عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - د. أحمد الشيخ أحمد

صفحات: [1]
1
قراءة في رواية ( ذاكرة يد )
حكاية من تابوت الأمن.
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
وضع (كريم كطافة) هيكلية معماره ومن البداية في إطار ضيق. قال أنه سيتحدث عن جريمة متدوالة لنظام تاريخه ملطخ بما لا يحصى من الجرائم والضحايا. دون أن يخفي معاناته القادمة من ضيق هذا الإطار. الحدث متداول ومحفوف باحتمالات التكرار. ثم يجد نفسه في وضع لا يقل صعوبة عن هذا؛ أنه ينتمي إلى تجربة سياسية وحياتية مختلفة كلياً عن تجارب ضحايا هذا الحدث، بما يولد لديه حيرة التعامل مع شخوص الحياة الحقيقية متحولين إلى شخوص روائية، دون أن يسقط عليهم من تجربته ورؤاه السياسية.  كيف يبعد نفسه عنهم وهو يتعامل مع سرده القادم. 
هنا تبرز مهارة أو لعبة أو تقنيات الكاتب، بسحب القارئ إلى مشاركته بدلاً من بقاءه مجرد متلقي،. من الفصل الأول المعنون (حكاية الحكاية- سرير بيروكوست) كشف كل أوراقه للقارئ. قال أنه سيتناول قضية (مؤامرة) لعصابة خطيرة استهدف الحزب والثورة والشعب والاقتصاد الوطني أيام الحصار. تسببت بصعود سعر صرف الدولار. ما دفع الأجهزة الأمنية إلى تجريمهم والحكم عليهم بعقوبة تنتمي للثأر؛ قطع اليد اليمنى من الرسغ ووسم جباههم بعلامة (X). كذلك أعلن للقارئ أنه لن يسقط أفكاره الشخصية ورؤاه وتجربته السياسية على ما سيسرده. وفي نهاية الفصل الأول (العتبة الأولى) يسأل: هل حافظت على وعدي لنفسي بعدم إسقاط عالمي على عوالمهم/ ص18. هنا أنه يدعو القارئ ليكون رقيباً عليه. أين سيجد هفوة أو عدولاً عن هذا الشرط الذي وضعه على نفسه. وهنا سيكون سؤال القارئ وهو يتابع السرد؛ هل سيقدم لنا الكاتب مرثية جديدة للضحايا في زمن تكاثرت فيها المراثي في حياتنا بعد 2003؟ أم أنه سيغوص في عملية تفكيك بعض حقائق ذلك الزمن باستخدام واقعة محددة أو جزئية من نثار كبير وبطابع تسجيلي/ توثيقي على لسان الراوي الضحية (صلاح حسن زناد) وهو يتخذ من شخصية الرئيس (صدام حسين) محاور صامت..؟ يقول: الرئيس في يدي.. وحين أكتب يحاورني..!
هذا ما أدعوه أنا بـ(تفاحة المعرفة) تفاحة آدم. إثارة فضول القارئ للمتابعة والتسقط. من الآن لن يكون القارئ متلقياً فحسب، بل ومتابعاً للوقائع والأحداث ومن ثم مشاركاً في تشكيلها أو إعادة تشكيلها، بما يمنح القارئ رؤيا تخرج الحدث من إطاره الزمني في الماضي لتمنحه أفقاً في واقع حياة العراقيين ما بعد  2003. هذه المواجهة مع القارئ كما شعرت بها، ستترك فسحة أو نافذة للحوار مع الكاتب إضافة إلى نوع من الإلفة. سيبحث القارئ عن صورته وصوته في هذه السرديات. فالعراقيون على مدى عقود هم ارتال من الضحايا المتناسلة .
من خلال قراءاتي لأعمال الكاتب (كريم كطافة) التي سبقت هذه الرواية؛ لم أجده سوى منحازاً للإنسان المنكوب والمهمش والمسحوق. لذلك تكتسب الكتابة عنده فعل المقاومة. يواصل في سردياته ترميم الذاكرة العراقية التي عملت نظم الاستبداد على إعطابها بوسائل متنوعة وتركها أسيرة المقارنة بين السيء والأسوء وكما يقال بالعامية (بين الخراء والأخرأ). عملية نقد الماضي ودفعه في إتجاه تطوير وعي نقدي لواقع الحال وآفاق المستقبل الذي لا تلوح فيه سوى العواصف الطاحنة.
شخصيات هذه الرواية ( ذاكرة يد) مدروسة بعناية ومنحوتة باناقة بلا  افتعال أو تكلف في تشكيلها. أُعطيت لها مساحتها الكافية في التعبير عن نفسها. شخصيات ليس لها خيارات أو بخيارات محدودة جداً في ظل النظام الشمولي. مسكونة بالخوف ومدفوعة للإجابة عن سؤال وحيد: كيف تأمن استمرار حياتها في ظل حصار جائر. محكومة بالقدر، لكنه ليس القدر الغيبي وانما قدر النظام الشمولي المفروض عليها، سواء في حياتها وموتها، سعادتها أو بؤسها. بل حتى الوجه الآخر للضحايا؛ الذي يعتقد نفسه محمياً باعتباره جزء من النظام، رجال الأمن و(الشمامين) كتبة التقارير الأمنية، حتى هؤلاء ظهروا أنهم محكومين بذات القدر المفروض على الجميع.
كان صوت الراوي (صلاح) في هذه السردية تجسيداً لشخصية شعب منكوب ومحكوم بلعبة (الأفعى والسلّم) (الحيّة والدرج). جاء تعبيراً عن ذلك الحقد الانساني المقدس ضد هذا الاستبداد واليات الفكر الشمولي، الذي ما زال العراقيون محكومين بها الى يومنا هذا. شعب اكتسب مهارات للتعايش مع الخوف. (الجلاد دائما على حق  والضحية هو المذنب ص/ 84). فالبعثي الشمّام موجود حسب الطلب... ( كلما وقع بيدي كتاب لقراءته، يسكنني هاجس طيلة القراءة، أهذا الكتاب ممنوعاً) . انه زمن بيروكوست المضياف والذي من المفروض أن يناسب حجم ضيفه حجم سريره. ولترتيب هذا الاتفاق بين طول الضحية وطول السرير، ينبغي للساطور أن يعمل لقطع الأطراف الزائدة، أو سحب الأطراف الناقصة عن السرير.
هل هو قدرنا كعراقيين أن نبقى محكومين بنظم واليات الاحزاب الشمولية ( رفض الاخر المخلتف واجبارالكل على ليس فقط العيش ضمن نسق السلطة المحدد أو الحزب المحدد وانما تمجيده ) سواء في هرم السلطة أو معارضتها. هذا ما يكمن في تداعيات الرواي عن راس السلطة ونظامها الساقط وحزبها حين كان في المعارضة والسجن في فترة نضاله السري. ما أن يذهب جلاد حتى ياتي معارض ويتحول الى جلاد اخر. دائرة العنف اللامنتهية في هذا البلد قمة وقاعدة. دائرة العنف العراقية المقتصر إنتاجها على انتاج او اعادة انتاج سلاسل الضحايا والجلادين، بحيث ما أجتمع عراقيان الا وجمعهما البكاء. يبدو أن الجلاد والمعارض ينهل من نفس المنبع المرتبط بالفكر الشمولي فكراً وسلوكا. موقعه اللاحق في هرمية السلطة هي التي تحدد قدرته في استعمال العنف.
أنها من السرديات التي تجسد ثأرنا جميعاً من نظام القتلة. وأجد أن ضغط هذه الفكرة ربما جعلت (الكاتب) اقل تخفياً في هذه الرواية عما عرفته سابقاً. وليكن كذلك فهو كما يبدو لي، لا يخشى ذلك كثيراً بسب حجم الالم للمأسي التي اغرقت حياتنا والاخفاق في تشكيل عالم اخر وخيبة المرتجى، هنا يمتزج صوت ( العالم الداخلي) للرواي والكاتب والقارئ. أنه صوت الغريق الذي لن يجد قشة يتعلق بها. أنها مأساة جماعية تنطق بصوت واحد دون الوقوع في مرثية الضحية. 
في مناجاة حسن الكرعاوي ( صوت أخر) من أصوات الرواية؛ مناجاته مع الله قبل قطع كفه والتي هي قطعة من التوحد الصوفي بين المنكوب والخالق (يا الهي.. أنت القادر المقتدر. أنت العالم بحالنا.. الا تدلني أين خيانتي..؟ قالوا أني خنت الوطن .. ولا أدري عن اي وطن يتحدثون.. الوطن الوحيد الذي أعرفه أكل مني يدي اليسرى ( في الحرب) وترك ما بقى معطوبا .. الان الوطن يريد مني كفي اليمنى باكملها ص/ 199 ). تصعد درما النص ولكن (الكاتب) لا يذهب بالقارئ بعيداً  لا يلبث أن يعيده الى الارض في صياغة مفهوم الوطن. هذا الوطن الذي لا يشبع من القرابين ولمن هذه القرابين ولماذا وهل هي قدرنا ومتى يتوقف اؤلئك الذين يجلسون في بروجوهم العاجية مجبريننا على دفع هذه الجزية.
حسن الكرعاوي الذي تعطلت كفه اليسرى في الحرب العراقية الايرانية، حين توسل الحاكم ان تقطع كفه اليسرى بدل اليمني.
أجابه الموصوف قاضياً
- أن يدك اليسرى ضحيت بها من أجل الوطن .. لكنك الان باليمنى قد خنت الوطن. ص/ 199
هذا الوطن المنكوب سيختصربكل رمزيته بالسؤال الوطني ص/47 (ماهو سعر الصرف اليوم؟). 
ومن سخرية القدر أن يكون أول وفد رسمي يدخل البيت الابيض بعد 2003 هو وفد مقطوعي الاكف والموسومة جباههم. بعد تجشم أحد منتجي الأفلام الوثائقية الأمريكي (دان نورث)، على تأمين حملة تبرعات من جهات مختلفة، لتأمين علاجهم في إحدى المستشفيات الأمريكية. لكن حتى هذه النهاية التي تبدو مفرحة، لم يتركها الكاتب تمر بدون (تلغيم) الحدث؛ أن الضحايا تحولوا إلى رأسمال لتدوير المسحة الأخلاقية التي اتصف بها المحتل، ليعاد استثمارها في التغطية على حدث آخر لا يقل بشاعة عن الحدث الأول. ومن اجل ان يكمل الكاتب نسج بساطه من خيوطه المتنوعة وليعلن صرخة شعب ووطن سيلقى لاحقاً في مهب الريح، يبرز هنا صوته واضحاً من خلال سؤال يضعه على لسان صحفي أمريكي موجه لوزير الدفاع وبحضور الضحايا:
ـ أيصح سيدي الوزير القول؛ أن نتيجة حربنا هي هذه التي نشاهدها الآن أمامنا (يشير إلى الضحايا) الجالسين في القاعة، بدل عثورنا على أسلحة الدمار الشامل المزعومة؛ حصلنا على سبع ضحايا مجلوبين للعلاج. أتستحق هذه النتيجة خسارة أرواح الجنود الأمريكيين والتمويل الحربي الهائل/ ص357.
بصوته ينهي كريم كطافة صفحات روايته.
ذاكرة يد – حكاية من تابوت الامن. الناشر: سطور للنشر والتوزيع. 368 صفحة.
10-8-2022

2
لماذا استشاط  البعض من طروحات اية الله  الحيدري
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
في لقاء برنامج ( المراجعة ) وفي حلقته الخامسة والتي على اثارها، توقف البرنامج، واجه اية الله الحيدري ومقدم البرنامج ( سعدون محسن ضمد ) وقناة العراقية حملة شرسة لم تتضح ابعادها بعد. يبدو ان هذه الحملة لا تحمل معها سوى الرياح السوداء.
ويلاحظ ان حلقة البرنامج  كان فيها بعض من افكار وبحوث الحيدري. لست هنا بصدد الترويج لطروحات الحيدري،  فهي متداولة على صفحات الانترنت وفي كتبه وغيرها، لكن ما يهمني هو خوفي من تلك الرياح المسمومة التي تهب من كهوف السلفية ومحاربة العقلانية وروح البحث الجاد والتفكير الحر في واقع حالنا البائس ودفعنا الى مستقبل لا يحيطه سوى الخراب. أما يكفي أن ننظر الى حاضرنا ومستقبلنا من كهوف الماضي، فلقد دفعنا الكثير ويبدو ان هناك من لا يريد ان تنتهي أقساط التسديد.
لم يكن الحيدري هو الاول في الكثير مما اثاره في الحلقة من طروحات. هناك أسماء عراقية عديدة، ابرزها السيد أحمد الكاتب وكتابه الشهير عن الفكر السياسي الاثنى عشري و أحمد القبنجي، وكتابات  ميثاق العسر والى حد ما اية الله فرقد القزويني وغيرهم  ولا ننسى هنا أحد أهم الكتب التأسيسية في دراسة الفكر السياسي الاثني عشري وهي أطروحة الدكتوراه (  1939) للعلامة جواد علي.
السيد الحيدري يحرث في ارض يعرف طبيعتها، فهو مرجع وله مدرسته وطلبته ومقلديه. لم يكن محتجب عن الناس، لكنه اطل عليهم من اوسع الابواب وهو الانترنيت. تشكل جملة من اراءه والتي اثيرت في الحلقة كحد أدنى، تقويض لأسس الاسلام السياسي الشيعي وللسلفية الشيعية، ولدور طائفة واسعة من رجال الدين الشيعة وبمختلف مستوياتهم، الذين يسعون لهندسة علاقاتهم مع الناس من خلال  استبعاد العقل وتمجيد الخرافة والجهل وتكريس إذلال الناس وخنوعهم.
لقد تناول الكثير من الكتاب والباحثين التنويرين والاكاديميين كتب الفقه السني ومنها البخاري ومسلم وابن تيمية  وغيرهم. لقد فندوا وهتكوا الاطروحات الغير العقلانية في هذا الفقه ولكن حصد الكثير منهم ما لا يطاق بما فيها القتل والسجن والتشريد. المشكلة الحقيقية أن الفكر الاثنى عشري، بقى في العموم بعيداُ الى حد كبير عن هذه القراءات العقلانية وبعيداً عن التنوير ورغم محدودية هذه المحاولات الا انها تلقت كالعادة هجوما غير مسبوق. لم يكن هذا الامر غريبا في حالة نقد الفكر الشمولي أو الماضوي ( من الماضي ) والذي تقع كل الاديان التوحيدية الكبرى تحت سقفه، بل على العكس من ذلك فان الامر يشتد سوءاُ حين يتعلق الامر بالفرق والمذاهب وبالذات تلك التي تسعى للتسييد والتي تكون قاعدة اساسية لربط السياسة بالدين كما في حال الاسلام السياسي على سبيل المثال لا الحصر.
كما هو معروف فأن الاثنى عشرية تضيف الامامة والعدل الى اصول الدين الثلاثة المعروفة عند مذهب أهل السنة والجماعة. يعتبر قسم من فقهائهم ان الامامة هي الجذر الاساسي وبالتالي فان غالبيتهم العظمى تكفر ناكري الامامة وفي افضل الاحوال تعتبره مسلماً ظاهرياُ ( الحيدري يقطع بان جميعهم يكفر).
اذا عدنا الى العقود الثلاثة الاخيرة، بتقديري ان جوهر الصراع وعلى كل المستويات بما فيها الثقافي في ما يسمى بالبلدان الاسلامية أو لنقل الشرق الاوسط، كان بين تيارين من الاسلام السياسي السني والشيعي. الاول قادته الوهابية والتي هي حنبلة المنبع، وتلقى هذا المشروع فشله بصورة القاعدة ومشروع الدولة الاسلامية التكفيري واللاإنساني، وتخلى لاحقاُ جزئيا لصالح الاخوان المسلمين وهم يتغذون من نفس منابع السلفية المتعددة في الفكر السني،  والتيار الثاني كان هو الاسلام السياسي الشيعي والذي يشكل الفكر الاثني عشري منبعه الوحيد. المتلقي وبجهد بسيط في البحث، ومن أجل تدقيق قناعته سيجد أن الاثنين وجهين لعملة واحدة في مجال التكفير وأنعدم وجود اي فكرة حقيقية للمواطنة، ليس فقط خارج إطار الدين، وانما لا يوجد هذا الامر وغيره خارج أطار الطائفية، حتى الدخول الى الجنة لا يصح الا وأن  يرتبط بالحالة الطائفية. بذلك اسقط الحيدري وما طرحه الاخرين، القدسية عن هذا الفقه، وبالتالي جاء تأكيده باعتباره نتاج بشري بحاجة الى المراجعة والتدقيق واستحكام العقل في قبول مصداقيته. تجري الاشارة ايضا للنص القرآني في تدقيق هذا الفقه ولكن هذا الامر لا يعدو كونه سوى لعبة يجيد المتدينون فنونها.
هم  يعرفون أكثر من غيرهم أن القران حمال وجوه ويلغي نصفه النصف الاخر. لذا يقولون أن الطريق للقرآن هو السنة بطريق أهل السنة والجماعة وكتبهم المعروفة أو عن طريق روايات آل البيت في الفقه الشيعي. هنا يتضح الامر بأن الاثنين كانا "في الهوى سوا ومفيش حد أحسن من حد" كما يقول المصريون، أقلها على مستوى التكفير. بمعني آخر أن الحكم الاسلامي أو الدولة الاسلامية  سواء كانت دولة الخلافة السنية أو دولة الامامة الشيعية هي دولة تكفير وحرب أهلية وقتل وتدمير وتشريد ولن تجد المواطنة فيها مكاناُ لا في الارض ولا في السماء. كل هذا التكفير الذي تمتلئ به كتب السلف والتي شكلت المباني الاساسية لهذه الفرق ومنها الاثنى عشرية والتي لا يستطيع المتأخرون من رجال الدين تجاوزها الا تقية أو عن طريق اللعب في المفردات وربطها بالتزامات معينة، كل هذه الوحشية  وهدر الدماء وخراب البلدان الا أنهم يصرخون كذباً (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَة) –الحجرات ١٠ أو ( أَنَّهُ مَن قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا) المائدة ٣٢
 مشروع الدولة الاسلامية ليس له علاقة بالحاضر ولا بالمستقبل وتعصف بين جدرانه رياح الموت والخراب المسمومة. لا يحتاج المتلقي النبه ان يدرك أهمية الدولة العلمانية، رغم أن الرجل لم يقل ذلك ولكن الحليم تكفيه الاشارة كما يقال، طروحاته هي إسقاط لخرافة الفرقة الناجية والتي بقى المسلمون قرونا وسيبقون كذلك لقرون لاحقة في البحث عنها وكل منهم ينسبها الى نفسه ورغم أن فرق الاسلام جاوزت الثلاثة والسبعون الى المئات من الفرق، وهو المسكوت عنه فيما ورد في مقدمة الحديث المعروف، في حين تتقاتل الناس تمسكاً بالجزء الثاني من الحديث فيما لو افترضنا صحته. 
شهدت بغداد في القرن الرابع الهجري فتن ومذابح بين الشيعة الامامية المدعوين من البويهيين والسنة. ابتدأت من هذا القرن واشتدت في النصف الاول من القرن الخامس الهجري وعصفت بحياة الناس في وقتها. الذي يرجع الى المصادر، سيلاحظ أنه ما مرت بضعة سنوات الا وكان هناك فتنه واقتتال بين الطرفين، هدأت لاحقاً بزوال الدولة البويهية ( 334 – 447 ه / 945-1055 م ). في النصف الثاني من القرن الخامس اشتدت الفتن والمذابح بين أطراف السنة أنفسهم من الحنابلة والاشعرية المدعومين من السلاجقة السنة. كان القرن الخامس قرن الفتن والقتل والتكفير والذي كان اساس كل ذلك.
 التكفيرلا يصدرالا من فقهاء المذاهب وتتلقفه العامة لتدفع ثمنه بحار من الدماء والخراب والدمار. و لم تكن مؤسسة الخلافة بعيدة عن دعم هذا الطرف أو ذاك والتي عملت على تكريسه وخاصة في عهود انحطاطها. لقد بقيت إمكانية أصلاح الامر بين الاطراف المكفرة لبعضها تدور في حلقة مغلقة، حتى بين أطراف السنة أنفسهم المكفرين لبعضهم البعض، فما بالك بإصلاح الامر مع الاخر المختلف والذي لا يقل تكفيراً عنهم. بمعنى اخر، كانت رحى الاحتراب والموت تدور على قناعة محتوها " أذا أنك لم تترك لي شبراً في الجنة بسبب تكفيرك لي، فكيف تنتظر مني أن أترك لك شبراً في الارض!!"
يتحاشى الكثير من الفقهاء الشيعية نقاش ( نقاش وليس سرد مرويات يحاول البعض تصويرها على انها مقدسة )  قضية المهدي المنتظر في أوساط العامة، وقبل سنوات كان السيد الحيدري يقول أن نقاش هذا الامر يجري في حدود الخاصة،الا نقاشه العلني لهذه القضية المحورية أو بعض جوانبه وإشكاليته عليها وبهذا الشكل، فهو يقوم عمليا بإخراج النقاش من الخاصة الى عموم الناس. ان مخاطر نقل النقاش حول هذه القضية الى العامة وما ادراك ما العامة، مثل الذي يفتح قارورة العفريت، هي جوهر الفكر السياسي الشيعي وهي عماد الاسلام السياسي الشيعي سواء ذاك الذي يعترف بولاية الفقيه أو الذي لا يعترف بها، سيكتشف من يحترم عقله، وهن اسس هذه النظرية وهشاشة تركيبها ( يمكن الرجوع في الامر الى ما كتبه السيد أحمد الكاتب بهذا الصدد كذلك الكتابات الجريئة للسيد ميثاق العسر). من جانب آخر هو ضرب لدور رجال الدين في المجتمع وتسلطهم عليه، بما في ذلك الخوف من انفضاح طبيعة الصراع الخفي والعلني بين المراجع وسلسلة المؤسسات وجيوش المعممين المتربطين بها، أستباقاً لمرحلة ما بعد السيستاني. خاصة أن مسالة المرجعية وكما تثبت الوقائع التاريخية وواقع الحال لم تعد قضية داخلية  سواء على مستوى المرجعية الشيعية كمؤسسة او على مستوى البلد.
واقع الامر ان الفكر السياسي الشيعي الاثنى عشري في مسيرته لم ينتج نظرية مستقلة خاصة به في الامامة و كل ما أنتجه هي نظرية في جوهرها نظرية موازية للنظرية الاموية في الخلافة. أستطاع العباسيون لاحقا وهم اصلاً أحد فرق الشيعة، أن  يضفوا على دولتهم لباسها الديني ويدفعوا بالنظرية الشيعية التي انتجوها في الخلافة الى مسارات مكنتهم تصفية كل معارضيهم من فرق الشيعة الاخرى. لم تكن نظرية الاثنى عشرية سوى خدمة بالمجان للدولة العباسية ومثلت تلك الاوساط الشيعة التي كانت على أكبر قدر من المساومة مع مؤسسة الخلافة العباسية وهي التي ابعدت جمهورها ولقرون طويلة من حقها في النضال من اجل السلطة، والحقت بهم أكبر الاضرار.
أن أحد المداخل الاساسية بتقديري للتصدي لكارثة الاسلام السياسي بكل أشكاله في العراق والذي يتسيد فيها الاسلام السياسي الشيعي والذي قادنا من خراب الى خراب آخر، يكمن في تعرية البنى التي قام عليها ونزع القدسية عنها، هي في اساسها فقهية وبالتالي هي بشرية المنشئ. العقل هو في نهاية  المطاف الطريق الوحيد الذي يقربنا من ادراك الحقيقة وهو ما يجعلنا مهمومين بواقعنا ويرسم افاق مستقبلنا، هذا اذا كنا نريد أن نحيا كبشر له الحق في الحياة الكريمة.

27-10-2020   


3
سائرون ومتاهات الاختيار
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

يرتبط تطور تحالف ( سائرون) بطبيعة المهام التى تواجهها وبقدرة اطرافه في تغذية هذا التحالف بعوامل الحياة المستمرة. يشكل (الصدريون) القوى الاكبر في هذا التحالف ومن ضمن خصائصهم، نفوذهم الواسع وتاثيرهم في اوساط واسعة من الجماهير. أن تنشيط  وجرّ الناس الى المشاركة في عمليات الاحتجاج المطلبي او ذو الابعاد السياسية ، يقود - بشكل أو اخر - باتجاه مطلب الدولة المدينة، حيث تصطدم جموع الاحتجاج ومن خلال تجربتهم العملية بجهاز حكومي ومنظمومة سياسية  فاسدة وغير وطنية ومتعسفة، تتخذ من الايدلوجية الدينية والطائفية تعبيراً لها وكاشفاً عن حجم الاستبداد الديني بكل اشكاله. لهذا الامر أهميته في ظروف بلد محطم، تتنازعه ارادات وإدرات فاشلة، في ظل محدودية اندفاع الناس للمشاركة في تغير الواقع المريع، وشيوع روح الانتظار والترقب واللاأبالية وغيرها. للحركة الصدرية اشكاليتها الخاصة، تنبع من خصوصيتها. ربما ابرزها عدم تحول ( حزب الاستقامة ) الى حزب سياسي حقيقي لحركتها. بالاحرى افتقادها الى هيكلية محددة، وغيرها من تصورات الاخرى، لست الان في صدد التطرق اليها.
مشاركة الشيوعيون في ( سائرون ) هي اشبه بالمغامرة، التي لو اجادوا ادراتها، باعتقادي ستفتح لهم افاقاً جديدة وجادة لبناء تحالفات اساسها أعادة الهيبة للوطينة العراقية وللمواطنة.
للشيوعيين الحق في خوض هذه المغامرة وهي الان أمراً واقعاً، وللاخرين حقهم المشروع في ابداء المخاوف من هذا الامر أو معارضته، خاصة أن تجربة تحالف الحزب مع قوى كبيرة وبراغماتية،  سواء كانت متنفذة او تمسك زمام السلطة كما في الدعم والدفاع عن سلطة الجمهورية الاولى وعبدالكريم قاسم او تحالف الجبهة الوطنية في 1973، قادت الى نتائج كارثية. فما بالك بقوى متناقضة وبراغماتية لاوسع الحدود كالحركة الصدرية.
واقع الحال، هذه هي القوى المتواجدة في الساحة، في ظل ظروف تتواجد فيه أوساط جماهيرية واسعة ، متذمرة ولكن غير مستعدة للمشاركة وللتفاعل مع ما يجري ولأسباب عدة. هذا لا يعني، الخضوع لهذا الواقع ولا يعني أن يبقى الشيوعيون يعلقون امالهم على قوى تهبط من السماء كي يتحالفوا معها؟. خوض غمار الواقع هو الذي يمكن القوى الحية التي تجيد وتبحث وتطور أساليبها، في تلمس الطريق لتغير موازين القوى، مما يفتح أفاق لتغير واقع الحال. كان الافضل لو كان هناك قوى مدنية  فاعلة، لكن هذه القوى مازلت لها اشكالاتها الخاصة ولم تستطيع هذه القوى بناء تحالفات حيوية، ويبدو ان سلوك الشيوعيين متناقض الى حد ما في التعامل مع الجبهتين، إذ يحتاج الشيوعيون، كما اعتقد، سياسة رصينة وفعالة أو استراتجية واضحة في التعامل مع التيار المدني او منظمات المجتمع المدني. 
هناك أمران يشغلان  بال معظم الشيوعيين والديمقراطيين ومناصريهم في الموقف من ( سائرون ):
الاول هو الموقف المستقل للحزب الشيوعي والذي تصاعد بحدة بعد بيان سائرون الاخير.
الثاني وهو مترتبط بالاول وهوالى اي حد، يستطيع الحزب المواصلة أو الانسحاب من هذا التحالف وبالوقت المناسب، دون ان يكون في نهاية المطاف، خالي الوفاض..؟ اي أن يستطيع أن يحرز في المحصلة الاخيرة، ما يعزز هيبته  ووجوده بعيداً، عما كان، قد نفذ برنامجه بشكل كامل أو جزئي مع سائرون. بمعني التقييم الواقعي وبدون أية أوهام لفعالية ودور سائرون ودرهم الفعال فيه.
تحالف ( سائرون ) هي الان امر واقع، لكن القلق مشدودً الى قدرة الشيوعيين في ادارة هذه العملية، وهو الوجه الاخر لهذه العملية،  وهو امر، ليس سهلاً على الاطلاق في ظل الاوضاع العراقية.
يبدو السؤال مشروعا عن جدية مساعيهم، باتجاه توفير وخلق أو تطوير هذه القدرات أو الكفاءات والاساليب الجديدة والمتنوعة والفاعلة وبشكل عقلاني ومحكم الى حد ما، في خوض وأدارة هذه العملية،  بما يسهم بتركيز قواهم باتجاه اهداف واضحة وملموسة وتعزيز سمعتهم  ونفوذهم بين الجماهير وكسر الحواجز التي سعت القوى الاخرى فرضها عليهم،  وتعزيز ثقة ومصداقية الناس بهم وباختلافهم عن الاخرين وقدرتهم على التصدي والتحدي وغيرها.
يبقى السؤال الاهم وهو موضوع مقالتي هذه: هو، هل هناك موقف مستقل يمكن صاغتية أو متابعته بدون حياة داخلية سليمة..؟
لا تبدو المؤشرات طيبة في هذا الصدد فمنذ البداية شعرت اوساط حزبية عديدة وجماهيرية، بانها اوساط متلقية وليست فاعلة، اي قلما تعرف عما يدور في الكواليس، وبعد الانتخابات اصبحت قضية (سائرون) وما يجري وما حولها، محاطة باسوار. لم يستطيع الهرم الحزبي ولم يسعى، أن يحولها الى حوار فكري سياسي بل على العكس من ذلك إذ هناك امتعاض وتشكيك في كل معارضة أو ملاحظات حول سائرون وكأن البعض يريد أن يحولها الى شباك العباس كما يقال. كان هناك خلل واضح في نظام التواصل على مستوى حياتهم الداخلية او مع أوساط جماهيرهم. زاد في الطين بلّه، الطريقة، التي عرض فيه الحزب مواقفه بعد الانتخابات والتي لم تكن موفقه في حالات غير قليلة. منها مقالات النائبين الشيوعيين بصدد ترشيح عبد المهدي كرئيس للوزراء، جاء بعدها  التصريحات والتغريدات الغريبة وكلها بقيت بدون ايضاحات وبدون ردود بما فيها تغردة سكرتير الحزب حول ( الصدر) و(ولي الفقيه) وغيرها.
بقيت ( سائرون ) ودور الشيوعين فيها، في اطار سياسية  (النخبة) داخل الحزب ولم تبرز اتجاهات للخروج لافاق أوسع. الوقائع والبحث فيها هي المرآة الحقيقة للبحث عن الحقائق. طريقة التصويت او اجتماعات الكادر وغيرها لا تعني تزكية لهذه السياسية . هناك شحة في توفير هذه الوقائع والتصورات  وغيرها.
من الضروري أن يجري تقدير سليم لدور الافكار والملاحظات المعارضة أو المتحفظة لتحالف (سائرون ) وهي أحدى صمامات الامان الهامة لعدم الاندفاع خارج اطار برنامجنا أو برنامج ( سائرون) في حدود المعلن والمتفق عليه. تكتسب المحافظة على هذه المعارضة وصيانتها وتوفير بيئه أمنة لتعبير عن نفسها، أهمية خاصة، سواء كان ذلك، في رأس الهرم القيادي أو في كل المفاصل والبنى الاخرى. تاريخنا محمل بمصادقات وتزكيات لمؤتمرات وأجتماعات موسوعة وغيرها للاجماع على سياسات معنية، منها محطة المؤتمر الثالث وغيرها ولكن الواقع استهزأ بها وحملنا ثمناً باهضاً. نحن لم نتعلم أو لم نمارس بعد رعاية معارضة لفكرة أو سياسية معينة خارج أطار المتعارف عليه لدينا وهو فن وعلم لم نطرق بابه بشكل جاد وفي احيان كثيرة نتحاشاه، في الوقت الذي تتطلب علنية الحزب ومتطالبات تطور الحياة وتطور الحزب كظاهرة اجتماعية حية، السعي لامتلاك ألياته. لم نتعلم إن يتخلي من يقودنا الى الفشل للمعارض له، أو يتخلى عن موقعه. هناك الان  انقسام ورغم محدوديته في اللحظة الراهنة، وهو امر طبيعي في انعاطفة في سياستنا وتوجهنا ولكن الخطورة تمكن في العمل على تكريس هذا الانقسام والتواني عن البحث في اساليب للخروج من هذا المنعطف ، هذا الامر يترافق مع صعود غير مسبوق للبيرقراطية الحزبية وبشكلها الجلف والاندفاع نحواساليب غير مجدية ولا يعكس الكثير منها رؤية سليمة لمعالجة هذا الجانب أو غيره. يتطلب أدارة الصراع الداخلي، فن التمكن من اساليبه في الكثير من مستوياته ، ربما ابدو مبالغا، أن قلت بان هناك أزمة تتخمر، ممكن أن تجد ملموسياتها في  العديد من الجوانب . هذه الامور وغيرها، لا تتطلب فقط تقييم أوضاعنا وانما خلق وتطوير إرادة جادة للبحث أو لتطوير أساليب الادارة والعمل. هذا الامر لا ينجزه قرار او كونفرس أو أجراءت معينة. هو عمل شاق ويتطلب قدرة ومثابرة ورؤية علمية وأن يكتسب برنامجية واضحة وإعادة تقيم وتجريب وتدريب وغيرها، مما يسهم التاثير ليس في طريقة التفكير وانما في تغير سلوكيات معينة من خلال التدريب والممارسة وخلق ضمانات ومصدات ليس لعدم التراجع عنه فقط وانما لمواصلة تعزيزه وتطويره، بما يضمن دور الحزب الشيوعي، كحزب ثوري، مجدد ومتربط بحياة العراقيين المنكوبين على كل اصعدة الحياة. 
هناك ثقة تتلبسني فيما لو توجه الحزب لامتلاك ناصية هذا الامر، سيجد العديد من الاقتراحات والدراسات والمشاريع من الشيوعيين ومحبيهم ومن عناصر مستقلة وخاصة تلك التي عملت في اوربا، تدعم هذا الامر بحيوية. 
تبقى ( سائرون ) محطة لاعادة تقيم كل اوضاعنا. هي وبكل نتائجها التي ستوؤل اليه، ستبقى محطة هامة في بناء أو تطوير، قاعدة أو تصورات أو صياغات أخرى، في بناء معارضة مؤثرة، وبالتالى يبقى أمر تدقيق وتطوير أليات هذا الامر، أمراً ذو اهمية خاصة، رغم أن هذا الأمر يحتاج الى أرادة صادقة وجادة وواعية.

4
قراءة في رواية قرابين الظهيرة لكريم كطافة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

يستهل كريم كطافة روايته (قرابين الظهيرة- 308 صفحة) الصادرة عن منشورات المتوسط/ 2017، بفذلكة (روبن هودية) ممتعة. يعلن عن سرقته لمادة الرواية ومفتاحها المفقود من أحد أصدقاءه ويغريك بنوع المساومة بينهما بالقادم من التفاصيل. سرقة من أجل الآخرين، سواء كانوا شخصيات الرواية أو القراء المفترضين.

نجد فيها عالمين متوازيين، يثيران الأسى والقرف معاً. عالم الإضطهاد وعالم الجلاد. وسعى الكاتب منذ البداية وبحذاقة للربط بينهما. في الفصل الأول قدم لنا الحدث وكل شخصيات الرواية تقريباً دفعة واحدة وبدون مقدمات. حتى سألت نفسي؛ وماذا بعد؟ لكن ومن هذا السؤال، ستبدأ رحلة الرواية بغنج وهي تستثير بعريها البطيء المتواصل متعة التواصل والترقب. في كل فصل، بدءاً من (سقيفة عبود أبو سعدة)، حيث عالم المطيرجية والحياة الداخلية للمطيرجي عبود (مطريجي، فرخجي)، لا ترغب بمغادرة عالمه المسترخي والعبثي وطقوسه المرتبطة (بعلاقة الشوربة ببلاوي السقيفة/ ص 45)، حتى تصل معه إلى الذروة (بأن يجعل الصبي المصيود يسمع ذات الترنيمة الشبقة.. ترنيمته هو عبود/ ص 49). وحتى يصبح ( الزبون جَلداً على السقيفة مثل اي طير. سيأتي في المرة القادمة، وهو يعلن بنفسه: - عبود مشتهي شوربة/ ص 59)

 ثم الإستاذ إيشو (معلم ) صاحب المقولة التي ستكلفه حياته (أنا معلم وبس)، ورمزي العواد (ملحن خارج من معطف السلطة)، وسيد خلف (رجل مخبول وفاقد للذاكرة وهو إلى ذلك سياسي سابق مقذوفاً به من أقبية الجلادين)، ثم الشيخ صابر (إمام جامع وقارئ قرآن مشهور).. ستجد نفسك في لجة هذا العالم الممتع والمضحك والمضطرب والقاسي، يسحبك الكاتب في كل مرة وبهدوء وبترنيمة خاصة للفصل القادم وللشخصية والحدث القادم. طريقة اللعوب maipulation)  ) للتحكم بالقارئ والوصول للمبتغى دون تسميته.

عالمان، أحدهما سفلي يعيش ضحاياه جحيم الله على الأرض، وستخجل ملائكته أمامهم يوم يحشرون، لأن جلدهم شويت قبل أن يحاسبوا هناك وعالم آخر ليس علوي لأنه يشكل ظلال للعالم السفلي، يغلي ويطبخ بالقسوة والنذالة والسادية. هي صورة الله حين يؤجر سلطته للبشر ويخولهم كما يعتقدون بتحويل جهنم بقعرها السابع إلى مساطحة بينهم. هو عالم الإنحطاط والرثاثة. عالمان، عالم سفلي وظلاله. يكون الربط بينهما عبر أدوات التعذيب (التصنيع العسكري – شمشون13).

يتوقف الكاتب طويلاً عند شخصية الجلاد. تبرز شخصية (شرهان) من الفصل الأول بوصفها شخصية رئيسة، يدفع بها الكاتب من زوايا الاحداث وعلى امتداد السرد، لتكبر مثل كرة الثلج الساقطة ومتابعاً لتحولاتها ودواخلها، لتصبح هي الصوت المهمين في كل هذا الصخب. ضابط مخابرات يجعل من نفسه صانعاً لتأريخ جديد لحيوات العالم الأول (الضحايا). هو الخيط الناظم لوجود وفناء عناصر الحياة، في مجتمع هش مضطرب البنى على كل الأصعدة، هذا الضابط وهو كان (نائب ضابط استخبارات، شروكي، معيدي) كما يصفونه البدو الأجلاف الذين تحكموا في المدينة، التي بقيت حلم يراودهم. هذا الـ(شرهان) يعرّف نفسه أنه الخروف الأسود بين الخراف البيض/ ص 258. تعلم ( كيف يعيد بناء خياله في كل مرة تواجهه مهمة فك طلاسم قضية شائكة/ ص 31). عبود ابو سعدة وشرهان، شخصيتان يتحكم فيها ( العقل ) لا العاطفة ولكنها في مواقع متناقضة. فلكل منها ذات القدرات  بالتلاعب ( بذاكرة وعقول ضحاياه، يوصل احدهم للجنون، ويستعيد الاخر منه).

 يعمل الكاتب على تفكيك شخصية وعقلية هذا الجلاد وصولاً للتفاصيل التي ظلت غائبة عنا في الواقع. لم يحدث أن تحدث أو أعترف لنا جلاد عن تفاصيل حياته اليومية. عالم الضحية ظل هو المعروف لنا ونحن جزء وثيق منه. لكن عالم الجلاد ما زال بعيد عن متناول اليد. حتى صور دماغه وتركيبها، سلوكه، تناقضاته، وجوهه وأقنعته المتعددة من البكاء إلى الغضب إلى هستيريا الإنتقام، نوعية أكله، حلقاته الصداقية الخاصة جداً، وهل له أصدقاء أصلاً، عالمه الصغير، حياته الجنسية، ملبسه وألوانه، غرفه الداخلية، أنواع عطوره، عشيقاته أو المرغمات على عشقه، المواد التي يستخدمها والإيحاءات التي يستلمها، قدرته على التقاط الأشياء وردود أفعاله، قدرته على تقمص العوالم والشخصيات، عينه  القارئة بروح الرقيب، ثقته بالنساء من عدمها...إلخ كل هذا غير معروف لنا. لم تتوفر لنا للآن من يسلط الأضواء على العوالم الخاصة والموثقة عن شخصيات من مثل (ناظم كزار)، (صدام حسين)، (أبو بكر البغدادي)، (أبو درع) ومن على شاكلتهم. رغم أنهم جميعاً نماذج لشخصيات كانت مهمشة في الواقع، سعت وارتقت سلّم الحياة من المزبلة إلى البروج العاجية بذكاء محدود واضطرابات نفسية متنوعة، استطاعت رغم  هذا أن تخترق مجتمع هش التركيب، شكل حاضنة لنمو هذا العفن.

وهكذا كان (شرهان)، شخصية عابرة في عراق ما قبل السبعينات، تحول لاحقاً مع صعود  نظام الموت إلى شخصية محورية، شغلت عقل قطاع واسع من العراقيين. يبتكر (شرهان) طريقة جديدة وعجيبة للتخلص ممن لا يرغب النظام ببقائهم. يصنّع شاحنة (شمشون 13) بمواصفات خاصة قادرة على تحويل السجناء الذين يستلمهم عند الفجر إلى شوربة من البشر في المساء..!! وهذا الشكل للموت الذي لا يمكن وصفه بأي شيء قابل للتعبير، لم يكن من بنات أفكار (الكاتب)، بل هو شهادة مهملة من بين شهادات كثيرة في ملفات المنظمات الدولية التي كان هاجسها البحث عن أسلحة الدمار الشامل لتبرير كل ما أتى لاحقاً. هذا الشكل من العنف والقهر والإذلال وهي مواصفات يومية للحياة العراقية منذ عقود، لم تكن الكتابة عنها بالأمر السهل. لكن مغامرة (كريم) أتت عبر مراهنته والتي أعتقد أنها كانت ناجحة، على طريقة عرضه وتنوع أساليبه والقدرة على تفكيك الأحداث وإعادة ربطها. بدا هنا حكواتي كبير، فالنص الكامل هو بالتالي محصلة لحكاياته الملونة بالعذاب والسخرية وكل ما لا يخطر في البال.

كان كريم كطافة في هذه الرواية سارداً كبيراً، يتلاعب على الحدث من خلال صياغته بأشكال عديدة وبمستويات مختلفة ويؤثث للمشهد والصورة بتفاصيل شيقة ولغة متينة وبقدرة على استخدام المفردات في مواقع تبقى في ذهن القارئ. ويلعب الموروث الديني والميثولوجيا دوراً واضحاً في بناءه الدرامي. سواء في عناوين الفصول أو ما بين السطور. تمتلك لغته القوة بقدرتها الإيحائية للإحاطة بتفاصيل الحدث. الأجمل في هذه  اللغة أنها لا تعبر بك إلى التأريخ، لكنها تخلق ذلك التأرجح بين الميثولوجيا والتأريخ القريب، الواقع النتن بروائح قسوته وجلافته.

 

5
قراءة في رواية قرابين الظهيرة لكريم كطافة
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
يستهل كريم كطافة روايته (قرابين الظهيرة- 308 صفحة) الصادرة عن منشورات المتوسط/ 2017، بفذلكة (روبن هودية) ممتعة. يعلن عن سرقته لمادة الرواية ومفتاحها المفقود من أحد أصدقاءه ويغريك بنوع المساومة بينهما بالقادم من التفاصيل. سرقة من أجل الآخرين، سواء كانوا شخصيات الرواية أو القراء المفترضين.
نجد فيها عالمين متوازيين، يثيران الأسى والقرف معاً. عالم الإضطهاد وعالم الجلاد. وسعى الكاتب منذ البداية وبحذاقة للربط بينهما. في الفصل الأول قدم لنا الحدث وكل شخصيات الرواية تقريباً دفعة واحدة وبدون مقدمات. حتى سألت نفسي؛ وماذا بعد؟ لكن ومن هذا السؤال، ستبدأ رحلة الرواية بغنج وهي تستثير بعريها البطيء المتواصل متعة التواصل والترقب. في كل فصل، بدءاً من (سقيفة عبود أبو سعدة)، حيث عالم المطيرجية والحياة الداخلية للمطيرجي عبود (مطريجي، فرخجي)، لا ترغب بمغادرة عالمه المسترخي والعبثي وطقوسه المرتبطة (بعلاقة الشوربة ببلاوي السقيفة/ ص 45)، حتى تصل معه إلى الذروة (بأن يجعل الصبي المصيود يسمع ذات الترنيمة الشبقة.. ترنيمته هو عبود/ ص 49). وحتى يصبح ( الزبون جَلداً على السقيفة مثل اي طير. سيأتي في المرة القادمة، وهو يعلن بنفسه: - عبود مشتهي شوربة/ ص 59)
 ثم الإستاذ إيشو (معلم ) صاحب المقولة التي ستكلفه حياته (أنا معلم وبس)، ورمزي العواد (ملحن خارج من معطف السلطة)، وسيد خلف (رجل مخبول وفاقد للذاكرة وهو إلى ذلك سياسي سابق مقذوفاً به من أقبية الجلادين)، ثم الشيخ صابر (إمام جامع وقارئ قرآن مشهور).. ستجد نفسك في لجة هذا العالم الممتع والمضحك والمضطرب والقاسي، يسحبك الكاتب في كل مرة وبهدوء وبترنيمة خاصة للفصل القادم وللشخصية والحدث القادم. طريقة اللعوب maipulation)  ) للتحكم بالقارئ والوصول للمبتغى دون تسميته.
عالمان، أحدهما سفلي يعيش ضحاياه جحيم الله على الأرض، وستخجل ملائكته أمامهم يوم يحشرون، لأن جلدهم شويت قبل أن يحاسبوا هناك وعالم آخر ليس علوي لأنه يشكل ظلال للعالم السفلي، يغلي ويطبخ بالقسوة والنذالة والسادية. هي صورة الله حين يؤجر سلطته للبشر ويخولهم كما يعتقدون بتحويل جهنم بقعرها السابع إلى مساطحة بينهم. هو عالم الإنحطاط والرثاثة. عالمان، عالم سفلي وظلاله. يكون الربط بينهما عبر أدوات التعذيب (التصنيع العسكري – شمشون13).
يتوقف الكاتب طويلاً عند شخصية الجلاد. تبرز شخصية (شرهان) من الفصل الأول بوصفها شخصية رئيسة، يدفع بها الكاتب من زوايا الاحداث وعلى امتداد السرد، لتكبر مثل كرة الثلج الساقطة ومتابعاً لتحولاتها ودواخلها، لتصبح هي الصوت المهمين في كل هذا الصخب. ضابط مخابرات يجعل من نفسه صانعاً لتأريخ جديد لحيوات العالم الأول (الضحايا). هو الخيط الناظم لوجود وفناء عناصر الحياة، في مجتمع هش مضطرب البنى على كل الأصعدة، هذا الضابط وهو كان (نائب ضابط استخبارات، شروكي، معيدي) كما يصفونه البدو الأجلاف الذين تحكموا في المدينة، التي بقيت حلم يراودهم. هذا الـ(شرهان) يعرّف نفسه أنه الخروف الأسود بين الخراف البيض/ ص 258. تعلم ( كيف يعيد بناء خياله في كل مرة تواجهه مهمة فك طلاسم قضية شائكة/ ص 31). عبود ابو سعدة وشرهان، شخصيتان يتحكم فيها ( العقل ) لا العاطفة ولكنها في مواقع متناقضة. فلكل منها ذات القدرات  بالتلاعب ( بذاكرة وعقول ضحاياه، يوصل احدهم للجنون، ويستعيد الاخر منه).
 يعمل الكاتب على تفكيك شخصية وعقلية هذا الجلاد وصولاً للتفاصيل التي ظلت غائبة عنا في الواقع. لم يحدث أن تحدث أو أعترف لنا جلاد عن تفاصيل حياته اليومية. عالم الضحية ظل هو المعروف لنا ونحن جزء وثيق منه. لكن عالم الجلاد ما زال بعيد عن متناول اليد. حتى صور دماغه وتركيبها، سلوكه، تناقضاته، وجوهه وأقنعته المتعددة من البكاء إلى الغضب إلى هستيريا الإنتقام، نوعية أكله، حلقاته الصداقية الخاصة جداً، وهل له أصدقاء أصلاً، عالمه الصغير، حياته الجنسية، ملبسه وألوانه، غرفه الداخلية، أنواع عطوره، عشيقاته أو المرغمات على عشقه، المواد التي يستخدمها والإيحاءات التي يستلمها، قدرته على التقاط الأشياء وردود أفعاله، قدرته على تقمص العوالم والشخصيات، عينه  القارئة بروح الرقيب، ثقته بالنساء من عدمها...إلخ كل هذا غير معروف لنا. لم تتوفر لنا للآن من يسلط الأضواء على العوالم الخاصة والموثقة عن شخصيات من مثل (ناظم كزار)، (صدام حسين)، (أبو بكر البغدادي)، (أبو درع) ومن على شاكلتهم. رغم أنهم جميعاً نماذج لشخصيات كانت مهمشة في الواقع، سعت وارتقت سلّم الحياة من المزبلة إلى البروج العاجية بذكاء محدود واضطرابات نفسية متنوعة، استطاعت رغم  هذا أن تخترق مجتمع هش التركيب، شكل حاضنة لنمو هذا العفن.
وهكذا كان (شرهان)، شخصية عابرة في عراق ما قبل السبعينات، تحول لاحقاً مع صعود  نظام الموت إلى شخصية محورية، شغلت عقل قطاع واسع من العراقيين. يبتكر (شرهان) طريقة جديدة وعجيبة للتخلص ممن لا يرغب النظام ببقائهم. يصنّع شاحنة (شمشون 13) بمواصفات خاصة قادرة على تحويل السجناء الذين يستلمهم عند الفجر إلى شوربة من البشر في المساء..!! وهذا الشكل للموت الذي لا يمكن وصفه بأي شيء قابل للتعبير، لم يكن من بنات أفكار (الكاتب)، بل هو شهادة مهملة من بين شهادات كثيرة في ملفات المنظمات الدولية التي كان هاجسها البحث عن أسلحة الدمار الشامل لتبرير كل ما أتى لاحقاً. هذا الشكل من العنف والقهر والإذلال وهي مواصفات يومية للحياة العراقية منذ عقود، لم تكن الكتابة عنها بالأمر السهل. لكن مغامرة (كريم) أتت عبر مراهنته والتي أعتقد أنها كانت ناجحة، على طريقة عرضه وتنوع أساليبه والقدرة على تفكيك الأحداث وإعادة ربطها. بدا هنا حكواتي كبير، فالنص الكامل هو بالتالي محصلة لحكاياته الملونة بالعذاب والسخرية وكل ما لا يخطر في البال.
كان كريم كطافة في هذه الرواية سارداً كبيراً، يتلاعب على الحدث من خلال صياغته بأشكال عديدة وبمستويات مختلفة ويؤثث للمشهد والصورة بتفاصيل شيقة ولغة متينة وبقدرة على استخدام المفردات في مواقع تبقى في ذهن القارئ. ويلعب الموروث الديني والميثولوجيا دوراً واضحاً في بناءه الدرامي. سواء في عناوين الفصول أو ما بين السطور. تمتلك لغته القوة بقدرتها الإيحائية للإحاطة بتفاصيل الحدث. الأجمل في هذه  اللغة أنها لا تعبر بك إلى التأريخ، لكنها تخلق ذلك التأرجح بين الميثولوجيا والتأريخ القريب، الواقع النتن بروائح قسوته وجلافته.



6
يوم الشهيد الشيوعي*

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
الحضور الكرام
صورتان من صور لا متنهية، تدمى القلب مع قدوم يوم الشهيد الشيوعي.
الصورة الاولى هي لأمهات رفاقنا اللواتي بقين سنوات طوال،  بانتظار اولادهن الشجعان، أو خبر عنهم. رحلن، عن الدنيا دون أن يعرفن باستشهاد ابنائهن. منهن ام الشهيدين النصيرين، غسان عاكف ( د. عادل )،  واخيه جمال عاكف ( أبو فيروز). كذلك ام الشهيد النصير نجيب هرمز ( ناهل ) ابن البصرة وطالب كلية الادارة والاقتصاد في سنتها الاخيرة. كذلك ام الشهيد النصير عطية زايد ( ابو شهدي ) من البصرة ، وحسب علمي ان أم الشهيد عطية  بقيت الى حد 2015، تتنظر قدومه وتتحرى عن اخباره، دون أن يجرأ أحد  من أهله واصدقائه أن يخبرها باستشهاده.
أكيد لو عرفت ذلك لصرخت :
بلهجتها البصرواية – العمارتلية. ( خايبين، عمت عين الموت اللي ياخذ زلم خشنة مثل عطية وربعة ).
الصورة الثانية تجسد شهداء لم نعرف طريقاً الى اهاليهم، ولم يسأل احداً عنهم. منهم الشهيد النصير سليم – مهندس زراعي من كربلاء. كذلك الشهيد النصير ابو محمد ( هاشم كاظم محمد ) من السماوة وطالب كلية العلوم في جامعة البصرة-  قسم الكيمياء قي سنتها الاخيرة- خبير المتفجرات في قوات الانصار.
وقائمة تطول لمن غيبه نظام الموت ودون ان يعثر، اهليهم على اثرِ حتى في قوائم الموت والاعدامات بعد سقوط النظام. بالتاكيد للأخيرين معلومات اوسع.
 أما صورتنا، نحن الحاضرين المشاركين في هذه الفعالية في كل عام،  فهي  مؤطرة بحزن اخر. ناتي ونتطلع بصور شهدائنا ولكل منا، في هذه الصورة أحبة سواء من العائلة او دروب النضال الشاقة، او مسارات اخرى.
نشيخ نحن،  وهم يتألقون بشبابهم، في تحدٍ عبثي للزمن، بأتسامتهم او بتقاسم وجوهم الصارمة او بتعابير اخرى. ورود تشع بالونها الزاهية. نحن الحضور، الذي لا نريد ان يستوطن غيابهم، افئدتنا. هذا بضكحته الصاخبة، وذك بخجله، عند ذلك المكان التقيه، هناك تصدمنا، وهناك سكرنا، وهناك كنا نغزل من ضوء القمر احلامنا. كل المشاعر وغيرها تتشذى على عتبة سؤال، قد يبدو الاخير، ملؤءه الحب وقدراً من الحيرة، ماذا لو كانوا على قيد الحياة؟، ماذا لو بدلت الحياة الادوار بيننا وبينهم؟.
 ممكن أن اتحدث جازماً، عن شعور عام، شكل قاسماً مشتركاً  عند معظم الشهداء الذين عرفت العشرات منهم ومعظم من عرفته في دروب النضال المشرف والقاسي والغالي الثمن، هو خوفهم وارتباكهم، من مقدار الالم والفجيعة التي سيتركه غيابهم عند احبتهم من امهاتهم وابائهم وخواتهم وحبياتهم واطفالهم وغيرهم من الاحبة.
كنا نريد ربط طرفي معادلة عصية على التوازن. ان نستشهد، دون ان نترك الماً لأحبتنا. لكن عنفوان الشيوعي المحب بعمق وذوق  للحياة، والحافر باضافره  بدون كلل في جدار الصمت والخوف  والقهر والاضطهاد، تراه يشرع صدره للموت من اجل مصالح وعزة العراق شعباً ووطناً.
كان محمود درويش حاضراً بشهادته  بيننا عن الشهداء.               
وحبوب سنبلة تجف
ستملأ الوادي سنابل ....!
أن القيمة الحقيقة للاحتفال بيوم الشهيد الشيوعي هو ألاحياء المستديم للقضية، التي استشهد من اجلها هؤلاء الثوار ومن سار في دروب نضالهم المر،  والحذر من تحوله الى طقوس سنوية، ربما لا تختلف كثيرا عن الاصولية التقليدية. المفارقة الحقيقة أننا نردد باستمرار هذا الامر دون الحديث عن مستلزمات ذلك واقترانه بممارسسات عملية. لن يتم ذلك دون العمل على تطور عقل نقدي يفتح الافاق لأسئلة ومماسات جديدة، نحن اليوم بأمس الحاجة لنرتقي بأساليب عملنا وامتلاك اساليب الادارة الحديثة، فالشيوعيون وعموم القوى المدينة هي قوى علنية ورسمية، لا يكمن ان تنهض بمهماتها الجديدة بنفس الاساليب القديمة. نحن بحاجة الى ادارة سليمة وعلمية وكفاءات عمل جديدة لكل انواع الصراعات. بحاجة الى تيار مدني حقيقى وفاعل، يستطيع ان يرتقى بنفسة وعمله باعتباره بديل حقيقي لانحطاط ورثاثة العمل السياسي المتداول اليوم في عراق الطائفية والعشائرية والفساد. نحن بحاجة الى اعادة الهيبة والحيوية والثقة في العمل الحزبي المنظم وفي عموم العمل السياسي، واشباعة بالديمقراطية وروح المسؤولية والكفاءة.   بحاجة الى سياسية اعادة تقيم للكثير من اساليب عملنا الفكري والسياسية والجماهيري. بحاجة الى بناء منظمات اجتماعية ومدنية حقيقة وفعالة في اوساط الجالية والوقف بحزم ضد كل اوجه الفساد وتحويل الكثير من هذه المؤسسات الى هياكل شكلية أو الى مؤسسات شخصية، وغير ذلك من المهام المتنوعة والتي تبقينا قوة حية وفاعلة في الوطن أو في المهجر.
نحن اليوم بأمس الحاجة الى تشديد النضال وتصعديه من أجل استعادة السيادة الوطنية التي مُرغت بالوحل،  وهي التي تشكل  المدخل الحقيقي لإجراء تغيرات جادة، في مسار الوضع العراقي ومن الصعب تحقيق ذلك دون اعادة الهيبة للوطنية العراقية ونشر روح التسامح والتعاوين والاقرار بالاخر المختلف ورسم مسارات العمل المشترك وغيرها من تساؤلات وافكار ممن تدور في عقول هذه النخبة الطيبة من الحاضرين وغيرهم.
يستوقفني ذكرى شباط الاسود 1963 والتي مرت علينا، قبل عدة ايام، شخصيا، تشكل  لي، هذه الذكرى الأليمة، ،  بداية تكوين ذاكرتي السياسية عندما اعلن في المذياع اعدام عمي الزعيم الركن طه الشيخ أحمد في الاذاعة يوم 9 شباط مع الزعيم الوطني عبدالكريم قاسم ورفاقه الابطال.
 شباط الاسود شكل منعطفا جديدا، في مسار التاريخ العراقي الحديث، وليكون لاحقاً، قاعدة اسياسية في علاقة العنف- الدولة- المجتمع.  لقد اتخذ العنف المنفلت والارهاب في العراق شكله النوعي الجديد من خارج الدولة وبرعايتها او صمتها، وطريقة أساسية لتركيع المجتمع، وذلك من خلال ميليشات الحرس القومي الساقطة، فما عادت الدولة هي أداة تنظيم العنف وادارة الصرعات.
 كل سلطات القمع اللاحقة، استفادت من هذه التجربة ويمكن ملاحظتها في تجربة الجيش الشعبي للنظام الساقط، لكن بشاعة الامر ومما يؤسف له أن تتحول اليات نظام البعث الساقط، الى قاعدة اساسية في أدارة الدولة والمجتمع للذين اعتقدوا انهم بديل له وكانوا جزء من ضحاياه، ،  فعراق اليوم هو عراق الدولة المهمشة والميلشيات المتسلطة واحتقار الروح الوطنية والمواطنة واذلال العراقيين وتجويعهم ونهب ثروات البلد وارجعاه الى القرون الوسطى وغيرها مما هو معروف اليوم في عراقنا المنكوب والمنهوب.
لقد استطاع كل جلادي وخاذلي طموحات شعبنا النبيلة، أن يتوارثوا بعضهم اساليب بعض، فما الذي يمنع هؤلاء المسلوخة ظهورهم بسياط الجلادين، أن يتعلموا ,ويتعلموا ويتعلموا،كي  يضفو على يوم الشهيد الشيوعي رونق اخر، وحياة وبهجة اخرى. ولنبقى كما كنا ملح الارض وحزب الحياة.
جزيل الشكر لاستماعكم
........................................................................................
* القيت الكلمة باسم ملتقى الانصار الشيوعيين في هولندا، في احتفالية يوم الشهيد الشيوعي في لاهاي 16-02-2019.   
 
 
 
 



7
مسرحية غسل العار ودراما العائلة. 
  eerwraak en familiedrama
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
اعادت فرقة مسرح أويت  في 23 -09-2018، عرضها لمسرحية غسل العار ودرامِا العائلة. كان العرض في أحد مراكز الاحياء في مدينة لاهاي (دنهاخ) الهولندية. مركز الحي رغم حداثة البناء وجماله الا انه غير مزود بخشبة مسرح فهذا الامر خارج نطاق عمله، لذا قدم العرض في احد القاعات العادية  واضطر مؤلف العمل ومخرجه السيد  ا"اكرم سليمان"،  العراقي، من مواليد السلمانية، أن يناسب العمل مع الظرف المكاني،  وذلك بحذف بعض إجزاء.
النص عبارة عن تسجيل لبعض يوميات الهولندين من اصول أجنبية في هولندا، والنص مكتوب بطريقة درامية محبوكة و مشوقة، يتخلله العزف والغناء وعرض الداتا شو. وتمثيل عدد من الممثلين من عدة بلدان: هولندا، العراق، سوريا، اوكرانيا.
تتناولت المسرحية الجرائم والعنف المترتبط بقضايا الشرف وغسل العار كما يطلق عليها، والتي تشهد اعدادها تزايداً واضحاً في السنوات الاخيرة. بشكل عام تشير الاحصائيات الى معدل 15 ضحية في السنة اضافة لما يقارب  500 بلاغ عن حالات كهذه،  تتسم باللجوء الى العنف ( قتل، إغتصاب، خطف، الاذاء أو الاضرار الجسدي ) في معالجة قضايا تمس "الشرف" في مجتمع مدني، حديث ومتطور كالمجتمع الهولندي، وهو امر غريب عليه. يشكل الهولنديون من اصول تركية، مغربية، عراقية، افغانية على التوالي اضافة لانحدارت اخرى ولكن بدرجة اقل، اساساً لهذا الامر. هذا الامر يقلق الجهات الرسمية أو الشعبية.
يستند هذا النوع من المسرح الى النقاش المباشر مع الجمهور بعد أو خلال العرض، هو بذلك يستخدم المسرح لنقاش قضية حياتية محددة مأخودة من  الحياة اليومية،  بالتالي تسليط الضوء عليها من جوانب متعددة  وربما تكون أو تبدو هذا القضايا او المشاكل عابرة ومهملة في مجرى الحياة اليومية.  هو مسرح يسعى لرفع وعي المشاهد. فالهدف محدد ومعروف ومدروس مسبقاً من جهات عديدة ومختصة، لكن الاهم في هذا العرض، اخرج الموضوع من الاطر المحددة والمغلقة لاسباب ثقافية أو دينية أو أجتماعية أو سياسية وغيرها، وتحويله الى موضوع عام قابل للحديث والنقاش العام بدون ممنوعات.انه يسعى لرفع الحجر عنها،واغناها بالحياة من خلال تحويلها الى مادة قابلة للنقاش وبدن اشتراطات مسبقة. 
في واقع العمل كان هناك مسرحين في صالة او مكان واحد ويمكن القول بوجود عرضين في ان واحد، ما يعرضه المؤلف والمخرج والممثلين وغيرهم من المساهمين بالعرض والذين سيكونون في مواجهة الجمهور، هذا العرض ، اعد له مسبقا، بشكل فني ومهني، وهناك المسرح الثاني الذي يشكل الجمهور ادواته من تاليف واخراج وعرض وبشكل عفوي وهو مقابل لمسرح ووجوه فريق المسرح الاول. اهم رابط للمسرحين هو ليس الموضع بالدرجة الاساسية والذي هو معروف مسبقاً والكثير من الحضور لدية معلومات أو تصورات كافية أو محدودة عنه ، ولا المخرج او المولف الذي انجز عمله في المسرح الاول. الرابط بين المسرحين هو من يدير النقاش مع الجمهور. والذي سيلعب دوراً بارزاً في تحويل الموضوع الى  مادة للنقاش الحي.
أن هذا النوع من العرض ليس له نص محدد يقف عند ما يقدمه  المولف وبقيه الفرقة. هذا العرض يتجدد نصه مع كل عرض فالمشاهد الذي سيتحول مع العرض الى مؤلف ومخرج ، يضف في كل مرة وفي كل عرض نصاً وافكاراً اخرى، يخرجها ويمثلها بطريقة طرحه وبعفوية كاملة من خلال صوته أو حركة يده أو موقعه وغيرها. الحدود بين العرضين او عرض الجمهور المكمل للعرض المعد مسبقاً، غير محددة، لكن الاجابات او طرح التصورات والنقاش حول السؤال أو الاسئلة المطروحة هي التي ترسم الحدود، فانفتاح الجمهور وحيوية نقاشه وانطلاقة من مواقع مختلفة حيث يجلس الجمهور والتي تسمح بحركة واسعة لمنظم  ومحرك النقاش، هي التي ستعلب دوراً بارزاً في تحديد الحدود الهلامية والمتداخلة وبالعكس منه، فان إنكفاء النقاش ومحدودية المشاركة ستضيق الحواجز الفاصلة بين العرضين أو العرض ونصة وتكملته.
هذه الطريقة تسمح للاخر وبالذات الفكرة أو السلوك وغيرها من  المُختلف، أن يعرض نفسه بحرية  ويسلط عليه الضوء، ذلك هو الاسهام الاول بان يتفهم الاخر طبيعة هذا الامر ومدى حجمه وطبيعة العوامل المتشابكة في خلقه وصيروته، كل ذلك يفتح المجال الى حللة الامور ويفتح مسراب عديدة لتناوله وبطرق متنوعة  للتاثير به. بنفس الوقت يسمح للجمهور باعتباره جزء من الهيئة الاجتماعية أو المجتمع كافراد او مؤسسات مجتمع مدني أن يمارس الرقابة الغير مباشرة على اداء مؤسسات الدولة، سواء في تصورتها أو في عدتها للتعامل مع هذه الامور. هذا النوع من العروض يسعى للوصول تمازج للمجتمع باعتبارنا نعيش مع بعض وليس كتل تتواجد الى جنباً الى جنب. هذا يتطلب كل منا ان يكتشف معالم الاخر.   

