب , و دراسات علمية معمقة في تاريخ الادب الروسي والعالمي ( مع التاكيد على بعض المناطق والشعوب المختلفة التي تسكن في اطار الدولة الروسية الاتحادية والمتعددة القوميات) , وقضايا و شؤون الابداع الشفهي الشعبي , و حاولت ( خصوصا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي ) كذلك ان تنشر وثائق خاصة بالادب الروسي , كانت في عداد الممنوعات في ذلك العهد , والتي كانت محفوظة سابقا في ارشيفات خاصة لا يمكن الوصول اليها بسهولة, ويعد نشر هذه الوثائق في تلك المجلة مسألة معتمدة وصحيحة , اذ انها تخضع قبل نشرها لتمحيص دقيق خارج نطاق الضجيج الاعلامي والاثارة, ويتم ذلك باشراف باحثين متخصصين وبمستوى علمي رفيع .
تعاني كل المجلات الورقية في الوقت الحاضر – كما هو معروف - من أزمة عالمية كبيرة , ولا تعتبر مجلة ( قضايا الادب) طبعا خارج نطاق هذه الازمة , وهكذا أخذت تصدر ست مرات سنويا كما أشرنا في أعلاه بعد ان كانت شهرية, واصبح عدد اصدار نسخها في حدود ( 2500) نسخة فقط , وهو عدد صغير جدا بالنسبة لدولة مثل روسيا الاتحادية , والتي يبلغ عدد سكانها اكثر من( 140) مليون نسمة , ويتم توزيع اصداراتها على مئات المكتبات العامة في مدن روسيا العديدة وجامعاتها ومؤسساتها العلمية والبحثية الكثيرة , لكن هذه المجلة المحكّمة علميا , والتي لازالت محتفظة باهميتها العلمية على مستوى الاكايميات والجامعات والمؤسسات العلمية المرموقة في روسيا , والتي يسعى الباحثون العلميون لنشر بحوثهم ونتائجها على صفحاتها , استطاعت (هذه المجلة) ان تعوض عن كل ذلك , اذ استطاعت الدخول في ( المكتبة الالكترونية العلمية ) باللغة الروسية , وكذلك في ( النظام الاعلامي - التحليلي الوطني ) الروسي الشامل, وهكذا يمكن للقراء والمتابعين لها ان يطلعوا على صفحاتها, وبهذه الطريقة  احتفظت بمكانتها العلمية المتميّزة في مسيرة المجتمع ةالروسي رغم تلك الازمة العالمية للمجلات الورقية, وهو حلّ لجأت اليه الكثير من الاصدارات في العالم طبعا , وينسجم مع التقدم العلمي في مسيرة الانسان .
تحية لمجلة ( قضايا الادب) الروسية والتي تصدر دون انقطاع طوال اكثر من ستين سنة , وتحية لدورها العلمي الرائد في دراسة النقد الادبي وعلم الادب .   

375
 
الفيلسوف والشاعر الروسي خومياكوف
أ.د. ضياء نافع
خومياكوف - اسم كبير ومتميّز ومتعدد المواهب في تاريخ الفكر الروسي بالقرن التاسع عشر , القرن الذي كان غنيّا جدا بالاسماء الروسيّة الكبيرة , و لكن خومياكوف لم يعد نجما ساطعا في سماء الفكر الروسي, بل انه الان  شبه منسي  حتى في وطنه روسيا نفسها في الوقت الحاضر رغم العديد من المصادر الروسية عنه , أمّا في عالمنا العربي بشكل عام , فلا يعرفه تقريبا سوى بعض الاشخاص الذين درسوا الفلسفة الروسية وتاريخها وتخصصوا بها في المعاهد والجامعات الروسية , وهم واقعيا بعدد أصابع اليد كما يقول التعبير العربي الطريف , ويعرفه كذلك الذين درسوا الادب الروسي وتاريخه وتخصصوا به في روسيا ( الادب الروسي وليس اللغة الروسية , وهذه مسألة مهمة جدا رغم شبه التلاحم تقريبا بين هذين الاختصاصين ) , وهؤلاء ايضا ليسوا نسبة كبيرة بين الخريجين العرب من الجامعات الروسية بشكل عام , بل وأخذوا بالانحسار تدريجيا نتيجة عوامل عديدة لا مجال للحديث عنها ضمن هذه السطور عن خومياكوف  .
ولد اليكسي ستيبانوفيتش خومياكوف عام 1804 وتوفي عام 1860 , واستطاع ان يصبح – خلال هذه السنوات القصيرة نسبيا – شاعرا وكاتبا مسرحيا وفيلسوفا وفنانا تشكيليّا وصحافيا ومؤرّخا ومترجما , بل انه ابتدأ مسيرة حياته متخصصا في علم الرياضيات بجامعة موسكو, ونتيجة لهذا التنوع الموسوعي الفكري حاز خومياكوف على موقع خاص في اكاديمية العلوم الروسية في السنوات الاربع الاخيرة من حياته, اذ اختارته اكاديمية العلوم في مدينة بطرسبورغ 
  عام 1856 ليكون عضوا مراسلا فيها.
سبق وان قدّمنا تعريفا وجيزا عن خومياكوف في مقالتنا بعنوان – ( الادباء الروس في تاريخ الفلسفة الروسية ) , ونريد هنا ان نتوسع في رسم الصورة القلمية عن هذا المفكّر الموسوعي الكبير , اذ لم نجد بلغتنا العربية مصادر كافية تتناوله وتدرس ابداعاته المتنوعة وتقدّمه للقراء العرب كما يجب مع الاسف .
خومياكوف – فيلسوف قبل كل شئ , وقد أشرنا في مقالتنا تلك , الى انه وضع اسس النزعة السلافية في الفكر الروسي , هذه النزعة التي لعبت دورا هائلا في مسيرة الفكر الروسي في القرن التاسع عشر , وفي الادب الروسي بالذات , والتي يرتبط بها ( اي بالنزعة السلافية) اسم عملاق من الادباء الروس وهو دستويفسكي . خومياكوف وصل الى افكار واساسيات هذه النزعة الفكرية عن طريق التفاعل المطلق مع الكنيسة الروسية الارثذوكسية , حتى ان بعض الباحثين الروس يعتبرونه (رجل دين)  قبل كل شئ , رجل دين متعمق ومتبحّر في فلسفة الكنيسة الارثذوكسية بالذات وتاريخ الارثذوكسية بشكل عام , اي يمكن ان نطلق عليه ما نسميه بالعربية ( لاهوتيّ) ( ان صحّ التعبير) . لقد وصل تفاعله وتعامله مع الكنيسة الروسية الى التقبّل الكامل لموقف الكنيسة في كل شئ , بما فيها الموقف السياسي الواضح من النظام القيصري , اذ انه كان يرى , ان ( روما حافظت على الوحدة بثمن الحرية) , ( اما البرتستانت فقد حصلوا على الحرية بثمن الوحدة ) , ولهذا فان خومياكوف كان الى جانب النظام القيصري والحفاظ عليه وتعزيزه من اجل وحدة الدولة وجبروتها وقوّتها , ولهذا ايضا , اعتبر الرأسمالية والاشتراكية معا (انعكاسا سلبيا للسقوط والانحطاط في اوربا الغربية ) , واستنادا الى هذه المفاهيم قدّم الطروحات النظرية الاساسية للنزعة السلافية في الفكر الروسي , والتي تؤكد على الطريق الروسي الخاص و البحت , الطريق الذي سيؤكد دستويفسكي عليه لاحقا , ويبدأ بالكلام في كتابه الشهير ( مذكرات كاتب ) كيف  ان موسكو يجب ان تكون (روما الثالثة!) , اذ لا يمكن ان تكون في العالم ( روما رابعة), وان الكنيسة الارثذوكسية الروسية هي التي يجب ان تكون القوة الفاعلة والمحرّكة لتلك الظاهرة العالمية.
اما خومياكوف الشاعر , فانه بدأ مبكرا جدا , وبالذات عندما كان يدرس علم الرياضيات في جامعة موسكو عام 1821 , اذ نشر عندها محاولاته الاولى في الشعر وكذلك في ترجمة الشعرالى الروسية ايضا , ومن الطريف ان نذكر هنا , ان خومياكوف قد تزوّج اخت الشاعر الروسي المعروف يازيكوف , الذي يعدّ واحدا من الشعراء الروس المحيطين ببوشكين في ذلك الزمان , اي ان خومياكوف كان يختلط واقعيا مع اوساط الشعراء الروس ويتعامل معهم  الند للند كما يقولون , بما فيهم بوشكين نفسه , وتوجد في المكتبة الروسية عدة كتب بعنوان – بوشكين وخومياكوف , وقد ظهر قسم منها  حتى في نهايات القرن العشرين , اي في الاتحاد السوفيتي بالذات , وتبحث هذه الكتب بالاساس في موضوعة علاقة بوشكين بالنزعة السلافية وموقفه منها ( وهي موضوعة حساسة جدا في النقد الادبي السوفيتي ), وتحدثت هذه الكتب حتى عن العلاقات الشخصية بينهما واللقاءآت العديدة التي حدثت بين خومياكوف وبوشكين , بما فيها بعض النقاشات التي جرت بينهما , والتي تبيّن عدم اتفاقهما بشكل عام رغم العلاقات الوديّة بينهما , ونختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى واحدة من تلك النقاشات الطريفة –
قال خومياكوف – في روسيا يوجد حب مسيحي اكثر مما في الغرب , فأجاب بوشكين قائلا – لم أقم  بقياس كمية هذا الحب في روسيا او في الغرب .., لكني أعرف ... في الغرب يوجد اناس وضعوا اسس ذلك ... , ولو ظهروا عندنا , لكان ذلك مفيدا لنا ...   

376
 
عراقيون مرّوا بموسكو(27) – د. وفيّة ابو قلام
أ.د. ضياء نافع
لا اعرف لحد الان كيف اكتب لقبها بشكل دقيق – (ابو قلام) أم (ابو اقلام) , ولكننا كنّا نلفظه ابو قلام في حينها , ولهذا كتبته هكذا في عنوان مقالتي عن المرحومة الدكتورة وفيّة .  تعارفنا اثناء دراستنا في جامعة موسكو في ستينات القرن العشرين , حيث كنت انا آنذاك طالبا في الدراسات الاولية , وكانت هي طالبة في قسم الدراسات العليا . لقد وصلت وفيّة الى موسكو وهي محاطة بهالة من الشهرة و المجد باعتبارها شاعرة (محكمة الشعب) او (محكمة المهداوي) او (المحكمة العسكرية العليا الخاصة)  , وكنّا نتصورها شخصية قوية وصلبة ومناضلة ووو , ولكننا اكتشفنا بعد مخالطتها لفترة طويلة نسبيا , انها امرأة عراقية بسيطة جدا وفي غاية الطيبة وحتى ساذجة الى حد ما , و بالتدريج لم تعد بالنسبة لنا تلك المرأة السياسية الحديدية التي تصورناها قبل وصولها الى موسكو.
كانت وفيّة تعرف حدودها كما يقال , وهذه صفة جيدة جدا في الانسان ( الذي يعرف قدر نفسه ) , فلم تكن (تثرثر!) في الشؤون السياسية ولم تكن (تتبجح !) بماضيها وقصائدها في المحكمة كما كان يتبجح الكثير من العراقيين , الذين كانوا معنا آنذاك , ولم تحاول ان تبرز في اجتماعات العراقيين ومناسباتهم ( وما أكثرها !)  او تطلب القاء كلمة او قصيدة او تعليق بمناسبة او حتى بغير مناسبة كما كان يحاول البعض من المتبجحين , ولم تتكلم عن اطروحتها وتتباهى بعلمها وموهبتها مثل بعض الذين كانوا يحيطوننا , بل انها انجزت اطروحتها بصمت وهدوء وبمعزل عن الآخرين , وكانت اطروحتها عن الرصافي , وسمعتها تتكلم مرة واحدة  فقط عن اطروحتها , وذلك عندما قدّمتها كاملة الى مشرفها العلمي , والذي قال لها , ان الاطروحة جيدة ومتكاملة عن الرصافي ( كانت وفيّة تعرف الرصافي وابداعه أفضل من مشرفها بلا شك لكونها عراقية وتحمل شهادة البكالوريوس في اللغة العربية وآدابها من جامعة بغداد ) , ولكن تلك الاطروحة كانت – من وجهة نظر المشرف العلمي السوفيتي - خالية من الاستشهادات الماركسية – اللينينية , وان الاطاريح في الاتحاد السوفيتي لا يمكن ان تكون هكذا , اي دون اطار نظري ماركسي واضح المعالم والمفاهيم , واتذكر جيدا كيف سخرت وفيّة من كلام المشرف آنذاك ( أمامنا طبعا وليس أمامه !), وقالت لنا, انها تبحث الان عن مقاطع عامة ( واستخدمت وفيّة بسخرية كلمة – آيات بدلا من كلمة مقاطع عامة ) حول الادب من أقوال ماركس وانجلز ولينين كي تضعها بين سطور اطروحتها عن الشاعر العراقي معروف الرصافي حتى تكتمل المتطلبات العلمية لمناقشة الاطروحة بنجاح امام اللجان العلمية , وهذا ما تم فعلا بعدئذ.
غادرت وفيّة الاتحاد السوفيتي بعد اكمال دراستها , ولم تحاول البقاء او التشبث بالبقاء كما فعل الكثيرون , متعللين بالاوضاع السياسية في العراق , ولم اتابع أخبارها – مع الاسف - , ولكنني سمعت انها عملت في جامعة باحدى الدول العربية باعتبارها تحمل شهادة الدكتوراه في الادب العربي , ولم أجد انعكاسا لنشاطها الادبي , الا اني وجدت مرة كتيبا صغيرا بترجمتها عن اللغة الروسية حول الواقعية الاشتراكية في الادب الروسي صادر في بغداد , وكان اسلوب الترجمة العربية سليما جدا , رغم ان موضوع الكتيب كان عتيقا ( ان صحّ التعبير) , ويحمل وجهة النظر السوفيتية التقليدية الرسمية المعروفة حول مفهوم الواقعية الاشتراكية , وهي وجهة نظر قديمة جدا ولم يعد حتى المتخصصون السوفييت آنذاك ( في السبعينات , عندما ظهر الكتيب المذكور ) يتكلمون عنه , او يأخذونه بنظر الاعتبار. ولا اعرف متى توفيت المرحومة وفيّة , الا اني قرأت كلمة ( المرحومة ) مقرونة باسمها اثناء مطالعاتي للصحف العراقية , وكذلك قرأت قبل فترة عن صدور مجموعة قصائد لها لم تستطع نشرها في ذلك العصر الصعب نهاية القرن العشرين , ولكنني لم اطلع على تلك المجموعة الشعرية مع الاسف . لقد  كنّا نرى آنذاك , ان قصائدها لم تكن تتميّز بصور فنية و شعرية عميقة بشكل عام  , وانها لم تكن ضمن الاسماء اللامعة للشاعرات العراقيات الكبيرات, وكان هناك أحد الزملاء المتشددين جدا بيننا ( لا اريد ان اذكره  هنا , ولكني اشير فقط الى حرفي اسمه ولقبه – (م.ب.) وذلك لانه توفي منذ فترة طويلة في بغداد) يؤكد دائما انها ليست (شاعرة) وانما ( ناظمة ) ليس الا , وهو رأي غيرموضوعي بتاتا و  يتميّز بالتطرف والقسوة .
الرحمة للشاعرة الدكتورة وفيّة ابو قلام , والذكر الطيب لهذه المرأة العراقية الاصيلة ...             

377
   
تمثال غريبويديف في طهران اولا ثم في موسكو ثانيا
أ.د. ضياء نافع
 تم تدشين تمثال غريبويديف في طهران عام 1912 , اما في موسكو فقد تم تدشينه عام 1959 , والفرق الزمني بين التمثاليين حوالي نصف قرن تقريبا , وهي ظاهرة فريدة وغريبة جدا في مسيرة الادب الروسي , لم يسبق ان حدثت في روسيا مع اي شخصية بارزة اخرى في تاريخ روسيا الطويل , وقصة هذا الحدث الغريب  تستحق التوقف عندها بلا شك , لانها ترتبط بمؤلف المسرحية الشعرية – (ذو العقل يشقى) , المعروفة في تاريخ الادب الروسي والادب  العالمي ايضا ( انظر مقالتنا بعنوان -  مسرحية غريبويديف الشعرية – ذو العقل يشقى ).
غريبويديف كان سفير روسيا في طهران , وقد تعرضت السفارة عام 1829 الى هجوم من قبل قوى اسلامية متطرفة جدا ( وليس بمعزل عن الايادي السياسية الخفية وخططها غير النظيفة وراء الكواليس طبعا ), وتم قتل كل من كان في السفارة من موظفين روس وحرّاسهم , بما فيهم السفير الروسي نفسه , بل وتم التمثيل بجثثهم , وقد تعرّفوا على جثة غريبويديف نتيجة جرح قديم في يده بعد مبارزة حدثت في مسيرة حياته.
 حاولت الدولة الفارسية رأسا تسوية هذا الحدث المأساوي الرهيب مع الامبراطورية الروسية في حينها بالطرق الدبلوماسية الهادئة, وارسلت وفدا كبيرا الى روسيا برئاسة حفيد الشاه , واستطاعت فعلا تسوية الموضوع بعد مفاوضات طويلة و معقدة وصعبة , وقد قدّم الوفد هدايا فارسية نفيسة للجانب الروسي اثناء تلك الزيارة, منها قطعة ألماس نادرة جدا وسعرها خيالي كما تشير المصادر كافة , وزنها حوالي 18 غراما ( 90 قيراطا) , ولا زالت هذه القطعة الفريدة من الالماس معروضة - ولحد الان - في متحف الالماس الموجود في الكرملين  بموسكو , ولا زالت تثير الاعجاب الهائل من قبل كل من يشاهدها , وهو نفس الاعجاب والدهشة , التي أثارتها قطعة الالماس تلك لقيصر روسيا آنذاك عندما قدّمها الوفد الفارسي اليه عند استقباله لهم في مقر عمله .
مقتل السفير الروسي غريبويديف عام 1829 في طهران كان حدثا سياسيا هائلا في تاريخ الامبراطورية الروسية خاصة , وعلى المستوى العالمي ايضا , ولهذا , فقد تراجعت مكانة الشاعر والكاتب المسرحي غريبويديف واصبحت في ( المحل الثاني ) حسب التعبير الشهير للمتنبي , وقد انعكس هذا الشئ واقعيا على الجالية الروسية الكبيرة في بلاد فارس قبل الآخرين , وهكذا ولدت لديهم فكرة تخليد هذا الحدث , وقرروا اقامة تمثال لغريبويديف بالذات عند بناية السفارة الروسية في طهران لاعادة الاعتبار اليه وتخليد اسمه, وأخذوا بتجميع التبرعات من ابناء الجالية, وهكذا تمكنوا من تهيئة المبالغ اللازمة لعمل التمثال, واستطاعوا ان يحققوا خطتهم , وتم تدشين هذا التمثال الضخم للسفير عام 1912 فعلا قرب بناية السفارة الروسية في طهران حيث جرى الهجوم الغادر المذكور . غريبويديف في ذلك التمثال يجلس على كرسي فخم و يقرأ كتابا مفتوحا  يمسكه بيده اليمنى ويتكأ على الكرسي بيده اليسرى, وهو تمثال رمزي عميق المعنى , و يؤكد , ان السفير الروسي والكاتب والشاعر غريبويديف مستمر بعمله وابداعه رغم  تلك النهاية التراجيدية التي اصبح ضحيتها , ولايزال هذا التمثال موجودا في مكانه بطهران لحد الان . وهكذا استطاعت الجالية الروسية عن طريق هذا التمثال تخليد غريبويديف , والتذكير الدائم بتلك الوقائع التراجيدية والمجزرة الدموية ضد السفارة الروسية هناك, والتي قام بها المتطرفون الاسلاميون و القوى السياسية الاخرى الحليفة لهم في طهران عام 1829 .
اما تمثال غريبويديف في موسكو (التي ولد فيها عام 1795) فقد ظهر كما أشرنا أعلاه عام 1959 في الذكرى 130 لمقتله التراجيدي في طهران عام 1829 , وقد أقاموه قرب المكان الذي عاش فيه الكاتب في موسكو . حاول النحات لهذا التمثال ان يوحّد بين الصفتيين التي تميّز بهما غريبويديف وهي –  الشاعر والكاتب المسرحي اولا , والدبلوماسي الرفيع المستوى ثانيا , وهكذا جاء عمله الفني في فضاء واسع حيث يقف السفير الروسي بكبرياء وفخامة وشموخ , وعلى قاعدة التمثال يحيطونه ابطال مسرحيته الخالدة – ذو العقل يشقى , وهم شخصيات لا زالت حيوية وتتعايش مع المجتمع الروسي منذ ظهور هذه المسرحية في القرن التاسع عشر ولحد الان , اذ لا يمر موسم مسرحي في مختلف المدن الروسية دون عرض هذه المسرحية , وتحولت أقوال تلك الشخصيات الى أمثال وحكم لدى الشعب الروسي , وحتى عنوان المسرحية نفسه  اصبح قولا مأثورا عند الروس , وترجمته الحرفية عن الروسية هو – المصيبة من العقل , وقد ترجمه بعض المترجمين العرب هكذا فعلا, الا انه استقر بالعربية ( ذو العقل يشقى ) بفضل المتنبي العظيم (انظر مقالتنا - غريبويديف والمتنبي).       
   
   


378
المنبر الحر / تساؤلات حول تشيخوف
« في: 21:11 11/03/2019  »
تساؤلات حول تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
استلمت من الدكتور عماد غانم رسالة الكترونية بهذا العنوان , وقد أثارت اهتمامي الشديد طبعا. الدكتور عماد غانم أحد طلبة قسم اللغة الالمانية في كلية اللغات بجامعة بغداد , وقد سافر الى المانيا بعد تخرّجه , وحصل هناك على شهادة الدكتوراه باختصاصه , وبقي في المانيا , واصبح واحدا من العاملين البارزين في مجال الاعلام الالماني – العربي بفضل عصاميته وموهبته, وهو كأي عراقي حقيقي واصيل يتابع أحداث العراق العامة بشكل عام , و الاحداث الثقافية خاصة بدقّة وتفصيل , وقد أطلع طبعا على مقالتي بعنوان – (أ.د. علي منصور... وداعا) , و التي كتبتها بعد رحيل المرحوم علي منصور( وهو أحد اساتذته عندما كان طالبا في قسم اللغة الالمانية) وأثار انتباهه ما أشرت اليه في نهاية مقالتي تلك حول استعداد (دار نوار للنشر) لطبع مخطوطات الكتب التي أبقاها المرحوم علي منصور , وكتب تعليقا يشير فيه الى استعداده بتزويدنا بمخطوطة المرحوم والتي يحتفظ بها وهي بعنوان – ( معجم المصطلحات الادبية / الماني - عربي ) , وهذا ما تم فعلا , و يجري الان طبع المخطوطة هذه في بغداد (بدار نوارللنشر) وباشراف أ.م. الدكتوره هديل اسماعيل و الاستاذ الدكتور غازي شريف .
هذه مقدمة ضرورية لتعريف القارئ بالدكتور عماد غانم , اما رسالته , التي أشرت اليها في بداية هذه المقالة , فانها تختلف عن عمله الرائد والجميل الذي سيؤدي الى نشر مخطوطة أ.د. علي منصور. رسالته الشخصية لي ترتبط بتشيخوف , فقد عثر د.غانم اثناء بحثه في المصادر العراقية والعربية عن بدايات الادب الالماني المنشور بالعربية وكيفية تقبّل القراء العرب له, عثر على كتاب عراقي صادر في البصرة عام 1934 يتضمن قصتين مترجمتين لتشيخوف. الكتاب هذا بعنوان – (مجموعة قصص من الادب الحديث) , وهو من تأليف عبد الوهاب الامين . لقد ارسل د.عماد هذه الرسالة لي لانه يعرف اهتمامي العلمي بالموضوع طبعا ,  و سألني عن امكانية متابعة هذه المعلومة الطريفة .
شكرا جزيلا يا اخي د. عماد على هذه الرسالة المهمة جدا في تاريخ الادب الروسي في العراق بشكل عام , وتاريخ دراسة انتشاره في العراق , ودراسة موضوعة تشيخوف في العراق بالذات , ولكنني في الوقت الحاضر خارج العراق , وبالتالي لا استطيع متابعة هذه المسألة كما يجب , لهذا أودّ ان اتوجه هنا الى طلبتي سابقا , والذين يشغلون الان مواقع طليعية ضمن التدريسيين في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد ( دون ذكر الاسماء) , اتوجّه لكم يا اعزائي , ان تجدوا هذا الكتاب ( والذي يذكر د.عماد انه موجود في المكتبة الوطنية ببغداد), وان تحددوا عناوين القصتين ومستوى ترجمتها , وتقارنوها بالنص الروسي , وكل ما هو ضروري لدراستها . ان ظهور قصتين لتشيخوف في البصرة عام 1934 ( اي بعد ثلاثين سنة من وفاة تشيخوف ليس الا) – مسألة تثير الفخر للمثقفين العراقيين , ويمكن لهذا الموضوع ان يترجم الى اللغة الروسية , وان ينشر في روسيا , اذ لا توجد في المصادر الروسية عن الادب الروسي في العالم العربي اي اشارة الى ذلك.
هيا يا اعزائي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد  للعمل من اجل  تحقيق هذه المهمة العلمية الجميلة والممتعة والتي يمكن ان نفتخر بها  في العراق , بل ويمكن حتى ان  ( نباهي !) بها الآخرين . هيا الى دراسة مساهمات المثقفين العراقيين الاوائل و تقييم ابداعاتهم .     

379
ابو بكر يوسف ...وداعا
أ.د. ضياء نافع
رحل في موسكو المترجم المصري الكبير الدكتور ابو بكر يوسف في الثالث من شهر آذار/ مارت من هذا العام2019 عن عمر 79 سنة , واكتب أنا  كلمات الوداع هذه من دولة الجبل الاسود ( مونتينيغرو) , التي وصلتها قبل ايام.
 اللقاء الاول معه حدث بيننا عام 1960 في كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) بجامعة موسكو, حيث كان ابو بكر في الصف الثاني وانا في الصف الاول (اي قبل 59 سنة) ( انظر مقالتنا بعنوان – ابو بكر يوسف والادب الروسي ) , واللقاء الاخير كان في سفارة العراق بموسكو عام 2014 ( اي قبل 5 سنوات) , عندما أقامت السفارة لي حفل تكريم لمناسبة منحي عضوية الشرف في اتحاد ادباء روسيا , اذ قلت للسفير عندها , انه من الواجب ان يشاركنا في هذا الحفل اول عربي حصل على عضوية الشرف في هذا الاتحاد العتيد , وهو المترجم الكبير وشيخ المترجمين المصريين عن اللغة الروسية الدكتور ابو بكر يوسف . اتصلت هاتفيا به ودعوته لذلك الحفل , فوافق بكل سرور , وعندما وصل الى السفارة العراقية اتصل بي وقال , كيف سيدخل الى السفارة وماذا سيقول لهم عند المدخل , فقلت له ساخرج من السفارة الان واقف عند بابها كي استقبلك بالاحضان, وهذا ما حدث فعلا , وقلت بيني وبين نفسي , ان ابو بكريوسف كان ولا يزال شيخ المترجمين عن الروسية وشيخ المتواضعين البسطاء الكبار, وهو طبعا تواضع العلماء , اذ ان السنابل المليئة ينحنين تواضعا والفارغات رؤوسهن شوامخ كما يقول الشاعر العربي , والذي ذهب بيت شعره هذا مثلا ....
و في كلمتي , التي ألقيتها شفهيّا جوابا على كلمة السفير في بداية الحفل ترحيبا بي ( والتي تحدّث فيها حولي باعتباري اول عراقي يحصل على عضوية الشرف في اتحاد ادباء روسيا) , أشرت , الى ان الضيف الحاضر بيننا الدكتور ابو بكر يوسف هو اول عربي حصل على عضوية الشرف هذه في تاريخ العلاقات العربية – الروسية الثقافية وذلك عام 2000 , وقدمت له شكري الجزيل وامتناني الخالص لانه  وافق على الحضور الى هذا الحفل , وقد أخبرني ابو بكر لاحقا في دردشتنا بعد الحفل, انه اراد ان يتكلم في ذلك الحفل بعد كلمتي ولكنه لم يستطع لكثرة الذين تحدثوا آنذاك , ولانه لا يقدر ان يتزاحم مع الآخرين في مثل هذه المواقف , وقد ضحكت انا وقلت له , انني اتفهم هذا الشئ بدقّة , وقال لي , انه يتابع مقالاتي حول الادب الروسي , وشكرني لاني كتبت عنه عدة مقالات , و توقف بالذات عند مقالة بعنوان – ابو بكر يوسف يكتب عن غائب طعمه فرمان , وكرر شكره على مقدمتي لما كتبه عن غائب , فقلت له , انه رسم في مقالته تلك ( وكانت بعنوان – قاهر الغربة ) صورة قلمية في غاية الجمال والدقة والموضوعية لغائب لم يستطع اي عراقي ان يرسمها له , وانني ( حفظت عن ظهر قلب !) جملة جاءت في تلك المقالة وهي  ان غائب يتصف ب ( حلاوة تمر العراق  وحزن نخيله) , وانني أشرت الى هذه الجملة الجميلة والفريدة والمدهشة في مقدمتي تلك , فضحك ابو بكر وقال , ان غائب انسان رائع وانه معجب جدا به انسانا ومبدعا , وانه يستحق أكثر من ذلك .
وداعا ايها المترجم الكبير الدكتور ابو بكر يوسف , وداعا يا من أقمت وبمفردك( كما أشار اوليغ بافيكين في تعزيته باسم اتحاد ادباء روسيا ) جسرا قويا بين الثقافة الروسية والعالم العربي باكمله , وقد أسماه بافيكين – المصري العظيم والانسان الرائع   

380
رفعت وزهاء وخالد وانا
أ.د. ضياء نافع
رفعت هو المعماري العراقي الكبير رفعت كامل الجادرجي , وزهاء ( التي اصبح اسمها زها بعد ان ترجمه المترجمون مرجّعا من الانكليزية الى العربية لعدم وجود الهمزة لدى الانكليز ولا عند غير الانكليز) هي المعمارية العالمية زهاء محمد حديد , وخالد هو الدكتور المعماري خالد السلطاني – نجم التنظير المعماري العراقي في السنوات العشرين الاخيرة و مؤرّخ العمارة العراقية, وانا (البعيد كل البعد عن المعماريين كافة , والقريب من بوشكين وغوغول وتولستوي ودستويفسكي وتشيخوف , و القريب كذلك من العراقيين الذين مرّوا بموسكو) هو انا الذي (انحشرت!) بين هذه الاسماء الشهيرة من المعماريين العراقيين الكبار بمحض الصدفة الغريبة ليس الا, واليكم قصة هذه القصة الطريفة.
استلمت مرة رسالة الكترونية من الدكتور خالد السلطاني , والذي تمتد صداقتي معه اكثر من نصف قرن من الزمان , فقد كنّا سوية طلبة في موسكو عام 1960 , واستمرت علاقات الصداقة في بغداد السبعينات والثمانينات والتسعينات , والتقينا في الاردن عندما اتخذ ابو الوليد قراره الشجاع والحاسم بالخروج من العراق في تلك الاوقات العصيبة , ولازلنا لحد الان نتابع بعضنا البعض عن بعد وعن قرب ايضا . الرسالة الالكترونية التي استلمتها من د. خالد  كانت تطلب منّي ان اكتب في حدود ثلاثين كلمة عن رفعت الجادرجي , كي يدخلها د. خالد في كتابه الذي كان يعدّه آنذاك بمناسبة الذكرى التسعين لولادة رفعت , وقد اختار د. خالد مجموعة من زملائه للكتابة عن رفعت خارج المعماريين , كي يضفي على الكتاب مسحة طريفة على ما يبدو , من اجل ان يكون هذا الكتاب مختلفا عن الكتب التقليدية الصارمة والمحددة عن المعماريين وفن العمارة . كانت الرسالة بالنسبة لي غريبة بعض الشئ , فهي بعيدة كل البعد عن العوالم التي اكتب فيها ,اذ ما الذي استطيع ان اكتبه عن هذا المعماري الكبير وانا غارق باجواء الادب الروسي وتاريخه ومسيرته وابطاله ورجالاته , او وانا المشغول بتسجيل تاريخ زملائي العراقيين الذين مرّوا بموسكو والذين لم يكتب أحد عنهم بتاتا رغم انهم صنعوا ولا يزالون يصنعون تاريخ العلاقات الانسانية بين الشعبين العراقي والروسي , وهي أهم عندي من العلاقات السياسية الرسمية , اذ اني ارى , ان هذه العلاقات بالذات هي التي تخلق التواصل بين الشعبين قبل كل شئ  , او وانا – اخيرا – ابحث عن قصائد ملائمة من الشعر العالمي المعاصر بالروسية كي اترجمها و اقدمها للقارئ  العربي , لأني اؤمن ان ترجمة الشعر تعني الصياغة الموسيقية العربية للنص المترجم بغض النظر عن كل العوامل والقواعد الصارمة للترجمة , التي يضعها ( النقاد اللؤماء!) حسب تعبير عبد الوهاب البياتي . رسالة د. خالد السلطاني حيرتّني , وبما اني لا أقدر ان أعتذر لهذا الصديق الحبيب , فقد تركت كل خططي وأعمالي حول الادب الروسي وتاريخ العراقيين في موسكو والشعر العالمي باللغة الروسية , وجلست – متوترا- لكتابة تلك الثلاثين كلمة , التي طلبها السلطاني منيّ , وبعد اللتي واللتيا , كتبت له تلك الكلمة, وارسلتها له بالبريد الالكتروني ايضا , وتنفست الصعداء كما يقول التعبير العربي . ومرّت الايام والشهور , ونسيت تلك الكلمة وانا في زحمة الحياة ومرارتها. ومرة , وبعد عدة سنوات , تحدثنا هاتفيا , فسألت د. خالد هل نشر تلك الكلمة , فأجابني انه – وفي زحمة الحياة ايضا- لا يتذكر , فقلت له , انها عزيزة عليّ , فهل تمانع من نشرها حتى ولو انك نشرتها في حينه , فقال انه سيكون سعيدا جدا بذلك , لأن الكتابة عن فن العمارة محصورة تقريبا بالمعماريين اساسا , وان نشرها سيوسّع دائرة الاهتمام بهذا الفن, وهكذا قررت نشر تلك السطور بغض النظر عن كونه نشرها ام لا في كتابه ذاك , وذلك من اجل ان يكون صديقي سعيدا ... 
ثلاثون كلمة حول رفعت الجادرجي
كامل الجادرجي ومحمد حديد من ابناء الحزب الوطني الديمقراطي
العتيد في المملكة العراقية الهاشمية, وقد تركا بصماتهما في مسيرة الاحداث السياسية آنذاك. أفل نجم الجادرجي بعد اعلان الجمهورية العراقية , لكن نجم حديد استمر بالتألق في مجالات المال والاقتصاد والسياسة في الجمهورية الاولى.
رفعت ابن كامل الجادرجي وزهاء ابنة محمد حديد تألقا في نهاية القرن العشرين وبداية القرن الحادي والعشرين معا( مثل والديهما), ولكن في الشتات العراقي . كلاهما اصبحا معماريين , وكلاهما استقرا في لندن , وياللغرابة . الفرق بينهما , ان عمارة رفعت ترتبط بالعراق, وهي تتبغدد , أما عمارة زهاء , فانها لا ترتبط بالعراق , وهي تتلندن. الفرق شاسع طبعا بين بغداد ولندن في كل النواحي , ولندن هي لندن وبغداد هي بغداد, ولكن بغداد بالنسبة لنا , نحن ( البغادة) الى القلب أقرب, حيث نلوذ بها لوذ الحمائم بين الماء والطين, بينما في لندن لا توجد حمائم ولا ماء ولا طين.
هل اكتملت (الثلاثون كلمة) التي طلبتها ايها المبدع خالد السلطاني؟

381
الشاعر والوزير الروسي درجافين
أ.د. ضياء نافع
ولد غافريل درجافين عام 1743 وتوفي عام 1816 , اي انه ابن القرنين الثامن عشر والتاسع عشر,  وترتبط باسمه في تاريخ الادب الروسي – قبل كل شئ -  قصائد ذات سمات ليريكية (عاطفية غنائية ان صحّت الترجمة )  تسمى باللغة الاغريقية القديمة - ( اودا ) ,  اي ان بلاد الاغريق ( اليونان) هي موطنها الاول , وأخذت لغات اخرى عديدة هذه التسمية  من تلك اللغة كما هي  , ومن بينها اللغة الروسية , وقد كانت المرحومة أ.د. حياة شرارة ترى ضرورة ادخال كلمة ( اودا) في مسيرة الترجمة العربية , اذ كانت تعتقد, ان ترجمتها بالعربية الى ( قصيدة عاطفية او عاطفية - غنائية) كما جاءت في بعض المصادر العربية - ترجمة غير ملائمة وغير موفقة بتاتا وغيردقيقة لهذا النتاج الابداعي المتميّز, وهي وجهة نظر تستحق التأمّل بلا شك ( اذ اننا نقول الان بالعربية وبشكل طبيعي جدا – تراجيديا او كوميديا مثلا رغم وجود كلمتي مأساة او ملهاة), وقد كنّا نؤيد بشكل عام  في قسم اللغة الروسية آنذاك رأي د. حياة هذا, وكنّا نقول , ان ترجمة   - ( قصيدة عاطفية) لتلك القصيدة لا يعكس فعلا المعنى المحدد لكلمة - ( الاودا ) كما هي بالروسية , ولكننا لم نصل – مع ذلك – الى قرار واضح وحاسم و نهائي حول ذلك , اذ تشير معاجم المصطلحات الادبية الروسية , الى ان الاودا هي قصيدة مديح او تمجيد لبطل او شخصية بارزة متميّزة او حدث تاريخي محدد , وانها  تمتلك عدة معاني في آن , منها معنى ( اغنية او انشودة ) , وكانت تصاحبها بعض الاحيان حتى موسيقى عند تقديمها لدى الاغريق والرومان , ولهذا تطلق بعض المصادر الروسية صفة ( الشعر الغنائي) على قصائد الاودا .
ظهرت قصائد الاودا في مسيرة الادب الروسي بالقرن الثامن عشر , وبالذات عند لامانوسوف ( حسب قواعد التلفظ الروسي, ولومونوسوف حسب الكتابة) , الذي ساهم بشكل ابداعي وطليعي في الكثير من مجالات الحياة الفكرية المتشعبة , بما فيها اللغة الروسية وآدابها ( انظر مقالتنا بعنوان – لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها ) , ولكن هذا النوع من القصائد , اي ( الاودا) ارتبط  مع اسم درجافين بشكل دقيق وحاسم, وقد ابتدأ بكتابتها ونشرها منذ عام 1773 فصاعدا حيث ظهرت قصائده العديدة تلك تباعا , وهكذا اصبحت الاودا شائعة في الادب الروسي على يد درجافين لدرجة , انه كتب كلمات اول نشيد وطني للامبراطورية الروسية .
  كل المصادر الروسية التي تناولت القرن الثامن عشر أشارت , الى ان درجافين  عاش حياة غير اعتيادية ,  اذ انه ابتدأ عسكريا , ثم اخذ يشغل مناصب ادارية رفيعة , منها , انه كان محافظا لعدة مدن روسيّة مهمة , ثم اصبح سكرتيرا لمكتب القيصر , ثم وزيرا للخزانة , وكان آخر منصب له هو وزير العدل في الامبراطورية الروسية , وطوال هذه الفترة التي شغل فيها تلك المناصب الرفيعة, استمر درجافين بكتابة قصائد الاودا , والمساهمة في الحياة الثقافية الروسية , وكان بيته مكانا يلتقي فيه الادباء الروس , ويتحدثون عن الحياة الادبية في روسيا ونشاطاتهم ومساهماتهم الثقافية في مسيرتها , وكان هذا اللقاء يتم شهريا , وليس عبثا , ان هذا اللقاء الشهري في  بيت درجافين بالذات  قد تحوّل بعدئذ وبالتدريج الى  جمعية ثقافية تحمل تسمية طريفة وغير اعتيادية, وهي -  ( حديث محبّي الكلمة الروسية ) , والتي يمكن القول , ان درجافين كان واقعيا مؤسسها ورئيسها , وهي جمعية كانت تضم نخبة من المثقفين و الادباء الروس في ذلك الزمن البعيد , ولعبت دورا متميّزا في نشر الادب الروسي في المجتمع آنذاك .
من الوقائع المشهورة في تاريخ الادب الروسي , والمرتبطة بسيرة حياة درجافين , هي انه قد حضر عام 1815 ( اي قبل سنة واحدة من وفاته) حفل التخرّج , الذي أقامته الليتسيه ( المدرسة التي كان يدرس فيها بوشكين) , وقد ألقى بوشكين عندها ( كان عمره 16 سنة) احدى قصائده , وقد انتبه درجافين الى موهبة هذا الصبي اليافع وتوقع له مستقبلا لامعا في الشعر , وهذا بالضبط ما حدث في مسيرة الادب الروسي كما هو معروف , وكان بوشكين يفخر بتلك الحادثة , وكتب لاحقا في روايته الشعرية الشهيرة ( يفغيني اونيغين) مقطعا طريفا حول هذه الحادثة , ولازالت كلمات بوشكين معروفة لدى الروس عن درجافين , اذ انها تعبّر فعلا عن روحية بوشكين وخصائص شعره الجميل و البسيط والواضح والمرح والمحدد والدقيق , والترجمة الحرفية لهذ المقطع في رواية ( يفغيني اونيغين ) هي كما يأتي–
العجوز درجافين لاحظنا,
و ذاهب هو الى القبر
باركنا ..
وقد كتب أحد القراء الروس , مرة  , تعليقا طريفا حول هذا المقطع   الذي كتبه بوشكين في روايته , و قال فيه , ان درجافين توقع بشكل صحيح مستقبل بوشكين عندما رآه لاول مرة, وان بوشكين توقع ايضا بشكل صحيح مستقبل درجافين عندما رآه لاول مرة...

382
أدب / الاغاني
« في: 22:52 26/02/2019  »
الاغاني
قصيدتان للشاعر الامريكي لانكستون هيوز
---------------------------------------------------------------
ترجمها عن الروسية – ا.د. ضياء نافع

الاغاني
=====
في العتمة
اغنّي لها
الاغاني,
تقول لي-
لا افهم كلمات
 هذي الاغاني,
أقول لها-
لا توجد كلمات
في تلك الاغاني.
========================================================================
السنة الجديدة
=========
تتطاير السنوات
مثل الاوراق الجافة
من شجرة الخلود
شبه العارية.
هل تمتلك اهمية ما
عندما
تسقط ورقة اخرى منها؟
========================================================================
لانكستون هيوز ( 1902-1967) – شاعر وقاص وروائي ومترجم وباحث في فن الزنوج وتاريخهم , ويعدّ من ابرز الادباء السود في الولايات المتحدة الامريكية.

383
الى الشاعر الذي أجاب عندما قالوا له بضرورة ان يتعلّم , ان هوميروسنا سليمان ستالسكي كان اميّا ايضا
===================================

قصيدة للشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف
============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

لا تلحّ بالامثلة ..
فليس كل العميان
هوميروس..ون,
وليس كل الطرشان
بيتهوفن ..ون ,
وليس كل العرجان
حجي مراد..ون ,
وليس كل الطيور
من ذوي الريش
نسور...

384
دستويفسكي و بوشكين
أ.د. ضياء نافع
آخر عمل ابداعي  قام به دستويفسكي في حياته هو القاء خطابه عن بوشكين , عندما شارك في حفل تدشين تمثال بوشكين  بموسكو في حزيران / يونيو 1880 ( انظر مقالتنا بعنوان – حول خطاب دستويفسكي عن بوشكين) , ولهذا يسمّي نقاد الادب هذا الخطاب ب (وصيّة) دستويفسكي قبل رحيله الابدي , اذ حدد دستويفسكي في ذلك الخطاب كل مفاهيمه عن الادب ودوره في المجتمع, وعن قيمة بوشكين واهميته لروسيا وشعبها وتاريخ ادبها من وجهة نظره, وليس من باب الصدفة ابدا , ان هتف بعض الشباب الذين كانوا يحيطون به في تلك الاحتفالية ويستمعون اليه وهو يلقي خطابه ذاك قائلين – ( ان دستويفسكي نبيّ ! ) , وهو التعبير المتحمس والمتطرف عند الشباب في الكثير من بقاع العالم .
 الا ان الوقائع في حياة دستويفسكي لا تشير الى انه كان يستشهد بنتاجات بوشكين او افكاره ومكانته اثناء مسيرته الابداعية او رسائله الى الآخرين , كما نرى ذلك بوضوح وصراحة عند بعض الادباء الروس الكبار مثل غوغول او تورغينيف  او تولستوي ...الخ , رغم ان دستويفسكي قد تقبّل خبر مقتل بوشكين في مبارزته الشهيرة برعب وحزن شديدين , وكان عمره آنذاك  16 سنة ليس الا, وتشير بعض المصادر الروسية , الى انه اراد حتى ان يعلن الحداد مع اخوته نتيجة هذا الحدث التراجيدي بالنسبة لهم , وعندما  انتقلت عائلة دستويفسكي بعد فترة قصيرة من موسكو الى بطرسبورغ للعيش هناك, فانه  كان يتحدث و يرغب فعلا بزيارة تلك الغرفة , التي فارق فيها بوشكين الحياة في تلك المدينة .
 ومع ذلك كله , فان موضوعة (  دستويفسكي و بوشكين ) لازالت تعدّ ولحد الان واحدة من الموضوعات المثيرة والمهمة امام الباحثين في مجال تاريخ الادب الروسي من الروس ومن غير الروس ايضا , اذ لم يسبق لأحد قبل دستويفسكي ان ( اكتشف!) مكانة بوشكين وقيمته واهميته في تاريخ الادب الروسي , ولم تتكرر ظاهرة ( الاكتشاف) هذه بعد دستويفسكي ايضا في مسيرة الادب الروسي , وفي هذه النقطة بالذات تكمن اهمية هذه الموضوعة وطرافتها , اذ نجح دستويفسكي بتقريب بوشكين ( ان صحّ هذا التعبير) نحو الاتجاهات الفكرية , التي يؤمن بها دستويفسكي نفسه , بما فيها حتى محاولة اثبات ان بوشكين أقرب للنزعة السلافية من النزعة الغربية , حيث كان الصراع وطيسا في الفكر الروسي آنذاك بين النزعتين ( وكان دستويفسكي طبعا الى جانب النزعة السلافية ) . ومن الطريف ان نذكر هنا ما قاله غوركي مرة حول دستويفسكي وبوشكين , اذ أشار غوركي , الى ان دستويفسكي يجسّد ( العبقرية الروسية المريضة ) أما بوشكين فانه ( عبقريتنا السليمة ) , وكلمات غوركي تلخّص  – بدقّة واضحة جدا - كل الموقف الفكري السوفيتي تجاه موضوعة (دستويفسكي و بوشكين) , وهو الموقف الذي استمر طوال كل الفترة السوفيتية كما هو معروف. هذا , وقد كتب أحد المعلقين حول قول غوركي ما يأتي – نعم , دستويفسكي عبقرية روسيّة مريضة , ولكنه كان يحب بوشكين بصدق واخلاص , لهذا استطاع ان يثبت ما اكتشفه في نتاجات بوشكين بانه مفكّر روسي أصيل وكبير , وانه يجسّد الفكرة الروسية والنموذج الاخلاقي للشعب الروسي كما حددت تلك ( العبقرية الروسية المريضة ). 
 ان افكار دستويفسكي حول بوشكين ( والتي جاءت في خطابه المذكور ) هي الخلاصة النهائية لكل تأملاته حول الادب الروسي والشعب الروسي والفلسفة التي يجب – من وجهة نظره – ان تنطلق و تسود في الحياة الفكرية الروسية ( وحقق دستويفسكي كل ذلك ارتباطا ببوشكين واستنادا اليه ) , وعلى الرغم من انه انطلق من بعض الافكار التي جاءت عن بوشكين عند بعض الادباء و النقاد الروس قبله مثل بيلينسكي وغوغول ( خصوصا عند غوغول , الذي يستشهد في بداية خطابه بكلماته عن بوشكين وكما يأتي – بوشكين هو ظاهرة استثنائية , ومن الممكن ايضا الوحيدة للروح الروسية , واضيف أنا من عندي - تنبؤية  ) , الا ان دستويفسكي استطاع في خطابه ذاك بلورة افكار جديدة ومتكاملة عن بوشكين , وان يقول كلمة جديدة بكل معنى الكلمة لم يسبقه أحد في اعلانها , ولهذا يشير الباحثون الى ان دستويفسكي ( اكتشف ) بوشكين , وقد أشار الاديب  الروسي أكساكوف بعد ان أنهى دستويفسكي كلمته تلك الى ذلك قائلا , ان هذه الكلمة قد حددت – وبحسم – المكانة الحقيقية لبوشكين في التاريخ الروسي  .
  ختاما اريد ان اتوقف هنا – وبايجاز - عند موقف شخصي طريف حدث معي مرة حول علاقة دستويفسكي وبوشكين , وذلك في الايام الاولى بعد وصولي الى جامعة باريس لاكمال دراستي العليا هناك في النصف الثاني من ستينات القرن الماضي , اذ كنت واقفا في ممر القسم الروسي مع مجموعة من الطلبة الفرنسيين , وكانت هناك مدرّسة سوفيتية تقف معهم ايضا , وقد سألها أحد الطلبة السؤال الآتي – من هو الكاتب الروسي الذي كتب رواية بالرسائل ؟ فقالت انها لا تعرف , وان ذلك يقتضي البحث في المصادر الروسية , ثم توجهت اليّ قائلة – هل يمكن لك ان تساهم معنا في الحديث هذا , فقلت لها مبتسما – عندما كنّا ندرس في روسيا , فاننا كنّا نوصي بعضنا ان نجيب عن اي سؤال لا نعرف الاجابة عنه بدقة , انه على الاغلب بوشكين , ولكني اود هنا ان اقول بدقة , ان دستويفسكي قد كتب رواية بالرسائل , وهي روايته القصيرة (المساكين) , ولكن هناك في مسودات بوشكين توجد ورقة تحمل  عنوان  - رواية في رسائل , اي ان بوشكين فعلا خطط لذلك , ولكنه لم يحقق خطته . فسألني الطالب الفرنسي – وهل كان دستويفسكي يعرف بذلك ولهذا كتب روايته تلك ؟ فقلت له مبتسما – استخدم نفس جملة المدرّسة السوفيتية – لا اعرف , وان ذلك يقتضي البحث في المصادر الروسية .

385
ثلاثة كتب عن تشيخوف في سلسلة واحدة
أ.د. ضياء نافع
الكتاب الاول عن تشيخوف في تلك السلسلة من الكتب الروسية صدر العام 1946 , وهو من تأليف يرميلوف , والكتاب الثاني عن تشيخوف في نفس تلك السلسلة صدر العام 1974 , وهو من تاليف بيردنيكوف , والكتاب الثالث عنه ( و ايضا ضمن نفس تلك السلسلة ) صدر العام 2010 , وهو من تأليف كوزيتشيفا .
الترجمة الحرفية لتسمية هذه السلسلة هي – ( حياة الناس الرائعين // البارزين // المشهورين ) , والترجمة العربية الملائمة والمناسبة لهذه السلسلة هي – ( سيرة حياة الأعلام // العظماء ). تصدر هذه السلسلة من الكتب الروسية واقعيا منذ القرن التاسع عشر , رغم انها لم تكن طبعا بمثل هذه الصورة المتكاملة والشاملة , الا انها توقفت بعد ثورة اكتوبر1917 , ثم عادت الى الصدور بمبادرة من مكسيم غوركي في الثلاثينات بالاتحاد السوفيتي( ولازالت هذه الكتب تصدر وعلى صفحتها الاولى جملة – اسسها غوركي عام 1933) , واستمرت بالصدور منذ ذلك الحين و الى حد الان , وصدر منها مئات الكتب المتنوعة حول عظماء روسيا والعالم , وهي كتب تقع في مئات الصفحات وذات أغلفة فخمة وجميلة ومتميّزة , وفي كل كتاب نجد عشرات الصور النادرة والوثائقية لتلك الشخصية , وباختصار, فان تلك الكتب تحولت الى مصادر اساسية في المكتبة الروسية حول تلك الشخصيات , وقد وصلت نسخ طباعة بعض اعدادها من (100000) الى (150000) نسخة وحتى أكثر.
موضوعنا هنا هو الكتب الى صدرت عن تشيخوف ضمن هذه السلسلة , وعلى الرغم من ان هذه السلسة تتناول سيرة حياة شخص معين , اي تسجّل وقائع محددة ومعروفة , الا انها – مع ذلك - تختلف باختلاف المؤلف والمرحلة  التي كانت تمر فيها روسيا , وهكذا نجد الكتاب الصادر عام 1946 عن تشيخوف بقلم يرميلوف يحمل خصائص تلك المرحلة السوفيتية, وليس عبثا , ان هذا الكتاب حاز على جائزة ستالين من المرتبة الثانية . يقع هذا الكتاب في 430 صفحة من القطع المتوسط , وقد تم ترجمته الى عدة لغات , منها لغتنا العربية . يصور يرميلوف في كتابه هذا حسب مفهوم سوفيتي بحت سيرة حياة تشيخوف , والتي كانت تعيسة , وكيف انه ( اي تشيخوف) كان يبشّر بالمستقل الوضّاء , وهكذا نرى عناوين الفصول في كتابه ترسم تلك الصورة – اذ تبتدأ بفصل عنوانه ( في طفولتي لم تكن عندي طفولة ) , ثم نجد بعد ذلك ( نحن نعيش قبيل الاحداث العظيمة ) , ثم نرى بعد عدة فصول فصلا بعنوان - ( لا يمكن العيش أكثر هكذا ) , ثم يأتي بعدئذ فصل - ( السعادة – في المستقبل ) , ثم في الختام تقريبا - ( مرحبا ايتها الحياة الجديدة ). وكل عناوين هذه الفصول مأخوذة فعلا من رسائل تشيخوف او من كلمات بعض ابطاله في قصصه الكثيرة او مسرحياته , وهي منتقاة بدقة ومهارة من نتاجاته ورسائله, وتؤدي بالقارئ الى استنتاج محدد مفاده , ان تشيخوف كان مبشّرا للنظام الذي حلّ في بلده لاحقا , وهو النظام السوفيتي , حيث ابتدأت ( الحياة الجديدة !) , التي يقول فيها أحد ابطال تشيخوف – ( مرحبا ايتها الحياة الجديدة ) كما مرّ ذكره أعلاه. مؤلف الكتاب فلاديمير يرميلوف ( 1904 – 1965 ) كانوا يسمونه ( الناقد الحزبي ) , وكانت كتاباته كلها تؤكد على خط الحزب الشيوعي السوفيتي ونظرته الى الادب , وكان في تلك الفترة مشهورا واسما كبيرا في حركة النقد الادبي السوفيتي , الا ان مؤلفاته فقدت الان اهميتها و قيمتها , اذ اصبح مفهوم ( الحزبية في الادب ) في خبر كان كما يقول التعبير العربي الطريف .
الكتاب الثاني عن تشيخوف صدر عام 1974 , وهو من تأليف بيردنيكوف ( 1915 – 1996), الباحث السوفيتي المعروف , ومؤلف العديد من الكتب النقدية حول تشيخوف وتولستوي وغيرهم من كبار الادباء الروس , وهو بروفيسور في جامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا). كتاب بيردنيكوف ذو طابع اكاديمي صرف , وقد وضعه الباحث في قسمين , وكل قسم يحتوي على عشرة فصول . تتوزع فصول القسم الاول بين مدينة تشيخوف تاغنروغ ودراسته فيها , ثم انتقاله الى جامعة موسكو وعمله في الطب والصحافة و كتابة القصص القصيرة و الكثيرة وتأثره بتولستوي وينتهي القسم بالبحث عن افكاره , اما القسم الثاني فيبدأ برحلته المهمة الى سخالين , والتوقف عند جملة جاءت في احدى رسائله تقول , ان الانسان بحاجة ولو الى (قطعة) من الحياة الاجتماعية والسياسية , ويتوقف الباحث في هذا القسم عند الحب لدى تشيخوف ( يوجد فصل خاص بحبيبته ليكا ميزينوفا – وهي كاتبة ناشئة , وهناك قصة حب رومانسية بينهما ) , وعن حياة تشيخوف بعيدا عن موسكو وعن (السعادة الصعبة ) عنده . لازال كتاب بيردنيكوف مهما في مسيرة الدراسات عن تشيخوف في روسيا .
الكتاب الثالث عن تشيخوف صدر عام 2010 , ويقع في 847 صفحة من القطع المتوسط , وقد أصدرته سلسلة الكتب المشار اليها بمناسبة الذكرى (150) سنة لميلاد تشيخوف . مؤلفة الكتاب كوزيتشيفا ( ولدت عام 1941)  من أشهر المتخصصين في أدب تشيخوف بروسيا في الوقت الحاضر, ولديها عدة كتب عنه , منها كتاب مهم بعنوان – تشيخوف في النقد المسرحي الروسي , ويعدّ كتابها عن حياة تشيخوف ضمن هذه السلسلة واحدا من الاصدارات الرئيسة لدراسة حياة تشيخوف وابداعه , وقد اعيد طبعه عام 2012 , ويتميّز بنظرة تفصيلية و شاملة ومتكاملة وموضوعية بكل معنى هذه الكلمات .
ثلاثة كتب عن سيرة حياة تشيخوف صدرت في روسيا, ولكن كل كتاب منها يحمل خصائص تلك المرحلة , التي صدر فيها .


386
تماثيل بونين في روسيا
أ.د. ضياء نافع
بونين – هو آخر العنقود ضمن الاسماء العالمية الشهيرة  في تاريخ الادب الروسي , العنقود الذي ابتدأ بالشاعر بوشكين في القرن التاسع عشر.  ولد بونين عام 1870 في روسيا وتوفي عام 1952 في فرنسا , حيث كان لاجئا ( بعد ثورة اكتوبر1917 التي رفضها) و تم دفنه هناك . لقد عاش بونين في وطنه (50) سنة , واصبح اسما لامعا في مسيرة الادب الروسي , وعاش في فرنسا لاجئا( 32) سنة , و كان يعدّ هناك ابرز اديب روسي خارج روسيا , وحاز على جائزة نوبل للآداب عام 1932 ( وهو اول أديب روسي يحصل على هذه الجائزة ). لقد كان بونين طبعا من الادباء الروس المغضوب عليهم في الاتحاد السوفيتي , خصوصا في الفترة الستالينية , ولكن حذف اسمه في مسيرة الادب الروسي او عدم الاعتراف به  لم تكن مسألة يسيرة , وهكذا عاد بونين جزئيا ( ان صحّ هذا التعبير) الى القارئ الروسي داخل روسيا السوفيتية آنذاك في الفترة التي استقرّت تسميتها بمرحلة ( ذوبان الجليد) بعد وفاة ستالين , لكن دون الاشارة طبعا الى جائزة نوبل او مواقفه الفكرية الواضحة والصريحة بالنسبة لثورة اكتوبر, بل تم ( الافراج !) عن بعض مؤلفاته قبل ثورة اكتوبر بالاساس , وقد شاهدت بام عيني ردود فعل القراء الروس وهم يتزاحمون ويقفون في الطابور بمخازن بيع الكتب السوفيتية من اجل الحصول على نسخة من كتب بونين , التي أعادت دور النشر السوفيتية طباعتها وتوزيعها عندئذ في تلك الفترة , وقد ازدادت عودة بونين الى القراء الروس بالتدريج و بمرور الوقت , اذ ان بونين هو كاتب عملاق متعدد المواهب , فهو شاعر وقاص وروائي وكاتب مقالة من الطراز الفريد والمتميز بكل معنى هذه الكلمات , وليس عبثا , ان الباحثين العرب , الذين كتبوا عن الموضوعة العربية في الادب الروسي قد توقفوا طويلا وتفصيلا عند بونين ( وخصوصا البا حثة المصرية الكبيرة أ.د. مكارم الغمري) .
الا ان هذه العودة لم تكتمل كما يجب الا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي العام 1991 , اذ ابتدأ الكلام العلني والصريح في روسيا الاتحادية رأسا عن بونين باعتباره اديبا كبيرا , وباعتباره اول كاتب روسي حائز على جائزة نوبل , وهكذا تأسست جمعية من محبيه للحفاظ على تراثه في روسيا , و تم نشر أعماله الابداعية كافة ( بما فيها التي كتبها في فرنسا) , وهكذا ايضا ظهرت عام 1995 ( اي بعد اربع سنوات فقط من انهيار الدولة السوفيتية , وفي الذكرى 125 على ميلاده ) عدة تماثيل له رأسا في روسيا , وبالذات في الاماكن الذي كان بونين يرتبط بها , وهي ظاهرة فريدة في التاريخ الروسي , اذ لم يسبق لاي كاتب في روسيا ان اقيمت له عدة تماثيل في آن واحد , وهذا يبين طبعا حب القراء الروس وتقديرهم العالي لهذا الاديب ورغبتهم المخلصة ( بل تعطشهم الحقيقي) لعكس هذا الاهتمام به في تلك الذكرى .
 نتوقف فليلا عند تمثال ضخم له في مدينة فارونش , وهي المحافظة التي ولد فيها . . يجلس بونين في ذلك التمثال على جذع شجرة وهو بكامل اناقته ( ويرتدي حتى  وردة بدل رباط العنق ) ويوجد كتاب مفتوح جنبه على ذلك الجذع, وينظر بونين بتأمل وقلق الى بعيد , وهناك كلب ضخم عند قدميه . لقد اراد النحات ان يجسّد بونين الارستقراطي وقد قرر ان يترك وطنه , ولهذا جعله في أبهى ثيابه اولا لانه واحد من الارستقراطيين الروس , ولكنه كان غارقا في القلق وهو ينظر الى الافق البعيد ,  لانه كان مضطرّا ان يترك وطنه نتيجة تلك الاحداث المحيطة بوطنه , اما الكلب الوفي الذي كان عند رجليه , فانه كان يرمز الى تلك الحياة المتفرّدة التي ستبقى تتذكره,  رغم انه سيتركها  على الارض  التي سيغادرها . التمثال هذا يقع في متنزه كبير ورائع قرب جامعة فارونش , وقرب المكتبة المركزية للمدينة . لقد زرت انا شخصيا هذا التمثال عدة مرات , وأذكر اني كنت اقف مرة عنده متأملا , واقترب مني أحد سكان تلك المدينة , وقال لي انه لاحظ اهتمامي بالتمثال , وفهم باني اجنبي , وبدأ يتحدث عن الفخر والاعتزاز بهذا التمثال باعتباره ( ابن مدينته فارونش ) , وبانه ( اول كاتب روسي يحصل على نوبل ) , ولم اخبره طبعا باني اعرف  كل ذلك , ولكني سألته – ( لماذا يوجد عند قدميه كلب ؟) , فقال – ( ان بونين  كان يحب الصيد دائما , وان النحات صوّره وهو يتهيأ لرحلة الصيد ) , فقلت له مبتسما – ( وهل يذهب االانسان الى الصيد وهو يرتدي احلى الملابس والوردة حول عنقه ؟ ) , فانزعج من سؤالي وتركني , وقد رويت هذه الحادثة الطريفة بعدئذ لاصدقائي الروس , وضحكنا طويلا ...                     
 و في نفس ذلك العام ايضا ( 1995) تم تدشين تمثالين لبونين في مدينة صغيرة هي - يليتس , وتقع قرب فارونش (و تابعة لها). لقد ولد بونين في هذه المدينة الصغيرة وكان تلميذا في مدرستها , ولهذا تم افتتاح تمثالين له , الاول فريد من نوعه لبونين التلميذ , وهو يجلس وترك الزي المدرسي جنبه, والتمثال الثاني وهو يجلس على مصطبة ويضع ساقا على ساق  ويرتدي قبعته وهو في حالة تأمّل . وفي نفس العام ايضا تم افتتاح تمثال لبونين في مدينة اريول , وهو تمثال ضخم جدا ويقف بونين بقامته على منصة عالية جدا , ويعدّ واحدا من اضخم تماثيله في روسيا .
ولم تتوقف حملة اقامة التماثيل لبونين في روسيا , اذ تم افتتاح تمثال له في العاصمة الروسية موسكو عام 2007 , وفي مدينة يفريموف عام 2010 , وفي مدينة نوفغورد عام 2011 , ولا يمكن التوقف تفصيلا عند كل هذه التماثيل , اذ ان كل واحد منها هو تحفة فنية بكل معنى الكلمة .
لقد قال لي أحد الباحثين الروس مرة , ان روسيا تريد ان تعتذر من بونين , ولهذا أقامت له كل هذه التماثيل الكثيرة و المتنوعة  , فقلت له ما أجمل هذا الاعتذار وما أروعه .

387
أدب / الوقت
« في: 21:38 03/02/2019  »
الوقت
=====

قصيدة للشاعرة الصربية لوبيتسا ميليتيج
=======================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
======================

أتعرف أنت
كم هو الوقت ؟
وبشكل عام
أتعرف أصلا أنت
ما هو الوقت ؟
وهل تعرف أنت
كم هو الوقت
الذي
تحتاجه الاشجار,
كي تنمو
وتمنحنا الثمار
بهدوء وسلام
 ليل نهار؟
ولدت لوبيتسا ميليتيج في بلغراد عام 1948 / شاعرة وكاتبة مقالة / خريجة كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) في جامعة بلغراد .

388
الجمعية الامبراطورية الارثذوكسية الفلسطينية – الروسية
أ.د. ضياء نافع
تأسست الجمعية الامبراطورية الارثذوكسية الفلسطينية ( هكذا كان اسمها الرسمي) في الامبراطورية الروسية العام 1882 , و تقدّم هذه الجمعية نفسها على انها منظمة دينية و علمية وانسانية هدفها مساندة وتوسيع وتسهيل حج الارثذوكس الروس الى الاراضي المسيحية المقدسة في فلسطين , وكذلك التعاون مع شعوب الشرق الاوسط في مجالات الاستشراق وتوطيد العلاقات الثقافية والانسانية معها . واستمرت هذه الجمعية  بالعمل النشيط والمتشعب جدا في فلسطين وسوريا ولبنان وافتتحت الكثير من المدارس الاهلية الارثذوكسية ( والتي كان التدريس فيها يجري باللغة الروسية) الى العام 1917 , اذ توقفت عن العمل بعد  ثورة اكتوبر 1917 في روسيا , وتأسيس دولة الاتحاد السوفيتي وما أعقبها من أحداث هائلة وتغيّرات جذرية في المجتمع الروسي والعالم , وهي احداث معروفة للجميع , وهكذا تحولت الجمعية بعد ثورة اكتوبر1917 الى ( جمعية فلسطينية روسية داخل اكاديمية العلوم السوفيتية ) ليس الا, ولم تستطع واقعيا القيام بدورها السابق طبعا . لكن بعد انهيار دولة الاتحاد السوفيتي عام 1991 , أعادت هذه الجمعية كيانها من جديد  , واستعادت اسمها التاريخي الرسمي (  الامبراطوري !) العتيد كما كان قبل ثورة اكتوبر1917 بالضبط,
  و عادت الى الحياة  في دولة روسيا الاتحادية , وبدأت بنشاطها مرة اخرى بعد توقف دام حوالي مئة عام تقريبا , ونحاول في هذه المقالة التوقف عند هذه الجمعية ( القديمة – الجديدة !) والاطلاع على نشاطاتها, وتسليط الضوء ( كما يقول التعبير الشائع) على ما تقوم به هذه الجمعية من أعمال في منطقتنا في الوقت الحاضر , بعد عودتها الى العمل من جديد.
الجمعية كانت تؤدي نفس الادوار التي كانت تؤديها البعثات التبشيرية العديدة في الشرق الاوسط بشكل عام , والتي تعرفها شعوبنا منذ نهاية القرن التاسع عشر, والتي كانت مرتبطة بدول مثل انكلترا وفرنسا والمانيا والولايات المتحدة الامريكية وغيرها , وجاءت روسيا متأخرة عن تلك الدول , وهكذا بدأت بذلك النشاط منذ 1882 فصاعدا , وهي سنة تأسيس الجمعية المذكورة .
 لقد لعبت كل هذه البعثات التبشيرية دورا كبيرا في توسيع المجالات الثقافية في العالم العربي بلا شك , ولكنها لم تكن بعثات تبشيرية بحتة , وانما كانت تساهم ( ولو بشكل غير مباشر ) في التخطيط  العام لبلدانها في عملية التوغل والتوسع في العالم العربي , وربما يمكن القول , ان طبيعة الاوضاع العامة منذ نهاية القرن التاسع عشر صعودا كان يسمح لهذه البعثات التبشيرية بالعمل في العالم العربي آنذاك , حيث كانت بلداننا في وضع سئ جدا( ضمن اطار الامبراطورية العثمانية ), الا ان الاوضاع قد تغيّرت بشكل جذري , خصوصا منذ النصف الثاني من القرن العشرين صعودا , وان التطور العلمي الهائل , الذي حدث في الوقت الحاضر خصوصا , قد خلق ظروفا جديدة ومختلفة كليّا و جذريا , بحيث انتفت الحاجة  للعودة الى احياء دور مثل هذه الجمعيات التبشيرية, ونضرب على ذلك مثلا واحدا فقط , وهي قضية  الحج  و زيارة الاماكن المسيحية المقدسة في القدس, اذ يستطيع الان كل مواطن يحمل جواز السفر الروسي ان يسافر الى هناك متى يشاء ودون الحصول على تأشيرة الدخول والخروج ( الفيزا) وذلك تنفيذا للاتفاقية بين روسيا الاتحادية و اسرائيل , علما ان عدد اليهود الروس الذين هاجروا الى اسرائيل منذ سبعينات القرن العشرين ( من الاتحاد السوفيتي آنذاك ) ولحد الان  يبلغ حسب الارقام الرسمية سدس عدد السكان في اسرائيل ( اكثر من مليون وربع ) , وان اللغة الروسية اصبحت اللغة الثالثة هناك , وتوجد الان عشرات الصحف والمجلات ودور النشر والمسارح باللغة الروسية , وهناك عشرات الشركات السياحية بين البلدين , والتي ترتبط بها وسائل النقل المتطورة من طائرات ووكالات خدمية للسياح والدعاية...الخ , بل هناك حتى مستشفيات خاصة لعلاج المرضى الروس , اي ان اهداف الجمعية , والتي تأسست من اجل تحقيقها قد اصبحت حقيقة ماثلة للعيان على الارض فعلا , فما هو اذن دور الجمعية الان؟ علما انه توجد الان في روسيا الاتحادية مؤسسة رسمية غنية وضخمة اسمها ( العالم الروسي) , وهي مسؤولة عن موضوع نشر اللغة الروسية في العالم , وقد اسست هذه المنظمة عشرات المراكز الخاصة بتعليم اللغة الروسية , بما فيها في عواصم بعض الدول العربية , وبالتالي , فان مهمة نشر اللغة الروسية , التي كانت تمارسها هذه الجمعية في الماضي لم تعد ايضا مطروحة في عصرنا .
عالمنا العربي لا يحتاج الى الخطاب الديني من قبل جمعيات تبشيرية اجنبية , سواء كانت انكليزية او فرنسية او روسية او مرتبطة باي دولة اوربية او امريكية , اذ ان الشعار الذي رفعه الليبراليون العرب  منذ فترة طويلة , وهو – (الدين لله والوطن للجميع) , هذا الشعار لازال لحد الان صحيحا وضروريا , رغم كل المحاولات البائسة هنا وهناك لتشويهه او لتقليل اهميته, ويمكن ( بل ويجب) ان يحل (بدل ذلك الخطاب الذي تقترحه تلك الجمعيات التبشيرية) - الحوار المتكافئ بين تلك البلدان وعالمنا العربي , والتقدم العلمي الحالي يمكن ان يكفل هذه العملية الحضارية ...     

