وقفة مع ندوة المطران أميل نونا الموسومة " ألرابطة الكلدانية في المهجر من منظور الكنيسة "
د. صباح قيّا
أعيد ما سبق وأن أفصحت عنه بأني أقف , وباستقلالية تامة , على مسافة واحدة من كافة رعاة كنيستنا الأجلاء بغض النظر عن درجتهم الروحية أو موقعهم الوظيفي أو منبعهم الطبقي أو المناطقي , وأكن لهم الإحترام جميعاً مهما كان عمق الإختلاف الشخصي أو الإداري بين الواحد والآخر أو البعض ببعضهم ولن يتغير موقفي سواء كان الراعي يرعى مهاجراً أو صامداً في الوطن الجريح , أو سواء كان في أعلى السلم أو أسفله . لكن رأيي هذا لا يعني بأني لن أنتقد سلباً أو إيجاباً أية سلوكيات معينة أو إجراءات أجدها من وجهة نظري الشخصية متناقضة مع تعاليم الكتاب المقدس والأسس الكنسية المثبتة وما يجب عليه أن يكون طريق الإيمان القويم . لا بد أن يعي المسؤولون الكنسيون حقيقة العصر بأن العلماني اليوم ليس كعلماني الأمس ولن يقول نعم كيفما اتفق أو يسكت صاغراً , وتباً للتكتلات المريضة والمجاملات السقيمة .
رغم أني لم أحضى بشرف التعرف أو الإلتقاء بسيادة المطران أميل نونا , لكني من خلال خبرتي المهنية ومتابعتي له كوني أحد المهتمين بالشأن الكلداني , تكون لدي الإنطباع الأولي بأنه شخصية يغلب عليها الجد ووضوح الرؤيا . ولا بد من وقفة تأملية دقيقة عند المرور على ما جاء على لسانه عند استضافته من قبل الرابطة الكلدانية –فرع فكتوريا – للتحدث عن " الرابطة الكلدانية في المهجر من منظور الكنيسة " في الندوة المقامة يوم 18 تموز 2017 في مدينة ملبورن - أستراليا - . وحسب رأيي المتواضع , لم يكن كلامه مجرد جمل إنشائية تشجيعية وإنما استعراض الخبير لمسار الرابطة منذ نشأتها والواقع الفعلي التي هي عليه اليوم بدون تضخيم ما حصل من منجزات أو الإيحاء بأن الرابطة قد حققت ما أخفق الآخرون عن تحقيقه .
وحسب التقرير المنشور على المواقع :
" فقد تطرق سيادة المطران عن بدايات فكرة تأسيس الرابطة الكلدانية اذ طُرحت من قبل غبطة ابينا البطريرك مار لويس روفائيل ساكو بطريرك بابل على الكلدان في سينودس الكنيسة الكلدانية ، وتم مناقشتها من قبل السادة الاساقفة ودراستها وتبنيها في الاجتماعات اللاحقة. كما اتخذ القرار من قبل سينودس الكنيسة الكلدانية برئاسة غبطة ابينا البطريرك بالدعوة لعقد مؤتمر تاسيسي للرابطة الكلدانية والذي انعقد عام 2015 بداية شهر تموز حيث أُعلن تأسيس الرابطة " .
لا تعليق لي حول ما تمّ بالفعل كما ذكر المطران الجليل .
" وأضاف سيادته : فالفكرة طرحتها الكنيسة وساهمتْ في تأسيس الرابطة لكن مهام الرابطة ونشاطاتها وقراراتها يتخذها المسؤولون المدنيون فيها. ومهمة الكنيسة الاساسية كانت مساعدة ابنائها الكلدان في ان يجتمعوا تحت خيمة مؤسسة مدنية تعني ببناء بيتهم الكلداني وتوحيده لتمثيلهم في المحافل الوطنية والدولية" .
ألسؤال الآن : هل تحقق ما كانت فكرة تأسيس الرابطة تصبو إليه ؟ ألجواب بدون شك هو " كلا " , حيث كل الدلائل تشير إلى إخفاق الرابطة وخاصة في المهجر في جمع الكلدان وتوحيد بيتهم . كما اقولها بألم بأن البعض من مكاتبها وفروعها ساهم في تفريق الكلدان وتأليب بعضهم على البعض الآخر إضافة إلى الإجراءات التعسفية التي أصدرها بدون حق والتي طالت البعض من خيرة الشخصيات الكلدانية . كما أنها لم تستطع من استقطاب غبر عدد محدود جداً ومن ضمنهم من هم من أصول غير كلدانية أو لهم إنتماءات حزبية معينة . أما عن التمثيل في المحافل الوطنية والدولية فذلك مرهون بفوز ممثليها في الإنتخابات البلدية والبرلمانية مستقبلاً .
