عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - آدم دانيال هومه

صفحات: [1]
1
بصيص ضوء على كتاب موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث
للشاعر والأديب الأب شموئيل دنخا
بقلم: آدم دانيال هومه.


حمل إلي البريد ظهيرة أمس هدية نفيسة لا تقدر بثمن لمن يستطلع الدرر الكامنة بين طياتها ألا وهي كتاب (موجز تاريخ الأدب الآشوري الحديث) للشاعر والأديب الأريب والدؤوب الأب (شموئيل جبرائيل دنخا) الذي يقوم بدراسة وتحليل القصائد والأعمال الأدبية لمائتين وأربع وثلاثين شاعراً وأديباً آشوريا على امتداد قرن من الزمان.
ولد مؤلف الكتاب في مدينة الحبانية في العراق عام 1943. تخرج من دار المعلمين عام 1864. تسلم أمانة سر اتحاد الكتاب الآشوريين، وعضو لجنة تأليف الكتب باللغة الآشورية في وزارة التربية العراقية عام 1973، وعضو في إدارة تحرير مجلة مجمع  اللغة السريانية، وكان أحد أعمدة النادي الثقافي الآثوري، وشارك في جميع الأمسيات الأدبية والشعرية في بغداد والبصرة وكركوك. وقدم برامج ثقافية من إذاعة بغداد، ومن تلفزيون كركوك. سيم كاهنا عام 1980. أكمل دراسة اللاهوت. نشر الكثير من الأعمال الأدبية في العديد من المجلات الصادرة في العراق وخاصة المثقف الآثوري، صوت من الشرق، والمجلة الأكاديمية الآشورية الصادرة في شيكاغو، ومجلة نينوى في كاليفورنيا. جاوزت مؤلفاته المطبوعة ثمانٍ وعشرين كتاباً في شتى المواضيع والأجناس الأدبية.   
وكما يبدو أن المؤلف، من خلال دراسته، متفائل جداً بمستقبل الأدب الآشوري الحديث عامة، والشعر بشكل خاص لأنه يرى بأن الوعي الإنساني، لا القومي والفني فحسب، أخذ يتجلى بين أبناء الأمة الآشورية الموهوبين، فساعد ذلك على تجلي عبقريتها في التعبير الرفيع، حيث يطل الشاعر الآشوري من كوّة إحساسه القومي إلى رحاب الإنسانية فيكتب، في شتى المواضيع كالظلم، البؤس، العذاب، الأحزان والآلام، المجازر والمذابح، التشرد والضياع، الحب والعشق والهيام، عاطفة الأمومة، الثورة، ونعيم الحرية والاستقلال، والحكم الذاتي على أرض الآباء والأجداد بيت نهرين. حيث تبدو في الشعر الآشوري نزعة إنسانية عميقة تستقي تارة من الوجدانيات الرومنتيكية، وأخرى من المبادئ الإنسانية، وثالثة من النكبات الوطنية والقومية، ولكنها تلتقي دائماً عند منهل واحد هو الشعور بكرامة الإنسان. إن شيئاً كالجراح يئن في الصدور فهي تحاول أن تغرق آلامها في الشمول، في أن تسع الإنسان كله. فواجب ومهنة الأديب أن يكتب للإنسان حيث هو إنسان، ومن ثم يكتب ليقر إنسانيته إذ هو جزء حي يساهم في توجيه ذلك المصير. وعلى الشاعر أو الأديب أن يسأل نفسه قبل كل شيء لمن أكتب؟ ولماذا أكتب؟ ويؤكد المؤلف بأن القصيدة تتكون لدى الشاعر كالنور الأبيض الذي هو تجمع الألوان التي يتألف منها قوس قزح، والألوان هي عناصر هذا النور متحررة. وعلى الشاعر أن يوصل لغته بإيقاعها وإشعاعها وظلالها وإيحاءاتها إلى المتلقي من غير أن تتناثر على الطريق أباديد، يوصلها ضوءً جميلا وشفافا، لايلفح بناره ولا يعمي بدخانه، بل يسري نقاوة ترتاح لها العين، ويسبح فيها الناظر، وتأنس له النفس ويزداد بها وجودنا اتساعا. فالشعر كما يؤكد المؤلف وبإصرار بأنه أهم الفنون عالمية، وأقواها تحدياً لأسيجة الزمان والمكان، وهو أشد الفنون انطباعاً بالطابع القومي وأكثرها تأثراً بملامح الوطن والبيئة والعصر. كما أن الشعر هو الشيء الوحيد الذي يهب للمبادئ والأفكار جمالا مطبوعاً أصيلا، وإشعاعاً رزيناً ثرّا. هو الدراسة العملية لهذه المبادئ والأفكار، ووعيها وعياً تاماً عميقا. فبهذه الوسيلة وحدها بالمستطاع إبقاء أثرها لدى الجمهور، وأن تجعل من سحرها باقياً راسخا لا ومضات بارقة خاطفة. كما يؤكد بأنه ليس لدى الأدباء عند الدولة من حق غير الذي يحققه الأدباء أنفسهم. والواجب الذي تقوم به تجاههم، شاءت أم أبت، هو الحرية والاستقلال الفكري. الحرية في أن يقولوا ما يشاؤون، وأن يدعوا إلى الرأي الذي يرونه، مستقلين غير متأثرين إلا بما يعتقدون بأنه الحق. وإذا رأت الدولة، بعد ذلك، أن تساعد في نشر نتاج الأدباء فعليها أن تقوم به كما تقوم بأي عمل اجتماعي آخر. لا تطالب، ولا ينبغي أن تطالب حتى بالشكر، لأن هذا واجبها والمسبب في وجودها.
فالشعر، كما يراه المؤلف من وجهة نظره، هو ممارسة مميزة من ضمن الممارسات الأدبية تتخذ مادة لها إمكانيات اللغة والأشكال الفنية، وكذلك موضوعات التجربة الإنسانية وكلها معطيات لا تولد من العدم على يد الشاعر، بل هي الحد الذي بلغه النحو اللغوي والفني والفكري في ثقافة معينة وفي زمن محدد. وإذ يختار الشاعر مكونات عمله من بين المعطيات المتعددة والمتشعبة فهو يحقق في أن حريته كأديب وارتباطه بمجتمعه وذلك من خلال موقفه الإيجابي أو السلبي من التراث ومن التقنيات المستحدثة، وكذلك من الخطابات المتنوعة، بل المتضاربة التي تشكل ثقافة عصره.
ويؤكد المؤلف قائلا: إذا كان الأدب تعبيراً عن الحياة فإن النقد هو الضامن لقيمته وتأثيره، والكفيل بتقويمه وتوجيهه وتبيان ما أضاف إلى ميراث الفكر والفن من روعة وإبداع.
والشعراء والأدباء الذين اختارهم المؤلف يرسمون الخطوط العريضة للمجتمعات عامة، وللمجتمع الآشوري بشكل خاص، ولذا فهو يبرز أجمل صفتين أساسيتين وشاملتين هما أولا: إنه قادر على البقاء والاستمرار. فعلى الرغم من كل الاضطهادات والمجازر والمذابح التي تعرض لها المجتمع الآشوري فلم يزل يرفد البشرية بعطاءاته في كل المجالات مع أن القدرة على البقاء ليست في ذاتها الغاية المنشودة  فكم، هنالك، في التاريخ من مجتمعات استطاعت أن تحافظ على نفسها، بل تمكنت من بسط نفوذها وسلطانها ولكنها عجزت عن أن تتميز عن سواها تميزاً ذاتيا جوهريا. فلذا، فإن الصفة الأهم للمجتمع الآشوري المنشود أن يسمو فوق مجرد القدرة على البقاء، فيغدو مستحقاً للحياة ليساهم في تنمية القيم الإنسانية وهي غاية الحياة ومقصد الوجود لأن جوهر المدنية الحاضرة إنما هو خلاصة العناصر الباقية في المدنيات والحضارات السالفة.
ثانيا: مدى مساهمة المجتمع الآشوري في عدد الخيوط التي حاكها ويحيكها في نسيج الحضارة الإنسانية، وقيم وأهمية هذه الخطوط.
والثقافة التي ينشدها المؤلف في دراسته ينبغي أن تكون ثقافة تحترم العقل وتخضع له، وتؤمن به وتسير على هديه في اكتشاف الحقاق والتعلق بها دون سواها، وقبول أحكامها مهما كانت قاسية. فهذا هو السبيل الوحيد للتقدم الحقيقي، وعليه يجب أن تتماشى ثقافتنا المرجوة مع العصر إذا أردناها ثقافة حيّة خلاقة لمجتمع حي خلاق.
فيما يلي سأختار عدة قصائد من الكتاب وأقوم بترجمتها إلى اللغة العربية ليكون في مستطاع القارئ العربي الاطلاع على شذرات من الأدب الآشوري.
الموت والميلاد. للشاعر أوراهم يلدا أوراهم.
الظلام الدامس سربل الكون
وخيّم على الأحبة الصمت والسكون والرهبة القاتلة
في وسط البحر يتأرجحان في زورق تائه
يستند الواحد منهما إلى الآخر
يردّدان معاً مرثاة الحزن والألم
وبصيص أمل معلق بشعرة واهية
عسى أن يقودهما إلى شاطئ الأمان ليعانقا الفجر.
******
حاول الفتى أن يوقد شمعة القلب العتيقة
قائلا: استندي عليّ حبيبتي
وإن كان جسمك قد أصابه الذبول
وساءت ملامحه
أديري وجهك نحوي
وإن كانت عيناك رافلتين بالأسى والنعاس
خاويتان من الضياء
جافلتان كنهر صيف قائظ
قوامك الممشوق قد تحول إلى شجرة خريفية.
أصيخي السمع ياحبيبتي
في قلبي المحترق أخليت مكانا لشمعة صغيرة
تشتعل على الدوام لتنير لنا الطريق وتبعث الدفء في أوصالنا
أصيخي السمع ياحبيبتي دعيني أروي لك حكايات الأزمنة الغابرة
كان هناك حمامة
أجل... كان هناك حمامة
تلك الحمامة التي حلقت في الآفاق لتجلب البشارة كانت أمينة وفية وحنون
عادت للفلك والكل على أحرّ من الجمر لسماع كلمة منها
البشر…
الحيوانات...
الزواحف…
والطيور
زغردوا مهللين بصوت واحد وأنشدوا معا... أغنية الميلاد
(لنا الحرية... لنا الخلاص).
******
اضطجع الفتى ونفخ في أذن حبيبة روحه قائلا: ليس هناك ليل بدون انقضاء
أجل يا حبيبتي الصغيرة لابد أن نصل إلى برّ الأمان
سنعيش معاً وحيدين لفترة وجيزة إلى أن تشرق الشمس
إلى أن تنبع الروح من أرض نسلك
إلى أن نقيم جدار البيت الذي سنشيّده
إلى أن نبدأ ثانية
نفكر ثانية باليوم الآتي ذلك اليوم الذي ستصل البشارة الروحانية
البشارة الثانية مجبولة بالمحبة
ممزوجة بحنان الحضن الدافئ
تريح أعصابنا
تفرّح قلوبنا... هاتفة: لنا الحرية... لنا الخلاص.
أسبل الفتى جفنيه وبصوت واهن وشوش في أذن حبيبته قائلا:
دعي السنين ياحبيبتي
دعي السنين الغابرة تطوي صفحات أجدادنا
فها نحن أحياء رغم الأعباء التي تهدّ كواهلنا
شمعتنا تنوس... ظهورنا تحدودب وجراحنا عميقة
فلنحطم الأغلال التي تقيّد أقدامنا
ونلتفت صوب الأشقاء
ونلقي تحية على الأبناء الأعزاء
ونضع يداً بيد كل شاب
ونلثم جبين كل فتاة
ونقول لهم:... سنبني
نقول لهم:... سنهدم
ولكن... حتما سنبني
ولنا رجاء وحيد أن نقول لأجدادنا للمرة الأخيرة
الراحة لأجسادكم
الراحة والسكينة لأرواحكم
فدعونا بسلام
ولنودعهم الوداع الأخير... مرددين:
الله معكم
الله معكم
الله معكم.
،،،،،،،،،،
في جنان الخلد. للشاعر يونان هوزايا.
في جنان الخلد أتهاوى وعلى ركبتي أسير مسربلا بالخشوع
فالأرض قد انشقت من حولي وانبجست نبتات يانعة
عشقت بذراتها صدر الأرض واقتبلتها
كما تتقبل الأرحام... سر الحياة.
******
في جنان المجد
رأيت كل الألوان تتعانق وتتّحد لترسم في سماء الوطن قوساً للنصر
ولتطرّز راية الحق والسلام
ورأيت كل الطيوب تتمازج لتنشر ضوء الأحتفال
حين تنطلق الحناجر بأغنية الولادة الجديدة
وتتواصل الأزمنة ملتحمة كما الأذرع في رقصة من جبال آشور
وتتمايل الأكمام العاشقة لتغري النحلات بالركون
حجرات الطيب بين وريقاتها.
******
أرأيت البلبل الولهان في جنته الصغيرة؟
فهو...
ورؤوس السنابل وتيجان الزهور وقطرات الندى سيمفونية أزلية
إنه هو وحده القادر على غزو آفاقها البكر.
هلاّ أصخت السمع إلى العندليب؟
هل أصغيت إلى همساته؟
هو يمرّغ منقاره في أكمام الزهور النديّة... ويبوح لها بسرّه
نشواناً يرتشف قطرات لؤلؤية من فوق وجناتها
أهي دمع؟... أهي خمر؟
ويأتيك الجواب مع الريح كما الوحي
هي... نسغ الشجر في مروجنا الخضراء
هي.. نسغ الصخر في ذرانا الشمّاء
هي... نسغ النور على ضفاف أنهار ديلمون
هي... دماء الشهداء.
******
لاتحزن أيها البلبل
لاتنتحب أيها الرفيق
أولم ترى الأوراق الساقطة وهي تلثم التراب بلهفة وشوق؟
أولم ترى الأوراق الذابلة تحملها الريح إلى أحضان الجداول؟
لتغدو معابرا وجسورا
لتغدو وسائد للنجوم طوال ساعات الليل.
******
في وصايا الشهداء تمتد ذؤابات الصفصاف والنخيل
وتنغرس في عمق الفضاء
سيمدّ الجوز ظلالا وارفة
ستتدلى عناقيد الكروم بشوق كما الأثداء في صدور الأمهات
وسنغني للخبز
للحب... والسلام
في رياض المجد كل القلوب... تحترق
ولكنها نار المعمودية مطهّرة... كالبودقة.
،،،،،،،،،،
أناس كثيرون. للشاعر ميخائيل ممو.
بعض أبناء المجتمع، صغيراً كان أم كبيرا، في جميع أنحاء العالم
تراهم يرفعون راية اليقظة وهم غارقون في سبات عميق
هم مستيقظون وعلى أتم استعداد للهدم والخراب وصقل الأفكار المنحرفة
وإقصاء كل ذي نشاط واهتمام وعناية بالآداب والمعارف والعلوم
يتمرغون في نوم أهل الكهف لايحسدهم عليه حتى العميان
مترعة نفوسهم بالحسد والأنانية والضغينة والبغضاء
يظنون بأنهم أبرار تقاة وحكماء وهم سكارى بأحلامهم
يعتبرون أنفسهم قادة مرشدون وهم يعانون مرضاً عضالا
يعتبرون أنفسهم ملوك الغابة بينما هم ثعالب في جلود أسود
وهم يدركون جيداً بأنهم الأشد جوعاً وعطشاً للعلم والمعرفة.
،،،،،،،،،،
الفردوس المهلهل. للشاعر عوديشو ملكو.
مع إطلالة جلالة (شمّش) المعظم... الراصد المتلألئ
بسهم مضيء يسكب حياة على التلال
ورفوف الزرازير تضفر إكليلا على هامة (لاماسو)
الحارس الشهم الواقف بشموخ على باب الملائكة
مرقاة السماء... ودعامة الكون.
******
مع الشعاع الذهبي والبخار الدافئ المنبعثان من الإله (شمّش)
محطم المشلولين في مخالب الأحلام الندية السوداء
(لاماسو) يزأر... فتنفر الغربان
يفلق التراب... فراش الكسالى
ينفض جناحيه وعيناه على جبل (مار متى)
قرناه مجللان بعصابة بيضاء
العرش الثلجي للقوة الخالقة للأصل الإنساني
بعيد عن موطنه
ذاهل عن ربّه
جبل الرهبان...
أولئك الجياع الحزانى.
******
أشعة شمّش...
نور الحياة تتناثر في السماء صافية رقراقة كالفراشات
من عباءة التلال استمدّ بياضه
من عباءة (متى وهرمز) وأفواج الخاشعين للصلوات
والماقتين الحقول... ولايحصدون في حياتهم سوى التضرعات
مدنفون... مجتثون من الأرض
والأوكاف تحفر أوردتهم المسحوقة وأكواخهم المنهارة.
******
أمام نافذة الفندق والعين ذاهلة... الظفر والسنان
يبغيان احتضانهما لتغرس فيهما الموت
والهضاب المقدسة التي تضم في حناياهاعظام الجبابرة المعتقلين
والمآذن المائلة... قوالب جامدة تشقّ سكينة الخلائق والسماء.
******
أمام النافذة... والعين بصيرة
أتذكر القتلة المسعورين وهم يسكرون من كأس دمي الأخضر
كدم الضفدع الواثب من المنخر
الشر متأصل... في قناة ذاتي
لكن الصحراء عطشى تودّ أن تحرق المدينة
تفسد الأخلاق وتستأصل الإنسانية
والعين العاشقة للجمال الأصيل لم يزل رداؤها غضّا
ذلك الذي ليس به قريص ولا شوكة القنفذ اللاسعة
ولا ظلام الخلد... ونسل القتلة.
وحيداً أتساءل إن كان لنركال أو للاماسو صاحب أو مالك؟
وأنت يا إشراقة شمّش أخبريني... هل هنالك من أمل؟
،،،،،،،،،،



2
أدب / أمي تتوهج في مرآة التاريخ
« في: 14:06 02/01/2024  »
أمي تتوهج في مرآة التاريخ
بقلم: آدم دانيال هومه.
كان أبي
ينحت في الصخر حروف الماء
فتتدفق الينابيع في الصحراء
على إيقاع هسهسة الضياء
فينبت العشب على ضفاف السماء.
******
أبي....
أورثني  الشمس والأرض الطيبة
الممزوجة بعرق ودماء الأجداد
كما أورثني المحراث والمنجل
وبضع حبيبات من القمح
وبئر ماء زلال
فصرتُ أهدهد تلك الأرض
وأناغيها
أغني لها أناشيد المطر والضوء
وأتلو على مسامعها مزامير الزرع والحصاد
ونثرت عليها قبيل شروق الشمس
غبار الطلع
فبدأ يسري بأوردتها اليخضور الطازج
وتنضح مساماتها زيتاً وخمرا
وتفوح من أردانها أزهير الفل والأقحوان
ويصعد من أخاديدها أريج الأمومة الإلهية
وحين توهج عرق جبيني في مرايا التراب
تفتقت على شفاهها البراعم
وفاح العطر من أثلام التراب
فتبرّجت كغادة مسكونة بالنار
في انتظار انبعاث السنابل من شرانق الطين
والأشجار من ثنايا الأرض
لتتوافد على أغصانها أسراب الطيور
من قدس أقداس المنافي البعيدة.
******
أمي... المليكة الحسناء
تتلألأ في مرآة التاريخ الأزلي
على ضفاف دجلة والفرات
هي شراعي الوحيد
في بحار المنافي القصية
وهي قطرة الخصب والنماء 
في صحرائي الموحشة
كلما تذكرتها
مضغت الحزن
على أمل أن تتوهج الآمال
لنقطف عناقيد الفرح
أماه...
حينما تبتسمين
تترنح الشمس جذلى على رؤوس الجبال
وتتفتق أكمام الزهور على سفوح الهضاب والتلال
وتتهادى نسائم الفجر على ضفاف الأنهار
وتتألق مصابيح القصائد فوق الغمام.
******
وطني أصغر من واحة في الصحراء
وأوسع من وطن الآلهة
الزاخرة بغابات من االأنوار
في الليل
أراه متوهجاً كشظايا الشمس
وفي النهار يتفيأ تحت ظل الشمس.
******
أهز أغصان الغيوم
ألملم أزاهير المروج
لينهمر المطر اللذيذ فوق جذور الأشجار اليابسة
وليبدأ الأموات ترانيم القيامة في القبور المظلمة
لتينع حقولنا بقهقهات الأنسام الجذلى
مبجّلٌ أنليل
القادم على أجنحة العواصف والرياح
حاملا بين أنامله المشرقة
ذخائر قديسي آشور وبابل
المتهللين في وجوه وقلوب أبنائي
الذين يحلقون على أجنحة الحزن
نحو مرافئ الآلام والآمال.
******
فوق ضريح جدي الأول
تنبت سنابل الأنوار.
******
ماسة الليل
على الشاطئ السحري
ينعكس سطوعها في مرآة الشمس.
******
ينتفض قلبي على بطاح نينوى
كعصفور يتلقفه مخلب القط
قبيل أن ينفث أنفاسه
محدقاً في السماء.
******
عشتار
راية تخفق فوق كل جهات الأرض
فراشة ضوء
 ترفرف فوق كل بحار ومحيطات العالم
لتستقر في مقلة الشمس.
******
بابل
شجرة مباركة
غرستها يد الله على ضفاف الفرات
باركتها الأمطار القدسية
فتسامقت كعمود نور
وتبلجت بين نجوم السموات
تواكبها عرائس الحمام الزاجل .
******
وطني.... ضوء الحب
ونكهة العشق السماوي الهفهاف
جرح ينزف على نصل السكين
وفي قلبي
النائح في دهاليز الأبدية
يا وطني...
أخشى عليك من إعصار البحر
واشتعال الغابات.
******
قريتنا الثكلى
أبواب بيوتها مفتوحة للريح
وأهلها
ذهبوا مع الرياح
وصلبان كنائسها مخلوعة من أساساتها
ومرماة في القمامات
وصور آبائنا وأجدادنا في مرايا الجدران العتيقة
شوهتها معاول الغرباء
وتنمو على أطلالها الذكريات
قريتي... رعشة عشق
خاتمة نشيد الأنشاد
معطّرة ببخور السماء
وحمامة مهووسة بأوراق الزيتون
وجهها
كوكب من البنفسج والجلنار
ليتني كنت أستطيع أن أحملها على كتف
وترابها على الكتف الآخر
وأهيم بها في متاهات المنافي
أو أتسلل إليها في غسق الدجى
والكلاب نيام
لأشم عبق الحيطان التي بكيت في جنباتها
في أول طلوع شمس.
******
ملعونة أفؤس الشياطين تنهال على تماثيل الآلهة
ملعونة أقدام قطاع الطرق على مقابر الأجداد
ملعونة أفاعي الصحراء
 تتربص بالحمام الزاجل في الواحات
ملعونة الرايات السوداء الملطخة بدماء الأطفال الأبرياء
ملعونة جميع كلاب الكهوف والمغارات المظلمة
ملعونة كل الذئاب البشرية
آكلة لحوم البشر
التي تفوق بنجاستها
كل ما في الكون من نجاسة
ملعونون
من هبطوا على التراب المقدس
من أقبية الجحيم
بأقدامهم الملوثة بقاذورات حظائر الخنازير
غداً سيتأججون في النار الأزلية
ملعونون بكل لغات العالم
من حطموا أبواب الكنائس
ليسفكوا دماء المصلين على عتبات المحاريب
ويحولون أجسادهم إلى كتل لحم محترقة
فاجرة الحوريات المنزلقات من السماء 
الهاربة من فخاخ الموت
إلى أحضان رمال الصحراء.
******
سقطنا في هوة النسيان
نجوب دهاليز التيه
نحمل رايات الأمل
ننشرها خفاقة على أوتاد الرياح
وننظر إلى وجوهنا في مرايا الأزمنة والعصور
على أمل
أن تزهر الغربة قناديل
تضيء درب العودة لمسقط الرأس
لتعود من المنافي أسراب السنونو
وترى آثار أقدام أجدادها
تتلألأ على أوجه المياه
مجلجلة كناقوس الصباح
وصادحة كأنشودة الفجر فوق التلال.
******
الطفل الآشوري الطازج
متى... وأينما كان
سترى انعكاسات ظلال الحزن والألم
تشع في عينيه
وتشم أريج اللهب من رؤوس أصابعه
وبأن لكلمة الوطن لديه
نكهة نسيم الفجر على ضفاف دجلة والفرات
وطهارة عشتار
وقدسية آشور.
*****
أحسد الغيوم
وهي تعبر الآفاق حرّة طليقة
وأحسد الأمطار وهي تتساقط بدون إرادة الأنظمة الأمنية
وأحسد النجوم وهي تضيء بلا كهرباء
أما أنا
أظل سجيناً في زنزانة المنفى
ولا أنطلق حراً طليقا
إلا في أحلام اليقظة
وسأظل كذلك
حتى تعود إنانا من عالم الأموات.
******
أتسلق جدار الضوء
لأقطف الحروف المتدلية من قصيدة بلا عنوان.
******
adamhomeh@hotmail.com


3
أدب / الطفل اليانع
« في: 18:39 18/11/2023  »
الطفل اليانع
بقلم: آدم دانيال هومه.
كنتُ طفلا يانعاً
 أنمو رويداً... رويدا
في تلك القرية الساحرة الخلابة
الزاخرة بالوحول والمستنقعات
ونقيق الضفاضع
في أقصى أقاصي الأرض
ممسوخة من ذاكرة الوطن
والعالم 
وكنت أرى براعم الشعر
تتفتق أكمامها على جدران منزلنا
وعلى أغصان أشجار بساتين قريتنا
وتتلألأ في الغيوم الداكنة
في الشتاء
وتومض كالشهب في ليالي الصيف
حين كنتُ أستلقي على فراشي
فوق سطح بيتنا
ممعناً النظر في السماء
حيث يتوسد الإله آشور فراش االشمس
وممالك السموات.
******
وتتفتح أزاهير الأمل أمام ناظري
 أكثر جمالا وبهاء
كلما طال قوامي شبرا
واستقام عودي.
*****
كان أبي يركع خاشعاً
للمقدسات الكامنة في أعماق الأرض
قبيل شروق الشمس
ثم ما يلبث أن ينفخ في التراب
فيخلق لنا أرغفة خبز أطيب من اللوز
ومن العنّاب
وفي المساء
يعلق في سقف بيتنا قمراً من الأرجوان
وفي النهار
يفجّر لنا الماء من قلب الصخر
ويهز أغصان النجوم
فتنهمر الأثمار من كل صنف ولون 
وفي آخر الليل
يذرع السماء جيئةً وذهابا
ويمر مزهواً تحت ظلال الموت
تحوم فوق رأسه هالة من الشموس
فيوحي إلى الله
ما خطه في كتاب أساطير سومر
وبابل... وآشور.
******
قال جدي
مخاطباً كاهن قريتنا البدين المخنّث الأبله:
أيها الأغبى من الصرصار
من أين لك أن تعرف أسرار الكون
وتتكلم باسم الله
وأنت تتضور جهلا
 في شرنقة مزوّقة بالخرافات
صلِّ لإلهك كما تشاء
وكيفما تشاء
ولكن دعني وشأني
أصقل صورة إلهي كما أشاء
ودع أفكار جميع الناس
تنطلق من قوقعة أفكارك الحلزونية
 إلى رحاب الإنسانية الشاسعة
حيث المحبة والعطاء
ومنجزات العقول المتحررة
في كل بقاع الأرض
في خدمة الإنسان
أي إنسان
كائناً من كان
فمن لايجيد فنون السباحة
لن تنجيه دعوات الأولياء والقديسين
من الموت غرقاً.
*******
أيها الإنسان!
كائناً من كنت
من أي عرق أو لون
لو تنزهتَ عن المعتقدات البالية
ووضعت يدك في يدي
بكل صدق
ومحبة
ووئام
سترى السماء أكثر جمالا
والشمس أكثر سطوعا
والعالم أرحب ما يكون
وسيعيش جميع أهل الأرض
في بحبوحة وطمأنينة
في منأى عن الأحقاد والحروب
وسفك الدماء
والمناحات المتتالية
يومذاك....
سنبني عالماً جديدا
راودنا في أحلامنا
ونحن صغارا
ورسمناه على جدران طفولتنا
حيث ينبت الخبز على أرصفة الشوارع
وتجوب الطيور الفضاء آمنةً
وحرةً طليقة
وسيتلألأ الفرح على كل شفاه أطفال العالم
وسيلهون بجدائل الشمس
وسيصبح صعود الأجيال القادمة
على مرتقى السماء
أكثر أمناً وبهجةً وسلاما
وستتلفع جميع مدن وأرياف العالم
بالعطور والأضواء
المنهمرة من نهود الشموس
ويعبر الإنسان بوابة الموت الرهيبة
آمناً... مطمئنا
ويضع زهرة على شاهد قبره
ثم ينام نومة هانئة
في أرجوحة الأبدية.
******
السنابل الباذخة على ضفاف دجلة
يلفها الظلام الدامس
وتصليها أنفاس التنين الأسود
وهي تتأجج شوقاً إلى قطرة ماء
في شواظ الهجير
لتبلّ جذورها الظمأى
برحيق الأمطار.
*******
لن أغفر على الإطلاق
على الإطلاق
جرائم الأنبياء الكذبة بحق شعبي
فتراب الأرض
وحيطان الشموس والنجوم
مخضبة بدماء أطفال أمتي الأبرياء.
******
دثّريني بهدبك
وارميني في بحر الهذيان
وامنحيني رعشات الحمى اللاذعة
لكي أتطهر من ذنوبٍ
 تمنيتُ لو أني اقترفتها
منذ أيام قصيّة
حينما أغلقت فمي على حلمة النار
تساقطت في حضني الأقمار
ثم ما لبث أن انهار سقف السماء
وانهمر الضوء على ضفائر الأمطار.
*******
أمضي في أروقة الليل
أمشي على سلك أوهن من خيط العنكبوت
هو الخيط الفاصل ما بين الظلمة
وأحضان التننين
فصعدت غصن الغيم
لأقطف شعاعاً من النور
حين لمحتُ وجهها يومض في واحة الشمس
ويمتطي خفق أجنحة طيور الرعد
حيث أكواخ العرافين
الذين يقومون بتحضير أرواح الموتى
على ضفاف الخابور الظامي
الذي يشع في الظلمة
والذي كلما ذكرناه
نرتعش حزناً وألما
ولكن..... لا بدّ غداّ
ستتدفق من باطن الأرض ينابيع الضوء
لتغسل وجه الأرض المعفّرة بخطايا الأنبياء.
*******
أغسل وجهي في بركة الشمس
وأتمسح بمنديل الشفق
وأذكر اسم أمي القدّوس
قبل صياح الديك
ثم أعزف على قيثارة أور
أغاني الفتيات العاشقات
يرددها الصدى
في وهاد بلادي
وفي شعاب جبالها
المطلة على مساكن الآلهة
أتهادى مع صوت الناي الجريح
وأنساب في أخاديد الغيم
وأسبح في بحيرة النجوم
حيث ألمح حاملي الراية المرصعة
بجمجمة الإنسان
يلعقون دماء فرائسهم
وقبل أن يلتهموا جثث ضحاياهم
يقسمون ألف مرة
باسم الحمار المقدس
الذي يطل من كوة الماضي السحيق
على مشارف القرن الواحد والعشرين
وهو يتقيأ الوحول والدماء
 والحجارة السوداء.
******
أنا الذي رأى كل شيء
من كوة الغيب
أوغلت في غابة الأسرار
كاشفاً النقاب عن كل خفايا الكون
عثرت على سفر الأقدار
وصرت أكشف خبايا ما قبل الطوفان
وما سيحدث قبل
وبعد قيام الساعة
وأصبحت أدرك ما لا يدركه الأنبياء
اختارني الآلهة العظام
آنو
وأنليل
 وإيّا
وصلى عليّ
وباركني (أدد) الجليل
وأمسكت بيدي ربة الجمال والجلال
(عشتار) المبجّلة
وأدخلتني المقصورة الإلهية
حيث العرش الإلهي
الزاخر بالألوان التي لا يتخيلها الشعراء
والعرّافون
والمنجمون
مهما سما بهم التصوّر أو الخيال.
******

سدني- استراليا
adamhomeh@hotmail.com





4

گلگامش يمخر عباب النار الأزلية


 آدم دانيال هومه.


منذ أن خطا گلگامش الخطوة الأولى
نحو بوابة عشتار البتول
وهو يجرجر وراءه بحر الظلمات
زلزت الأرض
وارتجّت السماء
وصار الجبار المتغطرس
ينظر إلى ردفيها بشهوة عارمة
ويرمق إلى النجوم بسخرية واستهزاء
وامتطى زورق السماء
وطفق يمخر في عباب النار الأزلية
نحو موطن أوتونابشتيم
القاطن على ضفاف نهر الموت
سعياً وراء عشبة الخلود
ولكن جهوده ذهبت أدراج الرياح
حين استسلم للنوم بعد عياء شديد
فبادرت الحية إلى التهام عشبة القيامة
ليتجدد جلدها كل عام
وتعود إلى ريعان صباها
ولما استيقظ من نومه االثقيل
زأر في وجه جبال المستحيل
حاملا زهرة الحلم في عرس عشتار الجليل
هاتفاً بكل ما أوتي من قوة وعنفوان سماوي:
يا شيوخ أوروك الأماجد
صديقي الوفي الأمين
أخي التوأم
أنكيدو الحبيب
جرفه سيل الموت
وارتقى سلالم السماء
واستسلم لنوم أبدي
ليضيء جبينه اللألاء في الليل
وينعكس في مرآة الشمس
ليعبق شذى موته في رداء التراب
ويتعطر جثمانه بالضوء
وقبيل رحيله
يزرع في رحم الكون نطفة الأبدية
وبرحيله
خبا النور من مشاعل العشاق والمحبين
وحمل نعشه الأطفال العمالقة
وندبته مسالك غابة الأرز
وناحت عليه الجداول والينابيع
وبكى عليه نهرا دجلة والفرات
واحتضنته جبال آشور السامقة
وانتحبت عليه عذارى أوروك الحسناوات
ورثته فتاة البهجة سنوات مديدة
بعد أن حرّرت ثدييها من عقالهما
وعرضت جسمها العاري للرذاذ المطهّر
وهي تقيم على روحه صلوات القيامة
تحت جناحي الثور المجنّح
الذي ينطح بقرنيه سقف السماء
وصارت تندب قائلة:
من يصدق أن البلابل تكفّ عن التغريد؟
وأن جذوة الشمس تخبو إلى الأبد؟
فلتدفئ قبره البارد شواظ شموس الأزلية
يا شيوخ أوروك المبجلين
باطلٌ كل شيء تحت الشمس
وزائلة كل المصابيح النابضة في كل بقاع الأرض
والبقاء الوحيد هو لجياد الرياح.
******
قبل بزوغ الفجر
كنتُ أتبارك بدعاء أمي
وقبيل مغيب الشمس
كنتُ أتعطر بأنفاس أبي
فتتفتق أكمام الأزاهير والورود
فوق سطح منزلنا
وتنهمر شآبيب المطر
فوق ديارنا
وترتعش الجذور في أشجار حديقتنا
حينذاك...
كنتُ أرى صورة الله
تتجلى في آفاق قريتنا المسكونة بالبنفسج والجلنار
والرافلة بالأمن
والسعادة
والطمأنينة
قبل أن تداهمها أسراب الشياطين
الموعودة بغرس أنيابها
في نهود محظيات السماء.
******
يتنقلون من رعب إلى رعب
ومن منفى إلى منفى
ليبدأوا هجرتهم في وحول الطرقات
وعلى هجير الثلج
حفاة
عراة
جياع
تطاردهم ذئاب الصحارى
فيستسقون عصير النار
ويلتهمون صبّار الطين
يتراءى أمام أبصارهم
بريق الماء القدسي
المتدفق في عروق الأشجار المثقلة بثمار الأمطار.
******
ما يربو على ألفي عام
وأنا أبكي تحت أسوار بابل
وفوق أطلال آشور
أرثي گلگامش وأنكيدو
وأجدادي الخالدون في القبور المبعثرة
على امتداد جغرافية بلاد الرافدين
أسياد أمجاد الماضي الوضّاح
لم تزل آثار أقدامهم
تتألق على الواحات الممتدة ما بين البحر والبحر
أما اليوم
لازالت على أجثاثهم آثار دماء يانعة
يدفعهم شذّاذ آفاق
إلى بوادي التيه والزوال
حيث العقارب والأفاعي المجنحة
تتناسل تحت أفنان شجرة الحياة
بينما يبشرنا أسياد الأرض والسماء
ذوي الياقات البراقة
والصلبان الذهبية المدلاة من أعناقهم
الغليظة المكتنزة... والدسمة
بأن مملكة إلهنا المخلّص الودود
ليست من هذا العالم
ولكن....
لابد سيأتي يوم ما
سيتحول فيه عرق الكادحين
إلى عرس حافل بكل مباهج الأرض
فالشعب الذي ينبض بالحياة
ما ينيف على سبعة آلاف عام
من المستحيل أن يزول
وحضارة الشمس والجغرافية والتاريخ
من المحال أن تمّحي
أو تموت.
******
أحمل في دمي طقوس الخلق والتكوين
أسمع صدى صهيل جواد سنحريب
يدوّي في مدار الشمس
وهو يعدو على سفوح جبال الجليد
حاملا شعلة الحياة
للذين يؤمنون بأن الله
قد مات منذ ملاين السنين الضوئية.
******
مات أبي
ويداه تعبثان بكنوز الأرض
وقدماه تتطهران بماء السحاب الطهور
وعيناه ترنوان نحو الأفق البعيد
حيث تتقيل الآلهة في أراجيح الرياح
فتضيء في وجهه الجراح
وتفوح كلماته كالبخور في مجامر الأمل
وتضيء في مرايا الحقول
كأنها الحباحب في ظلام الليل
فتشع انعكاسات الشمس في عينيه
وتخضل بين يديه جذور الصخور.
******
أحبابنا المعذبون
المشردون
الضاربون في الآفاق
التائهون في مفازات الهول والضياع
هل يا ترى
ستعود السنونوات من غابات الموت
إلى أعشاشها التليدة
متلفعة بأجنحة الشمس؟
هل يا ترى
ستعود إلى شفاهنا بسمة الأمل
من جديد؟
******
جواد مطهّم شموس
انطلق من كهوف ومغاور الرافدين
قبل سبعة آلاف عام
ولم يزل يجول ويصول
في متاهة غبار الأزمنة والعصور
يحاول اللحاق بالغمامة الحبلى بالأمطار
ليتدفأ بحرارة الشمس االيانعة
ليستعيد شبابه الطازج
ويجلجل صهيله في الآفاق
ليعيد للأرض اسمها الأصيل والجليل
وبسمتها الموؤدة
وديمومتها الأزلية البرّاقة
رافلة بالأمن
والسلام
والوئام
في منأى عن آيات الله المحكمات
والمتشابهات.

وغداً...
لابد ستبدأ رحلة الكادح المعنّى
وهو يلوح بشوق عارم  للشمس
عائداً إلى أحضان أمه العجوز
حاملا لها سنابل النور
هدية عيد ميلادها المصادف قبل الميلاد
ولم تزل في رهافة صباها
مضمخة بالعطر والياسمين
وبخور ملكوت السموات.
******
قال صاحب الصولجان
خرج السيف البتار من غمده
المسلط فوق الأعناق
فجعل العلماء يتحاورون بالصمت
وتتحنّط الأحرف والكلمات
في مدائن الضباب.
******
خرجت من شرنقة الرؤيا
خلعت ثوبها القرمزي الفضفاض
وانسلّت من بوّابة الموت
وألقت سنابل ضفائرها على أكتاف الريح
فحملها الصدى في هودج العاصفة
إلى ردهات الظلال
حيث يفضَ النور بكارة الديجور
ويجتث الحطاب الجذور العاقرة من حقل السنديان
لتتقيل أميرة الليل في أرجوحة الخلود
حيث تباريح القيامة والخلاص.
******
تناولتُ قربان الخبز الحجري
وشربتُ خمر التقديس المعتّق
من الخابية المسحورة
فصرتُ عاشقاً يتنفس شوقاً وحنينا
علقت قيثارتي على حائط الفجر
حين أداعب أوتارها
ينساب العطر في مسام  الأرض
وترقص الغمائم جذلى على أرصفة الرياح
فيتقطر الندى على شفاه الصخور الملساء
وتنبثق براعم الأزهار من بين دموع الثكالى.
******
تجلى الله في ذاكرتي قبل ستين عاما
وفي عامي السبعين
أدركتُ بأن حواسي العشرة
تعلم يقينا بأني من التراب
وإلى الترب أعود
منزّها من الخطايا والآثام
لأدخل الملكوت
وأي ملكوت؟
******
مرتعشاً أتأرجح فوق نهود الثلج
أتمنى لو أستطيع أن أغسل العالم
من براثن الضغائن والأحقاد
تقذفني حنجرة الريح تحت سنابك جواد البرق
ألملم سنابل الضوء من مزارع الظلمات
جنّيات الليل ترقص فوق حبال الريح
أنامل المساء تدغدغ أوتار قيثارة الرعد
فيستفيق أجدادي على أنغام ناي الله
مدجّجين بالتوهج والسطوع.
****
يضطرم البرق في دمي
فأشرب كأساً من النور نخب الله والوجود
أجدل الغبار والمطر
هدية للأرض العطشى
وللسنابل الذابلة على ضفاف الأنهار
أمعن المسير في ضوضاء صلوات الأنبياء
أتقدم قديساً مكللا باللهب القدسي
نحو موائد الآلهة الوثنية
أشم عبير بلادي
يفوح من أردان المواويل التراثية
ومن خمائل أناشيد الشباب
وحين يرقص قلبي على أنغام ناي المآب
تتدفق في ذاكرتي أنوار المواويل الخلابة
ويتراءى أمام ناظري كل الذين حملوا مشاعل النور
على الدرب الطويل
ونثروا غبار الطلع في أوردة البراعم اليانعة.
******
كفاني أني رسمت خريطة آشور
كاملة... وبكل وضوح
في ذاكرة الأجيال القادمة.







5
أدب / قنديل الليل
« في: 00:39 07/10/2023  »
قنديل الليل
بقلم: آدم دانيال هومه.
قنديل الليل
يشع ألقاً بين جدران المفازات
يضيء الطريق إلى مسالك الوصول
إلى ممالك المعجزات.
******
سلام عليك يا أرض الفراتين
أرض الطهارة
والقداسة
والعنفوان
كلكامش
يلقي نظرة خاطفة
من كوّة مفتوحة في الآفاق
إلى العراق
فيتوسل بأتونابشتيم
أن يرسل الطوفان
لتبتهج قلوب آنو
 وأنليل
وإيّا
لتسطع شمس عشتار
أم الكون
على البشرية جمعاء
لتعيد صياغة العالم
من جديد.
******
وداعاً يا تل نصري
أيتها القرية العابقة بالذكريات
الغافية على كتف النهر الحزين
المطرّزة بالنفسج والياسمين
المكللة بالغار والأقحوان
كل الدروب إليك موصدة
حراسها شذاذ آفاق
قدموا من غابات التيه
إلى مملكة الله
فعاثوا فيها فساداً
وإفسادا
وحولوها إلى بركة دم
يسبح فيها الشيطان.
******
 ذات يوم
سنترك آثار أقدامنا الجريحة
على صفحات المياه المقدسة
التي يتعمد فيها أطفال الغد
فينجبون آلهة
تطرد الدخلاء من بيت أبيها
وتحيي الأموات
وهي رميم.
******
رغم كل المآسي والويلات
لا زلنا نتقدم إلى الأمام
مرفوعي الهامات
على أضواء شموع الأمل
نحو واحات المستقبل
لذلك
كان تهجيرنا من وطننا الأزلي
أشبه بتهجير السنونوات من أعشاشها التليدة
لتعود
وتبني أوكنها
من جديد
في أوطانها الأصلية
يقوم بتدشينها
ملاك الرب
على مرأى
ومسمع العالم كله
العالم كله
العالم كله
بدون استثناء.
******
يوماً ما
سيصهل جواد الشعر
في مضارب اللغة المقدسة
لكي
تجعل مقلتيها
تغرورق بكل ألق الدهور
وهي ترهف السمع
إلى تنهدات الآلهة
فتفوح من أردانها
 رائحة المطر
ويزهو على شفتيها
رنين القمر.
******
يقف على رأس المصلين
بكامل قيافته الشيطانية المزوّقة
ليقول لهم:
طوبى لفقراء الروح
فإنّ لهم ملكوت السموات
وهو على يقين
بأن له ملكوت الأرض
 والسماء.
******
الشاعر المبجّل
يتردّد صدى وقع أفكاره
على أرصفة الأمكنة
والأزمان
ليتقيل في آخر المطاف
في أرجوحة الضوء الأزلي
ليلملم الصغار رحيق أزاهير قصائده
من حقول القرى المهجورة
على ضفاف الأنهر العطشى.
******
هي أشبه
بوردة تستحم بالندى
وتتنشف بنسائم الفجر
وتنام تحت ظلال القلب
أعشق الجلنار المتجمد على شفتيها
أصلي عشر ركعات
في محراب عينيها
قبل أن أتوشح برداء الملائكة.
*******
أنا... لا أنوح
بل أعزف... وأغني
ثم أستقر على محور ذاتي المجنّحة.
******
كلما أنظر في عينيها
أسمع خرير دمي
وإذا أماطت اللثام عن ملكوت الثلج
تجمّدتُ في معراج النار.
*****
معلقٌ في الريح
أتأرجح بين مشارق الأرض
ومغاربها
فوق مقابر أجدادي المبعثرة
في كل مكان
منذ ألفي عام
وأرى الدموع السخينة
تنهل من عيني أمي
كرذاذ الضوء
يعبق بالطيب
في جنبات السموات.
*******
نهر الخابور
كانت تجري بين ضفتيه
المياه الإلهية
التي تبخرث
إثر الحريق الذي اندلع
في هبوب الرياح
واجتاح الوادي المقدس.
******
إن الشعاع الذي ينبثق من قلب الشمس
يرى ظله في ندى الفجر.
******
أمخر عباب الأبدية
كحفيف الضوء
أحمل في طيات روحي
غبار الطلع
المتناثر من أقدام الآلهة.
******
يعبد الشيطان
 والأحجار السوداء
ويمنّي النفس
بامتطاء صهوة الريح
إلى الفراديس
التي تثمر كواعباً أترابا.
******
(يا أمة ضحكت من جهلها الأمم)
أما آن الأوان
لتستيقظي من هذا الحلم النرجسي؟
 ******










6
أدب / صهيل التراب
« في: 23:42 06/07/2023  »

صهيل التراب



بقلم: آدم دانيال هومه.
   
ألمح من خلف رذاذ الضوء الأزلي       
زهرة فوّاحة تتلألأ في أقاصي السموات.
*******
عندما يصهل التراب
تنفجر الينابيع
 من بين ثنايا صخور الجبال
ومن بين مسامات الصحراء.
*******
فلاح
يرضع من ثدي الأرض
يلتهم خبز التنور المقمّر
من يد أمه
ويتلو مزامير السنابل
أمام محراب أزلية الكلمة.
********
أقف على الخيط المضاء
المشدود
ما بين أنصال الزمهرير
 وظلال الرياح
أرتل ترانيم الغربة والحنين.
*******
وطني
حلم يتلألأ في ذاكرة التاريخ
رنين على أوتار قلبي المعنّى
مصلوب على آية السيف.
*******
كلما أمعنت النظر في مرآة طفولتي
أرى شعاع الله
يتوهج في أعماق ذاتي.
*******
يومض البرق من بين ثنايا الغسق
كانبثاق الضوء من ذاكرة الثور المجنح
وكشهقة الوردة تحت صليل الندى
قبيل بزوغ الفجر.
********
أنا...
نزيف الجرح على قارعة السحاب
أتموّج بشلالات من الفواجع والنكبات
منذ سطوع الضوء الأسود
وحتى هبوب عواصف الصحراء.
******
كلما ابتعدت عن ظلال الله الوارفة
كلما اقتربت من كنوز الأسئلة المحفوفة بالمخاطر
والتقيت بالشيطان وجهاً لوجه
بدون رتوش أوبراقع مرعبة.
*******
افترشت أزاهير الثلوج
والتحفت زنابق المروج
وغفوت على سجادة الريح
واستيقظت قبيل بزوغ الفجر
على أنغام وتراتيل الآلهة.
*******
مضيتُ في دهاليز البحر
ميمماً وجهي نحو منارة الشروق
فشممتُ أريج الانفجار الأزلي
ينبعث من مغارة مهجورة
في أقاصي أخاديد الأرض.
*******
أمتطي صهوة جواد العاصفة
أنطلق إلى ما فوق سحاب السموات
حيث مدافن كنوز أساطير الأولين
عند سدرة المنتهى
فلا أرى سوى دود الأرض
يتسابق نحو المقابر المزخرفة باليواقيت.
*******
أهل هناك متسع للآلام في قلب هذا الشعب المعنّى؟
على امتداد ألفي عام
يتنقل من معركة إلى معركة
ومن مجزرة إلى مذبحة
ومن تشرّد إلى التيه
ومن التيه إلى الاغتراب
ومن الاغتراب... إلى أين؟
******
الذكريات
بصمات الطفولة البريئة
أزالها الغرباء من مقبض الباب المغلق.
*******
أشتاق إلى كل حبة تراب في بيتنا القديم
إلى كل نافذة
وباب
وجدار
أشتاق إلى ظل أمي
وهي تجوب الدار جيئة وذهابا
بدون كلل أو ملل
أشتاق إلى ملامح أبي
وهو يقرأ الكتاب المقدس للمرة الألف
أشتاق إلى شجرة التوت القائمة في منتصف الدار
وإلى اللوحة الآشورية التشكيلية
دموع ودماء
ممتزجة بتراب أرض الفراتين
ورحلة أبدية مع غبار الرياح.
********
شعبي سيل دماء
ينساب من القرن الرابع عشر
وحتى يومنا هذا
ولم تعلمه التجارب والمآسي والويلات
سوى الطبل والمزمار
وحفلات الصخب والجنون
والمغنين.... البلهاء
والخطب الجوفاء.
********
يقول أبو الحكمة سقراط:
(السؤال هو الذي يقود إلى الحقيقة المطلقة).
******
عندما تفكك مآسي شعبي أزرار ذاكرتي
ألعن كل العالم المتحضّر
وأقولها بالفم الملآن:
كل العالم المتحضّر
وأنزوي... وبكل أسف
وحيداً....
حزيناً...
في ركن باهت
من أركان بعض متاحف العالم المتحضر.
*****
عندما كان في أوج سطوته
كان يتنفس من رؤوس أصابع قدميه
وحينما آل إلى قاع بؤسه وخيبته
صار يتنفس من جراح  وآلام مؤخرته.
******
القرية التي كانت تتلألأ على ضفة النهر
أخمد ألقها الناطقون باسم الله.
******
أتذكر...
وأنا في سن المراهقة البريئة
كانت ثمة بدويات جميلات جداً
تعملن في حقول قريتنا
كنّ سافرات
وبكامل حريتهن
وأناقتهن
وجمالهن الجذّاب
(ككل البنات الآشوريات العصريات
على ضفاف الخابور).
ولكن ...
بعد ثورة الربيع العربي الكارثي
أعلنّ توبتهن
(وهنّ لم يقترفن أي ذنب أو إثم)
وتوشحن بالسواد... على حين غرّة.
********
حينما لامست أناملي أثداء السماء
تكهربت الأرض من تحت أقدامي
وبكيتُ... بكل لوعة وأسى
على الأيام التي مرّت
ومن المحال أن تعود ثانية
ولكني...
ابتسمتُ بيني وبين ذاتي
وبكل جوارحي
ومشاعري
وأحاسيسي
بأني ساعود من جديد
لأعيد البسمات إلى شفاه البراعم الذابلة
وأنير مصابيح الوطن
بدماء الشهداء
لأعيد للأرض نضارتها الخصيبة
لأعيد العصافير إلى أعشاشها التليدة.
*****
adamhomeh@hotmail.com

عضو اتحاد الكتاب العرب سابقاً.





7
أدب / في قريتي تراءى وجه الله
« في: 14:21 18/02/2023  »
في قريتي تراءى وجه الله

بقلم: آدم دانيال هومه.
أسافر مع رفيف فراشة
في الحلم
إلى قريتي المهجورة على ضفاف الأنهار القاحلة.
******
غيوم بلون الحزن
انهمرت فوق قريتي القائمة على رابية الشمس
فاندفعت إلى أحضان الرياح
وتناثرت شظايا على أرصفة الاغتراب.
*****
على أطراف قريتي
حيث تقوم المقبرة
رأيت الأموات يفرون من قبورهم بلا أكفان
لينجونّ بذكرياتهم الضاربة في أعماق ذلك الفردوس المفقود
قبل أن يسطو عليها جند الله
المدججين بالآيات المتشابهات.
*****
قريتي الفاتنة المباركة
أزالها جند الخليفة من الوجود
ولكن صدى عنين نواعيرها بعد منتصف الليل
 لازال يشنّف ذاكرتي.
*****
كلما تذكرت اسمها
يسيل عسل الذكريات على شفتيّ
وتتدفق ينابيع الدمع من مقلتيّ
وأرى الله وجهاً لوجه.
******
عصفور يحلّق في الآفاق القصيّة
ولكن ذاكرته
لم تزل تحوّم فوق البيادر المنسية.
*****
أوصد نوافذ غرفتي
حين أبوح لنفسي
بما يختلج بأعماقي
خوفاً من أن تتنصت الريح لأنفاسي.
*****
بينما كنت أقرأ (الموعظة على الجبل)
لمحت مستقبل شعبي الآشوري
في الآية الثالثة عشرة.
*****
أحبُّ إنسان إلى قلبي وروحي وكياني
بعدما شيّعناه إلى المقبرة
نسيناه... كليّاً
ونحن نتحدث عن ويلات الهجرة والتهجير.
*****
أيها الشاعر الأزلي
أمشِ بين أثلام اللغة المعطرة برائحة التراب
ولا تتسلق شعاب الكلمات
لتغفو فوق سرير السراب
ولا تلمس الحروف الخلبية
ولا تسر في دهاليز القصائد المحفوفة بالألغاز.
*****
عصفور يتوهج على غصن شجرة الأبدية
مبلّل بحروف الأبجدية
ينقر زجاج الأزل
ليعيش تحت أيكة گلگامش.
******
كان يحدّق في الآفاق
صامتٌ
 له وجه الثور المجنّح
يقرأ في كتاب الطبيعة
كما يقرأ الناسك في كتاب مقدّس
وعلى حين غرّة
أمعن الغور في أعماق ذاته
وغاب
تاركاً آثار قدميه على قوس قزح.
*****
أتوسل إليك أيها المتكلم باسم الله
أن تدعني أعبد إلهي كما أشاء
لا كما تشاء أنت.
*****
في الطريق الذي يقود إلى أزقّة قريتنا الصغيرة
االغارقة في الصمت والخراب
نسيتُ ملامح ذكرياتي على حبل الغسيل
في باحة دارنا
التي تغفو على حافة النسيان.
*****
وردة نبتت على طرف الصحراء
تستلذ بوحدتها التي تتقطر ندى على كثبان الرمال.
*****
أوحى إليّ الإبليس المقدس
لا أدري
أفي الحلم أم في الواقع؟
قال: الشعوب المستكينة مآلها الزوال.
*****
عندما تزورين قبري
سنتبادل أنخاب حبنا المنقوع في جرن الأحزان.
*****
في ليل مدلهم بلا نوافذ ولا أبواب
أشق طريقي
وأسير علىى ألغام الجماجم
لأتحرر من شرنقة الخوف
وأكشف أسرار الأنبياء.
*****
وحده...
نبراس الشعر
ينير لنا الطريق إلى الحرية
والكرامة
والسلام
ومراعي السماء.
******
الله الذي أخاف منه
أمقته من أعماق قلبي
لأنه مرعبٌ ومخيف
ولكني على الرغم من كل ذلك
أجامله بالصوم علانيةً
أمام الناس
قائلا: (اللهم إني صائم)
وأرشيه بالصلوات على الطرقات
ليشهد لي الشيوخ والأئمة بأني لست كافرا
وبأني استحق بكل جدارة واقتدار
الحوريات التي وعدني بهن ربي
الصادق
الأمين
الماكر.
adamhomeh@hotmail.com.
عضو اتحاد الكتاب العرب سابقاً.







8



التسمية السريانية
كانت سوريا الحالية تُعرف لدى المؤرخين الإغريق واليونان بأنها إحدى مقاطعات الامبراطورية الآشورية، لذلك أطلقوا عليها اسم (أسيريا Assyria) بمعنى (آشوريا) أو (بلاد آشور). وسموا الشعب القاطن فيها (أسيريان Assyrian) أي (الآشوري). وقد شملوا تحت هذه التسمية كل السكان بدون تمييز بين الجنس أو اللغة أو الدين. ثم مالبثوا أن أدغموا اسم (أسيريا Assyria) وذلك لتسهيل لفظه كما جرت عادة اليونانيين في تغيير اسماء المدن والأشخاص الأجانب لجعلها سهلة أثناء لفظها بلغتهم. فصاروا يلفظون (سيريا Syria) بدل (أسيريا Assyria) كما صاروا يلفظون اسم الشعب (سيريان Syrian) بدل (أسيريان Assyrian). وهكذا، نشأ عن تدغيمهم للإسم ضياع حرف ألف الابتداء منه ما أدى إلى تحريف الاسم كلياً. وقد لجأ اليونان إلى ذلك لعدم وجود حرف (الشين والثاء) في لغتهم، ككل الشعوب الآرية، ما اضطرهم إلى إبداله بحرف (السين). وتأكيداً على ذلك ما يجري الآن على ألسنة الأرمن والأكراد حين يريدون التعريف بشخص آشوري فيقولون (آسوري). هذا ناهيك عن الناطقين باللغات المتفرعة عن اللاتينية كالإنكليزية، والفرنسية، والروسية وغيرها.
@ وقد أثبت ذلك المؤرخ الإغريقي الشهير هيرودوت حين قال: (لقد كان الآشوريون، في طريقهم إلى الحرب، يرتدون الخوذات البرونزية، وكانوا مسلحين بالدروع والخناجر والعصي الخشبية الصلبة المزوّدة بمسامير على رؤوسها، ويلبسون زيّاً في غاية الروعة والجمال، وليس بالإمكان وصفه. إن جميع الشعوب البربرية تسمي هذا الشعب المقاتل بالآشوريين Assyrian  إلا أننا، نحن الإغريق، نسميهم سريانا  Syrian). 
@ وقد أكد ذلك أيضا بطريرك الكنيسة السريانية الأرثوذكسية مار ميخائيل الكبير (1126-1199م) حين ذكر في كتابه التاريخ الكبير قائلا: (إن الآشوريين الذين أطلق عليهم اليونان اسم السريان هم آشوريون قاطبة). ثم ذكر مار ميخائيل ذاته عن البطريرك مار ديونيسوس التلمحري (817-845م) قائلا: ( تقع سوريا غرب الفرات. فالذين يتكلمون فيها بلساننا هم آشوريون، ولكن على سبيل الاستعارة دعيوا سريانا، وهم ليسوا إلا جزءاً من الكل. وأما الآخرون الذين يسكنون شرق الفرات أي في بلاد مابين النهرين فقد كان منهم ملوك عظماء كثيرون، أي في آشور، وبابل، وأورهاي).
في توضيح الآباء الدومنيكان لمقدمة قاموس (كنز اللغة السريانية) للمطران توما أودو أورد ماترجمته: (إن مفردة سورايا (سورِيِأ) وسوريايا (سوريِيِأ) كما أقر وأكد مشاهير العلماء ومنهم الفرنسي رينان قد صيغت من آشور وآشوري. وأبدلوا التاء المركخة، الثاء العربية، إلى السين لسهولة اللفظ فقالوا: آسورايا (اسورِيِأ) وآسوريايا (اِسوريِيِأ)  Assyrianوفيما بعد، وللمزيد من السهولة اللفظية، أسقطوا ألف البداية).
@ والمطران أوگين منّا في قاموسه ( دليل الراغبين في لغة الآراميين) والمطبوع بعنوان (قاموس كلداني- عربي) يقول في كلمة (سورايا سورِِيِأ) (هي اختصار آسورايا اِسورِيِأ أو آثوري). ويضيف في نفس الصفحة: (فلفظة السريان، على أغلب رأي العلماء المحققين متأتية، من لفظة الآثوري محرفة بعض التحريف طبقاً لطبع اللغة اليونانية). 
@ والأستاذ فريد الياس نزها مدير مجلة (الجامعة السريانية) يقول: (كل من له اطلاع في اللغة والتاريخ يعرف أن كلمة سريان أصلها أسيريان وهو لفظ يوناني منحوت عن الأصل آشوريان).
@ أما المطران، البطريرك فيما بعد، أفرام برصوم آثورايا الذي كلفه البطريرك مار اغناطيوس الياس الثالث برئاسة الوفد الآشوري إلى (مؤتمر سان ريمو للسلام) في الثاني من شباط عام 1920م يقول في مقدمة الوثيقة رقم 23 تاريخ شباط 1920 الصادرة عن مطرانية سوريا للسريان الأرثوذكس:  لنا الفخر في أن نحيط مؤتمر السلام علماً بأن بطريرك أنطاكيا للسريان الأرثوذكس قد عهد لنا مهمة وضع معاناة وأماني أمتنا الآشورية القاطنة أغلبيتها في وديان دجلة والفرات العليا ببلاد ما بين النهرين أمام المؤتمر).
@ يقول الكاتب المعروف ابراهيم كبرئيل صومي في كتابه "مقالات في الأمة السريانية": (لقد سُمي شعبنا آسوري بدخول القوات الغربية إلى منطقة بلاد مابين النهرين. وهذا الاسم هو اشتقاق طبيعي من قبيل شعب لايوجد في أبجديته حرف الشين بل السين. والآن، وبعد البحث والتدقيق، نعلم بأن التسمية السريانية تكوّنت، تدريجياً، من التسمية الآشورية أو الآسورية المشتقة أو المنحرفة أصلا من اسم آشور الذي كان صفة إلهية بمعنى البداية أو الأزلية، وهو الآن الله المعبود عزّ وجلّ).
@ يقول الشهيد مار إيشاي شمعون الثالث والعشرون بطريرك الكنيسة الشرقية الآشورية: (إن الاسم الأصلي الذي يشترك الآشوريون قاطبة في استعماله اليومي مشافهة إلى يومنا هذا هو اسم [سوذيا سورايي] مع إسقاط حرف الألف من أوله لأنه حرف صامت. وإذا لفظت هذا الحرف فيصبح الإسم (اسوذيا آسورايي) وهذا يعني حرفياً أنسال وأحفاد [آشور] الذي هو، بدون أدنى شك، أصل اسم [آسوري] كما يلفظه الأرمن والكرد، وآشوريين كما يلفظه العرب والفرس إلى يومنا هذا).
@ يقول المطران مار يوحانون دولباني مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية في مقابلة له مع محرر مجلة حويدا حويودو الصادرة في السويد: (لقد سبق لي ولغيري من الكهنة أن كتبنا عن القضية الآشورية نثراً وشعرا. ولم نكن نفرّق، إطلاقاً، بين آشوري وسرياني. وكنا نؤكد بأن الاسمين هما لمسمّى واحد. وأننا جميعا أبناء أمة واحدة. وإننا نعتبر حمورابي، سركون، سنحريب، مار أفرام، مار يعقوب، نعوم فائق، وآشور يوسف هم آباء وأجداد هذه الأمة. ويظهر أن بعض رجال الدين، بعد الخمسينات، أخذوا يعتقدون بأن هذه التسمية فتحت لها آفاقا اجتماعية وثقافية وسياسية عن طرق منظماتها وجمعياتها، وأن مثل هذه النهضة المباركة قد تزعزع الكراسي من تحتهم، وبالتالي تفقدهم تلك السلطة التي مارسوها أجيالا وأجيالا).
@ المؤرّخ التركي البروفسور شمس الدين غونالتاي في كتابه "تاريخ الشرق" يقول: (بأنّ مدينة أورهاي (أورفا الحالية) أسستها القبائل الآشورية (On-Asurilar). ويضيف قائلا: (بأن أبناء كنيسة السريان القديمة (Qadim Surianilar) هم أحفاد الآشوريين السوبارتيين (Subari Asurilar). 
@ أما الأب الرحالة ساوثغات لدى زيارته، في ثلاثينات القرن التاسع، مناطق طور عبدين ودير الزعفران فيقول: (وما أثار دهشتي هو تشابه “Assuri” التي يطلقها الأرمن على السريان في تركيا، مع “Assyrians” التي نطلقها على من ينسبون أنفسهم إلى آشور).
@ مجلة (دراسات الشرق الأدنى) الصادرة في تشرين الأول 2006م، وفي موضوعها الرابع المنتشي بروح الاحتفال كتبت مهللة: (كتابة على صخرة عمرها 2800 سنة ألقت الضوء من جديد على المصطلح الحالي آشوري (Assyrian) والعلاقة بينه وبين المصطلحات الأخرى سورويو (Suroyo) وسوريويو (Suryoyo) وأسورويو (Asuroyo) حيث يرى البروفيسور روبرت رولينغر أن اللغز قد حُـلَّ أخيراً. فالمصطلحات سورويي (Suroye) أو سوريويي (Suryoye) لا تعني سوى الآشوريين (Assyrian). وبدون أدنى شك تؤكد أن اسم سورياSyria  ومرادفاتها هي مجرد نسخ مختصرة من اسم آشور (Assyria).
@ أما مالك باقو مالك اسماعيل فيقول: (والحق يجب أن يُقال، أننا لم نكن نُعرف باسم الآشوريين (اةوذيا) حرفياً، ولم نكن ندعوا أنفسنا بهذا الاسم قبل القرن التاسع عشر تقريباً. ولكننا كنا معروفين، كلياً، باسم (آسورايي اسوذيا) بصيغة الجمع والذي كان يشمل جميع طوائف شعبنا من سريان وكلدان وآشوريين. والمفرد منه [آسورايا  اسوريا] وذلك بتسكين حرف الألف وإبدال الشين إلى سين. ومما لا يستطيع أحد نكرانه أن هذه التسمية متجذّرة أصلا عن تسمية [آشوري  أةوريا] وتتضمن نفس الحروف. ودليلا على ذلك أن الإخوة الأرمن الذين عشنا بجوارهم، وكانت بعض قرانا خليطاً من الشعبين، كانوا، منذ عصور سحيقة في القدم، ولازالوا يسمّون الواحد منا [آسوري]. وكذلك الأكراد أيضا. فبناء على ذلك يحق لي أن أسأل أولئك الذين يعادون الحقيقة والواقع والتاريخ من أين جاء هذا الاسم [آسوري]؟. أليس هو ذاته الاسم [آشوري] الذي يطلقه علينا الفرس والعرب؟. فبناء على هذه الحقيقة الدامغة ينبغي على كل آشوري، أينما كان، ولأي مذهب كنسيّ قد انتمى، أن يفتخر كل الافتخار، ويعتز كل الاعتزاز بهذا الاسم العريق. ويجب، في الوقت ذاته، أن لا يساوره أدنى شك بأنه، وبكل ثبات ويقين، الحفيد الأصلي والأصيل لأولئك الملوك الجبابرة الذين سطّروا أروع ملاحم البطولات والإنجازات العلمية والثقافية على صفحات التاريخ. وأن الدم الذي كان يجري في أوردة وشرايين كلكامش، نارام سين، حمورابي، تغلاتبلاصّر، شلمنصّر، شميرام، سركون، سنحريب، آشور بانيبال، ونبوخذ نصّر هو، بكل تأكيد، الدم ذاته الذي يجري، اليوم، في عروقه وأوردته وشرايينه).
@ لما انتشرت الديانة المسيحية بين الآشوريين على يد الرسل الوافدين من بلاد سوريا [سوريا وفلسطين] أهمل المتنصرون اسمهم الأصلي [الآشوري] لنفورهم من كل ما يشعرهم بالوثنية حسبما كانوا يظنون، وتسموا باسم السوريين أو السريانيين نسبة إلى الرسل الذين جاؤوا يبشرونهم بهذه الديانة الجديدة حتى بلغت محبتهم لها لدرجة أنهم حاولوا طمس كل أثر يختص بآبائهم وأجدادهم الآشوريين الوثنيين حسب اعتقادهم الخاطئ. ولكن لم يكن الاسم السرياني، يومئذ، يشير إلى شعب بذاته وإنما إلى كل من كان يعتنق الدين المسيحي. لذلك شمل اسم السريان (سوذِيًأ) كل الشعوب التي اعتنقت الديانة المسيحية بما فيهم اليونان، الأرمن، العرب، الفرس، الأحباش، الهنود، الأتراك، الصينيين وغيرهم. وهكذا احتلت كلمة السرياني [سورِيِأ] محل كلمة مسيحي [مشتحيِيِأ]. ويؤكد ذلك ما جاء في [تاريخ مار إيليا بر شينايا] مطران نصيبين(975-1046م) حيث يفسّر كلمة [سرياني] بكلمة [مسيحي]. ولازال أبناء شعبنا الآشوري، بجميع مذاهبه وحتى يومنا هذا، يستعملون كلمة [سرياني سوريا] للدلالة على الديانة لا على القومية. لأن هذا الاسم ، لديهم، مرادف لاسم [المسيحي مشتحِيِأ] من أي أمة أو جنس كان. أما حين يريدون الإشارة إلى الصفة القومية فإنهم يستعملون كلمة آشوري (اِةورِيِأ) علماً بأن أبناء كنيسة المشرق الآشورية، وكتّابها، ورجالاتها كانوا منذ عهود المسيحية الأولى، ولازالوا حتى يومنا هذا، حين يرد معهم الاسم السرياني يكتبونه [آسورايا اِسورِيِأ] ويلفظونه [سورايا اْسورِيِأ] أي أنهم يضعون لدى كتابتهم هذا الاسم بلغتهم الأم، خطاً أفقياً صغيرا فوق حرف الألف للدلالة على أنه يكتب ولايلفظ. وهذا ما نجده في الكتب الطقسية العائدة لهذه الكنيسة ابتداء بمار أفرام العظيم، ومار نرساي الملفان، مروراً بمار عبديشوع الجدالي، ومار عبديشوع الصوباوي، ووصولا إلى الشهيد مار بنيامين شمعون وحتى يومنا هذا.
بقي لزاماً علينا أن نؤكد بأن (السريانية) لم، ولن تكون، يوماً، صفة قومية أو لغوية لشعبنا الآشوري. وقد أدرك، ذلك جيداً، الأبناء البررة من الأمة الآشورية الذين ينتمون، مذهبياً، إلى الكنيسة السريانية الأرثوذكسية، والذين حملوا مشاعل اليقظة على طريق النضال القومي، وسجلوا أسماءهم بحروف من نور على صفحات تاريخ أمتهم، وكانوا بذلك في طليعة دعاة الفكر القومي الآشوري في القرنين التاسع عشر والعشرين، وقد اقتفى آثارهم، ولازال العديد من المخلصين الشرفاء الذين يعتزون بانتمائهم إلى أمتهم الآشورية ونذكر منهم على سبيل المثال لا الحصر: الشهيد البروفيسور آشور يوسف (1858-1915) أحد رواد الصحافة الآشورية الذي أقدم الأتراك على إعدامه عام (1915م) حين شعروا بخطورة أفكاره التحررية التي كان يغرسها في عقل ووجدان بني قومه من النشء الجديد على صفحات مجلته التي أطلق عليها اسم (مرشد الآشوريين مىدينا داةوذيا) والتي كان اسمها كاف للدلالة على مضامينها. وكذلك المعلم الكبير نعوم فائق (1868-1930م)، والأستاذ الصحفي البارع فريد الياس نزها (1894-1971م)، والمحامي القدير جوزيف درنا رئيس اتحاد الجمعيات القومية الآشورية في الثلاثينات من القرن المنصرم، والدكتور شمعون ملكي الذي قدم خدمات مجانية، وتضحيات جسيمة في سبيل إنقاذ الجرحى أثناء وبعد مذبحة سيميل الرهيبة حيث أنقذ حياة العديدين في تلك الأوقات العصيبة، ولم يبال بالمخاطر المحدقة به آنذاك. المطران يوحنا دولباني (1885-1969) والمناضل العظيم سنحاريب بالي (1878-1972م) الذي ظل يقود ويدير التنظيمات الآشورية القومية في الولايات المتحدة لعشرات من السنين، والموسيقار الكبير كبرئيل أسعد (1907-1997م) والمحامي القدير شكري جرموكلي (1909-1974م)، ومعلم الجيل حنا سلمان (1911-1981م)، والأديب والشاعر النابغة يوحانون قاشيشو (1918-1997م)، والأديب والمربي عبد المسيح قره باشي (1903_1983م)، والأديب غطاس (دنحو) مقدسي الياس (1911-2008)، واللغوي القدير ملفونو ابروهوم نورو(1923-2009م)، والشاعر العظيم دنحو كورية دحّو (). ولعل أروع ما قاله بهذا الصدد هو الكاتب الألمعي، والمناضل الهمام، البروفيسور في القانون الدولي دافيد برصوم برلي (1901-1979م) الذي صرح إثر مذابح الآشوريين المريعة في العراق عام (1933م) قائلا: (وأخيرا أقول: أجل! إن الكنيسة اليعقوبية هي كنيستي. وإني أفتخر بهذه الحقيقة. ويمكنني أن أقول هذا بصيغة أخرى وهي: أن اليعاقبة هم يعاقبة فقظ من ناحية انتمائهم المذهبي، ولكنهم آشوريون من جهة انتمائهم القومي. لذلك فإنهم يشعرون بعدم الراحة من جراء الظلم الذي يتعرض له جزء من تركيبهم القومي، لأن البعد لا يمزق روابط القرابة، وما من مسافة تستطيع أن تقطع صلة الرحم وأواصر الدم. لأنهم كانوا وسيظلون إخوة إلى الأبد).
@ يؤكد العالم الآثاري الإنكليزي الشهير أوستن هنري لايارد الملقب بـ (أبو الآشوريات) في أكثر من مكان من كتابه [نينوى وبقاياها]:) أن النساطرة أتباع كنيسة المشرق الآشورية، والكلدان الكاثوليك الذين انشقوا عن هذه الكنيسة، والسريان اليعاقبة هم سليلو الآشوريين).
كانت جميع الكنائس والمدارس والشخصيات التابعة للكنيسة السريانية تنضوي تحت التسمية الآشورية حتى تبنى البطريرك مار أغناطيوس أفرام الأول برصوم الملقب بالآشوري (اِةورِيِأ) فكرة العروبة بعد أن حضر عدة مؤتمرات عالمية في جنيف ولوزان مطالباً بحقوق الشعب الآشوري، ولكنه صار، بعد ذلك، المدافع الأولى عن العروبة حتى استحق لقب (قس العروبة).