استخدم المؤلف والمخرج السيد "أكرم سلمان" والذي له خبرة في هذا النوع من العروض السينمائية، اللقاءات المسجلة والموثقة والتي تم اختيارها بشكل عشوائي ولنماذج متنوعة من المجتمع لطرح أرائها او تصوراتها عن الموضوع وبامكنة عامة، والذي تحدد بالاجابة على أسئلة محددة، في كل مشهد كان هناك سؤال واحد فقط. لكي يبعد المشاهد عن صورة المقابلة الصحفية فقد عمد المخرج، الى اخفاء صاحب السؤال وترك المواطن يسرد رايه وتصوره بشكل عفوي. طبعا هي اراء متنوعة ومتناقضة كحياة وتصورات الناس ولا تلعب دورا بارزا في توعية الناس ولكن ربما ستكون حافزاً للتفكير أو صاغة راي للمشاهد. زاوج ذلك بعرض  مسرحي يترافق مع كل مشهد أو سؤال مطروح. قاما بهذا الدور الممثلة الاوكرانية " كليانا كايسهكو"، والممثل العراقي "صالح حسن فارس"، اضافة للمثلة " ايشا تيميرس"، هم ممثلون محتروفون، ظهر ذلك بادائهم الجميل. كان التمثيل جميلاً، بسيطا، وعميقا في نفس الوقت. لم يستخدم في العرض اي اكسسوارات او ديكورات او مكياج، الممثل موجود في مكانه في حركة حرة وطبيعة  وعفوية قبل او بعد اداء دوره، هذا ما يسهم في كسر الحدود بين المسرحين والعرضين ويضفي اجواء الانسابية للحديث القادم للمشاهد، لذا تشهد ان المساهمة ستكون كبيرة وواسعة من الجمهور وكانه في تحدي اذا جاز التعبير لصياغة واخراج نصه.
أبتداء العرض باختراق المسرح وبحركة سريعة من الممثلة الاوكرانية بسؤال ( اريد حرية او مجال لكي اقول رائي ؟)، اعقبته بسؤال ملح يتردد وبشكل خاص، في مجتمع متعددة الثقافات أو مجتمع ثقافات الاقليات وهو "من اكون انا؟ " بعدها استمع الجمهور الى لقاءات مسجلة للاجابة عن سؤال محدد ( ما هو معنى الشرف ؟ ). بعد بعض المحفزات للنقاش، قادت السيدة كليانا كايسهكو  النقاش مع الجمهور، وهنا كان روعة المسرح في تنوع الاراء وطريقة التناول والعرض وغيرها. على هذا المنوال سار العرض والذي استمر لمدة ساعة مفعم بالحيوية.
في الختام قدم المثل القدير "صالح حسن فارس"  مشهداً لشخص من عامة الناس يلعب مفهوم الشرف جزءا اساسيا من ثقافته وتكوينه ، بل هو احد مساعيه في الحياة. يكدح و يعمل بشرف ويساعد عائلته، التي  زوجته من أمراءة بالطريقة التقليدية.  حين تكون حفلة العرس هي  فرحة واحتفال للعائلة دون ان يلامسه داخليا ذلك الفرح.  تتدخل العائلة لاحقا بالشكوك بسلوك زوجته ومطلبته بالطلاق او التخلص من العار الذي الحقتهم به ومعاناتهن. انه اصبح رجل بدون قيمة لان هناك شكوك حول زوجته حيث انها تخرج بدون علمه.  مشهد اخر لامراءة تترك البيت طلبا لامنها الشخصي او أمان اطفالها. ينتقل المخرج بعدها الى المقابلات السينمائية لياخذ رائ الناس في سؤال محدد هو (  هل تمتلك المراءة 
جسدها؟ ) المقصود كما يبدوا هن النساء اللواتي لهن شريك.   
يتطرق العرض في مشهد أخر الى قضية الوحدة التي تعانيها النساء الحديثات على المجتمع الهولندي ومخاوف الاختلاط والاندماج. سؤال اخر يتطرق عن عوامل التربية ودور المؤسسات والمجتمع والعائلة في تريبة الاطفال، وينتهي النقاس حول مفهوم دراما العائلة.
السرد في هذا العرض يتقاسمه ، اللقاء السينمائي وهو تسجيلي وتوثيقي، التمثيل ، الجمهور، النقاش. سعى المخرج الى تطريز العرض ببعض معزوفات العود. والتي لم يكن دورها بتقديري مقنن، لذا لم تسهم كثيرا في احياء المشاهد، ربما كان سبب ذلك افتقار الصالة الى تقنيات العرض .

كي ياخذ عرضا كهذا فعاليته، لذا فهو بحاجة الى عرضه بلغات المهاجرين الاصلية، حيث الكثير منهم وخاصة القادمين الجدد، الذين لا يجيدوا اللغة الهولندية. ربما سكتسب العرض الوان اخرى لما يتطلب تغير في الممثلين للعرض. ملاحظة اخرى ارتسمت امامي مع تقديري العالي لاداء الممثلة كليانا كايسهكو وقيامها بدور المحاور. فأن هذا الموضوع والاسئلة المثارة فيه، يتداخل فيه عوامل اقتصادية وثقافية ودينية واجتماعية. كلما كان المحاور يقف على قاعدة رصينة في هذا الجانب، كلما استطاع ان يغذي النقاش و يجذي شعلته ويدفع بامواج النقاش المتلاطمة، باتجاه اغناءه.
ختم العرض بالعنوان الالكتروني للفرقة المسرحية للاضافات والاسئلة واتمنى عليهم ان يلخصوا نتائج ونقاشات كل عرض على صفحتم. لابد من الاشارة بان دائرة الصحة العامة في هولندا قامت بشراء هذا العمل، مما يشكل دعم مادي للعمل وامكانية عرضه الواسع. كل الحب والامتنان لفرقة أويت ولعرضها المسرحي ونقاشاته الذي كان ممتعاً بكل جدارة. 

8
       

شرعية الدولة والمهمة المستحيلة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

بقى الشيعة الاثنى عشرية تاريخيا وفقهيا ولقرون طويلة ما عدا فترة الحكم الصفوي ينظرون باحتقار الى الدولة والسعي الى السلطة واعتبروا تحقيق وجودهم يتجسد في انتظار المهدي المنتظر. واختلقوا العديد من الروايات كما اختلق من قبلهم الفكر الاموي ولاحقاً فكر السنة والجماعة العديد من الاحاديث التي تبرر سلوكهم السياسي. أعتبروا في روايتهم المنسوبة الى ائمتهم، إن اي راية ترفع قبل ظهور المهدي هي راية ظلالاً وكفروا اي مسعى باتجاه النضال من اجل السلطة في عصر الغيبة. تبلور  الفكر السياسي الشيعي، بالذات حول الدولة، في فترة متاخرة ولاحقة، قياساً للقكر السياسي الاموي او السني لاحقا (اهل السنة والجماعة هم شيعة بالاصل- أنظر مقالتي المنشورة - عراق بدون سنة-  ). كان فكراً موازياً له او ردة فعلاً له.  كان فكر الامويين ولاحقا العباسيين يقوم على تاويلهم للقران باطاعة الله والرسول وولي الامر ولو جاء بالسيف والغدر وعلى بحور من دماء المسلمين ( أنظر مقالتي – قادة الاسلام الشيعي وإمارة المتغلب-)، بينما بقيت الدولة عند الاثنى عشرية  غير شرعية والقائمين عليها غاصبين لحق ولاة أمرهم، هي دولة نواصب، رغم ان مصطلح النواصب اخرج من سياقة التاريخي وجرى تسيسه عبر التاريخ،  في حمى الصراع الطاحن، اضافة للخلافات في تحديد من هم النواصب والموقف منهم. أختلقوا روايات منسوبة لبعض إئمتهم ( في جوهرها إساءة لهم ) تسمح بسرقة اموال الناصبي وسبيه مقابل دفع الخمس للامام، اضفة لشرعية قتله خلسةً. هم في المحصلة الاخيرة لم يستطعوا اين يحققوا ذواتهم لقرون طويلة، بل على العكس قدمت فكرة المنتظر اكبرخدمة للسلطات الحاكمة أو من جانب أخر، احرجتهم تاريخيا حينما قدمت خدماتها واضفت شرعيتها على حكام الدولة الصفوية، الذين لم يكونوا يختلفون عن غيرهم من الحكام الامويين والعباسيين والعثمانيين . حتى التطوير الذي جاء متاخراٌ، باختلاق ولاية الفقيه باعتباره مخرجاً لمأزق نظرية الامامة وتحديثاً لها، لم يقود الا الى ظهور نظام ديكتاتوري دموي أغرق شعبه ووطنه الجميل والغني بالماسي والمحن. كانت شرعية الدولة والحكم هي احد المأزق الحقيقية للفكر السياسي الاثنى عشري. تاريخيا كان الشيعة عموما هم حزب المعارضة الاساسي لحكم الاستقراطية العربية، لكنه تحول وبالذات، فكر الاثنى عشرية، وبسب باطنيته وهي جزء من باطنية الفكر الشيعي ولاسباب اخرى، منها العنف الدموي الذي عاناه حزب الشيعة، إضافة لتبنه لاحقا من قبل الدولة الصفوية باعتباره مذهبها الرسمي وتحوله الى سند اساسي لحكم الاستبداد والظلامية. هو بذلك لم يختلف على الاقل في مستواه السياسي عن الفكر السياسي السني.
يبقى السؤال حول شرعية الدولة والحكم  فقهياً وسياسياً قائماً أمام أحزاب الاسلام السياسي الشيعي والمرجعيات العقائدية.
حاليا تبدوا احزاب الاسلام السياسي الشيعي في العراق، تائهة مثل موسى وقومه في البحث عن شرعية الدولة التي تسعى الى اقامتها او قيادتها. من الركض وراء الفقيه الولي في ايران، الى سلطة ابوية تحت اشراف المرجعية ورجال الدين.  أو البحث عن ولايةِ فقيه بلباسِ عراقيِ، او ممهدون لامامِ غائبِ، لا يعرف زمن عودته، أخرون يتصلون بالمهدي المنتظر وغيرهم من هلم جرا، مشطورون  بين عالم حقيقي متحرك ومفعم بتناقضاته الصارخة وبين باطنية تمتد الى اعماق الفكر السياسي الشيعي عموما والاثنى عشري خصوصاً، غطت مساحة تقارب 12 قرناً من تاريخه. صراع يتأرجع بين  من يمسك الاحزاب وقياداتها التي تريد ابقاء المراجع تحت خميتها وبما يعكس رؤيتها السياسية ( منهج حزب الدعوة ) أو العكس، اضافة لمن يرى في منهج التخادم والبراغماتيه ، باعتباره افضل الطرق واقصرها والتي حققت بفضله نتائج كبيرة. هذا التخادم وجد طريقه الواضح  حين دعمت مرجعية النجف احزاب الاسلام السياسي الشيعي بما حقق لها الفوز الكبير في انتخابات 2005، لاحقاَ اخذ التخادم مسارات أخرى. كان من الممكن ان يحقق هذا الفوز شرعية الحكم فما لو ارتبط بانجازمشروع وطني عراقي ينتشل الشعب من سبات الظلام والاذل الذي اوصله الية نظام صدام وبعثه الساقط. لكن الغرق في مستنقع الفساد واللاوطنية والمحاصصة وغيرها، أعاد الى الاذهان شرعية الدولة والحكم، باعتبارها المهمة المستحيلة تحقيقها فقهياً وسياسياً.
تبدو الصورة مركبة بشكل كاريكاتيري، حين تجتمع هذه الاحزاب وهي مستندة الى قاعدة عقائدية في تأسيسها ونشاطها داخل قبة البرلمان العراقي الذي تتصدر واجهته الاية القرانية ( وامرهم شورى ). هو مبدأ يتناقض مع عقائدهم باقامة دولة الامامة العادلة أو دولة الولاية النائبة عن الامام الغائب. لم يكن معيباً ان تلجئ هذه الاحزاب الى اليات الحداثة والديمقراطية لبناء الدولة الحديثة الخادمة والمديرة للمجتمع، لكن مهزلة الوضع حين يكون جسمها وعقلها في الماضي والعقيدة وظلها المشوه في الحاضر. ربما  يكون هذا احد المنطلقات لاسقاطها نتائج الانتخابات الاخيرة، رغم المؤشرات المتنوعة والعديدة على كونها لم تخرج عن نهح الانتخابات السابقة في عدم نزاهتها. لذلك ياتي اصرارها على نظام المحاصصة بحيث يضمن لها أغلبية طائفية واقرارها قانون يعاكس كل ماهو متعارف علية وتقره نظم الديمقراطية الحديثة في تشكيل الكتلة الاكبر، أضافة لاصرارها على ان تكون رئاسة الوزراء شيعية، وبالذات مرتبطة بالاحزاب والقوى المتنفذة والمرتبطة بشكل أو اخر بالهيمنة الايرانية وولايتها.  لا تقلق هذه الاوساط الان و بشكل كبير كما اعتقد رغم الضجة الاعلامية، على إعادة التحالف الشيعي بشكل أو اخر أو تشكيل الكتلة  الاكبر، وربما ستكشف الايام القادمة عن اساليب اكثر خبثاً مما عرفناه سابقاُ لتشكيلها، لكن تبقى حسرتها طويلة على شرعيتها المهزومة فقهياً وسياسياً.
هناك قلق اخروربما يكون أحد  المظاهر الجديدة، الذي لم تظهره الاحداث بعد وبشكل واضح،  هو البحث عن لا شرعية المعارضة، خاصة فما لو اتجهت اليها سائرون وقوى اخرى، وفي ظل أوضاع مأزومة بشكل لا تحمد عقباه. هي تدرك فشلها وهشاشة مشروعها الوطني الذي كانت تتنقب به وضعف ارادتها الوطنية وعمق الفساد والعنف الذي اصبح جزءاً عضويا من تركيبها، لذلك تخشى هذه القوى اية معارضة وطنية صادقة مهما كان حجمها ، هذا الحجم والفعل الذي يمكن ان يتغير بسبب عمق الازمة وامكانية تفجرها بشكل أو أخر وخارج حسابات المنتفذين.
يبدو أن الاستخارة غير قادرة على تأمين النجاح لمشروع المرجعية الدينية الشيعية باعتيارها الفئة العقلانية من الاليغارشية المالية ( البيوت المالية ) العراقية (أنظر مقالتي- أفكار حول بنية السلطة في العراق- )، باقامة نظام تُمثل فيه كل الاطراف وليكن ابوياً كما يحلو للبعض ان يطلق عليه هذا الاسم،  في استعادة شرعية الحكم فقهيا وسياسياً وعملياً، حتى ولو كانت بشكلها البائس وفي حفظ التوازنات والاستمرار بسياسية التثويل ومسخ العقل واستمرار نكبة العراقيين.
قوى الاسلام السياسي الشيعي المدججة بالمال والسلاح والغارقة في الفساد وإحتقار مطاليب الشعب في حياة كريمة ووطن أمن والمدعومة ايرنياً،  تبقى بحاجة لغطاء عقائدي/ سياسي لتبرير منهجها الحالي، وستبقى عاجزة عن تحقيق المهمة المستحيلة في ضوء عقائدها في تجسيد شرعية الدولة التي تسعى اليها، ولسبب يبدوا بسيط جدا ولكنه يشكل جوهر المشكلة وهو إنها مهمة تقع خارج التاريخ.

9
الشيوعيون والصدريون. مرة أخرى.
د. أحمد ألشيخ أحمد ربيعة
+ النظام الذي انتج بعد 2003 لم يكن سوى استبدال استبداد نظام الفرد والعائلة باستبداد الطوائف ، الذي يجري العمل للحفاظ عليه لأقصى فترة ممكنة  ولمصالح دولية- إقليمية – داخلية. هذا النظام عاجز عن انتاج أو بناء ديمقراطية حتى في حدودها الدنيا  بما يحقق جزء من مصالح العراقيين، بسبب المسافة المتسعة بين الفئات التي انتجها،  وابرزها البيوتات المالية وبين الافقار المتواصل للعراقيين، اضافة للصراع المتنامي بين اطراف هذا النظام على مواصلة سياسة النهب والتهور بكل مصالح العراقيين. يوم بعد اخر يجف عود العراقيين ليصبح اكثر قابلية للاشتعال ولن ينقذ هذا النظام شيء  ما. أحد الاسباب التي تعيق ذلك هو الافتقاد الى قوى جامعة ومحركة لتوجه سهام الغضب الشعبي  الذي يتصاعد، باتجاه النظام القائم. لا اعتقد انه يوجد امل جاد في اصلاح هذا النظام الفاسد والمتعفن من راسه الى اخمص قدميه.
+ ربما يدرك الكثير منا، انه من الصعب أحداث انعطافة في مسار الوضع القائم، الا بتصدع في جبهة القوى المتنفذة، التي ابدت درجة غير قليلة في قابليتها على امتصاص بعض الصدمات وقدرتها – بسبب توافر ظروف معينة -  للوصول لمساومات جديدة، أو بانحياز قطاعات منها الى مطاليب الجماهير واجراء اصلاحات جادة في مجمل الوضع.
+ كان الشيوعيون هم القوى المشاكسة في مواجهة هذا النظام، واستطاعوا  لحد ما، كسر العزلة المفروضة عليهم ولأسباب عديدة،  باتجاه وتوسع خطواتهم وباتجاه بناء تيار مدني - ديمقراطى، ترافق ذلك كلة بأشياء عدة، ابرزها تحديهم في خوض الاحتجاجات الفعلية. اذا نجحت الخطة الامريكية والاقليمية  وكما كان مخطط له، في هتك أعراض المعارضة  العراقية السابقة من خلال استيعابها واغراقها بالفساد، بل بتحويلها الى مفرخة جديدة للفساد والارهاب واللاوطنية وغيرها من الانحطاط على كل المستويات.  يبقى رأس الحزب الشيوعي العراقي وكل القوى الوطنية و الديقراطية مطلوبا . كل شيء ممكن في هذا البلد الا المشروع الوطني والذي لا يمكن أن  يكون الا ديقراطيا وعلمانيا.
+ ارتفع هرم البرنامج الشيوعي على  زوايا الوطنية – الديمقرطية  – المدنية . حاول الشيوعيون الاقتراب من الاخرين عبر هذه الزوايا وقد  احتلت فيه  الزاوية  الأولى المكانة الابرز في هذه المقاربات. تحالف العراقية. المشاركة في حكومة المالكي الاولى،. الموقف الايجابي من العبادي. فشلت هذه المقاربات ويتحمل الطرف المقابل مسؤولية ذلك، ورغم كل الملاحظات والانتقادات، الا ان الشيوعيين حصدوا نتائج سياسية هامة وكبيرة . ابرزها كفاءتهم ونزاهتهم ووطنيتهم..
+ يشكل مشروع ( سائرون ) كما سبق ان كتبت، أول شرخ حقيقي في بنية القوى المتحكمة في السلطة هو يحمل أمكانية  وأوكد أمكانية فتح الطريق امام توجهات جديدة فيما لو جرى التعامل بوعي وحنكة وبدون أوهام. هذا الامر يعتمد على أمور عدة وأبرزها، مصداقية اطرافه وحرصها. هو ممكن أن يكون سيرورة لتفاعلات جديدة، لا يمكن رسم ملامحها  الان. مثلا خطاب سائرون الذي ألقاه رئيسه وهو خطاب لا يعاب عليه شيء. بالتأكيد لن يكون هذا الخطاب في عزلة عن جماهير الصدريين وعموم العراقيين. تحالف سائرون هو تحالف انتخابي ومن الضرورة ان نفهمه كذلك، لكن ارى فيه امكانية لتعريق السياسة واكسابها طابعا وطنيا، بعد ان اصبحت السياسة في العراق واجهات لسياسات أقليمية من قبل القوى المتنفذة. قد يفشل سائرون في  تحقيق كتلة كبيرة أو ذات وزن، وقد لا يصل الشيوعيون أو اصدقائهم الى البرلمان، وحتى حضورهم ربما يكون هامشيا، أو يتم شراء قسم من اعضاءه. هذه وغيرها كلها أمور واردة. في بلد اصبحت السياسة فيه للكثير وبالذات القوى المتحكمة فيه، نوعاً من العهر. يظهر ان القوى المتنفذة لن تتخلى عن مسلكها السابق والثابت  في التزوير وتقاسم الاصوات وترميم جبهتها. مقدمة ذلك كان اقرار قانون الانتخاب والتصويت الالكتروني وغيرها. تحالف سائرون،  لن يقوده ويحركه سليماني او السفير السعودي أو التركي وغيرهم، رغم ضرورة عدم تجاهل هذه المساعي التي ستبقى قائمة.
+ في تحالف سائرون هناك قوى غير الصدريين لم تكن رايتهم بيضاء، وكذلك في ( تقدم ) وبمساعدة  جوجل واليوتيوب، ستكون صورة المعلومات أوضح، وربما هو هذا المسكوت عنه، في التحالفات. أس المشكلة يمكن بالتحالف مع الصدريين، فهم قوى جماهيرية ومالية وعسكرية وذات منهج ديني  وغيرها، لكن للصدريين ازمتهم التي لا تخفى، وهي أزمة قواعدهم الشعبية وتمثليهم البرلماني والحكومي الواسع، والذي اظهرت الايام فساد اغلبيتهم وكونهم لا يختلفون عن السائدين. لا اتطرق هنا لجوانب اخرى لصراعات الصدريين مع القوى الاخرى لأسباب سياسية أو عقائدية وغيرها. بمعني العمل مع قوى كبيرة وفعالة دون أن نُبتلع ونستطيع ان نحصد نتائج طيبة في ضوء الحفاظ على استقلاليتنا في كافة الجوانب.
+ تحالف  سائرون هو الان واقع حي، بعيدا عن كل الملابسات التي تحيط  في الاقدام عليه. السؤال الحي الذي يتطلب ضخه بالمزيد من الاوكسجين هو كيفة تطوير القابليات والكفاءات على كل المستويات لخوض هذا العمل. بتقديري افرز هذا الامر للشيوعيين عدة جوانب:
+ اضيف لما كتبته في مقالي السابق ( الشيوعيون والصدريون. الى اين ). أن هذا الامر هو الخطوة الاولى والجادة في تقديري في تحول الحزب الشيوعي الى حزب انتخابي. ما سبق ذلك اعتقده مجرد شعار سياسي. اضاف ضبابية للوضع وترتبت عليه نتائج غير سليمة وعلى عدة مستويات ومنها التنظيمية.
 + هناك انعطافه  حادة وسريعة في حركة الشيوعيين، لم نعهدها سابقاً في اغلب تاريخهم  في انتقالهم الى موقع اخر. اربك العديد من مناصريهم ورفاقهم وحلفائهم. هل يشكل هذا الامر منطلق لدور براغماتي اكبر في السياسة ؟؟؟
+ من جانب اخر فضح هذا الامر الكثير من النواقص والخلل والذي استمر تغطيته وتغافله. اظهر اهمية  أعادة الحياة لشعار ديمقراطية الحزب والذي اثرته منذ 2008 في احد المقالات والمناسبات، والتي ازعجت البعض. فقد اظهرت آليات اتخاذ القرار وهو قرار استثنائي، الديمقراطية العرجاء. أظهرت الخلل في رقابة الهيئات الدنيا على العليا، وخلل ايصال المعلومات التي غالبا ما تكون معلبة في نشرة اصح ما يطلق عليها محدودة التفكير بدلاً من محدودة التوزيع. اظهر مخاطر القبضة الحديدية على اعلامهم وعدم قدرته للتحول للتعبئة والتحريض واختناقه في المواقف المؤيدة للسياسات المعلنة  وعدم قدرة هذا الاعلام على استيعاب وجهات النظر الاخرى وحتى ضمن زاوية حرة.. وللاسف ان تنشر صفحة الطريق أول المقالات في الدفاع عن هذا التحالف لتجمع كل المعارضين بسلة واحدة وتوجه لهم مجموعة من الاساءات والكلمات البائسة، لقد كان ومازال عدد كبير من هؤلاء المنتقدين هم خيرة ابناء الحزب وخيرة مقاتليه ومناضليه. صرفوا شبابهم واعمارهم وهم يحملون دماءهم على اكفهم. ومن المؤسف  أن تنشر صفحة الطريق مقالة يتضمن هذا الامر. أن هذا الصوت المعارض والمنطلق من الحرص والذي يجب ان يأخذ مكانه، هو الصدى الداخلي، القادر على خلق التوزان ويحد من الاندفاعات غير المبررة في عملية تبدوا للكثيرين انها اشبه باللعب بالنار. الاعقد من ذلك كله، هو العودة  الى الواجهة، ذلك الخلل المتأصل ولتاريخ طويل في القدرة على ادارة الحوار والخلاف الداخلي وخاصة في المنعطفات،  بما يغني عملهم.. لقد انشغل الكثير منا،  واستهلكت طاقة كبيرة قبل الدخول ساحة العمل، وكان من الممكن ان تستثمر بشكل اخر لو امتلك الشيوعيون زمام المبادرة، بدل الترقب، وحولوا هذا الامر الى رافعة جديدة في عملهم الفكري والسياسي وانفتاحهم على من يحيطون بهم.
+ أن المعيار الحقيقي لنجاح سياسة الحزب هو قدراتها تعبئة الجماهير حولها والدفاع عنها وانعكاس ذلك في تطور مجمل عمله،وليس التصويت المربك والذي اعتبر حاسماً، وليست الاغلبية مؤشر على هذه الصحة، فلقد صادق المؤتمر الثالث في 1975 بالاجماع تقريباً على سياسة كانت نتائجها كارثة.
+ قدرة الشيوعيون والحكمة على تقديم مرشحين يتمتعون بالنزاهة والكفاءة والصلابة باتخاذ المواقف المستقلة وخاصة في تقديم مرشحي مجالس المحافظات ، والتي من الضروري ان تخضع لرقابة المركز، لها اهميتها الخاصة. أتمنى أن تكون ( دار السيد مأمونة ) في هذا الجانب. الى جانب ذلك يبقى العمل مع قوى ( تقدم ) جانبا هاما وملحا ويمتلك أوليات كبيرة.
 ان تحالف سائرون اصبح الان واقعاً حياً. لكن السؤال الاهم، هو ما العمل الان؟  فهل يستطيع الشيوعيون، اخذ زمام المبادرة؟ وهل يستطعون استنهاض قواهم في تحدي جديد، لتجميع أكبر الطاقات بما فيهم المختلفين مع  هذه السياسية وعدم الاستهانة باي كان. هل سيكون هذا منطلقاً جاداً لترميم واصلاح  ما ظهرمن خلل ونواقص وهل سيكون حافزاً جديداً لتطوير اساليب عملهم؟

10
الشيوعيون والصدريون، الى اين ؟

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

شكل اعلان التحالف الانتخابي بين الصدريين والشيوعيين، رغم توقعه الى حد ما، صدمة للبعض، يمكن تلمسه في المواقف المتباينة لانصار اليسار، لكن الصدمة الحقيقية ستكون للاسلام السياسي وبالذات الشيعي، خاصة اذا استطاع هذا التحالف ان يحقق جزء ملموساً من برنامجه، فيما يخص الخدمات ومحاربة الفساد والارهاب  وبناء الدولة على اسس سليمة.  لم يستطيع الشيوعيين رغم كل محاولاتهم ايام المعارضة قبل 2003 ان يحققوا تحالفاً يعتد به مع قوى الاسلام السياسي، وبقى الاسلاميون  متعالين على تحالف كهذا. أستمر نهجهم هذا أيضا بعد 2003. نتذكر كيف قال مرة عبدالعزيز الحكيم باستهانة في احد لقاءاته المتلفزة، بان الشيوعية ظاهرة عابرة في العراق وفي طريقها الى الزوال. في الانتخابات الثانية أراد حزب الدعوة إذلال الشيوعيين من خلال دعوة ممثليهم في البرلمان حميد مجيد والجزائري للمشاركة في قائمة يقودها الدعوة، باعتبارهم افراد وليس كممثلين للحزب الشيوعي ، ورافقها أيضا، النشاط المحموم لاحمد الجلبي لعزل الشيوعيين في تلك الفترة عن تحالفات جادة الا ضمن عباءة الاسلام الشيعي وبشروطه. لا ننسى فتوى اية الله الحائري بتحريم التصويت للمدنيين والعلمانيين ونعيب عامر الكشفي وهو احد وجوه الدعوة في برنامجه التلفزيوني في الاشهر الاخيرة ضد الشيوعيين والعلمانيين وتكفيرهم.
 أول خرق جاد كان في الانتخابات الماضية حين رشح مسؤول الوقف السني ضمن قائمة متحالفة مع الشيوعيين في البصرة، وقبيل الانتخابات بأيام اغتيل الرجل في الزبير وفي وضح النهار، وتواطأت  قوى الاسلام السياسي، الشيعي والسني، في عدم الكشف عن ملابسات  الاغتيال. بالمناسبة قبله سبق ان رشح احد العاملين في الوقف السني في البصرة في قائمة مشتركة مع الشيوعيين ورغم عدم فوزه أو فوز اي من القائمة الا أنه طرد من عمله.
.
التحالف الجديد، هو تواصل لفعاليات ميدانية معروفة وانعكاس لفشل وعجز منظومة العمل للاحزاب المتنفذة ، التي شكل جوهرها بناء الحصون الطائفية وتوسيع مناطق العزل بينها، والاستمرار بتقاسم ( فضل الله)  عليهم والاذلال الدائم للعراقيين، كما تواطأت   قوى المحاصصة مجتمعه على نهج كان قاسمه المشترك هو عزل وابعاد القوى الديمقراطية والمدنية  عن اي دور حقيقي. هذا التحالف، وحتى في حدود إعلانه، هو في واقعه  شرخ لهذه السياسة أو المعادلة وخاصة في ابعاد المدنيين والعلمانيين وبالذات الشيوعيين. هذه الخطوة ربما اذا اُجيد التعامل معها ستظهر فعاليتها في الفترات اللاحقة وبالذات على قوى الاسلام السياسي ويمكن ان يكون تأثيرها ابعد من عراقيتها. لقد كسرت هذه الخطوة الحاجز النفسي في التحالف مع الشيوعيين وفكرة تكفيرهم، وهي خطوة هامة في مجتمع مسكون بالدين والخرافة، مثلا لقاء الصدر مع سكرتير الحزب الشيوعي خفف من الضغط على حركة الشيوعيين في بعض مناطق بغداد.
 
لم تعد قوى الاسلام السياسي بكل اصنافه، منذ سنوات عديدة، بسبب مجمل سياستها وفسادها وارتباطاتها،  قوى وطينة عراقية. حتى فكرة الوطنية العراقية اصبحت جراء سياسة النظام الساقط ومواصلة القوى المتنفذة بعد 2003 ذات النهج بجوهره والقائم على التفريط بالوطن واذلال العراقيين، اصبحت فكرة  ضبابية ان لم تكن مشوهه..
الصدريون بخطوتهم هذه يسعون لاعادة هذه الصفة لهم ويسعون لاعادة ترتيب أولياتهم، وهي خطوة سليمة ومن حقهم ان يقدموا عليها،وهي في جوهرها تشرع الابواب لتحريك جملة من العوامل، أن لم تكن  على مستوى العقائد، فالتاكيد سيكون لها اثرها على مستوى الممارسة اليومية.
 انها خطوة تعيد للفكرة والموقف الوطني اولياته ومن ضمنها الخدمات والامن للعراقيين. ستنعكس بشكل أو اخر على اطراف أو اشخاص ذوي توجهات ومواقف وطنية وعقلانية، في داخل كل قوى الاسلام السياسي ، التي فرطت بالعديد من  الفرص المتوالية، لبناء تحالف وطني سيلم بحدوده الدنيا مع قوى اليسار والعلمانية وكل الشخصيات الوطنية المخلصة،  لإنقاذ ما كان يمكن انقاذه. لا يغفل بهذا الصدد انعكاسات الانتفاضة الايرانية الاخيرة والتي سحلت فيها صور  الولي الفقيه ( ظل االله الارض ) في الشارع.  هذا المقدس الذي مسحت به الارض، لا يستبعد ان يجد صداه في العراق في فترات لاحقة، فالوضع في العراق مشحون بكل مسببات الانفجار.
 مسار هذا التحالف القادم وقدرة الطرفين على الحفاظ عليه كتحالف انتخابي وأكد مرة اخرى كونه تحالف انتخابي، جدير ان يفتح الشهية للعديد من النقاشات والتوقعات. من جانب اخر سيكون هذا التحالف الانتخابي سكينا في خاصرة كل قوى الاسلام السياسي وبالذات الشيعي وبعض القوى الاقليمية، ربما يفتح الباب لتغيير بعض المعادلات التي اراد البعض تحويلها الى قواعد ثابتة في الحياة العراقية. هو اعتراف ونصر لوطنية الشيوعيين العراقيين وكل القوى الديمقراطية والمدنية ،كأحزاب او حركات او شخصيات مستقلة، واعتراف بنزاهتهم ومعظم طروحاتهم وكفائتهم وتفانيهم في النضال من أجل الوطن والشعب.
تكمن المخاوف من مؤيدي اليسار، حسب تقديري، أن الشيوعيين لم يجيدوا لعبة التواصل الحي في التحالفات. اي انهم في معظم تحالفاتهم الكبيرة في تاريخهم سواء مع قاسم او البعث او القوى القومية الكردية، لم يجيدوا او يدركوا في اللحظة التاريخية المناسبة ان هذا التحالف أو ذاك اصبح اضيق  مما يمكن ان يكون عليه، او انه تحول الى مشنقة في رقابهم. لم تظهر القيادات الحزبية المتوالية فعالياتها ومهاراتها في هذا الامر. دائما كانت انسحاباتهم تأتي متاخرة، وبعد ان دفعوا ثمناً غالياً، اضافة لم ترتب عليه من خسائر فادحة لاحقاً.
 طبعا هذا لا يتعلق فقط بطريقة التفكير وما يؤخذ عليها وانما آليات العمل، واتخاذ القرار بالوقت المناسب. بمعنى هناك شكوك جادة بقدرة القيادات على ادارة عملية كهذه بالاستناد على تجارب التاريخ، يترافق مع ذلك التصور العام بهشاشة الكثير من مفاصل التنظيم وتركيبة العضوية في الحزب بعد 2003،  بما فها الحصانة الفكرية والسياسية وغيرها وما ارتبط بها من تصورات عن بناء الحزب باعتباره حزب انتخابي.
 
 أهمل الشيوعيون  او القوى المدنية تقديم دراسات جادة ومتواصلة عن الاحزاب الاسلامية في العراق أو عن القوى الاخرى. ما هي هذه القوى وما هو تركيبها وما هي التغيرات التي جرت في قياداتها وماهي مواقفها العقائدية وممارساتها السياسية وغيرها. ماهي سيكولوجية قياداتها العليا والاساسية ومتغيراتها وهو الاهم في احزاب وحركات ذات بنى تنظيمية هشه ، تتحكم فيها روح المنظمة السرية، أو انها ذات طابع عشائري أو ابوي.  بقيت فعليات الشيوعيين وبالذات كونفراستهم الفكرية  ولسنوات بعد 2003 تدرس وتناقش في الدولة المدنية ومعالمها وغيرها، وهو امر ضروري ، لكن اهملت والى  حد كبير طريق الوصول اليها. يعني في الكثير من جوانب النشاط الفكري ، الذي كان يجري توصيف العربة قبل الحصول على الحصان. ساعد في ذلك اليد الحديدية المتحكمة في اعلامهم وخطابهم الحذر والمبالغ في حذره وعدم الانفتاح في تقبل ما ينشر في هذا الصدد. حتى هذه الخطوة  الاخيرة ، التي كانت لها مقدمات من اشهر عديدة  لم تستغل لتحريك النقاش الفكري والسياسي من قبل الشيوعيين ومحبيهم، يظهر انه كالعادة اكتسب النقاش طابعا نخبويا الى حد ما، حيث اجرى الشيوعيون استفتاءاً داخليا في حدود معينة لحسم موقفهم في التحالف مع حزب الاستقامة المدعوم من الصدر، وهذا ما يثير القلق عند الكثير.
.
لقد كانت المواقف والتصريحات المربكة وفي عدد غير قليل من المناسبات  سواء قبل أو بعد الانتخابات السابقة تزيد من تشوش المواقف وقد سبق ان كتبت عنها، ربما اخرها ما كتبه عضو المكتب السياسي والنشاط في الحراك المدني وصلة الوصل مع الصدريين السيد جاسم الحلفي، انه لن يرشح نفسه للانتخابات، موقف لا يعدو سوى كونه موقف غير مدروس، حتى لم نعرف مبرراته  والمعروف في عمل الشيوعيين  هناك آليات اخرى تتحكم في امور كهذه. وهو موقف يثير التساؤل والاستغراب، خاصة حينما يجري تدوال معلومات اخرى وفي وسائل التواصل الاجتماعي تمس هذا الموقف، ولا يعرف القارئ مدى صحتها، خاصة انها تنطلق من اطراف ليس بعيدة عن الشيوعيين.
 
طرح الشيوعيون على الدوام تصوراتهم او مطاليبهم لضمان اجراء انتخابات سليمة ونزيهة، الا انهم كانوا سرعان ما كانوا يتخلون عن ذلك، بحيث اصبح ذلك التخلي بمثابة  نهج،  للمشاركة في الانتخابات والقبول بما هو مطروح او مفروض من قوى المحاصصة المتنفذة، سواء كان ذلك قبل الانتخابات أو بعدها ، التي كان يتحكم فيها بالأساس التزوير والفساد. هذه السياسة لم تثمر عن شيء، ولم تثمر اوراق التقييم اللاحقة بعد كل فشل في توفير قناعات وافية في هذا الامر.
 تصاعدت الاصوات داخلهم لمقاطعة الانتخابات، أذ كان اساسها التزوير والفساد، وللأسف اقتصرت دعوتهم ودعوة القوى المدينة لانتخابات نزيهة وغيرها من شعارات في هذا الصدد خلال السنوات الاخيرة بالعمومية.  بمعنى كانوا كما يقول المثل العراقي ( يطلبون من الحافي نعال ). هم الان ومن قبلها مطالبون بوضع برنامج كامل وواضح لتصورهم لانتخابات نزيهة في حدودها المعقولة. المشكلة ليس في قانون الانتخابات الجائر فقط، رغم اهمية ذلك. المشكلة في المفوضية  وتفاصيل الانتخابات منذ بدء الاعلان عنها، مثلا مئات الالاف من المصوتين الوهمين والاموات، الفرز، التصويت الخاص وغيرها. نشر هذا البرنامج والتثقيف به وجعله قاعدة هامة للنضال من اجل  تحقيق انتخابات نزيهة بحدها المعقول كمرحلة أولية، يتيح لهم ولكل القوى المدنية، درجة من المرونة في تدقيق التحالفات وتفسير الكثير ( المعجزات ) في الانتخابات العراقية القادمة . والسؤال الاهم والذي ينتصب امام الكثير هو ماهي أهمية  كل هذا الامر اذا كان البعض يستطيع التحكم في مفوضية الانتخابات والنتائج الاخيرة بجرة قلم، حيث يستطيع في النهاية ان يغير وبكل بساطة النتائج الاخيرة للفرز والتصويت من خلال الكومبيوتر في التصنيف الاخير، وهذا ما اثبتته التجربة السابقة، والذي لا يعجبه فليشتكي عند قضاء مدحت المحمود المبيوع مسبقاً.  لم يستطع الحراك المدني وبما فيها الصدريون ان يغيروا شيئا سواء بالضغط من الشارع او من خلال ممثلي التيار الصدري في البرلمان، الذين لم يكن موقفهم يختلف عن القوى المتحكمة في البرلمان. السؤال المهم ماذا يريد الشيوعيون من هذا التحالف. ليس فقط قضية الوصول للبرلمان، رغم الهدف المعلن له، هذه عملية كبيرة وجريئة وخطرة، وتحميل في طياتها العديد السيروات. ان اللغة المبسطة بالاتهامات أو الدفاع غير مجدية في الوقت الراهن. اتمنى أن
تاخذ هذه القضية حوار جاد وتكون حجرة في المستنقع. العملية هذه يجب متابعتها وتطوير اليه وفنون ادراتها من خلال النقد الجاد، والتخلص من التبررية  في  التعامل معها.

من حق الشيوعيين وكل القوى الديمقراطية الوصول للبرلمان والمشاركة في الحكومات على اساس برنامج  وطني واضح وصادق ومع قوى جادة في هذا الامر وهو ، أيضا ، جزء هام من واجباتهم وجزء هام من نضالاتهم والا كيف يستطيعون ان يحققوا برنامجهم المرتبط ببناء الدولة  ومحاربة الفساد وتقديم الخدمات وغيرها. وان لم يستطيعوا ذلك فمن الممكن ان يتحولوا الى  قاعدة اساسية لمعارضة نظام المحاصصة، رغم انهم حققوا بعض الخطوات في هذا المجال، لكن التخوف الان  من العمل مع قوى  كانت هي نفسها  بقدر غير قليل جزءاً من نظام الفساد والمحاصصة ولها ميلشياتها الخاصة، وهي ذات بناء تنظيمي هش وشكلي. لنترك هنا الجوانب العقائدية  ويشكل العنف والفساد جزءاً من آليات عملها وتفكيرها وهي حركة قائمة على مثلث واقف على رأسه ( الصدر) مع الاخذ بنظر الاعتبار التغيرات في مواقف الصدر وبعض اطراف حركته المتنوعة. الصدر اليوم هو قائد لحركة سياسية وهو يختلف الى حد غير قليل عن الصدر بعد 2003 . هذه التغيرات باعتباره قائد سياسي او كحركة جديرة بالملاحظة، دون التهويل بها والتعويل على تحولات جادة في هذا الاطار في الوقت الراهن. هناك فعلا نقاط التقاء وبسب عوامل عدة وهو تيار لم يشهد فرزا حقيقيا لحد الان ولكن التقييم الموضوعي يتطلب اخذ هذه الجوانب بنظر الاعتبار. من مسؤولية التيار المدني والشيوعيين ان لا يتعاملوا بعبثية مع هذا الامر. مسؤوليتهم  هو التقييم الموضوعي لهذا الامر بحيث يكون هذا التحالف فرصة لتحقيق نجاحات في جبهتم، كما هو من حق الصدريين ان يحققوا نجاحات لجبهتهم . كيف سيكون الامر اللاحق في التعامل، أو ضبطه ، لا يستطيع احد أن يضمن اجابات وافية الان، الا بخطوطها العريضة ولكن المخاوف ان الاجابات بالخطوط العريضة تبقى هي النهج السائد دون السعي لتغذية هذه الاجابات بتفاصيل حقيقية وواقعية.

المخاوف من اشتراك حركة الصدريين في القاعدة الاجتماعية التي يتحرك فيها الشيوعيون وكل القوى الديمقراطية ، والخوف أن يفقد الشيوعيون والقوى المدنية ماهيتهم في تحالفات كهذه وبالتالي تتحكم قوى الاسلام السياسي والقوى المتحكمة بها اقليميا، بالقمة والقاعدة. اي في مؤسسات الحكم وفي الشارع وهو احتمال غير مستبعد وقائم. فقد اثبتت هذه القوى قدراتها المميزة في هذا الجانب بعد 2003.

اسئلة عديدة يثيرها هذا الحراك أو التحالف السياسي في مواقع قوى متعارضة، لم نعتد عليه، لا يكفيه الان الاجابة بـ(مع) او (ضد). في كل الاحوال يتعامل البعض معه من موقع المتشائل وهو بحاجة الى تقييم واسع ومسؤول مع من يؤيده أو يعارضه. يبقى الواقع هو سيد المنصفين لهذه السياسة.


11

   
أمراءة تمتطي الخوف لتعانق احلام وصمود المنسين


د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة *

في نشاط ممتع ومتميز قامت جمعية النساء العراقيات في هولندا في 22 تموز 2017 وعلى قاعتها باستضافة عرضاً مسرحاً للمخرجة والممثلة الهولندية (Annet Henneman )

منذ سنوات طويلة تقيم السيدة ( أنيت ) في ايطاليا وتنشط في مجال مسرح االخفية أو مسرح التقرير وهو استخدام المسرح كوسيلة صحفية للحديث عن القصص الحقيقة والاوجه المخبأة في المجتمعات، التي لا صوت لها. عرضت ( أنيت ) تقريرا او تقارير صحفية مُمسرحة. سعت فيها لايصال صوت الناس الذي لا يسمع صوتهم والذي عادة ما يقوم الاعلام باهماله أو تجاوزه. مستخدمة في ذلك تقنيات مخلتفة عما اعتدنا عليه في مشاهدتنا للمسرح العراقي او العربي. هي طريقة معاكسة ومعارضة للاعلام الذي يجري وراء الحدث مباشرة. حيث يغطي الاعلام الحدث في وقته، محفوفاً ببهرجة الحدث وسبقه الصحفي، مهملا او متجاوزأ تلك ( الاحداث الجانبية أو التي تبدوا صغيرة )، والتي تشكل جانب عميق من مأساءة المجتمع. مثلا يغطي الاعلام انفجار قنبلة، حتى ولو كانت صغيرة ( رغم بشاعة الحدث باعتباره جريمة مدانة )، ويظهر بشاعة العمل وعمق المأساة للحدث وردود الفعل من الضحايا ومن حولهم، ولكن هناك في نفس الوقت اعداد مضاعفة عشرات ومئات وربما الالاف المرات، لضحايا من الاطفال الذين يموتون مثلا بامراض السرطان نتيجة عدم توفر الادوية المخصصة او مخففات الالم بسب سرقة الاموال المخصصة لهم من قبل المسؤولين او الجهات القائمة على الامر. مثلا اخر ممكن ان نجده في منشوراتها على الانترنيت. الطلبة السجناء في ايران نتيجة الاحتجاجات التي حدثت هناك. كانت الاحتجاجات في وقتها وللمشاركين فيها مادة غنية ودسمة للاعلام، لكن الاعلام نساهم بعد مرور سنوات على اعتقالهم او سجنهم وغاب صوتهم عن المشهد. هي لا تستطيع الحديث مع هؤلاء الطلبة السجناء، حيث لا تتوفر لها فرصة اللقاء المباشر بهم ولكنها تنقل صوتهم من خلال احاديثها ومجمل علاقاتها مع محاميهم وعوائلهم واصدقائهم وغير ذلك من السبل. يتربط هذا الامر ايضا بالطريقة التي تستخدمها ( انيت ) في الوصول للمعلومات وسيناريوا الحدث، حيث تستخدم ( أنيت) طريقة التخفي والعلاقة المباشرة مع الاوساط التي تسعى الى عكس اصواتها. فهي تتنقل وتعيش في هذه المناطق الساخنة او المتوترة وتنسج بكل معنى الكلمة علاقاتها مع هذه الاوساط، بدون اي حماية رسمية او اي دعم مادي من جهات رسمية او غير رسمية، وتتحمل شخصيا تكاليف ذلك. من خلال حديثها وطريقة تعبيرها عن تجربتها في هذا المجال، تتلمس انها مختبئة ومحتمية بحب الناس وبشبكة العلاقات التي تنسجها مع الاوساط التي تعمل عليها او فيها. يتيح لها هذا الامر، نقل صورة صادقة عن معاناة الناس الذين لا يسمع احد صوتهم، اولئك الذين يصرخون من تحت الانفاق لعالم مبهور بالاعلام. لذلك تجد انها غير محتاجة للتمثيل في عروضها الا في عرض المَشاهد التي تتطلب مسرحة التقرير الصحفي وشد المشاهد اليه كما في عرضها الذي شاهدناه. تعمل (أنيت ) على كسر الحاجز بينها وبين الجمهور. لم نكن نشعر اننا مشاهدون، كنا جزء من العرض سواء من خلال اسئلتها الموجه للجمهور واشراكه بالحوار او مما قدمته قبل العرض وأثناء العرض، أو ما سيكون بعد العرض وهي المستويات، التي تعمل عليها بجد ومثابرة. عملها لم يكن معلقا في الهواء فهي تبحث عن نتائج مملوسة لما قدمته. مثلا قدمت (أنيت )عرضأ في احد المدارس الهولندية عن اللاجئين والاسباب التي تدفعهم للجوء وما يعانيه هؤلاء في طريق رحلة العذاب والاذلال والموت للوصول الى بر الامان وما الذي ينظرهم في بلدان اللجوء. بدأت ( أنيت ) مشورها أو مشروعها الفني، في الأصل، حين وجدت نفسها تبحر في قارب صغير مُحمل باعداد كبيرة من طالبي اللجوء من اكراد تركيا، وخاضت كل عباب هذه المغامرة الخطرة والملامسة للموت واكتوت بنار عذاباتها. بعد عرضها في هذه المدرسة، وزعت (أنيت ) استمارة على الطلبة المشاهدين للعرض لتسجيل أرائهم وردة فعلهم على العرض وهو ما تسعى اليه. أحد الطلبة كتب في الاستمارة على الكل ان يتركوا او يهجروا هذا البلد. جاءها بعد العرض، باكيا وخجلاً ومحملاً بسؤال واحد. ماذا اعمل ..؟. جوابها كان ان بسيط جداً. حدث عائلتك بما شاهدت وما سمعت بهذا العرض. أذا وجدت نفسك صدفة امام لأجي، استقبله بالتحية. تريد أن تعمل اكثر اتصل بمنظمة العفو الدولية.
عروض (أنيت ) مخصصة أصلاً للجمهور الاوربي وهي تسعى لايصال اصوات هذه المجتمعات وبالذات النساء والاطفال، التي لا يسمع صوتها، وذلك من خلال ريبورتاجات وحكايا صغيرة ولكنها مفعمة بالمشاعر الصادقة والاماني والألام والمقاومة.
رصديها الاساسي في عملها ان تترك المشاهد تحت سؤال لجوج يحاصره. ماذا اعمل؟ وهل يكفي ان ابقى مشاهداً؟ والى اي حد أبقى محاصراً بهذه السلبية ومقيداً بهذا الخمول؟. انها تعمل على ذلك الحس الانساني عند المشاهد وفتح القنوات والمسارب للتعبير عنه.
ابتدأت عرضها الذي شاهدناه ( صمود واحلام ) والذي هو مخصص اصلاً للجمهور الاوربي بمجموعة من الصور عن زيارتها وعملها في العراق ( وصلت أنيت من البصرة،قبل يوم واحد من العرض) وفي مدن عديدة منها البصرة وكربلاء وبغداد والناصرية وجلولاء ومناطق كردستان ومدن اخرى، رَوت كيف تعيش بين العوائل وكيف يحتضنها الناس بحب وحنان. كيف كانت ترتدي العباءة والفوطة والملابس بالطريقة العراقية بما فيه اللباس المحجب، تتنقل بين المدن بواسط النقل العام وكيفية اتباعها للتقاليد الاسلامية او العشائرية او المحلية في الاختلاط لمجتمع بات يخضع لها بسب الخوف او الرغبة، مما لا يكشف عن هويتها الاوربية. تحدثت عن عروضها في البصرة وصعوبة ان تجد ممثلات يشاروكونها الادوار. طريقتها في كسر مشكلة اللغة بينها وبين المشاهد حيث انها تستخدم اللغة الانكليزية في العرض واستخدمها مثلا لمشارك أخر في العرض يستخدم اللغة العربية في الحوار. تحدثت عن المخاطر التي تحف بالناس الذين يساعدونها وعن المخاطر التي تحف بعروضها وطريقة استقبال الناس لها. تحدثت عن تلك المرأة الكردية والتي كانت لها بمثابة الام والتي تستوطن في بيتها عند زيارتها للسليمانية. شاهدنا صورها على خطوط التماس في القتال مع داعش والتي لا تبعد سوى مائة متر عن مواقع عصاباته المتوحشين، مفتخرة بحماية مجموعة من الشباب العراقي البطل والمسلح باسلحة خفيفة ورشاش ثقيل واحد. تحدثت ووثقت صور الدمار الذي خلفة داعش في المناطق التي احتلها وتحررت منه لاحقا كما في الموصل وجامعة صلاح الدين وغيرها. كانت كل الصور موثقة بكاميرتها الخاصة. هذه الصور والاحاديث كانت هي المدخل للعرض والذي افتتحته باغاني فيروز ونقلتنا الى اجواء عائلة في كربلاء كانت تعيش عندهم. بسلاسة سألت الجمهور، بماذا نفتتح صباحنا في كربلاء، كمشاهد كنت اتوقع ان يكون القرأن او احد الادعية او المقتل أو ما شابه ذلك، لكن المفاجأة كانت هي أغاني فيروز ان تكون مفتاح الصباح. اذا مازال في العراق بعض الخير مادام هناك من يفتتح صباحه بفيروز. في كربلاء يكون تقريرها الصحفي المُمسرح عن إمراءة زوجها محامي يزدحم كل يومه في المحاكم والقضاء. سألت الجمهور العراقي مباشرة. تعرفون ما هي القضايا الذي يزدحم بها يوم عمل زوجي؟ اجاب الكل- تقربياً - بصوت واحد. قضايا الفساد. قضايا الطلاق هي القضية الاولى لعمل زوجي في المحاكم وبالذات قضايا طلاق اللاتي تزوجن وهن قاصرات.
مثلت حكاية الام والتي اصبح عمر ابنها 34 عام ولكنه عاش 4 حروب. عن حياة النساء الداخلية قصت ومثلت. بعد ان يخرج رب البيت، مباشرة تتنقل قنوات التلفاز من القرأن والادعية الى قنوات تطل على العالم الاخر. العالم المدني المتحضر والذي يسعى المجتمع والسلطة لاخفاءه وتغيبه عن يوميات الناس. قلق الام عند خروج أحد ابناءها للتسوق واحتمال ان يسرقه الموت المجاني. مبادررات ومقاومة الناس باشكالها اليومية العفوية او الواعية لما هو قائم. أسمعتنا صوت 17 الف شاب تجمع في الكرادة في كرنفال بهيج بالموسيقى وحب للحياة لاحياء ذكرى تفجير الكرادة. انا عراقي انا اقرا كانت في الصورة. أطفال البصرة الحالمون على الورق المدمى وماذا يكتبون. كان المشهد الذي يتحدث عن احلام طفل معاق من اكثر مشاهد العرض درامية ( بعد العرض سمحت أنيت للفنان التشكلي المعروف قاسم الساعدي وبعد نقاش ان يستل ثلاثة اوراق فقط من اوراق واحلام الاطفال المكتوبة والمرسومة باياديهم، ربما ستكون مادة لابداع جديد للفنان قاسم الساعدي). كانت هذه وغيرها صورة حقيقة بدون اي روتوش. اعتمد العرض على المونولوج الداخلي، تخلل العرض اغنية عراقية اثيرة على قلوبنا شارك الكل في ترديدها ( صغيرة كنت وانت صغيرون.....).
انتقلت بعد ذلك الى لوحة اخرى من غزة – فلسطين. عن بضعة عوائل في جبل الباب تقاوم الاستطيان الصهويني. جبل الباب واربعون بدويا وهو مجتمع العوائل التي تقاوم وتقابل جبروت الاستيطان الصهوني. احلامهم، خيمهم المهدومة، زوايا واحجار واشجار الجبل الذي يعرفون كل مسامته والذي يجب ان يثبتوا للاسرائيليين انهم يملكونه باعمارهم الممتدة لقرون عاشوها في جبل الباب . كل ما حصل هذا ( الشعب ) المقاوم والذي كان تعداده اربعون بدوياً هو عشرون كوتنر من الوحدة الاوربية، لكن المقاومة تكون هو باعادة تأهيل هذه الكوتنرات ببناءها من الداخل. 300 جندي اسرائيلي يحاصر اربعون بدوي، اربعين فلسطيني ينبش اظفارة في تراب جبل الباب كي لا يهجروه. 300 جندي من جيش الدفاع الاسرائيلي، المدجج بالاسلحة المتطور، يحاصر شعب صغير من النساء والشيوخ والاطفال والشباب في جبل الباب. ( شعب ) اقسم افراده ان لا يغادر شبابه جبل الباب. تتسائل امرأة في جبل الباب، في كل مرة ياتي الينا صحفيون. يكتبون ويصورون ويسجلون ويروحلون ولا شئ يتغير هنا. جبل الباب يقاوم والصهويني يستكلب.
كل صور وشخصيات ( أنيت ) هي حقيقية ومستلة من الواقع. تنقل صوتهم. هي شخصيات مقاومة من خلال احلامها، افعالها، اقولها، حركتها اليومية، حوراتها، فعلها الذي يبدوا غير محسوس، ذاكرتها الحية، خوفها الانساني وتمسكها اللامحدود بالحياة وحتى من خلال صمتها البليغ.
أنيت تعانق بحميمة نادرة هموم هولاء البشر وتسعى لان تكون صوتهم المسموع.

في مدينة ( Volterra ) حيث تعيش، يخرج اسبوعيا طلبة احد المدارس للتجمع على عزف الطبول في ساحة المدينة، تضامناً مع اطفال العراق.
قدمت ( أنيت ) عرضها على قاعة بسيطة وعادية لا تتوفر فيها اي من مستلزمات المسرح، واستخدمت في مشاهدها ملابس عراقية وفلسطينة قامت بتغيرها امام الجمهور. بعد العرض، فتحت ( أنيت ) النقاش مع الجمهور. بعد العرض طلبت تصوير الحضور من اجل عرضه على الفيس بوك، ليس لتوثيق الفعالية فقط وانما ليرى الذين روت قصصهم واحلامهم وصمودهم، ان هناك من يسمع صوتهم.
قدمت للعرض وادرت النقاش وكل الامسية، فنانتنا القديرة مي شوقي والتي اضفت مداخلاتها، الحيوية للوقت الذي امتد لساعتين ونصف متواصلة، دون ان يشعر الجمهور بتسرب الوقت. قدمت الفنانة مي شوقي شكرها للتشكلية العراقية عفيفة لعيبي والتي كانت حلقة الوصل مع االممثلة والمخرجة ( انيت هيننمان).
كان يوم جميل وحيوي وممتع بنشاطه ولقاءه، يوم يعكس جهود جمعية النساء العراقيات في هولندا وجهود الكثير من عضواته على المواصلة في تقديم فعاليات متميزة، ويبقى الجمهور بانتظار فعلية الجمعية القادمة والتي يجري التحضير لها وهي استضافة ستوديو المثل من لندن في تقديم مسرحية (كان ياما كان في حلم ) عن حوارية السيد والعبد وهي من اعداد واخراج الفنانة المسرحية روناك شوقي.
...
* مشاهد


12

بعثيو المحابس: ميليشيات منفلتة أو منضبطة؟

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

لم يجد بعثيو المحابس وهم يتحكمون بمفاصل الدولة والمجتمع الا في ارث بعثيي الشوارب، نهجاً  ثابتاً في ادارة الدولة والمجتمع وهذا ما عكس خواءهم الفكري والسياسي وبطلان ما كانوا يدعونه من برامج ونظريات ورؤى. بعثيو الشوارب هم اول من اسس ميليشيات الحرس القومي وسن له قانون رسمي ( قانون الحرس القومي رقم 35 لسنة 1963 ). شكل هذا الامر، أول ممارسة حقيقية في تاريخ العراق الحديث، لممارسة العنف المنفلت وبكل اشكاله الفاشية تحت اطار القانون وحماية الدولة ورعايتها، وارتبط ذلك بتنفيذ اجندة سياسية لحزب معين او قوى سياسية معينة ( تحالف قومي- ديني) عملت على تهميش دور الدولة واخضاع واذلال المجتمع عن طريق استخدام العنف باقسى طرقه ومدياته، قاد بالنهاية الى الكارثة التي نعيشها اليوم. عاد البعث في 1970 ليشكل الجيش الشعبي بعد ان تمرغ اسم الحرس القومي وللأبد بالجريمة والعار وليتولي المقبور صدام حسين قيادته ومن ثم تولى على قيادتة اكثر الاسماء دموية وانحطاط في البعث. إن نزوع الاحزاب الشمولية الى التنظيمات العسكرية او شبه العسكرية يهدف لابتلاع الدولة كمؤسسة والاستيلاء على السياسية بشكل كامل بحيث تسعى هذه القوى لفرض نفسها بعيداً عما يتناسب مع ثقلهم في المجتمع، خاصة في الوضع العراقي الحالي حين اتضح فشل المشروع الاسلامي. 
ان ميليشيات الحشد الشعبي والتي تشكل قوى عسكرية ضاربة لقوى سياسية ذات طابع شمولي، لا ديمقراطية ولا يجمعها اي رابط مع حقوق الانسان وهي قوى لا وطنية في الكثير من مفاصلها وهي قوى الاسلام السياسي الشيعي والتي لا تخلتف في هذا المجال عن قوى الاسلام  السياسي السني  وما كانت داعش وقبلها تنظيمات اخرى الا أبشع الصور الدموية لها واكثرها جرماً وخزياً.
 فاذا كان نهج داعش هو تدمير الدولة كهدف ثابت لها من اجل تثبيت قواعدها على الارض، فان الحشد يسعى بكل اشكال نشاطه الى تهميش دور الدولة وتحويلها الى راعية لنشاطه وادارة تكاليفه دون النظر الى طبيعة هذا النشاط واهدافه.
ان الموقف من ميليشيات الحشد الشعبي يتجسد في الموقف من بناء الدولة على اسس دستورية ومن الموقف من تطوير ما يسمى بالعملية السياسية والموقف من الارهاب والتطرف وفي بلورة مجتمع مدني ودولة مواطنة وخلق حياة ديمقراطية تؤمن التداول السلمي للسلطة وغيرها من الاهداف التى تؤمن تطوير الدولة والمجتمع. 
لا ينكر الدور الذي قامت به بعض فصائل الحشد للتصدي لداعش ولا التضحيات التي قدمها العديد من افراده لاسباب وطنية او دينية او طائفية وغيرها، لكن ان يبقى  تقييم دور الحشد كمؤسسة ضمن اطار عملية كاملة وما هو مخطط له من دور وما هو مناط به او ما سيلعبه في لاحق الايام. قسم كبير من فصائل الحشد كان في حقيقتة أمتداد لميليشيات معروفة ولها ادوار غير مشرفة سواء في صراعها مع المجتمع واخضاعه او في صراعاتها الداخلية او في صراعاتها مع القوى الاخرى على مراكز السلطة والمال والقوة، لكن فتوى السيستاني في 2014 اكسبته اسماً يبدو اكثر براغماتيا واعطته طابعاً وطيناً.  عمليا نُسفت دعوة السيستاني وافرغت من مضمونها واتخذ مسار الحشد طريقاً اخر.
جاء تأسيس الحشد ردا على داعش، التي عبرتشكيلها عن نقطة التقاء المصالح الامريكية والايرانية وبرعاية المالكي وقوى الاسلام السياسي الشيعي. فقد كان المالكي وحكومته وقادة حزبه وغيرهم على علم مسبق وتام بهروب المئات من عناصر القاعدة وقوى التطرف الاكثر اجرماً ودموية في2013 من سجن ابي غريب ودون اتخاذ اي اجراء مسبق ضد هذا الهروب. هؤلاء كانوا هم القاعدة الاساسية لتشكيل داعش.
 شكل تسليم الموصل من قبل المالكي ووهم تحرريها لاحقا من قبله ولاغراض سياسية خاصة به وبحزبه وتسيد نهج طائفي معين في ادارة الدولة والمجتمع، شكل العتلة التي حولت الميلشيات الشيعية الى الحشد الشعبي، ولا يخفي المالكي دوره الحقيقي في تاسيس وتمويل الحشد واعتبار نفسه قائده الحقيقي.
يُثبت الان اسم ل 67 فصيل في الحشد الشعبي. تمثل هذه الفصائل وبالذات الكبيرة والفعالة منها عدداً وتسليحاً، تمثل البيوتات المالية ( الاوليغارشية المالية ) المتحكمة في السلطة عبر اشكال واحزاب سياسية وهى ممولة منها وبالتالي مرتبطة بها وبحماية مصالحها حين يتطلب الامر او تعزيزها لاحقأً في الصراع على مركز النفوذ والسلطة.
 تتوازي قوى الحشد كما تشير الكثير من المعلومات مع قوات الجيش عدداً وتسلحاً. بالتالي هي قوى موازية للجيش. اما فيما يعلن بانها تخضع لرئيس الوزراء فهو اعلان لا يمكن اثبات مصداقيته في الواقع الا في تحمل رواتب وتكاليف الحشد على الدولة. ترتبط هذه الميليشيات على المتسوى الديني – الفقهي بايدلوجية قامعة استبداية ودموية، ترقض وجود الاخر المخلتف عنها. على مستوى الفتوى والممارسة اليومية والسياسية يرتبط ما يقارب ثلثيها بمرجعية غير عراقية، لها مشروعها القومي - الطائفي الخاص والذي لا يجمعة اي جامع مع المشروع الوطني العراقي، ولم يعد قادة بعض هذه الميليشيات يخجل من مواقفه وتصريحاته للارتباط بايران ومشروعها، بل هناك مطالبة بتوسيع دور الحشد في سوريا ومده لمناطق اخرى بما يخدم الصراعات الاقليمية.
 رغم كل الهالة والقداسة ( الحشد المقدس، الحشد الهي وغيرها) التي يسعى لاضفائها الاعلام المرتزق او المُبتز او المتملق على وجود الحشد وممارساته وتغييب دور الجيش العراقي وسرقة انجازته في الحرب ضد داعش الا انه تترتبط باسم العديد من فصائل الحشد الكثير من عمليات النهب والسرقة والاعتداء، سواء لممتلكات الدولة او المواطنين. مازال كذلك مصير الالاف من المحتجزين والمخطوفين والمغيبين من المناطق الغربية بالذات او من بغداد وغيرها من المناطق الاخرى ومنذ فترة طويلة، مجهول ودون ان يعرف عن مصيرهم أي شيء. لا تستطيع الدولة اتخاذ اي اجراء بهذا الصدد رغم معرفتها بهذه الجهات واماكن الاحتجاز. عند التفكير في صياغة موقف سليم من الحشد هناك جرائم حقيقية يصعب التغافل عنها ضد المدنيين بما فيها القتل والتمثيل، اضافة لارتبط اسمة بعمليات التهجير الواسعة والقتل على الهوية وغيرها. الى جانب ذلك تحول الحشد الى بؤرة من بؤر الفساد، اقلها في حدود المعلومة التي اثارها رئيس الوزراء على وجود الالاف الفضائيين بين صفوف الحشد. 
لحد الان لا يوجد احصاء دقيق لقوى هذا الحشد وتسليحه بما فيها السلاح الثقيل ومصادر تمويله ومناطق عمله وطبيعة نشاطه بما فيها زجه في مناطق خارج العراق وابعد من سوريا. حتى عدد الشهداء والضحايا غير معروف. قبل بضعة سنوات اشار الاعلامي محمد الطائي بوجود 30 الف ضحية او قتيل من عناصر الحشد في البصرة فقط. مما يثير التساؤل عن فائدة زج الشباب العراقي المحاصر بالبطالة وضيق العيش والتهميش في محارق الموت وفي مشاريع لا يجمعها اي جامع مع المشروع الوطني العراقي، ويبقى التساؤل مشروع عن ماهية تشكيلات الحشد في محافظات العراق وبالذات البعيدة عن مناطق القتال وتصاعد الاصوات لاستلام الملف الامني في بغداد في ظل التهم المتبادلة بين اطراف التحالف الشيعي عن مسؤولية بعض اطرافه في هذه التفجيرات وبالذات الخروقات الكبيرة وانعكاساً لطريقتة في إدارة صراعاته الداخلية.
يكشف الحشد وبالذات احد وجوهه الدموية في احد خطاباته العلنية عن دور الحشد في خطف الصحفية العراقية افراح شوقي وسبعا من ناشطي ساحة التحرير والمخفي اعظم من ذلك بكثير، ليعلن بكل صراحة عن الدور القادم للحشد في التصدي للقوى المعارضة لدولة المحاصصة والفساد والبيوت المالية، دون ان تتجرأ الدولة باتخاذ اي اجراء ضده وبصمت مطبق من القوى المدنية التي علقت امالها على ان تتهم الدولة او  تدين من قام بهذا الامر، اكتفى البعض بتسميتها ميليشيات وقحة او منفلتة مما يعكس موقف التردد وحجم الخوف من قدرة هذه الميليشات في سحق الاخر المخلتف حتى لو كان حاملاً لمشروع وطني ويعكس في الوقت نفسه، موقفاً ملتبساً من هذه الميليشيات،.  إن سلوك قيس الخزعلي أمين عصائب أهل الحق وحليف المالكي ونهجه، يشكل نوعاً من البلطجة والسعي لتمرغ ما بقى من هيبة الدولة وايصال رسالة القوى المتنفذة في السلطة ومن يقف وراءها وبشكل علني للتيار المدني  وللمجتمع العراقي بانهم سائرون في فرض نهج المحاصصة وحماية الفساد وتحويل العراق ساحة متقدمة في الدفاع عن المشروع القومي الطائفي الايراني، خاصة في ظل النتائج التي سترتبط بزيارة ترامب الاخيرة للمنطقة.
ان ميليشيات الحشد الشعبي او غيرها مهما اكتسبت من طابع ديني او طائفي او قومي أو حزبي لا تعدو كونها سوى ، مشروع اللاوطنية وتفليش الدولة والمجتمع العراقي واسكات اي صوت وطني.
 لا يعدو بعثيو المحابس اليوم الا وجهاً اخر لبعثيي الشوراب.

