عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - فوزي الاتروشي

صفحات: [1]
1
ملح الارض ... دمتم ودامت ايامنا اعياداً بكم

             فوزي الاتروشي
 وكيل وزارة الثقافة والسياحة والاثار

شئ مؤسف ويدمي القلب ويجرح الى حد طعن العظم ما اثاره كل من رئيس الوقف السني والوقف الشيعي من زوبعة انتقاد لاعياد الميلاد ورأس السنة دون مبرر او سبب او ذريعة في وقت يستحق شعبنا ان يوظف العيد لمزيد من التماسك والفرح والتناغم , بعد ان زرع الارهاب ما شاء من عوامل التفرقة والظغينة بين ابناء وطن اشتهر بأنه وطن ومرجع الاديان والحضارات والتعددية الاثنية والدينية والطائفية .
لن نحاجج رئيسي الوقفين فقهياً ولا علمياً ولا فكرياً لانهما دخلا كما يبدو الى صومعة الانغلاق والجمود والتحنط الفكري العقائدي كما هو حال و ديدن الكثير من رجال الدين في الوقت الراهن فهم يتنفسون ويعيشون في الماضي السحيق ولا يتقبلون هواء العصر ورياحه التي تعصف بكل ما هو بالي ومتخلف ورجعي .
عيد الميلاد ورأس السنة احد تواريخ اجماع البشرية التي تحتفل بها اما من منطلق ديني او انساني او عاطفي وفي النهاية فأنها مهرجان فرح عالمي وخروج عن عباءة الحزن والانكفاء على الذات , والتلاحم والتراحم والتصافح والتعانق على بساط من الحب والالفة بعيداً عن رائحة الازمات والحروب وعوامل الدمار فما العيب في ذلك وكل البشرية اصلا تستخدم التاريخ الميلادي طوال السنة وتجمع على ان هذا التقويم هو الصحيح والمنطبق على توالي الايام والشهور والسنين بشكل اكثر ملائمة من اي تقويم اخر .
ان اعياد رأس السنة لم تعد عيداً للمسيحيين حصراً , وانما عيداً للبشرية جمعاء , وهي حتما ً تقتضي تبادل الهدايا والتحايا والاحتفال والتزاور والرقص والغناء وتبادل المعايدات ورسائل التهنئة من اجل عام جديد يكون عام سلام ومحبة للجميع فأين مظاهر المجون والعربدة التي يتكلم عنها رئيسا الوقفين في توقيت غريب يراد منه زرع الفتنة والشقاق بين ابناء الوطن الواحد الذي يشكل المسيحييون فيه جذراً تاريخياً وفكرياً وحضارياً مهماً جداً للشعب العراقي , بل انهم كما يقال دوماً ملح هذه الارض منذ اكثر من الفي عام . ثم ماذا تعني هذه الدعوات سوى الانضمام شئنا ام ابينا الى مرامي واهداف المتطرفين والارهابيين الذين لجأوا الى تحريم هذه الاعياد وشنوا حملات ابادة على المسيحيين والايزيديين والصابئة لانتزاعهم من هذه الارض التي لايمكن ان تكون حكراً على قومية واحدة او لغة واحدة او دين واحد مهما حاول اعداء الحضارة والتاريخ للانفراد بالقوة والسلطة .
اننا في عيد الميلاد ورأس السنة نحمل في قلوبنا مثل الملايين من ابناء العراق كل الحب والتقدير لاخوتنا في الوطن من المسيحيين ونشاركهم الافراح ونحتفل معهم كجزء منا لايمكن ان يفرح لوحده دون تضامن منا جميعاً, وهنا نذكر رئيسي الوقفين السني والشيعي بعدد الآيات القرآنية التي ورد فيها اسم السيد المسيح وامه الطاهرة (مريم العذراء) مقرونا ً بالمدح والاطراء والتقدير في اشارة الى مكانة هذا الرسول الذي ارتبط اسمه دوماً بالتسامح والسلام ونكران الذات والتضحية من اجل الاخرين . فهو يستحق حب البشرية جمعاء وديننا لايمكن ان يكون سداً امام حب هؤلاء الرسل .

30/12/2018

2
إليك حبيبتي من المستشفى .. خطاب حب 

 فوزي الاتروشي

هذا الصباح الباكر ومع اطلالة ملاك الرحمة تذكرتك يا حبيبتي و معها تذكرت البيت الشعري القديم :
ولقد لمحتك والرماح نواهل مني
                      وبيض الهند تقطر من دمي
فوددت تقبيل السيوف لانها
                         لمعت كبارق ثغرك المتبسم
ان بياض السرير والجدران والاسرة في هذا المستشفى البالغ الاناقة والتعقيم والنظافة يذكرني بك يوميا ، و يطير بي الى بغداد المدينة التي مزقها الارهاب ودمر مبانيها و حطم الكثير من اركانها ، لكنه عجز عن سرقة طيبة اهلها و نكهة ظفائرها وتنوع الدماء في عروقها ، وانت جزء من هذا التنوع .
واذ تذكرتك اليوم فقد استحضرت كما هائلا من تعابير الحب الساخنة التي قرأتها ل(نزار قباني) و (غادة السمان) و لشمس الرواية العـــــــــــربية (احلام مستغانمي) ولا سيما في منجزها الاخير (عليك اللهفة ) واستحضرت كل رومانسيات الشعر التي حفظتها .
لكنني اليوم قررت ان اسرد ، وان اترك الشعر ولو الى حين ففيضان الكلمات و نزف التعابير و احتشاد الجمل في الذاكرة حتم علي اللجوء الى الخطاب النثري اليوم ربما لأ في بالغرض تماما .
والحق انني في عجلة من امري لأن الممرضة تمسك بيدي الى جلسة الاشعة التي تتكرر كل يوم .
 بغداد حلوة لأنك فيها ، هذا عنوان قصيدة لي كتبتها ذات يوم عنك وسميتك ماء ســـــواقيها و ضوء نهاراتها و سحر لياليها و قصة الحب التي تتواصل في زوايا هذه المدينة التي تنام على دجلة منذ الازل .
واليوم اذ اوجه اليك هذا الخطاب فلا حاجة للتسمية وان كان البعض سماك شمس بغداد او شجرة الرمان او نرجس كوردستان او غابة الشموع او بحر العطر والطيب والحناء ، اما انا فلن اسميك لأنك اصلا العطر الذي يسيل على جسدي ويفضحني بين الناس فما الحاجة لاعلان الاسم اذن ؟.
سبحان الله كم انا محظوظ بك فحضورك الاخضر الافتراضي كل صباح مع المصل و الابرة والحبوب المسكنة للالام و انبوب المغذي يكاد يمحو اثار المرض و يزرع الامل والتفاؤل بين جوانحي … ولعل كل مريض يتمنى ان يكون له ولو جزء يسير من هذا الحظ الوافر .
 وربما تقولين وما العجب في ذلك فاحيلك الى جبل من الكتابات التي تؤكد ان الحب بما له من سحر وقوة وعطاء يجعل اعمق الجراحات تندمل واخطر الامراض تختفي وتعالج .
لذلك فأنني كل يوم اثنين اطير افتراضيا الى بغداد مع الطائرة و قلبي يرقص فرحا لموعد لا بد ان يحين ذات يوم نلتقي فيه مجددا على الرحب والسعة ونتبادل احاديث الهوى والحب ونزور معا قلب بغداد النابض شارع المتنبي و مقهى الشابندر الذي سميته بحق ذات يوم في احد مقالاتي ( وزارة ثقافة الظل ) .
هذا اليوم وكل يوم سنكون على موعد عبر الهاتف مرارا وتكرارا لنستعيد شيئا مما قلناه وكتبناه و ثرثرنا حوله ساعات طويلة ، ونتكلم عن احوال بغداد بدوني وكيف حال الشوارع التي زرعنا على اطرافها وشم الحب .
 ومع هذه الاستعادة ينطفيء رويدا رويدا نار الالم داخلي و المرض يخف عن كاهلي  ، لأن الحب بذاته كما يقول الشعراء افضل وصفة دواء في تاريخ الطب البشري .
لن اطيل الخطاب اليك يا حبيبتي فالحب علمني انه الموجز المختصر المكثف العاصف المختزل الذي يهرب من الشرح الطويل والاستفاضة ، فيكفي ان اقول احبك ليفهم كل من حولي ماذا اعني ..  سأردد في الختام مطلع اغنية وديع الصافي (الحب هالحرفين مش اكثر .. بيعمرو الدنيا واكثر).

3
وفيق السامرائي يشتم وهو في الحضيض

فوزي الاتروشي

كاتب وشاعر


كعادته افرغ (وفيق السامرائي) المصاب بالهستيريا جعبته من السباب والشتائم البذيئة على الشعب الكوردي في مقال له يوم 2017/8/5 والشتائم والكلام الرخيص هي اللغة الوحيدة التي يجيدها هذا المنتحل لصفة المحلل الاسترتيجي العسكري القابع في لندن .
لقد دار الزمن وتساقطت كل الاقنعة وانقلبت الموازين راسا على عقب ، وها هو سليل المخابرات والقتل والاجرام ، ومجرم عمليات الانفال السيئة الصيت (وفيق السامرائي) يصب جام غضبه على الشعب الكوردي بلا ذرة حياء او قطرة اخلاق .
وهو اذ يتهجم باقذع السباب على السيد (مسعود البارزاني) و(البارزاني) الاب الراحل فأنه يختزل شعبا كاملا و تاريخا من المقاومة والنضال التحرري ليشمل كل ذلك بسهامه المسمومة وهنا يصدق عليه قول الشاعر :

واذا اتتك مذمتي من ناقص
فهي الشهادة لي بأني كامل

ان عقلية (السامرائي) المريضة الى حد الجنون لا تعرف مفاهيم حق الانسان ، وحق تقرير المصير ، و لا مفاهيم العصر في بناء الدولة وذلك امر طبيعي لشخص تخرج من مطبخ احد اسوأ انظمة المخابرات في العالم اثثت البيت العراقي بالمقابر الجماعية ، و بمقابر ضحايا السلاح الكيمياوي ، و التنكيل والذبح والتعذيب الذي لم يترك احدا في النظام السابق سواء من الكورد او الشيعة او السنة . ان نهجه في الفكر مزيج فاشي نازي و عنصري دموي ولا يمكن توقع غير ذلك من رئيس منظومة المخابرات الشمالية في العهد الدكتاتوري السابق .
ولا تفيده تكرار عبارة " الشعب الكوردي العزيز " التي كان سيده يجترها يوميا على وقع تنفيذ حلقات حرب الابادة العنصرية البغيضة ضد شعب كوردستان الامن المسالم الذي قدم اقصى درجات التسامح والتصالح في التعامل مع الد اعدائه ومنهم قاتل اطفال ونساء و شيوخ ورجال كوردستان ، (وفيق السامرائي) احد منفذي تلك الجرائم فهو تربى في مستنقعات اجهزة الامن النتنة . ولكن اين لوخز الضمير ان يؤلم رجلا هو والصخرة الصماء سواء ، فيداه الملطختان بالدماء محفوظة في متحف الذكرى في (حلبجة) ، و في مقابر ضحايا الانفال في صحارى جنوب العراق ، و في كل مسالك وديان كوردستان التي تحتفظ بذاكرتها الحية بجملة " هنا مر المجرمون و هنا عادوا خائبين " .
مشكلة (وفيق السامرائي) انه انضم شكلا وقالبا الى المعارضة العراقية قبل التحرير واسقاط النظام السابق وجاء الى لندن وكنا هناك ضمن قيادة الفرع الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني واتذكر انه كان يتجول ويصرح بنفس عقليته الان حيث بقي قلبا و جوهرا مع النظام السابق . وحين صرح كاتب هذه السطور في صحف (الحياة) و(الشرق الاوسط اللندنية) متهما اياه بجرائم الانفال لم ينكر حينها وانما صرح ان تلك العمليات كانت بقرار سياسي من صدام حسين في اشارة الى انه كان الخادم الذليل المنفذ ، و بعد عقود من الزمن يأتي ليكتب اليوم ضد اكبر رمز تاريخي للمقاومة الكوردية وهو (البارزاني) الراحل ويتهمه بالهرب .
ان ضريحه الراقد بتواضع في بارزان ما زال وسيبقى مزارا للاجيال الكوردية . اما ضريحه الاكبر في الذاكرة الجمعية للشعب الكوردي فأنه يزداد اخضرارا وازدهارا وتوسعا ورسوخا ، و شتائم رجل نكرة مثل (وفيق السامرائي) ضده واحدة من مفارقات التاريخ المثيرة للسخرية ، و لكن لان الحياء قطرة فأن تلك القطرة سقطت منذ زمان من جبين مجرم الحرب (وفيق السامرائي) الذي يعرف قياسات وسمو جبال كوردستان لكنه يصر على مناطحتها .
اننا نعلم ان (السامرائي) يستجدي الابواب لتبييض وجهه وحياته المهنية القذرة ، وفي لحظة غياب العقل يتصور ان الطرف الكوردي و السيد (مسعود البارزاني) رئيس الاقليم هو الطرف الاضعف ، فشهر اسلحته الكلامية الموبوءة عليه ، لكننا نبشر هذا القاتل المأجور ان الشعب الكوردي ماض في تقرير المصير ، وان الاستفتاء لا يحتاج الى تزكية من رجال مثله لفظهم التاريخ ، و باتت حتى مزبلة التاريخ ترفض احتواءهم لان مكانهم ادنى واسوأ من المزبلة .
ان ما خطه (وفيق السامرائي) من كلمات حبلى بالحقد والكره مناسبة ليتأكد للشعب الكوردي استحالة العيش مع هكذا عقليات ، فشكرا لوفيق السامرائي الذي نبهنا ان المستنقع الراكد الآسن ما زال كما كان على حاله ، وان من شب على شيء شاب عليه ، وان الطبع اغلب الاحيان يفوق التطبع .
(وفيق السامرائي) نسخة اصلية بلا رتوش لفكر عنصري فاشي شوفيني ممتزج بملامح عقل مراهق وصبياني وهي خلطة عجيبة يجب التعامل معها بخلطة اعجب واكثر غرابة . (وفيق السامرائي) ما زال يرى الوطن العراقي مضيفا له وحكرا على بني جلدته فيسرح فيه ويجول كما يشاء اما الشراكة في الوطن مع الكوردي والتركماني والسرياني فهي غائبة عن قاموسه الفكري اذا كان له فكر اصلا .فالدروس التي تلقاها هي تقنيات التعذيب ، و انتزاع الاعتراف بالقوة و الذبح و اخفاء جثث الضحايا ، و تجنيد عديمي الذمة والاخلاق للعمل كمخبرين على الشعب ، وقمع الانتفاضة وخدمة الدكتاتور السابق ، والدروس النفسية لاذلال السجناء السياسيين في اقبية وزنزانات المخابرات في النظام الدكتاتوري . اما مفاهيم الحق والحرية وتحرر واستقلال الشعوب و حقوق الانسان فهي محاور فكر حضاري بعيدة عن بداوة و تخلف ورجعية (وفيق السامرائي) .
ويهمنا ان نقول للسيد (وفيق) ان البيت الكوردي رتب اوراقه وهو متفق على الثوابت و لا يسمع اسطوانة بوق مخابرات منهوك القوى للتفرقة بين الاحزاب الكوردية ، وهي المهنة التي كان يمارسها السامرائي ابان النظام السابق وقد عاد اليها الان بعد فوات الاوان فكأنه فاقد للذاكرة فعلا . ان شعب كوردستان لا يلتفت الى الوراء وهو يكمل المسيرة و اذا كان للسامرائي الرغبة والقوة والشجاعة فندعوه لمقارعة جبال (سفين) و(كاره) و (زوزك) و (قرداغ) فهو يدعي دوما المعرفة بها و بدهاليزها اثناء الحديث في الفضائيات لذلك عليه القدوم يوم الاستفتاء وسيرى نفسه كم هو صغير و صغير جدا ككائن مجهري امام ذرى جبال كوردستان.
اما (البارزاني) الراحل والخالد فأنه بمكانته ومنزلته العالمية كمناضل سيبقى شوكة كبيرة في اعين اعداء الحرية والتحرر والانعتاق ، و ضريحه في بارزان شاهد على عظمة سفر نضالي عمره نصف قرن ، اما ضريحه الاكبر والاهم فهو في الذاكرة الجمعية الكوردستانية ويزداد مع الزمن رسوخا و تجذرا و اخضرارا.
ان (وفيق السامرائي) خرج في مقالته الاخيرة عن كل اداب الكلام واذا لم يرتكن الى الادب و الاخلاق واللياقة الادبية فأننا ومعنا كل الاقلام الخيرة لن نسكت ،  لأن ما يتفوه به هو سقط الكلام ولا يليق الا به كرجل ممسوخ العقل و مريض النفس و عديم القلب و فاقد العواطف الانسانية .

        2017/8/5

4
في الذكرى الثالثة لابادة الايزيديين ... كتاب مصور عن جريمة العصر



                                              فوزي الاتروشي
                                وكيل وزارة الثقافة والسياحة والاثار


اذ نستذكر الجريمة التي ارادت عن سابق قصد وترصد ابادة الدين الايزيدي العريق والانسان والتراث الايزيدي ، واذ نستحضر صور المقاومة للنساء والرجال والاطفال الايزيديين ضد وحشية داعش حفاظا على وجودهم ، فأن استحضار الجريمة في ذكراها الثالثة سيكون موثقا بكتاب مصور ، هذا الكتاب الذي يصدر بالتزامن مع ذكرى الابادة يمثل قصة مصورة لواحدة من ابشع الجرائم التي يندى لها جبين البشرية ، ارتكبت على يد عصابات داعش المتوحشة والظلامية في القرن الواحد والعشرين .
والصور قادمة من قلب الحدث ومن المكان والزمان الذي ارتكبت فيه هذه الافعال القبيحة والشاذة ، فهي ليست لوحات تشكيلية ، ولا رسوماً تخيلية ، وانما صور فوتوغرافية ارختها ووثقتها الكاميرا والاعلام المحلي والعالمي لتبقى وصمة عار ابدية في جبين داعش .
ان ابادة الكورد الايزيديين ومحاولة تصفيتهم جسدياً ومعنوياً واعتبارياً هي جريمة بحق الحضارة والانسانية قبل ان تكون موجهة لجهة او فئة او طائفة دينية محددة بذاتها .
واذا كان هذا الفكر التكفيري الظلامي العدمي شمل الجميع بشروره وقبحه ، فإن جريمة ابادة الايزيديين كانت ذات ملامح متميزة ، من خلال التميز والفرادة في القتل والتنكيل والسلب والخطف والسبي وهدم المنازل والمعابد وإجبار الفرد الايزيدي على التخلي عن دينه وعقيدته ، شكلت في مجملها جريمة استثنائية مركبة ذات ركن معنوي ومادي ، وباعث جرمي ينطبق عليه ما تعارف المجتمع البشري على تسميته ب(الجينوسايد).
وان كانت الصور تعكس الالم والدموع والحسرة والوجع والاجساد المثخنة  بالجراح والتمزق والجوع ، فإنها ايضاً تجسد صمود الفرد الايزيدي وتحديه ومقاومته وقدرته بفضل الاعلام الناهض في اقليم كوردستان العراق وفي العراق على التواصل مع العالم المتحضر ومع المنظمات الدولية الحقوقية لتعرية وفضح الجريمة وجعل القتيل ينتصر على القاتل والضحية تهزم الجلاد ، فصار الحديث عن الديانة الايزيدية كواحدة من اعرق الديانات بالعالم حديث الانسان العادي في كل مكان .
وانعقدت اجتماعات ومؤتمرات وفعاليات وندوات ، ونظمت احتجاجات وتظاهرات ، وصورت افلام وثائقية وتقارير متلفزة وفرت المادة الخام لادانة داعش دولياً .
إن ما جرى في (3/اب/ 2014 ) يعطي الدليل على ان قوى الشر واعداء الحضارة لايمكن دحرهم بالالة العسكرية فحسب ، وانما بتفعيل الجهد الفكري والتربوي والاعلامي والابداعي والفني والادبي والحقوقي في جبهة واحدة هي جبهة البشرية التقدمية المؤمنة بالديموقراطية وحقوق الانسان ، مقابل جبهة التوحش والتخلف والرجعية والتكفير .
نقول هذا لاننا اذ نكتب هذه الكلمات فأن النصر العسكري على داعش في نينوى قدتحقق ، ويبقى ان نقطع الجذور الفكرية لداعش واخواتها واية نسخة شبيهه لها في المستقبل ، وذلك هو التحدي الاكبر امامنا جميعاً .
تحية اعجاب للطفل الايزيدي ، والرجل الايزيدي ، والفتيات الايزيديات اللواتي قدمن نموذجاً للمقاومة والثبات والنضال سيسجله التاريخ بمدادٍ من ذهب ، وعذراء سنجار رغم اغتصابها من رجال داعش المتوحشين ستبقى عذراء في الذاكرة الجمعية الانسانية .

5
كوردستان في مهب الحب



فوزي الاتروشي
كاتب وشاعر


حين نقول ان هذا الامر او ذاك اصبح في مهب الريح فمفاده انه تبعثر وتناثر ولم يعد امر تحقيقه ممكنا . هذا ما خطر لي وانا اطالع العشرات من المنشورات التي تتطاير عبر الفيسبوك من قبل عقليات جاهلة ومريضة لا تحسن فن الكلام في تعاملها مع قرار الاستفتاء في الاقليم . فنراها تغرق في الشتم والسب وكيل التهم العبثية دون رادع ، وابرز ما فيها ان كوردستان ستضيع في مهب الريح ان قرر سكانها ان يكتبوا مصيرهم بيدهم هذه المرة وليس بأمر الاخرين كما كانت العادة على مر التاريخ .
والحملة الفيسبوكية تكاملت مع اقلام يفترض فيها انها خبيرة في الكتابة ومتمرسة وتجيد لغة الحوار ، لكنها بدت انها لا تقل ضحالة عن جمهور الجهلة . والمؤكد ان ثقافة التجهيل والتعتيم والتأويلات المصلحية لبعض سياسيي هذا الزمن الرديء ، ولبعض ادعياء الدين هي التي وسعت الشرخ ، و زادت الطين بلة ، وراكمت الطحالب في المستنقع الفكري لهؤلاء ، وحرضت حملة شعواء على شعب شقيق لا ينوي سوى البت في مصيره بعيدا عن الاكراه والاجبار .
والا ماذا ستخسر كوردستان ان لجأت الى الاستفتاء ؟ وجودها وحدودها واقتصادها و لغتها ، أم انها ستخسر انهارا من الدم والدموع وضحايا ابشع سلاح كيمياوي في تاريخ البشرية . والحال ان كل هذا اصبح من الماضي وصار جزءا من ذاكرة الانسان الكوردي وانسكلوبيديا يوميات تاريخ البشرية ، ولم يبق ان يخسره سوى النعش كما يقول الشاعر المبدع (سميح القاسم) في احدى قصائده .
ام هل ستخسر كوردستان قراها و نفطها وزرعها وخيرها و زادها ؟ فلغة الارقام تقول ان النظام السابق لم يوفر اية وسيلة متاحة للقضاء على كل موارد كوردستان ، وردم الينابيع ، و تسوية (4500) قرية بالارض ، و حرق الغابات وتحويلها الى ارض جرداء ، ومتحف "الذكرى " في محافظة حلبجة شاهد على هول جريمة الكيمياوي المدمر . اما اللغة والثقافة الكوردية والكتاب الكوردي فكان يختم بالشمع الاحمر ما عدا الكتب والاصدارات التي كانت تسبح بحمد الدكتاتور السابق .
اذن ان اي تهديد لكوردستان الان له نسخة مجربة في التاريخ ومطبقة لكن الوقائع برهنت ان مصيرها الفشل والشلل لانها عجزت عن قمع شعب تواق للحرية ، فقد انتهت مأساته و جراحاته و محنه وكوارثه منذ العام 1991  ، ولم يعد المبلل يخاف من المطر كما يقول العراقيون .
والسؤال لذوي الاقلام المسمومة والمشبعة بغضا وحقدا وشوفينية ، هل قرأتم التاريخ الحديث ؟ وهل القيتم نظرة على تضاريس عالم اليوم ؟ . ام انكم مثل بعض فقهاء الدين اسرى النصوص ، وعبيد القوالب الجاهزة التي لم تجترح يوما حلا لمشاكل واقع متغير و متنوع ومتشابك المصالح والافكار .
واذا كانت كوردستان ستصبح برأيكم في مهب الريح ان استقلت ، فهل العراق هو في مستقر الريح و في واحة الامان ؟. اليس العراق فريسة الفساد والازمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية التي انعدم نظيرها في العالم ، اليس العراق مع الاسف في الدرك الادنى تربويا وتعليميا و صحيا وخدماتيا والاخطر عالميا في معدلات الجريمة ، وهل بقي شيء لم يمسه التردي والابتذال والتدني .
اليست ارض العراق مستباحة ، وشوارعه ومدنه مشرعة لميليشيات تعبث بالبلاد والعباد قتلا ونهبا وسلبا وخطفا وابتزازا في وضح النهار . الم تجهز الاحزاب الدينية بالتعاون مع فقهاء الاسلمة الاجبارية على ملامح ديمقراطية كان يمكن لها ان تنتعش في العراق لو لا الخلط العجيب بين الدين والسياسة ، وتجريد الدين من كل مقوماته وهي العدل والجمال والخير والمساواة ، وتحويله الى خطاب حزبي و خطاب يزدري الاديان الاخرى من الصابئة والمسيحيين والايزيديين مما جعل هؤلاء الاصلاء الراسخون في جذور هذه الارض خائفين على ارواحهم و اموالهم ووجودهم .
اذن هل العراق في مهب الريح ام في مهب الحرب ؟.
اما اقليم كوردستان ففي الواقع هو في مهب الحب ، و الدليل عدد القنصليات التي يتواصل افتتاحها في اربيل ، ومئات الشركات من مختلف انحاء العالم التي تجد في الاقليم ملاذها الامن ، ومدن الاقليم النظيفة ، وطاقة الكهرباء والماء المتوفرة ، والامان على النفس والمال ، وقدرة الشرطة وقوى الامن القادرة على فرض هيبة الادارة وتسيير وتصريف مصالح الناس .
ان الاقليم متواصل على مدار اليوم عن طريق مطارين حديثين ، و سيل المؤتمرات لا ينقطع عن الانعقاد فيها لشتى المحاور ، اضافة لكونه الحضن الدافيء لنحو مليون ونصف المليون نازح . الم يكن الاجدر جعل التجربة في الاقليم نموذجا في البناء يحتذى به بدلا من الشماتة واستمطار شآبيب اللعنة عليهم ، وبعد كل هذا نردد مثل الببغاوات (انما المؤمنون اخوة) دون تطبيق او تمعن في معاني الحديث .
اما جنسية المواطن الكوردي في العراق والمواطن العربي في كوردستان فيمكن حلها كما في كثير من الدول عن طريق اقرار حق الجنسية المزدوجة .
ولا يجوز هنا الالتفات الى تصريحات سياسيين مراهقين في هذا الباب ، و اذا كان السيد (سعد المطلبي) يرفض الاعتذار للكورد الفيليين لاساءته البالغة لهم ، فنحن نقول انه ليس اهلا لثقافة الاعتذار و التراجع عن الخطيئة لان ذلك فضيلة وصفة حضارية لا تتوفر في سياسيي البداوة والتخلف والعنجهية القومية الساذجة . وللمرة الالف نقول للسيد (المطلبي) ولامثاله ان البحر اوسع واعمق من ان يلوث ببقعة زيت واحدة وعريكم مفضوح ولا تخفيه ورقة التوت .


بغداد

6
عذراء سنجار تبقى عذراء رغم خيانة راوي حكايتها 

فوزي الاتروشي
كاتب وشاعر


القصة واقعية بشخوصها وفاعليها ومرتكبي حلقاتها الدموية , ومكان القصة بقعة جغرافية محددة في كوردستان وبالتحديد في سنجار التي تفتخر بجبلها العصي على الخنوع , والضحايا من السبايا الايزيديات ما زلن يلعقن جراحهن لوحدهن تارة في الشتات الاوروبي , او في القرى الايزيدية المدمرة عن بكرة ابيها , او في سجون داعش الذي لم ولن يلد التاريخ ابشع منه واكثر همجية وتوحشاً , فالرواية بغض النظر عن كاتبها وجامع حكايتها اليومية , وبغض النظر عن حبكتها فهي اذ رسمت الصورة برتوش اقتربت من الصورة الحقيقية على الارض و القصد هنا رواية (عذراء سنجار) لكاتبها (وارد بدر السالم) الذي كتب الحكاية ثم تخلى عنها وعن اكبر رموزها وهي (نادية مراد) حاملة لقب سفيرة النوايا الحسنة , والسؤال هل انتحل الكاتب شخصية اخرى ؟ ام تلبس صورة بطل لم يكن اهلاً لها ؟ ام انه مجرد يتخلى عن قناعاته من اجل موقف آني ؟ لا نعرف سره لكنه في كل الاحوال تحول زئبقي سريع غاضب ساذج غير مبدئي بعيد عن صدقية كتاب الروايات العالميين . وقولنا هذا له ما يبرره فـ (نادية مراد) ليست امرأة تبحث عن شهرة ولا هي تمثل دورا ً او تتقمص شخصية ديكورية ممنتجة , انما هي ضحية لجريمة بشعة ورسالتها تمثل معاناتها وجراحاتها وأحزانها الذي لا يمكن تصورها , مثلما هي تمثل احزان الاف النساء والفتيات اللواتي تم اغتصابهن على مرأى ومسمع من انظار العالم . لذا فلقب النوايا الحسنة بحد ذاته يلقي على كاهلها ان تكن ذات نوايا طموحة , وان تكون هذه النوايا حسنة , وحسن النوايا لايكون الا بعرض الرسالة على الجميع دون تحيز لهذا او ذاك , فالهدف ان يستمع اليها العالم بكل اعراقه ودياناته ومذاهبه وبكل مناطقه وقاراته وان تصغي اليها البشرية على اختلاف توجهاتها والوانها واحزابها وافكارها والا سوف تفقد حسن نيتها , لاسيما وانها تمثل واحدة من اعرق الديانات في كوردستان وجوبهت بالكثير من الحقد اللامبرر والمضاعف من فئة تلبست الدين الإسلامي زوراً وبهتاناً , ومن فئة اخرى لم تصطف الى جانب داعش لكنها سكتت او راوحت او تلكأت في التعبير عن الموقف او تواطئت خفية مع الجريمة ولم يكن تضامنها بقدر حجم الجريمة المروعة والسكوت عن الحق خيانة كبرى اياً كانت الذرائع , لذلك نقول شكراً لإقليم كوردستان لأنه ادخل الديانة الازيدية لاول مرة في تاريخ العراق الى المناهج الدراسية وادخلها كمديرية ضمن وزارة الوقاف والشؤون الدينية وهو الحاضن لهذه المأساة والمروج الإعلامي الأكبر على مستوى العالم لحقائق السبايا البريئات , وشكرا لكل صوت عراقي تنبه الى ان ما يرتكب بحق الايزيديين هو ابادة جماعية (جينوسايد) , ولكن الشكر الاعمق للامم المتحدة التي منحت الديانة الايزديه لأول مرة باسم المجتمع الدولي قوة اعتبارية كبرى , وسلطت عليها الاضواء , وابعدت الشبهات عن هذه الديانة التوحيدية . ومنح لقب سفيرة النوايا الحسنة لاكبر واشهر ضحية خرجت من عمق المأساة ومن اسر داعش وهي (نادية مراد) التي بدأ فيضان من الاصوات على مستوى العالم يرشحها لجائزة نوبل للسلام . وتعبيراً عن سلميتها وتسامحها وتصالحها مع الاخرين زارت المراجع الدينية الاسلامية والمسيحية , وأقدمت اخيراً على زيارة المراجع اليهودية وهي ديانة توحيدية كما الاسلام والمسيحية وهذا امر طبيعي جدا بحكم عملها , فـ (نادية مراد) لم تذهب الى اسرائيل لتتآمر على العرب ولا على القدس , ولم تذهب لعقد صفقة تجارية او سياسية , او لتبرير اي موقف من كلا الجانبين الاسرائيلي او الفلسطيني , انما ذهبت الى منابر اجتماعية حقوقية نسوية لطرح قضيتها في دولة هي نفسها نفس الدولة التي تتوجه اليها كل فصائل السلطة الفلسطينية , ونفسها المرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع الاردن ومصر والمغرب , وبعلاقات تجارية مع دول الخليج العربي , وبعلاقات سرية عن طريق طرف ثالث بكل الدول العربية والاسلامية الاخرى ولا نستثني احدا ً . ثمة حقيقة خضراء جلية ان (نادية مراد) انتصرت على جلاديها وعلى قاتليها وعلى قاتلي بني جلدتها بأنها ألهبت الرأي العام والضمير العالمي بقضية كانت خافتة ومغيبة , وهذا الانتصار هو الذي ادخل الرعب في قلب داعش ودق في نعشه اخر مسمار وقلع كل جذوره الفكرية , فكم جميل ان تنتصر الضحية على الجلاد والقتيل على القاتل والسجين على السجان .
اما كاتب روايتها (وارد بدر السالم) في ((عذراء سنجار)) ربما حاول بسوء نية اغتصابها معنوياً مرة أخرى عن طريق براءته من مأساتها دون ان يعلم انها هي التي تتبرأ منه ومن تحولاته الايدولوجية السريعة , وتذبذب مواقفه وتضعه في الظل وتبقى هي تحت ضوء الشمس لانها تبقى كاتبة وساردة لاكبر رواية حقيقة من خلال معايشتها لاحداث الرواية فلا اصدق منها ولا اجمل .
ان هذا الروائي لا يمثل تاريخاً متسلسلاً من الثبات والرسوخ في المواقف وبهذا الموقف اساء لنفسه ولصدقية حكاياته ولنظرة القارئ المستقبلية الى روايته , نقول لـ (وارد بدر السالم) ان الايزيديين والشعب الكوردي بشكل عام اوفى منه للقضية الفلسطينية وقنصلية فلسطين في اربيل تتمتع بأعلى درجات التقدير والحرية , والتزاور بين ساسة الاقليم والسلطة الفلسطينية مستمر , وحل الدولتين هو الذي تتبناه السلطة الفلسطينية , واقليم كوردستان وكل المجتمع البشري بما فيها (نادية مراد) التي صرحت بذلك فأين وجه الغرابة ؟ لاسيما وانها التقت بنساء فلسطينيات ويهوديات واتفقت مع منظمات على مشروع اعتبار تاريخ (3/8) من كل عام يوماً عالمياً لإنعاش هذه المأساة في ضمير العالم وحفره كما الوشم على حجر في الذاكرة الانسانية , كما التقت بطلبة المدارس من الفلسطينيين واليهود ما يعني انها كانت تحمل غصن الزيتون في يدها وليس سكينا ً لطعن اي احد , هل يتذكر (وارد بدر السالم) ما قاله الشاعر الفلسطيني المبدع معين بسيسو :-
(انتصر صلاح الدين فأصبح بطلا عربياً ..  لو انهزم صلاح الدين لكان جاسوساً كوردياً )
والا ما معنى ان ينسى هذا الكاتب ذو التوجه القومي المتقوقع تهافت وتكالب وتزاحم العرب من كل حدب وصوب لزيارة اسرائيل في حين يستكثر ذلك على ضحية لا هدف لها سوى عرض مأساتها على القاصي والداني .
ختاما ً نقول خسر (وارد بدر السالم) نفسه قبل الاخرين اما الكورد الايزيديون وكلهم شرفاء , وانصار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في العالم وكلهم شرفاء هم مع الضحايا الايزيديات البريئات, ومع حرمة معبد لالش الراقد قرب النبع الابيض مثل بياض وطهر ونقاء ثياب الايزيديات الجميلات , ولا بحر يتلوث ببقعة زيت صغيرة .



                                                                بغداد -   

7
عذراء سنجار تبقى عذراء رغم خيانة راوي حكايتها 

فوزي الاتروشي
كاتب وشاعر

القصة واقعية بشخوصها وفاعليها ومرتكبي حلقاتها الدموية , ومكان القصة بقعة جغرافية محددة في كوردستان وبالتحديد في سنجار التي تفتخر بجبلها العصي على الخنوع , والضحايا من السبايا الايزيديات ما زلن يلعقن جراحهن لوحدهن تارة في الشتات الاوروبي , او في القرى الايزيدية المدمرة عن بكرة ابيها , او في سجون داعش الذي لم ولن يلد التاريخ ابشع منه واكثر همجية وتوحشاً , فالرواية بغض النظر عن كاتبها وجامع حكايتها اليومية , وبغض النظر عن حبكتها فهي اذ رسمت الصورة برتوش اقتربت من الصورة الحقيقية على الارض و القصد هنا رواية (عذراء سنجار) لكاتبها (وارد بدر السالم) الذي كتب الحكاية ثم تخلى عنها وعن اكبر رموزها وهي (نادية مراد) حاملة لقب سفيرة النوايا الحسنة , والسؤال هل انتحل الكاتب شخصية اخرى ؟ ام تلبس صورة بطل لم يكن اهلاً لها ؟ ام انه مجرد يتخلى عن قناعاته من اجل موقف آني ؟ لا نعرف سره لكنه في كل الاحوال تحول زئبقي سريع غاضب ساذج غير مبدئي بعيد عن صدقية كتاب الروايات العالميين . وقولنا هذا له ما يبرره فـ (نادية مراد) ليست امرأة تبحث عن شهرة ولا هي تمثل دورا ً او تتقمص شخصية ديكورية ممنتجة , انما هي ضحية لجريمة بشعة ورسالتها تمثل معاناتها وجراحاتها وأحزانها الذي لا يمكن تصورها , مثلما هي تمثل احزان الاف النساء والفتيات اللواتي تم اغتصابهن على مرأى ومسمع من انظار العالم . لذا فلقب النوايا الحسنة بحد ذاته يلقي على كاهلها ان تكن ذات نوايا طموحة , وان تكون هذه النوايا حسنة , وحسن النوايا لايكون الا بعرض الرسالة على الجميع دون تحيز لهذا او ذاك , فالهدف ان يستمع اليها العالم بكل اعراقه ودياناته ومذاهبه وبكل مناطقه وقاراته وان تصغي اليها البشرية على اختلاف توجهاتها والوانها واحزابها وافكارها والا سوف تفقد حسن نيتها , لاسيما وانها تمثل واحدة من اعرق الديانات في كوردستان وجوبهت بالكثير من الحقد اللامبرر والمضاعف من فئة تلبست الدين الإسلامي زوراً وبهتاناً , ومن فئة اخرى لم تصطف الى جانب داعش لكنها سكتت او راوحت او تلكأت في التعبير عن الموقف او تواطئت خفية مع الجريمة ولم يكن تضامنها بقدر حجم الجريمة المروعة والسكوت عن الحق خيانة كبرى اياً كانت الذرائع , لذلك نقول شكراً لإقليم كوردستان لأنه ادخل الديانة الازيدية لاول مرة في تاريخ العراق الى المناهج الدراسية وادخلها كمديرية ضمن وزارة الوقاف والشؤون الدينية وهو الحاضن لهذه المأساة والمروج الإعلامي الأكبر على مستوى العالم لحقائق السبايا البريئات , وشكرا لكل صوت عراقي تنبه الى ان ما يرتكب بحق الايزيديين هو ابادة جماعية (جينوسايد) , ولكن الشكر الاعمق للامم المتحدة التي منحت الديانة الايزديه لأول مرة باسم المجتمع الدولي قوة اعتبارية كبرى , وسلطت عليها الاضواء , وابعدت الشبهات عن هذه الديانة التوحيدية . ومنح لقب سفيرة النوايا الحسنة لاكبر واشهر ضحية خرجت من عمق المأساة ومن اسر داعش وهي (نادية مراد) التي بدأ فيضان من الاصوات على مستوى العالم يرشحها لجائزة نوبل للسلام . وتعبيراً عن سلميتها وتسامحها وتصالحها مع الاخرين زارت المراجع الدينية الاسلامية والمسيحية , وأقدمت اخيراً على زيارة المراجع اليهودية وهي ديانة توحيدية كما الاسلام والمسيحية وهذا امر طبيعي جدا بحكم عملها , فـ (نادية مراد) لم تذهب الى اسرائيل لتتآمر على العرب ولا على القدس , ولم تذهب لعقد صفقة تجارية او سياسية , او لتبرير اي موقف من كلا الجانبين الاسرائيلي او الفلسطيني , انما ذهبت الى منابر اجتماعية حقوقية نسوية لطرح قضيتها في دولة هي نفسها نفس الدولة التي تتوجه اليها كل فصائل السلطة الفلسطينية , ونفسها المرتبطة بعلاقات دبلوماسية مع الاردن ومصر والمغرب , وبعلاقات تجارية مع دول الخليج العربي , وبعلاقات سرية عن طريق طرف ثالث بكل الدول العربية والاسلامية الاخرى ولا نستثني احدا ً . ثمة حقيقة خضراء جلية ان (نادية مراد) انتصرت على جلاديها وعلى قاتليها وعلى قاتلي بني جلدتها بأنها ألهبت الرأي العام والضمير العالمي بقضية كانت خافتة ومغيبة , وهذا الانتصار هو الذي ادخل الرعب في قلب داعش ودق في نعشه اخر مسمار وقلع كل جذوره الفكرية , فكم جميل ان تنتصر الضحية على الجلاد والقتيل على القاتل والسجين على السجان .
اما كاتب روايتها (وارد بدر السالم) في ((عذراء سنجار)) ربما حاول بسوء نية اغتصابها معنوياً مرة أخرى عن طريق براءته من مأساتها دون ان يعلم انها هي التي تتبرأ منه ومن تحولاته الايدولوجية السريعة , وتذبذب مواقفه وتضعه في الظل وتبقى هي تحت ضوء الشمس لانها تبقى كاتبة وساردة لاكبر رواية حقيقة من خلال معايشتها لاحداث الرواية فلا اصدق منها ولا اجمل .
ان هذا الروائي لا يمثل تاريخاً متسلسلاً من الثبات والرسوخ في المواقف وبهذا الموقف اساء لنفسه ولصدقية حكاياته ولنظرة القارئ المستقبلية الى روايته , نقول لـ (وارد بدر السالم) ان الايزيديين والشعب الكوردي بشكل عام اوفى منه للقضية الفلسطينية وقنصلية فلسطين في اربيل تتمتع بأعلى درجات التقدير والحرية , والتزاور بين ساسة الاقليم والسلطة الفلسطينية مستمر , وحل الدولتين هو الذي تتبناه السلطة الفلسطينية , واقليم كوردستان وكل المجتمع البشري بما فيها (نادية مراد) التي صرحت بذلك فأين وجه الغرابة ؟ لاسيما وانها التقت بنساء فلسطينيات ويهوديات واتفقت مع منظمات على مشروع اعتبار تاريخ (3/8) من كل عام يوماً عالمياً لإنعاش هذه المأساة في ضمير العالم وحفره كما الوشم على حجر في الذاكرة الانسانية , كما التقت بطلبة المدارس من الفلسطينيين واليهود ما يعني انها كانت تحمل غصن الزيتون في يدها وليس سكينا ً لطعن اي احد , هل يتذكر (وارد بدر السالم) ما قاله الشاعر الفلسطيني المبدع معين بسيسو :-
(انتصر صلاح الدين فأصبح بطلا عربياً ..  لو انهزم صلاح الدين لكان جاسوساً كوردياً )
والا ما معنى ان ينسى هذا الكاتب ذو التوجه القومي المتقوقع تهافت وتكالب وتزاحم العرب من كل حدب وصوب لزيارة اسرائيل في حين يستكثر ذلك على ضحية لا هدف لها سوى عرض مأساتها على القاصي والداني .
ختاما ً نقول خسر (وارد بدر السالم) نفسه قبل الاخرين اما الكورد الايزيديون وكلهم شرفاء , وانصار الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان في العالم وكلهم شرفاء هم مع الضحايا الايزيديات البريئات, ومع حرمة معبد لالش الراقد قرب النبع الابيض مثل بياض وطهر ونقاء ثياب الايزيديات الجميلات , ولا بحر يتلوث ببقعة زيت صغيرة .



                                                                بغداد -   27/7/2017

8
أحبك سيدتي الجميلة .. وما العيب؟

فوزي الاتروشي
كاتب وشاعر
ثمة نداء موحد لمنابر التحريض وفقهاء الجهل والتلقين والوعظ،يصر على تجفيف عواطفنا وتخشيب عقولنا وتحنيط بقية احاسيس الحب فينا ،وترييف مدننا وشوارعنا وازقتنا وبيوتنا.
انه خطاب علاه الغبار ،وتآكل من كثرة الترداد والاحتواء ،مؤداه :جعلنا كائنات معدنية ،مثل اعمدة حديدية صم ،تمشي على قدمين من اسلاك صدئة .هم يرون التاريخ البشري كله   بكائيات ومراثٍ ومجالس عزاء ومواكب ترجم الفرح وتعبد الدموع،حتى لوكانت دموع تماسيح. الفرح عندهم حرام ،والانثى رجزاً لايجوز التقرب منها او النطق بأسمها ناهيك عن التغزل بها.
وفي مفارقة اشد من مرارة الحنظل ،يجهلون ان الفرح بكل مخزونه الشعري والادبي والفني والتعبيري والتشكيلي ،يمثل الغالب المطلق لتراث البشرية على مدى قرون سحيقة في القدم وحتى الان. اما البكائيات والفواتح والمآتم والتعازي وما الى ذلك من مظاهر وشعائر ومناسبات ومناسك،فلا تكاد توجد الا كخيط رفيع في ثنايا السِفر البشري التراثي الضخم . يركز الخطاب على ان تكره المرأة لانها ناقصة العقل ،متناسين انها مصدر الحياة،ونقص عقلها يعني ان كل الرجال ناقصون …لانهم ولدوا من ناقصات العقل ويصرون انها بشعرها ووجهها وجسدها عورة ،لايجوز النظر لها او مصافحتها اومحادثتها او التواصل معها،متناسين انها الام والاخت والزوجة والبنت والحبيبة والصديقة الزميلة والعاملة والشاعرة والكاتبة والعالمة والطبيبة والممرضة والمعلمة المربية فكيف نحجم من قدرها وهي مزروعةٌ فينا في كل الامكنة والازمنة ويضربون الحجاب والنقاب فرضاً عليها ،واذ تتحدث كتب الدين والنصوص الالهية لكل الاديان ،لانجد اثراً لذلك ،الا في عقل مرضى الدين وليس علماؤه،فالحجاب عادةٌ فرضها مناخ وطقوس شعوب محددة بذاتها مكانياً جزيرة العرب ولا وجود له كطقس او عادة عالمية  والدليل التنوع الهائل في ثياب وازياء الشعوب الاسلامية ..كلٌ يستجيب لطبيعة مناخه لذلك لايكاد احدها يشبه الاخر . اما اللباس الشرعي والديني فهما من بدع الفقهاء المناوئين في لحظة انتقال رديئة من دين العقل الى دين النقل الذي مازال يطوقنا بأسلاكه الشائكة الذي يمنع الدين من التحول الى حضارة الروح.
وجهاً لوجه نقول للمتربصين بالمرأة وفي مقدمتهم اساطيل دين الفقهاء المناهض لدين الله :-إن المرأة رمز الالهة على مدى الاف السنين قبل ظهور الديانات التوحيدية..رمز خصب وجمال وسلام ،وهي التي الهمتنا اول قصيدة شعر واول لوحة فنية واول رقصة واول اغنية واسمى قصة حب كان من تداعياتها خلق البشرية..بل اول قصيدة كتبتها شاعرة رافدينية (انخيدوانا).
المرأة ايقونة الفرح والحزن معاً على الاطلاق ،وثمة استحالة ان يصرف الرجل اموره من دون مشاركة المرأة ولا اريد ان اطيل هنا لان المقال لا يريد ان يخرج من اطار الايجاز الى الانسياب المسترسل .
بأختصار ان من حول شوارعنا الى رتابة وكآبة وصور لرجال همهم الدعاية وتقديس الذات ،ومن حول نهارات بغداد ومدن العراق الاخرى الى جنائز وموسيقى تراجيدية ،لاتنتهي عنها وعن ليالينا سمفونية الحب واللذة والمتعة ،نقول على هؤلاء ان يعوا انهم يزرعون اسس داعش اخر اكثر بشاعة وهمجية وفظاعة ،فلا حفلٌ قبيح من دون فكر قبيح.
ان الاضاءة الاولى في حياتنا رفع الحيف عن النساء وتأكيد انسانيتهن ومساواتهن وانوثتهن ..مقابل رجولة الذكر فالفحولة خواء وهراء من دون تعشيق  مع الانوثة ..مثلما الانوثة سراب مالم تتماه مع الرجل في ملحمة بناء الحياة المتفائلة .
لذلك نقول بصوت جوهري عالي النبرة :نعم نحب المرأة لكي نعيش ونحيا ونكتب وننجز ونكمل المسيرة ونلتحق بركب التقدم الذي لم يضم الاساقين قويتين متساويتين هما الرجل والمرأة .
كيف لنا ان لانحب ونحن نعلم ان الشعر يحتفي بالمرأة والفن يتوهج بها والالهام يتألق بمتعة الحياة التي تنطفئ وتفقد جذوتها ويخبو نسغها الصاعد والنازل .
وبالارقام نقول داحضين حجة المؤلبين على غسل العار ان خلف كل امرأة مخطئة ثمة مئات من الرجال الخطائين .
ومع كل امرأة عاهر رجالٌ قوادون..هم وصمة عار على جبين الايمان الديني والولاء الوطني والالتزام الاجتماعي فمن يغسل عارهم وقذارتهم ..مقابل كل حالة زنا لامرأة الاف من الزناة الذين يمارسون شنائعهم على مرأى ومسمع الدين والقانون والمجتمع متباهين برجولةً جوفاء ماعدا زواجات سلفية وسرية شتى تمت تحت مسميات ابتكرها ادعياء الدين ..فقهاء البدع خالقين مجتمعا غير متوازن يرى المرأة والرجل على سرير واحد فتسقط المرأة ويبقى الرجل كما عبر الشاعر الكبير نزار قباني رحمه الله:-“نعم احبك سيدتي الجميلة ..وما العيب ان نحب فيكِ الابداع والاناقة والضوء واللون والابتكار في المظهر والمأكل والملبس وصناعة الفرح في مجتمع يكاد المتلبسون بالدين ان يحولوا كل نسائه الى مسترجلات متلفعات بعباءات سود متنكرين لقدرة الله في خلق الالوان والنور والبهجة ..نعم نحبك تحقيقاً لارادة الله سبحانه وتعالى لان كرهنا لك  يعني الحرب وعذاب الارض والحال..ان مهمة الانثى والذكر ان يتماهيا لتبقى الارض عامرة بالانسان “.
الدين حب وجمال وحق وعدل وخير لذا احبك سيدتي الجميلة ايتها المرأة التي تبني الوطن معي ومن دونك يصبح الوطن بقعة صماء على خارطة الوطن.



9
فوزي الاتروشي يهنئ المسيحيين بعيد القيامة

بعث وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي يوم الأحد٥/٤/٢٠١٥ برقية تهنئة معطرة الى المسيحيين في العراق بمناسبة عيد القيامة المجيد متمنياً لهم السعادة والسلام وعودة النازحين الى مناطقهم وحياتهم الطبيعية ، مؤكداً ان المجتمع العراقي لايرتقي ولا يبنى الا على أساس التعددية بكل مكوناته واطيافه من العرب والكورد والتركمان والصابئة والمسيحيين والأيزيديين وان زمن الهوية الموحدة قد ولى الى غير رجعة ، كما ودعا في برقية التهنئة هذه المسيحيين في العراق لتقديم مطالبهم ونيل حقوقهم في العيش بكرامة وأمان سواء في اقليم كوردستان ام في عموم القطر دون التفكير في الهجرة لانهم بناة الوطن الأصليون .


شعبة العلاقات والاعلام
في مكتب السيد فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
مدير عام دار الثقافة والنشر الكوردية وكالة
٥/٤/٢٠١٥

10
المفكر د. عبد الجبار الرفاعي .. قلم نابض بالحياة
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
هو صوت جريء في زمن الخنوع , وفكر نير في وقت باتت عتمة الافكار تكاد تخنقنا , يفكر بصوت عال ولا يخاف في الحق لومة لائم , يخوض في الماضي لا ليستكين فيه , بل اللاستعانة بمحطاته المضيئة التي تتناغم مع الحاضر وتبشر بالمستقبل .
انه د. عبد الجبار الرفاعي المفكر والكاتب صاحب مجلة (( قضايا اسلامية معاصرة)) والعديد من المؤلفات النابضة بالحياة , ميزته انه احد القلائل الذينيغردون خارج سرب المألوف من الافكار التي اكل منها الدهر وشرب حتى باتت رداءا رثاً مهلهلا ومتهرئا, ورغم ذلك مازال البعض يعتصم بها ليلوي عنق الحقيقة .
اسفي انني التقيته متأخرا فاكتشفت فيه العالم المتعفف عن كل شيء إلا عن الاستزادة من الزاد الفكري والعلمي , والفكر المتواضع الذي لا يقبل الكف عن التبحر في القراءة بفهم ليصل الى ما يعينه على اشعال قناديل ضوء في حياتنا التي افترسها التشدد الديني والشحن الطائفي واستنساخ الماضي بكل رداءتهوقبحه لتطبيقه على واقع ومتغيرات القرن الحادي والعشرين .
ان د. عبد الجبار الرفاعي اذ يسير وحيداً في شارع المتنبي قلب الثقافة النابضة في بغداد ويلتقي المبدعين هنا وهناك يستطلع واقعاً لا نحسد عليه , فكم الاراء والأفكار والكتب والمخطوطات التي يراد منها باسم الدين ان تكبل حياتنا وعملنا وعقلنا وعواطفنا هو كالفيضان المدمر في زمن اصبح العامة تتقبلها دون سؤال او محاولة اكتشاف اسرار وحقائق ما يطرح عليهم في المنابر وخطب الجمعة ومن نصوص ومواثيق بعض الاحزاب السياسية التي ترتكز لفهم جامد وساكن للدين .
اننا بأمس الحاجة لفك الارتباط و الاشتباك بين الدين والدولة وبين الدين كمطلقات ازلية والسياسة كمتغيرات يومية كل شيء فيها نسبي يتغير حسب الزمان والمكان والظروف وتغيرات الاشخاص والأحوال والحقب والضرورات العصرية والمصالح المرسلة .
ونحن ايضا بأمس الحاجة الى التمييز بين الفهم السطحي للدين كطقوس ورموز وشكليات وبين الفهم المعاصر الحقيقي للدين الاسلامي وكل الاديان التي جاءت اساساً لصلاح الناس .
ان هذا الخلط بين المفاهيم وبين الدين والدولة جعل كليهما يخسران , والفصل بينهما يجعل كليهما يكسبان ويتضافران كل من موقعه لبناء مجتمع آمن ومسالم ,اقول هذا لان صوت د. عبد الجبار الرفاعي هو بالضبط ضمن هذه الاصوات المتعلقة لإنقاذ الدين الحقيقي ببعده الانساني المرن المتصالح والمتعافى والمنسجم بكلياته مع العصر مع اختلاف في الجزئيات التي يتولاها البشر تطبيقا للأيهالكريمة ( لكل جعلنا شرعاً ومنهاجاً ) و د. عبد الجبار الرفاعي ينتمي الى سلسلة من المتنورين والمجددين طوال التاريخ الاسلامي والذين اما اضطهدوا او سجنوا او تمت تصفيتهم ببشاعة وأحرقت كتبهم كما حصل لإخوان الصفا ولفكر المعتزلة والحلاج وابن رشد وآخرين تطول قوائم اسماؤهم وعلى من يرغب التعمق في ذلك عليه قراءة كتاب ( تاريخ العنف الدموي في العراق ) للمفكر باقر ياسين .
وإذ بقيت هذه البؤر المشعة في تاريخنا ضئيلة ألتأثير فلأن التاريخ يكتبه المنتصر و تعني هنا السلطان والحاكم اياً كانت التسميات والألقاب , وهكذا نجد في الكتب المدرسية ان التاريخ حكايات وروايات لبطولات زائفة دموية في حين لا يشار للمحطات المضيئة إلا عرضاً .
وفي العصر الحديث استمر هذا الضوء في الشيوع دون ان يكون حاكماً على يد جمال الدين الافغاني ومحمد عبده وقاسم امين وطه حسين ونجيب محفوظ وآخرينكثيرين مثل عالم الاجتماع الكبير د. علي الوردي الذي صودرت كتبه وحجبت كل حقوقه ولكن اسمه بقي مرموقاً في العالم وممنوعاً كالعادة في بلده على يد النظام الدكتاتوري السابق , ومحمد عابد الجابري ومحمد ارغون واحمد القبانجي.
واذ نورد هذه الاسماء في حزمة واحدة لا يعني انها تلتقي الى حد التطابق فالاختلاف في التفاصيل وطريقة البحث والمنهج العلمي المتبع واضح , ولكن الثابت انها تلتقي على ضفة التنوير والتجديد ولا تقف عند حدود القرن السادس الميلادي, هذا الوقوف والجمود الذي يسميه عالم الفلسفة الايراني الشهير الشبستري بأنه يعني الانتحار والاضمحلال .
ان د. عبد الجبار الرفاعي معني كما محمد ارغون بأنسنة الخطاب الديني ومهتم كما محمد عابد الجابري بنقد العقل العربي , وينشد كما علي الوردي انقاذ الدين السمح والنقي والمتسامح والطوعي من تأويلات وتفسيرات نزعوية يقدسها بعض ادعياء الدين من وعاظ السلاطين في كل زمان ومكان . شكرا للصديق د. عبد الجبار الرفاعي ولا اقول سوى ما قلت له دائما ان اكتب وصمم على التفكير بصوت عال فسوف تنعش مع مرور الزمن حتماً الحياة فيمن تنادي .
27/12/2014

11

فائق بيكه س شاعر الحرية .. شاعر المقاومة الكوردية
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
قال عنه الجواهري في قصيدة رثاء رائعة " انت الجميع وانت الاحد " في اشارة الى الشاعر الكوردي الوطني البارز (فائق بيكه س ) وبيكه س تعني باللغة الكوردية الاحد او الغريب.
هذا الشاعر الذي ولد عام 1905 وعمل في سلك التعليم وتوفي عام 1948، انه ابن السليمانية البار الذي انشغل بالقراءة وكتابة الشعر منذ نعومة اظفاره وحوًل الشعر الى اداة مقاومة وركيزة انطلاق، فكتب يذكر الانكليز بطموح الشعب الكوردي وناجى القمر في قصيدة ( ايها القمر) مشبها وصفه بها، فهي السائحة في الفضاء وهو المشرد النازح المتنقل بين المدن ، في اشارة الى امر نقله الى جنوب العراق حيث كتب هناك واحدة من قصائده الشهيرة باللغتين العربية والكوردية.
شكل (فائق بيكه س) مع الشاعر الكبير (بيره ميرد) نهضة في الوعي التنويري والسياسي في مدينة السليمانية فجعلا من الشعر غذاءاً روحيا وشعبيا تداوله ، وما زال المواطنون الكورد يتداولونه حيثما حلوا.
ولا تنحصر فضيلة (فائق بيكه س) في انه ظل عمودا اساسيا وشعريا مضيئا الى اخر رمق من حياته ، وانما جعل ابنه ( شيركو بيكه س) يكمل ذات المسيرة ليصبح احد اكبر شعراء كوردستان وحصل على جوائز دولية عديدة وكتب بنفس نبرة الوالد وتجاوزه في النهوض بالشعر الكوردي الحديث.
لم يكن الشاعر (بيكه س) منطويا على ذاته رغم اصابته بداء الجدري في الثالثة من عمره مما سبب له ضعفا في البصر ، بل اختلط بالناس وعايش همومهم ومعاناتهم وكتب في الصحف التي صدرت حينذاك ومنها (زيانه وه – الانبعاث) و (زاري كرمانجي اللهجة الكرمانجية) و (يادكاري الاوان – ذكريات الشباب) وكتبت عنه اغلب المجلات والصحف ومارس على الدوام الادب والسياسة والكفاح من اجل وطنه كوردستان والعراق، انتمى الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني في كوردستان ايران الذي اسس جمهورية (مهاباد) عام 1946 وانتمى بعدها الى الحزب الديمقراطي الكوردستاني في العراق بقيادة الراحل مصطفى البارزاني وظل على الدوام يؤكد في اشعاره على الاخوة الكوردية – العربية فقال في احدى قصائده:
الصداقة الكوردية العربية قديمة
والتاريخ شاهد عليها
فليمت الاعداء والحاقدون

ولأن شاعرنا كان تواقا دائما للحرية والانعتاق ومشاركا في تظاهرات ووثبات الشعب العراقي فانه كان على الدوام ملاحقا من السلطات وقد صدرت آخر مذكرة توقيف بحقه عام 1948 بعد ثلاثة اشهر من وفاته ، فالشاعر بيكه س كان احد منفذي انتفاضة اهالي السليمانية في 6 أيلول 1930 حيث اصيب ودخل السجن لفترة ولما افرج عنه ابعد بعد حين الى مدينة الحلة عام 1937.
ومن قصائده الشهيرة قصيدة كتبها بعد اعدام الضباط الكورد الاربعة عزة عبد العزيز ومصطفى خوشناو وخير الله عبد الكريم ومحمد قدسي في 19 حزيران عام 1947 القاها في استقبال جنازة شهيدين من الضباط الاربعة عند مدخل السليمانية حيث يقول :
انها امة شجاعة وحتما ستعيش حرة كريمة
فاذ يتقدم الشباب في طريق الاسقلال
مبتسمين نحو اعواد المشانق
فهذه الامة خالدة ولن تموت.

واطلق الشاعر جملته الشهيرة جدا بين الكورد عام 1948 في قصيدة (شجرة الحرية- دارى ئازادى) حيث يقول :
لن تثمر شجرة الحرية اذا لم تسق بالدماء
والاستقلال يظل بعيد المنال دون تضحية وفداء

ان (فائق بيكه س ) شاعر كوردي بقي واقفا ورحل واقفا ومشتعلا في الذاكرة الكوردستانية والانسانية حتى بعد مرور (65) عاما على وفاته .
9/2/2015


12
عيد المرأة .. عيد العالم

فوزي الأتروشي
وكيل وزارة الثقافة
لماذا نحتفل بعيد المرأة، بل أصلاً لماذا نخصص لها يوماً في كل عام دون الرجل ؟ السبب أجتماعي سياسي تاريخي نفسي تنموي فالمرأة في القيم الأزلية ومنظمة حقوق الأنسان الكونية وفي الأحكام الألهية وأصول لكل الأديان، أنسان كامل الأنسانية لا تقل عن الرجل قيد شعرة في كل مجالات العمل والحياة والأنتاج.
ولكن الرجل لجأ منذ أقدم الأزمان الى التسويف والتهميش والاقصاءوالانتقاص من قيمة المرأة ليثبت أحقيته وغلبته وسيطرته على القرار في البيت والمؤسسة والحقل وترك لها مساحة ضيقة في المنزل وفي المطبخ لتكون ذليلة خنوعة وخاضعة. والرجل في كل ذلك حمل معول التدمير لتفسير الأفكار والعقائد والنصوص الالهية والدقيقة لمصلحتة الأنانية ولاعطاء تفسير رجولي ذكوري أحادي الجانب لكل مراحل تطور المجتمعات.
لقد حرص الرجال عبر التاريخ أن يكونوا هم الحاكمون وأولي الأمر والمفسرون للأفكار والنصوص بشكل منحاز لذلك حدث أختلال رهيب في ميزان القوى بين الرجل والمرأة، فقد فرض الرجال التموضعات الأجتماعية على المرأة بناء على منطق القوة وليس قوة المنطق. فقد كرسوا العلوم ومنها علم البايولوجي لصالح فكرة الضعف الجسدي المزعوم للمرأة وعدم قدرتها على تحمل المشاق او القيام بذات الاعمال التي ينهض بها الرجال.
وفعلت هذه الافكار المتهرئة فعلتها التراكمية القبيحة التي ادت الىزرع مشاعر اليأس في المرأة وجعلها تنصاع عن قناعة زائفة الى مفهوم نقص حقوقها بحكم كونها أمرأة تختلف عن الرجل، وكان لهذا الأمر تداعياته على مشاركات المرأة في كل حقول المعرفة والفن والأدب والأنتاج والسياسة والقرار والسلطة في مجتمعاتنا ذات الذكورية الفاقعة.
لكن بزوغ نجم علم (ألجندر– النوع الأجتماعي) وأستناده الكلي الى التراكم المعرفي في شتى صنوف العلوم الصرفة والأنسانية وتعويلهعلى قاعدة بيانات وأحصاءات ومعطيات ومقدمات صحيحة قادت العالم الى نتائج صحيحة والى أكبر أنقلاب أنعطافي في الأفكار في القرن الماضي ليتم التوصل الى حقيقة زكتها الحياة والتاريخ وستبقى هكذا في الحاضر والمستقبل، وهي ببساطة أن المرأة والرجل متساويان مساواة مطلقة في القدرات العقلية والعضلية ومسلسل الأمثلة في هذا المضمار سيطول على مستوى العالم.
أن المرأة العراقية في اليوم العالمي للمرأة تطالب بألحاح أن تصان كرامتها في أوقات السلم والحرب وأن تُقبر أخيراً كل الأفكار الماضوية المكبلة لانطلاقها مع الرجل في بناء الحضارة.

13
الشـــــــــــاعرة أفين شكاكي
تهطل مـــــــطرا ً في "قوافل المـــــــــطر"


فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


من بلدة (ديرك) الواقعة على خط التماس بين كوردستان العراق وكوردستان الغربية تتلمس الشاعرة الكوردية أفين شكاكي خيوط قصائدها لتنسجها عشقا ً وشوقا ًوحنينا ًوحزمة احلام .... وهي احلام ربما قريبة المنال في ظل مايجري في بلدها سوريا من ثورة على نظام مازال يرفض تنفس هواء العصر .
في (قوافل المطر) وهو ديوانها الواقع في (61) صفحة الصادر عام 2006 تفتح الشاعرة خزانة اوجاعها واشواقها بالمطر وبعينين وجدت الشاعرة انهما موضع ميلادها فمجرد الوقوف امامهما تراتيل عبادة .
تقول الشـــــاعرة :-
عيناك مطر ٌ غامض
العيش فيهما ولادة
الوقوف امامهما تراتيل حب وعبادة ...
اعذرني ان نصبت امامها خياما ً
لابتساماتي....
لانها منذ زمن في تشرد .. في ضياع وابادة .
وفي كل القصائد تسترسل الشاعرة في فتح الثنايا والتفاصيل ولمرضها على القراء بلغة تحتفظ بأناقة .
التعبير وعدم الغلو في التعقيد والابهام كما يقول الكاتب عماد الحسن في مقدمة الديوان ان " رغم ان الشاعرة مغرمة بمحاكاة قصيدة النثر فالمغامرة لاتستدرجها في ان تجازف باللغة الى مكنونات معتمة ... انها تقترب في الجانب الاهم الى الشفافية والوضوح بعكس الابهام والتعقيد .
أن الديوان يمثل سياحة وجدانية لقلب مزود بكاميرا ذكية تلتقط دون رتوش لحظات الحب والفراق والوصال والتمني وكل تفاصبل الحياة اليومية بلغة مختصرة ومكثفة تختزل المعاني دون اطناب اوحواشي زائدة .
فألشاعرة مغرمة بأقفال القصيدة بطريقة مفاجئة مثيرة تتجاوز المألوف والعادي .
واللافت انها تمارس الحب على الهواء الطلق دون اقنعة زائفة او بوجه منقب او محجب ففعل الحب ازكى فعل اقدم عليه الانسان منذولد عنده توق التحرك نحو الاخر .
ولولا الحب لكانت الطبيعة فقدت توازنها وتصحرت وتجففت منذ الاف القرون , فهو الفعل الذي لايقتصر على الانسان وانما يشمل الحيوان والنبات ايضا ًوكل كائن حي مهيأ بممارسته بطريقته الخاصة .لذلك فكل الحجج والذرائع التي تساق لتحريمه هي طرق على حديد بارد وهكذا نرى الشاعر في قصيدة (( عيد الحب )) تتحدى الرصاصات التي افرغت على قصيدتها التي حاولت اغتيالها بعد ان شاركت في عيد الحب , ولكن هيهات فمسرح الجريمة سرعان ماتحول الى حديقة ومزارا ً للعشاق ، لان من يحاول قتل الحب انما يمارس لاسمح الله فعل الشروع في قتل الله فينا.
وهذا هو ما يمارسهه بعض رجال الدين القادمين من دهاليز العتمة والظلام لغرض سطوتهم على انفاسنا واحلامنا ومسامات جلدنا ودقات قلوبنا وشوق انتظار الحب في عيوننا.
فما اجمل الشاعرة وهي ترفع اصابع الاحتجاج :-
في طريق عودتها
من عيد الحب
افرغوا الرصاص في قلب قصيدتي
فتمزقت حروفها ....نقاطها وفواصلها
الورود الحمراء سقطت من يديها
والاشياء الجميلة تهاوت
الا ان عنوان قصيدتي كان:
احبك....؟
تحول المكان الى حديقة
ينتابها العشاق
وآلت الحادثة الى مجهول
ولنا ان نقول _والحق يقال_ان الشاعرة في كل لقاءاتي بها عبرت بحرارة عن جرأتها هذه دون خوف او وجل ، ولعل نزوحها الحالي الى كوردستان العراق وتركها لحاضنة ذكرياتها وحافظة افراحها وجراحاتها بلدة (ديرك) هو الاخر فعل احتجاج على كل الحقد والكره الذي يشيعه النظام السوري هناك، فحملت قلبها ودفاتر اشعارها وذاكرتها المخزونة بمنابت احلامها الى ارص اخرى تمارس فيها حريتها اللامحدودة للحب والوطن .
تشبثت الشاعرة في اكثر من قصيدة بالمطر عنوانا للامل وربما ايضا لبشائر الحب والخصب والفرح الذي تاتي زخاته وقطراته التي تتوزع على ارض يستحيل عليها ان تعيش بلا مطر لانها بلاد النرجس تلك الزهرة التي تعلن ربيع كوردستان ونوروزها وعلاقة فتياتها المتجددة بلقاءات الحب وصباحات الندى والنهارات العامرة بالموسيقى والدبكة الكوردية .
وفي جانب
اخر تمارس الشاعرة مغامرة القصيدة البوسترية او القصيدة القصيرة جدا ذات الوقع السريع الذي يخطف البصر ويشدالقلب ويخلق حالة توتر ساخنة في العواطف ويغادر لنتحسس اثارها بعد المغادرة وماتركته من جمر ولهيب وحريق متواصل .
أنها القصيدة المقطعية الصغيرة جدا بحجمها وكلماتهاوالكبيرة جدا ً
بوقعها وتأثيرها وتداعياتها ومارسها بنجاح عدد من كبار الشعراء مثل نزار قباني وشيركو بيكه س واخرون في قصائد تحمل طابع الرعد والبرق والمطرالمفاجئ والقوي .
اقرأ معي :-
انا لا اكتبك...
لكنني اقرؤك في شراييني
لا افكر فيك ..
لكنني اخبيء وجهك بين قصائدي....
وكلما اودعك....
انسى اصابعي بين يديك ...
وأقرأوا ايضا ً
حنينك يشطر جرحي نصفين....
نصف يطيب
ونصف يهيم شوقا ً اليك.
ثم تضعنا الشاعرة في قصيدة ( لو ) امام احتمالات وتوقعات تتمنى ان تتحقق في حياتها المتوزعة مابين انتظار وموعد ليحين واخر قد لايحين ابدا ً :
لو زرتك طيفا ً في المساء ...
اتراك تغلق ابواب عينيك ؟
لو سكنتك كالمدينة
اتراك تمنحني اللجوء ؟
لو اتيتك عاشقة
اتمنحني حنين الياسمين ؟ .
بعد كل هذا هل نقول ان الشعر بحاجة الى اكثر من نظرة وهمسة ولمسة وابتسامة ليولد مانسميه بالحب من اول نظرة , وهل نلوم الشعر نفسه وهو الحبل السري الذي ينمو مع الجنين ناقلا ً منه واليه نسغ الحياة , ام نلوم بعض الشعراء الذي امتهنوا التعقيد ونقلوا عقدهم النفسية الى شعرهم ثم زعموا ان الشعر في ازمة والصحيح انهم انفسهم في ازمة , وديوان افين شكاكي ببساطته وقوته واناقته وكثافته ومايحمله من مكنون خاطف صاعق ومبهر دليل ان الشعر
الناضج هو الاقل قولا ً والاكثر فعلا ً ,ً وان الشعر ابعد مايكون عن الشرح والاستصراد والتفصيل , فهو اعلان جميل وشفاف يترك اثرا ً بعد عين . شكرا ً افين شكاكي على كل هذا الجمال في قوافل المطر التي نشعر بها تنهمر على جبال وسهول كوردستان ونحن نقرأ
ديوانك .... وللقاريء العربي نقول ان كلمة (أفين ) اصلا ً
تعني باللغة الكوردية العشق .
22/1/2015

14
رحيل الكاتب الكوردي العالمي يشار كمال ...
صعود الى القمة
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

خطف الموت مؤخرا الروائي الكوردي العالمي الشهير يشار كمال في 29/2/2015 بعد ان تسيد المشهد الروائي في تركيا على مدى عقود وحصد (38) جائزة محلية وعالمية بينها دكتوراه فخرية من جامعات (ستراسبورغ ) الفرنسية وجامعة ( البحر الابيض المتوسط ) في تركيا والجامعة الحرة في برلين وجامعة ( بلكنت ) وجامعة (كوكورونا ) وجائزة رابطة الناشرين الالمان ومعرض فلانكفورت الدولي ووسام الفنون والاداب بدرجة قائد في وزارة الثقافة الفرنسية وجائزة حرية الكلام في السويد وجائزة الفن الكبرى والثقافة الرئاسية .
انه الكاتب الاوسع شهرة في تركيا في مجال الرواية اضافة الى ( عزيز يسين ) في القص القصيرة و(ناظم حكمت ) في الشعر .
ان هذا الثلاثي لم يلتق على ضفاف الابداع فحسب , وانما ايضا ً على افكار متناغمة فجعل الانسان بكل همومه واحزانه وتطلعاته وحرياته هدفا ً للكتابة .
لقد الف يشار كمال (21) رواية ومجاميع قصصية ومجموعة كتب اخرى اضافة الى رواية ( النحلة العرجاء ) للاطفال ومجموعتين من القصص القصيدة .
لقد ولد ونشأ يشار كمال من عائلة كوردية في كوردستان تركيا , الا انه تحدث اللغة التركية بطلاقة وكتب بها , واستوحى رواياته من الريف الكوردي والريف التركي ببعد انساني لا تقوقع فيه ولا ضيق افق ويبدو ذلك بوضوح من وصية التي تليت اثناء منحه الدكتوراه الفخرية من جامعة ( بيلك ) في اسطنبول عام 2014 وهي المراسيم التي لم يشارك فيها بسبب معاناته من المرض ونص الوصية " اولا ً ان الذي يقرأ كتبي لايمكن ان يصبح قاتلا ً, يجب ان يكون عدوا ً للحرب , ثانيا ً ان يواجه استصغار الانسان , ويجب ان لاينظر احد الى الاخر على انه اقل شأنا ً ويحاول محوه , ويجب عدم السماح للدول والحكومات التي تحاول محو الانسان ".
ويمضي الكاتب في وصيته التي تشكل رسالة المبدعين في كل زمان ومكان ليؤكد ان من يقضي على الثقافة يقضي في الواقع على انسانيته , وفي الوصية دعوة صارخة لقراء كتبه ورواياته للتوحد والتضامن مع الفقراء الارض قائلا ً " الفقر عار على الانسانية جمعاء ".
لقد ترجمت رواياته الى (40) اربعين لغة في العالم بما فيها اللغة الكوردية وكسب جماهير القراء في كل بقاع العالم , لانه سلط الاضواء على بؤسالانسان وفقره وتوقه للخبز والحرية , دافع عن كل الفقراء والبسطاء والمهتمين في تركيا وانظم الى حملة الدفاع المستميت عن حقوق الشعب الكوردي وفي عام 1995 واثناء حضوره الى معرض (فرانكفورت الدولي) للكتاب وحصوله على الجائزة فيها اصبح محل اعجاب وانبهار الكتاب الالمان وبينهم الروائي الالماني اليساري النزعة والشهير (غونتر كراس) وحينها نشر مقالا ً في مجلة (دير شبيكل) الاوسع انتشارا ً في المانيا تحت عنوان (حقول الموت) تطرق فيهبصوت جلى لالبس فيه الى معاناة السكان الكورد حينها في تركيا ودعا الى حقهم في الحياة والحرية والرفاه الاجتماعي اسوة بسكان تركيا الاخرين حيث قال بالحرف الواحد اذا كانت تركيا قادرة على تجفيف البحر فهي غير قادرة على اصطياد الاسماك فيها في اشارة الى المقاومة الكوردية هناك . وقد سبب له المقال مضايقات اضطر في حينها الى الاقامة ردحا منً الزمن في دولة السويد .لقد رحل الروائي الذي كتب ( محمد النحيل ) التي رشحت لجائزة نوبل ورواية ( حصان احمد) و(اسطورة جبل اغري) وغيرها من الروائع التي وضعته في الذروة وفي القمة الى جانب كبار الروائيين في العالم , والشعب الكوردي والشعب التركي وكل دعاة الحرية والانعتاق في العالم لهم الحق ان يفتخروا بروائي وكاتب دخل الى كل الثقافات مثل شجرة خضراء عامرة بالثمر وهو احد امتن جسور التواصل الثقافي والاخوي بين الشعب الكوردي والتركي . ان الثلاثي يشار كمال وعزيز نسين وناظم حكمت قمم ابداعية وانسانية دائمة العطاء في ذاكرة البشرية .

15
نقول مع العالم عاشت فرنسا   
                                                                                             
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

توحدت فرنسا كلها وتوحد العالم خلفها في لحظة حاسمة للقول بصوت واحد وقلب واحد وكلمة واحدة لا للارهاب الاعمى الذي لا يستثني احدا ً ولا يبقي ولا يذر. ويريد تحويل الارض والحضارة والتراث الانساني الى خرائب وحرائق لا تنتهي,  ونقولها للمرة الالف ان الارهاب لا دين له ولا هوية ولا اخلاق له، ومشروعه الوحيد هو تصدير الموت والدمار الى كل مكان مقابل المشروع  الحياتي الذي نعمل عليه في الادب والفن ومواكبة  الحضارة.
ولكن على نفسها جنت براقش, فباريس النور والضوء والفن والعطور انتصرت على هدف الارهاب واحتشد نحو مليون شخص في باريس والمدن الاخرى في لقاء قمة جماهيري هو لقاء نظرأ لحضور الكثير من رؤساء الدول  في العالم الى مقدمة المظاهرة ومن بينهم  وفد من اقليم كردستان العراق. واجمل ما في المظاهرة ان الحكمة  الفرنسية ونهج  التعقل هو الذي ساد فقد  منعت مجاميع  اليمين الفرنسية المعادية للاجانب من المشاركة في المظاهرة درءا ً لأية شكوك تعلق بأذهان الجالية الاسلامية في هذا البلد الحضاري. ودعت الشعارات الى توحيد صفوف المجتمع الفرنسي بما في الجالية المسلمة ضد هذا  الشر المستطير كما برأت الشعارات الاسلام وكل الاديان من جرائم طغمة ظلامية لم تتمتع بالنور حتى في عاصمة  الاناقة و النور باريس.
أثبتت الاحداث في الايام الماضية ان فرنسا ومبادئ الثورة الفرنسية عصية على الخنوع فهي بلد (مونتسكيو) بلد المفكرين المؤسسين (جان جاك روسو) و(فولتير) وهي بلد المقولة الفلسفية الشهيرة التي تنص (انا اختلف معك في الرأي ولكني مستعد أن اضحي بحياتي من اجل ان تبقى انت على رأيك).
والبلد الذي ربط درجة تقدم المجتمع بمدى تقديره لدور المرأة وبلد الفيلسوف الوجودي الكبير "جان بول سارتر" الذي حين رحل عن الحياة وقف البرلمان الفرنسي دقيقة حداد صمتا تقديرا له واشتهرت في حينها مقولة مفادها " لقد مات سارتر فماتت فرنسا" .
ان فرنسا اذ تعلن بأناقتها المعهودة استنكارها لهذه الجريمة الشنيعة فانها تقدم نموذجاً  للتواضع وللحكمة في حل الامور صح السبل وفي حفظ التوازن المجتمعي الذي اراد الارهابيون ان يختل امعانا في ايجاد شرخ بين دين ودين وفئة وفئة وعرقية  واخرى, لكنهم فشلوا فحمامات السلام التي رسمها ذات يوم فنان فرنسا العظيم بيكاسو مازالت  طليقة في شوارع وساحات باريس, وقصائد الشاعر الكبير (ارغون) وهو يتغنى بحبيبته (اليزا) الى حد انه كتب اغزر واجمل  قصائده لعيونها مازالت وستبقى تصدح في الازقة والطرقات.
 لذلك نضم صوتنا جمعياً في العراق وفي اقليم كردستان العراق الى صوت الرئيس الامريكي اوباما حين سجل في دفتر الحضور في السفارة الفرنسية عبارة "عاشت فرنسا " .
ان العراق يقف الان في واجهة الدول ويقاتل نيابة عن العالم بنسائه ورجاله وشبابه ضد ارهاب داعش الوحشي يعلن بصوت عال ان لا حياد امام  الارهاب وان الكل يجب ان يقف على خط النار لان النار التي تلتهم بغداد وطوز خورماتو والانبار وديالى وسنجار وكوباني مرشحة للتحول الى عواصم  ومدن اخرى, وهذا بالضبط ما يحدث الان, لذلك فما  تقدمنه النساء المقاتلات في كوباني من ملاحم المقاومة والبطولة ستدخل التاريخ  كعهد جديد للمرأة  في العالم تلغي والى الابد الصورة النمطية التي رسمها الرجل لها مدى قرون من الزمن, وما يحدث في كوباني  دعوة تحريض وحث لكل نساء العالم لتمزيق حجب الظلام وتهديم  جبل العادات البالية والانطلاق الى الحياة والبناء والعمران في شراكة فعلية مع الرجل.
ان العنوان الاساسي الذي نلتجئ اليه في هذه اللحظات هو كيفية تناغم العالم كله ولا سيما الساحات الملتهبة مثل العراق على حزمة اتفاقيات وتعاون وتفاهم استخباراتي  امني فكري اعلامي جماهيري و ثقافي لدحر الارهاب وتجفيف منابعه المالية وبهذه المناسبة فالمطلوب من كل رجال الدين سماع نداء العقل وترك اي هوية ضيقة دينية او طائفية او عرقية او حزبية        لصالح الهوية الاصدق ذات البعد الانساني  وبمقارنة تجربة فرنسا في مواجهة  الارهاب وتوحيد الصف مع النسخة العراقية, سنجد الفارق كبيرا ً رغم ان  ضحايا  العراق منذ عام 2003 بلغت ارقاما ً فلكية  الا ان الخطاب الاعلامي  العراقي ما زال متوزعا ً على الطوائف وليس على  الاصطفاف الوطني الموحد, في حين التجربة الفرنسية قدمت خلال 3 ايام زادا ً معرفيا وفكريا  يمكن لدول العالم الاستفادة منه ومنها العراق، فشعارات المتظاهرين الغت كل الفواصل والمسافات بين العرقيات والاديان والطوائف في فرنسا وهذا قدم درسا وعبرة للارهابيين وفي نفس الوقت قدم نموذجاً لكل الدول المبتلية بالارهاب لكي تقتدي به .

14/1/2015

16
الشاعر سعدي يوسف والوزير الكوردي

   فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   الشاعر كائن حساس ومتفاعل وعاشق للجمال والكلمة الانيقة الشفافة التي لاتجرح، وان جرحت لا يكون الجرح غائرا، وهو بطبعه كتاب مفتوح على الفضاء الطلق، فكل قصيدة يكتبها تصبح ملك ذائقة المتلقي، وكل كلمة ينطقها يحسب معجبوه لها الف حساب.
والشاعر سعدي يوسف في سماء المشهد الادبي العراقي صرح تأسيسي للشعر العراقي الحديث منذ ستينات القرن الماضي، وقد عبر حدود المحلية الى العالمية عبر الكم الكبير المترجم  من شعره الى مختلف اللغات، هذا الشعر الذي تراكم عبر عشرات الدواوين. اقول ذلك لأنني استغربت حين ابدى الشاعر رفضه استيزار كوردي في وزارة الثقافة العراقية هو الكاتب والصحفي والمثقف فرياد راوندوزي.
لقد عانى سعدي يوسف من القمع والاضطهاد والسجن ورحل الى ديار الغربة عنوة لا حبا ليمارس حريته بعد أن اقفل النظام الدكتاتوري السابق كل نوافذ التعبير بحق المبدعين.
وبقي الشاعر سعدي يوسف رغم اختلافه معنا واختلافنا على خلفية المواقف السياسية بعد التغيير عام 2003 شاعرا يمثل وطنا ومثقفا نعتز بعطائه الشعري بعيدا عن السياسة والرؤية والمواقف التي لاتجمعنا ولكننا نلتقي على بساط الشعر.
نقول للشاعر الكبير الذي تجول طويلا في الدول والمدن وعاشر ثقافات متنوعة، وهو يعيش الآن في كنف اعرق ديمقراطية في العالم، اليس جميلا ان يكون العراق بكل الوانه وتنويعاته وتقاسيمه الجغرافية والقومية واللغوية ممثلا في الحكومة لتدشين ثقافة العراق الرافديني بلغاته الاربع العربية والكوردية والتركمانية والسريانية؟
فالأحادية الصماء افقار للهوية، في حين ان التنوع والتعددية اثراء واغناء وتطور مستمر نحو الافضل.
نحن في العراق لا خيار امامنا الا التخلي عن ثقافة الزي الموحد التي عانينا منها جميعا ومعنا الشاعر سعدي يوسف، فالثقافة المكتوبة بلغة واحدة واتجاه واحد ومحتوى واحد وتنتمي لمكون واحد وان كان المكون الاكبر تبقى فقيرة منطوية على ذاتها ومنكفئة غير تلاقحية وحوارية مع العالم المتغير ان لم تصطبغ بكل الوانها الطبيعية الاصلية النابتة من تكوين المجتمع.
فما اجمل وطننا العراقي برئيس كوردي ورئيس وزراء عربي ووزراء عرب وكورد وتركمان وسريان وايزيديين مثل شدة الورد الزاهية الالوان.
ان السيد فرياد راوندوزي من الوسط الثقافي وهو مثل كل الفريق الكوردي العامل في بغداد ينطلق من الوطنية العراقية وليس من الهوية الحزبية او القومية الضيقة. وفي تاريخ الثقافة العربية في العراق وخارجها هناك اعلام بارزون جدا من الكورد والتركمان والسريان الذين خدموا العراق واللغة العربية والثقافة العربية بصورة تبعث على الاندهاش، ومنهم الشاعر الكوردي الزهاوي واللغوي التركماني مصطفى جواد والسرياني انستانس الكرملي والوزير ساسون حسقيل اشهر وزير مالية وصالح الكويتي وداود الكويتي الاخوين اليهوديين العراقيين اللذين قدما للفن والتراث الغنائي العراقي خدمات جليلة وقد صدر عنهما مؤخرا كتاب "صالح الكويتي.. نغم الزمن الجميل"). ولست هنا في وارد قوائم الاسماء الاعلام لأنها ستطول حتما، ولكنني اؤكد ان الشاعر سعدي يوسف تسرع في اصدار الحكم وجانب منطق العصر حين حصر الثقافة العراقية في بعدها العربي فقط، فالمضي في هذا المنطق اللامتوازن واللاعصري يقودنا حتما الى الشمولية مجددا، تلك الآفة التي عانينا منها على مدى (35) عاما من تسلط الدكتاتورية التي لم تكن ترى الثقافة الا بلغة قومية واحدة وبمنظور حزبي واحد ومن اجل تقديس قامة الدكتاتور الواحد حتى انطوى العراق على ذاته مقزّما على الخارطة السياسية والثقافية للعالم.
قبل اعوام عقدنا مهرجانا للثقافة العراقية في مدينة (برلين) وفيها حضر الشاعر سعدي يوسف وقلنا له انه حر وبشكل مطلق ان يقول مايشاء ويقرأ مايشاء دون اية اشتراطات، رغم انه كان ومازال يتهم كل احزاب العملية السياسية بالعمالة. وكانت رسالتنا اننا نختلف في السياسة ونلتقي تحت ظلال الابداع.
كنت صغيرا اقرأ للشاعر سعدي يوسف (نهايات الشمال الافريقي) و(الاخضر بن يوسف ومن شاغله) وغيرها من القصائد التي اثمرت في قلوبنا وعواطفنا شجيرات مثمرة، فهل يمكن لهذا الشاعر ان يتخندق الان قوميا في حين المثقف الكبير ولاسيما الشاعر الكبير لابد ان يكون انسانيا بطبعه. ان الشاعر هنا دخل قوقعة القومية الضيقة التي لاتنسجم مع قيم الشعر التي تمثل الحق والخير والجمال.
نقول لشاعرنا ان وزارة الثقافة العراقية بخير بوزيرها الكوردي فالاصل هو الانتماء للعراق، ومرحبا وعلى الرحب والسعة بالشاعر سعدي يوسف في وزارة الثقافة. ونؤكد ان وجود وزير كوردي للثقافة ليست ضربة امريكية وانما قرار عراقي مستقل يبعث على التفاؤل بدولة ديمقراطية مدنية بعد كل كوارث وحروب الدولة الشمولية والثقافة الشمولية التي لم تنتج سوى المزيد من العنف.
اما ان الوزير الجديد غير معروف للشاعر سعدي يوسف فلأن الاخير هو البعيد عن الوطن منذ عقود ويكتب عن بعد، في حين وظيفة كبار المثقفين ان يكونوا في حضن الوطن ويتلمسوا نبضه.
واخيرا فالعروبة بخير في العراق ولكن ببعدها الانساني الحواري المتناغم مع التنويعات الاثنية الاخرى على قدم المساواة. أما العروبة الاخرى المنقطعة عن هواء العصر فلا حياة لها في العالم الراهن، الم يقل الشاعر المبدع محمود درويش في عام 1965 في قصيدة (كوردستان):
لن تبصري ياعروبة ...
إن كنت من ثقب المدافع تنظرين


11/11/2014



17
الوطن يتمزق فهل نستعيد عافيته ؟
                                                             
  فوزي الاتروشي
                                                           
يقول صديقي ماالذي جرى؟ فالحب ممنوع والبسمة مفقودة والكآبة سيد الموقف, فشعرنا ينزف دمعاً وغناؤنا يقطر الماً وكلامنا مسلسل حزن لايكاد ينتهي. انه الزمن الرديء هجم على عواطفنا واحساسيسنا فاشاع فيها الجفاف والتصحر والتحجر, والتهم من ارواحنا كل خزين الضحك والتفاؤل والسعادة.
قلت ياصديقي الا ترى العالم من حولك تغير حتى لم تعد تعرفه وتتبين تقاسيمه السابقة, فالشوارع اما انها مزابل عالية مليئة بالروائح النتنة او حمراء قانية من بقايا الجثث الممزقة التي تخلفها مفخخات الارهابيين, او انها مسوَرة بالسواتر والكتل الاسمنتية التي تمنع الرؤيا, والجوامع واماكن العبادة التي يفترض انها آمنة ومطمئنة اصبحت الهدف الاسهل للهجوم وازهاق ارواح المصلين المتضرعين الى الله, والمدارس والمكتبات مهجورة او معطلة على مدى اسابيع لأن هاجس الخوف والتهديد بالقتل والعمليات المسلحة هي الروتين اليومي للمواطن, اما السياسيون فشغلهم الشاغل إطلاق تصريحات مجانية تعمق الجراحات الغائرة التي لاتندمل, وبعض رجال الدين يستمتع يوميا بشحن العواطف ودفعها نحو المزيد من الكره والحقد تجاه الآخر.
وهكذا تمضي دورة الحياة ودوامتها بين الخوف والرعب والقتل والتدمير والبشائر السيئة والوعود التي لا تنفّذ والكهرباء التي تنقطع على مدار النهار والليل لتزيد ظلام القلوب والعقول وتراكم بؤسها.
اننا في وطن يفترسه الارهاب وتمزقه المتفجرات القادمة من خلف الحدود في لحظة انتقام مرعبة من شعب آمن يتطلع الى الحرية, فالمسيحي العراقي الذي مضى على تجذره في هذا الوطن الفا عام بدأ بالرحيل الى المجهول, والآيزيدي صاحب واحدة من اعرق الديانات القديمة تشتت شمله وباتت النساء الآيزيديات رهن الاغتصاب والسبي والخطف وازهاق الروح التي حرمت كل الاديان قتلها, والصابئي المقيم على مدى قرون سحيقة على ضفاف دجلة والفرات في طقوس طهارة لامثيل لها هجر الانهار والمياه وحزّم امتعته الى بلاد الغربة والهجرة في رحلة بلا عودة, والتركماني والكوردي يعاني الامرَين في (طوزخورماتو) الجريحة (وآمرلي) وكل اماكن تواجده وهو يناشدنا جميعاً لتلبية نداءات الاغاثة.
انه وطن قيد التطهير الذي يمارسه الارهاب يومياً وقيد التمزق والتناحر الذي نمارسه نحن على مدار الساعة بعضنا تجاه البعض الآخر دون ان نتعظ من تجارب التأريخ والبشرية.
في كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق" للمثقف والكاتب باقر ياسين وفي الكتاب المرجعي الصادر حول الاقليات في العراق عن مؤسسة مسارات حقائق وبيانات ومعطيات تقرع اجراس الانذار والخطر وتنبهنا ان ليس هذا المكون او ذاك وانما كل الوطن العراقي في خطر وزوال اكيد اذا لم نتوقف لحظة لمراجعة الذات والواقع والتاريخ وتجارب الاخرين بهدف اعادة العافية والصحة والشفاء الى جسد مجتمع بات يتآكل ويتلاشى على وقع الضربات, والدرس الذي لابديل له ان نتخلى جميعاً عن رغبة التسلط وانكار الآخر ونتعايش ونتسامح ونتصالح ونتنازل لبعضنا البعض من اجل دولة مدنية ديمقراطية, تلك الدولة التي حلم بها وأسس لها وآمن بها مؤسس العراق الحديث الملك فيصل الاول الذي نمر يومياً بتمثاله وهو يذكرنا بالعودة الى الاصل والاصل هو الانسان العراقي بعيداً عن لونه وشكله وانحداره الاجتماعي وطائفته ولغته وقوميته ودينه وحزبه ومنطقته وعشيرته.
فهل نحن جديرون بهذه المهمة المقدسة ؟ اذا كان الجواب بالإيجاب فتلك هي الخطوة الاولى في مسافة الألف ميل نحو مجتمع مزدهر ودولة متقدمة على خارطة العالم السياسية.
                               

                                                                            اسراء

18
ميسان في القلب تعانق اربيل
   
فوزي الاتروشي


كل عام نمتلئ شعراً ونزدهر فرحاً وألقاً ونحن نلتئم في ميسان للتواصل والتحاور والقاء قصائد حب وامل. فالشعر بعيداً عن كل توصيفاته الاكاديمية هو خطاب حب للاخرين ورسالة تختزل المشاعر والعواطف وتنويعات الحياة اليومية في كلمات مكتنزة وحافلة بالطاقة التعبيرية القصوى.
وفي مهرجان الكميت الثقافي الرابع هذا العام في 16-17/10/2014 تحول الشعر الى رسالة مفعمة بمعاني التحدي والمقاومة ضد الكره والحقد والظلام والوحشية التي يشيعها ارهابيو (داعش) في وطننا العراقي .
اعلنت ميسان بشعرائها ومثقفيها ونسائها ورجالها وبقصائدها الندية والحاملة لحلاوة نخيلها تضامنها مع خطوط النار في (سنجار) و(زمار) و(اربيل) و(آمرلي) و(طوزخورماتو) و(الانبار) و(كوباني) التي اغتسلت بدماء المقاتلات الكورديات وهنّ يمرّغن "رجولة" داعش الكاذبة المزعومة في الوحل.
كان الجميع في المهرجان على كلمة سواء واحدة هي ان الانسانية والحضارة والتراث والفن والادب ومستقبل الاجيال القادمة في خطر, لذلك فلا مجال الا لحل واحد هو الاصطفاف الوطني الشامل دفاعاً ليس عن العراق فحسب وانما عن العالم في مواجهة ابشع هجمة ظلامية في العالم.
ميسان تنطق بالامل في شوارعها وازقتها وضوء نهاراتها وشعاع ليلها الذي لا ينقطع والمد العمراني الذي يبعث عن الانشراح في وقت مازالت اغلب بقاع الوطن ومنها العاصمة بغداد راقدة تحت ركام من الخرائب والتخلف واللامبالاة لذا فأن هذه المدينة التي ينشطر فيها دجلة الى رافدين فرحاً بها تدخل القلب بسرعة خاطفة وتعانق اربيل الساعية حنينا الى الإمام.
والزائر لهذه المدينة سيلتقي حتما ببيادر شعر وفن وأدب قلما ينقطع هدير شلاله أنها مدينة الشاعرة الكبيرة لميعة عباس عمارة وقائمة طويلة من المبدعين والمبدعات الذين استشهدوا على مستوى العراق والعالم وكانوا ومازالوا عنوان فخر وعلامة انبعاث لوطن اصبح هدفا للارهاب والقتل والتدمير على يد وحوش قادمين من دهاليز الظلام الحالك.
في مهرجان (الكميت) الرابع ارتفع صوت (35) شاعراً وباحثاً مثل حزمة ضوء مبهرة ومثل بشرى وبعد خير ووعد بالمطر والبسمة لاطفال العراق, فالخضوع والسكون, بل الوقوف على خط الحياد حين يكون الوطن كله مهدداً بالمصادرة يعتبر خيانة, وخيانة المثقف والشاعر والاديب والكاتب اكثر وقعاً من خيانة السياسي.
في كردستان ترتفع الى الاعالي اشجار الصنوبر والصفصاف والرمان والزيتون والتفاح معانقة القامة الباسقة لاشجار النخيل في (ميسان) في اطلالة حب وعشق لاهب يجعل كل حقد وبشاعة الارهاب هشيماً تذروه الرياح... فمرحبا بميسان وهي تعانق اربيل في القلب راسمة قصة حب تتسلسل برفق وحنان وألفة.

                         19/10/2014
 



19
فالنتينا يوآرش في مطرها الموعود
تهدينا البشرى
                                                                       
فوزي الاتروشي
                                                                      وكيل وزارة الثقافة

ان يكون وعدك مع المطر ومع شلال حب أخضر وغابة شموع تحترق لتنير دروب العمر،تلك حالة استثنائية في واقعنا العراقي الحافل بالحزن وبمظاهر القتل والدمار الذي يشيعه الإرهاب يومياً في نفوسنا وعقولنا وعواطفنا ومن ثم في شوارعنا. ولكن لأن لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس. أصرت الكاتبة العراقية (فالنتينا يوآرش) ان تبلغنا في كتابها الأول (مطري الموعود) خبراًعاجلاً مفاده ان الفرح ولمسات الحب قد تنمو في ثغور الصخور الجرداء وعلى الأسلاك الشائكة وفوق كتل الاحزان لأن ديمومة الحياة سرها كامن في استمرارية العطاء والحب.
فهي لا تنطفئ ولا تترك جذوتها تتحول الى رماد حين  تقول " وانا اترقبوأصغي وأتأمل لعل سماءك تصفو يوماً وذلك العشق يتلألأ نجوماً فيها".
ونمضي معها في إدمانها مع حبيبها الذي يسكن في القلب ولا يغادر وتناديه قائلة " في البدء كانت كلمتك " في قصيدة (أدمنتك سيدي) فما أجمل الادمان على الحب والتواصل والتسامح في زمن رديء أصبحت حتى كلمة "الحب" ممنوعة في شوارعنا أو مشوهة أو غائمة أو واقعة تحت سطوة رفض الرجل من جهة وتحت ضربات مفخخات الأرهابيين الذين يزرعون يومياً في مدننا خرائب وحرائق وحقد وكره كل ماهو جميل في الإنسان .
الكاتبة تنتمي الى المكون المسيحي الذي يعاني من ظلم مركب ومن تهجير ونزوح والآم واحتمال الإغتراب عن الوطن بفعل الارهاب الظلامي الذي هدم الكنائس والأديرة والتراث الأنساني المفعم بعراقة التأريخ في وادي الرافدين كجذر أساسي لبروز هذا الوطن، ورغم كل ذلك فانها تلتجئ الى عالم الحلم المخملي والرومانسية الندية لتوصل رسالة محبة ونور الى " الرجل الأستثنائي" في حياتها قائلة:
أريد ان اكون طعماً خاصاً في العشق
طعماً يشبه النبيذ
كلما تعتق .. صار الذ واشهى.

ان الرسالة واضحة وهي ان القوة الناعمة والحريرية للحب تقهر كل قوة الحزن وتجعل الاخر يخسر معركته لان سلاح القتل والتدمير اقل قدرة من ان يواجه سلاح الحب والعشق والذوبان في الآخر.
في بغداد التي حفلت ذات يوم بالكنائس واجراسها العامرة بدقات الحياة والتي عانت فيها الكاتبة وبني جلدتها الآمرين على ايدي الأرهابيين الظلاميين الذين هاجموا المصلين الواقفين بين ايدي الله ذات يوم في كنيسة "سيدة النجاة" نقول في بغداد هذه تغني الكاتبة بصوت عالٍ:
بغداد ياعطر القرنفل والأقحوان
لك وحدك تحلو الكلمات
ويستفيق على صوتك الشعر والوجدان.

انها اذن قوة الآصرة الخضراء التي تربط الإنسان الى وطنه ومدينته ومرتع ذكرياته وملتقى احبابه واهله، وهذا هو المنطق الذي لا يستوعبه الظلاميون لانهم اصلاً قادمون من العدم وذاهبون الى العدم.
الكاتبة (فالنتينا يوارش) تبدو في كتابها مغنية بصوت هادئ ولكن واثق ومقنع، فهي تهدي اغنية الى الوالد وأخرى الى الأم قائلة في النهاية:
أعذريني على كل شيء
واغفري لي يا حبيبة عمري كل زلاتي واقبلي مني هذه الكلمات.

فواحدة من اهم الوصايا ان تعتذر وتعترف بالخطأ وتهدي كلمة حب لمن لم تستطع ان توفيه مايستحق من عطاء وتقدير.
نستمر في القراءة فتقع اعيننا على كلمات ذات رمزية جميلة تنطبق على واقع هذا المكون العريق الذي يعاني اليوم تمزقاً كبيراً في وطن هم بناته الأصليون.
تقول الكاتبة :
يرحلون دون عناق
حاملين معهم جواز فراق

ورغم ذلك تنتهي الى الأمل كما قلنا في بداية المقال فهي تنتفض على يأسها صارخة :
غداً لن تفصل ارواحنا حدود ستختفي الأنات خلف الباب الموصود
غداً سيكون اجمل واروع
غداً سيكون لنا وطن موعود

شكراً للكاتبة والموظفة في وزارة الثقافة التي خرجت من ارهاق العمل الروتيني ومشاغل الحياة اليومية لتمنح لاحلامها البنفسجية بعداً اخر يعبر بكل اناقة وذكاء كتل الاسلاك الشائكة التي تطوق ليس جسمها وبيتها ومدينتها وحاجاتها المادية فحسب وانما تحاول حتى مصادرة احلامها... ولكن هيهات.
 
                                                                  20/10/2014


20
التقينا على المحبة انتصاراً لمدينة الموصل

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

يوم 11/10/2014 التقينا في قاعة فندق بغداد كحشد من المثقفين بيننا العربي والكوردي والتركماني والسرياني والشبكي, والمسلم والمسيحي والايزيدي والصابئي. التقينا على المحبة والسلام والتسامح انتصاراً لمدينة الموصل او نينوى او خرسباد او الحدباء او ام الربيعين, سمها ما شئت فأنها المدينة الموغلة في القدم والتراث الانساني والحاوية على اكبر قدر من التنوع الى حد قال عنها  الكاتب سهيل قاشا(( انك لا تجد فيها  قريتين متجاورتين تنتميان الى جنس واحد وتتكلمان لغة واحدة)). ان غناها وتراثها الحضاري المهدد على يد داعش الارهابي هو الذي  حرضنا ومعنا "الجمعية الوطنية للدفاع عن حقوق الانسان لإقامة ندوة حوارية بعنوان "الموصل حاضرها وماضيها" التي حاضر فيها المؤرخ ياسين الحسيني فاستعرض كل دقائق وتفاصيل هذه المدينة العابقة بألق التاريخ بسكانها ومثقفيها واعلامها واسواقها ومقاهيها ومدارسها ومكتباتها واسهاماتها الفكرية والفنية وعادات وتقاليد اهلها التي تتعرض اليوم الى هجوم ظلامي من قبل (داعش ) الارهابي.
وشملت الفعالية معرضا للصور ولأهم المواقع التراثية والثقافية للمدينة. وقلنا في الندوة ((ان من يهدم اضرحة الانبياء وتماثيل رموز الثقافة والادب في الفن, فإنما يسجل وصمة عار على جبينه ويعلن بصراحة انه ضد كل قيم الجمال والفكر والحضارة وتبنى تهمة ستبقى لصيقة به على مدى الايام تخرجه من المجتمع البشري الى غابة التخلف والاضمحلال والتدمير      التدريجي ليصبح اثراً بعد عين)).
اجمل ما في هذه الحوارات الصريحة في الندوة انها ركزت على وطنية المقاومة امام طائفية داعش وعلى انحياز الجميع الى الوطن لأنه ككل وليس كجزء في خطر داهم .
لقد استطاع داعش  ان يمسك بارض مدينة الموصل ولكن ذلك يبقى مؤقتا, فالمهم هو القيام بحملة فكرية واعلامية وثقافية لدحر اصول فكر (داعش) وسلوكياته المنافية لكل مبادئ الحق والانصاف والفلسفات والاديان فهو فكر تدميري يائس وسينطفئ حتما مثلما اندحر فكر (الخوارج) وفرقة (الحشاشين) وكل اشكال المدارس الفقهية المتشددة التي تجعل هدفها قتل الانسان وتحطيم ماضي وحاضر ومستقبل الحضارة الانسانية .
ان هذا يقتضي العودة الى اصل الفكرة التي تقود الى بروز هكذا ظواهر خطيرة في حياتنا, وهي افكار الاقصاء والتهميش والتمييز بين الاعراق والاديان والطوائف واللغات والنساء والرجال والاغلبيات والاقليات, وهي مظاهر شائعة  في حياتنا دون ان ندرك انها تولد تراكمات فكرية وسلوكية تقود حتما الى حلول العنف محل السلام وحلول التناحر محل الحوار, مما يزرع بذرة اغتيال الوئام الاجتماعي والسلام المدني القائم على تنمية دولة مدنية ديمقراطية ودولة المواطنة. وبقدر ما نتعظ من تجاربنا ومن تجارب الشعوب ومن تجليات الفكر الحضاري سنكون جسماً محصناً وحائزاً على قدر اكبر من المناعة  ضد هذه التجمعات التكفيرية والامراض الفكرية التي تجتاح مجتمعنا العراقي.
ان اخراج داعش من الموصل وغيرها من المدن العراقية هو هدف عسكري وامني وسياسي حتمي, ولكن بالمقابل علينا جميعا اعادة غربلة اسس التربية والتعليم والثقافة والقانون والقضاء والسياسة لتكون مكرسة لخدمة الانسان بذاته، وأن نمنح الهوية الوطنية الشاملة فرصتها للنمو والنضج عوضاً عن الهويات والتخندقات المناطقية والحزبية والطائفية والقومية والدينية. ان (داعش) ساقط حتما ًولكن بعد ان نكون نحن قد تعافينا من مظاهر واعراض السلوكيات الضارة التي تعصف بنا .
13/10/2014





21
كوردســــــــــــــــــــــتان في قصائد الشاعــــــــرتين
هيام مصطفى قبلان .. وغرام الربيعي
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                           
فوزي الاتروشي
                                                     وكيل وزارة الثقافة

جميل ان يبقى الشعر جسراً للخير والحق والجمال كما يقول اليونانيون القدماء, حتى تدمر السياسة هذه القيم, وجميل جداً ان يقف الشعر ليرسم بأبجدية الحب تقاسيم علاقة خضراء بين شخصين او شعبين او بلدين حتى حين ترتفع صرخات وخطابات الحكام الداعية للفصل والافتراق والطلاق الابدي .
وهذا الرفض للافتراق (العربي _ الكوردي) وهذا الاصرار على التواصل الانساني الاخضر نجد براعمه تتفتح في قصائد الشاعرتين العربيتين الفلسطينية (هيام مصطفى قبلان) وهي تكتب عن فاجعة "حلبجة" المرعبة, والعراقية (غرام الربيعي) .
تكتب هيام قبلان بصدق ونقاء عن مأساة حلبجة فتقول في قصيدتها :
"حلبجة مدينة الحزن والنار"
من علمك عشـــــــــــــق المــــــــــــوت
"سامان" ايها الباكـــــــــــي بين زمنين
طفل لم يــــــــــــــــــــولد بعــــــــــــد ...
حـــــــــــزن يمشــــــــــــــي على راحتيه
دامعة رعشة الاحتضار على طلل الركـام
.

ان الفاجعة بهولها وبشاعتها وقبحها اللامتناهي ابكت حتى الاطفال الذين لم يولدوا في مدينة تحولت خلال اقل من ساعة الى ركام واطلال وحرائق وشيئاً من الذكرى .
ومن يزور حلبجة الان ويدخل متحف (الذكرى) سيطلع على هذه التفاصيل التي لا يمكن ان يتناساها ضمير العالم .
ففي ربيع عام 1988 حدثت جريمة غير مسبوقة حيث انها المرة الاولى يلجأ فيها نظام الى قصف سكان بلاده بالسلاح الكيمياوي المدمر , وهاهي الجريمة تتكرر للمرة الثانية على يد النظام السوري في غوطة دمشق فما اشبه اليوم بالبارحة .
وتمضي الشاعرة هيام في بث غنائها الحزين لـ(طفل لم يمت بعد)
كفكف دمعك ونم مرة على جفن دجلة
ومرة حين يخلع التوت بثلاثة الثلاثة
ويصمت التاريخ كالفجـيعة الســاقطة
.
واخيراً تمتليء الشاعرة بالامل رغم هول المأساة التي تجاوزت حدود التصور وتبشر بأمل تحقق بعد سنوات قليلة أبان انتفاضة ربيع عام 1991 تقول الشاعرة :
هي رقصتك الاخيرة "حلبجة" فأنتفضي
وعاقري كأس من مروا وتركوا الاجـنة
لا تخافي ... طفلك الذي لم يمـــــــت بعد
يضيء تحـــــــــت الماء الشمــــــــــــوع
وينتظر موتاً اخر ... يمشــي على قدمين
.
هيام كتبت عن بعد لكن قلبها كان اقرب ما يكون الى موقع الحدث والاطفال الذين تناثرت اجسادهم في الازقة والطرق .
اما الشاعرة العراقية (غرام الربيعي) فتبحث عن الآصرة الخضراء وقصة الحب (الكوردي _ العربي) التي حاول الطغاة محوها من التاريخ ومن الذاكرة فتنتفض شعرياً امام محاولة قطع الآصرة ومحو حكاية الحب وتبعث برسالة ان الحب يمكن ان ينتصر على البندقية , تقول غرام الربيعي :
منذ طفـــــــــــــولة الالــــــــــم
امتــــــــــهنا الحــــــــــــــــرف
سرق الطاغية قافيتــــــــــــــها
ان الســــــــــاسة يختلفــــــون
القــــــــــــرارات تختلــــــــــف
الوجـــــــــوه تخــــــــــــــــتلف
كم اعـــــرف ... اني اعــــرف
لكنـــــــــــــــــــــــهم لا يعرفون
كم اعرف ... اننامن رحم واحد
فـــــــــــــــــــلا نختلــــــــــــــف
.

ان الشاعرة وهي خريجة اكاديمية الفنون الجميلة تكتب بحسها الفني ووجدانها العراقي البعيد عن تقيحات الايديولوجيات وعن نوازع الذات التي تنكفيء وتنطوي فلا ترى الا نفسها وظلها , تكتب بحس عراقي وعاطفة انسانية لذلك فأنها فعلاً تعرف اكثر مما يعرف السياسيون وتدرك ان الحب بين الشعوب هو الابقى والابهى والاجمل .
                         
6/6/2014


22
غجـــر كوردستان في دائـــرة الضــوء
                                                     
                                                   
فوزي الاتروشي

الغالب في مجتمعاتنا اننا نتحدث كثيراً وطويلاً عن المساواة والحقوق المدنية ودولة المواطنة التي تعتبر سمة الحضارة الحالية , لكن حديثنا وخطاباتنا سرعان ما تذوب حين ترتطم بالواقع المليء بالتعصب تجاه الآخر المختلف في اللون او الطبقة او القومية او الطائفة او الدين .
ولعل اغتيال جلال ذياب الناشط المدني المدافع عن حقوق السود في العراق كان المؤشر الواضح على ما نقول فهو اقر حقيقة اجتماعية نعاني منها وننكرها بالكلام مثل النعامة التي تدفن رأسها بالتراب وهي تظن ان لا احد يرى عريها .
فقد قال الشهيد جلال ذياب ذات يوم " ان العراقيون السود يعانون من الاحتقار طالما سمعنا اوصافاً تنعتهم بالعبيد" .
والغجر وكل الفئات الاخرى المختلفة معنا دينياً او اجتماعياً تعاني من هذا المأزق الخطير ذي الابعاد التأريخية في مجتمعنا .
لذلك كانت المبادرة السباقة والخلاقة لحكومة الاقليم لأنصاف غجر كوردستان ومعاملتهم على قدر المساواة مع الاخرين اختراقاً اجتماعياً جميلاً وغاية في الاهمية والمغزى , وكان تحدياً لكل الاعراف والتقاليد البالية التي تنزع صفة المواطنة عن انسان بريء ومخلص ومثابر على العمل لمجرد انتمائه الى فئة اجتماعية ضئيلة العدد او لطائفة او دين آخر فيبقى منبوذاً ومحتقراً وينظر اليه نظرة دونية دون اي سبب منطقي وبعيداً عن لغة العصر وكل الشرائع السماوية والدساتير المدنية ولائحة حقوق الانسان ومعاهدة الحقوق المدنية والاجتماعية التي أقرت في المواثيق الدولية .
ان اعلان رئيس قبائل الغجر في كوردستان السيد يونس ظاهر بيرو "ان اكثر من احدعشر الف غجري على قائمة التصويت في انتخابات برلمان كوردستان" هو خبر عاجل ومهم وجميل وتأريخي يضع هذه الفئة المهمشة في دائرة الضوء ويجعلها فخورة بوطن تتمتع فيه بحقوقها كافة اسوةً بكل البشر .
ولاشك ان خدمات السكن والصحة والتربية والمشاريع الثقافية والاجتماعية التي اقرت للغجر في كوردستان سيكون لها ابعد الآثر في خلق توازن حضاري وتنموي بين شرائح المجتمع الكوردستاني , مثلما يجبر الآخرين قانونياً على احترام الغجر كمواطنين اصليين وعلى تغيير تراكمات اجتماعية لا اساس لها من الصحة في عقول تنظر بعين التعالي والتعنت الى الآخر المختلف .
ان الاقصاء والتهميش وحجب الحقوق امر اصبح جزءاً من الماضي في حضارة الغت كل الحدود والسدود والفواصل بين البشرية .
ان العراق المدني الديمقراطي الذي ننشده جميعاً هو عراق العربي والكوردي والتركماني والسرياني والمسلم والصابئي والمسيحي والايزيدي واليهودي العراقي .
ولايجوز ان يكون لأي واحد من الفئات العراقية المذكورة آنفاً افضلية على الاخرى الا بالعمل والمثابرة على بناء الوطن , فكل هذه الفئات شاركت في بناء هذا الوطن وتأسيس الدولة العراقية الحديثة , وأي حديث عن النسب او الحسب او العنصر الاقوى او الانقى او الافضل طرق على حديد بارد في عالم قائم على المساواة المطلقة بين كل البشر وبين الرجل والمرأة .

وفي النهاية نعيد الى الاذهان هذا المقطع الشعري البالغ المغزى والأثر :

كـن ابن من شئت واكتسب أدباً
يـــــغنيك محمـــوده عن النسب
ان الفتـــــــى من قـال هـا انا ذا
ليس الفتــــى من قال كان ابي .
 


                                                         19/5/2013



23
العراقيون السود.. مسحة جمال على تضاريس الوطن

فوزي الاتروشي

أحياناً كثيرة  حين نمدح دولة أو مدينة  أو منطقة نقول أنها شدة ورد فكلما زاد عدد ألوان وأنواع الورود في الباقة الواحدة زاد ابتهاجنا بها ومتعتنا بالنظر وشم العبير المتنوع النكهات فيها .
فكل تنوع وتعددية في اللغات وألوان البشرة وطرق التفكير والعيش  أغناء وإثراء ومراكمة لتوليفة تراثية عامرة بما لذ وطاب وبما يفيد العباد والبلاد  .
نورد هذا لان الموزائيك العراقي الملون تبرز فيه هذه الأيام مناشدات السود العراقيين الذين يتجاوز عددهم المليون للاعتراف بهم وتمثيلهم في البرلمان وذلك وقبل هذا تطبيع العلاقة معهم وإفساح كل فرص العمل والتعيين والإنتاج أمامهم دون تمييز بسبب اللون وهذا حق أنساني  ودستوري وأخلاقي تقره كل الأديان والمواثيق الدولية .
فما زال في المجتمع العراقي نظرة دونية متخلفة الى هؤلاء وغالبا مايتم تسميتهم بالعبيد أو تطلق عليهم ألقاب مثل ( أبو سمرة ) .
وفي عام 2009 تأسست منظمة "أنصار الحرية" للدفاع عنهم ولاسيما في مدينة البصرة ومنطقة الزبير وهي الرقعة التي يتركز فيها ذوو البشرة السوداء وتاريخيا هي حاضنة ثورة الزنج , لكن سرعان ما قتل الناشط ورئيس المنظمة
 (جلال دياب ) عام 2013 بدوافع عنصرية بغيضة من قبل مسلحين مجهولين , لكن دماءه أصبحت الشرارة التي اذكت وتائر العمل والإصرار على المطالبة بالحقوق الإنسانية وتجريم بعض العادات والكلمات المنافية للخلق السليم التي تطلق عليهم سواء بحسن أو بسوء نية .
أن السود العراقيين برزوا في مواقع عديدة في مجالات الفن والثقافة والمعرفة , ورغم ذلك مازال هناك شرخ اجتماعي وتباعد بينهم وبين بقية العراقيين وهي بقية ترسبات جائرة من عصور بائدة لابد أن تنتهي .
أن وجود السود بيننا يعني إضافة مسحة جمالية إلى التنويع السكاني العراقي والى تضاريس الوطن والى نكهة الشخصية العراقية , ولا يجوز أن نفرط بهم لأننا سنفقد احد ألواننا الجميلة ونفقد جزءا من شدة الورد التي علينا الاعتزاز بها .
ومن حقهم أن يكون لهم تمثيل في البرلمان وان يكون لهم منظمات تدافع عنهم والواجب يقتضي منا التنحي عن كل مايشوب العلاقة الاجتماعية بيننا وبينهم فالأبيض والأسود والأسمر والأصفر صفات جينية تجاوزها العالم المتحضر من خلال لائحة  حقوق الإنسان , وهي صفات أذا ألغينا أية واحدة منها نكون قد قللنا من الاغناء المجتمعي والثقافي والتاريخي للوطن العراق .
لنعترف أننا مخطئون بحقهم ,فبدلا من إهمالهم وتناسي دورهم وتعميق فاصل الجفاء والتباعد ,لابد من تغيير طرق التفكير والنظر أليهم . فهم عراقيون  اصلاء وهم اللون الأخر الأسمر والأسود الجميل الذي يجعلنا فعلا بستان ورد عامر بالثمار وليس وطنا بلون واحد . 
انها مفارقة مرة مرارة الحنظل ان نردد يومياً  شعارات حول المساواة والتسامح والحديث النبوي الشريف (( الناس سواسية كأسنان المشط )). وفي ظل عالم كان اكبر رسل اللاعنف في تاريخ البشرية ( غاندي ) و( نيلسون منديلا ) احد اعظم شخصيات القرن العشرين ، و ( باراك اوباما ) رئيس اكبر دولة في العالم  من ذوي البشرة الداكنة ، نقول انها فعلاً مفارقة ان نبقى في هذا العالم المتحضر على قارعة الطريق .
 
 9/5/2014


24
التسامح والتعايش ثقافة وسلوك تطبيق ... وليس خطابات إنشائية

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

كل الدول المتحضرة التي نجحت في تحقيق الوئام الاجتماعي تميزت بحزمة قوانين وإجراءات وأنظمة صارمة اضافة الى وعي حضاري بأهمية التعايش والتسامح والغاء التهميش والاقصاء من السلوك اليومي العملي ومن الثقافة والفكر .
 فكانت تجربة الهند كأكبر ديمقراطية التي أسس لها الـ (مهاتما غاندي) بفلسفة اللاعنف ومعايشة الفقراء والمهمشين التي ادت الى دمج ملايين المنبوذين الهنود في المجتمع وحققت للهند استقلالها الناجز, وكانت ومازالت هذه الافكار هي التي تتسرب الى اعماق المجتمع الهندي .
وفي افريقيا تجربة دولة جنوب افريقيا التي بناها ( نيلسون مانديلا) بكفاحه ضد الفصل العنصري وانتصاره على العنصرية ومن ثم لجوئه الى تأصيل علاقة جديدة بين الاقلية البيضاء والاغلبية السوداء تتميز بالوفاق والتناغم من خلال لجان(الحقيقة والمصارحة ) الشهيرة . 
ولابد ايضاً من الاشارة الى تجارب المانيا واليابان وايطاليا بعد الحرب العالمية الثانية التي تأسست على الديمقراطية ودولة المواطنة والحقوق المدنية لكل افراد المجتمع بعد ان اكتوت بنار النازية و الفاشية .
كل هذه التجارب الآن متميزة وتحقق نجاحات يومية وتبهر العالم بالتنمية والعمران والتقدم الاجتماعي, وميزتها انها لم تلجأ الى الخطابات والمؤتمرات ولم تشكل وزارات للمصالحة او لحقوق الانسان, بل جعلت التعايش والمصالحة والتسامح من المفردات اليومية السلوكية للفرد وسنُت قوانين مستقاة من تراث البشرية ومن المواثيق الدولية ولاسيما لائحة حقوق الانسان.
في العراق الامر متغير والمعالجة لاتتعدى عقد مؤتمرات والقاء كلمات وخطب انشائية لا تسمن ولا تغني من جوع .
والانكى من ذلك انه حتى في هذه المؤتمرات يمارس البعض سلوكه المتعسف والعنفي لالغاء رأي الآخر وابراز نفسه وكأنه يمتلك الحقيقة المطلقة في السياسة والدين والاخلاق .
وفي هذا السياق نضم صوتنا الى صوت ممثل الامم المتحدة في العراق الذي دعا الى سن قانون لحماية الاقليات, وذلك في الكلمة التي القاها في مؤتمر "الترويج للتسامح وحماية حقوق الاقليات في العراق" المنعقد يومي 17_18/11/2013 في بغداد .
اننا مازلنا نصر ان حقوق الاقليات ليس موضوعاً للخطابات النارية او الشعارات المناسباتية التي تطرح لاغراض انتخابية وحزبية وطائفية ضيقة, بل انها تركز على تغيير القوانين والسلوكيات والمناهج التربوية والاستفادة من تجارب العالم،  فالعراق ايضاً جميل جداً اذا نظرنا اليه بكل تنويعاته الدينية والطائفية والسياسية والفكرية , وهو جميل حين نوجه كل المحبة والتقدير لأصغر المكونات صعوداً الى اكبرها .
اما عقد اللقاءات والاجتماعات والمؤتمرات التي تتحول ذكرى قبل ان يجف حبرها  والاستمرار في السلوك اليومي الذي يفرض الاغلبيات على الاقليات فأن ذلك يؤدي حتماً الى التشظي والانقسام في حلقة مظلمة وشديدة العتمة .
يوم 15/11/2013 حضرنا الى حفل تكريم الكاتب والباحث (زهير كاظم عبود) الذي يعتبر فعلاً على حد تعبير الكاتب حسب الله يحيى "زهرة وطن ورجلاً استثنائياً ونبت خير". فقد بذل هذا الباحث جهداً منقطع النظير دفاعاً عن الايزيديين وديانتهم التي طالها الكثير والكثير من التشويه والتضليل والكتابات اللاعلمية, فكتب هذا الكاتب العربي مجموعة من اجمل الكتب عن الديانة الايزيدية منها (الأيزيدية .. حقائق وخفايا واساطير) و(لمحات عن الايزيدية) و ( طاووس ملك مجدد الديانة الايزيدية) وغيرها من الكتابات التي ازاحت الكثير من الاوهام والتشويهات التي الحقها آخرون بهذه الديانة العريقة من منطلق سياسي اوديني, الى حد ان الكاتب عبد المنعم الاعسم يقول بصراحة "لولا زهير كاظم عبود, ماعرفنا شيئاً عن الايزيدية".
واذ نأتي على سيرة القلم الاخضر للكاتب زهير كاظم عبود فهدفنا ان نوضح ان السلوك العملي والكتابة بأنصاف والتصرف وفق حقائق العصر مع المكونات هو الذي يثمر التسامح والتعايش في العراق, وكلما ازدادت الاقلام التي تؤسس للتعايش بالجهد والابداع والتأليف وتعبيد جسور التواصل والاعتراف الحقيقي بالمساوئ التي ارتكبت بحق الاقليات من قبل الاغلبيات, نكون قد جسدنا على ارض الواقع نموذجاً للتعايش والتسامح .
اما الاكتفاء بالخطابات التي تذهب في الهواء مثل الدخان الضائع والاستمرار في سلوك النعامة التي تخفي رأسها في التراب وهي تظن ان لا احد يرى جسمها العاري تحت الشمس فلن يؤدي الا الى المزيد من تأزيم العلاقة بين المكونات وحقنها بالقيح .

9/5/2014


25
الخطاب الرسمي العراقي بين الحقيقة والدعاية
                                               
  فوزي الاتروشي
في كل مرة اقرأ بعض التصريحات الرسمية اصاب بالصدمة من كثرة الرنين الخطابي والشعاراتي الذي يكاد يفرغ الكلام من محتواه ويجعله شبيهاً ببيان اعلامي في دولة شمولية بعيداً عن قراءة الحدث وطرح البيانات الموثقة بالارقام والادلة .
في الدول الديمقراطية يكون الخطاب الرسمي متماهياً مع نبض الشارع ومع الحقيقة الشعبية, لان الهــــدف فها توثيق الحقيقة وتأشير النواقص ووضع الحلول للمشاكــل, اما اذا استحال هدفه التغطية والتقييم وتكذيب التقارير الدولية والوقوف نداً لكل من يحلل واقعنا بحسن نية وينبهنا الى عمق الازمات على كافة الاصـــــــــعدة, نقول اذا اصبح هذا واقع الحال فأن خطابنا الاعلامي يتحول بالضرورة الى خطاب نظام وحزب وايدولوجيا واحدة وينفك عن التنوع المجتمعي والسياسي والفكري والثقافي الذي يفترض انه السائد في الدول الديمقراطية, وفي العراق كدولة تسير على هذا الطريق.
المسؤول العراقي مازال يخاف الآخر ويتخوف من المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية التي تصدر تقاريرها بشأن العراق.
لذلك غالباً ما يكون التكذيب والتفنيد والاتهام بالمؤامرة هي اللغة التي يتعامل بها مع دول ومنظمات هي بالاساس صديقة وهمها تنمية الديمقراطية وقطع دابر النتوءات وتأشير مواطن الوهن, ولا تنوي ابداً اهالة التراب على المنجزات او على تطلعات شعبنا. وهذا ما يخلق غالباً تباعداً بين رأي الشارع والجمهور والرأي الرسمي حول هذه التقارير الدولية .
هذا ما يحصل حين تأتينا تأكيدات موثقة ان بغداد اسوأ مدينة للعيش وان المرافق الخدمية فيها من ماء وكهرباء وتنظيف وامان في ادنى مســــتوى, أو قضية السجينات في سجون وزارة العدل, او انتهاكات حقوق المرأة, او اليات رعاية الطفولة والاسرة.
كل هذا لا يواجه من قبل الجهات المعنية بالمراجعة والتفهم والشكر للجهات الدولية التي ترصد الحالة العراقية, بل بالتعنت والتنكر والتعمية وهذا ما يزيد ازماتنا عمقاً ويوسع فجوة التنافر بيننا وبين المجتمع الدولي.
ان هذه التقارير الدولية هي نفسها التي استندنا اليها كأدلة لتبرير اسقاط النظام الدكتاتوري السابق, واصحاب التقارير هم مجموعة اصدقاء الشعب العراقي حين كنا في خندق المعارضة, وكنا حينها ننعت التقارير بالصادقة والمتفهمة لوضعنا والمدافعة عن تطلعات شعبنا, فما الذي تغير الان لكي نشكك فيها ونضعها في خانة الاعداء؟
نعتقد ان الخطاب الرسمي بحاجة الى غربلة ليتحول من خندق التطبيل الاعلامي المنحاز الى ضفة الاصطفاف مع العالم والمجتمع الدولي لكي يكون قادراً على مساعدتنا والدخول في شراكة فاعلة معنا, ولكي نكون جزءاً منه منسجماً معه ومكملاً له ومتناغماً مع اليات عمله, وليس متنافراً ومتصارعاً ومتعارضاً لان ذلك يخرجنا حتماً من دائرة الاهتمام الدولي.
ان كل الدول الديمقراطية نجحت وتفوقت حين اندمجت بالمواثيق الدولية وجعلت قانونها خاضعاً للقانون الدولي ولمعايير حقوق الانسان العالمية, وحين اصغت للتقارير الدولية وعدلت سلوكها وفق نصائحها وتقديراتها التي عادة تقوم على الحقائق والارقام والبيانات والعمل الميداني التدريجي التراكمي التوثيقي, ولا تستند الى خطاب اعلامي او بيانات عدائية .

                                                               20/3/2014 

26
لتكن كل النوافذ مشرعة امام حق التعبير
                                                                     فوزي الاتروشي

حين يصبح الكلام المباح قذفا ً وشتما ً والكلمة الطيبة نقدا ً والتأشير لموقع الجرح تجريحا ً, وحين يحاول البعض اعتبار الاخر المختلف عدوا ً, فذلك ناقوس خطر وانذار لابد ان ينبهنا الى ان المشهد السياسي والفكري اخذ يتردى ويتضاءل ضوئه على وقع زحف الظلام .
ان التاريخ اثبت ان ما من امة نهضت او حضارة انتعشت او فكرة اينعت وجمعت حولها عقول الناس وعواطفهم الا حين لجأت الى معولين احدهما للبناء والاخر للتدمير, فلا بناء للجديد والمتطور والمتناسب مع الزمن, الا بعد تدمير القديم والمتهرئ والعائد الى الماضي البالي .
ان الحاضر لا يستحيل مستقبلا ً اذا استمر مشتبكا ً مع الماضي ومتناغما ً معه, والماضي يبقى هو الواقف في حاضرنا ومستقبلنا اذا لم نكتب ونصرح ونقول ونعمل من اجل الغائه.
هذا كله يعني ان النقد لا بد ان يكون سيد الموقف واصحاب القلم والكلمة سادة المشهد الفكري والاعلامي لتصحيح الاعوجاج وتقويم الانحراف واعادة المياه كما نقول دائما الى مجاريها وتوسيع وتعميق المجاري ليمر الماء بسلاسة وامان وسرعة
واقعنا في عراق مغاير, فبخلاف كل دول العالم ليس هناك معيار قانوني محدد وتعريف واضح لمصطلح القذف والشتم وبدلا ً من ان تتحول محكمة الاعلام والنشر الى آلية اخرى لتحصين حق التعبير والرأي المكفول دستوريا ً تحولت الى ما يشبه دائرة استعلامات تتسلم القضايا الكثيرة الواردة اليها واكثرها يجب ان يرد بدعوى عدم الاختصاص .
في كل الانظمة الاوروبية وفي النظام الامريكي لا حساب على القول مهما كان قاسيا ً او نابيا ً او خارجا ً عن الاصول ما دام بقي في اطار القول ولم يتحول الى فعل مادي تنفيذي لإيقاع الاعتداء بالخصم, والتبرير ان حق الرد هو الاخر مضمون للخصم.
ولذلك نجد هناك الرؤساء والوزراء والمسؤولين من كافة المراتب والمستويات يتعرضون بشكل يومي الى سيل من التصريحات والاوصاف والنعوت لكونهم موظفي خدمة عامة وليسوا اشخاصا ً عاديين .
ان المكلف بالخدمة العامة يؤدي عمله اليومي وهو يصيب مرة ويخطئ مرات وينجز معاملات وقد يعيق مجموعة كبيرة من المصالح والمعاملات بقصد او بدون قصد, لذا يبقى معرضا ً للنقد والمساءلة ومسؤولا ً عن كل افعاله واقواله وتصرفاته تجاه عامة الناس .
نأمل ان نصل في المجتمع العراقي الى قناعة تامة ان الصحف والفضائيات والاصدارات والاذاعات وكل اجهزة الاعلام وجدت لتسلط الاضواء علينا وستبقى بلا عمل وسيكون وجودها بلا جدوى اذا اخضعنا كل ما يقال فيها الى سكين المحكمة والغرامات والملاحقات القضائية .
ان الوتد الاساسي للديمقراطية ان يكون حق القول والتصريح مكفولا ً وبالمقابل حق الرد والمناقشة والاثبات والنفي هو الاخر محصنا ً وفي هذه الحلبة يكون الصراع السلمي الذي يبرز الحقائق ويجعل الديمقراطية تتطور بسرعة الى الامام مثلما ان ذلك يوفر الوئام والسلام الاجتماعي, ويمنع انحراف حق القول الى التشابك بالايدي وبغيرها من الاسلحة التي تجعل الفعل يستحيل من حق التعبير الى فعل جرمي تحت طائلة القانون .
 
 
 
                                                                          27/3/2014


27
عيد القيامة.. دعوة لعناق الكنائس والمساجد
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

في عيد القيامة اذ نتوقد شوقاً ونذوب حباً ونتآلف على مائدة التسامح والتصالح والمصافحة بالقلوب والعواطف قبل الأيدي.. فأننا في هذه الايام الربيعية لايسعنا الا ان نتساءل مع الشاعر ابي الطيب المتنبي:
   عيدٌ بأي حالٍ عدت ياعيدُ      لأمرٍ مضى أم لأمرٍ فيك تجديدُ
فالمهم في هذا العيد الذي يمر على اشقائنا المسيحيين في هذا الوطن ان يكون مناسبة لكي لانكرر مامضى من كلمات وخطابات لاتجتاز عتبة المجاملات.
المسيحيون في العراق بحاجة إلى اطمئنان وأمان وسلام في وطن تعتقد فيه كل فئة مع الأسف بأحقيتها في الغلبة والتسيد وطمس الآخر وإقصائه من خارطة لا يجوز لأيٍ كان أن يحتكرها لوحده ولذاته الأنانية بدعوى الأغلبية العرقية والدينية أو الطائفية.
في هذا العيد المجيد ينتظر كل طفل وامرأة ورجل مسيحي في هذا الوطن ماهو أبعد من التهنئة وأكثر من شعارات الكلام المعلّب في قوالب جاهزة. ولعل قانون حماية الأقليات وتفعيل الدولة المدنية الديمقراطية ودولة المواطنة هي الهدية المثلى التي يجب ان نفكر بها لترميم صورة وطن تمزق على قدر اكداس الاسلحة المتقابلة والفئات المتناحرة وكل فئة تدعي انها الفرقة الناجية.
في عيد القيامة تزدهر الالوان وتتزاحم الشموع وقطع الحلوى والهدايا، وكلها تضع أمامنا استحقاقاً فورياً هو عناق الكنائس والمساجد والجوامع والمسيحي والمسلم والصلوات التي اينما اقيمت فهي في النهاية لله العلي القدير الذي لايحكم الا على العمل الصالح والنوايا الحسنة وفعل البناء والخير لمصلحة الانسانية جمعاء.
الا يجدر بنا في هذه المناسبة ان نقر ان الدين لله والوطن للجميع، وان المسيحي وان كان اقلية عددية بيننا اليوم فهو أغلبية معرفية وتاريخية وتراثية وفكرية وهو أحد أعرق جذور هذا الوطن... وهل تستقيم سيقان اشجار الاوطان اذا تنكرت لجذورها؟
دعونا اذاً في عيد القيامة نحتضن جارنا المسيحي ونصفق له وهو يقرأ تراتيل الرحمة والسلام وينشر عبق دين قام على المحبة والنور وروح التسامح اللامحدود بين البشر، دين الرسول عيسى عليه السلام الذي اسس بوصاياه لمنظومة قيمية تتجدد قيمتها مع الزمن واستلهم من أمه الطاهرة مريم العذراء قوة الارادة والتحمل والصبر وأزال الحقد من قاموسه حين صرخ أحبوا أعدائكم صلوا لأجل مبغضيكم.
دعونا نترجم قيمة التسامح إلى فعل يومي بين افراد اسرنا وجيراننا واحبائنا واشقائنا في الوطن اينما كانوا واينما حلوا وكيفما اعتقدوا وصلوا وعبدوا في عراق لابد ان يتسع للجميع ليصبح ملاذا للحب والتعايش.
ودعونا في الختام نضمّ صوتنا في هذا اليوم المجيد إلى صوت البطريارك (لويس ساكو) رئيس الكنيسة الكلدانية في العالم وهو يدعو الجميع ليكتشفوا فينا ((قلباً مفتوحاً)) ووجوداً لله الذي الذي هو الحب والمخلّص.

20/4/2014
بروكسل

28
ناهدة الرماح ... فقدت البصر فاكتسبت بصيرة ثاقبة
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                                     
فوزي الاتروشي
                                                                   وكيل وزارة الثقافة
يوم (5/4/2014) وفي قاعة منتدى (بيتنا الثقافي) كنا مع واحدة من سيدات الزمن الجميل للحديث عن تجربتها الفنية الغنية والثرية بالعمل والسياسة والمنجز الوطني والاجتماعي , ولشرح سيرة ذاتية هي بمثابة المشي على خطوط النار وضمن حقول الموت والتنقل بين السجون والمنافي . انها الفنانة القديرة (ناهدة الرماح) احدى رائدات الفن المسرحي في العراق .
في الندوة اشتعلت الفنانة كلاما ً وضوءاً وعنفوانا ً , ومعها اشعلت القاعة المكتضة بالاعجاب والتصفيق والمشاركة الوجدانية لكل كلمة تخرج من فمها فتتحول الى شمعة تنير القاعة . تكلمت (ناهدة الرماح) عن بداياتها الاولى التي كانت خطوات على ارض خضراء وصلبة , ورسالتها التي جسدت فيها جمال الفن وأناقة الأداء وقوة الموهبة إضافة الى القيم الأخلاقية والاجتماعية والإنسانية التي لابد ان تكون هي هدف اي فن وعمل خالد .
اصطدمت الفنانة بالسلطة الدكتاتورية وبالنهج العنصري اللاديمقراطي فدخلت السجن بعد انقلاب شباط الاسود في عام 1963 والسبب أنها اختارت الوطن والشعب وليس الخنادق الحزبية الضيقة , فكيف اذا كان هذا الخندق من الأساس مسموما ً برائحة الموت والدمار والعدوانية .
منذ ذلك الحين بدأت الفنانة القديرة مسيرة فنية وسط غابة من الأشواك بعيدا ً عن مناطق النفوذ والسلطة وقريبا ً الى حد الذوبان في مسامات المجتمع , وبمنأى عن سطوة المال وإغراءات الحياة بهدف ترجمة معاناة البسطاء والفقراء الى رسالة بالغة المغزى على خشبة المسرح .
ان (ناهدة الرماح) بحياتها وقيمها وفنها وبساطتها ثروة لهذا الوطن ونموذج رائع لشخصية حياتها وفنها صنوان لا ينفصمان , لهذا احبها الناس حيث حلت .
 في الندوة قدمت مجموعة مقاطع مسرحية لأهم الاعمال التي مثلتها ولاسيما (النخلة والجيران) و (القربان) التي كانت فيها على موعد لتفقد بصرها ولكن لتصبح كما رددت : "انا فانوس لكم جميعا ً" .
كانت تلك لحظات ستبقى في المشهد الفني العراقي وفي تاريخ المسرح العراقي محفورة بقوة , فهذه الشجرة الباسقة فقدت البصر وهي تؤدي الدور ولكنها استمرت رغم ذلك مقدمة ً نموذجا ً فريدا ً للتحدي والإرادة التصميم على مواصلة رسالتها في الحياة ... والسبب بسيط جدا فأنها مع فقدان البصر اكتسبت بصيرة ثاقبة . وما اكثر العميان من حولها وهم ذوو بصر وما اقل من يملك مثلها بصيرة مشعـَّة وحافلة بالضوء والنور الذي يبهر الحياة .



                                                                            6/4/2014

29
الخطوط الجوية العراقية بحاجة الى عملية جراحية
                                                                                                                                  فوزي الاتروشي

نحن العراقيون سباقون في اطلاق التسميات الشعرية الجميلة على مظاهر حياتنا, ولكن لسنا في كل كلمة دقيقي التسمية, وكأن القاعدة الشعرية الذهبية هي التي تفرض نفسها اغلب الاحيان ومفادها ابلغ الشعر اكذبه.
خطر لي هذا وانا اشاهد العراقي الجميل والبريء وهو يصف الخطوط الجوية, المسماة بالطائر الأخضر وطائر السنونو .
وكأني بالشاعر الرصافي حين قال ذات يوم :
اسماء ليس لنا سوى القابها
اما معانيها فليست تعرف
الخطوط الجوية في اي بلد رمز جميل يدور في الفضاء معلناً اسم دولة ومعرفاً بها وبعراقتها وضيافتها ومصداقيتها وضبطها اضافة الى اناقة وجمال ذلك البلد.
اذاً هي رسول امين وعلم متنقل للوطن العراقي عبر الاثير وفي مطارات العالم.
هذا هو الحلم والامل. اما الواقع فانه مرٌّ وقبيح وغير قابل للتصديق, فبعد اكثر من عشرة اعوام لم يستطع "طائر السنونو" ان يتلائم مع الوقت ومواعيد الطيران حيث التأخير في الهبوط والاقلاع هي القاعدة واحترام التوقيتات هو الاستثناء, اقول هذا لانني احد المضطرين لاستخدام هذه الخطوط بشكل متواصل ككل المسؤولين الاخرين. وكم مرة دخلنا في نقاش عبثي مع موظفي الخطوط والمطار طالبين تحسين الخدمة والطعام وطريقة التعامل مقابل اسعار التذاكر التي يدفعها المواطن للحصول على شيء من الراحة والاحترام .
لاشيء في هذا الطائر يشبه السنونو سوى لونه اما طيرانه وخدماته وابتسامته وضيافته فهي امور حدث عنها ولا حرج. وجاءت قضية اعادة الطائرة اللبنانية كحدث غير مسبوق في عالم الطيران, لتقصم ليس ظهر بعير واحد وانما قطيع كامل من الاباعر.
فالحادث لم يكن سوى نتيجة تراكم الاخطاء والنواقص والتخلي المتواصل عن المعايير الدولية في مجال الطيران المدني.
واللافت ان مسؤولي الطيران المدني والخطوط الجوية العراقية لايعيرون للقانون الدولي اي اهتمام ويراكمون الخطايا ولا اقوى الاخطاء بحق المواطن, ففي الوقت الذي امتنعت الطائرات الالمانية والنمساوية عن الهبوط في مطار بغداد الدولي اثر مخاوف جدية بعد سلسلة الصواريخ التي اطلقت عليه او على محيطه, كان بالامكان الابقاء على رحلاتها الى اربيل او اي مطار عراقي آخر لمواصلة خدمة العراقيين القادمين من الخارج الى وطنهم, ولكن السيد المدير العام ارتأى عكس ذلك, فمادامت رفضت القدوم الى بغداد فأن سيادة المدير العام يرفض ان تهبط  في اربيل ايضاً، ولا ندري ما سر هذا القرار الذي يزيد الطين بلة ويجعلنا فعلاً في نظر الاخرين مبعثاً على السخرية والضحك بل وعلى البكاء .
الخطوط الجوية العراقية مريضة ولا بد ان تدخل غرفة العناية المركزة لاجراء عملية جراحية لها عاجلاً وليس اجلاً .
والعملية لا يسلم منها اي مرفق من مرافقها التي تعاني الحمى والسهر والغثيان. ويكون ذلك بالالتزام التام والكامل غير المنقوص بالمعايير الدولية, لجهة التوقيتات الدولية وجداول الرحلات وتحسين الضيافة, وتنظيم المطار وعدم اهانة المواطن بالجلوس ساعات طوال انتظاراً للاقلاع وتعويضه في حالة الغاء الرحلة, واجراء تحسين وتعديل على طاقم الخدمة الارضية وعلى طاقم المضيفات والمضيفين في الجو من خلال رفع رواتبهم واقامة الدورات التدريبية، وقبل هذا وذاك قبول الاجيال الشابة ذات المقدرة والكفاءة في التحصيل العلمي واللغات للدخول الى عالم الضيافة الانيقة التي تعكس وجه الوطن وتقاسيمه امام العالم.
ان اعادة الطائرة اللبنانية ألحَقَ ضرراً معنوياً واعتبارياً لا يعوض بالخطوط الجوية العراقية, لاسيما وان الحادث الكارثة كان بسبب تدخلات شخصية ولأجل هدف يتعلق بشخص واحد فقط استطاع فرض ارادته على وطن كامل.
ولهذا وانطلاقا ً من هذه النقطة السوداء على "طائر السنونو" اما ان يتوقف عن الطيران أو أن يعتذر لكل مواطن عراقي ويعد للمرة الاخيرة ان يطير في الفضاء حاملاً امنيات السلامة وافتخار العراقيين وهو يتنقل بين مطارات العالم .
                                                                   16/3/2014


30
(محمد بديوي) قلم أخر يغرق في الدم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                 
فوزي الاتروشي
بدلا من ان يبقى القلم مخضباً بحبر الحقيقة والبحث اللامتناهي عن المعلومة, وبدلا من ان يكون الاعلامي رسولا امينا مطمئناً على فكره وأوراقه البيضاء وأحلامه وجسده المتنقل بين الشوارع والازقة في سياحة متعبة ومرهقة لنقل الآم وآمال المواطن العراقي ,نجده بالعكس ضحية فتارة يهان او يشتم أو تخنق حريته أو يجبر على ركض الموانع عبر الاسلاك الشائكة وفي حالات أشد قسوة تزهق روحه بطلقة طائشة وحاقدة .
هذا ما حصل للاعلامي والاستاذ في الجامعة المستنصرية الدكتور محمد بديوي الذي جمع مهنة التدريس مع عشقه لمهنة المتاعب .
أن الذي قتل هذا الواقف على قدميه لكتابة خبر عاجل لم يكن يتوقع ابدا أن أغتياله هو الخبر العاجل الذي سينتشر ليسجل على قائمة ضحايا البحث عن الحقيقة , يضاف الى كل الشهداء الاعلاميين الذين راكم موتهم في حياتنا الحزن والالم, نقول ذلك لان هذا الاغتيال ليس الاول من نوعه فمسلسل القتل مستمر منذ سنين , والاستمرار لم يكن ليحدث لولا تمادي الحكومة ومؤسساتها والاجهزة الامنية في الاهمال والتراخي وتناسي نزيف الاقلام على أرض هي اصلا غارقة في الدماء التي يهدرها الارهاب يوميا في كل المدن العراقية .
المفارقة هنا ان ثمة أصطفافاً سواء عمدا او بغير عمد بين سلوكيات خاطئة ونظرة دونية لعمل الصحفي المهم والفاعل والمؤثر, وبين فعل الارهابي لجهة النتيجة ففي الحالتين يسقط جسد مواطن بريء لايملك من متاع الدنيا الا مخزون عواطفه وعشقه للوطن ورزقه اليومي الذي بالكاد يكفي لاعالة عائلته . أذن للارهاب الوان ووجوه والذي يطلق الرصاصة على القلم والفكرة والكلمة يرتكب أثما لايقل عن اثم ذوي الاحزمة الناسفة اللذين يفجرون انفسهم على الاطفال والنساء في الاسواق والشوارع والدوائر وفي كل زاوية من الوطن .
ان التهاون والاصرار على التطاول على الجسم الاعلامي في العراق لم يكن ليحدث لو ان الحكومة والاجهزة الامنية اتخذت منذ البداية اجراءات حازمة وحاسمة ازاء كل من اعتدى على الاعلاميين باية صورة كانت وتحت اية ذريعة .
ليكن دم الشهيد محمد بديوي بداية للعودة الى الذات ومراجعة النفس ومجمل الاداء الحكومي تجاه الاعلاميين الذين يستحقون منحهم من عواطفنا وحبنا اللامحدود نسغ الحياة وليس رصاصة الموت.
 
                                                                                    23/3/2014


31
في الذكرى الـ (26) لفاجعة حلبجة ... الضحية تنتصر على الجلاد
                                                             
فوزي الاتروشي

 
في الساعة الحادية عشر من صباح يوم (16/3/2014) توقفت الحياة في مدن الاقليم ووقف الجميع خمس دقائق حدادا ً على ارواح شهداء جريمة غير مسبوقة في التاريخ ارتكبها النظام الدكتاتوري في (16/3/1988) حينما امطرت طائراته السموم الكيمياوية على مدينة (حلبجة) الكوردية لتقتل في دقائق (5) الاف انسان برئ . واهلكت الزرع والضرع واحرقت الاخضر واليابس وسممت البيئة فكانت بذلك نقطة البداية في مرحلة جديدة من النضال التحرري الكوردستاني .
المجرم اراد التعتيم على الجريمة وعمم على السفارات العراقية في حينها لتدشين حملة تمويه لتضليل الرأي العام العالمي , لكن التقرير التلفزيوني الذي وصلنا في البر الاوروبي كانت القشة التي قصمت ظهر البعير وساعدنا على التهيئة لاكبر حملة لمناصرة القضية الكوردية والعراقية التي كانت محاصرة بصمت مطبق في الدول العربية وعموم العالم الاسلامي الذي استطاع النظام السابق رغم فظائعه كسبها الى جانبه .
لكن الفلم التلفزيوني شاع وانتشر بأقصى سرعة في الدول الاوروبية وفي المانيا عرض في قاعات كبرى كذلك في لندن وباريس وستوكهولم وامستردام وغيرها من العواصم الاوروبية التي استيقظت على هول هذه الجريمة البشعة .
ومنذ البداية صممنا في كل الاحزاب الكوردستانية والعراقية المعارضة على توظيف هذا الدليل الدامغ الذي يدين النظام ولا يترك مجالا ً للشك فيما يقدم عليه من قتل شعب بالجملة .
بدأت كبرى الصحف الاوروبية تكتب عن الحدث , وشرعت المنظمات الحقوقية بفضح الجريمة ودعوة بلدانها لاتخاذ قرارات حاسمة , ومن جانبنا بدأنا بالكشف عن اسماء الشركات التي زودت النظام بالغازات السامة , اما البوسترات التي وزعت بعشرات الالاف من النسخ في العواصم الاوروبية فكانت ايذاناً واعلاناً بتفوق اليات عملنا الاعلامي على ديماغوغية النظام الذي انكفأ على ذاته ولم يعد امامه سوى الانكار القبيح لجريمة تتحدث عن نفسها بنفسها ارتكبها نظام انسلخ كليا ً عن الانسانية وعن الحضارة وكل المنظومة القيمية والحقوقية للبشرية .
ومع اشتداد الحملة وتضافر الجهود الدولية وتوافد المئات من جرحى القصف الكيميــــاوي على الدول الاوروبية للعلاج تراكمت ادلــــة جديدة على هول الجريمـــة , وبدأنا نتحسس رغم عمق الجراحات الغائرة وحجم الضحايا بأن ثمة بارقة امل تلوح في الافق لوضع النظام في قفص الاتهام . وهذا يؤكد ان الحقد حتى لو بلغ اقصاه وان الطغيان مهما استبد ودمر وقتل واحرق واباد فانه يعجز عن قهر ارادة الانسان وقوته المعنوية في المقاومة .
وهذا ما حصل , فسرعان ما تحول تاريخ السادس عشر من اذار عام 1988 الى علامة بارزة في الاعلام الاوروبي وبدأت الاقلام تطالب بجعله اليوم العالمي لتحريم الاسلحة الكيمياوية .
قبل (حلبجة) كانت (هيروشيما) و (ناكازاكي) اليابانيتين واللتين قصفتا في الحرب العالمية الثانية بالاسلحة الذرية , فقد تحولنا ايضا ً الى عنوان عالمي في فكر البشرية وفي ادبياتها وما زالتا تهزان الضمير العالمي كلما جاء ذكرهما .
(حلبجة) او (هيروشما الكوردية) كما اصبحت فيما بعد تسمى بدأت تلملم جراحـــــاتها , وقدمت بعض الدول مساعدات لإعادة الاعمار في مقدمتهـــــــا المانيا , وفي نيسان عام 1991 حين صدر لأول مرة في تاريخ الامم المتحدة قرار انشاء المنطقة الامنة في كوردستان العراق , شكلت فضاعة الالم الذي خلفته جريمة (حلبجة) الخلفية النفسية الوجدانية لهذا القرار الذي دخل التاريخ تحت رقم (688) والذي يبيح لأول مرة التدخل في سيادة الدول لمنع الحكومات من قصف وإبادة شعوبها . في نفس الوقت تصاعدت الأصوات في اغلب البرلمانات الاوروبية لمناقشة تداعيات هذه الجريمة واعتبارها جريمة إبادة جماعية وما زالت الحملة لغاية الان مستمرة .
وعلى الأرض تم بناء (حلبجة) جديدة وأعيد الأعمار الى مدينة أُبيدت وسويت بالأرض , اما قبور الضحايا ومتحف الذكرى الذي يضم قوائم اسماء الضحايا وبعض المقتنيات والصور فأنه اصبح مزارا ً للوفود الاجنبية وللاجيال الجديدة لكي لا تنسى ولكي تبقى عالقة كما الوخز يدق على الضمير العالمي . وبإعدام المجرم (علي كيمياوي) تحققت قفزة اخرى لجهة انتصار الضحية على الجلاد الذي دمر في حينه كل شئ الا الإرادة والأمل .
واليوم اذ تعلن حكومة اقليم كوردستان تحويل (حلبجة) الى محافظة فأنها في الحقيقة تقول للعالم كله على لسان الضحايا وذويهم ان القتيل انتصر على القاتل وان الضحية انتصرت على الجلاد .
 
 
 
                                                                          17/3/2014     

32
فؤاد شاكر ... صورة بيتها الذاكرة العراقية

                                                                       
فوزي الاتروشي
                                                                      وكيل وزارة الثقافة

التصوير الفوتوغرافي ذاكرة وسجل وارشيف وحاضنة ذكريات تؤشر لما كان ولما آل اليه المكان او الزمان او الانسان. وهو بعكس الكلمة التي قد تكون مكتوبة بمزاجية وعواطف الكاتب , تنقل بأمانة الواقع المصور مما يساعدنا على التعرف بدقة على الموضوع واستمرار المعايشة معه على مر العصور . ولهذا فالمصورون البارعون هم كنز معلوماتي نغرف منهم المادة الخام للكتابة والتحليل والمقارنة .
والراحل المبدع الكوردي العراقي (فؤاد شاكر) احد هؤلاء و احرق اكثر من (40) عاما ً من عمره في هذا الفن الجميل والممتع والمهم ليصبح بحق (شيخ المصورين) الذي يجوب الازقة البغدادية ينقل البسمة والدمعة والالم والحزن والفرح متجولا ً في الازقة الفقيرة حيث طابع الحياة اليومية وكانت الحصيلة (23) معرضا ً اولها عام (1967) واخرها عام (2001) تراكمت خلالها شهرته عراقيا ً واقليميا ً ودوليا ً .
فؤاد شاكر لم يكن مقلدا ً او مجرد هاوي او مكتفيا ً بالتصوير العشوائي , وانما كان بأجماع المهتمين بهذا الفن علامة اثراء واغناء نوعي , او كما قال المصور الفوتوغرافي هاتف فرحان عن احد معارضه : "انه يؤرشف بالصور المبدعة تاريخ العراق من خلال حياة الناس بالتقاطات ذكية وحرفية عالية " .
فالذكاء يعني اختيار موضوع الصورة والحرفية تعني الزاوية الملتقطة ووقت التقاط الصورة والجزء الذي يجري التركيز عليه لتكون الصورة اكثر من مجرد نقل وانما نقل والهام ورمزية وايحاء .
الواقع ان التصوير الفوتوغرافي في تطور الى افاق جديدة مثل كل الفنون الاخرى في الدول المتحضرة , ليصبح فنا ً قائما ً بذاته , لاسيما في عصر صارت الصورة الواحدة تعادل بحق الف كلمة , لانها تحمل صفة الاختزال والايجاز الذي يجعل الرسالة المطلوب ايصالها تؤدي فعلها بأقصى سرعة وبشكل متكامل .
(فؤاد شاكر) فنان ستفتقده طويلا ً الازقة والمحلات البغدادية التي كان الفنان حامل لحظات افراحهم واحزانهم وهمومهم بجهاز تصوير حاد الذكاء وبقلب عامر بمحبة الناس وبعواطف اتقدت اربعة عقود لأرشفة الاماكن والازمنة والمظاهر والظواهر وتحولات الانسان العراقي انها اذاً قصة الحب الطويلة والطويلة جدا ً التي جمعت (فؤاد شاكر) بالناس البسطاء والنساء والاطفال الحاملين لمشاعل الحياة التي تنطفئ تارة وتارة تخفت واخرى تشتعل وفي كل هذه الدورة كانت كاميرا (فؤاد شاكر) تدور معهم .
رحل (فؤاد شاكر) الذي صورنا جميعا ً فهل لنا ان نحتفظ بذكرى عزيزة هي صورة ضريحه العامر الاخضر التي لا شك ان كاميرا الذاكرة العراقية بيتها ومكان خلودها .
 
 
 
                                                                          2/3/2014 


33
حينما نحب بعضنا بعضاً.. يهرب الارهاب
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   لانكاد نجد فرصة للفرح أو الغناء أو الشعور بشيء من السعادة، ولانكاد نقتنص دقائق لإطلاق همسات حميمة أو حوارات ندية مع الأحبة والأصدقاء، بل حتى الحضور إلى حفل تأبين أو دفن الشهداء أصبح أمراً مرعباً حاملاً توقع الموت كل لحظة، لأن الأرهابيين والأحزمة الناسفة مزروعة في كل مكان.
   هم مصممون على قتل الفرح وتدمير الحياة وتحويل الوطن إلى ذكرى وطن، والحياة إلى مسلسل تراجيدي دموي، والأرض إلى بيادر جثث ومقابر تترامى على مدِّ البصر. وهم ماضون في فعل المصادرة، مصادرة الأحلام والعواطف ومنع الحب بكل أشكاله وتنويعاته واحتكار تمثيل الجميع باسم الله والدين.
   بعد اكثر من عشر سنوات على التحرر من الدكتاتورية مازلنا في البيوت والمدارس والأسواق والدوائر والجوامع والكنائس نشعر بالحاجة إلى أمان لايأتي واستقرار كأنه السراب الذي يخدع العين لبرهة ثم يغيب في زحمة الأخبار اليومية العاجلة التي تعدد لنا أرقام القتلى والجرحى من الأطفال والنساء والرجال والأبرياء في هذا الوطن، وفي كل مرة نعرف أن المسلسل طويل وأن البقية تأتي.
   أطفال بلادي تعودوا ان المتنزهات والحدائق وأماكن اللهو ليست في مأمن من حزام ناسف قد يتفجر في أية لحظة، ونساء بلادي تعودّن أن الاسواق معرّضة لكي تتهدم على رؤوس الناس، والمصلون يذهبون إلى أماكن العبادة وقلوبهم تخفق بالتوجس والتوتر من هذا الوحش القادم لتسميم لحظات العبادة النقية.
   وهكذا نعيش يومياتنا بانتظار موت يحصد كل يوم جزءاً من حاضرنا ويحاول زرع اليأس في مستقبلنا ويجعلنا أسرى لمشاهد الدم والدموع حوالينا.
   ولكن كفى.. فمنطق الحياة في النهاية يقول ان الإرهاب عمره قصير إذا أردنا، وطويل _لاسمح الله_ إذا ترددنا في حب الحياة واغنائها واثرائها وتنميتها مثلما حاول ونجح العالم المتحضر.
   وهنا نتذكر حوار والدة الشهيدة (نورس النعيمي) مع قاتل ابنتها الذي قُبض عليه بعد يومين من الجريمة البشعة. كانت الأم بطلة بكل معنى الكلمة حين لقّنت الإرهابي درساً بشرحها كل القيم الجميلة التي حملتها ابنتها من جدية في العمل والدراسة والطموح وحب الرسم والحياة، ولم تمنح القاتل الظلامي فرصة للفرح بما ارتكب وفعل، فهي لم تذرف الدموع وانما ذكّرته بحجم الخطيئة التي أقدم عليها. مثلما نستحضر باعتزاز صورة الشرطي الذي إحتضن الإرهابي المجهّز بالحزام الناسف لمنعه من التفجير وبذلك خسر حياته مقابل حفظ حياة كثير من الأبرياء وصار رمزاً متألقاً لنكران الذات.
   اذن لابد أن نبادر وندشن ونخلق افعالاً بطولية للمقاومة، والبطولة هنا لاتعني قوة العضلات والبدن، بقدر ماتعني قوة الحقيقة والمنطق، وقوة الثقافة والتنوير، وقوة الاستفادة من تجارب العالم في دحر آفة الإرهاب، وقبل هذا وذاك قوة الحب كأعظم سلاح يمكن ان نواجه به الإرهاب ونقتله بضربة قاضية. فالحب يعني ان لامكان للبغضاء مهما كانت الذرائع وان الحوار ووصل الجسور وتقديس حق الحياة وتوسيع هامش الحريات والحقوق للجميع، وفتح الأبواب على مصاريعها للثقافة المستنيرة التي تضيء دهاليز العقول والقلوب وتجعلنا على اختلاف الأعراق واللغات والأفكار والأشكال والمناطق والثقافات نتناسق إلى حدّ التلاحم لسد أية مسامات تدخل منها سموم التفكير السوداوي الاقصائي العنصري المتعالي والأحادي الرؤية. هذه هي البذرة الأولى لمنع تكفير الآخر واحترامه والتعايش معه ضمن آصرة الوطن الخضراء، وهذا يجعل الإرهابي يهرب حتماً لأنه يتغذى على ثقافة التناحر بيننا، وحين يتحول التناحر إلى تآلف يفقد الإرهاب مايعتاش عليه.
   في ديوانه (ورد أقل) يقول الشاعر "محمود درويش":
   ونحن نحب الحياة اذا ما استطعنا اليها سبيلا
   ونسرق من دودة القزِّ خيطاً
   لنبني سماءاً لنا ونسيَج هذا الرحيلا
   ونفتح باب الحديقة كي يخرج الياسمين..
   إلى الطرقات نهاراً جميلاً
ونحن نقول اننا نستطيع بالإرادة والتصميم ان نتلاقى على ضفاف الحب والعناق الأبدي، عناق المآذن والكنائس، وعناق المسلم والمسيحي، وعناق اللغات والاعراف في كل تضاريس العراق، على وقع انشودة المطر السيابية من أجل مطر يغسل كل الأدران في القلوب لنلتقي على بساط عراق ملوّن وجميل يتسع للجميع.. لنجرب مرة ان نحب بعضنا بعضاً بعمق وإخلاص وسنجد كيف تتغير حياتنا. فبهذا الحب غيَّر نيلسون مانديلا صورة جنوب أفريقيا وقهر نظام الفصل العنصري البغيض وانجز وطناً ديمقراطياً للجميع من داخل زنزانة لاتزيد مساحتها على (5ر1متر×5ر1متر) قضى فيها الفترة من 1964 حتى 1990.

26/12/2013
المانيا/فرانكفورت

34
الكلمة كالعصفور تعشق الحرية
                                     
                                                                         
فوزي الاتروشي
                                                                       وكـيل وزارة الثقافة

تزدحم محكمة النشر والاعلام بالقضايا ، واكثرها كيدية وانتقامية تحاول التصيد في المياه العكرة، واقل القليل منها ينطبق عليه وصف القذف والشتم. ان هذا قرع لأجراس الخطر على صعيد الكلمة التي لا تتنفس الا الحرية ولا تبدع الا في الفضاءات اللامتناهية  لحق التعبيرالذي يتجاوز الدساتير الوطنية الى النسيج القانوني الدولي العابر للدول والقارات ، فهذا الحق جزء من الحضارة الحالية.
كيف نقول :ان في البدء كانت الكلمة اذا كان البعض مازال يفكر ان يزرع حولها الاسلاك الشائكة ، وكيف نشاطر الشاعر القديم قوله: ان خير جليس في الزمان كتاب ، اذا كان ثمة من مازال يحلم بالكتاب المعلب بالقوالب الجاهزة والشعارات الحزبية، وتكرار واجترار الاحكام الوعظية التلقينية في سياق التحريم والتكفير والتخويف والارتداد، لمجرد ان الكتاب مثل العصفور لا يقبل العيش في قفص حتى لو كان واسعاً او ذهبياً ولا يرتاح الا الى السير عبر المسافات الطويلة لاقتناص الفكرة والجملة غير المألوفة المؤمنة بالتجديد مع كل نهار جديد. الم يكن الشاعر الكبير الجواهري ثاقب البصيرة حين قال:
                 لثورة الفكر تاريخ يحدثنا
                                   بان الف مسيح دونه صلبا
الم يكن (سقراط) محقا حين قبل تجرع السم رافضا التنازل عما كتبه وقاله في المجتمع اليوناني القديم متنبئا بان التاريخ سيدين خصومه وستتم تبرئته من التهم الموجهة اليه ، وهذا ما حصل العام الماضي حين برأته المحكمة اليونانية بعد الاف السنين من رحيله.
الا يكفي ان تاريخنا حافل الى حد التخمة بضحايا القمع الفكري من الادباء والفنانين والفقهاء والأئمة الذين رفضوا ان يكونوا من وعاظ السلاطين ودفعوا ارواحهم من اجل ان نعيش نحن على ضفاف التحرر بعيدا عن هواجس الخوف والتردد والرعب الذي يرافق كل هجوم على الكلمة المكتوبة التي كان لها فضل اخراج البشرية من حقبة اللاتدوين الشفهي الى تدوين التاريخ والفعل البشري في كل المجالات مما ساعدنا على البناء عليه لبلورة الحضارة الراهنة.


لو امسك اي واحد منا القلم لاعداد قائمة بضحايا الفكر والكلمة عبر تاريخ المنطقة لأصابه الهول واصيب بصدمة صاعقة لكثرة وضخامة السجل الذي سيعد بالاسماء التي كان مصيرها التعذيب والسجن والقمع والقتل بابشع  الطرق وحرق نتاجهم الذي لو بقي في مكتباتنا لكنا اليوم حققنا اكبر قدر من الثراء المعرفي والفكري.

بالعودة لاصل الموضوع نقول لكل السياسيين والبرلمانيين ان محكمة النشر والاعلام في كل الدول المتحضرة محكومة بمعايير قانونية وادارية واضحة ولا يجوز اقحامها في كل شاردة وواردة من الكلام الذي يكتب في الصحف او يقال في الفضائيات ، فالكاتب وكتاب الاعمدة الصحفية والمحللين السياسيين والمبدعين في الشعر والقصة والرواية والمقال وكل مجالات الفن، لابد ان يكون لهم اوسع فضاء للابداع وضمانات قانونية بانهم لن يحاكموا والا فقد المنجز الاعلامي والثقافي مغزاه وتأثيره، بل ان المبدع قد يلجأ الى التمويه والتغطية لتمرير الفكرة، او الى المهادنة والرياء وهذا ما يفقد العمل صدقيته.
ورب سائل يتساءل ولكن ماذا بشأن القذف والشتم ونقول انه خط احمر في كل الدول وارتكاب فعل القذف جريمة يعاقب عليها القانون، ولكن الاختلاف في مدى التوسع او التضييق في تكييف الفعل الجرمي لكي لا يجري التعسف في استعمال الحق ، والمطلوب هو الاجماع القانوني على تعريف محدد للقذف والشتم ضمن اشتراطات وحدود واضحة. وهذا هو الحل لعدم الوقوع في مطب تكاثر القضايا امام محكمة الاعلام والنشر ومعظمها في النهاية خاسرة، لانها كما قلنا تمس حق الانسان في التعبير.