9
المنبر الحر / 1.اللغة الآشورية
« في: 11:31 03/01/2023  »
1.   اللغة الآشورية
تعتبر اللغة من أهم عوامل تكوين وتشخيص أي شعب في العالم، بما فيهم الشعب الآشوري، حيث تلعب، هذه اللغة، دوراً بارزا في انسجامه القومي. واللغة ليست مجرّد رموز تستعمل للتفاهم بين أبناء المجتمع الواحد، ولكنها تـاريخ فكري للأمة، يصل بين أجيالها ماضياً وحاضراً ومستقبلا. ومنظار يحدّد كل مفهوم تعارفت الأمة عليه. فمن ألفاظها لا ألفاظ غيرها يدرك أبناء الأمة الواحدة ما حولهم من حقائق الحياة والكون. وبها يعبّرون عن أفكار أمتهم. وعلى هذا تكون اللغة الوجه الآخر، أو الصورة الناطقة للفكر الذي يخصّ الأمة. كما أن الوعي السياسي والقومي عند الأمة لايبلغ مداه الأبعد ما لم يقترن بوعي لغوي سليم. واللغة هي العامل الأساسي في توطيد وتمتين وحدة الأمة فكرياً وسياسيا واجتماعيا. فالوعي اللغوي يستند إلى أن اللغة هي وسيلة للتواصل التأريخي والفكري، ومنظار مستقبلي يضمن السلامة للأجيال الصاعدة.
تُعرف كل لغة من لغات العالم باسم الشعب الذي يتكلم بها، وعلى سبيل المثال لا الحصر: الفرنسي لغته فرنسية، والانكليزي لغته انكليزية، والروسي لغته روسية، والهندي لغته هندية، حتى الكردي، ذو اللغة الهجينة، لغته كردية باستثناء الشعب الآشوري لغته آرامية وسريانية وكلدانية وسورت و... و... و.... كأن ذلك الشعب الآشوري صاحب أعظم حضارة عالمية في التاريخ القديم، وصاحب أعظم مكتبة في تاريخ العالم القديم   لم يكن له لغة معروفة باسمه حتى جاء الآراميون البدو الرحل، الضاربون في الآفاق، وعلموه اللغة الآرامية. أهل يصدق أي إنسان له ذرّة عقل هذه الأكذوبة التاريخية؟ أهل يُصدق عاقل بأن الأسد يتأثر بسلوك الفأر؟ الأمبراطورية الآشورية العظيمة التي استولت على معظم بلدان الشرق القديم، ولها تلك الملاحم التي تُرجمت إلى معظم لغات العالم، أيعقل أن تترك لغتها الأم كليّاً وتتخذ من الآرامية لغة لها بهذه السهولة؟ أم أن العكس هو الصحيح. فالآرامية ليست لغة وإنما هي صفة للملحد. فإذا تفحصنا جميع قواميس اللغة الآشورية فنجد أن كلمة آرامي تعني وثني. فقد كان اليونان يتباهون ويتشامخون اعتزازا بهويتهم الاغريقية ويطلقون، استصغاراً وتحقيرا، على كل الشعوب غير الإغريقية لقب [البرابرة]. أما اليهود الذين اعتبروا أنفسهم فوق كل الشعوب مرتبة لكونهم [بنو اسرائيل، شعب الله المختار] فأطلقوا على كل الشعوب غير اليهودية لقب [آراميين] أي وثنيين. لذلك لاينفك اليهودي يردد في صلاته قائلا: [آراميا تائها كان أبي] . أي وثنياً لايؤمن بالإله يهوه. وعلى هذا النهج سار العرب الذين أطلقوا لقب [أعجمي] على كل من هو ليس بعربي .
لذلك إذا بحثنا عن لفظة [الآرامي] في كل القواميس الآشورية سنجدها مرادفة للفظة [الوثني]. وتأكيدا على ذلك فقد جاءت الترجمة الآشورية للكتاب المقدّس باسم [صورة الأرض] التي يرتقي عهد كتابتها إلى الجيل المسيحي الثاني، والتي أطلق عليها، فيما بعد، اسم [فشيطةا] أي البسيطة. فقد ورد فيها الاسم الآرامي ليشمل جميع الأمم غير اليهودية. ومن هذا المنطلق فقد رأى آباؤنا المسيحيون الأوائل في الآرامية تسمية مرادفة للوثنية لذلك اشمأزوا منها ونبذوها. وقد انتقلت هذه الحساسية تجاه تلك التسمية المنبوذة إلى الأبناء والأحفاد على مرّ الأجيال والعصور. لهذا فقد ظلت التسمية الآرامية صفة ملتصقة بكل من لم يعتنق الديانة المسيحية كالنبط، وأهل حرّان .
ويخطئ الكثيرون حين يستندون، بدون تفكير أو تمحيص، إلى ماورد في سفر إشعياء على لسان [ألياقيم] الذي خاطب ربشاقا قائلا: (كلم عبيدك بالأرامي لأننا نفهمه، ولا تكلمنا باليهودي في مسامع الشعب الذين على السور) . لذلك، نتيجة إيمانهم المطلق بالتوراة اليهودية، نجد معظم الآشوريين، بكل مذاهبهم الدينية، قد انساقوا وراء رجال الدين  الذين يطلقون على اللغة الآشورية اسم اللغة الآرامية، ويؤمنون إيماناً مطلقا بأن السيد المسيح قد تكلم الآرامية وهذا ما يجعلها لغة مقدسة. وإذا سلمنا جدلا بأنه كان، هنالك، شعب آرامي قبل الميلاد ولكنه، حسب شهادة كل المؤرخين، كان عبارة عن قبائل رحّل تتنقل في البادية، وأن ظروف الصحراء كانت تدفعهم إلى اللجوء إلى البقاع الحضارية، على شكل عصابات، سعياً وراء السلب والنهب. وظلوا محاصرين في البادية السورية إلى أن سمح لهم الآشوريون بالتنقل إلى مناطق أخرى ضمن حدود الدولة الآشورية طلبا للرزق.
لم يستطع الآراميون أن يفلحوا، أبدا، في تأسيس كيان سياسي يضم تلك القبائل البدوية غير المستقرة. كما أنهم لم يتمتعوا بثقافة خاصة بهم، أو يشكلوا نواة حضارية، أو يقوموا بأي دور في شؤون البلاد السياسية أو الاقتصادية. ولم يتركوا أي أثر ذي قيمة على المستويين الحضاري أو الثقافي أو اللغوي.
1. الآرامية مرادفة للوثنية. ولا تتضمن معنى قومياً على الإطلاق. ولاتمثّل أي مجموعة بشرية على وجه الأرض في الوقت الراهن.
2. الاسم الآرامي لم تكن له ركيزة أساسية يعتمد عليها ليستمر في الوجود. لذلك فقد زال وتلاشى كلياً. ويحاول، الآن، إحياؤه بعض المنحرفين وذوي الأصول الهجينة وفي طليعتهم كل الحاقدين على الآشورية.
3. رغم ادعاء بعض السذج بأن التسمية السريانية أطلقت، من قبل اليونان، على الشعب الآرامي ولكنهم يدركون جيدا بأنه ليس، هنالك، أي رابط لفظي بين التسميتين. وهم على يقين بأن التسمية السريانية تحريف لفظي عن الآشورية ليس إلا.
فهل يُعقل أن تكون آشوري القومية ولغتك آرامية أو سريانية؟
وهل يُصدق عاقل بأن الآشوريين قد تخلوا عن لغتهم القومية الآشورية التي تكلموا وكتبوا وقرأوا بها لقرون طويلة، ودوّنوا بها أروع الآداب والفنون والملاحم وجميع المنجزات الحضارية التي لم تزل مائلة في معظم متاحف العالم، أيعقل أن  تخلوا عن هذه اللغة العظيمة، وهم في قمة قوتهم العسكرية، وعظمتهم الحضارية وتبنوا اللغة الآرامية التي تنسب إلى الآراميين تلك القبائل البدوية دائمة الترحال من مكان إلى آخر، ولم تعرف الاستقرار في مكان باستثناء بعض الإمارات في البادية الشامية، وقد قدموا من شبه الجزيرة العربية .
يشهد جميع مؤرخي العالم بأن الأمبراطورية الآشورية قد استمرت خمسة آلاف عام على ذات الأرض التي وجدت عليها لأول مرة في التاريخ، وامتد نفوذها  ليشمل العراق وسوريا ولبنان وفلسطين حتى مصر وأجزاء من إيران وتركيا، وبكل قوتها العسكرية الضاربة، وملوكها الجبابرة، وتاريخها وحضارتها العريقة التي أنارت العالم القديم قد تخلت كلياً عن لغتها بهذه السهولة والبساطة لتتخذ لغة غريبة لقبائل بدوية خارقة في الجهل والأمية خارجة من الصحراء العربية القاحلة والمظلمة وضاربة في الأرض من مكان إلى مكان سعياً وراء السلب والنهب واللصوصية في البادية السورية لم تستطع أن تقيم لها كياناً مستقلا كباقي الأمم والشعوب الأخرى. فهل هناك من أوتي ذرّة عقل يصدق هذا؟.
* الكاهن حسني واصف من نابلس- فلسطين كاهن ورئيس متحف السامريين يؤكد في مقابلة تلفزيوينة: (بأنّ التوراة اليهودية والأحرف العبرية هي آشورية. وذلك عندما غيّر عزرا اللغة السامرية إلى اللغة الآشورية قبل ألفين وسبعمائة عام).
* يقول الكاتب الأرمني آرام أورشانيان: (قبل أن يخترع ميسروب الأبجدية الأرمنية كان الأرمن يقرأون الانجيل باللغتين اليونانية والآشورية) .
* يقول المطران إقليميس يوسف داود الموصلي مطران دمشق في كتابه اللمعة الشهية: (نعم! إن صروف الدهر لم تُبقِ لنا شيئاً من آثار الآراميين الأولين الذين شُهروا خاصة في مملكتي بابل ونينوى اللتين تشهد لهما التأريخات القديمة بالعمران الفائق والفضل على سائر الأمم في العلوم والمعارف وهما من أقدم ممالك الأرض. إلا أننا عندنا ما عدا شهادات التأريخات المذكورة شهادة جليلة على قدم اللغة الآرامية من الكتابات المنقوشة على الأحجار التي منذ خمسين أو ستين سنة بُدء أن كشف عليها في موقع نينوى القديمة بجوار الموصل وبابل القديمة. وهي مكتوبة بالقلم القديم الآرامي الذي يُقال له المسماري لأن حروفه تشبه المسامير والتي بلا شك هي مكتوبة باللسان الآرامي) .
أبحق الشيطان أليس هذا هو الهذيان بعينه؟ أهذا هو المؤرخ النزيه الذي يحرّف اللغة الآشورية المسمارية إلى اللغة الآرامية؟ مع العلم أن كل المؤرخين والمستشرقين يسمونها اللغة الآشورية.
ولكن المؤرخ والمطران الجهبذ إقليمس داود بعد ذلك ينسى اللغة الآرامية كلياً ويبدّلها باللغة السريانية. مع أنه لا يوجد أي جذر لغوي بين الآرامية والسريانية، كأن تقول اللغة الكردية هي ذاتها اللغة الفرنسية.
ثم يضيف في مكان آخر: (أما اللغات السريانية المعروفة اليوم فمنها ما هو مكتوب ومنها ما هو غير مكتوب. فأول اللغات السريانية المكتوبة المعروفة هي لغة بابل، ثم لغة العراق التي يُقال لها المندائية. أما لغة بابل فهي المستعملة اليوم في بابل وأعمالها أي في العراق وآثور وسائر بلاد المشرق في الدول النينوية والبابلية المشهورة وهي التي نزل بها سفر دانيال النبي وغيره من أسفار العهد القديم) .
ماذا نستنتج من قوله: (أما لغة بابل فهي المستعملة اليوم في بابل وأعمالها أي في العراق وآثور وسائر بلاد المشرق في الدول النينوية والبابلية المشهورة). أليست هذه هي ذاتها اللغة البابلية الآشورية التي لم يزل يستعملها أبناء الأمة الآشورية؟ وماهي الدولة النينوية؟ أليست هذه الدولة الآشورية التي يعرفها العالم كله؟ ولماذ يحاول تقزيمها في دولة نينوى مع أن نينوى هي مدينة وليست دولة.
ويذكر في مكان آخر قائلا: (إن المذهب الشائع بين العلماء أن الكتابة أخترعت أولا لدى الأمة الفينيقية. ولكن عند التحقيق يظهر أن الكتابة لم يخترعها الفينيقيون ولكن اخترعها حدثٌ لدى إحدى الشعوب السريانية المشهورة أكثر ما يكون كالبابليين والآشوريين. وهؤلاء علموها للأمم المجاورة لهم من جملتهم الفينيقيون الذين نقلوها إلى اليونانيين) .
ثم يستطرد قائلا: (وأما أن الفينيقيين تعلموا الكتابة من البابليين والآشوريين فعندنا أدلة تبين ذلك بنوع من التأكيد. وذلك أولا أن الفينيقيين شُهروا بعلم سير البحر وبالتجارة وبعض الصنائع، بخلاف الآشوريين والبابليين  فإن التاريخ يشهد لهم بأنهم قامت لهم ممالك العالم وأنهم وضعوا قبل كل الأمم المعروفة أساس العمران في الدنيا، وإنهم اشتدت دولتهم وشوكتهم في العصور المتتابعة وامتدت سلطتهم إلى البلاد الشاسعة حتى بلاد مصر، وظهرت عندهم أولا العلوم والمعارف والآداب التي لا يمكن الاستغناء فيها عن الكتابة ولا سيما علم الهيئة أي علم الأفلاك والرياضيات وما أشبه ذلك. وقد روى أحد المؤرخين القدماء إنه لما فتح الاسكندر ذو القرنين مدينة بابل  وجد فيها أن علماءها قد كانوا حفظوا أرصاداً فلكية مكتوبة منذ القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد أي منذ عصر ابراهيم الخليل، وفي ذلك الزمان لم يكن الفينيقيون مشهورين بشيء من العلوم، فلا يقبل العقل السليم أن البابليين تعلموا الكتابة من الفينيقيين. وإن إقليمس الاسكندري الذي عاش في القرن الثاني بعد المسيح روى أن كثيرين من القدماء ذهبوا إلى أن السريان هم الذين اخترعوا الكتابة. وقال بلينيوس الفيلسوف المشهور الذي عاش في القرن الأول بعد الميلاد: [ إني أرى أن الكتابة من استنباط الآشوريين]) .
من البدهي أن إقليمس الاسكندري لما قال: بأن السريان هم الذين اخترعوا الكتابة كان يعني بهم الآشوريون حتماً وليس السريان الحاليين.
يقول الأستاذ يوآرش حيدو: (أولاً: إن التسمية السريانية أطلقها اليونانيون على الشعب الآشوري، وبالتالي فإن السريان آشوريين .ثانياً: لا يوجد شعب آرامي حيث كان اليهود يطلقون كلمة آرامي على الشعوب الأخرى مثلما كان الإغريق يسمون الشعوب غير الإغريقية بـ " البرابرة " .ثالثاً: لا يوجد لغة آرامية في سوريا مغايرة للغة التي كان يتكلم بها الآشوريون والبابليون .رابعاً: إن ما قيل عن صراع الآشورية مع الآرامية وهزيمة اللغة الآشورية هو محض خيال . خامساً: إن الآشوريين والكلدانيين المعاصرين يتكلمون اللغة الآشورية القديمة ولكن مع بعض التغيير. ومن هذا نستنتج أن اللغة الآشورية لم تنقرض، ولم تتخلَ عن موقعها لأية لغة أخرى، وإن اللغة السريانية هي امتداد للغة الآشورية البابلية ذاتها .سادساً: حروف الأبجدية هي من ابتكار الآشوريين، أيضا، لا من ابتكار الفينيقيين كما يزعم البعض .سابعاً: الأدب السرياني يجب أن يسمى بالأدب الآشوري) .
* يقول الباحث اللغوي الآشوري العالمي فرد تميمي : (إن فك رموز آلالف الصور والرسوم البارزة العائدة إلى شعب [المايا] وترجمة كتاباتهم تبين وبشكل جلي وواضح التشابه ليس في اللفظ فقط وإنما في المعنى أيضا مع اللغة الآشورية. ومن هذا نستدل على أن أول سكنة أمريكا جاؤوا إليها مباشرة من العراق القديم عن طريق البحر، حيث أننا نجد جدران القصور الآشورية رسوما تمثل الأساطيل البحرية وهي تمخر عباب البحار ومن المحتمل جدا أن تكون هذه السفن أكثر قوة من تلك التي استعملها كولومبس. ولو كان في إمكان أية حضارة أن تعبر المحيط في تلك الحقبة الزمنية فإن الآشوريين كانوا يمتلكون من الخبرة والقدرة ما يؤهلهم للقيام بتلك الرحلة وإيصال حضارتهم إلى سواحل العالم الجديد). ولقد قام السيد تميمي بفك رموز كتابات أثرية وجدت منقوشة على (400) صخرة تم العثور عليها في الفترة ما بين سنة 1940-1947 في وادي [سسكويهانا] بولاية بنسلفان. وهذه الكتابات تذكر بوضوح بأن قوة آشورية مكونة من [70] سبعين ضابطا، وجيش يقدر ب [3000] ثلاثة آلاف رجل قد استوطنوا هذا الوادي وذلك في الفترة التي يرجح أن تكون سنة 371 قبل الميلاد، وأن الأحرف التي وجدت على تلك الصخور هي ذاتها التي لا تزال تستعمل من قبل الآشوريين حتى يومنا هذا. ويعقب قائلا: (لقد درست لغتي الآشورية طيلة حياتي. وأنا على يقين بأن الآشوريين المعاصرين قد حافظوا على لغتهم بصورة صافية نسبياً. وقد وصلتنا هذه اللغة عبر تسلسل زمني للكتابة. منذ الكتابة التصويرية حتى الكتابة الأبجدية. وإنه من الخطأ التأريخي أن نقول أن حضارة الآشوريين قد تلاشت. وهذا الخطأ شائع بين المؤرخين واللغويين غير الآشوريين الذين يجهلون أن اللغة الآشورية المستعملة اليوم ترقى بصورة مباشرة إلى الأبجدية الأولية أي الكتابة الصوّرية التي تعود إلى عدة آلاف من السنين. وأظن أن العلماء الغربيين، نظراً لجهلهم باللغة الآشورية المعاصرة ومعانيها، فقدوا بذلك إرادات نفيسة، ولعلهم بذلك فقدوا مفتاح معرفة الماضي) .
* وفيما يتعلق باللغة الآشورية كان بريصان صاحب كتاب [شرائع البلدان] يقول: (إن اللغة القديمة [الكلاسيكية]، التي يطلق عليها خطأ [الآرامية] تسيء إساءة بالغة إلى الآشوريين، لأن هذه اللغة هي لغة التراتيل الدينية ليس إلا، وعلينا أن نحيي لغتنا المتداولة [السوادية] ونكتب بها أدبنا، فهي لغة الحياة. أما الذين يتعصبون إلى [الكلاسيكية] فإنهم يمهدون للقضاء على الاشوريين).
وفي عهد هذا الشاعر الفيلسوف كان الآشوريون يردّدون أغانيه وألحانه التي افتتن بها الفتيان والفتيات، وخاصة في الدبكات وحفلات الرقص في مدينة الرها. وعلى الرغم من المحاربة الشرسة التي لقيها بريصان من بعض رجال الدين إلا أن معظم الشعراء الآشوريين أمثال مار أفرام، مار نرساي، مار اسحق الأنطاكي، وغيرهم كانوا يكتبون أشعارهم على غرار شعر برديصان.
وبرديصان كآشوري كان يفتخر بقوميته ويعتز بها. فيروى عنه أن بعض طلابه سألوه يوما: (لماذا لا تكتب باللغة اليونانية؟ فأجابهم قائلا: أنا آشوري وسأكتب بلغة أمي. وإن شاء أحدكم فليترجم كتاباتي إلى أية لغة كانت).
يقول الأستاذ الشاعر والأديب لطيف بولا: (إذا،ً ماذا نسمي لغتنا ولازلنا في موطن أجدادنا نتحدث بها وهي أعرق لغة عرفها التاريخ؟ هل يحق لأحد أن يسميها بأسماء أخرى كما يحلو له؟ فقد سُميت عند البعض النبطية، النصرانية، فليحي، ولغة گاور[أي لغة الكفرة] واسماء أخرى كثيرة. كل هذا حصل بسبب الضعف والجهل والضياع الذي أصاب أبناء شعبنا، وغياب النظام السياسي كبقية الدول للحافظ على اللغة بتدريسها ونشرها بين الناس وخاصة بين أبنائها الذين يجهلون الكثير الكثير عنها فراحت تشكو الغربة والاندثار وهي في عقر دارها مع كل الاسف الشديد. لهذا نريد أن نقدم إيضاحاً حول تسمية مصطلح [السريانية] وعلاقته بالآشورية. فلو رجعنا إلى النصوص المسمارية القديمة بحدود 1800 ق.م كان الآشوريون يطلقون على أنفسهم آشورايا اِشورِيِأ [ashshuraya] بتشديد الشين، وفي العصر الوسيط [1360-911 ق:م] جاءت في ألواح مسمارية بهيئة اِشورِيِأ (ashuraia -آشورايا) بتخفيف الشين، وفي العصر الحديث (911—612 ق:م) وفيما بعد لفترة بصيغة اِشورِيِأ (ashshuraya-آششورايا) بتشديد الشين عودة الى التسمية الأولى، وفي العصر الأخير ويطلق عليه عند الباحثين بالعصر الحديث، ففي هذه الفترة ظهرت مجموعة بشرية في المنطقة عرفوا باسم الليديين [من أصل إغريقي]. فقد جاء وفد منهم وقدم هدايا للملك الآشوري فاستغرب الملك وقال: (أنا لم اسمع هذه اللغة من قبل) لأنهم كانوا خارج هيمنة السلطة الآشورية، وعادوا من حيث أتوا، قد كتبوا عن الآشوريين ما سمعوا وما شاهدوا، فكتبوا اسم الآشوريين بهيئة السريان (assyrian) .السؤال لماذا دونوه بهذا الصيغة؟ الجواب: لأن الإغريق لا وجود لحرف الشين في لغتهم. والأمر الثاني أن حرف (y) في الإغريقية يقرأ بصوت (أو u وليس أي)، الشئ الآخر أن(N) في الإغريقية هي نون النسبة كما هي الياء لدى الأكاديين والآشوريين والبابليين. وكما هو حرف (N) اليوم في اﻻنكليزية. إذن إن كلمة [السريان] هي تحريف من كلمة (assyrian) وهي نفسها (ashshuraya—اششورايا)، ولا يزال في العامية [سورايا]. ولا ننسى بأن الياء في  السريانية تأتي أيضا [ياء النسبة] ثم حذف حرف الألف. وهنا  واليوم في السريانية يكتب (آسورايا) ولكن لا يلفظ صوت الألف وهذا وارد في اللغات السامية ولهجاتها وهنا يكمن سر المعنى والمغزى. وعندما بدأ الآشوريون بترجمة التراث الإغريقي في فترة ما بعد الميلاد بدأت كلمة السريان [Assyrian] تأخد مكانتها في الأدبيات الآشورية بمثل ما وردت في الكتابات الإغريقية ، ولا ننسى أن الحثيين كانوا يطلقون على الآشوريين أو يلفظون اسم آشور ب(sur-سور) بحذف حرف الألف. أما الفرس كانوا يطلقون على بلاد آشور اسم [شورستان]  بحذف حرف الألف، بحسب ما جاء في كتاب العالم نولدكة [اللغات السامية]. وإن سبب حدوث اختلاف وخلاف من قبل الباحثين ودارسي التاريخ السياسي للشعوب هو عدم إلمامهم باللغات القديمة [الآشورية والبابلية والسومرية] ، نعود ونقول: إذن من نكون نحن؟؟؟ نحن ننتمي إلى بلاد آشور، والآشوريين لا غير. هذه هي الحقيقة) .
يقول الأستاد فؤاد الكنجي: (في حياة أية أمة ليس هناك من وسيلة تلعب دوراً بارزا في وحدتها ونهضتها وازدهارها بقدر ما تلعبه اللغة من دور عظيم في النهضة والتطور. ولذلك تبقى اللغة الآشورية، لغة الأمة الآشورية، وسيلة وغاية وهدف باعتبارها هوية وانتماء الأمة الآشورية لايمكن تجاوزها بأي شكل من الإشكال من حياتنا كأبناء لهذه الأمة لنجاحها وازدهارها وتقدمها ورفع شأنها بين الأمم .وعليه فان اللغة الآشورية لعبت، على مر العصور، دوراً فاعلا ومهما في تعريف شعوب الأرض على أنشطتها الفكرية والإبداعية للمفكرين والمبدعين والفلاسفة وأدباء وفنانين الأمة الآشورية، وقد ساهمت هذه اللغة في رفع شان الأمة من خلال إثراء مجال الفكر والعلم والأدب والفن بنشر وعي ثقافتهم وحضارتهم، وقد استطاعت اللغة الآشورية إيصال رسالتها وعلى أكثر من صعيد فكري وفلسفي وأدبي وفني بما فاق انجازها أية لغة أخرى منذ ظهورها الموغل في عمق التاريخ والذي تجاوز اليوم عمرها سبعة آلاف سنة قبل الميلاد. وقد واكبت اللغة الآشورية التطور، كما عبرت الإعمال الفنية النحتية الضخمة بطريقتها عن الأمة الآشورية، بكون اللغة المدونة على الألواح الطينية قد أفصحت التعبير عن ذاتها عن طريق اللغة الآشورية، فعند اكتشاف المكتبة الكبيرة للملك الأشوري العظيم آشور بنيبال التي كانت تغص بالألواح المسمارية والتي وصل عددها إلى عشرات الآلاف من الألواح في شتى المجالات الفكرية والدينية والطبية والتنجيم والرياضيات والتاريخ والأدب والقانون وسائر العلوم التي كانت معروفة في زمانهم،  وهذا الأمر كان خير شاهد على عناية واهتمام الآشوريين بفن الكتابة، وهذا الأمر كان من أهم الأسباب الذي جعل العلماء إطلاق مصطلح [علم الأشوريات] واستعمال تعبير[اللغة الآشورية] على الكتابة المسمارية التي استطاعوا أن يفكوا رموزها .فاللغة الآشورية، عبر التاريخ، برهنت على أصالتها كونها العامل الأساسي لنشر حضارتها الآشورية العريقة وابتعاثها بين حركات شعوب الأرض وأممها، كونها واصلت رسالتها الحضارية لأنها حملت في طياتها قيم التحضر والإنسانية والرقي بربطها بين الإنسان والثقافة وبين الماضي والحاضر والمستقبل) .
يقول الشاعر والأديب أوديشو ملكو كيوركيس: (نعم وكما هو معروف، الآشوريون لم ينتظروا صدور قرار الحقوق الثقافية المذهباني، ولم ينطقوا بالسريانية يوماً في بلادهم الأصلية بلاد آشور وبابل. إذ كانت وما زالت لهم لغتهم القومية العريقة، أي اللغة الآشورية سواء جاءت بالخط المسماري أو بالخط الأبجدي. أما اللهجة السريانية [لهجة أورهاي] فلم تكن لدى الآشوريين سوى لغة العبادة والحوار مع الله في كنيسة المسيح المشرقية).
ويقع غالبية المثقفين الآشوريين في مغالطة كبيرة حين يعمدون إلى تصنيف اللغة إلى لِشانا خاتا [لَشِنِأ حٍدةِأ] أي اللغة الجديدة، واللغة القديمة أي لِشانا عتيقا [لَشِنِأ عٍةتقِأ]. فاللغة واحدة على مر العصور والأزمان ولكنها تتطور بتطور أصحابها، وإذا لم تتطور مع الزمن فستتجمد وتموت، كما حدث ويحدث للغة التي كانت تُستعمل في معظم كنائس شعبنا، ولكننا نراها تضمحل رويداً رويدا لتتلاشى كلياً من بعض الكنائس، كالكنيسة المارونية، والملكية، والكاثوليكية. ولم تزل مستعملة في بعض كنائس السريان الأرثوذكس، وفي جميع الكنائس الآشورية ولكن استُبدلت معظم الطقوس الكنسية إلى اللغة الآشورية السوادية ليفهمها عامة الشعب.
يقول الدكتور طه باقر أستاذ اللغات القديمة في جامعة بغداد: (لقد طوّر الآشوريون اللغة الآكادية منذ عهد سنحاريب، وأدخلوا إليها بعض الآرامية المتأثرة أصلاً بالآشورية كتابة ونحواً وصرفاً) . .
فاللغة المسماة السريانية أو الآرامية ظلت جامدة منذ القرن الثالث عشر الميلادي، أي برحيل العملاقين مار يوحنا ابن العبري [1226-1286م]، ومار عبديشوع الصوباوي [1291-1318م]، ولم يطرأ عليها أي تطور يُذكر على الإطلاق، بعكس اللغة الآشورية التي تطورت كثيراً مع الزمن على يد الشعراء الفطريين الجبليين الأميين الذي صاغوا ملحمة قطينة كبارا [قٍطتنًأ هٍنْبِرِأ] على غرار ملحمة گلگامش، وأغاني الفلكلور الآشوري التي ظل يصدح بها بنات وأبناء الشعب الآشوري في أفراحهم حتى يومنا هذا وهي الراوي ولليانا [رِوًأ ولَليِنِأ]، ناهيك عن الدبكات الآشورية التي كانت ولم تزل تنال إعجاب جميع أبناء شعوب المنطقة.
أما اللغة الآشورية فقد بدأت تتطور بسرعة على يد الآشوريين القاطنين في منطقة أورميا في إيران، بفضل الإرساليات الأجنبية. فأول مطبعة آشورية تأسست عام 1836م في أورميا- ايران. وقد جلبها كل من الدكتور آساهيل كرانت (1805-1844م) وزميله الأب جوستن بركنس (1805-1869م) حيث فتحا، مع زوجتيهما، مقراً للإرسالية الأمريكية البروتستانتية في مدينة أورميا. ولهما يعود الفضل الأكبر في إصدار باكورة الصحافة الآشورية في العصر الحديث ألا وهي صحيفة زىريذا دبىرا (أشعة النور) وبمؤازرة عدد من رجال الدين والمثقفين الآشوريين المهتمين بنهضة أمتهم القومية واللغوية والتاريخية الذين كانوا ضليعين باللغات الآشورية والإنكليزية والعبرية واليونانية، والذين يعتبرون، بحق، رواد الصحافة الآشورية أمثال شموئيل بادل خانكلدي (1805-1908م)، يوخنا موشي (1874-1908م)، آبا سولومون (ت1907م)، شليمون دسلامس (1884-1951م)، بنيامين أرسانيس (1882-1957م)، أدّي ألخص (1896-1959)، جان ألخص (1907-1969) و نمرود سيمونو (1908)،  إضافة الى الذين تبعوهم وحذوا حذوهم، فيما بعد، في كل من روسيا وتركيا وايران ولبنان والعراق وسوريا وفي الشتات أمثال المطران توما أودو (1855- 1899)، آشور يوسف (1858- 1915)، لويس شيخو (1859- 1927)، نعوم فائق (1868-1930)، الأب بولص بيداري (1877- 1974)، وأويقم بيت قليتا (1877-1929م)، سليمان الصائغ (1886- 1965)، فريدون آثورايا (1891-1925م)، فريد الياس نزها (1897- 1971)، يوئيل وردا (1868-1941)، مريم  روفائيل (1890-1972)، يوسف مالك (1899- 1959)، سنحاريب بالي (1869-1971)، روفائيل بطي (1901- 1956)، ابراهيم كبرئيل صومي، دافيد برصوم برلي (190111-1979)، بولص انويا، بولص بهنام (1916- 1969)، عبد المسيح قره باشي (1903-1983)، حنا سلمان (1911- 1981)، يوحانون قاشيشو (1918- 1994) وغيرهم العديدون.
لقد صدر العدد الأول من جريدة (زهريري دبهرا) في الأول من تشرين الثاني عام (1849م) باللغة الآشورية، وليصبح هذا التاريخ، لاحقا، عيداً للصحافة الآشورية يحتفي به الآشوريون سنويا، أينما تواجدوا، في كل أنحاء العالم. وقد استمرّت، هذه الصحيفة، بالصدور حتى عام 1918م. ويعتبر بولس بيجان أول آشوري يجلب مطبعة إلى الآشوريين القاطنين في إيران، وذلك عام 1861م، وقد ساهمت تلك المطبعة مساهمة كبيرة في انطلاق الثقافة الآشورية الجديدة.
أما الذين يتشدقون بأن هناك اختلاف كبير بين اللغة المسمارية واللغة التي يتكلمها الآشوريون حالياً فنقول: كم هو الفرق شاسع بين اللغة العربية في عصر ما قبل الإسلام، ولغة القرآن وبين اللغة العربية الحالية وبينهما ألف وأربعمائة عام  فقط بحيث لايستطيع فهمها حتى حاملي الشهادات العليا. بينما بين اللغة المسمارية أيام بابل وآشور وبين اليوم أكثر من سبعة آلاف عام. أما عن اللغة الإنگليزية فحدث ولا حرج فلغة شكسبير، باعتراف قاموس أكسفورد، بأنه يدين له بنحو 3000 كلمة في اللغة الإنگليزية منها 1700 كلمة دخلت اللغة لأول مرة. ولكن تختلف اللغة الإنگليزية في لهجة العصر الإليزابيثي التي كتب بها شكسبير قبل ستة قرون عن اللغة الإنگليزية الحديثة اليوم، ناهيك عن تغير بعض معاني كلمات شكسبير، أو اختفائها مع مرور الزمن، بحيث لايستطيع فهمها الإنگليزي الحاصل على الشهادات العليا. ناهيك عن اللغة الكنسية الطقسية المسماة [ السريانية] التي لايفهمها حتى رجال الدين أنفسهم الذين يرددونها كالببغاوات مثلما يردّد الأفغاني أو الباكستاني الآيات القرآنية.
يقول الأستاذ عصام المالح صاحب موقع عنكاوا دوت كوم: (هناك عامل واحد فقط يساعد على أن تتحول أي لغة إلى لغة واسعة الانتشار، وهو التوسع العسكري، ولا يوجد أي عامل آخر يساعد في نشر اللغة، وهناك أمثلة عديدة تبرهن ذلك، فلولا الامبراطورية البريطانية لما أصبحت الانكليزية لغة عالمية، ولولا الاستعمار الفرنسي في العديد من دول افريقيا لما انتشرت الفرنسية، ولو كان هتلر قد نجح في احتلال العالم لكنا جميعا قد تعلمنا الألمانية بدلا عن الانكليزية. فجنوب افريقيا، سورينام، كوريساوا جميعها تتقن الهولندية بسبب الاحتلال الهولندي لها. الاسبانية في أمريكا اللاتينية والبرتغالية في البرازيل والعربية في دول الشرق الأوسط وشمال افريقيا. إذن التوسع العسكري هو العامل الأهم في نشر اللغة. فكيف يمكن أن نصدق، وفق هذه النظرية، أن الآرامية هي التي انتشرت وأصبحت لغة شبه عالمية بينما الآراميين لم يكن لهم حتى كيان سياسي موحد. بل لم يكن لهم، حتى ما نسميه اليوم، الحكم الذاتي. الآشورية كانت امبراطورية مترامية الأطراف فمن المنطق أن تكون اللغة الآشورية هي التي كانت تسود وليس الآرامية. وإذا كانت اللغة الآشورية هي من نفس أصول اللغة الأكادية فهذا لا يعني إلا أن الامبراطورية الأكادية والكلدية، فيما بعد، قد ساهمتا في نشر هذه اللغة والتي أطلق عليها في بلاد آشور [اللغة الآشورية]. أما النظرية التي تقول بأن سياسة الآشوريين في توطين المجتمعات الغريبة ومن بينهم الآراميين في آشور قد ساهم في انتشار لغتهم في آشور هو امر غير منطقي البتة، فمهما كانت الأعداد التي جلبت إلى آشور لا يمكن أن تكون أكثر من الآشوريين أنفسهم، فلا بد أن يكونوا هم من انصهروا في بوتقة الآشورية وليس العكس. آشور هي التي كانت تمتلك مؤسسات علمية ومن البدهي أن يكون الآشوريون هم من ابتدعوا الأبجدية سيما وأن الملك آشور بانيبال كان يعتني كثيرا بالجانب الثقافي وهو مؤسس أول مكتبة في العالم) . 
يقول الأستاذ سيمون بر ماما : (إن لغتنا الآشورية المعاصرة [السوادية] هي المادة الأولية التي تعبر عن حركة عقل الآشوري وطموحاته الفكرية النابعة من الذات المتفاعلة لأنها لغة مألوفة ومتطورة، ولأنها تعبر عن قمة انفعالات الآشوري التاريخية. إنها لغة واقعية حركية غنية، مقوعدة وذات إيقاعات مدروسة، وتحكى بالشعر والغناء، بالقصة والمسرحية، بالحكم والأمثال وبالنكات والأغاني الشعبية. فما الباعث في اعتبار السريانية القديمة الطقسية الأثرية لغة الأدب لجميع الآشوريين على اختلاف مذاهبهم. إن عملية مخالفة الواقع وطمس معالمه الحيّة والتاريخية هي دعوة غايتها تقييد المنطلق الفكري، وبالتالي تحنيط الفكر الآشوري الصاعد الذي يهدف إلى مجاراة بقية اللغات الحيّة، لأن اعتبار اللغة السريانية القديمة المادة الأدبية للأدباء الآشوريين هي عملية تبني لغة قاسية وجامدة، إيقاعاتها غير مألوفة وغير متطورة، ومنعزلة بحيث تكاد تكون، إن صح التعبير، لغة ميتة لولا تداولها في بعض الطقوس الكنسية مثلها مثل اللغة اللاتينية. وفي كل هذا دليل التراجع إلى الوراء، ومخالفة ركب التطور الذي شمل الحياة بكل أبعادها وسماتها. فاللغة السريانية القديمة لاتصلح لأن تكون المادة الأدبية التي يجسّد الأديب الواقع من خلالها لكونها غير مفهومة. ولكونها خاصة ببعض رجال الدين والمستشرقين حيث أنها تبدو كلغة البلاط في العصور القديمة، وأي إصرار على إحيائها وجعلها لغة كافة أبناء شعبنا الآشوري يعتبر تجاهلا يمس العقل المعاصر. وإننا لا ننكر ما للغة السريانية القديمة من مكانة تاريخية جليلة، ودور كبير في تأسيس المعرفة الإنسانية. وهذه حقيقة نتصورها ظاهرة لكل باحث وأديب. وهي اليوم، أيضا، لها مكانها المناسب في المتاحف والمكتبات القديمة. وعلى الأخص وهي تدرس في أغلب الجامعات العربية والأجنبية كلغة قديمة. إن اعتبار اللغة السريانية لغة الأدب والتدريس هو أمر لا يمت إلى واقعنا الحالي بصلة. لأن عموم شعبنا يجهل هذه اللغة. لا. بل يحس نفسه غريبا عنها لأنها  لغة بعيدة عن روحه وعن تطلعاته. فحين تقتصر هذه اللغة على فئة لا تعادل 1./. من أبناء شعبنا الآشوري، وهذه الفئة ذاتها تعجز عن إيصال نشاطاتها الفكرية إلى عامة الشعب فيعتبر قرار اعتمادها كعملية خنق فكرية، وبالتالي احتكار للأدب كما كانت حاله في العصور الأولى، وإبعاده عن عامة الشعب. ومن هذا كله نستنتج بأن اللغة السريانية القديمة غير قادرة لأن تصبح جسراً يربط نتاج الأدب بالناس عموما. ولا لأن تكون بمثابة مرآة تعكس حقيقة المجتمع. والسؤال الذي يفرض نفسه هو: هل أن غاية أدبائنا هي الكتابة للمستشرقين أم لعامة الناس؟ وهل يطمحون بأدبهم إلى الاقتراب من عامة الناس أم تجاهل يقصدون به ممارسة الفوقية الفكرية. وأية أصالة يجدها متبنو السريانية القديمة في لغة لا تفهم، وقواميسها قليلة وقراؤها أقل بكثير) .

10
هنيئاً لك أيها الراعي الصالح
بقلم: آدم دانيال هومه.
لأول مرة في تاريخ الكنيسة الشرقية الآشورية، لا. بل ربما في تاريخ كنيسة المشرق قاطبة، منذ تأسيسها وحتى يومنا هذا، يتفق الكهنة بمجملهم، والشعب برمّته على شخص واحد كما اتفقوا على شخص مار (أفرام نثنائيل) أسقف سوريا حين تمت ترقيته إلى رتبة المطرابوليط صباح يوم الأحد المصادف في 27 كانون الثاني عام 2022م، أثناء القداس الإلهي في كاتدرائية مار يوخنا المعمدان في عنكاوا، على يد‏ قداسة البطريرك مار آوا الثالث روئيل بطريرك كنيسة المشرق الآشورية في العراق والعالم. وشارك ذلك القداس المهيب أغلب مطارنة وأساقفة وقساوسة وشمامسة الكنيسة الشرقية الآشورية، إضافة إلى لفيف كبير من رؤساء المذاهب الشقيقة والصديقة، وجمع غفير من المؤمنين من كل مذاهب شعبنا الآشوري. مع العلم أننا لم نسمع أو نقرأ أي صوت معارض أومناوئ من قبل أي شخص أو جهة دينية كانت أو سياسية أو اجتماعية على امتداد الشعب الآشوري عبر القارات الخمس. لا. بل انهالت عليه التهاني والتبريكات من كل حدب وصوب، ومن كل فئات الشعب الآشوري بدن استثناء.
فهنيئاً لك، مطراننا الجليل، بهذا الاختيار الإجماعي الذي سيسجله التاريخ الكنسي والشعبي الآشوري بمداد من ذهب على قرطاس الأرض والسماء. وسيكون له صداه المدوّي على امتداد الأزمان والعصور. وسيبقى عبرة ومثالا لكل من يصبو إلى كسب واقتناء ثقة ومحبة الشعب بدون مراوغة أو تضليل.
ولنا وطيد الأمل والرجاء أن لا تواكب، في يوم من الأيام، جوقة الذين يروّجون للتودّد لسفاحي شعبنا، ويزاودون على أهل الدار بديمقراطية ونزاهة وكرم الذين قضموا أرضنا كلياً، وبدأوا بقرض تاريخنا ووجودنا. ولايفتأون يكيلون لهم المدح والثناء لأنهم يجودون علينا ببعض فتات الخبز الذي سلبوه من جعبتنا. مع خالص احترامي وتقديري.




11


لقراءة الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي
https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1040545.0;attach=1294912


12
أدب / بين خمائل الآلهة
« في: 11:41 11/09/2022  »
بين خمائل الآلهة
بقلم: آدم دانيال هومه.

من المستحيل أن ترى أجمل الأشياء إلا إذا أغمضت عينيك.

ألملم أشلائي من فوق أرصفة السماء
 وأتنزّة على ضفاف النجوم
تلوّح لي الشمس بأهدابها
فأتمطى في أرجوحة المطر
لأمسح عن وجه أمي طحالب الغبار والدخان
ليصهل الحلم في مقلتيها
وتتباهى بعشق أرض الفراتين.

أمي...
ألق البسمة في إشراقة الصباح
مضمّخة بأريج البنفسج
خفقة القلب تغرغر حباً باتساع الكون
وتسقي الطيور عصير نشوة الآفاق
وتفتح نافذة على امتداد المعابد والصوامع في الأرض
لتطعم الكائنات فاكهة البصائر والإبصار
وسلالا مترعة بالأنوار
ثم...
ترقد في رحاب الملكوت بين خمائل الآلهة
على أطلالها الزاهية.


أمي...
مذ علمتني أناشيد الجوع
ورأيت أناملها تضيء كالسنابل
أدركت بأنها أبهى من نور الشمس
حين تهب رحيق الخبز للساغبين
حين ألمح صورتها في زنابق الصباح
تصدح الحرائق بين ضلوعي
وأنا أراها تشق طريقها إلى السماء
في أيقونة قوس قزح
تشيّع طيفها قطرات ضوء>

أمي... ياترى
متى ستخلع أكفانها التليدة
وترتدي حلّة النشور القشيبة؟.
 
يتناسل فيك دمي مسكاً وطيبا
تقدحين برفيفك لواعج سنابل قلبي
تضيئين برونقك في ارتعاشات زنابق روحي
وتختالين فوق رذاذ العطر السماوي
في منتزهات القلب والذاكرة
أتوق إلى لثم أزاهير أناملها الذابلة التي كانت تمسّد شفاهي
فأنام في أحضان الآلهة
وأرش دمي على التراب الذي تمضين عليه.

هذا التراب المقدّس
يختمر في دمي
وينعكس في ابتسامات شقائق الأرض
وفي مرايا السماء.


من ألف عام
قال لي ملاك حارس القبور
أوعدك... بأن أمك المتألّهة
ستعود من مجاهل الموت
شامخة كالبريق
وسترى عينيها تشع في تضاريس السماء
ويخفق نبضها في أحاسيس أزمنة الولادة
وينهمر سطوعها على الروابي والتلال التليدة
تتوهج فوق القمم كامرأة ترتدي حلّة الشمس
تجرّد الحرف من غمده
وتنحت قصيدة القيامة فوق صخور السموات
ثم تعترش أريكة الأزل
وتتقيّل في أرجوحة الله.

الوطن المستباح... القفص الموصد
المسيّج بالأوراق الصفراء
وبالأنبياء المتفسّخين
والرسل الدجّالين
تفر منه العصافير بحثاً عن حبّات الأنوار
لتحرّر أجنحتها من صدأ الصلوات المهترئة.

adamhomeh@hotmail.com.

عضو اتحاد الكتاب العرب سابقاً.


13

نبضات الضوء تتلألأ في مرايا الكلمات


بقلم: آدم دانيال هومه.

الشعر قشعريرة إلهية
تبعث النضارة في الزهور الذابلة
والخصوبة والنماء في كثبان الرمال
والحياة في شرايين الصلصال.

من المحال أن تستطيع التمييز بين الجنة والنار
وبين الأمس واليوم والغد
بين الضحك والبكاء
وبين الحب والكراهية
وبين الموت والحياة
وبين الخلود والفناء
إلا إذا تلذّذت بنكهة الشعر
يومذاك...
ستجد نفسك إنسانا كاملا
وإلها مكتملا.

يا عازفاً على أوتار القلب ألحان الشحارير
لي نجمة لم يزل يسري بوريدها ألق الدهور
تدور مروحة الذكريات التليدة في جنباتها
فتنير دهاليز وسراديب الأكوان.

مرّوا على هذي البلاد طغاة العصور
بنوا قلاعاً وقصورا فارهة
لم يسكنوها
كانت رؤوسهم تناطح عنان السماء
وأقدامهم تُزلزل الأرض ومن عليها
صادروا شدو الحمام الزاجل
زقزقة العصافير في أعشاشها
همسات العشاق بعد منتصف الليل
واغتصبوا البراعم والزنابق والسنابل
قطعوا أوردة الأشجار والأنهار
لكنهم
ما لبثوا أن حملتهم الأعاصير إلى مدافن لم يبقَ لها أثر
وتهاوى واحدهم تلو الآخر
إلى عمق أعماق الجحيم
وهم يحملون كنوزهم على ظهورهم
ويبكون كالأطفال التائهين في غابة مدلهمّة
زالوا كما تزول الغمائم والسحب
وظلت تلاحقهم لعنة الأجيال على مرّ الدهور.

من المحال العثور على زنابق الفجر
فوق أضرحة الطغاة
والآلهة الماكرة.

انسلّ من كوة الريح
حاملا رايته الأزلية
يدور بقنديله في مدارات الغيوم
يهز غصون النجوم
يعانقُ تربة الرافدين الخصيبة
يكلّل دجلة بالأرجوان
يلمّ الكواكب في جعبة نهر الفرات
يرتّل الشعر في محراب الزاب الكبير
يتأبط الكون
يولم للعشاق فاكهة السناء
ويمضي نحو أقصى المستحيل.

مترعٌ بالأحلام والرؤى
يوقظ الكلمات من سباتها
يزخرف جدران مضاجع العشاق والأنبياء بألوان قوس قزح
يترقرق كأنغام الأمطار
يلملم شظاياه من فوق أرصفة الشمس
فتضيء أناشيده في شرفة الذاكرة.

ثمّة غيمة ماطرة
تعبر الأفق محمولة على أكتاف الرياح
تحت جناح الليل
تخلع ظلها
وتتعرّى أمام حوريات الغابات
قبل أن تفحّ أريجها فوق الواحات المنسية
على إيقاع ترانيم البحر.

ستراه في كل مكان
ذلك الذي غادر أرض اليباب
إلى مزارع الأشجار المهملة.

تتقد شفتاه بطلّ القبلات
وتشع شآبيب روحه في ظلمات أنفاق اليأس
ينثر رذاذ أريجه على وريقات الأشواك
فتفوح عطرا.

يدخل الجنة أولا
من حمل آخر حفنة من تراب الوطن.

عندما ألقى كلكامش بظله على جدار الشمس
انبثق أنكيدو من قلب الغابة
كوهج البرق في السحاب.

حين تثاءب أنليل بعد منتصف الزمان
كانت الآلهة جمعاء
تشخر من فرط أحاسيسها اللذيذة.

عندما ينتشي طائر النورس بسماع شدو النواعير
يغمس منقاره في شفق البحر
ثم يرفرف فوق هامات الرياح
يصغي لنشيج الرعد في حضن الغمام
ولزفرات الليل في مطلع الفجر
فتنهمل على شفاه الصحراء شآبيب الأمطار.

يتكئ على حافة الزمان
ليمعن النظر إلى جنائن الماضي التي تومض
من خلف الدموع والحسرات.

كل شيء في هذا العالم
نتاج انعكاس الضوء في مرايا السديم.

من يحاول اصطياد ثعالب الصحراء من لجج البحر
كمن يحاول إلقاء شباكه فوق كثيب الرمل
لاصطياد سمك القرش الطازج.

أراها أمامي في كل حين
ماثلة في رونق الزهور
في رحيق الأقحوان
في سطوع النجوم
وفي شفق السماوات.

قال لي الطفل الضرير: رأيت عنقاء الجهل تسير بخيلاء
في شوارع ابن سينا
وابن رشد
وابن النفيس
والجماهيرة الغفيرة تردّد كالببغاوات: الله أكبر على الظالمين
فأغمضتُ عينيّ
وتلعثمت بسورة التوبة.

أخطأ ماركس كثيراً حين قال: الدين أفيون الشعوب
ولكن...
 لكان أصاب في الصميم لو قال:
رجال الدين أفيون الشعوب.

أذكى إنسان على وجه الأرض
هو من اكتشف الله
وملائكته
وشياطينه
من خلف جدران الجهل والعماء
ليسيطر الرعب على العالم
منذ الأزل وإلى الأبد
ويستبد رجل الدين بملكوت الأرض والسماء.

ست سنوات سوداء مكفهرة
كان الحزن، فيها، ينضح من أفئدة النسوة تحت راية داعش القاتمة
وكان الرجال يتحولون، رويداً رويدا، إلى مكانس آلية الدفع
والصبية يتعلمون القراءة والكتابة
على مقاعد النفايات في الشوارع والطرقات.

آدم دانيال هومه
عضو اتحاد الكتاب العرب سابقاً
adamhomeh@hotmail.com



14
أدب / النسور المهجّرة
« في: 18:44 30/06/2022  »


النسور المهجّرة


بقلم: آدم دانيال هومه.

خرج جدّي وكل رفاقه يتامى من مجازر الأفعوان بدرخان الكردي المسموم
الذي لازال يتسلق جدار الجحيم على امتداد ثلاثة قرون من الزمان بلا طائل
قبل ما يربو على مائتي عام
وخرج أبي وكل أقربائه
وشعبي الآشوري برمّته من بركة الدم في سيميل
جرحى القلوب والمعنويات بعد تعرضهم للمجازر والمذايح الجماعية
على يد المجرم الكردي بكر صدقي سليل العقارب والأفاعي
والعشائر الكردية، شذّاذ الآفاق، المتعطشة للدماء
يمّموا وجوههم صوب المنافي حفاة عراة
بين قطعان الذئاب المنتشرة ما بين هكاري
وأورميا ومعسكر بعقوبة
وحلّوا في حوض وادي الخابور المفعم بالأفاعي
والذئاب
والعقارب
وبنات آوى.

وكان نتيجة كل ذلك
أنني عشتُ ثلاثين عاماً في قرية نائية
في أقصى أقاصي شمال سوريا
أتحوّل من صلصال إلى دميةٍ فخّارية
في قرية الوحول والغبار والقيظ والصقيع
الأمطار الغزيرة والعواصف الهوجاء في الشتاء
وفي الصيف تشتدّ الهاجرة في منتصف النهار
والبراغيث والبعوض في منتصف الليل
أعمل وظائفي المدرسية على ضوء فانوس باهت شحيح
وعلى الرغم من كل ذلك
كنتُ أرى أبي أمام عينيّ المجردتين
 يعمل بكل ما أوتي من قوة وعنفوان
يعاضده جيراننا في السرّاء والضرّاء
يحرثون الأرض ويحرسون الشمس معاً
ويتقيّلون تحت ظلال الماء
لا مبالين بكل الفصول
وبكل متغيّرات الطبيعة
 وفي غضون أقل من خمسة أعوام
تحوّلت الصحراء على أيديهم إلى واحات فيحاء
أصبحت  الحدائق الآشورية على ضفاف  الخابور جنّات الله على الأرض
يجري فيها نهر ماء زلال
وجداول من حليب معقّم لا يتغير لونه أو طعمه
وغدران من لبن رائب
وقناني عَرَقٍ مثلّث
 ودنانٍ من الخمر على مدّ البصر لذّة للشاربين
وخلايا النحل في كل قرية آشورية تجود بأنهر من عسل مصفّى
ولهم فيها من كل الفوا كه والأثمار
وفتيات عذروات أجمل ألف مرة من حور عين في ملاهي السماء.
 
وفي غفلة من الزمان
ومن تقاطر الأبالسة الملتحون المتدينون جداً جداً جداً
يريدون تطهير العالم من الرجس
والإثم
 والمعصية
وكل المعالم الحضارية
وكانت الضحية الوحيدة الشعب الآشوري المتأصّل
والإيزيدي الأصيل
شقيق الآشوري بالدم والروح
والعرق والتراث.

أحبّاء الإله آشور
أيها المختارون المميزون منذ الأزل
أنسال أوتونابشتم
وگلگامش
وسرگون
وآشور
 وسنحاريب
ونبوخذنصّر
ستظلون، كما كنتم، نبراس هداية للبشرية جمعاء
لايهم إن كنتم فوق التراب
أو تحت أديم اليابسة
فجذوركم تتفتق براعمها في أعماق الأرض
وفوق سقوف السماء
اليوم...
 أنتم مشردون في كل بقاع العالم
وغداً...
ستنمو لكم أجنحة نسور مهاجرة نحو الشرق
حيث يكون الله في انتظاركم واستقبالكم بعد اشتياق آلاف السنين
سيعانقكم بشوق عارم
ويقول لكم: هؤلاء هم أبنائي الأحبّاء الذين بهم سُررت
وسيمنحكم الخلاص الأبدي
وستدخلون ملكوت الأرض بدون منازع.

ليتني كنت أعلم من قال:
(أنا شمعة بانتظار من يوقدني لأنير له درب الخلاص).
قال لي: هل نسيت؟
أنت الذي قلته لي بالأمس.

وأخيراً...
طوى حلمه في نعشه... وارتحل
على أمل (العودة) يتلألأ في مخيلة الأجيال الآشورية القادمة
لابد أن يتحقق يوماً ما... مهما طال الزمان.

Adam homa@hotmail.com












16
المنبر الحر / كلمة شكر وعرفان
« في: 16:55 27/05/2022  »
كلمة شكر وعرفان
أتقدّم بخالص الشكر والامتنان للأخوات والأخوة التالية اسماؤهم الذين كان لهم الفضل الكبير في إنجاح حفل توقيع كتابي (الأعمال الكاملة) وهم:
1. أوديشو يوخنا لتفضله بالتبرع بصالته المتميّزة (مونامور) لإقامة حفل توقيع الكتاب مجانا.
2. الجمعية الثافية الآشورية ممثلة بنائب رئيسها الأستاذ أندراوس هرمز لإبداعه في وضع وتنسيق برنامج الحفل الذي لاقى نجاحاً مميزاً لدى جميع الحضور.
3. عريفة الحفل الأخت سناء يوخنا جورج التي أبدعت في تقديم فقرات البرنامج بشكل مذهل لاقى استحساناً منقطع النظير.
4. الأخت منيرة مختس التي تميزت بتقديمها نبذة مختصرة عن حياة الكاتب.
5. الأخ العزيز والفنان القدير اسحق ابراهام لتحمّله عناء ما يربو على ساعتين وهو حامل على كتفه الكاميرا بغير ملل أو كلل.
6. الفنان والمطرب البارع بنيامين برخو لتأديته إحدى أغاني الفنان الخالد جورج هومه.
7. الأخ كوركيس يوسف لمشاركته فقرات الحفل بعزفه المميز,
8. وأخيراً، وليس آخراً، جميع ممثلي الأحزاب والتنظيمات السياسية والجمعيات الثقافية والاجتماعية وكل الأدباء والشعراء وجميع الأحباء الحضور سواسية وبدون تفريق أو تمييز.


17
المنبر الحر / الأول من نيسان
« في: 22:06 01/04/2022  »

الأول من نيسان
بقلم: آدم دانيال هومه.
الأول من نيسان هو رأس السنة الآشورية، يحتفل به الآشوريون المشتّتون والمشردون في كل بقاع الأرض. وهو الإيذان ببدء حياةٍ جديدة على الأرض طافحة بشتى أصناف وألوان الأزهار والورود والرياحين والفراشات المزوّقة. وهو رمز الحياة والتجدّد، ورمز الخضرة اليانعة. ففيه تتزيّن الأرض، وترتدي أجمل حلّةٍ لها وكأنها عروسٌ تحتفي بليلة عرسها. وما من عطرٍ أروع من عطر ورود نيسان وهي تنثر أريجها في الآفاق، وتُخرج بتلاتها لتزيّن الطبيعة، وتُرسل أوراقها لتحطّ عليها الفرشات الزاهية اليانعة، وتغري العصافير كي تُؤدي رقصات الفرح والجمال. فنيسان ليس مجرد شهر عابر من شهور السنة، بل هو سيد الشهور وأجملها. تتجدّد فيه الأحلام، وتمتلئ النفس بالطاقة والحيوية والنشاط والإبداع. أزهارٌ متفتحة، وأشجارٌ مزدانة بخضرتها وثمارها، وشمسٌ مشرقة، ورائحة فوّاحة تملأ المكان، تملأ الروح بهجة وسعادة، وتردّ للوجه رونقه وتورّده. ويبدأ الأول من نيسان في يوم الاعتدال الربيعي، المتمثل في الواحد والعشرين من شهر آذار بالتقويم الشرقي (اليولياني) المصادف الأول من نيسان بالتقويم الغربي (الغريغوري). وفي هذا اليوم يُصادف عيد الأم، فكأنما هذا اليوم خصّص للعطاء والجمال. ونيسان فيه تزهر الأشجار والورود، وتزدان الأشجار بخضرتها، ويبدأ النوّار بالتّفتّح على الأشجار، لتبدو حلّة قشيبة كعروس تزدان بإكليل عرسها. أما بالنسبة للطيور فإنّها تحلّق في هذا الفصل راقصة في جوّ السماء، وكأنها لاعبة تداعب بعضها بعضاً في انتظام يأسرُ اللّبّ والفؤاد، مكوّنة أشكالاً هندسية كأنها منقوشة بيدِ فنّان مبدع في فنّه واختيار ألوانه المتناسقة، وتلك تتراقص فوق أغصان الأشجار تغنّي أجمل الألحان، وكأنّها تعزف سيمفونيةً جميلة رائعة تخلب الألباب.
لقد كرّس الآشوريون هذا الشهر لتمجيد الإله (أنليل) وبعث الإله (تموز)، أي قيامته من بين الأموات. حيث تذكر الأسطورة الآشورية بأن الإلهة عشتار، التي كانت تحب زوجها وحبيبها تموز حباً جمّا، تعمد في لحظة غضب، إلى قتله وإرساله إلى عالم الأموات وذلك في الخامس عشر من الشهر المعروف باسمه، أي شهر تموز. وباختفائه يعمّ الجفاف على الأرض، ويبدأ البكاء والنحيب عليه. وتبدأ الجماهير تنفجر في نوبة هستيرية للتعبير عن الحزن والأسى وذلك برش المياه، وهذا ما نسميه اليوم نوسرديل (نوسرديل) أي عيد الله. وتعرفه العامة باسم عيد الرشاش. "ويعتقد معظم الآشوريين بأن ذلك تقليداً مسيحياً، ولا يعرفون بأنه دخل المسيحية عن طريق الآشوريين إبّان اعتناقهم الديانة المسيحية". ولكن عشتار ما تلبث أن تندم كثيراً على فعلتها المتهوّرة فتضظر على القيام بتضحية اختيارية، وتنزل إلى عالم الأموات لتحرّر حبيبها تموز. وتتمكن إلهة الحياة عشتار أن تقهر إلهة الموت (أرشكيكال) وتحقق لحبيبها العودة المستحيلة لينبعث في عودة متجدّدة شابة. وهكذا الطبيعة المتجددة التي تموت وتجف، ولكنها ما تلبث أن تنبعث بشكل مذهل عجيب.
وقد كان الآشوريون، في سالف الأزمان والعصور، يعمدون إلى جلب آنية يملؤنها بالتراب، ويزرعون فيها بذور الحنطة والشعير والعدس وغيرها، ويرشونها بالماء، ويضعونها في مكان مشمس ليكون تحت متناول أيديهم في بداية رأس السنة نباتات خضراء يضعونها أمام تمثال الإله تموز لاعتقادهم بأن رائحة الخضار ستجعله ينبعث بأسرع وقت ممكن. وقد ظلت هذه العادة موروثة لدى الآشوريين حتى يومنا هذا، بدون أن يعرف الكثيرون سبب ذلك، وذلك بأن يدعوا أبواب ونوافذ البيوت مفتوحة على مصاريعها حتى الصباح، وعند انبلاج الفجر يعلقون رزمة عشب خضراء فوق الباب يسمونها (ܕܩܢܐ ܕܢܝܣܢ) أي (لحية نيسان). وكذلك كانوا، ولا زالوا يفطرون على عشبة خضراء من أي نوع كانت. إذن، الأول من نيسان هو عيد الخصب والنماء والحياة الجديدة فيه تبدأ الطبيعة بارتداء حلّتها القشيبة، وتتفتق أكمام البراعم، وتكتسي الخضرة والجمال وجه الأرض.
هذا، ويتَميّز شهر نيسان بأن الطيور المهاجرة تعود فيه إلى أوطانها، فهل يا تُرى سيعود أطفال، وأطفال أطفال الآشوريين المهجّرين إلى وطنهم في يوم من الأيام؟ هذا ما ستجيب عليه الأجيال الآشورية القادمة.

،،،،،،،،،،



18

الخوري بولص بيداري

بقلم: آدم دانيال هومه.


أبصر بولص بيداري النور في 11/07/1887 في قرية (بيدار) الآشورية التابعة لقضاء زاخو في شمال العراق. وبيدار اسم آشوري (ܒܝܬ ܕܪܐ) أي (ميدان الحرب)، وتنسب هذه التسمية إلى قصة مار قرداغ الأربيلي الآشوري، أحد القواد الآشوريين في الجيش الفارسي الذي كان برتبة (مرزبان) أي قائد الحدود  وحارب أعداءه في هذه المنطقة وانتصر عليهم، ومن هنا جاء اسمها . وفي مسقط رأسه تعلّم مبادئ لغته الأم الآشورية، وكذلك اللغة العربية. وقد أبدى منذ طفولته اهتماما وشغفاً كبيراً بالعلم والمعرفة، وكان متفوّقاً ومتميّزاً بين جميع أقرانه حيث ظهرت عليه إمارات النجابة والنباهة والألمعية في طفولته. فكان معلموه يتعجبون ويندهشون من استيعابه السريع، وفهمه وذاكرته وفطنته. فكان جسمه وعقله ينموان نمواً سريعا. لذلك وقع عليه اختيار خوري قريته، وأرسله الى معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في مدينة الموصل، ذلك المعهد الذي أسّسه الآباء الدومنيكان في القرن التاسع عشر. وهناك انكبّ على الدراسة ومطالعة الكتب في شتى المجالات والميادين، وارتشاف الآداب والعلوم من مناهل المعهد المذكور. وبدأت براعم مواهبه تتفتّق عن أزاهير البلاغة والإبداع. وقد أولع ذلك الفتى النابه بالشعر وبالتاريخ يطالعه بشغف ومتعة. يُطالع قصصه ويستجلي منها العِبَر. لقد قرأ الكثير عن أمجاد أجداده الآشوريين ومآثرهم وإنجازاتهم الحضارية، ومدى مساهماتهم برفد الحضارة الإنسانية. وكان يقارنها بتلك الأمة المتخلفة التي تحكم شعبه وهي لم تنتج ثقافة، ولم تبدع فنّاً، ولم تعطِ شيئاً للإنسانية كافة سوى السلب والنهب والقتل والذبح والاغتصاب وكل ما أمر به الشيطان على وجه هذه الأرض. فملأت نفسه هذه الحقيقة المرّة وشغلته عن كل شيء آخر. فغدا همّه الأول والأخير العمل على تحرير شعبه الآشوري من ربقة الوحوش البشرية، وتعزيز نهضته ووحدته، وبعث أمجاده الغابرة. لقد كان كل عرق من عروقه ينبض بحب أمته.
تمّت رسامته كاهناً عام على يد مثلث الرحمة مار طيماثيوس مقدسي الألقوشي مطران زاخو. ليخدم لفترة من الزمن في قريته بيدار حيث خدم رعيتها سبع سنوات بغيرة منقطعة النظير، فتولى إدارة مدرستها مدرسة (الكفاح) التي اشتهرت بمستواها التعليمي المتميز، وخصوصاً فترة إدارته لها. فاهتم، بشكل خاص، بتعليم التلاميذ اللغة الآشورية، والألحان البيعية، والطقوس الكنسية، وكان لاينفك يبث فيهم من روحه وفكره القومي المتّقد. ثم تمّ نقله إلى مدينة القامشلي في سوريا حيث أمضى فيها ردحاً من حياته. تسلّم، خلالها، إدارة مدرسة طائفته، وبشهادة جميع طلابه كان نبيل الخلق، كريم النفس، يحسّ بآلام شعبه، ويشاركه فيها بروحه وكل جوارحه. حيث استمرّ على الدوام يتحدث عن جراح أمته الآشورية واصفاً لها الدواء الكامن في الوحدة القومية بعيداً عن التفرقة المذهبية، وتغليف كل مذهب بصفة قومية، مبتعدين كليّاً عن المنبع الصافي الرقراق الذي منبعه الأصلي من جبال آشور، وما عدا ذلك فكل الينابيع الأخرى ملوّثة بقاذورات الجهل والغباء والأمية والتعصب الطائفي المقيت. حيث تخرّج على يديه عدد من القوميين الآشوريين الأفذاذ، وعلى سبيل المثال لا الحصر المرحوم (سعيد قرياقس) أحد مؤسسي المنظمة الآشورية الديمقراطية، والأستاذ (جورج بيت شليمون) المعروف باسم جورج سلمون أحد الروّاد الأوائل في المنظمة المذكورة... وغيرهم.
بعد )مذبحة سيميل) التي اقترفها الجيش العراقي بقيادة المجرم الكردي المقيت (بكر صدقي) بحق الآشوريين المسالمين، بلغت المأساة مداها في نفس الأب بولص بيداري، فهاج لديه الشعور القومي المتأجّج فانبثقت قصيدة فاجعة سيميل (ܓܘܢܚܐ ܕܣܝܡܝܠܐ) كبزوغ الشمس من وراء الغمام. لقد كانت قصيدة رائعة بكل المقاييس. فليس هناك مرثية أوقع ولا أوجع ولا أنبل إحساساً من هذه المرثية، فإنها نابعة من صميم الإحساس المرهف، وخيال عبقري، وفكر ساطع وهّاج. ولاتعتبر هذه المرثية قصيدة شعرية فحسب، وإنما هي مجموعة من زفرات الألم القومي. فكان، بهذ المرثاة، يؤدّي واجبه القومي عن طريق موهبته الشعرية، حيث قدّم لأمته فاجعة سيميل لتبقى كأثر فني خالد على امتداد العصور والأجيال حيث يعتبر ذلك أسمى من كل ما عداها حيث صاغها بلغة السهل الممتنع حيث تدخل كلماتها إلى القلب بلا استئذان. أما أخيلته وأفكاره كلها من النوع الموسيقي الرنّان الذي ينسلّ إلى الذاكرة كما يتسلسل الماء الرقراق في الجداول والأنهار.
لقد كانت روح الأب بيداري الكبيرة والشامخة مصدراً للعذاب المضني، والنضال العنيد. لأن الإنسان الكبير الروح والقلب يتعبه قلبه وروحه لأنهما يحملان هموم وشقاء الآخرين وآلامهم، وفواجعهم ومآسيهم. ونتيجة للمضايقات الأمنية المستمرّة بسبب آرائه ومواقفه الجريئة سبّبت له إشكاليات في سلوكياته بحيث أصبح عصبي المزاج، سريع الغضب، سريع الرضا. أتذكّر جيداً بأنني كنت أراه، في أغلب الأحيان، في الحديقة العامة في مدينة القامشلي جالساً على مقعد لساعات وحيداً شارد الذهن، غارقاً في أفكاره وتأملاته وتصوّراته. ولكن على الرغم من كل ذلك فلم يفارقه شيئان في حياته كما يذكر الاستاذ المرحوم آشور بيت شليمون، ألا وهما: مسبحة الصلاة، والمسدس الذي لازال لازال محفوظاً، إلى يومنا، هذا في خزانة رعية يسوع الملك الكلدانية في الحسكة. 
يعتبر الأب بولص بيداري واحد من الأدباء الآشوريين الفطاحل في القرن العشرين حيث كان شاعراً مفلقاً ومبدعاً، وكاتباً وأديبا جهبذاً، ومناضلا قومياً من الدرجة الأولى الذي يستحق أرفع وسام بكل جدارة واستحقاق. كان ، بالحق، مناضلا آشوريا ذا إحساس ملتهب، وعاطفة متفجّرة، وخيال جامح. فالإحساس والعاطفة والخيال ثلاثة إشعاعات مشرقة منيرة، يرسلها القلب الطافح برحيق الآلهة، فتغلّف كل ما تصادفه ىبنور جذاب. وهذه الإشعاعات الباهرة كانت تفيض بسخاء من روح الأب بيداري الكاهن والشاعر والأديب والمحاضر البارع كما تفيض وتتدفق مياه الينابيع من أعالي الجبال.
فبالإضافة إلى لغته الأم الآشورية كان يتقن اللغات العربية والفرنسية والانكليزية واللاتينية والكردية. وترك لنا مكتبة زاخرة بمؤلفاته. ولكن، مع شديد الأسف، لقد ظلت معظمها مخطوطات لم تجد طريقها إلى النشر، ناهيك عن فقدان العديد منها خلال تنقلاته الكثيرة ما بين القامشلي والحسكة والخابور وبيروت، ومن ثم العودة إلى العراق. أما الكتب الذي نشرها المؤلف وهو على قيد الحياة هي :
1.   دليل الطلاب، أو الموجز في نحو اللغة السريانية. ونشره في الموصل سنة 1923 - مطبعة الآثوريين للكنيسة الشرقية المقدسة .
2.   المقال الجامع: ومطلعه (أيتها الأمة الحبيبة). ومقال ملحق به يصف فيه الملفان السرياني مار أفرام الكبير. وطبع الكتابان في الهند سنة 1957
3.   قنبلة الأب بيداري. ونشره في بيروت سنة 1936، وهو مؤلف باللغة العربية يحوي مقارنة بين اللغة السريانية والعربية. وتعتبر من أهم أعماله وأكثرها جرأةً وجسارة على الإطلاق بحيث كانت فقلا بمثابة قنبلة في زمانها.
4.   فضيلة فتاة، باللغة العربية. نشره في القامشلي بسوريا سنة 1956. وهي عبارة محاضرة قيمة عن المرأة وكيفية تحليها بالحشمة والفضيلة.
5.   بين البتولية والزواج. نشره في القامشلي سنة 1966 باللغة العربية.
6.   الكتاب الوحيد الذي نُشر بعد وفاته فهو (مقالات وقصائد مختارة). نشره الأب ألبير أبونا عن طريق مجمع اللغة السريانية في العراق سنة 1977.
مؤلفاته المخطوطة باللغة الآشورية هي :
1. درب الصليب (اولآرحِأ دٍؤلتثِأ), ويصف زيارة الأراضي المقدسة. وهي قصيدة على البحر الأفرامي.
2.  كتاب الرئاسة الكلدانية (رًشِنولآةلآِأ دكٍلدِيُأ). ولكن هذا الكتاب فُقد ولم يعثر عليه بين مقتنياته وفيه إنتقادات لاذعة لحال الكلدان نتيجة تقاعس رؤسائهم.
3.  مقال في المجازر التي حصلت لأبناء أمته الآشورية في جزيرة (بازبدي) سنة 1915. والجزء الأول هو على الوزن الأفرامي (السباعي)، أما الباقي فهو على الوزن النرساوي (الأثني عشري) .
4.  كتاب في جغرافية الأرض (مٍخةلآثِنولآةلآ اِرعِأ). وهذا، أيضا، فُقد من بين موجوداته.
أما مؤلفاته العربية التي لم تنشر فهي:
5. مأساة الملوك. وهي مأساة تاريخية آشورية ذات ثلاثة فصول من القطع الكبير تقع في 56 صفحة.
6. قصة الربان هرمز .
7. قصة مار أفرام الكبير .
8. قصة مار بهنام الشهيد .
9. بحث عن مار افرام .
10. بحث في اللغة الآشورية. القلم الشرقي والقلم الغربي .
11. كتاب تفسير التسابيح الآشورية باللغة العربية .
كانت شخصية الأب بيداري متشعبة الأطراف، متعدّدة المسالك، متنوعة الرؤى، تجمع بين رجل الدين، والشاعر والأديب، واللغوي والخطيب. غير أنها تلتقي كلها في نقطة واحدة وهي ذلك المزاج الرقيق، والحس المرهف، والشعور القومي الدفّاق. وقد صقلته تجارب الأيام وعلمته صروف الزمان فتوشّح بالحكمة والرزانة والوقار.
كان مشاكساً عنيداً ومتمردا. أتذكر وأنا طالب في الصف الثامن حين زار جمال عبد الناصر مدينة القامشلي في 14 شباط 1960، وألقى خطابه الشهير من شرفة قصر الشيخ (ميزر الملول). وبعد أن أنهى خطابه صعد الأب بيداري، مباشرة وبدون أخذ موافقة أحد، ليفاجئ الجماهير الغفيرة بكلماته الصاعقة التي لم تزل منقوشة في الذاكرة وهي: (أيها العربان الحفاة العراة! لقد جئتم إلى بلادنا غزاة مغتصبين، فعودوا أدراجكم من حيث أتيتم إلى صحرائكم العربية). ولم يكمل خطابه حتى ألقت عليه الأجهزة الأمنية القبض وساقته إلى مركز المخابرات، وما أدراك ما مخابرات عبد الناصر، يومذاك، وعلى رأسها المجرم (حكمت ميني) في القامشلي، والطاغية عبد الحميد السراج في سوريا. ولم يمر طويل وقت بعد تلك الزيارة المشؤومة إلا أن عمدت المخابرات إلى إغلاق نادي الرافدين الرياضي الذي كان من أهم النوادي الرياضية في سوريا، وكان يرفد فريق الجيش السوري بأغلب لاعبيه.
حادثة أخرى يرويها الكاتب الآشوري المرحوم (آشور بيت شليمون) حيث يقول: (وهنا سأروي لكم قصة طريفة رواها لي الأخ (كليانا شموئيل يونان)  من قرية تل الرمان التحتاني (مٍزرٍعةِأ) التابعة لعشيرة تخوما. حيث كان شعبنا الآشوري على ضفاف نهر الخابور قد ألف فريق كرة قدم من جميع القرى بانتقائه أفضل اللاعبين، ونزل إلى الحسكة ليلتقي إحدى فرقها الكروية. وكان الأب بيداري حاضراً المباراة. وما أن انتهت المباراة لصالح فريق الخابور الآشوري حتى قفز المرحوم بولص البيداري على الطاولة التي أمامه، وأخذ يخاطب الجماهير حيث صار يردّد مناقب ومآثر شعبه الآشوري. واستطرد في الكلام بحماس شديد بين تصفيق الجماهير المحتشدة. فما كان من الشرطة أن تدخّلت لإيقافة، ولكنه ظل مستمراً في الكلام غير آبه لهم. فما كان منهم إلا أن لجأوا إلى إلقاء القبض عليه وزجّه في سيارة حكومية وسوقه الى مركز الشرطة. وبينما كان أبناء شعبنا في حيرة من أمرهم عمّا عساهم يفعلون لإنقاذه حتى رأوه قادماً إليهم بمرافقة الشرطة التي ألقت القبض عليه).
عام 1960 استدعاه مثلث الرحمة البطريرك (بولس شيخو) إلى العراق، حيث بدأ الأب بيداري هنالك مساراً نضاليا وسياسياً جديداً في حياته عندما التحق بالثورة الكردية بزعامة الملا مصطفى البرزاني حيث أتيحت له الفرصة السانحة ليحقق مبتغاه القومي الذي ناضل من أجله طيلة حياته، وخاصة آمال أمته في الحياة بحرية وعزّة وكرامة طالما افتقدتها لعصور خلت. وذلك حين أصبح عضواً في المكتب التنفيذي لمجلس قيادة الثورة الكردية وممثل المسيحيين بقيادة المّلا مصطفى البرزاني الذي قال: (المسيحيون والمسلمون تعاهدوا على بذل دمائهم بمحض اختيارهم تأدية لواجبهم الواحد ولأجل إنتزاع حقوقهم السليبة) . وبما أنه كان له دور بارز في الحركة التحررية الكُردستانية، وبناءً على مقولة البرزاني هذه أو بالأحرى وعده الذي قطعه على نفسه بأن يكون المسيحيون والمسلمون سواسية في الحقوق والواجبات شمّر الأب بيداري عن ساعد الجد وبدأ يعمل كل ما في وسعه، من مركزه في قيادة الثورة، حينما وجد الفرصة سانحة لتحقيق طموحات شعبه في إقامة وطن قومي في المثلث الذي كان، ولم يزل، قلب الوطن الآشوري. ولكن الرياح تجري بما لاتشتهي السفن كما قال الشاعر المتنبي. فعندما وجد الأب بيداري تماطلاً وتقاعساً وتهاونا من قبل مصطفى البرزاني عندما اشتد ساعده، ثم مالبث أن ضرب بكل وعوده عرض الحائط. آنذاك، لم يكن أمام الأب بيداري سوى لملمة جراحه والرحيل وهو يجرجر أذيال الخيبة واليأس، واعتزل كليّاً، وانزوى في دير مار كوركيس القريب من مدينة الموصل حيث وافته المنيّة عام 1974 بعد 87 سنة من مقارعة المصاعب والعوائق والعراقيل. فوري الثرى في كاتدرائية القديسة مسكنتا بالموصل. فمات بجسده المادي حيث تحوّل إلى عناصر الأرض. أما روحه فستظل حيّة إلى الأبد تطلّ على (نينوى) قُدس أقداس آماله وأمانيه. مات بجسده المادي ليحرّر روحه العظيمة من سجنها الترابي فتجتمع بأرواح من سبقوه من مناضلي وعظماء وشهداء شعبه الآشوري. وينطبق عليه قول المناضل والأديب الخالد بنيامين أرسانيس: ( من عمل لأجل أمته وإن نزل إلى القبر، ولكن اسمه خالداً إلى أبد الدهر).
جاء في كتاب (سياسة وأقليات في الشرق الأدنى) للمؤلفين آني و لورانت شابري: (أظهر الآشوريون الكاثوليك [الكلدان] على وجه العموم، أنهم أبعد عن الخيار الإنفصالي أو الاستقلال الذاتي من الآشوريين النساطرة. ليس فقط في العراق وإنما في ايران أيضا باستثناء المونسنيور (بول بيداري) نائب أسقف كلداني كاثوليكي الذي كان عضواً في مجلس قيادة الثورة الكردية. والذي حاول، عبثاً، الحصول على موافقة الملا مصطفى برزاني لإنشاء وطن قومي آشوري يجمع  آشوريي العراق في منطقة في شمال العراق).

19
لقراءة الموضوع على شكل بي دي اف انقر على الرابط التالي :

https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1031065.0;attach=1281656


20
الشهيد والأمة والتاريخ
في حوار ثلاثي

بقلم: ميخائيل مروكيل ممو. بالآشورية
ترجمة: آدم دانيال هومه. بالعربية.




الشهيد
-1-
أنت الذي
أصبحت مرموقاً في جميع أوساط شعبك
باسمك الآشوري الشهير
والذائع الصيت.
-2-
أنت الذي
نلت بالمعمودية
وشم الآشوري السامي.
-3-
وأنت الذي
على الدوام
تذكر الاسم الآشوري الجليل.
-4-
أنت الذي صرت
مشتّتاً في جميع أرجاء المعمورة
كشاب آشوري ضال.
-5-
أتحدث إليك أنا
شهيد آشوري
بتجاربه الجمّة عن الشهادة والشهداء.
-6-
بهذا اليوم المجيد
السابع من آب
أتقدم بمطلب واحد.
-7-
في هذا اليوم المقدس
أريد أن أتساءل
بكل حرية وشفافية.
-8-
في هذا اليوم العظيم
الذي تم تكريسه لتكريمي
سأوضح بصورة جلية.
-9-
في هذا اليوم الخالد
الذي كُتب بدمي
أود أن أقول بكل صدق وصراحة.
-10-
إذا لم تستطع التكلم بلغتي
وإذا لم يكن بمستطاعك
تذكّر تاريخ استشهادي.
-11-
إذا لم تلتزم بتبجيل وجودي
ولم تحافظ
على خلود اسمي.

-12-
فإياك أن تذكر
اسم أمتي
وإياك أن تلفظه على الإطلاق.
-13-
وإياك إياك أن تلفظ اسمي المبجّل
لأنه لا يحق لك إطلاقاً التباهي به.

الأمة
-1-
ذلك الصدى الرصين
يصل مسامع الأم العجوز
بكل جلاء ووضوح.
-2-
ذلك الصدى المهيب
يستنهض همم أبناء الأمة الجليلة
على استعجال.
-3-
حيث يردّد قائلا:
سأشاطر كل من يقوم بحراستي
بكل طهارة وإخلاص.
-4-
حارسي
ذلك الفدائي
المناضل بكل صدق ووفاء.
-5-
سمعته هذا المساء
وهو يهتف بحنق
 وامتعاض.
-6-
كيفما كان
سأثبت
بأنك قرين كل ذات أزلية.
-7-
وسأجاهر علانيةً
لأولئك التائهين
 في عالم الارتحال والاغتراب.
-8-
الراقدين الغارقين
في ملذات ومشتهيات
غيهب الظلمات والأنانية.
-9-
هكذا
سأخاطب جميعكم
كأم طاعنة في العمر.
-10-
إذا لم يكن بمقدورك
أن تفسّر نظرتي الثاقبة
وأن تصون وجودي وكياني.
-11-
إذا لم
توقّر شيخوختي
ولا تحافظ على كينونتي.
-12-
لا أريد أن يتردّد تاريخي المجيد
على لسانك
أبداً... أبدا.

التاريخ
-1-
حتى التاريخ
يصيخ السمع لصوت الشهيد
ويقول:
-2-
أنا واقف بالمرصاد
 لكل الشدائد والمحن
كحارس أمين لكل الأحداث.
-3-
أراقب بكل تيّقظ وانتباه
وأدوّن كل أحداث الدهور الغابرة
والأزمنة المقبلة.
-4-
وأسجّل كل الحوادث في كل بقاع الشرق
وفي جميع أصقاع الغرب
ولكل الشعوب المتباينة من كافة الأمم.
-5-
وسترى سجلي الكامل
الحافل باستنهاض العزائم والشكائم
وشرح تفاسير كل الأمور المعقّدة والعويصة.
-6-
الأمور التي تتضمن
أحيانا العجائب والغرائب
وأحياناً أخرى حافلة بالأنّات والتنهدات.
-7-
تتراءى أمام ناظري
 أقوال الشهيد الخالدة
تتلألأ كالشعاع في ظلمة الديجور.
-8-
وصدى صوت الأمة الجليلة
يجلجل في الآفاق
في سبيل رفع شأن الآشوري المعظّم.
-9-
الصوتان معاً
يبثان الوعي واليقظة
ويزعزعان أركان وجودي.
-10-
يلملمان سنابل الكرى من مقلتيّ
لأستفيق شامخة كراية التاريخ الخفّاقة
لأهتف بكل ما أتيت من قوة وعنفوان.
-11-
يحثانني لأبادر إلى توضيح أفكاري
بكل جلاء وانقشاع
أفكاري المبهمة والملتبسة لديكم.
-12-
ويرغمانني
على أن أعلن وأكشف لكم
بكل صراحة وأنّاة.
-13-
إذا لم تبادروا إلى ضخ دماء جديدة
في أوردة وشرايين أمتكم
وإذا لم تسارعوا إلى استذكار شهدائكم.
-14-
وإذا لم تحافظوا على إرثكم وميراثكم
ولم تصونوا لغتكم
من الاندثار والضياع.
-15-
ففي المستقبل القريب
وبدون درايتكم
ستجدون أنفسكم تائهين في مسالك الأرض.
-16-
ففي المستقبل القريب
ستقطعون كل الأواصر
وتنكرون إياها فيما بينكم.
-17-
وبعد ذلك
ستصبحون بدون تاريخ تليد وعظيم.
وستبقون على ما أنتم عليه.
-19-
آنذاك
ستخجلون من أنفسكم
وستقشعر أبدانكم
ومن أفعالكم تستحون.
-18-
آنذاك
وأنتم بلا أرض ولا تاريخ
سيضيع كل أثر لكم في هذا الوجود.
-19-
آنذاك
ستخجلون من أنفسكم
وستقشعر أبدانكم
ومن أفعالكم تستحون.
-20-
يومذاك
ستعضّون أصابعكم ندماً على ما اقترفتم
وستحصدون الشوك والزؤان الذي زرعتموه
وستمقتون حياتكم لما جنت أيديكم.
-21-
ولن تعرفوا مطلقاً
أين مواضع أقدامكم
وأي موقف ستتخذون.
-22-
يومذاك
لن تعرفوا إلى من ستتكلون
ومن هو الذي سيكون قدوة لكم
وتطيعون أوامره بكل امتثال وانصياع.

،،،،،،،،،


21
المنبر الحر / أكيتو
« في: 19:48 23/12/2021  »

أكيتو
بقلم: لطيف بولا.
ترجمة: آدم دانيال هومه.

-1-
في شهر نيسان ترتدي الأرض حلة قشيبة كأنها إحدى عرائس وجهاء القوم
انثروا الورود هدايا في مطلع الربيع احتفاءً بمولد السنة الجديدة المباركة
والطيور في السماء أكثر من الناس على الأرض تسرح وتمرح بكل بهجة وانشراح
تضفر من أشعة الفجر أكاليل للعشاق وتهمس للنسائم من فوق أفنان الأشجار
كالاحتفالات التي تُقام بين الحدائق والبساتين تصاحبها الألحان التي تستنهض كل صبّ مستهام
في اليوم التي تُقام فيه احتفالات أكيتو يتلألأ (شمّش)  ببهاء بينما (سين)  يظل ساهرا طوال الليل
الأطفال والشباب والنساء والرجال مع نبلاء القوم يحتفلون سواسية في سهول نينوى  الخصيبة
وفي (نوهدرا) الحبيبة تهمهم النسور وتنقنق الحجال وتهدر الألحان فوق قمم الجبال
يتأمل (داسان)  ذرى الجبال المكللة بالثلوج وترتعش صخور جبال هكاري لا إراديا
وينتحب طائر الحُبارى في جبل (إزلا)  وهو يعاني من جراح الموت عشرين قرنا بلا شفاء
هو ذا أكيتو عيد الفرح والسرور لكل قلب حزين حيث يشارك فيه كل الصناديد بلا استثناء.


-2-
كالصبيان المتلهفين لقطف الورود والرياحين بُلهاء متسارعون في إعطاء الجواب بدون تفكير
نعرف جميعا اسم أمّنا بكل يقين ونعلم جيدا بأنها ربة المجد لا تتغير مع مرور الدهور والأزمان
ومن يهون عليه اقتراف الفواحش والمعاصي فالرسل يبعثون من بيت أكيتو من يداوي الأسقام
في شعاب جبال وقيعان وديان نينوى يلتم شمل جميع الفنانين ليرتلوا أناشيد العودة والإياب
وهيا بنا كل من يضطرم فؤاده بنيران الأشواق نتسابق إلى مروج آشور يداً بيد كأقرب الأشقاء
نطهّر بندى الزهور كل القلوب الطافحة بالحقد تحت جناح الأخوّة المعزّزة بالمحبة لا بالعقاقير
لقد حللتَ يا أكيتو بكل ترحاب لنبدأ المهرجان بالأشعار والرقص والحبور كأصدقاء أعزاء
ولنقتلع الأشواك والزؤان من أرضنا فستون قرناً والعدو يعيث فساداً وشعبنا يبني ما حلّ به الدمار.

،،،،،،،،،


22
المنبر الحر / أناس كثيرون
« في: 18:42 15/12/2021  »
أناس كثيرون

بقلم: ميخائيل ممو.
ترجمة: آدم دانيال هومه.



بعض أبناء المجتمع، صغيراً كان أم كبيرا، في جميع أنحاء العالم
تراهم يرفعون راية اليقظة وهم غارقون في سبات عميق
هم مستيقظون وعلى أتم استعداد للهدم والخراب وصقل الأفكار المنحرفة
وإقصاء كل ذي نشاط واهتمام  وعناية بالآداب والمعارف والعلوم
يتمرغون في نوم أهل الكهف لايحسدهم عليه حتى العميان.

مترعة نفوسهم بالحسد والأنانية والضغينة والبغضاء
يظنون بأنهم أبرار تقاة وحكماء وهم سكارى بأحلامهم
يعتبرون أنفسهم قادة مرشدون وهم يعانون مرضاً عضالا
يعتبرون أنفسهم ملوك الغابة بينما هم ثعالب في جلود أسود
وهم يدركون جيداً بأنهم الأشد جوعاً وعطشاً للعلم والمعرفة.

هكذا أناس تراهم لا يعترفون بذوي الأفكار النيّرة المفيدة
ولا يريدون أو يحاولون الاستفادة من ذوي البصيرة والحصافة
وتراهم يسدلون أستاراً بالية على كل ومضة نور تنبثق في الظلام
ويتشبثون بأفكار عقيمة وسمجة لا طائل منها
وهم يدركون جيدا بأن حبال الكذب قصيرة في كل حين.

أمثال هؤلاء القوم يظنون أنفسهم صياماً وهم فاطرون
أمثال هؤلاء القوم مصابون بشتى أمراض النرجسية العفنة
أمثال هؤلاء القوم ستراهم في مجتمعاتنا بأعداد كبيرة
وفي قاعات الاجتماعات ستراهم واقفين جماعات جماعات
يفسّرون الأشياء على مزاجهم وهم لايستطيعون فك حرف من الأبجدية.

هكذا أناس يثبطون همة كل العاملين بصدق وإخلاص وتفاني
هكذا أناس يساهمون في إقصاء كل العاملين النشطاء الشرفاء
هكذا أناس يدنّسون عفّة ونقاوة كل الأطهار والأبرياء
هكذا أناس يحاولون زرع بذور البغضاء بين كل الأصدقاء الأوفياء
هكذا أناس يشبهون تماماً تلك الفاكهة الفجّة التي لم يأتِ أكلها بعد.

هكذا أناس يحاولون فصم عرى المحبة ما بين الأصدقاء
هكذا أناس يجتثون جذور الشتلات النابتة حديثا
هكذا أناس هم ناكرو الحقيقة الساطعة ليل نهار
هكذا أناس شتّان بينهم وبين ذوي الأصالة من بني قومهم
وبينهم وبين من يتمتعون بروح سامية وبالمحبة والإخلاص.

العديد من الأفراد يصعدون منبر الأمة بدون جدارة واستحقاق
ينظرون إلى كل عمل وإنجاز بعين الأنانية المقيتة
غير مبالين بالعرق الناضح والمتصبّب من جباه المثقفين
يحاولون بشتى الأساليب الملتوية أن يسودوا على الجهلاء والبلهاء.

هناك العديد من الناس يعتقدون بأنهم يمتلكون قدرات فكرية خارقة
وبإمكانهم تبوأ أعلى المناصب في كل مكان وزمان
بتصورات سخيفة وعبثية مزوّقة بالعنجهية والأنانية
وهم لا يعلمون بأنهم مصابون بداء الغيرة والحسد المقيت.

العديد من الناس يرفعون راية القومية ويخوضون جدالا عقيما
يقفزون على الحبال، يخشعون للألوان الزاهية كالحرباء المتلوّنة
ينشرون أفكاراً عبثية ومثيرة للسخرية والاشمئزاز
لا يستفيقون من غيبوبتهم في تلك السفينة الآيلة  للغرق.

العديد من أبناء أمتنا منهمكون بالصوم والصلاة
على عجلة من أمرهم يهرعون إلى الكنائس، يرسمون الصليب بدجل ونفاق
قياماً وقعوداً، ينامون ويستفيقون من أجل اللهو والترفيه لا غير
لا يشعرون، ولا يقرّون بأنهم خاليون من كل ذرّة إيمان.

أناس كثيرون يتصورون أنفسهم حكماء عصرهم وزمانهم
صعوداً ونزولا بسلالم وهمية ومزيفة من الكمال الوهمي
على أمل أن يصلوا باسم الغرباء إلى ما يصبون إليه
وهم لا يبصرون الهاوية السحيقة والفخاخ المنصوبة في غيهب الظلام.

أعداد كبيرة من الناس يظنون أنفسهم فقهاء وسادة أشراف
 والغالبية منهم يعيشون في بلاد المهاجر والمغتربات
يدسّون رؤوسهم في كل مسألة من أجل الحصول على كرسي الزعامة
أو منصب يتلاءم مع أساليب المراوغة والغدر والخيانة.

أعداد كبيرة من الناس ينتفخون غروراً  بكل حماقة وغباء
كالأحلام التي تتراءى للمرء وهو يترنح ثملا سكرانا
بمكر وخداع  يبتهجون بتصعيب الأمور وتعقيدها بكل غبطة وسرور
وهم لا يدريكون بأنهم يكشفون عن أنفسهم أسرار الوضاعة والهذيان.

 أناس كثيرون ينادمونك بلسان حلو يقطر شهداً وعسلا
وهم يبنون ويهدمون، بآن واحد، أبراجاً وقصوراً في الفضاء
وبعد ذلك تراهم يبتعدون عنك خلسة تحت جنح الظلام
ينحرون وينشرون بكل حقد وضغينة وبكل قبح وسماجة.

أناس عديدون يمدّون إليك يد المودة والإخاء بكل همة ونشاط
ويعملون كأبناء الأمة الأبرار من أجل توطيد أواصر الصداقة الحميمة
ولكن إذا لم تشاطرهم آراءهم ومواقفهم سينعتونك بالخائن المخادع
وهم لا يعلمون بأنهم يمارسون لعبة أولاد الشوارع.

أناس كثيرون يُكال لهم كما يكيلون بدون زيادة أو نقصان
وأسماؤهم منشورة في سجلات سوداء وملطخة بالخزي والعار
بعيدون عن الأصحاب والخلان وقلوبهم طافحة بالشر والضرّاء
ولا ينصتون لصوت الضمير الذي هو سِمة كل خير وصلاح.

أناس عديدون يسعون وراء الشهرة والمكانة المرموقة
لأنهم خاملون ليس لديهم الأناة والفكر الذي يرفعهم إلى أعلى المراتب
فهم يتطلعون ويفكرون بكل ما هو مظلم وقاتم ومكفهر
ولا يستطيعون التمييز بين طريق الهداية والضلالة.

هكذا أناس يتواجدون في كثير من المؤسسات العاملة في المجتمع
كدور العبادة والأحزاب والمنظمات السياسية واللجان الاجتماعية
وهم يقطفون ثماراً فجّة لها طعم الحموضة والمرارة
لا يولون اهتماماً وتقديراً لدم كل شهيد سعى لتحقيق الحرية والكرامة لشعبه.

أمثال هؤلاء الناس يسهرون معك ويغمرونك بالإطراء والمديح
يقطفون ثماراً ناضجة من حديقتك العامرة بالأعمال المجيدة
وبعد ذلك يبتعدون عنك ويهجونك بأقبح وأشنع الصفات والنعوت
ولا يعيرون اهتماما لسنان قلمك وسهام فكرك الثاقبة والسديدة.



 









24
المنبر الحر / تنويه
« في: 18:32 20/11/2021  »
تنويه
نشرت ما تُسمى بمديرية الثقافة السريانية، بشخص مديرها الدكتور روبين بيت شموئيل، ترجمتي لرواية الأديب ميشائيل لازار عيسى تحت عنوان (بابنا المغلق)، والذي سبق أن نشرتُ نسخاً عنه في عامي 1984 في سوريا، و 2018 في استراليا.
لقد نشرت المديرية المذكورة الرواية بدون أن تذكر اسمي على الغلاف الخارجي، وهذا منافٍ لكل الأعراف والمواثيق والأخلاق التي هي من سمات أي مؤسسة ثقافية في العالم.
لذلك أطلب من المؤسسة المذكورة العمل على منع الرواية من التداول بشكلها الحالي. لذا اقتضى التنويه.
آدم دانيال هومه
adamhomeh@hotmail.com
 

25
أدب / أزاهير الملكوت
« في: 14:11 13/11/2021  »

أزاهير الملكوت



ادم دانيال هومه

أشم حريق البروق الإلهية من بين مسامات الغيوم
أعبر برزخ بوّابة الليل إلى متاهات الغابات المجهولة
لأصطاد بازوزو  في شبكة أنليل  المقدّسة
أتوكأ على ظلي
وأمضي نحو موطن أوتونابشتيم  العابق بأريج أزاهير ملكوت الذكريات
وصهيل الينابيع الثرّة
المنسابة بين شعاب جبال آشور المطلة على بحار ومحيطات الأكوان
والجنّات التي تجري فيها الأنهار المنمّقة بالأساطير العذبة المستساغة
لأستنشق عبير الورود النابتة على مقابر أجدادي الأولين
الذين لا زالوا على قيد الحياة في ريعان شبابهم
وعنفوانهم
وجبروتهم
وهم يتصبّبون عراقة في أعماق وادي الرافدين
بينما تسطع صورهم وأسماؤهم على جدران السموات
حيث تتلبد الغيوم في الآفاق
وتنهمر الأمطار على وجنات التراب
وتغور في الأعماق
لترتعش البذور في باطن الأرض
وما تلبث أن تتثاءب البراعم
وتتمطى الأوراق والأزاهير في مطلع الفجر
لتنهض أمي من رقاد الموت مكلّلة بتاج الألوهية
تُعطّر أزهار حديقتنا بأنفاسها الفوّاحة
وتمشي حافية القدمين على السندس العاكس إشراقة وجهها على مرايا النجوم
حيث مناغاة نسائم الفجر تتردّد أصداؤها في أجواء القرى العابقة بأشعة الشمس
وحيث الشحارير تستحم بأريج الثلج في وضح النهار
وحيث تنضح مواويل أبناء الجبال بالحزن المتفاقم في كهوف الجبال
وفي الأودية السحيقة الحافلة بالذئاب المفترسة من كل جنس ولون ودين.

حينما كان أنليل في كامل قواه العقلية
لم يخطر بباله يوما
أن ينسخ ما خطّته أنامله المقدّسة في لوح الأقدار
خلق الأرض سندساً مزداناً بألف لون ولون
وجعل الإنسان يلهو ويمرح فيها كما يشاء ویشتهی
وهو في كامل إنسانيته الطافحة بالصدق والوفاء
والإيمان القويم
ينساب جذلا وسعيدا مع تقلّب الفصول على مدار الأيام والسنين
والأزمنة والعصور
وحينما تحوّل أنليل المبجّل إلى (الله الماكر المُقيت القهّار)
غرق نصف العالم في ظلام دامس مكفهر
يومها بدأ الإنسان يمارس رياضة أحلام اليقظة
يحتضر من الفقر والجوع
وهو يرى الطيور مشويّة في السماء اللامتناهية.

في تلك الأيام التليدة
في تلك السنين الغابرة
كان النهر ينساب بين الجنائن الغنّاء كصدى الناي في شعاب الجبال
وكانت النواعير تشدو ألحان السلام والأمان تحت ضوء القمر
وفي الليالي المدلهمة
وكان أهل قريتنا ينامون وفي مآقيهم تتماوج أحلام الطيور الطليقة
وفي قلوبهم تعتمل أغاني الجداول والمروج
وهم يقطفون لآلئ السماء
ولكن
قبيل بزوغ الفجر
زحف الجراد على البيادر والحقول والكروم
تاركاً القاع صفصفا... ملطخاً بالذكريات
لم يبقَ ناسكٌ في تلك البقاع
تناثر الأهل في أرجاء الأرض
يروون للأجيال، والدموع  تمور في مآقيهم،
ماذا جرى في ذلك اليوم المشؤوم من شهر شباط.

هالني أن أرى نجمة الصبح تنيخ في رحاب السماء
ملطخة بأريج صهيل الزيزفون
مطأطئة الهامة في سرداب الليل
تنساق لسحر مليك الأشباح في مضجع الغابة المدلهمة.

حبيبتي...
أشهى من خبز التنّور
وألذ من القبلة الطافحة بالنشوة العارمة
وأطيب من رمان حديقتنا الزاهية
في تلك القرية التي أصبحت يتيمة بكماء
على ضفة ذلك النهر الناضب
وأجمل من الزهر المكلّل بندى الفجر
وأبدع من اللوحة التي رسمها الله في السماء
وأرقّ من نسيم الصبا في مطلع الصباح.

لما استوطن الذئاب في بلادي
تكدّرت السماء
وتلوث الهواء بالسموم
ولم يبقَ لي بدّ من الرحيل
إلى حيث يشرق وجه الله في وجوه خلائقه
وحيث لا أرى غراباً ينعق فوق الخازوق
ويلوّث الهواء بصوته القبيح.










26
الأمير الأعور، محمد الراوندوزي

بقلم: آدم دانيال هومه.
 