389
المنبر الحر / بوشكين و غوغول
« في: 21:06 29/01/2019  »
بوشكين و غوغول
أ.د. ضياء نافع
بوشكين بالنسبة لغوغول مثل الاستاذ بالنسبة لطالبه , رغم ان الفرق في الاعمار بينهما ليس كبيرا نسبيا, فقد ولد بوشكين عام 1799 بينما ولد غوغول عام 1809 . لقد كان غوغول ( يلتهم! ان صحّ هذا التعبير) كل ما يصدر عن بوشكين من نتاجات , وكان يعتبره المثل والنموذج الاعلى , وعندما وصل غوغول من اوكراينا الى بطرسبورغ , وكان ذلك عام 1829, استفسر رأسا عن عنوان شقة بوشكين و توجه الى هناك دون اي موعد مسبق  , وطرق الباب ( بعد تردد كبير ) , وسأل عن بوشكين , الا ان الخادم الذي فتح له الباب  قال له , ان بوشكين لازال نائما , فسأله غوغول ( انطلاقا من الصورة الفنية الخاصة جدا التي رسمها غوغول لبوشكين في اعماق روحه وكيانه ) - لأنه كان طوال الليل يكتب القصائد ؟ فأجابه الخادم – لا , لقد كانوا طوال الليل يلعبون الورق , وقد اصيب غوغول بصدمة من جواب الخادم هذا , لانه كان يتصور بوشكين محاطا دائما باجواء الالهام والابداع الادبي البحت.
اللقاء الاول بين غوغول و بوشكين في بطرسبورغ تم  فقط في صيف عام 1831 , وذلك في بيت  الشاعر والناقد الادبي بليتنيف , وكان غوغول قد أصدر كتابه المتميّز الشهير- ( امسيات عند قرية ديكانكا ) , الذي اطلع عليه بوشكين طبعا وكتب عنه تقريظا ممتازا واعتبره كتابا مرحا مدهشا , بل ان بوشكين وجد فيه حتى ( مقاطع شعرية ) , وقد ساعد هذا التقريظ طبعا على التعارف آنذاك و من ثم التقارب بينهما  .
 لقد ساند بوشكين - و بقوة وحماس –  غوغول , وحاول وبكل طاقته على ان يشغل غوغول مكانة متميّزة في الاوساط الادبية والثقافية , وفتح له مجال النشر في مجلته ( المعاصر ), ونشر غوغول فيها فعلا عدة نتاجات من ابداعه , مثل قصته الطويلة المشهورة ( الانف ) , و ( العربة ) وغيرها , ونشر هناك ايضا مقالته النقدية بعنوان ( عن حركة ادب المجلات في 1834 و 1835),  والتي تعدّ لحد الان واحدة من المقالات النقدية المهمة في تراث غوغول . ومن المعروف , ان بوشكين هو الذي أعطى لغوغول فكرة مسرحيته الشهيرة ( المفتش العام) , وكذلك أعطاه فكرة روايته ( الارواح الميتة ), وهما طبعا النتاجان الاساسيان والرئيسان في مسيرة غوغول الابداعية, وقد كتب غوغول نفسه عن ذلك بكل صراحة ودقة , وحاول بوشكين ايضا ان يجد مكانا لغوغول للعمل في التدريس بجامعة بطرسبورغ ( في قسم التاريخ ) , ومن المعروف , ان غوغول ألقى محاضرة (حضرها بوشكين وبعض الشخصيات الفكرية  الروسية الاخرى ومن بينهم الشاعر والمترجم الكبير جوكوفسكي ) في جامعة بطرسبورغ بعنوان ( المأمون ) عن الخليفة العباسي ( لا زالت لحد الان صورة غوغول معلقة في جامعة بطرسبورغ ضمن صور الاساتذة فيها , وقد شاهدتها انا شخصيا  عندما زرت تلك الجامعة عام 2006 مع  رئيس جامعة بغداد آنذاك أ.د.موسى  الموسوي ). 
  و محاضرة غوغول عن المأمون معروفة ومنشورة ضمن كتبه و مؤلفاته الكاملة ومترجمة الى العديد من اللغات, وقد ترجمها الزميل كامران قره داغي الى العربية في بغداد بالسبعينات بشكل رائع ونشرها آنذاك, و تناولها الكثير من الباحثين العرب في بحوثهم وترجماتهم عند الكلام عن الموضوعة العربية في الادب الروسي بشكل عام , ولا مجال للتوسع في هذا الموضوع هنا .
سافر غوغول من روسيا بعد عرض مسرحية ( المفتش العام ) عام 1836 (والتي حضرها قيصر روسيا بنفسه ) و الضجة الهائلة التي ارتبطت بذلك العرض , وسمع بخبر مقتل بوشكين في مبارزته الشهيرة مع دانتيس الفرنسي  وهو في اوربا , وتأثر جدا , بل انه قال (حسب ذكريات احد اصدقائه)  انه تأثر عند سماعه بموت بوشكين أكثر مما لو سمع بموت  والدته , التي تعد أعز انسان لديه . ولم يستطع غوغول – بسبب الحزن – حتى ان يستمر بالعمل في كتابة روايته ( الارواح الميتة ) لفترة من الزمن . وكتب غوغول بعد مقتل بوشكين يقول – ( ...لم أعمل اي شئ دون نصيحته , ولم اكتب دون ان اتصور انه امامي ..) .
 نود ان نشير هنا الى مقالة غوغول الموسومة ( بضع كلمات عن بوشكين ) , والتي حدد فيها غوغول مكانة بوشكين الحقيقية في تاريخ الادب الروسي , وأطلق عليه تسمية - ( شاعر روسيا الوطني الاعظم ) لاول مرة في التاريخ الروسي , ومدى تأثير ذلك على مجمل حركة النقد الادبي في روسيا ( انظر مقالتنا بعنوان – بعض كلمات غوغول عن بوشكين ).
ختاما لهذا العرض عن العلاقات الفكرية المتبادلة بين قطبين من أقطاب الادب الروسي والعالمي ايضا, من الطريف ان نذكر , ان السينما الروسية المعاصرة انتجت فيلما سينمائيا وثائقيا ( 44 دقيقة ) عام 2009 بعنوان – ( كيف اصبح بوشكين وغوغول أقرباء ) , حيث تزوج ابن اخت غوغول حفيدة بوشكين , ابنة الابن الاكبر لبوشكين , و تم زواجهما عام 1881 في ضواحي موسكو , وهكذا ظهر لهم ابناء يوحدون غوغول وبوشكين , وقد حاز هذا الفيلم على جائزة ( الادب  والسينما ) عام 2010 في روسيا.

390
الادباء الروس في تاريخ الفلسفة الروسية
أ.د. ضياء نافع
يحتوي تاريخ الفلسفة الروسية على مجموعة من أسماء بعض الادباء الروس منذ القرن الثامن عشر, وعبر القرن التاسع عشر, ثم  القرن العشرين والى حد الان , ونحن في القرن الحادي والعشرين , ونحاول في مقالتنا هذه الاشارة – ليس الا – الى ابرز اسماء هذه المجموعة والتوقف قليلا عندها ( نؤكد على كلمة (أبرز) , اذ لا يمكن عرض كل الاسماء , فالقائمة طويلة جدا والاجتهادات الفلسفية متشعبة و متنوعة جدا ). ونحاول ايضا الاشارة الى العناصر والخصائص الرئيسية في ابداعهم , و التي ادّت بمؤرخي الفلسفة الروسية وضع هؤلاء الادباء ضمن تاريخ الفلسفة تلك ومسيرتها الطويلة , واعتبارهم ادباء وفلاسفة في آن.
الاسم الاول في هذه القائمة هو لامانوسوف ( نكتب اسمه حسب قواعد التلفّظ الروسية , ويأتي اسمه في بعض المصادر العربية لومونوسوف او لامونوسف), وهو عالم روسي موسوعي كبير , وقد  قال عنه بوشكين - ( انه جامعتنا) , وأطلقوا اسمه فعلا على جامعة موسكو عام 1940 , ولا زالت هذه الجامعة تسمّى جامعة لامانوسوف لحد الان ( انظر مقالتنا بعنوان – لومونوسوف واللغة الروسية وآدابها) . جاء اسم لامانوسوف ضمن قائمة الادباء – الفلاسفة  باعتباره أحد عمالقة التنويريين الروس الكبار , الذين ساهموا بارساء وتثبيت الفكر العلمي التنويري في مسيرة روسيا , وهو سبب وجيه ومنطقي جدا , اذ ان الحركة التنويرية في كل العالم هي جزء لا يتجزأ من الفلسفة فعلا.
 الاسم الثاني في هذه القائمة من القرن الثامن عشر ايضا, و هو راديشيف , مؤلف الكتاب الشهير ( رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) زمن الامبراطورة يكاترينا الثانية ( انظر مقالتنا بعنوان – الامبراطورة يكاترينا الثانية والادب الروسي , وكذلك مقالتنا بعنوان – راديشيف وكتابه رحلة من بطرسبورغ الى موسكو ) . راديشيف – تنويري ايضا ( رغم انه يختلف كليّا عن لامانوسوف ), وقد عرض افكاره الفلسفية العميقة بشكل غير مباشر في كتابه الخطير المذكور , و دفع الثمن غاليا من حريّته كما هو معروف .
نشير, ثالثا , الى عدة اسماء من ادباء القرن التاسع عشرسوية , وذلك لأنهم جميعا يرتبطون باتجاه فلسفي واحد يسمى بالنزعة السلافية او( السلوفيانية ) في مسيرة الفكر الروسي ( وهو الاتجاه الفكري المضاد للنزعة الغربية , ومن المعروف ان الصراع بين النزعتين استمربشكل حاد ومتطرف  طوال القرن التاسع عشر في مسيرة الفكر والادب الروسي ولا يمكن التوقف عند هذه النقطة هنا طبعا )  , وهؤلاء هم كل من – خومياكوف واودويفسكي واكساكوف وتيوتشيف .
خومياكوف (1804 – 1860) هو شخصية متعددة المواهب في مسيرة الفكر الروسي , ويكاد ان يكون شبه مجهول بالنسبة للقارئ العربي مع الاسف , فهو شاعر وكاتب مسرحي  وفنان تشكيلي ومؤرخ وفيلسوف, وساهم حتى بمسيرة البحوث في العلوم البحتة ( وخصوصا الرياضيات )  , ويمكن القول , انه واضع اسس مصطلح ( السلوفيانية ) في تاريخ الفلسفة الروسية ضمن مقالاته وكتاباته العديدة . ولابد من الاشارة وفي هذه العجالة , ان ابداع خومياكوف حاز على اعجاب وتقدير بوشكين وغوغول ودستويفسكي وتولستوي واسماء كبيرة اخرى في تاريخ الفكر والادب الروسي .
الاسماء الثلاثة الاخرى في هذه المجموعة كبيرة ومهمة ايضا في مسيرة الادب الروسي , ولعل ابرزها هو تيوتشيف , الشاعرالاثير والمفضّل لتولستوي , و الذي قال عنه جملته الشهيرة ,  والتي نجدها في كل المصادر الروسية عن هذا الشاعر الكبير  , وجملة تولستوي هذه هي – ( لا يمكن العيش بلا تيوتشيف ), بل ويقال ان تولستوي كان يردد بعض ابيات من شعر تيوتشيف حتى في ايامه الاخيرة. وقد تحولت بعض مقاطع من شعره الى اقوال خالدة ترددها روسيا كلها , ومن تلك الاقوال ابيات فلسفية عميقة من شعره يقول فيها –
روسيا لا يمكن بالعقل فهمها
ولا يمكن قياسها,
   هناك خصوصية  عندها -
 يمكن فقط الايمان بها.
الحديث عن فلسفة تيوتشيف طويل طويل , بل اني وجدت حتى مقالة رائعة وعميقة بالعربية , و لا يمكن عرض مضمونها هنا , ولكني اورد فقط عنوانها , الذي يمتلك بحد ذاته دلالة واضحة المعالم , والعنوان هذا هو  – كلمات الفيلسوف تيوتشيف والزخارف الفلسفية في شعره .
ختاما لهذا العرض الوجيز جدا والسريع جدا لموضوعة الادباء – الفلاسفة في الادب الروسي , نود ان نشير , الى ان هناك عدة اسماء كبيرة في هذا الادب تمتاز بمزج الادب والفلسفة بشكل واضح , ومنهم تولستوي ودستويفسكي , وان القارئ العربي اصبح على اطلاع جيد بشأن ذلك ( انظر, مثلا, مقالتنا بعنوان – تولستوي فيلسوفا , ومقالتنا بعنوان – دستويفسكي فيلسوفا / تأملات ) , ولكن القارئ العربي لم يطلع كما يجب على جوانب اخرى في هذا المجال , ومنها مثلا , عن غوغول فيلسوفا , اوعن فلسفة تورغينيف , ولا نريد الاشارة الى ادباء القرن العشرين مثل بلوك وبيللي وغيبيوس وسولوغوب وبريوسوف وبالمونت وبولغاكوف وغيرهم , اذ ان هذه الاسماء بحد ذاتها لازالت شبه مجهولة لهذ القارئ بشكل عام .
اتمنى ان تثير هذه المقالة الوجيزة انتباه واهتمام المتخصصين العرب , وان يتناولوا مضمونها العام ويتوسعوا بدراسته , اذ اننا نرى , ان موضوعة تداخل الادب والفلسفة - مسألة مهمة لفهم الاداب ودورها الرائد في مسيرة حياتنا ومجتمعنا.

391
أدب / وحيدة أنت يا امي
« في: 21:42 25/01/2019  »

وحيدة أنت يا امي


قصيدة للشاعر الداغستاني خيزري أسدولايف

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


وحيدة أنت في الليل
يا امي ,
وتنظرين الى النجوم
في السماء .
كم تشبه هذي النجوم
الاولاد,
الذين غادروا المنزل والبلاد!
لا تسرعي بالبكاء,
أتسمعين
كيف تنطوي الاجنحة
في الهواء؟
انهم أطفال اللقالق
وهم يعودون
الى احضان امهاتهم
هبوطا من السماء.



ولد خيزري أسدولايف في داغستان عام 1956 , وانتقل للعمل في بيلاروسيا عام 1983 , ولا يزال هناك . وهو شاعر وفنان تشكيلي ونحات وموسيقي ومغنّي .

392
أدب / على العشب الاخضر
« في: 23:58 21/01/2019  »
على العشب الاخضر
=============

قصيدة للشاعر الصربي ميلان نيناديج
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

على العشب الاخضر
أرقد أنا,
ويداي معقوفتان
علّيّ.
+++
أنظر الى السماء
أنا,
وتنظر السماء
الّيّ.
+++
ولا توجد
اي كلمات
للسماء
لدّيّ.
====================================================================================
ولد ميلان نيناديج عام 1947 في البوسنة والهرسك , وتخرج في كلية الفلسفة بجامعة سرايفو . وهو شاعر ومترجم وكاتب مقالة ونشر العديد من المجاميع الشعرية , وكذلك اصدر كتبا للاطفال .

393
قراءة في رواية (زمن النساء ) بترجمة أ. د. محمد الجبالي
أ.د. ضياء نافع
صدرت هذه الرواية عام 2016 في القاهرة بترجمة عن الروسية مباشرة , والتي قام بها الاستاذ الدكتور محمد نصر الدين الجبالي – رئيس قسم اللغة الروسية في كلية الالسن بجامعة عين شمس المصرية الشهيرة . تقع الرواية في (261) صفحة من القطع الكبير , وهي من تأليف الكاتبة الروسية المعاصرة يلينا تشيجوفا ( ولدت عام 1957 في مدينة بطرسبورغ) , و الرواية هذه هي اول عمل ابداعي لها ينشر بالعربية , وقد صدرت الرواية عن الهيئة المصرية للكتاب ضمن (سلسلة الجوائز) , وهي سلسلة تعنى بترجمة الاعمال الادبية الحاصلة على جوائز من محتلف اللغات .  لقد بدأت بقراءة رواية ( زمن النساء ) صباحا ,  وانهيتها مساء , وبعد الانتهاء من القراءة خنقني الحزن , اذ ان هذه الرواية كانت تدور حول نفس ذلك الزمن , الذي كنت انا فيه ايضا في موسكو , وتذكرت طبعا كل الاحداث التي عشناها في فترة الستينات , عندما كنّا نقلّي البطاطا بعد عملية تقشيرها مثل هؤلاء النساء في تلك الرواية , من اجل ان نتناول  العشاء ( الفاخر اللذيذ !) , وكنّا نغسل ملابسنا بايدينا ونغليها بسطل خاص بعض الاحيان في المطبخ مثل ابطال تلك الرواية , وكنّا نقف بالطابور وقتا طويلا جدا لشراء اللوازم الضرورية مثل ابطال تلك الرواية , وكنّا نقرأ الشعارات المعلقة في كل مكان عن المستقبل الوضّاء الذي ينتظره ذاك الجيل , الذي سيعيش في ظل النظام الذي سيأتي قريبا , حيث سيأخذ كل مواطن فيه ما يريد حسب حاجته ورغبته , ويمنح المجتمع كل ما يستطيع حسب طاقته وقدرته الذاتية دون اي رقابة من الآخرين , اذ ستختفي حتى الدولة نفسها !!!. 
     وتذكرت  ما كتبه الشاعر العراقي احمد الصافي النجفي عندما عاد الى مدينته الحبيبة بغداد وهو اعمى (بعد سنوات طويلة من الغربة عنها ) وقال بيت الشعر الذي ذهب مثلا وهو – ( يا عودة للدار ما أقساها ++ اسمع بغداد ولا أراها). 
لقد عدت أنا ايضا (اثناء قراءة صفحات تلك الرواية) الى مرحلة شبابي قبل اكثر من خمسين عاما , عندما كنت طالبا في موسكو , وكنت ( اسمع!) مثل احمد الصافي , موسكو , و لا اراها , ولكني رأيتها فعلا على صفحات رواية ( زمن النساء ) , عندما كانت النساء يقشرن البطاطا ويقلونها لتناول العشاء , وعندما كانت النساء يغسلن الملابس باليد , او يغلونها في سطل خاص في المطبخ , وعندما كنّ يقفن  بالطابور عدة ساعات للحصول على الطعام , وكيف كنّ يخفتن اصواتهن عندما يتكلمن  خوفا من الوشايات وكتابة التقارير, وعندما كنّ يستمعن الى نشرات الاخبار الموجهة في جهاز التلفزيون , الذي حصلن عليه بعد اللتي واللتيا وبالاقساط ...
الرواية تسير بهدوء , واحداثها بسيطة للغاية , فهي تدور حول حياة ومصير ثلاث من السيدات العجائز مع طفلة بكماء ولدت نتيجة علاقة خداع قام بها رجل مع بطلة الرواية انطونينا ولاذ بالفرار , وتموت الام بمرض السرطان وتترك ابنتها في رعاية تلك السيدات الثلاث , اذ انها لا تريد لها ان تذهب الى حضانات الدولة وهي بهذه العاهة وذاك التاريخ غير الشرعي المعيب. وتتمحور كل الرواية في الحياة اليومية لمجموعة النساء , وهي الحياة السوفيتية في الستينات , والتي لا يفهمها ولا يتصورها على حقيقتها الا الذين عاشوها فعلا , هذه الحياة المليئة بالصعوبات الانسانية , والتي ترسمها كاتبة الرواية – وبمهارة وموهبة - عبر تلك المعاناة اليومية الصغيرة . ولا يمكن لي ان اكتب خلاصة او مضمونا وجيزا لهذه الرواية سوى القول , ان القارئ الذي يريد ان يعرف كنه الحياة السوفيتية في النصف الثاني من القرن العشرين , عليه ان يقرأ هذه الرواية البسيطة والعميقة والرائعة بكل ما تعني هذه الكلمات .
ختاما , اريد ان احيي مترجم الرواية أ.د. محمد نصر الدين الجبالي على هذا العمل الترجمي الممتاز ,اذ استطاع فيه ان يصل الى المستوى الذي يحلم ان يصل اليه كل مترجم حقيقي وأصيل , وهو ان يمنح للقارئ نصا عربيا سليما , بحيث لا يشعر القارئ بانه يقرأ نصا مترجما , ولولا بعض المفردات الروسية البحتة ( والتي وضّحها المترجم بهوامش دقيقة ) , فان القارئ – اكرر- لا يشعر بان هذا العمل الابداعي الجميل كان مكتوبا باللغة الروسية . اضافة الى ذلك , فاني اريد ان احييه ايضا على تلك المقدمة العلمية والموضوعية والشاملة حول الادب الروسي المعاصر وكل السمات التي يمتاز بها هذا الادب الجديد  (وهي سمات وصفات جديدة كليّا بالنسبة للقارئ العربي المعاصر) , والتي كتبها الجبالي من الصفحة رقم (7) الى الصفحة رقم( 15) , والتي يمكن تسميتها ببحث علمي واضح المعالم . واخيرا , اريد اشير الى اني وجدت بعض المقاطع في تلك الرواية وكأنها مقاطع من الشعر ( وهي طبعا تأكيد رائع لموهبة المترجم ) , واختتم هذا العرض بمقطع من تلك المقاطع التي تمتاز بهذه الروح الشاعرية –
( الذكرى الاولى من طفولتي – الجليد .. باب كبير وفرس نحيل أبيض , وأنا وجداتي نمضي متثاقلات خلف عربة أحصنة . الحصان ضخم , ولكن متسخ لسبب ما , وهناك ايضا جرافات طويلة تنخر في الثلج المتراكم , وثمة شئ ما داكن يتمدد في العربة . تقول جداتي  انه نعش . أعرف هذه الكلمة , لكني أ تعجب من ذلك , لأن النعش في نظري يجب ان يكون شفافا ومصنوعا من الزجاج , حتى يمكن للجميع أن يروا امي وهي نائمة , ثم يرونها عندما تصحو بعد قليل . أعرف ذلك لكني لا أستطيع التعبير..)

394
المنبر الحر / غوغول في ايطاليا
« في: 20:38 13/01/2019  »
غوغول في ايطاليا
أ.د. ضياء نافع
عندما كنّا طلبة في روسيا الستينات من القرن الماضي , كان  الطلبة الروس حولنا في جامعة موسكو  يقولون لنا ( ونحن نتناول سوية طعامنا في مطاعم الطلبة البسيطة , ومنها البطاطا والمعكرونه بالاساس) , ان الكاتب الشهير غوغول هو الذي جلب لنا , نحن الروس, ( المعكرونه ) من ايطاليا  , وكنّا نضحك ونقول لهم – لو انه جلب  ايضا من ايطاليا انواعا اخرى من الطعام عدا المعكرونه لكان ذلك أفضل لنا جميعا ,  وكانوا يقولون لنا , ان غوغول كان مشغولا ب ( ارواحه الميتة ) فقط , ولم يفكر بالطلبة  وطعامهم ( خصوصا بعد قرنين من الزمان!!), ولهذا يجب ان نحمد الله لانه جلب لنا المعكرونه في الاقل . تذكرت كل تلك الاحاديث والنكات والاشاعات والتحليلات ( العميقة!) الطلابية الشبابية في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) بجامعة موسكو حول الاديب الروسي العظيم وانا اكتب مقالتي هذه عن غوغول  في ايطاليا , علما ان مصادر المطبخ الروسي تشير , الى ان المعكرونه قد بدأت بالظهور في روسيا قبل غوغول , لكنها لم تنتشر سريعا في المطبخ الروسي التقليدي آنذاك , لكن غوغول كان يحب المعكرونه في ايطاليا وكان يحاول ان يحضّرها لأصدقائه , وقد كتب العديد من أصدقائه حول ذلك , ولهذا السبب انطلقت تلك الاشاعات والاقاويل بين الطلبة الروس عندما كنّا ندرس معهم .
كان غوغول عاشقا كبيرا  لايطاليا , وقد قارنها مرة في احدى رسائله ب ( السماء ) وكتب يقول , ان الذي كان في السماء لا يرغب ان يحيا في اي بقعة من بقاع الارض , وقال عنها انها ( مثل اليوم المشمس ) مقارنة مع ( اليوم الغائم المكفهر) , وتوجد مقاطع كثيرة جدا في رسائل غوغول عن ايطاليا وحبه لها واندهاشه امام جمالها وطبيعتها , وتحمل تلك الرسائل طبعا روحية غوغول وجمالية اسلوبه في الكتابة ومبالاغاته الطريفة والمتميّزة واسلوبه الغريب , ويقول مثلا , في احدى هذه الرسائل , انه يتمنى ان يتحوّل كليّا الى أنف كبير كي يستنشق الهواء العليل في ايطاليا , ولا مجال هنا للاستشهاد بنصوص كثيرة اخرى من تلك الرسائل الجميلة . وكان غوغول يؤكد دائما , انه (فقط في ايطاليا يستطيع الكتابة عن روسيا!) , وقد كتبوا هذه الجملة الغريبة والعجيبة والطريفة على تمثاله ( وهو يجلس  في حالة تأمّل) في روما وباللغتين الروسية والايطالية , هذا التمثال  الذي تم تدشينه العام 2002 لمناسبة الذكرى (150) لوفاته , وفي نفس المتنزه الذي يوجد فيه تمثال بوشكين في روما بايطاليا .
 لقد عاش غوغول حوالي خمس سنوات في ايطاليا ( من عام 1837الى عام 1842) , وكان يتقن اللغة الايطالية قراءة وكتابة ومحادثة بشكل جيد جدا . وتوجد جملة كتبها أحد الايطاليين حوله تقول – لا أحد من بين الروس تكلم بشكل ساطع عن ايطاليا مثل ( السنيور نيقولا) , الذي عاش في بيوت روما القديمة . وهناك الان ( في بيوت روما القديمة) توجد لوحة من المرمر معلقة على الطابق الثاني من شارع بروما تشير الى الشقة التي عاش فيها غوغول , وباللغتين الايطالية والروسية , وانه كتب هناك روايته الخالدة ( الارواح الميتة ) , وتوجد في تلك اللوحة المرمرية  حتى اشارة , الى ان القيصر الروسي صرف له خمسة الآف روبل من خزينة الدولة الروسية اثناء حياته في ايطاليا. ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان هذه اللوحة المرمرية قد وضعتها الجالية الروسية في روما , وبمبادرة شخصية بحتة , ولا علاقة لها بالدولة الروسية آنذاك ابدا , و قد تم افتتاحها في ربيع عام 1902 , ولا زالت طبعا موجودة لحد الان في ذلك الشارع العتيق بروما , وتعدّ في الوقت الحاضر احدى الشواهد , المرتبطة بغوغول في ايطاليا , والتي يزورها السوّاح الروس والاجانب و عشاق غوغول طبعا من كل الاجناس   .
من الضروري جدا ان نتوقف قليلا ( ونحن نتكلم عن غوغول في ايطاليا) عند جمعية ثقافية تأسست في ايطاليا عام 2009 لمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد غوغول , والجمعية هذه اسمها – جمعية (جائزة غوغول في ايطاليا) الثقافية , وهي جمعية خيرية تسعى للنهوض الثقافي والروحي للتراث الفكري في ايطاليا , وقد  ساهمت في تأسيس هذه الجمعية الثقافية  كل من روسيا واوكراينا وايطاليا وفرنسا والمانيا , وتمنح هذه الجمعية سنويا (جائزة غوغول في ايطاليا) لكل من يساهم في تطوير الحوار الثقافي الروسي – الايطالي من الادباء والمترجمين والباحثين وفناني المسرح والسينما والفن التشكيلي وغيرها من الفنون المختلفة الاخرى , وقد حصل على  (جائزة غوغول في ايطاليا ) الكثيرون من فناني ايطاليا وروسيا منذ تأسيسها ولحد الان , ويجري توزيعها  بشكل مهيب جدا في أحد أكبر مسارح روما , وبحضور جمهور كبير جدا وتغطية اعلامية واسعة في ايطاليا وروسيا.
موضوعة ( غوغول وايطاليا ) كبيرة جدا ومتشعبة جدا , وقد تم كتابة عدة كتب روسية حولها , ومنها كتاب صدر حتى في اواسط القرن التاسع عشر في روسيا , وتتناول تلك المصادر رسائل غوغول وعلاقاته الواسعة مع الجالية الروسية هناك ( ومنهم الرسام الروسي الكبير ايفانوف) , الذي رسم لوحة ( ظهور المسيح للشعب ) في ايطاليا , وهي لوحة كبيرة  جدا لازالت معلقة في المتحف الروسي لحد الان , وفي تلك اللوحة يوجد غوغول واقفا بين الذين ينتظرون  السيد المسيح .

395
أدب / المعلّم
« في: 23:49 11/01/2019  »
المعلّم
=====

قصيدة للشاعر الصربي دراغان لوكيج
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

المعلّم –
 تلميذ ابدي.
في السادسة من عمره
يدخل الى المدرسة,
ويخرج من المدرسة
في الستين..
وطوال تلك السنين
يحمل حقيبة
الدفاتر والكتب
والسنين.
........
........
كم من واجبات
 قد كتب !
وكم من دروس
 قد حفظ !
وكم من كتب
 قد قرأ !
لكن
لم ينتابه التعب.
======================================================================
دراغان لوكيج (1928 – 2006) . شاعر وناثر وكاتب مسرحي .  مؤلف لكتب الاطفال , وكان طوال سنوات طويلة محررا  لبرامج الاطفال في راديو بلغراد .

396
دستويفسكي فيلسوفا /  تأملات
أ.د. ضياء نافع
هل كان دستويفسكي اديبا دخل عالم الفلسفة , ام فيلسوفا دخل عالم الادب , وذلك لان الادب والفلسفة في مسيرته الابداعية متداخلان مع بعض بشكل  يكاد ان يكون عضويا ؟ الاجابة عن هذا السؤال الفكري الكبير لازالت غير واضحة المعالم تماما ليس فقط في روسيا, وانما في كل انحاء العالم المتمدن من دول وبلدان وتيارات فكرية متنوعة , رغم ان دستويفسكي – واقعيا - ابتدأ أديبا اعتياديا  بكل معنى الكلمة , وان روايته القصيرة الاولى المعروفة  وهي ( المساكين ) وجدت مكانتها اللائقة بها في مسيرة الادب الروسي بالذات , ولم يحاول ان يطرح نفسه فيلسوفا حتى في ( مذكرات كاتب ) الشهيرة في تراثه , والتي ابتدأ بكتابتها في نهاية حياته , و التي يمكن القول عنها ,انها آخر كتاب أصدره دستويفسكي , وسجّل فيه انطباعاته الفكرية حول تلك الظواهر التي كانت تحيط به من كل جانب في مسيرة الحياة الروسية واحداثها آنذاك.
 توفي  دستويفسكي  في القرن التاسع عشر عام 1881 , ولم تبحث الاوساط الفكرية  الروسية  هذه المسألة مباشرة بشكل جديّ وحقيقيّ ومعمّق ( اي العلاقة المتبادلة في ابداعه بين الادب والفلسفة ) لا اثناء حياته ولا بعد وفاته رأسا, ولكن دستويفسكي أصبح  في الوقت الحاضر ( في روسيا وفي كل العالم ايضا!) اكثر الادباء الروس قربا من  الفلسفة , بل , ان صح التعبير , حتى اكثرهم التصاقا واندماجا ووحدة عضوية مع طروحات الفلسفة ومفاهيمها ومذاهبها, او بتعبير وجيز ومركّز – ان دستويفسكي الان اكثر الادباء الروس فلسفة , حتى مقارنة بتولستوي نفسه ( انظر مقالتنا بعنوان – تولستوي فيلسوفا ), وتوجد الان سلسلة من اسماء الفلاسفة الروس الكبار ( منذ بداية القرن العشرين فصاعدا ) ترتبط – قبل كل شئ – بدراسة مفاهيم وطروحات فلسفة دستويفسكي استنادا الى نتاجاته الادبية وتحليلها, وهذه الاسماء معروفة وشهيرة مثل بيرديايف ( التي تتمحور قيمته الفكرية بالاساس في تلك الآراء وألاقوال والكتابات حول فلسفة دستويفسكي , والتي انعكست في كتابه ( رؤية دستويفسكي للعالم ) المترجم الى العربية  – انظر مقالتنا بعنوان بيرديايف ودستويفسكي ) , وميرشكوفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان الكاتب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي , وبالذات حول كتابه – دستويفسكي وتولستوي ) , وروزانوف ( الذي أطلق على ( المفتش الاعظم ) لدستويفسكي تسمية ( ملحمة فلسفية ) ,  والتي أشار روزانوف فيها الى ان دستويفسكي قد مزج هناك ( حرية الارادة مع القانون المطلق للاخلاق ) , وشيستوف ( انظر مقالتنا بعنوان تشيخوف والفيلسوف شيستوف) , و سولوفيوف ..الخ , ويطلق هؤلاء الفلاسفة كلهم على دستويفسكي تسمية - الكاتب الفيلسوف , وهناك كذلك اسماء فلاسفة من اوربا يؤيدون هذه الآراء ويتوحدون معهم في هذا الاتجاه , بل ويرون انه حتى توجد عند دستويفسكي بدايات الملامح الاولية والاساسية  للفلسفة الوجودية  في العالم , التي بدأت تظهر في اوربا في اواسط القرن العشرين , وذلك ( لأن فلسفة دستويفسكي هي فلسفة الوجود الانساني قبل كل شئ) كما يؤكد أحد هؤلاء الفلاسفة الاوربيين.
لقد تناول الفلاسفة كافة نتاجات دستويفسكي الادبية بالتحليل , ووصلوا الى ان ( الفكرة الروسية ) في تلك النتاجات هي صفة انسانية مشتركة بين المجتمع الروسي والمجتمعات الاوربية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وان هذه ( الفكرة الروسية ) هي (تجسيد لقانون الاخلاق) في  هذه المجتمعات الانسانية بغض النظر عن قومية تلك المجتمعات وثقافتها ومستوى تطورها, ولهذا اصبحت هذه المجتمعات تتقبل نتاجات دستويفسكي , وأخذت تعتبرها نتاجات تعبر عن الانسان بشكل عام في كل تلك المجتمعات قاطبة, وقد أشار دستويفسكي مرة في احدى رسائله الى أخيه قائلا , الى ان الانسان ( سرّ) , وانه يحاول ان يسبر أغواره ( كي يفهمه ) طوال حياته , وذلك لانه ( اي دستويفسكي نفسه) ( يريد ان يكون انسانا ) , وكان دستويفسكي يتكلم هنا عن ( الانسان ) بشكل عام , ولم يحدد قومية ذلك الانسان او جنسيته طبعا .
ويربط بعض الباحثين هذه الافكار مع المفاهيم الدينية المسيحية الواضحة المعالم عند دستويفسكي , والتي تكمن في تأكيده على الكنيسة الروسية الارثذوكسية والدور الذي يجب عليها ان تؤديه عالميا باعتبار ان موسكو هي – ( روما الثالثة ) كما كان يدعو دستويفسكي , ولهذا , فان ( الفكرة الروسية ) التي بلورها دستويفسكي لا تفقد ( عالميتها !) , او ملامحها الاممية , رغم ارتباطها ب (الصفة الروسية ) تلك , ولهذا ايضا , فان القراء في العالم يتقبلون دستويفسكي ونتاجاته الادبية ذات الروح الفلسفية بغض النظر عن قوميتهم واجناسهم .   
موضوعة دستويفسكي فيلسوفا – مسألة كبيرة في تاريخ الفكر الفلسفي الانساني , وهذه التأملات هي تذكير بالملامح الاساسية فيها ليس الا , وكم اتمنى ان يتناول أحد الفلاسفة العرب هذه الموضوعة يوما , ويدرسها بالتفصيل العميق... 

397
عود على موضوعة حكمت شبّر , والعود أحمد
أ.د. ضياء نافع
كتبت في الحلقة رقم (26) من سلسلة مقالاتي بعنوان ( عراقيون مرّوا بموسكو ) عن أ.د. حكمت شبّر , باعتباره أحد خريجي جامعة لينينغراد الشهيرة ( بطرسبورغ حاليا) , وقد أثارت تلك الحلقة ردود فعل عديدة , ومن جملة ردود الفعل هذه , ما كتبه لي الزميل محمد عارف ( من بلاد الضباب الواضح!) عن اعجابه الشديد بتلك الحلقة , معتبرا اياها ( ... من أجمل أحداث ذاك اليوم !)  واستخدم بيت الجواهري العظيم باهداء  قلبه ولسانه لنا جميعا ,  لانه – (  يجود بأصغريه المعدم !) , وأخبرني , انه قام  بارسل المقالة الى حكمت شبّر رأسا ( وهو مع العلوية على ثلوج دهوك) , الذي سأل بدوره ( عن كاتب المقالة ) , الا ان حكمت قال , ان المنصب الذي يتذكر انهم اقترحوه عليه هو رئاسة ديوان  رئاسة الجمهورية وليس مدير مكتب رئيس الجمهورية كما أشرت أنا في مقالتي , وكتب لي عارف يقول , ان كامران قره داغي فقط هو الذي يمكن ان يحسم هذا الموضوع , وأجبت محمد رأسا  ان يفاتح كامران حول ذلك , واستخدمت بيت الجواهري ( مثله!) قائلا له – ( يا سيدي أسعف فمي ليقولا!) , وهذا ما حدث فعلا , وكتب قره داغي توضيحه الوافي والشافي فعلا باسلوبه الواضح وذاكرته التفصيلية الدقيقة , وقد تبين من توضيح كامران , ان المنصب الذي اقترحه على د.  حكمت شبّرآنذاك هو رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية حقا, وليس مدير مكتب رئيس الجمهورية كما كتبت انا بشكل غير دقيق في مقالتي , وهذا هو السبب الذي دعاني ان اعود للكتابة عن موضوعة د. حكمت مرة اخرى , واعتبرت ان ( العود أحمد) كما يقول التعبير الشهير ( وألحقت ذلك حتى في عنوان المقالة ), وذلك انطلاقا من المبدأ السليم – (  الاعتراف بالخطأ فضيلة) , خصوصا و ان سلسلة مقالاتي عن ( العراقيين الذين مروّا بموسكو ) اصبحت الآن ضمن المصادر المعتمدة في توضيح بعض خفايا واسرار ( نواعم!) في تاريخنا العراقي المعاصر , وهي ( نواعم!) مهمة , رغم (نعومتها!) , اذ انها تؤدي دورا محددا ودقيقا وحاسما في كثير من الاحيان , او كما يقول المثل العراقي الجميل والعميق – ( نواية تسند الحب).
 ان الفرق كبير طبعا بين منصب (  رئاسة ديوان رئاسة الجمهورية ) ومنصب ( مدير مكتب رئيس الجمهورية ) , فالاول يجب ان يكون بدرجة وزير ( كما يشرح  كامران قره داغي في توضيحه التفصيلي والشامل المشار اليه أعلاه ) , ويقتضي ذلك المنصب سلسلة من الخطوات والاجراءآت الطويلة , بما فيها موافقة البرلمان , الا ان د. حكمت اعتذر عن الموافقة لاسباب امنية في تلك الاوقات الحرجة, وقرر الاستمرار في عمله التدريسي في النجف . ولو وافق د.شبّر في حينه على مقترح كامران هذا , لاصبح واحدا من القلائل من خريجي الجامعات السوفيتية , الذين شغلوا مثل تلك المناصب الرفيعة , علما انه جديرجدا بذلك المنصب , خصوصا وان الرئيس طالباني ( كما أشار كامران في ذلك التوضيح) قد فرح جدا بترشيحه , لانه تذكره شخصيا , فقد كانا سوية في نفس الكورس بكلية الحقوق في جامعة بغداد عام 1959 , بل ان طالباني تذكّر قصيدة لحكمت شبّر كتبها عن طالباني خصيصا بعد عام 1991 .
تحية وقبلات لثلاثي لينينغراد –  (شبّر وعارف وقره داغي ) يوم جمعتهم تلك المدينة الروسية التاريخية الجميلة وجامعتها العريقة قبل حوالي الستين سنة , وتحية وقبلات لهم يوم فرقتّهم شذرا مذرا احداث العراق الرهيبة ومواقفهم الفكرية المتضادة تجاهها , وتحية وقبلات لهم يوم عادوا الى مثلثهم الاول القديم , لانه ( ما الحب الا للحبيب الاوّل!!!)...   

398
عراقيون مرّوا بموسكو ( 26 )/ أ. د. حكمت شبّر
أ.د. ضياء نافع
نقطتان أود أن أتوقف عندهما في بداية حديثي عن أ. د. حكمت شبّر واؤكد عليهما, اولهما ,  انهم احرقوا كتابه المنهجي عندما كان تدريسّيا في كلية القانون بالجامعة , وهي ظاهرة شنيعة و غريبة وفريدة جدا في تاريخ جامعات العراق  وتقاليدها العلمية , ولا اعرف مثيلا لها طيلة فترة عملي في جامعة بغداد اكثر من 35 سنة متواصلة , وقد ذكر هذه الحادثة أ.د. حكمت شبّر نفسه بتفاصيلها كافة ( في مقالته بعنوان – في الذكرى السبعين للاعلان العالمي لحقوق الانسان ) , وأشار في تلك التفاصيل حتى الى اسم عميد الكلية الذي قام بهذا العمل المشين والدنئ . اما النقطة الثانية , فهي ما ذكره كامران قره داغي مرة في احدى مقالاته حول اقتراحه بتعيين حكمت شبّر بمنصب مدير مكتب رئيس جمهورية العراق السيد جلال طالباني ليحل محل كامران نفسه (وبعد ان حصل على موافقة طالباني ), وكيف تصرّف حكمت آنذاك , اذ طلب من كامران  ان يمهله قليلا من الوقت كي يفكر بالموضوع , ثم اعتذر حكمت بعدئذ عن توليه ذلك المنصب نتيجة ظروفه العائلية الخاصة . لقد أشار احد المعلقين على هذه الحادثة قائلا- ان تعيين حكمت شبر في هذا المنصب كان اصغر من حجمه الحقيقي, وان حكمت تصرف بدبلوماسية عالية حيال الامر , اذ ان رفض المنصب رأسا كان قد يؤدي الى نتائج سلبية , اما تصرفه كما تم ذكره  , فقد انتزع بهذه الطريقة ( فتيل الانفجار او الغضب!) بهدوء وخبرة عالية في شؤون الحياة , و هكذا خرج حكمت من المأزق سالما , ومحتفظا في نفس الوقت بمكانته وقيمته العلمية وصداقته بكامران.
بعد النقطتين التي توقفت عندهما , أعود الى الحديث عن د. حكمت شبّر منذ البداية .
وصل حكمت الى موسكو في بداية الستينيات , بعد تخرجه في كلية الحقوق (كما كانت تسميتها آنذاك) بجامعة بغداد ( وهي الان كليّة القانون ), اي انه كان المحامي العراقي حكمت شبّر , ودرس في قسم الدراسات العليا بكلية القانون في جامعة لينينغراد الشهيرة ( جامعة بطرسبورغ حاليا) , وكان متميّزا بمعرفته المعمقة في اللغة الروسية , وقد كنت شاهدا  مرة -  وبالصدفة المحضة -  كيف ( تبارى!) حكمت مع مجموعة من الطلبة العراقيين حول ترجمة المصطلحات الروسية الى العربية وبالعكس في اروقة جامعة موسكو اثناء انعقاد احدى مؤتمرات رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي ( وكان مندوبا لفرع الرابطة في لينينغراد), وكيف خرج حكمت (منتصرا !) من تلك المباراة.
كان  حكمت شبّر منسجما جدا مع الطلبة العراقيين  و مع المجتمع الروسي الذي كان يحيطه , بل كانت هناك تسمية ( شبه سريّة) في اوساط العراقيين ل ( ثلاثي لينينغراد) يتكون من حكمت شبّر ومحمد كامل عارف وكامران قره داغي كمندوبين للجنة الدفاع عن الشعب العراقي في لينينغراد ( وهو ثلاثي يجسّد الان - وبكل صدق - وحدة العراق حسب المصطلحات المعاصرة للحياة السائدة في عراقنا اليوم , هذه المصطلحات التي تؤكد – مع الاسف الشديد - على الفوارق القومية والطائفية - قبل كل شئ - بين ابناء الشعب العراقي الواحد) . ويسعدني ان اقول هنا , ان هذا الثلاثي قد برز – وبنجاح رائع – في الحياة الفكرية العراقية بعد تخرجهم ورجوعهم الى العراق, ويعّد تألقهم طبعا نجاحا علميا باهرا لخريجي الجامعات السوفيتية كافة آنذاك ( انظر مقالاتنا بعنوان – كامران قره داغي والادب الروسي في العراق / محمد كامل عارف ويسينين / محمد كامل عارف يكتب عن زهاء حديد بالروسية ).
أ.د. حكمت شبّر اصبح واحدا من الاساتذة الجامعيين البارزين في جامعة بغداد والمستنصرية , وبقي اسمه لامعا حتى بعد الالتفاف الخسيس ضده , واخراجه من الجامعة بحجج سياسية واهية , بل ان هذه العملية زادت من شهرته وقيمته العلمية في اوساط الاساتذة الجامعيين , وليس عبثا انه استعاد (بعد اكثر من عشرين عاما )  لقبه الجامعي العلمي الذي استحقه اثناء عمله في الجامعة , وهو الاستاذية ( بروفيسور) , لانه رفض آنذاك الخضوع الى رأي عميد الكلية , الذي اراد اجباره على الدخول في حزب البعث .  وحكمت شبّر اصبح شاعرا معروفا في الاوساط الادبية العراقية , وأذكر كيف ألقى قصيدة في حفل تكريمي للاستاذ الدكتور كمال مظهر أحمد في اتحاد الادباء والكتاب العراقيين , وكيف استقبلته القاعة بالتصفيق الحاد , اذ كنت انا حاضرا في تلك الاحتفالية , وألقيت كلمة عن أ.د. كمال أشرت فيها , الى ان اسمه ورد في كتاب اصدرته اكاديمية العلوم السوفيتية في نهاية الستينات حول المصادر الروسية عن العراق , وانه شغل المكانة رقم واحد بالنسبة لعدد البحوث بين الباحثين العراقيين كافة . لقد كانت قصيدة حكمت شبّر محاكاة لاحدى قصائد الجواهري الشهيرة , وقلت له بعد الحفل , انها( ذكرتّني!) بتلك القصيدة , ولم  أقل انها محاكاة , و ابتسم حكمت برضا ولم يرغب بالحديث المتشعب حولها , لان الموضوع قد يؤدي الى استنتاجات خطيرة طبعا في تسعينيات القرن الماضي. وحكمت شبّر باحث علمي من الطراز الاوّل في مجال اختصاصة , وهو واحد من الخريجين النادرين , الذين أصدروا  اطروحته بالعربية  في بغداد , اضافة الى انه واحد من المترجمين البارزين عن الروسية في العراق , وقد ساهم باصدار ترجماته  في مجاله العلمي.
تحية للدكتور البروفيسور و المحامي والشاعر والمترجم والمثقف العراقي المتميّز حكمت شبّر .

399
تولستوي بين حياة شرارة ومحمد يونس
أ.د. ضياء نافع
المرحومة أ.د. حياة شرارة ( 1935 – 1997) والمرحوم أ.د. محمد يونس ( 1937 - 2009) هما علمان من اعلام   قسم اللغة الروسية في كلية الاداب ثم في كلية اللغات بجامعة بغداد , وعلمان من أعلام الباحثين باللغة العربية والمترجمين عن الروسية في قضايا الادب الروسي  بالعراق بشكل خاص والعالم العربي بشكل عام , وهما ايضا شخصيتان معروفتان في الاوساط الروسية التي تتابع نشاطات الباحثين والمترجمين العرب في مجال الادب الروسي , وقد ورد اسميهما – مثلا - وتحليلا شاملا لاسهاماتهما في مجال الادب الروسي في العالم العربي على صفحات عديدة في كتاب د. الميرا علي زاده الموسوم – (الادب الروسي والعالم العربي) , الصادر في موسكو عام 2014 عن معهد الاستشراق التابع لاكاديمية العلوم الروسية , وكذلك في مصادر روسيّة اخرى .
لقد تناولنا في كتاباتنا عن الادب الروسي مساهمات د. حياة شرارة ود. محمد يونس في كثير من مقالاتنا ( انظر, مثلا, مقالاتنا بعنوان –  حياة شرارة والادب الروسي في العراق - لقطات / ثلاث نقاط حول كتاب بلقيس شرارة – هكذا مرّت الايام / نجوم في سماء كلية اللغات / محمد يونس وداعا / محمد يونس والادب الروسي في العراق ). اليوم نريد التوقف عند اطروحتي الدكتوراه لكل من حياة شرارة ومحمد يونس , اذ انهما قد كتبا اطروحتيهما عن الاديب الروسي ليف تولستوي . ان التوقف عند هذه النقطة المشتركة بينهما قد توضح بعض سماتهما العلمية , وقد تجيب عن بعض الاسئلة حولهما .
حياة شرارة وصلت الى موسكو والتحقت رأسا بقسم الدراسات العليا  يالقسم الروسي بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) في جامعة موسكو , اذ انها كانت تحمل شهادة البكالوريوس في اللغة الانكليزية وآدابها , اما محمد يونس , فقد كان في تلك الفترة طالبا في الدراسات الاوليّة بالقسم الروسي في تلك الكليّة ليس الا . تخرّج محمد يونس اواسط الستينات وحصل على درجة الماجستير وعاد الى العراق , وقد تمّ تعينه في قسم اللغة الروسية بكلية الآداب في جامعة بغداد , أما حياة شرارة , فقد انهت دراستها العليا وحصلت على شهادة الدكتوراه بعده , وعادت كذلك الى العراق وتمّ تعينها في القسم المذكور ايضا . كتبت حياة اطروحتها عن تولستوي والتحليل النفسي في ابداعه , مع التركيز على روايته الشهيرة ( آنّا كارينينا ), ونشرت حياة كتابها الاول في بغداد بعنوان – ( تولستوي فنانا) , وهي اطروحتها واقعيا , ولكنها مشذبة ومزيدة ومنقحة , ولا زال هذا الكتاب يعدّ واحدا من المصادر الاساسية العربية في دراسة تولستوي , وقد صدرت عدة طبعات له . اما محمد يونس , فقد حاول التوفيق بين عمله في قسم اللغة الروسية وبين الاستمرار بالدراسات العليا في جامعة موسكو , وقد استطاع – بصعوبة بالغة – ان ينهي هذه الدراسة مع الاحتفاظ بعمله في جامعة بغداد . اطروحة محمد يونس كانت ايضا عن تولستوي , ولكن مقارنة بالادب العربي , اذ ان طبيعة ظروفه لم تسمح له بالتفرغ للدراسة في موسكو طوال الوقت , وهكذا كتب اطروحته واقعيّا في الادب المقارن . لقد راسل محمد يونس كثيرا من الادباء العرب وحصل منهم على آراء متنوعة عن تولستوي ( منهم مثلا غائب طعمه فرمان وعبد المجيد لطفي ) , وكم اتمنى ان تنشر هذه الاطروحة بالعربية , لعدم وجود اي مصدر عربي لحد الان يمكن ان يعوض عنها . اطروحة حياة شرارة عن تولستوي أدّت بها ان يكون اختصاصها الدقيق – ( تولستوي روسيّا) , اما اطروحة محمد يونس عن تولستوي فانها ادّت به ان يكون اختصاصه الدقيق – ( تولستوي عربيّا) , ولهذا , كتبت لنا حياة شرارة نتاجات رائعة ومتنوعة حول الادب الروسي البحت , اما محمد يونس , فقد كتب لنا كتابه الشهير والفريد في المكتبة العربية وهو -  ( الكلاسيكيون الروس والادب العربي).   
حياة شرارة ومحمد يونس – اسمان كبيران في دنيا الباحثين العراقيين حول الادب الروسي , ويوحدهما – ليف تولستوي .

400
تماثيل في موسكو لتورغينيف وسولجينيتسن وآيتماتوف
أ.د. ضياء نافع
تم تدشين ثلاثة تماثيل كبيرة وجديدة للادباء بموسكو في  نهاية العام 2018 , وهم كل من ايفان تورغينيف و الكساندر سولجينيتسن  وجنكيز آيتماتوف, وذلك لمناسبة الاحتفالات في تلك السنة, التي جرت في روسيا  بالذكرى المئوية الثانية لميلاد تورغينيف وبالذكرى المئوية الاولى لميلاد سولجينيتسن وبالذكرى التسعين لميلاد آيتماتوف, وهكذا اضيفت الى التماثيل  العديدة للادباء الروس في موسكو ثلاثة تماثيل عملاقة جديدة دفعة واحدة في عام 2018, ومقالتنا هنا هي خواطر وذكريات أثارتها تماثيل تلك الاسماء الكبيرة في دنيا الادب الروسي.
التمثال الاول افتتح في العاشر من تشرين الثاني / نوفمبر لتورغينيف , وهي الذكرى المئوية الثانية لميلاده ( تورغينيف كان رئيسا للجنة تنظيم وافتتاح تمثال بوشكين عام 1880 في موسكو) . لقد ساهم الرئيس الروسي بوتين بتدشين التمثال , وقال انه لا يمكن ان نتصور الادب الروسي دون تورغينيف . وتذكرت انا الاسماء العراقية التي ترتبط بتورغينيف , واولهم د. اكرم فاضل و ذو النون ايوب , اللذان ترجما عن الفرنسية والانكليزية معا رواية (الاباء والبنون) , والتي صدرت عام 1950 في بغداد , وهي اول ترجمة عربية لتورغينيف , وتذكرت كيف اعترضت د. الميرا علي زاده عندما ذكرت ذلك في مؤتمر علمي بموسكو , وقالت ان محمود احمد السيد هو اول مترجم عراقي لتورغينيف ( انظر مقالتنا بعنوان – تورغينيف والمترجمون العراقيون) . وتذكرت غائب طعمه فرمان وخيري الضامن , و ترجمتهما في موسكو لمختارات من المؤلفات الكاملة لتورغينيف , وتذكرت أ.د. حياة شرارة , التي ترجمت في بغداد ثلاثة اعمال ادبية له , وكيف اني حاولت ان اثنيها عن القيام بذلك ودعوتها ان تقدم ترجمات لا يعرفها القارئ العربي لان تلك الروايات مترجمة الى العربية ( انظر مقالتنا بعنوان – نجوم في سماء كلية اللغات) , وتذكرت تعليق زميلي الباحث د.جودت هوشيار على مقالتي تلك , والذي لم يتفق مع محاولتي ان اقنع حياة بعدم القيام بهذه الترجمة, منطلقا ( د. جودت) من ان الترجمة هي اجتهاد شخصي للمترجم, وقال ان هناك العديد من الترجمات الروسية لنفس التناجات الاجنبية , وقد ابتسمت ليس الا عندما قرأت ذلك التعليق , لان د. جودت يعلم علم اليقين باني ايضا انطلق من هذا المبدأ , ولكني قلت لحياة , ان القارئ العربي لا يعرف حتى كل الاسماء الكبيرة في دنيا الادب الروسي , وان واجبنا قبل كل شئ ان نساهم بتوسيع دائرة معرفته هذه وليس تكرار النتاجات المترجمة رغم اهمية مبدأ تعددية الترجمات . وقد قالت لي حياة بعد فترة طويلة , ان ترجمتها لمذكرات صياد لم تكن موفقة .
اما تمثال سولجينيتسن , وهو يقف متحديا و شامخا ويداه خلفه , والذي ساهم الرئيس الروسي بوتين ايضا بافتتاحه وأسماه – ( الوطني الحقيقي لروسيا ) , فقد جرى في الشارع الذي يحمل اسمه في موسكو . لقد تذكرت حديثي مع المرحوم هاشم جواد ( انظر مقالتنا – حوار مع هاشم جواد ), الذي جرى معه عام 1971 في بيروت , اذ تحدّث هاشم عن سولجينيتسن آنذاك وقال لي , ان هذا الكاتب كشف للقراء عالما جديدا, لم يتحدث عنه اي انسان سابقا , وقد تذكرت تلك الجملة عندما اقتنيت الترجمة العربية لكتابه الشهير ( يوم واحد من حياة ايفان دينيسوفيتش) , حيث قرأت على الغلاف الاخير للكتاب جملة - ( انها رواية رجعية !) , وتذكرت طبعا كيف اني كنت قد ساهمت في السبعينات بترجمة بعض الشئ عنه , اذ نشرت في مجلة (الاقلام)  فصلا واحدا مترجما عن الروسية من روايتة ( من الدائرة الاولى ) , والتي جلبتها معي من باريس, اذ انها كانت ممنوعة في الاتحاد السوفيتي آنذاك , وكذلك نشرت في مجلة (آفاق عربية) ترجمة كاملة لحواره مع مجلة تايم الامريكية , والذي نشرته آنذاك جريدة (زاروبيجوم) السوفيتية الاسبوعية , وتذكرت طبعا ( وانا ابتسم الان!) ردود الفعل من بعض اصدقائي العراقيين اليساريين ولومهم لي , وتذكرت باني اصدرت كتيبا يقع في 92 صفحة عام 2000 في بغداد بعنوان – ( من بوشكين الى سولجينيتسن) , حيث أعدت نشر ذلك الحوار مع سولجينيتسن.
اما تمثال آيتماتوف , فقد تم تدشينه في ساحة صغيرة تحمل اسمه في تقاطع شارعين بموسكو, ويجلس آيتماتوف هناك وقد وضع رجلا على رجل وهو في حالة تأمّل عميق . لقد تم ترجمة نتاجات آيتماتوف الى( 176) لغة اجنبية , وصدرت في( 128) بلدا في العالم , وهي ارقام تكاد ان تكون خيالية بالنسبة لاديب قرغيزي سوفيتي معاصر, ويعدّ الان واحدا من عمالقة الادب العالمي . وتذكرت طبعا د. جليل كمال الدين , الذي ترجم (عندما كان يدرس في جامعة موسكو) عملا ابداعيا جميلا لآيتماتوف بعنوان ( وداعا يا غولساري) وصدر هذا الكتاب  في موسكو آنذاك , ويعاد طبعه في عالمنا العربي . آيتماتوف الذي يحبه العراقيون ولكنهم لا يعرفونه بعمق , وتذكرت مقالة ممتازة ظهرت قبل فترة وجيزة عنه بقلم د. فالح الحمراني , وكم أتمنى ان يستمر د. الحمراني بكتابة مثل هذه المقالات المعمقة والمفيدة جدا عن الادب الروسي  , والتي هي طبعا من صلب اختصاصه ...

401
 
آراء روسية جديدة حول حركة الديسمبريين
أ.د. ضياء نافع
الديسمبريون هم مجموعة صغيرة من النبلاء الروس الشباب , الذين دخلوا التاريخ الروسي لانهم ساهموا في شهر ديسمبر العام 1825 في هجوم مسلح على مجلس الدوما الروسي بمدينة بطرسبورغ في محاولة لتغيير النظام  القيصري الروسي , وانتهت محاولتهم تلك بالفشل التام , و اعتقالهم طبعا ومحاكمتهم , واعدام خمسة من قادتهم , و تم سجن الباقين ونفيهم الى سيبيريا  ( انظر مقالتنا بعنوان – ريلييف اول شاعر اعدمته روسيا ).
عندما كنت طالبا في ستينيات القرن العشرين بالاتحاد السوفيتي , كانوا ينظرون الى الديسمبريين  باعتبارهم ابطالا في مسيرة نضال شعوب روسيا ضد النظام القيصري , وكانت ( ولازالت) شوارع تحمل اسماء بعضهم في مختلف المدن الروسية , وقد درسنا الكثير عنهم في مادة ( تاريخ الادب الروسي) والخاص بفترة النصف الاول من القرن التاسع عشر وعلاقتهم بالادباء الروس آنذاك , ولازلت اتذكر ما قاله لنا استاذ تلك المادة حول رسم تخطيطي لبوشكين وجدوه في احدى مسودات قصائده يصوّر  مشانق الديسمبريين الخمسة , وانه رسم مشنقة سادسة فارغة جنب تلك المشانق , والتي ربما كان يقصد منها انها مشنقته هو ( اي بوشكين) , ولازلت اتذكر ما قالوه لنا حول التحقيقات الطويلة والعريضة مع بوشكين وغريبويديف التي اجراها معهما النظام القيصري بعد فشل تلك الحركة من اجل التدقيق حول علاقتهما مع الديسمبريين , ولازلت اتذكر قصيدة بوشكين , التي ارسلها عام 1827 سرّا مع زوجة الديسمبري موروفيوف , الذي نفته  السلطة القيصرية الى سيبيريا , وقد سافرت اليه زوجته ملتحقة به . ولم بستطع بوشكين طبعا من نشر تلك القصيدة آنذاك , وقد تم نشرها بعد سنين طويلة , وتعد هذه القصيدة الان من (درر!) قصائد بوشكين كما يقول التعبير العربي الجميل , وهي بلا عنوان مثل الكثير من قصائده , ويطلقون عليها الان في مؤلفات بوشكين الكاملة الشطر الاول كعنوان لها . لقد كانت هذه القصيدة تدخل حتى ضمن مفردات مادة ( مدخل الى الادب الروسي ) في الكلية التحضيرية  لجامعة موسكو عندما كنّا ندرس اللغة الروسية فيها عام 1960, وينهي بوشكين قصيدته تلك قائلا , ان السجون والمعتقلات ستنهار وان الحرية ستنتظركم وان اخوانكم سيعطونكم السيوف , اي سيعيدون اليهم الاعتبار ...
هكذا كانت الامور في الاتحاد السوفيتي , ولكني اتذكر ايضا ذلك الاجتماع الذي حدث في نهاية ستينات القرن الماضي في جامعة باريس بين طلبة القسم الروسي ( وكنت انا من ضمنهم) مع وفد سوفيتي زائر , وقد كان الاجتماع مفتوحا , وحضره الكثير من اللاجئين الروس البيض , الذين هاجروا من روسيا بعد ثورة اكتوبر 1917 وسكنوا واستقروا في باريس . لقد ذكر أحد اعضاء الوفد السوفيتي آنذاك , ان الحكومة القيصرية الروسية كانت حكومة ظالمة ومستبدة ( وهي نظرة سوفيتية معروفة طبعا ) وانها مثلا ( أعدمت خمسة من الديسمبريين , ونفت البقية الى سيبيريا ) , فقامت احدى السيدات الروسيات من الجالية الروسية في باريس وقالت له – ( لو ان مجموعة من الضباط السوفيت هجمت على الكرملين وهي تشهر السلاح بيدها وارادت ان تعتقل رئيس الحزب الشيوعي السوفيتي   وتغيير النظام , فكيف كانت ستتصرف الحكومة السوفيتية  تجاههم ؟؟) . وساد هرج وردود فعل متباينة جدا في القاعة طبعا , ولم يستطع الوفد السوفيتي ان يجيب عن هذا السؤال المحدد والاسفزازي , رغم انه حاول ان يجيب مستخدما جملة كتبها لينين حول الديسمبريين  ومفادها - ( انهم بشكل رهيب بعيدون عن الشعب ) وهذه الجملة  مشهورة وموجودة في المصادر السوفيتية كافة , اما السيدة المذكورة فانها اضافت ان السلطة السوفيتية كانت ستمزّق تلك المجموعة مع كل المحيطين بهم والمتعاونين معهم , وقالت ان القيصر الروسي كان رحيما بهم وانه لم يعدم سوى خمسة من قادتهم بعد محاكمات اصولية طويلة, ونفى البقية , وان زوجات المنفيين التحقن بازواجهن واخذن معهن كل ما يحتاجونه من حاجيات و امتعة.
تذكرت تلك الحادثة في جامعة باريس عندما كنت أطّلع على مختلف الاصدارات الروسية في الذكرى 190 سنة على انتفاضة الديسمبريين , بل ان هناك حلقة خاصة بثتها قناة ( كولتورا) ( الثقافة )  التلفزيونية الروسية عن الديسمبريين , وكانت تلك الحلقة بعنوان – ( الديسمبريون – هل هم ثوار ام ارهابيون ؟) , وقد شاركت فيها مجموعة من المؤرخين والمثقفين الروس المعاصرين . ان عنوان الحلقة بحد ذاته  يجلب الانتباه ويثير الاهتمام , وقد شاهدت  هذه الندوة بامعان . لا يمكن طبعا عرض كل الافكار المتنوعة والعديدة التي وردت في تلك الندوة ( واظن ان ذلك يتطلب مقالة مستقلة , اذ ان تلك الافكار تستحق التأمل من قبل القارئ العربي المعاصر والبعيد عن الاجواء الروسية الفكرية في القرن الحادي والعشرين ) , ولكن الخلاصة التي يخرج منها المستمع للندوة هذه , وكذلك الاطلاع على الآراء الجديدة وتعليقات المواطنين الروس حول هذه الانتفاضة , هو ان الموقف الايديولوجي السوفيتي السابق تجاه هذه الحركة وتمجيد رجالاتها قد تغيّر, وان روسيا الجديدة تبلور الان نظرة اخرى تجاه تاريخها والاحداث الاساسية الكبرى , التي حدثت في مسيرتها الطويلة , وما أحوجنا – نحن العرب – الى دراسة هذه الظاهرة الفكرية في تاريخ الامم .   


402
أدب / الحماقة
« في: 00:46 22/12/2018  »
الحماقة
=====

قصيدة للشاعر الصربي المعاصر رانكو ايوفوفيج
============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=======================


الحماقة –
انها
قمّة الرقّة ,
انها
الفرح والغبطة ,
انها
 الحريّة .
حماقتي –
هي أغلى شئ
عندي .
الحماقة –
انها الام
والاصل
 لكل  الاجناس
البشرية .
====================================================================================
ولد الشاعر والناثر وكاتب المقالة الصربي رانكو ايوفوفيج العام 1941 في الجبل الاسود , وهو خريج كلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) في جامعة بلغراد .
عندما قرأت هذه القصيدة الصغيرة في نصها الروسي تذكرت بيتا فلسفيّا شهيرا للمعري في قصيدته ( في سبيل المجد ) و هو –
ولما رأيت الجهل في الناس فاشيا    تجاهلت حتى قيل اني جاهل
وهكذا قررت ترجمتها الى العربية , اذ ان الشاعر الصربي رانكو ايوفوفيج  ذكّرني فعلا بالمعري , فهو ايضا يحاول ان يبدو ( احمقا) للآخرين كي يكون مثلهم , كالمعري , الذي ( رأى الجهل في الناس فاشيا ) وحاول ان يبدو ( جاهلا) مثلهم .
القصيدة في كل الاحوال طريفة و فلسفية وغير اعتيادية – من وجهة نظري - رغم كونها قصيرة جدا .
المترجم

403
عود على تدريس العلوم باللغة القومية
أ.د. ضياء نافع
الى محمد عارف وفرات محسن وكفاح السوداني وصادق حسين وضياء العبادي وبقية الاصدقاء الاعزاء.
ض.ن.
استلمت تعليقات عديدة ومتشعبة جدا حول مقالتي بعنوان ( تدريس العلوم باللغة القومية ) , و لهذا اود ان اعود الى هذا الموضوع المهم - من وجهة نظري – بالنسبة لمسيرة التعليم في عالمنا العربي بشكل عام وفي العراق بشكل خاص , اي بالنسبة لمستقبل اجيالنا اللاحقة , واؤكد على كلمة ( اللاحقة) , لأن هذا موضوع بعيد المدى ويرتبط بالمستقبل البعيد ويتطلب مناقشات طويلة و مستفيضة وشاملة وهادئة وموضوعية , وان يشارك فيها المتخصصون  في العلوم كافة , ولا يخضع الى اجتهادات فردية وانطباعات سريعة ليس الا.
لم استطع ( ولم اخطط طبعا) ضمن مقالتي الوجيزة المشار اليها في اعلاه ان اوضح كل ابعاد هذا الموضوع الواسع جدا , ولكن التعليقات تركزت على تفاصيل كثيرة ومتشعبة جدا لم اتناولها اصلا, اذ تحدث البعض , مثلا ,عن التجربة السورية حول تدريس العلوم الطبية بالعربية والتي تجري منذ زمن بعيد , واعتبرها ( بجرّة قلم كما يقول التعبير العربي الطريف)   فاشلة تماما, دون التعمق بدراسة هذه التجربة من جوانبها المتعددة, وهي نظرة متسرعة جدا وتفتقد الى التحليل الموضوعي الشامل , الذي يحدد ما لها وماعليها , وبالتالي يخرج باستنتاجات علمية محددة عن هذه التجربة الفريدة , والتي – اكرر- انها تجري منذ سنوات طويلة, وتساهم بها اجيال من المتخصصين السوريين , وليس من الضرورة هنا تكرار هذه التجربة حرفيا , ولكن يجب دراستها بامعان  .  وتحدث بعض المعلقين عن عمق اللغة العربية وعظمتها وقابليتها على الاشتقاق والتكييف , وهو موضوع قديم طبعا , ومتشابك – ان صح التعبير – واقول متشابك بالذات لانه يرتبط بالنظرة القوميّة المتطرفة في عالمنا العربي  ( والتي عانينا منها الكثير في مسيرة حياتنا كما هو معروف !), وقد تذكرت حادثة طريفة حدثت في كلية اللغات مرة , اذ قال أحد اساتذة اللغة العربية ( والتي تقوم كلية اللغات بتدريسها بمعدل ساعتين اسبوعيا في اقسام اللغات الاجنبية كافة) قال , ان اللغة العربية هي ( ام اللغات) , فسأله أحد الظرفاء ( اذا كانت العربية ام اللغات , فهذا يعني ان هناك بالضرورة زوج لها , اي أب لهذه اللغات , فمن هو هذا الاب ؟) , وقد غضب استاذ العربية ذاك غضبا شديدا , واعتبر هذا السؤال اهانة للغة العربية ( المقدّسة !) واعتداء  صارخ عليها , وقد حاولنا جميعا – بالطبع - تهدئة الموقف المتوتر ذاك , والذي كان يمكن ان يؤدي الى نتائج وخيمة جدا, واطلقنا بعدئذ على تلك الحادثة الغريبة و الطريفة تسمية - (معركة عشيرة اللغات!).
ان مقالتنا حول تدريس العلوم باللغة القومية تنطلق من مفاهيم اخرى , واهمها , ان لغة الثقافة ولغة العلم واحدة في معظم مجتمعات العالم المتقدم وشبه المتقدم ايضا, فالفرنسي والانكليزي والالماني والروسي و الامريكي والصيني والبلجيكي والياباني والبلغاري والكوري والتركي والبولوني والاسباني والبرتغالي والارجنتيني والنمساوي ووووووو... , كلهم يدرسون العلوم كافة في مدارسهم وجامعاتهم بلغتهم القومية , وكلهم وصلوا الى هذه المرحلة الطبيعية تدريجيا , وليس طفرة واحدة كما يقال , و انما نتيجة لعمل طويل ومسيرة علمية استغرقت عشرات السنوات الكثيرة والطويلة جدا من البحث العلمي المعمق , ففي روسيا مثلا , ابتدأت هذه العملية العلمية منذ زمن العالم الروسي الموسوعي الكبير ميخائيل لومانوسوف في القرن الثامن عشر , الذي خاض نضالا ( وليست هذه كلمة طنانة ابدا , ولكنها حقيقة موضوعية فعلا!) ضد هؤلاء الذين كانوا يؤكدون ( في تلك الفترة) على عدم قدرة اللغة الروسية على القيام بذلك الدور ابدا , وهذا الموقف يذكرنا طبعا بما يقولونه الان في مجتمعاتنا حول اللغة العربية وعدم امكانياتها بالتعبير عن المصطلح الفلاني في العلم الفلاني.
يجب الاقرار والاعتراف, وبلا اي تردد , بوجود لغة بارزة في كل عصر من عصور تاريخ البشرية , لغة سائدة اولى , وكانت العربية واحدة منها في زمن مضى وانتهى عندما كانت بغداد (منارة المجد التليد) , وان اللغة الانكليزية في عصرنا  المعاصر هي اللغة الاولى بلا شك نتيجة ظروف مسيرتها التاريخية عبرعدة قرون , دون ادخال هذه المسألة في اطار ( المؤامرآت الامبريالية !!!) , وقد طالبتني اكاديمية العلوم الروسية عندما قرر معهد الاستشراق الروسي التابع لها ان ينشر كلمتي في كتاب ضمن بحوث مؤتمر المستعربين الروس  ( انظر مقالتنا بعنوان – حول اول معجم روسي – عربي للامثال الروسية في العراق) طالبتني بموجز قصير للكلمة باللغة الانكليزية كشرط من شروط النشر في اصدارات اكاديمية العلوم الروسية , وعندما اعتذرت لهم عن ذلك لعدم امكانيتي كتابة هذا الموجز بالانكليزية , أخذت الدكتوره  الميرا علي زاده على عاتقها تنفيذ هذه الفقرة اعتزازا منها بتلك الكلمة , وذلك لانها كانت رئيسة لتلك الجلسة العلمية, التي القيت فيها الكلمة , وهذا ما تم فعلا.
تدريس العلوم باللغة القومية يعني اولا الاقرار بهذا المبدأ باعتباره ضرورة علمية تعكس تقدم البلد وتعددية لغاته والوحدة  العضوية بين لغة العلم ولغة الثقافة فيه , وتدريس العلوم باللغة القومية يقتضي عملا علميا هائلا لكل فئات الامة من اختصاصيين ومثقفين ولعشرات السنوات , وتدريس العلوم باللغة القومية عملية اجتماعية كبيرة و تدريجية وبطيئة جدا جدا , ولا تتم بين ليلة وضحاها .
 دعونا نتكلم عن تدريس العلوم بلغتنا القومية الان , ونبذر بذورها في تربتنا الان , ونتهيأ للانتقال التدريجي اليها الان , فقد نضج العراق حضاريا بفضل ابنائه في كل مكان بغض النظر عن الاحداث المأساوية التي تجري في عراقنا الحبيب , ومن الضروري ان نلحق بصاروخ التقدم العلمي العالمي.

404
أدب / ارجوكم ايها الصغار
« في: 22:26 17/12/2018  »
ارجوكم ايها الصغار
=============

قصيدة للشاعر الصربي المعاصر ليوبيفوي رشوموفيج
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
 =====================

-مقاطع –
=======

ارجوكم ايها الاطفال الصغار
خذوا بنظر الاعتبار,
ان الكبار
يحبون كتابة الترّهات
على هذا الجدار
وذاك الجدار,
مثلا-
ساشا  السمين
 دماغه ثخين,
نينا تحب كوليا
من سنين,
يسقط مجلس ادارة المبنى
الذي نسكن فيه
 وما زلنا,
والكثير من الشعارات,
والقفشات,
والنكات,
وبقيّة الترّهات...
................
................
========================================================================
سبق لنا ان قدّمنا تعريفا موجزا عن الشاعر الصربي الساخر لوبيفوي رشوموفيج مع ترجمة لقصيدتين له هما – (الفيل ) و ( الغذاء والحمية) , وذلك ضمن مادة بعنوان – قصيدتان من صربيا.