13
هل تكفي كلمة وداعاً لحبيب يوسف الخوري..؟
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

كان ذلك في تلك الايام السوداء في نهاية 1978، حين قادني اليه صديقي زيدون صبري درويش لأتعرف عليه وليوفر لي مكان للاختفاء فيه. بعد اعتقالي الثاني في مطلع كانون الاول 1978 كانت الصورة بهذا الشكل، لم يفلح أمن السلطة في انتزاع اية كلمة مني، مما شكل كسراً وتحدياً لوحشية وجبروت ارهابها المجنون في ظل حملة سحقت فيها عظام التنظيم الشيوعي في البصرة. من جانب اخر وجد العديد من الشرفاء في هذا الموقف أنه يعكس رغبتهم في تحدي النظام ومخاطر السياسية السائر عليها، لذلك هبوا بكل شجاعة وشرف لتدعيم هذا الموقف أو هذه المواقف، متحدين نتائجه المخيفة. بعد فترة اختفاء في بيت زيدون والذي اشعرني، بأن تأمين وضعي اصبح من اساسيات حياته،  ولأسباب معينة  تتطلب الامرتغير بيتهم، عرفني زيدون على حبيب الذي سبق ان سمعت عنه. كان حبيب لا يشبهنا نحن العراقيون من حيث الشكل. كان جميلاً مثل وردة الصباح في يوم مشرق، ليس بشكله الاروبي فقط وانما بما اختلط به من ملامح الشرق وما أضفى عليه عذوبة اختلاط الدماء والتقاليد والثقافات. تزين ملامح وجهة ابتسامة مشرقة وألق في عينية يفتحان اقصر الطريق للحديث الغير الملتبس ويكشفان عن ذكاء فطري، فهو مولود من ام ايرلندية واب عراقي ومن عائلة مترفة. ابوه أحد أمهر الطيارين المدنيين في العراق. كان حبيب طالب في السنة الاخيرة في كلية الزراعة قسم الاقتصاد الزراعي ومشغول بقراءة الفلسفة ويستند الى تراث عائلة لها باع طويل في الثقافة والمهنية ومشبعة بالتقاليد الوطنية الحقة. فكل اهله ثبتوا اوتادهم في الحياة والعمل عن طريق الكفاءة والاخلاص والمثابرة والتشبع بالروح الوطنية.  لا يمكن الحديث عن حبيب دون التطرق لعائلته. تلك العائلة التى لو انصف الشعب العراقي ابناءه البررة وعوائلهم لافتخر بدورها البطولي المشرف مثل الالاف من العوائل الاخرى التي لم تتواني عن شئ من اجل سعادة وحرية هذا الشعب.
اختلفنا في تقييم الوضع وربما اعتبرني مبالغاً في شراسة الهجمة التي لم تصل نيرانها انذاك الى بغداد، لكن ذلك لم يكن ذلك عائقاً في مواصلة تدبير امر اختفائي. انا القادم الى مدينة لا اعرف اي باب اطرق فيها، في زمن كان اقرب الناس يشيح بوجهه عنك خوفاً.  عرفت منه انه رتب امر اختفائي في بيت عمه جورج حبيب الخوري. رتب الموعد وذهبت معه. كانت معرفتي بهذا هذا الاسم لا تتعدى قراءتي لكتابه القيم ( اليزيدية بقايا دين قديم). استقبلنا مضيفي الجديد. لم يطل الحديث. عرفه حبيب باسمي الاول فقط وكوني طالب شيوعي من البصرة مختفي. كنت جالساً في زاوية تتيح لي رؤية وجهه بشكل كامل.
لم ابحث في وجه مضيفي ما يطمئن مخاوف هارباً من الموت أو الاسقاط السياسي، ليس فقط بسب محدودية خبرتي في الحياة حيث كنت في اول ابواب العشرينات من عمري، لكن كل الاجواء كانت توحي بالثقة وخاصة ان حبيب كان بوصلتها.   لم يسأل مضيفي اي سؤال اخر. رفع راسه بهدوء ووقار وطلب مني شيئاُ واحداً وهو ان لا اتحرك خارج البيت اثناء النهار. كان جورج حبيب الخوري واحد من المثقفين الموسوعين النادرين في العراق. من الماركسيين الاوائل، يقال أنه اختلف مع الرفيق فهد وترك العمل الحزبي ولكنه بقى شخصية وطنية وديمقراطية صادقة في كل مواقفها اشار لها كتاب حمدي التكمجي عن محمد صالح العبلي. هو متعدد المواهب والبحوث، فرغم كونة من خريجي كلية الهندسة قسم الميكانيك في دفعتها الاولى الا انه كانت له ابحاث واهتمامات عديدة منها في علم الفلك وغيرها. لم يفارقه الكتاب حتى وفاته في 1979.  أهملت السلطة وفاته كما سبق أن اهملت حياته لأنه كان قامة أكبر من تنحني امام المغريات. يقاسمه المعيشة في البيت اخته العمة ماري وامه التى انهكتها امراض الشيخوخة وفقدان الذاكرة. الاثنان غير متزوجين وعمليا هما من قام بتربية حبيب، وهو بمنزلة الابن. كانت العمة ماري على ابواب الخمسين اقرب الى القديسة في روحها وحبها وخدمتها، لن انسى قسمات وجهها الطيب والقلق الملتحف به والذي ادركت سره لاحقا وهو كثرة ارتباط ابناء العائلة بالشيوعية.  ظلت الشخصيتان، هما اكثر انعكاساً في مجمل طريقة حياة وتفكير حبيب. لأحقا وبالصدفة عرفت من الفقيد جورج حبيب الخوري، إنه كان صديقاً لعمي الشهيد الزعيم الركن طه ألشيخ أحمد وأنهما كانا يملكان مكتبة في بغداد لبيع الكتب في أواسط الخمسينات من القرن الماضي.
في هذا البيت ذقت أشهى الاكلات المصلاوية وعرفت كرم ونظافة المطبخ والبيت المصلاوي. كانت صينية الاكل التي تصعد بها العمة ماري كل يوم بوجباته المختلفة وهي محملة بشيء جديد ينافس سابقه بمذاقه وشكله وغناه. استمتعت باللهجة المصلاوية حين يجري التداول بها بين افراد العائلة. تعرفت خلال هذه الفترة ومن خلال حبيب على عمه لطفي الخوري، قامة مجلة التراث الشعبي التي كانت تصدر في العراق وهو مثقف رفيع. واخر عسكري كبير متقاعد، مفعم بالوطنية والكفاءة. تعرفت على عامل الخوري الذي يترك انطباعاً بانه نوع من الناس الذي يسير بطريقه الثوري لأخر المطاف وزوجته فوفو والتي كان مظهرها يعكس الدلال والدلع والذي اثار في نفسي سؤلاً غبياً ( هذه وين والشيوعية وين وضرب الحديد واصل للستار). لكن أبا على البطل وزوجته المقدامة افصحا عن معدنهم الثوري الاصيل والصلب وكانوا من ابطال العمل السري ولسنوات طويلة في ظل نظام مخبول بالقتل والتدمير. ما يشابه هذا الانطباع تولد عندي عن ابن عمه الاخر. ومن الصدف ان التقيته في قاعدة بشتاشان قبل احداثها باسابيع قليلة. تصورت  وقتها انه جاء ليلتحق بالانصار وعلى امل ان التقيه لاحقاً ولكنه غاب بشكل سريع. عرفت لاحقاً انه كان قادماً من تنظيم الداخل السري وبمهمة خاصة. وقبلها كنت قد تعرفت على ابنة عمه النصيرة الشيوعية ام ليلى.
لم أشعر بالوحدة في هذا البيت ووسط اجواء العائلة رغم عزلتي في الغرفة في الطابق الثاني. لم يناقشني احد عن خياري السياسي. لم ارى في عيون هؤلاء الذين احاطوني بالحب والثقة ويسوقون مصيرهم بشاب مجهول الهوية سوى هويته السياسية وبدون ضمانات لصموده القادم بوجه العصابات المجنونة في ظل تصاعد الارهاب الفاشي.  هذا الأمر كان قاسماً مشتركاً لكل الذين ساعدوني في تلك الفترة ( الشهيد د. عبدالستار القيسي، الفقيد عبدالعزيز السعدون ( ابو سعد)، سميرة عبداللة الصالح وزوجها - اخت النصير ابو ريتا-، الطبيب الجراح طارق علي الحسين، ز.ع. س - كان عضو قيادياً في حزب السلطة-) وغيرهم. لم ارى اي شيء أو لمحة تردد أو ارتجاف. كانوا جميعا يمدوني بمزيد من الشجاعة والاصرار الثوري وتحدي المخاطر القادمة. حبيب وعائلته كانوا من ضمن هؤلاء الذين تنحني لها الهامات. من المخجل، اذا كانت هذه الكلمة تملك توصيفاً لحالة الخيبة التي نعيشها اليوم، ان يجد مسيحيو العراق أنفسهم وغيرهم بعد 2003، انهم ضحايا لقوى مهوسة بثقافة القتل والحقد الديني والطائفي والقومي والمناطقي واللاوطنية.
التقيت حبيب في بلغاريا مجددا في فترة دراستي الحزبية وعلاجي، واحتفلنا سوية مع عائلته ليلة عيد الميلاد في 1984 وكعادته وفر وتكفل بكل مستلزمات السهرة في احد مطاعم صوفيا بما فيها حجز الفندق، لكن السبل عادت من جديد تتقطع بنا. كنت اتابع اخباره من هنا وهناك. قبل فترة اصطدنا بعضنا عن طريق الفيس، ولكنه غاب من جديد، يظهر ان كبرياءه على مرضه، والذي لم اكن اعلم به جرّه للاختفاء مجددا. من المفارقات ان يكون حبيب ذو الديانة المسيحية والذي  كان متزوجاً من أمراءة صابئية ان يسمي ولده البكر عمراً. ربما كان هذا وجهاً اخر للمحبة التي كانت تشع من حبيب ومن عائلته. رحل حبيب الجميل في يوم 31 أذار 2017. رحل في يوم يؤرخ بتاريخ يحتفل به شيوعي العراق ولا يترك فرصة لجميع الذين عرفوه الا ان يتذكره. رحل حبيب الذي كان جميلاً مثل الوردة المتفحة في صباح مشرق.


14
المنبر الحر / جديدة ثول جرعة
« في: 21:44 30/10/2016  »
جديدة ثول جرعة
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

هجوم مفتعل جديد يشنه الاخوة الاعداء على العراقيين كان من ابطاله محمود الحسن ( رئيس اللجنة القانونية في البرلمان العراقي!!!!!) وسليم الجبوري (   رئيس البرلمان العراقي. !!!!) شخصيتان لا تملكان الحد الادنى من التاريخ المشرف، ترتبط باسميهما العديد من التهم المخزية الا انهما ابدعا بان يكونا وجهين مثيرين في حفل الحقمبازية الطائفية. لم يكن قرار الخمور سوى (جرعة ثول جديدة)، لقطاع معين من الجماهير، التي استمرأت وتواطئت في ان يكون الدين والمذهب اداة لخراب بلدها وافقار شعبها وهي ماضية في طريقها هذا بسعادة غامرة من اجل ان تضمن الجنة وتفوز فيها بحور العين وشراب خمرها!!.
كذبة جديدة من أكاذيب التاريخ الاسلامي العديدة، التي يجري تسويقها بشكل جيد من اطراف المحاصصة والمتاجرة في الدين. المعروف ان قضية تحريم الخمر والنبيذ هي احدى القضايا الشائكة بين الفقهاء وفيها وقع اختلاف كبير ويمكن الرجوع للعديد من المصادر. لا يوجد نص واضح وصريح بالتحريم ولا يوجد حد او عقوبة في القرآن على شارب الخمر، بل عل العكس هناك بعض الآيات تجيز الامر كما في تحليل طعام وشراب ونساء اهل الكتاب ( المائدة )، واتخاذ ثمرات النخيل والاعناب سكراً ورزقاً ( النحل الاية 67 ) وغيرها.  كل ما جاء خارج ذلك كان مصدره التأويل . نبي الاسلام شرب النبيذ وزوجته عائشة تروي ذلك ومسلمي بدر شربوا الخمر قبل المعركة وشرب عمر بن الخطاب النبيذ وغيره من الخلفاء والصالحين وآل البيت.  اذا اختلف الفقهاء في الخمر الا انهم اتفقوا جميعا على ان النبيذ حلال. وفي حقيقته هو من السنة، ولا يستطيع اي من اسلامي السلطة او غيرهم ان يأتي بعكس ذلك.

اسلاميو السلطة من سليم الجبوري باعتباره رئيس البرلمان ونائب المرشد العام للأخوان المسلمين في العراق، يعرف ان سنة العراق ،خاصة في المناطق العربية  في غالبيتهم المطلقة حنفيين. ابو حنيفة النعمان يجيز الشرب ويمنع السكر ويجيز الوضوء بالنبيذ لأنه طاهر، بل واطهر من التراب في حالة التيمم وله فقه في معاملاته. اما محمود الحسن فلا يعدو كونه زبال في اصطبلات الاخرين ، حتى ان الرجل ربما لا يعرف ان بعض الطوائف الشيعية يحلل شرب النبيذ كما عند العلوية.

ما ظهر من الاخوة الاعداء من اسلاميي السلطة، من السنة والشيعة ،هو نهجهم الموحد في تدمير بقايا الحياة المدنية في العراق، واستحكام قبضة الاولغارشية المالية على المنافذ للسلطة قبل الانتخابات. لماذا لا يفرض هؤلاء ضرائب على الله لانه وعد المؤمنين في الجنة بالخمر(اتمنى ان لا يردد احد ان خمر الجنة شيء اخر، فلم يرجع احد من هناك ليخبرنا ان طعامها اخر وغير مسكر )، وليعاقبوا نبيهم وخلفائه وائمته وآل بيته وليحرقوا كل الكتب التي كلما اقتتلوا فيما بينهم، رفعوها لتبرير معاركهم المهينة للدين. لم نقرأ او نسمع ان( معصوماً ) او فقيها من فقهاء المذاهب المعروفة، اسقط بيعة خليفة اموي او عباسي او كفره، لأنه شارب نبيذ او خمر، او طالبه بمنع تداولها والمتاجرة بها او طالبه بدفع الغرامة. 
لا احد يدعو الى الرذيلة او شرب الخمر، لكنه دفاع عن حرية العراقيين واختيار طريقهم والدفاع عن الحياة المدنية ولم يكلف الله هؤلاء الاوباش لكي يكونوا وكلائه في الارض.

يتذكر البصاروة ان شارع بشار في منطقة البصرة القديمة وهو شارع الدعارة الرسمي في المدينة ،الذي اغلق في ثمانينات القرن الماضي كان ينتهي طرفه بأقدم جامع في البصرة وهو جامع الكواز والذي يقدر عمره بسبعمائة عام.  لم يثر هذا الامر سكان المدينة او رجال دينها او حفظية العوائل الشريفة التي كانت تسكن المنطقة ولم يقلل من سمعتها في البصرة، كما في معظم المدن العراقية، تجاور البار واماكن العبادة ولم يوثر هذا في نقصان او زيادة رواد هذه الاماكن . عاشت المدينة وكل المدن العراقية بسلام مجتمعي الى ان جاء البعثيون وورثتهم من اسلاميي السلطة واعداء الحياة المدينة.
أخيراً فليكن الشيطان في عون العراقيين في مجابهة اوباش الاسلام السياسي ونظام محاصصته.


15
المنبر الحر / عراق بدون سنة‎
« في: 11:07 28/06/2015  »
 

عراق بدون سنة‎


د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

سعى نظام صدام المنهار ان يكسي وجه العراق بمسحة قومية وطائفية محددة فلم يجني من هذا الامر سوى ان يقود العراق من كارثة الى اخرى ويدفع بمجمل نظامه الى الهاوية. أسفر النظام الساقط عن وجهه الطائفي وبشكل لا مواربة فيه بعد انتفاضة اذار 1991. كان مجمل سلوكه ينصب في حماية نظامه من  السقوط. عمد النظام الى سلسلة واسعة من الاجراءات أهمها ما يتعلق بحماية بغداد حيث عمل النظام على تطويقها بعدد من العشائر ذات المذهبية السنية . الاخطر من ذلك هو مشروعه لتقسيم بغداد على اسس طائفية الى جزأين: الرصافة حيث تكون شيعية والكرخ حيث يكون سني. كان هذا مشروعاً واسعاً يشتمل على مخطط واسع من عمليات شراء الاملاك وعمليات التهجير وهي اقرب الى مشروع الاستيطان الصهيوني في بداية تشكل دولة اسرائيل. هناك اكثر من مصدر يعرف حقيقة هذا المشروع الذي لم يكتب له النجاح بسب انهيار النظام. بهذا النهج انتقل النظام بتحديد الموقف منه ليس على اسس سياسية كما في بداية صعوده وفي تصديه لمعارضيه في سبعينات او ثمانينيات القرن الماضي، بل قفز الى تحديد الموقف منه على اسس طائفية في خطوة لتشويه وجوه الصراع والخلاف معه وفي خطوة لتمزيق وحدة الشعب العراق وروابطه وقيمه للحفاظ على نظامه البائس.
منذ سنوات ترفع قوى الاسلام الشيعي بوجهها المتطرف علنا وبقواها المستترة شعار: ( عراق بدون سنة). مهد لهذا الشعار بشعار سابق له وهو كل سني بعثي وليس كل شيعي بعثي. تمتلئ صفحات الانترنيت بمقالات عديدة لكتاب مدفوعي الثمن او تحت تأثير الحقد الطائفي المقيت، تعكس هذا المضمون، الذي يجري تطويعه الان مع ظهور داعش بان يربط كل عراقي ذو مذهبية سنية بشكل او اخر أو باصرة ضعيفة او قوية بداعش رغم ان داعش هم حنابلة وسنة العراق بالاساس، هم أحناف وبدرجة اقل شافعية ولا توجد اسس للحنابلة في العراق سوى في قضاء الزبير في البصرة والذي هجره سكانه الاصليين الى بلدان الخليج العربي خلال الحرب العراقية الايرانية ولم يحفظ العراقيون في ذاكرتهم للزبيريين سوى الخير والمحبة لعراقيتهم الاصيلة ولكرم وعلو اخلاقهم. الى جانب ذلك تعكس، الممارسة اليومية لقوى الاسلام السياسي الشيعي بالذات، ولمجمل قوى المحاصصة هذا السلوك بشكل معلن او مستتر والذي يتم بوعي كامل وبحقد غير مسبوق لتمزيق الهوية الوطنية العراقية على اسس طائفية او قومية غير عابئين بمصير شعب ووطن يتقاذف بهما الموت والافقار والاذلال. لقد حملت القوى المتنفذة في السلطة بعد 2003 راية صدام الممزقة واعادة تطبيق سياسته بشكل مقلوب بدون اي وازع وطني او اخلاقي او ديني. يجري في هذا السياق توظيف كل الارث الديني والمذهبي بكل وجوهه القبيحة من اجل هيمنة هذا النهج في الحياة اليومية للعراقيين، وهم بهذا السلوك لم يكونوا سوى وجه اخر لداعش.
 شهد عقد التسعينات حملة واسعة من قبل الوهابية وبرعاية رسمية لتحويل المذاهب السنية المعروفة الى المذهب الحنبلي، بحيث تكون الوهابية هي الراعية الاساسية للسنة في العالم الاسلامي. لم تنتج تلك السياسة  سوى الفاشية الاسلامية بوجهها الحالي المتمثل بداعش.
اليوم يسعى الاسلام السياسي الشيعي لتحويل او تصوير كل الفرق الشيعية باعتبارها اثنى عشرية وربطها بولاية الفقيه وتتحول المواجهة الاقليمية والعالمية على ارض العراق والشرق الاوسط الى مواجهة سنية – شيعية غير أبه بمصالح شعوب وبلدان المنطقة. تسعى قوى الاسلام السياسي لجر كل اطراف المجتمع الى هذا الصراع الدموي والعبثي وبالعكس فمن يريد ان يبقى خارج هذا الصراع فهو مشبوه.
انهم يريدون ان يثبتوا ان الصراع السني – الشيعي هو صراع ابدي لصيق بظهور الاسلام وغير قابل للحل وبمعنى اخر يعني ذلك بانه لا ينتهي الا بانتهاء الاسلام، خاصة في ظل انعدام تحقيق غلبة طرف على اخر ومنذ عدة قرون ولا يبدو ان الامر سيكون غير ذلك في العقود القادمة. أذا كان الامر كذلك بالنسبة لقوى الاسلام السياسي فلماذا هذا الموقف العدواني من العلمانية والمشروع المدني الداعي لفصل الدين عن الدولة وادارة المجتمع والعودة به كموقف شخصي بين الانسان وربه، أقلها يكون هذا المشروع اكثر احتراماً وحفظاً للدين.
التصعيد والتجييش بالصراع السني – الشيعي والذي لعبت فيه قوى الاسلام السياسي دوراً فعالاً، اضافة لدور القوى الاخرى، يصل بنا من خلال الممارسة العملية الى وجود دينين مختلفين هما الدين السني والدين الشيعي ولا يجمعهم اي جامع سوى التوحيد الشكلي ويبد ان الخلاف فيما بينهمم يمتد حتى الى معنى التوحيد. هم يسيسون او يتجاهلون حقائق التاريخ المكتوب والواصل الينا بكل علاته والشبهات المثارة حوله، معتمدون بشكل كامل على سياسة التجهيل وانحطاط الوعي في قطاعات واسعة من مناصريهم وعموم الشعب، ولا يعدو هذا ( المقدس) الذي يضفونه على مواقفهم سوى نوع من الكذب المكرس لأهداف ذات طبيعة سياسية ومغلف بستار الطائفية المقيتة شيعيةً كانت او سنيةً. قليل من البحث واستخدام العقل سينزع الحجاب عن هذا ( المقدس) ويكشف كذبه وسوء توظيفه. فالسنة المراد ابعادهم هم شيعة في الاصل ويمكن الرجوع للعديد من المصادر التاريخية، كذلك فان العراق في غالبيته متسنن وجرت عملية التشيع في غالبية القبائل العربية الوافدة او المستوطنة في العراق خلال 200 سنة الاخيرة.
يذكر د. على الوردي في كتابه دراسة في طبيعة المجتمع العراقي – بغداد- 1965 ص228 ( فالعباسيون كانوا في العهد الاموي من الشيعة وكانوا يشاركون أبناء عمهم العلويين في الثورة على الامويين. وقد وصف ابن خلدون الدولة العباسية بكونها دولة شيعية. ولكن تشيع هذه الدولة لم يستمر طويلا. فلما نشب النزاع بين العباسيين والعلويين انقسم الشيعة في العراق الى فرقتين، احدهما التزمت جانب العباسيين وهي التي اطلق عليها اسم ( اهل السنة والجماعة ) والثانية التزمت جانب العلويين وهي التي ظلت متمسكة باسم ( الشيعة ). ويضيف باقتباسه من ملخص ( مختصر التحفة الاثنى عشرية ) ان اهل السنة كانوا هم الشيعة المخلصين ولكنهم تركوا لقب ( الشيعة ) تحرزا من الالتباس، وكراهة للاشتراك مع الشيعة ( السبئية). ويذكر د.  جواد علي في كتابه القيم ( المهدي المنتظر عند الشيعة الاثنى عشرية ص 90 ) . ان لقب الرافضة وبالاستناد الى المصادر العديدة ورغم الالتباسات الى انها لم تكن وليدة الصراع على خلافة نبي الاسلام واجتماع السقيفة المعروف والخلاف المعروف بشأنه والذي كلف وسيكلف بحوراً من الدماء، ظهر مصطلح الرافضة في زمن ثورة زيد بن علي بن الحسين وهي نتاج خلاف شيعي – شيعي وان زيد هو اول من اطلق عليه لقب الرافضي من قبل الشيعة في الاسلام .
 هناك من يلوي عنق التاريخ لحقده الاعمى او لجهالة منه حين يصرخ بان الشيعة لم يستلموا السلطة منذ 1400 سنة وينسى الدول التي اقامها الشيعة في المشرق والمغرب العربي وامتدت لقرون عديدة واحد ابرز عمارتهم الباقية الجامع الازهر في مصر، لكن هذا لا يعفي ان لا ننكر الاضطهاد والقمع الذي عانته فرق الشيعة المختلفة باعتبارها تيارا سياسيا ثوري معارضا للسلطة.
لم يكن اجداد سنة العراق الحاليين في جيش معاوية حتى يدعو البعض لاستبعادهم ولا يستطيع من يدعي تمثل شيعة العراق بان يثبت بان اجداده كانوا في جيش علي او الحسين حتى يأخذوا الثأر لهم، ولا تعدو مقولة سنة معاوية وشيعة علي او عواء المالكي وجلاوزته، بانهم احفاد معاوية ويزيد ونحن احفاد الحسين وبيننا وبينهم بحور من الدماء، سوى كذبة لتمزيق وحدة نضال الشعب العراقي. هذا الامر يمتد الى كل الخطاب الطائفي الاسود الملطخ بدماء العراقيين ، بوجه السني او الشيعي. لم يقتل اجداد هؤلاء او سنة العراق الحسين بن علي في واقعة كربلاء 61 ه ولم يسبوا اهل بيته.  قتلة الحسين كانت ألارستقراطية القريشية التي احكمت قبضتها على السلطة متمثلة بالبيت الاموي والشيعة التي ادارت ظهرها له ونكرته وخانته وتركته وحيدا امام مصيره، بل اصبحت هي قاعدة جيش عمر بن سعد وجزء من قيادته وابرز الاسماء التي ذبحت الحسين وانصاره وال بيته مثل الشمر بن جوشن وحرملة الاسدي وغيره من الاسماء كانوا شيعة وقادة في جيش الخليفة على بن ابي طالب في معركة صفين. من لا يصدق ذلك فليرجع الى خطبة السيدة زينب اخت الحسين عند دخولها الكوفة مسبية ودعائها وشتمها لشيعة الكوفة ولم نسمع انها شتمت السنة واتهمتهم بقتل اخيها وصحبة الابطال وسبي ال بيته.
لقد كان التعامل مع نازحي ومهجري المناطق المنكوبة من الانبار عند جسر بزيبز وقبلها في مناطق ديالى وغيرها دليلاً جديدا على سقوط شعار المواطنة العراقية وزيفه والتي شكلت صوره الاولى في الموقف من المسيحين والصابئة والتهجير الطائفي المتبادل للشيعة والسنة بعد 2003. لم يكن هذا الامر سوى مواصلة نهج تفتيت واسقاط المواطنة العراقية والتي اعطيت صبغة دينية او قومية معنية ولا يبدو  هذا النهج غريبا عن مفهوم النظام الساقط او الانظمة السابقة للمواطنة العراقية. لقد جرى التعامل مع هؤلاء النازحين العراقيين والمنكوبين باعتبارهم سبايا وجرى تصور الامر وكأنه  ثأرا لسبايا اهل البيت.
كانت مكرمة حكومتنا ( الوطنية ) والتي ظلت تتغنى بها، حين استعاضت عن السماح لدخولهم بغداد بتصديرهم الى كردستان العراق مجاناً. هذا الامر في واقعه وما سيكشفه قادم الايام  ، ليس بعيداً عن مخطط لاحق ستكون فيه كردستان العراق محطة لسنة شمال بغداد لتشابههم المذهبي. هذا المخطط ربما سيفصح عن تفاصيله في الفترات القادمة وفي ظل مسلسل دفع البلد الى التقسيم. لم يجد من يطلقوا على انفسهم ممثلي السنة بكل الوانهم الدينية وغيرها في مأساة هؤلاء المنكوبين سوى مادة للسرقة والنهب والتباكي على حقوقهم والحج الى دول الجوار والبيت الابيض.
لقد جائتنا السلفية السنية بالفاشية الاسلامية بصبغتها الداعشية ولم تكن قوى الاسلام السياسي السني الاخرى برئية من هذا الامر وعلى هذا النهج سائرة قوى الاسلام السياسي الشيعي، خاصة بعد التغيرات العديدة التي جرت على مواقعها الاجتماعية والتي ميزتها بكونها تقف على قمة الطغمة المالية التي تشكلت بعد 2003 . لن يكون شعار عراق بدون سنة سوى احد المسارب لصعود الفاشية الجديدة. فاذا كان ضحايا فاشية الاسلام السني هم السنة بالدرجة الاولى فلن يكون مصير شيعة العراق لاحقا افضل من ذلك، في ظل صعود النزعات الفاشية لبعض تيارات الاسلام السياسي الشيعي.
إن مليشيات الحشد الشعبي ( يصل عدادها الى 50 مليشيا ) والمراد لها ان تكون القوى الاساسية في البلد، تفوق بامكانياتها وتعدادها قوى وامكانيات جيش الدولة والذي خطط له وبصورة متعمدة ان يعاد بنائه على اسس هشة غير مهنية وغير وطنية. هذا الحشد لن يكون سوى الخانق الحقيقي للدولة العراقية الضعيفة التكوين اساساً والسيف المسلط على رقبتها. يبدوا ان هذه المليشيات لن تكون الان او لاحقا سوى جيش القوى الطامحة لاقامة لديكتاتورية أو الفاشية الدينية بصبغتها الشيعية. بدات ملامح هذا الامر تظهر بالدعوة وصيغة التهديد لاقامة نظام رئاسي في العراق وحل البرلمان العراقي.
هناك حملة منسقة ليس للدفاع عن مليشيات الحشد الشعبي فقط وانما تتعداه الى الدفاع المحموم عن السياسية والتدخل الايراني في العراق، حتى بات البعض في بعض لقائته الاجتماعية ومنذ عديدة اشهر خلت يبشر بافضلية الاحتلال الايراني مقابل الاحتلال الداعشي او الامريكي. لقد اصبح معيار الوطنية العراقية عند البعض هو بالموقف من ميليشيات الحشد الشعبي والتدخل الايراني والدفاع الاعمى عنهما.
هناك هجوم اعلامي وارهاب حقيقي ضد كل يقف ضد او يتحفظ على شكل وطبيعة وممارسة وارتباطات ميليشيات الحشد الشعبي وغيرها من جوانب وجوده وطبيعة التدخل الايراني. فكل منتقد او معارض لهذا الامر لا يواجه الا بتهمة جاهزة كونه داعشي او بعثي. هي تهمة لا يحصد المتهم بها سوى الموت في اقل تقدير. لا يعفي هذا الامر ان نحترم وبصدق مشاعر وبطولات البعض من الذي يقاتل او يستشهد ضمن اطار الحشد الشعبي وفي اطار التصدي لقوى داعش الظلامية والارهابية ، مدفوعاً بروح الحمية والغيرة الوطنية ولكن الامر بتقديري لا يقف عند هذه الحدود وانما يتعلق في كيفية تجيره في نهاية المطاف وبمصالحة من ستصب نهاية الامور؟
في نهاية المطاف ستصب الامور في مصالح قوى طائفية معينة وطبقة معادية لمصالح ومستقبل الشعب العراقي وهي قوى لصوصية، ظلامية, لا وطنية فئة الاليغارشية أو الطغمة المالية. لنتذكر قليلاً الحرب العراقية - الايرانية. بالتاكد فان الكثير من شارك فيها او كان من ضحاياها بعيداً طبيعة وظروف هذه المشاركة، كان مدفوعاً بقضية الدفاع عن الوطن بهذا القدر او ذاك ولكن في نهاية الامر لم تكن هذه الحرب تعبيراً عن السياسية العدوانية للنظام ضد جاره فقط  وانما ضد العراقيين وكانت في نهاية المطاف تكريس وخدمة لسياسية النظام.
لقد كان دخول داعش واحتلالها اجزاء واسعة من الاراضي رحمة على قوى المحاصصة والتي هي غير برئية مما وصل الامر اليه، ولا يهتز ضمير المتباكين على ضحايا سبايكر وغيرهم ( هناك ضحايا سجين بادوش في الموصل والذي ذبح فيه وبروح طائفية قذرة اعداد لا تقل عن شهداء سبايكر وهذا ما ذكره لي احد الناجين صدفةً من هذه المذبحة ) بالاشارة ولو مرة واحدة عن المتسبب الحقيقي لمن اوصل الامر لهذا الحد والمطالبة بمحاكمته. وجود داعش وقتالها في النهاية ستكون المعادل الذي سيسهم في اعادة توزيع القوى واعادة رسم الخريطة السياسية من جديد حسب مراكز القوى التي تحققت خلال السنوات الاخيرة، خاصة في ظل التوجه لتقسيم البلد او فرضه واقعياً. فقوى الاسلام السياسي الشيعى ومن يصطف معها وباعتبارها النهاب الاكبر لك ثروات العراق وحاملة راية الفساد والافساد وواجة المشروع الايراني في العراق تبحث عن حدود جديدة لدولتها المنشودة خاصة في ظل التقارير الموثقة عن مخزون الثروات الطبيعة في اراضي الانبار. هذا الامر الذي سيشكل نقطة صراع امريكية – ايرانية خاصة فيما يتعلق باحتياطات الغاز في الانبار وتعقد العلاقات الامريكية الروسية. ربما يتذكر بعضنا تنبه الادارة الامريكية للمالكي في دورته الاولى حول إن الانبار خط احمر للامريكان. ففي الوقت الذي عطل الاسلاميون الشيعة وبالذات الجعفري والمالكي تطبيق المادة 401، فانهم سيرسمون خطوط جديدة لمناطق نفوذهم والتي سبقها شعار تحرير او استرجاع الاراضي الشيعية من السنة، ولن تترد بعض الاطراف ان تسبح بدماء ابناء هذه المناطق قتالاً وتشريداً تحت شعارات مذهبية وهناك ميول واضحة تتصاعد بتواصل رغم كل التعتيم الذي يفرض عليها. ولا تخلتف القوى الكرديةعن هذا التوجه في توسيع مناطق نفوذها وربما يتخذ منحى اخر من ناحية شكلية.
اذا كانت حركة ما يسمى بممثلي الشيعية تتم تحت عنوان هذا من فضل ربي، فان ما يسمى بممثلي السنة مقتنعون بان رزقهم في السموات وهم لا يعلمون، وهم على استعداد لقبول نتيجة القسمة بين الاقوياء، مضافةً اليها صداقات دول الجوار وغيرهم، ربما ( سيستبصر ) البعض منهم تقيتةً او يكتفي البعض الاخر كما شاهدننا على بعض شاشات التلفاز بلبس المحابس الفضية على طريقة الجماعة اياهم كما يقول المصريين او التقاط الصور مع صور الولي الفقيه.
 
لقد اثبتت الاحداث كذب احزاب الاسلام السياسي و (شيوخ) العشائر ومعظم رجال الدين وتقلباتهم من اجل حماية مصالحهم دافعين البلد الى اتون الجحيم وتحويله ساحة للصراعات الاقليمة والدولية. لا يوجد امام العراقيين كي يحفظوا بلدهم ويصونوا كرامة مواطنيهم واعادة الامان والبهجة لتراب وشعب اعراق سوى شعار( العراق لكل العراقيين) ولن يتم ذلك سوى بكنس نظام المحاصصة وفضح كل القوى القائمة عليه سواء احزاب او قوى سياسية او عشائرية او دينية.





16

صفحة من بطولات الهراكنة ( الاوباش )*
الشهيد ظافر السلامي وابو شرارة وابو ناتاشا
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
هركي قاعدة للأنصار الشيوعين تتوسط المسافة بين قاعدة بهدنان ،التي تشكل قاعدة  مركزية لتهريب الرفاق والاسلحة من سوريا ،عبر الاراضي التركية الى كردستان العراق ومناطق سوران. قاعدة صغيرة تقع في المناطق التابعة للعمادية والمسؤولة لاحقا عن العمل الانصاري فيها. تشكل قاعدة هيركي محطة راحة للرفاق الذاهبين باتجاه مناطق سوران وهورمان او بالعكس للمفارز القادمة من هذه المناطق لحمل السلاح على الظهور من بهدنان الى سوران او هورمان في رحلة قد تمتد الى عدة اسابيع.
في شتاء 1981  تعرضت احدى المفارز القادمة من بهدنان الى هركي الى عاصفة ثلجية في قمم احد جبال المنطقة وحوصرت بين الحياة والموت. كانت المفرزة اصلا مجموعة من الانصار الجدد الملتحقين من الخارج والمنسبين لتعزيز قاعدة هركي ، التي لم يكن يتجاوز عددها 25 نصيراً. كان دليل المفرزة النصير البطل ابو شرارة ( غسان الدايني ). لم يكن ابي شرارة موافقاً على موصلة الطريق عبر القمة لتقديره بخطورة وسوء الاحوال الجوية، التي تعني في لغة اهالي المنطقة والانصار احتمال الموت انجماداً، خاصة حينما تتسع الامكانيات في ظروف كهذه لأن يفقد الادلاء دلالات طريقهم. لكن اصرار المستشار السياسي  للمفرزة والقاعدة لاحقا وهو كان من الملتحقين الجدد ( استشهد فيما بعد في أحداث بشتاشان وهو في ربيع عمره  وعطائه) على مواصلة السير، دفع  ابو شرارة على مواصلة السير. تحدى رفاق المفرزة وبدون استثناء وبأراده شيوعية عنفوان العاصفة الثلجية. لا أحد منا يعرف الا القليل عن حجم العذاب والالم والجوع والاصرار الجبار على مواصلة السير وتحدي الطبيعة الجبارة وثلج قمم جبال كردستان . يعرف كل  من مر بتلك الدروب ان دليل المفرزة الذي يتقدمها يفتح الطريق بخطواته الاولى بين طبقات الثلج الناعم والتي تكون كالقطن المندوف و يصل عمقها احيانا الى متر او اكثر. على اثر خطواته تسير بقية المفرزة كأنها الرتل التابع لمقدمته في حقل الالغام. هذا يعني ان الدليل او من يكون في مقدمة المفرزة يحتاج الى جهد مضاعف لشق طبقات الثلج المتراكمة بأقدامه وساقيه ووسط جسمه ان تطلب الامر. هو العرضة الاولى للإصابة بالانجماد وعلى قدراته تتوقف حياة المفرزة في معظم الاحيان.   كان ابو شرارة على استعداد للتضحية بحياته من اجل انقاذ المفرزة، وقد نجح في تحدي طغيان العاصفة والوصول بها الى احدى القرى. استشهد وبصمت الرفيق ( ظافر السلامي ) وكان لتوه قد التحق بالأنصار تاركا زوجة بعمر الورد وطفلا صغيراً. اصيبت قدما النصيرين ابي شرارة وابو ناتاشا بالانجماد. كانت ايام عصيبة وكنت شاهداً على بطولة ابي شرارة وابي ناتاشا وهما يتحدين الموت وامكانية بتر أقدامهم.
 
في ذلك الشتاء الثقيل، كان الانصار القليلو العدد المتوجودين في هيركي يمارسون حياتهم اليومية بكل روتينية ، خاصة ان الجيش العراقي كان منسحباً من المنطقة إلى جبهات القتال مع ايران، ولا توجد امكانيات لتقدمه او تقدم قوات الجحوش ،التي هي اصلا قليلة العدد نسبياً، مقارنة مع مناطق سوران. وصل الخبر بعد الظهر من قرى المنطقة بتعرض المفرزة للعاصفة الثلجية واستشهاد احد رفاقنا واصابة اخرين دون تفاصيل محددة وان المفرزة تتجه بمساعدة فلاحي القرى الى القاعدة. مع حلول المساء  بين الساعة الرابعة والخامسة وصلت المفرزة، يتقدمها بغلان كان اهالي القرى قد اعاروهما للمفرزة. الاول محمل بابي شرارة والثاني محمل بابي ناتاشا وبقية من انصار لا يتجاوز عددهم الثمانية ان لم اخطئ، مرهقة وخارجة من جحيم الموت. تقدم المفرزة صخب ابو شرارة الجميل. وبعض من كلماته الساخرة وبصوته العالي الذي اعتدناه بما لا يترك الشك بانه لم يكن مصابا.
 
ابو شرارة ( غسان الدايني ): شاب في مطلع العشرين من عمره. طالب ترك مقاعد الدراسة وهرب الى الخارج خلال حملة النظام الساقط ضد الشيوعين 1978. التحق في 1980بقوات الانصار الشيوعين. لامس بعض الصلع شيئا من شعره الاشقر، ذو بنية جسم طبيعية ولكنه ذو طاقة غير محدودة في العمل. يجمع بين ثناياه بين روح القرية والمدينة. له غرام بقراء المولد النبوي والادعية الصوفية ويحلو له في اوقات الاستراحة ان يقلد العميان وطريقة قراءتهم المولد النبوي ما فيها قلب بياض عينه كانه اعمى ويروي الكثير من خبايا حكاياتهم بما فيها شرب الخمور. خلف صخبه الجميل تسكن روح طفل برئ. لا يصعب ان تراه احيانا كثيرة منقطعاً متأملا كانه في خلوة صوفية. من مفارقات تلك الايام، كان ابو شرارة على مشاكسة يومية تقريبا مع النصير ابو بسيم وهو عامل تجاوز الخمسين من عمره، لكنه بحيوية الشباب وسابقاً في العمل. اكتشفنا لاحقا وبسبب وضعه الصحي، ان احدى عينيه  كانت زجاجية. الاثنان كانا من ديالى او مناطقها. لذلك حين يكون الجو رائقا بين الاثنين، يناديه ابو شرارة بـ(خالي)، مما ينعش مزاج ابو بسيم ويشعره بقوة سلطته المفترضة على ابي شرارة ذي المزاج العنيد احيانا.
لا ينجز عمل يومي بين الاثنين في هذه القاعدة الصغيرة حتى يعلو النقاش والعناد على احر من الجمر بين الاثنين. كان ابو بسيم شبيه ابي شرارة وربما أكثر بـ(حوصلته) الصغيرة. تدخل بعض الانصار في البداية لفك الاشتباك بين الاثنين ولكن الاثنين يكونان خارج اطار التغطية. مع الايام تعودنا الامر وكف الجميع عن التدخل بهذه الاشتباكات الكلامية، بل على العكس كان قسم منا ينتظرهما وربما يستمتع بها او يرمي الزيت علي نارها ليزيدها اشتعالا لما تحمله من روح الفكاهة. عندما نسمع وبصوت عالي كلمة (يا رفيق) مسبوقة بشرح ابي شرارة لوجهة نظره، هذا معناه أن  الاشتباك قد بدأ ويتجه الان نحو القمة. لم يتجاوز ابي شرارة يوما حدوده وحبه( لخاله) ابو بسيم وهذا من شيم اخلاقه، ولكن بعد ان نسمع وبصوت عالي كلمة  (يا خالي)، نعرف ان ابي شرارة فقد سلطة الاقناع ويتجه الان للترضية والمساومة. ومع انخفاض درجة الحرارة عند ابي بسيم، تكتسب كلمة يا خالي غنجاً وسينتهي الامر بضحكة ( داعرة) وحركة خبيثة من ابي شرارة. ونهايته قبلة من ابو بسيم لابي شرارة أو العكس، لكن هذا الامر لا يستبعد أن يفجر الوضع من جديد بعد دقائق قليلة.
 ابو ناتاشا: تعرفت عليه في بيروت في فترة اعدادي للدخول الى كردستان. اوربي الشكل. عيون زرقاء وشعر اشقر ولون حمصته الشمس.  في مقتبل الأربعينات. ياسرك هدوءه الوديع وتعليقاته المقتضبة. قليل الحديث، بطئ الحركة، يضفي على المكان دفئه ولن يتردد المقابل أن يمنحه ثقته. استغربت لاحقا حين عرفت انه كان ضابط احتياط خاض تجربة 8 شباط 1963. كنت معجباً بعالم رحلاته الى اروبا الغربية.     
 بقينا ننتظر ترجل ابو شرارة من البغل، فلم يفعل ولعلعة لسانه لا تتوقف كأنه في زفة عرس. اخيراً طلب المساعدة في انزاله، محذراً لنا بالرفق بقدميه لأنها مصابة. حملنا الاثنين الى القاعة الكبيرة وهى احدى القاعات الثلاثة للقاعدة. تحت ما بقى من ضوء المساء ونور الفانوس كشفنا عن قدمي الاثنين وهنا كانت الفاجعة. كانت أقدام أبي شرارة وأبي ناتاشا منتفخة. مملوءة بالسوائل وبعمق 3 الى 4 سم. لم يترك اللون الاسود او الازرق واطيافهم منطقة فارغة. اصابع القدمين لابي شرارة وكعبي قدمه كانت سوداء. الاحساس مفقود تماماً ويبدأ الشعور به بعد مفصل القدم. درجة حرارة القدم مرتفعة وهي امر بديهي لإصابة كهذه. لم يجرؤ أي منا ان يقدر مقدار العفن المنبعث من الاصابة وهو احد الاشارات المهمة للاصابة  بالغنغرينا، ربما خوفا ان نصدق ان الاصابة هي الغنغرينا، التي سيترتب عليها  سؤال ماذا سنفعل. 
 لم يكن الانصار قد تعرفوا بشكل جيد على الغنغرينا، الا سماعاً وحادثة واحدة في نهاية 1979 او بداية 1980، حيث تجمد قدما النصير ابو جاسم في مفرزتهم المتكونة من اثنين فقط، لتأمين المواد الغذائية من القرى الكردية التركية. كان ابو جاسم ( عربي من الموصل) والذي سبق ان انهى دراسة في السويد، قد تجمد في ثلج ذلك الشتاء الذي كان استثنائياً بقسوته وكمية الثلوج التي سقطت، الا ان الشهامة والروح الثورية للنصير خليل ابو شوارب ( كردي يزيدي )  الفارع الطول والذي كان يساعد ابو جاسم في الترجمة ومهمة تأمين المواد التموينية، أبت هذه الشهامة ان يترك رفيقه امام الموت المحتوم، فحمل رفيقه ساعات طويلة الى أن وصل به لإحدى القرى الكردية التركية حيث  تم اسعافه ونقله لاحقاً الى مقر القاعدة في بهدنان ليقوم الشهيد الدكتور عادل ( غسان عاكف حمودي ) باستئصال احد اصابع قدمه.
 اما هنا في قاعدة هيركي فأن الوضع مختلف. لم يكن في القاعدة طبيب. الدكتور سليم  وهو معاون طبي والمستشار السياسي للقاعدة كان في مفرزة للقاعدة المركزية ( بهدنان) والتي تبعد خمسة ايام مشياً. بسبب الثلج كان الطريق مسدوداً وتنعدم امكانية نقل المصابين الى بهدنان او الى سوران التي تبعد ايضا خمسة ايام مشياً. لا يوجد جهاز لاسلكي للاتصال مع القواعد الاخرى لطلب المساعدة. لم يكن في القاعدة حينها الا سبعة او ثمانية امبولات من المضاد الحيوي امبينسلين ولا اكثر من علبتين من الاسبيرين. ادوات الجراحة لا تتعدى علبة ادوات تشريح مدرسية وهي عبارة عن ثلاثة او اربع مقصات وابرة تخيط ومشرط وبعض الضمادات ومن حسن الحظ كان قسم مخصص للحروق. لا يوجد مطهر او معقم الا قنينة كحول صغيرة ولا وجود لأي مخدر او قفازات طبية او مستلزمات طبية أخرى. اما ( كادرنا الطبي ) اذا جاز التعبير فهو الفقيد ابو اثير الذي يمتلك خبرة للعمل في مذاخر الأدوية والصيدليات وهو خريج احدى الدورات الصحية في الستينات و كاتب المقالة والذي سبق له ان تدرب مع النصير ابي وحيدة في دورة للتمريض لمدة اسبوعين اقامها الدكتور عادل في منتصف 1980. اختار الشهيد الدكتور عادل ابو وحيدة باعتباره خريج معهد مهن صحية وانا باعتباري كنت طالباً في السنة الرابعة في قسم الانتاج الحيواني في كلية الزراعة في جامعة البصرة. عرفنا ان اصابة ابي شرارة هي الاقوى من خلال حديثه لأنه كان دليل المفرزة. في حقيقة الامر لم نكن نعرف باي درجة كانت اصابة ابي ناتاشا اقل أو هكذا افترضنا.   
 تركت القاعة مبتعدا وغرقت في نوبة من البكاء الحار خلف غرفة صغيرة للإدارة وخمنت ان عزرائيل يشتهي ان يحل ضيفاً علينا. جاءني ابو بدر ( القاص علي شبيب ). كان لأبي بدر هيبة بين الهراكنة. فهو العمود الثقافي للقاعدة ومركز ومنشط حياتها ونقاشاتها بين الهراكنة في كل المجالات. لم يرسم يومياً مسافة بينه وبين الانصار. كان وجهه محملا بكل تعابير الصداقة والمودة، لكن صوته كان حازم لم يترك لي مجال للمناورة او التراجع. ( هذا ليس وقت البكاء. تعال افحص اقدام الرفاق وابحث لنا عن حل). كنت مرعوبا، حتى في تجربة الاعتقالين والتي سبق ان تعرضت لها لم يداخلني هذا الرعب. حين استرجع تلك الايام يلامسني لحد الان شيء  من هذا الرعب.
 قررنا، الفقيد ابو اثير وانا ان نفتح الاقدام المتورمة ونزيل المناطق السوداء فقط ونقوم بتضميد الجروح. اتفقنا  ان يقوم ابو اثير بفتح قدمي ابي شرارة وان اقوم أنا بفتح قدمي ابي ناتاشا. بدأنا بابي شرارة بعد وضع الطشت تحت قدميه. ولسبب في ضعف نظر ابو اثير وارتجاف يديه بسبب العمر ووضعه الصحي وقلة الضوء قمت انا بالعمل تحت اشرافه، محاطاً بصمت الرفاق وانفاسهم المكتومة. فتحت باطن القدم من منتصفها تقريبا . سالت سوائل ودماء مختلطة ونزلت الانسجة على شكل خيوط وسلاسل غير منقطعة. كانت الانسجة والعضلات مهروسة. كنت اتصور ان نفخت عليها ظهرت عظام القدم. ازلنا ما استطعنا من المناطق السوداء فقط وحفظنا قدر الامكان على المناطق الاقل اصابة. واصل ابو اثير العمل في تضميد الاقدام بضمادات الحروق وانتقلت انا لمواصلة العمل على قدمي ابو ناتاشا. رغم شدة العمل وشدة اصابة عضلات القدم الا انه لم يكن هناك شعور بالألم عند الاثنين وهذا ما كان يربكني. زرق كل من الأثنين بجرعة من المضاد الحيوي وتركنا الاقدام مكشوفة مع عمل غطاء فوقي عليها. لم نرفع الاقدام الا قيلا حتى نضمن اندفاع الدم اليها، كذلك طلبنا بالحفاظ على درجة حرارة الغرفة بشكل مناسب. استخدام المسكنات ومراقبة الحرارة وغيرها من الاجراءات الوقائية. صباح اليوم الثاني تحرك النصير البطل توفيق ختاري ،الذي اصبح لاحقا احد قادة الانصار الشيوعيين في المنطقة على القرى الكردية التركية لإقناعهم  بمساعدتنا في شراء المضادات الحيوية من تركيا بعد ان زوده ابو اثير بقائمة ما يمكن شرائه.   في نفس اليوم ظهرت مشكلة اخرى. قرر ابو اثير ان يعطي كل من المصابين نصف جرعة من المضاد الحيوي حتى يستطيع ان يعطيهم اطول مدة ممكنة، لحد وصول المضادات الموعود بها من تركيا ولم نكن نعرف مدى جدية هذا الامر. كنت الى جانب ان نعطي جرعة كاملة كل يوم مما يقلل من امكانية حصول الالتهابات ،التي تشكل اساساً الخطر القادم على عملنا، هذا اذا كانت تصوراتنا صحيحة. امام اصراري التجأ الفقيد ابو اثير للقرار الحزبي من مسؤول القاعدة للاستمرار في تطبيق رأي ابو اثير والاستمرار في العمل وعليه اتفقنا ان يكون ابو اثير مسؤول عن تطورات وضع ابي شرارة واكون انا مسؤول عن تطورات وضع ابو ناتاشا. اتاح لي هذا الاتفاق أن اتعامل مع رعبي بشكل اخر، فقد كنت خائفاً من اصابة ابي شرارة وتحمل مسؤوليتها وبالذات امام الانصار. اية ايام سوداء ستنتظرني اذا تدهورت الحالة وانا لست على علاقة بالطب وغيرها من الاسئلة. كنا جميعاً وبدون استثناء ننتظر الاسوأ ونتوقعه وهو بتر الاقدام اذا استمر ظهور التعفن. لكن من يقوم بذلك وكيف وغيرها من الاسئلة العديدة والمخيفة لأنها تتعلق بحياة اخرين ظلت معلقة. الكل في القاعدة لم يجرؤ على التفكير بصوت عالٍ واختزل هذه الاسئلة بالصمت. كانت تلاحقني مشاهد من فلم شاهدته في سينما الوطني في البصرة وقبيل اختفائي بفترة قصيرة  لصياد تجمدت اقدامه في الثلج وقام بقطع احدى قدميه بالطبر. لم تكن تقلقنا حالة اليوم فقط فانه قد عدا ، لكن كيف ستتطور الحالة غدا وما ستحمله من مفاجئات. اذا كانت هذه عذاباتي وكذلك الاخرين فما هي عذابات ابي شرارة وابي ناتاشا. واجه الاثنان هذا العذاب كل بطريقته. ابو شرارة بروحه الصاخبة وغنائه وتشجيعه وابو ناتاشا بهدوئه وصمته وملامح وجهه الطيبة. اتاح لي الاتفاق الاخير ان اكتسب جراءة اكبر وامضي في معالجة الاثنين. بعد خمسة ايام او اسبوع وصلتنا كمية جيدة من المضاد الحيوي ( تتراسيكلين) بعد ان قام بشرائها لنا احد الفلاحين. بقينا في نفس الاتجاه في المعالجة دون ان نسأل انفسنا إن كنا ما نعمله صحيحاً ام خطئاً. أستمريت بين فترة وأخرى  وبمتوسط اسبوعين او اقل بقص المناطق السوداء المتيبسة والتي لا احساس فيها. كانت الاسابيع الثلاثة الاولى ايام جحيم. خاصة عند التضميد اليومي حيث تختلط عندي الصورة. هل ان عدم شعور الاثنين بالألم هو تحدي او فقدان للشعور بالألم وانا اعرف الروح المتحدية لأبي شرارة. كنت اضغط على بعض المناطق وكنت اتمنى ان يصرخ. فالألم هنا معناه ان المنطقة حية. خلال هذه الايام ارتفعت حرارة ابي شرارة بشكل عالٍ واعتقد اننا استخدمنا الضمادات الباردة ايضا. ثلاثة اشياء كانت سَندي. الاولى بطولة وشجاعة الاثنين. كانا يتحديان  كل الاحتمالات والآلام والعذاب بصمت وإرادة جبارة كأنهما ربطا كاتم صوت على انينهم وبالذات في ساعات الليل الطويل. الثاني النصير الجميل ابو قمر( ضياء خلوصي كان يعمل مراسل صحفي رياضي في الحلة). ابو قمر كما يعرفه الانصار انه شعبيي الشخصية وكم يتذكر الانصار ولحد الان قفشاته الجميلة والمضحكة. فهو يستطيع ان يتحدث ويناقش في اربعة مواضيع مختلفة في وقت واحد. ابو قمر يحول المستحيل الى ممكن من ابسط الاعمال كالطبخ الى اسقاط السلطة وبطريقة مميزة من الجد والسخرية وبالعكس اذا اراد ذلك. سريع البديهة وتعليقاته لاذعة لمن لا يدخل قلبه وعكسها صحيح. كان ابو قمر يحي الثقة والامل بكل تعليقاته اليومية وصورني (جراح ماهر). الثالثة هي الهراكنة الحلوين وبدون اي استثناء. المعروف في ظروف كهذه تكون ساحة لظهور التذمير والتشكيك والتعليقات وغيرها علانياً او سراً. اتفق الجميع وبشكل غير معلن على الصمت. استغرب ولحد الان، نحن الذين كنا  نتحدث بأدق التفاصيل حتى الشخصية. لم يسأل احد من الهراكنة الحلوين ماذا تفعلون ولم يشكك احد بما نفعل أو تَحمل مسؤولية ما نفعل وغيرها.
 
بعد شهر او شهر ونصف بدأت تظهر بعض العلامات الايجابية وبالذات في قدمي ابي ناتاشا. وبدأ لون الطبقات الخارجية يقل سوادها. كان هذا مبعث السرور للكل. لكم ان تتخيلوا عذابات هذه الفترة. بدأت هذه العلامات عند ابي شرارة تظهر كما اتذكر بعد شهرين او أكثر ولكن ايامنا اصبحت ربيعا بعد ان انتهى خطر الاصابة بالغنغرينا. بعد ثلاثة اشهر او اربعة، استطاع ابو ناتاشا أن يقف وبصعوبة على قدميه وبدأ الجلد بالظهور. ظل ابو شرارة لمدة ستة اشهر في فراشه يلعلع بصوته وسخريته واغانيه وحبه لكل رفاقه ومن سوء حظه انني في الكثير من الاحيان كنت اعثر بقدميه المصابة عند مروري جنبه مما يسبب له الكثير من الالم. بعد ستة اشهر استطاع الهراكنة  ( شحن)  ابي شرارة على البغل ( المسجل) الى قاعدة بهدنان. لحد فترة نقل ابو شرارة فأن الجلد النامي لم يكن يغطي الاقدام المصابة وبقيت فتحة في باطن  القدمين.  بعد اشهر عديدة عاد ابو ناتاشا الى وضعه الطبيعي واخذ كما يقال بالعراقية ( يطارد ) في مفارز الانصار الشيوعية البطلة. عند وصول ابي شرارة وفحصه من قبل الطبيب ( حقيقي) اعتقد الشهيد الدكتور ابو ظفر ( محمد بشيشي الظوالم ) الذي قام لاحقا بقطع نصف قدم وعدة اصابع من القدم الاخرى للنصير البطل ابي حازم ( حسين كزار) لأصابته بالغنغرينة. قال ابو ظفر لابي شرارة كما نقل لي لاحقا ( إحمد ربك يارفيق انه لم يكن عندكم في القاعدة طبيب. لو كان هناك طبيب لقطعت قدميك ). مازال ابي شرارة يعاني الالام في قدميه وظهره وصعوبة التوزان في الحركة بسب تحول باطن القدم الى مفلطحة ولكنه يفاخر كما عرفناه بما قدمه الى الشعب العراقي ولحزبه. في الثلج الذي يغطي شتائنا في بلدان اللجوء يتذكر الانصار وبالذات الهراهنة الاوباش شهيدهم الاول ظافر السلامي وبطولات والالام ابي شرارة التي ترافقه لحد الان. قبل عدة سنوات جاءني صوت ابي ناتاشا الوديع عبر التلفون  بعد ما يقارب من خمسة وعشرين سنة لم نلتقي فيها ليقول شكراً لك ايها الرفيق. لم اكتم بعض من دموعي شوقا لكل الذين احبتهم ورافقتهم امواتاً واحياءً.
 ...
* الهراكنة الاوباش: لقب اطلقتة مفارز سوران عند استراحتها في القاعدة لسبب معين يرتبط في طريقة استقبالهم وضيافتهم. في البداية تضايق الهراكنة من هذا الوصف، لكن مع الايام تعودوا علية واستطعموا سخريته وظلوا يستخدمونه مفاخرة وسخرية.