ولد المجرم السفاح الطاغية محمد الراوندوزي الملقب بـ(مير كور)، أي الأمير الأعور، في رواندوز عام 1783م، وتولى شؤون إمارة سوران بعد أن اغتصب الحكم من والده، واستولى على خزائنه وممتلكاته، ولم يرأف حتى بأمه إذ نفاها مع أبيه إلى قرية نائية ليموتا كمداً وجوعا.
بدأ أولى خطواته على درب الجرائم والمذابح والمجازر بإلقاء القبض على عميه تيمور خان، ويحيى بك وصلبهما ليكونا عبرة للآخرين. ثم قام بتصفية جميع أبنائهم، ذكوراً وإناثا، حيث أبادهم عن بكرة أبيهم ولم يترك أحداً منهم على قيد الحياة. ثم تبعها بسفك دماء أبناء بجدته من الأكراد خارج حدود إمارته. فكانت أولى جرائمه بحق أبناء شعبه الهجوم على برادوست الذي كان يحكمها محمود بك ابن سليم خان الذي وقع هو وابنه أسيرين حيث قلع عيونهما قبل أن يضرب رقبتيهما. واستمر، بعد ذلك، بمهاجمة قلاع البرادوستيين واحدة تلو الأخرى إلى أن استطاع السيطرة عليها جميعا. وعمل السيف فيمن طالته أياديه الملطخة بالدماء. فأخضع جميع العشائر المجاورة وأدخلها في حكمه.
كان شديد التمسّك بالدين الإسلامي عن غباء وتعصب أعمى، حيث أحاط نفسه بنخبة من الملالي الجهلة كان أبرزهم الملا محمد الخطي. وتحولت إمارته الى مركز استقطاب لأكراد فارس كمحطة أولى ومؤقتة على طريق بسط سيطرتهم على مناطق الآشوريين واليزيديين.
وقد باشر محمد الرواندوزي مذابحه وحملاته الإجرامية ما بين عامي (1831 – 1832)، حيث بدأ حملته الدموية ضد الآشوريين في مناطق ألقوش، تللسقف، تلكيف، وجميع قصبات سهل نينوى وذلك بتاريخ 15 آذار 1832، وألحق الأضرار الجسيمة بالممتلكات والأرواح، وعمل السيف في سكان المنطقة بدون تفريق أو تمييز بين الرجال والنساء والشيوخ والأطفال. ولم ينجو من جرائمه حتى رهبان دير الربان هرمزد القريب من ألقوش والذي عمل فيهم السيف بدون رحمة أوشفقة. وعاد مير كور، مرة أخرى، عام 1833م لارتكاب أعمال القتل والسلب والنهب. فاستولى، هذه المرة، على قصبات عقرا والعمادية. ولضمان ديمومة حكمه عين أخاه رسول حاكما عليها . يذكر الكاتب نبيل دمان وهو من أبناء ألقوش قائلا: (بلغ عدد القتلى من الرجال 370 رجلا، عدا الأطفال والفتيات. كما قتل سبعة كهنة من ألقوش، وثلاث راهبات، إضافة إلى رئيس الدير) . كما يذكر المؤرخ روفائيل بابو قائلا: (وفي مطاوي ست سنوات أو أكثر (1826- 1832 م) كان محمد باشا أمير رواندوز المعروف بمير كور يعيث فساداً في الأقطار الشمالية العراقية. وقد قتل عدداً عديدا من المسيحيين. ثم أقبل الى ألقوش وحاصرها وأباد من سكانها خلقاً كثيراً) .
وتشير أغلبية الدلائل والوثائق التاريخية بأن محمد الرواندوزي كان قد تحول الى كائن متوحش هائج يبحث دائماً عن طريدة لسفك دمها، فبعد كل حملات القتل الفظيعة والوحشية التي أوقعها بالآشوريين في شمال العراق، توجه بقواته صوب مناطق الآشوريين في أعالي الجزيرة الخاضعة اليوم لتركيا، فقد وطّد العزم على إلحاق الخراب والدمار بجميع قرى وقصبات طورعبدين فعاث فيها فساداً وإفساداً وقتلا ونهبا وسلبا.
لقد تكبد الآشوريون من أهالي طورعبدين وتوابعه خسائر جسيمة بالأرواح والممتلكات حيث ترك انطباعاً رهيباً، وجرحاً غائراً في الذاكرة الآشورية حيث أبدعت أقلام الشعراء في وصف حيثيات تلك الأحداث الأليمة. وعلى سبيل المثال لا الحصر، القصيدة الرائعة التي دبّجها يراع الأسقف كوركيس الآزخي التي يصف فيها ضراوة حملة محمد الرواندوزي على قرى آزخ وأسفس عام 1834، وكيف عمل السيف في أهلها وسبى نسائها.
 وقد أراد أن يفرض الدين الإسلامي على الإيزيديين بالقوّة فلم يفلح في مسعاه لذلك ارتكب بحقهم المذابح على مشارف الموصل. ويذكر عالم الآشوريات أوستن هنري لايارد: (أنه قتل من اليزيديين ما يناهز ثلاثة أرباع الجبل بهدف التخلص منهم ومن أميرهم علي بك. وقد لجأ الراوندوزي إلى أسلوب الخيانة، حيث وقع الأمير اليزيدي علي بك في شرك ميركور عندما وافق على تلبية دعوته لزيارة عاصمته رواندوز للتشاور. وبعد فشل المفاوضات بينهما، وفى طريق العودة فتك رجال الراوندوزي بالأمير اليزيدي. وبقي أمامه القضاء على القوة اليزيدية في أطراف الموصل وخصوصاً في جبل سنجار معقلهم التاريخي) .
يقول القس يوسف صائغ: (فأقبل ميركور، وعبر الزاب الكبير بجنود كالجراد. وهاجم اليزيدية فقتل منهم خلقاً عظيما. ولاذ عدد منهم بالفرار إلى جبل جودي، فطورعبدين، فجبل سنجار. ومنهم من اعتصموا في الجبال واختفوا في الغابات والأحراش. ومنهم عدد عظيم فروا هاربين إلى الموصل إلا أنهم لم يجدوا فيها ملجأ، فإن الجسر كان قد أزيح عن نهر دجلة خوفاً من غائلة جنود الراوندوزي. فلحق الأمير بالهاربين من اليزيدية وكانوا قد تحصنوا في تل قوينجق. فحاصرهم أياماً حتى استولى عليهم فأعمل فيهم السيف وقتلهم عن بكرة أبيهم. ثم تقدّم إلى قرية ألقوش. وبعدما نهبها وقتل من أهلها عدداً كثيرا بحيث لم يسلم من يده إلا من هرب إلى الجبال. ثم سار إلى دير الربان هرمزد المجاور للقرية المذكورة فنهبه وقتل قسماً من رهبانه فاختضبت تلك الأراضي بدماء الأبرياء. وللقس دميانوس الألقوشي قصيدة ضافية يصف فيها ويلات تلك الكارثة ومظالم ميركور) .
كتب خالد علوكه تحت عنوان (تاريخ الإيزيدية) بتاريخ حزيران 2017 يقول: (وقام بعدها، أي بعد اغتيال الأمير علي بك، بحملته الكبرى وأحدث مذبحة ودمارا شاملا في منطقة الشيخان وبعشيقة وبحزاني وألقوش وسهل نينوى عموماً ومسح المنطقة ذبحاً ونهبا ومن أسلم بقي حياً، ومن رفض هرب للجبال. وقسم كبير من أهالي مناطق الإيزيدية هربوا الى مدينة الموصل. وقد لاحقتهم جنود الأعور بكل شراسة. فذبح الكثير منهم في نهر الخوسر والخورنق، واستمر بملاحقتهم في الجانب الأيسر الى الجسر، وقد سُدّ الجسر في وجوههم من قبل ولاة وسكان الموصل من الجانب الأيمن ورفعوا الجسر الرابط بينهما وقطعوه لمنع عبور الأهالي الفارين من بطش مير كورا الى الجانب الأيمن ليلاقوا مصيرهم بالموت المحتوم ذبحاً على ضفاف النهر لتتحول مياه دجله الى نهر دماء).
وكتب الباحث الإيزيدي داود مراد ختاري قائلا: (منذ ظهور الديانة الايزيدية والى يومنا هذا تتواصل معها تاريخياً سلسلة الفرمانات دون انقطاع وخاصة حينما انتشرت الأفكار الصحراوية في مناطقنا التي تدعوا الى القتل والنهب والسبي، وتعرض أبناء هذه الديانة الى أبشع الحملات البربرية وكانت أكثرها دموياً حملة أمير إمارة سوران الأمير محمد باشا الراوندوزي الملقب ميري كور أي الامير الأعور. حيث قتل وسبى حوالي مائة ألف إيزيدي وأـباد جميع الايزيدية في منطقة (كلك) القريبة من أربيل. ومنذ ذلك اليوم لم يعد للإيزيدية وجوداً في هذه المنطقة. وقتل جميع أهالي بعشيقة وبحزاني ولم يبقَ منهم إلا من كان خارج القريتين، وقتل أكثر من مائة ألف كردي من مناطق بهدينان أيضاً لانه كان حاقداً على الكورد كقومية وعلى الايزيدية كدين، وقتل أعمامه وجميع أبنائهم وكان دموياً يقتل كل من يخالفه. وهجم على قرية (ختارة) التابعة حالياً لقضاء تلكيف }36 كلم شمال الموصل{ في يوم الخميس المصادف 9-3-1832 وأبيدت القرية عن بكرة أبيها وتعدادها كان حوالي (10,000) عشرة آلاف شخص قتل كل الرجال وسبى النساء والفتيات والأطفال، وفي ذلك اليوم كان الطبل والزرنة يدق في سبع أعراس نظراً لكبر حجم القرية، ولم يبقى حياً في القرية إلا من كان خارجها، ولكن بعد فترة هربت العديد من النساء مع أطفالهن).
لقد كان الأتراك، بدون شك، مدينين لمحمد الراوندوزي لدوره في تحطيم قوة ونفوذ إمارة بابان، وبهدينان، ومراكز اليزيدية في الشيخان وسنجار والجزيرة. كما أيدوه وساندوه في اقتراف المجازر ضد التجمعات الآشورية في سهل نينوى وطور عبدين، وتدميره للمئات من قراهم ومدنهم العامرة.
(ولما حشد قواته في المناطق الواقعة إلى الجنوب من العشائر الآشورية في هكاري، بتشجيع من السلطات التركية التي عجزت عن بسط نفوذها على مناطقهم التي كانت تتمتع بالحكم الذاتي، قام خمسون مقاتلا من عشيرة تياري بالانقضاض على معسكره كالنسور الكواسح، واقتحموا قرية بالقرب من خيمته بجوار العمادية، وتركوا خمسة عشر صريعاً يتخبطون بدمائهم، كدليل وبرهان على زيارتهم المفاجئة. وبعدها، أصبح اسم تياري مرادفاً للرعب والخوف والهلع. سرعتهم في الحركة والانتقال لا يمكن تصديقها. فلقد قطعوا مسافة سبعين ميلا (112 كم). طوّقوا القرية عند الغروب، وقاموا بحرقها، وعادوا إلى ديارهم قبل بزوغ الفجر. وبعد ستة أيام فقط، أعادوا الكرّة ثانية على قرية أخرى. وفي هذه المرة وضعوا رؤوس ضحاياهم على معبر على الحدود المؤدّية إلى تياري كعلامة إنذار لأمير راوندوز. لذلك، أدّت العملية الأخيرة إلى الاستعجال في شن هجوم محمد الراوندوزي عليهم. حيث انضم إليه جميع أكراد المنطقة. وعلى مشارف قرية ليزان، وعلى ضفاف نهر الزاب، وقعت المعركة الحاسمة التي حشد لها أبناء تياري 1500 مقاتل فقط. كانوا أقل عدداً وأكثر تحصيناً. وبعد معركة عنيفة تقهقرت قوات الراوندوزي وولت الأدبار فلاحقها الآشوريون لعدة ساعات إلى أسوار عمادية. وكانت خسائر الطرفين فادحة. لقد أصبح هؤلاء الآشوريين النساطرة مصدر رعب لجميع المسلمين في المنطقة) .
يؤكد المؤرخون الآشوريون وعدد من المؤرخين العرب والأكراد الشرفاء النزيهون بأن المذابح والمجازر والخسائر المريعة في الأرواح والأملاك والممتلكات التي ألحقها محمد الراوندوزي (1783-1836م)، ومن قبله تيمورلنك (1336-1405م)، ونادر شاه (1698-1747م) بسكان بلاد ما بين النهرين قد قلبت كل موازين القوى المحلية، وأحدثت تغييرا واضحاً وضرراً بليغاً بالخارطة الإثنية واللغوية والدينية التي كانت سائدة في إقليم الجزيرة وآشور لصالح الأكراد الغرباء عن المنطقة كلياً. وأحدث ميركور الكردي شرخاً كبيرا بالعلاقات الآشورية–الكردية، والكردية- اليزيدية التي كانت حتى عهدذاك علاقة احترام متبادل، وقائمة على السلام والوئام والتفاهم الأخوي التام. فهو، بذلك، أول زعيم كردي يحوّل أعمال السلب والنهب التي كان يقوم بها بعض قطاع الطرق من الأكراد ضد القرى والأديرة والكنائس الآشورية المنتشرة في كل أرجاء سهل نينوى ومجمل شمال العراق. لقد نجح في تحويل تلك الأعمال الفردية الى حملات تطهير عرقي منظمة لم تقتصر على النهب والسلب فقط، وإنما إلى إزاحة وإقصاء شعب بكامله عن أراضيه التاريخية التي ورثها عن آبائه وأجداده منذ آلاف السنين الغابرة. حيث أصبحت مُلكا حلالا للغرباء الطارئين على بيئة وادي الرافدين، أي بلاد آشور.
كتب عن الأمير الأعور المبشر لوري توماس الذي عاصر الأحداث قائلا: (عُرف عنه تعصبه الديني. واعتاد قلع عيون معارضيه. وإن أياديه ملطخة بدماء المسيحيين وسلب ممتلكات الكنائس والأديرة سواء في أذربيجان أو ما بين النهرين أو العمادية والجزيرة. أما اليزيدية فقد قتلوا بدون رحمة أو شفقة. الكثير من المسيحيين لازالوا أسرى العبودية عنده. وخلال جميع هجماته سلب الناس كل شيء. ووضع السيف في رقاب من لم يرضَ عنهم) .
آزره الصفويون لوقوفه إلى جانبهم ضد العثمانيين وذلك بتزويده بمدافع كانت تصنع في منطقة قاجريان الفارسية مع اثنين من صنّاع تلك المدافع للإشراف على كيفية استعمالها . وهكذا ساعدته تلك المدافع باقتراف جرائمه الشنيعة بالآشوريين واليزيديين المسالمين، وتحت تأثير رجال الدين أمثال محمد الخطي والملا يحيى المزوري، والملا عزرائيل الجزيري. ولكنه لم يكتفٍ بكل ذلك بل عمل السيف في بني جلدته الأكراد بكل وحشية وهمجية لا مثيل لها في التاريخ. 
ولكن لما اكتشفت السلطات العثمانية إنحيازه إلى الصفويين ضدهم، جهّز السلطان العثماني محمود الثاني (1785-1839) جيشاً بقيادة رشيد باشا والي سيواش وذلك في شهر نيسان عام 1833م. حيث قام بإنذاره بالاستسلام أو تدمير رواندوز على رؤوس ساكنيها. ثم كتب رشيد باشا إلى علماء الدين المحيطين به أن ينصحوه بالاستسلام وتقديم الطاعة والولاء للسلطان الأعظم.
وهنا ظهرت الخيانة الكردية بكل وضوحها وجلائها، حين انبرى الملا محمد الخطي مفتي سوران بإطلاق فتواه الشهيرة في خطبة الجمعة في الجامع الكبير بعدم شرعية مقاتلة جيش خليفة المسلمين: (وبأن كل من يقف ضد خليفة الله على أرضه، وهو السلطان العثماني، فهو كافر وزنديق وطالق من زوجته). نفس ذات الفتوى التي كان يطلقها مع  جيش الرواندوزي عند زحفه على الإمارات الكوردية الأخرى، وعلى مناظق الآشوريين والإيزيديين. وكان وقع فتواه تلك كوقع النار في الهشيم. واستغل رشيد باشا الفرصة وقام بنشر تلك الفتوى من خلال أعوانه وعملائه بين العساكر والجيش. وكانت المشاعر الدينية، يومذاك هي المحرك الأساسي للنفوس والهمم. فخارت القوى، ووهنت العزائم بين الناس البسطاء والمقاتلين. فألقى الكثير منهم السلاح رافضاً القتال. ونتيجة ذلك، والتي يصفها المؤرخون الكرد بالخيانة العظمى من قبل الملا محمد الخطي، فتحت بعض الممرات والطرق نحو راوندوز، فاندفع منها جيش رشيد باشا محاصراً المدينة.
وانصاع الرواندوزي لهذه الفتوى مثل الخروف البليد التافه، وليقوم بتسليم نفسه إلى القائد العثماني بدون قيد أو شرط، وليرمي بكل مدافعه الــ 222 في مزبلة التاريخ. حيث لم يبادر على إطلاق طلقة واحدة على جيش السلطان العثماني فاستسلم الراوندوزي قبل الفجر في نهاية آب 1836 بصحبة الملا محمد الخطي. واقتيد إلى استنبول بناء على أوامر السلطان محمود الثاني حيث قدّم له الطاعة والولاء من جديد، فعفا عنه، ولكنه اغتيل في طريق عودته على يد الجنود المرافقين له وذلك عام 1838م بطريقة جلد الرقبة بالسيف التي كانت تُنفّذ بذوي الخطر من الناس حيث يُقاد إلى غرفة مكبلا بالحديد، ويجلسونه على كرسي ويلفون حول عنقه حمالة سيف، ويمسك بطرفيها جنديان، ويبدآن يشدان على عنقه حتى يكسرا فقراته ويزهقا أنفاسه خنقاً. ثم يأتي الجلاد يفصل الرأس عن الجسد ويفسل ويسلخ ويحشى بالقش أو التبن ويوضع في صندوق ويقدم للوالي الذي يرسله بدوره إلى استنبول بعد أن يراه.   
يكتب طارق باشا العمادي في موقع (pukmedia) بتاريخ 2010/11/15 قائلا: (مما يبعث على الحيرة والدهشة أن جيلنا الحالي يحاول، وبإصرار، التأكيد على بطولات زائفة لبعض القادة والشخصيات التي ظهرت في حياة الشعب الكوردي، والتي لم تكن إلا معرقلة لطموحات هذا الشعب، بل قاتلة لهذه الطموحات. ولا نعلم إلى متى يبقى هؤلاء يؤكدون على بطولات دون كيشوتية لا أساس لها على أرض الواقع).
لقد أصبح هذا القاتل المجرم السفاح رمز وشموخ وبطل الأكراد الباسل الصنديد بدون منازع. وتطفح منشوراتهم وصحفهم ومجلاتهم وحتى برامجهم التلفزيونية ببطولات وانتصارات هذا الطاغية المستبد، وتضعه على رأس قائمة رجال الأمة الكردية. حيث أقامت له تمثالا في مدخل مدينة راوندوز . تقديراً وتثميناً لجرائمه ومجازره وسفكه لدماء الآلاف المؤلفة من النساء والأطفال الأبرياء، ناهيك عن الرجال من كلا الشعبين الآشوري والإيزيدي بدون تمييز أو تفريق.
واليوم يسترجع الآشوريون والإخوة اليزيديون، بكل ما للمرارة واللوعة والأسى من معان أليمة وموجعة، الذكريات الحافلة بالمآسي والويلات التي كابدوها على أيدي زعماء الأكراد وعشائرهم في الماضي والحاضر. وأشد ما يؤلمهم حين يقرأون عن بطولات ومنجزات كل هؤلاء الذين مارسوا بحقهم المجازر والمذابح الجماعية الواحدة تلو الأخرى. حيث أقيمت لهم النصب التذكارية، وسميت بإسمائهم الشوارع الرئيسة، والأندية والمراكز الثقافية والاجتماعية، ويتحولون، بقدرة الشيطان، من مجرمي حرب إلى أبطال أشاوس مغاوير. ونذكر من أولئك المجرمين السفلة على سبيل المثال لا الحصر: الأمير الأعور، الجزّار اللعين بدر خان البوتاني، الخائن والغدّار سيمكو الشيكاكي، الفاسق الشرير نواف مسطو، السفيه الطائش أحمد البرزاني، وعميل الإنكليز الأحمق المغرور السفاح بكر صدقي. فعوضاً عن أن يُلقى بكل هؤلاء إلى مزابل التاريخ إلى جانب كل الطغاة والمجرمين العالميين الذين تلطخت أياديهم بالدماء الزكية من كل الشعوب، كجنكيزخان، تيمورلنك، هتلر، صدام حسن، داعش، القاعدة، وبوكو حرام. نراهم يتصدرون جميع وسائل الأعلام الكردية، ويكيلون لهم الثناء والمديح لتحقيقهم لكل تطلعات وأمجاد الأكرد. ولكن الحق نقول: إن تعظيم وتخليد المنتديات والمؤسسات التربوية والسياسية والاجتماعية لهؤلاء المجرمين الأوغاد لدليل قاطع، وبرهان ساطع لكل المخدوعين من أبناء الشعبين الآشوري والإيزيدي بأن العقلية الكردية لازالت متخمة بآيات القتل، ولازالت تستطيب وتحن إلى ممارسة سفك الدماء. وإذا لم يجد الأكراد عدواً يمارسون بحقه لعبة الموت، فلا ضير أن يمارسوها بحق بعضهم بعضا. والتاريخ حافل بالخيانات الكردية، والصراعات الكردية- الكردية. فليس ثورة كردية قامت إلا وكان سقوطها مدوياً بسبب الخيانة الكردية الداخلية.
لدينا سؤال لكل كردي شريف: لنفترض جدلا أن زعيماً عراقيا ما حاول أن ينصب تمثالا لعلي حسن المجيد أو صدام حسين في مدينة حلبجة أو أي مدينة يسكنها الأكراد حاليا. فماذا يا ترى سيكون موقف الأكراد عامة، والسياسيين منهم بوجه خاص، من ذلك؟ إن تمجيد هؤلاء الأوغاد ينعكس جراحاً غائرة ليس في مشاعر الآشوريين والإيزيديين فحسب، وإنما في مشاعر وأحاسيس العراقيين والسوريين قاطبة. وستظل هذه الجراح نازفة باستمرار حتى تُطوى هذه الصفحات السوداء من تاريخ الأكراد المقرف والمشين.
 
المراجع:
1.   الموسوعة الشاملة، عشائر العراق، عباس العزاوي.
2.   إمارة سوران في عهد الباشا الكبير محمد كور الراوندوزي. عوني الداوودي، مركز دراسات وأبحاث الماركسية واليسار. 22/12/2003.
3.   هكذا كتب مصير الطغاة الأمير الأعور نموذجاً. الباحث داود مراد ختاري، موقع بحزاني نت.
4.   عوني الداود. 2003 . إمارة سوران في عهد محمد كور باشا.  موقع  كي ار جي 2003.



.

28
للاطلاع على الموضوع بشكل بي دي اف انقر على الرابط التالي.
https://ankawa.com/forum/index.php?action=dlattach;topic=1011898.0;attach=1264226

29
المنبر الحر / العالم الصامت
« في: 19:51 01/06/2020  »
لقد كتبتُ هذه الخاطرة جواباً على رسالة تلقيتها من الفنان التشكيلي الآشوري العالمي حنا الحائك من مدينة القامشلي وأنا في قريتي المنسية ولطو (تل نصري) على ضفاف نهر الخابور أثناء العطلة الدراسية الصيفية حيث كنت في الصف العاشر وكان هو مدرس مادة الرسم في دار المعلمين بالحسكة.

العالم الصامت
مهداة إلى الأخ (الغريب الحزين)
كيف سيصل إلى أذنيك صوتي بين نقيق الضفادع وعواء بنات آوى؟. إن بيني وبينك بحر لا متناه من الظلام لا ينوس فيه وميض نور. هام فيه زورق محطم الشراع، يرنو إلى الأفق البعيد. يودّ لو يهتدي للمرفأ الصخري في حدقة الفجر الجديد.
ملأت أحشائه الزوابع، يشقّ طريقه زاحفاً إلى رصيف الحياة. يراهق في أعصابه الضلال فتخور قواه ويتداعى تحت أقدام الريح، ويكرع الخلاص من ثقوب الأمل، وتفحّ أنفاسه حقداً مستعرا على الخنازير اللاهية في مزرعة الحياة.
ماذا حصدتَ من قمح بلادك غير قبض ريح؟.
لقد كنتَ تأمل أن تزرع في أرضها بذار سعادة أزلية لا تميتها دوامس الليالي، وتغرس فيها شجيرات تثمر الجواهر والياقوت. لكنك جنيت أزهار شقاء. أجل أزهار شقاء. وجمعت تلك الزهور في مزهرية عناصرها لا تموت ولا تزول. لكنها اضمحلت يوم تحطمت على كتلة الدماء. وجثوت على ركبتيك تجمع حبات قلبك، زهرات شقائك، من بين ثنايا التراب الحزين. وسرت تلوك الدروب بصندل قديم. وعندما تعطش تكرع الماء بصندلك ذو الرائحة العبقة.
صندلك مصنوع من بخور معابد الهند.
إنك تجوب بحور الجليد... وكلما شددت الرحال إلى بلاد نائية فيما وراء الزمن لتنقب عن المجهول، لتحقّق المستحيل، لتكتمل إلهاً، تجد نفسك مشلولا. آنذاك تتدفّق شلالات اليأس من علياء نفسك وتنصبّ في سواقٍ طويلة... طويلة عليها قامت صفصافة جذلى تغني نشيد الدهور.
وتلتوي على جراحاتك تداعب دمها المتخثر بفعل صقيع الأجيال. ويعانق الموت السخيف كل أطراف حياتك التافهة.       
إن شباكك قويّة مصنوعة من خيوط الإيمان والأمل. مشبوكة بالعزم والإرادة. لكنك تلقيها في مياه لزجة يكثر فيها الاخطبوط. وأولادك يتضوّرون جوعاً إلى التراب المرّ. يصارع في أحشائهم السقم، وتسحقهم أقدام الموت الدنيئة.
تأمّل الشمس في قبّة الفلك. إنها تسقي السماء من دمها، وتكلل هامة الأرض بتيجان سناها. لكنها غريبة عن الأرض والسماء. ولا تلبث الأرض الخبيثة أن تحفر للشمس قبرا بفأس الغروب، لكنها لا تني أن ترتمي هي نفسها فيه.
وتبقى الشمس نيّرة تثمل الكون من خمر ضياها، وتطئ بأقدامها صدر الموت والزمن.
كم من غريب عن العالم الصامت، لكنه ملحده في زوايا صدره.
كم من حزين على شواطئ العالم الصامت يقف أمام وجه العاصفة ضاحكا ملء شدقيه.
ها قد أتيتك اليوم، أخرس الكلوم، وجاءتك روحي من الأزل. فاملأ كأسي مداما من حصرم كرمك. واشعل لي مصباحا فإني أمقت الظلمة. وليكن زيت سراجك عسل الأرواح.
إني تعِب! فافرش لي ندى القلوب العمياء.
أنا جائع... وجائع.... وجائع. لا تشبعني غير جماجم الذئاب الضارية.
لا تدعني في بلقع أنتظر حلول الربيع. لأنني رقدت مائة جيل في مقبرة وأنا في انتظار يوم عرس بهيج دون جدوى.
هنالك... في أعمق أعماقك أحرف أقوى من الموت والقدر. منبثقة من قلب الغابر السحيق. متموّجة في كيانك. وقد دفنتها في ظلال جنانك. وجعلت ذواتك كلها تأتي صاغرة وتقبّل أطراف تلك الحروف بخشوع وحنان.
قد تكون كلماتي هذه نفحة ناي في عاصفة هوجاء. ولكن لا ضير. فإن لم تستطع طيور الحقل، أو لم ترد، سماعها فبلابل شجيرات وادي العقيدة ستتلهى بخصلات صداها.
أنا لا أقول بأن تشتعل الجبال. تكفيني جمرة في كل تل رماد.

،،،،،،،،،
964 / 11 / 30




30
المنبر الحر / (تحية عرفان وتقدير)
« في: 17:16 19/05/2020  »
(تحية عرفان وتقدير)


باسمي، وباسم جميع آل هومه نتقدم بمزيد من الشكر والامتنان لكل من تفضّل بمواساتنا برحيل الفنان الخالد (جان هومه) وذلك شخصياً، أو عن طريق أي من وسائل التواصل الاجتماعي. ونخصّ بالذكر غبطة المطرابوليط (مار ميلس زيا) الوكيل البطريركي لأبرشيات استراليا، نيوزلندا، ولبنان، ونيافة (مار ياقو دانييل) مطران استراليا ونيوزيلندا للكنيسة الشرقية القديمة، والنائب في البرلمان العراقي الاستاذ (يونادام كنا) السكرتير العام للحركة الديمقراطية الآشورية، والمطربة القديرة جوليانا جندو. وجميع التنظيمات والأحزاب السياسية، والمؤسسات الثقافية والفنية والاجتماعية والدينية. متوسّلين إلى الرب العطيم أن يُبعد عن الأمة الآشورية وجميع أبنائها، وأبناء الإنسانية قاطبة، كل أذيّة ومكروه وجميع صروف الدهر. آمين.
آدم دانيال هومه

31
للطلاع على الموضوع كاملا انقر على الرابط التالي:

https://ankawa.com/sabah/sabah/elyashnna.pdf

32
أدب / الباحث عن أسرار آشور وبابل
« في: 17:49 30/04/2020  »


الباحث عن أسرار آشور وبابل


بقلم: آدم دانيال هومه.






مهداة إلى روح الصديق الفنان التشكيلي حنا الحائك (الغريب الحزين).
أيها المنقّب عن شظايا رقيمات الماضي التليد
لماذا الإصرار على الإطلال من كوّة الأساطير الباذخة
على أطلال المدن المنكوبة بهذيان الأنبياء والمشعوذين؟
لقد كنتَ رحيق الفجر العابق في القرى الغافية على ضفاف الأنهار
وكنت شهيق الزهر في حدائق أوروك
رسّختَ الآمال في قلوب البراعم
وأوقدت المشاعل على تخوم الليالي
واكتشفت الينابيع الثرّة في لغة الأطفال
وتضمّخت بعبير الملح المرشوش على عتبة أكيتو
ثم مضيت مهفهفاً
 لتتوغل في الشعاع الممتد ما بين نينوى وبابل
كانت لوحاتك أشبه بانعكاس مرايا الفصول على جدار الشمس
وكانت أشعارك أشبه بهسيس الضوء في مجاهل الذاكرة
وعلى الرغم من كل مآسي وويلات وطنك الجريح
كانت دموع البؤساء تتفتّح على شفتيك زنابق أمل
لا زال رنين ضحكاتك يصدح في مسامعي كأنّات ناي جريح
وصدى كلماتك لم يزل يدوّي في أنفاق الروح
كخرير شلالات الحزن في وادي الرافدين.

أيها الحامل تحت إبطه آخر نسخة من سفر الخلود 
بلّغ تحياتي إلى صديقك الودود أوتونابشتيم
بعد مرورك بكلكامش وأنكيدو في غابة خمبابا
لأنك الوحيد الذي يعرف كل تفاصيل الحياة
والموت
والقيامة
وأنت الوحيد الذي كان ينام على سجّادة الريح
فوق سطوح الآفاق
تحت ظلال زقورة أور
وأنتَ...
أنت الوحيد الذي يعرف كيف يموت
وكيف يتجلّى
وكيف يقوم من الموت متى ما يشاء.
adamhomeh@comotmail.

34
أدب / استراليا
« في: 21:29 13/12/2019  »
استراليا

آدم دانيال هومه

استراليا
جزيرة ضوء تتلألأ في بحار الظلمات
زهرة الفجر تتوهج بين دجنّة الأدغال والغابات
واحة الأمن والسلام والهناء
ملاذ المشردين والمعذبين في الأرض
على بطاحها
تتماوج الخيرات والنِعَم
وإلى غصون سمائها
تتوافد جميع طيور العالم
تحلّق في الآفاق حرّة طليقة
وتمشي في الشوارع والساحات آمنة مطمئنة
وعلى شواطئها تزهر الرمال
وفي كنفها
تتساوق وتتساوى الأجناس والأعراق
وتتمازج التقاليد والأعراف
وتتنابذ العصبيات والأحقاد والأضغان
ويتلاشى التباين والتمايز في الأشكال والألوان
وفي الخلفيات الأثنية والدينية
ويسود التناغم والتآلف والانسجام
بين جميع الشعوب التي تتدفق بشوق عارم
من كل الأقطار والأمصار
سعياً وراء الفردوس المفقود.
استراليا
فيكِ وجدت الحنان والأمان والكرامة
وفيكِ اكتملت إنسانيتي
لذلك
أستطيع أن أغفو وأنام بين أحضانك
وأنا في كامل الاطمئنان على مستقبل ومصير أبنائي
فلتنهمر على كل ذرّة من ترابك شآبيب البركات
ولينهل على كل فرد فيكِ وابل الأفراح والمسرّات
ولترعاكِ العناية الربّانية إلى أبد الدهر
ليظل صدرك مفتوحاً على مصراعيه
لاستقبال كل البؤساء والتعساء الهاربين من أوطانهم الأصلية
الغارقة في الدم والنار والدخان.
*****
سدني- استراليا

adamhomeh@hotmail.com

35
أدب / رأس السنة الآشورية
« في: 13:49 30/03/2019  »


رأس السنة الآشورية


آدم دانيال هومه


في الأول من نيسان
تُترك جميع نوافذ وأبواب الكون مفتوحة على مصاريعهاعلى مدار الليل
ليدوّي في الأرجاء صهيل خيول الرعد
ويتناثر فيها عبق شظايا البرق
ويطهّرها بخور رذاذ المطر
وقبيل انبثاق الفجر
تُزفّ الأرض إلى السماء
ليبدأ العرس الإلهي البهيج.

حين تعبر عشتار برزخ الموت إلى شاطئ الحياة
يشعّ من محياها الألق والبهاء
وهي تتوشّح بأثواب السيادة والسلطان
لابسةً قلادتها اللازوردية
وشادّة إلى وسطها ألواح الأقدار السبعة المقدّسة
وعلى رأسها يشعّ التاج العظيم
ولدى إطلالتها وهي ممسكة بيد دوموزي المتميّز
الذي أنقذته من براثن العالم الأسفل
يتهلّل وجه البراري والوهاد والنجاد
وتفترّ ثغور الجداول والسواقي
ويبدأ الانتعاش والانبعاث من جديد
وتمشي عروس السماء مزهوة زاهية بين الحدائق والكروم
تسير في معيّتها جميع الآلهة
وهم يرفعون ذيل ثوبها الموشّح باللآلئ المتموّجة الأنوار
تتفتّق تحت أقدامها أكمام البراعم وتويجات الكلأ
وتذيب أشعّة أهداب ثوبها الثلوج عن قمم الهضاب والجبال
فتجرف السيول أدران الطبيعة إلى قيعان الأودية السحيقة
وعلى وقع رنين خطواتها
تسري في جسد الأرض قشعريرة لذيذة
وتنبجس من بين مساماتها أفانين الأزاهير والورود والرياحين
وتنداح أنغام وأغاريد البلابل والطيور على أوتار قيثارة الشمس
وتسري نسائم الربيع المنعشة في أوصال كل ذي حياة.

في الأول من نيسان
يسير الأطفال مع الملائكة يداً بيد
يتقافزون بين الأعشاب النابتة فوق السطوح وعلى الجدران
ويتعلقون بجدائل قوس قزح
وعند حلول المساء... يدخلون بخشوع معبد (الإيساگيلا)
وينامون في أراجيح الأحلام
وتلهو العذارى حافيات على السندس الرطيب
تضفرن شعورهن بالبنفسج والياسمين
تتعمّدن في بحيرة الأقحوان
تتقاذفهن أمواج اللغة الرقيقة إلى مرافئ أحضان الأحباب
وتطرن إلى واحات المستقبل على بساط مطرّز بالأمنيات
والفتيان يمتطون صهوات الريح
يقطفون عناقيد الآمال المتدلية فوق أسوار حدائق بابل
ويطاردون الفراشات المتلألئة في آفاق القرى المتناثرة
على ضفاف الأنهار الخالدة
وقبيل الأصيل... يقيمون الصلوات على أرواح الشهداء
ويلملمون زنابق دمائهم المتناثرة في الوديان
وفوق سفوح وقمم جبال آشور
والشيوخ يجلسون على أرائك الذبول في شرفات الغروب
يقلّبون صفحات الذكريات
وهم يتقطّرون شوقاً ولهفةً إلى مرابع الطفولة والشباب
التي كانت تزخر يوماً باللوز والرمّان وقصب السكر.
كل شيء نضر وجميل في هذا اليوم
حتى خدود العجائز تتورّد كتفاح الخابور
قبل الحكم عليه بالإعدام.

في الأول من نيسان
يحتفل الله بعيد ميلاده.
،،،،،،، 


36
أدب / ليس للحمام مخالب وأنياب
« في: 18:42 09/03/2019  »
ليس للحمام مخالب وأنياب
بقلم: آدم دانيال هومه.

عشتار
يا ألق الأرض والسماء
يا نور الألوهية الوهاج
أيتها العذراء البتول
التي أنجبت أمها وأباها بلا دنس
يا سيدة العوالم والأكوان
يا ربّة السموات العلى
أيتها الأم العظمى المقدّسة
أسبّح بحمدك ليل نهار
أنتِ التي بنظرة خاطفة منك
تبرأين المرضى والمقعدين
وتحيين الميّتين
وتمنحين البصر للمكفوفين
لا ينمو نبات
ولا يتناسل مخلوق إلا بقدرتك.

يا أجمل الحسناوات
الكل يبهره نور جمالك الخلاب
ولكن
ما من أحد يستطيع النظر إلى وجهك الإلهي المتوهج
لأنك متسربلة بالشمس
تحت قدميك النجوم والأقمار
وعلى رأسك تاج الألوهية المتأجج.

يا رمز الطهارة والنقاوة والسحر والعفاف
يا نجمة الصباح والمساء
يا ملبية صلوات الفقراء والمستضعفين
وواهبة الثقة والطمأنينة لكل التائبين
يا قيثارة الحب والجمال واللّذات
يا ربة الخصب والعطاء
قوامك يشع فتنة وإثارة
إذا ما تجليتِ
سيفيض الفرح  والمسرات في كل مكان
وإذا استغاث بك المؤمنون
ستمرع الحقول بالسنابل
وتثقل الكروم بالعناقيد
وستملأين العنابر بالغلال
يا لبؤة الحرب والنزال
أنت التي تسمعين تنهدات الملوك والسلاطين
وتملأين قلوبهم ثقة وأمانا
وتحققين لهم النصر على الأعداء
وإذا غبت عن الزمان والمكان
سيحل القحط والموات
ويذبل الحب في قلوب كل الكائنات
فلا تغرد البلابل
ولا تشدو الطيور
حتى الحمام يعتزل الهديل
وتكف الكائنات عن ممارسة الجنس
فيتوقف الخصب في الأرض وفي الأرحام.

وبعودتك
ستنبعث الحياة من جديد
وسينتصر الحب على الموت
وسيعود الخصب والنماء في الأرض
وفي الأرحام
وستتسامى الروح المثلى على سقطات الجسد.

يا سيدة النواميس المقدسة
التي تتقدم المنصة الإلهية
أناشدكِ باسم الذين يتضورون أمناً وسلاما
أولئك الذين لازالوا يتباركون باسمك
والذين لازالوا يتقدسون بالرذاذ المتناثر من سطوعك
 المؤمنون بك يعيشون في غابة مدلهمة
تعج بكل الوحوش الضارية والطيورة الكاسرة
وهم لايعرفون عن السيف سوى اسمه
وعن الموت سوى النهاية الطبيعية لكل البشر
أمّا أن تطاردهم أشباح الظلام في ردهات الليل
وتشرّدهم من بيوتهم وديارهم
وتقتل أطفالهم
وتسبي نساءهم
فهذا لديهم خارج عن شريعة الإنسان العاقل
لأنهم يدركون جيدا
بأنه ليس للحمام مخالب وأنياب
ولكنها وحدها رمز السلام في العالم
لذلك تراها
تتجول بين أقدام الناس في شوارع مدن العالم المتحضّر
بكل طمأنينة وأمان
ويبقى الضبع رمز التوحّش والافتراس والهمجية
ولا يستطيع أن يعيش إلا بين المقابر
أو في الصحراء.
******
سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com

37
أدب / صوتٌ من الغيب
« في: 16:25 30/12/2018  »

صوتٌ من الغيب


آدم دانيال هومه

مضى شطرَ وهجِ المرافئِ
يبغي الوصولَ إلى مدنٍ لا يُساورها النومُ
تلهو على سندسِ الضوءِ بين مروجِ الشَّمَال
تقايضُ كلَّ صلاةٍ بشدوِ البلابلِ في مطلعِ الفجرِ
أغنيّةٍ من عنينِ النواعيرِ منتصفِ الليلِ
أو أنّةِ الناي خلفَ التلالِ تُناغي الرعاةَ وقطعانهم
تؤجّجُ فيهم مشاعرَ شوقٍ إلى وطنٍ مُستباح
تقابلُ كلَّ سجودٍ على الأرض بالرقصِ فوق سطوحِ الغمام
لتعكسَ فيها مرايا الضبابِ وجوهاً لآلهةٍ لاذت بزاويةٍ من مغارٍ قديم
تجرجرُ تابوتَ أحلامِها فوق موجِ السَّديم
تراقبُ زهوَ الينابيعِ تنسابُ جذلى على نغمِ الفجرِ بين الجبال
لتروي السنابلَ  فوق سفوحِ التلالِ
لينهمرَ الخبزُ في جَفَنَاتِ الجِياع
لتنهارَ أعمدةُ الليلِ تحت معاولِ نورِ الصباح
ويسّاقطُ الغيثُ فوق جميعِ البِطاح
يعودُ المهجَّر من رحلةِ التِّيهِ
يَمحي فصولَ الضَياع.

*****
أجدّدُ جلدَ أشعاريَ بين حينٍ وحينْ
فأكتبُ يوماً قصائدَ تنثالُ كالومضِ فوق أجيجِ الأحاسيسِ
ممزوجةً بأريجِ البنفسجِ في يقظةِ االصبحِ
تجري ظلالا من الكلماتِ على صفحاتِ المياهِ
لتضرمَ فيها الحرائقَ والسِّحرَ والإفتنانْ
وحيناً أطرّزُ ثوبَ القصيدةِ بالزهرِ من كل صنفٍ ولونْ
لتعبقَ بالعطرِ والطيبِ
تختالُ مثلَ الطواويسِ بينَ الخمائلِ قبلَ حلولِ المساء
كغانيةٍ تتمايلُ غُنجاً أمام لفيفٍ من العاشقين.
*****
سماءُ بلادي منمّقةٌ بالشظايا
وكلُّ بناءٍ عليهِ زخارفُ من قومِ عَادْ
وكل جدارٍ عليهِ نقوشُ بني كلبٍ
وفي كلِّ حيٍّ تسيلُ دماءُ بني قحطان
وفي كلِّ ركنٍ جريحٌ يُكابدُ أقسى صنوفِ العذاب
ولا من مستجير
وفي كل زاويةٍ من زوايا الشوارعِ والطرقاتِ
أجثاثُ قتلى بلا قدمين
ورأسٌ بلا جسدٍ
وأجنحةُ الموتِ تخفقُ فوق عمومِ البلاد
وفوق رؤوسِ العباد
ورائحةُ الدمِ تعبقُ في زمهريرِ الرياح
كأن ملاكَ الكوارثِ قد مرّ من ها هنا
/أو أن سلفادور دالي قد أقام معرضا للوحاته السوريالية/.
*****
يحلّقُ نسرُ النبؤاتِ في ذاتهِ الأزليّةِ فوق تخومِ السماواتِ
يئتزرُ الرعدَ
ينتعلُ االبرقَ
يفتحُ عينيهِ... ينظرُ نحو الجبالِ القَصيّةْ
فينهمرُ البيلسانُ على  شُرفاتِ الكهوفِ العَصيّةْ
وتخفقُ شمسُ الشُّموسِ على مقلتيهِ
ويومِضُ في شفتيهِ رنينُ الكلام
يطلُّ الربيعُ على خطوهِ فوق متنِ الغَمام
يرفرف في الأفُقِ الرَّحْبِ فوق مباهجِ دارِ السلام
ليفتحَ لعشتارَ بوّابةِ الياسمينِ
لتختالَ في موكبِ الفجرِ فوق بساطِ النجوم
ويوقدُ قنديلَ قلبهِ فوق ناصيةِ الحُلمِ في ملكوتِ الظلام
ينير دروبَ رُعاةِ القداديسِ نحو الطقوسِ التي لم تزلْ مُثمِرةْ
ونحو نباتِ الخلودِ الذي لم يزلْ هائماً في قرارةِ بحرٍ سحيق
ليرتعشَ الكونُ مختلجاً تحت وقعٍ صرير مزاليجِ بابِ الجحيم 
ويمسحُ أغبرةَ الموتِ عن وجههِ
يمتطي صهوةَ النارِ
يطوي طقوسَ المعابدِ تحتَ جناحيهِ   
ويتلو وصاياهُ في محفلِ العاشقين
ثم يغادرُ زنزانةَ الأرضِ نحو الأقاصي البعيدة
ليركنَ في واحةِ الضوءِ تحت الظلالِ الرغيدة.
****
وأنا على شاطئٍ البحر في نُزهةٍ في بلادِ الغياب
التقيتُ بحسناءَ أبهى من الطاووسْ
وأجملَ من زهرةِ الجُلّنار
كأنَّ جمالَ جميعِ النساءِ تناسخَ عنها 
تجمّدَ زهرُ القرنفلِ في شفتيها
وذابَ رحيقُ الرياحينِ في ثغرها
وسالَ أريجُ الخزامى على خدّيها
وغرّدَ طيرُ الكناري على جفنيها
فكلُّ الجمالِ وكلُّ الجلالِ تجسّدَ فيها
ولكنْ
على الرغمِ من كل هذا الجمال
وهذا الجلال
وهذا البهاء
وهذا السناء
فسنبلةُ القمحِ في وطني أجملُ الغانياتِ
وأبهى من الحُسنِ ... من كلِّ فاتنةٍ في السماء.
*****
سلاماً أيا دوحةَ الرافدين
سلاماً على شارعِ الموكبِ الملكيّ المهيب
سلاماً على كلِّ حبَّةِ رملٍ على شطِ دجلةْ
على باسقِ النخلِ فوق ضِفافِ الفراتْ
سلاماً على درَّة الكونِ... تاجِ الحضاراتِ
ينبوعُ نورٍ... ونار
بوّابةُ الأبجديّةِ.... مُنتَجَعُ الأُمراءِ
ومُنتزهُ الفقراءْ
غداً... عند بدءِ الشروقِ العظيمِ من الغربِ
حيثُ الزغاليلُ تلتقطُ الحبَّ من بَيدَرِ الشمسِ
تبني ركائزَ أحلامها في ذرا ناطحاتِ السحابْ
لتُبْسِطَ أجنحةَ السِحْرِ فوق الربوعِ اليبابْ
يومها....
سيهتفُ صوتٌ من الغَيْبِ من فوق زَقّورةَ أورْ
سلاماً ومجداً لآشورَ يَمْخُرُ بحرَ العوالمِ في زورقِ نُورْ
ليصطادَ آلهةَ الشَّرِ في غَيْهَبِ الدّيجورْ.
 
سدني- استراليا

Adamhomeh@hotmail.com



38
أدب / وادي الخابور وسهل نينوى
« في: 19:14 16/11/2018  »


وادي الخابور وسهل نينوى


آدم دانيال هومه.

قلبي أترع بالآلام والأحزان
وأنا أقف على رابية في وادي الخابور المفجوع بأهله
فأرى تلك القرى الحافلة بالحب والجمال والبهاء
العابقة بالأفراح والأعراس والمسرّات
قد استحالت خرائب وأطلال
وتشتت أهلها في كل بقاع الأرض
كزنابق تتماوج على شطآن الرياح
وتلك الجنائن الغنّاء الزاهرة
ملاعب الطفولة والصّبا والشباب
قد تحولت إلى قفار موحشة
والكنائس التي كانت تعبق ببخور الآلهة
وترانيم الملائكة
قد أصبحت حطاما... وأنقاضاً مبعثرة
والصلبان التي كانت تتلألأ كالنجوم فوق القباب
تهشمّت إلى قطع مثناثرة
حتى الأموات قد نُبشت قبورهم
وانتُهكت حرماتهم
والطيور الكاسرة ترفرف فوق الجثث المتناثرة في العراء.

أين اليد السحرية التي ستوقظ الله من رقاده
لينقذنا من متاهات التشرّد والضياع؟
ولكن....

يبدو أن الله قد دخل في مرحلة الموت السريري
بدليل تصرفات أنبيائه الإجرامية.

النزوح القسري من ضفاف الخابور
وسهل نينوى
فتيل أعاد تفجير الذاكرة الآشورية.

عندما رأيت ما آل إليه وادي الخابور... وأهله
بعد رحيل المجاهدين في سبيل الله
الذين كانوا يلتهمون الولائم الهابطة من السماء
في أطباق من الأوهام المخضّبة بالدماء
يحملها إليهم ملائكة الرحمن الرحيم
تأوهت من أعماق قلبي
ورفعت بصري إلى السماء
لأكيل أقذع السباب والشتائم واللعنات
على ذلك الإله السادي... المتعطش للدماء
وعلى جميع ملائكته ورسله ... وأنبيائه.

أنا...
وأقول: بكل صراحة ووقاحة وسفاهة حضارية
لا أحب الله
وأمقت جميع رسله وأنبيائه
والناطقين باسمه على هذه الأرض المضرجة بالدماء.

أنتِ الأجمل والأبهى من كل جمال وبهاء ممالك الأرض
مقدسة أنتِ كالقوس المجنح في السماء
وكالرمح المغروس في المحراب
يبجّله كل الذين رأوا وعرفوا كل شيء
قبل أن يخلق نبي على وجه الأرض
أو ينزلق ملاك من حافة السماء.

صورتك على الجدار
تفككك أزرار الذاكرة
تزغرد على أفنان القلب
يفوح عبيرها في أرجاء الروح
وتعيدني إلى مرابع الطفولة.

الآشوري المثخن بالآلام في وادي الذئاب
الجرح الأبدي النازف على حافة النار والجليد
أعتادت عيناه اللون القرمزي على مر الأزمان والدهور
بمداد قلبه
يكتب ملحمة البقاء على قرطاس الأبدية
لقد ذوى نصفه الإلهي البرّاق
ولكنه لم يظل يحتفظ بذاكرته المتوهجة
لأنه اقتات عشبة الخلود
لذلك هو عصي عن الموت والفناء
قبل أن يرحل عن المكان والزمان
ينقش النجمة الرباعية على قبره الخاوي
لتدفئ أوصاله المفكّكة
وتنير قلبه في صقيع الظلام
يعيد قراءة التاريخ على ضوء ذكرياته
سيظل حاملا خارطة الوطن في قلبه وفكره ووجدانه
 في حلّه وترحاله
وسيبقى ساهراً على ميراث أبيه حتى يتثاءب الله... وينام
وسيجر عربة الحياة على طريق الموت
لتزهر آثار قدميه على دروب التيه
وليفوح عبير الشمس على عتبات الأبواب المغلقة
وتنبت السنابل على قبور الأموات.

بلاد آشور
ليست هي الأرض التي يمور في أعماقها الذهب الأصفر والأسود
وليست تلك المروج الخضراء الزاهية
وليست تلك الجبال الشاهقة الشمّاء
ولا تلك الحضارة الإنسانية العريقة
ولا تلك المعالم الأثرية النفيسة
إنها تلك الدماء الزكية المراقة والمشعشة بتراب الرافدين
والمتلألئة على صخور الهضاب والجبال
وتلك الأجسام الطاهرة المتراكمة فوق بعضها على مر الأزمنة والعصور
إنها الذات النابضة بالحياة والوجود
إنها هوية الآشوري الأصيلة والأصلية
يحملها في قلبه وكيانه أينما حلّ وارتحل.

ما بين اليأس والأمل
يطل من شرنقة ذاته من بقايا الحريق
لتورق أغصان قلبه في الأقاصي عند منابع الأنهار
وتظلل التائهين على دروب الاغتراب والضياع.

في كل إشراقة شمس
يأتي ليتلو مزاميره على المقابر
وينثر عليها مفاتيح البيوت الموصدة
ويعود مزهواً كأنه في موكب ملكي
ترفرف حوله الأطيار
وظلال الأشجار اليابسة
وهسيس نهود الرياحين الذابلة.

أبي خطا الخطوة الخاطئة
وأنا الذي تحملتُ أوزار تلك الخطوة
وأبنائي وأحفادي سيرهنون حياتهم ومستقبلهم
لتصحيح تلك الخطوة الخاطئة
ليعيشوا حياة حرة كريمة
كباقي أبناء البشر الأحرار والسعداء.

ليس الدفاع عن الوطن
محاربة الأعداء على جبهات القتال
وإنما ببناء الإنسان داخل الوطن.

كل الأزاهير تذبل في الخريف
وتموت في الشتاء
ولكنها ما تلبث أن تتبرعم
وتورق
وتزهر في أوائل الربيع.

أمضيت عمري كله ألهث وراء السراب
فمتى سأعود إلى وطني الذي شرّدت منه
لأجد  فيه ما افتقدته في متاهات الاغتراب
ولأنصرف إلى السكينة... والتأمّل
ومداعبة الذكريات
في قدس أقداسي ذاتي المقدّسة.

أيها الوطن الجريح
الملقى على قارعة طريق الزوال
المستثنى من المكان والزمان
أنا الأولى والأجدر بك
لأنني الوريث الحقيقي الوحيد
المؤتمن على إرث أول من أوقد الشمس في سمائك
ونسج خيوط المطر على أنوال الغمائم في ربوعك
الكل انتضوا سيوفهم ليقطعوا شرايينك
ويسفحون دماءك
ويدمرون أحلام أطفالك
ويعبثون بمقدساتك بكل ضراوة وغباء
وأنا الوحيد الذي يلملم أشلاءك المبعثرة
ويقيم القداديس في محرابك
ويتبارك بذرّات ترابك
وأنا الناطق الرسمي
باسم المعذبين والمشردين والتائهين
وباسم كل الجماهير المنكوبة من أقصاك إلى أقصاك
وأنا الوحيد الذي يحمل شلالات الغيم
ليطفئ الحرائق التي أشعلتها
الشياطين التي تقيم الصلاة خلف أستار الكعبة
وليفتح لك الأبواب الموصودة
لتنطلق نحو البوابة التي تنهمر عليها أنوار الخلاص.

سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com



39
البيان الختامي للمؤتمر الثامن للحزب الاشوري الديمقراطي

انعقد المؤتمر الثامن للحزب الاشوري الديمقراطي يومي الحادي عشر والثاني عشر من شهر آب عام ٢٠١٨ تحت شعار ( نحو رؤية جديدة وموحدة للعمل القومي والسياسي).

وبحضور مندوبين من كافة فروع الحزب في العالم. ابتدأ المؤتمر أعماله في اليوم الأول بالوقوف دقيقة صمت على أرواح شهداء شعبنا الآشوري، وشهداء الوطن والحرية في كل مكان من العالم. تلاه النشيد القومي. ومن ثم كلمة ترحيبية بالمندوبين من قبل اللجنة التحضيرية للمؤتمر، وبعدها تم انتخاب هيئة رئاسة المؤتمر لتسيير أعمال المؤتمر، حيث تم قراءة تقرير اللجنة المركزية وتقارير المؤسسات التابعة للحزب ومناقشتها وإيجاد الحلول الناجعة واللازمة لتلافي كل السلبيات مستقبلا عبر اتخاذ القرارات الضرورية والعمل على إيجاد أفضل الوسائل والسبل من أجل تطويرها، ودفع الجماهير غير الحزبية إلى الاشتراك والمساهمة فيها، وخاصة فئة الشباب من كلا الجنسين وكل ذلك في جو من الإخاء والديمقراطية .

كما تم مناقشة مسودات النظام الداخلي والمنهاج السياسي المقدمة للمؤتمر، والوصول إلى صيغة نهائية تم التصويت عليها وبموافقة جميع مندوبي المؤتمر .

وفي اليوم الثاني للمؤتمر، تم مناقشة جميع القضايا الوطنية والقومية في كل من العراق وسوريا وموقف شعبنا الاشوري من هذه القضايا الهامة ومدى تأدية الأحزاب الاشورية لدورها المطلوب والمصيري على الساحتين السورية والعراقية ودور حزبنا وواجبه القومي والوطني حيث تم :

قوميا:

التأكيد على فتح باب الحوار والتواصل مع جميع أحزاب شعبنا في جميع أنحاء العالم بشكل عام، وعلى أرض الوطن بشكل خاص. واستمرار التواصل معها، والاتفاق على على نقاط التفاهم بيننا مع احتفاظ كل حزب بخصوصيته المتميزة وعدم الدخول في مناقشات سفسطائية حول نقاط الخلافات . والعمل الجاد والدؤوب للاشتراك معا في جميع المحطات والمناسبات القومية وبذل أقصى الجهود والمحاولات الحثيثة لإيجاد صيغة توافقية بين جميع أحزاب شعبنا القومية من أجل الوصول إلى تحقيق ( جبهة قومية اشورية موحدة ) تكون مرجعية لشعبنا وعلى جميع المستويات .

وطنيا:

تم التأكيد على الإيمان المطلق بوحدة كل من العراق وسوريا والوقوف والتصدي لكل المحاولات الهادفة إلى تقسيم تلك الأوطان، وتأييد جميع الحلول السلمية، وتشجيع لغة الحوار بين أبناء الوطن الواحد بعيدا عن التدخلات الخارجية بغية الوصول إلى وطن سليم معافى تصان فيه حقوق جميع المكونات. والإقرار بالوجود القومي لشعبنا الآشوري دستوريا، والوصول إلى وطن يسوده العدل والمساواة عبر دستور عصري يليق بالمكانة الحضارية والتاريخية لوطننا .

كما تمت مناقشة الوضع الآشوري في بلدان الاغتراب بكل حيثياته، والعمل على إخراج الشعب من اليأس وخيبة الأمل وخاصة شباب المستقبل وذلك بإشراكه في النوادي والجمعيات الإجتماعية والرياضية والثقافية عامة، والأحزاب السياسية خاصة، وإعطاء الأولوية للغة الآشورية عبر تكثيف الجهود عبر المؤسسات الموجودة . كما أكد المؤتمرون على أن يكون المهجر الآشوري رافدا، معنويا وماديا، للذين لا زالوا متشبثين وصامدين في ارض الوطن .
كما تم التأكيد على أن يمارس الإعلام الآشوري في المهجر واجبه القومي والوطني بآن واحد. وأن يحاول، بكل جرأة وشجاعة، فضح كل التجاوزات والاضطهادات والممارسات اللاإنسانية بحق شعبنا الآشوري خاصة، وأبناء الوطن عامة داخل الوطن من قبل أي طرف كان ومهما كان. وإيصالها، مباشرة، إلى الرأي العام العالمي.

وفي النهاية تم فتح باب الترشيح للجنة المركزية، والمحكمة الحزبية، ولجنة الرقابة والتفتيش. حيث جرى الترشيح والانتخابات في جو من المسؤولية الكاملة، وبممارسة ديمقراطية نزيهة، وبكل شفافية ووضوح، وبدون أي خلل. وبمنتهى الروح الأخوية تم تقديم التهاني والتبريكات للقيادة الجديدة، والتمني لها بالتوفيق في تنفيذ مقررات المؤتمر، والسياسة العامة للحزب. حيث اختتم المؤتمر أعماله وفعالياته باسم الشعب الآشوري.

13/8/ 6768 آشورية

13/8/ 2018 ميلادية

40




41
أدب / شعب الطبل والمزمار
« في: 10:24 11/04/2018  »

شعب الطبل والمزمار



 آدم دانيال هومه


عندما تصل إلى القمة
الذين في القاع
يرونك نقطة صغيرة جداً
مضيئة في السماء.
***
غيمة ترقص طرباً في الآفاق
احتفاءً بتحرّرها من ربقة البحر
لكنها لا تلبث أن تنهمر بشوق عارم
في أحضان البحر.
***
الصديقة القديمة المتوهجة بالحب
تخبو في مرايا السنين
شحيحة الإضاءة
متوقّدة بالحزن
تفترش سجّادة الليل
في انتظار فارس عالق في الطريق
منذ أربعين عاما.
***
يقف أمام الباب المغلق
يتماوج كالبركان
في عزلة ذاته.
***
عصفور الحزن يحط على شبّاك القلب
يلتقط حبيبات الروح
ثم ينزوي في ظلال الجراح المثلومة.
***
كانت ذاكرتي أنصع من بياض الثلج على سفوح الجبال
لوثتها مواقف الأصدقاء المتذبذبين.
***
نحن شعب الطبل والمزمار.

الشعب الذي يفضّل الحفلات والرحلات الترفيهية
والرقصات الشعبية
على الندوات الثقافية والفكرية
والأمسيات الشعرية والأدبية والسياسية
هو شعب عقله في قدميه
وفكره بين فخذيه.
***
كلما قرأت عن أمجاد أجدادي
أخفيت وجهي عن المرآة.
***
كلما نظرت ما بين خارطة العراق القديم
وواقع شعبي اليوم
تواريت في ظل ذاتي.
***
نحن الشعب الذي ذُبح من الوريد إلى الوريد
ولازال يرقص في جنازته.
***
الشعب الذي لا يشعر بمآسيه
شعب فاقد المشاعر والأحاسيس.
***
الشعب الذي يرقص أكثر مما يفكر
شعبٌ مصيره الزوال.
***
الشعب الذي يعتز بمطربيه وراقصيه
أكثر من افتخاره بشعرائه وأدبائه
هو شعب لا يستحق الحياة.
***
الشعب الذي ينختي خشوعاً وإجلالا لرجال الدين
ويزدري مفكريه
هو شعب فاقد البصر والبصيرة.
***
الشعب الذي لا ينفك يردد كلمة (كنّا)
أكثر من (ماذا سنكون)
سيصبح في خبر كان.
***

سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com



42
أدب / شعب الطبل والمزمار
« في: 18:33 10/04/2018  »
شعب الطبل والمزمار
بقلم: آدم دانيال هومه

عندما تصل إلى القمة
الذين في القاع
يرونك نقطة صغيرة جداً
مضيئة في السماء.
***
غيمة ترقص طرباً في الآفاق
احتفاءً بتحرّرها من ربقة البحر
لكنها لا تلبث أن تنهمر بشوق عارم
في أحضان البحر.
***
الصديقة القديمة المتوهجة بالحب
تخبو في مرايا السنين
شحيحة الإضاءة
متوقّدة بالحزن
تفترش سجّادة الليل
في انتظار فارس عالق في الطريق
منذ أربعين عاما.
***
يقف أمام الباب المغلق
يتماوج كالبركان
في عزلة ذاته.
***
عصفور الحزن يحط على شبّاك القلب
يلتقط حبيبات الروح
ثم ينزوي في ظلال الجراح المثلومة.
***
كانت ذاكرتي أنصع من بياض الثلج على سفوح الجبال
لوثتها مواقف الأصدقاء المتذبذبين.
***
نحن شعب الطبل والمزمار.
الشعب الذي يفضّل الحفلات والرحلات الترفيهية
والرقصات الشعبية
على الندوات الثقافية والفكرية
والأمسيات الشعرية والأدبية والسياسية
هو شعب عقله في قدميه
وفكره بين فخذيه.
***
كلما قرأت عن أمجاد أجدادي
أخفيت وجهي عن المرآة.
***
كلما نظرت ما بين خارطة العراق القديم
وواقع شعبي اليوم
تواريت في ظل ذاتي.
***
نحن الشعب الذي ذُبح من الوريد إلى الوريد
ولازال يرقص في جنازته.
***
الشعب الذي لا يشعر بمآسيه
شعب فاقد المشاعر والأحاسيس.
***
الشعب الذي يرقص أكثر مما يفكر
شعبٌ مصيره الزوال.
***
الشعب الذي يعتز بمطربيه وراقصيه
أكثر من افتخاره بشعرائه وأدبائه
هو شعب لا يستحق الحياة.
***
الشعب الذي ينختي خشوعاً وإجلالا لرجال الدين
ويزدري مفكريه
هو شعب فاقد البصر والبصيرة.
***
الشعب الذي لا ينفك يردد كلمة (كنّا)
أكثر من (ماذا سنكون)
سيصبح في خبر كان.
***

سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com

43
أدب / كالرياح بلا استقرار
« في: 19:31 16/01/2018  »


كالرياح بلا استقرار
آدم دانيال هومه.

المجد للكلمة المرهفة
زمرّدة الشعر والبيان
وألق الدهور والأزمان
المكللة بهالة النضارة والذهول
تنبض بالوهج
تشعّ بين جوانح الموج
تومض فيها الحروف كيراعات المجرّات
تضيء جنبات الكون
وتصبح ترنيمة طير
أريج زهرة
معجزة.

أيها الوطن المتلألئ في برزخ الأحلام
أنتَ أجمل من انعكاس بزوغ الفجر من بين الأشجار
على صفحات الأنهار والبحار
وأنقى من زلال الندى
وأطهر من حليب الشمس الرقراق
وأجلّ من صوم الكهنة
وصلاة الأولياء
وأسمى من كل سموّ الأمراء
وجلالة الملوك والسلاطين والخلفاء
وأقدس من قدسية كل الأقداس المقدّسة
على هذه الأرض المضرّجة بالدماء.

 كانوا أحراراً كنسائم الصباح
يبنون أعشاش صغارهم في قمم وسفوح الجبال
ينحتون أسماءهم في ذاكرة الضوء
وينقشون أبجديتهم المقدسة على جدران قوس قوس
يحتفلون في أفنية هياكل الآلهة
ويتنزهون بين الينابيع والمروج والرياحين
وبين المراعي الخصيبة
وتحت ظلال الأشجار
وينامون في الهواء الطلق
فوق السطوح 
وفي باحات البيوت
تنقلهم سفن الأحلام إلى جزر النشوة والسكينة
يقطفون أرغفة الخبز من أغصان الأمطار
وينهمر عليهم غيث المسرّات مع طلوع كل فجر
وتغمرهم البهجة مع كل غروب شمس
كالعصافير الطليقة
يصدحون بترانيم العنادل
وتراتيل الحساسين
لم يخطر ببالهم يوما
أن ينفصلوا عن سرّة الوطن
أو تفارق أفواههم أثداء الأرض
ولكن
في ليلة ليلاء
ارتجّت الأرض تحت أقدامهم
فاستفاقوا من نومهم مذعورين
وأوغلوا عميقاً في أدغال الحزن
وهم يسمعون مراثي الموت من خلف الأبواب
مثخنة بالدمع والعذاب
فبدأوا يجرون نعوش آلامهم في غياهب الظلمات
حملتهم قوارب التيه فوق أمواج الموت المتلاطمة
فتناثروا على قوارع الطرقات
وصاروا مثل الرياح بلا استقرار
ضنّت عليهم الإنسانية...  بكرامة الإنسان
وضاقت بهم الأرض على وسعها
تناسوا أمجادهم التليدة
ولم يعودوا يفكروا إلا بملاذ آمن
من شرور الضواري البشرية المنقطعة لعبادة الله
وأكل لحوم البشر.

أطلُّ من شرفة الصباح على مروج بلادي المحترقة
حيث تضطرم النيران في قيعان الوديان
وفوق قمم الهضاب والجبال
وتتراكم أكداس اللحوم البشرية في كل مكان
وتفوح روائح الدماء من الأزقة والطرقات
ولكنني برغم تباريح الموت التي تغمر الأجواء
لا زلت أشم أريج البخور المقدّس من أتون النار والدخان
وأرى أزاهير الأحلام تنمو فوق مدارج الغيوم
وبراعم الآمال تتفتّح فوق سطوح النجوم
وأسمع شهقات الملائكة في القرى اليتيمة
وترانيم القيامة ترفرف فوق القبور
موقظة الأموات من سباتهم
والأحياء من غفواتهم.

الطيور التي هاجرت مملكة الظلام
لا زالت قابعة في قعر غربتها الماحقة
تتوسّد الأحلام والأمنيات
رنّات آهاتها تصدح في هبوب الرياح
وصهيل حنينها يجلجل في متاهات الغيوم
توقاً لتلك الكروم والحدائق والمروج
التي لازالت تتلألأ في الذاكرة
كحبيبة تلوح في بوّابة المساء.

الغربة أقسى من التيه في مجاهل الغابات
وأشد ظلاما من قتام القبور
وأمرّ من نكهة حنظل الصحراء.

مهما مرّت السنون والأحقاب والدهور
ومهما نسجت العناكب خيوطها على الأبواب المقفلة
ومهما لاحقتهم لعنات السفهاء
وطاردتهم كلاب الصحراء
ولو ترمّلت الشمس
وتيتّم القمر
ستعود أحفاد الطيور المهجّرة
إلى أعشاش جدودها التليدة
وستعود الأرض كما كانت
تصدح بأغاني الجنائن والأنهار
وأناشيد الثلوج والأمطار
وستعود السماء صافية زرقاء
خالية من كل أدران الأنبياء.

غارقون في طحالب ووحول مستنقعات الصحراء
تحملهم عربات الموتى بعيداً إلى أنفاق مجهولة
ولكنهم يجدفون قوارب أحلامهم في بحار المجرّات
ويرتعشون كعجلة النار فوق حشائش الغابات.

هؤلاء المترعون بأفكار الشيطان
العابثون بأسرار الموت
قبل تسلقهم سلالم السماء إلى جنّتهم الموهومة
يضرمون النار في كل مباهج الحياة
ويتطايرون أشلاء كفقاعات النار
ولكن
لا يتلظى بلهيب شظاياهم سوى الأبرياء.

يسوق قطار الماء عبر الصحراء
حاملا الشعلة الإلهية
ليفتح نافذة على الفردوس اليباب
وباباً على جنائن السماء.

طليق كطائر البرق
يسرح بخياله المجنّح في حدائق الآفاق اللامرئية
تتفتح الحروف على شفتيه كزنابق الضوء
تتوهج كلماته إذا احتكت ببعضها
وتلاحقه القصائد كأنين النايات من مهاد الصدى
جرحه السرمدي ليس له تخوم
ويضيء في كفّيه تراب قبور الأحباب
يؤجل موته لإشعار آخر
ليعيد تشكيل ذاته
قبل أن يمضي إلى رحاب التاريخ
تاركاً آثار أقدامه على السحاب
وصورته في مرايا االسراب
وعطر ذكرياته على الأبواب.

يمسح عينيه بمنديل الرؤيا
فتتفتح أمام ناظريه بوابات السموات
يلجها على صهوة شعاع البرق
يدور في أرجائها
من أقصاها إلى أقصاها
فيراها طاهرة مطهّرة
خالية من آثار أقدام كل المنافقين السفهاء
وجميع الرسل والأنبياء.

في رحاب الضوء الأزلي
يدخل رويداً... رويدا
ثملٌ بإنسانية الإنسان
يتعطر بأريج الآلهة
كامرأة متوهّجة بنار العشق
تستحم بحليب اليمام في رونق الفجر
بين مباهج الزهور
ونشيج الناي يترقرق في جوانح الوديان
وخلجات الشطآن.
يمسّد نهود السنابل
فينهمر العبق من سرّة الأقحوان
على شرفات الغروب
وتتبرعم الحروف على أفنان القصائد العصماء
وتتبرّج القوافي بأقراط الياسمين
وعلى وقع أقدام عشتار على الأمواج
يدوّي النشيد القدسيّ في أعماق مناجم الحياة
فتنفجر الينابيع في رمال الصحارى
لتتفتح زهور الأمل في زمهرير اليأس
وتزدان الأرض بأسراب الطواويس
وتصدح النواعير في سكون الليالي
وتنطلق فراشات النور من كهف الديجور
لتذر شآبيب المطر على وجنات الأعشاب
وتُسدل الأقاحي ضفائراً فوق سفوح الجبال
فيستفيق الله على عويل الأموات
ليملأ عنابر الأرض بالغلال والمسرّات.

،،،،،،،

44
أدب / في ظلال الرياح
« في: 19:29 04/12/2017  »

في ظلال الرياح



آدم دانيال هومه


في الغابة ذئب مؤمن
يتوضّأ بدماء الأرانب
ويقيم الصلاة في معبد الأسود.

خمبابا...
بعد أداء صلاة الفجر
يمشّط الغابة بحثاً عن فريسة يلتهم نصفها
ويقدم نصفها الآخر ذبيحة لإلهه المجبول بالحقد المقدس.

أن تموت واقفاً بشموخ
خيرٌ لك ألف مرّة
من أن تستجدي البقاء على قيد الحياة... راكعاً بذل.

ينبغي أن تبقى كبيراً في أحزانك
كما كنت دائماً كبيراً في أفراحك.

أختلجُ على ضوء الكلمات
كارتعاش شعاع الشمس على الأمواج.

ممرٌ مرصوف بالوهج
يرتقي بي إلى السموات العلى
تحت وابل الفرح الغامر
وأمام بوابة الآلهة
أتوغل في يقظتي الأبدية
في رونق الهوى القدسي المخضل بالسمو والذهول.

عروس السنابل
يلهث صوتها كغرير الأنوار في عتمة الليل
ما تلبث أن تنزوي في الصدر
لتبدأ صولتها في حنايا القلب.

كيف يتأتى لله أن يعبر محيطات السموات في طرفة عين؟
وأنا لا أستطيع عبور الشارع
لأختطف قبلة من ثغر حبيبتي.

أيها المدنّسون تراب وطني بأقدامكم الملطخة بالدماء
سحناتكم مرعبة
وروائحكم نتنة
لملموا قاذوراتكم
وارحلوا عن تخوم ذاكرتي.

أنا... الآشوري الذي كنت مشعشاً بالقداسة
مضمّخا بأريج الحضارات
حاملا فوق جبيني وشم الله
وقدماي ترفرفان بأجنحة الملائكة
أحدّق اليوم بصورتي النورانية في مرآة الأبدية
فأجد نفسي ريشة في مهب الريح
بلا مكان... ولا زمان
كاليراعة
تبحث بين الحقول عن فردوسها المفقود
كالحمامة تبحث عن عش آمن في غابة ملتهبة.

قلبي واحة منكوبة
أتمرغ في الحزن كقارب يمخر عباب الوحل
أتلوى من الألم كامرأة داهمها المخاض
وأبكي على ما ألمّ بشعبي
كغيمة تنوح في الظلام.

لو شطفتني بأجود أنواع المنظفات في العالم
فلن تستطيع تطهير قلبي من أدران الحزن والأسى
لأن الذي حفروا في جسمي أثلاماً من المآسي والويلات
لا زالت صورهم المرعبة تباغتني في أحلام اليقظة.

منذ ألفي عام
وكلاب الصحراء ما زالت هي التي تقرّر مصائرنا.

أيها الزمن الأبله
ليتك تعيدني إلى طفولتي اليانعة
بين أزقة تلك القرية المجهولة
لأعيد تشكيل رؤيتي للأمور من جديد
لأصوغ طقوس حياتي على سيمفونية الذات
لأمارس الصمت في عصر الضجيج والمساومات
ولأكبح جماح دمائي الملتهبة في طريقي إلى زقورة نينوى
ولألجم زمام شوقي العارم إلى التقيّل تحت ظلال حدائق بابل المعلقة
لكي أتخلص من هذا الحب المرهق الذي أضناني
ولأعيش، لا مباليا، في سعادة غامرة
ككل الأغبياء من أبناء أمتي.

ضيعتنا الفاتنة العذراء
التي كانت تتعطر كل صباح بأريج الزيزفون
ترتدي حلّتها القشيبة
وتتمخطر في الحدائق والمروج
تحت ظلال السحاب الزاجل
تستحم في النهر الهادر من جنائن السماء
ثم تتقيل في أرجوحة الأمل
وتنام في كل مساء على وسادة الأحلام
وكانت العصافير فيها تلهو غير عابئة بالصيادين
تتضوع في أنداء الفجر
تمارس الحب على أغصان الأشجار
وفوق سطوح المنازل بكل حرية
وبلا مبالاة
تمتزج تغاريدها بأمواج الشمس
فيستيقظ الله على أهازيج النجوم
وعلى رنين المجرات.

وفي ليلة حالكة السواد
صارت قريتي الطاهرة الحسناء
مهبّاّ للذئاب القادمة من عمق أعماق الصحراء
ومرتعاً للعناكب المقبلة من غار حرّاء
وانهمر عليها الحزن والجفاف
وفرّت العصافير من أعشاشها المحترقة
وأدبرت في جميع الاتجاهات
وتغلغل شواظ جمرات الألم واليأس
في عيون النساء والرجال
وأينعت الآهات والحسرات على أفنان قلوب الأطفال
وهم بعبرون بوابة المستحيل تحت ظلال الظلمات
يعاهدون أرواح شهدائهم
بأن ما من قوة على الأرض تجبرهم على النسيان.
واختلطت الأزمان ببعضها
وتلاشت ضيعتي من الوجود
كغيمة تسافر على أجنحة الرياح
وشعرت لأول مرة في حياتي
بأني أغوص في أعماق القبر
وأمتزج بجذور شجرة الحياة.

القوة التي تربطني بأرض وطني
أقوى بكثير من تلك التي تشدني إلى السماء.

وطني
كان زورق الأحلام يمخر عباب الغمام
ليرسو على ضفاف الشمس
طافحا بكل مسرات ومباهج العالم
وتحت جنح الظلام
أقبل المؤمنون الأتقياء جداً
ليفرغوا حمولته
ويفخخوه بالمتفجرات
ليتطاير شظايا  على جدران الرياح.

عندما رأيت الجنائن التي عاث فيها القادمون من أقبية الجحيم... خرابا
اضطرمت في أفق الروح نيران البداوة بكل تجلياتها المظلمة.

مشردون...
لم يجدوا ما يتّقون به شر الصقيع في العراء
فتدثروا بجلودهم
وناموا... نوماً عميقا
في انتظار فجر أكثر دفئاً وأمانا.

أودعت قصائدي
ومسرّات قلبي
في ذاكرة ذلك النهر الذي فقد ذاكرته.

كان يقف على حافة هاوية اللا مكان... واللا زمان
يتأمل بشغف وانبهار ظلال الصفصاف المهيبة
وهي تتأرجح عارية على أمواج نهر الخابور
بينما العصافير تقف على الأغصان بخشوع لجلال الشفق
حين تلملم الشمس ذيولها
وتتوارى
رويداً
رويدا
في طيات المغيب.

كان غارقاً في التفكير
يحاول أن يفكر
ومحتار بماذا سيفكر
ليصبح مفكراً.

على طريق ممهّد بالأمل
مصقول بالأحلام
أسير بخطى ثابتة ورصينة
إلى الهدف الأسمى
حيث تتبرعم أزهار طفولتي
بين أحضان واحة في القفار
حيثما تتشظى روحي مع الشهب
وتغوص في عباب النجوم
لتفوح عطراً
 ونوراً
وماء.

تسلية الله الوحيدة...  في وحدته
هي حلّ كلمات الموت المتقاطعة
وقراءة الأسئلة المستعصية التي تراود مخيلة الإنسان
ولكنه... لا يردّ عليها.

ولد جواداً مطهّماً جموحا
ضاقت الميادين على أنفاسه
فحلق في الآفاق القصيّة
ليتنسّم أريج النجوم.

ليس له جناحان
ولكنه يستطيع التحليق فوق السموات السبع.

رغم ظروفه العصيبة
تراه متكئاً على كتف الأمل
غارقاً في الحلم
يستمتع بآلامه اللذيذة.

،،،،،،،



45
حفل تأبين شهيد اللغة والأدب الآشوري رابي دانيال بيت بنيامين

لكل زمان رجاله، ولكل أمة عظماؤها، وطوبى لمن استطاع أن يحفر اسمه في ذاكرة أمته رمزاً خالداً لا يضمحل ولايموت.
في باكورة نشاطاتها الثقافية، وبتاريخ 11 حزيران الجاري أقامت الجمعية الثقافية الآشورية في سيدني- أستراليا حفل تأبين للأديب والشاعر الآشوري فقيد الأمة الآشورية الأستاذ الجهبذ دانيال بيث بينيامين .
وقد بدأ الحفل التأبيني بالوقوف دقيقة صمت على أرواح الأدباء الآشوريين وشهداء الكلمة الحرة .تلاها كلمة ترحيبية ألقاها كل من الأستاذة سناء كيوركيس وأبدل أبدل، ثم ألقى الأستاذ أندراوس هرمز كلمة الجمعية .
أما كلمة آل الفقيد فقد ألقاها الأستاذ بنيامين بيت بنيامين. وألقى كلمة أصدقاء الفقيد الأستاذ يوآو توما .
وقد تخلل الحفل قصائد رثاء ألقاها الأستاذ الشاعر أنور أتو، والأستاذ الشاعر نمرود صليو. وألقت الأستاذة منيرة مختس قصيدة للأستاذ الشاعر آدم دانيال هومه.
و شارك الإعلامي الشهير الأستاذ ولسن يونان بتسليط الضوء على إنجازات الراحل في مجال تطوير الكتابة الآشورية عن طريق الحاسوب (الكومبيوتر). ومثل الأدباء الآشوريين الأستاذ فيلمون درمو .
و تضمن الحفل مجموعة من الرسائل الإلكترونية التي تبادلها الأستاذ سامي هرمز مع الراحل الكبير، وختمها بقراءة لقصيدة الأم التي تعد إحدى الدرر الشعرية التي تركها المرحوم ناصعة في ذاكرة التاريخ.
تتقدم الجمعية الثقافية الآشورية بتعازيها القلبية للأمة الآشورية في الوطن والمهجر برحيل أحد جهابذة اللغة الاشورية وأديبا متميزاً ترك بصماته المتميزة في الثقافة والأدب الآشوري المعاصر .
المجد و الخلود لروحه الطاهرة، ولنا و لذويه الفخر والصبر والسلوان .



48
المنبر الحر / روزي مالك يونان
« في: 20:32 08/11/2016  »

روزي مالك يونان


بقلم: آدم دانيال هومه.

 
يُقاس تحضّر المجتمعات بمدى فاعلية النساء وحضورهن فيها، فهن نصف المجتمع،  والنصف الأخر يتربّى في أحضانهن. فالمرأة هي الحضارة بأرقى تجلياتها. لا تتكون الأسرة بدون المرأة. فهي الأم والزوجة والشقيقة والجدّة والخالة والعمة والزميلة والصديقة. فالمرأة عبق الحياة وأريجها ورونقها وجمالها.
  لقد كرست العديد من النساء الآشوريات حياتهن للنضال إلى جانب الرجل من أجل رفع شأن أمتهن على امتداد التاريخ، وقمن بتغيير المفاهيم السائدة حول وقفية العمل القومي والنضالي على الرجال فقط. ولقد مرّت في تاريخنا الآشوري العريق مناضلات لا تزال أسماؤهن ساطعة حتى يومنا هذا. فمن منا لم يسمع باسم (أنهيدوانا) ابنة الملك العظيم سركون الأكادي، أول كاتبة وشاعرة في التاريخ، وحفيدته (ترآم أكادا). ومن منا لا يعرف الملكة الجليلة شميرام (سمير اميس)، والملكة (زكوتو) زوجة الملك العظيم سنحاريب، التي لعبت دوراً يرقى إلى مستوى سمير اميس في توجيه الأحداث في الامبراطورية الآشورية، والأميرة الآشورية (أدة كوبي) الكاهنة الرئيسة في الدولة الآشورية، التي عاصرت عدداً من الملوك الآشوريين وآخرهم ابنها (نبونيدوس). هذا في الأزمنة القديمة. أما اليوم فلم تزل تلعب المرأة الآشورية دوراً مهماً في المجتمع الآشوري داخل الوطن، وفي المغتربات. كذلك يشهد لها التاريخ الحديث كمناضلة وملتزمة بقضية شعبها ضمن التنظيمات السياسية الآشورية، وكناشطة غيورة في المؤسسات الاجتماعية والدينية والإعلامية الآشورية. 
تحتل المرأة مكانة مهمة في مختلف المجتمعات، وتتجلى قيمتها بالأساس في وظيفتها السامية المتمثلة في  الإنجاب والتربية، ولا نبالغ إذا قلنا: أنها أساس وعمود الأسرة التي لا تستقيم من دونها. وقد ارتقى المجتمع الآشوري بالمرأة حتى قام بتأليهها متمثلة في (عشتار) إلهة الحب والجمال والخصب والنماء.
و روزي مالك يونان، حفيدة عشتار وشميرام، هي، اليوم، مثال صادق وجلي عن المرأة الآشورية المثالية، والمرأة الآشورية المكافحة والمناضلة في سبيل رفع اسم أمتها الآشورية عالياً  في معظم وسائل الإعلام عالمياً. وفي جميع الأوساط والمحافل القومية والدولية. فمن هي روزي مالك يونان؟
هي ناشطة قومية آشورية، عازفة بيانو محترفة، ملحّنة وناشطة في حقوق الإنسان، كاتبة، ممثلة، ومخرجة سينمائية.
ولدت روزي مالك يونان في الرابع من شهر تموز عام 1965 في مدينة طهران - ايران. تنحدر من أبرز وأعرق العائلات الآشورية، وتعود جذور عائلتها إلى القرن العاشر الميلادي (حسب شاهد في أحد قبور العائلة في قرية گوگاتپه أكبر القرى الآشورية في منطقة أورميا، والتي تعود ملكية غالبية أراضيها لعائلة مالك يونان.
في القرن السادس عشر الميلادي نزحت عائلة مالك يونان، إلى جانب العديد من العائلات الأخرى، من منطقة (جيلو) في هكاري، بعد تعرضها للخراب والدمار على أيدي أتراك (القره قويونلو)  وسكنت قرية (گوگاتپه) التي دشّنها مالك يونان، في منطقة أورميا – ايران، وبنى فيها كنيسة (مار زيا) بالحجارة التي جلبها من كنيسة مار زيا الأصلية في جيلو.
جدّها هو (جسي مالك يونان) الذي ترأس الوفد الممثل لآشوريي ايران وأمريكا في مؤتمر السلام في باريس عام 1919، وعضوية كل من البروفيسور (ابراهيم يونان)، و(شليمون كنجي). و(لازار جورج).
أما والدها هو جورج مالك يونان (1924-2014) الذي كان محامياً دولياً شهيرا. وهو الذي قام بالتفاوض مع الحكومة الإيرانية، وتأمين مقعد للأقلية الآشورية في البرلمان الإيراني، وقد اعتبر ذلك، يومذاك، إنجازاً عظيما للشعب الاشوري الذي لم يتمتع بوطن أو سيادة، أول تمثيل رسمي في دولة مستقلة منذ سقوط الامبراطورية الآشورية .
ووالدتها ليدا مالك يونان (1928-2002) الناشطة الآشورية المعروفة في جميع الأوساط الآشورية خاصة والإيرانية عامة. وهي التي طالبت بحقوق المرأة الآشورية في ايران، واستطاعت انتزاع الموافقة والترخيص من السلطات الرسمية على تأسيس اتحاد النساء الآشوري الذي تم الاعتراف به ضمن اتحاد النساء الإيراني. وقد استمر ذلك الاتحاد حتى نهاية حكم سلالة البهلوي.
هاجرت عائلتها أورميا ضمن الآلاف من أبناء شعبنا إبّان الإبادة الجماعية بين الأعوام (1914- 1918) وهي الفترة التي أطلق عليها (الخروج العظيم) في شهر آذار عام 1918. فنزحت عائلة والدها إلى بيت نهرين (العراق)، أما عائلة والدتها فلجأت إلى روسيا واستقرت في مدينة روستوف. وبعد مرور السنين عادت كلتا العائلتين إلى طهران، حيث التقى والداها وتزوجا هناك.
بدأت روزي تعلم العزف على البيانو وهي في الرابعة من عمرها. ثم التحقت بالمعهد الموسيقي في ايران ونالت العديد من الجوائز .
في العام 2197، وبعد فوزها بجائزة أفضل عازف للبيانو في ايران، وجّهت إليها الملكة فرح زوجة الشاه رضا بهلوي دعوة للعزف أمام البلاط الملكي حيث نالت إعجاب الملكة وكل الحاضرين.
بعد هجرة عائلتها إلى الولايات المتحدة، التحقت بجامعة كامبريدج حيث حصلت على شهادة بكالوريوس  في اللغة الانكليزية. ثم درست البيانو الكلاسيكية على يد المدرّس والعازف الشهير (Saul Joseph) في المعهد الموسيقي في سان فرانسيسكو. كما درست فن التمثيل في المعهد الأميركي للتمثيل المسرحي. وبعد تخرجها من جامعة ولاية كاليفورنيا وحصولها على شهادتين في الموسيقى، تلقت دعوة لدراسة الدراما من الأكاديمية الأميركية للفنون المسرحية، ودعوة أخرى من باسادينا هاوس التاريخي.
قامت بتمثيل مسرحية (الخروج الآشوري)، وهي ممثلة وحيدة على مسرح في مدينة هارتفورد التابعة لولاية كونيتيكت (Connecticut). وتدور أحداث المسرحية حول مأساة الخروج من أورميا استناداً إلى ما ورد في مذكرات العائلة وشهود عيان آخرين. كتب عن هذه المسرحية العديد من النقاد، ومنهم (مارتن هيرنانديز) وهو من كتّاب أسبوعية لوس انجلوس الشهيرة.
أما ظهورها التلفزيوني الأول فكان في مسلسل (السلالة Dynasty) للمخرج العالمي (أرون سبيلينغ Aaron Spelling). وبعدها ظهرت في دعاية لشركة الاتصالات الأميركية AT&T حيث تكلمت باللغة الآشورية .كما شاركت التمثيل في مسلسلات وأفلام علمية عالمية نذكر منها: (أيام حياتناDays of Our Lives)، (الشباب والاضطرابThe Young and the Restless)، (بيفرلي هلز Beverly Hills)، (المشفى العام General Hospital)، (رحلة الى النجوم Star Trek  )، (الأجيال Generations)، (ساينفيلد Seinfeld) ... وغيرها.
انضمت عام 2015 إلى الهيئة التنفيذية لإدارة مهرجانات (Beverly Hills) السنمائية كعضو استشاري. ناشطة في حقوق الانسان، مدافعة صنديدة عن حقوق أمتها وخاصة في توجيه الأنظار إلى محنة الآشوريين في الشرق الأوسط. انتقدت الحكومة الأميركية لعجزها عن حماية المسيحيين في العراق.
في مقابلة أجرتها معها صحيفة نيويورك تايمز قالت: (كلما أشعل الغرب حرباً في الشرق الأوسط تتحول إلى حرب دينية). كما حمّلت القادة الأكراد مسؤولية حرمان المسيحيين من الأمن والأمان في محاولة منهم للتغيير الديمغرافي لمصلحة الكرد، وكانت النتيجة الحتمية (هجرة جماعية... وإبادة... ومجازر متتالية)
بتاريخ 30-6-2006 تم دعوتها للإدلاء بشهادتها أمام لجنة مختصة بحرية الأديان والإبادة والمجازر في الكونغرس الأميركي في جلسته رقم 109، حيث اقتطفت فقرات من كتابها الموسوم (الحقل القرمزي(. حيث قارنت بما جرى بين 1914- 1918، وما يجري الآن في العراق  ومحنة الآشوريين رغم كونهم شعب العراق الأصيل، وكانت تلك الشهادة مؤثرة جداً حيث أدّت إلى قيام أحد أعضاء الكونغرس بالسفر إلى العراق على وجه السرعة للالتقاء بالقيادة الآشورية، كما قدم نسخة من الشهادة أو (التقرير) إلى المسؤولين الأمريكان في العراق. تلى ذلك إرسال مبلغ 10 مليون دولار كمساعدة فورية للشعب الآشوري في العراق.
هذا باختصار ما قامت به الناشطة العظيمة روزي مالك يونان في الحقل القومي، ولها مقالات عديدة بهذا الشأن كما أنها تقوم باستمرار بإجراء مقابلات تلفزيونية وإذاعية عالمية. وهي متحدثة بارعة، ألقت محاضرات عديدة في جامعات مختلفة، ولها شهرة دولية واسعة، وتم ترجمة أعمالها إلى عدة لغات عالمية.