405
هل (شبعنا!) من بوشكين فعلا؟
أ.د. ضياء نافع
من  ضمن التعليقات المتنوعة والمختلفة جدا و ردود الفعل على مقالاتي حول الادب الروسي ( والتي انشرها منذ سنوات عديدة كما هو معروف) , استلمت تعليقا (طريفا!) جدا من أحد القراء المتابعين على ما يبدو بدقة لمقالاتي فعلا, و يقول هذا القارئ في تعليقه ما يأتي – ( لقد شبعنا من بوشكين في مقالاتك !) , ويشير الى انه أحصى هذه المقالات عن بوشكين ووجد انها حوالي الثلاثين مقالة, وذكر بعضها مثلا , وقال ان بوشكين قد ورد ذكره ايضا في مقالات اخرى عن الادب الروسي وذكر امثلة ايضا, وخلص الى تذكيري باستنتاجه هذا , وهو انه ( شبع!) من بوشكين , وقد كان هذا القارئ مؤدبا ودبلوماسيا جدا , اذ انه لم يقل لي ( بعد تعليقه ذاك ) ان اتوقف عن الكتابة عن بوشكين بشكل مباشر وحاسم , وانه آن الاوآن لي ان أجد موضوعا آخر للكتابة غير بوشكين. 
اولا , اريد ان اشكر هذا القارئ الصريح على هذه الارقام  والاحصائيات الدقيقة حول مقالاتي, والتي لم اكن منتبها لها فعلا , وثانيا , أود أن أذكره , باني لازلت في بداية الطريق ليس الا بالنسبة لبوشكين ( شمس الشعر الروسي ) , اذ انني احلم و اخطط  و أدعو الى اعداد مجموعة نقاط مهمة باللغة العربية عن بوشكين , واول هذه النقاط   هي اعداد الببلوغرافيا العربية حول بوشكين , وهي  خطوة ضرورية جدا للانتقال من مرحلة التناول العشوائي لبوشكين باللغة العربية ( كل حسب اجتهاده وامكانياته) الى الخطوة الثانية , وهي التي تتناول بوشكين بشكل علمي وموضوعي وشامل , وتقديمه للقارئ العربي كما يجب , وصولا الى اصدار المؤلفات المختارة ( ولا أقول الكاملة ) لبوشكين بالعربية , وهذا ما حدث في اللغات الاوربية مثل الانكليزية والفرنسية والالمانية منذ عشرات السنين والى الوقت الحاضر . ان اعداد الببلوغرافيا العربية حول بوشكين تقتضي تأليف لجان متخصصة تشمل البلدان العربية الرئيسية مثل مصر وسوريا ولبنان والعراق وتونس وغيرها من بلداننا العربية , وتحت اشراف اكاديمي دقيق وصارم , لانجاز هذه المهمة العلمية الكبيرة , ويمكن للتقدم العلمي التقني في عصرنا تحقيق هذه المهمة عن بعد , ولا ضرورة للاجتماعات الدورية المباشرة بين العاملين على انجاز هذه الببلوغرافيا لتبادل المعلومات والتنسيق بينهم  حول العمل كما كان الحال سابقا. ان انجاز هذه الببلوغرافيا يعني , ان المتخصصين العرب  في ادب بوشكين وابداعه سيعرفون بالضبط ما الذي تم انجازه في هذا المجال , وبالتالي يمكن ان يحددوا ما الذي يجب عليهم انجازه لاحقا , من اجل اتمام وتكملة معرفة العرب بابداع بوشكين , وهكذا , ستبدأ الخطوات اللاحقة الصحيحة والبعيدة عن التخبط او التكرار او الاجتهاد الذاتي البحت , وستكون الاعمال العلمية اللاحقة ذات تخطيط وتمتلك هدفا محددا ومعينا في هذا المجال , وعندها , يمكن ان نقول , اننا بدأنا ب (  التهام! ) بوشكين , وبعد هذا ال ( الالتهام) , ربما سيصل البعض منّا الى حالة ( الشبع!) , التي وصل اليها ذلك القارئ , الذي كتب اليّ , انه ( شبع!) من بوشكين قبل ان يبدأ اصلا ب (تناول الطعام!).
دعونا نطلع اولا على المجلات العربية كافة وطوال اكثر من قرن ونيّف من الزمان, ونجردها ونلتقط منها ما كتبت عن بوشكين , وهناك الكثير من المواد الدسمة عنه .
 ودعونا نطلع على الجرائد العربية في تلك الفترة ايضا , كي نرى , ما الذي نشرته (صحف ابراهيم وموسى) عن هذا الاديب الروسي المتميّز ونأخذه بنظر الاعتبار .
 ودعونا نسجل عناوين الكتب التي كتبها الادباء العرب عنه , والكتب التي نشرها الباحثون والمترجمون العرب عنه , ودعونا نطلع حتى على مسوّدات هؤلاء الادباء والباحثين الذين قدموا لنا كتاباتهم عن بوشكين منذ نهاية القرن التاسع عشر وعبر القرن العشرين وصولا الى عصرنا الحالي .
 ودعونا نبحث عن هؤلاء الذين كانوا يحيطون بهم ونسألهم , لماذا اختار سامي الدروبي مثلا في خمسينات القرن العشرين ترجمة ( ابنة الضابط ) لبوشكين قبل ترجمته لدستويفسكي , ولماذا اختار نجاتي صدقي بوشكين ليكتب عنه كتابه  الرائد الموسوم ( بوشكين امير شعراء روسيا  ) في الاربعينات قبل ان يكتب عن تشيخوف , الاقرب اليه تاريخيا , اذ ان نجاتي صدقي وصل الى روسيا ودرس فيها بعد عشرين سنة فقط من وفاة تشيخوف ليس الا .     
ودعونا  نقوم بكل ذلك قبل ان نبحث عن بوشكين بالعربية في ( غوغل) , واؤكد على كلمة ( قبل) , وعندها يمكن لنا ان نقارن ونرى الحقيقة الجميلة والساطعة .
لنعمل سوية من اجل تحقيق خطوات علمية في دراسة الادآب الاجنبية , اذ ان ذلك ضروري لنا جميعا .

406
 
ريلييف – اول شاعر أعدموه في روسيا
------------------------------------------------
أ.د. ضياء نافع

ولد الشاعر الديسمبري كندراتي فيودورفيتش ريلييف العام 1795 في بطرسبورغ وتم اعدامه شنقا العام 1826 في بطرسبورغ ايضا , اي عندما كان عمره 31 سنة ليس الا , وبذلك اصبح اول شاعر يعدم في روسيا لاسباب سياسية بحتة , اذ انه كان واحدا من قادة حركة الديسمبريين ضد القيصر الروسي, و التي حدثت في شهر ديسمبر/ كانون الاول عام 1825 ( ولهذا أسموهم الديسمبريين), و انتهت بالفشل , وأعدموا خمسة من قادتها بعد محاكمات طويلة , وكان ريلييف واحدا منهم .
 الشاعر الفلسطيني معين بسيسو ( 1926 - 1984) في كتابه الفريد من نوعه بالمكتبة العربية  والموسوم - ( الاتحاد السوفيتي لي ) يستشهد بقصيدة جميلة لريلييف بترجمته هو على ما يبدو , رغم انه – تواضعا ربما - لا يذكر ذلك بشكل مباشر , وأقدّم  للقارئ مقاطع من تلك الترجمة الدقيقة, التي أثارت انتباهي و اعجابي -   
زأرت العاصفة وصخب المطر
وفي الظلام تطايرت البروق
ودمدم الرعد بلا انقطاع
وهدرت الرياح في مجاهل الغابات..
وعلى ضفة (أرتيش) الموحشة
جلس (يرماك) غارقا في الافكار
مشبعا بشهوة المجد..
و( يرماك ) هو قائد عسكري من فيلق القوزاق ساهم في القرن السادس عشر بالحملة الروسية من اجل السيطرة على سيبيريا , وغرق في نهر (ارتيش) هناك, وليس عبثا ان الشاعر الشاب ريلييف كتب عنه هذه الابيات, اذ انها تتناغم فعلا مع روحيته الرومانسية الثورية , ومع تلك الافكار و البطولة التي كانت تكمن في اعماق الشاعر الديسمبري ريلييف منذ بداية مسيرته .
لم يستطع ريلييف في حياته القصيرة ان يحقق طموحه الادبي , اذ ان هاجس الثورة ضد النظام القيصري في روسيا قد سيطر على كل نشاطه , ولكنه – مع ذلك – أصدر كتابين , الاول هو مجموعته الشعرية الوحيدة , وكانت بعنوان – ( افكار) , وتتضمن كل قصائده, و التي منعوها طبعا بعد اعدامه , لكن المعارضة للنظام القيصري في لندن وبرلين طبعتها هناك في ستينيات القرن التاسع عشر ( انظر مقالتنا بعنوان – حول صحيفة كولوكل الروسية في لندن ) , وصدرت طبعا في الاتحاد السوفيتي بعد قرن تقريبا من اعدامه , واعيد طبعها بموسكو في سبعينيات القرن العشرين مرة اخرى وبخمسين الف نسخة .
لم تتميّز قصائد ريلييف بشكل فنيّ خاص به, ولم يحصل على شهرة واسعة بين القراء الروس لا اثناء حياته القصيرة ولا بعد ذلك , ورغم انه كان يدخل ضمن مناهج المدرسة في الاتحاد السوفيتي , الا انه معروف لديهم – قبل كل شئ – باعتباره مناضلا ضد النظام القيصري , والذي تم اعدامه آنذاك مع رفاقه الديسمبيريين الآخرين , وتشير كل المصادر الروسية حول ريلييف الى جملة قالها بوشكين بشأن نتاجات ريلييف وأشعاره , وكلمات بوشكين لا تعبّر عن اعجابه بتلك النتاجات ,والجملة البوشكينية هذه هي كما يأتي – ( ..لا يوجد فيها اي شئ روسي عدا الاسماء ) .
أصدر ريلييف مع رفيق دربه بيستوجيف أعوام  1823 – 1825 مجلة ( النجم القطبي ) , وهي مجلة كانت ناطقة بافكار حركة الديسمبريين بلا شك , ولم يستطع ان يصدرا اكثر من ثلاثة أعداد, ولكنها – مع ذلك - دخلت التاريخ الروسي , وأعاد غيرتسن لها الحياة في لندن ( انظر مقالتنا بعنوان – غيرتسن الاديب والصحفي الروسي المهاجر) , وتعدّ الان واحدة من شواهد ووثائق مسيرة الفكر الثوري الروسي في القرن التاسع عشر.
لقد أشار ريلييف اثناء حياته , الى ان الطريق الذي يسلكه لن ينتصر , ولكنه استمر بالسير به - رغم ذلك – وبعناد واصرار وحتى النهاية , لانه كان  يؤمن و يعتقد بعمق , ان تضحيته لن تذهب سدى , وانه سيساهم في ايقاظ الشعب الروسي , وان قيمته الفكرية تكمن في ذلك بالذات , ويدور الان نقاش واسع حول هذه الافكار في المجتمع الروسي المعاصر , وحتى خارج روسيا , بين الاوساط التي تهتم بروسيا ومسيرتها اللاحقة , ولا يمكن تلخيص هذه المناقشات هنا طبعا , ولكن الشئ الاكيد , الذي يمكن ان نشير اليه هنا , هو ان ريلييف لازال يحيا في روسيا , وان العديد من شوارع روسيا تحمل الان اسمه , وانه لازال رمزا لبطولة من بطولات التضحية بالنفس من اجل المبادئ السامية العليا, حتى لو كانت بعيدة التحقيق جدا, او مستحيلة ...

407
جدانوف و الجدانوفية في الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
 ولد اندريه الكساندرفيتش جدانوف العام 1896 في الامبراطورية الروسية , وتوفي العام 1948 في الاتحاد السوفيتي . التحق عام 1910 ( كان عمره 14 سنة ) للدراسة في مدرسة للتأهيل المهني وتخرج فيها عام 1915 ( وهذا هو كل تحصيله العلمي طوال حياته , التي امتدت 52 سنة فقط !!!), وتم تدريبه في الخدمة الالزامية عام 1916 ( كانت الحرب العالمية الاولى مستعرة منذ 1914 كما هو معروف , وكانت الامبراطورية الروسية مشاركة فيها ) .
 انضم جدانوف الى صفوف الحزب الشيوعي منذ كان عمره 15 عاما , واصبح عضو لجنة محلية في الحزب عام 1917  عندما سقطت الامبراطورية الروسية وانتصرت ثورة اكتوبر 1917, وأخذ يعمل في الصحف الحزبية المحلية التي كانت تصدر في منطقته مثل ( الفلاح والعامل ) و ( الطريق نحو الكومونة ) و ( أخبار الشيوعية )...الخ , ثم انتقل للعمل في لجان الدعاية الحزبية بمختلف اقسامها وفروعها وطبيعتها, وأخذ يتقدم بالتدريج في صفوف الحزب عن هذا الطريق , الى ان وصل الى المساهمة   بعدئذ في أعمال اللجان الخاصة بالاعداد لكتاب - التاريخ الوجيز للحزب الشيوعي البلشفي , وهو اول وثيقة يصدرها الحزب عن تاريخه , و الذي كان يجري الاعداد لها باشراف مباشر من قبل ستالين نفسه , والذي ثبّت فيه ستالين  - كما هو معروف -  نظرته الشخصية الذاتية البحتة  الى الحزب وتاريخه ومسيرته واحداثه ورجالاته ومواقعهم ودورهم , وهكذا وصل جدانوف الى المشاركة باعمال المؤتمر التاسيسي لاتحاد الادباء السوفيت , والذي انعقد العام 1934 في موسكو, وجلس في منصة ذلك المؤتمر العتيد جنبا لجنب مع مكسيم غوركي  , اذ كان ينفّذ في ذلك المؤتمر رأي الحزب الصارم والدقيق ( والذي يعني رأي ستالين بالضبط ) بشأن ما يجب كتابته وما لا يجب كتابته من قبل الادباء , رغم انه ( اي جدانوف) لم يكتب اي شئ في الادب , بل ولم تكن له اي علاقة بالادب اصلا. وفي هذا العام ايضا ( اي 1934) تم اغتيال كيروف – سكرتير لجنة لينينغراد للحزب الشيوعي ( لازالت القضية مجهولة لحد الان , وهناك أقاويل كثيرة عن ذلك ولا مجال للحديث عنها هنا ) , ولم يجد ستالين أفضل من جدانوف ليحل محل كيروف , وقد تطورت العلاقات بينهما لدرجة ان ستالين أصرّ ان تتزوج ابنته سفيتلانا ( التي هربت من الاتحاد السوفيتي بعدئذ) من ابن جدانوف, ويقال ان ستالين حتى أجبرها ان تنفصل عن زوجها الاول من اجل ذلك , وهكذا اصبحا ( ستالين وجدانوف) أقارب . واستمرت مسيرة جدانوف في الحزب صعودا واصبح عضوا في المكتب السياسي , وهو اعلى هيئة ادارية في تنظيمات الحزب كما هو معروف.
صدر لجدانوف اثناء حياته عدة كتيبات لا غير, هي في الواقع خطابات ألقاها باسم الحزب في مناسبات مختلفة , وكانت تحتوي   على قرارات وتوصيات اتخذها الحزب رسميا, ومع المفاهيم والاستنتاجات التي جاءت في تلك الخطابات وتبلورت
بعدئذ , ارتبط اسم جدانوف في تاريخ الادب الروسي , وولد ايضا مصطلح الجدانوفية في الادب  العالمي  .
هناك ثلاث خطابات ترتبط بالادب بشكل او بآخر, الخطاب الاول كان في المؤتمر التأسيسي الاول لاتحاد الادباء السوفيت , والذي حدد مفهوم الواقعية الاشتراكية باعتبارها منطلق كل النتاجات الادبية والفنية في الاتحاد السوفيتي ( انظر مقالتنا بعنوان – غوركي وستالين والواقعية الاشتراكية ) , والخطاب الآخر ألقاه جدانوف اثناء مناقشة كتاب بعنوان – تاريخ الفلسفة الاوربية الغربية , اما الخطاب الثالث , وهو الاهم بين كل تلك الخطابات , فقد كان عن مجلة ( النجم ) , ومجلة ( لينينغراد) . في هذا الخطاب جاءت تلك الاحكام المشهورة لحد الآن حول الشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا ( التي قال عنها انها بعيدة عن الشعب بشكل مطلق ), وحول االقاص الروسي زوشينكو ( الذي قال عنه انه ضمن قوى الظلام الرجعية في السياسة والفن ).
يتفهم الانسان الروسي ويعرف بشكل جيد , ان الآراء التي تحدث عنها جدانوف تعود الى ستالين شخصيا , وان جدانوف هو احد تابعيه (المخلصين!) ليس الا , الذين كانوا يؤيدونه بشكل مطلق ودون تحفّظ في كل شئ, ويذكرني ببعض الشخصيات العراقية الباهتة , الذين كانوا يطبّلون للقائد الضرورة في تلك الايام بمناسبة وبغير مناسبة , مثل (وزير التعليم العالي والبحث العلمي!!) , الذي استدعانا مرة ( كل اساتذة جامعتي بغداد والمستنصرية)  الى اجتماع عاجل في القاعة الكبرى للجامعة المستنصرية وألقى امامنا خطابا قال فيه , ان صدام حسين ( نبيّ) , ثم أردف – ( أستغفر الله , ولكني لا أجد غير كلمة نبيّ  يمكن ان تصفه بشكل صحيح !) .
جدانوف من هذا القبيل , وقد تم نسيانه بعد موت ستالين , ولم يظهر في الاتحاد السوفيتي مصطلح الجدانوفية بتاتا , وانما ظهر هذا المصطلح في الغرب , وهو نتاج الحرب الباردة طبعا , وقد ( تسرب!!) الينا من هناك ليس الا , وتلاشى بالتدريج في الغرب وعندنا ايضا, لانه غير صحيح وغير موضوعي بتاتا .
ختاما , نود الاشارة الى قرار اتخذه الحزب الشيوعي السوفيتي العام1989 حول جدانوف , وجاء فيه ( ..انه واحد من منظمي القمع الجماهيري في الثلاثينات والاربعينات .. وانه يتحمّل المسؤولية مع الآخرين على ما جرى في تلك الفترة من أعمال اجرامية ..) , وقد قرر الحزب رفع اسمه من كافة  الاماكن والمؤسسات التي تم اطلاق اسمه عليها في الاتحاد السوفيتي ...
       

408
تولستوي و دستويفسكي
أ.د. ضياء نافع
كلاهما عاشا وأبدعا في النصف الثاني من القرن التاسع عشر في روسيا وأصبحا اسمين بارزين في دنيا الادب والفلسفة , وكلاهما يمثلان الآن ( ونحن في القرن الحادي والعشرين) روسيا امام العالم المتحضّر , وكلاهما يقفان في طليعة الفكر العالمي , وكانا بالطبع يعرفان بعضهما البعض عن بعد ويتابعان نتاجاتهما التي تنشر, ولكنهما لم يلتقيا مع بعض بتاتا طيلة حياتهما, وكم تأسف تولستوي في حديثه مع أرملة دستويفسكي لانه لم يلتقيه اثناء حياته  (كما أشارت ارملته في ذكرياتها عن اللقاء , الذي جرى بينها وبين تولستوي بعد وفاة دستويفسكي) , وكان هذا اللقاء يمكن ان يحدث في بطرسبورغ , عندما كانا كلاهما ( تولستوي ودستويفسكي) حاضرين في جلسة واحدة , حيث القى محاضرته المفكر الروسي سولوفيوف الشاب آنذاك (و الذي سيرتبط اسمه لاحقا بالرمزية الروسية ). لقد قال تولستوي لارملة دستويفسكي , ان ستراخوف ( وهو الصديق المشترك لكليهما ) لم يعرّفهما مع بعض عندئذ, ولكن ستراخوف قال , ان تولستوي كان في زيارة عمل ببطرسبورغ , وانه اشترط على ستراخوف الا يقدمه الى اي شخص اثناء تلك المحاضرة . وهكذا ضاعت ( بالنسبة لتاريخ الادب الروسي) فرصة اللقاء التاريخي بين هذين العملاقين.
الحديث عن تولستوي ودستويفسكي معا حديث قديم في مسيرة الدراسات المقارنة في الادب الروسي وفي الادب العالمي ايضا , وقد ابتدأ منذ نهاية القرن التاسع عشر , ولازال مستمرا لحد الآن , ويكفي ان اذّكر القارئ الكريم بالكتاب الذي نشره ميرشكوفسكي بعنوان – ( تولستوي ودستويفسكي ) الصادر عام 1902 في موسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – الاديب والفيلسوف الروسي ميرشكوفسكي) حيث توقفت عند هذا الكتاب , الذي تناول فلسفة الكاتبين والمقارنة بينهما, اذ أشار ميرشكوفسكي هناك الى انهما يجسّدان    العلاقات غير المتكافئة وحتى المتناقضة الى حد ما  بين حقيقتين كبيرتين في الفكر الروسي , والتي يمكن ان نسميهما ( حسب ميرشكوفسكي واجتهاداته ) – حقيقة الاله , وحقيقة الانسان . الحقيقة الاولى يجسّدها دستويفسكي , والثانية يجسّدها تولستوي , وكلاهما ( الحقيقتان) ضرورية للانسان ومسيرة حياته وعلاقاته المتشعبة في المجتمعات البشرية على الارض.
استمرت الدراسات المقارنة بين الاديبين الكبيرين في مسيرة الفكر الروسي , الى ان حدثت ثورة اكتوبر1917 , والتي اصبح دستويفسكي بعدها ضمن قائمة الادباء والمفكرين ( المغضوب عليهم !) , ولكن تلك المقارنات ازدادت في الاوساط الروسية خارج روسيا , اذ استخدم اللاجئون الروس عندها اسم دستويفسكي رمزا لحملاتهم ضد ثورة اكتوبر , ولنتذكر الفيلسوف الشهير بيرديايف مثلا ( انظر مقالتنا بعنوان – بيرديايف ودستويفسكي) , ولكن عندما خفتت مسيرة الاحداث (الطنانة والرنانة!) بعد وفاة ستالين في الاتحاد السوفيتي و بدأت مرحلة ( ذوبان الجليد !) كما استقر هذا المصطلح الطريف في تاريخ الفكر الروسي و العالمي , عاد دستويفسكي الى الحياة الفكرية الروسية من جديد ( بل وانتصب تمثال كبير له امام مكتبة لينين بالذات في قلب موسكو . انظر مقالتنا بعنوان – تماثيل دستويفسكي ) , وبالطبع , عاد الحديث عن المقارنات الفكرية بين دستويفسكي وتولستوي في روسيا مرة اخرى وبحيوية واضحة جدا . ومن غير الممكن التوقف عند سلسلة هذه الكثرة الكاثرة من الكتب والبحوث والمقالات والتعليقات المتنوعة جدا , التي تتناول المقارنة بين هذين العملاقين ونتاجاتهما وتأثيرهما على المجتمع الروسي المعاصر , ولكننا نريد الاشارة هنا فقط الى نقاش حاد وطريف جدا جرى عام 2016 ليس الا  في روسيا حولهما . لقد كتبت الصحافية الروسية ليزوكينا مقالة بعنوان – ( تولستوي ودستويفسكي – كلاسيكيان لا يستسلمان ) , تناولت فيها موقف رئيسة الجمعية الروسية للتأليف فيربيتسكايا حول هذين الاديبين في المناهج المدرسية بروسيا, اذ دعت رئيسة الجمعية الى حذفهما من تلك المناهج , لان عقل التلاميذ غير مؤهل لاستيعابهما . وتهاجم الصحافية رأي رئيسة الجمعية هذا , وتعتبره غير صحيح بتاتا , وتدعو الى اعادة النظر ليس في مفردات المناهج , وانما في الاسلوب السائد في نظام التربية المدرسية, وفي الطريقة التلقينية التي يقوم بها المعلم  اثناءعملية تدريس هذه المواد , وقد أثارت هذه المقالة ردود فعل كثيرة ومتنوعة جدا لدى القراء , وكلها كانت تؤيد رأي الصحافية المذكورة .
ختاما لهذه المقالة الاوليّة والوجيزة جدا, اريد ان استشهد بما كتبه تولستوي , عندما علم بوفاة دستويفسكي . لقد جاء في رسالة تولستوي الى صديقه ستراخوف بتاريخ 5 شباط / فبراير من عام 1881 ما يأتي – ( لم أر هذا الانسان , ولم تكن لديّ علاقات مباشرة معه , وفجأة, عندما مات , فهمت بانه كان أكثر الناس قربا , وعزيزا وضروريا لي ... ... لقد كنت أعتبره صديقي, ولم افكر بشكل آخر , واننا سنلتقي , ولكن الان لن يحدث ذلك ...... لقد انفصل سند من كياني ..... بعدئذ اصبح واضحا , كيف كان غاليا بالنسبة لي , وبكيت , وانا أبكي الآن ...).   

409
عراقيون مرّوا بموسكو (25) / د. حسن البياتي
أ.د. ضياء نافع
وصل حسن البياتي الى موسكو اوائل ستينيات القرن العشرين للالتحاق في قسم الدراسات العليا بجامعة موسكو, وذلك لانه حاصل على شهادة البكالوريوس ( الليسانس) من جامعة بغداد , ومختص باللغة العربية وآدابها . كان د. حسن شاعرا معروفا في العراق , وقد أصدر ديوانين قبل وصوله الى موسكو هما – (من شفاه الحياة )و (جنود الاحتلال ), وقد اراد الشاعر حسن البياتي بالطبع ان يدرس الشعر الروسي ويتخصص به , والتحق فعلا بكليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) في جامعة موسكو (والتي كنّا نسميها - نحن العراقيين- على الطريقة العراقية كليّة الآداب) , وفي قسم تاريخ الادب الروسي للقرن التاسع عشر , واختار عنوان اطروحته عن ملحمة شعرية للشاعر الروسي الكبير نكراسوف تتناول بشكل ساخر بحث الفلاحين الروس عن الشخص الذي يعيش بشكل جيد وسعيد في روسيا , وهي ملحمة معروفة جدا في تاريخ الشعر الروسي , وخصوصا في الزمن السوفيتي , لان الشاعر نكراسوف واحد من اركان الحركة الديمقراطية الثورية في تاريخ الادب الروسي , وكان ضمن الاسماء الثورية في هذا الادب مثل تشرنيشيفسكي ودبرالوبوف , وكان رئيس تحرير مجلة ( سوفريمينك) ( المعاصر) الادبية والفكرية , والتي كانت واقعيا لسان حال الحركة التي يسمونها آنذاك في الاتحاد السوفيتي ( النقد الادبي الثوري الديمقراطي) . وكان د. حسن فخورا  جدا بعنوان اطروحته , ويتحدث عنها بين العراقيين ,  لكنه ترك هذا البحث بعد فترة وجيزة , ولا نعرف سبب ذلك , الا ان الاقاويل التي كانت سائدة بيننا , نحن الطلبة العراقيين , كانت تتحدث عن عدم الامكانية العلمية لشخص متخصص بالادب العربي من جامعة بغداد بانجاز بحث دكتوراه في الشعر الروسي وباللغة الروسية دون معرفة معمقة في الادب الروسي وتاريخه , وانه لهذا ترك تلك الاطروحة وعاد الى البحث في مجال اختصاصه الدقيق , وهو الادب العربي , وهكذا انتقل من كليّة الفيلولوجيا الى معهد لغات آسيا وافريقيا , وهو ايضا تابع لجامعة موسكو , وهناك انجز اطروحته حول الصفة المعادية ( اوالطابع المضاد ) للاستعمار في الشعر العراقي المعاصر , وأبدع فيها فعلا, لانه هو شخصيا كان أحد هؤلاء الشعراء . ان انتقال حسن هذا كان خطوة علمية صحيحة جدا وشجاعة ايضا , لم يستطع بعض العراقيين ان يتخذوها آنذاك من زملائه العراقيين الآخرين , اذ ترك اثنان منهما الدراسة لاحقا, وقد اضطرت المجموعة الاخرى منهم ان يدرسوا سنين طويلة جدا خارج الفترة المحددة والقانونية للدراسة من اجل الحصول على الشهادة المطلوبة , بينما استطاع د. حسن ان ينهي دراسته وبنجاح رائع وفي مجال اختصاصه العام و ضمن فترة معقولة , واستطاع ان يتقن اللغة الروسية بشكل جيد جدا , وقد انعكس ذلك بعدئذ على نشاطه العلمي لاحقا بعد عودته الى العراق في مجال الترجمة عن الروسية الى العربية , وأصدر عدة كتب مترجمة عن الروسية , وتتميّز هذه الكتب في كونها متنوعة جدا , وشملت آداب شعوب مختلفة , مثل ادب أمريكا اللاتينية واوربا الشرقية وآسيا والقوقاز  , اي انه استخدم معرفته العميقة للغة الروسية في ترجمة مصادر متنوعة من الادب العالمي , وهي ظاهرة تستحق التأمل والدراسة فعلا , اذ انه تخطى المفهوم التقليدي السائد في عالم الترجمة , وهو المفهوم الذي يؤكد على ضرورة الترجمة عن اللغة الاصلية فقط الى العربية , اي عدم استخدام اللغة الوسيطة في الترجمة , وقد استطاع د.حسن ان يبدع فعلا في ترجماته تلك وان يتميّز بها عن المترجمين العراقيين الآخرين , ولازالت تلك الترجمات متداولة بين القراء لحد الان .
اضطر د. حسن البياتي الى ترك العراق نتيجة الظروف المعروفة آنذاك, وسافر الى اليمن , حيث عمل – وبنجاح كبير- في الجامعات اليمنية , اذ انه كان في العراق ايضا استاذا جامعيا ناجحا , الا انه فقد بصره في اليمن مع الاسف , وهكذا أصبح اعمى , وسافر الى لندن ( حيث يقيم لحد الآن) وهو في تلك الحالة المأساوية الصعبة, الا ان ارادته القوية قد صمدت في هذا الامتحان الصعب, وهكذا استمر د. حسن البياتي في نشاطه الفكري رغم ذلك , واستمر بكتابة الشعر والبحوث والمقالات وحتى اصدار الكتب الثقافية المتنوعة , و اود هنا أن اشير الى كتاب متميّز بين كل تلك النتاجات للدكتور حسن البياتي وهو كتاب بعنوان – (الصرح الترجمي للدكتور علي حواد الطاهر) . و الكتاب هذا فريد من نوعه في المكتبة العراقية عن الناقد والباحث العلمي الكبير والاستاذ الجامعي علي جواد الطاهر , والذي أعده البياتي خصيصا لمناسبة الذكرى العشرين لوفاة استاذ الاجيال    المرحوم علي جواد الطاهر.
تحية تقدير واعتزاز للدكتورالشاعر والباحث والمترجم و الاستاذ الجامعي القدير حسن البياتي , الوجه الناصع لخريجي الجامعات الروسية , وتصفيق حاد له على نشاطاته الثقافية الابداعية المتنوعة وهو في هذه الحالة الصحية الاستثنائية الصعبة .
 استمر في مسيرتك الابداعية البطولية الرائعة يا ابا جميلة العزيز. 


410
حول آخر كتاب أصدره غوغول
أ.د. ضياء نافع
--------------------------------------------------------------
توفي نيقولاي غوغول في بداية شهر آذار / مارت من عام  1852 , وصدر آخر كتاب له  العام 1847 بعنوان – (مختارات من مراسلات مع الاصدقاء) , كما استقر عنوانه لاحقا في الترجمات العربية , اما الترجمة الحرفية للعنوان فهي – أماكن مختارة من مراسلات مع الاصدقاء . الكتاب معروف للقارئ العربي (عن بعد) ان صح هذا التعبير , اذ انه غير مترجم الى العربية حسب معلوماتنا , ولكن الباحثين والقراء العرب غالبا ما يتحدثون عنه , وحتى يلعنونه في كثير من الاحيان , دون الاطلاع الدقيق والموضوعي والشامل على نصوصه بلغتهم العربية , بل انطلاقا من مواقف (ورثوها!!!) من قراءآت  سابقة حول هذا الكتاب ليس الا ( انظر مقالتنا بعنوان - حول بيلينسكي و رسالته الى غوغول ) , وهي مسألة جديرة بالتوقف عندها والتأمل فيها فعلا , اذ انها نادرا ما تحصل في الاوساط الفكرية, وقد حصلت مرة في تاريخ الادب الروسي في القرن العشرين بالنسبة لباسترناك وروايته ( دكتور زيفاغو ) , وهو ايضا آخر كتاب صدر لباسترناك , وكذلك حصلت بالنسبة لكتاب غوغول الاخير هذا في مسيرة الادب الروسي في القرن التاسع عشر.
يتضمن الكتاب (32) فصلا مختلفا ومتنوعا جدا, وهو واقعيا مجموعة مقالات فكرية معمقة, ويمكن القول بكل ثقة , ان بعض تلك المقالات لازالت مهمة لحد الان بالنسبة  للمجتمع الروسي وحركته الفكرية , رغم ان غوغول كتبها قبل اكثر من قرن ونصف , بل ان أحد النقاد قارن كتاب غوغول هذا مرة باهمية ( اعترافات ) جان جاك روسو  . لا يمكن طبعا عرض محتوى او مضمون كل تلك الرسائل المتنوعة ( او فصول هذا الكتاب) في اطار مقالتنا , ولكنني – في الاقل -  أود ان أعرض للقارئ بعض عناوينها ليس الا , والعنوان طبعا يبين للقارئ - بشكل او بآخر- المضمون العام لتلك المقالة بلا شك .
 يبتدأ الكتاب بمقدمة , ثم تعقبها الفصول كما يأتي -  وصية //   المرأة في العالم // اهمية الامراض // ما هي الكلمة //  قراءة الشعراء الروس امام الجمهور // عن مساعدة الفقراء // عن الاوديسه بترجمة جوكوفسكي // بعض الكلمات عن كنيستنا ورجالاتها // عن الشئ نفسه // عن ليريكية شعرائنا // نقاشات// المسيحي يذهب الى الامام // كارامزين // عن المسرح , وعن النظرة الاحادية الى المسرح , وبشكل عام عن الاحادية// مواد للشاعر العاطفي ( الليريكي) في الوقت الحاضر// نصائح // التربية // اربع رسائل لاناس مختلفين حول الارواح الميتة // ضرورة ان نحب روسيا //  ضرورة السفر في ارجاء روسيا // الاقطاعي الروسي //  الفنان التشكيلي التاريخي ايفانوف // / كيف يمكن ان تكون الزوجة للزوج في الحياة البيتية البسيطة حسب النظام الحالي للاشياء في روسيا // مخاوف روسيا و اهوالها // الى صديق قصير النظر// الى شخص يشغل مكانا مهما //  ما هو اخيرا جوهر الشعر الروسي وباي شئ  تكمن خاصيته// عيد الفصح المنور//.
هذه هي عناوين بعض فصول الكتاب او رسائله كما أسماها غوغول نفسه , و اظن , ان مجرد القاء نظرة  عامة على هذه العناوين - ليس الا- يمكن ان  تعكس للقارئ  طبيعة هذا الكتاب الطريف و الفريد وباهميته الفكرية الكبيرة في تاريخ روسيا الثقافي , ففي كل فصل يتناول غوغول – وبروحيته واسلوبه الغوغولي المتميّز المعروف - موضوعا مختلفا من المواضيع المطروحة عندئذ امام الانسان الروسي , واتمنى ان تسنح لي الفرصة لاحقا ان اتوقف بشكل وجيز عند فصول مختارة من هذا الكتاب المهم, واستعرض للقارئ العربي اهم الافكار التي وردت هناك , ولا أقول ترجمته الى العربية , اذ ان تلك مهمة اخرى , اتمنى ان يحققها المترجمون العرب الشباب في المستقبل القريب, وذلك  لان ترجمة هذا الكتاب ضرورية لنا فعلا في هذه المرحلة الفكرية المشوشة , التي نمرّ بها. 




411
تدريس العلوم باللغة القومية
أ.د. ضياء نافع
اطلعت يوم 21/11/2018 على مقالة مهمة – من وجهة نظري - كتبها الاستاذ توفيق السيف في صحيفة الشرق الاوسط اللندنية بعنوان – ( تدريس العلوم بالعربية ..هل هذا واقعي؟) , وقد أثارت تلك المقالة أشجان وأشجان , وذكّرتني بما كنّا نحاول في السبعينات والثمانينات ببغداد ان نطرحه على الساحة العراقية من افكار واقتراحات حول ذلك , حيث تحدثت شخصيا عدة مرات في اجتماعات داخل أروقة  جامعة بغداد , عندما كنت مندوبا لكليّة اللغات , وحتى نشرت عدة مقالات قصيرة ومركّزة في الصحف العراقية آنذاك حول هذا الموضوع , وقد اصطدمت حينها ب ( جدار!!) من الرفض الشديد , خصوصا من العاملين في الوسط الطبي والهندسي بالذات , وأذكر اني حاولت اعداد قائمة باسماء الدول , التي تقوم بتدريس العلوم كافة بلغاتها  القومية , بما فيها دول متقدمة مثل فرنسا والمانيا وروسيا  مثلا, كي أبيّن واثبت لهم , ان تدريس العلوم باللغة القومية في اي بلد لا يعني بتاتا انقطاع ثقافة ذلك البلد عن استيعاب تلك العلوم , الا انهم لم يرغبوا الاستماع الى تلك الاراء ابدا , وكانوا يرددون دائما, ان تدريس العلوم في العراق يجب ان يستمر باللغة الانكليزية فقط , لأن ذلك يعني متابعة حركة العلوم عالميا ونتائج البحث العلمي العالمي , دون النظرة المعمقة تجاه دور اللغة وفلسفتها في عملية الاستيعاب العلمي المتكامل لتلك العلوم , ودون ألاخذ بنظر الاعتبار ان تدريس العلوم باللغة الانكليزية في العراق يرتبط بتاريخ العراق الحديث ومسيرة الاحداث التاريخية فيه ليس الا.
لقد ابتدأ تدريس العلوم باللغة الانكليزية في العراق منذ بداية تأسيس الدولة العراقية في بداية عشرينيات القرن الماضي , لأن الجيش الانكليزي هو الذي احتل العراق بقيادة الجنرال مود , وليس نتيجة تخطيط الكوادر العلمية العراقية وارادتها وقرارها , ويجب الاقرار , ان هذه الخطوة ( اي تدريس العلوم باللغة الانكليزية) كانت صحيحة في حينها ( في العشرينات والثلاثينات) ,ولكن العراق بدأ بالتوسع في الخمسينات والستينات , و بالاطلاع على مسيرة العلوم في بلدان اخرى متقدمة ايضا , مثل المانيا وفرنسا وروسيا ...الخ , وان ابناء العراق , الذين درسوا في تلك البلدان , قد عادوا الى بلدهم وأخذوا يساهمون في تطوير العلوم ايضا , مثل ابناء العراق الذين درسوا في البلدان الناطقة بالانكليزية , وان العراق اصبح مؤهّلا للانتقال التدريجي من بلد اللغة الاجنبية الواحدة الى بلد متعدد اللغات, و صفة البلد المتعدد اللغات الاجنبية أعلى من صفة   البلد الذي تسود فيه لغة أجنبية واحدة , وان العراق بعد اكثر من نصف قرن من الاحتلال الانكليزي هو غير العراق في العشرينات والثلاثينات , وانه آن الاوان ان نفهم هذه الحقيقة وان ننطلق منها لادارة التربية والتعليم في بلدنا لاحقا.   
لقد أشار الاستاذ توفيق السيف في مقالته التي ذكرناها في أعلاه الى جملة وقائع في غاية الاهمية في هذا المجال حول علاقة لغة الثقافة والعلم , مؤكدا , ان ( لغة الثقافة ولغة العلم واحدة ) و يجب ان تكون واحدة لأن ( البيئة التي ينتشر فيها العلم بين عامة الناس , ولا يقتصر على النخبة ...) وهذا التوحد هو الذي يؤدي الى             انسجام ( العلم مع الثقافة العامة ..) , وقد استوقفتني في تلك المقالة تجربة  أحد الباحثين اللبنانيين , والتي أشارت الى ان ( الطالب اللبناني الذي يتقن الانكليزية يحتاج الى اربعة اضعاف المجهود اللغوي , الذي يبذله زميله الامريكي كي يستوعب المادة نفسها ) , وتذكرت معاناة الطلبة العراقيين وكيف يجبروهم على دراسة العلوم بالانكليزية من قبل اساتذة يحتاج  قسم كبير منهم الى تعلمها هم قبل طلبتهم , وهذه المعاناة أعرفها نتيجة متابعتي الشخصية والذاتية اثناء مسيرة حياتي العلمية , والتي كانت مرتبطة باللغات الاجنبية وتدريسها في جامعة بغداد .
تحية للاستاذ توفيق السيف على مقالته العلمية الجريئة , وعلى تأكيده – في نفس الوقت - على أهمية اللغة الانكليزية في عالمنا المعاصر , وكم اتمنى ان يساهم التربويون العرب بهذه النقاشات العلمية المهمة للتطور اللاحق في عالمنا العربي . 
أود ان اختتم مقالتي هذه بالاشارة الى ان البلدان التي تقوم بتدريس العلوم بلغاتها القومية ( وهي الاكثرية بين البلدان المتقدمة او المتوسطة التقدم ) تتابع  - بدقة وحرص -  تطور العلوم باللغة الانكليزية  ومصادرها المختلفة, وتستخدم نتائج مسيرتها في مجال البحث العلمي أول بأول , اذ ان تدريس العلوم باللغات القومية لا يعني بتاتا الانفصال عن حركة البحث العلمي في العالم , وان تدريس العلوم باللغات القومية شئ , والانعزال عن العالم ومسيرته العلمية شئ آخر كليّا .

412
المنبر الحر / بوشكين و تولستوي
« في: 21:26 22/11/2018  »
بوشكين و تولستوي
أ.د. ضياء نافع
أجرى معهد استطلاع الرأي العام الروسي مرة استبيانا شاملا حول الادباء الروس الاكثر قراءة بين الروس انفسهم داخل روسيا وخارجها في الوقت الحاضر, وقد جاء بوشكين اولا  بنسبة 42% داخل روسيا و 38% خارجها , وجاء تولستوي ثانيا بنسبة 27% داخل روسيا و35% خارجها , و تم اجراء هذا الاستطلاع في النصف الثاني من العقد الثاني للقرن الحادي والعشرين . لقد تذكرت – عندما اطلعت على نتائج هذا الاستبيان الطريف – جملة لتولستوي قالها عن بوشكين مرة , وهي كما يأتي  – (أنا أتعلّم الكثير من بوشكين , انه أبي , ويجب ان اتعلّم منه..) , وقلت بيني وبين نفسي – ياللدهشة ويا للروعة , فالاب بوشكين ( عاش 38 سنة , اذ ولد عام 1799 وتوفي عام 1837 ) والابن تولستوي ( عاش 82 سنة , اذ ولد عام 1828 وتوفي عام 1910 ) يتصدران الادب الروسي لحد الآن بين القراء الروس, ونحن في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين !!!
موضوعة بوشكين وتولستوي قديمة في تاريخ النقد الادبي الروسي ومسيرته , وقد ابتدأت واقعيا منذ الثلث الاخير من القرن التاسع عشر , ولا زالت مطروحة ( ان صحّ  هذا التعبير ) لحد الان , ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان بعض الباحثين الروس قد وجدوا حتى صلة قرابة بين بوشكين وتولستوي وهم يتابعون (أغصان شجرة!) العائلتين وارتباطاتها وتشعباتها, ولكن أحد أصدقائي علّق على هذا الخبر قائلا , انه لا يمتلك اي اهمية في مجال دراسة الادب , وقال وهو يضحك – ( انه كلام نسوان ) , فأجبته وأنا أبتسم , ان نابليون قال – ابحثوا عن المرأة , وان الروس لحد الان يستخدمون هذه الجملة كواحد من الامثال السائدة في المجتمع الروسي ويلفظوها بالفرنسية كما ذكرها نابليون – ( شيرشي لا فام !) , بل ان أحد المعلقين الروس قال , انهما مثل شجرتين تتشابك جذورهما في الاعماق, ولكن ثمارهما مختلفين . و هناك باحث آخر كتب مقالة يعرض فيها رأيه حولهما , وطرح موضوعا جديدا  , وهو كما يأتي -  لو ان بوشكين كتب رواية ( الحرب والسلم ) مثلا , فماذا كان سيكتب عن هجوم نابليون على روسيا العام 1812 ... الخ ..ولكن كل هذه الامثلة الطريفة لا تعني , ان النقد الادبي الروسي لم يطرح بشكل علمي ودقيق موضوعة بوشكين وتولستوي كواحدة من أبرز قضايا الادب المقارن في اطار الادب القومي الواحد , وهي القضية الاصعب مقارنة بقضايا الادب المقارن بين الآداب القومية المختلفة , ونضرب مثلا على ذلك ما تم كتابته في النقد الادبي الروسي حول حكايات بوشكين وتولستوي .  ان دراسة هذه الحكايات الشعبية عند الكاتبين ومقارنتهما مع بعض تشكّل فصلا مهما جدا في مجال الدراسات الفلكلورية الروسية والعالمية ايضا, ويمكن كذلك القول - و بكل تأكيد-   ان مقارنة تلك الحكايات عند بوشكين وتولستوي مع مضامين الحكايات العربية , وخصوصا مع الف ليلة وليلة يعدّ موضوعا حيويا كبيرا بالنسبة للدراسات المقارنة بين الادبين الروسي والعربي , وهو موضوع طريف جدا لا زال ينتظر الباحث العربي الشجاع في مجال الادب الروسي - العربي المقارن .
ويشير بعض الباحثين الروس , الى ان تولستوي هو الاقرب بين كبار الادباء الروس في القرن التاسع عشر الى بوشكين , مقارنة بليرمنتوف وغوغول وتورغينيف ودستويفسكي مثلا , ويرون , ان نتاجات تولستوي تتوافق وتنسجم في نهاية المطاف مع تلك الافكار التي طرحها وتحدث عنها بوشكين في نتاجاته , ويجدون – رغم التناقض والتنافر الخارجي – هارمونية داخلية بين يفغيني اونيغين مثلا عند بوشكين وابطال الحرب والسلم او آنّا كارينينا عند تولستوي , او بين الصور الفنية للقوقاز عند بوشكين وتولستوي , فكلاهما انطلقا من النظرة الروسية البحتة للقوقاز , مؤكدين على القيم الانسانية والمشاعر النبيلة ... 
ختاما لهذه الملاحظات الاولية حول بوشكين وتولستوي نشير الى مقارنة طريفة جاءت عند أحد الباحثين الروس حولهما , ونحن نتفق معها , و ملخص تلك المقارنة يعتمد على الصورة الفنية للشمس , اذ يرى الباحث , ان بوشكين يجسّد شروق شمس الادب الروسي وكل الاحاسيس الساطعة والمتفائلة المرتبطة بهذا الشروق وطبيعته, اما تولستوي فانه يجسّد غروب شمس ذلك الادب , الغروب بكل الوانه الساحرة والمتنوعة والمدهشة الجمال . شروق الشمس رائع , لانه بداية سطوع الضياء , وغروب الشمس رائع ايضا , لانه جميل ومدهش , ولكنه – مع ذلك - بداية انحسار الضياء  .

413
  مع الكساندر الفرنسي الروسي في موسكو
ا.د. ضياء نافع
هاجر اجداده الروس من روسيا بعد ثورة اكتوبر1917 واستقروا في فرنسا , وهو من جيلهم الثالث , الذي ولد في فرنسا أواسط الخمسينات, واصبحت الفرنسية لغته الام طبعا , الا ان اللغة الروسية وثقافتها بقيت تعيش في اعماق روحه وقلبه وعقله, فهو روسي الاب والام و من (أب عن جد) , و (من سابع ظهر) كما نقول بلهجتنا العراقية , و الروسية هي اللغة الاولى التي نطق بها عندما بدأ بالنطق, ولهذا , فقد عاد اليها بقوة لدرجة انه ترك مهنتة , وهو مهندس مرموق , واصبح (رجل دين) متدرج , يعمل – وبشغف كبير - في احدى الكنائس الارثذوكسية الروسية في باريس, وقد التقيته بمحض الصدفة في موسكو اثناء زيارة له ( نتيجة معرفتي القديمة باللاجئين الروس في فرنسا – انظر مقالتنا بعنوان – مع اللاجئين الروس في باريس )  .
لازلت اتذكر نظرة التعجّب والاندهاش لديه عندما تعارفنا , وقد قال لي بعدئذ موضحا ذلك الموقف, انها المرة الاولى التي يرى فيها عراقي عربي يتكلم معه باللغة الروسية وبهذا الشكل الطلق, فقلت له ضاحكا – وانا معجب ايضا بلغتك الروسية ذات اللكنة الفرنسية الجميلة جدا.
ابتدأ الحديث معي – وبحذر شديد – عن الاسلام السياسي , وقال ان هذه الظاهرة لم تكن موجودة في الواقع الاوربي في شبابه حتى ولا نظريا , وانه لا يفهم ولا يستوعب كيف برزت وبقوة هكذا في  الوقت الحاضر؟ فحكيت له قصة مجموعة طلابية عراقية كانت تدرس في احدى الجامعات الروسية في ستينيات القرن الماضي, وبعد ان انهوا الدراسة (و كانوا لمدة خمس سنوات سوية و باكملها في الكلية والقسم الداخلي) جلسوا معا يتناولون ( العشاء الاخير) قبل الرجوع الى العراق , وعندما قال أحدهم ( وكان اسمه يوسف , وهو اسم شائع عند المسلمين والمسيحيين ) , انه سيضطر من جديد الى مرافقة والدته المسنّة الى الذهاب للكنيسة والاياب منها  كل يوم أحد – كما كان يفعل سابقا - لانها لا تستطيع السير وحدها , صاح الجميع اندهاشا – هل انت مسيحي ؟     تعجب الكساندر من هذه القصة , وسألني , هل هذه القصة صحيحة فعلا ؟ قلت له نعم , وانا أعرف هؤلاء الطلبة شخصيا , فسألني مرة اخرى , هل هذا يعني ان المسيحيين والمسلمين في العراق كانوا يعيشون معا وبانسجام كامل ولا تفرقهم الاختلافات الكبيرة بين المفاهيم الدينية  كميلاد السيد المسيح من ماريا العذراء  مثلا ؟ فقلت له , اننا كنّا ننطلق آنذاك – وباخلاص حقيقي - من شعار المتنورين العرب الشهير – الدين لله والوطن للجميع , أمّا ماريا  التي ذكرتها في مثلك, فنحن نسميها مريم العذراء , وان القرآن يتحدث عن ذلك ايضا بالتفصيل, ولم يصدق الكساندر ذلك , فسألته انا متعجبا – ألم تقرأ القرآن ؟ فقال لا انا اقرأ فقط الكتاب المقدس , وسألني رأسا –  وهل يقرأ رجال الدين  لديكم الكتاب المقدس ؟ فقلت له انني بعيد عن الاجواء الدينية , ولا استطيع ان اجيب عن سؤالك بشكل حاسم , ولكن رجل الدين المتبحر ( بغض النظر عن دينه ) يجب ان يعرف كل الكتب السماوية للاديان كافة , او في الاقل مضامينها الاساسية , فقال لي مبتسما – انك تهربت بمهارة  دبلوماسية من الاجابة عن سؤالي , وأضاف – ساحاول أنا ان أقرأ القرآن مستقبلا , فان معرفتي فعلا محدودة جدا حول الاسلام , ونحن في باريس نتجنب الاختلاط بالمسلمين , بل حتى – واقولها لك بصراحة - نخاف منهم بعض الشئ ,  فقلت له, لم تكن هذه الظاهرة موجودة في اوروبا , ولا عندنا , ولكن السياسة ورجالاتها ارادوا ذلك وخططوا له , واستطاعوا فعلا تحقيقه مع الاسف  (لغاية في نفس يعقوب !!!) , وحكيت له , ان المترجمين العرب عن الروسية الان وقعوا تحت هذا الضغط ايضا ,وهكذا , فهم يخافون ان يترجموا قصيدة بوشكين الشهيرة بعنوان ( محاكاة القرآن) كما كتبها الشاعرالروسي الكبير نفسه, وحوّلوا عنوانها الى ( قبس من القرآن) او ( من وحي القرآن), وحكيت له ايضا , كيف التقيت مرة بأديب سوداني لا يعرف اللغة الروسية ومعرفته بالادب الروسي ساذجة وسطحية ليس الا , ولكنه أصرّ – وبقوة وحماس شديدين – ان تولستوي اعتنق الاسلام قبل موته , وانه أوصى ان يدفنوه على الطريقة الاسلامية البحتة , وان ذلك ما تم فعلا , وان ( القوى المعادية للاسلام في العالم !) تحاول طمس هذه الحقيقة الساطعة في تاريخ الادب الروسي , فسألني الكساندر مبتسما – وكيف انتهى هذه النقاش الغريب مع الاديب السوداني ؟ فقلت له , اني لم استطع ان اقنعه باي شئ حول وفاة تولستوي والحقائق المعروفة عن ذلك , عندما هرب من بيته وتوفي بعدئذ في احدى محطات القطار, وهكذا افترقنا – انا والاديب السوداني - وهو مقتنع تماما بصحة رأيه ومعلوماته عن تولستوي , ولا يريد تبديلها ابدا , رغم كل الوقائع والادلة والوثائق ...
آه لو نستطيع تحقيق حوار موضوعي وهادئ بين الاديان دون ارادة السياسيين و خططهم و ( ألآعيبهم!!!) ...  ألا يمكن ذلك؟

414
غوميليوف ابن أخماتوفا وغوميليوف
أ.د. ضياء نافع
غوميليوف - هو الابن الوحيد للشاعرة الروسية آنّا أخماتوفا من زوجها الاول الشاعر والناقد الادبي والمترجم ( اول من ترجم ملحمة جلجامش الى الروسية ) والمنظّر الروسي ( مؤسس مدرسة  الاكمايزم في الشعر الروسي) نيقولاي غوميليوف , الذي اعدمته السلطة السوفيتية العام 1921 , واعيد اليه الاعتبار رسميّا في عام 1992 فقط , بعد انهيار الاتحاد السوفيتي  ( انظر مقالتنا بعنوان - الشاعر الروسي المخضرم غوميليوف).
ولد ليف نيقولايفتش غوميليوف في موسكو, عاصمة  الامبراطورية الروسية العام 1912 , وعاش طوال حياته في ظل النظام السوفيتي , وتوفي العام 1992 في روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي , اي انه عاصر كل النظم السياسية التي مرّت بها روسيا في القرن العشرين ( الامبراطورية الروسية ثم الاتحاد السوفيتي ثم روسيا الاتحادية ) . وكانت حياته صعبة ورهيبة جدا , اذ تم اعدام والده عندما كان عمره سبع سنوات , وقد انعكس ذلك طبعا على مسيرته اللاحقة و مصيره باعتباره ( ابن عدو الشعب !) كما كانوا يسمونهم آنذاك , خصوصا وان والدته الشاعرة أخماتوفا ايضا ( لم تمجّد الثورة !) , وكانت – كما هو معروف – شبه ممنوعة من النشر في تلك الفترة , وقد تم اعتقاله عندما كان طالبا في كليّة التاريخ بجامعة لينينغراد ( بطرسبورغ حاليا ), الا ان أخماتوفا كتبت رسالة الى ستالين ترجوه فيها ان يطلق سراحه ( انظر مقالتنا بعنوان – رسالتان من آنّا أخماتوفا الى ستالين ) , فأطلقوا سراحه فعلا آنذاك , ومع هذا , فقد  دخل السجون السوفيتية مرتين بعد ذلك الاعتقال , الاولى العام 1938 ( لمدة خمس سنوات ), وبعد فترة السجن أرسلوه عام 1944 الى جبهات الحرب العالمية الثانية , وقد شارك بشكل فعّال في المعارك مع الهتلريين الالمان, وبعد اريع سنوات من انتهاء الحرب (1945) , سجنوه مرة اخرى ,  العام 1949 ( لمدة عشر سنوات ),  و لكنه خرج من السجن عام 1956 , اي بعد سبع سنوات فقط ,   اذ شمله اعفاء السجناء آنذاك , وهي العملية التي أعقبت وفاة ستالين كما هو معروف . ورغم هذه المسيرة الرهيبة والصعبة وغير الاعتيادية والمليئة بالسجون والمعتقلات , فقد عاد غوميليوف الى الدراسة والبحث العلمي باندفاع شديد , وهكذا دخل التاريخ من أوسع أبوابه  كما يقال, واصبح عالما وكاتبا وباحثا وشاعرا ومترجما ومستشرقا وجغرافيّا ومؤرخا وفيلسوفا , ويوجد له تمثال الان في قازان عاصمة جمهورية تتارستان ( وهي جزء من روسيا الاتحادية ) , بل توجد جامعة حكومية رسمية في جمهورية كازخستان تحمل اسمه , وهي جامعة غوميليوف الاورو- آسيوية  في استانا عاصمة كازخستان , اذ يرتبط اسمه – قبل كل شئ – الان مع مصطلح  ( اورو – آسيا) بالنسبة الى روسيا , اذ انه كان يؤكد في العديد من مؤلفاته على هذه النظرية , التي تشير الى   ان روسيا هي مزيج  مندمج و متآخي ومتوحد من الروس والاتراك والمنغول, وان الروس هم تتار اعتنقوا المسيحية , وان الصفة الاساسية لروسيا كبلد هي ( السمة الاورو- آسيوية) , وان على الروس ان يعوا ويستوعبوا هذه الحقيقة , وانه ( تتوحد عضويا في كينونتهم عناصر الشرق والغرب معا) , اي انهم ( اوربيون وآسيويون في آن واحد ) , ولازالت هذه الآراء مطروحة – وبحيوية – امام المجتمع الروسي بشكل خاص , وامام الباحثين حول علم  الاجناس ( الاثنولوجيا ) في العالم بشكل عام , بل ان هناك بعض الباحثين , الذين يربطون ذلك حتى بمسألة الصراع الهائل , الذي كان سائدا في القرن التاسع عشر في اوساط الادب الروسي بين انصار النزعة السلافية وانصار النزعة الغربية , هذا الصراع الذي استغرق اكثر من نصف قرن من النقاشات والتصادمات والمواقف المتضادة  في تاريخ الفكر والادب الروسي ابتداءا من بيلينسكي وتشرنيشيفسكي وعبر تورغينيف ودستويفسكي واستروفسكي وبقية الاسماء الادبية اللامعة  , و على الرغم من  ان  غوميليوف لم يكتب بشكل مباشر حول هذه المسألة بالذات, الا ان الباحثين يرون ذلك انطلاقا من تلك الافكار النظرية , التي ثبّتها غوميليوف في مؤلفاته المتنوعة والعديدة .
 لقد نشر غوميليوف العشرات من الكتب والبحوث العلمية المهمة في مجالات مختلفة من العلوم الانسانية والبحتة , ولهذا فانه دخل التاريخ الروسي من مختلف ابوابه , بل وحتى ظهرت في روسيا بعد وفاته عدة جمعيات علمية تعنى بجمع تراثه ونشرها على نطاق واسع , وخصوصا في مجالات علم الآثار( الاركيولوجيا)  وعلم الاجناس ( الاثنولوجيا) وعلم طبقات الارض ( الجيولوجيا ) , ويدرس الباحثون الان تراثه ويجمعونه , بما فيها قصائده التي كتبها في مرحلة شبابه وهو يحاول ان يحاكي قصائد والده غوميليوف أكثر من قصائد والدته آخماتوفا , وكذلك ترجماته عن اللغة الفارسية الى الروسية , وهي اللغة التي تعلّمها وأتقنها عندما عاش في جمهورية طاجكستان السوفيتية آنذاك , ولا يمكن حصر تلك المجالات المتنوعة لنشاطه العلمي في عدة سطور , الا اننا نود الاشارة في الختام الى بحث علمي متميّز له بعنوان – (هل يمكن للنتاج الادبي ان يكون مصدرا تاريخيا ؟) , نشره عام 1972 في المجلة الاكاديمية المعروفة ( الادب الروسي ) , والذي طرح فيه رأيه بخصوص الملحمة الشعرية الروسية في القرن الثاني عشر ( كلمة حول فوج ايغور ) , والتي تعد واحدة من أوائل النتاجات في تاريخ الادب الروسي , والتي استند عليها الكثير من الباحثين الروس في كتاباتهم التاريخية , و نحن نشير الى هذا البحث المهم ختاما لمقالتنا , اذ اننا نرى فيه امكانية الحديث عن تلك النظرة الموجودة في تراثنا العربي ايضا , اذ غالبا ما نرى انعكاسا لهذا الرأي في بحوث المؤرخين العرب , عندما يستشهدون بمقاطع من النتاجات الادبية التراثية باعتبارها وقائع تاريخية شبه ثابتة في تاريخنا , وهي مسألة تستحق التوقف عندها وتأملها بامعان وحسب مفاهيم علمية دقيقة بلا شك .
غوميليوف – اسم كبير شبه مجهول للقارئ العربي , وهو يستحق ان ندرس تراثه وموقعه في تاريخ الفكر الروسي , وان نقدّم مختارات من نتاجاته للقراء العرب .         

415
أدب / الانسان الصغير
« في: 10:23 11/11/2018  »
الانسان الصغير
=========

قصيدة للشاعرة الارجنتينية الفونسينا ستورني
==========================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
====================

أيها الانسان الصغير,
أيها الانسان الصغير,
اطلق الطيرالذي يغنّي,
والذي يريد ان يطير.
أنا طير,
أيها الانسان الصغير,
 و اتنفس فقط
في الفضاء الحر الكبير.
ولكني في قفص,
أيها الانسان الصغير,
في قفص,
أيها الانسان الصغير,
ولهذا
 اسميك صغيرا,
لانك لا تفهمني,
.......
وكي تفهمني,
افتح  قفصي,
كي أطير,
اذ ان الطير
يجب ان يطير.
أنا احبك
- بربع روحي -
ليس أكثر,
مهما حاولت
ايها الانسان الصغير..
=======================================================================
الفونسينا ستوري ( 1892 – 1938) – شاعرة وكاتبة مسرحية ارجنتينية معروفة / سبق ان ترجمنا قصيدة لها بعنوان – أريد أنا / انتحرت ستوري ( رمت بنفسها في البحر) , ويوجد تمثال لها الان في نفس ذلك المكان .


416
 
عن سرفانتس وعن بوشكين وعن الجواهري ايضا
أ.د. ضياء نافع
كان عنوان هذه المقالة في البداية كما يأتي – ( تمثال سرفانتس في موسكو مقابل تمثال بوشكين في مدريد ) , وكان الحديث فيها يدور حول (صفقة ثقافية!) حدثت فعلا بين الاتحاد السوفيتي واسبانيا العام 1980 في مدريد , لكن ربط الحديث في ختام المقالة  مع التمثال النصفي للجواهري في روسيا ومع التمثال النصفي لبوشكين في بغداد قد اضطرني الى تبديل العنوان وجعله كما هو الان . ولنبدأ اولا بالحديث عن هذه ( الصفقة الثقافية) . بطلا هذه الصفقة هما السفير السوفيتي في اسبانيا يوري دوبينين ومحافظ مدينة مدريد , اللذان كانا يعرفان بعضهما البعض , ويلتقيان مع بعض بين فترة واخرى . ويذكر السفير السوفيتي في مقابلة صحفية بموسكو , انهما كانا يتحدثان طويلا في تلك اللقاءات حول العلاقات الروسية - الاسبانية , وقررا عقد هذه الصفقة معا , من اجل القيام بعمل محدد ومتميّز( يبقى من بعدهما ) لتعزيز هذه العلاقات بين الجانبين السوفيتي والاسباني خارج نطاق السياسة والسياسيين وألآعيبهم ومخاتلاتهم وخلافاتهم الدائمية واستخدام كل شئ من اجل مصالحهم الذاتية  ( وخير مثال على ذلك ما نراه اليوم في العراق ونحن في نهاية العام 2018 ),  عمل فنيّ كبيروخالد , ويعكس في نفس الوقت علاقات التعاطف والتناسق والانسجام والمحبة والألفة بين الشعبين الروسي والاسباني طوال مسيرة تلك العلاقات التاريخية.
وهكذا اتفق السفير السوفيتي في اسبانيا مع محافظ مدينة مدريد على اقامة تمثال لبوشكين في مدريد وتمثال لسرفانتس في موسكو , واستطاعا فعلا تنفيذ هذه الفكرة الجميلة والمبتكرة بكل معنى الكلمة, وتم تدشين  التمثاليين العام 1981 , اذ أهدت محافظة موسكو تمثالا من البرونز لبوشكين  الى محافظة مدريد , وأهدت محافظة مدريد الى محافظة موسكو بدورها نسخة طبق الاصل من تمثال سرفانتس الموجود في العاصمة الاسبانية منذ القرن التاسع عشر , وتم افتتاح التمثاليين فعلا في العاصمتين الروسية والاسبانية في احتفاليتين مهيبتين وجميلتين . لقد تم نصب تمثال بوشكين في متنزه فوينتي ديل بيرو بمدريد , وهو متنزه يضم تماثيل اسبانية واجنبية . ويقول السفير دوبينين في تلك المقابلة الصحفية , انهم اختاروا بوشكين لأنه رمز روسيا طبعا , و كذلك لأنه ايضا ( زميل لنا , نحن العاملين في وزارة الخارجية , اذ ان بوشكين كان يعمل في وزارة الخارجية ايضا , بل وان هناك اقاويل تشير , الى انه حتى كان مرشحا للعمل في السفارة الروسية بمدريد ). وتم نصب تمثال سرفانتيس في متنزه الصداقة بموسكو . لقد تخلل الاحتفاليتين في موسكو ومدريد فعاليّات ادبية وفنية متنوعة طبعا وكلمات ألقاها مسؤولون (روس واسبان) كبار يرتبطون بتنظيم وترتيب هذا الحدث الثقافي المتميز , وكل ذلك ذكّرني بما قمنا نحن به في مركز البحوث العراقية الروسية في جامعة فارونيش الحكومية عندما تم تدشين التمثال النصفي للجواهري العام 2009 بمدينة فارونيش الروسية , اذ تم افتتاح التمثال سوية من قبل السفير العراقي في موسكو ورئيس جامعة فارونيش وسط تصفيق الحاضرين من عراقيين وعرب وروس وأجانب , كان من بينهم اساتذة الجامعة المذكورة وعمداء كلياتها واداراتها وموظفيها , وكان يحيط هؤلاء المشاركين في تلك الاحتفالية لوحات تشكيلية عراقية جميلة ضمها المعرض الخاص الذي اقيم بهذه المناسبة, وكانت هناك منصة خشبية في وسط القاعة الفسيحة تلك , حيث كان يقف هؤلاء الذين ألقوا كلمات تناولت تلك المناسبة الفريدة في تاريخ تلك الجامعة , والفريدة طبعا في مسيرة العلاقات الثقافية بين العراق وروسيا , والفريدة ايضا في تاريخ الادب العراقي , اذ انها المرة الاولى التي تم بها نصب تمثال للجواهري خارج العراق باعتباره رمز العراق , وقد أعلنت في كلمتي التي ألقيتها باعتباري مدير مركز الدراسات العراقية الروسية في تلك الجامعة ( وهو صاحب الاقتراح والمبادرة والتنفيذ) , أعلنت ان هذه الخطوة يجب ان تليها خطوة مكملة لها , وهي اقامة تمثال لبوشكين في جامعة بغداد , وان هذا التمثال يجب ان يكون في كليّة اللغات بالذات , حيث يوجد القسم الذي يدرّس لغة بوشكين , اي قسم اللغة الروسية , وقد تم فعلا , بعد سنتين من الجهود , افتتاح تمثال بوشكين في حدائق كلية اللغات كما خططنا آنذاك ( انظر مقالتنا بعنوان – قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد ) .
 تمثال سرفانتيس بموسكو وتمثال بوشكين في مدريد – هي خطوة تمت ضمن علاقات بين سفير دولة بوزن الاتحاد السوفيتي وبين محافظ العاصمة الاسبانية , وساهم في تحقيقها وتنفيذها الجهاز الاداري الضخم لكلا الجانبين , اما تمثال الجواهري في روسيا وتمثال بوشكين في العراق ( وهو حدث ثقافي كبير يوازيه في الاهمية ) فقد تم بجهود فردية من قبل مركز الدراسات العراقية – الروسية في جامعة فارونيش والجمعية العراقية لخريجي الجامعات السوفيتية والروسية ليس الا , وقد قال لي صاحبي –  لهذا , يجب ان تشعر بالفخر , فقلت له – نعم , أنا أشعر بالفخر وألاسى معا .         

417
كلمات عربية في اللغة الروسية
أ.د. ضياء نافع
وصلت مجموعة كبيرة من الطلبة العراقيين الى موسكو العام 1959 , وكنت أنا من ضمنهم , وكنّا جميعا في مقتبل العمر طبعا , وعندما سمعنا من الروس كلمة ( ستكان ) ومعناها – القدح , قلنا رأسا , انهم أخذوا من لهجتنا العراقية هذه المفردة , وكذلك كان الحال مع كلمة ( سمافر) , اي سماور , بل قلنا نفس الشئ حتى مع كلمة ( جاي – الجيم بثلاث نقاط) كما يلفظ الروس كلمة شاي , وكل ذلك حدث طبعا لأننا كنّا  ( في مقتبل العمر! ) , كما أشرت أعلاه . الان وأنا (في خريف العمر) احاول ان أكتب بضع كلمات عن هذا الموضوع الأثير , والذي رافقني  سنوات طوال من عمري , والذي يرتبط مع عدة أسماء عراقية محددة في مسيرة حياتي .
اول اسم عراقي يرتبط بهذا الموضوع في مسيرتي هو المرحوم فائق ابو الحب ( انظر مقالتنا بعنوان – قبور عراقية في موسكو ) . وصل ابو الحب الى موسكو في اوائل الستينات , والتحق بقسم الدراسات العليا في كلية الفيلولوجيا بجامعة موسكو, بعد أن أنهى الكلية التحضيرية لدراسة اللغة الروسية .  كان ابو الحب يحمل شهادة البكالوريوس من جامعة بغداد , وهو  خريج قسم اللغة العربية  فيها , وكان يعرف العربية و جمالياتها واسرارها بشكل عميق ورائع , وقرر ان يكتب اطروحته للدكتوراه حول الكلمات العربية في اللغة الروسية , وكان مؤهّلا لذلك علميا وثقافيا وبكل معنى الكلمة فعلا , وهكذا بدأ ابو الحب بدراسته , وأخذ يتعمق بالغور في اسرار اللغة الروسية , اذ ان الشخص الذي يعرف لغته القومية بعمق يتوجه بدراسة اللغة الاجنبية بعمق ايضا , وانسجم ابو الحب – نتيجة لذلك الغور العميق في اللغة – مع المجتمع الروسي , وانفتحت امامه سبل العمل في مجال الترجمة من الروسية الى العربية , خصوصا في ستينات القرن العشرين بموسكو , حيث بدأت الدولة السوفيتية بالتوجه الى العالم العربي اعلاميا , وهكذا انغمر ابو الحب بالعمل في موسكو وترك الدراسة , ولم ينجز – مع الاسف الشديد -  اطروحته تلك عن الكلمات العربية في اللغة الروسية , والتي توقع الكثيرون انها ( لو تم انجازها طبعا) ستكون واحدة من البحوث العلمية البارزة والمهمة في هذا المجال شبه المجهول تقريبا في عالمنا العربي الواسع.
الاسم العراقي الثاني , الذي أودّ ان اتوقف عنده هنا هو الدكتور حسين عباس , الموظف حاليا في وزارة الخارجية العراقية وبدرجة وزير مفوض . كان د. حسين  أحد طلبتنا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , وكان الخريج الاول بدورته آنذاك , وتم تعينه في القسم , ثم أصبح أول طالب يحصل على شهادة الماجستير في قسمنا , وكتب اطروحته باشراف المرحوم أ.د. محمد يونس , وتم ترشيحه من قبلنا الى معهد بوشكين للغة الروسية للحصول على شهادة الدكتوراه , وفي هذا المعهد العالمي المرموق أنجز اطروحته عن الكلمات العربية في اللغة الروسية , وهكذا أضاف د. حسين الى سيرته الذاتية , انه أول عراقي ينجز هذا العمل العلمي المتميز في مجال الدراسات اللغوية العربية – الروسية في روسيا. لقد التقيته قبل أشهر في موسكو , وتحدثت معه طويلا حول ضرورة نشر اطروحته او – في الاقل -  خلاصة وافية لها باللغة العربية , وقلت له , ان دار نوّار للنشر مستعدة لنشرها , اذ ان هذه الاطروحة يمكن ان تضيف صفحة جديدة في عالمنا العربي , خصوصا وانها تمّت باشراف عالم روسي كبير في اللسانيات واسم بارز في مجال نشر القواميس الروسية وهو البروفيسور ماركوفكين  , وقد وعد د. حسين بتنفيذ هذه الافكار , رغم المشاغل والالتزامات المتشابكة في عمله وحياته . وعندما كنّا نتحدّث عن هذا الموضوع , كان د. حسين يؤكد دائما , ان المصطلح العلمي لهذا الموضوع  يجب ان يكون - ( الكلمات الروسية ذات الجذور العربية)  وليس (الكلمات العربية في اللغة الروسية ) , اذ ان هذه المفردات الان اصبحت جزءا لا يتجزأ من اللغة الروسية المعاصرة , وقلت له ضاحكا – رحم الله استاذ جيلنا مصطفى جواد , صاحب (نظرية!) قل ولا تقل العتيدة.
الاسم العراقي الثالث في هذا المجال هو د. محمود غازي , الاستاذ المساعد حاليا في قسم اللغة الروسية بكلية اللغات في جامعة بغداد , والذي كان ايضا أحد طلبتنا في القسم المذكور. لقد أنجز د. محمود اطروحته حول نفس الموضوع في جامعة فارونيش الروسية , وكنت أنا آنذاك مديرا لمركز الدراسات العراقية – الروسية في تلك الجامعة , وكتبت تقريرا علميا بشأنها - بناء على طلب محمود نفسه – وقد اطلع على هذا التقرير اعضاء اللجنة العلمية اثناء مناقشة الاطروحة في الجامعة المذكورة , وأخذوه بنظر الاعتبار . لقد كانت هذه الاطروحة ممتازة , وتناولت الموضوع بشكل علمي شامل , وجاء في نهايتها قاموس للكلمات الروسية وامامها الكلمة العربية التي جاءت منها , وقد أهداني محمود نسخة من اطروحته تلك , وكم أتمنى ان يشذبها ويعدّها للنشر باللغة العربية , اذ انها ستكون عندها مصدرا مهما في هذا المجال العلمي الجديد علينا نحن العرب , علما ان اطروحة محمود تختلف عن اطروحة حسين , اذ انهما تناولا الموضوع بشكل متباين .
الاسم الأخير , الذي أود أن اتوقف عنده هنا هو هيلان الراشدي, والذي يقوم في الوقت الحاضر بكتابة اطروحة حول نفس الموضوع في جامعة فارونيش . وهيلان  كان ايضا طالبا عندنا , عندما كنّا فرعا في قسم اللغات الاوربية بكلية الاداب في جامعة بغداد في سبعينيات القرن الماضي , و قبل انتقالنا الى كلية اللغات الحالية , اي ان هيلان ( أكبر الاعضاء سنّا !) مقارنة بحسين عباس ومحمود غازي , وقال هيلان لي عندما أخبرته باطروحتي حسين ومحمود حول هذا الموضوع , انه اطلع عليهما , وان عمله يأخذ منحى آخر . دعونا نتمنى له النجاح في مسعاه هذا , وننتظر اخباره , ونتائج أبحاثه ...       