                                                                   16/2/2014

فالنتينا


35
لهذه الاسباب يستحق اقليم كوردستان العقوبة
فوزي الاتروشي
   ببساطة ودون لف ودوران أو وضع النقاط على الحروف أو تحتها فالامر واضح وضوح الشمس في رابعة النهار. بعض الاطراف الفاعلة في العملية السياسية لا تقرأ الحاضر وقد غلقت بوابة المستقبل وارتكنت إلى الماضي بكل مافيه من قبح وسوء متبنياً المقولة الشهيرة "التاريخ يعيد نفسه", دون ان يدرك ان هذه الاعادة لن تكون سوى نسخة هزلية مشوهة لاتمت للأصل بصلة الا لجهة سوء النية التي من وراء استعادة التاريخ.
   اقليم كوردستان يتلقى هذه الايام العقوبة تلو الاخرى من المركز وهو في الواقع تلقاها على اقساط منذ عام 2003، والفارق ان الجرعة ازدادت مؤخراً لجهة الكمية وليس النوع.
   ففي الوقت الذي نردد يومياً مقولة "قطع الاعناق ولا قطع الارزاق" تصر الحكومة على وقف نسغ الحياة عن المواطنين في الاقليم وقطع الرواتب عن ابرياء ليس لهم سوى كدهم وعملهم يعيشون عليه، وبين حينٍ وآخر توجه وزارة النقل ضرباتها إلى الانتعاش الحاصل في مطارات الاقليم فتمنع عنها تارة الرحلات التركية أو الالمانية أو السويدية دون ان تكلف نفسها عناء التحاور والتداول مع سلطات الاقليم، اما وزارة النفط فهي صماء بكماء ولا تحاور ولا تجيد الا لغة القوة والغلبة وجمع كل الاوراق البترولية بيدها لإجبار الآخرين على الاستجداء ضاربة بالدستور عرض الحائط.
   ولن نحاول اجراء جرد احصائي للشوائب التي يرميها البعض في العلاقة التي يفترض انها خضراء بين العرب والكورد والمكونات الاخرى، لان هذا الجرد في النهاية يؤدي إلى اثبات اننا في دولة مركزية لاتترك للاطراف الا اقل قدر من الصلاحيات، اما مايمارسه الاقليم فنتيجة قوته الذاتية على الارض وليس برغبة وقناعة من المركز.
   نأتي إلى صلب الموضوع لنقول ان الاقليم يستحق العقوبات لانه منذ عام 1990 كيان شبه مستقل ولكنه دأب على القول "انه جزء من العراق"،  ولكن العراق الديمقراطي الفدرالي البرلماني المدني وهذا مالم يتحقق ولا امل بتحقيقه عاجلا.
   ولأنه بقي حاضنة لكل القوى والشخصيات والكفاءات العراقية التي تقيم فيه للدراسة والعمل والانتاج، بل ذهب إلى ابعد من ذلك ليكون ملاذاً لكل النازحين من جحيم الدكتاتورية في سوريا أو من آفة الإرهاب في المدن العراقية، أو بحثاً عن مصدر آمن في منطقة آمنة ومستقرة، واصبحت الموقع رقم (20) بين المناطق السياحية الاكثر جذباً للسياحة والاستثمار في العالم.
   وهو يستحق العقوبة لأن خطابه وطني انساني ديمقراطي لايعترف بالتمايزات القومية والدينية والطائفية والسياسية، فاللغة السريانية العريقة تنتعش هناك وكذلك التركمانية, وتقرر لاول مرة في تاريخ العراق  تدريس الديانة الايزيدية , والجامع والكنيسة يتعانقان وآلاف المسيحيين الهاربين من مد الإرهاب ومد التكفير يعيشون فيه وهذا حقهم لانه جزء من وطنهم العراق, وكل الديانات والطوائف تلقى نفس الاهتمام دون سيادة واحدة وتكفير وتخوين وتنجيس الاخر المختلف.
   وهو يستحق العقوبة لانه نجح في ان يكون حاضنة لنجوم الفكر والفن والادب والسينما والموسيقى من العراق ومن الدول العربية, وتحولت محافظاته الثلاث اربيل والسليمانية ودهوك إلى منارات كل واحدة منها تحت عنوان مختلف للتنمية, فالاولى عاصمة سياسية تنشد ان تكون دبي العراق, والثانية عاصمة ثقافية بامتياز، ودهوك مدينة الاقتصاد والسياحة تنام بقلبها الابيض، على تخوم الجبل الابيض، وهذا مالا يروق لمن يعيد ويقدس مقولة اللغة الواحدة والزي الموحد والرأي الواحد والفكر القائم على ساق واحدة. والاقليم يعاقب لانه اثرى الحياة الاجتماعية والاقتصادية-والثقافية وجعل اللغة الكوردية تتطور بخطى متسارعة، بعد ان كانت على مدى عقود مقموعة، اما النتاج الثقافي فأصبح مضاعفا بشكل لايصدق لجهة الكتاب والغناء والموسيقى والسينما والمسرح والنشاط الفكري المتنور، فدور النشر والترجمة العائدة للقطاع العام والخاص والفضائيات الكثيرة والمتنوعة والمتخصصة، والجامعات التي تجاوز عددها الـ(16) جامعة باللغات الكوردية والعربية والتركية والانكليزية اغنت الحياة العلمية والتربوية في الاقليم.
   ولهذا لابد من وقف عجلة الحياة وقطع شريان الدم عنها لتكون تابعة صغيرة وذليلة لدوائر المركز المعطلة عن العمل والغارقة في فساد اداري ومالي بأبشع صوره.
   وابعد من هذا وذاك فالإقليم يعاقب لأن قادته هم اول الزائرين لبغداد حينما كانت تحترق بعيد التحرير، وكنا من اللذين رافق الاخ مسعود البرزاني رئيس الاقليم إلى بغداد وحينها كانت الدولة منهارة والمؤسسات والوزارات مغلقة والحياة متوقفة، ورغم ذلك كان خطاب البرزاني وطنياً موجهاً لإعادة الحياة إلى مفاصل الدولة ولضخ دم العلاقة الكوردية العربية من اجل العمل لبناء دولة عصرية وديموقراطية تتسع للجميع دون اقصاء أو استثناء احد. فالكورد في المعارضة وفي مجرى اعادة الحياة للدولة العراقية بعد 2003 كانوا الوتد الاساسي الاكثر متانة وقوة، ولهذا بدلاً من الاعتراف والشكر وابداء الاعتذار لضحايا ابشع الجرائم في التاريخ في حلبجة وعمليات الانفال وحرق اكثر من 4500 قرية في كوردستان، نقول بدلاً من ذلك اصبح الاقليم "ضرّة" ينظر اليه بحسد تارة وتارة ببغض وتارة اخرى بمحاولة تجييش العواطف الشعبية ضده.
   والاقليم يعاقب لأنه صار ملاذاً للثقافة العراقية المتلائمة مع العالم بعيداً عن شرنقة العرق والدين والطائفة والقوالب الجاهزة، وايضاً لأنه متغير غير ساكن ومتصل بالعالم المتحضر عبر التمثيل الدبلوماسي ووشائج الصداقة مع كل دول الجوار الاقليمي ودول العالم، والمنظمات الاقليمية والدولية، اضافة إلى علاقته العميقة مع محافظات الوطن ولاسيما البصرة التي احتفلت قبل ايام باربيل عاصمة السياحة العربية، وميسان التي تتعانق مع اربيل في نموها والنجف التي استضافت الملتقى الثالث للثقافة الكوردية العرربية، وبغداد التي اقامت مهرجانات الثقافة الكوردية وملتقى الافلام الكوردية، وهي المدينة القائمة تاريخياً على التنوع العرقي والثقافي والحضاري والديني ولايجوز لأي كان ان يصادر لوحده وجهها وتاريخها، والانبار التي وجد ابناءها بعشرات الالاف ملاذهم الآمن في الاقليم لحين عودة المياه إلى مجاريها في محافظتهم العزيزة.
   كل هذا مبعث سعادة واطمئنان شعبياً، ولكنه مبعث عقوبة وازدراء لدى البعض. لكل هذه الاسباب ولغيرها الكثير يستحق الاقليم العقوبة بدلا عن الشكر والفخر والاعتزاز.
   وهذه مفارقة مريرة مرارة الحنظل ولكنها واقع كان خافتاً واصبح الآن مجسداً وفاقعاً على الارض.

2/3/2014

36


قطع خبز المواطنين في إقليم كوردستان..ورقة خاسرة 

فوزي الاتروشي

السياسة فن الممكن مقولة كلاسيكية تتردد على السنة كل السياسيين قديمآ وحديثآ, لكن ما لا يتردد الا قليلاً إن هذا الممكن ينبغي أن يتمتع في كل الأحوال بشيء من الاستساغة والقبول والمنطق, وإلا تحول إلى تجاوز وانتهاك للثوابت.
نقول هذا لان البعض من البرلمانيين والسياسيين جعل من خبز المواطنين ورواتب الموظفين في إقليم كوردستان مادة اعلامية وورقة ضغط وأساسا للمساومة, دون ان يدركوا ان حرية المواطن وخبزه هما المبرر أصلا ليبقى المواطن مواطناً والوطن وطناً. وان من يدعو الى حرمان الآخر اسباب الحياة يحفر جرحا غائرا في جسد وطن نريده للجميع.
لسنا هنا في وارد الملفات الاشكالية الساخنة بين الاقليم والمركز والتي مازالت معلقة منذ 2003 ولغاية الآن رغم كل المد والجزر وجولات التفاوض والزيارات المتبادلة, فهذا خلاف وازمة سيطول مداها كما كل أزمات البلد. اما ان يتحول الخبز وعيش المواطن الى ورقة اعلامية يلعب بها هذا السياسي او ذاك على شاشات التلفزة لكسب الاصوات, فانه امر مخجل وقبيح وحصان خاسر لا أمل له بالفوز في سباق الرهان على كسب قناعة الناس.
بعد تحرير الهند من بريطانيا كان العظيم (مهاتما غاندي) حريصاً على ميزانية ورفاه المسلمين قبل الهندوس, وكان (كونراد اديناور) اول مستشار لالمانيا  بعد الحرب العالمية الثانية مهتماً بكل ضحايا النازية داخل وخارج المانيا كأولوية وقدمت المانيا الاعتذار والتعويض ومازالت واحدة من اكثر الدول التي تمنح المساعدات التنموية وانهى والى الابد حقبة تمجيد العرق الالماني على حساب الاعراق الاخرى, اما نيلسون مانديلا فشكل نموذجا راقيا الى اقصى الحدود للأخلاقيات السياسية في التعامل حتى مع من يفترض انهم اعدائه ونعني الأقلية البيضاء, وسار على خطى هؤلاء العظماء نخبة رائعة من عمالقة السياسة في القرن العشرين.
اما في عالمنا المراوح بين التخلف والتخلف المضاعف وبين التردي والتردي الأقبح فان مفهوم الغلبة والتسلط ولوي الذراع وتعميق الجراح واللغة الانتقامية الاستعراضية وتسجيل بطولات خطابية مازالت ترسم تقاسيم المشهد السياسي .
فالقوي يأكل الضعيف والغني يأكل الفقير والسوي يضطهد ذي العاهة, والرجل يستبد المرأة, والقومية الكبرى تجد نفسها حاكمة ومالكة لكل ما على الأرض وفوقه وتحته والآخرون عليهم الاستجداء على عتبة بابها, والطائفة تصبح اسماً مفروضا على وطن بكل تنويعاته وألوانه واعراقة المتمايزة .
والملفت ان بعض الأميين يتبجحون بكلام لايعرفون مدى خطورته حين يطلقون تصريحات متعنتة حول فرض الحصار على جزء من الوطن العراقي ومنعه من المشاركة حسب نسبة سكانه في الحكومة الاتحادية, وكأن حياة ومصير وقدر المواطنين محجوز بين يديه.
إقليم كوردستان جزء من الوطن العراقي وهو نموذج يجب أن يقتدى اقتصاديا وعمرانيا  وتنمويا وثقافيا, وهو بقعة ضوء وبؤرة أمل لكل العراقيين والملاذ الآمن والمستقر وسط فوضى الإرهاب والاستقرار, فهل يعاقب بسبب كل هذه                                  الايجابيات, ام أن العقل والمنطق يفترضان احترامه وصونه وحمايته  من العواصف؟ نقول بصوت عال وبنبرة واضحة أن من يقطع رزق الناس كمن يقطع أعناقهم والذي يقطع رزقه سيجد حتما خشبة الخلاص ويكون قد ربح الحياة .. اما الآخرون الواقفون لهم بالمرصاد فأنهم في خسران مبين .


26/2/ 2014


37
حنان الفتلاوي تطلق مجددا خطابها ((الكيمياوي)) على إقليم كوردستان

فوزي الاتروشي
أشهرت النائبة حنان الفتلاوي أسلحتها الفتاكة مجددا على الشعب الكوردي وهي أكداس من الكلمات النارية المحمولة على رؤوس مسمومة بقيح الغضب والحقد على أجمل ما في هذا الوطن الجريح وعلى بقعة ازدهرت رغم الأسلاك الشائكة التي التي تحيط بها, ورغم جراحات الماضي البغيض وآثار الكوارث والحروب والمحن, ونعني كوردستان العراق التي باتت عراقا مصغرا ملونا متنوعا لكثرة ما يعيش فيه من أبناء العراق ودول الجوار أملا في الأمان والحرية والعيش الكريم وهربا من جحيم الإرهاب.
هذا مايغيض السيدة حنان الفتلاوي فتلجأ إلى صفة حبلها قصير والى الدق على اسطوانة مشروخة هي ادعاء وجوب الفيزة للعراقيين للدخول إلى الإقليم .
وبناء عليه تلجأ إلى سلاحها الكيمياوي الخطابي وتدعو لمنع الكورد من دخول المحافظات العراقية طمعا في كسب أصوات الناخبين لأنها أمام امتحان قد تكرم فيه أو، ولا نكمل الجملة لكي لا تلعب السيدة النائبة لعبتها الأسوأ في تسجيل دعوى أمام محكمة الإعلام والنشر بدعوى القذف والشتم , هذه الدعاوى التي تحولت مع الأسف إلى أداة ابتزاز بيد البعض لتكميم الأفواه وقتل حرية الكلام المباح.
 باختصار اقول اذا ثبت ماقالته الفتلاوي فاني أتعهد بان صوتي وأصوات كل دائرة أصدقائي وأقاربي لها، وسأعمل على تدشين حملة لصالحها, بشرط إن تأتي ولو ليومين أو ثلاثة إلى اربيل وتتجول في شوارعها وأسواقها لتكتشف بسرعة البرق ان بين نزلاء الفنادق في المحافظات الثلاث وأصحاب الشقق وقطع الأراضي , الآلاف من العراقيين من كل المكونات وان ما تقول أنها فيزه مجرد إجراء امني روتيني يفرضه واقع الحال ولايمكن التنازل عنه وذلك فقط في مداخل المدن وليس بين كل شارع وآخر وبين كل محلة وأخرى كما هو حاصل في بغداد وبقية المدن.  ستجد أن الإقليم  ملجأ لأكثر من مائتي إلف نازح من نيران دكتاتورية النظام السوري الذي لم تنطق الفتلاوي وأمثالها كلمة نقد واحدة باتجاهها. وستجد اكثر من خمسين ألف لبناني يعملون وينتجون ويعمرون ويبنون وأكثرهم تركوا وطنهم الجميل والمتميز في ديمقراطيته لان هناك أيضا من صادر الدين والطائفية واحتكر لنفسه اسم الله لخنق وطن وضرب شعب هو الأكثر تقدما بين شعوب المنطقة.
ستجد عشرات الآلاف من المسيحيين والصابئة وغيرهم من التنويعات العراقية التي يبدو أن حنان الفتلاوي لا تعرف شيئا عنهم أو أنها تعرف وتتجاهل وتتعنت وتفرض لونها على كل الألوان وفكرها على كل الأفكار وعرقها على كل الأعراق.
أتمنى على حنان الفتلاوي وعلى عالية نصيف وكل الواقفين على خطوط النار لتجويع أطفال كوردستان وأطفال اربيل عاصمة السياحة العربية هذا العام, أتمنى عليهم أن يدركوا حجم الكارثة في كلامهم المسموم طمعا في بعض الأصوات الانتخابية, فهذه صفقة بائسة ولا تستحق كل هذا الضجيج ولعلعة رصاص التصريحات الكارثية .
إنها السذاجة بعينها أن يحاول البعض تدمير وطن وخسارة شعب بأكمله من اجل حفنة أصوات. لذلك أقول للسيدة حنان الفتلاوي ومن يدور في فلكها لاداعي لحملة الشتائم والتحريض على الكورد فهم مطمئنون إنكم لاتحملون سوى بندقية صيد لا عتاد فيها وكلامكم سيدخل التاريخ كأحد أسوأ الصفحات أما اربيل والسليمانية ودهوك ومعها كل العراقيين الطيبين في بقاع العراق الأخرى فستبقى باسمة تبني وتعمر وتغني وتفرح وتمتلئ ثمرا ووردا وخبزا وتفقأ عين الإرهاب.
 الم تقل الكاتبة العراقية الجريئة (كاثرين ميخائيل) موجهه كلامها لحنان الفتلاوي بالنص (( سيدتي النائبة كان عليك كمواطنة أن تعتزي بالقوات الأمنية وقوات البيشمه ركة البطلة التي تحافظ على جزء من العراق وهو الشعب الكوردي الذي أعطى  تضحيات جسام ليصل إلى هذا اليوم من الأمان والاستقرار وهل تريدين أن تنزف هذه المنطقة الآمنة في العراق)) .
نعم عزيزتي(( كاثرين ميخائيل ))هدف (حنان الفتلاوي ) ومن على شاكلتها هو تدمير أجمل بقعة في العراق لجعل الوطن ذكرى وطن وقديما صدق الشاعر العربي حين قال:
متى يبلغ البنيان تمامه
أذا كنت تبنية وغيرك يهدم .

2/3/2014


38
أربيل سماء صافية تسرح فيها نجوم الفن
فوزي الاتروشي
   أربيل عاشقة الحياة والجمال قررت أن تكون إنسانية الوجه، إنسانية القلب وإنسانية الروح لكي تكرس نفسها للإنسان بمنأى عن أي إخدود ديني أو عرقي أو طائفي أو سياسي.
   لذلك لبست منذ اول يوم من العام 2014 اجمل ثيابها واستحمت في العطر والضوء واللون، وأكثر من ذلك فتحت قلبها على مصراعيه للسياحة والحب والاناقة.
   افتتاح أربيل عاصمة للسياحة العربية كان تدرجياً على عدة مراحل ففي اعياد رأس السنة كان الإعلان على هيئة مهرجان لوني ضوئي بشّر العالم بأن مدينة أخرى دخلت قائمة المدن المتحضرة. وبعد ذلك توالت الفعاليات الثقافية والسينمائية ومهرجان التزلج على الجليد، ليكون فعل الاحتفال شعبياً يشارك فيه كل السكان وليس نخبوياً في قاعة مغلقة، فالسياحة تجوال وتعارف وتواصل وتعريف بمعالم المدينة العمرانية والآثارية والتاريخية، وقبل هذا وذاك، فان السياحة دليل الإنسان منذ القدم للاستكشاف والاستزادة من المعرفة والفن والأدب والتراث.
   وفي يومي 17 و 18/2/2014 بلغ الافتتاح ذروته في قاعة سعد عبدالله للمؤتمرات أكبر قاعات اربيل التي اكتظت بالمسؤولين والمثقفين والمواطنين والاعلاميين. وقدمت الفرقة السمفونية الوطنية العراقية انشودة موطني ونشيد اقليم كوردستان العراق بشكل فني مثير ومبدع، واغنية (هه وليرى ديرين_ اربيل العريقة) شعر وتأليف الموسيقار هيوا طلعت عارف، واغنية تراثية من اربيل، وسحر الشرق للموسيقار (محمد أمين عزت)، والسمفونية رقم (40) لـ(أماديوس موزارت) وغيرها من المقطوعات العالمية. وقدمت فرقة اوركسترا كوردستان بقيادة (جتو نوروز) اغاني من تأليف الشاعر كاظم كويى والحان (جتو نوروز) و(فرهنك غفور) وشارك في الأداء عدد من المطربين بينهم المطرب القدير (عارب أوسمان)، وأبدعت الفنانة الكوردية (ميلاهات ميرال ئونال) في أداء بعض الأغاني بصوت اوبرالي الهب اعجاب الجمهور وهي حاصلة على شهادة من باريس في الموسيقى الكلاسيكية في اختصاص الغناء ومنذ عام 2012 تقوم بتدريس الغناء الاوبرالي في قسم الموسيقى _ كلية الفنون الجميلة في جامعة صلاح الدين.
   وفي الختام كان الجمهور الذي ظل يصفق على موعد مع فرقة (باليه كييف) الاوكرانية العالمية المستوى التي قدمت ارقى عرض على مدى ساعة ونصف الساعة، حيث عرضت (بحيرة البجع) و(دون كيشوت) و(كسارة البندق) وعرضا تراثيا من اوكرانيا ومقطوعات اخرى، اضافة إلى عرض باليه لأغنية ( لا ترحلي) الفرنسية التي اثارت منتهى الاعجاب.
   لقد حققت اربيل اكثر من مجرد افتتاح لفعالية متميزة راقية المستوى، وانما وبشهادة الحاضرين، جسدت ملاذا آمنا لنجوم الفن الذين توافدوا خلال الاشهر الماضية على اربيل لانجاز مشاريع فنية، فكانت بين الحضور الفنانة اللبنانية (حسنا مطر) التي تستعد لتسجيل كليب اغاني كوردية بينها الاغنية الشهيرة (ئه زيز بوهاره_ عزيزي انه الربيع) للفنان الكبير الراحل طاهر توفيق.
   وحين نتصفح مجلة (اربيل_ الاخبار الفنية) العدد الاول لسان حال اربيل عاصمة السياحة نجد سيلاً من التصريحات لنجوم الفن العربي وانطباعاتهم حول مدينة تنهض بقوة وارادة وتسير إلى المستقبل حيث قالت رولا سعد (اربيل مدينة مميزة)، اما الفنان حسام الرسام الذي يتمتع بشعبية كبيرة في كوردستان فجمع بين حبه للبن أربيل واربيل المدينة.
  وعلق الفنان الكوميدي الكبير عادل امام قائلا (حبيت أربيل أوي ونفسي اجيلها دايما) وكذلك في العدد انطباعات وعواطف ساخنة تجاه أربيل من (نجوى كرم) و(نوال الزغبي) و(اليسا) التي قالت (في أربيل لم اشعر بالغربة). اما الفنانة دالي فشاءت ان تذهب ابعد من ذلك لتقول (اربيل تخبل).
   هذا العام سيكون عامرا بالفعل الفني والتراثي والفكري والمعرفي في اربيل، واكثر من هذا فأربيل هي سماء صافية زرقاء منفتحة ومشرعة لتسرح فيها نجوم الفن والغناء والموسيقى والجمال والابداع بأروع تجلياته الخضراء.
   وفي الختام.. ما اجمل ان نردد مع المطربة الكبيرة (سميرة سعيد) مطلع اغنيتها بعنوان (أربيل) التي تقول فيها:
   سلام يا اربيل
   يالؤلؤة الحضارة يا توأمة الكتاب والعلم والعمارة
   مساجد.. كنائس.. عقائد شتى
   يامنبر التسامح يامدينة المنارة
   
 25/2/2014

39
المهرجان السينمائي الدولي في دهوك تظاهرة فنية رائعة
                                                             
فوزي الاتروشي
                                                             وكيل وزارة الثقافة
السينما فن متميز ويبقى لها بين الفنون دورها واهميتها ونكهتها الخاصة , مثلما ان تأثيرها الاجتماعي والتربوي والفكري لا حدود له .
لذلك فالمجتمعات التي تولي اهمية فائقة لتطوير هذا الفن تدرك عمق فعاليته في رسم منظومة قيمة واخلاقية ورفع الذائقة الجمالية لدى الانسان .
ومن هذا الفهم الواسع لمضامين هذا الفن الراقي ننطلق لنقول ان مهرجانات السينما ميادين للتعرف على تطور هذا الفن في العالم والتواصل معه والاستفادة من التجارب في الدول المتحضرة , وجاء المهرجان السينمائي الدولي الثاني في مدينة دهوك بأقليم كوردستان العراق ليخلق حالة انعطافية في النظرة الى السيــــــــــــــنما
و للمضي في تطوير الحركة السينمائية الناهضة في كوردستان .
تميز المهرجان بأتساع المشاركة الدولية فيه وعدد الافلام التي عرضت فيه حيث شاركت اكثر من (40) دولة وبلغ عدد الافلام المعروضة (155) فلماً منوعاً بينها الروائي والوثائقي والقصير , منها (86) فلماً كوردياً و(65) فلماً اجنبياً .
والواقع ان السينما الكوردستانية خطت في السنوات الاخيرة خطوات واعدة وواثقة لتطوير السينما وتواصلت المشاركات الكوردية في المسابقات العالمية والفوز بالجوائز الدولية وكان آخرها فوز فلم (بلادي الحلوة ... بلادي الحادة) للمخرج الكوردي (هونر سليم) بجائزة هيئة التحكم في مهرجان ابو ظبي السينمائي .
ان دهوك مدينة جميلة بتضاريسها وحافلة بالمواقع السياحية الشهيرة , وهي مدينة التنوع الديني القائم على التسامح والتعايش , مثلما انها مدينة آمنة ومستقرة , واشتهرت بالغناء والموسيقى والشعر , اما السينما فأنها حديثة العهد بها .
لذلك فأن اختيار المدينة لهذا المهرجان الدولي الكبير راكم فيها وفي مشهدها الثقافي المزيد من الاغناء والاثراء .
والجدير بالذكر ان اعتماد وزارة الثقافة والشباب اسلوب اللامركزية في ادارة الشأن الثقافي ومنحها لصلاحيات واسعة لمحافظات السليمانية واربيل ودهوك في كل المجالات بما فيها مجال السينما والمسرح كان له دور اساسي في هذا النهوض والابتكار والابداع .
وانها التفاته كريمة من المهرجان حيث لم يغب عنه اسم المخرج الكوردي العالمي(يلماز كوناي) الذي فاز منذ ثمانينات القرن الماضي بجائزة السعفة الذهبية عن فلمه الشهير (الطريق) الذي عرض في معظم الدول الاوربية والذي يصور معاناة الانسان الكوردي في كوردستان تركيا .
منح المهرجان (12) جائزة متنوعة منها جائزة لافضل فلم سينمائي دولي طويل , ولأفضل مخرج , وافضل ممثل او ممثلة , ولأفضل فلم قصير , وجائزة معهد غوته لأفضل مخرج ... وغيرها .
تحية من الاعماق لمديرية السينما في (دهوك) ولوزارة الثقافة والشباب في الاقليم على هذا التواصل السينمائي الاخضر مع العالم , فالفن السابع كما نقول دائماً هو ثقافة وحضارة وجمالية وأداة لتطوير المجتمع من خلال تسليط الضوء على سلبياته وملفاته الساخنة واقتراح الحلول لها بمعالجة توثيقية تسجيلية او درامية .
                                                                          11/2/2014


40
قبور مبدعينا في كل مكان بعيدا الوطن
فوزي الاتروشي
الابداع العراقي يتوزع في المنافي والشتات, يستثمر فضاءات الحرية لعطاء غزير تزدحم به الاماكن, ويحصد الجوائز لان حضوره مكثف وقادر على الابهار. ويمكن لهذه الاماكن ان تكون ملاذات للعطاء والانجاز والتميز والانتشار ولكن لا يجوز ان تكون مواقع لدفن هؤلاء المبدعين, فالقبور والمثوى الاخير والاضرحة لابد ان تكون في حضن الوطن. والحال  ان قبور مبدعينا موزعة في كافة انحاء العالم فـ(الجواهري) و(عبدالوهاب البياتي) في دمشق, و(نازك الملائكة) في القاهرة و(بلند الحيدري) في لندن, و(سركون بولص) في برلين, و(عبدالستار ناصر) في كندا واخرون نزفوا واحرقوا العمر من اجل الوطن لكنهم في لحظة الرحيل مضوا وحيدين الى قبورهم دون ان نكون معهم ودون ان نلتفت لغاية الان لجلبهم الى مسقط رأسهم والى تربتهم والى حواضن احلامهم ومشاعرهم وحبهم وشوقهم, والى ضفاف دجلة والفرات اللذين كانا مصدر الهام لقصائدهم وخواطرهم وقصصهم ورواياتهم واحاديثهم. انها مفارقة مرة ان تحترق من اجل وطن وحين تتحول الى رفات تدفن بعيداً وبعيداً جداً عمن احببت و احترقت من اجله. هذا هو مصير الجواهري صاحب البيت الشعري الشهير :-
حييت سفحك عن بعد فحييني
يا دجلة الخير يا ام البساتينِ

لقد بقي فعلاً بعيداً عن سفح دجلة وعن بساتين بغداد رغم انه اقرب ما يكون الى نبض قلوب العراقيين. وكذلك (عبدالوهاب البياتي) صاحب "قصائد على بوابات العالم السبع" و"بستان عائشة", و"اباريق مهشٌمة", و"سيرة ذاتية لسارق النار" هذه النار التي ظل حاملاً مشعلها حتى غادر دون ان نستطيع ان نقول له عن قرب وداعاً ودون ان نمنحه لغاية الان بقعة ارض ينام فيها نومه الابدي تحت ضلال النخيل. اما (بلند الحيدري) الانيق والجميل كما جملته الشعرية القصيرة المكثفة الرشيقة فكان حلمه كلما التقيته في لندن ان يعود الى كركوك والى كوردستان, لكنه رحل ذات يوم بصمت ليدفن في عـــاصمة الضباب .
و(نازك الملائكة) التي اسست للشعر العربي الحديث منذ اربعينات القرن الماضي والتي كتبت اروع رومانسياتها في "عاشقة الليل" وغيرها من الدواوين التي فتحت عيوننا على جمل شعرية جديدة غزيرة المعنى ورشيقة المبنى وكتبت بتميز عن قضايا الشعر المعاصر فقد عاشت وحيدة منعزلة في القاهرة حتى آن يوم رحيلها بعيداً عنا. وكان اخر المدفونين في الجانب الاخر من الكرة الارضية القاص والروائي (عبد الستار ناصر) المبدع و المناضل حيث احتضنته مقبرة في كندا.
اننا, والغصة في قلوبنا والدمعة في عيوننا, نقول ان لا مبرر لبقاء الاضرحة هناك والذكرى هنا, ولا مجال لإيراد أية ذرائع فالمبدعون لابد ان يكونوا بيننا لان قبورهم في الواقع بساتين عطاء ومرابع تشبعنا أملاً وحباً اذ نزورها .
ان هؤلاء كلهم يستحقون ان يكون لهم متحف يوثق ويجمع ويؤشر لملامح حياتهم الحافلة بالإبداع والقادرة على التأثير في الاجيال الجديدة, فكما ان اثارنا النفيسة مسروقة ومن حقنا استعادتها, فأن قبور مبدعينا هي الاخرى تستحق ان نعيدها لتكون مزارع ثمار يانعة على تضاريس الوطن .


11/2/2014

41
في يوم الحب نحلم بوطن الحب
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   في يوم الحب نستحضر كل القصائد والحكايات التي تغنت بالوطن, وكل الأغاني التي جسدت أشواقنا وذكرياتنا وأمالنا ووجوه أحبتنا الذين أصبحوا في مهب الذكرى. وفي هذا اليوم المعطر باللونين الاحمر والبنفسجي كإشارة الى التضحية والعشق ننزع كلما قيل وما كتب وما رسم وما انشد حول الوطن من رفوف الذاكرة لنرى ما الذي ترجم الى واقع وما الذي مازال حلما ً ملوَّنا ً نتوق اليه .
   ولابد ان نحلم في يوم الحب, فكل الأشياء الجميلة تبدأ حلما ً, نحلم بوطن امن ومستقر يوفر لأبنائه كسرة الخبز ونسيم الحرية والحد الاقصى من الكرامة الإنسانية وسلة حقوق مكتنزة .
   نحلم بدولة مواطنة لايبقى فيها احد مهمشا ً ولا يبقى فيها طفل يذرف الدموع او أرملة تعاني آلام الوحدة أمام قساوة الحياة, او مسنون على قارعة الطريق في دولة النفط والثروة اللامتناهية .
   نحلم بوطن نستطيع فيه التوحد أمام الإرهاب الذي يمتد على أجسادنا ودمائنا وآلامنا وينوي تحويل الوطن الى ذكرى وطن .
   يوم الحب مناسبة لكي يعترف كل واحد منا للآخر بما ارتكبه من اخطاء وخطايا ونلجأ الى التسامح والتصالح والاعتذار الذي يعتبر قيمة معنوية كبرى جسدها عبر التاريخ كل الانبياء والرسل والفلاسفة والمصلحون. فالغرور والتعنت واحتكار الحقيقة ومصادرة رأي الأخر خطيئة كبرى في حياتنا الاجتماعية, وهي جذر المآسي التي عانينا منها حين لجأت الاغلبيات الى اقصاء الاقليات والى التنكر لهويتهم الوطنية .
   ورب سائل يسأل لماذا نلجأ الى السياسة حتى ونحن في يوم الحب (14 شباط) اليس الاحرى بنا ان نرتكن الى لغة القلب وجمرة العواطف ووهج الشوق ورومانسية الكلمة والقول ؟ ونقول هذا هو الحق بعينه ولكن ماذا نفعل اذا كانت كل يومياتنا مشحونة بإرهاب يحصد أرواحنا جميعا ً دون تفرقة في المدارس والشوارع والجوامع والدوائر والاسواق وفي كل مفارق الطرق الى حد ان الايام الدامية صارت بقدر ايام السنة , مما جعل الحب الذي نتحدث عنه ونتغنى به يتجاوز حدود عشق الحبيب لحبيبة الى عشق الجميع لوطن نريده ابهى واجمل وانقى ونريده بستان ثمار ومزرعة كروم وحاضنة دفء وحنان لكل انسان .
   ورغم ذلك ورغم ان كل الايام تحمل الينا اخبارا ً عاجلة عن موت هنا وموت هناك يحصد وجوه احبائنا من العراقيين الابرياء فلا بد ان نحلم كما قلنا ونسجل اننا سنتلقى بشائر الخير يوما ً وسنخرج من عتمة النفق حاملين قطع الحلوى وشموع الاحتراق الازلي لاحبابنا المقيمين اقامة دائمة في مسامات جلدنا وعواطفنا ولكل واحد منا الحق ان يبعث في هذا اليوم السلام الى حبيبته الام والاخت والزوجة والزميلة والمبدعة ويهمني في الرابع عشر من شباط ان اعلن سلامي بقصيدة حب : -
سلام عليك .. سلام القصيدة التي لم تولد بعد
سلام الوعد في عينيك
يصبح فجأة الف الف وعد
سلام الوردة في يديك
يشم ُّ عبيرهما فتصبح بستان ورد
سلام على حبك النائم دهرا ً
ليفيق اليوم على عاصفة وبرق ٍ ورعد
سلام على دواوين شعر ٍ
تسيل على شفاهك ِ مثل قارورة شهد
كلما قرأتها استحيل جمرة نارٍ
وكلما فارقتها تعتريني رعشة حمى وحالة برد
فأعود اليك الى حلاوة الكلمات ...
الى اناقة القوافي والى ...
فم ٍ يحسن القراءة والالقاء والسرد
سلام وكم جميل ان نملك وجها ً لايصبح ذكرى
فهو الامس واول الامس واليوم
والغد وبعد الغد
وكم جميل ان نتوحد في الانفاس ...
حتى كأننا واحد ُ وليس كل واحد من كلينا فرد
كوني كما اراك ِ في الحلم الوصية ما بعد العاشرة
 
ومفادها : الحب خبز الحياة من المهد الى اللحد .

14/2/2014

42
تعليم اللغات الوطنية العراقية استحقاق دستوري
                                                       
   فوزي الاتروشي

                                                                       
   ان مهمة بناء الوئام الاجتماعي والسلام وتعزيز التصالح والتسامح واللجوء الى التعايش والحوار يقتضي اساساً فهم المكونات لبعضها البعض واكتشاف كنوز الثقافات العراقية وتلاقحها وتناسقها بهدف نسج هــــــوية ثقافية عراقية قائمة على التنوع والتعددية التي هي سمة العصر.
   ان اللغات العديدة في المجتمع الواحد اغناء واثراء للمخزون الثقافي وكل المجتمعات المتحضرة تلجأ الى احياء تراث وأرث ولغات كل الاثنيات والاعراق القاطعة على ارض الوطن لتعطي صورة واقعية وحقيقة عن ثقافاتها, بعيدا عن نزعات الاقصاء والتهميش ومحاولة تغليب قومية على اخرى, او لغة على لغة ثانية لصهر الجميع في بودقة واحدة فهذه محاولات ومشاريع اثبتت على مدى التاريخ سطحيتها وفشلها, بل وادت في كثير من الاحيان الى اندثار ثقافات ولغات وكنوز معرفية كانت ستضيف الكثير الى التراث البشري .
   ان مصطلح الاغلبية والاقلية مجرد تسميات لايجوز ان يكون لها تداعيات سياسية او تسلطية, فالثقافات داخل البلد متساوية وكل ثقافة تشكل جزءاً من ثقافة الوطن وهي في مجموعها تشكل النسيج الثقافي للوطن .
    وفي هذا المجال نشطت مديرية الدراسة الكوردية في وزارة التربية الاتحادية في الأونة الاخيرة في اعادة موضوع تفعيل تدريس اللغة الكوردية في المناطق خارج اقليم كوردستان الى الواجهة.
   حيث انعقد مؤخراً المؤتمرين في بغداد احدهما لمعلمي ومدرســـي هذه اللغة, والاخر يوم (10/12/2013) لمدراء اقسام تدريس اللغة الكوردية تحت شعار (تعزيز تعليم اللغة الكوردية توطيد للوحدة الوطنية العراقية).
   من المؤكد ان المؤتمران كانا مناسبة للتذكير بأهمية لغة المكون الثاني في العراق والتي اصبحت بموجب الدستور لغة رسمية الى جانب اللغة العربية مما يعني قانونياً الحق في استعمال الكوردية في المخاطبات الرسمية وفي البرلمان ومؤسسات الدولة, ويعني ايضاً مضاعفة الاهتمام بها على كافة الصعد، لكي لايتحول الامر الى مجرد قرار نظري لا اثر له في التطبيق العملي.
   والواقع ان اتفاقية اذار لعام (1970) كانت قد نصت على هذا الموضوع وتم في حينه ادخال الكوردية في المناهج في كافة انحاء العراق , ولكن بقي الأمر مجرد حبر على ورق ولم يطبق فعلياً  وماذلك بغريب  عن النظام الدكتاتوري السابق الذي شن اعنف حرب عنصرية على الشعب الكوردي.
   الآن اختلف المشهد وهذا الاستحقاق الدستوري يجد اليوم طريقه للتطبيق بهدف الغاء الاغتراب هذه بين المكونات العراقية والذي يعود في الاساس الى الاغتراب اللغوي, واي محاولة للانتقاص من اللغات الوطنية يعني الانتقاص من مجمل ثقافة  الشعب.
   اننا مع انعاش كل اللغات العراقية وسنكون سعداء جداً اذا وجدنا مواطنين عراقيين يتحدثون (العربية) و(الكوردية) و(التركمانية) و(السريانية), فهذه احد الاسس المتينة للتفاهم والتعايش وبناء الوئام الاجتماعي والثقافي في العراق.

4/1/2014




43
المرزوك ... نجم بابل المضئ ابدا ً
                                                                         
فوزي الاتروشي
                                                                       وكيل وزارة الثقافة
موت مفكر امر مفجع يتجاوز العائلة الى المحيط الثقافي ومن ثم يشمل الوطن كله فالعقل المنتج المترع بالثمر يعمر الحياة ويبني ويثري تراث الوطن ليصبح بذلك ثروة وطنية تفرض على الجميع الافتخار به , لاسيما حين يكون المبدع متنوع الاهتمامات لا يكتفي بالقليل ولا يجنح الا الى الكمال في العمل .
ان (صباح المرزوك) شيخ المفهرسين العراقيين , وهو اكاديمي وتدريسي ومؤلف وباحث ومثقف كبير ذو طبع موسوعي . فهو الكاتب والناقد والمشارك في الفعاليات والندوات الثقافية .
لم يكن هذا المثقف الرائع بعيـــــدا ً عن الناس او منطويا ً على ذاته او مغرورا ً بعلمه , بالعكس فبيته كما قال الكاتب بشار عليوي كان قبلة لكل المثقفين والادباء وكان هو انساني الفكر والسلوك .
كتب عن (نازك الملائكة) و (ابن زيدون) ووضع معجم المؤلفين والكتاب العراقيين ولفت الانظار الى كل اعلام مدينة الحلة , بل انه اصبح العنوان المرجعي المعرفي الاساسي للتعرف على مدينة الحلة بتاريخها وتراثها وثرائها الفكري والادبي من خلال كتب مثل (معجم الامثال الحلية) و (معجم التعابير والكنايات و الاقوال الحلية) , وكان اخر اصداراته (معجم المؤلفين السريان) حيث توفي يوم (17/1/2014) ليترك بعده ثروة من الفكر والعمل الصالح والاغناء الثقافي اللامحدود وكنا في وزارة الثقافة قريبين من هذا المبدع من خلال طبع احد كتبه ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية /2013 , وكان الزميل العزيز (رعد علاوي) مدير عام دائرة الشؤون الادارية والمالية في الوزارة دائم الحديث عن فكره واهميته على مستوى محافظة بابل وعموم العراق .
ان (صباح المرزوك) قدم للمكتبة العراقية خزينا ً من المعلومات لغرض توثيق وارشفة اعلام الثقافة والفكر مثلما قدم نموذجا ً للمثقف الذي ينزف دون تعب او كلل على اديم الورق منطلقا ً من فكرة ان اكبر رأسمال للانسان هو مايتركه بعد الرحيل من علم وفكر وأثر طيب يقتدي به الاخرون , اذا فهو نجم هوى جسديا ً ليبقى مضيئا ً في سماء الحلة والعراق كنجم لا يقبل الافول .
                                                                          20/1/2014

44
الشاعر عبد الزهرة زكي ... نقف معك
                                                           
فوزي الاتروشي
                                                             وكيل وزارة الثقافة

انه امر محزن ومرعب وباعث على مرارة شديدة ان يتعرض شاعر في الشارع للاهانة والاعتداء من قبل رجال الشرطة, مهما كانت الذرائع او الحجج التي قد تساق.
لذلك نقول لك ايها الشاعر الجميل عبد الزهرة زكي اننا معك ومع قريحتك الشعرية التي تتغنى بالوطن وتترجم امال وتطلعات الانسان العراقي الى ما هو اجمل وانقى.
ونقول لك لا تعتزل ولا تعتكف ولا تغادر فالقصيدة عاشقة للحرية وللجمال, والحرية عبر التاريخ لا تهرب بل تسير الى الامام رغم الاسلاك الشائكة او المطبات المنتشرة في طريقها.
الكلمة تحفز وتغيَر وتزداد كل يوم اخضراراً وقدرها ان تبقى في الصف الامامي على خطوط النار وعلى ضفاف المواجهة .
ان الشرطي الذي تفوه بما لا يليق بك انما قدم صورة مشوهة لنفسه وشكل نموذجاً لا يمكن ان يقتدى به وهو جاهل سواء عرف هويتك كشاعر ام لم يعرف .
ونحن اذ نقول اننا منحازون اليك فهذا يقيناً ليس مجرد قرار فردي اطلقه وانما استميح كل الشعراء والمثقفين عذراً للحديث بأسمهم جميعاً لان من يهين الشاعر انما يهين الاناقة والجمال وكل القيم التي تمثلها الكتابة الابداعية .
انت مبدع تملك الوطن وتعيش في الذاكرة الجمعية للعراقيين وكاتب مهنتك الجمال وادواتها الفكر المضيء والقلم المكتنز بالحبر والكلمات التي تزين الحاضر وتبشر بالمستقبل الانقى, فكيف تغادر شواطيء دجلة التي لابد انها ستحترق شوقاً الى القصائد التي تنعش هذا النهر الخالد, اما الشخص الذي اهانك فلا يملك كل هذه الاشياء وربما هو الآخر يشعر الان بالخجل والندم على ما اقدم عليه من فعل قبيح .
ان افضل شيء تقدم عليه الآن هو التفكير بمواعيد القصائد الجديدة وان تفكر بموعد صدور ديوان آخر يزين المكتبة الشعرية وان تصر على البقاء في عيون وطن تشتاق يومياً ان تكتحل بحلاوة القصيدة وغزلها بتضاريسه .
دعنا اذاً ايها الشاعر الانيق نفكر ونعمل ونطور ونكتب وننتج من اجل وطن احببناه ومازلنا نحبه اكثر من اي شيء اخر ومن غير الشعراء قادر على مراكمة بيادر الخير والحب اللامتناهي من اجل العراق ؟
                                                                            23/1/2014

45
عمال التنظيف رفعة رأس لنا جميعاً

فوزي الاتروشي
 وكيل وزارة الثقافة

 
   مواطن التردي في حياتنا الاجتماعية كثيرة ومتعددة وكلما كشفنا عن ظاهرة سيئة تتراءى أمامنا عشرات أخرى. أحد هذه الظواهر انعدام النظافة في المكاتب والمؤسسات والدوائر والشوارع والأسواق، مما جعل بغداد وكل المدن العراقية تغرق في أكوام النفايات والقاذورات، إلى حد دخلت بغداد في سجل المنظمات الدولية كأسوأ مدينة للعيش. والأنكى من ذلك إن اللوم كله يلقى على قطاع التنظيف والجهات المعنية مباشرة بالنظافة، في حين إننا جميعا كمواطنين ومسؤولين مطالبون بهذا الأمر الذي يؤشر للأناقة والجمال وكل ما هو حضاري، فمهما عمل واجتهد عمال التنظيف لن يكونوا قادرين على انجاز المهمة دون أن نتعاون معهم ونشاركهم العمل من خلال الحفاظ على نظافة أماكن العمل والتقليل من كمية النفايات .وابعد من ذلك فان العراق احد البلدان القلائل التي ينظر فيها إلى عاملات وعمال التنظيف نظرة دونية وهامشية متعالية دون اعتبار لإنسانية هؤلاء وكونهم في الواقع رفعة رأس لهذا الوطن. فنجد هذا الموظف أو ذاك يحجم عن القيام حتى بمسح الغبار عن كرسيه ومكتبه وجهاز الكمبيوتر الذي يعمل عليه بدعوى وجود منظفين وبدعوى أن هذا العمل ليس من صلب مسؤولياته وبحجة انه خريج كلية وتنظيف مكانه امتهان لكرامته أو استصغار لقيمة الشهادة التي حصل عليها، دون أن يدرك إننا كلما ازددنا ثقافة وتعليما وكلما كانت شهاداتنا اكبر تكون مسؤولياتنا تجاه النظافة اكبر وأوسع، لان النظافة مؤشر حضاري وجمالي وبيئي وجزء من شخصية الإنسان في محيطه، وفي النهاية هو جهد وطني أيضا يؤشر لمسؤولية المواطن أيا كان مقامه تجاه الوطن.
   إن المواطن الذي يتقاعس ويتكاسل ويعمد إلى رمي الأوساخ في الشوارع والموظفة والموظف الذي يمتنع عن المشاركة في جهد النظافة في المكتب ويعتبره أمراً لا يليق به إنما يرتكب فعلا اجتماعيا كريها ويساهم في مراكمة النظرة غير الإنسانية إلى العاملين في قطاع التنظيف. 
  لذلك نقول بصوت عال أن كل الدول المتقدمة في العالم لم تظهر بهذا المظهر اللائق الذي نراه الا بعد ان تحول كل المواطنين الى مساهمين في نظافة واناقة البلد وبعد ان رفعوا من قيمة واجر وأهمية الجهود المبذولة من العاملين في قطاع النظافة ، وفي النهاية تحول الكل الى عامل نظافة في موقعه وفي بيته ومحيطه وفي الدائرة التي يعمل فيها، وبدون ذلك يبقى البلد جبالاً من النفايات ومصدراً للأمراض وفاقدا لأي مظهر من مظاهر الأناقة والجمال.
  انها دعوة منا للحفاظ على المباني والمؤسسات التي كلفت الدولة العراقية ملاييـــن الدولارات من خلال صيانتها وحمايتها والحفــاظ على جماليتها، ولا يكون ذلك الا بان نكون نحن جميعا وفي أي مستوى كنا عمال تنظيف بالمعنى الحضاري للكلمة، وأي مثقف يدعي خلاف ذلك تنعدم عنه صفة الثقافة مهما علا شأنه، فالثقافة في أجمل تجلياتها هي الطهارة والنقاء والجمال والبيئة الصالحة للعمل والحياة.

19/1/2014

46
السينما في كوردستان ..... خطوة رائدة
                                                     
فوزي الاتروشي
                                                    وكيل وزارة الثقافة

السينما او الفن السابع الذي يحمل اقصى قدر من الجمالية والفن والجماعية في العمل والتواصل والتأثير التربوي والاجتماعي والثقافي مع الجمهور, يعتبر الفن الابرز في حياتنا لما له من قدرة على التفاعل وتوجيه الرأي العام .
اضافة الى انه الفن الذي يجمع بين السيناريو والتصوير والتقنيات والتمثيل والاخراج والانتاج فهو فن وصناعة في آن واحد  وفيه تأخذ القصة والرواية والحدث والحكاية اوسع مدى للانتشار والشيوع .
لذلك كله فأن الاعلان عن انشاء معهد سينمائي في اقليم كوردستان بكوادر عالية المستوى وخبرات كوردية وأوروبية في مجالات الاخراج والتصوير والسيناريو والمونتاج والدوبلاج والتمثيل واستقدام سينمائيين من هوليود لألقاء المحاضرات كضيوف, كل هذا يجعل المعهد السينمائي في اقليم كوردستان متميزاً للغاية على مستوى كوردستان والعراق, في وقت انحسر هذا الفن واغلقت دور العرض السينمائي في اغلب مدن العراق أثر توجهات خاطئة تقلل من الدور الكبير والفعال جداً  للسينما في حياة الناس. ومن المؤكد ان المخرج الكوردي المعروف "بهمن قوبادي" الفائز بجوائز عالمية والذي قدم هذه المبادرة الخلاقة يكون بذلك مدشناً لدور ريادي لنفسه في التأسيس لسينما كوردستانية قائمة على العلم والمعرفة والفن والاستفادة من التجارب المتقدمة في هذا المجال .
الواقع ان السينما في الاقليم قطعت في السنوات الاخيرة شوطاً جيداً في التقدم والحضور الى المهرجانات السينمائية في العواصم الاوروبية والعربية وحازت الافلام الكوردية على عدة جوائز, ولاسيما بعد ان توفر مخرجون رفيعو المستوى لهم خبرة ودراية كافية .
اننا اذ نحيي هذه الخطوة السباقة نعيد الى الاذهان صورة المشهد السينمائي في العراق في عقود الخمسينات والستينات والسبعينات, حيث كانت دور العرض السينمائي بالعشرات في بغداد والمحافظات وكانت اجمل واعظم الافلام السينمائية على مستوى العالم تعرض فيها وكان للسينما لدى الناس وقعها واهميتها وكانت العوائل العراقية متلهفة لمشاهدتها .
ان السينما فن عظيم ولابد لكي تنهض مجدداً ان يتشارك القطاع العام والخاص للنهوض بفن يشكل بمحتواه ومغزاه واهميته جزءاً اساسياً في الحضارة الحالية .
وهذا يقتضي بالضرورة التخلي عن كل الترسبات والافكار البالية والاراء المتهرئة التي تنوي وضع الشمع الاحمر على السينما وادخاله في خانة المستهجن او المكروه او الحرام, لان هذا الموضوع لا يستحق حتى الالتفات اليه او مناقشته والدليل ان دولة مثل إيران تنتعش فيها السينما ولا وجود لمثل هذه التخريجات الماضوية التي تقفل الحاضر بوجهن ا وتمنعنا من الوقوف على بوابات المستقبل المشرق والمضيء بالفن والثقافة والادب والجمال وتعيدنا الى نقطة الصفر في وقت يحث العالم الخطى بسرعة قياسية الى الامام .
                                                                                  15/1/2014


47
الجواهري ذاكرة وطن ... ورمز الاجماع في زمن التشظي
                                                                   
فوزي الاتروشي

  في تلك الايام الصعبة من عام (2000) حين اجتمعنا في اربيل في المنطقة الآمنة الكوردية كلجنة تحضيرية للإحتفاء بالشاعر الكبير (محمد مهدي الجواهري) وكان المرحوم المناضل والكاتب الكبير (فلك الدين كاكائى) رئيسا ً للجنة , فاننا اسسنا في حينه لدبلوماسية التواصل مع المثقفين العرب داخل وخارج العراق , ردا ً على الحصار الظالم الذي كان النظام الدكتاتوري يفرضه على اقليم كوردستان ولاثبات ان شعب كوردستان منفصل عن الاجهزة القمعية للنظام السابق وليس منسلخا ً عن الوطن العراقي . وابعد من ذلك فالهدف كان بناء جسر متين للتواصل الثقافي (العربي – الكوردي) وكان وما زال (الجواهري) هو احد الاوتاد الاساسية والراسخة لهذا التواصل منذ بدايات تأسيس الدولة العراقية .
ومازال تمثال هذا الشاعر الشامخ في اربيل يعانق الجميع بألفة ومحبة قائلا لهم :    قلبي لكوردستان يُهدى والفم    ولقد يجود بأصغريه المعدم
وهي القصيدة التي غنتها مؤخرا ً الفنانة القديرة (ميادة الحناوي) لتبقى في ذاكرة الجيل الجديد ولتظل كما طاقية الرأس الكوردية التي ظلت على رأسه لا تفارقه طوال العمر لتحفر في الوجدان إرادة شاعر عبر كل الاخاديد الضيقة الى فضاء الانسانية الرحب .
كل عام حين نحتفل بالجواهري الشاعر والانسان والمناضل ونستلهم منه معاني الوحدة والتالف والتعايش والتآخي في زمن أصبح فيه كل شئ قابلا ً للتشظي والتمزق , فهو كما الرافدين دجلة والفرات ضمن ثوابتنا العراقية , لذلك يتحول الاحتفاء به الى استحضار تاريخ طويل بقدر تاريخ الدولة العراقية الحديثة مفعم بالنضال والعطاء والتمرد على الظلم والجنوح للحرية ولثورة الفكر التي لا يمكن ان تتوقف , فهو القائل :
   لثورة الفكر تاريخ يحدِّثنا       بأن َّ الف مسيح دونه صلبا
وكان ذلك عام (1994) في مهرجان (ابي العلاء المعري) ذلك الشاعر الذي فقد البصر ليكتسب بصيرة حكيم ومفكر وناقد متمرد زاهد في الحياة المادية حافل بقيم حب الانسان والحق والحقيقة والعدالة . لقد عرف (الجواهري) ان (المعري) علامة فارقة وبؤرة ضوء انعطافية في الشعر والفكر العربي , وانه الاكثر قربا ً اليه في كفاحه من اجل الانسان . وكما كان عميد الادب العربي (طه حسين) مستشرقا ً للمستقبل حين منحه منذ ذلك الحين لقب شاعر العرب الاكبر .
لم يهنأ (الجواهري) بحياة مستقرة وهذا امر طبيعي لشاعر طموحه بناء وطن وسعادة شعب وبلوغ ضفاف الحرية والسلام , لكن جزاء رحلته الطويلة في الابداع كان تجريده من الجنسية العراقية من قبل النظام الدكتاتوري الذي وجد في قصائده ومواقفه وتطلعاته تهديدا ً لوجوده القائم على الجهل والتخلف وقمع حرية الفكر والتعبير .
وحين خرج (الجواهري) تحول وجوده بيننا في سنوات النضال ضمن المعارضة العراقية حافزا ً قويا ً ومبعث فخر لكونه ذاكرة وطن ورمز اجماع وسفرا ً نضاليا ً يمنحنا بحضوره الاخضر شمعة الامل في نهاية النفق .
وليست بغداد وحدها ودجلة الخير التي حياها ذات يوم قائلا ً :
   حييت ُ سفحك ِ عن بعد فحيِّيني   يا دجلة الخير يا ام البساتين
هي التي تتذكر (الجواهري) , وانما ايضاً مدينة (براغ) التي قضى فيها ردحا ً طويلا ً من الزمن يكتب قصائد بريد الغربة , ودمشق التي عاش فيها حتى رحيله ليدفن هناك بعيدا ً عن جغرافيـــا الوطن وقريبــــا ً جدا ً من ذاكرة العراقيــين جميعا ً , وحين نقول جميعا ً فنحن نعني ما نقول لان (الجواهري) جمع القلوب كلها على حبه , وكل شعب في العالم يزدهر فرحا ً وفخرا ً بمبدعين يتحولون الى جزء من الهوية والذاكرة الجمعية .
وحسنا ً فعلت اللجنة النيابية للثقافة والإعلام حين اختارت إحدى قصائد (الجواهري) للنشيد الوطني المزمع اقراره ’ وسيشكل تضمين القصيدة بأبيات كوردية , وبعبارة "عاش العراق" بكل اللغات العراقية تحقيقا ً للامل الذي احترقت كل شموع عمر هذا الشاعر الكبير من اجل اضاءته وانجازه .
فكم جميل هذا العراق بشاعر نلتقي على بستانه الشعري حين تتفرق بنا الدروب والمسالك .

                                                                     29/12/2013
                                                                  فرانكفورت / المانيا 

48
حين تقول الطبقة السياسية العراقية للثقافة والفن : بعيدا ً عني

                                                                                                                            فوزي الاتروشي

  كتابات لا حصر لها وشكاوى دائمة يطلقها مثقفون عراقيون عبر المواقع الالكترونية والصحف والفضائيات واثناء مراجعاتهم لنا في الوزارة تركز حول قلة حضور الطبقة السياسية للمناسبات الثقافية والفنية وقلة اهتمامها بالمبدعين الاحياء منهم والراحلين .
   وهذه الملاحظة لا توجه حصرا ً الى وزارة الثقافة باعتبارها المؤسسة الرسمية المعنية بالمنجز الثقافي والفكري والادبي والفني , وانما توجه اساسا ً الى كل الطبقة السياسية والاحزاب السياسية والهياكل الرسمية الادارية في البلد .
   والغريب ان هذه الظاهرة اشتدت بروزا ً بعد التغيير في عام 2003 في حين كان المتوقع خلاف ذلك تماما ً .
   ان فوز مبدع عراقي بجائزة دولية او رحيل كاتب او فنان عراقي كبير او تسهيل عودة الفنانين والادباء والمفكرين الى الوطن, او تقديم العون اللازم في حالات المرض والعوز والتقاعد, هو امر لابد ان يكون الجميع مسؤولون عنه الى جانب وزارة الثقافة لان الابداع الفكري بكل تجلياته حالة وطنية وتجذير لمكانة الوطن على المستوى العالمي, وهذا يفترض ان كل العاملين في الحقل السياسي من المقامات العليا ان تكون معنية به ومهيأة لتحمل المسؤوليات تجاه الفعل الثقافي الذي يؤسس للهوية الوطنية الشاملة وللمشتركات العراقية. وبالعكس فان التشظي والتمزق يستمر في احداث خروقات يصعب ترقيعها في نسيج الهوية العراقية اذا استمر الحذر من الفعل الثقافي الفني او التوجس من صاحبه, او ادعاء ثقافة باتجاه واحد ديني او حزبي او مناطقي او طائفي او منغلق على ذاته, او متورط في محاولة تقديم تعريف للثقافة يستند على خيار فكري واحد بنيّة اقصاء الخيارات الاخرى.
   ان كل الخيارات الشمولية القومية او الدينية او الايديولوجية سقطت عبر التاريخ وبقي الخيار المدني التعددي المتحرر من الرقابة والمتمسك بحرية الابداع هو الخيار المتميز بالنجاح والذي زكّته الحياة والحضارة . وسقوط النازية والفاشية وانهيار المنظومة السوفيتية الشيوعية في العالم , وفشل الثقافة المتقوقعة داخل اطار قومي ضيق الافق ابان النظام السابق في العراق كلها ادلة لا تخطؤها العين على مانقول .
   لقد ترددت كثيرا في الافصاح عن هذا المفصل الذي طالما دار بذهني لان القارئ من حقه ان يقول ان كاتب هذه السطور وزملاؤه في وزارة الثقافة يتحملون الوزر الاكبر فلمن توجه هذه الكلمات ؟ .
   واعود لأقول اننا في الوزارة معنيون بلا شك ونبذل قصارى الجهد لنكون اهلاً لتقديم ثقافة مضيئة متطورة قادرة على ربط العراق بالعالم ثقافيا ً ولترجمة افكار المثقفين العراقيين الى واقع ملموس على الارض .
   ولكن للموضوع صلة فالصورة لا تكتمل ان لم نركز على هم وطني شامل بالثقافة والفن يكون فيه للجميع حصة لان المبدع كما قلنا ثروة وطنية ووسام على صدر الوطن وعلم ناطق بأسم العراق وتأريخه وحضارته في المنابر العالمية .
    فهو امر مثير للغرابة ان لا يحضر حفل تأبين المبدعين او حفل تكريمهم من قبل وزارة الثقافة سنويا ً في دائرة العلاقات الثقافية العامة , الا اقل القليل من المسؤولين الكبار ورؤساء الاحزاب واعضاء البرلمان , وكم مرة عانينا وتحملنا شكاوى مريرة من المثقفين اثناء تشييع جثمان مبدع الى مثواه الاخير لا تحضره الا الحلقة القريبة من الادباء والفنانين ليصبح الراحل في اليوم الثاني على ارشيف النسيان من قبل طبقة واسعة من السياسيين يفترض ان يكونوا مع وزارة الثقافة في تحمل وقع هكذا احداث .
   وفي هذه الايام رحل المبدع الكبير (فؤاد سالم) وهو يستحق تشييعا ً رسميا ً من قبل الدولة العراقية وليس وزارة الثقافة وحسب , ويستحق ان يحزن له الوطن كله مثلما احتفى به الوطن كله وفرح بأغانيه والحانه وهو على قيد الحياة . وللراحل كل الحق ان يكون له راتب تقاعدي مجزي يشعر ذويه واهله بأننا اوفياء لانسان مناضل وفنان مقاوم لم يركع ولم يستسلم للنظام والدكتاتورية ولو لحظة واحدة وظل يكافح من اجل حرية العراق .
   ان (فؤاد سالم) ليس ملكا ً لحزبه وهو الذي غرّد دوما ً خارج "الحزب" من اجل الوطن كله ايمانا ً منه بأن صوته وفنه والحانه ثروة وطنية وليست حزبية , فاذا كان الحزب الشيوعي العراقي هو حاضنته للعمل السياسي وخياره الفكري , فان العراق بكل تضاريسه وتنويعاته كان بيته الحميم واهله الذين غنى (فؤاد سالم) من اجلهم بدءا ً ببصرة الماء والنخيل مرورا ً ببغداد وصعودا ً الى جبال كوردستان ومدينة (حلبجة) التي تماهى الراحل مع احزان ضحاياها . 
   في العراق الملكي كان ملوك العراق هم الذين يحضرون الاحتفالات الفنية ومعارض التشكيل ويكرمون الفنانين والادباء ويفتخرون بكل اسم على لائحة المبدعين , وكان (نوري السعيد) الذي تسلم رئاسة الوزراء (14) مرة هو الذي يزور القبانجي في بيته والشاعر (الزهاوي) في مقهى الزهاوي في شارع الرشيد , ويحتفي بمبدعات كبيرات مثل الفنانة الرائعة (سليمة مراد) او (سليمة باشا) وفاتنة بغداد (عفيفة اسكندر) , وكانت ليالي ونهارات عامرة في ذلك الزمن بالحضور المكثف للسياسيين والوزراء في المناسبات الفنية والادبية وفي معارض التشكيل , لا سيما عند استقبال فنانين كبار من خارج العراق مثل الزيارة الشهيرة لكوكب الشرق (ام كلثوم) الى بغداد حيث كان استقبالها مثيرا ً للاعجاب حيثما حلّت وقيلت فيها قصائد ترحيبية بينها قصيدة للشاعر (الزهاوي) .
   في العالم المتحضر كله تكون الثقافة هما ً للوطن كله وليس لوزارة واحدة فقط , فالوزارة مهما فعلت لن تستطيع لوحدها مجابهة كل التحديات الثقافية فلا بد ان يكون الجميع معها لخلق مجتمع مثقف يؤدي بالضرورة الى الوئام والسلام والتعايس الاجتماعي .
فهذه فرنسا وعاصمتها باريس التي تسمى – بحق – عاصمة النور همها الاكبر متجه الى وزارة الثقافة والمشهد الثقافي اكثر من كثير من الوزارات الاخرى , وحين رحل فيلسوفها (جان بول سارتر) الذي شغل فرنسا والعالم على مدى عقود بنتاجه ومعاركه الفلسفية كرائد للفلسفة الوجودية , قال احد السياسيين الفرنسيين :- (مات سارتر ... ماتت فرنسا)
   وفي المانيا حيث لا توجد وزارة اتحادية للثقافة بل هيئة اتحادية لحماية الاثار والتراث , لكن توجد في كل ولاية وزارة محلية للثقافة , اي اكثر من (15) وزارة ثقافة في المقاطعات الفيدرالية وهذا ادى الى تنمية كل الثقافات المحلية بكل تنوعاتها وتفاصيلها وجمالياتها وثرائها في المدن والبلدات والقرى ضمن اطار ثقافة المانية قائمة على اقصى درجات التنوع والتعددية والحرية المطلقة . وكما في المانيا فكل الدول الاسكندنافية تتماثل في جعل الثقافة هم كل مؤسسات الدولة ومنظمات المجتمع المدني وكل الطبقة السياسية الحاكمة .
   وبعيدا ًعن طرح امثلة حصرية اخرى نقول ان العالم في تعامله مع الثقافة قطع شوطا ً كبيرا ً جدا ً من الرعاية والاهتمام , ونحن في العراق بحاجة الى الاستفادة القصوى من هذه التجارب وعدم ممارسة الانطواء او الانكفاء والتخندق ضمن اية شرنقة ضيقة .
   ان الثقافة في العراق لكي تدشن انعطافتها الكبيرة الى المستقبل المضئ لابد ان تبقى حرة لا تلتزم الا بالانسان والوطن ولا تقبل اية اشتراطات او محددات رغبوية نزعوية وماضوية تتعامل معها بمنطق التحريم والتخوين والتكفير الذي مازال يمارسها – مع الاسف الشديد – بعض رجال الدين على منابرهم , وهنا تأتي وظيفة الحكومة والطبقة السياسية العليا لمنع هذا الخطر فهل سنجد في الايام القادمة سياسيين كبار يزورون الوزارة او يتصلون للبحث عن فعالية فنية او لشراء لوحات تشكيلية او لتكريم احد المبدعين ؟ نتمنى ذلك .
31/12/2013
المانيا/ فرانكفورت

49
فؤاد سالم.. قلب بحجم وطن
وقصة حب تملؤنا فخرا
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   
   قلب بحجم وطن، ورحلة غنائية ركزت على انسانية الانسان اينما كان دون خوف من القمع او التنكيل الذي بلغ أبّان النظام الدكتاتوري السابق في العراق حدّ محاصرة الاحلام والمشاعر وكل عواطف الحب بالأسلاك الشائكة.
   انه فؤاد سالم الانسان والمناضل والمبدع الذي حاز لقب فنان الشعب بكل مايعنيه هذا اللقب من مغزى، لانه جعل للأغنية رسالة وهدف، والرسالة هي التمرد والجرأة في جعل الكلمة واللحن والأداء صرخة مدوية بوجه الدكتاتورية، ولمسة حب وحنان لكل الناس في العراق والعالم.
   وحين نقول لكل الناس فنحن نعني مانقول من حيث ان هذا المبدع أبى ان ينطوي داخل ذاته القومية او الدينية او الطائفية، وانما انفتح على ذاته الانسانية ذات الفضاءات اللامتناهية للحب والامل.
   استهلّ فؤاد سالم مسيرته الخضراء مع اوبريت (بيادر خير) عام 1963، وهي البيادر التي مازلنا بانتظار ان تعمِّر حياتنا بالوئام والسلام والثراء المعنوي. وكانت بعدها رحلة حياة مليئة بالحزن والجراحات الغائرة بل واحيانا بالضرب المبرح من قبل أزلام النظام الدكتاتوري فها هو الراحل يقول (ذات مرة استطعت أن اغني في مكان ما، لكنهم إنتظروني في الخارج وأشبعوني ضربا بأعقاب المسدسات وجعلوا دمائي تسيل على الارض، فأيقنت أن لامكان لي في العراق لأنهم سيقتلونني في المرات القادمة، فغادرت الوطن وكفي على قلبي). كان ذلك في سبعينيات القرن الماضي حين فصل فؤاد سالم من معهد الفنون الجميلة ومنع من الغناء، لأن غناءه تغريد خارج سرب النظام.
   لكن فؤاد سالم انتصر رغم الضرب والمنع من قبل فئة لم تقرأ أبداً ابجدية الموسيقى والفن والادب، وانتصاره كان مدويّا لأن في قلبه الكبير شموعاً بقدر سكان العراق حين كان الظلام حالكا وقرر التصدي للعواصف وإن بقي هو الشجرة الوحيدة المقاومة في وقت سقط كثيرون غيره وغيّروا ألوانهم وأثوابهم كما الحرباء، ولم يركع ولم يستسلم رغم ان الموت كان قاب قوسين او أدنى منه.
   كلنا نتذكر في الأيام الصعبة لنضالنا ضمن المعارضة العراقية ان فؤاد سالم شكل بأغانيه قوة معارضة غاية في الأهمية معنا بالموسيقى والغناء والفن، ولكن ايضا بقصة حبٍّ أبدية لكل العراقيين فكان ان غنى لضحايا فاجعة (حلبجة) مثلما غنى للبصرة المدمنة على العشق والماء والنخيل، وغنى للعراق الافتراضي بعد ان غادره وكفه على قلبه كما صرح هو.
   ولأن الحديث عن هذا العاشق الأخضر الجميل لايكتمل الا بالحديث عن يوميات حبه بكل تفاصيلها، ولأنه على سرير المرض ظل يطلب الحب والحنان والوفاء منا جميعا أكثر من طلب المادة التي لم يكن يوماً أسيراً لها، لذلك كان الشاعر "هاتف بشبوش" صادقاً جداً في نعيه للراحل بقوله
   الليل يطول والجيتار يصرخ فينا
   زيدوني حباً.. فبغير الحبّ يذوي صوتي
   وبدون الحب.. لاتمتلئ السلال بالبرتقال
   ولايعانق العامل ريح الشمال
   ولا يضحك الحصاد في البيادر.. زيدوني حباً
حين خرج فؤاد سالم عام 1982 عنوة من الوطن حمل معه للذكرى كل الأشياء الجميلة من العراق ليكون متماهيا معه، حمل صلابة وشموخ جبال كوردستان، وطيبة وعشق وطعم نخيل البصرة وتراث ثوراتها وتمردها على الظلم، وذكريات ضفاف دجلة التي منحت بغداد عبر التاريخ ميزة الشهرة بين المدن.
   حمل فؤاد سالم معه كحل نساء الاهوار وصور كدّهن وكدحهن اليومي من أجل الخبز والحرية، وحمل اسطوانات المواويل الجنوبية المخضبة بالدموع وبانتظار الامل، مثلما حمل نبرات صوت ناظم الغزالي وحضيري أبو عزيز وداخل حسن وسليمة مراد وعفيفة اسكندر، ليكون كل ذلك عونا له على تجديد وانعاش ذكرى الوطن الذي أهداه عام 2003 بشرى التحرر والانعتاق، لتكتحل عيناه مرةً أخرى برؤية البصرة السابحة في مياه الحياة. لكن هذه المرة جاءه القمع والمنع والحزن من نافذة المرض ليرحل عنّا بعد سنين من المعاناة ويتركنا نستحضره لحناً أبدياً وصوتاً يمنحنا جزءاً من هويتنا العراقية وسيرة حياة تميزت بربط النضال السياسي برسالة ابداعية مفادها ان الفنان يمكن ان يتحول الى قامة مديدة وباسقة ومثمرة وحافلة بالتحدي للظلم بسلاح اللحن والاغنية.

25/12/2013
المانيا/فرانكفورت


50
نورس النعيمي: ابتسامتي على الشاشة لا تموت
فوزي الاتروشي

تعودت نورس النعيمي إن تطل على الشاشة الصغيرة ببسمة محبة وحكاية تواصل وبحزمة من مواعيد حوار مع المشاهدين لا تنتهي. وكما نوارس البحر إذ تصطادها بندقية عاشقة للدم سقطت الإعلامية الشابة ذات العشرين ربيعاً وهي تقترب من بحر الحقيقة وفضاءات  النور لتمسح شيئاً من العتمة عن طرقاتنا و لتسجل الرقم (267) هم ضحايا الإرهاب من الإعلاميين العراقيين منذ  عام 2003 .ان اغتيال (نورس النعيمي) أعاد مجددا  إلى دفتر يومياتنا ان الإعلام تجاوز كونه مهنة المتاعب ليصبح عملاً على خطوط النار وعلى مشارف الموت اليومي الذي يلاحق الباحثين عن الحقيقة والعاملين على منحنا فسحة حوار وشمعة ضوء نطارد بها الظلام.
ما الذي دار في ذهن الإرهابي الذي أطلق النار عليها؟
سؤال يحمل الجواب التقليدي البائس الذي مفاده ان قتل الإعلامي سيؤدي إلى  ردم التراب على الحقيقة والى قتل  إرادة العقل ان يفكر ودحر تصميم اللسان ان ينطق وتكميم الفم كي لا ينفتح على بوابات التحاور لبناء الوئام  والسلام في المجتمع. وهذا هو بالضبط  الرهان الخاسر للإرهاب الذي لا يفكر ولا يتحاور  ولا يتصالح ولا يعرف غير عدد الطلقات الموجودة وكيفية إفراغها في رؤوس الآخرين ,دون حساب لنتائج هذا العمل الجبان الخارج عن اطار الحق والوجدان والدين والأعراف والمصمم على قتل فعل الحب فينا جميعا.
ومرة أخرى كان الإرهابي ساذجاً الى حد الجنون لأن نورس الربيعي  كما معروف  زملاؤها وزميلاتها الذين رحلوا وهم على جبهات الكلمة الطيبة والحوارات الصادقة تحولوا الى غابة من الأشجار الباسقة التي يستحيل موتها لأن سيرة حياتهم مسجلة لدينا بالصورة والصوت والحركة وستبقى معنا تمنحنا الإصرار على المضي في الطريق.
كان يمكن لذات  ال (20) ربيعاً ان تستمر في مراكمة فصول الربيع الأخضر على حياتها , وكان يمكن لها ان تراكم فينا المزيد والمزيد من حكمة ان يصبح الإنسان في ربيع العمر إعلاميا يطل عبر الفضاء على الآخرين ,وكان يمكن ل(نورس) ان تنتقل  من مقدمة برامج الى أستاذة إعلام يتخرج على يديها آخرون لمواصلة الحقيقة التي تقول ان المرأة وهي تكتب وتحاور وتفكر وتتكلم تمثل  قمة مساواتها مع الرجل في بناء الحضارة. كان يمكن ان تحدث كل هذه الاحتمالات.
لكن يبقى  الاحتمال الأكثر يقيناً وهذا ما لم يفكر به القاتل وهو انه يستحيل عليه قتل ابتسامة (نورس) على الشاشة والتي ستكون حتماً محفورة في الذاكرة وقابلة للتكرار والتجدد  ولزرع الأمل فينا, في حين ستكون على الدوام سؤالاً يلح  على القاتل يومياً قائلاً لماذا  قتلت نفسك وأن تدرك ان جسدي إذ-
 يسقط  فوجهي وابتسامتي  على الشاشة  تعشب  يوميا بستان ثمار للمشاهدين.
20/12/2013

51
ملتقى الفلم الوثائقي في كوردستان حالة إبداع مبهرة

فوزي الاتروشي

اذا كانت الصورة الواحدة تعادل فعلا" ألف كلمة في زمن العولمة المعلوماتية ، وإذا كانت السينما كفن سابع قد حلت منذ زمن محل الكتاب كخير جليس في الزمان .
فان هذا الفن يستحق ان تتوجه اليه الأنظار وتكرس له الإمكانات ليحتل المساحة الأبرز من المشهد الثقافي ، باعتباره فنا" يضم بين دفَتيه فنونا" اخرى فالسينما تعني الفكرة او الحكاية او القصة ومن ثم السيناريو والحوار والصورة واللون والموسيقى التصويرية والدراما بكل ماتعنيه من تقمص للحياة بما فيها من مشاعر حزن وفرح ومظاهر وظواهر تشكل في مجملها المشهد الحياتي اليومي .
في الفترة من 13 - 15/ 12 / 2013 كنا على موعد  مع ملتقى الفلم الوثائقي الكوردي الثالث في مدينة السليمانية حيث التقى السينمائيون الكورد من مختلف أجزاء كوردستان وضيوف من العراق إضافة الى خبراء أجانب في لجنة التحكيم .
وعلى مدى ثلاثة ايام استمتعنا بمشاهدة ( 39 ) فلما" وعالج كل فلم مشكلة اجتماعية او بيئية او صحية او إنسانية بشكل احترافي وبتقنيات عالية اقترنت بذكاء مفرط للكاميرا في تصوير اللقطات بخبرة ووعي . 
فلم (سياحة غير عادية ) الذي فاز بجائرة أحسن فلم يصور مغامرة شاب كوردي بالسفر من كوردستان الى لندن عبر تركيا واليونان وايطاليا وفرنسا وسويسرا وصولا" الى لندن وكل ذلك بجواز مزوَر ، واللافت ان هذا الشاب صور كل معاناة المرور بهذه الدول والمعوَقات التي واجهها في الطريق بكاميرا شخصية ، فكان بذلك فلما" ممتعا" يصور حكاية واقعية تعالج مشكلة يعانيها المئات من الشباب الهارب الى البر الأوروبي .
اما فلم ( المجزرة ) فقد ركز على قصة الصبي الهارب من ديالى حيث العمليات الإرهابية اليومية التي تحصد حياة الأبرياء الى السليمانية للعمل في ( مجزرة)لذبح الحيوانات وهناك يعايش معاناة الحيوان اليومية ما يولد لديه مشاعر خوف من نوع اخر فتبدو حياته محصورة بين مجزرتين حيوانية وإنسانية وكأن الذبح هو المشهد الوحيد الذي عليه معايشته .
وأبدع فلم ( الموبايل ) في تسليط الأضواء على حالات التحرش الجنسي والإشكاليات والمشاكل التي يولدها الاستخدام السيئ لجهاز اخترع لخدمة البشر في شتى المجالات ، وبذلك القى الضوء على ظاهرة اجتماعية بدأت تشيع في العراق . وكان لكل من فلم ( مشاريع مياه سنحاريب ) و ( التلوث في مناطق حقول بابا كور كور ) في كركوك الأثر الطيب في تركيز الأضواء على مواضيع بيئيه نحن في امس الحاجة اليها لرفع الوعي البيئي .
وبدون ان نخوض في تفاصيل حكايات كل فلم ، نقول انها اجتمعت على ربط المضمون بالشكل اي سرد الحكاية في إطار جمالي فني وتقني عالي المستوى .
ان هذا الملتقى السينمائي وغيره من الملتقيات السينمائية في مدينتي اربيل ودهوك تؤشر بوضوح الى حدوث انعطاف جميل في مجرى تطور فن السينما في الإقليم ، والذي جاء نتيجة تراكم الاهتمام به من قبل وزارة الثقافة والشباب في الإقليم وللتلاقح الحاصل بين السينمائيين في كوردستان والعالم ، وعدم فرض خطاب إيديولوجي دعائي على مواضيع الأفلام ، وأخيرا" الأسلوب اللامركزي في ادارة السينما والمسرح فهناك الان في كل محافظة في الإقليم مديرية للسينما واخرى للمسرح بميزانيات مستقلة مناسبة تعمل على الإنتاج وتمويل السيناريوهات واكتشاف ورعاية الكفاءات والمواهب ، واذا قدر لمعهد السينما ان يفتتح قريبا" بخبرات محلية وأجنبية فانه سيشكل خطوة رائدة حاسمة للتأسيس لسينما حقيقية في إقليم كوردستان .
ان ملتقى الفلم الوثائقي الكوردي الثالث في السليمانية واسمه (جرا -  قنديل ) كان بحق قنديلا" مضيئا" يفتح الباب على بيادر خير وعطاء سينمائي في كوردستان العراق .


                                                                                     17 / 12 / 2013

52
رحل نيلسون مانديلا ... ولكن الى قلب البشرية
                                                                                                                            فوزي الاتروشي

   رحل نيلسون مانديلا بعد ان شغل قرناً وانجز وطنــاً ووضع شعبه على بوابة المستقبل المضيء, وقضى على التفرقة العنصرية وراكم في الحضارة الانسانية قيماً من الجمال والحق والعدالة لكي تتكامل.
   ولاعجب في ذلك فهو تلميذ (غاندي) ومكمل مسيرته المثالية في قوة اللاعنف تجاه العنف, وقوة الحقيقة في دحر كل ترسانة الاسلحة مهما بلغ جبروتها، وقوة نكران الذات والتضحية بها عوضاً عن لغة الانتقام والثأر.
   ان نيلسون مانديلا صاحب الطريق الطويل الى الحرية احد معلمي البشرية، ومثلما ان حياته وحدّت القادة والشعوب على الاعجاب بها، فإن وفاته هي الاخرى وحدت الجميع في مشاعر الحزن وعواطف الحب والتضامن.
   لم يكن مانديلا غائباً عن قضايا الآخرين رغم كل مشاغله وهمومه في وطنه، فقد حوّل المؤتمر الوطني الأفريقي  الى قوة ضاغطة وفاعلة باتجاه تحرير القارة السوداء ومراكمة عوامل التنمية الانسانية والاقتصادية وجعلها حلقة خضراء على الكرة الارضية، وأعلن في كل مناسبة عن موقف لايلين ولايستكين في الدفاع عن الشعوب في نضالها ومنها الشعب الكوردي، وحين انطلقت الثورات التي اصطلح عليها بتسمية (الربيع العربي) كان بالغ الحكمة حين قال ان الشعوب العربية حققت حريتها ولكن إقامة العدل اصعب من انهاء الدكتاتوريات.
   ان جائزة نوبل التي حصل عليها (مانديلا) حققت الكثير من المصداقية والثقة حين جعلت هذا الزعيم الاممي نموذجاً يقتدى به ليس لانتصاره فحسب, ولكن ايضاً للمنظومة القيمية التي جسدها في عصرنا.

   فقد انتصر (مانديلا) على سجانه ولكنه لم ينتقم بل اتجه الى المصالحة والمصارحة, وتنازل عن الحكم وهو في قمة الشعبية والشهرة مركزا على تداول السلطة  وعدم احتكارها فكان نموذج الرجل المثالي الطيب لسكان افريقيا والعالم الزاهد في السلطة والمشروع المكرس كلياً للاخرين وهنا مكمن عظمته.
   ان حياة وتجربة مانديلا مثل حياة وتجربة غاندي مشروع حضارة لاتكتفي بالقيم المادية، بل تركز على الروح والعقلانية والاخلاقية في السياسة وبذلك يصبح هذا المشروع قابلاً لعبور القرون دون ان يبلى او يتقادم او تتهاوى اسباب نموه وملائمته لكل العصور.
   لم تسنح الفرصة لمانديلا ان يرى الفلم الذي يصور حياته بكل مافيها من مآثر وكنوز ومحطات وضاءة ولكن هذا الفلم سيكون وثيقة القرن العشرين الاكثر تمثيلاً لعصارة حضارتنا والاكثر مواكبة لمستقبل الاجيال القادمة.
  ان (غاندي)  و(مانديلا) و(مارتن لوثر كينج) نماذج لاتتكرر كثيراً ولكن اثرها في السلوك والتربية والثقافة الانسانية هو الذي يتكرر ويتجدد ويتفاعل.
  في تشييع مانديلا الى مثواه الاخير لن يكون الحضور  للقادة والرؤساء فحسب, ولكن قلوب البشرية كلها ستواكبه، فكم هو سعيد اذ تجمع البشرية عليه وكم نحن سعداء لاننا عشنا في عصر نيلسون مانديلا.

                                                                                  8 / 12 / 2013
                                                                                                                 

53
مهرجان " كلاويز " الثقافي ... حاضنة ابداع ودعوة تلاقح

                                                                                                                        فوزي الاتروشي

   حين لا يكتفي المهرجان الثقافي بعرض النصوص وانما يستمر بطرح الاسئلة حولها ويستفز في المتابع رغبة المضي في البحث والتنقيب في النص, وحين يتحول المهرجان الى منبر للحرية الفكرية تتلاقى فوقه مختلف الافكار لتصل الى محصلات حضارية, فأن المهرجان لا يوصف بالحدث العابر وانما بالظاهرة التي تترك خلفها اثاراً وتداعيات ايجابية تتراكم في ذاكرة الانسان .
   وهذا هو التوصيف الحقيقي لمهرجان " كلاويز " الثقافي في السليمانية في دورته الـ (17) التي حملت اسم الشاعر الكوردي الراحل ( شيركو بيكه س) احد رواد الشعرية الكوردية الحديثة والذي انعقد في الفترة (20- 25/11/2013) .
   ان المهرجان شكل بحق نافذة كوردية على الثقافة في العالم, ونافذة عالمية على اتجاهات ومسارات الثقافة الكوردية, وبذلك حقق التلاقح الذي يمثل احد اسس التنمية الثقافية. كما ان كثرة الافكار الادبية والشعرية والفلسفية والسياسية التي طرحت ونوقشت فيه والقادمة من اصقاع شتى منح المهرجان صفة التنوع الثقافي القائم على روافد عديدة متأتية من بيئات مختلفة جغرافيا ً وفكريا ً, وهذا ما جسد الاساس الثاني لثقافة حضارية متفاعلة مع العالم ونفى به التنوع ضد ثقافة النوع الواحد. كان للثقافة الايرانية والعربية والفرنسية والكوردية حضورها المكثف والبارز على مدى الجلسات الصباحية والمسائية التي تألقت بحضور مكثف من الجمهور وبتفاعل مع المحاضرات, لاسيما وان الترجمة الفورية من اللغات الاخرى الى اللغة الكوردية كانت متقنة ومتواصلة مما ابعد الملل عن الجلسات وجعلها بمثابة برلمان ثقافي موسع على مدى خمسة ايام .
   وكان الطرف الكوردي جادا في طرح آرائه وفي عرض نصوص من التراث الشعري والقصصي والفكري الكوردي, مما شكل نقلة نوعية في التعريف بثقافة شعب مازال يواصل التمدد والانتشار في العالم ثقافيا بعد ان تعرضت ثقافته وخصوصيته الى القمع والمنع والتشويه والتنكر على مدى عقود كثيرة لغاية تسعينات القرن الماضي, وهذا شكل جسرا من التواصل والدبلوماسية الثقافية الكوردية مع المحيط الاقليمي ومع العالم. والواقع ان هذا التواصل دشن منذ انشاء المنطقه الامنة الكوردية عام 1991 فكان مهرجان الجواهري الذي عملنا عليه في اللجنة التحضيرية مع المفكر والكاتب الكبير الراحل (فلك الدين كاكائي) ومجموعة من المثقفين الكورد وكان في حينها حدثا ً ثقافيا ً كبيرا ً في المنطقة التي كانت تعاني الحصار من قبل النظام السابق، واستمر بعدها سيل توافد المثقفين العراقيين والعرب على المنطقة التي اصبحت منبرا ً للحرية ولعمل كل المعارضين للدكتاتورية لحين سقوطها عام 2003 .
   اللجنة التحضيرية لمهرجان " كلاويز " نجحت في توسيع رقعة المواضيع المطروحة, وفي توسيع اطار المدعوين اليه, مثلما انها لجأت الى طبع البحوث في كتب مطبوعة وتوزيعها فكانت الفائدة اعم واشمل, وصدور صحيفة يومية بعنوان (كلاويز نامه – نشرة كلاويز) ساهم بالتعريف يوميا ً بالحدث وبالاراء وفي استطلاع اراء الحاضرين.
   وكان بحث الاستاذ (سعيد يقطين) حول ملحمة (مه م وزين) الشعرية الكوردية التي الفها الشاعر الكبير (احمدي خاني) موفقا ً في تسليط المزيد من الاضواء على هذا العمل الخالد الذي سبق للاديب (عز الدين مصطفى رسول) ان الف عنه كتابا ً كبيرا ً وشاملا ً بعنوان (احمدي خان الانسان والشاعر) شكل نافذة واسعة على حياة وسيرة واعمال هذا الشاعر وبذلك هيأ للقارئ العربي والمكتبة العربية فرصة التعرف على هذا الشاعر الواسع الانتشار في كوردستان وملحمة (مه م وزين) التي يتغنى بها كل كوردي اينما كان.
   انتهى مهرجان " كلاويز " بأيـــــامه, ولكنه مستمر بتأثيره وتفاعلاته, وكان الكــــاتب والباحث (سيد علي صالحي) محقــــا ً حين قال (( الان بدأنا نتعرف على شعر شيركو بيكه س)). فاذا كان المهرجان قد حقق الاطلالة الجميلة على الثقافات العربية والفارسية والفرنسية, واذا كان قد حقق التعريف الواسع بشاعر كبير حصد جوائز عالمية مثل (شيركو بيكه س) شاعر الحرية الراقد في (بارك الحرية) واذا كان قد فتح اكثر من نافذة على التنوع والتعدد والاغناء فأنه اذاً اكثر من مجرد مهرجان, انه ظاهرة ثقافية متواصلة عاماً بعد عام كحاضنة ابداع وجسر تلاقح وتفاعل ثقافي مع العالم .

                                                                        7/12/2013 

54
ماذا يعني أن تكون نزيها في العراق ؟

فوزي الاتروشي
   العراق بلد بقدر ما دمره  الفساد المالي والإداري, فقد افترسته التغطية على هذا الفساد وشرعنة وتقنين هدر الأموال بشكل لا نظير له في التاريخ.
والانكى من كل ذلك أن  المفصل النزيه والمواطن والموظف الذي يضع الانتماء الوطني فوق الانتماء للحزب أو الطائفة ولا يسعى للمال، يكون عرضة للتجني والاتهام والتضييق لأنه يشكل سداً يمنع الهدر ومانعاً يرفض التجاوز وعلامة فارقة تفضح المستنقع الآسن الذي يركد فيه الفاسدون فاقدي الضمير والبعيدين عن الانتماء لأية منظومة قيمية وأخلاقية.
   أن تكون نزيها في العراق يعني أن تسبح ضد التيار وتتحول إلى غابة تصد رياح السموم وتصبح في مواجهة إعصارها، وهذا المصير مؤلم وقاسي وغير منطقي ولكنها الحقيقة العارية .
   أن تكون نزيها يعني أن يتخلى عنك الآخرون من حواليك  لأنك تغرد خارج السرب وتلغي الظلام وترفض أن تكون ضمن  القطيع وتقول الحق دون خوف من لومة لائم أو تهكم فاسدين جعلوا الوطن مزرعة لهم دون رقيب أو حسيب, وبالعكس فالرقيب ينشغل بالنزيه وبالمواطن المستقيم وينتظر منه هفوة للإيقاع به ودعوة الآخرين لوليمة جاهزة من المزاعم والتهم والمبالغات والقدح لكسر ارادته وضمه عنوةً إلى قطيع الجهل والطمع والشر.
   أن تكون نزيها في العراق لابد أن تتوقع الشر قبل الخير والعداء قبل الصداقة والجفاء بدلاً من التواصل والاستحسان لان قطيع الفاسدين لم يعد يعترف بالراعي ولا يرضى إلا أن يجعل كل تراب الوطن مصدراً للكلأ لهم ولهم وحدهم دون حساب للملايين التي انتظرت طويلا لكي يتحرر العراق من الدكتاتورية، وبعد التحرر وقع فريسة لأفواه جائعة وعيون طامعة وبطون لا تشبع حتى لو أكلت العالم كله .
   ان تكون نزيها في العراق وفي ظل شلل الأجهزة الرقابية وتعاميها وتغافلها وخوفها يعني ان تصبح في مرمى السهام تأتيك من كل حدب  وصوب تنتظر أن تقع وتعجز وتعترف انك عاجز عن فك الأسلاك الشائكة التي تحيط بالوطن .
   ورب قائل  إذا كان هذا هو الحال فالأجدى التسليم والاستسلام والبقاء في المياه الراكدة وترديد نفس الأراجيز والأناشيد التي يرددها الفاسدون الذين جعلوا الوطن وليمة دسمة, لكننا نقول بالعكس فإذا كان الحاضر شديد العتمة فالمستقبل لابد أن يمتلئ بالضوء، بشرط أن يلجأ كل عراقي إلى إشعال شمعة وعدم الاكتفاء بلعن الظلام, وزرع شجرة وعدم الاستمرار في لعن الأتربة والغبار، وتقديم لمسة حنان وحب للعراق الذي تضخم من كثرة الأناشيد والأغاني والقصائد التي تتغنى به وبات ينتظر فعلاً جميلا وقصة حب واقعية طويلة الأمد .
   إن الإرهاب والفساد المالي صنوان لا ينفصمان  فالأول يدمر العمران وأجساد الناس الأبرياء, والثاني يدمر كل منظومة القيم الاجتماعية ويجعل الوطن في مهب رياح تجعله ذكرى وطن كان يوما على خارطة الأرض .
   إنها إذن دعوة لكل مواطن جميل وشريف في العراق لكي يعلو نحو فضاءات الجمال والغناء والعمل والجهد والحب من اجل وطن تعب كثيرا من جيش الفاسدين ولابد للأيادي الخضراء أن تمتد لإنقاذه من الغرق .

55
كوردستان العراق ...ارقام مضيئة
فوزي الاتروشي

   المسافة بين الحلم والحقيقة تتقلص كل يوم شيئا فشيئا في مدن اقليم كوردستان العراق والآمال لم تعد مجرد احلام غارقة في الغيب. والحياة  ازدهرت باللون والضوء والرغبة في نسج قصة حب دائم مع الارض والانسان والمستقبل .
   ثمة ارقام واحصاءات تدعم هذا الواقع وليس الخطب والكلام والمزاعم وهذا هو مثار الاعجاب..فالحياة في مدن الاقليم تتغير وتتطور وتسرع نحو الغد الاجمل. ففي وقت لانسمع في بقية انحاء  العراق سوى اصوات المفخخات وسقوط الشهداء بأيدي قوى الظلام والارهاب ونتعايش مع اللاأمن واللااستقرار ونقص الخدمات المزمن والصراعات السياسية والمهاترات وتبادل الخطب الرنانة التي لا تسمن ولاتغني  من جوع. نجد قناديل الضوء تشتعل في اربيل والسليمانية ودهوك وتتعالى بشائر الخير.
   تقول الارقام ان في الاقليم الان اكثر من (12) الف مدرسة بعد ان كانت (700) فقط, وثمة (11) الف مستوصف ومستشفى ومركز طبي بعد ان كانت (500) فقط في الماضي , وهناك اربعة ملايين خط هاتف .
   اما على  مستوى الطفرة التعليمية والعلمية فالأرقام تشير الى وجود (17) جامعة حكومية واهلية , وهناك (2000) طالب يدرسون في جامعات اوروبية العريقة ذات المستوى العلمي الرصين ويصرف لكل طالب (5000) الاف دولار اذا كان اعزباً و(7000) الاف دولار بالنسبة للمتزوجين, اما اللغة الانكليزية فأنها باتت تدرس منذ الصف الاول الابتدائي وبذلك ستصبح هذه اللغة العالمية بعد سنوات قليلة منتشرة في الاقليم الى حد كما عبر احد المسؤولين ان الاقليم لن يعود بحاجة الى مترجمين للغة الانكليزية .
   وعلى المستوى الاعلامي وثمة انعطافاً تغييريًا كبيرا سيكون له ابلغ الاثر على تعميق الواقع الديمقراطي في الاقليم لا سيما في ظل تزايد عدد المنابر الاهلية التي تلعب دورا مؤثرا حيث يوجد في الاقليم (876) اصدار دوري تتراوح بين الصحف اليومية والاسبوعية والمجلات الاسبوعية والشهرية والفصلية, وهي اما سياسية او ثقافية عامة او متخصصة بشؤون المرأة والطفل والمجالات العلمية والاجتماعية  والرياضية المتنوعة, والصحافة المتنوعة جزء حيوي هام في العصر الراهن.
   وقد حقق الاقليم طفرة نوعية في مجال وفيات الاطفال لتنخفض الى نسبة 1% واحد في المائة في وقت مازالت النسبة في حدود 28% بالمائة في باقي انحاء العراق. وثمة خطة طارئة كما ذكر احد المسؤولين للقضاء على اي مرض متفشي خلال (48) ساعة.
   هذا غيض من فيض الارقام التي ترد من منطقة كانت في زمن ما واحدة من اكثر مناطق العالم بؤسا وظلاما. اما الان فقد غدت ملاذا امنا للجميع بغض النظر عن الدين والقومية والطائفة, وصارت بؤرة اشعاع على الخارطة السياسية للعالم يفد اليها بشوق اصحاب الاستثمارات والشركات والراغبين في قضاء الوقت والاستجمام, اما كبار نجوم الفن العربي فان مواعيدهم مع اربيل لا تكاد تنتهي فصارت نجوى كرم وراغب علامة واحلام واليسا ونانسي عجرم وعادل امام وحاتم العراقي  وكل رواد الفن العراقي وغيرهم هم ضيوف الاقليم لنشر الالفة والمحبة واللحن والعواطف الجياشة على ارض سبق ان طحنتها الحروب والكوارث والهجرات المليونية والاسلحة الكيميائية التي قتلت ذات يوم الاخضر واليابس والزرع والضرع والبشر والحجر. ولكنها نهضت فوق الانقاض والاطلال كحقل ياسمين ومزرعة نرجس وغابة باسقة تعانق السماء.

56
بغـداد انسانيـة الوجـه والقلـب
                                                                                                                   فوزي الاتروشي

   لم تعد المدن ولاسيما العواصم مجرد مواقع جغرافية للسكن، ولم تعد تجمعات مسوّرة مزدحمة بالقلاع والبوابات التي تحميها من الغزاة ومن الطارئين والغرباء. كان ذلك في الماضي، اما تقاسيم وتضاريس العواصم والمدن الكبرى فقد اتخذت منحى آخر في حضارتنا الحالية، فالعمران وناطحات السحاب والشوارع الجميلة والمرافق الخدمية المتطورة جزء مهم جدا ولكنه ليس كل شيء. حيث يبقى البعد الجمالي الفني، الادبي، الفكري والبعد الانساني ومدى اتساعه هو الذي يرسم ملامح المدن الفاعلة النابضة بالحياة على سطح الكرة الارضية. فالمدينة بالضرورة تعني التمدن والتحضر، وهي عكس التريف والبداوة والتصحر، والمدينة ولاسيما العاصمة لابد أن تكون متنوعة اثنياً وثقافياً وعمرانياً وفكرياً، لكي تصلح أن تكون ضمن مكونات الحضارة، فالمدن ذات اللون الواحد واللغة الواحدة والسياق الثقافي القومي الواحد تنحسر وتبقى في الظل، في حين تبرز وتشتهر المدن التي تتلاقح وتتحاور وتتعانق انسانياً.
   إن مدينة مثل برلين التي يقول عنها الالمان انها منقطعة النظير في العالم لم تصبح كذلك إلّا لأنها تلوّنت الى ابعد الحدود، وصارت احياء بالكامل منها مثل حي (كرويسبيرغ) مسكونة بغير الالمان من الاتراك والاكراد والعرب والافارقة وهو بحق لدى الجميع في المدينة من اجمل الاحياء واكثرها ازدحاما ليلا ونهارا. علما إن كلمة اجنبي لاتطلق هناك وثمة الكثير من الشباب والشابات الالمانيات يكتبون على قمصانهم كلنا اجانب في هذا العالم المترامي الاطراف، وذلك لطمأنة سكان برلين إن كل الساكنين اصحاب حقوق والكل سواسية امام القانون في دولة مؤمنة اشد الايمان بسيادة الدستور والقانون والعدالة والمادة الاولى في دستورها (إن كرامة الانسان غير قابلة للمساس).
   والوضع في برلين ذاته في باريس ولندن وجنيف وستوكهولم وامستردام وفرانكفوت ودبي وابوظبي حيث تتعايش فيها وفي بقية مدن دولة الامارات اكثر من مئة جنسية.
   ملخص القول إن المدن القاحلة ثقافيا تموت عاجلا، والمدن التي تحتضن وتستقبل الثقافات والاديان والطقوس والشعائر والعادات والسلوكيات البشرية والآثار والتراث غير المادي من شتى بقاع الارض وتضفي عليها الحماية والرعاية وتمنحها مساحة واسعة من قلبها وذاكرتها، نقول إن هذه المدن هي التي ترسم وتوثق وتؤرخ لمجمل التراث الحضاري الحالي، حين يكتب السفر الضخم لحضارة القرن العشرين وهكذا بالضبط نريد بغداد حاضنة للتنوع الثقافي بامتياز وحاملة لالوان كل ابنائها ومكتنزة بذاكرة تاريخية وثقافية وفكرية عن كل الذين مروا بها وابدعوا فيها واسسوا فيها منابر العلم والفن والادب والفلسفة من اي قومية ومن أي دين كانوا فهم بناة هذه الرئة التي لابد إن تتنفس منها كل البشرية.
   اذن فأجمل مايمكن إن يقال عن بغداد انها انسانية الوجه والقلب وهذا مايؤهلها حتما لتكون ضمن شبكة المدن الابداعية في العالم. ونضم صوتنا الى صوت الكاتب (نجم سهيل) حين يقول بهذا الصدد إن بغداد بحاجة الى "بناء شراكة قوية في تشجيع التبادل الادبي وخلق مبادرات عابرة للثقافات وتطوير تواصل ادبي محلي ووطني وعالمي واثارة اهتمام المواطنين بحركية الثقافة".

12/5/2013

57
مرحبا برواز حسين ... صوتي لك
فوزي الاتروشي

   الحظ لا يطرق بابك مرتين , هذا ما عملت به الموهوبة المكتنزة بالأمل والطموح ( برواز حسين ) التي غدت بلمح البصر برعما تفتح بسرعة البرق في قلوب الناس قبل ان تصبح معلما شهيرا في مدن اربيل والسليمانية ودهوك والعالم العربي الذي استمتع بفن كوردي قادم من الجبال حاملا معه رسالة سلام ابلغ من كل الخطب والمقالات والكلام الكثير .
إن برواز حسين مؤشر و رسالة و ظاهرة , فهي تؤشر لتقاسيم الجيل الجديد في كوردستان الذي يتحدث و يغني و يفكر بالكوردية ، بعد ان ذاق الحرية وخرج من تاريخ الدم والدموع والكوارث والمحن، و تؤشر أيضا لعنفوان شبابي ذكي وناضج غادر محطات الماضي وهو يسرع نحو المستقبل مستفيداً من اكثر تجارب العالم إضاءة وشهرةً .
وهي رسالة تقول ان الانتقام والثأر والتخندق ضد الآخرين لن يخلف سوى المزيد من الأحقاد والحـفر العميقة التي تفصل بين الإنسان وأخيه الإنسان  وان الحل هو الاندماج مع الآخرين والتآلف دون نسيان الهوية طبعاً، هوية اللغة والثقافة والتاريخ التي كانت دائما كردستانية صلبة لا تنحني أمام العواصف . و برواز حسين كرسالة تقول لنا جميعا انه يمكن ان نصفق لها ونصوت لها ونعجب بها دون أن تمارس علينا سوى نفوذ الإبهار والاندهاش وهذا ما كان.
ونقول لكل اللذين استاءوا من حملها لعلم كوردستان ان هذا العلم دستوري و قانوني في العراق فما العجب ! حين قالت إنها من كوردستان العراق وان علمها جزء من هويتها ضمن العراق الديمقراطي ألتعددي البرلماني وهذا هو تعريف العراق الجديد.
إن في ألمانيا ( 15 ) علما إضافة إلى العلم الاتحادي وكذلك في أمريكا لكل ولاية علم، مثلما هناك علم اتحادي يجمع الجميع . و هكذا الأمر في كل الدول الفدرالية في العالم وهي نحو ( 25 ) دولة تضم كبرى الدول مثل الهند .
برواز حسين ظاهرة كما قلنا , ومعنى ذلك إنها تمثل كل جيل الشباب في كوردستان العراق وتطلعاته وأماله وهي إذ تحصد أصوات الملايين الذين لا يعرفون لغتها، ولكنهم يدركون مغزى كلامها المنطوي على اكبر كمية من الحب و الضوء و الآمل والنقاء و الرغبة والطموح . و كل الذين صوتوا لها صوتوا لحقيقة لا تنكر هي انه كم العالم جميل حين يكون بالوان متعددة ومتناسقة كما الطبيعة بتضاريسها المتنوعة ترسم اللوحة الأجمل في تاريخ البشرية، أما من لم يصوت لها فان له أسبابه وقناعاته التي ينبغي ان تحترم ، ولكن من تخندق ورفض التصويت بسبب لونها القومي وانتمائها المختلف ورفعها لعلم كوردستان، فإننا نقول لهم إن حاضر البشرية ألغى الحدود والسدود والفوارق  واجمع إن الإنسان بحد ذاته هو المهم والاهم في بناء الحضارة بمناءى عن اللون والقومية والدين والطائفية والأرض التي ولد فيها. وان المستقبل لكل المؤمنين بمبدأ ان لا شئ أكثر أهمية من فضاءلت الإنسانية التي تجمعنا على هذه الأرض.
أذا مرحباً برواز حسين فصوتي لك ضمن أصوات الملايين فأنت فائزة في كل الأحوال وشكرا لنجوم الفن العربي أحلام وراغب علامة ونانسي عجرم لأنهم بعواطفهم الحارة تجاه برواز حسين دمجوا فعلا بين الخارطة الفنية العربية والكودية.

58
من هم الغرباء عن الثقافة العراقية؟
                           
فوزي الاتروشي
الثقافة ببعدها الانساني التلاقحي الحضاري المنفتح على الآخر، والثقافة كونها إبداع ليعرف الحدود والأخاديد القومية والعرقية ويتجه نحو الانسان بذاته، نقول إن هذا المفهوم العميق المغزى للثقافة مازال بعيدا عن البعض الذي ينطوي قوميا أو طائفيا أو دينيا أو حزبيا فيعتبر الآخرين غرباء.
   في حين إن الحياة أثبتت إن النتاج الإبداعي الأكثر خلودا في ذاكرة البشرية هو الذي يعرف كيف يستوعب الآخر المختلف والآخر المعارض أو الحامل للون آخر.
   إن الوطن العراقي جميل بالموزائيك اللوني المتنوع وبالأصوات المتألقة التي تأتي من عدة روافد ليتشكل نهرا واحدا يفيض بالحب والخير والعافية، فالثقافة العراقية المضيئة بأسماء ألجواهري والسياب ونازك الملائكة وكوران الشاعر الكردي المبدع والشاعر عبداللطيف بندر اوغلو التركماني وسركون بولص السرياني، والمتوهجة بمئات الأعلام في الرواية والقصة والفكر والفن والأغاني المتعددة اللغات، إن هذه الثقافة هي القادرة على الحياة والتطور والنمو. بالعكس فالثقافة التي مجدت الدكتاتور على مدى (35) عاما بالأناشيد والقصائد والنصب والتماثيل والمقالات غابت بلمح البصر مع سقوط الصنم في ساحة الفردوس يوم 9/4/2013.
   هناك بيننا عراقيون مازالوا يطرقون على حديد بارد ويحاولون استنساخ الماضي في محاولة مستحيلة ويقيّمون النتاج الإبداعي بمعايير حزبية أو قومية أو طائفية وهذا هو المقتل الحقيقي للإبداع.
   لقد ماتت واندثرت كل المدائح والقوالب الجاهزة المحنطة التي مجدت النازية في المانيا والفاشية في ايطاليا والفرانكونية في اسبانيا ونهضت هذه الدول بعد إن ألغت الماضي القبيح ودشنت تجارب تربوية وثقافية وعمرانية وتنموية تغييرية أصبحت مثال الإعجاب والانبهار بعد الحرب العالمية الثانية، ومازالت سائرة بأسرع الوتائر نحو المستقبل المضيء.
   فلماذا لا نقرأ هذه التجارب المضيئة ولماذا نرهن حاضرنا ومستقبلنا لماضٍ عانينا جميعا منه الى حد اصبح الوطن العراقي عنوان الحروب والكوارث والتخلف عن الخارطة السياسية للعالم، لان الدكتاتورية الغاشمة والتي استمرت عقودا طوال كانت لاتؤمن اصلا إن ثمة عالم آخر خارج ذهن الدكتاتور المولع بالحروب والتدمير.
   الآن في العراق الجديد فان الغرباء عن الثقافة هم كل النرجسيين المنطوين على ذواتهم وكأنهم نازلون من كوكب آخر، وهم كل الفاقدين لفضيلة الايمان بالتنوع في اللغة والفكر والادب والفن لان ذلك هو الاثراء والاغناء الحقيقي لثقافة عراقية صاعدة من الركام والانقاض نحو صروح ناطحة للسحاب وقادرة على الامتزاج بالثقافات العالمية. إن الغرباء هم عشاق القومية الواحدة والطائفة الواحدة والفكر الحزبي السياسي الواحد الذي يلغي الآخرين ويعتبرهم اعداء في حين اقرب الاصدقاء ووجودهم اكثر من ضرورة لثقافة قادرة على الوقوف على قدميها في عالم يتنوع ويتغير ويتطور ويمتلئ بالاغناءات والاضافات على مدار اليوم فالحدود سقطت والسدود تشققت اثر فيضان انهار الابداع، والاشتراطات والقيود ذابت وهربت ومقص الرقيب تكسر الى غير رجعة بفعل عاصفة الحرية.
   ولذا اصبح الغريب عن الثقافة هو الواقف وحيدا في صحراء لايكاد يجد فيه واحة يستريح فيها أو قطرة ماء تطفئ ظمأه. وهو يتحمل الذنب لانه منذ البداية آمن بالنفور من الآخر المختلف اما المثقفون العراقيون الحقيقيون المبدعون فهم امل العراق ورسله الى الثقافات العالمية وعنوانه، لان الاوطان وعناوينها لاتقاسبالتضاريس والموقع الجغرافي فحسب، وانما بأسماء المبدعين الأعلام الذين يرسمون هوية الوطن.

59
"بغداد ...تاريخ عريق واسم يتجدد ألقاً "
عنوان لندوة كلية (ابن رشد)
   ضمن فعاليات بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013, اقامت كلية التربية للعلوم الانسانية ـقسم التاريخ في جامعة بغداد ندوة معمقة حول تاريخ بغداد بحضور وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي وعميد كلية التربية د.كاظم كريم رضا الجابري وعدد من التدريسيين وجمع غفير من الطلبة.
   وقد القى السيد وكيل الوزير الثقافة كلمة أكد فيها على البعد الحضاري والتاريخي المضيء لمدينة بغداد كونها احدى المدن ذات التنوع الثقافي فكانت في عصرها الذهبي منارة مضيئة للفلسفة والفكر والفن، حيث جاء في كلمته (لابد أن ننظر الى حاضر بغداد ومستقبلها وأن لا نظل معلقين بالماضي فبغداد تستحق منا الحب والعمل من اجلها). وأشاد بشراكة وزارة الثقافة مع جامعتي بغداد والمستنصرية التي أفرزت إحياء فعاليات بحثية عديدة تدور حول مختلف حياة بغداد.
   بعد ذلك القى د.كاظم كريم كلمة شكر فيها وزارة الثقافة على دعمها للمشاريع الجادة .
   فيما اقيمت ندوة بعد الافتتاح شارك فيها كل من (د.حمدان الكبيسي)، (د.صباح مهدي رميض)، (د.أسامة الدوري)، (د.نبيلة عبد المنعم)، (د.عبد الرزاق الانباري)، (د.حسين داخل)، (د.عبد الرحمن رشك)، (د.جليل خليل)، (د.مقتدى الحمدان)، (د.سهيلة مزبان)، (د.أميرة حسين) وعدد  أخر من الباحثين والباحثات. وقد تناولت البحوث عدة مواضيع اهمها الاهمية الاستراتيجية في اختيار موقع بغداد، بغداد في سنوات الاحتلال البريطاني والدور الحضاري في مدينة بغداد وبغداد في المؤلفات التركية الحديثة وغيرها من البحثو الفكرية والتراثية. واهم ما تميزت به البحوث هو عمقها واحاطتها الشاملة بواقع بغداد التاريخي من جميع الجوانب وقد وزع خلال الندوة كتاب بعنوان (دار المعلمين العالية ـتأسيسها ودورها الريادي في العراق (1923- 1958) تعريف الاساتذة الدكتور نعمة شهاب ود.كريم صباح وكريم محمود، وهو ضمن قائمة كتب  بغداد عاصمة الثقافة العربية 2013.





60
الصحافة الكوردية... صعود نحو المستقبل

فوزي الاتروشي
                 
   حين نتذكر بكل وفاء وتقدير صحيفة (كوردستان) ونتعقب محطات وانعطافات الصحافة الكوردية بعد (115) عاماً من صدور هذه الصحيفة الرائدة، سنجد رحلة طويلة من الآلآم والمعاناة والانتصارات والانكسارات نتيجة ظروف موضوعية أحاطت بشعب كوردستان ، وحين ننظر أليوم إلى ألأقلام الكردية ألناشطة نكتشف حجم التغيير والتطور ألحاصل. فالصحف والمجلات الكردية لم تعد هاربة من بقعة جغرافية إلى أخرى كما كان حال صحيفة ( كوردستان ) ولم تعد خائفة من مقص الرقيب ألذي كان يرفض حتى ذكر كلمة كوردستان على الورق، رغم وجودها كحقيقة على الأرض ولم تعد متقطعة ومتأخرة الصدور أو متوقفة أثر انعدام ألمصدر ألمالي ولم تعد تصدر بتقنيات فقيرة ورديئة، كل هذا أصبح من ألماضي ألذي لن يعود ، والاهم من هذا وذاك فإن ألصحافة ألمستقلة في كوردستان غدت تلعب دوراَ فعالاَ وأساسياَ نتيجة هامش حرية ألرأي والتعبير والفكر ألذي يتوسع في إقليم كوردستان العراق.
ألصحافة ألكوردية ألآن فاعلة ومؤثرة وقادرة على إحداث ألتغيير، وهي لم تعد أوراقاً مهملةً تصدر تلقائياً ، وإنما تحولت إلى حاجة يومية لا يستغنى عنها وتقرأ بنهم من قبل ألقراء. فالساحة الكردستانية تزدهر اليوم بمئات ألعناوين للمجلات والصحف أليومية وألاسبوعية وألشهرية والفصلية والمتخصصة للشباب والأدب والفن والمرأة والفكر والفلسفة والتشكيل والموسيقى والتأريخ وما إلى ذلك من مجالات الفكر والإبداع.
إن هذا التوسع مقروناً بالجرأة ألتي تتصف بها في طرح المشاكل والهموم والبحث عن حلول لها يشكل المساحة الأكثر اخضراراً في هذه الصحافة ألتي كلما اقتربت من الشارع ومن نبض ألمواطن كلما كثر قراؤها ومتابعيها وزادت مصداقيتها بين الناس، وهنا لابد أن نقيم عالياً دور حكومة الإقليم في هذا الانفتاح ألذي سيكون أثره الإيجابي واضحاً في تقارير ألمنظمات ألدولية ألحقوقية والمنظمات ألمعنية بحقوق الإنسان وبحرية ألصحافة.
  بمناسبة عيد ألصحافة ألكردية نقول في ألبدء كانت الكلمة ولان الكلمة هي البدء والإطلالة الأولى للإنسان على الآخر ، لذلك نؤكد انه بقدر ما تكون حرية الكلمة أوسع..سيكون التقدم والتنمية أوسع وأعمق تأثيراً لأن الصحافة صاحبة ألجلالة هي التي تؤسس وتعمق البعد الديمقراطي في المجتمع.                                                             


61
فوزي الاتروشي يعلن اقرار اصدار اكثر من خمسين البوم موسيقي وغنائي للفنانين العراقيين ضمن مشروع بغداد/2013

   اعلن وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي ان الوزارة اقرت اصدار اكثر من 50 ألبوم غنائي وموسيقي للفنانين العراقيين دعما للمشهد الغنائي والموسيقي في العراق ضمن فعاليات مهرجان بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013.
   وذكر الاتروشي ان قائمة الفنانين تشمل المطربين الرواد والمغنين من جيل الشباب. وتضمنت الالبومات مختلف المطربين من مختلف الاجيال من السبعينات والثمانينات والتسعينات وكذلك الجيل الحالي.
   كما دعمت الوزارة منظمات المجتمع المدني لاقامة احتفالية تكريم للفنان (فؤاد سالم) واستذكار للفنانة (عفيفة اسكندر) والفنان (محمد القبنجي)، وفي النية اقامة حفل استذكار للفنانة (وحيدة خليل).
   وفيما يلي قائمة بأسماء الفنانين الذين دعمتهم الوزارة :
الاسماء:
•   سليم سالم
•   بيدر البصري
•   علي حسن
•   جعفر الخفاف
•   قيس حاضر شرهان
•   سامي نسيم
•   علي الشريف
•   فرقة اكد (زياد هادي)
•   حيدر شاكر صادق
•   سرور ماجد
•   فرقة طيور دجلة
•   عقيل عبدالسلام
•   مصطفى محمد زاير
•   نجاح عبد الغفور
•   فرقة سومريون للعود
•   طالب غالي
•   حسين نعمه
•   طالب القره غولي
•   محمد اتمين عزت
•   ادور كاظم
•   قاسم اسماعيل
•   زياد هادي
•   جعفر حسن
•   عبد فلك وعريان السيد خلف
•   هشام شرف
•   عبد المنعم احمد
•   جمال ناصر
•   بلال احمد
•   وليد حسن
•   سعدون جابر
•   محمد جواد اموري
•   كريم محمد
•   محمد الشامي
•   وحيد علي
•   محسن فرحان (تسجيل اغنيتين لانوار عبدالوهاب
•   عامر توفيق
•   محسن فرحان
•   حميد منصور
•   ياس خضر
•   سما احمد
•   صلاح عبدالغفور
•   عباس مجيد
•   فريدة محمد علي
•   رضا الخياط
•   رعد بركات
•   حسن احمد
•   صلاح حسن
علما ان هناك فنانين آخرين قدموا طلبات لتسجيل البوماتهم الغنائية على أمل موافقة دائرة الفنون الموسيقية على تسجيلها ومن ضمنهم الفنان فاضل عواد.


تضامن عبدالمحسن
مسؤولة الاعلام في مكتب وكيل وزارة الثقافة
فوزي الاتروشي
23/4/2013

62
برنامج الـ(ارب ايدول) يغني بالكوردية

                                                                                                     فوزي الاتروشي
   يوم 16/4/2013 كتب (جاكسون ديل) في صحيفة الواشنطن بوست مقالا بعنوان (كوردستان العراق المزدهرة) ان الناس بدأوا يتحدثون عن الربيع الكوردي فإقليم كوردستان كما جاء في مقاله يتمتع بالامن ويمتلك اقتصادا مزدهرا ينمو 11% سنويا ويتدفق عليه المستثمرون الاجانب.
   وقبل ايام قال زعيم الاشتراكية الدولية مخاطبا الرئيس مسعود البرزاني (حقا انكم صادقون ومخلصون ولذلك فقد كانت بلادكم اكثر تميزا في تطورها في الشرق الاوسط ومع هاتين الشهادتين اللتين تفوحان بالحقيقة والصدق، كانت الملايين تشاهد المغنية الكردية (برواز حسين) وهي تظهر وتغني في اشهر برامج المسابقات على شبكة (mbc). حينما نشرت المواقع الالكترونية تصريحات للجنة الحكام فقد اشار الفنان راغب علامة الى انه سيكون لبرواز دور في التعرف على الفن في كوردستان العراق وربطه بالفن العربي، كما طالبت (نانسي عجرم) من برواز تعليمها اغنية كردية، في حين قالت النجمة (احلام) ان احساس برواز حسين في الغناء يجب ان يدرس.
   ان رسالة برواز عبر بوابة الاغنية واللحن والموسيقى لاتقل عن الشهادات الدولية التي تتابع الوضع في اقليم نهض اخضرا يافعا من بين ركام الكوارث والمحن والحروب والتدمير.
   (برواز حسين) لاتعرف العربية، لكن صدق عواطفها واحساساتها وتألقها في التعبير جعلها محل اعجاب المشاهدين وهي تردد الكلمات الكوردية على وقع لحن عربي. صوتها وظهورها عبر الاثير قطع مسافة الالف ميل نحو الابداع والشهرة، فكم من شاعر ألّف عددا لاحصر له من الدواوين وكم من رسام تعب في مهنته واحرق العمر في الرسم والنحت، وكم مطرب بلغت حزمة اغانيه المئات حتى طافت شهرته الآفاق. اما هذه الفتاة الكوردية الطالعة كما البرعم الفواح وكما شدة النرجس من جبال كوردستان فانها اصبحت بلحظة سيدة الشاشة واثثت الذاكرة ببستان محبة وعطر لاينسى، وكتبت بصوتها ونبرتها للملايين من العرب رسالة مفادها ان الغناء لغة لاتحتاج إلى ابجدية وانها عابرة لكل الحواجز والسدود وان فضاءات الفن تتسع بشكل لامتناهي لكي يتلاحم ويتناغم ويتناسق ويتآخى فيه الجميع.
   فبلحظة اصبحت كلمة كوردستان لاتعني مجرد تأريخ حافل بالدم والدموع، بل تعني لوحة ملونة بكل اسماء الزهور وبكل الايادي الممتدة للآخر للعناق والتواصل وتعني ايضا شبابا يمتلئ يوميا برغبة الحياة وبإرادة غلق جراحات الماضي والانفتاح على الصباحات العامرة بالضوء والامل.
   شكرا لبرواز حسين لكونها اجمل باقة ورد في نيسان كوردستان، لكنها الباقة التي لن تذبل ابدا.

63
قصائد تشعل الشعراء حضورا ً
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   كل دواويني الشعرية وكل القصائد المزدحمة على الورق امامي مازالت مقدمات للقصيدة الاطول والاجمل، والتي قد تأتي اليوم او غداً او بعد غد ولكنها ستاتي واجمل ما فيها انها لا تحدد الموعد. فكل شاعر مهما بلغت غابة قصائده من الغزارة يبقى معلقا ً على حبل انتظار القصيدة التي تمتد على مدى العمر وتصبح هي نسغ الحياة لديه .
   الشاعر (السياب) بدأ بـ (ازهار ذابلة) و(منزل الاقنان) وغيرها من الدواوين لكن (انشودة المطر) حفرته الى الابد في ذاكرة الانسان العراقي وجعلت من قريته (جيكور) احد التضاريس التي لا تنسى وان لم يؤشر اليها في الخرائط العراقية .
   ونزف الشاعر الفرنسي (اراغون) قلبه على الورق الى الحد الذي لم يفرق بين حبر القلم وقطرات القلب لكنه في النهاية التجأ الى عيون حبيبته (الزا) ليكتب قصائد (الزا وعيون الزا) التي اعشبت واثمرت ومازالت تثمر كل المواسم في حقول الادب الفرنسي .
   وما اكثر ما انتج (الجواهري) من شعر وقصائد تملأ العواطف جمرا ً وحنينا ً لكن قصيدته الطويلة على ضفاف دجلة الخير كانت النهر الذي لا يزال يفيض في اذهاننا نحن العراقيين لانها القصيدة التي انتظرها (الجواهري) طويلا ً وابت ان تأتي الا وهو على ضفاف هذا النهر الخالد .
   اما الشاعر الرومانسي البلغاري (فابساروف) فقد كتب مقطعا ً من الحنين والشوق الى زوجته ما زال هو الاكثر تعلقا ً بالذاكرة من كل ما كتبه .
   وحين نتصفح ديوان الشاعر الكوردي الكبير (عبد الله كوران) وكل اشعاره الجميلة التي كتبها عن طبيعة كوردستان وجمالها وعن همومه وهموم الشعب الكوردي يقع نظرنا على قصيدة تحولت الى واحدة من اجمل الاغاني الكوردية وهي مكتوبة باسلوب يقطر حبا ً وحنينا ً ووهجا ً حول امراة كوردية يريدها بقدر كل تصوراته واحلامه ، لا بل يريدها جميلة الى الحد الذي تتعمَّر بها كل مدن وقرى كوردستان .
   هكذا هو الشعر يصبح حقولا ً زاهية عالية لكن واحدة او جملة من القصائد هي التي تضع الشاعر فواحا ً وعامرا ً في الذاكرة وتمنع تسجيله في الارشيف .
   ان (نزار قباني) الجميل الى اقصى حد كتب اروع القصائد عن الحب وظل عاشقا ً طفلا ً ابيضا ً حتى وهو على سرير المرض وكتب قصائد صدرت بعد رحيله تحت عنوان (ابجدية الياسمين) . وفي نظري ان ديوانه (قصائد متوحشة) بلغ الرقم القياسي في الشعرية العربية مع انني اكاد اجزم انه في كل دواوينه الاخرى بقي مبدعا ً ومشتعلا ً كما القمر في سماء الشعر العربي .
   هكذا هو الشعر دوما ً يزدحم ويكتنز ويتوزع على الدواوين وحين يرحل الشعراء تقفز قصيدة ما لتقول ان الشاعر مازال حاضرا ً في الذاكرة الانسانية الى حد الاشتعال. وبدوري ما زلت بأنتظار القصيدة التي ستأتي حتما ً لتكمتل بها دورة الحياة .



64
احمد القبانجي... الاعتقال المستحيل
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   عبر التاريخ كانت ومازالت علاقة الحاكم بالمحكوم في عالمنا الاسلامي مأزومة لا تجد لها انفراجاً، يحكمها السيف وليس القلم، والتهديد والوعيد بدلا ًمن الاصغاء والحوار، والتهميش والإقصاء، عوضاً عن الاحترام المتبادل.
   المطلوب من المحكوم قبول الاملاءات السياسية والدينية بدون مناقشة لأن مجرد طرح الأسئلة يرعب الحاكم ، والحل أما السكوت والإذعان والتصفيق والتطبيل للمستبد أو التمرد والتفكير بشكل مغاير ويكون القمع زاده في الحياة.
   إعتقال المفكر والعالم المجدد أحمد القبانجي في ايران ليست حالة استثنائية انماهي القاعدة في تاريخنا ومع الاسف حتى في حاضرنا. مسلسل قتل المفكرين لا ينتهي لان ازمة الحاكم مع نفسه ومع شعبه ومع التاريخ والفكر المستنير ومع الكاتب والفنان والفيلسوف والمبدع لا تنتهي. والمفارقة ان الحاكم لا يتعلم الدرس من التاريخ ولا يأخذ العبرة ولا يتساءل مرة واحدة لماذا بقي كل المعذبين المقموعين من رواد الفكر والثقافة في الذاكرة، في حين خرج المستبدون من التاريخ والحاضر والمستقبل وهم لا يحملون الا سقط المتاع والسمعة الملطخة بالدماء والذكر السيئ كلما مرَ المرء على اسمائهم في كتاب أو حكاية.
   إن قصة آلام وعذاب ودموع المفكرين انما هي قصة شعوبنا مع ازمة الحرية والابداع. واحمد القبانجي في كتبه واحاديثه ومؤلفاته ليس الا فصلا من هذه القصة الطويلة. وحين ندافع عنه فإنما ندافع عن قيم الحق والفضيلة والبحث العلمي والفكر النير الذي يستحيل اليوم قمعه لأن فضاءه لامتناهي مقابل فضاء الحاكم الذي يضيق عليه حتى يكاد يختنق فعلاً.
   على الذين اعتقلوا احمد القبانجي ان يبحثوا عن ذريعة لإعتقاله ولن يجدوا حتماً.
   فالحجة انه يفكر ويبدع وينطلق نحو المستقبل وهم محنطون في شرنقة الماضي، والحجة انه يبحث عن منظومة الحريات وحقوق الانسان والعدل للحاق بركب الحضارة، وهم متكلسون في قوقعة الذات لا يتنفسون هواء العالم الطلق.هو يفسر النصوص الدينية وفق منطق العصر وحاجات الانسان وتطلعاته الحقوقية والتنموية، وهم لا يخرجون عن مخطوطات اكل الدهر عليها وشرب وعلاها غبار التقادم فاصبحت متخلفة عن حاضر الانسان. إذن فالذريعة الوحيدة لإعتقاله انه يفكر خارج السرب ويراكم العلم والمعرفة، والحقيقة إن كل الذين جرى قمعهم في تاريخنا الدموي عليهم نفس التهمة.
   إن احمد القبانجي مواطن عراقي وعالم في فقه واصول الدين وقد قدم طوال حياته قراءة واقعية ومنطقية محببة للدين ووظيفته القيمة في الحيــاة، فقد البس القبانجي وعدد من المفكرين الاخرين الدين ثوبا جميلاً يليق به، وهذا ما يغيض وعاظ السلاطين وكل الذين يسخرون الخطاب الالهي لمآربهم الدنيوية.
   أنه إذن الأعتقال المستحيل فالفكر والكلمة مثل الضوء يتسرب مهما تكالبت عليه قوى العتمة والظلام فإذ يرقد القبانجي في السجن جسداً فكتبه وآراءه وأفكاره تملأ فضاء الانسانية.

65
محمد جواد الغبان قنديلٌ اخضر

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   بدلا ً من التأبين نحتفي بمرور اربعين يوما ً على الرحيل الاخضر للشاعر (محمد جواد الغبان)، فلا مكان للبكاء على الاطلال ونثر المراثي على قبور الشعراء حين يخطفهم الموت. فموت الشاعر يعني ارتفاع عمود اخر للنور في الذاكرة الجمعية، ومن محاسن موت الشعراء ان الجسد اذ يسقط تخضرُّ وتنتعش كل قصائد الشعر ودواوينه في الذاكرة، وبذلك يصبح الموت ميلادا ً اخر ازهى واجمل.
   للشاعر (محمد جواد الغبان) فضل التأسيس مع رواد اخرين للشعرية العراقية، وله قصب السبق في مزج الشعر بالوطن واماله والامه دون ان تفقد جملته الشعرية اناقتها ووهجها وطاقتها التعبيرية .
   في دواوين (الامل) و(وهج الشوق) و(انت ِ احلى) و(انت ِ اغلى) اثبت الشاعر جدارته وتمكنه وعمقه، وفي عمله الثقافي اثبت رياديته فقد كان من مؤسسي الاتحاد العام للادباء والكتاب في العراق، ونقابة الصحفيين في عام 1959. وقبل ذلك كان قد اصدر مجلة (الفكر) وكان له امتداده مع جماعة (ابولو) الشعرية وغيرها من المحافل المعنية بالشعر في العراق والقاهرة .
لذلك كانت مسيرته الادبية التي بدأت باول قصيدة عام 1946 في مجلة (الدليل) النجفية والتي مرت بمنعطفات ومحطات اضاءت المشهد الثقافي العراقي حتى توفي عن عمر ناهز الـ (84) عاما ًحبلى بالانجاز الثقافي والسياسي والاجتماعي والنشاط المناصر للمرأة وحقوقها، وكان مجلسه الادبي الشهير الذي تشرفنا بالحضور اليه احدى المرات حضنا ً للتواصل والنقاشات والامسيات الادبية، فقد كان الغبان في قلب المجتمع وفي مقدمة المشهد الادبي العراقي وكان عينا ً لم تتعود على التثاؤب وعقلا ً لم يتعود الركود الى الكسل وجسدا ً يحمل عنفوان الشباب.
اليس هو القائل :
الهوى والشباب ملء كياني       والجوى والعذاب في وجداني
فاذا ما بحثت عني فأني       وهج الحب في عيون الحسان
واذا ما اردت َ يوما ً تراني      فلدى كل حلوة عنواني
   هكذا هو شاعرنا الذي ابحر مع المتنبي طويلا ً ليكتب (المتنبي بعد الف عام) وابحر كل العاشقين في سفن الحب اليه لترسو بهم على شطآنه كما قال في احدى ابياته الشعرية .
   الشاعر الغبان علمنا ان نظل عالقين بالامل والحب والتفاؤل وان لا ننحني للعاصفة وننتظر في احلك الظروف مواعيد المطر ومواسم امتداد السنابل وانفتاح البراعم فهو شاعر في قلب الحياة ونبضه وخفقان قلبه يؤشر كل لحظة لميلاد فكرة او قصيدة او بارقة امل .
   لذلك كله اقول ان الغبان يستحق اكثر من التأبين، انه جدير بالاحتفاء به ابداً في الذاكرة العراقية .



                                                                              7/2/2013
 


66
كل الحُبْ.....ليـــــــومِ الحُــــــــبْ
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   الحُبْ... علة الوجود والغاية القصوى من الحياة وهو الذي يطغى فنرضى، ويغلب فنخضع، ويحتلنا فنقول له على الرحب والسعة، فكل ايامنا وليالينا مكرسة له لان افتقاده لحظة واحدة يعني خسارة لحظة من العمر.
   الحُبْ... لولاه لما كان للأدب معنى ولا كان للفن موضوع. فمنذ أول تنهيدة لأول إنسان على الكرة الأرضية والى اليوم و الحُبْ هو الحاضر الأخضر في كل التراث الإنساني الفكري والأدبي والموسيقي والغنائي والتشكيلي للبشر. كلما احترقنا به نزداد ولعاً بالجمر، وكلما غرقنا في أنهاره ازددنا إمعاناً في البقاء على سواحله، وكلما زارنا مرة نتوق إلى لقاءٍ آخر يكون أحرّ وأجمل وأنقى من الأول. هو التكرار الذي  لا يفرز الملل وهو الضيف الذي لا يصبح ثقيلاً مهما طال أمد بقائه، وهو قنديلٌ أخضر نتوق أن يشتعل أبداً في عواطفنا وفي قلوبنا، فلا يتحول إلى رماد أو دخان وإنما نوقع معه عقداً للنار الأزلية.
   كُتبت عنه قصائد وروايات وأغاني إلى حد لامتناهي، ورُسمت له ملايين اللوحات وقيل عنه ملايين ملايين الأمثال والأقوال التي تحلله وتشرحه وتغرينا أبداً بالإغتراف منه، والكتب التي نطقت بإسمه تكاد تغلف الكرة الأرضية، ولكنه يبقى كما قال الفنان المبدع (وديع الصافي):
      الحُب...هالحرفين مُش أكثر
      الي بيطلعوا بحجم الدنيا واكبر
      وعليهن أساس الكون أتعمر
الحُبْ شعور واشتعال يبلغ بنا درجة الاتقاد فجأة فنكتب ونغني ونبكي ونفرح ونمشي دون سيقان ونلوح بالقلب بدلاً من الأيدي وتنفتح كل مسامات جلدنا على نكهة مطلع الربيع حتى في عزّ الخريف. إنه ببساطة هبة إلهية بدونها نعتبر أمواتاً حتى لو طال بنا العمر، فالشجرة تثمر وتصبح وارفة الأغصان لأنها تعشق والسماء تمتلئ بغيض الماء لأنها تطمح إلى الخير والعصافير تبني الاعشاش وتزقزق طوال النهار لأنها تعيش قصة ولع وشوق إلى فضاءات زرقاء لامتناهية، والطيور تهاجر من ضفة إلى أُخرى ومن مدينة إلى أخرى وتقفز على النوافذ وفي الشوارع راسمة  بذلك أغنية غزل مع الإنسان.
   والشاعر لايكون شاعراً إلا إذا اعتنق الحُبْ، والفنان لايكون فناناً إلا حين يلحن أو يرسم أو ينحت أو يغني أو يرقص على انغام قصة حُبٍ للإنسان وللأرض وللحياة.
      والسؤال هو: اذا كان الأمر كذلك، فلماذا نخصص يوماً واحداً للحُبْ والمفروض ان كل ايام السنة هي للحُبْ ولأجل الحُبْ؟
ربما لان المشاغل اليومية وغبار تفاصيل العمل وتراكمات الأيام تنسينا ممارسة طقوس الحُبْ لله وللخلق، فيأتي يوم 14/شباط ليقرع جرس الإنذار ويهدينا وردة حمراء وقارورة عطر وابتسامة يانعة من كل من نحبهم في البيت والعمل والمدرسة والجامعة والمعمل فنستعيد عنفوان الحياة مجدداً ونستمر في العطاء.
   ان يوم 14/شباط من كل عام نداء  إضافي للتصالح والتسامح والانفتاح على الآخر وضمّه وتقبيله كدليل ان لاشيء في الحياة يستحق المقاطعة ولا شيء فيها يمكن أن ينسف جسور التواصل بين بني البشر نساءاً ورجالاً.
ومني في هذا اليوم قبلة ساخنة لكل من أحبني ولكل من أساء فهمي يوماً ما، ولكل من ابتعد عني ليقترب ولكل من غادرني ليعود، ولكل من أدمن الفراق ليحدد مجدداً موعداً للوصال واللقاء. انه اليوم الذي نستنطق فيه قبور أحبتنا لنقول لهم أهلاً بكم في القلب أبداً فالموت غيَّبكم لكنه استحضركم الى الذاكرة.
   هكذا هو يوم 14/شباط اعلان عام وشامل لكي تأتلف كل القلوب على موعد الحب والعناق.

67
لاحياة لثقافة اللون الواحد

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   الثقافة ذات اللون الواحد كئيبة ومظلمة ومصابة بالعقم. لذلك كلما تلونت, اصبحت وارفة الغصون ويانعة الثمر تكون قد قدست الانسان والوطن وجعلتهما في قلب الحضارة. والثقافة غير الحوارية تكون منطوية على ذاتها ومتنافرة مع الاخرين ومعادية لكل دخيل او وافد جديد, لان الحوار اساس التلاقح وميلاد البشائر المكتنزة بالامل والعمل والانجاز والتفاؤل .
   والثقافة التي تصر ان تبقى محلية بدعوى الحفاظ على التراث وتقديسه تظل عصية على الفهم فلا تحل ضيفا على احد ولا تستضيف احدا, بذلك تحكم على نفسها وعلى التراث بالاعدام, لان اي موروث ثقافي اذا لم يتطور وينسجم مع المتغيرات لا يحرك ساكنا ويتلاشى تدريجيا من الذاكرة الجمعية, لذلك وحدها الثقافة ذات البعد الانساني هي التي تترك الوانها وتاثيرها وتفاعلاتهاعلى الحضارة .
   وكل ثقافة تتحدث بلغة واحدة وتخضع لسياق ايدولوجي واحد او لظلال قومية او طائفة او دين واحد او جهة ومنطقة بحد ذاتها ,تكون قد اجهزت على نفسها واصبحت اثرا بعد عين وذهبت ادراج الرياح .
هذه هي الخلاصة التي اكدت عليها الادلة والبراهين التاريخية على مر الزمن, لذلك نجد حضارات اثمرت وانجزت وانفتحت وتلاقحت وتوسعت, واخرى انكمشت وانطوت واندثرت من ذاكرة العالم .
   علينا ان نتحرك في العراق الجديد بهذا المنظور الاستراتيجي الذي يعم بالخير علينا جميعا. فلا ثقافة غالبة واخرى مغلوبة او واحدة سائدة واخرى مقهورة ولا انصهار للغة في لغة اخرى, فالصحيح هو التناغم والتآلف والتناسق لبلورة ثقافة وطنية عراقية بكل الالوان في اجواء الحرية القصوى واقصى حد من حق التعبير الفني والادبي والفكري.
   ومن هذا المنطلق اقدمنا ضمن مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013 على اقامة فعاليات ثقافية للمكون السرياني وللديانة الايزيدية وللكورد والتركمان لكي ينتعش كل مكون بثقافته وينعش مجمل الثقافة الوطنية .
   ان المسيرة الخضراء لدول القارة الاوربية بعد الحرب العالمية الثانية حين اقسمت الى الابد على عدم الرجوع الى الماضي ومنع الفاشية والنازية واية صيغة دكتاتورية, وحين وقعت على لائحة حقوق الانسان وعلى حزمة كبيرة من المواثيق الدولية التي تستهدف حفظ وتحصين كرامة الانسان, نقول ان هذه الدول حين اقدمت على هذه القفزة النوعية الجبارة هيأت الاجواء لتبلغ حضارة القرن العشرين اقصى المديات علميا وفكريا واجتماعيا واقتصاديا. فقد فتحت الباب على مصراعيه للفكر الانساني بكل اللغات وكل السياقات وكل التوجهات وحررت الفكر من اية حدود او سدود او اشتراطات وجعلت العقل اساس المعرفة, وقد برهنت العقود الاخيرة ان هذه الدول تقرأ المستقبل بدقة, فالثورة المعلوماتية الحديثة جعلت الحصار على الفكر امرا مستحيلا. ومن جانب اخر فان هذه الدول جمعت الاصالة والمعاصرة معا واستفادت من التراث وعدلته بما يفيد ويغني ويثري حاضر البشرية .
   وقبل مدة حضرنا بأسم وزارة الثقافة الى ورشة عمل هامة جدا في دولة قطر حول (تحديات بناء القدرات في مجال حفظ التراث غير المادي ) التي كانت باشراف اليونسكو وبحضور وفود اغلب وزارات الثقافة العربية .
   وقد بدا واضحا لنا كم العالم الاوربي والدول المتحضرة متقدمة في هذا المجال والانجازات التي حققها لصون التراث كموروث بشري وفي نفس الوقت التقدم الى الامام من خلال فهم واستيعاب متطور لمفهوم التراث. بعكس دولنا التي تلجأ غالبا الى تقديس التراث مما يؤدي الى تكلسه وغيابه عن وعي العالم. ان الواجب يحتم علينا ان نندمج ونتلاقح ونتحاور وناخذ من الماضي المحطات المضيئة لدمجها بالحاضر, وفي نفس الوقت يتحتم ايضا ان تكون نوافذنا مفتوحة على كل الثقافات الوطنية والعالمية لنبقى في قلب العالم ,والا فأن العالم المتغير سيتجاوزنا حتما.
                                                                            بغداد5/2/2013

68
العالم يتذكر مأساة الشعب الكردي...
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


   لكي لاننسى.. ولكي تخرج الذكرى عن البكاء على الاطلال والقاء القصائد الشعرية وسرد الذكريات.. ولكي يكون لها طعم التأسيس لواقع مغاير وتحقيق العدالة الانتقالية بحق الضحايا وذويهم. لذلك انعقد قبل ايام المؤتمر الاول للتعريف بجرائم الابادة الجماعية ضد الشعب الكردي في لندن. والمؤتمر صرخة لكي لا تتكرر الجرائم ولكي ينتعش الضمير العالمي بمزيد من التضامن والنصرة لشعب ملأت عناوين الكوارث والمحن تاريخه ولونته بالدم والدموع، لكنه رغم كل مسلسل المأساة يعيش الحاضر بعنفوان وبقوة ويسير نحو مستقبل يريده اخضرا وحافلا بالتسامح والتصالح وبعيدا عن المواقف الانتقامية الثأرية.. فالانتقام لايكون الا بالقسم بتوديع الماضي وعدم استنساخه ووضع آليات قانونية ودستورية وحقوقية لحماية حقوق الانسان والشعوب.
   كان جميلا جدا ان المؤتمر لم يتوقف عند الخطب والوعود، فقد حضره مختصون واكاديميون وخبراء في مجال (الجينوسايد) وهذا مامنحه قيمة علمية اضافة الى القيمة الدعائية الاعلامية. فوزير الخارجية الفرنسي السابق (د.بيرنارد كوشنر) القريب جدا من الشعب الكردي كان ومازال يعبر عن استغرابه من صمت المجتمع الدولي حين ارتكبت جرائم الانفال وفاجعة (حلبجة). هذا الصمت الذي دفع في حينه النظام الدكتاتوري للاستمرار والتمادي في ارتكاب افظع الجرائم والتعمية عليها اعلاميا.
   واتذكر حينها وكنت مسؤولا عن تنظيمات الحزب الديمقراطي الكردستاني في اوربا اننا اعتمدنا على فلم وثائقي من مسرح الجريمة في حلبجة هو الذي ساعدنا في تنظيم حملة عالمية مناصرة للشعب الكردي دعت اليها كل تنظيمات الاحزاب الكردية فعُرض الفلم في اكثر من دولة ومدينة وقمنا باعداد بوسترات وزعت بمئات الآلاف من النسخ في كل اوروبا لتصبح (حلبجة) ومأساة سكانها لاول مرة موضوعا في شوارع ومدن ومدارس ومنتديات الدول الاوربية ومن ثم ليصبح موضوعا للنقاشات في البرلمانات، ولاسيما في البرلمان الالماني.
   اما جرائم الانفال وتدمير (4500) قرية وحرق وتدمير الارض والبشر من خلال سياسة الارض المحروقة التي اتبعها (علي كيمياوي) فقد كان التعتيم الاعلامي عليها مطبقا، وكان علينا الاعتماد على اية معلومة او وثيقة لتعرية النظام الدكتاتوري في ظل صمت عربي مريب حينها. لكن منظمة (مراقبة حقوق الانسان في الشرق الاوسط) الامريكية هي التي بادرت لاول مرة بعد انتفاضة عام 1991 لتوثيق هذه الجريمة البشعة بشكل مفصل ومستفيض واصداره على هيئة كتاب كبير باللغتين الانكليزية والعربية. وكان هذا العمل العلمي التوثيقي التحليلي الذي استند على الآلاف من الوثائق التي استولت عليها قوات الانتفاضة هو الذي وفر للعالم فرصة الاطلاع على جرائم غير مسبوقة في تاريخ البشرية. ان المؤتمر الذي انعقد مؤخرا هو جرس انذار لكي ينتهي عهد ويبدأ عهد جديد، لاسيما في ظل ثورة المعلومات العالمية التي جعلت من الحصار الفكري والتعتيم الاعلامي مهمة مستحيلة.. فالانظمة الدكتاتورية لاتستطيع الآن أن تخفي قبحها مهما حاولت أن تدفن رأسها في التراب، كما النعامة متصورة ان الآخرين لايرون عريها.
   وفي الختام لايسعني الا ان اقدم الشكر الى الصحفي البريطاني صديقنا العزيز (روبرت كوين) الذي كان منذ البدايات الاولى احد الاوائل الذين كرسوا انفسهم للدفاع عن الشعب الكردي وعقد صداقة معه لا تنفصم وهو صاحب فلم (الرياح السوداء) الذي وثق لجريمة حلبجة وقصفها بالسلاح الكيمياوي، وكان دائما مع شعب تصور انه لايملك الا الجبال اصدقاء له، ولكنه وبيرنار كوشنر ومدام متيران (ام الاكراد) والكثير من المفكرين في بريطانيا والمانيا وفرنسا ودول اوروبية اخرى كانوا ايضا كما الجبال لصد سموم الجرائم عن الشعب الكردي.

22/1/2013
 

69
لنجعل بغداد تحتفل بالمطر... وتزدهر بالحب

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   انها مفارقة مرة كما الحنظل ان يكون المطر في بغداد داء وليس دواء ونقمة بدلاً من النعمة في مدينة عريقة رسمت ذات يوم معالم حضارة ألف ليلة وليلة وأشعلت قناديل الضوء في عتمة العالم .
   كم مرة أدينا صلاة الاستسقاء والقينا قصائد تتغنى بالمطر وبدجلة الخير و(انشودة المطر) السيابية التي لايكاد عراقي لا يعرفها، وحين يهطل الغيث تغرق المدينة وتعلن مظاهر الحداد الكئيبة وتمتلئ المنازل بمياه المجاري وكأنها مدينة اشباح مسكونة بالهم والحزن والدموع والانين. انها مأساة ان تكون بغداد الازل والغزل والشعر والغناء مكاناً لمراكمة الآلام لمجرد ان السماء ارادت ان تكمل نعمتها على الرافدين الذين نعلن يومياً انهما يكادان يختفيان ويظمآن من الجفاف .
   والانكى من ذلك اننا في العراق وفي هذا الزمن الحزين ننكر كل الشهادات الدولية التي تنبهنا الى واقع الكارثة وتحاول ان تشعل لنا شمعة في اخر النفق، فاذا قالت المنظمات الدولية المختصة ان العراق احد افسد الدول واحد افشلها , وان بغداد أسوأ مدينة للعيش وان العراق يهدر أموالاً طائلة نتيجة العطل التي بلغت نحو (180) يوماً في العام وان الفرد العراقي هو الاكثر تقاعساً في العمل على المستوى العالمي، نقول اذا صدرت هكذا شهادات نمتلئ غضباً وننكر ونزبد ونرعد للتغطية على الحقائق العارية, بدلاً من الاصغاء والاستماع وتعديل مسارات العمل والتنمية والخدمات.
   ان السياسة في كل العالم ليست مفهوماً نظرياً مجرداً وانما مفردات تترجم على ارض الواقع على هيئة ماء صحي وكهرباء ومستشفيات ومدارس ومكتبات ومساكن عامرة وبساتين خضراء واعانة اجتماعية ورعاية للطفولة والامومة والاسرة وصناعة مزدهرة وزراعة تحقق الاكتفاء الذاتي. وملخص الكلام ان السياسة التي لا تعرف الرفاهية والخدمات ليست سياسة وانما خطابات ومقالات إنشائية وثرثرة كلامية وايديولوجيات وتشاجر وتكالب على المكاسب ليكون الوطن في النهاية هو المدمر والمواطن هو الضحية.
    ان وطناً طحنته الحروب وشعباً دمرته المآسي والمحن في زمن الدكتاتورية على مدى (35) عاماً لاشك انه بحاجة الى اعادة تعريف لمفهوم الحزب والسياسة والعمل السياسي , فآلاف الكلمات والخطب المنبرية لا تعادل فعلاً واحداً على الارض وكل جبل التصريحات التي لا تسمن ولا تغني عن جوع لاتساوي الفعل البناء لاعادة البسمة الي بغداد الجميلة والتي نريدها اجمل. فكلما قلّت الكلمات وكلما زاد العمل والانتاج نكون قد رسمنا تقاسيم وطن جديد وعاصمة جميلة نفتخر بها في عالم اليوم .
   اللهم زدنا مطراً وزدنا نعمة وزدنا حباً لبغداد التي ستصبح هذا العام عاصمة للثقافة العربية وهي بحاجة الى مطر الحب والامل والتفاؤل بشرط ان نكون جميعاً مؤهلين لجعلها تحتفل مع السياب بأنشودة المطر بدلاً من البكاء .... هذا يعني ان امانة بغداد وكل الجهات المعنية امام مهمة مباركة لتوفير الصرف الصحي في مدينة تستحق منا ملحمة حب.

70
شكرا دولة الامارات العربية... دولة المستقبل المضيء
                                                                                                       فوزي الاتروشي
                                                                                                        وكيل وزارة الثقافة

   للخبر الجديد في أعياد رأس السنة نكهة البشرى واطلالة باقة الورد اليانعة، وله وقع الهدية التي تفتح ابواب التفاؤل على مصراعيها لاستقبال عام آخر بمزيد من الحب والرغبة. وشخصيا لم اجد وانا احتفل في المانيا باعياد الميلاد اجمل من خبرين رائعين وردا من دولة الامارات العربية المتحدة التي تخترق المستقبل ولا تلتفت الى الماضي الا بقدر إضاءته لدروب الحاضر. الخبر الاول هو شكر من وزير الخارجية الاماراتي لشرطة (ابو ظبي) التي دعته للالتزام بالقوانين وعدم استعمال التلفون النقال اثناء قيادة السيارة، فكتب تغريدة يقول فيها ((شكرا شرطة ابو ظبي)).
   والخبر الثاني هو دعوة حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم بعدم الاحتفاء به في عيد جلوسه السابع ونقل التكريم والاحتفاء للعاملين في هذه الامارة النموذجية قائلا ((لا تكرموني.. كرموا العاملين)).
   ان المغزى العميق في الخبرين يؤشر لربيع جميل وهادئ ومتواصل في دولة تفعل الكثير ولا تقول الا ما قل ودل، لإن مؤسسها الراحل زايد بن سلطان آل نهيان استثناء جميل عن قاعدة تمسك بها الحكام العرب وهي القاعدة التي تترجم نفسها الى هيئة اعلام ديماغوغي واجهزة مخابرات وسجون بطول البلاد وعرضها، وتمسك حتى الموت بالسلطة وتخوين الشعب اذا ثار عليه لأن حكمهم مطلق ولانهم المسلطون الى الابد على رقاب شعوبهم.
   زايد بن سلطان ال نهيان بنى دولة وعمّر واستشرف المستقبل وجسد مفاهيم التعايش والتآلف والتآخي والحريات الدينية في دولة خرجت من العتمة ومن قيض الصحراء لتصبح المعلم الحضاري السياحي العمراني الاكثر بروزا في خارطة المنطقة وليكون الاسم الذي لا تخطئه عين اي انسان في العالم.
    وموقف وزير الخارجية وحاكم دبي هو ترجمة لهذه المنظومة القيمية وهي تراكم مشاريع (الوجهة دبي) لقد اصبحت الامارات دولة يتعايش فيها اكثر من (100) جنسية على ارض كانت صحراء فتحولت الى جنائن وبساتين وعمارات ورفاهية وتقنيات تبهر النظر وتنعش القلب وتزرع الامل بان لامستحيل وان كل شيء ممكن اذا توفرت الارادة.
   الواقع ان هذه الدولة لاتستكين لحظة واحدة على نفس البقعة ولاتريد ان تذهب دقيقة واحدة من عمرها سدى. وفي كل مرة ازورها يقع نظري وينبهر بمشاريع المستقبل التي يجري التخطيط لها والتي تُنفَذ بسقوف زمنية محددة لامجال فيها للتقاعس والتأخير وكانت آخر زياراتي في اواخر شهر تشرين الثاني من العام المنصرم.
   هنيئا لشعب الامارات بوزير يجد نفسه ملزما بتطبيق القوانين حاله حال بسطاء المواطنين، وسلوكه هذا اكثر وقعا من مئات المقالات الدعائية الفارغة المحتوى، فالمهم دوما وابدا هو التطبيق وليس التطبيل والعمل الخلاق على الارض وليس القول المجرد من الواقع. ونفس الامر ينطبق على التواضع الجميل والرفيع المستوى الذي ابداه حاكم (دبي) حين اهدى العاملين في الامارة وسام التكريم والاعتزاز وقال بكلمة واحدة (لاتكرموني.. كرموا العاملين). انه درس لكل الحكام العرب فهل يتعلمون منه شيئا؟
   دولة الامارات واقع حي ومضيء وفاعل ومتفاعل مع العالم وسائر بأقصى سرعة الى المستقبل، فهل يستفيد منه الآخرون قبل فوات الاوان.

8/1/2013

71
المنبر الحر / انا عراقي..انا اقرأ
« في: 19:43 19/09/2012  »
انا عراقي..انا اقرأ

                                                                                                                         فوزي الاتروشي
                                                                                                                      وكيل وزارة الثقافة

  
  مجموعة من الشباب العامر بحب العراق وثقافته اخذت مبادرة رائعة لإعادة الالق والوهج إلى المناخ الثقافي. استقبلتهم في مكتبي فوجدتهم شعلة من الأمل والتفاؤل والتوثب والشوق للعمل التطوعي ضمن مبادرة (أنا عراقي..انا اقرأ).
   والمبادرة لها اكثر من مغزى، فأولا يعلم الجميع ان مستوى القراءة تدنى كثيرا في الشارع العراقي وصار الكتاب اخر سلعة يبحث عنها المواطن وحتى لو بيع بنصف السعر فقد لا يجد اقبالا كبيرا. وثانيا ان هؤلاء الشباب يقدمون على عمل اختياري خيري غير ربحي وهدفهم نفع الآخرين وتعليمهم ان خدمة الوطن تكون بدون مقابل، لأن المقابل اصلا شيء عظيم وهو بناء وتنمية وطن ومجتمع يعاني من ازمات حادة، من بين ابرزها آفة الجهل. ونضيف لنقول ان المبادرة الطوعية تأتي في بلد يعاني من اكبر درجات التقاعس وتدني مستوى العمل لدى الموظفين الذين انجزوا واجبات ينتظرون مكافأة على أية خطوة يقدمون عليها.
   ان هؤلاء الشباب المتواصل عبر (الفيس بوك) من اجل دفع وترغيب المواطنين في القراءة والمتابعة والاطلاع انما يقدمون مثالا رائعا لنا جميعا كمواطنين ومسؤولين، ففي خضم الأزمات والإشكالات والأخبار السيئة تأتينا هكذا مبادرة كبشرى سارة وكشمعة امل من اجل عراق اجمل.
   ان القراءة والاستزادة من المخزون المعلوماتي الذي يتغير ويتطور ويتكاثر يوميا وعلى مدار الساعة هو الطريق الامثل لرفع وعي المواطن ولتنشيط السلام الاجتماعي وحالة الوئام والتناغم بين فئات المجتمع. لان الامية والجهل وتجاهل التطورات المتسارعة في العالم في مختلف مجالات الفكر والمعرفة والعلوم يؤدي بالمجتمع حتما إلى منزلق خطير والى حالة من المراوحة ومن ثم الركود.
   وليس خافيا ان الإرهاب المستشري يركز على الجهل والتعتيم ورفض الآخر والابتعاد عن التواصل الحضاري والتلاحم الثقافي، في حين مشروع دولة الحقوق المدنية والديمقراطية وبناء العراق الجديد يرتكز اساسا على المعرفة واللحاق بالآخر تقنيا ومعلوماتيا والتواصل معه، وهنا يكون الكتاب الجسر الامثل لهذا التلاقح، فالآلاف من الكتب التي تطبع يوميا وماينشر في الصحافتين الورقية والرقمية وفضاءات الانترنت اللامتناهية هي الملجأ والملاذ الآمن الذي يعيننا على تنشئة جيل واعي ومثقف ومزدهر بالعلم والمعرفة وقادر على بناء وطن جميل.
   شكرا لكل العقول الشبابية النيرة التي زرعت فينا شجرة باسقة وخضراء من خلال مبادرة (انا عراقي.. انا اقرأ).
  

72
سلامات ايها الشاب الثمانيني
زهير احمد القيسي

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
       
   برحيل كل مبدع عراقي تسقط ليس شجرة نخيل أخرى وإنما بستان من النخيل, لأن التعويض صعب ولأن الإبداع أصلا نادر وندرته علة قيمته التي لاتقدر بثمن. لذلك وقع خبر رحيل الباحث الموسوعي (زهير احمد القيسي) صاحب الصرخة المدوية ( أكرموني قبل ان تدفنوني ) على مسامعي وقع الصاعقة، أن صرخته هذه تستحق ان تتحول الى مقولة نرددها على مدار اليوم وان نكون أهلا لترجمتها الى واقع .
   ولأن الخبر كان كاذبا تسرع الاعلام في تسريبه، فانني استعدت عافيتي للكتابة عنه بدلا من النعي. ان انشغالات البلاد السياسية والأمنية, لا يجوز ان تعفينا من مهمة تكريم المبدعين، لأنها مهمة مقدسة وواجب لايجوز التخلي عن أدائه.
   كتب (زهير احمد القيسي) الشعر وأطلقه على هيئة (أغاني الشباب الضائعة) والف كتبا كثيرة وغزيرة بالمخزون ألمعرفي ومنها (الزراعة في التراث العربي) وكتاب (الشطرنج) و(الأرقام والرياضيات) و(ابن بطوطة) و( أصوات وأصداء) و(أبجدية اليوم) ومجموعة كبيرة من الكتب والمؤلفات التي أثبتت قدرة هذا المثقف الموسوعي في الخوض في كل المجالات فقد كان ظليعا في العلم  دؤوبا في العمل متأنيا في طرح الفكرة لكي لايحدث اختلالا في فهم المتلقي .
   عمــل في الإعلام وفي الإذاعــة وفي تقديــم برامج ثقافيـة وكان ومازال دوما محــل تقدير وإعجاب المحيطين به.
   وحين كرمناه في دار الثقافة والنشر الكردية احدى تشكيلات وزارة الثقافة قبل اكثر من عام امتلأ زهوا وفرحا واتسعت ابتسامته فقد قدمه المتحدثون عنه كجسر للتواصل الثقافي بين المكونات العراقية وكأسم علم ينتمي اليه كل العراقيين .
   لا ندري كيف نصف هذا الباحث الموسوعي، فهو شاعر وباحث وكاتب وصحفي وعاشق الفن والرياضة , فهو كأنه يصارع الزمن لكي يدفع كل ثانية من حياته لوطن بأمس الحاجة الى ثروة اخرى الى جانب النفط , مع فارق أنها لا تنضب ولا تجف وترسم خارطة التنمية والتقدم والحضارة أكثر بكثير من قدرة الذهب الأسود, ونعني بذلك العقول النيرة المشبعة بالعلم والمعرفة والمخزون الفكري الإنساني. وهذا ما جسده الشاب الثمانيني (زهير احمد القيسي ) المولود عام 1932 ولكنني حين التقيته قبل أكثر من عام كانت ابتسامته وفرحته طفولية الى أقصى حد , وطاقته الوهاجة على الانجاز والعطاء في حالة غليان واتقاد  والحمدلله ان ابتسامته مازالت مزدهرة بالق الحياة رغم مرضه ومعاناته.
   ان هذا العراقي الجميل مازال يملأ كأس الحياة ومؤلفاته الكثيرة وعصارة أفكاره هي الثروة الجميلة التي سنتقاسمها نحن العراقيون جميعا وعناوين كتبه ومؤلفاته ستظل خضراء وارفة الظلال بيننا .
   ان (زهير احمد القيسي) بحاجة الآن الى زهرة عاطرة ولمسة حنان وبعضا من الوفاء ليستمر  في العيش بسلام وليشعر بالأمان باننا معه في حياته.
    واخيرا اقول ما اسعدنا لان خبر رحيلك كاذب ايها الشاب الثمانيني.

73
في السليمانية .. مع كل مولود جديد شجرة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   السليمانية مدينة جميلة وانيقة ونظيفة مثل شقيقتها اربيل. ولكي تكتمل اناقتها فقد قررت الجهات المعنية فيها زرع شجرة مع كل مولود جديد، وبذلك يزداد الظل والنسمات والجمال وتتفتح اغصان جديدة مع كل طفل جديد.
   نحن نردد كثيرا مقولة الماء والخضراء والوجه الحسن، ولكن ما نفعله في الواقع اقل بكثير مما نردده. ان الشجرة وعلاقتها بالارض والانسان هي قصة حب طويلة, ولكنها جميلة وتمتد مدى الحياة، بل ان الاشجار والازهار هي التي تمنح المقابر المنظر الجذاب وتؤكد قدسية الموتى والمقابر من خلال رفدها بمعالم حياتية اخرى هي الشجر والورد والثمر.
   المعلوم ان مدينة السليمانية تتمتع ايضا بانفتاح ملحوظ في العلاقات الاجتماعية وبكثيـر مـن التراث الثقافي والادبي والفني فهي مدينة للشعراء مثل (بيره ميرد) و(فائق بيكه س) و(نالي) و(شيركو بيكه س) واسماء اخرى كثيرة، مثلما هي مدينة الفن والتشكيل والسينما والفرق الموسيقة الجادة. وفيها مهرجان سنوي لتراث الشعوب تحضره فرق من دول عديدة من اوروبا وامريكا اللاتينية والعالم العربي.
   واذ يكتمل هذا التطور الاجتماعي والثقافي مع الطبيعة الجميلة التي ستبدو اجمل مع المواليد الجدد من الاطفال والاشجار، فان علينا ان نحلم بعد سنين قليلة بمدينة خضراء الى اقصى حد. والمدن الخضراء اليفة وانيقة وقادرة اكثر على التعبير عن العواطف الانسانية، فمع كل شجرة وارفة الضلال ستتسع رقعة الحياة وتضيق رقعة الاسمنت وتتضاعف الابتسامة على وجه الاطفال وعلى غصون الاشجار  التي ستحفل باعشاش العصافير واغنياتها العذبة. ان  الاشجار ستؤرخ كل واحدة منها ذكرى ميلاد طفل, ولاشك ان هذا الطفل سيجد نفسه منذ نعومة اظفاره مزهوا بانه جاء الى الحياة مع شقيقة اخرى هي شجرة وهو مكلف بضخ نسغ الحياة فيها وعقد علاقة حب معها لا تنفصم. وهذا بحد ذاته عامل اخر لتهذيب عواطف الطفل ودعوته للاهتمام بالطبيعة من خلال قصة حبه للشجرة التي زرعت يوم ميلاده.
   ان اجمل ذكرياتنا عن طفولتنا هي المتعلقة بجلوسنا ذات يوم تحت ضلال شجرة أو على حافة نهر أو في حديقة مزهرة بالبراعم المتفتحة على الحياة أو بالمرور على مسالك يحف بها العشب الاخضر. فما بالك إذا كانت تلك الشجرة مقترنة بساعة ميلادنا وتم زرعها لترى النور في نفس لحظة رؤيتنا لنور الحياة؟
   نعود مجددا للقول... ان الماء والخضراء والوجه الحسن هي العناصر الاساسية لتقاسيم اية مدينة وكل ذلك يتوقف على ثقافة النظافة التي هي جزء من الايمان. هنيئا للسليمانية مع كل مولود وكل شجرة جديدة تحمل بشرى الحياة المتجددة والعامرة بالامل.

74
صور المسؤولين تقتل جمال بغداد

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

المدن التي تبعث على الألفة والراحة والبهجة هي التي تكون شوارعها وأزقتها وواجهات محلاتها مصدرا ً للفرح والانشراح . ولكي تكون كذلك فنظافتها وأناقتها تأتي في المقدمة ، ثم تأتي الالوان البهيجة واللمسات الحميمية الاخرى التي تزين المرافق والمتنزهات والفضاءات التي لا بد ان ترمز وتوصف وتؤشر لما للمدينة من تاريخ وحاضر وثقافة وفن وجمال يميزها عن المدن الاخرى .
كل هذا مفهوم وعليه اجماع ، لان المدينة لا تكون مدينة الا اذا ازدهرت باللون واللوحة والموسيقى والفعاليات الثقافية المتنوعة . بعد هذا الاسهاب نقول ان صور المسؤولين المنتشرة في كل الشوارع والمفارق والجسور والدعايات الحزبية والشعارات التي تشوه الجدران تقف عائقا ً امام جمالية مدينة بغداد وكل المدن العراقية الاخرى .
ان مساحات المدينة هي فضاءات إعلانية ولا يجوز مصادرتها لأحزاب او شخصيات لغرض الدعاية والاعلان وغالبا ً ما تصطدم هذه الدعاية الفجة برفض المواطن او سكوته على مضض  ثم ان الصور تبعث على الكأبة والسوداوية وتعيد ذكريات مريرة الى ذهن المواطن ، خاصة حينما تكون القصائد العصماء او الشعارات او الاهازيج المرفقة بالصور تركز على الشخص وليس على الوطن وعلى الحزب وليس على الشعب كله .
نتمنى من القلب ان تخلو شوارعنا في بغداد من اللافتات والصور الشخصية والدعايات المشروخة للأحزاب ، وان تلجأ امانة بغداد الى فرض غرامة على المخالفين .
ان المرشحين لعضوية مجلس النواب او الراغبين في الترويج لهدف معين عليهم دفع مبلغ لحجزهم للمساحة الإعلانية مثلما عليهم إعادة مكان الإعلان الى سابق عهده بعد انتهاء المناسبة  فليس من المعقول ان تكون صور مرشحي مجلس النواب مازالت لغاية الان معلقة على الجدران والواجهات والاعمدة وهي تشوه كل شئ وتذكرنا يوميا ً بسلوكيات عفا عليها الزمن ويفترض فينا ان نتخلى عنها .
ما اجمل بغداد وهي مزدانه باللون والرسم والاعلانات عن مسرحية جديدة او فلم جديد او نشرة اخبارية ضوئية تطل علينا مجددا ً في الباب الشرقي ، وما اجملها اذا اصبحت مزدانه بالاعلانات عن نشاط ثقافي او تشكيلي يعيد الامل بأنها مدينة الثقافة والفن مثلما هي مدينة السياسة .
انا اتخيل الان بغداد ودجلة الخير يغمرها بالحب والساحات حافلة بالاعمال النحتية واللوحات والجداريات المفعمة بالامل والفرح فمتى يتحول الخيال الى واقع ؟؟؟؟     


75
( اقلية في خطر)
واكثرية نادمة... ولكن بعد فوات الاوان

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   قبل ايام قابلت مخرجة فلم (اقلية في خطر) للسيدة أمنة الذهبي التي تعمل ضمن (مؤسسة مسارات) المعنية برفد الثقافة العراقية بروح التنوع والتعددية والحفاظ على ثقافة وأرث المكونات التي تشكل اثراء واغناء لمجمل الثقافة العراقية، في حين ان الشمولية وثقافة النوع الواحد تقصي الاخر وتقضي بالضرورة على تلاوين النسيج الثقافي والاجتماعي العراقي. ان فلم (اقلية في خطر) يوثق ويؤشر لمأساة المسيحيين في العراق على يد الارهاب الاعمى، ولكنه ايضا يبعث برسالة عميقة المغزى هي ان القضاء على أي مكون عراقي هو بالتالي حكم اعدام على جزء عزيز وعريق من جسم المجتمع الذي يتحول الى مجتمع معوَق وحامل لعاهة مزمنة، كما الانسان الذي يفقد اطرافه او احدى ساقيه ليتحول الى مشلول وغير منتج. بل ان مجتمع اللون الواحد يفقد الكثير من جسور التواصل الانساني والتلاقح الحضاري مع الاخرين لانه يتحدث بلغة واحدة ويعمل بسياق عمل واحد والية عمل واحدة. في حين ان المجتمع المتنوع غزير اللغات والسياقات والاليات ما يمكنه من التناغم اكثر مع الاخرين، لانه غزير الانتاج ومتنوع الثقافات. والمفارقة التي تحدث في مجتمعات الاغلبيات التي تقصي الاقليات انها تندم ولكن بعد فوات الاوان .
   فالوقائع التاريخية تقول انه حين دخل الملك (فيصل الأول) مؤسس الدولة العراقية المدنية الى بغداد كان 20% من السكان من اليهود العراقيين الذين اخلصوا لهذا الوطن وبرز منهم نخبة كبيرة من المثقفين والوزراء والفنانين والمبدعين والكفاءات الاقتصادية التي ساهمت بقوة وفاعلية في بناء العراق، ولكنهم أصبحوا الان اقل من عدد أصابع اليد الواحدة، وأخيرا غادر أرشيفهم العراق الى الولايات المتحدة ومازلنا في مفاوضات معها لاستعادته كآخر أثر لهذا المكون العراقي بين أيدينا .
   اما الصابئة المندائيون فقد رحل معظمهم من أماكن سكناهم الأصلية الى دول أوربية ولاسيما السويد والولايات المتحدة الأمريكية وبعضهم غادر بغداد وجنوب العراق الى إقليم كوردستان العراق ليشكلوا في اربيل (مركز الثقافة المندائية) وفي كل العراق لم يبق من هذا المكون العريق جداً الا اقل من خمسة ألاف .
   اما حديث الهجمات الإرهابية الإجرامية على الكنائس والمراكز المسيحية والجريمة النكراء التي استهدفت كنيسة (سيدة النجاة) فأنه ذو شجون ويؤشر لحجم معاناة هؤلاء العراقيين الاصلاء والذين يستحقون حملة عراقية شاملة لحمايتهم وتعزيز وتفعيل وجودهم في العراق .
   ومرة أخرى نجد أنفسنا نندم ونتذكر بكل خير هؤلاء الذين يغادرون الوطن حاملين مأساتهم وجروحهم التي لم ولن تندمل الا بعد ان نتجاوز حالة الندم والبكاء على الإطلال الى حالة التضامن الكلي معهم لحمايتهم ورعايتهم ومنحهم الأمان والسلام .
   اما الشعب الكردي فمعاناته على يد النظام الدكتاتوري السابق صارت حالة انسانية مكشوفة وغنية عن البيان, فقد حاول النظام السابق محوه من الوجود وجعله مجرد ذكرى او بضعة اسطر في كتب التاريخ وجزء من الارشيف. فقد سويت (4500) قرية بالارض وقتل (5000) شخص في ( حلبجة ) بالسلاح الكيميائي في جريمة غير مسبوقة في التاريخ, وتم الاجهاز على (180) الف مواطن كردي في عمليـــــات اطلق عليهـــــا اسم (الانفال). وباختصار فقد انتهج النظام السابق سلوك القضاء على الحجر والبشر والزرع والضرع والاخضر واليابس في كردستان, كل ذلك من اجل هدف مستحيل هو المجتمع النقي ذي العرق الواحد, واللغة الواحدة والحزب الواحد وهذه من خرافات التاريخ الانساني, ولم يتحقق هذا الهدف البغيض لان ارادة الشعب الكردستاني كانت صلدة كجباله, ولولا ارادة الله وارادة هذا الشعب والحملة الدولية لمناصرته, لكان الان في وضع كارثي , وخلاصة القول انه يتحتم علينا ان نحصن المكونات العراقية جميعها ونحميها لحماية وتعزيز الاغناء والاثراء والتنوع الذي يشكل ابهى صورالوجود للعراق العريق .


76
النظام السوري صار قطعة من الماضي

فوزي الاتروشي     
كاتب وناشط سياسي
 
   كل الذين يدافعون عن النظام السوري المحتضر يعرفون أنهم مدانون الآن وفي المستقبل . ويعلمون أنهم يحولون عنوة المأساة الى ملهاة لتشويه الصورة برتوش فاقعة لاتخفى على كل ذي بصر وبصيرة. هم يريدون ان نضحك ونرقص ونغني لمشهد الدم والدموع وجثث الأطفال المرمية في الشارع, ويريدون ان نصم الأذان ونختم اللسان بالشمع الأحمر ونغمض العيون في وقت اقتحمت دماء المشهد القاني حواسنا الخمس .
   المدافعـون عن لغـــة السلاح والعنف والقتل على الهويـــة والتعذيب وسارقي قـــوت الشعب ومختطفي جمــال الأمومـــة وابتسامات الأطفال , يختبئون خلف كواليس المصلحة ومنطــق القــوة وليس قــوة المنطـــق .
   ومشكلتنا ليست قناعاتهم المبنية على الرمل, بل إصرارهم على تصدير هذه القناعات ألينا وحين لانقتنع نُتهم نحن وهذا هو وجه الغرابة والعجب .
   ان النظام السوري يطرق على اسطوانة مشروخة سمعها الناس عبر العصور والقرون فثمة مستبد وحزب عفا عليه الزمن وأجهزة قمع خارجة عن سياقات العصر وأخلاقياته , ومناهضة لكل ما اتفقت عليه الحضارة الراهنة من مواثيق ومعاهدات لحقوق الإنسان. وثمة إعلام رسمي يثرثر ليل نهار  بان سوريا غير مشمولة بالربيع العربي, وان خريفها الحالي هو الربيع وزيف هذا الخطاب واضح للعيان , اما ان بشار الأسد ليس القذافي او مبارك او زين العابدين بن علي فهذا ادعاء لبطولة لاوجود لها حتى في الأفلام الكارتونية التي تعرض على الأطفال , لان الطفـــل بذكائـــه قادر على تمييز البطولات الخارقـــة للعقـــل والأخرى المزيفــة التي فبركها مخــرج الفلـــم . مشكلـــة النظام السوري انه يتحــرك في ميدان الواقـــع الافتراضي حيث كل شيء ممكن, ولكن على الشاشة وليس على ارض الواقع, والمضحك المبكي في المدافعين عنه أنهم أصبحوا من فرط ما كرره النظام وإعلامه المتداعي يصدقون نجاحات النظام في العاب الكومبيوتر الافتراضية ويصرون على عدم الدخول الى الحقل والشارع والمعمل والمصنع والمؤسسة والمنازل والأزقـــة والأقبيــة والميادين في المـــدن والقـــرى والأرياف السوريــــة لرؤيــــة حجـــم المأساة السوريـــــة على يــــد نظام دخل مرحلة الموت ألسريري ولا يحتـــاج الا الى طلقـــة رحمـــة تنهيــه الى الأبــد .
   نحـــن لن نصــــدق روايـــة النظـــام وبـــذلك ننقـــذ أنفسنا من إدانـــة الأجيال القادمــــة . اما الذيــــن يصدقونــــه فحكــــم التاريـــخ عليهـــم  لـــن يرحــــم .