،،،،،،،

 
شهادة السيدة روزي ملك يونان أمام لجنة العلاقات الدولية في مجلس الشيوخ الامريكي
اسمي روزي ملك يونان، لست سياسية، كما لست عضواً في أي مجموعة او تنظيم سياسي. أنا كاتبة، أنا مسيحية، أنا آشورية، أنا مواطنة أمريكية. أنا، هنا، لأحدثكم عن صبي يبلغ من العمر خمسة عشر عاما، واسمه فادي شمعون. في أحد الأيام، كان فادي راكباً مسروراً دراجته الهوائية الجديدة التي أهداها له والده. تباغته فجأة في ذلك اليوم المشؤوم، الخامس من تشرين الاول 2004، تباغته مجموعة إرهابية إسلامية كردية، تمكنت من انتزاعه من دراجته الهوائية واختطافه إلى جهة مجهولة. أصاب عائلته الهلع والجنون لمعرفة ما حدث له، حتى عثر أحد الجيران على جثته ملقية في شارع جانبي كما تلقى القمامة، مقطعاً، مشوّهاً بصورة بربرية، محروقاً ومقطوع الراس بصورة مرعبة.
هذه الجريمة التي لا يتصورها أو يصدقها العقل لم تكن الأولى في مدينة بعشيقا التابعة لمقاطعة آشور. فقبلها شيّع الاشوريون صبياً آخر في الرابعة عشرة من عمره يدعى (جوليان أفرام يعقوب) بضربة حجر اسمنتي على رأسه الصغير قبل احراقه. قتل الأطفال الآشوريين المسيحيين الأبرياء أصبح موضة في العراق، ما دفع بعائلات مسيحيّة عديدة إلى الهرب، تاركين بيوتهم وقراهم من دون مال، ولا حول ولا قوة.
سجلت في روايتي الجديدة "الحقل القرمزي" الأعمال الوحشية التي طالت أبناء شعبي خلال السنوات الأربعة، ما بين عامي  1914 ولغاية 1918، التي مسحت من الوجود ثلثي الشعب الآشوري، أي ما يقارب 750.000 من ال،نفس. لقد فقدت أجدادي، أعمامي، عماتي وآخرين. وقع شعبي ضحية بيد الإسلاميين الأكراد والأتراك لكونهم مسيحيون، ولا زال شعبي اليوم ضحية يدفع الثمن بيد هؤلاء الإسلاميين أنفسهم.
كنائسي تُفجّر وتدمر، المسنّون يُقتلون، إخواني الشباب يعانون من الاعتداء والخطف، المضايقة والإزعاج، وطال الضرب الطلاب. روؤس أولادي وأولاد جيراني قطعت. إذا رفضت شقيقتي الانصياع للبس الحجاب تعرّضت للاغتصاب وهتك عرضها وعذبت ورشت الحوامض عليها لتشويه وجهها. نعم! أغفلت الصحافة الغربية معظم هذه الحوادث فذهبت دون إعلان او تدوين. هذه الأعمال الوحشية حدثت وتحدث على مسمع ومرأى حكومتي الأمريكية منذ "تحرير" العراق.
في اليوم السادس عشر من آذار 1918 هلك 150 شخصاً في ذلك اليوم الأسود، وعلى يد الأكراد. 150 من آباء وأمّهات أحبّة، من الأولاد والبنات، من الإخوة والأخوات، من الزوجات والمحبين. 150 شخصاً، لكل واحد اسم، كانوا ينتظرون قدومهم وقت العشاء في ذلك المساء، وبقيت كراسيهم فارغة حتّى اليوم. كل واحد منهم يترك فراغاً وألماً ولوعة في قلب أمّة شارفت على الانقراض. 150۰ شمعة انطفأت بينما الملائكة تجمع أرواحهم من على الأرض.
كان هذا مقطعا من كتابي "الحقل القرمزي". كان من الممكن أن أتكلّم بهذه العبارات عمّا يحدث اليوم في العراق. التاريخ يعيد نفسه ولا أحد يدوّن هذا، لا أحد غير شعبي.
نحن الاشوريّون أمة بلا حدود، لقد صمدنا لآلاف السنين بقوة في معركة الصراع على البقاء. قبل حوالي قرن من الزمان، وتحت ظلال الحرب العالمية الأولى، كافح أجدادي من أجل الحفاظ على ذريتهم من الانقراض. هذا العبء يقع على كاهلي الآن. يواجه جيلي هذا الكفاح نفسه لإنقاذ أمتي من انقراض كامل في العراق. هنا نسّن قوانين لمنع اصطياد النسر الأجرد لحمايته من الانقراض، لكننا نتفرج على زوال أقدم أمّة في تاريخ البشرية، هذا غير قابل للمغفرة.
الآشوريون، وأنا واحدة منهم، نعيش في الشتات. نعمل ما باستطاعتنا لجذب انتباه العالم إلى مأساتنا. لسنا بمقاتلين ولا بحاملي السلاح في شوارع بغداد، لكننا نكتب ونخط المقالات، نعقد الندوات والمحاضرات، ننتج أفلاماً وثائقية، نسهر الليالي في النقاش والجدال، نقوم بمسيرات، نضرب عن الطعام، نقوم بالتظاهرات والتجمّعات السلمية، نطالب بكرامتنا ونرفع صوتنا. فعندما تعلم أن هناك اعتداءات تحدث في مكان ما ضد مجموعة ما، وتكون أنت في موقع شاهد جوهري لهذه الحقائق، ترث المسؤولية المطلقة لتشهد وتخفف من هذا الشقاء البشري.
نحن الآشوريّون لسنا بأناس فوق العادة، فوجئنا في تقاطع نار وأحداث غير عادية، مع ذلك لا نجابه العنف بالعنف، لا ننتقم، ما نروم إليه هو الحياة فقط. عندما فجرّت كنائسنا، لم نفكر بالثأر، مشينا في سبيلنا كما يجدر بالمسيحيين.
غادر بغداد خلال هذا الاسبوع  ما يقارب ال 7000 آشوري إلى شمال العراق، النساء والأطفال اتخذوا ملجأ لهم في بيوت آشورية أخرى، في حين نام الرجال في المقابر عند الظلام. لا أقول هذا بشكل مجازّي، بل أعنيه حرفياً، لقد ناموا في المقابر لعدم وجود ملجأ آخر يأويهم.
لوضع حد لهذا الألم في العراق نعتمد على شجاعتنا في العالم الغربي لمساعدتهم. قبل أشهر قليلة قابلت المطران مار كوركيس صليوا، مطران الآشوريين في العراق، من كنيسة المشرق الآشورية. حديثه عن حياة الأطفال الآشوريين في العراق يدمي القلب "نحن شعب فقير، نحتاج إلى المساعدة، ساعدونا" هذا ما قاله حرفيّاً.
قبل أيام تحدثت مع البطريرك الآشوري مار دنحا الرابع، بطريرك كنيسة المشرق الآشورية، أخبرني بعدم تمكّن رجل الدين أو الكاهن من ارتداء ثوبه في المحلات العامة خوفاً من ضربات الاسلاميين!
عراق اليوم كان جزءاً من بلاد آشور. الآشوريون أول امّة اعتنقت المسيحية. فالكنيسة الآشورية تأسّست عام 33 سنة بعد الميلاد. هذه الأمة تعاني اليوم من مشكلة خطيرة، عددها الذي كان يصل الى مليون و 400 ألف نسمة قبل الحرب العراقية قد تضاءل إلى حوالي 800 ألف نسمة من دون حماية.
رغم كون الآشوريين سكان العراق الأصليين، إلا أنهم ضحايا القتل والتهجير. ممارستهم لتقاليدهم المسيحية محظورة من قبل الإرهابيين الإسلاميين، العنف والعدوان نحو الآشوريين المسيحيين في العراق هو مسلسل أحداث يتكرّر. مثال ذلك هي الكنائس الآشورية، الهدف الأوّل لهذه المجموعات التي تروم قتل وإيذاء أكثر عدد ممكن. منذ عام 2004 لغاية حزيران 2006 تمّ تفجير وضرب 27 كنيسة. في إحدى الحالات تمّ ضرب 6 كنائس بالتزامن في يوم واحد في بغداد وكركوك، وفي يوم آخر ضربت 6 كنائس أخرى بالتزامن أيضا في بغداد والموصل. ضرب الكنائس بصورة متزامنة هو نموذج مستمر ومتناوب.
بالرغم من محاولات دفع العراق نحو الديمقراطية، فوحشية صدّام التي فاقت التصوّر قد انتقلت الى الأصوليين الإسلاميين وإلى القوى الكرديّة التي اشتد عودها بسرعة بسبب ما يسمى "بالديمقراطية" في العراق، قلت ما يسمى بسبب الاحتيال والتهديد الذي مورس في فترة الانتخابات.
للمرة الأولى في التاريخ ، تمكن الآشوريون من المشاركة في الانتخابات. في كانون الثاني 2005 لكن الآلاف منهم في سهل نينوى حرموا من فرصة الإدلاء بأصواتهم. ففي هذه المدن والقرى لم تصل صناديق الاقتراع بسبب عدم ممارسة المسوؤلين الأكراد واجبهم في توفيرها. كما حدثت خروقات وسرقات بهذه الصناديق في المناطق التي أدلى الاشوريون بأصواتهم، حيث عمدت الشرطة السرية والمليشيات الكردية إلى الظهور علانية، وبشكل سافر بالقرب من مراكز الانتخابات مهدّدة النساء الخائفات أصلا، وكبار السن في مناطق سكن الآشوريين، فكانت النتيجة كثرة الأصوات الانتخابية للأكراد بدلا من إعطائها إلى الآشوريين.
في العراق المحترق بالحرب، وبعد فقدانهم معظم حقوقهم الإنسانية الأساسية، لا يزال هؤلاء السكان الأصلييين يتعرضون الى اضطهاد وظلم منظم، قتل وتهديد، خطف وعنف وتهميش لحقوقهم من قبل الأكراد في شمال العراق، الذين نالوا مبتغاهم في السلطة ويمارسون الآن العنف نفسه الذي اشتكوا منه سابقاً في عهد دكتاتورية صدّام.
منذ بداية حرب العراق دوّنت بعض، وليس جميع أعمال العنف ضد الآشوريين في الصحافة الشرقية، لديّ عينة من هذه الجرائم مرفقة مع تصريحي هذا وموجود أمامكم، علماً بأن معظم هذه الجرائم غير مدوّنة في الصحافة الغربية. الحقيقة تقول: بأن ذكرها أو عدم ذكرها لا يقلل من شرعيتها، فعند انتهاك حقوق الإنسان الأساسية، تكون جرائم ضد الإنسانية قد تمّت.
من الممكن إيجاد أمثلة أخرى على تهميش الآشوريين نجدها في مقدمة دستور العراق الجديد، فقد تمّ ذكر العرب والأكراد والتركمان بالتفصيل، في حين تمّ إغفال الآشوريين، بالإضافة إلى ذلك تستشهد الديباجة بالأعمال الوحشية التي اقترفت ضد الأكراد ، لكنها تتجاهل تماماً الأعمال التي اقترفت ضد الآشوريين في عهد صدام، وكذلك تتجاهل مذبحة الآشوريين عام 1933 في سميل / العراق.
أصبح "تحرير" العراق غماً للآشوريين ، يأخذ بصورة صامتة ما للآشوريين ويهمشهم، خاصة، في مناطق الشمال من كركوك وموصل وبغداد، وفي مناطق تركيزهم في مدن وقصبات سهل نينوى والمناطق المحيطة بها، ومناطق تحت نفوذ حكومة إقليم كردستان. وذلك من خلال دكتاتوريتهم، حيث تتم، وبصورة غير شرعية، مصادرة الأراضي والأملاك الآشورية، وبالرغم من ذلك فالآشوريون لا يهاجمون، بل نبقى مسالمين ومسامحين في ظروف لا تُطاق.
ليست هناك مساعدات أو صندوق مالي يذهب لمساعدة الآشوريين تحت بصرنا الأمريكي، ليس هناك خدمات طبية لهؤلاء المسيحيين، لا يمكن إجراء عملية قيصرية لامرأة في محل سكنها، عليها الانتقال لأميال عديدة والمخاطرة بحياتها وحياة جنينها للحصول على العناية الطبية. نحن لا نطالب بأكثر مما يذهب إلى العراق حاليا من أجل التنمية، ولكننا نطالب بأن نستلم حصتنا المناسبة من هذه العينات التي من المفروض أن تذهب الى مناطق الآشوريين في شمال العراق. تذهب ملايين الدولارات من صندوق الولايات المتحدة تحت سمع وبصر الأحزاب الكردية التي تستخدم هذه الأموال لمصالحهم بدلا من توزيعها بعدالة ومساواة لأحوج السكان من الآشوريين.
يعتبر الاشوريون اليوم من أكثر الأقليات حساسية، وأقلها حصانة في العالم. فتحت أبصارنا لا زال التهجير الجماعي جارياً على قدم وساق. اذا استمرّت الأمور تسير على هذا المنوال ف في العشرة أعوام امقبلة، من المرجح ضمور أو استئصال الوجود الآشوري من العراق بسبب سياسات التطهير العرقي والخروج الجماعي والهجرة.
يتمتع الهنود الحمر، "سكان امريكا الأصليون"، بحقوقهم الإنسانية في بلدهم أمريكا، بينما سكان العراق الأصليين، الآشوريين المسيحيين يساقون خارجاً بعيداً عن أراضيهم.
لقد أصبح موضوع إزاحة الآشوريين مسألة خطرة وحرجة. فخلال حرب الخليج 1991 فرّ عشرات الألوف الى الأردن. عام 2003، وفي بداية الحرب على صدام، وبسبب الخوف هرب أربعون الى خمسون ألف آشوري الى سوريا. ومنذ ذلك التاريخ لا يزال المشهد قائما، إذ نزح من العراق الألوف بسبب التهديدات التي تعرضوا لها، شريدون بدون مأوى في شوارع سوريا والأردن، وبهذه الحالة البائسة ينتظر الآشوريون المساعدة لانتشالهم من هذا الواقع المرير.
طبقا لدراسة إحصائية للمفوضية العليا لشؤون اللاجئين التابعة للأمم المتحدة نستنتج بأنه بين فترة تشرين الاول 2003 لغاية آذار 2005 وصل إلى سوريا ما يقارب 700.000 عراقي، وأن المسيحيين العراقيين يشكلون ما نسبته 36 او ما يعادل 252.000.
عند بداية الحرب لم يكن هناك مأوى أو منطقة آمنة تأوي الآشوريين، لذا هربوا إلى الدول المجاورة كسوريا والأردن. لكن بسبب عدم استقرار الآشوريين داخلياً في العراق، لم يؤهلوا لبرنامج المساعدات التابع للمفوضية. هؤلاء الآشوريون الذين خدموا الحياة والمرافق الإنتاجية في العراق، يلجأون اليوم إلى التسوّل والعبودية والبغاء وبيع الأعضاء من أجل البقاء وإطعام عائلاتهم. يحدث هذا تحت بصرنا الأمريكي، علماً بأن اللاجئين من الأكراد الذين يتم إحلالهم للسكن في مناطقهم يتم بسبب وجود منطقة آمنة تخصهم في العراق عكس الآشوريين، علينا كأميريكيّين أخذ هذه المسألة بعين الاعتبار.
لا جدل حول كون بلاد ما بين النهرين مهد الحضارة، والآشوريون المسيحيون هم سكانها الأصليون، ومن المؤكد أن الآشوريين هم جزء من نسيج عراق اليوم يقاسون إكراه الشريعة أو القانون الإسلامي، في ما هو بالإسم فقط عراق ديمقراطي.
فالمادة الثانية بند (ب) من الدستور العراقي تنص "لا يمكن سن قانون يتعارض مع مبادئ الديمقراطية" ، أما المادة الثانية (أ) فتنص أن "لا يمكن سن قانون يتعارض مع أحكام الشريعة الإسلامية". هاتان المادتان تتناقضان مع بعضهما.
أحد مبادئ الإسلام، والتي من الممكن الاطلاع عليها في سورة آل عمران آية 19 تنص "أن الدين عند الله الإسلام". أما الآية رقم 85 فتنص "ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين". لهذا يعتبر المسيحيون كفرة وثنيين بسبب اختيارهم ديناً غير الإسلام.
في سورة البقرة آية 191 يملي القرآن على جميع المسلمين لمقاتلة وذبح غير المسلمين "واقتلوهم حيث ثقفتموهم واخرجوهم من حيث أخرجوكم والفتنة أشد من القتل". أما الآية رقم 193 فإنها تدعو صراحة إلى دين واحد وهي تنص "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله"، لهذا السبب فجرّت الكنائس وذبح المسيحيون بالرغم من كونهم سكان البلاد الأصليين، فقد عوملوا كضيوف غير مرحب بهم في عقر دارهم، وها هم يواجهون في هذا اليوم، سياسة التطهير العرقي من قبل الإسلاميين في مشهد يعيدنا بالذاكرة لما جرى قبل قرن من الزمان من قبل العثمانيين الأتراك والأكراد.
من أجل الحفاظ على التوازن الإقليمي في منطقة الشرق الأوسط من الناحية العرقية أو الإثنية حاليا، فكما أن هناك في فلسطين دولة يهودية ودولة عربية، هناك حاجة لدولة مسيحية علماً بأن المادة الرابعة بند 121 من الدستور العراقي تنص على "إدارات محلية" تضمن الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية لمختلف الإثنيات كالتركمان والآشوريين ومكونات أخرى، إلا أن هذا القانون في صيغة النظرية فقط وليس التطبيق.
بسبب هذا القمع الذي يتعرض لحقوق المسيحيين، يتطلع الآشوريون الى المنظمات الدولية والعالم الغربي وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية والأمم المتحدة للتدخل السريع باسمهم وتمكينهم من إقامة منطقتهم الإدارية في إقليم سهل نينوى لتصبح ثانية منطقة عامرة مزدهرة في العراق. هذه المنطقة الإدارية الآشورية سوف تشهد عودة اللاجئين الآشوريين إلى أرض آبائهم وأجدادهم. يجب النظر إلى هذه المسألة الآن، حيث لا تقبل التأجيل أو الإهمال.
إن الحضارة الآشورية المهددة بوجودها، والتي بقيت حيّة تحت حكم جنكيزخان وويلات الحرب الكونية الأولى والثانية تعاني من طمس وإبادة تامة بسبب سياسات التطهير العرقي وهضم حقوقها والخروج الجماعي والهجرة.
اختبرت أمريكا يوم 11 ايلول كمثل بسيط للإرهاب الإسلامي، مشابه لما ألفه وتحمّله مسيحييو الشرق الأوسط. فقد راقب الناس بذعر كما راقبنا، الخسائر التي نجمت عن هذا العدوان، كم كان الأمر محزنا ومخجلا لو كان هذا الأمر قد مرّ من دون إشعار أو إعلام؟ كم هو مخجل مرور مأساة إبادة الآشوريين في مطلع القرن الماضي بدون ملاحظة أو إشعار؟ كم هو مخجل بأن المذابح التي يعاني منها الآشوريون اليوم تذهب بدون إشعار أو اعلام؟

49
أدب / انتعلتُ خفاف الرياح
« في: 19:27 22/10/2016  »


انتعلتُ خفاف الرياح

آدم دانيال هومه.

انتعلتُ خِفاف الهواءِ
ويمّمتُ وجهيَ صوبَ القرى الغافياتِ على ساعدِ النهرِ
تحتَ ظلالِ النجوم
تراءت أمامي البيوتُ التي شادها الهاربونَ من الموتِ
فوق سفوح الجبالِ
وفوق حوافي الوهادِ
وحيث الينابيعُ زاخرةٌ بهدير المياه
وحيث النواعيرُ تشدو بأعذبِ لحنٍ يشنّفُ آذانَ كلِّ الشحاريرِ
تصغي الحساسينُ مذهولةً 
وتلك الطبيعةُ مزدانةٌ بالتلاوينِ من كلّ صنفٍ وعطرٍ وطيب
ليهتفَ ربُّ السماواتِ: يا جنّةً في رحابِ الضياء
ويا كنفَ الأمِّ... ويا حضنَ قلبِ الحبيب
ويا همسةَ الزهرِ للطلِّ بعد انحسارِ المساء
هنيئاً لمن باتَ يشدو بذكراكِ ليلَ نهار
ومن لم يزلْ يكتوي بلظى الحسراتِ
ليرجعَ يوماً إلى عشِّهِ المخمليّ المطلِّ على جنَّةِ الأرضِ
بينَ رموشِ الجبال.

رأيتُ البلابلَ فوقَ الغصونِ تسبّحُ باسمِ الملاكِ المهاجرِ نحو الغروب
فينهملُ الغيثُ فوقَ شفاهِ الأزاهيرِ
ترتعشُ الأرضُ جذلى
وتعرضُ خلجانَها ومفاتِنَها لبخورِ السماء
فينهمرُ الحبُّ من خافقِ اللهِ
بينَ قلوبِ البشرْ
فتزهرُ أرضُ اليباب
وترتعشُ القبّراتُ على سُررِ الثلجِ
تنمو السنابلُ فوقَ الغيوم
وينضجُ خبزُ المساكينِ في موقدِ الأمنيات
يعودُ المشرّدُ بعد الفراقِ الطويلِ إلى أرضهِ
يحملُ قلبَهُ بينَ يديهِ
يعصرُهُ الشوقُ والوجدُ
والدمعُ ينهلُّ من مقلتيهِ حنيناً إلى موطنِ الذكريات.

ورفرفتُ كالطيرِ فوقَ القبابِ
وفوقَ الهضابِ
وفوقَ غصونِ الرياح
تنقلتُ في روضةِ الأفقِ حيثُ تقودُ رعاةُ الرعودِ قطيعَ السحاب
حططتُ على حائطِ الحُلمِ قبلَ انبلاجِ الصباح
وقفتُ على بابِ عشتارَ أصغي لهمسِ الملائكةِ الغابرين   
شممتُ أريجَ البخورِ المقدّسِ من معبدِ آنو
أهرقتُ عطرَ التسابيحِ  في هيكلِ إيّا
وقدّمتُ فيضاً من الصلواتِ على مذبحِ شمّش
نذرت لأنليلَ باقةَ وردٍ وفلٍّ
وحزمةَ أقحوان
وأشعلتُ فوقَ مدارجِ معبدِ آشورَ كلِّ شموعِ المجرّات
وحين وقفتُ على سورِ بابلَ قبلَ شروقِ الصباح
تمنّيتُ أن أتحوّلَ نجماً يشعُّ إلى أبدِ الدهرِ فوق ربوعِ العراق.

انتعلتُ خِفاف الرياح
توجهتُ نحو السماء
لأجلو الأعاجيبَ والبيّناتِ التي صاغها الأنبياء
فلم ألقَ غيرَ نثارِ الأكاذيبِ
لغوَ المجانينِ
صرعى الأساطيرِ والترَّهات
وعدتُ أجرجرُ خلفيَ نعشَ الخرافاتِ ... لفّقها الواهمون
وصدّقها التافهون.

adamhomeh&hotmail.com

50
الدكتور روبن بيت شموئيل الموقر
تحية آشورية صادقة.
لقد كان اختياركم لهذا المنصب الحساس برداً وسلاماً على قلوب جميع أصدقائك ومحبيك حول العالم. كما أنه خير شهادة واعتراف بمواهبكم الثقافية التي لا يختلف عليها اثنان. أتقدم إليكم بأخلص التهاني والتبريكات، متمنياً لكم التوفيق في مهامكم الجليلة في سبيل إنعاش وتطوير وازدهار الثقافة الآشورية على جميع المستويات لما فيه خير ومصلحة الأمة الآشورية العظيمة.
أخوكم آدم دانيال هومه.
سدني- استراليا

51
* الأخ فاروق كوركيس.  لك خالص مودتي وتقديري وامتناني.
* أستاذي القدير روبن! العظماء رجال من زجاج شفّاف غير قابل للكسر. لك خالص التحيات وأصدق القبلات.
* الأخ ميشيل كوركيس. للأسف الشديد خيّبت ظني فيك. كنت أظنك أكبر بكثير من هذا. سامحك الله.

52
شكراً جزيلا أخي العزيز جان. صدقاً أنا فخور بك وبقلمك. لك خالص تحياتي.

53
الأخ العزيز المهندس والكاتب البارع خوشابا سولاقا الموقر!
شكراً جزيلا على مروركم الكريم، وعلى الثناء الذي جعلني أغوص في ذاتي خجلا. أما بالنسبة للخونة من أبناء شعبنا  فليس بإمكاننا تسميتهم، لأن التاريخ هو الذي ينصفهم سلباً أم إيجابا. فقد يكون الخائن، بنظري ونظرك، مناضلا شريفا بنظر الآخرين. وهنا الطامة الكبرى التي نحن بغنى عنها في هذا الوقت العصيب الذي يمر به شعبنا على أرض الآباء والأجداد من التشرّد والضياع. أما بالنسبة لأولئك الأشاوس الصناديد اليائسين البائسين الذين يلوكون الكلام هراء، والذين يتهمون أبناء شعبنا بالهروب من الوطن، فإني أسألهم: (وماذا عن ملايين العراقيين والسوريين العرب والمسلمين الأقحاح الذين يخوضون البحار على قوارب مطاطية فراراً من مشانق الحكام الجائرين، ومن سيوف الدواعش المسلولة سعياً وراء ملاذ آمن ولو كان ذلك الملاذ على أرصفة إحدى الدول الكافرة ؟).

54
المنبر الحر / في ذاكرة التاريخ
« في: 22:09 07/08/2016  »
في ذاكرة التاريخ
إعداد: آدم دانيال هومه.

* 17 أيار 614 ق.م سقطت مدينة آشور بالتعاون بين الميديين والسكيتيين، وبعض خونة أمتهم وعلى رأسهم حاكم بابل من قبل الملك الآشوري سن شار إشكن المدعو (نبوبولاسر)، أول خائن في التاريخ الآشوري.
* 15 تموز 612 ق.م سقطت العاصمة نينوى على يد التحالف الشيطاني الميدي- الكلدي.
* 7 آب 608 ق.م سقطت حران آخر معقل من معاقل الدولة الآشورية التي يعتبرها المؤرخون الإمبراطورية الحقيقية الأولى في تاريخ البشرية.
* 16 تموز 539 ق.م سقطت بابل على يد كورش الفارسي بالتعاون مع الخائن (گوبارو) قائد الجيوش الكلدية، والعملاء من كهنة هيكل مردوخ. وبذلك كان السقوط السياسي النهائي للأمة الآشورية.
* الاضطهاد الأربعيني: الذي مارسه الملك الفارسي (شابور الثاني) بحق المسيحيين القاطنين في حدود مملكته وكانت ذريعته في ذلك أنهم يحتقرون عبادة ﺍﻟﻨﺎﺭ ﻭﺍﻟﺸﻤﺱ، ويرﻓﻀون ﺍﻟﺴﺠﻭﺩ ﻟﻤﻠﻙ ﻤﻠﻭﻙ فارس. كان حكمه بالنسبة للمسيحيين عبارة عن العنف وسفك الدماء والمذابح المروّعة استمرت لمدة أربعين عاماً متواصلة، وقد امتدت من عام 340م ولم تتوقف إلا بموت شابور اللعين عام 379م. ويقدر المؤرخون عدد من أعدمهم (شابور الثاني) من أتباع كنيسة المشرق، وغالبيتهم من الآشوريين بــ (160) ألف شهيد.
* مجازر تيمورلنك: ما بين عامي 1393-1403 تعرضت بلاد ما بين النهرين إلى مذابح تيمورلنك، المخرّب الأعظم في التاريخ، حيث قضى على غالبية الآشوريين من أتباع كنيسة المشرق العظيمة سعياً إلى محو المسيحية من الشرق. فلاذ البقية الباقية منهم بجبال هكاري العاصية حيث استطاعوا، من هنالك، صد هجماته، وردوه على أعقابه خائباً مدحورا.
* مجازر نادر شاه 1732: لنادر شاه هذا تاريخ أسود في بلاد الرافدين. فقد اشتهر بقسوته وطغيانه، وصاحب الموت والدمار مسيرته في جميع أنحاء بلاد الرافدين. وانتشرت الأوبئة والمجاعة حتى اضطر السكان إلى أكل لحوم الحمير والكلاب والقطط. وكان أكثر قسوة ووحشية على السكان الأصليين للبلاد كالآشوريين والإيزيديين في سهل نيينوى حيث قام بتهجيرهم من أراضيهم وقراهم ليحل محلهم الأكراد المعروفين بالكاكائية والشبك والكرد الفيليين وغيرهم.
* ما بين 1831-1836 مذابح الأمير محمد الراوندوزي الملقلب بـ(الأمير كورا) أي الأمير الأعور. فهو أول زعيم كردي يحوّل أعمال السلب والنهب التي كان يقوم بها أكراد الجبال ضد القرى والأديرة والكنائس الآشورية المسالمة في سهول نينوى. فقد نجح هذا الأمير الأعور بتحويل تلك الأعمال الشريرة إلى حملات تطهير عرقي منظمة لم تقتصر على الغزو والسلب والنهب فحسب وإنما عمدت إلى تهجير شعب كامل عن أراضيه التاريخية واحتلالها، واغتصاب أملاكه وممتلكاته وإرثه الموغل في عمق أعماق التاريخ. ولم تتوقف حمامات الدم التي التي أراقها هذا المجرم حتى عام 1937  إثر اغتياله على يد الأتراك. إن المذابح والمجازر الفظيعة والرهيبة التي ارتكبها محمد الرواندوزي بسكان البلاد الأصليين قد قلبت كل موازين القوى المحلية، وأحدثت تغييراً كلياً بالخارطة الإثنية واللغوية والدينية، التي كانت سائدة في بلاد آشور، لصالح الأكراد الدخلاء على البلاد.
* مذابح بدرخان الكردي: ما بين عامي 1843– 1846. إن المذابح والمجازر التي ارتكبها المجرم بدرخان بحق الآشوريين المسالمين الأبرياء في جبال هكاري وطورعبدين قد فاقت كل تصور. إذ ترتقي كلياً إلى مستوى الإبادة الجماعية والتطهير العرقي بكل ما تعنيه الكلمة بمفاهيم هذا العصر، حيث ذهب ضحية تلك المذابح أكثر من عشرين ألف آشوري، ناهيك عن الآلاف من السبايا، من كلا الجنسين، الذين فرض عليهم الدين الإسلامي بالقوة، وانصهروا في بوتقة الأكراد قسراً ، وباتوا في خبر كان. 
* 1915-1918 المجازر الآشورية في تركيا. التي تُعرف لدى أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية باسم (مذابح سيفو) أي مذابح السيف. ارتكب هذه المجازر بحق الشعب الآشوري الجيش التركي تسانده العشائر الكردية المنضوية تحت مصطلح (الفرسان الحميدية) نسبة إلى السلطان عبد الحميد الثاني. وقد شملت هذه المجازر سكان جبال هكاري، أورمية، طور عبدين، آمد، ماردين، سعرت، آزخ، وجميع القرى والقصبات التي كان يقطنها أبناء شعبنا الآشوري بجميع مذاهبه الدينية بدون استثناء. وراح ضحيتها أكثر من 75.000 شهيد آشوري، ناهيك عن 1.500.000 أرمني، و500.000 يوناني. وأدّت سلسلة المجازر هذه، بالإضافة إلى المجازر الأرمنية، وعمليات التبادل السكاني مع اليونان إلى تقلص نسبة المسيحيين في تركيا من حوالي 33% قبيل الحرب إلى 0.1% حاليا.
* 3 آذار 1918 اغتيال مار بنيامين شمعون على يد المجرم الخائن الغدار اسماعيل آغا زعيم قبيلة الشيكاك الكردية، والمعروف باسم (سيمكو الشيكاكي). وقُتل معه 150 من حراسه. وفي نفس العام قُتلَ آلاف الآشوريين عندما قامت العشائر الكردية بالهجوم على القرى الآشورية في ايران بما فيها أورميا.
* مذبحة صوريا، 16 ايلول 1969. ارتكب الجيش العراقي بقيادة الملازم (عبد الكريم خليل الجحيشي) مذبحة مروّعة بحق أهالي قرية صوريا الآشورية التابعة لقضاء زاخو، والواقعة على بعد 113 كم شمال مدينة الموصل. ذهب ضحيتها 39 شخصاً، واثنين وعشرين جريحاً.
* 10 آب 1920 توقيع معاهدة (سيفر)، وقد نصّت تلك المعاهدة على العمل بمبدأ حق تقرير المصير ومنحه لجميع الشعوب التي كانت ضمن حدود الامبراطورية العثمانية سابقاً (العرب، الأرمن، الآشوريون، والأكراد).
* 19 أيار 1924 انعقاد مؤتمر القسطنطينية، وبروز المسألة الآشورية في المقدمة باعتبارها سبباً من أسباب دفع الحدود العراقية إلى الشمال.
*  16 تموز 1925 موافقة عصبة الأمم على ضم ولاية الموصل إلى العراق على أن تكون بديلا عن (هكاري) الموطن الآشوري الأصلي. كما أوصت العصبة على الموافقة الآشورية على العروض التي اقترحها المندوب التركي في جنيف، أي السماح للآشوريين بالعودة إلى ديارهم مع وجوب موافقة الحكومة التركية على استمرار تمتعهم بالاستقلال الذاتي كسابق عهدهم.
* 21 كانون الثاني 1933 طالبت الصحف العراقية بطرد كافة الآشوريين العاملين في شركة الخطوط الحديدية. * 12 أيار 1933 وجهت الأوامر إلى قيادات الشرطة لنقل جميع الآشوريين العاملين فيها من مقاطعات زاخو والعمادية ونوهدرا وشيخان إلى المناطق النائية في الجنوب، وتجريد الآشوريين في شرطة الموصل والمجندين في الجيش العراقي من السلاح.
* 16 أيار 1933 قامت قوات الشرطة العراقية، بناء على أوامر متصرف الموصل، باستدعاء كافة الآشوريين لإعادة تسجيل أسلحتهم ومنحهم التراخيص الضرورية. ولم يكن ذلك سوى ذريعة تافهة لتجريدهم من أسلحتهم.
* 22 أيار عام 1933 طلب متصرف الموصل من البطريرك مار إيشاي شمعون التوجه إلى بغداد، في الحال، لبحث مشروع التوطين مع وزير الداخلية والميجر تومسون.
*  24 حزيران 1933 توقيف البطريرك مار ايشاي شمعون، ووضعه تحت الإقامة الجبرية.
* 29 حزيران 1933 رفع البطريرك مار ايشاي شمعون شكوى، حيال تهجمات الصحف العراقية العنيفة والخطابات النارية في مجلس النواب العراقي ضد الآشوريين، إلى مختلف الممثلين الدبلوماسيين الأجانب في بغداد بما فيهم المندوب البريطاني السير فرنسيس همفريز الذي اعترف في عصبة الأمم بأن حكومته هي المسؤولة خلقياً تجاه حماية الآشوريين. ولو شاء هذا المجرم لكان أنقذ الآشوريين من كل الكوارث والمذابح التي تعرضوا لها لاحقاً.
* 4 تموز 1933 نشرت الصحف العراقية جملة مقالات من مختلف الشخصيات والطبقات تطالب فيها الحكومة بالقضاء التام على الآشوريين. وتلقى الجيش المرابط في الموصل تعليمات خاصة من مجلس الوزراء للاستعداد لحالة الطوارئ.
* 10 تموز 1933 عقد اجتماع لجميع القادة الآشوريين في مكتب وكيل متصرف الموصل خليل عزمي، وبحضور كل من المفتش الإداري البريطاني الكولونيل ستافورد، والخبير بشؤون توطين الآشوريين بالعراق الميجر تومسون، وكانت الغاية من وراء هذا الاجتماع الذي أعدته الحكومة العراقية زرع الخلاف والشقاق بين قادة الآشوريين وذلك من خلال استخدام بعض المأجورين للتسبّب في خلق صراع بين أولئك القادة في الاجتماع. وقد وضع أنصار مار شمعون أمام خيارين اثنين. إما القبول بالمشاريع التي تقرها الدولة أو مغادرة البلاد في الحال.
* 21  تموز 1933 اجتياز الثوار الآشوريين الحدود العراقية متوجهين إلى سوريا بقيادة مالك ياقو مالك اسماعيل، ومالك لوكو شليمون طالبين من الحكومة الفرنسية حق اللجوء السياسي.
* 23 تموز 1933 وجّه القادة الآشوريون، أنصار مار شمعون، البرقية التالية إلى وزير الخارجية العراقي: (سيادة وزير الخارجية: لما كانت إحدى مهام اجتماع الموصل توضح سياسة الحكومة العراقية حيال مشروع التوطين وموقفها من قداسة البطريرك من جهة، أو مغادرة البلاد كما وضعها المتصرف علناً. إن بإمكان كل من لا يرغب بهذا المشروع مغادرة البلاد في الحال. لذلك اخترنا مغادرة البلاد على القبول بالمشروع. وبناءً على ما سبق فإن ما نطلبه من الحكومة العراقية هو السماح لكافة الراغبين بالانضمام إلينا وعدم وضع عراقيل أمامهم. ليست لدينا أية رغبة أو نيّة في الحرب أو المجابهة إلا إذا أرغمنا على ذلك).
* 1 آب 1933 أرسل مار شمعون البرقية التالية إلى عصبة الأمم: (الآشوريون بشكل عام في خطر داهم، إرغام الآشوريين إلى اللجوء إلى سوريا. إنني موضوع تحت الإقامة الجبرية في بغداد. أطلب تدخل عصبة الأمم حالاً).
* 2 آب 1933 أعلنت الحكومة العراقية الجهاد المقدس رسمياً ضد الآشوريين، وقامت الحكومة عبر الصحف المحلية بتحريض القبائل العربية والكردية للتطوع فيها والتوجه نحو الشمال لمحاربة الآشوريين، وقد خصصت ليرة انكليزية واحدة لرأس كل آشوري، واعتبرت أولئك الذين لا يُشاركون فيها خونة دينهم وأمتهم.
* 4 آب 1933 اضطر الثوار الآشوريون العودة إلى العراق بعد أن رفضت السلطات الفرنسية منحهم حق اللجوء السياسي إلى سوريا وذلك عن طريق عبور نهر دجلة ما بين قرية فش خابور ومصب نهر الخابور. وكان الجيش العراقي قد كمّنَ لهم في معسكر ديرابون، ولكنهم تمكنوا من العبور على الرغم من نيران الرشاشات التي انصبت عليهم من كل جانب ودمروا الجيش العراقي المجهز بأحدث الأسلحة الحربية حيث ولّىَ الفرار تاركاً وراءه أسلحته و قتلاه وعددهم 33 جندياً وثلاثة ضباط قتلى وأربعة جرحى والتجأ إلى القرى المسيحية فعَدِلَ الثوار الآشوريون عن مطاردته خشية قيام مجازر في تلك القرى.
* 5 آب 1933 بدأت صيحات الجهاد المسعورة التي أطلقها المسؤولون الرسميون في الحكومة العراقية ضد الآشوريين بعد معركة الديرابون يتردد صداها بين القبائل العربية والكردية التي بدأت إثرَ ذلك تنهب وتسلب وتعيث فساداً في القرى الآشورية الآمنة. وقام الجيش العراقي، بأوامر من المجرم الكردي عميل الإنكليز بكر صدقي قائد المنطقة الشمالية، انتقاماً لهزيمته المنكرة في معركة الديرابون بقتل جميع الأسرى الآشوريين الموجودين في أطراف الديرابون. كما قام قائمقام زاخو المجرم عبد الحميد الدبوني باستخدام العشائر الكردية لإبادة الآشوريين الذين حاولوا سلوك الطريق الأصعب عبر جبل (بيخير) الذي يرتفع زهاء 4000 قدم بين نهر خابور دجلة  وسهل الموصل .
* 6 آب 1933 قام المجرم السفاح بكر صدقي بقتل خمسة عشر آشورياً رمياً بالرصاص، وقد أقر بجريمته هذه للميجر (ألفري) عضو البعثة العسكرية البريطانية الذي عثر على جثتهم.
* 7 آب 1933 وصل الموصل كل من وزير الدفاع العراقي جلال بابان ومدير الشرطة العام صبيح نجيب مزودين بأوامر من الحكومة تخوّلهم تجنيد شرطة غير نظامية من العشائر العربية والكردية. وقامت قوة عسكرية بتمشيط جبل بخير، وكانت كلما عثرت على آشوري شارد ترديه قتيلاً. وفي هذا اليوم بدأ اتباع الشيخ الكردي نوري البريفكاني الذي فاق بشرّه الجميع بسلب ونهب القرى الآشورية في أعالي الجبال. و لم يكتفِ هذا الشيخ الكردي المجرم بذلك بل عمد إلى تسليم كل الرجال الذين كانوا يعيشون في القرى المجاورة إلى قوات الجيش ليُقتلوا في الحال، وقد كانوا قد قصدوه في بداية الاضطرابات راجيين حمايته فوعدهم خيراً ولكنه أخلف وعده وتنكر لكل التقاليد العشائرية والمبادئ الخلقية كما هي عادة أسلافه دائماً. وفي هذا اليوم أيضاً احتفلت الحكومة العراقية بالمذابح بشكل رسمي تحت شعار القضاء على التمرد الآشوري. ومع ذلك فإن المذابح لم تكن قد انتهت بعد.
* 8 آب 1933 بدأت التقارير تَرِد إلى المفتش الإداري البريطاني في الموصل الكولونيل ستافورد حول أعمال القتل والسلب والنهب التي تتعرض لها القرى الآشورية. وتم نقل الميجر ساركَن إلى بغداد لئلا يطلع على حقيقة ما يجري، حيث بات معروفاً للجميع بأن الجيش العراقي قد قرر بصورة رسمية وجوب قتل وإبادة كل الآشوريون في العراق، وكان الجيش يعرف مسبقاً بأن قراره هذا سيكون مدعوماً من حكومة بغداد. ونتيجة حالة الفزع المتأتية من ذلك ترك جميع الآشوريين قراهم والتجأوا إلى قرية سيميل، أكبر القرى الآشورية المجاورة والتي تبعد عن نوهدرا (دهوك) مسافة ثمانية أميال تقريباً. وفي ذلك اليوم بالذات ظهر قائمقام زاخو المجرم عبد الحميد الدبوني في قرية سيميل مع شاحنة محملة بالجنود وكانت هذه المنطقة خارجة عن دائرة صلاحياته. دخل القرية وطلب إلى الآشوريين تسليم سلاحهم قائلاً: (بأنه يخشى من نشوب قتال بين الثوار الآشوريين الذين غادروا العراق إلى سوريا وبين قوات الحكومة، وقد يُحتمل أن يُشارك فيه أهالي سيميل في وجود السلاح بحوزتهم). وأكد لهم بكلام ظاهره الصدق وباطنه الكذب والنفاق بأنهم سيكونون في أمان تحت ظل العلم العراقي الذي يرفرف فوق مخفر الشرطة. فسلم الآشوريون كل ما لديهم من قطع السلاح إلى الجنود الذين حملوها وعادوا من حيث أتوا. وللحق والتاريخ نقول: (بأنه في ذلك اليوم وصلت برقية من الملك فيصل الأول ملك العراق الذي كان في سويسرا حينذاك يطالب فيها رئيس الوزراء المجرم الفارسي الأصل رشيد الكيلاني ومجلس وزرائه بالاستقالة حالاً، أو إيقاف المذابح الآشورية على الفور). فكان الرد: (أن بإمكانه ترك عرش العراق فيما إذا كانت سياسة الوطنيين العراقيين لا تلائمه لأنه ليس سوى لاجئ في البلاد).
* 9 آب 1933 تعرضت 64 قرية آشورية في قضائي دهوك والشيخان، و4 قرى في السليمانية للنهب والسلب والحرق والتدمير. وتواصلت عمليات الإعدام الجماعي رمياً بالرصاص في كل من دهوك وزاخو. ففي منطقة دهوك كان الآشوريون يحمّلون في لوريات على دفعات ويُساقون إلى مسافات غير بعيدة عن قراهم ليُحصدوا بالرشاشات. وكانت السيارات المصفّحة الثقيلة تمر على أجساد الموتى والمحتضرين. وفي (ألقوش) سلم 180 آشوري سلاحهم فأعدموا جميعهم رمياً بالرصاص علماً بأن هؤلاء لم يشاركوا في أي عملية تمرد بل كانوا إلى جانب الجيش العراقي ضد إخوتهم الثوار الآشوريين، أي كانوا من جماعة مالك خوشابا وأنصاره، و لكن كان يكفي للجيش العراقي أنهم آشوريون.
* 10 آب 1933 بدأت العشائر العربية النهب والسلب في القرى الآشورية مؤكدين بأن إشارة التشجيع على ذلك قد وردت إليهم من السلطات الحكومية العليا. كما قام العرب والأكراد بنهب القرى المجاورة لقرية سيميل. ودخلوا أطراف سيميل وجرّدوا البيادر من كل ما تحتويه من سنابل القمح والشعير في حين اقتصر طعام الآشوريين على بعض بذور البطيخ وهم يتابعون بأبصارهم العرب والكرد وهم يسوقون قطعانهم من الماشية والأبقار. وقام الجنود بمنع الآشوريين من الاقتراب من نبع القرية من أجل إرواء ظمئهم، وأردوا الكاهن الأكبر (سادا) قتيلاً. وفي هذا اليوم قتلت جماعة نيشم آغا الكردي اثني عشر آشورياً في موضع يدعى (سواره)، كما قامت هذه الجماعة أيضاً بقتل عدد من النساء الآشوريات وشوهت جثتهم تشويهاً مريعاً في (قلة بدري) بالقرب من دهوك. وفي هذا اليوم أيضاً بدأت الطائرات بإلقاء مناشير في المناطق الآشورية تدعوهم فيها إلى تسليم أسلحتهم، وبأن القوات العراقية لن تقوم بأي عمل ضدهم خلال الساعات الأربعة والعشرين التالية، وعلى الراغب من الآشوريين أن يستسلم فيسلم ولا جناح عليه.
* 11 آب 1933 (مذبحة سيميل) تلك الجريمة النكراء التي تعتبر لدى العالم أجمع، وستبقى على مر الزمن واحدة من أبشع وأشنع أحداث الشرق الأوسط الدامية. والتي ستظل ذكرى أبدية تنزف دمعاً ودما لدى الآشوريين بكل طوائفهم الدينية أينما كانوا، وقد اتخذوها ذكرى عيد شهدائهم حيث تقوم جميع تنظيماتهم السياسية ومؤسساتهم الاجتماعية بإحياء هذه الذكرى الخالدة داخل الوطن وفي الشتات وذلك في اليوم السابع من آب من كل عام. وهكذا كانت مجريات الأحداث :
* الساعة 00 و9 صباحاً وصول وزير الداخلية العراقي المجرم حكمت سليمان إلى الموصل على متن طائرة من طائرات القوة الجوية البريطانية.
* الساعة 9,30 بدأت الشاحنات والمصفحات العسكرية تتجه صوب القرية وتلوح أمام أنظار الآشوريين العزّل بما فيهم الشيوخ والأطفال والنساء. وعندما استداروا شاهدوا شرطياً يُنزل العلم العراقي عن سارية المخفر.
* الساعة 9,40 وصلت المصفحات العسكرية والشاحنات المحملة بالجنود إلى قرية سيميل وخرج كبرئيل يونان الرجل الذي كان البادئ بالهتاف بحياة الجيش العراقي في الحادي عشر من تموز أثناء اجتماع الموصل ومن أشد المناوئين للبطريرك مار ايشاي شمعون خرج كبرائيل بصحبة ابنه وأخيه ناتان وهم يبرزون وثائق جنسيتهم العراقية فمزقت أمامهم وقتلوا جميعهم شر قتلة. ثم فتح الجنود النار على الآشوريين دون سابق إنذار، فسقط الكثيرون ومن بينهم أطفال ونساء وفر الباقون إلى البيوت ليتواروا عن الأنظار ولم يبقَ أحد في الشوارع والأزقة.
* الساعة 10,30 جرَّ الجنود الكاهن اسماعيل خارج المخفر الذي كان قد لاذ به، وشُدّ حبل حول عنقه وأنزله الجنود ركلاً بأقدامهم، وسحبوه إلى حيث أردوه قتيلا، ثم ألقوا بجثته فوق أكداس الجثث التي كانت تعلو باستمرار.
* الساعة 11,00 أمر عريف الشرطة النسوة الآشوريات بمسح وإزالة الدماء من حرم مخفر الشرطة، فثارت ثائرتهن على الأمر اللا إنساني وأهبن به أن يدير فوهات الرشاشات إليهن لأنهن يفضلن الموت على القيام بذلك.
 
* الساعة 12 ظهراً، وصل الملازم أول (اسماعيل عباوي توحلة) مساعد المجرم (بكر صدقي) إلى قرية (سيميل). وهذا الضابط من أسرة موصلية معروفة بانحطاطها الخلقي. وفور وصوله أمر الجنود بنصب رشاشاتهم خلف نوافذ البيوت التي لجأ إليها الآشوريون، وتوجيه فوهاتها إلى البؤساء الذين سمّرهم الرعب في البيوت الخاصّة بهم. وفتحوا النار عليهم حتى سقط الجميع في بركة دمائهم. ولم يبقَ واقف على قدميه. وقد اتخذ تعطش الجنود للدماء شكلا وحشياً، فكانوا يجرون الرجال جراً إلى الخارج ويطلقون عليهم النار بشكل جنوني، أو يعمدون إلى إخماد أنفاسهم ضرباً وركلا ثم يقذفون بجثثهم فوق أكداس الضحايا. كما كانوا يلقون بالأطفال في الهواء ويتلقفونهم بالحراب. ويبقرون بطون النساء ويضعون أحشاءهن فوق رؤوسهن. أما الفتيات دون العاشرة فقد أحرقوهن أحياء بعد الاعتداء الوحشي عليهن.
* الساعة الثانية بعد الظهر، رحل الجنود من سيميل بعدما أبادوا آخر رجل آشوري فيها. وتوجهوا إلى قرية (آلوكا) لتناول الغداء ولقيلولة الظهيرة. وعلى إثر رحيلهم هجم رجال العشائر الذين كانوا يقفون على مقربة يراقبون أحداث المذبحة، فأكملوا نهب البيوت التي كان الجنود قد بدأو نهبها وسلبها.
* الساعة العاشرة ليلا، عاد الجنود إلى سيميل مرة ثانية لأن عريف المخفر كان قد اتصل بهم هاتفياً وأنبأهم بوصول عدد من الآشوريين، والتجائهم إلى المخفر. فتعقبوهم وفتكوا بهم.
* الساعة الحادية عشرة ليلا، حاول الجنود الاعتداء على أعراض بعض النسوة بما فيهن زوجتا (مالك ياقو) و(مالك لوكو) ولكن اللبؤات الآشوريات، حفيدات شميرام، كشّرن عن أنيابهن غير هيّابات ولا وجلات، واشتبكن مع الجنود مهددات إياهم بقتل أنفسهن في حال اقتراب أي واحد منهن. ما أرغم الجنود عن التخلي عن أفكارهم الشيطانية الأثيمة والابتعاد عنهن. علماً بأن تلك النساء المرملات الثاكلات، مع ما تبقى من أطفالهن الصغار على قيد الحياة، لم يذوقوا لقمة عيش واحدة لا في تلك الليلة ولا في الأيام التي سبقتها، لأن الحبوب التي كانت في القرية قد استولى عليها أبناء العشائر العربية والكردية الذين داهموا بيوت القرية ونهبوا أدوات الطهي والأفرشة وحتى عوارض السقوف الخشبية.
12 آب 1933، في الساعات الأولى من الصباح عاد الجنود إلى سيميل من أجل دفن القتلى. وجمعوا أكثر من ألف جثة وألقوا بها في أخدود قليل العمق. وبما أن عملية الدفن قد جرت بشكل اعتباطي فقد تسبّبت في انبعاث الروائح الكريهة من الأجساد المتفسخة تحت أشعة شمس آب اللهاب، وبشكل لا يطاق. فاجتذبت إلى القرية كل ذبابة وحشرة وبائية من مسافة أميال. ويقول المفتش الإداري في الموصل العقيد (رونالد ستافورد) الذي شاهد المنظر بأم عينيه: (في هذا الجو الذي يعجز اللسان عن وصفه عاش، ولمدة ستة أيام، ألف امرأة وطفل صعقهم الرعب بمشاهدة ذويهم الذكور يبادون قتلا عن بكرة أبيهم، وكل مالديهم من طعام قليل من حبوب البطيخ وكمية شحيحة من الماء الآسن. كان منظر النسوة المفجوعات من المناظر التي لن أنساها طيلة حياتي وأنا الذي قضيت ثلاث سنوات في خنادق فرنسا أيام الحرب العالمية الأولى. لقد صعقتُ لرؤية طفل مصاب في رسغيه معاً، وقد كان والده الشهيد يحتضنه بين ذراعيه).
* 13 آب 1933، عن طريق المعتمدين الأجانب، الذين بلغ بهم الاشمئزاز من المذابح إلى حد الشعور بأن من الواجب إذاعة أنبائها في كل الدول الغربية، بدأت مجلات وصحف بيروت تنشر تفاصيل المذابح الآشورية في العراق قبل أن تسمع الموصل بها، أو تعرف شيئاً عنها لأن الجيش العراقي قد بذل كل الجهود لإسدال الستار عليها، كما فرضت رقابة شديدة على الخطابات المرسلة إلى الخارج.
* 14 آب 1933 بدأ الجيش العراقي يروّج دعاية بأن بعض الآشوريين المتمردين قد التجأوا إلى (ألقوش). وكان القصد من وراء ذلك كي تُتخذ ذريعة للمذبحة المبتغاة القيام بها في تلك القرية المسالمة. وقد اعترف المسؤولون الرسميون، فيما بعد، بأن المجرم بكر صدقي كان يهم باقتراف مذبحة مشابهة لسيميل في ألقوش لو لم يحولوا دون ذلك.
* 22 أيلول 1933 كتب أحد الضباط الانكليز قائلا: (إن هذا الشعب الآشوري هو نفسه الذي قاتل إلى جانب الإنكليز والفرنسيين والروس، وضحى بثلثي تعداده، وفقدان موطنه، ومن ثم ليصبح لا جئاً مشرداً، وكرة بين أقدام السياسة العالمية) .
* 2 تشرين الأول 1933 جاء في تقرير أحد الآشوريين الكاثوليك المعتمدين ما يلي: (لم يكتفِ العرب ببقر بطون نساء الآشوريين، بل وضعوا أحشاءهن فوق رؤوسهن وهن في تلك الحالة من الآلام والعذاب. وقضوا على الأطفال الواحد تلو الآخر. يلقون بهم في الهواء لتتلقفهم الحراب) .
* 10 تشرين الثاني 1933 نشرت جريدة ( الديلي تلغراف) البريطانية مقالا جاء فيه: (نحن الانكليز، وليس الفرنسيون أو الإيطاليون الذين وعدوا الآشوريين بالاستقلال الذاتي والحماية شرط القيام بالثورة ضد الأتراك).

،،،،،،،




55
.
14. تحسين علي، متصرف الموصل: كان يعمل سابقاً حاجباً للملك فيصل الأول. على الرغم من أن التعليمات الرسمية من السلطات المركزية في بغداد كانت ترسل إلى هذا المتصرف بواسطة البريد الرسمي، ومن ثم يحيط مرؤوسيه بها في كافة المناطق إلا أنه كان، وفي كافة القضايا المتعلقة بالآشوريين، يوجه تعليماته شفهياً إلى قائم مقاماته ومدراء نواحيه11. وبعد أن قام البطريرك بتقديم مطالب الأمة الآشورية إلى عصبة الأمم، وفي مقابلة بينه وبين متصرف الموصل قال له المتصرف: (بأن الشكاوى التي رفعها إلى عصبة الأمم باسم الآشوريين لا يمكن للحكومة العراقية السكوت عنها، وعليه أن حساب ذلك)12. وقد قام هذا المتصرف الشرير، قبيل الأحداث الآشورية الدامية، بالتجوال شخصياً في منطقة زيبار/بارزان منادياً بالجهاد المقدس ضد الآشوريين. وبعد انتهاء المذابح الآشورية تم نقله إلى لواء آخر على ضفة الفرات بعد زيادة راتبه مكافأة للخدمات التي قام بأدائها في الموصل.

15. خليل عزمي، وكيل متصرف الموصل: في العاشر من تموز 1933عقد هذا الخبيث اجتماعا في مكتبه في مدينة الموصل ضم جميع القادة الآشوريين، وبحضور كل من المفتش الإداري البريطاني الكولونيل ستافورد، والخبير بشؤون توطين الآشوريين بالعراق الميجر تومسون، وكانت الغاية من وراء هذا الاجتماع الذي أعدته الحكومة العراقية زرع الخلاف والشقاق بين قادة الآشوريين وذلك من خلال استخدام بعض المأجورين للتسبّب في خلق صراع بين أولئك القادة في الاجتماع. وقد وضع أنصار مار شمعون أمام خيارين اثنين، إما القبول بالمشاريع التي تقرها الدولة أو مغادرة البلاد في الحال. وعلى إثرها وجّه القادة الآشوريون، أنصار مار شمعون البرقية التالية إلى وزير الخارجية العراقي جاء فيها: (سيادة وزير الخارجية! لما كانت إحدى مهام اجتماع الموصل توضيح سياسة الحكومة العراقية حيال مشروع التوطين وموقفها من قداسة البطريرك من جهة، أو مغادرة البلاد كما وضعها المتصرف علناً. إن بإمكان كل من لا يرغب بهذا المشروع مغادرة البلاد في الحال، لذلك اخترنا مغادرة البلاد على القبول بالمشروع. وبناءً على ما سبق فإن ما نطلبه من الحكومة العراقية هو السماح لكافة الراغبين بالانضمام إلينا وعدم وضع عراقيل أمامهم. ليست لدينا أية رغبة أو نيّة في الحرب أو المجابهة إلا إذا أرغمنا على ذلك)13.

16. العريف نشأت جواد: كردي الأصل. كان المسؤول الأول في مخفر شرطة سيميل أثناء المذبحة. كان قد نشر بياناً في أكثر من 11 قرية آشورية بأن (أي آشوري يريد ضمان حياته، ما عليه إلا أن يلجأ إلى المخفر). وبحلول العاشر من آب بلغ عدد الملتجئين إلى مخفر سيميل أكثر من أربعمائة من الرجال، إضافة إلى النساء ولأطفال تاركين خلفهم كل ما يملكون، وسلموا أسلحتهم بالكامل بعد اقتناعهم بحسن نيّة الحكومة)14. أمر عريف الشرطة نشأت جميع الآشوريين الذين احتشدوا في مركز الشرطة طلباً للأمان بعد تسليم أسلحتهم ونهب قراهم. أمرهم بأن يذهب كل واحد إلى قريته، ولما رفضوا الأمر خوفاً على حياتهم اقترح عليهم الانتشار في بيوت قرية سيميل. وفي فجر يوم الجمعة المصادف في الحادي عشر من آب قام العريف نشأت بفصل النساء والأطفال دون العاشرة عن الرجال، وطلب إلى الرجال دخول بيوت القرية لكي يختلطوا مع البقية ويُقتلوا جميعاً. حينما وصل الجنود العراقيون بقيادة آمر فصيل الرشاشات اسماعيل عباوي توحلة إلى أطراف قرية سيميل تردّدوا في الدخول إليها، ولكن العريف نشأت ذهب إليهم وأخبرهم بأنه قد جرّد جميع الآشوريين من أسلحتهم بالكامل. وبعد ذلك بقليل دخلت شاحنات ومصفحات عسكرية إلى القرية واقترفت المجزرة. وقد حاول عدد من الرجال النجاة عن طريق ارتداء ثياب النساء أو الاختباء في الأماكن الخفية، ولكن هذا المجرم كان يبحث عنهم من منزل إلى آخر. بعد انتهاء الجنود من تصفية جميع الآشوريين في سيميل أمر هذا العريف الكردي القذر النسوة الآشوريات بمسح وإزالة الدماء من حرم مخفر الشرطة، فثارت ثائرتهن على الأمر اللا إنساني وأهبن به أن يدير فوهات الرشاشات إليهن لأنهن يفضلن الموت على القيام بذلك. 

17. نوري البريفكاني: هو نوري عبد الجبار بن عبدالقهار (1871- 1944). زعيم روحي كردي، من مشايخ الطرق الصوفية، نائب برلماني وزعيم عشيرة المزوري، ينسب إلى أسرة دينية معروفة في قرية (بريفكان) من أعمال دهوك. وكان أجداده من مرشدي الطريقة القادرية في التكية الموجودة فيها. تولى الإرشاد في التكية الرئيسية في بريفكان، ثم اشتغل بالسياسة العشائرية. حضر حفل تتويج الملك فيصل الأول في العراق سنة 1921م، وانتخب نائباً عن الموصل في مجلس النواب 1925م، وأعيد انتخابه في عام 1933م، وعام 1943م، وكان قد انتقل إلى دهوك ثم إلى الموصل حيث توفي فيها سنة 1944. لقد فاق هذا المجرم بشره الجميع حيث أمر أتباعه بسلب ونهب القرى الآشورية في أعالي الجبال، ولم يكتفِ بذلك بل عمد إلى تسليم كل الرجال الذين كانوا يعيشون في عدة قرى مجاورة إلى قوات الجيش ليُقتلوا في الحال، وقد كانوا قد قصدوه في بداية الاضطرابات راجيين حمايتهم، فوعدهم خيراً ولكنه أخلف وعده وتنكر لكل التقاليد العشائرية والمبادئ الخلقية، كما هي عادة أسلافه دائماً.

18. الشيخ عجيل الياور: شيخ مشايخ قبيلة شمر، ونائباً عن لواء الموصل بالمجلس النيابي العراقي عام  1924. وهو جد غازي الياور أول رئيس للعراق بعد صدام حسين. هو الذي فسح المجال لرجال عشيرته كي يواصلوا نهب القرى الآشورية. وكان من بين الذين حضروا استعراض استقبال الجيش العراقي في الموصل ومنحه أنواط الشجاعة. وصفته المس بل، السكرتيرة الشرقية لدار المندوب السامي البريطاني في إحدى رسائلها لأمها قائلة: (إنه انضم إلينا في سنة 1917، ثم انجرف إلى الاتراك، وعاد إلينا مرة أخرى حينما احتللنا الموصل، ثم انجرف مرة أخرى ضدنا، لسبب لم نعرفه قط). وفي يوم 12 تشرين الثاني سنة 1940 كان يقود سيارته الخاصة في الطريق قرب الشرقاط فأصيب بنوبة قلبية لم تمهله فتوفي وكان في الخامسة والخمسين من العمر.

19. نيشم آغا الكردي: قامت جماعته بقتل اثني عشر آشورياً في موضع يدعى {سواره}، كما قامت هذه الجماعة أيضاً بقتل عدد من النساء الآشوريات وشوهت جثتهم تشويهاً مريعاً في {قلة بدري} بالقرب من دهوك.
 
20. فرانسيس همفريز، (1879- 1971). كان المندوب السامي البريطاني في العراق منذ بداية الأحداث الآشورية. (وكان قد وعد الآشوريين بالعمل على مساعدتهم في جنيف فيما إذا تركوا الأمور  بين يديه. ومع أن الآشوريين كانوا قد ملوا من وعوده الفارغة إلا أنهم وضعوا ثقتهم، مرة أخرى، في كلمة ممثل بريطانيا العظمى، وانتظروا عودته من جنيف بفارغ الصبر. ولكن تملكتهم الدهشة حينما وجدوا في نقاط لجنة الانتدابات الدائمة المنعقدة في حزيران عام 1931، والتي نقلتها إذاعة بغداد، التحاملات والتهجمات العنيفة والمسمومة ضد البطريرك، ومن قبل نفس الشخص الذي كان قد وعدهم بالدعم والمساندة، لتنطبع في أذهان الآشوريين، بدون شك، صورة واضحة عن الخطر المحدق بهم. كما كتب إلى الحكومة العراقية في الأول من شباط 1933 يقول فيها: (إذا استمر مار شمعون يلوذ بالصمت فأرى من الضروري أن تستدعيه الحكومة هو وسورما إلى بغداد، وأن تحتجزهما هناك بصورة دائمة). كان المندوب السامي البريطاني في العراق منذ بداية الأحداث الآشورية. (وكان قد وعد الآشوريين بالعمل على مساعدتهم في جنيف فيما إذا تركوا الأمور بين يديه. ومع أن الآشوريين كانوا قد ملوا من وعوده الفارغة إلا أنهم وضعوا ثقتهم، مرة أخرى، في كلمة ممثل بريطانيا العظمى. وانتظروا عودته من جنيف بفارغ الصبر. ولكن تملكتهم الدهشة حينما وجدوا في نقاط لجنة الانتدابات الدائمة المنعقدة في حزيران عام 1931، والتي نقلتها إذاعة بغداد، التحاملات والتهجمات العنيفة والمسمومة ضد البطريرك، ومن قبل نفس الشخص الذي كان قد وعدهم بالدعم والمساندة، لتنطبع في أذهان الآشوريين، بدون شك، صورة واضحة عن الخطر المحدق بهم. كان الهدف من وراء تهجمات السير فرانسيس هو من أجل الحط من مكانة البطريرك بين الآشوريين بحيث إذا أدّت الغاية، فإن سقوط النظام الآشوري سيتبع في الحال، وفي مدة لا تتجاوز بضعة أشهر، القضاء التام على العنصر الآشوري. وعوضاً عن ذلك فإن خطة السير فرانسيس الخبيثة لم تبلغ غايتها بل جعلت الآشوريين أشد تأييداً للبطريرك، وعلى استعداد تام لتقبل الموت عن تحمّل نير العرب على أكتافهم. وبينما لم يلقَ تحوّل نوري السعيد نحو البطريرك لإقناعه بسحب شكاويه في جنيف إلا معارضة شديدة، فقد أعيد تذكير السير فرانسيس بوعوده، إلا أن إجابته كانت، كالمعتاد، غامضة مبهمة، ومراوغة ملتبسة)15. لذلك قال عنه أحد المسؤولين الانكليز الذين عاشوا في العراق لمدة طويلة: ( لم أرَ في حياتي قط مثل هذا التلاعب الفاضخ)16. كما كتب همفريز إلى الحكومة العراقية في الأول من شباط 1933 يقول فيها: (إذا استمر مار شمعون يلوذ بالصمت فأرى من الضروري أن تستدعيه الحكومة هو وسورما إلى بغداد، وأن تحتجزهما هناك بصورة دائمة). كانت جميع تقارير السير فرانسيس غير صحيحة ومبنية على المعلومات التي يزوده بها المفتش الإداري في الموصل، والذي كان يحصل عليها، بدوره، من مسؤولي المناطق العراقيين والمحرضين الأصليين لتلك الجرائم  البشعة. في حين كان السير فرنسيس إبان الأحداث الآشورية الدامية قد رفع تقريراً إلى عصبة الأمم مثنياً على الحكومة العراقية السمحاء بينما لم يزعج نفسه لتصحيح أوضاع الآشوريين لكونه مشغولا بحضور المآدب والولائم الفخمة التي كان يقيمها الملك فيصل ووزرائه.17علماً أن بعض الضباط الإنكليز قد حذروه مرات عديدة عن أوضاع الآشوريين، وأنهم سيتعرضون للكوارث والفواجع الأليمة ما لم يقم على تقييم الأمور بشكل صحيح قبل رفع الانتداب عن العراق. ولكنه غضّ الطرف عنها واعترف في عصبة الأمم بأن حكومته هي المسؤولة خلقياً تجاه حماية الآشوريين، ولو شاء هذا المجرم لكان أنقذ الآشوريين من كل الكوارث والمذابح التي تعرضوا لها لاحقاً. ولكنه كان يقضي إجازته بصيد السمك حين وردته أخبار المذابح الآشورية.

21. كينيهان كورنواليس، مستشار الملك فيصل: (1883-1959). كان رجلا عملاقاً يبلغ طوله أكثر  من  ستة أقدام، وذو أنف كبير بصفة مميزة، ومن السبّاقين إلى الشهرة في الجامعة التي كان يدرس فيها. وكان في أثناء الحرب العالمية الأولى يعمل في المكتب العربي في القاهرة تحت إمرة المستشرق الشهير (دافيد هوغارت) من اليهود المبرزين في عالم الاستشراق في بريطانيا، ومن أركان الحركة الصهيونية، ومن الرؤساء الذين تولوا الإشراف على المكتب العربي في القاهرة. وقد تولى قيادة وحدات عسكرية خلال الحرب العالمية الأولى. ومن ثم عمل كورنواليس ضابط اتصال بين فيصل ابن الشريف حسين والقائد البريطاني العام في سوريا، ومن ثم عاد، بعد مغادرة فيصل سوريا، إلى وزارة المالية في القاهرة. وحين وافق فيصل على ترشيح نفسه لعرش العراق سأل كورنواليس إذا كان يستطيع اللحاق به في السويس. فوافق، وأصبح مستشاراً  لملك.

56
مرتكبو مذابح الآشوريين في العراق عام 1933

بقلم: آدم دانيال هومه.

الملك فيصل الأول.
الأمير غازي- ولي العهد.
رشيد عالي الكيلاني.
حكمت سليمان.
نوري السعيد.
ياسين الهاشمي.
رستم حيدر.
جلال بابان.
صبيح نجيب العزي.
  بكر صدقي.
 اسماعيل عباوي توحلة.
عبدالحميد الدبوني.
 مكي الشربتي.
 تحسين علي.
 خليل عزمي.
 نشأت جواد.
 نوري البريفكاني.
 نبشم آغا.
 الشيخ عجيل الياور.
 السير فرنسيس همفريز.
 السير كينيهان كورنواليس.

.الملك فيصل الأول: (1883- 1933). هو ثالث أبناء الشريف حسين بن علي الهاشمي، وأول ملوك العراق. ولد في مدينة الطائف. وتربى في البادية مع أخويه علي بن حسين ملك الحجاز فيما بعد، وعبد الله الأول ملك الأردن فيما بعد، حيث تعلموا اللغة التركية قراءة وكتابة. وقد نشأ مع البدو ليتعلم فصاحتهم، ويتدرب على حياة الصحراء والتقشف وقسوة المعيشة، وتعلم أيضا الفروسية والقتال بالسيف والبندقية.
وعلى إثر المراسلات الشهيرة بين الزعيم الإنكليزي مكماهون1مع الشريف حسين، بتدبير من ضابط المخابرات الإنكليزي لورانس الملقب بـ(لورانس العرب)، والتي وعدت فيها بريطانيا بإنشاء المملكة العربية ودعم هذه المملكة سياسياً وعسكرياً واقتصادياً. أعلن الشريف حسين الثورة ضد الدولة العثمانية في حزيران عام 1916. وكان على رأس جيشه ابنه الأمير فيصل الذي تولى قيادة الجيش الشمالي للثورة العربية الكبرى إلى جانب القوات البريطانية، ودخل سورية في مطلع تشرين الأول عام 1918م. وأثناء حضوره مؤتمر باريس عام 1919 عقد معاهدة سلام مع حاييم وايزمان رئيس المنظمة الصهيونية آنذاك، وأول رؤساء اسرائيل للتعاون بين العرب واليهود في الشرق الأوسط. وبتاريخ 6 آذار 1920 عُقدت في النادي العربي بـدمشق جلسة حضرها الملك فيصل وأركان حكومته تقرر فيها بالإجماع تقديم العرش للأمير فيصل على أن تُعلن البيعة يوم 8 آذار في دار البلدية.

ولكن بموجب اتفاقية سايكس بيكو بين بريطانيا وفرنسا زحفت الجيوش الفرنسية باتجاه دمشق، بعد أن نزلت بالساحل اللبناني، وقامت القوات الفرنسية بتوجيه إنذارها المعروف بإنذار غورو إلى الأمير فيصل في 14 تموز 1920 بعدم مقاومة الزحف الفرنسي وتسليم الخطوط الحديدية وقبول تداول ورق النقد الفرنسي السوري وتسريح الجيش العربي وإلغاء التجنيد الإجباري. ودخلت الجيوش الفرنسية دمشق في 24 تموز 1920، بعد مقتل قائد الجيش السوري يوسف العظمة إثر المعركة التي عُرفت، فيما بعد، بمعركة ميسلون. بعد احتلال القوات الفرنسية لدمشق غادر فيصل سورية في تشرين الأول 1920 بدعوة خاصة من العائلة البريطانية المالكة، وبمغادرته انتهت الملكية في سورية لتبدأ حقبة الانتداب الفرنسي. عقد مؤتمر القاهرة عام 1920 بحضور ونستون تشرشل وزير المستعمرات البريطاني، آنذاك، للنظر في الوضع في العراق وتقرر في ذلك المؤتمر تأسيس ماسمي بالحكم الأهلي في العراق، وذلك بتشكيل أول حكومة وطنية مؤقتة برئاسة عبد الرحمن النقيب. وروعي في توزيع الحقائب الوزارية التمثيل الديني والطائفي والعشائري للبلاد، ووُضِع مستشار إنجليزي بجانب كل وزير عراقي. وأعلنت بريطانيا عنرغبتها في إقامة ملكية عراقية رشحت لها الأمير فيصل بن الشريف حسين بعد خروجه من سوريا. وتم اختيار الأمير فيصل ملكًا على العراق، وتوّج في 23 آب عام1921م. وقد واجه فيصل وحكومته مشكلات داخلية وخارجية معاً. أما المشكلات الداخلية فكانت تتعلق بالقبائل والأقليات كالأكراد والآشوريين والانقسام الطائفي بين السُنة والشيعة. أما المشكلات الخارجية فتتعلق بموقف العراق من بريطانيا والتي أجبرته على توقيع معاهدة معها في 10 أكتوبر 1922م تضمنت أسس الانتداب. واشترطت المعاهدة تأسيس مجلس تأسيسي منتخب لتشريع الدستور وإصداره. توفي فيصل الأول في 8 أيلول عام 1933 إثر أزمة قلبية ألمّت به عندما كان موجوداً في سويسرا للمعالجة. ووصلت جثته إلى بغداد في 15 ايلول 1933، ودُفن في المقبرة الملكية في منطقة الأعظمية في بغداد.وتولى حكم العراق من بعده ابنه غازي. كان الملك فيصل الأول لا يختلف، في كثير أو قليل، عن بقية زمرته من الوزراء وقواد الجيش. فقد نُقل عنه، بعد اندلاع المعركة بين الآشوريين والجيش العراقي في ديرا بون، بأنه قال: (لا يهمني كم من الآشوريين قد تعرض للقتل، ولكن ينبغي أن تتخذ الحيطة لحماية النساء والأطفال)، وذلك تحسباً لما قد يسببه ذلك من تشويه سمعة المملكة العراقية في المحافل الدولية، وليس لأي اعتبار إنساني آخر. وهو الذي قام على رأس حكومته بتأجيج وإثارة العشائر العربية وفي طليعتها عشيرتا شمّر وجبور ضد الآشوريين، وتجنيد شرطة غير نظامية غالبيتها من الأكراد علماً بأنه كان قد أدلى سابقاً بتصريح خطير حين قال: (لا يوجد في العراق شعب عراقي بعد، بل توجد تكتلات بشرية خيالية، خالية من أي فكرة وطنية، متشبعة بتقاليد وأباطيل دينية، لا تجمع بينهم جامعة)2. نُقل عن نوري السعيد، بعد مضي ثلاث سنوات على مذبحة سيميل، حين التجأ إلى السفارة البريطانية في أعقاب انقلاب بكر صدقي بأنه قال للسفير البريطاني: (سأسرّ لك بأمر خطير لم أبح به لأحد قبلك. ففي قضية المذابح الآشورية كان الملك فيصل المجرم الأول، وما حدث إنما كان بناءً على توصياته).3وقد اعترف الملك فيصل، في آخر تصريح له، في العاصمة السويسرية (برن) قبل وفاته بأربعة أيام (معبّراً عن أسفه الشديد ليس لاقتراف الجيش جريمة بحق شريحة من شعبه العراقي، والتي بلغت مستوى المذابح أو الإبادة الجماعية، ولكنه تألم كثيراً بسبب توسّع الحقد والعداء نحوه ونحو بلاده إثر الاضطرابات الحدودية الأخيرة مع الآشوريين). ولكن بعد أن أصبحت أخبار المذبحة، والانتهاكات اللاإنسانية ومرتكبيها من السياسيين والعسكريين العراقيين على كل لسان، بعد ذلك اعترف الملك بالخطأ، وأبدى ندمه لما حصل في سيميل4.علماً أن الملك فيصل كان قد قام باستقبال البطريرك مار إيشاي شمعون في (رأس عمادية) ووعده ببناء قصر له، وتخصيص راتب ضخم، وباب مفتوح على مصراعيه لأقاربه، ومن يتوصى بهم، في أجهزةالدول المدنية والعسكرية مقابل إلغاء رحلته إلى جنيف. ولكن حينما سأله البطريرك عما سيكون مصير شعبه ككل؟ تملص الملك من إعطاء الجواب الشافي.

2.الأمير غازي. (1912 - 1939). هو الأمير غازي بن فيصل الأول بن حسين بن علي الهاشمي   ثاني ملوك العراق. حكم من (8 سبتمبر 1933) ولغاية (4 أبريل 1939). ولد في مكة وعاش في كنف جدّه حسين بن علي شريف مكة وقائد الثورة العربية، والمنادي باستقلال العرب من الأتراك العثمانيين، والمطالب بعودة الخلافة للعرب.سمّي ولياً للعهد عام 1924 وتولى الحكم وهو شاب يتراوح عمره 23 عاماً، ثم ملكاً لعرش العراق عام 1933 لذا كان بحاجة للخبرة السياسية التي استعاض عنها بمجموعة من المستشارين من الضباط والساسة الوطنيين.شهد عهده صراع بين المدنيين والعسكريين من الذين ينتمون إلى تيارين متنازعين داخل الوزارة العراقية. تيار مؤيد للنفوذ البريطاني، وتيار وطني ينادي بالتحرّر من ذلك النفوذ حيث كان كل طرف يسعى إلى الهيمنة على مقاليد السياسة في العراق. فوقف الملك غازي إلى جانب التيار المناهض للهيمنة البريطانية حيث ساند انقلاب بكر صدقي، وهو أول انقلاب عسكري في الوطن العربي. كما قرّب الساسة والضباط الوطنيين إلى البلاط الملكي فعين رشيد عالي الكيلاني رئيساً للديوان الملكي.توفي في حادث سيارة وهو في حالة سكر شديد حيث أغرق البلاد بالفوضى بينما أغرق نفسه بالملذات ومعاقرة الخمر ومعاشرة النساء.وتقول الوثائق الحكومية الرسمية أن الوفاة حدثت بسبب اصطدام سيارته التي كان يقودها بنفسه بالعمود الكهربائي في منحدر قنطرة النهر بالقرب من قصر الحارثية في الساعة الحادية عشرة والنصف من ليلة 3/4/1939، وقد مات في الساعة الثانية عشرة والدقيقة الأربعين من الليلة نفسها متأثرا بكسر شديد للغاية في عظام الجمجمة وتمزّق واسع في المخ.كان الملك غازي، باعتراف أساتذته، متخلفاً عقلياً5، ومحباً للهو والسكر والعربدة. كانت له اليد الطولى في مجازر الآشوريين، في غياب والده للاستشفاء في سويسرا. وهو الذي قام، بعد اقتراف المذابح، بزيارة الموصل التي استقبلتهاستقبال الأبطال، فتم نصب أقواس نصر في الشوارع وقد زينت بأعلام وشعارات تهيب بالجيش، وعُلق على بعضها ثمار البطيخ الأحمر وقد شكت فيها الخناجر ثمثيلا لرؤوس الآشوريين المقطوعة. كما تعالت هتافات تشيد بالعراق وأتاتورك (كون الموصل لا زالت واقعة تحت تأثير تركيا) حيث قام ولي العهد غازي شخصياً بتقليد كبار الضباط وقادة العشائر المشاركة بعمليات القتل والسلب والنهب أنواط الشجاعة، ومن بينهم المجرم شيخ مشايخ شمّر عجيل الياور الذي أفسح المجال على مصراعيه لرجال عشيرته كي يواصلوا نهب القرى الآشورية6. كما تكرر الأمر في بغداد حيث تم استقبال الفرق العسكريةلدى عودتها بحفاوة وقام الجيش باستعراض عسكري في شوارع المدينة. وتمت ترقية بكر صدقي الذي قاد لاحقاً أول انقلاب عسكري في تاريخ العراق عام 1936.

3.رشيد عالي الكيلاني،رئيس الوزراء: (1892 - 1965) هو من عائلة الكيلاني وهي أسرة من ذريّة الشيخ عبد القادر الكيلاني المولود في قرية جيلان الإيرانية. وقد طالبت الحكومة الإيرانية من الحكومة العراقية في عهد الرئيس أحمد حسن البكر باسترجاع رفات الشيخ عبد القادر الكيلاني كونه من مواليد جيلان في إيران. ولد في بعقوبة في محافظة ديالى بقرية السادة، وهو من أقرباء عبد الرحمن الكيلاني النقيب أول رئيس للوزراء في العراق.وخير ما قيل عن رشيد عالي الكيلاني: (أنه رجل مخادع حين تضيق به الأمور ويشتدّ عليه الخناق. مهزوز الأعصاب ضعيفاً، وإن خوفه من أن تطيح به المعارضة كان يثير أعصابه دائما). وقد عرفه تاريخ العراق متاَمراً دسّاساً عام 1935 وعام 1941. وكذلك شقيقه طه رشيد عالي السفّاح الذي قاد الجيش لمقاتلة عشائر الفرات الأوسط ونفّذ الإعدام بحق أبنائها.في 1 شباط من عام 1941 أعلن رشيد علي الثورة حيثتوجه نحو بغداد ولكن فشلت حركته وحكم عليه بالإعدام غيابياً حيث كان قد أفلت من الأسر ولجأ إلى إيران فتركيا فألمانيا، ومن ثم إلى المملكة العربية السعودية طالباً حماية الملك عبد العزيز آل سعود. كان رشيد الكيلاني الرأس المدبر لكل الفواجع التي ألمّت بالآشوريين، والمجازر التي تعرضوا لها في العراق عام 1933. لقد كان متعصّباً وحاقداً على كل القوميات غير المسلمة في العراق. فلم يكتفِ باقتراف أشنع وأبشع مذبحة في تاريخ العراق الحديث بحق الآشوريين المسالمين في سيميل، وخمسة وتسعين قرية آشورية أخرى، حتى أوعز إلى وزير الاقتصاد ورئيس الحركة النازية في حكومته (محمد يونس السبعاوي) إلى تشكيل ثلاث منظمات شبابية هي: (كتائب الشباب)، و(الحرس الحديدي)، و(فدائيو يونس السبعاوي) وهذه الكتائب كانت في طليعة القوى التي هاجمت اليهود ونفذت مذبحة اليهود المعروفة باسم (الفرهود) في بغداد يومي 1-2 من حزيران 1941 بعد فرار رشيد عالي الكيلاني والمفتي الحاج أمين الحسيني والعقداء الأربعة وغيرهم من أنصار النازية في العراق، لفشل الجيش العراقي في الصمود أمام القوات البريطانية في الحبانية، وتراجعه في بغداد لأنه في تلك الفترة، بالذات، انتشرت الحركة القومية النازية والفكر النازي الذي ركز على تربية الشباب والطلائع بقيم الكراهية ضد اليهود والتهليل لما يقوم به النازيون ضدهم في المانيا. فقد بدأ تثقيف الشباب في المدارس بالفكر القومي ومعاداة الطائفة اليهودية بواسطة المعلمين والمدرّسين الفلسطينيين العاملين في سلك التعليم في وزارة المعارف العراقية.فقد راح ضحية الفرهود (ومعناها باللهجة البدوية السلب والنهب) من اليهود العراقيين أكثر من 200 قتيل. فقد استغـّل الناس فقدان السلطة وعدم وجود جيش أو شرطة في البلاد فخرجوا إلى الشوارع والأسواق والساحات مسلحين بالخناجر والعصي والسكاكين ليقوموا بعمليات (الفرهود) التاريخية وينفذوا ضد اليهود حملة قتل ونهب واغتصاب. فكانت مجزرة وحشية رهيبة حقاً. هبّ المسلمون يهاجموندور اليهود ومحلاتهم التجارية ويفتحونها فيسرقون ما كان فيها ويحطمون ما لا يقدرون على حمله ويبقرون بطون النساء الحوامل ويقتلون الأطفال ويذبحون الرجال ثم يعمدون إلى أثاث الدار ومحتوياته أو إلى ما في المحل من بضائع فيسرقونها بأسلوب النهب البدوي المتوارث. كان الجار المسلم يقتحم دار جيرانه من اليهود الذين ترعرع معهم منذ الطفولة وعاش معهم العمر بسلام وصداقة ليسبي بناتهم ونسائهم وينتزع منهن مصاغاتهن الثمينة من الذهب والفضة ويغتصبهن جنسياً بضراوة، ويقتل من أهل البيت من يشاء بكل قسوة. فشهدت أزقة بغداد والأعظمية وبيوت اليهود فيها مآسي ظل الناس يَرْوُونها بتلذذ غريب. ولم يكفّ المفرهدون عن القتل والاغتصاب والحرق والتدمير إلا بعد أن أمر الوصي الذي عاد إلى بغداد باطلاق النار على المفرهدين بعد أن أصبحت ممتلكات المسلمين في خطر النهب أيضا. ثم شكلت لجنة تحقيق عن حوادث يومي 1 و2 حزيران 1941 بقرار من مجلس الوزراء الصادر بتاريخ 7 حزيران 1941 برئاسة السيد محمد توفيق النائب، ولم ينشر التقرير الذي قدّمته لجنة تقصّي الحقائق عن الفرهود إلى الحكومة العراقية إلا بعد 17 عاماً من الأحداث الأليمة في كتاب المؤرخ العراقي عبد الرزاق الحسني "الأسرار الخفية في حوادث السنة 1941 التحررية"، وذلك في مدينة صيدا - لبنان، عام 1958. (كانت حكومة رشيد عالي ترغب فعلا في وقوع اصطدام مسلح مع الآشوريين حيث أمرت حكومته العميد بكر صدقي آمر موقع الموصل بإجراء مناورات حربية في الشمال. أما الشرطة العراقية فقد قامت بتشكيل (15) مخفراً في القرى الآشورية على طريق الموصل- دهوك لمحافظة الأمن)7. كما أعلنت في الأول من آب 1933 الجهاد المقدس. وقامت عبر الصحف المحلية، بتحريض رجال القبائل العربية ومختلف طبقات الشعب للتطوع والتوجه نحو الشمال لمقاتلة الآشوريين. ولقد أصر الكيلاني وحكومته على موقفهم من اعتقال البطريرك لدفع الآشوريين المتعلقين برئاستهم الدينية للقيام بما يكون حجة دامغة للفتك بهم.