17
بمناسبة ذكرى 8 شباط الاسود:
أفكار عن محاولة البحث الثاقب عن اضطراب قيادة ثورة تموز
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

الزعيم الركن طه الشيخ أحمد
تمر هذه الايام ذكرى 8 شباط الاسود، التي  تبقى على مدى التاريخ موصوفة بهذه الشكل. اعدام وُصفي الى جانب الزعيم عبدالكريم قاسم، كوكبة من خيرة ما انجب الجيش العراقي على المستوى الوطنية او المهنية. تركز معظم الكتابات عن انجازات ثورة تموز1958 وتربطها باسم قاسم متجاهلة بوعي او بدونه دور العديد من الضباط اليساريين والمتنورين في تحقيق انجازات ثورة تموز المجيدة، وفي التأثير على بعض اتجاهات عبدالكريم قاسم التقدمية، حيث قلما تتوفر وثائق تمس هذا الامر، اضافة لتصفية حياة هذه المجموعة. كذلك نجد أن بعض الذين كانوا على قرب من ثنايا الامور صمتوا خوفاً او طوعاً. هذه المجموعة من الضباط ذوي الرتب العليا، التي كانت على تماس يومي مع قاسم، لعبت دوراً هاماً في التأثير على اتخاذ قائد ثورة تموز العديد من الاجراءات الوطنية. وقد تميزت عموما بنضج سياسي أعلى من طموح قاسم وكانت على تواصل وعلاقة اوثق  بالقوى السياسية الداعمة لثورة تموز وبالذات الحزب الشيوعي العراقي، اضافة لكونها كانت اقدم في صلاتها بحركة الضباط الاحرار.
 تلك  القوى كانت اكثر ادراكاً للمخاطر التي احاطت بثورة تموز ، لذلك ظلّت متذمرة من سياسة الزعيم عبد الكريم قاسم ،الوسطية والمتراخية، مع اعداء ثورة تموز وقائدها. لقد عملت القوى المعادية لثورة تموز بإثارة الشكوك حول هذه المجموعة وتخويف قاسم منها وقد نجحت في هذا الامر. ابرز هؤلاء القادة كان ( الزعيم الركن طه الشيخ أحمد، الزعيم الركن جلال الأوقاتي، العقيد فاضل عباس المهداوي اضافة لوصفي طاهر وماجد محمد امين).
في تقييمه لرجال تلك المرحلة يشير الفقيد قاسم الجنابي مرافق الزعيم عبدالكريم قاسم ان العراق خسر في 8 شباط 1963 شخصيتين عسكريتين مهمتين هما طه الشيخ احمد وجلال الاوقاتي وان قذى احذيتهم افضل من كل الذين جاءوا بعدهم( برنامج مهمة عراقية- الزعيم عبدالكريم قاسم - قناة العراقية). بقيت هذه المجموعة وقلة نادرة من الضباط القاسميين مثل الزعيم عبدالكريم الجدة مخلصة للنهاية لقاسم ولثورة تموز ودفعت حياتها ثمناً لهذا الموقف. لعبت هذه الشخصيات ادواراً هامة وكان ابرزها الزعيم طه الشيخ أحمد ، خاصة في السنة الاولى من الثورة فإضافة لكونه مدير الخطط الحربية العام كان ( يقوم بواجبات المستشار الشخصي للزعيم عبد الكريم قاسم وموضع ثقته ويقوم بمهمة تنفيذ اوامره المتعلقة بقضايا الامن الداخلي وجمع المعلومات الخاصة ذات الطابع المؤثر والخطير على كيان الجمهورية - رسالة من السيد عربي فرحان للكاتب )، ويعتبره حازم جواد  (أحد قادة انقلاب شباط الاسود ووزير داخلية الانقلاب) في صفحات مذكراته التي نشرت في جريدة الحياة اللندنية بانه كان الحاكم الفعلي للبلد في 1959 ويكتب عنه حنا بطاطو في كتابة المشهور عن العراق بانه القوى التي كانت تقف خلف العرش ويعزو الفقيد عامر عبدالله في صفحات مذكراته المنشورة في عدد من المجلات منها مجلة ابواب الصادرة عن دار الساقي، على ان احد اسباب عدم قدرة قيام الحزب الشيوعي بالتحرك ضد قاسم هو بسبب انقسام قواه العسكرية في الجيش بين طه الشيخ أحمد والمهداوي. هناك العديد من الشهادات بحقه وبحق هذه الكوكبة من القادة العسكرين الامجاد وغيرهم من الرتب الادنى. قسم  من هؤلاء شارك في الحياة الحزبية والمدنية في فترة ابعاده من الجيش بمعنى إنه لم يكن اسير الثكنة وما تفرضه من طريقة تفكير محددة منهم جلال الاوقاتي، طه الشيخ أحمد، سليم الفخري، غضبان السعد وغيرهم. كما بقيت قضية الارتباط السياسي لهذه المجموعة يحيطها بعض الغموض اذا استثنينا جلال الاوقاتي وارتباطه بالحزب الشيوعي وفي فترة متقدمة قياسا مع الاخرين وقبل ثورة تموز ، فان البقية كانوا على علاقة بالشيوعين بشكل او اخر، لكن للأسف لم يبحث او يؤرخ هذا الجانب. مثلا كتب لي الشخصية الوطنية المعروفة  الدكتور على حسين الساعدي وهو ابن رجل الدين الشهيد الشيخ حسين الساعدي . كان الشهيد الشيخ حسين الساعدي  مسؤول محلية العمارة للحزب الشيوعي ، . كتب لي مرة كيف كان يزور طه الشيخ أحمد برفقة ابيه عندما كان صغيراً في العمارة في فترة الانتخابات عندما رشح طه الشيخ أحمد للانتخابات في نهاية الأربعينيات عن لواء العمارة، وكان يجري التنسيق في امر الانتخابات ويقوم هو بالتسجيل والكتابة ويصف كذلك اناقته وبيته وهدوئه. بتقديري تسليط الاضواء عن ادوار هذه الشخصيات ومؤثراتها على قاسم ومساره  يمكن ان يساعد في رسم صورة اوضح لمسارات ثورة تموز المجيدة.
قبل فترة وجيزة توفى المناضل سلطان ملا علي وكان عضواً في لجنة التنظيم العسكري المركزي للحزب الشيوعي بعد ثورة تموز 1958، كنت استغرب مضمون اللقاء الذي اجري من قبل صحيفة شيوعية، التي ركزت كالعادة على الاهتمام بأمور اخرى كمظاهرة معينة او لقاء بشخص  معين دون التطرق لعمله الاهم في الجانب العسكري ولم يؤرخ الشيوعين له شيء في هذا الجانب وفقدنا مصدراً هاماً عن تلك الفترة وعن التنظيم العسكري.
في كتاب العميد المتقاعد خليل إبراهيم حسن ( اللغز المحير. عبدالكريم قاسم. بداية الصعود الجزء 6). قبل الاشارة لما ورد، اشير الى إن الكتاب كتب بروحية العداء لقاسم، الا انه يحوي معلومات هامة وكثيرة، وهي اوسع ما كتب عن ثورة تموز والمفارقة فأن قراءة اجزاء الكتاب المتعددة توصل القارئ الى استنتاج ضمني معاكس لما ارده صاحب الكتاب (العروبي  الاتجاه) بأن قاسم كان قائداً عسكرياً متميزاً وهو الرابط الاساسي لمجموعات الجيش المعارضة ويحظى اسمه بثقة معظم الضباط الوطنيين بدون منازع ويكفي ان يعرف بعض الضباط ان قاسم جزء من الضباط الاحرار حتى ينضم لها. كان قاسم ذو كفاءة عسكرية متميزة وروح وطنية عالية ونزاهة وعفة وأمانة معروفة بين اوساط الضباط. وهو منظم كبير وذو عقلية استخباراتية وكان يقف على معظم التغيرات والاسرار في المؤسسة العسكرية. وقوف قاسم على راس حركة الضباط الاحرار كان ضمان حقيقي واساسي لنجاحها.  وربطا لموضوع المقالة فقد وجدت في الكتاب الجزء 6 حيث ذكر الكاتب وهو شاهد على الحادثة في هامش الصفحة 84 ما يلي:
 ( وبعد ان ابدلت الثورة المصرية النظام الملكي بالنظام الجمهوري في 18 حزيران 1953 قررت حركة الضباط الاحرار في اجتماعهم في مسبح ( جرداخ ) الهندسة على وليمة ( سمك مسكوف ) التي دعاهم اليها مؤسس حركتهم رفعت الحاج سري تغيير النظام الملكي الى نظام جمهوري في حالة نجاح ثورتهم واذا بطه الشيخ احمد الذي كان مفاتحا بالأمر يستصحب معه الدكتور رفعة علي الذي كان على صلة بالحزب الشيوعي ويطلب تشكيل حكومة ظل وان يتولى هو وزارة الدفاع في هذه الحكومة وان يضم الدكتور رفعت الى التنظيم وقد رفض الطلب طبعا وقطعت صلة طه بالتنظيم ). نفس الامر جرى تأكيده في ندوة افاق عربية العدد 7 سنة 1984 حول الموضوع. الكاتب يشن بعدها هجومه على الشيوعيين وعلى بيان اصدره الحزب الشيوعي في ايلول 1953 حول نشاط السفارة الامريكية وجواسيسها بين الضباط ( الفاشست ). ( يبدوا ان الكاتب حسب معلوماتي يقوم بالإسقاط القسري لبيان للحزب الشيوعي حول نشاط لمجموعة عسكرية أخرى على هذا الحدث)
 يشير الشيوعي المخضرم السيد بهاء الدين نوري في مذكراته( ص 167- 169 ) ان الحزب الشيوعي واثناء انتفاضة 1952 حيث كان بهاء هو المسؤول الاول ، طرح تشكيل حكومة وطنية يقودها الجادرجي ويكون أعضاء فيها من ممثلي الأحزاب الوطنية ومن عناصر المعارضة المستقلين أمثال الجواهري وعبدالرزاق الشيخلي، ويحتفظ الشيوعيون بأهم مقعدين: وزارة الدفاع للضابط الشيوعي المفصول سليم الفخري ووزارة الداخلية لنائب نقابة المحامين المحامي والشهيد لاحقا توفيق منير. وقرأت قائمة التشكيلة الوزارية في المظاهرات، ويذكر المفاوضات التي جرت بين ممثلي الحزب( عزيزالشيخ و غضبان السعد ) والجادرجي.  طبعا الجادرجي رفض هذا الامر. لاحقا في نيسان 1953 اعتقل بهاء الدين نوري واودع السجن.
بالتأكيد كان هناك تأثير او رابطة بين ما أرّخه الاثنان، خاصة اذا علمنا ان الفقيد ثابت حبيب العاني ذكر إن طه الشيخ أحمد والفقيد غضبان السعد كان او من أسّس التنظيمات السياسية في الجيش العراقي، لكن ما حجم التأثير وطبيعته وغيرها من الأمور المترابطة بتاريخ هذه الكوكبة من الابطال والتي كانت قريبة جدا من قاسم.
بقي القليل من عاش تلك الايام ممن يعرف او سمع بعض بواطنها وخاصة في ما يمس هذه الحلقة المحيطة بقاسم اضافة لحلقة اوسع من الضباط الشيوعيين والوطنيين الذين دافعوا بكل بسالة عن ثورة تموز وقائدها وانجازاتها، وسعى غربان شباط الاسود ليومنا هذا الى تشويه التاريخ والحقائق والمحيطة بأحداث ثورة تموز والانقلاب عليها وما لاحقها من جرائم وخراب ظل العراق ووطناً وشعباً يدفع ثمنها ليومنا هذا. على النقيض من هذه الشخصيات كانت هناك شخصيات عسكرية ايضا قريبة من قاسم لكنها خانت ثورة تموز وقاسم وعبدت الطريق لنجاح الانقلاب منها مثلا الحاكم العسكري العام أحمد صالح العبدي حيث اظهرت الوثائق البريطانية المسموح نشرها بعد عشرات السنوات ارتباطه بالمخابرات البريطانية وهو اول مسؤول عمل على توفير الصلة للمخابرات البريطانية مع البعثيين في سنوات الثورة الاولى، ولا يمكن نسيان الدور الذي لعبه مدير الامن العام وهو أحد ضباط قاسم في التستر على نشاط الإنقلابيين ولعب دوراً هاماُ في تسهل نجاح الانقلاب المشؤوم.
ان البحث والدراسة والتوثيق لدور هذه الشخصيات التي كانت قريبة من قاسم، بالتأكيد سيعلب دوراً هاماً في تدقيق التصورات عن ثورة 14 تموز.


18
مقدمات لنتائج خائبة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

قال رئيس الوزراء حيدر العبادي في بيانه بمناسبة حول العام الهجري الجديد ( التاريخ يعيد نفسه فمن حارب الامام الحسين هم انفسهم من يقتلون العراقيين ويكفرون جميع المذاهب )، وفي سياق بيانه دعى الى استلهام العبر من مسيرة الحسين. لا يضيف بيان العبادي هذا، الا خيبةً جديدةً لكل من يأمل في ان تتعظ أحزاب الاسلام السياسي وبالذات المتحكمة بالدولة، من نكبات السنوات الماضية صعودا من 2003. فمازال خطاب التجيش الطائفي هو االسائد لتحشيد وتعبئة العراقيين للتصدي لاكبرخطر يواجههم وهو تنظيم الدولة الاسلامية، في الوقت الذي تهد النكبات المستمرة حياة العراقيين.
سياسيون فاشلون، يصحبهم فوج من الحريم الثقافي من الاعلامين واشباه المثقفين وقسم من رجال الدين ومن على شاكلتهم، لم يجدوا في جعبهم الفارغة سوى هذا النوع من التحشيد، كلُ منهم يدعى نسبه للحسين او لخطه، دون ان يستطيع احد منهم بما فيهم رئيس الوزراء ان يثبت لنا كيف كان اجداد هؤلاء ( النواصب) الجدد ضمن جيش معاوية في قتاله ضد الحسين، وكيف ان اجدادهم من ( الروافض ) كانوا ضمن جيش الحسين او من ضمن من دعا الى الحسين ولم يخذله.

 يكمن الموقف من الدولة الاسلامية (داعش) في ظلامية مشروعها ودمويته ولا انسانيتة ولاحضاريته واحتقاره حقوق الانسان. مشروع يقوم على الهوس والجنون باستخدام الابادة كل مخلتف معها، ويستدعي من التاريخ أسوء صوره.
عموما يشكل مشروع الدولة الاسلامية أحد القراءات للاسلام وتاريخه وهم يعتقدون انها القراءة السليمة والصحيحة بدون منازع وانهم الفرقة الناجية المدعوة بتأييد ونصر الله وستكون الجنة مثوى قتلاهم. لا تعدوا الدولة الاسلامية سوى سرطان عدواني في الاماكن التي تسيطير عليها او التي تتوجه اليها، لكن رئيس الوزراء، الذي جاء عن طريق حزب الدعوة الاسلامية يُناور كي يلعب دوراً أخر. هذا الحزب الذي اثبت وبدون منازع، انه حزب لا يمتلك اية برامج لاعادة بناء العراق. حزب لم يمتلك اي برنامج اقتصادي او سياسي او اجتماعي في حالة وصوله الى السلطة ولا تعدوا كل طروحاته في هذه الاصعدة سوى كونها مجموعة من الافكار الانتقائية التي يضحك منها الواقع والتي سيتردد اي متحف بالاحتفاظ بها.

تمكن مصيبة العبادي وغيره من قادة الاسلام السياسي الشيعي او السنى بانه لا يستطيع ملامسة هذه الحقيقة المرة. فاذا كانت الدولة الاسلامية تسعى لبناء دولة الخلافة باعتبارها نموذج الدولة الاسلامية حسب الفقه السني فان الاسلام السياسي الشيعى لا يعدوا كونه سوى الوجه الاخر لهذه العملة الصدئة. فالاسلام السياسي الشيعي  وعلى راسهم حزب الدعوة الاسلامية الذي يتحكم في الدولة والحكومة يسعى لبناء دولة الامامة وهي الدولة الاسلامية حسب الفقه الشيعي. ولا تعدوا ممارسات الاحزاب الشيعية ومليشياتها بعيدة في جوهرها عن ممارسات الدولة الاسلامية سواء مع المختلف معهم دينيا اومذهبيا او سياسيا وربما تختلف هذه الممارسات في حدتها ومقدارها وكون هذه الاحزاب تقف على راس الدولة، اضافة لعوامل اخرى تلعب دورها في عدم اظهار هذا الجوهر السلفي، الذي يتعارض مع ابسط قواعد الحياة والدولة المدنية.
كل التلميعات في فكر الجماعات الاسلامية بكل الوانها لا يخفي حقيقة كونها،  متشابهة الجوهر والسلوك والهدف ولا ترتبط باية وطنية عراقية.
يحلو للعبادي وغيره من قادة لاسلام السياسي الشيعي ان يلعب دور الشيطان الاخرس حين يقترب من هذه الحقيقة ويلطم على عينه لكي لا يرى مرارتها، ولن يجد الا في ( حب) الحسين منقذاً له من هذه الورطة. يبدو إن رئيس الوزراء يستمتع بخرسه حين يدعو لاستلهام العبر من مسيرة الحسين، لكن السؤال يبقى يدور في ذهن المتلقي وهو ماذا ابقيتم للحسين؟ واي عبرة استلهمتموها منه ؟. لقد قتل الحسين ( 61 ه ) وحيداً بين أعداءه، مخذولا بمن دعاه واليوم يشعر الحسين بغربته بين  ( أنصاره)، اللذين لم يحفظوا له شئ يتشرف به، ولا نعرف من ابتلى بمن؟. هل ابتلى الحسين بهم؟، ام هم اللذين إبتلوا بالحسين؟.

عندما يستجدي العبادي او غيره التاريخ من اجل التصدي للدولة الاسلامية، بصوره البائسة والمسيسة لمصالح معينة لن يجد خلفه سوى ارذل العراقيين، وبهم لا يستطيع مواجهة سرطان تنظيم الدولة الاسلامية، على عكس الخطاب الوطنى الذي لو تمسك العبادي وغيره من يقفون على راس الدولة به، لوجد افضل العراقيين واخلصهم يدعمون مشروعه الوطني.  لم يفلح النظام الساقط بتوحد العراقيين تحت راية القومية الممزقة وزاد بؤس مشروعه حين صبغ رايته بالدين. لم ولن يكون الدين عامل توحيد للعراقيين، بل على العكس، سبحت راياته في بحور دماء العراقيين، لكي تبقى قوى الاسلام السياسي اكبر المتاجرين به لرخص تكاليفة وسرعة تصريفه وقوة مفعوله وهنا يكمن سر ارتفاع معدل الربح الغير معقول.

سياتي اليوم الذي ستجد فيه العراقيين يهتفون لا خلافية ولا امامية دولة دولة مدينة.





19
قراءة في رواية حصار العنكبوت لكريم كطافة


د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة*
الى  المغيب د. عبدالستار القيسي**، الذي لو التقيته يوما لقبلت التراب الذي يمشي عليه.
 
ينتمي كريم كطافة الى جيل نادر من الثوريين العراقيين، هو جيل تفتحت افاقه في بداية السبعينيات، مفعم بالجهد المثابر للقراءة والاحلام الثورية الرومانسية. هو سلسل حركة ثورية مفعمة بالتحدي واحلام التغيير. وجد هذا الجيل طريقه الى الكفاح المسلح بعد ان قلب النظام الساقط ظهر المجن لليسار وفي  مسيرة نظام كان همه تحويل الشعب العراقي الى شعب على مقاسات صدام. اهم انجازات هذا الجيل قدرته على التحدي. هو جيل شاغب السلطة وكسر هيبتها وأذلها في احيان غير قليلة وتحدى ارهابها المجنون. جيل مشبع بالوطنية ومبادئ العدالة الانسانية والاممية ، مأثرته الكبرى كانت في اعادة الهيبة لنضال للحزب الشيوعي العراقي بعد هجمة النظام عليه في 1978 . تكمن مأساة هذا الجيل في ما افرزته الحياة وبالذات بعد 2003 والتعمد في دفن مأثرته من خلال التنكر والاهمال له، بل إن نهجهم هذا وتضحياتهم تلك، التي لا تتعارض مع قيم اي انسانية أو وطنية، لم تجد لها صدى في حياة العراقيين في السنوات اللاحقة. يطرق كريم كطافة على الذاكرة  العراقية المخربة اصلا، والتي يجري العمل الان على تشكيلها بصيغ دينية، طائفية، شوفينية او ذات افق قومي ضيق وبصيغ لا وطنية.  تشكل هذه الرواية جزءاً من الانصاف لهذا الجيل وبطولاته، والمساهمة في تشكيل الذاكرة العراقية على اسس وطنية وانسانية. جزء هام من بيان هذا الجيل نجده في مقدمة القصة التي كتبها الكاتب.
 
يسعى كريم كطافة في روايته إلى توثيق حدثاً هاماً من حياة هذا الجيل الثوري الذي سعى بزهرات شبابه وطاقته ان يجسر المسافة بين الحلم والواقع، هي فترة الحصار وبطريقة الشبكة العنكبوتية  لمجموعة من قوات الانصار والبشمركة ولمجموعة من عوائلهم وعوائل اخرى في جبل كارة الاجرد والجاف، في الفترة التي اعقبت انتهاء الحرب العراقية الايرانية وتَفرغ النظام لضرب الحركة الكردية المسلحة. قام النظام بشن حملة ابادة شاملة للريف الكردستاني و ( لأول مرة يقدم الفلاحون على رحيل جماعي بهذا الذعر الذي يجبرهم على ترك بيوتهم كما هي، وأن يفروا بجلودهم، وحتى دون قتال، ودون أن يدروا شيئاً عن وجهة رحيلهم القادم ص 141)، وهُجر النظام العديد من عوائل الانصار  في الفترة السابقة لحملته باتجاه قواعد الانصار وضمن مخطط مدروس مسبقاً. شكل هذا الحصار جزء من عملية ابادة عنصرية  وشوفينية للشعب الكردي  وهي عملية الانفال الذي ذهب ضحيتها 180  الف مواطن عراقي كردي. عوائل الانصار( يقدرعدد الضحايا ب  196 شخص في اقل تقدير) من الاطفال و النساء والشيوخ معظمها من اليزيدية، التي اضطرت ان تسليم نفسها للسلطة، تم ابادتها  ولم يُعثر لحد الان على اي اثراً لها، ولم يحفظ النظام الساقط  وعوده التي سبق وان اطلقها. هذه الفترة تتطرق لفترة بضعة اشهر من حياة الانصار والتي تمتد الى مايقارب إحدى عشر سنة.
 
عتبة الرواية تبدء ب (فواد يلدا .. مازلت الجرح الناتئ في روحي)، هذا الاستهلال سيضع القارئ وبالذات العراقي المبتلى بالفقدان ومن خاض معارك النضال من اجل الشعب العراقي، ان يتساءل كم  من الجروح الناتئة في روحه، من هو الاكثر شعورا بالامان؟ من جلجل بصوته هاتفا بحب شعبه ووطنه وسقط شهيدا ام من يستعيد تلك الصور مقاوما النسيان. يصعد الكاتب بهذا الاستهلال شيئاً فشيئاً من المستوى ذي الطابع الشخصي والذي له مرارته الخاصة في حياة الكاتب ليتحول الى سؤال عام لامس حياة شعب وحركة ثورية. من هذا الاستهلال ترتسم صور اولئك الذين اختطفوا منا بصور ابتساماتهم وجلجلة ضحكاتهم وصخب تواجدهم او هدوءه. كل منهم كان له صورته. لم يبق لنا الزمن شيئا كثيرا فقد جاوز معظمنا من العمر ثلثيه، لكن تبقى صورهم  كما هي شابة، مفعمة بالحياة، وبابتسامته  تتحدى الايام.
.
تتميز رواية حصار العكنبوت بروح الالفة التي تخلقها مع القارئ. تكتسب هذه الالفة مظهرها في القراءة المتواصلة لرواية كبيرة الحجم والتماثل مع عوالمها واجوائها وشخصياتها وتوثيق احداثها، تتسع هذه الالفة وتضفر وشائجها مع القارئ الذي سيبقى يبحث عن الحدود الفاصلة  بينه وبين الرواية. لا تنشا هذه العلاقة بسب دراما الاحداث فقط وحجم المأساة والمجزرة وانما بالصياغة والاساليب المتنوعة المستخدمة في اقامة عمارة الرواية المتكاملة.

تبدأ الرواية بناء أحداثها بعين سينمائية، هادئة، رقيقة، مسالمة الى حد ما على جبهة الحرب بين ألانصار والسلطة، وهى تشمل توصف حياة الانصار وطرق التحاقهم ومواقع ألانصار وروح النكتة والسخرية والتحدي وغيرها من اليوميات المألوفة في حياتهم، بحيث تُبنى هذه الالفة وتهيأ القارئ للاحداث والمرارات القادمة. لم يهتم الكاتب في توصيف الشخصيات فقط وهو عامل هام في رسم لوحة متكاملة للشخصيات واجوائها وانما اهتمامه الاكبر كان بفعلها وقوة هذا الفعل، فقد قدم شخصيات مشتركة في خيارها باقتحام المجهول ولكن في اللحظات التي تكون مع الموت جيران وحين يفقد الموت طقوسه، تتفرق مصائرها، خاصة عندما تتحول مفردة واضحة كمفردة ( فاشل بو)  الى كودة السر لدخول الجحيم ص 145. هي شخصيات حقيقية استلها كريم من احضان تلك الحياة. رسمها بصورة صادقة وأمينة ولم يتلاعب فيها كثيرا، ولم يسعى اصلا لإخفائها الا بمساحيق خفيفة بما يتطلب بناء الرواية، بل بالعكس سعى من اجل توثيقها وتوثيق تلك الاحداث.
 
فؤاد  يلدا وهي شخصية حقيقة،  شاب شيوعي بصراوي في اواسط العشرينيات من عمره، مدهون بلون الشمس وبعيون ملونة، ترك ايطاليا  بعد ان انهى دراسة النحت فيها والتحق بقوات الانصار، وعلى لسانه في الصفحات الاولى، ينطلق رنين الانذار القادم بعد انتهاء الحرب العراقية الايرانية ( حمار الملك لم يتعلم القراءة والكتابة، الجنود جنود، انتهت المهلة يارفاق ص 14). هذا الرنين سيتحول الى سؤال كبير وبالأحرى الى اسئلة كبرى، اهمها ماذا اعددنا بعد الحرب؟. يغيب فؤاد بين فصول الرواية مع شخصياتها ويظهر هنا وهناك، وليظهر لنا في نهايتها بخياره الواعي والمأساوي بالانتحار على تسليم نفسة لجيش السلطة. سهراب القابض بيده على الجمر وحمل كتفيه بمسؤولية وحياة رفاقه الانصار من جهة وحمل حياة زوجته واطفاله المهجرين باتجاه قاعدة الانصار من جهة اخرى، والتي تؤنفل لاحقا، هذا الحمل يتحول الى بوصلة في تحديد خياره بتحدي الموت ومواصلة القتال بعد انسحاب الانصار باتجاه الحدود التركية.
 
سعى الكاتب لتناول شخصياته بحيادية. يمكن تلمس ذلك في طريقة تناول شخصية  ابو منيب مسؤول  الفوج الذي موه الكاتب إسمه فقط، رغم عدم قناعة الانصار بقيادته لهم والتي نجده مثلا في صيحة  رزوقي المستفز على الدوام ( باكيت الزبد شوكت يطلع من الثلاجة !! ص 98)، لكن الموقف يتجسد لاحقا، حين يبحث القائد عن خيار فردي لنجاته بهربه الى سوريا مستغلاً خطوط التنظيم المدني، تاركا انصار فوجه بين فكي الموت. هذا الامر في حقيقته، هو سؤال يثير الكثير من المواجع.

 شخصيتان تشكلان ضفتا الرواية والتي تبقى ظلالهما مرافقة لكل احداث الرواية. الاولى هي شخصية نظام مجرم يقتات على ارهاب وتجويع واذلال وابادة شعبه، لم ينجو من شره لا البشر ولا الحجر. نظام كان يريد ان يفصل شعب على مقاسه ولم يتهاون يوما مع من يكون خارج هذا المقاس، لم يترك كريم كطافة فرصة في سرده الا واظهر اجرام هذا النظام. مرة يصفعه واخرى يبصق عليه وثالثا يظهر خواءه وعداءه الاهوج لشعبه ولم تغب في تفاصيل الاحداث وبؤر الصراع مسؤولية النظام الساقط عن هذه الجريمة. والثانية هي شعب يأكل الحجر كي يبقى يقاوم. مجد الكاتب بصدق وامانة بطولة الشعب الكردي وصموده وتحديه  ومجد حركة الانصار واصرارهم المقدس الا أن  يكونوا في موقع  المدافع الامين عن ارادة وطموح شعبهم.
 
لم يسقط الكاتب رؤيته  المسبقة  على الأحداث والشخصيات ولكن عرضها امامنا بشيء من الانسيابية والعفوية كما هي في واقع حياتها. ما يجمع معظم هذه الشخصيات هو النزعة الانسانية فيها وطابع التحدي والمقاومة في مجمل حركتها، حتى موضوع عشق النصير خديدا في خريف العمر لعاهرة تلعب دورا مزدوج بين السلطة والانصار يتحول موضوع للتندر والمشاكة بين الانصار ( ليش خديدة... ليش!! ص43) بدل ان يكون محطة لانفجار المواقف، حتى البغال والتي هي شريك حياة الانصار والحيوانات الاخرى تكتسب هذه النزعة وتكتسب موقفا حين تكون جزءا من حياة الانصار وتلهث مع البشر في طريق خلاصها،  كما هي في شهامة بغل السرية الوحيد ( مارادونا ) الذي يفتدي بنفسه ثلاثة من الانصار والذي يبقى مصيره مجهولا ما بين القتل او الجرح او الاسر وربما تضحك في سرك حين تتسأل عن كيفية تعامل السلطة لاحقاً مع بغل الانصار الاسير. كذلك مأساة البغل النورس، بقرة عابد والتي يصوم عابد عن تناول لحمها حين تذبح لإنقاذ الجياع. دببة تترك مكانها لعاشقين وزوجين يلعبا في ساحة المراهقة وغيرها من الصور.
   
يؤثث كريم كطافة المشهد من جوانبه المختلفة وبمهارة واناقة متميزة ( الزمان، المكان، الحوار، الذاكرة، ردود الافعال، الحلم، الملابس، الامراض، السخرية ...الخ)، مما يجعل المشهد نابضاً بالحياة، ويجعل من الحدث ذي بهرجة جميلة غير مفتعلة حتى يخيل للقارئ انه يرى بعيون الشخصية نفسها. ففي ص 242 تشعر وكأنك ترى اللون الحنائي  لبسطال الضابط الواقف على أحراش نهر صغير إختفى فيه ثلاثة من الانصار ويتداخلك الخوف الناهش فيهم ( رؤوس الثلاثة مفرغة من التصميم لا شيء فيها غير صوت دوران الدماء في العروق، ولعله ذلك السائل الذي يدعونه بسائل الخوف، كان خوفهم ناهشاً ماسكاً بتلابيبهم معطلا أجسادهم عن المبادرة ص 24).
 
صور ومشاهد الكاتب موصوفة بعين سينمائية،راصدة وبمشاعر واحاسيس عالية وبلغة متينة متناسبة مع الحدث بلا اقتضاب او اسهاب مما يساعد على اختصار المسافة بينك وبين الحدث. من هذه الصور والمشاهد يرتفع الكاتب بعمارة الرواية حجراً فحجراً، وصفاً بعد اخر بخبرة ومهارة الاسطوات وبطريقة البناء الهرمي. فقد استطاع كريم كطافة ان يظهر نضوج تجربته وخبرته في الكتابة، وقدرته على تنمية الحدث الروائي بما يحث القارئ على مواصلة القراءة  بمتعة وتأني، وروح وعين فاحصة. هي صور تعكس جوانب المختلفة لحياة هؤلاء المقتحمين للمجهول والمنتصبة بين خط الموت والحياة.
 
شباب انصار حلوين*** جاءوا من مختلف البقاع والمشارب للالتحاق بالحركة. أنصار تعاهدوا في السنة الاولى لاحتفالهم بعيد رأس السنة الميلادية في 1980 في جبال كردستان الشماء، على ان يلتقتوا باحيائهم وشهدائهم تحت نصب الحرية في بغداد في اول عيد لرأس السنة الميلادية بعد اسقاط النظام الديكتاتوري، زوجات شهداء وعوائلهم، عزرائيل المهموم بقائمة الاعمال المطلوب انجازها . صورة النشيد الاممي وهو يغنى بطريقة الخشابة البصراوية ( هبوا .. هبوا، يله خالي) والتي لو سمعها ماركس لترك غليونه جانبا وبزخ معهم. صورة المرأة العراقية العصية على الاذلال والتي مثلت أحد أوتاد الراوية وهي صورة صادقة ولكنها غير تقليدية في مجتمع تقليدي، نساء رواية حصار العنكبوت هن  احد وجوه الرواية المشرقة والتي عرضت وجوه اخرى لجوانب متنوعة من الحياة عموما ولحصار الجحيم وملحقاته . شكلت صور نساء الرواية بانورما حقيقة، فهي اشد انواع الصور تنوعاً ولم تكن ذو نمطية موحدة او مكررة، بل عكست طاقات وهئيات ومواقف ًمختلفة ومتناقضة احيانا وغطت بمساحاتها معظم مشاهد الرواية. عالمهن الخاص رغم تنوعه الا انه كان على رباط وثيق مع الاحدث وجزء اساسي منه، عزز بناء الرواية واكسبها متانة سواء على مستوى المحتوى او  الشكل.  تعددت صورهن ( النصيرة وضحة، دايكة عائشة، روزا بنت الشهيد جاويش، زوجة الشهيد جاويش، شيرين، زوجة سهراب، حبيبة حمدان، زوجة الضابط الطيار ). جنود لم تكن لهم مصالحة فيما كان يدور ولكن وجدوا انفسهم ككماشة النار في يد لنظام. صور ومشاهد الرواية تعبر عن ذاكرة عصية ومعاندة للزمن تتحدث عن اولئك الذين كانوا يسرقون من الزمن اعمارهم وأيامهم وشبابهم المنسي.
 
صورة واحدة لم يقترب منها الكتاب هي استخدام الجنس والاروتيكة في نصه، رغم ان هذاالامر مغري للكثير من الكتاب في ظل اوضاع  يرتفع فيها حائط الممنوعات، اضافة لكونه الجانب المغري في الكتابة لحياة منعزلة ومقطوعة ويشكل جزء من حقيقة ذاك الواقع. وهنا يُطرح تساؤل هل ان الامر يتعلق بالعفة، بالتوثيق، بالأسلوب. سؤال يبقى مفتوحاً، رغم ان الكاتب اظهر تمكنه من هذا اللون من الكاتبة والوصف كما في وصف الطيار القاصف للموقع وزوجته، واثارة سؤال عميق حول الاجرام والاستمتاع بالجنس.
 
عناوين الفصول او المشاهد مثيرةً ومختارةً بخبرة  تعكس مهارة في التعامل مع مقدمة النص ومع القارئ، فقد اتبع كريم كطافة استخدام عناوين الكثير من الفصول، تحمل التناقض والتخالف داخل النص نفسه.  هذه الطريقة او التقنية تفتح شهية القارئ للبحث في الفصل المعني عن طريقة التخالف هذه والغرائبية في عنوان الفصل. انها قراءة تبدأ بسؤال بين مفارقة النص والواقع.  مثلا كاكا انور يشتغل كردي،   انا زيباري!!، سجناء خطرون، محنة البغل النورس، محنة سجان وسجناء، حين تكون الحلول متشايهة... يعني ماكو حل، حب يأتي مثل اشياء اخرى منهكا، كل شئ يحترق ارض الكرد بلا ريف، الموت لحماً، إعادة إبادة إنسان النياندرتال وغيرها
 
ما يعزز من الالفة بين الرواية وقارئها هذا التناسب  بين السرد والحوار، الذي ساعد على تركيب هذه الصور والمشاهد  ويسهل لعيني القارئ في التهام صفحات الرواية. لعب الحوار بالدارجة  دوراً بتسخين الاجواء واعطاء الشخصيات حرارة وحيوية، خاصة في مواضع السخرية والنكتة التي تشكل في الكثير من المواقع محطة لجر الانفاس، حيث لا تكتسب النكتة او القفشة طعمها الا من لغتها المحلية. واستطاع كريم ان يستخدم لغة دارجة سهلة ومفهومة عموما من القارئ الغير عراقي. استخدام الكاتب الدارجة في حدودها المعقولة بحيث خدمت السرد ولم يصبغ النص بروح محلية ضيقة. 
 
اما السخرية والنكتة في الرواية والتي هي بحاجة الى وقفة خاصة ومفصلة، والتي تمتد الى الكثير من مفاصل الرواية ولعبت ادواراً مختلفة وهامة. هذه السخرية لم تكن مفتعلة. هي جزء من ذاك الواقع ومن تلك الحياة، ولحد الان ما ان يلتقي بعض الانصار حتى يكون هذا الامر مادتهم الاكثر حيوية في احاديثهم وذكرياتهم. تكمن مهارة الكاتب في طريقة استخدامها وتوظيفها باعتبارها جزء من الحدث، تسهم في تعزيز الحوار وبنائه وتفتح افاق لتطوير السرد والحوار وبناء اسئلة مركبة وتشكل السخرية قاعدة قوية لتشكيل الاسئلة المختلفة. تأخذ السخرية مكانها من بداية الرواية حتى اخر صفحة فيها. السخرية كانت على مستويات متعددة منها اليومي المألوف والذي يضفي نكهة وترطيب للحياة والاجواء وتعكس روح التحدي لمرارة الواقع المحاط بالموت وعزرائيل القافز بين وديان وقمم جبل كارة كما في استخدام عبارة معروفة بين الانصار للملتحقين الجدد من الخارج ( يعني الرفيق بعده بدهنة ص 12) او كما يتحدث النصير ابو حمدة عن ابو طاروق ( هي جمع لاسمي قياديين في الحزب الشيوعي وهو ابو فاروق عمر الشيخ وابو طارق ارا خاجدور ). ابو حمدة (الذي  يدمج ما لا يدمج من صفات واسماء في لجة لهفته لقول اخبار، يعتقد انها لم تزل طازجة ص 16 ). ومنها كما يسمى بالسخرية السوداء التي تمتد مفارقات التاريخ حين تدعو حركة لإيقاف الحرب العراقية الايرانية باعتباره موقفاً سياسيا واخلاقياً من الحرب واملا منها ان يفتح هذا الامر ابواباً لاشتداد تناقضات نظام صدام مما يقرب سقوطه، فاذا بهذا الموقف يتحول الى مقصلة للمعارضة العراقية وبالذات الحركة الكردية وابادة للشعب الكردي. مسخرة شعب يخلق جلاده كما في ص 12 حين يصور مشهد بين الجموع حين  يخطب صدام ويسمع صراخ رجل بين الجموع يشق دشداشته ويلطم على راسه، ويبدو ان هذا المشهد سيبقى لصيقا في حياتنا كعراقيين حتى بعد زوال النظام الساقط. السخرية من الواقع نفسة حين يكون الشيوعيون اكثر القوى مساهمة وعنفواناً في النضال ضد الديكتاتوريات المتعاقبة ومن اجل سعادة العراقيين وليأتي في النهاية اخرون يجمعون حصادهم، هي سخرية وسؤال يختزن في باطنه المرارات اللامحدودة. سخرية التناقض بين الروح الثورية المستعدة لاقتحام السماء وشكل تأطيرها، وبالتالي هل يكفي للثوري ان يحمل صليبه على ظهره  أو أن يمتطي ظهر الموت وهي قدرة عجيبة، يحسد عليها، كي يكون طريقه اقل تعرجاً. سخرية كريم كطافة تُحي وتصعد بالعديد من الاسئلة الى السطح. انها رواية تُبقي الجرح مفتوحاً.

سيكتشف الانصار وكل من ساند واحترم نضالهم ان متعتهم ليس فقط في قراءة الرواية وانما ستتجسد حين يقدمها احدهم لاحد ابناءه او بناته، لاهله، لاصدقائه، لشبابنا العراقي ليقول له كانا هكذا نحفر في جدار القمع والصمت من اجل شعاع امل للعراق وشعبه. رواية حصار العنكبوت لها سحرها وهيبتها والتي كما اعتقد سستترك اثراً واضحاً عند قرائها.
 
شئ اخير اودع به قراءتي هذه تتعلق بالغلاف الذي بتقديري كان يمكن عليه العمل بشكل اخر.
 
 رواية ( حصار العنكبوت ) للكاتب كريم كطافة 367 من الحجم المتوسط، اصدار دار نون، الطبعة الاولى 2014
...
 
.  القيت المداخلة في احتفالية توقيع الرواية  التي نظمها التيار الديقراطي وملتقى الانصار- هولندا 10-10-2041 * قارئ.

** كانت عيادة الاسنان للمغيب د. عبدالستار القيسي في شارع الكفاح مقابل ابو سفين في بغداد، ملجاً لاختفاء العديد من الشيوعين، واصبحت لاحقاً مركزاً للمراسلة. كان عبدالستار القيسي شيوعياً سابقا وسجن في شبابة مع فهد الذي لم يذكر أسمه قط في اي مكان كان الا وارفقه بعبارة الرفيق الخالد، حباً واعجاباً وامانة. إنتهت علاقتة بالحزب الشيوعي بعد 1963. في فترة الحملة ضد الشيوعين اواخر سبعينات القرن الماضي، كرس عبدالستارالقيسي نفسه وعائلته لحماية الشيوعين والدفاع عنهم. بقيت عنده اكثر المختفين مدةً وتعرفت عليه عن قرب. كان رجل مفعم بالجراءة والشجاعة والحب والحنان. هو اخو المحامي المعروف عبدالوهاب القيسي. الذي غيبته السلطة، وابو الشهيد قيس الذي استشهد في احداث بشتاشان والذي سبق ان قضى حفنة من سنوات عمره في سجين ابو غريب، بعد اكماله رسالة الماجستر في مصر وعودته للعراق.
   
***مطلع لاجمل إغنية مجدت بطولات الانصار، من تاليف الشاعر  إسماعيل محمد إسماعيل وتلحين المبدع كوكب حمزة وكان الاثنان ضمن الانصار.



20
المنبر الحر / نعثل الكافر
« في: 22:49 22/09/2014  »
نعثل الكافر

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
( اقتلوا نعثل فقد كفر ).. شعار اطلقته عائشة بنت ابي بكر، أصغر زوجات نبي الاسلام ومدللته ومعشوقته, بوجه الخليفة الثالث عثمان بن عفان،  الذي رد عليها بــ( لن انزع ثوبا اكساني الله ) .
تعددت الروايات الواصلة الينا حول اسباب هذه الدعوة، بين من يرى انه لم يعطها إرث زوجها او انه أخر بعض ارزاقها، لكن الاخطر من تلك الروايات ما يشير الى ان سبب اطلاق الدعوة هو ترتيب واعادة جمع القرآن في خلافته وحرقه المباشر لمصحف حفصة بعد ذلك، واتهام عائشة له بأنه أبلى دين وسنة محمد اضافة لتقريبه أبناء عشيرته واقاربه من الامويين وتمكينهم في ادارة الدولة الصاعدة. كان هذا الوضع يتناسب مع بزوغ نجم الارستقراطية العربية الصاعدة، مع بدء  ما يسمى بالفتوحات الاسلامية وبالذات العراق، الذي سبب فتحه وثراء ارضة وثقافة اقوامه المتنوعة وعمق تاريخه وحضاراته في تغيرات هامة وكبيرة في الاسلام آنذاك، وفتح ينابيع الثراء على المسلمين واظهر المخفي والمكتوم.
يبدو ان هذا الرأي هو الاقرب للواقع، حيث يسقط الاحتمالين الاخرين، بسب ان عائشة تعرف ان ابيها ابي بكر وعمر لم يسمحا لفاطمة بان تَرث ابيها في القضية المعروفة تاريخيا بـ(فدك) بتأويلهما بان الانبياء لا يورثون، إضافة الى انها لم تكن بحاجة لأموال عثمان فقد كان طلحة بن عبيد الله وهو أحد المغرمين بها والعاشقين لها يجهزها بما تحتاجه طوال السنة. قتل ذو النورين وخليفة   المسلمين الثالث عثمان بن عفان وهو يقرأ القرآن ولم يجد له مأوى الا في مقابر اليهود حيث دفن فيها. لم يحد مقتل عثمان من صعود هذه الارستقراطية وواصلت طريقها على جثث اربعة من الخلفاء الراشدين ( عمر، عثمان، علي، الحسن بن علي ). كانت عائشة شخصية طموحة ارادت ان تلعب دورا سياسيا هاما في كيان الدولة الجديدة الصاعدة وللأسف انها لم تنل ما تستحقه من الدراسة والاهتمام خارج اطار المنظور الديني والصراع الطائفي. بمقتل طلحة في معركة الجمل الذي أرادت من خلاله ان يكون جسراً لها فيما اذا تولى خلافة المسلمين، انتهت احلامها  وبالنهاية كانت عائشة هي احدى قتلا هذه الارستقراطية حين رفضت تورث الخلافة من معاوية لابنه كما في بعض الروايات. من يسعى للتعمق بما ذكر من ملخص،  فالمصادر التاريخية عديدة وسهلة بوجود الانترنيت.
 د.
يبدوا اننا شعباً غير معني بإعادة قراءة التاريخ بما يخدم حاضرنا ومستقبلنا، رغم ان كل صراعتنا وانتحاراتنا اليومية الحالية او منذ مئات السنين تستند حتى لو ظاهرياً الى هذا التاريخ  المغبر . نحن امة او شعب ولود ومنتج لـلـ(نعاثل).. ،ما تولى او ولينا امرنا لاحد حتى سعى للتمسك برقابنا الى يوم الدين. اخر هذه النعاثل وليس آخرها هو مختار الحرامية نوري المالكي. لقد ترك المالكي ارثا من الخراب وعلى كل المستويات، اضافة الى ان الإصطفافات  ، التي اوجدها أو ساهم في  تعمقها كفيلة بإجهاض اي مشروع وطني يسعى للنهوض بواقع الحال.  لقد قاد المالكي وحزبه وكل حلفائه المتنوعين موجة الخراب الثانية، بعد ان قاد صدام وحزبه موجة الخراب الاولى. المالكي هو راية اصحاب النعم الجديدة ومهندس طريقها في ابقاء العراق يدور في فلك الطائفية والفساد والخراب والتخلف وفي كل ما يحط من قيمة وقدر العراقيين شعبا وارضا. اُبعد نوري المالكي ولكنه لم يخرج من اللعبة وهو امر منطقي في ظل  العمل من اجل انقاذ نظام المحاصصة واعادة ترميمه. هذا النظام الذي جر البلد من ويلات الى اخرى وفي دوامة يبدو أن  ليس من نهاية لها. هذا هو منطق كل القوى الجديدة والقديمة بكل الوانها،  نمت وترعرعت في ظل هذا النظام البائس وتحكمت من خلاله بمصائر العراقيين.
في اخر جولة له اصدر المالكي 370 قرار في صالح حاشيته من ضمنها القرارات في تعيين اعوانه في مواقع هامة وحساسة. جوهر الامر في كل هذا، هو أن رئيس الوزراء الجديد  لا يستطيع اختراق  هذا الاخطبوط الذي يمد اذرعه في كل مفاصل الدولة وان يتقدم بنا خطوة إلى أمام، هذا اذا افترصنا حسن النية وقوة الارادة. يبدو إن هذا الامر معقد جداً، فبعيدا عن اللعب البهلوانية للأطراف الاخرى المتنفذة في نظام المحاصصة، فهي شريكة المالكي فيما حصل وحاصدة لنعم سيادته  وحين يجد الجد في حفر قبر هذا النظام فأنها ستكشر عن اسنانها الحقيقية وتسعى لحقنه بأنواع العلاجات المختلفة لبعث الحياة فيه. تعقيد الامر لا يجعله مستحيلا ومن تابع تجربة روسيا بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وظهور بوتين من احشاء نظام يلتسين المتخم بالفساد واللاوطنية وتبني اعادة هيبة روسيا الاتحادية وبنائها على اسس حديثة والطريق الذي سلكه، ربما يجد املا للخيبة التي نعيشها.
 
لا يستطيع العبادي او غيره واكرر فيما اذا افترضنا مرة اخرى حسن النية وقوة الارادة الوطنية الصادقة، ان يحقق جزءً هاماً بما يحلم به  العراقيون في ظل التوازن الذي خلقه المالكي وكل شركائه من الالوان الطائفية والقومية المختلفة. فأية خطوة بهذا الاتجاه تتطلب تغير ميزان القوى الحالي او اجراء تغير هام فيه وبالذات في مفاصل الدولة الاساسية والحساسة والتي ترتبط بحياة الناس.  من الضروري خلق قاعدة هذا التغير وتجميعها وهي بالتأكيد موجودة ولكنها متشظية. الخطوة الاهم في هذا الجانب هي التهيئة  لمستلزمات لانتخابات نزيهة وشريفة سواء مبكرة كما دعوت في مقالة سابقة بعد الانتخابات او في موعدها الثابت. هذه المستلزمات معروفة وقد كتب الكثير عنها . إن ترافق هذا الامر بإنهاء الطاعون الاسود القادم مع داعش بوجه السني او الشيعي والتخفيف عن هموم الناس ودفع البلاء عنهم واعادة الهيبة للروح الوطنية وغيرها من الامور ستشكل قاعدة هامة لمشروع كهذا. العراقيون حين يتلمسون هذا الخيط، سيكونون رافعي المشاعل من  اجل نسج حبل النجاة .
أخيرا فاني لا ادعو لقتل أحد سواء كان نعثلا سنياً او شيعياً ولكني ادعو لدفن مشاريع النعاثل. 
 
 

21
قادة الاسلام الشيعي وامارة المتغلب

أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
المالكي وقادة حزبه بالذات وعموم قادة الاسلام السياسي سواء من التحالف الوطني بالتحديد او غيره، ما ان يتحدثوا عن مواقفهم السياسية  او التنفيذية الا واشاروا الى المسؤولية الشرعية او الفقهية لموقفهم. هذه اللازمة المتكررة والمقرفة، تسعى لتجهيل السامع وشل قدرته على التفكير، باعتبار ان الامر حسم شرعا قبل كل شيء،  وربما ينطبق عليهم ما ورد في سورة الحج، اية 46  ( فأنها لا تعمى الابصار ولكن تعمى القلوب التي في الصدور). لكن قلما سمعنا في ذات الوقت او لاحقا ما هو الموقف الشرعي ومن اتخذه. هل هي قيادة حزب الدعوة في اجتماعاتها او قيادة هذه الجهة السياسية الدينية او هناك مفتي خاص او جهة افتاء في هذا الحزب او غيره ومن هم وماهي درجاتهم الشرعية وهل يجوز لهم الافتاء، او ان الموقف الشرعي تم تحديده من قبل السيد السيستاني او خامنئي او جهة اخرى، واذا وجد موقف شرعي معارض لهذا الامر، فكيف سيحسم الامر شرعا وواقعاً. اسئلة عديدة ومتفرعة لم اجد لها جواب ، ولكن تبقى عبارة جواز الموقف شرعاً ( تنطق دائما بالطريقة الايرانية وخاصة الحرف الاخير ) او عدم جوازه، عائمة في خطاب الاسلام السياسي الشيعي. العملية في جوهرها بكل بساطة هي هرس السياسية بالدين، كي تخرج هذه القوى بمواقف تخدم سياستها التي لم تظهر الايام منذ 2003 انها كانت تسير الى جانب الشعب العراقي.
 
امارة المتغلب او الجَمعة لمن غلب تعني اذا سيطر الحاكم على الامارة او السلطة بقوة السيف والارهاب والاحتيال وغيرها من الاساليب المكروهة، وجب اطاعته والتسليم له ويمكن امامة الصلاة وغيرها من امور  قيادة المسلمين. هذا المبدأ معمول به عند  الكثير من علماء السنة  وبالذات الاشعرية. هو يمثل حاليا موقف السلفية السنية التي اشتهرت بمواقفها المساندة والمتخاذلة مع ولاة الامر والحكومات المعادية لمصالح شعوبها ولها تبريراتها في هذا الامر المستندة الى التاريخ والفقه. الشيعة وفرقها لا تقر هذا المبدأ، والا لكانت امامة معاوية او العباسيين جائزة. الشيعة  من الاسماعيلة او الزيدية وغيرهم من فرق الشيعة الاخرى، خاضت بحوراً من الدماء في  نضالها السياسي  من اجل السلطة ولم تقر امامة المتغلب وخرجت على السلطان واقامة الامارات والدول المتعددة. الشيعة الامامية الاثنى عشرية كان لها موقف سلبي من السلطة ولم تخض نضالا سياسيا ولم تسعَ يوماً الى السلطة السياسية واتخذت من انتظار المهدي المنتظر نظرية  وطريقا لها ومن التقية ستاراً لها، عملا بما روي عن الصادق قوله لاحد اصحابه ( إذا حدَثت عنا الحديثَ فاشتهرت به فأنكِرْه ).  رغم تفرغ ائمتهم لقضايا الفقه الا انهم لم يدعوا الى الحكام، ولم يقوموا كذلك بتكفيرهم ولم يدعوا لشق عصا الطاعة والثورة عليهم وتجنبوا هذا الامر نهائيا.  انهم في الغالب لم يقروا شرعية السلطة واعتبروها ولاية مغتصبة وان الحق فيهم ولو في حدود اصحابهم وثقاتهم، متقون شر هذا الامر.
 
اليوم يعرف الكل ان دولة القانون حصلت على اعلى الاصوات في الانتخابات عن طريق التزوير وشراء الذمم والكذب والتدليس على الناخبين. وقام رئيس الوزراء المنتهي الصلاحية بتجريد القضاء من استقلاليته وضمه تحت سلطاته وينطبق هذا الامر على المفوضية العليا للانتخابات وغيرها مما هو معروف. الامر الذي اعاق ويعيق اللجوء الى جهة مستقلة محايدة تكشف صحة الاتهامات التي وجهت للمالكي وقائمته ولا يعني هذا الامر ان القوائم الاخرى المتنفذة كانت اقل فساداً من دولة القانون في هذا الجانب. هذا الامر في الدولة الحديثة يمكن حله من خلال القضاء الذي يحكم بصورة ايجابية او سلبية حسب الظروف وتوفر الادلة ومدى تطور الدولة المدنية وغيرها من العوامل المؤثرة في هذا الامر، ولا يصدع الساسة رؤوس الناس بالبحث عن الموقف الشرعي سواء بسلامة الانتخابات او جواز تزويرها. 
 
احزاب الاسلام السياسي السني لن تواجه مشكلة في هذا الامر، فلها خزين وافر في تراثها الفقهي في هذا الامر، وستجد ما برر موقفها وسكوت فقهائهم عن امارة المتغلب وتأييدها، لكن المتحدثين باسم الدين والاسلام السياسي الشيعي كيف يستطيعون تفسير ذلك شرعاً، وكيف يتم الاقرار به، وكيف يوكل امر الحكومة وتشكيلها للقوى جاءت بطرق اقل ما يقال عنها أنها غير نزيهة. اذا كان الامر هو درء لمفسدة بمفسدة اقل ضرراً فلماذا هذا الهوس بسلطة التاريخ المضطرب وسلطة الموتى من السقيفة الى سلطة الامويين والعباسيين؟. الموقف الشرعي لا يتطابق مع الموقف السياسي، بل على العكس يحمي سلطة طائفية، لصوصية، دموية ولا وطنية، فمتى يتعب هؤلاء الساسة من كذبهم ونفاقهم ومتى يمل هذا الشعب صمته وخنوعه وينزع عنه سلطة الموتى والسراديب المظلمة والتاريخ الاسود. 
 
 


22
بلوى العراقيين بقيادات حزب الدعوة..
أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
الخطاب ( التاريخي) الذي ألقاه ما يسمى ( الاب القائد ) أحمد حسن البكر في 1979 بإعلانه التنحي عن رئاسة الجمهورية لصالح المقبور صدام حسين، لا يضاهيه لدى رسامي الكاريكاتير  سوى الخطاب ( التاريخي ) للقائد نوري المالكي. ظهر الحاج نوري  في خطابه الاخير محاطاً بأخوته الدعاة وقادة حزبه وائتلافه، بوجوههم المتجهمة ووقفتهم المتيبسة وكأن الطير تأكل من رواسهم، ليهذي بأمور لا يصدقها فراش مكتبه.
 
لحظتان بائستان في التاريخ العراقي. الاولى نقلت العراق من ديكتاتورية الحزب القائد الى ديكتاتورية المشيخة والعائلة الصدامية  والثانية تسعى لنقل السلطة من المالكي الساعي لفرض ديكتاتوريته الى ديكتاتورية حزب الدعوة وبنطاق اوسع كما، في خطوة  يراد لها، تأسيس ديكتاتورية التحالف الشيعي( توسيع مجال شعار ما ننطيها ). لحظتان لم تخرج الشعب والوطن المغدور من عبث وشرهة ولؤم الاحزاب الشمولية التي عومت العراق في بحور مضطربة لا تلوح فيها ضفاف أمنة.
 ما ان لملم المالكي اوراقه حتى خرج علينا بعض قادة حزبه ليعلنوا سلامة الاوضاع الداخلية للدعوة والجوانب التاريخية لفترة رئاسة الوزراء في عهد المالكي، وتبدو تصريحات الدكتور وليد الحلي في لقائه في الفضائية العراقية وإشادته بالمالكي،  شيئاً من المسخرة التي لا تحتاج الى تعليق، متناسياً توعده للمالكي ونهجه في الاعلام بعد إعلان نتائج الانتخابات الاخيرة. ليت الرجل أدان طرق واساليب العمل في فترة المالكي ونتائجها وعزمهم على تصحيح ما جرى، ربما بسلوكه هذا وسع من فسحة الامل الضيقة للمحروقة  أرواحهم على واقع ومستقبل العراق.

ظهر المالكي محاطاً بوجوه ارتبط معظمها ان لم يكن جلها بالفساد والخراب. هذه الصورة تعكس حقيقة التغير وفحواه. هؤلاء الذين انتقلوا من الجحور الى مواقع النمور والابراج العالية وقادوا الدولة بأسلوب المنظمة السرية كي تبقى تبيض لهم ذهبا مخمساً، لم يكونوا على استعداد لخسارة موقعهم ونفوذهم ( الرباني ) وارصدتهم التي تصطف الى يمينها العشرات من الاصفار، باسم المذهب والطائفة والمظلومية التاريخية. لن يسمحوا بأن  يتحول ربان سفينتهم الى جرذ ينخر فيها. ففي الوقت الذي اخرجوا المالكي من الباب فانهم ادخلوه من الشباك ( هذا في الحد المعلن )، مما يعنى ضياع الفرصة لتقييم ما حدث ورسم معالم سياسية جديدة، وطنية، صادقة تنتشل البلد مما فيه وتفتح الباب امام تحول حزب الدعوة من الشمولية الى المَدنية وهي خطوة تمس كل احزاب الاسلام السياسي والاحزاب الشمولية بكل الوانها، عداها لا ينتظر العراق ارضاً وشعبا سوى الموت البطيء، لكن المعادلة تبدو غير سهلة، خاصة في ظل ضعف او انعدام السياسات الوطنية وضعف وجود ارضية متماسكة في القوى المتنفذة  لأحداث إنعاطفة في الوضع السياسي القائم. فتقديم الرجل للمساءلة والحساب وهو صاحب الملفات المخفية لوقت الحاجة كما يدعي، ربما سيمزق كيس الزبالة المتعفنة وسيفضح المستور، ولنا ان نتصور عفونة الروائح المنبثقة منها. اسئلة عديدة عن دور المالكي لم تتضح بعد، لا تقتصر على سمات الرجل فقط وانما هناك عوامل متعددة تلعب دورا في هذا الامر، بما فيها عناصر دولة القانون التي يرتبط وجودها بالمالكي وهل ستنقل ولائها. بتقديري سيكون المالكي امام خيارين احلاهما مر، ام ان يقبل بدور هامشي ويجلس ( على باب الله ) بانتظار القادم وما ستحمله الايام، أو يستمر بهذيانه وهلوسة المحيطين به وتصوراته المتضخمة عن نفسة وبالتالي سيجري تصفيته سياسياً وربما جسدياً لاحقاً.
                                                                                                                                               بعيدا عن  ما يطرحه البعض عن دورس الموعظة في دورس التبادل السلمي للسلطة من قبل المالكي او دور مرجعية السيستاني الحاسم في هذا الامر، رغم ان رسالة السيستاني لحزب الدعوة سبقت تنحي المالكي بفترة غير قصيرة، لكنها لم تكن حاسمة في موقف المالكي في اقل تقدير، الا ان المتتبع يلاحظ ان اعلان انسحاب المالكي ترافق بعد ساعات مع رفع الغطاء عنه من قبل خامنئي وترحيبه بترشيح العبادي. لقد فهمت ايران الرسالة الامريكية ولو بشكل متأخر نسبيا، خاصة حين تجول كلاب الدولة الاسلامية ( داعش )المسعورة عند عتبة دارها. يمكن للمالكي ان يلتقي بمرشد الثورة بدون ربطة عنق وتحت العلم الايراني وينحني لتقبيل يديه ولكن الأمريكيين لن يتركوه ينبح  حرصا على مصالح دولة الفقه. ما جرى هو خطوة في صالح عموم نظام المحاصصة من اجل ترميمه. ترميم مواقع حزب الدعوة، ترميم التحالف الوطني، ترميم سلة النظام كله ولذلك سارعت الاطراف الاخرى بالترحيب به واخذت تهيء نفسها للجولة القادمة، لكن من يعرف او يستطيع ان يتجاهل عدد البيض الفاسد في هذه السلة.
شن ( مختار العصر ) حربه على الكل وبالذات حلفائه من السنة والاكراد تحت شعار ( نارهم تأكل حطبهم ).  شعار لا يبتعد عن بعض وجوه سياسة صدام حسين ومواقفه  عندما اعلن الحرب على ايران وطبق هذه السياسة الطائفية على الشيعة، وتسربت الحياة كما يتسرب الماء بين اصابع العراقيين فلا ماضٍ كان ولا حاضر ولا مستقبل، ويبقى السؤال المفتوح الى متى يبقى الوضع هكذا، اي اله سيمد العراقيين بالمزيد من الصبر كي يضلوا متفرجين خارج الملعب. لا يحتاج ذو عقل ان يدرك الى اين قادت سياسة المالكي وقد كُتب وسيكتب الكثير في هذا الشأن ولكن ما يحتاجه وضعنا القائم روحاً وطنية صادقة وشجاعة واصراراً من اجل اعادة الهوية الوطنية المتهتكة وفتح مسارب للخروج من  نظام المحاصصة، فهل سيطرق رئيس الوزراء المكلف ومن يقف الى جانبه هذا الباب؟.         


23
التفسير( الفقهي ) لهزيمة قوات الجيش العراقي في الموصل

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

يصر رئيس الوزاء نوري المالكي وحزبه وائتلافه ومجمل نظامه على التعامل مع العراقيين باعتبارهم مجموعة من الثولان. هذه السياسية  في جوهرها هي مواصلة لنهج وسلوك النظام الساقط الذي لم يِكنْ يوميا احتراماً للعراقين وبدد ارواحهم واموالهم في حروب ومغامرات تعكس تفكير رجل مهوس بالسلطة و( الزعامة ) التاريخية، لم يترك بيتا عراقياً الا وقد دخله عن طريق الموت والارهاب والاذلال والتجويع وغيرها من اساليبه المعروفة.

عودنا المالكي وحكومتة بعد كل كارثة وما اكثرها من كوارث، ان يشكل لجنة او لجان ( مستقلة ) للتحقيق في اسباب هذه الكوارث، وغيرها من الوعود والخطابات التي لم تكن في معظمها سوى هذيانات،  ستجد من يصديقها ويردح لها مادام في المعادلة طرف دافع وطرف ( مستثمر ) مستلم. هذه اللجان التى لم نعرف يوماً ما عضويتها أو نتائج تحقيقاتها، التي جائت وذهبت، قبضت واستنتجت دون ان نعرف عنها شئ، ولم يعرض أو يدرس بشكل رسمي سواء من الحكومة او البرلمان، اي من تقاريرها او استنتاجاتها.

 يبدو ان هذه الجان واعضائها دخلوا في حالة من التقية المفتوحة. على هذا المنوال وعدنا المالكي بانه شكل لجنة او لجان للتحقيق بانهيار القوات العراقية في الموصل والتي تقدر ب 150 الى 200 الف مقاتل امام مجموعة من القوى الظلامية والارهابية والبعثية التى يقدر البعض تعدادها في بداية الهجوم ب 200 شخص وفي احسن التقديرات لا تتعدى 2000 مقاتل. وتغاضى المالكي عن الاتهامات العديدة التى وجهت له من اطراف عديدة بما فيها قادة عسكرين بان اوامر الانسحاب صدرت من مكتبه. ولاننا شعب بلا ذاكرة كما يعتقد المالكي وغيره من القادة ( التاريخيين )، وربما يكون تقديره هذا او غيره من قادة المستنقع الطائفي بكل اشكاله، صحيحاً. فرغم الكوراث التى اوصلنا اليها التحاصص الطائفي – الاثيني، فمازال هو الحاصد الاكبر لنتائج الانتخابات الاخيرة. وبما ان المالكي وحكومته ونظامه لا يصدقنا القول في هذه اللجنة التي شكلت لتقصي حقائق ما حصل، فمن حق اي عراقي ان يستهزء بهذه الوعود وهذه اللجان وحقيقة ما وصلت اليه من ( حقائق ) ويفتح قريحته للخيال، وهي الطريق الشعبية للتعامل مع السلطة التى لا يريطها شيئاً مع احلام الناس. المالكي وحزبه هم احد ابرز واجهات الاسلام السياسي، عودنا ومن ايام المعارضة، ما ان اتخذ موقف معين، او ان برر موقف  أخر، حتى اخرج من تحت إبطه الموقف الشرعي او الفقهي لهذا الامرأو ذاك. أخر الاشاعات، هي إن اللجنة التي شكلت لهذا الغرض، التي ضمت فيها شخصيات فقهية وشخصيات عسكرية وقادة حزبيين تاريخيين وغيرهم. بعد دراسة كل ما توفر بايديها من دلائل،  توصلت الى تحليلين واستنتاجين بخصوص ما حل بالقوات العراقية في الموصل وما بعدها.
التحليل الاول يرى ان جذر المشكلة يكمن في طريقة الاستخارة التي هي جزء ثابت من عقلية وتفكيررئيس الوزراء وكل صقور دولة القانون وعموم الاسلام السياسي. فالثابت ان رئيس الوزراء لا يقدم على اي امر ولا يضع توقيعة على اي قرار بما فيها الموازنة العامة والخطة الاستثمارية ومشاريع الكهرباء ووحدة وسلامة البلد وكل ما يتعلق بحاضر العراقيين ومستقبلهم الا بعد اجراء الاستخارة. الاستخارة تتم على مرحلتين الاولى جماعية مع ( صقور حزبه ) كي يعكس التفكير والارادة الجماعية المنسجمة. الثانية تتم في خلوته. توصلت اللجنة بان المسابح الثمنية التي استورد عن طريق شخصية معروفة والتي لا يقل ثمنها عن مسبحة شخصية بارزة في  كتلة الاحرار،التي يقدر ثمنها بثلاثين الف دولار. المسبحة التي استخدمت في الاستخارة، يشك في دخول  احد المواد الممنوعة فقهيا في تصنع خيط المسبحة، مما ابطل مفعول الاستخارة، لكن الخوف من يضع هذا الاستناج قيادة الدولة ونوابها وحزب رئيس الوزراء في حالة حرج، جرى البحث عن استناج اكثر رصانة فقهيةً وشرعيةً خاصة بعد ادعاء قوات داعش الظلامية بان ملائكة بدر كانت تقاتل معهم باستخدامهم تأويلهم البرغماتي للآية 249 من سورة البقرة ( كم من فئة قليلة غلبت فئة كبيرة باذن الله والله مع الصابرين). توصلت لجنة الاخيار والجكماء هذه، بانه لا يوجد لحد الان سببا جاداً يستدعي الشك او التخلي عن تأويلنا باننا الطائفة المنصورة والصابرة، ولكن الذي حصل هو دخول احد الشياطين على مركز العمليات واستيلائه ( بدون وجود موشرات على شراء الذمم ) على احداثيات المعارك وتواجد قواتنا التي  كان مدعومة بالنصر العظيم والموعود. قام هذا الشيطان الرجيم، بتزود ملائكة بدر باحداثيات خاطئة، اكتشفت نفسها لاحقا، بانها تقاتل جنبا الى جنب مع قوات داعش الكافرة، ولم تستطيع ملائكة بدر تلافي الامر ومعرفتة الا بعد حسم المعركة وهروب قادة ( جيشنا ) ومقاتليه.

24
قراءة في رواية تيوليب مانيا لوفاء البوعيسي

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة*

غلاف الكتاب الذي يشغل وجهي الرواية الامامي والخلفي، والذي يحتل فيه المركب المهجور على ارض معشوبة، الغارق في لونه الرمادي  واطيافه مساحة واسعة، تحت السماء الملبدة بالغيوم، يضع النظرة الاولى على الرواية بالتساؤل عن فحوى الانتظار للراكب القادم لهذا المركب المهمل، الذي ربما تحنو علية يد لتعميره او سيبقى هكذا ديدنه، الصمت والانتظار والهجروالدود الذي سينخره . عنوان الرواية مقتبس من فكرة إن التوليب الذي تشتهر هولندا بإنتاجة وتطويره وتسويقه، في أصله جلبه الهولندون قبل عدة قرون من تركيا، لكنهم حولوه مصدراً لجمال طبيعتهم وحياتهم اليومية وزاويا بيوتهم وتطوير اقتصادهم، وصارت هولندا هي الام الحنون لهذا الورد. هذا الغلاف وعنوان الرواية هما المفتاح لعوالم وشخصيات الرواية.   

مسرح احداث الرواية هو احد مراكز استقبال طالبي اللجوء في هولندا، بعد اجتيازهم التحقيق الاولى في مراكز تقديم طلبات اللجوء، في هذه المراكزتحتشد اعداد كبيرة من طالبي اللجوء ومن بلدان متنوعة، تستمر الاقامة في هذه المراكز من عدة اشهر الى سنوات عديدة، حتى يحسم وضع طالبي اللجوء اما بالرفض كما في معظم الاحوال والطرد من هذه المراكز بدون اي مساعدة حقيقة لغرض اجبار طالب اللجوء للعودة لبلده الاصلي او حصوله على الاقامة والانتقال الى عالم المجتمع الطبيعي. حسب معلوماتي فأن هذه الرواية هي الاولى في تناول موضوع كهذا، بكل تفاصيله اليومية، رغم الكتابات المتنوعة عن علم الهجرة والغربة واللجوء. فالكاتبة ترصد بعين فاحصة ولغة سردية مكثفة حياة طالبي اللجوء، هذا المعذب، الباحث عن الخلاص في  بلد التيوليب، تتتبع الرواية بتأنٍ وصمت ومثابرة الخيوط التي قادتهم الى هنا، لترسم لوحة مجسمة لمقدار الالم والعذاب لهؤلاء الذين هربوا من جحيم بلدانهم ومسارات العذاب والاذلال وتقديم كل ما يمكن تقديمه  من اجل الوصول الى هنا.

في الرواية يمتد خطان متوازيان في السرد. الاول يتمثل في قصص طالبي اللجوء في فترة 2008-2007، وهي متعددة ومتنوعة حيث يشغل العراقيون الجانب الاكبر فيها. فرغم رحيل النظام الساقط واحلام العالم المُزهرالموعود، الا ان العراقيين بقى لهم الحيز الاكبر في طلبات اللجوء. شخصيات وعوالم اخرى من ايران، سوريا، الصومال، الجزائر، المغرب واحداث تدور في تركيا واليونان باعتبارهما اكبر محطتي العبور. بموزاة ذلك، يجري توثيق حكاية الكاتبة نفسها ولقضية طلبها اللجوء بالأسماء والتواريخ والامكنة. تلعب الكاتبة على طوال الرواية صلة الوصل بين خطي السرد المتوازيين باعتبارها راوية، شاهدة او جزء من الحدث.