77
هلا أربيل... مهرجان الألفة والمحبة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   أربيل تزدهر ليس بالشجر والورد والمتنزهات التي تمتد على مدّ البصر، ولكن ايضا بالجمال والالفة والسلام.
   خلال مدة فعالية (هلا أربيل) تحولت المدينة إلى قلب نابض بالحب للجميع من القادمين من الدول الأوربية أو محافظات العراق. وتم بحضور دولي انتخاب ملكة جمال كردستان، وكان لافتا إقدام عدد كبير من الحسناوات على ترشيح انفسهن لهذه الفعالية التي تعكس الجمال والانفتاح والاهتمام بجانب انساني فائق الاهمية، ونعني الجمال، في وقت بتنا نفتقد الكثير من هذه المبادرات في الاجواء الاجتماعية المخيمة على العراق، سواء لجهة الإرهاب الذي مازال يهدف إلى تدمير مشروع الحياة، أو انحسار قيم اجتماعية متحضرة على وقع هجوم الفكر الماضوي على السلوك الاجتماعي وهو ما يبدو واضحا في العلاقة مع المرأة ومع الفن والابداع عموما.
   (هلا أربيل) منح الزائرين اجواء رائعة للتسوق وفرصة جميلة للاقامة في فنادق أربيل والتعرف على ناسها وشوارعها وازقتها وقلعتها العتيدة المرشحة للدخول في لائحة التراث العالمي ومنارتها، علاوة على المئات من المشاريع المستقبلية التي تنتظر التنفيذ لتصبح (اربيل) عنوانا عالميا للسياحة والتسوق والاقامة. وإذا اضفنا إلى ذلك التقارير الدولية والصحفية التي تؤكد أن إقليم كوردستان بؤرة مشعة للتسامح والتعايش الديني. وان وزارة الأوقاف والشؤون الدينية في الإقليم تسمح بتدريس كافة الاديان في المدارس وترعاها وتصرف عليها دون تمييز، حيث قال الكاتب الامريكي (ستيفن مانزفيلد) في مدونته التي نشرها موقع شفق نيوز (ان الكورد غيروا من نظرة الغرب للإسلام محققين نقلة نوعية في تغيير الصورة النمطية عن المسلمين لدى الغربيين).
   وكانت صحيفة نيويورك تايمز الامريكية كتبت في (20/6/2012) ان تدريس الاديان يجري في كردستان على قدم المساواة. واضاف الكاتب الامريكي آنف الذكر والذي تعتبر كتبه الأكثر مبيعا لتصديه للمواضيع المثيرة والآنية، إلى ان السياسة التي يتبناها الكورد تجاه الاديان حققت العدالة لأنها لا تعطي أفضلية لأي دين على آخر، رغم ان نسبة المسلمين في اقليم كوردستان تبلغ (94%) ولاسيما بعد ترشيحها عاصمة للسياحة العربية.
   إذن مهرجان (هلا أربيل) يريد ان يعلن المدينة قلبا مفتوحا وبابا مشرعا على مصراعيه للآخرين وبستانا للتنوع والتعايش الديني والقومي. اما الواقع العمراني في ظل تنوع اساليب البناء من خلال القرى الايطالية والانكليزية والامريكية واللبنانية فانها تضفي جمالية مضاعفة على مدينة توسع يوميا وتتسع للمزيد والمزيد من العمران.
   وبالتزامن مع هذا التمدد العمراني الجميل تتواصل الفعاليات الثقافية من خلال حفلات غنائية وموسيقية كرست احدها للفرقة السمفونية العراقية وكذلك معارض الكتب والمعارض التشكيلية، ومختلف انواع المعارض التي تنظم على مساحة واسعة من بارك أربيل الذي يعتبر اكبر متنزه في العراق. ان هذه الظاهرة الفنية والابداعية والثقافية تشكل مع التنمية العمرانية اعلانا لنهوض مدينة عمرها اكثر من (5) آلاف سنة لتعانق المستقبل عناقا لا فكاك منه. انها اربيل أو (أربائيللو) باللغة الآرامية وتعني مدينة (الآلهة الأربعة) التي تقدم اليوم على ارض العراق نموذجا يؤكد ان (لا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس) وان كسر المستحيل ممكن إذا شاءت إرادة الإنسان.


78
نحن وغوغل والتنوع الثقافي

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
                                                                                           
المكون القومي حتى لو كان بالعشرات ,فنحن ملزمون بحمايته من الزوال وتنميته وحصانته بالحقوق ليس كواجب وطني فحسب, بل لكونه استحقاق انساني واحد سياقات تجذير الحضارة الحالية. واللغة حتى لو تكلم بها اناس على قدر اصابع اليد فانها تستحق الرعاية والاهتمام كجزء من التراث البشري ولحماية البشرية من الانقراض بكل جزء من مكوناتها ولغاتها وتراثها وعناصرها الاجتماعية والثقافية , لاننا مكلفون بالحفاظ على خارطة التنوع الانساني والثقافي والفكري والعرقي والديني والطائفي للاجيال القادمة التي تشكل المستقبل لنكون حينها الماضي المعرض للدراسة والتحليل والاستقراء والاستفادة .
وهنا تنهض الشركة العملاقة (غوغل ) بهذه المهمة الشاقة والصعبة والمهمة جداً , ونقول شاقة لان البشر بحروبهم  ونزاعاتهم واستبدادهم ونزاعاتهم الاستعلائية والشوفينية والعنصرية اهلكوا الكثير من عناصر التراث الانساني , بغية فرض قومية على قومية او لغة على لغة اخرى او اعطاء الحق الكامل لدين معين او طائفة معينة واضفاء صفة البطلان على الاديان والطوائف الاخرى .ولان هذه الحرائق والخرائب مازالت مستمرة على الكرة الارضية رغم كل التطور الحاصل في مجال حقوق الانسان والقضاء على استعباد الانسان للانسان, لذلك يأتي قرار (غوغل) بتدشين مشروع (اللغات المعرضة للخطر) كبشرى وفاتحة عهد جديد للاقوام واللغات واللهجات التي تكاد تنقرض بسبب الاضطهاد والتنكيل في مختلف بقاع العالم وسيضم المشروع توثيق وتعزيز وحماية اكثر من ( 3000) لغة معرضة للانقراض كلياً في المائة عام القادمة .
وستستعين ( غوغل) بقاعدة شاملة من البيانات تشمل الاحصاءات والتسجيلات الصوتية العالية الجودة لتوفير اكبر مخزون معلوماتي حول كل لغة من هذه اللغات باشراف مختصين ومؤسسات ومنظمات تعليمية وثقافية غير ربحية معنية بهذا الشأن الثقافي الهام .
 لقد اكدت ثورة المعلومات الحالية قدرتها ليس فقط على تزويد الحضارة الحالية بامكانات هائلة وسرعة التواصل ودحر الحصار الفكري , ولكنها وفرت ايضا المناخ الملائم لصيانة التراكم الحضاري الحالي للحضارة القادمة بعكس كل الحضارات الاخرى التي اندثرت ولم يبق منها سوى نزر يسير من المؤشرات المادية والمعنوية المحفوظة في المتاحف التي تتعرض هي الاخرى الى الكوارث والسرقة والتقادم مما يجعل بقايا حضاراتنا السابقة تتضائل يومياً .
ان (غوغل ) بهذا المشروع العظيم تقدم خدمة سياسية وحضارية للشعوب والفئات واللغات المظلومة و المحرومة من الانتعاش والاحتفاظ بحق البقاء .
مبروك لـ ( غوغل ) لانها حطمت انانية الاقوياء في الاستقواء على الضعفاء ودحرت والى الابد امكانية تحويل أي شعب او لغة الى مجرد ( ديناصور ) منقرض , فهذا الامر اصبح استحالة مطلقة .

79
كفانا كسلاً ... فالعمل اساس التقدم

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
   بالتزامن مع صدور تقرير منظمة ( اوكسفام ) البريطانية الجادة والرصينة الذي يؤكد ان الموظف العراقي هو الاكثر كسلاً وتقاعساً في العمل والاقل انتاجاً بين دول العالم .
  نقول بالتزامن مع هذا التقرير وردت انباء عن نية لجنة العمل النيابية طرح فكرة تخفيض ساعات العمل اليومية وهو امر مستغرب وعجيب لا يحدث الا في العراق. والعذر هو حرارة الصيف وكأن هذا الصيف هو الاول الذي يمر بالعراق وكأن درجات الحرارة لم تبلغ يوماً هذا المستوى وبالطبع لم يأخذ القائلون بهذه الفكرة ان العراق اصلا بلد العطل بامتياز وهي مناسبات وطنية ودينية تتكرر على مدار السنة اضافة الى عطلة يومين في الاسبوع (الجمعة والسبت) دون ان يجري توزيع ساعات عمل يوم السبت على الايام الاخرى, وفي شهر رمضان المبارك يطرأ تخفيض على ساعات الدوام. واذا حسبنا كل هذا التقليص والتخفيض والعطل ونسب التقاعس والاهمال والتسيب وحالات المرض والتمارض فسنخرج بنتيجة ان ماتقوله منظمة ( اوكسفام ) البريطانية ومنظمات دولية اخرى حول الانخفاض الكارثي في انتاجية العاملين العراقيين هو عين الصواب .
   والحل ليس بتقليص اضافي لساعات العمل وانما العمل الجدي لتوفير البيئة والجو الصحي والمناسب للعمل المريح والمنتج للموظفين والعمال . وذلك بتوفير الكهرباء للدوائر والمؤسسات على مدار اليوم ووسائط النقل والغاء عطلة يوم السبت او توزيع ساعات هذا اليوم على الايام الاخرى .
  ان العمل عبادة وتنمية وعمران وحضارة وصحة وعافية وهو الحافظ لكرامة المواطن والوطن واساس رفعة الوطن وتقدمه وتطوره وكل تجارب العالم تشير الى ذلك. ان التخلف الفظيع على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والعمراني لايجوز تجاوزه بالنوم والكسل والخمول ومراكمة ومضاعفة العطل بل النظر الجدي في ان الوضع الاداري في العراق سينهار كلياً اذا استمر هذا التردي في الانتاج على كل المستويات .
   ان الموظف العراقي يستلم اضافة الى راتبه الشهري مكافأة كل شهرين ومكافأة استثنائية والمكافآت توزع على الجميع دون استثناء وهذا وجه اخر للفساد الاداري مثل كتب الشكر المجانية التي تمتلئ بها اروقة الوزارات والدوائر .
   فهل بعد هذا وذاك نتوجه الى المزيد من الكسل والتقاعس ونحن نرى بام اعيننا ان الوطن ينهار ومستوى مرافق الخدمات اقل من الحد المتوسط بكثير. ان الحكومة ومجلس النواب وكل المفاصل الادارية معنية اليوم وليس غدا لرفع وتيرة العمل الى اقصى مستوى، وتحفيز القدرات الانتاجية للموظف والعامل بدلا من قتلها ووأدها بحجة ارتفاع درجات الحرارة . ان هناك العشرات من الدول تعاني من حرارة الصيف ولكنها لا تلجأ الى جريمة قتل الانتاج والعمل بل تبتكر الاساليب العلمية والتقنية لقهر الحرارة وانعاش العمل. ولا نذهب بعيدا الى دول في اقاصي الدنيا بل نشير الى دولة الامارات العربية كمثل حي على ذلك ودرجات الحرارة فيها اعلى والجو اشد سخونة مما هو في العراق . ولننظر كيف ان الفارق بيننا وبينها هو كما الفارق بين الثرى والثريا .

80
التنوع الثقافي طريق التنوع الحضاري

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

 
  لن نبتعد عن الحقيقة حين نقول ان التعريف الادق للحضارة انها هي الثقافة فعبثا نبحث عن حضارة لا تكون في البدء نتاج العقل والابداع والعطاء. ولن نبتعد ايضا عن الحقيقة حين نقول ان اية حضارة انكفأت على ذاتها وانطوت على نفسها اندثرت، وان اية حضارة انفتحت على ماقبلها من حضارات وفتحت الابواب مشرعة على مصراعيها حضارة باقية ومحافظة على ذاتها في الذاكرة الجمعية البشرية.
   في اليوم العالمي للتنوع الثقافي نحيي حوار الحضارات والاجيال والتنوع والتعددية في الثقافة والتي هي مصيرنا ومصير كل البشرية. ونصفق للسيدة مديرة اليونسكو (ارينا بوكوفا) حين تقول باختصار ان الثقافة هي ما نمثله في انفسنا فهي تمثل هوياتنا واحلامنا نحو المستقبل، مثلما نؤيد ونتضامن ونؤكد جهودنا من اجل الحملة العالمية واهدافها التي تبنتها (اليونسكو) لتفعيل التنوع الثقافي في الامم المتحدة لخلق مجتمع عالمي يؤمن كل فرد فيه بالتنوع واهمية الثقافة والتنوع الثقافي والتعددية في التنمية والحوار. وايضا الهدف الثالث وهو عدم الانطواء وعدم القولبة وعدم النمطية والتفاعل ضمن الوطن الواحد وضمن المنطقة الاقليمية الواحدة وضمن العالم من اجل تنوع ثقافي يقود بنا بالضرورة الى التنمية في مختلف مجالات الحياة.
   ان مشكلة الانسان كانت دائما انه لم يقبل بالاخر شريكا له فحلت الكارثة، لذلك لا مصير امامنا جميعا وسنقع في اكبر مأزق سواء في العراق او في المنطقة او في العالم ان لم نكن مستعدين كمواطنين وكشعوب وكأحزاب وكدول في التعايش وعدم تهميش الآخر او اقصائه عن المشهد الثقافي والسياسي، لذلك نعلن انضمامنا الى تحالف الامم المتحدة لحوار الحضارات فنحن في العراق بأمس الحاجة الى دق الركيزة الاساسية للارتقاء بمجتمعنا العراقي نحو مجتمع ديمقراطي بحقوق مدنية يؤمّن لكل المكونات العراقية حقها في التعبير عن نفسها وحقها في اغناء الثقافة الوطنية العراقية من خلال تنمية الثقافات العربية والكردية والتركمانية والكلدوآشورية والمندائية.
   وبكل تواضع اقول ان وزارة الثقافة تسير نحو اقرار دائرة الثقافات الوطنية في وزارة الثقافة التي ستمثل الثقافات الثلاث السريانية والتركمانية والصابئية المندائية اضافة الى وجود مديرية اصلا للثقافة الكردية. وبهذه المناسبة ارسل تحياتي الخالصة الى وزارة التربية التي اقرت مديريات للدراسات التركمانية والكلدوآشورية، اضافة الى وجود مديرية الدراسات الكردية.
   ان هذا هو الذي يغني ويثري الثقافة العراقية واي سياق آخر واي تخندق ديني او قومي او طائفي او مناطقي او حزبي سيحل بنا جميعا الى الهاوية، ونعتقد اننا المثقفون قادرون على ان نستبق السياسة وان نعمل ماتعجز عنه السياسة والكل يعلم اننا حاليا في العراق نمر بأزمة سياسية والمثقف العراقي مطالب بان يعالج هذه الازمة من خلال الابداع وثقافة التآلف والوئام الاجتماعي الوطني لكي لايتحول الاختلاف السياسي السطحي الى اختلاف جذري عميق نحن في غنى عنه.
   وبودي ان اشير ايضا الى الانجازات التي تحققت في وزارة الثقافة من خلال دائرة العلاقات الثقافية في مجرى دحر ثقافة النوع وتنمية ثقافة التنوع، فهناك في اغلب محافظات الوطن بيوت ثقافية الهدف منها عكس التمايزات الثقافية بين المحافظات العراقية، اضافة الى ان الوزارة ومن اجل التلاقح الثقافي مع العالم بدأنا حملة كبيرة لتجسير العلاقة بين الثقافة العراقية والثقافات العالمية وذلك من خلال فتح مراكز عراقية في مختلف الدول الاوربية وللوزارة مركز ثقافي في واشنطن واخر في ستوكهولم، وقريبا ستكون لنا مراكز اخرى في بيروت وباريس وطهران ولندن. وهذه المراكز الثقافية ممولة كليا من قبل وزارة الثقافة وهدفها تجسير الهوة بين المثقفين في الداخل والخارج وايضا الغاء الصورة النمطية عن العراق في الدول التي تعمل فيها هذه المراكز الثقافية.
   كما اقدمنا خلال السنوات الماضية الى تجديد البرامج الثقافية ضمن مذكرات تفاهم مع عدد من دول العالم وكان آخرها مع الصين.
   ومن جهة اخرى فقد اعلنا ان مشروع بغداد ليس مشروعا لوزارة الثقافة، بل هو مشروع عراقي وبأمتياز ويحق لكل المثقفين العراقيين في الداخل وفي الخارج ومنظمات المجتمع المدني المهتمة بالثقافة العراقية الاشتراك في هذا المشروع الانعطافي والكبير والتنموي، من اجل بغداد عاصمتنا الحبيبة، ونحن ننظر الى بغداد تاريخيا انها مدينة التنوع لذلك فان المشاريع سواء الاستثمارية او التشغيلية الثقافية تشمل المكونات الاخرى، وضمن هذا المنطلق اقدمنا على اقرار مركز ثقافي لشريحة الكورد الفيليين الذين تعرضوا لجريمة الابادة الجماعية باعتراف المحكمة الجنائية، وايضا بناء مشروع دار المعرفة المندائية لحماية ثقافة المكون الخامس العزيز علينا في العراق، اضافة الى التركمان والسريان، ولكي نؤكد كما نقول دائما على نشر ثقافة التنوع ورفض ثقافة النوع الواحد والدين الواحد واللغة الواحدة او كما نقول دائما ثقافة الزي الموحد.
   ان علينا جميعا فعل شيء من اجل التنوع الثقافي كما تقول مديرة اليونسكو بغية عالم اكثر تنمية واكثر امنا.

81
شهادات تقديرية لمن لايستحق التقدير

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

 
   قبل ايام كتب احد كتاب الرأي مقالا في جريدة (الزمان) بعنوان (انا لم اكرّم..اذن انا موجود). يحمل الكثير من المعاناة والوجع الحقيقي لان الواح التقدير والشهادات التقديرية تحولت في اغلب الوزارات والمؤسسات في العراق إلى اسلوب آخر للمجاملة والمحاباة والتزلف، في حين يفترض ان تؤشر للتميز والفرادة والنجاح في العمل. لقد ادى ذلك ان ينأى المثقف والمبدع الحقيقي بنفسه عن استلام هذه الشهادات بعد ان غمرت المناسبات والاحتفالات واصبحت تمنح للجميع دون مفاضلة. بل ان بعض المسؤولين اخذ يستجدي ويتوسط لاستلام شهادات تقديرية ليضمها إلى ملفه الوظيفي. في حين لايجوز للمسؤول اصلا ان يتقبل لوح التقدير إلا اذا كان قد قدم فعلا اضافة واغناء وتميز حقيقي في الأداء على ان يوثق ذلك من قبل الوزارة والدائرة التي يعمل فيها.
   وسبق ان كتبنا اكثر من مرة حول هذه الظاهرة المؤسفة التي تؤشر لحالة فساد اخرى تضاف إلى كل اساليب وحالات وممارسات الخلل والكارثة الادارية في هذا البلد.
  ورغم ذلك نجد كبار المسؤولين مشغولين بهذه الطريقة السيئة الصيت للبروز والادعاء والتظاهر بالاخلاص رغم ان الشهادة التي يتسلمها ليست سوى فقاعة صابون سرعان ماتختفي وتذوب كما الطبل الكبير وهو خالٍ اجوف.
   دعونا نعمل ونجتهد ونبتكر في وطن بلغ قمة المعاناة وبلغ درجة من التأخر مخيفة ان لم نتدارك الامر في الوقت المناسب، لذلك نقول ايها المسؤولون ان شهاداتكم التقديرية هي عدد ساعات العمل وكمية المعاملات التي تنجزونها للمواطنين والثقة التي يمنحها اياكم العاملون معكم.
   ونقول ايضا اتركوا الواح التقدير للمبدعين الحقيقيين العراقيين الذين يفوزون ويحصدون باستمرار الجوائز في الساحات الدولية، فهم وليس انتم من يستحق التقدير.

82
(فاتنة بغداد) خضراء في الذاكرة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

 
   مهما تراكمت وتضاعفت الثروات المادية لأي وطن يبقى الابداع هو العنوان الحضاري الذي يدل ويرشد الآخرين إلى مكانة شعب ومنزلة الوطن ضمن الاوطان والشعوب. فالمبدعون الذين عمروا نهاراتنا بالأمل والألفة واضاؤا بعطائهم قناديل ليالينا. هم القيمة الاعتبارية والمعنوية التي لا تعوّض للوطن العراقي.
  عفيفة اسكندر، ومن لايعرفها هذه الفاتنة التي تتذكرها ازقة وشوارع بغداد والعراق وتعرف وقع خطواتها وعذوبة صوتها والحانها النابضة بالفرح والحنين والالم والاشواق العراقية. ولانها كذلك فلا يجوز ان تعاني وحيدة وتموت من اثر الوحدة والعزلة، فنحن جميعا معها، لاننا اصلا مازلنا اسرى اغانيها التي تنعش الذاكرة وتزيح عنا هموم المشاغل اليومية وتعيدنا إلى زمن جميل كان يزخر بالشعر واللحن واللون والنغم الذي يعلن اصراره كل دقيقة على الحب والامل والتعايش والوئام الاجتماعي.
   وهنا نتسع فرحا ونزدهر بالبشائر لان نداء عفيفة اسكندر إلى بني جلدتها قبل ايام لم يذهب هباءا فقد اعلن فخامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني عن تخصيص راتب تقاعدي لها كما اعلنت جهات اخرى استعدادها لاداء هذا الواجب. ونقول واجب لان الجميع استمتعوا بفنها الراقي الذي راكم فينا الذائقة الجمالية، ولذلك فان عفيفة اسكندر فاتنة كل العراق تستحق ان نقف معها ونتضامن مع نداءاتها، فذلك جزء يسير من الوفاء لقامة باسقة مازالت لغاية اليوم تنبض بحب العراق.

83
العراق جميل اذ اردنا

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   العراق جميل اذ اردنا، والارادة ليست فعلا تجريديا وانما افعال تطبيقية على الارض, فاْن عملنا ووظفنا الوقت للاعمار والتنمية والمنجز الابداعي والاجتماعي والسياسي والخدمي, نكون  بذلك على ضفاف الحب والامل المعشبة ويكون دجلة الخير فعلا" ام البساتين. وان بذلنا بما فيه الكفاية من عرق الجبين ومهارة اليد وعاطفة القلب وحكمة العقل وحركة الجسد نكون قد منحنا الوطن ابتساماته الخضراء التي تتمثل في الشجر والثمر والنخيل وسلة الغذاء التي تكفي نحو (31) مليونا" هم سكان العراق، وان اخلصنا في رفع سقف ساعات العمل والتعامل مع المواطن بتواضع ومحبة لقضاء معاملاته وانهاء معاناته وعدم تركه فريسة للتجوال في الدوائر في حر بغداد القائض بغية انهاء المعاملات في مدد قياسية بدلا" من تركها تنام نومة اهل الكهف في رفوف الدوائر والمؤسسات.
   والعراق جميل ان قلصنا ايام العطل الرسمية الى الحد الادنى وانقذنا البلد من التسيب والكسل والدوام الوهمي والموظف الوهمي والعمل والنشاطات الوهمية ان العطل في العراق ظاهرة لامثيل لها في كل انحاء العالم وهذا امر سيقتل الاقتصاد العراقي والعملية التربوية والاداء الاداري الذي يقترب من الدرك الاسفل الى حد قد يأتي يوم يصبح الدوام استثناء والتغيب والعطل قاعدة وهذا شئ مخيف ومفزع ولا يليق ببلد يعتبر نفسه صاحب اعرق حضارة.
   ان من يطالع يوميا تقارير هيئة النزاهة سيواجه ارقاما وبيانات واحصائات حول الفساد المالي والاداري تجعل المعنويات تتراجع الى الصفر ان لم نقل تحتها وما يبشر بخير هو ان الهيئة مصممة على الاستدعاء والاستجواب ومقاضاة البعض منهم.
    ان عدد المدراء العامين المتهمين بالفساد المالي والاداري يقترب من الــ (300) مديرا مضافا اليهم عدد من الوزراء والوكلاء ورؤساء الدوائر مما يعني ان الفساد ليس ظاهرة وانما آفة مستفحلة ومرض مستشري وعاصفة هوجاء تأكل البلد بأخضره ويابسه، دون تفكير ماذا سيبقى من المال والثروة لأجيالنا القادمة وكيف سيقرأْون صفحات هذه الفترة. اليس الحق الى جانبهم اذا اتهموا الفاسدين بالخيانة العظمى؟.
    قبل مدة كنت ارعى احتفالية تكريم المبدعين العراقيين الحاصدين للجوائز على الساحات العربية والدولية خلال الاعوام القليلة الماضية وبلغ عددهم اكثر من (45) مبدع ومبدعة في شتى صنوف الفكر والثقافة والفن والادب وشعرت باْن الامل يفيض في قلبي وان التفاؤل يملؤني بالسعادة, فهم عنوان الوطن العراقي وهم رمز ثرائه وسمعته وهيبته في العالم. هم العراق الجميل المتنقل في كل الارجاء, وراْسمالهم الموهبة والعمل والجدية والصدقية والاخلاص للوطن والانسانية. ان كل واحد منهم وتد حقيقي ومحطة مضيئه وبستان اخر وسلة ثمار يانعة وشجرة باسقة وارفة الظلال.
   ان كل مبدع من هؤلاء يعادل عشرات المدراء والوزاء والموظفين الفاسدين فهو في الذاكرة العراقية منبت حب واعجاب, اما الموظفون الفاسدون المتورمون بالقيح والعقد والخيانات المنخورة عظامهم والحاقدة قلبوهم, والخاوية عقولهم, والمليئة جيوبهم بالسحت الحرام فهم في اعماق الهاوية وفي مزبلة التاريخ وخارج ذاكرة الوطن .

84
الحوار جميل... ولكن اي حوار؟

فوزي الاتروشي
كاتب وسياسي كردي

   الحوار سلوك حضاري جميل لا احد يحيد عنه، وحتمية انسانية راكمها واغناها التاريخ البشري وتغنى بها ونشرها كل المفكرين والفلاسفة والمبدعين. ولكن للحوار بيئة واسس ومناخ ودرجة حرارة مناسبة تنمو فيه وبدون ذلك يكون قبض ريح وشعارا يثير الضحك. فهل ثمة حوار بين الدبابة والصدور العارية الا من نزيفها، وبين القاتل والضحية والذئب والحمل الوديع؟ هل ثمة حوار بين اطفال يحلمون بالبشائر والحلوى والحرية وجنود مدججين بالذخيرة الحية, ام ان الجرح يمكن ان يتحاور ويتسامح مع السكين.
   هذا هو الحوار العجيب الذي يدعو اليه حراس الفكر الواحد والحزب الواحد في سوريا بعد ان اختزلوا الوطن في حزب هو اصلا مختزل في شخص واحد وبعد ان جردوا القومية الثانية في سوريا وهي القومية الكردية من الجنسية، والغوا على الورق انتماءها الى الارض التي ولدوا وترعرعوا عليها.
   انطلقت جمعة (لا حوار) في سوريا لا كرها بالحوار ولا حبا بالمواجهة الملحة عوضا عن السجال والنقاش. شعار (لا حوار) مغزاه ان النظام السوري لايتحاور من اجل الحل والاعتراف بالخطيئة والتنازل عن ارث الغرور، بل من اجل اطالة امد الحكم وبدء مرحلة الترقيع وردم بعض الثغور الشكلية واجراء عملية تجميلية لا تمس الا الجلد الخارجي ولا تدخل في الخلايا والمسامات حيث يكمن القيح والجرح الغائر وهشاشة العظام.
    لم ينجح النظام في ان يجعل الحوار حقيقة على الارض  لانه غير مصمم الا على شيء واحد هو البقاء لاطول مدة ممكنة انتظارا لمعجزة تنقذه من الهلاك. لذلك جاءت الحوارات في الداخل لتكوين الصورة المتلفزة ولاشغال الاعلام العالمي ولو لساعات بحوار يقال انه المطلوب فلماذا اذن تتواصل الاحتجاجات؟ ولان الشارع السوري بلغ درجة الغليان ولكون المعارضة الاساسية في الداخل والخارج ترى الحقائق المفزعة يوميا من قتل وضرب واعتقال في ظل منع اي منبر اعلامي او منظمة حقوقية ذات مصداقية لمعاينة الواقع والتحري والتقصي، لذلك اصبح الكلام عن الحوار نكتة مرة يتداولها الجميع وادت الى خفض مضاعف لسمعة النظام وصدقيته على المستوى العالمي.
   الحوار، يامفكري حزب العصرنة والتحديث يكون اولا بسحب العسكر من المدن ووضعه على الحدود حيث مكانه الطبيعي، وسحب قوى الامن وما أكثرهم بالملابس المدنية من مفارق الطرق، والايعاز للشرطة بان المظاهرات احد حقوق المواطنة وليس جريمة تستوجب المطاردة. هنا يكون الجو قد تهيأ والسحب تكون تناثرت ليبدأ الكلام والبحث عن حلول من موقع الندية وتساوي الاطراف في القوة والحجة وحرية الطرح دون ضغوطات. وفي هكذا حوار باشراف جهات حقوقية محايدة وبحضور الاعلام العالمي وشهادة الجهات الدولية ذات العلاقة يكون للحوار مغزى ويكون لشجرته غصون وثمار. ثم ان الحوار لن يكون حول الشكل والنتوءات الصغيرة والزعانف و(الاخطاء والهفوات) التي ارتكبها بعض رجال الامن دون رغبة من (الزعيم القائد). بل سيكون حوارا في الصحف والفكر وفي تاريخ حزب يريد ان يلغي شعبا وقضية ويحتكر الوطن كملكية خاصة، وسيكون حوارا يمتد الى الدستور والقانون ومجمل النسيج السياسي الحاكم على مدى عقود حتى تحنط وفقد اهلية الأستمرار، وتكلس فلم تعد له رئة يتنفس هواء العصر واعتراه الغباء فتناسى ان زمن الانترنت والفيسبوك يقتحمه ويعريه امام الكاميرا من حيث يدري ولا يدري. وهكذا حوار لن يقبله النظام السوري لانه الحوار الذي يحمل بشائر موته واضمحلاله الى الابد.

85
   اقام مشروع (ترابط) للاصلاح الاداري العراقي التابع للوكالة الامريكية للتنمية الدولية ورشة عمل في مقرها حضرها الفريق الاداري والمالي من وزارة الثقافة برئاسة السيد فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة يوم 24/1/2012، ويهدف مشروع ترابط إلى تقديم الدعم الواسع للحكومة العراقية لتحقيق هدفها الستراتيجي في تقوية مؤسسات الادارة العامة وتحسين الخدمات من خلال حكومة افضل وتحسين ادارة الموارد البشرية والمالية. وقد اختارت الوكالة الامريكية للتنمية الدولية شركة نظم الادارة الدولية (MSI) لتنفيذ مشروع (الاصلاح الاداري العراقي) والمعروف باسم ((ترابط)).
   افتتح الجلسة السيد (نائل شبارو) نائب رئيس مشروع ترابط بكلمة ترحيبية مؤكدا فيها على حرص طاقم المشروع لتقديم العون لكافة وزارات الدولة وفي كافة المحافظات، من اجل تطوير العمل الاداري والمالي فيها وبمساعدة (250) خبير يقودون فرق عمل في مختلف المجالات. وقد اوضح ان العمل قائم على ضرورة التعاون الايجابي بين افراد المشروع وبين الوزارة المعنية من اجل الحصول على نتائج ايجابية وسيكون ذلك بعد وضع خطط تفصيلية واجتماعات دورية مشيرا إلى (ان العراق من الدول التي تتمتع بوفرة الموارد المالية مع وجود العقول المفكرة التي تسهم في انجاح المشاريع ولكن العراق يفتقر إلى (خطة عمل) ونحن في ترابط سيكون دورنا في وضع هذه الخطط التي ستنجح مشاريع الوزارات) ومازال الكلام للسيد شبارو (نحن نتعاون مع الحكومة لتصحيح خطأ موجود في الانظمة القوانين التي تعمل بهذ هذه الوزارات، وسنحاول حل المشاكل الموجودة مع مراعاة خصوصية كل وزارة). فيما قدم شرحا عن تجربتهم في وزارة التربية ومراحل تطور العمل فيها. وقد اكد في ختام حديثه على التعاون بقوله (يد واحدة لاتصفق) من اجل انجاح المشاريع والنهوض بالواقع الاقتصادي والاجتماعي والثقافي العراقي.
   فيما بعد قدم الاستاذ فوزي الاتروشي شكره وتثمينه لطاقم فريق ترابط وتمنيه ان يتم انجاح عمل المشروع في وزارة الثقافة وابدى استعداد الوزارة للتعاون لانجاح عمل الجهاز المالي والاداري للوزارة مشيرا إلى ان باكورة الاعمال ستكون من خلال مشروع النجف العاصمة الاسلامية لعام 2012 وبغداد عاصمة الثقافة العربية لعام 2013، وقد اشار في معرض حديثه إلى ان (الدولة تخصص مبالغ من اجل تنفيذ مشاريع عملاقة ولكن التلكؤ الاداري والتخوف في الصرف يؤديان إلى فشل هذه المشاريع مايؤدي إلى اعادة المبالغ إلى المالية دون التنفيذ، من اجل ذلك علينا نكون اهل للكفاءة والتطوير وذلك سيقود إلى بناء عراق جديد). وقد اشار إلى بعض الامثلة التي كانت فيها الادارة الناجحة سببا في نجاح المشروعمثل مشروع استقبال ضيوف القمة العربية. كما اشار إلى ضرورة حرق بعض المراحل الروتينية في العمل الاداري التي تؤخر العمل مثل سلسلة التواقيع وتوفير الصلاحيات لمدراء الاقسام والشعب لتحقيق انسيابية عالية في خط سير المعاملات والمشاريع البنّاءة التطويرية.
   وقد استعرض فريق عمل الورشة المكون من (11) عضوا شروحا تفصيلية عن الاعمال التي سيقدمونها للوزارة وهي كما جاءت في الجلسة:
- السيد حيدر الطائي المستشار الاقدم ورئيس فريق تطوير الوزارات. حيث اشار الى ان الهدف النهائي لمشروع ترابط هو تقوية مؤسسات الادارة العامة وتحسين الخدمات من خلال اصلاح الخدمة المدنية، دعم السياسات اعامة الوطنية، نطبيق اللامركزية الادارية، كما اوضح ان البداية ستكون من خلال مشروعي الوزارة ونيتهم الصادقة في انجاح هذين المشروعين.
- بهنام بطرس رئيس وحدة تطوير الوزارات، وتحدث عن دور فريق التخطيط الاداري الذي سيقدم الخدمات الاستشارية لتقييم الواقع الثقافي لتاشير جانب القوة والضعف، كما سيساعد الفريق في اعداد دراسات تقييم الواقع الثقافي ويبدي المساعدة اللازمة من اجل تغيير الواقع الثقافي وتطويره.
_ كامل عبدالرزاق مسؤول مشاريع التوريدات، حيث قدم تعريفا لمصطلح (توريدات) والتي هي شغل شاغل المفتش العام، لذا هدف هذا الفريق هو ضمان الثقة من اجل انسيابية العمل وتحقيق الكفاءة والعدالة والشفافية والمعايير الاخلاقية الواضحة في الايرادات والعقود الموقعة بين الوزارة واطراف خارجية. مشيرا الى ضرورة حرق بعض المراحل مثل سلسلة التواقيع واعطاء صلاحيات اكبر للمدراء.
- السيد هيثم والسيد ريكاردو مسؤولي وحدة الادارة المالية. ودورهم سيأتي بعد ان يكون التخطيط والتوريدات قد تمت بشكل صحيح ستظهر الفائدة المالية، موضحا ان هدف الادارة المالية هو بناء قدرات عالية للعاملين في المالية، والتعريف بواجبات كل وزارة مسؤولة عن ميزانية الدولة ابتداءا من وزارة المالية والتخطيط والبرلمان ورئاسة الوزراء لوضع حلول للمشاكل مع الوزارات المعنية ومن ثم حل المشاكل مع الموظفين الذين هم داخل الوزارة.
- اثير آل ياسين: رئيس وحدة ادارة المشاريع، واوضح ان هدفهم هو تطوير نظم ادارة المشاريع الاستثمارية الوطنية على مستوى الوزارات والارتقاء بها الى مستوى الدول المتقدمة بهذا المجال باتباع انظمة المؤسسة الدولية لادارة المشاريع. كما اوضح دوره في تدريب كوادر الوزارة على تطوير الاسلوب في ادارة المشاريع وفق النظام العالمي بالاستفادة من الخبرات والتجارب العالمية وليس لنقل هذه التجارب.
- علي ياسين طه مسؤول قسم نظام التنمية العراقية. ان نظام التنمية العراقية هو برنامج محسوب ومنصب على شبكة الانترنت من اجل ادارة دورة حياة المشاريع الاستثمارية الممولة من الحكومة او الجهات المانحة. كما اوضح ان المشروع سيكون مصدرا موثوقا وذا مصداقية عالية في توفير المعلومات عن المشاريع التنموية بحسب القطاعات والوزارات والمحافظات.
- علي شاكر مستشار اقدم في ترابط لتكنولوجيا المعلومات. حيث اعرب عن رؤى مشروع ترابط في تحسين المراكز الخدمية وفق المواصفات العالمية والتي يكون فيها الموظف على مساس مع المواطن وذلك باستحداث مفهوم (النافذة الواحدة) باحدث مستوى للتقنيات وباعلى كفاءة. وهدف هذا الفريق هو تقديم ورش توعية لموظفي الخدمة، اعادة هندسة الاجراءات الادارية/الخدمات، تطوير البنية التحتية لمركز الخدمة.
- وليد الاسمر وخالد احمد مسؤولون عن وحدة تطوير المؤسسة. وقد قدموا شرحا تفصيليا عن برنامجهم الذي هدفه تحسين اداء وفعالية المؤسسات الحكومية لتقديم افضل الخدمات للمستفيدين وضمان استمرارية تطوير المؤسسات الحكومية ووضع مقاييس ومعايير للاداء المؤسسي الحكومي واخيرا نشر ثقافة الشفافية.
- اصيل حامد قانوني في مشروع ترابط، قدم السيد اصيل شرحا عن ضرورة اعطاء الصلاحيات للمدراء من اجل اشاعة نظام اللامركزية لتقليل الروتين السلبي في العمل الاداري، وضرورة رفع الوعي حول مفهوم اللامركزية لموظفي الدولة.
   وفي الختام قدّم السيد فوزي الاتروشي شكره وتثمينه للشرح المفصل متمنيا ان تفيد تجارب وخبرات الفريق في تطوير كوادر الوزارة ومساعدتهم في تجاوز كل ما من شأنه عرقلة وتأخير سير العمل وانجاح كافة مشاريع وزارة الثقافة.


86
اعلاميون في مستنقع راكد
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   وظيفة الاعلام تتجاوز نقل المعلومة ونشرها، الى الدفاع عن الحقيقة وتوسيع نطاق التعريف بها والدفاع عنها في وجه اقنعة التعتيم والتحوير والتشويه, وهذا يعني تطور الامر لتحصين اصحاب القلم والمنهمكين في الكتابة ومساعدتهم على المزيد من التعمق في المهنة... لان كل اعلامي جيد وكل قلم مثابر هو وتد آخر لاعلاء شأن الحقيقة.
   فمهمة رؤساء المنابر الاعلامية التخلي عن نزعتهم الفردية وانانيتهم ورغباتهم الشخصية حين يتعلق الامر بما ينشر او لا ينشر في الصحف او القنوات التي تعهدوا بإدارتها، لاسيما حين تكون الصحيفة عائدة لاحزاب من مصلحتها ان تتظافر الجهود وحزمة الاقلام للكتابة في اصداراتها. فرئيس التحرير هنا موظف وليس مالكا وهو ذو تخويل محدود ومشروط جدا لمنع هذا القلم او ذاك من الكتابة فالمنع في زمن العولمة والديمقراطية وحرية الافكار اصبح استحالة مطلقة.
   والحال ان عددا من رؤساء التحرير لا يفهمون ولا يستوعبون هذه الحقيقة فهم في خوف دائم وقلق وتوتر يشل اقلامهم ويجعلهم لايجيدون الا كيل الانشاء والقوالب الجاهزة والمدائح التي يظن انها تجعله في مركز القرار دون ان يدري ان كتاباته عفى عليها الزمن واكل الدهر منها وشرب ولا احد يهتم بأقلام كانت مرهونة لآخرين عقودا من الزمن وفجأة التحقت بالعربة الاخيرة من القطار للدفاع عن افكار غابت عنها واهملتها وابتعدت عنها حين كانت مصالح صاحبها تتحقق في مكان آخر.
   ان لكل حزب وتكوين ايديولوجي عريق اقلام رائدة امتحنها الزمن واجتازت اختبارات الاهلية والصدقية والنضال والاخلاص بامتياز وغدت هي التي تدافع بلا مبالغة وتؤشر لمواطن الخطأ دون قرقعة وتكتسب جمهور القراء لأنها تحصن فكر الحزب وتثري تراكمه المعرفي وتعينه على الرؤية ببصيرة نافذة وبصر ثاقب. وحين يلجأ شخص ما منقطع الصلة بهذا التكوين الايديولوجي بعيد عن محطاته النضالية لم يعرف وعورة الظروف ولم يكن في الساحة ابان المراحل الصعبة، نقول حين يلجأ مثل هؤلاء الطارئين لمحاولة يائسة لحجب اقلام جريئة مبدأية حرة وذات شهرة وصدقية عابرة للحدود ولها امتدادات في الصحف العالمية، فانهم انما يرتكبون اثما كبيرا ويخونون وظيفة ادارية هم ليسوا اهلا لها، ثم انهم بفعلهم هذا يطاردون السراب ويفضحون انفسهم وتاريخهم وجهلهم، ويرفعون من شأن الاقلام التي يحاولون حجبها ويعجزون.
   ان النضال التحرري العراقي والكردستاني رافقته لعقود من الزمن اقلام كتبت عنه ودحرت حملة التعتيم الاعلامي للنظام الدكتاتوري السابق، وفتحت منافذ في الصحافة العالمية سواء منها الصادرة بالعربية او الكردية او اللغات الاوربية، واسست لنهج في الكتابة عميق المغزى عصي على الخنوع والاستكانة وكان لهذه الكتابات طعم الامل ونكهة الخلاص للمعارضة العراقية العربية والكردية في وقت كانت الكتابة وحدها كفيلة باعدام صاحبها، وفي زمن كان الآخرون في خدمة النظام وضمن مناخاته الاحتفالية.
   ان من لم يصفق او يهادن او يستسلم او يركع او يستجدي او يمدح ابشع نظام دكتاتوري في العالم، ومن انفق كل عمره واشعل كل شموع العمر لاضاءة الطريق لقضية وطنية عادلة، لايمكن ان يجعل قلمه اسير موظفين اداريين جاءوا للتكسب بعد ان غادرهم قطار الزمن، وهم اذ يسيئون للاقلام المناضلة انما يسيئون لانفسهم ويراكمون قبحهم وعريهم امام جمهور القراء الذي يعرف تاريخ ومواصفات ومعدن كل قلم، ويميز الغث من السمين، فمعاداة الاقلام المتمرسة في الكتابة والمتمرسة في النضال، لا تأتي الا من اعلاميين قابعين في مستنقع راكد.


87
نواب كسبوا الراتب وخسروا المصداقية
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   ليست مزحة بل حقيقة ناصعة ان عدداً كبيراً من اعضاء البرلمان العراقي ينطبق عليهم قول الشاعر(( كالطبل يكبر وهو خال اجوف)). فهذا البعض يعتبر عضويته نعمة نزلت عليه من السماء وهدية لم يكن يحلم بها في المنام. دون ان يلتفت حوله لحظة ويفكر ان صوت الناخب وارادة المواطن هي التي اهلته لموقع هو ليس اهلاً له اصلاً، نعم صوت المواطن وليست صوره وشعاراته وصراخه وثرثرته البغيضة وبلاغته التعيسة هي التي جعلته يجلس تحت قبة البرلمان.
    أغلبهم لا يفكر واذا فكر لا يبدع لان خلفيته الثقافية ضحلة للغاية ومستواه السياسي   متدني ولو حمل شهادة دكتوراه لا يعلم احد من اين اتى بها.
   لذلك نجدهم لا يجمعون على شئ ويختلفون في يوم ويغيبون اكثر الايام ويكلفون رئيس كتلتهم بالحديث عنهم الذي يصادر عقولهم طوعاً. ولكن حين يتعلق الامر برواتبهم وامتيازاتهم وحماياتهم وايفاداتهم وجوازات سفرهم الدبلوماسية نجدهم صوتا واحدا لا نشاز فيه. انهم لا يحركون ساكنا ولا يرمون صخرة في البركة بأستثناء عدد قليل منهم .
الوقت الذي تطحن المشاكل الوطن ويضرب الارهاب في اكثر من (10) محافظات وتعلو رائحة الفساد وفي كل مكان وتغرق بغداد في جحيم الحر والظلام بسبب غياب الكهرباء. نجد هؤلاء يشغلون انفسهم بمسلسل تلفزيوني انتشر اصلا عن طريق الاقراص والفضائيات في كل منزل وغدا منعه ضربا من الاستحالة، ونجدهم ايضا كالعادة يرفضون تخفيض رواتبهم دون ان يدركوا انها سابقة خطيرة لم نجد لها شبيها في كل العالم.
    ان النائب في كل الدول الديمقراطية هو جسر التواصل اليومي بين المواطن والسلطة وهو الذي يداوم ليل نهار ويتجول بين المواطنين ويزور المناطق للوقوف على الشكاوى وتحري الحال وجمع المعلومات على الارض والضغط على كل مفاصل الحياة في الدولة لتحقيق ارادة المواطن دون ان ينتظر شكرا ًمن احد. اما الغالبية العظمى من نوابنا فلا نجدهم الا على الشاشة ووطنهم هي المنطقة الخضراء التي لم تعد خضراء بفعل ما نشروا فيها من سيارات وكتل اسمنتية وحمايات.
   رحم الله البرلمانيين العراقيين في العهد الملكي فكل واحد منهم كان علماً على رأسه نار وكان حديثهم وانشغالاتهم هي مايدور في رأس المواطن من احلام وآمال ولم يكن احد منهم يجرأ على الخروج عن إرادة الذين صوتوا والذين لم يصوتوا له. إن غالبية اعضاء البرلمان آنذاك كانوا شخصيات سياسية اجتماعية ثقافية رفيعة المستوى لم ينظروا الى الرواتب والامتيازات بقدر نظرتهم الى خدمة المواطن ولم لا يصدق ذلك عليه مراجعة سجلات الجلسات والمصادر التاريخية العديدة التي تعنيه.
   إن المواطن العراقي لم يعد مهتماً بجلسات البرلمان لانه يدرك ان لا شئ ينتظر الحل هناك والقامات والالقاب الفخمة هي مجرد بالونات هواء منتفخة. فالعشرات من مشاريع القوانين مازالت معلقة وكل المسائل الاشكالية تزداد اشكاليتها يوما بعد يوم. والكهرباء لا احد قادر على التنبوء بموعد وصولها ومع ذلك فالبرلمانيون العراقيون ملأوا فضاءات بغداد المتربة بتراب اكثر تلوثاً هو الكلام واجترار الخطابات والبلاغة الفارغة والتصريحات العديمة النكهة والطعم والرائحة.
   ان اي عضو في اي برلمان اوروبي سيضحك طويلاً طويلاً حين يجد النائب العراقي يستجدي الراتب والامتيازات ولا يقدم على اي موقف يثبت صدق مقولتنا التي نكررها دوماً وهي (( الرأي قبل شجاعة الشجعان))

88
ترحيل الانظمة ممكن... رحيلها مستحيل
فوزي الاتروشي
كاتب وسياسي كردي

   الانظمة العربية الآيلة للسقوط تستند على عكازة الديمقراطية والانتخابات والتغني بالحوار وقبل هذا وذاك تتحدث كثيرا عن الدستور. وهو دستور كما نعلم وضعوه ليناسب اجسادهم ويتناغم حدّ التماس مع مزاجهم وعواطفهم وابدية بقائهم على الكرسي. لذلك فهي لا ترحل طوعا ولا تختفي ولا تودع بالسلامة والامان. وهذا يعني ان الترحيل هو الامل وهو المطلوب عاجلا ولا نقول آجلا لان كل فسحة وقت تعني سقوط ضحايا جدد وجريان لنزيف الدم. وكل مرونة تفسيرها لدى الانظمة ضعف وهوان وتراجع ستقوم بتوظيفها للعبة شق الصفوف ودق مسمار في جسد المعارضة.
  هذا هو حال الثورات في كل مكان وزمان فهي لا تقبل المهادنة ولا تعرف استراحة المحارب ولا تؤمن بالحلول الترقيعية في مواجهة انظمة لم ترحم ولم تحترم ارادة المواطن ولم تفكر بالاصلاح الا حين بلغ السيل الزبى وعصفت المياه والامواج الهادرة بخشبة الخلاص التي تصوروها مركونة على الضفاف. هذه الثورات قوتها انها ليست نخبوية وليست قابعة في الدهاليز ولا ترفع شعار الحزب او المنطقة او الطائفة او التكتل او الايديولجيا . انها تملأ الشوارع علنا ولا تلبس القناع او تتلثم وتنادي بالخبز والحرية محققة في المنطقة، فما هو قائم في الدول الاوربية من مواصفات المواطنة العالمية التي ترفض اية هوية تبعد الانسان عن الانسان تحت اية ذريعة كانت او وفق اي معيار ثانوي.
   ترحيل الانظمة يعني نية الشباب والمعارضة مسبقا بأن الباب مفتوح للانظمة ولكنه باتجاه واحد هو الخروج وان الحوار محوره كيفية الرحيل وليس الخيار بين البقاء والرحيل ولا الخيار بين البقاء المشروط بالتغييرات او الرحيل المشروط باختفاء رأس النظام وبقاء اطرافه وزعانفه ومفاصل حكمه. وحين نقول الترحيل فلأنها مفردة تعرفها هذه الانظمة جيدا وطبقتها مرارا ضمن سياق حكمها.
   عام 1975 كان ترحيل اكثر من نصف مليون كردي الى جنوب العراق يعد   المؤامرة الدولية التي استهدفت الاجهاز على الثورة الكردية وحينها صرح الرئيس العراقي آنذاك احمد حسن البكر ان الثورة الكردية انتهت والى الابد، ولكنه وكل اعداء الثورة تفاجأوا بنهوضها مجددا عام 1976 اي بعد اقل من عام نكسة الثورة. وعام 1980 كان ترحيل عشرات الآلاف من الكورد الفيلية بزعم انهم شيعة ايرانية وكانت مأساة مروعة افرزت انهارا من الدم والاحزان لمواطنين جردوا من أرض الآباء والأجداد في العراق.
   وفي سوريا دشنت وثيقة طلب هلال في ستينيات القرن الماضي مسلسل قمع وارهاب وقتل وتدمير وتجريد من الجنسية وترحيل وتبعيث مستوى للكورد السوريين لم يستند الا على مبدأ الحقد بأقصى درجاته والعنصرية بأسوأ حالاتها. علما ان النظام من دول المواجهة ويدعي نشدان تحرير الجولان ويتكلم كثيرا عن حق الشعب الفلسطيني في الحرية، فهل تتجزأ الحرية وهل قمع الكردي السوري هو الطريق لتحرير الأرض؟
    هذا في وقت حملت كل احزاب اكراد سوريا شعارات التضامن مع صفوف الشعب الفلسطيني. وفي ليبيا امتدت يد الترحيل لكل من تجرأ وكشف عري وقبح النظام وسذاجته فالعقيد معمر القذافي صاحب (لكتاب الاخضر) الذي هو بكل القياسات (الكتاب الاصفر) ومبتكر الجماهيرية العظمى التي لايمكن ان يعارضها عاقل كما يتصور لانها عبرت بمثاليتها (جمهورية افلاطون) والحق انها جمهورية الخوف والرعب والتنكيل والفقر والاستهانة بعقول مبدعي ومفكري الشعب الليبي.
   مسلسل القمع طويل وهو اطول من المسلسلات المكسيكية التي لاتكاد حلقاتها تنتهي ولا نها كذلك فلابد من انهائها بقرار واقصائها من الجذور واستئصال بقايا القيح وتجفيفه قبل ان يحفر جراحا اخرى في جسد الشعب وفي ضمير الانسانية.
   اذن الترحيل هو مصير هذه الانظمة لان الرحيل والوداع الآن لايليق بها وهي لا تريده.

89
هل تعلم الحكام العرب شيئا من مانديلا؟

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   واقع الحال ابلغ من بلاغة الكلام، فالصورة تنطق والاناء ينضح بكل ما فيه، والمطر الغزير ينفذ الى كل مسامات الارض، ومصدات الرياح عاجزة عن حجب هواء التغيير وإعادة تسيير العجلة الى الوراء في المنطقة.
   ثمة منظومة قيم تنهار ومن مفرداتها الحكم المطلق والدساتير المفصلة على مقاسات الاشخاص، وليس وفق تضاريس الأوطان والكتب التي تجعل التوريث حكما إلهيا مدونا في اللوح المحفوظ، والأناشيد التي تجعل من الحبة قبة ومن النملة فيلا مخيفا، هذه التوليفة الفكرية التي تقول ان الامبراطور العاري يلبس اجود الملابس وان كلامه سحر وبيان وسكوته حكمة وصلاة وبين يديه ينابيع ثروة تشبع الفقراء. ومع هذه المنظومة يسقط عصر من الخمول والكسل والركود لتحل مكانه منظومة قيم تقول ان الاطفال لهم منطق يفحم الكبار ويجعلهم في حيرة من امرهم وان المرأة لا تنجب الاطفال فحسب، بل وتلد فيضانا من الثورة على الحاكم وان الرجال، ولا سيما الشباب، يخرجون من دائرة الصمت الى الكلام بأعلى صوت ويقطعون الاسلاك الشائكة ويطلقون احلامهم خلف الاسوار ويوجهون طلقة الرحمة الى الجسد المتهرئ للدكتاتور.
   وقد مرت ذكرى ميلاد احد اعظم شخصيات العصر صاحب كتاب (الطريق الطويل الى الحرية) نلسون مانديلا، وكانت ذكرى ميلاده عيدا عالميا للبشرية واحتفل الجميع بشخصية حرر وطنه (جنوب افريقيا) باللاعنف وبالقدرة على الصبر خلف القضبان نحو (27) عاما دون أن يتخاذل أو يهادن أو يتنازل عن حق شعبه في الحرية والسعادة بعيدا عن العنصرية والفصل العنصري البغيض وحين حرره لم يحكم الى الابد ولم يلجأ الى فرض نفسه رئيسا ابديا، رغم انه قابع كزهرة يانعة في قلب كل انسان في العالم، فهل تعلم حكام الانظمة العربية منه شيئا وهل استوعبوا الدرس من معلم الحرية والديمقراطية (نلسون مانديلا)؟ بالطبع كلا... لأنهم سكارى بالمال والجاه والسلطة وهم الوحيدون الذين لم يشاركوا في افراح عيد ميلاد قامة كبيرة وطويلة وممتدة بقدر قامة عصر بكامله.
   فعلى منظومة افكار (مانديلا العظيم) اجمل السلام وعلى توليفة افكار الانظمة العربية المتهاوية ستائر الختام.

90
بغــــداد تستحق إن تكون أجمــــل
فوزي الاتروشي   
وكيل وزارة الثقافة

   بغداد تستحق ان تكون جميلة وهادئة وأنيقة ومعبرة عن تاريخها وتراثها ومعالم إبداعاتها للعالم. أنها مدينة أضاءت العالم ذات يوم ولكنها دخلت دهاليز العتمة والإهمال والتخريب نحو عشرين مرة في تاريخها. وسواء كانت محطات حياتها مضيئة خضراء أو مظلمة بفعل الغزو والمرض والفيضانات وما الى ذلك من عوادي الزمن. فان معالم التاريخ ينبغي ان تكون بارزة وواضحة على شوارعها وأزقتها وفي أبنيتها التراثية لأنها جزء من حياتها ومن يومياتها المفعمة بالشهرة في العالم. أنها مدينة الـ(إلف ليلة وليلة) ومدينة الشعر والغناء والفكر والفقه ومدينة المكتبات والوراقين والنساخين, وهي مدينة كانت نهاراتها مثل لياليها ذات زمن مفعمة بالحياة والحب والتواصل مع الإبداع .                                 
   ولكنها في نفس الوقت مدينة منسية الآن ومهملة ويعلو تقاسيم وجهها الغبار والأوساخ ويكاد التريف يأخذ بكل جوانحها , أما مياه الصرف اللاصحي فقد تغرقها في لحظة فتضمحل معالم وخزائن أخرى من كنوزها . لذلك فكلنا مدعوون لجعل مشروع بغداد عاصمة الثقافة العربية لعام ( 2013)  مناسبة لإعادة تأهيل مدينة حملت لنا بكل حنان مافي جعبتها من الق  وحب ومخطوطات وكنوز وإبداعات فإذا بنا نتناساها ونكاد نجهز عليها بفعل الإهمال وتدني الوعي الاثاري والحضاري .                                       
   إن كل مدن العالم إذ تفخر بناطحات السحاب وبالمعالم العمرانية والأبنية الشاهقة والتقنيات العالية في البناء والتنمية فإنها في نفس الوقت تلتفت ولو أحيانا" الى الوراء لمسك شيء من عصارة التاريخ لاحياءه على معالم وجهها باعتبار هذه العصارة هو عنوانها في سجلات التاريخ ومؤشر لجذورها العريقة .                                                                                   
   لذلك كله فأننا ومنذ الآن ولغاية نهاية عام ( 2013) لابد ان نصمم وبحزم على إعادة البريق لوجه بغداد وإعادة الأمل الى مفكريها ومبدعيها وفنانيها ومؤلفيها وشعرائها ورساميها ونحاتيها أنها مؤهله مجددا" لأداء دورها الحضاري وقادرة إن تكون مدينة نظيفة وجميلة وعامرة وفوق هذا وذاك مؤهلة بتاريخها الطويل لتقف في صف المدن الراقدة في ذاكرة الإنسانية.                         
   وهذه مهمة كل المؤسسات المعنية وليست فقط مهمة وزارة الثقافة التي تعمل الآن بجد لإنجاح جعل بغداد عاصمة للثقافة العربية عام (2013). وقد شكلت لجان عمل ثقافية للاعتماد عليها في التأشير لمشاريع مبتكرة ومتميزة ذات فرادة, وعمدنا إن تكون اللجان شاملة لكل المثقفين العراقيين وليست منحصرة بالعاملين في وزارة الثقافة لان هذا المشروع هو مشروع عراقي بامتياز ونجاحه نجاح لكل العراقيين في تأهيل بغداد لتكون إحدى حواضر الحاضر كما كانت حاضرة الماضي .                                               

91
الإعلام صانع الثورات العربية
فوزي الأتروشي
وكيل وزارة الثقافة العراقية

   من سمات العصر الراهن التي نجمع عليها أن الإعلام هو السلطة الرابعة وانه صانع القرار والوتد الأساسي لتنمية الديمقراطية حين نضمن له الحرية. ومن يتابع جريان الثورات العربية سيلمس حقيقة إن الإعلام لم يعد صانع القرار فحسب وإنما  أيضا صانع الثورات، لذلك نرى الصورة المتلفزة  المنقولة عبر آليات وتقنيات العولمة الأتصالاتية تلعب أحسم الأدوار التي لا يمكن لأكداس الأسلحة والعتاد والأموال أن تنهض بها. مثلما إن هذه المشاهد المعروضة في الفضائيات الحرة ذات المهنية والصدقية العالية قادرة على دحر مايسمى بالإعلام الرسمي والحكومي المؤدلج والمحنط والمشروط بأفكار وسياقات فلسفة الأنظمة وحكامها واقطابها. فنجد إن فضائية واحدة تجهز على صدقية عدد هائل من الصحف والفضائيات والإذاعات التابعة لهذا النظام أو ذاك وعلى جيش من العاملين من أعلامه، لأنه ببساطة إعلام لا ينتمي إلى العصر ولا يتنفس من رئة الحرية ومحدود ومقزّم ومنطوي ومتكلس وخائب ووحيد الفكر ومفقوء العين لا يرى ألا الزاوية التي يركن فيها الحاكم أما المحكوم فهو رقم هامشي ورعية مطلوب الشكر والعرفان ولو بلغ الجرح أوجّه وبلغ الخراب ذروته.                                                                   
   سابقا كانت اجهزة الانظمة القمعية ودهاليز مخابراتها قادرة على التعتيم واخفاء الصورة وتشكيل صورة وهمية، لذلك حدثت جرائم وقتل وتنكيل وتعذيب منقطع النظير وكان يجري حجب كل ذلك عن المنظمات الحقوقية العالمية، الآن اصبح ذلك استحالة مطلقة لان الكاميرا الصغيرة والصغيرة جدا قادرة على الدخول الى كل الزوايا ونقل الاحداث بأمانة والزمان والمكان اصبح افتراضيا وكل شيء يمكن تناقله عبر القارات في دقائق قليلة. والعجيب والغريب ان انظمة القهر الماضوية تتعامى على هذه الحقيقة العلمية الدامغة وتصر على الاعتماد على جيش اعلامي حكومي يزوِّر ويشوه ويهشم الحقائق في محاولة للدخول الى قناعات الانسان في كل مكان، دون ان يدري ان هذه القناعات لاتتبلور الا عبر الاعلام الحر البعيد عن التطبيل والتصفيق والتفخيم.
   ولا تدرك هذه الأنظمة أنه منذ صدور قرار مجلس الأمن المرقم 688  في 4 نيسان 1991 حول الحالة الكردية في كوردستان العراق بعد الانتفاضة المليونية حين تشكلت أول (منطقه آمنة) جعلت سيادة الدولة مقيدة وغير مطلقة وألغت المبدأ السابق في القانون الدولي الكلاسيكي وهو ( مبدأ عدم التدخل في الشؤؤن الداخلية للدول) ليصبح التدخل مشروعاً لأغراض إنسانية .                                         
أن كل من يراقب الشاشات سيجد أن البعد الكلاسيكي غير متوفر في هذه الثورات ورغم ذلك فهي قادرة على تحطيم الأصنام ودحر الحاكم وتعريته أمام العالم . فليس هناك زعامات كاريزمية ولا أحزاب بايديولوجيات مجسدة في شعارات ولا مخازن أسلحة أو مجاميع مسلحة في الشوارع. فقوتها في الجموع السلمية الهادرة وفي منطقها المستند إلى حتمية توفير الخبز والحرية للمواطن وأي حكومة لا توفر الشرطين الحاليين المادي والمعنوي ساقطة لا محالة، لذلك نرى بوضوح لا يقبل الشك أن قوة الثورات هذه تكمن في الصور الحية المتلفزة عبر العالم والتي لا يمكن دحضها.
   هذا هو الأعلام بقدرته الخارقة على صنع وبلورة الثورات ودفعها إلى ضفاف النصر ثمة مقولة تؤكد (خذ مني الديمقراطية وأعطني إعلاما حراً) ومؤداها انه حتى لو قمعت الديمقراطية وخدشت فأن الأعلام الحر والجريء قادر على إعادتها إلى الحياة.           

92
عراق الجميع..عراق التنوع الثقافي
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
الثقافة تصنع الحضارة والسلام وتوسع رقعة الحب على الأرض, حين تكون متنوعة ومتعددة الأفاق ومتجددة مع العصر. ولا توجد ثقافة على مر القرون انتعشت وخلقت حالة دائمة من التلاحم والتناغم والاستقرار الاجتماعي, إلا وكان من مواصفاتها الانفتاح والشفافية وتقبل الآخر والانفراج على التطور.. لذلك ماتت واختفت ثقافات وعاشت وخلدت ثقافات أخرى مازلنا ننعم بثمارها.
والعراق المعروف في العالم بأنه بلد الحضارات القديمة ووادي الرافدين الذي اخضرت فيه أولى تجليات الحضارة لابد إن ينسجم مع هذا الفهم الحضاري للثقافة لكي يتواصل مع العالم بعد غربة وعزلة وتمزق واغتراب عن العالم دام (35) عاماً في ظل النظام البائد.
لذلك كان حضورنا إلى السويد في الفترة 15-20 /9/2011 على رأس وفد ثقافي فني عراقي ضم الفرقة الوطنية للفنون الشعبية وفرقة الخشابة للمشاركة في مهرجان (عراق الجميع) للثقافة العراقية في السويد خطوة على هذا الطريق الأخضر المؤدي لربط العراق مجدداً بالعالم ولكن هذه المرة وفق سياق آخر, فالعراق المسالم والمتصالح مع نفسه ومع الآخرين والحامل لكل ألوان مكوناته الكثيرة والمتنوعة ثقافياً والمتعددة عرقياً , هو العراق القوي الأصيل الذي يستسيغه عالم اليوم ومنطق العصر.
لقد ازدحمت الحديقة الملكية بالجمهور العراقي والسويدي وتوالت الفقرات الفنية العربية والكردية والكلدو آشورية والتركمانية مما أثار إعجاب الجميع ودعاهم للتفكير جدياً بالعراق الجميل المكتنز بالشعر والموسيقى والغناء والتشكيل والاطعمه المحلية والمشغولات التراثية التي تنطق بلسان واحد لكل العالم إن الإرهاب في العراق حالة مؤقتة إلى زوال وان العراق الحقيقي المقدم على التنمية والأعمار والديمقراطية والثقافة الإنسانية هو الباقي إلى الأبد .
إن العرس الثقافي الكبير الذي ازدهر في الحديقة الملكية في العاصمة (ستوكهولم) أعطى للجمهور السويدي والعراقي والسفراء الحاضرين دفعة أمل قوية إن الأمور في العراق لن تبقى على حالها وان الانعطاف حاصل لا محالة , خاصة حين تعكس الثقافة الواناً لكل تضاريس الوطن دون غلبة مكون على آخر, فحين يتعلق الأمر بالبعد الحضاري والثقافي وبالعطاء والإبداع تصبح كل مكونات الوطن صغيرها وكبيرها متساوية في نسج الهوية الوطنية وفي رسم تقاسيم وجه الوطن على حقيقته وأصالته, وليس وفق إيديولوجية ضيقه وسياقات شخصية وأفكار نسخت عن العصر .
إن حرارة التصفيق والعواطف الجياشة في الحديقة الملكية في (ستوكهولم ) كانت في نفس الوقت صرخة احتجاج حاسمة وقوية بوجه الإرهاب ودعوة لتضامن العالم مع العراق .
وكان لقاءنا برفقة السفير العراقي (حسين العامري) والوزير المفوض (حكمت داوود) بوكيلة وزارة الثقافة السويدية والوفد المرافق لها خطوة أخرى إلى الإمام لعقد صداقة ثقافية إبداعية مع هذه الدولة التي اشتهرت بحضارة راقية وتقديس لحقوق الإنسان , وأعربت المسؤولة السويدية عن ترحيبها الحار بقرار وزارة الثقافة العراقية بفتح مركز ثقافي عراقي في السويد الذي سيكون حاضنة للمثقفين وجسراً آخر لتمتين أواصر التقارب والتعاون بين مثقفي الداخل والخارج, وقد انبهر الحاضرون بالنشاط الثقافي والفني للجالية العراقية في السويد والفرق العربية والكردية التي قدمت اللوحات الراقصة والغناء والفرق الموسيقية بشكل ألهب حماس الحاضرين.
لنجعل شعار عملنا جميعاً ( عراق الجميع ) ثقافياً وسياسياً واقتصادياً واجتماعيا,ً لأننا بهذا الشعار منتصرون مهما كانت الصعاب.

93
يوم الموسيقى العالمي... يوم الحب العالمي

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
احتفلنا بيوم الموسيقى العالمي في ( 2/10/2011) على قاعة المسرح الوطني بحضور نخبة من رواد اللحن والموسيقى العراقيين على رأسهم (خزعل مهدي).
   وفجأة تخيلت القاعة حافلة بالضوء والشموع والقناديل والانغام التي جعلتنا جميعا في حالة حب وعشق يشع وهجا ولمعانا. وليس غريبا ان تدعى الموسيقى غذاء الروح وعنوان المحبة ولغة الشعوب التي تتجاوز الحدود والسدود لتمنح الحياة اللذة الفائقة واسباب الديمومة والتواصل، ولكونها لغة لاتحتاج الى مترجمين وقواميس فهي تترجم نفسها بنفسها، لذلك غدت الحاضر الاكبر في حياتنا اليومية.
   ان الموسيقى اذ تزدهر كأداة تربوية وجمالية لتنمية الذوق وترطيب العواطف وتزويد القلب بأكبر شحنات الحب والدفء والحنين، واذ تنتشر بيننا كدواء للنفس وللاعراض المحبطة، فانها بذلك تخدم الحياة وتجعلها ممكنة ومقبولة ومألوفة وجميلة. ان من يدعو الى الغاء الموسيقى والغناء والفن والادب من حياتنا انما يدعو، شاء ام ابى، الى مشروع موتنا ونحن احياء ويدعو الى تجفيف ينابيع الامل والتفاؤل ويزرع فينا التشاؤم واليأس وبذلك تنتهي الحياة على الأرض، لان البناء المادي وحده لا يكفي لبناء الحضارة بدليل ان مراجعتنا لتاريخ كل الحضارات منذ اقدم الازمان ولغاية الآن يجعلنا على قناعة تامة ان عصارتها كانت من الفن والادب والفكر قبل الابنية والاسوار والاسيجة والقصور، وحتى هذه لم تكن لتثير فينا البهجة والاعجاب والانبهار لولا الرسوم والزخارف والالوان واعمال النحت التي تزينها وتشير الى معالم الازمنة والامكنة والى مظاهر حياة الانسانية المتحولة والمتغيرة عبر القرون السحيقة في القدم ولغاية الآن.
   اننا اذ نقرأ قصة الحضارة، فانها قصة مشبعة بالحب والالفة والرغبة العارمة للانسان للرقي واستشراق المستقبل الاجمل من خلال الرسم واللون واللوحة والاغنية والنشيد والتشكيل والقصيدة والكتاب وكل هذه ادوات لاحتضانه الحضارة ومنحها سمتها وصفتها التي تتميز بها.
   ان كل المؤسسات التربوية والتعليمية ومؤسسات المجتمع المدني الثقافية معنية باعادة الوهج الى حياتنا ودحر الارهاب الظلامي الذي يراهن على العتمة والظلام ويحرمنا من كل شيء جميل. وهذا الوهج لايعود الا بإعادة الاعتبار للفكر المبدع في الفن والادب والموسيقى جزء حيوي وهام من هذا العطاء.
   ان يوم الموسيقى العالمي جسر للحب بين الشعوب ولا يجوز ان يمر بنا دون ان نمنحه القدر الوافر الاحترام والتقدير والاعجاب، فكل وتر وكل آلة موسيقية وكل اصبع يتحرك عليها وكل لحن يلد انما يضيف الى حياتنا جزءا اضافيا من الجمال والحب ومنه نعرف جميعا ونحب اكثر فاكثر احبائنا وارضنا ووطننا، لذلك فحين نحتفل بيوم الموسيقى العالمي فانما نحتفل بيوم الحب العالمي.

94
الكورد الفيليين .. جرح غائر لابد إن يندمل
             
                                                                                     
فوزي الاتروشي
                                                                                     وكيل وزارة الثقافة

للكورد الفيليين معاناة متعددة الأوجه , وجرح غائر لايكاد يندمل إلا لكي يشعل الذاكرة إتقاداً مرة تلو الأخرى.
هم كانوا ومازالوا فئة منجزة ومتحملة وفاعلة في كل ميادين العمل والإبداع في العراق. وفي نفس الوقت فئة منسية ومهملة ومنتزعة عن أرضها ومن حقوقها الإنسانية عنوة وبقرار صادر من النظام البائد مع سبق الإصرار والترصد.
فلأنهم كورد استهدفهم النظام واقتلعهم الدكتاتور بسادية منقطعة النظير دون إن يترك لهم الحق في حمل أي جزء من مالهم وحلالهم ومنع عنهم الجنسية العراقية ليلغي انتمائهم إلى ارض تشبعت بعرق جبينهم وبطبع أصابعهم ووقع أرجلهم وبعواطفهم الحارة حرارة بغداد والمدن الجنوبية العراقية .
لذلك واجه الكوردي الفيلي جريمة مركبة مؤلفة من الترحيل والتسفير البشع إلى الحدود الإيرانية وفي المسافة إلى الحدود كان القتل والتعذيب والاهانة نصيب غالبيتهم العظمى .
وفي عام 1981 أعلنت جريدة ((الثورة)) على لسان الدكتاتور إن الكورد الفيليين ((اجتثوا من ارض العراق ,لكي لايدنسوا تربة العراق وهواء العراق ودم العراق )) .
وهذه طريقة في الكلام لاتليق الابحزب البعث الذي تحول منذ بداياته إلى حزب بلا ضمير وبلا مبادئ وبلا أخلاقيات إنسانية . انه حزب لم يخرج أصلا" من رحم ارض العراق ولم يستطع غير ابتكار جرائم جديدة وطرق تعذيب تنسجم مع ساديته والأدبيات والوثائق العراقية لعام 1963 وبعد عام 1968 ولغاية سقوطه تثبت انه منسلخ عن تراث البشرية المتحضرة.
طبعا" كلام الدكتاتور ذهب مع الريح وسقط صنمه في ساحة الفردوس وكل الذين رقصوا للدكتاتور وغنوا وصفقوا وكتبوا له وحاولوا اختزال العراق كله في شخصه سقطوا معه في هاوية النسيان ومستنقع التاريخ.
إما الإنسان العراقي الأصيل ومنهم الأكراد الفيليون والحركة الوطنية العراقية والنضال التحرري في كردستان العراق فلهم الحق في تسجيل انتصارهم التاريخي مثلما لهم الحق في إن يمنعوا حزب البعث الصدامي العنصري البغيض من تسلق سدة الحكم مرة أخرى .
عاد الكردي الفيلي إلى وطنه متمسكا" بانتمائه وعاد يصب عرق الجبين من اجل عيش رغيد وحياة كريمة واسترجع أوراق جنسيته التي يعتز بها وفرحت شوارع وإحياء بغداد والمدن الأخرى إذ لامست أجسادهم التي تكد ولا تتعب وتعطي ولا تبخل وتبدع دون انقطاع .
إما الدكتاتور وحزبه ومن معه الذين دنسوا ارض العراق وهوائه وتربته فقد لفظتهم حتى الذاكرة التي تأبى إن تكون مشحونة بمرارتهم وبشاعتهم وجرائمهم ,لان الإنسان العراقي غير متفرغ لتذكار من لايستحق إن يركن في الذاكرة فأذ أزف موعد رحيلهم فان موعد عودتهم محال .
يوم 1/10/2011 فاضت كلمات الحب والمودة لشريحة عراقية استعادت وهجها وعلامات الصحة والعافية في العراق الجديد رغم كل الأهوال التي لحقت بها.
ولكن الكل اجمع على إن الكورد الفيلين بحاجة إلى وحدة صوت ووحدة كلمة لردم أثار الماضي وجراحاته والانطلاق إلى أفاق خضراء ضمن الحركة الكردية والحركة الوطنية العراقية .
إن المؤتمر العام للكرد الفيليين والمؤسسات والأحزاب مثل مؤسسة ((شفق)) الثقافية وغيرها من الفاعليات المعنية بالكورد الفيليين مطالبة بان تجسد حضورها القوي .
إن قرار المحكمة الجنائية باعتبار جريمة ترحيل الكورد الفيلية ((جينوسايد))وإبادة جماعية لابد إن يستثمر وطنيا" لجهة إبداء المزيد من الرعاية الاجتماعية والثقافية والاقتصادية للكورد الفيليين ودوليا" لجهة مضاعفة الأدلة الدامغة على إن النظام البائد كان ينفذ مشروعه الاستراتيجي البغيض لإنهاء وجود الشعب الكردي بكل فئاته وحيثما تواجد .
بقلب عامر بالحب تجاه هذه الشريحة الكردية العراقية أقول إن عذاباتكم كانت طويلة وجراحاتكم كانت عميقة ومعاناتكم كانت منقطعة النظير .فليكن عملكم ونشاطكم وتطلعاتكم ووحدتكم مضاعفة وكفيله بردم الماضي وتحسين الحاضر .







95
الرئيس العراقي ملاذ آمن للعراقيين
فوزي الأتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   الرئيس العراقي جلال الطالباني محظوظ ومطمئن انه قريب من نبض الشارع ووجدان المثقف. والسبب ان صوره لا تعلق في الشوارع والمنازل والمكاتب والمؤسسات، فهو إذن لن يضطر الى تكليف الآخرين بنزعها فيما اذا انتهت ولايته لان صوره اصلاً غير موجودة.
   هذه ميزة لم يلتفت اليها احد، لان الرؤساء العراقيين دأبوا على تكليف فرق عمل ومخابرات وممارسة الضغط والاكراه على المواطن لتعليق صور الرئيس في كل مكان. بل ان الدكتاتور السابق كانت له دائرة بأكثر من عشرين موظفاً في أمانة بغداد مهمتهم متابعة صور الدكتاتور وترميم ما يتلف وتنظيف ما يتوسخ ومعاقبة من ينوي او يتجرأ بالتعليق على صور وتماثيل الدكتاتور التي سقطت في لحظات وأصبحت عصفاً مأكولاً.
   كم هو جميل ان يقيم رئيس الدولة في العقول والقلوب إقامة دائمة، بدلاَ من الاقامة المؤقتة وتحت ظل السلاح والمراقبة على جدران الشوارع.
   اذن جلال الطالباني الغى هذه الظاهرة السيئة الصيت من حياتنا الإجتماعية. وميزته الثانية انه نسف المسافات بيننا وبينه فحين نزوره نشعر اننا نزور صديقاً عزيزاً بلا إجراءات معقدة او شعور بالخوف، فهيبة الرئيس الحالي للعراق تكمن في تاريخه وثقافته وتواضعه وقدرته على بناء العلاقات الحميمة مع الاخرين، وذلك ما ينطبع في النفس كالوشم على حجر، لانها خصال انسانية برهنت ازلياً انها اهم من كل المناصب واجمل من كل الرتب مهما علا المقام يبقى تجاوز الخط الاحمر منبوذاً.. والخط الاهم هو اقصاء السلوك الانساني النبيل في التعامل والتواصل مع الاخرين، لذلك نجد الرئيس العراقي صديقاً لكل العراقيين مندمجاً في معاناتهم تغلب عليه روح النكتة والمزاح حتى في أصعب الظروف.
   كانت مبادرة انيقة وعميقة المغزى من الرئيس حين بعث مندوباً لتفقد حالة الشاعر(كاظم الحجاج) الذي اعتكف استنكاراً لكارثة انقطاع الكهرباء فقد ادرك ان للمثقف موقف ورسالة ورأي لابد ان يحترم في مجتمع عراقي ينشد الديمقراطية، واحدى مفردات الديمقراطية حصانة المثقف المبدع، هذه الحصانة التي يتحلى بها عدد من البرلمانيين الذين  يستحقونها فلا احد منهم كان بقدر قامة كاظم الحجاج وموقفه.
   ولأول مرة تحول قصر الرئاسة إلى ملاذ آمن وخيمة لقاء ومكاناً للوئام والسلام حين يشتد الخصام. الداخل لهذا القصر لن يعثر على أوامر وعسكر وقرارات فردية جوفاء بل يجد شخصاً يستمع ويصغي كثيراً ويحتفظ بقوة اقناع المختلفين ويتمسك بشعرات متينة مع كل المتخندقين ليجمعهم في النهاية في خندق واحد. واذ يرفض الرئيس المصادقة على قرارات الإعدام فانه بذلك يقدم نموذجاً للموقف اللاثأري اللاانتقامي وقراره هذا لابد ان يكون موضع تقدير حتى لو اختلف الآخرون معه في الرأي. لقد غير الرئيس الحالي الصورة النمطية للرئاسة في العراق وعلى من يأتي بعده ان يكون مثله حتماً في السلوك والطبيعة والتصرف. وبخلاف ذلك فأن ذلك الشارع العراقي لن يتقبل رئيساً آخر. يجعل قصر الرئاسة مسيجاً بالخوف والرهبة والعسكر والتعالي على الشعب والابتعاد عن المواطن والتمسك بالغرور والمظاهر الزائفة.
    مرة اخرى اقول ان الرئيس العراقي محظوظ لان صوره لا تملأ الساحات، وهي رسالة لكل السياسيين الاخرين لكي ينظفوا شوارع العراق من صورهم ويزينوها بالشجر والنظافة والخدمات والكهرباء.



96
إيران على خطوط النار تضاعف الازمة الكردية

فوزي الاتروشي
كاتب وسياسي كردي

   ايران خارجة عن عباءة الزمن وراحلة الى نفق الماضي، فهي لا تسمع او تسمع لكنها تتغافل وقع الشارع حولها في كل الدول التي تشهد اجمل انهيار لنظم الحكم الغارقة في شرنقة عبادة الذات، انها اذ تقصف كردستان العراق فانها تدق المسامير الحادة في صدقيتها وهيبتها وتحرق اصابعها في اقليم شبّ عن الطوق وحصل على اعتراف دولي واقليمي وعراقي. فلم تعد اربيل مدينة منسية او مجهولة بل اصبحت على الخارطة السياسية للعالم وحقا نابضة بالحياة يشار اليها والى السليمانية بالبنان. ولا يوم يمر دون ان يزورها وفد اجنبي ثقافي او علمي او عمراني او دبلوماسي ومنها انطلقت مبادرة البارزاني لحل الازمة السياسية الخانقة في العراق، ومسلسل فتح القنصليات متواصل فيها، وكل الممثليات الاجنبية اذ تشهد المد التنويري فهي ترى بالعين المجردة ان ماتفعله ايران تجاوز لامبرر له وفعل ينطوي على الكثير من التجاهل لحقائق الارض.
  لم يعد الاقليم بؤرة امنية خطيرة ولا عنصر فوضى وعدم استقرار ولا ركيزة ليتكئ عليها كل من يريد لتوظيف هذه البؤرة لمآربه النرجسية الخاصة.
   ومثلما اقتنعت تركيا ان الاقليم ليس حاضنة (الارهاب) وان ثمة قضية كردية حقيقية وملتهبة في تركيا تنتظر الحل الديمقراطي ولا يمكن معالجتها بعبور الحدود وتصدير الازمة الى الآخرين وتحميلها وزرها، نقول اقتنعت تركيا واقدمت فعلا على خطوات اصلاحية نحو نزع فتيل الازمة الكردية ومنح حزمة حقوق ستجعل حزب العمال الكردستاني ومجمل الجسم الوطني الكردي في تركيا يتحول عن التخندق والمصادمة الى قبول الحوار والتهدئة والبحث عن حلول واقعية. فان ايران لا يمكن ان تظل معلقة على اسوار التاريخ ولا تقبل التقدم الى امام في زمن تطالها شظايا التغيير من زاوية.
   لقد فشلت سوريا منذ اوائل ستينيات القرن الماضي في الغاء الوجود الكردي، رغم خطة التجهيل والتعطيل والتهجير والتبعيث والتعريب والتجريد من الجنسية وتسييج الاكراد بما يسمى الحزام العربي وتعريب اسماء القرى والمناطق الكردية. واذ تعطل النهج السوري واصبح جزءا من الماضي، فان القصف الايراني اذ يعبر الحدود لقصف الضحايا الابرياء والقرى الآمنة في كردستان العراق لن يكون الا استنساخا لاوراق تآكلت وفسدت وفقدت نبض الحياة.
   ان على ايران ان تحتكم الى العقلانية والواقعية وتنظر الى اكرادها بالعين المجردة وليس عبر منظار مشوش ومشوّه. والعقل السليم يقول ان داخل ايران متصدع وامتداداتها الاقليمية بدأت تتقزّم وهي بحاجة الى حشد التأييد وليس مضاعفة المعارضات في السلة، مما يعني الاعتراف بان اكراد ايران جزء من النسيج الايراني ولكي نخمد نيرانهم فهي بحاجة الى مياه باردة وليس الى صب مزيد من الزيت عليها.


97

الغاء المادة الثامنة من الدستور السوري.. سراب

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

 المادة الثامنة في الدستور السوري التي تؤكد قيادة حزب البعث للدولة والمجتمع حتى لو الغيت الآن بفعل الضغط الداخلي والدولي والثورة التي قصمت ظهر النظام، فانها ستعود بعد ان تهدأ الحال وتعود المياه الى جريانها الطبيعي، نعم انها ستخرج من الباب لتدخل من الشباك وان على اقساط.
   هذا ليس فأل شؤم وانما هو حصاد القراءة الدقيقة لحزب منذ التأسيس كحزب انقلاب تكتلي عصبوي عنيف وقومي متشنج ومتطرف حد العنجهية والشوفينية. فهو حزب لا يتعايش مع الآخرين ويدعي احتكار الحقيقة ويمثل الاشتراكية القومية البعيدة كل البعد عن الاصول الاشتراكية الحقيقية ناهيك عن الديمقراطية. والوحدة والحرية والاشتراكية التي يتلبس بها مجرد شعارات يخفي خلفها تكتيكاته وسياساته التي يفرضها بقوة الحديد والنار، وهي وحدة لم يحققها هذا الحزب لا في العراق ولا في سوريا وبقيت اغنية يغرد بها الناس على مر عقود من الزمن. والوحدة الاندماجية الانصهارية التي يرفع شعاراتها لن تتحقق اصلا في هذا الزمن الذي تشكل الديمقراطية وحقوق الانسان والمجتمع المدني عنوانه المحوري واذا اضفنا حقوق الملل والاعراق والشعوب التي تعيش مع الشعب العربي في بلدانه المختلفة فان الوحدة على طريقة حزب البعث تبدو ابعد كثيرا من الحلم والخيال. ففي السودان انفصل الجنوب بدولته المستقلة وفي العراق ومنذ عام 1991 يعيش الكورد في اقليم فيدرالي قوي ومتطور ومطمئن على حقوقه، وفي دول المغرب العربي انتعشت الامازيغية بقوة واصبحت لغة الامازيغ اللغة الثانية الرسمية بموجب آخر التعديلات على دستور المغرب. اذن سلة الحقوق وحرية الانسان والمستوى المعيشي هي الاولوية وليست شعارات الوحدة الكاذبة والبراقة.
   اما الحرية التي يدعيها حزب البعث اينما كان فأن تجربة العراقيين معه على مدى (35) عاماً أثبتت ان قاموس هذا الحزب يكره القيمة الانسانية أشد الكره ويحتقرها لذلك حول العراق الى اكبر سجن للحرية وأكبر مقبرة جماعية في العالم.
   وماحدث لشعب كوردستان العراق من ترحيل وتبعيث وتعريب وخراب وتدمير نتيجة عمليات الأنفال المشؤومة والسلاح الكيمياوي المدمر وسياسة الأرض المحروقة وما الى ذلك من العناوين الكارثية وضعت حزب البعث في خانة اكثر الاحزاب انتهاكاً للاعلان العالمي لحقوق الانسان.
وقبل ايام اعلنت الجهات المعنية في العراق عن المنح المالية وحزمة الحقوق التي وفرتها لضحايا النظام البعثي عن المبتورة ايديهم او المقطوعة صوان آذانهم او التي الحق بهم النظام عقوبات سبق ان طبقت في القرون الوسطى. فالبعث في العراق وفي سوريا لم يترك وسيلة تعذيب جسدي او نفسي الا وطبقها لاهانة إنسانية الانسان وسحقه وتمزيق كرامته. لذلك فحرية حزب البعث سراب ورماد يذره في عيون الآخرين. ومن يصدق ان حزب البعث اشتراكي كمن يصدق ان الشمس يمكن ان تغرب من الشرق وتشرق من الغرب. ففي العراق كانت اشتراكية حروباً كارثية متواصلة في الداخل والخارج ليصبح العراق الغني قليل السيادة وميزانيته فارغة وأرضه خراب وشعبه لايكاد يعثر على كسرة خبز حتى كان القرار الدولي الانساني عام 1995 الذي أقر مبدأ (النفط مقابل الغذاء) لمنع تداعيات الحصار على الشعب العراقي وضمان قوته ودوائه لغاية 2003 حيث سقط الصنم وانتهى حزب البعث ودكتاتورية صدام الى الابد.
 
 
   ولو بقي النظام آنذاك لما تنازل عن تعنته وعن ادعائه بأن ملايين العراق أعضاء فيه، مثلما يدعي النظام السوري ان له (3) مليون عضو.
  إن تجربتنا مع النظام العراقي تقول ان نظيره في سوريا لن يركع الا مؤقتاً ولن يتنازل الا ضحكاً على الذقون، ولن ينوع مائدة الحقوق الا لكي يسمم الآخرين بما عليها من زاد لاحقاً. لذلك فلا صدقية له مثلما ان الصدقية والثقة مفقودة بين الذئب والحمل الوديع.


98
تركيا على خط التنمية... وعلى خط النار
فوزي الاتروشي
كاتب وسياسي كوردي

   تركيا دولة اقليمية مهمة جدا واهميتها تكمن في المواقف وانطباعات الناس عنها وليس في العسكر ولغة الحرب. ومؤخرا ازدهرت هذه الدولة بجملة من المبادرات الخلاقة الخضراء باتجاه التضامن مع ثورات الربيع العربي وصرنا نجد الموفدين الاتراك في كل مكان وهذا ما راكم للدولة التركية المصداقية في الداخل والخارج ومعها تظهر باعتبارها الديمقراطية الوحيدة بين دول المنطقة الاسلامية.
   ولاقليم كوردستان تجربة طويلة مع تركيا فيها مرارات وفيها ايضا اضاءات استقرت اخيرا وانعطفت ايجابيا على الاقليم وعلى تركيا وحين حل الاقتصاد محل العسكر والبناء محل الهدم والتدمير والسلام والثقة المتبادلة عوضا عن الشكوك والظنون.
   لقد ثبت بالدليل القاطع ان السلاح ودهاليز المخابرات والمواقف النارية المسبقة والاجتياحات لم تسفر الا عن معاناة جديدة وقتلى وجرحى وهدم مساكن.. ولكن الاهم من كل ذلك انها راكمت مشاعر الخيبة لدى سكان اقليم كوردستان العراق، خصوصا ان الاقليم برهن وبشهادات اقليمية ودولية انه عنصر سلام وتنمية وتقدم وليس عاملا للفوضى واللااستقرار، وتركيا اول المتفاعلين مع هذا الواقع خصوصا ان لها مئات الشركات في الاقليم تبني وتعمر وتراكم العمران مثلما تراكم المواقف والمشاعر الجميلة لسكان الاقليم تجاهها.
  ان مرارات القصف والاجتياح بدأت منذ عام 1982 ولم يكن حصادها ابدا نصرا تفتخر به ولا كسبا ماديا او حضريا، ولكن تركيا انتصرت وكسبت المحبة ودخلت قلوب الناس في الاقليم حين حملت معول البناء وغادرت ثكنة العسكر. وكل زائر لمدن الاقليم سيجد البضائع التركية في كل مكان والماركات التركية هي المفضلة وسيجد العمال ورجال الاعمال الاتراك مندمجون بالسكان وبينهم وبين الناس جسور للصداقة والتواصل والتفاهم.
   والسؤال لماذا تلجأ تركيا بدون مبرر لنسف هذه الجسور ولماذا يعلو مرة اخرى صوت العسكر على صوت الحوار والسلام؟
   ان قصة تواجد مقاتلي حزب العمال الكردستاني في جبال قنديل الشديدة الوعورة باتت معروفة وليس فيها اي عنصر اثارة وهو تواجد غير محبذ من سلطات الاقليم، ولكن ماهو غير محبذ ايضا عدم اقدام تركيا على خطوات انعطافية جذرية للحوار مع الطرف التركي في تركيا الذي دخل البرلمان التركي بقوة ونفوذ كبير، وباتت الطروحات الكردية عقلانية ومنسجمة مع لغة العصر في الدعوة لتوسيع هامش الحرية في تركيا وطمأنة حقوق قومية مضت عليها عقود وهي تراوح دون تقدم جديد.
   ان تركيا التي تتحرك ايجابيا في المنطقة على كل الاتجاهات وتكسب ود الشعوب وتبرهن ان تجربتها الاسلامية في نموذج يقتدى به في العالم الاسلامي، نقول ان هكذا تركيا لابد ان تمدّ يد الحوار للاقربين وهم الطرف الكردي داخل تركيا ولأقرب جار وهو اقليم كوردستان العراق.
   ان لغة الرصاص فاقدة للرحمة اما اليد الحنون وهي تمتد نحو الآخر للتصافح والحوار فهي حافلة بحرارة الحب وحميمية الرغبة.. ونعتقد ان تركيا ستضاعف من جبل الحب والصداقة ان هي جنحت والى الابد للمصافحة وتركت القنابل العمياء التي اكدت انها فاقدة للبصر حين قتلت في كردستان سكان آمنين مدنيين مسالمين وربما ايضا هم من المعجبين بالبضائع التركية لكن هديتهم كانت القتل دون مبرر.

99
نص الحوار المنشور في جريدة (الشرق) اليومية الصادرة يوم 23/8/2011، مع وكيل وزارة الثقافة الاستاذ فوزي الاتروشي
       
أجرى الحوار: فاروق العزاوي

   هل هناك ازمة للثقافة العراقية تمنعها من التطور والنمو والتجدد؟ سؤال نطرحه دوماً للبحث عن طريق للخروج من دوائرنا المغلقة وثقافتنا الاحادية وقصورنا السلوكي عن اللحاق بركب التحضر والمواطنة الحضارية التي تبنى بها الاوطان والمحافظة على تطورها وازدهارها .. هناك من يقول بان الازمة ذات ابعاد فكرية وروحية وفنية وهي موازية تماماً للازمة السياسية والاجتماعية التي يمر بها العراق نحتاج الى طريقة اكثر تحضراً لبناء شخصيتنا العراقية لا من خلال العشائر والطوائف ولا من خلال الاحزاب السياسية واتباعها بل من خلال صيغة حضارية مبنية على اسس علمية متطورة وكفاءة ثقافية نوعية
والاقتراب من التطبيق العملي للمنظومة الأخلاقية والتناقض السلوكي يتحمل الجزء الكبير من أزمتنا هو انفصال سلوكنا عن قيمنا وعقائدنا النظرية منها او العملية فمجتمعنا لم يكن مبنياً على أسس صحيحة ولم يكن هناك عقد اجتماعي ضمني بين مكوناته ولم تسع الحكومات العراقية الى بناء مجتمع عراقي حديث بل ظل المجتمع يعاني من انهيارات داخلية وازمة ثقة وخوف بين مكوناته .. وما هو مطلوب اليوم هو ان نقيم قانوناً مدنياً لبناء هذا المجتمع وجعله ينبض بقلب واحد وأطياف متعددة يجب احترام كل ثقافاتها الخاصة واعتبارها كنزاً حقيقياً لثرائه العام وشخصيته المركبة الحضارية عميقة الجذور على الثقافة العراقية ان تبذل جهوداً جبارة للبحث في النسيج الثقافي المتنوع العميق للعراق المعاصر الذي ورث كل هذا الماضي السخي فأزمة الثقافة العراقية في مواجهة كل هذه المشكلات التي ظلت صامت عنها لقرون طويلة ولا ينتهي ذلك إلا بالبحث العلمي الرصين بمختلف قطاعاتها لا البحث الأيدلوجي السقيم المصطلح الذي شوه ثقافتنا العراقية ونخرها ففي الآونة الاخيرة التقت جريدة الشرق بوكلاء وزارة الثقافة اولهم الاستاذ الشاعر الدكتور جابر الجابري الوكيل الاقدم الذي افاض في الحديث عن ازمتنا الثقافية وهمومها بتشخيص دقيق لمثبطات الابداع والعمل المتميز في ظل دوائر الخوف وانعدام الوطنية فالجروح عميقة تحتاج الى ادوات صحية ورجال صادقين للعمل على اعادة تأهيل الثقافة العراقية , اما الاستاذ الشاعر فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة فان له رؤى تختلف فهو يؤسس لثقافة جديدة وبيئة صحية وخلق مناخ جاذب لكل الطوائف ومكوناتها وثقافتها فيطرح أفاقا استشرافية ترتكز على التنوع والخروج من دائرة اللون الواحد التي فرضها النظام البائد وخلق الفرقة والتناحر والكره والبغضاء بين مكونات الشعب لكن كلا الوكيلين شاعر وله دواوين متعددة لاجمل القصائد دلت على سمو النفس ورهافة الاحساس والثقافة والشعر تؤمان لمحيط الكلمات وبحور الشعر ودواوين العرب الذين وصفوا حتى الدودة في خباء الجحور الشرق في رحلة جديدة مع الثقافة تستطلع آراء الاستاذ فوزي الاتروشي بهموم الثقافة وقضاياها المتنوعة .

* نقدم لكم تحية رئيس اتحاد الصحفيين والاعلاميين العراقيين الاستاذ (عبد الرسول زيارة الاسدي) الذي كلفنا بنقل جهود وفعاليات الاتحاد وجمهوره الواسع في كل المحافظات العراقية لتحقيق تواصل وتفاعل مع الثقافة الكردية ونشرها عبر قنوات الاتحاد المتعددة .. فان الثقافة تمر بأزمة وواقعها لا يكشف عن وجود ملامح وهوية لها.. ما تعليقكم على ذلك؟
_ تحية للاستاذ عبد الرسول زيارة الاسدي رئيس اتحاد الصحفيين والاعلاميين العراقيين وارحب به في كل وقت للقاء والتباحث في كافة الشؤون الثقافية والصحفية والاعلامية املاً تقديم برنامج عمل يحدد الملامح التي يمكن العمل عليها للتواصل بالتفاعل بين وزارة الثقافة والاتحاد لفتح افاق استشراقية جديدة . اما سؤالكم عن الثقافة وهل مازلنا لا نملك الهوية الثقافية ان التغيرات التي حدثت في العراق كانت سريعة جداً اثرت على كل المستويات ومنها الثقافية التي كانت تتغنى باغنية واحدة وترتدي لوناً واحداً فنحن نعمل الان على اعادة تأهيل الثقافة لتكون خيمة لكل العراقيين بكل مكوناته وثقافاته المتنوعة فثقافتنا هي التنوع دون الدخول في خرائط المكونات فلا مكان لثقافة تميل الى جهة واحدة او تنحاز الى جهة واحدة وهذا مخالف للدستور العراقي فالعراقي يمتلك ثقافات وموروثات اعتبرها كنزا من كنوز العراق بكل طوائفه الحية التي تتفاعل لتكون لوحة تشكيلية عراقية جميلة .. وزارة الثقافة تنسق مع كل الجهات ولا يمكن ان تكون معضلة ادارية باتجاه الابداع والتطور والازدهار الرؤى التي نعمل عليها في وزارة الثقافة هي في احتضان كل المكونات والثقافات دون المفاضلة بينهما فقد انجزنا قانون وزارة الثقافة الذي ينص على ان انتاج ثقافة التنوع وحماية الموروث العراقي المادي والمعنوي فأنشئنا دائرة الثقافات التركمانية والكلدانية والصابئية فالعراق غني بمكوناته وانا بصفتي رئيس لجنة التعيينات ولجنة التراخيص ولجنة تنمية الثقافة احمل لواء ثقافة التنوع التي لاتخضع للون الواحد القوانين والتشريعات القديمة مازالت تقيدنا فهناك عشرات القوانين تقبع في ادراج البرلمان العراقي ونحن في وزارة الثقافة نتصرف وكأنها غير موجودة فاعدنا التواصل مع دول العالم بعد الانقطاع الذي شهده العراق فأقمنا فعاليات وانشطة ثقافية وفنية مع بلغاريا واليونان والصين واحيينا كافة الاتفاقيات الثقافية بين العراق والدول العالم والتي بلغ عددها خمس عشرة اتفاقية ثقافية ونعمل الان على إحياء واعادة التواصل الثقافي مع الجانب الايطالي ثقافة تفاعليه احتوائية لكل المكونات اصدرنا مجلة كلكامش باللغة الفرنسية والانكليزية وندعو كل المكونات للمشاركة والانفتاح على بعضها البعض لتشكيل ثقافتنا الوطنية مشروعاتنا مستمرة وعملنا مشهود في اقامة العواصم الثقافية بابل 2008 البصرة 2010 النجف الاشرف 2011 وبغداد 2012 كلها عواصم ثقافية هناك احتياج لأموال تصرف للثقافة العراقية هناك مشاريع متنوعة ومتعددة ووزارة الثقافة هي الأقل ميزانية من بين كل الوزارات ويراد منها النهوض بمسؤولية الثقافة العراقية هناك مشروع اعادة الحياة لمسرح الرشيد والمسرح الوطني ونعمل على مشروع ارشفة ذاكرة المدينة طبقنا لاول مرة طبع خمسين كتاباً لمؤلفين من كركوك واقمنا خمسين فعالية على مدار العام الواحد اقمنا فعاليات في اقليم كردستان اردنا ان نوصل رسالة بان السياسية اذا كانت تعاني من العزله وعزوف الناس فالثقافة موجودة وتعمل بشكل متواصل فوزارة الثقافة هي المدافعة عن حقوق الانسان وعن حقوق المرأة والتي أترأس لجنتهما ونحن على تواصل مع وزارة حقوق الانسان ووزارة المرأة للمحافظة على المكونات ويبقى مشروع النجف الاشرف عاصمة الثقافة الاسلامية وبغداد عاصمة للثقافة العربية مما يعني ان الاموال يجب ان تضخ الى الثقافة لاعادة تأهيل البنى التحتية للثقافة فبعد التغير ورثنا بنى تحتية خربة تحتاج الى جهود جباره واموال لغرض اعادتها كواجهة للثقافة العربية وفي حالة انعقاد القمة العربية في بغداد وانا عضو اللجنة التحضيرية في بغداد هذا يعني الحاجة الى اموال كبيرة حصلنا على منحة لجنة الثقافة العربية لدعم ترميم مسرح الرشيد واخراج مجموعة من السيناريوهات والمواد الدرامية ضمن هذا المنحة فالصورة غير قاتمة مثلما تصفونها .

* علاقة المثقف بالسياسي كيف ترونها؟

-  هناك اشكالية بين المثقف والسياسي فاغلب السياسيين لايفقهون دور المثقف او وزارة الثقافة فهناك من يتصور ولحد الان باننا نصدر خطاباً بلون واحد او نسوق لاتجاه او افكار محددة هذا الامر مستبعد ولايجوز على الاطلاق فنحن لانسوق لجهة سياسية او حزبية او دينية او حتى حكومية فوزارة الثقافة ليست واجهة للحكومة ولاتدعو لها ولا عليها في جريدتنا لانتابع اخبار المسؤولين او ننشر اخبارهم او صورهم بل اخبار المثقفين هي التي تتصدر صفحانتا الاولى وفي الاعداد القادمة سنغير عنوانها من جريدة وزارة الثقافة الى المشهد الثقافي .
كل ما قدمتموه رائع ويثير التفاؤل ولكن مانراه على ارض الواقع يبعث برسائل تناقض الثقافة ورسائل الى المكونات تثير حراكها وحقدها فاين هذا الدور؟

- لقد مر العراق بفترة مظلمة ونظام دكتاتوري يتحدث مع الجميع بطريقة عامودية فالثقافة والفنون والمنظومة الاجتماعية والعلمية تتلقى اوامرها بطريقة عامودية لاتقبل النقاش اوالاعتراض فالمجتمع العراقي كان مسجوناً ومفروضاً عليه الاقامة الجبرية ومحسوبة عليه انفاسه بعد التغيير المعجزة في 2003 تغير كل شيء بدرجة 180 درجة فجاءت الحرية بكل ثقلها الى العراق شبكات الانترنيت والاتصالات والموبايل كل ماكنا محرومين منها فلا يمكن لوزارة الثقافة والفنون من مصادرة رأي او فكرة اوتمنع كتاب او جريدة فنحن في عصر الحريات والمحافظة عليها عمل مقدس بعض الاحزاب السياسية والدينية مازالت تؤطر المثقف وفق ادلوجيتها ومن الخطأ جر الخطاب الثقافي الى الخطاب الديني او العكس هذا يعني فشلهما كلاهما فالثقافة ذات منطلقات استشرافية منفتحة بصورة مطلقة ضمن مناخ الحرية فلا ثقافة بدون حرية والنقطة الاساسية وضمن الدستور الذي كفل الحريات الفكرية والثقافية فلايمكن ان تكون وزارة الثقافة كجهة مصادرة للحريات والجانب الثاني الحرية لكل المؤلفين والكتاب وميزاننا في ذلك وجدان المبدع وضميره فقانون التراخيص يخضع لنقاش لضمان حقوق المؤلف ولغرض تسريع الاعمال نقيم اللجان والتشكيلات فاذا كانت هناك قضية فنية شكلنا لجنة فنية او ثقافية كذلك نشكل لجنة ليطمئن المبدع العراقي انه يتعامل مع موظف فني وليس رقيب الدولة المدنية .. الديمقراطية ستأتي لامحالة .. بعض السياسيين لايفقهون دور المثقف فوزارة الثقافة لايمكن ان تتحمل مسؤولية الثقافة لوحدها علينا ان نخلق مناخات متحضرة ماذا لو اصدر منتج يدعو الى الطائفية وزارة الثقافة ليست وزارة الداخلية هناك جهات اخرى دستورية يلجأ اليها اما في مايخص ادخال الكتب نحن لانستطيع بكل جهودنا ان نفرض اشتراطات او نمنع هذا الكتاب او ذلك الرقابة اصبحت مستحيلة والنشر عبر القنوات المتعددة اصبح ظاهرة ملحوظة تخالف في اغلب الاحيان ثقافتنا الدستورية والثقافة الفضائية والحريات طولبنا بمراقبة الاغاني كيف يمكننا ان نراقب الاغاني التي تطبع بالعشرات في محال التسجيلات من مؤكد لانستطيع ذلك لكننا وضعنا خطة لانتاج اغاني جديدة واناشيد وطنية تدعو الى وحدة الوطن والتآخي والحرية والتألف والتعايش بين كل المكونات هناك تفكير بمنع كل شيء مضر ولكن ماهو الكتاب الذي يتوافق مع كل الاهواء والتوجهات ,نحن نحتمل كذلك الا اذا كان يدعو الى الطائفية والعنف .

هناك قول بان الوضع السياسي يعود الى قلق المشهد الثقافي ؟


- مشكلتنا هي الجذر الثقافي الاجتماعي والجذر الثاني التدمير النفسي والاخلاقي لمنظومة القيم التي تعرضت الى الشروخات نتيجة سياسة النظام السابق الدكتاتورية هي المسؤولة عن التخريب السياسي والمعنوي فالعملية السياسية هي التي تتحمل المسؤولية كاملاً لعدم اطلاق الاموال باعادة تأهيل الثقافة كلنا مكلفون باعادة المشهد الثقافي العراقي وانا اطالب من كل سياسي ان يعلن من مكتبه استعداده لطبع كتب للمثقفين بدون مقابل السياسي يحاول جر المثقف اليه للمثقف على السياسي الاحترام والتقدير .. الذي اختلف معه في الرأي هو سبب وجودنا .. الاحزاب السياسية مطلوب منها فتح اقسامها الثقافية للمثقفين فالمثقف يكتب وينتج ويبدع ومن هذا الباب استطعنا التعاون مع وزارة المالية بتخصيص منحة للادباء والمثقفين الذي بلغ عددهم 12 الف اديب واعلامي ومثقف ضمن قائمتين قائمة الف 400 الف والقائمة باء 300 الف دينار وسنعمل على اطلاق المنحة بعد اطلاق الاموال من وزارة المالية فالامر متوقف عليها فقط اطالب الحكومة اعطاء الفرصة والدعم للمثقف ليكون في الصف الاول لانريد صحف تمجد الشخصيات واحي من خلال صحيفتكم موقف الشاعر كاظم الحجاج موقف رائع يمثل نبض الشارع العراقي انا اطلبه بالكتابة وعدم الاعتكاف هناك الان حكومة وطنية تهتم بالمثقف .

* مامطلوب من المثقف ؟


- دور المثقف ان يعي دوره الهام والضروري في ادامة الحياة ونحن نمول اعمال اتحاد الادباء دفعنا مائة وخمسين مليون لاقامة مهرجان المربد واستطيع ان اقول ان وزارة الثقافة لم تتدخل في اختيار الشعراء ولا القصائد وفي النية دعم ورعاية مهرجان الجواهري ومهرجان المتنبي الذي مولناه سابقاً وسنموله هذا العام لاتوجد في العراق رقابة على المثقف وانا بصدد توجيه كتاب شكر الى اتحاد الادباء لشروعه باقامة مؤتمر تاسيسي للرواية العراقية وهو عمل نوعي وحتى في الخارج في الفترة المظلمة هاجر الكثير من الكافاءات والمثقفين والادباء استطعنا ان نمد جسور التعاون معهم لاقامة عدة مهرجانات في برلين وبروكسل وامريكا والسويد ونعمل على اقامة مهرجان في ايطاليا اقامة وزارة الثقافة بتكريم 45 مبدعاً حاز على التقيم والتكريم والجوائز في الخارج وهذا يدل على الابداع والتميز العراقي فالفوز بالجوائز الادبية يدل على عراقة الانسان العراقي وتفوقه كرمناهم وقدمنا لهم كل الاحترام والتقدير والاستعداد على دعمهم والتواصل معهم المشهد الثقافي يشهد تنوعاً في كل الاصدارات فهناك عشرات الصحف والمجلات والفضائيات تملأ الساحة العراقية .

* العملية الانتخابية تنحو منحى باتجاه الشرائح غير المثقفة ماتبرير ذلك ؟

-  العملية الانتخابية تراهن على الجهل والتخلف باعتقادي بانهم حريصون على ابقاء التخلف والجهل يجب تثقيف المواطن على آلية الفرز واختيار البرامج مع الاسف هناك تسويق للشعارات وهذا خطأ كبير على المواطن ان يعطي صوته لمن يوفر له الخبز والحرية .

* ماهو رأيكم في الترشيق الذي تدعو اليه الحكومة ؟

-  انا مع الترشيق في كل شيء حتى الموظف الصغير في كردستان حينما نرشق الموظفين كفائضين عن الهيكلية نمنحهم راتب الرعاية الاجتماعية التي تجعله يعيش في حياة رغيده هناك فائض في هيكلية الدولة العراقية التي تحتاج الى الترشيق اربعة ملايين موظف القسم الاكبر منهم غير كفوء وغير منتج انا مع ان تكون الحكومة بعشرين وزيراً وهو حد متفق عليه دولياً وسيتحقق الترشيق اذا تخلت الاحزاب السياسية عن مطامعها السياسية .

جزيل الشكر والتقدير لجنابكم وسندعو من خلال جريدتنا الكتاب الاكراد للمساهمة فيها وسنعمل على تقديم ورقة عمل لتعزيز التواصل والتفاعل بيننا .


100
العراق والكويت... حتمية الحوار

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
    الحوار في هذا العصر اكثر من آلية للتعامل وابعد من مجرد احدى الوسائل لحل الاشكالات. فالحوار حضارة واغناء للتراكم المعرفي ولسياقات التلاقح والتناغم بين المختلفين وذوي وجهات النظر التي ترى كل واحدة منها الحقيقة من منظور آخر. وفي النهاية يفضي الحوار الى التلاقي في منتصف الطريق واكتشاف ان لا احد يصادر او يمتلك الحقيقة كلها. فالعدل والحق والخير له اوجه عدة وجوهر واحد.
   اسوق هذه المقدمة لان العلاقات بين العراق الكويت تصطدم احيانا بالمقالات النارية العشوائية التي تصدر من الصحافة التي تحل العجلة محل التأني والتصعيد محل التهدئة وشحن العواطف بدلا من سماع لغة العقل.
   لقد زارنا وفد كويتي اعلامي كبير قبل فترة. والتقى بالفاعليات العراقية السياسية والاعلامية وكان كاتب هذه السطور مع الوفد اثناء زيارة منزل السيد ( عادل عبد المهدي) نائب رئيس الجمهورية السابق وخلال زيارتنا المطولة لدولة رئيس الوزراء (نوري المالكي) التي دامت ساعة ونصف الساعة قال فيها الكويتيون كل ما لديهم من ملاحظات وآراء وافكار تصب في تفعيل العلاقة وفتح آفاق سياسية اعلامية واقتصادية لها. وفي الختام اكد السيد رئيس الوزراء ان هناك استحالة مطلقة ان يلجأ العراق الى السلاح والعنف او الحرب، فالحوار اللامتناهي هو السبيل الوحيد لحصد كل الاشواك التي تعترض طريق العلاقات العراقية الكويتية والملفات الساخنة ينبغي لها ان تترك على نار هادئة.
   وما قاله السيد رئيس الوزراء كان قد اكد عليه السيد (عادل عبد المهدي) في منزله.
   اذن، لابد للضحايا ان يلتقوا وان يكونوا في صف واحد لنسيان مرارات الماضي، وما يجمعنا بالكويتيين مرارات مشتركة وكوارث الحقها بنا نظام عدواني عنصري بغيض لا ينتمي للعصر بأية وشيجة، ومن هنا فأي خلاف عراقي- ـكويتي يضمحل كلما تذكرنا باننا شركاء في المعاناة وفي التعاون لإزاحة دكتاتور لم يعرف للحق ولحقوق الانسان معنى وكان الخنجر المسموم في جسد العراقيين ودول الجوار والعالم. وبعد زيارة الوفد الكويتي للعراق كانت لنا زيارة موفقة الى الكويت الشقيق ومعنا اعضاء من البرلمان وشخصيات سياسية وكانت حفاوة الاستقبال وحرارة العواطف كفيلة بالشعور بالتفاؤل وبان لاشيء يبقى في عنق الزجاجة وان الحلول قادمة مع الوقت ومع التحلي بالصبر الجميل. ففي مؤتمر صحفي كبير اكدنا ان العلاقة ستبقى خضراء بالحوار وان المشاكل مؤقتة وان الحياة ستعود حتما الى مجاريها اصفى وانقى من السابق. وصبت جميع لقاءاتنا التالية مع رئيس البرلمان الكويتي ووكيل وزارة الخارجية ومسؤولين في وزارة الاعلام وفي الديوانيات الكثيرة التي زرناها، نقول كلها صبت بهذا الاتجاه، وهذا هو الفارق بين اللقاء المباشر وكتابات بعض الاعلاميين الخارجة عن الاطار الاصولي المهني الموضوعي. وما زلت اتذكر اللقاءات الجميلة والمفيدة مع السيد الشاعر (عبدالعزيز البابطين) رئيس مؤسسة البابطين الثقافية حيث اجمعنا ان الثقافة تجمعنا رغم بعض الغيوم في سماء العلاقات العراقية – الكويتية وطرحنا فكرة اقامة اسبوع ثقافي عراقي في الكويت يعيد للخطاب الثقافي المشترك وهجه وتأثيره في ترطيب الاجواء السياسية، فالثقافة مشترك شعبي ثابت والسياسة اختلاف نخبوي متغير وزئبقي. والحق ان السفير الكويتي في العراق وقد التقينا به مرتين دائم التأكيد على الآصرة الخضراء بين الشعبين ودوره مثل دور سفير العراق في الكويت فاعل ومؤثر لتمتين الاواصر وتعميق العلاقة التي لابد لها ان تكون عميقة تتجاوز الشوائب التي تعتريها، ان الكويت والعراق مشتركان في الجغرافيا والثقافة والمصالح، وهما مشتركان في مهمة الانتماء معا الى العالم الجديد، عالم الديمقراطية وحقوق الانسان. وحقوق الدول في هذا العالم لا يمكن طمأنتها ابدا عبر النزاعات المسلحة او التحريف الاعلامي او اللغة المتدنية السوقية ايا كان مصدرها. دعونا نعالج الملفات المتنازع عليها مع الكويت مثلما نعالج مثيلاتها مع دول الجوار الاخرى، مع اضافة اخرى نجدد التأكيد عليها هي اننا كما كررنا اكثر من مرة ضحايا نظام دكتاتوري واحد والضحايا لايجوز ان يتنازعوا وان اختلفوا فالاختلاف سنة الحياة والحل الذي لا حل قبله او بعده هو الحوار اللامتناهي.

101
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يكرم ضحايا التفجير الارهابي في فندق الرشيد

 
   اقامت لجنة حقوق الانسان في وزارة الثقافة باشراف السيد الوكيل فوزي الاتروشي وبالتعاون مع هيئة السياحة، يوم الاثنين الموافق 8/8/2011 احتفالية لتوزيع مواد غذائية بمناسبة شهر رمضان على ذوي ضحايا التفجير الارهابي في فندق الرشيد والعوائل المتضررة مساكنهم في الحادث.
   اقيمت الاحتفالية على قاعة دائرة النشر والثقافة الكردية وبحضور د.جمال العتابي مدير عام الدائرة وممثل هيئة السياحة السيد سلطان الربيعي كما حضر الاحتفالية ممثلين عن عوائل الضحايا وهم (63) عائلة.
   ابتدأ الحفل السيد الوكيل بكلمة تحدث فيها عن المضمون الانساني لهذه المبادرة التي كان لها وقع جيد في نفوس العوائل المتضررة قائلا (ان الوئام والسلام الاجتماعي ليس شعارا يطلق، بل هو افعال تطبيقية على الارض، ووزارة الثقافة لابد ان تكون في المقدمة للتأكيد على حقوق الانسان وحقوق المرأة وحقوق كل المكونات العراقية وحقوق ضحايا الارهاب وكل المهمشين في المجتمع).
   تلا ذلك كلمة ذوي الضحايا حيث شكروا فيها وزارة الثقافة على هذه الالتفاتة، وناشدوا الجهات المعنية على ضرورة الاسراع بنصب الكرفانات للذين تضررت مساكنهم.
   وفي الختام قدم وكيل الوزارة كلمة شكر لهيئة السياحة ووزارة التجارة على التعاون مع لجنة حقوق الانسان في وزارة الثقافة لانجاح هذه الفعالية العميقة المغزى. كما قدم المعونات الغذائية التي وزعت على العوائل المتضررة بواقع: (5 كيلو سكر و 5 كيلو رز و5 لتر زيت و10 كيلو طحين) لكل عائلة.


102
يوم الابداع النسوي ....ثقب في هيمنة الرجل
                                                     
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   يقول الفيلسوف كانت (تجرأ واستعمل عقلك, ونقول للرجل كن شجاعا واعترف مرة انك لست الوحيد القادر على البذل والعطاء والابداع, فالمرأة ثقبت هيمنتك منذ زمن وأزاحت سيادتك بإبداعها وانجازها في الفكر والفن والادب ولا حاجة للأمثلة لأنها لا حصر لها وأنت تعايشها وتراها يومياً ورغم ذلك تخاف من الاعتراف. ان المرأة هي امك وشريكتك وصديقتك واختك وزميلتك في العمل. وابعد من كل ذلك انها ملهمتك في الشعر والقصة والرواية واللوحة والأغنية والموسيقى.
   يوم (22/ 7 /2011) اردنا ان نكرر هذه الحقيقة البسيطة والمهمة وذلك في (يوم الإبداع النسوي) الذي أقمناه في منتجع الحبانية السياحي من خلال لجنة المرأة في وزارة الثقافة بالتعاون مع مجلس محافظة الانبار ومجلة (عيون) الفنية.
   كان لكلمات النائبة في البرلمان (لقاء مهدي وردي ) وقعها لانها قادمة من جهاز تشريعي معني بالنظر بعين ناقدة بالنسيج القانوني والقضائي الذي يكبل المرأة العراقية ويضع الموانع امام حركتها. ومن جانبنا ذكرنا ان اضطهاد المرأة يخدش رجولة الرجل ويعيبها ويصيبها بشروخ لا تندمل, فالرجولة بمفهومها المعاصر ليست تحكما وتسيدا وقوة عضلية, وانما مشاركة ومحبة وحنان وقدرة على سماع رأي الشريكة في الحياة ومشاطرة للعمل وتكيف مع واقع أن المرأة إذ تبدع في الحقل والمنزل والمعمل والدائرة وفي الفضاءات الخضراء للإبداع لا يمكن أن تقبل الا بالحرية الكاملة, لان الحرية هي الرئة التي تتنفس فيها وتفكر وتنجز وتستعيد انسانيتها واستقلاليتها وعكس ذلك يعني التبعية وقفل العقل ومصادرة الرأي والقرار وتسييج المساحة التي تتحرك فيها المرأة، ما يؤدي بالضرورة الى غلق منافذ التفكير والانتاج عنها. الشاعرات في يوم الابداع النسوي ابدعن (سلامة الصالحي) و(سلوى البدري) و(شميران مروكل) وكانت كلماتهن تذكرنا كل دقيقة بأننا الرجال لسنا الوحيدين الماسكين بسلة ثمار الإبداع والعارفين بكل مفاصل الحياة والحاكمين الارض الى الابد.
   الفنانات التشكيليات هرعن إلى الريشة واللون لرسم صورة شهرزاد التي أرادت ان تنقذ حياتها وحياة بنات جنسها من قساوة وعنف شهريار من خلال اشغاله بحكايات (الالف ليلة وليلة ) اليست هذه الحكايات من إبداع المرأة أصلا؟
   وكانت اللوحة الثانية التي رسمت مباشرة مستلهمة من رواية (النخلة والجيران) لمؤلفها غائب طعمة فرمان التي تحولت الى مسرحية نتذكرها جميعا. ولان الإبداع النسوي الاخضر لا يقتصر على الأدب والفن وإنما يتجاوز ذلك إلى كل الحقول المعرفية لذلك استحضرنا الإعلامية الشهيدة (اطوار بهجت) التي قاومت الإرهاب وفضحته وبينت كل قبحه ومشروعه التدميري , فكانت صحفية الدفاع عن الحق والحقيقة لتخلد في ذاكرة العراقيين كرمز مثمر ومعشب ومتدفق بالحياة والاصرار على تعرية القبح والظلام والقتل الذي يطال الجميع. استذكرنا (اطوار بهجت) كامرأة عراقية ومناضلة واعلامية واقفة على خطوط النار. واذ غاب جسدها فأن الحقيقة التي كرست لها حياتها حية وتسطع على العراقيين سطوع الشمس. ولكي تبقى اطوار واقفة في القلب والعقل والوجدان, قررنا في يوم الابداع النسوي نشر بعض كتاباتها غير المنشورة بأسم لجنة المرأة في وزارة الثقافة .
اخيرا نقول للرجل ان ابرز معالم رجولتك تكمن في احترام المرأة كونها شريكة لك وليست تابعة مقموعة. ونستحضر مقولة قديمة لشاعر فرنسي تقول (درجة تطور المجتمع تقاس بمدى احترامه وتقديره للمرأة) .


103
لجنة المرأة في وزارة الثقافة تقيم
مهرجانا للإبداع النسوي
 
   أقامت لجنة المرأة في وزارة الثقافة بأشراف وكيل الوزارة السيد         (فوزي الاتروشي) وبالتعاون مع مجلس محافظة الانبار، مهرجان الإبداع النسوي تحت شعار ( المرأة رمز العطاء وملهمة الابداع) يوم الجمعة المصادف 22/7/2011 في مدينة الحبانية السياحية على قاعة فرح. وقد حضر المهرجان عضو مجلس النواب السيدة (لقاء مهدي الوردي).
وقد افتتح الجلسة الصباحية الشاعر (احمد عزامي) من البيت الثقافي في الفلوجة بكلمة ترحيبية وتمنيات مجلس المحافظة والبيت الثقافي بنجاح هذا المهرجان. ثم القت السيدة (لقاء مهدي الوردي) كلمة رحبت بالمساهمات والمساهمين والقائمين على المهرجان الذي يعتبر نقلة نوعية في نشاط لجان المرأة المتشكلة في الوزارات والتي تقوم برعاية الابداع النسوي. بعدها القى وكيل وزارة الثقافة السيد (فوزي الاتروشي) كلمة اشاد فيها بدور المرأة المبدعة في المجتمع والتي انطلقت في كل المجالات، الثقافية الفنية الاجتماعية والسياسية وكان لها بصمة في كل ميدان كما اشاد بعمل المرأة وتضحياتها في مجال الاعلام والصحافة واستذكر الشهيدة (اطوار بهجت) كنموذج للعطاء وصل حد الاستشهاد من اجل حرية الكلمة وحرية الصحافة العراقية .
   كما اشار الاتروشي الى اهمية تفعيل كل القوانين التي تعطي حرية اوسع للمرأة للعمل والمشاركة الجادة في بناء المجتمع الجديد وطالب البرلمان العراقي للاقتداء بالبرلمان الكردستاني الذي يعبر كل يوم عن جديته وايجابيته في التعامل مع كل القوانين التي تفتح المجالات الواسعة امام المرأة لتنطلق بطاقاتها وابداعاتها وتضيف الكثير الى الحياة .
   فيما بعد قدمت فرقة الفنون الشعبية التابعة للبيت الثقافي في الفلوجة طوراً من الغناء الشعبي مع رقصة الجوبي التي تميز فن وثقافة المحافظة وبعدها فتح المجال امام النساء البدعات ليتحدثن عن تجربتهن في مجال الابداع لتحقيق احلامهن .
تحدثت الاعلامية (اسماء القيسي) عن تجربتها في مجال الصحافة والاعلام وعن مساهمتها في اصدار مجلة عيون .
واختتمت الجلسة الصباحية بأبيات من الشعر للشاعرة سلوى البدري رسالة موجهة من المرأة ( الام الزوجة الحبيبة والاخت ) الى الرجل .
هذا وحضر الجلسة الصباحية المشاور القانوني في وزارة الثقافة السيد (حميد فرج) والسيد مدير عام هيئة السياحة وجمع غفير من أهالي المنطقة وممثلي منظمات المجتمع المدني وعدد من القنوات الفضائية .
   وقد تضمنت الجلسة المسائية عزف مميز لفرقة ( الارموي ) للعود التابعة لدائرة الفنون الموسيقية حيث قدمت مقطوعات من التراث العراقي الاصيل كما شاركت فرقة ضياء الشعبية التابعة للبيت الثقافي في الفلوجة بدبكات الجوبي ومقطوعات للفنان اياد الساهر اضافة الى قراءات شعرية للشاعرة المبدعة (سلامة الصالحي) والشاعرة (سلوى البدري) والشاعر (احمد عزامي) من البيت الثقافي في الفلوجة .
   واقيم على هامش المهرجان سمبوزيوم ( معرض للرسم والنحت الحر) ساهمت فيه عدد من الفنانات المشاركات في المهرجان، كان ابداعاً نسوياً عبر عن شعار المهرجان لإبداع الفنانة العراقية بالرسم والنحت واشاد السيد الوكيل بالفنانات واللمسات الفنية والذكية التي جسدت معاناة المرأة في اللوحات الفنية وكذلك توحد المرأة والرجل في لوحة الحياة .
   وفي ختام الجلسة المسائية التي حضرها جمع من حبي الفن القت ممثلة المرأة كلمة ختامية لتعلن عن اقتراح السيد فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة والمشرف على لجنة المرأة حول طبع كتيب يضم عددا من الكتابات غير المنشورة لشهيدة الصحافة (اطوار بهجت) على نفقة الوزارة.


104
فوزي الأتروشي
بين النهر وأسراب الحمام
   من جديد يطل علينا الشاعر فوزي الاتروشي بديوانه (امرأة من رماد) ليأتي مكملا لسلسلة دواوينه الرائعة. واجد أن الاتروشي يحمل في جنباته بركانا ثائرا يحاول اخفاءه عنا. لكنه لايفلح, فحالما تتملكه مشاعر الفرح او تنتابه حالة حزن او قنوط, يتأبط قلمه ليقذف بحممه على الورق, فتأتي أشعاره سيمفونية هادئة من الغزل واللـوم والعتاب على محبوبة لم تقدر كنزا كان عليها حمله بين ثنايا أهدابها....
   لشاعرنا عالم خاص به وعائلة يعجز عن الابتعاد عنها طويلا. انها الريح والبساتين وأوراق الخريف, أنها نوارس البحر وأسراب الطيور... هو يكتب ألاغنيات بقطرات الندى فتعزفها نسيمات الصباح وتنشدها الحمائم لتتراقص على وقع حبات المطر. هو طفل هادئ وديع يفتقد لأحضان امه فتراه دائم الترحال في الليل والنهار وفي أعالي الجبال, وبين أحضان السهول والحقول والآنهار... لكنه في ذات الوقت موقد نار لايسكنه الرماد, ولا حتى مواعيد حبه التي يبقيها قيد الانتظار انه جبل من الافراح والاحلام, ومواسمه عشب وأمطار وبيادر قمح وأزهار. وهو كما الطفل ابيض القلب, يجهل فن اللف والدوران, لانه قصيدة شعر ورسالة حب ومعجم للأناقة والتفكير. لاتقف في مواجتهه ريح ولا أعصار في حياة شاعرنا الاتروشي مواقف حزينة وتجارب مريرة لم يستطيع كتمانها, فباح بها عبر قصائد مفعمة بالقنوط, فتراه يطلب من محبوبته أن تحمل متاعها من قبله وتأخذ الماضي معها لتتركه يبني لأفراحه قصور, لأنه لن يسمح لها ان تجعل عمره طريقا للشوك والالام... وفي الختام اقول ان شاعرنا, هذا المدلل, يخفي بين جنابته أعصار فهل سيفلح في العثور على من تتحكم بمفاتيح وجدانه لتحط به على الارض بعد تحليق طويل مع العصافير والبلابل والعنادل؟ ارجو أن يكون ذلك قريبا...قراءة ممتعة ارجوها لكـم مــــــــــع امرأة من نــــــــــــــــار....
 
 
الكاتبة ..مها محمد

105
ربيع العرب ... خريف الانظمة

                                                           
  فوزي الاتروشي
                                                                       كاتب وسياسي كردي

 
   دورة الحياة لا تتوقف والانسان لا يضع قدمه في نفس النهر مرتين كما تؤكد المقولة اليونانية، ولايمكن لقوانين الطبيعة ان تكف عن سريانها. هذا كلام مؤكد في التاريخ وفي تجاربه الغزيرة التي تتوالى، فالامبراطوريات التي فكرت ذات يوم انها ازلية انهارت والحضارات التي تنامت وتسامت شاخت لتحل محلها حضارة اخرى تحمل جماليات سابقتها وتتجنب جوانب قبحها.
   هذا هو ديدن الحياة البشرية والربيع الذي يزدان به الشارع العربي يحمل حتما بذرة خريف انظمة اختارت موتها طوعا بتراجعها وانطوائها وعدائها للانسان ومخالفتها للحرية ونزوعها الى التكبيل والتنكيل وتعطيل وتجهيل المجتمع وترحيله قسرا من الحاضر الى الماضي بدلا من فتح بوابات المستقبل امامه.
   ربيع الشعوب يعني لاعودة الى الوراء وان الارض تمطر وتزدهر والاشجار تكتنز بالثمار والسماء تفصح عن نقائها وصفائها وثمة استحالة لوقف الظاهرة.. وخريف الانظمة يعني ان لا قوة تستطيع منع تداعيها وتآكلها وتعفنها ومن ثم سقوطها فالاوراق تسقط تلقائيا دون تدخل خارجي والجذوع المنخورة تذوب وتتوارى دون حاجة الى فأس او آلة حادة.. الآلة هنا لن تفعل سوى الاسراع والتعجيل في عملية السقوط.
   ربيع الشباب يفرج عن الوانه وعنفوانه والوانه زاهية متنوعة رجالية نسائية والطفولة البريئة لم تعد في هذا الربيع بريئة الى حد السذاجة كما نتصور فالاطفال في المقدمة في الدعوة الى التغيير وانتزاع الحرية ربيع الحرية. زاده كما زاد الربيع في الطبيعة الورد والبسمة والكلام والشعارات الجميلة.. وليس فيه الادوات القاطعة  والاسلحة النارية والضرب والنهب وقتل الآخرين، انه ربيع شبابي لونته المرأة بفيض من الحميمية والجمال.
   وخريف الانظمة عبوس وعدائي وزاده الهراوات والقطع والقتل والاسلحة الجارحة والقاتلة لانه خريف يغزو جسد دكتاتور لايقبل دورة الطبيعة ويرفض سنن الكون. انه خريف لا حواري لا توافقي لا تناغمي يحجم عن فسح المجال لتعاقب المواسم. لان موسم الدكتاتور واحد بلون واحد وتضاريس ثابتة وطقوس محفوظة ورتيبة لا تعلم ان الشمس تشرق وتغرب بعد ذلك والانهار اذا اصطدمت بالسدود تتجاوزها بالفيضان يوما وخلود الدكتاتور هي محاولة اثبتت ملحة كلكامش العراقية الشهيرة انها غير واقعية على المستوى المادي وواقعية جدا على المستوى المعنوي ولكي يخلد النظام والزعيم في الذاكرة الجمعية بشكل اعتباري ومعنوي عليه ان يعترف بدورة الحياة ويرحل فان رحل في موسم اوانه سيرحل الى ذاكرة الشعب ويبقى اخضرا... وان رحل عنوة وبالقوة فانه سيرحل الى مستنقع آسن وراكد يموت فيه وحيدا.
   انه حقا ربيع لا يقبل التراجع.. وهو حقا خريف يعجل اعلان موت الاشجار المتآكلة الجذور لانها جذور ترفضها التربة ولا تمنحها نسغ الحياة.
 


106
وكيل وزار ة الثقافة فوزي الاتروشي
 يلتقي بمسؤولين في وزارة حقوق الانسان

    اجتمع وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي في مكتبه بمسؤولين في وزارة حقوق الانسان معينين لحقوق الاقليات يوم (24 /7 / 2011). وهم مدير قسم حماية الاقليات السيد (عبيد عبدلله) في وزارة حقوق الانسان، والسيد (عباس علي) والسيدة (طيبه فاضل) والسيدة (رحاب جاسم). وجرى بحث المحاور المشتركة بين وزارة الثقافة ووزارة حقوق الانسان وضرورة الاهتمام الاوسع لتنمية ثقافة التنوع والتعددية والتعايش بين الثقافات والمكونات العراقية .
   وعبرت وزارة حقوق الانسان عن تثمينها ودعمها اللامحدود لقرار وزارة الثقافة باستحداث دائرة الثقافات الوطنية التي تشمل الثقافات التركمانية والكلدواشورية والصابئة المندائية.
   وتم الاتفاق على اقامة ورشة عمل لحقوق الانسان يحاضر فيها عدد من المختصين في هذا المجال. واستلم السيد الوكيل نسخة من التقرير الصادر عن دائرة رصد الاداء وحماية حقوق الاقليات الصادرة عن وزارة حقوق الانسان، وهو تقرير هام يركز على ضرورة ايقاف النزف الخطير والمتسارع لابناء الاقليات العرقية، وفيه دعوة للاعلام العراقي لتفعيل الاعلام الهادف للمحافظة على التنوع العرقي والقومي ، وترسيخ وترصين مشاريع العمل في مجال حوار الاديان وحوار الثقافات، وتنفيذ جميع ماورد في الدستور العراقي ضامنة لحقوق الاقليات، وغيرها من التوصيات والمقترحات التي تركز على اهمية بناء مجتمع آمن ومسالم وتعددي يتمتع فيه الجميع بالحرية والمساواة وفق مبدأ المواطنة.


107
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يكرم فريق عمل برنامج (شباب وبنات)

   استقبل وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي والمشرف على لجنة المرأة في الوزارة كادر برنامج (شباب وبنات) الذي يبث على قناة السومرية في مكتبه، وهم: (رنا الرفيعي وزينب الشمري وزهراء زهير وتيمور محمد ووسن حسن). وأكد السيد الوكيل خلال اللقاء على ضرورة الارتقاء بثقافة شريحة الشباب وضرورة توجهها نحو بناء برامج هادفة مثل (برنامج شباب وبنات) الذي يستضيف المسؤولين ويطرح امامهم جملة من المواضيع حول الوضع العراقي سياسيا وثقافيا واجتماعيا ويعد هذا البرنامج متنفسا كونه يسلط الضوء على المشكلات التي يعاني منها ابناء الشعب. وقد أكد السيد فوزي الاتروشي على ان ادارة الشباب للبرامج من بنات وشباب ومواجهة المسؤولين طريقة صحيحة لتوفير الجرأة في الطرح لدى الجيل الجديد ولتعميق مبدأ الحوار واحترام الرأي والرأي الآخر في مجتمعنا.

   وبين السيد الوكيل على ضرورة إدارة مثل هذه البرامج من قبل كادر حواري متخصص بحيث يستطيع الربط مابين المشاهد المتصل والمسؤول لطرح اية مشكلة دون رتوش مبطنة لتضع المسؤول مباشرة في صلب الحدث او القضية. وأوضح ان مثل هذه البرامج سوف تعتمد على الشباب كونهم يتحلون بالجرأة في طرح اية قضية ومواجهة أي مسؤول دون تكلف او تصنع.

   واشار إلى ان الوزارة من خلال لجنة المرأة تسعى إلى تكريم العديد من هذه البرامج في القنوات الفضائية وكذلك تكريم شريحة المثقفين مثل الشعراء والأدباء والإعلاميين والفنانين المبدعين.

   هذا وحضر اللقاء مقدمي ومعدي برنامج (شباب وبنات) وعدد من عضوات لجنة المرأة في وزارة الثقافة. وفي ختام اللقاء كرم السيد الوكيل كادر البرنامج بشهادة تقديرية ومكافأة مالية وكتاب شكر تقديرا لجهودهم في تذليل الصعاب والمشاكل امام ابناء شعبنا.

108
هل تفهم انظمة القهر معنى كلمة ((ارحل))؟

فوزي الاتروشي
كاتب وناشط سياسي كوردي

   منظومة الاستبداد الشرقي تهتز وتنهار وفي القريب العاجل تصبح ركاما واطلالا لن تثير في احد البكائيات وقصائد الرثاء.

   ولن تحفز في قلوبنا رغبة الحنين مجددا لان الشباب وفيضان الدم الجاري في عروقه يريد هذه المرة ان ينفصل عن تاريخ كتبة اوراق الحكام ووعاظ السلاطين ومثقفين المحادثة والاستكانة والخضوع وكيل المدائح وتزيين ملابس الامبراطور الوهمية.

   الازمة الكبيرة في الانظمة الدكتاتورية التي تتساقط اسرع من اوراق الخريف ليس لانها فعلا ساقطة من المنطق الحركي للعصر، وليس لانها احكم ما في هذا العصر من انظمة وهياكل وطرق تفكير وسلوكيات لا اخلاقية.. نعم كل هذا صحيح وفاضح واكثر من وضوح الشمس. ولكن من المؤلم جدا انها لا تعترف بأنها مأزومة ومريضة وداخلة في غرفة الانعاش لتحتضر. وكل نظام يستبعد تشخيص المرض بكونه مرضا معديا لا يبقي ولا يذر، فتراهم يراهنون على كونهم حالة خاصة لاتشبه الحالة التي سبقتها وكل نظام يدعي العصمة ويزعم انه الشجرة غير القابلة للسقوط بسبب العاصفة.

   هذا أمر خطير ولكنه ليس جديدا فعلى مدى التاريخ كانت الزعامات الدكتاتورية غبية وأمية لاتقرأ واذا قرأت لاتفهم واذا فهمت لاتعترف بالواقع كما هو كائن وتحاول القفز من الحقيقة الى الوهم ومن الارض الى السماء ومن لغة الارقام والحقائق والبيانات الى اللغة العدمية المؤلفة من الخطابات والصراخ والقوالب الانشائية الجاهزة والمعلبة.

   النظام السوري، مثلا، يراقب على مدار اليوم والساعة شاشات التلفزة وصفحات الانترنت وكل المنابر الاعلامية المتضافرة على حقيقة واحدة بسيطة وخطيرة واكيدة وهي انه ساقط لامحالة. وهو ساقط ليس بفعل مؤامرة ولا تدخلات اجنبية، انما سقوطه وقبله السقوط المدوي للانظمة في مصر وتونس واحتضار نظام القذافي وعلي عبدالله الصالح حتمي لانها هياكل عظمية هشة لاتنتمي لهوية العصر ومنطق الحضارة القائمة على عولمة حقوق الانسان والثوابت الانسانية المتعلقة بالحرية والمساواة والعدالة. هذه الانظمة اشجار عارية من الثمار والاغصان وجذورها متآكلة تأباها التربة التي تتجدد خصوبتها بالماء النقي والهواء المنعش والرعاية المستديمة.

   يخطأ النظام السوري الذي اصر عقودا من الزمن على نهج التجهيل والتعطيل والترحيل والتبعيث والتعريب والتجريد من الجنسية الذي طبعه بحق الشعب الكردي في سوريا، نقول يخطأ اذ يلجأ اليوم الى تدارك وقع هذه الجريمة المروِّعة التي يأباها الضمير الانساني اينما كان، قطار الزمن اصبح في محطة اخرى والمعارضة الكردية في سوريا يقظة ومنسجمة مع المعارضة السورية عموما لانتزاع الوطن كله من وحول ومستنقع التخلف والقمع. اكراد سوريا كانوا دوما اوفياء للوطن السوري ولم يلجأوا الى تجزئة المطالب لانهم على يقين ان الديمقراطية القادمة برياحها الندية وظلالها الوارفة سوف تعمم خيرها على الجميع.

   اننا لانريد شيئا من هذه الانظمة المتحجرة سوى ان تلغي اميتها وتلجأ يوما الى القراءة واستيعاب مفردات وابجدية اللغة الجديدة التي يخطها الاطفال والنساء والرجال والتي تتقدمها كلمة ((ارحل)) بصيغة الامر.

109
 
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يهنئ المبدعين العراقيين

     يوجه وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي كلمة إلى المبدعات والمبدعين من الذين تم تكريمهم في مهرجانات اقيمت خارج العراق، وفي نفس الوقت يدعوهم إلى احتفالية ستقام في الوزارة قريبا جدا لتكريمهم.
   وقد جاء في كلمته:
 
(( ايتها المبدعات.. ايها المبدعين...
نهديكم أطيب تحياتنا ونتوجه اليكم بأسمي وبأسم معالي وزير الثقافة (د.سعدون الدليمي) وبأسم كل مثقفي الداخل بما هو اكثر من الشكر واعمق من الوفاء لانكم في الغربة اثبتم انكم قريبين إلى حد التماس والذوبان في الوطن، صبرتم وعملتم بروح لاتعرف الكلل لدحر الصور النمطية عن العراق الجديد فهو وطن الابداع والعطاء والانجاز وهو قادر على الوقوف على قدميه بأقلامكم ولوحاتكم وقصائدكم واغانيكم التي تشكل حزمة الامل والاضاءة الاكثر اشعاعا للمشهد الثقافي العراقي والجوائز التي حصدتموها على المستوى العربي والعالمي ستبقى محفورة في الذاكرة الجمعية العراقية.
   لذلك كله نتوجه اليكم بأمتنان لاحدود له وبفرح يملأ الفضاءات كلها انكم الثروة التي لاتنتهي والقيمة المعنوية التي لاتعلوها اية قيمة مادية مهما كبرت، لقد رفدتم الوطن بفيضان من الحب سيردم عاجلا او آجلا كل كمية الحقد التي يشيعها بيننا الارهاب.    لكم الحياة وللعراق كل التقدم والازدهار...))
 
 
 
 
 
 
وفيما يأتي قائمة بأسماء المبدعين العراقيين الحاصلين على جوائز عربية وعالمية:
 
ت   الاسم   الجائزة الممنوحة   البلد المانح للجائزة
1   لميعة عباس عمارة    الجائزة التكريمية للابداع الشعري لمؤسسة البابطين   الكويت
2   فراس حرام   افضل قصيدة في مسابقة اقامتها مؤسسة البابطين عن قصيدة (عنه وعن اهله)   الكويت
3   منتظر ناصر    جائزة الشارقة للقصة القصيرة   الامارات
4   مروان ياسين   جائزة الابداع في بيروت عن مجموعته الشعرية (سماء الخوف السابعة)   بيروت
5   اياد حسين الحسيني    جائزة الشيخ زايد للكتاب عن كتابه (فن التصميم(   الامارات
6   وفاء عبد الرزاق   جائزة نجيب محفوظ للقصة القصيرة عن مجموعتها القصصية (امرأة بزي جسد)    مصر
7   عبد الستار البصري   افضل ممثل مناصفة في مهرجان القاهرة    مصر
8   يحيى ابراهيم   افضل ممثل مناصفة في مهرجان القاهرة   مصر
9   عماد محمد   افضل مخرج عربي في مهرجان القاهرة    مصر
10   فائزة جاسم   افضل ممثلة عربية للاطفال في مهرجان قرطاجة   المغرب
11   صبيحة شبر   افضل كاتبة في العالم العربي ضمن مسابقة الكتاب والنقاد    منتدى الصحافة العالمية
12   علي محمد السوداني   افضل سيموغرافيا في مهرجان الناظور المغربي لمسرح الطفل في مسرحية (نورا والفاكهة المسحورة)   المغرب
13   مهند مختار    الجائزة الاولى في التمثيل والاخراج في مهرجان الناظور الدولي للاطفال    المغرب
14   فائزة جاسم علوان    افضل ممثلة في مهرجان الناظور الدولي لمسرح الطفل    المغرب
15   عبير السهلاني    عضو في مجلس النواب السويدي ونائب رئيس الحزب اليبرالي في السويد   السويد
16   فاضل السوداني   جائزة الهيئة العربية للتأليف المسرحي لفئة مسرح الاطفال عن مسرحية (مريم والنسر الذهبي)   مصر
17   كريم رشيد   الجائزة الثانية في التأليف المسرحي في الشارقة عن مسرحية (جئتُ لأراك)   الامارات
18   علي عبد النبي الزيدي   جائزة دبي الابداعية الدورة السادسة   الامارات
19   وهاب شريف    حائز على لقب (شاعر 2009) من قبل تجمع (شعراء بلا حدود)   مصر
20   رنا ياسين   جائزة افضل الشاعرات في مسابقة الشارقة للابداع   الامارات
21   محمد كاظم    افضل قصة في مسابقة الشارقة للابداع   الامارات
22   قاسم سعودي   افضل شاعر شاب في مسابقة الشارقة للابداع   الامارات
23   عبد الكريم يحيى   افضل ناقد عربي في مسابقة الشارقة للابداع   الامارات
24   ياس السعيدي   ميدالية الرئيس الايطالي للابداع في الشعر   ايطاليا
25   علي محمد سعيد   افضل كاتب مسرحي في مسابقة الشارقة    الامارات
26   شوقي كريم   افضل كاتب درامي في مهرجان الاذاعة والتلفزيون في القاهرة عن مسلسل (النخلة والجيران)   القاهرة
27   د. عباس اليوسفي    الجائزة الاولى في التمثيل    
28   محمد صابر عبيد       
29   شوقي عبد الامير       
30   عبد الهادي السعدون    افضل شاعر في العاصمة الاسبانية للابداع الادبي عن ديوان(من اشور الى صوريا)    
31   الشاعرحسن نعيم    جائزة الابداع ضمن (جائزة ناجي نعمان الابداعية في مجال الكتابة    بيروت
32   الكاتب حسين الهاشمي    جائزة ناجي نعمان الابداعية    بيروت
 
 
   ونود ان ننوه في حال الاتصال للمعلومات ان يكون على البريد الالكتروني
f.atrosh@yahoo.com
او على الارقام 07711844726  أو  07813155072


110
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يكرم عدد من الشاعرات المبدعات




   اقامت لجنة المرأة في وزارة الثقافة وبالتعاون مع دائرة العلاقات الثقافية مهرجانا شعريا حضره وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي والمشرف على لجنة المرأة ومدير عام دائرة العلاقات الثقافية السيد عقيل المندلاوي ورئيسة منتدى المرأة السيدة ايناس البدران وذلك يوم الخميس الموافق 30/6/2011.
   وقد ابتدأ المهرجان بكلمة للسيد فوزي الاتروشي جاء فيها ((لكي لا يبقى الصوت النسوي مقموعا نائما في دهاليز الصمت ولكي نجنح مع اصواتكم الى الكلام والى الفضيلة ان تقوم المرأة لأول مرة بارتكاب مايقال بحق قتل الصمت غسلا للصمت)).
   كما اكد في كلمته على ان الصوت النسوي يبني كل يوم صخرة في البركة الراكدة. وقد وجه بأسم الثقافة رسالة إلى كل البرلمانيات ان لا يصبحن مجرد ارقام داخل البرلمان وان يكون انتماؤهن إلى المجتمع اكبر من انتمائهن إلى الاحزاب التي ينتمون اليها.
   واضاف ((يحز في نفسي ان ارى في البرلمان عضوات لازلن يتكلمن باسم الحزب بافكار لا تنسجم مع اهوائها. اوجه تحية للاقليم الذي أقر اخيرا قانون مكافحة العنف ومنع الختان للأناث وهذه رسالة من برلمان الاقليم إلى برلمان الحكومة الاتحادية ان يتخذ مثل هذه الخطوات)).
  واكد ((ان اليوم نلتقي مع شاعرات لان الشعر اصبح للمرأة من اكثر المجالات الاخرى انسجاما مع معاناتهن الشعرية تورية وغموض ولان المرأة لاتستطيع ان تعبر عن نفسها بصراحة فلجأت للشعر. واعلن ان الجولة القادمة للاقلام النسوية الجريئة التي تكتب وتحفر على الصحافة مثلما على الارض)).
   اخيرا ((اترك لكم الفرصة لتقولوا الكلام المباح وتتركوا الصمت لبساتين الفرح)).
   كما القت السيدة ايناس البدران كلمة قالت فيها (لاشك ان الابداع هو على مر العصور مبادرات لانهائية للارتقاء به والابداع هو تحليق لمديات لا حد لها ، وان تكون المرأة مبدعة فهذا يعني انها تمتلك صوتها المتفرد ونبضها المتجدد وكشفت عن حضورها الانساني وترد كل من وصفها بالسلبية وهشاشة التجربة وبحة الصوت.
   وفي الختام وجهت كلمة شكر لوزارة الثقافة لتكريم المبدعين من شعراء وادباء متمنية دوام التعاون مابين اتحاد الادباء ومنتدى المرأة وبين الوزارة.
 وقد القت الشاعرات مختارات من قصائدهن الشعرية وهن كل من (سلامة الصالحي، ازهار علي حسين، فائدة آل ياسين، منى السبع، نجاة عبدالله، فاطمة العراقية، اخلاص الطائي، شميران مروكل، هنادي المالكي ونادية الكاتب).
   هذا وقد كرم السيد فوزي الاتروشي الشاعرات بشهادات تقديرية وابدى اعتزازه بالمرأة الشاعرة المبدعة وتحفيزها على الابداع المتواصل.
   وقد حضر المهرجان عدد من المثقفين والمعنيين في الوزارة.
 
 


111
نحو مزيد من الوفاء للمبدعين العراقيين

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
   المبدعون في العراق كثيرون كما نخيله وكما دجلة الخير حاضنة البساتين ولكن كما النخيل اختفت غاباته الكثيفة ليصبح شجيرات هنا وهناك، وكما ان فيضان دجلة غدا حلما بعيد المنال. فان الإبداع والمبدعين العراقيين يهرب من الداخل المتعثر إلى الملاذات الآمنة في الخارج حيث البيئة الخصبة للنمو والتعافي والاخضرار. انها ازمة لابد من مراجعتها واعادة التوازن إلى معادلة علاقة الوطن بالمبدع.

   من خلال متابعتنا الدقيقة على مدى عامين جمعنا اسماء اكثر من (25) مبدعا عراقيا في الساحات العربية والعالمية في شتى صنوف الفن والادب والفكر. ومن المؤكد فان مبدعي الداخل لا يقلون عنهم نتاجا وعملا وتألقا لكنهم فقط بحاجة إلى رعاية اكبر واهتمام اوسع لإبرازهم وتحفيزهم وتنمية ملكاتهم الإبداعية وكان آخر المبدعين العالم العراقي (د. علي محمد هداوي) الذي كرم من قبل ملكة بريطانيا لجهوده وتميزه في تطوير التعليم العالي في بريطانيا والسيدة (عبير فيصل السهلاني) التي انتخبت عضوا في البرلمان السويدي ونائبة رئيس تجمع الاحزاب الليبرالية في العالم.

   ونحن في وزارة الثقافة نرى ان الحكومة العراقية وكل المعنيين والدوائر والمؤسسات معنية برفع وتيرة العمل الجدي لاحتضان المواهب ودعمها وتحفيزها لمضاعفة الابداع، فلا يجوز ان تكون المهمة واقعة حصريا على وزارة الثقافة فالمجتمع بكل مفاصله مسؤول أمام هذه المهمة المحورية.

   ان المبدعين الذين سنكرمهم في القريب العاجل في وزارة الثقافة هم عنوان وطن كما نقول دائما بحق، وهم اثبتوا كم قريبون من نبض العراق وهم في بلاد الغربة يحصدون الجوائز في مجالات المسرح والسينما والتشكيل والتأليف والاخراج المسرحي وسواها من اشكال الابداع.

   والجميل من هؤلاء انهم لم ينتظروا دعم الدولة ولم يقفوا في منتصف الطريق ولم يراهنوا سوى على كفاءتهم وقدرتهم واحلامهم الأنيقة الجميلة التي تحققت ورفعت اسم الوطن إلى أعالي السماء، في وقت ينشغل السياسيون في سجالاتهم ونقاشاتهم وصراعاتهم وتناحراتهم وخطاباتهم التي تفرز الكثير من الجعجعة ولكن لا طحين.

   ان العراق جميل بفنانيه وشعراءه ومفكريه ومؤلفيه ومغنيه فرسالة العراق التي تصل العالم عبر اصوات كاظم الساهر ماجد المهندس والمبدعة في المقام العراقي فريدة، ابلغ بكثير من الخطابات العشوائية التي يلقيها هذا المسؤول او ذاك قابعا في دهاليز الحزب او الطائفة او المنطقة او التكتل او العشيرة.

   في حين ان كل الذين نالوا الجوائز العالمية مثلوا العراق بكل الوانه وتنوعاته وغيروا الصورة النمطية عن العراق في اذهان الآخرين. ان العراقي الذي يدخل في حلبة التنافس مع متنافسين اقوياء على قدر عال من الموهبة ويفوز بالجائزة يثبت صدقية جائزته وأحقيتها ويؤكد انها استحقاقه دون اية تدخلات عرضية  او مجاملات او علاقات او محاباة وهنا مربض الفرس كما يقال. لذلك كله فاننا في العراق كمسؤولين ومهتمين لابد ان نكون اهلا لاحتضان هؤلاء في القلب وفي الوجدان.

112
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يكرم عدد من الفنانين الرواد

   جرى في مكتب وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي والمشرف على لجنة المرأة في الوزارة، لقاء مع عدد من الفنانين الرواد والمتميزين وهم (سامي قفطان، زهرة الربيعي، سناء سليم، امل طه، ذكرى عبدالصاحب، ايمان عبدالحسين) الذين قدموا لمسيرة الفن العراقي الكثير من العطاء خدمة لعراقنا الجديد.
   كما جرى خلال اللقاء استعراض ومناقشة جملة من الامور والمشاكل التي تعيق مسيرة الفن العراقي وضرورة تذليل كل الصعوبات من اجل الارتقاء بالفن والفنان وتقديم برامج واعمال فنية هادفة.
   وابدى السيد فوزي الاتروشي استعداد الوزارة للتنسيق والتعاون مع الفنانين الرواد والمتميزين واحتواء افكارهم ومشاريعهم الفنية لتنفيذها على الواقع من خلال فتح آفاق التعاون مع شبكة الاعلام العراقي لعرض مثل هذه الاعمال مستقبلا.
   كما اكد السيد الوكيل على ضرورة الاهتمام بكل الفنانين الذين واظبوا على العطاء الفني رغم الظروف الصعبة التي يمر بها العراق والذين قدموا جهودا كبيرة لرفع مستوى العراق ثقافيا وفنيا.
   وفي ختام اللقاء قدم السيد فوزي الاتروشي شكره وامتنانه للفنان العراقي، كما جرى تكريمهم بشهادات تقديرية ومبالغ نقدية.


113
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر اليوبيل الذهبي لمجلة (الاخاء) التركمانية



    حضر وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي، حفل اليوبيل الذهبي لمجلة (الاخاء) التركمانية الذي اقيم على قاعة (فضولي) لنادي الاخاء الرتكماني في 20/5/2011.

   وقد حضر الاحتفالية عدد كبير من الشخصيات البارزة التركمانية من بينهم (د.فاروق عبدالله) رئيس الجبهة التركمانية السابق، السيد (ارشاد الصالحي) والسيد (حسن اوزمان) عضوا البرلمان عن الجبهة التركمانية، السيد فرياد دوزلو العضو السابق في البرلمان، السيدة (صونكول جابوك) عضو مجلس النواب السابق، السيد (محمد تقي المولى) رئيس هيئة الحج والعمرة والسيد (يلماز شهباز) المفتش العام في وزارة البلديات وشخصيات اخرى، كما حضرها مدراء عامون ورؤساء منظمات المجتمع المدني وعدد من رؤساء الجامعات العراقية.

   وكانت كلمة البدء لرئيس نادي الاخاء التركماني السيد (محمد عمر) مرحبا بالحضور شاكرا حضورهم للاحتفال معا بهذه المناسبة، متحدثا عن الايام الاولى من صدور المجلة وما لاقته فيما بعد من تعثرات في الاصدار قائلا (صدرت المجلة رغم مالاقته من تهديدات وتحديات استهدفت وجود التركمان، كما صدرت قرارات باغلاق مجلات تركمانية في كركوك دون اسباب حقيقية الا لتهميش التركمان ومنعهم حتى من التكلم بلغتهم او لبس زيهم ومراقبتهم ومتابعتهم وزجهم في السجون)، مشيرا الى تاريخ اصدار المجلة في مايس عام 1961 اذ قال (ان من اهم الانجازات بعد عام من تأسيس النادي في 1960، هو اصدار مجلة (الاخاء)، فقد ولدت لتؤكد ان خير سلاح لامة تريد ان تحمي نفسها من التهميش والتعنيف هو سلاح الثقافة)، ولانها كانت الوحيدة كما أكد السيد محمد عمر فقد التأم حولها جميع الادباء التركمان وكذلك العرب وآزروها وساهموا في تنويع موادها، كما تعد المجلة اليوم مرجعا لايمكن الاستغناء عنه في المراجع الرتكمانية في الحصول على المعلومة الصحيحة والرصينة.

 ثم جاءت كلمة السيد فوزي الاتروشي اذ قال في اول كلمته (كان بودي ان اجلب 50 شمعة تتقد هنا واضيف اليها شمعة اخرى للحظة التأسيس لهذا النادي الذي يمثل حاضنة للثقافة واللغة ولسياق فكري ولمكون عزيز، نعتز به في العراق ولكن حضوري هنا متقدا بالحب والوفاء لكم حال دون ذلك). كما اشار في كلمته الى ان العراقيين جميعا ضحايا النظام الشمولي على مدى 35 عاما ولهذا السبب دون سواه لابد ان يكون هناك لقاء على بساط التعاون والاخاء والتلاقح ويجب ان يكون هناك تقبل للنقد وتقبل للحوار واللجوء الى ماهو انساني وما هو موصول بالثقافة الانسانية. والتعايش والاخاء هو هدف وضرورة ومستقبل، وقد اضاف (اؤكد لكم ان مسيرة الاخاء ومجلة الاخاء ونادي الاخاء التركماني لابد ان يتواصل واننا نتمنى منذ هذه اللحظة ان نستشرق المستقبل فالحاضر الجميل هو فقط الحاضر الذي يحتضن ويستجلب المستقبل الاجمل والمستقبل الاجمل في عراقنا هو ثقافة لكل انواع العراق جبلا وسهلا وهور ثقافة لاتقف عند حدود اية لغة ولاعند حدود اي سياق ادبي او فكري او سياسي، لذلك كان اجمل ما انجزناه رغم كل السليبات والعثرات ورغم كل النواقص في وزارتنا اننا انعطفنا في الوزارة لتصبح وزارة كل المكونات العراقية، وزارة ثقافة لكل اللغات العراقيةوليست ثقافة بقدر قامة دكتاتور اختصر الثقافة وشخصنها وسيسها حتى تماهى او هكذا زعم، لذلك فانا لا ارى اي خلاف فما دمنا ضحايا فاننا نلتقي ولابد ان نتلاقح.)

   ثم اشار في كلمته الى قرار وزارة الثقافة باستحداث دار الثقافات الوطنية التي سوف تمثل التركمان والكلدوآشور والصابئة المندائيين ويجب عدم التوقف الى هنا بل يجب ان نتهيأ لخطوة اكثر تقدما وهي بلورة مديرية تركمانية في الوزارة.

   وقد عرج في كلمته على فعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية لعام 2010 بصفته رئيس الهيئة العليا للفعاليات، وتحدث عن الانجازات التي قدمت على مدار السنة من فعاليات عربية كردية تركمانية كلدوآشورية، قائلا (ان هذا بحد ذاته كان رسالة الى ان هذه المدينة التي تبدو ظاهريا مأزومة سياسيا بأنها تتلاقح ثقافيا وان هذا التلاقح يمكن ان يسهل ترطيب الخطاب السياسي). وقد شدد في كلمته على ضرورة اجتياز كل الضغوطات وكل العقبات لتكون الثقافة التركمانية والكلدوآشورية والصابئية ممثلة بشكل اكبر بكثير مما كانت في السابق في وزارة الثقافة قائلا (ان هذا الطموح سوف اعمل عليه وسوف اصمم على ان نعمل معا بيد واحدة لذلك اوجه نداء الى الاخوة في الهيئة الادارية لنادي الاخاء الى ان التواصل يوميا معنا لنحقق ماهو ممكن وتأكدوا ان وزارة الثقافة قد نجحت في ذلك انها وفرت اقصى فضاءات الحرية فقد تم اقرار اثناء مناقشة قانون التراخيص ان وزارة الثقافة لن تكون طرفا في مقاضاة اي عمل فكري او فني او ادبي ولن تتدخل قيد شعرة بحق التعبير بكل اللغات العراقية.)

    كما لم ينس ان يوجه كلمة الى ضحايا التفجير الارهابي الذين بلغ عددهم ال120 بين شهيد وجريح، مؤكدا الى ان نهج اللارهاب هو تفتيت المدينة وتجزأتها وتدميرها ولكن يرى السيد الاتروشي ان ثقافة التعايش هي القادرة على ان تجعل الارهاب ينكفيء على ذاته، فالارهاب يراهن على الجفاف والتصحر والظلام والثقافة تراهن على الضوء والجمال والفن.

   وبعد العديد من الكلمات التي القيت في الاحتفالية قدمت الدبكات التركمانية من قبل شباب تركمان عكسوا وجهاً آخر للثقافة التركمانية.

  واختتم الحفل بتوزيع الدروع على المثقفين الذين ساهموا في تواصل المجلة وفي رفدها بكل ما يجعلها من بين المجلات الاولى في الثقافة الرتكمانية والعراقية.

   ومن جانب آخر دعي السيد وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي إلى برنامج

(منتدى الحرية) الذي تبثه قناة الحرية تحت عنوان (المسرح العراقي بين الغياب وضرورة الحضور)، تناول واقع المسرح العراقي حيث ان العراق يعتبر الرائد في مجال المسرح، وكيف حافظ على وجوده في زمن الفكر الواحد وزمن الشمولية والدكتاتورية، وما حل به الآن في زمن الديمقراطية والتعددية الفكرية.

   فكان رأي الاتروشي صريحا بتعثر المسرح العراقي وداعيا إلى ان وزارة الثقافة لن تكون ولا يجب ان تكون الجهة الحصرية الممولة بل يجب على الوزارة ان تتضامن مع السينما والمسرح ولايمكن ان ينهض المسرح دون استثمار.

114
مدرسة الموسيقى والباليه
تقيم احتفالها السنوي



 
   اقامت مدرسة الموسيقى والباليه التابعة لدائرة الفنون الموسيقية احتفالها السنوي يوم 3/5/2011 بأشراف وزير الثقافة وحضور مدير عام دائرة الفنون الموسيقية السيد حبيب الظاهر.
   وبشكل مختلف وبعيدا عن الكلمات الجاهزة والخطب المعتادة بدأ الحفل بالسلام الجمهوري الذي عزفته انامل اطفال المدرسة وأدى النشيد مجموعة من اطفال الصفوف الاولى بقيادة الاستاذ رشيد لطيف، وقدموا انشودة (بغداد ياقلعة الصمود) بقيادة الاستاذ علي الاخصاف وكان الاطفال واثقون في تقديمهم متميزون في ادائهم وبتواصل الاهتمام بهم سيجعل منهم نجوما في سماء العراق.
   تضمن منهاج الحفل اوركسترا القسم الغربي اذ عزفت سمفونيات لهايدن وبتهوفن وسميتانا وجايكوفسكي، وكانت كلها بقيادة الاستاذ جنيد محمود، وابدعت الطالبة هايدي في تقديم صولو بمصاحبة اساتذتها على الكمان، وقدمت فرقة الكورال من التراث الانكليزي (ترتيلة الميلاد) ومن الفلكلور الالماني (انا الوم نفسي) وكان التناسق في الاصوات مبهرا اثار اعجاب الحضور.
   في حين قدم قسم الموسيقى الشرقية (سماعيات بيات قديم) وموسيقى (شروق) و(هلة يا ام عبد) و(هليلة حلوة) عزف وغناء مجموعة من الاطفال وبقيادة الاستاذ احمد عبدالجبار وهذه القطع الهبت الحضور ودفعتهم الى الغناء مع الاطفال لقدرتهم على الاداء الرائع.
   كما تضمن المنهاج رقصات باليه لأطفال المراحل الاولى والمراحل المتقدمة، وفالس الزهور من باليه كسارة البندق.
   هذا وقد بعث باقة ورد بالمناسبة وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي كما قدم باقة ورد اخرى نقيب الفنانين السيد صباح المندلاوي للسيد مدير المدرسة.


115
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر احتفالية الذكرى المئوية لميلاد العالم العراقي عبدالجبار عبدالله في السويد



 
   حضر وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي بدعوة من الجمعية الثقافية للصابئة المندائيين في السويد الاحتفالية الكبيرة التي اقيمت في مدينة (لوند) السويدية يومي 29-30/4/2011 كما حضرها السفير العراقي في السويد السيد حسين الموسوي والملحق الثقافي العراقي السيدة بتول الموسوي ونجل العالم عبدالجبار عبدالله السيد سنان المقيم في امريكا وبحضور نحو (500) شخص من ابناء طائفة الصابئة المندائيين والجالية العراقية، بينهم عدد كبير من الشخصيات الثقافية وباحثين ومثقفين من السويد والمانيا وبريطانيا وهولندا ودول اخرى.
   وقد القى السيد فوزي الاتروشي كلمة  نقل فيها تحيات السيد وزير الثقافة د.سعدون الدليمي الى المحتفلين واشاد بدور عبدالجبار عبدالله في ترسيخ دور المعرفة كمرتكز للتطور الاجتماعي ووضع الجامعة في خدمة التنمية الاقتصادية والاجتماعية والدفاع عن استقلالية الجامعة والبحث العلمي والحرية الاكاديمية بأعتبار ان الجامعة سلطة معرفية مستقلة عن السلطة السياسية. كما جاء في كلمته (اننا مدينون لهذا العالم الكبير بالكثير لان عطاءه العلمي ورصانته وجديته منذ العقود الاولى لتأسيس الدولة العراقية كان له الفضل الكبير في التأسيس للواقع الاكاديمي العلمي في العراق). واشار الى المحطات المهنية والنضالية في حياة هذا العالم الكبير وتعرضه للسجن والاعتقال عام 1963 اثناء انقلاب شباط. وقد اكتسب هذا العالم العراقي شهرة دولية واسعة نتيجة ابحاثه المعمقة التي بلغت الثلاثين في مجالات الفيزياء والرياضيات والانواء الجوية. كما جاء في كلمته الى ان هذا العالم العراقي من مؤسسي اول جمعية عراقية طلابية في الخارج تحولت فيما بعد الى الرابطة العراقية الثقافية في بغداد لتصدر عنها نشرة الرابطة عام 1944 وقد كان عبدالجبار عبدالله سكرتير تحريرها.
   فيما بعد القى كل من السفير العراقي ورئيس اتحاد الجمعيات العراقية في السويد كلمات اشادت كلها بالدور العلمي الكبير الذي نهض به هذا العالم سواء على صعيد البحث العلمي او اثناء رئاسته لجامعة بغداد.
   وتلقت عائلة العالم العراقي الكبير درعا تقديريا من وزارة الثقافة وآخر من وزارة التعليم العالي والبحث العلمي. وتضمن الاحتفال فقرات فنية ومسرحية وقراءات شعرية اضافة الى بحوث القيت من قبل الباحثين د.ابراهيم ميزر الخميسي ود.رشيد الخيون والمهندس علي بداي ود.قيس مغشغش السعدي      ود.ابراهيم اسماعيل ود.عقيل الناصري والشاعر فالح حسون الدراجي وعدد آخر من الفنانين والشعراء والتشكيليين.
   وأكدت كل البحوث على الدور الحيوي الكبير لهذا العالم على الصعيدين العلمي والتربوي. وشدد الحاضرون على ضرورة ايلاء اهتمام اكبر لتخليد اسم هذا العالم في ذاكرة العراقيين كعلم بارز من اعلام العراق، واعلنت الملحق الثقافي العراقي في السويد السيدة بتول الموسوي موافقة وزارة التعليم العالي على اقامة نصب لهذا العالم الكبير امام جامعة بغداد.
 