" كما اكد سيادة المطران الجليل على اهمية فصل عمل الكنيسة ومهمتها الروحية في خدمة المؤمنين عن عمل الرابطة ومهمتها وشدد بان الرابطة ليست اخوية في الكنيسة، انما الكنيسة والرابطة يعملان بشكل متوازٍ ويلتقيان في الاهداف لخدمة الشعب الكلداني كل في مجال عمله. كما شرح اهداف الرابطة كما جاءت في نظامها الداخلي " .
ما تقوله سيدي على العين والرأس , وحتماً إنك تعرف جيداً أن هنالك من يعمل داخل الرابطة وكأنها أخوية , وهنالك من استفاد من قرابته بالكاهن لإستغلال الكنيسة لتحقيق مصالحه الذاتية وخدمة مجده الشخصي . أما عن أهداف الرابطة فأسأل كم من المنتمين لها له اطلاع على نظامها الداخلي وأهدافها ؟ , وكم من مسؤوليها يتقيد بذلك ؟ ألجواب يمكن معرفته من سجلات نشاطات كل مكتب أو فرع .
أبدع ما قرأت في التقرير هو طرح سيادته لبعض الافكار والمقترحات المهمة والتي بامكانها دعم مسيرة الرابطة في المرحلة المستقبلية وهي :
" تغيير طريقة العمل والتفكير : طلب سيادته من مسؤولي الرابطة بأن لا يقلدوا المؤسسات الاخرى في طريقة عملهم وتفكيرهم، بل يجب ان يكون لهم طريقة عمل موسعة كقبول الاخر المختلف وبدون تعصب او تحزب والدعوة الى الحوار واقامة العمل المشترك بين الرابطة والمؤسسات الكلدانية او غير الكلدانية. ولكل بلد ظروف خاصة يجب مراعاتها عند اقامة النشاطات وان يكون العمل من الواقع " .
نعم با سيدي الفاضل فأن معظم النشاطات المقامة من قبل المكاتب والفروع لا تعدو غير كونها " كوبي بيست " , فلا جديد لا في طريقة العمل ولا في الفكر .
" الاهتمام بالثقافة الكلدانية وتاريخ حضارة الكلدان : ركز سيادته على اهمية توعية الكلدان على التعلق بثقافتهم وحضارتهم وتاريخهم ورموزهم. لا بل يجب توثيق التاريخ الحديث للكلدان ، مثلا تاريخ قرانا التي هُجرنا منها ، مما يساعد الاجيال القادمة على التعرف على قوميتهم وهويتهم وتاريخهم فيكون لهم رغبة ودافع واسباب مقنعة لادامة التواصل مع هذا التراث والحضارة " .
عموماً , لم يحصل مثل هذا الإهتمام على نطاق واسع , بل العكس هو الصحيح في بعض المكاتب والفروع التي تعوض عن إفلاسها الفكري بتقديم مواضيع عامة , ويمكن التأكد من ذلك بمجرد مراجعة اراشيف مواقع شعبنا . ولا بد من الإشارة عن الخطة البحثية التي سبق وأن أعلن عنها المقر العام للرابطة ولم ينشر لحد الآن أي تنفيذ لأي من العناوين المراد البحث عنها مما يعني عزوف الباحثين والإختصاصيين في المواضيع المعلنة عن المساهمة الفعلية لسبب أو آخر , ويمكن الإستدلال من ذلك بأن الرابطة لم تفلح في جذب المعنيين بالشأن الكلداني , وعليه فإنها أخفقت في تحقيق هدف مهم جداً من أهدافها المثبتة في نظامها الداخلي .
" حماية اللغة: أكد سيادته على اهمية حماية اللغة الكلدانية وضرورة تعليمها لاطفالنا في بلاد المهجر واكد بان هذه المهمة لا تقع على الكنيسة لوحدها بل بالدرجة الاولى تقع على عاتق العائلة التي يتربى الطفل في احضانها فيكون واجب الاهل تعليم اطفالهم اللغة الام ( اللغة الكلدانية ) الى جانب تعلمهم اللغة الانكليزية او اي لغة اخرى حسب البلد الذي يعيشون فيه. كما دعا مسؤولي الرابطة لفتح دورات تعليم اللغة للشباب والكبار " .