4. حكمت سليمان،وزير الداخلية: (1889- 1964). هو ابن سليمان فائق رئيس المماليك في العراق. أي أنه مملوك شركسي وقيل مغوليّ الدم، وقد نشأ في استانبول تحت رعاية أخيه الجنرال محمود شوكت الذي قاد انقلاباً عسكرياً وخلع السلطان عبد الحميد الثاني عن عرش الامبراطورية العثمانية. فكان من الطبيعي أن يتربّى حكمت سليمان على نفس الأساليب العثمانية في السياسة والإدارة، والقائمة على الدسّ والتاَمر والاستبداد والغطرسة في الأداء.وقد مارس دور الوالي التركي ليس في مواقفه مع المسألة الآشورية، بل مع الشأن العراقي عموماً. وفيما يتعلّق الامر بالآشوريين فإنه كان مهيئاً للعب ذلك الدور بجدارة انطلاقاً من ثقافته التركية العنصرية وأصله المملوكي، إذ كانت ماتزال تراوده فكرة خيانة الآشوريين لأسيادهم الأتراك العثمانيين حسب زعمه، ومسألة "التجريدات" أي شنّالحملات العثمانية لإبادة أولئك العصاة. وهو والحالة هذه كان يمارس دور المكمل لتلك الحملات التأديبية الانتقامية من الأحفاد بسبب زلّة الأجداد حسب ظنه. فقد أراد حكمت سليمان من مار إيشاي شمعون بطريرك الاشوريين تعهداً تحريرياً بالتخلي عن المطالبة بالسلطات الزمنية والحكم الذاتي. وهذه المطالبة لم تكن خطراً مخلاً بالامن وتهديداً للدولة، وإن عصيان مار شمعون المزعوم مهما اتسع فلن يبلغ شيئاً تجاه الثورات المستمرة للأكراد والإيزيدية وعشائر الجنوب.كما كان يعلم جيداً بأن اعتقال مار شمعون في بغداد سيثير أتباعه في الشمال ويدفعهم الى إظهار غضبهم وتمسّكهم بقيادتهم الدينية، وإلى القيام بالعصيان المسلح. وهذا ما كانت الحكومة العراقية تصبو إليه أصلاً لتخلق عدواً ملموساً من الناحية الإعلامية على الأقل. وتبثّ إشاعاتها لتخلق جوّاً مشحوناً بعواطف الحقد والكراهية ضد الآشوريين. وكان الطيارون العراقيون ومن خلال طلعاتهم يختلقون أخبار التجمّعات المسلحة في القرى الآشورية. وهذا أمر طبيعي لما عرف به الطيار العراقي حينها من جموح في الخيال، وقدرة فائقة في المبالغة واختلاق القصص والاحداث.يشكل حكمت سليمان، مع رشيد عالي الكيلاني وبكر صدقي، الثلاثي الأكثر إجراماً في كل المذابح والمآسي التي تعرض لها الآشوريون في العراق عام 1933 لأنه هو الذي قام بالتخطيط لها، إضافة إلى محاولته الفاشلة في اغتيال البطريرك مار شمعون، ومن ثم اعتقاله ونفيه بعد ذلك. انتقل بعد انهيار الدولة العثمانية إلى خدمة الحكومة العراقية الجديدة، وصادق بكر صدقي بعد مذبحة سيميل. وهو المخطط الرئيس لكل المذابح بشقيها السياسي والعسكري بصفته وزيراً للداخلية.

5.نوري السعيد،وزير الخارجية(1888- 1958)،كان ابن موظف بسيط في الجمارك، سعيد أفندي، من عشيرة القره غولي. وقد لمع نجمه كضابط في الجيش العثماني وقاتل في البلقان والثورة العربية. شغل منصب رئاسة الوزراء في المملكة العراقية  14 مرة بدآ من وزارة 23 مارس 1930  إلى وزارة 1 مايو 1958. كان نوري السعيد، ولم يزل شخصية سياسية كَثُر الجدل والآراء المتضاربة عنه. اضطر إلى الهروب مرتين من العراق بسبب انقلابات حيكت ضده. ولد في بغداد وتخرج من الأكاديمية العسكرية التركية في اسطنبول ، خدم في الجيش العثماني وساهم في الثورة العربية وانضم إلى الأمير فيصل في سوريا، وبعد فشل تأسيس مملكة الأمير فيصل في سوريا على يد الجيش الفرنسي، عاد إلى العراق وساهم في تأسيس المملكة العراقية والجيش العراقي.حاول الاختباء ولمدة يومين كاملين تمهيدا للهرب ومقاومة النظام الجديد وتنكر بزي امرأة واستقل سيارة انطلق بها إلى منطقة الكاظمية لاجئاً لبيت صديقه الحاج محمود الاستربادي التاجر الكبير. ولما علم قادة الثورة بهروب نوري السعيد أعلنوا عن مكافأة مالية كبيرة لمن يدل على مكان اختبائه. وتوالت إعلانات هروب نوري السعيد بشكل هستيري من خلال بيانات أذاعتها وزارة الداخلية من دار الإذاعة العراقية مما وجّه اهتمام الشارع نحو البحث عن السعيد بشكل تراجيدي محموم، وأسقطت من يد السعيدكل محاولات الاختباء والهرب. وبدأت تضيق الدائرة حول تحركاته. ففي يوم 15 تموز 1958 انطلق على وجه السرعة تاركاً خلفه بيت الاسترابادي في محاولة منه للتقدم بخطوة للأمام نحو خارج العراق متوجهاً نحو بيت الشيخ محمد العريبي عضو مجلس النواب، وأحد المقربين إليه، في منطقة البتاويين وسط بغداد التي كانت تعج بالفوضى جراء سقوط النظام الملكي وانهيار الدولة. حيث امتزجت فيها مشاعر الفرح بنجاح الحركة وإعلان الجمهورية بالحزن جراء أعمال العنف والقتل العشوائي من قبل الدهماء والغوغائيين والأحزاب الشيوعية التي أخذت تمارس القتل المنظم بسحل معارضيها في الشوارع. توجه السعيد على عجل إلى البتاويين وتعرّف عليه أحد الشبان في منطقة الكاظمية وهو يحاول ركوب السيارة فانكشفت ملابسه التنكرية فقام ذلك الشاب، على الفور، بتزويد السلطات برقم السيارة المنطلقة. وبعد اجتياز عدد من الحواجز والطرقات الفرعية بصعوبة جمة، وصل إلى بيت البصام، تصحبه الحاجة زوجة الحاج محمود الاستربادي. وبعد ترجله من السيارة تعرفت المفارز الأمنية على السيارة فتمت ملاحقته، وما لبث أن تطورت المواجهة إلى اشتباك بالأسلحة الخفيفة بين نوري السعيد وعناصر القوة الأمنية حيث أصابت رصاصة طائشة السيدة الاسترابادي وأردتها قتيلة، في حين حوصر السعيد ولم يتمكن من دخول البيت أو الهرب عبر الأزقة المجاورة، فانهمرت عليه رصاصات الجنود ثم قاموا بسحل جثته في شوارع بغداد.
ومن سخرية القدر أن صلاة الميّت على أرواح أحفاد النبي محمد الذين قتلهم أتباع النبي محمد في ثورة 14 /تموز/ 1958لم تُقام في مسجد في بلد عربي، وإنما في كنيسة مسيحية في بلد مسيحي حيث أن عدداً قليلا من أصدقاء العائلة المالكة، وأصدقاء نوري السعيد في لندن أقاموا صلاة تذكارية على أرواحهم. كان نوري السعيد مشاركاً فعلياً في المذابح الآشورية حيث سافر إلى سوريا إثر معركة ديرا بون، واجتمع مع المندوب السامي الفرنسي بالوكالة حيث وعده هذا الأخير (بأن السلطة الفرنسية ستتخذ التدابير المشدّدة كي لا يتسرب الثائرون إلى الأراضي الواقعة على الحدود السورية- العراقية).

6.ياسين الهاشمي، وزير المالية: (1884-1936).اسمه الكاملياسين حلمي سلمان ينتمي إلى أسرة تركية سلجوقية. ولد في بغداد، ودرس في استانبول وتخرج من المدرسة العسكرية ضابطاً عام 1902 ثم تخرّج من كلية الأركان عام 1905 والتحق بالجيش التركي في بغداد، ثم اشترك في حرب البلقان. وأثناء الحرب العالمية الأولى أرسل إلى حلب، ثم إلى استانبول. ثم ذهب للدفاع عن النمسا ضد الروس عام 1916. وقد حارب في فلسطين وتقهقر أمام قوات الجنرال اللنبي بعد إصابته بجروح بليغة، وتم أسره وأودع سجن حيفا. ثم أطلق سراحه بعد الهدنة فالتحق بالملك فيصل في دمشق ليتم تعينه رئيساً لأركان حرب حاكم سورية العسكري. وبسبب تشجيعه للحركات الوطنية العربية عام 1919 اعتقلته بريطانيا لستة أشهر. وبعد سقوط الحكومة الفيصلية في سورية بقيالهاشمي يعمل تاجراً ولم يوفق فتركها إلى العراق عام 1922. وبسبب طبيعته القيادية ونزعته القومية صار يتدرّج في المناصب حتى تسلم وزارة المواصلات عام 1922، ثم انتخب نائباً عن بغداد عام 1924 وشكل حكومته الأولى عام 1924.بعد أن استقالت وزارة جميل المدفعي الثالثة في 15آذار 1935 كلف الملك غازي ياسين الهاشـمي بتأليف الوزارة.فصار العراق يعيش تحت ظل وزارة ياسين الهاشمي هـذه وضعاً شاذاً وسياسة قمعية قاسية، فتعطلت الحياة الديمقراطية، وأوقفـت الأحـزاب الـسياسية، وخنقـت الحريات، وصحف المعارضة عطلت جميعها الواحدة بعد الأخرى. وبثت الوزارة الجواسـيس فـي كـل مكان لمراقبة المشتغلين بالسياسة وفرضت الرقابة على المخابرات والرسائل والكتب، وألقت عدد اً كبيـرا في السجون بدون محاكمات، وحكمت على البعض الآخر بأحكام متباينة منها الإعدام. وقد خولـت هـذه الأحكام قائد القوات العسكرية بتنفيذ حكم الاعدام دون أخذ موافقة الملك. وقامت الوزارة بفصل عدد كبير من الموظفين المعارضين لسياستها، وانتشرت في عهدها المحسوبية وابتزاز الأمـوال حتـى أن ياسـين الهاشمي نفسه ووزير داخليته رشيد عالي الكيلاني كانا متهمين بها. حيث تنامت ثروتهمـا عـن طريـق حصولهما على أراضٍ أميرية جديدة، كما اتبعت أسلوب الرشاوي والمكافآت إذ أغـدقت علـى رؤسـاء العشائر الموالية لها الأموال والأراضي والإعفاء من الضرائب،   وصادرت الأموال والأراضـي وفـرض الغرامات على رؤساء العشائر المعارضة لها. واستخدمت الجيش فـي ضـرب الحركـات المعارضـة لسياستها، وأصدرت مجموعة من التشريعات أدّت إلى انفراد ياسين الهاشمي بالسلطة، وفرض دكتاتوريته في البلاد، إذ أخذ ينشر الدعاية لنفسه. وإضافة إلى ذلك اتبعت الوزارة سياسة قمعية وقاسية وشـديدة ضـد الطائفة الشيعية حين طالبت ببعض حقوقها التي كفلها لها القانون الأساسي.اشتهر ياسين الهاشمي بكونه أول رئيس وزراء عراقي يتمّ الإطاحة به عن طريق انقلاب عسكري حيث قام بكر صدقي بانقلابه الشهير عام 1936. ونتيجة لهذا الانقلاب فرّ الهاشمي إلى لبنان، وبعد شهرين توفّاه الأجل، ونقل جثمانه إلى دمشق ودفن فيها.

7.وزير الأشغال والمواصلات محمد رستم حيدر. (1889_1940). ولد في مدينة بعلبك اللبنانية. تخرج من المدرسة الملكية الشاهانية في اسطنبول عام 1910، ثم سافر إلى باريس لإكمال دراسته، وعاد إلى مسقط رأسه عام 1912، وبما أنه كان من الأعضاء المؤسسين لجمعية العربية الفتاة فقد التحق بالأمير فيصل في 10/8/1918 عندما كان الأخير على رأس الحملة العسكرية المتجهة إلى سوريا ولبنان وفلسطين لطرد الجيش التركي بدعم مباشر من القوات البريطانية. استمرت ملازمة رستم حيدر للأمير فيصل في سوريا، ورافقه بعد ذلك عند قدومه إلى العراق في 23/6/1921 وأصبح سكرتيراً خاصاً له بعد تتويجه ملكاً على هذه الدولة الحديثة.ثم تقلد بعد ذلك منصب رئيس الديوان الملكي، ثم وزيرا للمالية في 1/10/1930 وكان ذلك بداية تقلده سبعة حقائب وزارية مختلفة في فترات متقطعة ولحين اغتياله في عام 1940 في ديوان وزارة المالية في العاصمة العراقية بغداد. حيث كانت الساعة تشير إلى الحادية عشرة قبل ظهر يوم 18 كانون الثاني 1940 وبينما كان في مكتبه الرسمي دخل عليه المدعو (حسين فوزي توفيق) وهو مفوض شرطة مفصول، وقدم له كتاباً. وأثناء قراءته توجّس الوزير من المذكور شراً غير أنه لما همّ بالخروج من مكتبه أطلق المذكور عليه من الخلف رصاصة من مسدسه أصابته في خاصرته اليسرى.اعتقل الجاني ونقل المجني عليه إلى المستشفى الملكي حيث لفظ أنفاسه الأخيرة بعد أربعة أيام من إصابته وكان أعزباً وهو في الحادية والخمسين من عمره، ودفن في المقبرة الملكية في بغداد. كان رستم حيدر متعصباً دينياً وقوميا حيث صرّح عام 1932 لمراسل إحدى الصحف البغدادية قائلا: (إن القضاء التام على الأقليات المسيحية والأكراد معاً في لواء الموصل واقعة لا محالة. يجب التضحية بالأقليات على مذبح العروبة، وعلى العراق أن ينظر إليه كواجب مقدّس. وفي حال عدم سنوح الفرصة المناسبة لذلك، ينبغي علينا أن نجد الوسيلة الملائمة لتحقيقها)8.

8. جلال بابان، وزير الدفاع: وزير الدفاع من تاريخ 20 آذار 1933 وحتى 28 تشرين الأول 1933. أصله من عائلة بابان الكردية. كان له مجلس علمي وأدبي ينعقد في داره في بغداد كل يوم جمعة. يلتقي فيه الكثير من أبناء العوائل العراقية من البابانيين والآلوسيين منهم العلامة محمود شكري الآلوسي، والعلامة الحاج علي أفندي الآلوسي، والعلامة الشيخ عبد الوهاب النائب، وعبد الرزاق الحسني وغيرهم. وظل جلال بابان حتى 1959 يسكن في داره في الكرادة الشرقية حتى مغادرته العراق. اشترك في جمعية حرس الاستقلال على الرغم من أن الاتجاهات القومية العربية كانت تسيطر على سياسة تلك الجمعية ولم تطرح مسألة الاتحاد مع الحركة الوطنية التحررية الكردية. عين جلال بابان في 25 تشرين الثاني 1931 متصرّفاً للواء أربيل، وقد شهد اللواء في تلك المدة حركات التحرر في منطقة بارزان بقيادة الشيخ أحمد البارزاني فقرر مجلس الوزراء القيام بحركات قمعية وتشكيل ناحية في كل من مناطق شيروان، ومزوري بالا، وبارزان. وانتهت تلك الحركات في 22 حزيران 1932 إثر لجوء الشيخ أحمد ومن معه إلى الحدود التركية. ثم شكلت وزارة الدفاع العراقية رتلا من 3 أفواج مشاة لتتولى الهجوم على مناطق البارزانيين. ثم صدر قانون العفو العام عـن البارزانيين حيث ألقت الطائرات على منطقتي شيروان وبارزان منشورات تحمل هذا القانون، مع إنذار الحكومة بالتسليم خلال عشرة أيام من تاريخ إلقائه. وبعد تسليم البارزانيين أنفسهم في 26 حزيران 1933 أصبحت منطقة بارزان تحت إدارة الحكومة.وقام، إثر ذلك، وزير الدفاع جلال بابان بزيارة (مرگه سور) مركز ناحية شيروان، فعدّ أول موظف عراقي يصل إلى مرگه سور، كماأن سيارته هي السيارة الأولى التي اجتازت الطريق المؤدّي إلى هذا المركز. وقد فتح جلال سوقاً كبيرا في القرية المذكورة.وبدأ، بعد ذلك، بإصلاح شؤون اللواء حيث ربط لواء أربيل بلواء الموصل بجعل الطريق المؤدّي إلى منطقة بارزان يمرّ عبر مركز قضاء العمادية، ومن هناك إلى سوري، ثم إلى بارزان. وبذلك يتمّ ربط لواء أربيل بلواء الموصل شمالا بواسطة قضائي الزيبار وراوندوز، ويربط الموصل من ناحية الگوير. وقد أحدث ثمانية مخافر في منطقة بارزان في نقاط: بارزان، شيروان، مازن، كاني يوط، سيلكي بارزان، سنجار، مَيزوز فَيرزوك، ومرگه سور. بتارخ 7 آب 1933 وصل إلى الموصل كل من وزير الدفاع العراقي جلال بابان، ومدير الشرطة العام صبيح نجيب، وقائد المنطقة الشمالية بكر صدقي مزودين بأوامر من الحكومة تخوّلهم تجنيد شرطة غير نظامية من العشائر العربية والكردية. وعلى إثر ذلك اندفعت بعض القبائل العربية والكردية، وبعض الايزيديين إلى مهاجمة قرى الآشوريين في دهوك وزاخو. وقامت قوة عسكرية بتمشيط جبل بخير، وكانت كلما عثرت على آشوري شارد ترديه قتيلاً. وفي ذات اليوم بدأ أتباع الشيخ الكردي نوري البريفكاني، الذي فاق بشرّه الجميع، بسلب ونهب القرى الآشورية في أعالي الجبال. ولم يكتفِ هذا الشيخ الكردي المجرم بذلك بل عمد إلى تسليم كل الرجال الذين كانوا يعيشون في عدة قرى مجاورة إلى قوات الجيش ليُقتلوا في الحال. وقد كانوا قد قصدوه في بداية الاضطرابات راجيين حمايته فوعدهم خيراً، ولكنه أخلف وعده وتنكر لكل التقاليد العشائرية والمبادئ الخلقية كما هي عادة أسلافه دائما. 

9. صبيح نجيب العزي: (1892- 1948).كان ضابطاً سابقاً في الجيش العثماني. ثم درس في إسطنبول وتخرج منها ضابطا. واشترك في حزب (العهد). ولما أعلنت الحرب العالمية الأولى كان ضابطا في جبهة القفقاس. انشق من الجيش (العثماني) بعد قيام الثورة في الحجاز عام 1916 واعتقله الإنجليز في بغداد عام 1917، ونفوه إلى الهند.التحق بالجيش العربي في الحجاز عام 1919 وأصبح ضابط ركن جيش الأمير زيد بن الحسين. وبعد دخول القوات العربية إلى سوريا عين مرافقاً للشريف فيصل بن الحسين، ثم أصبح مدير عام للشرطة، ويعتبر مؤسس الشرطة العراقية. أسس كلية الأركان العسكرية وأصبح أول آمر لها، ثم أصبح مستشارا للمفوضية العراقية في برلين ومعتمدا للعراق في القاهرة. أصبح وزيراً للدفاع العراقي من 31 تشرين الأول 1938 ولغاية 25 كانون الأول. عندما بدأت الأحداث الآشورية عام 1933 كان بمنصب المدير العام للشرطة العراقية. وعُرف بمقته الشديد للآشوريين خاصة وللمسيحيين بصورة عامة. وقد حضر في السابع من آب إلى مدينة الموصل مزوداً بأوامر الحكومة تخوله تجنيد شرطة غير نظامية حيث جنّد فيغضون أيام قلائل ألف نفر، منحهم الحرية المطلقة في قتل أي آشوري يصادفونه. كما أطلق أيديهم في سلب ونهب ممتلكات الآشوريين من دون أي حسيب أو رقيب.   
10. بكر صدقي، القائد العسكريللمنطقة الشمالية: والذي وصف بأنه كان على قدر عظيم من الغرور والحمق. بالإضافة إلى كونه يضمر الحقد المقرون بالكراهية والعداء ضد الاشوريين بسبب الاطماع القومية، كونه قوميا كردياً متطرفا، وكون مسار حركة التحرّر الكردية يتقاطع مع المسألة الآشورية في المنطقة آنذاك، حسب ظنه.عسكري وسياسي عراقي من أبوين كرديين، ولد في قرية عسكر القريبة من مدينة كركوك، درس في الأستانة - إسطنبول في المدرسة الحربية وتخرج منها ضابطاً في الجيش العثماني، وشارك في الحرب العالمية الأولى قبيل انتهائها. وبعد نهاية الحرب واندحار (الدولة العثمانية) انضم إلى الجيش العراقي الذي أسسه البريطانيون في 6 كانون الثاني 1921م، وعين برتبة ملازم أول. بعد الإنقلاب الذي قام به أصبح الجو في العراق مكتظا بالإرهاب وحوادث التهديد والاغتيال لشخصيات عديدة، ومشبعاً بروح السفه السياسي والأخلاقي سواء على مستوى الضباط الصغار ومرافقي القادة، أو حتى على مستوى القادة والوزراء أنفسهم. لقد تفتق ذهنه بضرورة إنشاء دولة كردية عظمى في العراق وإيران وتركيا يكون هو على رأسها. ولكن مشروعه سرعان ما واجه احتجاجاً شديدا من إيران وتركيا على التدخل في شؤونها الداخلية. وقد اشتهر بالتهتك والاستهتار لذلك فانه عندما شعر بالخطر لم يتردد في إحاطة نفسه بمئات المستهترين والمتهتكين الذين أطلق أيديهم في بغداد ليفعلوا ما يحلو لهم مع البغداديين من رجال ونساء بحرية تامة ومن دون رقيب. كما أنشأ جهازاً قوياً للمخابرات، اختار عناصره بنفس الطريقة ونشرهم في الشوارع البغدادية حتى بدا الناس يتندرون فيقولون (إذا رأيت ثلاثة فقل أن احدهم في المخابرات). وكانوا يقولون أيضا (إن للحيطان آذانا). لقد جعل صدقي من هؤلاء أسياداً على العراقيين يجوز لهم ما لا يجوز لغيرهم. يقتلون من يشاؤون، ويسجنون من يشاؤون، ويعتدون على أعراض الناس، ويرعبون النساء والأطفال. وكان يستخدم أكثر من سيارة واحدة حتى لا يعرف في أي منها هو. وكان لا يخبر إلا ذوي العلاقة بوجهته. وحين ضاقت به السبل قرر اللجوء إلى الحيلة والمكر والدسائس والمؤامرات كعادة أسلافه. هذه الخلفية الفكرية والسياسية العثمانية لدى النخبة الحاكمة في العراق والتي ترسخت في عقلية العديد من العراقيين أصحاب النفوذ والقرار ولحد الان، هي ذاتها كانت وراء تأجيج المشاعر ضد الاشوريين وسببت في تصاعد الحملة الاستبدادية ضدهم، وكانت ذروتها مذبحة سيميل عام 1933 وما أعقبها من نتائج مدمّرة أثرت على مستقبل حقوقهم الوطنية في العراق، والتي كان بطلها بكر صدقي الذي استغل البطش بالآشوريين ونصّب نفسه بطلاً وطنياً استعداداً للوثوب على زمام السلطة بعد ثلاث سنوات في انقلابه العسكري الذي هو الأول في الانقلابات العسكرية المتوالية في العالم العربي.وبعد نجاح انقلابه،قرر بكر صدقي السفر إلى تركيا لحضور المناورات العسكرية التركية المقرر القيام بها في18 آب 1937 وقد اتخذ الإنكليز قرارهم بتصفيته وهو في طريقه إلى تركيا. غادر بغداد في 9 آب بالطائرة إلى الموصل، وكان برفقته العقيد محمد علي جواد قائد القوة الجوية. وكان من المقرر أن يغادر بالقطار ولكنه أحس بوجود مؤامرة ضده لذلك قرر السفر بالطائرة. وصل إلى الموصل ونزل في دار الضيافة وقد وجد المتآمرون فرصتهم في التخلص منه، حينما انتقل إلى حديقة مطعم المطار. وبينما كان جالساً مع العقيد محمد علي جواد، والمقدم الطيار موسى علي يتجاذبون أطراف الحديث، تقدم نائب العريف عبد الله التلعفري نحوهم ليقدم لهم المرطبات وكان يخبئ مسدساٌ تحت ملابسه، ولما وصل قرب بكر صدقي أخرج مسدسه وصوبه نحو رأسه وأطلق النار عليه فقتل في الحال، ثم أقدم على إطلاق النار على قائد القوة الجوية وقتله هو آلآخر. قيل أن العقيد فهمي سعيد كان لولب الحركة وأن الضابط محمود خورشيد هو العقل المدبر لتلك العملية.ترك بكر صدقي، بعد مقتله، ظاهرتين أصبحتا تقليداً مألوفاً في الحياة السياسية العراقية. الأولى هي الانقلابات العسكرية لإسقاط الحكومة القائمة وتنصيب وزارة جديدة موالية لمجموعة الانقلاب، والثانية ظاهرة الاغتيال السياسي والتصفية الجسدية لكل المناوئين.كان يوصف بكر صدقي بعد مذبحة سيميل بالذراع الأتاتوركي الضارب. ولقد أكد المفتش البريطاني ستيفن لونكرك بأن بكر صدقي هو السبب الرئيس في مذبحة سيميل حيث يقول: (إن مما لا شك فيه أن هذا العمل الوحشي البشع كان بتدبير بكر صدقي وبإيعاز منه حيث غاب عن الجبهة ذلك النهار بذهابه إلى الموصل. وكاد بكر صدقي أن يعيد المأساة ذاتها في قرية ألقوش لولا أن بشاعة ما جرى في سيميل منعه من اقتراف ما كان ينوي القيام به)9. ولبشاعة ما جرى في حادثتي سيميل وقتل الأسرى الآشوريين والذي وصل إلى درجة مذابح جماعية فقد أمر بكر صدقي ضباطه بالتعتيم على أخبارها، وهدد بأقصى العقوبات لكل من يجري خبرهما على لسانه. وبعد التجاء عدد من الآشوريين إلى قرية (ألقوش) فراراً من همجية العشائر العربية والكردية المتعطشة للدماء. أراد بكر صدقي تطبيق ما نفذه في سيميل بحق ألقوش رغم هويتها الكاثوليكية. ولكن انتفاضة أبنائها وخاصة الكهنة منهم وعلى رأسهم القس فرنسيس حداد وتهديدهم للبطريرك مار عمانوئيل توميكا إما الاتصال بالبابا لوقف مذبحة ألقوش أو أنهم سيعودون إلى أحضان الكنيسة النسطورية. فقام البطريرك المذكور بالاتصال ببابا روما من جهة، وبالملك فيصل من جهة ثانية، فتم إيقاف بكر صدقي عن تنفيذ المذبحة في ألقوش.

11.الملازم أول اسماعيل عباوي توحلة. لصق به الاسم توحلة عندما تزوج فتاة من أسرة توحلة الذي عُرف عميدها (سعدالله) في أواخر العهد العثماني بوصفه زعيم المهربين وحرامي الموصل الأكبر. كان اسماعيل توحلة برتبة ملازم أول في عام 1933. وكان قائد الجيش العراقي إلى جانب الملازم أول (حجي رمضان) اللذين دخلا قرية سيميل مندحرين ومنهزمين من ساحة المعركة في ديرابون، وهما يغليان حقداً وهياجاً. فلما وجد الجنود العراقيون ذلك العدد الكبير من الرجال الآشوريين وهم عزّل وتحترحمتهم، وقد التجأوا جميعهم إلى دار العميلين الشماس كبرئيل البازي وأخيه يونان اللذين بدآ يطمئنانهم، ويؤكدان بأن الحكومة ستحميهم لأنهم من أنصارها وليسوا من أنصار البطريرك. وحينما حاول بعض أنصار البطريرك الاحتماء به ردّهم على أعقابهم خائبين قائلا: (اليوم سيتم فرز الأشرار عن الخيّرين). وبعد أن طمأن عريف مخفر سيميل اسماعيل عباوي وحجي رمضان بأنهجرّد جميع الآشوريين من أسلحتهم بالكامل، دخلا بسيارتيهما إلى القرية يتبعهما عساكرهما في الشاحنات والمصفحات العسكرية. فأمر اسماعيل عباوي العساكر بنصب رشاشاتهم في نوافذ البيوت بعد أن أمر أحد الجنود بإنزال العلم العراقي عن سارية المخفر. ولكن انبرى، في تلك اللحظة، الشماس كبرئيل رافعاً هويته العراقية، طالباً الرحمة لهؤلاء الآشوريين الملتجئين إلى داره لأنهم من أنصار الحكومة العراقية وضد البطريرك وأعوانه، وأن عزرا أفندي ابن أخيه اللزم. ولكنه مالبث أن وقع صريعاً يتخبط بدمه، ثم تبعه ابنه وشقيقه. وبعد ذلك بدأت المجزرة الرهيبة. قتل جميع الرجال والأطفال دون العاشرة. وأي معارضة من النساء كان جزاؤها القتل أو الاغتصاب.وعلى أثر المذبحة التي قاما بها كل من حجي رمضان واسماعيل عباوي في سيميل رقيا إلى رتبة نقيب. وعلى إثر ذلك أصبح هذان الضابطان من أقرب المقربين إلى المجرم بكر صدقي بوصفهم شركاء في نفس الجريمة. وبعد ذلك انطلق اسماعيل عباوي ورفاقه من الضباط الخلعاء يعيثون في بغداد فساداً. يقتحمون النوادي الليلية وهم سكارى، فيختارون من يشاؤون فضلا عن اقترافهم الاعتداءات والجرائم بحق الأبرياء والمسالمين. وبإيعاز من بكر صدقي قام اسماعيل عباوي بقتل القانوني (ضياء يونس) سكرتير مجلس الوزراء في 11 كانون الثاني 1937، وقتل وزير الدفاع (جعفر العسكري) في 16 أيار 1938، وعلى إثرها حكمت عليه المحكمة بالإعدام ثم خفف الحكم إلى الأشغال الشاقة المؤبدة. ولكن بعد ثلاث سنوات قضاها في السجن المركزي ببغداد وقع انقلاب أيار 1941 فسارع رشيد عالي الكيلاني إلى إصدار حكم بالعفو عنه. وعلى إثر انقلاب 14 تموز 1958 كان اسماعيل عباوي أحد الضباط الذين شملهم القرار الذي أصدره عبد الكريم قاسم بإعادة الاعتبار إلى جميع الضباط الذين طردوا من الخدمة، أو أحيلوا إلى التقاعد ممن شارك في انقلاب بكر صدقي أو في انقلاب أيار 1941. فأعيد إلى الخدمة برتبة مقدم وعين مديراً لشرطة الموصل. وطوال مدة بقائه مديراً لشرطة الموصل عاش أبناؤها عامة، والمسيحيون منهم بوجه خاص أسوأ أيامهم، وأعادت إلى أذهانهم أحداث سيميل المروعة. وحين لم تعد بغداد تتحمل سلوك رجال أمن الموصل، واعتبرت مدير شرطتها هو المسؤول الأول أحالته على التقاعد عام 1962.  فغادر الموصل محملا بمنهوباته التي لا تعد ولا تحصى، وفي مقدمتها قطعان المواشي الكثيرة التي استلبها من الأكراد بحجة تعاونهم مع الثورة الكردية التي أصدرت قراراً بهدردمه. ولكن في شهر آب عام 1964 سقظ فطيساً حينما كان يشرف على العمارة الفخمة التي كان يقوم ببنائها.

12.عبد الحميد الدبوني، قائمقام زاخو (1892 – 1969 ). تخرج في الكلية الحربية العثمانية، وبعد تشكيل الدولة العراقية الحديثة 1921 انخرط في خدمتها فعين متصرفا للحلة ثم قائمقاما لزاخو. وقد شارك في ثورة 1941 التي عرفت بحركة رشيد عالي الكيلاني ضد الانكليز، فاعتقل لمدة ثم تقاعد وتوفي سنة 1969 . يقول عنه ستافورد،المفتش الإداري البريطاني في الموصل: (هذا الموظف كان نموذجاً لأسوء طائفة من الرجال. عُرف عنه بأنه ليس عدواً للآشوريين وحدهم بل للمسيحيين قاطبة)10. هذا القائمقام كان قد جمع متطوعين أكراد من عشائر سليفاني، وطلي، وسندي، ودعمهم بالمال والسلاح لمهاجمة قرى تخوما الواقعة على سفوح الجبال شمال شرقي سيميل لملاحقة وقتل من فرّ من الآشوريين إلى جبل بيخير ووادي خابور العراقي. فالرجال الذين سلكوا طريق جبل بيخير الوعر وكان يبلغ تعدادهم حوالي مائتين فقد اعترضتهم ربايا العشائر الكردية التي قام بتنظيمها هذا القائمقام الشرير. علماً بأن جميع الأسرى الذين سلموا أنفسهم للسلطة في زاخو ربطت أيديهم وتم طرحهم على وجوهم، وسارت مصفحات الجيش العراقي على ظهورهم. حصل كل ذلك بعلم وموافقة هذا اللعين باعتباره رأس السلطة في زاخو. وفي يوم الثامن منآب 1933 بدأت التقارير تَرِد إلى المفتش الإداري البريطاني في الموصل الكولونيل ستافورد حول أعمال القتل والسلب والنهب التي تتعرض لها القرى الآشورية، وتم نقل الميجر ساركَن إلى بغداد لئلا يطلع على حقيقة ما يجري حيث بات معروفاً للجميع بأن الجيش العراقي قد قرر بصورة رسمية وجوب قتل وإبادة كل الآشوريون في العراق. وكان الجيش يعرف مسبقاً بأن قراره هذا سيكون مدعوماً من حكومة بغداد. ونتيجة حالة الفزع المتأتية من ذلك ترك جميع الآشوريين قراهم والتجأوا إلى قرية سيميل أكبر القرى الآشورية المجاورة والتي تبعد عن دهوك مسافة ثمانية أميال تقريباً. وفي ذلك اليوم بالذات ظهر قائمقام زاخو المجرم عبد الحميد الدبونيفي قرية سيميل مع شاحنة محملة بالجنود، وكانت هذه المنطقة خارجة عن دائرة صلاحياته. دخل القرية وطلب إلى الآشوريين تسليم سلاحهم مدعياً بأنه يخشى من نشوب قتال بين الثوار الآشوريين الذين غادروا العراق إلى سوريا وبين قوات الحكومة، وقد يُحتمل أن يُشارك فيه أهالي سيميل في وجود السلاح بحوزتهم، وأكد لهم بكلام ظاهره الصدق وباطنه الكذب والنفاق بأنهم سيكونون في أمان تحت ظل العلم العراقي الذي يرفرف فوق مخفر الشرطة. فسلمَ الآشوريون كل ما لديهم من قطع السلاح إلى الجنود الذين حملوها وعادوا من حيث أتوا. وللحق والتاريخ نقول: بأنه في ذلك اليوم وصلت برقية من الملك فيصل الأول ملك العراق، الذي كان فيسويسرا حينذاك، يطالب فيها رئيس الوزراء المجرم الفارسي الأصل رشيد الكيلاني ومجلس وزرائه بالاستقالة حالاً، أو إيقاف المذابح الآشورية على الفور. فكان الرد: أن بإمكانه ترك عرش العراق فيما إذا كانت سياسة الوطنيين العراقيين لا تلائمه لأنه ليس سوى لاجئ في البلاد.

13. مكي الشربتي، قائمقام دهوك: يلي عبد الحميد الدبوني في السوء موقف ذلك الكردي الشرير الذي قام بتهديد عامة الشعب في دهوك بأنه في حال إيوائهم لأي آشوري، كائناً من كان، فإنهم يعرّضون أنفسهم لخطر الموت. وبأمر منه تم قتل أكثر من (500) آشوري حول مدينة دهوك من الذين سلموا أسلحتهم إثر المنشورات التي ألقيت عليهم تطمئنهم بالعفو عنهم في حال تسليم أنفسهم. وعندما سلم أكثر من (100) شخص أنفسهم طمعاً بالعفو فقامت الشرطة، بناء على أوامر القائمقام هذا، بنقلهم في شاحنات عسكرية، وأخذهم إلى الحدود السورية حيث تم إعدامهم جميعاً بعد أن لاقوا أشرس صنوف التعذيب خلال الطريق. ولم يكتفِ هذا المجرم بكل ذلك بل أراد دقّ الإسفين بين القادة الآشوريين حين ادعى لمالك خوشابا بأن مالك ياقو قد خرج إلى سواره توكا وبرفقته ستون رجلا قاطعاً الطريق عليك وهو مصمم على قتلك. وقد قام المجرم مكي الشربتي بتوقيف جماعة من أنصار مالك ياقو مالك اسماعيل بتهمة دخولهم المدينة مسلحين. وقدم مالك ياقو للوساطة لدى هذا القائمقام للإفراج عن الموقوفين، ولكن القائمقام رفض وساطته ما دفعه إلى الإقدام على دخول المدينة وبصحبته مائة رجل من أتباعه عمدوا إلى قطع خطوط الهاتف بين دهوك والموصل، وفرضوا على القائمقام إطلاق سراح الموقوفين أو المخاطرة بحياته، فرضخ لهم الجبان وتم الإفراج عن الموقوفين جميعهم. كان مكي الشربتي قد أعلن، في اجتماع خاص في دهوك، لجميع رؤساء ووجهاء المسلمين: أن الحكومة العراقية لن تقوم بأخذ أي إجراء، مهما كان نوعه، حيال أي اعتداء على المسيحيين عامة، وبالأخص الآشوريين منهم.

57
أدب / صهيل الحروف
« في: 15:29 19/03/2016  »

صهيل الحروف


آدم دانيال هومه


يعاتبني الأقحوانُ الجريحُ لأني مللتُ ظروفَ الحياةِ على شاطئ النهرِ بينَ نباحِ كلابِ البراري وبينَ عواءِ ذئابِ البوادي، وغادرتُ مهدَ الطفولةِ قسراً لأني أريدُ لأطفاليَ عشاً يقيهم شرور الضواري
وغزو الجراد
سمومَ أحاديثِ مُسلمَ والبخاري.

إذا كان إله الكون فاشلا لا يتقن فن الخلق
وديكتاتوراً لا يستشير أحدا
فمنذ البدء
وهو يندم ويستشاط غيظاً بعد كل قرار يتخذه
لتتحمل البشرية جرائر أخطائه
وملائكته لا تحفظ الصلوات عن ظهر قلب
ويتمرد بعضها على خالقه
وأنبياؤه ينزّلون الأحكام والشرائع على مزاجهم
لتتخبط الإنسانية بين الآيات المحكمات
والآيات المتشابهات
فما على الإنسان إلا أن ينتخب إلهه ديمقراطيا
ويرغمه على أن يستمد جميع صلاحياته من قبل الشعب
شريطة أن يستقيل لدى بلوغه الثامنة عشرة من عمره.

الله الذي رأيت وجهه لأول مرّة
وهو واقف على شاطئ الفجر يبتسم لي
وأنا أعبر برزخ الغيب إلى الوجود
لم ألتقِ به في هذا العالم قط
لا... بل التقيت بأولياء أموره
والناطقين باسمه
وهم يصومون علانية
ويفطرون في الخفاء
ويصلون على قارعة الطرقات
وفي الحدائق العامة والمنتزهات
ويخطبون من فوق المنابر عن معاناة الفقراء
مبشّرين إياهم بجنّات تجري من تحتها الأنهار
في السموات العلى
ولكنهم حين يتلقون الدعوات إلى موائد الأثرياء
لا يتحدثون إلا عن المال والبنين
زينة الحياة الدنيا.

بمدافع الحروف أدكّ مداميك السماء
وأفتح في الأرض باباً على السؤال الكبير
لتنبت للأجيال أجنحة مطرّزة بشِباك سحرية
يصطادون الآلهة الخارجة عن نواميس الطبيعة
ويكتبون للإنسانية ملحمة تكوين جديدة. 

وطني...
أصوغ من صلصالك ثماثيل الشعر والحب والجنون
وأحط رحالي على رصيف أحزانك
أشرب نخب ذلك الهابط من الأرض إلى السماء
الذي سماه والده بكل فخر(سركون... بولص)
أول إنسان من المحيط إلى الخليج
استطاع أن يجسّد آلامك في كلمات مجنّحة
تشرئب بأعناقها من نوافذ السجون المظلمة.

يا وطني!...
في هذا الشرق المتخم بالأنبياء الذين يفترون على الله
ويصبغون شواربهم بدماء الملائكة
اسمك يوقظ القلب من رقدته من بين ركام الأمنيات
ويبعث الفكر من غفوته بين أطلال الذكريات.

أضفر جدائل البرق على إيقاع الرعد
لأضعه إكليلا على هامة الشعراء
الذين يقودون المظاهرات ضد هيمنة الأوهام السماوية
ويحطمون أصنام الأنبياء الكذبة والدجالين
الذين يشيدون بيوتاً للدعارة 
باسم الله.

أيها الأنتن من عشيق الخنفساء
أجل! النهر جفت مياهه
ولكنه لم يزل في مكانه لم... ولن يهاجر.

لم تزل أيام الطفولة بين ربوع قريتي السليبة
تتلألأ على جدران ذاكرتي
قريتي المطرّزة بقوس قزح ... وتغاريد الطيور
كانت أشبه بفراشة تتبرّج بمساحيق ندى الفجر
قبل أن يداهمها الهابطون من الجحيم
جلست أراقبها قبيل غروب الشمس
من خلف التلال... وأبكي
كانت محجّبة تُزف إلى عريس أشبه بقرد ملتحٍ
يشرب نخبها كأسا من بول البعير
ويتمزّز بالأبعار
وهي تبحث بعينيها الدامعتين من تحت النقاب
عن حبيبها الذي عصفت به رياح الصحراء.

عشتار!...
متى سيبزغ الفجر من بين نهديك؟
إننا بمسيس الحاجة إليك في هذا الظلام الدامس
لتعيدي للشمس رونقها
وللأرض عذريتها وجمالها وأناقتها
أين جلجامش الذي كان يقضي طفولته بمداعبة الأسود
وامتطاء صهوات النسور؟
أيقظي دوموزي الغافي بين ذراعي أريشكيكال
ليحلق لحية الفرات
ويمشّط شعر دجلة
ويعيد للخابور وسامته
ونضارته
وعنفوانه
وجلاله
وللملائكة ثياب عريها
وأجنحتها المكسورة.

مشردون على جليد الليل في جحيم الشرق
يتأجج في نظراتهم نار ودخان مدافئ الحطب القديمة
التي آنسوها في قراهم البسيطة الرافلة بالأمن والهناء.

رغم تحطيم كل تماثيل الآلهة
ونبش قبور الأموات الذين لا زالوا على قيد الحياة
سيطل آشور المعز والمذل من عليائه
ليمسّد جراح المعذبين والمشردين في الأرض
وسيصطاد الأشرار بشِباكه السحرية
وستلوح عشتار في الآفاق بأبهى تجلياتها
وهي تمخر عباب الأزمنة والعصور
في زورقها السماوي
تراقب أبناءها البررة وهم يؤخذون بحدّ السيف
فتومئ إلى دوموزي
أن يمزّق حجب الحوريات العاهرات الواقفات صفوفاً
بدون حياء
لاستقبال المجاهدين في سبيل الله.

غداً سينحدر آشور المهيمن القدّوس
ساطعاً من قرص الشمس
ليتجسّد ثانية في نينوى
ويحط رحاله في بابل
وفي غمرة نشوته الروحية
يفتح باب منجمه الإلهي أمام فقراء العالم قاطبة
ليدخل البشر أجمعين في رحاب رعايته
فيلهج لسانهم بإسمائه الخمسين
ويذكرون نعمته عليهم أبدا
حين يستأصل شأفة الأعداء
ويقطع دابرهم
ويعيد للأشياء اسمائها الأصلية
ويأمر غيمة جذلى
أن تسكب دموعها الطاهرة على الرمال المتحركة
آنذاك...
ستطير العصافير من كل الأقاليم
لتحط في ربوعنا الطافحة بأشعة الشمس
وأنسام الفجر المشعشعة بالحب والسلام
ولتحلق عاليا
وترفرف فوق زقورة أور باطمئنان وأمان.

قصائدي تلهج باسمك
تتفتح شقائق النعمان على شفتيك
وفوق أنقاض البيوت المدمّرة
وبين الحدائق والجنائن المستباحة
ومن سكون ذلك الصرح المقدس
ومع صمت رياح تحوم حول القرى الخاوية
يتراود لسمعي صوت خفي خافت بالكاد أسمعه
أو أنني أتخيل سماعه... قائلا:
(كانوا هنا... وقد رحّلوا).











58
الأسقف الجليل مار أفرام أثنييل



بقلم: آدم دانيال هومه
 
   من هو الأسقف مار أفرام أثنييل؟
   هو المثال الحقيقي والنموذج الرائع للراعي الصالح الذي يبذل نفسه عن خرافه حيث الجود بالنفس أقصى غاية الجود كما يقول الشاعر. وهي مرتبة عالية من الإيثار يقف في قمتها أولئك الذين يضحون بأرواحهم في سبيل أن يعيش الآخرون، ويمنعون عنهم الموت والأذى. الراعي الصالح هو الذي يخاطر بحياته لكي يحمي قطيعه عندما تقتضي الضرورة. أما الراعي الأجير فأول ما تقع عيناه على الذئب حتى يطلق ساقيه للريح ويلوذ بالفرار لا يلوي على شيء، تاركاً القطيع فريسة للذئاب. والتاريخ الآشوري، قديماً وحديثاً، كان ولا زال يحفل بالكثير من أمثال هؤلاء الرعاة المأجورين الذين تركوا قطعانهم في أوقات الشدائد والمحن، وولوا الأدبار. 
   الأسقف مار أفرام أثنييل أثبتت الأيام والتجارب والمحن بأن صفة المناضل تنطبق عليه قلباً وقالباً، وبكل جزئياتها، وطرق وأساليب تطبيقها في مواقفه وممارساته اليومية. لأن المناضل الحقيقي هو إنسان أولا قبل أن يكون شيئاً آخر. كائن يعلي من قيمة شعبه وأمته إلى درجة التقديس الذي تستحقه. والمناضل هو الذي لا ينفصل عن مجتمعه، ولا ينزوي بين معتقداته وأفكاره بحيث يجعل منها سياجاً يطوقه. ولا يستعلي على الناس بممارساته، ولا يعتقد أن العناية الإلهية قد اختارته لقيادة الأمة وزعامتها. المناضل هو الذي يؤمن بأنه جزء لا يتجزأ من الشعب، بل هو ضمير الشعب، الممثل لقيمه العليـا في أبهى صورهـا. هو القدوة في الممارسة والسلوك، وهو الملهم للآخرين، وهو الذي يؤمن أن شعبه يستحق الأحسن والأفضل.
   هناك فرق شاسع بين المناضل والسياسي. فالسياسي يعمل في السياسة كما يعمل التاجر في متجره. لا تكاد تجد له موقفاً يؤطره فيه، أو تصنيفا يصنّفه من خلاله. ونحن الآشوريين لانحتاج إلى ساسة تجار يساومون على مبادئ أمتهم، ومقدرات شعبهم، بل نحتاج إلى مناضلين يلهموننا لنتعرف على قيّم الحيـاة، ومن ثم نعرف القيمة الحقيقية لكوننا بشــراً، ويعيدون إحساسنا بالتاريخ، وبانتمائنا إلى الأرض والوطن. نحتاج إلى قادة وملهمين أمثال البطريرك الشهيد الخالد مار بنيامين شمعون، البرفيسور آشور بيت يوسف، الدكتور فريدون آتورايا، مار إيشاي شمعون، مار توما أودو، دافيد برصوم برلي، يوسف مالك، سنحاريب بالي، وغيرهم من المناضلين الميامين.
   إن المناضل الحقيقي هو إنسان مثالي لا يتحدث عن نشاطاته وأعماله مهما كانت قيمتها وفعاليتها، ولا يتحدث عن كفاحه وإنجازاته لأنه لا تدفعه دوافع الشهرة أو دواعي الحصول على المادة. لأن أهم صفات المناضل أن يتصف بالتواضع، ويتجنب الغرور، فيقدر كفاءته كما هي، ولا يغفل عن نواقصه، ولا يتجاهل نقاط قوة الآخرين. لأن من الضروري جداً أن يكون المناضل مستعداً للتعلم من أبسط إنسان، ولا يكون موقفه من الجماهير موقف السيد والمسؤول، بل موقف الموجّه المتواضع، والأخ والصديق في آن واحد. إن الغرور هو سدّ منيع في وجه تطوّر الأشخاص والمؤسسات الاجتماعية والدينية، وجميع الحركات السياسية لأنه يعيق رؤيتها لنواقصها، واستفادتها من تجارب التنظیمات الأخرى القومية والوطنية والدينية منها، وكذلك من كل فرد من أفراد الشعب كائناً من كان. وبدهي أن هذه الصفات النضالیة الأساسية لا تولد بين عشية وضحاها، بل تحتاج إلى ثقافة وإلى ممارسة نضالية بين جماهير الشعب ومؤسساته الدينية والسياسية والثقافية والاجتماعية. ونستطيع أن نقول، بناء على شهادات جميع الذين يعرفون الأسقف الجليل (مار أفرام اثنييل) على مستوى الشعب الآشوري، بكل طوائفه، بصورة عامة، وجميع مكونات الجزيرة السورية من عرب وأكراد وآشوريين وغيرهم بصورة خاصة، بأن جميع صفات المناضل الآشوري الحقيقي الواردة أعلاه تنطبق عليه حرفياً وبدون أي مواربة أو مجاملة.
   إنه أحد ألمع الشخصيات التي يُشار إليها بالبنان في كل موقف، وفي كل مجال. لقد صار، بعد أن تمكن من تحرير الدفعة الأولى من الأسرى الآشوريين من بين براثن داعش، بطلا بكل ما تتضمنه الكلمة من معنى، ولكن بعد أن حرّر الأسرى جميعاً أصبح قدّيساً بكل المقاييس.

لمحة عن سيرة حياته

* من مواليد عام 1963 في قرية أم وغفة (سِرَسفتدو) التي تقع، حالياً، على ضفة نهر الخابور الذي يحدها من الجنوب. أما من الشمال فيحدها الطريق العام (الحسكة- رأس العين)، بينما تحدها شرقاً قريـــة أم الكيف (ةيمٍر)، وغرباً قرية تل طويل (بنيُّ رومةِأ). يقول مالك ياقو مالك اسماعيل في وصف أبناء هذه القرية البواسل في كتابه (تاريخ الرؤساء) لدى مهاجمة قوات بدرخان عشيرة تياري العليا ومن ضمنها قرية (سرسبيدو):
(لقد كان أهالي سرسبيدو قد احتاطوا للأمر مسبقاً. وتحصّن جميع الأهالي في القلعة استعداداً للدفاع عن أنفسهم في حال تعرّضهم لأي هجوم طارئ. ولم يلبث انتظارهم طويلا إذ بدأت هجمات العدو بشراسة على جوانب القلعة التي يحتمون فيها، ولمدة أيام متتالية وبدون انقطاع. حيث تراكمت جثت القتلى، من الجانبين، بعضها فوق بعض. وامتزجت دماؤهم بتراب الأرض التي عاشوا عليها، وتقاسموا خيراتها سواسية. وخضّبت دماؤهم حجارة وصخور الجبال التي احتضنتهم، معاً، لأجيال وعصور مديدة. وبعد أن نفدت ذخيرة المحاصرين بدأوا يرشقون
العدو بالحجارة. وبعد نفاد آخر حجر لديهم انتهز الأعداء تلك الفرصة الذهبية، وبدأوا يتسلقون الصخرة العاتية الملاصقة للقلعة، الواحد بعد الآخر. فما كان من أحد أبناء سرسبيدو الفدائيين البواسل، حين أدرك بأن العدو سيستولي على القلعة لا محالة، إلا أن ألقى بنفسه، من فوق سور القلعة الشاهق، في صدر أول المتسلقين. فارتطم الواحد بالآخر، وتراكموا أسفل القلعة جثتاً هامدة، أو مهشّمي الأيدي والأرجل، والرؤوس والأضلاع. فلما رأى الأعداء ذلك المشهد الرهيب أُصيبوا بالذعر. وتنحّوا جانباً، بعيداً عن القلعة منذهلين ومندهشين، وغير مصدقين ما تراءى أمام أبصارهم. وارتأى قادتهم أن يتركوا المحاصرين لشأنهم، متيقنين بأنهم سيضطرون، عاجلا أم آجلا، إلى إعلان الاستسلام تحت وطأة الجوع والعطش. ولكن استطاعت فئة من الشباب المغاوير أن تنسلّ من بين قوات العدو، بصحبة عائلاتها وتحت جنح الظلام، لتصل إلى برّ الخلاص والأمان في تياري السفلى. وحين جدّد العدو هجومه على القلعة تمكّن من الاستيلاء عليها بعد قتال ضار. ولكن بعد أن تكبّد خسائر فادحة في الأرواح لم يكن يتوقعها على الإطلاق. حيث لم يبقَ لدى المحاصرين ما يقاتلون به سوى الخناجر التي كانت تشعّ أنصالها في أيديهم، وتقطر شفراتها من دماء الأعداء. وبعد احتلال القلعة اختار الأعداء أجمل عشر فتيات وساقوهنّ أسيرات على الطريق السفلى المؤدية إلى كنيسة مار كوركيس. وبينما هم يعبرون جسر الزاب باتجاه ليزان (Lizan) وچيماني (Chimaneh) تشاورت الفتيات فيما بينهنّ، واتفقن على أمر خطير كان بمثابة ضربة قاصمة لأحلام العدو الشيطانية. حيث ألقين بأنفسهن من فوق الجسر، دفعة واحدة، وغرقن في نهر الزاب مفضّلات الموت على الوقوع في أيدي البرابرة الأكراد). فمار أفرام اثنييل هو سليل هؤلاء الرجال الذي استهانوا بالموت في سبيل شرف أمتهم وكرامتها، وتلك النسوة اللواتي وجدن في الموت المؤقت أفضل وسيلة للخلاص من الموت الأبدي
* أمضى مار أفرام أثنييل السنوات الأولى من طفولته في مسقط رأسه.
* في عام 1970م انتقل إلى مدينة القامشلي، بعد سيامة والده المرحوم كيفاركيس اثنييل كاهناً لكنيسة مار أفرام التابعة للكنيسة الشرقية الآشورية.
* أكمل دراسته الابتدائية في مدرسة فارس الخوري الآشورية الخاصة في القامشلي. وأتم دراسته الإعدادية والثانوية في المدينة ذاتها. ثم انتقل إلى مدينة الحسكة، بعد سيامة والده خورأسقف، وتعيينه كاهناً لكنيسة السيدة العذراء في المدينة المذكورة، ليدخل المعهد الفني.
* بعد تخرجه من المعهد التحق، مباشرة، بالقوات المسلحة لأداء خدمة العلم التي كانت، ولا زالت إلزامية في سوريا لكل من يبلغ الثامنة عشرة من عمره.
* تمت رسامته الكهنوتية إثر الزيارة الرعوية التي قام بها مثلث الرحمات مار دنخا الرابع إلى سوريا عام 1992.
* في سنة 1993، وبتوجيه من مار دنخا الرابع، يمّم الكاهن أفرام وجهه صوب الولايات المتحدة ليتفرغ لدراسة اللاهوت في كلية ST.Marey of the lake .chicago  وفور تخرجه، منها سنة 1999 حاملا شهادة الماجستير في اللاهوت الكنسي، عاد إلى أرض الوطن.
* نال درجة الأسقفية على يد البطريرك الراحل مار خنانيا دنخا الرابع في العاشر من شهر تشرين الأول عام 1999 في كنيسة السيدة العذراء في مدينة الحسكة.
   ظلت يداه متشبثتان بصليب المسيح، وقدماه بأرض الآباء والأجداد ولم يتزحزح قيد أنملة. لأنه كان يعرف جيداً، منذ توليه المسؤولية التاريخية، بأن عدداً قليلا من الأفراد لديهم من السمات الشخصية والقدرات ما يمكنهم أن يكونوا قادة حقيقيين. ويستطيعون المساهمة في تبادل العلاقات الطيبة مع الأفراد والجماعات، ويستحوذون على قلوبهم، وينشرون بذور المحبة والوئام بينهم.
   في الثالث والعشرين من شهر شباط عام 2014 اجتاحت عاصفة الصحراء (داعش) القرى الآشورية على ضفاف نهر الخابور، واقتلعت البشر والشجر والحجر، وقامت بخطف (235) آشورياً من كلا الجنسين، تتراوح أعمارهم بين سنتين وثمانين عاما. ولم ترحل إلا بعد أن عاثت في المنطقة رعباً وفسادا، وهجّرت غالبية أهالي القرى الآمنة، ودمّرت معظم الكنائس والأديرة، واستولت على كل غالٍ ونفيس، ثم عادت من حيث أتت.
 
وفي الليلة الظلماء يُفتقد البدر

  أثناء هذه الفاجعة الرهيبة، والمحنة المريعة، بدأ دور الأسقف مار أفرام يتجلى، رويداً رويداً. وبدا واضحاً وساطعاً حين شمّر عن ساعديّ الجد في إغاثة النازحين من قراهم، والتجائهم إلى دار المطرانية الآشورية في الحسكة. ومن ثم تبنيه قضية المخطوفين الآشوريين لدى الدولة الإسلامية. واضعاً نصب عينيه شعاراً مقدّساً لايحيد عنه أبدا (فإما تحرير المخطوفين، وإما الموت دونه). ولكنه كان متأنياً وصبوراً على تجسيد حلمه على أرض الواقع، لأنه كان يعرف جيداً نظرية شجرة الخيزران الصينية التي تُزرع بعد تجهيز الأرض بكل عناية وتروٍّ وانتظار وتفاؤل من دون استعجال النتائج لأنه يدرك، يقيناً، بأنها خلال السنوات الأربع الأولى لا يتراءى منها على وجه الأرض سوى كرة صغيرة تخرج منها نبتة صغيرة جداً. لأنها طوال تلك الفترة تكون منهمكة، كلياً، في بناء شبكة من الجذور الطويلة لتتمكن من مواجهة نور الشمس. ولكنها في السنة الخامسة تنمو هذه الشجرة ثمانين أو تسعين قدماً دفعة واحدة.
وعلى هذا النهج سار الأسقف مار أفرام، لأنه كان على يقين بأن المحصول الوفير سيأتي في النهاية، أوان الحصاد الرائع.

قرية سرسبيدو (أم وغفة) على ضفاف الخابور

   فوضع اللبنة الأولى في صرح مساعيه الحميدة حين نشر بيانه التوضيحي على الرأي العام السوري مبيّنا، بجلاء ووضوح، بأن الكنيسة الآشورية لا تمثل إلا نفسها والرعايا التابعين لها، ومن ضمنهم المحتجزون لدى تنظيم الدولة الإسلامية. وهي مستقلة في قرارها، ولا سلطة لها على بقية الكنائس الموجودة في المنطقة. وليس، هنالك، أية جهة مسلحة تمثل الآشوريين في سوريا على الإطلاق. مؤكداً بأن الكنيسة الآشورية، ورعاياها، لم، ولن تعقد أي اتفاق أو تحالف عسكري مع أي فصيل كردي، أو عربي، أو مع أي جهة أجنبية أو غربية قطعاً. مع سبق الجزم والإصرار بالتبرؤ، كلياً، من أي تحالف مع أي جهة مسلحة تدّعي بانها تمثل الآشوريين في سوريا، وتخالف ثقافتهم الداعية للسلم والوئام والإخاء بين جميع مكونات الشعب السوري على قدم المساواة.
   وبدأت مواقفه المبدئية الصريحة والصادقة والأمينة تأتي ثمارها لتبدأ يد الحقيقة تنقش على صخرة الواقع عطاءاته الجزيلة التي سينحتها التاريخ في ذاكرات الأجيال الآشورية على امتداد الأزمنة والعصور. حيث شدّ الله في أزره، واستطاع من خلال المفاوضات الحثيثة والمتواصلة أن يحقق بين آونة وأخرى الإنجازات التالية:
1. تم تحرير الدفعة الأولى من المخطوفين بتاريخ 01//03/2015. وكانت تضم (21) شخصاً.
2.  تم تحرير الدفعة الثانية من المخطوفين بتاريخ 26/05/2015. وكانت تضم شخصين اثنين.
3. تم تحرير الدفعة الثالثة من المخطوفين. وكانت تضم شخصاً واحداً فقط بتاريخ 16/06/2015.
4. تم تحرير الدفعة الرابعة من المخطوفين بتاريخ 11/08/2015. وكانت تضم (22) شخص.
5. تم تحرير الدفعة الخامسة من المخطوفين بتاريخ 28/08/2015. وكانت تضم شخصاً واحداً.
6. تم تحرير الدفعة السادسة من المخطوفين بتاريخ 07/11/2015. وكانت تضم (37).
7. تم تحرير الدفعة السابعة من المخطوفين بتاريخ 15/11/2015. وكانت تضم (10) أشخاص.
8. تم تحرير الدفعة الثامنة من المخطوفين بتاريخ 09/12/2015. وكانت تضم (25) شخصاً.
9. تم تحرير الدفعة التاسعة من المخطوفين بتاريخ 25/02/2016. وكانت تضم (25) شخصاً.
10. تم تحرير الدفعة العاشرة من المخطوفين بتاريخ 14/01/2016. وكانت تضم (16) شخصاً.
11. تم تحرير الدفعة الحادية عشرة والأخيرة من المخطوفين بتاريخ 22/02/2016. وكانت تضم (42) شخصاً.
   يحق لنا أن نقول بعد كل هذا، وبكل ثقة وإيمان: (بأن الأسقف مار أفرام اثنييل قد صار، بحق وحقيق، بطلا وقدّيساً بدون منازع، وهو يستحق ذلك بكل جدارة واقتدار).















الراعي الصالح

أيها الراعي الصالح
لقد استطعت بصبرك وأنّاتك ومثابرتك
وإيمانك الراسخ المكين
من وضع البلسم الشافي على جراح المنكوبين
وأعدت الحياة لمن كانوا في عداد الأموات
ورسمت على الشفاه الذابلة ابتسامات الأمل
وأعدت التائهين في صحارى اليأس
إلى أحضان أهلهم وأحبائهم مفعمين بالسعادة
فطوبى لك
لأنك نقشت صورتك الجليلة بكل اقتدار
في عمق أعماق قلوب أبناء شعبك.

ستتجلى صورتك، مع الأيام والسنين، على تلال الخابور
وسيتلألأ طيفك على صلبان قباب الكنائس
التي ستظل تتوهج في الظلمات
لنا وطيد الأمل
بأن الطيور المشرّدة ستعود يوماً
لتبني أعشاشها المدمّرة من جديد
لتقف وراءك في خشوع وصلاة
وأنت تعقد أكاليل الزغاليل على عرائس المستقبل
طوبى لك
لأنك كنت خير ربان استطاع أن يرسو
بفلك الطوفان
في خضم الزوابع والأعاصير
على شاطئ الأمان.




59
أدب / ملحمة السنونو
« في: 20:23 26/11/2015  »

ملحمة السنونو

آدم دانيال هومه



العظماء رجال من زجاج شفّاف غير قابل للكسر.

سأظل حرّاً طليقا
أتنقل كالنسيم من أمل إلى أمل
ومن المحال أن أسقط في كمين اليأس.

 أعرف الطريق الذي أسير عليه جيدا
لذلك لا أتلفت يمينا أويسارا... أو إلى الوراء
لأنني أدرك يقيناً من أين انطلقت
وإلى أين سأمضي
 فالهدف الذي أسعى إليه واضح كعينيّ أمي المخضلتين بالدموع
وهي تروي لي مآسي شعبها عبر العصور.

عندما ودّعت أبي في المقبرة
سمعته يهمس لي قائلا: أنا لم أمت يا بنيّ
كلما أردت أن تراني
أنظر في المرآة فستجدني ماثلا أمامك.

في البدء...
وقبل اضطرام البرق في السحاب
وقبل اكتمال جنين الأرض في رحم الكون
وهو يرفرف مع الألق فوق سطوح الأمواج
يلملم حبّات الضوء المتناثرة في الآفاق
يتهجّى حروف الكواكب والمجرّات
يقاسم الله زاده النوراني
وينساب برفيف رهافته في مدار المحيطات
ويتضوع في رحاب الأبدية
ليطوي بجناحيه ضفاف الأزمنة والعصور.

حينما أعبر بوّابة الشمس إلى زقّورة آشور المقدّسة
أنفض ما تعلّق بقدميّ من نثارات الشهب والغيوم
وغبار النجوم
وأزيل ما التصق بذاكرتي من رذاذ الأوهام
وأضغاث الأحلام
وفحيح الأفاعي
ونعيق الغربان
وعواء الذئاب
ونقيق الضفادع
ونهيق الحمير
كي أدخل إلى هيكل الربّ متلألئاً كنجمةٍ في الظلام
وطاهراً مطهّراً كزنبق البراري. 

مهما حلّق السنونو في الآفاق القصيّة
وهُجّر... أو هاجر إلى البلدان والأمصار النائية
وتاه في أقاصي الأرض
وفي زحمة الاغتراب
سيعود، يوماً، إلى عشّه المخملي
وهو يلتاع شوقاً وحنينا
بينما العقبان
والحيتان
والعربان
ليس لهم أوطان 
لأن أوطانهم في بطونهم
وحيث يحطّون رحالهم
وهم يطاردون فرائسهم
ويلاحقونها حتى آخر قطرة دم.

لماذا تبثّ الرياحُ لواعجَها للبحارِ
تهزّ غصونَ الغيومِ
لينهمرَ الغيثُ فوق خيامِ الذين يطاردهم أفعوانُ الجحيم؟
   
لماذا يجوع العراق وجنّة أرض الفراتين زاخرةٌ باللآلئ والماء والأقحوان؟

لا صديق للعصافير في بلاد الرافدين
شُرّد الكادحون من سهل نينوى الخصيب
فتهللت الأشواك والعوسج في أطراف الموصل
وأينعت أزاهير الدم في شعاب جبل سنجار.

لاعشب ينبت في بطاح العراق
لاشقائق تتفتّح في مروج الخابور
هبّت عاصفة الصحراء
واقتلعت زنابق الحضارات من جذورها
واستعصت على كل الأدعية والتعاويذ
أنثى مسلولة تنتهك ذكورية الوهاد والجبال
والبشر والحجر
ولا تلين عريكتها إلا للنجمة السداسية الزاهية
ومفتي الديار المقدّسة
يتلو آية الكرسي... ويستغفر الله
وينام آمناً مطمئنا في ظل محظيته الرابعة.

داعش الإبنة الشرعية لغزوات الرسول الأعظم
الذي أرسله الله رحمة للعالمين.

بلاد الرافدين... الأرض العذراء المسبيّة
المكتظة برفوف الملائكة على أسوار الإيساگيلا
الزاخرة بأسرار الآلهة
وملاحم الأمجاد المشرئبة من باطن الأرض
كالأجنّة في الأرحام
ورفوف النوارس المتدلية من أفنان الغيوم 
الطافحة بالنشوة والعذوبة
في الجزيرة المحاطة بأسماك القرش
والثعابين الكامنة بين حفيف الأشجار
عقد الله قرانها إلى السماء برباط مقدّس
وهاهي الآن تصرخ بألم كامرأة داهمها المخاض.

كلكامش يمدّ جسراُ فوق خلجان الحرائق والرياح
إلى الأصقاع المجهولة في مخيمات الله
تحت الأنوار الراشحة من مسامات الشمس المدلهمة
ليعبر النازحون من سهل نينوى... وقرى الخابور
وهم يحملون في أعناقهم أيقونات الحمائم
وأكفانهم على أكتافهم
وفي قلوبهم تذكارات وشهقات الأسرى الذين احترقوا في هشيم الكلمات
وفي مآقيهم جنازات شهدائهم الذين قضوا كمداً
على طرقات الرحيل... والإنكسار.

هُجّر الملائكة والقديسون من على ضفاف الخابور
نُضبت الجداول والسواقي
استحالت الجنائن يبابا
وذبلت زنابق وأقاحي الأفراح والمسرّات
وخبا أريج كلمات الغزل من شوارع العشاق
وانبرى البوم يؤذّن فوق شواهد القبور المهشّمة
وفوق قباب الكنائس المهجورة.
   
نبشوا المقابر في القرى الثكلى
وحطموا تماثيل الآلهة الكبار
ونحروا العصافير التي كانت تتبادل القبلات على شفاه الأنهار
وطمسوا معالم مراعي االغزلان على سفوح الجبال
وأصبحت كقصائد مهجورة في كثبان الرياح
وحلّت الفاجعة على بهاء التلال المبعثرة كذكريات الطفولة.

ما كادوا يحطون رحالهم بعد عناء المسير بين شعاب الجبال
وقد نزفت أقدامهم وقلوبهم على طرقات الشوك والعذاب
حتى داهمتهم عقارب الصحراء
فلم يجدوا من يسعفهم
ويبكي عليهم
ويرثيهم
ويواريهم الثرى سوى أنفسهم
وهم في طريقهم إلى المنافي
كانوا يحدّقون بالماء المخضّب بالدماء 
ويمرّون عطاشاً على طريق الموت
على إيقاع أنين الروح
صرير أرواحهم يتردّد في جنبات الكون
وأمامهم تلوح المدافن كشموع في سرداب الليل
والملائكة تتدلى بحبال السماء أمام أبصارهم
وهم يخرون شاخبين في أحلامهم ودمائهم
وقد أسدل ستار الأحزان على عيونهم
فتركوا حبق دموعهم على جسد الأرض
ورذاذ دمائهم على شقائق السماء
ولما حوّمت قلوبهم على النهر الكئيب
وفوق الحدائق والكروم المتوهجة خلف سياج الغبار
انهارت اللحظات الجذلى من سقف الذاكرة
وفقد الموت انبهاره ونضارته لهول المأساة.

(أسْلِم ... تَسْلَم)... عبارة شوهاء
يجترّها الهمج الرعاع
الأشد كفراً ونفاقا... عابدو الحجارة السوداء
على مسامع الفراشات العذراوات
والأفراخ الودعاء الذين تعمّدوا في جرن قدس أقداس السماء
وترعرعوا بظل الله
وعلى جباههم وشم الخلاص ناصعاً
كربّ المجد صاعداً إلى السماء
في غيمة السناء والبهاء.

أوغلوا في الرحيل
وتركوا آثار أقدامهم على الصخور
وفوق صفحات المياه
وعلقوا أمنياتهم على غصون الأشجار
وعلى مقابض الأبواب المغلقة
وقد يأتي يوم
يسدل العالم ستار النسيان
على مجازر الخراف والأنهار والأشجار والأقمار 
ويغطي غبار التاريخ ما خلفوه من روائع الصور والأحلام.

في أقاصي المنافي
ينزل المطرودون من الفردوس من فوق جلجلة الآلام
مستندين على عكاكيز السراب
بأنفسهم
ينزعون المسامير من أيديهم وأقدامهم
ويمشون حفاة فوق أشواك النار المقدّسة إلى محراب القيامة
فتضيء جنبات الكون بأنوار المزامير المنهمرة من السماء .

سأظل أروي لكل عابر سبيل إلى انقضاء الدهر
كيف مرّ غيلان الصحراء في قريتنا النائمة تحت دوحة القداسة
وهم يلوحون بآيات الظلمات
ويسبحون في خلجان النساء
فأرعبوا الغيوم والنجوم... والآلهة الأبرار
بسحناتهم الشيطانية
ولحاهم العنزية
وارتشفوا مياه الينابيع والأنهار والآبار
وقطعوا رؤوس الرجال
والتهموا أجساد النساء
وبدأت الدماء تشرشر من أفواههم في كل الطرقات
وهم ينزلقون إلى قيعان الجحيم تحت ظلال السيوف
سكارى بالخمر المشعشعة بالآيات المتشابهة
ولكن رغماً عنهم وعن سيوفهم المسلولة
سنظل نرفرف فوق أسوار التاريخ
وفوق بيارقهم المكفهرّة
لأن في أجسادنا بقايا أريج نبتة الخلود
وفي دمائنا نقاط ضوء من ألوهية أجدادنا الأولين.

شعبي مدمن على الجراح والآلام والنكبات.

منذ ألفي عام
والآشوري تحت الراية السوداء
يتنفّس من ثقب الباب.

الآشوري بَرَكة في الأرض
حيثما تطأ قدماه تتدفق الينابيع والأنهار
أنامله سنابل ضوء
متى لامست الصحارى تحيلها واحات غنّاء متعةً للناظرين
حدائق... كروم... وبساتين على مدّ النظر
ومتى أرغم على الهجرة منها
تعود قاعاً سبسبا مسكناً للذئاب وبنات آوى.

كيف لي أن أصف النور المنبثق من قدسية آشور يتلألأ في قرص الشمس؟
أو أصوّر صدى البرق المنهمر من سماوات آنو؟
كيف لي أن أرسم صورة ليليث وهي تجرجر الصحارى في لجج البحر؟
وحدهما الليل والنهار يبحثان عن مملكة الأقدار
ويذوبان في شحوب الشروق والغياب
ويبقى الثور المجنح يحرس بوابات الأرض والسماء
ويسقي جنائن االله.

الثور المجنّح
أسمى المخلوقات جميعا
هو فوق الخلائق كلها
إنه سيف اللهب يذود عن شجرة الحياة
ويحرس الذات الإلهيّة
إن حطموا رموزه على الأرض
سينحدر من السماء
أو سينبعث من باطن وادي الرافدين
وادي الآلهة المخضرمين.

على طريق الرحيل تعشوشب الذكريات على عتبات السنين
والأطفال الذين كانوا يهدهدون أحلامهم في أراجيح الياسمين
فقدوا شهواتهم للحياة بعد أن رأوا أفراحهم تتداعى بين الحرائق والأنقاض
ومرّ قطار الطفولة أمام أبصارهم كلمح البصر
ووخط الشيب نفوسهم قبل الأوان
وشعروا بالألم لأول مرّة حين وخز الشوك أقدامهم
وهم يسيرون حفاة على الطرقات المخضلة بالدموع والزفرات
وأنينهم يأخذه الصدى إلى وديان سحيقة وبعيدة
تميد الأرض تحت أقدامهم
وقد أنهكهم تلويح الطيور المهاجرة إلى مدائن الرمال
وهم يمضغون عشب البكاء على وقع صهيل نجوم المساء
ويمشون فوق السحاب
وهم يرتلون آيات الموسم والحصاد
تتشظى في رؤوسهم أحلام الملائكة
تحت شآبيب شمس الصحراء المحرقة
التي ألهبت أجساد الأحبة الذين طالتهم سيوف الجلاد.

من أيّ الأحقاب قدمت أيها المبوء بقاذورات عصور الديناصورات؟
من أيّ الأصقاع أتيت مدجّجاً بنتن وزناخة الجاهلية وأنبيائها الفاسقين؟
من أي أقاليم الجوع والذباب والظلام قدمت تبشّرنا بالخلاص
وأنت تمشي على الأرض بدون روح ولا إحساس ؟
أهلكت الزرع والضرع بهذيانك
وترديدك للسور الطافحة بالمشتهيات
والجنّات الزاخرة بالعاهرات
ونحن من رسم حدود الأرض والسموات
وسكب الزيت في قناديل الشموس
ونحن من جعل اليوم صباحا ومساء
وزيّن السماء بأيقونة قوس قزح
ونحن من أنبت السنابل في الحقول
ولقّح الشذى في عروق الأزهار والورود
ونحن من أنجب الله
وعمّدناه ... ودعوناه بإسمائه الخمسين
وبنينا له هيكلا به قدس الأقداس رمزاً لجلاله
وتربّى في حضن أمه الآشورية
لترضعه الرحمة والعطف والحنان
وتعلمه الأبجدية لينطق وهو في المهد صغيرا
وتمنحه القوة والجبروت والسيادة على العالمين
ليبرئ الأكمه والأبرص ويحيي الموتى
وليقول لكل شيء كن فيكون
وليمحي بموته خطايا السائرين على نور تعاليمه.

يا ربّ
كم أنت كبير وعظيم لا تتسع لك الأكوان
وكم أنت صغير لا يراك الضالعون في التيه والضلال.


يعيشون في غابة من الجحيم
خالدون مخلّدون فيها
يتضورون جهلا
وأولادهم يتضورون جوعا
ولكنهم يحلمون بجناتٍ تجري من تحتها الأنهار
(وحورٌ عينٌ كَـأمْثَالِ اللُّؤْلُؤِ الْمَكْنُونِ
وَأَنْهَارٌ مِنْ خَمْرٍ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ).
 
إنه أغبى من حمار فقد أوراقه الثبوتية
يريد أن يصعد على كتفي
ليقطف عنقوداً متدليّاً من سدرة المنتهى.

           ،،،،،،،

adamhomeh@hotmail.com


60
أدب / من الشعر الآشوري المعاصر.
« في: 13:52 05/11/2015  »


من الشعر الآشوري المعاصر.



(أغنية... وخبز محمّر) للشاعر عادل دنّو



ترجمة: آدم دانيال هومه


من ذا الذي سيغنّي لي
لأرقص على إيقاع نغم أكادي... سبع رقصات سحريّة متتالية؟
من سيغنّي لي لأشبك يدي بيد فاتنتي المليحة الحسناء
وأذوب في العينين السومريتين المكحولتين بالكبرياء؟
من يا ترى سيشدّ أزري
لأكشف عن وجه حبيبتي المتلألئ بين الهياكل الشامخة؟
من سيعلمني السباحة في البحار المنصوبة بعضها فوق بعض
الحبلى بوهج الأصالة وأصداف الأريحية؟
من ذا الذي سيغني لي
لتتمكن يداي من التشبث بالضفائر المتلاطمة كالأمواج
والقرى النهمة للثغر القانئ
لتتأكدي أيتها السومرية التي يجري دمها في عروقي
بأن شفتيّ لن تترنّم من بعيد
في اليوبيل الذهبي لتذكار الشعراء
لأن بثّ لواعج الحب من وراء زجاج سديمي
يحزّ في نفسي... ويؤلمني
ولن يستطيع إخماد اللهيب االمتّقد على الأجنحة الذابلة
في أفق عينيك.
من ذا الذي سيغني لي
لأهرق أريج الآثار الخالدة تحت قدميك ... على الطرقات
وسأرصّع اليوم قبلاتي وذكرياتي على حزمة ضوء
تزركش جيدك المرمريّ الأخّاذ
من يا ترى سيصون تلك الآثار النفيسة
ويقوم على حراستها؟
ومن الذي سيخفيها في أثواب بالية
أو بين ثنايا الزيّ الفولكلوري الخلاّب؟
لتتوهّج في الأكؤس المترعة بالخمور المعتّقة
التي تُركت وديعة لديك منذ دهور
كأس إثر كأس ... ويحلّ السلام
في القرى السماوية وراء الغمام
والرعود تتوسل بالآلهة
ولا من سميع
ولا من مجيب
وأنا...
تفترش أمامي آلاف الآهات
وقلبي يشتهي الخبز المحمّر الآسر الجذّاب
ولكني حين رأيتك تخطرين قبيل الفجر
على بساط السندس
نسيت بأن هنالك آلهة لم تزل على قيد الحياة
لأني موقن بأن الآلهة أيضا متيّمة تسجد للحب
وللغرام
وكانت في طليعة من هبّ لاستقبالي
فتعالي أينما كنتِ أيتها المتوهّجة في الغمام
لا تخافي من جحيم العالم
ولو كان مؤجّجا بنار الغيرة والحسد
الذي التهم الأخضر واليابس
ولم يبقِ إلا على بضع جمرات خامدة
وكومة من رماد.

المحبّة... رايتنا الشمّاء
حيثما ننصبها ...
نرويها بأمواه السلام والألفة والإخاء
فكل جذع شجرة واحدة تنبثق عنه آلاف الأنامل
ومئات الشعراء أمثالي سيحترقون
وستضطرم القصائد في زوايا الصدور
وفي نياط القلوب
وسيحاولون عشرات المرات دفعي خلفهم
إلى الوراء
ولكنهم سيعودون يوماً ويتوسلون إليّ
وإن لم يكن في مقدور أيّ واحد منهم فك حرف واحد
لأن أشعاري منحوتة على جبينكِ الشامخ البهيج
ومنسوجة في أهداب جميع الحسناوات
ومرصّعة بالياقوت والزمرّد والمرجان
ومجبولة في كل أوردتي وشراييني
وتفوح عبقاً وشذا من مسامات جلدي.

من ذا الذي سيغني لي؟
وأنا
وهي
وعينيها
لم نزل نغني منذ أزمان سحيقة في القدم
ونلملم الحكايات من كل مكان وزمان
فهناك شعراء كثّر هم بمسيس الحاجة إلى كأس معتّقة
وعسل.. وخبز محمّر
وألحان منبثقة من أرواح نخطفها في غفلة من الزمن
وإذا افتقدنا الحكايات
والشعراء
والألحان
سنغزل بأيدينا
برهافة مشاعرنا
ليس قصيدة واحدة فحسب
وإنما أنهار زاخرة بالكلمات
يرد بعضها في كتب الأطفال
وبعضها غير وارد على الإطلاق
بعضها سهل الإدراك
 وبعضها الآخر عصيّ عن الفهم.

من ذا الذي سيغني لي
على قيثارة مقطوعة الأوتار... سواكِ؟
من سيغني لي
إذا لم تشدّي ضفائرك محل الأوتار الممزقة؟
أنا...
لم أهيّج الحزن الكامن في مقلتيك
ولم أمحو أثره
ولم أدع أهدابك تغفو على رموشي بدون ارتياع.

من ذا الذي سيغني لي
ويرسم على صدري تصاوير أحلامي... سواك؟
أما كنتِ تعلمين بأن كل شيء كان جلياّ قبل مجيئنا؟
أما كنتِ تعلمين بأنه لم يكن في القديم
ما يُسمى بالحبّ... أو الشهادة؟
ألم تكوني أنت وأنا من صاغ كلمة الحب
وزيّن بها قواميس العالم؟
ألم تكوني أنت وأنا من اخترع الأراجيح
وزحفت خلفنا رمال البحار؟
تعالي...
وانشدي لي أيتها الغانيات والفاتنات
وصبّي لي كؤوس الراح
وهاتِ لي رغيفاُ محمّراً ممزوجاً بالسوسن والجلّنار
ودعي شيطان شعري غافياً في مهاده.

إن لم تنشدوا لي
وإن لم تترنمي أنتِ لي
سيصعد الصوت المتوقّد في الآفاق
في مستهل كانون
كالعصارة الملتهبة بأوار الاسماء
ووهج ألقاب بعض الشعراء
الذين سينشدون لي أغنية استحالت خبزاً محمّرا
ورؤيا ناصعة... تتجلى أمام أنظار الفقراء
والبؤساء.



62
الحمار ... من العواء يفهم
بقلم: آدم دانيال هومه.
   قامت الدنيا ولم تقعد، وشبّت نيران النخوة والمروءة والأريحية في ضمير الإنسانية جمعاء لوفاة الطفل السوري (ايلان كردي) غرقاً قبالة سواحل تركيا. وأثار موته موجة عارمة من الغضب في الصحف والقنوات الفضائية ومواقع التواصل الاجتماعي وخاصة لدى أبناء شعبنا الآشوري. ومع أننا نتعاطف، كلياً، مع محنة أبيه الثاكل (عبداله شنو) ولكننا، في الوقت ذاته، نحمّله مسؤولية القتل العمد، وعن سابق تصميم وإصرار لأنه كان بإمكانه، كونه كردياً، أن يلوذ بعائلته إلى مكان آمن كالجزيرة السورية التي تقع، حالياً، تحت سيطرة الأحزاب الكردية، أو إلى شمال العراق الذي يتفاخر الأكراد، في جميع أنحاء العالم، بأنها المنطقة الوحيدة في العالم العربي التي يسود فيها الأمن والسلام، وتظللها راية الديمقراطية الحقّة.
   إننا نتساءل، وبكل لوعة وأسى واستغراب، أين كان، يا تُرى، هذا الضمير العالمي نائماً حين اقتحم مسلحو منظمة دولة العراق الإسلامية التابعة لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين في عصر 31 تشرين الأول 2010 كنيسة سيدة النجاة في بغداد أثناء أداء مراسيم القدّاس، واقترفوا مجزرة مروّعة بحق المصلين الآمنين حيث لقي أكثر من اثنين وخمسين شخصاً مصرعهم بما فيهم كاهنان في ريعان شبابهما، إضافة إلى الطفل اليانع (آدم) الذي كان يصيح بالقتلة السفّاحين: كفى... كفى. ولكن، كما يبدو، كان الشيطان، يومذاك، قد وضع قطنة في أذنيه.
    أين كان هذا الضمير العالمي متنزّهاً حينما غزت قوات داعش مدينة الموصل وكل قرى سهل نينوى في حزيران 2014، وهجرّت آلاف العائلات الآشورية من منازلها واستولت على جميع أملاكها وممتلكاتها، والتي لم يزل جميع أفرادها، بما فيهم الأطفال الرضّع، يفترشون العراء، وفي أحسن الأحوال يفترشون أرض المخيمات إلى يومنا هذا؟. وأين كان هذا الضمير المثقوب سارحاً في 23 شباط 2015 حين شُرّد جميع السكان الآشوريين من خمسة وثلاثين قرية على ضفاف نهر الخابور في الجزيرة السورية، وسيق أكثر من مائتين وعشرين بين نساء وشيوخ وأطفال أسرى لدى تنظيم داعش الإرهابي، والذين لا زال قسم منهم مجهول المصير حتى يومنا هذا؟.
   إننا نتساءل، وذكرى المذابح الآشورية المرعبة لازالت ماثلة في أذهاننا وتنزّ ألماً حارقاً في قلوبنا، أين كان هذا الضمير العالمي والإسلامي منه بوجه خاص غافياً حينما اقترف أجداد هذا الطفل الكردي المنكود المذابح المروّعة بحق الآشوريين المسالمين الأبرياء أيام المجرم بدرخان والأمراء الأكراد الآخرين ما بين عامي 1843-1846 والتي راح ضحيتها أكثر من عشرين ألف آشوري، ناهيك عن التمثيل بجثث القتلى واغتصاب النساء وسبي الآلاف من الأطفال والصبايا الذين ضاع لهم كل أثر حتى يومنا هذا؟
   أين كان هذا الضمير العالمي والإسلامي بوجه عام، يقضي إجازته حينما أعلنت تركيا الجهاد المقدّس ضد جميع مسيحيي الامبراطورية العثمانية عام 1915، وعلى وجه الخصوص الأرمن والآشوريين وراح ضحيتها أكثر من مليون ونصف أرمني، وأكثر من سبعمائة وخمسين ألف آشوري على يد القوات التركية النظامية، والعشائر الكردية الهمجيّة؟
   أين كان الضمير العالمي عامة، والعربي والإسلامي خاصة متقيّلا في أرجوحته الناعمة حينما اقترفت قوات الجيش العراقي بقيادة المجرم الكردي بكر صدقي مذبحة (سيميل) التي راح ضحيتها أكثر من ثلاثة آلاف آشوري حيث مثّل الجنود العراقيون بجثث رجال الدين، وأحرقوا النساء أحياء، واغتصبوا الفتيات العذارى، وبقروا بطون الحوامل، وكانوا يلقون بالأطفال في الهواء ويتلقفونهم على رؤوس الحراب على مرأى ومسمع العالم أجمع؟.
      إننا نتعاطف، كلياً، مع مأساة السوريين، ونتألم لمصابهم ومعاناتهم، ولكن ألا يحق لنا أن نتساءل باندهاش أين النخوة العربية والمروءة الإسلامية من المحنة السورية؟ ولماذا سُدّت جميع أبواب الدول العربية والإسلامية في وجوههم، وفتحت أمامهم أبواب الدول الصليبية الكافرة؟ وماذا بقي من القول الذي يجترّه العرب والمسلمون في كل بقاع الأرض: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ)؟
   ألايحق لنا أن نتساءل بقلق شديد من المستقبل الأوربي المشوب بالرعب حين نرى هؤلاء اللأجئين يرفسون بأقدامهم قناني الماء وعلب الطعام والحليب الذي تقدّمه لهم هذه الدول، ويشتمون ويتهجون على رجال الأمن في أول خطوة لهم على أراضيها؟.
   ألا يحق لنا أن تتساءل بارتياب شديد لماذا يحمّل شيوخ الإسلام ومعظم كتّابهم ومثقفيهم أوروبا وأمريكا مسؤولية الصراع المذهبي داخل العالم الإسلامي في حين نرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي والدول الإسلامية قاطبة وفي طليعتها إيران وتركيا والسعودية وقطر والإمارت هي التي تدعم الإرهاب في كل دول العالم؟
أتمنى لو تحقّق التبادل بين السكان بحيث ينتقل جميع المسلمين إلى الدول الأورية وأمريكا وكندا واستراليا وينتقل الأوربيون والأمريكان والكنديون والاستراليون إلى الدول العربية والإسلامية وننتظر ما ستؤول إليه النتيجة بعد عشر سنوات فقط.
   نقولها بالفم الملآن، وعلى مسمع العالم قاطبة بأنه ليس هناك لاجئون حقيقيون من كل الدول العربية والإسلامية غير المسيحيين وباقي اتباع الديانات كالإيزيديين والصابئة واليهود وباقي أتباع الديانات الأخرى غير الإسلامية عامة والآشوريين منهم بوجه خاص. أما هؤلاء الذين نراهم يتدفقون، الآن، على الدول الغربية من سورية فغالبيتهم العظمى إن لم نقل كلهم من المسلمين السنّة، وهم ليسوا ضد النظام السوري لأنه نظام دكتاتوري على الإطلاق وإنما لأنه نظام علوي شيعي لا أكثر ولا أقل. ومعظم هؤلاء اللاجئين إلى هذه الدول التي يعتبرونها كافرة إن لم نقل كلهم رؤوسهم محشوّة بآيات القتل والنكاح وأقوال وفتاوى شيوخهم التي تؤكد (أن نساء الكفّار وأموالهم حلال عليكم)، وخير دليل على ذلك أننا نراهم ونسمعهم فور وصولهم إلى هذه البلدان الكافرة، يحمدون ربهم على نعمة الإسلام، ويصلون على نبيّهم الذي أرسله الله رحمة للعالمين.
   عندما نطالع سِيَر حيوات بعض الأنبياء نجد بأن بعضهم كانوا أشباه مجانين، والبعض الآخر مصابون بالصرع، وقد يكون الرئيس الليبي المخوزق معمر القذافي أحد هؤلاء الأنبياء حينما صرّح علانية: (بأننا، نحن المسمين، سنغزو أوربا. ولكن هذه المرّة ليس بالحرب والسيوف وإنما بتكثيف الهجرة إلى بلدانهم). والحمار... من العواء يفهم.