116
وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي
يلتقي نقيب الفنانين وعدد من الفنانين

   التقى وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي في مكتبه نقيب الفنانين السيد (صباح المندلاوي) وعدد من الفنانين وهم الفنان قاسم اسماعيل، الفنان التشكيلي مازن ايليا، الموسيقي خضر حمودي، المخرجة رجاء كاظم، الفنانة زهرة الربيعي، الفنان محمد علي كريم.
   وقد رحب السيد الوكيل بضيوفه متمنيا للنقابة المزيد من العطاء لرفد الحركة الفنية في العراق. مؤكدا على ضرورة ان تقوم النقابة بأعمالها دون تدخل فقد انتهى زمن الشخص الواحد الذي يفرض هيمنته على المؤسسات الفنية والثقافية، ونحن نؤكد ان نجاح مهرجان المربد الثامن بسبب ان الادارة كانت من قبل اتحاد الادباء وحدهم واننا شاركنا بالتمويل فقط. وكذلك لدى نقابة الفنانين اسماء كبيرة ورموز تستطيع ان تنهض بالفن وتعيده الى سابق عهده فالاسراع ضروري في تنفيذ مالديكم من مشاريع لان التباطؤ بسبب الروتين يؤخر العملية الابداعية.
 من جانبه عبر نقيب الفنانين عن سروره لهذا اللقاء، موضحا عدة صعوبات تواجهها النقابة مطالبين بمد يد المساعدة لاذلالها ومن ثم النهوض بالواقع الفني من جديد. فكانت المطالب:
-       زيادة الراتب التقاعدي للفنان المتقاعد، ان يكون هناك اتفاق مابين وزارة الثقافة والمالية ودائرة التقاعد العامة. اذ ان الفنان الذي قدم الكثير يستحق راتبا تقاعديا يليق به وماقدمه خلال مسيرته الفنية.
-       بالنسبة لتكريم الفنانين، اكد السيد صباح المندلاوي لو ان يكون التكريم بشكل طبع كتاب لفنان، او اقامة معرض فني او مساعدته بأي مجال فني آخر.
-       اطلاق اسماء الفنانين الرواد على شوارع وساحات وقاعات فنية ومسراح لتخليد ذكرهم.
-       توفير الضمان الصحي للفنانين.
-       تفعيل الحركة الفنية من خلال اقامة المهرجانات الفنية الموسيقية والغنائية او المعارض التشكيلية.
-       اصدار جريدة لنقابة الفنانين.
   رحب السيد الوكيل بطلباتهم واعتبرها حق مشروع ووجه بضرورة الاسراع في المبادرة في انجاز المشروع الفني من اجل الارتقاء بالفن العراقي.
   وفي نهاية اللقاء قدم الفنانون شكرهم للسيد الوكيل كما عبروا عن سعادتهم بهذا اللقاء.

117
بغداد..انعقاد المؤتمر الاول للاتحاد العام للتعاون


برعاية وحضور دولة رئيس الوزراء نوري المالكي وتحت شعار (التعاون مفصل مهم لدعم الاقتصاد الوطني)، حضر وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي المؤتمر الاول الذي اقامه الاتحاد العام للتعاون في بغداد وعلى قاعة نادي الصيد. وقد حضره الدكتور علي الدباغ، رئيس الاتحاد العام التعاوني السيد محمد طارق كريم، رئيس المجلس الوطني لرجال الاعمال السيد ابراهيم البغدادي، المستشار الاعلامي للسيد رئيس الوزراء، رؤساء واعضاء من مجالس المحافظات، رؤساء الجمعيات التعاونية في بغداد والمحافظات، رؤساء نقابات ومنظمات المجتمع المدني، ورجال دين واعضاء من البرلمان.
   ويذكر ان هذا المؤتمر وهو الاول انعقد بعد ان التقى السيد نوري المالكي مع وفد التعاون بتاريخ 26/آذار من العام الحالي وأكد سيادته خلال اللقاء على ضرورة توطيد هذا المصل المهم في حياة الكثير من العراقيين.
   ثم جاءت كلمة السيد رئيس الاتحاد التعاوني وكلمة للدكتور علي الدباغ الذي اختير رئيسا فخريا للاتحاد، شكروا فيها دولة رئيس الوزراء هذا الدعم وهذه المساندة لاعادة نشاط الجمعيات التعاونية التي هدفها الرئيس خدمة المواطن العراقي لما توفره من مواد وبأسعار مدعومة.
   ثم جاءت كلمة السيد رئيس الوزراء نوري المالكي مباركا هذه الخطوة التي تخدم الشعب اولا واخيرا وخاصة الطبقة الفقيرة، وقد جاء في كلمته (اننا لانعفي الدولة من مسؤوليتها تجاه المواطن، بل هي المسؤول الاول، كما ان الدولة لاتستطيع القيام وحدها بهذه المسؤولية مالم يكن بجنبها الاتحادات والمؤسسات والتعاونيات وخاصة هذه المؤسسة التعاونية التي هي لخدمة المواطن، يجب ان نكون شركاء في رفد كل مايقدم البلد للامام والا لن نستطيع انتشال البلد من الضياع وينبغي ان نعجل ونسرع الخطى في مجال توفير الدعم الاقتصادي والارتفاع بمستوى الدخل للفرد العراقي.) .
   كما اضاف سيادته (ان الوضع الامني الجيد في الشارع اليوم لم يحققه رجل الامن وحده بل الكل تعاون في انهاء عمليات الارهاب والقتل، فعلينا ان نتجه ونتعاون في بناء البلد واعماره، وانا اجد في هذا المشروع فرصة كبيرة في تقديم الخدمات للمواطن وبالذات الشخص الفقير ذوي الدخل المحدود.).
   بعد ذلك قدم الاتحاد التعاوني دروعا لتكريم رواد الحركة التعاونية تثمينا لدورهم في دعم التعاون والمؤسسات التعاونية، اذ قدم السيد محمد طارق كريم درعا لدولة رئيس الوزراء وللدكتور علي الدباغ، وللوزراء المدعوين كما حصلت وزارة الثقافة على درع الاتحاد العام التعاوني، ولرؤوساء الجمعيات التعاونية.


118
وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي
في افتتاح المعرض الدولي للكتاب

   حضر السيد وكيل وزارة الثقافة افتتاح معرض بغداد الدولي للكتاب الذي تنظمه دار الشؤون الثقافية تحت شعار (لأن المعرفة هويتنا) للفترة من (20/4 – 5/5/2011)  بمشاركة (241) دار نشر ومؤسسة ومركز عراقي وعربي توزعت بين اكثر من 220 جناح. وقد حرصت دار الشؤون الثقافية على اظهار المعرض بطريقة مناسبة لقيمة الثقافة العراقية والكتاب العراقي. وقد حضره ممثل دولة رئيس الوزراء وزير الدولة الناطق الرسمي بأسم الحكومة (د.علي الدباغ)، ورئيس ديوان الوقف السني، والمفتش العام في وزارة الثقافة  ومدير عام ديوان وزارة الثقافة اضافة الى مدراء عامين ونقيب الصحفيين العراقيين وعدد من اعضاء مجلس النواب.
   واستهل الحفل بكلمات الافتتاح للدكتور (علي الدباغ)  ومدير عام دار الشؤون الثقافية السيد (نوفل ابو رغيف)، كما قدمت اغانٍ لفرقة انغام الرافدين ووصلات للمقام العراقي.
   وقد قام السيد الوكيل بزيارة اغلب المكتبات ودور النشر المشاركة في المعرض وقدم ارشادات في طريقة عرض الكتب فقال (ان المعرض ليس لعرض الكتب فحسب وانما يجب ان تكون هناك تقنية عالية في العرض تجتذب المثقف والقارئ). وزار سيادته الجناح الخاص بالعتبة الحسينية وقدم كلماته بحق المكتبة مشيدا بدورهم في المشاركات الواسعة في كل المعارض التي تقام في العراق وفي تنوع كتبهم المشاركة.
   وقد اجرت عدة قنوات فضائية لقاءات مع السيد الوكيل عبر فيها عن اعجابه في تنوع الكتب المعروضة بين دينية وعلمية وموسوعية وادب اطفال وكتب سير وتراجم بعد ان كان غائبا هذا عن الساحة العراقية بسبب الحكم الشمولي الذي اثر على حضور الكتاب الجيد وبالتالي ابتعاد القارئ، اذ تعرض الكاتب والمثقف للتحجيم والتهميش على مدى 35 عاما، اما اليوم فهناك حيز كبير لكل انواع  الكتب وهناك حرية اكثر في الطبع والنشر فقال سيادته (نحن دائما في وزارة الثقافة نحرص على ثقافة التنوع وليس النوع الواحد التي تبعد المتلقي عن الثقافة)، كما اشار في خلال حديثه عن معرض اربيل للكتاب الدولي والمعرض الذي افتتح على هامش مهرجان المربد اذ كان هناك تنوع في المطبوع وتقنية جيدة في طبع الكتب واقبال جماهيري واسع، واشار الى ان هذه الحركة الثقافية ضرورية في العراق ويجب اشراك كل الافكار العراقية النيرة في استعادة الثقافة الى عافيتها. كما اشار سيادته خلال اللقاء الى ضرورة عودة العراقيين المغتربين الى الوطن ليس للاستقرار فقط بل للمشاركة في بناءه وتطويره.


119
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
في اجتماع لجنة التنسيق الدولية لحماية الموروث الثقافي العراقي


احتضنت اربيل عاصمة اقليم كوردستان العراق للفترة (4-5/نيسان/2011) الاجتماع الخامس للجنة التنسيق الدولية لحماية الموروث الثقافي العراقي والذي يعقد للمرة الاولى في العراق. وحضره وفد من العراق متمثلا بوكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي رئيسا للوفد، ورئيس هيئة الآثار والتراث (قيس رشيد حسين) ومستشار وزارة السياحة والآثار (بهاء المياحي) و مدير عام دار الكتب والوثائق (د.سعد اسكندر) ومعاون مدير عام دائرة العلاقات الثقافية (مظفر الربيعي) ومديرة المتحف العراقي السيدة (اميرة عيدان) وعدد من المختصين في شؤون الآثار والاتفاقيات الدولية.

   افتتحت السيدة (هيرو) عقيلة السيد رئيس الجمهورية الاجتماع بكلمة رحبت من خلالها بالحضور. كما ألقيت كلمات اخرى من قبل السيدة (كرستين مكنب) مساعدة المبعوث الخاص للامم المتحدة في العراق، السيد (فرانسسكو بانداري) مساعد المدير العام لمنظمة اليونسكو للشؤون الثقافية.

   وقد السيد فوزي الاتروشي رئيس الوفد العراقي كلمة شكر فيها اللجنة الدولية لحاجة التراث العراقي التي وضعت العراق ووضعه الآثاري تحت انظار العالم، انطلاقا من ان العراق حالة خاصة احتضنت خمس حضارات وتتعرض حاليا لتهديد حقيقي يستوجب تكثيف التعاون الدولي لحماية ارث حضاري هو في الواقع ملك البشرية جمعاء.

   وأشار السيد فوزي الاتروشي في كلمته الى جملة إجراءات اتخذت من الجانب العراقي منها افتتاح المتحف العراقي ومتحف الطفل، وتشكيل مديرية شرطة الآثار ومشروع المسح الآثاري والتراثي والسياحي ووضع قاعدة بيانات له، واجراء التنقيبات الانقاذية لمواقع منتخبة واستقدام بعثات اجنبية للتنقيب في العراق. وغيرها من الاجراءات المتخذة في حماية الموروث العراقي. واشار الى ان العراق استرجع مايناهز الـ(5000) آلاف قطعة آثارية سرقت من المتحف العراقي واكثر من (35000) ألف قطعة اثرية سرقت من مواقع مختلفة وتطرقت الكلمة الى الجهود العراقية المبذولة منذ نيسان العام الماضي مع الجانب الامريكي لاستعادة جميع الوثائق الموجودة هناك.

   وعبرت الكلمة عن تطلع العراق بكل تفاؤل لتفعيل دور لجنة التنسيق الدولية من خلال التواصل مع وزارة الثقافة ودوائرها المعنية، وناشد في كلمته الى اليونسكو، لاعادة فتح ممثليتها في العاصمة بغداد لتسهيل التواصل.

   وقد شارك الوفد العراقي بفاعلية في المناقشات وقدم جملة من المقترحات التي اقرت بالاجماع، وهي كما يأتي:

1-      عقد اجتماعين في السنة بدلا من اجتماع واحد يكون احدهما مخصصا للخبراء والآخر يكون عاما.

2-  تم وضع مقترح عقد مؤتمر دولي حول الآثار في العراق خلال مدة سنة من الآن يجري فيه دعوة اكبر عدد من الخبراء والشخصيات الدولية المعنية بشؤون الآثار وحماية الموروث الثقافي المادي وغير المادي.

3-      دعم جهود دار الكتب والوثائق في استرداد وثائق النظام السابق.

4-      توصية بشأن تفعيل الجهود المبذولة لحماية الموروث الثقافي غير المادي.

5-      توصية لحماية ارشيف الفلم العراقي من الدمار.

6-  بارك الوفد العراقي اللجنة الدولية على انعقاد الاجتماع في العراق (اربيل) التي رشحت قلعتها وادخالها في قائمة التراث الانساني.

7-  وادخل الوفد ضمن التوصيات ان تنعقد الاجتماعات القادمة للجنة الدولية في مدن عراقية مثل بغداد والنجف وتم تثبيت ذلك في التوصيات.

    هذا وقد حضر الاجتماع ايضا وفد من اقليم كردستان ضم السيد (كاوه محمود) وزير الثقافة والشباب، والسيد (سمير عبدالله) وزير البلديات والسياحة في الاقليم، والسيدة (جوهر شمدين) مستشارة وزارة البلديات والسياحة في الاقليم، كما حضره ممثلون عن سفارات امريكا وفرنسا وبولونيا وجمهورية الجيك واوكرانيا اضافة الى خبراء من امريكا واليابان والمانيا وايطاليا وفرنسا.

   وتضمن جدول الاجتماع، زيارة الى قلعة اربيل والاطلاع الى اعمال الترميم من خلال شرح مقدم من اللجنة المكلفة بترميم القلعة المرشحة للدخول في قائمة التراث العالمي.

120
نص لقاء جريدة (بغداد الاخبارية) مع السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يوم  الاحد (3/نيسان/2011).

العراق يعيش حلة لا مثيل لها في التاريخ
 المثقفون في مؤخرة المجتمع
الاحزاب السياسية  لعبت دورا سيئا في الثقافة
المثقف الذي يتعرض للقيود سيضطر للهجرة ونحن نرفض هذا الشيء

حاورته : ندى البغدادي

   أكد وكيل وزارة الثقافة على ان الثقافة العراقية لايمكن ان تنتعش بشكل حقيقي دونما حرية وانفتاح على العالم وزيادة الثقافة المجتمعية لتلعب دورها الاساسي في اعادة اللحمة للهوية الوطنية بعيدا عن الترويج لأي خطاب ايديولوجي مؤكدا بالقول ((الثقافة تثقف بالاتجاه الديمقراطي لكنها لاتتحول أبدا الى بوليس)).
   وقال الوكيل فوزي الاتروشي في تصريح خص به(صحيفة بغداد الاخبارية) ان العراق الان كثقافة وايضا كسياسة يعيش حالة لا مثيل لها في التاريخ لانه اصبح بلدا ديمقراطيا، والديمقراطية تحتم الانفتاح على الآخرين بحكم ثورة المعلومات كما انها تمنح الفرصة بشفافية للجميع من هيئات ومؤسسات ومنظمات معنية بالمجتمع المدني للعمل بحرية دون قيود وشدد الوكيل على أهمية دور الوزارة في زيادة وعي المواطن العراقي بأهمية الثقافة والانفتاح على الاساليب الحديثة في التواصل ومنها عالم الانترنيت اللامتناهي منوها الى ضرورة تظافر جهود جميع الوزارات للوصول الى آليات محددة بغية مزيد من الفهم لما يرد مجتمعنا من ثقافات عديدة وبالتالي درء الآثار السلبية لاي ثقافة دخيلة . وأشار الى ان جميع قوى الضغط الفاعلة داخل المجتمع من احزاب ومنظمات يجب ان تتظافر لتنمية ثقافة المواطن العراقي وزيادة وعيه في الانتقاء والاختيار الصحيح وصولا لبلورة جيدة للذائقة الشعبية التي هي الرقيب الاول والاخير ، مؤكدا بشدة على ان وزارة الثقافة لايمكن ان تتحول الى جهاز شرطة  لفرض الرقابة على المصنفات الفنية والادبية لانها بعيدة كل البعد عن اية سلطة قضائية  فالعراق اليوم، على حد قوله، لديه دستور يكفل كل الحريات، والوزارة تنتهج مبدأ اعطاء الحرية الكاملة والمطلقة للمثقف العراقي دون اي قيود قسرية وإلا ستقع في بودقة الشمولية التي كانت مفروضة عليها في السابق بحسب رأيه معتبرا هذا الخيار منبوذا في بلد ديمقراطي يفترض ان توجد فيه خيارات متعايشة، مبينا ان المثقف الذي يتعرض للقيود سيضطر الى الهجرة للمنفى وشدد على رفض الوزارة لهذا الامر.

   وعلل الاتروشي سبب اعتبار وزارة الثقافة وزارة غير سيادية مؤكدا ان اسباب عديدة وقفت في السابق واستمرت حتى الان حالت دون ذلك ، فالثقافة بحسب رأيه همشت على مرور 35 عاما من حكم النظام السابق للبلاد وأصبحت جهة تابعة له وكان المثقفون في مؤخرة المجتمع كما تعرضت البنية التحتية الثقافية للدمار، مشيرا الى انه بالامكان الاهتمام حاليا بالوزارة وجعلها سيادية لاسيما في ضوء التشظي الكبير للهوية العراقية. وأكد الوكيل ان قلة واردات الوزارة هي العائق الذي يحول دون ذلك إضافة الى انها لاتستطيع ان تمد اطار عملها الى جميع المحافظات وكذلك الاقضية والنواحي النائية في العراق. وشدد على دور الحكومة في هذا الصدد والذي يقضي بتوفير الموارد الكبيرة وتظافر الجهود الحكومية لإعادة اعمار البنية الثقافية والارتقاء بهذه الوزارة.
   واستطرد وكيل الوزارة في معرض حديثه عن الواقع الثقافي العراقي الى الدور السلبي الذي لعبته الاحزاب السياسية في البلاد مؤكدا انها قد وجهت خطابها الاعلامي ليصبح خطابا آيديولوجيا ودون الالتفات الى الثقافة بمفهومها العام كما حصل في دول اخرى، داعيا هذه الاحزاب الى ان تحتذي بنموذج الاحزاب السياسية الموجودة في الدول المتحضرة وان تجعل من اقسامها وهيئاتها الثقافية بمثابة نافذة مفتوحة لكل المثقفين بغض النظر عن انتماءاتهم.
وتعليقا على سؤال حول دور منظمات المجتمع المدني والجهات التي تدعمها أوضح الاتروشي انه بعد العام 2003 تشكلت الآلاف من هذه المنظمات ومعظمها كان دون مستوى الطموح بل ان العديد منها والذي وصل الى مايقارب 8000 منظمة ثبت بأنها وهمية ربحية هدفها الكسب والدعاية على حساب تحقيق الهدف الذي جاءت من أجله ، مشددا في الوقت نفسه على ضرورة وضع شروط وآليات لمراقبة عمل هذه المنظمات من قبل وزارة المجتمع المدني ، وليس الثقافة التي يرى البعض انها المعنية بهذه المنظمات، وكذلك عمل مايعرف بجرد وغربلة لها والإبقاء على الجيد منها فقط كي يتسنى لها تقديم تمويل جزئي للمنظمات الفاعلة منها. وأكد الوكيل ان تصاعد الحس الديمقراطي في البلد من شأنه ان يضخ الدم في هذا الشريان الهام الذي يمثل السلطة الخامسة في دول أخرى تتبع ثقافة المجتمع المدني وفق النهج الديمقراطي.

   كما تطرق الاتروشي الى وجوب عدم اعتبار وزارة الثقافة الجهة الحصرية الوحيدة في اقامة اية نشاطات ثقافية رسمية في البلاد حتى لاتتحول الوزارة الى سلطة واحدة كما حصل في سنوات حكم النظام السابق ، مؤكدا بأنها تشرف على المشهد الثقافي بالكامل لكنها تمنح الحرية والشفافية في العمل لغيرها من الجهات غير الحكومية وقد حققت بذلك نقلة نوعية في ادائها تمثل، على حد قوله، بإقامة مهرجان المربد الشعري والذي يرعاه ويتولى اقامته اتحاد الادباء والكتاب في العراق وليس وزارة الثقافة.

   وشرح الوكيل أسباب عدم تمكن الوزارة من مساعدة جميع المثقفين لقل امكانياتها لكنها، وبحسب رأيه، تعمل جاهدة في التواصل مع الجميع ودون اي تمييز او اشتراط مسبق وكان لها خطوات ايجابية في تقريب المثقفين العراقيين المغتربين من الكفاءات التي يصعب عليها العودة للوطن في هذا الوقت ، مبينا ان الوزارة مدت لهم يد المساعدة بفتح مراكز ثقافية عراقية في الخارج وكذلك بعقد (أيام الثقافة العراقية) في العديد من الدول ومنها السويد واليونان وبلغاريا وغيرها للتواصل مع المثقفين.

   واختتم الاتروشي حديثه معربا عن أمله في ان تقر الحكومة قانونا عاما لتحويل جائزة الابداع الثقافي التي تبنتها الوزارة الى جائزة الدولة التقديرية في شتى المجالات وكذلك إحياء البنية التحتية الثقافية من خلال بناء بعض المنشآت التي تستقطب المثقفين وتدعم نتاجاتهم في جميع مجالات الثقافة والفن والأدب.

121
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر معرض اربيل الدولي السادس للكتاب

حضر السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي معرض اربيل الدولي السادس للكتاب الذي اقامته مؤسسة مدى للاعلام والثقافة والفنون بالتعاون مع وزارة الثقافة والشباب في اقليم كردستان، بتاريخ 2/4/2011، في بارك سامي عبدالرحمن في اربيل.

   وقد افتتح الحفل السيد نائب رئيس الوزراء روز نوري شاويس، بكلمة حيا فيها جهود مؤسسة المدى لاقامتها هذا المعرض مؤكدا على الدور الذي يلعبه الكتاب في بناء المجتمع وحضارته. تلا ذلك كلمة للسيد وزير الثقافة والشباب في الاقليم الدكتور كاوه محمود حيث اكد فيها على ان هذه الظاهرة الثقافية ستستمر اقامتها في اربيل كل عام لأنه امر يدل على مدى اهتمام الاقليم بالثقافة وبالكتاب وهي في دعمها لهذه المبادرة الثقافية فانها تؤسس لمد جسور من التواصل والتلاقح الفكري ما بين كتاب كوردستان والكتاب من باقي دول العالم سواء كانت عربية او اجنبية. ثم جاءت كلمة السيد فوزي الاتروشي ونقل فيها تحيات وتهاني وزير الثقافة الدكتور سعدون الدليمي وعبر عن فخره واعتزازه بهذه الظاهرة الثقافية والتي تعتبر بحق مفخرة  من خلال فتحها لافاق جديدة اكثر انتاجا ً وتشويقا ً وانتشاراً للكتاب والكاتب العراقي الذي عانى خلال النظام البائد من القمع والاضطهاد وتكبيل لحرية الفكر والكتابة من خلال سن قوانين رقابية صارمة على الكتاب العراقي ومضمونه والذي لا زلنا لغاية الان عاجزين عن فك هذه القيود التي اثقلت كاهل الكاتب العراقي ، وبين سيادته ان ميزة هذا المعرض هي التنوع والشمول وعدم رفضه او غلقه لمنافذ الفكر المطلق وعدم حجبه لأي عنوان يتناول اي موضوع علمي ، سياسي ، ثقافي ، فلسفي... واضاف (ان هذا المعرض الذي تواصل مع 200 دار نشر قادمة من داخل العراق ودول الجوار والمحيط العربي يضم في اجنحته نحو نصف مليون عنوان في مختلف جوانب المعرفة) واشار الى ان الكتاب بدأ ينتشر في الخارج من خلال المعارض التي تقيمها وزارة الثقافة في العديد من الدول منها الامارات والمانيا في معرض فرانكفورت للكتاب الذي يعتبر من اكبر البوابات العالمية للكتاب.

   وفي ختام الفعالية قدمت وزارة البيئة درعا للسيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي وللضيوف الحضور، ويذكر ان من بين الحضور كان السيد         (لبيد عباوي) وكيل وزارة الخارجية والسيد وكيل وزارة الشباب والرياضة بالاضافة الى عدد من الشخصيات السياسية والبرلمانية.

122
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي: اصدار مطبوع خاص بكركوك عاصمة
الثقافة العراقية لعام 2010


   اصدرت وزارة الثقافة مطبوعا توثيقيا حول فعاليات كركوك عاصمة الثقافة لعام 2010، ابداع كركوك الثقافي.

   وقال وكيل وزارة الثقافة السيد فوزي الاتروشي في تصريح صحفي ان المطبوع تضمن كل النشاطات الثقافية والفنية التي قدمت في كركوك منذ 15/4ولغاية 31/12/2010 واختتمت في 15/1/2011، واشار إلى ان من ضمن النشاطات التي قدمت ستة مهرجانات مسرحية واربعة مهرجانات شعرية اضافة إلى العديد من المعارض التشكيلية والحفلات الموسيقية والمهرجانات السينمائية التي شاركت فيها اغلب المؤسسات والمنظمات الثقافية والادبية والفنية التي تكاتف ابناء مدينة كركوك على تنظيم الفعاليات.

   واكد الاتروشي ان المطبوع تضمن كذلك صور فوتوغرافية لابرز النشاطات الفنية لدوائر الوزارة منها دائرة ثقافة الاطفال ودائرة الفنون الموسيقية ودائرة السينما والمسرح والاثار والسياحة ومهرجان وزارة التربية المسرحي واقامة الندوات الثقافية بالتعاون مع اتحاد الادباء في كركوك /المركز العام وطباعة 53كتابا لكتاب عرب واكراد وتركمان واقامة نصب التآخي واقامة الملتقيات الثقافية للقصة القصيرة وتكريم المبدعين من الفنانين والادباء والشعراء والصحفيين.

   يذكر ان المطبوع مكون من 80 صفحة معززا بالصور الفوتوغرافية اضافة إلى غلاف المطبوع الذي تضمن شعار الفعالية ومن الجهة الأخرى صور المع الشعراء والادباء في مدينة كركوك.

123
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يزور دولة الكويت

   زار السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي دولة الكويت الشقيقة ضمن وفد من الشخصيات العراقية السياسية بدعوة من نقابة الصحفيين الكويتية لحضور احتفالات العيد الوطني لدولة الكويت لتطوير العلاقات بين البلدين الشقيقين وطي صفحة الماضي من اجل التطلع لمستقبل افضل بين الشعبين يقوم على مراعاة حسن الجوار. وتكون الوفد من اعضاء البرلمان السيد جعفر الموسوي، السيد سردار عبدالله، السيد عبدالعباس حمود، السيد مقداد علي فرحان عضو البرلمان السابق، السيد محما خليل، السيد د.سلمان محسن، السيد عبدالستار البياتي، وامين عام حزب الوحدة الفيلي السيد عبدالواحد الفيلي.
   وعقد مؤتمر صحفي بالمناسبة اداره مدير جمعية الصحافيين السيد       (عدنان الراشد)، اكد فيه الجانب العراقي على ان العراق الآن جديد منفتح على الكويت، متصالح مع نفسه. والاهم أن العراق مسالم ومن المستحيل ان تتجدد الحرب، وأن تتحرك اي قوى عسكرية تجاه الكويت. واشاروا الى ضرورة توطيد العلاقات وفتح باب الاستثمار الكويتي في العراق. كما اكد السيد الوكيل فوزي الاتروشي على استعداد البلاد التام لتدشين أي تعاون مشترك مع الجانب الكويتي والعمل على معالجة الملفات العالقة داعيا الى تعميق العلاقات المشتركة بأبعادها الثقافية والاجتماعية والاقتصادية والاستثمارية، وقال (اننا نشعر ان العراق بوابة مفتوحة على مصراعيها للكويت مثلما هي الكويت في الشأن ذاته).
   ومن جانبه اكد مدير جمعية الصحافيين (عدنان الراشد) على مد جسور التعاون بين البلدين وايجاد آلية للتفاهم الاخوي المشترك، الى جانب دعم مسيرة التعاون المشتركة، بالاضافة الى تقريب وجهات النظر ومحاصرة أي اختلاف ينشأ بسبب وسائل الاعلام أو غيرها من الجهات.
   واجرى تلفزيون العدالة الكويتي لقاءا مع السيد الوكيل والسيد (جعفر الموسوي) لتسليط الضوء على تمتين العلاقات الثقافية والسياسية والاقتصادية  بين البلدين.
   كما زار السيد الوكيل مؤسسة البابطين الثقافية واطلع على المكتبة المركزية حيث استقبله رئيس المؤسسة السيد (عبدالعزيز البابطين) وجرى حديثا مطولا حول تقوية العلاقات الثقافية بين البلدين.
   والتقى سيادته خلال الزيارة بكل من رئيس مجلس الامة الكويتي، وكيل وزير الخارجية، وكيل وزارة الاعلام.
 
 
 


124
المركز الثقافي الفرنسي يفتتح معرض رابطة الفنانات التشكيليات
(الفن من خلالهن)

   اقام المركز الثقافي الفرنسي في العراق وبالتعاون مع رابطة الفنانات التشكيليات ومؤسسة المدى للاعلام والثقافة والفنون معرضا للفن التشكيلي بمناسبة الذكرى المئوية للاحتفال بعيد المرأة العالمي.
   افتتح المعرض القائم بالاعمال في السفارة الفرنسية في العراق السيد(عيسى مارو) والملحق الثقافي الفرنسي السيد(جان كي سركيس) والسيدة (لامعة الطالباني) رئيسة رابطة الفنانات التشكيليات، السيدة (تضامن عبدالمحسن) ممثلة عن السيد وكيل وزارة الثقافة (فوزي الاتروشي) الذي بعث باقة ورد للمرأة العراقية بمناسبة الذكرى المئوية لعيدها، وتعتبر هذه المرة الاولى التي يحتفل بها المركز الثقافي الفرنسي بهذه المناسبة لتعزيز موهبة الفنانات العراقيات ولتفهم التطور الثقافي الحاصل مؤخرا في العراق.
   يعتبر المركز الثقافي الفرنسي المركز الاوربي الوحيد الموجود في العراق ولم يغلق ابوابه ابدا بكل الظروف منذ ان افتتح لاول مرة، فهو شاهد على الحركة الفنية العراقية ، ويعمل جاهدا لترسيخ الثقافة واللغة الفرنسية ولتعزيز الشراكة الثقافية بين فرنسا والعراق، جاء ذلك في كلمة الافتتاح للسيد مارو بعد الترحيب بالحضور مشيرا الى ان هذه الفعالية الثقافية انما تعكس جانب من مكانة المرأة العراقية في المجتمع  معتبرا انها العامل الاساس في بناء المجتمع الحديث حيث تلعب دورا رياديا في كل القطاعات الحيوية. وقد اضاف (ان عملنا يطمح قدر المستطاع الى مواكبة جهود المرأة هنا وفي كل مكان من اجل بناء مجتمع يتمتع بالمساواة بين الرجل والمرأة والتنوع الذي يشكل اثراء للهوية الوطنية والتسامح والتعايش بين جميع شرائح المجتمع لبناء مجتمع راق ومزدهر).
   كما شارك السيد مفيد الجزائري رئيس تحرير جريدة طريق الشعب في كلمة هنأ فيها المرأة العراقية بعيدها المئوي متمنيا لها مزيد العطاء لبناء مجتمع واع مزدهر، كما اتحف الحضور ببعض ابيات للشاعر الكبير الجواهري يحيي بها المرأة.
   تضمن المعرض عرض لاكثر من 50 عمل فني بين رسم ونحت وخزف لعدد كبير من الفنانات العراقيات المبدعات الذي يعكس دور الفنانة التشكيلية العراقية في تجديد وتطوير المجتمع الثقافي، وفي ابراز الوجه الحضاري والفني للعراق والعمل على الارتقاء بالذوق الفني لكافة فئات المجتمع العراقي وذلك باقامة المعارض الفنية والنشرات الثقافية والتعريف بتاريخ الفن على اعتبار ان الفن هو جزء مهم من ماضينا الحضاري وعامل اهم في التطور المستقبلي.
   وفي ندوة عقدت على هامش الاحتفالية تحدثت فيها السيدة لامعة طالباني عن تأسيس الرابطة والسبب من هذا التشكل وعرضت اهداف الرابطة مستعرضة المسيرة الفنية في العراق منذ بدء الحضارة، مشيرة الى ماتعرض اليه العراق من دمار وحروب وفي مراحل مختلفة من تاريخه ولكن تستمر الحركة الثقافية والفنية من خلال الفنانين الموهوبين.
   كما اشار السيد مارو اثناء الندوة الى ان الحركة الفنية في العراق ليست جديدة بل هي قديمة قدم التاريخ وان حضارة عمرها 7000سنة يجب ان يفخر بها العراقيون بما تحمل من فن وتعكس واقع ثقافي عريق صار يجري في دماء الشعب العراقي. متمنيا ان يكون هناك تبادل ثقافي بين فرنسا والعراق باقامة اسابيع ثقافية عراقية في فرنسا لنقل الثقافة والفن والواقع الحضاري العراقي.
    وقد حضر هذه الاحتفالية عدد من الفنانات والفنانين ومنظمات المجتمع المدني وجمهور متذوق للفن .


125
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يزور البيت الثقافي في الرمادي

   زار السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يوم الخميس الموافق 3/3/2011 البيت الثقافي في الرمادي بعد تعرضه لعملية ارهابية بحزام ناسف يوم 24/2/2011.
   فقد تعرض البيت الثقافي في الرمادي للعملية الارهابية اثناء اقامة احتفالية بمناسبة المولد النبوي بالتعاون مع اتحاد الادباء الشعبيين فرع الانبار، وقد ادى الحادث الاجرامي الى استشهاد 14 شخص و24 جريح بين حالة خطرة ومتوسطة من الشعراء وموظفي البيت الثقافي. وكان برفقة السيد الوكيل عدد من اعضاء مجلس محافظة الانبار وقد اطلعوا على حجم الاضرار التي لحقت بالبيت الثقافي.
   وفي مبنى محافظة الانبار تم استضافة السيد الوكيل لاجتماع كان منعقدا برئاسة السيد وزير المالية رافع العيساوي مع شيوخ عشائر الانبار للنظر في مطالب اهالي المحافظة في مايخص الخدمات والوضع الامني في محافظة الانبار، وقد قام عدد من الشيوخ بتقديم طلبات تتعلق بالواقع الثقافي في المحافظة الى السيد  (فوزي الاتروشي) لعرضها على معالي وزير الثقافة والنظر فيها.
   بعد ذلك قام السيد الوكيل بزيارة الجرحى في المستشفى واطلع على حالتهم الصحية متمنيا لهم الشفاء العاجل والعودة الى اهلهم واعمالهم ومواصلة حياتهم للانتصار على الارهاب الذي يريد الدمار للعراق والعراقيين.
   وقد اجرت عدة فضائيات لقاء مع السيد الوكيل وعضو مجلس المحافظة فارس طه حيث ابدوا استنكارهم للحادث الارهابي الذي تعرض له البيت الثقافي وقد اشار السيد فوزي الاتروشي الى ان كل اعتداء ارهابي على الشعب والحكومة هو لتعطيل العملية السياسية وافشال العملية الديمقراطية وضرب الثقافة من خلال ضرب البيوت الثقافية والمثقفين ولكن مادام الارهاب يعمل في الظل فأكيد ان له نهاية.   


126
لقاء (جريدة الجماهير) مع وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي

                                                                                    حاوره:حسين مطشر و حكمة معيول
 
•        سؤالنا الاول سيكون عن سياسة المفتشية بشكل عام
-         أنا مع تفعيل المؤسسة الرقابية في المجتمع العراقي كل مايجري من عمليات الفساد الاداري والمالي يوجب على كافة المؤسسات الرقابية وصيانة استغلاليتها وتحصينها من اجل تنمية الوعي العلمي في العراق.
 
•        هل قدمت الوزارة دعما يمكن ان يوقف الفنان والصحفي والاديب والشاعر على اقدامهم لضمان مستقبلهم؟
-         انا اعتقد ان وجود خطوات جيدة باعطاء منحة مالية للمثقفين على مدى الحياة لاكثر من 12 ألف مثقف وهذه التفاتة بدءا من بغداد والمحافظات العراقية اتباعا من خلال البيوت الثقافية وانا باستمرار بعقد مؤتمرات مع الادباء والمثقفين ونجوم الفن والاعلام العراقي ولدينا علاقات مع دول الجوار لبناء هيئة ثقافية رصينة لثلاثة سنوات قادمة.
 
•        ماهو حجم رعياتكم للاسرة الثقافية لاسيما اولئك الذين يعتبرون من الجيل الاول؟

-         عملنا كثيرا على ان نخلد المبدعين العراقيين والذين هم على قيد الحياة والمتفوقين(ماديا ومعنويا) ونحن نعمل بأطار مبرمج.
 
•        هل هناك دور للثقافة غير اتحاد الادباء من اجل استقطاب وتنمية مواهب الشباب.

-         مازلنا بمهمة منتصف الشوط علينا نشر توعية المثقف العراقي والجيل الجديد معنا مهيئين له فضاء الحرية ولا نقبل اي ضغوط او تقييد وهناك جائزة الابداع ودرع التميز وشهادات تقديرية ومكافآت مالية لكافة اطيافه داخل العراق وخارجه.
 
•        كيف يكون استقبالك للضيف والزائر او احد محرري الصحف؟
-         انا مكتبي مفتوح للزائر والاعلامي والمواطن طيلة ايام الاسبوع وايضا الى المبدعين والفنانين واعلملك لم يؤخرني يوما الزائر عن عملي وواجبي في الوزارة.
•        ما هي امنية السيد الوكيل؟
-         اتمنى في بداية الامر استقرار الوضع الامني وان تسود الاخوة وعدم التفرقة.


127
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر المهرجان الثاني للفلم الياباني

   حضر السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي افتتاح المهرجان الثاني للفلم الياباني الذي اقامته السفارة اليابانية في مقرها يوم الخميس الموافق (3/3/2001).

   وابتدأ الحفل بكلمة السفير الياباني (سوسومو هاسيغاوا) مرحبا بالحضور ومعبرا عن سروره لافتتاح هذا المهرجان للمرة الثانية في العراق مشيرا إلى التعاون الثقافي المستمر بين اليابان والعراق خاصة وان اليابان قامت بالتعاون مع العراق بعد 2003 في المجالات الثقافية والصناعية، وقد اضاف (نحن هنا لنقدم بعض من ثقافة اليابان للشعب العراقي لان اليابان هي من الدول الصناعية والثقافية الوحيدة ماعدا الدول الغربية بعد الحرب العالمية الثانية، وعندما تشاهدون الفلم سوف تتعرفون على ثقافتنا).

   ثم جاءت كلمة السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي التي عبر فيها عن سعادته لحضور المهرجان للسنة الثانية للاطلاع على المنجز الثقافي الياباني من خلال السينما وقد اضاف سيادته (قد تكون اليابان بعيدة عنا جغرافيا ولكنها اقرب ماتكون الينا في معاناتنا، فنحن ننظر اليها كتجربة تنموية ناهضة وكنموذج متحضر بعد الحرب العالمية الثانية، فمن المؤكد ان تجربتنا بعد 2003 هي من ركام الحروب فنحن بحاجة لأيدي صديقة لدعمنا في التقدم في عراقنا الجديد). وقد اشار إلى ان وزارة الثقافة حريصة على التبادل الثقافي  بين البلدين وامكانية تجديد اتفاقية 1957 المنقعدة بين البلدين.

   وقد ذكر سيادته (انتم تعلمون اننا دولة حديثة في الديمقراطية بعد سقوط الدكتاتورية وتبدو تجربتنا الاقوى بين الدول العربية رغم المعوقات التي تصادفنا والسبب بسيط جدا لاننا بلد ديمقراطي في بداية نشوئه لذا نحن بحاجة للاطلاع على ثقافات العالم وتطويرها وتطبيقها في بلدنا).

   وقد اكد سيادته على ضرورة اقامة ايام ثقافية متبادلة بين البلدين للاستفادة مزيدا من ثقافة اليابان وعبر عن اعجابه بالتجربة اليابانية الثقافية والاقتصادية والتنموية.

       بعدها عرض الفلم الياباني الذي يحمل عنوان (الحب والكرامة) الذي يتحدث عن جندي من الساموراي ويصور معاناته ونضاله من اجل كرامة الانسان.

   وقد حضر الحفل من السفارة اليابانية القائم بالاعمال (السيد اندو) والسكرتير الاول (السيد سومي) والسكرتير الاول (السيد غيبا) في القسم الثقافي السياسي، كما حضر وفد من وزارة الثقافة من البيوت الثقافية ومن دائرة العلاقات الثقافية، ومثل عن وزارة الخارجية، وعدد من الفنانين.

   وفي ختام الحفل اجرت بعض القنوات لقاءات مع السيد السفير والسيد الوكيل للتحدث عن التعاون الثقافي العراقي الياباني.

 

 

128
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر مهرجان نادي الصيد للشعر الذهبي الثاني

   حضر السيد الوكيل فوزي الاتروشي نيابة عن معالي السيد الوزير مهرجان الصيد الشعري الذهبي الثاني الذي اقيم على قاعة بغداد في نادي الصيد العراقي، يوم السبت الموافق 5/2/2011.

   يقام هذا المهرجان للسنة الثانية حيث يتبارى مجموعة من الشعراء بقراءة قصائدهم وتقوم لجنة تحكيمية لاختيار افضل شاعر، واللجنة تتكون من الشاعر محمد حسين ال ياسين، والناقد فاضل ثامر والاستاذ عادل الجبوري.

   ابتدأ المهرجان بكلمة للسيد (عماد الدين العبد) قائلا ان اقامة مثل هذه المهرجانات هي عامل دفع للحركة الثقافية في العراق، حيث يقوم النادي بشكل دوري بتكريم ادباء وفنانين وممثلين ومثقفين لتعزيز الحركة الثقافية في العراق وان هذه المهرجانات هي بدعم كامل من نادي الصيد نفسه.

   وعبرت السيدة (سناء وتوت) رئيسة لجنة الثقافة والاعلام في نادي الصيد عن افتخار النادي باقامة مثل هذه المهرجانات التي تدعم المثقفين والحركة الثقافية في العراق.

   ثم القى الشعراء المشاركون وهم عشرون شاعرا منهم: مثنى محمد النوري، جليل شعبان، حمد الدوخي، عبدالهادي صادق، سمرقند الجابري، نذير المظفر، احمد خليل لويس، وعارف الساعدي، وقد فاز الشعراء سمرقند الجابري ونذير المظفر واحمد خليل لويس بالميدالية الذهبية كأفضل شعراء.

   وقد حضر المهرجان عضو البرلمان السابق السيد فوزي اكرم ترزي، والسيد مدير عام دائرة العلاقات السيد عقيل المندلاوي، وعدد كبير من المثقفين والادباء والفنانين.

   واقيم على هامش المهرجان معرضا للكتب القيمة بالتعاون مع مؤسسة المدى، وكذلك معرضا للوحات الفنية للرسام رؤوف العطار.

129
مؤسسة عيون للثقافة والفنون تقيم مهرجانها السنوي الثالث

اقامت مؤسسة عيون للثقافة والفنون المهرجان السنوي الثالث الذي اقيم تحت شعار (المبدعون صناع الحياة ومجد الوطن) على قاعة المسرح الوطني يوم السبت الموافق 5/1/2011، لتكريم المبدعين من الفنانين والاعلاميين والمثقفين الذين فازوا في استفتاء (مجلة عيون) لعام 2010.
   وقد حضره السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي نيابة عن السيد الوزير حيث افتتح السيد الوكيل على هامش المهرجان، معرضا فنيا شاملا للرسم والخط والحرف الشعبية والصور الفوتوغرافية ورسم الكاريكاتير.

    بدأ الحفل بالنشيد الوطني تلاه كلمة للسيد (عباس لطيف) رئيس اللجنة المشرفة على نتائج الاستفتاء اشار فيها إلى قيام مؤسسة عيون بهذا الاستفتاء السنوي لتأشير المنجز الثقافي والفني والاعلامي خلال عام كامل، واشاد بالجهود المبذولة التي عملت طيلة عام من اجل تعميق المسار الثقافي فمن حق كل اديب وفنان ومثقف ان يحتفى به للاعلان للعالم بان العراق مازال مزدهرا رغم الصعاب وان هذه الجهود هي من شأنها الارتقاء بالمنهج الديمقراطي للعبور بالوطن إلى ضفة الابداع والسلام. واضاف قائلا ((لا تحول ولا ثورة دون احتواء للمثقف، فعندما تسقط السياسة يسقط النظام، ولكن عندما تسقط الثقافة يسقط الوطن، كل الثورات في كل العالم لم تنبثق الا عبر تأسيس تنويري ولاسيما ان المثقف العراقي يواجه ثقافة الاحتراب من العاملين الجدد والمحافظين الجدد)).

   بعد ذلك القى السيد الوكيل فوزي الاتروشي كلمة بدأها ((انا بينكم اليوم لا كوكيل لوزارة الثقافة وان كنت منتدبا لنقل تحيات السيد الوزير اليكم جميعا بل كمثقف))، وقد اكد على كل كلام (عباس لطيف) بان السياسة حينما تسقط يسقط النظام ولكن الثقافة عندما تغيب يغيب الوطن. موجها صرخة استنكار إلى كل من يحاول ان يجعل الثقافة في مؤخرة المجتمع وليس في مقدمته مؤثرا وفاعلا في القرار السياسي.

    ولقد عبر سيادته عن الفخر العراقي لان العراق من أول الدول العربية التي رفضت الدكتاتورية وازاحتها ثم جاءت بعدها الدول الأخرى. واعتبر ان هتك الثقافة هو انذار للمثقفين جميعا ويجب ان لاتغيب الثقافة ولا يجوز لاي حزب او سياق فكري او ايديلوجي او ديني ان يفرض نفسه تحت دولة ديمقراطية دولة التعايش السلمي والسياسي  والديني، واضاف ((اعلن من هنا بأسم الوزارة نحن ضد أي محاولة لتقزيم المثقف العراقي ونقف مع الدستور في تفسيره الديمقراطي التعددي ضد كل من يحاول ان يجعل الدستور مغنما شخصيا)).

   وهنأ المثقفين والمبدعين بهذا الاحتفاء متمنيا ان يكون سنويا كجزء من التعبير عن الوفاء للمثقفين بناة الوطن.

   ثم جاءت كلمة نقيب الصحفيين مؤيد اللامي الذي وجه تحية إلى الصحفيين والاعلاميين الذين يتساقطون في مصر لايصال الكلمة والحدث إلى كل العالم. موجها كلمة تشديدية إلى الظلاميين الذين يريدون ان يسلبوا الحرية من المثقفين والصحفيين ( بأنكم لن تقدروا).

   بعد ذلك بدأت الفرق بتقديم عروضا راقصة وعزف على العود، ثم تم توزيع الجوائز على الفائزين على انغام القانون بعزف الفنان (وليد حبوش) وقد فاز كل من السيد فاضل ثامر كأفضل شخصية ثقافية، والسيد شفيق المهدي، كأفضل شخصية ادارية والفنان حيدر منعثر كأفضل فنان، والسيدة صفية السهيل كأفضل شخصية نسوية، والزميل سامر المشعل من جريدة الصباح لافضل مطبوع فني، والمصور علوان السوداني كافضل فوتوغرافي، اضافة إلى عدد من الفائزين.

   وقد حضر الحفل عدد من اعضاء البرلمان العراقي، ومدير عام دائرة السينما والمسرح السيد شفيق المهدي، ومدير دائرة العلاقات السيد عقيل المندلاوي، ونقيب الصحفيين ونقيب الفنانين واللواء قاسم عطا، وقد اكتظ المسرح بالجمهور من المثقفين والادباء والفنانين.


130
دار الثقافة والنشر الكردية تحتفي بالباحث والمؤرخ العراقي زهير احمد القيسي



اقامت دار الثقافة والنشر الكردية احتفالية للاحتفاء بالباحث والمؤرخ العراقي زهير احمد القيسي على قاعة الدار يوم الاثنين الموافق 7/2/2011، وقد حضره السيد وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي نيابة عن السيد الوزير. وقد القى كلمة اكد فيها للحضور توجه الوزارة نحو مشروع لاستحضار واستذكار كل الاسماء التي حفرت اخدودا في المسار الثقافي العراقي سواء الكردي او العربي قائلا ((ان هناك اسماء لمثقفين عرب كتبوا للثقافة الكردية واسماء كردية كتبوا للثقافة العربية وهذه خدمة للثقافة العراقية، و(زهير احمد القيسي) خدم الثقافتين العربية والكردية، فالاحتفاء به وهو المؤرخ والباحث والمثقف وفاءا له ولكل من يتقدم بالثقافة العراقية إلى درب الابداع والسلام.)).

    وقد اضاف سيادته ((بان دار النشر الكردية التي تأسست عام 1970 بعد اتفاقية آذار كانت الدار الوحيدة المكرسة لتقديم النتاج الثقافي الكردي بل انها كانت الوحيدة في العالم المعنية بالثقافة الكردية اما الآن فقد تعددت المنابر التي تنتج الثقافة الكردية وهناك المئات من المنابر الاعلامية المقروءة والمرئية والمسموعة في إقليم كردستان، ولكي تبقى دار الثقافة والنشر الكردية مهيئة للظرف الجديد وان تبقى جسرا بين الثقافتين العربية والكردية فاننا اقدمنا على اغلاق مجلة (كرميار) واصدرنا مجلة (جسر) بالعربية لربط الثقافتين العربية والكردية وابراز الملامح الثقافية الجديدة.)).

   ثم جاءت كلمة السيد مدير عام دائرة الثقافة والنشر الكردية جمال العتابي شكر فيها وزارة الثقافة لاهتمامها وتواصلها مع نشاطات الاحتفاء بالمثقفين العراقيين، متحدثا عن النشاطات والفعاليات المتنوعة للدائرة لتقديم المشهد الثقافي بعيدا عن التعصب والتحجر والانزواء مؤكدا ان الثقافة بمعناها الاشمل تعني الحياة والاستزادة المعرفية، والتعامل مع الحقائق ومعطيات العصر الجديد. مشيرا إلى إقليم كردستان الذي  بدأ يؤسس لثقافة الحداثة والتجديد والحرية، واضاف في كلمته ((ان اقدامنا على طبع مؤلف للاديب زهير القيسي وفق هذه السياقات هو خطوة اولى لتعميم هذه الثقافة، فلم تعد الثقافة الكردية تخص شعبا او قومية ما.. انها ثقافة انسانية تتطلع نحو الافاق المشرقة.))، مشيرا إلى ضرورة ان تهتم الوزارة بهذا الارث العظيم من المبدعين الذين يمثلون الموروث الإنساني والحضاري للعراق مثل زهير القيسي، وعبدالله كوران ومصطفى جمال الدين وجواد سليم..

  بعد ذلك قدم كل من الاستاذ كاظم سعد الدين والاستاذ مؤيد البصام ومثقفون آخرون كلمات بحق الباحث المحتفى به (زهير احمد القيسي)، الذي شكر بدوره دائرة الثقافة الكردية وشكر السيد الوكيل لاهتمامهم به وشكر الحضور متمنيا ان يحفظ الله العراق والعراقيين.

   وفي الختام قدم السيد وكيل وزارة الثقافة باقة ورد للباحث زهير احمد القيسي، متمنيا له دوام الصحة والعطاء للثقافة العراقية.



131
اختتام فعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية 2010

   أعلن وكيل وزارة الثقافة العراقية رئيس اللجنة العليا لفعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية 2010 فوزي الاتروشي اختتام الفعاليات في احتفالية أقيمت على قاعة النشاط المدرسي في مدينة كركوك أمس السبت 15/1/2011.

وأشار السيد الوكيل ان الفعاليات قدمت من مختلف الاطياف العربية والكردية والتركمانية والكلد واشورية وبالتعاون بين وزارة الثقافة الاتحادية ووزارة الثقافة والشباب في اقليم كردستان وبتمويل منهما.

وكانت فعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية 2010 بدأت موسمها الأول في بداية العام المنصرم.

132
باقة ورد من وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
 الى دار الشؤون الثقافية

   بعث وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي باقة ورد إلى دار الشؤون  الثقافية وتسلم الباقة السيد نوفل ابو رغيف مدير عام الدار الذي بدوره قدم شكره للاستاذ فوزي الاتروشي .
   هذا واقامت دار الشؤون الثقافية العامة احدى دوائر الوزارة في يوم 27/12/2010 اصبوحة ثقافية سنوية تحت شعار ((ثورة الامام الحسين (ع) هوية انسانية ومثابة للابداع وشموخ يتوحد في ظله العراقيون)) القى فيها مدير الدار كلمة ترحيبية بالحضور. ثم القى الحاضرون كلمات بالمناسبة المقامة.
  وحضر الاحتفال ممثل عن وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي، والمستشار الثقافي للوزارة وممثل عن المفتش العام في الوزارة ومدير عام دار الثقافة الكردية للنشر واحسان القريشي رئيس الجامعة المستنصرية واساتذة جامعات ومدراء عامين .


133
((عراق مجانا)) وكتب الشكر مجانا

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
   سابقا كانت حبوب (عراق مجانا) اشهر دواء في العراق توصف للمرضى في كل مستشفيات العراق بغض النظر عن مرضهم، فيبدو ان هذه (الحبوب السحرية) كانت تحمل الشفاء والعلاج الناجع لاي مريض مهما كانت اعراضه. والحق ان هذه الحبوب لم تكن سوى دواءا مسكنا ومخدرا يؤجل الالم ولا يفي نهائيا بالعلاج. وحال كتب الشكر المجانية في العراق الآن مثل هذه الحبوب المهدئة تمنح للكل دون تمييز او مفاضلة.

   ومن يراجع ارشيف الوزارات العراقية سيجد جبلا من كتب الشكر (أهديت) لمتقاعسين ومتكاسلين وغير منتجين نهائيا، واي كتاب شكر يترتب عليه علاوة او مكافأة او قدم في الخدمة وهذا يعني بعبارة أخرى ان غالبية الموظفين سيتقاعدون قبل السن القانونية بعد عقود من الزمن.

   لقد اصبح الولاء الطائفي او القومي او الحزبي او العشائري او المناطقي يلعب الدور الاكبر في توجيه الشكر للموظفين، وهذه ظاهرة فساد فاقعة لا ينتبه اليها الكثيرون، بل وحتى الجهات الرقابية مثل هيئة النزاهة ودائرة الرقابة المالية وغيرها من الدوائر المكلفة بمراقبة سلوك الموظفين لا تكلف نفسها بالبحث في عملية المساواة المجحفة بين المسيء والجيد من العاملين في دوائر الدولة.

   ان الموظف العراقي المتميز لم يعد ينتظر الشكر والمكافأة والاشادة بجهوده لان القرابة والولاءات الصغيرة الهامشية والمصالح المتبادلة هي المعيار لمنح الشكر مايدفع الوضع الاداري والاقتصادي في العراق إلى مزيد من التردي والفشل.

   في كل دول العالم المتحضرة يعتبر الموظف خادما ومكلفا بالعمل لقاء راتب شهري، اما المكافأة والشكر فهما امر نادر ولا يحظى به الا من يقدم على عمل متميز فعلا بحيث يعتبر استثناءا على القاعدة. وهذا بالمفهوم التطبيقي يعني ان الموظف الالماني اوالسويدي او الهولندي او الامريكي او الفرنسي او حتى في الدول النامية التي تحترم نفسها لا يتقرر له شكر او مكافأة الا إذا واظب وعمل وتميز وقدم شيئا ملحوظا وملفتا للنظر. اما في العراق فالامر مختلف جدا، ولذا نجد مستوى الفساد الاداري والمالي في الدول الانفة الذكر وغيرها من دول العالم المتطور اقترب من الصفر، اما عندنا فقد اصبح الفساد اخطر ظاهرة في تاريخ البشرية. اقول هذا لان العلماء والخبراء وذوي الكفاءة والتميز والنزاهة في العراق كثيرون ويعملون بصمت دونما صراخ، لذلك لا يوجه لهم الشكر.

   ان (زها حديد) مثلا بلغت ذروة المجد عالميا ولم يلتفت لها احد وهناك اكثر من (40) مبدعا عراقيا فازوا بجوائز دولية في شتى فنون المعرفة، واقامت لهم (جمعية الثقافة الديمقراطية) احتفالية للاشادة بهم. في حين لم ينل هؤلاء من وزارتنا لغاية الآن اية التفاتة معنوية او مادية كعلامة وفاء لهؤلاء الذين عملوا واجادوا وحصدوا الجوائز رافعين اسم الوطن العراقي عاليا. وقد سميتهم بحق العنوان المرجعي الكبير والعريض للعراق في مقال لي بعنوان (المبدعون عنوان وطن) نشر في الصحف. وهم اهل للشكر والتقدير والعرفان، ولكن لانهم لا يستجدون الشكر على ابواب الوزارات والمؤسسات لذلك لا يلتفت اليهم احد.

   اننا نناشد كل الهيئات الرقابية المؤثرة في الدولة إلى الوقوف بجدية امام هذه الظاهرة الخطيرة وعدم ترك الحبل على الغارب، وندعوها لعدم التعويل على كتب الشكر المجانية الا بعد التدقيق والتمحيص  في ملف الموظف وسلوكه التطبيقي في العمل، كي لا ينطبق علينا قول الشاعر:

                     يا أمة ضحكت من جهلها الأمم

134
مسعود محمد القلم المضيء

                                                                       
فوزي الاتروشي
                                                                      وكيل وزارة الثقافة

   ان تفكر بصوت عال وتحفر بالقلم مناجم الحقيقة لوضعها عارية تحت قرص الشمس، وان تحمل معاول البناء ضد كل ادوات ترميم القيم الجميلة في الحياة. فان تلك فضيلة كبيرة لا يتحلى بها إلا القلة القادرة المؤثرة الفاعلة والطامحة إلى التغيير مهما بلغت الصعاب.
   وقلم الكاتب والمفكر الكردي مسعود محمد احد افراد هذا الفصيل الثوري من الاقلام التي ان رحلت خلفت وراءها ضلالا وارفة مازالت تبعد عنا رغبة اليأس وتقدمنا على بوابة الامل. ان هذه القامة الكردية الشامخة التي استحضرناها إلى الذاكرة يوم 20/9/2010 تستحق ان نقف عندها اكثر من مرة لتضاعف كل مرة فينا الاعجاب بقلم لا يهادن وبفكر ثاقب لا يساوم وبإرادة لا تتنازل رغم سنوات القمع الدكتاتوري التي كانت تغلق بوابات الكتابة الحرة على كل المثقفين العراقيين ومنهم الكتاب والأدباء الكرد وأحد رموزهم الكبيرة في المجمع العلمي الكردي آنذاك مسعود محمد لقد قلنا أثناء حفل الاستذكار (إن مسعود محمد يشكل جسرا للتواصل الاخضر بين الثقافتين العربية والكردية تميز بالصدق والجرأة والصراحة في طروحاته كمثقف مناضل). وهذا بالضبط ما ينطبق على المفكر الراحل الذي ولد عام 1919 في مدينة كويسنجق وتخرج عام 1945 في كلية الحقوق بجامعة بغداد وشغل منصب قاضي في السليمانية، ثم عضوا في مجلس النواب ووزيرا عام 1964 الا انه استقال من منصبه استنكارا لمواقف الحكومة آنذاك تجاه الشعب الكردي. وهذه الاستقالة من المنصب من اجل موقف تبين مدى صدقية هذا المناضل المفكر وهي حالة يندر حصولها في وقتنا الراهن فالوزراء لا يستقيلون الآن حتى لو فقدوا كل ما يجيز لهم البقاء في الوزارة. المقارنة هنا اذن بين مفكر يحارب من اجل الحقيقة والعدالة والسلام فلا يجد في المنصب الا فرصة للمذمة المضاعفة، وبين آخرين يعتبر المنصب غايتهم القصوى.
   لقد ناضل مسعود محمد حين كانت الدكتاتورية البغيضة في ذروة قوتها والحلقات التي يكتبها الآن الكاتب الكردي مصطفى صالح كريم عن اتحاد الأدباء الكرد في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وعلاقته المتأزمة مع السلطة تلقي الضوء على ما كان يعانيه الكاتب الكردي من اجل الحفاظ على هويته والكتابة عن قضاياه العادلة.
   في ذلك  الوقت بالذات كان مسعود محمد وآخرون يمتنعون عن الخضوع وهذه حقيقة ينبغي ان لا ينساها الجيل الحالي لكي يدرك ان ثمار الآن ثمة من زرعها وسقاها قبل عقود من الزمن.
   كان مسعود محمد غزير الكتابة وكانت قريحته حبلى بالمعلومات السياسية والادبية وقد كتب اطول دراسة عن الشاعر الكردي الكبير (حاجي قادر كويي). وفي الوقت الذي عارض بعض الطروحات الشيوعية لم يكن ذلك بدافع العداء والمعارضة الفجة وانما انطلاقا من قناعات فكرية آمن بها ودعا اليها حتى رحيله.
   لقد كان مسعود محمد قلما مضيئا اجمل ما فيه الصدق  والصراحة وقول ما يؤمن به دون مواربة.
وهذه هي دوما صفة الكاتب الذي يبقى محفورا في ذاكرة الزمن.
 


135
انطلاق الموسم الثاني لفعاليات كركوك عاصمة للثقافة العراقية 2010

       قال وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي رئيس اللجنة العليا لفعاليات كركوك " ان كركوك هي مدينة التألق ونموذج للتعايش السلمي بين مكوناتها وتشهد تنوعا ثقافيا منذ الأزل وان الموسم الأول من الفعاليات كان متواضعا وكما سيكون في هذا الموسم بغية تفعيل تنوع الثقافات في العراق " جاء ذلك خلال كلمة القاها في الحفل الذي أقيم في قاعة النشاط المدرسي بمدينة كركوك يوم 17/10/2010 إيذانا لانطلاق الموسم الثاني لفعاليات كركوك عاصمة للثقافة العراقية لعام 2010 بالتعاون مع مديرية الثقافة في حكومة الاقليم .
   ومن جهته قال وزير الثقافة والشباب في حكومة إقليم كردستان كاوه محمود في كلمة القاها بالمناسبة " ان مشاركة فرق الاقليم المتمثلة بمدن كركوك والسليمانية واربيل لها مغزا كبيرا حيث تعبر عن اهمية لغة الثقافة التي هي لغة التفاعل والحوار والعيش المشترك وان وزارة الاقليم ستواصل دعمها من اجل الارتقاء بالثقافة العراقية بصورة عامة وكردستان بصورة خاصة ".
 والقى السيد فاضل الجاف كلمة اللجنة العليا للمهرجان اشار فيها الى تجربة الثقافة في اقليم كردستان العراق باعتبارها جانبا انسانيا وتعدديا وشموليا يشمل جميع المكونات بكردها وتركمانها وعربها وكلدواشورها متمنيا النجاح لفعاليات الإقليم في إطار فعاليات كركوك عاصمة للثقافة.
   بعد ذلك انطلقت فعاليات اليوم الأول ضمن الموسم الثاني حيث قدمت فرقة كركوك دبكات سريانية وتركمانية وعربية تلتها فعاليات للفرقة القومية للفنون الشعبية التابعة لوزارة الإقليم.
                         
 
   ويذكر أن الموسم الثاني للفعاليات يستمر لغاية 9/12/2010 ويتضمن تقديم حفلات غنائية وموسيقية لمركز علي مردان للمقام في كركوك وفرقة اربيل وفرقة منظمة فناني كردستان بكركوك وفرقة كركوك للموسيقى وفرقة جماعة نوروز اضافة الى الاسبوع الثقافي للفلم الكردي ومعارض تشكيلية ومهرجانات تراثية وادبية لدائرة الثقافة بكركوك ومركز اريز وجمعية الثقافة والفنون الكردية ومشاركة اتحاد الادباء والكتاب الكورد واتحاد ادباء العراق واتحاد فناني تركمان العراق ومركز المقام .
ومن الجدير بالذكر ان كركوك التي تقع على بعد 250 كم شمال شرق العاصمة بغداد اختيرت عاصمة للثقافة العراقية هذا العام كونها تشكل مرتكزا مهما لتعدد الثقافات وانطلقت فعاليات الموسم الاول في 15 / نيسان / 2010 وقد تم تخصيص مبلغ 600 مليون دينار لتغطية فعاليات المهرجان منها 150 مليون مقدمة من اقليم كردستان و150 مقدمة من مجلس محافظة كركوك و300 مليون دينار من وزارة الثقافة العراقية .

136
نحو توسيع رقعة انتشار الكتاب العراقي

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
الكتاب المؤلف العراقي عانى من المنع والقمع وتكبيل الرأي ومن ضربات الرقيب ومقصه الذي لم يكن يرحم، أقسى المعاناة الى الحد الذي أصبح الكتاب والقصيدة واللوحة والاغنية وكل نتاجات الفكر العراقي مصدر رعب وخوف للدكتاتور السابق إذا لم تكن مفصلة وفق مقاسات ومناخه النفسي. فكم من مثقف عراقي طمرت كتبه في التراب وآخرون هربوا بجلدهم وبنتاج قرائحهم إلى الخارج لطبعها في مناخات الحرية وحق التعبير المطلق في البقاع الأوربية.

لذلك فان انفتاح الثقافة العراقية وانتشار الكتاب العراقي في المعارض الدولية الإقليمية وفي كل المحافل المعنية بتسويق وتطوير وترجمة الكتاب هو أمر يبعث على السرور في العراق الجديد. لذلك كان حضورنا للمرة الثانية إلى معرض فرانكفورت الدولي السنوي للكتاب في الفترة من 5-12/10/2010 تدشينا جديدا لنشر الكتاب العراقي في هذا المحفل الذي يعتبر الأشهر والأعرق والاهم والأكبر للكتاب في العالم. وكان وجود جناح إقليم كوردستان العراق للعام السابع ضمن هذه التظاهرة الثقافية الكبرى اغناءا لجهة تمثيل الانتاج الفكري باللغتين العربية والكردية وتناغما مع واقع الثقافة في العراق الجديد.

ان ما يجري في فرانكفورت هو أكثر بكثير من مجرد عرض عصارة الفكر العلمي على مدى سنة وهو اكبر من مجرد معرض للكتاب المطبوع والرقمي. ففي ايام المعرض الذي يزوره مئات الآلاف تجري حوارات ساخنة وتعقد ندوات ويجري عرض لأمهات الكتب الصادرة ويتم سنويا اعتبار احدى الدول ضيفة الشرف وهذا العام كان اللقب من نصيب دولة الأرجنتين التي حضرت رئيستها " كرستينا فرناندز " مع اكثر من (60) كاتبا ومفكرا من الارجنتين ودول امريكا اللاتينية وحمل الجناح الارجنتيني شعار ((ادب متحرك)) أي أدب لا يقف راكدا بل متحركا مع الظواهر والأحداث والمستجدات. لقد توزعت الكتب على مساحة (172) ألف متر مربع وشاركت (111) دولة ممثلة بأكثر من سبعة آلاف ناشر.

وبالعودة للكتاب العراقي فاننا نرى ان فرانكفورت بوابة كبرى وهامة للتعريف بواقع التأليف والنشر وحرية الفكر والابداع في العراق بعد عقود من ظلام الدكتاتورية البغيضة. ولكن المشاركة العراقية مازالت متواضعة ولابد من تفعيلها وايلاء اهتمام اكبر بها وذلك من خلال عدم الاقتصار على "الكتاب الحكومي " كما يرى بحق عدد كبير من المثقفين العراقيين في الخارج. فواقع الحرية والديمقراطية بعد التغيير يجعلنا نتوسع في اهتماماتنا في هذا المجال من خلال جعل الجناح العراقي منوعا وشاملا لكل التلاوين الثقافية سواء لجهة مصادرها الحكومية والاهلية، او لجهة العناوين المعروضة التي لابد أن تشمل الدراسات الفكرية والاقتصادية والسياسية والعلمية والتنموية التي تصدر عن المؤلفين والكتاب العراقيين. لذا نرى مراعاة ما يلي في هذه المحافل الدولية للكتاب:

توجيه الدعوة لجمعية الناشرين العراقيين للحضور لأنها الجهة المعنية بعقد علاقات عمل مع دور النشر العلمية والتعرف على آخر تطورات تقنية الطبع والنشر والترجمة، وفي نفس الوقت نرى ضرورة اشتراك اتحاد الكتاب والادباء العراقيين بنتاجاته ضمن الجناح العراقي.

وفيما يخص وزارة الثقافة فاننا سنعمل ان تكون المشاركة في العام القادم اكبر واكثر شمولية لتغطية كل جوانب العطاء الثقافي والفكري في الوزارة. فلابد من اشتراك دار المأمون للترجمة والنشر في هكذا معارض بإصداراتها باللغات العالمية للتعريف بواقع الترجمة وواقع الثقافة في العراق، كما أن إصدارات دوائر الوزارة كدائرة السينما والمسرح والفنون التشكيلية والموسيقية والأزياء ودار الثقافة والنشر الكردية ودار الوثائق والكتب وغيرها، ويجب أن تكرس لها مساحة في الجناح وبذلك نكون قدمنا خدمة لعموم الوضع الثقافي في العراق وحركة التأليف والنشر. ان توسيع قاعدة انتشار وتسويق الكتاب والإصدار العراقي مهمة عاجلة ليس لوزارة الثقافة فحسب، بل لكل القنوات المعنية بهذا الجانب لإخراج الإنتاج الفكري العراقي من إطاره المحلي.

137
برلين عاصمة الثقافة العراقية

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   حيثما انتشر العراقيون بثقافاتهم وعطائهم وألوانهم ولغاتهم تصبح الأمكنة عواصم لثقافة تريد الآن أن تمتد إنسانيا وحضاريا بعد ان تقوقعت وانطوت على ذاتها على مدى (35) عاما من الدكتاتورية. ففي برلين يلتئم المثقفون العراقيون كل عام للتواصل والتعارف والتعريف بالمنجز الثقافي في مدينة اصبحت بحق ملاذا عالميا للفن والجمال والابداع الادبي والفكري.
   وهذا العام للفترة من 18-22/8/2010 كان لنا لقاء آخر مع الفكر والادب والفن والتشكيل والسينما والمسرح والندوات الثقافية المعمقة ومع عناوين اساسية ورئيسية للثقافة العراقية القادمة من السويد والمانيا وهولندا وفرنسا وبريطانيا ودول اخرى اضافة إلى وفد وزارة الثقافة ووفد يمثل ثقافة الاقليم. اما الكاتب الكبير (علي الشوك) فقد كان حاضرا بيننا من خلال فلم تسجيلي يوثق حياته وافكاره وقد تم اعتباره الاديب المحتفى به في المهرجان.
   لقد شكل مهرجان ايام الرافدين الثقافية في مدينة برلين مرآة صادقة لثقافة ديمقراطية تعددية تنويرية وانسانية تمثل العراق الجديد بعيدا عن الانطواء الذاتي والقومي والطائفي والديني. وهذا هو الجذر الأساس الذي نرتكز عليه لبناء ثقافة ذات مستقبل زاهر ترفض أي فكر  عنصري وقومي ضيق الافق عفا عليه الزمن.
   لقد اشتركت في المهرجان بغداد واربيل للتأكيد على الآصرة الجديدة الخضراء بين العرب والكورد ولكي نقول للآخرين اننا قادرون على تنمية ثقافة بكل الالوان من الجبل إلى الهور مرورا بالسهل. لا يجوز للثقافة إلا أن تكون إنسانية لان القصيدة واللوحة والغناء والمنجز الفكري والعقلي هو منذ الأزل أداة الانسان في التماهي مع اخيه الانسان. والنظريات الحديثة في عصر العولمة والديمقراطية تجمع على ان رفض الآخر أو محاولة اقصائه امر مستحيل خصوصا اذا كان الآخر يعيش على ذات التربة ويستنشق نفس الهواء ويملك نفس الانتماء الوطني.
   لذلك اتحد عريان السيد خلف باشعاره التي الهبت الحاضرين مع علياء المالكي بنعومة مشاعرها مع عدنان الصائغ بقصائده البالغة التكثيف والايجاز والمغزى لرسم صورة قصيدة جديدة تتوجه إلى العربي والكردي والتركماني والسرياني بنفس الرسالة التي مفادها ان العراق لكل العراقيين وان العراق جميل فقط حين تزدهر كل الالوان فيه وحين نعمل تحت شعار (دع الف زهرة تتفتح). ماحدث في برلين العام الماضي وهذا العام لم يكن امرا احتفاليا ينتهي مفعوله بانتهاء الفعاليات ولم يشكل ثقلا على كاهل وزارتنا حيث اثبتت هذه الفعاليات ان اجمل الاشياء واكثرها تأثيرا يمكن ان تنجز بمبالغ ضئيلة للغاية، فالمشرفون على المهرجان والمشاركون جميعا كانوا مندفعين للعمل دون مكافأة، بل ان الكثير منهم تحمل تذاكر سفره انطلاقا من مبدأ ان خدمة الثقافة امر لا ينتظر المقابل المادي.
   بصوت عال وبكلمات واضحة كقرص الشمس ان هكذا فعاليات هي التي تؤسس للثقافة الجديدة وتضع البنيان المرصوص لعراق واقف على قدميه بجدارة، وان أي محاولة لتعميم الثقافة الشمولية، والثقافة اصلا ضد شمولية التفكير، لتصاب بالفشل والخذلان.


138
العراق يشارك في معرض الكتاب الدولي في فرانكفورت

   شارك العراق في الدورة ( 62 ) لمعرض الكتاب الدولي الذي اقيم في فرانكفورت للفترة من 5-11/10/2010 بوفد ثقافي برئاسة فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة ونوفل أبو رغيف مدير عام دار الشؤون الثقافية العامة.
   وتأتي مشاركة العراق في هذه الدورة بشكل متميز اذ شاركت دار الشؤون الثقافية العامة بجناج كبير تميز بعدد وانواع الكتب المختارة والاصدارات الفكرية والثقافية والادبية والعلمية التي تعكس كفاءة وتفاني الاديب العراقي في محاكاة الواقع وسعيه لإعادة بناء العراق والإنسان العراقي الجديد، وهي المرة الثانية للمشاركة ، إضافة إلى معرض للصور الفوتوغرافية تجسد اهوار العراق.
    أما وزارة الثقافة والشباب في اقليم كردستان فإنها شاركت في المعرض للمرة السابعة بمجموعة من إصدارات الوزارة ودور النشر الكردستانية باللغتين العربية والكردية.
   وأقيم احتفال بمناسبة افتتاح المعرض حيث القت السيدة (كريستينا فرناندز) رئيسة الأرجنتين اثنت فيها على دور وأهمية هذا المحفل الكتابي الدولي وسلطت الضوء على الأدب الأرجنتيني ودور المثقفين في القضاء على الحكم الدكتاتوري في الارجنتين وحجم معانة الادباء خلال تلك الفترة وقالت انها تنتمي إلى جيل جوتنبيرغ مكتشف آلة الطباعة والى محبي اقتناء الكتاب المطبوع إلا انه على هذا الجيل ان يتقبل الكتاب الالكتروني الذي لا يستطيع العالم حاليا الاستغناء عنه.
   ثم ألقى وزير خارجية المانيا كلمة رحب فيها بالمشاركين معربا عن سروره باختيار الارجنتين كدولة شرف لهذه الدورة، وأشار إلى عمق العلاقات مع أمريكا اللاتينية ومتحدثا عن أهمية معرض الكتاب الفكري والثقافي والاقتصادي وحجم مبيعات الكتب واصفا المعرض بانه ساحة للعلم والمعرفة ومركزا للحوار بين الثقافات والاديان السماوية.
   ويذكر ان المعرض الذي اقيم على مساحة (172) الف متر مربع شارك فيه ( 753 ) ناشرا من (111) دولة وممثلون عن دور النشر والمكتبات والجهات المعنية بإصدار وترجمة وتسويق الكتاب المطبوع ، وبلغ عدد الكتب والإصدارات المعروضة بـ(400) ألف إصدار.
    وشكل المعرض منبرا عالميا مؤثرا يؤكد على حرية الرأي والتعبير وحماية حقوق الملكية الفكرية.
    وحضر حفل افتتاح المعرض القنصل العراقي العام في ألمانيا        السيد (فارس الشكر) ووزير خارجية المانيا ورئيس وزراء مقاطعة      ( هيسن Hessen) الفدرالية وعمدة مدينة فرانكفورت ورئيس جمعية الناشرين والمؤلفين في المانيا ومدير معرض فرانكفورت واكثر من (60) كاتبا من الارجنتين ودول امريكا اللاتينية وجمهور غفير من المثقفين .


139
بحضور وكيل وزارة الثقافة (فوزي الاتروشي) والسفير العراقي في المانيا (افتتاح مهرجان المثقفين العراقيين في المهجر)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
جرى افتتـــاح مهرجان المثقفين العراقييــــــــن في المهجر يوم (18/8) في قــــاعة (دار الثقافات) في مدينة برلين بحضور وكيل وزارة الثقافة (فوزي الاتروشي) والسيد (حسين الخطيب) السفير العراقي في المانيا وطاقم السفارة .
وشارك في الافتتاح حشد من المبدعات والمبدعين العراقيين في المانيا وهولندا والسويد وفرنسا وبولندا وبريطانيا ولبنان . كما شاركت وزارة الثقافة في المهرجان بوفد ادبي ومعرض للكتب واصدارات الوزارة واصدارات دار الثقافة والنشر الكوردية اضافة الى معرض للصور الفوتوغرافية ، ومحـــــاضرة عن المسرح اعدها الفنــــان القدير(محسن العزاوي) اضافة الى مشاركة وزارة الثقافة في اقليم كوردستان بفرقة (باواجي) الغنائية .
القى وكيل وزارة الثقافة كلمة نقل فيها تحيات معالي الوزير ومنتسبي الوزارة للقائمين على المهرجان وقدم شرحاً لبعض انجازات الوزارة وجاء في كلمته "تحيات الحب والوفاء لكم ايها المبدعات والمبدعون العراقيون القادمون من ملاذات الغربة سنوياً الى هذا المكان لتتحول هذه البقعة الى عراق افتراضي ، وبذلك تلغي جغرافيا العواطف جغرافيا المكان لتصبحوا قريبين من نبض الوطن" واضاف قائلاً "ان الدعم المادي والمعنوي الذي تقدمه الوزارة للمهرجان انما هو واجب وينبغي ان يستمر التواصل الاخضر بين المثقفين في الداخل والخارج وهذا سوف يتجذر اكثر في الاجتماع المزمع عقده خلال شهر تشرين الاول القادم بين الوزارة وممثلي المنظمات الثقافية في الخارج" وابدى السيد الوكيل اعجابه بالمنهاج الغني والشامل والمتنوع للمهرجان مما يبرز المكانة العالية لنادي الرافدين الثقافي العراقي في المانيا بين المثقفين .
يُذكر ان النادي الثقافي المذكوريقيم سنوياً هذا المهرجان الذي يعتبر تظاهرة ثقافية فنية تجمع عدداً من خيرة عناوين الثقافة العراقية في المهجر ، وفي هذا السياق ركز وكيل وزارة الثقافة على صدقية المهرجان وتألقه ونجاحه في ابراز الطابع الجديد للمشهد الثقافي العراقي وقال "انكم ممثلوا المشهد الثقافي وانتم حتماً منتسبوا الوزارة وبمثابة وزارة مصغرة للثقافة العراقية في المهجر ، وبهذا القياس فالمهرجان ناجح بكم وببرنامجكم وحضور وفد الوزارة انما هو للدعم والمساندة والتضامن " . كما القى السيد (ناصر السماوي) رئيس النادي الثقافي كلمة شكر فيها وزارة الثقافة ووزارة الثقافة والشباب في الاقليم على الدعم والحضور والتعــــــاون ، بعد ذلك القى السيد (حسين الخطيب) سفير العراق في المانيا كلمة شكر فيها القائمين على المهرجان وابدى الاستعداد للتعاون مع المثقفين وتكريس المبنى القديم للسفارة كملحقية ثقافية ووضع معالم للفن التشكيلي العراقي فيها . هذا ويشارك في المهرجان نخبة متالقة من الشخصيات الثقافية والادبية والفنية بينهم د.(كاظم حبيب) الذي تم الاحتفاء به هذا العام في كوردستان العراق ، ود.(خزعل الماجدي) ود.(سعدي يونس) ود.(حسين الانصاري) ، وفي محور جدلية العلاقة بين المثقف والسياسي يحاضر السادة د.(حميد الخاقاني) ود.(حسين كركوش) ود.(صادق اطيمش) ود.(هاتف الجنابي) .
 ويتضمن البرنامج الشعري اسماء من الشعراء وهم (نعمة السوداني وعدنان الصائغ وهاتف الجنابي وعلياء المالكي وعريان السيد خلف وبلقيس حسن) . كما كان للمرأة نصيب كبير في المشاركة عبر (محور الواقع الثقافي للمرأة العراقية) الذي تقدمه (ميسون الدملوجي) و(سوسن البراك) وكذلك ندوة (المرأة في المسرح العراقي) يشارك فيها د.(حميد الخاقاني) ود.(اسعد راشد) .
وهناك ايضاً محاور عن الثقافة الالمانية والثقافة العربية والثقافة الكوردية . يذكر ان الثقافة الكوردية مشاركة عبر الفنان التشكيلي (فهمي بالايي) وفرقة (باواجي) القادمة من الاقليم والشاعر (عبد الرحمن المزوري) المقيم في برلين والسيدة (سرفراز النقشبندي) و(محسن عثمان) المقيمين في المانيا . وشمل حفل الافتتاح مقطوعات موسيقية عربية وكوردية بعدها افتتح المعرض التشكيلي بمشاركة (12) فناناً تشكيلياً  قدموا لوحات مثيرة للاعجاب . ثم جاء دور الباحث والفنان (غازي يوسف) لتقديم محاضرته المعمّقة حول الموسيقى العراقية اعقبها حوار واسئلة حول الموضوع .
وقدمت محاضرة اخرى بعنوان (عراق ما قبل التاريخ - الحضارات التسع ما قبل الحضارة السومرية) ، ويتضمن البرنامج عرض الفلم الالماني (ابي ... عمي) وفلم (شمعة لمقهى الشابندر) ويحكي قصة التفجير الارهابي ضد شارع المتنبي ومقهى الشابندر الشهير . وتقدم فرقة مسرح( اور)مسرحية (ثرثرة قد تهمك او لا تهمك) .
اما الشخصية التي يجري الاحتفاء بها وتكريمها لهذا العام فهو الكاتب والاديب العراقي (علي الشوك) .
كما يتضمن البرنامج زيارة لمتحف (بيرجامون) في برلين لرؤية اهم وانفس القطع الاصلية لأثار حضارة وادي الرافدين الموجودة في المتحف المذكور.
ان المهرجان بما فيه من تنوع واسماء لامعة وعناوين فكرية وثقافية وادبية وفنية محوريـــــــة يشكل رؤية واضحة لواقع ومستقبل الثقــــــــافة العراقية يقدم خلال الايام (18-22/8/2010) ويعكس حراكاً ثقافياً مؤثراً للمبدعين العراقيين .       



140
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يحضر أمسية تكريمية في البيت الثقافي في كركوك

تحت شعار (بالثقافة نتوحد.. وبها تزدهر الحياة) وبحضور وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي اقام البيت الثقافي في كركوك بالتعاون مع اتحاد الادباء والكتاب العراقيين- فرع كركوك أمسية تكريمية للدكتورة الاديبة الكوردية (كولاله نوري) يوم 7/8/2010 ضمن فعاليات الموسم الثقافي الاول لكركوك عاصمة للثقافة العراقية لعام 2010 والتي انطلقت يوم 20/4/2010 .
   وقال السيد الوكيل إن هذه الأمسية تأتي ضمن سلسة من الأمسيات الثقافية التي نظمها البيت الثقافي في كركوك... مرحبا بالأديبة كولاله نوري التي أتت من مدينة الحرية مدينة الثلوج روسيا البيضاء إلى حرارة كركوك بصوتها الجريء الرافض للهيمنة الرجولية والمتمرد القادر على انتزاع حقوقها كامرأة... فأهلا بها في بلد الحرية المتأخرة.
   ثم ألقت الشاعرة قصائد مختارة من دواوينها وهي (في هذا البلد الأسمر، اذا تقدم عجز الحب فيك، صباح آخر، جميلا، كانوا يحرثون الثلج/ كانوا يزرعون البحر، عطر خلاياك، الثرثارون) والتي نالت استحسان الحضور... هذا والقت الشاعرة آمنة محمود قصيدة حملت عنوان (أنتِ أنا حتى التقيكِ استعيد نفسي لأراك) إضافة إلى قصيدة للشاعر محمد عمر.
   وفي ختام الأمسية قدم السيد الوكيل باقة ورود للدكتورة الأديبة كلاله نوري مع شهادة تقديرية تثمينا لحضورها الرائع. ومن جانب آخر قدم الاتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق - فرع كركوك شهادة تقديرية للسيد الوكيل رئيس اللجنة العليا لفعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية 2010 تقديرا لتواصله مع الادباء والفنانين ومتابعته القيمة للمنجز الثقافي داخل وخارج العراق.
   يذكر أن الشاعرة من مواليد كركوك (1969) لها مؤلفات (لحظة ينام الدولفين/ اسبانيا ـ مدريد، لم يخصك هذا الضجيج/ بغداد، حطب/ اربيل) اضافة إلى مجموعة اشعار روسية مترجمة إلى العربية. وقد شاركت الاديبة في مهرجانات اقيمت في المانيا وفرنسا واوكرانيا وروسيا وتركيا وعدد من الدول العربية.
   وعلى هامش الأمسية عقد اجتماع للجنة التنفيذية في البيت الثقافي في كركوك حضره السيد الوكيل رئيس اللجنة العليا لفعاليات كركوك عاصمة للثقافة العراقية 2010 واعضاء وسكرتارية اللجنة.
  وتدارس المجتمعون تقييم الفعاليات التي قدمت للموسم الثقافي الاول والتي انطلقت نيسان الماضي وشملت نشاطات دوائر الوزارة كافة.
   واشار السيد الوكيل إلى ان فعاليات الموسم الثقافي الثاني ستنطلق يوم 16/9/2010 وتشمل اقامة مهرجان للمسرح ويتضمن خمس مسرحيات باللغات العربية والكوردية والتركمانية ومهرجان للموسيقى بمشاركة كافة البيوت الثقافية في المحافظات والاسراع بوضع نصب التآخي في مدينة كركوك والذي نفذه الفنان خالد المبارك ومشروع طباعة (50) كتابا باللغات الثلاث مع مراجعة فعاليات وزارة ثقافة اقليم كوردستان والتخصيصات المالية التي قدمت من مجلس المحافظة.

141
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
في لقاء مع فضائية (الاتجاه)

   اجرت فضائية (الاتجاه) يوم 19/7/2010 مقابلة مع وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي ضمن برنامج (اوراق معلقة) جرى فيها الحديث عن مهام وزارة الثقافة ودور المثقف العراقي وما حققته الوزارة من اجل المثقفين، وملاحظات المثقفين العراقيين على مسيرة وانجازات وزارة الثقافة.
   تحدث السيد الوكيل عن مجمل ما تحقق في الفترة الماضية لجهة التواصل مع مثقفي الداخل والخارج، وتكريم المثقفين المبدعين، ومنحة المثقفين التي تعتبر انجازا حقيقيا طال انتظاره والبيوت الثقافية ومشروع العواصم الثقافية.
   ودار الحديث عن الأسابيع والأيام الثقافية التي تنظمها الوزارة في دول العالم للتعريف بملامح المشهد الثقافي العراقي الجديد واشتراك مثقفي المهجر في الحراك الثقافي.
   وفي المقابلة تم التطرق إلى جائزة الابداع الثقافي العراقي التي تنظم سنويا من قبل الوزارة وجائزة الشعر النسوي العراقي والجوائز التي توزعها مختلف دوائر الوزارة على المبدعين في مختلف صنوف المعرفة والثقافة.
   وعبر وكيل الوزارة عن اقتناعه بحق المثقفين في توجيه النقد إلى مايرونه سلبيا في العمل على ان يكون النقد منصفا وملتزما اصول العمل المهني الاعلامي. فالوزارة تتعامل مع الفئة الاكثر حساسية في المجتمع وهم صفوة المعنيين بشؤون الفكر والادب والفن، وهذا يعني بالضرورة ان تكون لهم جميعا اسئلة واستفسارات وملاحظات واوجه نقد لتقويم مسيرة العمل.
   ودعا الوكيل السياسيين إلى فهم دور المثقف العراقي واستيعاب فضاء الحرية وحق التعبير وعدم ربط المثقف بأي سياق ايديولوجي يسيء إلى عملية الابداع وفسح المجال للمثقفين ليكونوا مشاركين حقيقيين في القرار دون تهميش او اقصاء.
 
 
 

142
باقة ورد من وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
لمناسبة يوم الطفل العراقي
   
   بعث وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي باقة ورد إلى المركز الثقافي للطفل العراقي يوم 20/7/2010 لمناسبة يوم الطفل العراقي .
   وتسلم الباقة مدير المركز السيد ضرار الحديثي الذي بدوره قدم شكره وامتنانه لراعي الطفولة الاستاذ فوزي الاتروشي الذي اثبت حضورا في كافة المناسبات التي اقيمت للنهوض بواقع الطفولة العراقية في العراق الجديد.
   هذا واقام المركز الثقافي للطفل التابع لدار ثقافة الاطفال احدى دوائر الوزارة احتفالية بالمناسبة القى فيها مدير المركز كلمة ترحيبية وعتب شديد على السادة المسؤولين في الوزارة لعدم الحضور لان الطفولة العراقية بحاجة إلى الرعاية والاهتمام انطلاقا من هذا المركز الذي هو البيت الصغير للطفل العراقي. ثم قدم اطفال دورة (نبني الوطن) النشيد الوطني، وتضمن المنهاج تقديم عرض مسرحي الاول بعنوان (من صديقي؟) والثاني بعنوان (الساحة هكذا ابهى) من تأليف واخراج د.فاتن الجراح، كما قدم اطفال روضة قصر الاطفال عرضا للازياء وانشودة بغداد، وتخلل الحفل رقصات واغانٍ واناشيد لاطفال الدورة الصيفية التي اقامها المركز.
   وحضر الاحتفال ممثل عن وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي وممثل عن المفتش العام في الوزارة ومعاون مدير عام الدار وحشد كبير من العوائل العراقية.

143
تواصل ثقافي اخضر بين بغداد واقليم كوردستان

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   جاءت مساهمات ادباء أقليم كوردستان في الاسبوع الثقافي العراقي في مصر والصدى الجميل الذي أوقعته في النفوس استمرارا لتواصل ثقافي دشنته وزارة الثقافة قبل سنين واشتدت وتيرته منذ عام 2008 ليصبح التنسيق حالة يومية يزدهر بها المشهد الثقافي الجديد في العراق لجهة الانفتاح والتواصل والتلاقح بين كل ألوان الثقافات العراقية بتنويعاتها المختلفة.
   فقد وقعنا على بروتوكول تعاون مع الوزير السابق في الإقليم وكانت لنا لقاءات عديدة معه، وبعد أن تسلم الوزير الجديد د.كاوه محمود منصبه التقيناه أكثر من مرة وكان التجاوب كبيرا من جانبنا ومن جانب الوزارة في الإقليم. ففي الأسبوع الثقافي العراقي في سوريا والإمارات شارك فنانون أكراد، ونظمت الوزارة أول مهرجان للثقافة الكردية في بغداد بحضور اكثر من (50) فناناً ومثقفاً من الإقليم في العام الماضي، وزرنا برفقة معالي الوزير ووفد ثقافي فني لافتتاح البيت الثقافي في اربيل الذي يستمر في تقديم فعالياته، ونضمنا بالتعاون مع جامعة دهوك ومنظمات المجتمع المدني في العمادية أيام ثقافية ناجحة في العمادية ودهوك.
   ويأتي كل ذلك ضمن برنامج متفق عليه للانفتاح، كما قلنا، على الثقافات العراقية وبث الاطمئنان في النفوس. إن الثقافة ومؤسساتها أصبحت واحة أمان وملاذا للانجاز والعطاء لكل العراقيين بعيدا عن أي تخندق قومي أو سياسي أو طائفي او ديني، وتأكيدا للتغيير الذي نريده ثقافياً ومترامياً ومؤثراً في عموم المشهد الثقافي العراقي. لذلك لجأنا إلى الاستفادة من زيارات الوفود الثقافية الأجنبية أيضا من خلال ترتيب لقاءات وفعاليات لها في اقليم كوردستان حيث رافقنا الوفد الثقافي الدنماركي إلى اربيل ودهوك والسليمانية وحلبجة للاطلاع على الأوضاع في الإقليم والتعرف على ثقافة المكونات العراقية كافة. ومع تعيين منسقة للعلاقات بين الوزارتين في بغداد واربيل تجاوزت العلاقات الوطيدة مجرد التنسيق إلى التعاون الكامل وقيام فنانين تشكيليين بإقامة معارض في كوردستان ومشاركة دار الثقافة والنشر الكردية التابعة لوزارتنا في فعاليات الوزارة الإقليمية ومعارض الكتب التي تقام هناك.
   ومن المؤكد أن استمرار هذه الحالة الباعثة على الأمل والفرح يعزز تمتينا للعلاقات الخضراء بين المثقفين العرب والاكرد وكل المكونات العراقية الأخرى فنحن أحوج ما نكون إليها في مشروعنا لتنمية ثقافة وطنية ديمقراطية.
   وقدمت فعاليات أيام الثقافة العراقية في ستوكهولم في الفترة من (9-15/7/2010) أنموذجا جميلا للتعايش بين الثقافات العراقية الوطنية فكانت الموسيقى والأغاني والمعارض التشكيلية والدبكات والحوارات نابضة بروحية التآخي والرغبة في بناء ثقافة جديدة ومن خلالها الإنسان العراقي الجديد الذي أرغم على الانطواء والانكفاء على الذات والاغتراب النفسي والمعنوي في الداخل والجغرافي المكاني في الخارج، وهو الآن يتنفس الحرية ومعه اكتشاف أن العراق قائم على التنوع والتعددية وان هذا هو مفصل قوته وبنائه. فقد قدمت فرقة الفنون  الجميلة الكردية المقيمة في مدينة (يوتيبوري) السويدية، والمؤلفة من (40) فنانا وفنانة رقصات ولوحات كردية وعربية حازت على إعجاب جميع الحاضرين.
    أن مشروع الثقافة الوطنية المشبعة بروح التآلف والتناغم والانفتاح على الآخر وعلى روح العصر ومتغيراته لابد ان يستمر واستمراره يتطلب تعبيد الطريق أكثر فأكثر وعلى كل المسارات بين ثقافات المكونات العراقية كافة وهذه مهمة مفصلية لوزارتنا.

144
ستوكهولم تحتضن الثقافة العراقية

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   كما في بغداد اشتد لهيب الصيف هذا العام في ستوكهولم أيضا التي من عادتها ان تبقى مغطاة بالثلوج على مدى تسعة أو عشرة أشهر من عام. لكن ذلك لم يمنع الثقافة العراقية التي تقيم أيامها في قاعاتها. فمنذ 9/7 انطلقت الفعاليات التي نظمت من قبل نادي 14تموز الديمقراطي العراقي برعاية اتحاد الجمعيات الثقافية العراقية في السويد بالتنسيق مع دائرة الثقافة في ستوكهولم. كانت إشارة البدء احتفالا غنائيا وموسيقيا بمناسبة ذكرى ثورة 14تموز، حيث حضر جمع من المثقفين وأبناء الجالية وحضرناه برفقة السفير العراقي الجديد د.حسين العامري وطاقم السفارة.
   في 12/7 كنا على موعد مع الفنان فؤاد الطائي وكذلك معرض الصور الفوتوغرافية للفنان المصور سمير مزبان التي عكست حنينا طاغيا إلى الوطن والطفولة ومحطات وملامح الحياة في المدن العراقية. وكان يوم 13/7 مكرسا لأفلام روائية وتسجيلية تحت عناوين (ذاكرة وجذور) و(تقويم شخصي) و(الأمكنة المشاكسة) و(سفر التحولات) والـ(لقالق). وفي 14/7 تضمن البرنامج حفل استقبال بمناسبة ذكرى الثورة وتأسيس الجمهورية العراقية، ثم قدم المحتفى به الباحث والمفكر د.كاظم حبيب شرحا لمجمل الأوضاع الحالية في العراق.
   ولم يكن الفناء التراثي العراقي والموسيقي بعيدين عن الفعاليات فقد أحيا الفنان جلال جمال والفنانة نورا حفلا جميلا، وقدمت فرقة دار السلام أكثر من عشرة أغنيات عراقية عريقة شدت الجمهور في القاعة. مثلما كان للمسرح العراقي مساهمة أيضا من خلال مسرحية (دعوة للاعتذار) لفرقة مسرح الصداقة.
   وقدمت فرقة (الفنون الجميلة) الكردية التي تأسست عام 1999في مدينة (يوتيوبوري) السويدية والمؤلفة من أكثر من (40) فنانا وفنانة عروضا معبرة وجميلة للغاية ودبكات كردية وعربية، كما قدم احد أعضائها بالتعاون مع الفنانة اللاتينية (روسا) لوحة (الحسجة) التي تعود للفرقة القومية للفنون الشعبية ونالت إعجاب الجمهور.
   شكلت الأيام الثقافية فرصة للقاء المثقفين والفنانين والأدباء العراقيين وطرحت مجددا أهمية تناغم المثقفين في الداخل والخارج لرسم ملامح المشهد الثقافي العراقي الجديد. ومن المؤكد أن هذا الحراك الثقافي العراقي الذي ينتعش ويزدهر في الخارج ينبغي أن
 يتلقى منا كل الدعم والتشجيع والتثمين. وكان مهرجان المثقفين العراقيين في المهجر المنعقد صيف العام الماضي في مدينة برلين والأيام الثقافية العراقية في ستوكهولم والمهرجان القادم للمثقفين في برلين للفترة من 16-22/8/2010، كلها ملامح ومحطات بارزة لتفعيل دور المثقفين في العراق ونسخ مجالات أوسع أمامهم للعطاء والانجاز في أجواء من الحرية والديمقراطية افتقروا إليها طويلا وعقودا من الزمن إبان النظام الدكتاتوري.
   لقد غادرت ستوكهولم وقلبي حافل بالأمل إننا قادرون على دفع عملية الثقافة الوطنية الديمقراطية العراقية إلى الأمام، فقد كانت لي حوارات ولقاءات وتواصل حي مع شريحة مهمة للغاية من مجتمعنا العراقي قضت ردحا طويلا من الزمن وهي تقارع الدكتاتورية ونشعر أن العراق الديمقراطي القادر على تأمين السلام والحياة الرغيدة للجميع. ولهذا نقول أن التجمعات الثقافية العراقية كيانات حية ونابضة بالعمل وهي بأمس الحاجة إلينا لمدِ يد العون إليها وإبقائها قريبة من نبض الوطن ووجدانه لاسيما وأنها أصلا مشبعة بالتوجه الديمقراطي والنهج العصري للثقافة الإنسانية بحكم معايشتها طويلا لمجتمعات متحضرة ومستقرة. ان السويد دولة مهمة وقريبة من معاناة العراقيين وفيها جالية عراقية كبيرة تحظى بالرعاية من المؤسسات والحكومة السويدية، وفي لقاءنا مع السيدة وكيلة وزارة الثقافة السويدية شكرنا الحكومة السويدية على ما تبديه من اهتمام بالجالية العراقية وتوفير مستلزمات العمل الثقافي لها.
   يبقى أن نقول إن بناء شبكة علاقات شفافة بين الوزارة وبين هذه الجمعيات هدف أساس لابد أن نعمل لإنجاحه لان ملاذات اللجوء وحاضنات الاغتراب للعراقيين أصبحت كثيرة بحكم الظروف التي مر بالعراق، فحيثما نذهب سنجد العراقيين فنانين وأدباء وشعراء وتشكيليين ومسرحيين ومفكرين وباحثين يبدعون، وهذا الإبداع لا يجوز أن يبقى مهملا دون تعهد منا بالرعاية والتكريم.
   تحية للمثقفين العراقيين في السويد على أيامهم التي أعادت العراق إلى الواجهة في بلاد الغربة، وشكرا لكل المبدعين العراقيين وهم يحملون الوطن في قلوبهم أثناء تجوالهم في العالم.

145
المترجمون رسـل محبة ودعاة سلام

                           
فوزي الاتروشي
                              وكيل وزارة الثقافة

   الترجمة مسمار في نعش الانطواء والانكفاء على الذات وجسر اخضر للتلاقح والتمازج والتماهي بين الثقافات واللغات والحضارات. ونافذة مشرعة على الآخر المختلف، وهذا يعني أن خطاب السلام والتآلف والتحاور يمر عبر النقل الأمين من لغة إلى أخرى ومن عالم إلى آخر لخلق منظومة عالمية للقيم واستثمار كل ما هو ايجابي في حضارتنا الحالية والانعطاف بها إلى مستقبل البشرية.
   وفق هذا المنظور يأتي المؤتمر الدولي الأول للترجمة في بغداد وللفترة من 29/6 ولغاية 1/7/2010، لمحاولة الانعطاف بحركة الترجمة في العراق إلى أفق آخر حرمنا منه ردحاً طويلاً من الزمن في العهد الدكتاتوري الذي قطع أواصر الصلة مع الثقافة والفكر الإنساني وجعل العراق وكأنه يعيش في كوكب آخر داخل شرنقة ضيقة لا يتنفس فيها إلا ما يمنحه الدكتاتور من هواء ولا يلبس إلا الرداء المفصل وفق تصميم فكر حسب السلطة. إن الترجمة أساساً فن خلاق وعلم وابتكار وليس مجرد نقل آلي من لغة إلى أخرى، فالمترجم ينبغي أن تتوفر فيه جملة مواصفات أهمها المعرفة التامة باللغات التي ينقل منها واليها، وان يكون قارئاً نهماً ومتابعاً لآخر انجازات الفكر والمعرفة وعارفاً بالثغرات التي سوف يسدها ترجمة هذا المؤلف أو ذاك لأنه أساساً وسيط خير وحامل رسالة محبة وسلام لا تترجم إلى واقع إلا بالتعارف والتكامل الهادف إلى خلق أرضية خصبة لتنامي مفهوم حوار الحضارات وتفاعلها على عكس ما بشر به (صموئل هنتنغتون) ونظريته التي تكاد تولد اليقين حول فكر صدام الحضارات وتناحرها.
   إن الترجمة وبعد ثورة الاتصالات حققت قفزة هائلة إلى الأمام لان عملية النقل والتوزيع والانتشار غدت أيسر مهمة بعد المفهوم الافتراضي للزمان والمكان وأيضاً لخزن المنجز الفكري البشري وجعله في متناول اليد من خلال المكتبات الافتراضية، وهذا يعني توفير كم هائل من الوقت والمسافات الشاسعة للوصول إلى هذا المؤلف أو ذاك في أقاصي الدنيا للتعرف عليه وترجمته.
   لذلك نجد في الدول المتحضرة أن حركة الترجمة تمضي حثيثة على مدار الأيام والساعات ولا تنطفي شعلتها محولة الفضاء الثقافي والفكري الإنساني إلى عالم منسق من الألوان والتنويعات المتصالحة مع بعضها دونما حدود أو سدود مبشرة بحقيقة بسيطة جدا ولكنها مهمة وحاسمة للغاية أن الأفكار الجديدة والتطور الإضافي على كل الصعد في حياة المجتمعات لا يتحقق إلا من خلال تلاقح الأفكار والآراء المختلفة الآتية من حزمة لغات تتلاقى وتتعانق في سلة الترجمة.
   إن العراق في تواصله مع العالم بعد تمزق وإبعاد قسري عن هواء العالم وحركته الدؤوبة وخاصة عبر حجب الانترنت والفضائيات والتضييق على الكتب والترجمات والمنع الذي كاد يشمل كل طرق التعبير غير المتوافقة مع منطق الحاكم الدكتاتوري، نقول أصابه مرض الكساح فأصبح ينظر للعالم بعين لا ترى إلا من ثقب إبرة وإذا نظر عجز لهشاشة عظامه وإذا تمنى أو حلم بشيء فان جلاوزة النظام السابق كانوا قادرين على تطويق حتى الأحلام والمشاعر، مما جعل الوطن جزيرة قصية في عالم مترامي الأطراف غير مرتبطة بالآخرين عبر أية شبكة مواصلات فعاش وهو يجهل على مدى عقود ما يحدث خارج الحدود من تطور وتنامي وتغير وانعطافات حضارية خضراء.
   وحتى داخل العراق انطفأت شعلة الترجمة أو كادت بين اللغات الأربع الوطنية ونعني العربية والكردية والتركمانية والسريانية فغدت هذه المكونات تعيش في حالة اغتراب عن بعضها البعض وتهمشت كثيرا فرص تمتين الهوية الوطنية المتنوعة ضمن حزمة ملونة واحدة، وهذه ظاهرة علينا في العراق الجديد أن ننظر إليها بجدية، فلكي نفهم ونستوعب ونستثمر ألوان الثقافات واللغات العالمية علينا في البدء أن نتعمق في تجربة فهم ألوان اللغات والثقافات العراقية ونسج هوية ملونة منها ومن خلالها نطل عبر الترجمة على العالم الملون والمختلف، ولكن المتآلف والمتناغم.
   ولهذا نقول للضيوف القادمين إلى مؤتمر بغداد الدولي للترجمة من الدول العربية والأجنبية ولكل المترجمين والمعنيين بعالم الترجمة من العراقيين أنكم رسل خير ومحبة وسلام لجعل العراق مجدداً واحة وارفة الضلال لتلاقح الثقافات كما كانت في زمن الخليفة المأمون.





146
اختتام فعاليات مهرجان فنون العالم العربي في الصين
عروض للازياء ومعارض تشكيلية نالت اعجاب الجمهور الصيني
عاد الوفد الثقافي العراقي المشارك في مهرجان فنون العالم العربي في الصين الذي اقيم للفترة من 18 الى 25 في بكين عاصمة الصين الشعبية.
واوضح فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة رئيس الوفد في تصريح صحفي صباح اليوم ان الوفد شارك بفعاليات وعروض للازياء ومعارض للفن التشكيلي على مدى ثلاثة ايام.
وقال الاتروشي ان العراق كان حريصا على المشاركة في هذا المهرجان مع 12 دولة عربية مؤكدا ان المشاركة تضمنت عرضا لمدة ثلاثة ايام للازياء مثل العصور التاريخية كالعصر الاسلامي والسومري والبابلي والحديث واقامة معرض للفن التشكيلي لاكثر من 20 لوحة و20 عمل نحتي لفنانين من دائرة الفنون التشكيلية.
واضاف الاتروشي ان نائبه وزير الثقافة الصيني جاو شاو وا افتتحت معرض الفن التشكيلي العراقي على قاعة متحف العاصمة وسط بكين الذي حضره ممثل الامانة العامة للجامعة العربية ووزير الثقافة السوري ورؤساء الوفود العربية المشاركة في المهرجان ومدير الفنون في الصين حيث قدم مدير عام دائرة الفنون التشكيلية محمود اسود شرحا مفصلا عن المعرض العراقي التشكيلي مؤكدا ان الفن التشكيلي في العراق اصبح مزدهرا ما بعد عملية التغيير خلال مشاركة الفنانين التشكيليين في اقامة المعارض التشكيلية داخل وخارج العراق.
واكد الاتروشي في كلمة نقل فيها تحيات معالي الوزير الى حكومة وشعب الصين الصديق متمنيا لهم دوام التقدم والازدهار مشيرا الى ان الشعب العراقي والصين تربطهم علاقات مشتركة في مجال الثقافة والاقتصاد وان العراق اول من اعترف بالصين كدولة قدم لها الكثير ابان الازمة الاقتصادية في منتصف القرن الماضي.
واضاف الاتروشي اننا نأمل من الجانب الصيني توقيع الاتفاقية ما بين العراق والصين خلال الايام القليلة المقبلة بهدف تجديد العلاقات الثقافية وتفعيلها ووضعها على اسس جديدة تتناغم مع المشهد الثقافي العراقي.
ومن جانبها عبرت نائبة وزير الثقافة الصيني عن اعجابها بالفن التشكيلي العراقي وتقديرها العالي للثقافة العراقية مؤكدة على ضرورة مواصلة تطوير العلاقات ما بين البلدين الصديقين.
وقال الاتروشي ان العراق كان فاعلا في الندوة الثقافية العربية – الصينية برعاية وزارة الثقافة الصينية والامانة العامة لجامعة الدول العربية حيث قدمنا شرحا مفصلا عن طبيعة العلاقات الثقافية والاقتصادية والسياسية بين البلدين داعيا الجانب الصيني الى المزيد من التفاعل الثقافي متمنيا ان يتم افتتاح معهد كونفوشيوس في بغداد وان تزدهر في العراق افاق التواصل والتعارف والتلاقح بين حضارة وادي الرافدين وحضارة الصين العظيمة من خلال توسيع رقعة التعاون وفتح مراكز لتعلم اللغة الصينية ودعوة الجانب الصيني الى فتح مراكز ثقافية ما بين البلدين والمشاركة في فعاليات النجف عاصمة للثقافة الاسلامية عام 2012 وبغداد عاصمة للثقافة العربية عام 2013.
واكدنا في كلمتنا الى ان العراق حريص على صداقة الصين بهدف تجديد العلاقات الثقافية وتفعيلها والنهوض بها. بعدها اشاد وزير الثقافة الصيني بحكومة العراق وشعبه داعيا الى ضرورة اقامة منتدى (طريق الحرير) لتبادل الخبرات ما بين العرب والصين.
وكان للعراق دورا كبيرا في تعزيز العلاقات وتنشيطها ما بين رؤساء الوفود العربية ووزير الثقافة الصيني حيث كان لنا لقاء منفرد به بهدف تعزيز العلاقات الثقافية بين البلدين وكان معجبا بما قدمه العراق في دورة المهرجان الثانية.
واشار الاتروشي الى ان الوفد العراقي زار سور الصين للاطلاع على معالم السور التاريخية والقصر الامبراطوري وقاعة المسرح الوطني ودار الاوبرا وقاعات متحف العاصمة وقاعات مسرح القرن الحادي والعشرون ثم توجه الوفد لزيارة مدينة ننيغيشيا، والتقى الوفد بأمين الحزب الشيوعي ورئيس الحكومة المحلية للمقاطعة وقدمنا لهم شرحا مفصلا عن العراق الجديد والتعددية الحزبية والحرية الصحفية وحرية الرأي والتعبير ومنظمات غير الحكومية وامور اخرى كثيرة تخص الشأن الثقافي.
ثم زار الوفد متحف ومكتبة المقاطعة للاطلاع على حضارتهم والتي تضم اكثر من (1000000) عنوان وزيارة بحيرة شاهو والمدينة السينمائية والمدينة الاسلامية التي بناها العرب والجوامع الاسلامية وتم تقديم عرض مسرحي يحمل عنوان ( خلان فوق القمر) عرضوا فيه دور الصين مع العرب.
واختتم الوكيل تصريحه بأن العراق كان متميزا بين الوفود العربية فيما قدمه من فعاليات ثقافية وفنية اذهلت الجمهور الصيني.


147
الصيـن بلـد أذهـل العالـم

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   الصين دولة مذهلة تجري نحو المستقبل بسرعة قياسية ليس على مستوى الاقتصاد فحسب، وإنما أيضا على صعيد بناء الإنسان واستيعاب البعد الحضاري المعاصر في المعرفة والعلم والتقدم الاجتماعي والتواصل مع نبض العالم. لذلك فهي دولة منفتحة مشرعة الأبواب تركت الانطواء والانعزال جانبا واندمجت بكل قوتها مع حركية العالم وتغيراته.
   نسبة النمو السنوي فيها بلغت (12) بالمائة وهذه نسبة تجعل المرء يقف لينظر بتمعن لماذا أصبح ذلك ممكناً؟ والجواب إن الفرد الصيني يعمل بدقة الساعة وبإخلاص لا متناهي للوطن، وتحت فكرة انه إن لم يعمل سيجوع في دولة زراعية بالأساس تعتمد العمل اليدوي والذهني أساساً حيث لا وجود لحقول الذهب الأسود التي تدرّ الخير الجاهز وتستدعي تكاسل العقل.
   إنها دولة المليار و(350) مليون إنسان، ولكن الطعام والمأوى والكهرباء والخدمات متوفرة للجميع، والكل يعمل أكثر من (8) ساعات في اليوم دون كلل أو ملل أو تقاعس أو تهرب. فالفرد الصيني رقيب نفسه ولا داعي لدفعه وتحريضه على العمل والعطاء والانجاز. وقضية اللاعنف والتسامح والحوار وعبادة العمل والتكافل الاجتماعي، هي أصلا من صلب تعاليم (كونفشيوس) المعلم الأول للغالبية العظمى من الصينيين.
   للفترة من 16/6 ولغاية 26/6/2010، كنا في الصين على رأس وفد حكومي وثقافي لمواصلة التباحث في تجديد البرنامج التنفيذي للاتفاقية الثقافية العراقية_الصينية وكذلك للحضور إلى مهرجان العالم العربي للفنون ضمن وفود من (12) دولة عربية.
   قدم الفريق العراقي عروضاً للأزياء ومعرضاً للفنون التشكيلية وعقد علاقة صداقة متينة مع الجانب الصيني وتعرف الصينيون على ملامح جديدة من الثقافة العراقية في العراق الجديد.
   وقدمت سوريا ومصر وتونس والمغرب والصومال وجيبوتي والجزائر وفلسطين والبحرين والسعودية عروضاً فنية التقت كلها على طريق ترسيخ العلاقة بين هذه الدولة العظيمة وعالمنا. وعادت بنا الذكرى قروناً إلى الوراء ونحن نشاهد في مدينة (نيغيشيا) الإسلامية العرض المسرحي الرائع الذي يتحدث عن طريق الحرير وبدايات قدوم المسلمين إلى الصين. و(نيغيشيا) هي مركز مقاطعة إسلامية تبعد ساعتين بالطائرة عن (بكين)، وسكانها مسلمون من قومية (هوي) والمدينة عامرة بالقباب والمساجد والمظاهر الإسلامية وفيها مكتبة عامرة بالكتب، وأجمل ما في هذه المقاطعة هو هذا الإسلام المعتدل المتصالح والمتعايش مع الديانات الأخرى دون حدود أو سدود ودون أي مظهر من مظاهر العنف.
    أثناء زيارتنا قدم المترجمون الصينيون الضليعون في اللغة العربية مقالا يحتذى به في الحماس والتفاني في العمل لجعلنا في قلب الصورة ولشرح مجمل النواحي أردنا التعرف عليها وقد اخبرونا أنهم يعملون بشكل تطوعي دون اجر أو مكافأة لان خدمة الوطن واجب لا يستدعي الشكر.
   وبالمناسبة فان (25) جامعة من الصين فيها أقسام للغة العربية وسنويا يتخرج (2000) من الطلاب الحائزين على شهادة في اللغة والثقافة العربية هذا يشير إلى حجم الهوة بيننا وبينهم حيث مازلنا ابعد ما نكون عن استيعاب حضارة وثقافة هذا البلد العظيم، ولذلك فإننا في كلمة العراق التي ألقيناها في الندوة الثقافية في اليوم الثاني للمهرجان رحبنا بفتح معهد (كونفشيوس) في بغداد ووجهنا دعوة للجانب الصيني للحضور إلى فعاليات النجف عاصمة للثقافة الإسلامية وفعاليات بغداد عاصمة للثقافة العربية.
   إن الصين شريك اقتصادي وثقافي كبير للعراق وفي شهر أيلول القادم سينعقد المنتدى الاقتصادي العربي في الصين وبالذات في المقاطعة الإسلامية ذات الحكم الذاتي التي اشرنا إليها، وهذه فرصة ذهبية  أخرى للعراق لاستثمارها والاستفادة القصوى من الخبرة الصينية في الاقتصاد لاسيما في قدرتهم على حل مشكلة الكهرباء في هذا البلد المترامي الأطراف من خلال تحويل هذه المهمة إلى شركات عملاقة عوضاً عن وزارة مكلفة بتجهيز الطاقة الكهربائية. إن العراق يستطيع فعلا أن ينهض إذا ألقى بتحفظاته على تجارب العالم في سلة المهملات وشرع في التعرف على أهم المفاصل الايجابية فيها لنقلها إلى العراق البلد الذي يتوفر فيه إنتاج هائل واحتياطي هائل من النفط إضافة إلى الثروات المعدنية الأخرى.
   لقد انفتحت أمامنا أبواب الصين وإذا كان طريق الحرير قد وفر لأجدادنا فرصة اللقاء بحرير الصين فإننا أمام فرصة أخرى للاستفادة من تجربة ناهضة بتصميم وإرادة حديدية وبنعومة وأناقة حريرية
 


148
إستقالة الرئيس الألماني درس في الديمقراطية

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   يوم (1/6/2010) قدّم رئيس المانيا استقالته بكل هدوء وبذلك قدّم درساً في الديمقراطية لكل الرؤساء والملوك والسلاطين والأمراء في منطقتنا الذين لا يغادرون كرسي الحكم إلا إلى القبر.
    لم يرتكب الرئيس الألماني أي خطأ وهو محل تقدير واحترام الجميع ويمثل الدولة الألمانية كرمز رفيع المستوى لدولة بلغت ذروة التحضر . إلا أن تصريحاً واحداً منه حول وجود الجيش الألماني في أفغانستان كان مثار نقد عدد من الإعلاميين والشخصيات السياسية وبعض المواطنين وهذا ما دفعه لمغادرة الحكم لأنه شعر بأن أي جرح يلحق بمواطنيه نتيجة تصريحاته أمر غير مبرر.
   الواقع أن الشعب الألماني عموما ونتيجة لعوامل تاريخية لا يحبذ وجود قوامة العسكرية في بؤر التوتر إلا لمهمات إنسانية بحتة، ولكن الرئيس الألماني _ وربما كانت مجرد زلة لسان _ برر هذا الوجود للجيش الألماني في أفغانستان.
   المهم هو الفعل الحضاري العميق المغزى الذي أقدم عليه والذي يعمق الشعور بقدسية المبادئ التي احتكم إليها وهو يكتب رسالة الاستقالة.
   في منطقتنا الجمهوريات وراثية والملكيات مطلقة والوطن مختزل في شخص الحاكم الذي يوحي للشعب أن مغادرته الحكم تعني بالضرورة انهيار الوطن كله ومحوه من على خارطة العالم . فالحاكم هو ظل الله على الأرض وهو القادر على كل شيء وأي معارضة أو اختلاف في الرأي مع سيادته أو جلالته يصب في خانة المؤامرة.
   لذلك شاعت عندنا مقولات مثل المستبد العادل وحاكم جائر أفضل من الفتنة والتركيز الشديد على تنمية ثقافة الطاعة والخضوع والاستسلام لدى المواطن تجاه الحاكم وتبرر أفعاله وجرائمه وكل سلوكياته الخاطئة...
   إن هذه الثقافة الممتدة في تاريخنا منذ بداية الدولة الأموية ومن ثم العباسية والعثمانية ترسخت ورسخت لدى المواطن مفاهيم لا ديمقراطية وتربية فاقدة للحس النقدي الجريء مضافاً إليها القمع المستديم على مرّ التاريخ . وبعد التحرير انفتحت أمامنا في العراق لأول مرة فرصة لتغيير هذا الواقع التاريخي المرّ وتنمية تجربة ديمقراطية ضمن عالم شرق أوسطي حافل بالجمهوريات الوراثية والملكيات المطلقة المستبدة..   
   إن العراق  يستطيع بالتأكيد عبور النفق فلا شيء مستحيل والذي يتعلل بالظروف إنما يتوسل باليأس وبالقعود ورفض الحركية والتفاعلية مع العالم الحرّ.
   والتجربة منذ 2003 ولغاية الآن رغم كل سلبياتها تؤشر أن البناء التربوي الثقافي الفكري الديمقراطي وان كان بحاجة إلى تضافر جهود هائلة والى فترة طويلة إلا انه ممكن ويجب أن لا نحيد عن الطريق.

149
جائزة الابداع الثقافي لعام 2010

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   الجائزة أكثر من بشرى للفرح وأعمق من مجرد دليل امتنان وتجلياتها الخضراء على قلب المتلقي تشكل الدافع الأقوى للمبدع للمواصلة والاستمرار ورفض التآكل والوقوف في منتصف الطريق . هذا هو المغزى والهدف من غربلة المنجز الإبداعي في الوطن وتعليق علامة التميز والفرادة على جملة النتاجات الإبداعية دون غيرها . ولأننا في وزارة الثقافة أسسنا لهذا الفعل الجميل والحافر لأخدود عميق في الأرض، فإننا نرغب في عدم الانضمام للصورة النمطية التقليدية المزدحمة بأشكال المجاملة والمحاباة وخلط الأوراق ومساواة الغث والسمين مما يفقد الجائزة رونقها ووقعها ويجعلها مجرد سياق إداري رتيب في وقت أصبحت كتب الشكر والمكافآت المجانية تمنح بدون حساب أو معايير للموظفين مما يعتبر شكلا آخر من أشكال الفساد الإداري الذي تحول إلى آفة خطيرة في العراق.
   لذا فان القيمين على الجائزة في الوزارة لابد أن يقدموا على سلوك مغاير ومختلف وخلاق لكي ترتفع جائزة وزارة الثقافة إلى المستوى الذي تنشده وهنا نشدد على المعايير الموضوعية والمهنية وعلى الحيادية المطلقة في التقييم وتصنيف المنجز الإبداعي مما يجعل الجائزة ذات قيمة اعتبارية كبرى لدى المبدعين لدفعهم للتنافس الشريف على تقديم الأفضل والأكثر جدارة.
   إن أي موظف عقيم الإنتاج في العراق ومتقاعس ومتهرب من الدوام قد نجد في ملفه الشخصي عدداً لا يستهان به من كتب الشكر والتقدير، ناهيك عن المكافآت مما يجعل المرء في حيرة من أمره ويدفع كل الموهوبين والمبدعين والأكفاء حقاً إلى التردد وقطع دابر المثابرة والانطواء على الذات مادام مَنْ سهر الليالي ومن نام نومة أهل الكهف سواء في التقييم، وهذا أحد أخطر مظاهر التردي الذي نعانيه في العراق ، وكذلك فإننا في وزارة الثقافة لابد أن نؤسس لواقع مغاير بحيث تصبح الجائزة عامل تحفيز وتفعيل ومضاعفة للرعاية  والتكريم للمبدع الفائز مما يدفعه لتنمية المنجز الفكري والأدبي والفني وبمرور الزمن يصبح البلد فعلا حاضنة لأسماء عالمية الصدى وذات حضور مكثف في الداخل والخارج وسوف يؤدي ذلك إلى إحداث تغيير جوهري انعطافي في المشهد الثقافي العراقي .
   إنني انظر بأمل وتفاؤل كبيرين لهذا الطموح، والمبدعون الحقيقيون العراقيون بانتظار تجذير هذه الطفرة النوعية في مجال منح جائزة الإبداع الثقافي مما يهيئ الأجواء لتحويلها إلى جائزة الدولة التقديرية التي لا ترتكن إلا إلى البعد الإبداعي والإنساني الأصيل ولا تقيم وزناً لأي اعتبار آخر، لان منح الجائزة يعني إضافة لبنة إلى سياج الوطن وبنيانه القادر على مقاومة العواصف ، وبخلاف ذلك يبقى الوطن آيلاً للسقوط على رؤوسنا جميعاً.
 
 



150
زهاء حديد نجمة عراقية في سماء العالم

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   زهاء حديد إمرأة من حرير تفوقت وأبدعت وأنجزت الكثير وعمّرت تصاميم احلامها وطموحاتها قبل أن تؤثث محيطها بأناقة فنها المعماري ، وحصدت الجوائز بجدارة لتصبح واحدة من الشخصيات المائة في العالم الاكثر تأثيرا وفق استطلاعات مجلة الـ(تايم) الأمريكية . هذا أمر مدهش وجميل يجعلنا في العراق نتفائل رغم كل غبار وشظايا وظلام الأرهاب الذي يتساقط علينا يوميا. وهو أمر مثير ايضا لانها عراقية تنتمي لبلد الـ(3) ملايين أرملة والـ(5) ملايين يتيم والعدد الذي لاحصر له لضحايا الارهاب اليومي الذي يريد لنا أن نصوّت عنوة ضد الحياة والجمال والتنمية والاعمار.
   وبقدر مايعتبر تميز زهاء حديد مثيرا فهو تجذير جديد لحقيقة لا لبس فيها هي أن المرأة لاتقل عطاء عن الرجل ان لم تتجاوزه احيانا كثيرة ، ما يعني ان الفتاوى والآراء والأفكار التي تتعمد تعليبها وتنفيرها من الانتاج وربطها بالعجز ونقصان القدرة وثانوية الدور والتبعية الأزلية للرجل انما هي افكار لاتنتمي للعلم ولا للحق والمنطق .
   والسؤال هو كم رجل عراقي سياسي دخل قائمة الشخصيات المائة الأكثر تأثيرا مادام عالم الرجال في العراق يعجّ بالبالي  والمتهرئ من الافكار او بالاحرى الأقاويل التي لاسند لها حول دونية المرأة ونقص عقلها. ولماذا لا نتكئ أخيرا على منطق كل الأديان والشرائع والفلسفات والمدارس الأصلاحية التنويرية التي تضع الذكر والانثى في ميزان واحد ونأخذ الإنسان بذاته وليس وفق جنسه أو لونه او عرقه أو إنحداره الاجتماعي .
   في العراق ثمة قامات نسائية باسقة وشامخة كما نخيل العراق، وتشكل أعمدة ضوء تغتني بها الحياة وتزخر في مجال الأدب والفن والثقافة والفكر والشعر والاقتصاد وشتى فروع العلم . فلماذا نتعامى مزودين بأنانيتنا الرجولية عن هذه الحقيقة الساطعة كما الشمس ونظل نردد كلمات مجترّة لا وقع ولا تأثير لها في الحياة.
   وقبل أيام قرأنا في الصحف أن السيدة العراقية (هند البديري) فتحت أول مقهى للنساء في بغداد وقد قمنا بالتهنئة وإهداء باقة ورد بأسم لجنة المرأة في الوزارة التي أشرف عليها ، ولكن هذه المبادرة الشجاعة والجريئة تستحق أكثر من باقة ورود وأكثر من مجرد تشجيع لانه فعل عامر بالمغزى والتحدي في زمن التابوات والمحرمات وفكر تحقير وتعجيز المرأة دون وجه حق .
   ان المرأة العراقية لن تقبل أن تكون في المؤخرة وهي لم تكن ابدا كذلك وفي ظل الظروف الحالية حيث اصبحت النساء أحيانا اكثر من الرجال يكون مستحيلا دفعهن خارج الحياة. وهذا مايستدعي نظرة حضارية لا لبس فيها الى دورها الحاضر والمستقبلي وعدم ترديد التحفظات التي أكل الدهر عليها وشرب، فالدين لايفرق ولا يغدر ولا يفضل الذكر على الأنثى، انما العادات والتقاليد المهترئة المسكونة في عقل الرجل هي التي تفعل فعلها . لذا على كل رجال العراق أن يصفقوا لـ(زهاء حديد) كنجمة عراقية في سماء العالم .

151
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر احتفالية (( الإعلاميون يناصرون القانون ))

   تحت شعار( الإعلاميون يناصرون القانون ) نظمت مؤسسة البيت الثقافي العراقي يوم 29/5/2010 احتفالية في فندق المنصور ميليا لتكريم نخبة من الاعلاميين والصحفيين العراقيين بحضور الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة .
   وألقى السيد الوكيل كلمة جاء فيها (( نعتز بهذه الشراكة والتعاون مع الإعلام من اجل مجتمع آمن ومستقر ولمكافحة الإرهاب وتطبيق القانون. إننا في وزارة الثقافة حريصون على تقديم المزيد من الانجازات لأصحاب القلم لكي لا تبقى الصحافة والإعلام مهنة المتاعب كما تسمى دوماً ، وقد وقفنا إلى جانب صرف منحة المثقفين ونقف اليوم متضامنين مع الإعلاميين بهدف إقرار قانون حماية الصحفيين )) .
  وجرى خلال الاحتفالية توزيع الشهادات التقديرية على عدد من الإعلاميين والصحفيين والقنوات الفضائية تقديرا لجهودهم المبذولة على الصعيد الإعلامي .
 وشارك في الاحتفالية عدد كبير من المثقفين والإعلاميين وشخصيات سياسية وممثلون عن وزارة الداخلية ووزارات أخرى .

152
باقة ورود من وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي للفنان حسين السلمان
 
بعث الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة باقة ورود للفنان المبدع حسين السلمان لمناسبة حفل توقيع كتابه الموسوم ( التطور الابداعي في السينما ) الذي نظمته مؤسسة اتجاهات ثقافية في قاعة مدارات يوم الاثنين  31 / 5 /2010 .
 
من جانبه عبرالفنان حسين السلمان عن شكره وتقديره لراعي الثقافة العراقية فوزي الاتروشي الذي يواكب بحرص اعمال المثقفين العراقيين في داخل وخارج العراق .
 
هذا واستعرض الدكتور عقيل مهدي عميد كلية الفنون الجميلة والاستاذ طه سالم خلال الحفل اعمال الفنان القدير وابداعاته الرائعة خدمة للسينما العراقية ابتدءاً من عمله الاول فلم ( الكرافة ) الذي اخرجه خليل شوقي وحتى كتابه الاخير ( التطور الابداعي في السينما ) .
 
ويقع الكتاب المذكور بـ ( 144 ) صفحة من القطع الصغير ، ويأتي ضمن الموسوعة الثقافية للسلسلة الشهرية التي تصدرها دار الشؤون الثقافية العامة ، ويقدم سرداً لبعض الاساليب والاتجاهات المهمة في السينما العالمية والواقعية الجديدة في السينما الايطالية والتي جاءت مترادفة مع الحرية التي توفرت للفنان الايطالي .
 
وحضر الحفل جمهور غفير من المثقفين والاعلاميين وعدد من طلاب كلية ومعهد الفنون الجميلة.
 

153
في ذكرى ثورة 26/ آيار الكردية

                                                                                  فوزي الأتروشي
                                                                                      
    مرة أخرى نعود بالذاكرة إلى الوراء ونلتفت لالتقاط صورة لحدث جميل أسس فيما بعد لواقع جميل ومغاير تماما للنبوءة اليائسة التي أطلقها النظام السابق عام 1975 بأن القضية الكردية انتهت والى الأبد.
   والحدث هو ثورة 26/آيار/1976 التي قلبت الموازين وحفرت الأمل على تضاريس كوردستان العراق ، رغم كل ملامح اليأس التي خيمت آنذاك على هذه البقعة بعد نكسة آذار عام 1975 ، فالنظام الدكتاتوري خطط فعلا لإبادة الشعب الكردي عن طريق السلاح الكيمياوي وعمليات الأنفال وسياسة الأرض المحروقة والتهجير والتعريب والتبعيث وقتل الإنسان والحيوان وحرق الزرع والضرع في المدن والقرى الكردية . وكانت النتيجة خراباً ودماراً هائلاً وهدم (4500) قرية على رؤوس ساكنيها . ولكن مفارز المقاتلين لم يهدها التعب وأثبتت أن إرادة الإنسان أقوى بكثير من الاسلاك الشائكة واسلحة التدمير.
   وإذ تمرّ هذه الذكرى فان أجمل ما يمكن أن نرسمه على أديم الورق للجيل الحالي في كوردستان العراق هو تذكيرهم على الدوام بحجم التضحيات التي بذلها الرعيل الأول لكي تولد وتنتعش التجربة اليانعة الحالية في الإقليم . وذلك ليس من باب المدح والإطراء وانما لزرع اليقين في النفوس . إن الثورة الدائمة على الظلم ورفض القبول بالأمر الواقع وعدم مهادنة الدكتاتورية والتخندق ضده دون تنازل أو مساومة وعمق الثبات المبدأي هو الذي جعل الحلم واقعاً والمستحيل ممكناً.
   إن ثورة 26/آيار/1976 لم تمثل الحلم الكوردستاني بالنصر على الدكتاتورية فحسب ، وإنما جسدت حلم كل العراقيين المناضلين الرافضين للقمع والاضطهاد والتواقين إلى الحرية والانعتاق وبناء العراق الديمقراطي ، فالمناطق المحررة من كوردستان العراق ظلت على الدوام ملاذاً لكل العراقيين دون تفرقة أو تمييز وهذا ما جسده دائما البعد العراقي والإنساني للثورة الكردية منذ انطلاقتها في 11/9/1961 ، وهذا ما جعل الحضور الكردي مكثفاً ومؤثراً وفاعلاً في جسم المعارضة العراقية وقريباً من الحركة  الوطنية العراقية ليصبح وتدها الأساس بحكم إن الجناح الكردي في المعارضة امتاز بصلابته وعراقته وحيازته على إمكانات العمل السياسي والإعلامي والعسكري على الأرض المحررة .
   ولابد أن نؤشر حقيقة ساطعة أخرى ، أن الثورة الكردية لم تلجأ يوماً إلى السلوك الإرهابي ولم تقم بأي عملية ضد المدنيين العراقيين وظلت تفرق بين السلطة والأشقاء العراقيين ، وكان هذا النهج هو الذي جسده الزعيم الكردي الخالد مصطفى البرزاني منذ أربعينيات القرن الماضي حين قال ((انني لا أحارب الشعب العراقي وإنما أقف ضد أخطاء الحكومات العراقية المتعاقبة)) .
   لقد شكلت الثورة الكردية بيومياتها وسلوكها مع الفلاحين في المناطق المحررة وتعاملها الايجابي مع كل القوى العراقية المتفهمة لعدالة القضية الكردية ومناصرتها لحقوق العراقيين من خلال مطالبتها بالديمقراطية ، نقول شكلت نهجاً مضيئاً وغنياً للثورات في العالم باعتبارها جزءاً من التمرد الإنساني العادل ضد الظلم ، وهذا ما يميزها عن الإرهاب الظلامي الذي لا هوية له ولا نهج سوى قتل الحياة أينما وجدت . لقد كانت المقاومة الكردية والمقاومة العراقية وسلسلة مؤتمرات المعارضة الوطنية العراقية في بيروت وفينا وصلاح الدين بكردستان العراق ، ونيويورك ولندن قبل أشهر من التحرير ، نقول لقد كانت هذه المقاومة عامرة بالعطاء والدروس والمواقف الإنسانية وواضحة في أساليب وآليات عملها ، لذلك ناصرتها وتضامنت معها قوى التحرر والديمقراطية في العالم والمنظمات الحقوقية لكونها تمثل الحق والعدل وتمارس عملها النضالي بالوسائل الشرعية ، ولم ترتكن إلى أي أسلوب يشوه صورتها ويحط من قدرها حتى كان الانتصار الكبير على الدكتاتورية الغاشمة في عام 2003 .
   فأين هذا السفر النضالي الضخم الذي امتلكته الثورة الكردية والمقاومة العراقية من الدعاوى الباطلة التي تطلقها بقايا النظام الدكتاتوري ومجاميع الإرهابيين الظلاميين الذين لا يمكن ضمهم إلى أي نوع من المقاومة ، اللهم إلا إذا قلنا أنهم فعلا يمثلون مقاومة ضد الحياة والبناء والجمال والوئام والسلام ، ومع الموت والدمار وإحراق الوطن .

154
دعوة للفرح ... دعوة للحب
                                                                        فوزي الاتروشي
                                                                      وكيل وزارة الثقافة

   دعونا نصفق للحب جميعا ونخرج من ( مدن الملح ) كما يسميها الروائي عبد الرحمن منيف، الى ضفاف العشب والماء نعانق النوارس ونرحل ولو مؤقتا عن مرافيء الحزن والانكسار لكي لاندمن الدموع ومنطق المأساة في الشعر والاغنية في كل مفردات الحياة اليومية. فالرسول الكريم محمد (ص) صدق حين قال (تفاءلوا بالخير تجدوه)، والخير هنا هو التحلي بالامل والرجاء ورسم الابتسامة على الوجه ودحر الرتابة وترديد اراجيز اليأس ومراثي لانهاية لها.
   ماقلته كمقدمة ليس مجرد خاطرة او فكرة طارئة اردت تسجيلها بل لاننا حيثما نلتقي بالاصدقاء والمعارف تصدمنا هذه الجدية والتجهم وفقدان القدرة على الضحك ورواية الطرائف او رفد الحياة اليومية بدم جديد. لاشك ان الارهاب والتدمير الذي يمارسه وفقدان الكهرباء في صيف بغداد اللاهب، وضآلة الخدمات الحكومية على كافة المستويات، والازمة السياسية المزمنة وقلة مرافق التنزه والترفيه وغيرها الكثير من المحبطات تقتل او تكاد لذة الحياة ومتعة التواصل ، ولكن لايجوز ان يكون الحزن الابدي قدرنا نحن العراقيين ، فالاغنية مرثاة والقصيدة فيضان دموع والبكاء مهنة وهذه ظاهرة لابد من التمعن فيها في حياة العراقيين. واذا اخذنا اي شعب مجاور سندرك كم البون شاسع بيننا . وبينهم والشعب اللبناني نموذج ساطع فالحرب الاهلية طحنته طويلا وتدخلات الدول في شأنه حالة يومية وحروبه مع اسرائيل متواصلة ، وهو الآخر عانى من أهوال الحرب الاهلية والتفجيرات والمفخخات والقتل على الهوية. لكن كل ذلك لم يجعله يتخلى عن الفرح وفي كل مرة تحل به كارثة ينهض مفعما بالامل متربعا بامتياز عرش عشق الحياة. والذي يقارن الاغنية والشعر اللبناني ومايقدمه على مستوى التواصل مع العالم سيندهش من قدرة وعظمة هذا الشعب. فالجمال والاناقة والازياء والنهارات المشرقة والليالي العامرة بالفن والغناء والترفيه هو المشهد الحياتي الذي لا يغيب عن مدن لبنان حتى حين يسقط مطر القنابل على بيروت.
   ان الدعوة للفرح والحب ليست مسألة ثانوية او مجرد مناشدة عبثية وانما لاننا جميعا نقول ان العقل السليم في الجسم السليم، ولذلك فالكآبة الدائمة والحزن المهيمن والتشاؤم في الحياة لا يخلق بالضرورة الصحة والعافية والاقدام على الحياة وانجاز العمل بانتاجية كبيرة.
   انها دعوة مني للكتاب والادباء والفنانين لتجاوز عقدة المأساة والتعبير عن جمال الحياة والفرح حتى حين يبلغ سوء الحياة اشده ، فلا يأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس كما قال الكاتب الكبير نجيب محفوظ .
   ان كمية الحزن النازف من شعرنا وغنائنا لا يساعد الشباب ان يتقدم الى الامام ويقطع بهم المسيرة وهم في منتصف الطريق ، لذلك دعونا قبل ايام من مهرجان الاغنية العراقية السبعينية الى تجاوز هذه العقدة المزمنة. فالجيل الجديد بآماله وتطلعاته وتماهيه مع العالم بكل ما يزخر به يستحق منا ان نكون بقدر حجم تصوراته وامانيه ورغبته العارمة في الحب والرغبة والشوق الى الافضل والاجمل.
   ان مواويل البكاء والابوذيات وحرائق النفس والقلب والانشداد الغريب الى الماضي لن يعطي الشباب اية جرعة للتطور، والحال ان شبابنا بما يمتلكه من قوة وعنفوان واشواق واهداف ومشاريع حياتية يستطيع ، اذا منحناه الامل والحب والتفاؤل ، ان يخلق مشهدا اجتماعيا جديدا فيه الوئام والسلام والتناغم بديلا عن الركود والبكاء على الاطلال ونزيف الدموع الذي لايثمر الا المزيد من الجفاف والاغتراب عن الحياة.
   ان الفرح والحب ثقافة وحضارة وتأهيل للفرد للتعايش مع الحياة بحلوها ومرها دون ان ينكسر ويتراجع.

155
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يحضر اجتماع اللجنة التحضيرية العليا لمؤتمر القمة العربية القادم

حضر الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة برفقة مدير عام قصر المؤتمرات الاستاذ فلاح العاني الاجتماع الاول للجنة التحضيرية لمؤتمر القمة العربية القادم يوم الاربعاء 26 /5 / 2010  والمقرر عقده في بغداد .
 
 وركز الحاضرون في الاجتماع الذي ترأسه معالي وزير الخارجية هوشيار زيباري على الاهمية السياسية والاعتبارية لأنعقاد المؤتمر في بغداد وتقرر مواصلة الاجتماعات المكثفة لهذا الغرض .
 
وبحث المجتمعون بالتفصيل المسلزمات الضرورية الواجب توفرها للأستعداد لعقد مؤتمر القمة العربي في بغداد , وتقرر تشكيل لجنة تنفيذية لايجاد افضل البدائل والمواقع لغرض تأهيلها للمؤتمر.
وحضر الاجتماع وكلاء وزارات الداخلية والخارجية والنقل والاسكان والاعمار ورئيس هيئة السياحة ومحافظ بغداد وممثلون عن مكتب رأسة الجمهورية ومكتب رئاسة الوزراء ونائب الامين العام لمجلس الوزراء واخرون من المعنيين بهذ الشأن .
 

وزير الثقافة يحضر ندوة العنف ضد المرأة
 
برعاية الدكتور ماهر دلي الحديثي وزير الثقافة  وبأشراف الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل الوزارة أقامة لجنة المرأة  ندوة ثقافية بعنوان ( العنف ضد المرأة ) في مقر الوزارة يوم الأربعاء 26 / 5 / 2010 .
 وألقت الباحثة آمال سلمان من المعهد الوطني لحقوق الإنسان محاضرة تناولت محاورها  سلوك المرأة وشخصيتها وطريقة تعاملها مع الرجل سواء كانت ربة بيت او عاملة اضافة الى العنف الأسري والمؤسساتي  .

وفي مداخلة قيمة من لدن معالي الوزير أكد سيادته .. على ضرورة زرع الثقة وبنائها بين الطرفين الرجل والمرأة مشيراً الى ان الثقافة والأسرة الصحية قادرتان على بناء مجتمع متوازن واع  ، وقال معاليه بما اننا نعيش في مجتمع شرقي له عاداته وتقاليده فان النظرة العشائرية تبقى هي السائدة وصعب تغيرها وعلى المرأة ان تدرك ذلك  ويمكن بلغة الحوار تدارك امور كثيرة لان العنف قد يكون من المرأة ضد الرجل .
 
وتحدث الدكتور حامد الراوي  المستشار الثقافي للوزارة في مداخلة له ايضاً عن مسألة العنف ضد المرأة ، والعنف النفسي واهمال الزوج للزوجة وبالعكس ، مشيراً الى ان العنف بكل اشكاله هو سلوك مرفوض وغير مقبول لدى الشرع .
 
اما عضوة اللجنة السيدة ملاك جميل فقد اشارت في مداخلتها الى  المرأة العراقية الصبورة فهي اوفى نساء العالم حيث تحملت صعاب الحياة وصمدت امام احنك  الظروف وعلى مدى سنوات من الحروب والاضطهاد والعوز وبقيت وفية لبيتها ولاسرتها .
 
وقالت الناشطة النسوية السيدة بتول البلداوي ان المرأة ما زالت تعاني من تحديات كبيرة وكثيرة ، وان الواقع يتضمن ملفات عديدة تخص المرأة العراقية ولم تتم معالجتها لانشغال الجميع في امور الدولة ، نطمح الى الحد من ظاهرة العنف ضد المرأة ولا بد من وجود قانون يحمي المرأة من
 
 
 
 
الضرب والعنف وأشارت الى ان في الدستور توجد فقرة لحماية المرأة لكنها غير مفعلة .
فيما تحدثت الآنسة ناهده محمد عن ظاهرة العنف مركزة على ضرورة الحديث عن العادات والتقاليد التي تقودنا الى استفحال ظاهرة  العنف وتفشي الإرهاب .
وكان للرجال نصيب في المداخلات القيمة والتي جرت في جو ودي ومناقشات حوارية بناءة عن دور المرأة الفاعل في بناء الأسرة وإنعاشها اقتصادياً .
 
وحضر الندوة الأستاذ حبيب ظاهر العباس مدير عام دار ثقافة الأطفال وعدد من المثقفين والإعلاميين ومنتسبي الوزارة .
 
ويذكر ان رئيسة اللجنة هي السيدة ( مها محمد ) تشكلت حديثاً بإشراف الأستاذ فوزي الاتروشي وتظم ستة من العضوات الناشطات من منتسبات الوزارة ... باكورة نشاطها كان زيارة ميدانية الى مقهى النساء الذي يعد الأول من نوعه في العراق ، و متابعة صحة الفنانين ( عفيفة إسكندر وأمل طه وطه سالم ومحسن العزاوي وعدد من الأسر الصحفية وتقديم باقات من الزهور )  وتأتي هذه النشاطات ضمن خطة عمل اللجنة وطموحها في مساندة عمل الوزارة في متابعة المثقفين وشؤون المرأة .
 
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يترأس اجتماعا للجنة التنفيذية لفعاليات كركوك عاصمة الثقافة العراقية 2010

 ترأس الأستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة رئيس اللجنة المشرفة على فعاليات كركوك عاصمة للثقافة العراقية لعام 2010 الاجتماع الذي أقيم في المحافظة يوم 23 / 5 / 3010 .
وتم خلال الاجتماع تقييم مسيرة الفعاليات الثقافية التي قدمتها دوائر الوزارة بالتعاون مع الجهات المعنية في المحافظة .. وتثمين قرار الوزارة الصائب بجعل كركوك عاصمة للثقافية العراقية لهذا العام،   والاقرار على زيادة مشاركات مثقفي المحافظة في الفعاليات وفي هذا الصدد  تمت الموافقة على تقديم ( 4 ) مسرحيات باللغات العربية والكوردية والتركمانية والسريانية من قبل اتحاد المسرحيين في كركوك ، مثلما جرى الاتفاق على تنظيم احتفالية لمناسبة يوم الطفل العالمي بالتعاون مع منظمة حماية الطفولة بالمحافظة ، ومهرجان غنائي من قبل مركز ( علي مردان ) باللغات المذكور .
 هذا وخرج الاجتماع جملة من التوصيات الثقافية  الاخرى تصب في رفع وتيرة النشاطات في المدينة من خلال التنسيق التام بين المنظمات الثقافية والبيت الثقافي في كركوك . 
وحضر الاجتماع السادة محافظ كركوك ونائب المحافظ و( 15 ) ممثلا عن المنظمات الادبية والثقافية والفنية من مختلف مكونات المحافظة .
 


156
الثقافة سلاحنا لدحر الارهاب

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
    بالثقافة نكتنز وبها نزدهر حقولا عامرة . فالشعر والموسيقى واللوحة والغناء وكل اشكال التعبير الادبي والفني الراقية هي ادواتنا للاشتباك مع الارهاب الذي يريدنا أن نصوّت ضد الحياة ويحاول يائسا خلق حالة من التنافر داخلنا من كل ماهو جميل وممتع في حياتنا الاجتماعية .
   ان كل صرح فني وكل كتاب جميل يطبع وكل لوحة فنية ترسم وكل نشيد يتغنى بالعراق أرضا وشعبا. وكل مقطوعة موسيقية ولحن يكرس الحب والنقاء والوئام ورغبة العشق والسلام فينا، انما هي مسامير تتراكم على جسم  الارهاب الظلامي الذي يهرب كليا من الضوء واللون والتفاؤل الى دهاليز العتمة والتصحر والجفاف.
    ان مراكمة الانجاز الثقافي سيؤدي حتما على المدى البعيد الى خلق مدن عامرة بالمنافذ الصحية وبمحطات للجمال والحياة الاجتماعية العامرة ويخلق سدا منيعا ينفذ منه الظلاميون .
   ان بغداد ومدن العراق الاخرى تستحق ان تعمّر بنيتها الثقافية بدور العرض والسينما والمسارح والمطابع وقاعات للفعاليات الفنية والادبية والفكرية وهذا يؤدي تلقائيا الى تناغم اجتماعي والى تجديد في روتين الحياة اليومية للمواطن ورفع الذائقة الجمالية التي بدورها تصنع رغبة الحياة والتنمية والتسامح والتصالح ومراكمة المعرفة بالعالم ومايدور فيه وهذا اداة حيوية للغاية لوأد الارهاب كمشروع للموت والتدمير.
   ان الفعل الثقافي والفكري المؤسس والمغيّر والمعبِّر والفاعل والقريب من نبض الحياة وحركيتها قادرة حتما على توجيه الانسان نحو مسار حياتي متفائل وبناء . وبالعكس فإن ضآلة المنجز الثقافي على كافة الأصعدة يؤدي بالأفكار الغريبة والتوجهات العدمية للنفاذ بين شرائح الشباب ما يكرس فيهم التشاؤم وانحسار التدفق نحو الحياة سعيدة بكل معانيها ويهيء الارضية لصعود المدّ الظلامي. دعونا اذن ننهمك في صناعة الجمال والحب والالفة فهي التي تحرم الارهاب من كل منافذ التسرب . ان مراجعة دقيقة للتاريخ سترينا ان الحروب والكوارث والغزوات التي طالت بغداد كانت دائما تستهدف المنجز الابداعي باعتباره نسغ الحياة الجوهري وبنضوبه وتدميره يدمر الانسان ومافعله هولاكو بالحياة الثقافية وبآثار الحضارة في بغداد وعلوم الدنيا ، فنهر دجلة اذ امتلأ بالكتب والكنوز الفكرية والمخطوطات النفيسة كان بداية حقبة سوداء حالكة في حياة هذه المدينة العريقة . ومافعله هولاكو قبل قرون يفعله بنا الارهابيون الظلاميون اذ يضربون المدرسة والمكتبة والمقهى والسينما ويلجأون الى تكفير الجميع ومنع قدرة الفكير فينا . لذا تبقى الثقافة امضى سلاح لمنعهم من تنفيذ مشروعهم المدمر للوطن والانسان .

157
نحو أغنية عراقية عامرة بالجمال
                                                                                    فوزي الاتروشي
                                                                                  وكيل وزارة الثقافة

   احتشدنا يوم 17/5/2010، في نادي العلوية مع جمهور غفير من عشاق الاغنية العراقية للمشاركة في مهرجان (أغنية السبعينات .. روح العراقيين)، الكل كان متلهفا للعودة ولو ساعات الى ايام الرومانسية والحب والنقاء التي بلغت فيها الاغنية العراقية ذروة مجدها في حقبة السبعينات، ورحلت بنا الذاكرة الى (40) عاما مضت لاستحضارها الى الذاكرة ولمد خيط اخضر بين الماضي والحاضر ليس لاستنساخ الماضي او مصادرة حاضر الاغنية ، فكلا الأمرين مستحيل والحياة دائمة التغير والحركة، ولا تثبت على حال فالمرء لايضع قدمه في نفس النهر مرتين كما تقول المقولة اليونانية الفلسفية الشهيرة. فمثلما كان لجيل السبعينات وضعه الاجتماعي وتطلعاته وطريقته في التعبير عن مشاعر الحزن والالم والفرح والحب والتواصل ، فان الجيل الحالي، وضمن ظروف مغايرة كلياً، له ظروفه وشروطه واسقاطاته على الفن والأدب.
   الهدف من المهرجان كان أن يجري تلاقح بين كل ماهو جميل في الاغنية العراقية سابقا وكل مافيها من قوة كلمات وحسن أداء وعراقة لحن وبين حاضر الأغنية، لكي لايبقى هذا الراهن ممزق الجذور ومستقبل الاغنية العراقية بلا هوية. في السبعينات التقت نخب عملاقة في مجال الابداع الغنائي على صعيد الكلام والاداء واللحن، فلا أحد منا ينسى ياس خضر وحسين نعمه وفاضل عواد وسعدون جابر وفؤاد سالم، وقبلهم مائدة نزهت وعفيفة اسكندر، ولا أحد ينكر فضل الحان طالب القره غولي ومحمد جواد اموري وكوكب حمزة وآخرين، والذي بلغ الذروة لأن شعراء مثل مظفر النواب وزامل سعيد فتاح وكريم العراقي وآخرين كانوا وراء منح اللحن والأداء موقعاً خالداً اثر في الذاكرة بشعرهم الجميل الراقي الذي تقمص بصدق مشاعر الود والحنان والعشق وحب الارض الذي مثلته اغنية (ياعشكنا) لفؤاد سالم اصدق تمثيل.
   وبهذه المناسبة تطرقنا في المهرجان الى مسألة الرقابة على الاغاني من الناحية الايجابية طبعا، التي كانت موجودة سابقاً، وقلنا انه في زمن العولمة والانفتاح والتواصل المعلوماتي الهائل عبر المعمورة ربما يستحيل امر الرقابة على الاغاني بنفس الشكل السابق، والنظرة الواقعية تقتضي جعل الجمهور رقيبا وجعل الذائقة الجمالية للمجتمع هي الرقيب الشعبي على النتاج الغنائي، وبذلك وعلى المدى البعيد ومع التواصل بيننا وبين العالم والاطلاع على واقع الموسيقى والغناء وآفاق تطوره ترتفع القدرة النقدية للمواطن عموماً وتستطيع الفرز بين الهابط والثمين. فالرقابة على المصنفات باتت احيانا كثيرة امراً مستحيلاً. وهنا لابد أن نشير الى ان الاستقرار النفسي والمجتمعي وعلو شأن الادب والفنان في حقبة السبعينات حيث المدن العراقية لاسيما بغداد كانت عامرة وزاخرة بالفن والادب ودور السينما والعرض والندوات الثقافية. وكل ذلك كان له انعكاسه على مجمل المشهد الفني ومنه الغنائي.
   ولم ينقطع سيل النجاح الى حين لجا النظام الدكتاتوري لاحقا الى الخطاب التعبوي المبتذل المرتبط بالسلطة فبرزت اكوام من دواوين الشعر والكثير من الاغاني التافهة الساقطة المادحة للنظام ولشخص الدكتاتور وهنا سقطت الصدقية عن الانجاز الفني الادبي الذي صودرت حريته في التعبير.
   والآن وبعد التغيير فان ثمة فرصة ذهبية لاعادة التوازن الى وضعه الطبيعي لاسيما وان المثقف والفنان والاديب العراقي حرّ فيما يكتب وينشر وانا متفائل ان الحرية وتوفير العيش الكريم للمثقف والفنان سيجعلنا عاجلاً أو آجلاً نعيش حقبة ذهبية أخرى للثقافة العراقية.
 
 
 
 

  
 


158
المثقف يبدع والسياسي العراقي يتراجع

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
   المثقف يتقدم ويتفاعل وينجز ، والسياسي ينحسر ويتراجع ويراوح عمدا في مكانه ، رغم أن السياسيين في العراق وكياناتهم التي تتكاثر يوميا تنحي باللائمة على المثقف والثقافة وتتظاهر بالكلام والخطابات والشعارات والمنافسات العبثية لتقدم مثالا سيئا لايمكن للمواطن العراقي أن يثق بها في وقت تمر به البلاد بأزمة أمنية وسياسية طاحنة ، وتتوالى الاتهامات ويتعطل مجلس النواب وتصبح الانتخابات ونتائجها مبعثا لأزمة أخرى قد تعصف حتى بالاستقرار الأمني النسبي الضئيل الذي تحقق . هذا في وقت مازال المبدع والمثقف يعمل براتب ضئيل وينتظر للإفراج عن منحة المثقفين ، أما السياسيون وأعضاء مجلس النواب فان امتيازاتهم تفوق ماهو موجود في أي دولة أخرى في العالم .

   نقول هذا لان  اغلب الكيانات السياسية وصحفها مازالت تنظر للثقافة من خلال ثقب إبرة وتحاول تكريسها لصالح سياقاتها الإيديولوجية ، والصحيح إن أقسامها الثقافية ينبغي أن تتناغم مع وزارة الثقافة ومنظمات المجتمع المدني المعنية بالثقافة للتضافر والتلاحم من اجل رسم المشهد الثقافي الجديد في العراق . إن اغلب هذه الأحزاب لا تمدّ يد العون للمؤلف العراقي وتعضيده أو أن تقتني لوحات الفنانين التشكيليين الرائعين في العراق أو أن تعين الفرق الفنية  الغنائية الموسيقية والمسرحية مثلما يحدث في الدول المتحضرة .

   ورغم ذلك فان الحقائق تقول إن نحو ( 43 ) مبدعا عراقيا حاز في عامي 2009 و2010 على جوائز عالمية في الشعر والقصة والنقد والفن التشكيلي وشتى فنون المعرفة والثقافة . هذا مدعاة فخر واعتزاز وخطوة متقدمة لإعادة الوهج والضوء والتعافي إلى الحياة الثقافية ونشر صورة مغايرة للعراق بعكس الصورة النمطية التي ترسخت لدى العديد من أوساط الرأي العام العالمي . وبعكس هذا التيار النقي والصافي المليء بالصحة والعافية والخير وبشائر المحبة والجمال فان السياسيين في العراق لايخرجون من أزمة إلا ليدخلوا إلى دهاليز أخرى ومازالوا غير متشبعين ببوادر الثقافة الديمقراطية القائمة على التنازل المتقابل واحترام الآخر والاعتراف بأن المشاركة والتعاون على البناء والتنمية وعدم القذف والتخوين والمهاترات هي الطريق للتشرب بآفاق ثقافة ديمقراطية بديلة في بلد قضى ( 35 ) عاما في ظل إرهاب الدولة وسياسة الحزب الواحد والرأي الواحد .

   نشدّ على أيدي المثقفين العراقيين المبدعين الذين تحولوا أنجما لامعة في سماء العراق والعالم ونقول للسياسيين كفى مراوحة وكونوا في عون المواطن والوطن وكونوا كما المثقف عند مستوى الطموح .

159
كتاب ( كتابنا وكتابكم )
يضع الأصبع على موطن الجرح


فوزي الاتروشي
(وكيل وزارة الثقافة)

   ( كتابنا وكتابكم ) هو عنوان كتاب شيق وممتع ومهم للكاتب طارق الهيمص صدر هذا العام يقع في (231) صفحة ويتطرق إلى التخلف وجبل العراقيل والمتاعب التي تعتري  جسم الإدارة العراقية التي أكل الدهر عليها وشرب، وباتت معيقة للتنمية الاقتصادية وعقبة كأداء أمام التطور على كافة الأصعدة.
   وهذا الكتاب نفسه كان ضحية الترهل الإداري والإجراءات الحارقة للأعصاب حيث بعد سلسلة من المراجعات والمتابعات جرى منعه من قبل الرقابة إبان النظام السابق ، رغم أن مضمونه – وهذه مفارقة كبرى – عبارة عن مقالات سبق للكاتب أن نشرها في الصحف العراقية الصادرة آنذاك .
   والكتاب شرح تفصيلي لبدايات نشوء الإدارة والخبرات البريطانية التي ساهمت في التأسيس لها إضافة إلى مقال مهم بعنوان ( عراق اليوم: من جمهورية الخوف إلى جمهورية الفساد ). فإذا كانت البيروقراطية بنسبة معينة أمر لابد منه في أية إدارة فإنها في العراق مرض بل ومرض مزمن يبدو أحيانا أن لا شفاء منه.
   يقول الكاتب بحق (( إن مشاكل الجهاز الإداري تتعرض لتذمر واسع النطاق من كافة فئات المجتمع الذي يعاني سلبيات هذا الجهاز... إن مشاكل هذا الجهاز ليست مشاكل إدارية صرفة ، بل لها جذور تاريخية اجتماعية عميقة لذا فان معالجتها ليست مجرد إجراء تعديلات إدارية ، بل لابد وان تكون جذرية يساهم فيها المجتمع وتتركز عليها جهود السلطة السياسية )).
   إن أية معاملة في العراق قد تتعطل لمدة أشهر بل وسنين وهي قابلة للضياع والتلف وما أكثر معاناة المواطن من هذا السلوك البدائي ، ناهيك عن الساعات والأيام التي ينفقها المواطن من اجل انجاز معاملة لاتتطلب في أية دولة سوى ساعات . والى ذلك فان التقنيات الجديدة واستخدام الكومبيوتر مازال في اضعف درجاته في العراق . والذي ينظر إلى جبال الأوراق والملفات المكدسة في الدوائر دون مراعاة أية تقنيات متطورة للحفظ وسرعة الاستدلال والتصنيف سيندهش حقا وسيعرف لماذا الفساد الإداري والمالي هو سيد الموقف إلى حدّ بات العراق الدولة الثالثة في العالم لجهة الفساد وفق استطلاعات منظمة الشفافية الدولية .
   أليس من حق الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي أن يطلق صرخة منذ عام 1940 قائلا ( إنني لا استطيع أن أتصور حكومة تفشى فيها الارتشاء والاختلاس أكثر من حكومة العراق )، ولو كان الرصافي حيا هذه الأيام لقتلته الصدمة فالفساد في العراق يفوق ماهو عليه في أية بقعة في العالم ويتجاوز ما اعتادت عليه النفس البشرية الأمارة بالسوء كما يؤكد مؤلف الكتاب .
   إن الفساد يعرقل الاستثمارات المحلية والأجنبية، لان المال والمستثمر ينشدان الاستقرار والأمان والاقتصاد في النفقات ، والفساد يفتح كل المسالك للالتفاف على القوانين والأنظمة ولوي عنقها بما فيها قوانين الضرائب التي لا تجبى إلا في حالات قليلة وتعاني من تدخلات متشابكة ومن ظاهرة المحسوبية والمنسوبية اللعينة رغم إن الضرائب هي المصدر الأكبر لميزانية غالبية الدول المتحضرة حيث المساواة أمام القضاء والقانون وحيث لايمكن ولأي مستوى التغافل أو التهرب من أداء الضرائب . إن الفساد بوابة واسعة للتكسب غير المشروع مما يزيد الأغنياء ثراءاً ويزيد الفقراء فقراً ويخلق فجوة كبيرة في المجتمع ويعطل حزمة واسعة من مشاريع الرعاية الاجتماعية التي تخلق التوازن والوئام والسلام الاجتماعي . أما إذا تسلل الفساد إلى الجهاز القضائي فان ذلك يعني قبر العدالة ودفع طبقة متنفذة لإلغاء سلطة القانون وتوجيه المشاريع والتحكم بها كما يشاءون.
هذه مجرد عينات من الآثار الوخيمة التي يتركها الفساد الإداري والمالي لتصبح الدولة في النهاية في مؤخرة ركب التقدم والحضارة. فهل هناك مايبشر بالخير كما يتساءل الكاتب طارق الهيمص في خاتمة الكتاب ؟.
    إن أجراس الخطر تدق ولايجوز لدولة غنية مثل العراق أن تبقى لجهة الخدمات والتطور الاجتماعي والاقتصادي متخلفة إلى ابعد الحدود وإحد أهم أسباب هذا التخلف هي المليارات التي تذهب هدراً بسبب هشاشة النظام الإداري الذي لا يتبع أية مدرسة إدارية في العالم فهو لايشبه إلا نفسه والطامة الكبرى أن هذه الإدارة لا إرادة لها لتطوير نفسها ، مايعني أن القرار السياسي الحاسم هو القادر على ذلك .
   أخيراً ندعو كل عراقي لمطالعة هذا الكتاب الذي نحن بصدده .


160
وكيل وزراة الثقافة فوزي الاتروشي
يحضر مهرجان الأغنية السبعينية ، واحتفالية الذكرى (42) لتأسيس الفرقة القومية للتمثيل . ويشارك في اجتماع سياسي كبير في قصر السلام .

   حضر السيد فوزي الاتروشي وكيل وزراة الثقافة مهرجان (أغنية السبعين .. أغنية روح العراقيين) الذي اقامته دائرة الفنون الموسيقية في نادي العلوية يوم 17/5/2010 .
   وألقى كلمة جاء فيها ((نقف اليوم لنرحل بالذاكرة الى أربعين عاما خلت حيث الحقبة الذهبية للأغنية العراقية، واذ نستحضر هذه الفترة المتميزة في الأداء واللحن والكلمات فانما لكي نمد خيطا بين الماضي والحاضر، كي لايبقى راهن الأغنية العراقية ممزق الجذور ومستقبلها بلا هوية ، اننا نشد التلاقح بين أصالة الماضي والحداثة..))، وأضاف قائلا ((لم تعد الرقابة على الأغاني ممكنة في زمن العولمة، لذلك فان الرقابة الشعبية وذوق المواطن والذائقة الجمالية للمجتمع هي التي تفرز بين الغث والسمين وبين الهابط والمتزن)).
   بعدها ألقى حسن الشكرجي مدير عام دائرة الفنون الموسيقية كلمة أثنى على كبار الملحنين والشعراء والمغنين في حقبة السبعينيات، ودعى الى استحضار كل القيم الجميلة في هذ الحقبة ومزجها بالحاضر، مثلما ناشد المعنيين بالأغنية العراقية لاحترام ذوق المواطن والابتعاد عن الإبتذال والتدني.
   وقدمت في المهرجان مجموعة من أشهر اغاني السبعينات أثارت اعجاب الحضور ، وحضر المهرجان الاستاذ حسن الشكرجي مدير عام دائرة الفنون الموسيقية وجمهور غفير من محبي الطرب العراقي .
   وعلى هامش المهرجان اجرى السيد الوكيل لقاءات عديدة مع الفضائيات أبرز فيها أهمية المهرجان في انعاش الوعي بالأغنية ودورها في المجتمع.
  بعد ذلك، شارك سيادته في اجتماع سياسي كبير في (قصر السلام) بدعوة من فخامة رئيس الجمهورية جلال الطالباني الذي استعرض مجمل الوضع السياسي بعد الانتخابات ودور التحالف الكردستاني في تهيئة الاجواء للانفراج وحل الأزمة الحالية. وركز على أهمية الاسراع في تشكيل الحكومة والالتزام بالدستور. وشارك في الاجتماع عدد كبير من الوزراء ووكلاء الوزارات وشخصيات برلمانية وكبار الضباط الاكراد. كما تحدث فيه السيد روز نوري شاويس نائب رئيس الوزراء، والسيد هوشيار زيباري وزير الخارجية، وتخلل اللقاء دعوة غداء.
   وفي اليوم نفسه حضر سيادته الاحتفالية السنوية لمناسبة الذكرى (42) لتأسيس الفرقة القومية للتمثيل التي نظمتها دائرة السينما والمسرح في منتدى المسرح، وأهدى باقة ورد بالمناسبة وألقى كلمة جاء فيها ((إن المسرح هو رهان الثقافة العراقية، واننا باسم معالي وزير الثقافة نهنؤكم ونصفق لانجازاتهم على صعيد تنمية الفن المسرحي)).
   واشاد السيد الوكيل بالرواد المسرحيين حقي الشبلي وابراهيم جلال ومحسن العزاوي وسامي عبدالحميد، وكذلك على الجيل اللاحق مثل عزيز خيون وعواطف نعيم واقبال نعيم وآخرين. ثم ألقى د. شفيق المهدي مدير عام دائرة السينما والمسرح كلمة دعى فيها الى مساندة وتوفير مستلزمات العمل له وشكر الحاضرين.
   تلت ذلك كلمة المسرحي القدير محسن العزاوي الذي تحدث عن بدايات تأسيس الفرقة القومية للتمثيل، ثم قدمت فرقة انغام الرافدين وصلات غنائية. ووزعت شهادات تقديرية.

161
كتاب ( كتابنا وكتابكم )
يضع الأصبع على موطن الجرح
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
   ( كتابنا وكتابكم ) هو عنوان كتاب شيق وممتع ومهم للكاتب طارق الهيمص صدر هذا العام يقع في (231) صفحة ويتطرق إلى التخلف وجبل العراقيل والمتاعب التي تعتري  جسم الإدارة العراقية التي أكل الدهر عليها وشرب، وباتت معيقة للتنمية الاقتصادية وعقبة كأداء أمام التطور على كافة الأصعدة.
   وهذا الكتاب نفسه كان ضحية الترهل الإداري والإجراءات الحارقة للأعصاب حيث بعد سلسلة من المراجعات والمتابعات جرى منعه من قبل الرقابة إبان النظام السابق ، رغم أن مضمونه – وهذه مفارقة كبرى – عبارة عن مقالات سبق للكاتب أن نشرها في الصحف العراقية الصادرة آنذاك .
   والكتاب شرح تفصيلي لبدايات نشوء الإدارة والخبرات البريطانية التي ساهمت في التأسيس لها إضافة إلى مقال مهم بعنوان ( عراق اليوم: من جمهورية الخوف إلى جمهورية الفساد ). فإذا كانت البيروقراطية بنسبة معينة أمر لابد منه في أية إدارة فإنها في العراق مرض بل ومرض مزمن يبدو أحيانا أن لا شفاء منه.
   يقول الكاتب بحق (( إن مشاكل الجهاز الإداري تتعرض لتذمر واسع النطاق من كافة فئات المجتمع الذي يعاني سلبيات هذا الجهاز... إن مشاكل هذا الجهاز ليست مشاكل إدارية صرفة ، بل لها جذور تاريخية اجتماعية عميقة لذا فان معالجتها ليست مجرد إجراء تعديلات إدارية ، بل لابد وان تكون جذرية يساهم فيها المجتمع وتتركز عليها جهود السلطة السياسية )).
   إن أية معاملة في العراق قد تتعطل لمدة أشهر بل وسنين وهي قابلة للضياع والتلف وما أكثر معاناة المواطن من هذا السلوك البدائي ، ناهيك عن الساعات والأيام التي ينفقها المواطن من اجل انجاز معاملة لاتتطلب في أية دولة سوى ساعات . والى ذلك فان التقنيات الجديدة واستخدام الكومبيوتر مازال في اضعف درجاته في العراق . والذي ينظر إلى جبال الأوراق والملفات المكدسة في الدوائر دون مراعاة أية تقنيات متطورة للحفظ وسرعة الاستدلال والتصنيف سيندهش حقا وسيعرف لماذا الفساد الإداري والمالي هو سيد الموقف إلى حدّ بات العراق الدولة الثالثة في العالم لجهة الفساد وفق استطلاعات منظمة الشفافية الدولية .
   أليس من حق الشاعر العراقي الكبير معروف الرصافي أن يطلق صرخة منذ عام 1940 قائلا ( إنني لا استطيع أن أتصور حكومة تفشى فيها الارتشاء والاختلاس أكثر من حكومة العراق )، ولو كان الرصافي حيا هذه الأيام لقتلته الصدمة فالفساد في العراق يفوق ماهو عليه في أية بقعة في العالم ويتجاوز ما اعتادت عليه النفس البشرية الأمارة بالسوء كما يؤكد مؤلف الكتاب .
   إن الفساد يعرقل الاستثمارات المحلية والأجنبية، لان المال والمستثمر ينشدان الاستقرار والأمان والاقتصاد في النفقات ، والفساد يفتح كل المسالك للالتفاف على القوانين والأنظمة ولوي عنقها بما فيها قوانين الضرائب التي لا تجبى إلا في حالات قليلة وتعاني من تدخلات متشابكة ومن ظاهرة المحسوبية والمنسوبية اللعينة رغم إن الضرائب هي المصدر الأكبر لميزانية غالبية الدول المتحضرة حيث المساواة أمام القضاء والقانون وحيث لايمكن ولأي مستوى التغافل أو التهرب من أداء الضرائب . إن الفساد بوابة واسعة للتكسب غير المشروع مما يزيد الأغنياء ثراءاً ويزيد الفقراء فقراً ويخلق فجوة كبيرة في المجتمع ويعطل حزمة واسعة من مشاريع الرعاية الاجتماعية التي تخلق التوازن والوئام والسلام الاجتماعي . أما إذا تسلل الفساد إلى الجهاز القضائي فان ذلك يعني قبر العدالة ودفع طبقة متنفذة لإلغاء سلطة القانون وتوجيه المشاريع والتحكم بها كما يشاءون.
هذه مجرد عينات من الآثار الوخيمة التي يتركها الفساد الإداري والمالي لتصبح الدولة في النهاية في مؤخرة ركب التقدم والحضارة. فهل هناك مايبشر بالخير كما يتساءل الكاتب طارق الهيمص في خاتمة الكتاب ؟.
    إن أجراس الخطر تدق ولايجوز لدولة غنية مثل العراق أن تبقى لجهة الخدمات والتطور الاجتماعي والاقتصادي متخلفة إلى ابعد الحدود وإحد أهم أسباب هذا التخلف هي المليارات التي تذهب هدراً بسبب هشاشة النظام الإداري الذي لا يتبع أية مدرسة إدارية في العالم فهو لايشبه إلا نفسه والطامة الكبرى أن هذه الإدارة لا إرادة لها لتطوير نفسها ، مايعني أن القرار السياسي الحاسم هو القادر على ذلك .
   أخيراً ندعو كل عراقي لمطالعة هذا الكتاب الذي نحن بصدده .