 


418
سيدة تشيخوف وكلبها الصغير يدخلان التاريخ
أ.د. ضياء نافع

أصدر تشيخوف  قصتة الطويلة – ( السيدة  صاحبة الكلب الصغير)   العام 1898 , وقد مضى الان  120 سنة على اصدارها , ولكن هذه القصة لا زالت تتفاعل مع مسيرة الحياة اليومية وأحداثها , فقد  تحولت الى فلم سينمائي عام 1960 في الاتحاد السوفيتي ,ثم عام 1971 في الارجنتين , ثم عام 1972 في يوغسلافيا , ثم  عام 1975 في بلجيكا , ثم  عام 1987 في الاتحاد السوفيتي من جديد , ثم تحولت الى باليه جميلة جدا في روسيا وضع موسيقاها الموسيقار السوفيتي المعروف شيدرين , ثم تحولت الى نصب من البرونز في مركز مدينة يالطا عند ساحل البحر في القرم عام 2004  بمناسبة مرور 100 سنة على وفاة تشيخوف  ( ونادرا ما يعرف العالم نصبا وتماثيل تتمحور حول نتاجات أدبية بحتة ) , والنصب هذا عمل فني مدهش الجمال يجسّد تشيخوف نفسه برشاقته وهو يقف عند حافة جسر وامامه تقف السيدة الجميلة وكلبها الصغير , ثم تم تدشين تمثال جديد لهذه القصة عام 2013 في مسرح بمدينة يوجنو- سخالينسك ( وهي مدينة ترتبط بسخالين , التي زارها تشيخوف وكتب عنها كتابه المعروف ( جزيرة سخالين) عن وضع المنفيين هناك وتضمّن احصائيات دقيقة عنهم لا زالت لحد الان تمتلك قيمتها العلمية واهميتها الاجتماعية والتاريخية ) . وتم ترجمة هذه القصة الى الكثير من اللغات الاجنبية , بما فيها لغتنا العربية ( تم ترجمة نتاجات تشيخوف بشكل عام الى 92 لغة , وقد ابتدأت هذه العملية الابداعية اثناء حياته ولا زالت مستمرة لحد الان ), وقد جاءت هذه الترجمة العربية طبعا بمختلف الاشكال وحسب اجتهادات المترجمين العرب , وحتى عنوانها خضع لهذه الاجتهادات , وهكذا نجد العنوان في هذه الترجمات كما يأتي  – ( السيدة والكلب ) , و ( سيدة مع كلب ) , و( سيدة مع الكلب )  , و(السيدة والكلب الصغير) , و ( السيدة ذات الكلب الصغير) , و ( السيدة صاحبة الكلب الصغير ) , وقد ترجمها أحد العراقيين مرة باللهجة العراقية كما يأتي ( المريّة ام الجليب الزغيروني) ...الخ).
أعتبر نابوكوف هذه القصة الطويلة (واحدة من أعظم القصص في الادب العالمي) , وأشار الى انها مبنيّة على مبدأ ( الامواج) كما أسماه نابوكوف , ولا تعكس اي مشكلة  , ولا توجد فيها قمة في تطور الاحداث , ولا توجد (نقطة في نهايتها!) .  وقال عنها أحد الباحثين, انها ( آنّا كارينينا  ) تشيخوف , وأشار الى انها حتى أعمق من آنّا كارينينا تولستوي, اذ انها بقيت في منتصف طريقها الذي سلكته باختيارها وارادتها , ولم تنتحر مثلما فعلت كارينينا , وبذلك أثبتت , ان الحب المستحيل أخذ يتعايش مع مسيرة الحياة رغم  سيل دموعها الكبير وتعاستها الهائلة .
لقد أراد تشيخوف  ان يقول لنا , ان (الحب المستحيل) هو أقوى من (الحب الاعتيادي) رغم كل آلامه وتعاسته , وهي موضوعة انسانية خالدة في مسيرة حياة البشر تتكرر بلا انتهاء وبلا حل ايضا , ولهذا انعكست هذه القصة البسيطة في مختلف أشكال الفنون من سينما ونحت وموسيقى وباليه...   

419
أدب / مدينتي الحبيبة
« في: 19:33 01/11/2018  »
مدينتي الحبيبة
=========

قصيدة للشاعر النمساوي  البيرت يانيتشيك (1925-1997)
====================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

كم هي
 صغيرة -
عندما تراها
من جديد..
بساحاتها
وبيوتها..
+++
وكم هي
 كبيرة -
في الذكريات
الغافيات
في شغاف
القلب..

420
مع د.عادل الجبوري في موسكو
أ.د. ضياء نافع
كنّا معا في قسم اللغة الروسية بمعهد اللغات في جامعة بغداد , وسافرنا بطائرة واحدة من بغداد للدراسة في موسكو , وكنّا في شعبة واحدة لدراسة اللغة الروسية في الكلية التحضيرية قبل الالتحاق بكلية الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) في جامعة موسكو , وتخرجنا في نفس العام الدراسي طبعا , متخصصين في الادب الروسي , وفرقتّنا الحياة بعدئذ بدروبها الوعرة , فقد عاد عادل الى العراق وأخذ يعمل مترجما في وكالات الانباء السوفيتية في بغداد , اما أنا , فقد سافرت الى فرنسا للدراسة العليا , وألتقينا في بغداد من جديد , وكان هو يستعد للعودة الى موسكو للدراسة العليا , أما أنا , فقد كنت اتهيأ للعمل في بغداد , وهكذا افترقنا مرة اخرى , وعاد هو الى جامعتنا العتيدة بموسكو , وحصل على الدكتوراه وقرر البقاء للعمل في موسكو , أما أنا , فقد بدأت بالعمل في جامعة بغداد , وكنّا نلتقي بين فترات متباعدة , عند زيارتي لموسكو اثناء العطل الصيفية , وهكذا استمرت الاحوال لحد الان , وحتى بعد عودتي الثانية الى روسيا . د. عادل عمل في وكالات الانباء الروسية اكثر من ربع قرن , والتقى باناس كثيرين من عراقيين و عرب وروس , وكم اتمنى ان يجلس يوما ليسجل ما رآه وما سمعه وما عاناه في مسيرة حياته الطويلة , اثناء عمله في مختلف وسائل الاعلام السوفيتية في موسكو , وما شاهده من وقائع عندما انهارت الدولة السوفيتية في بداية التسعينات , اذ انه واحد من العراقيين النوادر الذين عاصروا  كل تلك الاحداث . وقد حاولت أنا دائما ان أدفعه ليحكي انطباعاته ومشاهداته الغنية تلك , فقد كان مثلا مترجما لوزير الدفاع السوفيتي الجنرال غريشكو اثناء زيارته الى بغداد , وعمل مع بريماكوف عندما كان مراسلا في بغداد , ويعرف د. عادل كل دروب وخفايا وكالة نوفستي للانباء وتاريخها ومترجميها ودورها في وسائل الاعلام السوفيتية , وعمل مع كل العراقيين الذين مرّوا في السبعينات والثمانينات في موسكو مثل غائب طعمه فرمان وجلال الماشطة وأحمد النعمان وغيرهم , وعنده مع كل واحد من هؤلاء العراقيين ذكريات وذكريات , وكل ذلك يستحق ان يسجله للاجيال القادمة , ولكنه لم يفعل , بل انه كان الوحيد بيننا , الذي تخصص بادب بوشكين عندما أكملنا دراستنا في كلية الفيلولوجيا , وكان مشرفه لرسالة الماجستير البروفيسور بوندي , وهو واحد من أشهر المتخصصين السوفيت آنذاك بأدب بوشكين , ولازلت أذكر , كيف كان الناس الغرباء (من كبار السن) يحضرون الى الكلية ويدخلون معنا الى القاعة عندما كان البروفيسور بوندي يلقي محاضراته عن بوشكين , كي يستمعوا اليه والى افكاره الجميلة , والتي لازلت أتذّكر منها تلك الصورة الفنية حول بوشكين والتي رسمها لنا عندما كنّا طلبة في الصف الثاني – ( يجب عليكم ان تطالعوا كتبا كثيرة كي تتفهموا اهمية بوشكين وجماليته , كثيرة جدا , بحيث لو وضعتوها واحدة فوق اخرى , فانها ستكون أعلى من بناية جامعة موسكو الجديدة ) , وقد اندهشنا – نحن الشباب آنذاك – من جملته الطريفة والغريبة والجميلة تلك . لقد روى لي عادل بعض ذكرياته عن بوندي , وكيف كان يستقبله في بيته وماذا كان يقول له عن بوشكين ( وهي أحاديث يمكن ان تتحول الى وثائق مهمة في تاريخ الادب الروسي لكل القراء العرب والروس )  . وحدثني عادل مرة عن لقاء له مع الشاعر الداغستاني الكبير رسول حمزاتوف في احدى مطاعم موسكو الفخمة , وماذا قال له حمزاتوف عندما عرف انه عراقي و متخصص في ادب بوشكين . وكل تلك ( النواعم!) الجميلة تستحق التسجيل للقارئ العربي , ولكن عادل لم يقم بذلك , ليس كسلا بتاتا, فهو أنشط منّا جميعا , ولكنه لم يقتنع لحد الان انه ( مثل كل جيلنا) وصل الى العقد الثامن من عمره المديد , فهو لازال انيقا بشكل واضح جدا, ويولي اهمية لشكله وملابسه وهندامه ( مثلما كنّا في صبانا), و لا زال يمتلك روحا شبابية مرحة , ويسعى الى اقامة جلسات المساء (العذبة !) أكلا وشربا وطربا واحاديثا مليئة بالذكريات الجميلة والضيافة الحاتمية الباذخة ,  بل ولازال يمتلك حتى الآن روح الطفولة النقية الصافية المباشرة وردود فعلها العفوي السريع من وئام وانسجام وغضب وزعل ودلع وعتاب وصلح وكلام ينساب من القلب الى القلب وذكريات مضى عليها اكثر من نصف قرن     وبكل تفاصيلها المتشعبة الصغيرة , وأذكر مرة , انه روى لي كيف أقمنا (حفل عشاء!) في القسم الداخلي عندما كنّا طلبة في الكلية التحضيرية العام 1960 , وساهم كل واحد منّا بما يوجد عنده الا فلان ( وأسماه بالاسم واسم الاب !) , وعندما قلنا لهذا الشخص ذلك , أجاب , انه جلب الملح , وبقينا نضحك عدة أيام على جوابه هذا , ثم نسينا الامر برمّته طبعا , ولكن عادل تذّكر كل تلك التفاصيل وبحذافيرها بعد حوالي الستين سنة , بل انه قال لي معاتبا ومتعجبا – كيف تنسى تلك الحادثة في حياتنا ؟ , وما اكثر تلك الحوادث الصغيرة والجميلة , التي ترتبط بمسيرتنا.
د.عادل الجبوري - واحد من أقدم العراقيين المقيمين في موسكو , وهو لا زال وسيبقى عراقيا أصيلا (قلبا وقالبا) رغم انه يسكن في موسكو منذ حوالي ستين سنة . دعونا نتمنى له طول العمر , وننتظر منه كتابة مذكراته وذكرياته وخواطره , اذ ان ذلك كله يمتلك اهمية ثقافية و تاريخية يا أبا سمير الورد .

421
حول صحيفة   ( كولوكل) الروسية في لندن
أ.د. ضياء نافع
هاجرت المعارضة الروسية في اواسط القرن التاسع عشر الى لندن واصدرت هناك – لاول مرّة في التاريخ الروسي – صحيفة ثورية معارضة للنظام القيصري الروسي , وكان اسمها ( كولوكل – تكتب كولوكول وتلفظ حسب قواعد التلفظ الروسية كولوكل) , ومعنى هذه الكلمة بالروسية – ( الناقوس), واستمرت بالصدور في لندن – وباللغة الروسية طبعا - على مدى عدة سنوات , منذ العام 1857 الى العام1867, وكانت تصدر باشراف غيرتسن وأغاريوف تمويلا وتحريرا, ومقالتنا هذه – تعريف ليس الا  بهذه الصحيفة الفريدة في مسيرة الصحافة الروسية, رغم انها صدرت خارج روسيا , و بهذا الثنائي الابداعي ( غيرتسن وأغاريوف) , الذي لم يتكرر في تاريخ الفكر الروسي , والذي يذكرنا بتلازم اسمي (ماركس وانجلز) في تاريخ الفكر الماركسي, ودورهما معا في مسيرة تلك النظرية, رغم كل الاختلافات الجذرية العميقة والفوارق طبعا من حيث الاهمية و الافكار والعصر والمواقع ...الخ بين ( ماركس وانجلز) من جهة , وبين ( غيرتسن وأغاريوف) من جهة اخرى .
الخطوة الاولى التي بدأت في هذا المجال , هو ما قام به غيرتسن ( انظر مقالتنا بعنوان - غيرتسن الاديب والصحفي الروسي المهاجر) , اذ انه اشترى مطبعة روسيّة في لندن , و اطلق عليها تسمية رمزية واضحة المعنى , وهي – ( المطبعة الروسية الحرة ) , ومن هذه المطبعة بدأت تصدر مجلة ( النجم القطبي ) من قبل غيرتسن نفسه العام 1855, وهذه التسمية ترتبط بحركة الديسمبريين , التي حدثت العام 1825 في بطرسبورغ, وقمعتها الحكومة القيصرية رأسا وبشكل حازم وصارم وشديد, والمجلة تلك كانت تدعو الى ( تحرير الكلمة من الرقابة , وتحرير الفلاح من حق الرق و العبودية ..) , اذ ان اثنان من الديسمبريين كانا يصدران مجلة بهذا الاسم بين عامي 1823 و 1825 , وأضاف غيرتسن على غلافها صورة تخطيطية للخمسة من الديسمبريين الذين أعدمتهم السلطة القيصرية , وبعد صدور العدد الاول من هذه المجلة السنوية من قبل غيرتسن بمفرده , وصل أغاريوف الى لندن , والتحق بغيرتسن , وهكذا بدأ هذا الثنائي الابداعي بالعمل معا طوال حياتهما , وقد توفي غيرتسن عام 1870 , فحاول أغاريوف ان يستمر بمفرده بالعمل الصحفي هذا , ولكنه لم يستطع سوى اصدار ستة اعداد ليس الا من تلك الصحيفة. ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان تمثالي غيرتسن وأغاريوف يقفان في مدخل البناية القديمة لجامعة موسكو لحد الان ( والبناية هذه تقع في مركز موسكو , ويشغلها الان معهد شعوب آسيا وافريقيا )  , واحد بالجهة اليسرى والاخر بالجهة اليمنى , اي انهما ظلا متلازمين معا الى الابد.
أثار صدور العدد الاول من مجلة النجم القطبي ردود فعل هائلة في روسيا وخارجها ( ومن جملة الذين كتبوا تحية لها الكاتب الفرنسي الكبير فيكتور هيغو) , وهكذا انهالت الرسائل على هذه المجلة , والتي تحمل موادا متنوعة صالحة للنشر فيها , وتنسجم مع توجهها الفكري , وبعد عددها السنوي الثالث , اقترح أغاريوف اصدار جريدة تتابع الاحداث اليومية , والتي لا يمكن للمجلة السنوية ان تتابعها وتشارك في التأثير بمسيرة تلك الاحداث , وهكذا ولدت فكرة اصدار ملحق لمجلة ( النجم القطبي) , وأطلقوا على هذا الملحق اسم ( كولوكل), وهي تسمية رمزية دقيقة , اذ ان ( الناقوس) وهذا هو معنى الكلمة بالروسية كما أشرنا اعلاه , يعني , انهم يريدون ايقاظ الشعب . الصحيفة كانت شهرية في بدايتها , وتحولت العام 1858 الى الصدور مرة كل اسبوعين , او حتى , ثلاث مراّت بالشهر , وذلك حسب المراسلات واهمية الاحداث داخل روسيا , وكانت عدد صفحات هذا الملحق تتراوح بين (8) الى (10)  صفحة .
اصبحت هذه الصحيفة معروفة جدا داخل روسيا , وقد منعتها الحكومة القيصرية الروسية طبعا , بل انها استخدمت حتى نفوذها لمنعها في روما ونابولي وبعض المدن الاوربية , اما بالنسبة لروسيا , فقد اخترقت هذه الصحيفة الاجواء هناك , وأخذت ترسل نسخا حتى الى الوزراء والموظفين الكبار , لدرجة , ان القيصر نفسه أصدر أمرا تحذيريا لهم يقول فيه – ( في حالة استلامكم الجريدة , يجب عدم اعلام الآخرين بذلك , والاقتصار على القراءة الشخصية فقط ..) , ويرى بعض المحللين , ان هذا الامر القيصري دليل قسوة وتعسف , بينما يرى البعض الآخر انه دليل تسامح وتعامل مرن مع الوقائع , وتوجد في الوثائق الروسية اشارة , الى ان القيصر نفسه كان يطلع على هذه الصحيفة ايضا.
  بدأ نجم صحيفة ( كولوكل) بالافول منذ عام 1860 , اذ أصدر القيصر الروسي في هذا العام قانون تحرير الفلاحين من الرق ( ولهذا يسمون القيصر الكساندر الثاني القيصر المحرر ), ثم حدثت انتفاضة الفلاحين البولونيين العام 1862 , والتي أيّدتها الصحيفة , بينما كان الراي العام الروسي ضدّها , وهكذا قرر غيرتسن وأغاريوف الانتقال من لندن الى جنيف , حيث تم نقل المطبعة الى سويسرا , وظهر العدد رقم 196 في لندن , ثم ظهر العدد رقم 197 في جنيف العام 1867 , وعادت تصدر مرة كل شهر , ثم أعلنوا انها ستتوقف مؤقتا . وفي العام 1858 حاولوا اصدارها بالفرنسية , حيث أعلن غيرتسن , انه ( من الافضل الكلام عن روسيا مع الاوربيين , من الكلام مع روسيا ) , لكنهم لم ينجحوا , وهكذا توقفت نهائيا العام 1868 , وقد حاول أغاريوف  بمفرده اصدارها بعد موت غيرتسن كما مرّ ذكره , ولكنها توقفت بعد (6) اعداد . وفي الذكرى الخمسين على وفاة غيرتسن أعادوا طبعها في الاتحاد السوفيتي ( 1920) , ثم أعادوا نشرها مستنسخة مع هوامش وتعليقات بين 1962 – 1964 , ثم أعادوا نشر الطبعة الفرنسية عام 1978 – 1979 , وتساعد هذه الطبعات طبعا دراسة هذا التراث الصحفي الروسي , وتحليل وقائع التاريخ الروسي بلا شك .
ختاما , أود أن أشير , الى ان أ.د. كفاح الجواهري , ابن الشاعر العراقي الكبير , قد أصدر في بغداد العام 2015 كتابا موسوعيا ضخما  بثلاثة أجزاء بعنوان – الجواهري صحفيا , يضم مقاطع مهمة من مقالات الجواهري في صحفه العديدة مع تعليقات حولها, التي أصدرها الجواهري منذ ثلاثينات القرن العشرين , وعلى الرغم من أهمية هذا الاصدار التاريخي , الا انني لم أجد انعكاسا له في وسائل الاعلام العراقية , وقد تذكرت هذا العمل التوثيقي العلمي الكبير , الذي قام به أ.د. كفاح , وانا أكتب مقالتي هذه عن صحيفة (كولوكل) الروسية .
تحية لذكرى غيرتسن وأغاريوف والجواهري , الذين تركوا لنا بصماتهم الوطنية و الابداعية في مسيرة الصحافة الروسية والعراقية .     

422
أدب / البلبل
« في: 18:33 23/10/2018  »
البلبل
=====

قصيدة للشاعر المكسيكي خوسيه خوان تابلادا
===========================
ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع
=====================

طوال الليل ,
وتحت سماء
داكنة
 وكئيبة,
كان البلبل يمجّد
-وهو يهذي –
نجمة
 وحيدة,
كانت تشعّ
في  سماء
ذلك الليل.
========================================================================
خوسيه خوان تابلادا ( 1871 – 1945 ) – شاعر وصحافي مكسيكي , ويعدّ واحدا من ممثلي الحداثة في الشعر المكسيكي . / أصدر  سبعة دواوين ./ كان يهتم ايضا بالفن الياباني , وقضى سنة كاملة في اليابان لدراسته ./  تسنّم تابلادا عدة مناصب رفيعة في بلاده , منها – سفير المكسيك في فنزويلا.

423
جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسيّة
أ.د. ضياء نافع
 قرر مجلس ادارة دار نوّار للنشر استحداث جائزة ثانية , ترتبط مع أهدافها في تعزيز العلاقات الثقافية العربية – الروسية تسمى – جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن اللغة الروسية , وذلك بعد النجاح الباهر للجائزة الاولى – جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , والذي حصل عليها السيد بوغدانوف وكيل وزير خارجية روسيا الاتحادية ( انظر مقالاتنا حول هذه الجائزة , وردود الفعل التي أثارتها في وسائل الاعلام العراقية والعربية والروسية ).
جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية هي تكملة منطقية للجائزة الاولى , اذ كيف يمكن للحوار العربي – الروسي ان يتمّ دون الترجمة ؟ وكيف يمكن ان نتحاور دون معرفة لغتي بعضنا البعض ؟ بل ان هناك من قال في اوساطنا , ان الجائزة الاولى كان يجب أن تكون للترجمة اولا , وتأتي جائزة الحوار ثانيا , وأشار آخرون , ان حصر هذه الجائزة بالمترجمين العراقيين يقلل من شأنها وأهميتها , وأنها يجب أن تكون للمترجمين العرب بشكل عام , لأن الهدف مشترك والعمل الابداعي الترجمي واحد سواء جاء من قبل عراقي أو سوري أو مصري أو تونسي ...الخ , وكل هذه الآراء صحيحة طبعا وتمتلك منطقها بشكل عام , ولكن الرأي الاخير قد تبلور واستقر - بعد مناقشات واسعة ومتشعبة - على ان تكون هذه الجائزة للمترجمين العراقيين اولا , وتركنا الباب مفتوحا في المستقبل لكل الاجتهادات اللاحقة .
ستعلن اللجنة الخاصة نتائج جائزة نوّار للمترجمين العراقيين عن الروسية في العام  ( 2019) , ونتمنى ان تحظى بنفس الاهتمامات و النجاحات التي حصلت عليها جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وأن تكون لها نفس ردود الفعل الواسعة , التي حدثت بالنسبة للجائزة الاولى , ونتمنى أيضا , أن تؤدي هذه الجائزة الى توسيع نشاطات دار نوّار للنشر مستقبلا , وصولا الى تحويلها الى مؤسسة ثقافية عراقية وعربية وروسية شاملة تضم دار نشر وتوزيع للكتب باللغتين العربية والروسية , وشعبة خاصة للجوائز المتنوعة في مجال تعزيز العلاقات الثقافية العراقية (و العربية) – الروسية . 

424
عود على صندوق الترجمة من الروسية الى العربية بموسكو
أ.د. ضياء نافع
المشروع الكبير يحتاج الى جهود كبيرة والى روح الاستمرارية والمتابعة الدائمة . وانطلاقا من هذه البديهيات البسيطة والعميقة في آن واحد , توجهت مع مندوب معهد الترجمة في موسكو الى السيد بوغدانوف – وكيل وزير الخارجية في روسيا الاتحادية والحائز على جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وذلك أثناء مراسيم منحه تلك الجائزة في سفارة حمهورية العراق بموسكو , وشرحت له بايجاز مشروعي حول تأسيس صندوق الترجمة من الروسية الى العربية في معهد الترجمة بموسكو ( انظر مقالتنا بعنوان – نحو تأسيس صندوق للترجمة من الروسية الى العربية بموسكو), وطلبنا – مندوب معهد الترجمة وأنا- منه ان يستمع الى تفصيلات هذا المشروع الكبير والمهم من وجهة نظرنا , وقد رحب السيد بوغدانوف بهذه الفكرة , واعطانا رقم هاتف مكتبه لتحقيق هذا اللقاء  , والاستماع الى تفصيلات هذا المقترح , وقد اتصل مندوب معهد الترجمة فعلا بمكتبه وتم تحديد موعد اللقاء , وهكذا ذهبنا – مندوب المعهد وأنا- الى بناية وزارة الخارجية الروسية بموسكو , حيث أستقبلنا – وبكل ود وترحاب- السيد مورغونوف , سفير روسيا الاتحادية  السابق في بغداد , والذي كان حاضرا ضمن المدعوين في احتفالية تسليم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي- الروسي في السفارة العراقية بموسكو, واستمع مع زملاء له الى تفصيلات مقترحي حول الموضوع , حيث شرحت له تصوراتي بشأن ذلك , والتي يمكن تلخيصها بتقديم رجاء الى شركات النفط الروسية , التي تعمل في العراق , بتخصيص سنت واحد فقط لا غير من سعر كل برميل نفط عراقي يجري استخراجه وتسويقه من قبلهم يوميا لهذا المشروع , ووفق القوانين والتعليمات المالية الرسمية السائدة في روسيا الاتحادية , وتسجيلها ايرادا لهذ الصندوق , الذي سيكون في معهد الترجمة في موسكو , وتخضع هذه العملية الى رقابة مالية صارمة , ويقوم هذا الصندوق بتمويل ترجمة مكتبة روسية متكاملة من الروسية الى العربية , ويتم الاشارة في تلك الكتب الى انها ممولة من تلك الشركات النفطية العاملة في العراق , وان تلك العملية ستجلب فائدة كبرى للعلاقات الثقافية العربية – الروسية , لانها ستنشر الادب والثقافة الروسية بين القراء العرب , وهذا بدوره يؤدي الى تعميق التفاهم المتبادل بين روسيا والعالم العربي , اضافة الى ان الشركات النفطية الروسية لن يكلفها هذا السنت الواحد من قيمة كل برميل نفط شيئا كبيرا , بل بالعكس , سيؤدي تخصيص هذا السنت الواحد الى تعزيز مكانتها في العالم العربي , اذ ان ذلك يعني , انها سوف تلعب دورا في تنشيط العلاقات الثقافية بين الجانبين العربي والروسي . وتحدثت ايضا عن امكانية المشاركة الفعالة لكافة المترجمين العرب في عالمنا العربي في هذا المشروع الحيوي الكبير في حالة تحقيقه . استفسر السيد مورغونوف ايضا من مندوب معهد الترجمة في موسكو السيد ايغر سيد عن امكانية هذا المعهد بالمشاركة  في تنفيذ هذه الافكار , فشرح مندوب المعهد امكانيات هذه المؤسسة بترجمة مكتبة روسية باللغة الانكليزية , ونجاحاتهم في هذا المجال , وكذلك بشأن ترجمة مكتبة روسية الى اللغة الصينية ايضا , وانهم طرحوا في مؤتمرهم الخامس الذي انعقد في موسكو قبل فترة ( انظر مقالتنا بعنوان – المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب الروسي بموسكو) الابتداء بترجمة مكتبة روسية الى اللغة البولونية , اضافة الى ان المعهد قد ساهم بدعم ترجمة عدة كتب روسية الى اللغة العربية ايضا , ولكن ضمن نطاق محصور وضيّق , وأشار مندوب المعهد الى استعدادهم التام للقيام بهذه المهمة العلمية والثقافية الكبيرة.
لقد استمع السيد مورغونوف  الى ما ذكرناه بكل اهتمام ودقّة وانتباه, وتم تسجيل ذلك , ووجدنا من الجانب الروسي تجاوبا تاما وتفهّما عميقا لمقترحاتنا , لدرجة , ان السيد مورغونوف أضاف مقترحا تكميليا لمقترحنا , اذ انه قال , ان العاملين في قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد غالبا ما كانوا يطرحون عليه مشكلة عدم كفاية الكتب المنهجية لتعليم اللغة الروسية للطلبة العرب , وانه يرجو , في حالة تنفيذ هذا المقترح , ان نأخذ هذا الجانب بنظر الاعتبار ايضا , وقد وافقنا وبكل سرور طبعا على هذه الاضافة المهمة لمشروعنا , وتحدثنا ايضا عن دور النشر السوفيتية آنذاك ومساهمتها في اغناء المكتبة العربية حول الادب الروسي , واهمية ذلك الدور الرائد لتلك الدور في حينه , وضرورة دراسة هذا التراث ورعايته وتطويره , بما فيها , دراسة امكانية اعادة طبع بعض تلك الاصدارات ايضا ضمن هذا المشروع الثقافي الكبير .
اتفقنا في نهاية هذا الاجتماع على متابعة الموضوع , وضرورة متابعته من قبل معهد الترجمة في موسكو بالذات , والتنسيق بينه وبين الخارجية الروسية , وذلك ليتسنى لها ( للخارجية ) مفاتحة شركات النفط الروسية العاملة في العراق لدعم هذا المشروع الثفافي الحيوي للجانبين , وعبّر السيد مورغونوف عن أمله الكبير باستجابة تلك الشركات لهذه الافكار , خدمة لتعزيز التبادل الثقافي بين البلدين.
قدّمت للسيد مورغونوف في نهاية اللقاء جزيل شكري وامتناني على هذا الموقف الايجابي تجاه مقترحاتنا حول دعم التعاون الثقافي بين الجانبين , و سألته مبتسما – هل يمكن لي ان انشر ما دار بيننا في هذا الاجتماع ؟ فأجاب رأسا ودون اي تردد – نعم , نعم , بلا شك , اذ لا توجد هنا اي اسرار ...   

425
جلست مع زوجة بوشكين على مصطبة واحدة
أ.د. ضياء نافع
 نعم , جلست فعلا جنب ناتاليا غانجيروفا , زوجة بوشكين , على مصطبة واحدة , وكانت في أحلى واجمل حلّتها , وهي تنظر الى الارض وتصغي بتأمل وهدوء لقصيدة يلقيها عليها زوجها الشاعر الروسي بوشكين , الذي يقف امامها . جلست أنا جنبها بهدوء ايضا كي لا أزعجها وهي تستمع الى زوجها  الذي كان يرفع يده اليسرى عاليا  و هو يقرأ احدى قصائده لها خصيصا , جلست بهدوء وبدأت أنظر الى بوشكين وأصغي اليه , ولم التفت الى ناتاليا , كي لا يدعوني زوجها بوشكين للمبارزة , مثلما دعى دانتيس , فأنا لا أقدر( ولا اريد) أن ابارز بوشكين وأقتله مثلما فعل دانتيس , ولا أقدر (ولا اريد) ان ابارزه وادعه يقتلني , وهكذا بقيت جالسا على المصطبة في موقعي ومحافظا على الهدوء دون أن أنظر اليها , كي لا أثير ردود فعل زوجها المشهور بالغيرة...
لم يحدث كل ذلك في المنام , كما قد يظن بعض القراء , وانما حدث في مدينة بودغوريتسا , عاصمة جمهورية الجبل الاسود , او (مونتينيغرو) كما يسمّيها الاوربيون , وهي احدى الجمهوريات الصغيرة ( سكانها 620 الف نسمة لا غيرحسب آخر احصاء للسكان لديهم) التي انبثقت في البلقان بعد انهيار دولة يوغسلافيا الاتحادية  كما هو معروف , وقد تم اعلان جمهورية الجبل الاسود في العام 2006 ليس الا , والتي تعدّ في الوقت الحاضر أقرب الجمهوريات روحيّا ( مع صربيا) الى روسيا الاتحادية ثقافيا وعقائديا ( اذ ان اكثرية سكانها هم من الارثذوكس ), بل انها حتى كانت – في مرحلة من مراحل تاريخها البعيد – جزءا من الامبراطورية الروسية قبل تأسيس الاتحاد السوفيتي بفترة طويلة جدا, وهناك وقائع و وشائج تاريخية كثيرة مشتركة بين روسيا والجبل الاسود , لا يمكن الحديث عنها هنا بتفصيل.
وفي تلك الجمهورية , وفي عاصمتها , شاهدت نصبا طريفا جدا لبوشكين من البرونز , وهو يقف ويرفع يده اليسرى و يقرأ شعرا لزوجته الجالسة امامه على مصطبة , ويأتي المشاهدون ويجلسون جنبها , ويلتقطون الصور التذكارية معها ومع بوشكين , الذي لا ينظر اليهم , ويستمر بالقاء القصيدة لها . وهكذا جلست أنا ايضا جنبها على تلك المصطبة, وحاولت الاستماع معها الى قصيدة بوشكين...     
النصب الجميل هذا قدمته حكومة موسكو المحلية هدية الى عاصمة الجبل الاسود – بودغورستا عندما وقّعت المدينتان اتفاقا بينهما , وتم تدشين هذا النصب المدهش والرائع  العام 2002 , واصبح يمثّل معلما سياحيا وثقافيا متميّزا من معالم تلك المدينة , ويقع في مركزها , وقد تم نصبه بمستوى الشارع تقريبا , بحيث يقدر المشاهد ان يختلط مع بوشكين وزوجته ببساطة , بعد ان يصعد درجتين عن الشارع ليس الا , والنصب يقف على منصة دائرية , ويتكون من تمثال كامل لبوشكين وهو يقف امام مصطبة , حيث تجلس زوجته ناتاليا غانجيروفا , وفوقها يوجد قنديل بنكهة القرن التاسع عشر . والنصب هذا محاط باشجار باسقة وخلفية خضراء تضفي على النصب جمالا خاصا , وامام النصب توجد لوحتان حجريتان , الاولى مكتوب عليها بالروسية , ان هذا التمثال هو هدية من مدينة موسكو الى مدينة بودغوريتسا , ومكتوب على اللوحة الثانية مقطع من قصيدة بوشكين عن سكان الجبل الاسود , ويقول فيها بوشكين , ان نابليون بونابارت سأل مرة من هم هؤلاء , وهل صحيح فعلا انهم لا يخشون قواتنا وقوانا؟ وهي قصيدة تمجّد شجاعة سكان الجبل الاسود . ومن الطريف الاشارة هنا , الى ان جمهور واسع من سكان العاصمة بودغوريتسا ( بما فيهم مسؤولون كبار ) يجتمعون عند هذا النصب  يوم ( 6 ) حزيران من كل عام للاحتفال بيوم ميلاد بوشكين , وكذلك للاحتفال باليوم العالمي للغة الروسية , والذي اعلنته الحكومة الروسية رسميا في يوم ميلاد بوشكين بالذات , ولم يأت هذا الاعلان طبعا بشكل عفوي , اذ ان بوشكين – كما هو معروف - يعتبر واضع اسس اللغة الروسية الادبية الحديثة , ويعدّ ابداعه قمة تطور هذه اللغة و النموذج المثالي لها.
تمثال بوشكين وزوجته ناتاليا غانجيروفا في عاصمة جمهورية الجبل الاسود يعدّ واحدا من أجمل تماثيل بوشكين في العالم ( انظر مقالتنا بعنوان – تماثيل بوشكين في العالم) , ويؤكد مرة اخرى , ان بوشكين هو رمز روسيا الخالد وممثلها الشعبي امام بلدان العالم كافة.   

426
أدب / أيمكن لي أن أغرق في عينيك؟
« في: 21:59 17/10/2018  »
 
أيمكن لي أن أغرق في عينيك؟
=====================

قصيدة للشاعر الروسي روبرت راجديستفينسكي
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================


أيمكن لي أن أغرق في عينيك؟
يا للسعادة لو أغرق في عينيك,
اقترب وأقول – (مرحبا,
اني احبك),
هذا شئ ليس بالسهل ,
-كلا ليس صعبا -
لكن ليس بالسهل ,
ان تحب – ليس بالسهل ,
......
اني اقترب نحو المنحدر,
وأسقط,
أتقدر  ان تتلقفني؟
واذا أختفي
 هل ستكتب لي؟
 أريد أنا أن أكون معك دائما
طويلا ودائما,
كل حياتي ,
 أتفهمني؟
 وأخاف من جوابك لي,
 أجبني ,
 لكن فقط بصمت,
 بعينيك أجبني -
 أتحبني؟
واذا نعم ,
 فاني عندها أعدك
بانك
 أسعد انسان ستكون ,
واذا لا ,
فاني أتوسل اليك-
 بنظرتك
لا تقتلني,
والى  ألمستنقع,
لا تسحبني.
يمكن لك طبعا
 ان تحب امرأة اخرى,
حسنا ..
لكن هل ستتذّكرني ,
ولو قليلا تتذّكرني؟
اما أنا ,
فسوف أحبك...
.......
أيمكن لي ان احبك
حتى اذا كان حبك
مستحيلا...؟
.......
اني سوف احبك ,
وامدّ لك يدّي ,
 عندما تحتاج اليّ .
====================================================================================
روبرت راجديستفينسكي  (1932 - 1994) – شاعر سوفيتي روسي شهير , وهو واحد من أبرز مجموعة ( الستينيين) في تاريخ الشعر الروسي المعاصر ( مع يفتوشينكو وفوزنيسينسكي واخمدوننا والآخرين ), الذين شكّلوا صفحة جديدة في مسيرة الشعر والادب الروسي . أصدر حوالي (50) مجموعة شعرية اثناء حياته , ولا زالت دواوينه تصدر لحد الان . تحولت أكثر من (100) قصيدة له الى اغان روسية شائعة جدا. حائز على العديد من الجوائز والاوسمة منها – وسام لينين , وسام ثورة اكتوبر , وسام الاكليل الذهبي , جائزة الدولة ......

427
مع أ.د. مكارم الغمري في موسكو
أ.د. ضياء نافع
التقينا معا آخر مرة في اواسط السبعينات من القرن الماضي بموسكو اثناء مشاركتنا في الندوة العلمية لمدرسي اللغة الروسية وآدابها في بلدان اسيا وافريقيا وامريكا اللاتينية  ( انظر مقالتنا بعنوان – مكارم الغمري والادب الروسي ), وها نحن ذا نلتقي من جديد بعد اكثر من اربعين سنة في المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب بموسكو العام 2018 , وبما اننا افترقنا كل هذه الفترة الطويلة من السنين , فقد كان اللقاء ( الذي استمر ثلاثة أيام) مليئا بالاحاديث والذكريات عن الاشياء المشتركة التي توحّدنا , وما أكثرها , ابتداءا من الاصدقاء والزملاء الراحلين د.محمد يونس ود.حياة شرارة و و و.. , وانتهاءا بهمومنا ومشاغلنا التي ترافقنا لحد الان في مجال ترجمة الادب الروسي ومشاكل تدريسه ونشره في بلداننا العربية .
سألتها رأسا – هل قرأت مقالتي عن (مكارم الغمري والادب الروسي) , فضحكت وقالت طبعا طبعا , وأنا أعتز بها جدا ( قدّمت لها نسخة من كتابي – ( دفاتر الادب الروسي 1) حيث توجد مقالتي تلك, رغم انني لا امتلك غيرها وقلت لها , أفضل ان تكون هذه النسخة لديك مما ان تكون عندي). بدأت أروي لها , كيف كان المرحوم أ.د. محمد يونس يحدثني عنها , فقالت انها لاتزال تحمل أجمل الانطباعات عنه وعن زوجته ام بشار( اذ انهم كانوا يعيشون سوية  في القسم الداخلي بجامعة موسكو اثناء الدراسات العليا ) , وسألتني بتفصيل عن أخبار زوجته واولاده , وحدثتها عن بشار وعمار ومي وحسين , وطلبت مني ابلاغ تحياتها وتمنياتها لهم جميعا , وها انذا اقوم بذلك حسب طلبها , وقلت لها , ان محمد يونس كان يكتب آنذاك اطروحته عن تولستوي , بينما كنت انت تكتبين اطروحتك عن غوركي , وسألتها – لماذا اختارت غوركي بالذات ؟ فقالت , لاننا كنا في ذلك الوقت مسحورين بالاشتراكية ومفاهيمها في كل شئ , بما فيها قضايا الادب والفن , ثم أضافت – ولكنني لم اكتب عن  ادب غوركي بشكل بحت فقط , وانما تناولت انعكاساته في الادب العربي ايضا , وبالذات عند الشرقاوي والخميسي والآخرين , ولهذا فانني اقدّم نفسي دائما على اني متخصصة بالادب الروسي والادب المقارن في آن واحد , قلت لها مبتسما – ولهذا جاء كتابك المتميّز بعدئذ عن  المؤثرات العربية والاسلامية في الادب الروسي , والذي لا زال مطلوبا من القراء العرب رغم انه صدر قبل اكثر من ربع قرن في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – حول مقالة تولستوي بدل السخوي ) .
 حدثتها طبعا عن دار نوّار للنشر , ومشاريعي المرتبطة بدار النشر هذه وتوسيعها كي تشغل مكانتها اللائقة بها في مجال الادب الروسي في العالم العربي , بما فيها جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , وأخبرتها ( سرّا !) باسم المرشح المحتمل ( آنذاك ) لنيل هذه الجائزة , وهو بوغدانوف , فقالت انه اختيار ممتاز و صحيح ودقيق من قبل اللجنة , ومدحته جدا , خصوصا عندما عمل في مصر ( أرسلت لها بعدئذ كل ما ظهر من مقالات وتعليقات بعد اعلان خبر حصول بوغدانوف على الجائزة , بما فيها طبعا مقالة سلام مسافر – نوار يضئ الالفة العراقية الروسية , ومقالة محمد  عارف – وسام الدبلوماسية الشعبية العراقية ) .  دعوتها ان تشارك في نشاطات دار نوار للنشر , وقلت لها , انني اتمنى ان أرى يوما- ما عددا خاصا يحمل اسم أ.د. مكارم الغمري  ضمن سلسلة ( دفاتر الادب الروسي ) يضم مقالاتها وملاحظاتها حول الادب الروسي كي لا تبقى هذه المقالات والملاحظات المهمة للقارئ العربي مبعثرة هنا وهناك في مختلف المجلات والصحف والمواقع الالكترونية , فوافقت على هذا المقترح وقالت انها تتمنى ايضا ان تشارك في هذا المشروع الثقافي الذي يحمل اسم ابنك الراحل, وانها ستفكر جدّيا بتحقيق هذه الفكرة الجميلة مستقبلا  , واود ان اكرر هنا باني انتظر من زميلتي د. مكارم – وبكل سرور – تحقيق الفكرة وتنفيذ هذا المقترح المهم علميا للقارئ العربي .
  ختاما لهذه السطور , اود ان أشير , الى ان احاديثنا خلال ايام المؤتمر الخامس للمترجمين  في موسكو قد تشعبت كثيرا وشملت الادب العراقي طبعا , وقالت لي د. مكارم انها معجبة جدا برواية انعام كجةجي الموسومة ( الحفيدة الامريكية ) , الا انها ضحكت وأضافت قائلة , انها لا تقدر ان تتذكر او ان تلفظ بشكل صحيح لقبها هذا ( اي كجةجي ) , وقلت لها , انني ايضا معجب بانعام كجةجي روائية وصحافية , وانني متابع دائم لكل ما تنشر من روايات ومقالات ذكية ودقيقة وذات نكهة خاصة بها فقط لاغير , وانها فنانة رائعة تعرف كيف تحوك رواياتها ومقالاتها بمهارة فريدة ومدهشة الجمال شكلا ومضمونا .
أ.د. مكارم الغمري – مثلي طبعا – متقاعدة , ولكن , هل تقدر هذه المرأة المليئة حيوية ونشاطا ان تتوقف عن مسيرة الابداع ؟ والمساهمة في حركة الترجمة عن الروسية ؟ واغناء المكتبة العربية بمصادر جديدة عن الفكر الروسي ؟

428
نابوكوف ضد دستويفسكي
أ.د. ضياء نافع
كان موقف نابوكوف من دستويفسكي سلبيا جدا , و انعكس هذا الموقف في محاضراته عن الادب الروسي ( انظر مقالتنا بعنوان – محاضرات نابوكوف حول الادب الروسي ) , وقد أشار  نابوكوف  رأسا في محاضراته تلك , الى ان القارئ ربما لن يتقبّل كلامه عن دستويفسكي , ولن يعجبه , بل حتى ربما سوف يستاء منه , وذلك لشهرة وسمعة ومكانة مؤلف (الجريمة والعقاب) و (الاخوة كارامازوف) وغيرها من النتاجات المعروفة لدستويفسكي في روسيا وفي العالم ايضا . نحاول هنا ان نقدم صورة موجزة ومصغّرة جدا لموقف نابوكوف من دستويفسكي انطلاقا من  ضرورة معرفة القارئ العربي لمختلف جوانب الادب الروسي وتاريخه وخصائصه بشكل عام اولا , وثانيا , لاننا نرى , ان آراء كاتب روسي كبير مثل نابوكوف حول اديب روسي آخر كبير مثل دستويفسكي  تمتلك اهميتها الخاصة رغم كل ما فيها من تنافر- ان صح التعبير -  مع الآراء السائدة بشكل عام حول دستويفسكي ومكانته في دنيا الادب الروسي والعالمي .
 كتب نابوكوف في محاضراته تلك قبل كل شئ , الى انه لا يعدّ دستويفسكي ضمن ادباء روسيا الكبار , بل واعتبره ( كاتبا محدودا) , واستشهد في بداية كلامه عن دستويفسكي باقوال الناقد الادبي بيلينسكي , والتي جاءت في رسالته المشهورة الى غوغول , في ان روسيا ( لا تحتاج الى كنائس جديدة ) , وعلى الرغم من ان بيلينسكي كان يتحدث عندها عن آخر كتاب لغوغول ( انظر مقالتنا بعنوان –  رسالة بيلينسكي الى غوغول ) , الا ان استشهاد نابوكوف  بكلمات الناقد المذكورة كانت تجسّد اشارة واضحة المعالم الى مكانة دستويفسكي , الذي يعتبره البعض - أكبر كاتب مسيحي في روسيا و العالم  ايضا , و يقارنوه  بالرسامين الايطاليين العظام , الذين ارتبطت شهرتهم بتجسيد الفكر المسيحي في اوربا مثل - رفائيل ومايكل انجلو ودافنشي , الذين رسموا تلك اللوحات الخالدة والشهيرة في  تاريخ الديانة المسيحية  , بل  ان  بعض النقّاد  اطلقوا على دستويفسكي فعلا تسمية – ( رفائيل الادب ) .
 يربط نابوكوف  مكانة دستويفسكي في هذا المجال (بعد الاستشهاد بجملة بيلينسكي تلك) بمضمون رواية دستويفسكي  – ( الجريمة والعقاب ) , والتي أكّد الكاتب فيها – كما هو معروف - على الجانب الديني ( المسيحي بالذات ) لبطلها راسكولنيكوف ( انظر مقالتنا بعنوان – راسكولنكوف – بطل رواية دستويفسكي الجريمة والعقاب ), وكيف (ينبعث!) البطل روحيا في نهاية الرواية ويذهب طواعية للاعتراف بجريمته , وذلك  بتأثير علاقته بسونيا وحبه لها , او كما يكتب نابوكوف , بفضل ( حب طاهر لعاهرة !) ,  ساخرا من دستويفسكي وافكاره في تلك الرواية .
دستويفسكي الروائي و دستويفسكي الفيلسوف وحدة واحدة لا تتجزأ بتاتا, وقد دخل دستويفسكي الى تاريخ الفلسفة الروسية عبر ابداعه الادبي فقط ولم يكتب اعمالا فلسفية بحتة مثل تولستوي , لكن نابوكوف لم يأخذ بنظر الاعتبار خاصية  المزج بين الادب والفلسفة عند دستويفسكي , واعتبر ذلك اسلوبا يقلل من قيمة الادب اولا , ولا يمنح الوضوح الضروري واللازم للجانب الفلسفي ثانيا , ولهذا اصبح دستويفسكي بالنسبة له ( كاتبا محدودا ) ,  رغم  ان نابوكوف أشار في محاضراته تلك , الى ان دستويفسكي ( كان يمتلك عبقرية الكاتب المسرحي وليس الروائي ..وذلك لان رواياته تشكّل سلسلة مشاهد وحوارات ..) .
 ان موضوعة علاقة نابوكوف بدستويفسكي قد أثارت الكثير من النقّاد والباحثين في مجال تاريخ الادب الروسي , ويمكن القول بشكل عام , انهم جميعا تقريبا كانوا ضد آراء نابوكوف هذه , واعتبروها متطرفة وذاتية جدا و بعيدة عن المواقف الموضوعية , التي يجب ان يتحلّى بها الادباء عند الحديث عن الادباء الآخرين.   

429
أدب / قلب امي
« في: 16:38 02/10/2018  »
  قلب امي
=======

قصيدة للشاعر الصربي المعاصر رادومير أندريج
=============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

لا توجد عند امي
ماكنة خياطة,
لكن عند امي
قلب خياطة.
+++
وبهذا القلب
ترتّق لي
 ملابسي الممزقة ,
وبهذا القلب
ترتّق لي
روحي الممزقة.
+++
 لا يدخلون الى غرفتها
 والسلاح بايديهم ,
 يدخلون الى غرفتها
  و الزهور بايديهم .
+++
عندما نكون معا,
كل شئ  يكون نظيفا
 على جسدي,
و في  اعماق نفسي.
====================================================================================
ولد رادومير اندريج العام 1944 في صربيا / شاعر وكاتب مقالة / اصدر العديد من المجاميع الشعرية .

430
حول مقالة – ( تولستوي بدل السخوي)
أ.د. ضياء نافع
كاتب هذه المقالة (القصيرة بحجمها والكبيرة بقيمتها واهميتها) , او محبّرها ( كما يحلو له ان يقول ) هو الاستاذ سمير عطا الله ( صحيفة الشرق الاوسط  بتاريخ 20/9 / 2018 ), وعنوان المقالة جذّاب ووجيز وعميق وشاعري , ويعبّر عن مضمون المقالة رأسا , ويؤكّد طبعا كل ما يمتلك الصحافي اللبناني عطا الله من خبرة وتجربة ابداعية طويلة في مجال العمل الصحفي و ايجاز سحر الكلمات وضغطها وموهبة صياغتها.  ان الايجاز هو شقيق العبقرية حسب تعبير تشيخوف العميق والطريف ( أليس خير الكلام ما قل ودلّ), وقد استطاع عطا الله فعلا ان يجسّد هذا القول في عنوان مقالته  تلك ,   فالعنوان هذا قد وضّح فعلا كل ابعاد الفكرة التي اراد الكاتب ان يقولها لنا.
لقد توقفت رأسا عند هذه المقالة عندما كنت أقوم بالاطلاع اليومي على الصحف العربية صباحا , وعندما قرأتها , قررت رأسا ان ارسلها اولا الى زميلتي الباحثة المصرية المبدعة أ. د. مكارم الغمري , مؤلّفة كتاب ( مؤثرات عربية واسلامية في الادب الروسي ) الصادر  بالكويت في  نهاية القرن الماضي , وذلك لان المقالة هذه هي اعتراف رسمي باهمية كتابها , اعتراف (ولو جاء متاخرا ) ولكنه مهم جدا, لانه يأتي من خارج اوساط المتخصصين في اللغة الروسية وآدابها . هذا اولا , اما ثانيا , فقد أثارت هذه المقالة في اعماق روحي الشؤون والشجون , وتذكرت كل معاناتنا ( نحن المتخصصين العرب في اللغة الروسية  و آدابها  ) عندما رجعنا الى بلداننا العربية بعد انهاء دراستنا في الجامعات والمعاهد الروسية , وكيف قابلونا في بلداننا , وتذكرت حتى جملة لازالت ترن في روحي وعقلي لحد الآن , جملة قالها لي أحد (مدراء!) وزارة التعليم العالي والبحث العلمي في العراق , بعد ان اطلع على وثائقي واختصاصي, والجملة تلك هي – ( ما لكيت ( لقيت ) غير اختصاص كل هذي السنين ) . وتذكرت ايضا , كيف استدعانا مرة (الملحق الثقافي العراقي !!!) في موسكو عام 1962 الى اجتماع في الملحقية الثقافية , وطلب منّا رسميّا ان ننتقل من كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها ) بجامعة موسكو الى كليات اخرى ( وكنّا آنذاك في الصف الثاني) , وذلك لان العراق , كما قال هذا الملحق الثقافي ( لا يحتاج الى اختصاصنا هذا ابدا !!! ) , وقد حاولنا مناقشته ( وكان لدينا طبعا حماس الشباب وحيويته واندفاعه), وبعد اللتي واللتيا والنقاش الحاد جدا, قال الملحق الثقافي , ان العراق (ربما يحتاج الى  واحد او اثنين منكم في المستقبل البعيد ليس الا) . وتذكرت ايضا , كيف استطعت – وبصعوبة بالغة - ان اؤسس مركز الدراسات العراقية – الروسيّة في جامعة فارونش الحكومية عام 2007 , وكيف حاولت ان أربط هذا المركز المهم بجامعة بغداد , ولكني اصطدمت بنفس تلك العقلية البيروقراطية , التي لم تستوعب حتى حيوية هذه الفكرة وقيمتها واهميتها التاريخية, وقد اضطررت طبعا الى الغاء هذا المركز بعدئذ نتيجة هذه المواقف .  لقد  أشار الاستاذ سمير عطا الله في مقالته تلك قائلا الى اننا لم ( ننتبه الى وجود أشياء مهمة كثيرة غير الدبابات والقاذفات مما يجمع بيننا وبين الحضارة الروسية منذ ثلاثة قرون على الاقل ) , وهو على حق طبعا , ويدعو الكاتب في نهاية مقالته الى – ( تبادل ثقافي على مستوى الحضارتين ) , وما أحوجنا الى ذلك فعلا , وما احوجنا ان نبتدأ اليوم وليس غدا  باتخاذ خطوات في هذا السبيل , واود – ختاما – ان اشير الى مقالتي بعنوان – ( نحو تأسيس صندوق للترجمة من الروسية الى العربية في موسكو ) كمثل على ذلك , واؤكد على امكانية تنفيذ هذا المقترح , والذي يعتمد بالاساس على استقطاع سنت واحد فقط لا غير من سعر كل برميل نفط تستخرجه الشركات النفطية الروسية في العراق , ويمكن لهذا ( السنت الواحد !) ان يموّل اصدار مكتبة روسيّة كاملة باللغة العربية. 
 


431
أدب / ساعة الانتقام
« في: 22:29 25/09/2018  »
ساعة الانتقام
=========

قصيدة للشاعر الصربي المعاصر ميلوفان دانويليج
============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

الوقحون الاجلاف بصقوا
فى وجوهنا,
الضباع وابناء آوى
نهشوا
 قلوبنا.
+++
ونحن بكينا ,
 وبكينا,
وبكينا.
+++
بعدئذ توقفنا
عن البكاء,
و هجمنا بنيراننا
على الضعفاء,
-غير المذنبين -
 لانهم ضعفاء.
===================================================================================
ولد ميلوفان دانويليج في صربيا العام 1937 / خريج كليّة الاداب في جامعة بلغراد / شاعر وناثر وكاتب مقالة  و باحث علمي ومترجم عن الروسية والفرنسية والانكليزية / يعيش في فرنسا منذ عام 1984 / عضو اكاديمية العلوم والفنون الصربية .

432
مع سائقة قرغيزية في موسكو
أ.د. ضياء نافع
قال صاحبي -  عنوان مقالتك سيثير رأسا (تصورات !) جنسية في ذهن  القارئ العربي , فقلت له مبتسما , نعم , من المحتمل  ان يحدث ذلك  فعلا , ولكن  كلمة جنس , وجمعها اجناس , ترتبط بالانسان ( و جمع هذه الكلمة – بشر) , وعلم الاجناس يتطلب منّا ان نأخذ (عيّنة!) من البشر , ونضعها تحت الميكروسكوب , ونتأمّلها وندرسها ونخرج باستنتاجات معينة ومحددة من هذه الدراسة والتأملات الدقيقة , ونتائج هذه الدراسات تتوزع  بعدئذ على مختلف انواع العلوم , والشريحة التي اودّ ان نتأمّلها معا هي سائقة سيّارة اجرة ( تاكسي) التقيتها بالصدفة المحضة في شوارع موسكو قبل أيام , عندما استدعيت سيارة اجرة للذهاب الى عنوان معين , واذا بي ارى وراء المقود امرأة في حدود الخمسين , والمسألة طبعا ليست غريبة جدا في تلك المجتمعات , وهكذا جلست – بعد التحية - في السيّارة , التي انطلقت بنا الى العنوان المطلوب. قالت السائقة – من الواضح انك لست روسيّا , فأجبتها  نعم فانا من العراق , وقلت لها مبتسما, كما انه من الواضح ايضا انك لست روسيّة , فاجابت – نعم انا من قرغيزيا . وهكذا بدأ الحديث بيننا . سألتها رأسا – أليست مهنة السياقة صعبة بالنسبة لأمرأة قرغيزية في موسكو ؟ فأجابت – نعم , بل و صعبة جدا , ولكن ما هو الحل , اذ لا توجد فرص عمل تضمن المستوى اللائق للحياة في موسكو , فسألتها , ألم يكن ممكنا ان تمارسي  نفس هذه المهنة في قرغيزيا مثلا ؟ فابتسمت واجابت – انت – على ما يبدو - لا تعرف الوضع الرهيب الذي كان سائدا في قرغيزيا عند انهيار الاتحاد السوفيتي , قلت لها , لقد حدّثني روسي كان يسكن هناك بعض الشئ عن ذلك ( انظر مقالتنا بعنوان – سيريوجا الروسي وانا في الردهة رقم 4 ) , فقالت – لقد أحرق المتطرفون القرغيز بيوت الروس وطردوهم , وفقدت قرغيزيا النظام والامان وسادت الفوضى بدل القوانين و عمّت البطالة في كل ارجاء البلاد, وقررت عائلتنا – نتيجة لكل ذلك - الهجرة الى روسيا , اذ لم يكن هناك مخرج آخر بتاتا , الا ان جدّتي رفضت هذه الفكرة رفضا قاطعا , وقالت انها لن تترك قرغيزيا ابدا مهما حدث او يحدث فيها , وقد أيّدها جدّي طبعا وقال لها انه لن يتركها وحيدة مدى الحياة , ولم نستطع اقناعهما بفكرة الهجرة رغم انهما كانا مسنيين   و عليلين وبصحة غير مستقرة , وهكذا عشنا اتعس حياة هناك, وتحت ضغط تلك الظروف الرهيبة ازدادت صحتهما تدهورا, وفي نهاية المطاف توفيت جدتي , فطرحنا فكرة الهجرة الى روسيا من جديد , الا ان جدّي قال لنا , انه وعد جدّتي بعدم تركها وحيدة , وعليه فانه يوافق على الهجرة اذا أخذنا جثمانها معنا . قلت لها – ربما اراد جدّكم ان يضع طلبا تعجيزيا امام هجرتكم ليمنعكم من الهجرة , فقالت لا اعرف , ولكن جدّي فعلا كان يرتبط معها روحيّا بكل معنى الكلمة , وهكذا قررنا جميعا الذهاب الى المقبرة , وحفرنا قبرها , وأخرجنا التابوت من القبر, وأخذناه معنا وسافرنا بالقطار , ووضعنا التابوت وسط عربة القطار امام انظار جميع المسافرين , ولم تكن هناك سلطة تستطيع ان تمنعنا من ذلك او حتى تتجاسر على ايقافنا, وقد خاف ركّاب  القطارمن هذا المشهد وأخذوا يبتعدون عنّا , وكذلك تجنبتنا شرطة الحدود – في اجواء تلك الدولة المنهارة - بعد ان لاحظت توترنا ووضعيتنا غير الطبيعية بتاتا, اذ اننا كنّا على استعداد  لعمل اي شئ من اجل حماية التابوت والسفر بالقطار الى روسيا , وقد استغرق السفر عدة أيام باكملها , وهكذا وصلنا الى ضواحي موسكو , اذ كان لدينا اتفاق مع مجموعة روسيّة اعطيناها نقودا كي تساعدنا في السكن والاستقرار هناك , ولكننا لم نجد احدا بانتظارنا , وقد علمنا بعدئذ انهم مجموعة من المحتالين , الذين خدعونا وخدعوا كثيرين غيرنا . سألتها – وماذا فعلتم ؟ فأجابت , انهم عاشوا لمدة ثلاثة أشهر في ركن من شارع فرعي , وكان الجو ممطرا وباردا , وقد تمرّض جدّي وتوفي نتيجة ذلك , فدفناه  - كما أراد - قرب جدّتي في مقبرتها الثانية بضواحي موسكو . سألتها متذكرا انهم من قرغيزيا –  ولكن هل راجعتم سفارة بلدكم في موسكو كي تساعدكم ولو قليلا وانتم بهذه الوضعية  ؟ فقالت – لقد أسقطت قرغيزيا جنسية كل الذين تركوا البلد آنذاك . قلت لها – ولكني شاهدت الكثير من القرغيز يعملون الان  بموسكو في المطاعم والمقاهي ويقدمون الخدمات المختلفة , فقالت – نعم , الان سمحت قرغيزيا بالهجرة والاحتفاظ بالجنسيتين حلا للبطالة الهائلة هناك , أما عندما سافرنا آنذاك , فقد كانت الهجرة تعني خيانة الوطن , وكانت الدولة تسحب الجنسية رأسا من كل شخص يهاجر, وتشطب اسمه من قائمة المواطنين .قلت لها في نهاية حديثنا ( ونحن نقترب من العنوان المطلوب) , ان قصتك  مثيرة وحزينة ومؤلمة جدا , ولو اني سمعتها من شخص آخر لقلت انها من نسيج الخيال والمبالغة ليس الا , فقالت وهي تنظر اليّ بحزن واضح جدا – ان الواقع الذي عشناه وعانينا منه ولا زلنا نعاني هو أقسى من الخيال واكثر مرارة منه . 

433
أدب / قصيدتان من صربيا
« في: 22:38 19/09/2018  »
قصيدتان من صربيا
=============

للشاعر الصربي المعاصر ليوبيفوي رشوموفيج
======================
ترجمهما عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

الفيل
===
ابو جدّه –
فيل,
جدّه –
فيل,
أبوه –
فيل,
عمّه –
فيل,
أخوه –
فيل.
+++
لكن هو,
من هو؟
========================================================================
 الغذاء والحمية
=========
الكتاب  للروح – غذاء,
أفضل ما في العالم من غذاء ,
لكن ما العمل
عندما تكون عند الشعب
 حمية من الغذاء.
========================================================================
ولد  ليوبيفوري  رشوموفيج العام 1939 في صربيا / خريج كليّة الآداب بجامعة بلغراد / شاعر وناثر وكاتب مسرحي وكاتب مقالة /    يتميّز بالسخرية في كل كتاباته .

434
بوغدانوف يفوز بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي - الروسي
--------------------------------------------------------------
أ.د. ضياء نافع
تم اعلان اسم الفائز بجائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي من قبل اللجنة الخاصة للجائزة المذكورة في دار نوّار للنشر , والمرشح الفائز هو بوغدانوف ميخائيل ليونيدوفيتش - وكيل وزير وزارة الخارجية  في روسيا الاتحادية . وقد جاء في الاعلان , ان اللجنة اتخذت قرارها نتيجة لمسيرة  السيد بوغدانوف ودوره المتميّز في تعزيز الحوار العربي – الروسي بشكل عام , والحوار العراقي – الروسي بشكل خاص طوال فترة عمله في السلك الدبلوماسي الروسي  بوزارة الخارجية الروسية وصولا الى موقعه الرسمي الحالي وهو وكيل وزارة الخارجية في روسيا الاتحادية وممثل الرئيس الروسي السيد بوتين في الشرق الاوسط , هذا وقد أخذت اللجنة بنظر الاعتبار علاقات السيد بوغدانوف الواسعة والمتعددة الاطراف بالجانب العراقي رسميّا وشعبيا, وزياراته العديدة للعراق من اجل تعزيز الحوار العراقي – الروسي , وكذلك معرفته العميقة للغة العربية واستخدامه لها في هذا الحوار الكبير و المتشعب .
 ان لجنة منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي تفخر , ان اول حائز على هذه الجائزة في تاريخ العلاقات العراقية – الروسية هو شخص بمستوى السيد بوغدانوف انسانا وموقعا وعلمّا , وتعبّر اللجنة عن اعتزازها بهذه الشخصية المتميّزة في موقعها الوظيفي والعلمي ودورها الكبير في مسيرة العلاقات العراقية – الروسية ,  وتود ان تقدم جزيل شكرها وامتنانها له على موافقته باستلام هذه الجائزة , وموافقته بالحضور الى بناية السفارة العراقية في موسكو لاستلام الجائزة شخصيا من يد  سفير جمهورية العراق في روسيا الاتحادية السيد حيدر منصور هادي العذاري , العضو الشرف في لجنة منح جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , والذي أطلق على هذه الجائزة تسمية – (الدبلوماسية الشعبية ) لتعزيز العلاقات العراقية - الروسية .
هذا وقد وجّهت سفارة جمهورية العراق في روسيا الاتحادية الدعوات الرسمية للمدعوين لحضور حفل تقديم جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي , والذي سيقام يوم الجمعة  بتاريخ 28 / 9 / 2018 في الساعة 12 ظهرا , وقد حرصت السفارة و لجنة الجائزة على ان تكون هذه الاحتفالية في الشهر التاسع ( ايلول / سبتمبر) بالذات , باعتبار ان العلاقات العراقية – الروسية قد تم التوقيع عليها في هذا الشهر من العام 1944 .
عاش الحوار العراقي – الروسي                           
عاشت جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي   

 

435
أسماء الادباء الروس في محطات مترو موسكو
أ.د. ضياء نافع
عندما كنت طالبا في موسكو قبل اكثر من خمسين سنة , كانت هناك محطة مترو نعرفها جميعا اسمها ماياكوفسكايا , ولا زالت هذه المحطة موجودة لحد الان , وتقع طبعا عند تمثال ماياكوفسكي العملاق في الساحة التي تحمل اسمه في قلب موسكو . تعد هذه المحطة من المحطات المتميّزة برشاقتها وجمالها وعمقها, وقد تأسست العام 1938 , ولازالت عالقة في ذهني صورة لهذه المحطة شاهدتها مرّة , وقد اجتمعت فيها القيادة السوفيتية اثناء الحرب العالمية الثانية بقيادة ستالين . تذكرت ذلك عندما كنت قبل ايام في مترو موسكو وانا استمع الى تسميات محطات تحمل اسماء ادباء آخرين , وهي ظاهرة لم تكن واسعة عندما كنت طالبا في تلك الايام الخوالي , وهو ما اود الان ان اكتب عنه , استمرارا لروحية مقالتي السابقة عن تسميات شوارع موسكو التي تحمل اسماء الادباء الروس تقديرا لهم واحتراما لمكانتهم في ضمائر الشعب الروسي , ( انظر مقالتنا بعنوان –   شوارع موسكو باسماء الادباء الروس ) .
 من المحطات التي لم تكن موجودة آنذاك محطة اسمها ( بوشكينسكايا) , وتقع طبعا عند تمثال بوشكين في ساحة بوشكين امام سينما ( راسيّا ) اي ( روسيا ) , فيا لها من تسميات تكاد ان تكون مترادفة تدخل الى قلب الانسان الروسي بلا اسئذان . وعندما كنت جالسا في عربة المترو , اعلنوا بالميكروفون, انه يمكن للركاب ان ينتقلوا من محطة بوشكينسكايا الى محطة تشيخوفسكايا , فابتسمت وقلت بيني وبين نفسي , ان الذي أطلق هذه التسميات هو متخصص في الادب الروسي حتما , اذ انه يعرف بدقة الوشائج الابداعية التي تربط تشيخوف ببوشكين , بحيث جعل محطتي بوشكينسكايا وتشيخوفسكايا مترابطتين هكذا , مثل حال تشيخوف وبوشكين في مسيرة الادب الروسي ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف وبوشكين ) . لقد توجهت خصيصا الى محطة تشيخوفسكايا للاطلاع عليها بدقة كي اعرف لماذا اطلقوا عليها اسم تشيخوف , فوجدت هناك لوحات    جدارية تجسّد بعض نتاجات تشيخوف الفنية منقوشة على الجدران بشكل رائع , ولكني فوجئت بتمثال ضخم لغوركي يقف في احدى الممرات المؤدية الى تلك المحطة , وقد استفسرت عن ذلك طبعا , وعلمت ان المدخل الى هذه المحطة كان  يقع في شارع غوركي , ولكن عندما أعادوا لهذا الشارع اسمه القديم وهو تفارسكايا ( انظر مقالتنا بعنوان – شوارع موسكو باسماء الادباء الروس ) اطلقوا عليها تسمية – تشيخوفسكايا بعد عملية توسيع شبكة المترو , وتركوا تمثال غوركي في مكانه هناك بذلك المدخل دون تغيير, وهو قرار صائب , اذ ان التمثال هذا جميل وفخم ولا يتعارض مع هارمونية المدخل هذا ابدا , ولهذا أبقوه على حاله  رغم تبديل اسم المحطة , ولكني قرأت بعض التعليقات الروسية الساخرة حول ذلك التمثال  تنتقد ذلك القرار , منها التعليق الآتي – ( انه تشيخوف ولكن طعمه غوركي !) والتعليق هذا هو لعب بالكلمات الروسية , اذ ان كلمة ( غوركي ) بالروسية معناها ( المرّ). , اي انه تشيخوف ولكن طعمه مرّ.
وعندما كان قطار المترو يسير وبضجيج كالعادة  اعلن الميكروفون ان المحطة القادمة ستكون- دستويفسكايا , وهي محطة جديدة  نسبيّا تأسست العام 2010 ليس الا , وعلى الرغم من انني كنت متوجّها الى مكان آخر , الا اني قررت ان اخرج من عربة القطار في محطة دستويفسكايا للاطلاع عليها لان التسمية ( الجديدة بالنسبة لي ) اثارت فضولي , واردت ان اعرف وارى بامّ عيني, هل توجد هناك ملامح دستويفسكية هناك , وخرجت فعلا من عربة القطار وأخذت أتأمل تلك المحطة , ففوجئت بصورة هائلة لدستويفسكي في غاية الاتقان والجمال تتصدر جدار المحطة , وهي لوحة مرسومة بالموزاييك تصّور دستويفسكي وهو في حالة تأمل وحزن, وهكذا اقتنعت بصحة التسمية ودقتها, وعدت ادراجي الى عربة القطار القادم الذي  وصل بعد ان غادر القطار الذي تركته . 
ختاما لهذه النظرة السريعة لتسميات محطات مترو موسكو ,اريد ان أشير الى محطة تحمل اسم تورغينيف لم تكن في زماننا ( الستينات ) وهي محطة تورغينيفسكايا (أرتباطا بساحة تورغينيف ) , وقد تأسست العام 1972  , وهناك محطة جديدة نسبيا تحمل اسم الكاتب المسرحي الروسي في القرن الثامن عشر وهو فانفيزين واسمها – فانفيزنسكايا , وقد تم افتتاحها العام 2016 ليس الا ( ارتباطا بشارع فانفيزين ) . واخيرا , اود ان اذكر , انه كانت في زماننا محطة – ليرمنتوفسكايا , والتي كانت تسمى ( كراسنويي فاروتا ) اي ( البوابات الحمر ) , وقد تم تبديل التسمية عندما افتتحوا تمثال ليرمنتوف قربها في الستينات ( انظر مقالتنا بعنوان – سبع نقاط من الذاكرة حول ليرمنتوف) , ولكن بعد التغييرالجذري الذي حدث في روسيا و(موجة!) العودة الى الاسماء القديمة , تم تغيير تلك التسمية ايضا , وهكذا عادت محطة مترو ليرمنتوفسكايا هذه الى -  كراسنويي فاروتا  , رغم ان تمثال ليرمنتوف لا زال قائما عند مدخلها .

436
أدب / الثلج
« في: 19:27 14/09/2018  »
الثلج
===

قصيدة للشاعر الصربي المعاصر نيناد غرويتشيج
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

يتساقط الثلج ,
 لكن
من الذي يرى.
+++
لا شئ ولا أحد يرى,
وحتى
اذا يرى,
لا يريد ان يرى.
+++
نحن ,
 الذين فعلا نرى,
نصمت ,
ولا نرى .
ولماذا يجب علينا
ان نرى؟
===============
===============
ولد نيناد غرويتشيج العام 1954 في مدينة بانجيفو بصربيا / شاعر وناقد ادبي وكاتب مقالة وصحفي / خريج كلية الفلسفة في جامعة نوفي ساد / أصدر اكثر من (11) مجموعة شعرية /  قصائده مترجمة الى اكثر من (15) لغة اجنبية / حائز على العديد من الجوائز الادبية .

437
في المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب بموسكو
أ.د. ضياء نافع
بدعوة كريمة من معهد الترجمة في موسكو شاركت باعمال المؤتمر العالمي الخامس لمترجمي الادب , الذي انعقد من 6 الى 9 ايلول/ سبتمبر2018 في مكتبة الادب الاجنبي بموسكو, وقد ساهم في هذا المؤتمر مترجمون وباحثون في مجال الترجمة من ( 57 ) بلدا من بلدان العالم , وكان الوفد الروسي طبعا أكبر الوفود (عددا وعدة !), اذ كان يضم (107) عضوا بين باحث ومترجم واداري , اما البلدان العربية التي شاركت في اعمال المؤتمر   فكانت  ثلاثة بلدان فقط مع الاسف , وهي ( حسب حروف الهجاء ) كل من – سوريا والعراق ومصر, اذ لا تتابع بلداننا العربية - بحكوماتها ومنظماتها - حركة المؤتمرات الثقافية والفكرية في العالم ولا تعرف اهميتها وقيمتها  .
انعقد المؤتمر تحت شعار –  (الترجمة الادبية - وسيلة الدبلوماسية الثقافية) , وعلى الرغم من تسمية المؤتمر وشعاره , فان اعماله ترتبط طبعا باللغة الروسية وآدابها والترجمة عنها واليها بالاساس , وهذا أمر طبيعي جدا, اذ لا يمكن لاي مؤتمر ان يبحث شؤون الترجمة الادبية بشكل عام وفي كل اللغات , ولهذا , فقد اختتم المؤتمر اعماله باعلان الجوائز لاربعة مترجمين اجانب , الذين ترجموا الى لغاتهم القومية الادب الروسي في القرن التاسع عشر و الادب الروسي في القرن العشرين والادب الروسي المعاصر , واخيرا الشعر الروسي . لقد نادوا للصعود الى منصة المسرح اربعة مرشحين لكل جائزة , ثم تم الاعلان عن فائز واحد منهم للجائزة , اما الاخرون فقد استلموا شهادة تكريمية فقط , وقد سررت جدا , عندما نادوا على زميلنا المترجم المبدع عبد الله حبه ضمن مترجمي الادب الروسي في القرن العشرين باعتباره قد ترجم الى العربية رواية بولغاكوف  الحرس الابيض ( انظر مقالتنا بعنوان – رواية بولغاكوف الحرس الابيض بالعربية ) . وعلى الرغم من عدم حصول المترجم الكبير عبد الله حبه على الجائزة تلك , الا ان وقوفه ضمن المرشحين الاربعة وحصوله على شهادة التكريم من لجنة التحكيم تعتبر بحد ذاتها عملا يثير الفخر و الاعتزاز  لكل العراقيين والعرب جميعا , اذ انه كان قاب قوسين من نيل الجائزة .   
    تم افتتاح اعمال المؤتمر بجلسة عامة في القاعة الكبرى لمكتبة الادب الاجنبي , حيث تحدّث اربعة من اعضاء الوفد الروسي وواحدة من اعضاء الوفد الفرنسي , وتوقف المحاضرون الروس عند شعار المؤتمر ( الترجمة الادبية باعتبارها وسيلة الدبلوماسية الثقافية ) , وعند عام 2018 باعتباره عام وحدة الادب الروسي الكلاسيكي , وذلك لان روسيا في هذا العام بالذات تحتفل بذكرى الميلاد اليوبيلي لكل من تورغينيف وتولستوي وغوركي وماياكوفسكي وسولجينيتسن ( انظر مقالتنا بعنوان – روسيا تحتفل بذكرى سولجينيتسن وغوركي وتورغينيف ) حيث تحدث المحاضر قليلا عن كل واحد من هؤلاء الادباء الكبار واعتبر هذه الاحتفالات اعلانا لوحدة الادب الكلاسيكي الروسي بغض النظر عن موقع واهمية كل اسم من تلك الاسماء, و كذلك تحدثوا بعدئذ عن موقع ومكانة اللغة الروسية في عالم اليوم ,  واخيرا عن الاسماء والظواهر الجديدة في الادب الروسي بروسيا اليوم , اما المندوبة الفرنسية فقد تحدثت عن حركة ترجمة الادب الروسي في فرنسا وصولا الى ما يمكن ان نسميه – ( المكتبة الفرنسية للادب الروسي) , وهو مصطلح بدأ يطرق اسماعنا في الفترة الاخيرة ويرتبط طبعا بحركة ترجمة  الادب الروسي الى لغات العالم الرئيسية , ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان عنوان كلمتها كان كما يأتي – (المترجم يجب ان يعرف كل شئ ). ثم توزعت اعمال المؤتمر بعد جلسة الافتتاح تلك الى ثمانية أقسام , وكانت هناك طبعا قاعة خاصة لكل قسم , وذلك حسب طبيعة البحوث التي يقدمها كل مشارك , وهذا أمر طبيعي جدا في مؤتمر عالمي يشارك فيه (277) مندوبا . ان هذا التنوع في طبيعة البحوث قد حرمني طبعا من الاستماع الى العديد من تلك الكلمات , التي رغبت بالاستماع اليها عندما اطلعت على عناوين البحوث في دليل المؤتمر , فقد وضعت اشارة عند  تلك البحوث , منها على سبيل المثال وليس الحصر , بحوث الزملاء العرب د. مكارم الغمري ( من مصر ) التي تحدثت عن دور الترجمة في بلورة الاجناس الادبية في المسرح العربي بمصر نموذجا , ود.محمد الجبالي ( من مصر ) الذي تحدث عن صعوبات الترجمة الادبية من اللغة الروسية الى العربية ومن العربية الى الروسية , و د. ثائر زين الدين (من سوريا )  الذي تحدث عن وزارة الثقافة في سوريا وتجربتها بتنظيم ترجمات الادب الروسي باللغة العربية , وهو موضوع كبير يقف منذ زمن طويل امام كل مترجمي الادب الروسي في العالم العربي . هناك طبعا الكثير من البحوث الاخرى الطريفة والمهمة , وأشير الى بعضها ليس الا , اذ أثار اهتمامي البحث الموسوم – ( بوشكين الفارسي – شاعر ام ناثر؟ ) لباحث ايراني , ويتناول صعوبات ترجمة شعر بوشكين الى الفارسية , او , ( الترجمة الى نفس اللغة ولكن في بلدين اثنين) لباحثة فنلندية , وهي مشكلة تقف امام المترجمين العرب , او , ( مشاكل ترجمة عناوين الكتب )  لباحثة بريطانية , او , ( فلسفة النص والتعبير عنها في الترجمة / الشعر الغزلي عند حافظ في الترجمة الى الروسية نموذجا) لباحث أذربيجاني , او , ( ترجمة حكايات تولستوي لاطفال المكسيك ) لباحثة مكسيكية , وغيرها من البحوث المهمة والمرتبطة بواقع الترجمة ومشاكلها . وباختصار , فقد كان هذا المؤتمر فرصة رائعة للاطلاع على قضايا الترجمة من الروسية الى اللغات الاخرى وبالعكس , وقد كانت الادارة وتنظيمها للمؤتمر ناجحة جدا , ودقيقة    جدا , وكم اتمنى ان نتعلم من ذلك التنظيم في مؤتمراتنا العربية .