مقترج مهم جداً رغم صعوبة تنفيذه .... ولا بد أن أوضح حقيقة جوهرية مفادها أن الكلداني ليس الذي يتكلم اللغة الكلدانية فقط . هنالك من الكلدان من يعتبر نفسه عربياً ولا يكترث للغة الكلدانية وأخص بالذكر من هو من أهل الموصل , وهنالك من يحسب أصله تركمانياً مثل المسيحي من كركوك ممن يطلق عليه جوراً " قلعة كاور " ولا علاقة له باللغة الكلدانية أيضاً . ألسؤال الآن : هل الرابطة الكلدانية مقتصرة على متكلمي السورث فقط ؟ ألواقع يشير بنعم , أما من يدعي خلاف ذلك كون رئيس الرابطة كلداني تركماني , فجوابي لأنه " فخامة الرئيس " وعلاقته وطبدة بغبطة البطريرك الذي رشحه لهذا المنصب إلى أجل غير مسمى .
" والنقطة الاخيرة التي طرحها سيادته هي عالمية الرابطة: اذ قال بان شعبنا الكلداني انتشر في جميع جهات المعمورة لذا اصبح من اللازم التواصل بين كلدان العالم فكانت فكرة تاسيس رابطة كلدانية عالمية لجمع شمل الكلدان ومساهمتها في الحفاظ على القومية الكلدانية والتعاون بين جميع الكلدان وتواصلهم مع بعضهم. وان وجود الرابطة لا يلغي المؤسسات الكلدانية الاخرى ولا يلغي دورها بل تعمل الرابطة معهم لرفع شأن الكلدان والحفاظ على تراثهم وحضارتهم " .
سيدي المطران الجليل : ألكلدان موجودون في أرض الشتات منذ أكثر من مائة عام . لهم نواديهم ومؤسساتهم وتنظبماتهم الثقافية والسياسية والإجتماعبة والرياضية وكافة المجالات الأخرى . لهم ممثلون في المجالس المحلية وفي برلمانات بعض الدول . كنائسهم منتشرة هنا وهنالك , فإذا كانت الكنائس في الوطن الجريح تتقلص فإنها تمتد في بلاد الغربة . أما النشاطات الكلدانية والصحف والمجلات والإذاعات وما شاكل من وسائل الإعلام بلغة الأم أو العربية أو لغة البلد فإن القلم يعجز عن تعدادها . ألمهجر لا يحتاج إلى رابطة تسير ببطء السلحفاة ولم تقدم خلال السنتين من تأسيسها جزءاً يسيراً مما قدمته وتقدمه المؤسسات الكلدانية المتنوعة بالرغم من الدلال المتميز والرعاية اللامحدودة التي تقدمها لها والدتها الحنونة والتي أنجبتها التي هي كنيستنا المبجلة .... نعم ألوطن الغالي والممزق من يحتاج إلى الرابطة كي تسعى للحصول على البعض من حقوق المواطن الكلداني خصوصاً والمسيحي عموماً على أقل تقدير . أهل الدار هم بحاجة إلى كل أنواع الدعم معنوياً ومادياً من الذين يتمتعون بنعيم الحرية في المهجر حيث يحصل الكلداني ويتساوى بالحقوق مع أي مواطن آخر بغض النظر عن الدين والمذهب أو أي سمة أخرى . نعم ألحاجة ماسة إلى " الرابطة الوطنية " وليس إلى الرابطة العالمية التي يتبوأ معظم مناصبها الطامحون والمغمورون والمتملقون والإنتهازيون والمتسلقون على الأكتاف وليس بينهم غبر قلة قليلة من الكلدان الغيارى .
أما عن إلغاء دور المؤسسات الأخرى فلست أعلن سراً إذا أخبرتك يا سيدي المطران الجليل عن أحد مسؤولي الفروع الذي أعلمني عبر الهاتف بأن الحاجة للمؤسسات الكلدانية ستنتفى حال تثبيت الرابطة أقدامها ولا بد لتلك المؤسسات أن تنطوي تحت خيمة الرابطة . أجبته : لو حقاً أن ما تقوله ضمن طموحات الرابطة فإني أول من يقف ضدها .
وقبل أن أختم لا بد لي أن أشكر سيادة المطران أميل نونا على ما أورده من إيضاحات وملاحظات ومقترحات في غاية الأهمية والأمل أن لا تهمل من قبل المسؤولين عن شؤون الرابطة بل تعمم كورقة عمل تدرس وتناقش بجدية من قبل كافة تشكيلات الرابطة المنتشرة في بقاع المعمورة ....