162
وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي يحضر احتفالية لتكريم الفنانين والاعلاميين

برعاية الدكتور ماهر دلي الحديثي وزير الثقافة وبحضور الاستاذ فوزي الاترويشي أقامت مؤسسة عيون للثقافة والفنون  بالتعاون مع مكتب مفتش عام الوزارة احتفالية لتكريم نخبة من الفنانين والاعلامين بمناسبة انطلاق حملة مكافحة الفساد والرشوة ومرور الذكرى الثانية لصدور مجلة عيون في فندق المنصور ميليا يوم 15\5\2010.
 
والقى السيد الوكيل كلمة جاء فيها " بأسم معالي وزير الثقافة وكل منتسبي الوزارة نهنئكم ونهنئ انفسنا وزميلنا العزيز مفتش عام الوزارة والفريق العامل على تاسيس هذ الفعل الذي كدنا ان نفتقده .. فأذا اسسنا لافكار تعبوية جمالية وفكرية فأن الفساد سيندحر لا محالة وبالثقافة ومن خلال اللوحة والقصيدة والكتاب سنوجه ضربة للأرهاب لان الثقافة هي وسيلة لدحر الارهاب وان المثقف العراقي قادرعلى ان يكون نجمآ في سماء العالم .
 ثم القيت كلمة مفتش عام الوزارة وكلمة رئيس تحرير مجلة عيون .
 
بعدها القى الشاعر باقر جعفر العلاق قصيدة بالمناسبة وقدمت فرقة ناظم الغزالي اناشيد وطنية واغاني فلكلورية ثم تلتها فرقة عشتار الموسيقية التي قدمت الاغاني التراثية العراقي .
 
وعلى هامش الاحتفالة افتتح السيد الوكيل معرض ضم لوحات تشكيلية عن مكافحة الفساد والرشوة وصور فوتوغرافية للفنان علي عيسى ولوحات لرسوم الاطفال  اضافة الى ركن خاص ضم اعداد من مجلة عيون .
 
وفي الختام وزع السيد الوكيل الشهادات التقديرية والدروع والجوائز على الفنانين والاعلاميين .
وحضر الاحتفالية ممثلون عن هيئة النزاهة وعدد من المدراء العامين في الوزارة وجمع غفير من الفنانيين والاعلاميين .
وفي لقاءات صحفية اجرتها فضائيات ( العراقية , الحرة , الفيحاء ) قال الاستاذ فوزي الاتروشي ( ان هذه الاحتفالية متميزة ونحن في وزارة الثقافة من خلال مكتب المفتش العام نشكل حلقة مهمة لمحاربة الفساد المالي والاداري فبالإضافة الى البوسترات والنشرات التي نشرت ضمن الحملة فان الوزارة وضمن خطة المفتش العام ستقوم بتنظيم ندوات ومؤتمرات فكرية تعبوي ضد الفساد الاداري والمالي ، كما وان للاعلام دور فاعل في مكافحة الفساد ونشر ثقافة اللاعنف والتسامح .

163
أطفـال العراق أكبر منـا

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
    كدت أطير فرحا في مدرسة الموسيقى والباليه وأنا أرى الأطفال بأحلامهم ورقصاتهم وغنائهم أكبر منّا وأكثر منا توقا للحياة والتفاؤل .
   نحن الكبار في العراق منهمكون في الكلام الكثير وتسويق الذات والثرثرة والتعبئة للشعارات السياسية والدعاية وكيل المدائح . أما أطفالنا الذين تركناهم على الهامش فينهضون من بين الركام والانقاض والحرائق فيرسمون ويرقصون ويضحكون ويعزفون اجمل الالحان ، فكم الفرق شاسع بيننا وبينهم .
   ان كل أجنحة الفراشات الحالمة التي توزعت في قاعة المدرسة كانت تصرخ فينا وتقول من غير كلام اننا الكبار مذنبون بحق الطفولة الحالمة البريئة الفاعلة الموهوبة التي ترسم تضاريس وطن تنشده ويكون عامرا بالهدايا والبشائر للاطفال.
   ان وطنا لايحترم الطفولة ولا ينشغل بها ولا يتعهدها بالعناية والتكريم اللازمين لن يكون سوى بقعة قاحلة وصحراء يهرب منها النبات ويحل فيه الجفاف الدائم.
   قد يقول قائل .. ولكن كل شيء في العراق إشكالي ومعقد وملتبس وان ثمة اولويات ، فنقول ان الطفولة البريئة لاذنب لها في ذلك وان لتنشئة الجيل الجديد اولوية لا تسبقها اية مهمة أخرى فنحن نجني الثمار بقدر مانسقي ونعتني ونوفر التربة الخصبة منذ الآن وبمفردات بسيطة يعني ذلك رياض الاطفال ومدارس ملائمة وفرز المواهب الناشئة وحمايتها من الضياع والاندثار ومنع عمل الاطفال والتعويل على التربية الحديثة وتطبيق المواثيق الدولية حول حقوق الطفل دون تحفظات عبثية .
   ان كل العمليات الأرهابية وكل الحروب الكارثية التي القت بظلالها على الوطن، انما كانت الام والطفل العراقي هما الضحية الاكبر ، وهذا ماتؤكده كل الاستطلاعات والاحصاءات الموثقة ، ولكن رغم سيل الارقام نقف مكتوفي الايدي امام ثقافة الاطفال التي مازالت مهمشة... 
   وقبل ايام كنا في حوار ضمن قناة آشور مع د. خيال الجواهري الخبيرة في علم المكتبات وركزنا معا على أهمية مكتبة الطفل التي تعتبر في العراق شبه منسية.
   ان الخطوات الاولى للتربية تبدأ مع الطفل ومنذ السنوات الاولى يتحدد المسار الذي سيكون عليه الطفل حين يكبر وبقدر مالدينا الآن من اطفال أصحاء نفسيا وجسديا وصحيا سيكون لدينا كبار قادرون على المضي في سيرة التنمية وبناء المجتمع المتناغم والمتمتع بالصحة والعافية بعيدا عن التمزق والتخلخل .
   ان مشهد الطفولة العراقية ينبئ بأقسى العواقب في ظل التشرذم الأسري والعمليات الارهابية التي تحصد الآباء والامهات الى حد بلغ عدد الايتام في العراق نحو (5) مليون يتيم ، ناهيك عن اعداد كبيرة اخرى من الاطفال الذين اصبحوا أو يكادون أن يصبحوا أطفال شوارع بعيدا عن حاضنة الاهل والأسرة ، وهذا جرس انذار يدق يوميا ولا نكاد نحن الكبار نسمعه . لذلك فليس تجنيا على الحقيقة اذا قلت ان اطفال العراق اكبر سنا منّا بما يرسلون الينا من رسائل بريئة وهاجة ونحن لانوليها من الأهمية ماتستحق.


164
الصحافة الكوردية فاعلة في النضال التحرري وفي تنمية الديمقراطية

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
كل عام في الثاني والعشرين من شهر نيسان تحتفل الصحافة الكوردستانية بعيدها وتستحضر الى الذاكرة صحيفة "كوردستان" كأول تدشين لتوظيف الكلمة في مجرى النضــال التحرري ، حيث صدرت في القاهرة عام 1898 وظلت تنتقل بين (جنيف) و (لندن) ودول اخرى حيث ظلت مطاردة وممنوعة من السلطات العثمانية . 

واذ يحتفظ الكتاب والصحفيون في كوردستان بهذه الذكرى طرية فلأن حياة صحيفة "كوردستان" وما فيها من نزوع تحرري تنويري واضح يعكس حقيقة وضع الشعب الكوردي ومعاناته على ارضه فهذه الصحيفة لم يهدأ لها بال ولم تخضع والعائلة البدرخانية المناضلة التي رعتها وأمدتها بالدعم الكلي كانت بمشروعها هذا ترسم ملامح تطور جديد في كيفية أدارة الصراع وتوظيف الخطاب الإعلامي لأول مرة كآلية حضارية لتسليط الضوء على قضية عادلة .

ان أية مراجعة تحليلية للصحافة الكوردية منذ اوائل القرن الماضي ولغاية الان يظهر موضوع ان الاقلام الكوردية استطاعت الى حد كبير الاحتفاظ بالبعد الوطني في العمل وتكريس الاصدارات لفعل سياسي وثقافي مقاوم ، رغم ان الفترات التي تمتعت فيها بالحرية قليلة اذا استثنينا الحقبة القصيرة نسبياً بعد ثورة تموز عام (1958) ومن ثم بعد صدور اتفاقية اذار في الفترة (1970- 1974) اما بعد الانتفاضة وانبثاق الحكومة والبرلمان الاقليميين فقد حصلت ثورة اعلامية لم يعايشها شعب كوردستان طوال التاريخ . وبدون الدخول في سرد تفصيلي للتراكم الكمي والنوعي الذي حصل في الصحافة الكوردستانية منذ عام (1991) ولغاية الان ، فان واقع الحال يشير الى تنامي دور الصحافة العامة والمتخصصة سواء لجهة الانتشار او الحرية التي تتمتع بها او التأثير الذي باتت تملكه على واقع الناس والمجتمع .

هناك الان في الاقليم عشرات الصحف والمجلات اليومية والاسبوعية والشهرية والفصلية تصدر بتقنيات عالية ، اضافة الى الانعطاف الكبير والحاصل في الصحافة الاهلية المستقلة بما فيها من جرأة وقوة وتأثير في الكتابة والطرح وهذا مؤشر ايجابي كبير على تطوير الديمقراطية في الإقليم ووضع الصحافة أمام مهمة لا تكتفي بالشرح والتقرير والعرض والسرد والوصف وإنما تتجاوز ذلك لأنتقاد ماهو سلبي وتقييم وتثمين ماهو ايجابي . الواقع ان هذا التطور الذي تدعمه ايضاً نقابة الصحفيين في كوردستان ، اثر ايجابياً على الصحافة الحزبية ايضاً والتي لم تعد الى حد ما حزبية بالمعنى التقليدي للكلمة وانما لجأت بعض قنواتها الى فسح هامش اكبر للآراء المختلفة والتوجهات النقدية البناءة . اننا نعتقد ان الاعلام الكوردي بشقيه الرسمي الحزبي والاهلي سيكون له دور اكبر واكثر فاعلية فيما اذا جرى دورياً ضخ الساحة الاعلامية بدماء جديدة وكوادر متدربة وحائزة على المام كافي بالتجارب العالمية وبالتطور التقني والعلمي الحاصل في مجال الصحافة وهذا يعني ان تكون معاهد الاعلام ومؤسساته التعليمية مؤهلة لتخريج كفاءات جادة متسلحة بالعلم والفكر والاطلاع الوافر على تجارب العالم ومتفهمة كلياً لدور الصحافة كوتد أساسي لتنمية الديمقراطية في المجتمع .


165
نهضة الثقافة في العراق تستلزم بنية تحتية عامرة

                                                                                          فوزي الأتروشي
                                                                                       وكيل وزارة الثقافة


    الشاعر والفنان الداينماركي (ساية اندرسن) بعث لنا اليوم رسالة رقيقة تكاد من رقتها تذوب عطرا على الورقة. لقد زارنا الشاعر مرتين فتعرف عن قرب على مايدور من حراك ثقافي، زار بغداد، وأربيل، ودهوك، والسليمانية ومتحف الذكرى في حلبجة وبكى طويلا هو وزملاؤه من الشعراء والمغنين على ضحايا هذه المدينة التي دخلت ذاكرة العالم كأبلغ دليل على قبح النظام السابق. وفي مهرجان المربد السابع كان هذا الشاعر الداينماركي معنا في البصرة وألقى أشعاره التي رافقته في إلقاء الترجمة على الجمهور بالعربية. رسالته تقول (أحنّ إلى بغداد ومدن العراق الأخرى وأرغب أن اكرر الزيارة) وهذا يعني انه لايعاني الخوف رغم ان كل مصادر الخوف والتحفظ على الزيارة متوفرة في أجواء بغداد التي مازال الامن فيها قلقاً. ويعني من جانب آخر اننا استطعنا الحاق تغيير بالصورة النمطية للعراق في الخارج التي يريد الأرهاب تكريسها ووضع الآخرين في حالة نفسية تدفعهم للاحجام عن الزيارة وتقديم فعاليات ثقافية.
   الواقع ان الداينماركيون ليسوا وحدهم في التوصل إلى اكتشاف الوجه الآخر المضيء للثقافة في العراق، فقبل مدة كان لنا تواصل مع اليابانيين من خلال اسبوع الفلم الياباني في العراق، وبعد ذلك جرى تواصل من قبلنا مع المركز الثقافي الفرنسي الذي يتطلع ان يقدم الفنانون المسرحيون في فرنسا نتاجاتهم في بغداد وبالذات في المسرح الوطني. وقبل ايام اعلنت لجنة التضامن البلغارية مع الشعب العراقي والمركز التجاري البلغاري عن سرورها لاختيار كركوك عاصمة العراق الثقافية لهذا العام، وقرروا تقديم أمسية للصداقة العراقية البلغارية، ضمن الموسم الاول بغية المشاركة في مشهد التعايش الثقافي في هذه المدينة ومن جانب آخر فان التواصل مع الجانب الصيني مستمر وستكون هناك زيارات ثقافية وفنية أضافة إلى استعداد الجانب الصيني للتوقيع مذكرة التفاهم الثقافية بين البلدين. وفي سياق آخر فان مسلسل حصول الفنانين والادباء العراقيين على الجوائز العالمية مستمر، فقد حصد المسرحيون العراقيون نحو ست جوائز في مهرجان دبي مؤخرا، وهذا يدل بالتأكيد على طفرة كبيرة لمبدعينا في الداخل والخارج مثلما يشعل شمعة أمل جديدة في واقع الثقافة العراقية التي كانت ضحية قمع مبرمج ومنظم على مدى (35) عاما من النظام الدكتاتوري.
   وقد أعلنت الوزارة ان وفدا ثقافيا كبيرا سيشارك أيضا في فعاليات الدوحة عاصمة الثقافة العربية هذا العام.
   ان هذا الواقع الواعد بآمال كثيرة لابد ان يثير اهتماما اكبر من قبل الحكومة العراقية. وان تحقق كل وعودها للوزارة والمثقفين العراقيين والمبدعين الذين يحققون نتائج طيبة لإعلاء شأن العراق.
   ومانعنيه هنا هو التأكيد على ان النشاط الثقافي لايمارس في العراء وانما يحتاج إلى بنية عامرة وصحية ومتقدمة فيها كل مستلزمات العمل، كدور السينما والمسارح والمعارض والقاعات والمكتبات وقصور للثقافة والفنون في كل مدينة. وبهذه المناسبة نجد من الجدير القول ان كل مجالس المحافظات عليها ان تخصص في ميزانياتها مبالغ مناسبة كفيلة بإعادة الوجه الثقافي المشرق في المدن، مثلما الحكومة مطالبة بالخروج عن القوالب الكلاسيكية الروتينية في التعامل مع مهمة عاجلة وملحة لاتقبل التأجيل وهي اعمار وتنمية البنية التحتية الثقافية فنحن مقبلون على مشروعين طموحين وهما جعل النجف عاصمة للثقافة الاسلامية، وجعل بغداد عاصمة للثقافة العربية، مايعني حتما حرق الزمن وتوفير كل شروط انجاحهما والشرط الاساسي اضافة للأمن طبعا هو البنية التحتية الملائمة.


166
العام 2010 لحوار الثقافات
                  
فوزي الأتروشي
 وكيل وزارة الثقافة
   أعلنت منظمة اليونسكو ان العام 2010 هو عام تقارب الثقافات وحوارها، وفيما يخص وزارتنا اقترحت المنظمة ان تكون المحاور التي يجري بحثها بين المثقفين والمعنيين بشؤون الفكر متمثلة في دعم المعرفة الثقافية المتبادلة في مجال التنوع الديني، وبناء اطار عمل للقيم المشتركة، وتقوية ورفع مستوى ونوعية التعليم، واستخدام الحوار المتبادل من اجل التنمية المستدامة.
   من المؤكد ان هذا الاعلان يكتسب أهمية قصوى في هذه المرحلة التي يشتد فيها الكلام والحديث حول تباعد الثقافات واشكالية الهويات القومية والدينية والطائفية مما يسبب أزمات حادة على مستوى العالم وانعشت في الذاكرة كل ماكتبه صموئيل هنتنغتون في كتاب (صراع الحضارات). ان الذي  يقرأ مسلسل كتب (قصة الحضارة) التي تفوق ال(55) مجلداً وتبحث في أولى منابت الشعور والفكر الانساني وتستفيض في البحث في الحضارات العراقية القديمة، والهندية، والصينية، واليونانية، والاسلامية والحضارة الحديثة، نقول ان من يراجع بإمعان هذه الارادة البشرية المتنامية نحو مراكمة المعرفة في شتى صنوف الأدب والفن والاقتصاد والفكر سيصل إلى محصلة لاتكاد تخطئها العين وهي ان هذه الحضارات لم تصل إلى ماهي عليه إلا لأنها استندت إلى ماقبلها وبنت عليها وضاعفت المجهود البشري على كل الاصعدة لتكتمل الصورة.
   من المؤكد ان الحروب بين الإمبراطوريات وكذلك نزعة العداء بين الحضارات ومحاولتها للتسيد منذ اقدم الازمنة خلّف فجوات كثيرة وجعل التطور البشري ينتكس في كثير من الاوقات والعصور ولكن ذلك لايعني ان الحوار والنقل والاقتباس كان سيد الموقف في الحقب التاريخية المختلفة وذلك من خلال ادب الرحلات والترجمة، بل وحتى الحروب كانت احيانا تجد تبريرها في سرقة كنوز الآخرين والاستفادة منها وتوظيفها في بقعة أخرى من هذه الأرض.
    وفي هذا العصر ولاسيما بعد موجة العولمة والثورة المعلوماتية التي تسارعت وتائرها منذ ثمانينات القرن الماضي، اصبح الحوار الثقافي الحضاري هو السبيل الوحيد للتنمية ولخلق مجتمعات متحاورة متشاركة ومتعاونة  حضارياً، ان حقبة الاربعين سنة الماضية فرزت من التطور التقني والعلمي والفكري ماكان سابقا ينجز في  اكثر من مائتي عام، وذلك يعزى أساسا إلى حالة التواصل الإنساني وقبول الآخر والاطلاع المستمر وبغزارة على المنجز البشري في كل المجالات على الشاشة العنكبوتية فتقنية التواصل جعلت العالم قرية صغيرة جدا وطرق وصول المعلومات باتت سهلة وميسرة وبسيطة للغاية ومؤدية لأغراضها في اقصر وقت حتى لم يعد للزمان والمكان نفس المعنى الذي كان لهما قبل هذه الثورة.
    لذلك ففي ظل اشتراطات الحضارة الحالية لا خيار للعالم الا التوجه نحو الحوار والتلاقي، بين الأديان والثقافات والقوميات والطوائف والمناطق والتكتلات لهدف انساني نبيل هو تنمية المعمورة والانسجام الكلي مع التوجه الديمقراطي الانساني الحاسم للحضارة الحالية التي يشكل الاعلان العالمي لحقوق الانسان النسيج الفكري لها. وهذا الاعلان الذي جاء بعد حربين كارثيتين عالميتين، هو في الواقع عصارة كل القيم والمنظومة الفكرية لكل الاديان السماوية والفلسفات والشرائع والمدارس الاصلاحية التي دعت الانسان للتلاحم مع اخيه الانسان على هذه الارض والا اصبح مستحيلا الاستمرار في عمر الحضارة. اننا في العراق نعاني الكثير من التشظي والانطواء والانكفاء على الذات العرفية او الطائفية او المقاطعية، لذلك ارى ان كل الاقلام العراقية النيّرة عليها ان تجعل من هذا العام مرتكزا لكتابات ودراسات وابداعات فنية وادبية وفكرية تكون في خدمة الحوار الثقافي_السياسي_الفكري بين مختلف المكونات العراقية لنكون على تواصل مع السياق الحضاري العام الداعي للحوار والتلاقي والتضامن وقبول الآخر.


167
السليمانية تحتضن مؤتمر مناهضة العنف ضد المرأة

فوزي الأتروشي
وكيل وزارة الثقافة

    السليمانية مدينة تشرف على بوابات المستقبل بامتياز وتنتشر فيها بوتائر سريعة ثقافة المجتمع المدني الفاعلة التي تضغط للمشاركة في القرار السياسي والاداري. فإضافة إلى التطور العمراني والاقتصادي يسير التقدم الاجتماعي إلى آفاق لايمكن ان نجدها في أية مدينة عراقية أخرى.
    ولاعجب في ذلك فهذه المدينة كانت على الدوام مرتكزا لكل ماهو جديد وحديث في أقليم كوردستان العراق منذ أوائل القرن الماضي، والمدارس الشعرية والفكرية كانت تجد منابتها الأولى فيها.
    ويلفت النظر أن المرأة في المدينة حصلت على اكبر قدر من الحرية والحقوق وحق التعبير عن نفسها، فبرزت كاتبات وشاعرات قديرات وناشطات نسويات لهن تأثير فاعل على مجمل المشهد الثقافي والاجتماعي في المدينة.
    وقبل ايام انعقد فيها مؤتمر (مناهضة العنف ضد المرأة) الذي بحث في الجانب القانوني المتعلق بالحد من مظاهر العنف ضد المرأة، ودور المنظمات المدنية في إلغاء مظاهر العنف، والعمل لاجراء تعديلات على القوانين الجنائية المتعلقة بجرائم الشرف.
    المؤتمر شكل انعطافة اخرى في التأشير لواقع المرأة وتجاوز ذلك لإضاءة الطريق نحو تحسين هذا الواقع تطبيقيا. حيث عرضت افلام وثائقية تكشف معاناة النساء والازدياد المخيف لجرائم الشرف التي تعتبر كيفما نظرنا اليها جرائم قتل عمدية يمارسها الرجل بعيدا عن سلطة القضاء والقانون مانعا بذلك ترسيخ قيم المساواة والعدالة ومرسخا سلوكيات الهيمنة الذكورية.
    وتدارس المؤتمرون دور حكومة الاقليم والبرلمان الكوردستاني في عدم الاكتفاء بتشريع القوانين وانما وضع اجراءات عملية لتطبيقها، والقيام بحملة تربوية واسعة للتوعية والتثقيف بهذا الاتجاه.
    ان العراق دولة محكومة باطار قيمي ذكوري لايكاد يعترف بالمرأة بدور ما الا تحت ضغط كبير ينبغي ان يمارس من قبل النخب الواعية والمثقفين ورعاة التربية، لان الارقام التي تعلنها المنظمات الدولية حول واقع المرأة العراقية مخيفة وتثير الهلع في النفوس، فمازال العنف الأسري مستفحلا، وزواج الاكراه، بل وحتى عادات بدائية للغاية مثل زواج (النهوة) الذي يجعل الفتاة أسيرة ابن العم شاءت ذلك أم أبت. اما الأرامل فقد فاق عددهن ال(3)ملايين وبالتزامن مع هذا التزايد في عدد الارامل شاعت بكثرة ظاهرة الزواج السري والعرفي وزواج المتعة وما إلى ذلك من السبل غير الواقعية لحل واحدة من أكبر اشكاليات البلد ففي آخر إحصائية ظهر ان نحو (200) ألف عقد زواج سري حصل خلال سنوات مابعد التحرير وهذا فقط الرقم المعلن، ويبقى الرقم اكبر من ذلك بكثير.
    لذلك فان مدينتي السليمانية واربيل اذ تنشطان في هذا المجال الحيوي وتنعقد فيهما على الدوام مؤتمرات وندوات وفعاليات نسوية فاعلة ومؤثرة، فانهما بذلك يشكلان نموذجا متطورا مقارنة بمدن العراق الأخرى.
    وهذا مرده إلى ان الأقليم منفتح ليس عمرانيا فحسب وانما اجتماعيا وفكريا أيضا، وان الاتجاه الفكري السلفي المحافظ لايجد له سوقا رائجة هناك. ومن المؤكد ان هذا المدّ من الصحة والعافية الذي يتسرب دون توقف في مفاصل المدن في الأقليم سيأتي بثمار يانعة في أقرب فرصة لانه متناغم ومتواصل مع هواء العصر وشروط التطور، وكمشرف على لجنة المرأة في وزارة الثقافة أشدّ على أيدي كل النساء الناشطات اللواتي يقتحمن جدار الصمت وتراكمات الماضي للحاق بركب الحضارة التي لايمكن ان يكون بناؤها وتنميتها حكرا على الرجل.





168
كركوك عاصمة للثقافة وحاضنة دافئة للتواصل


فوزي الأتروشي
وكيل وزارة الثقافة   
رئيس اللجنة العليا لفعاليات كركوك
عاصمة الثقافة العراقية لعام 2010


    كان افتتاح فعاليات كركوك عاصمة ثقافية للعراق يوم 15/4 بحضور حشد من القيادات السياسية والإدارية والثقافية، وجمهور كبير ملأ الملعب، نقول كان هذا الافتتاح كرنفالاً ومهرجاناً لكل المدينة ولم يكن مجرد احتفالية عادية.
    الكل عبّر بما فيه الكفاية عن الفرح والبهجة لان كركوك تصدرت الأخبار هذه المرة، ولكن ليس كمدينة أزمة ومشاكل وتفجيرات ولكن كفضاء مفتوح للشعر والغناء والرقص والتصفيق وكحاضنة لثقافات أربع تتعايش وتتناغم بعيدا عن التنافس ورغبة الاستئثار وإقصاء الآخر.
   ومن المؤكد أن هذا الفرح يجب أن يترجم إلى واقع الموسمين الأول والثاني للفعاليات المتنوعة التي ستحتضنها قاعات كركوك. شخصيا، وكرئيس للهيئة العليا لهذه الفعاليات، أشعر بفخر كبير أن أكون حاملا وزملائي مهمة تحصين الجانب الثقافي لهذه المدينة من خلال تنمية التنوع والألوان ضمن سياق وطني متناغم .
   هذه مهمة مقدسة وضرورية، وان لم تكن سهلة فالوضع السياسي في كركوك متأزم ولم يجر لحد الآن فك مغاليق الأمور من قبل السياسيين، لذلك حاولنا الدخول من باب الثقافة والعمق التاريخي والتوهج الإبداعي والإنساني لنقول إن ماتقدمه الإبداعات الثقافية قد تعجز عنه أحيانا السياسة. إن كركوك ليست مدينة الذهب الأسود والنار الأزلية فحسب، بل إنها أيضا مدينة القلعة التي تعود إلى آلاف السنين وتضم مراقد ثلاثة أنبياء، وهي مدينة نخبة غزيرة العطاء من الشعراء والفنانين والمثقفين الذين أنجزوا بعيدا عن الروح العرقية الانطوائية الذاتية، وقريبا من الحس الإنساني ونبض الإنسان اينما كان
   إذن فجعل كركوك عاصمة للثقافة هو أكثر من قرار إداري وأكثر من مجرد موسم للفعاليات ينتهي أثرها بإختتامها، لاسيما وان اختيار كركوك جاء متزامنا مع قرار منظمة اليونسكو باعتبار هذا العام عام حوار الثقافات وتنميتها وجعل تنوعها عاملاً للإثراء والإغناء بعيدا عن الدمج والصهر والذوبان.
   أردنا لفرحة الافتتاح أن تكون حقيقية لذلك جلس الكردي والعربي والتركماني والسرياني معاً وألقيت الكلمات باللغات كلها دون تغييب أو محاولة ليّ الذراع، ودون أن يشعر أي منا انه غريب عن الآخر، وكانت باقات الورد الطبيعي الكبيرة المنعشة على المنصة مؤشرا آخر أننا نريد لربيع كركوك هذا العام أن يكون استهلالا شفافا مكتنزا بالبراعم الندية وبالعطر ونفحة الأزهار التي لايمكن أن تهدينا إلا الحب والرحمة وشوق الوصال الأبدي.   يبقى أن نقول إننا أصبحنا أمام مهمة جميلة لابد أن ننجزها لغاية نهاية العام ليكون لنا أثر على أرض نريدها ملاذاً للتآخي والتحاور ونموذجاً للتعايش، لذلك نتطلع إلى طبع (50) كتاباً باللغات الكردية والعربية والتركمانية والسريانية، ليكون محتواها الفكري والأدبي دافعا للتسامح واللاعنف والتوق الإنساني للتنمية والتطور وهاجسها إعلاء شأن ثقافة المجتمع المدني بكل مافيها من مغزى وديمقراطي يركز على الإنسان بآماله وآلامه وتطلعاته وحواره مع الآخر المختلف. لأن الاختلاف في الرؤية والتنوع في زاوية النظر وتعدد الآراء بصدد أي شأن يعتبر مدعاة للإثراء والإضافات الحضارية للفكر الإنساني، وليست أبداً مرتكزاً للتطاحن والتشابك والتعمية على هذا الراي او ذاك.
    ومن المؤكد أننا خلال هذا العام لابد ان ننسق وفق الاتفاق مع جامعة كركوك لانجاز مشروع ارشفة ذاكرة المدينة لاسيما وان الجامعة تواصل حالياً انجاز موسوعة كركوك.
   على الجانب الآخر فان الافتتاح كان نداء للحكومة العراقية لإيلاء اهتمام أكبر بالنبية التحتية لمدينة كركوك وإعادة اعمارها فلا يجوز أن تكون اغنى مدينة في العالم افقرها لجهة البنية التحتية للثقافة. لقد استمعنا كثيراً في المدينة إلى شكاوى الصحفيين والفنانين والأدباء الذين يعانون وينتظرون من ينتشلهم من مستنقع المعاناة.
   خلاصة القول ان كركوك تنتظر على أحرّ من الجمر تنمية ثقافية واقتصادية وعمرانية شاملة ولعل ذلك مفتاح للحل السياسي ايضاً.
   ختاماً... شكري الجزيل للسيد محافظ كركوك ورئيس وأعضاء مجلس المحافظة والقيادات السياسية والإدارية في المدينة، وشكري العميق للعميد سرمد قائد الشرطة ولقوى الامن ورئيس المجلس البلدي وكل المثقفين ووسائل الاعلام التي كانت سبباً في جعل يوم الافتتاح عرساً حضارياً كبيراً لم تشهد مثله على مدى اعوام.

169
العمل حياة ... و المرأة سر الحياة

فــــوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

يوم 12 / 4 / 2010 التأمنا في قاعة الفنون التشكيلية في مقر الوزارة .  ازدحمت القاعة ب ( 75 ) لوحة نابضة رغبة الحياة بريشة فنانات تشكيليـــــات ، و بمجموعة أخرى من اللوحات من عمل فنانين متضامنين مع المرأة .

كانت المناسبة تكريم الموظفات المتميزات في الوزارة لتقييم دورهن عالياً و للتأسيس لفعل جميل ومؤثر نحو إضاءة مفاصل المجتمع و الدعوة للكف عن كل التراكم المعرفي اللاشرعي واللاديني و اللاعلمي الذي يكبل المرأة و يقمع تطلعها المتنامي لتنمية المجتمع و التوجه ديمقراطياً نحو المستقبل .

إن من يقرأ قصة الحضارة من الاستهلال الأولى سيجد إن المرأة هي التي اكتشفت الزراعة حين كانت تدور حول المنزل بحثا عن الثما رفي وقت كان الرجل خارجا للصيد فهي إذا سبب خروج المجتمعات من مرحلة الصيد إلى مرحلة الزراعة وهي إذا رمز الخصب والنماء منذ الأزل .

إن لقاء عشتار وتموز على هذه الأرض الغارقة في القدم لم يكن عبثا أو فعلا هامشيا وإنما كان تأسيس لحقيقة إن الأرض جرى أعمارها منذ البدء بقوى الأنثى أو الذكر وهي الحقيقة البسيطة والناصعة والمهم جدا التي أكدت عليها كل الفلسفات والمدارس الإصلاحية والأديان السماوية وسياقات التطور الحضاري للمجتمعات لذلك فان الفهم التنويري التحديثي لحرية المرأة لايعني سوى جعل المرأة في صلب المجتمع وإلغاء جيل التراكمات الاجتماعية التي أسست للمجتمع ألذكوري المختل التوازن.

إننا في وزارة الثقافة وشخصيا كوني مشرفا عن لجنة المرأة في الوزارة أرى ومعي حشد المثقفين المشبعين بالثقافة الإنسانية الرحبة وبخبرة العيش ضمن ثقافات متطورة في المجتمعات المتحضرة نرى  انه لايجوزالوقوف في منتصف الطريق أو التلكوء أو التعثر أو الحلول الذراعية حين يتعلق الموضوع بأزمة المرأة العراقية.

فبدون المساواة الكاملة بين الرجل والمرأة في كل المجالات سيبقى المجتمع مراو سياقات  التنمية عرجاء إن لم نقل راكدة.
 
وهنا علينا ولاسيما في وزارة الثقافة إن نصر على هذا المحور الاجتماعي الأساسي مثلما إن كل الوزارات لأخرى معنية بهذا الأمر حسب اختصاصاتها .

وهذه دعوة لوزارة العمل والشؤون الاجتماعية لتوسيع اهتمامات دائرة الرعاية الاجتماعية للمرأة وتحويلها إلى مديرية ذات أفاق عمل كبيرة في مجتمع بلغ عدد الأرامل فيه نسبة مخيفة إضافة إلى ظواهر العنف المنزلي وتهميش في حقول العمل والإبداع وما إلى ذلك عن أشكال النظرة الدونية إلى المرأة .

كما نجدد الدعوة لتصبح وزارة المرأة وزارة مهمة ذات صلاحيات كبيرة لرفع مستوى المرأة من كل الجوانب ،فوجودها ألان كوزارة دولة لاينسجم مع حجم الأهداف الملقاة عليها كوزارة تعمل في مجتمع تعاني فيه المرأة اشد المعاناة.

170
كركوك تزهر بستانا للثقافة

فــــوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

كركوك مدينة السياسة بامتياز ومدينة الذهب الأسود الذي جعلها دائما بؤرة جذب ومحطة تجاذبات واختلاف واختناقات ، إنها واحدة من البقاع المأزومة التي تنتظر الحل الدستوري لها وفق المادة (140) .
 ولأنها كذلك فقد أردنا لها أن نشرع أبوابها هذه المرة على مصراعيها على الثقافة بكل تجلياتها الخضراء لنطل على تاريخها ورموزها وعطائها و عبق ماضيها و عنفوان حاضرها الثقافي ، فإذا كان الحل السياسي لمدينة النار الأزلية مؤجلاً، فأن الثقافة بخطابها ألتسامحي المنفتح على الأخر لايمكن أن يؤجل ، بل العكس فبإمكانه ترطيب الأجواء و إبراز قوة الثقافة في فعل ما تعجز السياسة عن فعله .

لهذا قررنا في وزارة الثقافة أن تكون كركوك عاصمة الثقافة العراقية لعام 2010 لاسيما و إن هذا العام بالذات هو عام حوار الثقافات و صيانة خصوصياتها و تعدديتها وفق اليونسكو .

وكركوك عالم بارز لتعدد الألوان والسياقات الثقافية التي تتعايش فيها ، ففيها اللغات الكردية والتركمانية و العربية و السريانية و بقدر هذه اللغات ثمة امتدادات ثقافية قدرها أن تتناقس و تتناغم لتؤلف نموذجاً سوف يقتدى به على مستوى العالم إذا نجحنا في تجسيده ثقافياً ومن ثم سياسياً .

منذ 15 / 4 / 2010 ولغاية نهاية العام ستكون كركوك ملاذاً للفعل الثقافي الفكري الأدبي الفني ولكل أشكال الإبداع التي تتجاوز الاختلافات الهامشية و تلتقي على بساط القواسم الإنسانية المشتركة ، فإذ تختلف اللغات بأبجدياتها و ألفاظها تبقى الموسيقى و كل أشكال الفن لغة جامعة للشعوب يفهمها الجميع على طريق صياغة التطلع البشري نحو الفرح و السعادة و البناء و مراكمة المعرفة .

لقد تضاعف التفاؤل فينا و نحن نجتمع بالقيادات الإدارية و السياسية و الثقافية في المدينة ، إذ عبر الجميع لنا عن تقديره العالي لاختيار كركوك عاصمة للثقافة خصوصاً و إنها مثل اغلب مدن العراق تعاني من فقر البنية التحتية الثقافية و تتعطش إلى من يكثف الاهتمام بهذا الجانب الذي سيلعب دوره حتماً في إضافة ملامح حضارية جديدة لتقاسيم و تضاريس هذه المدينة التي ظلت و مازالت الخبر العاجل على مستوى السطح السياسي فأهلاً بها خبراً عاجلاً هذه المرة أيضا و لكن كبستان للثقافة وواحة للإبداع.

   وبذلك نكون قد قدمنا شيئاً من الوفاء لعلى مردان و جبار جباري و عبد اللطيف بندر اوغلو و جليل القيسي و سركون بولص و كل زارعي بذور الإبداع في مدينة النار الأزلية التي نريدها أيضا مدينة للحب و الفرحة الأزلية .

171
شعراء العالم يتضامنون مع العراق

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
شكراً لكم بكل اللغات يا شعراء العالم القادمين من فرنسا وايطاليا واسبانيا وامريكا والدانمارك وتركيا لأضاءة وجه البصرة وثغرها الباسم بالقصائد والكلمات الصادقة ذات الطعم التضامني العميق .
ان قصائدكم وحضوركم الاخضر لتمزيق الصورة النمطية عن العراق واكتشاف ما فيه من غزارة في الابداع وعشق الحياة ، هي رسالة ذات اكثر من مغزى ، فنحن معكم نتفتح شعراً وحباً وسلاماً وهذا هو الجواب على الإرهاب الظلامي الذي يتفجر ناراً وحقداً وموتاً على الأبرياء .
لقد كان المربد هذا العام مزدهراً بكم واذا أضفنا اليه يوم بغداد الشعري بعد العودة من البصرة فإننا أردنا إشراك جمهور بغداد في السماع لأشعاركم التي أنعشتنا بالفرح والعافية والأمل فأردنا ان تقرأوا في بغداد مثلما قرأتم في البصرة الفيحاء .
لقد قدمتم أكثر من الشعر وأكثر من مجرد التضامن ، فعلى مدى أيام اكتشفتم إننا قادرون على البناء والتنمية وجادون على النهوض ديمقراطياً رغم أكوام الخرائب والحرائق التي خلفها النظام السابق .
وعرفتم ان "المربد" كان كما ساحة الـ(هايد بارك) اللندنية فلا رقابة على النصوص ولا اثر لترويج أي سياق فكري او سياسي او أدبي ، فاللجنة المشرفة لم تقرأ النصوص مسبقاً وكان الشاعر مطلق الحرية ليقول ويقرأ ما يشاء لأننا نؤمن ان الحرية هي حاضنة الإبداع ومحور استمراره وتناميه وتواصله .
ورأيتم في البصرة وبغداد ان ثمة مشهد ثقافي جديد ترتسم معالمه على تضاريس الوطن لتشير الى ثقافة بقدر ألوان العراق كله لا بقدر قامة الدكتاتور كما كانت سابقاً .
لقد انعطف المربد هذا العام نحو العالم ليقول كلمته حول مايجري في العراق ولدحض الفكر الإرهابي الذي يريد اخراج الوطن من دائرة الضوء والاهتمام العالمي وتقزيمه اعلامياً على هيئة صورة متلفزة لا تعكس الا التفجيرات والسيارات المفخخة .
وهذا بحد ذاته نصر لثقافة العراق فكل شاعر قدم الينا سوف ينقل مشاهداته وانطباعاته وأفكاره الى الصحافة في بلده وسيقول ان الشعب العراقي مصمم على البقاء في وجه التحديات وان ثقافة العراق مؤهلة للتواصل الإنساني وخدمة الحضارة.
لقد حصلنا بمقدمكم ايها الشعراء على اكبر قدر من الفرح والارتياح لأن الشاعر والمثقف ليس كالسائح والزائر العادي ، فهو كائن حساس ومستوعب للتفاصيل ومحلل جيد للظواهر ولما على هذه الأرض من مرتكزات العمران الفكري والمادي ، ولما في تاريخ شعبنا من محطات مضيئة تستحق أن تبرز رغم حمم الإرهاب .


                                                                    30/3/2010

172
اربيل تزدهــر بالكتــاب
                                                                           
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
يمضي قطار الزمن وتتنوع قنوات إيصال المعرفة والفكر وكلما تراكمت بيادر الإبداع يبرز الكتاب باعتباره صاحب الفضل الأول في التواصل الإنساني على أرضية الإبداع والانجاز الفكري , فهو حقا خير جليس في الزمان .
 واربيل اذ تفترش صدرها في الفترة (2- 11/4/2010) للكتاب مجددا كما في كل عام ، فانها بذلك تكتسب طعماً مميزاً وتكتنز باغناءات جديدة تثري أجواءها كمدينة معاصرة متحفزة ناهضة ومتصلة بالعالم وهواء العصر.
 ان دار المدى للثقافة والاعلام والفنون تزين شوارع وحدائق اربيل العامرة بمئات من العناوين المعرفية في شتى المجالات تقدم للمدينة خدمة جديدة تزيد من اجتذاب المثقفين والادباء والقراء وكل المعنين بالكتاب لجهة الكتابة والنشر والتوزيع والقراءة.
ان اربيل بتاريخها العريق الممتد على مدى خمسة آلاف عام وبقلعتها التي استحقت ان تكون ضمن قائمة التراث العالمي وبما تحمله اليوم من كل تجليات التطور المتسارع ، تستحق ان تكون ايضاً عاصمة للكتاب يؤمها المفكرون كبقعة مضيئة ومفتوحة على ينابيع الفكر والابداع .
ان اغلب المدن تتمنى ان تكون في العام مرة حاضنة للمنجز الفكري الابداعي، فمدينة مثل فرانكفورت رغم شهرتها كمدينة تحتضن اكبر مطار في العالم وكونها المركز المالي الاوروبي وفيها مصرف اليورو، ورغم شهرتها كمدينة للفن والمتاحف وفيها واحدة من ارقى الجامعات الالمانية . الا انها تبقى شهيرة بمعرض الكتاب السنوي الذي يحضره نحو (100) دولة ودار نشر من شتى انحاء العالم ، حيث تتحول المدينة خلال شهر تشرين الاول من كل عام الى عنوان عالمي لا يفوقه عنوان أخر للكتاب والندوات والنقاشات والتواصل والتبادل الفكري الثقافي بين الحضارات والثقافات والشعوب .
ان الكتــــــاب كعصارة فكر وحاضنة ابداع واشارة لا تخطئ الى المدى الذي بلغه هذا المجتمع او ذاك من تطور ، يمنح المدينة التي ينتشر فيها المزيد من النضارة والجدية والأهمية .
وحبذا لو لجأ معرض اربيل للكتاب الى منح جائزة سنوياً لأحد الكتاب البارزين لتحفيز الباحثين ولجعل المعرض محطة فرز حقيقية لعناوين المعرفة ، مثلما يفعل معرض فرانكفورت الدولي الذي يمنح كل عام جائزة السلام ذات الاعتبار الدولي لأحد الكتاب العالميين ويجري الاختيار وفق آليات فائقة المصداقية وتمنح الجائزة لعناوين فيها إصرار انساني على تكريس الفكر والكتابة للانسان والسلام والاستقرار وللآمال والآلام التي تجتاح المجتمعات .
والى ذلك فأن معرض اربيل للكتاب يمكن ان يتواصل مع العالم ومع المدن التي تقام فيها معارض عالمية للكتاب بغية اكتساب المزيد من الخبرة واغناء ايام عرض الكتاب بفعاليات متنوعة مكرسة للكتاب واليات نشره وتسويقه .
ان اربيل اذ تنتعش وتتفتح براعمها في مختلف الاتجاهات ، فإنها بالكتاب تزدهر أكثر ويتعمق تواصلها مع العالم اكثر .

173
وزارة الثقافة سيادية
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
اذا التجأنا الى معيار متحرك لتحديد ماهو سيادي وغير سيادي في دولة ما ضمن ظروف معينة سنكون اقرب الى الواقع واكثر تحسساً بوقائع الامور على الارض . ومنطقياًَ فان كل الوزارات مهمة وينبغي ان تكون فاعلة ومؤثرة ومؤدية للمهام الآنية والمستقبلية لتطور المجتمع .
ولكن دأب علم الإدارة تقليدياً على تسمية وزارات مثل (الداخلية والدفاع والخارجية) بالسيادية دون النظر الى ان أي وزارة اخرى قد تصبح لحقبة ما سيادية بحكم الواقع والحاجة .
وسبق ان طرح اكثر من مرة مدى أهمية وزارة الثقافة في العراق ضمن الظروف الراهنة ، فهذه الوزارة ذات اهمية قصوى اصلاً ، ولكنها الان في العراق تكتسب بعداً اضافياً ولابد من تغيير النظرة اليها .
وكانت التفافة متميزة من مجموعة الاعلاميين الذين قابلوا دولة رئيس الوزراء يوم (23/2/2010)حين ركزوا على هذا المفصل وجددوا الاقتراح والتأكيد على سيادية وزارة تعنى بثقافة العراق ، وهذا ما قاله صراحة الاعلامي (هفال زاخويى) رئيس تحرير جريدة الاهالي اثناء المقابلة ، وما يبعث فينا الاطمئنان ان دولة رئيس الوزراء (نوري المالكي) متفهم ومرحب بهذا الاقتراح الوجيه وسبق ان اشار اليه اثناء افتتاح فعاليات بابل عاصمة ثقافية للعراق في عام 2008.
ونحن في الوزارة كمسؤولين وكمثقفين نشكر مبادرته القيمة بالموافقة على بناء قصور للثقافة في المدن التي تصبح عواصم ثقافية.
ان الثقافة هي الحضارة بمعناها الواسع ونعني هنا كل مايمت الى الفكر والبناء الفوقي بصلة ، مثلما نعني بالثقافة البعد التنموي الاجتماعي التربوي السياسي الذي يعيننا على بناء المجتمع البديل .
لقد هدم الدكتاتور السابق البنيان الثقافي العراقي لأنه كان خائفاً ومرعوباً من المثقفين ولم يكن لسان حاله يختلف عن سياق تفكير (غوبلز) وزير الدعاية النازي الذي كان دائماً يردد (حين اسمع كلمة ثقافة أتحسس مسدسي )لذلك حول النظام السابق الثقافة العراقية الى عباءة بقدر قامة الدكتاتور ، والان نحن امام تحدي جعل الثقافة بقدر قامة وطن بكل ما فيه من الوان وتنويعات وكنوز وقوى ناهضة ومتواصلة مع العالم .
ان سيادية وزارة الثقافة مفهومة وواقعية لان مجمل ما نعانيه من مشاكل كالعنف المستشري والفساد الاداري واشكاليات الديمقراطية ووضع المرأة انما تنبع اساساً من حقيقة ان النظام السابق عمل على مدى (35) عاماً على احتكار الدولة ونشر الفكر (القروبدوي) في مفاصلها وجعل كل شئ ملكاً مباحاً لحزب ومن ثم لعشيرة وبعدها لعائلة وشخص واحد . ان ازمة العراق الحالية وتشظي الهوية الوطنية هي أزمة أخلاقية ثقافية قبل ان تكون سياسية .
ووجود وزارة ثقافة قوية وسيادية ومنتشرة بتأثيراتها على كافة أنحاء الوطن هي خطوة انعطافية لتفعيل الثقافة البديلة ، ثقافة اللاعنف والتسامح والوئام الاجتماعي وثقافة رفع الوعي بالمسؤولية ورفع الوعي الجمالي والذائقة الادبية الفنية لدى المواطن ، وبذلك نكون قد مهدنا للمجتمع البديل الذي نتطلع اليه بثقة .
وفي هذا السياق نعلن ترحيبنا الحار بموافقة الأمانة العامة لمجلس الوزراء على مشروع صندوق التنمية الثقافية الذي يعتبر خطوة متقدمة الى الامام .
 ان الثقافة في العراق جديرة بمضاعفة الاهتمام بها لأن الفعل الثقافي الصحيح والمبدع قادر حتماً على التغيير .   



174
مهرجان السينما في دهوك... انعطاف ثقافي مميز

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
السينما في دهوك أصبح لها مهرجان وهذا بحق جدير بالتقدير ومثير وشئ انعطافي بالمشهد الثقافي لهذه المدينة التي بقيت محافظة الى حدما.هذا رغم ان اسماء لامعة في الشعر والقصة برزت فيها اضافة الى وجود ادباء نشطين.ولكن المشهد الثقافي فيها ظل مراوحاً فيها ولاسيما حين يتعلق الامر بالكتابة المسرحية والروائية ، ناهيك عن الفن السابع بكل مايعنيه من نقلة نوعية في معنى الثقافة وقدرتها على التغيير والانعطاف بالواقع نحو الاجمل والافضل .
ان هذا المهرجان يشكل انعطافاً كبيراً في البدء وباستيعاب دور السينما في التشكيل لوعي اخر وتجذيره لدى سكان هذه المحافظة .
وللحق اقول ان الدور الاساسي لهذا الفعل الجميل في دهوك يعود الى السيدة (فيان مائي) الناشطة والكاتبة التي تمتلك موهبة عالية وجرأة في الطرح وقدرة على تغيير الواقع من خلال إبداع أصيل .
لقد التقيت بها اكثر من مرة في مدينة اربيل وشرحت لي ما يعتمل داخلها من تطلعات وامال للنهوض بواقع المرأة الكوردية ليس بالقول والشعارات ، وانما بالعمل الجاد والمثمر والمنفتح على ثقافة اوروبية شفافة وواقعية ومتحضرة ، وحضرت ذات مرة عرضاً اولياً لمقاطع من فلمها الجميل (الحمامة البيضاء) قبل ان ينتهي وادركت مدى الطاقة الكامنة في هذه المرأة المثقفة ، وكانت حينها تبحث عن قنوات لتمويل هذا الفلم الذي يتعرض الى واحدة من اهم الاشكاليات التي يعانيها المجتمع الكوردستاني وهي قضية القتل غسلاً للعار ، وهي كما نعلم جريمة قتل عمدية كيفما نظرنا اليها. و(فيان مائي) لا تكتفي بالسينما وسيلة للتغيير وإنما تلجأ للشعر باللغة الكوردية ايضاً والى عقد الندوات والوقوف بحزم ضد الظواهر والعادات السيئة الصيت التي اكل الدهر عليها وشرب ، ولكنها مازالت حاضرة في مدينة دهوك .
ان هذه المدينة الجميلة العامرة بعطاءات الطبيعة تستحق ان ينتعش ويتطور ويتنامى فيها الواقع الثقافي بصورة اشمل واكثر كمالاً .
وفي هذه المناسبة نشد على يدي فرع دهوك لأتحاد الادباء على ما يقيمه من فعاليات وندعوه للمساهمة في النهوض بواقع سينمائي سيكون له اكبر تأثير على عموم واقع المحافظة لأن السينما بقدر ماهي فعل فني جمالي راقي جداً فهي ايضاً فعل ادبي ونقصد هنا دعوة الادباء للكتابة عن مواضيع جادة ومهمة وعن معاناة المرأة وإشكاليات العادات المتهرئة ، لكي تكون مادة دسمة كسيناريوهات وقصص صالحة للسينما . ان واقع مجتمعنا ملئ بهذه الظواهر والسلوكيات التي لا تنسجم وواقع العصر .
شكراً للسيدة (فيان مائي) على هذه المثابرة والعطاء الذي لا ينتهي وشكراً لها لأنها تعمل دون كلل اوملل وقد أشعلت شمعة مضيئة علينا ان نحرص على ان تبقى مشتعلة ووهاجة .   

175
حان الوقت لإقرار قانون حماية الصحفين

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

في برنامج (يوم جديد) في قناة الرشيد الفضائية يوم (22/2/2010) طرحت مقدمة البرنامج سؤالاً وجيهاً وهو لماذا لم يشرع لغاية الان قانون حماية الصحفيين . وبكل وضوح اشرت الى ان البرلمان تلكأ وتعثر كثيراً وترك فراغات كثيرة في مجال سن او اقرار مشاريع القوانين التي تنسجم مع العراق الجديد .
وهنا نعود مجدداً الى التجاذبات السياسية واحياناً الاهمال المتعمد لبعض الاحزاب لدور الاعلام وعدم استيعابها له كوتد اساسي لبناء الديمقراطية .
ان الاعلام كسلطة رابعة اذا تضافر مع منظمات المجتمع المدني كسلطة خامسة يكون قد حقق للمجتمع العراقي قفزة انعطافية كبيرة نحو الوئام الاجتماعي ولتشكيل قوة الضغط الضرورية على السلطات التشريعية والتنفيذية لتفعيل العمل وتحريك بوصلته باتجاه حل الملفات الساخنة التي نواجهها . ان الاعلام العراقي وبعد عقود من الدكتاتورية والقمع وخنق الانفاس خرج الى الهواء الطلق فيما يشبه الفورة والغليان ليكون الان أكثر من مجرد متفرج او محاكي للنخبة الحاكمة ، فهو الان فاعل ومتفاعل ومؤثر وقادر على تغيير الكثير من الامور وايضاً اضفاء دور جديد للاعلام في المجتمع .
لذلك فالاعلام في العراق بحاجة الى قانون ديمقراطي شفاف مرن يحصن مهنة الاعلام ويحمي حياة وافكار الاعلامي الواقف على خطوط النار في مواجهة العنف والارهاب . فالدعوة الى تسريع الخطى لإصدار هكذا قانون والدعوة لكي يكون القانون القادم مرتكزاً الى التراكم المعرفي والقانوني الدولي في هذا المجال واجب علينا جميعاً .
ان الإعلامي العراقي هدف للارهاب لأنه يشرح ويحلل ويؤشر للحقائق ولأنه لا يستطيع ان يقف على الحياد حين يتعلق الموضوع بحياة وطن وقضية شعب بكامله .
وهنا لا بد من الإشارة الى ان الإعلام الحزبي فقد الكثير من بريقه في العالم وغدت المصداقية والمهنية العالية وكشف الحقائق بتقاسيمها الحقيقية والدعوة لمنظومة قيمية حضارية هي المعايير التي تجعل الصحيفة او الفضائية حائزة على اعجاب المواطن .
منذ عام 2003 دفع الجسم الاعلامي العراقي ضحايا كثيرة فاقت أي دولة اخرى في العالم وهذا بحد ذاته اشارة حمراء علينا ان نقف أمامها بتمعن ولا نترك لأي سياق اداري او روتيني او سياسي ان يمنع صدور القانون .
ان العراق الجديد قادر ومؤهل ليحتضن اعلاماً قوياً ومؤثراً ومتمتعاً بالحصانة ومستلزمات الحياة الكريمة لرجال الاعلام لاداء مهمتهم المقدسة في صيانة المجتمع ومنع التداعيات فيه .
وهذه دعوة مني لكل اصحاب القلم ان ينضموا الى حملة تضامنية حاشدة لتسريع اصدار القانون ولجعل الاعلام خطاباً للمواطن بالدرجة الاساس وخطاباً يعكس اماله وتطلعاته ويشرح كل الملفات الاشكالية في المجتمع ولمنع كل اساليب التورية والتعمية والتغطية على المعضلات التي نعانيها فلا شئ مثل الاعلام قادر على إلقاء الضوء الكثيف على المناطق المظلمة والزوايا المعتمة ، انه الضوء الاخضر لمرور كل ما هو جميل وحضاري وهو الضوء الاحمر لمنع عبور ماهو سئ وبدائي .


176
الحب وثيقة انتمائنا الى الحضارة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
     كل عام في الرابع عشر من شباط يوم الحب التفت قليلاً الى الوراء لأحصاء كمية الحب وعدد البسمات ولحظات الحنين والشوق وكلمات الصداقة الحميمة التي توزعت على تضاريس العام الفائت ، وكيف لي ان اضيف المزيد اليها في العام القادم.
وكل عام في عيد الحب اتساءل لماذا لجأ الناس الى تحديد يوم لعاطفة هي حاضنة كل العواطف ومرجعية كل ما يبدر منا من خير وتفاؤل وامل واصرار على اعمار الذات والوطن واغناء الانسانية بغصون اخرى خضراء وبراعم اخرى تتفتح على الحب ابداً.
الحب مشروع حياتي اجمل مافيه انه خارج السياقات الرتيبة وبعيد عن التعقيد وعدم التكلفة وغير مقيد بالاشتراطات وبالزمن والاجمل من كل ذلك انه مشروع مربح دائماً وسلفاً فلا مغامرة فيه ولا احتمال للخسارة .
حين يجمعنا الحب يزورنا الضوء واللون والفرح والغناء وتتسع البقعة الخصبة في القلب والعقل وتتحول شرايين الدماء فينا الى جداول ماء وزاد للاخرين .
انظروا كم هي جميلة ويانعة كلمة "الاخرين" فليس المهم ابداً ان تنتعش "الانا" فينا خوفاً من الدخول الى دهاليز النرجسية التي لا خط رجعة فيها ومنها ينبت الحسد والغرور ورغبة الهيمنة ومشاعر العظمة الفارغة . وبتحول سريع وبسيط الى ضفاف الـ "نحن" نكون جميعاً قد وفرنا على انفسنا وعلى المحيطين بنا وكل من ينتظر العطاء منا الجهد والوقت مثلما نكون قد اقدمنا على الخطوة الاولى الضرورية جداً لمنع فيضان الحقد على المختلف والمخالف والمعارض لنا .
ان الحقد مستنقع اسن وبركة راكدة نتنة وعتمة تقتل الرؤية وغابة احراش مكتظة بالاشواك . لذلك كانت كل قصص الحب على مر التاريخ رائعة وخالدة ومحفورة في الذاكرة شعراً وغناءاً وكلما مررنا بها نزدهر فرحاً ونكتنز عشقاً ، اما كل قصص الدمار والخراب والانانية وكل مسلسل القمع الذي يمارس بحق الانسان فإنها عابرة ومكروهة ولا يدفعنا للمرور بها وتصفح سطورها الا لكي نتعض ونستلهم العبرة كي لا تتكرر .
القابل للتكرار بلا نهاية والتجدد واللامحدود والتنوع ابداً الى حد اننا لا نشبع منه مهما زاد وكثر وتراكم هو الحب لأنه الذي يعمر الارض ويجعلنا على بوابة الحضارة باوسع معانيها ... حضارة الفرد حين يتناغم ويأتلف مع الاخر ، وحضارة المجتمع حين يتزين بالوئام والتنمية والجمال .
في الرابع عشر من شباط اتوجه الى اضرحة احبتي جميعاً لأقول لهم  انتم الاشجار الدائمة الخضرة في الذاكرة ، واخطو سريعاً الى الامام لأعلن لكل الاحياء الذين احبهم انني على الوعد باق ٍ وعلى العهد سأبقى ، فلا خيار لي والانحياز هنا حياة والبقاء على الحياد بين الحب واللاحب موت حتمي .
يحق للمرأة في هذا اليوم ان تعلن على الملأ انها الاصل وانها مصدر الحب وسبب كل التراث الانساني البهيج في الادب والفن فأول اغنية واول قصيدة واول نحت واول لوحة كانت هي ملهمتها وعلة وجودها وتناميها .
يحق لها في يوم الحب ان تعلن اللون الوردي والاحمر والبنفسجي علامة للتميز والاحتجاج على من يحاول سجنها داخل الوان محددة سلفاً وتقاسيم اثواب موضوعة حصراً ، وهي التي تملك القدرة اللامحدودة لصنع الجمال منذ كان الكون وستبقى كذلك .
دعونا اذاً نستحضر في هذا اليوم كل القبح والتنكيل والظلام والتهميش الذي تواجهه المرأة في مجتمعنا الذي مازال يراوح  ويتردد ويخاف من القول ان سنة الحياة هي المساواة بين الرجل والمرأة وان هذه المساواة لا تتم الا بالحب بأوسع معانيه .
نحن مع الرجل والمرأة على نفس الارض ونتنفس نفس الهواء ونعايش الحياة معاً في السراء والضراء ونملك نفس العواطف ونستحق نفس الحقوق ، فهل ثمة منطق للتمييز اذن ؟
في يوم الحب مني وردة ندية لكل امرأة في وطني ولكل طفل فقد حنان الام ولكل انسان مؤمن ان الحب ولا شئ غير الحب هو وثيقة انتمائنا للعالم والحضارة .   

177
المبدعون العراقيون عنوان وطن

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
يوم (28/1/2010) التأم شملنا في فندق (المنصور ميليا) لنصفق من القلب ونزدهر فرحاً بنخبة المبدعين العراقيين الذين فازوا بجائزة الابداع الثقافي لعام /2009 التي نظمتها وزارة الثقافة .
اننا بهذا العمل لم نقدم مجرد احتفاء تقليدي ينتهي مفعوله مع اختتام الفعالية ، ولم نلجأ الى التظاهر امام البريق الاعلامي ، وانما اسسنا لفعل ثقافي جديد فيه الكثير من المصداقية التي تجعل المبدع العراقي يطمئن الى ان منجزه سيحظى بالتقدير والثناء والانتشار بقدر ما فيه من عمق وابتكار وتجديد وفرادة وتميز دون اعارة ادنى اهتمام لأية معايير اخرى .
لقد عملت لجنة التحكيم اثناء دراستها للاعمال بحيادية واخلاص ومهنية عالية لاختيار الاعمال الفائزة ولم يكن للانتماء الحزبي او الطائفي او القومي أي تاثير ، ولم يكن للمحاباة او التزلف او نشدان القربى من هذا او ذلك أي وجود .
وهذا بحد ذاته انعطاف بالفعل الابداعي الى اشتراطاته وبيئته الاصلية التي غاب عنها طويلاً ابان النظام الدكتاتوري الذي غيَب الثقافة كلياً عن وظيفتها في التغيير والتطوير ورسم معالم المجتمع وأماله وآلامه لتصبح انذاك مجرد اداة دعائية اخرى فــُرضت عليها شروط ومقاسات ايديولوجية قاسية .
من المؤكد ان الذين فازوا بالجائزة اعترتهم موجة من الاطمئنان واليقين ان ما اجترحته قرائحهم بعد المثابرة والتعب والانهماك في الخلق والتجديد هو الذي يستحق الفوز بجدارة وان انحياز لجنة التحكيم كان فقط لجوهر العمل الابداعي وليس لأية رياح جانبية اخرى كما كان يحصل في سنوات الدكتاتورية البغيضة . اذاً فالصورة تتوضح اكثر فاكثر والمبدع العراقي ينبغي ان يعمل لكي يغير ويضيف ويغني الحضارة والتواصل الانساني الابداعي ، والحضارة والثقافة توأمان وما بينهما من التماهي امر لافكاك منه . ينبغي ان نقول ان علينا في المرة القادمة ضم مجالات ثقافية اخرى وتوسيع رقعة الفضاء التي تتحرك فيها الجائزة وذلك بإضافة الفنون التشكيلية وكذلك الابداع الفكري المتميز ونعني الدراسات المعاصرة في مجالات حقوق الانسان ووضع المراة والعولمة والديمقراطية لان ثمة باحثين اكفاء في هذه المجالات .
والى ذلك فان هذه الجائزة اذ تحتفظ بتميزها وموضوعيتها يمكن جعلها لاحقاً مرتكزاً لاقتراح جائزة اعلى منها هي جائزة الدولة التقديرية المعمول بها في كثير من الدول والتي تمنح سنوياً للمبدعين في شتى مجالات المعرفة . ويكون ذلك باختيار اعمال من التي فازت بجائزة وزارة الثقافة وبعد اجراء عملية تحكيم اخرى وفق شروط نتوخى اقصى درجات الدقة والموضوعية .
ان المبدعون في أي وطن ليسوا فئة عادية فهم مرآة المجتمع وعامل دفعه الى الامام وهم عنواننا الذي به يتعرف علينا العالم بعد عقود من الكوارث والحروب والقمع الفكري الذي مارسته الدكتاتورية على كل العقول المبدعة .
انها اذاً عملية خلاقة لإعادة حياة الإبداع العراقي الى مجراه الطبيعي ليمد هذه الأرض والإنسانية بعطاء وطني تحديثي تنويري متواصل مع الانسان في الداخل والخارج وهذا يعني بالضرورة ان العراق يتحول الى إضافة خضراء للحضارة الحالية ، بعد حقبة طويلة كان العراق فيها مصدراً لعوامل تدمير هذه الحضارة بفعل دكتاتور اختزل الوطن وثقافته في شخصه والمطلوب منا ان تكون هذه الثقافة الان بكل الوان العراق وبكل بيئاته وسياقاته الفكرية لتصبح ثقافة بقدر خارطة وطن باكمله دون هيمنة أي سياق على اخر .
ان واجبنا في وزارة الثقافة هو ايجاد المشتركات بين الثقافات العراقية دون صهرها او ذوبانها في ثقافة واحدة او سياق فكري واحد ، فتنمية المشترك مع الحفاظ على ماهو خصوصي هو الذي يعيننا على اعادة اللحمة الى الهوية الوطنيـــــــة العراقيــــــــة التي تشظت كثيراً في الفترة الاخيرة ، لذلك اكد اجتماع هيئة الرأي الأخير لوزارتنا على هذا الموضوع وأقر استحداث (دائرة الثقافات الوطنية) التي ستعتني بالثقافة التركمانية والكلدواشورية الى جانب دار الثقافة والنشر الكوردية . وفي التفاتة رائعة اقدمت الجمعية العراقية لدعم الثقافة على تكريم كل المبدعين العراقيين الذين فازوا خلال العام 2009 بجوائز في الدول العربية والعالم ، وذلك يوم (30\1) في قاعة نادي العلوية ، وقد بلغ عدد الفائزين العراقيين المنتشرين في الساحات العالمية اكثر من (42) مبدعاً في كل فنون الثقافة والفن والمعرفة .
 لقد كان لنا شرف الحضور وإلقاء كلمة باسم الوزارة في هذه الفعالية . أكدنا فيها على حتمية تضافر جهود الوزارة مع منظمات المجتمع المدني المعنية بالثقافة لكي تكتمل الصورة ويبلغ المشهد الثقافي العراقي مداه الأوسع . وهذا هو السياق المتجذر في كل الدول الديمقراطية حيث لا تعتبر وزارة الثقافة الجهة الحصرية الوحيدة لانجاز الإبداع الثقافي وإنما تنضم اليها شبكة واسعة من المنظمات والاتحادات والمراكز ويبقى لوزارة الثقافة واجب توفير أقصى فضاءات الحرية والدعم لكل العاملين في الحقل الثقافي .
ان هؤلاء الـ (42) مبدعاً عراقيـاً هم سفراء حقيقيون للثقافة العراقية ، وفوزهم مبعث فخر واعتزاز لنا ، و حصاد هذه الجوائز في الخارج اذ يلتقي مع جوائز من هم في الداخل فانما يبعث لنا جميعاً برسالة مفادها ان المبدعون العراقيون هم ببساطة الوطن مختزلاً على هيئة عطاء غزير ومتدفق وهم ثالث الرافدين في العراق .   

178
كركوك عاصمة الثقافة العراقية لعام 2010

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
التنوع الثقافي والتعددية سمة لازمة ، وثمة ضرورة قصوى للحفاظ على هذا التنوع والعمل دون صهره ودمجه في سياق واحد ، فالوحدة في التنوع هو اساس التطور والتنمية وليس الوحدة القسرية او الانصهار في بودقة واحدة . وقد انتبهت الامم المتحدة منذ اوائل ثمانينات القرن الماضي الى هذه الحقيقة فعقدت مؤتمراً دعت فيه الى التأكيد على فكرة العواصم الثقافية لأن التنمية لا تتحقق الا بالثقافة .
ان عواصم الثقافة وسيلة لحوار الثقافات داخلياً على مستوى الاعراق والقوميات التي تعيش في بلد معين ، او عالمياً لتواصل المدن بكنوزها وثقافاتها وتلاوينها وخصوصياتها مع البعض وبلورة صورة ثقافية متناغمة للحضارة الحالية .
لقد لجأت وزارة الثقافة الى تبني هذا المشروع الثقافي الحيوي انسجاماً مع التوجه العالمي ومع المشهد الثقافي في العراق الجديد الذي يرتكن الى التعددية وتنمية الثقافات العراقية كلها ضمن ثقافة وطنية بكل الوان العراق .
ففي عــــــــام 2008 كانت (بـــــــابل) هي العــــاصمة الثقافيــــة للعراق تلتهــــــــا (البصرة) عام 2009 ، واقرت الوزارة (كركوك) كعاصمة ثقافية لهذا العام .
وكركوك التي اشتهرت بالنار الازلية لنفطها اشتهرت ايضاً بتنوعها القومي واللغوي والثقــــــــــافي ايضاً فهي كما يقال "العراق المصغر" والمجسد في مدينـــــة واحدة تتكلم ثـــــــلاث لغات . انها المدينة المتواجدة يومياً على السطح السياسي ويجدر بنا تفعيل حضورها الثقافي ايضاً . فالمنجز الثقافي الذي تؤديه الفاعليات والمراكز الثقافية والاكاديمية الكوردية والعربية والتركمانية والكلدواشورية خلال عام كامل ستساهم حتماً في ترطيب الاجواء اكثر فأكثر وربما تقلل من الاختناق السياسي وتفتح نافذة امل جديدة لنزع فتيل الازمة . اننا في وزارة الثقافة سنعمل بجد خلال هذا العام لتقديم خطاب التأخي والتسامح والتعايش والتحاور الذي نرى اصلاً انه سائد في هذه المدينة العريقة بتاريخها ورموزها وقلعتها . ان عيون العالم كله على كركوك سياسياً لأنها على الاقل حالياً المدينة الازمة ونحن نعمل على توجيه الانظار اليها ثقافياً لنقول ان هذه الازمة قابلة للحل وان التعايش قائم .
وخلال الزيارة التي قمنا بها الى المدينة في الفترة (6-9/1/2010) وبعد لقاءات مكثفة مع السيد محافظ كركوك ورئيس وعدد كبير من اعضاء مجلس المحافظة ومع الفاعليات السياسية والثقافية في المدينة ورئاسة جامعة كركوك ومديرية التربية في المحافظة ونخبة المثقفين فيها ابدى الجميع تقديرهم العالي لقرار الوزارة وتعهدهم بالمساهمة الفاعلة في تقديم نشاطات ثقافية وفنية وادبية وفكرية بمستوى الطموح تركز على مضاعفة الجهود لخلق واقع ثقافي افضل في المدينة وابراز المشهد التراثي والتاريخي والمعاصر بشكل اكثر وضوحاً .
نتمنى ان نستطيع معاً ترجمة جملة من المشاريع التي لابد ان تكون ضمن برنامج العمل الى واقع خلال الفترة القادمة ، ومنها موسوعة كركوك وارشفة ذاكرة المدينة وطبع مجموعة مؤلفات بكل لغات المدينة وتركيز المجهود ولطرح مشروع القصر الثقافي فيها على الحكومة . فمرحباً بكركوك المزدانة بأبار الخير والنفط وبثقافة تحمل كل الوان الطيف الثقافي العراقي . 

179
اللاعنف والتسامح سلوك تطبيقي وليس مجرد كلام

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة
مقولة "في البدء كانت الكلمة" تفيض بالصدق واليقين فهي كانت اشارة البدء والاستهلالة الاولى واول انذار للبدء بالتغيير والتحول من واقع الى اخر . ولكن ومنذ البدء ايضاً لم تكن الكلمة فاعلة ومؤثرة ومغيَرة ومعدَلة لهذا الواقع او ذاك او هذه الظاهرة او تلك ، الا حين تتحول الى فعل تطبيقي على الارض وممارسة يومية تجعل الكلام تصرفاً ميدانياً وتحيل الخطاب الى سلوك حياتي موَثق بالادلة والبراهين .
اقول هذا لأن الخطابات التي تلقى في مؤتمرات "المصالحة الوطنية العراقية" واكثر الندوات التي تنعقد لمحاربة العنف في المجتمع تبقى بكل اسف اسيرة الكلام الذي يجترُ نفسه ويتكرر وفق قوالب نمطية جامدة لاحياة فيها .
والدليل ان كل هذه المؤتمرات جعجعت دون ان تطرح بين ايدينا ولو حفنة طحين وجرى نسيانها بمجرد انفضاض المؤتمر وعــــودة الخطباء الى بيوتهم وكل واحد منهم ينزَه نفسه من الخطـــــأ ويرمي سلة الذنوب والخطايا على اكتاف الاخر . وبالنتيجة تتحول المؤتمرات الى جولة اخرى من تبادل الاتهامات والعنف الكلامي والتشظي على خنادق متقابلة ، في حين ان مردود أي مؤتمر يجب ان يكون الاصطفاف جميعاً في خندق اللاعنف والتسامح ضد متاريس العنف والارهاب .
والى ذلك فأن الكلام يتكاثر الى حد الغلوَ والفيضان حول "المؤامرة" التي يتعرض اليها المجتمع العراقي الى حد تزكية النفس  كلياً من الاثم وبذلك تنعدم الحاجة – وفق هذا النمط التفكيري – للبحث في باطن الاشياء والتنقيب في مفاصل المجتمع العراقي والتأشير لكل القبح والتورمات المختفية في ثناياه والتي تبرز حالما تتعرض لأية هزَة لأنها اصلاً تربة صالحة تثمر فيها ظاهرة العنف .
واللوم هنا ليس موجهاً للفرد العراقي بحد ذاته الذي لا يختلف عن أي فرد في أي دولة في العالم ، وانما يوجه لأسس التربية ولثقافة وفكر بعض الاحزاب وللاستبداد والقمع الذي لاحق هذا الفرد وحاربه في عيشه وخبزه على مدى عقود من الزمن كانت حافلة بأرهاب الدولة وفكر الحزب الواحد والشخص الواحد والسياق الايديولوجي الواحد ، وجاءت الكوارث والحروب والحصار لتزيد الطين بلَة وليصبح الفرد العراقي اسير امتداد تاريخي متسلسل من العنف الدموي والذي يقرأ كتاب "تاريخ العنف الدموي في العراق"لمؤلفه (باقر ياسين) سيطلع على كل تفاصيل ثقافة العنف التي سادت البلد حتى دخل الى كل مفاصل المجتمع ، بدءاً من البيت الى الدائرة والمؤسسة وهيكل الادارة والحكم .
وكانت الـ(35) عاماً من الدكتاتورية كفيلة بتغيير المنظومة القيمية للمجتمع من خلال سياقات سياسية واجتماعية وتربوية وفكرية استهدفت كلها زرع بذور العنف تجاه الاخر المختلف قومياً او دينياً او طائفياً او فكرياً او ثقافياً .
اذن هناك تراكم تاريخي لثقافة العنف زرعها الحكام عمداً ولابد من التأشير اليها والاعتراف بها لأن هذا التشخيص العلمي المستند الى الاستقراء والاستنتاج يوفر علينا الكثير من الجهد مع الاعتراف طبعاً ان هناك خيوط مؤامرة واجندات اجنبية ايضاً تؤثر وتنجح احياناً كثيراً في تصدير العنف الينا .ولكن اية مؤامرة لن تنجح بهذه السرعة ان لم تكن ثمة تربة صالحة تستثمرها وهذا امر لابد للسياسي والمفكر والمثقف العراقي ان يقف عنده . مثلما فعل الشعب الالماني والياباني والاسباني والايطالي ومن ثم التجربة الرائعة والرائدة في "جنوب افريقيا" على يد احد عظماء هذا العصر وهو "نيلسون مانديلا" .
لقد نجحت كل هذه الشعوب في القضاء على العنف بعد ان بحثت ونقَبت وحللت مافي مجتمعاتها من العوامل المساعدة للعنف ولجأت الى بناء وتنمية المجتمع على اسس بديلة .
لقد حضرت اغلب المؤتمرات التي انعقدت من اجل "المصالحة الوطنية" منذ التغيير ولم اجد فيها اعترافاً بالخطأ او جرأة على البحث في الذات او تشكيل لجان متابعة وتفعيل وتطوير وتطبيق مايصدر عنها من قرارات وتوصيات فبقيت كلاماً يطلق في الهواء وطرقاً على طبل اجوف .
قبل ايام حضرت الى ندوة فيها الكثير من الجدية والصدقية بعنوان "السلم الاهلي في العراق ... الواقع والتحديات" وذلك في المقر العام لمجلس السلم والتضامن العراقي وبحثنا بحضور نحو (50) اكاديمياً وسياسياً ومثقفاً وناشطات نسويات التحدي الاكبر الذي يواجه المجتمع العراقي وهو الانعطاف نحو مجتمع اللاعنف والسلم والوئام والتسامح .
والحق يقال ان الحوار المفتوح الذي تخلله والمحاضرات القَيمة للسادة المحاضرين كانت اضافة واغناءة يمكن التعويل عليها .
ولكن مرة اخرى اقول ان هذا الجهد ينبغي ان يتواصل وان يتركز وان نتجه جميعاً للبحث في العوامل الداخلية المساندة للعنف ، اضافة الى المؤثرات القادمة عبر الحدود لكي تكتمل الصورة ويتأكد التشخيص وبعد ذلك فقط يكون ممكناً اقتراح الدواء .
قبل مدة حضرت ضمن اكثر من (35) شخصية عراقية الى (السويد) الى (حوار عراقي – عراقي حول المصالحة الوطنية) واعترف انه لجهة التنظيم والادارة والمناقشات والقرارات والتوصيات كان الاكثر فائدة من كل مؤتمرات الداخل حول هذا المحور ، فخلال ايام نوقشت اغلب الملفات الساخنة وبلغة هادئة وحوارات مكثفة وتم التوصل الى خلاصات وتوصيات اُتفق على بحثها في اللقاء القادم في (السويد) . وكنت طوال تلك الايام افكر بالطريقة التي نبحث فيها الامور وبطريقتهم في البحث وبسياقاتنا اللغوية وسياقاتهم وبجديتهم في الطرح والتوصل الى نتائج واهمالنا لكل نتائج المؤتمرات التي عقدناها في الداخل .
لنكن صريحين بالقول ان المصالحة واللاعنف فعل وعمل ومثابرة وتقديم لأمثلة حية واعتراف بالخطأ وسلوك يومي واستهجان لكل مظاهر العنف التي تراكمت على تاريخنا . اضافة الى ان من يعمل على اللاعنف والتسامح ينبغي ان يكون اول المطبقين لهذا النهج في حياته ومحيطه .


180
التواصل الثقافي مع العالم ضرورة ملحة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

   على مدى عقود من الدكتاتورية لم يتقوقع العراق وينعزل سياسياً عن العالم فحسب ، بل وثقافياً وحضارياً ايضاً . فلأن الثقافة وخطابها الانساني الاستراتيجي التغييري كانت مبعث خوف ورهبة لدى النظام السابق ، فأنه لجأ الى تحجيمها الى اقصى حد ، فحوَل عالم الفن التشكيلي العراقي الذائع الشهرة عالمياً  الى مجرد مجموعة لوحات ونصب ورموز  تمجد الدكتاتور في ساحات بغداد وشوارعها وفي متحفه الذي اطلق عليه اسم (القائد المنتصر) وتجنى على عالم الموسيقى والغناء والشعر والرواية والبحث الادبي وكل سياقات التفكير الاخرى ، لذا لم يعد المتابع للشأن الثقافي العراقي يفرق بين الخطابات والتصريحات الصحفية وبين السياقات اللغوية للشعر والرواية والقصة وما الى ذلك من فنون الادب . وانقطع العراق عن العالم وصار الكتاب العراقي محجوباً عن التسويق والشيوع الا اذا تغنى بقامة الدكتاتور واطروحاته التي كان يطلقها في كافة مجالات المعرفة .
وكان لابد من تغيير المشهد واعادة المياه الى المجرى الطبيعي بعد ان اجبرت عنوةً على الجريان في متاهات ودهاليز غريبة . لذا شهد العام (2009) جملة من المبادرات الخضراء من قبل وزارة الثقافة لأعادة التواصل والتناغم مع العالم والحضور الى محافل كان يجب ان يكون للعراق فيها حضور ، وتفعيل ما تراخى من العلاقات واعادة اللحمة الى ماتمزق من خيوط الوصل بين العراق والعالم . ففي العام الماضي التأم شمل نخبة من خيرة منفيي العراق في مدينة (برلين) في شهر اب لعقد مهرجان للثقافة العراقية بحضورنا من قبل مركز الرافدين الثقافي العراقي في مدينة (برلين) التي قدم فيها على مدى اربعة ايام فعاليات غنائية وموسيقية وتشكيلية ومسرحية وشعرية ساهم فيها نحو (50) من مثقفي وفناني العراق في المهجر وكان حضور الوزارة ودعمها للمهرجان مبعث ارتياح كبير لدى مثقفي العراق في الخارج . وفي الفترة من (1-12/9/2009) كان لنا حضور فاعل في المهرجان التشكيلي العالمي في اليونان الذي حضره فنانون من اكثر من (35) دولة قدموا فيها لوحات تتغنى بالحب وتنشد السلام وترسخ ثقة الانسان بتحدي العنف والارهاب وكانت لوحة (رسالة حب من العراق للعالم) واحدة من القطع الفنية التي اجتذبت انظار الحضور وخرج المهرجان ببيان موقع من اجماع الحاضرين تضامناً مع العراق ومن اجل الثقافة الديمقراطية وضد كل اشكال الارهاب وفي كلمة لنا في ختام المهرجان شكرنا الحاضرين وادارة المهرجان على هذا الاهتمام الجميل بحالة العراق . وقد اعلن السيد (زيرفاس) رئيس المنظمة التي تقيم هذا المهرجان التشكيلي سنوياً في اليونان عن عزمه زيارة العراق قريباً .
اما المعرض السنوي للكتاب في مدينة (فرانكفورت) التي تجتمع فيه كل عام معظم دول العالم متمثلة بدور النشر والجهات المعنية بالكتاب فقد كان للعراق في شهر تشرين الاول الماضي حضور حيث افتتح لاول مرة بعد التغيير جناح للكتاب العراقي استطعنا فيه من خلال دار الشؤون الثقافية العامة تقديم صورة عن واقع الكتاب العراقي وتم الاتفاق على الحضور سنوياً وبعث ذلك الامل في الجالية العراقية في المانيا وكان الجميع متفقاً على الاهمية القصوى لفتح النوافذ امام المنجز الفكري العراقي للحضور في المحافل الدولية .
وفي السويد تمخض لقاؤنـــا بوكيلة وزارة الثقافة السويدية ومع السفارة العراقية في السويد على الاستمرار في اقامة الايام الثقافية العراقية في السويد التي يعيش فيها اكثر من (120) الف عراقي ، ويؤدي تحالف المنظمات الثقافية العراقية هناك دوراً فعالاً في تقديم منجز ثقافي عراقي يرفع من وتيرة التوجه لتعريف المجتمع السويدي بثقافة العراق .
وفي المحاضرة التي قدمناها هناك امام حشد من مثقفي العراق حول المشهد العراقي الثقافي الجديد وافاق تنمية دور وزارة الثقافة وكان الجميع متفقاً على المساهمة لتطوير الواقع الثقافي في العراق . اما الدانمارك فكانت جولتنا فيها تستهدف التعريف بتفاصيل الوضع الثقافي العراقي والدور الجديد للوزارة وما تجابهها من تحديات حيث جرى استضافتنا في معهد التواصل الاقليمي والاستشراق ، ومن ثم في اتحاد الادباء الدانماركيين ، وادى التواصل بالتنسيق من (منظمة السنونو الثقافية العراقية) في الدانمارك الى قدوم وفد ثقافي دانماركي لأقامة الايام الثقافية الدانماركية في العراق حيث اقام الوفد فعاليات فنية و موسيقية وقدم قراءات شعرية في (بغداد) و(دهوك) و(اربيل) و(السليمانية) ومدينة (حلبجة) . وقبل ذلك كان هناك اسبوع الفلم الياباني في بغداد في اطار تغيير الصورة النمطية المشوهة التي ترسبت في اذهان نخب ثقافية عديدة في العالم عن العراق .
اما الصين فقد فتحت لنا ذراعيها ورحبت بكل حب وفرح بالوفد العراقي برئاستنا والذي ضم الفرقة القومية للفنون الشعبية التي قدمت عروضاً رائعة في مسارح مدينة (بكين) ومدينة (تيانجين) حيث اكتظت القاعات بالجمهور الصيني الذي صفق طويلاً للفن العراقي . وكانت الزيارة ناجحة ومثمرة للغاية في سياق تفعيل التواصل مع الدولة المؤثرة في العالم . وقد زار الوفد ايضاً (القصر الامبراطوري) وسور الصين العظيم وشارع الثقافة واطلع على معالم بارزة عن الثقافة الصينية . وكان لقاؤنا بوكيل وزارة الثقافة الصينية ومسؤول العلاقات الدولية في الوزارة مناسبة لأستعراض افاق التوقيع على البرنامج التنفيذي الجديد للعلاقات الثقافية (العراقية – الصينية) والتي سيتم التوقيع عليها قريباً . ويهمنا جداً ان ننوَه بالدور النشط والفعال الذي نهضت به السفارة العراقية في الصين لأنجاح هذه الفعالية الهامة .
وشهد العام الماضي اسبوعاً ثقافياً مميزاً للعراق في دولة الامارات العربية المتحدة واياماً ثقافية في عمان ساهمت اضافة الى الأيام الثقافية العراقية في دمشق في انعاش العلاقة الثقافية مع الدول العربية لاسيما وان فيها جاليات عراقية كبيرة ونخبة من المثقفين العراقيين المتميزين في الموهبة والعطاء . ان التواصل في الداخل والخارج هو شريان الحياة لوزارة الثقافة التي نرى ان دورها محوري في العراق الان اكثر من أي وقت مضى فالجهد (الثقافي – الفكري  - الفني – الادبي- الجمالي) يفضي حتماً الى الغاء الكثير من التشوهات التي راكمتها سنين الدكتاتورية ومن بعدها موجة الارهاب الظلامي ، مثلما ينشر حتماً الامل والثقة بأن ثقافة التسامح والوئام والتنمية والتواصل الانساني الحواري الحضاري مع العالم هو الاصل  وان ثقافة العنف لا حياة لها في العالم الراهن .

181
الذكرى الاولى لاغتياله...من هم قتلة كامل شياع

                                                                                 فوزي الاتروشي
                                                                                    وكيل وزارة الثقافة


   مر عام منذ غادرنا المستشار في وزارتنا المثقف ( كامل شياع ) حيث تبلغنا بنبأ اغتياله ونحن في مطاردمشق لاقامة الاسبوع الثقافي العراقي فيها .وخلال هذا العام كتب عنه الكثير وقيل اكثر وتواصلت شبكة الاحزان بين المثقفين العراقين والتي عبرت عن نفسهابالكلمات والخطابات والدعوات للكشف عن القتلة , بل ان الفنانين التشكيلين العراقيين في ايطاليا اصدروا عنه كتيباً لانعاشه في الذاكرة , ومنع  تراكم غبار النسيان على هذا الاغتيال الذي يذكرنا بالتصفيات والاغتيالات التي حدثت وتحدث في العديد من الدول وتطال الثقافة التنويرية الديمقراطية ودعاتها ، لان هذه الثقافة اضافة الى كونها العدو اللدود للارهاب المدمر للحياة ، فهي عدو لكل السياقات الشمولية الاحادية النمطية الماضوية النقلية البعيدة عن النزعة العقلية المتحضرة .
ورغم انهماك الجسم الثقافي العراقي في مواصلة الدعوة لكشف اصحاب كواتم الصوت الذين وجدوا في كامل شياع خطرا ًاكيد ًعلى وجودهم فأغتالوه الا ان الدعوات تناثرت في الهواء . وقد يقول قائل ان الاف الملفات مازالت معلقة ولم يكشف عن الجناة ونقول اجل ولا شك في ذلك ومقتل أي مواطن جريمة لاتغتفر وقيمة  الحياة الانسانية واحدة بعيداً عن صفة المقتول لان حق البقاء مقدس.
ولكن يبقى ان نقول ان المثقف مؤثر ومغير ومحرك للاخرين ووتد لتحصين المجتمع ورافعة اساسية لمنعه من الانهيار ، والمثقف الكبير مثل كامل شياع القادم من الديار الاوروبية بعد ان تشرب بعطاء ثقافتها المتحضرة الخضراء ، يصر ان يكون في المقدمة مقتحما ومتمرداً على نتوءات الواقع وقوياً في الحفر على الارض لتغيير اخاديد المسيرة الحضارية نحو افاق اجمل واكثر تواصلاً مع البشرية المتحضرة ، ومن هنا فاغتياله يتجاوز مجرد تصفية شخص جسدياً الى مشروع للاجهاز على السياق التغييري الديمقراطي للثقافة وهنا مكمن الخطر ومربط الفرس .
لقد شهدت الثقافة الديمقراطية المتنورة فترات ملاحقة وتصفية على مر التاريخ من دعاة الشمولية الذين يرون ان مشروعهم الايديولوجي هو الحقيقة المطلقة التي لايجوز ولايمكن ان تبرز الى جانبها حقيقة اخرى مختلفة عنها في اللون والتوجه والتعبير، واذا حدث ذلك فأن الحوار ينقطع والسجال لا مجال له وتبقى كواتم الصوت فقط التي تتكلم لان حاملها ضعيف في الجدال والاحتكام للعقل وقوي وضليع في استعمال ادوات القتل.
حدث هذا ابان الحرب الاهلية في اسبانيا وفي فترة النازية في المانيا والفاشية  في ايطاليا اما ضحايا نظام الفصل العنصري في جنوب افريقيا وفي مقدمتهم المثقف والسياسي الكبير واحد اكبر عناوين الحرية في القرن الماضي وحالياً (نيلسون مانديلا) صاحب كتاب  
( الطريق الطويل نحو الحرية ) نقول كل هؤلاء الضحايا كان ذنبهم الوحيد
ايمانهم بالديمقراطية والحرية والتعددية ورفض أي سياق شمولي في الثقافة التي لايمكن الا ان تكون متنوعة ومتلونة وحوارية وانسانية ومتجاوزة للانفاق والدهاليز الضيقة والمظلمة.
وقد يواجهنا من يقول ولكن الجميع في العراق ضحايا الارهاب المنتشر في الشارع فنجادل ونقول ان الارهاب الحاقد مكشوف الوجه ولاشك انه يستهدفنا دون تفرقة ، ولكن المفارقة المرة ان الثقافة الديمقراطية لاتعاني من الارهاب الظلامي فحسب ، بل ومن دعاة تقزيم وتهميش العطاء الثقافي الى الحد الذي تكون فيه بقدر سطور بيانهم الحزبي وبحجم كتيب  نظامه الداخلي وبقدر فهمهم للعالم وهذا مايدفعهم للهجوم على المختلف ومحاولة اقصائه واستئصاله للاستئثار بالساحة مما يعزز دون قصد مسبق تناغماً بين مفخخات الارهابيين وبين الخطابات المفخخة بالكلمات والاشتراطات التي توضع على بساتين الثقافة التي ترفض الجدران والسياجات وتبقى متجهة نحو الفضاءات اللانهائية للحرية والابداع .
وهذا بكل اسف جزء من المشهد الحياتي في العراق يستثمره الارهابيون للنفاذ منه وتنفيذ مشروعهم التدميري للانسان وللثقافة .
في ذكرى اغتيال ( كامل شياع ) تبرز الحاجة اكثرللتشديد على ان الدستور العراقي وضع واقر بأرادة الغالبية العظمى من العراقيين لكي يطبق ويصبح مفردات عملية على ارض الواقع والدستور جعل الديمقراطية والتعددية اساس التطور الراهن والمستقبلي للعراق ، وهذا مؤداه ان نقطع دابر التحريض على المثقفين ومطاردة الصحفيين وتكميم افواههم وغلق الباب امام المسؤولين الذين يرون في كل كلمة تقال او تكتب وكأنها قذف وشتم في حين انها في اغلب الاحوال حرية تعبير وحق الوصول للمعلومات .
قلنا ونقول اكثر في مناسبة اغتيال المثقف الكبير ( كامل شياع ) لان أي مس بحقوق المثقفين والاعلاميين والكتاب سيشجع الارهاب اكثر للاقدام على جرائم اكبر بحق الثقافة العراقية.

182
ايام خضراء للثقافة العراقية في برلين


                                                                                              فوزي الاتروشي
                                                                                              وكيل وزارة الثقافة

كان قدر الثقافة العراقية وعناوينها المبدعة ان تهاجر الى حيث ضفاف الحرية وفضاءات الابداع الانساني لتنمية جسور التواصل مع العالم وممارسة فعل التمرد الثقافي على الدكتاتورية الغاشمة التي قزََمت الثقافة وفعل الكتابة من سياق تغييري متجدد يبني الانسان والمجتمع العراقي ضمن مناخ صحي حضاري الى سياق نمطي مرتبط بأعلامه الديماغوغي وسياقاتها المكرسة لقامة الدكتاتور السابق .
لذلك هاجرت الاسماء المرجعية والريادية في الشعر والرواية والمسرح والسينما واصبح الادب والفن العراقي يبدع قريباً من نبض الوطن في دول الجوار والدول الاوروبية وان كان بعيداً عنه جغرافياً . ولأن ليل الدكتاتورية طال فأن المثقفين العراقيين استثمروا الارض الخصبة في المهجر واغتنموا الفرصة للاستفادة من التسهيلات الكبيرة التي توفرها الدول الاوروبية للثقافات الاجنبية المتعايشة على اراضيها .
فتشكلت شبكة واسعة من المراكز والهيئات والنوادي الثقافية العراقية والكوردستانية في مختلف عواصم العالم مثل (برلين ولندن وستوكهولم وامستردام) وغيرها من العواصم والمدن التي كانت تمثل بصدق الثقافة العراقية وتنسج وشائج خضراء مع مثقفي العالم . والان فأن وزارتنا يقع على عاتقها رعاية هذه المراكز وتنشيطها وتشجيعها والاشراف عليها والمشاركة في فعالياتها وحل قدر من مشاكلها ، وهذه مهمة ليست بالصعبة لاسيما وان هذه المراكز ممولة اصلاً بشكل جزئي وتتمتع بتسهيلات عمل كثيرة في الدول التي تقع فيها ولها كادر وظيفي من العراقيين القاطنين في تلك الدول .
ان هذه المراكز مرتكزات مهمة للعمل ونشر تجليات العراق الجديد وتوطيد العلاقات مع الثقافات الاخرى فهي بمثابة سفارات ثقافية ومرآة يرى فيها الانسان الاوروبي المشهد الثقافي العراقي الجديد بعد زوال الدكتاتورية .
وضمن هذا التوجه سنحضر باسم وزارة الثقافة في مهرجان ايام الرافدين الثقافية العراقية الخامس المنعقد في العاصمة الالمانية (برلين) في الفترة من (20-23/8/2009) والذي ينظمه نادي الرافدين الثقافي في برلين وسيشارك فيه نخبة رائعة من المثقفين العراقيين في المانيا ودول اوروبية اخرى بينهم كتاب وشعراء ومسرحيين وفنانين تشكيلين وشعراء شعبيين وستقدم خلال المهرجان محاضرات منها واحدة بعنوان (حضارة وادي الرافدين الماضي والحاضر) واخرى تبحث في (هاينريش هاينة شاعر الرومانسية الساخرة ورائد القصيدة السياسية الالمانية) وثمة محور مناقشة حول (الحزن في الاغنية العراقية) اضافة الى حفلات غنائية وعرض افلام مع ندوة حول (الثقافة العراقية بين نعيم التنوع او جحيم النظرة الاحادية) مثلما ان ثقافة الطفل العراقي سيكون لها محور لمناقشتها .
ان هذا المهرجان تدشين لواقع جديد يستهدف تنمية العلاقات بين المثقفين العراقيين في المهجر وبين وزارة الثقافة . يذكر ان برلين شهدت في الماضي ايضاً فعاليات ثقافية عراقية حيث عقدنا صيف (1992) ايام الثقافة العراقية في المنفى في دار الثقافات الاجنبية .
هنيئاً للثقافة العراقية وهي تنتعش وتتنامى في ظل الديمقراطية في الداخل والف تحية للمثقفين العراقيين في المهجر وهم يتواصلون معنا لبناء الصرح الثقافي العراقي الجديد المرتبط بالثقافة الانسانية والرافض للانعزال والسلبية .   

183
انتخابـــــــــــــــات كوردستـــــــان العراق ...انتصـــــــــــــار للجميع

                                                                                               فوزي الاتروشي
                                                                                              وكيل وزارة الثقافة

   المسافة بين الحلم والحقيقة تقلصت ومثلما اصبح ممكناً ان نرى ان انقاض وخرائب كوردستان العراق اختفت واصبح البناء والعمران والتوجه السريع نحو المستقبل هو العنوان العريض للمشهد الاقتصادي في الاقليم فأن التطور السياسي حقق طفرة نوعية اخرى من خلال الانتخابات الاخيرة التي شكلت بحق انتصاراً وفوزاً للجميع دون ان يكون ثمة خاسر .
المواطن في الاقليم شارك في القرار وتحول الى قوة ضاغطة على الاحزاب المتنافسة وابدى وعياً انتخابياً رفيع المستوى من خلال المفاضلة بين البرامج الانتخابية فكان صوته البارومتر الحقيقي لمكانة ومصداقية التحالفات الانتخابية ، فصوته كان قوياً ومؤثراً وحاسماً في توزيع مقاعد البرلمان ونسبة المشاركة في الانتخابات كانت باعثة على الانشراح الكبير ، وهذا يعني ان سكان الاقليم يعوََلون كثيراً على اللعبة الديمقراطية ويعتبرونها ممارسة جدية وليست شكلية وهذا ما حدث .
القائمة الكوردستانية ربحت على عدة اصعدة فهي قائمة الحزبين الكبيرين  العريقين في النضال السياسي والعسكري والفكري ضمن تاريخ النضال التحرري الوطني الكوردستاني ومع ذلك فأجمل مافي قيادة هذه القائمة انها ارتضت بنسبة (59%) واحترمت ارادة المواطن وذلك اعتراف جميل على ان مسيرة التجربة الكوردية منذ انتفاضة ربيع عام (1991) ولغاية الان اذا كانت حافلة بالانجازات فأنها بالمقابل مقرونة ببعض السلبيات التي رأها المواطن بعين ثاقبة وعبر بصوته عن طموحه لمنع تراكم التشوهات على التقاسيم الجميلة لهذه التجربة التي ولدت بفعل ارادة سكان الاقليم وبتضامن دولي اممي رائع في نيسان عام (1991) اثر صدور القرار الدولي الانساني المرقم (688) ، والقائمة الكوردستانية حققت فوزاً معنوياً كبيراً في قلوب السكان لأنها لم تلجأ الى العنف او الاكراه او الاجبار او التضييق على القوائم الاخرى رغم كل ماتملكه من مصادر القوة والسلطة والثروة وبذلك بعثت برسالة قوية جداً وبراقة الى الغالبية العظمى من دول العالم العربي التي تعتبر الانتخابات مجرد حفلة بيعة للرئيس ونتائجها معروفة سلفاً وهي دائماً (99%)، لذلك فأن انتخابات الاقليم دشنت واقعاً جديداً يعني ان الانتخابات كما في اوروبا اختبار وامتحان وليست اعادة البيعة والفوز بعد الغش والتزوير في الاوراق والاصوات .
نجح الاقليم بكل القياسات في فرز حكومة قوية فيها شخصيات ذات ماضي عريق وقادرة على كسب ثقة المواطن بأنتظار الدورة الانتخابية القادمة ، وايضاً فرز معارضة قوية مؤثرة ونشطة لمراجعة اداء الحكومة بعيون ناقدة بناءة تلتقي مع الحكومة في الثوابت الوطنية وتختلف معها في آليات التطبيق وفي النظرة الى الواقع السياسي والاقتصادي والاجتماعي والتنموي وهذا هو صلب الديمقراطية .
وضمن المنتصرين كانت هناك المكونات القومية والدينية في الاقليم لأن صوتها ممثل ومضمون في البرلمان وهي تملك فضاءاً واسعاً لحرية التعبير عن نفسها سياسياً وثقافياً وهذا يعني ان التعددية على ارض كوردستان العراق ستكون سمة بارزة وان العودة الى الثقافة والسياسة والفكر الاحادي غدت مستحيلة لأن تلك مقبرة الديمقراطية التي هي بالاساس ممارسة وسلوك وثقافة وقوانين تطبيقية وليست مجرد شعار مناسباتي وخطب رنانة ايديولوجية وخداع للمواطن كما في غالبية الدول العربية مما ادى الى تراجع التنمية الاقتصادية والبشرية الى مستويات مخيفة كما تؤكد التقارير السنوية للامم المتحدة ، ناهيك عن مستوى حقوق الانسان التي جعلت المواطن في العالم العربي اسير القمع بعيداً عن هواء العصر ونسائمه التحررية .
وفي انتخابات الاقليم انتصرت المرأة الكوردستانية وهي تستحق ذلك بجدارة فقد اصبحت جزءاً اساسياً في برامج القوائم الانتخابية ولم يعد بمقدور احد ان يتجاهل الامها وامالها حيث لا ديمقراطية في ظل تغييب المرأة وهي نصف المجتمع بل واكثر ، لقد قالت المرأة في الاقليم الكلمة الفصل على انها قادرة ومهيأة وجديرة بتغيير دورها وصورتها في المجتمع الكوردستاني وان مجتمع الذكورة وهيمنة الرجل ظاهرة غير حضارية وبدائية وينبغي ان تختفي مثلما ان مايسمى القتل (غسلاً للعار) هو العار الحقيقي الذي يلحق الرجل وهو يقدم على جريمة قتل عمدي مع سبق الاصرار والترصد فكم كان الاديب الفرنسي (لامارتين) صادقاً حين قال ان (درجة تقدم المجتمع تقاس بمدى تطور وضع المرأة فيه).
في الانتخابات فاز العراق ايضاً لأن في بقعة منه وهي كوردستان ثمة امن وسلام وتنمية وغياب للارهاب وثمة ممارسة ديمقراطية مضت دون اختلالات ومشاحنات وصراعات ودون قتلى وجرحى . مايعني ان الانتخابات النيابية القادمة في العراق لديها الان نموذج ناجح تقتدي به .
اما العالم المتحضر والمجتمع الدولي فكان فائزاً كبيراً في هذه الانتخابات لذلك عبر الاتحاد الاوروبي والامم المتحدة والمنظمات الحقوقية في العالم عن ارتياحها لهذا العرس الانتخابي وهذه الجهات لها كل الحق في التضامن مع انتخابات كوردستان لأنها هي التي اسست للحالة الكوردية بعد انتفاضة عام (1991) حين انشأت لأول مرة في التاريخ (المنطقة الامنة) في كوردستان العراق لمنع النظام السابق من مواصلة قمع سكان الاقليم وطبعاً نجاح تجربة انشاء المنطقة الامنة يعني ان المجتمع الدولي يستطيع تطبيقها في مناطق اخرى تعاني من الدكتاتورية واخيراً نقول ان السيد (مسعود البارزاني) بهذه الانتخابات اغنى واضاف الى رصيده الاعتباري والمعنوي الكثير وراكم  مصداقيتة الكبيرة اصلاً في المجتمع الكوردستاني ، فالرجل بكل تاريخه النضالي لم يرضى ان يكون المرشح الوحيد ونزل الى ميدان المنافسة مع كل المرشحين الاخرين لرئاسة الاقليم ولم يلجأ الى أي اسلوب غير حضاري يؤثر على اجواء الانتخابات التي ظلت نقية وصحية . ونسبة (69%) من الاصوات التي حصل عليها الرئيس (مسعود البارزاني) هي اصوات حقيقية تعبر عن الثقل الجماهيري الذي مازال يتمتع به ، وهذه النسبة اهم بكثير من نسبة (99%) التي دأبت الانظمة العربية على اهدائها للرؤساء وهي تعلم علم اليقين ان ديمقراطيتها زائفة وان خطاباتها سراب وان الرؤساء الى الابد موديل قديم ومتهرأ لفظته الحضارة ، فتحية للرئيس (مسعود البارزاني) وللرئيس (الطالباني) وللقائمة الكوردستانية التي كتبت بالدم والدموع فصول الثورة في كوردستان وهاهي تأبى الانفراد بالسلطة وتبني الديمقراطية في منطقة تستحق ان تظل عالقة في الضمير العالمي كصرح ديمقراطي .     


184
الجواهري ثالث الرافدين

فوزي الاتروشي
 وكيل وزارة الثقافة

   كلما استحضرنا الشاعر(الجواهري) الى الذاكرة فأنها تتََقد جمراً على ركام الرماد وتكتنز بكل الارث الشعري الضارب الاطناب في التاريخ ونصبح اكثر حدة وتمرداً على الظلم وعلى كل ماهو قبيح وصولاً الى الاجمل والانقى والاكثر تناغماً مع تقاسيم وجه الوطن .
وليس ذلك غريباً فـ(الجواهري) ثالث الرافدين وثامنة المعلقات وكنا في المنافي ايام المعارضة نسميه اكبر فصيل في المعارضة العراقية بما له من ارث نضالي وسياسي وادبي كبير تجاوز الحدود الوطنية الى العالم العربي والعالم الاوروبي .
ان (الجواهري) اذ احتفلنا به يوم (5\8) فأننا بذلك نعيد انعاش الذاكرة بقامة باسقة وشجرة متجذرة في هذه الارض حتى قبل تأسيس الدولة العراقية لأن عمره اكبر من عمر الدولة ، وظل هذا الرمز المفعم بالمغزى والممتلئ بعشق الوطن يواكب مراحل وانعطافات ومسيرة الحركة الوطنية العراقية وكان دوماً الى جانب الهوية الوطنية العراقية والى جانب الثقافة الديمقراطية ذات الابعاد الانسانية ووقف بشدة ضد الظلم وضد قمع المثقفين فكان قريباً جداً من نبض المواطن العراقي وبعيداً جداً عن الدكتاتورية الطاغية التي قزََمت الثقافة العراقية وهمََشتها وجعلتها بقدر قامة الدكتاتور السابق في حين كان (الجواهري) ومعه العناوين العريضة الاخرى للثقافة العراقية مثل (عبد الوهاب البياتي) و (بلند الحيدري) و (مظفر النواب) ومئات من المبدعين العراقيين مع ثقافة تكون بقدرخارطة الوطن العراقي كله .
حسناً فعل الاتحاد العام للادباء والكتاب العراقيين حين احيا مجدداً ذكرى ميلاد هذا الشاعر الذي تشرََبت به كل مسامات ارض الوطن ومازالت تتذكره دجلة الخير والجراح المتمردة على الالم والاستسلام وكوردستان التي ظلت منقوشة حتى اخر يوم من حياته على قبعته التي واظب على اعتمارها . وكم كان الجواهري بليغاً حين قال :

قلبي لكوردستان يهدى والفم
ولقد يجود بأصغريه المعدم
وطن تشيََده الجماجم والدم
تتهدم الدنيا ولا يتهدم
كان (الجواهري) معنا دوماً ويمثلنا جميعاً ويختزل كل خطاباتنا حينما كنا نقارع الدكتاتورية ففي المؤتمر الاول للمعارضة العراقية الذي عقدناه في (بيروت) ربيع عام (1990) حضر فكان الوهج الاكبر والشمعة الاكثر اتقاداً لمنع خلافاتنا وتجسير الهوة بيننا .
كان (الجواهري) مع كل مكونات الوطن بدون مفاضلة فعراقيته كانت ليََنة وطيََعة ومرنة وحضارية فلم يعتريها ضيق افق او نزوع نحو تفضيل هذا المكون العراقي على غيره رغم انتمائه العربي ، وبذلك دخل كل بيت وسكن قلب كل عراقي ، وكانت حكومة اقليم كوردستان سباقة حين اقامت اول مهرجان (للجواهري) قبل التحرير في مدينتي اربيل والسليمانية وكان كاتب هذه السطور ضمن اللجنة التحضيرية حيث جمعنا اكبر حشد عراقي وعربي من الرموز الثقافية للاحتفاء (بالجواهري) واقامة نصب له امام برلمان اقليم كوردستان . ومازال النصب شامخاً ودليلاً على الجسر الاخضر الذي يربط الثقافتين العربية والكوردية . فالثقافة عنوان حضاري كبير وقادرة على ربط الشعوب وتفعيل الحوار والتناغم والتواصل بينها حتى حين تبرز على السطح تصدعات سياسية مؤقتة .
اننا اذ نعاني اليوم من تشظي الهوية العراقية نستذكر (الجواهري) الذي استشرف المستقبل حين قال :
يعيا الجحيم بأن يسعََر امةً
فأذا هي اختلفت فعود ثقاب

وورد هذا البيت الرائع في قصيدته المؤلفة من (125) بيتاً كتبها بعد صدور اتفاقية (11) اذار عام (1970) بين الحكومة العراقية والحركة التحررية الكوردية .
ان اجمل ايات الوفاء لهذا الشاعر ان نحقق امنية دجلة والفرات ونعيد رفاته ليدفن في احضان الوطن ، فأنها مفارقة كبرى ان يجرد هذا الشاعر في حياته من الجنسية العراقية وان لا يحظى بعد وفاته بقبر في الوطن .انها دعوة لنا جميعاً لأعـــادته ومعه رفات (عبد الوهاب البياتي) و(بلند الحيدري) الى احضان الوطن العراقي .
 ختامــاً لايسعني الا ان اتقدم بتحية عاطرة من القلب الى الزميــل الكــــاتب (صباح المندلاوي) الذي اهداني قبل المناسبة بيوم كتاباً جميلاً عن شاعرنا الكبير بعنوان (الجواهري...الليالي والكتب) وفيه رحلة متميزة في فكر (الجواهري) وافكاره وارائه بالكتب التي قرأها او التي قرأها له مؤلف الكتاب فأضاء بذلك تفاصيل اخرى لم نكن نعرفها عن حياة وفكر (الجواهري) العظيم .   


185
كوردســــــــتان مهد الحضارة
                     
                                                                                            فوزي الاتروشي
                                                                                            وكيل وزارة الثقافة

 مثلما ان كوردستان العراق غنية  بالثروات الطبيعية وحافلة بقدر كبير من جمال التضاريس وتنوعها ،وكما ان قـــصة يوميات ثوراتها المتمردة على الظلم تعتبر ربما الاطول في العالم . فهي بالقدرذاته تحتضن فوق وتحت ترابها وامتدادات جبالها العصية على الخنوع تاريخاً يمتد لالاف السنيـن خلف شواهد واثــار تؤشر لقرون سحيقة وتؤكد ان سكانها على مدى تراكم الحضارات والثقافات احتلوا كنوزاً حضارية وثقافية هي الدليل الدامغ على  انهم ليسوا طارئين على هذه الارض الطيبة. ولعل مدينة اربيل بقلعتها الشامخة او مدينة (الالهة الاربعة ــــ اربائيللو) باللغة الارامية والتي يعود تاريخها الى اكثر من (5000) الاف ســنة تعطينا دلالة ساطعة على مدى قدم التجمعات السكانية فيها .
واللافت للنظر ان الاقليم وضمن نهضته الحالية بذل جهوداً طيبة للارتفاع بالوعي الاثاري والتاريخي لدى المواطن والجهات المعنية .
وكان المؤتمر الذي انعقد مؤخراً لاعادة اعمار قلعة اربيل وتهيئتها لتكون وفق مشروع (الماستر بلان) جاهزة كمعلم حضاري وسياحي كبير ، متميزاًُ في تقديم اقتراحات وتوصيات عملية من خبراء اجانب ومحليين ، حيث جرى وبأستفاضة عرض حلول عملية لاعادة احياء القلعة وابراز معالمها الجمالية وترميمها وصيانتها ووضعها على لائحة التراث العالمي .
بعد ذلك حضرنا الى مؤتمرأثاري في مدينة العمادية التاريخية الذي دعى اليها اكثر من(20) خبيراً من الجامعات العراقية للبحث والمزيد من التنقيب في أثار وكنوز هذه المنطقة التي سبق لوفد وزارة الثقافة برئاستنا ان قام بجولة ميدانية اطلع فيها على بعض هذه الاثار وكان المؤتمر بعنوان (كوردستان مهد الحضارة) وقد خرج بجملة من القرارات التي ستوفر لها سلطات المدينة المستلزمات لمتابعتها وتطبيقها وكان احدى التوصيات جعل هذا المؤتمر سنوياً لحين اقناع اليونسكو بوضع قلعة العمادية ضمن (لائحة التراث العالمي) . يذكر ان النظام البائد عمل وبشكل مخطط على تدمير اثار المنطقة او نقلها الى اماكن اخرى ، بل انه منح مكافأة للعناصر التي تلجأ الى سرقة كنوز المنطقة وبذلك اضاف الى سجل جرائمه جريمة اخرى هي تجريـد اقليم كوردستان العراق من هويته التاريخية العريقة.
ومما يبعث على السعادة والرضا ان الاقليم يبذل جهدا اضافياً الان للاهتمام بالمتاحف باعتبارها العنوان المرجعي لهوية المنطقة واصالتها وفي لقاء لنا اثناء زيارة اربيل مع الصحفي البريطاني العريق( روبرت كوين ) الذي نعرفه منذ ثمانينات القرن الماضي حين وثق ( فاجعة حلبجة ) في فلم ( الرياح السوداء ) ، نقول في لقائنا معه بحضور السيد (فلك الدين كاكاي) وزير الثقافة في الاقليم
شرح لنا المشروع الكبيـر الذي ينوي البدء به وهو وضع الاسس الكفية باقامة (المتحف الـوطني الكردستاني) الذي سيكون شاملاً ومتنوعاً ومتطوراً وفق ارقى التقنيات في علم المتاحف ويتوقع الانتهاء منه خلال (5) سنوات وسيضم كل الارث التاريخي والثقافي والادبي وايضاً معالم الكوارث والمحن التي مرت بالشعب الكردي ، اضافة الى قصة الثورات الكوردية التي حفرت اثرها عميقاً اديم هذه الارض .
ان هذا المشروع الذي سوف تتضافر عليه جهود دولية ومحلية واسعة الخبرة وذات مهنية وصدقية عالية في العمل والانجاز ، سيكون بحق معلماً حضارياً كبيراً في الاقليم حيث سيضمن اعادة الاشراق الى هوية المنطقة مثلما سيكون حاضنة مستقرة لمنع تلف   واختفاء كل مايتعلق بالهوية الكوردستانية من اثار ومظاهر وكنوز ، فألف تحية لكل العاملين على تجسيد التاريخ وتجميل الحاضر واستشراف مستقبل اجـمل في الاقليم.

186
أيــــــــام ثقافيــــــــة في كوردستـــــــان
رسالة حب وتلاقح وتضامن
                                                                                              فوزي الاتروشي
                                                                                             وكيل وزارة الثقافة

الحنين والشوق الى مدن كوردستان العراق لم يعد حالة فردية فكل زائر الى هذه التضاريس المغسولة بالماء والشلالات المتدفقة ابداً والحافلة بالشجر والثمر يعود منها مشبعاً بالحب وبنزعة الشوق لتكرار الزيارة . واذا كانت الطبيعة اصلاً قد حبتها كل زينتها وجمالها واناقتها فأن العمران والبناء والتواصــــل مع كل جديد في العالم اصبح يضفي عليها الكثيرمن بشائر الخير والعافية . هذا ماخرجنا به انا وزميلاتي وزملائي المثقفين والفنانين خلال الايام الثقافية التي نظمناها بأسم وزارة الثقافة في مدينتي العمادية ودهوك في الايام (26-29 /6 2009) ولان العواصف الترابية كانت في بغداد تلك الايام في اوجها فقد زدنا تعلقاً بالبقاء هناك ونحن ننعم برذاذ المطر وبالنسيم العليل الحامل لبشائر الحب ونحن متنقلين بين الطرق الملتوية  وينابيع الماء. كانت مهمتنا طبعاً اكثر من سياحية فقد كان البرنامج حافلاً بالغناء والموسيقى والفن التشكيلي ومحاضرات جادة حول ثقافة اللاعنف والتسامح والمجتمع المدني .ففي العمادية  وعلى الهواء الطلق ابدعت فرقة (عشتار) النسوية وفرقة (انغام الرافدين) في نقل رسالة تواصل وتلاقح ثقافية بين العرب والكورد على ارض كانت قبل انتفاضة ربيع عام 1991 واحدة من اكثر مناطق العالم بؤساً والان صارت بؤرة الاشعاع في العراق..ووجدنا اضافة الى الترحاب والضيافة المتميزة مزيداً من التناغم مع الفن القادم من بغداد الى اعالي الجبال وهويعني ان لالغة تسبق معجم الموسيقى في خلق ارضية للتلاقي وابتكار ثقافة عامرة بالوئام وبعيدة عن كل تصحر وجفاف وعدوانية ثقافة الارهاب والقتل والتدمير. وفي المركز الثقافي لجامعة دهوك وهو بالمناسبة  صرح عمراني متطور جداً، صدحت الانغام مجددا ًباللغتين العربية والكردية وقدم عرض تشكيلي جميل والقت الشاعرة الكوردية (بريزاد شعبان) مقاطع شعرية مكتنزة بالتحدي والامل والتفاؤل بمستقبل منطقة تفخر بجبالها وتزدهر بمعاول البناء بعد ان كانت معاول الهدم والتدمير ابان النظام الدكتاتوري تفني فيها الزرع والضرع وتردم الينابيع بالرمل وتقطع الشجر وكم كانت دموعي متحفزة للتدفق وانا اقف على قبور جدي وابي وجدتي وهي الان في اتروش في العراء بعد ان كانت المنطقة غابة صفصاف تعانق الارض وتمنحها الظلال وحباً اخضر بقدر اخضرار قلب ابي الذي راح وتركته الجميلة لدينا حب الناس والوطن الذي راح فداء له ابان انطلاقة الثورة الكوردية عام 1961.عدنا من كردستان بعد ايام خضراء وفرت للوفد الثقافي والفني فرصة مثمرة للتعرف على واقع الاقليم بحلته الجديدة والتنمية العمرانية والثقافية والاجتماعية التي ينعم بها الان .فالنشاط الابداعي والثقافي والتغييرات الاجتماعية التي تستجد هناك ملفته للنظرالى حد ان القادم اليها من بغداد ومدن العراق الاخرى يكاد لايصدق عينيه ، وهنا يبرز بوضوح لا لبس فيه الفارق بين ان نبني ثقافة عراقية ذات لون وبعد واتجاه ولغة واحدة مفروضة عنوة وبالحديد والنار كما فعل النظام البـــــــائد لغاية عام 1991 (بالنسبة لكوردستان)وبين ان نرتكن للواقع ونبشر بثقافات عراقية بقدر  تلاوين الشعب العراقي ومن ثم ننسج من مشتركات هذه الثقافات الثقافة الوطنية العراقية ، ومن هذه الفكرة التي زكتها الحياة وتجارب الشعوب ننطلق لبناء الدولة الحديثة على اسس التعددية السياسية والادارية بعد كل ماعانيناه جميعاً من الدولة المركزية الغريبة عن الحضارة الراهنة وعن منطق العصر، لذا فان دعوات التمركز والقبضة الحديدية والتغني بقوة الدولة كلها ستنحدر بنا مجدداً الى الحزب الواحد والشخص الواحد والزعامة المشخصنة وهذا سيدخلنا مجدداً الى دهاليز مظلمة . ان الانطلاقة الحالية للاقليم تجربة شاخصة للعيان مفادها ان الفيدرالية هو الاسلوب الانجح لادارة شعب متعدد قومياً ودينياً سياسياً.
هذه قناعة خرج بها الجميع معي في الوفد الثقافي الى اقليم كوردستان .

187
مسقط الرأس ... منزل الحب الأول

                                                                                         فوزي الاتروشي
                                                                                        وكيل وزارة الثقافة


مسقط الرأس كما الحب الاول يبقى ندياً عاطراً ينتفض على الغبار والنسيان وان غاب حيناً خلف تراكمات الحياة اليومية فأنه حاضراً اغلب الاحيان . عام 1981 كتبت قصيدة (اتروش) التي القيتها في عيد نوروز ذلك العام في صوفيا بعدها غادرت الى المانيا . ونامت القصيدة بين اوراقي وفي ثنايا القلب ارددها كلما داهمني وجع الحنين الى قبور الجدة والجد والوالد والى وجه امي التي هرَبتني ذات يوم الى كهف في جبل اتروشي بعد ان سقط والدي شهيداً واحترقت اشجار الصفصاف وجفت مزارع الرمان وصار القصف الحكومي اليومي بالطائرات هو الحاضر الاكبر . وفي عام 1992 في مهرجان ايام الثقافة العراقية في المنفى الذي اقيم في (دار الثقافات العالمية) في مدينة برلين رضخ قلبي مجدداً لنداء الماضي ولرحيق الطفولة فكان اشتراكي في المهرجان بنفس القصيدة التي تجسد لحظات القصف الاول في (اتروش) التي ظلت مختزنة في ذاكرتي والتي اقول فيها :
حجراً ... حجراً
تتساقط قريتنا اتروش
يأتي المختار وبين يديه القرأن
لكن شظايا الطائرة الاولى تتلقـَفهُ
يمضي المختار شهيداً
تأتي زوجته الحبلى
تبكيه .. تعصر فوق شفاهه
بعضاً من اوراق الاس
يتجمع حوله كل الناس
"لن ندفنه .. لن ندفن قتلانا ..
لن نُطعم للديدان عظام ضحايانا
خلَوه يشمُ هواء القرية خلُوه ..
هذا الجسد المقتول سيصبحُ
يوماً بستاناً"
وبقيت هذه من القصائد الاجمل المعلقة في القلب والمبللة بحرارة المشاعر وبرغبة جامحة لاستعادتها وقراتها كلما وطأت قدماي هذا المطار او تلك المحطة في المدن الاوروبية التي احتضنتني على مدى عقود وعلى كل الانهار التي مررت بها واغتسلت بمياهها . وكأن مسقط الراس اختزال لكل الوطن واستبطان لكل تضاريسه واختصار مكثف لمجمل تاريخه ، فالبقعة التي يرى المرء فيها النور يستحيل غيابها او تغييبها عن لوحة الحياة مهما طالت المسافات.
والغريب ان النظام السابق لجأ الى تعريب هذه البقعة الكوردية الانتماء والتي كانت نائمة بين مزارع الرمان وغابة من اشجار الصفصاف وتغتسل طوال فصل الشتاء بالثلوج والامطار . ووجه الغرابة ان (اتروش) ببراءتها الكوردية وبثيابها المزركشة وبما لديها من مزارع وحقول ومساحات شاسعة مزروعة بالعنب وبنهرها الصغير لم تكن تتكلم العربية ولو حتى بضع كلمات . فان تغيير اسمها من (ناحية اتروش) الى (ناحية الحرية) امراً مثيراً للضحك قبل البكاء . وفعلاً غادر السكان العرب المهجَرين اليها بعد فترة قصيرة لأنهم لم يتحملوا برودة الجو ووعورة المنطقة ومقاومة الاهالي الذين دافعوا عن انتمائهم الحميم لمسقط الرأس وعن حبهم الاول ونبعهم الاول ومزارع اشواقهم وفضاءات ابتساماتهم وفعلاً استرجعوا هذا الكنز الثمين الذي لا يعوَض ولكن النظام وازلامه في فترة التعريب القصيرة كانوا قد شوهوا وجه (اتروش) فأجهزوا على مزارع الرمان والمساحات الزراعية بين النهر وبين البلدة اصبحت فاصلة بيداء وغابة الصفصاف اندثرت بعد ان جرى قطع الاشجار من الجذور بحجة كونها وسطاً جيداً لقوات الثورة الكوردية .
رغم كل مظاهر التدمير والقبح التي الحقها النظام السابق بهذه البقعة مثل كل بقاع كوردستان الا ان (اتروش) ظلت حتى وهي جرداء مفعمة بفعل الحب والالفة وهانئة بعشق وقبلات اهلها فكتبت لاحقاً قصيدة عن مقاومة اهلها اقول فيها :
اتروش مازالت كوردية
مازالت رغم خريف العمر
تردد لحن الحرية
تتعلق بالافراح وترفض
طعم المرثيَة
وبساتين الرمان مازالت تثمر ُ
رغم القحط ... ولكن رمانات يدوية
والحق يقال ان (اتروش) كانت محطة ثورية اينعت الكثير من الثمر والكثير من العطاء ومن الشخصيات الذين افنوا زهرة عمرهم لثورة عادلة ولقضية اصبحت وشمــاً معلقاً على الضمير العالمي .
فقد ازدهرت منذ البدء بمدرستين ينهل منها الطلاب والطالبات العلم والنور ، وكان جدي ووالدي لا ينقطعان عن حث الناس على التعلم والتزود بالمعرفة وبحب الانتماء للارض ... لأرض (اتروش) التي هي ارضهما ولكنهما تركا كل مشاعر الانانية والاستئثار واشتغلا حباً بالناس وبقيا شموعاً تحترق للاخرين . فازدهرت (اتروش) حينها بحبهما وبثمار اراضيهما حتى استشهد والدي في عام 1961 في مستهل الثورة الكوردية لأصبح وانا طفل صغير في عهدة والدة مشبعة بالحب للحرية وللعلم وللحياة العامرة بالعطاء .
وقبل ايام حين زرت (اتروش) احتلتني هذه اللحظات الغارقة في الماضي واستحال عليَ ان لا استحضرها وانا اقف مع مجموعة من زميلات وزملاء العمل على قبور ثلاثة مازالت شاخصة للعيان تعلن انتماءها الابدي للارض ، قبور جد شمل بحبه كل اهالي اتروش وجدة ضاعفت من روعة ذلك الحب بتضامنها مع الجد في حملة منح الاخرين الامل والتفاؤل ومصدر الرزق الكريم ووالد جمع الوطنية الى الكرم فرحل سعيداً عن الحياة .. انها قبور ثلاثة ولكنها اكثر من مجرد قبور ففيها نفحة الماضي وقوة الانتماء ودلالة نقية لمن يسكن هذه البقعة الان بان كل شئ سائر الى الزوال الا الحب والوفاء فهو الرصيد المعنوي الذي ينتعش في كل المواسم وكل السنين ولا يتقادم ولا يشيخ ولا يندثر.. والقبور قصور خضراء لذكريات تعيننا على الدوام على العودة بين حين واخر الى تذكر  مسقط الراس ونسيان رتابة الحياة ومشاغلها والاكثر من ذلك انعاش شلال حب جديد في القلب بعد ان يكون قد اوشك ان يصبح قاحلاً . 

188
الضيافة في مكاتب العمل
تبذير فاحش ... وسلوك غير حضاري

                                                                                           فوزي الاتروشي
                                                                                           وكيل وزارة الثقافة


الضيافة بقواعدها وتداعياتها الجميلة واحدة من القيم الرائعة في المجتمع تفرز التواصل والمحبة والانفتاح وتؤدي بالضرورة الى التعارف والمزيد من التقارب وبالتالي تجذير حالة الوئام والتصافي وخلق انقى حالات الحب . ولكن كل شئ تعدى حدَه انقلب ضده والمبالغة مستهجنة مثلما ان المكان والزمان والهدف من هذه الظاهرة الصحية ينبغي ان يكون محدداً ومشروطاً كي لاتصبح مجرد عادة نجترها ونبحث من خلالها عن رفعة وهيبة ومديح فارغ .
من هذه المقدمة اتطرق الى الظاهرة البدائية في دوائر الدولة حيث مكاتب الوزراء والوكلاء والمدراء العامين بل وحتى مكاتب من ادنى بالسلم الوظيفي تتحول الى مطبخ ومكان لتوزيع الطعام والشراب والقهوة والشاي دون مراعاة عدة اشتراطات منها :
1- ان مكان العمل ينبغي ان تتوفر فيه شروط النظافة والصحة والاناقة والحال ان الضيافة المستمرة على مدار الساعة للمراجعين يخلف الكثير من النفايات ويسمم بيئة العمل وتصبح الضيافة مضيعة للوقت الذي يجب ان يكون مكرساً لأنجاز اكبر قدر من العمل والانتاج ولاسيما في دولة مثل العراق حيث التقاعس والتكاسل والتمارض والتذرع بشتى الحجج يفضي الى هدر ملايين من ساعات العمل .
2- ان المراجع يستحق منا سرعة الانجاز والوفاء بالوعود وتلافي حرق اعصابه وقتل اسابيع واشهر من العمل في ملاحقة المعاملة ، وهو ليس بحاجة الى اقداح الشاي والقهوة التي تتوفر بسهولة في بيوت العراقيين .
3- ان المبالغة في الضيافة من قبل الصف الاول من الموظفين في الدولة لايعني سوى الامعان في هدر وتبذير الاموال اتباعاً لعادة عشائرية لاسيما وان نفس الموظف قد لايقدم عليها في بيته ، بل ويتحاشى مقابلة الناس في غير اماكن العمل وتبقى ارقام هواتفه مجهولة لايجوز لغير السكرتير ان يتعرف عليها . اليس من الافضل لهذا الموظف ان يكون سهل المنال هاتفياً لسماع شكوى المواطن وتسهيل اموره كخادم ومكلف قبل ان يكون سيداً مطاع ، نقول اليست هذه قمة النبل والضيافة ووسع الصدر عوضاً عن اكواب القهوة والشاي وقطع الحلوى التي يقدمها للمراجعين وكأنه صاحب مضيف يلعب دور حاتم الطائي .


4- لذلك نرى ان وظيفة "الجايجي" او "المضيف" وهم في دوائر العراق اضعاف اضعاف مافي اي دولة في العالم ، نقول ان هذه الوظيفة لا لزوم لها وتعبر عن بدائية التفكير وعشائرية السلوك ولابد من مراجعة الموضوع كلياً بأتباع الية عصرية تتوخى انجاز المعاملات بأقصى سرعة والقضاء على ظاهرة المعقبين التي تشكل وصمة عار في جبين الادارة ، ولاتتوخى جعل الدوائر مطابخ ومحلات لأكل "التكة" و"الكباب" على مناضد العمل . 
5- في اخر زيارة لاربيل تسنى لي وللفريق المرافق الاطلاع على اعلى درجات النظافة والجو الصحي السائد في وزارة الثقافة في الاقليم حيث التدخين ممنوع في كل انحاء الوزارة ولاوجود لضيافة عشوائية مبتذلة في غرف الموظفين وهناك كافتيريا واحدة يمكن للموظف ولضيوفه وزائريه ان يدخلوها بغية التدخين او شرب الشاي والقهوة او اخذ وجبة خفيفة . وبذلك يتفرغ الموظفون للعمل ويعودون الى منازلهم وضميرهم مرتاح لأنهم انجزوا عملاً واقنعوا المراجعين بصدقيتهم وجديتهم في تيسير امورهم وليس تعسيرها وفي تسهيل معاملاتهم وليس تعقيدها وفي ادخال السعادة والانشراح الى قلوبهم وليس اقحامهم في لجَة الملل والكأبة وحرق الاعصاب .
نأمل من دوائر الدولة ان تقتدي في هذا المجال بالسلوك الحضاري القادم الينا مع نسمات الجمال القادمة من اربيل والسليمانية ودهوك .
ختاماً اقول ان كل ضيافة المكاتب لاتعادل لدى المراجع لحظة سعادة وهو يرى معاملته تنجز بسرعة واتقان . 

189
الوداع ذلك الجرح الذي لايندمل

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


  أعترف انني لست مؤهلاً للوداع فلحظاته تنبش في الذاكرة الى الابد وتضع قلبي في حالة نزيف دائم كلما اشرق الحادث او المناسبة امامي . ربما لأنني من كثرة الاسفار والترحال من مدينة الى اخرى ومن نهر الى اخر ومن زاوية معشبة بالحب الى اخرى تضطرني لأعادة ترتيب اوراق القلب بعد ان اكون قد وطنَت نفسي تضاريس محددة واعتدت على وجه حبيبة بعينها وادمنت زقاق مدينة اليفة تضمَني الى ثناياها في لقاء يومي . لذلك كله اعترف انني ضعيف امام الفراق والانسلاخ من المألوف المعتاد الى المجهول الملبد بالغيوم واللايقين ، وبأنني اجيد مهنة اللقاء والتواصل والتحاور والتعانق والذوبان في الحدث وفي وجوه الاحباء وفي ثنايا اليوميات الصغيرة التي تحتلني .
   ولكن والحق يقال ان لحظات الوداع بقساوتها والجراح التي تخلفها والندوب التي تبقى في الذاكرة كما الوشم على حجر ، فأنها بالمقابل وهذا جانبها الاخضر تعشب في القلب قصائد نديَة وكلمات طافحة بالمطر فما اكثر القصائد الخالدة التي كتبت لحظة اقلاع الطائرة او حركة القطار او انطلاق السيارة بعيداً حيث تفترق الايدي المتشابكة والعيون المحدَقة والدامعة والقلوب المنفتحة على دهشة الفراق وفجاءة الرحيل .
هذا هو الشاعر (ابو العتاهية) يكتب بعد رحيل زوجته :-
لولا الحياء لهاجني استعبار
ولزرت قبرك والحبيب يزار
وهذا (نزار قباني) يكتب اجمل اشعاره المبللة بالندى والنرجس والياسمين الى امه والى زوجته العراقية (بلقيس الراوي) رفيقة الحياة ورفيقة الشعر فأعلن على رؤوس الاشهاد في بغداد :-

ولي في الاعظمية وجه

لو رأته تغار منه السماء

انا السندباد يمضغني البحرُ

وعينا حبيبتي الميناء

وكتب حول (بلقيس) ديواناً كاملاً يجعل القارئ يتلذذ بقصائد حزينة ولكنها حلوة كما الشوكولاته .
 اما (مظفر النواب) فأنه في الـ (ريل وحمد) يكاد يتقطر دموعاً ويتمزق بجراحات تنفتح على الـ(المكيَر) في حضرة القطار القادم من بغداد الى البصرة ولايسعفه حتى كون الحبيب سيعود اليه بعد شهر فيصرخ قائلاً (المفطوم شيصبره) .
 عام (1977) وفي احد ايام اب اللاهبة في بغداد تسمَرت قدماي وانا افتح ذراعيَ لأحتضان امي في لحظة وداع لم تزل قاطنة في كل شراييني وبين الحين والحين تستيقظ لتزودني بزاد الحزن ومنابت دموع تبقى منحبسة في الداخل وتلك دموع وقعها اكبر بكثير من تلك التي تذرف على الخدود .
  وفي شباط (2003) وقع عليَ خبر رحيلها حمماً وبراكين اسقطتني في بحر من الشرود لم ازل غارقاً فيه فكان الحدث الذي زلزل كياني ولكنه اعشب واحدة من خيرة القصائد التي افتخر بها الى الابد .
  كل عام في (17/تشرين الثاني) اتذكر ثلوج (صوفيا) والقطار المغادر الى المانيا والمحطة التي تركت فيه وجهاً حفر في قلبي على مدى سنين تضاريسه وتقاسيمه وصدَني اعواماً طويلة عن النسيان .
   وبين رحيل ولقاء وفراق ووصال تعوَد القلب على الحل والترحال وعلى تقبل مفاجأت واقع لايستقر على حال ولا يتوب عن الحاق المزيد من الجراح بقلب لايتوق الا الى لحظة استقرار يطمئن فيها غده من ماضي رحل بعد ان احالني الى وجه معرَف في كل مدن الدنيا ولايسعني الان الا ان ازرع في مواسم المستقبل بعضاً من البراعم المشرعة نحو الشمس ونحو شجرة حب معمرة وارفة الاغصان غزيرة الثمار عصيَة على القلع والجفاف ورافضة للوداع عن الارض والوطن .   



190
المنبر الحر / حكايات عود
« في: 18:25 07/06/2009  »
حكايات عود

بحضور وكيل الوزارة الأستاذ فوزي الاتروشي وبتقديم الشاعرة هنادي المالكي، أقامت اللجنة الثقافية في نادي العلوية التي يترأس إدارتها الدكتور كاظم المقدادي، وبالتعاون مع الجمعية العراقية لدعم الثقافة التي يترأس إدارتها الأستاذ مفيد الجزائري، مساء يوم الجمعة 5/6/2009 على قاعة نادي العلوية، حفلاً موسيقيا تألقت بتجسيده فرقة منير بشير للعود التابعة لدائرة الفنون الموسيقية في وزارة الثقافة، بقيادة الموسيقار المتميز سامي نسيم. الحفلة الموسيقية كانت بعنوان " حكايات عود" إذا ابتدأ الحفل عازف العود سامي نسيم بتعريف أعضاء فرقته، واحدا، واحدا مبيناً أعمالهم وسيرتهم الفنية. بعدها قدم أول عمل جديد للفرقة بعنوان "استذكار لكامل شياع" شهيد الكلمة أثار وأستفز الحضور بأن يتحول إنسان كامل شياع الناقد والمفكر قطعة موسيقية يتداولها المثقفون، بعدها استمرت المقطوعات الموسيقية تتجلى وتؤكد عظمة الإنسان العراقي من كردستان الى البصرة بمختلف الإيقاعات الجنوبية والبغدادية والكردية. واختتم الحفل مجموعة من المثقفين العراقيين بكلمات لها دلالتها الإبداعية تحية للفرقة
                                                   

191
شهداء الصحافة رسل العراق الجديد

                                                                                فوزي الاتروشي
                                                                               وكيل وزارة الثقافة


"كلما سمعت كلمة الثقافة اتحسس مسدسي" هي عبارة عميقة الدلالة اطلقها ذات مرة (غوبلز) وزير اعلام (هتلر) والحق ان الرجل لم يقصد حينها في قمع الافواه وتصفية خيرة مثقفي الشعب الالماني ووضع المانيا في عداء مستحكم مع العالم كله ابان الحرب العالمية الثانية ، والسبب الرئيسي او احد الاسباب الرئيسية كانت ثقافة اللغة الواحدة والفكر الواحد والسياق الاحادي الذي لايقبل البديل المختلف . ومازالت شوارع المانيا لغاية الان مزدانة بأسماء هؤلاء الضحايا الذين اصبحوا رسل التغيير الذي اوصل المانيا الى ذروة التقدم الحضاري في مختلف المجالات كافة لتتطور وتتنامى بمعدلات قياسية .
نخلص الى القول ان ضحايا الكلمة والصحافة في العراق هم رموز يجب ان تبقى منعشة وطرية في الذاكرة العراقية لأنهم الذين مهدوا للديمقراطية الحقيقية في العراق منذ انهيار صفة الدكتاتور في (9/4/2003) ولغاية الان ولايجوز ان ننسى دماءهم وكلماتهم ومقالاتهم التي كانت تضرب الارهاب في عقر داره وتتوعدهم بعقاب الشعب وتبشر بانهيارهم القريب .
لقد سقط مئات الصحفيين العراقيين لأنتزاع الحرية لنا وتهيئة الاجواء لنعبر نحو بوابات الديمقراطية وهذا يلقي علينا واجباً لايمكننا التملص منه ليس لجهة تذكرهم والتذكير بهم دوماً في مختلف المناسبات وانما للتأكيد في كل الاوقات اننا مدينون لهم ما يعني الاقدام على خطوات تطبيقية نحو تحسين حالتهم المعيشية وتوفير ضمانات عملهم وتهيئة كل مستلزمات الحرية الاعلامية لكي ننفتح على العالم ونحن على ثقة تامة من قناعة العالم المتحضر ان مايجري في العراق هي ديمقراطية فعلية مطبقة على الارض وليست مجرد شعار خالي الوفاض يتردد على الالسن وفي تصريحات المسؤولين .
وهذا يعني بأختصار :
1.   الاسراع بصرف منحة الصحفيين والفنانين التي تعطلت بما فيه الكفاية اثر التلكؤ الاداري المستشري في كل كيان الدولة والمعايير غير الموضوعية التي اعتمدت في البداية لأختيار المستحقين . الان وقد انتهت المهمة وسلمت وزارة الثقافة القوائم الى وزارة المالية فان الكادر الصحفي ينبغي ان يتمتع بهذه المنحة الضرورية وفي اسرع وقت .
2.   ان الحماية الجسدية والفكرية للصحفي والاعلامي مازالت قاصرة وغير مكتملة ولايجوز ان يستمر مسلسل التهديد الذي يطال ابناء مهنة المتاعب وهم يمارسون عملية ابراز الحقائق ونقد التجربة العراقية حيث يقتضي النقد والاشادة بها . ان الحكومة العراقية مكلفة بموجب الدستور بتوفير الامان والسلام والشفافية والاطمئنان لعمل الصحفي الذي يعنى بالذات كما قلنا في مقال سابق الديمقراطية التي لايمكن ان يكون لها وجود دون اعلام حريعمل في بيئة امنة .
3.   ان المنظمات المعنية بسلامة وحرية العمل الصحفي مازالت تؤشر لبعض الظواهر السلبية التي تعتبر جرحاً بليغاً في جسد الديمقراطية العراقية ولابد من ازالتها عن الطريق ، ومنها تجاوزات حمايات بعض المسؤولين على الاعلاميين ، والاجراءات الروتينية الحارقة للاعصاب والمشاعر التي ترافق عملية نقل الصحفيين الجرحى الى الخارج وانا شخصياً استلمت بالبريد الالكتروني رسالة من منظمة مجموعة السلامة الاعلامية تؤكد بأن احد الصحفيين فارق الحياة نتيجة دورة الاجراءات الشكلية التي اتبعتها وزارة الصحة لأرسال صحفي جريح الى الخارج . اقول بأصرار ان حياة الصحفي وقيمة قلمه وكتاباته يجب ان تكون حافزاً لنا لقتل الروتين ولو مؤقتاً من اجل حفظ حياتهم الغالية .
4.   ان كل الحاضرين في المؤتمر الكبير الذي انعقد في فندق الرشيد في (23-24/5) استمعوا الى الوعود الجميلة التي اطلقها دولة رئيس الوزراء ونحن على ثقة انه صادق فيما يقول وان الاعلام والصحافة ومجمل عمل المثقفين اصبح في قلب الاهتمام ولايجوز التراجع قيد انملة عن هذا التوجه ونأمل من دولة رئيس الوزراء ان يجدد في كل المناسبات على هذه القيم التي طرحها والتي تمثل تقاسيم العراق الجديد . اذن فالعراق بخير حين تكون الكلمة الحرة بخير والعكس بالعكس صحيح .   
 



192
قادة الكلمة في بغداد ... اعلان اخر للتضامن مع العراق

                                                                                      فوزي الاتروشي
                                                                                      وكيل وزارة الثقافة


ضمن اليات التغيير في المجتمعات يبقى للكلمة نكهتها الخاصة وقوتها المميزة في التفعيل والتأثير والاتيان بالبديل الاجمل والاكثر قدرة على التناغم مع مناخ العصر .
والذين حضروا المؤتمرالذي انعقد في بغداد يومي (23و24) من الشهر الجاري نقلوا الى العالم كله ان العاصمة العراقية مفتوحة وقابلة للتعامل والحوار ومنسجمة مع نفسها والعالم وانها تتنفس برئة جديدة لا اثر للاعراض السابقة عليها .
بغداد احتضنت قادة النقابات والاتحادات الصحفية في العالم  لتعلن قدسيتها للكلمة التي تقال وتكتب بحرية والكلمة التي لاتقف على الحياد بل تنحاز لقيم التنمية والجمال والسلام والوئام الاجتماعي وتنتقد وتصرعلى البناء واقفة في وجه معوقات التجربة الديمقراطية العراقية .
لم ينهض احد في المؤتمر ليمجد هذا الشخص او ذاك او يكبل الاطراء والثناء لهذا الحزب او لهذه المنظمة او تلك ، وكان الجميع مطمئناً على نفسه لايشعر بالخوف او الرعب خوفاً من الدكتاتور او دهاليز المخابرات او الشلل المتزلقة التي تقتاد اصحاب الكلمة الى التهلكة . في المؤتمر شعر ضيوف العالم ان سموم الكبت والقمع وارهاب الدولة والاقصاء والتهميش واهانة الصحفي واصحاب القلم اصبحت شيئاً من الماضي لايعود ولايمكن للشعب العراقي ان يوفر مجدداً البيئة لهكذا عودة بعد ان تعلم الدرس اثر (35) عاماً من الدكتاتورية الاقسى في العالم .
قادة الكلمة جاءوا الى العالم لأعلان التضامن مع الشعب والحكومة وكل الخيرين ضد قوى الارهاب والظلام الذين يستهدفون الصحفي والكاتب والمثقف لمنع تدفق مياه التغيير في هذا الوطن ولقطع جسور المجنمع الى المستقبل .
انه حلم جميل ونقي وقد تحقق وهو تحول بغداد من مكان للحروب والدمار ولصرخات الدكتاتور ولدهاليز الامن الاجرامية والاوكار التي تنشر القسوة ومظاهر القتل اليومي ، الى بقعة عامرة بالامل والانفتاح والتصالح والمحبة رغم مد الارهاب الذي يعمل يائساً لغلق الابواب على الحاضر وجر المجتمع الى كوابيس الماضي . لقد كان المؤتمر تأكيداً اخر لمقولة ان لا ديمقراطية بدون صحافة حرة واعلام قادر على تفعيل ادوات النقد والتقويم واعادة التقويم لوضع المجتمع على عتبة مرحلة الصحة والعافية . لقد فرح المثقف العراقي كثيراً لأنه يرى نفسه في الواجهة وبأنه من خلال الكلمة قادر على تجسيد قيم  الحق والعدالة والاكثر من ذلك ان كلمته تؤخذ على محمل الجد ولايجري الاستهانة والاستخفاف بها كما كان يفعل الدكتاتور. كذلك فرح العالم المتحضر لأنه اطمئن ان بغداد لن تنطلق نحو الحرب او نحو تأزيم العلاقة مع الجيران او نحو خرق الاتفاقات الدولية بقرار من رجل واحد او حزب واحد او مؤسسة واحدة ، فوجود الاعلام الحر صمام امان ووجود التعددية السياسية والبرلمان الحر اليات توزع السلطة وقوة القرار على كل مكونات الشعب لذلك فالعـالم لايتوقع الان من بغداد الا المزيد من افـــــاق التنمية والانضمام للعالم الديمقراطي ، اما فئات الظلام وبعض دول الجوار والدول المحكومة بالشمولية فلا شك انها فزعت وهي ترى بغداد عاصمة لقادة الكلمة في العالم ، مثلما اصيبت قوى الارهاب بصفعة اخرى لأنها يائسة امام براعم الامل التي تتفتح في عاصمة السلام .


193
قادة الكلمة في بغداد ... اعلان اخر للتضامن مع العراق

                                                                                        فوزي الاتروشي
                                                                                       وكيل وزارة الثقافة


ضمن اليات التغيير في المجتمعات يبقى للكلمة نكهتها الخاصة وقوتها المميزة في التفعيل والتأثير والاتيان بالبديل الاجمل والاكثر قدرة على التناغم مع مناخ العصر .
والذين حضروا المؤتمرالذي انعقد في بغداد يومي (23و24) من الشهر الجاري نقلوا الى العالم كله ان العاصمة العراقية مفتوحة وقابلة للتعامل والحوار ومنسجمة مع نفسها والعالم وانها تتنفس برئة جديدة لا اثر للاعراض السابقة عليها .
بغداد احتضنت قادة النقابات والاتحادات الصحفية في العالم  لتعلن قدسيتها للكلمة التي تقال وتكتب بحرية والكلمة التي لاتقف على الحياد بل تنحاز لقيم التنمية والجمال والسلام والوئام الاجتماعي وتنتقد وتصرعلى البناء واقفة في وجه معوقات التجربة الديمقراطية العراقية .
لم ينهض احد في المؤتمر ليمجد هذا الشخص او ذاك او يكبل الاطراء والثناء لهذا الحزب او لهذه المنظمة او تلك ، وكان الجميع مطمئناً على نفسه لايشعر بالخوف او الرعب خوفاً من الدكتاتور او دهاليز المخابرات او الشلل المتزلقة التي تقتاد اصحاب الكلمة الى التهلكة . في المؤتمر شعر ضيوف العالم ان سموم الكبت والقمع وارهاب الدولة والاقصاء والتهميش واهانة الصحفي واصحاب القلم اصبحت شيئاً من الماضي لايعود ولايمكن للشعب العراقي ان يوفر مجدداً البيئة لهكذا عودة بعد ان تعلم الدرس اثر (35) عاماً من الدكتاتورية الاقسى في العالم .
قادة الكلمة جاءوا الى العالم لأعلان التضامن مع الشعب والحكومة وكل الخيرين ضد قوى الارهاب والظلام الذين يستهدفون الصحفي والكاتب والمثقف لمنع تدفق مياه التغيير في هذا الوطن ولقطع جسور المجنمع الى المستقبل .
انه حلم جميل ونقي وقد تحقق وهو تحول بغداد من مكان للحروب والدمار ولصرخات الدكتاتور ولدهاليز الامن الاجرامية والاوكار التي تنشر القسوة ومظاهر القتل اليومي ، الى بقعة عامرة بالامل والانفتاح والتصالح والمحبة رغم مد الارهاب الذي يعمل يائساً لغلق الابواب على الحاضر وجر المجتمع الى كوابيس الماضي . لقد كان المؤتمر تأكيداً اخر لمقولة ان لا ديمقراطية بدون صحافة حرة واعلام قادر على تفعيل ادوات النقد والتقويم واعادة التقويم لوضع المجتمع على عتبة مرحلة الصحة والعافية . لقد فرح المثقف العراقي كثيراً لأنه يرى نفسه في الواجهة وبأنه من خلال الكلمة قادر على تجسيد قيم  الحق والعدالة والاكثر من ذلك ان كلمته تؤخذ على محمل الجد ولايجري الاستهانة والاستخفاف بها كما كان يفعل الدكتاتور. كذلك فرح العالم المتحضر لأنه اطمئن ان بغداد لن تنطلق نحو الحرب او نحو تأزيم العلاقة مع الجيران او نحو خرق الاتفاقات الدولية بقرار من رجل واحد او حزب واحد او مؤسسة واحدة ، فوجود الاعلام الحر صمام امان ووجود التعددية السياسية والبرلمان الحر اليات توزع السلطة وقوة القرار على كل مكونات الشعب لذلك فالعـالم لايتوقع الان من بغداد الا المزيد من افـــــاق التنمية والانضمام للعالم الديمقراطي ، اما فئات الظلام وبعض دول الجوار والدول المحكومة بالشمولية فلا شك انها فزعت وهي ترى بغداد عاصمة لقادة الكلمة في العالم ، مثلما اصيبت قوى الارهاب بصفعة اخرى لأنها يائسة امام براعم الامل التي تتفتح في عاصمة السلام .


194
ادونيس في كوردستان العراق ... تكريس لثقافة التواصل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                                         فوزي الاتروشي
                                                                                        وكيل وزارة الثقافة



ادونيس شاعرومفكر وناقد يستنبط ثقافة موسوعية في تحليل الظواهر وبلورة نتائج ومحصلات قائمة على الاستقراء والاستنتاج , وقبل هذا وذاك فهو مثقف لايرتد الى الماضي ألا لأستثمار الومضات الخلاقة فيه وتوظيفها للراهن المعاش .ومن يتابع ((مدارات )) هذا المثقف الكبير يجد فيه تحولات وتنقلات وقدرة فائقة على السير الى امام وهذه وظيفة المثقف الحقيقي في التغيير والانعطاف ورفض التكلس والتحجر والعيش الساكن في ضل المطلقات المفروضة اجتماعيا" على الانسان في مجتمعاتنا المتخلفة .
اقول هذا لأن الضجة او بالاحرى فقاعات الصابون التي اثارها بعض المثقفين العرب بوجه (ادونيس )بسبب زيارته لكوردستان العراق ,تكشف مرة اخرى عن الوجه القبيح لثقافة ظلامية مسكونة بالماضي وخائفة من الحاضر ورافضة لمياه المستقبل النقية التي تجري تحت اقدامنا دون ان يدركها هؤلاء المثقفون .
لقد زار ( ادونيس )كوردستان العراق وهو جزء من الوطن العراقي تنتعش فيه حالة اقتصادية واجتماعية مستقرة وأمنة ومنفتحة على العالم منذ عام 1991, والزيادة تحمل دلالات كلها ايجابية منها ان مثقفا" مثل (ادونيس ) لابد وهو يكتب ويحلل ويسمع ان يرى الشواهد على الارض وكذلك اثار المأسي التي مرت على منطقة كانت بائسة ومغيبة عن اعين العالم وغارقة في الحروب والكوارث والحقد الشوفيني والسموم الكيمياوية التي امطرت على حديقة (حلبجة) التي زارها ( ادونيس )وكتب في سجل الزيارات كلاما" رائعا" وجميلا" مقتطعا" من القلب ,وكان على البعض من ( المثقفين  ) العرب الذين هاجموا زيارة ( ادونيس ) أن يراجعوا انفسهم قبل ان يمرروا القلم على الورقة لرش سموم اخرى تزيد من ألام واحزان الانسان في كوردستان .
أن( ادونيس ) ينتمي الان للانسانية وهذا قدر كل مثقف حقيقي يعجز الانتماء القومي او الديني او الطائفي او الحزبي ان يحجمه ويفرض عليه اشتراطاته الضيقة . ..ولذلك فأن زيارته لكوردستان تنعش في الاذهان مجددا" الطابع الحواري الحضاري التواضعي للثقافة المجددة والمتجددة على الدوام بأتجاه رؤية الانسان بذاته وليس بصفاته العرقية والدينية والمناطقية . وهذه هي الثقافة التنويرية المنطلقة من العقل ومن الواقع ومن فروض العصر وليس من بطون الكتب السلفية والاحكام المطلقة التي لاتقبل السجال والنقد والحوار والاختلاف وتضع التكفير بديلا" للتفكير .
ان المشروع الحضاري الذي يمثله ( ادونيس ) ومعه مئات من  الكتاب والمثقفين العرب المقموعين في بلدانهم اوالمهجرين عنوة" الى اوربا الحضارة والنور والعلم , اقول ان هؤلاء هم حملة الثقافة العربية المتناغمة مع العصر ولذلك فلا يمكنها العيش مع انظمة الاستبداد والجمهوريات الوراثية والملكيات العربية المتهرئة التي تعيش على هرم مخابراتي – بوليسي – عسكري منعزل عن الشعب وكاتم لأنفاسه .
واذا كان ( ادونيس ) قد قال في احدى ندواته في اقليم كوردستان ان الحضارة العربية تنقرض فأنه ومنذ زمن بعيد يحمل هذه الافكار ويبشر بها ويحرض على التغيير , وكلامه هذا ليس طعنا"بأمة بل دعوة للصحوة ولفك الاشتباك بين الثقافة بين الثقافة العربية وبين الماضي , وبينها وبين الكم الهائل من الكتابات التي تدعو للتقوقع في سجن الفكر القومي والتراث والاحلام اليائسة والبائسة الداعية لأحياء فكر اثبتت الحياة موته وعجزه عن ملاحقة التراكمات اليومية للحياة في مجال العلم والادب والفن والسياسة .
ان ( ادونيس ) مثل النخبة الواعية من كبار المثقفين العرب لابد له ان يقف الى جانب الديمقراطية وحقوق الانسان والتعددية وحقوق المرأة وتحقيق انسانية الانسان . ...واذا لم تكن هذه رسالة الثقافة فما هي رسالتها اذن ؟؟
ان الاوطان التي ندافع عنها ليست بقاع جغرافية وتضاريس نعقد معها عناقا" وعشقا" ابديا" دون مساءلة وشروط , وانما هي في ضوء الفكر والحضارة المعاصرة حقول  وبيادر يانعة بالحقوق للانسان وبدون ذلك فأنها ليست اوطان وانما سجون مترامية ومقابر لمشاعر واحلام وتطلعات الانسان .وهذا هو حال معظم الدول العربية التي تقف على الضد من العضر وتاتي في الدرك الاسفل لجهة التنمية الاقتصادية والبشرية والانسانية , لذلك فما يقوله ويردده ( ادونيس ) كشف للحقائق وللعورات وليس قذفا" بأحد وتشهيرا" بأمة .
مشكلة الذين يهاجمون (ادونيس ) انهم لايرغبون ان يتسلحوا بلغة الارقام والاحصاءات والبيانات والادلة الدامغة التي لاتقبل الدحض وهي الثقافة المعقلنة التي تسلح بها المثقفون في اوربا ولذلك بنوا حضارة ذات بعد انساني وقفزوا على كل الهويات الصغيرة وشكلوا دولة من (28) دولة هي الاتحاد الاوروبي , في حين مازالت الدول العربية تتناحر حول مشكلات حدودية وتتباعد بسبب الثروة والسلطة والايديولوجيات المتصارعة , كل ذلك بعيدا" عن الانسان العربي وهمومه وشجونه وتطلعاته في التقدم والتنمية . ان ثقافة الركود والجمود والخوف من المستقبل والتخندق خلف عباءة العادة والتقليد وشعارات احياء الماضي عوضا" عن استشراق المستقبل هي التي تفرض على كل رموز الثقافة العربية التنوير بين ان يقولوا (لا ) للتراجع اى الخلف و( نعم ) للتقدم الى الامام ..للحاق بركب العصر , وهذه رسالة ( ادونيس ) في الحياة , فمرحبا" به مرة اخرى في كوردستان وفي العراق وفي كل بقعة تنتعش فيها الاحلام الخضراء للانسان وشكرا" له لأنه يقاوم ولايساوم




195
الفنانون اعمدة النوروالحضارة
   
                                                                                    فوزي الاتروشي
                                                                                    وكيل وزارة الثقافة

 
كما اعمدة النور تبقى مشتعلة وهي جاثمة على الارض هكذا يكون الفنان والاديب حين يصبح جثة تبقى روحه مشتعلة ووهاجة في الذاكرة تحفر فيها وتنقب الى الابد وفي كل لحظة تثمر ورداً وتضئ شمعاً وترتخي ظلالاً وارفة .
قبل ايام توقف قلب الفنان قاسم محمد عن الخفقان وقبله رحل عنا قائد النعماني وكلاهما ودعا الوطن وهم في الغربة ليعلنا لنا الى الابد انهما عناوين اشتياق مندلعة الشرارة لوطن لايجوز له الا ان يحتضنهما في قبرين هما في الواقع مزاران للمحبة والحنين وموقعان لتذكارات عمر تكرس للعشق اللانهائي للانسانية ولعراق كادت سكاكين الظلام ومصدري مشروع الموت ان تذبحه. وكانت جبهة الثقافة والفن والادب بقاماته الباسقة في الخط الامامي يحمل مشروع الحياة والتنمية والحب .
نحن مدينون الى كل الذين رحلوا عنا من اشجار باسقة ظلت عامرة بالعطاء للوطن دون مقابل وظلت مرهقة ومتعبة من اجل ان يرتاح الانسان العراقي ، وظلت ساهرة لكي ننام بأطمئنان على غدنا .
ولعل (ناهدة الرماح) التي فقدت بصرها وهو اعز مايملكه الانسان على المسرح تقدم لنا نموذجاً راقياً جداً لقدرة الفنان والاديب على التحدي والمقاومة والعطاء في احلك الظروف . وماقالته بحضورنا في قاعة المسرح الوطني (انني ارى بعيون العراقيين) ازاح الكثير من الشكوك حول القدرة الهائلة للفنان على تمثيل الوطن حتى حين يفقد البصر لأنه يكتسب بصيرة ثاقبة تفوق البصر بمرات على استشراق منابت ابداعية خضراء والابحار في خيال لاينضب .
الفن والادب استبطان للتاريخ وتجسيد للحاضر واستشراف للمستقبل، لذلك فالوطن بدونهما ليس سوى كومة تراب وكدس احجار وتضاريس ساكنة وراكدة .
ان فرنسا هي (اديث بياف) و(اراغون) و(سارتر) و(فيكتور هوكو) وبريطانيا هي الشاعر (ت.س.اليوت) و(وليم شكسبير) وامريكا هي (ارنست همنغواي) و(شارلي شابلن) والعراق هو (الجواهري) و(نازك الملائكة) و(السياب) و(علي الوردي) و(ناظم الغزالي) و(محمد باقر الصدر) وغيرهم .
ولهذا فأن مهمة تقديس الفن والادب وكل سياقات الابداع الثقافي هي في الواقع تجسيد للوطن كله وتعليق له على الضمير العالمي عنواناً للتقدم ونبراساً للحضارة. فألى كل رعاة ومبدعي الفن والادب والفكر في وطننا الاحياء منهم والاموات صلاة دائمة بقدر ديمومة تأثيرهم على الانسان والارض في العراق .



196
بين فلسطين وكوردستان آصرة خضراء


قدر الثورات أن تتعانق وأن تبقى عصية عن فك الارتباط فيما بينها فالتشابك حاصل في المبدأ والشعار وفي العنوان المرجعي لكل فعل ثوري على هذه الأرض.
والثورة الكردية بدت منذ انطلاقتها الكبيرة والواسعة عام1961 مرنة في التعامل مع الآخرين متواصلة مع القوى المتفهمة للقضية الكردية في الدول التي تقسم كوردستان ومناصرة للثورات في المنطقة.
لذلك شغلت الثورة الفلسطينية دوما حيزا ملحوظا في أدبيات الحركة التحررية الكردية وبقي المناضل الكردي والكاتب والشاعر والفنان في كوردستان محملا بهموم الآخرين فوق همومه باعثا برسالة مؤداها إن الحرية لاتتجزأ ومن يطلب الانعتاق وينكرها على غيره يكون مرتبكا لخطيئة أساسية في فهم المدلول الإنساني للثورة حيثما كانت.لذلك فان زيارة الرئيس الفلسطيني (محمود عباس )الى كوردستان هي فاتحة عهد وتدشين لمرحلة خضراء بين ثورتين انطلقتا معا في حقبة الستينات من القرن الماضي المفعم بأحلام ورومانسية الثورات الوطنية واتحدتا على شعار استعادة الأرض للاحتفاظ  ببيت آمن تحت الشمس، والزيارة أيضا إهالة للتراب على كم كبير من التشويهات والتراكمات الكيدية التي ألحقها قطاع واسع من الإعلاميين العرب بالثورة الكردية من خلال التطبيل والتهويل والادعاء بوجود علاقات إسرائيلية كردية ونفس هؤلاء الإعلاميين يرون العلم الإسرائيلي مرفرفاً في العديد من العواصم العربية . فلسطين في القلب وكما قال الشاعر الكردي المبدع ( عبد الله كوران )  "أخي العربي الأسود العينين كان حظك تعيساً وكان حظي مثلك تعيساً ومراً " فان التشابك في الهموم الكردية الفلسطينية لم ينقطع يوما ولا يمكن للفلسطيني أن ينسى مواقف الزعيم الكردي البارزاني الراحل عام 1967 و 1973 حين أوقف كل العمليات وتعهد بمنح الجيش العراقي الفرصة للتفرغ لمهماته في حربي حزيران وتشرين . ولا أن ينسى  القصائد والكلمات والمواقف الصادرة من القلب، من أعلى جبال كوردستان نحو قرى فلسطين ومزارعها وبقي الإنسان الكردي محتفظاً بألق تمني الحرية للإنسان في فيتنام وفلسطين واريتريا وفي كل بقعة من الأرض تشهد التمرد الإنساني على الظلم.
مثلما إن الكردي لا ينسى قصيدة " كوردستان " الرائعة التي كتبها الشاعر المبدع الراحل محمود درويش عام 1965 وفيها ندد بكل القنوات الرسمية العربية التي تتنكر لحقوق الشعب الكردي وفيها قال : " لن تبصري يا عروبة إن كنت من ثقب المدافع تنظرين " وكذلك مواقف " سميح القاسم "  و " توفيق زياد " وكتاب ومناضلين فلسطينيين آخرين.
تبقى الآصرة الخضراء إذن منعشة وزاهية بين اربيل وغزة فكلاهما عانتا طويلا ً والمعاناة المتماثلة خير وشيجة للحب الأبدي ولعل وجود المفكر والشاعر العربي الكبير " ادونيس " في السليمانية واربيل يقدم رهاناً لا يقبل الدحض إن الثقافة في أرقى تجلياتها لابد أن تكون تواصلية وحوارية وإنسانية وحضارية لكي تثمر على المدى البعيد وتعبد الطريق للأجيال القادمة . إن " ادونيس " يأتي الى كوردستان لكي يقول للجميع إن الحرية واحدة والمعاناة واحدة وهذا يعني إن الكتابة عنها والتغني بها يأتي على إيقاع ولحن واحد.
" محمود عباس " كرئيس لفلسطين وأدونيس كأحد مثقفي العرب أقدما على هدم الجدار النفسي الافتراضي الذي بنته منابر إعلامية وفكرية عربية عن قصد لخلق حالة تنافر بين العربي والكردي وفتحا نافذة واسعة يدخل منها نسيم منعش يعيد لتحالف الثوار في العالم سياقه التوحيدي على مبدأ إن ضحايا الظلم أخوة في المقاومة مهما تباعدت المسافة .

                                                         فوزي الاتروشي
                                                        وكيل وزارة الثقافة
                                                          20/4/2009


197
العصافير المهاجرة تعود ... ولكن الى فضاء نقي
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                                     فوزي الاتروشي
                                                                                     وكيل وزارة الثقافة


عودة العصافير المهاجرة التي هاجرت عنوة ً وعلى هيئة اسراب لممارسة الحرية وانجاز العمل والابداع في البقاع الاوروبية بعد ان سدت الدكتاتورية سابقاً كل الابواب بوجهها ، نقول ان عودة هذه الكفاءات الثقافية والعلمية مشروع وطني مصيري يجب ان تنخرط فيها اكثر من جهة في الدولة العراقية وان لاتترك كمهمة موكلة الى هذه الوزارة اوتلك . انه مشروع وطني يستحق وقفة وطنية تركز على الغاء الكثير من الاجراءات الادارية المتعبة والمهلكة وتسهيل عملية العودة بحيث تكون في اقصى درجات السلاسة لكي يتشجع الجميع على العودة . ومن جانب اخر فأن العائد عالماً كان او اديباً او فناناً يصطدم بجدار سميك هو افتقار الحكومة العراقية الى منظومة اجراءات توفر بشكل فوري وعاجل السكن والراتب والمخصصات والحاق اطفال العائد بالمدارس وقضية تعديل الشهادة او التحقق من صدورها التي يمضي عليها احياناً مدة (6) اشهر وهذه سابقة لم ولن تحدث في اية دولة مما يجعل الكثير مضطراً على الهجرة المعاكسة .
ان وزارة الهجرة والمهجرين ينبغي ان تلجأ الى ألية تواصل حضارية سريعة للغاية مع الوزارات الاخرى المعنية بجعل عملية العودة سلسة ومغرية وجذابة . والا فأن العكس سوف يحدث وهو احياناً مايحدث الان فعلاً فالقوانين والانظمة والاوامر والتعليمات المتأكلة التي عفا عليها الزمن مازالت هي المتحكمة بمفاصل العمل في وقت نحن بأمس الحاجة الى قرار حاسم من دولة رئيس الوزراء لأجراءات استثنائية لأعادة الكفاءات وهنا يبرز دور وزارة المالية وضرورة حسم موضوع المنحة المخصصة للمثقفين . ان غالبية الذين هاجروا ابان النظام الدكتاتوري انما فعلوا ذلك لأثبات الذات والشخصية والحفاظ على هويتهم الوطنية والعمل من اجل عراق اجمل ومساعدتهم الان للعودة وشغل مواقع مناسبة في مواقع الدولة والادارة ليس منة ولا منحة ولاترفاً وانما هو واجب حتمي لايقبل التأجيل فالوطن الذي يتهاون مع مسألة رحيل وهجرة الادمغة انما يتهاون مع مستقبله وتطوره ونهضته ويتقاعس عن منح حقوق المواطنة لمواطنين هربوا من القمع الى ضفاف الحرية وهم الان مستعدون للعودة الى ضفاف الحرية التي انتعشت بعد التحرير في العراق . ان غالبيتهم يستحقون اضافة الى ذلك الشكر والامتنان لأنهم بقوا على ولائهم للوطن ولم يخضعوا للدكتاتورية وقسم كبير منهم حقق انجازات رفيعة على المستوى العالمي وعدد العراقيين الذين يحصدون الجوائز الادبية والفنية والعلمية يدعو الى الفخر والاعتزاز .
 ان عودة المثقف والعالم العراقي بعد عقود من الزمن تمتع فيها بالحرية والامان والرخاء المادي يستدعي منا وقفة صادقة واجراءات واليات فورية لضمانات حياتية لهم تضمن الكرامة والعيش الكريم والسكن المناسب والعمل المتناغم مع التحصيل العلمي وتوفير اجواء عمل صحية لكي لايصطدم العائد بواقع مر يضطره للعودة المعاكسة . فالعصافير اذ هاجرت خوفاً من الرعود والزوابع التي هدمت اعشاشها لن تعود الا الى سماء صافية وغيوم بيضاء نقية وممطرة وضفاف خضراء .   


198
البصرة ثغر باسم..
وذاكرة مفعمة بالشعر والفكر

البصرة التي دأبنا على تسميتها بثغرالعراق الباسم نريدها اليوم ثغراً مترعاً  بالفكر والشعر والغناء والرسم وكل ما يمت للإبداع بصلة. وهي أصلا عاصمة متقدمة عبر التاريخ لحضورها  الثقافي الحاشد الذي يبهر العين ويثير في النفس شهية تصفح أوراق التاريخ . أنها مدينة يجمع على عشقها العراقيون ، وموضع لم يعبد لصنم كما هو ثابت ومنهم انطلقت أولى شرارات الفلسفة الإسلامية وعلى جنباتها كانت ثورة الزنج وحركات مقاومة أخرى. وفي البصرة انطلقت ثورة الشعر الحديث على يد السياب الذي ما زال حياً في القلوب وتمثاله على الكورنيش يذكرنا كل لحظة بأنشودة المطر الذي تمنى الشاعر أن يهطل على تضاريس العراق ماسحاً عنها حرقة العطش والجفاف وحين مرض تذكر العراق قائلا " البحر أوسع ما يكون والعراق ابعد ما يكون ".
في 16/4/2009 كنا نخبة المثقفين والفنانين من المحافظات ومن البصرة على موعد جميل لإعلان ماهو كائن سلفاً وهو جعل البصرة مرتكزاً ثقافياً في العراق للعام 2009.
البصرة بهذا الإعلان تدق على أبوابنا لتعود جمانة للبحر ولتلبس كل ما لديها من حلي وزينة ولتصفق وتغني وترقص وتكتب الشعر وترسم لوحات الأمل والتفاؤل والتي دشنها الفنان خالد المبارك بنصب جميل أغنى ثغر البصرة الباسم والمستحم بالماء أبداً ببسمة تفاؤل وحب إضافية. هذه الأيام سيكون في البصرة مهرجان يعيد إليها بعضاً من رونقها عبر " المربد الشعري " الذي سيستضيف في الأيام 26-28 / 4/2009 نحو (150) شاعراً من داخل وخارج العراق ومن شعراء البصرة الذين يعلنون الولاء والانتماء للعراق بجبله وسهله ويعيدون " للمربد " الذي انطلق عام 1971 وجهه مقروناً هذه المرة بفضاء الحرية التي يتمتع بها الشاعر في كتابة قصيدته كيفما يشاء دون رقيب يفرض الموضوع أو يملي ما يريد. في البصرة يستعيد المرء حزمة عواطف ساخنة وهو يلتقي برموزها ومثقفيها وأهلها الذين جبلوا على الحب والتواصل والكتابة بريشة القلب بدلا من القلم.
ثمة من انتقدنا من مثقفي البصرة العزيزة بحق حول البنية الثقافية المدمرة في المدينة وهي تستقبل اكبر تظاهرة ثقافية أدبية فنية، وهذا حق يراد به الحق ولكننا في وزارة الثقافة لا يمكن أن ننتظر الى أمد لانهائي حتى تعود العافية للبنى التحتية للثقافة وهي أصلا مهمة وطنية عامة يجب أن تنهمك فيها دون أي تأجيل الحكومة العراقية . 
بالعكس فمن خلال إعلان المدينة حاضنة للثقافة نبعث رسالة الى كل المعنيين بالمشهد الثقافي إن البنى التحتية الثقافية ينبغي أن تعمر على أسس تعكس الملامح الثقافية للمدن العراقية لأن التجليات الخضراء للثقافة هي التي تخلق الوئام الاجتماعي وتنتج المشتركات في الهوية العراقية وتعيد الحياة لدورتها الطبيعية فبقدر اتساع مساحة الشعر والنقد والرواية واللوحة والإيقاع واللحن والموسيقى والمسرح في حياتنا تضيق مساحة التصحر والتقعر والجفاف والتمزق الاجتماعي . إن رهاننا على مشروع الحياة المفعم بالثقافة ورهان قوى الظلام والإرهاب على الفراغ الثقافي والأمني والانتصار لنا حتماً . فالى بصرة الحب والنخيل والماء، بشرى بأنها على مدى عام كامل حاضنة آمال العراقيين بتنمية ثقافة الحوار والتسامح الحضاري، والى بدر شاكر السياب آيات وفاء منا وأملنا وطيد أن نستطيع هذا العام ترميم منزله في قرية جيكور .