63


نداء
إلى جميع الكتّاب والأدباء والشعراء والفنانين والباحثين من أبناء شعبنا الآشوري في كل مكان

نفيدكم علماً بأننا بصدد تأليف (الموسوعة الآشورية). لذلك نهيب بكل كاتب  وأديب وشاعر وفنان وباحث، وكل من أدّى خدمة جليلة لأمته في أي حقل من الحقول أن يرسل لنا نبذة عن سيرة حياته، ونتاجاته مرفقة بصورة شخصية. على أمل أن نساهم في إغناء المكتبة الآشورية، ولتكون في متناول الأجيال القادمة، وكيلا تضيع جهود وعطاءات الموهوبين في هذه الأمة هباءً، ويتراكم على أسمائهم غبار النسيان على مرّ السنين. مع خالص الشكر والتقدير والامتنان.
آدم دانيال هومه
adamhomeh@hotmail.com

64
المنبر الحر / هل أتت داعش بجديد؟
« في: 21:24 30/12/2014  »
هل أتت داعش بجديد؟

آدم دانيال هومه.

   لم تأتِ داعش (الدولة الإسلامية في العراق والشام) بجديد على الإطلاق، وإنما تسير على نهج نبي الإسلام والسلف الصالح، وهديّ النصوص القرآنية، والأحاديث النبوية. فكل الجرائم البشعة التي اقترفتها وتقترفها كالسلب والنهب، والقتل، وقطع الرقاب، والاغتصاب، وسبي النساء هي سنّة لدى المسلمين في كل زمان ومكان. والدليل على ذلك ليس، هناك، في العالم كله من كل الملل والشعوب والديانات تقوم بهذه الأعمال الوحشية سوى المسلين. ومع ذلك لانجد أي جماعة، أو حكومة، أو جمعية، أو مشيخة تدين وتشجب هذه الممارسات اللاإنسانية. ولكن إذا قام أحد ما، في أي مكان من الكرة الأرضية، برسم صورة لمحمد وهو يدخل على إحدى زوجاته خفية من الأخريات، تقوم قائمة العالم الإسلامي برمّته، وتشبّ نيران داعش والغبراء في جُبَب مشايخ المسلمين جميعهم فيتصايحون بالويل والثبور للكفرة أولاد القردة والخنازير. وثمّة، هناك، بعض المتحذلقين الذين يحاولون إيجاد مبرّرات تافهة وسخيفة بقولهم: (إن هؤلاء الشواذ لا يمثلون إلا أنفسهم. والدين الإسلامي الحنيف بريء منهم). ولكنهم، في الوقت ذاته، يتقاعسون عن إدانتها، ولايخرجون في مظاهرة واحدة ضد أفعالهم الشنعاء لا. بل يمجّدون، ضمناً، أعمالهم البطولية. فإذا كان هؤلاء شواذ فمن يمثّل الدين الإسلامي إذن؟ أمو شيخ الجامع الأزهر الذي جاء بتبريرات صبيانية، في مقابلة صحفية، تهرّبا من تكفير داعش؟ أم القاعدة؟ أم حركة الشباب المجاهدين في الصومال وشرق افريقيا؟، أم بوكو حرام في نيجيريا؟، أم تنظيم القاعدة في جزيرة العرب؟، أم طالبان في أفغانستان؟، أم جبهة النصرة، والجبهة الإسلامية في سوريا؟، أم أنصار الشريعة في ليبيا؟، أم حركة التحرير الشعبية في السودان؟ أم جماعة أبو سيّاف في جنوبي الفلبين؟، أم كتائب شهداء الأقصى في فلسطين؟، أم أنصار الإسلام الجماعة السلفية الكردية في العراق، أم حزب الله الكردي في جنوب شرقي تركيا؟، أم جيش تحرير بلوشستان؟ أم الجهاد المصري الإسلامي؟، أم حركة حماس في غزّة؟، أم الجهاد الإسلامي في فلسطين؟، أم جماعة الأخوان المسلمين؟، أم جيش محمد في كشمير الهندية؟، أم اتحاد الجهاد الإسلامي في أوزبكستان؟، أم جماعة المقاتلين الإسلاميين المغاربة؟، أم حركة الجهاد الإسلامي في بنغلادش؟، أم حركة أنصار الدين في مالي؟. والقائمة تبدأ ولن تنتهي أبدا. فمن يُمثّل المسلمين الحقيقيين، إذن، يا ترى؟.
   كان عدد المسيحيين التابعين لكنيسة المشرق وحدها،  عدا المنتمين لالكنيسة السريانية الأرثوذكسية، حتى غزو ثقافة الصحراء المتمثّلة بالدين الاسلامي، لمراكز الإشعاعات الحضارية في بلاد الشام ومابين النهرين ثمانين مليونا. وقد تقلّص هذا العدد، بفعل الحروب الدمويّة لفرض الإسلام بالقوّة، والتي نتجت عنها الاضطهادات والمجازر وسفكّ دماء الأبرياء، إلى ثلاثة ملايين في جميع أنحاء العالم.
   يؤكّد تقرير الأمم المتحدة لعام 2007 م بأن تعداد الآشوريين في العراق عام 2003م كان مليون ونصف مليون. ولكن وتيرة هجرتهم تسارعت بعد احتلال العراق حتى أن أكثر من ثلثي عددهم قد لاذ بالفرار نتيجة أعمال العنف الطائفي الذي عصف بالبلاد حيث بدأ الاضطهاد بحقّ الآشوريين يأخذ منحى آخر. اضطهاد تمارسه مجموعات إرهابية ذات منظور فكري رجعي متطرّف أو مايسمّى بالإسلام السياسي، وتحت تسميات ومسمّيات شتّى. حيث تعرّض ويتعرّض الآشوريون المسيحيون لعمليات تطهير عرقي، وإبادة جماعية منظمة ومخطط لها مسبقا. كما تعرّضت مصالحهم وبيوتهم وكنائسهم للحرق والتدنيس والتفجير والهجومات المسلحة إلى درجة خلت البصرة وجنوب العراق برمّته من المسيحيين عامة، ومن الآشوريين بشكل خاص. وأرغم عشرات الآلاف من سكان بغداد إلى ترك أعمالهم وممتلكاتهم ومنازلهم والفرار طلبا للنجاة بجلودهم وجلود أطفالهم. وقد تلقى العديد العديد منهم منشورات تدعوهم إلى االخيار بين اعتناق الاسلام، أو دفع الجزية، أو مغادرة البلاد على الفور. كما تعرّض العديد منهم إلى الخطف والابتزاز وطلب الفدية التي كانت تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات مقابل إطلاق سراحهم ناهيك عن الاغتيالات التي لم يسلم منها حتى الرموز الدينية. والأسوأ من كل هذا وذاك أن غالبية المسلمين في العراق، بكل انتماءاتهم القومية والمذهبية، يستهدفون الآشوريين المسيحيين من أجل تصفيتهم من موطنهم الأصلي والتاريخي ضمن مخطط مبرمج وافق عليه الجميع، من دون إبرام اتفاق رسمي بينهم، لاقتلاعهم من جذورهم الضاربة في عمق أعماق تراب بلاد الرافدين (بلاد آشور)، وتشريدهم في دول الاغتراب والتيه والضياع سعياً وراء محو وإزالة كل أثر لهويتهم القومية. في الوقت ذاته يحاول كل طرف إلقاء اللوم على الطرف الآخر بينما الحكومة مكتوفة الأيدي تغضّ الطرف، عن رضى أو عجز، عن إيجاد حلّ لمعاناتهم، وتوفير الحماية لهم. وكان الفرار المذل والمهين للجيش العراقي والبشمركه الكردية بآلافهم المؤلفة والمجهّزين بكل أنواع الأسلحة المتطوّرة أمام عدة آلاف من قطاع الطرق من الدواعش وترك المسيحيين والإيزيدين طعماّ سائغا لشذّاذ الآفاق الذين سلبوهم أملاكهم ومقتنياتهم، ولم يبقوا على أثر منهم في الموصل وقصباتها بعد أن قاموا باغتصاب نسائهم وعرضهن سبايا للبيع في سوق النخاسة أمام أنظار العالم الذي لم يحرّك ساكنا هي القشّة التي قصمت ظهر البعير. فكيف، إذن، سيقنع المسلمون العالم بأن الإسلام دين تسامح وسلام في الوقت الذي يلوذون بالصمت تجاه مرتكبي هذه الأعمال الإجرامية القذرة باسم الإسلام؟.
   إن شيوخ المسلمين وائمتهم قادرون، إذا أرادوا، على ردع هؤلاء المجرمين الخارجين على القوانين الدولية والأعراف الإنسانية وذلك بإصدار فتاواهم ضد مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية التي لايستلذّ بها إلا الشيطان وحده لاشريك له. أفليس التغاضي عن الإجرام من علامات الرضى، ونوعا من المساهمة فيه؟. أو ليس الساكت عن الحقّ شيطان أخرس؟.
   إن مايجري في العراق وسوريا، اليوم، يعتبر بكل مقاييس الإنسانية صراعا بين القيّم الحضارية بكل معانيها، وبين السلوك الهمجي، والتخلّف الفكري، والشذوذ الديني المسيطر على مجموعات، تعيش في أحلام اليقظة، وترضى بأن تكون دمى مزنّرة بالمتفجيرات من أجل الوصول إلى الجنّة بأقصى سرعة ممكنة حيت في انتظارهم حور العين والغلمان بعد أن يحقّقون مآرب كل الحاقدين على العراق وأهل العراق.
   كثيرا ما يتشدّق العديد من الكتّاب والسّاسة ورجال الدين المسلمين بأن المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية قد عاشوا في العالم الإسلامي بسلام وأمان واطمئنان. ومارسوا طقوسهم وشعائرهم الدينية بمطلق الحرية من دون رقيب أو حسيب لأنهم من أهل الذمّة. ويستشهدون بالآية التي تقول: (إِنَّ الَّذِينَ آمَنُواْ وَالَّذِينَ هَادُواْ وَالنَّصَارَى وَالصَّابِئِينَ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَعَمِلَ صَالِحاً فَلَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ).  أي أنهم في ذمّة الدولة الاسلامية ويستندون في ذلك إلى قول النبي: (من آذى أميّا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله). وتصديقاّ لذلك يوردون عشرات الآيات ومنها الآية التي تقول:
- لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَاناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُون.   
- إِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقَاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَمَا جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا.       
   ولكنهم ينسون أو يتناسون بأن كل هذا أقل بكثير عن ربع الحقيقة، لأنهم يعرفون جيدا بأن كل هذه الآيات وغيرها من الآيات والأحاديث النبويّة التي كانت تدعو إلى الرحمة، والتسامح، والحرية في اعتناق الدين الذي يرتأيه الإنسان وعلى سبيل المثال لاالحصر:
- لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ قَد تَّبَيَّنَ الرُّشْدُ مِنَ الْغَيِّ. 
- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآمَنَ مَن فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّىٰ يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.   
- ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ. 
- وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ. 
- إِن تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ الْمُبِينُ. 
- فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَإِنَّمَا عَلَىٰ رَسُولِنَا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ.   
- فَأَعْرِضْ عَن مَّن تَوَلَّى عَن ذِكْرِنَا وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَيَاةَ الدُّنْيَا. 
- وَمَا أَنْتَ عَلَيْهِمْ بِوَكِيلٍ. 
- إنْ أَنتَ إِلَّا نَذِيرٌ. 
- فَتَوَلَّ عَنْهُمْ فَمَا أَنتَ بِمَلُومٍ. 
- وَمَا عَلَى الرَّسُولِ إِلَّا الْبَلَاغُ الْمُبِينُ.
- وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَآَمَنَ مَنْ فِي الْأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعًا أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ.   
- لكُم دينُكُم ولي دين. 
- وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكّل على الله.   
- لعلك باخعٌ نفسك أن لايكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين. 
- اصْفَحْ عَنْهُمْ وَقُلْ سَلَامٌ فَسَوْفَ يَعْلَمُونَ.   

- وَمَنْ كَفَرَ فَلَا يَحْزُنْكَ كُفْرُهُ.   
- وقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُواْ إِنَّ اللّهَ لاَ يُحِبِّ الْمُعْتَدِينَ.
- لا يَنْهَاكُمْ اللَّهُ عَنْ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ.
   كل هذه الآيات ومايربو على مائتي آية أخرى قد مسختها آيات السيف والقتال، وبطل مفعولها وأصبحت حبرا على ورق. وقد كانت سورة براءة التي وردت فيها آية السيف آخر  ماأُنزل على النبي. وقد توفي ولم يبين موضعها (إرشاد الساري 7/138). وبهذا كان موقف آية السيف هو الموقف الأخير الذي تبنّاه النبي قبل وفاته، ولهذا اتّخذه المسلمون الأوائل باعتياره النهج النهائي لسلوكياتهم وممارساتهم اليوميّة. هذا إضافة إلى أن المسلمين يؤمنون، يقيناً، بأن الإسلام قد نسخ ومحا كل الديانات السماوية التي سبقته، وبأن محمدا أرسله الله إلى الثقلين أي الإنس والجن، وبأن (الدين عند الله الإسلام). واستنادا إلى ذلك يكفّرون غير المسلمين جميعا، ويستوجبون قتالهم.
   لقد ورد أن النبي كان لايحلّ ولايحرّم في بداية رسالته في مكة. وكان مغلوبا على أمره حتى أن الشرع الإسلامي قد فرّق بين ابنته زينب وبين زوجها أبي العاص بن الربيع، وكان لايستطيع أن يفرّق بينهما. فأقامت زينب مع زوجها على إسلامها وهو على شركه. (ابن هشام 2/307). ولكن فتح مكة كان بداية لمنهج الإكراه في الدين. وقد كان القرار سياسيا أكثر منه دينيا. فبعد أن هيمن المسلمون على مكة، المركز الديني للجزيرة العربية، نجد بأن الله الذي أكد مرارا وتكرار بأن كتابه المنزل على نبيه:
- كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ.   
- لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ. 
- وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا.
- وَتَمَّتْ كَلِمَتُ رَبِّكَ صِدْقًا وَعَدْلًا لَّا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ. 
- إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ. 
-مَا يُبَدَّلُ الْقَوْلُ لَدَيَّ وَمَا أَنَا بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ. 
- لْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنزَلَ عَلَى عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَل لَّهُ عِوَجَا.
- قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ.
   ولكن الله قد غيّر رأيه بعد فتح مكة. فبعد أن كان إلها رحيما ورؤوفا ومسامحا قد انقلب إلها عنيفا ودمويا وبدأ بتنزيل الآيات التي تدعو إلى الجهاد والقتل وسفكّ الدماء، ومنها على سبيل المثال لاالحصر:
- يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدْ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ.   
- قَاتِلُواْ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَلاَ بِالْيَوْمِ الآخِرِ وَلاَ يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللّهُ وَرَسُولُهُ وَلاَ يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُواْ الْجِزْيَةَ عَن يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ.   
- ا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَىٰ أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَن يَتَوَلَّهُم مِّنكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ.     
- وَقَاتِلُوهُمْ حَتَّى لاَ تَكُونَ فِتْنَةٌ وَيَكُونَ الدِّينُ كُلُّهُ لِلّه. 
- وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإسلام دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ.   
- فَإِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا فَضَرْبَ الرِّقَابِ حَتَّىٰ إِذَا أَثْخَنتُمُوهُمْ فَشُدُّوا الْوَثَاقَ. 
- فَإِذَا انسَلَخَ الْأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ. 
- قَاتِلُوا الَّذِينَ يَلُونَكُم مِّنَ الْكُفَّارِ وَلْيَجِدُوا فِيكُمْ غِلْظَةً. 
- إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الَّذِينَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ صَفًّا كَأَنَّهُم بُنْيَانٌ مَّرْصُوصٌ. 
- سَأُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُوا الرُّعْبَ فَاضْرِبُوا فَوْقَ الْأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ. 
-. انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ.           
   وثبت عن النبي قوله: (وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لَا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ يَهُودِيٌّ وَلَا نَصْرَانِيٌّ ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلَّا كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ).  وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال: (أُعْطِيتُ خَمْسًا لَمْ يُعْطَهُنَّ أَحَدٌ قَبْلِي جُعِلَتْ لِي الأَرْضُ مَسْجِدًا ، وَطَهُورًا وَنُصِرْتُ بِالرُّعْبِ وَأُحِلَّتْ لِيَ الْغَنَائِمُ، وَأُعْطِيتُ الشَّفَاعَةَ). مبرّرا كل هذه الآيات والأحاديث بالآية التي تقول: (مَا نَنسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِّنْهَا أَوْ مِثْلِهَا). 
   والنسخ في القرآن ثلاثة أنواع هي:
- ما نُسخ حكمه ونُسخ حرفه أي نسخ التلاوة والحكم معاً.
- ما نسخ حرفه وبقي حكمه. نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
- ما نُسخ حكمه وبقي حرفه أي نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. وهذا أهم وأخطر لأنه يكون النص المنسوخ موجودا بلفظه في القرآن ولكن حكمه ملغى بحكم آخر. وهذا يكون مجال كبير للخداع الذي يقوم به الدعاة الإسلاميين. حيث أنهم يدّعون بأن الإسلام دين سماحة ويتشدّقون بآيات سلمية مستغلين عدم إلمام غير المسلم بالقرآن بوجه عام, وبقضيّة الناسخ والمنسوخ بوجه خاص. فيكذب الداعية الإسلامي ويضلل الأخرين بعدم ذكره قضية الناسخ والمنسوخ التي هي محل خجل للمسلمين جميعا. لكن الناسخ والمنسوخ ليس قضية فقهية اختلف فيها المفسّرون، لكنها آيه قرآنية تقول: (وما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها). وإن وجود هذين المنهجين في القرآن يمكن للمسلمين من اتخاذ أي منهج منهما، وحسب اللحظة التاريخية والاجتماعية التي يعيشون فيها، خصوصا أن النبي أبقى على النص المنسوخ في القرآن. وهي نافذة مهمة للدخول والخروج منها لمواكبة اللحظة الاجتماعية للمسلمين عبر التاريخ. لكنها، في الوقت ذاته، تتطلب وعيا عميقا، وجرأة على الممارسة وإلا فما جدوى الإبقاء على النص القرآني في حالة رفضه تماما كاحتمال قائم لسلوك اجتماعي ممكن.
   إن نسبة الآيات التي تفتح نافذة الاحتمال داخل اليقين الإسلامي أكثر بكثير من الآيات التي نسختها، بل إن آيات الإكراه في الدين كانت آخر ما أُنتج داخل المنظومة المعرفية للإسلام وهذا يعني أن المسلمين في الوقت الحاضر يقرأون، بشكل يومي، قسما كبيرا من القرآن ولا يتّخذونه منهجا لهم في ممارساتهم الاجتماعية مع الآخرين. إن (اللاجدوى) في قراءة القسم الأكبر من القرآن ينبغي أن يكون له حلا عقلانيا. إما بحذف النص أو جعله سلوكا اجتماعيا. ولهذا تتبلور تساؤلات عديدة تحتاج إلى إجابات شافية وصريحة من المثقفين المسلمين وأهم تلك الأسئلة:
1. هل المطلوب من المسلمين تبليغ رسالتهم الدينية بطرق وأساليب سلمية رحيمة لغيرهم من البشر؟. أم المطلوب هو غزو بلدانهم والاستيلاء على ممتلكاتهم ومقدراتهم، واسترقاق نسائهم بعد سفكّ دماء رجالهم؟.
2. هل المطلوب اجتياح بلدان الغير بقوة جند جهادية متعطشة لسفكّ الدماء، وطلبا للشهادة سعيا وراء بلوغ مراتب من هم في مصاف الشهداء الذين سينعمون بملذات الجنّة وحورها الحسان؟.
3. هل المطلوب هو استبدال سكان أرض كافرة بسكان جند من المسلمين وهو ما يعني سلب الأرض من أصحابها الأصليين باسم العقيدة الاسلامية؟.
4. هل آيات الجهاد والقتال قابلة للتأويل؟. وهل هي محدّدة بزمان ومكان معين بحسب نزولها، أم أنها مطلقة التطبيق على الرغم من أن الإجابة عنها أحدثت تشظي في الفكر الإسلامي الحاضر؟.
   وبموجب فهم وتأويل الآية الخامسة من سورة التوبة التي هي آية السيف انتقل المسلمون في تعاملهم مع غيرهم من أسلوب اللين والإقناع إلى أسلوب العنف والشدّة والقتال. فكشّر المسلمون، بموجبها، عن أنيابهم ومخالبهم الجارحة، وامتشقوا السيف عاليا بدعوى تبليغ رسالة الإسلام بالقتل الجهادي والإرهابي متنكرين لكل الآيات الرحيمة المتسامحة التي تنزع لاستخدام العقل في إيصال هذا الدين إلى الناس.
   فلو توغلنا في التاريخ الاسلامي منذ تأسيس الدولة الإسلامية، وخاصة بعد إصدار ما سمّي بالوثيقة العمرية (نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب) التي قضت بطرد جميع المسيحيين واليهود من شبه الجزيرة العربية، والمضايقة عليهم واضطهادهم وإذلالهم في غيرها من البلدان تنفيذا لحديث النبي محمد الذي يقول فيه: (لايجتمع في جزيرة العرب دينان). . لوتوغلنا في هذا التاريخ لوجدناه مفعما بالمظالم والاضطهادات، وملطخا بدماء الملايين من الأبرياء. ومانراه اليوم من أعمال إجرامية من قتل واغتيال واختطاف وتفجيرات وغير ذلك مما يندى له جبين البشرية ماهي إلا نتاج تراكمات تراث دموي تحريضي بدأ منذ 1400 عاما، ويظهر الآن ، بكل جلاء ووضوح، في أقوال وممارسات الحركات الأصولية التي تعشّش كالعناكب السامة في بنيان المجتمعات العالمية. وتستمدّ نهجها من الآيات القرآنية والسيرة النبوية فقد ورد عن النبي أنه قال: (نصرت بالرعب. فإن العدو ليرعب مني من مسيرة شهر).  وقوله: (والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولايهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار).  وبهذا صار الدخول في الإسلام، مذّاك، ناجما عن الخوف والرعب وليس عن إيمان. وتحت آلية الإكراه في الدين أصبح الدخول في الإسلام كميّا وليس نوعيا. وهذا السبب الرئيس الذي دفع عطاء بن السائب إلى القول: (إن عامة الناس الذين مع النبي غير مؤمنين).  وهو السبب ذاته الذي دفع علي بن أبي طالب إلى نعت المسلمين في الكوفة بالهمج الذين يتبعون كل ناعق.  وخير مثال على ذلك الردّة التي حدثت بعد وفاة محمد حيث عاد المرتدّون إلى حظيرة الاسلام نتيجة الخوف والرعب لابفعل الإيمان. لذلك فإن المتطرفين والأصوليين والإرهابيين، وخاصة المراهقين منهم، يعتمدون على نصوص من القرآن والسنّة التي يلقّنها إياهم أئمتهم ومشايخهم للتحريض ضد غير المسلمين وبهذا الصدد، وفي حديث للنبي أنه قال: (لاتبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم فاضظروهم إلى أضيق الطريق).  ومن المحال أن تتوقف هذه الأعمال الإجرامية مالم يتم تجفيف منابع التطرّف والحقد والكراهية ومصادر تمويله. وجميع هذه المنابع تتدفق من الجوامع وجامعات ومدارس الشريعة الإسلامية المنتشرة بكثافة في كل الدول العربية والإسلامية، وتقف المملكة العربية السعودية في طليعة مموّلي هذه البؤر الفاسدة. ففي دراسة أكاديمية أمريكية أكدت بأن السعودية صرفت خلال العشرين سنة الماضية نحو 87 مليار دولار على نشر الفكر الوهّابي الذي يمثل قمة التعصّب والتطرّف في العالم. ومازالت المناهج الدراسية في مدارس المملكة السعودية، وفي مناهج جامع الأزهر بالقاهرة موبوءة بتعاليم التطرف، وبرمجة أدمغة الأطفال والشباب على بغض أتباع الديانات الأخرى ووجوب قتالهم. فالإرهاب يرضع من أثداء آيات السيف والقتال والحديث النبوي، وخطابات أئمة وشيوخ الجوامع، ومن الفتاوى التي يصدرها كل على مزاجه الخاص وانطلاقا، من بيئته المظلمة ومن دون حسيب أو رقيب، ومن مناهج التدريس الموبوءة بالحقد والبغضاء تجاه الآخر المختلف.
ولعل من أخطر الأفكار التدميرية وأشدّها قسوة وظلما هو الفكر التكفيري الذي انبثق عنه الإرهاب الفكري، وإن هذا الإرهاب ضارب جذوره في عمق التاريخ الإسلامي لكنه اليوم قد توسّع إطاره العام كثيرا نتيجة التكنولوجيا، ومواد التفجير المتوافرة في إيدي الإرهابيين. وهذا التكفير من ألدّ أعداء التسامح وأخطرها على الإطلاق حيث يقوم على تكفير الأخر، ويطلق عليه الأحكام جزافا دون دليل أو برهان. ولايتمّ القضاء على هذا الفكر الشاذ إلا:
1. بتنقية المناهج الدراسية في جميع المراحل بدءأً من رياض الأطفال وحتى الجامعة، وفي جميع البدان الاسلامية عامة، والعربية خاصة من النصوص الدينية التي تدعو إلى التطرّف الديني والكراهية ضد الأديان الأخرى. واستئصال الأفكار العنصرية والشوفينية والظلامية، ومنع استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، وفصل الدين عن الدولة، ورفض الأنظمة الشمولية تحت ستار الدين أو القومية أو العنصرية. ومراقبة النشاطات التي تجري في الجوامع، وخطب الأئمة التي تحرّض على الإرهاب باسم المقاومة .
2. بالتركيز على نشر روح التسامح، وقبول الآخر، والتعايش معه وإدخال مواد دراسية تساعد على القضاء على التعصّب الديني.
3. بغلق جميع مواقع الإنترنيت، والفضائيات التي تروّج للتعصب الديني والعداء ضد مختلف أتباع الأديان والمذاهب.
4. بحذف جميع آيات السيف والقتال من القرآن، وجميع الأحاديث النبوية التي تدعو إلى ذلك والتركيز على الآيات المنسوخة التي تدعو إلى التسامح والرحمة.
   على المسلمين صياغة ونشر صورة للإسلام تتّصف بالحداثة والاعتدال والديمقراطية والحرية والليبرالية والإنسانية وتقبل الآخر واحترام المرأة. هنا يستطيع غير المسلمين المساعدة وذلك بعزل الإسلاميين المتطرفين وعدم التعامل معهم ومقاطعتهم وتأييد المسلمين المعتدلين بالرغم من أن الإسلام المعتدل هو من الناحية النظرية أمر ممكن ومحتمل، إلا أن ضعف مؤيديه في الحاضر يجعله يبدو بعيداً وربما مستحيلا. ومهما بدت احتمالات نجاح الإسلام المعتدل ضعيفة في الوقت الحاضر فإن نجاحه إنما يمثل في النهاية الصورة الفعالة الوحيدة لمكافحة الإرهاب. ويتطلب ذلك:
1. إصدار الأمم المتحدة  قانون جديد يضاف  للقانون الدولي يحدّد الإجراءات والأساليب التي تترتّب على كافة أعضاء المنظمة الدولية التصدي للمنظمات الإرهابية وملاحقتها، وشلّ نشاطها. وإنشاء قسم تابع لمجلس الأمن يتولى متابعة وملاحقة النشاطات الإرهابية بالتعاون مع كافة الدول المنضوية تحت ميثاق  المنظمة الدولية، وإلزام كافة دول العالم بالتنفيذ الدقيق والصارم لها لاستئصال شأفة الإرهاب من جذوره.
2. إصدار القوانين التي تحرّم وجود المنظمات الإرهابية على أراضيها، وتحديد العقوبات القصوى بحق من يثبت قيامه بأي نشاط إرهابي سواء كان ذلك من خلال تنفيذ النشاطات الإرهابية، أو إنشاء المدارس الدينية التي تحضّ على الإرهاب باسم مخالفة الشريعة، أو التشجيع على الإرهاب عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية .
3. مراقبة الحكومات كافة لحركة الأموال المستخدمة من قبل المنظمات الإرهابية، ومراقبة البنوك والشركات التي تتولى نقل وتوزيع وغسل الأموال العائدة للمنظمات الإرهابية، ومراقبة التبرعات التي تصل للمنظمات الإرهابية من العناصر الداعمة للإرهاب، وإنزال العقاب الصارم بكل من يتولى نقل وتوزيع الأموال وتهريبها والتبرع بها.
4. إلزام كافة الدول بتقديم ما لديها من معلومات عن نشاطات المنظمات الإرهابية إلى اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة بمتابعة النشاطات الإرهابية في مختلف بلدان العالم ، وتبادل المعلومات بين سائر الدول بما يحقّق متابعة وملاحقة المنظمات الإرهابية ومنعها من ممارسة نشاطها الإرهابي على أراضيها. أو إيواء الإرهابيين، أو التستّر على نشاطاتهم، أو تقديم الدعم اللوجستي والأسلحة والمعدّات والأموال والخبرات العسكرية والتدريب على أراضيها.
5. اعتبار كل دولة تسمح للمنظمات الإرهابية التواجد على أراضيها، أو ثبوت تقديمها الدعم المادي أو اللوجستي لها دول داعمة للإرهاب. واتخاذ الأمم المتحدة قراراً بوقف عضوية تلك الدولة في المنظمة العالمية، وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية عليها حتى تتأكد الأمم المتحدة  من توقف تلك الدولة عن دعم المنظمات الإرهابية.
6. إذا لم تتوقف الدول الداعمة للإرهاب عن دعم النشاطات الإرهابية فوق أراضيها. أو تحضّ على الإرهاب، أو تدعم النشاطات الإرهابية على أراضي الدول المجاورة لها فعلى مجلس الأمن أن يجتمع ويتخذ قراراً باستخدام القوة ضد تلك الدولة التي ترفض الالتزام بمحاربة الإرهاب وتستمر في دعمه أو تشجيعه.
7. عدم قبول الدول لجوء العناصر الإرهابية إليها، أو التستر على وجودهم. والتدقيق في شخصية كل لاجئ، والتأكد من عدم ارتباطه بأية منظمة إرهابية، وتسليم العناصر الإرهابية التي تدخل أراضيها إلى دولهم لتتم محاكمتهم وإنزال العقوبة التي يستحقونها بهم.
8. مراقبة ومنع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة من تقديم أي نوع من الدعم للمنظمات الإرهابية، وإحالة المسؤولين المخالفين للمحاكم، ومراقبة مواقع الإنترنيت ووقف كافة المواقع التي تشجّع الإرهاب، وتنقل أخبار الإرهابيين، وتمجّد أفعالهم الإجرامية، وإحالة مسؤوليها إلى المحاكم لينالوا جزاءهم العادل .
   إن تكاتف جهود كافة الدول وحكوماتها في التصدّي للمنظمات الإرهابية، وتحت راية منظمة الأمم المتحدة، وتقديم الدعم والمساعدة للدول والحكومات التي تتصدّى للإرهاب، وتبادل المعلومات، بالإضافة لمعالجة مشكلة الفقر والبطالة في البلدان الفقيرة، والنهوض بالمستوى المعيشي لهذه الشعوب كفيل بالقضاء على المنظمات الإرهابية وتخليص العالم من شرورها.
   لايستطيع أحد أن ينكر دور الإسلام السلبي في تعطيل المسيرة الديمقراطية في كل البلدان الإسلامية وخاصة أن مبادئه تتعارض مع أصول وروح النظام الديمقراطي. والسبب في ذلك هو الاعتقاد بأن الاسلام منزل كدين كامل من السماء. وقد ساد هذا الاعتقاد إلى درجة خطيرة بسبب الأدبيات والإعلام، واختفاء الرأي المخالف وقمعه كليا ما أدّى إلى إفراغ الذهنية الإسلامية من أي فكر إلا الديني منه. وأصبح الإسلام تبعا لذلك هو المكوّن الوحيد للثقافة الاسلامية عامة والعربية خاصة. وعندما يتساءل المسلم البسيط إذا كان الإسلام منزل، ويتصف بالكمال فلماذا أصبحت بلدان الغرب الكافرة أكثر تطورا وغنى ورخاء من بلاد المسلمين المؤمنين؟. فيكون الجواب دائما أن سبب عزوف الله عنا هو تقصيرنا في الالتزام بديننا. مع أن هناك الكثير من المثقفين المقموعين الخائفين والمرتعبين من التكفير يدركون جيدا بأن نجاح الغرب وقوته وثروته يعود إلى تطبيق صحيح للديمقراطية مجرّدة عن سيطرة الإرهاب الفكري. وهم متأكدون بأنه لو نقلت التجربة الديمقراطية إلى بلاد المسلمين لازدهرت وأصبحت أكثر نجاحا وقوة ونتاجا وعطاء. ولكن الحكام العرب والمسلمين وأحزابهم المحتكرة للحكم والحكومات لاترغب بالديمقراطية لأنها تعني انتقال السلطة إلى أيدي غيرهم لذا فهم يقومون بلعبة خطيرة هي إلهاب مشاعر الناس ضد الغرب في حين يعتمدون في بقاء حكوماتهم على مساعدات مالية وعسكرية من الغرب مدّعين بأنهم يستخدمون هذا المال والسلاح للقضاء على التطرف والإرهاب في بلادهم في سبيل إرساء دعائم الديمقراطية في حين يتركون للجماعات الإسلامية المتطرفة الحبل على الغارب لتسميم عقلية شعوبهم.
   الثقافة العربية خاصة، والاسلامية عامة مختزلة في مكوّن واحد ووحيد هو الدين الاسلامي، وسلطانه الجبار الذي لايسمح بمرور أي تغيير أو تبديل لما يتعارض مع ثوابته الرجعية وجوهره الجامد لأن في صميم الإسلام يكمن مبدأ يعارض الديمقراطية. أضف إلى ذلك أن الإسلام يقوم على اعتبار أن الحاكم والحكومة عليهما، ومن واجبهما أن يقوما بتعزيز الإسلام والدفاع عنه، والترويج له، وتدريسه. وعقاب كل من يتجرأ على انتقاده أو مخالفته، وكل من يتجرأ على إبداء الرأي به أو نقده تلاحقه لعنة التكفير والردّة وإهدار الدم.
   من المستحيل على الأمة الاسلامية أن تتقدّم وتبدع قبل أن تتحرر من مآسيها وعقدها ومحرماتها. وقبل أن تنجح في تحويل دينها إلى دين روحاني صرف يدعو الإنسان إلى علاقة مباشرة خاصة بينه وبين خالقه دون تدخّل أي إنسان، أو هيئة، أو مافيا دينية. ويستحيل على الأمة الإسلامية أي إصلاح مادام انتقاد النبي محمد، وانتقاد القرآن ومفاهيمه ومبادئه وتعاليمه أمرا محرّما وخطا أحمر يقود المساس به إلى التهلكة.
   مازال المسلمون يتهمون الحضارة الغربية ويصفونها بحضارة الكفر في ذات الوقت الذي يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار، وينعمون بمختلف إنجازات الكفّار العلمية والتكنولوجية والطبية دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده الكفّار قد فاتهم بقرون عديدة حتى أصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها. فكيف ستتمكن النخبة التنويرية العربية والاسلامية من مواجهة هذا الواقع بعيدا عن الكذب والنفاق والعنجهية الفارغة في الوقت الذي يسمعون شيوخ الاسلام يردّدون، بكل غرور وعناد وتبجح، أن المسلمين هم خير أمة أخرجها الله وفضّلها على العالمين. بناء على الآية التي تقول: (كنتم خير أمة أخرجت للناس). 

*****

65
أدب / وحوش الجحيم
« في: 13:15 22/11/2014  »


وحوش الجحيم


 آدم دانيال هومه   

ينهض من بين ركام ذاته معفّرا بغبار البروق
متطهرا من أدران أحزانه
يتقيّل في سرير الشفق
تظلله هالة من ألق الملكوت
وتحت قدميه سندس الغيم
منصهرا في بوتقة أحلامه الزمرّديّة
ينهل من النبع الإلهي المتدفق من أعماق روحه الساطعة
ويسير إلى جوار كلكامش المدجّج بالألوهة
في رحلته الأزلية لسبر أغوار الموت بين نهدي عشتار
قبيل بزوغ الفجر
يتهجى زقزقات العصافير ترتعش تحت زخات غيمة وردية
وعند حلول المساء
ترفرف أطيار البهجة على أغصان قلبه 
وينظر إلى صورته تتلألأ على جدار الغيوم
مضمخة بنثار النجوم
ترتعش بين يديه نجمة الصبح
كارتعاش نهد كاعب بين مخالب نبي ينزّ الشبق من مسامات روحه
يركل بقدميه الأزمان والعصور
مثل حصان مجنّح يمتطي صهوة الريح إلى آفاق الغيب
والرمال تحت قدميه تسبّح في أعماق البحر
يستند إلى أريكة القيامة
ويرفل في نومه القدسي
ملبيا نداء ربه قبل فوات الأوان.

عشتار البتول المقدسة
العارفة بسرائر وأسرار الآلهة
مليكة السماء التي وهبها أنكي المبجّل الكهانة المقدسة
وتاج الألوهية
والصولجان العجائبي المبارك
بعد أن تستحم بحليب اليمام
تعرض مفاتنها المتوهجة للشمس
لتكتسب الشمس لونها الأزلي الخلاّب
تغسل جدائلها بعطر الريحان النابت على ضفاف الزاب
تسير حافية القدمين على تراب أرض الفراتين
لتطهّره من رجس الأنبياء والمشعوذين
وتتجلى بالأبهة والكمال والإجلال
تتبارك بسرتها الحمائم وأيائل الجبال
ترمي قلادتها الفيروزية على سرير الأرض
وتمتطي زورق السماء وتمخر بين أسراب النجوم
لتخلد إلى ملكوتها السماوي
وتتألق في الآفاق نجمة الصباح
وتغدق على الكون بهاءها
فيلهج بمدحها أبناء سومر وبابل وآشور
وتهبّ في إثرها عاصفة من رحيق المطر
فتتفتق أكمام الربيع من بين سبات اليباس والجماد
ويتعالى تغريد الطيور لدى انبلاج الفجر
وتزدهر الحقول والمراعي
وتينع السنابل جذلى
وتتكلل الأشجار بالثمار الشهيّة.
 
وطني أيقونة كل الحضارات
يسّاقط المجد على قدميه ندى
الفرات يمد شرايينه في أعماق الأرض
يهدي الشعراء إلى ينابيع الغيم
ودجلة الرقراق دنان من الخمر
يمنح االأطفال النشوة والفرح
فيتسابقون إلى مراعي الحروف
وينتشون بأريج الشعر والبيان
يسرجون جياد الرياح
يحلقون على متنها إلى الآفاق اللامرئية
ليسبروا أغوار الغيب.

وطني...
منتزه الآلهة وملتقى العشاق والشعراء
واحة الجمال والجلال والبهاء
تقيّأ الجحيم وحوشه الضارية
فشمّروا عن أنيابهم
وبدأوا بتقطيع أوصاله وازدرادوا خيراته
شوّهوا معالمه الحضارية النضرة
واستباحوا مواطن الذكريات المزدانة بالقرنفل والجلّنار
نحروا رفوف الأفراح من عيون الآباء
أذبلوا زنابق البسمات على شفاه الأمهات
ووأدوا أحلام الأطفال وهم ينتظرون هدايا أعياد الميلاد
كفراشات تسطع أرواحها على ثغر الأقحوان قبيل بزوغ الفجر
وساقوا النساء سبايا إلى سوق النخاسة تحت أسوار نينوى
وحاولوا ترويض الشمس لتصبح محظية الخليفة المعتوه
وزينوا العذارى لتساق جواري إلى مخادع جند الله
يشرئب الجنون من عيون الحالمين بالصعود إلى السماء
على سلالم الأوهام
يبحرون في السراب إلى العالم الآخر
تفوح روائح الدم اليانع من زغاريد مجاهدات النكاح الحالمات بفحل
يرفعهن على رأس قضيبه إلى جنان الخلد.

قشعريرة تسري في مخيلتي
وأنا أسمع نشيج وطني في عروقي
كدبيب الأزمنة والعصور تحت ظلال زقّورة أور
وأنا أتأمل تلك الأطلال الحافلة بالشموخ والكبرياء
أتذكر جبروت الجيش الآشوري وهو يتأهب لخوض الحرب
وصخور الجبال تئن تحت وطأة أقدامه
فأذرف دمعة على قبر نبوخذ نصّر
وأسلم زمامي إلى طائر الريح.

قلبي طاعن في الحزن
وروحي مثقلة بالألم
وأنا أرى وطني الزاخر بالسنابل والأغنيات
تطئه أقدام كلاب الصحراء
وتطفئ في جنباته همسات النخيل
وتحطم قيثارة سومر
وتدنّس معبد الإيساكيلا المبجّل
وشيوخ القبائل منهمكون بتقديم التعازي للموتى الذين لا زالوا على قيد الحياة.

يا وطني!...
حين أراك تحتضر في سرير اليأس
تتفتق أكمام براعم الذكريات على أغصان مخيلتي المتكسّرة
وحين أراك مضرّجا بالويلات
وقد حولتك غزوات رسل ابن تيمية إلى بيدر من رماد
أترك وشم خلودي على جسد الأرض
أحمل مناديل الدمع
وأمعن في الشتات... على أمل
أن يصل كلكامش المخلّص قبل فوات الأوان
كما في كل حين
ليمتشق البرق ويتدرع بجلد السماء
ويبيد كل الوحوش الضارة
يعيد عشتار المسبية إلى زهوها
ويعيد بلاد الرافدين إلى مجدها
لتنعم البلابل والزهور والرياح والأنهار بالحرية والأمان.           

وطني جنة الفقراء والخالدين
حولته وحوش الجحيم إلى مقبرة
ولكن عشتار المقدسة الآمنة والأمينة
لازال العنقود يستحيل في يدها خمرا
ولازلت أسمع وقع خطوات أنفاسها على عتبة روحي
وأفهم كل ومضة ضوء في عينيها بلا ترجمان.

*****                                           
adamhomeh@hotmail.com
  سدني - استراليا
.

66
أدب / اللبوة الجريحة
« في: 18:33 27/08/2014  »



اللبوة الجريحة

آدم دانيال هومه


مهداة إلى الصوت الصارخ في البرية فيان دخيل النائب عن المكوّن الإيزيدي في البرلمان العراقي


يا امرأة من وهج النار المقدّسة
ورحيق الأقحوان
يا سليلة عشتار المبجّلة
من يكتب عنك
لابد أن تتملكه نوبة من البكاء والكبرياء
تجليت كاللبوة الجريحة
تزأرين تحت قبة البرلمان
تحاولين إثارة نخوة المخنثين وأشباه الرجال
فلا تُثار
استحالت حبيبات الدمع في عينيك سرب حمام
وشلال نجوم تحفّ به مروج الغمام
بوركتِ من بين نساء الأرض جميعا
وبوركت الأم التي أرضعتكِ
والأب الذي ربّاك ورعاك
وبوركت الأرض التي احتضنت خطواتك
أنت تمثلين الطاووس بكل عنفوانه وجماله وجلاله
ستظلين مفخرة كل العراقيين على مر العصور
غدا سيقام لك تمثال من نور
فوق أعلى قمة جبل سنجار
وتحت قدميك أوكار النسور.
 
يا شميرام القرن الواحد والعشرين
ولدتِ امرأة
ولكن موقفك فاق مواقف أشجع الرجال
فتبا لجميع الجبناء الرعاديد
الذين كانوا ينظرون مأساة شعبك في عينيك
ويسمعون صرخاته في نشيجك
وأنت تنهارين إلى السماء
وهم يغوصون في أعماق الأرض.

يا امرأة قدّت من الصوّان
حين تعرض شعبك للذبح والتنكيل
بدأت تقدحين شررا في كل الاتجاهات
فتعسا لممثلي القوميات الأخرى
الذين طمروا رؤوسهم في رمال الخزي والعار
وانكشفت عوراتهم أمام أنظار العالم
ليتهم يكحّلون أجفانهم بالغبار المتنائر من تحت قدميك
ليروا قامتك الشمّاء تطاول عنان السماء.

يا عروس لالش
أما زلت تثقين بيهوذا الذي أسلم أبناء شعبك للصلب
وولى الأدبار تحت جنح الظلام
مكتفيا بذر الملح على جراحهم
وفاسحا المجال أمام الوحوش الضارية
لتعبث بأرواحهم
وتستبيح سرائرهم
وتعربد في قراهم وبيوتهم
وتنتهك حرمات مقدساتهم
وتنهش لحوم نسائهم
وتتوضأ بدمائهن الطاهرة
وتركهم ينزفون على الطرقات بين شعاب الجبال
مشردين يحملون قبورهم فوق أكتافهم
ويستجيرون بالموت من طعنات الإخوة في ظهورهم
وقد انقسمت الأرض تحت أقدامهم إلى نصفين
بينهما هاوية من سجيل.
فكلما أزهرت في عيونهم الآمال
تقطف يد الشر أحلامهم
وكلما تقيأ ملتح أخرق فتواه
امتشق الرعاع سيوف أحقادهم
ليبدأوا طقوس الجاهلية الثانية.
فكيف ياترى ستعيش وتستقر الحملان الوديعة
بين الذئاب المفترسة
وكيف سيبني اليمام أعشاشه
بين مخالب الصقور الكاسرة؟

بشراك أختاه
لا بد سيولد من رحم أرض الفراتين نسر
عصيا على الموت
يهز عروش الطغاة
ويجتث تعاليم الأنبياء الكذبة
ويتغوط على مقابرهم
وينشر أجنحته البيضاء على السهول والجبال
ليتربع على عرشه الأبدي
في بهاء ممالك الأرض
وعلى هامته تاج الألوهية.

هل تعلمي
بان الآشوري والإيزيدي كانا ولازالا
فرعين من جذع شجرة واحدة مباركة
أزلية سرمدية
وكلما هبت عليهما رياح سموم الصحراء
التحما في عناق طويل... وجليل.
*****

adamhomeh@hotmail.com

سدني - استراليا

67
أدب / الهاربون من الصلب
« في: 23:40 09/08/2014  »
الهاربون من الصلب

                             آدم دانيال هومه

كانوا حراسا للشمس وذخائر القديسين
تركوا أحلامهم  قرابين للآلهة فوق المحاريب المتصدعة
وحثّوا السير مثقلين بالويلات
لايلوون على شيء
تنهمر عليهم الأحزان من السماء
وتنفجر الأرض من تحت أقدامهم ملائكة الموت
وأبالسة الرعب
عاجزين عن وصف آلامهم في خضم صهيل الذاكرة
يدفنون موتاهم على عجل في المغاور وشقوق الصخور
ميمّمين وجوههم شطر قمم الجبال الشاهقة
نلك الجبال المخضّبة بدماء آبائهم
تلاحقهم ذئاب الصحارى
وزوابع الغبار
تذبل عيونهم في مرايا النعاس والضنى
تتواطأ دموعهم مع لآلئ النجوم وفوهات البنادق
من أمامهم بوّابة مشرّعة للمنافي
ومن خلفهم باب مفتوح على المقابر
صلواتهم يضيع صداها بين هدير المدافع
وعويل النساء والأطفال
ولا تلامس مسامع السماء
وأنوار أرواح الأجداد تنير دروبهم إلى الجلجلة
على أمل أن يستنشقوا من فوق ذراها روائح الأبدية
ويطلوا على موانئ الخلاص
وهم موقنون
بأنه ليس ثمة شيء في هذا العالم أغلى من الحياة
وأشهى من نسمات الحرية.
وفيما كانوا يبتهلون إلى الله كي يبعد عنهم تلك الكأس
كانت الملائكة تطل من شرفات السموات العلى
تسترقّ السمع إلى خطوات الفارّين من الصلب
على بوّابات الجحيم
تلوّح مودّعة الأنبياء المثخنين بالجراح
وتكتفي بكتابة قصائد رثاء بمداد الدم على قراطيس الغيم
تختلط دموعها مع انهمار رذاذ الشمس على صفحات  مياه الأغوار
فتتكدّس جميع طيور السماء على قباب الكنائس
وتغفو على وسائد أحلامها
فرارا من قسوة الأرض التي ترغو بالدماء
في ملكوت الرحمن الرحيم.

الخليفة الأهوج
القادم على بعير أعرج من قلب الصحراء
حط رحاله، غير المرغوب فيه، في نينوى
عروس التاريخ
ومليكة الحضارات
أزكمته روائح الأزاهير والورود والرياحين
فأصدر فرمانا بإزالة كل الحدائق والرياض
واجتثات جذور النخيل
فقد اعتاد على استنشاق رحيق البعرات
وأوعز بتجفيف نهري دجلة والفرات
لأنه لايستسيغ إلا بول البعير
وأمر بتحطيم الصلبان من قباب الكنائس
ونصب مكانها خوازيق السماء.

رجال ملثمون
في سواد قاتم يرفلون
كأنهم من الجحيم قادمون
أو من كهوف الجاهلية يبعثون
رايات (الله أكبر) يرفعون
وهل إلههم هذا أكبر من الناقة أو من البزّون؟
هم أنفسهم لايعلمون
من كل فج آتون
كالجراد الجائع يهجمون
الأرزاق والأموال والأرض يسلبون
والدماء الذكية يستحلون
الرجال ينحرون
الأطفال الأبرياء والنساء يروّعون
والعذارى يسبون ويغتصبون
وأصحاب الأرض الأصليين يهجّرون
بعضهم يزعقون
والآخرون كالببغاوات يردّدون
الله أكبر... الله أكبر... الله أكبر على الظالمين.

أهذا هو الطاعون؟
أجل هذا هو الطاعون
في القرن الواحد والعشرين
وهل في العالم أدهى من هذا الطاعون؟
 
نونْ...
وما أدراك ما النون
يا كلبَ الباديةِ المختونْ
يا أقبحَ من مسخٍ مأبون
و أقذرَ من خنزيرٍ مفتون
أبوكَ ديّوثٌ من الشيشان
وأمك مجاهدةُ نكاحٍ من باكستان
وخالتك ضرّةٌ من أفغانستان
وعمّك هجينٌ من طاجكستان
وخالك لوطي من السودان
نبيّك رسولُ الشيطان
وإلهك خيّاطُ النسوان
في ماخورٍ تدعوه جنّةَ الرحمن
يرتّقُ بكارةَ عاهراتِ السماءِ... الْحُورِ الْعِين
بعد كل نكاح ميمون
ويجود بغلمان كاللؤلؤ المكنون
على المجاهدين الميامين
الذين يمارسونَ القتلَ والذبحَ بالسيفِ المسنون
باسمِ إلههم الدمويّ الملعون
الذي يأمرُ في كتابه المأفون
بسفكِ دماءِ الأبرياء المساكين
المسالمين الآمنين
الذين سلاحهم الوحيد هو غصنُ الزيتون.

******


68
الأخت الشاعرة العزيزة شذى توما الموقرة
            تحية وقبلة.
مساهمتك المتواضعة هذه لابد ستكون منهلا ونبراسا للأجيال الآشورية القادمة. بوركت أناملك، وإلى الأمام.




69
الأخت الشاعرة العزيزة شذى توما الموقرة
            تحية وقبلة.
مساهمتك المتواضعة هذه لابد ستكون منهلا ونبراسا للأجيال الآشورية القادمة. بوركنت أناملك، وإلى الأمام.




70
  ألف ألف مبروك. وعقبال الدكتوراه. تهانينا القلبية الخالصة إلى الوالدين القدوتين، وإلى كل الشعب الآشوري بهذه الأنجم التي ستنير سماء وأرض الآباء والأجداد في الآتي من الأيام. وليس بغريب، إطلاقا، أن تكون هذه الزهرة الفوّاحة من تلك الروضة الغنّاء

71
أدب / اللقاء الأول
« في: 14:46 29/06/2014  »


اللقاء الأول

آدم انيال هومه

مهداة إلى الأخ الشاعر والباحث (سعيد لحدو)



تحية شوقٍ من القلب باأيها المتألق في شرفة الذاكرةْ
وقبلة ودّ تزقزق من ها هنا إلى شاطئ المقل الحائرة
أحييك من فدفد الغربة القاتلةْ
أيا باحثا عن رحيق السماء
لتروي أزاهيرك الذابلة.

أتذكر حين التقيتا لأول مرّةْ
على مفرق الدرب بين الشجون وبين المسرّة ؟.
افتتحنا اللقاء بإسم التي هي أقدس من كل قدسٍ
وأطهر من كل طهر السموات والأرضِ
أغلى من الخبز والماءِ
أسمى من المجد والغارِ
أنقى من  النور... والنارِ
أنصع من كل ثلج السماء.

أتذكر كيف بحثنا قضية شعبٍ مهيض الجناح ؟
يعاني ضمور المشاعر والانتماء
انشطار التآلف والإنسجام
ويرزح تحت ركام العداوة والإنقسام
تعرض للنكل والقتل والذبح مر الدهور
على أيدي كل الطواغيث عبر العصور
لقد كان رمز الحضارةِ
صار غريبا... شريدا على أرضهِ
يكافح من أجل لقمة خبزٍ
ومن أجل بقعة أرضٍ
ينيخ عليها ... يحطّ عليها رحال العذابْ
ولايتوافر فيها كتابٌ يعلّم النشء سفك الدماء وقطع الرقاب
تظللها راية الأقحوان
لينعم أطفاله البائسون بظل الأمان... ودفء الحنان.

أتذكر حين أردنا عبور صحارى البوار إلى واحة الحلمِ ؟
قطف الأشعة من خصلة الشمسِ
لملمة العطر من هيكل الربّ
لكننا
مكثنا سنين على أملٍ خلبيّ ... وبضع صور
وبضع قصائدَ مسكونةٌ بجنون البقر.

أتذكر حين صعدنا شعاب الرياح
على صهوة النارِ ؟
كنا ندغدغ حلم الطفولة بالشعرِ
حين تناهت إلى سمعنا وشوشات الطيور
ترفرف فوق حدائق بابلَ
تسبح في رونق الفجر بين هالات قوس قزحْ
تردّد أصداءها ردهات سرادق آشورَ
حيث تضيق المسافات بين الشعاعِ 
وبين انبجاس المطرْ
ولكن... وياخيبة العمرِ
سلّمنا الإخوة الأوفياء... رفاق الطريق الطويل
إلى شاهقٍ مفعمٍ بالخطر
وصرنا حيارى على مفرق الدرب
بين الذبول وبين الرحيل.

أتذكر حين بدأنا نشمّر عن ساعدينا لنغزو القمرْ ؟.
نعيد البُراق إلى الكهف
نوصد باب الحجر
ونمعن في الكدح من أجل أن ترتعش السحب العاقرات
ومن أجل أن يورق العشب فوق الجبال
وبين الوهاد
وفوق السطوح
وتحت الشجر
ولكن تساقطت الأمنيات كلمح البصر
وأصبح آشور في هالة الشمس قردا يزقزق كالطير... صار سرابا
تساقطت الأنجم الصفر والزرق والحمر.. صارت يبابا
وصارت قضية شعبي قضايا
وصار الحمار المناضل يمطرنا بالهدايا
يعيد كتابة تاريخنا
يعيد صياغة أمجادنا
يعمّدنا من جديد
يصلي علينا
يقرّر تسمية الأمة المستكينةْ
يضيف إلى إسمها تسميات هجينة
ويمحو من التاريخ فصلا
يضيف فصولا كما يشتهي أويشاء
وبعد انتهاء مهمة هذا الوباء
يعود ليسجد بين يديّ الإله الحقير الذي اصطفاه نبياً إلينا
وهذي الجمعاهير مثل الخراف تُساق إلى السلخ مبهورةً
تصفق للقائد المرتجى ابن ربّ السماء.

أتذكر حين افترشنا زنابق دجلة
التحفنا نخبل الفرات
أقمنا صلاة (الكروبيم) تحت ظلال النخيلْ
وآلينا أن نصطلي بالموت
أو نتعمّد في بركة المستحيل
انكمشنا على الذات
حين تبوأت النخبةُ المصطفاةُ مناصبَ فوق الخوازيقِ
صارت تمجّد غول الجبال... وصارت ذبابا
تحوّم فوق مزابل تُدعى مجالس شعبٍ... تسمى نيابة
وماهي إلا مهازل شعبٍ ينازع فوق رصيف القنوط
وتحت ظلال الكآبة
ونحن نمارس طقس العطاءات
بين الركود وبين الرتابة.

****
 سعيد !...
منذ ألفي عام
لم نصل إلى هذا الدرك من الانحطاط الفكري.
تصوّر...
كان لي صديق يفوح عبق النضال من منخريه
ومن كل مسامات جلده
غضب الله عليه  فمسخه قسيسا
خربش الشيطان في تلافيف دماغه
ففقد ذاكرته الناصعة
والتزم بتلاوة سورة البقرة
لعل الله يمنّ عليه بعجل من السماء.

****

سدني - استراليا

adamdanielhomeh@hotmail.com

72
الأخ الدكتور سعدي المالح المحترم
تحية من القلب على هذه الإنجازات الرائعة، وإلى مزيد من النجاح والعطاء. دمتم ذخرا للكلمة الصادقة التي تسطرونها في خدمة قضية شعبنا الآشوري المسلوب الأرض والإرادة. وإلى الأمام.

73
أدب / رد: صُوَرٌ مُتلاحِقة
« في: 00:53 03/05/2014  »
عزيزتي الأخت شذى!

أسلوبك الكتابي رائع، صوّرك الشعرية مجنّحة، وخيالك يحلّق انشطارا في الآفاق ليصل إلى ذروة علامات الاستفهام، ولكن الحوذي الذي يقود العربة التي تلهث بنا ينبغي علينا، نحن لاغيرنا، إماطة اللثام عنه قبل أن يؤدّي بنا إلى المهاوي السحيقة مضرجين بالردى لينسلّ الحوذي الغريب الملامح والهوية ليستقرّ فوق عرش المبني للمجهول. تحياتي.

74
أدب / ومضات
« في: 20:28 27/03/2014  »
ومضات

                              آدم دانيال هومه


على ضفة النهر الظامئ
الذي كان يتدفق يوما في ملكوت الكادحين
كشلال الذكريات
كنت جالسا أتأمل أسراب الطيور
وهي تهاجر أعشاشها المشيّدة فوق أغصان الأشجار الآيلة للذبول
فترفرف روحي في إثرها مثخنة بالألم
تاركة جسدي في هذه الصحراء التي اقتلعت فيها الطفولة من جذورها
والتي لاتثمر إلا دماء وثكالى
فأتسكع مع أحلامي الجريحة في ومضات خاطفة على تخوم الفجر
أحلامي التي يراودها الحنين إلى أيام الرقص على حبال الشمس
والضحك والبكاء بين سواقي ووحول قريتي المنسوخة
كالعصفور الدوري
الذي كان يتهجى حروف السنابل
ويلتقط الحبّ من أطراف البيادر
بعيدا عن ضراوة الصيادين.

قبل أن يعرف الله أسماءه الحسنى
ويستقر على عرشه الأزليّ الأثير
يوم كانت الملائكة لم تزل تحبو على بساط السماء
تجلببت بالرداء الكهنوتي
وسرت حافيا في شوارع أوروك
الأرض العذراء المقدّسة
الزاخرة بأسرار الآلهة
لأنزل ضيفا على (ننسون) الطاهرة
حيث كان (كلكامش) نائما في حضنها
ماداً رجليه في أعماق بحيرة أورمية
وقد أسند رأسه على وسادة جبل لبنان
وهو يداعب أسدا
ويقلّم أظافر نسر
وحين كان ينظر شزرا
كان البرق يضطرم في أغصان أشجار الغيوم.
ولما زرته عام 2003 في المتحف العراقي
بعد تسونامي السلب والنهب والتدمير
وجدته مسخا
يقوم الخبراء بفحص حمضه النووي DNA
ليؤكدوا للعالم بأن أبيه كان قردا هبط من السماء.

أمي عمرها ثمانية آلاف عام
ولازالت تتلألأ كماسة من خلف زجاج التاريخ
تواصل الحفر بأظافرها في الصخر
بحثا عن النبع المقدّس
الذي سيتدفق بمياه الحياة
لتروي أبنائها العطاشى
التائهين في صحارى التشرّد والضياع
ولتضفي أنوار أصابعها قداسة على تراب وادي الرافدين .

وطني ينزف بين براثن أخطبوط الجحيم
وشعبي يعدو صوب بصيص يلوح في آخر النفق
وهو لا يدري بأنه عين الذئب تتلألأ في الظلام.

قصص المجازر والويلات
محفورة في ذاكرة الآشوري أينما كان
فكلما كشّر المتعطشون للدماء عن أنيابهم
وتنادوا للجهاد
تتزلزل الأرض من تحته
وتنبت له أجنحة في قدميه
فيقطع البحار إلى مجاهل الأرض
بحثا عن عش آمن لأبنائه
خوفا من أن (يُعْطُوا الجِزْيةَ عَنْ يَدٍ وهم صَاغِرُون)   
أو )يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَاف)   
تاركا قلبه يغوص في عمق أعماق أطلال نينوى
وخرائب بابل   
وتهيم روحه بين الأودية والجبال
بحثا عن مقابر الآباء والأجداد المنثورة في البطاح المجهولة.
   
مذ بدأ أبناء الآلهة ينكحون بنات الناس
هُتك عرض الأرض
وبدأ صهيل الثأر يضج في مسامع الله
فأرسل أنبياءه ليشطفوا الأرض بالدماء.

ليس عجبي من بهلوانية هذا الحمار
وإنما من هؤلاء الذين يتباركون بذيله المقدّس.

عقيم إيماننا
عقيمة صلواتنا
وعقيمة معتقداتنا المهترئة
طالما أننا لانستطيع التمييز بين وحي الله
ووسوسة الشيطان.

الشاعر...
هو الوحيد الذي يسبر أغوار مجاهل لاتصل إليها مدارك الله.

يقف على مفترق الطرق مضرّجا بالشوق
لايعرف أي سبيل سيسلكه
ليصل سالما إلى بيت أحلامه.

عندما التقت حواء بآدم في الجنة
أول مالفت انتباهها الحية التي بين ساقيه.

في الشرق
أصبحت تفوح من الياسمين رائحة الدم والبارود
وصار الأطفال يشيخون من فرط أحلامهم الضارية.

في كل ليلة
بعد أن أقيم صلاة الحنين
أحلم بسحابة مكتنزة
تستقر فوق نهر الخابور
لتمطر بغزارة في حضنه القاحل
فتعود إليه نضارته القديمة
وتعود أشجار الصفصاف تتلألأ على ضفافه
وأعود أنا إلى طفولتي الزاهية
أرعى خرافي في المروج المترامية على أطرافه.

ما أروع أن تُغمض عينيك
وتقفز من شرفة الغمام
لترتطم بأغصان المطر
ثم تهوي في منزلقات الريح
إلى قاع اليم
لتتحطم بين ذراعي عروس البحر.

عندما قبّلتني
رأيت دمي يطفح على شفتيها.

تحت ظلال رموشك
كنت أراقب مهرة الشمس
تدك بسنابكها جسور السحاب
تجوب الآفاق
وترسل صهيلها في دمي
وعندما مضيتِ بلا وداع
وجدتكِ  في اليوم التالي في زهرة البنفسج
على ضفة الساقية التي تربط الأرض بالسماء.

رأيت طيفك يطلّ من شرفة نجمة الصباح
حاملا باقة ورد
ولما تلوت آية الوصال
طارت الورود من بين راحتيك عصافير
وحطّت على أغصان قلبي.
   
قال لي الشيخ الضرير: رأيتها بأم عيني
عندما تكشف عن مفاتنها
تضيء جوانب الأرض والسماء.
قلت: عندما ودعتني صامتة، مغمّضة العينين
واستقلت قطار الريح
عدت إلى البيت أجرجر أذيال اللوعة والألم
وبعد أن استوى طيفها على عرش أهدابي
تذكرت أني نسيت حقيبة روحي على رصيف المحطة.

لقد رحلت...  ولكن طيفها 
لازال يذرع غرفة ذاكرتي جيئة وذهابا
ولا زالت أنفاسها المضمّخة بعطر السنابل
تتسلل في كل ليلة إلى سريري
وأسمع صوتها العذب كصدى نشيج الناي
في أعماق الوديان.

 
قبل أن يفوح من نهدها رحيق الجنس
كتبتُ عليها كتابي
على سنّة هذا الغراب الغريب
الذي كلما عطش
أراد أن يولغ من دمي.

مثلما سيظل عقد عشتار اللازوردي
متجمدا في عنان السماء إلى يوم الدين
هكذا...
سيظل العراق أرجوحة الله إلى أبد الآبدين.

******
سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com


75
المنبر الحر / رد: عرائس النار
« في: 05:05 18/02/2014  »
عرائس النار) عنوان شعري بحد ذاته. وطريقة السرد ، ومتانة الأسلوب، واللغة  السليمة، تدل جميعها على أننا أمام كاتب وقاص وروائي بكل مقاييس الكتابة والقصة والرواية وربما الشعر أيضا. سلمت يداك أخ طلعت وبورك قلمك، وأتحفنا بالمزيد رعاك الله.

76
نتاجات بالسريانية / اتورايايون
« في: 23:50 05/02/2014  »



77
أدب / رد: العرّافة والشاعر
« في: 11:47 04/02/2014  »
الأستاذ بولص شليطا الموقر!
شكرا جزيلا على مرورك، ولكن أرجو  أن تغيّر عدسات نظاراتك. مع فائق الود والاحترام.

78
أدب / رد: العرّافة والشاعر
« في: 03:21 03/02/2014  »
الأخت انهاء!
مرورك كمرور االفراشة على شفاه الأزهار، شكرا جزيلا.   

79
أدب / العرّافة والشاعر
« في: 19:12 16/01/2014  »
العرّافة والشاعر
آدم دانيال هومه

قالت لي العرّافة الخرساء
قد شارفت أسطورة المنفى على النهاية
وآن لهذا الشاعر المدجّج بالأحلام، المثخن بالعبق
أن ينفض عن عينيه المغرورقتين بالألق رذاذ النعاس
وأن يتماهى مع شفيف الشفق
يمتطي صهوة البرق إلى عوالم ليس لها بدء ولا انتهاء
ويجلس بكل كبرياء
إلى مائدة الآلهة الكبار
يتمجّد باحتساء رحيق الخلود من كؤوسهم
ويوشَم بالضوء
ليصير شعاعا يخترق جدران الأكوان
ويتأله في رحاب الأبدية
يتكئ على وسادة السندس في أرجوحة معلقة بسقف السماء
على صدى خرير ذكريات الطفولة
وعنين نواعير ملاعب الصبا
تتأرجح النجوم على ضفافه
وتطوف حوله أشرعة المعذبين في الأرض
يناشده البحارة التائهون
يرصّعون أيقونته بالابتهالات
وفي أوج سطوعه
يتحول إلى ذخائر تتقدس بها الأجيال
تضيء في محرابه قصائد البكاء.

****
منذ البدء
وهو يستشرف الغيب
ويرفرف مع الأسماك على وجه الغمر
يلتقط حبّات الضوء المتناثرة من فقاعات الماء
يقاسم الله زاده النوراني
وينساب برفيف رهافته في مدارات الخلود
يطوي بجناحيه ضفاف الأزمنة والعصور
تتطاير من بين أنامله أسراب العنادل الوالهة
وهي تغزل الوجود ألحانا شجية
ويداعب عرائس الينابيع المتدفقة في مروج الآلهة
يلملم لآلئ الكلمات المشعّة من خلجان الأخيلة الجامحة
ينثرها في أحضان الأطفال
لتضيء لهم الدروب المظلمة
إلى منتزهات الإنسانية العابقة بألحان الشمس والمطر
في منأى عن خزعبلات الرسل والأنبياء التي تتناسل أحقادا ودماء
ينطلق من رنين سواقي الدهشة السادرة بين مروج الوحي
يتوغل في سراديب الأبجدية
بحثا عن الكلمات المجنّحة
التي تفوح منها روائح الشعر
ونرجس الألوهية
يهيل على جثث المومياءات غبار الطلع
لتتفتق أذهان الأموات على سطوع الملكوت
يلاحق فراشات الرؤيا نحو مناجم النار
حيث يثمر الثلج فوق أشجار الغابات نجوما
تهدي التائهين على دروب اليأس
وتغوي الطيور المهاجرة للعودة إلى أعشاشها التليدة
يعزف ومضات أناشيده على قيثارة روحه الجذلى
ينفض ذاكرته من طحالب الأمنيات تتشظى في دمه
يحمل نعشه ويحلق في صليل الآفاق
تاركا آثار أقدامه المضيئة على الصخور
وعلى صفحات المياه
يعبق رذاذ إلهامه على شفاه الأطفال
في أزقة وحارات القرى المنكوبة 
ليتحول إلى صفصافة في مرايا الربيع
برموشه المخضلة بالحبر الإلهي المقدس
ينحت على صخور الشواطئ المهجورة
قصائد لايفقهها إلا الضالعون في الآلام
يتوهج في ذاكرة الموانئ القصيّة
يغوص في الرمال المتحركة بحثا عن زنابق الماء
يعلم الأجيال التحليق في العلى
ويأخذ بيدهم إلى بيادر المستقبل
مفعمين بعطر تراب الوطن
تزقزق طيور الوحي على أغصان ذاكرته
فيهيم على وجهه في القفار
ويعود محمّلا بسلال من الياسمين
ينثرها في الهواء الطلق
ويركن في زاوية ذاته منتشيا كطفل اصطاد فراشة في الحلم.

تفوح كلماته مثل زهرة الكاردينيا
وتتدفق شلالا من العطر في مخادع العاشقين
كظبية شاردة في براري الخيال
يرتدي حلة الريح
يطارد الأموات الذين يقلقون راحة االأحياء في قبورهم
وينطلق من دهاليز أحزانه
يصبح قاب شعاعين من سجّادة الشمس
ليروي ظمأ الفيافي
ويضفي على الرمال بريقا يجعلها فاكهة كل الخلائق
يقف على عتبة بوابة الفجر
ليعزف على نايه الحزين ألحان المراعي
على إيقاع رقصةِ غجريةٍ
تستفز الشياطين وتستثير الملائكة
وعندما تكشف عن مفاتنها
تتدفق الأنوار من ثناياها
كالأمواج المتلاطمة على شطآن السحاب
لترتسم ملامحها في الآفاق
كعقد عشتار اللازوردي المتجمّد في عنان السماء.

عندما يجسّ نهود الجذور
ترتعش الأشجار
وتحبل الأغصان
فيصعد سلالم النور إلى شرفة يخفق فيها قلب الله
وينزف الحمام الزاجل هديله السحري على غصون الريح
فيردد الصدى
المجد للطيور التي تتزاوج في مهب الرياح
وتبني أعشاشها في سقوف الغيوم.
*****

80
أدب / عصفورة النار
« في: 23:30 20/12/2013  »
 

عصفورة النار

                              

آدم دانيال هومه



ياسوسنة الأرض... ويا جلنار السماء  
ياعصفورة النار!...
حين لامست أناملي اختلاجات شعرك
زمجرت الرعود والبروق في دمي
تألقتِ كزهرة في غلالة الندى
وفاحت من أردانك رائحة خبز التنّور
وعبير الذكريات
ولما شممت رحيق قرنفل نهديك
نُزّلت عليّ الآيات البيّنات
وعندما ذقت ذوب الرمان من شفتيك
أدركت كيف... ولماذا تسكر الملائكة
ولكن حين انهمرت أنفاسك رذاذ نار على صقيع روحي
زلزلت الأرض زلزالها
فقدت ذاكرتي وتوازني
تناثرث أشلائي اللامرئية على جدران النجوم
وصرت أهيم على وجهي في غابات الغيوم
في مروج وجنائن لم تخطر على بال السحرة والمنجمين
وتأكدت حينها بأن الله لازال على قيد الحياة
وبأن أبواب السماء مفتوحة على مصاريعها أمام العصافير
وموصدة في وجه الرسل والأنبياء.

أيتها الزنبقة التي تكاد تضيء من فرط جمالها
الرشيقة كغزالة البلجة في ليل الصحراء
حلقي بي على جناح الحبّ فوق الجبال
وفوق البحار
وفوق السموات
نحو الغدير المجلجل بالشهد والخمر بين مروج النعيم
لنفلت من ربقة الموت ومن قبضة الزمن الهشّ
ندخل ذاكرة الضوء... قدسية الوهج المتلألئ في منتزهات السديم.
فيا امرأة من صداح البلابل فوق غصون الصباح
أحبك أكثر من أمنياتي الدفينة بين ربوع القرى المرملات
على حافة النهر في وطني المستباح
وأكثر من مهجة القلب
أكثر من خلجة الروح في رونق الحلم بين هبوب الرياح
أنفاسك أرقّ من نسيم الصبا فوق سفوح الجبال
وأشهى من هسيس النار في زمهرير الشتاء
شفاهك أشهى من اللوز والموز
أطيب من سلسبيل السماء المقطّر في خابيات السحاب
وعيناك أجمل من نجمتين تشعان في شرفة الليل
خلف ستار الضباب
وقدّك أرشق من أرشق سيف صقيل
وأنت مزيج من النار والنور... لؤلؤة المستحيل
وأجمل من زهرة الأقحوان
تعانق ثغر الندى في بداية فصل الربيع الجميل.
 

سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com





81
أدب / هلوسات الأنبياء
« في: 23:51 29/11/2013  »



هلوسات الأنبياء

                              


آدم دانيال هومه


رأيتهم يغربلون الريح في يوم ماطر
لم يكونوا مجانين   
ولكنهم فقدوا عقولهم
حين باغتهم الشيطان على طرف المقبرة
وهم يحملون على أكتافهم نعش الله.
****
أنا المتيّم بخريدة السماء
الطاعن في عشق الأرض والماء وسنابل الضوء
وريث عرش الملكوت
وملحمة التكوين
وسفر الرؤيا
في دمي ومضات ضوء من إشعاعات آلهة سومر
وفي تلافيف دماغي سحر نبوي من كهنة بابل
وفي بؤبؤ عينيّ بقايا بروق ورعود من جبروت آشور
في كل إشراقة شمس
أسمع خطوات الله على رصيف الذاكرة
وعند حلول المساء
تنبثق من بين جوانحي يرقات خضراء
تتطهّر بمعمودية النار
لتحلق فراشات متوهجة بألق قطيع من الطواويس في ظهيرة صيف.

****

أنا الذي صاغ جميع أساطير ماقبل الطوفان
ووضع النقاط على الحروف المضيئة فيها
ثم اعتليت منصّة السماء
فتوهجت روحي على طوالع الآلهة
وتباركت الأرض
وضجّت في أعماقها كل بذرة ذي حياة.

وأنا الذي أمسك بيد عشتار
وهي تجر ذيول الألوهية فوق السحاب
تتناثر من ضفائرها عطور الشموع المحترقة   
على طريق المجرات المؤدية إلى مخدع دوموزي المقدس
في حين كانت أشجار الحنّاء تتمرّغ تحت قدميها
والطيور تحلق صادحة في هالة قدسيتها.

****   
نهض من بين ركام ذاته... مفعما بالأمل
مزهوا بالجينات التي ورثها عن جده الأول
سيّد الفصول الذي أوقد شعلة الحضارات على ذرى الجبال المضمخة بالجلالة
وتبوأ عرش الحرف
مستمتعا بمنظر الحوريات وهن يخرجن عاريات من أعماق البحر
وممتعا ناظريه بقطعان الملائكة تنعكس ظلالها في مرايا الصباح
وقبيل الغروب
تصير ضفادع تلتهم أوراق الصفصاف من ضفاف الأنهار.

****

كلما ضاقت بي سنوات العمر العجاف
أمصّ رحيق رؤوس أصابعي المخضلة برضاب شفاه العرّافات
وأعود إلى مرابع طفولتي المطرّزة بأغنيات عرائس الأنهار
ومواويل جنّيات الغابات المسحورة
أستلهم منها أحلامي وأوهامي وفراديسي المفقودة
لأعاود عزف ألحاني الأزلية على أوتار المطر
بشغف الشعراء الذين يتطوحون في عوالم لاماض لها
ولاحاضر... ولا مستقبل.
أذوب في العشق المتناغم بين الموجة المراهقة
والصخرة الدهرية الناعسة بين جفون الخلجان
وأتجدّد مع قطرات الشمس التي توزع أشواقها اللذيذة
على البشر والشجر والماء والحجر
ثم أستريح على حافة الأبدية
لأشم رحيق الأعشاب النابتة فوق قبور الأجداد
في محراب الوطن الذي يتضور أمنا وسلاما
بين مخالب وبراثن أبالسة الموت الذين انبثقوا من لهيب نار
والدماء تشخب من أفواههم.
.    
****

سأعود يوما إلى رحم عذراء يصطفيها الضوء الأزلي الخلاق
لأولد فقيرا ملوثا برذاذ النبوءات
مضرجا برحيق الطفولة... مضمخا بخضاب الكبرياء.
****
كيف لي أن أتلمس طريقي إلى الله
بين شعوذة الكهان وهلوسات الأنبياء؟
****
في منتصف الحلم    
 أتسلق جبالاً أسطوريّة
وأغور في وديان ليس لها قرار
وأخوض في قلب المتاهات في الصحراء
بحثا عن ذكرى وجهي أمي العصي عن النسيان
والذي لازال يضيء ذلك البيت العتيق... وقلبي.

****   
كان وطني صغيرا على مقاسي
والأوطان الأخرى لم تستوعبني
لذلك بقيت على هامش التاريخ
خارج المقاييس والحدود
وشما على جبين الشمس
غيمة زاجلة فوق مرج ذابل
ترقص على سجادة الريح على إيقاع رعشات الرمال
وتفتح ذاكرتها الفوسفورية المتقدة
لتجليات الرؤى النبوية
لمجدها تنحني الغابات العطشى
وعصافير النار الجذلى

****

وأنا أسوق قطعاني إلى مراعي النجوم
لمحت من كوة الغيم شذّاذ آفاق يحطون رحالهم على مشارف الإيساگيلا
ينجّسون قدس أقداس الوطن بأنفاسهم الملوثة بجراثيم الجاهلية الأولى
يحرثون أرض سومر بمخالبهم التي تقطر من دماء الأمهات الثكالى
يلطخون جدران زقورة أور بصور أسلافهم الديناصورية
ثم يمتطون صهوات الجراد
يطاردون ظلال الأسود على سفوح الجبال
ويقضون ظمأ على ضفاف الأنهار
يؤبنونهم بدو رحل بأبيات من شعر تأبط شرا
ويهيلون عليهم التراب
ويمضون في طريقهم صوب الشام
ليقايضوا آلهتهم بأقمشة يسترون بها عوراتهم
وينامون في العراء تحت ضوء القمر
على نباح الكلاب وعواء بنات آوى
يستيقظون مع مطلع الفجر أمواتا من الرعب
على هدير الزلزال الكبير.
  
****
يأتي كصرير الموت
يتلو آياته الخرافية الممجوجة على مسامع القبور المسكونة بالأشباح
يلتهم أوراق شجيرات الغيم
وينتهك حرمات السنابل العذراء
يعربد في أعشاش العصافير الآمنة المستكينة
يقتحم محاريب الأنبياء
ليعبث بأيقونات الشهداء المنفيين من الفردوس الأزلي
إلى جحيم الغربة القاتلة
ويسرق أحلام الأطفال
ثم يمتطي متن العاصفة
بحثا عن الأصداف المتلألئة على شواطئ المدن المنكوبة.

****
في كل مساء ترفرف روح الله على قرى الخابور المهجورة
وتدخل عشتار بيتا بيتا
لترش الملح على العتبات
تمسّد صور القديسين المعلقة على الحيطان
تبارك جذوع الأشجار التي لم تزل تنبض بالحياة
ثم تنتظر على مفرق الطرق قدوم العاصفة
بينما يقف ديك الوعد في انتطار فجر جديد.

****
شعب تراوده الأحلام... لن يموت
وآثار الأقدام المطبوعة فوق الصخور
من المحال أن تنمحي أو تزول.
****


Adamhomeh@hotmail.com
سدني- استراليا


82
الأخ جورج بيت شليمون الموقر
تحية آشورية خالصة!
بداية، الحمد لله أننا سمعنا عنك ومنك بعد هذا الغياب الطويل الذي هو أشبه بنوم أهل الكهف. الشيء الذي أود أن أبدأ به ردي عليك أنني لابد أن اعترف، وبدون أي مواربة أو مجاملة بأنك كنت، في نظري في الأيام الخوالي، واحدا، لا بل الوحيد الذي كنت آمل منه الكثير الكثير بما كنت تملكه من إيمان وإخلاص ونشاط وكاريزما وجماهيرية قلّ نظيرها في مجتمعنا الآشوري وخاصة في هذا الزمن الرديء. ولكنك، للأسف الشديد، خيّبت ظني وظن الكثيرين أمثالي.
عزيزي يجورج!
تقول: نينوس كان يعرفك. اجتمع معك مرات عديدة. ضحك معك وربما أحبكَ حباً جمّاً فقط لكونك آشوري يعتز بآشوريته ولكن عذراً يا أخي، نينوس ما كان صديقك بالدرجة التي صوّرتها لنا.  فلا تستغل اسمه لتمرر اجندتك.
أقول: أقرّ وأعترف بأنك كنت صديق نينوس أكثر مني بأضعاف مضاعفة. ولكن بعد وصولي إلى استراليا وعودته من سوريا صرتُ أقرب إليه من جميعكم، لا لشيء إلا لأننا كنا على اتصال مستمر ومتواصل حتى قبيل رحيله بأيام في حين انقطعت حبال الوصل بينكم حتى لم يعد أحد منكم يسأل عنه أو يتصل به ليس لأيام وشهور وإنما لسنين طوال.
تقول: يبدو لي إن رسالتك ما كانت إلى الأخ ابرم بقدر ما كانت محاولة منك لكسب الشهرة وللاعلان للعالم الآشوري انك كنت أحد الاعمدة الثمانية التي عليها أُسست المنظمة الآثورية الديمقراطية.  إن الشباب الذين ذكرت أسماءهم أعرفهم جميعاً، وعملت معهم بدرجات متفاوتة في المنظمة وفي نشاطات قومية أخرى باستثناء واحد، وهو انت.
أقول: أنا لم أسعى في حياتي، يوما، إلى الشهرة وخاصة عن طريق السياسة لأنني كنت ولازلت أدرك جيدا أن طريق السياسة وعرة وشاقة وحافلة بالحفر والمطبات، ولكن العمل القومي هو المرض اللذيذ الذي ابتلينا به جميعا ولاغنى عنه شئنا أم أبينا. أما أنك تعرف جميع الذين ذكرت أسماءهم وعملت معهم باستثنائي أنا. فلم تأتِ بجديد، لأنني ذكرت في المقال وفي الرد على الدكتور ابراهيم لحدو بأنني تركت القامشلي في نهاية السنة الدراسية لعام 1961 وفي شهر أيار بالذات. لذلك لم نجتمع سويا في أي اجتماع تنظيمي لأن عملي السياسي كان محصورا في مدينة الحسكة والقرى الآشورية. وأظن بأنه قد فاتك قراءة الجملة التالية: ((وللأمانة أقول: بأنه في شباط عام 1962 كلفت من قبل أعضاء قيادة منطقة الحسكة، وكان من بينهم السيدان كليانا يونان (حاليا في أمريكا ومسؤول حزب بيت نهرين الديمقراطي)، وشليمون يونان (حاليا في ألمانيا) بالذهاب إلى القامشلي للتنسيق مع الشباب هناك لأنني كنت الوحيد الذي يعرفهم شخصيا. وعندما التقينا في منزل المرحوم جورج يونان تفاجأت بوجود الأخ جورج سلومون والمرحوم صليبا ايليو وكانا قد انضما إلى التنظيم في صيف عام 1961)).
تقول: وأعلم بالتأكيد إن معظمهم كان يعرف جيداً من هو نعوم فايق أو شكري جرموكلي إلى جانب معرفتهم لمار بنيامين الشهيد وآغا بطرس، عداك أنتَ حسب اعترافك.
أقول: اعترف صراحة وبدون خجل أوحياء بأنني، يومذاك، لم أكن قد سمعت باسم أي واحد من اولئك الميامين. ومن أين لي أن اسمع بهم وعمري لم يكن يتجاوز الثانية عشرة، وأعيش في قرية معزولة عن العالم كله، ولم أكن قد طالعت يومها كتابا واحدا من أي نوع كان باسثناء المنهاج الدراسي، علما أنني لم أكن أستطيع أن أنطق جملة عربية واحدة بشكل سليم.
تقول: ففي الفترة الزمنية التي أُسست خلالها المنظمة ما رأيتك ولا مرة في أي اجتماع للمنظمة أو لغيرها. ولكن علِمتُ بعد أن غادرتُ سوريا انك عملت في المنظمة لفترة ثم خرجت منها وأخذتَ معكَ شبان من أبناء الخابور الذين ينتمون إلى كنيسة المشرق الآشورية وشكلت حزباً آشورياً جديداً.  ومهما تكن أعذارك فيجب ألّا تُسامَح على ما فعلت.
أقول: إنك صادق مائة بالمائة فيما تقول لأنني، كا سبق وذكرت، كنت قد غادرت القامشلي ولم أعد إليها إلا في بداية السبعينات من القرن الماضي. ولكن لاتنسَ بأننا كنا نلتقي بين الحين والحين، بصحبة أصدقائك وأصدقائي، عندما كنت أزور القامشلي. أما عن عدم مسامحتي لاقترافي تأسيس الحزب الآشوري الديمقراطي رغم كل الأعذار كما تقول. فأتقبل هذا الحكم بطيبة خاطر وبدون اعتراض ولكن بعد أن تعترف لي بنوع الحكم الذي ستصدره بحق نفسك أولا وبحق أصدقائك ثانيا، اولئك الذين سافروا معك لحضور مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي في المانيا عام 1970 ولم يعودوا إلى سوريا ولكنهم يمموا وجوههم صوب امريكا وتركوا التنظيم في حالة يرثى لها. ولم تكتفوا بذك وإنما تشظى انتماؤكم، بعد ذلك، مابين الاتحاد الآشوري العالمي وحركة تحرير آشور، وانقسمتم على أنفسكم، وأصبحتم أشبه بالأخوة الأعداء، وتناسيتم المنظمة الآشورية الديمقراطية كليا باستثناء واحد أو اثنين منكم. ومن ثم مالبثتم أن أصبحتم في خبر كان وبنات عماتها وخالاتها.
تقول: انا لا أشكُّ في ان الاجتماع الذي ذكرته قد حصل.  كان جورج يونان شاباً قومياً حاول تنظيم الشباب الآشوري من ابناء الكنيسة الآشورية ولكن أسفاً واتته المنية وهو في شبابه.  ولكن لتفترض من عندك إن المنظمة بدأت بهذا الاجتماع هو السذاجة بحد ذاتها.  فقبل وبعد الاجتماع كان هناك مئات من الاجتماعات التي قام بها الشباب القومي، وغالبيتهم من السريان، ولسنوات عدة حتى وضع الدستور والنظام الداخلي للمنظمة.
أقول: وهذا هو بيت القصيد. الاجتماع الأول قد حصل بوجود أصحاب الاسماء التي ذكرتها، واستمر، بوجودي معهم، لمدة ثلاث سنوات متواصلة حتى غادرت القامشلي إلى الحسكة. وخلال تلك الأعوام الثلاثة لم نلتقِ بأي آشوري من أتباع الكنيسة السريانية سوى المرحوم الدكتور سنحاريب حنا وذلك في بيت المرحوم دافيد جندو في شباط عام 1960 بحضور كل من المرحوم جورج يونان، سعيد رزق الله، دافيد زوزو، وليم قمبر، وأنا. وكان سنحاريب، في ذلك العام، قد حصل على الشهادة الثانوية ومزمع السفر إلى النمسا للدراسة في عاصمتها فيينا الذي مكث فيها فترة ثم غادرها إلى المانيا. واعترف لي دافيد جندو، فيما بعد، بأن أي واحد منهما لم يكن ملتزما بأي تنظيم سياسي ولكنهما كانا يحملان أفكارا قومية إلى جانب صديق آخر هو يعقوب شابيرو. لذلك، ومنعا لأي التباس أرجو أن تذكر لي، وللشعب الآشوري بشكل عام بعض أسماء اولئك الشباب الذين أسسوا المنظمة الآشورية الديمقراطية والذين كانت غالبيتهم من السريان. آنذاك، سأرفع لك قبعتي عاليا وأعترف، بكل تواضع وفخر واعتزاز، بأنني على خطأ وأنتم على صواب. 
تقول: وللحقيقة التاريخية فإن الفكر القومي الآشوري المعاصر بدأ عند السريان والكلدان. في حين  كان أجدادي واجدادك في تخوما وتياري غارقين في سبات العشائريّة والكنسيّة.
أقول: لاأريد أن أدخل في هذا الدهليز الذي لامخرج منه, ولكني أذكرك بشخصية واحدة فقط من شخصيات أجدادي واجدادك في تخوما وتياري الذين كانوا غارقين في سبات العشائريّة والكنسيّة حسب قولك. ألا وهو (آبا سولومون ت 1907م) من قرية كوندكتا (نفس قريتك) التابعة لعشيرة تخوما (نفس عشيرتك) ترعرع في مدينة خوسراوا- سلامس. بعد أن أنهى دراسته الجامعية تابع الدراسات العليا في فرنسا. عاد، بعدها، إلى أورميه، وهو مفعم بالفكر القومي الآشوري، ليتسلم رئاسة تحرير جريدة (قالا دشررا أي صوت الحق) وكانت مواضيعها لاهوتية، فلسفية، تاريخية وأخبارية. لقد عمل بجد ونشاط منقطع النظير، وبلا كلل أو ملل في طبع العديد من المخطوطات التي تركها الآباء الأوائل في كل مجالات الأدب والتاريخ والعلوم. هذا غيض من فيض.
ختاما! أعتذر لكل الذين أسأت إليهم من غير قصد أو نيّة مبيتة، وسأسدل الستار على هذا الموضوع كليا مخافة أن يجرنا إلى مستنقعات لانريد الخوض فيها بتاتا. وسيظل إيماني وثقتي بقضية أمتي وبذاتي وبغالبية الذين عملت معهم في المجال القومي ثابتة وراسخة لاتشوبها أي شائبة على مرّ الأيام والسنين. مع خالص مودتي واحترامي.