438
مسرحيتان لاستروفسكي بترجمة أ.د. مكارم الغمري
أ.د. ضياء نافع
هذا حدث مهم لمتابعي و عشّاق الادب الروسي باللغة العربية , واغناء كبير للمكتبة العربية في الادب الروسي بآن واحد , اذ أصدرت الهيئة المصرية العامة للكتاب العام 2016 , وضمن سلسلة الألف كتاب الثاني / نافذة على الثقافة العالمية – كتابا للاديب المسرحي الروسي ألكساندر استروفسكي ( انظر مقالتنا بعنوان  استروفسكي – شكسبير روسيا ) يضم مسرحيتين له تحت عنوان ثانوي هو – من روائع المسرح الروسي , بترجمة وتقديم أ.د. مكارم الغمري عن الروسية طبعا ( انظر مقالتنا بعنوان – مكارم الغمري والادب الروسي ) , وبهذا الاصدار تكون الغمري ( التي طالما غمرتنا بابداعاتها الجميلة حول الادب الروسي !) قد أنجزت ترجمة ثلاث مسرحيات للكاتب المسرحي الروسي استروفسكي ضمن تلك المساهمات المهمة في  هذا المجال , اذ سبق لها ان ترجمت مسرحية ( الغابة ) , والتي صدرت ضمن السلسلة المشهورة - ( من المسرح العالمي) في الكويت العام 1984 , ولو تأملنا فقط الفرق الزمني بين الاصداريين ( وهو اكثر من ثلاثين سنة!) لوجدنا الاجابة عن سؤال يدور في أذهان الكثيرين حول القيمة الحقيقية والعميقة لمكانة أ.د. مكارم الغمري في حياتنا الفكرية العربية المعاصرة ودورها الفعّال في نشر الادب الروسي بعالمنا العربي , ولماذا حازت هذه الباحثة المصرية على هذا التقدير المتميّز في الاوساط العربية والروسيّة على حد سواء .
يقع الكتاب في( 176) صفحة  من القطع الكبير , وبغلاف رائق  أخّاذ يتناسق مع روح المسرح وجماليته وارتباطه بالحياة الانسانية , ولا يمكن لكتاب تترجمه ألاستاذة الجامعية والباحثة القديرة د. مكارم الغمري ان يكون خاليا من مقدمة علميّة تكتبها له , مقدمة تضفي على النص المترجم نظرة موضوعية متكاملة تجعل القارئ مستعدا نفسيا لاستيعاب ذلك النص الادبي , وقد جاءت تلك المقدمة ( الدسمة!) من صفحة رقم( 7) الى صفحة رقم (18)  , والتي يمكن القول انها دراسة معمّقة وجيزة لادب استروفسكي وعصره. تناولت الغمري في بداية مقدمتها خصائص مسرح استروفسكي وموقعه في ظل تيارات اجتماعية وفكرية مختلفة في روسيا آنذاك , والصراعات التي كانت قائمة بين عدة تيارات , ابرزها الصراع بين انصار التوجّه نحو الغرب الاوربي , الذين كانوا يرون ان روسيا يجب ان تسلك طريق الاصلاحات الاوربية الغربية , وبين انصار الرجوع الى الروح السلافية , الذين كانوا يؤكدون على خصوصية طريق روسيا المغاير لطريق الغرب الاوربي , ومن الطريف هنا ان نشير , الى ان كلاهما ( انصار الغرب وانصار السلاف ) كانا يعتقدان , ان استروفسكي هو واحد منهم , ولا يسمح المجال بالاستطراد اكثر في اطار هذه المقالة . تتوقف د. مكارم في مقدمتها لاحقا عند مكانة استروفسكي في تاريخ الادب الروسي ولماذا يعتبرونه ( مؤسس المسرح القومي الروسي ) , ولماذا يعدّ لحد الان قريبا من القارئ والمشاهد الروسي المعاصر بما يطرحه من قضايا اخلاقية وانسانية ترتبط بكل مكان وزمان .  تتطرّق الباحثة في مقدمتها حتى الى الحديث عن موضوع الرقابة على الابداع الادبي في روسيا القيصرية , ثم في الفترة السوفيتية , ثم ما بعد تلك الفترة , وتربط هذا الموضوع الخطير بتاريخ روسيا ومسيرتها , والكلام عن الرقابة يذكرنا بواقعنا طبعا , ورغم ان الباحثة لم تتطرّق الى ذلك , ولكن ( الحليم تكفيه الاشارة !) . تتوقف الباحثة لاحقا عند كل مسرحية من المسرحيتين في هذا الكتاب , وتعطي تلخيصا موضوعيا للافكار الرئيسية في كل مسرحية , وتربط تلك الافكار والاحداث بالواقع المصري , وتحاول ايجاد سبل المقارنة حتى مع ثلاثية نجيب محفوظ وابطالها , وعلى الرغم من انها لم تتوسّع في هذا الجانب , الا ان تلك المقارنة الوجيزة بين استروفسكي ونجيب محفوظ تمتلك اهميتها بالنسبة للمهتميّن العرب بموضوعة الادب المقارن , وكذلك بالنسبة للمستشرقين الروس . وتتناول الباحثة في مقدمتها تلك صعوبة ترجمة مسرحيات استروفسكي , لان الكاتب المسرحي هذا كان ( يتعامل مع اللغة بصفتها وسيلة لتصوير الطابع الانساني ) كما تشير د. مكارم الغمري , ولهذا نرى في نصوصه الكثير من التعابير الدارجة والامثال الشعبية , بل ان عنوان المسرحية التي ترجمتها هو عبارة عن مثل شعبي روسي (كما هو حال عدة مسرحيات اخرى له ) , وتتحدث المترجمة عن ذلك وتقول انها بحثت عن مثل شعبي مقارب من حيث المعنى كي تحتفظ بروحية العنوان الذي اطلقه استروفسكي على مسرحيته , وهكذا اصبح عنوان تلك المسرحية في الترجمة العربية – ( لا بينا ولا علينا ) .
تصفيق حاد للمبدعة أ.د. مكارم الغمري على كل ما قدّمته من مساهمات عميقة في مجال العلاقات الثقافية العربية – الروسية , وكل الشكروالتقدير للهيئة المصرية العامة للكتاب وسلسلة الالف كتاب الثاني , والتي تطلق على نفسها تسمية  دقيقة ومعبّرة فعلا وهي – ( نافذة على الثقافة العالمية).

 


439
كتابان بترجمة احمد عبد الكريم حميد عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
استلمت بالبريد الاعتيادي الذي كدت انساه ( وليس الالكتروني ) كتابين مترجمين عن اللغة الروسية صدرا في بغداد . هذا حدث هائل جدا وجميل جدا بالنسبة لي شخصيا - هائل لأن الذي قام بترجمة الكتابين هو واحد من طلبتي المبدعين الشباب ( وهي سعادة قصوى لأي معلّم في العالم , عندما يرى ويتلمّس باليد ثمار تلك الشجرة التي غرسها يوما ما في مجال عمله و ارض وطنه !) , وجميل لأنه يؤكد ويثبت بما لا يقبل الشك, ان الحياة الثقافية مستمرة في العراق رغم كل ما يحدث هناك من كوارث ومصائب وصراعات دموية نراها ونسمع بها يوميا.
اريد هنا طبعا ان اتوقف عند هذين الكتابين المترجمين قليلا ( بعد ان اطلعت عليهما بامعان ), وان اقدمهما الى القراء , وان اكتب انطباعاتي حولهما. الكتاب الاول بعنوان – ( فلاديمير بوتين ) , والثاني بعنوان – ( ما لا تعرفه عن كرة القدم الروسيّة ) , وساكون مضطرا للتوقف عند الكتاب الاول فقط , اذ لا تتحمل طبيعة مقالتنا الحديث عن الكتابين معا , واتمنى ان تسنح الفرصة لي للحديث عن الكتاب الثاني لاحقا , علما انه سبق لنا ان تحدثنا عن كتاب سابق للمؤلف نفسه في هذا الموضوع – ( انظر مقالتنا بعنوان – المعجم الروسي العربي في كرة القدم ) . 
الكتاب الذي سنتناوله هنا جاء بعنوان – ( فلاديمير بوتين ) , وعليه صورة ملوّنة كبيرة للرئيس الروسي , اما الغلاف الاخير فعليه ست صور ملوّنة لبوتين بوضعيات مختلفة , ويجب القول رأسا , ان اخراج الكتاب قد تم بشكل جميل وجذّاب , ويجلب انتباه القارئ اليه فعلا . يقع الكتاب في 128 صفحة من القطع المتوسط , وهو صادر عام 2017 في بغداد عن مؤسسة ثائر العصامي . الملاحظة الاولى التي أثارت استغرابي رأسا هو ان المترجم لم يذكر اسم مؤلف الكتاب , وانما جاء على الغلاف فقط – ترجمة احمد عبد الكريم حميد ( دون ذكر اللغة التي تمت عنها الترجمة , وهذا شئ مؤسف , رغم انه شئ شائع جدا في العراق ومعظم بلدان العالم العربي ) , ولم أجد اي اشارة  حتى في مقدمة المترجم الى المصدر الذي قام المترجم بترجمته , ولكني وجدت جوابا على (استغرابي !) هذا في نهاية الكتاب , حيث توجد المصادر والمراجع ( ص121 و 122 , فهناك 17 مصدرا و 8 مصادر من الانترنيت , وكلها باللغة الروسية) , وهكذا فهمت , ان احمد عبد الكريم حميد كان محقّا , عندما كتب على غلاف كتابه , انه ( ترجمة ) , ولكنه ( ربما تواضعا , او , ربما نتيجة لعدم الدقة من قبله او من قبل الناشر ,او, ربما لاسباب اخرى ) لم يكتب على ذلك الغلاف انه – ( ترجمة واعداد) , وفي كل الاحوال , فان ذلك شئ غير صحيح بتاتا , خصوصا بالنسبة لكتاب يتناول شخصية سياسية عالمية بمستوى بوتين وباللغة العربية , اذ ان الكتاب هذا يعدّ اليوم مصدرا مهما للكثير من الباحثين العرب الذين لا يتقنون اللغة الروسية حول هذه الشخصية المهمة والتي تثير الجدل في الحياة الدولية. اضافة الى كل ما ذكرته , فاني وجدت في هذا الكتاب ( من ص 93 الى ص119)  89 هامشا تفصيليا عن شخصيات روسية معاصرة وظواهر سياسية مطروحة بحدة في السياسة الدولية قلما يجد القارئ العربي عنها وعنهم معلومات  علمية دقيقة ومتبلورة, كالتي جاءت هناك في تلك الهوامش , اذ انه ( اي المترجم) أخذها من مصادرها الروسية الاصلية وترجمها وعرضها بموضوعية عالية فعلا وتعتمد على الوقائع المجرّدة ودون استطرادات عاطفية.  ان كتابة (89 ) هامشا تفصيليا حول هذه المجموعة الكبيرة من الشخصيات الروسية والظواهر السياسية بحد ذاته يعدّ عملا علميا رائدا واصيلا , ويضفي على هذا الكتاب صيغة الاعداد العلمي الرصين . لقد كنت احلم ( عندما كنت عميدا لكليّة اللغات في جامعة بغداد من 2003 الى 2006 ) ان اؤسس في كل قسم من أقسام اللغات وحدة خاصة ملحقة بذلك القسم تسمى – (وحدة البحوث ) , وتكون مهمتها تكليف ومتابعة كل تدريسي في ذلك القسم بالقيام بنشاط علمي وترجمي خارج بحوثه العلمية المرتبطة بترقيته العلمية , نشاط يرتبط باختصاصه اللغوي ويكون مفيدا للمجتمع بشكل عام , وذلك لاقامة الجسور بين الجامعة والمجتمع , وقد عرضت هذا المقترح على مجلس الجامعة بعد ان بلورناه في مجلس الكليّة , ولازلت أتذكر ردود فعل أعضاء مجلس الجامعة السلبية على ذلك الاقتراح ( ويشهد بذلك أ.د. موسى الموسوي رئيس الجامعة آنذاك ) , مما اضطرني الى سحب المقترح في تلك الجلسة الصاخبة , وتحويله الى وحدة ادارية عامة في الكليّة ليس الا , خوفا من نسفه كليّا , بعد ان فهمت ان الوضع العام غير مستعد لمثل هذه المقترحات . لقد تذكرت هذا المقترح وتلك الاجواء التي كانت محيطة به , عندما كنت اطالع هذا الكتاب , اذ ان مترجمه أحمد عبد الكريم حميد هو الابن البار لقسم اللغة الروسية في كليّة اللغات , وقد استطاع فعلا ان يستخدم معرفته الممتازة للغّة الروسية , وان يعطي للقارئ العربي صورة متكاملة عن الرئيس الروسي بوتين من أصله وطفولته وشبابه وخدمته في جهاز المخابرات السوفيتية الى عائلته واطفاله ومعلومات عن دخله , اضافة طبعا الى موقعه الرسمي في الدولة الروسية حاليا خلال ربع قرن تقريبا من الزمن , اي ان المترجم استطاع ان يمنح للمكتبة العربية مصدرا مهما جدا يمكن الاعتماد عليه , وهو نشاط علمي خارج نطاق بحوث الترقية , وليس ذلك بالامر الهيّن .
تحية لاحمد عبد الكريم حميد على جهده العلمي المفيد , واتمنى له ولقسم اللغة الروسية الحبيب في كليّة اللغات التقدم والازدهار.

440

اريد ان اعانق زهورك ايها الوطن


قصيدة للشاعر المعاصر أرتور  مونتيرو  فيغا / كوستاريكا

ترجمها عن الروسية أ.د. ضياء نافع


رغم الكراهيّة والانين والمصائب حولنا ،
ورغم تجمّد الصمت في حدقات عيوننا ،
ورغم ان الانهار تجرف الى البحر دماءنا ،
ورغم ارتجاف الزهور برعب في ليلنا ،
ورغم العتمة المريرة في حقولنا ،
ورغم ان الغبار  يحجب الضياء عن نباتنا ،
ورغم ان اللهيب قد خمد في  شمسنا ،
ورغم ان الحقد قد قطّب في الفجر حواجبنا ،
ورغم ان هديل الحمام قد  اختفى من حولنا ،
ورغم ان الدموع قد حجبت وضوح رؤيتنا ،
ورغم ان الحياة والموت يتصارعان في ساحاتنا ،
ورغم ان الكوارث  تخيّم على قلوبنا -
اريد ان اعانق زهورك ايها الوطن
 رغم انف كافة احزاننا .


قال لي صاحبي , هذا شاعر عراقي يكتب باسم مستعار , ولا علاقة له بكوستاريكا , وضحكنا كلانا , ولكن ضحكنا كان ( كالبكا !!) كما يقول المتنبي.
المترجم

441
شوارع موسكو باسماء الادباء الروس
أ.د. ضياء نافع
سألتني فلانة فلانوفنا الروسيّة في باريس – ما أخبار شارع تفيرسكايا في موسكو؟ وفلانة فلانوفنا كانت ممثلة شابة في مسرح موسكو الفني ( الذي يرتبط باسم ستانسلافسكي) قبل ثورة اكتوبر 1917 في روسيا ( وكانت تفتخر دائما انها عاصرت اولغا كنيبر- تشيخوفا أرملة الكاتب الروسي الشهير تشيخوف ) , وتركت روسيا بعد الثورة مثل الكثير من المثقفين الروس , والتقيتها انا في باريس نهاية الستينات من القرن العشرين, ضمن مجاميع اللاجئين الروس هناك , والذين كانوا يسمونهم ( الروس البيض ) تمييزا عن ( الروس الحمر)( انظر مقالتنا بعنوان – مع اللاجئين الروس في باريس ) . سألتني فلانه فلانوفنا ذلك السؤال عندما عرفت اني درست في موسكو . نظرت اليها بتعجب وقلت لها – لا أعرف شارعا في موسكو بهذا الاسم يا فلانة فلانوفنا . تعجبت هي ايضا من اجابتي , وقالت لي – كيف يمكن لشخص درس في موسكو طوال سنين ولا يعرف الشارع الرئيسي فيها , قلت لها , ان الشارع الرئيسي في موسكو هو شارع غوركي , فقهقت وقالت , انه شارع تفيرسكايا يا عزيزي منذ قرون طويلة, وان البلاشفة هم الذين غيّروا اسمه التاريخي واطلقوا عليه تسمية - شارع غوركي , فقهقت أنا ايضا, وقلت لها - انه شارع تفيرسكايا بالنسبة لك ولكنه شارع غوركي بالنسبة لي, وان البلاشفة حافظوا على رونقه وروعته و زادوها جمالا ورشاقة وازدهارا , رغم انهم غيّروا اسمه ( لم نكن نحن الطلبة العرب و الاجانب في موسكو نعرف عندها بشكل عام كل تلك الوقائع الدقيقة وتفاصيلها في التاريخ الروسي الطويل والعريق ). تذكرت هذه الحادثة الطريفة قبل ايام , عندما كنت أسير في شارع تفيرسكايا بموسكو , اذ أعادت روسيا الاتحادية لهذا الشارع اسمه القديم منذ تسعينيات القرن الماضي , وقلت بيني وبين نفسي – نامي بهدوء في قبرك بضواحي باريس يا فلانة فلانوفنا , فقد عاد اسم شارعك الحبيب الى الحياة كما توقعت عندئذ عندما دردشنا آنذاك معا !  نعم  , لم يعد هناك شارع يحمل اسم غوركي في موسكو بعد هذا التغيير الذي حدث آنذاك ,  غير ان  متنزه الثقافة الكبير في موسكو ( بارك كولتوري ) لازال يحمل اسم غوركي , والمتنزه هذا هو الرئة التي تتنفس بها العاصمة الروسية ,
لكن شوارع موسكو تحمل اسماء الادباء الروس الآخرين في كل انحاء المدينة, وقد قال لي مرّة أحد الطلبة العرب ضاحكا, انه يمكن دراسة الادب الروسي بكافة مراحله وانت تتنزه في شوارع موسكو, وهي ملاحظة طريفة حقا وصحيحة فعلا , فهناك شوارع تحمل اسماء ادباء القرن الثامن عشر , وشوارع تحمل اسماء ادباء القرن التاسع عشر, وادباء القرن العشرين , وحتى ادباء القرن الحالي ايضا , واقدم للقارئ العربي هنا قائمة بابرز اسماء هؤلاء الادباء الروس حسب تسلسل حروف الهجاء العربية , ( اكرر انهم الابرز , وليس كل الاسماء ) , وهم –
اسييف ( شاعرومترجم من القرن 20) / اوديفسكي (كاتب من القرن 19 ) / باوستوفسكي ( كاتب من القرن 20 ) / باغريتسكي ( شاعر من القرن 20 )/ بليشييف ( شاعر وكاتب ومترجم من القرن19 ) /  بوشكين ( غني عن التعريف ) / بونين ( كاتب وشاعر من نهاية القرن 19 واواسط القرن 20) / بيدني ( شاعر من القرن 20) / تفاردوفسكي ( شاعر من القرن 20) / تشرنيشيفسكي ( ناقد  من القرن 19) / توتشيف ( شاعرمن القرن 19 )/ تولستوي ( غني عن التعريف ) /  دابرالوبوف ( ناقد من القرن 19 ) /  دستويفسكي ( غني عن التعريف) / راديشيف (كاتب من القرن 18 ) /  سولجينيتسن (كاتب من  القرن 20 ) / سيرافيموفيتش ( كاتب من اواسط القرن 19 واواسط القرن 20) /  سيمونوف ( شاعر و روائي من القرن 20 ) / شولوخوف ( كاتب من القرن 20)  / غانجيروف ( كاتب من القرن 19 ) / غوغول ( غني عن التعريف ) / فانفيزين ( كاتب مسرحي من القرن 18) / فادييف ( كاتب من القرن 20 ) / فيريسايف (كاتب وناقد من نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 ) / فيسوتسكي ( شاعر وممثل مسرحي ومغني من القرن 20) / كارامزين ( كاتب ومؤرخ من القرن 18 ) / كارولينكو ( كاتب من نهاية القرن 19 وبداية القرن 20 ) / ليسكوف ( كاتب من القرن 19 ) / ليرمنتوف ( غني عن التعريف ) / لامانوسوف ( كاتب وعالم من القرن 18 ) / ماكارينكو ( كاتب من نهاية القرن 19 واواسط القرن 20 ) / ماياكوفسكي ( غني عن التعريف ) / نوفيكوف ( كاتب من اواسط القرن 18 وبداية القرن 19 ) / يسينين ( شاعر من القرن 20) .
ختاما لهذه النظرة السريعة , اريد ان اتجاسر بالتعبير عن تمنياتي واقول , اني احلم في ان يكون عندنا في بغداد يوما ما شارع باسم الجواهري و بدر شاكر السياب  ونازك الملائكة وجواد سليم وعلي الوردي وفؤاد التكرلي وغائب طعمه فرمان ووووووو...

442
المنبر الحر / بوشكين روائيا
« في: 20:24 26/08/2018  »
بوشكين روائيا
أ.د. ضياء نافع
قلت له , ان ( ابنة الضابط ) حسب ترجمة سامي الدروبي , او ( ابنة الآمر ) حسب ترجمة غائب طعمه فرمان , هي ليست رواية , والتي يسمونها بالروسية ( رومان او رامان حسب قواعد التلفّظ الروسي ) , وانما هي رواية قصيرة , ويسمونها بالروسية ( بوفست / الباء بثلاث نقاط) , وان بوشكين كتب ( يفغيني اونيغين ) , وهي (رواية  بالشعر) كما أسماها بوشكين , وتعد العمل الابداعي المركزي والكبير لبوشكين , لانه استطاع ان يقدّم  هناك نفسه باعتباره روائيا وشاعرا في آن واحد, وان دور النشر الروسية لازالت تطبع هذه الرواية لحد الآن , لانها لازالت مطلوبة من القراء الروس , وحكيت له , كيف اني قمت مرة بالتدريس في مدرسة روسية عندما كنّا طلبة في الكلية ( وذلك ضمن درس التطبيقات وبحضور واشراف الاستاذ الروسي ) , وطلبت من التلاميذ ان يقرأوا عن ظهر قلب رسالة تاتيانا ( بطلة تلك الرواية) الى اونيغين ( بطل الرواية هذه ) , فاذا بجميع التلاميذ يرفعون ايديهم لدرجة اني احترت ولم اعرف من اختار لقراءة ذلك المقطع الجميل , والذي يعرفه كل التلاميذ عن ظهر قلب . تعجب صاحبي من هذا القول الذي على ما يبدو انه يسمعه لاول مرة , وأجابني , ان ذلك يتعارض مع كل المعلومات التي يعرفها عن الادب الروسي , والتي اكتسبها من القراءة الواسعة للمصادر العربية عن هذا الادب, ثم سألني - وهل توجد ترجمة عربية لرواية بوشكين الشعرية هذه ؟ فقلت له , اني سمعت مرة من أحدهم ( ولست متأكدا من صحة هذه القصة ) , ان الجواهري ( والذي لم يكن يعرف اي لغة اجنبية )  طرح هذا السؤال على مجموعة من المحيطين به , لانه اراد ان يتعرّف على  عظمة بوشكين ومكانته في مسيرة الادب الروسي ,  والتي سمع عنها الكثير الكثير , وقد جلبوا له فعلا ترجمة عربية لتلك الرواية , وبعد ان اطلع عليها لم تعجبه بتاتا, بل واستخف بها , وقد قلت للشخص الذي حكى لي هذه القصة , ان الجواهري لم تعجبه الترجمة العربية لتلك الرواية , وليس عمل بوشكين الابداعي ذاك , وحكيت له , ما قاله أراغون مرة حول ذلك , اذ سأله أحد الصحفيين – لماذا لا يترجم الى الفرنسية رواية بوشكين هذه , خصوصا وان زوجته الكاتبة الفرنسية الزا تريوليه هي روسية الاصل , وانهما معا يستطيعان ان يقدما ترجمة فرنسية جيدة لتلك الرواية ؟ فقال أراغون – انه حاول ذلك طوال حياته ولكنه لم يستطع ان يترجم سوى فصلا واحدا من تلك الرواية . ومن الواضح تماما , ان اراغون اراد ان يقدم  طبعا عملا ترجميا حقيقيا يليق ويتناسب  مع مستوى بوشكين بالروسية واراغون بالفرنسية . سألني صاحبي – ولماذا لا تترجم انت هذه الرواية الى العربية ؟ فضحكت وقلت له – اني  احاول طوال حياتي ان اترجم قصائد بوشكين , وقد استطعت ان اترجم قصيدتين فقط – الاولى قصيدة (النبي) للمشاركة في جائزة اليونسكو بمناسبة الذكرى المئوية الثانية لميلاد بوشكين  العام 1999( انظر مقالتنا بعنوان – بوشكين واليونسكو وجواد الحطاب ) , والثانية قصيدة صغيرة بلا عنوان , ويطلقون عليها عنوان الشطر الاول منها وهي – كنت اظن ان القلب قد نسى , ونشرتها في مجلة جمعية المترجمين العراقيين في حينها , فقال – ومن سيترجم روايه بوشكين الشعرية اذن ؟ فضحكت مرة اخرى وقلت له – اذا الشاعر الفرنسي الكبير اراغون لم يستطع ذلك , فكيف تريدني ان اترجمها انا ؟ فأجابني – اريد جوابا محددا ودقيقا , فانا ارغب بقراءة هذه الرواية فعلا بعد حديثك الممتع عنها, فقلت له – تعلّم اللغة الروسية , وعندها يمكنك ان تقرأ تلك الرواية وغيرها من النتاجات الادبية الخالدة للادباء الروس, وعندها ستفهم من هو بوشكين – شاعر السهل الممتنع , وما سر عظمته وخلوده في مسيرة الادب الروسي والتاريخ الروسي ايضا , ولماذا يطلقون عليه في روسيا تسمية – ( شمس الشعر الروسي !).

443
مع د. ديكران يوسف كيفوركيان في موسكو
أ.د. ضياء نافع
اخيرا سنحت لي الفرصة ان التقيه وادردش معه حول الزمن الجميل , الذي قضيناه معا في جامعة موسكو ايام الدراسة فيها في ستينيات القرن العشرين , اي قبل حوالي  (60)  سنة مضت , اذ كنّا معا في العام الدراسي 1960/1961 فصاعدا , هو طالب عراقي شاب في كليّة الجيولوجيا بجامعة موسكو , وانا في كليّة الفيلولوجيا بنفس الجامعة , وكنّا نعيش في القسم الداخلي للطلبة معا , كل في الطابق المخصص لطلبة كليته , وغالبا ما كنّا نلتقي في المطعم الطلابي او في الممرات... انه صديقي القديم الدكتور ديكران يوسف كيفوركيان.
 لقد تحدثنا كثيرا عن تلك الذكريات المشتركة في مرحلة ( الصبا والجمال ) , ولكن الاحاديث تمركزت طبعا و
 قبل كل شئ عن زملائنا الذين رحلوا , وكان آخرهم المرحوم الدكتور عدنان عاكف ( انظر مقالتنا بعنوان – عراقيون مرّوا بموسكو / د. عدنان عاكف ). قلت له , اني ذكرت في تلك المقالة أسماء بعض الزملاء في كليّة الجيولوجيا , الذين درسوا معه , ومنهم الشهيد الدكتور حامد الشيباني , وأعرف انك كنت تعمل معه في شركة النفط الوطنية في بغداد آنذاك , فكيف حدث اعتقاله وهو في عمله بالشركة ؟ أجابني د . ديكران قائلا – نعم , هذا صحيح , كنّا نعمل معا , وقد برز المرحوم د. حامد في عمله , واصبح عضوا في لجنة تابعة لوزارة التخطيط مسؤولة عن خطط النفط والغاز في العراق , حيث كان يمثّل الشركة , وقد تعرّض الى ضغوط المنظمة الحزبية للبعث من اجل التسجيل لديهم , وكان يرفض بشدة هذه الضغوط , بل ويستهزأ بهم , وكانوا هم يعرفون طبعا انه يرتبط بالحزب الشيوعي , اذ ان نشاطه هناك كان شبه علني , فقد كان مسؤولا عن احدى اللجان المحلية , وكم حاولت – بحكم الصداقة القريبة معه – ان اثنيه عن الاستهزاء بهم , اذ انني كنت أخشى عليه من غدرهم وحقدهم نتيجة مواقفه الحادة ضدهم , لكن سبق السيف العذل كما يقولون . سألته – وكيف حدث هذا ؟ فقال – جاءت في احد الايام مجموعة كاملة واغلقت جميع ابواب الشركة , وقد علمنا جميعا بذلك , وجاء المرحوم د. حامد اليّ واعطاني مفتاح سيارته , وقال لي , اني أشعر بانهم سيعتقلوني , وطلب منيّ ان اعطي مفتاح سيارته الى أخيه في حالة اعتقاله , وهذا ما حدث بالضبط , اذ انهم أخبروه , انه مطلوب في وزارة التخطيط , ولكنه قال لهم , انه لا يوجد اليوم اجتماع اللجنة هناك , فأصرّوا على ذلك الامر وأجبروه على الذهاب معهم , وهكذا اضطر الى الخروج من الدائرة معهم ولم يعد ابدا , وكم حاول اهله ان يعرفوا مصيره , ولكن عبثا , ومنذ عام 1974 وطوال فترة حكم البعث لم يستطيعوا معرفة اي شئ عنه , وبعد سقوط النظام حاولوا ايضا , ولكنهم لم يحصلوا على اي نتيجة , وهكذا أقاموا له عندئذ مجلس الفاتحة ( اي بعد ثلاثين سنة من اعتقاله !) , وحضر فيها بعض الزملاء الذين كانوا في بغداد , ومنهم المرحوم د. عدنان عاكف . وهكذا خسر العراق واحدا من كبار الاختصائيين الجيولوجيين في مجال استكشاف النفط والغاز. وقد حدثني د. ديكران , كيف حصل الشهيد حامد على شهادة الماجستير في كلية الجيولوجيا بجامعة موسكو بجدارة , وكيف اقترح عليه مشرفه العلمي بضرورة الاستمرار بدراسته لاكمال بحثه العلمي وتطوير النتائج التي توصل اليها عند اعداد اطروحة الماجستير, وكيف استطاع المرحوم ان يبرر اقتراح مشرفه العلمي , وكيف انه كان ( رفعة راس) العراقيين في كليته آنذاك , وحصل على شهادة الدكتوراه فعلا , وكيف انه عاد رأسا الى العراق وتم تعينه في شركة النفط الوطنية , وكيف برز في عمله واختصاصه المهم للعراق ...الخ . لقد ترك الشهيد د. حامد زوجته الشابة واهله وكان في ريعان شبابه . قلت لديكران , أليس من الضروري ان نسجل كل هذه الاحداث والوقائع في تاريخ الخريجين العراقيين من الجامعات الروسية , وان نتحدث بها وحولها للاجيال الجديدة ؟ قال – طبعا , رغم ان مصائب العراق اصبحت كثيرة جدا منذ اكثر من نصف قرن الاخير في مسيرة تاريخنا . واتفقنا معا , ان نسجل هذه الاحداث , ا لتي حدثت للشهيد د. حامد الشيباني وللشهيد د. عبد الرزاق مسلم وللشهيد الفنان د. شمس الدين فارس وبقية الزملاء من خريجي الجامعات الروسية , وانه من الضروري العمل معا من اجل تخليدهم , ولو في كتاب يضم كل هذه التفاصيل المهمة والرئيسية , التي حدثت لهم , والتي يمكن ان تتكرر مع الآخرين , وكم اتمنى ان تتبنى الجمعية العراقية لخريجي الجامعات الروسية في العراق هذه الفكرة وتحاول تنفيذها وتحقيقها .     

444
نجوم في سماء كلية اللغات ببغداد (2)
أ.د. ضياء نافع
هذه هي الحلقة الثانية من مقالاتي حول نجوم كلية اللغات في جامعة بغداد , والتي اكتبها بمناسبة مرور (60) عاما على تأسيسها ( انظر مقالتينا بعنوان – ستون عاما على تأسيس كليّة اللغات بجامعة بغداد / و / عود على الذكرى الستين لتأسيس كليّة اللغات . ) . لقد توقفت في الحلقة الاولى عند المرحومة حياة شرارة ( من قسم اللغة الروسية ) وعند المرحوم الشهيد فؤاد ابراهيم ( من قسم اللغة الالمانية ) , و اتوقف اليوم عند  أسمين اخرين من الراحلين ايضا (وحسب الترتيب الهجائي للاسماء طبعا) , وهما كل من –  المرحوم علي يحيى منصور( من قسم اللغة الالمانية) والمرحومة ماري القطيفي ( من قسم اللغة الفرنسية).
علي منصور
=======
الاستاذ الدكتور علي يحيى منصور رحل في هذا العام ليس الا (2018), ( انظر مقالتنا بعنوان – أ.د. علي يحيى منصور ..وداعا ) . ذكرت في  تلك المقالة , ان علي منصور ترك عدة مخطوطات ولم يحاول ان ينشرها لعدة اسباب اهمها طبعا تواضع العلماء, و اعلنت في تلك المقالة , ان دار نوّار للنشر مستعدة لطبعها ونشرها , وكتبت باني اعرف ضمن تلك المخطوطات - (معجم المصطلحات الادبية / الماني – عربي ) , وقد كتب د. عماد مبارك غانم من المانيا تعليقا على تلك المقالة يقول فيه , ان تلك المخطوطة توجد لديه . ان د. عماد مبارك غانم هو أحد طلبة المرحوم أ.د. علي يحيى منصور , وقد تم الاتصال بالدكتور عماد حول تلك المخطوطة , وكلنا أمل ان تثمر هذه المحاولات , وان يصدر معجم المصطلحات الادبية الالماني – العربي بتأليف الاستاذ الدكتور علي يحيى منصور , وسيكون هذا الاصدار ( في حالة تحقيق اصداره ان شاء الله ) خير تخليد لواحد من علماء كلية اللغات .
ماري القطيفي
=========
وصلت السيدة الفرنسية ماري القطيفي الى بغداد في اوائل خمسينات القرن العشرين مع زوجها الدكتور عبد الحسين القطيفي , واصبحت مدرّسة اللغة الفرنسية في العراق , واستمرت بتدريس تلك اللغة طوال حياتها . ابتدأت ماري القطيفي بتدريس الفرنسية للملك فيصل الثاني , وقد أشارت الدكتورة مها السماوي  في اطروحتها حول تاريخ تدريس اللغة الفرنسية في العراق ( والتي ناقشتها في السوربون هذا العام 2018) الى وثائق محفوظة – منذ خمسينات القرن العشرين - في وزارة الخارجية الفرنسية تتناول تلك الوقائع المرتبطة بتدريس اللغة الفرنسية للملك فيصل الثاني  من قبل السيدة ماري القطيفي, وقد طلبت من الدكتورة مها السماوي – بمراسلاتنا الالكترونية - ان تنشر هذه الوثائق المهمة جدا, لانها تعد جزءا من تاريخ العراق الثقافي , الذي لا زال مجهولا لنا مع الاسف الشديد , وقد أخبرتني الدكتورة مها السماوي , انها تقوم الان بترجمة اطروحتها الى العربية واعدادها للنشر مستقبلا .
لقد التقيت بالسيدة ماري القطيفي شخصيا في اروقة كلية الاداب بجامعة بغداد في سبعينيات القرن العشرين , عندما كنا نعمل سوية في قسم اللغات الاوربية , حيث كانت هي ضمن تدريسّي فرع اللغة الفرنسية , وكان الجميع يشهدون بموهبتها وعمق معرفتها واخلاصها في عملية التدريس , وكان هناك بين اعضاء هيئة التدريس مجموعة من طلبتها السابقين , والذين كانوا يكنوّن لها الاحترام العميق , ويعتبرونها المرجع الرئيسي لهم في كافة الاشكالات الخاصة باللغة الفرنسية . لم تستطع السيدة ماري القطيفي – مع الاسف الشديد – ان تنتقل للعمل في كلية اللغات عندما انفصلا قسم اللغات الاوربية وقسم الدراسات الشرقية من كلية الاداب وشكّلا كلية اللغات عام 1987 , وهي الكلية التي كانت موجودة سابقا ثم الغيت وتم دمجها مع كلية الاداب نتيجة التخبط والقرارات العشوائية التي طالما عانى منها واقع التعليم العالي في العراق ومسيرته المتعثرة , ولكن اعضاء هيئة التدريس في قسم اللغة الفرنسية في كليّة اللغات كانوا يتذكروها دائما , وعندما احتفلنا في كلية اللغات بالذكرى الاربعين لتأسيس الكلية في العام 1998 , كان اسم ماري القطيفي ضمن التدريسيين الذين تم تكريمهم , ولم تستطع هي الحضورنتيجة وضعها الصحي الخاص , فكلفت من قام باستلام الجائزة الرمزية لها عندما اذيع اسمها في تلك الحفلة , وقد صفّقت القاعة كلها عندما اذيع اسم ماري القطيفي تحية لمكانتها العلمية وعرفانا بدورها المتميّز في تدريس اللغة الفرنسية في العراق.   

 

445
هموم المدرسة العراقية في موسكو
أ.د. ضياء نافع
التقيت بمحض الصدفة بمعاون المدرسة العراقية في موسكو الدكتور ثائر اوشانه هيدو , الذي يشغل هذا المنصب منذ عام 2011 ولحد الان . تحدثنا طبعا عن تلك الازمة التي أثارها السياسي الروسي  (المعروف!!!) جيرينوفسكي قبل فترة , وكيف سيطر على البناية الخاصة بالمدرسة العراقية آنذاك وطرد التلاميذ والمعلمين وادارة المدرسة بكل وقاحة, وتذكرنا تصريحاته الطنانة و الرنانة عندما كان يزور بغداد كي يقبض ( كوبونات النفط) وبقية ( الهدايا والعطايا من أعمامه !!!) , وكيف كان يتسوق هو وحاشيته – وبالجملة - من اسواق بغداد من اجل التجارة والمضاربة في اسواق موسكو...الخ , و حدثني د. ثائر كيف اقتحم ابن جيرينوفسكي ( واسمه ايغور ) بناية المدرسة آنذاك مع مجموعة من حرّاسه , ويقدر عددهم باكثر من (15) شخصا , وكيف سيطروا عليها , وهو عمل يذكرنا بتصرفات العصابات والمافيات.....  ان تأمّل هذه الحادثة وتحليلها ودراستها بموضوعية تعني , ان الجانب العراقي الذي يتعامل مع الجانب الروسي غير مؤهل للقيام بهذه المهمة كما يجب , اذ انه لا يعرف ابسط القوانين و التعليمات والقواعد والخصائص الاجتماعية السائدة في روسيا , اذ كان من اللازم والواجب على الجانب العراقي ان يفهم طبيعة العلاقة بين جيرينوفسكي والنظام العراقي آنذاك , وان يستنتج ضرورة فك كل الارتباطات معه على وفق القوانين الروسية السائدة  , والا , فانه سيخسر في مجال العلاقات الثنائية بين الجانبين , وتأمّل هذه الحادثة تعني ايضا , ان الجانب الروسي الذي يمثله جيرينوفسكي والذي يتعامل مع الجانب العراقي غير مؤهل اخلاقيا للقيام بهذه المهمة كما يجب , وعليه , فان الاستنتاج الاساسي , او , الخلاصة من دراسة هذه الحادثة تؤكد على ضرورة صياغة الاطر القانونية الدقيقة في كل الخطوات اللاحقة للعلاقات الثنائية , وهذا يعني طبعا العودة الى المبدأ البسيط والعميق والعظيم , الذي نسيناه مع الاسف , وهو – الرجل المناسب في المكان المناسب ,ولا مجال هنا للاستطراد اكثر , اذ اننا نريد الحديث هنا حصرا عن هموم المدرسة العراقية في موسكو.
سألت د. ثائر – وكيف وضعكم الان بعد ان اضطرّت المدرسة الى الانتقال الى بناية اخرى ؟ فقال انهم استأجروا بناية ب (18) الف دولار شهريا , وان وزارة التربية العراقية هي التي يجب ان تدفع هذه الايجار الشهري الضخم , الا ان هذه الوزارة لم ترسل هذا المبلغ منذ خمسة أشهر , وبالتالي , فان ادارة المدرسة لا تعرف كيف تتصرف امام المؤسسة الروسية المسؤولة عن استلام الايجارات , بل انه أشار الى ان العاملين في المدرسة لم يستلموا حتى رواتبهم خلال هذه الفترة ايضا . تألمّت من هذا الوضع لمؤسسة تقوم بتدريس ابناء العراقيين والعرب في موسكو , وسألته عن الحل لهذا الوضع المتأزم , فقال انه معاون المدير منذ عام 2011 ولحد الان , وانه على قناعة تامة بان هذه المدرسة الضرورية للعراقيين والعرب يجب ان تبقى وتستمر لانها رمز للعراق ودولته , ويجب ان تجد حلا لكل مشاكلها , وانها استطاعت ان تعمل بمختلف الظروف , وانها مؤسسة تربوية عراقية تمتلك تاريخها العريق منذ ستينيات القرن العشرين , وعلى الدولة العراقية ان تحافظ عليها وتحميها , وقال , ان على وزارة التربية العراقية ان تعرف كيف تتعامل مع هذه المؤسسة التربوية الكبيرة , والتي تعمل في اطار دولة مهمة للعراق مثل روسيا الاتحادية .
 دعونا نأمل ذلك من وزارة التربية العراقية , رغم كل ما نرى ونسمع ...   

446
أدب / الكرة
« في: 10:41 12/08/2018  »


الكرة


قصيدة للشاعر اوسكار ألفارو / بوليفيا


ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع



تدحرج القمر
من السماء,
وسقط
في باحة مدرسة
للاولاد.
 فرح الاولاد
 بكرة القمر,
 واخذوا
   يلعبون بها
كرة القدم.
===========
اوسكار ألفارو ( 1921 – 1963 ) – شاعر وصحافي وكاتب من بوليفيا / مؤلف قصص للاطفال مليئة بالخيال المدهش الجمال , وتبدو هذه الفنتازيا الغريبة والرشيقة واضحة المعالم حتى في قصيدته  الصغيرة المنشورة هنا , اذ انه يحوّل فيها (كرة القمر) الى كرة يلعب بها الاولاد كرة القدم !!!

447
تماثيل الادباء الروس في موسكو بعيون عراقية
أ.د. ضياء نافع
طلبت مرة من طالباتي العراقيات في جامعة بغداد , اللواتي كنّ يدرسنّ لاحقا للحصول على شهادة الدكتوراه في الجامعات الروسية,  ان يأخذنّ كامرة , ويلتقطنّ صورا فوتوغرافية عند كل تماثيل الادباء الروس في موسكو , وقلت لهنّ , ان ذلك – في حالة تحقيقه -  سيكون مادة طريفة جدا لكتاب بعنوان – (تماثيل الادباء الروس في موسكو بعيون عراقية) , وانه يمكن لهذه الصور, مع التعليق عليها طبعا , ان تتحول الى  كتاب جميل ومفيد ايضا, يصدر في بغداد او في اي مكان آخر في عالمنا العربي , وانه سيكون كتابا مبتكرا واصيلا و ممتعا جدا لكل القراء العرب , وانني مستعد ان اشارك في هذا الكتاب ودعمه , ولكن الفكرة لم تتحقق مع الاسف . لقد سبق لي ان أشرت الى هذا الحدث بشكل مختصر مرة في احدى مقالاتي , واكرره الان بشكل اكثر تفصيلا , انطلاقا من احتمالية , انه ربما يتقبّل شخص ما من بين القراء هذه الفكرة الجميلة وينفّذها , كي نستطيع ان نقارن بيننا وبينهم , وان نقول لكل العرب وللعالم ايضا –  اين نحن واين هم , وكي نعتذر امام الادباء العرب !!! والى حين ذلك , اود ان اقدم هنا لهذا الشخص ألمنتظر جردا تقريبيا باسماء البعض من هؤلاء الادباء الروس ومواقع تماثيلهم وشيئا ما من تواريخها , و أظن , ان هذا الجرد – ربما -  سيساعده على تنفيذ مهمته هذه ,  الصعبة والطريفة والمفيدة معا ,  واسرع واقول مكررا, ان هذا الجرد تقريبي ليس الا , وانه ليس سوى ملاحظات اوليّة حول موضوع كبير وممتع وجميل.
تماثيل الادباء الروس البارزين والكبار معروفة بشكل او بآخر بالنسبة للقراء العرب , فالجميع يعرف – مثلا -  تمثال بوشكين في قلب موسكو , وهو التمثال الذي تم تدشينه عام 1880 بحضور دستويفسكي وخطابه الشهير عن بوشكين ( انظر مقالتنا بعنوان – خطاب دستويفسكي عن بوشكين ), رغم اني اطمح ان تكون هناك لقطة اخرى قرب التمثال الجميل لبوشكين وزوجته نتاليا غانجروفا عند عقد قرآنهما , وهما يرتديان ملابس الزفاف الجميلة , مع تعليق عراقي خاص حول هذا التمثال الفريد من نوعه ( انظر مقالتنا بعنوان – تماثيل بوشكين في موسكو ) . من الضروري ايضا ان تكون هناك لقطة عند احدى تماثيل تولستوي , واتمنى ان تكون عند تمثاله وهو بملابس الفلاحين الروس و يضع كلتا يديه داخل حزامه , اذ ان هذه اللقطة ستتيح لنا ان نتحدث قليلا عن فلسفة هذا الكاتب العملاق ( انظر مقالتنا بعنوان – تماثيل تولستوي في موسكو) . ويجب طبعا ان تكون هناك لقطة عند تمثال دستويفسكي وهو جالس بشكل متوتر امام مكتبة لينين , ويجب الاشارة هنا طبعا الى ان روسيا الجديدة هي التي وحّدت بين دستويفسكي ولينين رغم كل التناقضات الفكرية العميقة بينهما ( انظر مقالتنا بعنوان –  العودة الى مكتبة لينين من اجل هاشم جواد. ) . ومن المهم ايضا ان تكون هناك لقطة عند تمثال غوركي وهو يقف امام محطة قطارات بيلوروسيا, هذا التمثال الذي رفعته سلطات موسكو قبل اكثر من عشر سنوات بحجة الترميم , ولكن الاقاويل والهمسات بين الناس كانت تؤكد ان هناك اسباب ايديولوجية مخفية لرفعه بحجة الترميم , اذ ان الترميم لا يحتاج الى كل هذه السنوات الطوال !!!  . واخيرا عاد تمثال غوركي عام ( 2018) الى مكانه السابق معززا مكرّما في الذكرى ال ( 150) سنة على ميلاده , وقد كتبت وسائل الاعلام الروسية عن هذه العودة , ولهذا من الضروري التقاط صورة له والتعليق على عودته , اذ انها الدليل على ان غوركي لا زال يناضل لحد الان من اجل الحقيقة , والدليل ايضا على ان روسيا بدأت تقترب من النضوج الفكري العميق , والاعتراف الموضوعي بتاريخها وتقبّل الخلافات فيه على انها وقائع يجب الاقرار بها , باعتبارها حقائق تاريخية .  طبعا يجب التوقف عند تمثال ماياكوفسكي الفخم امام مدخل مترو ماياكوفسكايا الجميلة والانيقة , ويا حبذا لو تتم اللقطة مع اناس  يحيطون به او يسيرون جنبه , وان نتحدث معهم حول ماياكوفسكي , اذ اختلف الروس بشأنه , رغم ان اليسار العربي كان يمجده دائما دون قراءة نتاجاته والتعمق فيها , بل انطلاقا من مواقفه السياسية المؤيدة لثورة اكتوبر 1917 ليس الا . ولابد من التقاط صورة لتمثال شولوخوف , وهو نصب مهيب جدا ومدهش بكل معنى الكلمة , حيث يجلس شولوخوف في قارب وهو يتطلع الى بعيد , وجنبه نهر جارف تسبح فيه ضد التيار مجموعة من الخيول في محاولة لعبور النهر , وقد اثار هذا التمثال – منذ تدشينه ولحد الان - نقاشا حادا بين مؤيديه ومعارضيه , ولكن هذا النقاش لا يقلل ابدا من  فنية وجمالّية هذا العمل الابداعي العملاق. يجب عدم نسيان غريبويديف وتمثاله الكبير وهو محاط بابطال مسرحيته الشعرية ( ذو العقل يشقى ) والتعليق على مكانة هذا الكاتب في تاريخ الادب الروسي وقصة مقتله في طهران عندما كان سفيرا لروسيا هناك ( انظر مقالتنا بعنوان – غريبويديف والمتنبي ). من الضروري طبعا ان تكون هناك لقطة عند تمثال غوغول , واتمنى ان تكون قرب تمثاله امام البيت الذي  توفي فيه , حيث يجلس حزينا وهو في حالة تأمّل ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت غوغول) . يجب الا ننسى تمثال ليرمنتوف , الذي يقف برومانسية امام تلك الحدبقة الغنّاء , ولا تمثال تشيخوف امام البناية القديمة لمسرح موسكو الفني , ولا تمثال بولات أكودجافا وهو يقف على رصيف شارع أربات مختلطا مع الناس كما كان في حياته , ولا تمثال تسفيتايفا وهي تجلس امام بيتها وتكاد تبكي ( انظر مقالتنا بعنوان – كنت في بيت تسفيتايفا), ولا تمثال الكاتب المسرحي أستروفسكي وهو يجلس بهيبة امام مسرح ماللي تياتر , ولا تمثال بلوك , ولا تمثال غيرتسن , ولا تمثال حمزاتوف , ولا تمثال لومونوسوف , ولا تمثال كريلوف , ولا ولا ولا... 

448
مع ( كتاب نصف قرن ) بالروسية
أ.د. ضياء نافع
هذا كتاب غير اعتيادي بكل معنى الكلمة, ابتداء من عنوانه وغلافه , فعنوانه هو - ( كتاب نصف قرن ) , وغلافه خال من اسم المؤلف , و توجد هناك اشارة مختصرة لاسم جامعة موسكو الحكومية بالروسية , وصورة بنايتها القديمة في مركز موسكو, و فوقها صورة اخرى لخريجي كلية الصحافة , الذين التحقوا فيها عام 1963 وتخرجوا منها عام 1968 , وهذه الصورة مؤطرة باطار كلاسيكي  اعتيادي جدا, وهي صورة تذكارية  كنا ولا زلنا نراها معلقة في بيوت كل الخريجين الروس من المدارس او الكليات , عندما كنا نزورهم في بيوتهم , وهو تقليد جميل جدا يؤرخ مرحلة الدراسة بطلبتها واساتذتها, وهي فترة سعيدة دائما في حياة كل انسان , لانها ترتبط بمرحلة الشباب الرومانتيكية الجميلة بحد ذاتها رغم كل مصاعبها ومشاكلها ومطبّاتها. يقع الكتاب في (254) صفحة من القطع المتوسط , ونجد على الصفحة الداخلية الاولى توضيحات لطبيعة هذا الكتاب , والتي تشير , الى ان هذا الكتاب (يوبيلي) , اي يرتبط باليوبيل الذهبي ( نصف قرن ) والخاص بخريجي عام 1968 , وانه صادر من كلية الصحافة في جامعة موسكو الحكومية عام 2018 , ومن هنا جاءت  تسميته  - ( كتاب نصف قرن ) , وهو يضم( 69) مقالة متنوعة  موزعة على خمسة محاور, شارك بكتابتها اكثر من( 60 ) صحافيا من خريجي تلك الدورة بالذات , وكم فرحت , لاني وجدت بين هؤلاء الخريجين عراقيا درس عندئذ في كلية الصحافة بجامعة موسكو , وساهم مع زملائه الآخرين بتحرير هذا الكتاب , وكتب ثلاث مقالات فيه , وهو الزميل الدكتور خليل عبد العزيز , وقد بحثت عن صورته على غلاف الكتاب بين الخريجيين ووجدته فعلا , وكان بالطبع شابا وسيما وجميلا , مثل كل الطلبة الآخرين آنذاك من البنين والبنات ( وخاصة البنات طبعا! ) , اما صورته المنشورة داخل الكتاب جنب مقالاته هناك , فانها كانت ( بعد اليوبيل الذهبي !) تحمل بصمات السنين الطوال وسماتها, وقد توقفت اولا وقبل كل شئ عند مقالات د. خليل عبد العزيز طبعا ( انطلاقا من عراقيتي وتحيّزا لهذه الروح العراقية , وتحيّزا له ايضا , وهل يمكن لي في هذه المواقف ان اكون محايدا !!! ) , حيث تحدث في مقالته الاولى عن مسيرة حياته الصعبة في العراق , وكيف وصل الى موسكو , ثم الى كلية الصحافة , ومن الطريف ان نشير هنا , الى ان اسمه كان عندها ( يوسف الياس يوسف ) ( او يوزف كما كتبوه الروس ! ) , وقد ذكروه بين قوسين بعد اسمه الحقيقي , اذ انهم جميعا كانوا يعرفونه عندها بذلك الاسم ( انظر مقالتنا بعنوان – خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز ) , اما المقالة الثانية له في هذا الكتاب  فكانت بعنوان  – (ايرينا فولودينا . هي دائما في ذاكرتي ) , وهي مقالة في غاية الرشاقة والجمال , وتتحدث عن زميلة له في الكلية كانت تساعده في الدراسة لان لغته الروسية اول الامر لم تكن بالمستوى المطلوب , وكيف التقى بها صدفة في القاهرة بعد سنين , ويختتم د. خليل تلك المقالة بالاشارة الى انها ( لم تعد الان بيننا ) , وانها ستبقى دائما في ذاكرته . لقد توقفت طويلا – ومتأمّلا - عند جملة ( لم تعد الان بيننا ) , واستنتجت ان اعتزاز د. خليل بها وتقديره ومحبته لها قد منعه  حتى من استخدام فعل ( توفيت او رحلت), وأكبرت فيه هذا التصرّف الانساني الرائع و الرفيع , اما المقالة الثالثة فكانت بعنوان -  ( الموصل – دماء ودموع ) , وتتحدث – كما هو واضح من عنوانها – عن مأساة الموصل المعروفة , وما حل بها من دمار, ود. خليل هو ابن الموصل البار .
مقالات هذا الكتاب متنوعة جدا وممتعة جدا في نفس الوقت , ولا يمكن اختصارها ابدا , لانها مليئة بالافكار والحوادث , اذ يتحدث فيها الخريجون بحب كبير عن كليتهم , وكيف ان الابناء والاحفاد قد درسوا فيها بعدهم لانهم زرعوا فيهم حب العمل الصحفي الخلاّق , ويذكرون اساتذتهم باحترام كبير , ويتحدثون عن عملهم بعد التخرّج , والصعوبات التي تغلبوا عليها , والنجاحات التي حققوها , والمداليات والاوسمة التي حصلوا عليها , ويمكن لقارئ هذا الكتاب ان يكتب تاريخ وسائل الاعلام السوفيتية منذ اواسط ستينيات القرن العشرين وعبر انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991 , وصولا الى يومنا الحاضر , وطبيعة المشاكل والقضايا المتشابكة في الصحافة والتلفزيون ووسائل الاعلام الروسية الاخرى في تلك الفترة الطويلة والعصيبة في تاريخ روسيا ومسيرتها. لقد وجدت انا شخصيا في هذا الكتاب عدة مقالات مهمة جدا , وقررت ان اترجمها الى العربية عندما تسمح ظروفي بذلك, لاني ارى , انها يمكن ان تساعد القارئ العربي على تفهّم طبيعة الاعلام الروسي ومشاكله اولا , و لان هذه المقالات الصادقة ترسم , ثانيا , تجارب انسانية عميقة في مجال العمل الاعلامي , وهو مجال مشترك في كل بلدان العالم , بما فيها طبعا بلداننا العربية.   

449
ترجمة الشعر العالمي عن الروسية / من تجربتي الشخصية
أ.د. ضياء نافع
---------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------------
الى الشاعر المبدع يحيى السماوي امتنانا.
ض.ن.
ابتدأ العرب بالتعرّف على بعض ملامح الادب العالمي منذ نهاية القرن التاسع عشر عن طريق اللغة التركية , لغة الامبراطورية العثمانية , ثم استمرّت هذه العملية – رغم بطئها - عن طريق اللغتين الانكليزية والفرنسية في بداية القرن العشرين , وازدادت سرعتها نسبيا بعد الحرب العالمية الاولى , عندما بدأ العرب بتشكيل دولهم الفتية , وهكذا بدأت تتبلور ملامح المكتبة العربية حول الادب العالمي بالظهور , ثم جاءت بعض اللغات الاجنبية الاخرى , ومنها اللغة الروسية في النصف الثاني من القرن العشرين , وبدأ المترجمون العرب عن اللغة الروسية بالاسهام في هذه المسيرة , وعلى الرغم من ان هؤلاء المترجمين ركزّوا جهودهم  في مجال ترجمة الادب الروسي الى العربية , الا ان بعضهم , وانا منهم , حاولوا استخدام المكتبة الروسية الغنية في الادب العالمي ومحاولة نقلها الى العربية ( خصوصا بالنسبة لآداب شعوب آسيا وافريقيا وأمريكا اللاتينية ) , وذلك لان العرب كانوا بحاجة شديدة وماسّة جدا للتعرّف على آداب تلك الشعوب العريقة في الثقافة , مثل الصين واليابان والهند وكوريا وغيرها , والتي لم يكن هناك بين العرب من يتقن لغاتهم او  تخصص بآدابهم , وهكذا بدأنا – اضطرارا – بترجمة الآداب العالمية عن طريق لغة ثالثة وسيطة , وهي عملية ابداعية بدأت في العالم العربي  بشكل عام عن طريق اللغتين الانكليزية والفرنسية اولا , ولا مجال هنا للتوقف عند تاريخ و تقنية هذه العملية الابداعية , او مناقشة فلسفتها , او اتخاذ موقف حاسم تجاهها , او شجبها كليا ( كما يفعل البعض ) , او محاولة مقارنتها مع النصوص بلغتها الاصلية , الى آخر الاحتماليات  المختلفة والمتنوعة للتعامل معها , وهكذا فرضت هذه العملية الابداعية نفسها بالتدريج على الواقع الادبي العربي , وبدأ القرّاء بالتعوّد عليها وتقبّلها , لانها منحتهم امكانية التعرف على عوالم ابداعية جديدة بالنسبة لهم وبكل معنى الكلمة , وتراجع الرأي السلبي تجاهها , لانه لم يجد حلا آخر كبديل مقبول لهؤلاء القراء . نريد هنا ان نتوقف قبل كل شئ عند ترجمة الشعر المعاصر بالذات , والتحدّث عن تجربتنا الشخصية , وذلك التزاما بعنوان بحثنا .
لقد مارست هذه العملية الابداعية منذ عودتي الى العراق - بعد انهاء دراستي - في بداية سبعينات القرن العشرين , وكنت حذرا جدا , بل حتى مترددا من الاقدام على هذه التجربة , لاني كنت أعرف ردود فعل الاوساط الادبية العراقية والعربية عموما تجاهها , وهكذا بدأت بنشر قصائد مترجمة عن الروسية لبعض شعراء بلدان بعيدة عن تداولنا ان صح التعبير , وكنت ادقق كثيرا – قبل نشرها - في المصادر العربية المختلفة - وحسب امكانيات تلك الفترة طبعا -  للتأكّد من عدم وجود تلك القصائد بالعربية , كي تكون جديدة قلبا وقالبا كما يقال , وكنت انتظر ردود الفعل تجاه هذه الاسماء المجهولة واقعيا بالنسبة للقراء والادباء معا آنذاك , وأذكر الان المواقف الايجابية المشجّعة من قبل بعض الاسماء اللامعة عندئذ في بغداد , ومنهم الصحافي محمد كامل عارف  - رئيس ومؤسس صفحة آفاق في جريدة الجمهورية البغدادية , والذي كان ينشر- وبكل حماس وحب - القصائد في  تلك الصفحة الواسعة الانتشار في اوساط القراء العراقيين , والمرحوم  الشاعر المبدع يوسف الصائغ , والشاعر محمد جميل شلش ( لا اعرف مع الاسف اخباره نهائيا ), بل ان المرحوم الشاعر عبد الوهاب البياتي ( وكان آنذاك مستشارا ثقافيا في وزارة الاعلام العراقية ) قد اقترح عليّ ان اقدم تلك القصائد له – ( كي يراجعها وننشرها سوية في ديوان شعر مشترك ) , ولكن بعض الاصدقاء نصحوني بعدم الموافقة على مقترحه هذا , لان تلك القصائد ستكون في نهاية المطاف باسمه , مثل ما حدث مع المترجم المصري احمد مرسي في ديوانهما المشترك , الذي صدر في خمسينيات القرن العشرين.
ختاما لهذه الملاحظات , نود ان نشير , الى ان حصيلة هذه التجربة هي  نشر اكثر من( 250) قصيدة من اكثر من( 40 ) بلدا في العالم , ونعمل الان على جمعها  في ديوان شامل سيصدر قريبا عن دار نوّار للنشر . نقدم هنا مقاطع مختارة من تلك القصائد كي تكتمل الصورة الفنيّة للقارئ –
من البوسنة والهرسك – ( أبكي أنا / من الحب الذي / حوّلني / الى عبد ./ تبكين أنت / لأنك / لا تستطيعين / ان تمنحي الحرية / لهذا العبد .).
من أذربيجان – ( احترقت عيوني – ولذت بالصمت / لا اعلن هذا , لذت بالصمت / في الغربة مئات التعاسات , / لمن تحكي ؟ لذت بالصمت .).
 من بولندا – ( بنيت / على الرمال - / تهدّم البناء ./ بنيت / على الجبال - / تهدّم البناء ./ سأبدأ الان / البناء / على الدخان .).
من بيرو – (... ما دام هناك انسان يتألم ,/ فان الوردة لا يمكن ان تكون رائعة . / ما دام هناك انسان جائع , / فان حقل الحنطة لا يغفو تحت ضوء القمر. / ما دام البؤساء يبتلون تحت المطر , / فان قلبي لن يبتسم. ).
من تركيا – ( من الحب الاوّل / حزن يبقى , / ومن النجم الذي يهوى / أثر يبقى ,/ ومن الشاعر الذي يموت / بعض أبيات تبقى .).
من الصين – ( بين كل الاحياء / أمجّد أنا / الفراشات / التي تحلّق فوق النار ,/ فهي الوحيدة بين الاحياء / التي تموت / في أحضان الضياء.).
من قبرص – ( سجى الليل / وفي العتمة هبّت الريح ,/ وهطل المطر,/ وتمرّكز العالم / - وهو يموت -/ في خمسة جنود ,/ كانوا في كمين يختبئون. / أطلقت الاسلحة نيرانها ,/ ودفنت / في خمسة قبور ,/ خمسة عوالم كبيرة ,/ مليئة / بالحب والنور.).
من كوريا – ( الزهرة / تتفتح وتزهر ,/ ثم تذبل./ العشب أخضر / ثم الى أصفر / يتحوّل ./ فقط الحجر / في هذا العالم / لا يتغيّر.).
من الهند – (تعالي / ضميّني ,/ مثلما تضم الارض/ جذور الشجر,/ ومثلما يعكس النهر / ضوء القمر, /  ومثلما الخلود يعانق / الدهر.).
من شعر الهنود الحمر – ( الطيور  / على أغصانها ,/ والنمور / عند سيقانها ,/ والثعابين / بين جذورها ./ الاشجار العظيمة / تدافع عنّا ,/ وتمنح الطعام / للانسان / والحيوان ,/ ولا تطلب منّا / سوى / العيش بيّننا / بسلام .).
من اليابان – (... تكشف ألاغصان وألاوراق / للعيون ./ اما الجذور ,/ المهمّة للحياة , / فتخفيها / عن العيون .).


450
رواية بولغاكوف – ( الحرس الابيض) بالعربية
أ.د. ضياء نافع
ظهرت رواية بولغاكوف الاولى – ( الحرس الابيض) بالعربية هذا العام (2018) , اي بعد اكثر من تسعين سنة على ظهورها بالروسية في روسيا ( عام 1925) , وقد ترجمها عن الروسية الاستاذ عبد الله حبة , المترجم العراقي المعروف , والمقيم في روسيا منذ اكثر من خمسين سنة , والذي قدّم للمكتبة العربية مجموعة كبيرة ومهمة من النتاجات الادبية الروسية لكبار الادباء الروس مثل بوشكين وتشيخوف وبونين وأستروفسكي وتولستوي وغيرهم , ومن الجدير بالذكر هنا , ان دار (رادوغا) السوفيتية للنشر قد كلفته بمراجعة ترجمة يوسف حلاق لرواية بولغاكوف الكبرى ( المعلم وماركريتا ), وقد صدرت هذه الرواية فعلا عن دار رادوغا عام 1990 بترجمة يوسف حلاق ومراجعة عبد الله حبه , ولهذا , فان بولغاكوف وابداعه كان فعلا ضمن اهتمامات هذا المترجم الكبير , وليس من باب الصدفة ابدا , ان أخذ حبه على عاتقه ترجمة رواية بولغاكوف الاولى هذه . وعلى هذا الاساس يمكن القول , ان اسم عبد الله حبه قد  اصبح مرتبطا في وعي القارئ العربي عموما باسم هذا الكاتب الروسي الكبير ورواياته.
تقع هذه الرواية في ( 319) صفحة من القطع المتوسط , وقد صدرت بدعم من معهد الترجمة في روسيا الاتحادية  , وهو تقليد جديد ومهم في عملية نشر الادب الروسي ,  وذلك بدعم ترجمته  الى عدة لغات أجنبية  , ومنها العربية  , وكتب عبد الله حبه مقدمة جميلة ووافية حول مؤلفها بولغاكوف وروايته تلك واهميتها في تاريخ الادب الروسي , وتبين تلك المقدمة , ان حبه هو واحد من هؤلاء المثقفين العرب , الذين يعرفون الادب الروسي معرفة دقيقة , وهي تذّكر بمجموعة المقالات العديدة , التي كتبها الاستاذ عبد الله حول  الادباء الروس والادب الروسي بشكل عام واهميته , وليس عبثا, ان تلك المقالات قد تحولت الان الى مصادر مهمة بالنسبة للقارئ العربي المتابع للادب الروسي , رغم ان تلك المقالات تتضمن في بعض الاحيان قضايا تثير النقاش والجدل بين القراء , وهذا ما نلاحظه في تلك المقدمة ايضا ,  ونود ان نشير هنا , على سبيل المثال وليس الحصر , الى هذه  الجملة – ( استمرت التهجمات عليه من قبل المسؤولين في قسم الثقافة في اللجنة المركزية , واغلبهم من اليهود آنذاك , ممن لعبوا دورا رئيسيا في ثورة اكتوبر وقيام السلطة السوفيتية ..) , ولا مجال الى الاشارة الى جمل اخرى ضمن هذا العرض السريع للكتاب , مثل موقف ستالين من آنّا أخماتوفا .
بولغاكوف لا زال في الوعي الاجتماعي العربي بعيدا عن مكانته الحقيقية , التي يشغلها في مسيرة الادب الروسي وتاريخه , وربما يعود السبب في هذا الى عدم معرفة القارئ العربي بعمق لكل ما حدث في روسيا بعد الحرب العالمية الاولى وثورة اكتوبر1917 , وخصوصا ما حدث في الادب الروسي بالذات , اذ ان القارئ العربي يعرف الجانب السياسي العام لتلك الاحداث ومن وجهة نظر معينة فقط , ولا يمكن تحليل معرفة القارئ العربي المحدودة هذه بكلمات قليلة طبعا , ولكن يمكن القول بلا شك , ان بولغاكوف وقيمته الفنية واهميته كانت خارج تلك المعرفة , خصوصا و ان هذه الرواية ( الحرس الابيض) – كما يشير المترجم في مقدمته - لم تنشر في روسيا اصلا عندما كتبها بولغاكوف في عشرينيات القرن العشرين , بل ظهرت في مجلة روسّية فقط , وتم اغلاقها رأسا عقابا لها على نشر تلك الرواية , ولهذا السبب , فان صدور الترجمة العربية لها يمتلك اهمية كبيرة وخاصة , لانها جاءت لتعريف القارئ العربي المعاصر بالمنجز الابداعي لبولغاكوف , وهو عمل هائل للمترجم القدير عبد الله حبه يضاف الى اعماله الترجمية الاخرى التي تتميّز باختياراتها المهمة والدقيقة واسلوبها العربي السلس الجميل , وأذكر مرة , ان عبد الله قد أخبرني اثناء حديثي معه , انه يعتبر نفسه ابنا للمدرسة المصرية , وقد تذكرت قوله هذا وانا أرى اسم بولغاكوف هكذا – ( بولجاكوف) , واسم روايته ( المعلم ومارغريتا ) هكذا – ( المعلم ومارجاريتا ) , واسم غوركي – ( جوركي ) , بل حتى كلمة ( المسؤولين ) يكتبها ( المسئولين ) , ولكن كل هذه (النواعم!) لا تقلل ابدا من احترامي الشديد لهذا الجهد الترجمي الكبير , الذي قدمه عبد الله حبه للقارئ العربي , وأختتم هذا العرض الوجيز بجملة شاعرية جميلة جدا من تلك الرواية بترجمة عبد الله , وهي  – ( كل شئ سيمضي مع الايام – المعاناة والالام والدموع والجوع والوباء , وسيختفي السيف ...أما النجوم فستبقى ...).
اهلا وسهلا برواية بولغاكوف (الحرس الابيض) بالعربية , وتحية امتنان لمترجمها الى العربية الاستاذ المبدع عبد الله حبه , وشكرا جزيلا لمعهد الترجمة في روسيا الاتحادية على دعمه .
 

451
أدب / الحقيقة
« في: 11:02 22/07/2018  »
الحقيقة
=========

قصيدة للشاعرة كومبو / جمهورية تيفا في روسيا الاتحادية
=================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

اساس الامل – هو الحقيقة,
لكن الطريق اليها بعيد دائما.
ابحث أنا عن الحقيقة ,
التي تبقى في ذاكرة الشعب ابدا.
+++
متغلبة على كل العقبات,
وعبر العواصف والنكبات ,
اذهب أنا, دون ان اعرف
اين أجد الحقيقة؟
+++
اذهب وانا بالكاد اسير,
 وحدي وباصرار اسير -
في قعر الكذب والنميمة ,
بحثا عن الحقيقة.
===================================
سايليكما سالجاكوفنا كومبو – من جمهورية تيفا ( عدد سكانها 320 الف فقط وعاصمتها كيزيل ), وتقع قرب حدود منغوليا , وهي جزء من دولة روسيا الاتحادية . كومبو تحمل شهادة دكتوراه فلسفة في علوم اللغة والادب , وهي شاعرة ومترجمة وباحثة وناقدة وتكتب باللغتين التوفانية والروسية , واصدرت العديد من الكتب , منها مجموعة من الدواوين المترجمة عن الروسية الى اللغة التوفانية لشعراء روس كبار منهم بوشكين وليرمنتوف ونكراسوف  وأخماتوفا وتسفيتايفا ... . القصيدة المنشورة هنا بلا عنوان في الاصل , والعنوان من وضعنا . 