                                                                                                فوزي الاتروشي
                                                                                                وكيل وزارة الثقافة




199
صحيفة " كوردستان"
أشعلت أول شمعة في الظلام
فــوزي الاتــروشي
وكــيل وزارة الثقــافة

حين انطلقت صحيفة كردستان كأول صحيفة كردية في 22 نيسان عام 1898 في القاهرة كانت تشير بأكثر من رسالة وتحمل عنواناً أساسياً أن الشعب الكردي المجزأ على أرضه والمتميز عن أكثر شعوب الأرض بأنه لا يملك بيتاً تحت الشمس، قرر أن ينقل فعل المقاومة الى مدى ابعد.
فالأسوار والحدود التي تفصله عن الدول التي يتجزأ عليها لا يمكن دحرها بالآليات القديمة للمقاومة ولا بد من إضافة الكلمة إليها. لذلك وجدنا هذه الصحيفة المناضلة تنتقل من " القاهرة" الى " جنيف" و" لندن " لتواصل الصدور والوصول الى القارئ الكردي النهم والمتعطش لكلمة تنتصر له وتخرج قضيته من دائرة العتمة الى الأضواء الكاشفة فقضايا التحرر وعدالتها  لابد أن تتلمس كل القنوات للبروز وإقناع الآخر.
واللافت في الصحافة الكردية منذ اللحظة التأسيسية إنها  التزمت الخط الوطني المقاوم وأصبحت رافعة أساسية للمد الثوري العارم ولحركة التحرر الكردية التي كانت آنذاك في بدايات ولادتها العسيرة.
إن العائلة البدر خانية التي رعت هذه الصحيفة رسمت لها أخدوداً عميقا في الذاكرة الجمعية الكردية باعتبارها جمعت العلم والمعرفة والكلمة النيرة الى الكفاح المسلح. والمكتبة البدر خانية الشامخة اليوم في " دهوك " إنما تجسد حلم هذه العائلة وتطلعها الأبدي نحو جعل الثقافة مرتكزا لعملها النضالي.
وظلت الصحافة الكردية حتى سبعينيات القرن الماضي مفعمة أساساً بكيفية بلورة رأي عام دولي ومحلي الى جانب واحدة من اعدل  قضايا التحرر الوطني في العالم وتوزعت الصحف أساسا على الأحزاب الوطنية التي كانت في الوقت نفسه حاضنة الفعل المقاوم والقول والكلمة المتزامنة معه.
وجاءت حقبة السبعينيات بانفراجة واسعة للصحافة الكردية بعد صدور اتفاقية " 11 آذار" عام 1970 وبدأت الصحف تزداد وتتوزع مع بروز أولى تجليات الصحافة المتخصصة. وبعد انتفاضة ربيع عام 1990 كانت الصحافة والإعلام الكردي أمام اكبر ثورة تجديدية في الشكل والمضمون أثر انهيار المؤسسات القمعية للنظام الدكتاتوري واستلام المقاومة الكردية لزمام السلطة.
وصدرت في حقبة التسعينيات من القرن الماضي ومازالت تصدر عشرات الصحف والمجلات العامة والثقافية المتخصصة في إقليم كوردستان التي تعيش حياة ثقافية مزدهرة باللغات الكردية والعربية والانكليزية. ولاشك إن اللغة الكردية نفسها  تطورت إلى  مديات واسعة  بفضل هذه الصحف التي عملت على تطوير اللغة ومد الجسور بين لهجاتها وتعميق الوعي لدى المواطن الكوردستاني بالتاريخ وبقصة واحدة من أطول ثورات العالم  وبما يحيط هذا المواطن حاليا من هموم وشجون.
إن الصحافة الكردية اليوم في داخل الوطن وخارجه أصبحت تلامس هموم المواطن وتنطق بما يعتمل داخله  من مشاعر وتطلعات مثلما صارت وسيلة متمكنة للدفاع عن الشؤون الكردية التي ما زالت تعاني أحيانا كثيرة من التشويه المتعمد من قيل شرائح واسعة من إعلاميي الدول التي تقتسم كوردستان .
وإذا كان " الفضل لمن سبق " كما يقول المثل الشهير فإن صحيفة "كوردستان " ستبقى في الذاكرة كأول شمعة نور طردت ظلام التعتيم حول قضية تحررية شائكة ما زالت لغاية اليوم  في منتصف الطريق لتبلغ ضفاف الحرية.


200
بغداد ستصبح اجمل بمقاهيها الثقافية

                                                                                              فوزي الاتروشي
                                                                                              وكيل وزارة الثقافة


المدن لاتقاس فقط بمبانيها وشوارعها الفسيحة وحدائقها الخضراء رغم اهميتها الكبيرة جداً ، ولكن يبقى ان المدن تعنون بما فيها من زوايا وامكنة عامرة بالعطاء الفني والفكري والادبي وبما تستطيع تقديمه يومياً على مستوى الابداع لكي تتميز وتدخل التاريخ بخطوط وتقاسيم وتضاريس لها طابع الفرادة .
وتشكل المجالس الادبية والمقاهي الثقافية جزءاً حيوياً من ذاكرة اية مدينة تريد ان تبتعد عن حالة البداوة والتريف وتدخل قائمة المدن التي لا يمحيها التاريخ . ان منتديات اللقاءات الثقافية والمعارض ودور العرض السينمائي والمسارح وقاعات المحاضرات كلها مرابع تشيع التواصل وثقافة الحوار وسياقات اجتماعية عصرية تؤدي بالضرورة الى تضييق الخناق على الظلاميين الذين يستفيدون من التصحر والجفاف الثقافي ومن ظلام الامية ومن فقر الابداع لأشاعة مشروعهم التدميري الاسود . فبقدر زيادة المساحات الخضراء للعطاء في الفكر والثقافة المدنية والشعر واللوحة والغناء والمسرح وكل القنوات التي تنشر الحب والامل والاحلام الجميلة وتعطي لعواطف الناس موجات حميمة وساخنة ، نقول بقدر ذلك تضيق بل وتختفي مساحات الظلام والحقد وبدائية التفكير .
وفي يوم (10/4/2009) حين قمنا بجولة على المقاهي الثقافية في بغداد ولاسيما مقهى (الشابندر) الذي تعرض لتفجير ارهابي اودى بحياة خمسة من ابناء صاحب المقهى (محمد كاظم الخشالي) ، ومقهى (الزهاوي) المرتبط بالشاعر العراقي داعية التقدم والعصرنة (محمد صدقي الزهاوي) ، ومقهى (كوكب الشرق ام كلثوم) ، اقول في هذا اليوم شعرت بسعادة غامرة وبعواطف حميمة للغاية وانا التقي بأصحاب هذه المقاهي وبروادها الذين يتواصلون ويتبادلون الافكار ويتناقشون في مواضيع شتى ومن ثم يمنحون مدينة بغداد طابعها الحضاري القريب من نبض الانسان واحلامه ومشاريعه الحياتية نحو التنمية والاعمار والعطاء الانساني .
وقبل فترة زرنا المجلس الادبي للشاعر (محمد جواد الغبان) الذي ينعقد شهرياً ويمثل ملتقى للسجالات الادبية وتوطيد الاواصر الاجتماعية بين مبدعي الوطن وشعرائه ومثقفيه وكان حاضراً بيننا وزيرالثقافة السابق الصديق (مفيد الجزائري) ونخبة من اصدقاء الكلمة وهذه دعوة مني للمزيد من هذه المجالس الادبية .
ان بغداد جديرة بأن تلبس ثوب الفرح والابتسامة وجديرة ان تصبح ثغراً لأجمل الكلام واعذب الالحان وحاضنة للحب بأنقى صوره ، لذلك فزواياها وشوارعها ومساجدها ومقاهيها ومجالسها يجب ان تستحيل بساتين عطاء وابداع وامل . 



201
ثقافة في الهواء الطلق


فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة 

الثقافة في جوهرها نور ساطع لايرحم الظلام ولايتسامح مع التعصب والتقيح والاختفاء وراء الكواليس ، فهي عنوان الشفافية والانفتاح والتلاقح والتناغم بين البشر والمجتمعات والاوطان ومن هذا التلاقح تتبلور في اصقاع الارض حضارات بسمات وتقاسيم ثقافية محددة بأشتراطات العصر .
وكلما كانت عملية التربية والتثقيف معتمدة على الطابع الحركي المتغير للمعلومات والتطورات والمنجز العلمي اليومي فأنها ستكون بالقدر نفسه مؤهلة لوضع أي مجتمع في الواجهة ، وبالعكس فأن الانغلاق على هواء العصر وملئ الرئتين بشهيق الماضي رغم كل الغبار المتراكم عليه والاستعصاء على قبول فكرة التحول والتغير والتنوع وفق مناخات الراهن فأن ذلك يجر أي مجتمع الى دورة ماضوية تعود لقرون سلفت وتصبح الثقافة بكل مجالاتها مجرد اجترار واعادة اجترار عقيمة . ان ثورة  الفكر بتاريخها الطويل انتصرت بصدور الاعلان العالمي لحقوق الانسان الذي وضع البشرية على عتبة انطلاق لانهائي نحو الامام ونجد ان كل الدول المتحفظة على هذا الاعلان لاعتبارات غالباً ماتكون عبثية وغير علمية تبقى مسكونة بعقدة الماضي وخائفة من الحاضر وعاجزة عن استشراق المستقبل . ان الواقعية تفترض ان نكون قريبين بأفكارنا من الارض وغير مهومين في السماء وان نتلمس كلما في الواقع من ازاهير واشواك ونسير على تعرجاته بفكر واقعي وبصر يرى كل المنحنيات والاستقامات ولا يطفر على تضاريسه وينظر الى الماضي البعيد الذي لايعود ولايمكنه ان يمنحنا فرصة التلاقح مع الواقع الراهن .
ان ممارستنا للثقافة في الهواء الطلق تعني بالضرورة ان نستند الى لغة الارقام والبيانات والمستجدات العلمية والفكرية لنصل من خلال الاستقراء الى الاستنتاج ونلحق بركب الامم المتحضرة . وهنا يجب ان ننحاز كلياً الى المنطق العلمي الحركي المتغير غير الثابت بدلاً من منطق اللاعلم واللافكر الثابت والجامد والمتكلس وبما اننا نؤكد يومياً ومن خلال عدد لايحصى من التصريحات والمنابر الاعلامية ان عراق مابعد التغيير ديمقاطي تعددي فيدرالي برلماني فأن هذه المواصفات تحتم علينا جعل الحضارة الحالية قدوة لنا لان نجاحها اكيد وانجازاتها على صعيد الفكر والسياسة والفن والادب والعدالة الاجتماعية تبعث على الانبهار . وهنا لن نعود الى الاسطوانة المشروخة التي تصرخ ليل نهار تحت يافطة العادات والتقاليد المتهرئة او الخوف من ضياع الماضي من بين ايدينا فالماضي ضائع اصلاً واذا كانت فيه محطات اشعاع في بعض مراحله فأن سياقات الفكر في العصر الراهن لاتمنع الاستفادة من خلاصاتها لدمجها بالنهر الدائم الجريان والفيضان للثورة العلمية الحضارية الحالية .
ان ثقافة الهواء الطلق لاتقبل القوالب الجاهزة ولا الشعارات المحنطة والخطابات النارية التي تنتقي من كل قرون الماضي جزيئة او جزيئتين لتبني عليها استنتاجات خاطئة لاتنتمي للعنصر ولاتحمل نكهته .
اننا مطالبون في العراق ونعني هنا بالذات السياسيين والمراجع الدينية ان نتخلى عن ثقافة القول غير المبرمج والغير مؤكد وموفق ونتجه لمختبر العلم والارقام والاحصاءات التي تلقي بالاضواء الكاشفة على مجمل احوالنا ومنها نستلهم الفكرة والحل والمبادرة والقدرة على رسم مسارات المستقبل ، فلا دولة ديمقراطية دون ثقافة ديمقراطية تمارس علناً دون محظورات في الهواء الطلق .     


202
عرس تشكيلي في كربلاء المقدسة

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

التشكيلي العراقي له حضور جذاب في الداخل والخارج والمدهش ان المرأة العراقية لاتقل عن الرجل عطاء ان لم تتجاوزه في سياق ممارسة هذا الفن الراقي . فالتشكيليات العراقيات اثبتن قدرة فائقة على عشق اللون والظل والريشة وابتكــــار قاعدة رصينة لفن عريق في العراق . يوم (4/4/2009) كنــــا برفقة (عقيل المندلاوي) مدير عام دائرة العلاقات الثقافية في (كربلاء المقدسة) لأفتتاح المعرض التشكيلي لفناني وفنانات الفرات الاوسط ، ولااخفي سراً ان قلت انني طوال تفقدي للمعرض كنت في حالة انبهار امام التشكيلة الرائعة من اللوحات المعبرة عن هموم المواطن العراقي وعن هموم المرأة ومعاناتها وعن مجمل مايعتمل داخل الانسان من توق للحرية واشتياق لتخطي حاجز الخوف نحو الامان وتجاوز سياج القلق نحو تنمية الذات ابداعياً .
على مدى يومين كنا في ضيافة دائمة في الحضرة الحسينية ومن ثم في الحضرة العباسية التي لا تنطفئ ثرياتها ولايخفت صوت الدعاء حولها ولاينتهي سيل وحشود الزائرين الى اماكن تحولت بفعل تراكم القرون الى ذروة عاطفية كبرى والى معقل وجداني يجتذب القلوب والعقول لتركن فيها قليلاً من الزمن تتزود فيه بنعمة الرضا وتكفير الذنوب ، وبفرصة تذكر واقعة تاريخية مازالت تلغي بظلها على ايامنا الحاضرة . في كربلاء المقدسة التقى اللون مع الذكرى ومع حلاوة زيارة عتبات لاتشيخ مهما شاخ الزمن ولايتراكم عليها الامطر الاحزان التي مازالت ندية وكأن الاحداث وقعت قبل ايام ان لم نقل ساعات .
الجميل في اللوحات التي عرضت ان بعضها تطرق بشكل معاصر الى المولد النبوي الشريف لتجسيد مافي هذا الحدث وفي شخصية الرسول من رمزية وايحائية فهذه الشخصية التي غيرت مجرى التاريخ لايجوز ان تبقى محصورة في حدود الكلمة وخطب الجوامع ومراجع رجال الدين بل ينبغي للشعر واللوحة والاغنية والرواية والخاطرة وكل فنون الادب ان تستوعبها وتتطرق اليها وتبرز مافيها من المعاني والقيم الانسانية .
تحياتي لفناني كربلاء المقدسة وكل مدن الفرات الاوسط التي قدمت عرضاً تشكيلياً رائعاً ولا ننسى البيت الثقافي العامر في المدينة الذي كان سباقاً بتهيئة الاجواء لهكذا عرس تشكيلي . 

203
الحلة تحتفي بالاديب الكوردي

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة

يوم (1/4/2009) انفتحت قلوب اهل الحلة وازدانت بساتينهــــــا فرحاً ، فقد كنا على موعد مع البيت الثقــــافي في بابـــــل للاحتفـــــاء بالكاتب والشاعر الكوردي (جلال زنكابادي) الذي شاءت الاقدار ان يصاب بجلطة قلبية وهو في الطريق الينا فأزداد بين جمع المثقفين والشخصيات حضوراً ووهجاً .
ولم اكن مبالغاً في كلمتي حين قلت (اننا اردنا البيت لأهل الحلة فأذا هو بيت ثقافي لكل العراق واذا اردناه موقعاً لتواصل المثقفين في المدينة فأذا هو بستان عامر لكل الوان العراق جبلاً وسهلاً وهوراً) . كانت فرصتنا غامرة ونحن نتحدث عن الادب الكوردي من خلال شخصية كاتب وشاعر ومترجم هو (جلال زنكابادي) الذي ظل منتجاً ومثمراً ولكن في نفس الوقت مغموراً وبعيداً عن الاضواء ربما لأنه كما اعرفه من خلال لقاءات عديدة في اربيل يكره الشهرة ويفعل كثيراً ويقول قليلاً واذا قبل بدعوة البيت الثقافي في بابل منعه قلبه المتعب والمثخن بالحب والجراح معاً من الحضور ولايسعني الا ان اتمنى له من الاعماق بأسم وزارة الثقافة الشفاء والخير والعافية فما زلنا بحاجة الى نزيف قلمه وليس قلبه .
كان نهاراً جميلاً تميز فيه مثقفوا (بابل) بتقديم مبادرة جميلة للغاية حين اقيم معرض تشكيلي للفنانين السجناء فكانت لحظات وجدانية عميقة المغزى ونحن نرى لوحات مفعمة بالامل والتفاؤل والحب والتوق نحو الحرية مرسومة من قبل اناس  يقضون العقوبة خلف الجدران . ورسالة هذا المعرض تقول ان السجين انسان قبل أي اعتبار اخر واذا كانت حريته مقيدة مؤقتاً فأن من واجب المجتمع ان يفقده حرية التفكير والعطاء والابداع ليكون طائراً طليقاً وانساناً منتجاً بعد الخروج من السجن .
كانت الحلة جميلة كما توقعنا وهي اجمل بمضايفها التي كرمنا اصحابها لنقول التواصل الاجتماعي هو ركن اساسي في تنمية الحوار والوئام والتواصل بين شرائح المجتمع .
لجلال زنكابادي العافية ومواصلة الابداع ولأهل الحلة زهرة حب يانعة وهي تستقبل ببيتها الثقافي العامر وبمضايفها السخية حشد المثقفين .

204
صحيفة (صوت المرأة) تحاور: الكاتب والشاعر والاديب والسيــــاسي الاستاذ ( فوزي الاتروشي) وكيل وزارة الثقــــــــافة العراقية.*
حاورته / ايمان الشحاذ .
حضارة دون نساء محض سراب .... هكذا ومن دون ان يسأل تجده مناصراً للمرأة وبفطرة الانسانية تراه يدافع عنها ويحملها بين يديه زهرة جميلة وكتاب حكمة ومرتكز حضارة كما تجده محلقاً في سماء الادب والثقافة , وله حضور في العديد من المؤتمرات الادبية وعلى شرفه اقيمت العديد من الامسيات والمهرجانات له حنكة سياسية تفيد بأن السياسة لا تخلق المثقف , بل العكس الثقافة تخلق السياسي ولا يجب ان يفوتنا تعبيره الجميل ووصفه الادبي الرائع لرموز الثقافة الذين فقدهم العراق ( فقدنا كعراقيين قامات مديدة للابداع الحضاري في المنافي مثل الجواهري ثامنة المعلقات وثالث الرافدين والذي حين اطل علينا في مؤتمر المعارضة العراقية عام 1991 في بيروت سميناه اكبر فصيل في هذه المعارضة فقد كان عمره اكبر من عمر الدولة العراقية ذاتها ) ضيفنا ومحدثنا هو الاستاذفوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة .
صوت المرأة / كيف تقيمون عمل الدوائر المرتبطة بمكتبكم وتقع تحت اشرافكم ؟
السيد الوكيل / بداية انا تغمرني الفرحة بلقاء صحيفة (صوت المرأة) التي يجب ان تحفر في الواقع اخدوداً كبيراً لصالح المساواة وضد الغبن التاريخي الذي لحق بها لصالح اعادة تشكيل الوعي الاجتماعي وتذكير الرجل بأن لا ديمقراطية ولا وجود لحقوق الانسان ولا وجود لحضارة قادمة او لعراق جديد دون ان يقوم هذا المجتمع على ساقيه وانا اقول لا حياة لمجتمع نساؤه تعيسات ومقولة المرأة نصف المجتمع لم تعد صالحة لأنه في كثير من المجتمعات المرأة اكثر من النصف لذلك لا يمكن تصور وجود ديمقراطية فيها النصف يلغي النصف الاخر او الاقلية الذكورية تلغي الاكثرية الانثوية . هذه استحالة و فيما يخص العمل انا اجد تقسيم الدوائر الثقافية على الوكلاء هو مجرد عمل اجرائي
ونحن كقيادة للوزارة (معالي السيد الوزير والوكلاء ) مكلفون بقيادة مجمل مفاصل العمل في الوزارة .. وانا اجد نفسي مكلفاً بكل مفاصل العمل في الوزارة دون استثناء
هدفه فقط تنظيم العمل وتوزيعه وقد يكون اهتمامي اليومي مركزاً على الدوائر المرتبطة بي ولكنني مهتم بكل تفاصيل عمل واستراتيجية الوزارة . فيما يخص المفصل الحيوي للوزارة هو اولاً اعادة تشكيل الوعي الثقافي بعد ان غمرتنا موجة من االعنف الغريب المستشري في هذا المجتمع حيث تقزمت الثقافة وفي كثير من الاحيان اصبحت ليست اولوية في عقول بعض السياسيين والاحزاب السياسية لأسباب واعتبارات شخصية وثقافية وفكرية , فنجدهم يراهنون على القرار السياسي اليومي ولا يراهنون على القرار الثقافي الاستراتيجي الخارج من عمق المجتمع والراسم لحاضره ومستقبله ... هذه نقطة كان يجب ان نتجاوزها. وبالتأكيد اقول ان اغراق الوزارة في المحاصصة في السنوات الاولى كان خطأ كبيراً, حيث كان يجب ابعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة كلياً وتسليم هذه الوزارة الى مرجعيات ثقافية للشعب العراقي بدون النظر الى الهوية الاثنية والطائفية والقومية والدينية والسياسية والفكرية وعدم ادلجة الثقافة وعدم شخصنتها, لان الثقافة في زمن النظام السابق عانت من الشخصنة والادلجة و الاقزمة و التضييق عليها لتصبح مجرد تابع ذليل للاعلام  لذلك كان امامها شوط كبير للخروج من هذا المأزق وجاءت المحاصصة لتعمق هذا الشرخ الكبير ولكنني اؤكد ان (د. ماهر الحديثي) بما يملكه من سياسة وطنية معتدلة وما يمثله من عنوان وطني متجاوز على الهويات الصغيرة وحامل للهوية الكبيرة معنا ونحن معه استطعنا ان نرسم بعض الاولويات لهذه الوزارة اولاً تجاوزالبعد الطائفي ثانياً رفض الهيمنة الفردية او الفئوية او التكتلية داخل  الوزارة ثالثاً الاعتناء بكل العناوين الثقافية الفكرية الغنائية الفنية التشكيلية الموسيقية بغض النظر عن الوقوع في اي فهم فئوي او تكتلي او طائفي او قومي او ديني , هذا هو الاساس وانا ارى ان الازمة في العراق ازمة ثقافية اخلاقية قبل ان تكون سياسية فبما اننا لا نملك اخلاقيات وثقافة الحوار الحضاري والتألف والوئام فأن الهويات الصغيرة هي التي تسيطر وبقدر قدرة وزارة الثقافة على رسم الهوية
الوطنية والتأكيد على المشتركات بين المجتمع العراقي والثوابت سنستطيع تجاوز الهويات الصغيرة الى الهوية الوطنية واعتقد ان الانتخابات الاخيرة شكلت نجاحاً للثقافة وللاعلام العراقي الحر بمعنى ان المواطن  العراقي بدأ يعي طريق الاقتراع لينتخب ومرور الانتخابات بدون حوادث امنية كان دليلاً على ان الوعي والتألف وقيمة التسامح والتصالح بين فئات المجتمع وموزائيكية القومي والديني والاثني بدأت تسيطر على الرغبات او الجموح العدواني للارهاب , سواء القادم منه عبر الحدود , او القادم من فئات ظلامية من هذا المجتمع .
بالتأكيد ان وزارة الثقافة يجب ان تبقى بعيدة عن المحاصصة ويجب ان تعنى بأعادة تعزيز الهوية الوطنية العراقية فايقاع الوزارة في المحاصصة يعني ايقاع الهوية الوطنية العراقية في ازمة تمزق وتشرذم . هناك اهمية محورية في كل دول العالم المتحضر ... على ان تحتفظ الثقافة ببعدها المتقدم واذكركم بأيام ديغول في فرنسا عندما اراد ان يشكل حكومة جديدة فبكل سهولة عين وزير الداخلية ووزير الدفاع وكل الحقائب الوزارية الاخرى وحين وصل الى وزارة الثقافة وضع قلمه على المائدة واخذ يفكر ليعين شخصاً يحمل هموم الثقافة الفرنسية بكل عظمتها . اذن الثقافة هي الحاضنة للوجدان والمشاعر والعواطف والمشتركات وحين نقول الوحدة الوطنية يعني الثقافة العراقية الموحدة وبدون مشتركات نتوزع على هويات صغيرة وهنا يهمني ان اوجه نداء لبعض السياسيين واقول لهم ان السياسة زئبقية يومية مواربة مخاتلة هذا البعد غير موجود في الثقافة , لان النص الابداعي نص صادق وعميق يغير الواقع بصدق ويوجه نحو المستقبل بصدق وغير يومي لذلك نقول للسياسيين ان الخطاب السياسي يجب ان يعمق من خلال الخطاب الاستراتيجي الثقافي وهذا يعني انه بدون تثقيف السياسة ستبقى السياسة امية . واذكر السياسيين العراقيين انه على مدى حقب تاريخية طويلة كانت السياسة العراقية قابلة للانكسار لكن الثقافة كانت عصية عليه بدليل اننا قضينا عقوداً طويلة في المنفى ابان المعارضة العراقية وكان معنا خيرة العناوين الثقافية العراقية اذكركم بالجواهري وعبد الوهاب البياتي وكثيرين من العناوين الثقافية التي مثلت
الوجدان العراقي ابوا ان يتعاونــوا مع الدكتاتورية وبكل اسف لم نمنحهم حتى الان قبرا ًفي وطنهم ... رحلوا وهم يحملون الوطن في عقولهم , لذلك فأن تشكيلة الذاكرة العراقية يكون من خلال هذه العناوين الرئيسية سواء العربية او الكوردية او التركمانية او الكلدواشورية .
صوت المرأة : ما الذي اردتم توصيله من خلال مشاركتكم في مؤتمر "التسامحية العالمية" الذي عقد مؤخراً في اربيل ؟
السيد الوكيل : هذا سؤال جيد .. انا من القائلين ان وزارة الثقافة لها مهام كثيرة لكن المهمة الكبيرة والمفصلية هي مكافحة العنف وخلق حالة من التصالح والوئام بين موزائيك المجتمع العراقي .
لذلك نحن وضعنا مع معالي الوزير ملامح استراتيجية اللاعنف ومحاربة العنف سواء العمودي داخل المجتمع بمعنى عنف الاغلبيات ضد الاقليات والعنف الافقي اي عنف الرجل ضد المرأة والعنف الاسري وعنف الكبير ضد الصغير والطفولة المغيبة وعنف السوي ضد ذوي الاحتياجات الخاصة , عنف الفئات الغالبة ضد الفئات المهمشة بمعنى خلق بيئة ومناخ صحي داخل المجتمع العراقي بدون ذلك لا يمكن ان نقول اننا نعيش في عراق جديد بالوانه الطبيعية وثقافاته المتعددة,  هذا هو ما اطمح اليه ولذلك توجهنا الان هو عقد فعاليات اللاعنف حيث ذهبنا الى الرمادي والى حديثة لافتتاح بيت ثقافي هناك وتوجهنا بـأكبر وفد الى اربيل للمشاركة في مؤتمر "التسامحية العالمية" كنا(32) موفداً برئاستنا. رئيس المؤتمر وكافة المؤتمرين وكان بينهم سياسيون من السطح الاول وبرلمانيين ومراجع دينية اثنوا على دور وزارة الثقافة كأكبر وفد مؤثر وقد اثرنا في القرارات والتوصيات وقدمت الفرقة القومية للفنون الشعبية عرضاً شيقاً ولائقاً في قاعة ميديا وكانت لوحة المصالحة الوطنية تعادل ربما الكثير من المحاضرات التي القيت داخل المؤتمر بأيحائيتها ورمزيتهــــا وعمقها وتأكيدها على اعادة اللحمة للمجتمع العراقي .
نحن بصدد عقد فعالية اللاعنف بعد عودتنا من دولة الامارات في دهوك وبعدها في السليمانية وتكريت وواسط ومدن اخرى هذا التوجه هدفه ان تكون الوزارة سباقة لمكافحة العنف وتعزيز حالة اللاعنف في المجتمع العراقي و بالتزامن مع هذا التوجه قمنا بفتح بيوت ثقافية في العديد من محافظات الوطن كانت اخرها في حديثة قبل ذلك كنا في اربيل والزيارة القادمة ستكون في دهوك ..
هذه البيوت الثقافية بمثابة وزارات مصغَرة للثقافة في المحافظات فأنتم تعلمون ان النظام السابق قزم الثقافة وجعلها تابعة للاعلام وشكل ما يسمى بدور الثقافة الجماهيرية التابعة لحزب السلطة .   
الان هذه البيوت قريبة من المبدعين وستكون اماكن تجمع لهم وبمثابة منتدى لاقامة امسيات ادبية وثقافية وفنية مثلما هي محطة للقاء المبدعين والمثقفين في هذه المحافظة او تلك لايصال رسائلهم او موادهم او لتواصلهم مع وزارة الثقافة في بغداد لكي نوزع الجهد او الزخم الثقافي للوزارة على كافة محافظات الوطن .. نقوم الان بأستمرار بفتح هذه البيوت الثقافية بالتزامن مع حملة اللاعنف التي نقودها الان هذه البيوت نسميها للتسامح للتصالح للقاء والوئام .
لا تدرين كم هي سعادتي وانا في اربيل قبل مدة حين اقمنا امسية في البيت الثقافي في اربيل حيث قدمت فيه فعاليات كوردية وعربية . هذه حالة جديدة في العراق يجب تنميتها والمسؤول عنها بالدرجة الاولى هي وزارة الثقافة وفيما يخصني انا شخصياً سأكون أول المطبقين لتوصيات هذا المؤتمر وبعد عودتي شكلت وحدة اللاعنف في مكتبي .
صوت المرأة: ماهو عمل هذه الوحدة (وحدة اللاعنف) ؟
السيد الوكيل : عملها هو الاتصال مع مجموعة اللاعنف العراقية ومجموعة اللاعنف الكوردستانية وقد اجرينا لقاء مع احدى هذه المجاميع وننسق معها لكي تحضر نشاطنا في (8) اذار في عيد المرأة . ستقوم هذ الوحدة بالتنسيق بين وحدات اللاعنف في العراق او في كوردستان لأقامة نشاطات مشتركة او لدعمهم مادياً ومعنوياً وايضاً ليشعر الاخرون ان وزارة الثقافة متقدمة في هذا المجال وننسق بشفافية مع منظمات المجتمع المدني المعنية بحالة اللاعنف ومكافحة العنف الغريب والمستشرى للاسف من قبل الظلاميين في المجتمع العراقي .
صوت المرأة : ماهي نواقص العمل في وزارتكم ؟
السيد الوكيل : بكل تواضع اقول هناك نواقص في كل مفاصل الدولة العراقية ووزارة الثقافة من ضمنها ولكن النقطة الاولى هي ان هناك قصر كبير من قبل السياسيين في استيعاب معنى الثقافة اما ان هذا الفهم يؤدلج او يلقى عليه طابع شمولي او يحاول البعض اصلاً ان يقزم دور الثقافة في المجتمع , هذه طبيعة بعض السياسيين العراقيين وحتى ضمن العاملين في العملية السياسية . النقطة الثانية ان الحكومة العراقية لاتدرك انها ترتكب خطأ كبيراً عندما تهمش ميزانية وزارة الثقافة فهي الوزارة ذات الميزانية الاقل في التشكيلة الوزارية وهذه نقطة اساسية .                                         
النقطة الثالثة تتعلق بالمراحل السابقة وازمة المحاصصة الطائفية السابقة . هذه كلها اشكاليات اثرت على الوزارة التي بذلت جهداً كبيراً لتجاوزها , لذلك اقول ان الوزارة الان قائمة على قدميها ولدينا الكثير من المشاريع التي تحقق بعضها والبعض الاخر قيد الانجاز , لدينا توجه لفتح مراكز ثقافية خارج الوطن في امريكا وفي ايران وفي دولة الامارات العربية المتحدة ودول اخرى وفعلاً بدأت بعض الميزانيات ترصد لهذه المراكز وما اتحدث عنه واقع عملي يجري يومياً فنحن نريد ان نقول ان الوزارة قريبة من المبدع العراقي في حالات الوفاة والضيق والمرض ونحن نعمل قدر المستطاع لمساعدة وتكريم المبدعين واحتضان الفنانين والادباء والمبدعين .                                                                               
هناك متابعة فنحن لسنا في حالة تثاؤب وبما انني كنت ميدانياً ضمن هذا العمل حيث قمنا بزيارة الى بلغاريا وجرى فعلاً اعادة تواصل ثقافي بيننا وبين هذه الدولة وحضرنا المؤتمر العالمي للفلكلور وايضاً ابدت الحكومة البلغارية استعدادها لدعوتنا هذا العام على نفقة الدولة المضيفة , وكذلك اليونان كان لي فيها زيارتين من اجل تعميق العلاقات
وحضرنا مهرجان الزيتون برفقة فرقة الساس هناك ولدينا افكار اخرى مع اليونانيين  حيث عقدت لقاءات مع الاحزاب الرئيسية الثلاثة (حزب الباسوك , وحزب الديمقراطية الجديدة ,وحزب اليسار) وابلغناهم ان تعمل الاقسام الثقافية في هذه الاحزاب على اعادة ترميم واعادة الحياة الى المتاحف العراقية بأعتبار اليونان بلد حضاري عريق ومنذ ايام اعلنت الحكومة اليونانية استعدادها تقديم التسهيلات اللازمة لاعادة ترميم المتاحف العراقية بعد ان اعلن اقليم كوردستان انه سيقيم تمثال الاسكندر الكبير في اقليم كوردستان .
وفي المانيا لجأنا العام الماضي الى حجز مساحة (72 متراً مربعاًَ) للعراق في اكبر واعرق معرض سنوي للكتاب في العالم وهو الاشهر بين معارض الكتب في العالم , ولكن بكل اسف فأن ضعف الموارد المالية ادت لعدم حضور العراق لهذا المعرض ووجهت دار الشؤون الثقافية العامة للحضور هذا العام في معرض الكتاب الدولي السنوي في شهر اكتوبر في فرانكفورت وايضاً في معرض الكتاب الدولي في اربيل في (24 ابريل) هناك تواصل ثقافي بين العراق والدول الاخرى ففي سوريا عمقنا العلاقات الثقافية وكان هناك اسبوع ثقافي معمق جداً في سوريا برئاستنا واعترف وزير الثقافة السوري ووكيل الوزير بأن الاسبوع الثقافي العراقي كان احد انجح الاسابيع ضمن فعاليات "دمشق عاصمة الثقافة العربية" وكانوا في حالة انبهار بما قدمه المسرح العراقي والغناء العراقي والمعرض التشكيلي والفرقة القومية للفنون الشعبية وما قدمته من فعالية رائعة بعنوان (المصالحة الوطنية) وبهذه المناسبة تلقت الفنانة التشكيلية (ملاك جميل) دعوة لزيارة سوريا مجدداً واقامة معرض تشكيلي كانت هذه المناسبة ايضا لتعميق الاواصر بين المثقفين في الداخل والمبدعين العراقيين في سوريا وشكلت في الوزارة لجنة برئاستنا لاعادة المثقفين العراقيين الى الوطن دون النظر الى الانتماءات السياسية والدينية والفكرية والقومية , وعقد معالي الوزير اجتماعاً بهذا الصدد في السفارة العراقية . ان مهمة اعادة المثقفين العراقيين الى العراق ليس مهمة وزارة الثقافة فحسب , بل هي مهمة وطنية وبالاساس الحكومة العراقية والامانة العامة لمجلس الوزراء هي جهتان معنيتان بهذا الصدد لان هذا الموضوع يتطلب اموالاً كثيرة وجهداً كبيراً لذلك ارى ان الحكومة معنية بهذا الموضوع لاحتضان الفنانين كما ارى عدم صرف المنحة التي وعدت بها الحكومة للفنانين والصحفيين والادباء والمثقفين معوق اخر امام تحركنا في هذا المجال في هذا المجال .
صوت المرأة: صدرت قوانين في اقليم كوردستان واتخذت اجراءات لحماية المرأة الكوردستانية , هل انصفتها هذه القوانين فعلاً وهل نالت حقوقها ؟
السيد الوكيل : حالة المرأة الكوردية جزء من الحالة التي تعانيها المرأة العراقية عموماً والمرأة في بلدان العالم الثالث او المتخلفة تعاني من النظرة الفوقية الذكورية لذلك مازال دورها مهمشاً الى حد كبير ومازالت تعاني من العنف الاسري .!
وقد اقيم اسبوع اللاعنف ومكافحة العنف في كوردستان , ولكن انا اقول ان كل الاعوام والاسابيع والاشهر والايام يجب ان تخصص لمكافحة العنف ضد المرأة ولا يجب ان تنتهي هذه الحالة بـأنتهاء فعاليات المهرجان . المرأة بحاجة الى قوانين حضارية تسن مستقاة من العهدين الدوليين للحقوق الاجتماعية والسياسية والاقتصادية وايضاً من الاعلان العالمي لحقوق الانسان ومن اتفاقية (سيداو) واتفاقية حقوق الطفل هذا الزخم الكبير من القوانين المتحضرة التي جاهدت من اجلها البشرية ونزفت انهاراً من الدموع والدماء لاجلها بدون ان نجعلها جزءاً من القانون الوطني العراقي لن نتقدم الى الامام ففي الدول الاوروبية حين يصدر قانون دولي في اليوم الثاني يصبح اوتوماتيكياً ملزماً للقانون الوطني .
العراق مازال متحفظاً على هذه القوانين الدولية تحت ذريعة العادات والتقاليد في المجتمع العراقي , هذه ذريعة وجملة مطاطية نتشبث بها لرفض المحتوى التقدمي للمنجزات البشرية في هذا المجال هذا هو المفصل الاساس ... اما المفصل الثاني فأن القوانين قد تصدر لمناصرة حقوق المرأة ولكن مازالت المرأة غير واعية للاليات القضائية , اي قاعدة قانونية بدون ان تنـزل للمحاكم ستصبح قاعدة يتراكم عليها الغبار في الكتب فيجب ان نوفر لها الاليات القضائية لمقاضاة الرجل وانتزاع حقوقها و المرأة مازالت غير واعية لهذا
البند الاساسي , الرجل مازال حتى في حالة صدور قانون يتحكم في تطبيقاته ويحاول ان يكون هو السيد في الساحة .
في الدول الاوروبية مسألة انتداب محامي لم يعد يتطلب مبالغ كبيرة فهناك مايسمى "التأمين القانوني" الشخص يدفع مايعادل خمسة عشر يورو في الشهر ويصبح مؤمناً قانونياً وبذلك يستطيع ان يواجه اية قضية بكل و يقاضي فيها والشركة تدفع له المبالغ لاتعاب المحاماة , هذه نقطة اساسية المرأة غير مضمونة من هذا الجانب وهي ايضاً غير مضمونة الدخل ومعتمدة في الاساس على الرجل . اذن لااستقلالية للمرأة بدون ان يكون لها استقلال اقتصادي , لذلك انا اشجع المرأة على ان تعمل ولا تتكاسل وان تنـزع عباءة مايسمى بربة البيت , فالمرأة فاعل اساسي ومنتج في كل القطاعات ولها حالة خاصة وانا ارى انه على مدى مئات السنين الذكر تحكم حتى في مفاصل العلم وتحكم في ان يرسم صورة مشوهة للمرأة بأنها ضعيفة وعاطفية وانهاغير قادرة على هذا العمل او ذاك .
التجربة الحقيقية في اوروبا تبرهن ان المرأة قادرة على القيام بكل الاعمال اسوة بالرجال , لذا يجب ان نوفر لها الحاضنة الاجتماعية بمعنى الاستقلال المادي وتوفير اكبر عدد من حضانات الاطفال لكي تستطيع المرأة ان تستقل وتذهب للعمل . وتوفير الية قضائية وقانونية معاً تستطيع المرأة من خلالها ان تضمن حقوقها لكي لا تبقى القاعدة القانونية مجرد شعارات او خطابات وهذا ما نعانيه واعيد التأكيد على ان الطبقة السياسية العراقية يجب ان تعي اخيراً بأن النظام القانوني والقضائي في العراق يجب ان يلتزم ويتشرب بالقوانين الدولية والكف عن التخفي وراء العادات والتقاليد مع تقديري طبعاً للكثير من العادات الايجابية ورفضي لاكثرية العادات السيئة .
القانون لا يمشي مع المجتمع القانون فهو اما مع المجتمع او امامه فالقانون حالة مقومة للمجتمع ايضاً و لا يجوز ان يمشي خلف المجتمع , لذلك المرأة الكوردية والعراقية عموماً ستظل تعاني اذا لم نلغ الطابع الذكوري والنظرة الذكورية عن المجتمع واذا لم يعلم
الرجل ان المرأة شريكة له في القرار السياسي والاجتماعي والاقتصادي والاداري وان ماتحمله من كفاءات وعقل لاتقل قيد شعرة عن الرجل . جريمة كبرى وخطيئة اكبر ان اقول انني متفوق على المرأة ليس هناك اي سند علمي او احصائي يسند هذا التقول وهذه المقولة التي يحفرها الرجل يومياً ويعيد طرحها على مسامع المرأة .
انا ارى ان اتحادات النساء في كوردستان اوفي العراق اوفي عموم البلدان هي اتحادات مختلفة كلياً عن الاتحادات المهنية الهندسية او التدريسية او الطبية هذه تمثل نصف المجتمع تمثل الجنس الاخر , لذلك يجب على اتحادات النساء الكف نهائياً عن دق ابواب الاحزاب كل الاحزاب لديها طابع رجولي فعليها ان تدافع عن حياتها وحقوقها ووجودها واليات تطور مستقبلها في المجتمع كأمراة وانثى , انا اقرأ كثيراً الادب النسوي وهناك اسماء لامعة تبهر الانسان وتؤكد ان الرجل ليس متفوقاً عليها ان لم يكن متخلفاً عنها اقرأي لـ (غادة السمان) و(ليلى الجراح) و(ليلى العثمان) هذه المبدعة وامراة مثل (اطوار بهجت) المقاومة على خط النار نزفت حتى القطرة الاخيرة من اجل ان تدافع عن الوطن وعن الحقائق , كيف يجوز لي كرجل ان اعتبر المرأة متخلفة عن الذكر فتقدم الرجل عقلياً على المرأة خرافة .
لايمكن للدولة ان تقوم وللثقافة ان تقوم وللحضارة ان تقوم اذا لم تستند على المرأة والرجل معاً, شاعر مبدع فرنسي كبير قال ان درجة تقدم المجتمعات تقاس بدرجة تعامل الرجل مع المرأة ثمة مفارقات عجيبة في مجتمعنا فتجدين مايشبه الاسهال حيث (95%) من التراث الغنائي والشعري وايضاً مايطرح حالياً في الاسواق مكرس للحب بين الرجل والمرأة التي هي هبة الهية ومع ذلك في الواقع الحب ممنوع والمرأة تقتل فالرجل يبدو انه غير مؤهل لحمل شرفه الذي يتمثل في عقله وانتاجه ولسانه وصدقه وشخصيته ويقوم بحمل الامانة للمرأة ومن ثم يقتلها هذه ميزة الانسان العشائري الخائف من هذا الموضوع ومسألة ان الشرف تحمله المرأة فقط اكذوبة لذلك انا ارفض القتل لدوافع الشرف وحسناً فعلت القوانين في حكومة الاقليم واعتبرتها جريمة عمدية على الرغم                                                                 
انني انتقد تطبيقات هذا القانون كالعادة لانه هناك العديد من الاعتبارات تعرقل تطبيق هذا القانون فالقتل لدواعي الشرف هو قتل عمدي يلجأ اليه الرجل لأخفاء معالم الجريمة الاساسية للقتل .
الانتحار حالة غريبة في المجتمع موجودة طبعاً هو ليس انتحار لانه قتل ففي كثير من الاحيان يضع الرجل المرأة تحت ضغوطات نفسية تجعل المرأة لاترى حياتها الا في الموت وتجدون الادوات المستعملة فيما يسمى (بالانتحار؟) دائماً هي ادوات المطبخ وهناك حالات كثيرة انا شاهد عليها بأن كان القتل عمداً المرأة تقتل مرتين مرة جسدياً ومرة بعد الوفاة اعتبارياً (غير شريفة؟) وقد لايذكر اسمها على شاهدة القبر ايضاً .. هذه حالات لا يمكن ان نقبل بها وانا شخصياً كوكيل وزارة ثقافة , فالثقافة هي عنوان الحضارة واعتبر نفسي بكل تواضع حاملاً لهموم المرأة ولكن ان تحمل معي هذه الهموم لكي اتواصل واقول ان التواصل بين الانثى والرجل هو من سنة الحياة ويجب ان نلغي هذه الصفة الظلامية الضبابية المتخلفة للغاية نلغي هذه الصفة بالتواصل بين الرجل والمرأة فهو عنوان الحضارة انا اقول مثلما قال (نزار قباني) ان الثقافة انثى , الكلمة انثى,اللغة انثى , الحضارة انثى . بالمناسبة بعد عودتي من دولة الامارات سنحتفل بعيد الحب وقد جهزت كارت صادر عن وحدة اللاعنف صادر من مكتبي عنوانه في عيد الحب نستنكر كل اشكال العنف ضد المرأة وسأوزع شموعاً معطرة دليلاً على عمق مغزى هذا الحب . طبعاً هذا الحب يجب ان لايهمش في اخدود صغير وهو يوم للتواصل مع الانثى مع الام مع الصديقة مع الحبيبة مع الشريكة مع الزميلة تعبير عن هذه الهبة الالهية التي كونت الكون فأنا اقول ان الله كان في حالة حب عندما خلق هذا الكون في هذه الصورة الجميلة ليس هناك حقد فالله هو الجمال وهو النقاء وهو الحب وهو التسامح وكل القيم الجميلة ولذلك فأن اي حقد تجاه المرأة او تعنيفها يعتبر قصوراً لدى الرجل في عقله ونفسه وانا اعتبر الرجل الذي يتعامل مع المرأة بشكل غير حضاري ليس مثقفاً .
صوت المرأة :كشاعر واديب ووكيل وزارة نرى حضورك قوياً في نشاطات منظمات المجتمع المدني ولا سيما نشاطات المنظمات النسوية كيف تقيم هذا الاندفاع والحضور الكبير لديكم ؟
السيد الوكيل : هذه متأتية من ثقافتي فأنا احمل شهادة الماجستير في القانون الدولي من بلغاريا عشت فترة طويلة في المانيا لذلك لي المام بالثقافة الالمانية وتعتبر تجربة المانيا بالنسبة لي بعد الحرب العالمية معجزة بحد ذاتها بعد قيام المانيا مجدداً بتربية جديدة ومجتمع بديل وحالة جديدة وثقافة بديلة وحالة كبيرة جداً من التسامح وبديمقراطية منطلقة وبأقتصاد يعد احد اهم اقتصادات العالم هذه التجربة علمتني الكثير لانهم غيروا كل ما يتعلق بالتربية والثقافة واعادة الاعمار معنوياً . التجربة الالمانية تعمل فيها المرأة دوراً فاعلاً للغاية لا توجد امرأة في المانيا غير مستقلة بمواردها هناك احزاب نسبة النساء فيها اكثر بكثير من الرجال مثل حزب الخضر الالماني الذي تقوده النساء هناك و مقولة لهذا الحزب تقول ان النساء سيكونون ساسة المستقبل ان حركة الخضر هي حركة قوية في اوروبا , وخاصة في المانيا ففي يوم السلام تقيم تظاهرات ينتمي اليها اكثر من نصف مليون , هذه الاحزاب اساساً صديقة للبيئة ترفض اي ضرر يتعلق بالبيئة بالارض وبالمناخ ومعادية للحرب وانتاج السلاح ومع كل من هو مهمش داخل المجتمع كل المجاميع المهمشة في المجتمع هم يقولون ان الانثى ارحم من الرجل في التعبير عن السياسة ويقولون ان الانثى هي الاصلح كوزير للدفاع او الداخلية وبالفعل هناك وزيرات دفاع لأن المرأة ليست هي التي تقود الحروب على مر التاريخ وانما الرجل هو المسبب للحروب , هذه الاحزاب مع اجنحة الشباب في الاحزاب الديمقراطية الاشتراكية تتصدى لكل ماراكمه الرجل على مر السنين مما يسميه العلم كل هذه الخرافات التي جمعها الرجل ان المرأة ضعيفة وتبكي بسهولة وغير قادرة على هذا العمل او ذاك .
المرأة الان في اوروبا تقود الطائرة وتعمل في الانفاق تبني وتقود القطارات ليل ونهار,  هذه الاحزاب تقول ان الواقع يكذب ماراكمه الرجل من اشاعات ومايسميهاعلماً ولو اجرينااي احصائية على مستوى العالم كله سنجد ان (95%) من امهر الطباخين هم من الرجال مع ذلك الرجل العراقي يربط المطبخ بالمرأة وكذلك امهر المصممين للازياء هم رجال مع ذلك في العراق نربط الخياطة مع المرأة هم يقولون ان الواقع يكذب ما يقوله الرجل . المجتمعات الاوروبية قائمة على المنهج العلمي في الاحصاء والاستبيان والاستقراء والاستنتاج لذلك الاحصاءات السنوية على مدار السنة ومن هذه الاستقراءات نستنتج مفاصل علمية ويكذبون مايشاع عن المرأة في هذا المجال , انتم لاتعلمون ان في السويد صدر قانون ان العهر ممنوع بحكم القانون و المرأة السويدية هي واحدة من اقوى النساء في اوروبا مثل المرأة الالمانية هم ضغطوا على الحكومة لاصدار هذا القانون وحصل فعلاً لأنهم يعتبرون ان العهر اهانة للمرأة وصدر في انكلترا قانون ان الرجل اذا ثبت متلبساً وهو يمنح اي مقابل مادي للمرأة مقابل الجنس يغرم او يرمى في السجن لأنه يعتبر عنف معنوي يمارس على المرأة وهو بمثابة تشجيع وتحريض للمرأة على القيام والاستمرار بهذا العمل والفاعل هو الرجل .
في البلدان الشرقية نستعمل تعبير (العاهرة) ولا نستعمل تعبير (العاهر) هناك في اوروبا قد يكون الرجل عاهراً والمرأة كذلك والعراق الديمقراطي لن يكون له قائمة اذا لم  تنهض  منظمات المجتمع المدني فالعالم يسمي المجتمع المدني بحق السلطة الخامسة واذا ذهبنا الى السويد والى انكلترا وخاصة المانيا يسموها دولة الاتحادات لأن الحكومة مرتاحة لماذا ؟ لأن منظمات المجتمع المدني غير ممولة حكومياً وانما من الدولة فاذا كانت ممولة من السلطة اصبحت تابعة لها هذه المنظمات ممولة من الاهالي ومن الدولة فهي تعتبر ان تمويلها من اموال هذه الارض ومن الدخل القومي لذلك هذه القوات تشكل القوة الضاغطة الخامسة بعد القوة الرابعة وهي الاعلام والصحافة تضغط بأتجاه اصدار القرارات واي قرار لايلبي رغبتها وطموحها فهي تغير وجهة نظر الحكومة فمثلاً من اجل حماية الطفولة صدر قانون في المانيا منع التدخين في اي مكان مغلق فكل منظمات المجتمع
المدني وخاصة النسوية دفعت الحكومة بهذا الاتجاه وهي التي ترسم توجهات الحكومة وتشاورها بكل مايتعلق بشؤون المجتمع المدني وفي العراق اكثر منظمات المجتمع المدني في العراق مازالت في مرحلة بدائية وتنتظر المعونة من الحكومة ومازالت ثقافة ووعي المجتمع المدني جديدة في مجتمعناو تتعمق سنة بعد اخرى وستقوم بقوة بأتجاه الضغط على الحكومة وكذلك مساعدة الحكومة في اصدار القرارات والقوانين وبدونها لن تقوم الديمقراطية .
من خلال جريدة (صوت المرأة) اوجه كلمة وهي ان وجود وزارة لحقوق الانسان خطأ وزارة حقوق الانسان ممولة من الحكومة تحمل خطاب السلطة لايمكن ان تحيد عنه في حين فلسفة حقوق الانسان هي اساساً فلسفة اهلية وهي منظمات وقوة ضاغطة لذلك ارى ان ضرورة تشكيل هيئة اهلية لحقوق الانسان تراقب كل مفاصل الحكومة واخطاء الحكومة ايضاً وتكون مستقلة عنها مادياً وبدون ذلك لن نحقق النجاح في مجال حقوق الانسان وحقوق المرأة من ضمنها , الان قد يجري احياناً كثيرة التعتيم على ارقام النساء المنتحرات والمعتقلات والضحايا لماذا ؟ لأن وزارة حقوق الانسان وزارة تابعة للحكومة , فأدعو الى فصل حقوق الانسان عن الحكومة لأنها فلسفة اهلية
السيرة الذاتية :
الاسم/ فوزي الاتروشي.
التولد/ 1954 ناحية اتروش/ دهوك .
التحصيل العلمي / بكالوريوس قانون /كلية القانون / جامعة بغداد , ماجستير/ قانون دولي عام / جامعة صوفيا / بلغاريا .
يتقن الكلام باللغات (الكوردية والعربية والبلغارية والالمانية والانكليزية والاسبانية) .
له حضور فاعل في مؤتمرات المعارضة العراقية في (بيروت وفيينا وصلاح الدين ونيويورك ولندن) .
منذ عام 1986 ولغاية 2001 مسؤول فرع الحزب الديمقراطي الكوردستاني الاوروبي في اوروبا, المستشار السياسي للتحرير في جريدة المؤتمر اللندنية الناطقة بأسم المعارضة العراقية لغاية شهر شباط 2003 بعد التحرير.
دخل مع السيد (مسعود البارزاني) رئيس اقليم كوردستان العراق الى بغداد عام 2003 وانضم الى الفريق الاعلامي والعلاقاتي للحزب كقيادي في الحزب ناطقاً بأسم الحزب في فترة المنفى كاتب في الصحافة العربية الصادرة في لندن والصحافة العربية والكوردية .
عضو رابطة المبدعين العراقيين .
عضو اتحاد الحقوقيين في كوردستان والعراق .
عضو اتحاد الصحفيين في كوردستان .
عضو نقابة المحامين في كوردستان .
عضو فخري في نقابة الفنانين في كوردستان .
عضو الهيئة الادارية لجمعية الصداقة العربية – الكوردية .
على مدى سنوات كان عضواً في الهيئة الادارية لمركز الدرايات الكوردية في المانيا .
شارك في مؤتمرات الاشتراكية الدولية في برلين والبرتغال .
اشرف على اصدار طبعة لندن من جريدة (خه بات) باللغة العربية . 
مؤسس وعضو فاعل في العديد من منظمات المجتمع المدني .
الاصدارات السياسية :
مقالات حول القضية الكوردية , كلام بلا ضفاف , اوراق كوردستانية , شؤون وقضايا عراقية وكوردستانية , (القضية الكوردية , اراء ومواجهات اعلامية) تحت الطبع .
الدواوين الشعرية :
باللغة العربية (قصائد للحب والوطن , اشعار لاتبكي , وازهر بستان الريحان , شموع الحب , لانك الان هنا , كنت حبيبتي , تحت الطبع ديوان باللغة العربية )
باللغة الكوردية (ارضي ... حبيبتي)
التكريمات والجوائز
كأس الابداع الثقافي من مؤسسة البيت الثقافي العراقي .
تكريم من فعالية بابل عاصمة الثقافة 2008
درع السلام من فضائية السلام
درع الشعر في كوردستان
درع جامعة الانبار
درع من نقابة الفنانين العراقيين
درع اتحاد الحقوقيين العراقيين .
درع اتحاد نساء كوردستان .
درع من مجلس محافظة بغداد .
درع المؤتمر العالمي للتعليم العالي في العراق .
درع من مجلة عيون
شهادات تقديرية مختلفة من المسؤولين السابقين والحاليين .   
رسالة شكر من وزير الثقافة (د. ماهر دلي الحديثي) .
رسالة شكر من وزير السياحة السابق (محمد عباس العريبي) .
*نشرت في صحيفة صوت المرأة، العدد (66) 22/2/2009.
 


       

205
دعونا نحلم بجعل بغداد مثل مدن الإمارات
هذه هي المرة الثالثة التي ازور فيها دولة الإمارات وفي كل مرة يتجدد الحلم داخلي أن أرى في بغداد شيئا منها . بغداد التي صرح المرحوم الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان في سبعينات القرن الماضي بأنه يحلم أن يجعل الإمارات مثل بغداد.
وبعد عقود من الزمن نرى بغداد ونحلم أن نقترب ولو قليلا جدا من الانجاز المتحقق في أبو ظبي ودبي وشقيقاتها من الإمارات .
الهوة واسعة  والبون شاسع ففي بغداد غابت الكهرباء ومعها النور وتراجع الكتاب ومعه القراء وتوسعت بشكل مترهل على بقاع واسعة خالية من الخدمات واختفت الحافلات الحمراء وأقفلت دور السينما أبوابها وهي ما زالت تفتقد الفن السابع . أما شارع أبو نؤاس الذي كان يزيد الليل سحرا فأصبح بالكاد وبكل خجل يدعو أهل بغداد الآن للتنزه بين أحضانه.
بغداد في العقد الأول من هذا القرن شبكة من أحزمة البؤس المتلاصقة والمتداخلة وتكاد المناطق الحضرية الأصيلة فيها تغرق في الترييف الذي يغزوها من كل حدب وصوب فما ابعد اليوم عن البارحة . في مقابل ذلك تزدهر على شواطئ الخليج مدن لا تنام ولا تتثاءب وتوصل الليل بالنهار وهي تبني ناطحات السحاب والأبراج وأماكن اللهو والتبضع وإشباع رمل الصحراء بالماء والعشب والفرح والتفاؤل والتسامح بين الناس.
لا احد يصدق إن مئات الآلاف من الأشجار في مدن الامارات ستموت عطشا" ان لم تزود بالمياه من خلال البرمجة الالكترونية ولا احد يعرف ان بغداد والمدن العراقية تكاد تصبح عارية مجردة من العشب والشجر والنبات رغم توفر الرافدين والمياه العذبة 0 هذه مفارقة مرة ولكنها تفسر كم هي عظيمة ارادة الانسان اذا تحدت الصعاب وكم هي ضعيفة هذه الارادة اذا استسلمت وخنعت وارتكنت الى الكسل والتقاعس 0 الحروب وحدها رغم خطورتها لا تفسر هذا الفارق بين البناء العمراني في دولة الامارات والعراق 0 ثمة سبب اخر حقيقي وواضح للعيان والا لماذا لم يتغير المشهد العمراني في العراق بعد التحرير بسنوات 0
ان الفساد العارم ولجوء الكثيرين من المسؤولين العراقيين في المراتب العليا والسفلى الى تقديم انفسهم على المواطن والى تفضيل مصلحتهم على المصلحة العامة والى جعل المنصب وسيلة للتكسب والثراء وليس للخدمة والارتفاع بالذات عن النزعات الانانية هو ظاهرة شاذة ومتفاقمة في العراق الجديد 0 وهذا بالاساس ما يجعل بغداد قابعة في مكانها تنتظر الحلم والشمعة التي تتقد في نهاية النفق في حين تبدل مدن الامارات في كل يوم اثوابها وحلتها وزينتها لتبدأ صباحا" اخر واضعة حجر الاساس لمشروع عمراني جديد.                 
انها دعوة لامانة العاصمة في بغداد لزيارة ( دبي ) ومجلس بلديتها لتعرف كم هي بطيئة الحركة في عصر سريع الايقاع سريع التحول سريع التبدل من حال الى حال ولعلها بعد ذلك تجيبني لماذا بعد مرور سنة لم تبادر الى تبليط الشارع الذي يمر امام بيتي في الكرادة بعد ان هدمته ودمرته منذ عام كامل بحجة مد المجاري وما زال شارعنا قبيحا" كئيبا" يشكو الرضوض والكدمات والاخاديد العميقة منتظرا"مجلس البلدية لعله يكسوه يوما" فتعود اليه البهجة 0 دعونا اذن نحلم منذ الان بجعل بغداد مثل مدن الامارات وكل المشاريع الجادة تبدأ بالخيال والحلم.

                                                       فوزي الاتروشي
                                                وكيل وزارة الثقافة في العراق
                                                     أبو ظبي  9/2/20
09

206
دولة الإمارات ...
قصة دولة بناها العمل وليس الشعارات
نحن في دولة قائمة على رمل الصحراء ، ولكنها عامرة متقدمة مزدهرة بآخر تقنيات العصر لجهة العمران والبناء وتكنولوجيا المعلومات وأيضا في ميدان توثيق المعلومات.
هذا ما اجمعنا عليه نحن وفد الأسبوع الثقافي العراقي في دولة الإمارات ونحن نزور مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية . في المركز وقعت عيني على كتاب ((زايد من التحدي إلى الاتحاد)) وهو كتاب من تأليف الدكتور جوينتي مايترا يقع في (465) صفحة وهو عبارة عن ((عرض تاريخي لحياة وانجازات الشيخ زايد بن سلطان آل نهيان حاكم إمارة أبوظبي وأول رئيس لدولة الإمارات العربية المتحدة)) الكتاب يحكي الكثير بالأرقام والتواريخ والحقائق ولكن أهم ما فيه الشعار الذي كان يردده المرحوم الشيخ زايد دائما وهو "سرعة الانجاز وإتقان العمل".
والذي يمر اليوم بشوارع أبوظبي ودبي والشارقة والإمارات الأخرى يدرك حجم صدقية وأهمية هذا الشعار الذي كان الآلية المتطورة لدحر وقهر الصحراء وإقامة دولة عصرية يتوافد إليها الملايين اليوم للتسوق والسياحة أو لرؤية مدن تتطور بسرعة هائلة متجهة نحو خدمة المواطن ونحو التواصل مع العالم.
قصة دولة الإمارات وحضورها الحالي هي قصة بسيطة ولكنها نادرة في العالم العربي وهي حلم في متناول اليد إذا توفر الإخلاص والعقل السديد والتواضع والبعد عن الأنانية والرغبة في الاستئثار فالثروة موجودة في اغلب الدول العربية ولكنها بيد سلطة تبدد وتفسد وتصرف على الملذات الآنية وعلى رغبة البقاء الأبدي في الحكم وعلى الحروب والكوارث وإشباع الذات وتجويع الشعب كما حصل في العراق أبان الحكم الدكتاتوري.
أما في دولة الإمارات فقد اجتمع الصدق والنبل والسخاء والرغبة العميقة في اللحاق عمرانيا وتنمويا"بالعالم المتطور فنهضت دولة كانت صحراء قاحلة لتصبح بستانا" عامرا" ، وكانت مجموعة خيام غدت عمارات شاهقة تتعالى على مد البصر ، وكانت مهجورة حتى من مواطنيها بسبب الحر اللاهب فتحولت إلى قبلة للسواح حيثما كانوا في أنحاء المعمورة ، وكانت مجموعة آبار نفطية تملكها قبائل متصارعة على السلطة والثروة والنفوذ كما يحكي قصتها الروائي عبد الرحمن منيف في خماسية  ( مدن الملح ) واستحالت الآن إلى إمارات متصلة بشوارع عصرية وسياسة واقتصاد وثقافة موحدة ومتناغمة حققت الوئام الاجتماعي بينها والقسط الأوفر من الحقوق لمواطنيها وطفرت بشكل فلكي تصاعديا" لجهة الاقتصاد والعمران 0 كل ذلك لأنها ابتعدت عن جعل السياسة والايدولوجيا والشعارات الفارغة خبزا" للمواطن وانفتحت على عقل العالم وحضارته وحققت بصمت ولكن بصدق وتحدي وإرادة قوية ثورة العمران 0 لذلك أقول وانصح كل الحكام العرب قراءة كتاب (( زايد من التحدي إلى الاتحاد )).
                                                        فوزي الاتروشي
                                                وكيل وزارة الثقافة في العراق
                                                     أبو ظبي  9/2/2009

207
اختتام فعاليات الأسبوع الثقافي العراقي في دولة الإمارات

حضور مكثف ... وأداء ثقافي وفني مميز يوم 12/9 ازدحمت قاعة المسرح الوطني في أبو ظبي وهي تحتضن الفعاليات الختامية للوهج الثقافي العراقي الذي امتد أسبوعا وتوزع على مدن أبو ظبي ودبي والشارقة ورأس الخيمة حاملا حزمة الألوان التشكيلية العراقية الرائدة والكتب والإصدارات الثقافية وأنغام الغناء العربي والكردي والشعر المخضب بالحب وبالعناق الأبدي للعراق الناهض من تحت الأنقاض وبرقصات الفرقة القومية المجسدة لوجدان الجبل والهور والسهل والحان فرقة دجلة الموسيقية إضافة إلى ذروة الأناقة والتلاحم اللوني القادم من عمق التاريخ العراقي عبر أزياء أكد وأشور وبابل وصولا إلى أزياء الحاضر العراقي التي قدمت تحت عنوان "عشتارات".
اكتظت القاعة بنحو (2000) من الشخصيات السياسية والثقافية والفنية الإماراتية العراقية وحشد من الدبلوماسيين المعتمدين في دولة الإمارات ... وكان في مقدمة الحضور وكيل وزارة الثقافة والشباب وتنمية المجتمع الإماراتي السيد بلال البدور ومعالي الوزير الدكتور ماهر ألحديثي ووكيل الوزارة فوزي الاتروشي والقائم بالأعمال العراقي والملحق الثقافي العراقي وشخصيات عراقية رائدة مقيمة في دولة الإمارات وممثلون عن مؤسسة سما للفنون الكردية في دولة الإمارات.
وقد ألقى وكيل وزارة الثقافة الإماراتي كلمة معبرة عن مغزى هذا الأسبوع وعن عمق العلاقات الثقافية بين العراق ودولة الإمارات وتعهد بمواصلة التواصل والتلاحق الثقافي بين الدولتين واعتذر عن أي قصور اعترى الجانب التنظيمي للأسبوع وكانت كلمته حافلة بمعاني الحب للعراق وهو يستعيد عافيته الثقافية والسياسية.
بعد ذلك قدمت فرقة إماراتية لوحة تراثية راقصة تحية للأسبوع الثقافي ثم جاء عرض الأزياء المميز الذي قوبل مرارا بالتصفيق الحار لما تخلله من بعد تاريخي وفني وأدائي مبهر باللغتين العربية والانكليزية , وكان لابد للشعر أن يثبت حضوره فألقى الشاعر عادل محسن قصائد ألهبت الحاضرين وأشعلت فيهم العراق الجميل ، وتعاقبت فقرات الحفل حيث قدمت تقاسيم عن العود ليأتي دور الفرقة القومية لتشد الجمهور إلى لوحة (الحجل) ولوحة (المصالحة الوطنية) الشهيرة التي ألهبت الجمهور بالتصفيق والوقوف لما فيها من إيمائية ورمزية سياسية معبرة عن طموح الشعب العراقي في التعانق والتحالف ودحر الإرهاب وإعادة اللحمة إلى النسيج الوطني العراقي بكل مكوناته ، أما الفنان كريم منصور والفنانة الكردية ( شيرين ) فقدما باقة أغاني عربية وكردية جميلة شكلت مسك ختام أسبوع ثقافي متنوع ومتلون بكل ألوان العراق وحامل لألوان تضاريسية حقيقة.
وكان يوم 8 و 9/2/2009 قد شهد مجموعة فعاليات تضمنت حفل الافتتاح في قاعة المسرح الوطني وفعاليات فنية وثقافية وكلمة لمعالي الوزير الدكتور ماهر ألحديثي التي شكر فيها الجانب الإماراتي لتهيئة الأجواء للثقافة العراقية لتعبر عن نفسها على ارض دولة الإمارات ، إضافة إلى عروض الفرقة القومية والأزياء العراقية ومعرض الكتب والفنون التشكيلية والتراثية ، وأمسية شعرية للشاعرين فوزي الاتروشي ورعد كريم عزيز.
وفي 10/2 قدم الناقد العراقي عادل الهاشمي محاضرة تناول فيها التراث النغمي والموسيقي العراقي بحضور مجموعة من الموسيقيين والشعراء العراقيين والإماراتيين ، وفي نفس اليوم قدمت المسرحية الرائعة (خرجت من الحرب سهوا) من إعداد يحيى إبراهيم وإخراج فلاح إبراهيم وتمثيل زهرة بدن ويحيى إبراهيم وقد لاقت إعجابا كبيرا وفي 11/2/2009 قدم الشاعران فوزي ورعد ... أمسية شعرية أخرى في قاعة المسرح الوطني العراقي ، كما ألقت الباحثة (نجاة التميمي) محاضرة استعرضت فيها نتائج تنقيبات العتبات الأثرية العراقية منذ التحرير عام 2003 ولغاية العام 2007 لإنقاذ الآثار العراقية من التلف والضياع بعد ذلك كان الجمهور على موعد مع فرقة (دجلة) التي تشكلت عام 2008 ، انتهى الأسبوع الثقافي ولكن الحضور العراقي في الأرض الامارتية اخذ بعدا آخر سواء في ( أبو ظبي ) التي أشرعت أبوابها لعناوين الثقافة العراقية أو إمارة (دبي) التي التقى فيها معالي وزير الثقافة العراقي والوفد العراقي بمؤسسة عويس الثقافية الرائدة في مجال تكريم الأدباء والمثقفين ، هذا وقد كتبت  الصحف الامارتية (الخليج ، البيان ، الإمارات اليوم والاتحاد) عن نشاطات والأسبوع ونشرت صورا عنه وأشادت بالنهوض الثقافي العراقي من جديد.
انه أسبوع اخضر متدفق العطاء ومبشر بان العراق بقدر ما هو راغب فهو قادر على التأسيس للتوافق الثقافي الحضاري الإنساني مع الآخرين.

                                                                                 فوزي الاتروشي
                                                                           وكيل وزارة الثقافة في العراقي
                                                                                             أبو ظبي
                                                                                       13/ 2/ 2009




208
في عيد الحب نحترق لكي يضيء العراق
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة العراقية

   اطل علينا عيد الحب ونحن في مدينة ( أبو ظبي ) التي قهرت الصحراء ونهضت باسقة وهي تفتد بالحناء والمسك والعنبر وضفائرها مغسولة بماء الورد ولا يكاد الماء والخضراء والوجه الحسن يفارق تضاريسها الخضراء رغم تراب الصحراء ورمله ورغم فساوت المناخ. نحن العراقيون قدمنا هذه الأيام عرسا حقيقيا" للثقافة العراقية في دولة الإمارات وكان ذروت الحب والرغبة والفرح القادم من وطن يلصق جراحا" وينظر للشمس وينزف دما" ولكنه يتواصل مع الحياة ويقف في ( عين الردى هو نائم ) كما يقول أبو الطيب المتنبي . ففي عيد الحب يحق لي ولكل زميلاتي وزملائي في الوفد العراقي المؤلف من خمسة وستون شخصا" أن نشعل شموع الفرح وأعواد البخور لكل نساء العراق ورجاله الذين يحترقون لكي يضئ الوطن لأطفال العراق ويفتحون قلوبهم على اكبر كمية من الحب والوفاء لأرض لا يرد لها أعداء الحياة الإرهابيون أن تنتعش بأغصان الأمل وبراعم التنمية . نحن أبناء وبنات العراق هنا نزرع فسائل الحب والتواصل الأخضر مع شعب الإمارات وفي الداخل معنا قلوب العراقيين وعيونهم وهم يتابعون الحب العراقي الجارف يسيل على اللوحة والقصيدة والنغمة والكتاب والأغنية وخيوط الأزياء الأنيقة ليقول لشعب الإمارات والعالم إننا ماضون استحضار عشتار وأكد وسومر وبابل ومصرون على تنقية الرافدين من سيول الحقد والبغضاء وتجسيد المصالحة الوطنية بالإيقاع والموسيقى والرقص والكلمات العذبة التي ابهر أكثر من (2000) شخص تجمهروا لعناق الثقافة العراقية والفن العراقي في قاعات المسرح الوطني في أبو ظبي يوم 12/2 ولإهدائها سيل من القبل الساخنة والمصافحات الندية والمديح الصادق والصادر من القلب وفي يوم الحب هذا ما زالت الصحافة الإماراتية تكتب عن الحب العراقي الجارف الذي تلونت به ارض الإمارات ولنا الحق في يوم الحب نستعيد إلى الأذهان كلمات وكيل وزارة الثقافة الإماراتية السيد بلال البدور حين قال ( إن الأسبوع الثقافي العراقي أكد التألق الدائم للعراق ويصدق فيه القول ( سر من رأى ) فكل من حضر فعاليات الأسبوع انطبعت في ذهنه صورة مشرقة عن العراق وحضارته وفنونه وإبداعاته وكلما جاءت أزمة خرج منها العراق ماردا" متألقا".
إلى نساء العراق وأطفاله ورجاله اصدق آيات الحب وبطاقات تهنئة معطرة بنجاحات الوفد الثقافي العراقي في دولة الإمارات الذي يشكل أجمل هدية للعراقيين في عيد الحب .

                                                                                          أبـو ظبي
                                                                                        14/2/2009




209
الأسبوع الثقافي العراقي في دولة الإمارات
جسر محبة بين الدولتين وعلاقة خضراء

يتواصل العطاء الثقافي العراقي وتتوسع رقعته ويتمدد عبر الحدود ناقلاً رسالة المحبة والتسامح والتفاؤل والبناء في العراق الجديد إلى دول العالم 0 ومن اجل التأسيس للتواصل الإبداعي ولعلاقة خضراء بين العراق ودولة الإمارات العربية المتحدة جرى تنظيم أسبوع ثقافي عراقي في دولة الإمارات المتحدة يستمر في الفترة (8- 13 / 2/2009) 0
بدأت فعاليات الأسبوع تحت رعاية معالي الوزير الدكتور (ماهر دلي إبراهيم ألحديثي) وزير الثقافة في جمهورية العراق ومعالي الوزير (عبد الرحمن بن محمد العويس) وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة بحفلة الافتتاح على قاعة المسرح الوطني في (أبو ظبي) بمعرض للفنون التشكيلية والفنون التراثية ومعرض للكتب والإصدارات والمجلات الصادرة عن وزارة الثقافة العراقية ، وذلك بحضور وزير الثقافة الدكتور (ماهر ألحديثي) ووكيل الوزارة (فوزي الاتروشي) ومجموعة من المدراء العامين في وزارة الثقافة العراقية ومن الجانب الإماراتي حضر معالي وزير الثقافة والشباب وتنمية المجتمع في دولة الإمارات ووكيل الوزارة السيد (بلال البدور) وسفير دولة الإمارات في بغداد وسعادة السفير الإماراتي في العراق وطاقم السفارة العراقية في ( أبو ظبي ) وحشد من الفنانين والمثقفين 0
وفي كلمة  معالي وزير الثقافة العراقي أكد على عمق العلاقة بين الدولتين وضرورة استمرارها وتواصلها وذكر " أن النية كانت متجهة منذ فترة طويلة لإقامة هذا الأسبوع ولكنه تأجل أكثر من مرة وأكد  سيادته إن دولة الإمارات ذات مكانة مهمة ليس اقتصاديا" وماديا" فحسب وإنما أيضا" من الجانب الثقافي والمنجز الفكري 0 وفي النهاية شكر دولة الإمارات على إتاحتها الفرصة لفتح بوابة العلاقات الثقافية بين الدولتين على مصراعيها لاسيما وان العراق ينهض مجددا" رغم حرائق الحروب والدمار والإرهاب وتحسن الحالة الأمنية ومعها طبعا" الحالة السياسية والمشهد الثقافي 0 هذا وقدمت ( فرقة خماسي دجلة ) الموسيقية والفرقة القومية للفنون الشعبية عروضا" متميزة أبهرت الحاضرين ودعتهم للوقوف تحية للفرقة وأدائها الرائع الذي مثل كل مكونات الشعب العراقي ولا سيما لوحة "المصالحة الوطنية " الشهيرة التي سبق ان قدمت اكثر من مرة في دمشق واربيل وبغداد 0 وخلال حفل الافتتاح شدد معالي وزير الثقافة الاماراتي على ضرورة ان يتجاوز العراق الازمة الامنية وان يتعافى وضعه السياسي لما في ذلك مصلحة الجميع فالعراق دولة مهمة وتنامي الديمقراطية فيه واستقرار وضعه السياسي والامني استقرار لعموم المنطقة واستعرض اللوحات والقطع التراثية والمشغولات اليدوية مبديا" اعجابه بها وبادرت وزارة الثقافة العراقية باهداء معرض الكتب والاصدارات الى دولة الامارات 0 وفي اليوم الثاني وجهت دعوة الى معالي وزير الثقافة العراقي والفرقة القومية من قبل مؤسسة عويس الثقافية في دبي حيث قدمت هناك عروض فنية بحضور معالي وزير الثقافة الاماراتي ووكيل وزارة الثقافة  الاماراتية 0 وقبل ذلك قامت رئاسة الوفد العراقي المؤلفة من معالي الوزير الدكتور (ماهر دلي ألحديثي) ووكيل الوزارة (فوزي الاتروشي) وعدد من المدراء العامين وكذلك القائم بالأعمال في السفارة العراقية والسفير الإماراتي في بغداد والملحق الثقافي العراقي في أبوظبي بجولة شملت المركز الوطني للبحوث والوثائق ومركز الدراسات الإستراتيجية للإطلاع على التطور التقني الهائل في مجال التوثيق والأرشفة وترميم المخطوطات وحفظ الكتب والمكتبة الرقمية ، كما شاهد الوفد فلما يحكي قصة نشوء ونهوض دولة الإمارات منذ البدايات الأولى ولغاية الآن واستمع إلى شروحا مستفيضة حول أداء واليات عمل مركز الدراسات الإستراتيجية في أبوظبي . وفي قاعة المسرح الوطني قدم أيضا عرض للأزياء العراقية ، أما المركز الثقافي في إمارة رأس الخيمة فكانت على موعد مع الأمسية الشعرية التي أقيمت للشاعرين (فوزي الاتروشي) و(رعد كريم عزيز) .
يذكر إن الفعاليات الثقافية والفنية موزعة على مدن أبوظبي ودبي والشارقة وعجمان وراس الخيمة وستختتم بفعالية غنائية عربية كردية في المسرح الوطني في أبوظبي يوم الخميس 12/2/2009 ومن المؤمل أن تشهد الشهور المقبلة فعاليات ثقافية أخرى ترمي إلى تجذير أواصر العلاقات الثقافية بين البلدين لا سيما وان جالية عراقية كبيرة تتواجد في دولة الإمارات تضم نخبة جيدة من الأدباء والفنانين.
والأسبوع الثقافي العراقي هو رسالة إلى الجالية العراقية للتناغم مع واقع العراق الديمقراطي الجديد المنفتح والمسالم والمتصالح مع الجميع.
                                                     
                                                  فوزي الاتروشي
                                              وكيل وزارة الثقافة العراقية
                                                          أبو ظبي

                                                        9/2/2009


210
اختتام اعمال مؤتمر التسامحية العالمية المنعقد في اربيل
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

اختتم في اربيـــــــــل اعمال مؤتمر التسامحيــــــــة والذي انعقد تحت شعـــــــار (قبول الاخر في العراق) نحو حلول مشتركة لمشاكـــــــل مشتركة للفتـــــــرة من (20- 22/1/2009) بحضور الاستاذ (فوزي الاتروشي) وكيل وزارة الثقافـــــــة العراقيــــــــة والسيد (عدنـــــــان المفتي) رئيس برلمـــــان كوردستـــــــان والسيد (حسين سنجاري) رئيس منظمة التسامحية العالمية وكل من المدراء العامون (محمود اسود وعقيل المندلاوي ود.جمال العتابي) وعدد من المسؤولين والمثقفين في اقليم كوردستان والقى وكيل الوزارة كلمة رحب فيها بالحضور مؤكداً على سعي الوزارة دوماً الى تقبل الاخر ونشر مبادئ التســـــــامح والحرية واحترام الاخر والاخذ بالرأي خدمةً للثقافـــــــــة العراقية بعدها قدم شهادة تقديرية من (د.ماهر دلي الحديثي) وزير الثقافة الى التسامحية العالمية مع القاء كلمة لمعالي الوزير لمؤتمر قبول الاخر .
وثم القاء كلمات لرئيس التسامحية العالمية في العراق والسيد (عدنان المفتي) رئيس المجلس الوطني لكوردستان العراق بعدها كلمات ممثلي الاطياف العراقية التي اكدت على مفاهيم التسامح وقبول الاخر كما تناولت شخصيات فكرية وثقافية وقانونية مفهوم التسامح وقبول الاخر .
اما الفترة المسائية فقد شاركت الفرقة القومية للفنون الشعبية في قاعة ميديا للاحتفالات حيث قدمت مجموعة من اللوحات الفلكلورية التراثية الشعبية ولوحة وطنية نالت اعجاب الحضور الذين عبروا بهتافاتهم وتشجيعهم للفرقة التي ابدعت في العرض .
اما صباح اليوم الثاني من المؤتمـــــــر فقد عقدت اربعة ورش عمل تناولت محاورها  (دور الدين في المصالحة الوطنيــــــة في العراق) وخطبة الجمعة مثلاً و( المواطنة والاعلام) و(اصلاح المنهج الدراسي) و(القيم والمثل المشتركة) تتخللها جملة من المقترحات والاراء حول جوانب المحاور في جو ديمقراطي  وحضر محور دور الدين في المصالحة الوطنية (عقيل المندلاوي) مدير عام دائرة العلاقات الثقافية في الوزارة فيما حضر الاستاذ (فوزي الاتروشي) وكيل الوزارة و(محمود اسود) مدير عام دائرة الفنون و(د. جمال العتابي) ورشة عمل المواطنة والاعلام .
اما الجلسة المسائية فقد عقدت في قاعة فندق (جوارجرا) ندوة تناولت تاريخ الحكومة العراقية وبناء التسامح في اوروبا وعلاقة ذلك في بناء الديمقراطية للدكتور (فالح عبد الجبار سمينار) ثم عرض فلم وثائقي للدكتورة (نضال جارمو) حول المساعدات الانسانية التي تقوم بها لمساعدة العوائل مع الاشراف الطبي للحالات المرضية .
اما اليوم الثالث فقد عقدت جلسة في فندق (جوارجرا) لدراسة التوصيات وتوحيدها واعداد مسودة التقرير الختامي لأعمال المؤتمر تخللتها جملة من المقترحات والاراء حول المؤتمر .
قدم الاستاذ (فوزي الاتروشي) ملاحظات حول التوصيات مؤكداً على ان الوزارة متواصلة لعقد مؤتمرات لالغاء العنف بكل انواعه اضافة الى تشكيل لجنة خاصة تقوم بالمتابعة والاعداد مشيراً الى ان الوزارة افتتحت في محافظات العراق بيوتاً ثقافية لنشر المعرفة واحتضان الابداع العراقي المتميز اضافة الى المراكز الخاصة بشؤون الطفل والتي من خلالها تم توزيع المطبوعات الخاصة بشؤون الطفل .
وقد خرج المؤتمر بتوصيات حول قبول الاخر في العراق وعلى هامش المؤتمر حضر الاستاذ (فوزي الاتروشي) وكيل الوزارة و(عقيل المندلاوي) مدير عام دائرة العلاقات الثقافية امسية ثقافية نظمها البيت الثقافي في اربيل .
وافتتح السيد الوكيل المعرض التشكيلي للفنانة (صبا سمير) ضم (12) لوحة تشكيلية جسدت الطبيعة والفلكلور التراثي الكوردي اضافة الى لوحات لرموز دينية مسيحية .
ثم القى وكيل الوزير كلمة في الامسية التي اقيمت داخل المركز الثقافي والتي حث فيها على التواصل في الابداع في المجالات الثقافية واحتضان كل المواهب مشيراً الى ان الوزارة تتابع بحرص كل نشاطات المراكز الثقافية وان ابوابها مفتوحة امام الابداعات مضيفاً الى ان الوزارة بدورها تسعى لاقامة مؤتمرات في بغداد والمحافظات حول مبدأ اللاعنف والتسامح مع الاخر بمشاركة كل الكيانات والقوميات بعد ذلك قدمت فرقة (جرا) مقطوعات موسيقية واغاني من الفلكلور الكوردي بمصاحبة الفنان سردار عثمان وبقيادة الموسيقار( نوفر محي الدين) والقيت قصائد للشاعرة (نهى لازار) تلتها معزوفات واغاني على الحان العود للفنان (فؤاد يوسف) تلتها قصيدة للشاعر (سيروان ناشاد) .

وفي ختام الحفل اشاد السيد (عقيل المندلاوي) بالجهود المتميزة لمنتسبي المركز لاقامة الامسية ومزيدا من الابداع والتواصل في اقامة الامسيات الثقافية والنشاطات وتواصلا مع المبدعين الشباب والرواد واحتضانهم خدمة للثقافة العراقية بكل بياناتها بعد ذلك وزعت الجوائز بين المشاركين في الامسية بحضور عدد من المسؤولين والمثقفين ووفد الوزارة المشارك في مؤتمر التسامحية العالمية0
       








                                                 هناء الجبوري
                            اعلامية في مكتب الوكيل (فوزي الاتروشي)

211
مؤتمروا التسامحية العالمية يثنون على دور وزارة الثقافة الفاعل والمتميز



قدم رئيس واعضاء التسامحية العالمية الشكر والتقدير لوزارة الثقافة لدورها المتميز في محاربة العنف ونشر ثقافة التسامح والمشاركة الفاعلة في مؤتمر قبول الاخر في العراق نحو حلول مشتركة لمشاكل مشتركة .
جاء ذلك في البيان الختامي لاعمال التسامحية العالمية الذي عقد في اربيل للفترة من 20 ولغاية 22 / 1 / 2009  تحت شعار ( قبول الاخر في العراق ) .
// وقال فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية في مقابلات صحفية اجرتها معه وكالة انباء كردستان ـ وكالة انباء اصوات العراق ـ وكالة انباء به با منير الكردية ـ وفضائية كردستان ـ جريدة أسو الكردية ـ اذاعة العراق الحر ـ اذاعة بغداد شبكة الاعلام العراقي .. ان مشاركتنا في المؤتمر تأتي ضمن حرص الوزارة وستراتيجيتها للمشاركة في الفعاليات والنشاطات داخل وخارج العراق لمحاربة العنف ونشر ثقافة التسامح وقبول الاخر سعيا للمصالحة الوطنية التي هي الركيزة الاساس في بناء دولة قوية قادرة على العطاء والابداع .
واضاف ان هناك تيارات تتحفظ على بعض القوانين على سطح الواقع مما جعل العراق منعزل عن العالم قانونيا نحن نسعى بان لانكون قوم شعائريون اكثر مما تطبيقيون لان الكلام الجميل لايكفي بل نرجو ان تكون هناك توصيات بنائه قابلة للتطبيق ومضامين مركزة هادفة .
مشيرا الى ان وزارة الثقافة دأبت الى نشر المعرفة واحتضان الاخر من خلال فتح اكثر من 15 بيتا ثقافيا في محافظات العراق وهي مستمرة في فتح البيوت والمراكز داخل وخارج العراق اضافة الى المشاركات الفعلية في المؤتمرات والندوات التي تناقش الاهداف الاساسية التي من شأنها تسهم في عملية البناء ورفض كل انواع العنف للحفاظ على الجزء الاكبر من تراثننا وعراقتنا . 
 
                                                 هناء الجبوري
                                               اعلامية في مكتب الوكيل
                                                    فوزي الاتروشي

212
مقابلة مع وكيل وزارة الثقافة في العراق الشاعر والكاتب فوزي الاتروشي
حاورته الشاعرة فدوى الكيلاني- الشارقة


السؤال الاول:- انت شاعر وسياسي في آن واحد , اين ترى نفسك بينهما ؟

الجواب:- التنوع في المواهب اغناء للشخصية واثراء لحزمة الطموحات والامال , ومضاعفة لحجم العطاء . والسياسة منذ ريعان شبابي كانت البوابة التي تحيلني الى جسر يعبر عليه الاخرون , ومشروع نضالي يتوخى الصالح العام بعيداً عن الربحية والنفعية . وفي حالتي كانت ومازالت السياسة حتمية وقدراً اكثر من مجرد هواية . انا انتمي لشعب مقهور الارادة , ولوطن ممزق تشتبك على تضاريس جسده الاسلاك الشائكة التي تطوق حتى الاحلام والمشاعر , ولقضية تعتبر في قياسات العصر واحدة من اعدل قضايا التحرر الوطني . فكيف ابتعد عن حريق يشب داخل اثوابي دون ان اقاوم لاخماده ومن هنا اجد استحالة في تحييد المثقف الكردي الحقيقي او الوقوف في منتصف الطريق والنظر الى ركام الحرائق وانقاض الخرائب بعيون تتغافل عن الرؤية . اما الشعر فهو بالتزامن الية اخرى للعمل والانجاز وترك اخدود اوسع في الحياة , مثلما هو سلة من الغنائيات العفوية , التلقائية , الشجية القادمة من اعماق النفس لتفسر قوة ارتطامي بالناس والظواهر والحوادث والمتغيرات الحياتية ومشاعر الحزن والفرح. وهو اللحن الازلي الذي نواجه به بساتين الحب والعشق كلما اقدمت علينا وهي حبلى بالثمار والمطر . وبين الشعر والسياسة يتكامل ويتعافى مشروع الحياة والهدف من كليهما واحد , وهو بلوغ الضفاف الخضراء للحرية والسعادة والحب وترك بصمات نابضة بالحيوية في سجل الحياة.

السؤال الثاني:- نشرت لك في الاونه الاخيرة نصوص غزلية كيف تكتب هذه القصائد برأيك؟

الجواب:- يقول الراحل المبدع نزار قباني (( على صوت تكسر الحزن يولد الشعر)) , واضيف لاقول وعلى صوت تفتح براعم الحب تنفرج براعم القصائد الجديدة التي تعلن كل واحدة منها بولادتها عن بدء او تواصل او انتهاء او انكماش او انفراج قصة حب جديدة . عام 1973 وفي مهرجان الشعر في كلية القانون والسياسة في بغداد دعيت لالقاء قصيدة فكان اختياري هو قصيدتي (( اغنيتان للحب)) وقلت فيها: (وحبك احياني .. فكيف ارد حباً جاء يحييني). فالحب والحياة توأمان والانسان الذي لا يحب لم يولد بعد ولن يولد واي زعم خارج هذا الفهم ترويج لمظاهر شخصية لا يمكن اسباغها على أي انسان ناهيك عن الشاعر . ان القصيدة الغزلية او شعر الحب هو الحاضنة التي  تستولي على اكبر تراكم شعري وادبي لدى كل الشعوب على مدى التاريخ . فمن بساتين الحب والعشق تتوالى العواطف الاخرى ومنها تبدأ سيرة الحياة. ومخاض كتابة قصيدة الغزل لا يختلف عن المخاضات الاخرى سوى انه اكثر حزناً او اكثر فرحاً حسب الطقس والمناخ الذي يعتري قلب الشاعر. الحب والتماهي في الحبيبة احتراق دائم على مدى الحياة وقصائد الغزل ليست سوى ثمرة اللحظات التي يبلغ فيها الاحتراق درجة الاتقاد.

السؤال الثالث:- نجد العلاقات بين الكتاب الكورد في سوريا وكوردستان العراق تخضع لمزاجية بعض الشخصيات القليلة المعروفة ولا يوجد ضابط لها ... وظهر ذلك جلياً في مهرجان دهوك الشعري وكذلك مهرجان ((جكر خوين)) حيث تتحكم اسماء قليلة بتوجيه الدعوات الى المثقفين ولقاء علاقات شخصية وغيرها .. مارأيك بذلك؟
الجواب:- بيني وبين المزاجية والمصلحية في الانتقاء عداء مستحكم , ومعياري في الحكم على الاسماء الادبية هو العطاء والابداع المتميز والمستمر وقوة الاداء والتأثير ومدى امكانية هذا الصوت الادبي او ذاك لحفر اثره في سجل الحياة وارشيف الذاكرة . واعترف ان الساحة الادبية الكردية فيها شوائب لم تتخلص منها بعد , ومن معالمها التحيز احياناً لاعتبارات غير موضوعية مع بعض الاسماء وهذه ظاهرة مرفوضة . انا شخصياً اجد نفسي قريباً الى الكاتب الكردي او الكاتبة الكردية حيثما كان او كانت ولاسيما في كوردستان سوريا التي تتوفر على اسماء واصواتنسوية ورجالية تبعث على الانبهار والاعجاب . المهرجانات الادبية مجالات للتعارف والتقارب والاندماج ولتوحيد او ابتكار مبادرات ثقافية جماعية وتوحيدية , لذلك فأن اللجان التحضيرية لهذه الفعاليات ينبغي ان تتصف بأقصى درجات الموضوعية . لقد حضرت الى مهرجان ((جكر خوين)) وقرأت فيه كلمة , اما مهرجان الشعر في ((عقرة)) فقد بعثت اليه الاعلامية سوسن الزبيدي وسناء جبارعضو مكتبي لتمثيلي هناك وقراءة كلمتي بعنوان (( عاشقات من طراز جديد )). ولا استطيع الجزم بانه حصل تمييز ورغم ذلك فان كان ثمة تقصير فلا بد من تداركه في قادم الايام.

السؤال الرابع :- الا ترى بان اسناد مسؤولية ما الى المبدع يعد مقتلاً لابداعه وهو ما اشار اليه الشاعر شيركو بيكس ذات يوم؟

الجواب:- لا يمكن الجزم في ذلك فالامر يتوقف على سياقات عمل المبدع ومدى تنوع مواهبه بالفطرة , وقدرته على اقتناص الوقت للعمل وللابداع معاً . ويقيناً فان العمل الاداري بآلياته الروتينية وساعاته الرتيبة يترك غباراً على نضارة العمل الادبي وقد يؤدي احياناً الى اختفاء او ضمور الانتاج الفكري والابداع . فيما يخصني استطعت منذ الصغر المراوحة بالتناوب بين السياسة والادب وبين ضرورة اداء الواجب التنظيمي دون ان اغمض عيني عن كتل الكتب الادبية والشعرية والروائية وشتى فنون الفكر , فكانت الكتابة ادماني الاول والاخير ومازالت. وفي مدن اوروبا التي تعرفني جيداً كنت ومازلت استغل فرصة الجلوس في المقهى او ركوب قطار الانفاق او الجلوس على ضفة النهر بالقراءة ومطالعة ماهو جديد في الادب والفكر. المهم ان تبقى لدى الانسان المبدع ارادة صلبة تقاوم غبار الزمن ورتابة الوظيفة وتستمر في التجديد والنمو والتنامي الدائم. هكذا انا الان حالياً في بغداد التي يعتبر العمل فيها كما العمل على خطوط النار . ولكني رغم ذلك افتح نافذتي على لمسات حنان وبسمة وردة ومطلع قصيدة وبستان كتاب.

السؤال الخامس:- انت كاتب متعدد المواهب , أي انواع الكتابة تريحك اكثر ؟

الجواب:- تريحني الكتابة التي تأتي تلقائياً كما النهر الدائم الجريان وكما احلام الطفولة الندية , ومثلما البراءة والريعان والتورد الذي تطلع بها حبيبتي لتقتحم مجاهيلي . اما الكتابة على هيئة الولادة القيصرية العسيرة او التي تتبعثر الاف المرات في الطريق حتى تصل الى سن القلم ومن ثم الى اديم الورق فانها تشعرني احياناً بالخوف من اقتراب موسم التصحر في الذاكرة وانا ازعم ان مزارع احلامي ومشاعري لن تصبح قاحلة يوماً.
لذلك سواء كتبت المقال السياسي او القصيدة او الخاطرة او رسائل الحب والتواصل مع المحبين والاصدقاء فانني احبها ساخنة , لاهبة وحافلة بالحنين والتدفق التلقائي . المقال السياسي يريحني لانني اعلن فيه موقفي من القضايا الساخنة , والقصيدة تريحني لانها اغنية تواصلي مع العالم والاصدقاء ومع الحبيبة , فلا حدود هنا للمفاضلة لان لكل نوع موجباته واشتراطاته واهدافه وبكل نوع منها قدر وافر من اللذة يبثها داخلي لاتواصل واواصل الحياة.
السؤال السادس:- ثمة حديث كثير عن الفساد في كوردستان وقد تحدث موخراً كاك نيجرفان رئيس حكومة الاقليم عن ذلك ..
ماسبل الخلاص من ذلك؟

الجواب:- نعم ثمة فساد في كوردستان العراق والكل يتحدث عنها ومبعث السرور ان الكل يعترف بذلك . والخطوة القادمة ينبغي ان تكون اجتراح اليات عمل عصرية لمكافحة الصدأ وترميم الصدع وتجديد ما تآكل او تقادم . ان الاعتراف بالظواهر السلبية هو المفتاح للدخول الى عالم الاصلاح والتجديد. والواقع ان بروز تقيحات وعوامل ترهل في تجربة مضت عليها (16) عاماً امر طبيعي والمهم هو عدم الانكار او التغطية , بل الاعتراف امام العالم وعلى الهواء الطلق واطلاق العنان  للاصلاح الاجتماعي والاداري والمالي . طبعاً ثمة ايجابيات عديدة في التجربة الكردية في كوردستان العراق ولكي تتكامل الحلقات لا بد من تحصين ماهو ايجابي وتعديل ماهو سلبي وهذه سنة الحياة .

السؤال السابع:- من الوظيفة الى العمل الابداعي والاعلامي .. من اين لك كل هذا الوقت؟

الجواب:- اعتقد ان هذا السؤال اجيب عليه في ثنايا الاجوبة السابقة.. وكل ما اتمناه ان استطيع ان اكون عند مستوى الطموح وان اتحرك بنفس الوتيرة بين الوظيفة والاعلام والابداع وان اترك في كل هذه المجالات براعم تنفرج وروداً تردم الحزن حيثما كان وتزرع الفرح حيثما اقتضى.

السؤال الثامن:- مالذي تكتبه الان؟

الجواب:- انا موزع الان بين العمل الوظيفي في وزارة الثقافة العراقية , وكتابة المقالات السياسية و ((سرقة فرص ذهبية)) لكتابة الشعر وزرع القصائد على دفتر صغير احمله حيثما رحلت . وقد صدر لي ديوان جديد (( كنت حبيبتي)) وبعده يأتي الدور على ديوان اخر جاهز اقترحت له عنوان (( تراتيل حزينة)) ولا ادري لماذا هطل الحزن علي في هذا الديوان وانا الذي اذا ضاع الفرح عني يوماً اجلبه الى قلبي عنوة. على اية حال انه الحزن الشفاف الوديع الهادئ الذي يسبق عاصفة الفرح الاخضر. ايضاً انا مشغول الان بكتابة قصائد صغيرة في دفتر ازرق احمله معي سواء في بغداد او شوارع اوروبا وكلما هطلت علي جملة جديدة ازرعها فيه لعله ذات يوم يصبح بستان شعر او كما نسميه (( ديوان شعر )) . وحالياًاقراء ذكريات الروائي الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز التي اصدرها بعنوان (( عشت لاروي))
وهي تمثل سيرة حياة كاتب مبدع الى اقصى حد وذائع الصيت عالمياً على صعيد الرواية وحاصل على جائزة نوبل للاداب. انه قامة مديدة وباسقة في الادب الروائي وادعو كل المبدعين الكورد والعراقيين لقراءة سيرة حياته بشغف.

213
وكيل وزارة الثقافة العراقية فوزي الاتروشي لـ( المواطن )

الحكومة خليط غير متجانس لذا لا يمكن ان تكون لها رؤية موحدة تجاه الثقافة..
مازال الكثير من اعضاء الحكومة يقول ان المسرح والسينما والموسيقى حرام..

حاوره : محمود الهاشمي
   ربما هي المرة الاولى التقي فيها الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية، لكني قرأت له الكثير من الكتابات والمقالات والقصائد وكنت في كل ماطالعاته له قريباً منه، الحماس الذي وجدته في اعماله هو ذات الحماس الذي وجدته في شخصيته عند الحوار معه.. ينفجر كالينابيع المتدفقة من جبال الشمال العالية ويهبط انهراً وسواقي صافية رقراقة.. الحوار معه يأخذ اشكالاً شتى.. فهو مثقف وكاتب وشاعر وهو وكيل وزارة الثقافة العراقية.. لكنك وانت تحاوره تدرك انه غالباً ما ينفصل عن منصبه ويصطف مع جمهور المثقفين الغاضبين على الوزارة وعملها وضعف ادائها، وفي اخرى يرسم في اصابعه خطوطاً ولوحات لبرامج حالمة مقبلة.. فالرجل متفهم للواقع الثقافي ولهمومه لكنه محاط بترس واسيجة الحكومات المبتلاة بـ(الطائفية) و(التوافقية) والتي ما ارضخته لرغبتها ولو الى حين لكنه يظل غاضباً ثائراً على تلك القيم الغريبة على واقع الامة.. صحيح ان الاتروشي قيادي في الحزب الديمقراطي الكردستاني لكنك لاتجد فيه سوى روح الامة العراقية عبر طلاقة وسلاسة لغته العربية ورؤاه الاصيلة في ايجاد افضل الطرق لحل مشكلة الثقافة والتي يقول عنها “اذا ما توفر العامل المادي والحس الوطني والنبتة الصادقة بأستطاعتنا ان نبني بلداً مثقفاً بكل المقاييس”. صحيفة المواطن التقته في منزله ببغداد وسألناه:

* اصيب المثقف العراقي بحالة احباط من وزارة الثقافة لانها لم تقدم له ما ينفع .. فما اسباب ذلك؟
- هناك قصور واضح في العمل من ناحية الاهتمام بالمثقفين لانه بعد فترة سقوط النظام بعض الاطراف السياسية لم تتفق على مفهوم حضاري موحد. ومازال المشهد الابداعي في العراق يعاني من المحلية المفرطة. الاشكالية تكمن في المحاصصة والتخندق الطائفي وهذه المشاكل من اهم عوامل تردي عمل وزارة الثقافة والحق يقال ان الوزير الاول بعد السقوط الاستاذ (مفيد الجزائري) استطاع ان يؤسس وبرصانة لمرحلة جديدة في عمل الوزارة على الصعيد الثقافي والاداري ، الوزارة عانت كثيراً ونحن الان بصدد انقاذ الوزارة من كثير من الامور خاصة ان معالي الوزير الجديد (ماهر الحديثي) رجل متفهم لدور الثقافة ومتجاوز للبعد الطائفي بأتجاه البعد الوطني .

* تحدثتم عن جملة من التغييرات تنوون اجراءها في عمل وزارة الثقافة .. هل لكم ان تطلعونا على تلك الاجراءات؟
- اولاً مكافحة الترهل الاداري بأتجاه تبني سياسة النوع المثمر وعدم تبني سياسة الكثرة الغير مبدعة، وهذا تعاني منه الوزارة وبما ان الوزارة بدأت تتوسع بشكل افقي ملحوظ وباعتبارها حاضنة للكثير من المؤسسات الثقافية التابعة لمنظمات المجتمع المدني وترعى مسألة توفير الحريات بالرأي وفق التعبير من خلال الاعلام ..يجب ان تكون الوزارة مشرفة ومنسقة ومهيأة لتوفير المناخ الملائم للابداع الثقافي وتوفير الدعم المادي والمعنوي للمؤسسات الثقافية او منظمات المجتمع المدني المعنية بالثقافة . وزارة الثقافة وزارة شفافةقد لا تكون سيادية لكنها سيادية بالمفهوم الثقافي وهدفها جعل هوية الوطن هي الاولى ضد كل الهويات الاصغر ويجب ان نعترف ان الثقافة بدون حرية لا وجود لها وانا اؤكد على الحرية المطلقة في المنجز الابداعي لكل المثقفين بدون قيد او شرط لان الابداع لا يعرف الحدود الا الحدود المهنية والاخلاقية.

*هل تلقون باللوم على الحكومة كونها مقصرة تجاه وزارتكم؟
- من المفارقات انه بعد سير العملية السياسية مازالت الثقافة مهمشة بالمفاهيم الادارية وتفتقر للمستلزمات المادية والدليل ان ميزانية الوزارة لا تلبي الطموح بتفعيل دور الثقافة في البلد ولا تكفي لدفع عجلة الثقافة الى الامام، لان العامل المادي اذا ما توفر هو والنية الصادقة والحس الوطني بأستطاعتنا ان نبني بلداً مثقفاً بكل المقاييس. الحكومة عبارة عن مجموعة (تحاول ان تتجانس) فهي خليط من تيارات واحزاب وليس من المعقول ان هذا الخليط يمتلك تصوراً واحداً لمفهوم الثقافة في الوقت الحاضر على الاقل او يمتلك رؤى مشتركة ومتوافقة لتطوير عمل الوزارة، هذا سبب والسبب الاهم انه بعد سقوط النظام هيمن البعد السياسي والبعد الامني على الخارطة العراقية وهذا مما جعل البعد الثقافي ينزوي ولو الى حين، ولذلك ترى الخطاب الامني والسياسي هو المسيطر في ظل غياب وتغييب المشهد الثقافي الجاد والرصين الذي من شأنه ان يلملم الشان الوطني ويعمل على خلق حالة من التوازنات بعيداً عن التجاذبات والاستقطابات ملخص القول ان الثقافة يجب ان تكون في سلم الاولويات ، وهناك نقطة مهمة وهي ان كل التيارات والاحزاب التي في الساحة غير متفقة على مفهوم موحد للثقافة كما اسلفت ، صدقني لحد الان هناك ناس يقولون المسرح حرام والسينما حرام والموسيقى حرام، وعدم وجود مفهوم موحد للثقافة في العراق سيؤدي الى ظهور مفهوم شمولي يؤدي الى ضياع الهوية الحقيقية للابداع.

* وكأنك لست جزءاً من المسؤولية.. ألم تكن وكيلاً لوزارة الثقافة؟
- الحقيقة انا جزءاً من منظومة ادارية متكاملة والثقافة عندما تخضع بكاملها للضوابط الادارية تفرغ من محتواها ، انا مع الثقافة الحرة المنفتحة اما اذا اردنا الحديث عن مكاسب تحققت وكنت جزءً من الفريق الكبير الذي حققها مثلاً الاتفاقيات الثقافية فقد تم توقيع اتفاقية مع بلغاريا وألمانيا وماضون في هذا الطريق. وهناك مكسب اخر هو فتح (14) بيتاً ثقافياً ولا يخفي على احد اهمية هذه البيوت في نشر الثقافة ونحن بصدد التنسيق مع دوائر القرار لغرض رفد الميزانية ورفع المخصصات بالنسبة لاقامة الكثير من هذه البيوت. وتفعيل دورها الثقافي بأتجاه توحيد الرؤى الذي بدوره سيوحد المنجز الابداعي الجديد، ونعود ونقول انه على الحكومة ودوائر القرار ان ترفع الميزانية الخاصة بالثقافة وكسر طوق التمويل الذاتي فليس هناك مثل هذا المفهوم في بلد ليس فيه بنى تحتية.
 * نرى ان وزارتكم تقف موقف المتفرج على الاتهامات المتبادلة بين الاجيال الثقافية وكأنها خارج هذه العملية؟
- المسألة كلها تنحصر في الوضع الاجتماعي للمثقف العراقي بصورة عامة فلو كان هناك فسحة من البحبوحة والرفاهية التي تؤمن العيش الكريم لاختفت هذه الاتهامات فليس هناك فرق بين مثقف واخر الا بالعطاء والعمل. واعود واكرر انه على الامانة في مجلس الوزراء، وانا اعول عليها كثيراً ان تلتفت للمثقف وتعيد له حقوقه وفق مبدأ الحقوق والواجبات ، وبهذا نكون قد انتهينا من هذه الاتهامات بأرضاء طرفي المعادلة، وهناك مسألة المثقفين في الخارج ونحن قلنا في اكثر من مناسبة اننا مع المختلف قبل المتفق ومع المعارض قبل الموالي والعمل جاري على استقطاب كل الكوادر المثقفة للعودة للوطن ونحن نعمل بجد وعلى قدم وساق من اجل توفير غطاء عودتهم من كل النواحي. وقد عملنا على بلورة فكرة وتوصيلها لهم بان في العراق لا يوجد ارهاب دولة وانما يوجد ارهاب شارع. بغض النظر عن كل الاتجاهات العرقية والطائفية والتوجه.

* هل انتم متفائلون بمستقبل المنجز الثقافي العراقي؟
- العراق ابتعد عن المنجز الابداعي العالمي لفترة طويلة نتيجة طبيعة نظام الحكم الشمولي المقبور والعراق بلد ثقافي.. الثقافة فيه دم يجري في العروق ولهذا يجب علينا اذا اردنا النهوض بالمشهد الثقافي العراقي ان نزيد الدعم الحكومي ونلغي التمويل الذاتي فتوفير سبل العيش الكريم للمثقف تجعله في مصاف المبدعين والبناة ، لا تصدق هناك مبدع او مثقف يستطيع ان يبدع وهو يعيش الفاقة لان الامور الحياتية اليومية ستشغله عن منجزه الابداعي.

* من الواضح ان وزارة الثقافة لم تتفاعل مع منظمات المجتمع المدني العاملة في مجال الثقافة .. وهناك عتب وشكاوى دائمة تصدر عن هذه المنظمات .. فما اسباب ذلك؟
- أؤكد لك ان الوزارة ليس لديها اي خلاف مع نقابة الصحفيين او اتحاد الادباء والكتاب ونقابة الفنانين ولدينا نشاطات مشتركة مع هذه المؤسسات ونعتبرها وزارات ثقافة مصغرة وهي الضامنة لديمومة الثقافة وعن الشكوى الدائمة للصحفيين والادباء والفنانين من عدم الدعم الحكومي فنحن وزارة منفذة لبرامج تحتاج الى دعم مالي وهذا يعني ان الكرة في ملعب الحكومة. وبدون وجود الدعم المادي لن تتحقق الطموحات وستبقى حبراً على ورق وبدون ارضاء هذه الفئات من فنانين وادباء وسلطة رابعة لا يمكن ان نتحدث عن الديمقراطية.

214
نحو تعايش الاديان ...وبناء حضارة الحب

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


حملات القتل والتنكيل التي تطال المسيحيين في العراق تعبر عن همجية الإرهاب الأصولي واستمراره في زرع الحقد والموت بين مكونات الشعب العراقي وتعكس إصراره على هدم العراق وتدميره دون ان يكون له أي مشروع في البناء والتنمية ، هذا هو الوجه الكالح والأسود للإرهاب أينما كان . وكان على مجلس النواب العراقي ان يستوعب هذه الحقيقة الساطعة قبل ان يقدم ورد بارد على قتيل المادة (50) من قانون انتخابات المحافظات ويخلق بذلك بلبلة وحالة سحاب حادة داخل المجتمع نحن في غنى عنها.
وألان أصبح واضحـــــا ان الإرهاب لا يترك ثغره الا ويدخل منها لمنع أي جرح ان يندمل ولتوسيع الشرخ في النسيج الاجتماعي . ولذلك فان الإجراءات التي ينبغي على مجلس النواب ورئاسة الوزراء واتخـــاذها يجب ان لا يتوقف عند حد ود الوعود المؤجلة والأقوال التي لا تتبعها أفعال صارمة وحدية وجدية لمنع الانهيار الكلي في اخر الخيوط المتبقية في الوئام الاجتماعي العراقي .
وفي جانب أخر نقول لبعض أعضاء البرلمان العراقي سامحكم الله كيف انتصر عليكم خطاب الإرهاب وكيف مرر عليكم لعبته في أبعاد التهمه عن نفسه ، فهذا ( اسامة النجيفي ) يعيد صولاته وجولاته الاعلامية لوضع التهمة على الكورد في الموصل دون ان يسال نفسه لماذا اذن هاجر ويهاجر منذ سنين عشرات الآلاف من االاخوة المسيحين من الموصل  وبغداد الى دهوك واربيل وعينكاوا للعيش والعمل واستعادة الاطمئنان عن النفس والمال، أما أذا كان يريد القول ان الكورد يجبرون المسيحيين للهجرة لضم أقاليم كوردستان لاحقا فان هذه حجة مردودة بالأساس وسواء هاجر مسيحيوا الموصل والمدن العربية الاخرى الى إقليم كوردستان او لم يهاجروا فان مناطق سهل نينوى العامرة بالبلدان المسيحية لها الحق ومن خلال الاستفتاء الحر ان تقرر انضمامها او عدم انضمامها الى الاقليم .
ما لا يدركه السيد اسامة النجيفي ان كوردستان العرق أمنة ومستقرة سياسيا وامنيا والإرهاب الأصولي والبعثي بعيد عنه ، والتسامح الديني له تاريخ طويل في الاقليم ، ولذلك فان المسيحيين وغيرهم من الذين يشعرون بالتهديد الارهابي من حقهم ان يلجأوا الى مناطق أمنة وخالية من مظاهر العنف .
ونسأل السيد اسامة النجيفي ماذا فعل في الموصل هو ومن على شاكلته لمنع فيضان الارهاب الأصولي على الأخوة المسيحيين وما هي مشاريعه لمواجهة الإرهاب سواء الديني او البعثي الذي ينتشر في زوايا واركان الموصل ,ام انه كان ينتظر وقوع الجريمة لينتعش فرحاً وللبدء برمي السهام على الجانب الكوردي كما فعل دائماً .
ويهمنا ان نقول للحاقدين والإرهابيين والمحرضين على الارهاب من داخل العملية السياسية نفسها ان العراق جميل وموحد بعربه وكورده وتركمانه وكلدانه واشورييه وسريانه , وبمسلميه ومسيحييه ويزيدييه . وبدون ذلك لن يبقى العراق جميلاً ولا موحدا .
ونقول لكل اقطاب الشيعة والسنة ان يتحدوا في خطاب استنكاري واحد ضد العنف الذي يطال أقدم مكونات العراق (الكلدواشور) . وكم كان البابا (بينيديكتوس) السادس عشر رائعاً وجميلاً حين دعا قبل أيام الى التعايش بين الأديان والتضامن معاً من اجل بناء حضارة الحب . ندعو كل رجال ديننا الحنيف للانضمام الى الحب ضد الكره والحياة ضد القتل فهذا هو عنوان كل الأديان .
   

215
حين يصبح البرلمان مكاناً لاحتجاز الصحفيين...!

                                                                                        فوزي الاتروشي
                                                                                   وكيل وزارة الثقافة العراقية


لا نريد للصحافة العراقية الوطنية ان تتستر على العيوب او تتجاهل معاناة المواطن او تتملق لهذا المسؤول او ذاك , ولا نريدها ان تكتب لتعيش , بل لتغير وتطور وترفع من وعي المواطن بمواطن الجراح .
مثلما لا نريدها ان تخاف من اية سلطة كانت حتى لو كانت تلك الجهة البرلمان العراقي الذي تبقى ويجب ان تبقى نقاشاته واختلافاته وتنوع الاراء فيه معروضة عبر الاثير وعلى الهواء الطلق وعبر المنابر الاعلامية العراقية . لذلك كان البرلمان العراقي على خطأ كبير حين احتجز قبل ايام مجموعة من الصحفيين العراقيين وصادر ما كتبوه او صوروه . هذه سابقة خطيرة ينبغي ان لا تتكرر لا سيما وان الصحفيين العراقيين هم هدف الارهاب لانهم يفضحون عريه وقبحه ويرسمون تقاسيم العراق الاجمل , والبرلمان هو العنوان الاعرض والابرز للديمقراطية ولا يجوز له تحت أي ظرف كان ان يكم على كل اعضاء البرلمان ان يعلموا حقيقة ان الديمقراطية قد تنمو بلا برلمان ولكنها لا يمكن ان تعيش بلا صحافة حرة وبلا اقلام جريئة ومقتحمة وشجاعة ومتحفزة لوضع اليد على موضع الالم في المجتمع . وعضو البرلمان تتوقف حصانته حين تبدأ حصانة الاعلام الحر وعليه الخضوع كلياً للسياق الديمقراطي في العمل والا فلا حاجة لاضفاء صفة عضوية البرلمان عليه ويستحق حينها صفة موظف متسلط ومستبد .
البرلمان كان مقدس ولكن قدسيته تنبع من انه واحة الاراء المختلفة او المتعارضة التي يجب عليه عرضها للاعلام ويجب على الاعلام كشفها للمواطنين .
واذا كان بعض اعضاء البرلمان لا يعرف لغـــاية الان الف باء الديمقراطية ولا يعرف ان وجوده تحت سقف البرلمان هو بتخويل من ممثليـــه او قائمته الانتخابية , وان هذا الوجود ليس ازلياً , نقول على أي عضو برلمان لا يعرف هذه الحقيقة يكون قد ارتكب خطيئة كبرى وعلى قائمته الانتخابية ان تحيله الى المسائلة . ان اتحاد الصحفيين في العراق يعمل في ظروف خطيرة للغاية وصاحب القلم الجرئ اصبح قاب قوسين او ادنى من الموت الذي يأتيه من دهاليز الارهابيين الظلاميين . وعلى البرلمان العراقي ان يعي هذه الحقيقة ويعي ان مسؤوليته الاولى تحصين حرية الصحافة وحماية الصحفي جسدياً واعتبارياً وتوفير مستلزمات العيش الكريم له . اما ان يلجأ "بيت الديمقراطية"الى حجز اصحاب الكلمة فأن ذلك يعني ضمن ما يعني ان البرلمان العراقي وليس الشعب العراقي بحاجة الى قراءة الدرس الاول في كتاب الديمقراطية وسجلها العالمي الغني والذي يبدو ان اعضاء برلماننا العراقي لم يقرأوه بعد .
ذات مرة اطلق بعض السياسيين انتقادات لاذعة على مقال كتبه الكاتب التركي العالمي الشهرة (عزيز نسين) وكان رده عبارة عن رسالة وجهها الى جيل الكتاب الشباب جاء فيها :
((لا تحاولوا التملق لاحد , لا تسمحوا لاحد ان يكون سيد قلمكم , اكتبوا بأمانة كل ما يقتنع به عقلكم ويرضي ضميركم , سامحوا كل من يشير لاخطائكم)) .
هذه الكلمات الرائعة نهديها من جانبنا للاخوة الصحفيين والكتاب في العراق ونقول لهم ان البرلمان العراقي اخطأ بحقكم ولا يجوز له تكرار هذا الخطأ , واصلوا عملكم وكل مؤمن بالديمقراطية وحرية التعبير في العالم الى جانبكم . وندعوا اعضاء البرلمان العراقي لاعادة قراءة افكار الكاتب القدير واحد اروع كتاب القصة القصيرة في العالم (عزيز نسين) .

216
سهام ميران ... والكتاب الكوردي الاسود

                                                                                                            فوزي الاتروشي
               
(سهام ميران) ليست مفكرة كوردية ولا شاعرة ولا كاتبة ولا حتى مثقفة بالمعنى الحرفي للكلمة وليس لها في عالم الثقافة الكوردية اية بصمة او اثر . هي امرأة عاشت في الزمن البعثي السابق وانتفعت منه وسلخت جلدها الوطني لتتماهى مع (ملذات) ! ذلك الزمن . ولا ندري كيف ارادت مؤخراً ان تصبح كاتبة ومؤلفة لكتاب ردئ لا يجمع بين سطوره واوراقه الا الحقد على الشعب الكوردي وتجربته في كوردستان العراق . انها تمطر سماً وحقداً وكراهيةً على بني جلدتها وتحلم بعودة ليالي ايام زمان رغم ان في حلمها استحالة .
وكما قلنا فهي ليست كاتبة لذلك لجأت الى جمع كم كبير مما كتبه كتاب عراقيون وكورد حول الجوانب السلبية في اقليم كوردستان , وتجاوزت ذلك لجملة غير لائقة وخارجة عن كل السياقات الادبية والاخلاقية على الزعيم الكوردي الخالد (مصطفى البارزاني) .
لقد قرأت الكتاب بأكمله فلم اجد فيه شيئاً من الموضوعية او الارتكان الى استخراج الاراء او التوازن بين من كتب سلباً ومن كتب ايجاباً عن الحياة في اقليم كوردستان وعن مجمل الحركة التحررية الكوردية في العراق . ان اعداد هذا الكتاب كلفها وقتاً كان يمكن ان تمضيه فيما يعين على فهم المثقف العربي والكوردي لمجمل ظروف الحياة في الاقليم . ولكن بما ان هدفها اسود وقلبها اسود ونيتها سوداء فأن كتابها جاء فعلاً اسوداً كما هو العنوان .
واللافت ان حملة مشروعة قادها بعض الكتاب الكورد عليها لانها سرقت مقالاتهم من الصحف ووضعتها في هذا الكتاب المريض دون موافقتهم . ومنهم الكاتب (احمد رجب) و(نزار جاف) واخرون . فهناك كتاب عرب وكورد كتبوا فعلاَ عن نواقص وسلبيات واخطاء تعتري الحياة السياسية والاقتصادية في كوردستان العراق , ولكن هدفهم من الكتابة لم يكن التحريض وانما التأشير لمواقع الخلل من منطلق وطني بغية اصلاحها . وكان هدفهم وما زال ممارسة الكتابة كفعل نقدي بناء . لكن (سهام ميران) لا تعرف هذه الحقيقة او بالاحرى تتجاهلها وهي تظن ان أي كاتب ينبري لكشف بعض العيوب والاختلالات في الاقليم انما ينبري ضد عموم الحالة الكوردية في العراق . وهذه خطيئة كبرى وقعت فيها (سهام ميران) التي لم تجد شيئاً تشتهر به الا جمع الاوراق الصفراء في دفًتي كتاب اسود . فكانت شهرتها مثل شهرة القروي المغمور الذي اراد ذات يوم ان يذكر اسمه بين ابناء القرية فذهب نحو النبع الوحيد الذي يمد القرية بالماء ليردمه بالتراب ويتبول فيه وفي اليوم الثاني ذاع صيته في القرية بأكملها ولكنه ايَُ صيت !!.
نقول لـ (سهام ميران) ان الماضي البعثي لن يعود واذا كانت ايامه ولياليه مازالت عالقة في ذاكرتك فأن (الكتاب الاسود الكوردي) الذي تنشرينه في الاسواق والمواقع لن يعيد الزمن البعثي الى الحاضر , وكل سكان كوردستان العراق يقولون لقد جمعت خطيئة اخرى الى خطاياك الكثيرة .   

217
الديمقراطية قاعدة لا تقبل الاستثناء ...
                                                                                                                                                                                                                                                                      فوزي الاتروشي
                                                                                  وكيل وزارة الثقافة العراقية

تبقى الديمقراطية ناقصة ومشلولة وتبقى خطابا فوقياًً كلامياً اذا لم تنزل الى اسفل المجتمع واذا لم تتشرب بها كل مسامات النسيج الاجتماعي . والديمقراطية هي ثقافة وحضارة وسلوك وآليات اجرائية وسلة حقوق وواجبات قبل ان تكون مجرد شعارمناسباتي او حزمة عبارات ذات رنين وطنين بلا معنى ولا جوهر . والديمقراطية ليست وعداً بمطر قد لا يأتي او بشمعة امل قد لا تضئ . انها ايضاً ليست دستوراً لا يطبق ولا قانوناً ينام في الارشيف كل عراقي فهم الديمقراطية بهذه الصورة يخدع نفسه قبل ان يخدع الاخرين . وبدون مواربة نقول ان كل المقومات العراقية القومية والدينية مهما كبرت او صغرت ينبغي ان تنعم بالديمقراطية اجلاً لا عاجلاً فتأجيل الاستحقاق الديمقراطي يعني بالضرورة بروز اول رأس رمح للشمولية والرماح الاخرى سوف تتلوها .
انني ادعو كل سياسي عراقي وكل مثقف عراقي ان يكف النظرعن الماضي وينظر للغد العراقي الجميل . كان الماضي بالحقائق والارقام حياة سياسية حافلة بالانقلابات والحروب والتصفيات والاغتيالات والقتل والدمار وسيادة القومية الكبيرة على القوميات الصغرى , والدين الكبير على الديانات الاخرى في الوطن العراقي , وكان الماضي اجتماعياً وبلغة الارقام ايضاً يعني سيادة الغني على الفقير وسيطرة حاشية الدكتاتور على كل موارد العراق وتمزيق الاسرة العراقية وتبعيث كل العراقيين وترحيل خارجي وداخلي شوه مجمل تقاسيم المجتمع وجعله مجتمعاً غريباً بعيداً عن ثوابته الاخلاقية التي كان يتمتع بها . لذلك فالسياسي العراقي والمثقف الذي يبكي على الماضي انما يبكي على السراب ويقدم لنا جميعاً دعوة للانتحار . اما نحن جميعاً فأننا ننظر لعراق الغد الذي لا بد ان يكون ديمقراطياً للجميع وفيدرالياً للجميع , وتعددياً للجميع دون استثناء لان اي استثناء سوف يوجه ضربة قاضية للقاعدة الديمقراطية . لهذا اضع يدي على موطن الجرح لتغطيته وتعقيمه وابعاده عن مصادر القيح . والجرح هنا هو "الغاء المادة (50)"ومصدر التعقيم هو العمل بكل ما يعيننا على اعادة النضارة والتألق والاخضرار للتجربة الديمقراطية في العراق ولا يكون ذلك الا بمنح الاطمئنان لكل سكان العراق وبكل تلاوينهم وان الديمقراطية ستشملهم جميعاً . وبعيداً عن كل ما قيل وسيقال في مجلس النواب العراقي , فأن هذا المجلس لا يمكن ان ينسى حقيقة فكرية وفلسفية هي ان الديمقراطية تعني بالذات احترام كل المكونات الصغيرة الحجم في المجتمع العراقي ومنع فيضان الكبار عليهم . واذ فعل البرلمان ذلك اصبح ممثلاً لنفسه وليس للشعب العراقي . 

218
كامل شياع ... قاتل الارهاب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                                                      فوزي الاتروشي
                                                                                وكيل وزارة الثقافة


مرت اكثر من اربعين يوماً على اغتيال المثقف والمناضل الكبير (كامل شياع) وما زالت المواقع الالكترونية والصحف اليومية تستحضره الى الذاكرة متألقاً , اخضراً , واقفاً على قدميه كما الاشجار الباسقة التي تموت وهي واقفة .
ومازالت الاقلام تنزف حبرها على اديم الورق في تجسيد ملامح وتقاسيم مثقف نموذجي وقف على خطوط النار بفعل معرفي غزير وبأقل قدرمن الصراخ والخطابية ليحرق اوراق الارهاب ويعرَي قبحه وجبنه وقذارة وسائله في القتل والتدمير .
كثيرة هي المواصفات التي ميزت هذا المثقف الراقي المشبع بالثقافة الانسانية وبالاليات الحضارية في التعامل مع الاخرين وفي النظرة الى دور الثقافة في ترقية المجتمع . ولكن تبقى ميزة (كامل شياع) الاكثر لفتاً للانظار وجذباً للاعجاب انه كان يعمل كثيراً ويقول قليلاً والقليل الذي كان يقوله كان يترجمه الى واقع عملي على الارض عبر ملاحظات واقتراحات واراء سديدة شكلت للجميع اغناءاً واضافة ثرية لعمل وزارة الثقافة . لذلك اشعر ان الشهيد (كامل شياع) كان يضرب الارهاب كل يوم في مقتل من خلال عمله الهادئ والصامت احياناً والبعيد عن الضجيج الاعلامي . قبل يوم من سفري الى دمشق على رأس وفد الاسبوع الثقافي العراقي زرته في بيته مع الزميل العزيز (طاهر ناصر) وكيل الوزارة , وكان كعادته منفتحاً متفائلاً مزدحماً بالافكار والتصورات والاراء التي تفتح امام المستمع افاقاً جديدة للعمل والبناء . تحدثنا كثيراً وكان الحديث كله سلة افكار طرية وآليات عمل تمسح الغبار عن المشهد الثقافي العراقي . خرجت من بيته وانا منبهر كالعادة بقدرة هذا المثقف على الطرح التجديدي وعلى تمثيل السياقات الديمقراطية المتنورة للثقافة وقدرته على اقناع المقابل مع الاحتفاظ بأعلى درجات التواضع وحسن الاصغاء الى الاراء المتناغمة او المتقاطعة مع ارائه .
لقد كان (د. ماهر الحديثي) وزير الثقافة يمسك بالحقيقة كاملة حين صرح ان قتلة (كامل شياع) ارادوا قتل الثقافة . فهؤلاء القتلة اختاروا النموذج الصامت ظاهرياً والفاعل والمؤثر والمثابر على العمل بعيداً عن الاضواء ولكن قريباً وقريباً جداً من مواقع العمل والانتاج والانجاز والاغناء الثقافي . اقول وبكل يقين ان الذين قتلوا بكواتم الصوت هذا الرمز الثقافي الكبير في حياتنا يشعرون الان بالهزيمة والخذلان وبمشاعر السقوط النهائي في الهاوية لانهم القتلى ولو احياء , ولأن (كامل شياع) هو الحي النابض فينا وهو راقد في القبر . طوال ايام الاسبوع الثقافي العراقي في دمشق كان (كامل شياع) حاضراً فينا وكان دافعاً اضافياً لأنجاح هذه الفعالية المتميزة في دمشق بأعتراف المسؤولين السوريين. كانت روحه حاضرة امام اعضاء الفرقة القومية للتمثيل وهي تقدم لوحة (المصالحة الوطنية) التي صفق لها الجمهور طويلاً في (قصر العظم) يوم الافتتاح وفي بلدة الزبداني . وكان حاضراً معنا في (حلب) حين كان الشاعر (الفريد سمعان) يفتح لنا اسرار قلبه العاشق الطري رغم تراكم السنين , وحين استعاد الشاعر (محمد علي الخفاجي) الذاكرة بقصيدته الجميلة الحافلة بالوهج والشوق والحنين الى (العلم العراقي) . كان الشهيد معنا في القاعة ابان عرض مسرحية (خريف الجنرالات) , ومعنا حين اعلنت الفنانة التشكيلية (ملاك جميل) عن عرض الازياء العراقية العربية – الكوردية التي اعادت الى الذاكرة العراق الذي اراده (كامل شياع) عربياً كوردياً تركمانياً وكلدواشورياً وسريانياً فالعراق جميل حين يحمل كل الوانه الحقيقية وحين لا يتجاوز لون على اخر .
ان اغتيال (كامل شياع) دفعنا الى وصل الليل بالنهار للخروج بنجاح متألق لايام الثقافة العراقية في دمشق , وحلب , وحمص , وحماه والمدن السورية الاخرى . والسؤال بعد كل هذا هو من قتل من ؟ الجواب يقيناً ان (كامل شياع) هو قاتل الارهاب بأمتياز لأن اغتياله واغتيال امثاله من مثقفي شعبنا يزرع فينا بذرة الامل من جديد ويشعل فينا شموع العمل ويدعنا نصدق للمرة الالف ان الميلاد يركن في رحم الموت وان السنبلة حين تجف تخلق خلفها الف سنبلة .   
     

219
المركز الثقافي في اربيل ... اصرة حب وصلة خضراء .
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
                                                                                                                  فوزي الاتروشي
                                                                                             وكيل وزارة الثقافة

اواسط الشهر الماضي فتحت اربيل صدرها وذراعيها وقلبها الواسع للوفد الثقافي القادم من بغداد لهدف قريب ومباشر هو افتتاح البيت الثقافي في اربيل ضمن خطة وزارة الثقافة بأن يكون في كل مدينة عراقية بيت للثقافة يجمع المبدعين ويؤلف بينهم ويمنحهم المزيد من الاطمئنان على دورهم الحالي والمستقبلي في بناء الوطن . وكان للوفد الثقافي هدف بعيد المدى يتركز على ان الثقافة يمكن ويجب ان تلعب دور الترطيب للاجواء والتقريب في وجهات النظر وربط بغداد باربيل بصلة خضراء لا يطالها الجفاف .
وهذا ما تحقق على الارض فالوفد المؤلف من معالي وزير الثقافة (د.ماهر الحديثي) والسيدة الناشطة السياسية والنسوية (مريم الريس) ومدير عام دائرة العلاقات الثقافية (عقيل المندلاوي) وكاتب هذه السطور اضافة الى نحو (60) فناناً ومثقفاً قادماً من بغداد وكركوك , نقول ان هذا الوفد اطلع عن كثب على المشهد السياسي والثقافي في اقليم كوردستان , وكان اللقاء بالرئيس (مسعود البارزاني) وبرئيس برلمان اقليم كوردستان (عدنان المفتي) , وبنخبة من المثقفين الكوردستانيين الكورد والتركمان والكلدواشور , خطوة متقدمة لكي تتعرف وزارة الثقافة باللقاء الحي والمباشر على ما يدور في ذلك الجزء من العراق . اما الحضور الى دعوة مركز الثقافة الكلدانية لأفتتاح معرض صور انجزه الاطفال فأنه اثار فينا جميعاً اعجاباً لا حدود له بقدرة الطفل على رسم التفاؤل والفرح وتحدي الارهاب والعتمة والظلام ودعانا لنفكر من جديد بمسؤليتنا تجاه الطفولة وتجاه الجيل الناشئ والذي نريده فرحاً سعيداً مشرقاً كما تلك الصور واللوحات , ولا يسعني هنا الا ان اجدد الشكر من القلب لمدرسة الاطفال الفنانة التشكيلية "صبا" التي جعلت عينكاوة حافلة بافراح واعراس الطفولة التي بدت اكثر ذكاءاً وقدرة على استشراق المستقبل العراقي اكثر من الكبار .
شخصياً انا استفدت كثيراً من افكار اولئك الاطفال عمراً والكبار فكراً وادعو نخبة السياسيين العراقيين لطرح خطاباتهم وبلاغاتهم الكلامية جانباً ولو ليوم واحد للاستماع الى الطفل العراقي وهو يغني ومشاهدته وهو يرسم فأنا على يقين انه سيستفيد كثيراً وربما يتعظ كثيراً فلا يبالغ في الكلام الذي لا يعدو عن كونه جعجعة فارغة.
لقد عدنا الى بغداد من اربيل ونحن جميعاً نشعر بفرح غامر لفعالية انجزت بكفاءة عالية وتحولت الى ظاهرة سياسية – ثقافية – اعلامية مثمرة , وكما علق بعض اعضاء الوفد فأن تلك الايام الثقافية في اربيل تعلقت بالذاكرة محفوفة بالحب والانجاز والمتعة وبمزيد من التفاؤل الغامر بعلاقة دائمة الاخضرار بين بغداد واربيل .       


220
الديمقراطية قاعدة لا تقبل الاستثناء ...
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
           
                                                                                                                                                        
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


تبقى الديمقراطية ناقصة ومشلولة وتبقى خطابا فوقياًً كلامياً اذا لم تنزل الى اسفل المجتمع واذا لم تتشرب بها كل مسامات النسيج الاجتماعي . والديمقراطية هي ثقافة وحضارة وسلوك وآليات اجرائية وسلة حقوق وواجبات قبل ان تكون مجرد شعارمناسباتي او حزمة عبارات ذات رنين وطنين بلا معنى ولا جوهر . والديمقراطية ليست وعداً بمطر قد لا يأتي او بشمعة امل قد لا تضئ . انها ايضاً ليست دستوراً لا يطبق ولا قانوناً ينام في الارشيف كل عراقي فهم الديمقراطية بهذه الصورة يخدع نفسه قبل ان يخدع الاخرين . وبدون مواربة نقول ان كل المقومات العراقية القومية والدينية مهما كبرت او صغرت ينبغي ان تنعم بالديمقراطية اجلاً لا عاجلاً فتأجيل الاستحقاق الديمقراطي يعني بالضرورة بروز اول رأس رمح للشمولية والرماح الاخرى سوف تتلوها .
انني ادعو كل سياسي عراقي وكل مثقف عراقي ان يكف النظرعن الماضي وينظر للغد العراقي الجميل . كان الماضي بالحقائق والارقام حياة سياسية حافلة بالانقلابات والحروب والتصفيات والاغتيالات والقتل والدمار وسيادة القومية الكبيرة على القوميات الصغرى , والدين الكبير على الديانات الاخرى في الوطن العراقي , وكان الماضي اجتماعياً وبلغة الارقام ايضاً يعني سيادة الغني على الفقير وسيطرة حاشية الدكتاتور على كل موارد العراق وتمزيق الاسرة العراقية وتبعيث كل العراقيين وترحيل خارجي وداخلي شوه مجمل تقاسيم المجتمع وجعله مجتمعاً غريباً بعيداً عن ثوابته الاخلاقية التي كان يتمتع بها . لذلك فالسياسي العراقي والمثقف الذي يبكي على الماضي انما يبكي على السراب ويقدم لنا جميعاً دعوة للانتحار . اما نحن جميعاً فأننا ننظر لعراق الغد الذي لا بد ان يكون ديمقراطياً للجميع وفيدرالياً للجميع , وتعددياً للجميع دون استثناء لان اي استثناء سوف يوجه ضربة قاضية للقاعدة الديمقراطية . لهذا اضع يدي على موطن الجرح لتغطيته وتعقيمه وابعاده عن مصادر القيح . والجرح هنا هو "الغاء المادة (50)"ومصدر التعقيم هو العمل بكل ما يعيننا على اعادة النضارة والتألق والاخضرار للتجربة الديمقراطية في العراق ولا يكون ذلك الا بمنح الاطمئنان لكل سكان العراق وبكل تلاوينهم وان الديمقراطية ستشملهم جميعاً . وبعيداً عن كل ما قيل وسيقال في مجلس النواب العراقي , فأن هذا المجلس لا يمكن ان ينسى حقيقة فكرية وفلسفية هي ان الديمقراطية تعني بالذات احترام كل المكونات الصغيرة الحجم في المجتمع العراقي ومنع فيضان الكبار عليهم . واذ فعل البرلمان ذلك اصبح ممثلاً لنفسه وليس للشعب العراقي . 

221
وزارة الثقافة تنظم الأيام الثقافية العراقية في سوريا
احتفاءً بدمشق عاصمة الثقافة العربية



PUKmedia دمشق - مسعود عكو:     

أني شامي إذا نسب الهوى              وإذا نسبت لموطني فعراقي

ويذيع منك البرق كامن لوعتي          فيدي على قلبي من الإشفاق

رقت طباع بنيك فهي إذا انبرت           سألت كصفو نميرك الرقراق

قالوا: دمشق فقلت غانية الربى           قالوا: لذلك تطاول الأعناق

بهذه الكلمات من رائعة الجواهري، ابتدأ الأستاذ فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية، كلمته في الحفلة الافتتاحية لأيام الثقافة العراقية والتي تقيمها وزارة الثقافة السورية في الفترة الواقعة ما بين 24 – 29 آب 2008.
وقال الأتروشي بعد أن رحب بوزير الثقافة السوري د. رياض نعسان أغا، ممثلاً بالأستاذ علي القيم معاون وزير الثقافة والسادة السفراء وممثلو البعثات الدبلوماسية وبالسيدات والسادة المثقفون والأدباء والفنانين العراقيين قائلاً: "أمس فقدنا مثقفاً مبدعاً وشخصية مناضلة وكادراً في ملاك وزارتنا، هو المستشار الثقافي للوزارة الشهيد الزميل كامل شياع، الذي اختطفته يد الإرهاب الأعمى وهو في ذروة عطائه لخدمة الوطن فإلى روحه الطاهرة آيات الوفاء والحب".
وأضاف الأتروشي "جئناكم من عراق التاريخ والحضارة والإبداع، إلى سوريا الثقافة والمجد والإشعاع، محملين برسائل الحب والتبريك لدمشق، محتفين بها عاصمة للثقافة العربية لهذا العام وكل عام".
وحول العلاقات العراقية السورية أضاف الأتروشي قائلاً "وإذ تطأ أقدامنا أرض دمشق يخامرنا الشعور بالأخوة العراقية السورية، وبالجيرة الأزلية الأبدية بين شعبين شقيقين صديقين، يشتركان في العديد من السجايا والخصال الحميدة، ويرتبطان بروابط الدين واللغة والنسب، ولا عجب فكلاهما يشرب من نهر الفرات".
وكشف الأتروشي عن موافقة وزارة الثقافة العراقية على بنود البرنامج التنفيذي للتعاون الثقافي للأعوام 2009-2010-2011 مع وزارة الثقافة السورية، وأعلن استعداد وزيرة الثقافة العراقي د. ماهر الحديثي التوقيع مع وزير الثقافة السوري د. رياض نعسان أغا في أقرب وقت ممكن.
وأنهى الأتروشي كلمته قائلاً "إن من حق العراق أن يطالب جيرانه وأشقائه أن يتفهم وضعه وموقفه، فذلك يساعده أكثر فأكثر على تحقيق الأمن والسلام ومكافحة الإرهاب والتطرف، الذي يعرقل النمو ويعيق استعادة السيادة الكاملة للعراق على أرضه، في وقت أثبتت حكومتنا الوطنية جدارتها في التمسك بالسيادة العراقية التي لا يمكن التهاون فيها. لذلك فأن دعوتنا كمثقفين لكل دول الجوار هو الانفتاح على الشعب العراقي، والتضامن معه لتضميد جراحه واستعادة عافيته".
من جهته رحب الأستاذ علي القيم معاون وزير الثقافة السوري بالضيوف العراقيين، وتمنى لهم التوفيق في فعاليات الأيام التي ستقام في دمشق وحلب وحمص وحماه.
ومن ثم قدمت فرقة خماسي الخماش عروضاً لأزياء عراقية، وعرض فني لفرقة الفنون الشعبية العراقية، إضافة إلى افتتاح معرض الفنون التشكيلية، ومعرض الكتاب والتراث في خان أسعد باشا.
ويتخلل الأسبوع عرض مسرحية "خريف الجنرالات" وأفلام وثائقية "فلم وثائقي بعنوان أحلام الجواميس وفلم آخر بعنوان شيء من الانتباه" ومحاضرة للدكتور علاء أبو الحسن بعنوان "حقوق الملكية الفكرية في العراق بين القرصنة والقانون" إضافة إلى عروض أزياء عراقية، وعرض فني لفرقة الفنون الشعبية العراقية وفرقة خماسي الخماش، وأمسية شعرية للشاعرين محمد علي الخفاجي وألفريد سمعان، وينهي الأسبوع أيامه يوم الجمعة القادم بأوبريت غنائي لكبار المطربين العراقيين.
وفي كلمة لموقعنا قال الأستاذ فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة العراقية:
"هذه الأيام أردناها للتواصل الثقافي مع سوريا وأيضاً لإبراز الوجه المشرق للثقافة العراقية وإنجازات وزارة الثقافة رغم العنف والإرهاب والمشهد السياسي القاتم، حاولنا أن تكون الفقرات ممثلة لتوجهات العراق الجديد، وأيضاً حاولنا ضم الجالية العراقية والفنانين العراقيين الكبار في سوريا إلى فقرات الأسبوع الثقافي العراقي".


وأضاف الأتروشي "أعتقد أن الأسبوع يشكل علاقة تواصل جديدة سواءً مع سوريا، أو مع المثقفين العراقيين المتواجدين في سوريا. نبلغ من خلال الأسبوع رسالة ثقافية وسياسية إلى الجميع أن العراق هو عراق تسامح وتصالح والمحبة وأننا لا يمكن إلا أن نكون مع المختلف معنا، مع المعارض السياسي أيضاً قبل المتفق معنا أو قبل الموالي لنا، نود أن نؤكد أن العراق تعددي ديمقراطي فدرالي".
وأضاف الأتروشي "منذ اليوم الأول للتحضير لهذا البرنامج، عمدنا إلى إيلاء اهتمام كبير بالمثقفين العراقيين في سوريا وقد اتصلت بهم شخصياً حال وصولي لسوريا، هناك فنانين كبار سيشاركون سواءً في الأوبريت الغنائي أو الحفل الختامي للأسبوع الثقافي العراقي".
وشكر الأتروشي موقعنا PUKmedia وقال "أود القول أن التواصل الثقافي تمهيد لتواصل سياسي، وأننا يجب أن نضع المثقفين في واجهة المجتمع، بهذه المناسبة أقدم خالص تعازي بمناسبة قيام الإرهابيين باغتيال المناضل كمال شياع المستشار بوزارتنا. أعتقد أن هذا يعكس مدى حقد الإرهابيين الأعمى على الثقافة والمثقفين وبهذه المناسبة وكما طالبت في كلمتي اليوم، أطالب مجدداً الأخوة السوريين وكل المثقفين العرب بالنهوض بدورهم الفعال في إعادة عضوية اتحاد الأدباء والكتاب العراقيين إلى اتحاد الكتاب العرب، لأن المثقفين العراقيين يقدمون الضحايا تلو الضحايا، ينزفون على خط النار، ضد الإرهاب والعنف، ولا يجوز لهذا الاتحاد أن يبقى خارج إطار اتحاد الكتاب العرب".
وحول توجهات وزارة الثقافة العراقية في الأسبوع الثقافي قال الأتروشي "توجه الوزارة هو أن يمثل الأسبوع الثقافي التوجه الجديد للعراق حتى وإن لم تقدم فقرات بلغات غير عربية هنا، لكن الأغاني والأوبريت وعرض الأزياء وكل الفعاليات تحاول أن تترجم واقعنا في العراق ومكوناتنا العديدة وهي العربية والكردية والتركمانية والكلدوأشورية. نحن جلبنا أزياء من أربيل ويشارك معنا في الأسبوع الفنان الكردي جعفر حسن إضافة إلى فقرات أخرى".
الاحتفال الذي أقيم في باحة قصر العظم بدمشق دام أكثر من ساعتين، حضره المئات من أبناء الجالية العراقية الموجودة في سوريا، إضافة إلى القائم بأعمال السفارة العراقية بدمشق السيد حسن سوادي عبد العزيز، والأستاذ لبيد عباوي وكيل وزارة الخارجية العراقية، والقنصل في السفارة العراقية إبراهيم جمال الدين، وأعضاء مكتب دمشق للاتحاد الوطني الكوردستاني والديمقراطي الكوردستاني، والعديد من الشخصيات العراقية الثقافية والفنية والسياسية. إضافة إلى سفير دولة الإمارات العربية المتحدة، الذي حضر عرضاً راقصاً لفرقة شعبية إماراتية في نهاية الاحتفال، وقال لموقعنا "العراق بلد عريق وتراثه كبير، وهو امتداد للجزيرة العربية كلها، نرجو لهذا الموسم الثقافي إن شاء الله كل توفيق".


كلمة وكيل وزارة الثقافة فوزي الاتروشي
في افتتاح الأسبوع الثقافي العراقي في دمشق

معالي وزير الثقافة الدكتور رياض نعسان أغا المحترم
معاون السيد وزارة الثقافة  علي القيم المحترم سعادة السفراء وممثلو البعثات الدبلوماسية المحترمون
السيدات والسادة المثقفون والأدباء والفنانون المحترمون
تحية عراقية طيبة ....
يقول الجواهري الكبير : -

اني شآمي اذا نُسِب الهوى          واذا نُسبِتُ لموطني فعراقــي
ويُذيع ُ منك البرقُ كامنَ لوعتي      فيدي على قلبي من الاشفاقِ
رقت طباع بنيك فهي اذا انبرت      سآلت كصفو نميرك الرقـراق ِ
قالوا : دمشق فقلت غانية الربى     قالوا لذاك تطاولُ الأعنـــــاقِ
ِِامس فقدنا مبدعا وشخصية مناضلة وكادرا كفوؤاً في ملاك وزارتنا هو المستشار الثقافي للوزارة الشهيد الزميل كامل شياع الذي اختطفته يد الارهاب الاعمى وهو في دور عطائه لخدمة الوطن فالى روحه الطاهرة القي ايات الوفاء والحب.
        جئناكم من عراق التاريخ والحضارة والإبداع إلى سوريا الثقافة والمجد والإشعاع محملين برسائل الحب والتبريك لدمشق محتفين بها عاصمة للثقافة العربية لهذا العام وفي كل عام .
وإذ تطأ أقدامنا ارض دمشق يخامرنا الشعور بالاخوة العراقية السورية ، وبالجيرة الازلية الابدية بين شعبين شقيقين صديقين ، يشتركان في العديد من السجايا والخصال الحميدة ، ويرتبطان بروابط الدين واللغة والنسب ، ولا عجب فكلاهما يشرب من نهر الفرات .
       اسمحوا لي معالي الوزير ايتها السيدات ايها السادة ان انقل لكم عرفان العراقيين حكومة وشعباً ،  وامتنانهم لسوريا حكومة وشعباً على احتضانهم لألوف من المهاجرين العراقيين ومشاركتهم لالامهم وامالهم ، شكراً لسوريا وهي تسمع انين بغدادي يصطرخ من اهوال العنف والارهاب والدمار فتلفه بذراعيها الحانيتين مرددة معه آهات مصطفى جمال الدين وهو يخاطب بغداد:-

     لله انـــت فــاي ســــرٍ خــــالدٍ            أَنْ تسمنِ وغذاء روحك يُضمرُ
     ان تشبعي جوعاً وصدرك ناهدٌ           او تظلمي أُفقــاً وفكرك نَيّـــــرُ

          وليس هذا الموقف الاخوي النبيل بغريب على سوريا التي احتضنت من قبل اقطاب المعارضة العراقية الوطنية وجمهورها الكبير والداعي ودنا منهم  حيث مررنا من هنا الى بيروت نعقد اول مؤتمر للمقاومة العراقية عام 1991 وكلنا امل ان تعود البقية الباقية من اهلنا العراقيين المهاجريين الى وطنهم الحبيب ، وهو يشهد تحسناً امنياً ملحوظاً في الوقت الذي يشهد بداية تضامن رسمي عالمي وعربي كبير عبر زيارات عدد من قادة الدول العربية الشقيقة الى بغداد واعادة افتتاح سفاراتها فيها تباعاً .
        ان العراق الجديد اليوم بامس الحاجة الى دعم محيطه الاقليمي بشكل عام ومحيطه العربي على وجه الخصوص ، فالعراق الجديد ايتها الاخوات ايها الاخوة يتبنى قيم المحبة والتصالح والسلام ، ويدعو الى نبذ العنف والتقاتل والارهاب ، العراق الجديد هو بوابة تنفتح على الاخر وتتعايش معه بسلام ومودة واخاء وتعتبرُ عنصر أمان واستقرار لجميع شعوب المنطقة والعالم ، إن باقة الورد العراقية التي تمثل جميع مكوناته واطيافه ستفوح بشذاها الحُر على الجميع دون استثناء ، فنحن في العراق الجديد مع المختلف قبل ان نكون مع المتفق ومع المعارض السياسي قبل الموالي لان في العراق متسع لجميع ابنائه ولنْ ينهض الا باياديهم جميعاً .
       سيداتي سادتي ... إن العراق حكومة وشعبا يقفُ جنبا الى جنب مع سوريا الشقيقة في قضاياها المصيرية العادلة ولا سيما قضية تحرير الجولان العزيز وكلنا ثقة بقدرة السوريين على تحريره واستعادة اراضيه بكل الطرق المشروعة فهم ابناء الثورة السورية الوطنية عام 1936 بوجه الاستعمار الفرنسي ، وكأني بالجواهري الكبير قد حياهم في قصيدته ( ذكرى دمشق الجميلة ) قائلاً : -
                 ثُباتاً دمشقُ على الرزايا        وتوطيناً وإن ضاقَ الخناقُ
                وفوزاً بالسباق وليسَ امراً     غريباً ان يكون لكَ السباقُ
                دمشقُ وانت غانيةُ عروس    أمشتبكُ الحراب لك الصداقُ
        ايتها  الاخوات  ايها  الاخوة ان احتفائنا اليوم بدمشق عاصمة للثقافة العربية لعام 2008 انما جاء تعزيزاً وتوثيقاً للعلاقات السياسية والاجتماعية والثقافية بين البلدين الشقيقين ودليلا على تعانق ثقافتين عريقتين طالما شعَّّتا على العالم بالعلم والمعرفة والابداع ، ونعرب عن اعتذارنا لعدم مشاركتنا في حفل افتتاح فعاليات دمشق عاصمة للثقافة العربية  وتسّرنا رغبة وزارة الثقافة السورية بتوثيق العلاقات الثقافية مع وزارة الثقافة العراقية اذ قدمت لها مؤخراً مسودة برنامج تنفيذي للتعاون الثقافي للاعوام 2009 – 2010-2011 ، ويسعدني ان اعلن من هنا موافقتنا على بنود البرنامج المذكور واستعداد معالي الأخ الوزير الدكتور ماهر الحديثي لتوقيعه مع معالي الاخ الوزير الدكتور رياض نعسان اغا في اقرب وقت ممكن .
ان هذا الاتفاق الثقافي جاء ثمرة الاجتماعات الناجحة للجنة العراقية السورية المشتركة المنعقدة في دمشق مؤخراً ،والتي تمخض عنها المزيد المفيد من الاتفاقيات الداعية الى تعزيز التعاون الاقتصادي والتبادل التجاري إذ تأمل الحكومة العراقية ان يصل مستواه الى اكثر من مليار دولار نهاية العام الحالي بمشيئته تعالى .
                             ايها الحضور الكريم
 رغم اجواء العنف والارهاب التي سادت المشهد السياسي والثقافي في العراق بعد التحرير فأن سياسة وزارة الثقافة في العراق انعطفت نحو الغاء تراكمات الماضي على واقع الثقافة العراقية حيث جعلت من صلب سياستها دعم الابداع والمبدعيين دون تمييز عن مستوى العراق وتنشيط الحركة الثقافية من خلال الدعم التعاون واحترام استقلالية الادب والفن والفكر وحرية المثقفين من شتى الاختصاصات ، والغاء الرقابة بجميع انواعها وتشجيع التعددية الثقافية والفكرية ، والمساهمة في عملية التحول الديمقراطي ورفض الهيمنة الفكرية ودعم الوسط الثقافي المستقل واشراك المثقفين والمبدعين في عمل الوزارة كمستشارين والعمل الجدي لاعادة تأهيل وتطوير مؤسساتها الرئيسية كالمتاحف والمكتبات والمسارح.
كما عملت الوزارة على تأهيل الكفاءات المطلوبة لادارة العمل الثقافي ،على الجانب  الاخرنجحت الوزارة في استرجاع عدد كبير من القطع الاثرية والاعمال الفنية والوثائق     المهربة خارج العراق، وسبق ان استلم السيد محمد عباس عريبي وزير السياحة السابق عدداً كبيراً من القطع  التي ضبطت من قبل السلطات في سوريا .
تبقى وزارتنا مصممة على التصدي للطائفية والارهاب  والتمسك بالهوية العراقية وقيم السلام والتسامح وحق المشاركة في بناء الوطن والحوار وحق الاختلاف وانهاء اية قطيعة بين مثقفين الداخل والخارج ومن هذا المنطلق عملنا على دعوة المثقفين والفنانين العراقيين المتواجدين في سوريا للانضمام الى الاسبوع الثقافي العراقي . ومن نفس المنطلق ندعوهم للعودة الى العراق والمشاركة في التنمية والبناء والعمل ضد العنف والتحلي بموقف مسؤول وفعال تجاه التجربة الديمقراطية العراقية .
ايها السادة الكرام
ان من حق العراق ان يطالب جيرانه واشقائه ان يتفهم وضعه وموقفه فذلك يساعده اكثر فاكثر عن تحقيق الامن والسلام ومكافحة الارهاب والتطرف الذي يعرقل النمو ويعيق استفادة السيادة الكاملة للعراق عن ارضه،في وقت اثبتت حكومتنا الوطنية جدارتها في التمسك بالسيادة العراقية التي لايمكن التهاون فيها .فأن دعوتنا كمثقفين لكل دول الجوار هو الانفتاح على  الشعب  العراقي والتضامن معه لتضميد جراحه واستعادة عافيته، وهذا الانفتاح يكون بانهاء اية قطيه على مستوى كان وفي هذا المنطلق ندعو الاخوة في سوريا للنهوض بدور فعال لاعادة اتحاد الادباء والكتاب العراقيين الى اتحاد الادباء العرب لاننا نشعر ان ظلما كبيرا لحق بادباء وكتاب العراق جراء هذا القرار المؤسف .
لقد وقف الكتاب والادباء والمثقفون العراقييون  وما زالو عن خط المواجهة الاول وقدموا نماذج رائعة للشهادة من اجل الوطن وفي دحر الارهاب والمد الظلامي في العراق ، واسماء مثل شهاب التميمي نقيب الصحفيين العراقيين السابق  والصحفية المبدعة اطوار بهجت واخرهم كامل شياع المستشار في وزارتنا ستضل عالقة وطرية  في اذهان العراقيين ياعتبارهم خندق الدفاع الاكثر صمودا من اجل عراق مستقل  .     
         نلتقي هنا في دمشق الحضارة والابداع عاصمة للثقافة العربية كما سنلتقي في بغداد عام 2011 عاصمة للثقافة العربية ، ومن ثم في النجف الاشرف عاصمة للثقافة الإسلامية. وشكراً لدمشق  التي احتضنت العراقيين وما زالت تحتضنهم وشكراً لأرضها التي ضمت رفات كبار مثقفيهم ومبدعيهم ، والف تحية للجالية العراقية الكبيرة هنا في سوريا والتي سيكون لها اسهامة فاعلة في انجاح هذا الكرنفال العراقي السوري الكبير والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته ....
                  فوزي الاتـــروشي
                                           وكيل وزارة الثقافة جمهوريــة العراق    
                                                               24/8/2008   

222
فوزي الأتروشي وكيل وزارة الثقافة في حوار مفتوح مع صحيفتي (الأهالي) و(كل العراق)


حاوره في بغداد: هفال زاخويي وعادل المانع
- هناك قصور في النظرة الى وزارة الثقافة  بل الى الثقافة نفسها والمؤسف ان هذه النظرة تأتي حتى من قبل الاطراف المشاركة في العملية السياسية وهناك من يريد فرض فهم شمولي للثقافة
- يجب اعتبار وزارة الثقافة من الوزارات السيادية لان مشكلتنا في العراق ثقافية قبل ان تكون سياسية ويجب أبعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة سياسية كانت او طائفية او دينية  وكذلك اختيار مرجعيات وعناوين  ثقافية عراقية لقيادة وزارة الثقافة
- الكثير من السياسيين الأميين ربما لايفهمون او يستوعبون الخطاب الاستراتيجي للثقافة
- هناك توجهات فكرية  انطلاقا من افكارماضوية سلفية تحاول ان تهمش من دور الثقافة والمثقفين
- للمثقف عشرات المبررات لكي يتجاوز علينا ، اما نحن المسؤولون فليس لنا مبرر واحد، المثقف ينقصه كل شيء، ونحن نتمتع بكل شيء فكيف سنبرر اعتداءنا على المثقف وتجاوزنا عليه...؟!

*  بعد التغيير الذي حصل على اعقاب سقوط النظام ماهي رؤيتكم للمشهد الثقافي العراقي الحالي... ؟
- بعد التحرير توقع الجميع وانا منهم  انعاش كل مايتعلق بالواقع الثقافي الذي عانى الكثير من الاهمال والتهميش ولكن المفارقة هو اننا عانينا من مشاكل عديدة ولا زلنا... فميزانية وزارة الثقافة ضعيفة جدا لاتقارن بميزانيات الوزارات الاخرى كما ان هناك قصور في النظرة الى وزارة الثقافة  بل الى الثقافة نفسها والمؤسف ان هذه النظرة تأتي حتى من قبل الاطراف المشاركة في العملية السياسية وهناك من يريد فرض فهم شمولي للثقافة علما ان الثقافة لايمكن لها ان تنتعش الا في حاضنات و فضاءات الحرية .
المسألة الأهم هي ان المحاصصة اثرت على وزارة الثقافة بشكل سلبي اكثر من اي وزارة اخرى ومازالت وزارتنا تعاني من هذه المشاكل , ارى ان النهوض بالواقع الثقافي يطلب منا تغيير النظرة الى الثقافة والأخذ بنظر الإعتبار ان هناك تعدد ثقافي يتكامل داخل الوطن الواحد  ولا يجوز لاي طرف ان يسقط اي تخندق ديني او قومي او مذهبي على الثقافة ، كما ويجب مضاعفة ميزانية وزارة الثقافة التي كانت مهمشة اصلاً في ايام النظام السابق وتابعة ذليلة لوزارة الاعلام ،و يجب اعتباروزارة الثقافة من الوزارات السيادية لان مشكلتنا في العراق ثقافية قبل ان تكون سياسية كانعدام ثقافة الحوار والتعايش والتسامح التي  تسبب المشاكل السياسية  كما يجب اعادة انعاش  وتفعيل البنية التحتية للثقافة التي تعتبر مدمرة وكل هذه تعد خطوات لتجديد وضع ثقافي اخر وتفعيل وزارة الثقافة.
* ما هي الاسباب حسب رؤيتكم وهل ان المشكلة في العراق تكمن في الصراع بين السياسي والثقافي او ان السبب يعود الى المد الاسلامي الذي شهده ويشهده العراق بعد سقوط نظام صدام؟
- نعم ارى ان المد الاسلامي لدى البعض بطابعه الشمولي غير المتناغم مع الطابع الحضاري الانساني للثقافة من ناحية هو سبب في ذلك  ومن ناحية اخرى ان الكثير من السياسيين الأميين ربما لايفهمون او يستوعبون الخطاب الاستراتيجي للثقافة  وهؤلاء لايمكن حتى اطلاق وصف (سياسي )عليهم فقد صعدوا الى السطح عن طريق المحاصصة الطائفية او السياسية وهؤلاء لانتوقع منهم فهم الخطاب الانساني المبدع او أي دور للثقافة في بناء الانسان وفي انضاج الوعي  من ثم حل المشاكل السياسية والاقتصادية والاجتماعية المتعلقة اساسا بوعي الانسان العراقي .

* اذن ما هي السبل للتغلب على هذه المعرقلات للنهوض بالواقع الثقافي العراقي...؟
- انا من القائلين بأنه يجب تثقيف السياسة العراقية ، والسياسي العراقي قبل كل شيء يجب ان يكون مثقفا  لان هناك فرقاً  بين الخطاب الثقافي والخطاب السياسي  فالأخير يعد خطابا يوميا متفاعلا مع الظواهر اليومية  بينما الخطاب الثقافي هو حاضنة محصنة للقرار السياسي كونها ذات بعد استراتيجي بعيد المدى  تمثل وجدان الشعب العراقي وهي الآلية لاعادة اللحمة لنسيج  المجتمع العراقي بكافة تلاوينه اذ ان هذا النسيج مازال هشاً بل وازداد تمزقا  بعد التحرير ، الكثير منا لم يعد يعمل ضمن  الهوية الوطنية الكبرى بل نعمل ضمن هويات اصغر( قومية ،مذهبية ،حزبية، طائفية ،مناطقية ) وهذه الهويات اذا استمرت معنا فإنها ستؤدي الى كارثة كبرى، يجب العمل ضمن الهوية العراقية القائمة على المواطنة وهذا مايعرقله بعض الاطراف حتى المشاركة في العملية السياسية ، إن انعاش واعادة الروح للهوية الوطنية العراقية يجب ان يكون من احد اهم محاور عمل وزارة الثقافة .
* هل تعتقد ان هذا  برنامج موضوع أم جاء بشكل  يتناغم مع المرحلة السياسية التي نمر بها...؟
- اعتقد انه ثبت للكثير من السياسيين العراقيين انه حتى عندما كانت السياسة قابلة للتراجع والانكسار وعبر المراحل التاريخية  فان الثقافة العراقية وعناوين هذه الثقافة العراقية  كانت عصية على الاندحار والانكسار , نحن نعلم ان الشعب العراقي افرز مثقفين مبدعين ليس في المجتمع العراقي فحسب بل في مجتمعات اخرى وأمدوها بالكثير من العطاء ، فخيرة المثقفين العراقيين رحلوا خارج الوطن ولم يتنازلوا  للدكتاتورية ولم يحصلوا حتى على جنسية او حتى على قبر ، ان هذه العناوين المرجعية للثقافة العراقية هي التي كانت عصية على الاندحار واعتقد ان الثقافة العراقية بعناوينها الاساسية اذا نالت الفضاء الكامل للحرية فإنها ستكون في المقدمة قبل السياسة العراقية الحالية التي تعاني الكثير من التلكؤ والتعثرخاصة في مجال صناعة القرار السياسي والاقتصادي للمجتمع، اعتقد ان هناك من يحاول ان يعرقل ان يكون المثقف العراقي والثقافة العراقية في واجهة المجتمع العراقي.
* برأيكم في حال استثناء وزارة الثقافة من المحاصصة طائفية كانت ام حزبية وتكون قائمة على ثوابت وهوية وطنية عراقية  فهل بمقدورها آنذاك ان تشكل مرجعية للثقافة العراقية...؟
- اعتقد ان الحل الوحيد هو ابعاد وزارة الثقافة عن المحاصصة سياسية كانت او طائفية او دينية  وكذلك اختيار مرجعيات وعناوين  ثقافية عراقية لقيادة وزارة الثقافة لانها وزارة مهمة وخطيرة جدا لدورها في بناء النسيج الوطني والهوية الوطنية واعادة بناء اللحمة الوطنية  وهي مهتمة ببناء الوعي وبناء الانسان فنحن يجب ان نستثمر الانسان ،وقد لايكون انجاز وزارة الثقافة ملموساً، فهذا انجاز محسوس على المدى البعيد ، انا اكرر كلما استثمرنا اليوم في وزارة الثقافة وفي الثقافة عموماً  فاننا بعد عشر سنين سوف نستثمر اقل بكثير مما نستثمره اليوم في وزارتي الدفاع والداخلية لانه بقدر نضوج وعي الانسان سوف نخلق تناغم اجتماعي وثقافة الحوار والمشاركة ،اذن  لاحل الا بابعاد وزارة الثقافة عن اي محاصصة اياً كان نوعها وعند تحقق ذلك فاننا سنحقق قفزة نوعية في هذا المضمار  .
* إذن من خلال كلامكم نخلص الى القول ان الثقافة والمثقفين في العراق يستندون الى ارضية متينة ولكن بحكم السياسة فان الوزارة التي كلفت بتطوير الثقافة العراقية لم يكن لها نتاج ثقافي بمستوى الطموح...؟
-  لأكن أكثر وضوحاً واقول اننا في الوزارة كجهاز اداري متخلفون عن عطاءات المثقفيين العراقيين  سواء في الداخل اوفي الخارج وانا أخشى ان تتسبب المحاصصة الطائفية داخل الوزارة في هجرة عقول وادمغة عراقية مبدعة جديدة الى  خارج الوطن , المثقفون العراقيون عانوا من المنافي ومن الاغتراب و يجب ان نمنحهم فرصة للعودة الى الوطن والعمل بكل حرية, الابداع الانساني لايقبل اي قيد او اشتراط من اي نوع كان لذا فان اخراج الوزارة من المحاصصة سوف يمنح الفرصة لكل المثقفين من كل االتلاوين العراقية  وحتى للسياسيين ولمشاريعهم السياسية بمختلف انتماءاتهم للعمل والمساهمة في بناء العراق .

* هل هناك فكرة مطروحة في الساحة حول اختيار وزير للثقافة يكون من الوسط الثقافي...؟
-  كانت هناك افكار عدة طرحت حول اختيار وزير للثقافة ومن ضمنها هذه الفكرة الواردة في سؤالكم لكن للأسف فما زالت وزارة الثقافة ضمن المحاصصة الطائفية التي تحكم عموم السياسة والإدارة في العراق ...انا اعتقد ان على سيادة رئيس الحكومة نوري المالكي ان يفي بوعده الذي اعلنه في مهرجان بابل 2008 حينما ذكر في كلمته  (باننا سنعتبر وزارة الثقافة وزارة سيادية واننا سنقوم ببناء قصور ثقافية في اغلب المحافظات )...كما ان هناك نقطتان اساسيتان اولاهما ان يصدر  قانون سلامة الصحفيين وان يكون متكاملا لايحمي الصحفي من التصفية الجسدية فحسب ، بل يجب حمايته أيضاً من التصفية الفكرية اذ ان هناك اطرافاً حتى داخل العملية السياسية تضيق الخناق على الصحفي والمثقف وعلى حرية التعبير،أما النقطة الاخرى فان هناك وعداً اخر لسيادة رئيس الوزراء حول تكريم الفنانين والصحفيين والمثقفين ولا ارى اي سبب لعدم الايفاء بهذا الوعد حتى الآن وقد طرحنا هذا الموضوع اكثر من مرة , والمطلوب ان يلتفت الجميع بما فيهم فخامة رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء الى ضرورة انهاء موضوع التمويل الذاتي وتداعياته على بعض الدوائر،بالإضافة الى العمل على انعاش البنية التحتية لوزارة الثقافة فمثلا قاعة المسرح الوطني التي تعد من ارقى القاعات لاتوجد فيها اجهزة تبريد مع انها واحدة من اكبر قاعات بغداد .
* الم تكن لدى وزارة الثقافة ميزانية لتدارك مثل هذه المسائل مثل وضع قاعة المسرح والوطني والقاعات والمؤسسات الأخرى...؟
- ميزانية الوزاة أصلاً ضعيفة ولا يمكن من خلال هذه الميزانية ضخ الدماء في مؤسسات البنية التحتية للثقافة العراقية في عموم محافظات العراق   ...دعني اقول : انه ليست هناك مديريات للثقافة في المحافظات ولكننا لجأنا الى بادرة اخرى ففتحنا بيوت ثقافية في (13)  محافظة وآخر بيت ثقافي حصلنا على موافقة لافتتاحه هو البيت الثقافي في اربيل ومع الأسف فكل بيت ثقافي لايستلم من وزارتنا سوى نصف مليون دينار شهرياً اي ما يعادل اربعمائة دولار فقط وهذه كارثة بحد ذاتها... لذا بعد عودتي من مهرجان البيوت الثقافية في بابل اقترحت زيادة ميزانية البيوت الثقافية لانها بمثابة واجهات لوزارة الثقافة في المحافظات .
* كم هي ميزانية وزارة الثقافة...؟
- ميزانية الوزارة 52 مليار دينار لهذه السنة وهي قليلة جدا بالنسبة لوضع ثقافي يعاني الكثير .
* نستشف من كلامكم ان هناك اهمالاً للوضع الثقافي فهناك ميزانية ضعيفة مقابل وضع ثقافي متدهور فهل برأيكم هذا تعمد مقصود لتهميش دور الثقافة في العراق ام ان هناك اسباباً اخرى...؟
- المشهد الامني والسياسي والعسكري هو المسيطرنتيجة الوضع الأمني والسياسي غير المستقرين  كما ان هناك توجهات فكرية  انطلاقا من افكارماضوية سلفية تحاول ان تهمش من دور الثقافة والمثقفين ولاتريد للثقافة الليبرالية والمبدعة ان تنتعش في بلدنا.
*  فوزي الأتروشي كمثقف قبل ان يكون وكيلاً لوزارة الثقافة هل انت متفائل اتجاه ما يحمله القادم من الزمن بخصوص الثقافة العراقية...؟
- اعتقد ان لاخيار آخر امامنا غير التفاؤل ، وكل الاطراف المشاركة في العملية السياسية عليها ان تدرك اهمية الثقافة في بناء العراق وعليها ان تدرك ان الثقافة عامل تنمية في كل مجالات الحياة كما ارى ان هذه الأطراف  مجبرة وليست مخيرة لانعاش المشهد الثقافي العراقي كما واقول ان هناك أطرافاً سياسية ستندم لانها نظرت بقصور الى عموم واقع الثقافة والى مفهوم الثقافة.
* قد نستوعب ونفهم الاعتداءات الصادرة من افراد حمايات بعض المسؤولين في الدولة- والتي اصبحت ظاهرة نسمعها ونشاهدها كل يوم- على الصحفيين وعلى المثقفين ، لكن ان يصدر اعتداء من أفراد حماية أحد كبار المسؤولين في وزارة الثقافة على الصحفيين أو المثقفين فهذا محل استغراب ودهشة، انتم بماذا تعلقون في هذا الصدد...؟
- ارفض اي تجاوزمهما صغر او كبر  على اي مثقف او صحفي  او كاتب اومبدع  فحتى لو اعتدى عليَََ احد من هؤلاء فمعه العديد من المبررات والاسباب والأعذار قد تتعلق بعيشه ووضعه المالي والنفسي ومعاناته  اما ان اعتديت انا او اي مسؤول اخر في الدولة فنحن لانملك عذراً واحداً ومبررا واحدا ... للمثقف عشرات المبررات لكي يتجاوز علينا ، اما نحن المسؤولون فليس لنا مبرر واحد، المثقف ينقصه كل شيء، ونحن نتمتع بكل شيء فكيف سنبرر اعتداءنا على المثقف وتجاوزنا عليه...؟!... علينا ان نفهم انه لاوجود لوزارة الثقافة دون نخبة المثقفين والفنانين والكتاب والصحفيين وبدون هؤلاء ستتحول وزارة الثقافة الى جهاز إداري لامعنى له .
* هناك حالة من القطيعة الثقافية المناطقية بين الوسط والجنوب واقليم كردستان بالإضافة الى القطيعة الثقافية بين الطوائف والتيارات والاتجاهات السياسية ...هل هناك محاولات جدية لانهاء هذه القطيعة وإعادة اللحمة والتفاعل الى طبيعتها خدمة للثقافة العراقية كثقافة وطنية ...؟- نعم هناك قطيعة ثقافية على أكثر من جبهة في العراق بالاضافة الى القطيعة الثقافية بين مثقفي الداخل ومثقفي الخارج ،وانهاء القطيعة عملية مهمة ولكنها بحاجة الى جهود جبارة وصبر ومثابرة ورحابة صدر...ان ما أنجزناه نحن في هذا الإتجاه قد يكون شيئاً متواضعاً او قل انه بداية الطريق فلدينا الآن خططاً لعقد منتديات ثقافية على مستوى البلد كله وكذلك على مستوى الخارج لدعوة المثقفين العراقيين في المهجر للعودة الى العراق وفيما يخص اقليم كردستان فقد وقعت انا نيابة عن وزارة الثقافة بروتوكول مع السيد وزير الثقافة في اقليم كردستان لتنسيق الجهود وتفعيل العلاقة الثقافية وفعلاً قمنا بدعوة وزارة الثقافة في اقليم كردستان وكذلك المثقفين الكرد للمشاركة في مهرجان بابل ومهرجان المتنبي وهناك فكرة لتبادل الزيارات بين بغداد والمحافظات العراقية من جهة وبين اقليم كردستان من جهة اخرى...بإختصار هناك خطوات اولية وبسيطة في هذا الاتجاه لكنها جدية.
* ألا ترى ان فكرة البيوت الثقافية محاولة لمركزة الثقافة العراقية كي يكون لها طابع شمولي رسمي كما على ايام النظام البائد...؟
- النظام السابق ضيق الخناق على الثقافة العراقية وكاد أن ينهيها بأساليبه الديكتاتورية المعهودة والمعروفة بل جعل من الثقافة دائرة صغيرة ملحقة بوزارة الإعلام وكانت هناك مديريات تسمى بمديريات الثقافة الجماهيرية وهذه كانت بمثابة واجهات إعلامية مؤدلجة  للنظام اكثر مما تكون ثقافية وذلك لبث افكار النظام ...أما فكرة البيوت الثقافية فإنها تجربة لإبعاد الثقافة عن الهيكلية الإدارية الرتيبة للوزارة وهي ستكون مهتمة بالمثقفين وبنتاجاتهم الإبداعية وسيكون تركيزها على هذا الجانب وليس على الجانب الإداري الروتيني الممل.
* ان كان لكم ما تضيفونه...؟
- أدعو كل الساسة العراقيين وكذلك كل التيارات السياسية الى ان تعيد النظر في نظرتها الى الثقافة بل وتغيرها وعليهم ان يعلموا ان المجتمعات المتحضرة تولي الثقافة والمؤسسات الثقافية أقصى الإهتمام كونها هي التي تحمي الهوية الوطنية وتبرزها.