آدم دانيال هومه.
 

83

(ليس المهم أن نبدأ ولكن الأهم أن نتابع المسير)

الأخ الدكتور ابروهوم لحدو الموقر
تحية آشورية صادقة.
لقد كنت نسيت الموضوع كليا حتى نبهني، البارحة، إلى تعليقك أحد الأصدقاء.
كن على ثقة بأنني لم أفكر، يوما، أن أنكئ جراحا شفيت، من الناحية الذاتية الانسانية، بعد هذه السنوات الطويلة المنصرمة وإن كان أثرها من، الناحية القومية، لازال ينزّ دما حارقا على الساحة الآشورية في كل مكان.
سآتي إلى موضوع تعليقك وباختصار شديد.
1.   تقول: بصفتي عضوا قديما وقياديا، منذ بدايات المنظمة الآثورية الديمقراطية، أرى بأنه من واجبي ان أردّ على مقالتك.
مع تقديري واحترامي الشديدين لدورك الايجابي خلال مسيرتك النضالية ضمن صفوف المنظمة الآشورية الديمقراطية، ولكنك تعرف جيدا بأنك لست من الصحابة ولا التابعين وإنما من تابعي التابعين.
2.   تقول: يدهش المرء من المغالطات الكثيرة التي أوردتها في المقالة، والتهجم الغير مبرر على بعض الاشخاص المحترمين، وبشكل غير مقبول.
أنا، ياسيدي، لم أسئ لأي إنسان محترم وإنما أردت تبيان حقائق يحاول البعض تشويهها، وتضليل المؤرخين مستقبلا. لذلك حاولت وضع النقاط على الحروف، وإعطاء كل ذي حق حقه بدون مجاملة أو تزوير. أما المغالطات الكثيرة التي أوردتها في المقالة كما تدعي فلم تحاول تصحيح أي منها، ولكنك أتيت ببعض الألغاز والطلاسم التي لايستشف منها القارئ شيئا مفيدا.
3.   تقول.: فمعظم الاسماء التي ذكرتها في مقالتك كمؤسسين للمنظمة عارية عن الصحة ومرفوضة من قبلي، باستثناء سعيد رزق الله الذي يعتبر من المؤسسين، و دافيد زوزو الذي كان مسؤولاً لفرع سوريا. أما انت يا سيد آدم فكنت قيادياً لفترة وجيزة ولكن لم تكن يوماً من مؤسسي المنظمة ولا عضواً في اللجنة. وتضيف: واتحفظ على ذكر أسماء مؤسسي المنظمة الآثورية الديمقراطية (لأسباب شخصية، وامنية، وتنظيمية) ولا أريد ان أذكرها هنا. فالمؤسسين كانوا أعضاء في اللجنة السرّية الاولى، وهم معروفين لدي شخصيا، وأسمائهم ستظل محفوظة في أرشيف المنظمة.  واتحفظ على ذكر أسماء مؤسسي المنظمة الآثورية الديمقراطية (لأسباب شخصية، وامنية، وتنظيمية) ولا أريد ان أذكرها هنا. فالمؤسسين كانوا أعضاء في اللجنة السرّية الاولى، وهم معروفين لدي شخصيا، وأسمائهم ستظل محفوظة في أرشيف المنظمة.
أنا لم أزعم أو ادعي قطعا أني كنت يوما عضوا في اللجنة السرية. لأن اللجنة السرية تشكلت عام 1962م،  وكنت في حينها طالبا في الصف العاشر في الحسكة وليس في القامشلي. وإذا كانت الاسماء التي ذكرتها كمؤسسين للمنظمة عارية عن الصحة، ومرفوضة من قبلك فلماذا لم تذكر من هم المؤسسون الحقيقيون مع أن احجامك عن ذكر اسمائهم لأسباب شخصية وأمنية وتنظيمية ذريعة لايأخذ بها أحد ومن المحال أن يصدقها كل من أوتي ذرّة عقل لأنه لم يبق اليوم مايخاف عليه أمنيا وتنظيميا لأن قيادة المنظمة الحالية يعرفها القاصي والداني وخاصة الجهات الأمنية. فإذن هذه الحجة باطلة ومنافية للحقيقة والواقع.
وللأمانة أقول: في شباط عام 1962 كلفت من قبل أعضاء قيادة منطقة الحسكة، وكان من بينهم السيدان كليانا يونان (حاليا في أمريكا ومسؤول حزب بيت نهرين الديمقراطي)، وشليمون يونان (حاليا في ألمانيا) بالذهاب إلى القامشلي للتنسيق مع الشباب هناك لأنني كنت الوحيد الذي يعرفهم شخصيا. وعندما التقينا في منزل المرحوم جورج يونان تفاجأت بوجود الأخ جورج سلمون والمرحوم صليبا ايليو وكانا قد انضما حفي صيف عام 1961ا إلى التنظيم.
4.   تقول: كانت اللجنة السرية الأولى والثانية تقوم بإدارة المنظمة مابين عامي 1961 و 1976.
أنا لاأناقشك في موضوع اللجنة السرية، ولكنك لم تذكر من كان يدير شؤون المنظمة قبل اللجنة السرية أي مابين عامي 1957 - 1961؟.
5.   تقول: وفي المؤتمر الرابع العام للمنظمة في حلب تم كشفت اسماء أعضاء اللجنة السرّية وتم حلّها من قبل المؤتمر، وأصبح البديل عنها اللجنة المركزية والتي تمّ انتخابها ديمقراطياً في خريف 1976.
لقد تم كشف اسماء أعضاء اللجنة السرية في مدينة دمشق عام 1974م وليس في حلب وذلك في اجتماع قيادة فرع سوريا. وتذكر جيدا بأنني أنا الذي عمل المستحيل على كشفها وذلك حين انتهيت من الخدمة الالزامية واستلمت مسؤولية قيادة منطقة القامشلي. ولما وجدت بأن لأاحد من أعضاء قيادة فرع سوريا يعرف شيئا عن اللجنة السرية ومكان وجودها. ألححنا على معرفة أشخاصها ومكان وجودها ولكنك أنت شخصيا كشفت عنها في حين ألح الأخ رياض نصرالله على نكران معرفته بها حيث تبين لنا، فيما بعد، بأنها كانت مؤلفة منك ومن رياض ويعقوب ماروكي فقط لاغير. في حين كانت ميزانية المنظمة جميعها تذهب ليعقوب ماروكي الذي كان عاطلا عن العمل في لبنان. وفي المؤتمر الثالث المنعقد في شهر آب عام 1976 تم انتخاب اعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي وحصلنا، أنت وأنا، على عضوية اللجنة المركزية والمكتب السياسي عن طريق الاقتراع السري. وفي ذلك المؤتمر طالبت المؤتمرين باتخاذ التسمية الآشورية بدل الآثورية شعبا ولغة وتنظيما، وقد وافق الجميع بعد أن قدمت، أنت شخصيا، الدلائل والبراهين التي تثبت أصالة الآشورية بخلاف الآثورية والسريانية. ولكن ضربتم بمقررات المؤتمر عرض الحائط لغاية في نفس يعقوب.
6.   تقول: تتذكرّ تماماً عملنا سويةً في المنظمة، خاصة بعد تفريغك من قبل المنظمة براتب شهري لإدارة امور المنظمة في لبنان، ومع الاسف لم يدوم تفريغك اكثر من سنة، حتى اجبرت قيادة المنظمة على فصلك من المنظمة عام 1976 لأسباب إيدولوجية، لا داعي لذكرها الان، و لكنني احتفظ بها لنفسي. وكما تعرف فانا مسؤول عن هذه المعلومات لأنني كنت عضو في اللجنة المركزية الاولى في عام 1976.
ألفت انتباهك إلى أن المؤتمر هو الذي قرر أن نقوم أنا والمرحوم نينوس آحو لتمثيل المنظمة في لبنان. ولكن لم يطل مكوثي في لبنان سوى مدة قصيرة حتى قدم الأخ صليبا مراحة مع عائلته. ولما سألته عن سبب قدومه قال: بأن نينوس تقاعس عن المجيء إلى لبنان لأسباب غير مقنعة لذلك ارتأت اللجنة المركزية أن أقوم مقامه. علما بأنني، بعد قدومي إلي استراليا، سألت الأخ نينوس عن الاسباب التي حالت دون مجيئه في مهمة إلى لبنان، فروى لي بالتفصيل ماذا دار بينه وبينك شخصيا عن طريق الهاتف. حيث سألك عن الضمان الذي تقدمونه له ليستطيع  تدبير السكن والمعيشة  في لبنان فقلت له بالحرف الواحد: (دبّر حالك). لذلك أهمل الموضوع كليا لأنه كان يستحيل عليه العيش في لبنان بدون أي وارد مالي. أما عن قصة الراتب الشهري الذي خصصتموه لي أتحدى أي واحد منكم يستطيع أن يدّعي أنه ناولنا قرشا واحدا. وأظنك لاتنسى بأنه في أحد اجتماعات اللجنة المركزية في دمشق ألححت أنت شخصيا على صليبا قائلا له: لماذا لاتسلم مخصصات آدم المالية؟ فقال لك متملصا من الجواب: (نحن إخوة، جيبي وجيبه واحد). ولم أعلق أنا بشيء على أمل أن تكون أخوتنا صادقة ولكن تبين فيما بعد أنها تقوم على الغش والخداع والمؤمرات الخبيثة في سبيل المصحة الشخصية ليس إلا. أما عن فصلي من المنظمة فلم يكن في تلك الفترة كما تدعي ولكن حدث عندما حيكت المؤامرة الكبيرة ونصب لي الكمين بحجة لدينا اجتماع طارئ ومصيري في الحسكة وعلى مستوى اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وينبغي علي الحضور مهما كانت الأسباب والمسببات مع أنهم كانوا يعلمون جيدا بأن المخابرات السورية تترصد تحركاتي عن طريق عملائها المندسين في كل مكان، وقد اعتقل ابن أخي الفنان جان هومه بسببي بحيث لم يكن منظما ولم يكن له ناقة أو جمل في الموضوع. أما صليبا فقد أقسم بأغلظ الإيمان بأنه التقى جان قبل أيام في الحسكة وأخبره بأنه لاخوف علي من الحضور إلى سوريا. وعندما طلبت من صليبا أن نسافر معا تذرع بحجج واهية واكتفى بالقول: سنلتقي غدا في الحسكة. فسافرنا أنا وجان كردوسلي معا وهو الذي أخذ هويتي الشخصية وذهب بها إلى الأمن العام السوري على الحدود اللبنانية السورية وعاد بالموافقة السريعة مدعيا أن رئيس المخفر هو ضابط سرياني. ونزل جان كردوسلي في حلب وواصلت المسير بمفردي إلى مدينة الحسكة التي وصلتها الساعة العاشرة مساء، وفي الخامسة صباحا من اليوم التالي أيقظني جان هومه من نومي قائلا: بأن رئيس المخابرات السياسية وأحد معاونيه ينتظرونك خارجا. أما قرار فصلي فقد اتخذ بعد خروجي من السجن وقد اخبرني بذلك الأخ سعيد لحدو.
عزيزي الدكتور ابراهيم.
أنا واثق مطلق الثقة بأنك، ربما تكون الوحيد، الذي يدرك في قرارة نفسه بأن كل ماجرى، يومذاك، لم يكن سوى مؤامرة للتخلص مني بأي شكل كان حتى ولو سلموني للموت. وهذا ماحدث لولا رأفة الله بي لأني كنت بريئا ومخلصا وساذجا. ففي ذات اليوم الذي قررنا فيه السفر إلى سوريا زرت الاستاذ جوزيف أحمر رئيس الرابطة السريانية. وبعد حديث قصير أخبرته بأنني سأسافر إلى سوريا لضرورة قصوى. فقال لي: أجهزة المخابرات السوري في كل مكان، وهنا في الرابطة أيضا لذلك ضمانا لسلامتك سنقوم معا بزيارة الاستاذ (داني شمعون) ونأخذ رأيه في الموضوع. ولما وضعنا المرحوم داني في الصورة. قال بالحرف الواحد: لاتأمنوا المخابرات السورية قطعا. وأنا شخصيا لن أستطيع أن أفيدك بشيء لأن علاقتي معهم تشوبها الشكوك. ولكن سأتصل بالنائب محمود عمار فهو عضو في حزب الأحرار ومن الطائفة العلوية ومقرب جدا من السلطات السورية. ولما حضر النائب محمود عمار ناولني الكارت الخاص به وكتب على قفاه بضع كلمات إلى الأستاذ أحمد اسكندر أحمد وزير الاعلام السوري يوصيه بي. وقال مطمئنا الاستاذ داني: سأتصل بالأستاذ أحمد اسكندر وأوصيه بآدم خيرا حيث لايقترب منه أو يؤذيه أحد. وهذه البطاقة هي التي أنقذت حياتي. فحين مثلت بين يدي الرائد هاشم رئيس الأمن السياسي في محافظة الحسكة كان أول سؤال واجهني به: كيف دخلت الحدود السورية مع أن اسمك وصورتك معممتان على جميع مخافر الحدود. فقلت: دخلت ولم يسألني أحد. قال: من أين تعرف الاستاذ أحمد اسكندر وزير الاعلام؟ قلت: بصفتي عضو في اتحاد الكتاب العرب. وللحديث شجون يادكتور.
ما أود أن أسألك إياه: بالله عليك كيف ألقي القبض علي فور وصولي إلى الحسكة، ومنعت من ممارسة الوظيفة لسنوات وأنا أحمل الشهادة الجامعية، ومنع علي مغادرة القطر السوري. في حين كان الآخرون الذي كانوا معي في نفس المهمة يسافرون إلى سوريا ويعودون منها مرارا وتكرارا بدون أن يتعرضوا للاستجواب من قبل الأجهزة الأمنية ولو لمرة واحدة. وفي حين كانت الأجهزة الأمنية تعد كل تحركاتي  وأنفاسي، وتجثم على صدري يوميا، ويتحتم علي مراجعة الأمن السياسي لأخذ الموافقة في حال مغادرتي حدود محافظة الحسكة ناهيك عن مغادرة القطر كليا. في حين كنتم جميعا تسرحون وتمرحون وتغادرون البلد متى شئتم بدون أي رقيب أو حسيب. وبقيت على هذه الحال حتى مغادرتي سورية وإليك بالدكتور يعقوب جلو فهو يشرح لك كيف غادرت سوريا لأن لديه الخبر اليقين.
عزيزي الدكتور ابراهيم!
خيوظ المؤامرة بدأت تتشابك داخل المنظمة منذ الاصرار على فصل الأخ رياض نصرالله بتهمة ملفقة أخترعها الحاقدون والحسّاد. وأنا الوحيد من بينكم جميعا أصررت على عدم الموافقة على فصله. وقلت لكم بالحرف الواحد: نحتاج إلى ثلاثين عاما حتى نربي كادرا قياديا كرياض، فكيف تفصلونه بناء على تهمة سخيفة بأنه اختلس مائة وخمسين ليرة سورية من ريع حفلة أقامتها المنظمة؟.
أسيو ابروهوم!
أنا لم أزل، كما كنت، ثابتا على قناعتي منذ كنت طفلا، ولازال فخري واعتزازي بآشوري يزداد رسوخا وشموخا، وعطاءاتي الفكرية والسياسية لم تنضب بعد في حين انكمش الذي نصبوا لي الفخاخ في زوايا مظلمة ولم يسمع لهم نأمة ولا شخير. وبهذه المناسبة لابد لي أن ألفت انتباهك إلى ثلاثة مواقف لي سأذكرها على سبيل المثال لاالحصر.
1.   لما شكلنا المجلس الملي للكنيسة الآشورية في سورية قلت لأعضاء قيادة الحزب الآشوري بالحرف الواحد: ينبغي علينا جميعا في حال انتخاب اعضاء اللجنة المركزية أن نعطي أصواتنا لأعضاء الحزب ولأعضاء المنظمة أولا، ومن ثم للشيوعيين لأن لهم مبدأ رغم خلافنا معهم، ويأتي الحياديون بعدهم لأنهم جبناء. أما البعثيون فعلينا أن نعمل المستحيل لكي لايفوز أحد منهم. وهكذا كان حيث فاز أعضاء المنظمة والحزب بأغلبية الأصوات، وجاء بعدهم الشيوعيون ثم الحياديون الشرفاء.
2.    حين ترشح كل من بشير سعدي وبطرس بوداخ لعضوية مجلس الشعب خابرني الأخ بطرس داديشو متحدثا باسم قيادة الحزب وسألني رأيي فيمن سيدعمون من المرشحين؟ فقلت له: لستم بحاجة إلى هذا السؤال لأنكم تعرفون رأيي مسبقا. بطرس كان صديقي وعملنا معا في سنوات الدراسة الثانوية ولكنه الآن مشكوك بأمره لذلك ساندوا بشير بدون قيد أوشرط. ولكن لما نجح بشير في الانتخابات أدار لهم ظهر المجن وكشف عن وجهه الحقيقي, وتأزمت الأمور بعدها كثيرا.
باستطاعتك أن تسأل قيادة الحزب الآشوري الديمقراطي كم كنت ألح عليهم باستمرار  ليقيموا جسور تفاهم مع المنظمة ولكن الجانب الآخر كان اتخذ موقفا عدائيا صلبا وبتحريض من بشير سعدي بالأخص، ويلفق التهم الباطلة بقيادة الحزب إلى أن استلم مسؤولية المكتب السياسي كبرئيل موشي، وتحت  ضغوطات شتى لامجال لذكرها في هذا المجال، أصدر الحزب والمنظمة وثيقة تفاهم وكنت أنا أول المهنئين بذلك.       
   وبالمناسبة كلما كنت أسأل عن أخبارك من أحد الإخوة الأعزاء جدا الذي رحل عن هذا العالم كان يقول: (كان ابروهوم وغيره يحلقون عاليا في الآفاق الآشورية الرحبة ولكنهم عادوا إلى شرنقاتهم الطائفية). 
شكرا جزيلا لأنك أمطت اللثام عن الحقيقة بالنسبة للملفونو شكري جرموكلي بأنه لم يكن من مؤسسي المنظمة. وكذلك المرحوم الدكتور سنحاريب حنا لم يكن منظما في يوم من الأيام وإنما كان متعاطفا ومؤازرا للمنظمة مثله مثل المرحوم الدكتور يوخنا هرمز لاأقل ولا أكثر. أما دافيد جندو فلم يكن منظما على الاطلاق.
وإليك، فيما يلي، مقتطف من كراس أصدرته المنظمة الآثورية الديمقراطية بمناسبة اليوبيل الذهبي لتأسيسه  في 2007/10/06 جاء فيه:   
(ومن قبيل الوفاء والأمانة للتاريخ نذكر أسماء بعض هؤلاء الشبان، مستندين إلى ذاكرة رفاقنا بسبب الافتقار إلى وثائق مكتوبة عن تلك المرحلة وعن جيل التأسيس مع التنويه بالتداخل الحاصل ما بين جيل التأسيس والجيل الأول، والإشارة إلى أن البعض مرّ مروراً عابراً بحياة المنظمة آنذاك، إذ سرعان ما تركها والتحق بأحزاب وطنية أخرى مثل الحزب الشيوعي، والسوري القومي الاجتماعي، وحزب البعث العربي الاشتراكي. وإن غابت بعض الأسماء فإننا مدينون بالاعتذار لأصحابها سلفاً وسنحاول إضافتها لاحقاً عندما تتوفر لدينا أية معلومات بخصوصهم. ومن أسماء الرفاق الأوائل الذين حملوا شرف التأسيس وانطلاقة البدايات نذكر باعتزاز الرفاق: المرحوم الدكتور سنحاريب حنا شابو، سعيد رزق الله، المرحوم صليبا حنا، دافيد جندو، جورج سلمون، اسطيفان عبد النور، دافيد زوزو، المرحوم جورج يونان، يونان طاليا، جميل إبراهيم، شوكت أفرام، حنا موسى آحو، شفيق فرحان مالول، ملك اسطيفو، جوزيف توما، حسني نعوم، ، ابراهيم لحدو، رياض نصر الله، نينوس آحو، موشي ميرزا، آحو يوسف، كبرئيل عدا، المرحوم زهير عجو، عيسى ملكي، يعقوب ماروكي... بعض هؤلاء وأثناء دراستهم في بلدان الاغتراب لعب دوراً أساسياً في نشر الوعي القومي بين جالياتنا، وتأسيس فروع للمنظمة في أوربا والسويد وأمريكا، ساعدهم شبان لا يقلون عنهم غيرة وتضحية وإيماناً. وفي منتصف الستينات، وبالرغم من قسوة الظروف وصعوبتها في سوريا).
ألا ترى معي بأن هذا الحيص بيص من المعلومات لاتفيد المؤرخ النزيه بشيء، وهي أشبه بالآيات المتشابهات حيث قال فلان عن فلان عن فلان عن فلانة بنت فلان. ولابد لي أن أتساءل مندهشا أين أرشيفك الذي يحتوي أسماء المؤسسين الأوائل ومحفوظ في أرشيف المنظمة. أليس هذا تناقضا صارخا بين ما تدعيه وبين ما تعلنه قيادة المنظمة؟
مع خالص تحياتي.

84
الأخ آشور الموقر
تحية آشورية صادقة!
النشيد القومي الآشوري ينبغي أن يتسم بالصفات التالية:
1.   أن يتضمن كل معاني الوطنية والإخلاص والتضحية والفداء.
2.   أن يتضمن ماضي الأمة وحاضرها ومستقبلها.
3.   أن يتضمن كل معاني الإنسانية والإخاء والوئام والعيش المشترك مع بقية الشعوب التي نعيش إلى جانبها وبين ظهرانيها.
4.   أن يكون حافزا ومفخرة للأجيال القادمة.
لهذا ليس كل من أمسك قلما وخط سطرا يستطيع أن يكتب نشيدا وطنيا.

85
)رسالة مفتوحة من نينوس آحو إلى أبرم شبيرا)

                                                                                                             بقلم: آدم دانيال هومه.

   مساء البارحة، وفي الهزيع الأخير من الليل، وأنا بين اليقظة والحلم رأيت نينوس آحو مقبلا على جواده السماوي المطهّم. وهو يرتدي حلّة الملائكة، وفي يده صولجان الملوكية، وعلى جبينه وشم الإله آشور المتلألئ. ناولني الرسالة التالية وأوصاني أن أضع عليها اللمسات الأخيرة وأسلمها للمرسل إليه. ثم مضى من حيث أتى كلمح البصر.   
   الأخ أبرم شبيرا الموقر
   تحية آشورية صادقة.
   بداية لابد أن ألفت انتباهك إلى أن الكتابة رسالة مقدسة، ومسؤولية أخلاقية، وخاصة إذا كانت تمس حوادث ووقائع تاريخية أسدل الزمن عليها سدوله، ولم تدوّن من قبل أولئك الذين عايشوا تلك الوقائع والأحداث بحذافيرها، أو كانوا شهودا عيانا عليها.
   يبدو لي، من خلال تناولك للأحداث والتنظيمات السياسة الآشورية، بأنك لاتني تدلي بدلوك في كل بئر سحيقة ليس لها قرار. ولكن، للأسف الشديد، تستقي معلوماتك من مصادر مشكوك بأمرها أو مضللة تجعلك تحرث في الرمال المتحركة، ويشتط بك الخيال في متاهات الأوهام في كل موضوع تتناوله، وتوحي للقارئ البسيط بأن لك مساهمات فعالة في تأسيس جميع التنظيمات السياسية الآشورية في جميع أصقاع الأرض بما لك من ارتباطات صداقات وطيدة مع أغلب الكوادر القيادية لتلك التنظيمات على الرغم من أنك أعلنت، مرارا وتكرارا، بأنك لم تنتمِ إلى أي تنظيم سياسي، وغفلت أو تغافلت عن ذكر الأسباب والمسببات التي حالت دون ذلك رغم ما تبديه، في كتاباتك، من مشاعر قومية ووطنية عارمة وجياشة لحد الإفراط.
    يقول ريتشارد فينمان: (المهم هو أن تعطي كل المعلومات لتساعد الآخرين ليحكموا على القيمة التي قدمتها لهم وليس أن تقدم المعلومات التي تجعلهم يحكمون في اتجاه محدد).
   ففي جميع مقالاتك حول المنظمة الآشورية الديمقراطية، على سبيل المثال، تؤكد بيقين، وبشكل جازم بأنها قامت على أكتاف أبناء الكنيسة السريانية الأرثوذكسية كأنك كنت واحدا منهم وأنت الخبير النحرير الذي يكشف عوالم الغيب. وتضيف في مقالتك تحت عنوان: (الذكرى ألـ (56) لتأسيسها: القومية والطائفية في فكر المنظمة الأثورية الديموقراطية (مطكستا) قائلا:
   (فمطكستا ليست من بنات أفكار مؤسسيها ولا نتاج قرار أتخذ من قبلهم، بل تأسست فكريا قبل أن تتأسس تنظيمياً في الخامسة عشر من تموز عام 1957، فهي المحصلة الفكرية التاريخية لعقود طويلة من نضال الآشوريين وأفكار رواد الفكر القومي الآشوري وعبر سلسلة طويلة من النشاطات القومية تمتد من نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين مبتدئة بأسماء عظماء أمثال يوسف بيت هربوت (هو آشور يوسف دخربوت وليس بيت هربوت) وبرصوم بيرلي ونعوم فائق وفريد نزها وسنحاريب بالي وتنتهي عند حنا عبدلكي وشكري جرموكلي وغيرهم الذين أسسوا رسمياً هذه المنظمة).

   أقول لك بكل صدق وصراحة: هذه مجرد فذلكة إنشائية لاترتقي إلى مستوى التحليل السياسي الرصين، ومجرد هراء لاأساس له من الصحة على أرض الواقع. فأفيدك علما، ولعلك تُصاب إزاءها بإهباط فكري، بأن جميع مؤسسي المنظمة الآشورية الديمقراطية كانوا جميعا من أتباع الكنيسة الشرقية الآشورية باستثناء واحد منهم هو (سعيد رزق الله المعروف حاليا باسم سعيد قرياقس) كان من أتباع الكنيسة الكلدانية، وقد تتلمذ على يد الأب الآشوري المناضل (بولص بيداري) الذي كان، يومذاك، راعيا للكنيسة الكلدانية في القامشلي. وأؤكد لك بأن جميع اولئك المؤسسين الأوائل لم يعرفوا أو يتعرفوا على شكري جرموكلي أو حنا عبدلكي يومذاك، ولم يسمعوا باسم نعوم فائق أو غيره من أصحاب الأسماء المذكورة آنفا على الإطلاق مع تقديري واحترامي واعتزازي بجميعهم وتقديسي لعطاءاتهم القومية. ولكن الاسماء التي كانت تتردد على مسامعهم، حينذاك، كانت (الشهيد مار بنيامين، آغا بطرس، مار إيشاي شمعون، مالك ياقو، مالك لوكو، ومالك خوشابا ناهيك عن تغلات فلاسر، سركون، سنحاريب، أسرحدون، آشور بانيبال، ونبوخذنصّر). هؤلاء كانوا روادهم القوميين وقدوتهم في العمل القومي، إضافة إلى آبائهم الأبطال الميامين الذين دحروا الجيش العراقي على مشارف ديره بون ومرّغوا جباه وزراء الملك فيصل الأول وقادة جيشه في الوحل، وبعثوا الرعب في قلوبهم وأوصالهم. وكذلك كانت حافزهم القومي أمهاتهم اللبوءات اللواتي خرجن من جرن معمودية الدم إثر مذبحة سيميل الرهيبة وهن مفعمات بالمشاعر القومية الفطرية التي أرضعوها لأبنائهن ممزوجة بحليب الأمومة. وإليك اسماء مؤسسي المنظمة الحقيقيين، ولازال جميعهم أحياء يرزقون باستثناء المرحوم (جورج يونان) المسؤول والعقل المفكر الذي توفي إثر حادث مرور في لبنان عام 1967م. ويُشاع بأنه كان حادثا مدبّرا.
1.   جورج يونان. (كان موظفا في البنك العقاري)
2.   شليمون بريخا. (كان في الصف التاسع. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).
3.   سعيد رزق الله. (كان في الصف الثامن. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).
4.   لوكو شموئيل. (كان في الصف الثامن. حاليا في شيكاغو- الولايات المتحدة الأمريكية).
5.   دافيد زوزو. (كان في الصف الثامن. حاليا في الحسكة- سوريا).
6.   زكريا يونان. (كان في الصف الثامن. حاليا في الولايات المتحدة الأمريكية).
7.   وليم قمبر. (كان في الصف السابع. حاليا في مدينة القامشلي- سوريا).
8.   آدم دانيال هومه. (كان في الصف السادس. حاليا في سدني- استراليا).
    وتتساءل وتجيب في الوقت ذاته:
    لماذا تسمت مطكستا بالتسمية الآثورية وليس بالآشورية أو السريانية أو الكلدانية أو الأرامية أو بالتسميات الحضارية المتعددة لأمتنا؟؟ سؤال وجيه ومنطقي للذين ليس لهم إلمام بتاريخ تأسيس مطكستا وفهمهم للتسميات المتعدد لأمتنا ولكن في نفس الوقت الجواب بسيط لمن يلم بتاريخ هذه المنظمة والخلفية الفكرية والتاريخية لها. أن مؤسسي مطكستا ومعظم أعضاءها هم أبناء وأحفاد آشور بيت هربوت ونعوم فائق وفريد نزها وغيرهم من رواد الفكر القومي في مجتمعنا. كان هؤلاء جميعاً يستعملون التسمية الأثورية في عملهم القومي منطلقين من كونها تسمية تاريخية حضارية لأمتنا وقد ورثوا الأبناء والأحفاء هذه التسمية من أجدادهم وأستعملوها كهوية قومية لهم. ولكن أستعمالها لم يكن في نطاق ضيق ومشدد وبأصرار على التمسك المطلق بها دون غيرها من التسميات الأخرى لأمتنا. فمنذ الرواد الأوائل وخاصة نعوم فائق وفريد نزها نرى بأنهم كانوا وعلى الدوام يستخدمون تسميات مركبة لأمتنا كقولهم "الأمة الكلدانية السريانية الآشورية" وأحياناً الأمة السريانية الأرامية الآشورية
   أقول لك بكل صدق: هذا مجرد تحليل حبصوني (نسبة إلى حبصونو) لايمت إلى الحقيقة بصلة. فالمنظمة تأسست بالحقيقة في الرابع عشر من تشرين الأول عام 1958. ولكن في الاجتماع الأول اقترح المرحوم جورج يونان بأن يكون الخامس عشر من تموز عام  1957م هو يوم التأسيس، لالشيء وإنما لإعطائها قدما زمنيا لاغير. كما اقترح، أيضا، بأن يكون اسم التنظيم الجديد (الفجر المنبثق) ولكن بعد نقاشات بين المؤسسين استقر الرأي على اسم (المنظمة الآشورية) وأضيفت عليها في السنوات التالية كلمة (الديمقراطية). ولكن بعد انتساب الإخوة جورج سولومون، المرحوم صليبا ايليو، وشوكت أفرام، وحنا موسى، والثلاثة الأخيرين من أتباع الكنيسة السريانية الأرثوذكسية. ارتأوا بأنهم عن طريق (التسمية الآثورية) يستطيعون أن يتوغلوا بين أبناء الكنيسة السريانية لأنها أكثر قبولا من (التسمية الآشورية) لأن الآشورية مقرونة لدى الغالبية منهم بالنسطورية. لذلك وافق الجميع على هذا الطرح علما بانهم كانوا يدركون جيدا بأنه لدى استعمالنا لغتنا الأم فلا فرق، إطلاقا، بين التسميتين. أما كلمتي السريانية والكلدانية فلم ترد إطلاقا في قاموس المنظمة إلا في السنوات الأخيرة، لأنهما كانتا في مفهوم جميع قيادات وقواعد المنظمة ومؤازريها مجرد تسميتين مذهبيتين، ولم تردا في جميع أدبيات وفعاليات المنظمة إلا ضمن قوسين كأي تسمية مذهبية أو عشائرية. ولكن في السبعينات تفاقم الخلاف حول تسمية (المنظمة الآثورية) و (اللغة السريانية). وفي المؤتمر الثالث للمنظمة المنعقد عام 1976 قرر المؤتمرون بالإجماع اعتماد التسمية الآشورية للشعب وللمنظمة وللغة، ولكن لم يطبق القرار، لأسباب لسنا بصددها في هذا المجال، ما أدى ذلك إلى الشرخ العظيم في هيكلية المنظمة الذي تمخض عنه ولادة الحزب الآشوري الديمقراطي.
   وتضيف: وهكذا حيث كانوا يعرفون بأن هذا التعدد في التسميات التاريخية والحضارية هو إغناء لحضارة وتاريخ وواقع أمتنا. وجرياً على أفكار هؤلاء الرواد لم يكن لمطكستا تعصباً مشدداً للتسمية الأثورية بل كانوا يجدون في كل التسميات إضافات حضارية وفكرية لنشاطاتهم القومية ولا يتعصبون لهذه التسمية أو تلك. وما مشاركتهم الفعالة في مؤتمر بغداد عام 2003 وتبنيه التسمية المركبة لأمتنا إلا دليل على ذلك.
  هذا هو تحليلك وتفكيرك الشخصي ليس إلا. فهناك عدد من المفكرين الأوائل استعملوا في جميع كتاباتهم وطروحاتهم التسمية الآشورية فقط لأنهمم كانوا يستوعبون التاريخ والواقع جيدا، وهم شهيد الصحافة الآشورية البروفيسور آشور يوسف دخربوت، الدكتور فريدون آتورايا، الأديب الألمعي بنيامين أرسانيس، والبطريرك مار إيشاي شمعون. أما الآخرون فلم يستقروا على قرار، وأظهروا جميع هذه التسميات على السطح وفي مقدمتهم نعوم فائق وأدّي شير لذلك اختلط الحابل بالنابل وتشظت انتماءات الأجيال ما بعدهما. أما مشاركة المنظمة في مؤتمر بغداد عام 2003 فهي القشة التي قصمت ظهر البعير، وظهر الانحراف جليا على جميع المستويات أمام منتسبي ومؤازري المنظمة بشكل خاص وأمام المجتمع الآشوري بشكل عام. والدليل أنه بعد مؤتمر بغداد المشؤوم بدأت تنبثق من الغيب الأحزاب الطائفية كالحزب الكلداني الديمقراطي الذي ولد بعملية قيصرية من مؤخرة الحزب الكردستاني الديمقراطي، والاتحاد العالمي للكتاب الكلدان ذوي الخلفيات البعثية والشيوعية، المنبر الديمقراطي الكلداني، المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، المجلس القومي الكلداني، حركة تجمع السريان المستقل، الاتحاد السرياني، والتنظيم الأرامي. والحبل على الجرار، ناهيك عن المؤسسات الطائفية والعشائرية والمناطقية. وهكذا ضاع الخيط والعصفور. وهذا ماكان يتمناه ويبتغيه أعداء هذه الأمة، وسعوا إلى تطبيقه بشتى الوسائل والسبل، وحققناه لهم مجانا، هذا ما ظهر للعيان أما في الخفاء فالله أعلم. أفيدك علما بأنه في أوائل عام 1977 كنا في زيارة إلى المطران (البطريرك فيما بعد) مار روفائيل بيداويد في لبنان، (البروفيسور الأب باسيل عاكولة حاليا محاضر في جامعة السوربون، الدكتور المحامي جوزيف أحمر رئيس الرابطة السريانية يومذاك، وكاتب هذه السطور). وبعد حديث مستفيض عن الأمور القومية تحدث المطران بيداويد قائلا: بصراحة، أنا فاقد الأمل كليا بعد اغتيال مار إيشاي شمعون لأنه كان القائد الوحيد الذي اجتمعت حوله الأمة بجميع طوائفها، ومن المحال أن تجد قائدا آخر يسد الفراغ الذي تركه، وحتى إن وجد ذلك القائد فمن المستحيل أن تؤيده وتقف وراءه كل طوائف شعبنا. ثم أضاف قائلا: فأنا، شخصيا، لم أجد أذكى وأشجع منه في حياتي كلها. تصوروا أنه حين أراد لقاء صدام حسين، وكان يومها نائبا للرئيس، ومار شمعون يعرف جيدا بأنه هو رئيس العراق الفعلي. اصطحبنا أنا، مطران الكنيسة الكلدانية، والمطران مار زكا عيواص مطران الكنيسة السريانية الأرثوذكسية (البطريرك الحالي)، ولم يصطحب معه أي مطران من الكنيسة الشرقية وذلك ليوحي ويبيّن للقيادة العراقية بأننا شعب واحد يتبع عدة مذاهب كنسية. لذك اعترفت به الحكومة العراقية كقائد للأمة الآشورية بجميع طوائفها. هذا من ناحية الذكاء. أما من ناحية الشجاعة فتصورا أن صدام حسين ناوله ورقة مكتوبة فبعد أن قرأها البطريرك، رماها في وجه صدام وقال له بالحرف الواحد: لوكنت أقبل بهذه الشروط لكنت قبلت بها عام 1933. وكنا أنا ومار زكا نختلس النظرات ونغوص في كرسيينا هلعا لأننا كنا على يقين بأن صدام، وبما عرف عنه من إجرام، من المستحيل أن يغض الطرف عن هذه الإهانة. أفهل عرفت الآن أيها الأخ الكريم ماذا ينتج عن إطلاق عدة تسميات على شعب واحد. أنا سأقول لك: باستخدامك التسمية الكلدانية تمنح عدوك الحق المطلق، وعن سابق تصميم وإصرار، بأن يقول لك: احمل أغراضك وانقلع من هنا فهذه ليست أرضك، وإنما أرضك هنالك على ساحل الخليج الفارسي. وباستخدامك التسمية السريانية تقطع جميع جذورك وأوصالك من عمق أعماق الأرض والتاريخ، وتصبح كالشجرة التي ليس لها جذور في الأرض فيسهل اقتلاعها بأيسر السبل، ويحق لأحد الملالي وما أكثرهم أن يقول لك: بما أنك سرياني أي مسيحي فانقلع من هنا واذهب إلى إخوانك المسيحيين في الغرب لأنه غير مرغوب بك بين المسلمين. أما اذا استخدمت التسمية الآشورية فقط لاغير فهذا يعني أنك تملك سند التمليك بالأرض والسماء والتاريخ والحضارة مختوما وموقعا ومشهودا عليه من العالم كله، ومن الأعداء قبل الأصدقاء. آنذاك تكون أنت صاحب البيت والآخرون ضيوف طفيليون غير مرغوب بهم. وعدوك يعرف هذا جيدا، وأنت غافل عنه، لذلك تراه يقبل بالتسميتين الكلدانية والسريانية عن طيب خاطر. لا، بل يعمل المستحيل على ترسيخهما. وفي الوقت ذاته يعمل المستحيل لمحو الآشورية من القاموس ليتسنى له سحب الأرض من تحت قدميك، ومعاملتك كلاجئ تعيش تحت رحمته متى ما أراد سيرميك في مزبلة التاريخ وينفض يديه منك.
   وفي مقال تحت عنوان: (الخامس عشر من تموز... ولادة مطكستا وموت شاعرها الكبير نينوس آحو). العنوان أقل مايقال عنه أنه خالٍ من أية ذرّة احترام لشاعر ومناضل بمستوى نينوس آحو، وبالأصح تافه إلى حد السخافة. فنينوس لم يمت فهو خالد خلود اسم آشور، والأموت هم المنافقون والانتهازيون والبهلوانيون القوميون الذين لهم في كل عرس قرص، يقولون عكس مايفعلون، ويسيرون خبط عشواء، أبصارهم مفتوحة وبصائرهم عمياء لايشعرون بما يحدث من حولهم وتحت أقدامهم. ثم تضيف، بناء على أقوال من هنا ومن هناك، وبدون دراسة وتمحيص: منذ البداية أرتبط وتحديداً في عام 1960 بالمنظمة الآثورية الديموقراطية (مكستا) وهو لم يتجاوز الخامسة عشر (والصحيح الخامسة عشرة) من عمره.
   فلنكن منصفين بحق نينوس، وبحق التاريخ، وبحق أجيالنا الآشورية القادمة. فقد انتسب نينوس إلى المنظمة الآشورية الديمقراطية أواخر عام 1962م. وإذا كنت في شك من ذلك فما عليك إلا الاستفسار من الأخ (موشي ميرزا المقيم حاليا في شيكاغو) فهو الذي قام بتنظيمه وعنده الخبر اليقين.
   ثم تقول: فكان من أقرب الأصدقاء والناشطين للإتحاد الآشوري العالمي وللحركة الديموقراطية الآشورية إضافة إلى علاقته الرفاقيه مع مطكستا ومع جميع القوميين والمثقفين.
   أقول لك بصدق: لم يكن نينوس صديقا للاتحاد الآشوري العالمي فحسب وإنما كان عضوا فعالا في لجنته التنفيذية في السبعينات، وظل عضوا في الاتحاد حتى عام 1988. وبقي صديقا ومقربا جدا من قيادة الاتحاد حتى رحيله، وخير دليل على ذلك دعوته بصفة رسمية بمناسبة إزاحة الستار عن نصب تمثال المذابح الجماعية الاشورية في سدني 2010. ثم دعوته، ثانية، وبصفة رسمية، أيضا، إلى مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي المنعقد في ايران في شهر تشرين الأول عام 2011. أما أنه كان من أقرب الأصدقاء إلى الحركة الديمقراطية الآشورية فنعم، ولكن في بداياتها الأولى وإسوة بكل المثقفين القوميين الشرفاء. ولكن بعد مؤتمر بغداد المشؤوم الذي تمخض عن مؤامرة التسمية المركبة والهجينة فقد تغير كل شيء، وكان نينوس على رأس مناهضي نهج الحركة والمنظمة معا. وقد قال لي مرارا وتكرارا، وهو ينهال بالسباب من النوع الثقيل كعادته في ساعة غضبه: (علينا أن نعيد تقييمنا لكل الذين عملنا معهم طوال السنين الماضية لأن معظمهم قد انحرف عن المسار الصحيح).
   لقد تعرفت على شهيد الأمة الآشورية نينوس آحو (عبد المسح آحو سابقا) في بدايات عام 1959 في مدينة القامشلي حيث كنا نقطن في حارة واحد هي (الحارة الغربية) وفي صف واحد (السادس الابتدائي) وفي مدرستين مختلفتين هو في ثانوية العروبة التابعة لوزارة التربية، وأنا في اعدادية النهضة التابعة لكنيسة مار يعقوب للسريان الأرثوذكس. وقد توطدت صداقتنا بعد انضمامه إلى المنظمة. وبعد حصولنا على شهادة الكفاءة معا، انتقلت للدراسة في مدينة الحسكة وبقي نينوس في القامشلي، ولكن الاتصال لم ينقطع بيننا. ففي مدينة الحسكة، وفي بداية السنة الدراسية، وفي الاجتماع الأول الذي ضم أكثر من أربعين عضوا تم انتخاب قيادة لمنطقة الحسكة من الإخوة يعقوب جلو(حاليا دكتور في مدينة القامشلي- سوريا)، يونان شليمون (حاليا في المانيا)، آدم هومه (حاليا في استراليا) والثلاثة كانوا في الصف العاشر في ثانوية نور الدين الشهيد. إضافة إلى المرحوم يوسف القس(كان في الصف الثاني – دار المعلمين، وتوفي السويد)، ونعيم زيتون (انتسب إلى حزب البعث وصار نقيبا للمعلمين في محافظة الجزيرة). وكان المنظمون خليطا من كل طوائف شعبنا بدون استثناء، وغالبيتهم من قرى الخابور، ومن القامشلي وديرك وتوابعهما وخاصة اولئك الذين كانوا يدرسون في دار المعلمين في الحسكة كونه المعهد الوحيد في كل المحافظة يومذاك.
   لقد فرق الدهر بيننا حين سافر نينوس بصحبة كل من جورج سولومون، وجان كردوسلي، والمرحوم صليبا ايليو لحضور مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي في المانيا، ومن هناك تابعوا رحلتهم إلى الولايات المتحدة الأمريكية واستقروا فيها. والتقينا ثانية عام 1974 في لبنان حيث كنا، رياض نصرالله ويعقوب ماروكي وأنا في مهمة إلى لبنان وكان هو قادما من أمريكا.
   في المؤتمر الثالث للمنظمة الآشورية الديمقراطية المنعقد في آب 1976 قرر المؤتمرون بالاجماع تكليفنا نينوس وأنا لتمثيل المنظمة في لبنان ولكنه، للأسف الشديد، لم يحضر لأسباب شرحها لي، فيما بعد، بالتفصيل ولامجال للخوض فيها في هذه العجالة. وبعد قدومي إلى استراليا، وعودته من سوريا إلى أمريكا، إثر إصابته بمرض عضال ، لم يمر شهر على الأكثر من دون أن أخابره أو يخابرني لنعاود شريط الذكريات وما آل إليه رفاق الدرب الطويل، وما آلت إليه تنظيماتنا السياسية. وآخر مخابرة جرت بيننا بعد استيقاظه من السبات الطويل قبل رحيله بأسبوع. وتحدثنا قرابة الساعتين. وكان كعادته مفعما بالأمل ويخطط لأكثر من خمسين عاما مقبلة. فقلت له مازحا: نينوس!... أتظننا في العشرينات من العمر. فقال بإصرار: علينا أن لانقطع الأمل. أنسيت وعد أمي؟. قلت لك مرارا بأنها كانت، رحمها الله، تؤكد لي دائما بأن (آتور) ستقوم عام 2050م. فقلت له: وكيف لي أن أنسى. كيف لاتستطيع أن تقوم وهي نائمة؟ فالمسيح قد قام من بين الأموات؟ فجلجلت ضحكته عبر الهاتف وقال بعد مسبّة من العيار الخفيف: حتى في أحلك الظروف لاتكف عن المزاح. ولم أدرِ بأن أحلك الظروف التي كان يقصدها هو فراقنا الأبدي.
   في اليوم التالي اتصلت به، وسمعت صوتا يقول: هالو. فقلت مازحا: نينوس! أظن أنك اليوم أحسن بكثير. فأجاب الصوت: (ملفونو، أونو أنليل. والدي فد دخل اليوم، ثانية، في السبات. كفاه عذابا. فلندعه يستريح). فتجمدت الكلمات على لساني، ولم أنبس ببنت شفة. ورأيت، من خلال الدموع، طيف نينوس وهو يحلق في الآفاق فوق أجنحة الثور المجنح إلى السموات العلى حيث يتربع آشور على عرش مجده فاتحا ذراعية لاحتضانه.
   عزيزي الأخ أبرم!
   أقولها بالمقشّر وبدون مواربة: لقد ساهمتم، إلى جانب العديد من المثقين الآشوريين سابقا، و(السركلدوشيين حاليا) بتشويه معالم هذه الأمة المنكوبة بما فيه الكفاية. فبالله عليكم دعوا المناضلين الشرفاء الأتقياء يرقدون في قبورهم بسلام. وأنصح كل مناضل دونكيشوتي، وكل متذبذب يحاول ستر عوراته الفكرية بادعاء صداقة نينوس الابتعاد عن شمس نينوس المقدسة لأن أشعتها الساطعة ستحرق كل الفراشات المتلونة، ولأن أكره ماكان يكرهه نينوس هم ذوو الأفكار الحلزونية والمواقف الزئبقية. فنينوس لم يكن، في يوم من الأيام، سوريا أو سريانيا أو سركلدوشيا على الاطلاق. وإنما شاعرا وقوميا آشوريا بامتياز، ولكل الآشوريين في أصقاع الأرض من أتباع كل المذاهب الكنسية والمناطقية بدون تمييز. وسيظل قدوة ومثالا للأجيال الآشورية القادمة على مر العصور. لم يرضخ، يوما، للظروف وللواقع متذرعا بأن يده تحت الحجر. بقي كما كان شامخا مثل قمم جبال آشور، ورحل واقفا ولم يطأطئ هامته للموت، فهو كطائر الفينيق حيث يذهب كل ألف عام إلى أعلى شجرة تصل السماء وهناك يحترق ويولد من جديد. فوداعا نينوس، أيها الملك الآشوري غير المتوّج، وإلى اللقاء.
آدم دانيال هومه
سدني- استراليا
2013/07/23
adamhomeh@hotmail.com


86
أدب / جرح ينزف بروقا
« في: 15:08 17/07/2013  »


جرح ينزف بروقا

آدم دانيال هومه

مهداة إلى الشاعر الآشوري الفذ (نينوس آحو) الذي أتشامخ بصدقه وصداقته.
 
على امتداد مايربو على أربعين عاما
 ظل يحفر الصخرة بإبرة
ليقيم تمثالا للآشوري الجديد يصعد فوق كتفيه إلى السماء
ليزرع في أخاديده بذور نجوم جديد.
 
ياحوذي عربة النار
أيها الجريح الذي ينزف على قارعة الشمس
جرحك يضيء بوّابة السماء
وينعكس على مرايا المساء
يتشظى وهج روحك في الآفاق كصدى البروق في السحاب
أربعون عاما وأنت تسقي الأطفال من معصرة الغيوم
وتقذفهم نحو النجوم
قدّوس هو يخضور الجمرالمجلجل في أغصان دمك
كأولياء الله يصقلك الألم المقدّس
في شرايينك تتلاطم أمواج الشعر
وعلى شفتيك تتناسل بلابل الكلمات
نبضك يبقي العاصفة على قيد الحياة
ليظل الوحي منهمرا على ذاكرة التاريخ.
رويداَ... رويدا تبني الأقمار أعشاشهاعلى كتفيك
وإلى عينيك تحج قوافل السنابل
يازارع بذور الفرح في مملكة أحزاننا
أتأمل حزنك في قبو الليل
يعلو كفقاعات الألق
وأنت... تتأرجح بين يديّ آشور
كعصفور مبلل برذاذ الضوء
مزنّر بالطلاسم المكتوبة بالحبر الإلهي
 بالألم تنسخ آية اليأس... وبالحب تكتب مزامير الأمل
ياأجمل العشاق
كيف الدنو من صمت الجلالة في مقلتيك؟.
أنت الذي يجيد العزف على شريان الشعب
علينا أن نغرق في نهر دموعك
كي تتطهر قمصان نفوسنا الملطخة بدماء القدّيسين.
 
أيها الذي يقدح الحروف جمرات
ستظل قصائدك تصدح كالنواعير في حدائق الآلهة
 وستسيل بتواصل عبر السنين
وتتجلّى في دفاتر أطفال الغد
حتى يزهر الشوك على ضفاف دجلة والفرات
وستتلألأ قدماك بقدسية وشموخ
فوق جماجم الذين تسرّب طحلب الزيف إلى مسامات ذاكراتهم المثقوبة
أولئك الذين تداعب عصافير الأكاذيب أحلام يقظتهم
وستنام هانئا في أفئدة الأزهار
وستنام سعيدا في أحلام البراعم
وستنام جليلا في صلوات الأجنّة
وستنام خالدا تحت ظلال النبوءة.
ياطائرا من الفوسفور ينتهك فضاء الظلمات
قبل أن نغمض أعيننا على أطياف الماضي وأحلام المستقبل
دعني أقدم لك سلالا من قرنفل نينوى وأقحوان بابل
وسنبلة قمح من ضفاف الخابور.
ياخليل الشمس والمطر
غداَ...
سنأتي من الأقاصي لنمسح آثامنا بحائط مبكااك
 ونتبارك بزيت مشكاتك.
 

87
أديبنا الفذ ميخائيل!
كل مسامات جسمك وروحك و فكرك تنضح بالمشاعر والأحاسيس الجياشة نحو أبناء شعبك عامة، وبشكل خاص لأولئك الذين انطوا وسينطوون تحت هالة الخلود. بوركت أناملك. وعزاؤنا بفقدان أديبنا الراحل زيا نمرود كانون أحد أعمدة الأدب الآشوري الحديث هو ذكراه العطرة التي ستظل ماثلة في ذاكرة الأجيال الآشورية القادمة، وستظل نبراسا لكل من سيخط حرفا مضيئا في مفكرة الأمة الآشورية الخالدة. نطلب الرحمة لروحه الطاهرة، ولأهله وذويه وأصدقائه وقارئيه العزاء والسلون.

88
أدب / زمهرير جمر الصحراء
« في: 17:53 12/04/2013  »
زمهرير جمر الصحراء
آدم دانيال هومه


لوكنت أملك مفتاح البحر
 لفتحت بوابات السموات على مصاريعها أمام أسماك القرش.   
*****
أضبط أنفاسي على وقع حوافر حصان نبوخذنصّر
وأعبر برزخ المنافي إلى شاطئ الوطن المطوّق بالمخالب والسكاكين
على هدي أنوار صلوات أمي المخضلة بالآهات والدموع
أبذر كلماتي في أثلام السديم
فتنمو زنابق على نواصي الجبال
وأنثر قصائدي في مهمه الريح
فتتوهج تغاريد على أفنان الأمطار.
أطلّ من شرفة الحلم على البركان الأزلي
أرتدي جلد الملاك الواقي
وأتزحلق على جليد الشفق
أشعر بكامل حريتي وأنا أنزلق من حافة جرف هار
وانحدر سريعا في منعرجات السماء
ألملم شمل الغزلان الشاردة في الآفاق
يتبعني ظلي وهو يعدو أمامي لاهثا
يجرجر أذياله في منزلقات الملكوت.
*****
متألقا كنجم يمتطي صهوة الغيم
أجوب الفضاء الرحب بحثا عن قطعة أرض مجهولة
تليق بشعب المنافي
أحاول سبر أغوار يراعات
ترفرف بين الخمائل التي تأوي إليها أرواح الشهداء
وبين حدائق أجداد تألقت جباههم على ساريات الأفق
والتمعت آثار أقدامهم على صفحات الأنهار
وعيونهم شاخصة إلى مروج الشمس.
أحوّم حول التمائم المعلقة فوق قبور الأولياء
لأشبّ في الحقول توهج المطر
وأعيد للمدن والقرى المسبية أسماءها الأصلية المباركة
وأمنح الزهور الذابلة حياة جديدة
رافلة بالشمس والندى.
*****
هذه االمدن والقرى المندثرة
تاريخها مكتوب بالحبر المقدس على مدافن الآلهة
وهذه رفات الجسور التي مرت عليها جحافل جيوش
لازالت تحتفظ بإسمائها وببريقها
ولم تتنصل يوما من عراقتها... وعراقيتها.
*****
عثرت على أيقونة االغيث بين مفارق نهديك
أوحت لي سنونوة الأساطير بآيات الفحولة
ومزامير الفتوحات
على باب منجمك السحري المفعم باليمامات
أرفع سارية النار
لتتنهد بين فخذيك خصوبة المراعي
وتفوح من أردانك أبخرة السموات.
أيتها الجليلة بين عرائس الأودية والروابي والأنهار
المنمّقة بسندس الأبجدية في هودج الشعر
في  زمهرير المساء
يتجمد دم الشمس على خديك
ويصطبغ شعرك برذاذ النجوم
المنفيون من جنائن الوطن
يقرفصون فوق أرصفة المنفى
يذرفون الدمع خارج أسوار المكان والزمان
يتذكرون عتبات هيكلك المقدس
الغارق في السبات
كملاك ميّت يتمطى على حافة الهاوية
وكحشرة تضيء فوق المقبرة.   
*****
أنا عاشق
أسكن بين الماء والضباب
أرتعش كسمكة وحيدة على حافة النهر
ترى صورتها تتألق على صفحة الغيوم
تتطاير الأشواق من قلبي كأسراب الفراشات الملونة
وتذيب أنفاسي الثلوج المخضرمة
أطعم الأطفال سنابل قصائدي
ليقشّروا وجه الأرض بأظافرهم
ويصبغوا جلد السماء بألوان طموحاتهم
وآخذ بيدهم إلى ينابيع الماضي الرقراقة
ليشعلوا قناديلهم النورانية أمام بوابات المستقبل.
تتهادى إلى سمعي أصوات رعاة يصعدون منحدرات الجبال
في طريفهم إلى كرنفال الآلهة
ضلوا طريقهم بين الأشواك وهم يجرجرون خلفهم عربة النار
يحاولون الوصول إلى صخرة ينبجس منها السلسبيل رقراقا
لينهلوا منه
ويمنحوا الحياة لكل العطاش الذين طحنتهم المآسي والويلات
على كل الطرقات المؤدية إلى بابل.
*****
أنا...
طائر يجدد أحلامه من بين رماد الذكريات
يحط على غصن يتأرجح فوق الهاوية
يسبّح باسم سوسنة نابتة على ذؤابة الجبل
يتوهج كمرآة في الصحراء
ينزف على أشواك الجحيم
ليتطهر برحيق المطر المنهمر على زجاج الروح
ويتمجّد بمعمودية الشعر
ليحل ضيفا على واحة العشق السحرية
الممتدة مابين تلال الشمس وعنابر الصقيع
ويتلألأ كالنورس على عرش الماء.
 
*****
تستحم الطيور المهاجرة في النهر المتجمّد على حافة الشمس
تتنشّف بزفير النجوم
ترتدي معطف الريح
تتمرّى في سقوف ظلالها
وتمشي بخيلاء على أرصفة الغيم
حاملة في جباهها مشاعل
تنعكس أنوارها على شواهد قبور أموات
لهم مناعة ضد الموت
يحبسون أنفاسهم في النهار
وينبعثون قبل حلول المساء
ويلقون بأكفانهم فوق أكتاف ملائكة حمقى
ويرسون بظلالهم أمام أبواب القديسين.
*****
مكتوب بالحبر الإلهي المقدس في ألواح القدر السبعة
وعلى قاعدة العرش
مكتوب أن نرث الأرض المطلة على أنهار الجنة
والقائمة فوق كنوز السماء
لننقل العالم إلى بقعة ضوء أكثر إشراقا وأمنا وعطاء
ونملأ قنديل الشمس بزيت أكثر طهرا وصفاء
ونجعل السحب تحبل بأمطار أكثر رونقا ونقاء
ونضيف لونا جديدا لأيقونة قوس قزح
لتعكس وجه الأرض في مرآة السماء
فيتخطى الإنسان عتبة الحلم
لتكتمل معمودية التراب.
*****
مذ ترجّل من صهوة حصانه السماوي المجنّح
عائدا من رحلته الأسطورية إلى منتزهات السموات
خيّم ظلام الكهوف على مشارق الشمس
وبدأ صليل السيوف يدوّي في الجهات الأربع
وبدأت أرواح المخلوقات ترفرف كأسراب الفراشات
مضمخة بالدماء
وطفقت رمال الربع الخالي تجتاح حقول ومدائن الحضارات.
مذاك...
بدأ الله يفقد ذاكرته رويدا رويدا
وصار يمحو شيئا فشيئا ماخطه منذ البدء في اللوح المحفوظ
ليأتي بأسوأ منه
أباح نكاح الزغاليل
وضرب رقاب البلابل والطواويس
وسفك دماء الحمام الزاجل والفراشات المضيئة
ففرت الطيور مذعورة في كل اتجاه
وبدأ أموات على قيد الحياة
يكرعون من الخمرة الإلهية
لتتفتح مسامات قرائحهم على طلاسم الغيب
فيعبثون بمقتنيات الله
ويخربشون على قاعدة العرش هلوسات المراهقين
يلتهمون في الآخرة كل المحرمات في هذه الدنيا
يضاجعون الحوريات اللواتي يتحجبن على الأرض
ويتعرين في منتجعات السماء
ينصتون بشبق الجرذان
إلى هسيس النشوة يسري في أوصالهن البلورية
فيصابون بالهذيان بعد كل عرس مهيب.
*****                                         
الناطقون الرسميون باسم الله
القادمون من مجاهل طقوس إرم ذات العماد
يسوقون أمامهم قطعان السكارى إلى أنهار الفردوس التي تفيض بالحماقات
ويجرجرون خلفهم توابيت مومياءات الأسلاف المقدسة
يستنبطون من تجاويف جماجمها لكل داء دواء
يدورون داخل ظلالهم في مباهج الصحراء
ويجتثون جذور العشب النابت في الواحات
يسلقون أدمغة الأطفال
ويروضونهم في حدائق الحيوانات المفترسة
يقطعون لهم تذاكر مجانية إلى جنات النعيم
ليتناولوا عشاء فاخرا بصحبة الأنبياء
يصنعون لهم أجنحة من الآيات البيّنات
ويقذفون بهم إلى فوهات البراكين
ليتناثروا أشلاء على شبابيك السماء
فيضلوا العنوان
ويصلوا بعد فوات الأوان
ليحلوا ضيوفا على حارس الجحيم.
*****
اولئك المشعوذون الموبؤون بالهذيان
المسكونون بالهوس الشيطاني
الأحياء المتفسخون ذوو الأحاسيس الصدئة
يجترون طحالب السماء... أساطير الأولين
ولايدعون الله يعرف طعم القيلولة
يحملون على أكتافهم نعش العالم
ويدحرجون الكرة الأرضية عكس اتجاه مسار الشمس
يتسترون وراء الآيات المتشابهات
ويمارسون طقوس الموت
ويشوهون كل جمال يتلألأ في هذا العالم
منظرهم يبعث الرعب في أوصال الإنسانية
لاتكتمل نشوتهم إلا في آلام الآخرين
يقفزون من كهوف الجاهلية إلى ناطحات السحاب
بفتوى واحدة
ويحلقون على صهوات الملائكة إلى فجر السلالات الأولى
شهواتهم تتناسل كالذباب المتراكم على تويجات نهود مطلية بالعسل
يعلقون سراويلهم على سياج القمر
يتوضأوون بالدموع التي ترشح من مآقي القوارير
ويدخلون جلود النساء عراة لأداء صلاة العصر
ولايخرجون إلا بعد انتهاء صلاة الفجر
لايقابلون النساء إلا مستلقيات
ليتمكنوا من حرثهن أنى شاؤوا
يتقاسمون عذاباتهن فوق سرر من زمهرير الجمر
وهم يشاطرون شبق خفافيش الليل
يرددون كالببغاوات ماألقاه الشيطان على ألسنة الأنبياء
ولايدركون بأن الطريق إلى المياه العذبة طويلة وشاقة
وسلوكها أصعب من ارتقاء النجوم.
*****
لاأدري ماذا يدور في خلد السكارى وهم يتسابقون إلى صعود سلالم الريح ليصلوا إلى مملكة الجنون.
*****
من خلال ألمي المقدس
أسمع رنين أجراس القيامة
تنبعث من نجمة حلت فيها روح الأبدية.
*****
نيسان 2013

adamhomeh@hotmail.com





89
أدب / رد: أغصـان الـربيــع...
« في: 13:23 26/03/2013  »
عزيزي فهد!
تحية وقبلة.
إنك تذكرني بذلك العصفور العاشق الذي كان يتنقل من غصن إلى غصن فوق شجرة التوت الباسقة في باحة الدار ويملأ الجو تغريدا وجوى وحنينا، ولكن على الرغم من كل ذلك كان بعض الأغبياء يحاولون اصطياده. لك تحياتي.

90
الأخ ادي بيت بنيامين الموقر
تحية آشورية من صميم القلب.
على الرحب والسعة، ولي الشرف أن أتراسل مع غصن من أغصان تلك الشجرة الباسقة التي أعطت الأمة الآشورية ثمارا مقدسة، وفاءت تحت ظلالها أجيال وأجيال. لك خالص تحياتي وقبلاتي.
 أخوكم
آدم هومه

91
   الأخ بولص مالك خوشابا المحترم
   تحية آشورية صادقة.
   مع خالص تقديري وامتناني لجهودكم الثمينة في ترجمة مذكرات الجنرال الخالد آغا بطرس ايليا، ووضعها بين أيدي القراء ليكونوا على بيّنة من الأمور التي يشتط في تأويلها كل حسب هواه، وحسب تأثره بالمحيط الذي ترعرع فيه. لذلك، أتمنى لو تزودني بالمذكرات الأصلية للجنرال اآغا بطرس، وكذلك مذكرات جدكم الخالد مالك خوشابا إذا كانت متوافرة لديكم لأقوم بترجمتيهما إلى اللغة العربية ترجمة أكاديمية.
      أخوكم
   آدم دانيال هومه
adamhomeh@hotmail.com
    ملحوظة: ترجمت ونشرت سابقا من الآشورية إلى العربية كل من الكتب التالية:
1.   من نحن؟ للكتور بيره سرمس.
2.   بابنا المغلق،  للقاص ميشائيل لازار عيس.
3.   تاريخ الرؤساء،  لمالك ياقو مالك اسماعيل.
ولدي كتابان جاهزان للطبع:
1.   احيقار الحكيم، باللغات الآشورية والعربيو والانكليزية.
2.   الآشوريون والحربان العالميتان، لمالك ياقو مالك اسماعيل.

92
أدب / تراتيل في صومعة الريح
« في: 12:41 16/02/2013  »
تراتيل في صومعة الريح
 
آدم دانيال هومه
 
 
 
 
- 1 –
 
 
عندما أغمض عينيّ
أحسّ باللهب الصاعد من قلب الله
أتحوّل لوناً جديداً في أيقونة قوس قزح
أطفو فوق شفاه حسناء
لم يقبّلها إنسان في التاريخ
وحينما أفتح عينيّ
يساورني إحساسٌ بأنني ذبابة تصلي
كي تدخل ملكوت السموات.
- 2 –
 
 سُئل طفلٌ يتسول أمام أبواب كنائسَ هاجرها الفقراء
أيهما تُفضل... الرغيف أم القنبلة؟
أجاب ... القنبلة
لأنها تحرّرني من استجداء الرغيف.
 
- 3 –
 
نحن نعلّم أطفالنا مزامير الحبّ وألحان الأمطار
نطعمهم خبز الشعوب الناضج في تنّور الإنسانية
ونلقنهم أناشيد الثورة
كي يقطعوا بلحمهم سكين الجلاد
ويتدفقوا بالغضب من أجل نهوض الإنسان
ونوصيهم أن يحذروا المشعوذين والأنبياء الكذبة
وأن استجداء الشفقة لن تفتح أمامهم أبواب الخلاص
وأن أحضان الشعب دافئة كحضن الأم.
 
****
- 4 -
ياشعبي الطالع من مدخنة الويلات
كنتَ ملح الحضارات   
وصرتَ الآن محاطا بالهزء وبول النساء...
                                       ونتن المؤتمرات.
كل شعوب العالم دخلت ملكوت الحرية
وتمضي قدماً نحو شواطي الشمس
وأنتَ... وحدك تصلي في الظلمة
تبتهلُ لإلهك المصاب بالشذوذ الجنسي
تصنعُ من أوراق كتبك المقدسة
أكاليل صفراء لشهدائك المنتحرين.
 
-5 –
 
أيتها العجوز الجميلة التي تغور في ضباب اليأس
لقد فسخ المجد خطوبته عنك مُرغما
وانسلّ الضوء من عينيك كثعبان صحراوي
وبقيتِ وحدكِ ترقبين الفاجعة
وتموتين كما يموت الملوك الحمقى
أنت حيّةٌ...
لكنك نائمة في حضن الموت
رغم صياح الديك لم يبزغ فجرك
رحمك... ملوّث
تزداد ملوحته يوماً بعد يوم
وتنزلق من بين فخذيك كلابٌ بلاسيقان
تنقبُ قي الروث... وفمها مملوء بالزبد
آه...
ماأصعب أن يكون الإنسان إبناً لأم لاتلد إلا المسوخ.
 
-6 –
 
سيّد الرمل والنفط والوهم يطحن شمس الآلهة
يلج تنيناً في رحم السمكة المدللة في بركة القلب
يتقدّس خارج جسده بين أفخاذ مومسات العصر
ويحلم بحياة أبدية
وقبل انقضاء الحلم يكسوه الريش
ويصبح ذكياً
واسع الفهم... كالحمار.
-7-
 
أيها الوطن المتوهّج في ذاكرة التاريخ
نقيٌ أنتَ كماسّة الندى مرصّعة في تويجة الصباح
أنتَ... سنبلةُ عشق تتجذّر في شفة السماء
وتتنفس في صلصال دمي
أنتَ.... فرحُ الشعاع المتوثب في ألق المطر
عصفورٌ شاردٌ من مدخنة الليل يحطّ على نصل النار
ويمتشق جلال الزهر
عيناك... مكتنزتان بالحلم وصهيل الفجر
تسافران شطر الغابات المأهولة بالفقراء
وجرحك مضمّخ بالملح ينزّ عبر بوّابة الشمس
يغمر كل الأرض
ويلهث كالفرس الجامح في أزمنة القحط وفي أروقة الثلج.
أوّاهٍ ياوطن الورد... وياقنديل الشعراء
خلقك الله قبّرة ليزيّن بك شجرة عيد ميلاده
لكن ذبابَ الجوع القادم من برّ الشام...
                                 ومن قلب الصحراء
أحال وجهك مزبلةً للغرباء.
مكتوبٌ ياوطني أن تتعمّد بالنار
وتدخل تجربة الموت
كي تعيش طاهراً كزنبقة عذراء.
 
-8-
في هذا الزمن المأفون
زمن العهر العربي... والغثيان السياسي
زمن الانتصارات النكراء... والهزائم المجيدة
زمن هبوط الآلهة على الأرض
يعود ابو سفيان وأبوجهل والحجاج...
                                   سلاطين العصر
يعاقرون الخمرة... ويدخنون السيكار
يطاردون الأنبياء
ويضطهدون (بإسم الله) كلّ المؤمنين بمملكة الحبّ والضياء
يتوضأون بدماء الشعب
ويصلّون في حظيرة خنزير
ويمتطون ناقة أمريكية مجنّحة
بحثاً عن بغيّ يرسمون على فخذيها خارطة فلسطين
ويصبّون في خليجها الغضب العربيّ الساطع.
وطني مسكونٌ بالنار
والشعراء قد ولوا الأدبار
هرباً من غابات الشرق الأوسط  ومن مملكة الأقدار
وكلّ العصافير تهاجر صوب الغرب
تبكي الفردوس المفقود
تنتحر ببطء على أرصفة الغربة...
                                وفي أقبية الصمت
والضفدع....
يتنقّل مابين المستنقع وسروال السلطان
يتبارك بجهازه التناسليّ المقدّس
وأنا مبهورٌ بالشعب
مبهورٌ بالعشق القائم بين الضفدع والسلطان.
 
-9 -
ياوطني!...
مامن قوة ترغمني على عبادة الشيطان
أو التمسّح بأهداب عباءة السلطان
وُلدتُ حيث الله والثورة والحب
وعلمتني الحياة أن المنافق... ابن كلب.           
ياوطني!...
أنام  في كلّ مساء على صوت عواء كلاب القفر
وأستيقظ كلّ صباح على شدو عصافير الجنّة
ومابين النوم واليقظة
(أسمع صياح الديك على أسوار بابل).
 
****
بيروت – لبنان  كانون الثاني 1977
 
 

93
الإخوة الأكارم!
الأخ الشاعر والأديب الآشوري ميخائيل ممو يتحدث عن لغته الأم الآشورية والتي هي إرث وميراث شعبه الآشوري في كل بقاع الأرض. والصور التي أرفقها مع المقال خير دليل على ذلك.

94
انهاء!
أيتها الشاعرة المسكونة بهواجس الأنبياء، والمفعمة بالأمل والطموح والابداع. ألف ألف مبروك شهادة الماجستير وإلى الأمام متمنيا لك حياة رافلة بالشعر والعطاء، مكللة بالصحة والتوفيق والرخاء.

95
يوخنا أوديشو وخالته خوشيبو يقصفان قرية تل نصري بطائرة الميغ

                                                                                                                           آدم دانيال هومه
   نشر الأخ يوخنا أوديشو دبرزانا في بعض المواقع الالكترونية  مقالا تحت عنوان (تل نصري وطائرة الميغ
قذيفة  شاردة  أم رسالة  وافدة؟). تطرق فيها إلى مواضيع شتى ذكرني فيها بخالته (خوشيبو) التي كانت تبدأ قصصها دائما بسرد تفاصيل المذابح والمجازر التي تعرض لها الشعب الآشوري، وتنهيها بإلقاء اللوم في كل ذلك على كنتها االتعيسة التي عجزت عن إنجاب حفيد تكحلّ به عينيها.
   لذلك أود أن أصحح بعض الأخطاء التي وقعت فيها لأنك لم تعش الوقائع كما كانت ولكنك سمعت فلانا ينقل عن فلان عن علان عن شختا على طريقة المرحوم أبو هريرة.
1.   أظن يقينا بأن الأخ يوخنا أوديشو يعرفني معرفة تامة وشهادته بي ليست مطعونة على الاطلاق سلبا كانت أم ايجابا.
2.   تقول: قد  يكون  الجواب الشافي عند السياسيين اللبنانيين وعند بعض  من كهنتنا وربما بعض  من  مسؤولي تنظيماتنا  ومؤسساتنا  السياسية وشخصيا اعتبره  السبب ذاته الذي افشل ووأد مقررات مؤتمر بغداد عام 2003 للمؤسسات الاشورية  السريانية (الاجتماعية والسياسية)  والذي  كان بحق الانجح  والانجع لهذه  الامة .
هذا رأيك ورأي الذين يشاطرونك ركوب القطار السرياني الكلداني الآشوري، أما رأيي فإن المؤتمر المذكور والمشؤوم كان المسمار الأخير في نعش القضية والأمة الآشورية.
3.   تقول: قانون الاحوال المدنية  اللبناني  ينص  صراحة : في  حال  تجنيس   أي مسلم  يجب ان يقابله  تجنيس  اربعة  مسيحيين  من هنا اجتاحت حمى التجنيس مسيحيي محافظة  الحسكة وخصوصا من  ابنائها  السريان  الاشوريين فترة  الحرب  اللبنانية.  وكان  يتراوح  سعر الجنسية من 5000-8000 ليرة سورية  حينما كان  سعر  صرف  الدولار لايتجاوز 4 ليرات  سورية, ومن لم يمتلك  المبلغ  استدان  او رهن او باع جزء من  مقتنياته ولقد لعبت  الرابطة السريانية والكنائس وبعض  قياديي المنظمة الاثورية في  لبنان دورا مهما في  تلك  العملية وتلافت  المنظمة ذلك الخطأ الفردي بفصل اثنين من أبرز كوادرها.
      لقد بالغت كثيرا في سعر الجنسية بحيث كان المبلغ الذي قررته الرابطة السريانية، يومذاك, برئاسة الدكتور جوزيف الأحمر (75) ليرة لبنانية فقظ. أما قرار التجنيس فلم يتخذه بعض قياديي المنظمة كما تدعي وإنما اتخذته اللجنة المركزية والمكتب السياسي بالاجماع.
4.   ابان  الحرب  اللبنانية قدم  الى  بيروت  موفدا  من  الاتحاد الاشوري  العالمي المرحوم  جان  يونان, احد قادة هذه  المؤسسة للتباحث  مع  الحكومة  اللبنانية عبر القوات  اللبنانية حول  توطين الاشوريين السريان في لبنان (من سوريا والعراق) وستقوم  هذه  المؤسسة بتامين مستلزمات هذا  التوطين كالمساكن ومعامل  وغيرها...شخصيا لم التق  المرحوم , فقد كنت غائبا عن  بيروت حين وجوده  الا ان السيد  ادم  دانيال  هومة أفادني مشكورا  بكل  المعلومات واللقاءات حيث  كلف  بمتابعة الموضوع كممثل للاتحاد الاشوري العالمي في  لبنان.
   المرحوم جان يونان قدم إلى بيروت بدعوة رسمية من قبل الرئيس الراحل كميل شمعون بصفته رئيس الجبهة اللبنانية، وأنا الذي قمت بتأمين الدعوة عن طريق ابنه المرحوم داني شمعون. ولم أكن يومها ممثلا للاتحاد الآشوري العالمي وإنما ممثلا للمنظمة الآشورية الديمقراطية بناء على موافقة المؤتمر الثالث. ولم تكن مباحثاتنا مع القوات اللبنانية وإنما مع الجبهة اللبنانية التي كانت تضم كل من الكتائب اللبنانية برئاسة أمين الجميل ممثلا والده بيير الجميل، وحزب الوطنيين الأحرار برئاسة داني شمعون ممثلا والده كميل شممعون، والقوات اللبنانية بزعامة الرئيس المغدور بشير الجميل.
أما عن فصل المنظمة اثنين من أبرز كوادرها فهذه خرافة سمعتها من خالتك خوشيبو التي كانت عضوا في قيادة منطقة الحسكة آنذاك.

5.   كان  للسيد آدم هومة لقاءات أخرى مع كل من الرئيس الشهيد  بشير الجميل وشقيقه  الرئيس امين  الجميل الذي رفض طلب التوطين في  الجنوب والكلام لآدم ((كون  الجنوب هو  البوابة لحل  مشكلة  الشرق الاوسط حسب  تعبيرالرئيس  الشيخ امين  الجميل. في  تلك الفترة فصلت  المنظمة الاثورية  الديمقراطية آدم دانيال  هومة  من صفوفها لكل الاسباب  السابقة وفي الوقت  ذاته  عادت  من  اميركا الانسة  ماري  جوارو عضوة الاتحاد  الاشوري  العالمي فتم الاستغناء  عن آدم دانيال  هومة .
   الشيخ أمين الجميل رفض توطين الآشوريين في لبنان قائلا بكل صراحة: المسلم اللبناني أفضل عندي من أي مسيحي في العالم. ولكنني حين قلت له: ولكن لاتنس بأن الآشوري هو الذي يقف معك في خندق واحد ضد المسلم اللبناني والفلسطيني لأن لديه القناعة المطلقة بأننا شعب واحد فرقتنا غوائل الأزمان، والمذاهب المشؤومة لاطمعا بهوية مزورة. ولاتنسَ بأن الرئيس شمعون قال لي بالحرف الواحد: (كنت ولازلت مصرا ومقتنعا بأنه لو اتحدت العقلية المارونية والعسكرية الآشورية لسيطرنا على الشرق برمته وأعدنا أمجاد الأمبراطورية الآشورية.وأقسم لك بأني لن أموت قبل أن أحقق طموحات الشعب الآشوري، وسيكون لبنان المحطة الانتقالية للآشوريين إلى موطنهم الأصلي بلاد آشور). أما الذي قال: (بأن الجنوب هو البوابة الرئيسة لحل مشكلة الشرق الأوسط) فقد كان السفير الأميركي في لبنان، يومذاك، ريتشارد باركر. أما عن فصلي من المنظمة فلم يكن في تلك الفترة كما تدعي ولكن حدث عندما حيكت المؤامرة الكبيرة ونصب لي الكمين بحجة لدينا اجتماع طارئ ومصيري في الحسكة وعلى مستوى اللجنة المركزية والمكتب السياسي، وينبغي علي الحضور مهما كانت الأسباب مع أنهم كانوا يعلمون جيدا بأن المخابرات السورية تترصد تحركاتي عن طريق عملائها المندسين في الرابطة السريانية، وقد اعتقل ابن أخي الفنان جان هومه بسببي بحيث لم يكن منظما ولم يكن له ناقة أو جمل في الموضوع. وإذا أردت أن تعرف كيف اجتزت الحدود اللبنانية ودخلت الحدورد السورية فعليك أن تسأل السيد(صليبا مراحة) الذي أقسم بأغلظ الإيمان بأنه التقى جان قبل أيام في الحسكة وأخبره بأنه لاخوف علي من الحضور إلى سوريا. وكذلك (جان كردوسلي) الذي أخذ هويتي وذهب بها إلى الأمن العام السوري على الحدود اللبنانية السورية وعاد بالموافقة السريعة مدعيا أن رئيس المخفر هو ضابط سرياني. وجان كردوسلي هو الذي كان يقود سيارتي من بيروت حتى أوصلني إلى مدينة حلب في حين تذرع صليبا مراحة بحجج واهية ولم يرافقنا مدعيا أنه سيلتقي بي في الحسكة في اليوم التالي. وبعد حلب واصلت المسير بمفردي إلى مدينة الحسكة التي وصلتها الساعة العاشرة مساء، وفي الخامسة صباحا من اليوم التالي أيقظني جان من نومي قائلا: بأن رئيس المخابرات السياسية وأحد معاونيه ينتظرونك خارجا. أما قرار فصلي فقد اتخذ وأنا في السجن، ولم أعلم به إلا بعد إطلاق سراحي وقد اخبرني بذلك الأخ الشاعر سعيد لحدو. أما عودة الآنسة ماري جوارو فقد عادت إلى لبنان في الوقت الذي كنت فيه ممثلا رسميا عن المنظمة الآشورية الديمقراطية والاتحاد الآشوري العالمي بآن معا. ولم يستغن الاتحاد الآشوري العالمي عني على الإطلاق وإنما وجودي في السجن ومنعي من السفر خارج القطر لمدة أربع سنوات أحدث فراغا كان من الضروري ملئه.
6.   ادم بديناميكيته كألكترون حراك غير مستقر رافض للانكسار عمد الى تأسيس تنظيم اشوري اخر (حزب آشور الديمقراطي) وتمت صياغة نظامه الداخلي  في  بيتي في  بيروت بمشاركة كل  من الطلاب  الجامعيين الاخرين (أنور كوركو، عبود دنخا، شاهين سورو، البير قرياقس) وكنت قد أفصحت لأنور كوركو لماذا  علينا  مسايرة  آدم ...
   كان الطاعنون في السن من أهل قريتنا تل نصري (ولطو) يقولون: بأن أهالي أم وغفة (سرسبيدو) يخرفون باكرا، ولم أكن أصدق ذلك، ولكنك أثبت، اليوم، بأنهم كانوا على حق.
   اسم الحزب كما اقترحناه يومذاك كان ولم يزل (الحزب الآشوري الديمقراطي) ويبدو لي بأن ذاكرتك بدأت تخبو رويدا رويدا حيث لم يكن لا عبود دنخا ولا شاهين سورو في لبنان يومذاك. والاثنان انضما إلى الحزب بعدئذ، ولم تتم صياغة النظام الداخلي والبرنامج السياسي إلا في المؤتمر التأسيسي للحزب في السابع من آب عام 1977م في قرية تل طال. أما إفصاحك للأخ أنور كوركو لماذا سايرتني يومذاك لم أسمعك تبوح به يوما على الإطلاق. قد يكون هذا مبرر تافه لعودتك إلى المنظمة.
   أما الآن فدعني أشرح لك لماذا تم فصلي من المنظمة الآثورية الديمقراطية، وهذه أول مرة في حياتي أكتب عن هذه الموضوع رغم إلحاح العديدين من أصدقائك المفصولين من المنظمة والذين أقاموا الدنيا ولم يقعدوها حتى اليوم.
   في بداية انعقاد المؤتمر الثالث للمنظمة في مدينة حلب عام 1976 قلت للمؤتمرين بكل صراحة: منذ اليوم يجب أن نضع النقاط على الحروف. أنا شخصيا لست على استعداد للعمل تحت أي تسمية سوى التسمية الآشورية فقط لاغير، تنظيما وشعبا ولغة. فمن المعيب أن يكون شعبنا آشوري، ولغتنا سريانية، وتنظيمنا آثوري. فانبرى أحد الأعضاء الذي تعرفت عليه لأول مرة، وأصبح فيما بعد مسؤول المكتب السياسي، قال: أنا نفسيا لاأتقبل التسمية الآشورية. قلت: ولكن كيف تقبلت التسمية الآثورية وهي التسمية التي تطلق، في العراق، على أتباع الكنيسة الشرقية الآشورية التي تسمونها الكنيسة النسطورية؟.
   كان في المؤتمر أثنان كنت أنتظر منهما مساندتي على الفور ولكنهما لم ينبسا ببنت شفة، وأحدهما أنا الذي ألححت على حضوره رغم معارضة منطقة الحسكة وحلب عليه. وشهادة أمام الله والتاريخ، فبعد نقاش حاد وطويل انبرى الدكتور ابراهيم لحدو(حاليا في المانيا وخارج التنظيم) وقال بالحرف الواحد: (ياشباب إذا أردتم أن نناضل قوميا فليس أمامنا إلا التسمية الآشورية فقط وماعدا ذلك ليس إلا أسماء مذاهب ومناطق). ثم أيده على الفور اسكندر أفرام، وهو الآن قس في مدينة ملبورن الاسترالية. وبعد ذلك تتالت الموافقات وذكرتني يومها بأعضاء مجلس الشعب في سوريا. ثم وافق أعضاء المؤتمر بالكامل على أن يكون اسم المنظمة الآشورية بدل الآثورية، واللغة آشورية بدل السريانية، والشعب ظل آشوريا كما كان سابقا. وقبيل اختتام المؤتمر تم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية والمكتب السياسي، فانتخبت عضوا في الاثنين معا، وكلفت بمهمة التفرغ في لبنان، وحضور مؤتمر الاتحاد الآشوري العالمي في ستوكهولم- السويد مع الدكتور كورية كوميشال الذي كان يقطن في اسطنبول، وهو الآن في السويد وخارج التنظيم. ولكن بعد وصولي إلى استنبول بعدة أيام وصلت مقررات المؤتمر، وكانت الصدمة الكبرى حيث ضُرب بمقررات المؤتمر عرض الحائط وبقي اسم المنظمة الآثورية، واللغة السريانية، والشعب الآشوري. وبعد عودتي التقيت أول ماالتقيت بالسيد يونان طليا لإقامته في مدينة الحسكة، ولما استفسرت منه عما حصل قال: لقد جاء يعقوب مروكي من لبنان(حاليا في مدينة ملبورن الاسترالية وخارج عن التنظيم) وأقنعنا جميعا بالابقاء على الآثورية لأنها صفة خاصة بكل ملتزم بفكر المنظمة. فقلت له: لعنة الله على هذا التنظيم الذي يستطيع شخص تافة مثل يعقوب مروكي إقناعكم بالدعس على مقررات المؤتمر الذي هو أعلى سلطة في المنظمة وتبني مايقرره فرد مثل يعقوب مروكي عاش طيلة حياته طفيليا على المنظمة (وأنت ياسيد يوخنا، ياأبا الطلاسم تعرف ذلك جيدا وأكثر من أي شخص آخر لأنك عايشته طيلة سنوات في لبنان وتعرف عنه كل شاردة وواردة).
عزيزي يوخنا!
هناك الكثير الكثير من خفايا الأمور التي هي ملكي الشخصي ولن أفرط بها أمام القراء حتى يأتي اليوم التي أجد الافصاح عنها ضرورة حتمية لمصلحة شعبي ليس إلا.
 الشيء الذي أود أن أقوله لك باختصار:
  كانت تلك أجمل أيام حياتي لأنها كانت زاخرة بعطاء بلا انقطاع. وأظن بأنها كانت العصر الذهبي للمنظمة الآشورية الديمقراطية على الإطلاق وإذا لم تصدق فاسأل قياديي تلك الفترة الذين انزوى الكثير منهم يأسا وقنوطا بعد رحيلي. فخلال ثلاث سنوات استطعنا أن ننتشلها، ولاأقول انتشلتها، من كهف اللجنة السرية المظلم إلى ربوع المؤتمرات الرحب. أسست دورات الكوادر القيادية في كل من المالكية وقبور البيض والقامشلي والخابور وجامعة حلب وكنت أشرف عليها شخصيا. أصدرت مجلة (نشرا دآثور) وكنت أحررها بمساعدة الأخ سعيد لحدو، وهي اليوم النشرة الناطقة بلسان المنظمة الآثورية الديمقراطية إلى جانب العديد العديد من النشاطات المستمرة التي كانت مفخرة واعتزاز شعبنا يومذاك. هذا غيض من فيض.
   قبيل الختام أقول لك بكل صدق وصراحة: جميع اولئك الذين عملت معهم في تلك الأيام وبدون استثناء كانوا المناضلين الحقيقيين الذين سيدخلون التاريخ الآشوري من أوسع أبوابه، وسيظلون قديسي هذه الأمة بدون منازع لأنهم أعطوا بلا مقابل، وحملوا أرواحهم على راحاتهم بدون خوف ولا وجل في غابة من الوحوش المفترسة ممثلة بالمخابرات السورية وعملائها الذين كانوا يحصون عليهم أنفاسهم ليل نهار، ويتربصون بهم في كل زاوية وشارع. وأشهد لله وللتاريخ بأنه طيلة عمري النضالي في سورية، منذ بداية تأسيس المنظمة الآشورية الديمقراطية ومن ثم الحزب الآشوري الديمقراطي وحتى يوم رحيلي عن سوريا، لم يتواجد بين صفوفنا أي خائن أوعميل وهذا شرف عظيم للحركة السياسية الآشورية في سوريا، ووسام على صدر كل واحد من اولئك الشهداء الأحياء والأموات منهم.
عزيزي يوخنا!
   أعرف جيدا، وتعرف قيادة المنظمة يقينا بأن ماأدى إلى فصلي، يومذاك، لم يكن قائما على أساس وإنما لأنني كنت عقبة كأداء في تحقيق المصالح الآنية والذاتية لبعض صغار النفوس الذين هم اليوم في عداد أهل القبور. وأعترف بأنني أخطأت كثيرا لأنني كنت قاسيا أكثر من اللزوم في محاسبة المقصرين من القياديين على وجه الخصوص. وأطلب مغفرتهم جميعا. يقول اين الرومي:
ألا ليت الشباب يعود يوما         فأخبره بما فعل المشيب
الكل، بدون استثناء، كانوا وسيظلون في القلب والذاكرة وإلى الأبد.
   عزيزي يوخنا!
   وأخيرا أهمس في أذنك أيها الآشوري السرياني الكلداني اليوم، والآرامي غدا، والكردستاني بعد غد، هذه كانت السلطة التي لم أستطع هضمها فكريا والتي أدت إلى رحيلي مأسوفا عليه. لذلك سأظل أسير حافي القمين على نصل السكين ولن أرضى أبدا أن أكون كذلك الأحمق الذي كان يبتسم وهو على الخازوق لأنه ينظر إلى الآخرين من فوق. وإلى اللقاء.