452
مع د. ابراهيم الخزعلي في موسكو
أ.د. ضياء نافع
الفرق بين عمري وعمره ربع قرن باكمله , فعندما كان د. ابراهيم الخزعلي في المدرسة الابتدائية كنت انا تدريسّيا في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد , ولم نكن طبعا نعرف بعضنا , ولكننا التقينا في موسكو عام 2018 , وكان اللقاء بالصدفة المحضة , و وجدنا اللغة المشتركة رأسا , فكلانا زملاء مهنة واحدة وهي الكتابة , وهكذا اكتشفنا اننا نعرف بعضنا البعض ( عن بعد !) . وها أنا ذا في شقته بموسكو , واتأمل باندهاش واعجاب وحب اللوحات الجميلة المعلقة على جدرانها . لم افهم رأسا لمن هذه اللوحات اول الامر , ولكني توقفت عند لوحة الفنان العظيم شارلي شابلن وهو يقف عند ذلك الجدار الاصم , الذي يعزله عن معالم المدينة الكبيرة والشاهقة , وهي لوحة رمزية جميلة وعميقة و واضحة المعاني , وبعد ان تأملتها بامعان واعجاب قلت له , ان هذه اللوحة الجميلة ليست غريبة عني , وانني شاهدتها في مكان – ما , ولكني – في زحمة الحياة وخضّمها وأحزانها - لا أذكر اين ومتى شاهدتها, فابتسم د. ابراهيم بتواضع وقال – انك شاهدتها على صفحات جريدتنا المشتركة والقريبة الى قلبينا , وهي – (المثقف) , اذ اني نشرتها هناك , وفجاة اكتشفت ان الطبيب والاديب والشاعر ابراهيم  الخزعلي هو فنان تشكيلي ايضا يشار اليه بالبنان كما يقول التعبير العربي  المشهور , وأخذت اتفحص اللوحات الاخرى , التي كانت تملأ جدران الشقة , وتوقفت طويلا عند لوحة تجسّد الشاعر الكبير بدر شاكر السياب والنهر ونخلة عراقية تنحني امامه , و كذلك توقفت طويلا عند لوحة المسجد الذهبي وتخطيطها الهندسي الدقيق والتناسق الهارموني فيها بين القبّة والمئذنة , وبدأت طبعا امطره بالاسئلة حول هذه اللوحات , وعلمت منه انه استلم عروضا كثيرة من اناس كانوا يرغبون بشراء هذه اللوحات , ولكنه لا يريد ذلك لأنها عزيزة على قلبه . وحكى لي كيف يحافظ عليها وهو يتنقل من مكان الى آخر , بل من بلد الى آخر .  وهكذا بدأنا ندردش عن هوايته هذه , فحكى لي  د. ابراهيم كيف بدأت رحلته مع الفن التشكيلي , وتذكر كيف كان يخطط بالقلم الرصاص وهو في المدرسة الابتدائية , وكيف انتبه معلم الرسم في الصف الخامس الابتدائي الى رسومه , وكيف دعاه الى غرفة المعلمين لعرض رسوماته عليهم , وكيف اعطوه قلم جاف ليرسم به امامهم , وكيف طلب منه معلم الرسم  هذا ان يرسم  له صورته , وان تلميذ الصف الخامس الابتدائي حقق فعلا طلب معلم الرسم ورسم بالقلم الرصاص بورتريت لمعلمه بعد ان استلم صورة فوتوغرافية من معلمه هذا. انتقلنا بالحديث طبعا عن الشعر , وقرأ لي الشاعر ابراهيم مقاطع جميلة من قصائده المنشورة هنا وهناك , وقال لي انه يتابع قصائدي المترجمة عن الروسية , وتحدثنا عن اعجابنا المشترك بقصائد الشاعر المبدع يحيى السماوي , وقلت له اني استلمت منه ديوانا ارسله بالبريد من استراليا مع اهداء يعد قصيدة بحد ذاته , فقام د. ابراهيم الى مكتبته وجاء بديوانين من دواوين يحيى السماوي , والتي ارسلها له بالبريد ايضا مع اهداء جميل يكاد ان يكون شعرا , وهكذاخرجنا باستنتاج مشترك , وهو ان السماوي شاعر بالشعر وبالنثر معا , وقد قلت لابراهيم باني كتبت مرة للسماوي في احدى اجاباتي على تعليقه  حول احدى قصائدي المترجمة باني لا استطيع ان اجيبه بنفس المستوى لاني لا املك موهبته الشعرية التي يكتب بها نثره , فوافقني ابراهيم على ذلك .
واستمرت حواراتنا ونحن نشرب الشاي ( ابو الهيل ) , الذي أعده ابراهيم مع الملاحق اللذيذة , والتي طبخها هو نفسه بمهارة يحسد عليها , وقد سألته طبعا كيف استطاع ان يوفق بين مهارته بالطبخ وعمله كطبيب وكتابة الشعر وممارسة الفن التشكيلي , فضحك د. ابراهيم وقال , انها مدرسة الحياة العراقية الصعبة التي عاشها هو والآلاف من العراقيين منذ الحرب العبثية بين العراق وايران , والتي جعلته يعيش متخفيا في جبال كردستان العراق , وفي معسكرات اللاجئين في ايران وسوريا والعمل في شتى المجالات والمهن من اجل لقمة العيش , وفي بيوت الطلبة في الاتحاد السوفيتي اثناء الدراسة والصعوبات عند انهيار الاتحاد السوفيتي واصطدامه بالبيروقراطية الادارية , وعبر صعاب الحصول على وثائق رسمية للسكن والسفر اللاحق وصولا الى كندا , وها هو يقف الان على مشارف انهاء الدراسات العليا والحصول على شهادة التخصص في العلوم الطبية . قلت له وانا اودعه , ان قصة د. ابراهيم الخزعلي ومسيرته تصلح ان تتحول الى فلم سينمائي يسجل معاناة شعب العراق في العصر الحديث , وتاريخ العراق  , وصمود العراق  , وانتصار العراق وخروجه من محنته, وتمنيت ان يكون العراق جميلا وعذبا  مثل قصائد د. ابراهيم الخزعلي  و رائعا ومدهشا مثل لوحاته الفنية المعلقة على جدران شقته...

453
ملاحظات رشيقة حول الادباء الروس
أ.د. ضياء نافع
اطلعت على مقالة جميلة ورشيقة جدا في جريدة ( ليتيراتورنايا غازيتا )( الصحيفة الادبية ) الروسية الاسبوعية (بتاريخ 11-17 / 7 / 2018 ), وقد جاءت المقالة تحت عنوان – أدب أذربيجان المعاصر , والتي أعدّها مركز أذربيجان للترجمة . تتحدث المقالة ( والتي شغلت صفحتين باكملهما في ذلك العدد من الصحيفة ) عن الكاتب الاذربيجاني المعاصر ألتشين  , الذي تحتفل اذربيجان الان  بمناسبة عيد ميلاده الخامس والسبعين . وألتشين يحمل لقب ( كاتب الشعب) في اذربيجان  , و هولقب تمنحه الدولة لبعض كبار الادباء والكتّاب تقديرا لهم وتثمينا لدورهم في المجتمع , وألتشين بروفيسور جامعة باكو الحكومية ايضا, اذ انه يحمل شهادة دكتوراه في علوم الادب ( وهي أعلى شهادة علمية , و التي يسمونها عندنا – ما بعد الدكتوراه ) , اي انه كاتب وباحث أكاديمي في نفس الوقت , والذي تميّز طوال  مسيرة حياته  الفكرية - منذ شبابه - بمواقفه المستقلّة وغير الخاضعة للجمود العقائدي . بدأ ألتشين طريقه الابداعي عندما كان يافعا , ويعد اليوم واحدا من أشهر الكتّاب والباحثين في أذربيجان , وتم ترجمة نتاجاته الى 20 لغة اجنبية , وبلغ عدد نسخ كتبه بمختلف اللغات حوالي خمسة ملايين نسخة . يقدم مركز أذربيجان للترجمة في المقالة المذكورة مقاطع من كتابه الموسوم – ( العصر والكلمة ) , و يسميها الكاتب نفسه – ( ميني مقالة) , يطرح فيها ملاحظات وأفكار حول الادب الروسي والعالمي , وقد اخترنا بعض هذه الملاحظات ( رغم ان كل تلك الملاحظات مهمة وذكيّة ) وترجمنا خلاصتها وفكرتها الاساسية ليس الا ,  كي نقدمها للقارئ  العربي , لاننا وجدنا في ثناياها آراء رشيقة ومبتكرة وأصيلة  فعلا حول هؤلاء الادباء , ونعتقد انها تستحق الترجمة لاغناء المكتبة النقدية العربية حول الادب الروسي.
همنغواي وبوشكين
===========
 يقول الباحث انه تذكر ( ابنة الضابط حسب ترجمة الدروبي, او ابنة الآمر حسب ترجمة غائب طعمه فرمان ) لبوشكين , عندما بدأ يقرأ (وداعا للسلاح ) لهمنغواي , ويسمي ذلك ( احساس غير متوقع ) , وتكرر الامر نفسه عندما بدأ يقرأ ( الشيخ والبحر  ) ايضا , ولم يجد الباحث سبب ذلك الاحساس , اذ لا توجد روابط محددة بين تلك النتاجات , بل انه لم  يكن يعرف حتى اذا كان همنغواي قد اطلع على نتاجات بوشكين ام لا  , و لم يجد الجواب المحدد على اسئلته تلك , ولكنه عندما قرأ مقابلة مع ابن همنغواي بمناسبة مرور قرن على ميلاد والده , اكتشف , ان همنغواي كان طوال حياته معجبا ببوشكين , وان هناك تمثال نصفي صغير لبوشكين على طاولة همنغواي في بيته بكوبا .
الذنب امام دستويفسكي
=============
  يقول الباحث انه يقرأ نتاجات دستويفسكي من بداياتها الى نهاياتها مرتين , ولكنه يقرأ ( الاخوة كارامازوف ) و ( المقامر ) ثلاث مرات , وذلك  لانه ( بعقله ) يقر ويعترف , ان دستويفسكي كاتب عظيم  , ولكن ( بقلبه ) لا يستطيع ان يحبه , ولهذا , يشعر الباحث بالذنب امام دستويفسكي .
لماذا احب تولستوي ؟
=============
يقول الباحث انه يحلم ان يؤلف كتابا يوما ما بعنوان – لماذا احب تولستوي ؟ , ويضيف , ان هناك العديد من الكتب حول تولستوي , ولكنه مقتنع تماما , ان كتابه سيختلف عن بقية الكتب عن هذا الكاتب الكبير, لانه لا أحد يمكن ان يكتب عنه ذلك الشئ الذي يراه هو شخصيا فيه , او يحسّه  هو شخصيا تجاه ابداعه . ويختتم الباحث هذه الملاحظة قائلا – ان عبقرية تولستوي تكمن , في ان كل (قارئ – مفكر) ينظر اليها بمنظاره الخاص , وانه لا يمكن ان يكون الموقف بشكل آخر بتاتا.
موباسان وتورغينيف
=============
يشير الباحث , ان موباسان كان يعتبر نفسه تلميذا لتورغينيف , ولكن الباحث يرى , ان تورغينيف لم يكن روسيّا بحتا مثلما كان موباسان فرنسيّا بحتا , ويضرب مثلا ببطل رواية  ( رودين )  لتورغينيف , ويقارنه بابطال قصص موباسان , ويصل الى استنتاج مفاده , ان ابطال موباسان يجسّدون الانسان الفرنسي , بينما بعض ابطال تورغينيف لا يجسّدون دائما الانسان الروسي.
تشيخوف وأستروفسكي
=============
 يقول الباحث , ان مسرحيات استروفسكي  مثل حجر كبير و ثقيل يسحبك نحو القعر ويهددك بالغرق , اما مسرحيات تشيخوف , فانها مثل طوق النجاة الذي يمسك بك ويبقيك على سطح الماء ولا يجعلك تغرق , على الرغم من ان مسرح تشيخوف بالاساس يعكس الحياة المملة والكئيبة , التي تخنق الروح الانسانية , ويختتم ملاحظته الطريفة هذه بالقول , ان تشيخوف هو لحد الان لغز فني – جمالي لم نكتشفه  بعد.
==============================================
هذا غيض من فيض كما يقولون , اذ هناك ملاحظات ذكية ورشيقة اخرى تتناول ادباء روس آخرين مثل غوغول و شولوخوف وبولغاكوف وغوركي وتسفيتايفا و.. و.. و.. , واتمنى ان تسمح ظروفي بالعودة الى افكار هذا الباحث الانيق .

454
أدب / سهرة مع تورغينيف
« في: 20:48 15/07/2018  »
سهرة مع تورغينيف
أ.د. ضياء نافع

قضيت سهرة جميلة وغير متوقعة بتاتا قبل ايام مع الكاتب الروسي ايفان تورغينيف ( 1818 -  1883), وها انا ذا اكتب للقارئ حكاية هذه السهرة الغريبة والطريفة, وما اكتشفته – اثناء ذلك - من وقائع جديدة في حياة وابداع هذا الكاتب الروسي الكبير .
بدأت الحكاية عندما طرقت جارتنا باب شقتنا, وهي امرأة مسنة وفي غاية اللطف والادب والرقة , وعندما فتحنا لها الباب واستقبلناها بالترحاب طبعا, قالت لنا , انها تحمل هدية رمزية لنا  , وبعد السلام والكلام , تبين انها تريد ان تهدينا كتابا من مكتبتها الخاصة عنوانه – ( تورغينيف . الحياة . الفن . العصر.) ,  وهو كتاب ضخم طوله اكثر من 30 سم وعرضه اكثر من 20 سم ,و يشبه الالبوم الكبير , ويقع في  184 صفحة كبيرة , وقد أصدرته دار ( سوفيتسكايا راسّيا ) ( روسيا السوفيتية ) عام 1988 , وهي دار نشر سوفيتية مشهورة جدا , وطبعت منه 50 الف نسخة , وبشكل فني فخم وترف بكل معنى الكلمة وبالتعاون مع مطابع المانيا الديمقراطية آنذاك. وقالت جارتنا , ان هذا الكتاب موجود في مكتبتها منذ حوالي 30 سنة , وانها تعتز به كثيرا , وبما انها تعرف حبنا للكتب واعتزازنا بها ومحافظتنا عليها , فانها قررت ان تهديه لنا بمناسبة احتفالات روسيا بالذكرى المئوية الثانية لميلاد تورغينيف , وقالت انها متأكدة من رعايتنا لهذا الكتاب ووضعه في صدارة مكتبتنا المتواضعة , واننا سنتذكرها دائما ما ان تقع اعيننا على هذه التحفة الجميلة . شكرناها طبعا وتقبلنا هذه الهدية القيّمة  بكل سرور مع الممنونية . وقد أثارت هذه الهدية اهتمامي الشديد طبعا , وجلست رأسا للتعرّف على طبيعتها و اسرارها , وقد تبين ان هذا الكتاب بلغتين – الروسية والفرنسية , وتعاون على  اعداده و اصداره حوالي عشرة اشخاص من المتخصصين ما بين من يحمل شهادة الدكتوراه في الادب , والمتخصص في الفنون التشكيلية والفوتوغرافية واللغوية والتاريخ ...الخ من الاختصاصات المتنوعة في العلوم الانسانية .
توجد في الكتاب مقدمة و تسعة فصول  , وامام كل فصل مقولة من مقولات تورغينيف , ونجد في المقدمة جوهر الفكرة , التي أدّت الى اصدار هذا الكتاب , اذ يشير الدكتور بيشولين ( والكتاب من وضعه واعداده ) , الى ان هذا الاصدار لا يتناول سيرة حياة تورغينيف و ليس عرضا نقديا لمسيرته الابداعية في تاريخ الادب الروسي والعالمي, وانما يهدف هذا الكتاب الى التركيز على موقف تورغينيف باعتباره واحدا من شخصيات الثقافة الفنية الروسية باوسع معاني هذه التسمية , وباعتباره واحدا من نقاد الفن , الذين يتفهمون بعمق طبيعة الابداع الفني ونفسية الفنانين , ويتوقف بيشولين عند نقطة شبه مجهولة في حياة تورغينيف , اذ تبين ان الكاتب اراد ان يكون رساما , وحتى انه درس في شبابه الفن التشكيلي , وكان يكتب عن ذلك ويجمع اللوحات التي تعجبه , وكان دائما ما يزور المتاحف ومعارض الرسم , وانه كان صديقا قريبا من الرساميين الروس الكبار في عصره , ويشير الباحث , الى ان القارئ يجد الكثير من الاشارات الى الفن التشكيلي والفنانين التشكيليين على صفحات الروايات والقصص وقصائد النثر التي كتبها تورغينيف , وان الصور الفنية الرائعة الجمال  للطبيعة , والتي رسمها تورغينيف بالكلمات في نتاجاته الادبية جاءت تعبيرا عن عشقه للفنون التشكيلية , اي ان تلك الصور الفنية لم تأت صدفة في ابداع تورغينيف بل نتيجة للارتباط الروحي الأصيل والعميق له مع الفنون التشكيلية بشكل عام .
وكما أشرنا اعلاه , يتضمن الكتاب تسعة فصول , ويتناول كل فصل علاقة تورغينيف بالفنون التشكيلية , وهكذا يتوقف الباحث في الفصل الاول عند تاريخ البورتريتات التي رسمها مختلف الفنانون التشكيليون لتورغينيف , ويتحدث عن كل لوحة من تلك اللوحات الشهيرة له ويعيد نشرها بشكل فني رائع , ويتناول الفصل الثاني مخطوطات تورغينيف والرسومات التي رسمها في مسودات كتاباته , وهو تقليد جميل نجده عند بوشكين وليرمنتوف وغوغول ( درس الباحثون الروس هذه الرسومات والتخطيطات عند هؤلاء الادباء الكبار واستنتجوا منها جوانب نفسية وفنية عديدة لديهم , ولا مجال للتوقف عندها في اطار هذه المقالة طبعا ) , وينشر الباحث العديد من رسومات تورغينيف وتخطيطاته في مسوداته , وكذلك رسوماته لبعض ابطال رواياته . لقد تمتعت كثيرا مع الفصل الثاني من هذا الكتاب , اذ اكتشفت موهبة الفنان التشكيلي تورغينيف , ووجدت لوحات في غاية الجمال والاتقان رسمها هذا الكاتب الكبير , وتوقفت طويلا عند نص خطّه تورغينيف لنص جميل بقلمه , نص يرتبط بموقفه من اللغة الروسية وتعريفه لها , والنص هذا هو قطعة نثر رائعة الصياغة ومشهورة جدا في الاوساط الادبية الروسية , يشير تورغينيف فيها الى ان اللغة الروسية ( العظيمة والجبّارة كما يصفها) تساعده في الغربة وتخفف من توهج شوقه وحنينه الى الوطن, وقد تذكرت اننا درسنا هذا النص في الكلية التحضيرية لجامعة موسكو عام 1960 , عندما كنت ادرس اللغة الروسية هناك , وذلك ضمن مادة ( النصوص الادبية ) او ( المحفوظات ) كما كنا نسميها ضاحكين في اوساط الطلبة آنذاك , وكنت عندئذ احفظ هذا النص (عن ظهر قلب) كما يقول التعبير العربي الطريف , وقررت ان امتحن نفسي , و حاولت ان أقرأ هذا النص عن ظهر قلب دون النظر الى خط تورغينيف له , ولكنني لم استطع ان اتذكر غير بداياته , رغم اني تذكرت كل الاجواء التي كانت تحيطني بالكلية التحضيرية في تلك الايام الجميلة , الايام الخوالي التي كانت ترتبط ببوشكين وتورغينيف وبقية الاسماء العملاقة في تاريخ الادب الروسي واحلامنا الوردية حولهم آنذاك .
ختاما لهذه ( السهرة!) مع تورغينيف , اود ان أشير , الى ان هذا الكتاب يحتوي على مقولات رائعة لتورغينيف تسبق كل فصل من فصوله , واختار مقولة واحدة منها على سبيل المثال وليس الحصر وهي – ( هواء الوطن ضروري للفنان ), وكذلك اود ان اشير الى ان هذا الكتاب يحتوي على أكثر من مئة صورة ولوحة له وللفنانين التشكيليين الروس الكبار ولمخطوطات تورغينيف ورسوماته , وانها مطبوعة بشكل واضح و أنيق ورائع.

455
أدب / لم يحدث اي شئ
« في: 16:41 13/07/2018  »


لم يحدث اي شئ

قصيدة للشاعرة يلينا أفاناسيفنا / جمهورية كومي في روسيا الاتحادية

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


لم يحدث أي شئ ,
لكن لماذا
تساقطت الثلوج في اواسط مايس.
+++
لم يحدث أي شئ ,
لكن لماذا
 بدأت أشتاق لعناقاتك.
+++
لم يحدث أي شئ ,
لكن لماذا
اريد الغوص في أعماقك.
+++
لم يحدث أي شئ ,
لكن لماذا
أصبح النهر بلا  ضفاف.
+++
لم يحدث أي شئ ,
لكن كيف
اتلمس الارض والنهر بلا ضفاف.
+++
لم يحدث أي شئ ,
لكن لماذا
تساقطت الثلوج في اواسط مايس.



جمهورية كومي هي جزء من روسيا الاتحادية وتقع في الشمال , عاصمتها سيكتيفكار , والشاعرة يلينا أفاناسيفنا خريجة جامعة سيكتيفكار , وتكتب باللغتين الكومية والروسية , واصدرت عدة مجاميع شعرية . القصيدة هذه منشورة في جريدة ( ليتيراتورنايا  راسّيا ) ( روسيا الادبية) الاسبوعية بتاريخ 13 /7 /2018 العدد 2846 . القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا .

456
نجوم في سماء كلية اللغات ببغداد
أ.د. ضياء نافع .
تمر هذه الايام , ونحن في عام 2018 , الذكرى الستون لتأسيس كلية اللغات في جامعة بغداد ( انظر مقالتينا بعنوان –  ستون عاما على تأسيس كلية اللغات في جامعة بغداد , و , عود على الذكرى الستين لكلية اللغات ) , واود هنا ان اتوقف عند بعض الاسماء الكبيرة في عالم اللغات , والتي رحلت , ولكنها أبقت أثرها في تاريخنا العلمي وتاريخ جامعة بغداد ايضا , هذا التاريخ الذي لم يلتفت له – مع الاسف الشديد – مؤرخونا وباحثونا كما يجب , وهؤلاء – حسب حروف الهجاء – هم كل من حياة شرارة ( من قسم اللغة الروسية ) وفؤاد ابراهيم ( من قسم اللغة الالمانية )  , واقدم عن كل واحد منهما شيئا مما يخزنه قلبي.
         حياة شرارة
=======
حياة ابنة اللبناني محمد شرارة , الذي انتقل من لبنان الى العراق واستقر في النجف وتزوج من عراقية , واصبح كاتبا وصحافيا في العراق  يشار اليه بالبنان كما يقول التعبير الكلاسيكي العربي الجميل , والذي لا يزال بحاجة لدراسته باعتباره ظاهرة ثقافية فذّة ومتميزه في تاريخ ثقافة العراق ولبنان معا وفي دنيا النقد الادبي العربي بشكل عام.  حاولت حياة ان تجمع تراثه , وقد اخبرتني مرة ان المواد التي جمعتها تكفي لاصدار ستة كتب , وكانت متألمة وهي تقول لي , ان والدها لم يستطع في حياته ان يصدر اي كتاب , وقد اصدرت حياة  فعلا الكتاب الاول له ويضم مقالاته في التراث العربي فقط , وكان بعنوان جميل وفريد اختارته حياة من شعر المتنبي الخالد وهو – ( الخيل والليل والبيداء تعرفني) , واتذكر كم كانت سعيدة وفخورة وهي تعرض عليّ ذلك الكتاب, ولكنها لم تستطع الاستمرار بمشروعها الثقافي الرائع هذا . كانت حياة حسّاسة جدا , وحالمة جدا , وعنيدة جدا , وتعيش في اطار عالمها الفكري البحت دون مراعاة عالمها الواقعي المحيط بها , ولهذا ارادت ان تجمع كل ما كتبه والدها محمد شرارة من مقالات مبعثرة في عشرات المجلات والجرائد العراقية منذ اواسط القرن العشرين, وان تعيد تصنيفها وطبعها ونشرها في كتب , وهو مشروع عملاق يجب ان تقوم به مجموعة من الباحثين المتخصصين او مؤسسة ثقافية باكملها ,  الا انها حاولت القيام بهذه المهمة بمفردها , و هو عمل نبيل بحد ذاته طبعا وبطولي ايضا , ولكنها لم تستطع تحقيقه , مثلما ارادت – وبمفردها ايضا – ان تقوم بترجمة المؤلفات الكاملة لتورغينيف عن الروسية , رغم علمها ان معظم هذه المؤلفات مترجمة الى العربية , وكم حاولت ان اثنيها عن القيام بذلك , وكنت اقول لها مرارا ان كبار المترجمين العرب قاموا بذلك قبلها مثل غائب طعمه فرمان وخيري الضامن واكرم فاضل , ولكنها أصرّت على تحقيق فكرتها , وقالت لي ضاحكة , انها سوف تطلع على تلك الترجمات بعد انهاء ترجمتها كي لا يؤثر اسلوب تلك الترجمات على عملها , واستطاعت فعلا ان تقدم ثلاثة كتب , الا انها لم تستطع اكمال خططها مع الاسف . لقد عرقلت عملية انتحارها التراجيدية كل هذه المشاريع الثقافية الكبيرة التي بدأت بها .  من الذي سيقوم الان بجمع تراث محمد شرارة وطبعه وتقديمه الى الاجيال الجديدة مثلما ارادت حياة ؟ ومن الذي سيقوم باكمال احلام ابنته حياة محمد شرارة الادبية وخططها العلمية هذه ؟ لقد اقترحت على قسم اللغة الروسية في جامعة بغداد كتابة اطروحة ماجستير حول أ.د. حياة شرارة , اول تدريسي يحصل على درجة ( بروفيسور ) في تاريخ هذا القسم ,  واعلنت عن استعدادي للمساهمة بذلك العمل العلمي والتعاون مع المشرف والباحث , ولكن ...
فؤاد ابراهيم 
===========
فؤاد ابراهيم محمد البياتي , احد الاعلام البارزة في قسم اللغة الالمانية  , وهو الوحيد بيننا , الذي حصل على لقب – ( الشهيد !) , وما أغلى ثمن هذا اللقب الذي حصلت عليه يا أبا علي الحبيب وما أقساه !!! لقد كنت انا آنذاك مع وفد جامعة بغداد في ايطاليا , وكنا نتهيأ لاجتماع مع مجموعة كبيرة من الشباب الايطالي  المتعاطف مع العراق , والذين قرروا ان يقدموا لقسم اللغة الايطالية في كلية اللغات كتبا باللغة الايطالية من مكتباتهم الشخصية , وتحول هذا الاجتماع الى جلسة عفوية لشجب اغتيال رئيس قسم اللغة الالمانية في كليتنا . وعدت الى بغداد بعد ايام , وعقدنا جلسة لمجلس الكلية  واتخذنا ثلاث توصيات هي – اقامة تمثال نصفي لفؤاد نضعه على المنصة الفارغة في الحديقة الامامية للكلية حيث كان هناك تمثال نصفي لصدام , واطلاق اسمه على القاعة المركزية  للكلية , وعلى مكتبة قسم اللغة الالمانية , ولكن مجلس الجامعة اعترض على مسألة التمثال , واعطانا حق اختيار توصية واحدة من التوصيتين , وهكذا استقر اطلاق اسمه على القاعة المركزية , والتي لازالت تحمل اسمه لحد الان . لقد خلّد الدكتور فؤاد اسمه في كليتنا بعملين قام بهما آنذاك – العمل الاول هو اصداره لكتاب قواعد اللغة الالمانية باربعة اجزاء , والذي قسّمه بين طلبة الدراسات العليا لنيل دبلوم الترجمة , ثم جمعه واصدرته الكلية , وقد أصرّ الدكتور فؤاد ان يثبت اسماء طلبة دبلوم الترجمة على كل جزء من اجزاء الكتاب , اما العمل الثاني له , فهو الذي قام بالاتصال بالسفارة الالمانية واقنع السفير ان تتبرع المانيا ببناء مكتبة قسم اللغة الالمانية , وتزويدها بالكتب الخاصة باللغة الالمانية وآدابها , وهي المكتبة الموجودة حاليا , والتي تزهو بها كلية اللغات لحد الان , والتي تعد مفخرة من مفاخر جامعة بغداد , ولا زلت اتذكر فرحه وهو يشارك بافتتاح المكتبة بحضور رئيس جامعة بغداد عندئذ أ.د. موسى الموسوي والسفير الالماني في العراق . ولم يتفاخر فؤاد يوما بعمله العملاق هذا ابدا , بل ولم يتكلم عنه اطلاقا, لأن تواضع العلماء كان يجري في دمه وتصرفاته وأخلاقه .

457
محضر جلسة عراقية في موسكو
أ.د. ضياء نافع
عشرة أشخاص – كنت انا من ضمنهم – يجلسون بهدوء في شقة احد العراقيين في موسكو. كانت الجلسة رجالية بحتة , ويتراوح عمر الحاضرين بين الثمانين والخمسين سنة , وكان الجميع ينتظرون  البامية  (على أحر من الجمر !!!) , والساعة تقترب من الخامسة عصرا في ذلك اليوم من صيف 2018 . قال احدهم – تعطلتم في بداية التحضير , وهذه هي النتائج , فاجاب الثاني – هكذا الامور دائما عند العراقيين , فاعترض الثالث على هذا الاستنتاج الخطير وقال – هذا موقف عراقي متطرف  كالعادة , فضحك الرابع وأضاف – ولماذا تتعجب ؟ انه موقف عراقي نموذجي مثلما يتصرف السياسيون عندنا , فحاول الخامس ان يفسر ذلك وقال – كل الامور نسبية, فعندما حولوا حكم الاعدام الى السجن المؤبد في ابو غريب  شعرنا بسعادة لا مثيل لها , فسأله السادس – وماذا حدث بعدئذ وكيف خرجت من السجن ؟ اجاب الخامس – عندما زار صدام حسين موسكو – اثناء الحرب العراقية  الايرانية وطلب السلاح , اخبروه بانهم سيعطونه السلاح , وقالوا له - ( ولكنك تعدم الشيوعيين في بلدك !) , فوعدهم بانه ما ان يرجع سيحل المشكلة , وقد نفّذ وعده فعلا, وهكذا اطلقوا سراحنا ولم نصدق ذلك  , فسأله السادس من جديد – اثناء الحرب ؟ , فقال الخامس – نعم , وارسلونا الى الجبهة , ولكن كل الضباط كانوا يرفضون قبولنا ويقولون , انهم سيندسون بين الجنود ويحرضوهم ضد تنفيذ الاوامر . علّق السابع – رب ضارة نافعة . سأل السابع – هل كان الشهرستاني معكم في السجن ؟ اجاب الخامس – نعم , وكان عنده خادم يخدمه في السجن , وكان طعامه خاصا, فتعجب الجميع , واضاف الخامس – لقد ذهبنا اليه في طهران ( بعد ان هرب من السجن بشكل غريب جدا ) وطلبنا  منه المساعدة , ولكنه رفض , فسأله السابع – وكيف وصلتم اليه ؟ فاجاب الخامس – كان عنده مكتب كبير هناك , مثل اي مسؤول كبير . همس الاول في اذن التاسع – هل قرأت رواية بابا سارتر ؟ اجاب التاسع – كلا , ولكني سمعت بها , واضاف – لم اعد اقدر على متابعة روايات العراقيين لكثرتها , فقال الاول – هذا شئ رائع , وظاهرة جيدة جدا . سمع الخامس هذا الحديث فتدّخل قائلا -  لقد عرضت عليك القصة القصيرة التي كتبتها انا , ولكنك شرشحتها , وعندما ارسلتها للنشر نشروها ولم يأخذوا برأيك حولها , اجاب الاول – لم تكن الفكرة واضحة , وعندما كنت اقرأ قصة البير كامو كانت الفكرة تصل رأسا , فقال السادس – انك الان تقف جنبا لجنب مع كامو , فماذا تريد اكثر من ذلك التقييم الكبير . توسع الحديث اكثر ووصل الى طه حسين  وما كتبه حول الشعر الجاهلي والحركات الاسلامية في تراثنا , وتشعبت النقاشات وتناولت اسماء كثيرة من سيد قطب الى سلامه موسى وما بينهما , و كل أدلى بدلوه  بغض النظر عن القبول برأيه او عدم القبول , وكاد النظام يفلت من الجلسة هذه لتعدد الآراء والاجتهادات وتناقضاتها واختلطت الاصوات بين هذا وذاك , ولكن جاءت البامية وملحقاتها , فانقطعت الاحاديث الفكرية المعمقة , وقال العاشر – البامية العراقية الذ واحسن من شقيقتها في كل البلدان العربية ,فعلق الثاني – انها سيدة المائدة العراقية بلا منافس , وقال السادس – انها توحد العراقيين جميعا عربا واكراد وتركمان وكل الاقليات الاخرى بغض النظر عن كل تناقضاتهم واختلافهم , فضحك الجميع , واضاف السابع – ان البامية بحق تعد  (عابرة للطوائف والقوميات!), و علّق الثامن قائلا  - (انها فعلا  فوق الميول والاتجاهات !) , وقال الثالث – عندما كنت في شمال العراق , فاعترض الخامس وهو يقول –  قل في كردستان العراق وليس في شمال العراق, فاجاب الثالث – كلا , انا اقول بعد الاستفتاء ( في شمال العراق ) وليس (في كردستان العراق) كما كنت أقول سابقا , فتدخل الرابع وقال في محاولة لتخفيف حدة النقاش – ساحكى لكم نكتة عن الاكراد , ولكني اقول كردستان العراق بدلا من شمال العراق , والنكتة هي ان احد الاكراد طار من بغداد الى السليمانية , وبعد حوالي الساعة وصلت الطائرة الى السليمانية , ولكن صاحبنا رفض الخروج من الطائرة , وعندما خرج الجميع , صعد اليه مسؤول المطار ليقنعه بالخروج , فقال له المسافر , بانه لو كان يعلم ان الوصول الى السليمانية خلال ساعة لما اشترى بطاقة سفر ولتمشى من بغداد ووصل الى السليمانية , فضحك الجميع , وعلّق العاشر قائلا – ومع كل هذا , فان ما تعرض له الاكراد الفيلية زمن البعثيين هو ابادة جماعية  بحق الانسانية لم يعرفها العراق سابقا , فسأل الخامس – والانفال  وحلبجة ؟ اجاب العاشر – كلها تراجيديات رهيبة طبعا , لكن الحملة ضد الاكراد الفيلية وهم في عقر دارهم كانت مرعبة حقا , فقال السادس – نعم نعم , الفيلية الذين منحوا العراق رضا علي وعزيز الحاج و غائب طعمه فرمان وغيرهم , فقال الخامس – لم اكن اعرف  ان غائب كان فيليا ابدا , فقال السادس – وغائب نفسه لم يقل ابدا ذلك , وانما كان يؤكد دائما انه عراقي ليس الا , فعلّق السابع قائلا – دعونا نتمتع بالباميه بلا سياسة , فقال الخامس – لا لا لا , فالبامية مع السياسة يصبح طعمها عراقيا بحتا, فضحك الجميع , وتناسوا الصراع  الفلسفي والفكري من اجل التسميات وتحديدها , وبدأوا بالتعايش السلمي الجميل تحت شعار - (الانسجام التام من اجل التمتع بالطعام !).     

458
أدب / الشمس
« في: 22:14 04/07/2018  »
الشمس
=========

قصيدة للشاعر المعاصر جوان ابيل / موزامبيق 
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

في هذا اليوم
الشمس أشرقت..
وفوق السطوح
 توهجت ,
وعلى الجدران
 تسلقت ,
وفي العيون
-باشعتها الذهبية-
تلألأت.
+++
والاطفال كانوا يتقافزون
على الرمل الاحمر,
ويتراكضون,
وهم يصنعون
من الطين
اناسا صغارا مضحكين.
+++
أشرقت الشمس
في هذا النهار الذي
بلا انتهاء,
والذي ,
في نوره,
رأيت في عيني حبيبتي
ذلك الامل الندي..
+++
في هذا اليوم
الشمس أشرقت,
وجففت
الملابس المغسولة,
وهي تتأرجح على الحبال,
وخففت
 الالآم غير المرئية,
والمخفية
في اعماق الانسان..
+++
وفي الحديقة
كان الدجاج يحفر
في كومة الازبال,
وفي الشارع,
كنّ يضحكن
بصوت عال-
الفتيات,
اللواتي يعطين انفسهن
في ظلمة الليل
من اجل الخبز ,
نفس تلك الفتيات
كنّ يضحكن للشمس
التي أشرقت,
وسطعت,
في هذا اليوم الذي
بلا انتهاء..
+++
الشمس أشرقت,
وغمرت
السطوح ,
وتسلقت
الجدران,
واضرمت
اللهيب في الوجدان,
نفس تلك الشمس
- يا اخي -
التي
كنت تحلم مرّة
ان تمسكها بيديك..


459
قراءة في كتاب – محطات من حياتي
أ.د. ضياء نافع
هذا كتاب مهم جدا في تاريخ العراق المعاصر , اذ انه ليس فقط ( محطات !) في حياة مؤلفه د. خليل عبد العزيز , بل هو ( حصيلة !) كل حياته في الواقع , ولهذا فانه كتاب صعب , ولا يمكن للقارئ ان ( يلتهمه!!) رأسا , كما يحدث مع بعض الكتب الشيّقة الاخرى , اذ ان الاحداث التي يتناولها د. خليل عبد العزيز تقتضي من القارئ ان يتأملها ويستوعبها بهدوء وتفكير عميق , خصوصا وانني لم أجد الفهرس ( لا في بداية الكتاب ولا في نهايته ) في كتاب بمثل هذا الحجم , اذ انه يقع في (324) صفحة من القطع الكبير , ويتناول احداثا مهمة لاكثر من نصف قرن منذ خمسينات القرن العشرين ولحد الان , احداثا ساهم فيها د. خليل شخصيا , وفي هذه النقطة بالذات تكمن اهمية هذا الكتاب وقيمته التاريخية الكبيرة , اذ ان هذه الاحداث غير معروفة باكملها لنا بتاتا , ولكنها تمتلك اهمية في مسيرة تاريخنا المعاصر, او كما كتب الدكتور كاظم حبيب في مقدمته العميقة و الدقيقة للكتاب – ( ان هذا الكتاب شهادة حيّة وصادقة عن احداث مرّ بها الشعب العراقي وأثرت ايجابا او سلبا على حياته الراهنة ومستقبل اجياله القادمة , انه اغناء للمكتبة العربية .). ولا تهدف القراءة التي نقدمها للقارئ هنا الى تلخيص هذا الكتاب وعرض مضمونه العام , خصوصا وان بعض الباحثين قدّموا هذه الخلاصة , واود ان اشير بالذات الى ذلك العرض الموضوعي المرّكز والذكي , الذي قدّمه الاستاذ جمال العتابي ( انظر مقالته بعنوان (خليل عبد العزيز يبوح بالمخفي ..ولكن )  المنشورة في جريدة الصباح الجديد / بغداد بتاريخ 26/ 6 /2018 ) . ولهذا , فانني  ساكتفي بالتوقف عند نقطتين ليس الا في هذا الكتاب , والتي أعتبرهما  طريفتين و مهمتين وجديدتين , على الرغم من انهما صغيرتين  في مسيرة تاريخنا المعاصر . النقطة الاولى تتعلق بالاتصالات بين الحزب الشيوعي السوفيتي والاحزاب الشيوعية العربية , فمن كان يتصور مثلا , ان مسؤول الاتصالات بين الحزب الشيوعي السوفيتي والاحزاب الشيوعية العربية , والذي يسميه د. خليل عبد العزيز بالاسم يتصرف بهذا الاسلوب مع ممثلي الاحزاب الشيوعية العربية في موسكو – قلب الدولة السوفيتية والمعسكر الاشتراكي !!!,  ولنقرأ معا هذا المقطع من ص192 -193 – ( ..وفي الكثير من الاوقات اهمل السوفييت علاقتهم هذه , ولهذا وضعوا موظفا صغيرا في جهاز مخابراتهم ليس له منصب حزبي مؤثر ليكون وسيطا بين الاحزاب الشيوعية العربية والحزب في الاتحاد السوفيتي, ولم يكن ليمر طلب بمقابلة او اتصال او التماس وحتى حاجة بعينها , الا من خلال هذا الموظف المدعو نيجكين الذي عمل في فترة ما بعد ثورة الرابع عشر من تموز العراقية ملحقا ثقافيا في السفارة السوفيتية في بغداد , وكان هذا الموظف يبتز اعضاء الاحزاب الشيوعية العربية ولا يوافق على ايصال طلباتهم الى القيادة السوفيتية دون ان تقدم له رشاوي معينة , دائما ما كان يحددها هو وليس هم .), ولنتصور انطباع مندوبي الاحزاب الشيوعية العربية وهم يتعاملون بهذه الطريقة مع هذا ال ( نيجكين ) , كي يقابلوا  مسؤولا في الحزب الشيوعي السوفيتي !! , ولكننا لم نقرأ سابقا اي شئ عن هذه الحالة , واننا ( اصطدمنا ) بها في كتاب د. خليل عبد العزيز لاول مرّة . والنقطة الثانية التي نريد التوقف عندها هنا تختلف عن روحية هذا الجو السياسي البحت , الا وهي موضوع الدراسة في الاتحاد السوفيتي وتاريخها , والتي لم نستطع لحد الان تقديمها كما يجب  . لقد حاولنا تسجيل بعض جوانب هذا الموضوع في سلسلة مقالات بعنوان – (رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي) ( 5حلقات) وسلسلة اخرى بعنوان – ( المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي ) (4 حلقات ) , ثم حاولنا ان نقدم قائمة اولية باسماء المترجمين العراقيين عن الروسية (حلقتان ) , وقد أشرنا في تلك القائمة الى اسم الياس البدري ضمن المترجمين العراقيين , واعترض البعض على ذلك , واعتبروه مترجما لبنانيا , وقد اجبتهم  تحريريا باني اعرف البدري شخصيا , ولكن بلا جدوى , ووجدت في كتاب خليل عبد العزيز وعلى الصفحة رقم 209 ما يؤكد ذلك , ونقدم للقارئ هذا المقطع الصغير والمهم في هذا المجال , وهو – ( ..استطاع البعض من الشباب العراقي الحصول على مقاعد دراسية في المعاهد السوفيتية , فقد استطاع محمد علي الماشطة ومصطفى الجواهري الحصول على زمالة دراسية في الاتحاد السوفيتي , وكان قد سبقهما الالتحاق بالدراسة في موسكو مواطنان عراقيان يهوديان  استطاعا الهروب من العراق  بعد اسقاط  الحكومة العراقية  الجنسية عن اليهود العراقيين عام 1949 , وقد وصلا الى موسكو عبر ايران, احدهما واسمه مسرور, اذكر انه عمل كمذيع في اذاعة موسكو باللغة العربية , اما الثاني واسمه الياس البدري فقد تم تعيينه مدرسا لتدريس اللغة العربية في معهد اللغات الشرقية في موسكو بعد  انهائه الدراسة في كلية الحقوق ...) .
ختاما لهذه القراءة المختصرة جدا ( والتي  لا يمكن لها ان ترسم حتى ولا صورة تقريبية لاهمية هذا الكتاب وقيمته التاريخية ), اود ان اشير الى ما قاله لي د. خليل عبد العزيز في اللقاء الاخير معه في موسكو , وهو ان السكرتير العام للحزب الشيوعي العراقي الدكتور رائد فهمي اخبره , انه يسمع لاول مرة  عن هذه الاحداث في الاتحاد السوفيتي , واقترح عليه ان يقدم كلمة امام اجتماع للشيوعيين العراقيين للتحدث عن ذلك , وهو اقتراح علمي وموضوعي وعملي فعلا من وجهة نظري , اذ ان الاجيال العراقية التي لم تتعايش مع التجربة السوفيتية قد خلقت في مخيلتها صورة مرتبكة ومشوشة  جدا عن هذه التجربة الانسانية الكبيرة و العظيمة في تاريخ البشرية , صورة بعيدة عن واقعها و ترتبط بمستوى الوعي الاجتماعي العراقي وتعكسه و تجسّده ليس الا , صورة تصفها الامثال العراقية الطريفة بدقة , مثل ( لو طخه لو اكسر مخه / لو بسراجين لو بالظلمه / لو هره لو وره / علج المخبل ترس حلكه  ... الخ) . لقد اشار د. كاظم حبيب في مقدمته  للكتاب , الى ان (.. من يعرف الاتحاد السوفيتي والدول الاشتراكية الاخرى يدرك صحة تقديرات المؤلف وصواب استنتاجاته) , وهي ملاحظة دقيقة وصحيحة فعلا .
تحية للدكتور خليل عبد العزيز وذاكرته الفذّة على هذه الجهود العلمية الكبيرة , والتي أضافت الى المكتبة العربية هذا المصدر المبتكر والاصيل, وتحية للمبدع فرات المحسن وللدكتور محمد الكحط على مساهماتهما المهمة في اعداد و اخراج هذا الكتاب  .

460
بوشكين داخل روسيا وخارجها / ملاحظات
أ.د. ضياء نافع
هذا موضوع واسع ومتشعّب جدا , لهذا اضفنا الى عنوان المقالة – ملاحظات , اذ لايمكن لمقالة واحدة  - او حتى عدة مقالات - ان تحيط بكل ابعاده ولا حتى بالنقاط الاساسية حوله,  فبوشكين ( الذي توفي عام 1837 ) لا زال ولحد الان ( ونحن في نهاية العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين ) الاديب رقم واحد - وبلا منافس- في مسيرة الادب الروسي وتاريخه داخل روسيا , ولم يستطع اي اديب روسي آخر ان (ينافسه! ) (ان صح هذا التعبير الخشن جدا) في موقعه هذا , او ( بتعبير أرق وأدق ) ان يحل محله  في قلوب الشعب الروسي , ولكن بوشكين  لم يشغل هذا الموقع خارج روسيا ابدا لا من قريب ولا من بعيد, بل ان هناك ادباء روس , مثل دستويفسكي وتولستوي , يعتبرونهم ( خارج روسيا ) اكبر من بوشكين واكثر اهمية وشهرة منه , ويشكّل كل ذلك ظاهرة غريبة حقا في النظرة العامة للادب الروسي , ظاهرة تستحق التأّمل العميق من قبل اي باحث في مسيرة هذا الادب العريق.
 لا يمكن طبعا ان نتكلم عن بوشكين خارج روسيا , اذ ان هذا يعني الكلام عنه  في كل  من اوربا وامريكا وآسيا وحتى بعض بلدان افريقيا الحديثة , وذلك أمر يقتضي جهود مجاميع كبيرة من المتخصصين , الذين يجب ان يجتمعوا مع بعض ضمن مؤتمرات او ندوات خاصة لبلورة تلك الافكار والوقائع والتأملات بشأن هذا الموضوع , ولكننا مع ذلك نرى , ان طرح الموضوع هذا بشكل مكثّف ومختصر, وكتابة ملاحظات عامة عنه من هنا وهناك – يكفي للتذكير به وللتأمل في اهميته بالنسبة لمتابعي الادب الروسي وتاريخه في عالمنا العربي .
بوشكين بالنسبة لروسيا, كما قال عنه مرّة الناقد الادبي الروسي غريغوريف, في محاولة لتعريفه - ( بوشكين – انه  كل شئ!) , ولم يتغّير هذا الرأي حتى بعد ظهور ادباء – لاحقا - بمستوى تولستوي ودستويفسكي , بل ان تولستوي ودستوبفسكي نفسهما أكّدا هذه الحقيقة , ( انظر – مثلا – مقالتنا بعنوان – خطاب دستويفسكي عن بوشكين) . وروسيا تمتلك سمات شرقية في بعض صفاتها , ومن بين هذه السمات حبها للتقديس والمبالغة , وانطلاقا من ذلك وارتباطا بذلك ايضا , فانها – ربما -  تبالغ برفع مكانة بوشكين الى الاعالي ( انظر- مثلا - مقالتينا بعنوان – (هل بوشكين أعلى من ستالين ؟) , و الثانية بعنوان – ( الشعر أعلى من السياسة ) . ) , ولكن هذه المبالغة لا يمكن – باي حال من الاحوال - ان تجعل الشعب الروسي ( يتوّج!!) بوشكين على عرش الادب الروسي , كما حدث و يحدث لحد الآن , ولا يزال بوشكين يحمل في روسيا - ومنذ سنوات طويلة جدا - لقبه المتفرّد الجميل – ( شمس الشعر الروسي !).
اما بوشكين خارج روسيا فالامر يختلف طبعا , واذا ما توقفنا – مثلا – في عراقنا , او عالمنا العربي بشكل عام , فاننا نجد , ان الجواهري قد أشار الى اسم تولستوي مرة في احدى قصائده باعتباره رمزا لروسيا , و ذلك في قصيدته الشهيرة – ( ستالينغراد ) , والتي كتبها بعد معركة ستالينغراد , وهي المعركة التي حوّلت – كما هو معروف - مسيرة الحرب العالمية الثانية , و البيت  هو –
يا تولستوي ولم تذهب سدى     ثورة الفكر ولا طارت هباء
  يا ثريا وهب الناس الثراء     قم ترى الناس جميعا اثرياء
(ولا مجال هنا للحديث عن رثاء تولستوي من قبل احمد شوقي وحافظ ابراهيم والزهاوي , وردود الفعل الاخرى بعد وفاة تولستوي في العالم العربي ), ولم يخطر في بال الجواهري طبعا ان يستشهد باسم بوشكين هنا , رغم ان بوشكين هو الاقرب من مفهوم (رمز روسيا), مقارنة مع اسماء الادباء الروس الآخرين , لأن ذلك لم  يكن مطروحا في الوعي الاجتماعي العربي لا آنذاك ولا في الوقت الحاضر ايضا . وكذلك الحال خارج العالم العربي , واذا ما أخذنا فرنسا مثلا , وهي التربة الفكرية الاقرب الى روسيا بين كل الدول الاوربية ,وليس عبثا ان لجأ اليها الادباء الروس بالاساس بعد ثورة اكتوبر1917 , فاننا سنجد ايضا , ان بوشكين لا يشغل الموقع الاول بين الادباء الروس هناك , (رغم انه كتب اول قصيدة له باللغة الفرنسية !) , ومع انه يبقى متميّزا بينهم , ولكن دستويفسكي وتولستوي وحتى تشيخوف يقفون في الساحة الفرنسية الند للند مع بوشكين ( ان صح هذا التعبير!) , بل ويبرزون اكثر منه بعض الاحيان , ولا يرتبط الموضوع فقط بطبيعة نتاجات بوشكين , اذ ان ترجمة الشعر دائما هي الاصعب , لكن هذا الوضع يشمل نثره ايضا. ويمكن تكرار القول بالنسبة لانكلترا ايضا , وعلى الرغم من تباين الظروف السائدة فيها مقارنة مع فرنسا , الا اننا نلاحظ تلك الظاهرة ايضا , ومن الطريف ان نذكر هنا , ان السفير الروسي في لندن قد دعى مرّة المترجم الانكليزي الاول لبوشكين واسمه – (انطوني بريغس) للاحتفال معه بيوم ميلاد بوشكين في السفارة الروسية, وقال له , ان الجميع معجبون بترجماته , وانه ( يجعل القارئ الانكليزي يتعرّف على الثقافة الروسية ) , وقد اعلن المترجم  عندها , انه درس الشعر الفرنسي والاسباني والانكليزي , ويجد ان  بوشكين هو أعلى من الجميع ... ولكن رأي المترجم هذا شئ , والواقع في انكلترا شئ آخر ...
لا يمكن طبعا الاسترسال اكثر والتوقف عند بوشكين في بلدان اخرى كالصين مثلا , او الولايات المتحدة الامريكية وغيرها من البلدان الكبيرة , ولكن خلاصة كل هذه النظرة السريعة والشاملة تؤكد ما ذكرناه آنفا , وهو ان مكانة بوشكين في بلده تختلف تماما عن مكانته خارج روسيا , وعلى الرغم من طبيعيّة هذا التباين بشكل او بآخر بالنسبة لاي اديب داخل بلاده وخارجها , الا ان  هذا التباين الكبير بالنسبة لبوشكين  هو امر يستحق الدراسة المعمقة بلا شك.   

461
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي – الروسي
أ.د. ضياء نافع

ولد نوّار في روسيا من اب عراقي وام روسية , وانهى تعليمه في بغداد ( مدرسة الموسيقى والباليه ثم الجامعة المستنصرية ) , وعاد  الى روسيا لاكمال دراسته العليا, وحصل على الدكتوراه في طب العيون , وبدأ بعد ذلك رحلة العمل هنا وهناك, وكان في قمة تألّقه  وشبابه عندما داهمته السكتة القلبية , وهكذا رحل ... ولكنه  بالنسبة لنا تحوّل الى راحل لم يرحل ... وقررنا ( والدته وأنا )  - تخليدا لذكراه -  ان نطلق اسمه على دار نشر تعمل في بغداد وموسكو وتنشر الثقافة والمعرفة بين الناس , كي لا ينقطع عمل نوّار الذي رحل , بل يتحول الى واحدة من تلك النقاط الثلاث ( كما جاء في الحديث الشريف – اذا مات ابن آدم ....الخ ) و كي يرتبط اسمه بالنقطة الثانية بالذات وهي  - ( علم ينتفع به !) ,  وهكذا تم تأسيس ( دار نوّار للنشر ) , وأصدرت دار نوّار للنشر خمسة كتب لحد الان , والعمل يستمر فيها ويتوسّع , وقرر مجلس ادارة دار نوار للنشر تأسيس جائزة تحمل اسمه ايضا (انطلاقا من نفس الهدف ), وهي – (جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي الروسي) , وذلك  لان نوار يجسّد هذا الحوار , فهو ابن العراق وروسيا معا , وكان يتكلم العربية مثل اي عراقي عربي ويتكلم الروسية مثل اي روسي , ولذلك , فان الحوار العراقي الروسي يعني استمرار الحياة لروحيّة نوّار , واستمرار الحياة لظاهرة نوّار , واستمرار الحياة لتجربة نوّار...
جائزة نوار لتعزيز الحوار العراقي الروسي في المجالات كافة من ثقافية واقتصادية وسياسية واجتماعية ... الخ  هي جائزة رمزية قدرها خمسة آلآف (5000) دولار امريكي ليس الا , تمنحها لجنة جائزة نوار لمن تختاره من العراقيين او الروس  سنويا في شهر ايلول / سبتمبر ( الشهر الذي تأسست فيه العلاقات العراقية الروسية ( السوفيتية) من عام 1944) .
العراق يحتاج الى الحوار مع روسيا...                                                     
روسيا تحتاج الى الحوار مع العراق...                                                     
نوّار يجسّد روح هذا الحوار بين العراق وروسيا ...                                         
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي – تذكير بنوّار...                                 
جائزة نوّار لتعزيز الحوار العراقي الروسي – تذكير باهمية هذا الحوار...                       

462
نحو تأسيس صندوق للترجمة من الروسية الى العربية في موسكو
أ.د. ضياء نافع
سبق وان توجهت الى الرئيس الروسئ السيد فلاديمير بوتين بتاريخ 18 / 4/  2013  برسالة تفصيلية حول مقترح يتكون من ست نقاط بشأن مستقبل العلاقات الثقافية العراقية – الروسية , وكانت فكرة تلك المقترحات تتمحور في تاسيس صندوق في موسكو يمول تنفيذ تلك النقاط , والصندوق هذا يتكون من استقطاع بنس  امريكي واحد فقط لا غير من ثمن كل برميل نفط عراقي تستخرجه الشركات النفطية الروسية العاملة في العراق ويتم تسويقه عالميا . ان استقطاع  هذا البنس الواحد لا غير من كل برميل نفط عراقي لا يشكل عبئا ماليا لتلك الشركات النفطية , ولا لاي جهة من الجانب الروسي اوالعراقي , ويمكن تسجيل هذا البنس رسميا في واردات الصندوق المقترح  في موسكو وتحت اشراف رقابة مالية رسمية يتم الاتفاق بشأنها بين كل الاطراف المعنية , ويتم الاتفاق ايضا على آلية عملها وفق القوانين السائدة في روسيا الاتحادية وجمهورية العراق , الا ان الموضوع يتطلب بالطبع تنظيم الموافقات الرسمية الاصولية واللازمة في كلا الجانبين الروسي والعراقي  لغرض المتابعة والتنسيق والاشراف على تنفيذ هذه العملية الكبيرة والدقيقة بلا شك , والاهم طبعا هو الموافقة المبدئية على المقترح والبدء باتخاذ الاجراءآت اللازمة لتنفيذه .  لقد استلمت في حينها اجابة من  مكتب رئاسة روسيا الاتحادية على هذه الرسالة بتاريخ 28/4/2013 وبرقم 262041987171, وكان الجواب ايجابيا بشكل عام تجاه تلك المقترحات , وقد أحالت الرئاسة آنذاك رسالتي الى وزارة الخارجية الروسية لدراستها والاجابة عليها , واستلمت فعلا – بعد فترة – اجابة من الخارجية الروسية بتاريخ 1/7/ 2013 وبرقم9625   , واقترحت الخارجية الروسية  عندها  مفاتحة صندوق  العالم الروسي  بشأن تنفيذ تلك المقترحات, (و صندوق العالم الروسي هو مؤسسة روسية رسمية عالمية مسؤولة عن نشر اللغة الروسية في العالم ), خصوصا وان واحدة من  تلك المقترحات كانت تتضمن تاسيس معهد شبه مجاني في بغداد لتعليم اللغة الروسية ( وبالتعاون والتنسيق مع قسم اللغة الروسية في كلية اللغات بجامعة بغداد ) لكل العراقيين الراغبين بتعلم اللغة الروسية , وذلك لأن اللغة الروسية تعد واحدة من أهم عوامل التفاهم والتواصل المشترك بين الطرفين العراقي والروسي  , الا ان الاوضاع الامنية التي كانت سائدة في بغداد آنذاك لم تكن تسمح – مع الاسف - بانجاز ذلك المقترح , وهكذا تم تأجيل هذا المشروع بمجمله.
لقد مضت أكثر من خمس سنوات على مقترحاتنا تلك , ونحن نعتقد , ان هذه المقترحات لازالت تمتلك حيويتها واهميتها , ولهذا , فاننا نود ان نقترح هنا العودة اليها , وتنفيذها على مراحل , ولتكن النقطة الاولى منها فقط الان ( دار نشر بموسكو للترجمة من اللغة الروسية الى اللغة العربية ) , والتي ترتبط بتأسيس  نواة مركز في (معهد الترجمة في موسكو) يتبنى بلورة الآراء بشأن دراسة كل الجوانب المتعلقة بتنظيم هذا المقترح وتنفيذه في موسكو بالتعاون مع الجهات الرسمية الروسية والعراقية واتخاذ الخطوات الاولى , وذلك لوضع الاسس الرئيسية له , كي يكون من الممكن التخطيط لتنفيذ خطة طموحة وعلمية للترجمة من الروسية الى العربية تشمل كل الجوانب الابداعية للفكر الروسي من تاريخ وفلسفة وآداب وعلوم بحتة ووضع المعاجم والقواميس العلمية المتنوعة وبقية المصادر الضرورية الاخرى  لتأسيس مكتبة متكاملة للفكر الروسي باللغة العربية واستخدام آخر الانجازات العلمية والتكنولوجية  لتنفيذها , ومن نافل القول ان نشير هنا الى ضرورة اشراك اوسع الاوساط من المتخصصين و المثقفين العراقيين والعرب والروس في نشاط هذا الصرح الثقافي الكبير , مستفيدين من التجارب التي مرّت في الاتحاد السوفيتي والبلدان العربية الاخرى في هذا الشأن , خصوصا وان الظروف الحالية خلقت اجواء مساعدة لذلك , اذ توجد في موسكو وبعض المدن الروسية  الاخرى مجموعة من العرب الذين يتقنون اللغة الروسية بشكل ممتاز , ويستطيعوا المساهمة الفعالة بتنفيذ هذا المشروع , وكذلك توجد في العالم العربي كوادر علمية مرموقة سوف تتفاعل مع مشروع  يهدف الى تعميق التفاهم المشترك بين روسيا والعالم العربي .

463
أدب / الافعى
« في: 19:39 18/06/2018  »
الافعى
=========

قصيدة شعبية من جزر الكاريبي
==================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
الى الاستاذ نعمة عبد الله , الذي يقرأ ما بين السطور.
المترجم.
=============================


...............
................
عند الافعى
عيون من زجاج ,
 من زجاج,
تلتف الافعى
حول الجذع,
عيونها من زجاج,
الان  الافعى
عند الجذع,
تتحرك الافعى
بلا أقدام ,
تختفي الافعى
 في العشب ,
تسير متخفّية في العشب ,
تسير بلا أقدام .
...........
............
تضرب انت الافعى
بالطبر,
اضربها أسرع ,
 لكن لا تضربها بالاقدام
فالافعى تلسع,
لا تضربها بالاقدام
فالافعى تهرب,
مع لسانها,
و مع اسنانها ..
.............
...........
الافعى ميّتة
 الآن
بلا فحيح ,
الافعى الميتة
لا تقدر ان تبلع,
لا تفدر ان تمشي,
لا تقدر ان تهرب ,
الافعى الميتة
 لا تقدر ان ترى,
الافعى الميتة
لا تقدر ان تشرب ,
لا تقدر ان تتنفس,
لا تقدر ان تلسع.
...........
.............
الافعى
رقدت...
الافعى
ماتت...   

464
حول انطباعات تولستوي في باريس
أ.د. ضياء نافع
زار تولستوي باريس اول مرة عام  1857 وبقي فيها حوالي  الشهرين تقريبا , وتوجد لوحة معدنية (بالفرنسية طبعا ) معلقة في شارع  ريفولي بباريس , ليس بعيدا  عن متحف اللوفر الشهير, و تشير هذه اللوحة الى ان تولستوي عاش هناك في احدى الشقق , وقد تم وضعها من قبل المسؤولين في العاصمة الفرنسية (ولا زالت معلقة هناك لحد الآن) , كما تفعل كل الدول الحضارية , التي (تزرع !) الثقافة في شوارعها لكل الناس, وتعتزّ بزيارات اعلام الثقافة العالمية لها و تؤرخها و تتفاخر بها , وتولستوي بالطبع في مقدمتهم .
انطلق تولستوي من مدينة بطرسبورغ مع الشاعر نكراسوف والكاتب تورغينيف , واستغرقت سفرتهم من روسيا الى فرنسا (11) يوما باكملها , خمسة أيام منها كانت في العربات التي تجرّها الخيول , حيث وصلوا الى وارشو عاصمة بولندا , ومن وارشو ركبوا القطار الى باريس عبر المانيا , وقد كتب تولستوي في يومياته قائلا – ( ان السفر بالقطار – متعة ), وهو محق طبعا بعد السفر في العربات  .  وفي اليوم الاول من وصولهم الى باريس ذهبوا الى دار الاوبرا , حيث كانت هناك حفلة تنكرية , رغم تعب الطريق . وفي باريس – كما يكتب تولستوي في يومياته – زار متحف اللوفر مرات عديدة ( كان سكنه قريبا من المتحف  كما ذكرنا اعلاه ) , وادهشته هناك لوحات رمبرانت بالذات , وكتب عنها يقول , ان ( الوجوه في لوحاته حيوية وقوية , والتباين رائع بين الضوء والظل..) , واهتم تولستوي بالحي اللاتيني , حيث جامعة السوربون العتيدة, والتي   استمع  فيها الى عدة محاضرات في الفلسفة وتاريخ المسرح الشعري , اما بالنسبة ل ( كوليج دي فرانس ) القريبة منها , والتي لم تكن تمنح شهادات اكاديمية متخصصة , وانما تقوم بتنظيم محاضرات عامة ومجانية للجميع في كل انواع المعرفة , فقد استمع تولستوي  فيها – كما أشار في يومياته – الى محاضرات في الادب الروماني والادب الفرنسي والاقتصاد السياسي والقانون الدولي واللغة اللاتينية والفلسفة .
اما بالنسبة للفنون , فقد كتب تولستوي في احدى رسائله من باريس يقول , انه ( مسرور و سعيد بحياته في باريس ... وانه يتمتع بالفنون ..) , وخصوصا في مسارح المدينة , حيث زار الكثير من تلك المسارح , وكان يسجّل انطباعات  سريعة عن هذه الزيارات , فقد كتب – مثلا – عن مسرحية ( البخيل ) لمولير – ( ممتاز ) , وعن ( زواج  فيغارو ) لبومارشيه  -  (جيد ) , وعن (مسألة المال ) لدوماس الابن – ( سئ جدا ) ...أما بالنسبة للموسيقى, فقد حضر حفلات موسيقية كثيرة بمفرده او مع تورغينيف , وكتب عن احدى هذه الحفلات في الكونسرفتوار , حيث عزفوا احدى سمفونيات بتهوفن , كتب قائلا – ( يعزف الفرنسيون موسيقى بتهوفن مثل آلهة .. اني اتمتع وانا اصغي الى هذه الموسيقى , التي يعزفها من افضل الفنانين في العالم ..) , ونجد في رسالة اخرى كتبها حول تلك الحفلات الموسيقية يقول – ( لم استمع ابدا الى مثل هذا العزف الموسيقي المتكامل , كما في كونسرفتوار باريس ..) .
زار تولستوي في باريس طبعا معالم تلك المدينة الشهيرة والمعروفة , ومن الطريف ان نذكر هنا , انه لم يعجب بكنيسة نوتردام في باريس , واعتبر ان الكاتدرائية التي شاهدها مع تورغينيف في مدينة ديجون أجمل منها , وهي كاتدرائية تعود الى القرن الثالث عشر والرابع عشر , وزار بعض المعالم المرتبطة بنابليون , هذه الشخصية التي كتب عنها لاحقا في روايته الخالدة ( الحرب والسلم ) , وحضر مرة حتى عملية اعدام بالمقصلة لاحد المجرمين الفرنسيين في الساحة قرب أحد السجون , وقد اشمئز من عملية الاعدام هذه , وانعكست تلك الانطباعات الرهيبة من جرّاء ذلك حتى على نظرته  في المستقبل نحو الحضارة الاوربية بشكل عام .
قضى تولستوي حوالي الشهرين في باريس آنذاك كما ذكرنا آنفا, وهي زيارته الاولى لها , اذ انه زارها مرة اخرى , وكتب بعد الزيارة الاولى هذه الى احد اصدقائه يقول – ( لقد رأيت هناك كثيرا من الاشياء الجديدة والممتعة , بحيث كنت ارقد كل مساء واقول لنفسي – كم هو مؤسف ان ينقضي اليوم  بسرعة هكذا ...وبشكل عام , لم يكن لديّ الوقت الكافي للقيام بما كنت اريد القيام به ..)
ختاما لمقالتنا هذه , نود ان نشير , الى ان تولستوي كتب بعد زيارته الاولى لباريس يقول – ( ...ان روعة الحياة الاساسية في باريس تكمن في الحريّة الاجتماعية , هذه الحريّة التي لم يكن عندي حتى ولا مفهومها في روسيا ..) . لقد كتب تولستوي هذه التأملات الفلسفية العميقة عندما كان عمره( 29) سنة ليس الا , ومن الواضح تماما , ان هذا النبيل الروسي كان يتقن اللغة الفرنسية ويعرف كيف يتخاطب بها مع الفرنسيين انفسهم و كيف يتفهم أعماق فنونهم وآدابهم وطبيعة مجتمعهم.
انطباعات تولستوي حول زيارته الاولى لباريس تستحق التأمل , وتستحق المقارنة ايضا مع انطباعات ( البعض!) من ( جماعتنا!!!). 

465
المنبر الحر / جلجامش بالروسيّة
« في: 21:56 14/06/2018  »
جلجامش بالروسيّة
أ.د. ضياء نافع
قدّم المرحوم العلّامة طه باقر لنا – نحن العراقيين –  ترجمة  (كلكامش) قبل عشرات السنين , وارتبط اسم طه باقر منذ   لملحمة ذلك الحين  ولحد الان في وعينا باسم بطل تلك الملحمة , والذي كتبه طه باقر هكذا – (كلكامش) بالكاف . تذكرت ذلك وانا اود ان اتحدث عن الكتب الروسية حول هذه الملحمة الفريدة والرائعة في تاريخنا الرافديني  وتاريخ البشرية ايضا , واحترت كيف اكتب اسم الملحمة وبطلها , هل اكتبه (بالكاف) كما جاء عند استاذنا طه باقر , ام اكتبه ( بالقاف ) كما جاء عند استاذ عراقي كبير آخر هو المرحوم عبد الحق فاضل, ام اكتبه  (بالجيم) كما استقرت كتابته في معظم المصادر العربية ؟ وقررت اخيرا  كتابته بالجيم (على وفق اللفظ المصري لحرف الجيم هذا ) لانه الاقرب الى كل المصادر العربية والاوربية ايضا, واعتذر لاستاذي عالم الآثار العراقي الكبير طه باقر , والذي يبقى رائدا لنا جميعا في مضمون عمله التاريخي العلمي الكبير ذاك , واعتذر لاستاذنا عبد الحق فاضل , الرائد الكبير الآخر في دنيا الترجمة و الفارس في عالم اللغة العربية وآدابها .
ونعود الى جلجامش وملحمته بالروسية . قام الشاعر الروسي غوميليوف بترجمة نص هذه الملحمة عام 1919 عن الفرنسية ( انظر مقالتنا بعنوان – غوميليوف الشاعر الروسي المخضرم ) , وغوميليوف هو شاعر ومنظّر روسي كبير أعدمته السلطة السوفيتية عام 1921 , وبقيت محاولته الترجمية تلك شاهدا على عبقريته شاعرا ومترجما في تاريخ الادب الروسي , الا ان النقد الادبي الروسي لاحقا لم يتناول طبعا اعمال هذا الشاعر والمترجم بالبحث والدراسة بعد اعدامه , بل وانعكس هذا الموقف سلبا حتى على زوجته الشاعرة آنّا أخماتوفا وابنه الباحث و المؤرخ  ليف غوميليوف ( ولا مجال هنا للحديث عنهما ), وهكذا بقيت ملحمة جلجامش منسية بترجمته , على الرغم من انها كانت محاولة رائدة في تاريخ روسيا ومسيرتها الفكرية , وبقيت كذلك منسية لحد الان , رغم عودة النقد الادبي الروسي للكتابة عن غوميليوف في روسيا الحديثة , وربما يعود السبب في كون ترجمته ليست كاملة  اولا , وثانيا لوجود بعض الاخطاء هنا وهناك و حتى اضافات كتبها غوميليوف نفسه ( واشار هو نفسه اليها كي يجعل النص قريبا من القارئ ومفهوما له ) , و من المؤكد ايضا ان السبب يعود ايضا لظهور ترجمة اخرى بالروسية عام 1961 عن الاكدية مباشرة, والتي قام بها دياكونوف  وصدرت في كتاب رائع الاخراج مع دراسة لتلك الملحمة وهوامش غنية جدا حولها . ان صدور هذه الترجمة في عام   1961 يعني ايضا , ان الكلام عن غوميليوف كان لا يزال ( غير مرغوبا به!) رغم بعض الكتابات هنا وهناك حوله , وهكذا اكتسحت ترجمة دياكونوف عن الاكدية  ( ان صح التعبير ) ترجمة غوميليوف عن الفرنسية, والتي اصبحت الان تمتلك اهمية تاريخية ليس الا باعتبارها اول نص بالروسية للملحمة رغم كونها غير متكاملة كما اشرنا آنفا .   هناك اسم آخر في تاريخ ترجمة جلجامش بالروسية وهو شليبكو , الذي انهى ترجمتة للملحمة عام 1920 , وكان من المفروض ان تنشر , ولكن ظروف عشرينات السلطة السوفيتية حالت دون ذلك , ولم تظهر هذه الترجمة الا عام 1987 , ولم تكن كاملة , وظهرت كاملة عام 1994 ليس الا , وفي كل الاحوال بقيت ترجمة دياكونوف في صدارة كل الترجمات ( اعيد طبعها عام 1973 ) لدرجة , ان معهد الثقافات الشرقية القديمة في جامعة الدراسات الانسانية الحكومية قد أصدر عام 2012 كتابا بعنوان – (محاولة ترميم ترجمة دياكونوف) , وذلك من قبل مجموعة متخصصين في قسم تاريخ وآداب الشرق الاوسط القديم في الجامعة المذكورة , وهي محاولة فريدة في تاريخ نشر الكتب او اعادة طبعها في روسيا , وتدلّ بلا شك على اهمية هذه الترجمة في الاوساط الثقافية الروسية منذ صدورها في الاتحاد السوفيتي آنذاك , ولحد الان في روسيا الاتحادية اليوم .
اما الجديد في هذا المجال , فهو كتاب صدر عام 2015 من تأليف يميليانوف ( وهو عالم متخصص في علم السومريات ) , وجاء ضمن سلسلة مشهورة جدا من الكتب عنوانها – ( حياة العظماء ) ( الترجمة الحرفية لهذه السلسلة هي – حياة الناس الرائعين, وهي سلسلة كتب بطباعة فخمة وتحتوي على العديد من الصور الملونة , والتي تصدر منذ زمن الاتحاد السوفيتي واستمرت دون انقطاع لحد الان ) . يقع كتاب يميليانوف في( 358) صفحة من القطع المتوسط , وقد تم طبع (3000 ) نسخة منه , وجاء  باخراج مدهش الجمال ابتداء من غلافه الرائع الذي يحمل ثلاث صور لجلجامش وزقورة اور الخالدة.
لا يمكن بتاتا ايجاز محتوى هذا الكتاب المهم , الا اننا نحاول هنا في ختام عرضنا السريع ان نقدم للقارئ بعض الكلمات التي جاءت في تقديم هذا الكتاب , وهى كما يأتي –
اذا ما وضعنا كل الكتب التي اصدرتها هذه السلسلة , فان كتاب جلجامش يجب ان يحمل الرقم الاول , اذ ان بطل هذا الكتاب هو الاول في مسيرة الانسانية , فهو اول قائد سياسي , واول بطل محارب في المعارك , واول البناة , واول انسان اراد ان يتغلب على مصيره وعلى الموت , واول بطل ثقافي أبقى قصته وسيرته الذاتية للاجيال القادمة ... وما أروع هذه الخلاصة , وما اعمقها !

466
أدب / الحنين
« في: 22:08 12/06/2018  »
الحنين
=====

قصيدة للشاعر يوي غوان – تشزون / الصين
=========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=========================

في الطفولة,
كان الحنين – طابع بريدي صغير.
أنا هنا,
وماما هناك.
+++
في سنوات النضوج,
كان الحنين –  حدود بطاقة في السفينة.
انا هنا ,
 وعروستي هناك.
+++
مضى الزمان ,
واصبح الحنين – مرتفع قبر واطئ.
أنا هنا ,
واميّ ترقد فيه هناك.
+++
أما الآن,
فالحنين هو – مضيق بحري ..
أنا هنا ,
والوطن هناك .