* شكراً لك
- شكراً لكما ولجريدتيكما الليبراليتين واتمنى لهما دوام العطاء من أجل عراق ديمقراطي تعددي جديد .


223
العراق في المهرجان العالمي للفلكلور... حضور فاعل واداء مميز
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

                                                                   
فوزي الاتروشي
                                                                    وكيل وزارة الثقافة


التراث الشعبي والمخزون الفني والادبي للشعوب الذي تراكم على مر العصور هو كم هائل من العطاء لا يجوز ان يتهدد او ينقرض او تذروه رياح العصرنة والعولمة , بل يجب ان يتجدد وينتعش ويؤشر بوضوح للتمايز والتنوع ومن ثم التكامل والتحول الى جسر للصداقة بين الشعوب بغية رسم الهوية العالمية من مجموع التلاوين والسياقات والهويات الفنية والادبية والتراثية لشعوب الارض .
هذه هي الرسالة البالغة المغزى التي اراد المهرجان العالمي للفولكلور ايصالها الى الجميع . وقد نجح الفرع البلغاري للمجلس العالمي للمنظمات المعنية بالتراث في الفترة من 21/7- 2/8/2008 في مد اواصر صداقة خضراء بين تراث الشعوب , حيث حضر المهرجان اكثر من (20) دولة لاستعراض فنونها ودحر جدران العزل ودحض مقولة ان الفولكلور بطبعه محلي ومناطقي وعاجز عن اقتحام العالمية . حضر المهرجان وشارك في فعالياته في مدينتي (صوفيا) و(فيليكو ترنوفو) التاريخية فرق من العراق وتايلند ومالطا وكوستاريكا وروسيا وشيلي والمكسيك والاكوادور والهند ودول عديدة اخرى . وقد كان للوفد العراقي الذي كان برئاسة كاتب هذه السطور مع السيد (حسن الشكرجي) مدير عام دائرة الفنون الموسيقية التابعة لوزارة الثقافة حضور مميز واداء فيه قسط وافر من الفرادة والابداع , فقد الهبت فرق (منير بشير) و (عشتار) و (النهرين) مشاعر الحاضرين واثارت تصفيقهم بالحانها الشجية التي تمثل العراق بكل مكوناته وتستطيع اثارة الذائقة الفنية للانسان الاوروبي . ولا ادل على ذلك من الاعجاب الفريد الذي ابداه وكيل وزارة الثقافة البلغاري وقيامه امام المسرح لتحية الفريق العراقي اثناء الافتتاح الثاني للمهرجان في اكبر قاعات صوفيا يوم 21/7 , ومن ثم الحديث الشيق الذي خصًَ به الوفد العراقي اثناء اللقاء به في مكتبه يوم 22/7 .
اجمع رئيس فرع بلغاريا لهذه المنظمة العالمية (Emil Pavlov) ورئيس المجلس العالمي لمنظمات الفلوكلور التايلندي الاصل (Dr.VDomsak Sakmunwong) وكافة المسؤولين البلغار الذين التقاهم الوفد العراقي على فرحتهم بحضور العراق وترحيبهم بمشاركة العراق المميزة ولا سيما حضور فرقة (عشتار) المؤلفة من العناصر النسائية . ولذلك كان للوفد العراقي حضور فاعل في السهرة التي دعى اليها وفد (مالطا) ومن ثم وفد (تايلند) في الفندق المخصص للوفود . وتحدث رئيس المجلس العالمي لمنظمات الفولكلور  بتضامن وعطف شديدين مع العراق ووعد بقبول العراق عضواً في المنظمة العالمية المعنية بتراث الشعوب .
ومما قاله "اننا يجب ان نتلاقى ونتحاور اكثر فاكثر وان لا تطغى اخبار الحرب لديكم على جمال فنكم وتراثكم , ولا بد لاخبار الفن والفكر والموسيقى العراقية ان تطغى على اصوات الانفجارات لديكم والتي تملأ نشرات الاخبار العالمية حالياً" .
وقد تسنى لنا القاء اكثر من كلمة باللغة البلغارية في مدينتي (فيليكو ترنوفو)و(صوفيا) عبرنا فيها عن فرحنا وغبطتنا بالحضور لهذا اللقاء العالمي وتصميمنا على المضي في رسم معالم العراق الجديد المنسجم مع العالم والعصر والمتشوق للديمقراطية وحقوق الانسان والسلام والوئام الاجتماعي . والتقى الوفد العراقي بقنوات التلفزة البلغارية وشارك في احتفال انتخاب ملكة جمال المهرجان , وفي مدينة (صوفيا) كان العراق حاضراً ضمن الوفود في مبنى بلدية العاصمة العالمية حيث تلقى هديته التقديرية . 
اندمج لحن (سولاف) الكوردي مع الاغاني البغدادية والمقام لرسم صورة جميلة عن العراق سمعتها الحشود الحاضرة للمهرجان والالاف من مشاهدي التلفزيون الذي كان ينقل تفاصيل المهرجان . وعاد (العود) والة الايقاع والالات الاخرى الى الصدارة ولكن هذه المرة ليس في بغداد , بل في عاصمة اوروبية لم يمنع المطر الصيفي الهاطل بغزارة فيها المواطنين من الاستماع الى النغم القادم مهللاً من بغداد مبشراً بأن العراق قادر على تجاوز الحزن الى بوابة الفرح . ان اجمل ما قدمته المشاركة العراقية هي انها بنت جسراً جديداً مع العالم ولكنه جسر اخضر وواعد وقادر على تمرير بشائر التواصل الانساني مع العراق , وليس جسراً موبوءاً مفخخاً وملغوماً مثل التي تستميت بعض الاطراف مدها الى العراق لقبر ارادته في التنمية والديمقراطية . ان مصير العراق الجديد هو الانتماء الى العالم المتحضر والمساهمة في اغنائه باضافاته الحضارية , والخروج من قوقعة التخلف وتراكمات الماضي التي تريد بعض الدول وتراهن على فرضها عليه .
بقي ان نقول شكراً من الاعماق لاصدقاء العراق في العالم الذين كرروا اكثر من مرة بصدق وبنوايا طيبة خلال المهرجان ان امنيتهم ان ينتهي الارهاب في بلاد الرافدين وان تنتعش الديمقراطية والسلام مثلما نقول شكراً للسفارة العراقية في بلغاريا التي استضافت الوفد الفني العراقي واقامت في مبنى السفارة ليلة عراقية عامرة بالاشواق والمحبة .
ان هذا المهرجان وغيره من المنابر العالمية التي يحضرها وسيحضرها العراق هي التي ستغير التصورات المسبقة وتمنح الوطن العراقي صورة جديدة , بعكس محاولات دول الجوار التي ما زالت تستميت لفرض هيمنتها الثقافية وتلوين العراق بالوانها الخاصة ولذا فقد آن للعراق ان يتجاوز الاطار الاقليمي الى الاطار العالمي .





                                                                                        25/7/2008
                                                                                       صوفيا – بلغاريا     


224
العراق في المهرجان العالمي للتراث
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

بدعوة من الفرع البلغــــــــــــاري للمجلس العالمي للمنظمات المعنية بالتراث شارك وفد من وزارة الثقــــــــافة في المهرجان العـــــــــــالمي للتراث الشعبي في الفترة 21/7- 27/7/2008 ترأس الوفد وكيل الوزارة (فوزي الاتروشي) والسيد (حسن الشكرجي) مدير عام دائرة الفنون الموسيقية . وضم الفريق العراقي ثلاث فرق موسيقية هي (منير بشير) و(عشتار) و(النهرين) التي قدمت على مدى اسبوع عروضاً موسيقيــــة وغنـــائية في العــــــاصمة (صوفيا) وفي مدينة (فيليكو ترنوفو) التاريخية .
شارك في المهرجان الذي انعقد تحت شعار (يداً بيد من اجل ثقافة السلام) اكثر من (20) دولة استعرضت تراثها الشعبي من الرقص والغناء والموسيقى وفنون الطبخ . كما انتخبت ملكة جمال المهرجان وشارك العراق في هذه الفعالية ايضاً .
وقد عقد الوفد سلسلة من اللقاءات مع رئيس المجلس العالمي لمنظمات الفلكلور الذي وعد بقبول العراق عضواً في المنظمة . والتقى الوفد ايضاً برئيس مجلس بلدية (فيليكو ترنوفو) ورئيس مجلس بلدية العاصمة (صوفيا) ووكيل وزارة الثقافة في بلغاريا وكذلك مع السيد (ايميل بافلوف) رئيس الفرع الاقليمي للمنظمة .
وقد تم التأكيد في هذه اللقاءات على اهمية التواصل العراقي الثقافي مع الدول المشاركة وشرح وضع الثقافة العراقية الراهن . شكل المهرجان تظاهرة عالمية جسدت رسالة السلام والتعايش بين الشعوب وثقافة الحوار .



225
خبـــــــــــــــر
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

في الفترة من 10- 13/7/2008 شارك العراق في الاحتفال المتوسطي للزيتون المقام في مدينتي (بيلوسي) و(ميسيني) في اليونان بمشاركة (44) دولة .
وقد قدمت فرقة الساس العراقية التابعة لوزارة الثقافة عرضاً شيقاً للغناء والرقص الشعبي اثار اعجاب الحاضرين . ويقام هذا الاحتفال بمناسبة انطلاق مسيرة لنقل شعلة السلام من اليونان الى بكين وموسكو في اطار الدروب الثقافية (طرق الزيتون) التي تم اقرارها من قبل اليونسكو والمجلسين الاوروبي والدولي لزيت الزيتون باعتبارها دروب السلام والتعايش والصداقة بين الشعوب .

226
العراق على دروب الزيتون ... وعلى دروب السلام


                                                       
   فوزي الاتروشي
                                                           وكيل وزارة الثقافة



تجمع كتب التراث والكتب المقدسة والموروث الشعبي على قدسية شجرة الزيتون بما لها من ثمر طيب ينبئ بالصحة والعافية والخير , فأصبح الحامل لغصن الزيتون حاملاً لروح السلام والتسامح والتعايش والرغبة العارمة في التنمية . تحت هذا الغطاء الفكري انعقد في الفترة 9- 13/7/2008 مهرجان طرق الزيتون في مدينتي (بيلوسي) و (ميسيني) اليونانيتين احتفالاً بنقل شعلة السلام من اليونان الى بكين وموسكو . وقد حضرنا المهرجان بأسم العراق وقدمت فرقة (الساس) العربية التابعة لوزارة الثقافة عرضاً جميلاً من الغناء والرقص الشعبي اجتذب الحاضرين ليرتفع اسم العراق الى جانب الدول الاخرى الاجنبية والعربية في لحظات من الصفاء والنقاء والتوق الانساني نحو السلام والحرية والامان . وصلنا مدينة (بيلوسي) متأخرين بعد رحلة شاقة من دمشق الى اثينا ومنها فوراً الى مكان الاحتفال بعد اكثر من (5) ساعات بالسيارة وكانت فرحتنا عامرة بالقرى والمدن والمساحات الخضراء والبحر الذي يجعل العيون تنبهر والعقول تقفز الى خيال لا نهائي والقلوب تنشرح حباً وعشقاً بالطبيعة . لذلك فحال وصول الفرقة الى مكان المهرجان ابدت استعدادها لتقديم العرض ورفع اسم العراق بحضور السفير العراقي الصديق (حاتم الخوام) وعدد من الدبلوماسيين العرب والوفود الاجنبية . وكان تعليق عريف الحفل ان الفرقة العراقية ورغم متاعب السفر والطريق الطويل قدمت واحداً من اجمل عروض المهرجان .
ان العراق الواقع الان في واجهة الحدث السياسي عالمياً لا بد ان يثبت للعالم انه في الواجهة ايضاً حين يتعلق الامر بالثقافة والفن وان يمد جسور الصداقة الثقافية مع كل الثقافات وكل الدروب تنفتح امام الادب والفنون والابداع الانساني , وهذا فقط سيعيد العراق الى الخارطة السياسية للعالم كبؤرة تنوير وعطاء وسلام وحضارة , لالغاء الصورة النمطية التي تركزت في اذهان الناس ومفادها ان العراق الحضاري تراجع وانهزم لصالح عراق الارهاب والتخلف والانقسام الطائفي .
ان امتن الجسور السياسية بين العراق والدول الاخرى تبدأ بتدشين الجسور الثقافية التي ترطب العلاقة وتعرف الاخرين بالهوية العراقية الحقيقية وتنير لهم السبيل لاستيعاب العطاء الفني والادبي والفكري للمبدع العراقي كوطن على لائحة الدول المشعة والملونة بالابعاد الانسانية . وقد دلَ التاريخ ابداً ان اية دولة تمارس التخندق القومي او الديني او الطائفي وتقطع الاواصر الخضراء مع الانسانية التواقة للحرية  فأنها ستبقى عالقة في الوراء وغارقة في الهموم ومستباحة بهموم التخلف عن ركب الحضارة .
نقول هذا لأننا ما زلنا في العراق نعاني من قصور واضح في استيعاب اهمية الثقافة في اعادة اللحمة الى النسيج الوطني العراقي , وربط العراق بالبشرية المتقدمة الى الامام والتي تجاوزت كل الهويات الضيقة وانفتحت على الهوية الانسانية الكبرى . والكلام هنا موجه حتى الى بعض المثقفين الذين لا يرون العالم ابعد من شرنقة طائفتهم ولا يتجرأون على شم الهواء النقي والعمل في الهواء الطلق بعيداً عن التكلس والتقيح والترهل والتسمر في محطات المــاضي واجترار ما تم اجتراره الاف المرات . ان هؤلاء المثقفين الطائفيين لا يختلفون قيد شعرة عن الجبهة العريضة من المتخلفين المعادين للعطاء الابداعي , وان اختلفت دوافع المعاداة .
هنيئاً للعراق وهو يتماهى مع العالم ويطرق ابواب السلام والتنمية رافعاً غصن الزيتون .     

227
الصحافة العراقية .. مهنة على خطوط النار 

 
   
  فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


في عيد الصحافة العراقية لم احمل الى مقر الاحتفال وردا فقد خجلت ان احمل وردة الى بستان الزنابق ومشتل الياسمين واعني بهم جمهور الصحفيين الذين ينزفون كل يوم هذا الوطن الجريح. يوم 15/6 كنت على موعد لالقي كلمة في تجمع مهنته التشوق الى المتاعب وتجاوز ذلك بالوقوف على خطوط النار في عراق اصبح القول الجرئ والمتحدي والنابض بالحياة مهددا بالقتل والتصفية.
ليس هذا غريبا على من يكتبون لا لكي يصفق الاخرون او ينهضون اكراما لبلاغة الكلام , بل لكي يردموا قيح الجراح ويتضامنوا مع الاحزان والالام ويؤلفوا جسرا ليتواصل من خلاله العراقيون بمختلف الوانهم واثوابهم ولغاتهم وتطلعاتهم وثقافاتهم.
هذا النهج الذي تجسد بكل شفافية في مسيرة نقيب الصحفيين الراحل (ابو ربيع) كان لابد ان يتلقى حقد الارهاب وشره , ولكن (ابو ربيع) بربيع كلماته كان حاظرا بين المحتفلين بعيد الصحافة وهو يقول لحاملي القلم ان قدر الاقلام الحرة ان تواجه ولا تنكفئ على ذاتها وان تتكلم حين يسكت الجميع وان تقف بوجه الاعصار حتى حين تسقط اكثر الاشجار تجذرا في الارض وان تقف لصالح المواطن في وجه السلطه ولصالح خير وحرية وامن البسطاء ضد اية فئة تترفع على الجمهور.
قلت في كلمتي اننا معكم ومنكم واليكم ولا يمكنني تصور وجود لوزارة الثقافة دون التماهي في الكتاب والفنانين والصحفيين وكل المبدعين على ارض العراق. فهؤلاء هم وزارة الثقافة التي تتسرب كل يوم عبر الصحف والفضائيات واللوحات التشكيلية والاغاني والموسيقى والمسرحيات الى عقول وقلوب المواطنين لاضفاء لمسة جمال وحنان وحب على تضاريس ارض يكاد يخطفه الارهاب من ايدينا , وسلاحنا الامضى لمنع ذلك هو التشبث بثقافة التعايش والحوار والتألف والمشاركة في بناء الوطن بأكثر الطرق حضارية ونعني بوابة الادب والثقافة والفن والكلمة الحرة.
للصحافة في قلبي موقع خاص فقد مارستها وانا لم اتجاوز بعد العشرين من عمري عبر صحيفة التأخي اوائل سبعينات القرن الماضي ومازلت اتذكر شهيد الصحافة الكردية والعراقية (دارا توفيق) الذي جعل الصحيفة مشروعا عراقيا وناطقا بأسم الكل ومعبرا عن هموم الجبل والسهل والهور. ولذلك فاية وظيفة اخرى مهما علت لا تبلغ قامتها عندي  قامة مهنة الكتابة والتعبير عن الفكر وعن احزان الاخرين وهذه قمة الحرية وذروة اللذة والشعور بالوجود في هذه الحياة.




يقينا ان الصحافة العراقية تنزف وتدفع ضريبة الحرية كل يوم ولكن شهداؤها اذ يسقطون فأنهم بذلك يجعلون الحقيقة اكثر تجذرا وتحصينا في حياتنا ويثبتون للمرة الالف عبر التاريخ مقولة الجواهري الخالدة :


لثورة الفكر تاريخ يحدثنا
بأن الف مسيح دونه صلبا

ان الصحافة التي لا تعاند ولا تقتحم ولا تحفر اخدودا في الارض, ليست سوى كلام يمضي مع فيضان الحياة ويدخل, ارشيف النسيان لذلك فأن نقيض الصحافة الصفراء الباهتة هي الاقلام التي تجعل الدم والدموع والالام والجراح شهادة حب على جبينها فلا تخاف ولا تنطوي , بل تمضي وحصيلتها في الحياة انها تتحمل الى الابد وجع الاخرين, وهذه قمة الفرح للكلمة التي تريد ان تسجل في التاريخ نقشا على حجر لا وشما على الماء.
في عيد الصحافة العراقية احمل قلبي على يدي واضعه بحنان على قبور كل شهداء الكلمة الذين رحلوا لكي يحضر الامن والسلام والحب والخير الى حياتنا, وفي مقدمتهم نقيب الحفيين الراحل شهاب التميمي واطوار بهجت التي انبعت بيننا بستان ورد ونحن نحتفل يوم 15/6 في نقابة الصحفيين.

228
الاكراد والاتراك ... وئام حيناً وخصام اغلب الاحيان


                                             
فوزي الاتروشي
                                             كاتب ومحلل سياسي

دخلت تركيا معركتها الاخيرة ضد معاقل حزب العمال الكوردستاني بمشاعر طاغية بضمان اصطياد الغنيمة ولكن حسابات البيدر كانت في ادنى درجة مقارنة بحسابات الحقل . فكل المصــادر الخبرية والاستخباراتية تشير ان تركيا لم تحصد قيد شعرة النصر الذي توقعتـــه وهلَّلت له رغم توفر كل العوامــل المساندة , فالحصار التمويني والاعلامي كان مفروضاً على "جبل قنديل" الذي تصح عليه العبارة الكوردية الشهيرة (لا اصدقاء لنا سوى الجبال) اكثر من اي جبل اخر , والجيش الامريكي كان يمد تركيا بكل ما تحتاجه من تفاصيل حول مسرح المعركة , والجيش التركي جهز بأحدث تقنيات الاسلحة والعتاد الحربي والدعم اللوجستي . ورغم ذلك عاد الجيش الى قواعده مثخناً بجراح غائرة واهمها الجرح المعنوي الذي اصاب سمعته ورصيده في الصميم .
والمعلوم ان مقاتلي حزب العمال في غالبيتهم العظمى من الشباب والنساء اللواتي يحتلن مواقع قيادية وقتالية عالية المستوى . وربما كانت هذه الهزيمة بالذات هي العامل الاقوى من بين عوامل اخرى دعت الحكومة التركية لتلافي المحذور واستباحة المحظور من خلال الاعلان لأول مرة عن الترحيب باللقاء بحكومة اقليم كوردستان والتفاوض والتحاور معها على كافة الاصعدة ولا سيما معالجة "الازمة الكوردية" المشتعلة على جانبي الحدود . هذا تغيير انعطافي في السياسة التركية التي ظلت منذ عام 1992 تسمي الكيان الاقليمي الكوردي بعنصر الفوضى وعامل اللااستقرار ومصدر الهموم لتركيا والبؤرة التي تشع وتحرض الكورد اينما كانوا للنهوض والمطالبة بحقوقهم القومية .
تركيا الان اذن شريك سياسي واقتصادي للحكومة الاقليمية الكوردية التي من حقها ايضاً الترحيب بهذه الشراكة في العمل لتوطيد جسور التواصل بين الاقليم وتركيا ولازاحة غيوم الشك والظنون عن هذه العلاقة الكوردية – التركية التي ظلت صعبة ومعقدة ومحفوفة بسوء الظن وانعدام الثقة . والواقع انه لا يمكن تصور حدود امنة وهادئة بين تركيا والعراق اذا لم تتواصل الحوارات والتعاون والتواصل اليومي بين السلطات المحلية الكوردية وتركيا . وقد وجدت تركيا ان تعنَّتها طوال الاعوام الماضية كان ضرباً من الغرور والاداء المتخلف لسياسات ماضية عفى عليها الزمن , فالخطاب السياسي المعاصر عليه ان يرمي جانباً عباءة التراكمات التاريخية والسياقات القومية المتشنجة وان ترتكن الى الواقعية والمكاشفة والمصارحة والشفافية في التعامل . فمثلما ان تركيا حقيقة موضوعية قائمة فأن اقليم كوردستان العراق بحكومته وبرلمانه ووضعه المحصن بالدستور العراقي الدائم هو الاخر حقيقة ساطعة متجذرة على الارض لا يمكن لتركيا او لدول الجوار الاخرى انكارها . ولكن رغم صخب التصفيق والتهليل للعلاقة الكوردية – التركية الجديدة فلا يمكن الان توقع مسار هذه العلاقة مستقبلاً الا بعد ان نرى الخطوات الاولى على الارض والقناعة الفكرية التي تقف خلف مبادرة فتح تركيا لابوابها على مصراعيها للحوار مع كورد العراق .
الان يتركز الحديث حول تحصين الحدود العراقية – التركية وتعزيزها باكبر قدر من المخافر الحدودية , ويتركز كذلك على دحر "التمرد الكوردي" ورفع سقف الاحتياطات الامنية والعسكرية لمنع التسلل او شن هجمات على الاراضي التركية انطلاقاً من كوردستان العراق . هذه كلها محاور لا جدال حولها ولا يمكن لعاقل ان يطلب نقيضها فكوردستان العراق بحاجة ماسة الى كل شريان اقتصادي يمتد نحوها والى كل علاقة سياسية وثقافية وانسانية تزيده ومن خلاله العراق ارتباطاً ايجابياً بدول الجوار والعالم . وتركيا لها مصلحة في ان تتمتع بحدود مستقرة وامنة وخالية من الالغام والتوترات اليومية .
ولكن يبقى السؤال الاساسي وهو هل تكفي هذه الافكار لاعادة الوئام الى اصعب علاقة في تاريخ العلاقات الدولية وهي العلاقة الكوردية – التركية التي لم تتسم بالوئام الا في لحظات مسروقة من الزمن وظلت على الدوام متَّسمة بالخصام والتناحر . اننا ومعنا حشد المثقفين والسياسيين الكورد نرى ان تركيا سوف تنجز اكبر اقتحام سياسي واكبر نصر معنوي اذا ما وظَّفت هذا التوجه الجديد للانطلاق من الداخل التركي والنظر الى القضية الكوردية في تركيا بمنظار العصر ودحر كل القوالب الفكرية الجاهزة التي تمنع السياسي التركي من اللقاء والتحاور بالسياسي الكوردي في تركيا ايضاً وعدم قصر الحوار على كورد العراق . هذا سيشكل انفراجاً على كل الاصعدة فتركيا والحزب الحاكم سيربحان حليفاً جديداً وشريحة كبيرة من البرلمانيين ذوي الاصول الكوردية سوف تعمل لنجاح حزب العدالة والتنمية في حصاد اصوات اكبر في الانتخابات القادمة , مثلما ان اوروبا وحتى امريكا سوف تصفق لتركيا لانها انقذتهما من مشكلة شائكة شبَّت عن الطوق ولا يمكن خنق انفاسها , اما الحكومة الكوردية الاقليمية فأنها ستنطلق برغبة عارمة اكبر لتسهيل الامور وتيسير ايجاد الحلول بما لها من قدرة ومكانة ومصداقية لدى شرائح عديدة من كورد تركيا وسوريا وايران بشرط ان لا تضع هذه الدول الحكومة الاقليمية الكوردية في وضع محرج او تفرض عليها شروطاً تعجيزية او تخرجها من اطار الشراكة في اجتراح الحدود للمشاكل العالقة على الحدود . وفي النهاية يكون العراق كله ايضاً طرفاً في حصاد التجليات الخضراء لهذه العلاقة لان جبل مشاكله وهمومه لا يتحمل اية اضافات جديدة تعمًّق جراحه .
لقد كان مشهد تسليم جثمان المقاتلة الكوردية التي لم تعبر الـ (24) ربيعاً من عمرها الى السلطات الحدودية السورية من قبل الجيش التركي , مثيراً لكثير من الشكوك والقلق حول صدق نيًّة الطرف التركي , فالجثمان اختفى فجأة وصودر منعاً لتحول التشييع الى تظاهرة سياسية عارمة . هذا المشهد الانساني المثقل بالحزن يجعل المرء يتساءل الف مرة هل تركيا ومعها دول الجوار الاخرى التي تقسم ارض كوردستان مهيئة فعلاً سياسياً وحضارياً للانضمام الى حوار حضاري لحل واحدة من اعقد المشكلات القومية في المنطقة , ام انها تتحيًّن الفرص للانقضاض على الفريسة حالما تسنح الظروف مثلما فعلت دوماً . شخصياً لا بد ان نتفاءل ونحن نلمح بوادر الانفتــاح والتحاور ومحاولات تعويض الخصام بالوئام , ولكن افضل بداية لتركيا لوضع نفسها على عتبة جديدة مختلفة كلياً عن سابقتها , هو التحاور مع كورد تركيا وضمان كورد العراق كشركاء للبحث عن الحلول وتدشين عهد جديد من العلاقات الخضراء الكوردية – التركية .       


229
ابتسم فأنت في الشارقــــة


فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


((ابتسم فأنت في الشارقــة)) هكذا تستقبلك هذه الامارة النابتة من الصحراء والرمل والمشرفــة على الماء , وهذة الدعوة للابتسام والفرح ومعانقة شجر النخيل هي ذاتها التي تتكرر باساليب اخرى في (دبي) و(عجمان) وغيرها من تضاريس جسم دولة الامارات العربية المتحدة التي تعانق السماء بناطحاتها وعماراتها وابراجها وصور الحياة المدنية الحديثة التي قهرت الصحراء .
تهيأ لي زيارة دولة الامارات العربية المتحدة في الفترة من 5-12/5/2008 هذه الدولة التي تنمو بوتائر اسرع من التوقع وتصبح يوماً بعد يوم بؤرة السياحة والتسوق وجذب الاستثمارات والقوى العاملة من كل انحاء العالم .
خلال الزيــارة تعرفت على اغلب معالم دبي السياحية والاثرية وعلى صور البذخ والترف الخيالي التي تسودها , مثلما تعرفت على معاناة وظروف حياة ملايين العمال الاجانب الذين مازالوا بعيدين عن المستوى الذي بلغته حقوق العمال في الدول الغربية وهذه مسألة حيوية هامة لا يجوز لهذه الدولة ان تدع حبلها على الغارب فالذين يبنون هذا العملاق السياحي الاقتصادي العمراني في عمق الصحراء يجب ان تكون سلَّة حقوقهم متناغمة مع قوانين العمل الدولية .
في دبي والامارات الاخرى جالية كوردية وجالية عراقية ناهضة بينهم كفاءات ادبية وعلمية وفكرية ملفتة للنظر , ولأن زيارتي لا يمكن ان تكون كاملة دون التعرف على احوال الجالية واشكالياتها وهمومها , لذلك كان لي ثمة لقاءات بالعديد من الشخصيات واصدقاء الكلمة ومحبي الادب وفي 9/5/2008 دعتني الجالية الكوردية الى فندق (كارلتون الشارقة) الرومانسي الاجواء للدخول الى عالم الشعر والجمال والتواصل الحضاري وعلى مدى ساعتين وجدت نفسي القي الشعر على جمهور يطلب المزيد وكان حضور الزميل (جميل داري) بمقدمته الجميلة ومداخلاته النابضة بالحب جزءاً هاماً من نجاح تلك الامسية الرقيقة الناضحة باحلام القصائد وحلاوة الشعر .
وفي يوم 10/5/2008 كان لنا لقاء عند القنصل العراقي في دبي (عصمت عكيد) مع نخبة طيبة ومثقفة من ابناء الجالية العراقية بينهم سياسيين وشعراء واعلاميين القى فيها الشاعر (كريم العراقي) جملة من اشعاره الجميلة التي تبعث في القلب حرارة الشوق وجمرات الحنين وتعيد الثقة بالشعر كأداة لأنعاش الجمال وقيم النضال والعمل في حياة الانسان . وقد تركز الحديث في هذا الاجتماع على فكرة انشاء تجمع ثقافي للجالية العراقية في دولة الامارات لتأطير فعالياتها وتقريبها من نبض الوطن ولرسم صورة اجمل للعراق كثقافة وحضارة في اذهان الاخرين . واتفقت الاراء على ضرورة انجاز هذا المقترح الوجيه ودعوة الجهات العراقية الحكومية المعنية لتشجيعه وانجاحه , من جهتنا عبرنا عن خالص اهتمامنا بالموضوع بأسم وزارة الثقافة ودعونا لهم بالنجاح في عملهم فالعراق جريح والمثقفون العراقيون ينبغي ان يكونوا في الواجهة لردم جراح الوطن واعادة الشفاء والعافية الى جسده , هذا بشرط ان يمنح السياسيون في العراق دوراً لائقاً للمثقفين لأداء مهامهم .
وفي اليوم الاخير من الزيارة زرنا مركز (سما للثقافة والفنون الكوردية) للقاء رئيس المركز (عارف رمضان) والاطلاع على عمل وفعاليات هذا المركز الثقافي وقد تفضل الاخ (عارف) بتزويدنا ببعض مطبوعات المركز ومنحنا شهادة تقديرية اضافة الى قيامه معنا بجولة تفقدية لمعالم دبي وخاصة متحفها واسواقها القديمة . 
تركت الشارقـــة وهي تبتسم وتفتخر بجامعتها الكبيرة المتطورة , وتركت دبي وهي تتباهى بعماراتها الشاهقة وليلها المنير وفي قلبي كان الجرح يتمدد وينزف طوال الوقت على عراق صارت جراحاتــه اوسع من خارطته .   


 

230
حوار في الثقافة مع وكيل وزارة الثقافة
الاستاذ فوزي الاتروشي:


وزارة الثقافة هي وزارة الوزارات!
اجرى الحوار: احمد لفتة علي
فوزي الاتروشي، نغمة لحنية موسيقية متفردة لمن يعشق الانسان. والحب والحياة، فهو شاعر يحمل قلب طفل وعقل العلماء وتواضع العظماء، محدث لبق يختار كلماته بدقة، وينفد بها مثل سهم خارق للهدف، عميق الثقافة واسع الاطلاع، متعدد اللغات، ذكي جدا والمعي سافر الى كثير من البلدان، وجاب العديد من الاوطان، وبقي وفيا لكوردستان وفيا لبلاد الرافدين،
احب الجواهري، والبياتي ورافق وزامل وكتب عن بلند الحيدري واحب المرأة وغنى لها بدواوينه الكثيرة ودافع عنها، فهو كاتب وشاعر وسياسي واعلامي جريء دقيق في المواعيد تسحرك انسيابيته ويترك شفافيته في نفسك اثرا لا ينمحي، وفوق شاعريته ودقته القانونية وثقافته الموسوعية، يسكن روحه حب الانسان بكل معاني الانسانية، اذا رأيته او دخلت عليه لاول مرة، وجدته وكأن بينك وبينه روابط من التعارف والصداقة منذ سنين طويلة، محب لعمله ومنهمك فيه وكأن الحياة ساحة امتحان او معركة ولهذا فهو عاشق الكلمة والكتابة والقراءة وغارق فيهما... ويحب الفن والمسرح ويحب الثقافة ويحب البيئة ويدافع عن حقوق الانسان ايما كان هذا الانسان.. لان كوردستانه الذي يحمله في قلبه وعقله ووجدانه...
ذاق ظلم الدكتاتوريات وعنهجية الانظمة الشمولية ومرارة سحق براءته وانسانيته، ولهذا عاش معاناة الغربة وعرف البرد والجوع وعرف ارغفة الحزن وارصفتها (يداي تصافحان الحزن ارغفة/ وعيني تجعل الاحزان ارصفة/ تنام بها.. تعيش لها.. تمر بها.. ويبقى الحزن نيرانا)... فاغرق في صحارى العمر لادفء ولامطر/ خريف الحب يفزعني).. الحديث مع الاتروشي لا ينتهي هو حديث مع الحب والمرأة.. والموسيقى والجمال... حديث النفس للنفس، حديث ثقافة بلاضفاف، حديث الابحار مع الانسان.. مع البيئة النظيفة، حديث الازهار والورود لانه يعشق الورد والسمو والكمال... رغبنا ان نحاوره حديث الثقافة وهموم المثقف وفضاءه.. حاورناه عن هموم وزارة الثقافة ودورها وافاقها.. بناء الانسان العراقي ومداواة جروحه واوجاعه والامه... وضع المرأة ومكانتها ودورها.. وددنا ان يستمر الحديث وهو المتخم بالاعمال والاعباء والمسؤوليات ولا يتقطع في هذه الجولة من الحوار وانما ان يكون لنا معه جولات اخرى فرحب كعادته وبساطته وتواضعه الجم.. وشاعريته وانسيانيته فكان لنا معه هذا الحوار:
-تلعب الثقافة دورا مركزيا وهذا الدور يجعل المثقف العراقي يختلف عن مثقف البلدان المتقدمة من حيث الدور والمسؤولية، وهذا الاختلاف ليس مزية بقدر ما هو واجب وضرورة تمليها ظروف العراق في المرحلة التاريخية الراهنة من حيث تعطيل الكثير من المؤسسات (الهياكل الثقافية) لغياب دور المثقف!!
الثقافة سياق تعددي تنوعي لا تقبل الزي الموحد
* فماذا ترون كمثقف اولا.. وكوكيل لوزارة الثقافة العراقية..؟
-بودي اولا ان اشكر جريدة التآخي على اجراء هذه المقابلة وهذا الحوار لنعبر عن مفصل اساسي في حياتنا وهو غياب او تغيب دور الثقافة والمثقفين في حياتنا في العراق، غياب دور المثقف لا يعود الى اليوم بل له ماض طويل على مدى خمسة وثلاثين عاما جرى تنميق وادلجة وشخصنة الثقافة العراقية.. كانت خطابا ايديولوجيا ذليلا وهزيلا تابعا الى وزارة الثقافة والاعلام في النظام البائد، طبعا كان هناك كما قلت في الفترة السابقة الاخيرة من حكم الدكتاتور شخصنة الثقافة بمعنى انه حتى الثقافة التي كانت تدعم النظام... لم يكن هذا كافيا بل كان عليها ان تكون بقدر مقاسات الدكتاتور ومفصله حسب قميصه.. طبعا ادى هذا ان يتحول المثقف من معادلة (اكتب لكي اغير.. اكتب لكي اعيش) هذا اثر الى حد كبير في المثقفين الى حد جعلهم يفضلون الخبز على الحرية... في حين ان وظيفة المثقف هو الدفاع من اجل توفير الخبز والحرية معا... الافراز الحتمي لهذا جعل الحاضنات في الخارج او الحاضنات الثقافية المعارضة في الخارج هي التي تزدهر فيها الحياة الثقافية العراقية..
انت تعلم ان عدداً من خيرة العناوين الثقافية في العراق ماتوا ورحلوا.. وهم مجردون من الجنسية ولم نستطع ان نمنحهم قبرا ليدفنوا فيه.. في هذا الوطن بينهم الجواهري الذي عمره اطول من عمر الدولة العراقية.. وبينهم الشاعر المجدد عبد الوهاب البياتي.. وبلند الحيدري الذي كنت التقيه دائما في لندن كتبت مراثي لكل هؤلاء الشعراء في الصحافة العربية في الخارج واتذكر عنوان مقالي حول بلند الحيدري (اين ندفن هذا الشاعر)؟
ونشر في لندن في جريدة القدس العربي.. هذه مشكلة ان الشاعر يموت ولا تدري اين تدفنه؟ !! بتقديري ان الثقافة في العراق حملت ارثاً ثقيلاً ونحن ورثنا ارثا ثقيلا من النظام السابق ورثنا معادلة تسييس الثقافة بالمعنى الضيق لكلمة الثقافة.. ورثنا الطابع الذرائعي الاتكالي، ورثنا سياقات لغوية مكروهة.. ورثنا ايضا محتوى ثقافيا ينشد الحرب والدمار ويعمل على تدمير الانسان والمجتمع.. هذا هو حال الثقافة في الداخل.. بالطبع كان يفترض ان تتغير بعد سقوط النظام النظرة الى الثقافة في العراق.. وان يجري النهوض بها وان يتم اعتبار وزارة الثقافة من الوزارات السياسية والسيادية ايضا وان يجري تخصيص موازنة لها لا تختلف عن موازنة الوزارات الاخرى على اساس ان مشكلتنا في العراق الجديد مشكلة ثقافية قبل ان تكون مشكلة سياسية.. انعدام الارهاب ونشر ثقافة اللا عنف وثقافة التسامح والحوار وهذا يؤدي الى ان تكون ارضية صلبة للاستقرار السياسي بشكل عام... ولكن ما زالت الحكومة تنظر بنظرة هامشية الى وزارة الثقافة..
ولو انني فرحت جدا يوم افتتاح مهرجان بابل عاصمة للثقافة العراقية لعام 2008 حين قال دولة رئيس الوزراء الاستاذ نوري المالكي: ان الوزارة اساسية وانها سيادية وانها تهدف الى البناء الانساني والمجتمع اتمنى ان يتحول هذا الكلام الجميل الى واقع عملي على الارض.. لذلك اينما انتهت الثقافة كان هناك الافراغ الثقافي وتدمير المجتمع وسيادة الشمولية فيها. ويعني لم يكن ممكنا بان النازية ان تنتصر وتتسلق الحكم في المانيا لولا الخطاب الثقافي لكوكوس حين قال: (اذا سمعت كلمة الثقافة اتحسس وسادتي) لم يكن للفاشية ان تنتصر في ايطاليا لولا كتاب ميكافيلي وشيوعه بين النخبة الحاكمة في ايطاليا، وكذلك خطاب فرانكو في اسبانيا.. المدارس الشمولية نجحت في البلدان التي تراجعت فيها الثقافة..
لان الخطاب الاستراتيجي الابداعي الانساني تراجع، لهذا سادت سياسة شمولية، سياسة مدمرة للتعددية لسياقات الانفتاح الانساني، انا ارى المطلوب ان يتكون مفهوم جديد ومضمون جديد للثقافة.. هل الثقافة هي فقط شعر ورواية ولوحة (او ان مفهوم الثقافة ابعد من ذلك بكثير وهو مفهوم اوربي لان كل النتاج الفوقي.. والبنيان الفوقي عملية ديناميكية تغيرية تثويرية نقدية استشراف افاق المستقبل.. الماضي لا يعنيها الا بقدر على بناء الحاضر والتطلع نحو المستقبل.. انا ارى ان ميزانية وزارة الثقافة يجب ان تتغير.. وان تغيير فهمها للمثقف وعلاقة هذا المثقف بالسلطة والابداع.. الثقافة والحضارة صنوان مترا دفان.. بما ان كل الحضارات الانسانية وكل الثقافات ايضا انسانية ويجب ان تكون انسانية ويجب ان تكون منفتحة على الاخر.. ويجب ان تكون خادمة للبشرية جميعا.. في رأي اذا حصل اي تقوقع ضمن الهويات الصغيرة لن تكون هناك ثقافة.. والثقافات المحلية استطاعت ان تصلح هوية للحضارات فيما اذا تعدى الاطار المحلي الى الاطار العالمي.. ثم نحن في العراق ورثنا ارثاً قبيحاً.. نحن الان نعمل ضمن وزارة الثقافة على بلورة سياقات واليات لمجمل ادارة الثقافة في العراق..
انا لا ارى ادارة الثقافة بالمفهوم الجامد حيث جيش من الموظفين يعملون في الصباح الباكر وحتى ما بعد الظهر.. انا ارى ان ادارة الثقافة تعني اولا: ضخ الحياة في الاتفاقات الدولية.. واعادة التواصل بين العراق والخارج ومن خلال تصدير العراق للخارج بتقاسيم جميلة بماضيه العريق وثقافاته الغنية الثرة.. وليس بتقاسيم الحرب والدمار والارهاب الذي اصبح مع الاسف على مدى خمسة وثلاثين عاما من الدكتاتورية والتي اصبحت ماركة مسجلة عراقية.
وهذا الوجه القبيح يجب ان يتغير.. انا اعمل لاعادة التواصل بين العراق والعالم ويجب ان نعمل على ارشفة الثقافة العراقية.. الثقافة العراقية مازالت غير مؤرشفة للمثقفين في العالم.. وبالطبع نحن نعاني مشكلة الكادر الفني او نظم الادارة الحديثة في الوزارة.. وهناك جملة اخرى من المفاهيم التي تنطوي تحت مصطلح ادارة الثقافة..
وكما تعلم ان البنية التحتية للثقافة في العراق بحاجة الى نهوض جدي ليس هناك مسارح دور عروض سينمائية ودور لعروض المعارض للوحات الفنية التشكيلية بفروعها (الرسم/ النحت/ التصميم) الدعم.. ثم الدعم للمثقفين المبدعين ودعمهم قليل للغاية.. وهذا لايعود.. ولا اقول يجب ان نعمل ويجب ان نعمل على شيء اخر.. بلورة الثقافة لكل الوان العراق... النقطة الثانية: نجاحنا الان في العراق علاقات فكرية.. يجب ان تتكامل.. ولا نتصادم لان الثقافة بالاساس لها سياق تعددي وتنوعي لا تقبل الزي الموحد..
لابد من توفير فضاء الحرية للمنابر الثقافية
-صورة المثقف العراقي غير واضحة ومشوشة لان صورة المهمة ذاتها التي يتصدى لها مرتبكة اي غير محددة وبالتالي غير واضحة... هناك خطابات ثقافية مختلفة ومتنوعة، هذا فضلا عن ثقافة العنف والارهاب وعدم الاعتراف بالاخر..
توفير فضاء الحرية للمنابر الثقافية
* سيادة وكيل وزارة الثقافة: كيف ترون الصورة؟ وما هو البرنامج الواضح الذي تحملونه..؟ وما هو دور المثقف.؟ وما هي المهمات التي يمكن ان يضطلع بها هذا المثقف العراقي.. برأيكم..؟
-هذا كما قلت انفا.. تهميش للثقافة من قبل النظام الدكتاتوري السابق.. ادى ايضا الى ظاهرة سلبية اخرى وهي قطيعة بين المثقفين وخاصة مثقفي الخارج والداخل.. القطيعة بين المثقفين العرب ومثقفي القوميات من الكورد.. والكلدو-اشور.. والتركمان.. الخ القطيعة حتى على مستوى التوزيع الجغرافي ثم جاءت قطيعة اخرى هي القطيعة الطائفية بين المثقفين... لذلك يجب ان تعمل الوزارة على جملة محاور: منها انهاء هذه القطيعة.. نحن قبل مدة.. كان لنا لقاء حواريا نشر في عددين من اعداد صحيفة (الصباح الجديد) وبحثنا موضوع انهاء القطيعة بين المثقفين العراقيين وبالتأكيد هذه المهمة الاساسية لوزارة الثقافة.. ومهمة وزارة الثقافة قد لا تكون بالدرجة الاولى: انتاج الثقافة وان كان هذه احد المحاور.. ولكن وزارة الثقافة لا يمكن ان تحتل كل فضاءات الحرية.. ونحن جهة منسقة مشتركة وميسرة ومسهلة للعمل الثقافي والابداعي في العراق ونعمل على سياقات كما قلنا.. انهاء القطيعة وتوفير فضاء الحرية للمنابر الثقافية وايضا بناء جسور للثوابت الوطنية بين المثقفين العراقيين.. لان الهوية العراقية.. الثقافة العراقية مادة الخام لهذه الهوية... ولا يمكن بدون اسس وثوابت وطنية وثقافية.. التحدث عن هوية ثقافية عراقية والهويات الثقافية هي تعبر عن الثوابت الوطنية.. واذا كانت هناك فواصل وتنازع بين الثقافات المتنوعة والمختلفة سوف تكون هناك كارثة ومعناه لم تجمعنا الثوابت الثقافية ولن تكون بالتالي هناك هوية ثقافية عراقية كما اوضحت ذلك فيما مضى من الحديث..
يجب اخراج الثقافة من الخطاب المؤدلج الى خطاب استراتيجي
*ان ثقافة اي شعب تمثل السمات الرئيسة التي تكون وجدانه.. وتعكس مدى صلابته.. وتحدد كيف يفكر؟ وكيف يواجه الازمات.. وهل تستطيع الثقافة مواجهة المشكلات الحقيقية للناس؟ وهل تستطيع ثقافتنا العراقية التعبير عن طموحات الناس واحلامهم؟ وكما نعلم ان الثقافة خير معبر عن الروابط الاساسية وتطلعات المستقبل اكثر مما ترتهن للطارئ والجزئي وكما تفعل السياسة غالبا.. ما تعليقكم سيادة الوكيل..؟
-انا ارى فهما ابعد للثقافة مما يمنح له في دول العالم الثالث: انت لو تلاحظ فهم الثقافة في الدول العريقة مثل انكلترا والمانيا واميركا.. ترى ان الثقافة هي عامل تجميع للشعوب القاطنة على الارض..
والان لو كنا مثل السابق نعول على عامل اللغة وعامل العرق في تكوين القومية.. ولكن اثبتت الثقافة انها قادرة حتى في حالة عدم توفر عامل اللغة الموحدة ان توحد شعبا على اساس مصالح وثوابت مشتركة ورسالة سياسية واقتصادية واجتماعية وحضارية في العالم والهند مثال على ذلك.. اميركا كمثال على ذلك.. والسويد اصبحت مثالا على ذلك وهناك ثقافة سويسرية تجمع الشعب الالماني.. والشعب الفرنسي والشعب الايطالي في بودقة واحدة هي دولة سويسرا.. هناك بودقة الثقافة الهندية، الحضارة الهندية هي تجمع عشرات الاثنيات والعروق ومئات اللغات مع بعضها وكلها تنتمي الى الهوية الثقافية الهندية او الحضارة الهندية وينطبق ذلك على دول عديدة..
نحن كمجرد انتاج ابداعي فهي تشكل هوية في العراق وبالتاكيد لم نكن ناجحين في تشكيل هذه الهوية وبتصوير ثقافة عراقية موحدة على اساس المصالح والعقلية والانتلجسي المشترك.. لذلك حسب تقسيم وقطيعة بين القوميات ومكونات الشعب العراقي ان هذه ايضا مهمة استراتيجية اساسية تواجه الثقافة العراقية.. وليست وزارة الثقافة وحدها هي المعنية بهذا الامر انما وزارة الثقافة وايضا قوى المجتمع المدني وكل المراكز والتجمعات الثقافية والبيوت الثقافية على ارض العراق وهذه مهمة اساسية لنا جميعا.. وبدون تشكيل هوية ثقافية موحدة لنا لا تكون هناك هوية سياسية موحدة للعراق.. لذلك يجب اولا العمل على اخراج الثقافة من الخطاب الزئبقي اليومي المؤدلج واعادته الى خطاب وسياق استراتيجي بعيد المدى وهذه هي العجينة التي يمكن ان تربط بين المواطنين والدولة وبين مكونات القومية والدينية والطائفية..
الان حين تخندقت الثقافة في الطائفية وفي الهوية الصغيرة وفي القومية والاثنية والمناطقية وفي المحلية وحتى في التكتلات في المجاميع الارهابية.. اذا تبعثرت هذه الهويات. علينا اعادة الثقافة الى اللحمة على مستوى الوطن العراقي وهذه ليست مهمة وزارة الثقافة وحدها كما قلت انفا وانما مهمة كل المثقفين ايضا ومهمة السياسيين.. وكل المعنيين بامور الثقافة في العراق...
نقطة اخرى هي اني ارى ان وزارة الثقافة هي وزارة الوزارات هي ان تكون على صلة بكل الوزارات.. يجب ان نكون معنيين بالتعاون مع وزارة الداخلية لنشر الثقافات وخاصة ثقافة اللاعنف.. ويجب ان نكون متعاونين ومتضامنين مع وزارة البيئة لنشر ثقافة البيئة ولتعلم ان ثقافة البيئة متخلفة جدا لدينا.. ومتطورة جدا في البلدان الاوربية ويجب ايضا ان نتعاون مع وزارة حقوق الانسان لكي ننشر لثقافة حقوق الانسان.. اذن.. ادعو الحكومة ان تستوعب هذا المفهوم المتطور والحضاري للثقافة ادعو اي سياسي عراقي ان يتخذ موقف ديغول في اجتماع في باريس حين كان يحدد اسماء الاشخاص الذين يشغلون الحكومة الجديدة.. ديغول حدد اسماء كل الوزراء بما فيها الوزارات السيادية دون ان يلقى اي صعوبة حين وصل الى وزارة الثقافة ووضع قلمه على المنضدة... وقال: دعوني!!
وساعدوني لكي نجد شخصية عريقة بمستوى عراقة ثقافة فرنسا لاشغال وزارة الثقافة!! وجد صعوبة في تحديد هوية الشخص هذه هي حقيبة وزارة الثقافة في فرنسا وهذا هو المفهوم الحضاري للثقافة ولوزارة الثقافة في المانيا او انكلترا وغيرها من الدول الاوربية المتطورة..
وبالمناسبة في المانيا وزارة الثقافة هي واحدة من اهم الوزارات في الحكومة الالمانية التي يقع عليها عبء كبير في بناء الانسان والمجتمع.. واستطاعت المانيا ونجحت في ذلك ولكل المقيمين في المانيا من المواطنين الاجانب.. وزارة الثقافة في المانيا هي تشرف مثلا على تربية النشء الجديد وعلى ضخ المساعدة لكل المبدعين سواء كانوا من المواطنين ام من غيرهم من المقيمين في المانيا من الاجانب.. اي شخصية اجنبية لها الحق في ان تصدر مثلا نشرة او جريدة او مجلة لخدمة هذا القطاع او ذاك وبعد صدور العدد الرابع.. واذا امتنعت وزارة الثقافة الالمانية بذلك تحول النشرة او المجلة او الجريدة وابتداءً من العدد الرابع للجريدة او المجلة او النشرة...
هذه النظرة القائمة على ان وزارة الثقافة الالمانية لا يمكن ان تفكر بكل مواطن الضعف لديها فيأتي شخص او ربما ان هناك مثلا طائفة او قومية صغيرة في المانيا ليس لها لسان حال فتمد لها الوزارة كل الدعم والمساندة لقضاء هذا الجانب من العون والمساعدة او ان هناك جانباً من جوانب الحياة غير مغطى بشكل كاف اذا اقتنعت الوزارة استطاع الحصول على كل الدعم والمساندة بمعنى هناك ترابط اساسي بين الوزارة والجهة ذات الحاجة وترابط حقيقي بينها وبين منظمات المجتمع المدني وهي بالمناسبة بالالاف فعلا.. المجتمع المدني في اوربا هي السلطة الخامسة بعد السلطة الرابعة وهي الصحافة وبدون هذا الفهم الحضاري للثقافة لا يمكن ان نحسب بان وزارة الثقافة هي وزارة من الوزارات هي معنية باصعب مهمة وهي مهمة بناء الانسان والمجتمع..
انك تستطيع ان تبني فندقا كبيرا في عدة اسابيع او اشهر او تبني اية بناية شاهقة في مدة عشرة ايام ولكنك لا تستطيع بناء الانسان وتحتاج الى عمل مثابر وجهد واليات لبناء الانسان ولاعادة ما دمر من هذا الانسان ولاعادة ترميم الانسان العراقي الذي تعرض لثلاث حروب كارثية والحصار والقمع والكبت وحكم من قبل نظام شمولي جائر يحسب للانسان العراقي المخنوق حرية وارادة الف حساب على مدى خمسة وثلاثين عاما وكانت الحرب الرابعة غير معلنة هي التي بدأت في 14-17 تموز من عام 1968 ولغاية سقوط النظام السابق.. وهي الحرب الصامتة احيانا والمعلنة احيانا اخرى والضمنية تارة والصريحة تارة اخرى ضد الانسان العراقي في الداخل هذا الانسان المسحوق لم تنتبه الكثير من المنظمات الحقوقية لهذه الحرب الصامتة.. وكان فيه الانسان العراقي يتمنى ان يموت او يفضل الموت بطلقة واحدة وهي طلقة (الرحمة) كما تسمى قبل ان يتعذب ادبيا ونفسيا وانسانيا.. (حضارة بلا نساء محض سراب.. وديمقراطية بلا نساء محض خرافة)
*الاستاذ فوزي الاتروشي وكيل وزارة الثقافة هل لكم رسالة تودون توجيهها لجهة ما؟ او شيء تودون قوله اخيرا... ولا ننسى ان لنا معكم جولات اخرى من هذا المنبر ان شاء الله..
-دعوتي للحكومة العراقية ان تقدم المزيد.. والمزيد من الدعم لوزارة الثقافة وللمثقفين ولكل الجهات المعلنة بنشر الثقافة.. من هذه الدعوة ان تستثمر الحكومة اتفاقية الاستثمار في الانسان العراقي بناء وتجميل الحاضر.. وبناء المستقبل ايضا.. انا من القائلين اي ديمقراطية سوف تبقى ناقصة سوف تبقى عرجاء قائمة على ساق واحدة اذا لم تشرك الملايين من النساء في عملية الانتاج والابداع، هذه مسألة حيوية ومهمة للغاية ولا يجوز للاقلية وهم الذكور ان يضطهدوا الاكثرية وهم النساء وان مقولة المرأة نصف المجتمع لم تعد صالحة واي ديمقراطية اذا كانت الاقلية تضطهد الاكثرية وتقتلها..!!
هناك العشرات من النساء يقتلن يوميا وهذه كارثة ثقافية وسياسية.. اعتقد ان وزارتنا معنية بهذه المسألة ووزارة حقوق الانسان والوزارات الاخرى ومجمل الحكومة وكما قلت في مقال لي (حضارة بلا نساء محض سراب.. وايضا ديمقراطية بلا نساء محض خرافة)..

231
ليلى قاسم : اكثر من رمز .... اكثر من ذكرى
ـــــــــــــــــــــــــــــ
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


(ليلى قاسم) لا تنتمي للماضي ولا احد يمكن ان يقحم اسمها في الارشيف فهي عصيَّة على الرحيل عن حاضرنا . لقد تعــانقت فيها كل الخصال التي يمكن ان يحملها انسان ناكــر للذات , متماهي في الاخرين , قريب حد الذوبان في قضية عادلة , بعيد الى ابعد الحدود عن الانانية والمصلحة الانية . والاجمل من كل ذلك انها انثى دخلت مبكراً "عالم الرجال" وسبقتهم في الاحتراق على حدود النار .
فالرجل الكوردي يتوهَّم انه قادر على احتكار كل ميادين العمل وان فعل الثورة والنضال التحرري مقتصر عليه وان المرأة ليس لها سوى الخطوط الخلفية او انتظار عودته من الجبهة لترتيب اثاث بيته مجدداً وغسل ملابسه المتسخة وطهي الطعام وما الى ذلك من الاعمال المساندة .
وقبل اكثر من ثلاثة عقود صممَّت (ليلى قاسم) الطالبة في كلية الاداب في بغداد ان تغير هذه المعادلة وتعبر الخطوط الحمر وتقدم على عمل يخلدَّها الى الابد في الذاكرة الجمعية الكوردية وكان لها ما ارادت . ولو انها خلدت الى الركن المنسي من البيت كما يريد الرجال لما كان احد علم اليوم اين قبرها ولكانت واحدة من الاف النساء اللواتي يرحلن دون ان يتركن في الحياة اثراً يذكر. لقد ادركت (ليلى قاسم) ان التمرد كفعل واعي وناضج ليس مستحيلاً وانها بدخولها الى معترك الثورة انما تكسب الحرية مرتين , مرة على المستوى الاجتماعي الذي يحررها من خرافات العادات والتقاليد المقيـَّدة لقدرات المرأة , ومرة اخرى الصعيد السياسي الذي يجعلها تكسب صفة المناضلة المتفانية ليس من اجل "بيت صغير" هو بيت اهلها , بل من اجل وطن كبير وقضية عامة وبغية التحول الى رمز للانثى الكوردية القادرة على دحر الاغلال وانتزاع الحرية ووقف زحف (الرجولة الكوردية) على كل ميادين الحياة والعمل والنجاح تحت شعار اهليته لكل شئ وعدم جاهزية المرأة لأي شئ .
يحق لنا ان نحب (ليلى قاسم) الى اقصى حد , وان نجعل من قبرها مزاراً نتعلم منه التفاني في العمل العام , والتعفف عن ملذات الحياة , ونستلهم منه القدرة على التضحية بريعان الشباب لجيل الاطفال الناشئ على يدينا والذي ينتظر ان نكون له قدوة صالحة , ويحق لنا ان نجعل من هذه الشهيدة رمزاً لنساء كوردستانيات كثيرات مازلن ينتظرن الدور لاداء فريضة النضال بعيداً عن اغلال البيت وقمع الذكورة الكوردية الفاقعة والغارقة في الرجعية وفي مستنقعات الماضي . ولا جدال اننا اذ نستحضر (ليلى قاسم) لنسقي تضاريس جسدها مجدداً بالشوق والحنين والشوق الاخضر, فأننا نجدد القول بأن قمع الرجل للمرأة الكوردية واقدامه على قتلها او دفعها للانتحار اوسجنها ضمن جدران اربعة او منعها من العمل ومصادرة حريتها وحقها في الاختيار هو مسلسل مازال متواصلاً وحتى القوانين التي سنـَّت لوقف هذه الجرائم مازالت قابعة في دواليب المحاكم لا احد يراها ولا احد يطبقها ولا احد يعيرها اذناً صاغية , لأن المشرَّع والقاضي والمنفذ رجـــال يشعرون ان هذه القوانين تسرق ذكورتهم الكاذبـــة الزائفة , وان تاء التأنيث الساكنة اذا تحركت وتوهَّجت وتنامت واستعادت عافيتها سوف تعيد الرجل الى مكانه الحقيقي في الحياة وتفرض عليه الشراكة في العمل والقرار والابداع وبناء الحضارة . ولعل اجمل ما نتذكره ونحن نستظلُّ بذكرى (ليلى قاسم) ان حراكاً نسوياً كوردياً استهلَّ ثورته على القمع المستديم ويتمثل في اسماء كثيرة بعضها ابدع في الشعر والرواية والغناء , وبعضها برع في القتال والجهد النضالي النقي على جبال كوردستان , وبعضها غطى الصحف والمجلات وصفحات الانترنت بمقالات وخواطر وبحوث لم يكن احد يتصورها .
هل هذه بداية نفض الرماد والنهوض كجذوة ملتهبة ؟ يقيناً وانا اجزم ان الاعوام القادمة ستشهد انقلاباً في الموازين الاجتماعية الكوردية وعلى الاتحادات النسوية الكوردستانية الرسمية ان تعي هذه الحقيقة الصحية وان تلتحق بها ولا تضع اي حجر عثرة امام فيضان الانثى الكوردية , والا فأنها ستبقى هياكل دون جمهور وقواقع على هامش بحر الحياة . وهنا حرَّيٌ بنا ان نذكر الاحزاب الكوردية في كوردستان العراق انها لا يمكن ان تكون مفصَّلة على قياسات الرجل ورغباته ومشاعره في مجتمع تجاوزت نسبة النساء فيه النصف , مثلما انها يجب ان تمارس اقصى حدود الجهود لمنع قتل النساء واعتبار ذلك جريمة وحشية عقوبتها قاسية وان لاتقبل لأية وساطة او تدخل يعيق عمل القضاء والقانون . لا يمكننا الفخر بمجتمع يقتل خيرة بناته ونسائه بذرائع بدائية زائفة , ولا يجوز لنا كف النظر عن اجساد طرية تسقط كل يوم , مثلما لا يمكن ان نقبل بتكبيل اكثر من نصف المجتمع في البيت تحت سلطة الرجل الانانية بدعوى العادات والتقاليد في وقت نصرخ في اليوم الف مرة اننا مع المجتمع المدني والديمقراطيـــة .
ان (ليلى قاسم) رمز محفور في جبال كوردستان وفي ذرى هذه الجبال الان ثمة حشد من النساء الكورديات يتمرد على الظلم في البيت وعلى القمع والاضطهاد واعتقد ان هذا الحشد هو اولى منا جميعاً بالانتماء الى عالم (ليلى قاسم) .     

232
شكراً وزارة السيــــاحة والاثـــــار
ـــــــــــــــــــــــــ

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


شكراً من الاعماق لوزارة السياحة والاثار التي استعادت مؤخراً مئات من القطع الاثرية والكنوز التاريخية العراقية . انه جهد يستحق الثناء والتصفيق الحارفلا توجد مهمة اكثر قدسية من استعادة الرموز والدلالات والقطع النفيسة التي تشكل عنوان حضارة الوطن وتبرز فصول تاريخ غارق في القدم . الواقع ان قضية سرقة ونهب المتحف الوطني العراقي تشغل في اوروبا بال الكثيرين سواء الجهات المعنية مباشرة بالاثار وبتاريخ الشعوب او المنابر الاعلامية او حتى المواطنين العاديين . فالمتاحف في اوروبا اماكن ذات هيبة وقدسية واحترام بالغ لأن عصارة الماضي والتاريخ تسكن فيها ولأن روح ووجدان وهوية الشعب مخزونة في جنباتها . وقد لفت انتباهي ان كل الجهات الثقافية والاعلامية التي التقيتها في زيارتي الحالية سواء في اليونان او بلغاريا او المانيا تطرقت الى مصير المتاحف العراقية وكنوز التاريخ العراقي . وكانت الجملة التي اطلقتها حول اصرارنا كشعب عراقي على اعادة هذه الكنوز التي لا تقدر بثمن العنوان الرئيس للمقابلة التي اجرتها صحيفة (مونيتور  Monitor ) البلغارية الواسعة الانتشار . انني اكتب الان في مدينة عامرة بالمتاحف التي تصور وتجسد كل محطات التاريخ الالماني وكل جوانب حياة هذا الشعب . وقبل ايام اعلن في (فرانكفورت) عن نشاط بعنوان (ليلة المتاحف المفتوحة) حيث خصصت حافلات المدينة لنقل المواطنين بسعر زهيد الى متاحف المدينة كلها .
 ان وزارة السياحة والاثار عليها ان تشعر ان قلوب الملايين معها وهي تبحث عن كنوز حضارة وادي الرافدين . ومني للوزير (محمد عباس العريبي) تحية من القلب واشد على يديه لمواصلة اعادة تاريخ العراق الى مكانه .   

233
ريشة الفنانات العراقيات ... ترسم العراق الاجمل
ـــــــــــــــــــــــــــ
                                                           
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


اعترف انني اصبت بالانبهـــار وبالاعجاب الذي لا يعرف الحدود وانا اقرأ تقريـــراً عن معرض (تشكيليات عراقيات) انضمت اليه نخبة من القامات النسوية العراقية المديدة التي حملت لوحاتها والوانها ومشاعل امالها الخضراء لأعادة بناء الوطن فنياً وجمالياً رغم كل قبح وسوداوية الارهاب . ان الفن التشكيلي ابداع انساني مبهر ومؤثر وقادر على التجسيد بالخط واللون والايحاء وقبل هذا وذاك بالرمزية والايحائية المتميزة . انه الفن الذي يختصر المشــــاهد الحياتية اليومية والظواهر المتفشية وايضاً الظواهر والامال والامنيات التي تدور في رأس المبدعة او المبدع حول ما يجب ان يكون وحول المستقبل الذي نريده للوطن والانسان وللحب والتواصل والوئام الاجتماعي . وحين تنهمر كل هذه التفاصيل على اللوحات بريشة الانثى العراقية فأن لها قيمة مضافة ودلالة اكثر عمقاً وتأثيراً . ان هذا المعرض هو صرخة المرأة العراقية على القمع واستلاب الحقوق والتهميش الذي تتعرض له المرأة في مجتمع مازال ذكوري السلطة والتفكير والممارسة , مثلما ان المعرض دليل اخر على ان ادوات المرأة في الكفاح والنضال والعمل الانساني الجاد تبقى اكثر اناقة وحضارية مقارنة بالرجل الشرقي الذي نشأ على ربط فكرتي الرجولة والعنف ببعضها البعض . والمعرض يشير بشكل لا لبس فيه ان انجاز المرأة لا يقل قيد شعرة عن انجاز الرجل ان لم يتفوَّقه احياناً .
 لكل التشكيليات العراقية نقول لوحاتهن عزيزة على القلب ويبقى ان اجمل لوحة نقدمها نحن الرجال لهن هي لوحة تجسد "وعدنا الرجولي" بوقف المسلسل الكارثي لجرائم قتل النساء .         



234
في العراق مهنة المتاعب ما زالت هي الاخطر 
ــــــــــــــــــــــــــــ
                                                                     
  فوزي الاتروشي
                                                                      وكيل وزارة الثقافة


بقي العراق الدولة الاخطر في مجال العمل الصحفي والاعلامي هذا ما يؤكده مرصد الحريات الصحفية , ومنظمة (فريدوم هاوس   Freedom house) الامريكية وما تؤكده كل التقارير الخبرية المنشورة في العالم , اذاً فأن مهنة المتاعب تحولت في العراق الى مهنة مؤدية بالضرورة الى القتل او الخطف او في احسن الاحوال ترك عشق الكلمة والحقيقة والانزواء بعيداً عن معترك الحياة العامة .
ان الارهاب رغم كل قبحه وقساوته وكرهه للحقيقة وللاقلام النيـَّرة , الا انه وحده ليس السبب في هذه الكارثة الاعلامية التي لا مثيل لها في العالم . فبعض الاحزاب السياسية ومليشياتها لا يقل حقدها للكلمة الطيبة الصادقة البناءة عن حقد الارهابيين , وبعض المحرَّضين من خطباء وائمة الجوامع لا يكفون عن صب الزيت على النار بغية رفع وتيرة اضرامها والتهابها. فأذا نهض اي قلم ناقد لبعض الظواهر المتخلفة وما اكثرها تجد بعض الذين يصادرون الدين كله والحقيقة كلها ينهض متوعداً مهدداً موضحاً ان حدوده وفكره وشروطه في العمل ومعاييره في الحياة هي فقط التي تمثل الشريعة السماوية . وهكذا يخذل الفكر الخلاق والكلمة المؤثرة لصالح خطاب هزيل متعفن لا يمت للحياة بصلة . وبعض الاحزاب السياسية هي الاخرى لا زالت تنتمي الى جيل فكرة الايدلوجيا النقية التي لا شوائب فيها فأذا انتقدها قلم بارع ذو بصر وبصيرة نجدها ترفع عقيرتها وتتهم النقد بأنه هدام وغير بناء والفرق بين ماهو هدام وبناء ليس المعيار الموضوعي بل المعيار الذي تضعه تلك الايدلوجيا .
ان حرية الصحافة في العراق بحاجة الى اليات سياسية واجتماعية وقانونية لتحصينها ولجعلها سمة للعراق الجديد , اما تكرار ان الحرية متاحة للصحفي والاعلامي فأنه لا يجدي نفعاً اذا كان صاحب المقال والكلمة الصادقة النيـَّرة يتوقع قتله كل يوم بل كل ساعة , واغتيال نقيب الصحفيين العراقيين كان انذاراً للجميع ان لا احد بمأمن من القتل اذا تكلم او افترش صحيفته للحقيقة الموضوعية .
اننا جميعاً مطالبون في العراق لتفهم عمل ومهنة الصحفي ولكي لا نمنح الارهاب الاعمى اية فرصة لاداء جرائمه القذرة بحق اصحاب الكلمة وابطالها , فأن الحكمة والسلوك الحضاري يقتضي منا كأحزاب وكأفراد وكمرافق دولة ان نستوعب الى اقصى حد ما تقوله الصحافة وان نبتعد عن اتهام اية كلمة تقال بحقنا بأنها نقد هدام وان نتفهم ان الفارق بين النقد البناء وبين ماهو قدح وتشهير لا تقرره الا محكمة مدنية مختصة .
انها دعوة للاحزاب والهيئات والمرافق الادارية والمرجعيات الدينية ان تفهم وتتفهم مهنة الصحافة وان تحصنها بالحرية المطلقة وبذلك نرهب الارهاب ونضربه في مقتل .

235
المسؤول العراقي وبدائية التفكير والتصرف
ــــــــــــــــــــــــ

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة


المسؤول العراقي حتى لو لم يكن في موقع حساس او رفيع المستوى يتصرف بوحي من المظاهر الزائفة والرتوش الكاذبة لأفهام المواطن انه ارفع منهم واكثر اهمية وان سياجاً سميكاً ينبغي ان يفصلهم عنه , ولأن المنصب هبة او غنيمة في اكثر الاحوال في ظل المحاصصة التي يبدو انها مصرَّة لتتسرب حتى الى المستويات الدنيا من التعيينات لذلك فأن المسؤولين العراقيين جلـََّهم لا كلهم لا يعيرون ساعات العمل او مقدار الانجاز اليومي او اراء المواطنين بهم اي اعتبار . هذا واقع تعيس ضحيته المواطن والدولة والخدمات الحياتية وما الى ذلك من تداعيات تنحدر بالعراق اذا استمر الحال على هذا المنوال الى مستوى الدول الاكثر فشلاً على المدى البعيد ان لم يجر سريعاً تدارك الوضع . وليت تصرف المسؤولين العراقيين اقتصر على الداخل فحسب فالاكثر من ذلك ان بعض هؤلاء الفارغين من اي خبرة عملية او تحصيل علمي او معرفة بالثقافات الانسانية يتصرف في الخارج ايضاً وكأنه في بغداد , فهو عبوس محاط بالحمايات ولا يقترب من الصحافة العالمية ومنابر الاعلام لأن على الاخيرة ان تستجدي من "سيادته"! ان يدلي بتصريح او مقابلة .
وهو لا يحاول ان يكرس التخصيص المالي المعين للزيارة لنشاطات وفعاليات تزيد من رصيده وبالتالي رصيد العراق بين الناس في دول العالم , ويبقى منعزلاً في دول مفتوحة على مصراعيها على الحرية والعمل والانجاز والمبادرات الخلاقة والافكار المبدعة . فتجد اكثر المسؤولين العراقيين في اوروبا يعدون ايامهم ويختصرون برامج عملهم واحياناً يلغون الفقرات المهمة منه وينجزون ماهو سطحي وتكون زياراتهم ثقلاً اضافياً على ميزانية الدولة . وبعضه يعبر عن استغرابه لأن المسؤولين في اوروبا ملتصقون الى حد الذوبان بالمواطنين ولا يكاد المرء يفرَّق في الشارع بين الوزير والمواطن العادي سواء في الملبس او المسكن او المأكل او طريقة التصرف والسلوك في الحياة اليومية . والمسؤول العراقي "الحديث النعمة" ذو الجاه والسلطان والنفوذ المزيـَّف لا يدرك ان رئيس وزراء هولندا لا يتوانى الى استعمال الدراجة الهوائية للذهاب الى العمل , وان الوزراء في المانيا يجلسون في المقاهي العادية والمطاعم السريعة على الشارع لألتهام وجبة "على الماشي"! , وان في دولة راقية الى ابعد حد مثل السويد يذهب رئيس الوزراء الى السينما برفقة زوجته ويقف في طابور الانتظار مثل الاخرين . الشعار الاجتماعي في اوروبا ان المسؤول اسير رأي وقناعات المواطن وان هذه القناعة حين تنعدم يسقط المسؤول مهما كانت الظروف . ولكي لا تجابهنا سهام النقد الجاهزة حول اخذ الوضع الامني في العراق بنظر الاعتبار اقول انني مع اتخاذ اقصى حدود الاحتياطات الامنية وتحصين الوضع الشخصي وابعاده عن خطر الموت المؤكد الذي يحيق بأغلب المسؤولين في العراق , ولكن ما ارفضه ومعي ملايين المواطنين هو الحاح المسؤول العراقي على الابتعاد عن المواطن بحجة تكوين هالة اجتماعية حول نفسه واشعار الاخرين بقوته وجبروته وتميزه عن خلق الله . وما نرفضه ايضاً هو ان المسؤول العراقي لا يغير جلده وعاداته وسلوكياته المتعالية حتى وهو يتعامل اويعيش او يزور القارة الاوروبية فتبقى زياراته على الاغلب دون المستوى المنشود .
علينا ان لا ننسى اننا ننتمي الى عراق مثخن بالجراح ممزق بين الارهاب والحرب الطائفية واثار الحروب السابقة , وان الوطن العراقي على حافة الهاوية سياسياً واجتماعياً واقتصادياً رغم كونه على قائمة الدول الغنية على الاقل لجهة الميزانية السنوية . هذا المشهد المثقل بالثقوب والشروخ يفرض على المسؤولين العراقيين على كافة المستويات تعلم عبرة في غاية المغزى ان الوظيفة فانية وان المنصب مؤقت وان ما يتصورونه من اهمية ووجاهة اجتماعية هو امر موسمي بالنسبة لهم . وان الذي يبقى في ذاكرة المواطن هو ابداع وعطاء وصدق واخلاص ومواهب هذا الموظف او المسؤول ذاك , والذاكرة الجمعية العراقية لا يمكن ان تختزن الاسماء النكرة والشخصيات الهزيلة والعقول الفارغة والاداء الفج للعمل والاستهتار بالخدمات الحياتية , ان المواطن العراقي منهك ومتعب وهو يستحق ان نكون جميعاً في خدمته قبل ان نكون اسياده .   

236
المناضل عمر عثمان في سيرته الذاتية: صدق في القول والفعل



                                                               
              فوزي الاتروشي
                                               وكيل وزارة الثقافة في العراق



ادب السيرة الذاتية صنف ادبي جميل يعتمد السرد الفني وتلمُس ادق التفاصيل الحياتية اليومية التي تشكل بتراكمها سجل حياة وآفاق تجربة . فالكثيرين من المبدعين في السياسة والفكر والادب وشتى ميادين الحياة تكون سيرتهم وبدايات تنشئتهم وطريقة تسلقهم مصاعب الحياة وتحقيقهم للنجاح غائبة عن الاخرين . والمناضل عمر عثمان احد هؤلاء الذين كانت الثورة الكردية هي الحاضنة التي تربى فيها ومازال يواصل العمل بتواضع وبلا ضجيج .
قرأت سيرته الذاتيه الصادرة هذا العام بعنوان "حياة كردي" في (304) صفحات والكتاب مرفق  بمجموعة رائعة من الصور التي تؤشر لمرحل حياته وتسلط الاضواء على تنقلاته العديدة في ميادين الثورة وتشكيلاتها , ومشاركاته في المعارك الاساسية .
وحين انتهيت من قراءة الكتاب احسست بأن ما يقوله الرجل فيه الكثير من الصدق والعزيمة والارادة , مثلما ان كتابته تنطبق عليه كأنسان , فلا ادعاء لفعل لم يفعله ولا زعم لدور لم يقم به , فهو في الكتاب كما في الحياة شفاف وقريب من الناس بدليل ان كل الذين عايشهم او قدموا له خدمة او شاركوا في العمل السياسي والعسكري جاء على ذكرهم في الكتاب .
(عمر عثمان) قدم معلومات قيمة وتفصيلية للادوار التي نهض بها وسجل معلومات وتواريخ كان سيعلوها غبار النسيان , والسير الذاتية اصلاً مكرسة لأكبرقدر من المعلومات والحوادث ضمن تسلسلهـــــا الزمني , ففي الكتاب نتعرف على عثمان الطفل الخائف كما يقول حتى من الدخول الى المدرسة التي شعر في البداية بالرهبة تجاهها , ومن ثم (عمر عثمان) المناضل والمقاتل الذي شارك في معارك ثورة ايلول الحاسمــــة ومن ثم ثورة اياروالانتفاضة مقتحماً الصعاب مقترباً من الموت اكثر من مرة . والرجل اصلاً سليل عائلة وطنية منحت الكفاح الوطني الكوردستاني رجالاً اشداء . 
هو عضو للجنة المركزية للحزب الديمقراطي الكوردستاني اختبر تشكيلة متنوعة من المهام الحزبية السياسة والعسكرية وحالياً يرأس مكتب تنظيم البيشمركة , ولكن يبقى اجمل ما فيه حين يلتقيه المرء هو ذلك التواضع والترفع عن الغرور او سرقة ادوار الأخرين , وهذه صفات لا توجد عند الكثيرين .
دخلت معه وانا اقرأ الكتاب الى اجواء معركة هندرين الشهيرة ومعارك جبل زوزك , ولحظات انتكاس الثورة في اذار عام 1975 , ونزوحه الى ايران وعودته من هناك الى حضن الوطن بأرادة لا يفلها الحديد لاشعال الثورة مجدداً عام 1976 .
كما انتعشت في ذاكرتي صور الانتفاضة والجماهير الكوردستانية التي قلعت في ربيع عام 1991 جذور دكتاتورية كانت تزعم ان القضية الكردية انتهت والى الابد , فاذا بها تتساقط كاوراق الخريف ويبقى ربيع الثورة الكردية هو المتفتحَ ببراعم الحرية . صاحب السيرة الذاتية رجل من الرعيل الاول الذي عمل فثابر واعطى فاجزل العطاء وعمل كثيراً وتكلم قليلاً ودخل قوات البيشمركة ولم يخرج لان والده قال ذات يوم ( اذا دخلت في صفوف البيشمركة  فلا يحق لك ان تتنازل او تتراجع او تخرج منها لان ذلك عيب كبير) . هذه الوصية التي تلقاها يوم 26/3/1965 حين التحق بالثورة ما زالت حاضرة في ذاكرته . ان صدور مئات من هذه السير الذاتية ربما لن يعطي مجمل سجل الثورة الكردية , لذلك فأن كل الذين شاركوا فيها بادوار كبيرة او صغيرة عليهم واجب تسجيل الذكريات لتطلع عليها الاجيال اللاحقة ولاغناء مكتبة الثورة الكردية . فمن هذه الكتب والسير الذاتية تتشكل الارضية الخصبة لابداع ادبي وفني حول تاريخ الثورة , مثلما يتبلور لها تاريخ ومرجعية معلومات .
لقد قلنا اكثر من مرة ونجدد القول هنا ان الثورة الكردية واحدة من اطول الثورات في العالم ولكنها ما زالت تستحق المزيد من الكتابة السياسية والادبية عنها . ان الكتاب الكورد والمساهمين في الثورة يجب ان يقتنصوا كل تفاصيل ودقائق يوميات ثورة عريقة لكي لا تخطفها رياح النسيان .
واذا كانت سلسلة كتب "البارزاني والحركة التحررية " للسيد (مسعود البارزاني) رئيس اقليم كوردستان تشكل اضافة هامة جداً لفصول الثورة الكردية بمختلف مراحلها , فأن ذلك لا يعفي الاخرين من الكتابة بل ينبغي ان يحفزهم اليها .
فرجال الثورة الكردية وقادتها وابطالها يجب ان يكونوا في مقدمة المتصدَين لعملية تسجيل الثورة والكتابة التحليلية عنها . انها مفارقة ان يكتب الاجانب عن هذه الثورة اكثر من ابنائها , ولا احد ينكر ان "وليم ايغلتن" هو اول من كتب عن جمهورية مهاباد في كتابه "جمهورية مهاباد الكردية عام 1946" ولولاه لضاع كنز من المعلومات حول هذه الجمهورية . الحلم التي لم تصمد سوى سنة . وكان (دانا ادمز شميت) هو اول من دخل عالم ثورة ايلول التحررية للكتابة عنها ميدانياً في كتابه "رحلة بين الرجــــال الشجعان في كوردستان" أما التفاصيــــل الدقيقة لمعركة هندرين التي تعتبر الاشهر في السنوات الاولى لثورة ايلول فقد سجلهـــــــا مؤلف فرنسي في كتــــاب "كوردستان او الموت". انني اذا احييَ المناضل (عمر عثمان) ومن خلاله كل الذين اقدموا في السنوات الاخيرة على تسجيل ذكرياتهم , فأنني اجدد الدعوة لكل الاخرين للبدء بكتابة سيرهم الذاتية ففي كل سيرة ثمة معلومة نحن والجيل اللاحق بأمس الحاجة اليها .       
     



237
بعيداً عن زخرفة الكلام ... ماذا نريد للصحافة الكوردية

                                                                    فوزي الاتروشي
                                                                   وكيل وزارة الثقافة 


مرَّ العيد العاشر بعد المائة للصحافة الكوردية في 22 نيسان الماضي وتعمـَّدت هذه المرة ان لا ابكر في الكتابة وان اقرأ اكثر حول ما يكتب عن هذه المناسبة القيمة والهامة جداً لا سيما في الحالة الكوردية لأن صحيفة (كوردستان) التي انطلقت في القاهرة عام 1898 كانت ثورة حقيقية على الظلم الفادح الذي تعرضت له الكلمة والثقافة الكوردية فكانت الصحيفة صرخة مقاومة وتحدي تتسرب عبر الحدود وتتنقل بين القاهرة واسطنبول وجنيف ولندن لتنقل للعالم مأساة شعب وتنقل للمواطن الكوردي المقموع قوة تحريضية تثويرية لرفض ما هو كائن ونشدان ما يجب ان يكون .
اقول تعمدت ان اتابع تعليقات الكتاب الكورد على هذه المحطة النضالية الكبيرة من الكلام المناسباتي والبهرجة اللغوية والتغنيَّ بواقع الحال وحشداً من القوالب المدائحية الجاهزة . وهذا ما كان اما الكتابات الجادة البعيدة عن الاجواء الاحتفالية والهادفة الى منح الصحافة والاعلام الكوردي سمة العصرنة والتحضر والتناغم مع عصر الثورة المعلوماتية فأنها كانت قليلة .   
 ان الاعلام الكوردي قد تضخمَّ بالفعل وتوسع وترفعَّ على الاساليب التقنية البدائية , ولكن ذلك كله ينبغي ان لا يغطي على مواطن ضعف ونواقص اساسية في هذا الاعلام . ويمكننا تسجيل جملة محاور في هذا السياق :-
1.   ما زال المواطن الكوردي يفتقد الى صحيفة يومية باللغة الكوردية توزع عالمياً , فكل الصحف والمجلات الكوردية على الاطلاق محلية التوزيع واحياناً مناطقية بمعنى انها قد توزع في مدينة دهوك فقط او اربيل او السليمانية ولا توجد لغاية الان صحيفة تتعدى المستوى المحلي الى المستوى العالمي .
2.   التطور في تقنيــات الاخراج والتصميم لم يرفق بالتطور في اســاليب الكتابة الصحفية , فما زالت الصحف الكوردية تعتمد في الاغلب على الكتابة والتحرير على كادر ادبي وعلى ادباء وشعراء ومثقفين منخرطين في الكتابـــة ولكنهم غير متخصصين في الصحافة كعلم قائم بذاته . لذلك نجد ان الخبر والتعليق والمقال الافتتاحي والتحقيق الصحفي والمتابعات الصحفية احياناً كثيرة غير متمايزة فالتشابه والخلط بين انواع الكتابات حالة سائدة في الصحافة الكوردية .
3.   اللغة الانشائية الفضفاضة والتعابير ذات الجوهر المعرفي الضئيل والكلام المنمق والقوالب الجاهزة ما زالت سمة بارزة في الصحافة الكوردية المرتبطة بالاحزاب , وان كانت ثمة استثناءات قليلة برزت اخيراً في اقليم كوردستان العراق تحاول توخي اساليب الصحافة الاوروبية المتحضرة في الكتابة والتحرير, لكنها لم تصبح بعد ظاهرة عامة وشاملة .
4.   الصحافة الحزبية في عموم كوردستان العراق ما زالت تعمل بآليات قديمة لا تستجيب لهواء العصر , فهي مؤدلجة الى حد خانق واحادية الجانب ولغتها لا تحبذ الا المدح والاطراء والثناء وتخاف اية لمسة من النقد او وضع الاصبع على هذا الجرح السياسي او الاجتماعي او ذاك . هذا واقع قديم لا يصلح للعصر الراهن والصحف الحزبية بهذا الشكل تفقد نضارتها وقراءها وتأثيرها وفاعليتها وقدرتها على التغيير وحفر اخدود عميق على الارض . ان هذه الصحف مطالبة بأن تفتح صفحاتها للرأي الاخر فحتى في الحزب الواحد لا تذوب الاراء وتنصهر بل قد تختلف ولكنها تتآلف ضمن مزيج كلي في النهاية , ان في اي حزب الان في ظل انتهاء عصر الشمولية الفكرية , منابر عديدة وافكار متنوعة واراء ثرية وغنية ينبغي لصحيفة الحزب ان تستوعبها لكي لا تهرب الى صحف اخرى او الى مواقع الانترنت او حتى المدوَّنات الشخصية التي يمكن ان تدون بلحظات على صفحة انترنت وتوزع على مستوى العالم .
هذه مجرد اضاءات حاولت ان اسجلها بعد مرور مائة وعشرة اعوام على صدور صحيفة (كوردستان) التي ارَّخت لعهد جديد للكلمة الكوردية ولمرحلة متميزة من مقاومة الشعب الكوردي للقمع السياسي والفكري والثقافي وكانت حياة هذه الصحيفة مثل حياة الكورد انفسهم لجهة التنقل واللااستقرار والرحيل من بلد الى اخر وهي تحمل قناديل الامل الخضراء .
ولكي نكون اوفياء لتلك الاستهلالة الموفقة للكلمة الكوردية في الانتشار والمقاومة , فعلينا الان ان نحثَّ الخطى نحو صحافة كوردية متطورة متميزة مؤثرة صامدة محصنة كلياً بالقانون وبأقصى حدود الحرية وقادرة لعبور سياج المحلية الى رحاب العالم .   


238
العراق المخزون في ذاكرة الشعراء ... سيبقى حياً

                                                                               فوزي الاتروشي
                                                                        وكيل وزارة الثقافة في العراق


ايها الوطن المستقر في الشرايين والمخبَّأ في ابعد زاوية من القلب استحضرك الى الذاكرة وانا طفل احمل الكتب وكتاب الاناشيد الوطنية التي كنا نرددها صباح كل يوم . كنا بك نستهلُّ الدرس وبك نختتم نهارات التحصيل العلمي . كنت فينا نداء حب يتداعى الى كل ذرات اجسادنا . فاذا فتحنا دواوين الشعر نجدك منتفضاً في "انشودة المطر" السيايبة التي تصرخ :

العراق ابعد ما يكون والبحر اوسع ما يكون

وفي "شظايا ورماد" لنازك الملائكة التي ضمَّتك الى قلبها وانتزعتك لتدفنك تحت ثيابها سواء في بغداد او القاهرة حيث مثواها الاخير .
اما الجواهري اطول القامات الشعرية فكنت حزنه الابدي وفرحه الابدي سواء في "بريد العودة" او في قصيدة (مرحباً ايها الارق ... فرشت انساً لك الحدق) او القصيدة الباسقة كما نخيل العراق والتي كتبها في 11/3/1970 تثميناً باتفاقية السلام بين العرب والكورد شركاء الوطن الواحد والتي يقول فيها :

يعيا الجحيم بأن يسعَّر أمة ً
فاذا هي اختلفت فعود ثقاب


كان الجواهري اكبر عاشقيك على الاطلاق وحملك معه الى مقاهي (براغ) و(دمشق) ولذلك رحل وهو يردد

لثورة الفكر تاريخ يحدثنا .. بأن الف مسيح دونه صلبا

 وكـــــانت قصيدة الرثـــــــاء التي كتبهــــــــا حول الشاعر الكوردي (فــــائق بيكــه س) قائلاً ((انت الجميع وانت الاحد)) ايذاناً اخر بأن العراق تسمية لوطن يحوي الجميع ولا يفرَّط بأحد , واذا فرَّط لا سمح الله فلن يعود عراقاً كما عهدنا به .
وكرَّت السبحة وبقيت ايها العراق الحزين والجريح على مدار الزمن مخزوناً في ذاكرة الشعراء , وكان عبد الوهاب البياتي صادقاً في "السيرة الذاتية لسارق النار"والتي فيها ارادك حراً قوياً متمرداً على الظلم رافضاً ان تصبح سيفاً من خشب وقصراً من ورق وسجناً للحرية .
اما (بلند الحيدري) صاحب ديوان "خفقة الطين" الذي واريناه الثرى في لندن فاشهد انك ايها الوطن كنت على مدار اليوم حديثه الشهي وحلمه الذي يملأ عينيه وقلبه وعقله , وكنت حين التقيه يلهج بأسمك ويتورد رغبة بأمل لقياك وكم اغريته بالدخول الى حضنك عبر بوابة كوردستان المحررة ولكنها الاقدار اختطفته قبل انجاز الحلم .
ايها العراق الجميل انك اجمل وانقى لأنك مخبوء بذاكرة الشعراء ففي "الريل وحمد" نراك عاشقة على ضفاف الهور وفي غربات "قطار الليل" وفي سنابل القمح الفاعزة الافواه نحو السماء , انك الحاضر الدائم في قلوب شعرائك الذين منحوك نزيف القلب والقلم ورحلوا دون ان يهنأوا على ارضك ولو بقبر .
لم يكن عشاقك في السهل والهور فحسب , بل وعلى جبال كوردستان كنت حاضراً في حاضنات الشعر الدافئة للشاعر الكوردي المبدع (كوران) وهو يردد :

اخي العربي الاسود العينين ... كان مراً حظك وكان مراً حظي

او في قصائد (فائق بيكه س) المنفي في الناصرية , او في اشعار (كامران مكري) الذي تغنى بك وببطولة "جميلة بوحيرو" رائدة شهداء الجزائر . وما زالت القصائد فيك تتوالى فالشعر يراك دوماً ايها العراق جميلاً رغم قبح الارهاب , ورغم شوائب وضباب الخطاب الاصولي الغائب عن الحياة , وواعداً بالامل والبشائر رغم زارعي اليأس في طريقك , وعاشقاً رغم كل قتلة الحب المنتشرين في شوارعك .
نحن على موعد نراك مشرقاً باسماً ناضحاً بالحياة في المستقبل , فكل ليل الى انتهاء وكل فجر لابد ان ينبلج والشمس اكبر من ان يعتمها الغربال . لأنك ايها العراق العزيز مخزون في ذاكرة (الجواهــــــري) و(السيــاب) و(الملائكة) و(كوران) و(فائق بيكه س) و(عبد الوهاب البياتي) و(بلند الحيدري) و(لميعة عباس عماره) و(سركون بولص) ومئات العناوين الشعرية النابضة ببراعم الحياة والنور لذلك فأنك ستحيا الى الابد .


 



239
من صوفيا الى بغداد ... دعوة للحب والتواصل الحضاري


                                                                                 
فوزي الاتروشي
                                                                                  وكيل وزارة الثقافة


صوفيا مدينة مكتنزة بالجمال وبينابيعها العذبة , تنام بحنان قرب جبل (فيتوشا) الشهير بهوائه النقي ومناخه الشافي من الامراض , و(صوفيا) اصلاً فتاة يونانية التجأت الى هذا الجبل طلباً للشفاء والعافية , ومنها اشتقَّ اسم هذه المدينة عاصمة بلغاريا .
حين دخلتها في زيارة رسمية يوم 11/4/2008 عادت بي الذكرى الى يوم23/8/1977 حين اكتحلت عيناي برؤيتها لاول مرة . وبين التاريخين حقب من الاعوام الصعاب الحافلة بالعمل والانجاز والكتابة والتطلع الى الافضل ومواصلة رحلة الحياة بأصرار حتى بزغ فجر يوم 9/4/2003 معلناً تحرير العراق الذي منحناه من الحب ما يكفي لكي يفرح بنا اليوم ولكي يفرش لنا صدره المتراوح بين الجبل والسهل والهور .
قبل ان ابدأ مواعيد الزيارات الحًّ عليًّ القلب والعقل ان ازور معهد الطلبة الاجانب حيث درست قبل (25) عاماً اللغة البلغارية التي مازلت اتقنها ,  سألت عن مُدرستي (ماريا ماركوفا) التي كانت تتضامن معنا في تلك السنوات العجاف ضد نظام الحروب والدمار والوحشية في بغداد . هي منحتنا اكثر من اللغة متجاوزة ذلك الى الذوبان في همومنا الشخصية ونحن في الغربة في ريعان الشباب .
ولحسن الحظ وجدت من دلـًّني الى هذه الشخصيـــة الرائــــعة وهي تبلــــغ الان من العمر (74) عاماً . تحدثت اليها وكانت لا تصدق ماتسمع ولم يتسعها كل فرح الدنيا وهي ترى تلميذهـــــا الصغير يتذكـــــر بعد كل ما تراكم من السنين ومن الشجون والشؤون والمشـــــاغل فقالت "ان هذا الوفاء يدهشني ويدهشني اكثر انك مازلت تتكلم لغتنا بكل سلاسة" . ربما كانت هذه الكلمات هي الاكثر صدقاً والاكثر قوة في زيارتي الاخيرة الى هذا البلد العامر بالزهور وبمياه البحر الاسود وقوافل السياح التي تتوافد عليه .
قالت لي زميلتي الصحفية اليونانية (ايليني ليونتيتسي) التي درست ايضاً في بلغاريا وزارت العراق وكوردستان ان انعاش هذه الذكريات والاشياء والتفاصيل الجميلة في الذاكرة مهم جداً لكي تكتمل الزيارة بجانبها الانساني , فالعلاقات بين الناس مثل الزهور يتحتم رعايتها بالسقي وبما يغذيها ويطيل امد ازدهارها وانفتاحها وابتسامتها وبخلاف ذلك يحين اجلها بأسرع مما نتصور .
وهي على حق حين اكدت ان العلاقات الثقافية هي الارضية الصلبة لتنمية اواصر خضراء سياسية ودبلوماسية بين الدول فوشائج الثقافة تحصن ما عداها من مستويات العلاقة وقد تحميها في قادم الايام من الانقطاع .
لم اجد في بلغاريا ما يشعرني بالغربة فالتواصل على مدار اليوم مع منابر الثقافة والاعلام ومع الشخصيات السياسية والبرلمانية والمثقفين واعضاء الهيئة الادارية لـ "المنتدى العراقي" الذي يثابر لتنقية تقاسيم وجه العراق من الشوائب التي علقت به وللقيام بنشاطات تنعش اسم العراق في ذاكرة الشعب البلغاري .
هذا المنتدى قدم جملة من الاقتراحات التي تصبُّ في مجرى تطويره وتنمية عمله ولا يسعني هنا سوى مناشدة السفارة العراقية في بلغاريا لوضعها في دائرة الاهتمام .
كانت الندوة السياسية مع المثقفين العراقيين مناسبة للمصارحة والمكاشفة حول وضع العراق الجريح بفعل قساوة الارهاب ووحشيته , وكنا جميعاً في الندوة مجمعين على ان مفخخات الارهابيين واحزمتهم الناسفة سوف تنسفهم اولاً من الذاكرة العراقية والانسانية قبل ان تنسف احلام وامال اطفال العراق بغد اجمل .
في اللقاء مع اربع صحف بلغارية ومع مجلة (عالم واحد – one world) كان التأكيد على موقع الثقافة ودورها في بلد يكاد يأكله الارهاب ومثلما في اليونان كان البلغار ايضاً مهمومين لما حصل لكنوز حضارة وادي الرافدين من نهب وسرقة وطرحوا اسئلة جدية حول اليات استعادتها وفي مقابلتي المطوًّلة مع صحيفة (مونيتور – Monitor) كان هذا الموضوع العنوان الرئيسي المكتوب بخط عريض .
سوف يكون مقالي قاصراً ان لم اتوجه من القلب بالشكر لطاقم السفارة العراقية في صوفيا الذي استقبلني بحنان واقام مأدبة عشاء تخللها الحديث الاخوي الشيق في مطعم بلغاري قدم الغذاء مطعًّماً بالفن التراثي وقدم الفن وجبة لتغذية النفس والقلب تأكيداً لمقولة ان الموسيقى غذاء العقول والقلوب ولغة الشعوب . فتحية صداقة لسعــــادة السفير (فوزي العبد الله) والملحق التجاري وسكرتير السفارة , اما الزميل (د. علي ميكائيل ساركي) فأنه تجاوز في لطفه وكرمه وعواطفه الساخنة الخط المألوف وقدم نموذجاً راقياً للسلوك الحضاري سواء في مرافقته لي في كل اللقاءات التي تضمنها جدول الاعمال او في نزهاته معي في شوارع مدينة اردت ان اكتشف ما طرأ من تغيير على شكلها وتفاصيل جسدها والوان ثيابهــــــا وتضاريس حياتها اليومية بعد كل هذه السنين . وكانت مفاجـــــأة حلوة من (د. علي) الملحق الثقافي العراقي انه دعاني الى منطقة (بانجاريفو) القريبة من صوفيا والاقرب الى قلبي منذ كنت شاباً في بلغاريا حين كنا نزورها لأكل السمك , المنطقة لم تتغير بعد كل هذه السنين والسمك الطازج مازال حاضراً , وكنت وانا اتتبع عيون الحــــاضرين في المطعم اتذكر (شــــارع ابو نؤاس) الذي كان ينـــــام ويصحو على نكهة السمك النهري اللذيذ واذا به اليوم مجرد قطعة من الذكرى . ولأن (د. علي ميكائيل) وزوجته البولونية المفروشة القلب للضيوف وطفله الجميل اعــــانوني بدعوتهم لي الى هذا الموقع الجميــــــل لأستحضـــار بيدر الذكريــــات اليًّ والاغتراف منه مجدداً , فلهم مني آية حب لا تفنى بل تسهم في تنمية علاقة عنوانها صداقة خضراء ودائمة ووعود بلقاءات قادمة . اما الفنان التشكيلي (نعمان الشيخ) فقد كان تكريمه لي فيه من الرومانسية ما جعلني انجذب اليه والى كلمــــاته المفعمة بالحيوية وهويسلمني صورة تجمعه مع زملائه خريجي معهد الفنون الجميلــــة لعام 1954 اي في العـــــام الذي رأت فيه عيوني النور , وكانت اللوحة الرائعة المتدفقة بالوان الحياة المتفائلة والتي اهداها اليًّ عنواناً للحب سيضاف الى الابد الى عناوين الحب والصداقة الحالمة والنقية التي احتفظ بها في القلب والذاكرة ولا حاجة لي لدفتر الهواتف والعناوين لتسجيلها لأنها داخلي مثلما النقش على حجر .



240
اليونان والعراق ... صداقة تستحق التنمية


فوزي الاتروشي
        وكيل وزارة الثقافة في العراق 



اليونان دولة منتشرة ثقافياً في العالم فحيثما وجدت جالية يونانية يجد المرء معها لمسات التاريخ والحضارة والكنوز السحيقة في القدم , فاليونانيون يسرحون في بقاع الارض وهم يفتخرون بعراقة التاريخ .
لذلك وجدت معالم الاسى والاسف كلما ذكرت ان كنوز المتاحف العراقية تعرضت للسرقة والنهب واننا في وزارة الثقافة بصدد استردادها بطرق شتى .
في اللقاء مع الاحزاب اليونانية والتجمعات الثقافية ومع المنابر الاعلامية كان هذا الموضوع حاضراً . فوجدتهم يسألون عن (اور) و(بابل) و(المتحف الوطني) ومشاريع وافكار الحكومة العراقية ومعالم الحضارة وعناوين العراقة في العراق . انهم في سؤالهم عن حاضر العراق لا ينسون تاريخه وماضيه .
رئيس احد الاحزاب اليونانية ذكر لي انه مستعد لدعوة المسؤولين الثقافيين لكل الاحزاب اليونانية للتداول في هذا الامر ومساندة العراق لأستعادة كنوز تاريخه لأن حضارة العراق لا يمكن ان تضيع حتى في المتاحف وكانت نقطة الالتقاء الكبيرة بين كل المحافل التي التقيتها انها مستعدة لأحياء اسبوع ثقافي عراقي – يوناني على مستوى عال من المهنية والنوعية بحيث يكون مدخلاً لفهم جديد للمجتمع اليوناني لحقيقة ما يدور في العراق . 
في اليونان كما في عديدة اخرى ثمة تعتيم على الاشياء الجميلة في العراق من فن وادب وابداع ومظاهر الحياة والمنجز الفكري , بسبب سيادة ضباب الارهاب وغبار الاطلاقات النارية ودوي الهاونات وانهار الدماء التي تسببها المفخخات .
لا احد يعلم ان جدار الارهاب الاعمى لم يستطيع ولن يستطيع ان يمنع براعم الورود من الانفتاح على الشمس والندى ان ارادة الحياة لدى العراقيين فيها من العزم والتصميم ما يكفي لكي يجعل الارهاب يلقى حتفه . حين شرحت لهم ما جرى في بغداد في يوم المسرح العالمي وكيف ان فناني المسرح العراقيين هرعوا سيراً على الاقدام بسبب انقطاع مظاهر الحياة في بغداد ذلك اليوم  للمشــــاركة في الاحتفال الرائع الذي اقامتـــــــــه مديرية السينما والمسرح والذي حفل بالورود الحمراء وابتسامات الامل من الفنانات والفنانين وبالعروض المسرحية والموسيقية , اقول حين شرحت تفاصيل ذلك اليوم للاصدقاء اليونـــــــــانيين , كان ذلك مبعث اندهاش واعجـــــــاب للصحفية (يوركيا داما) التي سبق ان زارت كوردستــــان العراق وللصحفية (ئيليني ليونتيتسي) التي اعرفها منذ (16) عاماً وسبق لها ان زارت المنطقة وهي على معرفة جيدة بأحوال العراق .
اليونانيون لا سيما نخبتهم الثقافية لهم حساسية تجاه امريكا وذلك يعود لأعتبارات تاريخية على الاغلب حيث ساندت امريكا تركيا ابان الهجوم التركي على اليونان عام 1972 بسبب المسألة القبرصية وقد واجهت هذه الاشكالية حيثما ذهبت خلال زيارتي لليونان , ولكن حين نشرح لهم ملابسات القضية العراقية وتعقيداتها وسياقات تطورها الى الحد الذي استدعى العامل الخارجي لدحر الدكتاتورية , فأن مسؤولي الاحزاب في اليونان ومثقفيهم يتفهمون الخطأ في العراق ويستوعبون خطورة اللجوء الى الاحكام المسبقة والجاهزة على الشعب العراقي واحزابه المشاركة في العملية السياسية .
يبقى ان لليونانيين حلقة وصل بنا نحن العراقيين فهم يعترفون بعراقة البلدين اليونان والعراق وبأوجه الشبه بين الحضارتين اليونانية والعراقية ويقولون نحن اصدقاء في العراقة والقدم وهذا جسر يمكن المرور عليه لبناء صداقة خضراء وعامرة بالامل , فالعراق ظل على مدى (35) عاماً من الدكتاتورية على قطيعة مع نفسه ومع الجوار ومع العالم وقد آن له ان ينطلق نحو كل زوايا الارض بأثوابه الحقيقية وبتقاسيم وجهه الخالية من الرتوش لبناء وتنمية كنز من الصداقات المثمرة .

اثينا - اليونان   

241
من اليونان لوجه بغداد ... تحية حب وتضامن


                                                                                 
فوزي الاتروشي
                                                                                 وكيل وزارة الثقافة

اليونان دولة لا تشبع منها مهما زرتها , فهي متخمة بالماء والخضار والاحلام والشمس المتناثرة على جزرها. هذه المرة السابعة التي تكتحل عيناي برؤيتها ورغم ذلك فأنني منبهر بها كما الطفل صباح العيد منبهر بقطع الحلوى. وصلتها يوم 6/4/2008 في زيارة رسمية تهدف الى تعميق الحوار الثقافي العراقي اليوناني وعقد لقاء مع وزارة الثقافة اليونانية , واجراء حوارات مع المثقفين والكتاب اليونانيين بهدف انعاش اواصر الصداقة وتوسيع رقعة الصداقة والتعريف بالوجه الجميل للعراق الغارق هذه الايام في غبار وشظايا الاطلاقات النارية ومستنقعات الدم البرئ الذي يسيل بفعل مفخخات الارهابيين.
كان علينا بادئ ذي بدء ان نطلَّ على السفارة العراقية في (اثينا) التي استقبلتنا بود ومحبة وبمشاعر حميمة من قبل الزميل الشاعر (عبد الرحيم حمدان الشويلي) الملحق الثقافي في السفارة الذي انطلق يقرأ علينا بعضاً من اشعاره التي كتبها في الغربة وارسلها ببريد القلب وعبر مراكب البحر الى عراقنا المتوثب نحو الفرح رغم السحب السوداء للارهاب .
علمنا ان سعادة السفير ( حاتم الخوام) مصاب بوعكة صحية فأرسلنا له الى المستشفى باقة ورد وبطاقة حب بأسم وزارة الثقافة نتمنى له فيها الشفاء والعافية .
زميلتي في العمل الفنانة التشكيلية المبدعة (ملاك جميل) ظلت في عمان معلقة على موافقة السفارة اليونانية لمنحها تأشيرة الدخول , لقد افتقدتها وافتقدت حيويتها ومرحها الناضح بالحياة والعطاء فغرمت على تسهيل التحاقها بي , ومن حسن الحظ ان الوزير اليوناني المفوض في حكومة (باياندريو) السابقة الذي دعاني الى الغداء يوم (7/4) تجاوب بحرارة مع مناشدتي له بتسهيل امر دخول سيدة الالوان وعاشقة تقاسيم وجه العراق الى اليونان المدعوَّة اصلاً من قبل منظمة (زيرفاس) اليونانية للتربية والثقافة والفنون .
حرارة الاستقبال في السفارة ولدى الاصدقاء اليونانيين انستني كل هموم ومشاعر ومتاعب الحياة اليومية في بغداد النائمة على اصوات الانفجارات والصاحية على مواعيد حظر التجول المفاجئ او اخبار سقوط قتلى جدد او اعلان هذا الفصيل السياسي او ذاك بمقاطعة العملية السياسية او تأجيل جلسة برلماننا العتيد الذي يبقى بكل ما يقال فيه وعنه وبكل ما تشوبه من عوائق ونواقص وشروخ وسرعة سلحفاتية في العمل , واحداً من افضل البرلمانات في المنطقة لأن ساحة حرية القول والفعل فيه ارحب ولأنه برلمان غير مقيد بشروط حزب معيل او ارادة شخص محدد . نبقى في الموضوع لكي لا نبتعد عن اليونان رقعة الشعر والرومانسية والحضارة الغارقة في التاريخ واعمدة الاكروبوليس التي تجرنا الاف السنين الى ماضي عريق . ففي المساء كنت على موعد مع الكتاب والادباء اليونانيين المجتمعين بمناسبة مرور (40) عاماً على رحيل داعية حقوق الانسان الاشهر والاكبر (مارتين لوثر كنج) الذي قضى حياته في الدفاع عن المساواة بين البيض والسود في امريكا وناهض الحرب في فيتنام وجسدَّ بحياته ومبادئه وفكره ثورة من اجل السلام والتسامح واللاعنف , ليذهب في النهاية ضحية العنف , بعثت تحية للتجمع بأسم عراق اصبح عنواناً للعنف واللاتسامح في العالم وصار يضرب به المثل .
ولكي نغير الصورة فأننا نطمح في تحشيد اكبر تراكم من الشعر والغناء والفكر والكتابة والعمل والتصميم والعزم والفن واللوحات التشكيلية والافلام السينمائية والمسرح والسياسات العقلانية من اجل استعادة المشهد الجميل لبلاد الرافدين في اذهان العالم .
قالت لي عاشقة اللون واللوحة والخيال التشكيلي العامر بالرمزية (ملاك جميل) انها ستلقي محاضرة عن اوجه التشابه بين الحضارتين اليونانية وحضارة وادي الرافدين وهذه لاشك بادرة طيبة تؤشر لحس وطني فبين العراق واليونان تناغم لجهة الغوص في التاريخ القديم , ولكن بينهما مسافة شاسعة لجهة المشهد الراهن , فاليونان بلد اوروبي يتوق لترجمة ديمقراطية اثينا قبل الاف السنين الى واقع حاضر يرفعه الى مصاف الدول المستمرة في التقدم والرقي , والعراق بلد تقطـَّعت به السبل وخيَّمت عليه الدكتاتورية الغاشمة التي اقحمته في حروب تدميرية وانهيار اقتصادي وتمزق اجتماعي وتشظي نفسي وتشرذم سياسي , وما اصعب مهمتنا في جمع حبات السبحة التي تناثرت ولكنها تبقى المهمة التي سنضحي من اجلها بكل ما نملك من عطاء وسنبلغها اجلاً ام عاجلاً .
اعود الى زميلي في الكلمة والشعر والكلمة المرحة الملحق الثقافي ووعده الجميل بمواصلة قراءة قصائده عليَّ وانا بطبعي اسير محراب الشعر اتلقاه كما يتلقى الرضيع صدر امه . فلا فطام عن الشعر ولا فطام عن الحب في مواجهة حقد الارهاب وخطابه اللغوي المناهض للحياة ولكل قيمها الجميلة . لزميلي الملحق الثقافي ايضاً مجموعة قصصية بعنوان (لا وقت لديَّ للتأمل) طبعت في اثينا عام 2007 مهداة الى من (علموني الكتابة والى والدتي وزوجتي الحبيبة وولديَّ يحيى وزكريا) وكأنه بذلك يود توزيع اكبر قدر من الحب على الاقربين الى قلبه النابض بالحيوية . يقول (خالد التونسي) عضو اتحاد الصحفيين العرب عن هذه المجموعة "الحياة في قصص صديقي الكاتب تتوالد تلقائياً وربما هذا ما دفعني للتفكير بأن الكاتب تجاوز حد الخطر من طغيان وظيفته الادارية الدبلوماسية , لأن العمل المكتبي خاصة هو العدو اللدود للمثقف الذي يحلـَّق بخياله خارج اسوار الروتين" .
نبقى في اليونان السابحة في الماء نتواصل مع اصحاب الكلمة ورواد الثقافة لعدة ايام نجسد فيها حضور العراق على بوابات اثينا . فمن شواطئ اليونان لوجه بغداد الجريح تحية حب وامل وتضامن .   







f.atroshi@yahoo.com     
 

242
لا للورود الاصطناعية والحب الاصطناعي



                                                                     
فوزي الاتروشي
                                                              وكيل وزارة الثقافة في العراق



نحن نتغنى بالحب الى حد الاشباع واغانينا تذوب عشقاً وشوقاً على مدار الساعة اما اشعارنا فحريقها يكاد لا ينقطع , هذا كلام جميل لا يرى للواقع سبيلاً .
فدفن المشاعر عن فضاء الحرية هو الثابت في حياتنا اليومية بعكس الشعوب المتحضرة التي تتغنى بالحب وتمارسه وتكتب عنه وتترجمه على الارض سنابل قمح وحقول ياسمين وباقات زهور وشموع مشبعة برائحة الرومانسية .
قد يقول قائل انها سذاجة ان نفكر في الحب وعبق الرومانسية في زمن الانفلات الامني والقتل والدمار وانعدام الكهرباء والسيارات المفخخة والاحزمة الناسفة للحب والامل والحياة . لكني اصر ان الحب والتواصل هو منبت لديمومة الحياة والسعادة ولابد ان نعثر على ثقب نتنفس منه , ونقتنص من الزمن مساحة خضراء نغرف منها الحنان والشوق ونرتب اثاث القلب الذي يصاب بالجفاف والقحط ان لم نسقه بالحب . فذلك تأسيس لحالة حب وتواصل دائمة في مواجهة الارهاب الذي تأسس على ثقافة الحقد والتشاؤم .
لذلك اشعر بسعادة طاغية هذه الايام وانا اقتني الورود الطبيعية , التي تسنى لي في غمرة اعياد المرأة توزيعها على الزميلات في العمل والوزارة وفي الاحتفالات التي اقامتها المرأة العراقية لتكافح القتل بالشموع والعنف بالورود والارهاب بالمزيد من الاصرار على التواصل الانساني .
قلت لسكرتيرتي المنهمكة هذه الايام بتوزيع الورد وكانت يوم 17/3 في احتفال وزارة الثقافة بعيد المرأة , اياك ان تشتري الزهور البلاستيكية التي تنبئ بالموت وتفتقد للرائحة وهي اصلاً "كيمياء"! وغير قادرة على ايصال رسالة الفرح لأنها صماء . فراحت تفتش في بغداد عن باقات ورود عطرة وكانت فرحتي غامرة لأن بغداد الموت والدمار مصرة على الحياة ومازالت محلاتها تبيع الورد معلنة انها "عاصمة السلام والحب" .
لنتعلم معاً ان نهدي الى احبائنا الورود الطبيعية والشموع والالوان والاغاني الحلوة وقطع الشوكولاتة وهذا ما يرعب الارهاب , دعونا اذن نفارق الى الابد الورود الاصطناعية والصداقة المصطنعة الزائفة والحب الاصم والمدفون .
فالحب الحقيقي رسالة الاديان والشرائع والفلسفات والادب والفن على مدى العصور .   

243
من اليونان لوجه بغداد ... تحية حب وتضامن


                                                                                 
فوزي الاتروشي
                                                                                 
وكيل وزارة الثقافة

   اليونان دولة لا تشبع منها مهما زرتها, فهي متخمة بالماء والخضار والاحلام والشمس المتناثرة على جزرها. هذه هي المرة السابعة التي تكتحل عيناي برؤيتها ورغم ذلك فإنني منبهر بها كما الطفل صباح العيد منبهر بقطع الحلوى. وصلتها يوم 6/4/2008 في زيارة رسمية تهدف الى تعميق الحوار الثقافي العراقي اليوناني وعقد لقاء مع وزارة الثقافة اليونانية, واجراء حوارات مع المثقفين والكتاب اليونانيين بهدف انعاش أواصر الصداقة وتوسيع رقعة الصداقة والتعريف بالوجه الجميل للعراق الغارق هذه الايام في غبار وشظايا الاطلاقات النارية ومستنقعات الدم البريء الذي يسيل بفعل مفخخات الارهابيين.
كان علينا بادئ ذي بدء ان نطلَّ على السفارة العراقية في (اثينا) التي استقبلتنا بود ومحبة وبمشاعر حميمة من قبل الزميل الشاعر (عبد الرحيم حمدان الشويلي) الملحق الثقافي في السفارة الذي انطلق يقرأ علينا بعضاً من اشعاره التي كتبها في الغربة وارسلها ببريد القلب وعبر مراكب البحر الى عراقنا المتوثب نحو الفرح رغم السحب السوداء للارهاب .
علمنا ان سعادة السفير ( حاتم الخوام) مصاب بوعكة صحية فأرسلنا له الى المستشفى باقة ورد وبطاقة حب باسم وزارة الثقافة نتمنى له فيها الشفاء والعافية .
زميلتي في العمل الفنانة التشكيلية المبدعة (ملاك جميل) ظلت في عمان معلقة على موافقة السفارة اليونانية لمنحها تأشيرة الدخول, لقد افتقدتها وافتقدت حيويتها ومرحها الناضح بالحياة والعطاء فغرمت على تسهيل التحاقها بي, ومن حسن الحظ ان الوزير اليوناني المفوض في حكومة (باياندريو) السابقة الذي دعاني الى الغداء يوم (7/4) تجاوب بحرارة مع مناشدتي له بتسهيل امر دخول سيدة الالوان وعاشقة تقاسيم وجه العراق الى اليونان المدعوَّة اصلاً من قبل منظمة (زيرفاس) اليونانية للتربية والثقافة والفنون .
حرارة الاستقبال في السفارة ولدى الاصدقاء اليونانيين انستني كل هموم ومشاعر ومتاعب الحياة اليومية في بغداد النائمة على اصوات الانفجارات والصاحية على مواعيد حظر التجول المفاجئ او اخبار سقوط قتلى جدد او اعلان هذا الفصيل السياسي او ذاك بمقاطعة العملية السياسية او تأجيل جلسة برلماننا العتيد الذي يبقى بكل ما يقال فيه وعنه وبكل ما تشوبه من عوائق ونواقص وشروخ وسرعة سلحفاتية في العمل, واحداً من افضل البرلمانات في المنطقة لأن ساحة حرية القول والفعل فيه ارحب ولأنه برلمان غير مقيد بشروط حزب معيل او ارادة شخص محدد . نبقى في الموضوع لكي لا نبتعد عن اليونان رقعة الشعر والرومانسية والحضارة الغارقة في التاريخ واعمدة الاكروبوليس التي تجرنا آلاف السنين الى ماضي عريق . ففي المساء كنت على موعد مع الكتاب والادباء اليونانيين المجتمعين بمناسبة مرور (40) عاماً على رحيل داعية حقوق الانسان الاشهر والاكبر (مارتين لوثر كنج) الذي قضى حياته في الدفاع عن المساواة بين البيض والسود في امريكا وناهض الحرب في فيتنام وجسدَّ بحياته ومبادئه وفكره ثورة من اجل السلام والتسامح واللاعنف , ليذهب في النهاية ضحية العنف , بعثت تحية للتجمع باسم عراق اصبح عنواناً للعنف واللاتسامح في العالم وصار يضرب به المثل .
ولكي نغير الصورة فاننا نطمح في تحشيد اكبر تراكم من الشعر والغناء والفكر والكتابة والعمل والتصميم والعزم والفن واللوحات التشكيلية والافلام السينمائية والمسرح والسياسات العقلانية من اجل استعادة المشهد الجميل لبلاد الرافدين في اذهان العالم .
قالت لي عاشقة اللون واللوحة والخيال التشكيلي العامر بالرمزية (ملاك جميل) انها ستلقي محاضرة عن اوجه التشابه بين الحضارتين اليونانية وحضارة وادي الرافدين وهذه لاشك بادرة طيبة تؤشر لحس وطني، فبين العراق واليونان تناغم لجهة الغوص في التاريخ القديم , ولكن بينهما مسافة شاسعة لجهة المشهد الراهن , فاليونان بلد اوروبي يتوق لترجمة ديمقراطية اثينا قبل آلاف السنين الى واقع حاضر يرفعه الى مصاف الدول المستمرة في التقدم والرقي, والعراق بلد تقطـَّعت به السبل وخيَّمت عليه الدكتاتورية الغاشمة التي اقحمته في حروب تدميرية وانهيار اقتصادي وتمزق اجتماعي وتشظي نفسي وتشرذم سياسي , وما اصعب مهمتنا في جمع حبات السبحة التي تناثرت ولكنها تبقى المهمة التي سنضحي من اجلها بكل ما نملك من عطاء وسنبلغها آجلاً ام عاجلاً .
اعود الى زميلي في الكلمة والشعر والكلمة المرحة الملحق الثقافي ووعده الجميل بمواصلة قراءة قصائده عليَّ وانا بطبعي اسير محراب الشعر اتلقاه كما يتلقى الرضيع صدر امه. فلا فطام عن الشعر ولا فطام عن الحب في مواجهة حقد الارهاب وخطابه اللغوي المناهض للحياة ولكل قيمها الجميلة. لزميلي الملحق الثقافي ايضاً مجموعة قصصية بعنوان (لا وقت لديَّ للتأمل) طبعت في اثينا عام 2007 مهداة الى من (علموني الكتابة والى والدتي وزوجتي الحبيبة وولديَّ يحيى وزكريا) وكأنه بذلك يود توزيع اكبر قدر من الحب على الاقربين الى قلبه النابض بالحيوية. يقول (خالد التونسي) عضو اتحاد الصحفيين العرب عن هذه المجموعة "الحياة في قصص صديقي الكاتب تتوالد تلقائياً وربما هذا ما دفعني للتفكير بأن الكاتب تجاوز حد الخطر من طغيان وظيفته الادارية الدبلوماسية , لأن العمل المكتبي خاصة هو العدو اللدود للمثقف الذي يحلـَّق بخياله خارج اسوار الروتين".
نبقى في اليونان السابحة في الماء نتواصل مع اصحاب الكلمة ورواد الثقافة لعدة ايام نجسد فيها حضور العراق على بوابات اثينا. فمن شواطئ اليونان لوجه بغداد الجريح تحية حب وامل وتضامن.   







f.atroshi@yahoo.com     
 

244
الثقافة العراقية ومسافة الالف ميل ...




فوزي الاتروشي 
وكيل وزارة الثقافة في العراق

ذات يوم حين كان (ديغول) يضع الاسماء لحكومة جديدة في فرنسا، لم يجد اية صعوبة في تحديد الشخصيات التي تشغل الحقائب الوزارية , ولكنه حين وصل الى وزارة الثقافة توقف وقال انني اشعر برهبة في تعيين الشخص الذي يمثل الثقافة الفرنسية العريقة في التاريخ. هذا هو الموقع الذي تمثله هذه الوزارة المهمة في كل اوروبا المتحضرة .
اما في دولة مثل العراق فأنها ينظـــر اليها كوزارة اقل شأنـــاً من الداخلية والدفاع والماليــة وغيرهـــــا , رغم انها الاهم على الاطلاق , لأن كل مشاكلنـــــا اساسهــــا انعدام الثقافة الحضـــــارية , فالسياسة الانيقة والاقتصاد الناهض والوئام الاجتماعي واشراك النساء على قدم المساواة مع الرجل في كل اوجه الحياة ونشر افاق الديمقراطية , واتباع السلوك التربوي المتطور وتوسيع سلة الحقوق الفردية وما عداها تعزى بالاساس الى وجود او عدم وجود ثقافة ووعي متقدم لدى الشعب.
في العراق تم على الدوام تسييس الثقافة بالمعنى الضيق للكلمة اي ربطها بالاغلال ودمجها في سياسة الحكم او الحزب الحاكم , لذلك اصبحت تمثل هوية حزب بعينه او شخص الدكتاتور او سياساته , ولم تعد تمثل هوية وطن ومجتمع وشعب .
وبعد التغيير كان الرهان على تطوير النظرة لدور الثقافة , لكن المفارقة هذه المرة ان الحكومات العراقية منذ عام 2003 لم تقدم على اي اجراء انعطافي ينقذ الثقافة ووزارة الثقافة من ازمتها .
وظلت ميزانية الوزارة ضئيلة وبقيت الوزارة ممزقة اكثر من اية وزارة اخرى بالحساسيات الطائفية المنغلقة على نفسها , ومازالت القطيعة هي السائدة , قطيعة شرائح واسعة من المثقفين العراقيين للوزارة , وقطيعة مثقفي الداخل مع الخارج , والقطيعة بين مثقفي مكونات العراق القومية.
انقاذ وزراة الثقافة وتطويرها امر حتمي وذلك يتطلب قبل كل شئ تثقيف السيــــاسة العراقيـــة وعدم اقحام الثقافة والعمل الفكري الابداعي في اي تخندق طائفي او ديني او قومي او اثني او حزبي , فالثقافة والابداع بالاساس عمل اجتماعي , تغييري , نقدي , تقويمي يمثل حضارة شعب في مرحلة معينة وتطلعاتــــه الى المستقبل , والثقافـــة اساساً انفتاحية , حضارية , انسانية لاتقبل اي تقوقع واذا قبلت ذلك لن تعود ثقافة .
لقد ازدهرت الفاشيـــــة في ايطاليا لان (موسولوني) لم يقرأ من التــــاريخ سوى كتاب ميكافيلي , وعلا شأن النازية في المانيا لان (غوبلز) وزير اعلام (هتلر) كان يردد دائماً انه يتحسس مسدسه اذا سمع كلمة ثقافة , وطغى الطابع الشمولي على الاتحاد السوفيتي والدول الدائرة في فلكه لانها سلمت قرأة فلسفة (ماركس) الى الشرطة والعسكر ومنعت قراءات المثقفين والفلاسفة والمفكرين للفلسفة الماركسية .
اما النظام الدكتاتوري في العراق فقد اقحم الثقافة العراقية في الادلجة والنمطية والشخصنة والانتقائيـــة , وربطها بخطاب السياسة اليوميـــــــة لتتحول الثقافة من خطاب استراتيجي بعيد المدى , الى رسالة اعلامية باهتة وصفراء وكان ان ادمجت الثقافــــة والاعلام في وزارة واحدة .
كل هذه الامثلة تقودنا الى حقيقة ان الثقافة العراقية كنسيج لهوية العراق بكل مكوناته لايمكن ان تخرج من المأزق الا برؤية العراق ككل وكتاريخ وحضارة ومجتمع منفتح عليه التواصل عبرجسر الثقافة مع الحضارة الانسانية , وهذا يقتضي كما اسلفنا اهالة التراب على  تعريف الثقافة الحالي الذي ترتكن اليه الاطراف  السياسية المشاركة في العملية السياسية , واعادة الوجه المشرق الى ثقافة وادي الرافدين وضخ دماء عناصر مشبعة بالديمقراطية , والفكر الانساني في وزارة الثقافة العراقية . انه امل ومسافة الالف ميل تبدأ بخطوة واحدة .


245
عاشقــــــــــات من طراز جديــــــد



                                                                               فوزي الاتروشي
                                                                             كاتب ومحلل سياسي


هذا هو عنوان التقرير الميداني الذي كتبته وكالة "الملف بريس" حول يوميات العمل في معاقل جبل قنديل المكلل بالثلوج والدماء والذي اصبح عنواناً شهيراً في الاعلام العالمي . وسبب هذه الشهرة ليس الرجل الكوردي الذي زعم طوال التاريخ انه – وليس المرأة الكوردية – وحده رمز الشجاعة والاقدام . ثمة نساء كورديات قفزن الى الواجهة وقدَّمن اضعاف ما يقدمه الرجل . فهي في جبل قنديل مقاتلة ومقاومة وعاشقة للارض والقضية وشاعرة ومغنية واعلامية وقائدة سياسية . انها التي جعلت من عيد المرأة وعيد نوروز هذا العام مناسبة حافلة بالنشاط والعمل الوطني , سواء في جبال قنديل او مدن كوردستان تركيا او العواصم الاوروبية .
المرأة الكوردية دخلت مرحلة التغير والتغيير , فقد طورت نفسها وهي تصر على تطوير المجتمع ومسح الغبار العالق بعقل الرجل الكوردي .
نساء كورديات يتمتعن بالجمال والذكاء والاناقة والقدرة على تجاوز الرجل بمراحل لجهة العقل والقوة . انهن نخبة لأن الملايين من النساء الكورديات مازلن يعانين العنف والتهديد بالقتل ومنع الحريات والحرمان من الحقوق , ولكن هذه النخبة لها الاهلية لكي تتوسع وتكبر مثل كرة الثلج وانا على يقين ان زمناً سيأتي لتنتزع هي حريتها بالقوة اذا اصرَّ الرجل الكوردي على تفضيل ذكورته على انوثتها , وهي ذكورة اثبتت بالتجربة والبرهان انها ليست افضل في العمل والادارة من الانثى الكوردية . انها تغني وتعمل وتقاتل وتكتب الاشعار وتبقى جميلة تبهر العين وتنعش الذاكرة وتعيد الخفقان للقلوب القاحلة .
لقد قاومت الاجتيـاح التركي وتحملت قساوة المناخ ورداءة الحياة اليومية والجوع والعطش ودحرت العدوان . فلماذا نزعم انها ناقصة العقل والدين والرجل كامل , هذا ادعاء مجرد من الدليل . بالعكس فأن تقاسيم وجوه هذه النساء ترسم لوحة جمال ومقاومة وحب منقطع النظير . هذا ليس خطاباً اعلامياً , بل واقع على الارض ومن لايصدق ليذهب الى جبال قنديل لرؤيتهن .   



f.atroshi@yahoo.com               

246
اعلان حب لأربيـــــــــــــــــل


                                                                           فوزي الاتروشي
                                                                    وكيل وزارة الثقافة في العراق

اربيل رئة يتنفس منها العراق الهواء النقي المشبع بالصحة والعافية , انها مشرعة للجميع ومفتوحة على رياح العالم. لا يكاد ينتهي مؤتمر حتى يبدأ الاخر ولا يكاد يرحل وفد حتى يصلها وفد أخر من كل بقاع العالم.
ان مدينة الالهة الاربعة (وهذا معنى اسمها باللغة الارامية) تريد ان تعشق الناس الى الحد الاقصى وتحتضنهم الى حد التماهي. فأما الحب او اللاحب ولا توجد منطقة وسطى ما بين الجنة والنار كما يقول الشاعر الراحل (نزار قباني).
مدن تنمو واخرى تندثر وانهار جديدة تشق اخاديدها في الارض واخرى يصيبها الجفاف , ودول تنتعش بالعلم والثقافة وبأجيال ناشئة مفعمة بدم الشباب , واخرى تشيخ.
هذه سنة الحياة ومسار دورتها وربما كانت اربيل منذ سنين هي واحدة من المدن التي عبر اسمها المنطقة كمدينة عادية منعزلة متواضعة الى حاضرة ترفل بالوان العصر وتشتهر على الخارطة السياسية في العالم كواحدة من مراكز الاشعاع بمطارها ومتنزهاتها وبقاعات المؤتمرات المزدحمة بجدول اعمال لا ينقطع سيل مفرداتها.
هذه المدينة المدورة بشارعها الثلاثيني والستيني والمئوي تتسابق مع المدن الطامحة للشهرة في العالم لتصبح على القائمة كواحة للثقافة والتجارة وحلقات الدراسة ودورات المجتمع المدني والمؤتمرات ذات الطابع السياسي – العلمي – الادبي.
ففيها جرى احياء ذكرى نخبة من الشعراء مثل (هه زار) و(الجواهري) و(جكر خوين). وفيها التقى الكوري والصيني والعربي والسريلانكي والاثيوبي والاندونيسي والامريكي والالماني والفرنسي وكل واحد منهم يأتي على امل ان يقيم او يعمل او يتفقد مدينة قادمة من التأريخ العريق ولكن بأثواب الحاضر.
هذه حالة منعشة لمدينة كانت شبه منسية فاذا بها في ذاكرة العالم عنوان قضية. اما قلعتها التي تنافس نسائها في الهيبة والدلال والشموخ فأنها اصبحت امانة عند اليونسكو كأحد الاثار الانسانية الجديرة بالمحافظة والرعاية.
هذا كلام ينضح من القلب كأعلان حب لمدينة تنوي ان تحوز من الجمال اعلى المراتب , لتصبح المدينة – المراة والمدينة - البستان والمدينة – الحلم , هذا طموح يليق الان بأربيل أو اذا شئتم هولير.
قبل سنين كرستُ ديواني "ظلال النرجس" للتغني بأربيل بناسها وازقتها وشوارعها ونسائها ومنارتها المنغرسة في ذاكرة التاريخ , واذكر ان هذا الديوان اشتهر وقرأته على الجمهور في دهوك وعقرة واربيل الى حد ان احد الزملاء تسائل ما سر هذا العشق اللاهب لهذه المدنية فأجبته لاتعجب من عشق مدينة يفوح منها عبق الزمن السحيق وهي تكتحل الان وتنشر ضفائرها على الهواء الطلق وتلبس الحرير وتتحلى بقصائد (كوران) و(شيركو بيكه س) و(عبدالله يه شيو) و(كه زال احمد) وغيرهم من خالقي الشعر الجميل , وتتخبّأ في ذاكرة النساء وتنام في حضن امرأة دأبت ان تحفظ اربيل في قلبها. كان جوابي لزميلي كافياً ان يجعله عاشقاً لأربيل مثل عاشقها الازلي (د. عبد الله حداد) صاحب كتاب "اربيل مدينة الالهة الاربعة".
هل هذا اعلان حب عاصف لأربيل ..؟ ربما فقد يعشق المرء مدينة كما يعشق امرأة . 

247
وقلبي معك يا صافيناز كاظم....

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
بين سيل من الاقلام العربية التي اما سكتت او انحازت باستحياء وخوف او تشفّت او تسمّرت في منتصف الطريق في مواجهة الاعتداء التركي الاخير في كوردستان العراق اعلنت الكاتبة (صافيناز كاظم) مع نخبة قليلة من الكتاب العرب انحيازها الكامل والمطلق مع الحق ومع الشعب الكوردي.
ففي مقال لها  بعنوان (قلبي مع الاكراد)  في الشرق الاوسط يوم 1/3/2008 صرخت باعلى صوتها (اهطلي يا ثلوج وامنعي هذا الزحف غير المقدس، فانت دفاع الله سبحانه وتعالى عن هذا الشعب المغبون ) ولم تبخل على قلبها ان يمضي مع الاكراد ويتجول في جبالهم القصية المكللة بالثلوج والدماء التي لم ينقطع سيلها على مر التاريخ، وحين تكتب هذه الاقلام ندرك اننا لسنا وحيدين منعزلين نلعق جراحنا وننعم بصداقة جبالنا، وندرك ان الدنيا مازالت بخير.
ان حدود كوردستان العراق غير محصنةالا بارادة شعب اختار الحرية وبثقة وامال اطفال ونساء وشيوخ ورجال يبذلون اجزل العطاء لتعويض سنين القهر والقمع والحزن المزمن،بشيْ من الازدهار السياسي والثقافي والاقتصادي لردم الهوة بين الاقليم الذي كان الاكثر بؤسا في العالم وبين شعوب الارض وبرغبة جامحة للبناء والتنمية بعد عقود من الحرب والتدمير والابادة العنصرية ،والشاهد على ذلك علي كيمياوي الذي اعلن في المحكمة اته لوعاد لسابق عهده لكرر المأساة مجددا . والاقليم الكوردي  اصلا رغم كل النتوءات التي علقت به او ما يعتريه من ثقوب هنا أوهناك يبقى ملاذا وبيتا تحت الشمس لشعب ظل على مر التاريخ واقفا في العراء يقتعد الارض ويلتحف السماء وحين تواجهه العواصف يبقى واقفًِا لا يسقط لان مقاومته المستديمة علمته ان السيول تمر بالاشجار المتجذرة في الارض فيمضي السيل وتعمّر الشجرة.
فلماذا لا يتضامن الاقربون مع هكذا ملاذ ولماذا يتجاوزون على اركانه واوتاده وكانهم يحسدون شعباِ يتمتع  بمنطقة امنة منذ عام 1991 بعد ان كاد الدكتاتوريجهز عليه ويلغيه من الخارطة،ولم يعينه انذاك سوى تحوله الى صورة عالمية متلفزة الهبت في  الضمير العالمي نزعة التضامن التي تجسدت في القرار 688.
ان كوردستان العراق لاتستحق الشك والحسد والكره من جيرانها الذين يستولون  على اضعاف مساحتها واضعاف اضعاف ثروتها وقوتها، وهم اساسا يفترض انهم اخوة بالدين وشركاء في اشاعة السلام والتنمية في منطقة الشرق الاوسط، ارض الانبياء الحبلى بالتفجيرات السياسية التي لا ينقطع سيلها .
ان الكورد في بحثهم عن الحرية انما يريدونها للجميع ، ولانهم ضحايا التاريخ والجغرافيا فلا يمكن الا ان يفرحوا اذا انتزع شعب حريته في كل اقاصي الدنيا، ولذلك صفقت الاقلام الكوردية والاصوات السياسية والقيادات الكوردية لاستقلال(كوسوفو)وشعبها الشقيق في الماساة وحرب التطهير والجينو سايد التي فرضها الصرب ، مثلما فرضها الدكتاتور السابق على شعب كوردستان، وبالمقابل فان الحزن يجتاح الكتاب الكرد اذا اندحرت قضية شعب ما او انتكست اماله ، لانهم يتوجسون الخوف المشروع على قضيتهم وعلى اركان بيتهم الامن.
هذا السلوك في الكتابات الكوردية نتمنى ان يعمّ على الكتاب والاعلاميين العرب تطبيقاً لمبدأ نبيل هو ان الحرية قي العالم لاتتجزأ وان من يدافع عن وجوده وينكر وجود الاخرين يدق المسمار الاول في نعشه قبل ان يستطيع الاستعداد لتشييع الاخرين.
(صافيناز كاظم) و( عدنان حسين) و (عبد الرحمن الراشد) و( كاظم حبيب) و(خالد القشطيني) و اخرون قد يضيق بذكرهم المجال هم اقلام ارتأت لنفسها ان تتواصل مع الحق حيثما كان وضد الظلم حيثما كان وتلك فضبلة صعبة المنال هذه الايام حيث تزدحم الساحة بكتابات عديمة اللون كريهة الرائحة تجعل الضحية قاتلاً وتدعي الحق وهي تجهل معنى الحق او تتجاهله.
ان مقاومة الشعب الكوردي من اجل الوجود والبقاء والحرية في حاجة ماسة الى نخب مبدعة في الدول التي يعيش فيها لتكون له عوناً اضافياً وخشبة اخرى يتكئ عليها ، ولذلك فهو يفرح لكل من يمنحه التضامن ويسعفه ولو بالكلمة الطيبة .
لو ان اي كاتب عربي هرع الى الارشيف لوجد اكواماً من الكتابات الكردية التي تناصر القضايا العربية وتدفع بالراي العام الكردي للتخندق معها وليس ضدها ،ورغم ذلك يتعامى عليها بعض الاعلاميين العرب حين يقع الشعب الكردي فريسة العدوان .
تحية من القلب الى ( صافيناز كاظم) واقول لها وقلبي معك ايها الصوت المشبع نرجسا وحبا.

248
نوروز يوم دموي لأكراد سوريــــــــــــــا


                                                                                    فوزي الاتروشي
                                                                                  كاتب ومحلل سياسي

يوم (21/اذار) عيد نوروز بقيت في بغداد لأن فيضان العمل وهموم الكتابة منعتني من السفر الى كوردستان والتمتع بشمسها وضفائرها المغسولة بالحناء احتفالاً بعيد الحرية . ارسلت رسائل تهنئة قصيرة بالهاتف النقال الى زميلاتي وزملائي في الوزارة وسرعان ما انهالت عليَّ التهاني التي دخلت القلب ولامست بحنان وجداني , وتسلمت من مدير واعضاء مكتبي باقة ورد طبيعية جميلة للغاية دخلت القلب وحفرت في الذاكرة علامة حب لا تنسى . 
يوم نوروز استثنائي في تقويم السنة فهو عيد التجدد للانسان والارض والمناخ , فلا احد من النساء والرجال والاطفال يبقى في البيت والكل ينفرج على فضاءات الحرية والفرح والذكريات المنعشة . والارض تلبس حلتها الزاهية الالوان وتغادر الوانها الرمادية , والليل يتساوى مع النهار , وتبدأ الثلوج بالذوبان ويستهل الناس يومهم بأشعال شعلة نار استحضاراً لـ (كاوه) الحداد الذي حمل النار رمزاً للخلاص من الطاغية "ضحاك".
تذكرت وانا جالس وحدي كل احتفالات نوروز التي اقمناها في عواصم الدنيا تحدياً لنظام كان يحاول تطويق حتى احلامنا بالاسلاك الشائكة , ومرت بي غمامة حزن وكأنني اتنبأ بأن شيئاً ما سيحدث وفعلاً جائني الخبر عبر الانترنت ان مدينة (قامشلي) الكوردية التي سالت فيها الدماء الغزيرة يوم 12/اذار/2004 قد الغت اعياد نوروز حداداً على ارواح ضحايا جدد يوم 21/3/2008 وذنبهم الوحيد حملهم لمشاعـــــــل النار وممـــــارستهم لطقوس عيدهم القومي . فيوم امس سقط (4) شهــــداء وجرح (9) اخرون بعد ان اطلقـــــت الشرطة السوريــــة النيران عليهم , فتحولت فرحتهم مأتماً واذ اخمد رجال الامن مشاعل النار , فأنهم أضرموا في القلوب والمشاعر مجدداً شعلة التوق الى الانعتاق والحرية .
لأكراد سوريا مكانة خاصة في النضال التحرري الكوردستاني فهم رغم قلة عددهم حازوا من التعليم والوعي السياسي ما جعلهم نخبة متقدمة في تعضيد النضال الكوردي في كل اجزاء كوردستان , وكانوا دوماً الجزء العزيز الذي يضحي بمصالحه لصالح الحركة الكوردية في العراق او تركيا , وقد تبلورت بينهم حالة تمرد قصوى تنهض بها اقلام نسوية ورجالية حفرت بصماتها بقوة على الارض , والى ذلك فأن هذا الجزء عانى ومازال يعاني من الحرمان والقمع والتهميش ما يذكرنا بقرون خلت في زمن العولمة وهبوب رياح الديمقراطية على كل بقاع الارض .
في اوائل ستينات القرن الماضي صدرت وثيقة (محمد طلب هلال) الذي كان انذاك محافظ (الحسكة) وهي تدعو صراحة الى تعريب وترحيل وتجهيل وتعطيل الكورد لتصفية ملامح هويتهم الثقافية واذابتهم كلياً في المجتمع السوري العربي . وترجمت الوثيقة الى واقع من خلال تجريد نحو (120) الفاً من الجنسية السورية ومازال ابناء هؤلاء يسمون "المكتومين" الذين لا يتمتعون بأية وثيقة اثبات هوية وهذا خرق لأبسط حقوق الانسان . وتم تعريب اسماء المناطق والقرى الكوردية (وقد مر كاتب هذا المقال بها) والاسماء مترجمة حرفياً من الكوردية الى العربية وهذه سياسة ساذجة للغاية من دولة هي الاكثر حديثاً عن حرية الشعب الفلسطيني ونضاله التحرري الذي كان لاكراد سوريا قصب السبق في تأييده والتضامن معه ودفع قافلة من الشهداء من اجله .
لم يقف النهج السوري عند حد تغيير الاسماء بل تجاوزه الى تغيير الارض والانسان فكان مشروع الحزام العربي لتشتيت الرقعة الجغرافية لاكراد سوريا , ومنذ اوائل سبعينات القرن الماضي ولغاية الان شكلت سياسة التنكر والاعتقال والتصفية وتغييب الثقافة الكوردية هي اللغة البدائية للتعامل مع قضية عصرية لا حلَّ لها الا الانفتاح عليها ديمقراطياً لأن هواء العصر فيه من النقاوة والوضوح والعذوبة ما لا يتحمل قبح الحديد والنار كألية صدئة لمواجهة المشاكل . وكان ما توقعه الجميع وهو ان للصمت وللصبر حدود فالضغط لا يولد الا الانفجار الذي تناثرت شظاياه في اذار عام 2..4 في انتفاضة (قامشلي) المدينة المتمسكة بلغتها ولون اثوابها وتقاسيم وجهها الكوردي معلنة فشل كل مفردات مشروع تصفية شعب لانه الاستحالة المطلقة .
ان سوريا دولة مواجهة ولديها ارض محتلة وهي اكثر الدول حاجة الى الوئام الاجتماعي والاستقرار السياسي لانجاز الاستحقاقات وترطيب الاجواء مع الجوار الاقليمي والخروج من قائمة الدول اللاديمقراطية ومد جسور الصداقة مع العالم .
ان نهجها الحالي تجاه كوردها يضيف شرخاً اخر الى سمعتها المثقلة بأشكاليـــات المسألة اللبنانية . فهل تتراجع وتعلن خطأ مشروعها السياسي الحالي وخطأ تعاملها مع اجنحة المعارضة السورية , التي تتوالى مؤتمراتها واحدى شرائحها هي المعارضة الكوردية السورية . ان اكراد سوريا سوريون اصلاء وسيبقون كذلك حتى وهم بدون جنسية وربما كانت دمائهم التي سالت يوم 12/اذار/2004 ويوم امس ايذاناً جديداً للحكومة السورية انها لن تقنع احداً اذ تطالب بالحرية للجولان وتصادر الحرية اذا تعلق الامر بلبنان او كوردستان .




                                                                                                             بغداد
                                                                                                       22/3/2008



Email: f.atroshi@yahoo.com


                                                                                                 
   


249
يا رب أحفظنا من الزاهدين في العمل .. والطامعين في المال والكسل

                                                                           


                                                                               فوزي الاتروشي
             وكيل وزارة الثقافة في العراق

الهزيمة يتيمة اما الانتصار فله الف اب زاعم ومدَّعي الى الحد الذي يضيع اسم الصاحب الحقيقي للانتصار ويهال عليه التراب. ينطبق هذا التوصيف على الكثير من الثورات في العالم والثورة الكوردية ليست استثناءاً على القاعدة , ولكن الظاهرة في الحالة الكوردية فاقعة وصارخة اكثر من المألوف , وذلك يعود لسعة صدر الحركة التحررية الكوردية واقدامها في كل مراحلها على العفو عن المذنبين والمتعاونين مع الانظمة التي تقاتلها وكل الذين خانوا الارض ومزقوا القضية وحصروا المبادئ في كيفية مراكمة ثرواتهم دون مراعاة لأنتزاع الحرية لأنهم اصلاً ولدوا للاستعباد.
الى هنا تبقى الظاهرة معهودة ولكن ان يتسلق بعض هؤلاء مواقع مؤثرة وحلقات ذات نفوذ فأنه امر لا يمكن استيعابه ولا فهمه او قبوله لأنه ضد طبيعة الامور وضد المنطق والعقل. ان المخبر الذي سبب المــــأسي للعوائل الكوردية , وكشف اسمـــاء البيشمركـــة الملتحقين بالثورة , والمتعاون الذي حمل السلاح على مدى سنيــــن ضد بني جلدته , وآمر الفوج الامني الذي لاحق الاطفال والنساء في كل زاوية من كوردستــان لضمهم الى قافلــة الموت ابان تراجيديــا الانفال , "والمستشار" ! الذي جمع عشيرته على كلمة عرجاء وليست سواء ملخصها بيع الذمة للمشترين اينما كانوا , والكاتب الكوردي الذي انهمك في دهاليز الامن والمخابرات لكتابة التقارير الامنية حول نشاط زملائه , والمقاول الذي كرس ثروته لبناء القلاع العسكرية على جبال كوردستان , والفنان الذي قتل ضميره لكي لا يوخزه وهويصدح للدكتاتور . كل هؤلاء يمكن العفو عنهم , فالعفو عند المقدرة فضيلة , ولكن العفو والتسامح ينبغي ان لا يتحول الى ملاذ اخر ينطلق منه هؤلاء لتسلق مواقع وانتزاع امتيازات ومواصلة مراكمة الثروة . ولكي نضع الاصبع على الجرح نقول ان بعض هؤلاء الاقزام جرى العفو عنهم عام 1991 وعادوا الى مهنتهم القذرة وكـُشف الغطاء عن اسمائهم النتنة الرائحة بعد التحرير ليتم مجدداً الصفح عنهم , والمعروف ان العودة في حالة الجريمة ظرف مشدد وليست ظرفاً مخففاً .
ان الثورة يتحتم عليها ان تبقى وفية لأبنائها وهم قلة ونخبة مؤمنة احرقت كل شموع العمر لتبقى القضية مشتعلة ومضيئة وحاضرة في الضمير العالمي .
وهذه النخبة من المقـــاتلين والمناضلين والكتـــاب والفنـــــانين والنســــاء والشبـــاب والسياسيين هي التي عجنت الثورة بدمها ودموعها واحزانهـــــــا حتى تبلورت وتجسدت وعبرت بالثورة من النفق المظلم الى النور والضفاف الخضراء .
هؤلاء قلة ولكنهم الاكثرية الحقيقية لجهة العطاء والبذل ونكران الذات والزهد في الحياة والملذات والسخاء في الاحتراق الدائم , وفق وصف الشاعر التركي الكبير (ناظم حكمت) حين قال :

ان لم احترق أنا
ان لم تحترق انت ... فمن ينير الطريق

 لقد كان البارزاني الاب دائماً واثقاً من النصر ومتأكداً من هزيمة الظلم امام العدل والقبح امام الجمال والقمع امام توق الشعب الكوردي ككل شعب اخر الى الخبز والحرية . ولكنه كان يتوجس الخوف من ان يُحرم خالقي النصر من ثمرة الثورة .
ان أية دراسة واقعية في يوميات الثورات في العالم سيؤدي بنا الى خلاصة ان الثورة الكوردية هي الاكثر تساهلاً وتسامحاً لكي ينفذ منها من لم يقدم ذرة من العمل والجهد الوطني , لأن القيم الاجتماعية الكوردية تتسلل بسهولة الى جسم الثورة والاحزاب الكوردية فتصبح المعايير متماهية والحال ان الثورة والحزب حالة متقدمة على المجتمع وليست تابعة له اومنطبقة معه كلياً , وألا ما معنى البعد التغييري النقدي التثويري الاجتماعي في الثورات ؟ .
ان جيش الوصوليين والمنتفعين والطارئين والقافزين على الاكتاف والزاعمين لأدوار وهمية وحتى الذين رفعوا سلاحهم ضد واحدة من اعدل ثورات العالم , يمكن التسامح معهم كما فعلت ثورة جنوب افريقيا وثورات اخرى لعدم تمزيق المجتمع وأنعاشه بالوئام والتناغم , ولكن لا يجوز ان يكون بعض هؤلاء في مفاصل القرار والنفوذ. لننظر الى جنوب افريقيا ذات التجربة النموذجية في "الحقيقة والمصارحة" فأنها اذ عفت وتسامحت رفضت حتى ان تمنح رئيس الاقلية البيضاء دوراً لا يستحقه لأنه ضمن المؤسسين لنظام التمييز العنصري البغيض.
ان حشد الكوادر في الاحزاب الكوردية ولا سيما الحزبين الكورديين الكبيرين , هو القادر وحده على ضخ الدماء الجديدة في شرايين الحركة التحررية الكوردية لأنها متمرسة وتعتبر نفسها جسراً يعبر عليه الاخرون ومشروعاً للصالح العام دون اي توجه نفعي ذاتي , وهم الذين ينبغي ان يكونوا في مواقع القرار والنفوذ والعمل المفصلي , انهم خلاصة النبل الكوردي في الزمن الصعب , وهم بيادر القمح الحافلة بالخير في زمن القحط الردئ واكبر وفاء لهم ان تكون مفاتيح الحل والعقد بيدهم , فالمسيرة ما زالت اطول مما نتوقع والايام القادمة حبلى بالتوقعات والتحديات .
قبل ايـــام كنت اقرأ احدث كتـــــاب صدر حول الثــــــائر العالمي (جي كيفــــارا) بعنوان "احلامنا التي لا تعرف حدوداً" وادركت مجدداً لماذا ظل هذا الانسان ايقونة الثورة والحرية. فقد كان احد اكبر الزاهدين في متع الحياة واحد اكثر المستعدين للبذل والعطاء حتى سال دمه وهو ينادي قاتله عام 1967 (أقتلني يا جبان انك أمام رجل) .
ان البارزاني الاب خيمَّ على نصف قرن من الزمن دون ان يتثاءب او يشعر بالملل ورحل تاركاً تراثاً رائعاً للتمرد الانساني والمقاومة وما علينا سوى تجديده فينا وانعاشه في الذاكرة الى الابد .       

250
حلبجة عنوان قضية ... ورمز مأساة شعب


                                                                               
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق

كانت لحظة صـــاعقة في حياتي , حين تبلغت يوم 16/اذار/1988 بخبر فاجعة حلبجة , كنت جالساً في المقر الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني في (فينا) عاصمة النمسا.
كان الزمن صعباً والامكانيات اكثر من متواضعة واعلام النظام الدكتاتوري يمارس التعتيم على كل شئ . رغم ذلك تحرَّكنا بسلاح التصميم والعزم والايمان . كان يتحتم ان نؤسس لحملة تضامن عالمية لان السيل بلغ الزبى والحرب العنصرية بلغت حدها الاقصى .
بقيت مع زملائي على اتصال بالشهيد (شوكت شيخ يزدين) في الداخل , كان كل شئ يوحي ان النظام مصممَّ على انهاء وجود شعب ووضعه على رفوف النسيان , وكنا بالمقابل عازمين على جعل الفاجعة عنواناً لقضية نطرق بها على الضمير العالمي .
في هذه الاثناء نقلنا الفرع الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني بأمر القيادة من فينا الى برلين , كانت تنظيمـــات الحزب في كل القارة الاوروبية قد نزلت الى ميدان العمل الجماهيـــري – الاعلامي – العلاقاتي , ونسقنا مع الاخوة في الاتحاد الوطني الكوردستاني والاحزاب الكوردستانية الاخرى ومع مئات من المنظمات الاوروبية الحقوقية والسياسية ومنظمات المجتمع المدني والاوساط البرلمانية في المانيا وفي مختلف العواصم في اوروبا , وتم طبع وتوزيع عشرات البوسترات والاتصال على مدار الساعة بمنابر الاعلام .
اصبح الانسان الكوردي اينما كان خلية نحل , وكانت الفاجعة من الغرابة والهول بحيث اثارت دموع كل انسان شريف , واذكر ان احدى مدارس (برلين) خصصت حصتها الاولى للتعريف بالكورد وبالفاجعة التي جعلت مدينة حلبجة تقفز الى الذاكرة في كل زاوية من العالم الى جنب (هيروشيما) و(ناكازاكي) . عمَّت المظاهرات والاحتجاجات وكنا نواصل الليل بالنهار لأصدار تعميمات حول عشرات الفعاليات المتنوعة . كان الهدف واضحاً وهو منع الابادة وكانت صور حلبجة المطبوعة على بوسترات رسالة اعلامية بالغة المغزى وواضحة المعالم .
رأيت بأم عيني مواطنين المان يكتبون على ظهورهم "نستحي ان نكون الماناً"كأحتجاج ضد الشركات الالمانية التي زودت النظام الدكتاتوري بالمواد الكيمياوية .
استمرت الحملة وتواصلت ضمن غليان جماهيري وشعبي وصمت عربي واسلامي ودولي رسمي ,  حتى كانت الانتفاضة المليونية عام 1991 التي حوَّلت الكورد الى "صورة متلفزة" على مدى اسابيع , وهنا حصل التحول النوعي حين انضم الخطاب الرسمي الدولي الاوروبي والامريكي الى الخطاب الشعبي , وما زلت اتذكر وزير العمل الالماني حينها وهو من الاتحاد الديمقراطي المسيحي حيث قاد مظاهرة حاشدة تضامناً مع الشعب الكوردي , وكان حزب الخضر والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني وقوى المانية عديدة ضمن حملة التضامن التي شملت كل انحاء اوروبا .
في هذه الاثناء بذلنا جهداً مع سياسيين مثل (كلاوديا روت) و(زيكي مارش) وقيادات الاحزاب الالمانية ومنظمات المجتمع المدني وهي قوية ومؤثرة للغاية في المانيا , وذلك لجمع معلومات حول الشركات التي زودت النظام بالسموم الكيمياوية وفعلاً استلمنا من حزب الخضر الالماني قائمة بالشركات وكان لهذا الحزب واحزاب وشخصيات اخرى دور اساسي لاحقاً لأصدار احكام بالسجن بحق بعض التجار الالمان . كانت القضية الكوردية ملتهبة في كل مكان ويقال ان صورة المرأة البــــاكية على الشاشة وهي تهرب منادية بوش الاب (ارحمنا نحن ايضاً بشر) كانت ذات تأثيــــر عاطفي بالغ دعته للتفكير بعمل شئ , والاعلام في هذا العصر – بحق- يصنع القرار .
تداعت الاحداث وسافرنا في ربيع عام 1991 الى دمشق ومنها الى بيروت لعقد اول مؤتمر للمعارضة العراقية على وقع الانتفاضة وجموعها الهادرة . وكان ان حققت القضية الكوردية والعراقية انتصارها السياسي الهام بصدور القرار (688) في 5/4/1991 الذي غيَّر ميثاق الامم المتحدة لجهة استباحة التدخل لأغراض انسانية ومنع خروقات حقوق الانسان وتحجيم الطابع المطلق لسيادة الدولة وانشاء "المنطقة الامنة" في كوردستان العراق .
المادة الاعلامية الاساسية التي هيأت لنا فرصة النجاح الباهر في اجتذاب الرأي العــــام العالمي , هو الفلم التسجيلي الوثائقي عن حلبجة بعد القصف الذي عرض مئات المرات في المناسبات والفعاليات في كل عواصم العالم , وكذلك التقارير التلفزيونية الحية عن النزوح المليوني في جبال ووديان كوردستان .
تزامن عملنا السياسي والاعلامي مع القيام بحملة شاملة لجمع التبرعات السخية وارسالها الى الوطن في ذلك الزمن الردئ حيث فقر الموارد وضيق ذات اليد , كان الفرع الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني الذي كنا نقود اعماله عند حسن ظن الجميع , والمعلوم انه منذ بداية عمله اوائل ستينات القرن الماضي ظل هذا الفرع يجزل في العطاء في المواقف والايام العسيرة , وكان بعد نكسة عام 1975 رائداً في ضخ الدماء في شرايين الحزب والثورة والنضال التحرري الكوردي .
بالعودة لأصل الموضوع ومع استعادة شريط يوميات ذلك الزمان اقول ان قفزة نوعية حصلت في الحضور الكوردي في المؤتمرات العالمية فكان لنا حضور فاعل في مؤتمر الاشتراكية الدولية في برلين عام 1992 وكان ثمة فقرة خاصة حول الكورد وحينها كنا حتى ظهيرة اخر ايام المؤتمر مع الشهيد (صادق شرفكندي) الرئيس السابق للحزب الديمقراطي الكوردستاني في ايران , الذي اغتيل مساءاً في مطعم (ميكونوس) اليوناني في برلين . واذكر ان رئيس وفد الحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني لم يتمالك نفسه وبكى في الاذاعة الالمانية . بعد ذلك واظبنا على الحضور في مؤتمرات الاحزاب الاوروبية , واذكرمنها حضورنا الى مؤتمر حزب العمال البريطاني والحزب الاشتراكي الديمقراطي الالماني وحزب (باسوك) اليوناني والاجتماع  الاستشاري للاشتراكية الدولية في البرتغال ومؤتمر حقوق الاقليات في قبرص عام 1994 . وعشرات المؤتمرات الدولية والندوات السياسية ومؤتمرات المعارضة العراقية . كانت الساحة ملتهبة عنفواناً ونشاطاً وكنا اقسمنا ان نتحول الى جسر للعبور الى ضفاف الوطن الخضراء , وكان لنا ذلك .
ما زالــــت قضية (حلبجة) لغــــــاية الان تتفاعل في ساحـــات اوروبية عديدة ولا سيما المانيــا , فالنائبة البرلمانية الالمانية (ئولي اوليكا) قدَّمت مرتين مساءلة قانونية في البرلمان الالماني وهي آلية تجبر الاحزاب المشاركة في البرلمان على عقد جلسة مناقشة وابداء رأي بهذا الصدد , وكان كاتب هذا المقال على اتصال بها لتنسيق الامور وهي تصر على استثمار الفاجعة للوصول الى المزيد من المساعدات التنموية لضحايا (حلبجة) . وقبل ايام اعلن نجل احد تجار السلاح الكيمياوي الالمان في البرلمان الالماني تقديم الاعتذار للشعب الكوردي بأسمه وبأسم والده الذي توفي عام 2002 وكان احد المتورطين في القضية , وذكر ان وصية والده هي تقديم الاعتذار لما شعر به من وخز للضمير وتمزيق في العواطف .
وستبقى حلبجة عنوان قضية ورمز لمأساة شعب مصمم على انتزاع حقه في الخبز والحرية .

251
دمك ايها المطران الشهيد ضريبة الحرية
                                                           
       فوزي الاتروشي 
                                           وكيل وزارة الثقافة في العراق
   الارهاب مفقوء البصر وفاقد البصيرة لاعنوان له فهو ملثم بالسواد خوفا من شمس الحقيقة، ولا هوية له يعيش عائماً في المكان والزمان، يخاف الحياة والبناء والجمال و يعشق الموت والتدمير والقبح. هذا هو توصيفه الازلي وسماته التي لا تتغير.
و حين سقط المطران بولص فرج رحو يوم 13/3/2008 و سال دمه تصور الارهابيون انهم حققوا نصراً آخر بقتل رجل أحرق شموع عمره للسلام والتسامح والتعايش وهو الثالوث الذي يحتقرهُ الارهابيون على الارض لانهم خارج الحضارة والاواصر الانسانية الخضراء، وداخل قمامة نتنة لمنظومة اخلاقية بائسة ويائسة  تحرق الاخضر واليابس، تبحث عن شهرتها من خلال اعادة الوطن العراقي الى سجن للحرية ومقبرة مترامية الاطراف، ولكن السؤال حينذاك ماذا سيبقى من الوطن كي يحكموه؟.
   لم ينجح الارهاب هذه المرة ايضاً في قتل القيم التي دعا اليها المطران (بولص  فرج رحو) بل ان القيم ذاتها ستزداد تجذراً وتحصناً لدى كل محبي المطران الشهيد وهم كل ابناء العراق دون تجزئة او تفريق بين الاطياف فالقتل موجه بالاساس للعراق كله في شخص مرجع ديني اصيل ومحب للخير وللعمل النزيه الذي ظل قلبه وعقله ينضحان به حتى آخر لحظة من حياته. ازمة الارهاب انه لايعلم ان ثمة استحالة لكي ينتصر لان الذبح والقتل يفرزان المزيد من الاعداء له ويوسعان جبهة المنادين بحق الحياة على طول ارض العراق وعرضه. ولان الارهاب يفتقد قوة الحكمة ولايملك سوى حكمة القوة فانه سريع العطب وقصير اليد ولذلك يتجه الى الحلقات التي يسهل الوصول اليها وهي الاسواق الشعبية وجموع النساء والاطفال، ورجال الدين الاوفياء لله وللدين ولحق الحياة للجميع.
   المطران (بولص فرج رحو) دفع حياته ثمناً للحرية وهي ضريبة لابد ان ندفعها تجاه فصيل الموت القادم من دهاليز الغرف الباطنية المنعزلة عن هواء العالم ومناخ العصر. ان اجمل ما في موت المطران الذي تزامن مع ايام آلام المسيح، انه تحول بموته الى مسمار آخر في نعش الارهاب المنهزم والمحتضر رغم كل العويل والصراخ اليائس الذي يبثه على ارض العراق، فعاش المطران بولص فرج رحو في الذاكرة الجمعية العراقية الى الابد رمزاً للسلام والخير، ومات الارهاب لانه اصلاً عدو الحياة فهو يحمل بذرة موته في ذاته.
لك المجد والمحبة ايها الشهيد الواقف على قدميه وللعراق السلام والخير والعافية.

252
البرلمــــــانيون العرب في اربيل ...
رســـــــــــــــالة حب وتضـــــــــــــــامن

فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق

في مدينة كانت الاكثر بؤساً في العالم , وفي منطقة كانت لغاية ربيع عام 1991 ركام حرائق وانقاض خرائب. يلتئم البرلمانيون العرب بعد ان تحولت اربيل الى عروس العراق وقلبه النابض بالوان الحياة حيث التنمية والسلام وامال شعب تواق للحرية.
ان مرجعيات التشريع العربي في مؤتمرهم في اربيل انما يوجهون رسائل ذات مغزى لعدة اتجاهات , ومنها ان اربيل جزء من العراق ولا صحة للزعم القائل بأنها منسلخة عنه كما يكتب أعلاميون عرب يرون الحقائق من ثقب أبرة رغم انها بحجم قرص الشمس , ومنها ايضاً ان شعب كوردستان عاشق للتواصل السياسي والفكري والثقافي والحوار الحضاري وناقم على الانعزال والتناحر والتخندق في اخدود ضيق بعيد عن هواء العالم وضفافة الخضراء.
والى ذلك فأنعقاد المؤتمر في مدينة اربيل التي تستبطن التأريخ وتشمخ بقلعتها المهيبة يلقي اضواء مبهرة على سجل وتراث شعب قديم وعريق وليس طارئاً كما يكتب بعض الذين في نفوسهم مرض وفي عقولهم مركب النقص. واذ يتوافد المشرعون العرب على كوردستان العراق فأنهم يبعثون بأشارة حب الى سكان الاقليم وبعلامة احتجاج على كل الذين يصدِّرون الازمات والدمار والرعب الى المنطقة بالاجتياح المتواصل , ولذلك فأن هذا الاجتماع هو في الواقع رسالة أعلامية بالغة الاثر والدلالة الى العالم كله أن اقليم كوردستان العراق الذي نهض من بين انقاض الحرب العنصرية البغيضة مصر على البقاء والتطور والتنمية , في عالم غدت الديمقراطية وحقوق الانسان والحريات وبناء المجتمع المدني والوئام الاجتماعي واللحاق بركب الحضارة الراهنة من عناوينه الاساسية .
سيمر البرلمانيون العرب وهم في اربيل بتمثال شاعر العرب الاكبر الجواهري الذي قال :-

قلبي لكوردستان يهدى والفم
ولقد يجود بأَصغريــــه المعدم

وسيمــرون بالاماكن الخضراء وبالقاعات التي شهدت باقـــــة من اجمل مؤتمرات التواصل العربي – الكوردي , ومؤتمر المصالحة الوطنية ومؤتمر السيادة والديمقراطية وغيرها الكثير من نقاط الضوء التي حاول ويحاول الاقليم بث اشعاعاتها الى كل العراق .
ولا شك ان نخبة البرلمانيين ستشــــاهد الجسور التي هدمهــــا القصف التركي الاخيــــر بلا مبرر والقرى التي اشـــــاع فيها الهجوم الخوف , والبيــــوت التي هدمت على رؤوس ساكنيهـــا , وهي المواقع التي سبق ان مرت بها بقلب عامر بالحب والحنان والوفاء البرلمانيـــة الناشطة (صفية السهيل) .
ان الاجتماع البرلماني العربي بؤرة ضوء كبيرة قادمة من منطقة تمتنع عن الحقد وتغرف من الحب الذي تبعثه كل يوم الى بقاع العراق الاخرى التي ما زالت تعاني من نزيف الدم والدموع.
ولا بد ان نساء واطفال العاصمة الاقليمية اربيل سيروون للبرلمانيين العرب ان هذه المدينة الشامخة بقلعتها بشرت يوم 5/آذار/1991 بأجمل واطول ربيع في الانتفاضة المليونية التي ازهرت في الذاكرة ومازالت تزهر براعم خضراء.