هي قصص لشخصيات حقيقة في معظمها، جمعها محور واحد وتداخلت فصول هذه القصص بعضها ببعض بطريقة تلعب فيها المفاجئة والتشويق دوراً كبيراً في سرد متواصل وعميق، ذي نغمات وضربات مختلفة ما بين القاسي والحاد وبين الشوق والرقة، بين الغضب والانتفاض وبين القهر والانكسار. يُغريك السرد بحيث لا تمل المتابعة على امتداد الرواية الطويلة لشخصيات جاءت من اعماق الجحيم. في كل سردها تسعى وفاء البوعيسي لسحب البطانة الداخلية لهذه الشخصة والكشف وبشكل متواتر عن مكنون هذه الشخصية او تلك، من توصيف حركتها ولهجتها وملبسها وتاريخ واحداث بلدها. تسعى للكشف عن الوشيجة او الوشائج المكانية لهذه الشخصات في المكان الذي تتحرك فيه او الاحداث الدائرة فيها، بذلك تزيد هذه الوشائج المكانية من دقة وجمال التصوير القلمي لهذه الشخصيات، وتعمل على تأصيلها وتجذيرها. سرد الاحداث في كل الشخصيات يتم على ثلاثة مستويات. يبدأ من ظهور الشخصية في عالم الرواية عبر معيشتها او تواجدها في مركز اللجوء، ثم يرتد السرد لماضيها في بلدها ويترابط هذا الامر بسرد رحلتها  وعذابها للوصول لارض ( الميعاد). عن طريق السرد والحوارات والاخبار والتوصيف تنمو الشخصية وتتكامل. لم تتدخل الكاتبة او تتلاعب بمسيرة شخصياتها، كي تعطيها قدر واسع من المساحة للتعبير عن نفسها قدر تلاعبها بالطريقة الفنية بهذا العرض مما يعكس مهارتها ونضج خبرتها.  شخصياتها تبقى عالقة في الذاكرة، لكونها جزء من حياتنا سواء ما مررنا به، وبالذات نحو العراقيين الذين تمزقت اقدامنا وارواحنا في مسيرة طلب اللجوء.

 في درب الآلام هذا  احرق معظم المهجرين او المهاجرين  اخر مراكبه في بلده وليقع فريسة في ايدي المهربين حتى ان يداه لم تسترخي لحظة واحدة  عن الدعاء بالعثور على مهرب شريف او نصف شريف او من بقى لديه شيئاً من الغيرة. صور هؤلاء من مهربين، قوادين، سراق، نساء منتهكات الكرامة وشرطة مرتشية وغيرها من الوجوه التي تحكمت بعالم وحياة الباحثين عن اللجوء لها مكانها في الرواية.

تبحرالرواية في عوالم متعددة ومتنوعة، هي عوالم شخصياتها ولكنها مرسومة ومؤطرة بالعذاب، ويبقى التساؤل على مدى صفحات الرواية، لماذا هذا القدر الغيرالمحدود من العذاب والالم وامتهان كرامة الانسان وإذلاله في هذه البلدان؟ اية جريمة ارتكبوها كي يمروا بهذا النفق الذي ينزع كرامتهم، سوى قدرهم، بكونهم مواطني هذه البلدان. حياة هذه الشخصيات هو في معظمها مشاهد من فلم رعب، دورات العذاب والموت فيه لا يعرفها حتى منتجوه. وفاء البوعيسي تعيد تفكيك هذه الصور التي قد تبدو للوهلة الاولى ساكنة بلغة ملغومة، متمردة لكنها صادقة، تريد ان تنفلت من رسم حروفها، ما ان تلامس حروف كلماتها حتى تنفجر بذلك الحقد المقدس على من يهين كرامة الانسان. استخدمت وفاء البوعيسي اللهجات المحلية لكل طالب لجوء في حواراته. هذا ما اكسب الشخصيات تاصيل اكثر وشحن اجواء الحوار وعكس الجهد المبذول في بناء الرواية، رغم ملاحظة ان اللهجة العراقية التي استخدمتها الشخصيات العراقية في الرواية بحاجة الى التدقيق سواء في الصياغة او الكتابة. 

انتقت وفاء البوعيسي شخصياتها بفطنة وهي بالعموم تعكس مجتمعات الرثاثة التي تعكس بتركيبها السياسي – الاقتصادي – الثقافي وكذلك ببناها الاجتماعية، سيادة العنف والقسوة والاذلال كطريق اساسي في حركة المجتمع . لذلك كانت شخصياتها قلقة ، مضطربة، مشروخة نفسياً، فهي لا تستطيع ان تغادر مأساتها ولا تستطيع ان تحلم بمستقبلها، بل ان معظم حاضرها في مهب الريح. يجمع هذه الشخصيات محور واحد كما يبدو لي وهو أزمة الهوية. هذا التمزق للهوية الوطنية بالذات باعتبارها هوية جامعة، التي هي اصلا هوية هشية في بلداننا ولاسباب عديدة ، يضاف لذلك التمزق في الهوية  القومية، الدينية او الجنسية الذي يخلق كتل بشرية مأزومة، مضطربة.  تمزق الهوية الوطنية كما في العراق، هجم بيوت الناس على رؤوس أصحابها.  العراقيون كما في شخصية ابو أحمد وهو السني المتزوج من شيعية والساكن في الكاظمية، التي يساورها الشك بعد زواج طويل بان اجداد زوجها ربما  شاركوا في قتل الحسين. رياض الكردي المتزوج من عربية وشهبور السني الباحث عن المواطنة والحرية في الدولة الشيعية الايرانية، كما يعلم الامن والمخابرات السورية الشاب الكردي ديدار،  كيفية البحث عن هويته القومية في سوريا العروبة. كريمة الجزائرية الجملية البضة، شوه الفقر والحاجة كل حقها الطبيعي في الحياة الكريمة وحولها البعض بما  فيهم اخيها، الى مشروع جنسي معروض للبيع والاستثمار. هيبوا الصومالية التي يسرق منها صراع القبائل والمليشات الاسلاميتة ما لم يسرقه الجفاف والجوع والقحط.  شخصية بولقاسم/ ليلى، الرجل المغربي المولد في جسد امرأة والباحث عن هويته الجنسية في مجتمع تحدد التقاليد والاعراف والدين اطار حركته.
 
  تتجسد روح المثابرة عند وفاء البوعيسي، عند تناولها وتوصيفها لاماكن لم تعرفها او تزرها ، ولم تكن حتى قريبة من بيئتها. هي مغامرة ليست سهلة لانها  لا تمس بنية الحدث فقط وانما تمس بنية السرد وشكله. وفاء لا تكتفي بعرض الاحداث والمشاهد بروايتها فقط على لسان الشخصية وانما ياتي ايضا عبر توصف الكاتبة المعتمد على  البحث والتقصي عن المعلومة والمكان وغيرها، مثلا هذا التوصيف الجميل لمزار ابو لؤلوة المجوسي والطقوس المقامة فيه ودمج الروح القومية الفارسية  بالطائفية في الدولة الايرانية ( ص86-89 ). مناظر المجازرالبشرية وبشاعتها وتمرغ جسد هيبو الصومالية في اكوام الجثث، حد شعور القارئ بالغثيان ( ص 241-242 ).

 روح المباثرة والبحث كانت معبرها الامين بما عزز من بنية الرواية، ورغم ذلك فان البوعيسي لم تكتفي بالعين الفوغرافية او الصورة الصحفية وانما طورت  اسلوبها  لتشعل العديد من الاسئلة، منها كيف يكون قبر ابو لؤلؤة المجوسي في طهران في حين انه ُقتل على يد ابن الخليفة الثاني عمر ابن الخطاب في المدنية؟ وما هي علاقة ابو لؤلؤة المجوسي بالثأر للحسين ولآل البيت. نجاح المغامرة بالجهد الذي لم يعرف الكلل، يمتد الى العديد من الاحداث والاماكن وطريقة اثارة الاسئلة والتي لا تخطئها عين القارئ.   

المحور الموازي لهذا السرد، توثيق وفاء البوعيسي حكايتها في ليبيا ومع نظام القذافي فقد سبق للكاتبة ان اصدرت روايتها الاولى ( للجوع وجوه اخرى). تم مصادرة الرواية مباشرة بعد اصدارها ولم تتاح فرصة لتوزيعها. بالمقابل اصدر مفتي ليبيا فتوى بتكفير الكاتبة. الفتوى شحنت الاجواء بالعداء واندفع الشارع الليبي بعقلية مشلولة ضدها وتعرضها للتهديد والمطادرة من قبل اشخاص وجهات حتى لم تكلف نفسها حتى  قراءة الرواية، فالكل من هولاء يسعى لان يكون محامي الشيطان، وهو سلوك لا يعدو غريبا في مجتمعات الرثاثة.

نظام القذافي بدل ان يقوم  بحماية الكاتبة باعتبارها مواطنة مبدعة، من إرهاب الاسلامين، سعى لتحويل الكاتبة الى جزء من الحريم الثقاقي للنظام. الشهادة معززة بتفاصيل دقيقة تعكس ازمة المثقف في بلدان الرثاثة حين يصبح المثقف بين سندان السلطة ومطرقة الاسلاميين، اللذين يشكلان  وجهان لعملة واحدة في الموقف من التفكير المستقل للكاتب في مجتمع تتحكم فية سلطة الديكتاتور وديكتاتورية رجال الدين الذين يعتقدون بانهم ظل الله في الارض. تفاصيل لقائها بالقذافي والتي استدرجت اليه ووصف القذافي وسلوكه( ص 366- 378 ) والحوار الذي داربينهما وروح النرجسية والاوهام التي يخلقها حول نفسه او ما يصوره له حواريه، تشكل فصول وثائقية وفنية في الرواية.  وهي بشكل أو أخر تمثل نفس وجوه وسلوكيات ديكتاتوري المشروع القومي. حين جاءوا كانت الناس تخاف على مشروعهم الذي وعد الناس خيراً ولم تمضي سنوات طويلة حتى اصبح الناس يخشون  منهم وتلعن اليوم الاسود الذي جاءوا فيه. 

 في عرضها تحاكم وفاء البوعيسي قوى الاسلام السياسي المتنفذة في حياة الناس في ليبيا وايران والعراق والصومال. هذه المحاكمة لم تاتي على اساس نظري او فقهي وانما باستدعاء تفاصيل الخراب والدمار والموت المجاني والقتل العبثي والسرقة وامتهان حقوق الانسان واسقاط مفهوم المواطنة وخنق حرية التعبير وحرية التفكير المستقل وحرية الحياة، تفاصيل لم تسعى هي لخلقها وانما سطرتة من حكايا شخصياتها. وفي نهاية روايتها، كما يبدو لي، هناك مستوى رابع من السرد ( المخفي ) ، يتشكل بشكل سؤال في ذهن القارئ، مَن من تلك الشخصيات او غيرها ممن مروا بنا او مررننا بهم سيتحول الى تيوليب مانيا. 

رواية تيوليب مانيا 439 من الحجم الكبير، اصدار مؤسسة أروقة للدراسات والترجمة والنشر، الطبعة الاولى 2013، افتقدت صورة الغلاف لاسم مصممها، وافتتحتها الكاتبة بعتبه ( كل يوم من ايام الحرية، هو كفعل من الايمان، وإن كان يعني انني لا بد من أن أموت، محاولة العيش ) جديرة بالقراءة فهي تشكل صفحات من وجوهنا التي ضاعت منا في اوطاننا وفي ملاجئ الغربة وطرق الوصول اليها.
...
* قارئ
   

25
بلوى الله بشهدائنا وشهدائهم

أحمد الشيخ أحمد ربيعة

قتلنا في الجنة وقتلاهم في النار. صراخ بدعوى الدعاء وهذيان بدعوى المناجات، لا ينفك نسمعه في كل كارثة ونائبة تلم بهذا الشعب الذي نكب نفسه بسيادة هولاء المهوسين بسوق هذا الشعب بسوط الفتاوى من كارثة الى اخرى ، أئمة الموت يلوحون بهذا الشعار لتحشيد اكبر عدد من شبابنا وليكونوا في عداد قتلانا وقتلاهم. غربان الموت هذه  لم ينفك نعيقها يوما في استخدام كل ما في ايدهم لشرعنة الموت  وباشكال مختلفة باعتباره مشروع يومي مقدراً للعراقيين. تحت ايديهم حشد فائق من النصوص والاحاديث والتفسيرات والتاويلات لاثبات قدسية فتواهم وشرعنة القتل وتقديسه.  يبحثون في كل نائبة وكارثة عن ( الشهيد السعيد ) والذي عاش دنياه بائسا، جائعا، مهدور الكرامة، تاركا خلفه حفنه من الايتام ولن نستغرب ان لم يكن اولادهم واحفادهم ضمن طابور الشهداء السعداء.  الكل يستمد فتواه بالاساس من نص واحد هو القران مسنداً بالاحاديث والتفسيرات والتأويلات المتنوعة. الكل يدعي قدسية تأويله وصحة بوصلته في اكتشاف الطريق الاقرب الى الله، فالاسلام السياسي سنياً كان ام شعياً لا يسعى الا لتعطيل منظمومة التفكير المنطقي للانسان ويتعارض بشكل كامل مع العقلانية الدينية، التي بتنميتها وتنشيطها لن تعادل  هذه الفتاوى، ثمن الورق الذي كتبت عليه.     

 القرأن يشتمل 6236 آية. آيات الاحكام الشرعية تتراوح حسب السيوطي في ( الاتقان ) ب 500 و600 آية, نُسخت منها 120 أية ( رغم الاختلاف المتعدد في عدد الايات المنسوخة والتي لم ُيتفق على عددها- الملاحظة من الكاتب)، فتبقى في حدود 5700 اية لا يعلم تأويلهن الا الله والراسخون في العلم ( العفيف الأخضر- من محمد الايمان الى محمد التاريخ). تتنصب بموازة ذلك الاعداد الكبيرة من الاحاديث لدى كل من السنة والشيعة لتؤول وتثبت انا قتلاهم في النار وقتلانا في الجنة. قتلانا، شهداء سيكون مثواهم الجنة وسيرافقون الانبياء والصدقين، اما قتلاهم فلهم جهنم وبئس المصير. نحن الفرقة الناجية، وملائكة بدر تقاتل بين صفوفنا وكم من طائفة صغيرة غلبت طائفة  كبيرة. هذا وغيره من الهوس والهذيان الدينى المتعطش للموت والخراب والذي استبدل الخطاب القومي اليمني والرجعي لستنيات وسعبنيات القرن الماضي لطبقات وفئات واحزاب لم نحصد من سياسيتها سوى الدم والدمار، هي اليوم تتصدر واجهة الاحداث بلبوس طائفية، وحين تتطلب مصالحهم ان يلتقوا، فلن يجدوا صعوبة في ان يجدوا طاولة مطرزة بما لذ وطاب ولن نسمع منهم سوى تبويس اللحى والغفران لقتلنا وقتلهم.     

ما دارت طاحونة الحرب و سرطان الموت العبثي والدمار في الجسد العراقي المنهك، حتى علا نعيق هذه الغربان ، دافعين كل ماهو جميل في الحياة الى المحرقة. شعار  لم يستغرب العراقيين سماعة منذ ان  تلقفتهم الحروب. منذ الحرب العراقية الايرانية المشوؤمة، بل ربما ابعد من ذلك بكثير، لم  يتغير في هذه اللوحة سوى صوت وصورة هذه الغربان والتي لم ولن يعرف احدا منا، لماذا قتلانا في الجنة وقتلاهم في النار.

كيف ستكون حيرة الله يوم القيامة بقتلانا وقتلاهم؟ من سيدخل من هؤلاء الى الجنة ومن سيساق الى نار، شاتما إمامه الذي اتبع فتواه. فالكل يدعي مصداقيته سواء بمقتله او بعدد جرائمه التي نفذها تقربا لله.

يرسم الاسلاميون بطريقتهم هذه صورة كاريكترية جديدة لله يوم القيامة عند اجتماع قتلانا وقتلاهم ( شهدائنا وشهدائهم ) بين يديه وما اكثر هذه الصور التي رسمها المفسرين والذين لم يتفق جلهم على تفسير واحد لاية واحدة في كتاب لا يعلم تاويله الا الله والراسخون في العلم. الله المغترب عن عباده نتيجة  فقه اوليائه( الصالحين)، اولئك الذين سكتوا عن خراب بلدهم وافقار شعبهم وصمتوا على ان تكون نعمة الانسان بامانه وسعادته ورفاهية حياته وضمان مستقلبه وخير بلده وشعبه. قتلانا وقتلاهم، رجالا ونساءاً هم فلذات قلوبنا، ووردنا التى زرعناها، هم ابائنا وامهاتنا واخواتنا واخواننا. هم العراقيون اهلنا. هم ابناء هذا البلد المنكوب بالارهاب والطائفية والقتله والسراق وكل ما يبخس كرامة الانسان. على اي قاعدة وعلى اي فقه سيقطع قتلانا بطاقات الدخول المجاني للجنة؟ كيف ستجمع الجنة القاتل والضحية. هي حيرة الله بقتلنا وقتلاهم؟. كلُ سيدعي مصداقيتة سواء بجرائمه  التى ارتكتبها غير عابئا باعداد ضحاياه او بتضحيته بنفسه، انه صاحب الجنة و لن يتحمل اكثر عذب حور العين ، اللواتي طال إنتظارهن وشوقهن له.
حين تدعى كل امة بامامها، سيجد كل منهم عذره بانه اجتهد، فان اصاب فله أجرين وان أخطئ له أجرواحد، هو في كلا الحالتين كسب الدنيا والاخرة. غربان الموت المهوسة بردائها الاسود من كلا الطرفين لم توسع يوميا مساحة الحياة ولكنهم كانوا الاكفئ بتوسيع مساحة المقابر. انها بلوى الله بقتلنا وقتلاهم وبلواه بعلمائه الراسخين في العلم وشرعنة الموت. فياخيبة وبؤس قتلانا وقتلاهم.



26
المنبر الحر / المالكي وحيدا
« في: 23:08 26/05/2014  »

 
المالكي وحيدا

أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
افتتح المالكي طريق بحثه عن الولاية الثالثة،بحدثين يمكن ان يكونا لهما دلالتهما في تشكيل بعض معالم سياسته القادمة. الاول، كان يتعلق بطلبة الحوزة في النجف، الذي يعكس موقفه من مراجع النجف، التي لم تكن مؤيدة لصعوده القادم. في هذا الحدث اوضح السيد كمال الساِعدي، العضو القيادي في حزب الدعوة ودولة القانون وفي لقاء في احد الفضائيات بان المراجع الشيعية التي يعتروفون بها هما اثنان مرجعية خامنئي والسيستاني. الانتخابات وبعيدا عن  نزاهتها اظهرت ان المرجعيات الشيعية في النجف (ويمكن استثاء مرجعية السيستاني نسبيا ) لم يكن لها دور فاعل ومؤثرفي سير الانتخابات، تفعيل هذا الدور كما اراد المالكي ان يقول، مرتبط في فعالية احزاب الاسلام السياسي الشيعي كونها عاملا مساندا او محبطا. مستوى فعالية هذا الدور يحدده مدى توافقه مع توجهات أحزاب إلاسلام الشيعي وفي هذه الحالة يعني المالكي، حقيقة هذا الامر ليس غريب عن المنهج الفكري او السياسي لحزب الدعوة منذ تاسيسه . فمرجعية السيد النجفي دعت لعدم إنتخاب  الخزاعي في انتخابات 2010 ولكنه انتخب واصبح نائب رئيس الجمهورية. في الانتخابات الاخيرة، رغم دعوة نفس المرجعية وبنفس ضمني من مرجعية السيستاني، الا ان المالكي كان اكبر الفائزين. انها رسالة للمراجع عموما لرسم الحدود معها، ولو قامت اي قوة اخرى بالاعتداء على طلبة المرجعية، لاستغلت احزاب اللاسلام السياسي الشيعي هذا الامر وحشدت الملايين وهددت باستخدام حتى السلاح( النووي) للدفاع عن المراجع والمذهب وطلبة الحوزة.
الحدث الثاني، هو استقبال المالكي وقبل الظهورالرسمي لنتائج الانتخابات للامين العام لعصائب اهل. الخبر الذي تناقله صفحات الانترنيت والجرائد يشير الى إنهما ( بحثا الاوضاع الامنية في بغداد وعموم المحافظات ووضع الخطط الكفيلة لانهاء الارهاب في البلاد)، اضافة لدعوة المالكي بانضمام عصائب اهل الحق لتحالف المالكي. عصائب اهل الحق هي مليشيات مجرمة لا تعدوا سوى كونها داعش الشيعية وعمليا فان الستراتجية الايرانية هي المتحكمة فيها. لعبت العصائب وخاصة في الاعوام الاخيرة دورا يخدم المالكي وتطورت إمكانياتها وقدراتها القتالية بعد مشاركتها في القتال في سوريا. قيس الخزعلي لا يمتلك اي صفة رسمية لها علاقة بالامن او غيره ولم يكن يوما مسؤولا في وزارة الداخلية او الدفاع، كان يمكن للمالكي ان يلتقه حتى دون الاعلان عن ذلك. الامر هنا لا يحتاج الى الكثير من الذكاء لمعرفة، ماذا اراد المالكي ان يقول؟ خاصة في ضوء كشف الذي كان مستوراً في التوجهات الايرانية عن دعم المالكي لولاية ثالثة.
في طريق بحثه عن الولاية الجديدة، حمل المالكي كيسه المبلل مشكلة جديد، سوف تفصح الايام مدى عمقها في حزبه المثقل تاريخيا بالانشقاقات والتكتلات وضعف بنيته التنظمية والفكرية وخاصة بعد 2003. المالكي دفع بكوادر اساسية وهامة للعب خارج خطوط الجزاء. طريقة الابعاد لم تكن تخلو من الاذلال وبعد ان ورطهم في قضايا لا يأسف فيها العراقين على رحليهم. الدكتور وليد الحالي الذي سكت عن هدر حقوق الانسان والذي هو مجال نشاطه المعروف، خسر في بابل، مقابل فوز البعثية والمتشددة طائفيا حنان الفتلاوي وبتسعين الف صوت. على الاديب صاحب ( نظرية ) الارادة الالهية في قيادة حزب الدعوة للعراق بعد 2003، كان تسلسله الثالث بعد نسباء المالكي وفاز بالزحف الغير مبين كما يقال، بعد تورطه بوزارة التعليم العالي والتي جعلت العراقين وخاصة حملة الشهادات العليا يستعيدون صورة المجرم سمير الشيخلي ايام النظام الساقط ، اضافة لثروته التي تقدر ب 14 مليار دولار كما نشر عنها مؤخرا في احد المجلات الدنماركية المختصصة في جرد اغنياء العالم، دون ان يكلف نفسه  اصدار اي تكذيب، وعسى ان يخبرنا السيد الاديب هل كان تسلسله هذا وفوزه ارادة الهية او مالكية. من منا ينسى صورة كمال الساعدي في الفندق التركي في تصديه للمتظاهرين الشرفاء ضد المالكي. السيد حسن السنيد والذي ابتلع عشرات القضايا والسرقات واطنان الدم العراقي في قضايا الامن والدفاع في رئاسته لهذه اللجنة البرلمانية وعلى نهجهم كان الاخرون. اكد المالكي بسلوكه هذا ان إحتياطه من زبالة النظام الساقط خيرا وفيراً، بحيث تحولت دولة القانون المرتع الخصب لايتام االبعث، خاصة ان فوزهم بعضوية البرلمان ارتبط بالاصوات التي حصدها الملكي.
لا يخفي اكثر المتفائلين بنتائج الانتخابات الاخيرة، تشائمه ولو سرا بقتامة اللوحة السياسية التي تشكلت وتتشكل بعد الانتخابات الاخيرة. لا يوجد لاعب حقيقي يستطيع تحقيق فوز مضمون. المالكي وبعيداً عن هرج الانتصار الذي تردح فية وجوه بائسة، سيكتشف مأساته الحقيقة في انه لا يستطيع جمع اغلبية ثلثي البرلمان ( 216 صوت ) لانتخاب رئيس الجمهورية والذي من المفروض ان يكلف رئيس الوزراء القادم لتشكيل الحكومة، ولن يكون الرقص كافيا في احضان شركائه من الاخوة الاعداء الا في ضوء تنزلات هامة وضغط ايراني حاسم وفي هذه الحالة لن يرسم لنفسه الا صورة كاريكتيرية لا يحسده عليه اكثر مهرجي السرك بؤساً.
في الضفة الاخرى لا تستطيع القوى المعارضة للمالكي بناء جبهة فيها الحد الادنى من الرصانة والتماسك لتشكيل حكومة تقود البلد خلال الاربعة سنوات القادمة، في النهاية سيكون المالكي سكين في خاصرة اي حكومة لا يقف على رأسها. لكن مثلما للمالكي حظوظ قليلة ومساحات ضيقة، فان لمعارضيه رغم تناقضاتهم وسعة جبهتم ايضا نفس القدر من الحلول الضيقة والمساحات الضيقة. اللاعب الماهر من يستطيع يحقق النتائج الجيدة بهذه الحدود الضيقة.
معارضوا المالكي وكل ضحاياه القائمين والمحتملين هم من تواطؤا على العملية السياسية وساهموا بفوزه. ارادوا ان يذهبوا الى الانتخابات باي شكل كان وكأن خسارة المالكي امر مفروغ منه ولم يحسبوا الحساب لاوراق المالكي المخفية خاصة انه الاب الروحي لتاريخ الخراب والفساد بعد 2003. لم تكن سوى مفوضية مقامة على اساس المحاصصة ولكل منهم سعره الغير معلن، قانون انتخابي اعرج وغيرها مما هو معرف.  لكن امام هولاء فرصة لسحب البساط من تحت اقدام المالكي فيما لو تحكموا في مشاعر الخوف من صعود المالكي مجددا وابدوا قدرا من الحكمة والهدوء. تكمن هذه الفرصة في اتفاق معارضي المالكي تسمية رئيس الوزراء من التحالف الوطني يتعهد وبشكل رسمي وعلني على الدعوة لانتخابات مبكرة خلال السنة الاولى من حكومته، هذه الانتخابات التي من الضروري من تشرف عليها مفوضية مستقلة بالمعنى الحقيقي للكلمة وقانون انتخابي عادل وقانون احزاب. خسارة المالكي لرئاسة الوزراء سيكشف عن حجم المرتزقة في قائمته وخاصة اولئك المرتبطين بقضايا الفساد.  طبعا قد يكون هناك حل في اعادة الانتخابات بعد اثبات حجم التزوير وعدم نزاهتها كما يطرح البعض الا ان سيطرة المالكي على السلطة القضائية، اضافة للتاريخ الغير مشرف للقضاء العراقي في مجال القضايا السياسية، يحول بتقديري دون هذا الحل.
 
 



27
رامبو وحكومة الاغلبية السياسية
أحمد الشيخ أحمد ربيعة

بعض ما يعكسه شعار( حكومة الاغلبية السياسية ) الذي يتغنى به رئيس الوزراء نوري المالكي وقائمته وحزبه باعتباره حلاً سحرياً للوضع العراقي المأزوم فوق العادة، هو الطريقة العابرة والساذجة الى حد  غير قليل في التعامل مع الاوضاع القائمة والمحتملة، إضافة لقدر غير محدود من النفعية وادارة منظومة تعتمد أساليب الكذب والاحتيال واللامسؤولية في التعامل مع مجمل الامور، وهو يعكس عقلية وتفكير الطبقة السياسية السائدة والقوى المتنفذة في الحكم والمجتمع، التي ما عاد يجمع العديد من اطرافها شيئا مع الوطنية العراقية.
 من جانب اخر يعول رافعوا هذا الشعار على جمهرة واسعة من العراقين تمتد من  الذين يبحثون حتى في عباءة الشيطان عن حلول لتحسين اوضاعهم أو  اولئك اللذين استفادوا من موائد اللئام والمال العام او ذلك الجمهور الذي تم حشده وبطريقة بارعة طائفيا وعشائريا و مناطقيا. لا نعرف لحد الان ما يقصده رئيس الوزراء واعضاء قائمته بمصطلح (حكومة الاغلبية السياسية)، اضافة للضبابية التي تحيط طرحهم المتعدد والمتناقض لهذا المفهوم، يبدو انهم لايمتلكون من المصطلح الا اسمه او انه كذبة جديدة لتبرير مسبق لفشل قادم.
 حكومة الاغلبية تعني ان يملك الشخص الاول في الدولة سواء  كان رئيس الجمهورية كما في النظام الرئاسى او رئيس الوزراء كما في النظام البرلماني اغلبية مطلقة  لحزبه او لقائمته في البرلمان تسمح بتمرير ما  يريد من قوانين ومشاريع و قرارات بدون الاخذ بنظر الاعتبار موقف المعارضين لها - باعتباره ضامن النصف زائد واحد- وهذا النظام فعال اساسا في النظام الرئاسي كما في في امريكا او في روسيا الاتحادية ومعظم بلدان اوربا الشرقية بعد انهيار المنظمومة الاشتراكية والعديد من البلدان الاخرى حيث يمتلك رئيس الجمهورية الصلاحيات الاوسع ويكون مطلق اليدين في اتخاذ القرارات التنفذية بما فيها حل البرلمان. إن توفر فرصة الحصول على ( النصف زائد واحد) كما في روسيا الاتحادية تجعل الريئس هو اللاعب الاوحد، هذا فيما اذا كان يستلزم بعض قراراته موافقة البرلمان. الطريف ان الرئيس السابق لروسيا الاتحادية بوريس يلتسن، في فترة معينة من حكمه، في ظل القرارات التي كان لا يستطيع ان يضمن تصويت الاغلبية لها، كان يفاجئ التصويت في اللحظات الاخيرة بشرائه عدد من نواب المعارضة او استخدام ملفات الفساد والجرائم وغيرها ضدهم ليضمن له الحصول على الاغلبية.
الوضع العراقي الوضع يختلف تماما، فالمعروف، من زمن المعارضة للنظام الساقط، كان هناك اجماع عام في عموم المعارضة وهو اجماع سليم يتمثل بأن عمق المشاكل التي سيورثها النظام السابق لا تؤهل اية قوى مهما بلغت من قوة ونضج من ان تتصدى لوحدها لهذه المشاكل العقدية وعلى كل المستويات. هذا كان احد المشتركات الأساسية التى كانت تجمع المعارضة وتفتح آنذاك أفاق لقائتها وعملها المشترك، الذي لم يصل يوما الى مستوى معاناة ونكبة العراقين. اذا تناسى البعض هذا الاستناج السابق كما تم تناسي وبشكل متعمد العديد  من احلام بناء الوطن بعد ازاحة الديكتاتورية القائمة انذاك. يجد نفسة الان، امام مأزق الاشكاليات الدستورية والسياسية، باعتبار العراق نظام برلماني يتطلب في البداية وفي او اول جلسة للبرلمان انتخاب رئيس الجمهورية الذي سيقوم لاحقا بتكليف الكتلة الاكبر بتشكيل الحكومة. طبعا وكما هو معروف فان الدستور العراقي يتطلب لانتخاب رئيس الجمهورية اغلبية ثلثي الاصوات في البرلمان. فاذا لم يستطيع المالكي تامين اتفاقيات او تحالفات مع الكتل الاساسية في البرلمان وبالتالي الخضوع لبعض مطالب الاخرين،  فمن اين سيأتي المالكي باغلبية ثلثي الاصوات والتي ستكون المدخل لتشكيل اي حكومة، فما بالك بحكومة الاغلبية.
 يتحدث بعض مؤيدي المالكي بانه سيتجاوز حد المائة عضو بعيدا عن اي الطريقة التي جمعها، اضافة لبعض القوائم الموالية له باسماء اخرى وقدرته على شراء بعض النواب من القوائم الاخرى، الا انه هناك شكوك كبيرة ان يستطيع ان يتجاوز الثلثين، فهو يبقى بحاجة الى اصوات حلفائه في الائتلاف الوطني وبالذات اصوات قائمة المواطن والتيار الصدري، هذا ان لم نقل اصوات قائمة التحالف الكردستاني والتي تسعى لرئاسة الجمهورية او ما يسمى بالقوائم السنية. 
اذا استطاع المالكي ان يجمع لوحده الثلثن ويتحكم في تحديد الرئاسات الثلاثة فان ذلك يتطلب ان  يتحول ( الحجي ) الى (رامبو). بذلك يضع المالكي حد السكين على رقبتة وبانتظار من يتشاهد عليه، لانه بتصرفه هذا سيكون بمواجهة الكل، انه طريق الموت لما يسمى بالعملية السياسية وستكون طريق لبلع العدو ثم الصديق. طبعا هذا الاحتمال غير مستبعد ولكنه مغامرة حقيقة لا تجرأ الاوساط التي تشكل قاعدة المالكي والمستفيدة منه ان تخوض هذا الوحل حاليا على اقل تقدير. الاحتمال الاخر ان يلجأ المالكي لحلفائه من داخل ما يسمى ب(البيت الشيعي) بداية وانتهاءً بالاطراف الاخرى. مخاض هذا الامر ينهي كذبة ( حكومة الاغلبية السياسية) وتصبح حكومة تشارك سواء طائفي او مصالح ونعود الى المثل العراقي( تيتي تيتي مثل ما رحتي اجيتي).
 يامل المالكي اساسا ومن ناحية اخرى لضمان  تشكيل (حكومة الاغلبية السياسية)، ضمان تامين تايد أطراف ما يسمى بالبيت الشيعى وبالدعم والضغط الايراني الحاسم لكل الأمور داخل هذا البيت، خاصة ان تشكيل الحكومة وكما هو لم يعد سرا ولم يعد عارا ولا موقفا  لا وطنيا، يتطلب توافقا امريكيا - ايرانيا وهو ما كشفته السنوات السابقة وما يكشفه موسم الحج الى دول الجوار وامريكا قبل وبعد الانتخابات من القوى المتنفذة. هنا نقف امام السؤال التالي: هل سيقوم السيد عمار الحكيم والذي يصر( بعيدا عن جدية هذا الاصرار)  بهيكلة التحالف الوطنى  وكذلك التيار الصدري بنزع عمائمهم، لكي يتحولوا الى كشونجية في مشروع المالكي. 
حكومة الاغلبية السياسية والذي طرحها بعض ممثلي حزب الدعوة في اثناء الانتخابات في 2010، الا ان هذا الشعار لم يجد صدى له، ولم تحقق نتائج قائمة دولة القانون وقتها ارضية واقعية له. هذا الشعار لا يعدوا حاليا سوى نفاق انتخابي رغم كل الجهود المشبوه والمخزية  التي بذلت للتحقيق اغلبية كبيرة لقائمة المالكي، وحتى لو تحقق هذا الامر فانه لا يشكل مخرج للازمة العراقية التي هي بحاجة الى معالجات جادة وصادقة ونزيهة.
 أعتقد ان لهذه العملة  وجه اخر، ربما يكون غير واضح المعالم الان، الا إن قادم الأيام والفشل لحكومة المحاصصة واللصوصة واللاوطنية القادمة ستكشفه، وهي ان المالكي او بديله في اضعف الاحتمالات سيتحدث كما سبق عن هذا الفشل ويطالب بتحول النظام الحالي الى نظام رئاسي يستطيع ان يضمن له نظام الاغلبية واعتقد هذا هو مربط الفرس.
إن المالكي وقاعدته من اصحاب النعم الجديد ومن يقف وراءهم لم ولن تكون مهمومة باعادة اعمار العراق بقدر ما هي مهمومة بإحكام السيطرة على العراق، تامنيا لمصالحها وفي ظل التطورات التي سيشهدها العراق داخليا او تحولات المنطقة المحتملة.     

28
معارضة ( السواريّة)*
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
الاستماع الى صراخ أغنية ( اللي يعادينا نهجم بيته) والتي بثتها قناة فضائية مؤيدة للحكومة العراقية الحالية ، في فترة الإعداد للانتخابات، لم تكن توحي ببعث الروح في النظام البائد  وإنما تعكس، أيضا عقلية وسلوكية القوى المتنفذة في الحكم الحالي. فقد اثبت رئيس الوزراء نوري  المالكي وبامتياز، قدرته على هجم بيوت معارضيه سواء كانوا خارج إطار تحالفه الطائفي أو داخله. تحت هذا الهاجس وغيره من الأسباب رمت معارضة المالكي وبالذات من تحالفه الوطني، بكل ثقلها في الانتخابات الأخيرة ، إلا أن المالكي الجديد عرّاب نظام الفساد والسرقة والطائفية كان ينام ملء جفونه، إدراكا منه أن معارضيه، لا يسعون إلا  لتبادل الأدوار، وهم لا يمتلكون أي سلاح جاد في معارضته. فهم من رتب أفرشة (زواج الفساد والسياسية) وعلى أيديهم انتهكت عذرية المواطنة، وبالتالي، لم يكن لهم برنامج حقيقي ( باستثناء التيار المدني وبعض القوائم الصغيرة الأخرى، رغم كل الملاحظات ) كي يكونوا بديل عن نظام المالكي. هم من صوت لمفوضية الانتخابات التي هي أهم حلقة في الانتخابات بشكلها الطاثفي وبضمان نسبة مريحة لكتلة (دولة القانون) فيها. هم كانوا الأغلبية في البرلمان ولكنهم لم يسعوا لإقرار قانون للأحزاب و إجراء تعداد سكاني. هم من لاذوا بالصمت في التفسير الغريب للمحكمة الاتحادية لمفهوم الكتلة الأكبر،  هم الذين ساهموا بنهب الدولة وتفرجوا على إزهاق أرواح العراقيين، ولم يكن لوزرائهم شئ يتشرفون فيه بقادم الأيام. هم من ساهم بتجهيل العراقيين وحولتهم إلى مسيرات مليونية في الزحف والتطبير واللطم ، هم من ساهم بنكبة العراقيين شعبا ووطنا.  هم وهم... كانوا شركاء المالكي ومعبدين لطريق تربعه على هرم السلطة. على مستوى التحالف الشيعي، ما أن بدأت النتائج الأولية للتصويت حتى أعلن السيد عمار الحكيم وشاركه معارضون آخرون  وجهة نظره هذه،عن دعوته لإعادة بناء التحالف الشيعي وبأسس جديدة.  لم  يعرب الحكيم عن تفاصيل خطته،  ولكنها في كل الأحوال لا تتعدى محاولة  إخراج هذا التحالف من طائفيته، ومن أين للحكيم او غيره من عرابي المحاصصة والفساد، من أين يأتي ببرنامج يفتح الطريق لحاضر ومستقبل يحلم به العراقيون. قوائم المعارضين الانتخابية تصدرتها كما قوائم المالكي أسماء ترتبط بأكبر عمليات الفساد والسرقة والطائفية وضمت العديد من البعثيين والانتهازيين الذين يدركون أسعار مقاعدهم النيابية في حال فوزهم. المالكي يدرك أن هذه (المعارضة) لم تكن سوى (سواريّة) وهم لا يمتلكون أي برنامج وطني لإنقاذ ما يمكن إنقاذه وقي نهاية المطاف وبعد حسم نتائج فرز الأصوات فان إيران والمرجعية هما من   يحدد كابتن الفريق اللاعب خلال الدورة القادمة.
معارضة المالكي في الطرف الآخر لم تختلف في جوهر الأمر عما جرى ذكره، فهم كانوا الوجه الآخر للعملة. نتائج الانتخابات التي ستأتي بالمالكي كولاية ثالثة أو أهم لاعب في الفترة القادمة، لا تخرج العراق من مأزقه السياسي والاقتصادي  .بالعكس ستدفعها أكثر في نفق اسود وستزيد من الخيبة في إصلاح الأمور وتزيد من احتقان المتناقضات على كل المستويات ، خاصة في ظل تزايد نشاط قوى الإرهاب بكل أشكالها، ولن تنفع الخطب والوعود الكاذبة التي أصبحت السمة العامة في توجهات القوى المتنفذة. إن النتائج الأولية لفرز الأصوات لا تعكس رغبة حقيقية في التغيير، ربما يكون هذا الأمر ملموسا في الحياة اليومية إلا أن نتائج الانتخابات لن تعكسها.قد يكون سر هذا الأمر كما يرى الكثير في التفسير البسيط بان الشخصية العراقية وبفضل سياسية النظام البائد والحالي حولتها إلى شخصية منافقة ومضطربة إلى أقصى حد في خياراتها، ولكن مهما كان الأمر، فإن القادم وبفضل وما ستفرزه نتائج التصويت، لن يكون    خيراً.  ...
* السواريّة: بعض  متتبعي أخبار المجالس والمواكب والولائم، يشكلون مجموعات صغيرة تتبع أحد قراء المجالس الحسينية والتي تسير خلف الخطيب وتتبع أثره عند الذهاب الى أحد مجالس التعزية، وتردد معه ( الردة) التي هي اخر جزء من مقطع المرثية الشعرية التي ينشدها، وتكون في الواقع ( بطانة) الخطيب التي تستطيع الحصول على نصيب مضمون مما يقدم في مجالس التعزية من الكعك ( الجرك والبقصام) والشاي والسكاير، واحيانا وجبة طعام دسمة. وبهذه المناسبة يمكن ذكر المثل الشعبي المعروف والمتداول في العراق حول هؤلاء ( السوارية)- المتطفلين أو الطفيليين: ( يبكي على الجرك ما يبكي على الحسين)، او( يبكي على الهريسة ولا يبكي على الحسين)، كما يردد البعض الاخر. أبراهيم الحيدري، تراجيديا كربلاء – سوسيولوجيا الخطاب الشيعي. دار الساقي، ص 438


29
قانون إبادة الشيعة !
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 بتصريحاته الاخيرة ينزع السيد اليعقوبي عمامته، مطلقا اتهاماتا وشتائما ضد من عارضوا وتظاهروا بمناسبة يوم المراءة العالمي ضد  مشروعي قانوني القضاء الجعفري والاحوال الشخصية الجعفري، بذلك يضع المعارضين للقانون في خانة الخطر المحدق بواقع ومستقبل الشيعة الجعفرية في العراق، رغم ان المتحفظين والمعترضين على القانون يشكلون جبهة عريضة لا يستهان بها. جبهة تمتد من مرجعيات شيعة لها قاعدتها الصلبة وقوى سياسية اسلامية متنوعة الى قوى مدنية. بذلك يترك اليعقوبي كياسة رجل الدين المفترضة وحلمه وتفحصه للامور ويطلق اتهامات مبنية على الظن، مغرضة،  بعيد كل البعد عن نوايا واهداف وطروحات جبهة المعارضة لهذا القانون، هدفها الغاء المعارض وتشويه سمعته واستخدام  سطوة الديني والمقدس لارهابه وتسقيطه، رغم ان بعض المتظاهرات خضن نضال مشرف ومقدس من اجل كرامة وسعادة العراقين حتى قبل ان يتعلم السيد اليعقوبي اصول الوضوء.
الزاوية التي يرتكز عليها فكر مشرعي القانون الجديد ومن يدعمهم في معارضة قانون الاحوال الشخصية 188 لسنة 1959 هو كونه  قانون وضعي، متجاهلين ان هذه المعارضة ومن يعرف تاريخ الصراع عند صدور هذا القانون هي بالاساس معارضة ذات طابع سياسي اساسا، تكمن في معاداة ثورة تموز المجيدة والمسار الذي اختطه في التوجة لتعزيز بناء الدولة المدنية، خاصة ان القانون لا يتعارض مع تعاليم الدين الاسلامي وكونه جامع لم هو مشترك بين المذاهب الاسلامية.  الفقرة التي اخذت مثلبة على القانون من بعض رجال الدين والاسلام السياسي هو مساواة المراءة بالرجل في جانب الارث. هذه الفقرة رفعا لاحقا من القانون، علما ان القانون الحقت به مواد عديدة في فترات لاحقة، وهي بحاجة للمراجعة والتدقيق بما يخدم مصالحة المراءة والمجتمع العراقي.  الغريب انه  لم نسمع لاحقا من المعترضين شيئا ما سواء كانوا  رجال دين شيعة ام سنة ولا من احزاب الاسلام السياسي، لم نسمع صوت ما او اعتراضا ما ضد القانون بعد إنقلاب الدموي في 8 شباط 1963. انتهت هذه المعارضة بعد ان نٌحرت ثورة تموز المجيدة. اذا كان جوهر المعارضة لقانون 188 لسنة 1959 يكمن في كونه  قانونا وضعيا، فكيف يستطيع السيد اليعقوبي ومشروعوا القانون ان يثبتوا لنا، بان قانونهم الهي وغير وضعي؟ هل جاء به جبريل وهل نصوصة وردت في القرأن؟ وهل ان قانونهم يحمل توقيع المهدي المنتظر؟ وهل يمتلك السيد اليعقوبي ومشرعي القانون صفه فقهية تؤهله ان ينوب عن المهدي المنتظر؟ فالسيد اليعقوبي كما هو معروف مرجعية لحزب سياسي دون ان يحظى بتقليد شعبي واسع داخل اوساط الشيعة الجعفرية في العراق او خارجه. هذا الامر ليس تقليلا من شان السيد العقوبي بقدر لما هو توصيف لواقع الحال المعروف.
مشرعوا القانون المجهولوا الهوية والاهيلة، اعتمدوا اراء فقهاء وروايات وكتابات صدرت منذ مئات السنين وفيها المتاخر والمتقدم في اعمارها. حجم الخلافات على هذه المصادر في الفقه الشيعي الجعفري كما في المذاهب الاخرى كبير وكبير جدا يمتد الى مدى صحتها و دقتها ونسب رواتها ومصداقية وجودهم والملفق والمدسوس فيها واسباب وجودها والاضافات والتاويلات التي كانت تكرس مصالح معنية سواء كانت شخصية او سياسية وغيرها من الجوانب العديدة والمتنوعة، ويمكن الجزم بانه لا توجد قضية واحد في الفقه الشيعي كما في المذاهب الاخرى متفق عليها من كبار فقهاء المذهب الواحد سواء المتقدمين او المتاخرين. والمهتم بالفقه يدرك حجم الخلاف حتى التعارض فيما بينه، اضافة لتعارض قسم منها مع منطق العقل والحياة وحتى تعارض البعض منها مع القران. هي في النهاية مجرد تاويلات وتفسيرات وتصورات شخصية وبشرية وليس فيها اي شئ مقدس  وتتحمل الخطئ والصواب سواء كان الفقهاء اخباريون او اصوليون . اذا فان القانون الجعفري ومصادره هو ايضا بشري ووضعي ولا يختلف عن قانون 188 في هذا الجانب، ولن يستطيع اليعقوبي ولا المالكي ولا وزير عدله ولا احزابهم ان يثبتوا ان قانونهم غير وضعي وذو طابع الهي.      
هذا القانون وكما كتبت سابقا عنه هو قانون لابادة الشيعة جماعيا في العراق وبشكل بطئ. هذا التصور، مصدره ليس الرغبة في التهويل السياسي او الاعلامي ضد القانون او الموقف المسبق من الاسلام السياسي، فاي متخصص وحتى بشكل اولي في مجال الصحة الجسدية والنفسية للانسان سيؤكد هذا الاستنتاج، ولاختبار مصداقية ما اطرحة، يمكن لاي انسان حريص ويحترم عقله ان يحصل وبدون جهد كبير على معلومات ومعارف عديدة تؤكد ما اطرحه هنا وهو ان تطبيق القانون سيودي وخلال العشر الى عشرين سنة القادمة لخلق جيل او اجيال مشوه جسديا ونفسيا ويمكن اعطاء توصيف عنها، بانها ستكون صغيرة الحجم، ضعفية البنية وضعيفةالمقاومة للامراض، كثيرة التشويهات الجسدية، تراجع نسبة الذكاء، تراجع نسبة الجمال، ارتفاع نسبة الوفيات وخاصة في الولادات الحديثة وكثرة الولادت المشوه، انخفاض حاد في متوسط العمر، ارتفاع نسبة الوفيات، انخفاض في نسبة الخصوبة في الذكور والاناث، ارتفاع معدل الولادات الغير طبيعة، كثرة الوفيات اثناء الولادة او ما بعدها للنساء الحوامل،ارتفاع نسبة الامراض المزمنة وغيرها من الامور.  جيل مضطرب نفسيا وسيكون مستنقع للامراض والاعاقات النفسية. هو جيل معنف وهذا الجانب يشمل ايضا الجيل الحالى الذي سيتنج الجيل القادم. لقد كان زواج الاقارب والذي شهد إنتشار لا مثل له في تاريخ العراق في فترة الحصار الاقتصادي ايام النظام الساقط، كارثة حقيقة على اجيال العراق اللاحقة، ويشكل القانون الجديد منفاخ في نار كارثة جديدة سوف تلم بالعراقين،  لكن هل يمتلك اللاطامة على هذا القانون شئ  من الشجاعة والمصداقية بان يتركوا عقائدهم جنبا ويكلفوا أنفسهم قليلا للبحث في هذا الجانب. هل يمتلك هولاء قدرا من الشجاعة للتخلي عن نفاقهم وعدوانتهم ضد ابناء جلدتهم.
الحماس لاقرار مشروعي القانون لا يعدوا سوى كونه جزء من سياسية تخنيث المجتمع وقهره والامعان في اذلاله والتي تتصاعد يوما بعد اخر. هي سياسية معروفة اتبعتها كل الانظمة الشمولية ، كي تعبد الطريق امام صعود نظام ديكتاتوري وفاشي جديد، ولنا في تجربة النظام الساقط وحزبه مطلع سبعنيات القرن الماضي خير دليل في ذلك حيث اصدر حنذاك العديد من القوانين التي تشمل احكام الاعدام والاحكام الثقيلة لقضايا اللواط وشملت على ما اذكر حتى المطرجية  ومشابه ذلك، هو طريق معروف في العديد من البلدان التي شهدت صعود الانظمة الشمولية. هو الاصرار على ان يكون المجتمع في قبضة رجل او رجال الدين وبالذات رجل الدين الذي له امتداد سياسي، يشكل ذراعه الضارب. فمشروع القضاء الجعفري مثلا سيخلق جهاز كامل من رجال الدين للقضاء الجعفري يتحكم في المجتمع مرتبط اساسا بالمرجع الديني.
  من جانب اخر يشكل المشروعين تغطية لفشل مشروع الاسلام السياسي في بناء الدولة. الاسلام السياسي بوجه الشيعي او السني عاجز عن بناء دولة المواطنة وهو مشروع متقاطع مع الوطنية ومصالح العراقين. مشروع رجعى، متخلف، معادي للانسان ولكرامته،غارق في الفساد، يستمد قوته من العنف والارهاب والاستقواء بالقوى الخارجية، يعتمد التجهيل ومعاداة العلم والثقافة الوطنية، معادي لبناء الدولة الحديثة بل يسعى باي شكل لاضعاف الدولة والسعي لتهديمها، مشاريعه وافكاره قائمة على الا عقلانية وعلى الخرافة، لا يتمتع معظم حاملوه بحد ادنى من الثقافة المدنية والعلم الحديث بما فيهم اللذين عاشوا سنوات طويلة جدا في اوربا ويفتقدون الرؤية الواقعية للحياة، مصادر ثقافتهم محصورة في معظمها في كتب الحديث والتفاسير والمقتل والادعية،  قائم في جوهره على اذلال الناس وشراء ذممهم،  وهذه ظاهرة ليست عراقية فقط وانما هي سمات عامة تؤكدها ايضا تجارب حديثة كما في ليبا ومصر. والا لماذا لم نسمع من السيد اليعقوبي شيئا حين لم يقدم حزب الفضلية شئ سوى الخراب والفساد والسرقات والمشاريع الوهمية لابناء البصرة حين سيطرعلى حكومتها المحلية في انتخابات مجالس المحافظات الاولى، حتى عندما اغتيل محافظ البصرة السابق مصباح الوائلي والذي ارتبط اسمه بحزب الفضلية، بلع الكل لسانه امام التحالف مع من متهم بقتل الوائلي. انها سياسية الهروب للامام وطرح مشاريع ومشاريع قانونين خرافية لتغطية الفشل الذي صاحب السياسية السابقة والحالية لمشروع الاسلام السياسي ومنها الفضلية.
مشروع القانون هو ايضا جزء من الصراع الداخلي لاستكمال بناء الحصون الطائفية داخل المجتمع وذلك لعزل الشيعة في حصن خاص بهم، ليس جغرافيا فقط وانما اكتساب هذا العزل طابع قانوني ونفسي واجتماعي. أحد  اللاطامة على القانون والذي يعيش في احد البلدان الاوربية، اختصر الطريق لتطبق هذا القانون هو تقسيم العراق على اسس طائفية.
يشكل مشروعي القانون جزء من الصراع داخل الاوساط الدينية ومحاولة سحب البساط من مرجعيات معينة ولصالح مرجعيات اخرى تبدي استعدادها ان تكون جزء من السياسية، والضغط على بعض المرجعيات للتخلي عن استقاليتها سواء في المرحلة الراهنة او القادمة وهو صراع من الصعب التحكم فيه كما اعتقد خارج اطار العنف وهو صراع محفوف بمخاطر عديدة، والا بما يفسر ما ان ابدى السيد السيستاني عدم تأيدة لمشروع القانون حتى تغير الموقف من التقديس لاسم السيد السيستاني في الفترات السابقة الى الاساءة وحتى الشتمة عبر العديد من المقالات وباسماء معروفة. من جهة يقلب الاسلاميون الشارع لحد الاعمال الارهابية حين ُرسم بورترت او كارتير لخامنئ ويذهب ضحة هذا الارهاب مبدع عراقي في سكتة قلبية ومن جهة اخرى تتصاعد الاساءة  والشتائم للسيد السيستاني يرافقها صمت عارم.
ان سياسية اشعال الحرائق اينما امكن من اجل تامين وصول المالكي وحزبه وحلفائه الموثقون الى قمة السلطة مجددا، او بقائه كورقة ضاغطة وخانقه على بدليه حتى لو كان من معسكره المذهبي لا تبتعد عن اقرار مشروع القانون وتمريره في مجلس الوزراء. هي سياسية السيف الذي يجري حده على الدوام والذي يجب ان يبقى مسلطا على رقاب الاخرين من اجل تمرير سياسته. وهي سياسة تجد طريقها  في صراعات المالكي وحزبه في مجالس المحافظات التي خارج قيادة الدعوة، وعلى العراقين ان يستعدوا دائما لتسديد فواتير الدم لطبقة سياسية غارقة في مستنقع الطائفية والفساد واللاوطنية والسير في طريق إنهاء العراق وتصفيته شعبا وارضا. فمتى يحترم العراقي عقله وإرادته الحرة وينزع جبة الاذلال التي فصلت له بمقياس دينية وطائفية وقومية؟.
 
 
 

30
قراءة في ( نعثل ) رواية لوفاء البوعيسي

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة*
 
في وسط الصفحة الاولى لروايتها تعلق وفاء البوعيسي تعويذتها ( الحقيقة لا تشيخ، والاديب بالذات، لا يسمح بهذا.....). بهذا الاستهلال تستفز الكاتبة ضمير القارئ وتبقيه على مدى صفحات الرواية متحفزا ومتسلحا برؤية نقدية لما جرى ويجري حولنا. كلمات قليلة تبز عين القارئ كلما فتح الرواية وتأخذ بيديه لتقوده في عالم التيوس المنكوبة ليس في ماضيها وانما في مستقبلها. استهلال لا يبقي المياه بلا حركة، ومن اجل خلق موقف اتجاه  الحقيقة التي من المفروض ان لا نكون سبب في شيخوختها.
جوهر الحكاية في رواية (نعثل) لم يكن سوى تجسيد لمرارة واقعنا المدور بوجوه متعددة في الشكل وبمحتوى واحد وهو سلطة الديكتاتورية وقمع السلطات اللامحدود. قمع الاخر الذي يجب ان لا يكون سوى خائن ومرتد حتى ولو كان  خارجاً من ذيول السلطة وفكر يوما ما،  حتى ولو للحظة واحدة ان يكون خارج اطار عقلية السلطة. الاخر الذي ستُسحق عظامه لحد تسمع صريرها ويهرس لحمه حتى لا تستطيع تميز اجزاء جسمه وعضلاته. من اجل ان تقدم وفاء البوعيسي مرارتها على طبق من ذهب، نقلت عالمها واحداث روايتها الى عالم أخر هو عالم الماعز والتيوس، ملامسة بذلك ذاكرتنا التراثية من كليلة ودمنة وغيرها في استنطاق الحيوانات، اِضافة لملامسة طفولتنا المرتبطة بقصص حيواناتها الناطقة في الغابة ومجمل افلام الرسوم المتحركة، التي بقينا ايام غير محدودة في متابعتها وبشوق، ربما لحد الان في حنين الى الطفولة والحيوانات الناطقة.
في عالم الماعز الجبلي يقرر نعثل وهو ( تيس يافع، عظيم الكتفين، حتى لتبرز بوضوح عظام ترقوتيه، ولد من تزاوج عنزة حمراء، عجفاء الضرع، حليقة البطن، لكثرة تمرغها على الحصى، مشقوقة الأذن، بذكر رمادي مسن، مشروم الشفة العليا، اجدع الأنف، إحدى خصيتيه مرفوعة، عن صفن يتدلى فارغاً. كان مسنن الأظلاف، أجرد، الشعر القليل بوجهه، خشن ومتناثر، اما شعر جلده، فمنتصب باهت يميل للشُقرة. ص 22)، ان يقوم بعملية انقلابية ضد القائد التقليدي للقطيع، ساليس ( كان عفياً، رغم مشارفته على الاكتهال، انحدر- بالتناسل العفوي- من سلالة عريقة من الماعز، على شفا إحدى الجروم الحادة بالجنوب، والمطلة على ملتقى لعدة حدبات، رَبعٌ القامة، صلب الكتفين والفخذين، خصره المكسو بالشعر الاحمر البني، مزموم وضامر، شعر جلده مُسرح، غزير، مستوٍ للغاية، في عينيه حيرة، يبدو دائماً مستغرقاً في التفكير. ص 15). ساليس ( نفس وزن ادريس) الذي زاده العمر حكمة وواقعية وحرص وعاطفة في تعامله مع قطيعه ومستقبله، الا ان العمر سلب منه، من جانب اخر، حماسة وفتوة الشباب ولغته. يتعامل مع احتلال طيور الباز القادمة بطريقة تجنب قطيعه الصدام المباشر واراقة الدماء، خاصة ان ساليس لم يكن اصلا ذو نزعة دموية، فهو ميال للحلول السليمة والهادئة. بهذا الخيط يمسك نعثل الطامع الى قيادة القطيع ويقود انقلاباً مع مجموعة من التيوس الشباب تحت شعارات تمس مستقبل صغار الماعز ومن اجل حياة افضل   للماعز وحرمة وديانه وشرف قمم جباله ومن اجل حكومة مدنية دستورية يكون الماعز فيها مصدر السلطات. ما ان يركب نعثل ظهر السلطة، حتى يبدأ بعملية تدمير ممنهجة للماعز الجبلي ( رغم كل الانشقاقات في جبهته)ويدفعه للبحث في الصحراء عن نبتة الفطل الوهمية التي ستزيد من خصوبة القطيع، يبعث نعثل بخيرة شباب الماعز ومقاتليه وتنكوقراطيه في كفاح مرير مع الصحراء ومع هجمات الماعز الصحراوي، الجلف والدموي. بموازاة هذا يجري التخلي عن شعار الحكومة الدستورية ويقوم تيس التيوس وقائده التاريخي ( نعثل) بتصفية منظمة لكل من  شاركه الانقلاب، وتكون التصفية البشعة لأزور رئيس مجلس التيوس والذي قادته الصدفة ليشك بتعاون نعثل مع الباز المحتل. هذا الباز الذي سيعود منتصرا، بينما تقف الرواية على حال نعثل ( حك قرنيه على الصخور بقلق، ارغى بخفوت، ونز لعاب من بين شدقيه، انتفض يهز قرنيه، ويحك بقوائمه على الارض الصخرية، متأملا انصرافها......خرج من الكهف متشامخا، رافعا قرنيه للأعلى، يسير وسط الاناث والذكور المسنة، انعطف يميناً، متمشياً خلال درب ضيقة، لكنها تطُل بطاقة كبيرة على السماء، فزع من جديد، رأى سربا من الباز، يتحرك صوب الوهاد، فعاد على أثرِه لا هثاً، وكمن هناك. ص 215).
صور الماعز بتوصيفات وفاء البوعيسي المفصلة والدقيقة واستعاراتها لحركة القرون والاقدام وحك الجلد في الصخر وتوصيف شعرها وشهواتها الجنسية وغرائزها التسلطية والانتهازية هي صور اخرى لوجوهنا ولوجوه قادتنا التي لا تستطيع ان ترى وجوها الا في المرآة السحرية. يبهرك عالم الرواية والتوصيف للجبال وعالم الماعز واللغة المتينة والمختارة بأناقة. جمل قصيرة فيها الكثير من اللغة الشعرية. خلفية الكتابة كمحامية متمرسة ساعدتها في تمتين اللغة والصياغة القانونية للكثير من افكارها وبرنامج الحكومة المدنية والدستورية. عمدت الكاتبة ان تكون فصول الرواية الاربعة والمقسمة الى اقسام  بحيث لا يتعدى القسم الصفحتين او الثلاث الا ما ندر. هذا الاسلوب في التكثيف والتقسيم سهل للقارئ ان يتواصل في القراءة مع محطات قصيرة للاستراحة، وبذلك يبقى ذهنه مرن، متيقظ ومفتوح يتعامل مع تطور الاحداث في الرواية بحيوية تسمح له بربط ما دار وما يدور حوله. رواية نعثل هي معابثة جريئة الى حد جنون لسلطة العقيد ومؤسساته الثقافية والامنية، لم يكن هناك ترمز ولم تختفي الكاتبة وراء وجوه اخرى. هذا العالم الافتراضي لها لم يخفي ما ارادت ان تقوله الكاتبة ومرة واحدة في وجه السلطة. لم تترك لحظة او فصلا الا واسقطت عن سلطة القذافي اوراق توته وتظهره بذاك  المسخ المعادي للحياة المدنية والدستورية. لم تترك موضعا من وجوه السلطة الاخلاقي والسياسي والاجتماعي والثقافي الا وضربت فيه.  انها قالت كل ما تريد مرة واحدة وكأنها تبصق وللمرة الاخيرة في وجه السلطة والاستبداد. لم تتحدى بجرأتها هذه سلطة الاستبداد وانما تحدت الوقوع في المباشرة ولغة الخطاب السياسي والصحفي.     
لا تكمن قيمة رواية نعثل في جانبها الفني وانما في الموقف الفعلي والمتحدي للكاتبة وفاء البوعيسي، هذا الموقف الذي سعى البعض لرش الغبار عليه خوفا من اثر الرماد تحت الجمر. فوفاء لم تكن منتمية لأي حزب او حركة سياسية سوى تيار حرية الرأي والتعبير وكرامة الكلمة الصادقة وشرف الموقف. التقى العقيد القذافي بها وكان قد قرأ رواياتها الاخرى ماعدا نعثل، ربما كان هذا من حسن حظها حيث ان احد مساعديه قد قرأها. ابدى القذافي أعجابه بما تكتب وارادها ان تكون قريبة منه وأحد حواريه، لتجسد افكاره في روايات وحكايات واقترح البعض من افكاره عليها. بديل هذا الخيار المر لم يكن امامها كما طرح العقيد سوى القراءة الامنية لأجهزته الامنية، والتي يكون احيانا هو نفسه في غفلة عن تصرفاتها المنفلتة بسب انشغالاته او تكون مرمى هدف للإسلاميين الذين افتوا بهدر دمها وتركوا بلطة على باب مكتبها للمحاماة.
لم تبع وفاء ما كان يمكن ان يبيعه الاخرون وابقت كفها قابضة على الجمر واختارت الهرب واللجوء الى هولندا تقديسا لشرف الكلمة وحرية التعبير والاستنكاف عن تلميع جزمة الاستبداد. رواية نعثل كتبت في 2007 ولم يجد من يجرأ على نشرها وبتردد الا في 2012 بعد سقوط نظام القذافي.
 
انها مفخرة للثقافة الليبية  ومفخرة للثقافة العربية حين يرفض المثقف ان يكون رباطاً في جزمة الجلاد والمستبد وصاحب السلطة ويختار الغربة وبساطة العيش والتهميش على نعيم حواري السلطان.
 
نعثل رواية لوفاء البوعيسي 215 صفحة من الحجم المتوسط، اصدار دار الرواد في طرابلس – ليبا. لم يشر الناشر الى اسم مصمم الغلاف. 
...
* قارئ

31
نظرة أولية في مشروعي الاحوال الشخصية الجعفري والقضاء الشرعي الجعفري
2 –2
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

يبحث اصحاب  المشروعين عن غطاء ديني ذو هيبة لإقراره، وبالذات مرجعية السيد علي  السيستاني. الغريب اِن حزب الفضيلة، الذي ينتمي اليه وزير العدل ومرشده الشيخ اليعقوبي، الذي ايد وبارك هذين المشروعين، لا يعتبر السيستاني هو المرجع الاعلم والاعلى للجعفرية ، بل يرى فيه مجرد احد المراجع الكبار. كان الاحرى بحزب الفضيلة ان يبحث عن موارد اخرى لتحسين سمعته المهدومة بعد ان سيطر على مجلس محافظة البصرة بعد اول انتخابات بعد 2003 حين اطلق عليه البصاروة اسم حزب (....) . معلوم ان الشيعة الجعفرية في العراق لا تقر جميعها بمرجعية السيستاني وبعضها لا يقر اصلا مرجعية النجف ولها مرجعيتها الخاصة كما في الطائفة الشيخية، غير الاخبارين الذين لا يوجد تصور عن اعدادهم وغيرهم من الخالصين واقسام كبيرة من الصدرين والمهدوين وجماعات الصرخي وغيرهم.
ان مشروع القضاء الجعفري هو الغاء لاستقلالية القضاء المدني والغاء للدولة العصرية  ويخلق سلطة اخرى موازية لسلطات الدولة العراقية، بحجة المذهب الجعفري. ما ان علق المشروعين حتى بدأت بعض المقالات تنتهك اسم السيستاني وحرمته الى حد اقرب الى الشتيمة ان لم تكن كذلك، امام صمت اولئك الذين يرفعون السيد السيستاني الى موقع المقدس حين يكون الامر في صالحهم، ويحمل ممثلوا حزب الفضلية في تصريحاتهم الصحفية السيد السيستاني مسوؤلية تعليق اقرار المشروع.  
كي يكتسب الامر بعض الملموسية أتطرق الى بعض النصوص من مشروع الاحوال الشخصية الجعفري. القراءة السريعة للمشروع تصل بالقارئ للعديد من المواقف التي تشير ان المشروع هو عودة الى ما قبل القرون الوسطى، فما بالك في قراءة اهل الخبرة في القانون. بداية ان تسمية قانون الاحوال الشخصية هي تسمية حديثة دخلت العراق مع دخول القوات البريطانية في الحرب العالمية الاولى 1914 واتخذت صيغاً عديدة الى ان اكتملت الصياغة الاخيرة في تسمية قانون الاحوال الشخصية رقم 188 في 1959. المتعارف علية في الفقه الاسلامي سابقا هو فقه النكاح، فقه المعاملات وغيرها.
يتميز مشروع  قانون الاحوال الشخصية الجعغري عموما بما يلي:  
* لا توجد اي اشارة الى اسماء الاشخاص او اللجنة التي قدمت المشروعين سواء من ناحية كفاءاتهم العلمية ( القانونية) والعملية او الفقهيه، حتى يجد القانون من يرد او يشرح او يدافع عنه.  
* اعطاء رجال الدين الشيعة الجعفرية و بالاستناد الى الاجتهادات الدور الاكبر في حسم القضايا المطروحة، مقابل تضييق دور القاضي وشل دوره تقريبا. حتى ان الاعراف والتقاليد احيانا لها الدور الحاسم دون ان يكون هناك دور للقاضي، كما في المادة128: ( المعيار في تقدير النفقة هو ما تحتاج اليه الزوجة في تقويم حياتها من الطعام والشراب والكساء والمسكن واثاث المنزل بما يليق بشانها ووفقا للسائد بحسب الامكنة والازمنة والاعراف والتقاليد).