ولد يوي غوان – تشزون عام 1928 , وتخرّج في كلية الادب الاجنبي بجامعة تايوان ,
 وسافر الى امريكا عام 1958  .  يعد واحدا من شعراء تايوان المشهورين , وأصدر عدة مجاميع شعرية , اضافة الى انه باحث علمي معروف في الصين واوربا وامريكا , ومترجم كبير أصدر الكثير من الروايات المترجمة والمسرحيات والقصائد , اذ كان يتقن اللغات الانكليزية والفرنسية والاسبانية والالمانية .
 توفي في نهاية عام 2017 عن عمر ناهز التسعين تقريبا.

467
تماثيل تشيخوف في روسيا
أ.د. ضياء نافع
توفي تشيخوف عام 1904 , واول تمثال له – وياللغرابة !- تم تدشينه في المانيا عام 1908 , وفي المدينة التي توفي فيها , أما في وطنه روسيا , فقد نسوه , بسبب الاحداث الجسام التي مرّت بها روسيا منذ ثورة 1905 ثم الحرب العالمية الاولى 1914 ثم ثورة اكتوبر1917 ثم الحرب الاهلية التي اعقبتها ثم المرحلة السوفيتية الصعبة في العشرينات , وتذكرته  روسيا في الثلاثينات , عندما استقر الوضع فيها نسبيا , وهكذا ظهر اول تمثال لتشيخوف في المدينة التي  ولد فيها وهي (تاغنروغ ) في جنوب روسيا عام 1935 , وهو تمثال نصفي تم وضعه امام البيت الذي عاش فيه تشيخوف, وقد حضر في حفل افتتاحه اقاربه  , وقصّت شريط  افتتاح التمثال اخته مارينا , واندهشت ( مع زوجته الفنانة المسرحية اولغا كنيبر- تشيخوفا ) من دقة تشابه وتطابق التمثال مع ملامح تشيخوف نفسه . وقد تم استنساخ هذا التمثال بعدئذ في معمل البرونز في مدينة تاغنروغ نفسها,  ووضعوا النسخة المستنسخة في ساحة المدينة الرئيسة ( الساحة الحمراء)عام 1944 , الا انهم أزالوه بعدئذ ووضعوا بدلا عنه تمثالا ضخما لتشيخوف عام 1960 بمناسبة مرور مئة عام على ميلاده , وهو التمثال المركزي ( ان صحت التسمية) لتشيخوف في روسيا و لحد الان , وليس من باب الصدفة ابدا , ان سافر الرئيس الروسي آنذاك دميتري مدفيديف خصيصا من العاصمة موسكو الى مدينة تاغنروغ كي يضع باقة ورد عند هذا التمثال , وذلك عندما احتفلت روسيا بذكرى مرور ( 150) سنة على ميلاد تشيخوف عام 2010 , وهو  حدث لم يتكرر في تاريخ الادب الروسي ابدا, ولا نرى ان هناك ضرورة للتعليق حول عملية التكريم هذه واهميتها من جانب الدولة الروسية لرجالات الادب والفكر فيها.
التمثال المركزي هذا يقع في مركز مدينة تاغنروغ , ويصوّر تشيخوف جالسا على كرسي وبيده اليمنى كتابا, ويبلغ ارتفاع التمثال اكثر من ثلاثة امتار وارتفاع قاعدته ايضا اكثر من ثلاثة امتار, وتحيطه حديقة غنّاء , وقصة هذا التمثال بدأت عام 1904 , اي في سنة وفاة تشيخوف , عندما توجهت مجموعة من وجهاء المدينة بنداء الى مجلس الدوما آنذاك , يطلبون فيه الموافقة على وضع نصب لابن مدينتهم تشيخوف ( والتي أصبحت مدينة مشهورة بسببه), ويعلنون عن تشكيل لجان لجمع التبرعات اللازمة لتنفيذ هذا المشروع , وقد وافقت السلطات المحلية على هذا الطلب في حينها, وتم جمع تبرعات من اجل تنفيذه , وتم نشر اسماء المتبرعين في الصحف المحلية فعلا , الا ان الاحداث العاصفة في روسيا (كما أشرنا آنفا) حالت دون ذلك , وهكذا تم افتتاح التمثال النصفي امام بيت تشيخوف عام 1935 , وعلى الرغم من ذلك , تم وضع حجر الاساس في مركز المدينة لذلك التمثال من قبل اخت تشيخوف , الا ان الحرب العالمية الثانية حالت دون تنفيذه , وهكذا وضعوا نسخة من التمثال النصفي كما مرّ ذكره, وعادوا الى تنفيذ الفكرة عام 1960 في الذكرى المئوية لميلاد تشيخوف .
بدأت تماثيل تشيخوف تتكاثر في المدن الروسية المختلفة , وخصوصا في تلك المدن التي ارتبط بها بشكل او بآخر , واهمها طبعا سخالين , التي زارها كما هو معروف وكتب عنها كتابه الشهير – جزيرة سخالين , اذ تم اولا افتتاح تمثال نصفي له عام 1959 في الكساندرفسكي – سخالينسكي, ثم تمثال نصفي آخر في عام 1975 في جزيرة سخالين نفسها , ثم في مناطق اخرى هناك في أعوام 1990 و1994 و1995 و2000 , ثم ظهرت تماثيل اخرى في مدن روسية عديدة منها – تومسك ورستوف وسامارا وميليخوفو ... , ومن الطريف ان نتوقف هنا قليلا عند تمثاله في مدينة تومسك , اذ انه تمثال كاريكاتيري غير اعتيادي بالمرّة , وعنوانه – ( انطون تشيخوف بعيون رجل سكران يرقد في ساقية ولم يقرأ قصة كاشتانكا ) , ويرى بعض الباحثين ان هذا التمثال الكاريكاتيري جاء مضادا لتشيخوف لانه وصف المدينة في احد ى رسائله وصفا سيئا , ولكن اكثرية الباحثين يرون العكس , ويعتقدون ان مدينة تومسك قدّمت لتشيخوف تمثالا فريدا جدا , اذ لا يوجد في روسيا اي تمثال لاي كاتب بهذا الشكل, وقصة كاشتانكا الشهيرة لتشيخوف  ( والتي جاءت في عنوان هذا التمثال ) تتحدث عن كلبة بهذا الاسم ضاعت من صاحبها ويصف تشيخوف معاناتها وحتى مزاجها , ثم وجدها صاحبها بعدئذ, و يكتب تشيخوف كيف عرفته وعادت اليه , وهي قصة معروفة جدا في اوساط القراء في روسيا وخارجها , وقد كتب ايليا ايرنبورغ مرة  عن هذه القصة يقول , ان والدته قد هزّته وهي تخبره عن وفاة تشيخوف وتقول له – ( لم يعد موجودا ذلك الانسان الذي كتب قصة كاشتانكا ).
ولابد من التوقف اخيرا عند تمثال تشيخوف في موسكو طبعا , هذا التمثال الذي تم تدشينه عام 1998 عندما احتفلت روسيا بالذكرى المئوية الاولى لتأسيس مسرح موسكو الفني , الذي يرتبط بستانسلافسكي ونميروفتش دانتشينكو , المسرح الذي قدّم من جديد مسرحية تشيخوف الشهيرة – ( النورس ) وأعاد لها المجد ( ولا زالت الستارة في هذا المسرح لحد الان تحمل صورة النورس) , وهي قصة معروفة في تاريخ المسرح الروسي والعالمي . تمثال تشيخوف هذا يقف امام بناية المسرح القديمة , وهو من البرونز وقاعدته من الغرانيت الاحمر , ويمثّل تشيخوف واقفا برشاقته وتواضعه وهو في حالة تأمل ...     

468
أدب / القصيدة
« في: 21:04 09/06/2018  »
القصيدة
=======

قصيدة للشاعر الكوري كو اّين
=====================
ترجمها عن الروسية – ا.د. ضياء نافع
=====================


في يوم من الايام
قررت
أن أعتبر القصيدة -
ضيف البيت.
في يوم آخر
 من الايام
فكّرت
ان أعتبرها -
ربّة البيت .
+++
يقولون
ان كل مدخنة
تحلم
ان تنفث دخانها.
+++
واليوم
أعترف,
بأني
لا اعرف -
من هي,
وما هي
 هذي
القصيدة .
=====================================================================================================================================================================================================================================
ولد  كو  اّين عام 1933 في كوريا, وهو شاعر وناثر وكاتب مسرحي , وقد ترجمت العديد من نتاجاته الى لغات اجنبية منها الانكليزية والفرنسية والالمانية والروسية . حائز على عدة جوائز ادبية , منها – جائزة الطوق الذهبي في كوريا.

469
خمس ساعات في موسكو مع د.خليل عبد العزيز (2)
أ.د. ضياء نافع
أشرنا في نهاية الحلقة الاولى من هذه المقالة الى بعض المسائل المهمة , التي جاءت في تلك (الدردشة السريعة!) مع خليل عبد العزيز, منها ما قاله طارق عزيز لخليل   بشكل مباشر وصريح , في انه ( عميل سوفيتي) , فكرر خليل في جوابه انه موظف في معهد الاستشراق السوفيتي التابع لاكاديمية العلوم السوفيتية, وانه وصل الى العراق بدعوة رسمية من الرئيس العراقي البكر , وطرح على طارق عزيز السؤال الآتي – هل ان هذا يعني , ان الرئيس البكر قدم دعوة رسمية و استقبل ( عميلا) ؟ , ثم أضاف قائلا  له – انه سيخبر الرئيس البكر غدا في اللقاء معه بما قاله له الان. سألته انا – وماذا قال لك طارق عزيز بعد ذلك ؟ أجاب خليل – صمت عزيز , ثم انتقل الى الحديث عن مهرجان الفارابي . وقد قال خليل للبكر ذلك فعلا , فاخبره الرئيس ( في محاولة للتخفيف من وقع كلام طارق عزيز على ما يبدو )  ان صدام كان يسمي طارق عزيز في البداية – ( ابو ريشة) , وتعني هذه التسمية انه من جماعة جيش الليفي التابع للانكليز, والذي اسسه الانكليز بعد احتلالهم العراق ( و كان افراده يضعون على قبعتهم ريشة) . ثم اردف البكر – ان علاقتهما ( اي بين صدام وطارق ) كانت متوترة , ولكنها تغيرت فيما بعد , ولا يدري البكر سبب ذلك  التغيّر, ولكن البكر مع ذلك( تهرب!!) من الاجابة المباشرة حول ما قاله طارق عزيز لخليل . وتذكرت ما حكى مرّة لي أحد ابناء كبار البعثيين حول طارق عزيز , اذ انه ذكر لي ان ضيوفهم كانوا يلوذون بالصمت عندما يحضر عزيز الى مجلسهم , لانهم كانوا لا يثقون به , ويظنون انه سينقل كلامهم الى (جهات اجنبية !). وقد روى لي خليل قصة لا يعرف هو نفسه مدى صحتها تقول , ان الامريكان استدعوا طارق عزيز عندما اعتقلوا صدام كي يتأكدوا من شخصيته , فلما شاهده صدام صرخ في وجهه – اخرج من هنا ايها العميل . ان هذا الموضوع شائك جدا , وسيجيب التاريخ عن كل هذه التساؤلات في المستقبل بلا شك, ولكن لنتذكر كيف تصرّف وطبان ( الاخ غير الشقيق لصدام ووزير الداخلية  لفترة طويلة ) مع طارق عزيز بشكل وقح وغير مؤدب تماما في المحاكمات العلنية , والتي شاهدناها على شاشات التلفزيون, هذه التصرفات التي تعكس حتما الرأي الذي كان سائدا في عائلة صدام حول طارق عزيز , ولنتذكر ايضا ما قاله عزيز نفسه في اللقاء مع علي الدباغ حول هؤلاء الذين كانوا يحيطون بصدام , بما فيهم وطبان طبعا, حيث أسماهم (بما معناه) بالاميين.
النقطة الاخرى , التي جاءت في نهاية مقالتي تلك , والتي أثارت ردود فعل حيوية لدى القراء , هي ما ذكره د.خليل بشأن رواية د. سعد العبيدي حول رسالة بريجنيف الى مرتضى سعيد الحديثي في مدريد عندما استدعاه صدام . لقد قال خليل ان ذلك يتعارض ويتناقض مع المنطق العام كليا , ومع المفهوم السوفيتي للامور ايضا , اذ كيف يمكن لبريجنيف ( وهو في منصبه ذاك !) ان يرسل برقية الى السفير الحديثي في مدريد بهذا المضمون ؟؟؟ الا ان د. خليل قال , ان غفوروف ( رئيس معهد الاستشراق ) كان مندهشا من موقف السفير العراقي مرتضى الحديثي مقارنة بموقف السفير السابق صالح مهدي عماش , اذ كان عماش يهاجم صدام علانية عند زياراته للمعهد, اما الحديثي فقد كان يدافع عنه , حتى عندما قال له غفوروف مرة , انه كان وزيرا للخارجية , وان تعينه سفيرا في موسكو يعني ما يعنيه . وتحدّث د. خليل عن تطور علاقته بالحديثي لدرجة انه دعاه مرة الى السفارة حيث كان يقيم في الطابق الثاني لتناول العشاء , ومدح تصرفاته واخلاقه , وقال انه كان السفير العراقي الوحيد الذي كان يعرف الاصول الدبلوماسية ودقائقها ويعرف ايضا كيف يتناقش مع الآخرين رغم الخلافات بينهم . واستمر الحديثي في كل زياراته للمعهد على موقفه الثابت من حكومته ( انظر مقالتنا عنه في سلسلة – عراقيون مروّا بموسكو – رقم 18 ) , وقد استفسر غفوروف من عامر عبد الله مرة عنه , فقال عامر ان صدام يكرهه , وان مرتضى ايضا لا يوده , ولكن مرتضى لا يريد ان يعلن ذلك امامهم , وقال عامر عبد الله ان صدام  سسيصّفيه ويتخلص منه في المستقبل , اذ انه من جماعة عبد الخالق السامرائي , وقد تذّكر غفوروف كلام عامر عبد الله عندما تم ذلك فعلا . وتحدّث د. خليل عن رأي سوفيتي كان يدور في اوساط المعهد بشأن مرتضى , وهو , انه في حالة استقالته من منصبه , فانهم سوف يبقوه في الاتحاد السوفيتي ضيفا معززا مكرما, ومن المحتمل جدا , ان مرتضى عرف – بشكل او بآخر – بهذا الرأي , وان ذلك هو اساس تلك الحكاية التي جاءت في رواية العبيدي , وكذلك اساس ذلك الرأي الموجود في اوساط عائلته لحد الان .
النقطة الثالثة هنا ستكون حول لقاء د. خليل مع زيوغانوف – رئيس الحزب الشيوعي الروسي , والتي تمت بناء على رجاء من أحد قادة الحزب الشيوعي العراقي , اذ لاحظ العراقيون ان الحزب الشيوعي الروسي يتجاهلهم ولا يدعوهم الى مؤتمراته واجتماعاته ولا يذكرهم حتى في بياناته . لقد نفّذ د. خليل طلب ذلك القيادي العراقي , واستطاع ان يصل الى زيوغانوف , وعندما كان بانتظار خروجه من اجتماع في مجلس الدوما , شاهده زيوغانوف وتذكره , اذ انه كان يراجع مكتب العلاقات الخارجية في الحزب الشيوعي السوفيتي , عندما كان زيوغانوف يعمل آنذاك في هذا المكتب , فقال له من بعيد جملته تلك , وهي – ( لقد كنت شيوعيا يا يوسف في موسكو , فلماذا اصبحت عميلا للامريكان الان ؟ ) . تعجب خليل من هذا( الاستقبال!) , وطلب التحدّث معه , وقد تبين اثناء التباحث على مائدة الطعام , ان زيوغانوف يرى , ان مشاركة الحزب الشيوعي العراقي في مجلس الحكم يعني تعاون الحزب مع المحتل الامريكي , وقد حاول د. خليل ان يقنعهم بضرورة الاستماع الى وجهة نظر الحزب الشيوعي العراقي حول ذلك , وان ذلك يقتضي الاجتماع بين الطرفين قبل كل شئ , وانه ( اي خليل ) يقوم بمهمة ايصال هذا الامر اليهم ليس الا , وقد جرى ذلك فيما بعد . وأضاف د. خليل , ان هذا الموضوع طويل وعريض وشائك ومعقد , اذ انه يرتبط بمفاهيم مرتبكة وغير واضحة في الماضي والحاضر لدى الطرفين العراقي والروس معا.

470
خمس ساعات في موسكو مع د. خليل عبد العزيز
أ.د. ضياء نافع
سنحت لي فرصة اللقاء مع  د. خليل عبد العزيز في موسكو اثناء مشاركته بالذكرى الخمسين لتخرّج دفعته من كلية الصحافة بجامعة موسكو , اذ نظمت كلية الصحافة احتفالية طريفة تكريما لخريجي هذه السنة الدراسية 2018 ولخريجي سنة 1968  , وكان د. خليل من ضمنهم آنذاك , والذي وصل خصيصا من السويد للمشاركة في هذه الاحتفالية الجميلة, ورغم ضيق وقته جدا ومحدوديته, الا اننا استطعنا ان نلتقي كي ندردش ( ولو قليلا) , ولكن هذه الدردشة (القليلة!) امتدت خمس ساعات بالتمام والكمال , وتشعبت الى العديد من المواضيع , ولهذا فاننا كنّا ننتقل من موضوع الى آخر ( بسرعة البرق!) كي نكسب الوقت . كان الهدف الاول من هذا اللقاء السريع هو (استلام وتسليم !) كتبنا الى بعضنا البعض , فهو اراد ان يهديني كتابه ( محطات من حياتي ) وأنا اردت ان اهديه اصدارات دار نوّار للنشر ( المعجم الروسي – العربي للامثال الروسية , وأمثال شرقية مترجمة عن الروسية , ودليل بلدان العالم بخمس لغات , ودفاتر الادب الروسي 1 , ودفاتر الادب الروسي 2) , وعن هذه الكتب بدأ (حديثنا السريع هذا!) , اذ قال لي د. خليل ان أحد قراء كتابه أخبره بضرورة ان تكون مقالتي حول د. خليل ( عراقيون مرّوا بموسكو) في بداية كتابه وليس في نهايته كما جاء في الكتاب, لأنها تشرح للقارئ من هو مؤلف كتاب (محطات في حياتي) , ولكني ضحكت وقلت له ان القارئ يجب ان يطّلع اولا على مضمون الكتاب ثم يتعرّف بعدئذ على كاتبه . اضاف د. خليل , ان احد القراء كان معجبا بتسميتي له في مقالتي تلك ب ( ابو يعكوب ) أذ كان اسمه عندما كنّا ندرس في جامعة موسكو بالستينات - ( يوسف الياس) وليس ( خليل عبد العزيز ), فحكى لي كيف ان السفير العراقي بموسكو آنذاك شاذل طاقة دعاهم مرة الى السفارة وأخبرهم ان الدولة العراقية سمحت بتزويدهم بجوازات سفر , ولكن القنصل العراقي أخبر السفير , انه مدّد قبل اسبوع ليس الا جواز سفر المواطن ( يوسف الياس) لصاحب صورة المواطن ( خليل عبد العزيز) هذا . احتار السفير (والقنصل ايضا ) بهذه المشكلة او (الورطة!) , وقرر السفير عندئذ ان يسحب جواز سفر ( يوسف الياس) ويمنحه جواز سفر ( خليل عبد العزيز ) , فرفض خليل تسليم جوازه السابق , وبعد مناوشات طريفة بينهما ( كانا يعرفان بعضهما من ايام الموصل في العهد الملكي, اذ كان شاذل مدرّسا وخليل تلميذا , وكان خليل يزوده بجريدة الحزب الشيوعي , بل اراد مرة حتى ان يكسبه صديقا للحزب, ولكن شاذل رفض ذلك رغم انه كان يستلم منه جريدة الحزب بكل سرور وحماس وقال له ان هذا الطريق لن يؤدي الى نتائج , وعندما التقيا اول مرّة بموسكو قال شاذل لخليل  ضاحكا وباللهجة المصلاوية ( كي يذكّره بما مضى طبعا) – أنا الان السفير وانت لا زلت طالبا ! ) , وهكذا - وبعد التي واللتيا - وصلا الى حل وسط لهذه المشكلة وهو , ان يطّلع السفير على جواز سفر يوسف الياس ثم يعيده له ويسلّم له جواز السفر الجديد باسم (خليل عبد العزيز) , وقد تم ذلك فعلا , فسألته ضاحكا , وماذا قال السفير عندما اطلع على جواز ( يوسف الياس)؟ فأجاب خليل – لقد مدح شاذل (طريقة  تدبير!) الحزب الشيوعي الدقيقة لهذا الجواز , ثم اوضح خليل لي , ان هذا الجواز كان حقيقيا وباسم ذلك الشخص فعلا , وان الحزب استطاع (الحصول!) على مجموعة من الجوازات الصحيحة ولكنه أبدل صور اصحابها الحقيقيين بصور اعضاء الحزب ( وتم وضع ختم دائرة السفر على الصور الجديدة بواسطة قطعة بطاطا تتنّقل من الصورة الاصلية الى الصورة الملصقة جديدا !!!) الاعضاء الذين يريد الحزب تهريبهم وتسفيرهم الى خارج العراق نتيجة لظروفهم السياسية , وكان هو واحدا منهم ( اذ كان محكوما بالاعدام) , وهكذا تمكن خليل من السفر بشكل رسمي من مطار بغداد. وقد حكى خليل لي قصة طريفة ترتبط بهذه المسألة , اذ انه قرأ مرّة في احدى الصحف البغدادية بيانا من مواطن عراقي اسمه ( يوسف الياس ) يعلن فيه , ان المقالات السياسية التي كانت تنشرها مجلات وكالة انباء نوفستي السوفيتية باسم ( يوسف الياس) لا علاقة له بها لا من قريب ولا من بعيد.
 انتقلنا بعدئذ الى الحديث عن مواضيع مهمة وكبيرة بل وخطيرة ايضا , ترتبط بتاريخ العرا ق المعاصر ومسيرة الاحداث فيه, وهي عديدة ومتشعبة جدا ولا يمكن تلخيصها ببضع كلمات او جمل ليس الا, وتتطلب مقالات خاصة وتفصيلية حولها , منهاعلى سبيل المثال وليس الحصر – كيف اطلق طارق عزيز على خليل تسمية – ( عميل سوفيتي ) عندما استقبله في مكتبه في وزارة الاعلام ببغداد للحديث حول مهرجان الفارابي , وماذا كانت ردود فعله تجاه ما قاله  طارق عزيز له , او , كيف كان جواب خليل على سؤالي له حول ما ذكره د. سعد العبيدي في روايته الموسومة (حفل رئاسي ) (وهي رواية حول احداث مجزرة قاعة الخلد عام 1979) بشأن برقية  ارسلها بريجنيف من موسكو الى السفير العراقي مرتضى سعيد الحديثي في مدريد يحذره فيها من العودة الى بغداد ويدعوه للرجوع ضيفا في موسكو , حيث كان سفيرا للعراق , او , لماذا قال زيوغانوف ( سكرتير الحزب الشيوعي الروسي حاليا) له , عندما شاهده في مجلس الدوما بموسكو قبل فترة ليست بالبعيدة– لقد كنت يا يوسف شيوعيا في موسكو , فلماذا اصبحت عميلا  للامريكان الان ؟ و..و.. و..
 

471
أستروفسكي الروسي و أستروفسكي السوفيتي
أ.د. ضياء نافع

 سبق ان نشرت مقالة بعنوان – ( ملاحظات حول تشابه اسماء الادباء الروس ) , وتناولت فيها هذه الظاهرة الخاصة بالادب الروسي , وتضمنت تلك المقالة اشارة الى اسمي تولستوي وأستروفسكي , وقد توقفت بتفصيلات اوسع عند اسم تولستوي في مقالة لاحقة , وكان عنوانها – ( تولستوي الاول والثاني والثالث في الادب الروسي ) , والتي حظيت بردود فعل طريفة وعديدة من قبل القراء , واتوقف الان عند الاسم الآخر , الذي ورد في تلك المقالة , وهو – أستروفسكي.
قدّم اليسار العربي اسم أستروفسكي للقراء العرب باعتباره نموذجا بطوليا خارقا لمسيرة الادب الروسي في الفترة السوفيتية, وذلك عبر روايته المشهورة – ( والفولاذ سقيناه) كما كنّا نسميها آنذاك في العراق , او (كيف سقينا الفولاذ) كما استقرت تسميتها في الترجمات العربية لاحقا (بترجمة غائب طعمه فرمان), وعندما وصلنا في بداية ستينات القرن الماضي للدراسة في الاتحاد السوفيتي , كنا نعرف قليلا عن هذا الاديب , اذ اننا سمعنا عن ذلك التمجيد له في الاوساط اليسارية ( بعد 14 تموز) في العراق, ولكننا لم نكن نعرف بتاتا اي شئ عن الكاتب المسرحي الروسي  استروفسكي (وهو بنفس الاسم) , والذي شاهدنا تمثاله المهيب امام مسرح ( ماللي تياتر) في مركز موسكو( والتمثال هذا لا يزال هناك طبعا) , واعتقدنا انها للروائي استروفسكي , مؤلف تلك الرواية المذكورة آنفا.
الاسم الكامل للروائي هو – نيقولاي ألكسييفتش أستروفسكي (1904 -1936 ) , أما الاسم الكامل للكاتب المسرحي فهو – ألكساندر نيقولايفتش أستروفسكي ( 1823- 1886 ) , ويميّز الروس بينهما ببساطة , اذ انهم ( الروس )  يشيرون الى الاسم واسم الاب ليس الا ويميّزون بينهما بدقّة , أما نحن – الاجانب – فقد كان الامر صعبا علينا , ولهذا , ومن أجل أن نميّز بينهما , فقد أطلقنا عليهما صفتين مختلفين – فالاول حسب التسلسل التاريخي ( الكاتب المسرحي ) أسميناه ( أستروفسكي الروسي ) , والثاني ( الروائي ) أسميناه ( أستروفسكي السوفيتي ) , وهي تسميات ذات نكهة شبابية ساذجة طبعا, الا انها طريفة , ولهذا ثبّتها عنوانا لمقالتي هذه.   
الكاتب المسرحي , او , استروفسكي الروسي , هو شكسبير روسيا بلا منازع وكما تسميه اوساط النقد الادبي  في روسيا منذ القرن التاسع عشر , وعلى الرغم من الحدبث عنه هنا وهناك في عالمنا العربي ( انظر مقالتنا بعنوان – استروفسكي شكسبير روسيا ) , الا اننا – نحن العرب - لازلنا بعيدين جدا عن استيعاب اهميته في تاريخ الادب الروسي ومكانته في مسيرة الادب المسرحي بروسيا , اذ انه يمثّل أحد اركان الادب المسرحي الروسي ولحد الان  , ونحن في القرن الحادي والعشرين ( وليس ذلك بالقليل !), وهو  الاديب الوحيد في تاريخ الادب الروسي , الذي حرص ان يكتب مسرحية جديدة كل سنة منذ ان بدأ يكتب للمسرح , وطوال حياته في النصف الثاني من القرن التاسع عشر , وكانت الاوساط الادبية الروسية تنتظر مسرحيته الجديدة وتتلاقفها وتعرضها رأسا على خشبات المسارح الروسية في موسكو وبطرسبورغ وغيرها من المدن الروسية , والارقام والوقائع وحدها تبين  وتثبت هذه الظاهرة الفذّة والفريدة في تاريخ الادب المسرحي الروسي , اذ كتب استروفسكي (47) مسرحية , وتم انتخابه رئيسا لجمعية كتّاب الادب المسرحي الروسية منذ عام 1874 , وبقي يشغل هذا الموقع الاعتباري الرفيع الى وفاته عام 1883 , وقد منحه قيصر روسيا راتبا تقاعديا مجزيا , من اجل ان يتفرّغ للكتابة الابداعية بعد ان برز في هذا المجال ( وهي ظاهرة نادرة جدا في التاريخ الروسي والعالمي ايضا ), ولازال  اسم استروفسكي مطروحا في ريبورتوار المسرح الروسي لحد الان , اذ لا يمر موسم مسرحي روسي دون اعادة عرض لمسرحياته , اضافة الى ان السينما الروسية قد انتجت ( 38) فلما مقتبسا من مسرحياته , ويسعدني ان أشير هنا , الى ان الفنان العراقي الكبير المرحوم قاسم محمد ( وهو خريج المدرسة السوفيتية ) قد اقتبس ايضا من مسرح استروفسكي مسرحيته الشهيرة – (الحب والربح) , التي قدمها في بغداد في حينها .
أما استروفسكي السوفيتي كما اسميناه , مؤلف رواية – كيف سقينا الفولاذ , فانه ايضا بحاجة الى دراسته من قبلنا – نحن العرب -  بشكل  موضوعي دون شعارات سياسية جاهزة و معلّبة , دراسة نقدية علمية دقيقة تضع النقاط على الحروف كما يقال , دراسة تحدد مكانته الحقيقية في مسيرة الادب الروسي , وتلك مهمة كبيرة تنتظر رجالها من المتخصصين العرب.
   

472
هل بوشكين أعلى من ستالين ؟
أ.د. ضياء نافع
 ناقشني أحد أصدقائي  حول مقالتي بعنوان –  ( الشعر أعلى من السياسة ) , والتي نشرتها قبل مدة . لقد استعرضت في تلك المقالة بحثا متكاملا ومعمقا للباحثة الروسية أ.د. ميخايلوفا, والذي كان بعنوان – ( الشعر أعلى من السياسة ) , حيث تناول احتفال الاتحاد السوفيتي بالذكرى المئوية الاولى لوفاة بوشكين عام 1937 , وكيف ان الباحثة وصلت الى استنتاجها ذاك , وهو ان الشعر أعلى من السياسة , اذ انها حاولت ان تثبت في بحثها , ان الشعوب السوفيتية آنذاك قاومت ظاهرة (عبادة ستالين) بشكل غير مباشر , وذلك عن طريق تأسيس ما يمكن ان نسميه - ( عبادة بوشكين ) كبديل عنها, وان المحصلة النهائية في عملية المقاومة غير المباشرة هذه  كانت لصالح بوشكين , وعليه , فان الشعر أعلى من السياسة , و يمكن للقارئ الرجوع الى مقالتي تلك بشأن تفصيلات  هذا الموضوع .
 الملاحظة الاولى في ذلك النقاش , هو ان صديقي كان يتحدث معي وكأنني أنا الذي كتبت هذه المقالة , وان كل ما جاء فيها هي أفكاري وآرائي , وبالتالي , أتحمل مسؤوليتها بأكملها , وعبثا حاولت أن أبيّن له , اني عرضت الافكار  التي جاءت بها الباحثة الروسية  ليس الا , وان مقالتي ما هي الا قراءة في بحثها , واني قدمته للقارئ العربي , لانه يعكس نظرة جديدة ومبتكرة جدا في مسيرة الفكر الروسي الحديث , والتي لا يعرفها القارئ العربي بتاتا , وذلك من اجل اغناء معلوماته عن الفكر الروسي وما يجري في كواليسه , وان الباحثة الروسية هي التي تتحمل مسؤولية كل الافكار التي وردت فيها  , الا ان صديقي لم يقتنع بذلك بتاتا , بل اني حتى ذكّرته بالقول المشهور في تراثنا وهو – ( ناقل الكفر ليس بكافر ) , ولكنه رفض ذلك رفضا نهائيا. الملاحظة الثانية في  ذلك النقاش , وهي الاهم , والتي جعلتها عنوانا لهذه المقالة , تكمن في ان صديقي طرح عليّ سؤالا محددا استخلصه من مقالتي تلك  , وهو – ( هل  هذا الطرح يعني , ان بوشكين أعلى من ستالين ؟ ) , وكان يريد منيّ جوابا فوريا محددا ودقيقا لهذا السؤال   . لقد حاولت ان اثبت لصديقي , ان النقاشات حول العلوم الانسانية اوسع من النقاشات حول العلوم البحتة مثل الرياضيات واخواتها , ولا يمكن اختزالها بكلمتي – نعم او لا , وان هناك اجابة ثالثة بينهما هي – (نعم ولكن) , او , (لا ولكن) , وان الاستطراد يأتي بعد هذه ال ( لكن ) بالذات , وان الافكار الجديدة تظهر وتنبثق اثناء تلك الاستطرادات , ومن اجل كسب الوقت واضفاء الهدوء على نقاشنا هذا , حكيت اولا لصديقي , كيف ان القناة المركزية في التلفزيون الروسي أجرت قبل عدة سنوات ندوة حوارية في حلقات كثيرة من اجل تحديد شخصية في التاريخ الروسي تصلح ان تكون تجسّيدا ورمزا لكلمة – ( روسيا ) , وقد اشترك في تلك الندوة شخصيات كبيرة منها الباتريارخ كيريل ( رأس الكنيسة الارثذوكسية في روسيا الان ) و الذي كان آنذاك  مسؤول العلاقات الخارجية الكنسية , ورئيس الحزب الشيوعي الروسي زيوغانوف ( الذي اقترح عندها اسم لينين ) , ورئيس حزب ( روسيا العادلة ) ميرونوف , و فنانون وشعراء وصحافيون كبار, وكانت الندوة تعتمد على تصويت المشاهدين , والتي بلغت اعدادهم حوالي نصف مليون مشاهد , وبعد نقاشات حامية الوطيس جدا , اختارت الندوة أربعة أسماء من التاريخ الروسي هم ( حسب تسلسل عدد الاصوات ) كل من  – نيفسكي وستاليبين وستالين وبوشكين , وكانت الا صوات   متقاربة جدا بينهم , لدرجة انهم اعلنوا هذه الاسماء سوية , و  كل هذه الاسماء لسياسيين عدا بوشكين  , فنيفسكي هو بطل روسي في القرن الثالث عشر خاض حربا مع السويد وساهم في توطيد الدولة الروسية آنذاك , ويمكن القول ان دوره في التاريخ الروسي أصبح منسيا الان, أما  ستاليبين فهو ابن القرن العشرين , ويعد من أبرز الشخصيات السياسية في الامبراطورية الروسية , وترتبط باسمه خطط عملاقة في مسيرة روسيا , وقد تم اغتياله عام 1911 , واقيم له قبل عدة سنوات تمثالا في موسكو , افتتحه الرئيس الروسي بوتين ,  و جاء ستالين ثالثا , وهو الذي حكم الاتحاد السوفيتي من 1923 والى وفاته عام 1953 كما هو معروف , وجاء بوشكين رابعا , وهو ليس سياسيا طبعا , وقد أشار الكثير من المعلقين حينها , ان بوشكين هو الذي فاز في هذه الندوة واقعيا , اذ انه الشخص الوحيد الذي مارس الادب طوال حياته , ومع ذلك فقد اختاره الروس في هذه الندوة باعتباره يمكن ان يجسّد اسم روسيا .
بعد ان حكيت لصديقي هذه القصة , اصبحت اجواء المناقشة هادئة تماما , فقلت له – الان أنا الذي سوف أطرح عليك سؤالي, ولكني لن أطلب منك الاجابة الفورية عليه , فابتسم صديقي وقال – وماهو هذا السؤال ؟ فقلت له , انني اريد ان انتقل الى الساحة العراقية , واود ان اسألك – هل ان معروف الرصافي أعلى من نوري السعيد ؟ وجم  صديقي , ثم قال – دعني افكر...

473
أدب / قصائد من صفحات الجرائد
« في: 09:15 26/05/2018  »
قصائد من صفحات الجرائد
قصيدة للشاعر مانوئيل بانديرا – البرازيل
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


جوان غوستوسو
 كان حمّالا في السوق ,
وكان يعيش في حي الفقراء المعدمين ..
في بيت خشبي مؤقت
بلا ترقيم ,
ومرّة ,
عند المساء ,
ذهب
الى بار ( 20 نوفمبر ) ,
وهناك
شرب,
وغنّى,
ورقص,
ثم
خرج من البار,
و ذهب
الى بحيرة
رودريغو – دي - فريناس ,
وسقط
 في تلك البحيرة,
وغرق.
==========================================================================================================================================================================================================
مانوئيل بانديرا ( 1886 – 1968 ) – شاعر برازيلي  وناثر وصحافي ومترجم ( عن اللغات الانكليزية والفرنسية والالمانية ) / عضو أكاديمية الادب البرازيلية / حائز على وسام الاستحقاق الوطني في البرازيل عام 1966 / أصدر حوالي عشرة دواوين  والعديد من الكتب في تاريخ الادب.

474
عراقيون مرّوا  بموسكو (24) – لمى علي
أ.د. ضياء نافع
تبلغ لمى علي (16) سنة من عمرها , وقد قضت نصفه في روسيا , اي (8) سنوات بالتمام والكمال , اربع سنوات منها في بطرسبورغ مع والدها ووالدتها , عندما كانا يدرسان في قسم الدراسات العليا في كليّة الآداب بجامعة بطرسبورغ , واربع سنوات اخرى في موسكو مع والدها , الذي يعمل في سفارة جمهورية العراق في موسكو الآن ( ونحن في اواسط عام 2018), ويقول والدها ضاحكا – فاذا طرحنا سنوات الطفولة , فان هذا يعني ان ( لمى عاشت معظم سنوات حياتها في روسيا ) , ومع ذلك وبالرغم من ذلك , فان لمى كانت ولا زالت عراقية أصيلة قلبا وقالبا , و شكلا ومضمونا, ولهذا فان الحديث معها يرتبط فعلا بخصائص وسمات سلسلة مقالاتي بعنوان – ( عراقيون مرّوا بموسكو) , الا ان لمى تتميّز عن جميع هؤلاء العراقيين , الذين كتبت عنهم , اذ اني تناولت في مقالاتي تلك اصدقائي وزملائي ومعارفي وطلابي في روسيا , ولكن لمى هي حالة  عراقية – روسيّة خاصة جدا , وقلّما تتكرر, فامها كانت طالبة عندي في قسم اللغة الروسية بجامعة بغداد اثناء دراستها الاولية , ثم مشرفا لها في دراسة الماجستير , وابوها كذلك ,اي يمكن لي ان اقول , انها حفيدتي وانا جدّها , خصوصا وان فرق العمر بيني وبينها اكثر من ستين سنة , ومع ذلك , فقد أثارت هذه الحفيدة اهتمامي , وحفّزتني على كتابة هذه المقالة عنها , عندما رأيت في غرفتها مرّة كتاب احلام مستغانمي الموسوم – ( الاسود يليق بك ) , وتعجبت , اذ كيف يمكن لهذه الحفيدة ال ( زغيرونه ) ان تقرأ مستغانمي ؟ وتلك هي مأساة ال ( شيّاب) في عصرنا , وأنا بالطبع منهم , اذ اننا نعتقد ان الزمن قد توقف تقريبا, ولكنه واقعيا (يركض!) وبسرعة الى امام . وهكذا بدأنا الحديث أنا ولمى . سألتها متعجبا – هل قرأت الكتاب هذا؟ فأجابت وبثقة تحسد عليها – نعم , وانا متفقة معها في الآراء التي جاءت في الكتاب. ثم أضافت – لقد ناقشنا هذه الآراء مع زملائي وزميلاتي في الصف الرابع العام بالمدرسة العربية , ووصلنا الى قناعة بصحتها , رغم ملاحظات هنا وهناك . كنت مندهشا ومبتسما وسعيدا وانا استمع اليها , وسألتها عن تلك الملاحظات أل ( هنا وهناك ) هذه , فقالت , ان على الفتاة باختصار ان تبقى فتاة , ولا تحل محل الفتى . قلت لها , باني اؤيدها , ولكني حاولت ان اوضح لها بشكل غير مباشر ان تكون حذرة , اذ انها على مشارف الرجوع الى العراق , ويمكن الا يتقبلوا هناك رأسا هذه الافكار , ولكنها استطاعت بذكاء وسرعة ان تتفهم فكرتي , وقالت – نعم , نحن في المدرسة نتابع الاحداث في عالمنا العربي اول باول ونعرف ما يجري هناك , وكلنا ضد تلك الافكار التي تتحدث عن زواج الفتيات القاصرات او تعدد الزوجات ...الخ . كنت في اعماقي اريد ان اصفق لها , ولكني سألتها  بهدوء – هل ما تقوليه هو بتأثير من المجتمع الروسي , الذي تعيشين في وسطه وتتكلمين بلغته ؟ فابتسمت وقالت – واين اختلط انا مع المجتمع الروسي , فانا اداوم بالمدرسة العربية يوميا , وكل اصدقائي هم من التلاميذ العراقيين اوالعرب  هناك , واقضي العطلة اما في العراق واما مع الضيوف الذين يأتون الينا من العراق , ولا وقت لديّ للاختلاط بالمجتمع الروسي , ولا يوجد لديّ اصدقاء روس , اذ كل وقتي للدراسة او للقراءة او للاختلاط بزملائي العراقيين والعرب في المدرسة او لمتابعة التلفزيون او الكومبيوتر او شؤون البيت .
 طبيعة الحديث مع لمى شجعني ان اطرح عليها بعض الاسئلة الاخرى , اذ اني سألتها– هل تحبين قراءة الشعر العربي ؟ فأجابت رأسا – كلا . لقد اندهشت من جوابها الدقيق والحاسم , اذ اني كنت أظن انها ستتحدث عن نزار قباني مثلا , ولكنها حسمت الموضوع نهائيا , غير انها أضافت جملة غريبة وطريفة , اذ قالت – (الا اني عندما قرأت قصيدة (يا دجلة الخير) للجواهري في مناهج المدرسة , أصبح الجواهري بالنسبة لي شخصية اسطورية كبيرة جدا , وعندما ستسنح الفرصة , فاني ساحاول التعرّف عليه بشكل أوسع ) . أعجبني الصدق والدقة والوضوح في تفكيرها , وقلت لها مودعا – حاولي قبل رجوعك القريب الى العراق ان تزوري (بولشوي تياتر) و (المتحف التاريخي) في الساحة الحمراء, كي يبقى طعم موسكو طويلا في فمك. 

475
عراقيون مرّوا بموسكو ( 23 ) – د. بشير الناشئ
أ.د. ضياء نافع
الدكتور بشيرغالب الناشئ واحد من أعمدة العراقيين المقيمين في موسكو منذ أكثر من خمسين سنة , وهو يتميّز باناقته وضخامته وحركته البطيئة وثقته العالية بنفسه و ابتسامته الدائمة وعصاته التي يتوكأ عليها (والتي لا يهشّ بها على غنمه , ولكن من المؤكد ان له فيها مآرب اخرى , اذ انها تضفي عليه الهيبة والوقار ! ) . التقيته ( من غير ميعاد كما تقول وحيدة خليل في اغنيتها العراقية الشهيرة ) , و دردشنا طويلا , وها انا ذا اقدّم ( محضرا وجيزا !!!) لهذه الدردشة  الجميلة, لاني أرى فيها جوانب طريفة (وربما مهمة ايضا) للقارئ  المهتم بتاريخ العلاقات العراقية الروسية بين الشعبين بالذات, وبالتالي فانها تستحق التوقف عندها , وهي جوانب تنسجم وتتناغم مع اهداف سلسلة مقالاتي حول العراقيين الذين مرّوا بموسكو .
درسنا اللغة الروسية ( هو وانا) في العام الدراسي 1959 / 1960 في الكلية التحضيرية للاجانب في جامعة موسكو , الا انه وصل الى موسكو بتاريخ 10 /10 /1959 , اي يمكن القول انه من اوائل الاوائل بين الطلبة العراقيين آنذاك , اذ وصلت وجبتنا الكبيرة ( خمسون طالبا في طائرة واحدة من بغداد) بتاريخ 29 / 10 / 1959 , حيث كان اثنان من وجبته ضمن من استقبلونا حينئذ , هما المرحوم أحمد السماوي وتحسين ( نسينا  كلانا اسم ابيه , ولا نعرف ايضا اخباره) , وضحكنا وقهقهنا عندما ذكرت لهم , انهما قالا لنا عندها في مطار موسكو, ان نناديهم الان بالروسية  , فاحمد اصبح احمدوف , وتحسين – تحسينوف ( حكيت هذه الحادثة لاحد زملائي في قسم علم الاجتماع فقال انها مادة تصلح لتشريح نفسية الفرد العراقي !). وهكذا بدأنا نتذكر الزملاء القدامى , فحكى لي بشير , كيف زارهم المرحوم محمد علي الماشطة ( الذي وصل الى موسكو عام 1957 وشارك في مهرجان الشباب العالمي آنذاك , وبقي للدراسة بعد المهرجان , و كان يدرس في كلية الاقتصاد بجامعة موسكو) , وتحدّث معهم حول ضرورة تأسيس رابطة الطلبة العراقيين في الاتحاد السوفيتي , وكيف انهم جميعا وافقوا على ذلك وساندوا هذا المقترح , ويرى د. بشير , ان ولادة رابطة الطلبة هو تاريخ تلك الزيارة , او بتعبير أدق , ذلك الاجتماع بالذات , وقد أيّدت انا ما قاله , وذكرت له اننا كنّا نسمي محمد علي الماشطة (واضع اسس) الرابطة , وسألته رأسا , لماذا لم يبرز في مسيرة الرابطة الطويلة , ولم يرشح نفسه يوما في قياداتها ولجانها , فقال نعم , لاني كنت ولا زلت بعيدا عن السياسة , وقد حافظت على استقلاليتي , رغم اني صديق دائم للحزب الشيوعي , وهذا يعني , ان النشاط في الرابطة - حسب مفهومه - هو عمل  سياسي , ولم أرغب بمناقشته حول ذلك المفهوم غير الدقيق , اذ ان العمل الحزبي يختلف عن العمل في المنظمات المهنية . تابعنا دردشتنا , وحكى د. بشير لي تميّزه بالدراسة , وحصوله على درجات الامتياز دائما , ثم رجوعه الى بغداد بعد تخرجه في معهد الطاقة عام 1966 , وكيف سنحت له الفرصة بالعودة لدراسة الدكتوراه عن طريق دائرة البعثات في العراق , وهكذا عاد الى روسيا عام 1967 , وبقي فيها منذ ذلك التاريخ ولحد الان , وسألته – هل اصبحت روسيا وطنا له , اذ انه يعيش فيها حوالي 60 عاما من عمره , فقال انه يحن اليها عندما يسافر خارجها , ولكن في الفترة الاخيرة بدأ يكبر , بل ويطغي عنده الحنين الى موطن الطفولة والصبا , اي العراق  , وقال – ربما يحدث هذا بسبب تقدم العمر , فقلت له مبتسما – ما الحب الا للحبيب الاوّل .
انتقلنا بعدئذ في دردشتنا للحديث عن المهن التي مارسها طوال فترة حياته في روسيا , فحدّثني عن عمله مع الشركات الاجنبية في روسيا باعتباره ممثلا لها , وكيف انه سافر مرّة الى البحرين  للتفاوض حول تطوير العلاقات بين الجانبين الروسي والبحريني , وكيف استقبله أمير البحرين نفسه , وحدثني ايضا كيف سافر الى استراليا للتفاوض حول صفقة لشراء اللحوم منها , اذ تبين انهم في استراليا يدمرون اللحوم الفائضة عن حاجتهم كي يحافظوا علي مستوى الاسعار... وحدثني د. بشير ايضا عن عمله في مجال الترجمة في بداية السبعينات , اذ تبين انه ترجم بعض الكتب العلمية عن الروسية , فابديت اهتمامي بهذا الجانب من نشاطه , لان موضوع الترجمة  عن الروسية قريب من قلبي وعقلي , وسألته عن تقنيته في العمل الترجمي , فقال انه لا يستخدم اي قاموس عند الترجمة من الروسية الى العربية او من العربية الى الروسية , فتعجبت من هذا القول , ولم اتفق معه بشأن ذلك بتاتا, وقلت له ان هذا يتعارض مع المفهوم العلمي للترجمة , ولكن الخلاف طبعا لا يفسد للود قضية...

476
عود على قائمة المترجمين العراقيين عن الروسية
أ.د. ضياء نافع
استلمت العديد من التعليقات والآراء المختلفة بشأن مقالتي الموسومة – ( قائمة اولية بالمترجمين العراقيين عن الروسية ) , وقررت ان اكتب جوابا لكل هذه الملاحظات , لاني اعتقد جازما , ان الموضوع يستحق التوسع و وضع النقاط على الحروف كما يشير القول المشهور.
 اولا , اود ان اعبر عن اعتزازي بمن ارسل هذه التعليقات بغض النظر عن روحية العتاب التي جاءت في بعضها , وثانيا , اود ايضا ان اعبر عن فرحي وسروري بردود الفعل السريعة  , اذ ان ذلك يعني حيوية هذا الموضوع وحتى ضرورته في حياتنا الثقافية, وثالثا , اود ان اذكّر الجميع باني اشرت الى ان شخص واحد ( وانا اقترب من العقد الثامن من عمري) لا يمكن ان يؤدي هذه المهمة لوحده ابدا , ودعوت بصريح العبارة الى مشاركة الآخرين بوضع هذه القائمة المهمة , بل واقترحت ان تكون هناك لجان متعددة وحسب الاختصاصات لتنفيذ هذا العمل الكبير ,  وردود الفعل التي استلمتها تؤكد – مرة اخرى – هذه الحقيقة العلمية البسيطة والساطعة في آن , ورابعا , اود ان اكرر ما ذكرته في مقالتي تلك , وهو اني أحلم ان أرى قائمة تفصيلية بالمترجمين العراقيين عن الروسية مع الاشارة الى اعمالهم الترجمية , وذلك لان هذه القائمة – في حالة تحقيقها - ستكون دليلا ومصدرا مهما للباحثين في هذا المجال الفكري المهم , وستؤدي دراسة هذا الدليل وتحليله الى السير ابعد واعمق في تطوير العلاقات الفكرية بين الشعبين  , والى اخضاع عملية الترجمة نفسها الى اسس علمية دقيقة .
والآن اتوقف قليلا عند ابرز الملاحظات التي وردت في هذه التعليقات , ولعل اهمها ما كتبه الزميل العزيز والباحث الكبير أ.د. ميثم الجنابي , اذ أثار اولا موضوع المترجم الياس شاهين , وهل هو عراقي ام لبناني ؟ والحقيقة ان هذا الموضوع طرحه عليّ بعض الزملاء ايضا , وقد أجبتهم بانه عراقي , وانا قابلته  شخصيا ولعدة مرات في القسم الداخلي لجامعة موسكو في بداية الستينات , حيث كان يدرس في قسم الدراسات العليا ( الاسبيرانتورا) في كلية الاقتصاد , وهو من يهود العراق , الذين رفضوا الهجرة الى اسرائيل في حينها بداية الخمسينات , واستطاع الوصول الى الاتحاد السوفيتي مع مجموعة صغيرة عراقية من اليهود ايضا , وهم كلهم من القريبين من الافكار الماركسية طبعا , وكان الياس شاهين حساسا جدا و يتجنب الاختلاط بالعراقيين في جامعة موسكو نظرا لكل هذه العوامل والوقائع , وكنّا نحن الطلبة آنذاك نعامله باحترام , اذ انه كان أكبر منّا سنّا ويتصرف وفق أخلاقية عالية وأدب جمّ. لقد ارتبط الياس شاهين بحركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي منذ الخمسينات , وكان هو أحد واضعي قاموس الجيب الروسي – العربي  الصغير, والذي استخدمناه عند وصولنا للدراسة في موسكو بداية الستينات , اذ لم يكن هناك اي قاموس آخر, وليس عبثا ان الياس تخصص بعدئذ بالترجمة السياسية , وبالذات لكتب ماركس وانجلس ولينين , ولا زالت مطابع بيروت تعيد طبع ترجماته . اما الجزء الآخر من تعليق الجنابي , فانا متفق معه كليا , اذ ان الترجمة عن الروسية الى العربية لم تبلغ بعد ( سنّ الرشد !!!) , وهذا موضوع يرتبط بمستوى الثقافة ومسيرتها في مجتمعاتنا العربية , وأظن , ان وضع قائمة بالمترجمين العراقيين عن الروسية هو بداية طريق التحليل العلمي السليم لحركة الترجمة عن الروسية والتخطيط لمسيرتها اللاحقة .
التعليق الاخير الذي اود التوقف عنده قليلا هوملاحظات احد طلبتي سابقا وزميلي في التدريس لاحقا وهو الرئيس السابق لجمعية المترجمين العراقيين الدكتور علي عدنان , وانا متفق معه بشكل عام , رغم بعض السمات الحادة التي جاءت في تعليقه, وقد ذكرت في مقالتي الى عدم قدرة شخص واحد القيام بهذا العمل العلمي الكبير , غير اني أردت ان احرّك ( المياه الراكدة !) ليس الا , ولكني اريد ان اعلق على تهمة خطيرة جاءت في ثنايا ذلك التعليق , وهي ان يضع شخص اسمه على غلاف كتاب مترجم , واتمنى يا اخي د. علي ان تفضحوا مثل هذه الظواهر في اوساطكم , اذ اننا لم نعرف مثل هذا التدني والانحدار في زماننا.
اخيرا , اقدم ملحقا باسماء المترجمين العراقيين عن الروسية , والذين فاتني ذكرهم في مقالتي تلك مع الاعتذار لهم , واشكر الاصدقاء الذين ساعدوني على تلافي ذلك السهو , واود ان اؤكد مرة اخرى ان هذا العمل يبقى غير متكامل دون مشاركة الآخرين.
الاسماء
=====
د. اكرم عزيز // د. ايناس طارق // د. برهان جلال // د. برهان شاوي // خلف حامد // د. سامر أكرم // د. سعد عجاج // د. سلمان احمد اسماعيل // صادق حسين // د. صادق كمر // ضياء خميس العبادي// د. عبد الجبار الربيعي // المرحوم عدي عجينه // د. علي عدنان مشوش // د. غالب عبد حسين التميمي // فاضل فرج // د. فردوس بريهي // المرحوم د. فلاح الفلاحي// د. كفاح الجواهري // مالك حسن // د. محمد سعدون // المرحوم د. محمد صبري// محمد فريح // د. محمود غازي// د. ميثاق محمد // د. ناظم مجيد الديراوي // د. نهله جواد // المرحوم د. نوري السامرائي // هاشم الموسوي // هيلان كريم // د. ياسين حمزه .


477
قائمة أولية بالمترجمين العراقيين عن الروسية 
أ.د. ضياء نافع
بحثت عن قوائم  خاصة بالمترجمين العراقيين هنا وهناك , ولكني لم أجد – مع الاسف - أي شئ , حتى بالنسبة للمترجمين عن اللغة الانكليزية , رغم ان العراق هو ( انكلوفوني ) منذ دخول الجنرال الانكليزي مود ( محررا وليس فاتحا !) عام  1917 , وبقي العراق هكذا لحد الان , و قال لي أحد اصدقائي وهو يبتسم -  يبدو انه ليس من باب الصدفة ابدا , ان تم دفن الجنرال ( المحرر وليس الفاتح !) في مقبرة الانكليز ببغداد .
 بعد الاستفسارات الطويلة والعريضة من هذا وذاك, قررت أن أبدأ بوضع قائمة بهؤلاء المترجمين بنفسي و معتمدا على ذاكرتي ليس الا , ولهذا حرصت ان اعلن - قبل كل شئ -  ان هذه القائمة ( أوليّة ) , وثبّت هذه الصفة حتى في عنوان المقالة , اذ لا يمكن ابدا لشخص واحد القيام بهذه المهمّة الكبيرة , بل يجب ان تكون هناك لجان في مختلف الاختصاصات تجتمع وتناقش وتستفسر وتقوم بتنظيم استبيانات و تجرد الاوليات الواسعة وتجمع الاسماء منذ بداية حركة الترجمة عن الروسية في العراق ...الخ الخ , ولكنني أأمل – مع ذلك - ان تكون هذه الخطوة المتواضعة حافزا للآخرين كي يشاركوا في هذا العمل العلمي التاريخي الطريف , والذي أؤكد – مرة اخرى واخرى – انه يحتاج الى عمل لجان متشعبة وعديدة من أجل انجازه بشكل صحيح وعلمي ودقيق ومتكامل , ولا يمكن لشخص واحد القيام بذلك ابدا ( انظر مقالاتي – المترجمون العراقيون في الاتحاد السوفيتي 1 ,2 , 3 , 4 ) . وها هي القائمة الاولية للمترجمين العراقيين عن الروسية , علما انني احلم ان أرى يوما - ما دليلا متكاملا يضم اسماء المترجمين العراقيين كافة مع الاشارة الى اعمالهم الترجمية , التي أنجزوها , اذ ان الترجمة هي احدى مقاييس الحوار بين الشعوب وتفاعل الحضارات المختلفة .

أسماء المترجمين العراقيين عن الروسية حسب الابجدية
=================================
أحمد عبد الكريم – يساهم في حركة الترجمة في العراق .// المرحوم د .الياس شاهين – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي .// أشواق مطلك – تساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. آيات يوسف – تساهم في حركة الترجمة في العراق .// د. بشير الناشئ – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي . // برهان الخطيب – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي و اوربا . // د. تحسين رزاق عزيز – يساهم في حركة الترجمة في العراق. // المرحوم د. جلال الماشطة – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي. // المرحوم د. جليل كمال الدين – ساهم  في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي والعراق // د. جميل نصيف التكريتي – يساهم في حركة الترجمة في العراق // د. جودت هوشيار – يساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه .// حسب الشيخ جعفر – يساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه . // د. حسن البياتي – يساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه.// حسين خضر الشويلي – يساهم في حركة الترجمة في العراق . // حسين محمد سعيد – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي ولا زال يساهم فيها في اوربا. // د. حكمت شبّر – يساهم في حركة الترجمة في العراق. // د. حميد حسن علوان – يساهم في حركة الترجمة في العراق.// المرحومه د. حياة شرارة – ساهمت في حركة الترجمة في العراق . //  المرحوم خميس حرج نشمي – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي . // خيري الضامن – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي ولا زال يساهم فيها في روسيا وخارجها. // د. داود كرومي المنير – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي .// دينا ادهام يحيى – تساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. رؤوف الكاظمي – يساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. زينب كمال الدين – تساهم في حركة الترجمة في العراق . // المرحوم د. سعدي المالح – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي . // سعيد نفطجي – ساهم في حركة الترجمة في العراق . // د.سلام الشهباز – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي ولا زال يساهم فيها في روسيا . // المرحوم صادق الجلاد – ساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. صفاء محمود علوان – ساهم في حركة الترجمة في العراق ولا زال يساهم فيها خارج العراق . // د. ضياء نافع – ساهم في حركة الترجمة في العراق ولازال يساهم فيها في روسيا .// د. عادل الجبوري – ساهم في حركة الترجمة في العراق والاتحاد السوفيتي , ولا زال يساهم فيها في روسيا . // المرحوم د. عباس خلف – ساهم في حركة الترجمة في العراق . // عبد الله حبه – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي, ولازال يساهم فيها في روسيا وخارجها .// المرحوم د. عبد الرحمن معروف – ساهم في حركة الترجمة في العراق .// المرحوم د. عبد الرزاق مسلم – ساهم في حركة الترجمة في العراق. // المرحوم د. عدنان عاكف – ساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه. // د. عز الدين مصطفى رسول – يساهم في حركة الترجمة في العراق . //  د. عقيل يحيى – يساهم في حركة الترجمة في العراق .// د. عماد شابا – يساهم في حركة الترجمة في العراق . // المرحوم غائب طعمه فرمان – ( شيخ المترجمين العراقيين في روسيا ) . ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي .// د. غادة طارق العاني – تساهم في حركة الترجمة في العراق. //  المرحوم غازي العبادي – ساهم في حركة الترجمة في العراق .// فاضل قلي – ساهم في حركة الترجمة في العراق والاتحاد السوفيتي ولازال يساهم فيها في روسيا.// المرحوم فائق ابو الحب – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي . // د. فالح الحمراني – يساهم في حركة الترجمة في روسيا وخارجها . // المرحوم قاسم محمد – ساهم في حركة الترجمة في العراق . // كامران قره داغي – يساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه . // د. كامل العزاوي – يساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. كمال مظهر أحمد - ساهم  في حركة الترجمة في العراق وخارجه .// كولاله نوري – تساهم في حركة الترجمة في العراق وخارجه. // ماركريت كانيكانيان – ساهمت في حركة الترجمة في العراق. // محمد الطيار – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي ولا زال يساهم فيها  بروسيا. //  المرحوم د. محمد يونس – ساهم  في حركة الترجمة في العراق . // المرحوم د. معروف خزندار – ساهم في حركة الترجمة في العراق . // المرحوم د. مكي عبد الكريم المواشي – ساهم في حركة الترجمة في العراق. // د. منى عارف جاسم  - تساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. منذر ملا كاظم – يساهم في حركة الترجمة في العراق .// المرحوم مهدي هاشم – ساهم في حركة الترجمة في العراق.  // المرحوم موفق الدليمي – ساهم في حركة الترجمة في الاتحاد السوفيتي . // د. ناهدة البدري – ساهمت في حركة الترجمة في العراق . // د. هاشم التكريتي – يساهم في حركة الترجمة في العراق . // د. هديل اسماعيل نيازي – تساهم في حركة الترجمة في العراق .// المرحومة د. وفية ابو قلام – ساهمت في حركة الترجمة في العراق.

478
أ.د. علي منصور ..وداعا
أ.د. ضياء نافع

علمت الآن (في مساء هذا اليوم 10/5 /2018)  برحيل الاستاذ الدكتور علي يحيى منصور , اذ استلمت رسالة الكترونية من زوجته ( ولا يطاوعني قلبي ان أكتب – أرملته ) السيدة الفاضلة كفاح السوداني ام محمد, تعلمني فيها بذلك الخبر الحزين , وها انذا احاول ان الملم افكاري وذكرياتي كي اكتب كلمات وداع بحق هذا الصديق الصدوق والاستاذ الجليل والتربوي  الكبير والاكاديمي البارز في تاريخ العراق المعاصر.
علي منصور واحد من أعلام اللغات في العراق , اذ كان يتقن عدة لغات – وبشكل علمي معمق - هي العربية والكردية والتركمانية والانكليزية والالمانية وقليلا من الفرنسية والفارسية والارمنية والسريانية, وكل هذه المعرفة اللغوية الواسعة  و المتنوعة جاءت نتيجة لمسيرة حياته وموهبته ,    فهو من أب عراقي عربي وام عراقية كردية , وقد ولد في كركوك , وهناك تعلّم التركمانية ايضا بحكم وضع المدينة ( يمكن ان نعتبره رمزا رائعا لوحدة العراق التي لا تنفصم !) , ثم التحق في قسم اللغة الانكليزية في دار  المعلمين العالية في بغداد وتخرج فيها واصبح مدرسا  متميزا للغة الانكليزية , وعمل في عدة مدارس في مدن عراقية مختلفة آنذاك , ثم حصل على زمالة دراسية في المانيا , والتحق في جامعة هامبورغ   ودرس هناك ونال شهادة الدكتوراه في الادب المقارن , وعاد الى العراق واصبح تدريسيّا في جامعة بغداد , وعندما بدأت انا بالعمل في قسم اللغات الاوربية ( فرع اللغة الروسية) في كلية الآداب بجامعة بغداد للعام الدراسي 1972 / 1973 التقيته هناك, اذ كان هو أحد أبرز العاملين في فرع اللغة الالمانية, و تعارفنا طبعا ووجدنا لغة التفاهم المشتركة بيننا , فقد كان هادئ الطبع وطيّب المعشر ويتحلّى بتواضع العلماء ومحترما من قبل الجميع اساتذة وادارة وطلبة , وبمرور الايام اصبحت العلاقات اوسع وأعمق , وعندما انتقلنا عام 1987 من كلية الآداب الى كلية اللغات , اصبحنا نعمل في لجان مشتركة ( خصوصا اللجان الامتحانية ), وبعدئذ في مواقع عمل مشتركة , اذ اصبحنا ( هو وانا)  معاوني العميد , وكان  التعاون والانسجام والودّ سائدا بيننا طوال فترة عملنا , مما جعلنا نتحوّل بالتدريج من زملاء في المهنة الى أصدقاء بكل  ما تحمل كلمة ( صداقة ) من معنى , وقد تعمّقت هذه الصداقة خصوصا في عملنا المشترك في كلية اللغات المسائية , وبما اننا كنا نسكن في منطقة واحدة , فقد اصبحنا مثل الاخوة , حيث نذهب صباحا في سيارة واحدة ونرجع مساء في نفس تلك السيارة ( هو وأنا وصديقنا المشترك أ.د. زهير مجيد مغامس من قسم اللغة الفرنسية ) , وكنا طوال الوقت نتحدّث في شؤون اللغات وطبيعة عملنا معا , وكم كانت احاديثنا تشوبها النقاشات الحادة والصريحة جدا بخصوص الواقع العراقي المكفهر آنذاك ومشاكله المعقدة , بما فيها السياسية , الا ان تلك النقاشات كانت تجري  دائما بروحيّة جميلة ووديّة وبعيدة عن التطرّف والتوتر بفضل ابتسامات علي منصور وروحه المرحة ومزاجه الرائق والهادئ دائما ونظرة التفاؤل في أعماقه تجاه كل شئ , بما فيها حتى القضايا المعقدة في حياتنا ( وما أكثرها !), اذ انه كان يجد الجمال في كل شئ , وأذكر مرة انه حاول أن يثبت لنا , ان نفرح عندما يهب ( العجاج ) , وذلك لان العجاج يعني ( اضافة طبقة صافية من الزميج فوق الارض مجانا , وان ذلك سيؤدي الى تحسين الزراعة !) .
ختاما لهذه السطور السريعة عن الراحل علي منصور , أود أن اشير , الى انه ترك مخطوطات عديدة تأليفا وترجمة , وان تواضعه الفذّ جعله لا يتحدث عنها , او يحاول ان ينشرها , واعرف من بين هذه المخطوطات ديوان شعر مترجم عن الالمانية لمجموعة من الشعراء الالمان المعاصرين مع تعريف وجيز بحياة ومسيرة كل شاعر منهم , ويوجد بين تلك المخطوطات ايضا معجم الماني – عربي للمصطلحات الادبية , و يشرفني ان اعلن هنا , ان دار نوّار للنشر مستعدة لنشر هذين الكتابين في بغداد في حالة موافقة ورثته .

479
أدب / المسافات
« في: 19:36 03/05/2018  »
المسافات
======

قصيدة للشاعر هينريك نوربراندت / الدنمارك
==========================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================


المسافات
 تطول وتكبر
بين اوراق الشجر,
وتصبح
أبعد وأبعد,
و كذلك المسافات
بين الكلمات
تصبح
أبعد وأبعد,
و بين الاحاسيس والعواطف
ايضا ,
تصبح
 المسافات
أبعد وأبعد,
أمّا
اوراق الاشجار التي  يبست,
والنفوس التي رحلت ,
والاحاسيس والعواطف التي جفّت,
و الكلمات التي تبخّرت,
فانها تتعانق روحيّا
-بهدوء
ودون ان نلاحظ ذلك -
مع تلك التي
لازالت
 تنبض بالحياة..
=========================================================================================================================
===========================================================================
ولد هينريك نوربراندت عام 1945  , وهو شاعر وناثر وكاتب مقالة / عضو الاكاديمية الدنماركية/ حائز على عدة جوائز ادبية في الدنمارك والسويد.

480
المنبر الحر / بوشكين في العراق
« في: 18:19 02/05/2018  »
بوشكين في العراق
أ.د. ضياء نافع
 استلمت رسالة اليكترونية بالروسية من أحد الزملاء الروس بعنوان – بوشكين في العراق , وقد أثارت هذه الرسالة اهتمامي طبعا , اذ اني اتابع موضوعة الادب الروسي في العراق منذ عشرات السنين , وسارعت بفتح تلك الرسالة والاطلاع عليها , وقد تبيّن , انه يطلب منّي ان  اقدّم له استشارة ( او رأيّا )  في مسألة مطروحة امامه الان حول موضوعة – ( بوشكين في العراق) , ويقول في رسالته , انه وجد بعض المصادر الروسية حول هذا الموضوع , ولكنها – كما يرى – غير كافية كما يجب - بشكل عام - لتغطية هذا الموضوع الكبير , المرتبط بشاعر روسيا الاول وعبر كل عصورها .  وهكذا بدأنا الحوار .
قلت له, ان من الضروري ان نحدد – قبل كل شئ – ماذا يعني مفهوم ( بوشكين في العراق ) , وهل يعني ذلك حصر بوشكين في الحدود الجغرافية للدولة  العراقية  بمعزل عن العالم العربي الذي يحيطها ,  اذ ان ثقافة العراق متداخلة بثقافة البلدان العربية الاخرى , والكتاب الذي يصدر في دمشق مثلا عن بوشكين يصل الى القارئ العراقي بعد أيام ,  وقلت له  باني (وبعض الزملاء الذين أذكرهم لحد الان من جيلي) طالعنا بالعراق في خمسينات  القرن العشرين مثلا ترجمة د. سامي الدروبي لرواية بوشكين القصيرة - (ابنة الضابط ) ضمن منشورات ( دار اليقظة ) السورية المشهورة , واعاد غائب طعمه فرمان ترجمة هذا الكتاب بعد اكثر من ربع قرن , وهكذا صدرت رواية ( ابنة الآمر) لبوشكين في موسكو , فهل نعتبر , ان المترجم العراقي غائب طعمه فرمان هو الذي قدّم للعراقيين  رواية بوشكين تلك ( عن طريق موسكو !) , وبالتالي , فان ترجمته تدخل ضمن موضوعة ( بوشكين في العراق ) , بينما  تدخل ترجمة الدروبي لنفس الرواية ضمن موضوعة ( بوشكين في سوريا) ؟ ويمكن التوقف عند كتب اخرى حول الادب الروسي صدرت في القاهرة مثلا , واطلع عليها القارئ العراقي , بما فيها كتاب الباحث والكاتب الفلسطيني الكبير نجاتي صدقي الموسوم – (بوشكين ) , الذي صدر ضمن سلسلة ( اقرأ) المصرية الشهيرة في اربعينات القرن الماضي ,  وذكّرته بقول طريف كان سائدا في عالمنا العربي يوما ما وهو – القاهرة تكتب وبيروت تطبع وبغداد تقرأ . وبعد (التي واللتيّا) , كما يقولون , اقتربنا من نقطة مشتركة بيننا في هذا الشأن , اذ توقف زميلي عند التمثال النصفي لبوشكين في حدائق كليّة اللغات بجامعة بغداد , و قال انه واحد من الشواهد المادية والتي لا يمكن تجاهلها في موضوعة ( بوشكين في العراق ) , اذ ان مثل هذا التمثال موجود بمصر والمغرب  فقط في العالم العربي , وأشار الى ان المصادر الروسية حول هذا الحدث المتميّز وغير الاعتيادي مرتبكة وغير متناسقة وحتى متناقضة بعض الشئ , وان مقالتي بعنوان – ( قصة تمثال بوشكين في جامعة بغداد) توضّح كل هذا الارتباك وتجيب عن كل التساؤلات المرتبطة بهذا الموضوع , الا ان هذه المقالة غير مترجمة الى اللغة الروسية , وبالتالي, بقيت مجهولة للقارئ الروسي المهتم بهذا الحدث , واقترح عليّ ان اترجمها وانشرها بالروسية , فقلت له انني متفق معه بشأن ذلك , اذ ان التمثال النصفي لبوشكين في جامعة بغداد  دخل في دوّامة الصراع السياسي العراقي المعاصر واساليبه الملتوية و (غير النظيفة ! ) مع الاسف , الا ان ترجمة المقالة هذه من قبلي خطوة غير متواضعة , اذ  تبدو وكأنني اريد ان  امدح نفسي , او , ان افرض رأيّ , وهذه مسألة حساسة ومحرجة احاول طوال حياتي ان اتجنبها , فضحك صاحبي وذكّرني , ان امثال الشعوب كافة تقف ضد المبالغة في المواقف , وان تلك المبالغة تؤدي الى نتائج مضادة وعكّسية في كثير من الاحيان , وان عدم ترجمة هذه المقالة الى الروسية , بسبب هذا التواضع المبالغ فيه من قبلي, هو مثل واضح وصارخ لذلك, وقال انه ينتظر.
قلت لصاحبي بعدئذ , ان أحد العراقيين , وهو طالبي سابقا وزميلي في العمل بجامعة بغداد لاحقا , واسمه صفاء محمود علوان الجنابي قد أنجز في ثمانينات القرن الماضي اطروحة دكتوراه في كليّة الاداب بجامعة فارونش الروسية عنوانها – ( بوشكين في العراق ) , وانه جمع هناك  المصادر الاساسية  التي ظهرت في العراق آنذاك حول بوشكين وأشار اليها , وناقش افكارها واهدافها , و قلت له انها اطروحة متميّزة جدا  في مضمونها , واقترحت عليه ان يجدها , او , في الاقل ان يجد موجزها الموجود حتما في الارشيف الروسي للاطاريح , ويطلع عليه , وسيجد هناك اجابات  عن كل اسئلته , فشكرني على هذا المصدر المهم  والجديد بالنسبة له , ووعدني ان يحاول ايجاد هذا المصدر . وبالمناسبة , فانني أتوجه الى د. صفاء في ختام هذه المقالة , واقترح عليه ان يفكر بشكل جدّي بتنقيح اطروحته تلك , و ان يضيف اليها بعض المصادر التي استجدّت بشأن موضوعة بوشكين في العراق , ويقوم بنشرها بالعربية, وانا على ثقة تامة , ان مثل هذا الكتاب سيكون ناجحا ومفيدا وطريفا للقارئ العربي اولا , ولتعميق الموضوعة الروسية وبلورتها في مسيرة الادب المقارن ودراساته  في العراق والعالم العربي ايضا.