253
أتفاقية (11) آذار عام 1970 ...
فصل اساسي في سجل النضال التحرري الكوردي

                                                                             
  فوزي الاتروشي
                                                                             
كاتب ومحلل سياسي

   قبل (38) عاماً تهيأ للعراق ان يكون بوابة مشرعة لرياح التغيير الديمقراطي وسنحت له الفرصة لوقف الاستنزاف البشري والاقتصادي والمعنوي من خلال ايقاف نزيف الدم في كوردستان, وعبور ضفة المستحيل الى الممكن بالتوقيع على اتفاقية الحادي عشر من آذار التي جهزت الارضية الصلبة لحل اكبر معضلات العراق وهي القضية الكوردية. 
   كان ذلك اليوم بداية تدشين ديمقراطي لتغيير المعادلة التأسيسية للدولة العراقية, منذ عام 1921, التي دأبت ان تكون مركزية شمولية نخبوية احادية الجانب, فاتفاقية آذار جسدت لأول مرة الاعتراف الدستوري بالقضية الكوردية وباشراك الكورد ولاحقاً القوميات الاخرى في الحكم والقرار وادارة الدولة.
ونذكر جميعاً ان شاعر العرب الاكبر الجواهري كتب حينها قصيدة رائعة في (125) بيتاً تغنى فيها بالسلام والتآخي وببطولة ونبل البارزاني الخالد حين قال عنه :

عملاق جنٍّ في الحــــروب ودعلـــــجٌ
في السلم يحمي الجلــــد بالنشــــــــاب

ومضى قائلاً بحكمة ودراية فائقتيـــن :

يعيــــــــا الجحيم بأن يسعِّـــر أمة ً..
فـــــاذا هي اختلفت فعود ثقـــــــــــاب

واذ نعود بالذاكرة الى تلك الايام وننعش فيها يوميات ذلك الزمن نستخلص قيمة اساسية هتكها النظام الدكتاتوري السابق مع سبق الاصرار وهي التملص من العهود والوعود ونقض الاتفاقية من الاساس واعلان الحرب مجدداً في آذار 1975 وشن أكبر حرب عنصرية بغيضة على كوردستان العراق اقترنت بالجينوسايد المادي والمعنوي والثقافي والبيئي باعتراف اجماع المنظمات الحقوقية الدولية, ولا سيما منظمة مراقبة حقوق الانسان في الشرق الاوسط التي اصدرت كتاباً ضخماً بالانكليزية عام 1995 حول تفاصيل جرائم الانفال وحلبجة. وكان يمكن تلافي كل ذلك وتوفير انهار من الدماء والدموع لو ان الحكومة العراقية اتصفت انذاك بشئ من الحكمة والعقلانية والسلوك البراغماتي في الحكم, ولو انها ادركت ان الحديد والنار لا يفلاَّن ارادة الشعوب, وانما يزيدانها اشتعالاً وتحدياً واصراراً على المقاومة.
   كان الطرف الكوردي منذ البداية صادقاً في طرح الحلول لمشكلة مستفحلة في حين كان الطرف الحكومي ينشر الكلام المعسول مقروناً بسموم النوايا, ونتذكر ان البارزاني الراحل كان يشك في النوايا ويدرك ان الحكومة العراقية قد تنقلب على كل بنود تلك الاتفاقية المفصلية في تاريخ النضال التحرري الكوردي, ولذلك صرَّح حينذاك لصحيفة "المصور" المصرية ما مفاده انه قلق ويتوجس خيفة من نقض الحكومة لالتزاماتها وذلك ما حصل بالفعل.
اليوم ونحن نعود الى الوراء نعلم كم كانت تلك الاتفاقية مهمة في التاريخ الكوردي ووضعت الاساس السليم لحل القضية الكوردية في العراق لغاية عام 1992 حين قرر البرلمان الكوردستاني رفع السقف المطلبي الكوردي من الحكم الذاتي الى الفيدرالية لأسباب موضوعية وذاتية يقف على رأسها التطور الحاصل في النظام الدولي الجديد وتحول الحكم الذاتي المسخ الذي طبقه النظام على هيئة حرب عنصرية في الخفاء تحت غلالة ما سمته الحكم الذاتي للتعتيم على العالم كله.
والسبب الاخر ان الفيدرالية فيها من الضمانات والآليات التي تمنع تحكم المركز بالاقاليم ما يعني انعدام فرص قيام المركز مجدداً بشن حملات عسكرية على كوردستان.
   لقد عززت اتفاقية آذار الوضع الكوردي و أرست علاقة خضراء بين الشعبين الكوردي والعربي وانتزعت الاعتراف لأول مرة بوجود الكورد كقومية ثانية في العراق ليرد ذلك بنص واضح في الدستور العراقي .
كما كانت الاتفاقية مرتكزاً للانفتاح على مجمل القوى الديمقراطية والوطنية العراقية حيث انفتحت أفاق للحوار معها واصدرت بعض الاحزاب صحفها الخاصة بها , وشكلت صحيفة "التآخي" آنذاك منبراً اعلامياً مؤثراً بأتجاه تعميق التحالف الكوردي العربي وعرض مجمل الهموم والشؤون الكوردية والعراقية على صفحاتها.
واستدعت الاتفاقية الاقدام على جملة من الخطوات الانفتاحية على القوميات الاخرى في العراق كالتركمان والكلدوآشور والسريان حيث صدرت قوانين لمنحها الحقوق الثقافية وتأسست مديريات للثقافة تبعتها اصدارات بهذه اللغات القومية.
واليوم اذ نعيش اجواء عملية سياسية متعثرة ونعاني من التأخير والمماطلة في مجمل الملف الكوردي في العراق والاستحقاقات الكوردية والعراقية, نتذكر هذه الاتفاقية بمزيد من الشوق نحو مستقبل اكثر اشراقاً للقضية الكوردية في العراق, ونتطلع الى ان تصبح التجربة الكوردية وحكومة وبرلمان اقليم كوردستان اكثر رسوخاً في الارض واكثر قرباً من المواطن ومن الجذور الاساسية التي نمت وترعرعت عليها الحركة التحررية الكوردية.
ان الحالة الكوردية الراهنة في العراق هي ثمرة كل المحطات النضالية المشرقة ومنها اتفاقية آذار لعام 1970 وانتفاضة ربيع عام 1991 وحملة التضامن الدولية وتفاني وتضحيات جسيمة قدمها شعبنا.           

254
حضـــــــارة دون نساء .. محض ســــــــراب



 فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق

كما في يوم الحب في الرابع عشر من شباط قلت ان كل الايام تستحق ان تكون مكرسة للتواصل والعشق الانساني وللحب كأنبل عاطفة , أجدد القول في الثامن من اذار يوم المرأة العالمي ان كل ايام العام لابد ان تستثمر لمزيد من تعميق دور المرأة في المجتمع وجعلها الشريك الاساسي والوتد الثاني الذي بدونه يصبح الحديث عن الديمقراطية والتنمية والمجتمع المدني خرافة .
وحقوق المرأة ليست منحة او هبه , وانما حتمية لخروج المجتمعات من النفق المظلم والدخول الى عالم البشرية المتحضرة . فألغاء او تهميش المرأة يعني بالضرورة الغاء اكثر من نصف الابداع والفكر والانتاج المادي والمعنوي بحكم ان النساء اصبحن في الكثير من الدول يشكلن اكثر من نصف السكان .
واذا كــــانت الانثى هي الاستهلال الاول في الوجود كما تقول (د.نوال السعداوي) في كتابهـــا "الانثى هي الاصل" فأي تراجع في تفعيل ادائها ومشاركتها في الحياة يجعل المجتمع غارقاً في البدائية والسكون والجمود , وتجربة الدول الاوروبية ومعجزتها الاقتصادية لم تكن ممكنة بدون المرأة , وتقدم المانيا والدول الاسكندنافية نموذجاً رائعاً في هذا المضمار .
ولكي لا نقع في فخ التأويلات والتخريجات المزاجية والانتقائية ذات الصفة الذرائعية التي تبرر تحجيم دور المرأة لأي اعتبار كان , نقول ان تجسيد انسانية الانسان وخياراته وحريته وادائه واحترام خصوصياته وحقه في التعبير عن نفسه هو المبدأ الذي دفعت البشرية من أجله انهاراً من الدماء والدموع لتتبلور اخيراً في الاعلان العالمي لحقوق الانسان , والمشكلة ان هذه الحقوق متفق عليها نظرياً ومختلف عليها الى حد التناحر عملياً .
وهذا ما يفسر استمرار قتل النساء بدواعي الشرف , وختانهن او ضربهن او منعهن من العمل والدراسة , مما يفاقم نسبة الانتحار بين النساء في العديد من المجتمعات الاسلامية ومجتمعنا العراقي والكوردستاني ليس استثناءاً على ذلك .
ان جبل التراكمات الاجتماعية البدائية والنظرة الفوقية للرجل والصاق صفات البطولة والقوة والاقتدار بالرجل دون المرأة , والاعتماد على احاديث نبوية ضعيفة او موضوعة وتقديم تفسيرات (فقهية وعلمية) ! تزعم ضعف المرأة وقلة عقلها , مازالت تتحكم بشرائح واسعة في مجتمعنا العراقي . علماً ان كل البحوث العلمية التنموية المتقدمة اثبتت بطلان هذه النظريات وحسمت الامور لصالح حقيقة لا تقبل الجدل وهي ان المرأة مطلقة المساواة مع الرجل في قدراتها العقلية والانتاجية والدليل هو النجاح الباهر الذي تقدمه المرأة على كافة الصعد في المجتمعات الاوروبية الى حد سبقت الرجل في ميادين كثيرة .
في اليوم العالمي للمـــــرأة نستحضر للذاكرة نساء مثل (انديرا غانــــدي) و(بنظيــر بوتو) و(ماركريت تاتشر) و(الام تيريزا) التي حملت هموم كل فقراء الارض في قلبها , والليدي (ديانا) اميرة القلوب كما يصفها الشعب البريطاني , واسماء لامعة اخرى كنّ وما زلن ملكات ورئيسات جمهورية ووزيرات وناشطات حقوق الانسان ومقاومات , ولا ننسى سفيرة النيــــات الحسنة (انجيلينا جولي) التي زارت العراق مؤخراً و(جين فوندا) التي اجتذبت العالم بتضامنها مع الشعب الفيتنامي .
مثلما نتذكر (نازك الملائكة) و(ام كلثوم) التي دشنت فناً يتجدد على مر العقود , واصواتاً نسوية حفرت في دنيا الكتابة الروائيـــة عالمــــاً مفعماً بالثورة والجرأة والحب مثل (غادة السمـــان) و(احلام مستغامني) واخريات شكلن بوابة مشرعة لرياح العصر لا تقبل مرور نزعات التسلط الرجولية وتثبت ان الحياة نصفان متكاملان وان ثمة استحالة ان يدعي الذكر افضليته على الانثى .
قبل ايام كتبت عن قامات نسوية كوردستانية برزت بقوة في سياقات الكتابة والعمل البحثي والمقاومة والنشاط الحقوقي والعمل الابداعي , وانا على يقين ان هذه الاشجار الباسقة هي التي ستثمر مستقبلاً وتحدث تحولاً انعطافياً في المجتمع الكوردستاني في الشكل والمضمون .
لذلك فلا خيار لنا سوى تشجيع هذه الظاهرة وتحريض وتنوير كل ما في هذه القوة النسوية من مكامن القوة والانتاج والثورة على القديم . والثورة الناعمة اذ تنطلق فأنها لن ترجم الرجال بالحجارة كما يفعل هو الان تجاه النساء , بل ستقنع الرجل انه لم يعد الدكتاتور الفردي الاناني في المجتمع , وان الحضــــارة التي لا تمر بعقل وقلب المــرأة لتكتنز بما فيهمـــا من عطاء وحب وابـــداع , هي محض سراب .   

255
ربيع الانتفاضة ما زال نابضاً بالحب والامل
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
  يحل آذار مجدداً على كوردستان طافحاً بالأمل والألم  فينعش في الذاكرة الجمعية الكوردية رغبة العودة الى الماضي وتصفح  ثناياه ونزعة التحديق في الحاضر بكل ما في تقاسيمه من  رتوش، وتطلع المضي بثقة ويقين نحو مستقبل اكثر اماناً .
  هذا الشهر يجسد بيومياته حياة شعب تقطعت به السبل واستلبت حريته على مدى التأريخ ليتحول في الجغرافية الى شعب مجزأ وارض محاطة بأسلاك شائكة تطوق حتى المشاعر والاحلام ومخافر حدودية جاهزة لاطلاق النار اذا  عبرها الانسان الكوردي او حاول تجاوز الخطوط الحمر على الخارطة السياسية وما اكثرها.
  يستهل شهر آذار دورته بذكرى وفاة البارزاني الراحل الذي نزف حتى الرمق الاخير لفقراء شعبه رافضاً في الايام الاخيرة من عمره حتى ان يكتب مذكراته ولو سجلها لكانت اروع قصة لاطول ثورة قاومت الظلم وانتزعت الحرية في انتفاضة ربيع عام  1991.
  وفي الخامس من آذار يحل موعد زحف الملايين في كوردستان لدك قلاع دكتاتورية ادعت ان  عقارب الساعة  لن تعود الى الوراء وان القضية الكوردية انتهت والى الأبد فإذا بتوقيت الزمن  يقف لها بالمرصاد ولرمزها الموغل في البدائية والوحشية والقبح (علي كيمياوي) الذي ينتظر هذه اللحظات حكم العدالة المطلقة وهو الاعدام ، ولكن  ليس في حلبجة التي امطرها بالسموم الكيمياوية في السادس عشر من  آذار لان هذه المدينة لا تريده ان  يدنس ارضها وتمتنع عن استحضار حجم الفاجعة المهولة الى الذاكره في وقت يريد اطفال ونساء واهالي هيروشيما الكوردية ان يتجاوزوا محطة الالم و الكوارث الى الضفة الخضراء للبناء والتنمية، وفي السادس من  اذار كانت الاتفاقية المشأومة التي وقعها صدام مع الشاه الايراني عام 1975 لقبر الثورة الكوردية واشاعة اليأس في كوردستان ولكن بما ان لايأس مع الحياة ولا حياة مع اليأس كما يقول الكاتب المبدع نجيب محفوظ . فان  براعم ثورة 26 ايار عام 1976 انتشرت في ربوع الوطن بعد عام واحد من النكسة لتبشر الارض الكوردية ان  لهيبها لايخمد وان موعدها مع النصر قادم  لا محال.
  وهكذا  بين  ذكريات  آذارية مطعمة بنكهة النصر واخرى ترفل بالمرارة يمر الشريط اليومي لهذا الشهر الذي يؤشر لبداية انصهار الثلوج في كوردستان واستهلال الربيع و تناثر ضفائر الشمس الدافئة على الوهاد والجبال وبدء مهرجان حب و عشق عاصف، ففي 21 آذار تلبس الارض حلتها الجديدة وتنفتح القلوب على بعضها كما روافد الانهار التي تعلن  فيضانها الربيعي.
  وفي 11 آذار نتذكر شوارع كوردستان و بغداد التي تحشدت فيها التظاهرات السلمية وهي تعلن انتصاراً وطنياً كان كفيلاً ان يضع العراق على عتبة مرحلة ازدهار شاملة لو لا عدوانية نظام صدام وغروره الذي كان يرى في اتفاقية آذار كميناً آخر لقضية اختبرت عبور الكمائن بسلام و تجاوزت حقول الالغام بارادة قوية شبيهة بقوة جبال كوردستان.
  اتذكر حينها قولاً للبارزاني الراحل لمجلة مصرية مفاده ان خوفه الاكبر هو ان ينقض النظام وعوده و عهوده تجاه  شعب كوردستان وكان توقعه صحيحاً مثلما ان ايمانه بالنصر الحتمي كان في محله و فعلاً انتصرت الثورة في ربيع  آذار 1991 واصبحت شجرة باسقة وارفة الاغصان عامرة بالثمر في آذار 2008 فلها العمر المديد ولنا بشائر الحب والتمتع بالحرية .

256
الشاعر جكر خوين : سجل للشعر الكردي المقاوم



                                                                                 فوزي الاتروشي
                                                                        وكيل وزارة الثقافة في العراق

جميل ان نعيش في مناخات الشعر الدافئة والحبلى بالحنان فالشعر يبقى بين الفنون الادبية متفرداً متميزاً بكثافة الطرح وايجاز الجملة والاعلان المبهر بأقلَ قدر من الكلمات عن الحب والامل والنقاء والانتصار والتفاؤل وما الى ذلك من مشاعر مكنونة في النفس البشرية , انه اداة الشاعر لمعايشة الحرية باجلى صورها ومراكمة التغيير وهجرة ضفاف النمطية والركود والتسمرُ في الواقع .
وهكذا كنا في اربـــــيل في الفـــــترة من 10- 12/2/2008 على موعد لــــلدخول الى محـــراب (جكر خوين) , الشاعرالذي ظل متمرداً ورافضاً لا يستكين ولا يخنع ولا يستسلم , لقد كان يرى الشمس خلف كتل الضباب والغيوم وكان مفعماً بالامل في قمة لحظات اليأس .
انه الشاعر الذي منح الاغنية جملاً ومقاطع اصبحت على كل لسان , ومارس قدرة تحريضية على الانسان الكردي ليمنعه من الاستكانة والوقوف في محطات الماضي . قرأت له وانا صغير فكان ينعش داخلي مغزى الترابط بين ما هو سياسي واجتماعي والتنافر بين ما هو متهرئ وبالي وما هو مع سمات العصر وموجباته .
مــــارس (جكر خوين) السيـــــاسة والادب معاً مثلما ثابرعلى دور المصلح الاجتماعي في مجتمع ذكوري ينفى الانثى ويضعهــــا في الصف الثاني رغم انهــــــا الاصل كما تقول د. نوال السعداوي في كتــــابها "الانثى هي الاصل" .
وعاش الشـــــــاعر في الوطن ليذوق الحرمان من الحرية وهاجر الى المنفى ليتذوق الحرية ويحرم من الوطن , انها الخيارات المحدودة المطوقــــة بأسلاك الكهرباء لكل مبدع كردي . ورغم ذلك ظل جكر خوين مواظبـــــــاً على النزيف على اديم الورق فجاءت دواوينه متسلسلة لتعبر عن تجربة رفضت الانقطاع والاقتضاب واصرَت على التواصل والتكامـــــــل , وكان ان عبر الفنـــــان الكردي الشهيرشفان بقصائده الى وجدان الانسان الكردي باللحن والنغم لتكتمل الصورة , وما زلت اتذكــــر حفلات نوروز في بون وبرلــــين ولندن وفيـــــنا وفرانكفورت وغيرها من المدن , حيث كـــانت اغنية (كينه ئه م – من نحن ؟) مسك الختام لترتفع معها مشاعر الجمهور الى الذروة .
حفر جكر خوين لشعر المقاومة في الادب الكردي اخدوداً كبيراً وقد اعطى فعل المقاومة بعداً يتجاوز المعنى السياسي الصرف الى الميدان الاجتماعي كما قلنا , وحرَض  المرآة لتتحرر من قيود رجالية واغلال غارقة في القدم فرضت عليها لمنع اسهامها في البناء والتنمية والمشاركة في الاداء والقرار والانتاج والتفكير , وهذه ميزة ظلت ترافق حياة الشاعر وشعره .
وشكل وقوفه ضد رجال الدين القصيري النظر والغارقين في ركام التفسيرات الانتقائية المزاجية المشوَهة لأصول الدين معلماً بارزاً في نضاله السياسي وما زلنا لغاية اليوم بحاجة لهذا البعد العصري في نضالنا فالنخب الاسلامية في الدول المقتسمة لكوردستان استثمرت الدين لغير مراميه الحقيقية وسواء كانت حاكمة او معارضة في هذه الدول فأن اغلبها ما زال ينتقص لهذا السبب او ذاك من مكانة النضال التحرري الكردي ولا يعتبر القضية الكردية من اولوياته .
قد لا تكون كل قصائد (جكر خوين) بذات المستوى الفني لجهة الشعرية والطاقة التعبيرية والخيال والصور الشعرية فبعضها يختزن كل حرارة  وغزارة المعنى وسلاسة المبنى وبعضها يسوده شئ من التقريرية والمباشرة , الا انها جمعياً تمثل سجلاً يؤشر لمقاومة وطن للتجزئة ومقاومة قضية عادلة للتهميش والنسيان .
ومجرد كتابته باستمرار بلغته الام (الكردية) في تلك الايام الصعبة رغم علمه بمحدودية التوزيع والانتشار في ظل قلة, بل واحياناً انعدام المنابر الصحفية الكردية حين بدأ (جكر خوين) الكتابة , يؤشر لمدى عشق هذا الشاعرللغته التي تعرضت للقمع والمنع والتنكر , فكانت قصائده تعبر الحدود الى كوردستان العراق ليتداولها محبو الشعر والمنخرطون في العمل التحرري كبارقة امل جديدة تمنحهم القدرة على المسير بأتجاه الضوء القادم في نهاية النفق .
يبقى ان نقول ان ضوء هذا الشاعر وغيره من المبدعين ينبغي ان لا ينطفئ بمجرد انتهاء المهرجان , بل ليكن ذلك بداية للمزيد من الاهتمام والكتابة والتعمق في دراسة حياة هذا الشاعر وشعره , فذلك ما يجعل المهرجان حالة فكرية – شعرية مستديمة ورمز وفاء له ولكل المبدعين الكورد الاوائل الذين اصبحوا قناديل للطريق الذي نسير فيه الان .         

257
ذكرى رحيل البارزاني ...
فرصة للمراجعة واعادة التقييم
فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
في الذكرى الخضراء لوفاته ، نستحضر البارزاني الى الذاكرة يقينا لايقبل الشك وحقيقة ساطعة مثلما الشمس وسجلا لمخزون نضالي تراكمي أحتل نصف قرن .
وكما في كل عام تضيء فينا قناديل الماضي فنجود بالعواطف ونرحل نحو قصة مقاومة بين حدود شائكة تكاد تحجب حتى الاحلام وعلى أرض شاءت الجغرافيا السياسية أن تخونها وفرضت مصالح الدول عليها أيقاعا غريبا للحياة يستلب من كوردستان هويتها وتقاسيم وجهها ، بل وحتى أسمها .
البارزاني الخالد هو أبن الحياة من الطراز الاول تعلم منها ودرس متغيراتها واحوالها واصر على مقاومة ما في الحياة الكردية من معاناة واحزان وحرمان فتخرّج بأمتياز من مـدرسة الحياة على هيئة هوشي منه البطل الفيتنامي الــذي قال ( تعلمت الحرب من الحرب ) ونيلسون مانديلا صاحب كتاب  (الطريق الطويل الى الحرية  ) وجي ﮔيفارا حامل الاحلام التي لم تعرف حدودا .
بعد ( 29 ) عاما على وفاته يجب أن نتجاوز البعد التقليدي لمراسيم أحياء الذكرى لرجل لم يكن عاديا وتقليديا في حياتنا ونعبر نحو طرح أسئلة جدية حول راهن ومستقبل النضال التحريري الكردي وثمرته اليانعة في كوردستان العراق فتراث البارزاني ومفردات سيرته الذاتية ليست للحفظ في الارشيف ولا للأكتفاء بالتغني بها وتكرارها في الكتابات الادبية والسياسية ، بل هي سفر نضالي يعيننا على التزود منه والمضي الى الامام ومقارنة يومنا بأمسنا وهذا يحتم علينا أعادة النظر في واقعنا الحالي .






وفتح النوافذ والأبواب لرياح التقييم والنقد الايجابي كمحرك للسواكن وإدامة التغيير نحو الأحسن .
كان البارزاني الراحل يمثل قيم الثبات ضد التهاون والتردد , والزهد في الحياة والغنى في العمل والعطاء , ومناصرة الضعيف على القوي , والفقيرعلى الثري , والمستضعف على المستكبر , وكان عدو الغرور لحظة الانتصار وعدو اليأس لحظة الانكسار .
فكم حرّي بنا اليوم أن ننظر في المرآة لنرى تقاسيم الحالة الكوردية المزدهرة في العراق منذ ربيع عام 1991 ولغاية الآن . وهي الحالة التي تمثل البيت الكردي الوحيد الآمن تحت الشمس إذا صمد أمام الرياح فأن مجمل القضية الكوردية تتقدم في كل أجزاء كوردستان إلى آفاق جديدة , وإذا اهتزت أركانه تتراجع هذه القضية في كل مكان وتنطوي على ذاتها , لنا ولكل الكوادر التي أحرقت العمر شموعاً لواحدة من اعدل قضايا التحرر في العالم , الحق في أن نقول انه آن الوقت لتجديد الدماء في جسد التجربة الكوردية في العراق التي تقترب من سن البلوغ والرشد , ولرفدها بالقوة والحصانة والمزيد من المصداقية في الداخل قبل الخارج , فسكان الإقليم بآرائهم ومزاجهم وطرق تفكيرهم واحتياجاتهم الحياتية وتطلعاتهم المستقبلية , هم آلية اختبار التجربة , وبقدر قربنا منهم نكون قد اقتربنا من جذور الثورة وتراث البارزاني , وبالعكس فان الترهل والتغطية على مواطن الضعف والوهن وإهمال الشروط الحياتية للمواطن العادي والكف عن الإصغاء للرأي الآخر ولنبض الشارع مؤشر للانغلاق والجمود .
 






وبما أن لاثبات في الحياة ولاتوقف لدورة الايام ، ولأن المرء لايمكن أن يضع قدمه في نفس النهر مرتين لان الحياة جارية بلا ركود لذا فالتغيير حتمي وبدونه ننعزل ونبلغ شئنا ام ابينا مرحلة الشيخوخة.
 أن أجمل معالم أحياء ذكرى البارزاني الخالد هو أن نتراجع عما في حياة التجربة الكوردية في اقليم كوردستان العراق من سلبيات وما تراكم على مسامات جلدها بحكم الزمن من ندوب وشروخ وما حصل من اختلال في ميزان العلاقة بينها وبين جيش الفقراء المناضلين الذين كانوا حطب الثورة ونارها الذي أشعل الضوء في نهاية النفق .
هكذا افهم ذكرى البارزاني الخالد كمحطة تامل واعادة أضاءة نفق الذات ومراجعة آليات العمل والنضال والبناء والتنمية وحرق المسافة الفاصلة بيننا وبين المواطنين ولنتصرف دوما وكأننا في خندق الثورة ولسنا في فندق الدولة . 
ختاما الف تحية و وفاء لا حدود له منا لضريح البارزاني العاطر في كوردستان و من خلاله الى كل شهداء النضال التحريري الكوردستاني، لا سيما مهندس المصالحة الوطنية الكوردية الشهيد ادريس البارزاني.

258
المدافع التركية لن تنهي قضية شعب




             
                                                                              فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
تركيا دولة تبحث عن دور لم يعد ممكناً وهو دور الدولة الاقليمية العظمى التي تتحرك دون حسيب او رقيب , في عصر الشراكة في القرار الاقليمي والتنمية المشتركة والتعاون الدولي لمجابهة التحديات الشاملة .
وهي دولة مراوحة بين الاسلمة والغربنة , وبين التحرك الى امام للخروج من عباءة الاتاتوركية او الثبات على سياقات العسكر في مواجهة الملفات الساخنة وابرزها المعضلة الكوردية التي تشكل مشكلة القومية الثانية في البلاد وبدون تطمين حقوقها وفسح المجال لتطلعاتها يبقى اي حديث عن الديمقراطية في تركيا ناقصاً ولا يمكن ان يرضي اي عاقل , ناهيك عن ان يقنع الدول الاوروبية العريقة التي ترغب تركيا ان تنضمَ اليها في الاتحاد الاوروبي .
لتركيا عداء مستحكم مع القضية الكردية وتاريخ طويل في التعامل معها بالحديد والنار منذ تأسيس الدولة التركية عام 1923 , واذا كانت بعض الثغرات والشروخ قد برزت بين الحين والاخر في هذا الموقف فأن ذلك لم يصل الى حد الاعتراف بكون المشكلة الكوردية ذات جذر ديمقراطي سياسي ولا يمكن للحل الا ان يكون سياسياً .
الواقع ان الاتنخابات الاخيرة كان يجب ان تكون بداية توجه جديد لمجابهة المشكلة ومنع المزيد من الاستنزاف البشري والاقتصادي للدولة , فقد صعد حزب العدالة والتنمية بتوجهاته الاسلامية الى الحكم وكان صعوده ممكناً فقط لأن السكان في المناطق الكردية منحوه اصواتهم التي ادت الى ان يكون نحو سبعين من الكتلة البرلمانية لهذا الحزب من الاصول الكردية واذا اضفنا نحو (24) اخرين من حزب المجتمع الديمقراطي الموالي للمطالب الكردية , تكون بذلك قد تكونت كتلة كردية كبيرة كان يمكن للحزب الحاكم ان يوظفها للحل وليس لمزيد من التأزيم والانجرار وراء مطالب العسكر الذي يحاول سحب البساط من تحت اقدام الحزب الحاكم وحجب ثقة السكان الاكراد به .
لم يفعل الحزب الحاكم ذلك واستمر في التصعيد ولغة العسكر التي رغم كل الاجتياحات المتكررة لم تحصد شيئاً سوى المزيد من تأكل الرصيد المعنوي للدولة التركية اقليمياً ودولياً والمزيد من تعميق الجراح ومراكمة الخسائر . والاجتياح الجديد لم يحقق ما لم تحققه الاجتياحات السابقة رغم صرف مليارات الدولارات التي كان يمكن ان تخصص للتنمية والازدهار في المناطق الكردية في تركيا .
أما هدف تقويض تجربة كوردستان العراق وقبرصة الاقليم الكردي العراقي فهو هدف لن يتحقق لتركيا على الاقل في المستقبل القريب , ودور حماية الاخوة التركمان لا يليق بها وغالبية التركمان غير مستعدين لتجاوز هويتهم العراقية لصالح دولة اقليمية لها مصالحها الخاصة بها ومعيار المصلحة هو المحرك الاساسي في السياسة , ولعل المؤتمر الذي دعت اليه غالبية التنظيمات التركمانية وانعقد في (اربيل) مؤخراً يؤكد صدق ما نقول .
اما شعب كوردستان العراق الذي لم يخضع لأ بشع حرب عنصرية بغيضة ابان النظام السابق فأنه لا يمكن ان يستسلم ويستكين اذا اصرَت تركيا وتمادت في العدوان . اما اشاعة لفظ الارهاب على كل قوة كردية تطالب بما هو حق فأنها اسطوانة مشروخة , فالقضية الكردية في تركيا تحوز على اهتمام الاوساط الدولية في اوروبا وهي في مركز اهتمام المئات من منظمات المجتمع المدني والجالية الكردية النشطة التي نزلت هذه المرة كما في كل مرة الى شوارع اوروبا والمدن التركية تشكل قوة ضاغطة اخرى . ثم هل انجزت تركيا ولو جزء يسيراً من المطالب الكردية وهل تحركت نحو الحوار وهل قبلت الحل السلمي ورفضه الاخرون ؟ هذا هو السؤال .
ثم ان القضية الكرديـــــة في تركيا اكبر من حزب العمـــال الكوردستــــاني فهي بالاساس قضية شعب وليست قضية حزب بحد ذاتــه وهذه هي الحقيقة الغائبـــة و بالاحرى المغيَبة في العقل التركي الحاكم .
ان تركيـــــا لها مصلحة في التعــــاون مع اقليم كوردستان والعمل على التنمية والعلاقـــــات الاقتصاديـــة البناءة مع اقليم يعمل فيه (67.) شركة تركيـــــة ولها مصلحة اكيدة في تفعيــــل اللجنة العراقية – التركية – الامريكية بمشاركة ممثلين عن اقليم كوردستان العراق لتعميق الحوار في جو هادئ بعيداً عن لغة المدافع التي تحصد الارواح ولا تزرع الحلول .
وبخلاف ذلك فأن تركيا ستظل تعاني من مشكلة قومية تتفاقم وتتراكم وتتقيَح اكثر فأكثر على مر الزمن فقضايا الشعوب التواقة للحرية لا تقبل التأجيل واذا هدأت لبعض الوقت فذلك ليس سوى الهدوء الذي يسبق العاصفة . 

259
رحل نقيب الصحفيين ... ولم تصله ورودي


                                                                       فوزي الاتروشي
                                                               وكيل وزارة الثقافة في العراق

كنت نويت ان ابعث باقة ورد الى المستشفى حيث يرقد شهاب التميمي نقيب الصحفيين وقد اشتريتها فعلاً , لكن الموت خطفه واستبقني . وبقيت لي غصة في القلب ودمعة في العين . برحيله استدعيت الى الذاكرة كل شهداء الكلمة الصادقة المتنورة من كتاب ومبدعين وصحفيين ميدانيين رسالتهم فضح الارهاب ونقل الحقائق واعادة تشكيل الوعي العراقي الجديد على انقاض الدمار والخرائب والحرائق التي تحاول ان تلتهم كل شئ جميل على تقاسيم وجه العراق .
برحيل نقيب الصحفيين فقدت مهنة المتاعب اسماً علماً اخر ووتداً من اوتاد الكلمة المقاومة المحرَضة العصيَة على الانكسار والسقوط , واذابطلقة غادرة وبائسة ويائسة من الحياة تخترق جسداً عجز الارهاب عن اسكاته فلجأ لأسقاطه وتصفيته بالغدر .
التحق نقيب الصحفيين بعشرات المدافعين عن حرية الكلمة في العراق الجديد الذين يقفون على خطوط المواجهة الاولى دون خوف او وجل لمنع فيضان الحقد والدمار ان يعود الى العراق ولمسح اثار الحروب وشظاياها عن جسد وطن لم يقتنص فرصة سلام واستقرار على مدى عقود من الزمن , والارهاب مصمم على غلق نوافذ الفرح والامل عليه .
انه الارهاب الاعمى فاقد البصر والبصيرة يعادي الحياة والجمال والحرية والحب والتواصل الانساني ويمارس بمهنية وخبرة اجرامية متميزة فعل تدمير كل شئ ثمين في الحياة وكل قيمة ذات مغزى وكل وعد بمحو الماضي وتزيين الحاضر واستشراف مستقبل اكثر اشراقاً .
لحظة اعلان وفاة نقيب الصحافة العراقية الحرة استحضرت الى القلب قبل الذاكرة صورة (اطوار بهجت) التي كانت تتنقل في ميادين المواجهات بجرأة فائقة لنقل الوقائع والحقائق فسال دمها وتمزق جسدها ليصبح اكبر حقيقة وواقعة اعلامية ذات رسالة معبرَة للجميع مفادها ان الصوت الحر والقلم النابض والفكر المستنير والعقل المبدع هي الاهداف المثالية للارهاب الذي يصدَر الموت الى كل مكان .
مات شهاب التميمي لكن جسده واجساد كل زملاء المهنة الراحلين ستنزف وتظل تضخ الروح في الاقلام الصامدة للبقاء على خطوط النار وفي خنادق المواجهة ودفع ضريبة الحرية .
ونقول للحكومة العراقية انها مطالبة بتوفير اقصى درجات الحصانة والامان واجراءات السلامة للعاملين في حقل الصحافة وتزويدهم بوسائل حماية كافية تنقذهم من خطر الموت الذي يحصد ارواحهم بعد ان اصبح العراق الدولة الاخطر في مجال خطف وقتل الصحفيين لأن الارهاب يعلم ان دولة بلا صحافة هي دولة بلا حرية وبلا سلطة رابعة لا تقل عن السلطات الاخرى شأناً .
الم يقل الرئيس الامريكي جيفرسون ذات يوم (( انني افضل ان عيش في بلد ليس فيه قانون وفيه صحافة حرة , على ان اعيش في بلد ليس فيه صحافة حرة وفيه قانون )) فهذ القول ينمُ عن حكمة ودراية لأن الصحافة الحرة في كل الاحوال تنادي وتعمل على تثبيت حكم القانون وسيادته في المجتمع , وهي المرآة التي تكشف قبح الارهاب الملثم بالسواد وتفضحه , لذلك يلاحقها الارهاب في كل زاوية خوفاً من شمس الحقيقة ومن ربيع الكلمة .
رحل شهاب التميمي ولم تصله ورودي وهو حي ولكنها امانة وستصل الى قبره الذي لا بد ان يزهر بستاناً من الريحان والبراعم النديَة .   

260
ابعد من الرثاء .... اقرب الى الوفاء

 
 
                                                                                     فوزي الاتروشي
                                                                        وكيل وزارة الثقافة في العراق
 
 
لا يجوز للمشهد السياسي المظلم والضبابي في العراق ان يبعدنا عن التفكير بأعمدة الثقافة , خالقي الجمال ومبدعي القدرة على رصد الواقع وتغييره نحو الانقى والاجمل, ولا يليق بنا ان ننغمس في تفاصيل ومشاغل الحياة اليومية وهي كثيرة بحق , الى الحد الذي يضعنا على مسافة بعيدة من ضلال اشجار باسقة وارفة الاغصان نسجت على مدى عقود الهوية الثقافية العراقية وبنت ذاكرة الوطن.
قبل ايام رحلت الفنانة التشكيلية العراقية المبدعة نزيهة سليم سليلة عائلة وهبت كل ما تستطيع للفن تعبيراً عن عشقها للعطاء اللامحدود في سبيل الانتقال بالوطن الى الضفاف الخضراء للحرية , والذي يمر بمنطقة الباب الشرقي في بغداد لا يمكنه إلا التوقف عند "نصب الحرية" الشهير الذي رسمه شقيق الرحومة نزيهة سليم الفنان جواد سليم .
وقبل رحيلها كان الروائي العراقي فؤاد التكرلي قد غادرنا وهو الذي اتفق اكثر الروائيين والنقاد على كونه (رائد تحديثي نجح عبر رواياته في أنتاج أدب أجتماعي سياسي يهتم بالانسان في محيطه السياسي الاجتماعي ) كما ورد في صحيفة صوت الاهالي في 26/2/2008.   
نزيهة سليم وفؤاد التكرلي ولدا عام 1927 وعلى مدى 81 عاماً كانا مشروعاً للوطن ونافذة على الاخرين ومرصداً لهموم الناس وشؤون ومتغيرات الحياة السياسية والاجتماعية في العراق عبر اللون واللوحة التي جعلتها نزيهة سليم مرآة لواقع العراق وبالذات لواقع نسائه , او عبر القصة والرواية التي ابدع التكرلي من خلالها في رسم البيئة البغدادية والعراقية عموماً .
ان الرواية فن سردي جميل ومعبر ومسجل للتأريخ في حقب زمنية مختلفة , ولكن بصيغة فنية عالية ومعقدة وما زالت الرواية عندنا بعكس المجتمعات الاوروبية , في المرتبة الثانية بعد الشعر الذي يمثل مساحة اكبر من اهتمامنا وذائقتنا الادبية . أما الفن التشكيلي في العراق الذي تعتبر الفنانة نزيهة سليم وجواد سليم ضمن مؤسسيه الاوائل ابداعاً وتدريساً ونشراً فأنه اذ قطع شوطاً في التطور والنمو الا ان الاهتمام به في المجتمع العراقي ما زال دون المستوى ويعود ذلك بالذات الى مستوى تطور وعي هذا الشعب ورقيَه فاللوحة نتاج حضارة فنية راقية ووعي وذائقة متجذرة لأستيعاب مضامينه وايحاءاته .
يقول الكاتب برهان شاوي في كتابه "لغة الفن التشكيلي" ان هذا الفن (حوار دائم ونقاش داخلي ما بين الفنان والمشاهد ففي العمل الفني تتبلور خلاصة الفكر المحسوس والذي يهم الكثيرين , اما بقية الشوط فعلى المشاهد ان يقطعه اذ عليه ان يجد الفهم السليم والاحساس العميق لمعايشة ما عاناه الفنان وما اراد ان يعبر عنه من خلال عمله الابداعي) . وهذا هو سر انبهارنا كل مرة اذا نظرنا الى لوحة "موناليزا" او احدى روائع بيكاسو , فتكرار النظر والتأمل هنا وسيلة لمواصلة التذوق واستكشاف معاني جديدة .
لست هنا في وارد التقييم الفني والادبي لوتدين من اوتاد الثقافة العراقية وعنوانين اساسيين لها , وانما لكي ننعش في الاذهان وفي زحمة الاحداث رغبة التفكير الدائم بهذه الاسماء التي بلورت فينا رغبة التذوق الجمالي وارادة التغيير في الحياة ونزعة الانفتاح على ما يدور في الواقع لسبر اغواره وتغييره وعدم الوقوف بحيـــادية ولا مبالاة امام الظواهر الحياتية . فالانسان موجود لأنه يفكر ويمتلك زمام خيارات العطاء الوطني والانساني الذي لا يقبل الانكفاء على الذات والانطواء في هوامش الحياة الشخصية .
في عراقنــــا الحالي نفتقد كثيراً مثل هذه العناوين الثقافيـــــة التي تنقل العراق الى ذاكرة العالم كتراث وحضارة وابداع واضافات وانحناءات انسانية , في ظل واقع سياسي واجتماعي راهن عمل وما زال يعمل على تغييب الوجه الجميل للعراق عبر شظايا المفخخــــات والارهاب الاعمى وصور التدمير المادي والمعنوي والانكسارات على كافة الصعد . 
لقد فقدنا كعراقيين قامات مديدة للابداع الحضاري في المنافي ايضاً مثل الجواهري ثامنة المعلقات وثالث الرافدين والذي حين أطلَ علينا في مؤتمر للمعارضة العراقية عام 1991 في بيروت سميناه اكبر فصيل في هذه المعارضة فقد كان عمره اكبر من عمر الدولة العراقية ذاتها . وكان لكاتب هذه السطور شرف عضوية اللجنة التحضيرية للمهرجان الذي اقيم له في كوردستان العراق . وكان ان فقدنا ايضاً في المنفى الشاعر المناضل والمجدد عبد الوهاب البياتي , اما بلند الحيدري فقد كان في لندن شعلة عمل وابداع وعطاء ولا انسى ونحن في الطائرة معاً بين لندن وقبرص لحضور مؤتمر "حقوق الاقليات" الذي اقامته مؤسسة ابن خلدون للدراسات الانسانية عام 1993حين قال لي انه تعب من المنفى الاجباري فقلت مرحباً بك في كوردستان العراق المحررة من ارهاب النظام ووعدني بتحقيق هذه الامنية لكن الوعد لم يستحل حقيقة ولم تكتحل عيناه بلقاء الوطن فألى صاحب "خفقة الطين" اقول ان الخفقان في قلب العراق ما زال رغم التحرير بعيداً عن الانتعاش والعافية .
وفي برلين فقدنا قبل اشهر الشاعر سركون بولص الذي انتقل من منفى الى اخر ومن بلد الى اخر ولم يحتضنه عراقه الذي تغنى به طويلاً وتمناه ابداً عامر الجسم اخضر الضفاف .
أنا لا استسيغ طبعاً الرثاء التقليدي لكل هؤلاء ولا بكائيات تصف عنفوان مجدهم ولا خطابات فجَة تمدحهم , فهم اكبر من كل ذلك .
والمطلوب ان نستحضرهم الى الذاكرة دوماً وان نبقى على صلة بعطائهم وان نتذكر ان الهوية الثقافية العراقية لا تكتمل الا بهم وبغيرهم من عناوين الفكر والفن والادب والابداع الانساني .
    ان بعض هؤلاء الذين سبق ذكرهم جردوا من الجنسية العراقية في ظل الدكتاتورية الغاشمة ومن ثم لم يهنأوا حتى بقبر في وطن منحوه كل قطرة من دمهم وكل لحظة من حياتهم الصاخبة . فهذه الكلمات ليست رثاء لمبدعين هم اصلاً احياء في الذاكرة الجمعية العراقية , بل هي محاولة مني للتعبير عن انقى آيات الوفاء لهم .       
 

261
هوشيــــار زيبـــــاري وسامـــــي العسكـــــــري
شتان بين المدح والنقد الحضاري


فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق الفدرالي

لست هنا في وارد المدح فتلك فضيلة تستحيل الى خطيئة اذا لجأ اليها الصديق تجاه صديق تعتقت صداقتهما، وطبعا لست في معرض القدح والذم لان النقد والمصارحة والمكاشفة والشفافية هي الوسيلة الفضلى لتنقية جو العلاقة بين شخصين من الغبار وتصفية مياهها من الشوائب.
اقول ذلك لان سامي العسكري مارس قدحاً وتجريحاً بالصديق ( هوشيار زيباري ) وزير الخارجية ولم يرتكن لنقد حضاري يمارس اولاً بالمصارحة غير المعلنة والحوار الهادئ ما استطاع المرء اليه سبيلاً، فاذا انقطعت السبل يمكن حينذاك توّسل الاعلام طريقاً ولكن بلياقة ادبية عالية تتوخى الجدوى والموضوعية ولا تنحدر الى مستوى الطعن بالحياة الشخصية.
عرفت ( هوشيار زيباري ) عام 1986 في فيينا حين انتقل اليها الفرع الاوربي لحزبنا الديمقراطي الكوردستاني لنعمل معاً في قيادة الفرع، وكانت تلك اياماً صعبة مثقلة بالهم الوطني وحافلة بما ينتظر الانجاز بامكانيات متواضعة ولكنها كانت مفعمة بالامل وكنا معبأين بالسعادة رغم ان حياتنا الخاصة تراجعت بل غابت في خضم تحولنا الى جسر لمد ضفة المنفى بضفاف الوطن التي تخيلناها خضراء رغم كل العتمة والظلام والحرب العنصرية البغيضة التي اشعلها النظام السابق على شعبنا في كوردستان والحروب والتدمير والهدم والقتل التي كانت هواياته المفضلة في تعامله مع الشعب العراقي.
عشنا مع الزميل ( هوشيار ) تحت سقف واحد عامين في فيينا واربعة اعوام في برلين تلتها ثمانية اعوام اخرى في لندن لغاية 2002 .
كانت يومياتنا متشابهة وكانت حياتنا الخاصة ممزقة وهامشية تكاد تستميت لاقتناص فرصة راحة هنا او هناك وكان طعامنا ونومنا وساعات تجوالنا اشبه بحال المسافر الدائم التجوال والترحال فلا توقيت دائم ولا جدول اعمال متوازن للحياة الخاصة وذلك كما قلت لاننا مثل حشد المناضلين الاخرين تحولنا الى مشروع مكرس للأخرين والى حقل لسنابل تكمن لذتها الكبرى والوحيدة في النضوج والتحول لبيدر يشبع عصافير الوطن الجائعة للحرية ولكسرة خبز في ذلك الزمن الشاذ حيث كاد الامل ان ينتكس والفرصة ان تنقرض تحت ركام جبل الاحزان والمتاعب.
وكان التشاؤم صفة لاصقة بالانسان العراقي ورغم ذلك حملنا معنا التفاؤل الذي اعشب بستاناً اخضر في 9/ ابريل / 2003 . بعدها اصبح ( هوشيار زيباري ) وزيراً للخارجية في دولة تعوّدت منذ التأسيس ان يكون تنفسها نحو الخارج برئة عربية وذهب الناس مذاهب شتى بين قائل ان الدولة العراقية تكرّدت لا سيما وان رئيس الجمهورية هو الآخر كوردي او ان القضايا المصيرية العربية لم تعد تهم العراق بوزيره الكوردي او ان الملفات السرية للخارجية العراقية اصبحت في العراء، وبعد سنين ثبت ان الكوردي القادم من الجبل والمنفى ليس اقل اخلاصاً من العربي القادم من السهل والهور وانه ربما اكثر حرصاً على العلاقات المتوازنة مع المحيط العربي والاقليمي لان الكورد مثل العرب لهم حاجة في عراق مسالم متصالح متزن ومتعاون ومتكاتف مع الدول العربية الاخرى ومع طوق الجوار والعالم .
وقد مثل الوزير الكوردي العراق في المؤتمرات العربية والدولية ولم يلمس احد انه ذاهب اليها بزيه الكوردي حيث كان حريصاً على التلون بكل الوان الطيف العراقي الى حد ان بعض بني جلدته الكورد لاموه على هذا التماهي في الخطاب العراقي ناسيا ان حجم المهمة يأبى الانغلاق على الذات القومية او المناطقية ولا يقبل الا الانفتاح على الهوية العراقية الواسعة.
يقول سامي العسكري بحق هوشيار زيباري انه وزير فاشل وهذا تعبير فيه من القساوة ما قد لا تحتملها النفس البشرية وحتى ان احتملتها فلا يمكن الا ان تخلق جرحاً قد لا يندمل.
 الم يكن الاجدر به ان ينتقي وصفاً اخر لا افراط فيه لجهة التجريح ولا تفريط به لجهة التأشير لمواطن الضعف والوهن التي تسود كل الوزارات العراقية بهذه النسبة او تلك لان الفساد الاداري والمالي قد سيطر على مجمل المشهد العراقي وما وزارة الخارجية الا مفصلا من جسد يعاني مرضا شاملا.
اما ان وزارة الخارجية فيها بعثيون قدماء فأنني اجزم ان اية وزارة او مرفق اداري لا يخلو حالياً من بعثيين ولا اعتقد ان باستطاعة وزير الخارجية تطهير جهاز هذه الوزارة التي كانت بعثية الى حد النخاع في زمن صدام لما كان يوليه للخارجية من اهتمام والتي حولها بالفعل الى خارجية ـ امنية ـ استخباراتية.
لم اكن اتمنى لسامي العسكري ان يخوض في الحياة الخاصة لوزير يثابر لكي يقدم العراق الى الخارج بوجه اجمل وبخطاب مغاير.
ويهمني ان اقول ان اثارة ملفات الحياة الخاصة ونكران الجهد المبذول من كل طاقم الوزارة قد يراكم في عقل المواطن العادي صورة نمطية لا تمحى بسهولة في مجتمع  شرقي يحسب الف حساب للحياة الشخصية بل يعميه عن الرؤية الموضوعية لما خلف غلالة الحياة الخاصة من عطاء وانجاز وعمل.
ما يشاع عن الليالي الحمراء كمين يمكن ان ينصب في مجتمعنا المحافظ والمتحفظ لاي شخص بغية اسقاطه وتصفيته لدى العامة اعتباريا وهو اسلوب خاطئ اذا افتقد الدليل وخاطئ ايضاً اذا امتلك الدليل لان قنوات طرح هذا الامر وآليات طرحه متعددة ومتنوعة وعلى المرء انتقاء اسلمها عوضاً عن التشهير والاعلان الفضفاض من على الهواء الطلق.
يبقى ان اقول انني مختلف في الرأي والرؤية في كثير من الامور مع الاخ (هوشيار زيباري) الى هذه اللحظة وهو يعرف ذلك ولكن الاختلاف لا يفسد للود قضية ولا يمنع العين البصيرة ان تعترف وتقر بما تراه واضحاً ومجسداً من حقائق تبهر العين نفسها.
لقد مارست مع هوشيار زيباري طوال سنوات العمل اقل قدر من الحياة الشخصية واكبر قدر من العمل الوطني المتحفز والمتواصل في ايام حبلى بجداول عمل متواصلة لا تنتهي وحافلة بسيل الجهد التنظيمي والاجتماعات ومؤتمرات المعارضة العراقية والندوات والكوردستانية والعراقية والمجابهة اليومية بالكلام والعمل والتصريح الصحفي والتعبئة الجماهيرية والجهد الاعلامي والفكري ومطاردة النظام الدكتاتوري في كل زوايا العالم.
حينها ولغاية سقوط صنم صدام في ساحة الفردوس لم نكن نفترق في المكان الا لانه كان مضطراً ان يعمل في نشاط وانا في نشاط اخر في مكانين متباعدين ولم يكن الوقت يباعد بينا الا لان موعد حضوره الى محفل سياسي قبل او بعد حضوري الى محفل اخر.
ولذلك علي ان اقول ان نهارنا كان ابيض مفعماً سياسياً برغبة توصيله بالليل  دون ملل او كلل اما اللون فكان فعلاً كثيفاً في شوارع برلين وبون ولندن وجنيف وفيينا ولكننا نلمحه فقط في تقاطعات الطرق واشارات المرور اما العلب الليلية فما زالت بعيدة حتى الان عن حياتنا لان ما واجهناه بعد التحرير من مصاعب وعمل مضاعف لم يترك لنا فعلا وقتاً للانغمار في حمرة الليل في وقت اشبعتنا بغداد بظلام طال حتى خيم ليس على العين فقط بل على القلب ايضاً ولتكن اخر الاضاءات في هذا المقال هي ان ماقاله سامي العسكري في هوشيار زيباري مسمار يدق في غير محله كذلك اتطلع الى ان يلجأ العسكري الى التراجع عن حدة كلامه عن الحياة الخاصة للزميل زيباري وتلك فضيلة ستحسب له قبل ان تكون انتقاصاً او خفضاً لمنزلته فالانسان لا يرتقي الا حين يعترف بالخطأ والخطأ مظهر لا يخلو منه انسان.
 

262
اصوات نسوية كردية في واجهة المجتمع

                                                                    فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
 
   رغم كل الظلام المحيط بالمرأة في كردستان، و رغم ان مسلسل القتل و العنف متواصل، الا انه ثمة نافذة للامل و الاصوات النسوية المتمردة و الفاعلة بدأت بابراز صوتها في الاعلام و في مجالات الحياة الاخرى. قرأت قبل ايام كتاباً عن الابداع النسوي الكردي في كردستان سوريا فانبهرت بهذه الاقلام التي استطاعت شق جبل التراكمات الاجتماعية و العادات الكردية المتهرئة لتعلن بكبرياء و بحق ثورتها و تمردها على المجتمع الرجولي.
   و في مهرجان (جگرخوين) المنعقد في اربيل يوم 10/2/2008 و ما تلاه من ايام تسنَّت فرصة ثمينة للقاء بمجموعة من المثقفات الكرديات اللواتي يثرن الاعجاب و الانبهار لما يمتلكنه من جرأة و قوة و صدقية و تراكم معرفي و تحصيل علمي، و قبل ذلك ارادة قوية للتغيير في مجتمع لا يقبل للمرأة دور الشراكة في القرار و المبادرة و الحرية و الاستقلال الاقتصادي و يحاول المستحيل لمواصلة تبعية المرأة للرجل، تلك التبعية التي تصل الى حد الغاء هويتها و دورها و حركتها و ابداعها.
   على مدى ايام كان لي تواصل مع طرح نسوي كردي في الحياة و الفكر و الشعر و السلوك الاجتماعي المتطور و المتحضر، و هذا ما يؤشر لحالة جديدة و يدشن مرحلة تغييرية لا يكون فيها نخبة من المثقفين الرجال مدافعين عن وجود و حقوق المرأة و مساواتها مع الرجل كلياً، بل و تنطلق اصوات نسوية مبدعة لتمارس هذا الفعل و الجهد الحضاري الذي يضع المجتمع الكردستاني كله على عتبة التطور، لاننا نجدد ما قلناه مراراً و تكراراً لا حياة لمجتمع يسير بساق واحدة و لا وجود لديمقراطية متكاملة و منتعشة بدون المشاركة الشاملة و الدائمة للنساء لاسيما و هنَّ اكثرية المجتمع ولم تعد مقولة المرأة نصف المجتمع صالحة في مجتمع اصبح الرجال اقل من النساء. في اربيل التقيت المخرجة و الشاعرة و الناشطة النسوية (ڤيان مائى) مخرجة فلم (الحجل الابيض) و دعتني الى الاستوديو لمشاهدة الفلم الذي يتحدث عن الآثار النفسية التي لحقت بالاخ الذي قتل شقيقته في (دهوك). و اذ هنأتها على افكارها و تطلعاتها فقد شعرت بالاسف لان العديد من المرافق الادارية في الاقليم بل و حتى بعض المثقفين الكرد التقليديين يتجاهلون ابداع هذه المرأة التي دخلت في سجال و نقاش محتدم مع بعض خطباء الجوامع في (دهوك) داعية أياهم للكف عن التحريض على قتل النساء و الكف عن تسويق و تسويغ العنف الذي يمارس بحقهن.
   اما الشاعرات أڤين شكاكي و ديا جوان و سلوى گولي و شيلان حمو فقد منحن الجملة الشعرية النسوية نكهة و رائحة أخرى فلم يعد الغزل و ابراز المشاعر و وصف الحب حكراً على الرجل، لان الحب اصلاً فعل مشاركة يرفض القسمة على واحد و لا وجود له في الحياة منذ الأزل الا مناصفة بين المرأة و الرجل. و للشاعرة (كه ژال احمد) القادمة من السليمانية و الشاعرة (تريفا دوسكى) باع طويل في اقتحام هذا العالم الذي ظل ممنوعاً على المرأة الكردية و نعني المبادرة بالتغزل و اعلان مشاعر الحب، و عدم الانكفاء على الذات و الانطواء و انتظار القصائد الغزلية و العاطفية من الرجل الذي يريد احتكار اعلان الحب او عدم اعلانه باعتباره سيد الموقف. هذا المشهد تغيرت معالمه و عاد الى وضعه الاكثر توافقاً مع الحياة و المنطق و الحقيقة، و الذي يقرأ الجمل الشعرية الرقيقة التي تنضج شوقاً و تقطر نرجساً و تذوب عشقاً للشاعرات اللواتي ذكرن آنفاً يدرك ان الشعر العاطفي لم يعد مملكة مسجلة حصراً باسم الرجال و هذا معلم تغييري في الادب الكردي سيتواصل حتماً مع تطور الحياة. و لن انسى السيدة (نوڤين) التي تبوأت موقع عضوية مجلس محافظة ستوكهولم عاصمة السويد و التي حضرت الى مهرجان (جگرخوين) بشخصيتها الرائعة و افكارها المبدعة و طروحاتها الجديدة حول وضع المرأة الكردستانية.
  ان هذه الاصوات النسوية تجاوزت بجديتها و عصريتها و نقائها الهياكل النسوية الادارية في كردستان العراق التي مازالت الى حد كبير اسيرة الخطاب السياسي و العمل الاداري و النظرة التي مازالت مشوبة بالخوف من العادات البالية و عدم امتلاك زمام المبادرة لاجراء تغيير انعطافي جذري في نظرة المجتمع الى المرأة. فالقوانين الصادرة في الاقليم حول المرأة لاتكفي اذا لم تتوفر ضمانات قضائية و اجتماعية لترجمتها الى واقع و الحقوق المنصوص عليها في القوانين تبقى عائمة غير مؤثرة او فاعلة اذا لم نوفر آليات تجسيد الحقوق الى واقع تطبيقي، اما وزارة المرأة في كردستان فانها لابد ان تكون وزارة مبادرة و مبدعة و مقتحمة و قادرة على الوقوف على قدميها بشجاعة و ارادة قوية و راسخة و الا فانها ستكون مجرد مرفق اداري آخر و صوت خافت و دائرة لتحشيد الموظفين و الموظفات و الحل ان وزارة المرأة في مجتمع كمجتمعنا لها مهمات تنشقُّ امام هولها الجبال و تنوء لحملها الاكتاف لانها الوزارة التي عليها نفض غبار مئات السنين و الغاء تراكمات اجتماعية متحجرة. انها الوزارة التي عليها وضع النساء الكردستانيات في واجهة المجتمع و تطبيق كل مفردات اتفاقية منع كل اشكال العنف ضد المرأة، انها اذن وزارة سياسية اجتماعية هامة للغاية، فهل لها ان تصحو و تقف على قدميها و لا تنام و لا تتثاءب.
   تحية من القلب للاصوات و الاقلام النسوية الكردستانية التي تعاني و لكن تواصل العمل و تكتب فتبدع و تقول فتحفر في الارض اثراً و تبادر فتعطي للعالم مثالاً يحتذى. انها فعلاً اصوات تقطر نرجساً و املاً لتغيير مجتمع طال امد سباته الاجتماعي.

263
فرنسو حريري
حاضر بيننا و متجدد فينا


  فوزي الاتروشي
وكيل وزارة الثقافة في العراق
 
   اليد الاصولية القذرة التي اغتالت في 18/شباط/2001 فرنسو حريري المناضل و السياسي و الانسان القريب الى حد الذوبان في هموم الناس، ارادت التأسيس لحقبة ظلامية في اقيلم كوردستان من خلال تصفية أحد رموز الوئام المدني في المجتمع و أحد عناوين التسامح الديني و القومي.
   كان اختيار الظلاميين لهذا الرجل هدفاً لمشروعهم الاجرامي مستنداً الى حجم الثقل الاعتباري و المكانة الاجتماعية و الشعبية لمناضل عريق ظل حتى آخر لحظةٍ من حياته مشروعاً مكرساً للآخرين و جسراً للتواصل يعبره و يمرُّ به كل الفئات المجتمعية لما كان يختزنه من جنوح للتحاور و التفاهم و التعاون في زمن لا تبشر الاصولية الدينية الا بالقطيعة و الانعزال و التقوقع و اقصاء الآخر و التنكر للحياة بكل ما فيها من جمال و رغبة و بناء و آمال و تطلعات.
  فرنسو حريري السياسي و الكاتب و الانسان الدؤوب و الميداني و محافظ اربيل الذي اصبح جزءاً لا يتجزأ من هوية و وجدان عاصمة الاقليم، كان لا بد ليتحمل سيلاً هادراً من الحقد و الكره من قوى الظلام، يتناسب مع فيضان الحب و الاعجاب الذي حظي به هذا المناضل من سكان كوردستان و لان الاسود و الابيض يتنافران و القبح و الجمال يتناقضان، و النور و الظلام لا يلتقيان فلم يكن ممكناً ان يلتقي فرنسو حريري الانسان عاشق الناس و الحياة و العمل مع قوى الظلام و الماضي التي لا هدف لها الا اغتيال الحاضر تمهيداً لاعدام مستقبل التنمية و البناء و الوئام الاجتماعي.
   لقد سقط فرنسو حريري جسداً و لكنه بقي شجرة باسقة واقفة على قدميها في ضمير شعب كوردستان، و بذلك فشل مشروع الارهاب المتلبِّس بالدين في تحويل المياه الطبيعية عن مجاريها في ارض كوردستان التي كانت و ستظل ارضاً للتنوع الاثني و الديني و القومي و بقعةً تزدهر فيها التعددية الثقافية المنفتحة على هواء العالم و على حرية الابداع و انجازات الانسانية التي تتلاقى روافدها جميعاً دون استثناء لتشكيل الحضارة.
   ليته كان حياً و معنا و نحن نفتتح في 19/2/2008 في عينكاوه مديرية الثقافة و الفنون السريانية ليرى ان ما مثـَّله في حياته من تصالح و تسامح و انفتاح يتجسد يومياً في مدينة اربيل التي عشقها فرنسو حريري حتى سال عليها دمه.
  وكما قلت في يوم الافتتاح اجدد القول ان انشاء هذه المديرية مبادرة سباقة و متميزة للنهوض بواحدة من اعرق الثقافات و واحدة من اللغات التي اسست و صاغت حضارة وادي الرافدين، وهو للفخر لنا جميعاً ان نهبَّ لصيانة و تحصين اوتاد ثقافة لا تكتمل الهوية الثقافية الكوردستانية و العراقية بدونها.
   وكنت على حق و انا واقف ضمن جمهور المثقفين السريان اذ تذكرتُ فجأة صورة فرنسو حريري تقتحم ذاكرتي و تأبى الخروج، فهذا المناضل الراحل منح العمل الوطني الكوردستاني كل سنين حياته و ربما لهذا السبب لم يكن يملك الوقت الكافي لمنح هويته الثقافية و اللغوية متسعاً من الوقت، بل و ربما لان حجم همومه و سعة شجونه و لتراكم شؤوونه السياسية افقدته فرصة التأمل بتفاصيل كثيرة اخرى كانت تنتظره.
   و لكننا معه و هو في رحيله الابدي و معه في التأسيس و التأصيل لمجتمع التسامح و اللاعنف و الحوار و في كل يوم نضيف لبنة اخرى الى تعددية و تنوع الهوية الثقافية الكوردستانية و العراقية.
   و في الختام لا يسعني الا ان اقول اربيل و عينكاوه ستظلان عامرتين بالشوق الذي لا حدود له الى عنوان نضالي و انساني اصيل هو فرنسو حريري الراحل جسداً و الحاضر و المتجدد فينا روحاً.

264
التشفِّي العربي من الكورد...سلوك بدائي

فوزي الاتروشي
  نفس الاقلام العربية التي تمجِّد النضال في فلسطين و تتنافس في الصراع و العويل على الحرية و الديمقراطية و حقوق الانسان، هي ذاتها التي اعلنت احتفالها بمناسبة اعلان تركيا احتمال اجتياحها لكوردستان العراق لاعادة المارد الكوردي الى قمقمه و اجهاض احلام و تطلعات الشعب الكوردي و ربط الاقليم الكوردي بالحاضنة العربية.
  هذه الاقلام موبوءة وانانية و غائبة عن حقيقة كبيرة بقدر قرص الشمس وهي ان سكان كوردستان العراق توفر لهم منذ عام 1991 مجال الانسلاخ عن الوطن العراقي و الانقطاع عن التعامل مع بغداد و المضي قدماً في خطوات تؤدي بالفعل الى المزيد من الاستقلالية و ربما الى الاستقلال الناجز.
وبعض الكتَّاب العرب لايملك حتى معلومات طالب الصف الابتدائي حين يقارن كوردستان باسرائيل و الاكراد باليهود و يمضي في النسج على منوال تهمة الانفصال و تقسيم الوطن و بيع النفط العراقي (ولايقولون الكوردستاني) لتوطيد اوتاد الدولة الكوردية المرتقبة.
   نحن لانستغرب من الاقلام الشوفينية التي لا تنتمي الى العصر و الاقلام و الاصوات التي مازالت تتصور ان الكورد قبائل جاءت من آخر الدنيا و استوطنت جبال كوردستان، او المنابر الاعلامية المموَّلة من الانظمة الرسمية العربية و من بقايا حزب البعث العراقي او نظام حزب البعث السوري الذي قتل قبل ايام شاباً في كوردستان سوريا و جرح اربعة آخرين لمجرد استعدادهم للتظاهر ضد تهديدات تركيا لكوردستان العراق. انما مبعث الغرابة هو ان ينضمَّ بعض من نتوسَّم فيه الحكمة و التعقل و الرصانة الى حملة التشفِّي من الكورد و تحريض تركيا (الاسلامية)! لحماية (ارض العروبة و الاسلام)! في كوردستان العراق. كم من الساعات صرفها هؤلاء المحمولين بالحقد و الكراهية، و كم من الصفحات اسودَّت بالشتائم و السباب و الكراهية ضد شعب هو الاكثر تعرضاً للحرمان في عالمنا المعاصر، و كم من الحبر سال لتشويه وجه الحقائق و تقبيح القيم التي يفترض ان تصان من قبل اناس اصبح ديدنهم الازدواجية و الكيل بمكيالين في قضايا الحرية و الديمقراطية التي لا تتجزأ حسب النزعات و الامزجة و تبقى قضية موحدة على طول العالم و عرضه.
   لهؤلاء نقول كوردستان بخير و هي لن تنتمي الا لعراق ديمقراطي و فيدرالي و بخلاف ذلك فلا قدسية للارض و لا حرمة لوطن لا يضمن الحدود القصوى لحقوق الانسان بالتساوي لكل المواطنين. و كوردستان بخير حتى لو اجتاحتها تركيا فالمأساة الكوردية قادرة على اجتذاب شرائح هائلة من عشاق الحق و الحرية و العدالة في العالم باسره مثلما حصل في ربيع عام 1991 و هي قادرة على تعبئة رأي عام عالمي يمنع تركيا من الاجهاض على اول كيان كوردي سيادي وجد ليبقى و انتعش لكي يبعث بالامل لكل الشعب الكوردي في وطنه المجزأ كوردستان. اما تركيا فانها اذا اجتاحت ستخسر المزيد من سمعتها المتآكلة اصلاً في اوروبا، و حزب العدالة و التنمية لن يفوز بنفس العدد من الاصوات في كوردستان تركيا في الانتخابات القادمة، مثلما ان الدوائر الاستراتيجية و السياسية و العسكرية في العالم ستتأكد مجدداً ان الديمقراطية التركية مازالت محكومة بحراب العسكر. لذا فعلى الاقلام العربية المحرِّضة لتركيا ان تؤجل عرسها ليوم تحرير فلسطين، او ليوم توحد ولو بلدين من البلدان العربية من اصل (22) بلداً، او للحظة سقوط بعض الانظمة الاستبدادية التي جعلت العالم العربي الاكثر تخلفاً في سياقات التنمية العمرانية و البشرية و الانسانية.
   لاندري ماقيمة الاقلام التي تستهتر بحرية و مشروعية نضال (20) مليون كوردي في تركيا و بعدالة التطلعات الكوردية في العراق نحو عراق فيدرالي، و بحق اكثر من (200) الف انسان كوردي سوري في الحصول على الجنسية التي يحصل عليها اي مقيم في اوروبا او امريكا بعد (5-7) اعوام من الاقامة الدائمة.
   ان هذه الاقلام الصفراء هي ذاتها تتستَّر على قبح الانظمة العربية لتطلعات الاقباط في مصر، و البربر في المغرب العربي و شعب جنوب السودان، وهي التي باسم الديمقراطية تحاول لوي عنق الديمقراطية الوحيدة في العالم العربي وهي لبنان.
ان التشفِّي هي لغة بدائية و بينها وبين البداوة وشيجة لاتنفصل و بينها و بين الحضارة بون شاسع، و الا فان ماحصل لكوردستان العراق على يد القوميين العرب كان كافياً لتحريض الكورد نحو الطلاق رغم انه مؤلم و بغيض، و كان كافياً ان يغرس في النفس الكوردية الشك و الظنون و اللايقين تجاه دعاة القومية العربية، ولكن ذلك لم يحصل و اثبت الكورد انهم قادرون على نسيان الماضي و التخلي عن المواقف الانتقامية و السلوك الثأري، ورغم ذلك تخندق القوميون العرب اكثر فاكثر في شرنقة التعنت و التعصب ولم يلجأوا حتى الى نفض الغبار عن انفسهم و تقديم اعتذار للشعب الكوردي الذي كتب عليه ان يعيش مع جراحاته الغائرة املاً في ان تشفى ذات يوم.
   نقول للكتابات العربية التي تتقدم الجيش التركي في التهويل و التزمير و التطبيل ان تركيا ستبقى مسكونة بالعقدة الكوردية و لن تنام قريرة العين الا اذا اعترفت ان خنق (20) مليون انسان و صهرهم في البودقة التركية امر مستحيل، وان العراق لن يعود كما كان قبل 9/4/2003 فدورة الزمان تمضي قدماً و كوردستان العراق ستبقى البيت الكوردي الآمن و اشعاعاتها لباقي اجزاء كوردستان امر منطقي و حتمي و من سنن الحياة فلا احد يمكنه ان يطالب الشمس ان تقطع حزمة ضفائرها او يجبر النور لعدم التسلل الى مواقع العتمة و الظلام.

265
الازمة الكوردية-التركية:

هوامش و ملاحظات

فوزي الاتروشي

 

   في مشهد يثير الاشمئزاز و التقزُّز و بدائية الفكر و الممارسة، تحالفت الذئاب الرمادية التركية هذه المرة مع انصار حزب العدالة و التنمية الاسلامي في نشر الحقد و الكراهية و التهديدات للمراكز و الهيئات الكوردية الثقافية و الاجتماعية و السياسية في بروكسل و برلين و لندن و اغلب العواصم الاوروبية. القومي الشوفيني التركي و الاسلامي التركي توحَّدوا في الموقف و الرؤية تجاه الطموحات الكوردية ليس في تركيا فحسب، وانما في العراق ايضاً و حيثما تواجد الاكراد. و بدأت الدوائر الاعلامية و السياسية و الدينية التركية تستيعد الزمن الاتاتوركي و العنصرية الطورانية تجاه كل القوميات غير التركية القاطنة في تركيا.

   وتركيا تتناسى ما فعلته عام 1974 لحماية الاقلية التركية في قبرص و تشكيلها لجمهورية شمال القبرص التي لاتعترف بها الا تركيا، و تنسى مافعلته و تفعله اليوم لاثارة اتراك بلغاريا، مثلما تنسى انها التي اسست و موَّلت و مازالت تموِّل الجبهة التركمانية في العراق، و في الوقت ذاته تتهم القيادة السياسية لكوردستان العراق بمساعدة و احتضان حزب العمال الكوردستاني، هذا الحزب الذي لم تستطع اجتياحات و مطاردات تركيا منذ عام 1982 و لغاية الآن انهاءه.

  و السؤال الذي يطرح نفسه الآن اين هي ردود افعال التيار الاسلامي الكوردستاني الذي رقص انصاره فرحاً حين فاز حزب العدالة و التنمية بالانتخابات في تركيا، لماذا لايثبت هذا التيار الآن وطنيته و كردستانيته، و لماذا يسكت في وقت يأتي الخطر من تركيا الاسلامية التي تعلن على رؤوس الملأ انها ستهاجم و تحاصر و تمنع التجارة بين تركيا و اقليم كوردستان العراق. ان التيار الاسلامي الكوردستاني كان دائماً ضعيفاً و هشَّاً و تابعاً و ذليلاً و لم يستطع ان يبلور نظرة اسلامية برداء كوردستاني مثلما يفعل الاسلاميون في ايران و تركيا و كل الدول الاسلامية. و انني استعيد الآن الى الذاكرة كتاب "المستضعفون الكورد و اخوانهم المسلمون" للدكتور جمال نبز الذي يستعرض بالتفصيل آراء و افكار التيارات الاسلامية و الاحزاب الدينية في العراق و تركيا و ايران و سوريا تجاه القضية الكوردية و عدم قدرتها على طرح رؤية واضحة و عادلة لهذه القضية، و رغم ذلك فان الاسلام السياسي الكوردي عاجز عن مقاطعتها و انتقادها و مجابهتها انطلاقاً من مبدأ ان الاسلام ديننا جميعاً و لا يمكن للاسلاميين في هذه الدول ان يتسبَّبوا في مواصلة اضطهاد شعب كامل، ليكون الاسلام مغنماً لهم و مغرماً لنا كما عبَّر ذات يوم –بحق- الدكتور محمد صالح گابوري. كنت اتمنى ان يكون للاسلام السياسي الكوردي صوت عال و مسموع في هذه الازمة وان لايظلَّ خائفاً من اخوانه المستكبرين من اسلاميي الدول المقتسمة لكوردستان.

   ان تركيا مشبعة هذه الايام بالغرور و الغطرسة العسكرية و هي تشعر زوراً و بهتاناً انها قريبة من نبض الانسان الكوردي لمجرد انها كتبت على قمم جبال كوردستان تركيا عبارة ((انا فخور بانني تركي)) وهي لا تعلم انها قبيحة التقاسيم سواء بين اكراد تركيا او العراق وكان الباحث و الاكاديمي (اسماعيل بيشكجي) محقاً حين قال ان أسوأ ادارة كوردية تبقى لدى الكورد افضل من احسن ادارة تركية. لكن تركيا عاجزة عن استيعاب هذه الحقيقة الكبيرة فهي تهدد و تتوعد و تلجأ كالعادة الى لغة القوة في التعامل مع اكرادها ومع كوردستان العراق وهي تراهن ان ثمة في الاقليم الكوردي من سيناصرها اذا اجتاحته، وهذا حلم لن تراه تركيا، و الاقلام الكوردية حين تنتقد السلبيات و تمارس حقها في النقد و المراجعة و المطالبة باصلاح الاوضاع لايعني ذلك بتاتاً انها تبتعد عن و طنيتها و اخلاصها، بالعكس فان قمة الوطنية ان ننتقد الاوضاع الداخلية لكي تكون الجبهة في الداخل قوية و محكمة تجاه التهديدات و الاجتياحات التركية و الايرانية.

   ان المطلوب لدى تركيا حالياً هو رأس الثورة الكوردية و الادارة الكوردية في العراق، و حتى اذا لم يتواجد حزب العمال الكوردستاني في الاقليم فان تركيا لن تكفَّ عن التدخل و الاعتداء، و الدليل انها و معها سوريا لاتعترف منذ عام 1992 بالادارة الكوردية و تتحيَّن الفرص للتخلص منها و تسميها عنصر فوضى في المنطقة وواقع الحال عكس ذلك فالفوضى و اللاستقرار سواء في كوردستان او العراق سببه التدخل السلبي لدول الجوار تركيا و ايران و سوريا. المهم ان لايكون لدينا ادنى شك ان تركيا لن تتصالح بسهولة مع الكيان الكوردي في العراق وان لاعقلانيتها ستستمر مادامت الحكومة التركية خاضعة لبنادق العسكر و لذا نعتقد ان الفاعليات السياسية الكوردستانية عليها ان تتوافق على جملة من الامور منها:

1-   تقوية الحملة الدبلوماسية و الاعلامية باتجاه كشف نوايا تركيا العدوانية التي تستهدف الكيان الكوردي في العراق قبل حزب العمال الكوردستاني.

2-   التأكيد على نقطة محورية هي ان قضية كوردستان تركيا سياسية بالدرجة الاولى وهذا امر معروف في اوروبا و امريكا. و لايمكن لتركيا ان تدعي الديمقراطية دون تقديم حل معقول و عصري لهذه المعضلة و لايجوز لحزب العدالة و التنمية الذي حصد مئات الآلاف من الاصوات في المناطق الكوردية و بين نوابه (50) نائباً من اصل كوردي، ان لا يفكر بعقلية حضارية تجاه اكبر مشاكل تركيا و يلجأ مثل الحكومات التركية السابقة الى الحل العسكري!.

3-   ان تركيا في تعاملها مع اكراد العراق تنوي ان تعيد سيناريو تعاملها مع سوريا عام 1998 حين استطاعت عقد اتفاقية (أَدنه) الامنية بين تركيا و سوريا. و علينا في كل الاحوال ان نمنع في كوردستان العراق عقد هكذا اتفاقية، لان الكورد في كل مكان و زمان كانوا ضحايا الاتفاقات الامنية الخطرة بين دول الجوار. و اشعر بمرارة ان هناك داخل الاوساط السياسية العربية و العراقية من يحاول التواطؤ لعقد تحالف امني على حساب المصلحة الكوردية.

4-   لايجوز تسليم عناصر حزب العمال الكوردستاني الى تركيا لانها ببساطة لن تكتفي بذلك و ستظل على عداء مع الادارة الكوردية في العراق التي تعتبرها تركيا اكبر تهديد لامنها القومي الاستراتيجي.

يجب ان تفهم تركيا ان (20) مليون كوردي في كوردستان تركيا قادرون باقصى سرعة على تأسيس حزب سياسي تحرري آخر اذا انتهى حزب العمال الكوردستاني، انها قضية شعب و ليست قضية حزب بذاته فمتى تفهم تركيا ان عليها ان تخرج من غبار التاريخ لتتنفس هواء العصر و تعايش مناخاته.

266
العفو عن المدانين في الانفال.... يهدم المصالحة و يغتال العدالة

فوزي الاتروشي
   فاض الكلام هذه الايام حتى بلغ أَوجَّهُ باتجاه العفو و الصفح عن المدانين في قضية الانفال التي تعتبر احدى جرائم العصر بامتياز. و اذ لانستغرب ان تصدر دعوات العفو عما سلف عن شرائح قادمة من دهاليز حزب البعث المنحلّ و تتذرع بالقانون الذي تعترف به و بالدستور الذي تطالب بتعديل اغلب فقراته الحيوية رغم انها منضوية في العملية السياسية للتخريب من الداخل، مثلما لانتعجب ان يطالب بالعفو رجال يرفعون راية الدين عالياً و يصرّحون "اننا و تنظيم القاعدة متحدون"!!. وعلى ذات المنوال ليس في الامر غرابة ان ينضمَّ رؤساء المرتزقة الاكراد و كتيبة الخونة الكورد من ذوي الملفات الامنية، الى جبهة المنادين بالعفو للاستمرار في جني ملذات الحياة ولو بضمير ميِّت و نفس فاسدة و اخلاق نتنة.
   وجه الغرابة هو ان يستقر سياسيون اكراد مناضلون على فكرة العفو عن هؤلاء المجرمين دون حساب لما لهذا الفعل من انعكاس و تداعيات كارثية على الوضع النفسي و المعنوي لضحايا هذه الجريمة الي مازالت آثارها بعد عقود من السنين بادية على الارض و الانسان في كوردستان. و يشتد العجب لان اغلب الفاعليات و الشخصيات و الاقلام الكوردية اما صامته او مهادنة او واقفة في منتصف الطريق ازاء واقعة لاتقبل التردد و لا تجيز الا الانحياز الى الضحية تجاه القاتل والى الحقيقة ازاء الكذب و الى دموع و دماء و آلام النساء و الاطفال و الشيوخ ازاء عنجهية و حمق و استبداد رجال لم يتوقعوا يوماً ان الارض تدور وان الايام تتوالى وان للظلم نهاية. لذلك كانت الرسالة التي بعثها الاخ عارف طيفور نائب البرلمان العراقي الى الاوساط العراقية و الامريكية جرساً أيقظ كل من حاول الغفوة او التعامي او الاسترسال في توظيف ميوعة الموقف الكوردي من قرار اعدام مجرمي الانفال. ان عدم اعدامهم يعني بكل بساطة انهاء صدقية المحكمة الجنائية العراقية العليا و الطعن بكل قراراتها السابقة و اللاحقة بدعوى التسييس و انهاء اول تجربة قضائية نزيهة بعد عقود من المحاكم لخاصة و الصورية الفاقدة لأبسط شروط المحاكمات العادلة. كما يعني اضفاء صفة البطولة على اعمال جرمية ينطبق عليها وصف جرائم الحرب و الجرائم ضد الانسانية التي لا يمكن ان يرتكبها أي عسكري وطني منضبط و محترف. و اذا لم يكن علي حسن المجيد و سلطان هاشم هم واضعي مخطط الانفال و معهم ضباط آخرون فمن هو المسؤول اذن، و اذا كان الجواب المؤسسة العسكرية العراقية السابقة نقول ان رؤوس هذه المؤسسة و اصحابها هم المدانون حالياً في جريمة هزَّت العالم و وخزت ضمير كل انسان يملك ذرة من الاحساس. ثم ان هؤلاء المجرمون لاينكرون ما ارتكبته ايديهم و يصرون انهم غير نادمين و انه اذا تكرر المشهد فلن يتوانوا عن ارتكاب نفس الافعال و بذات الوحشية و الدم البارد. فكيف يجوز اطلاق سراح او تخفيف الحكم عن اناس يمتنعون عن الاعتذار للضحايا و يتمادون في القول ان قتل (182) الف انسان و تهديم (4500) قرية مأهولة و قتل الآلاف بالسموم الكيمياوية كان دفاعاً عن الوطن و تأديةً للواجب، طبعاً هؤلاء جميعاً قتلوا دون رحمة او محاكمة او مساءلة او توخِّي الحذر بين صغير و كبير و امرأة و رجل و شاب و شيخ لان ((الواجب الوطني))!! لهؤلاء كان تدمير شعب و انهاء وجوده كما تدل الشواهد و الاسانيد و الادلة و ما يستنتج من اقوال المدانين. و الآن و بعد محاكمة عادلة و مستقرة ذات اعلى درجات النقاء و الشفافية يأتي من يقول و على رؤوس الاشهاد ان العدالة تقتضي العفو و يعلق المصالحة الوطنية بعدم اعدام مجرمين لم يعرفوا يوماً للمصالحة معنى او للوطن مغزى.
ان المصالحة الوطنية عملية سياسية تستوجب المرونة و التنازلات المتقابلة و الحوار المتواصل و الحفاظ على العملية السياسية الجارية، و صيانة قدسية الدستور و القوانين و الايمان بان العراق لكل العراقيين بعيداً عن القومية او الدين او المذهب او الفكر السياسي و بعيداً عن الطائفية و الفئوية و الجهوية و الاستبداد بالرأي و باحادية الموقف، ولكن المصالحة الوطنية لا تعني بتاتاً العفو عن مجرمين قال القضاء فيهم كلمته و اصبحت باته، و الذي يقايض المصالحة بالعفو عن المجرمين لايؤمن بالعدالة و لا بالمصالحة التي لايمكن ان تقوم على اساس انكار دماء و دموع عشرات الآلاف من الابرياء الذين دفنهم هؤلاء المجرمون احياءً في قبور جماعية.
ثم ان المصالحة التي تحفظ حياة اعتى المجرمين و تهدر حياة الابرياء الكورد ليست سوى خندقاً عميقاً و واسعاً من الكره و الحقد الجديد على مروِّجي هكذا سياسة تنحاز للقاتل و تطالب الضحية بالعفو اليوم و ربما الاعتذار غداً، من يدري!.
مشكلة بعض القوميين العرب انهم لا يقرأون التاريخ و لا يستوعبون الحاضر و لا يستشرفون المستقبل لذلك نراهم منطوين على انفسهم في غرف معتمة و دهاليز لايصلها ضوء الشمس، يقرأون كتب التراث القديم و ابجديات نظريات بائدة و افكار مهترئة، لذلك فان الاعتراف بالذنب عندهم اهانة و الاعتذار انتقاص من الهيبة و المكانة و التراجع عن الخطأ لديهم رذيلة و ليست فضيلة، لذلك فقراءتهم لمشهد عراق صدام حسين تشبه بكائياتهم على الاندلس و على فصول تاريخ حافل بـ"المآثر و المفاخر و الفروسية"!! و يتحينون الفرصة لاستعادة ما صار سراباً و لاعادة اعمار ما غدا خراباً و لنفح الروح في جسد استحال ترابا. انهم يطالبون اطفال و نساء كوردستان ان يتركوا قاتلهم حراً و نقول لهم و لبعض الاخوة من بني جلدتنا الاكراد ان اطلاق سراح المدانين في قضية الانفال يعني انهاء المصالحة الوطنية و ضرب القضاء العراقي ضربة قاضية و فتح رغبة الانتقام الابدية لدى ذوي ضحايا الانفال.
و اخيراً نقول لكل السياسيين الكورد ان العالم التفَّ حولنا و عانقنا و ناصرنا و بنى لنا بيتاً عامراً لاول مرة تحت الشمس في كوردستان العراق بعد ان فاضت انهار الدماء في عمليات الانفال و قبل ان يحال المجرمون الى المحكمة كان العالم كله قد قال كلمته و ادان هؤلاء فكيف نكذِّبهم جميعاً نحن الكورد بالذات و نطالب بالعفو، الن يعني ذلك ان تصح الفكرة التي مفادها ان الكورد شجعان اذا حملوا البنادق و ليسوا كذلك في ميادين العمل السياسي. و ألا يعني ايضاً اننا نحفِّز آخرين من المتربِّصين بنا لاعادة ارتكاب المجازر مادام العفو و التسامح الكوردي لاحدود له.

267
سوريا مع تركيا..و ضد استحقاقات العصر

فوزي الاتروشي
   عاد الحزن الكوردي الضارب في التاريخ الى الواجهة و استعادت المأساة الكوردية طراوتها، و لا تكاد مفردات المأساة تتغير مع الزمن و مع معطيات الحياة الجديدة. فالممثلون هم انفسهم و الضحية التي يجري التمثيل بجسدها و سمعتها و كرامتها هي ذاتها. فتركيا المسكونة بالعقدة الكوردية حصلت على الضوء الاخضر من برلمانها للدخول الى "حديقتها الخلفية"! كوردستان العراق، و التواطؤ الايراني معها بدأ منذ فترة طويلة من خلال قصف المناطق الحدودية و تصدير عصابات الارهاب و المخدرات الى الاقليم الكوردي، اما سوريا فأعلنت صراحة انها مع الاجتياح التركي و بذلك اكتملت الحلقة التي كانت على مرِّ التاريخ البعبع الاقليمي الذي قد يختلف على كل شيء و لكنه يتفق على خنق حمامات الحرية و السلام من الطيران في فضاء كوردستان.
   ان سوريا العاجزة عن تقديم الحلول لجبل مشاكلها المتراكمة و التي تبدو قزماً هرماً في السياسة الدولية بسبب غرقها في وحول لبنان، و التي تشكل المؤخرة القوية لبقايا نظام صدام حسين حيث تزودهم بالمال و المعدات و التعبئة القومية البعثية للتسلل يومياً عبر الحدود للاجهاز بواسطة المفخخات على العملية السياسية الجارية في العراق، نقول هذه الدولة العربية حتى العظم و القومية حتى النخاع لم تنتظر حتى ردود السياسيين الاتراك على قرار البرلمان التركي و استبقت الجميع في الوقوف مع الجنرالات الاتراك للهجوم على كوردستان العراق و هي التي تصرخ ليلاً و نهاراً ان العراق بلد عربي أصيل فكيف تجيز لنفسها تحريض الاتراك على تمزيق "معقل العروبة" ياترى. ام لأنَّ كوردستان العراق مسكون بغير العرب و لذلك فهو قابل للاستباحة و التمزيق. و لكن بالعودة الى الماضي سنعرف ان دول الجوار الاقليمي تركيا و سوريا و ايران و سابقاً العراق احتفظت دائماً في ارشيف مخابراتها بملف هو الاخطر أمنياً و الأعقد سياسياً وهو الملف الكوردي و قلما تجرأت هذه الدول على معالجته بدراية و عناية و رغبة في الحل الديمقراطي و دأبت على سياسة التهديد و الوعيد و الترهيب و النبذ و التنكيل و الصاق ابشع التهم بقضية اصبح العالم كله ينظر الى عدالتها بتضامن و مناصرة. و لطالما التقت هذه الدول على الحدود الاربعة لخنق نسمات الحرية و تطويق الاحلام الكوردية بالاسلاك الشائكة. فاتفقت بغداد و انقرة و طهران لمنع مسيرة الشرف البارزانية عام 1947 و هي المسيرة التي عبرت نهر (آراس) بنجاح الى البر السوفيتي لتؤسس لمرحلة جديدة من النضال التحرري الكوردي في اروقة السياسة الدولية، و في عام 1963 اتفقت هذه الدول مجدداً فيما سمي حينها بعملية النمر و لكن الاتحاد السوفيتي السابق كشف الغطاء عن العملية و افشلها في مهدها، بعدها جاء التدخل السوري السافر تحت غطاء القومية العربية مع النظام في بغداد في ضرب معاقل الثورة الكوردية من خلال ارساله "لواء اليرموك" لمساندة الجيش العراقي في العمليات العسكرية. وفي 6 آذار 1975 كانت اتفاقية الجزائر المشؤومة بين ايران و العراق بمباركة تركية سورية، و هي الاتفاقية التي ابتلعت سيادة العراق و لكنها عجزت عن كسر الثورة الكوردية الى الابد وفق احلام النظام العراقي السابق فالثورة عادت و المفارز انتشرت في جبال كوردستان قبل مرور اقل من عام على اتفاقية أُريد لها ان تكون مقبرة لثورة و ضربة قاضية لشعب. و منذ انتفاضة ربيع 1991 و لغاية الآن تواصل التواطؤ الامني الايراني التركي و التركي السوري منذ اتفاقية (ادنه) اواخر تسعينات القرن الماضي التي طرد بموجبها حزب العمال الكوردستاني من الاراضي السورية. و ظلت هذه الدول الثلاث تنظر الى الادارة الكوردية نظرة تحفظ و استهجان و تنكر و عدم اعتراف معتبرة اياها (عنصر فوضى) في المنطقة. و لكن تركيا لم تكتف حينها بالسكوت على مضض، بل اجتاحت مراراً و تكراراً اراضي الاقليم بدعوى المطاردة و دحر ما تسميها بـ (الارهاب الكوردي) وهي في الواقع لن تكتفي بالاجتياحات و التدخلات حتى لو خلت المنطقة من تواجد حزب العمال فالمطلوب لديها هو رأس الثورة الكوردية و الادارة الكوردية في العراق قبل اي هدف آخر و هذا ما أعلنته مراراً سواء ضمناً او صراحةً. و ما ساعدها في هذه المرة اكثر على الماضي في لغة التهديد و الوعيد هو الاتفاق الامني التركي العراقي الجديد الذي لم تستشر فيه الادارة الكوردية و القيادة السياسية الكوردية في العراق لا من بعيد او قريب. و لا جدال ان سوريا اذ تنضم الى المصفقين للاجتياح الوشيك فانها تطبق بذلك بنود اتفاقية (ادنه) مع تركيا، و تحاول الايحاء الى انها تقف ضد الارهاب دولياً و اقليمياً و تستقوى بتركيا المستاءة هذه الايام من امريكا بسبب انتعاش قضية مذابح الارمن فيها، وعلى خلفية الانزعاج التركي من الموقف الامريكي حول ملف حزب العمال الكوردستاني. لكن سوريا صاحبة الارث الثقيل و الرديء في التعامل مع اكرادها و الذي بلغ الذروة ابان احداث قامشلي في 12/آذار/2004، و صاحبة مشروع التجهيل و الترحيل و التبعيث و التعريب و التعطيل و الجرد من الجنسية‌ الذي طبقته منذ اوائل ستينات القرن الماضي و مازالت سارية فيه مع بعض التعديلات الطفيفة، نقول هكذا نظام لا يمكن ان نتوقع منه اكثر من هذا التصفيق لتركيا و هي تتأهب لاختراق حدود كوردستان العراق. و لكن بالمقابل هل يقدم هذا الموقف خشية خلاص لنظام هارب من العالم كله و متهرب من استحقاقات العصر و نائم في قوقعة اضيق من حفرة نملة، الم يكن الاجدر بالرئيس السوري وضع قائمة اصلاحاته الموعودة على بساط التطبيق بدلاً من الاجهاز على الكتاب و المبدعين و السياسيين المعارضين الذين يقبعون في السجون، و كف التدخل المسموم في الشأن اللبناني حيث الاغتيالات السورية تتواصل في بلاد الارز التي تشكل الديمقراطية الوحيدة في خارطة العالم العربي المزدانة بالدكتاتوريات و الجمهوريات الوراثية و الانظمة القبلية. الم يكن الاجدر بسوريا التوجه ولو مرة واحدة بعد اربعين عاماً نحو هضبة الجولان لمعرفة حالها و ناسها و ما آلت اليه بعد كل هذه العقود، بدلاً من الانهماك في لبنان و كوردستان العراق و التحالف مع تركيا لضرب الشعب الكوردي. هل تعرف سوريا انها ستضيع في رمال ليست رمالها و ستعضُّ على اناملها بالندم لانها بصراحة تزيد حملها ثقلاً و تراكم على وجهها تجاعيد البشاعة و الشيخوخة التي يزودها بها بقايا البعث الصدامي المقيمين فيها و هذه صورة لم نكن نريدها لسوريا.

268
الرعب من الكتابة مرض...و الكلام صحة و عافية!

 

فوزي الاتروشي

   اجزم ان البعض من الكتاب و الاعلاميين في كوردستان العراق مصاب برعب من الكتابة لايقلُّ عن الرعب الكيمياوي الذي أصبنا به ابان النظام السابق، فكان مجرد التلويح بالاستخدام يجعل المدن الكوردية خالية و ترى الكل يتناثر في الطرقات الجبلية محمولاً برعشة الموت القادم!، وهذا ما حصل في شباط 2003 و كنت حينها في اربيل التي تحولت فجأةً الى مدينة اشباح. و الفارق هنا ان الوضع في كوردستان مازال بخير و اذا كانت انتهاكات قد حصلت، وانا ضدها طبعاً، فان القاعدة باقية و هي ان لنا حرية الكلام و نتطلع القانون الجديد للصحافة الذي يتحتَّم ان يكون حاضنة دافئة لحرية التعبير و ضمانة لاعلام متميز و ناضج و قادر على لعب دور السلطة الرابعة بجدارة.

   حتى ذلك الحين نقول لكل مقامٍ مقال، و طقس هذه الايام يشير ان الخوف من الكتابة المعمَّقة و الناقدة و الداخلية الى احشاء المجتمع كمبضع الجراح، قد تحول لدى البعض الى عارض مرضي، و اذا تحرَّينا السبب نجد الكثيرين حملة الاقلام الهشَّة اما يضحكون او يصمتون او يزعمون ان السلطة او الحزب هو الذي اجبرهم على الاقامة في غرف بدون تهوية و بنوافذ مغلقة و فرض عليهم الكتابة وفق محرار مقيد بدرجة حرارة محددة لايجوز تجاوزها، وان الخطوط الحمراء ألغت "الاخضر" لون المرور الآمن عبر الشوارع.

   ولكن دعونا نتوقَّف قليلاً لنناقش الذرائع، فالصمت لايعني سوى العجز عن الكلام او الايضاح المبهم او انطلاقاً من مقولة اذا كان الكلام من فضَّة فالسكوت من ذهب و السكوت هو سكون و جماد و موت للغة على لسان اعلاميين يفترض ان الكلام سلاحهم الأمضى في الحياة. و نترك هذه الاقلام الصامتة تكتب بدون طعم او نكهة او رائحة يومياً مقالات طافية على سطح الماء و تفرز تحليلات مناسباتية خطابية مناقبية مزركشة بألوان و تخطيطات تفوق في أناقتها حزمة ألوان الزي النسائي الكوردي التقليدي. ولا اكتم سراً ان في الاقليم ثمة من يكتب في العام مقالاً او مقالين رغم انه لا يملك موهبة الكتابة و يعجز حتى عن كتابة رسالة الى زوجته، و حيلته هو اللجوء الى كاتب معين لتجير مقالة له وفق قياساته لنشرها في احدى صحف الاقليم، ومن ثم يخفت صوته و يذوب لحين قدوم مناسبة جديدة. اما الذين يلومون السلطة و الحزب فانني اذ اعترف ان بيئة الاقليم هي جزء من البيئة الفكرية و الابداعية للعالم الثالث الذي مازال يضع للحرية اشتراطات سياسية او اجتماعية، الا ان السلطة الكوردية و الاحزاب السياسية لم تصبح بعد جداراً سميكاً امامنا يمنع الجهر بالكلام و الرأي و التعبير. و لا ادري هل هي صدفة سعيدة ام نهج عملي موجود ولو بشكل نسبي لدينا، وهي انني امارس منذ اكثر من 30 سنة عملي السياسي مقروناً بالعمل الاعلامي الذي دشنته بالعمل في صحيفة "التآخي" في بغداد عام 1972 و كان عمري (19) عاماً على يدي المناضل الراحل دارا توفيق، و لغاية اليوم لم أتعرَّض لمضايقة من الحزب او فرض شروط مسبقة و قوالب جاهزة للكتابة. اقول هذا الكلام ليس دفاعاً عن الجسم السياسي الكوردستاني حكومة و احزاباً، و لكن لكي اسجل حقيقة تتعلَّق بي، و يمكن تعميمها بشرط ان يكون الكاتب ذا رؤية ثاقبة و خبرة في المعالجة و تاريخ نضالي يعطيه الحق لاختيار الاسلوب ووجهة النظر و للانتقاد بشكل ايجابي صحي بعيداً عن الفوضوية و التجريح و قلب الحقائق رأساً على عقب.

   ان الاحزاب الكوردية و الحكومة بامس الحاجة الى اقلام ترفض المصالحة مع الواقع الكريه، و تأبى التجانس مع التقاسم التي حفرتها التجاعيد و الندوب و قيح الجراح المهملة. و الاحزاب مجبرة على قبول ما تخطُّه اقلام مثقفين و كتاب لا مصلحة لهم الا تطوير الواقع و تجديد الحياة و رفد الثورة الكوردية بالمزيد من شموع الامل، فازمة المثقف انه مثقف ولا يعني ذلك سوى ان المجتمع مادام مأزوماً فان المثقف الحقيقي يظلُّ مأزوماً لان قدره ان يكون جسراً يعبر عليه الآخرون نحو ضفاف الحرية الخضراء.

   ملخص الكلام ان الكتاب الاكراد في الاقليم عليهم كما قلتُ عام 2002 في صحيفة "المؤتمر" اللندنية، هجرة الكتابة النمطية الاستهلاكية التي تجترُّ نفس المعاني و تعوِّل على نفس المباني و الكلمات التي عفا عليها الزمن و أكل الدهر و شرب منها حتى شبع. يقيناً كما قلت ان ثمة قصوراً لدينا في فهم وظيفة الكتابة وان ثمة مسؤولين يجد النقد عدوَّاً لدوداً ولا يعشق الا الاطراء و لا يطرب الا لقصائد المديح، كما ان اقلاماً تعرضت لبعض اللوم و الادانة و التضييق وذلك امر ينبغي مراجعته في ظل آفاق تجربة نريدها ديمقراطية بكل معاني الكلمة، ولكن الاقلام المتمرِّسة المقترنة بالماضي الوطني العريق و القدرة على التغيير عليها ان لا تتوانى و تهادن لان البيت اذا سقط فانه يسقط على كل ساكنيه، وبين عشرات الاقلام الصامته او الخائفة او المناسباتية فاننا حشد المثقفين المناضلين لايجوز ان نصمت فالصمت للجثث و القبور و بما اننا لسنا جثة هامدة، بل كتلة مشتعلة من الحركة و التفكير و الوعي و استشراف المستقبل فان اجمل عطاء نقدمه لاحزابنا و لحكومتنا الاقليمية هو ان نمارس الكلام و نقتحم "المحرَّمات" و نغسل جسمنا من الصدأ و التآكل و نمنع اعراض الشيخوخة التي قد تهاجم على وجه التجربة الكوردية في العمل و البناء و التنمية، و نقوِّي جسد الاحزاب الكوردستانية بالكلمة الصادقة القوية الواقفة على قدميها والتي لاتموت وحتى اذا ماتت تموت كما الاشجار واقفة.

   ان جمهور المثقفين المناضلين هو الذي نعوِّل على كتاباته التي تدافع بحق عن التجربة الكوردية في الوسط العالمي او التي تنتقد بحق بعض ظواهر المرض و الوعكات الصحية التي تصيب الجسم الكوردي، و لهم اقول ان الدنيا مازالت بخير و القيادة السياسية في الاقليم تقبل المكاشفة و المصارحة و المناقشة و الحوار الحضاري، و قدرنا و قدر اقلامنا هو البقاء مع الثورة الكوردية، ثورة فقراء و بسطاء الشعب الكوردي. عام 1986 كتبنا فب صحيفة "وه لات" التي كان يصدرها الفرع الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني مقالاً بعنوان "لماذا و لمن نكتب"، وكما قبل (21) عاماً اجدد اليوم ما قلته اننا نكتب لنغيِّر و نعشق الجميل و نعالج بسنِّ القلم التقاسيم القبيحة، و نحن لا نكتب كلمات تتبعثر في الهواء، بل نكتب لقراء يستوعبون آليات التجديد في العمل و المواصلة و حرق الذات للآخرين.

ألم يقل الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت:

ان لم احترق انا..

ان لم تحترق انت..فمن ينير الطريق للآخرين.

لاحزابنا السلام و لحكومتنا نتمنى اعلى مقام..

اما نحن فلن نبرح خندق الكتابة و التعبير و الكلام

269
عزيزتي ﭙريزاد شعبان:انها بداية الفرح…انها نهاية الالم

فوزي الاتروشي
   قرأتُ لكِ مقالين فيهما من العفوية و الصدق و نقاء النيَّة الشيء الكثير، في الاول دعوة لعدم تدنيس تراب حلبـﭽـه الطاهرة بعلي حسين المجيد، فحتى وهو جثة هامدة سيعيدنا الى المربَّع الأول لجهة التهاب الذكريات و المرارة و صحوة الجرح الذي مضى عليه زمان و ان كان اندماله مستحيلاً. وفي المقل الثاني يعود بك الزمن الى لحظات اعدام والدكِ الشهيد في تلك الايام الصعبة التي فيها احرقت الحرب العنصرية البغيضة الزرع و الضرع و دمَّرت البشر و الحجر و هتكت الارض و العرض. و لجرحكِ بفقد الوالد و لجراح كل ضحايا الارهاب البعثي المنقطع النظير، لا يسعني الا ان اردد بيتين شعريين للجواهري في رثاء اخيه حين يقول:
أتعلمُ جعفر ام انت لا تعلمُ
بان جراحات الضحايا فمُ
فمٌ ليس كالمدَّعي قولةً
و ليس كغيره يسترحمُ
  هكذا صوّر الجواهري الانتصار في قمة الهزيمة و حوَّل الرثاء الى قصيدة مقاومة، و جعل فتحة الجرح فماً غاضباً يفور بالاحتجاج على الظلم، انها اللظة التي يتحدى الضحية فيها جلاده. هكذا هي بالضبط التفاصيل الدقيقة التي تروينها عن والدكِ و رفاقه انتظاراً للموت في سبيل وطنٍ معذَّب و قضية عادلة كان انتصارها الحتمي متوقعاُ في ربيع عام 1991.
   انني بهذه المناسبة احرِّض كل الشابات و الشباب الذين فقدوا احباءهم لكتابة عن الثنايا و الخفايا و الدموع و الآلام التي تنهمر في لحظات الوداع الأخير فالألم و المعاناة ينبغي ان توثَّق وان لا تضيع، فلكي لا ننسى لابد ان نطرح على اديم الورق مافي مخزون الذاكرة. و اتذكر انني كنت ذلك الطفل الصغير في (اتروش) و بعد ان استشهد والدي عام 1961، كانت والدتي تأخذني الى كهف في جبل مشرف على القرية خوفاً من القصف، و ظلت هذه اللحظة ماثلة في الخيال و حية في الذاكرة، و كنت مصمِّماً على تسجيلها كي لا يعلوها غبار النسيان و كان ان اثمرت قصيدة بعنوان (اتروش) تضمَّنها ديواني الشعري (الاول قصائد للحب و الوطن) و فيه وصف دقيق لقصف اتروش و قيام والدتي كل مرة بتهريبي الى الكهف الآمن، وهي القصيدة التي شاركت بها في مهرجان ايام الثقافة العراقية في المنفى المنعقد في (برلين) اوائل تسعينيات القرن الماضي و من بين ما اقول فيها:
بيتاً بيتاً..سقفاً سقفاً
حجراً حجراً تتساقط قريتنا اتروش
رقصات صبايا القرية يغمرها مأتم
و تخبِّؤني امي في كهف مهجور معتم
رجل مرفوع القامةِ يسقط..يسقط
يصرخ كل الناس..للجرحى لانعطي ماءً
و جراح صحايانا لا نطعمها الا
بالملح كي لا تهدأ او تصمت او تندم
خلّوه ظمآناً..خلُّوه ظمآناً..
هذا الجسد المقتول سيصبح يوماً بستاناً
   هكذا تنظر للجراح التي تهيأ للامل و تقتل الحزن و تفتح بوابة النصر. اننا جيل يتحتَّم عليه ان لايغادر سنَّ القلم و ان يكتب كثيراً و يدوِّن كثيراً لان كل صخرة في كوردستان تنام على عظام شهيد، وكل شجرة قطعت او نبع ماء ردم او غابة اقتلعت مثل غابات اتروش صديقة طفولتي، و كل قرية دمِّرت فيها من الحكايات و القصص و الحوداث التي تعزُّ علينا و يحزُّ في النفس ان تندثر. لقد أراد حزب البعث و معه رؤساء ماسمِّي بـ (افواج الدفاع الوطني) الاكراد بالهوية و المجرمين بالعمل و الخُلُق، طمس كل أثر للحياة و النبات في كوردستاننا الجميلة، و كاد جيش جراد حزب البعث و رؤساء المرتزقة الخونة الاكراد يقضي على الحقول و البيادر، لكن قوة "الپيشمـﮦرگه" الذين ينتمون بحق الى رافد الثورة العالمية ضد القمع و الظلم، و كذلك الجبهة الكوردستانية حينها هي التي هيأت المناخ بالتزامن مع الحملة العالمية للتضامن مع الكورد لتبرعم و تتفتَّح زهرة الربيع الحمراء التي جعلت النظام يهرب و ينسحب تاركاً خلفه ركام الذكريات الأليمة.
   وحين اقول ان الكتابة عن الآلام و التفاصيل الدقيقة ليوميات الثورة الكوردية يجب ان تظلَّ نزيفاً دائماً على الورق، فعلّة ذلك ان الثورة الكوردية هي افقر الثورات في العالم لجهة تسجيل و رواية يومياتها و تفاصيل احداثها و آلام مقاتليها، فالسرد و فن الحكاية و الرواية و الكتابة التسجيلية الكوردية مازالت ضئيلة للغاية حول واحدة من اطول الثورات العالمية. و بهذه المناسبة ادعو القراء لقراءة رواية "الهيئة" للكاتب سلام عبدالله التي صدرت بالكوردية، و قبل مغادرتي كوردستان منذ شهور قمت بتنقيح ترجتمها العربية و ربما تكون الآن خرجت الى النور. في الرواية سرد تفصيلي جميل لقصة واقعية و كاتب الرواية احد ابطالها و هي تدور في سجن الهئية التحقيقية البغيض في كركوك حيث يوثِّق الزميل سلام عبدالله لقصة بطولة رائعة لمجموعة من الثوار الكورد وقعوا بايدي النظام، ومن خلال الحوار بين السجناء و السجانين يبرز لنا اية درجة من الانحطاط و الحقد بلغها النظام البعثي في التعامل مع الانسان الكوردي. واجمل مافي الرواية الواقعية التسجيلية هذه انها تنتهي بانتصار كوردي في ذلك السجن المنيع و المحصَّن، فاذ يقضي البعض نحبه، الا ان (12) ناشطاً كوردياُ ومنهم كاتب الرواية يستطيعون الهروب باعجوبة من السجن و يلتحق بعضهم مجدداً بالثورة الكوردية. ولا ننسى ان يوميات الثورة الكوردية و هي اكثر من مجرد التحليل السياسي و العسكري، انها كتبت على الاكثر من قبل كتاب اجانب هم اصدقاء الشعب الكوردي. فاول من كتب عن تفاصيل جمهورية مهاباد (هو وليم ايغلتن الابن)، و اول من كتب عن يوميات ثورة ايلول التحررية هو (دانا ادميز شميدت) في كتابة (رحلة بين الرجال الشجعان). اما كارل ماي فقد كتب (كوردستان المتوحَّشة) دون ان يزورها و لكن هذا الكاتب الالماني الشهير وصفها كم لو كان زائرها الدائم. و لا انسى ان اقول انني اتطلعت على التفاصيل الدقيقة لمعركة هندرين الشهيرة بكل ساعاتها و اجوائها و تفاصيلها في كتاب لمؤلف فرنسي بعنوان (كوردستان او الموت).
   انني ادعو الى كتب ذكريات تسجيلية لايام الثوة الكوردية لان في ذلك أمانة للتاريخ و تنوير للجيل الحالي و استشراف للمستقبل. بالتأكيد ثمة نهضة في الكتابة الآن من قبل اقلام كوردية و لكنها على الاغلب كتابات سياسية هامة و توثيق تاريخي جيد، و لكننا ننشد ماهو ابعد. و نعني السرد و الحكاية و توثيق اللحظات كي لا يخطفها الزمن، اننا نفتخر جميعاً باننا من جيل الآلام و المعاناة و الجراح و يجب ان نحكي اكثر من حكايات (الف ليلة و ليلة) و نسجل كل شاردة و واردة، لان ثورتنا طالت و عانت و قهرت الآلام حتى انتصرت، و بهذه المناسبة اجدد التهنئة للرئيس و الپيشمـﮦرگه كاكه مسعود بارزاني الذي وفَّر لنا حافظة معلومات غنية و توثيقية للغاية عن الثورة الكوردية، و منها ثورة ايلول التحررية في كتاب (البارزاني و الحركة التحررية الكوردية). كما اعبر عن فرحي بمجموعة من كتب الذكريات التي صدرت عن مقاتلين اكراد و نشاطاء سياسيين و هي ستبقى طريقة في ارشيف الثورة وفي الذاكرة الجمعية الكوردية. انها ياعزيزتي (ﭙريزاد شعبان) كما قلت بداية الفرح و نهاية الألم.

270
الرعب من الكتابة مرض...و الكلام صحة و عافية!

فوزي الاتروشي
   اجزم ان البعض من الكتاب و الاعلاميين في كوردستان العراق مصاب برعب من الكتابة لايقلُّ عن الرعب الكيمياوي الذي أصبنا به ابان النظام السابق، فكان مجرد التلويح بالاستخدام يجعل المدن الكوردية خالية و ترى الكل يتناثر في الطرقات الجبلية محمولاً برعشة الموت القادم!، وهذا ما حصل في شباط 2003 و كنت حينها في اربيل التي تحولت فجأةً الى مدينة اشباح. و الفارق هنا ان الوضع في كوردستان مازال بخير و اذا كانت انتهاكات قد حصلت، وانا ضدها طبعاً، فان القاعدة باقية و هي ان لنا حرية الكلام و نتطلع القانون الجديد للصحافة الذي يتحتَّم ان يكون حاضنة دافئة لحرية التعبير و ضمانة لاعلام متميز و ناضج و قادر على لعب دور السلطة الرابعة بجدارة.
   حتى ذلك الحين نقول لكل مقامٍ مقال، و طقس هذه الايام يشير ان الخوف من الكتابة المعمَّقة و الناقدة و الداخلية الى احشاء المجتمع كمبضع الجراح، قد تحول لدى البعض الى عارض مرضي، و اذا تحرَّينا السبب نجد الكثيرين حملة الاقلام الهشَّة اما يضحكون او يصمتون او يزعمون ان السلطة او الحزب هو الذي اجبرهم على الاقامة في غرف بدون تهوية و بنوافذ مغلقة و فرض عليهم الكتابة وفق محرار مقيد بدرجة حرارة محددة لايجوز تجاوزها، وان الخطوط الحمراء ألغت "الاخضر" لون المرور الآمن عبر الشوارع.
   ولكن دعونا نتوقَّف قليلاً لنناقش الذرائع، فالصمت لايعني سوى العجز عن الكلام او الايضاح المبهم او انطلاقاً من مقولة اذا كان الكلام من فضَّة فالسكوت من ذهب و السكوت هو سكون و جماد و موت للغة على لسان اعلاميين يفترض ان الكلام سلاحهم الأمضى في الحياة. و نترك هذه الاقلام الصامتة تكتب بدون طعم او نكهة او رائحة يومياً مقالات طافية على سطح الماء و تفرز تحليلات مناسباتية خطابية مناقبية مزركشة بألوان و تخطيطات تفوق في أناقتها حزمة ألوان الزي النسائي الكوردي التقليدي. ولا اكتم سراً ان في الاقليم ثمة من يكتب في العام مقالاً او مقالين رغم انه لا يملك موهبة الكتابة و يعجز حتى عن كتابة رسالة الى زوجته، و حيلته هو اللجوء الى كاتب معين لتجير مقالة له وفق قياساته لنشرها في احدى صحف الاقليم، ومن ثم يخفت صوته و يذوب لحين قدوم مناسبة جديدة. اما الذين يلومون السلطة و الحزب فانني اذ اعترف ان بيئة الاقليم هي جزء من البيئة الفكرية و الابداعية للعالم الثالث الذي مازال يضع للحرية اشتراطات سياسية او اجتماعية، الا ان السلطة الكوردية و الاحزاب السياسية لم تصبح بعد جداراً سميكاً امامنا يمنع الجهر بالكلام و الرأي و التعبير. و لا ادري هل هي صدفة سعيدة ام نهج عملي موجود ولو بشكل نسبي لدينا، وهي انني امارس منذ اكثر من 30 سنة عملي السياسي مقروناً بالعمل الاعلامي الذي دشنته بالعمل في صحيفة "التآخي" في بغداد عام 1972 و كان عمري (19) عاماً على يدي المناضل الراحل دارا توفيق، و لغاية اليوم لم أتعرَّض لمضايقة من الحزب او فرض شروط مسبقة و قوالب جاهزة للكتابة. اقول هذا الكلام ليس دفاعاً عن الجسم السياسي الكوردستاني حكومة و احزاباً، و لكن لكي اسجل حقيقة تتعلَّق بي، و يمكن تعميمها بشرط ان يكون الكاتب ذا رؤية ثاقبة و خبرة في المعالجة و تاريخ نضالي يعطيه الحق لاختيار الاسلوب ووجهة النظر و للانتقاد بشكل ايجابي صحي بعيداً عن الفوضوية و التجريح و قلب الحقائق رأساً على عقب.
   ان الاحزاب الكوردية و الحكومة بامس الحاجة الى اقلام ترفض المصالحة مع الواقع الكريه، و تأبى التجانس مع التقاسم التي حفرتها التجاعيد و الندوب و قيح الجراح المهملة. و الاحزاب مجبرة على قبول ما تخطُّه اقلام مثقفين و كتاب لا مصلحة لهم الا تطوير الواقع و تجديد الحياة و رفد الثورة الكوردية بالمزيد من شموع الامل، فازمة المثقف انه مثقف ولا يعني ذلك سوى ان المجتمع مادام مأزوماً فان المثقف الحقيقي يظلُّ مأزوماً لان قدره ان يكون جسراً يعبر عليه الآخرون نحو ضفاف الحرية الخضراء.
   ملخص الكلام ان الكتاب الاكراد في الاقليم عليهم كما قلتُ عام 2002 في صحيفة "المؤتمر" اللندنية، هجرة الكتابة النمطية الاستهلاكية التي تجترُّ نفس المعاني و تعوِّل على نفس المباني و الكلمات التي عفا عليها الزمن و أكل الدهر و شرب منها حتى شبع. يقيناً كما قلت ان ثمة قصوراً لدينا في فهم وظيفة الكتابة وان ثمة مسؤولين يجد النقد عدوَّاً لدوداً ولا يعشق الا الاطراء و لا يطرب الا لقصائد المديح، كما ان اقلاماً تعرضت لبعض اللوم و الادانة و التضييق وذلك امر ينبغي مراجعته في ظل آفاق تجربة نريدها ديمقراطية بكل معاني الكلمة، ولكن الاقلام المتمرِّسة المقترنة بالماضي الوطني العريق و القدرة على التغيير عليها ان لا تتوانى و تهادن لان البيت اذا سقط فانه يسقط على كل ساكنيه، وبين عشرات الاقلام الصامته او الخائفة او المناسباتية فاننا حشد المثقفين المناضلين لايجوز ان نصمت فالصمت للجثث و القبور و بما اننا لسنا جثة هامدة، بل كتلة مشتعلة من الحركة و التفكير و الوعي و استشراف المستقبل فان اجمل عطاء نقدمه لاحزابنا و لحكومتنا الاقليمية هو ان نمارس الكلام و نقتحم "المحرَّمات" و نغسل جسمنا من الصدأ و التآكل و نمنع اعراض الشيخوخة التي قد تهاجم على وجه التجربة الكوردية في العمل و البناء و التنمية، و نقوِّي جسد الاحزاب الكوردستانية بالكلمة الصادقة القوية الواقفة على قدميها والتي لاتموت وحتى اذا ماتت تموت كما الاشجار واقفة.
   ان جمهور المثقفين المناضلين هو الذي نعوِّل على كتاباته التي تدافع بحق عن التجربة الكوردية في الوسط العالمي او التي تنتقد بحق بعض ظواهر المرض و الوعكات الصحية التي تصيب الجسم الكوردي، و لهم اقول ان الدنيا مازالت بخير و القيادة السياسية في الاقليم تقبل المكاشفة و المصارحة و المناقشة و الحوار الحضاري، و قدرنا و قدر اقلامنا هو البقاء مع الثورة الكوردية، ثورة فقراء و بسطاء الشعب الكوردي. عام 1986 كتبنا فب صحيفة "وه لات" التي كان يصدرها الفرع الاوروبي للحزب الديمقراطي الكوردستاني مقالاً بعنوان "لماذا و لمن نكتب"، وكما قبل (21) عاماً اجدد اليوم ما قلته اننا نكتب لنغيِّر و نعشق الجميل و نعالج بسنِّ القلم التقاسيم القبيحة، و نحن لا نكتب كلمات تتبعثر في الهواء، بل نكتب لقراء يستوعبون آليات التجديد في العمل و المواصلة و حرق الذات للآخرين.
ألم يقل الشاعر التركي العظيم ناظم حكمت:
ان لم احترق انا..
ان لم تحترق انت..فمن ينير الطريق للآخرين.
لاحزابنا السلام و لحكومتنا نتمنى اعلى مقام..
اما نحن فلن نبرح خندق الكتابة و التعبير و الكلام

271
د. سعدالدين ابراهيم.... قصة نجاح عربية

فوزي الاتروشي
   د. سعدالدين ابراهيم مفكر عصري و أحد عناوين الفكر التجديدي العربي، و لأنه يعي دلالات الثقافة الحرة و سياقاتها التغيرية فانه لا يلين و لا يستكين و نجده دوماً على خطوط النار الساخنة و في واجهة الواجهة ضد النظام الرسمي العربي بكل ترسُّبات الاستبداد و التخلف، و ضد الاصولية الدينية التي تغلق الباب على العقل، و بعض المثقفين العرب الذين لا يغادرون الافق القومي الضيق الى رحاب الانسانية و الى تضاريس عالم بدأ يتَّحد على أساس مواطنة عالمية مرسومة وفق مديات الديمقراطية و حقوق الانسان. لذلك فلا عجب ان يلاقي هكذا مثقف كل صنوف المعاناة و الملاحقة و التضييق لمحاولة تدجينه او ترويضه أو اخفات صوته. التقيتُ بالدكتور سعدالدين عام 1994 حين دعاني ضمن الوفد الكوردي الى مؤتمر حقوق الاقليات في العالم العربي الذي انعقد بدعوة من مؤسسة ابن خلدون للدراسات الانمائية بالتعاون مع مجموعة حقوق الاقليات في لندن، و جرى ترحيل المؤتمر الى مدينة (ليماسول) القبرصية بعد ان رفضت العواصم العربية استضافة هذا المؤتمر النوعي لانه يكشف عُريَتها و ينتهك حرمة انظمتها الشمولية. و كان معنا الشاعر الكوردي العراقي الراحل بلند الحيدري و زملاء اكراد آخرون. كان المؤتمر تدشيناً لنظرة اخرى الى حقوق الانسان قائمة على الاعتراف المطلق بها و ترجمتها بمعايير معاصرة الى الواقع، لان سلَّة حقوق الانسان و الاطار الديمقراطي و توسيع آفاق المجتمع المدني هي التي تحدد حضارية او تخلف هذه او تلك، و ليس لغة الخطابات و عسكرة المجتمع. ثم ان الخارطة التي أٌصطلح على تسميتها بالعالم العربي تضمُّ العديد من الملل و النحل و الاعراق و الشعوب و فيها تنويع ديني و مذهبي لا يمكن تجاوزه ببضعة شعارات طوباوية مثل شعار ميشيل عفلق القائل ان ((كل من عاش في الوطن العربي و تكلم العربية فهو عربي)). و اذكر ان د. سعدالدين كان طوال جلسات المؤتمر مثيراً للاعجاب و الاحترام لمحاولته الدؤوبة للوصول الى خلاصات تدشن نظرة عربية جديدة الى حقوق الانسان على الضد تماماً من قوى التخلف و الرجعية و القومية الضيقة المنتشرة في العالم العربي.
  احتضن المؤتمر الآنف الذكر الاكراد و الموارنة و الاقباط و ممثلون عن شعب جنوب السودان و الشيعة، اي الفئات التي لحقها غبن و اضطهاد ديني او قومي او مذهبي، و مازلت اتذكر ان البيان الختامي باللغة الانكليزية كان قصيراً و مقتضباً في حين كان طويلاً و مفصلاً باللغة العربية و حين استفسرتُ عن السبب قال د. سعدالدين –بحق- ان الانظمة العربية بحاجة الى اسهاب و تفصيل و شرح لكي لا يُساء فهم دوافع عقد المؤتمر و لتحاشي تفسيرات مغالطة للحقيقة من قبل المتصيِّدين في الماء العكر. و رغم ذلك فان بعض الانظمة العربية و معها بعض الصحف و المجلات الصادرة في القاهرة و دمشق و عواصم عربية اخرى هاجمت المؤتمر و الصقت به أشنع الاوصاف و التهم و النعوت، و اتهمت كالعادة د. سعدالدين ابراهيم بالعمالة و محاولة تجزئة و تفتيت الوطن العربي. و كانت رحلة هذا المفكر الطويلة مع الملاحقات القضائية و السجن و التهم المجانية التي عجزت عن قهره و دحر مشروعه الفكري التجديدي الذي يتنفَّس من رئة العصر، و الذي يتجسد في كتاباته العديدة و لاسيما في كتابه الضخم حول هموم الاقليات في العالم العربي، و كذلك من خلال مؤسسة ابن خلدون للدراسات الانمائية و نشرتها الدورية "المجتمع المدني" التي شكلت مرصداً لحالة حقوق الانسان و كان للكورد ضمن غيرهم دائماً نصيبهم من البحث و التتبع سواء في الكتاب السابق الذكر او في نشرات و اصدارات دار ابن خلدون. و انصافاً للموضوعية نقول ان د. سعدالدين ابراهيم قدم دراسة علمية منهجية موضوعية خالية من العقد المسبقة حول القضية الكوردية و جنوب السودان و غيرها من المشكلات.
   و دارت السنين فاذا بي التقي الدكتور سعدالدين للمرة الثانية على هامش مؤتمر الاصلاح السياسي و الديمقراطية في العالم العربي المنعقد في الدوحة عاصمة قطر في 27-29/5/2007 و كان كعادته مرحاً و متفائلاً و مقتدراً في الحجة و الدليل، رغم كل حملات الدعاية الرخيصة التي مازالت تشنها اوساط رسمية عربية و كتاب قوميون عرب و قوى الاصولية الدينية الفاقدة البصر و البصيرة و التي تتعامل مع الفكر و الابداع بلغة السكين و الاحزمة الناسفة.
   و وعد د. سعدالدين بزيارة كوردستان العراق و رؤيتها عن كثب، و فعلاً وفى بوعده و زار المنطقة و التقى يوم 15-7-2007 بالسيد مسعود البارزاني رئيس الاقليم و مسؤولين آخرين، فكانت فرصة لكي يتعرف هذا المفكر العربي المتنوِّر على التجربة الكوردية و على شعب بنى لنفسه ملاذاً آمناً و بيتاً تحت الشمس بعد ان اعتصرته الحروب و الكوارث و المحن و الهجرات الجماعية. ان زيارته اضافة و اغناء للاقليم لانه قادر على تغيير نظرة الكثيرين من العرب ذوي القوالب الجاهزة و الاوصاف الكريهة التي مازالوا يعلقونها على مشجب الحالة الكوردية في العراق و لا سيما الاسطوانة المشروخة من كثرة الترداد و هي ان الكورد (اسرائيل ثانية)!!. اننا اذ نتذكر كل معارك د. سعدالدين ابراهيم الفكرية مع قوى الظلام و الرجعية و الاستبداد نشعر بفخر اذ يزور كوردستان فصوته ذو نبرة خاصة مؤثرة و قلمه لا يكتب الا الحقائق و فكره مجدد و عصري بكل معنى الكلمة. اما المعارك الوهمية التي يختلقها النظام الرسمي العربي و بعض كتاب الايديولوجيا القومية العربية الكلاسيكية، فهي رهان خاسر، مثلما كان الرهان على هزيمة عميد الادب العربي د. طه حسين خاسراً، فقد ظل ينادي ان التعليم اشبه بالماء و الهواء ولابد ان يكون مجانياً لانه مفتاح العلم و العلم مفتاح العقل و المجتمع المتقدم هو القائم على العقل و ليس النقل، لذا كان طه حسين بصيراً رغم العمى و ذا بصيرة ثاقبة و حوله كان خصومه يبصرون و لكنهم في الحقيقة عميان.
   ان قصة د. سعدالدين ابراهيم لا تختلف عن معاناة نجيب محفوظ و توفيق الحكيم و فرج فودة و د. نوال السعداوي و ليلى العثمان و عشرات من رموز الفكر و الابداع و الادب، و لكنها في النهاية منتصرة لانها مع الحياة و لان الحياة معها، و مهما ارتفع الحصن المنيع للطغيان و التخلف و الظلامية فان زهرة الفكر المبدع تبرز حمراء يانعة من بين ثغور و مسامات هذا الحصن و تفضحه، فلا شيء يمنع النهر من الجريان و كل الموانع و السدود مؤقتة ففي النهاية تبقى ضفاف الحقيقة مفعمة بالعشب و الماء.

272
الرئيس مسعود البارزاني قطع الشكَّ باليقين



فوزي الاتروشي
   قطع الرئيس مسعود البارزاني الشكَّ باليقين و جنح الى أروع الفضائل و هي الاعتراف بالخطأ و الخلل، بعد تراكم التقارير الدولية التي تنتقد الاوضاع في كوردستان العراق. و بذلك أهال التراب على التردد و القلق و لجأ الى المصارحة و المكاشفة و الشفافية في استعراض الواقع.
   ان هذا النهج العقلاني تدشين لرؤية اخرى في النظر الى آراء و افكار المنظمات الحقوقية و منظمات المجتمع المدني العالمية و هي الجدار الاكثر رسوخاً الذي نستند اليه منذ عام 1991 لتنمية التجربة الديمقراطية في الاقليم. ان التوثُّب الحالي للرئيس و لقاءاته بالهياكل القضائية و القانونية و النسوية و تحيٌّزه الواضع للحقيقة دون لف او دوران يعني ان آفاق الحل للازمات اصبح مفتوحاً فهذا اول الغيث و لابد للمطر الجارف ان ينهمر.
   ان وضعنا في الاقليم حساس للغاية فالحالة الكوردية تأسست على فقه دولي جديد و معاصر بموجبه أٌلغي المبدأ الشهير في القانون الدولي الكلاسيكي و القائل بعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، و الحال ان تجربتنا لم تكن لتولد لولا هذا التدخل في 5 نيسان 1991 بفعل القرار (688) الذي شكل انتصاراً للانسانية و للشعوب المقهورة. لذا فعدم التفاتنا المستمر الى هذه الحقيقة يعطي الذريعة لفقهاء دوليين و سياسيين معلَّقين بكلاسيكيات القانون الدولي، للتليوح بصدقية ما ذهبوا اليه في مواجهة الفكر القانوني – الدولي الماصر. و هذا ما لانريده و لا تنشده الشبكة الواسعة من اصدقاء الشعب الكوردي الذين شيدو لنا "المنطقة الآمنة" كجيب انساني تحوَّل بفعل النضال الكوردي و قوة الجبهة الكوردستانية حينها الى كيان سياسي فعلي استمر لغاية الآن.
   و لا يجوز ان نحتكم الى المقارنة بدول الجوار فهي كيانات راسخة ذات اعتراف دولي بوجودها وهي اذ تقف على الضد من تقارير المنظمات الحقوقية الدولية، فانها انما تمارس سلوكاً دولياً متعالياً و مغروراً و غير حضاري، و لكن هذا السلوك لا يؤثر على وجودها و حدودها و ان أثَّر على سمعتها، مثلما ان الاقتتال الداخلي في دول مثل الصومال و لبنان و افغانستان يراكم المشاكل و الازمات و لكن لا يجهز على كيانات هذه الدول. اما الحالة الكوردية في العراق فأمرها يختلف و نفي و انكار آراء و خلاصات افكار المنظمات الدولية القائمة على وفرة في المعلومات و صدق في التحليل و جدية في البحث و التنقيب، او الانخراط في اقتتال داخلي –لا سمح الله-، هو مدعاة للمجتمع الدولي لنزع وسام الامتياز عن التجربة الكوردية و فك الارتباط و التواصل معها ما يعني انهيار وجودها، و هذه كارثة يجب ان نبذل المستحيل لتحاشيها.
   ان الرئيس البارزاني اذ اعلن الضوء الاخضر و حمل شمعة الامل الى دهاليز الازمات فان ذلك ينبغي ان يستمر و يتفاعل و يتراكم بفعل جهود المستويات العليا و الدنيا بالتزامن، لان يدي على قلبي خائفاً من توقف المسيرة في بداية الطريق كما حصل عام 1999 حين دشَّن الرئيس البارزاني البداية لكنها تراجعت بسرعة البرق.
   اننا الآن في العام 2007 و سنكون كناطحٍ صخرةً اذا لم نحمل القلم  و مبضع الجراح و المعوَل لهدم القديم و تجديد البناء، و لتنقية البيئة الاجتماعية الكوردستانية من الشوائب و الهواء الملوَّث، دون خوف او وجل، في الحقيقة العلمية الدامغة تقول ان كل ما في الطبيعة من كائنات حية و الاشخاص الاعتباريين (دائرة،هيئة، مؤسسة، شركة، دولة، حزب و ما شاكل) تتعرض لعوامل التأكسد و التقادم و التدرن و الشيخوخة و الترهُّل و التقيُّح و الاورام و العيب ليس في وجودها، بل العيب الكبير هو عدم الاعترف بها مما يراكم المشاكل فتصبح الحبّة قبّة و الثقب الصغير شرخاً و حينها قد لايفيد ادخال المريض الى صالة العمليات لاعادته الى الحياة بعملية تجميلية و استئصالية. ان التقييم و المراجعة عملية يشترط ان تكون مستمرة و دائمة و يومية و كلما مورست بشكل متوازن و متقارب فان التجربة الكوردية تقترب اكثر من نبض الانسان الكوردستاني، و تبقى شابة رغم مرور السنين و تثير اعجاب العالم الديمقراطي الذي سمح لهذا الوليد ان ينشأ و يترعرع في منطقة كانت الاكثر بؤساً و تعاسةً.
   و الى كل الذين يحبون الوطن و يغارون عليه و لذا يخفون عوراته نقول ان ذلك حب اعمى، و من الحب ما قتل، و غيرة على طريقة المبدأ الجاهلي العربي "انصر اخاك ظالماً او مظلوماً". انه حب يترك المحبوب يموت تدريجياً دون ان يتجرأ الحبيب لنقله بسيارة الاسعاف الى أقرب مستشفى، و هو حب قائم على وتد واحد هو القلب، و يفترض ان يكون على وتدين راسخين هما العقل و القلب معاً، وهذا هو الحب الذي نمارسه نحن بعيون مفتوحة و قلب عامر مع كوردستان التي نريدها باسقة و خضراء و مثمرة في كل الفصول. اما التغنِّي باشعار مثل "سواد العين يا وطني فداك" او:
بلادي و ان جارت عليَّ عزيزةٌ

273
ماذا تعني الانتخابات التركية كوردياً؟

 

فوزي الاتروشي


   كما كان متوقعاً فاز حزب العدالة و التنمية في الانتخابات البرلمانية التركية، و حاز على ثقة الشعب التركي، و الحزب جدير بهذا الفوز بغضّ النظر عن مدى اتفاقنا او اختلافنا مع توجهه الفكري، وقد شكل اداءه الاقتصادي المتميز اساس فوزه، اضافة الى بعض الشروخ التي أحدثها في السياقات الاتاتوركية للحكم و التي لم تعد منسجمة مع العصر، خاصة فيما يتعلق ببعض الحقوق الثقافية التي منحها للقومية الثانية في البلاد وهي القومية الكوردية، وهذه الحقوق وان كانت محدودة و ضيقة الى أبعد حد، إلا أن حزب اردوغان اقترب من خلالها لاقتحام أكبر محرَّمات السياسة التركية و التي سبق لطورغوت اوزال ان دشَّنها و لكن مجلس الامن القومي التركي وقف حينها بالمرصاد.

   وكما توقعت الدوائر الكوردية و القيادة السياسية في اقليم كوردستان العراق، فان القضية الكوردية في تركيا و التهديدات المتواصلة للاقليم الكوردي العراقي كانت السلعة الاكثر رواجاً في "البازار" الانتخابي التركي. و المؤلم ان هذا الرواج لم يتخذ شكل تنافس الاحزاب التركية على تقديم خطط و أوراق عمل سياسية لحل القضية الكوردية على أساس ديمقراطي عملي، بل كان التسابق على اتهام كل حزب للآخر بانه يتنازل أمام قضية ما يسميه (الارهاب الكوردي)! او النزعات الانفصالية الكوردية، فأشعل حزب الحركة القومية التركي اليميني المتشدِّد معارك كلامية تحريضية تدعو الى الهجوم الفوري على كوردستان العراق لضرب معاقل حزب العمال الكوردستاني في جبال (قنديل)، و اعادة العمل بعقوبة الاعدام و تنفيذها بحق (عبدالله اوجلان)، في حين استمر حزب العدالة و التنمية طوال فترة التعبئة الانتحابية في العراق و ارسال رسائل غاضبة فيها الوعيد الكثير و لكنها مبطَّنة بخوف كثير ايضاً من المباشرة بتنفيذ العمليات العسكرية او الهجوم الكبير، لوجود اعتراض امريكي و اوروبي واضح عل خلفية تحاشي زيادة وحول المستنقع العراقي الغارق أصلاً في التعقيد و التشابك الامني.

   و اهم ما في الانتخابات التركية ان الاكراد فازوا بـ(27) مقعداً في مقابل خصومهم الالداء حزب الحركة القومية الذي حصل على (71) مقعداً و بعيداً عن الفارق الرقمي فان الكورد لهم الحق في الشعور بالارتياح لان مرشحيهم المستقلين و مرشحي حزب المجتمع الديمقراطي الموالي لهم و الذين اصبحوا نواباً في البرلمان سيكونون منذ الآن الناطق الرسمي الشرعي للاكراد في برلمان تركيا و سيعمل هؤلاء على الترويج لبرنامجهم الواقعي القائم على التصالح بين الاكراد و الاتراك و منع اللجوء الى الحل العسكري للقضية الكوردية وهو الحل الذي عجز عن اصطياد السمكة رغم تجفيف البحر كما عبَّر الكاتب الكوردي يشار كمال عام 1995 في مقال له في مجلة (ديرشبيـﮔـل) الالمانية، و اثبات عدم جوى الهجوم على كوردستان العراق، و مطالبة النخب التركية لتوسيع رقعة الحقوق الثقافية و السياسية الكوردية تجنباً لاستمرار تآكل السمعة التركية دولياً.

   واذا كانت الاغلبية الاسلامية لن تحقق المطالب الكوردية كلها بسهولة و يسر، فانها على الجانب الآخر لن تخاطر في عقد تعاون غير مشروط مع الجوار الاقليمي و مع التركة الاتاتوركية، او النظرة المتحفظة و العدائية على طول الخط للقضية الكوردية، لان ذلك مخاطرة كبيرة و لا تجلب لتركيا الا المزيد من الأزمات و العزلة و الابتعاد عن مناخ العالم الراهن.

   ان اكراد تركيا و كذلك حزب العدالة و التنمية لهما مصلحة في هذا التطوير الايجابي المتمثل في دخول نواب اكراد الى البرلمان، فهم يشكلون اذا أحسنوا الأداء و اذا لم تغلق الابواب بوجههم مثلما حصل مع البرلمانية الكوردية (ليلى زانا) و زملائها أوائل تسعينات القرن الماضي، جسراً بين الحكومة و العسكر و بين الثوار الاكراد وان بشكل غير رسمي، و يتخلص حزب العدالة و التنمية من حراجة تهمة الاتصال مباشرة بحزب العمال الكوردستاني. و تستطيع تركيا الآن ان توظف الوجود الكوردي في البرلمان، بشرط عدم التضييق عليه، في ازاحة تهمة العداء الكلاسيكي للكورد. ان الوجود الكوردي الفاعل في البرلمان التركي اضافة الى وجود عشرات من رؤساء البلديات الاكراد في كوردستان تركيا منذ عام 2002 يعني ان الهوية الكوردية تتبلور اكثر فاكثر و من خلال اطر قانونية، وان كوردستان رقم صعب لا يمكن كالسابق تجاوزه. ان العقلانية و العمل بمرونة و على نار هادئة مع الاحزاب التركية في البرلمان يفتح املاً كي يصبح الحوار و ليس لغة السلاح و العنف طريقاً لحل الشأن الكوردي في تركيا، و يجدر الذكر ان النواب الاكراد الحاليين عليهم التحلي باقصى قدر من الحذر و اليقظة لعدم الوقوع في حبائل مواد دستورية و قانونية قد تفرض عليهم الاقصاء و السجن، مثلما حصل مع (ليلى زانا) التي ارادت تجاوز كل الموانع دفعة واحدة و رفضت في حينه اداء القسم الدستوري باللغة التركية و دعت الى دولة كوردية تعترف بها تركيا فاتهمت بالتعاون مع حزب العمال الكوردستاني و خسر الاكراد فرصة مواتية لاسباب شكلية كان يمكن تجنبها، و لعل دعوة (ليلى زانا) الحالية الى الفيدرالية في تركيا يؤكد نزوعها الى الحل الواقعي. و لذا فالنواب الاكراد حالياً عليهم العمل الدؤوب بدون لغة شعاراتية استفزازية و عليهم اثبات انهم مؤهلون لحمل الامانة، مثلما يجدر بهم توظيف الموقف الايجابي الاوروبي من القضية الكوردية في تركيا، و حينها ستضطر الحكومة التركية نفسها، و ان على مضض، على اعتبارهم وسيطها للحل و غض النظر عن خيوطهم الموصولة سراً بالاحزاب الكوردستانية في تركيا، واذا كانت تركيا قد استوعبت الدرس فانها ستجعلهم واجهتها للتفاوض و الحوار وصولاً الى الحل السياسي لمشكلة كلما تقادمت انهكت تركيا و وسَّعت الشرخ في ديمقراطيتها و أبعدتها اكثر فاكثر عن أمل الانتماء للاسرة الاوروبية.

274


حول حفلة اعدام (بناز محمود) في لندن......شكراً للقضاء البريطاني
فوزي الاتروشي
   على مدى يومين (20-21/7/2007) نشر موقع (ايلاف) الذي يزوره نحو (1,5) مليون و نصف قارئ يومياً، التفاصيل المروِّعة لقتل الفتاة الكوردية (بناز محمود) التي اكملت بالكاد (20) ربيعاً من عمرها في لندن. تعاون في القتل و الاغتصاب و الضرب و الخنق بالاسلاك أربعة حيوانات بشرية كوردية مفترسة عيَّنهم والد الفتاة و عمها لغسل عار العائلة التي أصبحت الآن على كل شفة و لسان في بريطانيا. ان هذا القتل السادي الذي يتكرر على هيئة المسلسلات المكسيكية، فلا تكاد تنتهي حلقة حتى تداهمنا الاخرى بغرائبيتها و مفاجآتها المريرة، هو نتاج ثقافة متخلفة للغاية و قصور عقلي و انحدار نفسي و انحطاط خلقي لدى الرجل الكوردي، لم تستطع حتى بيئة راقية مثل لندن ان تنقذ ذكور عائلة "بناز" من أدرانها و شوائبها. ان حفلة اعدام "بناز محمود" دامت ساعتين حتى أَسلمت الروح و لا يمكن تصور هول آلاف و معاناة هذه الانسانة المغدورة ابان هذا القتل البطيء الذي يكاد يدخل موسوعة (غينيس) للارقام و الظواهر القياسية، و يمكنني الجزم ان هؤلاء القتلة يستوحون المثال الصدامي في تنفيذ احكام الاعدام و اطلاق صفة "الحفلة" عليها امعاناً في التعذيب و الآلام و الترويح عن ذاته المريضة بالنظر الى الضحية و التشفِّي منها. فهذا ما فعله بالضبط عم المغدورة "بناز" وهو يتلذَّذ بالنظر و التحديق و الضحك و التمتع بعملية قتل هذه الفتاة البريئة التي كان جرمها و ذنبها الوحيد انها أرادت الاقتران بمن تحب و ليس بمن يريد الوالد فهل هذا ذنب؟. اذا كانت المغدورة "دعاء" محظوظة في شيء واحد فقط، فهو تحول قصة قتلها الى شريط عالمي يدور على شاشات التلفزة العالمية وفي شبكة الصحافة و مئات من صفحات الانترنيت لتصبح رمزاً للمرأة التي تخافها الرجولة الكوردية المتعفِّنة حتى وهي ضحية. ألم تصبح "دعاء" وهي في قبرها رائدة لنشوء عدد من المبادرات النسوية الكوردية في اوروبا و الوطن بالتعاون مع اتحادات نسوية و ناشطات اوروبيات، بل وان هذه الفتاة المرجومة التي تكالب عليها ثمانية رجال مدجَّجون بالسلاح، صارت الآن باسمها و آلامها و ذكراها هي التي ترجم العقلية المشروخة للرجل الكوردي الذي يدور الآن في اوروبا محمَّلاً بعار قتل آلاف النساء الكورديات اللواتي دفعن حياتهنَّ ثمناً للحرية و الحب الذي هو عنوان الله و أساس الوجود و روح كل الشرائع السماوية وهدف الفلسفة و الابداع الفني و الادبي منذ فجر بزوغها لايصال رسالة حب الانسان و شغف الحكمة الى الارض.
   نقول اذا كان امتياز "دعاء" انها لم تدخل القبر بقدر دخولها الى التاريخ و الذاكرة الجمعية العالمية و بقائها شوكة عالقة في ضمير الانسان الكوردي، فان امتياز (بناز محمود) انها قتلت في بريطانيا مهد الديمقراطية و القانون و صاحبة القضاء الذي ترهبه و تخافه ملكة بريطانيا نفسها. انها لم تقتل في كوردستان حيث القانون مثقوب و القضاء ينام و يتثاءب طوال الوقت، و الاجراءات الجنائية تتوقف فجأةً على يدي محقق عدلي او ضابط شرطة لتدخل قضية الشرف خانة "قضاء و قدر" و يغلق الملف او يسجَّل القتل انتحاراً او يتدخل رجلاً من (الوجهاء)!!! لوقف التحقيق الجنائي و قتل القانون بالـ(واسطة)! التي هي سيد القانون.
   قبل سنوات قرأتُ كتاباً باللغة الالمانية بعنوان "صورة المرأة الكوردية في المجتمع" وفيه دحض لما تعوَّدت عليه اقلام كوردية تقليدية، ذات تفكير رجعي اقطاعي، تزعم بحرية المرأة الكوردية قياساً الى البلدان الاسلامية الاخرى، في حين ان واقع الحال حين يخضع للتنقيب و التمحيص و البحث العلمي و المتابعة الاحصائية الدقيقة فان غمامة العقل تنجلي، و يظهر جلياً كم نحن –او بالاحرى البعض منا- مشوَّهون خائفون و مرعوبون و انهزاميون في قول الحقيقة، و كم الاوروبيون جريئون و مقتحمون و متحررون و أصحاء حين يكتبون عن شؤون و شجون مجتمعاتنا.
   ان "بناز محمود" رحلت الى مثواها الأخير و لكنني على يقين و قناعة تامة ان القانون البريطاني و قضاؤها الكامل النزاهة و النقاء و المصداقية. سيجعلها بداية لنظرة اخرى الى التواجد الكوردي في بريطانيا و سيتم تحريض الجماعات النسوية في لندن لمزيد من المراقبة و تتبع حال المرأة الكوردستانية المقموعة و المضروبة و المعنَّفة و الممنوعة من الخروج و تنفس الهواء إلا برفقة الذكر، والتي لا تُمنح حتى جواز السفر دون موافقة ولي الأمر الرجل الذي قد لا يعادل ذرة من عقلها و ثقافتها و نقائها و شرفها و شخصيتها. بل انها لا يمكن ان تزور حتى الكعبة و تحج الى بيت الله دون مرافق من ذكور العائلة و هذا إلغاء لانسانية المرأة الكوردستانية وهو العار بعينه و لكن الرجل أعمى و أصم و أبكم.
   و لا أريد هنا الدخول في جدل سفسطي لانصاف مثقفين اكراد يتباهون بعدد النساء الكورديات في هذا المرفق الاداري او البرلماني او السياسي او ذاك، فالترقيع شيء و الايمان عن قناعة بمساواة الرجل و المرأة و تطبيقها في مجمل مستويات الحياة شيء آخر. ان حرية المرأة و مساواتها ليست هبة او منحة و انما واجب و حتمية، وان نحن لم نذعن للواقع فان اوروبا المتحضرة سوف تفرضها علينا فرضاً، و لا نريد بعد ذلك ان نسمع من وزارة حقوق الانسان الكوردية العتيدة ان التقارير الدولية حول كوردستان العراق مبالغ فيها، لان ذلك يزيد الطين بلَّةً و يجعل الوزارة نفسها في مهب الريح و تصبح خبر كان في الشبكة المديدة و الواسعة الآفاق لمنظمات المجتمع المدني العالمي.
   شكراً للقضاء البريطاني لانه سيحقق أقصى درجات العدالة و يطبق العقوبة القصوى بحق قتلة "بناز محمود" رمز الشرف التي قتلت بايدي رجال عديمي الشرف.

275
المنبر الحر / صدام حسين (قديساً)!!
« في: 18:46 20/07/2007  »
صدام حسين (قديساً)!!

 

فوزي الاتروشي

   البداوة و التصحُّر الفكري و العقلي لا تُختزل في المكان فحسب، لتعني الترحال و التنقل المستمر بحثاً عن العشب و الماء و الكلأ، و انما تنسحب على الزمان أيضاً لتعني التعلق والتشبُّث المتواصل بالماضي و بالقيم المعتَّقة خلف قدسيات عفى عليها الزمن، و البداوة تستفحل لتصبح عارضاً نفسياً مرضياً يبعث على القلق الدائم و اللاستقرار و صعوبة الاندماج في الحياة العصرية بتغيراتها تتواتر بشدة مطلع كل نهار. و بدائية الفكر ظاهرة واسعة الانتشار بين مثقفين عرب لا يعثرون على هوية خاصة بهم منتقاة من السطح السياسي او الفكري العربي لا يشكلون قدوة و لا يملكون في مفاصل التاريخ إلا سمعة الاستبداد و المزاج القمعي الذي لا يهدي للحياة البشرية إلا معاني الموت و الدمار و التخلف و التشاؤم و الانغلاق على الذات و اختلاق حالة عداء و خصام دائم مع الآخرين. و لعل الشاعر و الملحن الليبي (علي الكيلاني) و المطربة (أمل الشبلي) اللذين أصدرا ألبوماً غنائياً بعنوان (القديس صدام) أبلغ مثال على ما نقول، فهذا الشاعر تجاوز ارثاً فكرياً عمره آلاف السنين يؤكد ان القديس او القديسة هو الانسان الذي يحمل أقل قدر من الخطايا و أكبر قدر من الفضائل وهو الذي يلتزم حرفياً بالوصايا العشر المسيحية و التي جاء الاسلام ليجدد الالتزام بها كتعريف للانسان الصالح. فأين قدسية صدام حسين الذي امتهن القتل منذ ريعان شبابه و خاض حروباً مع الجميع و دمَّر الوطن العراقي و استغل الدين في حملته الايمانية المزعومة اشباعاً لجنون العظمة الذي بلغ به حد تأليه الذات ليقول ذات يوم أحد كتاب السلطة "ثمة قمتان في التاريخ العربي، احداهما الرسول الكريم محمد (ص) و الثانية صدام حسين". لسنا هنا في وارد تعداد جرائم و فظاعات الدكتاتور فهي باتت بديهيات يعرفها اي طفل في العالم. ولكن الشاعرالليبي الغائب عن العالم و الغافل عن التعريف الجميل الذي أعطي للشعر في الفلسفة اليونانية، وهو الحق و الخير و الجمال يأبى ان يتوافق مع العالم و مع الله و مع قدسية كل الأديان و يصف صدام حسين بالقديس، و لا يسعنا إلا ان نقول ان الشاعر (علي الكيلاني) و المطربة (أمل الشبلي) أبعد ما يكونان عن الخير بكل تجلياته و عن الحق بكل هيبته و عن الجمال بكل ما له من سحر و اغراء و رسوخ في عواطف الانسان. ان صدام حسين رمز الحقد و الكراهية و القبح يستحيل ان يصبح قديساً إلا اذا كانت القداسة عند بعض مثقفي العروبة تعني تدمير العالم من أجل مصالح أنانية و نزعات عدوانية، و العروبة التي تركض خلف دكتاتور العراق أشبه بجثة جامدة لا تختلف عن جثة طاغية العراق التي لم يمش خلفها أحد.

   و الأغرب من كل ذلك ان هذا المتثاقف العربي يعمد الى تشبيه صدام بالثائر الأممي ارنستو ﭼـي ﮒـيفارا، و البطل العربي عمر المختار و رائد الثورة الفلسطينية ياسر عرفات، دون ان يدرك انه يعقد مقارنة بين الثرى و الثريا و بين النار و النور و بين الخير المطلق و الشر المطلق. ان ﭼـي ﮒـيفارا الثوري المتواضع و الزاهد في مباهج الحياة رحل و هو يحلم بالخبز و الحرية لأمريكا اللاتينية و مازالت صورته الأكثر مبيعاً في العالم بين الشباب و القمصان التي تحمل اسمه و صورته تحظى بحب و اعجاب العالم كله فهو فعلاً ايقونة الثورة الدائم ضد الظلم أينما كان، وفي عام 1995 حين زرت (كولومبيا) كنت أشعر ان هذا الرجل الأممي لايزال حياً و سر ذلك انه زهد في الحياة و اشتاق الى الخلود في ذاكرة البشرية و كان له ما أراد، و عمر المختار دخل الذاكرة العربية و العالمية كرمز للبطولة و أملاً للتحرير و مثالاً لفضيلة "الجهاد" بمعناها و مغزاها الأصلي و ليس بمعاني هذا الزمان حيث الجهاد عبارة عن حزام ناسف و سيارة مفخخة جبانه لا تقتل إلا الاطفال و النساء و المواطنين العزل تماماً مثلما كان يفعل صدام حسين و علي حسن المجيد، و ما يفعله حثالات حزبهما مع التكفيريين هذه الأيام، و فاجعة (آمرلي) و من ثم فاجعة كركوك قبل أيام تؤكد كم كان صدام حسين و نهجه الفكري خسيساً لا قديساً كما يقول الشاعر الليبي البدوي و فنانة القتل و الحقد الأعمى، أما ياسر عرفات فهو رمز ثورة و مقاتل دؤوب من أجل قضية عادلة و هو أحد ثوابت الثورة الفلسطينية و قد عانى في كل حياته و لا سيما في السنوات الأخيرة ليحظى اليوم بحب شعبه و تقدير العالم سواء اختلفنا او اتفقنا مع بعص مواقفه فرحمةً بـﮒـيفارا و المختارو عرفات أيها المتثاقفون العرب لأنهم يتململون في قبورهم حين نشبِّه صدام حسين بهم.

   ان الشعراء و الفنانين العرب لديهم في التاريخ العربي الكثير من الرموز السياسية و الفكرية لاستلهام معاني البطولة منها و لجعلها قدوة للشباب العربي، و لكن لان بعضهم ليس أصلاً شاعراُ او فناناً فانه يهوى الشهرة الرخيصة ولو سقط في الحضيض فالمهم ان تلوكه الألسن، و في التراث الشعبي الكوردي يقال ان رجلاً أراد الشهرة في قرية كوردية فلم يجد طريقة سوى التبول في ينبوع الماء الذي يشرب منه الناس وفي اليوم الثاني كان هذا المغمور حديث الناس كلهم. و حكاية هذا المتشاعر الليبي المجهول لا تختلف عن قصة القروي الكوردي.

كم كان الشاعر "عمر ابو ريشة" صادقاً و حزيناً حين كان يقول:

أُمتي هل لكِ بين الامم

منبر للسيف او للقلم

أتلقّاكِ و طَرفي مطرق

خجلاً من أمسكِ المنصرم

   وليت الشاعر حياً الآن ليردد معنا ما أشبه اليوم بالبارحة، فالامة التي لام أمسها لاتزال الى اليوم تعاني من زعماء و رؤساء التجزئة و التخلف و تقسيم الوطن العربي الى اقطاعيات ملكية او جمهورية وراثية أقسمت أن لا تتفق. اما شعراء و مثقفي الردة و الظلام وهم كثيرون في العالم العربي مازالوا يرددون طبول الحرب الجوفاء و الأناشيد القومية الفارغة المعنى و يمشون خلف جنازة اسمها الوحدة العربية و يقتدون برمز الشر العالمي صدام حسين.

   و لا يسعني إلا أن أردد مع الكثيرين من الكتاب و المبدعين و المفكرين العرب الليبراليين التنويريين:

    يا أُمَّةً ضحكت من جهلها الأممُ

276
دورة الشفافية و الأداء النوعي...ملاحظات

و دعوة للاستمرار


فوزي الاتروشي

   كوردستان العراق جزء من العالم الثالث بتراكماته الفكرية و الاجتماعية المأزومة التي تكوِّن شخصية الانسان و تخلق فيه حالة أشبه بالمرض المزمن ومن أعراضه التعلق الشديد بالماضي و التراث و مجمل أقوال الآباء و الأجداد و الأعراف و العادات دون تمحيص او اختيار، بل ان حرية الاختيار مقيدة الى اعلان عرف "العيب"!. هذا في الحياة الاجتماعية اهم عائق امام التطوير و التجديد و التغيير في الافكار و آليات العمل وفي النظرة الى العلم و تطوراته الهائلة على كل الصعد. ومنذ القدم قال الفيلسوف اليوناني سقراط "اني أعجب للانسان الذي يكنس بيته كل يوم من الفضلات و لا ينظف دماغه مرةً واحدة كل عام من الآراء العتيقة بادخال الجديد و الصالح من الافكار". لقد دفع سقراط حياته ثمناً لهذه الفضيلة الكبرى التي أراد زرعها في الانسان ومات مسموماً.

   و لانجد الشاعر الكبير الجواهري بعيداً عن هذا الفكر التجديدي كشرط وجودي حين يقول:

   لثورة الفكر تاريخ يحدِّثنا

        بانَّ ألف مسيحِ دونه صُلبا

ان المرء لا يضع قدمه في نفس النهر مرتين فالحياة جارية و المياه دائمة الجريان من الينابيع ومن جوف الأرض الى الجداول و الروافد و الأنهار و المحيطات في دورة أبدية لا تقف عند حدود و لا حول و لا قوة للسدود إزاء هذا المدّ الهادر.

   وكل منطقة او شعب او حكومة او تنظيم سياسي او اجتماعي يظن انه يمكن ان يعتاد على حالة الجماد و يعيش منطوياً على الذات منعزلاً عن الهواء النقي و اتجاهات الرياح و مسارات الغيوم و التغيرات المناخية و الظواهر الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية التي تكتسح العالم، سيكون قد ارتكب الخطيئة الكبرى و ذهب بقدميه الى الانتحار الذاتي.

   هذا هو قانون الكون وقانون الحياة والذي معه فائزون والذي ضده خاسرون راحلون ومنتزعون من صفحات التاريخ . اننا في كوردستان العراق الآن امام اختبار صعب للخروج من الأزمات التي تحيق بنا لاننا منذ البدء لم نرتكن الى المنهج العلمي التجريبي في العمل والبناء وتكوين شخصية الانسان . وحين أتحدث عن الأزمات أعني بها الجانب الداخلي لحياتنا الذي توفرت لنا فرصة ذهبية لانعاشه و تجذيره و تعميق بنائه الديمقراطي و ترسيخ تربية مدنية تهيء الانسان لمواجهة الأزمات الخارجية. و جزء كبير من أزمتنا يعود الى طريقة تفكيرنا الآنفة الذكر، فمنذ البدء كان السلوكي و الاعلامي يرتكز على شرح الايجابيات باسهاب، و دفن السلبيات "حفاظاً على سمعة التجربة الديمقراطية" و لان التحديات الخارجية تشترط تقديم الاهم على المهم و تأجيل الحديث عن الصدأ و الاحتقان الحاصل في الداخل لان الاعداء الخارجيين لا يتركون لنا فرصة الانشراح و التفكير ببيتنا و أحوالنا الداخلية و مدى صحة جسدنا و تفاصيل الحياة اليومية للمواطن الكوردستاني. هذا التفكير خاطئ و شمولي و يرتكز الى مبدأ حل المشاكل بمجرد دفنها و انكارها و غلق منافذ تسرّبها. و كنا طوال الفترة نتناسى ان الاقليم الكوردستاني مكشوف على الهواء و غسيله معروض في عدد وافر من الفضائيات و الصحف و قنوات جمع و تحليل الاخبار و الاحداث و صفحات الانترنيت التي تجعل اي انسان في مجاهيل افريقيا يعرف على الفور ما يحدث في مدن الاقليم.

   و طوال المدة المنصرمة لم نلتفت جرياً على العادة الى مفاصل عمل هي مفاتيح التقدم و التطور و نعني جهاز التخطيط و الاحصاء و تهيئة قاعدة بيانات غنية عن كل الظواهر تعيننا على الرؤية وعلى استنتاج القرار الصائب في المجالين الاجتماعي-الاقتصادي و الاداري بعد استقراء دقيق للحالات و الارقام و الوقائع. ماذا لو اننا لجأنا بشكل تدريجي مرحلي الى مكافحة الفساد المالي و الاداري منذ البداية؟ و ماذا لو اننا اعترفنا قبل سنين اننا ككل مجتمعات العالم لسنا المدينة الافلاطونية الفاضلة وان ملفاتنا الساخنة سواء التي ورثناها من النظام السابق او التي برزت الى السطح عقب ذلك بحاجة الى الاعتراف بها اولاً و الاعتراف سيد الأدلة، ومن ثم تشخيصها بدقة لوضع وصفة الدواء الناجحة لها. و هكذا فيما يخص مشاكل النساء و الشباب و الاطفال و جملة الأزمات التي تحيط بالانسان الكوردستاني لجهة معيشته و حقوقه و حرياته في اقليم خرج من عباءة أعتى دكتاتوريات العالم، لينفض عن نفسه غبار الحرب العنصرية، البغيضة التي كادت تلغيه من الوجود.

   أنا على يقين ان الكثير تحقق و سيكون اجحافاً و ظلماً ان لا نعترف بذلك، و لكني و معي جمهور المثقفين و السياسيين في الاقليم نرى انه كان بالامكان انجاز أكثر لان الشرط الذاتي و الموضوعي توفر منذ عام 1991 في فرصة تاريخية نادرة. لقد تحقق الكثير على مستوى العمران و البناء المادي و لكن مستوى بناء الانسان و قيم العمل و ضخ دم جديد في جيل الشباب و تنمية وعي وطني قائم على الجدية و الاخلاص تراجع. ولو كانت لنا قاعدة بيانات قبل أعوام لكان ممكناً وقف الظواهر الاجتماعية، على الأقل في منتصف الطريق. ان عدم اتباع التفكير العلمي المنهجي و التجريبي و اعتماد آليات عمل الاعلام الرسمي الذي يكره النقد و النقد الذاتي، و التمسك بقاعدة الخوف من تعرية المشاكل و فضحها، جعلنا في كثير من الأحوال مثل النعامة التي تدفن رأسها تحت التراب وهي تظن ان الشمس لا تكشف عريها. ان الاعلان الحالي عن الشفافية و الطرق الحديثة في الادارة و استقدام خبراء بريطانيين لتدريب الكادر الاداري في الاقليم هي خطوة تبشر بالصحوة و بدء الاعتراف بالواقع و تعكس ارادة للخروج من جبل المشاكل و الأزمات بعد ان اصبحت جبلاً تنوء بثقله صدورنا. و لكي تحفر هذه الخطوة آثاراها في الارض يجب ان تكون جدية و حقيقية و فعالّة و مستديمة و قائمة على تفكير علمي و عصري يفيد ان الخلل ليس في وجود الأزمات فهي لازمة من لوازم الحياة و من لا يعمل لا يخطأ، و لكن الخلل يكمن في انكار الأزمات ما يعني تقيَّحها و تورُّمها و تضخّمها و خروجها عن احتمالات الحلول. ان الدول المتحضرة في العالم لديها مؤسسات و مراكز أبحاث و مختبرات و جماعات ضغط و قاعدة بيانات شاملة و احصاءات و استطلاعات و اعلام لا يتثاءب أبداً، لذلك تكتشف العيوب و النتوءات وهي صغيرة وفي نقطة البداية و تبتكر لها الحل الأمثل.

  نحن بدأنا هذا النهج متأخراً وبعد ان أصبحت المشاكل الاجتماعية و الاقتصادية غابة شائكة و مجموعة متداخلة من الأسلاك، و رغم ذلك نتطلع بثقة و أمل و نقول ان مسافة الألف ميل تبدأ بخطوة. و بما ان المقولة الشهيرة تفيد انه "في البدء كانت الكلمة" لذلك أدعو من موقع الحرص زملائي الكتاب المناضلين الى النقد البناء و الحيوي الموضوعي و هذا أعظم مديح يكال للتجربة الديمقراطية في كوردستان العراق، فالرأي قبل شجاعة الشجعان، و ختاماً أقول مرحباً من القلب بدورة الشفافية و الأداء النوعي.

277
حول قتل النساء و الاختلال الاداري

في كوردستان العراق

فوزي الاتروشي

 

   اذا زعم الرجل الكوردي بان زوجته او أخته او ابنته قد انتحرت، فانه كذاب و مريض نفسياً و مختل عقلياً، و لايجوز تصديقه أبداً و الشروع بتشريح الجثة الذي يثبت بالدليل القاطع ان الجريمة قتل عمد مع سبق الاصرار و الترصد. فلا يمكن لعاقل ان يصدق ان كل هؤلاء الآلاف من النساء الكورديات ينتحرن هكذا دون اسباب مقنعة علماً ان الانتحار لم يكن يوماً في تاريخ كوردستان ظاهرة متفشية الى هذا الحد الذي يعلن عنه هذه الايام. واذا كانت هذه الظاهرة المزعومة تحمل جزءاً و لا يسيراً من الحقيقة فان الامر يقتضي انتداب خبراء دوليين في الصحة العامة و الصحة النفسية لدراسة العلل و الاسباب و بيان الكذب من الحقيقة. و استبق لأقول ان ثمة مؤامرة "رجالية" خالية كلياً من الرجولة تقف وراء هذه المزاعم يشترك فيها زوج او قريب الضحية مع جهات في الطب العدلي في كوردستان و بعض أجهزة القضاء التي تحاول التعمية على جرائم القتل العمدية و العنف الجسدي و النفسي و الاجتماعي الذي تتعرض له المرأة الكوردستانية، في ظل تكاسل و عجز اتحاد الحقوقيين في كوردستان الذي يضم آلاف الاعضاء يفترض بهم الوعي القانوني و الحضاري.

   ويلاحظ ان الانتحار المزعوم للنساء زادت وتيرته بعد صدور قانون الغاء جرائم غسل العار ما استدعى الرجل للبحث عن حيلة قانونية للتملص و التخلص من العقوبة. و آخر ضحية وجدتُ اسمها في عدد يوم 4/7/2007 من صحيفة (ئه ﭭرو-اليوم) الاسبوعية الصادرة في دهوك، فقد قتلت فتاة بنفس الاساليب المتكررة و المقززة و ادعى اهلها امام الشرطة انها انتحرت. و المثير ان غالبية النساء "ينتحرن"! حسب زعم الرجل بأدوات المطبخ المنزلي و كأن هذا المطبخ الذي يشكل عالمها الوحيد وهي حية تعمل فيه لاشباع بطون الرجال ليلاً ونهاراً، أبى إلا ان يصبح مكان وداعها الحياة.

   قبل سنوات وفي يوم المصادقة على قانون الغاء جرائم غسل العار في البرلمان الكوردستاني كنتُ على موعد في حديقة فندق (هَورامان) في اربيل مع عضو سابق في البرلمان وحين التقيته هنأته على تلك الجلسة التاريخية للبرلمان، لكنه خيَّب ظني كلياً حين أردف قائلاً اننا سنستمر في القتل بدواعي الشرف رغم صدور القانون، ولم أتمالك نفسي فأجبته ولماذا لم تكن بهذه الصراحة في جلسة البرلمان ولماذا توقع و توافق على قانون لست مؤمناً به. انني على يقين ان عدداً كبيراً من اعضاء البرلمان المتعلمين ولا اقول المثقفين لم يكونوا مؤمنين بهذا القانون لذلك لم يطبق تقريباً و تجاوزه الجهاز القضائي و التنفيذي وسكت عنه الاعلام سكوت القبور وهذه مأساة وكارثة لان اي قانون آخر قد يصدر ولا يطبق ما يعني خفض مصداقية البرلمان كممثل لكل الفئات الاجتماعية وتحوله من برلمان الى ديوان لتبادل الاحاديث و الخطب الرنانة و الطرق على الطبول الجوفاء. واذا كنا نعلق اهمية فائقة على الاشارات الحاسمة هذه المرة و التي تصدر من رئيس الاقليم و رئيس الحكومة و رئيس البرلمان، الا ان ما يبعث على الدهشة هو لماذا ينتطر الوزراء وعددهم (42) وزيراً يكفون لادارة دولة مثل الصين او الهند، واعضاء البرلمان، الاشارة الخضراء من الاعلى في حين يفترض بهم انهم مثفقون مبادرون يواصلون الليل بالنهار لتشريح و تحليل الملفات الاجتماعية الساخنة لطرحها مقرونة بآراء ناضجة على الرئاسة لاصدار الاوامر و التعليمات، فالمعلوم ان القرارات و القواعد القانونية، تنضج من الاسفل اي من الجهات المعنية و المفاصل المختصة و إلا ما معنى وجود وزراء و اعضاء برلمان لايتكلمون و لا يقررون ولايوافقون و لايشرحون و لا يكتبون و لا يوقعون إلا اذا صدرت الاوامر اليهم.

   ان الوزير و عضو البرلمان في الدول المتقدمة ليس موظفاً عادياً و لا مسؤولاً روتينياً بقدر ماهو عضو فاعل وخلاق في المجتمع ومواظب على العمل و العطاء و طرح الافكار و الآراء الجديدة على القيادة لكي يكون الطريق امامها معبداً لاصدار القرارات. في حين نجد الأمر مخالفاً تماماً في كوردستان العراق، فالوزير يتخلف عن الدوام حسب مايشاء و يضع موانع شتى للقاء المراجعين و يتصرف كأن الوزارة "اقطاعية" كبيرة مملوكة له بناسها و ارضها و بمنتوجها، وهو طبعاً لايمكن ان يلجأ الى الاستقالة من اجل رأي او موقف او بسبب فشله في تنفيذ البرامج و المشاريع المكلف بها، او اذا طرأ مايستوجب الاستقالة لأي سبب كان وهذا هو المعمول به في الدول المتحضرة، وكذلك كان الوضع في العراق ابان العهد الملكي و من يطالع كتاب "تاريخ الوزارات العراقية" لـ عبدالرزاق الحسيني سيدرك حجم الفرق بين وزير الامس و وزير اليوم. ان هذا الهيجان الاعلامي الحالي و انعقاد اجتماعات الوزراء ودعوة البرلمان للمجاميع النسوية لحل معضلة قتل النساء في كوردستان كان ينبغي ان يحدث تلقائياً وعلى مراحل ومن خلال عمل مضني و متواصل من قبل كل الاجهزة بالتعاون مع فرق عمل مختصة و استشارية، لكي لايتحول الامر وكأنه مجرد فقاعات وقتية و انعكاس مؤقت للاصوات الداخلية و الخارجية المنددة بهذه الظاهرة الخطيرة و المرعبة او و كأنه توجس للخوف من منظمات المجتمع المدني الاوروبية التي وضعت كوردستان العراق تحت الاضواء الكاشفة و اصدرت تقارير سلبية عن اوضاعنا لاتبشر بخير.

   قبل مدة قرأتُ بامعان كتاباً باللغة الالمانية حول تاريخ و افكار و برامج الاحزاب السياسية الالمانية وفيه جرد لكل الاحزاب التي تشكلت بعد الحرب العالمية الثانية، ولم أعثر على حزب يخلومن لجان متخصصة و هيئات استشارية و لجان مالية اقتصادية اجتماعية نسوية تعمل على مدار العام موفِّرة الارضية و الافكار اللازمة للقيادة لصياغة القرارات. فالحياة الداخلية للاحزاب الكبيرة و المؤثرة في المانيا انعكاس للحياة الداخلية لدولة المانيا بمعنى ان لاشيء في الحزب وجهازه و هيكله التنظيمي و السياسي و الفكري و المالي يمضي دون دراسة و تنقيب وتفحص دقيق بعيداً عن كل مظاهر الاعتباطية في العمل لان الحزب في نضاله السلبي وفي المعارضة يتمرن على اسلوب ادارة الدولة وينتظر الانتخابات للفوز بارادة الشعب بجدارة.

   وواقع الحال في كوردستان العراق ان لنا فريقاً يبلغ المئات متواجدون في مختلف الوزارات و المستويات الادارية بعنوان "مستشار" بالتزامن مع وجود جيش كامل من الموظفين العاطلين عن العمل و المعوَّمين بعنوان "خبير"، فكوردستان العراق تملك وفق القوائم عدداً من المستشارين و الخبراء يفوق مافي دولة اوروبية. هذا بلغة الارقام و القوائم الظاهرية  اما بلغة الواقع و الحقيقة الدامغة فان هؤلاء مجرد كتلة بشرية خاملة و معطلة ولا دور لها سوى انتظار رأس الشهر لاستلام الرواتب في اقليم يبلغ عدد الموظفين فيه (1.1) مليون و مائة الف موظف، و بعض هؤلاء الخبراء نصف متعلم وقد لايجيد القراءة و الكتابة، فلماذا يستشار و اذا استشير بماذا يشير؟.

  بالعودة الى صلب الموضوع نقول ان الظواهر و المشكلات الساخنة في المجتمع الكوردستاني (العنف ضد النساء، ختان الإناث، ازمة الاعلام الكوردي، البطالة المقنَّعة ، ضخامة جيش الموظفين، تحسين الاداء الديمقراطي، آفاق التنمية البشرية و الانسانية، مشاكل الخدمات الحياتية اليومية للمواطن) وغيرها، هي محاولة جادة ينبغي ان تشغل بال الوزير الكوردي و عضو البرلمان وكبار الموظفين و قيادات الاحزاب و المفاصل المتخصصة و الاعلام، وعدم ترك حبلها على الغارب انتظاراً لكي يقول رئيس الاقليم او رئيس الحكومة الاقليمية رأيه، فاستباق استكشاف مواطن الخلل و الضعف و اقتراح الحلول و المخارج يساعد على الخروج بأفضل الطرق لادارة المجتمع. اما اذا بقي الوزير و عضو البرلمان و الخبير و المستشار ينتظر من يفكر بدلاً عنه و يقرر بدلاً عنه و يحلُّ الأزمات عوضاً عنه فما جدوى وجوده إذن.؟

صفحات: [1]