* يتجاهل المشروع أي شكل من  اشكال التسجيل القانوني الرسمي كما في الباب الاول – الوصية- او الباب الثاني، عقد النكاح ( الزواج). عكس ما موجود في قانون 188. يعرف العراقيون بلاء الزواج عند رجل الدين دون تسجيله رسميا والمصائب التي حلت على من سار في هذا الدرب سواء داخل الوطن او خارجه وبالذات النساء والاطفال. كما يتجاهل المشروع وبكل شكل كامل ومتعمد اي دور للتقاريرالطبية سواء فيما يخص الصحة الجسدية او النفسية او دور الطب والعلم عموما في اثبات العديد من القضايا كالجنون والعقم وتحديد نسب الطفل للاب وغيرها، بينما هذا الجانب واضح في قانون 188 لسنة 1959 وله دور هام الى جانب الاثباتات الاخرى.
* لا يوجد فقه جعفري موحد أو محدد أو  مرجعية جعفرية محددة أو  موحدة يشير اليها المشروع ويمكن اللجوء اليها.  كما هو معلوم فأن فقهاء الجعفرية كبقية فقهاء المذاهب الاخرى  يختلفون في احكامهم في القضية الواحد من المحرم الى المكروه الى المشروع، مثلا في المادة 59: حالات تحريم النكاح بسبب المصاهرة. خامسا-( حرمة نكاح ذات البعل المزني بها حال كونها ذات بعل على الزاني حرمة دائمية ابدية، ويحق لمن علم بالحكم بعد زواجه ان يراجع احد المجتهدين الذين لا يحكمون بالحرمة المؤبدة)، كذلك المادة 20 ( اذا كان الموصي به غير جائز شرعا بحسب اجتهاد أو تقليد الموصي، ....الخ). المقلد عند الجعفرية يمكن له ان يغير مقلده خلال حياته بما يناسب تفكيره ومصلحته وهو ليس ملزم بتقليد ثابت  لمقلد معين مدى الحياة، ويمكن للمقلد ان يتبع  فتوى اخرى للمرجع اخر بما يناسبه.
* هناك العديد من الكلمات الهلامية والفضفاضة، التي لم يُعرفها المشروع قانونياً مثل (الصغير)، (الصغيرة) ،( القاصر) كما في( المادة 48) الجمال( المادة 89)، السكر، المهدور الدم بموجب شرعي ( قد يكون مهدور الدم عند مرجع معين ولكن مرجع اخر وبنفس المرتبة لا يعتبره مهدورا للدم ويعتبره فاسقأ او منافقا والامثلة هنا عديدة)، المجنون ( ماهو الجنون حسب العلم او حسب الفقه؟). مثلا المادة 32 ( لا يشترط في الموصى له ان يكون مسلما ، وتصح الوصية لغير المسلم مطلقا الا اذا انطبق على الوصية اعانة الظالمين ونحوه فلا تصح الوصية). لاحظ اعانة الظالمين؟ كذلك المادة 133: ثانيا( اذا كان المنفق عليه ابنا، فيشترط فيه ان لا يكون كافرا حربيا او بحكمه). هل يتفق فقهاء وعلماء الجعفرية على من هو الكافر الحربي؟.  

* لا يوجد وضوح في تحديد سن البلوغ، عدا كون ما يقره المشروع، هو مناقض للدستور العراقي ومجمل القوانين العراقية في هذا الشأن، وما هو مقرور في المواثيق الدولية في هذا الشأن .  يقر المشروع في المادة 16 اولا،  بان سن البلوغ تسع سنوات هلالية  عند الاناث وخمسة عشر سنة هلالية عند الذكور. يؤكد المشروع هذه المادة في الفصل الثاني – الموصي وفي الباب الثالث – الطلاق-  ولكنه لا يتطرق ولا يشير اليها في باب النكاح.  الغريب انه في نفس الفصل الثاني ان كاتب المشروع  يتجاهل سن البلوغ ففي المادة 17( تصح الوصية من الصبي الذي اكمل ( 10) سنوات هلالية، بشرط أن تكون وصيته في موضعها المناسب من الناحيتين الدينية والدنيوية، وان تكون الوصية في ارحامه واقربائه ومقدارها يسيرا متعارفا).
  
المشروع عبارة عن موقف ظلامي  اتجاه المرأة العراقية. هو احتقار وامتهان سافر  لأبسط حقوق المرأة العراقية وبدون اي خجل. المشروع يتناقض مع الدستور العراقي باعتبار العراقيين متساوين ويتعارض مع المواثيق الدولية والتي يلزم العراق باحترامها في خصوص المرأة وحقوق الانسان والطفولة. ففي الباب الثاني( عقد النكاح) المادة42: ((النكاح ( الزواج) هو رابطة تنشا بين رجل وامرأة تحل له شرعا)). في النص العام لا يحدد المشروع العمر عند عقد الزواج ولا الغاية منه وذلك بما يتوافق والتفكير السياسي والعقائدي لصاحب المشروع ( قانون 181 يحدد هذه الامور ) ولا توجد هنا اي اشارة للمادة16 التي يثبتها المشروع في ابواب اخرى، ولكن نجد في المادة 43 في شروط صحة عقد الزواج في الفقرة السادسة شرط ان يكون العاقد بالغا عاقلا وهي صيغة المفرد المذكر بما يعني انها تشمل الرجل فقط. وفي المادة 48 من نفس الباب يتحدث عن زواج القاصر  دون ان يحدد القانون من هو القاصر سواء تحديد عمر الذكر او الانثى ويكتفي بزواجهم عن طريق التوكيل من خلال وليهما. وتفضح المادة 50 تلاعب صاحب المشروع بالصيغ العامة من اجل تمرير ما يريد وهو عدم تحديد اي عمر للزواج بما فيهم الاطفال ( الاب والجد من طرف العاقلان المسلمان لهما حصرا ولاية التزويج على الطفل الصغير والصغيرة وعلى المجنون المتصل جنونه بالبلوغ). وكذلك المادة  81 ( يترتب على الاخذ بخيار العيب فسخ عقد النكاح، فان وقع الفسخ بعد الدخول فللمرأة تمام المهر وعليها العدة، مالم تكن صغيرة أو يائسة فلا عدة عليها،...الخ). ويجري تأكيد هذه الفكرة في المادة 54، كذلك المادة 106 ( لا يثبت حق المبيت للصغيرة،...الخ). كذلك في الفصل الخامس - الفرع الثاني – النفقة-  المادة 126 ثانيا ( اذا كانت الزوجة صغيرة غير قابلة لاستمتاع زوجها منها). ويؤكد المشروع  الزواج من الصغيرة في عدة مواد  ولكن لم يحدد عمرها. عموما يمكن الاستنتاج وبدون شك مما ورد في النصوص ان عمر الصغيرة من تسع سنوات وما دونة، دون اي تحديد لما هو دونه وربما يكون سنتين، اي عند عمر الفطام كما حدده المشروع. يوكد المشروع هذا الاستنتاج في الفصل الثاني – اقسام الطلاق- المادة 147، ثانيا، أ/ ( طلاق الصغيرة التي لم تبلغ (9) التسع من عمرها وان دخل بها عمدأً أو اشتباهاً)، كذلك في الفصل الثالث- الفرع الاول – عدة الطلاق- المادة 154، ثانيا- ( الصغيرة التي لم تكمل ( 9) سنوات هلالية من عمرها وأن دخل بها الزوج).
هل يدرك مقدم المشروع عن اي جريمة يسعى لإعطائها غطاء قانونيا؟ هل يدرك ان الزواج من الصغيرة او القاصرة ( دون الثامنة عشر في معظم بلدان العالم - حتى غير المتحضرة-)  يعتبر جريمة يحاكم عليها القانون ويعتبر حالة مرضية يطلق عليها البيدوفيل. البيدوفيل في البلدان المتحضرة حتى بعد انهاء محكوميته وكذلك المشتبه به يبقى بشكل او اخر تحت مراقبة الشرطة ولا يسمح في بعض البلدان بإقامته في المدينة الا بموافقة خاصة من محافظة المدينة ويخضع للعلاج النفسي الاجباري. روسيا الاتحادية تسعى الان لاستصدار قانون بالاخصاء الكيمائي للبيدفيل المدان قضائيا. دول اوربا الغربية وغيرها من الدول الاخرى تقاطع منتجات المعامل التي تستخدم عمالة الاطفال، عدا هذا الامر فان الزواج بالصغيرة هو عبارة عن قنبلة بيولوجية ستدمر المجتمع وذلك لما يتصل بإنتاج اجيال مشوهة  جسديا ونفسيا وتدمير نفسي وجسدي للزوجة الطفلة وغيرها من الاشكالات التي ليس لها حدود، ولكي لا يعتقد وزير العدل ومن كتب المشروع او ايده اني اشوه المشروع او افتري عليه ويطالب بتطبيق الفقرة 4 ارهاب بحقي، فله ان يسأل الاطباء ومختصي علم الوراثة وغيرهم. ما أعجب هذا النظام الذي يقر للبقرة والنعجة عمراً ووزناً محددا للتلقيح يعرفه اي فلاح  أو مختص في علوم البيطرة أو الزراعة  الا المرأة العراقية فلا يوجد عمر لتلقيحها.
بهذه الطريقة يكرم نظام المحاصصة الطائفية، المرأة العراقية لجعلها منكوبة على الدوام. اذا كان هذا النظام يقدم سمومه  بهذه الطريقة للزينبيات  كما يحلو له ان يطلق عليهن فلنرى ماذا يرى فيهن، كما في المادة 101: حق الزوج على الزوجة امران هما: اولا- ان تمكنه من نفسها للمقاربة وغيرها من الاستمتاعات الثابتة له بمقتضى العقد في اي وقت شاء، وان لا تمنعه الا لعذر شرعي، وان لا تفعل اي فعل ينافي حقه في الاستمتاع.
ثانيا- ان لا تخرج من بيت الزوجية الا بأذنه.
كما ان المشروع يعطي الحق للرجل البالغ ان يتزوج دون رضا الاب او الجد، لكن المرأة البالغة لا تمتلك هذا الحق وهو ما توضحه المادة 53 ( البالغة الرشيدة البكر سواء أكانت مالكة لأ مرها ومستقلة في شؤون حياتها ام لا، فليس لأبيها ولا لجدها لأبيها ان يزوجها من دون رضاها، ويحق لها ان تتزوج مع اذن أحدهما).
هل ينوي هؤلاء حقا بناء دولة عصرية؟ ولنرى كيف ينظر المشروع للعراقيات الغير مسلمات، اللائي من المفروض وفي اقل تقدير هن مساويات للعراقيات الاخريات كما نص الدستور ولا اقول مساويات للرجال فهذه المادة 63 تنص ( لا يصح نكاح المسلمة من غير المسلم مطلقا، ولا يصح نكاح المسلم نكاحا دائما من غير المسلمة والمرتدة عن الدين الاسلامي). اترك القطع الاول من النص لأنه قاعدة تقرها كل المذاهب ولكن الفقرة الثانية غريبة. قانون 188اقر الزواج من الكتابيات وحرم الزواج الغير دائم. نستنتج من الفقرة انه يحق للمسلم الزواج الغير دائم من غير المسلمة والمشروع هنا يسكت عن الزواج الغير دائم من المسلمة. اذا هناك نكاح غير دائم، فما هي شروط وماهي قواعده وقانونه؟ ثم ما هذه النظرة الدونية وباي حق يطلق المشروع هذه النظرة التحقيرية لغير المسلمات ( بما فيهم ) الكتابيات. ولماذا هن المرتع الجنسي للمسلمين. عن اية مواطنة حقة يريد هؤلاء ان يتحدثوا؟
ان الحديث عن المسلم وتحديده في المشروع غير واضح. تساؤل يطرح نفسه، مثلا اذا تعارضت فتوى بعض علماء الشيعة الكبار مع تحديد المسلم  في المشروع، فلاي مجتهد سيتم الرجوع اليه. مثلا وليس حصرا ان بعض اعمدة المذهب الشيعي وكذلك قسم من السنة يعتبر اصل الاكراد من الجن ولذلك يحرم المرجع السيد محسن الحكيم وغيره الزواج من الكردي باعتبار  ان اصله من الجن!
هل المسلم هو الاسلام الظاهر اي بنطق الشهادتين ام يشهد بولاية الإمام على بن أبي طالب. وهل يحق للسني ان يتزوج شيعية دون ان تكون مفسدة للمذهب كما يذهب البعض من علماء الشيعة، هذا الامر يمتد ايضا للشيوعيين والعلمانيين وعموم اليسارين، خاصة ان القانون يعتمد في كل اثباته  على أمرين هما، وجود شهود عدول والبينة على من ادعى واليمين على من انكر. هل يكفي هذان الامران لكي تسقط حقوق البعض في الوراثة والنفة والزواج وغيرها من المعاملات.

هذا غيض من فيض مما قرأته. بالتاكيد ان خبراء القانون لهم الكثير في هذا الشأن وقد قال البعض قولة حق صادقة وامينة  في هذا المشروع. السكوت لا يكفي حتى ولو علق المشروع. فهؤلاء لا امان لهم وانهم لا يحترمون شعبهم ولا يضعون في حسبانهم شيئاً  من هذ القبيل. هذا الشعب الذي نكب نفسه بهم، هذا ما اثبته الايام منذ 2003. من الضروري ان تبقى الحملة ناشطة  ضد هذا المشروع وان لا يكون هذا التعليق سيف معلق على رقاب العراقيين. من اجل ان يكون الامر كذلك ارى من الضروري ترجمة المشروعين الى اللغات العالمية وتوزيعه على المنظمات الدولية  والجهات التي لها علاقة بحقوق الانسان والمرأة والاطفال والبرلمانات الاوربية وغيرها من المؤسسات المدنية والرسمية. حال توجه الحكومة العراقية لإقرار المشروع، يجري المبادرة لتقديم الشكوى في المحاكم الدولية ضد الحكومة العراقية ممئلة  برئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان  ورئيس المحكمة الاتحادية ووزير العدل وغيرهم ممن له علاقة بالأمر، ولنرى مستقبلا كيف سيتم استقبال هؤلاء في بلدان العالم وخاصة من قبل منظمات المجتمع المدني وكيف سيكون موقفهم في حالة اقرار اوامر اعتقال  دولية ضدهم. هناك ايضا قسم من مسؤولي الدولة واعضاء البرلمان والذين لهم علاقة بالقانون فيما لو جرى العمل على دفعه للمناقشة والاقرار، ممن يحمل الجنسية الاوربية، يمكن هنا  التفكير بإقامة الدعوة ضدهم في البلدان التي يحملون جنسياتها. هم يعرفون حساسية المجتمع العالمي وبالذات الاوربي اتجاه قضايا كهذه ويحسبون الف حساب، بذلك يتحول هذا القانون الى سيف على رقبة من يسعى لتشريعه بشكل رسمي.








32
نظرة أولية في مشروعي الاحوال الشخصية الجعفري والقضاء الشرعي الجعفري
(1-2)
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
شكل الموقف من اصدار قانون الاحوال الشخصية رقم 188 الصادرعام 1959احد المعابر لتحالف القوى المناوئة لثورة تموز المجيدة عام 1958 من بعثين وقوميين وبعض رجال الدين وغيرهم من القوى التي حملت سيفها ومحبرتها في وجه الثورة منذ اللحظة الاولى لقيامها.
طوال تلك السنين ظلت قوى الاسلام السياسي تناصب تطبيقات هذا القانون العداء، ولم تمنح نفسها فرصة المراجعة لموقفها العدواني هذا، رغم ان القانون لا يتعارض مع تعالم الاسلام ولا المذاهب المتفرعة عنه. جميع تلك القوى ومنذ الفترة اللاحقة لثورة تموز حتى يومنا هذا بقيت ومازالت تنقب عن الفرصة المتاحة للقضاء على الجوهر المدني لذلك القانون. فعليا بدأت تلك المحاولات  منذ 8 شباط الاسود 1963، ومن ثم طرأت علية العديد من ( التعديلات ) في جميع الانظمة اللاحقة في الستينات والسبعينات وما بعدها، الا انه رغم ذلك ظل في جوهره ذو طابع مدني.
الموقف العقائدي لبعض قادة الاسلام السياسي الجديد  وبالذات قوى الاسلام الشيعي أظهرت – بعد نيسان 2003 عزمها المتهالك لانهاء  ذلك القانون التقدمي المتحول بنظرها مع مرور الزمن الى عقدة سياسية- نفسية  تريد التخلص منها لاعتقادها ان قانون 188 مازال مرتبطا باسم عبدالكريم قاسم وثورة تموز الخالدة والقوى الوطنية  والديمقراطية التي ساندتها. تكفي ان تكون وطنية قاسم ونزعته العراقية الصادقة وشرفه ونزاهته وانحيازه للفقراء، شوكة في عيون القوى الطائفية  المنتفذة في الحكم، والتي ستبقى تحلم ان تلامس سمات عبدالكريم قاسم، كحلم ابليس في الجنة.
تسعى قوى الخراب المنتفذة في الحكم باصدارها مشروعين  في ان واحد ( القضاء الجعفري والاحوال الشخصية الجعفري )، ليس بهدف  تنظيم المجتمع العراقي وتنظيم علاقاته الانسانية، بل تسعى الى شرعنة الطائفية وادخالها لاصغر وحدة في بناء المجتمع وهي ( الاسرة)، مما يودي بالتالي الى استحكام سرطان الطائفية في عموم المجتمع وصيرورتها طائفية سياسية بامتياز. بالطبع يعكس هذا عقلية الفكر المتحكم الان في العراق. من يطلع على نص مشروعي القانونين  يصل الى نتجية مفادها ان هولاء المتحكمين بالاوضاع العراقية ابعد من ان يكون لهم مشروع بناء او اعادة بناء دولة، ليس فقط بتجربتهم الخائبة والمهلكة للعراق منذ 2003 وانما ايضا بطبيعة تفكيرهم الذي يرسم يوم بعد اخر طرق جديدة - ربما من دون ان تدري-  لاستكمال ما لم ينجزه النظام السابق من خراب ودمار وتجهيل وافقار ودماء لن تحقن.
 
مشروع الاحوال الشخصية الجعفري مسئ للاسلام بشكل عام وللمذهب الجعفري بشكل خاص. المشروع استفاد من المذاهب الاخرى، عمليا المذاهب الاسلامية تتداخل في امور عديدة وتتفرق في قسم اخر وهذه الاستفادة هي قضية ايجابية كانت المحور الاساسي في  صياغة قانون الاحوال الشخصية  188الذي اخذ في معظم فقراته من المذاهب جميعا بما هو مشترك في غالبه وبما يخدم المجتمع وبما يرافق تطور الحياة والمجتمع، وقد استفاد المشروع  حتى من موقف ابن تيمية  وابن القيم الجوزية  كما في الباب الثالث – الفصل الاول – الطلاق- تاسعا ( ايقاع الطلاق بشكل منجز وعدم تعليقه على امر مستقبلي معلوم او متوقع الحصول .... الخ )، ولكن الغريب ان مشروع القانون الجديد المقترح من وزارة العدل ومن وزيرها السيد حسن الشمري، اخذ في بعض جوانبة بما هو مظلم ومتخلف ومثير للسخرية والاستهجان في المذهب الجعفري – الحلقة القادمة فيها بعض التفاصيل- وكما هو معرورف فان  كل المذاهب الاخرى فيها هذا الامر ايضا، كما في مثلا الموقف من الزواج والدخول بالصغيرة( كما يسميها المشروع) دون التسع سنوات، رغم التحايل والتلاعب في الالفاظ التي لا تمتلك صيغة قانونية الا ان المشروع  لم يستطيع ان يخفي ذلك. القارئ للمشروعين سيكتشف وبدون عناء كبير ان كتاب المشروع لم يكونوا سوى من اهل الكهف الذين نسى احدأ ان يقضوهم ، الى ان جاء وزير العدل السيد  الشمري واوقضهم من سباتهم من اجل كتابة هذا المشروع، ربما هم يعرفون اشياء عديدة وعديدة جدا، ولكنهم وبدون شك ومعهم وزير العدل، لا يعرفون انه هناك شئ اسمه علم وهذا العلم كان وسيبقى في حالة تطور دائم ( الفصل الخامس – احكام الاولاد-..المادة 122 وفروعها, المادة 113. نسوا هولاء ان اثبات نسب الطفل للاب هو عبارة تحليل طبى موجود في متناول جميع الناس الراغبين بذلك، ولكن كما يقال ان لله في خلقه شوؤن كما في شأن تولي السيد  الشمرى وزراة العدل دون ان تكون له يوما خبرة في القضاء او في ممارسة المحاماة.
 
علق الان اصدار المشروعين بقانون ، ولكن لا يعني هذا نهاية لامر. فهذه هي المحاولة الثانية لالغاء قانون  الاحوال الشخصية  188 لسنة 1959  منذ 2003. اليوم لم يستقيم الامر بعدُ  لقوى الاسلام السياسي الشيعي في هذا الامر رغم جعجعة الاصوات الطائفية التي تريد ان تقسم حتى الهواء في العراق الى سني وشيعي، فقد تصدت العديد من الاصوات المهنية والكفوءة في مجال القانون لهذا الامر، ورجال دين موقورين وبالذات من الشيعة والعديد الاصوات الوطنية، افراد او مؤسسات، الا ان هذا الامر لم ينتهي وستبقى قوى السرطان الطاثفي تتحين الفرص لاصدار قانون كهذا. لقد فتحت هذه القوى جبهة جديدة ضد العراقين المنكوبين بنظام غير مدني، تستطيع ان تسخينها  طبقا لمصالحها، لذا ادعو كل عراقي غيور وبالذات من الشيعة الجعفرية واللذين يجري المتجارة باسمهم وباسم مذهب أهل البيت،  ان يقرأ هذين المشروعين، وان يتخذ او يعيد صياغة موقفه من الامر بما يتطلب باعتباره اب او اخ او زوج وبالاحرى يكفي ان يكون عراقيا يسعى لحفظ مكانة وروح المواطنة العراقية، ومن اجل ان تشل يد القوى الطائفية التي لن تكف ان تتعامل مع العراقين الا بصياغات النظام السابق، حين طبل للعراقيات بانهن ( ماجدات) ولكن لم يمنحهن سوى الجوع والخيبة والموت للابناء والازواج والاخوة والاباء في قمعه الفاشي وحروبه العبثية. الان يُستبدل اسم الماجدات الى اسماء والقاب اخرى، ولكن حالهن ليس افضل مما كان عليهن، فما زالت حقوقهن تنتهك كل يوم ومازال الموت والقتل يسرق كل عزيز على قلوبهن وحيث يسود الجوع والتجهيل والاحتقار وغيرها من طرق الاذلال واخرها وليس اخيرها مشروع الاحوال الشخصية الجعفري يلاحقها. ان السياسين الطائفين يسعون بهذين المشروعين دفن عار فسادهم وسرقاتهم وجهلهم واحتقارهم للعراقيين كما يحاولون ستر وطنيتهم التي لم تعد لها منذ زمن بعيد اي عذرية.
 
 


33
 
 
التيار الديمقراطي العراقي وضرورة البحث عن المنطق الفاعل في الانتخابات النيابية ..

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
خلال أكثر من عامين كشفت ملابسات تدخل الكتل النيابية الكبرى في البرلمان العراقي في التركيز على مشروع قانون الانتخابات البرلمانية بالشكل الذي يؤمن لها ارتباطها الصميمي بنظام المحاصصة وفق منظومة انتخابية لا تغيـّر (العقل التشريعي) ولا (العقل التنفيذي) القديمين اللذين اثبتا فشلهما خلال الفترة من عام 2005 حتى اليوم. فقد توالت المحاولات بإبقاء مخاطر المشكل الانتخابي على حالهِ،  من دون تغيير جذري حقيقي.
في نظرة سريعة على رؤى وأفكار وتصورات المشهد المتعلق بالقانون الانتخابي الجديد تؤكد لنا أن  (قوى المحاصصة) قد أصدرت  قانونها الانتخابي المسمى (سانت ليغو المعدل) بتركيبة بنيوية ذات أهداف معروفة التكوين والملامح والأهداف  بعد أن تركت كل خلافاتها المتنوعة، مؤقتاً، وراء ظهرها وبعد أن أكملت (طواف العمرة) حول البيت الأبيض ودهاليز طهران وغيرها من مراكز القوى التي تتحكم في الوضع العراقي.
إن إصدار القانون المشار إليه هو مسعى جديد لخلق نظام محاصصة متراص يستهدف بالدرجة الاساسية الحفاظ على توزيع مواقع القوى والنفوذ أو إعادة اصطفافه، متنكرة بسعيها هذا لأي ثوابت وطنية ولأي مسعى جاد لتفكيك سرطان المحاصصة الذي يدفع العراقيون ضرائبه بالدم المسال في الشوارع والساحات العام . لم يكن غريبا أن يقر مجلس النواب النظام الانتخابي الجديد في الشهور الأخيرة لدورته الخائبة، متناسياً وبدعم دولي وإقليمي مآسي العراقيين ومواصلة إذلالهم ونهب ثرواتهم واستباحة دمهم واعرضهم. ليس من المستغرب أن يقر هذا القانون في وقت ينشغل العراقيون اليوم بأنواع التطبير واللطم  وتشكيل المسيرات المليونية، في وقت كانت تخشى السلطات السابقة في فترات كهذه من اتخاذ أي إجراءات أو قرارات تمس حياة العراقيين بشكل مباشر، لما تشكل تجمعات كهذه، مصدر قلق للسلطات وبيئة خصبة للتحريض ضدها وكسر هيبتها. فيا عجبي لجماهير تنتخي الحسين  أبا الثوار وتستمري إذلالها وسرقة أيامها وأموالها وأحلامها.   
لم يكن هذا السلوك خارج المتوقع في جبهة القوى المتنفذة ولكن ما يثير الحيرة هو موقف ((التيار الديمقراطي)) وقوى (اليسار العراقي). لقد أعلن ((التيار الديمقراطي)) وقبل فترة قصيرة عن مشاركته القادمة في الانتخابات حتى لو لم يقر البرلمان نظام سانت ليغو. بسلوكه المرتبك هذا أوصل برقية للقوى المتنفذة بتنازله طوعا عن الحد الأدنى لضمان انتخابات عادلة ونزيهة تمثل الشارع العراقي. هذا الأمر لم يكن جديدا فمع كل انتخابات يتراجع أو يفشل فيها التيار او قوى اليسار حتى يعلنوا قبل أن يجف حبر  التصديق على نتائج الانتخابات، رغم كل الاتهامات بعدم عدالة ونزاهة الانتخابات ( وهي صادقة في معظمها )، أنهم سيشاركون بالانتخابات القادمة.  عموما أن المتابع للوضع لا يستطيع أن يتغاضى عن بعض الأسئلة، منها:
 
  *  القانون الجديد  - كما يرى (التيار الديمقراطي) -  سوف يعيد إنتاج نظام المحاصصة ويضمن سيطرة القوى المتنفذة على مجلس النواب والحكومة القادمة، وهو يستهدف إضعاف وإبعاد أي مشاركة حقيقة للقوى الديمقراطية أو القوى المعارضة لنظام المحاصصة وهو معارض للدستور، فلماذا لا يتم نقضه..؟ خاصة أن القوى المتنفذة ضمنت مصالحها باتفاقها على إصدار هذا القانون غير مبالية بآي مصلحة وطنية، بل على العكس اعتبر بعض نواب هذه الكتل أن من ينقض القانون سيضع نفسه ضد العملية السياسية وضد مصالح الشعب العراقي، ولا  نعرف هل ستشمله المادة 4 إرهاب ام لا.. ؟. لا نعرف هل أن (التيار الديمقراطي) سيدافع عن مصالحه ومصالح الناس التي يمثلها أم يبحث أو ينتظر من سيدافع عن حقوقه. رغم كل هذا النقد والإدانة للقانون، إلا أنة يجري في النهاية المشاركة وبلع مرارة الخسارة، فمن يضمن لاحقا أن يكون هذا التيار مركز المعارضة الحقيقة لنظام المحاصصة الفاسد للدفاع عن مصالح الناس. 
 
 * في ضوء عدم وجود قانون للأحزاب وعدم وجود تعداد سكاني واعتماد البطاقة التموينية وما يثار بعدم دقتها ووجود في حدود المليونين من أسماء  إضافية أو لمتوفين وغيرها ( الحكومة اعترفت رسميا في حدود 800 ألف اسم) وفي ظل تنظيم وقيادة وإدارة مفوضية انتخابات أسست على أساس طائفي ومحاصصة،  وفي ظل رقابة جهاز قضاء اقل ما يقال عنه مشبوه في عدالته وخضوعه للسلطة التنفيذية، وأخيرا صدور قانون انتخابي غير عادل ويتعارض مع الدستور وعدم وجود ضمانات حقيقية لانتخابات نزيهة.
هذه وغيرها من الامورتعيد طرح سؤال طالما طرحته من سنوات عديدة وهو ما هو شروط الحد الأدنى التي يضعها الشيوعيون والآن قوى (التيار الديمقراطي) لاستمرار سياستهم بالصيغة الحالية، خاصة أن نقض القانون الحالي وتأجيل الانتخابات أو إجرائها في وقتها  واعتمادا على ما يطرحه ((التيار الديمقراطي)) لن يغير كثيرا في اللوحة والتشكيلة السياسية القادمة. بمعنى آخر هل (التيار الديمقراطي) ملزم باتفاقات القوى المنفذة التي تضمن أساسا مصالحها؟   
 
* أمام ( صخام الوجه) هذا كما يقال في العراقي جاءتنا كتابات وتصريحات السيد جاسم الحلفي لتؤكد تحويل التحدي إلى واقع وركز فيها على فكرتين:  الاولى ضم القوى المتضررة من القانون للتيار الديمقراطي أو التحالف  معها..! والفكرة الثانية حول تحليل مشاركة وفوز التيار في بعض المحافظات وما يمكن استنتاجه لاحتمال حصول التيار على 3 مقاعد. مع كل احترامي لما يطرحه السيد الحلفي باعتباره قيادي بارز في الحزب الشيوعي العراقي وفي (التيار الديمقراطي)، فلا تعدو هذه الكتابات والتصريحات من وجهة نظري سوى عملية صناعة الوهم وتسويقه. تلك السياسة التي لها جذور في محطات مختلفة من تاريخنا  والتي لم نجنِ منها ومنذ انهيار النظام الساقط 2003 ولحد الآن ما يمكن أن يعتز به ، خاصة في مجال  إصلاح ( العملية السياسية ) من داخلها.
القوى المتضررة من القانون هي ليست قوى عددية كي يجري تجميعها برغبات معينة، وهي قوى وشخصيات واسعة ومتباينة حتى التعارض أحيانا ولها مصالح متباينة من الشخصي إلى السياسي. الذي لم يستطع أن يجمعها خلال القترة السابقة، ربما سيجد صعوبة جادة في تجميعها في الفترة القادمة. لا ننسى تجربة الانتخابات السابقة حين تحرك احد قادة التحالف الوطني وهو شخصية ليبرالية على العديد من القوى لإبعادها عن التحالف مع الشيوعيين، بل من اجل محاصرة الشيوعيين والضغط عليهم للدخول في القوائم الطائفية. بمعنى اخر هناك لاعبين اخرين في التحرك على هذه القوى وبالذات من القوى المتنفذة، ولا ننسى ان  بعض الوجوه المحسوبة على (التيار الديمقراطي) لم تخجل من التواجد في القوائم المتنفذة، تلك الوجوه التي لم يكن لها أي فعالية أو حضور يذكر في الدورة البرلمانية الحالية سوى الامتيازات التي جنتها.
 
* سبق أن جرى الحديث عن مليون صوت في الانتخابات السابقة ضاعت أو تشتت بسب طبيعة القانون السابق الجائرة، لكن نظرة على انتخابات المحافظات الأخيرة لا تعكس أن (التيار الديمقراطي) صوت له هذا العدد من الناخبين وبعيدا عن التوقف عند أسباب ذلك ، فأن هناك متغيرات عديدة أبرزها خيبة الناس بالكتل المتنفذة  وسياستها ومقاطعتها للانتخابات وعمليات التزوير والتصعيد الطائفي وغيرها من العوامل  التي ستحدد مدى تطابق حصاد الحقل مع حساب البيدر.
المشكلة الأساسية لا تكمن في العدد الذي يستطيع (التيار الديمقراطي) من إيصاله للبرلمان أو حتى عدم إيصاله للبرلمان ، لكن المشكلة تكمن بصياغة سياسية معارضة صادقة ومتحدية لنظام المحاصصة والفساد المرتبط  به تستطيع ان تكسب ثقة العراقي المنكوب، وحتى هذه المقاطعة المتوقعة للانتخابات القادمة والتي ستجري بصياغات لا تختلف عن ما سبقها،  يمكن أن تكون قوى ساندة فيما لو جرى تطويرها واتخاذها قاعدة من اجل إقرار قانون انتخابي عادل وإجراء انتخابات حرة ونزيهة. لماذا لا يكون (التيار الديمقراطي) على رأس هذه المقاطعة حين لا تكون هناك انتخابات نزيهة وعادلة؟.
يبقى فقط أن نلتفت قليلا حولنا لنرى إلى ماذا قادت سياسة الحزب الشيوعي الكردستاني وما هي النتائج التي وصل إليها ولا أريد أن أقول لنتوقف عند تجربة التغيـير ( كوران) وكيفية تحول قوى فعالة وأساسية  في كردستان العراق  في سنوات معدودة، حتى لا ينشغل البعض بإعداد قوائم التبريرات. المفترض في كل التجارب الانتخابية أن تمر بمرحلتين: مرحة (التحليل) ومرحلة(التفكيك) لتتبعها (مرحلة تركيبية) في خوض أية انتخابات قادمة فلا يمكن لأية قوة سياسية أن تحقق أي فصل من فصول النجاح من دون المرور بهاتين المرحلتين، فهل قام التيار الديمقراطي بمسلك نقدي وتفكيكي لتجاربه الانتخابية السابقة..؟
    


34
ناظم رمزي .. هل  نتعرف عليه بعد موته..؟
د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
لم التق به ، وربما سمعت أذناي اسمه ولكن لم تحفظه ذاكرتي رغم موسيقيته. غير ان اسمه صار عندي نموذجا انسانيا عراقيا حين قرأت كتابا عنوانه (صفحات انصارية)  نص فيه كاتبه السيد عدنان اللبان على بعض ملامح شخصية ناظم رمزي بأعتباره صاحب مطبعة عراقية ذات قدرة فنية عالية المستوى لأن صاحبها ومديرها فنان عالي المستوى . انتبهت الى ما ورد عن الفنان ناظم رمزي في بعض  الصفحات. كان الكتاب خارجا عن النصوص الفنية لكنه داخل الابعاد الانسانية وداخل العلاقة بين عامل في مطبعة وصاحبها . هذا النص الذي قرأته في الشهر الماضي بتفرده والتباساته عرفني بعلامة من علامات الفن العراقي ومكانته الانسانية كان عنوانها ناظم رمزي وقد شعرت بتوثق الآصرة التي ربطتني به عبر المجموعة القصصية لكتاب عدنان  اللبان الذي شدتني اليه كتاباته السابقة باسم (تقي الوزان) وحل السؤال لديّ عن اختفاء هذا الاسم.
ما كتبه عدنان اللبان في مجموعته ( صفحات أنصارية) عن ناظم رمزي لم يكن فقط عرفانا بالجميل لإنسان نبيل  كان قد أخفى شيوعيين معارضين لنظام مهووس بتحطيم من يلفظ بكلام لا يرضاه صدام حسين  وهو في عز جبروته، بل كرس اللبان أثاراً متجلية  عن إنسان مبدع على مستوى نشاطه الفني، وعن شخصية لها قدرات خلاقة في إدارة العمل الفني والطباعي  في زمن لم تكن معروفة كفاءات كهذه في أوساطنا العراقية. كتب اللبان عن رمزي وشجاعته ونبله ومن خلال الصور التي نقلها لنا والتي كنت اتامل فيها وأعيد من خلالها أواصر التوصل لتلك الوجوه التي مازالت تمنحني قدراً غير محدود من الحنين لهذا الصنف النادر من العراقيين. أولئك الذين شدوا من عزيمتنا وخاطروا بحياتهم ليقولوا وبصمت عن قدسية خياراتنا. لا اعرف لحد الآن من كان يشد عزيمة الآخر وكم نحن بحاجة لتوثيق هذا الصنف النادر من العراقيين، ريما يعيد  ذلك للعراقيين كشعب شيئاً من جمال روحهم التي أفسدتها الديكتاتورية والعنف والفساد والإرهاب . كانت ترتسم أمامي  ومن خلال ما  صوّره اللبان عن رمزي، تلك الوجوه التي فرشت أجنحتها  لتحميني وغيري، وإنا شاب أضع أول قدمي في ممر العشرين من العمر. صورة صبري دوريش السبتي وعائلته ( توفى قبل سنوات في السويد)، الرجل الجليل والموسوعي جورج حبيب الخوري وأخته الحنون العمة ماري ( مؤلف كتاب اليزيدية بقايا دين قديم توفى في بغداد 1979)، طبيب الأسنان عبد الستار القيسي، ذلك الرجل الذي لم يدخر شيئاً من قواه لإخفاء الشيوعي الجنوبي. كنت ومازلت أقول، لو التقي به يوماً لقبلت التراب الذي يمشي عليه ( اعتقل في بداية الثمانيات وجرى تصفيته)، عبد العزيز أبو سعد توفي قي  أواسط الثمانينات في سوريا، عبد الكريم الحكيم ( توفي في يغداد، في سنوات متأخرة عرفت  انه كادر شيوعي سابق،  الطبيب الجراح العراقي المعروف طارق علي الحسين، الحاج زين السلماني ( كان كادرا بعثيا ولكنه ذو مروءة، مازال يعيش في العبيدي) وغيرهم، ولكل منا أن يسترجع العديد من هذه الوجوه التي نستمد صورتها من صور رمزي في قصة عدنان  اللبان ( حكايات انصارية) .
حملت المجموعة لصديقي جاسم المطير حيث زيارتي الأسبوعية له، على أمل أن يضيف لي شيئاً كعادته، خاصة أن أبا تمامة كان يبحث عن أي شيء من كتابات الأنصار. رمت سنارتي بمعلومة بسيطة عن رمزي. وانهمرت المعلومات من  الموسوعة الجالسة على الكرسي المتحرك. تحدث أبو تمامة عن إبداعات ناظم رمزي في التصوير الفوتوغرافي ومشاريعه المبدعة في الخط وادراته الناجحة والفريدة في  لمطبعته في بغداد وربطه الاجر باحتياجات العاملين في المطبعة وسمو خلقه ورفعته. وكيف صادر أمن السلطة مطبعته وغيره من التفاصيل، وفي خضم حكاياه رفع سماعة التلفون ليتصل ويستفسر عن وضع صديقه وليخبره عن المجموعة، لكن الوضع الصحي للفقيد لم يسمح بالحديث.
في لقاء آخر قبل ثلاثة أسابيع حضره أيضا السينمائي حميد حداد، جرى الحديث عن ما كتب عن ناظم رمزي وإبداعاته ومشاريعه، هنا التمعت فكرة واستعداد حميد حداد لتوثيق حياة وأعمال رمزي، خاصة وانه في رحلة بعد أيام الى لندن، وان لم يساعد توثيق أعمال ناظم رمزي حاليا، فالاكتفاء بتوثبق شخصه. مع كل مبادرة أو حديث في ذكر هذا المبدع تلتمع في عيون وذهن الأستاذ جاسم المطير الق المودة وكأنه تكريم واحتفاء بجيله. بادر ابو تمامة للاتصال ولكن الوضع الصحي للفقيد لم يسمح والكتاب لم يصل ليديه.
رحل ناظم رمزي بهدوء وانسل من بيننا دون أن تذكره وسائل الإعلام أو تذكر إبداعاته كما يجب وينبغي . يرحيل جيل من المبدعين العراقيين يكبر في وطنهم المنكوب جيل أو أجيال مغيبة الوعي والذاكرة. هل ستنشط حملة لإحياء تراث وابداع  ناظم رمزي، ونتعرف عليه. أيهما أكثر حزنا، وطن يفقد مبدعه دون أن يذكرهم، أم مبدعون ظلت عيونهم ترنو لوطن يكون اقل قسوة عليهم..؟ 
 
 

35
نسمات أب والقادم من الايام

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة
 
فضحت مظاهرات 31 أذار 2013 من جديد عورة السلطة، ووضعت مصداقية رئيس وزرائها على محك لم يتمناه. المالكي لو كان صادقا في تبني مطالب المتظاهرين بالغاء الرواتب التقاعدية والامتيازات لاعضاء مجلس النواب والرئاسات الثلاثة، لاستثمر هذه المظاهرات في دعم موقفه اتجاه بعض اطراف مجلس النواب اللذين يعارضون هذا الالغاء. فالسلطة عمدت لعدم الموافقة على اجازة المظاهرات في بغداد او لم تحترم الاجازة التي منحتها في بعض المحافظات كما في الناصرية، وشنت ارهاباً جديداً ضد هذا التحرك سواء من خلال التحذير المسبق منه، كعادتها في مواجة اي تحرك شعبي مدني للمطالبة بحقوق مدنية - دستورية، بحجة الخوف من اندساس عناصر بعثية او ارهابية فيه. واذا كانت  مسيرة بعض المظاهرات في بعض المحافظات هادئة، فلان دولة القانون وحزب الدعوة لا يمتلك فيها منصب المحافظ.
يشكل اعتقال السيد عبد فيصل السهلاني ومجموعة اخرى من الناشطين في بغداد او المحافظات الاخرى وتوارد الاخبار عن وفاة احد المعتقلين في الناصرية أثناء التحقيق ( صوت العراق 04-09-2013)، عارا جديدا للسلطة، فلم يكن بين المعتقلين ارهابين او مخربين وماشابه، بل ان الاجهزة التي اعتقلت السهلاني كان معظم قيادتها ومنتسبيها تتكئ على مخدة النظام الساقط حين كان السهلاني والالاف من ابناء الشعب البررة ينتظرون تنفيذ احكام الاعدام أو الاحكام الثقلية  نتيجة معارضتهم ومقاومتهم النظام السابق.
لو كانت مظاهرات اب ذات صبغة وشعارات طائفية او تصب في خان التاجيج الطائفي،  لهلهلت لها السلطة واطراف المحاصصة الاخرى، جريا على عادتها في تصعيد الشحن الطائفي، ولكان لرئيس الوزراء ونظامه موقف اخر، بما يعزز الشحن والتوتر الطائفي ويخدم ويتستر على نظام محاصصته الخائب، الا ان الطابع المدني التي ترافق مع الشعار الاساسي( حول التقاعد غير عادل) بما فيها مطاليب العدالة الاجتماعية والحياة الكريمة ومحاربة الفساد، لم يربك موقف رئيس الوزراء وكتلته فقط، وانما اربك قوى وشخصيات عديدة ووضعها في موقف مخجل، حين كانوا يدعون لهذه الشعارات ويحرضون الناس بها لحد المزايدات، حتى كادوا ان يصدقوا انفسهم، هولاء وقواهم كانت غائبة عن الاحتججات في الشارع، واقتصرت  بعض المشاركات على  طابعها الرمزي او الااعلامي. بل ان الكثير من العراقين ومعظم القوى التي رفعت شعارات المظاهرة وعرضت تنازلتها بطريقة اقرب الى التهريج ساعية لاقناع العراقي المنكوب بانها خارج اطار هذا النظام، لم نجدها في المظاهرات التي بقت او اريد لها ان تبقى محدودة، حتى خارج الوطن حيث دعا بعض العراقيين والقوى النجيبة، واللذين رفضت كرامتهم الا ان يتضامنوا مع شعبهم في الوطن، رغم محدودية وقلة المشاركة في هذا التضامن، في حين لم يتعدى احتجاج وتضامن البعض الاخر غرفة نومه.
اجبرت مظاهرات اب ان يتلون رئيس الوزراء وحكومته بتبني هذا المطاليب واخرجت الحكومة من دواليبها قانون التقاعد الي ُتخمر فيها لما يقارب السنتين، رغم ان القانون لا يتطرق لالغاء مخصصات النواب والرئاسات الثلاثة والدرجات الخاصة، وسكتشف العراقيون بؤس اجراءات المالكي وحكومته بهذا الصدد، ورافقت ذلك وما بعد المظاهرات تصعيد للنبرة الطائفية لرئيس الوزراء ودفاعه المحموم عن نظام المحاصصة الطائفية والسياسية.  وفضحت عدوانية اجهزة السلطة وعجز السلطة ان تتعامل بشكل حاضري ودستوري مع الاحتجاجات السلمية، وعكست قوة المطاليب المدنية لتوحيد العراقين وغيرها من التصورات المثمرة لايداء هذة الفعالية الاحتجاجية.
 
نسمات اب رغم محدوديتها، لكنها كانت مربكة للسلطة وكل قوى المحاصصة، لانها يمكن ان تشكل لبداية لا تعرف نهايتها، فقد  اظهرت هذه الاحتجاجات الروح الحية للعراقيين ورغبتهم القوية بحياة مدنية كريمة، وانذرت اركان المحاصصة والفساد، رغم قناعتي ان هولاء يستهزؤن كالعادة باي وقائع جديدة تظهر مرارة وبوس العراقيين، وسيعللون سلوكهم بالايغال في الكذب وإذلال العراقيين وبمزيد من التحشيد الطائفي، فهم يواصلون طباع من سبقهم بمواصلة نهج معاداة العراقيين واذلالهم وخلق الازمات باتجاه حرق الاخضر واليابس.
رغم مرارة وقسوة اجواء 31 اب في العراق، الا ان نسماته انعشت الآمال بيوم قادم، لن يحنُ فيه  العراقيون ظهورهم كي يركبها خصيان  الطائفية  والمحاصصة والفساد والارهاب.
 
 
 
.
 


36
ثائر لم يلامس احلامه *

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

كان حامد أيوب يستمتع بالنكتة، حتى في  الفترات المريرة من مرضه،ظل يتحداه باستمتاعه بالنكتة، يضحك حتى تهتز اكتافه وتدمع عيناه وينهي ضحكته بقهقة تكاد تسقطه احيانا من مكانه، لتلك النكات التي كنت استجمعها له. لذا ابدا حديثي له وعنه بنكته، متحديا بسيف من خشب ذلك الموت اللعين. يروي المناضل كاظم فرهود في مذكراته ( حامد أيوب كان يكن له قدرا عاليا من المحبة والتقدير، كان يرى فيه من الشخصيات الاكثر تناسبا لسكرتارية الحزب الشيوعي في اواسط ستنيات القرن الماضي) ان الشهيد محمد حسين ابو العيس حين كان يحاضر في سجن الكوت 1948 في الاقتصاد السياسي وفي شرحه لموضوع له علاقة بمراحل الثورة الوطنية والوطنية الديقراطية والثورة الاشتراكية، سائله احد السجناء المشاركين في الدورة الحزبية ( رفيق احنة باي مرحلة الان) اجاب ابو العيس ( نحن في مرحلة الثورة الوطنية). فقال السائل  ( لعد عزانا طوييييييييييييييييييل، يعني اموت وماشوف مرحلة الثورة الاشتراكية ...... والله ما عندي قرصاغ اصبر هاكد ) ومن يومها راح هذا الرجل يفتش عن الطريق ليتراجع ويستسلم. لكن حامد ايوب العاني حين اختار طريقه، طريق النضال الثوري من اجل شعب ووطن ظل يحلم بجماليهما، فان خياره هذا كان بوعي واصرار مستوحى من صمود فهد ورفاقه الميامين ومشروعية ومصداقية هذا الخيار المقدس.

سبق حامد في معارك النضال المشرفة اخيه الاكبر حمدي ايوب، فقد كان احد القادة  الفعلين لمظاهرات الطلبة في انتفاضة  1952 و متصدر مظاهرتها وهو الذي انتزعه من باحة المسجد وحفظ القران وليسير به الى دروب النضال العسيرة. كان حامد أيوب يسترجع نضالات عائلته وبطولة امه وصبرها، التي ما تحدث عنها يوما الا واكتسب وجهه معالم اخرى. عائلة صبت عصارة احلامها وجهدها  في النضال الوطني – الديمقراطي.

حامد أيوب شخصية جامعة، بمعنى له قدرة على تجميع الناس وايجاد ضفاف مشتركة لمصاب مياه تختلف بدرجة حلوتها او مرورتها. هذا التكوين، ليس من السهل ان تجده بين السياسين بما فيهم قادة ومحترفي العمل السياسي. حاجتنا اليوم  لشخصية او شخصيات كهذه لاتقتصر فقط على الشيوعين والديقراطين، الذين هم اليوم بحاجة ملحة لها ، وانما يحتاجها وبشكل ماس عموم الوضع العراقي المربك والمتوتر حد التهور والجنون. للاسف لم نتعلم من ابي سعد هذا الامر وخاصة في السنوات الاخيرة، الا في حدود ضيقة وشخصية. هذا التكوين او القدرة لم تكن مفتعلة وانما كانت تستند الى ثقافة واسعة وعميقة، مواصلا بذلك صورة مثقفي الاربعنيات الموسوعية وشبه الموسوعية والتي من الصعب من ياتي جيل مثلها مثل عبدالقادر البستاني وعزيز شريف، رحيم شريف، حسين جميل، نجيب المانع، جورج حبيب الخوري، سالم عبيد النعمان وغيرهم.

كان حامد أيوب من  القلائل الباقين  الملمين  بشكل واسع ودقيق بتاريخ الحزب الشيوعي العراقي  وبالكثير من تفاصيله وحتى تاريخ صدور بيانته وشخصياته وبمجمل التاريخ الوطني العراقي. ذاكرة حامد أيوب عجيبة ودقيقة ومجسمة وحتى الايام الاخيرة، التي سبقت دخوله في الغيبوبة، كان يأسف حينها، انه بدا ينسى بعض الاسماء ولكن لا تمر دقائق الا واستعادها. ذاكرة رائعة ودقيقة وامينة وكم هي تلك اللقاءات الممتعة حين تجمع جلسة الحوار ندين بذاكرتهما المجسمة والنشيطة، حامد أيوب وجاسم المطير. ثقافة حامد أيوب كانت تمتد للشعر بوجه الثوري والغزلي، للادب، للسينما  وبالذات الايطالية ولتاريخ الاديان ومدارس الفقة ومجودي القران، للاسماء الضابط وبالذات الشيوعين والديمقراطين وتاريخهم وشخصياتهم، رغم انه كان في ثورة تموز في بداية عشرنياته لكن الحزب كان يعتمده في بعض المراسلة مع بعض الضباط وبالذات مع الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد.
تكوين حامد أيوب هذا يشكل فيه الصبر عمودا اخر. صبره ليس فقط على تحمل المرارة وألام والعذاب والتعذيب سواء في سنوات العمل السري او مرارات الصراع الحزبي ومسالخ قصر النهاية والمعتقلات والسجون التي مر بها وغدر الايام والاحلام المسروقة وغيرها. صبره كان ايضا في قدرته على الاستماع، الاستماع الصادق وبكل مودة وانتباه بدون ملل لحديث المقابل اي نوعه كان. كانت أراء حامد أيوب وتعليقاته تستند الى قدر كبير من الحكمة والتروي، ربما طريقتة في الحديث وهدوئها وفواصلها كانت تمنحه مساحة تساعده في صياغة فكرتة بشكل جميل، وهو انعكاس لعقل وتفكيرمتقد، رغم العمر والامراض المنهكة. بتواجده كان يضفي على النقاش هيبة، حتى اذا تنوعت وتعددت مسارات هذا النقاش، وبدون ان يكون للنقاش هيبة ينكفئ حامد أيوب بهدوء واحترام لغلق الموضوع بدون اي احراجات للمقابل. في تكوينه هذا يطابق مقولة بشير الحافي احد كبار متوصفة بغداد في القرن الهجري الثاني والثالث ( لا تكون كاملا حتى يأمنك عدوك، وكيف يكون فيك خير وانت لا يأمنك صديقك)**
كانت اجوء نقاشاته وجدالاته مفعمة بالصدق والحب واختيار كلماته بدقة وبكل لياقة. لم يخجل او يستكثر ان يتراجع عن راية. كان خطيبا رائع، يبدا حديثه بهدوء وبصوت منخفض وراس منخفضة ترتفع بعد ذلك مع حرارة فكرته وصوته القوي وكانه يشحن هذا الصوت من امانة  وعمق وحرارة فكرته وكلماته، ليتحويل بعدها الى سيد القاعة.

شئ واحد من أشياء قليلة كانت تستفز حامد أيوب ولا يطيق تحملها، هو الطعن بوطنية الشيوعين وصدقهم وبتاريخهم وصلابتهم واخلاصهم. ويعرف  بعض اصدقائة حوادث عديدة في هذا المجال. واذا كانت ذاكرة ابي سعد حية باسماء الكثير من الشهداء والمناضلين وابناء شعبنا الاحرار اللذين قدموا ما يستطعون لدعم نضال الشيوعيون وكل القوى الخيرة، الا ان ذاكرته لم تنسى جلاديه وجلادي شعبنا وسارقي قوته وحريتة واحلامه.

ظل ابي سعد قريب من رفاقه, طيب المعشر، متواضع السلوك، يتعامل باعتداد وفخر بصموده وتاريخه المشرف ولم يكن له ما ما يخجل منه. بقى لا يحترم البيرقراطية الحزبية ويشمئز منها ويعتبرها غريبة عن سلوك المناضل الثوري وتحط من قيمته ومن دوره. ظل حامد ايوب يتمتع بقراءة نقدية فاحصة للكثير من جوانب التاريخ الحزبي الداخلي والوطني عموما ومن يقترب من ابي سعد كان يسمع العديد من الملاحظات والتصورات والانتقادات الحادة لمجريات وتاريخ العديد من الحوادث والشخصيات. ظل ابي سعد رغم الامراض والعمر يمتلك صبابة ثورية، تحس اشعاعها في الكثيرمن تفاصيل حياته ومتابعاته. مع الاسف الشديد انه رحل عنا من دون ان يؤرخ احد تلك المتابعات الحية.

حامد ايوب العاني لم يكن الا ابنا بارا للحزب الشيوعي العراقي، ومناضلا لشعب منكوب باحلامه وذاكرته المغيبة ومواطنا لوطن لم يعشق ابنائه البررة.
في نهاية حديثي لا يسعني الا ان انحني اجلالا لام سعد، لبطولها وتفانيها وصبرها وقدرتها على رعاية فقيدنا العزيز ابي سعد واحاطته بكل الحب والدفئ ولسنوات عديدة. لم يكن هذا الامر الا انعكاسا لمعدنها النبيل كما كان يقول حامد أيوب. كانت قمة حبه ومفخرته.
...
* الكلمة القيت في اربيعنية الفقيد الدكتور حامد ايوب العاني التي اقامتها منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا في 02-06-2013
.
** متصوفة بغداد.عزيز السيد جاسم. مؤسسة الرسالة لطباعة والنشر. باريس 1994. ص97


37
المنبر الحر / من ينقذ العراق
« في: 18:36 20/01/2013  »
من ينقذ العراق

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة


المهمشون الحقيقون في عراق اليوم، هم كل الشرفاء والوطنيون الذين أحبوا هذا الوطن من ديمقراطين وشيوعيين ومستقلين وإسلاميين وقوميين، وكل من تعز عليه قضية العراق وشعبه، أبسط الأمثلة على ذلك، المصير التراجيدي للشهيدين كامل شياع وهادي المهدي، اللذين لم  يجهد نظام المحاصصة نفسه، باتهام او اعتقال اي مشتبه به في هذه الجريمة القذرة، رغم توفر العديد من المعلومات عنهم، كما يشكل استمرار اعتقال الدكتور مظهر محمد صالح ومطاردة الدكتور سنان الشبيبي مثلا صارخا آخر لسقوط  نظام المحاصصة بتهميش وقبر كل من يريد الخير لهذا الشعب ولهذا الوطن.   
اليوم يريد مقاولو المحاصصة ومن جديد إخراج نظامهم هذا، من عنق الزجاجة ويغمضون أعينهم من ازمتة الخانقة. حين بدأت احتجاجات جماهير الانبار وامتدادها للمناطق الغربية، شمر مقاولو المحاصصة أذرعهم لحصاد ما حرثوه بأيديهم.، وبدا لبعضهم انه حان الوقت لاعادة توزيع الحصص بما يتناسب مع الواقع الجديد، فهذه المناطق لم تعد كما هي في السنوات الأولى لرحيل النظام الساقط ولن تقبل بالمشاركة الكمية في ادارة البلد دون المشاركة الحقيقية في القرار السياسي. كل مقاولي المحاصصة يريدون بشكل او اخر ان يجدوا  فرصة في هذه الاحتجاجات من اجل تحسين مواقعهم واعادة الحياة لهذا النظام الذي لا ينتج سوى قوي متحكم وضعيف او اقل قوة، تابع ومهمش، بشرط ( ربما  غير معلن)،ان لا تتطورهذه الاحتجاجات الى حركة وطنية حقيقة تودي الى انهيار نظام المحاصصة. فممثلي السنة أو الشيعة كما يحلو لهم  ان يطلقوا على انفسهم، يبدون في وضع مريح مادامت هذه الاحتجاجات قد عززت  آفاق مشاركتهم القادمة وقوّت تمثليهم الطائفي- القومي وعززت مواقعهم في الصراع القادم على مجالس البلديات وذرت الرماد في عيون العراقين عن الوضع المذل والمهين، الذي يعيشون فيه. لم يرفع المقاولون السياسيون السنة خطابا عراقيا وطنيا ولم يدعوا لانهاء جوهر المشكلة المتمثلة بانهاء نظام المحاصصة  ومحاربة الفساد وتوفر الخدمات واعادة الهيبة للمواطنة العراقية بدون اي تميز.
لطامة المالكي او  ( مختار العصر ) كما سماه بعض ُمتظاهريه المدفوعي الثمن في بغداد، سعوا بكل جهد لتصوير هذه الاحتجاجات بانها سنية وطائفية تهدد السلطة الشيعية، التي هي في واقعها اذلت وسحقت المناطق الشيعية ولم تقدم لهم سوى التسول  على موائد الشعائر الحسينية، ولم تحسن من مشاركتهم السياسية في ادارة الدولة الا من خلال توسيع وتنوع انواع اللطم والتطبير والزنجيل وحماية المفسدين وسرقة مال الله وعباده كما يقال وقدمت ارذل صورة عن هذه المناطق او الطائفة التي يدعون تمثليها، تلك المناطق والطائفة التي ساهمت بحق وجدارة في التاريخ البطولي التحرري والوطني لشعبنا. لطامة المالكي ترى في اي معارضة للمحاصصة وللمالكي الذي انتجته، هي معارضة بعثية تريد انهاء العملية السياسية التي تشكل المحاصصة في نظرهم جوهرها الاساسي وليس اقامة الدولة المدنية وتبادل السلطة واعمار البلد والحياة الكريمة للمواطن وتعزيزمبدأ المواطنة، حتى الذين افنوا معظم سنوات عمرهم في النضال ضد الديكتاتوريات المتعاقبة ومن اجل خير وسعادة العراقيين، هم بعثيون او ظلال لهم ماداموا يعارضون سلطة المالكي. هولاء ينفخون ليل نهار في تأزيم الموقف وشحنه طائفيا، ويدفعون باتجاه استخدام القوة. على مستوى الشارع بداء العزف من جديد على نغمة التقسيم والدولة الشيعية، في الوقت الذي يمثل هذا الامر في حقيقتة مشنقة في رقبة الشيعة او المناطق الشيعية. لم يبقى لهؤلاء الا ان يجدوا لنا في كتب التراث ما يؤكد ان المالكي ليس فقط هو الممثل الحقيقي للشيعة وانما هو الموصى به كي يعيد الحق للشيعة. بعض هؤلاء، بعثيون  تفضحهم الصور التي تنشر بين الحين والاخر مع رموز النظام السايق، ( علي الشلاه) مثلا.  هؤلاء يصرون على عدم مشروعية مطالب المحتجين، رغم ان المالكي والكثير من أطراف الائتلاف الوطني يرى مشروعية بعض المطالب، لكن اصول اللعبة الطائفية تتطلب منهم هذا الدور المشين. في النهاية يهدف المالكي وحزبه وتابعيه من خلال سحق الخطاب الوطني بتعزيز موقفه في الصراعات القادمة على السلطة والنفوذ داخل تحالفاته الطائفية وضد معارضيه وفي مناطق الوسط والجنوب.
الصدريون مارسوا حركة واسعة وطيبة في احتواء الوضع وتخفيف حدة التوتر الذي كان يدفع باتجاهه طريفي العراقية ودولة القانون، وعدم دفعه ليتخذ تطورات اخرى، هم بالاساس غير مستعدين لها حاليا، كما هي  أطراف المحاصصة الأخرى. عموما فان حركتهم قوت من مواقعهم وزادت من شعبيتهم خارج مناطق نفوذهم التقليدية، أكدوا انهم قوة حية قادرة وبدرجةغير قليلة على تغير وتطوير اساليب حركتهم بما يعزز دورهم هذا وتكتيكهم السابق بان يكون التيار الصدري هو المتحكم في دفة الامور دون ان يكون على رأس الحكومة وفي وجه المدفع كما يقال، مما يمنحهم قدرة واسعة على المناورة، خاصة انهم صعدوا من خطابهم ضد الفساد في هذه الفترة، وبالذات صفقة الاسلحة الروسية ، الا انهم لا يخلتفون في جوهر حركتهم عن بقية أطرااف المحاصصة، ليس فقط في استقلالية قرارهم وانما في افتقدهم لمشروع وبرنامج وطني معارض لنظام المحاصصة ولم تصدر منهم تصرحات ومواقف واضحة ضد السرطان الذي ينهش في العملية السياسية.   
هذه هي القوى الثلاث التي سعت وتسعى لاستثماروتقاسم نتائج ما حدث ويحدث. الحركة القومية الكردية بقت على حواشي هذا الصراع و بانتظار ما تحصده من نتائج وكما يقال ( عيشة العتوي على المعثرات) ، خاصة أنها أنجزت شوطها في تعزيز مواقعها داخل بيئتها أثناء الصراع الملتهب بينها وبين المالكي حول المناطق المتنازع عليها. هذه الحركة مازلت بعيدة كل البعد عن اي مشروع عراقي، فهي مكون اساسي في نظام المحاصصة، كرّها وفرّها يعتمد على مقدار العنب التي سوف تعبئ سلتها به، من تصعيد للصراع وصولا به الى حافة الهاوية، وهم لا يقلون  ادراكاً وخبرة عن المالكي في كيفية ادارة لعبة كهذه.
التيار الديمقراطي وعموم اليسار ، بقى محافظا على مواقفه السليمة في ان لا يكون مع اي طرف او صراع او توتر طائفي، الا انه مازال يمارس سياسة أشبه ما تكون اثبات حسن النية، رغم بعض المناوشات (بيانات، بعض المظاهرات الصغيرة وغيرها من الفعاليات الهامشية) التي مارسها، بانتظار حركة اطراف اخرى تقود زمام المبادرة ليشارك هو فيها. برنامجه المعارض لنظام المحاصصة مازال هلامياً واسير التكرار والراتبة ويفتقد الى برنامج واضح وملموس. مشكلته الأساسية انه لم يع ِ ذاته بان يكون هو الجبهة الحقيقة والصلدة المعارضة لنظام المحاصصة. هناك شكوك كبيرة في سلامة ودقة سياسته اليومية بما يخدم انهاء نظام المحاصصة، حيث تبدو في قسم غير قليل من أوجهها، محاولة لتحسين تواجده في هذا النظام. يبدو ان شعار الانتخابات المبكرة التي دعا لها هذا التيار مبكرا، الذي تسابقت العراقية والمالكي على تبنيه لاحقا وبتفاصيل مختلفة، يواجه مأزقاً حقيقياً بعد أن رفضته المرجعية، مما يوفر فرصة غير منتظرة لدولة القانون وللمالكي للهروب  إلى الأمام. 
بدأت احتجاجات الانبار في بدايتها متناقضة وسعت بقايا البعث الساقط وزمر الإرهاب لتجيرها لصالحها، الا أنها فشلت في ذلك. قادت حكمة المتصدين لها وبروز وجوه قيادية في هذه المناطق بعيدة عن الوجوه التقليدية والحرص على انتزاع جزء من مطالبهم إلى تطوير هذه المطالب وإكسابها طابعا عراقيا الى حد ما، رغم البطء الذي رافق هذا الامر، الا انها بقيت في الكثير من جوانبها اسيرة مطالبها المناطقية، وغضت الطرف عن مسؤولية حكوماتهم المحلية وفشل ادارتها وفسادها وطائفيتها باعتبارها شريكاً مع المركز فيما وصل الامر اليه. هذا  هو احد أسباب الأساسية في  ضعفها ومحدوديتها. ما يخشاه المالكي اساسا وشركاه في المحاصصة ان تصبح مطالب الانبار والمنطقة الغربية، قضية رأي عراقي عام. المالكي في النهاية سيتراجع كما عودنا بعد ان يجعل الأمر على حافة الهاوية، خاصة ان استمرار  الاحتجاجات ولفترة غير قليلة، يمكن ان تقلب حساب البيدر والحقل، ولا يخفى عن أي عاقل، ان الوضع في بقية مناطق العراق في أسوء حالاته، ولا احد يضمن عدم انفجاره. يخشى المالكي وكل مقاولي المحاصصة، شعارات أساسية إضافة ما رفع مثل إنهاء نظام المحاصصة،  محاربة الفساد والكشف عن المفسدين ومحاكمتهم العلنية، اعمار العراق، حماية الثروات الوطنية، نزاهة الانتخابات، حقوق المواطنة، توفير العمل للعاطلين، قضايا الارامل والايتام، توزيع الصلاحيات، قضايا الصحة وغيرها من الشعارات الوطنية. دليلي في هذا، في الناصرية خرجت قبل ايام مظاهرة دعا إليها مجلس المدينة. أحد منظمات المجتمع المدني ( منظمة محاربة الفساد) رفعت شعارات ضد الفساد. الشرطة قامت بإنزال وتكسير هذه الشعارات واعتقلت وعذبت من رفع هذه الشعارات.
 ان التراجع المنتظر وإعادة الترميم لن ينقذ نظام المحاصصة ولن يخرجه من عنق الزجاجة.
 إلى متى سيبقى العراقيون يدفعون ثمن هذا السرطان الساري في جسد العراق؟




38
 
آية الله الحائري/ الحائر بين السماء والأرض

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

خلال الأسابيع القليلة الماضية واجهت العراقيين  عودة فجائية إلى نزعة من نزعات الفتوى الدينية تستهدف التشويه والتشكيك بالقوى العلمانية والديمقراطية العراقية،  وتفكيك دورها وإبعادها عن العملية السياسية وعن إدارة الدولة العراقية الجديدة، التي تحتاج أول ما تحتاج إليه في الوقت الحاضر، هو تجميع السياقات الاجتماعية والثقافية لكل أبناء الشعب العراقي دون تهميش أو إقصاء أية قوى وطنية لا تتقاطع أهدافها وخطاباتها مع مصالح الشعب العراقي كله.  كانت هذه الفتوى – الإشكالية قد صدرت عن السيد الحائري في عصر الممارسة الديمقراطية وصعودها في العالم كله،  حتى صار الفضاء فيها منفتحا أمام قوى إسلامية – عربية  كثيرة في ما بعد ثورات ما يسمى ( الربيع العربي)..