481
تشيخوف في شارع الرشيد ببغداد
أ.د. ضياء نافع
ياله من خبر جميل ورائع ومثير ! فقد اطلعت على مقالة د. فرحان عمران موسى في جريدة المدى الغراء بعنوان – ( تقاسيم على الحياة .. بين معمارية النص و معمارية التمثيل ) بتاريخ 15/4 /2018 , ثم  على مقالة الاستاذ عبد الجبار العتابي في موقع ايلاف  بعنوان – ( مسرحية تقاسيم عن الحياة .. تهز الوسط المسرحي العراقي ) بتاريخ 16/ 4 / 2018 , وتذكرت رأسا (روح!!!) مقالتي التي نشرتها عن تشيخوف بمجلة الف باء في بغداد قبل اكثر من ربع قرن بعنوان – ( تشيخوف في علاوي الحلة) , واقول (روح مقالتي) , لاني تحدثت عندها عن (احلامي الخيالية !) ليس الاّ حول هذا الموضوع , اما هذا الخبر , فانه يتحدث عن واقع ملموس ومحدد وواقعي, ولهذا فهو خبر رائع , اذ قدّم المخرج المبدع جواد الاسدي مسرحية بعنوان ( تقاسيم عن الحياة ) ( ويا له من عنوان دقيق وذكي ورشيق شكلا ومضمونا ) ,  و المسرحية هذه مأخوذة ( حسب تعبير العتابي ) او ( مستلة) (حسب تعبير د. فرحان)  من قصة تشيخوف الشهيرة ( العنبر رقم 6 ) , كما جاء عنوان هذه القصة في بعض الترجمات العربية , والتي نسميها في العراق ( الردهة رقم 6 ) , اذ ان الطبيب والمحلل النفسي والاجتماعي الكبير تشيخوف رسم ( ولا اقول كتب) احداث قصته تلك عن الحياة في (ردهة ) مستشفى , هذه ال (ردهة ) , التي رأى فيها لينين ( رمزا ) لروسيا القيصرية , ورأت فيها الشاعرة أنّا أخماتوفا ( رمزا ) لروسيا السوفيتية ( انظر مقالتنا بعنوان – تشيخوف و أخماتوفا ), ورأى فيها المخرج العراقي جواد الاسدي الان ( رمزا ) لكل مشاكل العراق الحالي , بعد ان تعامل ابداعيا معها طبعا ( ان تحويل قصة تشيخوف الى مسرحية هو بحد ذاته يعدّ عملا فنيا وابداعيا كبيرا ومتميّزا محليا وعالميا ايضا ) , وهكذا قدّم لنا الاسدي تقاسيم معزوفته عن الحياة العراقية من خلالها , وعلى خشبة منتدى المسرح العريق في شارع الرشيد ببغداد , وعلى مدى خمسة أيام باكملها , وبنجاح كبير لدرجة ان  العتابي قال في عنوان مقالته انها ( تهز الوسط المسرحي العراقي !) , اما د . عمران فقد أشار ايضا الى ذلك النجاح الباهر , رغم انه تكلم عن ذلك بلغة فلسفية معقدة ومتشابكة جدا , لدرجة ان أحد أصدقائي سألني عن معنى بعض جمله , و أردف سؤاله بسؤال آخر , وهو – ( وهل يوافق صديقك تشيخوف نفسه على هذه ( المعمارية !!!) اللغوية المبهمة ؟ فقلت له ان يتوجه بسؤاليه الى تشيخوف نفسه , اذ انني لا استطيع الاجابة عن هذين السؤالين , واعتبرهما ضمن ال ( ترك), وقلت له ايضا , انني استطيع – بشكل او بآخر - ان اساعده بترجمة هذين السؤالين الى لغة تشيخوف وتوضيحهما له, اذا طلب تشيخوف نفسه ذلك , في حالة عدم استيعابه للنص,  فغضب صديقي , وقال لي انك تتهرب من الاجابة لانك لم تفهم معنى تلك الجمل مثلي , ولكنك لا تريد الاعتراف بذلك , فحاولت تهدئة النقاش مبتسما وتغيير مسارالكلام, وبدأت اتحدث معه عن قصة تشيخوف ( الردهة رقم 6 ) واهميتها وقيمتها الفنية في تراث تشيخوف الابداعي و في تاريخ الادب الروسي بشكل عام , وكيف ان تشيخوف سيفرح فرحا شديدا لو عرف , ان المخرج العراقي جواد الاسدي قد وجد في ثنايا قصته تلك جوابا شافيا عن  كل الاسئلة و الاشكالات الفكرية المرتبطة بالوضع القائم الان في بلد عريق مثل العراق , وذلك لان تشيخوف تناول هناك , كما في كل نتاجاته , معاناة الانسان , اي انسان بغض النظر
عن انتمائه القومي ومجتمعه , وسيفرح تشيخوف اكثر , اذا عرف ان المخرج العراقي قد احتفظ حتى باسماء ابطاله كما في النص الروسي رغم التعامل الابداعي التفصيلي مع تلك القصة , اي التعامل الفني الضروري جدا كي تصبح احداث القصة متلائمة مع ما يريد المخرج ان يقوله للمشاهد من افكار وهو يقف في شارع الرشيد في قلب بغداد . وذكرت لصديقي ان هذا الحدث كبير جدا في مسيرة العراق  الثقافية و الفكرية عموما, ويجب علينا ان نشيد بهذا العمل , وان نسانده بكل امكانياتنا , وبدون البحث اللغوي التفصيلي بمفردات مبهمة ومعقدة هنا وهناك ,  وذلك لان هذا العمل الابداعي يعني , من جملة ما يعنيه  , ان العراق يسير بشكل حثيث وصحيح  للخروج من ازمته الفكرية  الرهيبة التي انحدر اليها منذ اواخر القرن العشرين والى حد الان , وان دور المثقفين العراقيين أخذ يبرز اكبر وبصورة اكثر سطوعا  في الوقت الحاضر, وهذه مسألة ضرورية جدا ( اي دور المثقفين ) للمساهمة في عملية انقاذ العراق من ايدي هؤلاء الذين خذلوا الوطن وارادته , فتقديم تشيخوف في شارع الرشيد يجسّد رمزا لاستخدام المثقف العراقي لجواب تشيخوف نفسه على الازمة الفكرية في بلاده انذآك , وهو جواب عميق جدا من كاتب بمستوى تشيخوف , كان يهتّم جدا بمفهوم الحرية الانسانية ويحاول الدفاع عنها و صيانتها والمحافظة عليها بغض النظر عن النظام السياسي السائد في البلاد , وهي مسألة مطروحة الان وبشكل شديد وحاسم امام الانسان العراقي .
تصفيق حاد للمخرج العراقي جواد الاسدي ولكل الفنانين العراقيين الذين ساهموا معه في تنفيذ هذا العمل الابداعي الكبير! 

482
أدب / اللاجئون
« في: 09:53 29/04/2018  »
اللاجئون
======

قصيدة للشاعرة - تامار رادتسينير (1935 – 1991 )
===============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

نركض دائما
متدافعين
 ولاهثين..
وعندما نصل الى مكان ,
ونريد ان نضع
حقائبنا السوداء
كي نشعر باننا بشر احياء,
فانهم يدسّون بايدينا
نموذجا  للكرة الارضية ,...
و يقولون لنا-
اختاروا
 اين تريدون ان تذهبوا,
فانتم وصلتم من المنطقة الصفراء,
وحروب تدور في المنطقة الحمراء,
ولا يدعوكم أحد
 في المنطقة الخضراء,
ولا توجد مناطق اخرى
على الكرة الارضية.
نسألهم –
هل يوجد
نموذج آخر للكرة الارضية,
فيه
 ولو مكان صغير وضئيل
نتنفس  فيه
 الصعداء؟
.....................
....................
يضحك الموظف
ويقول –
انتم اناس مرحون,
وحتى
كرة أرضية اخرى
تريدون !
ثم يربّت على أكتافنا,
ويغلق الباب مبتسما,
ويقول -
حانت الان
فترة تناول الطعام.
=======================================================================================================================================================================================================================================================
ولدت الشاعرة تامار رادتسينير في بولندا عام 1935 , وانتقلت الى النمسا عام 1959 , وتوفيت هناك عام 1991 . تكتب باللغتين البولندية والالمانية . سبق وان قدّمنا لها قصيدة بعنوان – ( من جديد ).

483
عراقيون مرّوا بموسكو (22) / د. عدنان عاكف
أ.د. ضياء نافع
درسنا اللغة الروسية سوية في الكلية التحضيرية بجامعة موسكو للعام الدراسي 1959/ 1960 , و بعد التخرّج التحقنا سوية في كلياتنا للعام الدراسي 1960/ 1961 بنفس الجامعة , هو في كليّة الجيولوجيا وانا في كليّة الفيلولوجيا ( اللغات وآدابها) , وعشنا في نفس القسم الداخلي . في   كلية الجيولوجيا كانت مجموعة رائعة من الطلبة العراقيين الموهوبين , وقد تميّز من بينهم  بعض الخريجين , ومنهم ( حسب الابجدية ) – الشهيد الدكتور حامد الشيباني ( الذي اعدمه النظام البعثي في السبعينات لاسباب  سياسية وكان موظفا بارزا في شركة النفط الوطنية ) , و المرحوم  الدكتور عدنان عاكف , ومنذر نعمان الاعظمي ( الذي استمر بدراسته العليا في بريطانيا , واصبح شخصية سياسية وفكرية مرموقة في عالمنا العربي, ولازال هناك لحد كتابة هذه السطور).
منذ ان بدأت بكتابة سلسلة مقالاتي بعنوان – ( عن بعض العراقيين , الذين مرّوا بموسكو ) , كان اسم الدكتور المرحوم عدنان عاكف موجودا و قائما ومطروحا امامي ,  ,اذ كنت اتابع مقالاته الجميلة و المتميزة والحاذقة والذكية, وأضيف ملاحظة هنا او هامش هناك في دفاتر ملاحظاتي او في ذاكرتي, ولكني لم استطع ان اكتب تلك المقالة  ضمن هذه السلسلة , لان سعة مواضيعه وتنوعها وعلميتها واسلوبها الساحر البسيط والعميق في آن , والذي يذكرنا بالتعبير العربي الجميل - ( السهل الممتنع) , كل هذه العوامل كانت تجبرني ان اؤجل كتابة الموضوع دائما كي استكمل كل الجوانب الضرورية واللازمة والمناسبة لذلك الموضوع ,  وفجأة , وبدون اي مقدمات , صعقت بقراءة خبر رحيله !!! لقد طلبت من اخيه الاصغر الدكتورالعاني عند اللقاء به  (عندما كان يعمل في السفارة العراقية بموسكو) ان يخبرني متى سيكون عدنان بموسكو كي التقيه , ولكنه لم ينفّذ وعده مع الاسف , وهكذا لم استطع ان اراه عندما زار موسكو آنذاك , الا اني عرفت انه كان يتابع كتاباتي واخباري , كما كنت انا اتابع نشاطاته الفكرية الواسعة واخباره .
 تميّز المرحوم عدنان اثناء دراسته في جامعة موسكو طوال فترة الدراسات الاولية في كلية الجيولوجيا (خمس سنوات ) والعليا ( ثلاث سنوات) بسموّ اخلاقه ونقاء روحه وبالتواضع العظيم والصدق في علاقاته , وكان بعيدا جدا عن عالم ( القيل والقال) الواسع الانتشار بين العراقيين بشكل عام مع الاسف, وكان طالبا ممتازا دراسيا , وكانت لغته الروسية راقية جدا , وكان متعاونا مع الجميع ومحبوبا من قبل الجميع ويحتفظ بمسافة مناسبة جدا بينه وبين الطلبة الآخرين , وتميّز – قبل كل شئ – بحبه وولعه لقراءة الكتب , بل وحتى ( التهامها!) كما علّق مرّة أحد الزملاء  العراقيين, وهي صفة نادرة جدا جدا بين طلبة الدراسات العلمية البحتة , وكنت أتذّكر هذه ( الهواية !) عند عدنان كلما كنت أقرأ مقالة ممتعة بقلمه الرشيق , وأقول بيني وبين نفسي – ( لقد صقل عدنان موهبته الادبية الفذّة هذه في تلك القراءآت الهائلة ايام شبابه وباللغتين العربية والروسية !!!) , وأتذكر مرّة  اني قرأت تعليقا طريفا جدا لابنته كتبته في صفحتها بالفيسبوك الى ابيها تقول فيه  ما معناه – ( هل رأيت في المنام  أمس بيلينسكي حتى بدأت تكتب بهذا الزخم ؟ ) , وهو تعليق يمتلك دلالة عميقة جدا – في رأي الشخصي – ويرمز الى تلك التقاليد الثقافية الاصيلة, التي زرعها القارئ  والمثقف الكبير عدنان عاكف في نفوس افراد عائلته  .
 مقالات الدكتور عدنان تتميّز قبل كل شئ بالنظرة الساخرة الذكية والطريفة بالرغم من انه يتناول فيها مواضيع علمية كبيرة ومهمة جدا او سياسية حادة تقف امام المجتمع العراقي اليوم , فقد كتب مثلا في التاريخ العلمي العربي ( حسب التعبير الدقيق والحاذق والصائب للاستاذ صائب خليل ) مقالات عميقة ومبتكرة بكل معنى الكلمة , ولكنه استطاع ان يمنحها اطارا مرحا و( خفيف الظل!!) ان صحّت التسمية , وهي موهبة نادرة بين الباحثين , منها على سبيل المثال وليس الحصر مقالة بعنوان  – ( من شرم ( بفتح الشين والراء والميم) الشيخ ) , وهي مقالة مهمة وعلمية ( دسمة !) يمكن ان يكتبها شخص متخصص في العلوم الجيولوجية فقط بمستوى الدكتور عدنان ليس الا , وهناك امثلة عديدة اخرى في مجال التاريخ العلمي العربي , اشير هنا فقط الى عناوينها , اذ لا مجال للتحدّث عنها اكثر من ذلك في اطار مقالتنا هذه , والعناوين هي – ( اللهم ارزقنا بعصر جليدي جديد ) , و - ( الذي رأى على ظهر جبل سمكة ) , و – ( قوموا انظروا كيف تزول الجبال ) , و – ( المسلمون الاوائل وكروية الارض ) وهي مقالة بثلاث حلقات , و – ( الكندي رائد علم المعادن ) , و – ( اناث وذكور في عالم المعادن والاحجار) , وغيرها . ولا نريد ان نتوقف هنا عند مقالات ذات مواضيع اخرى , مثل المقالات السياسية او مقالات رثاء ووداع صادقة وجميلة ومؤثرة لبعض الاصدقاء الراحلين ( مثل مقالته بعنوان – ذكريات من غرفة مهدي محمد علي ) , و كل هذه المقالات تمتلك نفس الاهمية , اذ انها تحمل نفس النظرة العلمية والموضوعية والجمالية التي تميّز بها , ولكننا نود اختتام مقالتنا بالاشارة ( والاشادة  ايضا) بكتاب ترجمه الدكتور عدنان عاكف عن الروسية بعنوان – ( الحياة الروحية في بابل ) للباحث الروسي كلشكوف , ونشرته دار المدى عام 1995 , ويقع في 183 صفحة . ان طبيعة هذا الكتاب تبين – بلا شك – الثقافة الموسوعية للدكتور عدنان اولا , وارتباطه الروحي الاصيل بجذور الحضارة الرافدينية ثانيا , وباختصار , فان الدكتور عدنان عاكف استطاع ان يشيد لنفسه مكانة لائقة بموهبته في صرح تاريخ الثقافة العراقية المعاصرة.
وداعا ايها المتخصص المتميز الكبير في علوم طبقات الارض , يا ابن جامعة موسكو البار ورافع رايتها العلمية الحقيقية. وداعا ايها الكاتب العراقي الاصيل , الذي وظّف موهبته  -  وبكل تواضع العلماء - لانارة طريقنا القومي والوطني شبه المعتم . وداعا ايها السياسي – القديّس , والذي وجدته مرّة يبكي في غرفته بجامعة موسكو نهاية الستينات بسبب الانشقاق في حزبه الشيوعي!!!

484
تولستوي الاول والثاني والثالث في الادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
هذا موضوع طريف وغريب في آن واحد , و يرتبط بالادب الروسي بالذات , فلا توجد هذه الظاهرة مثلا في الادب العربي بتاتا , اذ لا يمكن عندنا تكرار اسم واحد لكاتبين اثنين, وفي الادآب الاخرى يجري عادة الحاق كلمة اخرى بالاسم في حالة تشابهه مع اسم آخر من اجل  تمييّز الاسمين , فيقولون فلان الابن , مثلا الكسندر دوما الاب والكسندر دوما الابن ( في الادب الفرنسي ) , اما في الادب الروسي , فان اللقب يبقى نفسه ويتكرر , والتمييز بينهم – بالنسبة للروس - يرتبط باسم الكاتب واسم ابيه فقط , وهي قاعدة ثابتة باللغة الروسية لا يمكن تغييرها ابدا, ويتقبلها الانسان الروسي – بشكل او بآخر - على انها أمر طبيعي جدا , فيقولون مثلا - فلان فلانوفيتش للمذكر وفلانه فلانوفنا للمؤنث ( اي الاسم واسم الاب معا حسب قواعد المذكر والمؤنث ) , اذ انهم ينادون بعضهم البعض هكذا حتى في مسيرة حياتهم اليومية الاعتيادية , و هي واحدة من مشاكل الاجانب المعقّدة , الذين يتعاملون مع الروس باللغة الروسية في داخل روسيا او خارجها, ويا طالما وقعنا – نحن الاجانب - باحراجات شديدة ومطبّات محرجة جدا بسبب ذلك التخاطب المركب (ان صحّت هذه التسمية لغويا طبعا)  بين الروس.
مقالتنا تتناول لقب (تولستوي) مثلا على هذه الظاهرة في الادب الروسي . تولستوي الذي يعرفه القارئ العربي جيدا هو ليف نيقولايفتش تولستوي (1828 – 1910) , وهو عملاق الادب الروسي والعالمي ايضا ,   ويرتبط  اسمه  حتى بالعديد من الآداب القومية في العالم ومسيرتها , بما فيها طبعا الادب العربي , وهو مؤلف الرواية العظمى  ( الحرب والسلم) وبقية النتاجات المعروفة عالميا , وتقع مؤلفاته الكاملة باللغة الروسية في تسعين مجلدا . هذا ال ( تولستوي) هو الثاني ( وليس الاول) في تاريخ الادب الروسي حسب التسلسل الزمني , ولا نجد ضرورة التوقف عنده هنا , والتحدّث عن خصائص ابداعه ( انظر مقالاتنا العديدة عنه , ومنها – تولستوي والتولستوية / تولستوي فيلسوفا / تولستوي بقلم الاديب الفرنسي اندريه مورا / تولستوي وغاندي / تولستوي وتشيخوف / تولستوي يرفض حقوق التأليف .. وغيرها) , اما تولستوي الثالث حسب هذا التسلسل فهو أليكسي نيقولايفتش تولستوي ( 1883 – 1945 ) , والذي يمكن ان نطلق عليه التسمية العربية الجميلة - ( الكاتب المخضرم ) , اذ انه عاش في الامبراطورية الروسية واصبح كاتبا فيها , وهاجر من روسيا بعد انتصار ثورة اكتوبر 1917 احتجاجا ضد الثورة مثل معظم المثقفين الروس آنذاك, ولكنه سرعان ما اختلف معهم و اصطدم بهم في المهجربسبب العلاقة العضوية المتشابكة ( بين مفهوم الوطن وبين مفهوم النظام السائد فيه ), وهي مسألة ابدية و دائمية امام المهاجرين كافة  , وهكذا عاد تولستوي الى الاتحاد السوفيتي واصبح واحدا من ابرز الادباء فيه , بل انه شغل تقريبا الموقع الاول بين الادباء في الاتحاد السوفيتي بعد وفاة غوركي عام 1936 , وحاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة ستالين ثلاث مرات (اكبر واعلى جائزة ادبية في الاتحاد السوفيتي آنذاك ) . اشتهر تولستوي الثالث بروايات الخيال العلمي والروايات التاريخية وادب الاطفال والحكايات الشعبية والمسرحيات , وترجم الكاتب العراقي الكبير غائب طعمة فرمان اهم رواية تاريخية له ( وهي ثلاثية ) بعنوان - ( درب الالام) , وكانت روايتة الاخرى - ( بطرس الاول) آخر عمل ترجمي كامل تقريبا  لفرمان , ولكن رحيل غائب ادى الى عدم نشر الرواية في حينها , ولم تنشر لحد الان مع الاسف , رغم المحاولات التي قام بها اصدقاء غائب بشأن نشرها ( انظر مقالتنا بعنوان – مع عبد الله حبه في موسكو ) . ان تولستوي الثالث هو اسم كبير في تاريخ الادب الروسي الحديث , ويمكن القول انه معروف بشكل جيد للقارئ العربي , الا ان هذا القارئ لا زال بحاجة الى التعمق في معرفته والتوسع في دراسة جوانب شبه مجهولة في ابداعه مثل مسرحه او موقعه في مسيرة ادب الاطفال ودوره المتميّز فيه, اذ ان تولستوي الثالث هذا شخصية ادبية متعددة المواهب جدا, ولا مجال للتوقف عندها في اطار هذه المقالة, اذ اننا نود ان نتناول هنا ايضا كاتب آخر يحمل نفس هذا اللقب ( تولستوي ) , وهو تولستوي الاول حسب التسلسل الزمني في تاريخ الادب الروسي , والذي يعد شبه مجهول تقريبا للقارئ العربي مع الاسف , اذ اننا لم نجد له اعمالا ابداعية مترجمة الى العربية , وحتى لو وجدت , فانها لا ترسم للقارئ العربي صورة متكاملة له ولاهميته وقيمته في مسيرة الادب الروسي وتاريخه .
تولستوي الاول  هذا اسمه - اليكسي قنستونتينوفيتش تولستوي ( 1817 – 1875 ) , وهو روائي و شاعر وكاتب مسرحي و مترجم , وابتدأ بالنشر باللغة الفرنسية اولا , ثم بالروسية بعدئذ , وظهرت له في بداية اربعينات القرن التاسع عشر رواية قصيرة انتبه اليها  حتى الناقد الادبي الروسي الشهير بيلينسكي , والذي رأى فيها ( ..علامات موهبة رائعة رغم ان كاتبها لا زال في ريعان شبابه ..) , وهكذا بدأت نتاجاته بالظهور تباعا , واصبح واحدا من الكتّاب المسرحيين , الذين تعرض مسرحياتهم على خشبة المسارح في روسيا, وشاعرا معروفا بقصائده الرقيقة , ومترجما قدّم للمكتبة الروسية قصائد غوته وبايرون وبقية أعلام الشعر الاوربي , ولازالت نتاجاته الابداعية تتفاعل مع الحياة الروسية لحد اليوم .. 

485
أدب / بعد الحرب
« في: 18:27 19/04/2018  »
بعد الحرب
=======

قصيدة للشاعر الروسي – الالماني فالديمار فيبير
=============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

بعد الحرب
جميع التلاميذ في صفنا
كانوا يتامى -
 بلا أب,
 عداي انا
اذ كان لي اب,
ولهذا السبب
ضربني الجميع مرّة
ضربا شديدا مبرحا,
ولحد الان
لم انس
طعم الدم في فمي,
ولم انس
من الذي ضربني,
ولم انس
كيف ضربني,
لكني أعرف الان –
انهم
أكثر مني
يتألمون ,
عندما هم
يتذكرون...
==========================================================================================================================================================================================================
ولد فالديمار فيبير عام 1944 في سيبيريا بالاتحاد السوفيتي , وهو من اصول المانية , وانتقل الى موسكو حيث تخرّج في قسم اللغة الالمانية بجامعة اللغات الاجنبية, وأخذ يترجم الشعر الالماني الى الروسية , ثم بدأ بالعمل تدريسّيا لمادة ترجمة الشعر في معهد غوركي للادب , ثم انتقل للعيش في المانيا واستعاد جنسيته هناك , وهو الان يحمل الجنسيتين الروسية والالمانية , ويعيش بين المانيا وروسيا .
أصدر فيبير العديد من المجاميع الشعرية المؤلفة و المترجمة وباللغتين الروسية والالمانية , و ينشر نتاجاته المتنوعة ( شعرا ونثرا ) في المجلات الروسية الادبية الشهيرة , وقد تم  ترجمة بعض نتاجاته الى الفرنسية والانكليزية والبلغارية وغيرها من اللغات .
القصيدة هنا, وهي منشورة عام 2017 , بلا عنوان في الاصل , والعنوان من وضعنا , وهو مستمد من الشطر الاول للقصيدة كما هو واضح, والحرب التي يقصدها الشاعر في قصيدته هنا هي  الحرب العالمية الثانية , والتي يسميها الروس – الحرب الوطنية العظمى .

486
أدب / هايتي
« في: 13:38 14/04/2018  »
هايتي
=======

قصيدة للشاعر الفنزويلي  بيردو  لايا
=====================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

انهمر يا مطر الوطن
 أقوى وأقوى
على قلبي الملتهب,
صب سيول الماء المنعش
على نار الذكريات
التي لا تنطفئ,
.........
هايتي..
مئات السنوات
وانا اكتب اسمك على الرمال,
والبحر كل يوم يمسحه,
والحزن كل يوم يمسحه,
وفي الصباح اكتبه من جديد
...................
...................
....................
هايتي ..
كلانا ننظر الى بعض
عبر زجاج البحر اللانهائي ,
وتبكي في عيوني رغبة واحدة –
لينهمر مطرك
على عطشي
الذي لا يرتوي ,
وعلى حزني
الذي لا ينطفي ..

487
الابداع
=====
قصيدة للشاعر الارجنتيني ايزيكييل مارتينيس ايسترادا (1895-1964)
=========================================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=======================
مثل النملة ,
محاولاتها
بلا هدف ولا جدوى -
كذلك أنا ,
وجهدي
ومحاولاتي ..
نعم -
هكذا
 أنا ,
ومن بعدي
لن يبقى -
لا شجر,
ولا كتب,
ولا ابن,
ولا مأوى..

488

الادب الروسي في الوعي الاجتماعي العراقي

أ.د. ضياء نافع

هذه ظاهرة عالمية بلا شك , اذ يرتبط  الادب الاجنبي بالوعي الاجتماعي في كل مجتمع من المجتمعات التي تتعرف عليه , و تحدث هذه العملية في كل مجتمع حسب ظروفه, و كم حاولنا – ونحن نعيش او نتعايش مع المجتمع الروسي  بشكل او بآخر منذ ستينات القرن العشرين ولحد الان – ان نوضح للروس من حولنا , ان ( السندباد البحري) لم يرجع الى البصرة بعد رحلاته الشهيرة ولا يعيش فيها في الوقت الحاضر , وان  ( السجّادة الطائرة او بساط الريح كما نسميها ) لا تهبط في مطار بغداد الدولي , وان ( الجواري ) لا يرقصن الان امام الخلفاء  , وان (حرامي بغداد ) يرتبط فقط بالافلام الامريكية التي عرضته آنذاك ( ولا زالت ترعاه وتعرضه لحد الان مع الاسف !!!)... ولكن محاولاتنا كانت تذهب سدى  دائما امام الانسان الروسي البسيط , الذي ترسخت في وعيه تلك الصور الفنية المدهشة الجمال لحكايات الف ليلة وليلة , والتي لا يمكن باي حال من الاحوال تغييرها في الوقت الحاضر , او حتى زحزحتها . وهذا هو الحال نفسه في الوعي الاجتماعي العراقي , اذ يرتبط الادب الروسي عند الانسان العراقي بثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917 في روسيا والاتحاد السوفيتي
 قبل كل شئ طبعا , اي ان هذا الادب يرتبط ايديولوجيا بالافكار اليسارية الاشتراكية والشيوعية بكافة اشكالها وصورها رغم كل الاحداث التاريخية الكبرى التي حدثت منذ 1917 ولحد الان في روسيا والاتحاد السوفيتي والعالم ,  هذه الاحداث التي أدّت الى تحولات اجتماعية هائلة في العالم قاطبة , بما فيها طبعا تقسيم الاتحاد السوفيتي نفسه الى خمس عشرة دولة مستقلة . صحيح ان المقارنة بين الوعي الاجتماعي الروسي (الذي لا زال يرتبط بحكايات الف ليلة وليلة ) , وبين الوعي الاجتماعي العراقي تكون في صالح العراق من حيث الفترة الزمنية, اذ ان العراقي قد انتقل  - مع ذلك - الى القرن العشرين , رغم ان هذه المقارنة من جانب آخر تعني , ان عظمة حكايات الف ليلة وليلة في تلك السنين  الخوالي البعيدة جدا تعني , ان الادب الروسي منذ القرن التاسع عشر صعودا الى عصرنا يمتلك نفس تلك العظمة ايضا , ولكن تلك المقارنة تبتعد بنا عن هدف هذه المقالة قليلا , ولهذا فاننا نعود الى ذلك الهدف , اي تحديد سمات الادب الروسي في الوعي الاجتماعي العراقي.
ابتدأ الوعي الاجتماعي العراقي تجاه روسيا بالتبلور تدريجيا  في اوائل القرن العشرين , عندما كانت الامبراطورية العثمانية الحاكمة في بغداد ( رجلا مريضا) , وهناك بالذات – وبتأثير من هذه الامبراطورية المتهاوية ومسيرتها التاريخية  - ولد تعبير ( المسقوفي ) عند العراقيين نسبة الى تسمية عاصمة روسيا ( مسقفا ) بالروسية (وهي تسمية دقيقة وصحيحة مقارنة بالتسمية الانكليزية ل( موسكو), وا لتي سادت بدخول الانكليز واحتلالهم لبلادنا ) , اي الموسكوفي باعتباره رمزا للقسوة والعنف  ( انظر مقالتنا بعنوان – روسيا في الوعي الاجتماعي العراقي ), اما الادب الروسي نفسه فقد بدأ بالتبلور في وعينا بعد وصول صدى الاحداث الهائلة في روسيا ,  واهمها طبعا ثورة اكتوبر 1917 الاشتراكية , ومحاولة اتصال بعض رجالات العراق بقادة تلك الاحداث بعد ثورة العشرين وكانوا لاجئين في ايران آنذاك, وهي وقائع معروفة ولا مجال للتوقف عندها هنا , وهكذا ظهرت بعض الاشارات الى الادب الروسي في عشرينات القرن العشرين , واهمها طبعا ما كتبه  محمود احمد السيد (1903 – 1937) وهو من اوائل الماركسيين العراقيين, والذي قدّم للقارئ العراقي (ترجمة عن اللغة التركية ) خلاصات لبعض نتاجات الادباء الروس مثل تورغينيف وتولستوي انطلاقا من مواقفه الايديولوجية  تلك, وقد طرح محمود احمد السيد حتى اسم لينين ضمن ادباء روسيا , وربما يمكن اعتبار ذلك ليس خطأ من قبل السيد وانما نتيجة حماسته لاسم لينين  ليس الا , اذ لا يمكن له عدم معرفة قائد الثورة البلشفية آنذاك ( وهذا موضوع قائم بحد ذاته وبعيد عن موضوعنا طبعا) . جاءت ثلاثينات القرن العشرين واصبحت الدولة العراقية الفتية اكثر نضجا , وابتدأ الوعي الاجتماعي بالتبلور والتمحور حول احزاب عراقية تمتلك برامج واضحة ضد الارتباط مع انكلترا بشكل او بآخر, ومنها طبعا الحزب الشيوعي العراقي , وازدادت معرفة الادب الروسي في تلك الفترة , والتي تميّزت بتنوع النشاطات الثقافية و الفنية والعمرانية , واصبح الادب الروسي راسخا في الوعي الاجتماعي العراقي باعتباره رمزا لنضال الشعب الروسي من اجل تثبيت ثورة اكتوبر وتحقيق اهدافها الاشتراكية, وازداد هذا الاحساس اثناء الحرب العالمية الثانية وبعدها , عندما اصبح العراق سوقا للكتب المصرية والسورية واللبنانية , وعندما ابتدأ المثقف العراقي نفسه بالمساهمة في ذلك الاتجاه بشكل واسع وفعّال, وقد انتبهت الدولة العراقية آنذاك الى هذه الظاهرة الخطرة بالنسبة لها, وبدأت بمنع الادب الروسي وقمع القوى اليسارية , وهذا أدّى الى نتائج عكسية ( فالممنوع مرغوب ) , و قد أدّى هذا القمع الى توسيع تلك القوى وازدياد تأثيرها , وهكذا الى ان جاءت 14 تموز 1958 واحدثت انعطافا جوهريا في مسيرة الاحداث لصالح القوى اليسارية , وعلى الرغم مما جرى بالعراق في النصف الثاني من القرن العشرين , ظل الادب الروسي راسخا في الوعي الاجتماعي العراقي باعتباره ادب نضال مرتبط بثورة اكتوبر الروسية الاشتراكية ومسيرة الاتحاد السوفيتي بشكل عام , بغض النظر عن كل الوقائع والاحداث , وقد أدّت هذه النظرة الضيّقة و غير الموضوعية طبعا  للادب الروسي الى تحويل حتى بوشكين وليرمنتوف وغوغول وتورغينيف وغيرهم  من اعلام الادب الروسي في العراق الى ادباء مناضلين يدعون في كل نتاجاتهم واعمالهم الابداعية الى بناء الاشتراكية وانتصار الافكار الشيوعية  على وفق مبادئ ثورة اكتوبر 1917 البلشفية الروسية, اي تم تحويلهم الى ماركسيين – لينينيين , رغم انهم ولدوا و ابدعوا و رحلوا قبل ان يلد ماركس ولينين... 

489
ماياكوفسكي و قصيدته بعنوان – ( قصائد عن تباين الاذواق)
أ.د. ضياء نافع
نقّدم للقارئ اولا نص قصيدة ماياكوفسكي هذه  بترجمتي عن الروسية , ليطلع عليها, ثم ننتقل بعدئذ الى تاريخها والتأملات حولها والافكار بشأنها , وذلك كي يكون القارئ على بيّنة  بشأن الآراء التي سترد في هذه المقالة , والتي تعتمد على الفكرة الاساسية الكامنة في تلك القصيدة.
قصائد عن تباين الاذواق
=============
ماياكوفسكي
=======
قال الحصان
وهو ينظر الى البعير –
يا له من حصان عملاق هجين!
أما البعير
فقد صرخ قائلا-
أأنت حصان؟
أنت لست سوى بعير,
بعير
ناقص التكوين.
+++
ربّ السماء   
ذو اللحية البيضاء
وحده
 كان يعرف ,
انهما -
حيوانان
من جنسين
مختلفين.
=======
كتب ماياكوفسكي قصيدته القصيرة هذه عام 1928 عندما كان في زيارة لباريس , (اي قبل سنتين فقط من انتحاره , الذي حدث في عام 1930 ), ونشرها عام 1929 في مجلة  , ثم نشرها مرة اخرى في ديوانه الموسوم - (ذهابا وايابا ) الصادر في موسكو عام 1929 ايضا , وكانت هذه القصيدة في بداية الديوان , وكتب فوقها – ( بدلا من المقدمة ), اي انه اعتبرها مقدمة لديوانه هذا , وكل هذه الشواهد تبين الاهمية التي كان ماياكوفسكي يوليها لهذه القصيدة الصغيرة , والتي تبدو للوهلة الاولى وكأنها – كما كتب احد القراء الروس في تعليقه مرة حول هذه القصيدة قائلا  – (انها تبدو وكأنها قصيدة مرحة للاطفال ليس الا). ان اعتبار ماياكوفسكي لهذه القصيدة (بدلا من المقدمة ) يعني , فيما يعنيه , ان الفكرة الكامنة في تلك القصيدة تعبّر عن فكرة ذلك الديوان باكمله , والفكرة  هذه واضحة هناك وبشكل ساطع , وهي ان ( التباين) حقيقة ثابتة في الحياة, الا ان المشكلة هي عدم الاعتراف بذلك التباين من قبل (المتباينين !) , اي عدم الاعتراف بالرأي الاخر في المجتمع بغض النظر عن الواقع , فكل  جهة ترى نفسها فقط  لا غير وتخضع ( بضم التاء ) الاخرين لنظرتها تلك ليس الا , ف ( الحصان ) يرى ان ( البعير) هو ( حصان عملاق هجين ) , بينما يرى ( البعير) ان الحصان ( بعير ناقص التكوين ) . ان السخرية التي طرحها ماياكوفسكي من النظرة الاحادية للظواهر واضحة تماما , وهي فكرة لم يتناولها الشاعر في قصائده السابقة بتاتا , تلك القصائد التي كان يمجّد فيها فلسفة البناء الاجتماعي الجديد في بلده بالاساس ويتحّدث فقط عن نجاحاته وانجازاته الكبيرة , وكان ماياكوفسكي طبعا  يحاول ان يؤسس شعرا جديدا بموسيقية خاصة به , وهي محاولة عملاقة وجريئة قلّ نظيرها في تاريخ الشعر الروسي والعالمي بشكل عام , و رغم انه لم يستطع تحقيقها واقعيا , ولكنه حاول القيام بذلك وبكل شجاعة , وبالتالي , فانه يمتلك شرف المحاولة , و هذا بحد ذاته ليس بالشئ القليل في هذا المجال الفكري الخطير , والذي يلعب دورا هائلا في مسيرة المجتمعات الانسانية.
ختاما لمقالتنا هذه , اود ان اشير , الى اني سبق لي ان ترجمت هذه القصيدة ونشرتها في حينه , الا اني توقفت طويلا عند العنوان الذي وضعه ماياكوفسكي نفسه لقصيدته تلك , اذ ظننت ان كلمة ( قصائد) الموجودة في العنوان ربما ستربك القارئ , ولهذا , وضعت عنوانا آخر لها, هو ( اجناس مختلفة من الحيوانات ) , ولكني عدت الان الى العنوان الاصلي , والذي يكمل واقعيا الفكرة الكامنة في القصيدة , اذ انها فعلا (قصائد ) , ولكن الشاعر أضاف - ( عن تباين الاذواق ) ومن الواضح انه كان يقصد ( عن تباين وجهات النظر). 

490
قصائد هايكو يابانية من القرن الثامن عشر
=========================

ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================


أضاء البرق
وجه بوذا
في ظلمة الحقول البعيدة.
+++++++
+++++++
غرقت اوراق الشجر,
هناك في القعر,
وغطّت الحجر.
+++++++
+++++++
ذبابة شتوية
تدور وتطن حولي هكذا
ونحن في البيت وحدنا..
+++++++
+++++++
البقرة التي بعتها,
عبر الضباب يمضون بها,
من قريتنا.
+++++++
+++++++
عاقبت الطفل ,
لكني ربطته بالشجرة هناك
حيث يهبّ الهواء العليل.
+++++++
+++++++
من اجل ان نستقبل البلبل
كما يجب,
نمسح غبار السياج.
+++++++
+++++++
مطر الزوابع
أعاد الحياة للحصان
الذي سقط وكاد ان يموت.
+++++++
+++++++
الفراشات تتطاير هنا وهناك.
انهم يبحثون
عن الربيع الذي مضى.
+++++++
+++++++
الثلج المتساقط منذ المساء
تحوّل في الصباح الى ماء.
الربيع هو المذنب.
+++++++
+++++++
قمر ساطع
طوال الليل عند البركة,
وأنا أتسكّع متأمّلا.
+++++++
+++++++

491
تشيخوف  بين الطب والادب
أ.د. ضياء نافع
كيف اختار تشيخوف ( 1860 – 1904 ) الدراسة في كلية الطب بعد انهاء المدرسة ؟ وهل خطط في شبابه كي يصبح طبيبا ؟ ولماذا لم يمارس هذه المهنة الانسانية لاحقا بعد ان تخرّج واصبح طبيبا ؟ وهل انعكست مهنته هذه على مسيرة نشاطه الابداعي في مجال الادب ؟ هذه الاسئلة كانت ولا زالت تدور في الاوساط الادبية الروسية والعالمية حول تشيخوف , الذي يعد الان واحدا من الادباء الروس الكبار , و من ادباء العالم البارزين ايضا .
كتب تشيخوف سيرة حياته بشكل وجيز , وأشار هناك , الى انه ( لا يتذكر!) لماذا اختار دراسة الطب عندما أنهى المدرسة, ولكنه أضاف – ( انه لم يندم على ذلك ) . وقد تناول الباحثون في ادب تشيخوف
هذه الاشارات الوجيزة بالدراسة و التحليل , وتحدثوا عن اسباب اختياره لمهنة الطب , وربطوها بوضعه الصعب في مدينة تاغنروغ , اذ بقي فيها تشيخوف وحيدا كي ينهي المدرسة , بعد ان سافرت العائلة الى موسكو بسبب افلاس والده , وقد عانى تشيخوف كثيرا في تلك الفترة طبعا من جراء ذلك , وربما  كان هذا الوضع هو الذي دفعه الى اختيار مهنة الطب والالتحاق في كلية الطب بمرحلة الصبا تلك , اذ ان مهنة الطبيب تضمن العيش الكريم اقتصاديا , اضافة الى احترام الآخرين لهذه المهنة المهمة والضرورية لحياة الناس, ولكن تشيخوف – على ما يبدو - لم يرغب بكتابة هذه التفاصيل الصغيرة والشخصية جدا في سيرة حياته الوجيزة تلك , ولهذا اختصر كل ذلك بجملة ( لا يتذكر) , اذ كيف يمكن للانسان ان ( لا يتذكر ) تلك الفترة التي يقرر فيها اختيار مهنة المستقبل ؟ , ولكن الجملة الثانية هي المهمة  والحاسمة في هذه السيرة الذاتية الوجيزة , اي – ( انه لم يندم على ذلك ) . لقد كان تشيخوف يفخر بمهنته تلك , وكتب بعد تخرجه لوحة علّقها على باب سكنه , وهي – الدكتور أ.ب. تشيخوف , وبدأ يمارس مهنته طبيبا , وأجاب على رسالة سوفورين , الذي نصحه ان يترك مهنة الطب ويتفرغ للادب قائلا – ( انت  تنصحني الا اركض وراء ارنبين , والا افكر باشتغالي في الطب , ولا أعرف لماذا يجب عليّ الا اركض وراء ارنبين بالمعنى الحرفي للكلمة , اذا كان الركض ممكنا ....؟ فانا راض عن نفسي عندما اعي , باني امتلك عملين وليس عملا واحدا. مهنة الطب زوجتي .., اما الادآب فعشيقتي , وعندما تضجر من واحدة , تذهب للمبيت عند الاخرى .....) , وعلى الرغم من ان رسالة تشيخوف ذات طابع مرح وساخر جدا وتحمل روح الشباب , الا انها من جانب آخر تعبّر فعلا عن موقفه آنذاك . لقد بدأ تشيخوف بنشر قصصه القصيرة عندما كان طالبا في الكلية الطبية , ونجح فعلا - و بشكل باهر - في المجالين الطبي والادبي معا, ولم يفكر بالتفرغ في مجال واحد , اذ كان في قمة شبابه آنذاك , وكان على قناعة تامة انه يستطيع ان يؤدي  في آن واحد ( عملين وليس عملا واحدا ) كما كتب في رسالته تلك , ولكن استمرار النجاحات الكبيرة في المجال الادبي أخذ يطغي على عمله في الطب تدريجيا  , وقد حاول توحيد المهنتين , عندما قرر السفر الى جزيرة سخالين والتعرف على الحالة الصحية والاجتماعية للسجناء وسكان تلك الجزيرة النائية , وأصدر بعد السفرة كتابه الشهير بعنوان – ( جزيرة سخالين ) , والذي تميّز عن كل كتبه السابقة واللاحقة –, والذي تضّمن احصائيات علمية فريدة مستندة على الاف الاستمارات  عن الوضع الصحي والاجتماعي للسكان هناك وضعها تشيخوف نفسه , وكتب عن هذه السفرة يقول – ( ان العلوم الطبية لا يمكن ان تؤنبني باني خنتها ) , واعتبر تشيخوف كتابه هذا بمثابة اطروحة دكتوراه في الطب , وان هذه الاطروحة تؤهله حتى للعمل تدريسيا في الكلية الطبية ,  الا ان المجلس العلمي للكلية رفض طلبه هذا , ويقول أحد الباحثين الروس , ان رفض المجلس العلمي لكلية الطب قد خدم الادب الروسي خدمة عظيمة , لانها أجبرت تشيخوف  على تكريس كل جهده للعمل الابداعي والى الابد ,  وهوعلى حق فعلا . لقد ابتدأ تشيخوف في بداية تسعينات القرن التاسع عشر الاقتراب من فكرة التفرغ للعمل الادبي وترك مهنة الطب , لانه اصبح في عداد الادباء الروس الكبار , وابتدأت نتاجاته توفر له ضرورات الحياة الطبيعية , ونجد في احدى رسائله عام 1892 الجملة الاتية – ( ...ان مهنة الطب تعرقل مهنة الكتابة ..) , وقد كتب تشيخوف هذه الجملة عندما انتشرت الكوليرا في روسيا , وكان مضطرا ان يعمل ويسافر الى مناطق مختلفة , وترك تشيخوف اخيرا مهنة الطب عندما سافر للعيش في يالطا بسبب مرضه  , ولكنه استمر بمتابعة كل ما هو جديد فيها.
كتب تشيخوف مرّة يقول – (.. ان العلوم الطبية كانت تمتلك تاثيرا جديا على نشاطي الادبي , انها وسّعت مجال ملاحظاتي ..ومنحتني القيمة الحقيقية التي يمكن ان يفهمها الطبيب فقط , وبفضل ذلك نجحت في عدم الوقوع بالاخطاء.. ). وقال احد الاكاديميين مؤكدا ما ذكره تشيخوف في جملته تلك –  (تشيخوف يصوّر مرض وموت ابطاله بدقة علمية ) .
الطبيب تشيخوف فقط كان يمكن ان يكتب قصصا دقيقة ورائعة مثل - (ردهة رقم 6) و (رجل في علبة) و (الراهب الاسود) وغيرها من النتاجات الابداعية التي لا زالت حيوية لحد الان.

492
أدب / عراة في الربيع
« في: 20:36 26/03/2018  »
عراة في الربيع
===========

قصيدة للشاعر الروسي المعاصر ميخائيل بوجكاريف
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
=====================

لماذا
 تتوهج الجبال ؟
لماذا
 ينبعث من الانهار
دخان؟
-لانهم
 في الربيع عراة,
وكأنهم -
انسان.
==================
=====================
ميخائيل بوجكاريف – سكرتير الجالية  الناطقة بالروسية في جمهورية الجبل الاسود , وهي جالية كبيرة تضم عدة الاف من مواطني روسيا الاتحادية , الذين يسكنون ويعملون في دولة الجبل الاسود . بوجكاريف – شاعر وموسيقي وصحافي و شخصية بارزة في مجال العلاقات بين روسيا وصربيا والجبل الاسود , اضافة الى انه متخصص ( يحمل شهادة الدكتوراه) في  العلوم البيطرية . القصيدة المنشورة هنا من ديوانه الموسوم – ( الى الجبل الاسود مع الحب ) , الصادر بالروسية في جمهورية الجبل الاسود عام 2017 .

493
أدب / البيت الذي احترق
« في: 19:42 23/03/2018  »
البيت الذي احترق
===========

قصيدة للشاعر الكازخستاني المعاصر بختيار اسلاموف
==============================
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع
========================

هناك -
حيث احترق بيتي,
سيبني شخص ما بيتا,
وسوف يستقبل السنة الجديدة
مع الاطفال
 هناك.
+++
هناك -
حيث احترق بيتك,
سيبني شخص ما بيتا,
وسوف يصغي للموسيقى,
ويقرأ الاشعار
هناك.
+++
هناك -
حيث احترق بيتنا,
نحن لن نبني بيتا,
كي تنبت هناك
 الازهار..
=======================================================================================================================
===============================================================================
القصيدة منشورة في مجلة ( نوفايا  يونّست) الروسية / العدد 3 لعام 2017 / ولا توجد معلومات هناك حول الشاعر , الا ان اسم الشاعر( وهو من مدينة ألمآتا – عاصمة كازخستان السابقة ) تدل على انه شاعر كازخستاني شاب يكتب بالروسية , اذ ان مجلة ( نوفايا  يونّست) تعنى بادب الشباب. / القصيدة في الاصل بلا عنوان , والعنوان هنا من وضعنا .

494
تماثيل تولستوي في موسكو     
أ.د. ضياء نافع
توفي ليف تولستوي عام 1910 عن عمر ناهز 82 سنة , وعمل النحّات الروسي ميركورف  رأسا قناعا لوجهه كما يفعلون عادة عند وفاة الناس المشهورين , اذ كانت فكرة اقامة تمثال لتولستوي موجودة لدى هذا النحّات آنذاك , وفعلا بدأ ميركوروف بعمل التمثال المطلوب وانتهى منه بعد سنتين من العمل , واعلن أحد الاغنياء الموسكويين استعداده لاقامة ذلك التمثال على نفقته الخاصة في احدى ساحات موسكو , ولكن منظمة ( اتحاد الشعب الروسي ) , والتي كانوا يسمونها ب ( جورنوسوتيني ) اي ( ذوي الرداء الاسود ) اعلنت انها ستنسف هذا التمثال رأسا حال الانتهاء من تشييده , وذلك لان تولستوي كان ( ضد الكنيسة الارثذوكسية الروسية وابتعد عنها وخرق تعاليمها !) , وهو موقف اتخذته الكنيسة الروسية آنذاك – كما هو معروف -  من تولستوي نتيحة اجتهاداته الفلسفية ( انظر مقالتنا بعنوان تولستوي فيلسوفا ). وهكذا اتخذت السلطات المحلية لمدينة موسكو ( الدوما ) قرارا بالتحفظ على اقامة هذا التمثال نتيجة لذلك وتأجيله , خصوصا وان الوضع السياسي في روسيا كان قبيل الحرب العالمية الاولى متوترا بما فيه الكفاية , لكن بعد الحرب العالمية وثورة اكتوبر 1917 واعلان الدولة السوفيتية وبداية استقرار الوضع العام فيها ,عادت روسيا الى فكرة تنفيذ هذا التمثال نفسه , وهكذا تم افتتاحه فعلا عام ( 1928 ) في موسكو ( قرب البيت الذي عاش فيه تولستوي من 1882 الى 1901 ) , وهو اول تمثال يقام لتولستوي في روسيا  بعد 18 سنة من تاريخ وفاته . يجسّد هذا التمثال تولستوي واقفا وهو يرتدي زي الفلاحين الروس ويضع كلتا يديه في حزامه , وهي وضعية موجودة في عدة صور مشهورة لتولستوي , بما فيها صورة فوتوغرافية معروفة له مع مكسيم غوركي ( هذه اللقطة معروفة حتى للقراء العرب لانها منشورة في الكثير من المصادر العربية حول الادب الروسي ) . بقي هذا التمثال الوحيد لتولستوي في موسكو الى عام 1956 , اذ قرر ادباء اوكرانيا ان يقدموا لادباء موسكو هدية بمناسبة ذكرى  مرور 300 سنة على وحدة اوكرانيا وروسيا , والهدية هذه هي تمثال لتولستوي امام بيت آل روستوف ابطال رواية الحرب والسلم , والذي وصفه تولستوي تفصيلا في روايته تلك . وهكذا ظهر في موسكو تمثال ضخم لتولستوي وهو جالس على كرسي وفي حالة تأمل عميق , ولا زال هذا التمثال قائما في موسكو , وهو التمثال الثاني له . في عام 1972 , وكانت روسيا تحتفل بالذكرى 144 سنة على ميلاد تولستوي تم تدشين تمثال كبيرللكاتب في نفس مكان التمثال الاول بموسكو, اي قرب البيت الذي عاش به كما ذكرنا اعلاه , اما التمثال الاول له , فقد تم نقله الى باحة متحف تولستوي بموسكو . التمثال الثالث هذا يجسّد تولستوي وهو جالس على كرسي , والتمثال مصنوع من الكرانيت الرمادي الغامق , ويعد واحدا من ابدع النصب الموجودة في موسكو . وهكذا اصبح لتولستوي ثلاثة تماثيل كبيرة في موسكو , اضافة طبعا الى الكثير من التماثيل النصفية له في مؤسسات ثقافية مختلفة, مثل ( دوم ليتيراتورف ) ( بيت الادباء ) , وعدة جامعات ومكتبات عامة , وكل ذلك في موسكو فقط , اما في عموم روسيا , فحدّث ولا حرج , كما يقول تعبيرنا الطريف!
هكذا تكرّم الامم عباقرتها و مفكريها , و هكذا تحافظ على ذكراهم في مسيرتها اليوم وغدا والى الابد...

495
أدب / هكذا هي الطيور
« في: 00:12 20/03/2018  »
هكذا هي الطيور
قصيدة للشاعرة الالمانية المعاصرة  اوللا  هآن
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


تهدي اليّ
 الازهار,
لكن شجيرات الازهار
تبقيها لديك.
تهدي اليّ
 التفاح
الذي يتساقط
في حديقتك .
لكنك
لا تهدي اليّ -
لا الاشجار,
ولا البيت,
ولا الاطفال..
كلماتك رقيقة
مثل شدو طير بعيد.
+++
أقول لك أنا –
كن معي لفترة أطول,
وبعدئذ اختفي.
وهكذا هي الطيور-
تلتقط الثمار الناضجة
وتحملها الى افق بعيد.
 ولدت الشاعرة الالمانية اوللا هآن عام 1946 // شاعرة و روائية // عنوان القصيدة المنشورة هنا بالاصل هو – بداية اكتوبر . 

496
لوحة تذكارية لغوغول في باريس
أ.د. ضياء نافع

توجهت اللجنة الادبية الفرنسية – الروسية الى وزارة الثقافة الروسية بطلب لتمويل مقترحها بشأن نصب لوحة على جدار العمارة التي سكن فيها الكاتب الروسي غوغول اثناء توقفه في باريس عام 1836 , وقد وافقت الوزارة الروسية على هذا الطلب الحضاري الطريف , وهكذا تعاونت الوزارة مع السلطات البلدية للعاصمة الفرنسية وبتنسيق بين الجانبين من قبل اللجنة الادبية الفرنسية – الروسية على تنفيذ هذا المقترح الجميل , اذ انطلقت وزارة الثقافة الروسية من فكرة الحفاظ على كل شئ يخص كبار الادباء الروس والمعالم المرتبطة بهم في العالم , وانطلقت السلطات البلدية الفرنسية من فكرة التأكيد على ان باريس كانت ولا زالت مركزا عالميا يحتضن كل الظواهر الحضارية في العالم, وان هذه المدينة تؤدي دورها في الحفاظ على كل معالم الثقافة العالمية .
تم افتتاح هذه اللوحة التذكارية عام 2013 , وقد حضر حفل الافتتاح مندوب بلدية باريس والسفير الروسي ورئيسة اللجنة الادبية الفرنسية – الروسية وجمع من المثقفين الفرنسيين والروس ومجموعة من محبي الادب الروسي والمتابعين له , وازيحت الستارة عن تلك اللوحة التذكارية , والتي كتب عليها بالفرنسية , ان الكاتب الروسي نيقولا غوغول قد عاش في احدى شقق هذه البناية من شهرتشرين الثاني / نوفمبر  من عام 1836 الى شهر شباط / فبراير  من عام 1837 , واعقب هذا الافتتاح القاء كلمات تناولت هذا الحدث الثقافي والتاريخي الجميل. أشار مندوب بلدية باريس في كلمته  الى ان هذه الاشهر القليلة التي عاش فيها غوغول هنا ( تكفي لنا نحن الفرنسيين ان نحتفل – وبفخر - بذلك , ونحن سعداء بتحويل هذا المكان الباريسي الى معلم من المعالم الذي يرتبط بتاريخ الادب  الروسي ومسيرته , وبغوغول بالذات ..) , اما السفير الروسي , فقد أشار في كلمته الى ان غوغول قد اصبح كاتبا عالميا , وان كل نتاجاته مترجمة الى اللغة الفرنسية , ويعرفه الجميع هنا , ولهذا فان هذه اللوحة التذكارية هي تأكيد على هذه الواقع , وهي في نفس الوقت شرف لباريس واحترام كبير للادب الروسي معا , وتناولت رئيسة اللجنة الادبية الفرنسية – الروسية في كلمتها شهرة غوغول في فرنسا , وقالت , ان الفرنسيين يستشهدون الان باقواله , وانه مع بوشكين وتولستوي ودستويفسكي يشغل مكانة متميزة في مجمل المكتبة الفرنسية بشكل عام وحتى في الكتب المنهجية الفرنسية , والان سيبدأ الفرنسيون بزيارة هذا المكان الباريسي المرتبط بغوغول شخصيا وبابداعه.
اهتمت الاوساط الادبية الروسية طبعا بهذا الحدث , وتم نشر الخبر في مختلف وسائل الاعلام , وأشار بعض الباحثين الروس الى ان غوغول قد ابتدأ في باريس بالذات بكتابة روايته الشهيرة ( الارواح الميتة ) , وانه وضع هناك سطورها الاولى , وكتب آخرون , ان هذه الخطوة تعني – فيما تعنيه – ان غوغول لازال حيّا في القرن الحادي والعشرين ,  وهي ملاحظة صحيحة وجديرة بالاهتمام فعلا , اذ ليس كل الادباء الكبار يتميزون بهذه الصفة الفريدة .

497
أدب / الناس الذين احبهم
« في: 15:52 17/03/2018  »
الناس الذين احبهم
قصيدة للشاعر جونك هو- سينغ / كوريا (مواليد 1950)
ترجمها عن الروسية – أ.د. ضياء نافع


لا احب الناس الذين
 بلا ظل.
لا احب الناس الذين
 لا يحبون الظل,
واحب الناس الذين
 هم انفسهم اصبحوا ظلا
للاشجار.
ضياء الشمس
 ساطع
 بفضل الظل..
فعندما تقف في الظل,
ترى لمعان شعاع الشمس
 في  حركة اوراق
 الاشجار.
+++
لا احب الناس الذين
 لا يذرفون الدموع ,
لا احب الناس الذين
لا يحبون الدموع ,
والسعادة ليست سعادة
عندما تكون بلا دموع .
هل يوجد حب
 في اي مكان
 بلا دموع؟
أليس تجسّيد الجمال
عند الانسان –
هوعندما يكفكف الانسان
دموع انسان؟

498
الاديب الالماني هاينريش بول يكتب عن تشيخوف
أ.د. ضياء نافع
هاينريش بول ( 1917 – 1985 ) روائي وقاص الماني معروف , وقد حاز على العديد من الجوائز الادبية , منها جائزة نوبل للآداب عام 1972 . كتب هاينريش بول عن تشيخوف في رسالة الى الصحافي الالماني اوربان في فرانكفورت بتاريخ 28 / 12 / 1983 ,وذلك بمناسبة مرور 125 سنة على ميلاد تشيخوف , الا ان هذه الرسالة لم تنشر اثناء حياة الاديب الالماني , وقد تم نشرها قبل فترة قصيرة ليس الا , واعادت نشرها مجلة ( الادب الاجنبي ) الروسية في عددها المرقم (12) لعام 2017 . نقدم للقارئ العربي خلاصة لهذه الرسالة , لاننا نرى فيها ملاحظات فنية دقيقة وطريفة وموضوعية لكاتب الماني كبير و معاصر حول تشيخوف , ونعتقد ان هذه الآراء تستحق فعلا الاطلاع عليها لاغناء معرفتنا بابداع تشيخوف.
يبتدأ  الاديب الالماني رسالته بالاشارة الى انه لم يكن يمتلك نقودا لشراء الكتب في شبابه , ولكنه استطاع الحصول عندما كان عمره 17 – 18 سنة على عدة اجزاء من قصص تشيخوف , وقد طالعها باهتمام كبير, ولكنها بقيت غير مفهومة بالنسبة له , و بعد القراءة , تبلور لديه رأي  محدد عن تشيخوف  يتلخص في انه – ( كاتب جاف وبارد وروتيني ) , ولم يتقبّل النهايات ( المفتوحة !) لقصصه , وهي ملاحظات طريفة واستنتاجات تتكرر عند الكثير من قراء  تشيخوف في بداية اطلاعهم على قصصه , ولكن هاينريش بول يشير , الى ان هذه النهايات بالذات هي التي أثارته في القراءآت اللاحقة لتشيخوف , وانه وجد فيها ( قوة السرد التشيخوفي ) , والتي أدّت به الى مقارنة تشيخوف بشوبان في الموسيقى , اذ ان البعض ايضا كان يعتبر شوبان ( موسيقارا غير جدّي !) عند الاستماع اليه للوهلة الاولى . يتحدث بول في رسالته تلك عن انطباعاته حول تشيخوف في السنوات اللاحقة , ويقول , ان نتاجاته هي الاقرب الى روسيا الحقيقية من نتاجات هؤلاء الذين يكتبون عن المشاكل الكبيرة والابطال والافكار , النتاجات التي يصفها بول بشكل ساخر وكما يأتي – ( المحشوة بالايدولوجيا التقليدية والجمود العقائدي ...), وانطلاقا من مفهومه هذا يحدد ان تشيخوف ( كاتب واقعي كبير) , ويقول انه هكذا ( يتصور الواقعية , ولا ضرورة للنقاش اسابيع حولها ) , ويشير انه حتى غوركي هو اقرب الى المدرسة الطبيعية مما للواقعية . ينتقل الكاتب الالماني بعد ذلك الى مسرح تشيخوف , ويقول , انه يحب قراءة مسرحياته , ويفضّل القراءة على المشاهدة على خشبة المسرح , ويوضح هذا الرأي الطريف والمتميّز فعلا قائلا , اته اثناء القراءة يتمكن من استيعاب افكار تشيخوف الدقيقة , التي يعبّر عنها همسا او بايماءآت هنا وهناك , اما العرض المسرحي , فان المخرج هو الذي يعرض نفسه هناك وليس تشيخوف , وهذه ملاحظة صحيحة فعلا , وقد تذكرت حديثا طريفا جدا جرى مرّة بحضوري في اروقة القسم الروسي بجامعة باريس في ستينات القرن العشرين , عندما تحدثت واحدة من زميلاتي من طلبة الدراسات العليا هناك ( وهي من أصل روسي ) عن مشاهدتها لمسرحية ( الدب ) الشهيرة لتشيخوف في احد المسارح الفرنسية , وقالت – ( عندما طلب الممثل كأسا من الفودكا , فان الخادم صبّ له الفودكا من سماور كان موجودا على الطاولة ) , وقد سألت الممثل عن ذلك , فقال – ( ان المخرج هو الذي حدد ذلك بغض النظر عن نص تشيخوف المسرحي , وذلك لأن الروس يستخدمون السماور دائما!!!) , والامثلة كثيرة في هذا الشأن , بما فيها عروض مسرحيات تشيخوف في العراق .
يختتم هاينريش بول رسالته تلك بالتوقف عند كتاب تشيخوف – ( جزيرة سخالين ) , والذي يعده كتابا مدهشا وغير اعتيادي كليّا , وهو على حق طبعا , اذ عرض فيه تشيخوف مهارته طبيبا وصحافيا واديبا , ويتمنى الكاتب الالماني ان يقرأ هذا الكتاب (كل الذين يصطدمون او يمتلكون اي علاقة بهؤلاء الذين نسميهم منفّذي العقوبات ) , ومن المعروف ان تشيخوف زار جزيرة المعتقلين النائية تلك وكتب وقائع الحياة الرهيبة فيها بشكل موضوعي ووثائقي , ولا زال هذا الكتاب يمتلك قيمته واهميته لحد الان , بل ان تشيخوف نفسه كان يعتبر كتابه هذا اطروحة دكتوراه  , و التي اراد يوما ان يحققها.
رسالة هاينريش بول حول تشيخوف – اضافة طريفة وذكية واصيلة من كاتب الماني في القرن العشرين للصورة الجميلة في وجداننا لكاتب روسي من القرن التاسع عشر.

499
المنبر الحر / تولستوي فيلسوفا
« في: 22:45 13/03/2018  »
تولستوي فيلسوفا
أ.د. ضياء نافع
يدخل اسم تولستوي ضمن مناهج الفلسفة وتاريخها في روسيا , جنبا لجنب مع بقية الفلاسفة الروس والاجانب الكبار , ويشّكل اسم تولستوي فصلا مهما وحيويا في تاريخ الفلسفة الروسية بالنصف الثاني من القرن التاسع عشر , عندما ابتدأت أزمته الروحية (هكذا استقرت هذه التسمية في المصادر الروسية كافة حول تولستوي ) في سبعينات ذلك القرن , و أدّت به الى التفرّغ للكتابات والتأملات الفلسفية , التي ضمتّها بعدئذ اربعة مجلدات باكملها في مؤلفاته الكاملة , ومن بينها كتابه الشهير – ( الاعتراف) , الذي كتبه في نهاية السبعينات وظهر مطبوعا لاول مرة في جنيف عام 1884 , و طبع الكتاب خارج روسيا كان يعني طبعا , ان تولستوي لم يكن واثقا من امكانية طبعه ونشره عندئذ داخل روسيا نفسها نتيجة للافكار الجديدة والجريئة جدا فيه , رغم ان تولستوي كان اسما كبيرا ومشهورا ومؤثّرا آنذاك , ( لنتذكر كيف ظهرت بعض مؤلفات ادباء روس في اوربا  قبل ظهورها في روسيا مثل بعض نتاجات غيرتسين و باسترناك و سولجينيتسن وأخماتوفا و غيرهم... ).
يؤكد تولستوي في كتابه هذا , ان الاعتراف ضروري فعلا , وعلى الانسان الاقرار بالخطايا الشخصية له والاعتراف بها, ولكن امام نفسه فقط , وليس امام اي جهة اخرى مهما كانت ( وهو جانب مهم من جوانب اخرى كثيرة أثار الكنيسة الارثذوكسية الروسية في حينها واصبحت بالتالي ضد الكاتب) . لقد طرح تولستوي في كتابه هذا كل طريق بحثه الروحي والاخلاقي منذ مرحلة شبابه , عندما كان ( عربيدا كما هو معروف ! ) وحتى مرحلة نضوجه الفكري والروحي , وقد حاول تولستوي ان يجد اجابات عن كل ما كان يقلق روحه من اسئلة في العلم والفلسفة بشكل تفصيلي لدرجة , انه قرر ( عدم الذهاب الى الصيد حاملا الاسلحة كي لا يغريه هذا الاسلوب البسيط للتخلص من الحياة ) , اذ ان تولستوي كانت تراوده حتى فكرة الانتحار للتخلص من عبثية الحياة في تلك المرحلة من عمره , معتبرا ان الادب الذي يمارسه لا قيمة له.
 لقد كتب تولستوي في كتابه هذا كل الافكار التي كانت تدور في عقله ووجدانه , ويمكن تلخيص ذلك كله في كلمات محددة  , وهي ان الحياة غير ممكنة دون البحث عن معناها وجوهرها , وان البحث عن المعنى في الحياة يعني الشك في كل شئ فيها , حتى بالنسبة للايمان ,  بل انه طرح فكرة اثارت ردود فعل هائلة عندها , وهي , ان الوصول الى الرب يمر عبر الشك به اولا - ( عبر الشك بالرب نحن نصل الى الرب) , وهذا ما قاده في نهاية المطاف الى الابتعاد عن بعض تعاليم الكنيسة , والانفصام عنها , بل و التمرد عليها وعلى تفسيرها لتعاليم الديانة المسيحية وطقوسها و حتى بعض ثوابتها , ولم تصمت الكنيسة طبعا على افكار تولستوي المتمردة هذه, وكان رد فعلها قويا وعنيفا , اذ انها اعلنت رفضها المطلق لافكار تولستوي الفلسفية هذه جملة وتفصيلا , وهو ما أدّى في نهاية المطاف ( عندما توفي تولستوي )  حتى الى رفض الكنيسة الارثذوكسية دفنه وفق الطقوس المسيحية كما هو معروف .
لقد انعكست افكار تولستوي الفلسفية في نتاجات عديدة اخرى له طبعا , بل ان بعض الباحثين وجدوا كثيرا من المقاطع الفلسفية في رواياته وقصصه ورسائله , ونود ان نختتم هذه الملاحظات حول تولستوي فيلسوفا بمقطع من مذكراته , والتي كتبها في مقتبل عمره ( كان عمره آنذاك 27 سنة ليس الا ) , وهي تبين بلا شك سعة خياله و حجم افكاره وانطلاقتها المتناهية  , والمقطع هو كما يأتي – ( ... الحديث عن القدسية والايمان أدّى بي الى فكرة عظيمة وكبيرة , وانا أشعر باني قادر على تحقيقها وان اكرّس حياتي لها , والفكرة هذه – هي تأسيس دين جديد , ينسجم مع تطور الانسانية , ومع دين المسيح , لكنه منقّى ...., دين تطبيقي , لا يمنح الوعود بالنعيم  في المستقبل, وانما يخلق النعيم على الارض ...) .
 لقد عاش تولستوي 82 سنة باكملها , واستطاع ان يؤسس مفهوم التولستوية العالمي ( انظر مقالتنا بعنوان – تولستوي والتولستوية , ومقالتنا بعنوان – غاندي وتولستوي ) , وترك لنا ارثا فكريا ضخما من النتاجات الابداعية الحيوية , والتي لازالت تتعايش وتتفاعل مع الناس في روسيا وخارجها , ولازالت تحتاج الى تأملاتنا و دراساتنا وبحوثنا لسبر أغوارها والغوص في أعماقها واستنباط الدروس والعبر منها , وملاحظاتنا الوجيزة هذه عن جوانبها الفلسفية خير دليل على ذلك.

500
ميخائيل نعيمه والادب الروسي
أ.د. ضياء نافع
 عاش ميخائيل نعيمه 99 سنة باكملها, اذ ولد في القرن التاسع عشر عام 1889 وتوفي في القرن العشرين عام 1988 , وأصدر العشرات من الكتب ذات الموضوعات المختلفة والمتنوعة من قصة ومسرحية ورواية وشعر ومقالات في النقد الادبي والتأملات الفلسفية وعلم الاجتماع والسير الذاتية وغيرها , وذلك لأن ثقافته كانت متنوعة جدا وموسوعية بكل معنى الكلمة . تتناول مقالتنا علاقة ميخائيل نعيمه بروسيا فقط وادبها وفكرها , وتحاول ان تجد جوابا عن سؤال محدد , غالبا ما يدور في اوساطنا الادبية حوله , وهو – هل تأثرت نتاجات نعيمه بالادب الروسي بشكل خاص , والفكر الروسي بشكل عام , وذلك باعتبار روسيا وأدبها هي ( الحب الاول !) بالنسبة لميخائيل نعيمه ؟ .
درس نعيمه في المدارس الروسية , التي كانت منتشرة في فلسطين وسوريا ولبنان في  نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين, والتي كانت تنظمها وتشرف عليها الجمعية الارثذوكسية الفلسطينية في روسيا (توقفت هذه المدارس نتيجة للحرب العالمية الاولى وثورة اكتوبر الاشتراكية عام 1917  ) , وهي مدارس دينية تبشيرية مجانية ( مثل حال المدارس الكاثوليكية او البروتستانتية من الدول الغربية) , وكان ضمن مواد تلك المدارس مادة اللغة الروسية طبعا, وعادة ما يرسلون الخريجين المتميزين فيها للدراسة لاحقا في روسيا , وهذا ما حدث بالنسبة لميخائيل نعيمه ايضا , اذ تم ارساله للدراسة في منطقة بولتافا في اوكرانيا , والتي كانت ضمن الامبراطورية الروسية , حيث درس نعيمه في (السيمناريا الروحية) خمس سنوات ( حتى  عام 1911), و(السيمناريا الروحية) هذه هي مدرسة عليا دينية أرثذوكسية كانت موجودة في بولتافا , وترك روسيا وسافر الى امريكا رأسا, حيث عاش من عام 1911 الى عام 1932 , واكتسب هناك الجنسية الامريكية , ودرس في كلية القانون وتخرّج فيها , وبدأ نشاطه الادبي من امريكا عام 1914, وهذا كله يعني , ان نعيمه وصل الى روسيا عندما كان صبيا عمره 16 سنة ليس الا , وتركها بعمر21 - 22 سنة , وانه التحق بالجامعة  في امريكا بعد دراسته بروسيا , ولكن بعض المصادر تشير , الى انه درس في ( جامعة بولتافا ! ), وانه اطلع هناك على نتاجات الادباء الروس ومجمل الادب الروسي, وكل ذلك طبعا , معلومات غير دقيقة , اذ لم تكن هذه جامعة بالمعنى العلمي المتعارف عليه عالميا .
لا توجد لدينا معلومات تفصيلية عن طبيعة المناهج ومفرداتها في هذه المدرسة الدينية الارثذوكسية العليا, التي درس فيها نعيمه , الا ان اسمها يدل بلا شك ان الدراسة ومفرداتها كانت في اطار المفاهيم الدينية من وجهة النظر الارثذوكسية , وهناك مصادر تتحدث ان نعيمة لم يكمل دراسته هناك بسبب حب فاشل مع امرأة روسية متزوجة , وان مجلس المدرسة الدينية هذه رفض استمراره بالدراسة  , وكل هذه النقاط تقتضي التقصّي والتدقيق في سيرة حياة نعيمه حتما . لقد كتب نعيمه في كتابه  الذي يحمل عنوانا طريفا – ( أبعد من موسكو ومن واشنطن)  ما يأتي- ( ...ومن شعر بوشكين وليرمونتوف ونكراسوف أطللت على الكآبة العميقة في النفس الروسية , ومن روايات تورغينيف استطعت ان ادخل قصور الشرفاء , اما بيلينسكي – سيّد النقاد الروس بلا منازع - فقد كشف لي عن مواطن الصدق والخير والجمال في العمل الادبي , وماذا أقول عن تشيخوف – سيّد القصاصين الروس وغير الروس ....) ( المجموعة الكاملة / بيروت / مجلد 6 / 1978 / ص 209 ) , اما عن تولستوي , فقد كتب نعيمه ما يأتي في كتابه ( الغربال الجديد ) -  ( ...عظيم هو تولستوي لانه مثّل في شخصه , وفي أدبه , وفي حياته طبيعة الشعب الذي أنجبه ..وسيبقى عظيما لانه كاتب عظيم , ولانه حاول ان يحيا حياة العظماء من المصلحين والانبياء ..) ( المجموعة الكاملة / بيروت / مجلد 7 / 1979 / ص 375 ).
ان هذه الاستشهادات التي اوردناها ( والتي لا تتحمل طبيعة المقالة استشهادات كثيرة اخرى مماثلة موجودة في نتاجات نعيمه ) حول الادب الروسي صحيحة ودقيقة وموضوعية بلا ادنى شك , وهي تعني – فيما تعنيه – ان ميخائيل نعيمه قد درس الادب الروسي بعمق ومن مصادره الاصيلة, وانه واحد من الادباء العرب القلائل  الذين يعرفون خصائص هذا الادب واهميته وقيمته , الا ان هذا لا يعني بتاتا , ان نتاجاته متأثرة به كما يقول البعض من الباحثين العرب , ولهذا , فان  الجواب عن السؤال الذي طرحناه في بداية المقالة يصبح واضحا .
لقد اختط ميخائيل نعيمه اسلوبه وموضوعاته ومكانته في الادب العربي الحديث بنفسه ونتيجة لعبقريته الذاتية ومواهبه , بل انه حاول طرح نفسه عالميا ( يشير البعض الى رغبته الشديدة والكامنة في اعماقه للوصول الى مكانة رفيقه جبران خليل جبران ! ولكن هذا الشئ يتطلب الاثبات طبعا وبشكل موضوعي ودقيق ) .
نختتم مقالتنا هذه بالاشارة الى خبر يكاد ان يكون مجهولا للقراء العرب , وهو اقامة تمثال نصفي لميخائيل نعيمه في بولتافا باوكراينا عام 2011 , وفي المكان الذي درس فيه هناك , والذي تحوّل الان الى ألاكاديمية الزراعية , وهو اول تمثال له خارج وطنه لبنان .





صفحات: [1] 2