  


96
أدب / تل نصري الزنبقة الجريحة
« في: 21:55 18/11/2012  »

تل نصري
الزنبقة الجريحة

                                                                                                                           آدم دانيال هومه

مهداة  إلى روح الشهيد ( نينوس منير أوشانا)  الذي توفي إثر القصف  الذي شنه السلاح الجوي السوري في الرابع عشر من شهر تشرين الثاني 2012 على قرية تل نصري (ولطو) التي تقع على مبعدة 84 كم من مركز مدينة الحسكة  ما أدى الى  إصابة عدد من الجرحى إضافة إلى تدمير العديد من المنازل وإلحاق أضرار بليغة بكنيسة شفيعة القرية السيدة العذراء.
 

تل نصري!...
وردة تنام على فراش الندى
فاتنة الحدائق والكروم والسواقي
الطفلة الوادعة المدللة
أرضعتها الحمائم التي بنت أعشاشها فوق أسوار نينوى
قبل سبعة آلاف عام
وترعرعت في أحضان أمها الرؤوم السيدة العذراء
تركها أهلها بكامل سحرها وزينتها الملوكية
وبكامل أناقتها الآشورية
تمرح بين الحقول والبساتين
تصدح بين يديها معاول ومناجل الكادحين   
تقطف زنابق الصباح لتنثرها في عرس العصافير
تمشّط شعر الفراشات وهي ترتشف الخمر من شفاه العناقيد
وتتقيل في أرجوحة الشمس
تتأمل بحسرة أشجار الصفصاف
وهي تلهث عطشا على ضفاف الخابور
وفجأة...
قدموا على صهوات الريح
مدججين بالحقد المقدس
وهم يرفعون مشاعل الهداية نحو المهاوي السحيقة
يعربدون كالجراد في حقول التاريخ
ويسحقون أزاهير الحضارات
بأقدامهم الملوثة بقاذورات الجاهلية
وأمطروها بوابل من حمم البراكين
فاهتز عرش الله
وانكمشت الملائكة في زاوية من السماء
وانكبت تل نصري على وجهها مضرجة بالدماء
وتعفرت بالتراب كطائر مذبوح
يتخبط في دمه
وتهاوت تحت ركام الأبنية المنهارة
وتناثرت لآلئ قلادتها اللازوردية بين الأنقاض
وصاحت برعب وألم
اغتال الأوغاد حبيب قلبي
وقرّة عيني... نينوس
حبيبي الذي كان يعزف على أوتار السنابل أناشيد المطر
وينظر إلى صورته ناصعة في مرآة المستقبل
ويشد أحلامه فوق صهوة الأرجوحة المعلقة بين شجرتي توت عتيقتين
غرسهما جده المهجّر من أرض أجداده
وأجداد أجداده
ويردف خلفه الأطفال
ليمضي بهم نحو النجوم
ليرشوا على ربوع القرية عطر السماء
وعلى نهرها العطشان أكاليل الغيوم
لتتطهر من عذابات الأنبياء
وتعيد إلى الخابور شبابه
ورونقه
ونضارته.

نينوس...
الحمل الذي أرسله الله من السماء
ليكون فداء وقربانا لأهل قريته
لقد اختلط دمه بغبار الشمس
وربط الأرض بالسماء
ورافقت روحه الأنوار المتناثرة من وهج الموت.

عندما ودع نينوس حبيبته تل نصري
كان يمسك في يده حفنة من التراب
وفي عينيه انعكاس صليب الكنيسة الجريحة
وعلى جبينه ترفرف قبلات عشتار.

شُلّت يمينك أيها الطيار الأرعن
وكل الطغاة إلى الدرك الأسفل من الجحيم.
فجميع االطواغيت عبر العصور
ينتهون إلى مزبلة... أو مهزلة
أو حفرة... أو مقصلة.
 
مكتوب عليك يا تل نصري
أن تكوني حاملة هموم الأمة
وقدرك أن تتلقي الضربة الأولى
لتتوشحي بالقداسة
لتكوني جديرة بتبوء عرش سومر
لترثي أرض القديسين والشهداء
وبهاء ممالك الأرض
ولتستحقي أن تكوني قبلة الثوار والشعراء.

سوريا...
الجنة التي آلت إلى مقبرة
هاجرتها الأطيار والأزهار والأنهار
والأنجم والأقمار
وشاخت الزنابق من هول الرعب
وتعششت الأحقاد في القلوب
وصارت وشما على ذاكرة الأطفال
والشعب يواصل الموت
محاصر في ظلمة التابوت
والملك الأسطوري يجترح المعجزات
يعاقر الدم... وهو يترنح
مابين نصل السكين وبين الجدار المرصوص.

مابين مطرقة الموالاة وسندان المعارضة
 ضاع نينوس
وأخشى ماأخشاه
أن ينتهي بنا الربيع العربي
إلى زمهرير كردي
يومها لن يبقى لنا داخل الوطن
سوى نينوس وبقايا رفات أمواتنا
وأطلال قرانا ومقدساتنا
يومذاك
سيجلس المناضل الشهم
حامل لواء الثورة
وحيداعلى المقبرة
لايسمع إلا نعيق الغربان
وصوت الآذان.
adamhomeh@hotmail.com
سدني- استراليا
2012/11/15

 

97
أدب / غجري لايجيد الرقص
« في: 20:32 19/09/2012  »


غجري لايجيد الرقص


آدم دانيال هومه



أكتب باسم الواحات المنثورة في الصحراء
باسم نواعيرالحزن الدائرة فوق عيون الشعراء
العابقة بعطر ضفائر فراشات الفجر.
أكتب باسم المصلوبين على أبواب الريح
وباسم الألم الذي يصعد العشاق في شعابه الوعرة
                                                 إلى جنة الأمل
ليظل الحب خبز الحياة الأبدي.
أشرب نخب الأرض المضرّجة بأنفاس البؤساء.
أتزنّر بالرعد
وأمضي فوق صهوة جواد المطر نحو بلاد الفقراء.
أؤمن إيمان الظامئ بالماء
أن الاشتراكية هي البوصلة الهادية للبشرية جمعاء.

ياشهداء الوهم وأقراص النوم
إني أبحث عن وطن أغرس فيه جذوري
يمنحني الخبز والهواء… والكرامة
لاتتردّد فيه عبارات الدم والحديد والظلام
أحلم فيه بالشعر وبالإنسان
وبامرأة دافئة لاتترمّل… وأنا حيّ
وبطفل يولد… ليعيش حرا.

هادئ كبحيرة حزن
تتموّج شرارات القهرعلى ضفاف القلب
وفي صلصال دمي يتوهّج وجه العالم
لم أعرف منذ زمان نكهة غبار الطلع
لاأشعر أني موجود إلا حين أنفذ من ثقوب الذاكرة
أو أذوب في اللهب المسكون بشبق امرأة آشورية.
ماعدت أسمع رنين الضوء يجلجل في نفق المطر
ماعدت أعرف إن كان عصفور الحلم ينقر جمجمتي
أم أنه دمي يقطر على سيف الرعد.
بلا أجفان أمضي نحو الشمس
أعاني الغربة في الوطن
أحلم بأرض تبحث عن شعب في حلقه طعم حليب المساعدات الدولية
وفي جيبه (وطن على ورقة) يتمسّح بها بدوي على قارعة الطريق
أستحثّ ضمير العالم كي يدعني أولد
أو يدعني أمارس طقوس المخاض في رحم الليل.

دمي يتنهّد في الريح
يترك آثاره المقدسة على خنجر الرب
ويسيل على صفحات التوراة
يمحو الكلمات المكتوبة بالهذيان النبوي
ويشرّش في تراب الفردوس المفقود
الذي ضيّعته في صقيع النوم
ووجدته تحت آباط فراشة الرؤيا
حيث يرتعش الجمر في رماد الذاكرة المغسولة
وتنمو الزهرة بين عظام الموتى.

أنا غجري من الشرق
مطوّق بمناقير البؤس وأنياب كلاب الصيد
في حنجرتي تضيء أناشيد الجوع
وعلى أرصفة السماء يسيل دمي
أتأبط  وطني
وأقف ذليلاً أمام سفارات العالم
أترقرق كالحزن
أحلم بعناقيد النهود المتوهّجة في ضباب الغربة
وانسلّ من نوافذ الريح المطلة على مبغى الغرب
أتنقل كعصفور أحمق من غصن إلى غصن
أحمل شعبي، بكل جراحاته، في قلبي
وأشهر دمي في وجوه القسس الذين يضاجعون عنزة بعد كل صلاة.

أنا... غريب
ألمح آثار أقدام الحزن على صارية قلبي
ومن رأس لساني تتدلى مشنقتي
أعاقرالتسكع بين النجوم
وألعق الدم المتخثرعلى شفة حبيبتي.
قلبي يخفق كسحابة فوق البحر
لكني لاأستطيع أن أرفرف فوق الشجرة القائمة عند مدخل الصحراء.

أنا متشرّد...
لايربطني بأي وطن إلا ذكورتي ومنديلي المبلل بالدمع
أبدّل هويتي كما تبدّل العاهرة سراويلها الداخلية.
الشعر جوادي المطهّم
منه تنبعث رائحة الحليب الذي رضعته قبل سبعة آلاف عام
وعليه أنطلق فوق حجرات التعذيب وأكواخ البؤساء
أتمرّغ في نشيج موسيقا الأمم المقهورة.
أيها الرفاق!...
في بلدان الشرق
من يقف على رأي كمن يقف على الخازوق
ومن يتلوّن كالحرباء
ويرتّق بكارته ليمنحها لكل عهد
يثب كالضفدع فوق العرش وفوق رؤوس النجباء.
أيها الشعراء!...
إني أحلق ونعشي على ظهري
وروحي معلقة على مشجب الوطن
من عنقي الممنوح إلى الجلاد
يرشح الضوء على عتبات المستقبل.

سلاماً أيتها القبّرة المصلوبة فوق المساميرالطالعة من جمجمة الريح
سلاماً أيتها الكلمة النابحة في البرّية مثل نبيّ
ينزف على قارعة الخط الفاصل بين الموت ولؤلؤة النار
سلاماً ياعصفور الشعر ينقر قلب الله ووجدان الإنسان
إني متهم بتهريب الثورة إلى أدمغة الشعراء
إني روح القدس يسقط منهوكا في أروقة الفقراء
ماأقسى أيام العاشق يتشرنق في تابوت الغربة
                                      بحّار يمخر عباب الصحراء.
ياأحرار العالم!...
داعرةٌ موعظة الكهّان المنحدرين من قفا الشيطان
داعرة سنبلة الضوء الطالعة من مراحيض القوّادين
داعرة نجمة الصبح تنيخ على عتبات الجزّارين.

نينوى!...
ياعاصمة الموت والغبار
مثل النهد ترقدين في فم الله
ظمأى كقيثارة فوق قبر مهجورخلف زجاج المطر
يسّاقط عليك الرجم بالغيب
وتستندين على زلزال الريح
من مقبرة لمقبرة تتسكعين
في دمك تحترق عصافيرالماء
وفي عينيك كسوف الخبز المحروق.
أنت...
قديسة الثوار والفقراء
نكهة الملح في الموجة المتوغلة في جذورالإنسان
حلمتاك... جرحان تخثر فيهما شعاع العسل
في دمي...
يرتعش صوتك مثل روعة تهويم القطا
وتلتمع عيناك، نجمتين ممجدتين، فوق فمي
أسبّح... ثم أموت... لأبعث باكرا
قبل حلول فصل الرماد... والجنون.
قديسة الثوار والفقراء!...
ممتلىء بحبك حتى حافة الجمجمة
وجهك مشدود إلى مشيمة القلب بحبل العشق السري
حبك منحوت بالضوء على مرآة القلب
حين يكتمل قدّاس الثورة
أفتح دربك بين ضلوعي
كي أسمع وقع أقدام الربيع
الذي يهبّ من الماضي ليبني عشه في عينيك.
ياأبجدية الحب والحقد!...
دمكِ يتلألأ في أبهى شرفة في العالم
ويغرغر في جسدي
آهٍ... ياأزلية النجوم والجراحات
أنت اليوم تستلقين في الطحلب واللعنة
في دمك يختلج الطوفان
وفي شرايينك تصهل خيول الكبريت
وعقارب الصحراء تنهش أحشاءك
ومخلصك...
غجري يجيد التسوّل... ولايجيد الرقص.

****
               
   


 نيقوسيا- قبرص تشرين الثاني 1976

سدني- استراليا
adamhomeh@hotmail.com


98
أدب / تقاسيم على أوتار الريح
« في: 10:53 27/08/2012  »


تقاسيم على أوتار الريح


آدم دانيال هومه






 

في البدء كان البحر
ومن البحر قذف الموج السلحفاة على الشاطئ
لتكتب سيرة الإنسان على الرمال.
****

بما أنك قنديل هداية على مفرق الطرق
فعليك أن تتحمل مجون الرياح.
****

أنا غيمة متقدة في الآفاق         
تطفح أعماقي بماء لاينضب
أحلم بالهطول بدون انقطاع
لأسقي كل أرض عطشى
وأبلل كل شفة ظمأى
لأعود بعدها إلى أحضان البحر
مضمخا بأريج النجوم
ورحيق التراب.
****

قلبي نبع يترنح بين الصخور
وحيدا يعاقر وهج الجرح
ما بين الصهيل وبين الصدى
يتوغل في أوردة العشب النابت فوق قبور الشعراء
الذين ينزفون ضياء على جذوع نخيل الرافدين
ويتوهجون كالحباحب على ضفاف دجلة والفرات.
في عتمة الدرب
تلوح عشتار من شرفة الحلم كأيقونة الفجر
مكللة بهالة المطر
ويطل گلگامش من بين أكفان الطوفان
مدجّجا بتوائم القيامة
يجرجر خلفه البحر الميت والصحراء العربية.
****

تل نصري... (1)
أيتها الفراشة المضمخة بأريج الزيزفون
المعفرة بالتراب المتناثر من أقدام الملائكة
يانجمة المساء تستحم في نهر من البلور
عندما اذكر اسمك
يترقرق العسل على شفاهي
ويفور الدمع من الأحداق
أتضاءل كالظل في ظهيرة صيف
لأعود طفلا يتمرغ في أحضانك
تجلجل ضحكاتي بين جنبات السموات
فتوقظ الأموات من غفوتهم الأبدية
 وتجعلهم يرقصون في قبورهم
ويعودون إلى عصرهم الذهبي
بين أهازيج الأمواج التي تلامس الأفق البعيد
وعنين النواعير الصادح بين ثنايا الليل
ورنين الأجراس الذي يضيء الظلمة الداكنة
أعود إلى عتبة تلك الدار المتوهجة بالقداسة
حيث كان الله يستدفئ بشمس عشق العذراوات
ويغط في النوم والشخير
تحت ظلال شجرة التوت الباسقة
وحيث كانت الملائكة تترنح سكرى
في أروقة الجنة.
أيتها المدلاة كالثريا فوق أعشاش العصافير
رغم التيه
لم أزل قرويا محضا في الجوهر
 وفي المشاعر والأحاسيس
ولم يزل اسمك يشع
من خلال ثقوب الشمس
فوق غصون الذاكرة.
****

في كأس من المدام
أنسى الماضي والحاضر والمستقبل
وأسقط بطراوة الندى فوق وجنة زهرة النوم.
****

من حق جميع العصافير أن تنطلق في الفضاء الرحب
مع تباشير كل صباح
ومن حقي أن يكون لي وطن كباقي البشر
أعيش فيه حرا طليقا
منزها عن الخوف
والانحناء لالتقاط فتات الخبز من تحت الأقدام
بعيدا عن الجدران التي تتنصت لنبضات قلبي
أحلم كما أشاء
أمد فيه رجليّ مابين الجبل والبحر
وأتكلم مع الله بلغتي التي لايفهمها أحد سواه
وأريد أن يعود لشفاهي رونقها العذري
كما أريد أن أسبح في بركة الشمس
لتعود إليّ نضارتي وذاكرتي المسلوبة.
****

من المحال أن تعيش في وطن
يُصادر فيه الماء والهواء
يتحول فيه الأقحوان إلى قنبلة
وتُغتال زهور الياسمين في عزّ رونقها.
****

لغتي تضيء انتمائي إلى الأمة التي روّضت مهرة الشمس
وامتطت صهوات جياد الكواكب والنجوم
وواكبت طفولة الأنهار والجبال
في أحضانها ترعرع الله حتى نبتت له أجنحة من الزئبق
فحلق بها إلى السماء
ولم يعد .
****

هذا الثور المجنّح الخارق المهيب
في وجهه سيماء الآلهة
يقتات العشب السماوي المقدس
لجبروته تسجد الريح وتذوب السحاب
بإجلال يرفرف في رحاب الأبدية
وفي قدس أقداس الحشمة الإلهية
يجترح المعجزات
وحين تلامس أقدامه الأرض
تنفجر الينابيع
وتخضوضر الغابات والجبال
ومن مسامات جلده يرشح الزيت الطهور
معبّقا بشذى لازورد السماء.
****

إذا أردت أن تتعرّف عليّ
فعلاماتي المميزة هي... مواطن بلا وطن.
****

قلبي الطاعن في الغربة
يرقص بكل بهائه في زمهرير الحزن
وحين يُتوّج بالفرح
يلملم أحزانه... وينزوي كبغي
داهمها عشيقها متلبسة بالصلاة.
****

لم أغادر قمقم الحزن إلا مرة واحدة
في الحلم.
****

لايعيقني اجتياز هذا الطريق طوله ووعورته
وإنما هذا المسمار الناتئ في كعب حذائي.
****

الاشجار التي لاترتبط ارتباطا وثيقا بالاعماق
تقتلعها العاصفة... وتذريها الرياح.
****

الأمة التي تقف مكتوفة الأيدي على حافة الرمال
تبتلعها الكثبان
ويطمسها غبار التاريخ.
****

اللغة هي الدرع الواقي لديمومة أي شعب.
****

الفاشلون الأغبياء هم وحدهم
يتباهون بأمجاد الماضي التليد
بينما هم اليوم
يهلوسون احتضارا على قارعة التاريخ.
****

هؤلاء الأغبياء الأعزاء... أهلي
تخلوا عن أرضهم وكل أمجادهم
وتعلقوا بأذيال ثوب السيد المسيح
 وهو في طريقه إلى السماء
وفي منتصف الطريق بين الأرض والسماء
تهاووا وهم يقبضون على طرف ثوبه المقدس
ولم يستطيعوا الصعود معه إلى العلى
وقبل ارتطامهم بالأرض
كان الآخرون قد اختطفوها من تحت أقدامهم
وهكذا...
خسروا الأرض والسماء
وربحوا الثوب السماوي
الذي انقلب بقدرة قادر إلى بساط الريح
ليمتطوه إلى مجاهل الشتات والضياع.
****

متى التقت طيور النورس فوق لآلئ الثلج
تدفق التفاؤل والأمل في أوصال الريح
وبدأ جليد القطب يذوب رويدا رويدا.
****

فليعش كل الموتى المنفيين خارج أسوار ملكوت الوطن
وليسقط الملك الأسطوري المتلألئ في تابوت قدسيته
بين تهاليل شهود الزور المسمّرين على خشبة الخوف
وقد انهار عليهم سقف السماء.
****

أحمق يعاقر أوهامه
رفعوه على الخازوق
ولكن رغم آلامه المبرحة كان يبتسم مزهوا
لأنه ينظر إلى الآخرين من فوق.
****

لاأستسيغ إلا القصائد التي تعاني مخاض النبوءة
وتعشوشب على حوافي البراكين.
****

القصيدة التي لاتتمرد على طقوس الشعر
ونواميس الطبيعة
هي قصيدة عاقر وزانية
تتعرى على ناصية الريح.
****

القصيدة الخالدة
هي التي تمطر حزنا وفرحا
وألقا للأرض وللإنسان
ولاتهز خصرها إلا في عرس لقاح الأزهار.
****

الشاعر الحق
هو الذي يستطيع أن ينفح الروح
 في زهرة من البلاستيك.
ويبعث الحياة في أوصال االكلمات
فتتحول إلى فراشات ملوّنة
ترفرف فوق غصون السماء.
****

بورك الشعراء الذين يتلألأون في لهيب الذعر
لأنهم سيشهدون قيامة الوطن من بين حرائق الطغاة.
****

أنا أكثر حزنا من كل الأغاني الكردية.
****

أيتها الراحلة إلى اللامكان واللازمان
عندما تنساب ذكراك إلى مخيلتي كترنيمة سماوية
فكل ماحولي يشعّ جمالا
وينطلق بالغناء
ويستعيد الماضي شبابه.
في كل ليلة
أرسم صورتك على الطاولة أمامي
وأضع رأسي بين نهديك
وأجهش بالبكاء
كطفل فقد أمه في الزحام.
****

عندما كنت تغردين على غصن روحي
كانت ينابيع الفرح تتدفق من أعماق قلبي
وتفيض في كل الاتجاهات.
****

كنا بالأمس إذا اختلسنا اللقاء
 وتشابكت أيدينا
تصببت النار من رؤوس أصابعنا
وأبحرنا في زورق القمر
وتركنا كل ما حولنا يشرئب إلى السماء.
****

كنت أقف على حافة السماء
لأقطف لك وردة من أعمق الوديان.
****

كنت كلما نظرت إلى صدرك
أرى الفراشات تتطاير من بين نهديك.
****

أجيء إليك مضمخا بكل حنان العالم
أتعلق بأغصان الريح
يرقص دمي على وقع ذكراك.
****

تعالي ننشد الحب والجنون
في غمامة حلم لذيذ
في منأى عن شخير الآلهة
وغوغاء الملائكة
وفضول الكهنة اللواطيين
وصرير بوابة الموت
تعالي نبحث عن لؤلؤة المستحيل
في عمق أعماق ذواتنا.
****

تعالي إلي كعصفورة تحمل بين جناحيها
ضوء رمال السماء
وفي مناقيرها أزاهير المطر.
****

القلب الذي لايعرف الحب
أشبه بالله الصمد
الذي لم يلد ولم يولد
ولم يكن له كفؤ أحد.
****

حين تجوع الآلهة تأكل أطفالها الميتين
الذين لم يدركوا صلاة المساء.
****

إنه مؤمن جدا... جدا
لايقيم الصلاة إلا على قارعة الطريق
وفي المنتزهات العامة.
****                                                                                               

هذا الحمار المقدّس
ذهب صباحا إلى المطحنة
وعاد مساء ينهق بالنبوءات.
****

ألا يكفي تقديس نعال هذا الإله المهترئ
وتقبيل أياديه الملطخة بالدماء
على امتداد آلاف السنين؟.
****

رجاء... لملمي شظاياك من فوق سريري
 ودعيني... أنام.

*****

adamhomeh@hotmail.com

1.   تل نصري: قرية على ضفة نهر الخابور في الجزيرة السورية.


99

مابين ألم الذاكرة ونشوة الحلم

آدم دانيال هومه



أنقى وأطهر حب في الدنيا  
هو الحب المتبادل بين الفراشة والزهرة
وما عدا ذلك باطل الأباطيل... وقبض نزوات.

****
جالس على كرسي هزّاز
في أقصى جزيرة في العالم
في أجمل بقاع الأرض قاطبة
بين يديّ سفر الرؤيا
أحاول سبر أغوار ظلال كلمات الوحي والهذيان
غالبني النعاس
ومابين ألم الذاكرة ونشوة الحلم
رأيت في انعكاس مرآة الأمس طفلا يلهو مع أترابه الحفاة
في وحول إحدى القرى النابضة على ضفاف نهر الخابور
يصطاد فراشات الأحلام  
يعدو مع الريح... يسابق ظل الشمس
يصل إلى بوابة دلمون... عند فم الأنهار
حيث تنام الخراف آمنة في حراسة الذئاب
ينسلّ إلى حجرة نوم أوتونابشتيم الملكية
يستلّ من تحت وسادته الرقيّة المقدسة
يقرأ بإمعان ألواح القدر
يشرب من النبع الذي تتدفق منه أسرار الآلهة
يتوشح برداء الأبدية
ويسير مزهوا في شارع الموكب
في مفرق شعره ريشة من جناح الأفعى
 وعلى صدره نبتة الخلود
يحضر بدون استئذان زفاف تموز إلى عشتار
ويودع أريشگيگال في رحلتها الأبدية إلى العالم السفلي
يتبادل أنخاب الخمرة الإلهية مع كلكامش وأنكيدو
في حانة سيدوري
يقضي ليلته في مخدع البغي الطاهرة شمخة
ويعود في عربة العاصفة
مكسوا بريش الأنوناكي
طافحا بأريج الحضارات.
لما فتحت عينيّ
رأيت عجوزا يلهث فوق كرسي هزاز  
في أقصى جزيرة في العالم
يلهو بمسبحة السنين  
يخضل الدمع في مقلتيه
وهو يتذكر طفلا يلهو مع أترابه الحفاة  
في وحول قرية منسية على ضفة نهر الخابور.  
وبينما أمسح عينيّ براحة كفي
تراءت لي حمامة تتوهج بين الأغصان
مثلما تتوهج رسالة غرام في صندوق البريد
وسمعت صوتا كأنه ينزلق من شلال الغيب يهتف بي:
بما أن طريق المجد مفروشة بالأشواك
فينبغي أن تنتعل صندلا من نار.
بما أن السماء ضيقة وواطئة  
فما عليك إلا أن تحلق في سماء ذاتك.
بما أن قبرك ليس على الأرض  
لذا ينبغي عليك أن تصعد إليه.
بما أن نهر الخابور قد شحّت مياهه
فيتحتم على الأطفال أن يتعلموا السباحة في الهواء.
بما أن في أشجار حدائق بابل بقية حياة  
فينبغي عليك أن تشدّ الفرات من قرنيه  
وترغمه على تقبيل أقدامها.
بما أن الله يعيش وحيدا في السماء
فلا بد أنه بحاجة إلى رفيق يؤنسه
ويبدد وحشته.
وأردف الصوت الهادر من غيمة نار في الآفاق:
كانت وستظل نينوى سرّة الأرض
وبابل أيقونة السماء
وسيظل سيف البرق في يد آشور
يدوي صليله في الجهات الأربع.
وعلى حين غرّة  
حملتني يد معشوشبة بالآيات
وعرجت بي إلى مجاهل السموات
وفي الطريق إلى مساكن الرسل والأنبياء
رأيت مالم يُر... ومالايُقال
ولدى وصولنا إلى السماء السابعة
كان الضباب من الكثافة
بحيث لم أستطع أن أرى أو ألمح أي شيء.
ثم عادت بي اليد السحرية إلى الأرض
وأنا أترنح بين الحقيقة والخيال
ووضعتني برفق فوق أعلى قمة في قوس قزح
 وسمعت صوتا بدون كلمات يهمس لي:
هلم انظر نحو الغرب
نظرت
فرأيت أرغفة الخبز تنبت فوق سطوح المنازل
وينابيع خمور وأعسال تتدفق في جنائن
تمرح فيها شقراوات كأنهن عرائس المروج
وغلمان كأنهم رعاة النجوم
يعزفون ألحانا سحرية على أوتار الغيم
وأسراب من النحل والنمل
تجمع الغلال في صوامع  الجبال  
وتبني ناطحات سحاب
وتمد أسلاك الكهرباء إلى أقصى منزل في وهاد الليل  
وتشيد سكك الحديد فوق البحار والمحيطات
وتحفر أقنية المياه في قعر وادي الموت
تحوّل الحجر إلى ذهب رنّان
ومن النفايات تصنع أكسير الحياة
تطهّر الأنجاس
و(تبرئ الأكمه والأبرص وتحيي الموتى)
وجميع الناس... رجالا ونساء
يرتدون قمصان الملائكة  و سراويل الشياطين
يتسامرون
ويتنادمون في الحانات والمطاعم والمقاهي
وعلى شواطئ البحار
وهم يرقصون على أنغام النواقيس ترنّ في السحاب
يحقنون أوصال الصخور بماء الحياة
يمخرون عباب الكون في زوارق الرياح
وفي مركبات الآلهة
يمدون الجحيم بالأنوار من شلالات النار  
ويزودونه بأجهزة التبريد ومكيفات الهواء
وبكل مالذّ وطاب من أصناف وألوان المرطبات
ويطعمون شجرة الزقوم بأشهى أنواع الفواكه والثمار
ويترددون على ملاهيه الليلية على صهوات جياد البرق.
ثم وشوش الصوت المجهول في أذني:
الفلاحة في الحجر
أهون بكثير من تحرير العقل المتحجر
والإنسان بحاجة إلى أن يتعلم كيف يفكر
أكثر من أن يتعلم كيف يقيم الصلاة  ويؤتي الزكاة.
ثم أردف قائلا:
هلم انظر نحو الشرق
نظرت
فما رأيت سوى صحراء مترامية الأطراف
ينعق فيها البوم
وتسرح فيها الذئاب والضباع وبنات آوى
وخياما منصوبة فوق كثبان الرمل
وغجرا يضربون بالرمل والدفوف  
وسلالات مماليك يطحنون الهواء
وأعرابا يتلذذون بشواء لحم العصافير وهي تطير في الهواء
في أيديهم مسابيح مصنوعة من حلمات نهود العذارى
يدبكون في أول الليل حول ركوة القهوة المرّة
على إيقاع المهباج
وفي آخر الليل
يمتشقون السيوف ويتصايحون: يالثارات بني قحطان.
يختلفون على كل شيء
ولايتفقون إلا على وحدانية الله
يقضون النهار بتلاوة سورة النساء
وفي الليل يحلمون بنكاح بنات الملائكة
يستفتون أوليائهم فيما إذا كان لحم العنقاء حلالا أم حراما
في حين يعتاشون من الغنائم والأسلاب.
يتضورون جوعا
ومن حولهم تسرح قطعان الماشية والأنعام
ويسكنون بيوتا من قصب الزمهرير
وتحت أقدامهم آبار النفط ومناجم الذهب والحديد
حفاة عراة
وهم يعملون في مزارع القطن والصوف والحرير
يحملون أفكارا حلزونية
يطاردون أسراب القطا التي تلوح على شاشة الذاكرة
يفطرون على حليب الخرافات
ويتغدون على مرقة الأساطير
ويتعشون على الشاطر والمشطور ومابينهما
بطولات عنترة والزير وأبي زيد الهلالي.
يجترون الماضي
ينسجون حاضرهم ومستقبلهم على أنوال السلف الصالح
ويجمّدون العقول في ثلاجة ابن تيمية
تحرسها شرطة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر
وينتظرون الولائم من السماء بعد كل صلاة.
ما أن تطأ أقدامهم عالما جميلا ومنظما
حتى يشيعون فيه الفوضى والدم والقاذورات
يحطمون الابتسامات على أفواه أطفالهم
يعلمونهم استعمال السلاح بعد الفطام  
يدججونهم بكل أسلحة الحقد والدمار
يشوهون معالم براءتهم
يختنون أفكارهم ويخصون تطلعاتهم
ويحشون أدمغتهم بطحالب االصحراء
وصور علي بابا والأربعين حرامي.
يرددون كالببغاوات: (الجنة تحت أقدام الأمهات)
بينما الأمهات أشبه بصناديق قمامة تمشي على قدمين.
يحبذون السكن في قيعان الوديان
ويتقاعسون عن صعود الجبال
حيث تلوح طيور كولومبوس في الآفاق
حاملة في مناقيرها مصابيح العلم
التي تضيء مابين الأرض والسماء.  
نشيدهم القومي: (اضرب لاترحم أعداءك)
وشعارهم: (لاتفكر... الله يدبّر).
مرضى
ويتداوون بالتمائم والأحجية
لايستطيعون قراءة الملاحم المنقوشة في الصخور
ولايفقهون من التاريخ سوى حرب داحس والغبراء
 وغزوات الرسول الكريم
ومعركة الجمل
ورفع المصاحف على أسنة الرماح
وحكايات ألف ليلة وليلة
وفتح الأندلس... والليالي الملاح
 وفسق يزيد بن معاوية
ومجون أبي نواس
وحريم سلاطين بني عثمان.
لملوكهم حصة الأسد في الذات الإلهية
ولورثة ملوكهم الأرض والعباد والأبجدية
أما الرئيس العتيد
فيسكن قصر الشعب
والشعب يسكن في الهواء الطلق
يقتات بروائح الشواء المنبعثة من مطابخ قصر الشعب
كل شيء مفقود لدى الشعب
إلا الخوف
يسكن تحت الجلود... وفي شغاف القلوب
ينتصب في كل مكان كتماثيل الرئيس الخالد
حتى الطيور قلقة على الدوام
وشاخصة بأبصارها في كل اتجاه
تحسبا لكل طارئ.
فمنذ دخولهم الحرب إلى جانب الله ضد الشيطان
وهم يدورون في حلقة مفرغة
في كهف الصقيع والظلام.
ثم همس الصوت البتول:
الدين كرة ملتهبة
يدحرجها الشيطان في فيافي الجهل
فتصلي العالم برمته نارا حامية
في حين يجلس الله القرفصاء
على قارعة السماء
يستجدي الفقراء.
وأردف الصوت الممزوج برحيق الألم والأمل:
انظر صوب العراق المضمّخ بالدم والنار
نظرت
فلم أر سوى شجرة باسقة يابسة
ولكن على الرغم من أنها ميتة
لكنها واقفة بشموخ تتحدى غوائل الأزمان والعصور
ينبعث منها شعاعا رائعا ومهيبا
وأطفال يستظلون بأغصانها الباهتة
يقرأون ملحمة التكوين على ضوء قنديل الشعر
وبين الحين والحين
يسقون جذورها اليانعة
الضاربة في عمق أعماق تراب مابين النهرين.
ولما نظرت إلى قمم جبال آشور
رأيت أسراب الغربان
تبني أعشاشها في عمامة الملا كريكار
وأرواح بدرخان بك وسيمكو الشيكاكي وبكر صدقي
تتسلق سلالم النار
وتتقمص أجسام كلاب مسعورة شاردة في الطرقات
تعوي في الليل في أرجاء السليمانية
فيتردد صدى عوائها في مهاباد وديار بكر والقامشلي
وفي النهار
تنبح على المارة في شوارع وأسواق أربيل.
ثم شاهدت الفينيق الآشوري
ينهض من بين ركام أطلال بابل
ويحط على سور نينوى
ويبسط جناحية على امتداد وادي الرافدين.
وفي ذات الوقت
رأيت الجواد العراقي الأصيل
ينهض من كبوته
ليسابق الريح إلى واحات المستقبل.

سدني – استراليا
adamhomeh@hotmail.com


100
أسباب ومسببات تهجير مسيحيي الشرق عامة والآشوريين خاصة
                                                    بقلم: آدم دانيال هومه.
                                                   سدني – استراليا
  ليست الهجرة وليدة الأمس واليوم، بل هي قديمة قدم التاريخ الإنساني. وسببها الرئيس، ودافعها الأول هو إيجاد مكان آمن تحت الشمس. علما أن الهجرة، والبعد عن الوطن الأصلي يعتبران أقسى مايعانيه المهاجر لأنه يبقى نبتة بلا جذورر، وبلا أوراق، وبلا أغصان حتى وإن توافرت له جلّ أسباب الراحة والرفاهية والأمان والاستقرار.
   تعتبر مشكلة الهجرة من أخطر المشاكل وأعقدها، وخاصة أنها تسبب في انهيار البنية السياسية والاقتصادية والاجتماعية. فهي تؤثّر بشكل كبير على المجتمع، وتهدم أركانه. وترجع أسباب الهجرة إلى عدة عوامل منها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية ولعل أخطرها الدينية. وللهجرة عاملان أساسيان هما عامل دفع وعامل جذب. والمقصود بعامل الدفع هو الدافع أو السبب الذي يؤدي بالفرد إلى ترك موطنه الأصلي والالتجاء إلى بلد آخر للإقامة الدائمة فيه. أما عامل الجذب فهو ذلك العامل الذي يستهوي المهاجر ويجعله يملك رغبة وحافزا للهجرة أي مايلفت انتباهه ويجذبه إلى البلد الآخر. فعامل الدفع يتمثل في دعم الاستقرار سواء السياسي أو الاقتصادي أو الاجتماعي ومستوى المعيشة بصفة خاصة. والاستقرار يمثل أهم عوامل الجذب وخاصة الاستقرار السياسي والتقدم الاقتصادي الذي يوفر حرية العمل وإمكانية الرقي الحضاري والتقدم التقني. كما أن فترة عدم الاستقرار السياسي، في أي بلد كان، وقيام أوضاع سياسية وإدارية مضطربة كانت أحد الأسباب الرئيسة التي تدفع إلى الهجرة سعيا وراء الحرية والاستقرار السياسي.
   الشعب الآشوري من أكثر شعوب الأرض تشبثا بأرض آبائه وأجداده. فعلى الرغم من جميع الاضطهادات والمذابح التي تعرض لها منذ سقوظ كيانه السياسي ابتداء بسقوط عاصمته الأول نينوى عام 612 ق.م وانتهاء بسقوط عاصمته الثانية بابل عام 539 ق.م. وحتى يومنا هذا فهو يحاول قدر المستطاع الحفاظ على كيانه، وهويته القومية داخل وطنه الأصلي، ولم يهاجره على الإطلاق وإنما تمّ تهجيرة.
   ولقد كان تهجير الشعب الآشوري، على امتداد التاريخ، داخل موطنه بلاد مابين النهرين (بلاد آشور) حتى أن أخطر هجرة تعرض لها، إبّان وبعد الحرب العالمية الأولى، إثر المذابح والمجازر والإبادة الجماعية التي أمر بها العثمانيون ونفذتها العشائر الكردية في كل من اقليم هكاري، ومنطقتي طور عبدين وأورمية، تمت داخل الوطن حيث هاجرت الآلاف المؤلفة منهم إلى العراق الحالي، وإلى الجزيرة السورية.
   لقد اضطر العديد من قياديي أحزابنا وتنظيماتنا السياسية إلى هجرة أوطانهم فرارا من الملاحقات المستمرة، والاعتقالات العشوائية، والتعرض إلى التعذيب الوحشي في أقبية سجون طغاة العصر وذلك إسوة بباقي قيادات أحزاب الشعوب الأخرى بما فيها العربية والكردية.
   الآشوريون بعكس جميع المسيحيين الذين يتعرضون للاضهاد في البلدان الاسلامية عامة والعربية خاصة لأن اضطهادهم مضاعفا فهم مضطهدون قوميا ودينيا بآن معا.
   كان عدد الآشوريين التابعين لكنيسة المشرق وحدها، عدا الآشوريين المنتمين لكنيسة انطاكية وسائر المشرق، حتى غزو ثقافة الصحراء المتمثلة بالدين الاسلامي، لمراكز الاشعاعات الحضارية في بلاد الشام ومابين النهرين ثمانين مليونا. وقد تقلص هذا العدد، بفعل الحروب الدموية لفرض الإسلام بالقوة والتي نتجت عنها الاضطهادات والمجازر وسفك دماء الأبرياء، إلى ثلاثة ملايين في جميع أنحاء العالم.
   يؤكد تقرير الأمم المتحدة لعام 2007 م بأن تعداد الآشوريين في العراق عام 2003م كان مليون ونصف مليون. ولكن وتيرة هجرتهم تسارعت بعد احتلال العراق حتى أن أكثر من ثلثي عددهم قد لاذ بالفرار نتيجة أعمال العنف الطائفي الذي عصف بالبلاد حيث بدأ الاضطهاد بحق الآشوريين يأخذ منحى آخر. اضطهاد تمارسه مجموعات إرهابية ذات منظور فكري رجعي متطرف أو مايسمى بالإسلام السياسي، وتحت تسميات ومسميات شتّى. حيث تعرض ويتعرض الآشوريون المسيحيون لعمليات تطهير عرقي، وإبادة جماعية منظمة ومخطط لها مسبقا. كما تعرضت مصالحهم وبيوتهم وكنائسهم للحرق والتدنيس والتفجير والهجومات المسلحة إلى درجة خلت البصرة وجنوب العراق برمّته من المسيحيين عامة، ومن الآشوريين بشكل خاص. وأرغم عشرات الآلاف من سكان بغداد إلى ترك أعمالهم وممتلكاتهم ومنازلهم والفرار طلبا للنجاة بجلودهم وجلود أطفالهم. وقد تلقى العديد العديد منهم منشورات تدعوهم إلى االخيار بين اعتناق الاسلام أو دفع الجزية، أو مغادرة البلاد على الفور. كما تعرض العديد منهم إلى الخطف والابتزاز وطلب الفدية التي كانت تصل إلى مئات الآلاف من الدولارات مقابل إطلاق سراحهم ناهيك عن الاغتيالات التي لم يسلم منها حتى الرموز الدينية. والأسوأ من كل هذا وذاك أن غالبية المسلمين في العراق، بكل انتماءاتهم القومية والمذهبية، يستهدفون الآشوريين المسيحيين من أجل تصفيتهم من موطنهم الأصلي والتاريخي ضمن مخطط مبرمج وافق عليه الجميع، من دون إبرام اتفاق رسمي بينهم، لاقتلاعهم من جذورهم الضاربة في عمق أعماق تراب بلاد الرافدين (بلاد آشور)، وتشريدهم في دول الاغتراب والتيه والضياع سعيا وراء محو وإزالة كل أثر لهويتهم القومية. في الوقت ذاته يحاول كل طرف إلقاء اللوم على الطرف الآخر بينما الحكومة مكتوفة الأيدي تغضّ الطرف، عن رضى أو عجز، عن إيجاد حلّ لمعاناتهم، وتوفير الحماية لهم. فكيف، إذن، سيقنع المسلمون العالم بأن الإسلام دين تسامح وسلام في الوقت الذي يلوذون بالصمت تجاه مرتكبي هذه الأعمال الإجرامية القذرة باسم الإسلام؟.
   إن شيوخ المسلمين وائمتهم قادرون، إذا أرادوا، على ردع هؤلاء المجرمين الخارجين على القوانين الدولية والأعراف الإنسانية وذلك بإصدار فتاواهم ضد مرتكبي هذه الأعمال الإرهابية التي لايستلذّ بها إلا الشيطان وحده لاشريك له. أفليس التغاضي عن الإجرام من علامات الرضى، ونوعا من المساهمة فيه؟. أو ليس الساكت عن الحق شيطان أخرس؟.
   إن مايجري، اليوم، في العالم الاسلامي عامة، وفي العراق بشكل خاص يعتبر بكل مقاييس الإنسانية صراعا بين القيّم الحضارية بكل معانيها، وبين السلوك الهمجي، والتخلف الفكري، والشذوذ الديني المسيطر على مجموعات، تعيش في أحلام اليقظة، وترضى بأن تكون دمى مزنّرة بالمتفجيرات من أجل الوصول إلى الجنة بأقصى سرعة ممكنة حيت في انتظارهم حور العين والغلمان بعد أن يحققون مآرب كل الحاقدين على العراق وأهل العراق.
    كثيرا ما يتشدّق العديد من الكتاب والساسة ورجال الدين المسلمين بأن المسيحيين وغيرهم من الأقليات الدينية قد عاشوا في العالم الإسلامي بسلام وأمان واطمئنان. ومارسوا طقوسهم وشعائرهم الدينية بمطلق الحرية من دون رقيب أو حسيب لأنهم من أهل الذمة. ويستشهدون بالآية التي تقول: إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحاً فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون.(الآية 62 من سورة البقرة). أي أنهم في ذمة الدولة الاسلامية ويستندون في ذلك إلى قول نبيهم:(من آذى أميّا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله). وتصديقا لذلك يوردون عشرات الآيات ومنها الآية التي تقول:
- لتجدنَّ أشدَّ الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدنَّ أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنَّا نصارى ذلك أن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون . (آية 82 سورة 5 المائدة ).
- (فان اعتزلوكم فلم يقاتلوكم وألقوا اليكم السلم فما جعل الله لكم عليهم سبيلا. النساء 91).
   ولكنهم ينسون أو يتناسون بأن كل هذا أقل بكثير عن ربع الحقيقة، لأنهم يعرفون جيدا بأن كل هذه الآيات وغيرها من الآيات والأحاديث النبوية التي كانت تدعو إلى الرحمة، والتسامح، والحرية في اعتناق الدين الذي يرتأيه الإنسان وعلى سبيل المثال لاالحصر:
- لا إكراه في الدين قد تبيّن الرشد من الغي" (البقرة: 256).
- وَ لَو شاءَ رَبُّكَ لاَمن من في الأَرضِ كلهم جميعا أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.( يونس:99).
- ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن إلا الذين ظلموا منهم وقولوا آمنا بالذي أنزل إلينا وأنزل إليكم وإلهنا وإلهكم واحد ونحن له مسلمون (سورة العنكبوت: 46).
- قل ياأهل الكتاب . (آل عمران 64).
-  قل من يرزقكم من السماوات والأرض قل الله وإنا أو إياكم لعلى هدى أو في ضلال مبين. (سورة سبأ )24).
- قل لاتسألون عما أجرمنا ولانسأل عما تعملون. (سورة سبأ 25).
- ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن.(النحل: 125).
- وقل الحقّ من ربكم فمن شاء فليكفر ومن شاء فليؤمن. (الكهف29).
- فإن تولوا فإنما عليك البلاغ المبين. ( النحل : 82).
-  فإن توليتم فإنما على رسولنا البلاغ المبين. (التغابن 12).
-  فأعرض عمّن تولى عن ذكرنا. (النجم : 29: 203).
-  وما أنت عليهم بوكيل. (الزمر : 41).
- إن أنت إلا نذير. (فاطر : 23 ).
-  فتولّ عنهم فما أنت بملوم. (الذاريات : 54 ).
- وما على الرسول إلا البلاغ المبين. (النور 54)، (العنكبوت1818).
- أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.( يونس:99).
-لكم دينكم ولي دين. (الكافرون 6).
- وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله.(الأنفال: 61).
 - لعلك باخع نفسك أن لايكونوا مؤمنين إن نشأ ننزل عليهم من السماء آية فظلت أعناقهم لها خاضعين. )الشعراء3-4).
- فاصفح عنهم وقل سلام (الزخرف : 89) .
- ومن كفر فلا يحزنك كفره (لقمان : 23).
- وقاتلوا في سبيل الله الذين يقاتلونكم ولاتعتدوا إن الله لايحب المعتدين. (سورة البقرة: 190).
- لا ينهاكم الله عن الذين لم يقاتلونك في الدين ولم يخرجوكم من دياركم أن تبرؤهم وتقسطوا إليهم إن الله يحب المقسطين. (الممتحنة:8).
   كل هذه الآيات ومايربو على مائتي آية أخرى قد مسختها آيات السيف والقتال، وبطل مفعولها وأصبحت حبرا على ورق. وقد كانت سورة براءة التي وردت فيها آية السيف آخر  ماأُنزل على النبي. وقد توفي ولم يبين موضعها (إرشاد الساري 7/138). وبهذا كان موقف آية السيف هو الموقف الأخير الذي تبنّاه النبي قبل وفاته، ولهذا اتخذه المسلمون الأوائل باعتياره النهج النهائي لسلوكياتهم وممارساتهم اليومية. هذا إضافة إلى أن المسلمين يؤمنون، يقينا، بأن الإسلام قد نسخ ومحا كل الديانات السماوية التي سبقته، وبأن محمدا أرسله الله إلى الثقلين أي الإنس والجن، وبأن (الدين عند الله الإسلام). واستنادا إلى ذلك يكفّرون غير المسلمين جميعا، ويستوجبون قتالهم.
   لقد ورد أن النبي كان لايحلّ ولايحرّم في بداية رسالته في مكة. وكان مغلوبا على أمره حتى أن الشرع الإسلامي قد فرّق بين ابنته زينب وبين زوجها أبي العاص بن الربيع، وكان لايستيطيع أن يفرّق بينهما. فأقامت زينب مع زوجها على إسلامها وهو على شركه. (ابن هشام 2/307). ولكن فتح مكة كان بداية لمنهج الإكراه في الدين. وقد كان القرار سياسيا أكثر منه دينيا. فبعد أن هيمن المسلمون على مكة، المركز الديني للجزيرة العربية، نجد بأن الله الذي أكد مرارا وتكرار بأن كتابه المنزل على نبيه:
- كتاب أحكمت آياته ثم فصّلت من لدن حكيم خبير.(هود: 1).
- لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد. (فصلت 41-42).
- ولو كان من عند غير الله  لوجدوا فيه اختلافا كثيرا. (سورة النساء: 82).
- وتمت كلمت ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم(الأنعام‏:‏ 115).
- إنّا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون (سورة الحجر:9).
- مايبدل القول لديّ وما أنا بظلام للعبيد (سورة ق:29)
- الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا (سورة الكهف:1).
- قرآنا عربيا غير ذي عوج لعلهم يتقون. ( الزمر: 28 ).
   ولكن الله قد غيّر رأيه بعد فتح مكة. فبعد أن كان إلها رحيما ورؤوفا ومسامحا قد انقلب إلها عنيفا ودمويا وبدأ بتنزيل الآيات التي تدعو إلى الجهاد والقتل وسفك الدماء، ومنها على سبيل المثال لاالحصر:
- حيث وجدتم المشركين فاقتلوهم (التوبة: 15).
- جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم( [التوبة/ 73).
- قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله  (التوبة : 29 ).
- قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يحرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين أوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون (آية 29 سورة 9 التوبة).
- يا أيها الذين آمنوا لا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم أولياء بعض ومن يتولاَّهم منكم فإنه منهم إنَّ الله لا يهدي القوم الظالمين. (المائدة: 51).
- يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم ومأواهم جهنم وبئس المصير. )سورة التوبة: 73).
- وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين كله لله (البقرة: 193)
- ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يُقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين.(آل عمران 85).
- فإذا لقيتم الذين كفروا فضرب الرقاب حتى إذا أثخنتموهم فشدّوا الوثاق. (سورة محمد:4).
-فإذا انسلخ الأشهر الحرم فاقتلوا المشركين حيث وجدتموهم. (سورة التوبة: 5).
- ياأيها الذين آمنوا قاتلوا الذين يلونكم من الكفار وليجدوا فيكم غلظة واعلموا أن الله مع المتقين (التوبة:123).
- يحب الله الذين يقاتلون في سبيله ثفا كأنهم بنيان مرصوص. (سورة الثف:4).
- سألقي في قلوب الذين كفروا الرّعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كلّ بنان. (سورة الأنفال:12).
- انفروا خفافا وثقالا وجاهدوا بأموالكم وأنفسكم في سبيل الله (التوبة-41).
   وثبت عن النبي قوله: (والذي نفسي بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة يهودي ولا نصراني ثم لم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار). (أخرجه الإمام مسلم في صحيحه). وفي الصحيحين عن جابر بن عبد الله عن النبي أنه قال: (أعطيت خمسا لم يعطهن أحد قبلي: نصرت بالرعب مسيرة شهر، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأحلت لي المغانم ولم تحلّ لأحد قبلي، وأعطيت الشفاعة، وكان النبي يبعث إلى قومه خاصة وبعثت إلى الناس عامة). مبررا كل هذه الآيات والأحاديث بالآية التي تقول: ماننسخ من آية أو ننسها نأت بخير منها أو بمثلها (البقرة:156).
   والنسخ في القرآن ثلاثة أنواع هي:
- ما نُسخ حكمه ونُسخ حرفه أي نسخ التلاوة والحكم معاً.
- ما نسخ حرفه وبقي حكمه. نسخ التلاوة مع بقاء الحكم.
- ما نُسخ حكمه وبقي حرفه أي نسخ الحكم مع بقاء التلاوة. وهذا أهم وأخطر لأنه يكون النص المنسوخ موجودا بلفظه في القرآن ولكن حكمه ملغى بحكم آخر. وهذا يكون مجال كبير للخداع الذي يقوم به الدعاة الإسلاميين. حيث أنهم يدّعون بأن الإسلام دين سماحة ويتشدقون بآيات سلمية مستغلين عدم إلمام غير المسلم بالقرآن بوجه عام, وبقضية الناسخ والمنسوخ بوجه خاص. فيكذب الداعية الإسلامي ويضلل الأخرين بعدم ذكره قضية الناسخ المنسوخ التي هي محل خجل للمسلمين جميعا. لكن الناسخ والمنسوخ ليس قضية فقهية إختلف فيها المفسرون، لكنها آيه قرآنية تقول: وما ننسخ من آية أو ننسها نأتِ بخير منها أو مثلها (البقرة:106). وإن وجود هذين المنهجين في القرآن يمكن للمسلمين من اتخاذ أي منهج منهما، وحسب اللحظة التاريخية والاجتماعية التي يعيشون فيها خصوصا أن النبي أبقى على النص المنسوخ في القرآن. وهي نافذة مهمة للدخول والخروج منها لمواكبة اللحظة الاجتماعية للمسلمين عبر التاريخ. لكنها، في الوقت ذاته، تتطلب وعيا عميقا، وجرأة على الممارسة وإلا فما جدوى الإبقاء على النص القرآني في حالة رفضه تماما كاحتمال قائم لسلوك اجتماعي ممكن.
   إن نسبة الآيات التي تفتح نافذة الاحتمال داخل اليقين الإسلامي أكثر بكثير من الآيات التي نسختها، بل إن آيات الإكراه في الدين كانت آخر ما أُنتج داخل المنظومة المعرفية للإسلام وهذا يعني أن المسلمين في الوقت الحاضر يقرأون، بشكل يومي، قسما كبيرا من القرآن ولا يتخذونه منهجا لهم في ممارساتهم الاجتماعية مع الآخرين. إن اللاجدوى في قراءة القسم الأكبر من القرآن ينبغي أن يكون له حلا عقلانيا. إما بحذف النص أو جعله سلوكا اجتماعيا. ولهذا تتبلور تساؤلات عديدة تحتاج إلى إجابات شافية وصريحة من المثقفين المسلمين وأهم تلك الأسئلة:
1. هل المطلوب من المسلمين تبليغ رسالتهم الدينية بطرق وأساليب سلمية رحيمة لغيرهم من البشر أم المطلوب هو غزو بلدانهم والاستيلاء على ممتلكاتهم ومقدراتهم، واسترقاق نسائهم بعد سفك دماء رجالهم؟.
2. هل المطلوب اجتياح بلدان الغير بقوة جند جهادية متعطشة لسفك الدماء، وطلبا للشهادة سعيا وراء بلوغ مراتب من هم في مصاف الشهداء الذين سينعمون بملذات الجنة وحورها الحسان؟.
3. هل المطلوب هو استبدال سكان أرض كافرة بسكان جند من المسلمين وهو مايعني سلب الأرض من أصحابها الأصليين باسم العقيدة الاسلامية؟.
4. هل آيات الجهاد والقتال قابلة للتأويل؟. وهل هي محدّدة بزمان ومكان معين بحسب نزولها، أم أنها مطلقة التطبيق على الرغم من أن الإجابة عنها أحدثت تشظي في الفكر الإسلامي الحاضر؟.
   وبموجب فهم وتأويل الآية الخامسة من سورة التوبة التي هي آية السيف انتقل المسلمون في تعاملهم مع غيرهم من أسلوب اللين والإقناع إلى أسلوب العنف والشدّة والقتال. فكشّر المسلمون، بموجبها، عن أنيابهم ومخالبهم الجارحة، وامتشقوا السيف عاليا بدعوى تبليغ رسالة الإسلام بالقتل الجهادي والإرهابي متنكرين لكل الآيات الرحيمة المتسامحة التي تنزع لاستخدام العقل في إيصال هذا الدين إلى الناس.
   فلو توغلنا في التاريخ الاسلامي منذ تأسيس الدولة الإسلامية، وخاصة بعد إصدار ما سمّي بالوثيقة العمرية (نسبة إلى الخليفة عمر بن الخطاب) التي قضت بطرد جميع المسيحيين واليهود من شبه الجزيرة العربية، والمضايقة عليهم واضطهادهم وإذلالهم في غيرها من البلدان تنفيذا لحديث النبي محمد الذي يقول فيه: لايجتمع في جزيرة العرب دينان. (رواه الإمام مالك وغيره وأصله في الصحيحين). لوتوغلنا في هذا التاريخ لوجدناه مفعما بالمظالم والاضطهادات، وملطخا بدماء الملايين من الأبرياء. ومانراه اليوم من أعمال إجرامية من قتل واغتيال واختطاف وتفجيرات وغير ذلك مما يندى له جبين البشرية ماهي إلا نتاج تراكمات تراث دموي تحريضي بدأ منذ 1400 عاما، ويظهر الآن ، بكل جلاء ووضوح، في أقوال وممارسات الحركات الأصولية التي تعشّش كالعناكب السامة في بنيان المجتمعات العالمية. وتستمد نهجها من الآيات القرآنية والسيرة النبوية فقد ورد عن النبي أنه قال: نصرت بالرعب. فإن العدو ليرعب مني من مسيرة شهر (حم والحكيم - عن ابن عباس). وقوله: والذي نفس محمد بيده لا يسمع بي أحد من هذه الأمة ولا يهودي ولا نصراني ثم يموت ولم يؤمن بالذي أرسلت به إلا كان من أصحاب النار (صحيح مسلم). وبهذا صار الدخول في الإسلام ، مذّاك، ناجما عن الخوف والرعب وليس عن اإيمان. وتحت آلية الإكراه في الدين أصبح الدخول في الإسلام كميّا وليس نوعيا. وهذا السبب الرئيس الذي دفع عطاء بن السائب إلى القول: إن عامة الناس الذين مع النبي غير مؤمنين (كتاب الستر 201). وهو السبب ذاته الذي دفع علي بن أبي طالب إلى نعت المسلمين في الكوفة بالهمج الذين يتبعون كل ناعق. (في وصيته للكُمَيل بن زياد). وخير مثال على ذلك الردّة التي حدثت بعد وفاة النبي حيث عاد المرتدّون إلى حظيرة الاسلام نتيجة الخوف والرعب لابفعل الإيمان. لذلك فإن المتطرفين والأصوليين والإرهابيين، وخاصة المراهقين منهم، يعتمدون على نصوص من القرآن والسنّة التي يلقّنها إياهم أئمتهم ومشايخهم للتحريض ضد غير المسلمين وبهذا الصدد، وفي حديث للنبي أنه قال: (لاتبدأوا اليهود والنصارى بالسلام وإذا لقيتموهم فاضظروهم إلى أضيق الطريق). ومن المحال أن تتوقف هذه الأعمال الإجرامية مالم يتم تجفيف منابع التطرف والحقد والكراهية ومصادر تمويله. وجميع هذه المنابع تتدفق من الجوامع وجامعات ومدارس الشريعة الإسلامية المنتشرة بكثافة في كل الدول العربية والإسلامية، وتقف المملكة العربية السعودية في طليعة ممولي هذه البؤر الفاسدة. ففي دراسة أكاديمية أمريكية أكدت بأن السعودية صرفت خلال العشرين سنة الماضية نحو 87 مليار دولار على نشر الفكر الوهابي الذي يمثل قمة التعصب والتطرف في العالم. ومازالت المناهج الدراسية في مدارس المملكة السعودية موبوءة بتعاليم التطرف، وبرمجة أدمغة الأطفال والشباب على بغض أتباع الديانات الأخرى ووجوب قتالهم. فالإرهاب يرضع من أثداء آيات السيف والقتال والحديث النبوي، وخطابات أئمة وشيوخ الجوامع، ومن الفتاوى التي يصدرها كل على مزاجه الخاص وانطلاقا من بيئته المظلمة ومن دون حسيب أو رقيب، ومن مناهج التدريس الموبوءة بالحقد والبغضاء تجاه الآخر المختلف.
   ولعل من أخطر الأفكار التدميرية وأشدها قسوة وظلما هو الفكر التكفيري الذي انبثق عنه الإرهاب الفكري، وإن هذا الإرهاب ضارب جذوره في عمق التاريخ الإسلامي لكنه اليوم قد توسّع إطاره العام كثيرا نتيجة التكنولوجيا، ومواد التفجير المتوافرة في إيدي الإرهابيين. وهذا التكفير من ألدّ أعداء التسامح وأخطرها على الإطلاق حيث يقوم على تكفير الأخر، ويطلق عليه الأحكام جزافا دون دليل أو برهان. ولايتم القضاء على هذا الفكر الشاذ إلا:
1. بتنقية المناهج الدراسية في جميع المراحل بدءأً من رياض الأطفال وحتى الجامعة، وفي جميع البلدان الاسلامية عامة والعربية خاصة، من النصوص الدينية التي تدعو إلى التطرف الديني والكراهية ضد الأديان الأخرى. واستئصال الأفكار العنصرية والشوفينية والظلامية، ومنع استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، وفصل الدين عن الدولة، ورفض الأنظمة الشمولية تحت ستار الدين أوالقومية أو العنصرية. ومراقبة النشاطات التي تجري في الجوامع، وخطب الأئمة التي تحرّض على الإرهاب باسم المقاومة .
2. بالتركيز على نشر روح التسامح، وقبول الآخر، والتعايش معه وإدخال مواد دراسية تساعد على القضاء على التعصب الديني.
3. بغلق جميع مواقع الإنترنيت، والفضائيات التي تروّج للتعصب الديني والعداء ضد مختلف أتباع الأديان والمذاهب.
4. بحذف جميع آيات السيف والقتال من القرآن، وجميع الأحاديث النبوية التي تدعو إلى ذلك والتركيز على الآيات المنسوخة التي تدعو إلى التسامح والرحمة.
   على المسلمين صياغة ونشر صورة للإسلام تتصف بالحداثة والاعتدال والديمقراطية والحرية والليبرالية والإنسانية وتقبل الآخر واحترام المرأة. هنا يستطيع غير المسلمين المساعدة وذلك بعزل الإسلاميين المتطرفين وعدم التعامل معهم ومقاطعتهم وتأييد المسلمين المعتدلين بالرغم من أن الإسلام المعتدل هو من الناحية النظرية أمر ممكن ومحتمل، إلا أن ضعف مؤيديه في الحاضر يجعله يبدو بعيداً وربما مستحيلا. ومهما بدت احتمالات نجاح الإسلام المعتدل ضعيفة في الوقت الحاضر فإن نجاحه إنما يمثل في النهاية الصورة الفعالة الوحيدة لمكافحة الإرهاب. ويتطلب ذلك:
1. إصدار الأمم المتحدة  قانونا جديدا يضاف  للقانون الدولي يحدّد الإجراءات والأساليب التي تترتب على كافة أعضاء المنظمة الدولية للتصدي للمنظمات الإرهابية وملاحقتها، وشلّ نشاطها. وإنشاء قسم تابع لمجلس الأمن يتولى متابعة وملاحقة النشاطات الإرهابية بالتعاون مع كافة الدول المنضوية تحت ميثاق  المنظمة الدولية، وإلزام كافة دول العالم بالتنفيذ الدقيق والصارم لها لاستئصال شأفة الإرهاب من جذوره.
2. إصدار القوانين التي تحرّم وجود المنظمات الإرهابية على أراضيها، وتحديد العقوبات القصوى بحق من يثبت قيامه بأي نشاط إرهابي سواء كان ذلك من خلال تنفيذ النشاطات الإرهابية، أو إنشاء المدارس الدينية التي تحضّ على الإرهاب باسم مخالفة الشريعة، أو التشجيع على الإرهاب عبر وسائل الإعلام المكتوبة والمسموعة والمرئية .
3. مراقبة الحكومات كافة لحركة الأموال المستخدمة من قبل المنظمات الإرهابية، ومراقبة البنوك والشركات التي تتولى نقل وتوزيع وغسل الأموال العائدة للمنظمات الإرهابية، ومراقبة التبرعات التي تصل للمنظمات الإرهابية من العناصر الداعمة للإرهاب، وإنزال العقاب الصارم بكل من يتولى نقل وتوزيع الأموال وتهريبها والتبرع بها.
4. إلزام كافة الدول بتقديم ما لديها من معلومات عن نشاطات المنظمات الإرهابية إلى اللجنة المكلفة من قبل الأمم المتحدة بمتابعة النشاطات الإرهابية في مختلف بلدان العالم ، وتبادل المعلومات بين سائر الدول بما يحقق متابعة وملاحقة المنظمات الإرهابية ومنعها من ممارسة نشاطها الإرهابي على أراضيها. أو إيواء الإرهابيين، أو التستر على نشاطاتهم، أو تقديم الدعم اللوجستي والأسلحة والمعدات والأموال والخبرات العسكرية والتدريب على أراضيها.
5. اعتبار كل دولة تسمح للمنظمات الإرهابية التواجد على أراضيها، أو ثبوت تقديمها الدعم المادي أو اللوجستي لها دول داعمة للإرهاب. واتخاذ الأمم المتحدة قراراً بوقف عضوية تلك الدولة في المنظمة العالمية، وفرض العقوبات الاقتصادية والسياسية عليها حتى تتأكد الأمم المتحدة  من توقف تلك الدولة عن دعم المنظمات الإرهابية.
6. إذا لم تتوقف الدول الداعمة للإرهاب عن دعم النشاطات الإرهابية فوق أراضيها. أو تحضّ على الإرهاب، أو تدعم النشاطات الإرهابية على أراضي الدول المجاورة لها فعلى مجلس الأمن أن يجتمع ويتخذ قراراً باستخدام القوة ضد تلك الدولة التي ترفض الالتزام بمحاربة الإرهاب وتستمر في دعمه أو تشجيعه.
7. عدم قبول الدول لجوء العناصر الإرهابية إليها، أو التستر على وجودهم. والتدقيق في شخصية كل لاجئ، والتأكد من عدم ارتباطه بأية منظمة إرهابية، وتسليم العناصر الإرهابية التي تدخل أراضيها إلى دولهم لتتم محاكمتهم وإنزال العقوبة التي يستحقونها بهم.
8. مراقبة ومنع وسائل الإعلام المرئية والمسموعة والمطبوعة من تقديم أي نوع من الدعم للمنظمات الإرهابية، وإحالة المسؤولين المخالفين للمحاكم، ومراقبة مواقع الإنترنيت ووقف كافة المواقع التي تشجع الإرهاب،  وتنقل أخبار الإرهابيين، وتمجد أفعالهم الإجرامية، وإحالة مسؤوليها إلى المحاكم لينالوا جزائهم العادل .
   إن تكاتف جهود كافة الدول وحكوماتها في التصدي للمنظمات الإرهابية، وتحت راية منظمة الأمم المتحدة، وتقديم الدعم والمساعدة للدول والحكومات التي تتصدى للإرهاب، وتبادل المعلومات. بالإضافة لمعالجة مشكلة الفقر والبطالة في البلدان الفقيرة، والنهوض بالمستوى المعيشي لهذه الشعوب كفيل بالقضاء على المنظمات الإرهابية وتخليص العالم من شرورها.
   لايستطيع أحد أن ينكر دور الإسلام السلبي في تعطيل المسيرة الديمقراطية في كل البلدان الإسلامية وخاصة أن مبادئه تتعارض مع أصول وروح النظام الديمقراطي. والسبب في ذلك هو الاعتقاد بأن الاسلام منزل كدين كامل من السماء. وقد ساد هذا الاعتقاد إلى درجة خطيرة بسبب الأدبيات والإعلام، واختفاء الرأي المخالف وقمعه كليا ماأدّى إلى إفراغ الذهنية الإسلامية من أي فكر إلا الديني منه. وأصبح الإسلام تبعا لذلك هو المكوّن الوحيد للثقافة الاسلامية عامة والعربية خاصة. وعندما يتساءل المسلم البسيط إذا كان الإسلام منزل، ويتصف بالكمال فلماذا أصبحت بلدان الغرب الكافرة أكثر تطورا وغنى ورخاء من بلاد المسلمين المؤمنين؟. فيكون الجواب دائما أن سبب عزوف الله عنا هو تقصيرنا في الالتزام بديننا. مع أن هناك الكثير من المثقفين المقموعين الخائفين والمرتعبين من التكفير يدركون جيدا بأن نجاح الغرب وقوته وثروته يعود إلى تطبيق صحيح للديمقراطية مجردة عن سيطرة الإرهاب الفكري. وهم متأكدون بأنه لو نقلت التجربة الديمقراطية إلى بلاد المسلمين لازدهرت وأصبحت أكثر نجاحا وقوة ونتاجا وعطاء. ولكن الحكام العرب والمسلمين وأحزابهم المحتكرة للحكم والحكومات لاترغب بالديمقراطية لأنها تعني انتقال السلطة إلى أيدي غيرهم لذا فهم يقومون بلعبة خطيرة هي إلهاب مشاعر الناس ضد الغرب في حين يعتمدون في بقاء حكوماتهم على مساعدات مالية وعسكرية من الغرب مدّعين بأنهم يستخدمون هذا المال والسلاح للقضاء على التطرف والإرهاب في بلادهم في سبيل إرساء دعائم الديمقراطية في حين يتركون للجماعات الإسلامية المتطرفة الحبل على الغارب لتسميم عقلية شعوبهم.
   الثقافة العربية خاصة، والاسلامية عامة مختزلة في مكوّن واحد ووحيد هو الدين الاسلامي، وسلطانه الجبار الذي لايسمح بمرور أي تغيير أو تبديل لما يتعارض مع ثوابته الرجعية وجوهره الجامد لأن في صميم الإسلام يكمن مبدأ يعارض الديمقراطية. أضف إى ذلك أن الإسلام يقوم على اعتبار أن الحاكم والحكومة عليهما، ومن واجبهما أن يقوما بتعزيز الإسلام والدفاع عنه، والترويج له، وتدريسه. وعقاب كل من يتجرأ على انتقاده أو مخالفته، وكل من يتجرأ على إبداء الرأي به أو نقده تلاحقه لعنة التكفير والردّة وإهدار الدم.
   من المستحيل على الأمة الاسلامية أن تتقدّم وتبدع قبل أن تتحرر من مآسيها وعقدها ومحرماتها. وقبل أن تنجح في تحويل دينها إلى دين روحاني صرف يدعو الإنسان إلى علاقة مباشرة خاصة بينه وبين خالقه دون تدخّل أي إنسان، أو هيئة، أو مافيا دينية. ويستحيل على الأمة الإسلامية أي إصلاح مادام انتقاد النبي محمد، وانتقاد القرآن ومفاهيمه ومبادئه وتعاليمه أمرا محرّما وخطا أحمر يقود المساس به إلى التهلكة.
   مازال المسلمون يتهمون الحضارة الغربية ويصفونها بحضارة الكفر في ذات الوقت الذي يلتهمون كل منتجات حضارة الكفّار، وينعمون بمختلف إنجازات الكفّار العلمية والتكنولوجية والطبية دون أن يدركوا أن قطار الحداثة والتحديث الذي يقوده الكفّار قد فاتهم بقرون عديدة حتى أصبحوا عالة على العالم الغربي وعلى البشرية بكاملها. فكيف ستتمكن النخبة التنويرية العربية والاسلامية من مواجهة هذا الواقع بعيدا عن الكذب والنفاق والعنجهية الفارغة في الوقت الذي يسمعون شيوخ الاسلام يرددون، بكل غرور وعناد وتبجح، أن المسلمين هم خير أمة أخرجها الله وفضّلها على العالمين. بناء على الآية التي تقول: كنتم خير أمة أخرجت للناس (سورة آل عمران: 110).
                                                                                                                           
المصادر:
1.   القرآن الكريم. تفسير الجلالين مذيلا بكتاب لباب القول في أسباب النزول للسيوطي.
2.   صحيح البخاري. لأبي عبد الله محمد بن اسماعيل بن ابراهيم بن المغيرة بن برذبة البخاري المتوفي 256 هجرية.
3.   صحيح مسلم. لأبي الحسن مسلم بن الحجاج القشيري النيسابوري المتوفي 261 هجرية.
4.   سنن ابن ماجة. لأبي عبدالله بن يزيد بن ماجة الربعي القزويني تامتوفي 276 هجرية.
5.   سنن الترمذي. لأبي عيسى محمد بن عيسى بن سورة بن موسة بن الضحاك السلمي الترمذي المتوفي 279 هجرية.
6.   سنن أبو داود. لأبي داود سليمان بن الأشعث بن اسحاق بن بشير الأزدي المتوفي 275 هجرية.
7.   الكافي. للشيخ محمد بن يعقوب الكليني المتوفي 275 هجرية.
8.   محنة المسيحيين في الشرق الأوسط. الموقع الشخصي للدكتور عبد الخالق حسين.




101
هل هي ثورة أم عاصفة صحراوية؟

   من حق جميع المواطنين السوريين، بدون استثناء، التظاهر سلميا وبطرق حضارية إسوة بباقي شعوب الأرض التي تدرك جيدا الفرق الشاسع بين المظاهرة السلمية والفوضى العارمة. ومن حقهم التعبير عن آرائهم ومعاناتهم ومطاليبهم بكل حرية وبدون أي رادع، وكذلك من حقهم الطبيعي والمطلق إبداء احتجاجاتهم على الواقع المزري الذي يعيشونه نتيجة القبضة الحديدية لرجال الأمن، بكل تسمياتهم، الذين لاعمل لهم سوى ملء جيوبهم وبطونهم على حساب الفقراء والمساكين، وإقلاق راحة المواطنين. ومن حقهم التظاهر ضد الفساد الذي ينخر مؤسسات الدولة ممثلا بشخصيات فاسدة على أعلى المستويات بحيث تعيث في البلاد فسادا وإفسادا، وسلبا ونهبا لثروات الشعب السوري البائس بدون وازع من ضمير، وبدون رقيب أو حسيب.
   أجل! من حق كل مواظن سوري، أي كان، الممطالبة بتغييرات جذرية تطال البنيان السياسي والاقتصادي والدستوري للبلاد، وإنهاء هيمنة الحزب الواحد، ووضع دستور دائم للبلاد يكفل لجميع المواطنين المساواة العادلة في الحقوق والواجبات بصرف النظر عن المعتقد الديني أو القومي أو السياسي أو الطبقي بحيث تُصان بموجبه حرية المواطن وكرامته. وإجراء انتخابات حرّة ونزيهة تطال بنيان الدولة من القاعدة حتى القمة، وعلى جميع المستويات. وإقامة نظام ديمقراطي علماني مقرونا بإلغاء المادة الثالثة من الدستور الحالي التي تعتمد الإسلام شرطا أساسيا للترشيح لمنصب رئيس الجمهورية، وفتح المجال على مصراعيه أمام كل مواطن سوري كفؤ وقدير للترشح لهذا المنصب بصرف النظر عن معتقده الديني أو السياسي. وإطلاق حرية الصحافة والإعلام بحيث تمارس دورها الطبيعي والفعّال، وبدون رقابة من أي جهة كانت، ومهما كانت. وصياغة قانون جديد للأحزاب والتنظيمات السياسية، والمؤسسات الدينية والاجتماعية، ومحاسبة كل من عمل على هدر المال العام، وتصرّف في أموال الدولة بالنصب والاحتيال، وإحالته أمام القضاء بعد الحجز على كل أملاكه وممتلكاته وأمواله المنقولة وغير المنقولة في الخارج قبل الداخل. وتطهير الأجهزة الأمنية من كل الفاسقين والفاسدين والمفسدين ومحاسبتهم على كل جريمة اقترفوها بحق أي مواطن سوري، مهما كان وأينما كان، وخاصة اولئك  الذين غادروا الوطن مرغمين فرارا من ملاحقة السلطات الأمنية لا لذنب أتوه، أو جرم اقترفوه وإنما لعدم إيمانهم بعقيدة البعث الشوفينية التي تصرّ وتعمل على صهر جميع القوميات في بوتقة القومية العربية، وكل من لاينتسب إلى حزب البعث يعيش على هامش المجتمع منبوذا ومحروما من كل الامتيازات الخاصة بالبعثيين والذين يلتاطون وراءهم.
   أجل! يحق لكل مواطن سوري شريف ومخلص أن يطالب، بإلحاح، على  إلغاء مصطلح (الأقليات والطوائف)، على المستوى الرسمي لأن مبدأ سيادة القانون يلغي أي معنى للقول بوجود أقلية أو طائفة في الدولة طالما أن جميع المواطنين لهم نفس الحقوق وعليهم ذات الواجبات، لذلك يغدو الحديث عن الأقلية والطائفة بمثابة إذكاء لنار الفتنة والتفرقة بين أبناء الوطن الواحد بما يهدّد وحدتها الوطنية. ويحق له، في الوقت ذاته، المطالبة بتنقية المناهج الدراسية، في جميع المراحل بدءأً من رياض الأطفال وحتى الجامعة، من النصوص الدينية التي تدعو إلى التطرف الديني والكراهية ضد الأديان الأخرى. واستئصال الأفكار العنصرية والشوفينية والظلامية، ومنع استغلال الدين لتحقيق أهداف سياسية، وفصل الدين عن الدولة، ورفض الأنظمة الشمولية تحت ستار الدين أو القومية أو العنصرية. ومراقبة النشاطات التي تجري في الجوامع، وخطب الأئمة التي تحرّض على الإرهاب باسم المقاومة.
   نعم! يحق لكل مواطن سوري، أينما كان، أن يتظاهر احتجاجا على المظاهر السلبية التي تفشت في المجتمع السوري كالبطالة التي تفاقمت في الآونة الأخيرة ما أدى إلى انكفاء العقول والطاقات الشابة على الذات يأسا وقنوطا داخل الوطن، أو الهجرة من البلاد لمن استطاع إلى ذلك سبيلا، في الوقت الذي يظل الوطن بمسيس الحاجة إلى تلك العقول والطاقات من أجل البناء والتطوير، ناهيك عن ظاهرة التسوّل المقينة والمشمئزة التي تعششت في خلايا الطبقات الدنيا والتي تتمثل، بكل سلبياتها وبشاعتها، أمام دور العبادة وفي الشوارع العامة على امتداد المدن السورية.
   أجل! من حق كل مواطن سوري أن يطالب، وبإلحاح، بملاحقة كل المسيئين، كائنين من كانوا، ومحاسبة كل المقصّرين في أداء واجباتهم المهنية، وكل الفاسدين الذين شجّعوا على انتشار الرشوة في كل مفاصل الدولة. وفضح كل العملاء وزبانية السلطة، في كل مدينة وقرية وحي. اولئك الطفيليون المصابون بعقدة النقص، الذين باعوا ضمائرهم، وداسوا على كراماتهم ليستمدوا سعادتهم من شقاء وتعاسة المواطنين الشرفاء حيث كانوا سببا رئيسا في قطع أرزاق آلاف المواطنين الأبرياء، وزجّ الآلاف  في السجون المظلمة من خلال وشايات كاذبة وملفّقة. وقد ساهموا، من خلال وشاياتهم الدنيئة، إلى غياب المئات من الأبرياء الذين اعتقلوا داخل بيوتهم وفقد لهم كل أثر مخلفين وراءهم عائلات منكوبة وأطفال يتامى يعيشون على أمل أن يأتيهم الغيب بخبر عن آبائهم وأمهاتهم.
   أجل! من حق كل مواطن سوري أن يتظاهر احتجاجا على كل مايسيء إليه شخصيا، وإلى وطنه بشكل عام. ولكن، كل ذلك، بعيدا عن الغوغائية والهمجية، واتباع أساليب التحريض والاستفزاز، والالتجاء إلى العنف، أو إلحاق الضرر بالأشخاص والممتلكات الخاصة أو العامة. وعلى كل السوريين الشرفاء أن يقفوا بالمرصاد صفا واحد في وجه كل من يحاول إثارة النعرات القومية أو الطائفية، أو تلقي الدعم من جهات خارجية في سبيل الإساءة إلى المصلحة الوطنية العليا وشقّ الصف الوطني. ومن أجل ضرب أمن واستقرار سوريا، وتمزيق الوحدة الوطنية، والعيش المشترك والتي تقود، كلها، إلى مزالق خطيرة من الإرباك والفوضى، ومن ثم إلى مهاوي الخراب والدمار.
   على الرغم من كل مثالب ومساوئ النظام الحاكم في سوريا، على امتداد أربعة عقود، إلا إنه، وبشهادة العدو قبل الصديق، كان النظام الوحيد من بين جميع الأنظمة العربية والإسلامية الذي يتسم بالتسامح الديني، إضافة إلى الأمن الذي ظل يرفرف فوق ربوع سوريا من أقصى الجنوب إلى أقصى الشمال مقرونا بالاستقرار والوئام والسلام والأمان.
   بعد كل هذا، هنالك سؤال يتبادر، بإلحاح، إلى ذهن كل المواطنين السوريين المخلصين الشرفاء بشكل عام، والمسيحيين السوريين منهم بشكل خاص، وعلى وجه الخصوص الآشوريون السوريون. لماذا تتدفق كل هذه التظاهرات من الجوامع، وفي أيام الجمع بالتحديد، ولا تنطلق من المدارس والمعاهد والجامعات؟. فساحات الجامعات كانت ولم تزل وحدها، في كل زمان ومكان، منطلقا  لكل تغيير وإصلاح. وكان الطلاب، على مر التاريخ،  هم الذين يهزون عروش الطغاة. أما أن تنطلق تلك التظاهرات من الجوامع والمساجد مدجّجة بصيحات (الله أكبر)  فيخال لكل سامع بأن المتظاهرين يرفعون المصاحف على أسنّة الرماح وهم في طريقهم إلى الجهاد. إن مثل هذه الصيحات هي بمثابة ناقوس الخطر الذي يذكر المسيحيين السوريين بسورة السيف التي ذاقوا منها الأمرين على امتداد أربعة عشر قرنا. وماأدراك ما سورة السيف.
   يقف المسيحيون السوريون عامة، والآشوريون خاصة من التظاهرات التي تعمّ بعض المدن السورية في خشية وريب شديدين لأن المشهد العراقي لازال ماثلا أمامهم بكل قبحه وبشاعته ودمويته. وشبح  أبو مصعب الزرقاوي وهو يمتشق سيفه اليماني فوق عرش إمارته الإسلامية في العراق ليفصل رؤوس ضحاياه عن أجسادهم بشهوة وسادية قلّ نظيرها ثم مايلبث أن  يتوضأ بدمائهم ويستغفر ربّه ليقيم صلاته، لازالت تلك المشاهد الرهيبة تبعث القشعريرة في أجسادهم والرعب في قلوبهم. ناهيك عما آلت إليه الثورة المصرية اليانعة من مآس وويلات جديدة على أقباط مصر الذين شاركوا في تلك الثورة المجيدة منذ اندلاع شرارتها الأولى ولكنهم لم يقطفوا من ثمارها سوى الحرائق التي أضرمت في كنائسهم، وسفك دماء أبنائهم على أيدي الغوغاء السلفيين المتعصبين الذين كشروا عن أنيابهم ومخالبهم وعاثوا في القطيع المسالم فتكا وافتراسا وكل واحد منهم يردد بهيجان: (سألقي في قلوب الذين كفروا الرعب فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كل بنان).[سورة الأنفال: 12]
   خشية المسيحيين السوريين من أن يكون مآل الأحداث في سوريا ذاتها في العراق. وبأن هناك إمارة إسلامية يُعد لها وراء الكواليس. و هم على يقين بأنه على مذبح تلك الإمارة ستكون نهاية الوجود المسيحي في الشرق، ومعهم كل المفكرين العلمانيين والتنويريين.
   لقد حزّ في نفوس الآشوريين السوريين الذين هم، بكل تأكيد، آشوريو الانتماء ولكنهم سوريي الولاء بالدرجة الأولى. وإخلاصهم وتفانيهم لسوريا هو فوق كل اعتبار. وتتلاقى أهدافهم وتطلعاتهم واهتماماتهم الوطنية بذات االأهداف والتطلعات والاهتمامات الوطنية لكل السوريين المخلصين الشرفاء. لقد حزّ في نفوسهم كثيرا أن يروا رئيس دولتهم يتقدم بالتهنئة من الأكراد بمناسبة عيد النوروز الذي يعتبر رأس السنة لجميع الشعوب الإيرانية في حين لم يتوجه بالتفاتة كريمة إلى الشعب الآشوري بمناسبة رأس السنة الآشورية والذي صادف في الفترة ذاتها مع العلم بأن الآشوريين هم أصلاء وليسوا دخلاء على بيئة سوريا الطبيعية التي استمدت اسمها من (آشوريا) بحسب اعتراف جميع المؤرخين العرب والأجانب منهم.
   بوركت سوريا وعاشت حرّة مستقلة
   وبورك الشعب السوري بكل أطيافه الزاهية.

آدم دانيال هومه
سدني _ استراليا
adamhomeh@hotmail.com

صفحات: [1]