يعرف آية الله العظمى السيد الحائري نفسه من خلال سيرته الذاتية المنشورة على موقعه بأنه ( من الذين اعتقد آن فلسفة وجودهم السعي لإقامة حكم الله في الأرض) . هذا هدف يرتبط بالسياسة ولا يجمعها مع الدين شيء . حين اصدر فتواه بخصوص العلمانيين، أول من تمرد عليها ومط في تفسيراتها من كان من المفروض أن يلتزم بها.
الحائري الذي شغل في 1982 منصب فقيه حزب الدعوة باعتباره اكبر فقهاء الحزب، بعد أن استحدث مؤتمر الدعوة هذا المنصب في نفس السنة. أعلن الحائري استقالته من التنظيم  في  1983 بسب طبيعة الخلاف بينه وبين الدعوة إضافة للأجواء السائدة في الحوزة والمشككة في أصل العمل الحزبي. عدلت الصيغة في مؤتمر الدعوة في شباط 1984 وشكل المجلس الفقهي حيث أصبح السيد الحائري رئيسا له وبعضوية الشيخين محمد مهدي الآصفي ومحمد غلي التسخيري. في مؤتمر ( الحوراء زينب) في 1/1/ 1988 ألغى الدعوة المجلس الفقهي وغطى أجواء المؤتمر غبار الخلافات بين الحائري وجبهته مع الدعوة التي يكمن جوهرها في علاقة الحزب بالمرجعية وقيادته العملية من قبل المجلس الفقهي ، كما كان يريد الحائري وتياره،  وهو خلاف قديم إضافة لعراقية القرار، إلا أن السيرة الذاتية تخلو من ذكر أي نشاط سياسي  أو المراكز التي تبوئها والخلافات التي رافقتها. لم يكن هذا الخلاف بعيدا عن المواجهة الإعلامية بين الطرفين. رسالة آية الله الحائري إلى قيادة إقليم أوربا لحزب الدعوة الإسلامية في 4 محرم 1409  تشير لجوهر هذا الخلاف الواضح في تلك الرسالة التي أجد نفسي أشير لمقطع طويل منها بما يلي من محتواها :( فهم يتخيلون أن ولاية الفقيه تعني أنهم يجب عليهم أن يستأذنوا فقيها من الفقهاء في ما رأوا انه بحاجة إلى الأذن، فرأس الخيط الرابط بينهم وبين الفقيه يكون بيدهم، أي أنهم هم الذين بِشخصون موارد  ضرورة الرجوع إلى الفقيه وليس رأس الخيط الرابط بينهم وبين الفقيه بيد الفقيه نفسه،...) .
يضيف في مكان آخر من الرسالة :  ( أن مقتضى منهجهم هذا من أنهم هم الذين يختارون مرد المراجعة للفقيه هو أن قيادة الساحة ستكون بأيديهم لا بيد المرجعية وإنما المرجع شأنه تمشية حاجة هذه القيادة في مورد يرونه هم بحاجة إلى الإذن، وهذا يصح  بالقياس إلى مرجعية غير واعية ولكن حينما يقاس بالمرجعية الواعية يؤدي إلى خطر عظيم وينتهي إلى ما انتهوا إليه مع أستاذنا الشهيد الصدر( يقصد الشهيد الصدر الأول) - رحمه اله تعالى – حينما اتهموه عندما وقع الخلاف بينه وبينهم بأنه ابن الدعوة العاق). كتاب ( حزب الدعوة الإسلامية- حقائق ووثائق- صلاح الخرسان. الطبعة الأولى 1999ص 743-746).

لم يجد الإسلاميون أنفسهم بحاجة لفتوى او حكم حين صوتوا وتقاسموا السلطة والنفوذ مع بعض العلمانيين في الدولة والبرلمان واستمرءوا نظام المحاصصة البغيض لسرقة ونهب وقتل شعب ووطن مثخن بالجراحات. بقي الكثير منهم غير مهتم بصراخ الأيتام والأرامل والضحايا وحمامات الدم التي كان ومازال العراقيون يسبحون فيها نتيجة الإرهاب والصراع على مراكز النفوذ والسلطة. حتى روائح الفساد والسرقات وتبذر المال العام وغيرها أزكمت أنوف الموتى دون أن يشعر بها بعض الأحياء. لم يصدر من السيد الحائري في وقتها اي فتوى او حكم يتعارض مع هذا السلوك والتحالف فما الذي دعا بعض إطرافه أن يستنجد بالفتوى..؟

إن فتوى السيد الحائري لا تصب إلا في إذكاء هذا الصراع الذي لم ولن يحصد العراقيون منه سوى الموت و الخراب وهي لا تستهدف مصالحة العراقيين كشعب ٍٍ قدر استهدافها مصلحة سياسية ضيقة وبالتالي تسقط عنها صفة الفتوى التي من الواجب  أن تستهدف، بجوهرها،  الصالح الإنساني  العام او كما يطلق علية مصلحة الامة وليس المصالح الضيقة.
ان العلمانيين تيار واسع ومتنوع الألوان ، سياسيا وطبقيا وقوميا ومذهبيا وإيمانيا، وغيرها من الألوان المتعددة الأخرى بضمنهم قوى وشخصيات وطنية ذات كفاءات ، إدارية وعلمية وسياسية واقتصادية وثقافية عالية،  فبأي حق يتم استبعاد هؤلاء من بناء  وطنهم مقابل السكوت عن سراق وقتلة وفاسدين ومفسدين وطائفيين بكل أشكالهم حين يكتفون بان يكون الدين والطائفة خيمة لهم.
في زمن كان الصراع على أوجه في عراق النصف الثاني من القرن الماضي بين تيارات سياسية متعددة  في العراق وحين كان الإسلام السياسي وبعض رجال الدين يلعب في الحديقة الخلفية لهذا الصراع ، ترفع الشهيد البطل الصدر الأول  بنشاطه الفقهي والفكري لكي يحقن دماء العراقيين ويخفف من غلو الصراع القادم بين العراقيين، ومحاولة في ذلك أنتج ما يعرف ، سواء كنا متفقين أو مختلفين معه ،  بموضوع المرتد الفطري والمرتد الملي في زمن الشبهة. اضافة للموقف المشهود في اعتقاله كما ينقل، انه رفض طلب دعوة السلطة باصداره فتوى تستهدف تكفير واباحة  دم معارضي السلطة في نهاية حملة 1979 ضد الشيوعين، ويسجل لنا التاريخ ان الصدر الشهيد رفض وبشكل قاطع كل ضغوطات السلطة من انتزاع اي موقف رسمي منه يدعم سياسيتها العدوانية ضد الشعب العراقي.   
ليت السيد الحائري وجد في نهج أستاذه الشهيد الصدر الأول طريقا يرتفع بالمشروع الوطني العراقي القائم أساسا على المواطنة الحقيقية.



39
تراتيل العذاب والتحدي*

د. احمد الشيخ احمد ربيعة
بداية أتوجه بالكلام والمحبة والإجلال من خلال هذه المقالة  حول ذكرى السجون إلى روح أمي (نبيهة نجم النداف)  المرأة المقدامة التي لم تطأطئ رأسها يوما أمام ظالم وقد اضطرت أن تكون زائرة السجون والمعتقلات، باحثة عن مصير الاحبة والاصدقاء. امي التي سرق الفاشيون والقتلة احلامها.

سبق وان كتبت أن بداية تشكيل ذاكرتي السياسية هو البيان الثاني لانقلاب شباط الأسود عام  1963 حيث اعلن اعدام عمي الشهيد الزعيم الركن طه الشيخ أحمد مع الزعيم عبد الكريم قاسم في ستوديو دار الإذاعة العراقية .  تحول بيتنا فيما بعد مقرأً لاجتماعات مجموعة من الشبان المتحمسين ضد الانقلاب وهي مجموعة من المدنين ومن ضباط الصف العسكريين في البصرة، امتدادا  لحركة  حسن سريع في بغداد. كما صارت حديقة دارنا  مكانا لإخفاء  بعض الأسلحة الشخصية للمجموعة. لم أكن  استثناء   في تلك الاجواء، فأنا  واحد من جيل ٍ منحدر ٍبالذات  من العائلات  الشيوعية والديمقراطية تشكلت ذاكرته السياسية على مصطلحات الزعيم، شباط الاسود والحرس القومي ومقراته وجرائمه وانواع التعذيب من قلع الاظافر والعيون وهرس الاجساد وتعليقها بأذرع المراوح السقفية أو إجلاس المعتقلين على القناني ، وغيرها من الاساليب البشعة . في تلك الأيام سمعتُ وعرفتُ أسماء شيوعيين وديمقراطيين مختفين . كما سمعت  أسماء السجون/ مثل نقرة السلمان، الحلة، العمارة، البصرة والموقف العام في بغداد وغيرها.  جيل كان   يحتقر ويتحدى السلطة القائمة آنذاك نتيجة انقلاب دموي. جيل كان يردد في ألعابهِ ( الما يزور السلمان عمره خسارة) او( حجي مشن، سفن اب، راح المرك جاب ك...)أو ( صعد لحم نزل فحم ) وغيرها.
عاش جيلي اللوحة الخلفية للانقلاب، وأول الصور التي تبقى في الذاكرة فيما يرتبط بنقرة السلمان هي سيارة نقل السجناء المشبـّكة إلى محطة قطار البصرة وهتافات واغاني السجناء ودموع المودعين الذين كان معظمهم من النساء وهلاهل بعضهم عند توديع السجناء في محطة قطار البصرة، حين يجلبون كل اثنين مقيدين إلى بعض.
 في الذاكرة تبقى دموع النساء والاهل عند عودتهم من الانتظار عند ابواب مقرات الحرس القومي والاذلال الذي كانوا يتعرضون له، متسائلين  عن الأحبة المغيبين وفيما بعد(الكوشرات) التي كانت تحمل المعلبات التي  تخاط بخام اسمر مع الزائرين الى النقرة حيث عذابات الطريق الصحراوي غير المبلط وعواصف الرمال وسيارات النقل القديمة وغيرها، فرحة لقاءات  بعض الاحبة في النقرة وتداول اخبار الاصدقاء من المعتقلين ومن سلم من حادلة الموت الشباطية، مصائر عوائل  السجناء ومصائبهم وخاصة العوائل الفقيرة وذات الدخل المحدود وغيرها من الصور البشعة والماساوية التي تشكل هذه اللوحة.
 هناك ظاهرة يعيشها مجتمعنا العراقي كما في مجتمعات اخرى وهو ان الاطفال هم شهود  وبدون خيار على ما يحدث ، هم إما ضحايا مباشرين أو غير مباشرين لهذا القمع المجنون. زوار سجن، اولاد سجناء ومعدومين، طلاب حرموا من مدارسهم بسب زيارات السجون وغيرها من الصور التي عشناها او ما يعكسه مضمون  كتاب عن إحداها وأعني سجن  نقرة السلمان .
كان جيل الأطفال الصاعد  يخزن صورة تلك  الأيام السوداء وهذه المأساة وهذا التحدي، ليعيدها لاحقا قوة متمردة في وجه السلطة الغاشمة ومواصلة نهج الجيل السابق. جيل ترتسم امامه صورة الشيوعين يعبدون طريق المجد، مجد النضال من اجل الشعب والوطن، بالتحدي والصمود والاخلاص والمقاومة مقابل صورة مخزية لمنتسبي الحرس القومي الذين لم يعرفوا كيف يتواروا عن اعين السلطة المنقلبة عليهم في تشرين 1963، ملقين رشاشاتهم ( البور سعيد) التي ارتبطت باسمهم في الشوارع.
 ليس غريبا ان ينتسب  قسم كبير من هؤلاء الأطفال الى جيل يحمي الحزب الشيوعي في هجمة اواخر السبعنيات سواء في قوات الانصار او العمل السري في داخل الوطن.
قرأت بشغف وإمعان كتاب (  نقرة السلمان) الطبعة الثانية عن دار الينابيع 546 صفحة من الحجم الكبير الذي  يتضمن نهايته مجموعة من صور سجناء النقرة فوجدته وثيقة حية عن مجازر انقلاب 8 شباط 1963  وعن صمود السجناء الشيوعين والديمقراطيين في سجن النقرة وفي معتقلات  ومسالخ الحرس القومي. هو القطعة الادبية والسياسية الوحيدة من ادب السجون في تلك الفترة بهذه السعة والتفاصيل وصلت الينا. يتضمن الكتاب الفترة من 28-01-1964 الى الفترة 22-01-1967 والتي هي فترة بقاء الكاتب في هذا السجن قبل نقله الى سجن الحلة. ُكتب الكتاب داخل السجن وتم تهريب اجزائه الى خارج السجن ويعود الفضل في اخفاء وحفظ مسودات هذا الكتاب الى السجين الشيوعي سامي أحمد. فقدت من المسودات 200 صفحة، ولم يتم استعادة كتابتها من قبل الكاتب. أجريت على المسودات بعض التعديلات البسيطة قبل صدور الطبعة الاولى عليه.
يرتكز الكتاب على عدة اعمدة ابرزها هي.
1- الحزب الشيوعي والسجين السياسي.
2- القسوة الفاشية بحق السجناء.
3-  دور المرأة، الأم والأخت والزوجة في إسناد السجناء.
4- الثقافة داخل السجن.
5- صفحات من تاريخ السجن وتاريخ النضال الثوري في البصرة وثورة تموز.
6- العرفان بالجميل.

ثانيا:
مؤلف الكتاب جاسم المطير حاكي وسارد  كبير قادم من قاع المجتمع، يرتدي اسمال الفقراء وهموهم، تعتمد كتابته التسجيل و الملاحظة الدقيقة ومما ساهم في ذلك تجربته السياسية المتنوعة والغنية، فتبدو خبايا الفقراء والشرفاء من ابناء شعبنا واحتضانهم لمناضليه مادة كبيرة لهذا السرد فمن الاختفاء في صريفة محاطة باوحال الطين ، الى تجمعات العمال، الى اجتماعات الفلاحين في القرنة والعمارة والناصرية، بيوت بعض المناضلين الاغنياء، امهاتنا وانحيازهم لقضية ابنائهم العادلة،قضاة شيوعيون وديقراطيون، مفصولون سياسيون، يساريون، ديمقراطيون، شخصيات شعبية ممتلئة بروح النخوة والتحدي، بعض رجال الدين الوطنين، عسكريون، شيوعيون مابين سعة الافق وروح المرح واخرون مابين التجمد والمقاسات الفكرية المحدودة وغيرها من من الوجوه المتنوعة . جميعها تشكل مادة غنية ومتنوعة، اضافة لرغبته واصراره منذ فترة صباه على تطوير قابليتة وموهبتة الادبية ومنحت فترة السلمان فرصة كبيرة له كي يكون كما اراد. السجين جاسم المطير ذو الرؤية المتفائلة مهما اسودت الايام لا ينقل لنا الواقع بتفاصليه عبر رؤية جامدة، إنما ينقل انعكاس هذا الواقع في أدبه ولذلك ترى صوره تأخذ تراكيب متعددة ومستويات مختلفة. الصور الايجابية هي التي ترسم معظم المشهد السياسي في الكتاب وهي صورة غير مفتعلة . هذا الأمر يرتبط بالنظرة للمستقبل والثقة بانتصار قضيته وقضية السجناء باعتبارها قضية عادلة.  هي تعبير عن التمسك بالحياة، التمسك بأفكار الشيوعية والعدالة الاجتماعية باعتبارها مشروعا تنويريا يعيد للعراقي  ولوطنه كرامتهما وحريتهما  والتمسك بحلم ان يكون لنا وطن جميل، نظيف، حنون، رحيم،  متمسكا  بكرامة الإنسان وادانة اذلاله سواء بافقاره أو تغييب وعيه أو تعذيبه او سجنه او اسقاطه سياسيا.

لغة الكتاب سهلة، سلسلة، شفافة لا تغوص في تراكيب وتضخيم مفردات اللغة. الحاكي لا يريد ان يركـّب او يصنع لنا حدثاً. انه يريد فقط ان يروي ما حدث لاوسع جمهرة من القراء معتمدا ثنائية الجلاد المهزوم رغم كل جبروته على الضحية السجين  المسلوب من ادوات المقاومة إلا ارادته.
لم يترك الكتاب مكاناً إلا فضح فيه جلادي شباط الاسود. يروي الكاتب آلامه وعذابه في معتقلات  الحرس القومي في البصرة عبر تجربته الحية، رغم ان حجم وشكل التعذيب وكما هو معروف ابشع من ذلك. يؤرخ تاريخ الجلادين فتحي حسين ( رئيس الحرس القومي في البصرة)، الملازم  احمد العزاوي او ابو الجبن الذي قتل لاحقا في سوريا ، عبد المطلب  أبو طالب، صورة الجلاد وروحه متناولا طعامه وهو  يعذب ضحيتة في المعتقل او الزنزانة التي ( لا يؤذن فيه الا الألم والعذاب) أو صباح المدني وغيرهم من قادة الحرس القومي. صور مقرفة وسادية لجلادي الحرس القومي الباحث عن  متعة الانتصار على ضحية عزلاء.
 
عبر سرده وروايته للعديد من الاحداث التاريخية التي هي تاريخ النضال في البصرة او العراق او الاحداث السجنية او عودتة للخلفيات التاريخية او ذكره لآلاف الأسماء، يسعى المطير عبر هذا السرد الذي يبدو في ظاهره عفوياً لجر القارئ الى جدل التاريخ والواقع.  القارئ يجد نفسه  وسط هذا الجدل الفلسفي وبالتالي امام اسئلة هي: لماذا حدث ذلك؟. كيف حدث ذلك،. هل كان من الممكن ان لا يحدث ذلك،, الم يكن لذلك بديل، واذا هناك بديل فما الذي اعاق ظهوره او انتصاره..؟ هذه الأسئلة وغيرها هي ذات  طبيعة فلسفية تبحث عن العلاقة السببية لهذه الاحداث والنتائج التي افرزتها.

ان اسئلة الكاتب جاسم المطير مفتوحة تجر القارئ لتفعيل الذاكرة وأعمال العقل. هذه الاسئلة المفتوحة واقعية مملحة بالمرارة التي هي في جوهرها اسئلة الواقع والتي بقيت بدون اجوبة شافية، قادت العراق الى ماهو عليه الان، لعل أبرزها هو علاقة الدولة الوطنية الحديثة بالديمقراطية السياسية.

من هذا الكتاب نتلمس ازمة المشروع الوطني العراقي الذي ما زلنا نحن اليوم بامس الحاجة اليه اليوم.
ثورة 14 تموز نحرت نفسها حين قمعت وخنقت أخلص وأجرأ المدافعين عنها حين جعلت من ناشطيها وقادتها  لقمة سهلة المنال لكلاب شباط وعملت على ايجاد توازن بين هولاء وأشد المتآمرين عليها. لا نستغرب  وجود حمزة سلمان أو الشهيد شاكر محمود ( عضو اللجنة المركزية للحزب الشيوعي، اغتيل في 1972) او عبدالوهاب طاهر ، سامي أحمد العامري، الشهيد وعد الله النجار وغيرهم سجناء في النقرة او في سجون اخرى قبل حدوث الانقلاب.
ازمة المشروع القومي العربي الذي انحدر إلى أسفل مواقع الشوفينية والعنصرية ومعاداة المصالح الوطنية العراقية وغرقه في النهج الدموي الفاشي متحالفا مع قوى الظلام والرجعية من اقطاعين وبعض الظلاميين  وكل المتضررين من ثورة تموز. ليصبح البعث العراقي رأس الحربة المسمومة لهذا التحالف المشوؤم، الذي لم يجد سوى القطار الامريكي ليحمله لكرسي السلطة، ولم يكن شباط الاسود سوى ذلك التعبير عن السقوط والمأزق السياسي – الأخلاقي - الفكري لهذا المشروع الذي مازال الشعب العراقي يدفع فواتيره لحد الان.
أزمة المشروع الديمقراطي. ازمة المشروع الشيوعي واضطرابه الذي زاد حدته،  قتل واعدام وتصفية ابرز قادته وكوادره واعضائة. اضافة للسجون التي تشهد حتى صخورها لو نطقت على مدى العذاب والصمود الذي ابدوه.
ازمة المشروع القومي الكردي وانجرار قواه للقتال ضد ثورة تموز وتاثير القوى الاقطاعية  فيه والتأييد اللاحق للانقلاب وشهر العسل الذي لم يستمر طويلا. 

لقد دفع انقلاب شباط الاسود كل المشروع الوطني وبكل اتجاهاته باتجاه الاراضي الرملية المتحركة.
هذه الاسئلة المتلاطمة وغيرها تتسلل بشكل خفي للقارئ لترتفع به إلى التساؤل والبحث.

لا تمتد الكتابة لتوصف المكان الذي ربما يكون القارئ بحاجة له خاصة بعد مرور هذه السنين، فالمكان هو السجن الذي يشغل المساحة الاساسية في الكتاب سواء كان موقفا للشرطة،زنزانة في الامن‘ ملعبا رياضياً تحول لمعتقل، سجنا، مكان اختفاء.
كأن السجن مكاناً عاديأً وهو جزء من التحدي اليومي للسجين، كأنه جزء من الحياة القادمة ولهذا فأن عهود الاضطهاد قادمة وهامات الصمود تتحدى. كأن السجناء يقولون ان هذا المكان لن يطبق علينا ولن يستوعب وجودنا. بنفس الدرجة ينسحب هذا  الامر على الزمان. فهو عند السجين زمان شباط الاسود ومابعده انه وقت المجزرة. كأن الكتاب بأمره هذا يهزأ بالمكان والزمان الذي يزحف بطيئا على صدر السجين. أنه اللاوعي في الكتابة الذي يجسد قدرة السجين الخلاقة ان يترك المكان والزمان خلف ظهره. يزدريه ولا يعبئ به ( السجن بطبيعته وبوجوده يعدم الزمان والمكان في عيون السجناء بما يحمله من مرارة وعذاب )ص 394. او ( العذاب هو الشئ الوحيد المؤذن في الغرفة) ص69  او كما يقول فاضل الروضان في (فلسفته)( الوقت في وادي السلمان في ازمة. نحن هنا مهزومون امام الزمن الذي يمضي للمستقبل اسرع منا. نحن ايضا في ازمة لا نعرف كيف نتقدم الى الامام ولا نفر الى وراء) ص 452

 يقدم جاسم المطير شخصيات سجنية متنوعة لها طاقات مختلفة ومرتبطة بمصير واحد، لا يركز الكتاب على وصف السجين من ناحية مظهره الخارجي وانحداره وغيرها من المواصفات بحيث تكون لنا صورة قلمية لهذه الشخصيات وهي شخصيات ملحمية في واقع حياتها مثل الشهيد الضابط صلاح احمد، الشهيد وعد اله النجار، يحى قاف، عبداللة رشيد، الدكتور رافد بابان،هاشم الطعان، سامي أحمد، عبدالوهاب طاهر، عبدالواحد كرم، فاضل الروضان، صالح الشايجي، محمد الملا عبدالكريم، ام جاسم المطير، ام زهير الدجيلي، ام شاكر محمود، سميرة محمود وغيرها من الشخصيات، لكن الكاتب يعمد الى توصيف الحركة الداخلية للشخصية، توصيف كتلة العلاقات الداخلية للسجين من حرمانه وعذاباته، اشواقه، قدرته على تجدد اليات صموده، خيباته، ضعفه، تحديه، حبه للاخرين. كأنه يقول لنا ان هؤلاء السجناء عجنوا من طينة هذا الوطن وهذا الشعب. هم ليسوا خارج اطار هذا الزمان والمكان. هم فلذات قلوب  العراقيات المعذبات ولكنهم في نفس الوقت اناس يترفعون على الجراح. لم يقدم الكتاب لنا كتلة حديدية صماء من العنف والصمود، انها صور متحركة لشخصيات ربما نفتقد لوجودها المكثف حاليا. هذا سامي أحمد المترفع فوق مرارته يغذي السجن بسعة صدره وحلمة وثقافته العالية ومودته وحبه للاخرين وقدرته للاستماع لهم.. يحي قاف النسر المزمجر بوجه الجلادين والطغاة ( انا يحى قاف يقول الحق ولا يخاف ) .. يحي  قاف هذا السياسي المخضرم من زمن الاحتلال العثماني والقادم الى نقرة  السلمان،  لم يقو الجلادون يوما على كسره واذلاله. الضابط خالد حبيب، صراخات التوديع لوعد الله النجار لرفاقه متوجها ليرتقي منصة الاعدام متحديا، سعد خزعل الدجيلي الذي ( لم يكن شيوعيا منظما لكنه يقدم خدمات للحزب الشيوعي قل نظيرها ) 346، قدوري العظيم الانسان البسيط الذي بقى  مشغولا في ان يكون شاعرا. مظفر النواب وتناقضات الموقف من شعره ومنه، جمعة اللامي،  هندال جادر الذي يتعلم القراءة والكتابة في السجن ، حرامية الباجة،..الذين كانوا يخففون من صعوبة السجن والسجناء. ( القديس) ابو اسلم( سجين في السلمان بدون اوراق، بدون تحقيق، بدون محاكمة) انه صوره اخرى لبطل كافكا في ( المحاكمة) ،كاكا عمر  السجين الذي تجاوز عمره الستين سنة الذي يعمل ولا يتكلم، عبدالقادر البستاني تلك الهامة  السياسية  والثقافية المنكسرة، زهير الدجيلي، سليم الفخري، نعيم بدوي وتلميذه  عربي فرحان الخميسي، فريق العمال وفريق الفلاحين لكرة القدم،  كلهم مناضلون يقابلون  وجوها من الجلادين الخائبة.
انها شخصات محببة، اليفة، قوية، تعيش بين جوانح مجتمعنا. نتعاطف معها حتى لو كنا على غير اتفاق معها، ونكره ونرفض منطق جلاديها مهما طرح من مبررات لسلوكه الشاذ.
 
كل ما ذكر كان يلامس القلب ويفجر اقصى درجات الادانة لجلادي شباط وما بعده، عشرات من الصور والمواقف تستصرخ ضمير القارئ ( وهي في واقعها لا تعكس ما حدث الذي كان اسوء واعنف بكثير ) ليجعله يفتخر انه ينتمي لذلك الجيل او انه سلسل ذاك الجيل. انهم اولئك العراقيين الذين حلموا لنا بغد اجمل.
 روعة الحكاية عن هذه الشخصيات تشعر القارئ انها تنتمي اليه او انه ينتمي اليها. عندما ينهي القارئ قراءة الكتاب، سيجد نفسه مشدودا لكي يعيد بين فترة واخرى قراءة فصل ما او اعادة فقرة ما او استرجاع شخصية ما او موقف ما. يلاحظ انه رغم السرد الواسع عن هذه الشخصيات تتميز  وبلا وعي من الكتاب كتلتان من الشخصيات. الاولى هي شخصيات بصراوية تاتي  عبر سرد التاريخ الشخصي ويوميات النضال في البصرة والكتلة الثانية هي شخصيات شيوعي الموصل ورغم كونها اربعة شخصيات( صلاح أحمد، وعد الله النجار، يحى قاف، هاشم الطعان) لكن لها اثرها الطاغي بعد القراءة. 

ثالثا

لا يكتب جاسم المطير إلا وتكون المرأة ظل كلماته. باقة ورود جاسم المطير متنوعة الألوان، مختلفة ولكهن يشتركن في ميزة واحدة وهي كونهن سارية الشراع. هن النسغ الصاعد لصمود (هؤلاء المتمردين على الموت). كانت المرأة في تلك الأيام السود هي الذراع الاساسي في الحركة، فالكثير من العوائل لم يبقى فيها رجال بسب الاعتقالات، اضافة لخوف العوائل على رجالها من اعتقالهم ولمجرد الشبه او شمولهم بالتهم الموجه لاقاربهم او اصدقائهم ومعارفهم مما يعرضهم للاعتقال في اقبية الحرس القومي المهووس بالقتل والتعذيب، وبالتالي تفقد العائلة معيلها. النساء في تلك الايام السود كن جبروت اللوحة الخلفية لسجن نقرة السلمان وكل المعتقلات والسجون الاخرى. ظلت المرأة العراقية النجيبة تدفع فاتورة الانقلاب يوميا وفي هذه اللوحة الخلفية يمكن ان تجد او نتذكر مأساة مخيفة. فقد فقدت عوائل عديدة معيلها الوحيد ونكبت امهات باولادهن  وبناتهن واقرب الناس الى قلوبهن. مأساة لم يروى منها وللاسف الا بعض النتف القليلة.
( نساء السلمان ) كرجاله لم يكن لهن توصيف سوى الصورة التي تترتسم في الذهن عن حركتها وفعلها في التاريخ والكتاب. هي صورة مقاربة في مخيلة القارئ لوجه عراقيات قد تكون امه او اختة  او زوجة اخيه ام من المعارف والاصدقاء من اللاتي فرض عليهن السير في هذا الطريق المعبد بالعذاب. توصيفهم الاساسي هو تحديهن وصبرهن والقدرة عن كبت العاطفة الجياشة لتكون سندا حقيقيا للسجين. هن من اجيال وانحدارات وثقافات مختلفة، لا تقوى ظهورهن على التقوس او الانحناء، روؤسهن شامخة.
مقابل هذه الصورة الزاهية، هناك من يستصعب  عذاب هذا النفق ويجد نفسه غير ملزم به، هناك صورة لنساء سواء التي اشار اليها الكتاب او مما هو معروف من ادرن ظهورهن لهذا الامر. هناك عذابات لاحقة للكثير من السجناء لاحقت حياتهم حتى بعد اطلاق سراحهم حين تحول السجن الى قوة تدمير متواصلة ليس لواقع الحياة اليومية انذاك وانما للمستقبل القادم.  هناك من تركته زوجته او حبيبته، هناك من خطف الموت اعزاه.     
تعالوا نلامس ورود جاسم  المطير فهي ستتحدث عن نفسها عبر تسجيل حركتها داخل التاريخ والكتاب.
فطومة راهي تلك المرأة التي تتصدر مظاهرات البصرة بعبائتها السوداء، مكشوفة الوجه، قارئة للشعر في مظاهرات البصاروة في 1930. ماجدة الشهباز ( عضوة اللجنة النسائية في البصرة)، انعام العبايجي تتحدى الجلاد في مقر الحرس القومي في البصرة. الرفيقة سليمة االممرضة التى تسعى لتدبر هروب جاسم المطير ، عايدة ياسين( طالبة ثانوية_ صفيت من قبل النظام بعد اعتقالها في الثمانيات حيث كانت تقود تنظمات الحزب السرية)، زوجة زهير الدجيلى اعتقلت وهي حامل لمشاركتها في مظاهرات احلال السلام في كردستان واطلاق سراح السجناء وولادة ابنتها البكر (هدف) في السجن قبل  1963، والدة الفريد سمعان، ام الشهيد فيصل الحجاج وعذابات احلامها وامنياتها  وحين تبقى عينها على الدرب بانتظار عودة ابنها الذي لم تعلم باستشهاده في قصر النهاية.
نفس المأساة تتكرر على ايدي البعث حين تبقى أمهات الشهداء الانصار ناهل( نجيب هرمز)، ابو شهدي (عطية زايد)، دكتور عادل واخيه ابو فيروز بانتظار اولادهم المقطوعة عنهم الاخبار.
أم شاكر محمود التي تختصر مسافة النقاش مع الجلادين الذين  يسألون عن ابنها الهارب من ايديهم وفي مخلتف الفترات وهي تجيب على اسئلة المحققين : لا أعرف مكانه لكنني أعرف بانه يناضل.
ام طه ياسين ( كرب السكية) والمقصود ( كروبسكايا) ، نظيمة وهبي التي تسمي الكتب ( قوى العقل ) والنشرات ( محرك العقل ).  ولنتوقف قليلا عند جسارة وعزة نفس أم السجين الشيوعي  محمد منير سلمان ( ابن اخت يوسف كشمولة) الشخصية المتنفذة في الاوساط الحكومية انذاك حين يشمت أحد اخوتها ويتصور بانها ستطلب التدخل منهم لانقاذ ابنها عند ذاك ترفع نعالها  صارخة ( ساقطع لساني بيدي ان تجاسر وطلب منكم الرحمة لولدي) ص 45 .
أم  زهير الدجيلي الشاعرة والمناضلة المتحدية. تلك النخلة الباسقة من اراضي الناصرية التي يتلوى ناسها بالظلم والعذاب. امرأة تهرب لاولادها الشعر الشعبي بما يشحن معنوياتهم.
ام كلثوم زائرة السجين بدون دعوة او رغبة منها.  مالكة المشاعر والعواطف المتفجرة، حين تختلي باغانيها يوم الجمعة بالسجين وترش الملح على اشواق اللقاء وترحل بالسجين في متاهات الذكرى. اها ياعذابات الذكرى واشواق اللقاء. نزيهة الدليمي وتواصل الاحاديث عنها بين السجناء . شمس الملوك ودموعها الناطرة عودة اخيها الدكتور عبد اللطيف عباس ، ام السجين موسى كاظم، ام السجين شاكر محمد الحيدر.
مع كل هذا تتواجد شخصية ام جاسم وزوجته الفقيدة سميرة شاكر كنخلة يتظلل في فيئها الكتاب، امه هي التي صاغت خطواته الاولى في هذا الطريق وتحملت عذاباته وشاركتة دربه وخياره، بل انها خاضت غمار هذا الخيار قبل ابنها، ايمانا منها بعدالة هذه القضية. عذابات لا يقوى على تحملها الا الام. 
تواجد هاتان الشخصيتان كلازمة في اغنية السرد هذة، ويكتب جاسم المطير واحدا من الفصول الجميلة في بطولة امه ( السجين مقيد بالزمان اكثر من المكان )، انه اعتذار متاخر لعذاب امه التي لم يكن له فيه ذنب سوى انه اختط طريق النضال المشرف من أجل شعب ووطن يحلم بالكرامة والامان. ومن منا من  لايريد ان يقدم لامه هذا الاعتذار بسب خياره الواعي والمكفل بسب عنف وارهاب الجلادون المنفلت.
لم يكن من شئ من الغرابة ان يلتقط حس الشاعر المرهف والصامد مظفر النواب ليبدع في واحدة من اروع قصائدة ( البراءة ) لتكون صورة الام والاخت مادة حية توقف عمليات الانهيار التي كانت تقودها السلطة ولتصبح مشعل يشد العزيمة الى الامام.

رابعا
ان معادلة السجن بين الجلاد والمناضل تقوم على اساس ان يفرض الجلاد نظامه وسلطته على  حياة المناضل السجين وتفاصيلها من اجل كسر تحديه واصراره ومن ثم انهياره. مثلا تجد كثيرا في الاعتقال ان يعذب المناضل من اجل النطق باسمه او ان يقول آه او ان يصرخ من الالم.
بنيما يسعى السجين السياسي لان يحول حياة السجن والتي هي خيار وعذاب مر الى حياة عادية رغم كل التعقدات المحيطة بها، يتآلف معا بعناد واصرار ثوري ( نحن كائنات طبيعية قبل دخولنا الى السجن وسنظل كائنات طبيعة داخله مهما بلغت قسوته) ص 37.
تكمن قوة السجين السلماني في تجديد ارادته وعزمه وخياره الواعي للنضال من اجل مصالح الشعب والوطن من خلال تنظيم الحياة السجنية والبحث عن سبل ازالة التوترات والسعي لرفع مستواه السياسي والتواصل مع الاحداث الساسية والثقافية والاجتماعية وغيرها خارج اطار السجن. بناء ثقافة متتعدة الجوانب تكون مواجهة لسلوك ونهج السلطة واسالبيها. هنا يجرى تحدي القسوة بالثقافة. كانت  السلمان مدينة الثقافة البديلة لثقافة السلطة وعنفها، وللسجناء الشيوعيين كما هو  تاريخ حافل في تنظيم الحياة السجنية.  ارسى اسسه وضوابطه باني الحزب الشيوعي العراقي الخالد فهد. الحياة اليومية هنا منظمة على اساس الوعي باهميتها واهمية المشاركة بها سواء في المطبخ او جلب ماء الشرب وتوزيعه والاكل والطبابة التي تزخر بـ 18 طبيبا أخصائيا  من خيرة الاسماء المعروفة في مجالات اختصاصهأ. ساعة الراحة، فرق الرياضة المتعددة ومسابقاتها، تنظيم الخفارات السجنية، مزرعة السجناء وغيرها من جوانب الحياة السجنية والتي يرسم الكتاب الكثير من جوانبها. في جمهورية السلمان الديمقراطية تنهض الثقافة بكل قامتها فدورات محو الامية تعطي السجين الأمي ما لم تعطية الدولة المصونة. دورات تعلم اللغات المتعددة، دورات الاقتصاد السياسي. 
 جريدة يومية تعتمد الانصات السري وتحوي غير الاخبار السياسية، اخبارا وتقاريرا ادبية وفيها صفحة ادبية اسبوعية في البداية وبعد فترة كانت الصفحة الادبية تصدر يوميا. بهذه الجريدة ارتبط  نظام كامل من الفرق المتعددة. فريق الانصات، فريق التحرير، فريق الاستنساخ الذي كان يعد عشر نسخ من الجريدة والتي يجب ان توزع صباحا بين السابعة والسابعة والنصف، الافتتاحية التي تكتب من اشخاص محددين، قارئ  الجريدة ( المذيع) داخل القاوش والذي يجب ان تتوفر فيه ثلاثة شروط. مكتبة تنمو وتتوسع ولها شروط التبادل والاستعارة بين السجناء، هنا بديع عمر نظمي يترجم بطلاقته المعهودة وهنا الشاب محمد الملا عبدالكريم لا يبخل باي معلومة على السجين السائل، انه مكتبة المعارف المتنقلة، هذا الكردي الضليع باللغة العربية. هنا سعدي الحديثي  يخرج باغانية الناس من ظلمات السجن الى عالم النور. هنا عزيز سباهي وهاشم صاحب و فاضل ثامر، هنا سلمان العقيدي ( المترجم المختص بالادب الانكلزي) يدافع عن  شعر مظفر( الشاعر محارب شجاع يتدرع بالرؤية والحركة والحياة.. دعوه يتحرك ويحيا)ص361 وغيرها من وجوه الثقافة والمعرفة والتي كان يزخر بها السجين.
الثقافة هنا ترسم حدودها مع الايدلوجية،  وتهرب من سلطتها ورقيبها. هنا يتحول تسائل السجين جاسم  المطير في بداية دخوله النقرة( ياترى هل يتاح لنا في هذه النقرة ان نتحرر من الجمود على ثقافة واحدة وان نعبر الى ثقافات اخرى) في الممارسة الى واقع ملموس.
في ظل هذه الاجواء من الديقراطية السجنية وتواجد نخبة واسعة من المثقفين والمهتمين بالشأن الثقافي وفي ظل واقع سياسي مرير وملتبس سواء على المستوى الحزبي الداخلي او عموم الوضع السياسي عراقيا وعربيا وعالميا. كل هذا وغيره يقود الى اعادة النظر بالعديد من المفاهيم والموقف وعلى كل المستويات. عموما يمكن إجمال هذا الأمر بسؤال واحد وعريض وهو حرية واستقلالية الرأئ والتفكير. صحيح انه في السلمان لم يجري إعداد مشروع وثيقة لتقيم ما حدث وبالذات بعد 14 تموز 1958 خوفا من يقود هذالامر الى انفجار الاوضاع الداخلية للسجن، الا انه في الواقع العملي كان يجري خوض مخاضات هذه الاسئلة التي تتعلق بالديمقراطية الحزبية وأساليب العمل، تقييم ثورة تموز، الديمقراطية الاشتراكية والديقراطية الغربية والتي يجد فيها السجناء القرب اليها، طبيعة التحولات الجارية في البلاد، الادب الوجودي، ولعل ابرز هذه الاسئلة هو الموقف من الابداع والذي تجسد بالموقف من ابداع الشاعر مظفر النواب وحريته في التعبير ما بين المساند والمعارض.
هذه الاشكالية في كيفية تعامل الحزب الشيوعي مع الابداع وبالذات الشعر في  واقعها لم تكن جديدة وهي اشكالية قديمة ويظهر ان ظروف السجن ألقت بظلالها الوخيمة عليه، ولم يجري بتقديري صياغة موقف موحد وسليم، ظل الموقف في هذا المجال مضطربا الى نهاية تسعينيات القرن الماضي. وهو لحد الان بحاجة الى الكثير من الاغناء والتطوير وخلق الاجواء المناسبة بين الالتزام الحزبي او الفكري وبين الابداع.

خامسا
ان احد قيم الكتاب تكمن في محاولة اعادة النظر الحقيقة او جملة الحقائق التي مرت، ان التاريخ لا يكرر نفسه الا بشكل ساخر ولكن المطلب تدقيق وجهة النظر في تقيم هذا التاريخ. لقد أرخ الكتاب للقسوة التي كانت السلوك المطلق في شباط الاسود. قسوة السجن والصحراء والحرمان. قسوة الغربة في وطن تعشقه. قسوة مهزلة الايام والقدر التي جعلت من هولاء وغيرهم سادة بلد وشعب كالعراق. 
عبر سيرته الذاتية وسيرة النضال العام ارخ الكاتب لتاريخ النضال الوطني في البصرة في خمسنيات وبداية وبداية ستنيات القرن الماضي والذي كان الشيوعيون في صلبة وفي أشد اعماقه. ارخ الكتاب لصفحات مهمة من ثورة تموز واضطرابتها
ارخ جاسم المطير مؤلف الكتاب  لبطولات فردية وجماعية مغيبة عن وعي وتاريخ العراقين وهي عديدة. قطار الموت، قافلة الموت وهو امر غير معروف الا بشكل نادر حيث جرى نقل 500 سجين سياسي بعد فشل حركة حسن سريع من معسكر محمد القاسم في البصرة في عربات عسكرية عبر الصحراء الى سجن النقرة، كان الغرض الأساسي من ذلك، ابادتهم على نفس طريق قطار الموت. أتمنى  على  الصديق العزيز عباس كاطع الفياض ان يكتب عنها حيث كان احد ضحاياها. أرخ لحركة كان من المقرر ان يقوم بعض قطاعات البصرة مشابه لحركة حسن سريع وقبل موعد حركة سريع  تنطلق من البصرة ولكن...
أرخ المؤلف لصفحات من التآمر على ثورة تموز من خارجها ومن داخلها، واعادة قراءة واحدة من صورها المأساوية وبصورة صادقة  في الاحداث التي قادت لاعدام الشهيدين المغدورين عبداللة رشيد وكريم حسين اللذين اعدما وعلقت جثثهما في البصرة. عبر هذه التواريخ العديدة لم يفت جاسم المطير ان يذكر بالعرفان الشخصيات الجميلة والشريفة التي وقفت معه ومع مناضلي شعبنا في تلك الايام السوداء والتي تعكس الروح الشعبية الشهمة للعراقين، فيصل  حمود الشخصية القومية المستقلة وصاحب مكتبة الفكر العربي في البصرة القديمة، الحاج عباس الانصاري، سلمان النجار ( ابو داود) صاحب معمل نجارة ذلك الرجل الشريف، الشهم، الرحيم والذي ترتسم صورته لحد الان امامي.
ارخ جاسم المطير للشخصيات العابرة والمنسية ومن عامة الناس، اولئك اللذين سعوا بكل صدق وشرف وبطولة ان يلعبوا دورا في صناعة الايام والمستقبل ولم يتوقف جاسم عند الاسماء الكبيرة والبارزة والمعروف. انه العرفان بالجميل لكل اولئك الامجاد الذين مر بهم.
حتى السجان لم يكن امامه جلاداً لكونه سجان فبين هولاء الكثير من الوجوه الطيبة، التي كانت تتعاطف وتساعد السجناء. (فالسجين والسجان هما في النقرة اسرى الصحراء والرمال رغم اختلاف وظائفهم ) ولا تجد في الكتاب صورة سوداء لمدير السجن او السجانين.

اذا هناك مايستطيع ان يكتبة جاسم عن طاعون شباط الاسود وبطولة التحدي والتصدي له وينقل لنا صور مفعمة بالحياة عن هؤلاء المعذبين والصامدين والمسكونين للاعماق باحلام الغد الوضاء، فماذا يستطيع ناشروا ذلك الطاعون الاسود ان يكتبوا عن تلك الفترة. هل يستطيع الجلاد ان يرفع عينه ليقرأ تاريخ شباط الاسود 1963؟ مهما ادار لسانه في فمه فانة لن يستطيع ان يصوغ كلمة شريفة لذاك التاريخ المجلجل بالخزي والعار. كتب البعض منهم ولكنه لم يجرؤ الا ليقول انه كان الاقل اجراما وقتلا. من اين جاءت قطعان شباط الاسود بتلك القسوة والاساليب المبتكرة في التعذيب البشع وهرس الاجساد ؟ اي خزين فكري وسياسي واخلاقي شكل القاعدة الاساسية لذلك السلوك المنحط.
انه تاريخ حددت اتجاهاته قوى الفاشية المتحالفة والمدعومة من اكبر القوى الرجعية داخليا وخارجيا .لقد دفع وما زال يدفع  ابناء شعبنا فواتير تلك العذابات .

اتمنى ان اوفيت الكتاب وحضوركم حقه
شكرا لاستماعكم
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* المداخلة ألقيت في ندوة  توقيع كتاب ( سجن نقرة السلمان) في مدينة لاهاي- هولندا – قاعة المنتدى المندائي -  يوم 24 – 2 - 2012






40

من اجل جبهة واسعة لاسقاط نظام المحاصصة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

شكلت الازمة الاخيرة بين دولة القانون والعراقية مظهرا جديدا لازمة نظام المحاصصة الطائفية والاثنية، وبدلا من ان تواجه الكتل المتنفذة في الحكومة والبرلمان انسحاب القوات الامريكية بتعزيز لحمة الصف الوطني ولف اوسع جماهيرالشعب حولها، بدلا من ذلك غرقت هذه الكتل في صراعها الذي لم ولن يتوقف، تاركة بذلك فراغ سياسي وعسكري بعد انسحاب القوات الامريكية وفي ظل اوضاع اقليمة ودولية تبدي رغبتها وتعد نفسها لملئ هذا الفراغ . وفي ظل هذة الاجواء الخانقة وجدت مجموعة غير قليلة من الساسين والاعلامين واشباه المثقفين وبعض رجالات العشائر وايتام النظام الساقط وقوى الارهاب والفساد وغيرهم من الباحثين عن النعم ومن على شاكلتهم، فرصة لا تعوض لاشعال نار الطائفية واشاعة التوتر السياسي. ومن جديد يعكس هذا الصراع على مركز النفوذ والسلطة، انانية القوى المتنفذة وضيق افقها وهشاشة تحالفتها وشراكتها وارتباك وتناقض تصريحاتها ومواقفها وبعدها كل البعد عن مصالح الشعب والوطن.
 ان دعوات الحوار لاخراج العملية السياسية من مازقها، ربما تنجح بتهدئة الاوضاع لفترة معينة الا انها لا تنجح في اعادة العملية السياسية لمسارها الصحيح خاصة في ضوء عدم وجود تصور موحد عن ماهية وجوهر العملية السياسية. ان هذا الامر لا يعدو كونه سوى عملية ترقعية لنظام مأزوم ولن يكون الخاسر الاكبر فيه سوى الشعب العراقي. من جانب اخر فان حكومة شعار حكومة الاغلبية لا يعدو سوى كونه ورقة التوت التي يريد بها المالكي ستر فشله وفشل منهجه في ادارة البلاد، وهناك شكوك كبيرة في ان تحصل حكومة الاغلبية على دعم اقرب حلفائه في التحالف الوطني، فمعظم القوى المشكلة للتحالف الوطني او المتوجدة في البرلمان لا ترغب وتحذر من استثار طريف في ادراة الاوضاع في البلاد، اضافة لعمق وتفاقم مجمل الاوضاع العراقية، ولن يكون هذا الامر سوى طريق للاستثار بالسلطة.
 يدرك اي عراقي غيور ان نظام المحاصصة كان وسيبقى اساس الخراب بعد احتلال العراق2003. لقد ادخل هذا النظام الموت الى كل بيت ولن يجلب الا المزيد من حمامات الدم والخراب،ولن يكون سوى طريق لتجهل الجماهير وتهميش روح الوطنية العراقي واشاعة الفساد وطريق لتهميش وسحق الاخر وتصفيته، بحيث يأكل كل فترة جزء من صانعيه وداعميه.
  ان تفاقم ازمة القوى المتنفذة حكوميا وبرلمانيا وبرنامجيا وانجازا يوسع من القاعدة المطالبة باسقاط هذا النظام، كما ان استمرار الاوضاع بهذا الشكل يتطلب اخراجه من دائرته المغلقة ورتابته وذلك بتشكل جبهة تسعى لاسقاط نظام المحاصصة وتعيد للمشروع الوطني بريقه. ان هذا الامر لا يتطلب خوض هذه الجبهة الانتخابات القادمة بقائمة موحدة، رغم ان امر كهذا سيكون انجازا كبيرا. لكنه المطلوب منها ان تتخذ مواقف موحدة من الانتخابات القادمة والحكومة القادمة. ان شعار الانتخابات المبكرة والذي نادت به القوى الديقراطية قبل فترة مبكرة والذي كان يبدو بعيد المنال، يتحول الان الى شعار قريب التحقيق  وبسرعة مع تعقد مسارات الوضع السياسي ، ويكتسب قوة اضافية  وتلتف حوله قوى واسعة بما فيها بعض القوى المنتفذة.
  يجب حشد القوى الساسية من اجل ضمانات حقيقة  لانتخابات نزيهة وشفافة اهمها اقرار قانون يسمح لقوى متنوعة لخوضها ودخول البرلمان وتقوض قبضة القوى المتحكمة  في الانتخابات والبرلمان، اضافة لمفوضية كفوءة ونزيهه للانتخابات لا تخضع للمحاصصة، وعداها تعدو المشاركة في الانتخابات سوى وهم وممارسة لتجميل  وجهه المحاصصة. الجانب الاخر هو مقاطعة المشاركة والدعم لاي تشكيل حكومي اساسه المحاصصة. ان هذين الامرين يترتبط بزيادة الضغط من القاعدة وتصعيد النشاط الجماهيري الاعلامي والمطلبي وربطه بالهدف السياسي الاساسي وهو اعادة الحياة للمشروع الوطني القائم في اساسه على مبدا المواطنة..
هل يكفي هذا؟ طبعا لا. فالامر اوسع واعقد بكثير وهناك العديد من الملفات التي تتطلب رؤية واضحة وتصورات مشتركة. هذا الامر مترتبط بتطور الاوضاع وحرص وقابلية هذا القوى على مواصلة الجهد المشترك، وبالتاكيد ان نجاحها سيفتح افاق اوسع ويلف جماهير اوسع حولها ويعطها ثقة اكبر بنفسها وبمشروعها.  هذا الامر لن يكون فيه مسرة للقوى التي ذاقت وجنت بركات نظام المحاصصة، ولكن ان الاوان للذين حصدوا ويلات نظام المحاصصة ان يقولوا كلمتهم وفعلهم.

41

دراما النضال من اجل يوم مشرق*

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

الى الشهيد صفاء العاقولي (1)

 
كل من يتعرف على الكاتب جاسم المطير يدرك انه إنسان يعرف لعبة الحياة ويجيد لعبة الكتابة، فالسنوات والأيام المتقادمة بكل اضطراباتها تمر بجنبه كأنه غير معني بخيباتها . ينظر اليها باعتداد جميل. لذلك يكتب جاسم المطير بتلك الروح الحية والوثابة، روح تختزن طاقة غير محدودة من التفاؤل والتحدي، يكتب بذاكرة حية ومصداقية يسعى لحد كبير ان يكون لصيقاً بها،  فارضا على نفسه قداسة احترام التاريخ بمجرياته ومشاهداته السابقة، دون الانجرار إلى تسييسه أو إخضاعه لرغبات او انجازات شخصية، فهو يرى التاريخ ويرويه من الزاوية التي يقف فيها.  . بهذه الروح تلتقي النظرة الأولى بعنوان الكتاب ( الهروب من نفق مضئ)، بذلك يفتح المطير نافذة على تاريخ مشرف لأبطال أرادوا ان يلونوا الحياة  بألوان زاهية.
عموما بماذا يحلم السجين سوى حريته، لكن هل يسعى كل سجين لحريته؟ هل تكتسب قوى التحدي والإصرار شكلا موحدا للصمود والنضال من اجل حريته؟ هل تنتج كل طاقة ثورية عملا ثوريا يعتد به بعيدا عن جنون المغامرة الطائشة؟ هل تتشابه التقديرات لإمكانية الهروب؟، وإذا توفرت إمكانية الهروب، فما هي مجسات السجين او المعتقل كي  يفرزها كإمكانية واقعية وليست مصيدية جديدة، فالفشل هنا تترتب عليه نتائج وخيمة تنعكس نتائجه ليس على السجين وحده وإنما على كل السجناء.
السجن هو اختبارات يومية إن لم تكن كل ساعة لإرادة السجين وتحديه لتلك القوى الغاشمة، فالسلطة تستعرض قوتها من خلال المشاهد اليومية من البناء الى السجان المسلح،  بينما المناضل يغذي تحديه اليومي بصموده المتنوع، فهناك من يجد في السجن محطة يتآلف معها بالدراسة والمتابعة وتجديد طاقته وعناده الثوري والتكيف مع هذا الواقع المرير الذي لا يريد الانحناء أمامه، وهناك من يشتعل رأسه بحمية الهروب والإفلات من قبضة النظام ، بعيدا عن مدى واقعية أو عدم واقعية هذه الفكرة. والسجين الذي تشتعل في رأسه فكرة الهروب يحتاج إلى طاقة أخرى من التفكير والتنفيذ.
 
الهروب وحفر الأنفاق من السجون العراقية، يمتلك تاريخا مجيدا في صفحات نضال  الشيوعيين العراقيين، وهو تاريخ لم يؤرخ له الا قبل عدة سنوات وبشكل عفوي. وللأسف تعرض هذا التراث الثوري للإهمال وضعف تسجيله،لا في وقته ولا في سنوات لاحقة.
يبدو أن فكرة الهروب من السجين هي فكرة وممارسة متأخرة ، نسبيا،  قياسا لنشوء الحزب في 1934. فمنذ النصف الثاني لأربعينات  القرن الماضي أخذت السجون العراقية تضم أعدادا كبيرة من سجناء الرأي وبالذات الشيوعيين العراقيين كما في سجن الكوت وسجن نقرة السلمان. الرفيق الخالد فهد ، الباني الحقيقي للحزب الشيوعي وركيزته الأساسية في تراثه الثوري، وجد في سجن الكوت محطة لإعداد الشيوعيين وبناء الكادر، وهو أرسى بذلك تقاليد سجنية نظمت حياة السجناء الشيوعيين وأعدتهم للأيام والصراعات القادمة، ورفض فكرة الهروب كما تشير المعلومات عن ذلك، رغم عدم توثيقها. ذكر لي مرة المناضل أكرم حسين في سوريا 1979 في دمشق، وهو رفيق فهد في سجن الكوت، انه خلال  وثبة كانون كانوا يسمعون  صوت وخطابات عزيز الحاج من خلف جدران السجن وهو يقود المظاهرات.
 أخبرني المناضل أكرم:  قلت للرفيق فهد لماذا لا نهدم الجدار(كان جدارا  متهرئاً) ونضيع في وسط المتظاهرين..؟  كانت إجابة فهد الرفض خشية  حدوث مجزرة للسجناء في حالة هروبه. كذلك فأن اعترافات مالك سيف التي تتصف بتفاصيلها الدقيقة في كتاب أصدرته مديرية الجنائية المنشور في 1949، لم تشر الى  اي تفكير او خطة بهذا الصدد. استمد الشيوعيون العراقيون  في نضالهم المشرف لاحقا، تراث فهد في تنظيم الحياة السجنية وفي تحديه وصموده وإقدامه وجرأته.
في عام 1949 استقبل سجن نقرة السلمان في قلاعه القديمة اول وجبة من السجناء الشيوعيين وكان عددهم حوالي 200 سجين. (2).
كانت اول محاولة للهروب الجماعي هي في عام 1951 من سجن الكوت، تلتها  محاولات هروب ثلاتة سجناء عام 1953 من نقرة سجن السلمان، ثم من سجن بعقوبة 1956 وغيرها. بقيت المحاولات مستمرة سواء كانت فردية او محدودة العدد ، الناجحة او التي جرى إجهاضها ، مستمرة سواء من السجون العراقية او من مراكز الإبعاد مثل بدرة وجصان في الكوت وغيرها من مناطق العراق. هذا في واقع الأمر ما فرضه الفراغ القيادي بعد استشهاد الرفيق فهد وتواصل الضربات المتتالية للقيادات الجديدة في حينها، أي أن  مستوجبات النضال فرضت شروطها بما فيها أهمية وجود الكادر على رأس النضال السياسي او النضال الداخلي .. تبقى في الذاكرة تلك الملحمة البطولية الرائعة المجللة بالمجد لمحاولة هروب الضابط الشيوعي صلاح الدين احمد من نقرة السلمان بعد 1963 والتي دفع حياته ثمنا غاليا لها.
 
اما هروب السجناء السياسيين من سجن الحلة 1967، فهي كانت هي اول عملية (هروب جماعية ناجحة) حيث هرب 40 سجين من خلال حفر نفق طوله 14 متر، استغرق حفره 6 أشهر وكان يمكن ان يكون العدد اكبر لولا بعض الإشكالات التي احاطت بالحدث. في نفس هذه الفترة كان السجناء الشيوعيون في سجن نقرة السلمان منشغلين بحفر نفق اخر في سجن النقرة، حيث كرسوا فرق عمل واصلت العمل ليل نهار لانجاز نفق يقدر طوله ب 24 متر وكان السجناء قد انجز منه 17 متر، حيث كان من المقرر هروب قيادات حزبية هامة مثل كاظم فرهود؛ عبدالوهاب طاهر، سامي احمد، حامد ايوب العاني وغيرهم.(3)
الهروب من السجن ومن قبضة الجلاد هي كسر لأنف الجلاد كما يقال في أمثالنا وسحق كبريائه وعجرفتة الكاذبة وتمريغ وجهه في الوحل، هي انتصار لكرامة المناضل التي يحاول النظام سحقها ، واصرار وتحدٍ للخيبة التي يسعى السجان أن يسقطها على السجين، هي تجسيد لحق الناس في حرية الاعتقاد ومشروعية وعدالة قضيتهم وشرفها. بهذه الروحية يؤرخ الكتاب لهذه الملحمة البطولية،  مواصلاً بذلك ما بدأه في كتاب سجن نقرة السلمان في تسجيل تلك السنوات لحياة وبطولة السجناء السياسيين  الذين افنوا في السجون زهرات شبابهم،  سجناء جلهم من الشباب ومن خيرة ما أنجب الشعب العراقي، لو جمعت سنوات محكومياتهم سواء الاسمية او ما قضوه في السجون لشكل عمرا خرافيأ. بذلك يشتغل المطير على الذاكرة العراقية المعطلة والمنقطعة عن تراثها الثوري الأصيل بفعل سياسية النظام الساقط او اللاحق، وهذا بحد ذاته خطوة في مشروع أساسي في ربط العراقيين على الأقل بتاريخهم الحديث المغيب.
 
يواصل المطير في كتابة أسلوبه التسجيلي للحدث وللبطولة الجماعية وبلغة سلسلة وبوتيرة واحدة متصاعدة دون تقطيع للحدث، رغم احتواء الكتاب على عدة فصول، غير مهتم كثيرا باللوحة الخلفية للأحداث مثل ( الحياة السجنية في سجن الحلة ونظامها، شخصيات الحدث وتركيبا ، إلا ما ندر، طبيعة وتفاصيل الخلافات السياسية التي قادت لاحقا إلى الانشقاق وغيرها ).  طبعا يستثنى هذا الموقف السياسي العام والمرتبط باتخاذ قرار الهروب، وبذلك ابتعد عن كل التفاصيل التي يمكن أن تشتت القارئ في الابتعاد عن تطور الحدث وعن هذه البطولة الجماعية. انا اشك بان  ذاكرة الكاتب جاسم المطير وكما يعرفه العديد من  أصدقائه، ربما تكون تراخت في هذا الأمر ولكني اعتقد وربما أكون جازما ان المطير ما أراد  أن تسقط تصوراته وانطباعته الشخصية في تلك الايام او حاليا على أشخاص وأحداث في تلك الفترة إلا ما ندر.  أراد ان يعرض فعالية وقوة وحدة الراي وحدة الارادة ووحدة العمل.  التي كنت اشعر بانها وصيته بعد عمر طويل يخطها في هذا الكتاب، هذا الهدف رغم محدودية كلماته ولكن يظهر أننا نحن العراقيين لم نتعلم فن الوصول إليه وما زلنا بما فيهم من سياسيين ومناضلين بحاجة الى مشوار قد يبدوا طويلا كي نتعلم هذا الامر.
هذه الفكرة  وغيرها من تأكيد الثقة بالحياة والإرادة الجماعية والإصرار والتحدي الثوري وعدم الاستسلام لواقع الامر، والانتقال الى مواقع الهجوم  وتعزيز روح المبادرة والاقدام وبطولة وثقة الشيوعيين بمستقبلهم النابع من عدالة وشرف قضيتهم التي يناضلون من اجلها  وشعورهم  العالي بالمسؤولية والمصير المشترك حيث يؤكدها الكتاب في مواقع عديدة من صفحاته.
 
قضية الهروب هي ليست قضية تتعلق بمصير او رغبة شخص او اشخاص معينين؛ هي قضية بالاساس سياسية وبذلك تنازعها  عوامل عدة.  أبرزها الوصول الى قرار حول الهروب الذي بدونه لا يمكن عمل اي شئ، فللسجناء  نظام ادارة  داخلية وقيادة  حزبية، ومما يعقد اتخاذ  قرار كهذا هو التصورات المختلفة والمتعارضة معا للوضع السياسي العام إضافة للوضع العربي.
 
الاغلبية من السجناء وعائلاتهم  تتجه تصوراتهم نحو انفراج الوضع السياسي العام وامكانية صدور العفو العام عن السجناء السياسيين، واقلية منهم لها تصور اخر. كذلك فان الكاتب يكشف عن سر او حقيقة غير متداولة بشكل واسع ترتبط بموقف الفقيد حسين سلطان الذي كان المسؤول الحزبي الاول في السجن باعتباره عضو في اللجنة المركزية. حسين سلطان كان منقولا من سجن نقرة السلمان  الى الحلة و يبدو انه كان محجم بقرار ان لا تتم اي محاولة للهروب الا بعد اتمام الهروب من سجن السلمان الذي كان يجري الاعداد له، لكن المؤكد في هذه القضية وهذا ما ذكره الرفيق حامد ايوب العاني في حديثي معه في 22-05-2011 انهم في نقرة السلمان كانوا على علم بالاستعدادات للهروب من سجن الحلة، وعند تحويل  حامد ايوب للعلاج في مدينة الديوانية، كلف من قبل  كاظم فرهود الذي كان يشغل موقعا حزبيا اعلى، اضافة لكون التنظيم الحزبي في سجن الحلة كان مرتبطا بنتظيم سجن السلمان، بكتابة رسالة الى حسين سلطان يطلب فيها تاجيل اي محاوالة للهروب من سجن الحلة الى ما بعد اتمام الهروب من سجن نقرة السلمان لما  له من اهمية ونوعية الكادر الذي كان من المفروض تهريبه في العملية، اضافة لتاثيرها المعنوي على السلطة الحاكمة وخوفا من تفتح عيون السلطة وتشديد سلطاتها ورقابتها على السجناء في حالة انكشاف او نجاح عملية الهروب من سجن الحلة. وقد استطاع الرفيق الكتور حامد ايوب العاني ارسال هذه الرسالة وبنجاح الى سجن الحلة.
 
هذه المعلومة التي يشير اليها الكاتب والتي لم تكن معروفة له سابقا وقد حصل عليها في سنوات متاخرة من الدكتور حامد ايوب العاني في 1999، اضافة لذلك، ما حدثني الرفيق حامد ايوب العاني  بتفاصيل محاولة عملية هروب السلمان وتاكيده هذه المعلومة، متمنيا ان تحتوي مذكرات الدكتور حامد ايوب التفاصيل الادق حول هذا الامر. هذه المعلومة يتعامل الكاتب معها بامانة كما في تعامله مع تفاصيل عديدة ومتنوعة للحدث، ربما تكشف عن عمق المرارة التي كان المسؤول الاول في السجن يمر بها.
 
ان عملية الهروب كانت فعالية موحدة وبشكل ناجح لطاقات وشخصيات متنوعة وحتى متناقضة الى حد غير قليل، استطاعت الادارة السليمة والصادقة  لهذا الاختلاف والصراع ان تنتج عملا مثمرا ومبدعا.  من هذا  الجانب تتلاليء  اضواء شخصية اخرى في القيادة السجنية هي شخصية نصيف الحجاج ( اخو الشهيد البطل فصيل الحجاج الذي تم تصفيتة في مسلخ قصر النهاية بعد انقلاب شباط الاسود 1963) والتي كان يمثل القيادية الفعلية للتنظيم السجني في سجن الحلة. هذه الشخصية القيادية بكل بمواصفاتها ا ( التنظيمية، السياسية، الاخلاقية ) كانت تمثل بيضة القبان في ظل هذه الاجواء المتعارضة. شخصية قادرة ان تكون قاسما مشتركا لكي تخرج كل هذه التعارضات بوجهات نظر وقرارات محددة وموحدة. هذه الشخصية الشفافة في طريقة تفكيرها ونزاهتها في التعامل مع الاراء بموضوعية واستقلالية وبروح ثورية صادقة، شخصية قادرة على اشاعة اجواء العمل المشترك والثقة المتبادلة، التي يتجسد دورها ليس في المساهمة الفعالة في عملية الهروب فقط وانما تبرز هيبتها واقدامها وادراكها لدورها ومسؤوليتها ايضا في رفضه الهروب بعد ان اصبح كل شئ جاهزا، والاصرارعلى البقاء في السجن لما يتوقع من هجوم من قبل السلطة على السجناء والتي تتطلب ضرورة تواجده على راس المنظمة السجنية لمواجهة شراسة السلطة المهزومة. انه بطل من زمان اخر يعي وبصدق اهمية دوره ومسؤوليته.
 
لم تحل صعوبة وتواصل الاسئلة اليومية من عزم هؤلاء الثوريين من تحقيق حلمهم في الهروب، هذه الاسئلة الممتدة من اتخاذ القرار وتحديد الحفر من خارج السجن ام داخله، تحديد موقع الحفر من المطبخ ام من الصيدلية، وقوع حرب مفاجئة واحتمال نقل السجناء، تحديد طول النفق وفي اي مكان ستكون فتحة الخروج، التصرف بالكميات الكبيرة من التراب المحفور، عيون رقباء السجن من الداخل، صيانة هذه الامور عن انظار نحو 550 سجين سياسي، اجراءات السجن المتشددة وحملات التفتيش المفاجئة، عملية الانشقاق واثارها السلبية ،التي كان يمكن ان تكون مدمرة على عملية الهروب، تفاصيل ما بعد الخروج من النفق وغيرها من الاسئلة المركبة وفي ظروف قاهرة، يستعرضها الكتاب ولكن مقابل هذه الاسئلة وغيرها المصاعب والمفاجئات التي يشير اليها الكاتب، كان هناك ذلك العقل الثوري المفتوح على كل الاسئلة والنقاشات اضافة للاصرار الشيوعي الصادق  على بلوغ هذا الهدف النبيل وهنا يعرض الكاتب شخصيات متالقة في مجموعة التخطيط والانسجام بين مظفر النواب وحافظ رسن وجاسم مطير ونصيف الحجاج اضافة لمجموعة التنفيذ فاضل عباس وحسين ياسين و عقيل الجنابي وحميد غني (جدو)، اضافة لدور ممثلي السجناء وبطولاتهم ودورهم (شاطئ عودة ولاحقا النقيب جبار خضير- اخو الشهيد ستار خضير) وغيرها من الشخصيات الاخرى التي هي تقع في اللوحة الخلفية للحدث، لكن كل منهم هو خالق بشكل او اخر لهذا الحدث ولهذه البطولة، مثل اخت حافظ رسن، سميرة محمود ( اخت الشهيد شاكر محمود وزوجة الكاتب، وام جاسم المطير، عبدالامير الصادق الذي من بين ترجماته خرجت الفكرة لتطوع تجربة الهروب البرازيلية في اجواء عراقية، رضا المنتظر – الراسمالي العراقي الذي يربط حياته ومصيره بالحزب الشيوعي) وغيرها من الشخصيات.
 
يبدو ان اي مغامرة لا يحالفها النجاح الا اذا كانت تمتلك حظاً او بعض الحظوظ الطبية، وهذا ما لايخفيه الكاتب ومما كان يسهل امر هذه الحظوظ هو غباء السلطة وترهل اجهزتها السجنية، فالسلطة المتجبرة مثلا( تمنع دخول كتاب سارتر لانه من اصدقاء الشيوعيين الفرنسيين بينما يمنع دخول كتاب ديكارت لمجهولية انتمائه السياسي) وغيرها من المفارقات العديدة، اضافة لذلك طيبة وبساطة ونبل  شرائح واسعة من ابناء شعبنا العراقي وتعاطفها مع مناضليه ورفضهم السلطة الجائرة . هذا الامر الذي ينعكس في احداث عديدة بما فيها بعض السجانين. شعب ضم مناضليه بين اجنحته وافتخر بهم قبل ان تعبث بهم فاشية البعث وحروبه وشعاراته القومية الزائفة. في الكتاب تجد العديد من الاسماء التي ينحني الكاتب امامها اجلالا وعرفانا لبطولتها وشهامتها.
 
لم يتحدث الكاتب عن تفاصيل الحفر فكما يذكر انه لم يكن مشاركا في هذا الجانب والذي هو بحاجة لاتمامه من قبل مجموعة الحفر والتنفيذ او بالاحرى ما تبقى منها( الملازم فاضل عباس، عقيل حبش الجنابي، حسين ياسين، كمال كمالة ملكي، حميد غني جعفر الملقب جدو) لمعرفة تفاصيلها اليومية وبكل مشاقها ومفارقاتها التي اشار الكاتب للبعض منها( مثل اكتشاف قطة في النفق ووصل نهاية الحفر الى المساحة الفاصلة بين سوري السجن الداخلي والخارجي) والتي تبدو فيها اليوم كانها لعبة سينمائية ولكن في وقتها كانت كارثة تتطلب سرعة التفكير وضبط الانفعالات والعمل المشترك لحل هذه المصاعب غير المتوقعة.
 
ان كتاب ( الهروب من نفق مضئ ) 208 صفحة من الحجم الكبير الذي قامت بطباعته دار الرواد المزدهرة، يؤرخ ليس فقط لتلك البطولة المشرفة وانما يعكس دراما حقيقية لاحداث ظل قسم كبير مجهولا لحد الان، وربما دراما ذلك الحدث لا ينعكس في تفاصيله وانما كذلك في المصائر اللاحقة لمن شارك في صناعة هذا الحدث التي اشارت مقدمة الدكتور كاظم حبيب للكتاب الى جزء منها.
 
ان من جيل من  السياسيين والشيوعيين، يقرأ هذا الكتاب،  وفي روحه واعماقه تلك الروح الثورية الخلابة وفي ذاكرته لوحة ابطال من سبقوهم في النضال ومنها ملحمة الهروب من سجن الحلة دون وجود لتلك التفاصيل التي لم يتشبع بها بسب ظروف سياسية معينة، فجيلي كان من واصل رفع راية النضال والشيوعية بعد ان تسلمها من جيل مناضلي الخمسنيات وبداية الستينيات، ولذلك وجدت نفسي متعاطفا مع ذلك الاصرار ومع تلك البطولة ومع ذلك التحدي ومع ذلك النجاح ومع تلك الخيبة واخيرا لا يسعني الا ان انحني اجلالا لكل اولئك اللذين عرفناهم او الذين لم نعرفهم، اولئك اللذين تركوا لنا تاريخ نفتخر ونعتز به.
......………………………………………………………………………………
 
•       المداخلة القيت في الامسية التي اقامتها منظمة الحزب الشيوعي العراقي في هولندا في 10-6-2011. بمناسبة توقيع الكاتب جاسم المطير لكاتبه ( الهروب من نفق مضئ) الصادر من دار الرواد الزدهرة.
 
1-   الشهيد صفاء العاقولي. شيوعي عراقي من البصرة كان طالبا في الصف المنتهي كلية الادارة والاقتصاد في جامعة البصرة. كان صفاء رساما ً موهوباً بشكل فطري لو قدر له الحياة لابداع في هذا المجال.
كنا نحن اعضاء اتحاد الطلبة في الجمهورية العراقية في البصرة وبالذات في الاعدادية المركزية او اعدادية العشار نسعد بالفوز اثناء المسابقات باحد الكارتات التي كان يتميز برسمها اما صفاء او عبدالحسين الموسوي- المقيم حاليا في السويد-. كان صفاء وسيم الطلعة، خمري اللون، اخضر العنين، ذو ابتسامة جميلة وذو طبع حنين وربطتني به علاقة جميلة بسب انتقاله لاحقا الى منطقتنا وهو اخو الصحفي اسعد العاقولي احد الهارب من سجن الحلة. كان صفاء في تلك السنوات الشبابية ومازال بذكراه  يلون احلامنا واغانينا وحماسنا الثوري المتقد من اجل يوم مشرق لهذا الشعب ولهذا الوطن المنكوب. بقيت أتساءل مع نفسي عن مصيره منذ الهجمة على الشيوعيين في البصرة في 1978، وطوال هذه السنوات ظل السؤال معلقا في ذهني إلى  ان وجدت اسمه واسم اخيه بين قوائم الشيوعيين التي نشرت بعد سقوط النظام  الذين اعدموا في الثمانينات من القرن الماضي. مر العمر وبقيت صورة صفاء وصور عشرات الشهداء من الرفاق والاصدقاء اللذين عرفتهم في تلك السنوات، محتفظة بشبابها وعيونها الباسمة  واغانيها المجللة وحماسها المتقد، عاصية ان ياخذ الزمن او العمر شيئا منها،  لصفاء واخيه وامهما المنكوبة التي لم يحل عزيمتها بشاعة البعث الساقط والتي واصلت تغذية احفادها بحب الوطن والشعب والشيوعية، وهذا ما عكسته في رسالة في طريق الشعب احدى حفيداتها، لامهات الشيوعيين وكل المناضلين من اجل كرامة وسعادة هذا الوطن اللذين اهداهم الكاتب هذا الكتاب.
 
2- انصفوا سجن نقرة السلمان، ورجاله البواسل – عبدالقادر أحمد العيداني- موقع الناس- 16-05-2011.
 3- احاديث ومعلومات عن طريق ر. الدكتور حامد ايوب العاني.
 
 
 


42
شمعة من اجل ضحايا الانفال


                                                                                                     د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

شهدت مدينة دلفت في هولندا احتفالا جميلا لاحياء ذكرى ضحايا عمليات الانفال المجرمة، وتشهد هولندا لاول مرة احتفالا بهذه المناسبة تميز بسعة المنظمات المشاركة فيه، والسعة النسبية للحضور، اضافة للاعداد والبرنامج الواسع وغيرها من الجوانب الطيبة التي يشكر القائمون عليه. لقد قيل الكثير في التابين وادمى الفلم الذي عرض قلوب الحاضرين، الا الاحتفال افتقد التاكد على اهمية الدروس المستخلصة من عمليات الانفال، خاصة نحن كشعب، اضافة للكثير من تيارات الحركة السياسية العراقية، لم يدرك لحد الان كما اعتقد  حجم وعمق مأساتة والجحيم الذي مر به. انه من المؤسف والمخجل ومنذ رحيل النظام الساقط ولحد الان، اريق من دم  الشعب العراقي ما يفوق ضحايا وشهداء الانفال بكثير، وفي نظام كان من   المفترض ان يكون بديلا للنظام الديكتاتوري السابق. خاصة اذا اضفنا اليها ضحايا الاقتتال العبثي بين قوى الحزبين المتنفذين في كرستان العراق في تسعنيات القرن الماضي.

تشكل الانفال قمة الجرائم التي ارتكبها النظام بحق الاكراد، وهي مواصلة وتعميق لسياستية الشوفنية القومية التي مارسها النظام ضد القوميات الاخرى وبالذات الاكراد، وقد سبقها بجريمة اخر لا تقل بشاعة عنها وهي جريمة تهجير الاكراد الفيلية. كان ذلك وسيبقى مازق فكري وسياسي واخلاقي ووصمة عار للحركة القومية العربية ولمشروعها، وبالذات جناحها الاشد رجعية وفاشية المتمثل بالبعث العراقي، في فرض وسيادة لون واحد في الحياة في بلد متعدد الاعراق والاديان والمذاهب والاتجاهات السياسية. احد مأزق هذه السياسة هو اخضاع مبدأ المواطنة لاسقاطات ايدلوجية وسياسية بحث لا يتسع الوطن الا ما يتطابق مع تصور الفئة الحاكمة. وبدل  ان يكون العراق للعراقين اخذ يتحول العراق للاغلبية اي للعراب ثم قام النظام باختصاره للبعثين تحت شعارات عديدة تربط ما بين البعث والمواطنة وبعد ذلك جرى اختزال الوطن للعرب من فئة معنية، وبالذات سكان مناطق محددة ثم اختصره للتكارتة وهكذا كانت المواطنة تقلم بما يتناسب مع نهج وسياسية النظام، ومع كل اختصار( سياسي، قومي، ديني، مذهبي ) في  مبدا المواطنة وعبر الازمات التي كان يمر بها النظام، تم في النهاية افرغها من اي محتوى حقيقي، الى ان اصبحت مواطنة الدرجة الاولى محصورة براس النظام والفئات الاشد التصاقا به.
لم يستخدم النظام في عمليات الانفال قدراته العسكرية فقط وانما استخدم كل ما يساعده في الحاق اكبر الخسائر بسكان المناطق التي شملتها عمليات الانفال من الموروث الديني والسياسي والعسكري وغيرها وجرى تصوير جرائمه باعتبارها موجه لقوى خانت الوطن وان عملياته هي جزء من حربة ( المقدسة ) ضد ايران. وانطلت  هذه اللعبة على فئات واسعة من الشعب العراقي التي لم تعى حجم  وعمق جرائم عمليات الانفال.
المؤسف والمخجل ان تسعى القوى المنتفذة  بعد سقوط النظام الى اعادة انتاج معظم اساليب ونهج النظام السابق في ادارتها  للبلد سواء في ممارستها اليومية او في نهجها السياسي او بالاحرى بعموم منهج ادارتها للبلد، واضعة  في صلب نهج سياستها تقزيم مبدا المواطنة على اساس قومية ودينية ومذهبية وحتى مناطقية، باعتمادها نهج المحاصصة الحزبية والطائفية، ناسفة بذلك كل ادعائتها السابقة حول المواطنة وسياسية النظام السابق حولها. والاسوء من ذلك فانة بالرغم من ادعاءات اطراف عديدة بفشل هذا النهج والاثار المدمرة له على كل المستويات، الا ان القوى المتنفذة تسعى ومن خلال  ممارستها اليومية ليس للتشبث بهذا النهج المدمر وانا تسعى بكل قوة لترسيخه.  وتسعى القوى المتنفذة في الحكومة  عبر التشديد على مظاهر الحياة المدنية واشاعة التجهيل والتخلف والتستر على عمليات الفساد واستخدام المليشات وغيرها من الاساليب، تسعى لفرض نوع واحد من طريقة التفكير والحياة بما يتلائم وطريقة تفكيرها ونهجها.

لقد بدات عمليات الانفال وقتها بالهجوم على مقرات الاتحاد الوطني الكرستاني، وفي الذكراة تبقى الافتتاحية التي كتبتها طريق الشعب  انذاك في تقيمها لما حدث وبروح المسؤولية العالية. حين بدأ الهجموم على مقرات الاتحاد الوطني، تصورت كل القوى الكردستانية اضافة للحزب الشيوعي ان المستهدف الاساسي فيها هو الاتحاد الوطني الذي سبق ان فشلت مفاوضاتة مع السلطة اضافة لمسلسل الاقتتال الذي سبق ان خاضة الاتحاد الوطني مع كل القوى الكردستانية بما فيهم الشيوعين في السنوات السابقة وجريمته المخزية في بشتاشان. هذا الصراع الذي شكل نزيفا داخليا لكل القوى المتوجدة حينها في كردستان. طبعا هذالامر اضعف من يقظة واستعدادات قوات البشمركة للتصدي للعمليات الانفال او بما يمكن من التقليل من خسائرها، الا ان قوات البشمركة والانصار اكتشفت لاحقا ان الكل مستهدف في هذه العملية بما فيها السكان المدنين.
هل تدرك القوى الكردستانية، اضافة للقوى الاخرى في الوقت الحالي مخاطر مظاهر التضيق على الديقراطية الناشئة في البلاد، واستهداف مظاهر الحياة المدنية والتضيق على القوى الديمقراطية وتزوير الانتخابات والتستر على الفاسد وهشاشة المشروع الوطني وغيرها مما يعصف بالعملية السياسية المشوه اصلا.

 في الاخير لابد من الاشارة الى ان كل الاحزاب المعارضة للنظام السابق وبكل الوانها سبق ان رفعت شعارات ودعوات لمحاسبة مجرمي الانفال. وهذا مطلب ليس سياسيا وقانونيا فقط وانما هو مطلب اخلاقي ايضا. ومن الضروري ان لا يجري تسيس هذا المطلب من القوى المتصارعة اليوم على الساحة الكردستانية، ان مطلب المحاكمة العادلة والتحقيق بمن ساهم او يشتبه به في المشاركة بعمليات الانفال، من قبل هيئات قضائية مستقلة هو حق مشروع ومقدس  ليس فقط لضحايا عمليات الانفال وعوائلهم وانما حق لكل عراقي شريف لا يريد تكرار هذه المأساة او غيرها من المأسي التي مرت على العراقين. فضح هولاء المجرمون لا يتم من خلال الاشارات العامة والفضفاضة وانما من خلال تحديدهم والحث في البحث عنهم واتخاذ الاجراءات الملموسة ضدهم، وبدون اي مساومة على دماء وصرخات الضحايا. اجتمع الحاضرون ليس فقط من اجل الادانة لعمليات الانفال والتضامن مع ضحاياها وعوائلهم وانما من اجل ان لا تتكرار هذه المأساة وما شابهها ثانية، ولن يكون ذلك الا من خلال استخلاص بعض دروس المرارة السابقة والتي سعيت للاشارة للبعض منها.

                                                                                                                                                                                                   

43
الذكرى العاشرة لتاسيس اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا

                                                                                               د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

تمر هذه الايام الذكرى العاشرة لتاسيس اتحاد الجمعيات الديمقراطية العراقية في هولندا. واتحاد الجمعيات هو ظاهرة حية وجميلة في حياة الاوساط الديمقراطية العراقية، وهو نتاج جهود وارادات  طيبة ومخلصة في ان يكون للمنظمات الديقراطية العراقية اطار ينسق عملها ويفعل نشاطها داخل اوساط الجالية العراقية وامام الجهات والمؤوسسات الهولندية.
ويضم اتحاد الجمعيات 22 منظمة ومؤوسسة عراقية تغطي بنشاطها المتنوع مناطق عديدة في هولندا ويشغل الاتحاد والمنظمات المنضوية في اطاره مساحة واسعة في نشاطات الجالية العراقية في هولندا، الى الحد الذي القول ان نشاطه ونشاط منظماته تتحتل المكانة الاولى في نشاطات الجالية العراقية في هولندا، ويشمل نشاطه قطاعات واسعة من الجالية تعتمد اساسا مبدا المواطنة العراقية بعيد عن كل اشكال التميز السياسي او العرقي او الديني او الطائفي. ويعتمد نشاط الاتحاد الشفافية في عمله وعلاقاته الداخلية فهو في الوقت الذي يضم هذا العدد الواسع نسبيا من المنظمات العراقية الديمقراطية، فانه يضمن لها من الاستقلالية والحرية  الكاملة في نشاطاتها الداخلية وفي علاقاتها مع الجالية العراقية والاوساط الهولندية ومن جانب اخر يعكس نشاطه ماهو عام ومشترك في مواقف هذه المنظمات سواء على مستوى الجالية كالاحتفالات بالمناسبات الوطنية الاجتماعية والسياسية  العراقية العامة او الهولندية التي تمس حياة الجالية العراقية. وكان الاتحاد خلال هذه الفترة الصوت الحقيقي للاوساط الديمقراطية سواء في فترة التي سبقت سقوط النظام الديكتاتوري السابق او في الفترة التي اعقبت هذا السقوط.
وفي هذة الذكرى والتي يمكن فيها الحديث الواسع عن الجهود الخيرة في بناء وتعزيز وتطوير عمل الاتحاد او نشاطاته العديدة ،  الا انه يمكن التاشير للنشاطات البارزة في النشاطات المعادية للحرب والديكتاتورية في 2003 والمشاركة الفعالة في البلاتفورم الهولندي المعادي للحرب والديكتاتورية والمشاركة الفعالة في تلك النشاطات وخاصة المظاهرة المعادية للحرب والنتائج التي كان سيترتب عليها وهي اكبر مظاهرة تشهدها أمستردام منذ ثمانينات القرن الماضي. اضافةل لندوات واحتفالات الاتحاد بالذكرى السنوية لثورة تموز 1958 الخالدة والمناسبات الاجتماعية  الاخرى والفعاليات التي ترافق الانتخابات الهولندية من خلال التعريف بسياسية الاحزاب الهولندية اضافة للانتخابات العراقية واستضافة مجمل اطياف السياسية العراقية للتعريف ببرامجها الانتخابية،ودور الاتحاد في تبني قضايا اللاجئين العراقين في هولندا والمبادرات لدعم شعبنا في داخل الوطن من خلال المساعدات العينة والسياسية وكان اخرها الاجتماع الموسع لقوى عديدة من داخل الاتحاد وخارجها لدعم النضال والتصدي للقوى الظلامية في هجومها على الحياة المدنية في العراق والتصاعد في الممارسات الساعية للحد وتشويه الديقراطية الناشئة في العراق. وتبقى مبادرة الاتحاد المتميزة في التعريف بتاريخ العراق وحضارات وادي الرافدين القديمة من خلال تبني سلسلة محاضرات رائعة ولمدة سنتين للدكتور خزعل الماجدي والتي ينشد فيها الحاضرين لساعات طويلة بانتباه واستمتاع عالي لمحتوى وطريقة عرض المحاضرة.
وخلال الايام القادمة يتوجة الاتحاد لعقد مؤتمره السادس والذي هو بحاجة الى كل الجهود الطيبة والخيرة لتعزيز وتطوير عملة واغناه باعتباره هو مشروع يمتلك افاق رحبة للتطور. ومساهمة في هذا الجانب اود الاشارة لبعض الجوانب او التاكيد عليها:
_ السعي لتحويل الجلسة الافتتاحية للموتمر وربما القادم الى جلسة احتفالية يتم فيها دعوة اوساط عديدة من  الطيف العراقي والهولندي.
- البحث المستمر لتطوير النظام الداخلي لعمل الاتحاد وتطوير شفافية العمل بين الاتحاد والمنظمات المنضوية في اطاره ودراسة ما يستجد في هذا المجال.
- توسيع عضوية الاتحاد من خلال التوجه الى المنظمات التي تتبنى منهج الاتحاد الديمقراطي والعلماني من خلال وضع خطة واضحة في هذا المجال.
- الاهتمام الاوسع بنشر نشاطات وفعاليات الاتحاد من خلال تفعيل صفحته الالكترونية او من خلال النشرات عن طريق البريد الالكتروني التي تلخص نشاطته واجتماعات هيئته القيادة والقرارات المتخذة واساليب تحقيقها وملخص نشاطات  منظماته.
- السعي لتنشيط او اقامة لجنة تنسيق مع البلاتفورمات العراقية الاخرى المتواجدة على الساحة الهولندية.
- توسيع تمثيل وحضور ممثلي المنظمات الى المؤتمر بحيث لا يقل عن ثلاثة اعضاء لكل منظمة، اضافة للتوجه لدعوات شخصيات ونشاطين في الوسط الديمقراطي خارج اطار هذه المنظمات، او من يمكن ان يساهم في اغناء وتطوير عمل الاتحاد.
- البحث عن امكانيات تشكيل منظمات ذات توجهات وطنية وديمقراطية في المدن الهولندية التي تتواجد فيها جاليات عراقية باعداد كبيرة وخاصة مدن مثل امستردام واوترخت وغيرها من المدن الاخرى وتبني مشروع معين في االمجال، اضافة لبحث امكانية دعم وتعزيز المنظمات التي تراجع عملها ونشاطها في السنوات الاخيرة.
- السعي لتعزيز مالية الاتحاد.
- واخيرها السعي لاتخاذ قرار داخل الموتمر لاهمية المشاركة الفاعلة في التوجه لتشكيل لجنة للتيار الديمقراطي العراقي في هولندا، مع العلم ان اتحاد الجعيات العراقية كان هو الواجهة الاسياسية لصوت هذه القوى في السنوات السابقة.
تمر الذكرى العاشرة لتاسيس اتحاد الجمعيات الديقراطية العراقية في هولندا ولابد من استذكار وتثمين الجهود الطيبة التي ساهمت في هذا البنيان المشرف منها الدكتور حسين عبدعلي، فصيل نصير، الفنانة التشكلية عفيفة لعيبي ( رئيسة الاتحاد حاليا ولدورتين متتالية)، مي البتي، راجح الحيدر، اراز عباس، سناء الكرعاوي، بشرى الحكيم، انتفاضة مريوش، مهند بدر، جبار السعودي، صائب خليل وغيرها من الجهود الطيبة الاخرى.

44


خراب الدعوة ام خراب البصرة

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

البصرة المنكوبة بسياسية النظام الساقط لم تجد من القادمين الجدد من يداوي جراحها شعبا وارضا،  فمازالت مثال خرابها مظهرا لخراب العراق كله. يجد البصاروة  انفسهم ومدينتهم في خضم المنطحات السياسية، فعلى سطح المناورات السياسية والبحث عن تعزيز مراكز القوى ومن اجل التاثير الاقوى على حاضر ومستقبل العراق تطفو على السطح خلال الاشهر الاخيرة مشروع فدرالية البصرة. هذا المشروع الذي لا يتعارض مع نصوص الدستور بل على العكس هناك ماهو داعم له من نصوص في الدستور، ولكن ما يثير التساؤل توقيت طرحه وهل سيصب في الوقت الراهن في مستقيل المدينة واهلها ومستقبل العراق ( الديقراطي الفدرالي الموحد)، وهل ان القوى الداعمة لهذا المشروع تكتسب مصداقيتها في الواقع العملي بما اانجزته للمدينة وهل يعكس رغبة حقيقة من البصاروة في هذا التوجه وهل يعبر ذلك عن وجهة نظر القوى السياسية المتواجدة في المدنية وهل سيخلق ذلك قاعدة مشتركة للعمل من اجل تطوير العمل بين هذه القوى ومن اجل تطويرالبصرة المنكوبة، وهل يجري ذلك في ضوء خطة واضحة ومدروسة بكفاءة عالية ام انها مطالب سياسية واقتصادية لجهات تحاول تعزيز مواقع قواها في الصراع القادم داخل المدينة وفي العراق كله.  هذه  وغيرها من الاسئلة المفتوحة بحاجة الى اجات واضحة.
يرفع حزب الدعوة هذا الراية، باعتباره القوى المتنفذة في المدينة وبعد ان سيطر وحصل على الاغلبية في مجلس المحافظة عبر قانون انتخابات جائر ضمن للفائز الاقوى ان يزحف ويبتلع اصوات القوى التي لم تستطيع العبور الى مجلس المدينة والتي استطاع حزب المالكي من خلال ابتلاعه هذه الاصوات ان يضاعف اعضائه في مجاس المدينة ( لعبة القمار - فوق السبعة تحت السبعة)، ولم تكن فدرالية البصرة ضمن الشعارات التي خاض حزب الدعوة الانتخابات من اجلها بل على العكس، فان الدعوة في المركز وفي المدينة وقف بالضد من الدعوة المعروفة من السيد وائل القاضي المحافظ السابق للبصرة وعضو مجلس النواب السابق عن العراقية ثم المستقل والنائب الحالي لمجلس النواب عن دولة القانون. وعبئ كل قواه وباشكال عديدة تحدث عنها القاضي في وقتها بما فيها استخدام اسم المرجعية في النجف ويمكن الرجوع الى احاديثه ولقائته المنشورة في هذا المجال. وحتى بعد سيطرة الدعوة على مجلس المدينة ومركز المحافظ لم يكن هذا الامر من اوليات القوى المنتفذة الجديدة.
طرح مشروع فدرالية البصرة بالترافق مع اعلان نتائج الانتخابات الاخيرة وعدم استطاعة المالكي وقائمته بالحصول على اعلى الاصوات بحيث يستطيع ان يشكل حكومة يستطيع حزبه ان يتحكم فيها وعلى غرار ماحصل في انتخابات مجالس المحافظات وتشكيل الحكومات المحلية، وطبعا عبر عن هذه الوجه قيادي الدعوة سواء في الداخل او الخارج وكان الحديث عن حكومة مركزية قوية يقودها المالكي مدعومة باغلبية برلمانية مرتبطة بقائمته، باعتباره الحل الشافي لنظام المحاصصة والتوافق وبما يمكن ان اعادة اعمار الوطن وتطوير العملية السياسية فية. وارتبط اعلان فدرالية البصرة ايضا بالفشل الذريع في تحقيق اي انجاز يذكر في مدينة البصرة على كل المستويات وليس اكثر من شهادة على ذلك هو سعة وحدة المظاهرة التي شهدتها البصرة حول قضية الكهرباء وكذلك حدة الرد والتستر على المجرمين الذين تسببوا باستشهاد وجرح عدد من المتظاهرين وارتباط كل ذلك باشتداد مظاهر الفساد في ادارة المدينة وارتباط اسماء كبار الحتان الجديدة وسارقي المال العام وغيرهم من حثالات النظام الجديد بعلاقات مع احزاب الاسلام السياسي في البصرة وفي كل العراق ومنها حزب الدعوة.
ان كل ذلك يرتبط ببرغماتية شديدة يمارسها الدعوة باعتبارة القوى النافذة في تشكيل اغلب الحكومات المحلية ومنها البصرة، هذه البراغماتية التي تتحكم فيها بوصلة البقاء على راس السلطة. ومن الصعب لاي متابع ان يراقب مجرى التغيرات في طريقة تفكير الدعوة، وحتى الان لم نقرا اي وثائق صدرت من مؤتمراته او اجتماعات قيادته تعكس اي تغيرات في برنامج الدعوة وبالذات اسلمة المجتمع والدولة، هذا المشروع الذي لن يجد اي حياة في المجتمع العراقي بل على العكس يتناقض مع منطق الحياة والتطور وبناء الديقراطية وغيرها من المثل الانسانية، واهم حلقة في اسلمة المجتمع والدولة هو السلطة، كل ما نسمع اليوم هو طروحات سياسية وشعارات مترتبطة اساسا بقضية الصراع على النفوذ ومراكز القوى والسلطة. لكن الواقع العملي يعكس بان الدعوة شانه شان الاحزاب الاسلامية الاخرى لم يتخلى او يتراجع عن سياسية اسلمة المجتمع والدولة بل على العكس يسعى لتحويل الدولة كاحد المراكز الاساسية لسيادة نفوذ حزب الدعوة فيها. والا كيف يسعى حزب الدعوة وغيرهم من احزاب الاسلام السياسي لاقامة رفاهية البصاورة وكل العراقين وهو يواصل الهجوم على مظاهر الحياة المدنية في البصرة وغيرها من المحافظات والمفارقة في هذا الجانب ان الكثير من قيادة الدعوة عاشوا دهرا تحت راية الدول العلمانية في اوربا الغربية وغيرها من الدول العلمانية ولحد الان تعيش عوائلهم تحت راية العلمانية ويستمتعون بكل فضائل العلمانية ولكن يريدون للعراقين الدولة الاسلامية. ان اسلمة المجتمع والدولة هي الوجه الاخر لسياسية تبعيث المجتمع والدولة التي اتبعها النظام الساقط والتي اذاقت شعبنا الذل والرعب و لم تكن في حقيقة امرها سوى الطريق لقيام نظام القتلة البشع الذي ادخل الموت والخراب لبيوت العراقين.كذلك لم يتخلى الدعوة ويظهر انه لن يتخلى بتركيبته الحالية عن نظام المحاصصة الكريه، بل على العكس اصبح اكثر رواده وحامل رايته المخزية مادام يوئمن له اكبر مراكز النفوذ والقوى.
ان فيدرالية البصرة حق مشروع ولكن طرحه في الوقت الحالي لا يرتبط بمصالح البصاورة ولا بمصالح العراقين. هذه الدعوة ترتبط بطبيعة الصراع على مركز القوى وجعل البصرة ومستقبلا الناصرية والعمارة باعتبارها اغنى مناطق العراق، مركز قوى لبعض القوى المتنفذة من اجل احكام الطوق عليها والتحكم بمستقل البلد لاحقا. من يريد للبصرة ولغيرها من المناطق فليثبت مصداقيتة على ارض الواقع وليحقق شئ قليلا تعتد به الناس، ثم يبحث عن افاق جديدة لتطوير البصرة وكل العراق.
اخيرا همسة في اذان القوى الديقراطية فحين اعلن السيد وائل القاضي مشروعه حول الفدرالية، اوضحت القوى الديقراطية في البصرة موقفها بشكل واضح وعلني وجرى نشره بشكل واسع، ولكن ما يثير الغرابة الان انه لم نسمع لا حس ولا خبر كما يقال.


45
مشاركة الشيوعي العراقي في الانتخابات – خطوة للامام ام خطوة للوراء-

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

مشاركة الحزب الشيوعي العراقي اثارت وستثير الكثير من الجدل بين اوساطه ومحيطه وهي عملية سليمة ، سواء بتدقيق او تعزيز مواقف الحزب او حتى بتخطئتها، وهي ممارسة تستحق التقدير خاصة فيما لو ارتبطت باستناجات واقعية وعملية وارادة جادة تخدم تطوير اداء الحزب في مختلف المجالات. موقف المشاركة او المقاطعة له اصداء مختلفة بين اوساط الشيوعين وانصارهم. هذا الامر بتقديري يتطلب النقاش الجاد والواسع من اجل تحديد قناعات مشتركة ليس حول هذا الموقف فقط  وانما ايضا  لتلمس مواقف عملية صائبة تزكيها الحياة اليومية خلال الساسية اللاحقة للشيوعي العراقي. ومن اجل الوصول الى قناعات معينة وربما مشتركة، لابد ان اشير لبعض النقاط والتي بتقديري لا يختلف الكثير منا فيها سواء كان مع المشاركة او المقاطعة او ريما ان يكون هناك موقف اخر يتخطى حدود الاسود والابيض.

* من الضروري ان يعكس موقف الحزب مهما كان نوعه، سياسته وارادته المستقلة وعزمه على تعزيز موقعه بين الجماهير وان يفتح او ان يساهم في فتح افاق جديدة لتطوير نشاطة اللاحق.
*كما ان هناك جدل للمشاركة، فانه كذلك هناك جدل للمقاطعة، ولنترك جانبا تغطية هذا الامر بلحاف الماركسية، فقد سبق ان كلفنا هذا الامر الكثير. فالعديد منا يستطيع ان يجد له المبررات النظرية والتاريخية بما يساعده على عرض موقفه بشكل ايجابي خاصة اذا اقصيت تلك الاطروحات عن سياقها التاريخي ، ولا يعدو الامر هنا سوى افتراضات ستكون الحياة جدير بتزكيتها او بتخطئتها. كما ان المشاركة او المقاطعة هي ليس مطلقة واما ترتبط بظرفها التاريخي وبما ستعززه الحياة من تطور لاحقا.
*  اي موقف للحزب كان، فان ذلك لن ذلك لن يحول الحزب الى قوة جماهيرية وسياسية متنفذة سواء داخل البرلمان او خارجه خلال المرحلة القريبة القادمة، رغم كون ان الشيوعين وما تعززه الكثير من الوقائع هم قوة نشطة وفعالة سياسيا وجماهيريا منها سعي الائتلاف الوطني العراقي وائتلاف دولة القانون وقائمة وزير الداخلية جواد البولوني للتحالف معهم.
*ينظر الشيوعيون الى البرلمان كساحة هامة وفعالة للنضال في الدفاع عن مصالح الشعب العراقي المختلفة ومنبر هام للتعبير عن سياستهم ولف الجماهير وبعض القوى السياسية حولها. الا انه هناك اختلاف في التقدير حول امكانية ان يكون البرلمان الحالي او بالذات القادم بعد صدور القانون الجديد كساحة جادة او هامة لهذا النضال.
* نظام المكونات ( الشيعية- الكردية – السنية) هو مشروع امريكي تطابق مع مصالح القوى المتنقذة سواء قبل رحيل النظام الساقط او بعده، وبسبب هذا النظام المخطط له في العراق ولطبيعة التغيرات الطبقية التي حصلت في تركيبة السلطة وللانقلاب التشريعي الذي جسده القانون الاخير وللعديد من الاسباب المعروفة، لا يتصور احد في ظل الاوضاع السائدة ان يحصل الشيوعين على نسبة مريحة من المقاعد في البرلمان القادم وسيبقون سواء كانوا داخل البرلمان او خارجه ذو تاثير تاثير محدود ان لم يكن ضعيف على سياسات القوى المتنفذة رغم ان هذا الامر لا يشكل نهاية المطاف. اي ان المخطط للعراق خارجيا وداخليا هو اكبر من قدرات الحزب الشيوعي وكل القوى الديقراطية في التصدي له، والقلق هنا يتركز حول السبل لبناء جبهة داخلية للتصدي لهذا المشروع او لاعاقته.
* في حالة فوز القوى المتنفذة وهذا هو ما متوقع، فان ذلك لن يكون سوى تضيق الحبل حول رقبة مشروعها وادائها السياسي القادم ويعمق من ازمتها وفسادها وازدياد الرفض الجماهيري لها اي انهم سيبلعونوه مسموما. اي دور متوقع هنا سيلعبه الشيوعيين وعموم القوي الديقراطية والوطنية الرافضة لهذا المشروع ولهمنية هذه القوى؟
* الحركة القومية الكردية وبحزبيها الاساسين وباعتبارها اكبر تيار بين القوى العلمانية و ( الديقراطية)، خذلت ومن جديد وفي منعطف تاريخي هام التيار الديقراطي وبالذات الشيوعين، بسبب انسحاقهم في المشروع الامريكي وبسبب السياسة الحزبية والقومية الضيقة، متغاضين وبشكل متعمد عن مستقبل ونتائج هذه الساسية على مصالح الشعب الكردي والعراقي مستقبلا.
* الموقف الحالي هو يعكس تصور قيادة الحزب الشيوعي العراقي في اللحظة التاريخية الراهنة وهو مستند الى وقائع والية معينة، والحياة هي كفيلة بتزكية هذا الموقف او تخطئته، وسبق ان واجه الحزب اشكالات كهذه كان ابرزها مشاركته في العملية السياسية ومجلس الحكم بعد رحيل النظام الساقط، وبالتالي هي المسؤولة الاولى عن هذا القرار وتفاصليه سواء بعرضه على المجلس الاستشاري او اي فعالية مركزية اخرى.
 * تطور خطاب الحزب السياسي ومواقفه وبشكل واضح منذ النصف الثاني من السنة المنصرمة وارتباطها بمواقف ونشاطات جماهيرية ملموسة. والكل يامل ان يتحول هذا الامر الى نهج ثابت ومستمر في الساسية اليومية للشيوعين العراقين.
 
ولتقريب الصورة اكثر، فلنضع الاحتمالات على طاولة النقاش. مقاطعة الانتخابات بتقديري كانت تحتمل موقفين لا اكثر. الاول ان يقاطع الحزب الانتخابات ويبقى متفرج على الاحداث بانتظار سقوط تفاحة نيوتين، وهو موقف مائع لا يتناسب مع الشيوعين ولا مع قدراتهم وتاريخهم ولا مع طبيعة برنامحهم او مع طبيعة الاحداث والصراعات الجارية. الثاني هو ان يقاطع ويدعو الى نشاطات بين اوساط الجماهير لتوضيح موقفه وتعرية مشروع القوى المتنفذة وسلوكها. طبعا هذا يتطلب ايضا قدرة الحزب على تميز موقفه عن مواقف القوى المعادية للعملية السياسية والتي يشارك فيها. ويبدوا ان هذا الخيار مقبول لو كانت الاوضاع في العراق شبه طبيعية ولنكن واقعين هل يقدر الحزب بقواه الحالية وتناسب القوى وغيرها من الاسباب المعروفة على خوض هذا الصراع السياسي المكشوف. الشيوعيون العراقيون ومن خلال كل تاريخهم المجيد كانوا اهلا وسيكونون كذلك  لهذا الصراع اذا وجدوا ان لابد منه. لكن اما من حق الشيوعين  بل من واجبهم توفير مستلزمات هذا النضال او الصراع فيما اذا فرضه الواقع او القوى الاخرى عليهم.
اما في جانب المشاركة فيرتسم امامنا احتمالين. الاول هو المشاركة من اجل الحصول على مقاعد البرلمان باي ثمن، وهذا الامر بعيد عن سياسية وتفكير الشيوعين وسبق ات اشرت له في مقالتي ( المجد للموقف المستقل للشيوعي العراقي) المنشورة في عدد من المواقع.
الثاني هو المشاركة على اساس الموقف والبرنامج المستقل لهم. ورغم كل الصعوبات والانتقادات الحادة الموجهه للوضع الشاذ في العراق ولمسبيبه، الاان توجد فرصة لتحرك الشيوعين بين صفوف الجماهير. فالاخبار عن تحرك الشيوعين تجري على ضوء شرح موقفهم من قانون الانتخابات الاخير ومخاطر الانفراد بالعملية السياسية وفي طرح برنامجهم ونشاطهم كبديل لنظام المحاصصة وفي هذا النضال المشرف والنزيه بين صفوف العراقين المنكوبين بالمحن، تشدد سواعد الشيوعين لخوض نضالات قادمة.الشيوعيون الان يعطون الحياة لمواقفم الناقدة لمجمل ما يحيط بالعملية الساسية من خلال نشاطهم اليومي بين الجماهير من احتجاجات الى توزيع الورد الى الخيمة الطبية والعونات وغيرها من النشاطات المشرفة والمجيدة.   
ان عزلة نظام المحاصصة وسقوط احزابه في مستنقع الفساد المستشري وضعف وهشاشة المواقف الوطنية والتصدي لللاهارب والجريمة المنظمة وغيرها من المظاهر المعروفة تزداد يوم بعد اخر بين اوساط الجماهير، رغم انها لا تجري بوتائر متناسقة. والناس بحاجة الى من يكون في وسطها لشد ازرها ويدفعها لتطوير مطاليبها المعاشية والسياسية.   

* المجد للموقف المستقل للشيوعي العراقي
http://www.al-nnas.com/ARTICLE/ARabeah/18icp.htm

46
المجد للموقف المستقل للشيوعي العراقي

                                                                                      د. احمد الشيخ احمد ربيعة

توقعات المراقبون للوضع العراقي كانت تشير بشكل او اخر الى تغيرات ملموسة في تركيبة البرلمان فيما لو جرت انتخابات جديدة وبشكل نزيه نتيجة عقم نظام المحاصصة، لكن اقرار قانون الانتخابات الاخير وما يرافق ذلك من اشكالات جادة يعكس تفنن القوى المتنفذة وتأمرها لاستبعاد اي تغير في تركيبة البرلمان وبالتالي الحكومة القادمة. ويعكس هذا الامر توجه القوى المتنفذة لفرض ديكتاتورية اتجاه سياسي معين وتحت شماعة الانتخابات والديمقراطية وبدعم واضح من المحتلين.
وبدل لجوء البرلمان لخوض نقاش جاد وحيوي للوصول الى قانون انتخابي يسهم في في تشكيل برلماني متوازن يسهم في تعزيز العملية السياسية وما اتفق عليه بين القوى المشاركة فيها، ورغم توفر مقترحات واقعية يمكن ان توفير قاعدة لنقاش مثمر مثل اعتبار العراق دائرة واحدة وغيرها من المقترحات الاخرى، الا ان قوى المحاصصة وبمختلف اشكالها صعدت النقاش وافتعلت اشكالات بما يضمن لها صدور قانون يؤمن استمرار سيادتها مثل الدوائر المتعددة، قضية كركوك، المهجرون، اعتماد احصائيات وزارة التجارة لتحديد تمثيل المحافظات، وكان اخطرها هو ابتلاع وسرقة اصوات القوى التي لم تحقق القاسم الانتخابي المشترك من قبل الفائزين محين بذلك  قاعدة لعبة القمار  ( اللكو) المندثرة.
وفي ظل ذلك لم يكتفي البعض باستخدام اسم المرجعية باعتبار ذلك تمثيل لتوجهاتها وانما لم يخجل البعض من اللجوء الى الترسانة السياسية والفكرية للنظام الساقط مثل القوى القائدة للعملية السياسية والبرلمان وهي الصورة الكالحة لنظام الحزب القائد او التعامل مع حق المهجرين قي الانتخابات على اسس طائفية او سياسية او قومية وليس على اسس المواطنة حتى يبدو ان مقترح النائب عباس البياتي بالمطالبة بعودة هولاء للوطن من اجل التصويت مضحك اكثر من كونه مقرف او تصريح المالكي في احد المؤتمرات العشائرية
( هو يكدر واحد ياخذهه ( يقصد السلطة)، حتى نطيه بعد) ( راجع مقالة السيد محمد عبود على صفحة الحقائق وبنفس الاسم ليوم 17-11 والمقالة توثق المعلومة بالصوت).
ما تخشاه القوى المتنفذة رغم ادعائتها الكاذبة هو المشروع الوطني الديقراطي وتسعى بكل السبل لحصر الصراع بحدوده الطائفية والقومية والدينية متجاهلة وبشكل متعمد مخاطر هذا الامر ويبدو انها تضيق صدرا بهذا المشروع رغم محدودية تمثيله في البرلمان الحالي والذي يمتلك صدى عالي في الشارع العراقي.
الشيوعيون كاحد القوى البارزة الحاملة لهذا المشروع وبعد خسارتهم المريرة في انتخابات مجالس المحافظات الاخيرة كرسوا جهدا يبدو في كثيرا من جوانبه مثمرا للاستفادة من معظم الانتقادات والملاحظات التي اثيرت حول مجمل نشاطهم ويمكن تلمس ذلك بتعزيز الموقف المستقل للحزب الشيوعي. فقد تطور في الاشهر الاخيرة وبشكل ملحوظ الخطاب السياسي وامتيازه بالوضوح والمباشرة والتوازن وروحه النقدية العالية ومقترحاته العملية، كما رفض الوزير الشيوعي في حكومة المالكي ضمن اربعة وزراء اخرين في اجتماع مجلس الوزراء  بالتوقيع على العقد النفطي مع الشركتين البريطانية والصينة لاستثمار حقل الرملية اضافة لرفضه التوقيع على مزانية 2010 لاضرارها  بمصالح شعبنا العراقي.
ورغم ادراك الشيوعيون لاهمية النضال البرلماني الا انهم يرفضون وهم على حق بذلك في الحصول على مقاعد برلمانية على حساب مشروعهم الوطني الديقراطي ويدينون تحويل العمل السياسي والبرلماني طريقا للاثراء وابعد الشيوعيون من صفوفهم من رشح من اعضائهم ضمن القوائم الطائفية في انتخابات  مجالس المحافظات، ورفض الشيوعيون ان يكونوا ضمن اي تشكيل طائفي بما فيها رفضهم الانضمام لاي من التحالفين سواء دولة القانون او الائتلاف الوطني ويتصور البعض وهو مخطئ بذلك ان محاولاته للاستفادة من تكتيات النظام الساقط في الضغط على الشيوعيون من خلال ابتلاع بعض القوى والوجوه الديقراطية والوطنية التي كان الشيوعيون  يتحاورون معها لاعلان قائمة موحدة معهم، بما سيشكل ذلك ضغطا لانضمامهم للائتلافات الطائفية ولسوء حظ التيار الديقراطي ان يجد بعض اطرافه ان طريق الوصول الى البرلمان هو الانضمام للتشكلات الطائفية مضيفا لهذا التيار عوائق جمة والذي هو بالاساس تيار مشتت وضعيف. ان تطور التيار الوطني والديقراطي هو دعم حقيقي لكل العملية السياسية ولكل التوجهات الوطنية او الديقراطية فيها.   
اصدر الشيوعيون احتجاجهم الصارخ ضد قانون الانتخابات الاخير محذرين من عواقب السير في نهج كهذا باعتباره خرقا للدستور ومبادئ الديقراطية وهذ البيان يشكل اكبر احتجاج علني للشيوعين للاوضاع القائمة منذ مشاركتهم في العملية السياسية. ورغم تجاهل الفضائيات العراقية وبشكل متعمد ولاهداف سياسية محددة ومدفوعة سلفا لهذا البيان ولموقف الشيوعين وتركيزها الاضواء على اعتراضات محددة مترتبط بمصالح قوى معينة، عدا جوقة الطبالين من مرتزقة الاعلام والسياسة وعدد من الفضائيات ( المستقلة) التي تردح ليل نهار بالانجاز التاريخي الجديد. هذا التحذير والاحتجاج الذي اطلقه الشيوعيون ورغم الحصار الاعلامي المتعمد يجد تاثيره هنا وهناك في طروحات ومواقف واعتراضات بعض القوى والاهم يجد صداه الايجابي بين الكثير من ابناء شعبنا العراقي من اللذين يتمنون الخير والسلام لهذا الشعب والوطن. وينغمر الحزب الشيوعي العراقي من راسه حتى اخمص قدمه في نشاط  انتخابي يومي مثابر ونزيه، رغم محدودية امكانيته للتواصل مع مختلف قطاعات الشعب من الفعاليات الاحتجاجية الى توزيع الورد اضافة لشرح موقفهم     من قانون الانتخابات الاخير. ان هذا العمل الثوري اليومي الجبارهو جدير بخلق جيل جديد من الشيوعين والوطنين القادر مستقبلا على حمل راية النضال المشرف، راية الحزب الشيوعي العراقي، راية العراقين المنكوبين، راية الحالمين بالخير والسلام لهذا الشعب ولهذا الوطن.
تتوفر الان وفي المستقيل القريب للقوى المتنفذة العديد من الادوات لتحقيق ما تصبو اليه من قانون يخدم مصالحها الضيقة الى مفوضية الانتخابات ومكاتبها في المحافظات التي اقل ما يقال عنها انها مرتشة وطائفية وابعد ما تكون عن النزاهة بسبب خضوعها للمحاصصة اضافة لامتلك هذه القوى سلطة المال والسلاح. لكنها تبقى عاجزة عن تحقيق مطالب العراقين سواء على مستواها الوطني او الحياتي بسبب هشاشة برنامجهم البعيد عن روح الموطنة وغرقهم في لجة بحر الفساد وغيرها من الاسباب المعروفة ولن يكون مصيرهم افضل من اللذين سبقهم

47
ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدرتها على
بناء الدولة العراقية وفق اسس الديقراطية والوحدة الوطنية.
5-5
د. احمد الشيخ احمد ربيعة
أخيرا وليس اخرا

ان التوجة لبناء مجتمع حقيقي تسودة الديقراطية يؤمن بالمواطنة الحقيقة والتداول السلمي للسلطة في العراق وغيرها من المفاهيم المعروفة ، يبدو هذا التوجة عملية صعبة ومعقدة جدا وسيمر بخيارات عسيرة فيما لو كتب له النجاح، وذلك لعدة اسباب منها ما جرى لة التطرق اعلاه اضافة لاسباب تايخية وطبيعة القوى السياسية العراقية وطبيعة مشاريعها اضافة للارهاب وتداخل العوامل الاقليمة والدولية وبالذات الامريكية وغيرها من العوامل العديدة الاخرى.
هذا الامر يضع الشيوعيون وعموم القوى الديقراطية امام مهمات صعبة ومعقدة جدا، وهي بحاجة الى الفرز المستمر وتكيف سياستهم بالقدر الممكن معها.
ان تطوير عمل القوى الديمقراطية او المدنية ( العلمانية) سيكون لها تاثير هام وفعال في التاثير على الاحداث ومجمل الصراعات الجارية او القادمة. ويظهر انة بحد ذاته تطوير الجبهة الديقراطية او المدينية او خلقها  هو عملية بحد ذاته غير سهلة ، ولحد الان لم يبرز شئ يعتد به في هذا المجال، وما زالت العملية تراوح في مكانها دون اي تقدم ملموس يذكر. بل حتى الخطوات التي جرت في هذا الجانب  مثل القائمة العراقية او غيرها، تعثرت في اولى خطواتها او انها لم تكن فعالة او مقاربة لضخامة حجم الاحداث.
اود هنا التركيز بملاحظات سريعة على دور الحزب الشيوعي العراقي باعتباره اكبر قوة التيار الديقراطي او المدني واكثرها تنظيما.
 لم يكن الحزب مسؤولا عن الواقع الذي تشكل بعد 2003، هذا الواقع المعقد والصعب والذي خلق وافرز توزنات معينة جديدة لم تستقر بعد. هذا الواقع الذي يحمل في طياته اتجاهات متعارضة ومتناقضة وارتباط ذلك بحلول تكتسب مختلف الاشكال واخطرها هو الشكل الدموي. ان سياسية النظام السابق وسياسية الامريكين والقوى الجديدة التي تحكمت بالوضع الناشئ بعد 2003 هي المسؤولة الاولى عما حصل ويحصل. ان الحزب شاء ام ابى مجبر على التعامل مع هذا الواقع بكل مرارته واشكالياتة، ولكن الاهم هو كيف يستفيد بحيث يحافظ على استقلاليتة وبناء منظماته وحمايتها وحذرة من المنعاطفات والاحتمالات المتوقعة ، والاستفادة العملية والواقعية لتطوير نشاطه وزيادة اوتفعيل دوره بخلق اصطفافات جديدة وبدون اي اوهام فكرية او سياسية.

ان الحزب حاليا هو ظاهرة اجتماعية وسياسية حية في المجتمع العراقي، وقد تطبعت او الفت مختلف قطاعات الشعب العراقي وجودة في الحياة السياسية اليومية بعد 2003 ، وانكسرت الكثير من الحواجز. الشيوعيون الان قوة  نشطة في الحياة السياسية رغم كونهم قوة غير فعالة ( للاسف يتم احيانا من قبلهم تقليل هذا الدور لتبرير جزء من نواقصهم واخطائهم). ويتطلع الكثير لدور اكبر للحزب وزيادة دوره النشيط مستقبلا، ورغم المؤشرات الكثيرة على تواجد امكانيات كهذة ورغم محدودية امكانياتنتهم في معظم المجالات. ان تطور وضع الحزب بهذا الشكل هو انتصار كبير للشيوعين ومجمل القوى الديمقراطية، والتي للاسف لم تدرك اهمية النجاح. 
ان تطوير عمل الحزب يتطلب التوقف باستمرار امام جملة من الامور منها وبصورة سريعة اعادة تنشيط عملية دمقرطة الحزب التي تبدو انها تتراجع يوم بعد اخر او انها تاخذ طابع شكلي في الكثير من جوانبها. ومن جانب اخرتكمن احد المخاوف او المخاطر في خطورة عزل الفكر عن السياسة او عدم معرفة الحدود الفاصلة بينهما وخاصة في صياغة تكتيكات الحزب. هذا الامر ربما يقود الى اوهام عديدة حول مايجري او الى شطحات او مواقف يمنية والتي من الضروري ان يحذر الحزب ان يقع فيها وهذا الامر يحتاج الى وقفة جادة وتوفير مستلزمات عدم الوقوع في مطبات كهذه.
لا خلاف على التاكيد على الموقف المستقل للحزب ولكن يبدو ان هذا الامر غير كافي لتعبئة الجماهير حول مواقفه،  وما تظهره تجربة الحزب خلال سنوات ما بعد 2003، هو كيفية اظهار هذا الموقف، حيث ان هذا الامر لا يقل اهمية عن ما ورد اعلاه . هناك نقص واضح في كيفية اظهار هذا الموقف والتعبير عنة علنيا وبما يوفر قناعة كافية للاوساط الحزبية قبل الجماهير من اجل تحول مواقف الحزب الى سياسة يومية فعالة.
ان كل القوى الساسية المشتركة في العملية السياسية عملت وتعمل على رسم خط احمر لنشاط الشيوعين او نشاط مجمل القوى الديقراطية، طبعا هذا الامر مترتبط اصلا بطبيعة هذه القوى والظرورف المحيطة ولكن  بعض اخطاء الشيوعين ساهمت في خلق سيكلوجية كهذه عند الطرف الاخر، وللاسف لم ارى انة جرى التوقف عند هذا الامر لدراسته بشكل جاد. التخوف الحقيقى هو ان يبقى دور الحزب او مجمل القوى الديقراطية محدود وغير فعال  ويعاد صاغية تجربة الحزب الشيوعي الكردستاني العراقي ودوره الهامشي  على الحزب الشيوعي العراقي.

اب 2008
 ...

1- د. صبري زاير السعدي- الثقافة الجديدة العدد 317 السنة 2006.
2- احمد الناصري- حول الطفيلية ونموها في العراق- النهج 2 تشرين الثاني 1983.
3- الناصري – مصدر سابق.
4- الناصري – مصدر سابق.
5- الناصري – مصدر سابق.
6- الناصري – مصدر سابق.
7- د. كاظم حبيب – ماهي الاهداف الكامنة وراء قرار حصر منح العقود بالشركات الامريكية قي العراق.  الحوار المتمدن. العدد 682.
8- جواد بشارة – العراق يقضمة الفساد – الحوار المتمدن العدد 2357.
9- سلام كبة – الفساد سوء استغلال النفوذ والسلطة- صفحة الينابيع
10- احمد الجلبي – لقاء في دار المدى- المدي 21-7-2008.
11-  حديث لطالب صبحي البدري رئيس الاتحاد العام للمجالس والنقابات في العراق- صفحة الجيران 3-8-2008
12-  طارق الهاشمي- مشروع لمعالجة البطالة في العراق- موقع الرافدين.
13- التقرير السياسي المقدم للمؤتمر الثامن للحزب الشيوعي العراقي.
14- الهاشمي- مصدر سابق.
15- الجلبي – مصدر سابق.
16- امين يونس- ميزانية اقليم كردستان – ملاحظات- صفحة الحوار المتمدن العدد 2341.
17- غسان العطية – العراق نشاْة الدولة 1908- 1921 ترجمة عطا عبدالوهاب- دار اللام. لندن 1988.
18- اسحق النقاش- شيعة العراق- ترجمة عبدالله النعيمي- دار المدى الطبعة العربية الاولى 1996.
19- محمد باقر الحسيني-  السيد عبدالكريم قاسم قدس الله سره والزعيم محسن الحكيم- الحوار المتمدن.
20- النقاش- مصدر سابق.
21- العطية - مصدر سابق.
22- النقاش- مصدر سابق.


48
ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدرتها على
بناء الدولة العراقية وفق اسس الديقراطية والوحدة الوطنية.
4-5
د. احمد الشيخ احمد ربيعة


* المرجعية.

- ان فكرة وجود المرجعية تعود الى مايقارب 500 سنة الاخيرة. اما فكره وجود مرجع اعلى فهي فكرة حديثة نسبيا عند الشيعة وتعود الى ما يقارب 200 الاخيرة.
- يمكن ارجاع الدور السياسي لمجتهدي الشيعة الى اذار 1890. حيث وقفوا الى جانب المعارضة ضد االشاه وحكومتة ضد احتكار التبغ الايراني لشركة انكليزية وقد سحب الامتياز عام 1992، و ( بسب النفوذ المتزايد- للمجتهدين-  سعى البريطانيون والروس لكسب تايدهم وقيل ان القنصل الروسي قد وزع امولا على علماء شيعة معينين على امل الظفر بتاييدهم ) – 17.
- المرجعية كمؤسسة اجتماعية- دينية ليس لها موقف موحد اتجاه الاحداث التي تواجهها. فكل موقف سياسي سواء كان ذو تاثير محدود او واسع، نرى ان أعمدة المرجعية من كبار مجتهدي الشيعة وبالتالي توابعهم من رجال الدين الصغار او مقليدهم يصطفون يمينا او يسار حول هذا الموقف. ورغم التبررات الفقهية التي يسوقها كل طرف الا ان الموقف المعلن او التقية التي تتخذ تعكس في المحصلة النهائية، موقفا طبقيا – سياسيا لهذا المرجع او ذاك. مثلا الموقف من الحركة الدستوريه في ايران ( اعلن الدستور في ايران 1906 ) حيث اختلفت مواقف المراجع منها وكذلك الموقف من الحركة الدستورية في تركيا 1908 حيث كان المرجع كاظم اليزدي معارضا لها.

يصاغ موقف المرجع بشكل فردي اعتمادا على معطيات معينة، اي لا يوجد عمل مشترك لصياغة موقف موحد او مشترك، فلكل منهم منهجة في تحليل الظاهرة باستخدام نفس الادوات لاتخاذ موقف معين. ويكون تاثيره  في عامة الطائفة مرتبط بمكانة وتاثير المرجع مع عدم عزل ذلك عن الظروف المتنوعة المرتبطة بالحدث ( اقتصادية- اجتماعية……الخ)، ولكن  لايحدث هذا في كل الاوقات واعتمادا على عدة عوامل وخاصة عندما يكون هناك مزاج وطني ايجابي، فحين لا يتطابق  موقف المرجع مع مصالح جمهور المقلدين فانهم ينصرفون الى تقليد مرجع اخر يتطابق مع مصالحهم, مثلا الموقف المؤيد للمرجع الاعلى كاظم اليزدي للانكليز اثناء وبعد احتلالهم للعراق، جعل مقلدي المرجعية في العراق يسترشدون بمرجعية المرجع الشيرازي والذي قدم للعراق بطلب من العراقين. هناك وثائق اضافة للمواقف تتحدث كما يشير بعض المتخصصين بارتباط اليزدي بالانكليز، في الوقت الذي كان مواقف الشيرازي مواقف وطنية واضحة رغم كونه لم يكن عراقيا وسكن العراق بعمر متقدم ( 52 سنة ).

 * ان انتصار الموقف الوطني او اضعافة داخل المرجعية يعتمد اساسا على حياة هذا المرجع او ذاك او وفاتة، مثلا وفاة السيد كاظم الخراساني 1911 والذي كانت له مواقف وطنية مشهودة مكنت التيار الثاني والذي كان بقيادة كاظم اليزدي من السيطرة على المرجعية، ووفاه هذا الاخير اكملت هيمنة الشيرازي على المرجعية والتي لعبت دورا بارزا في ثورة العشرين، وكان من الصعب ان تجد ثورة العشرين لها محطة بارزه في التاريخ العراقي لو كانت المرجعية تحت قيادة اليزدي.
كذلك وفاه المرجع الحمامي فتح الطريق امام المرجع محسن الحكيم لتولي المرجعية رغم الكثير من الملاحظات التي  تثار حول مقدرته وكفائته وعلمه لهذه المهمة.

* للمرجعية بنائها التنظيمي الخاص، فلكل مجتهد وكلائة الخاصين في المدن،  يجمعون له الاموال من المقلدين، اضافة لادامة الصلة مع المقلدين وهو بنفس الوقت الجهاز المزود للمرجعية بالمعلومات المحيطة بالاحداث وتطوراتها. ويستطيع الملقد ان يغير تقليده لمرجع اخر دون  ذكر المبررات، ولذا تبحث المرجعية عن ادامة الصلة مع قاعدتها الاجتماعية من خلال عدة صلات ابرزها نمط حياتها الشخصية و الفتاوى التي تتناسب مع طموحات  هذه القاعدة الاجتماعية وبالذات الفئات القادرة على ضخ الاموال لهذا المرجع او ذاك. اما طريقة صرف الاموال ففي حقيقة الامر لا يوجد نظام للرقابة سواء الداخلية او من قبل القاعدة الاجتماعية سوا الاخبار التي يجري الناس تناقلها.

* للمرجعية بناء داخلي محافظ ومتصلب جدا، ومن الصعب اختراقة بسهولة، من الممكن ان يحمل الكثير من طلبة العلوم الدينية درجات في الاجتهاد، ولكن يبقى وجود القاعدة الاجتماعية وسعتها والجهات الممولة هي العامل الاساسي في تحديد مراكز القوى بين هذه المرجعيات والتي يكون فيها التنافس غير قليل وخاصة على مراكز المراجع العظام. ان ابرز مظاهر التقليد هو التزام المقلد بالدفع للمرجع وخاصة المقلدين الاغنياء، اضافة للالتزام بالشعائر الدينية وهاتين النقطتين يجري التشديد عليها حاليا.  ففي الوقت الذي كان الدفع ياخذ الجانب الاهم في التقليد يبدو الان ان الالتزام بالشعائر ياخذ الجانب الاساسى وذلك ارتباطا  بتطور الدور السياسي لمرجعية وتطور مواردها المادية. تاريخيا كان  تمويل المرجعية في العراق يعتمد على قوى خارجية، ولعبت ايران الدور الاساسي والبارز في هذا المجال اضافة الى الهند  والباكستان وشيعة الخليج في العقود الاخيرة وكتاب شيعة العراق درس هذا الامر بشكل جيد. بل ان التطور السياسي الاجتماعي لمدنتي كربلاء والنجف حدده هذا الدعم الخارجي. والذي يوكده في  ص377( في عام 1918 قدر تقرير بريطاني ان الادارة الجيدة لما تتلقاه النجف من هبات خيرة واقاف من ايران ممكن ان يحقق دخلا سنويا يقرب من مليون جينة استرليني)18. ان ايران لعبت دور بارز في دعم قوى هذا المرجع او ذاك (19). ويكمن سبب اعتماد المرجعية على الدعم الخارجي بانة لم تكن هناك رابطة قوية بين طبقة التجار العراقية والمرجعية من خلال ضعف دفع هولاء لمستحقاتهم الدينية للمرجعية على عكس الحالة في ايران (20) طبعا هناك اسباب اخرى تنافس المرجعية في مصادرها المالية، منها طبقة السادة الذين يحصلون في مناطقهم على حصصهم ( سهم جدي ) او الكليدارية التي تحصل على مدخولات زيارة الاضريحة خاصة ان الكليدارية محصورة بعائلة محددة ويجري تعين الكليدار من قبل الدولة، كذلك  ليس كل الشيعة الامامية في العراق تقر مرجعية النجف مثلا الشيخية في البصرة والجنوب، لهم مرجعيتهم الخاصة وفيها مركز واحد استطاع ان يتحول الى اكبر ملاك اراضي وعقاري في الجنوب، وهذا المركز يتوارثر في نفس العائلة، اضافة لضعف الوقف الشيعي، هناك اتجاهات جديدة لاتؤمن بالمرجعية في النجف. ان من اهم اسباب عدم تراكم الاموال في المرجعية هي توارث الاموال لابناء المرجع وليس للمرجع الجدي، وغالبا ما يكون هولاء في مراتب دينية غير عالية.   
والاهتمام بدراسة المرجعية ودورها كمؤسسة سياسية- اقتصادية يكتسب حاليا كما هو معروف اهمية كبيرة فسياسيا يمكن ملاحظة مايلي.
* هي اكبر موسسة سياسية او في واقع الامر اكبر حزب سياسي سواء كمرجع اعلى او كمراجع عظام، وهي اقوي تنطميا من  تنظيم الاحزاب الاسلامية. ان هرمية ومركزية المرجعية تعتمد علي وجود مركز موحد  لكل الاطراف ( الوكلاء ) اضافة لدور الحسينات واقامة صلات الجمعة التي دائب على اقامتها الشيعة منذ مايقارب العقدين ماعدا الشيخية (تودي صلات الجمعة بشكل دائم). وهذا التنطم للحياة الداخلية ذو نظام  انظباطي عالي، يعمل على الالتزام بالفتاوي الصادرة من المرجع الاساسي بل ان وجود هذا المعتمد يتوقف على الالترام بمواقف وفتوى المرجع الاساسي وبدون موافقة المرجع الاساسي لا يستطيع احد ان يحصل على الوكالة لهذا المرجع او ذاك.

 * هي مؤوسسة تقليدية محافظة ذو حركة بطيئة لا تترافق مع تطور المجتمع وتصم الاذان عن دعوات التجديد حتى  الاصوات التي تنطلق من داخلها ( الشهيد الصدر الاول، الشيرازي).
 
* الاحزاب الدينية الشيعة العراقية خرجت من معطف المرجعية. الحكيم- الحزب الفاطمي لاحقا حزب الدعوة. الشهيد  محمد باقر الحكيم- المجلس الاسلامي الاعلي، المدرسي- جماعة العلماء..وارتبط تاسيسها بحاجة سياسية كان من ابرزها، هي معاداة اليسار و الديقراطية وارتبطت منذ بدايتها بمشاريع التامر على ثورة تموز 1958. بعد الثورة الايرانية وجد ان معظم قيادات الدعوة متربطة بايران الشاهنشية والسفاك، ويمكن ان نتذكر ما كتبة سعد صالح جبر عن ذكرياته ونشاطاتة مع الحكيم الابن  وطالب السهيل ولقائتهم مع الشاه والمخابرات المركزية الامريكية.

* رغم محاولة اعطائها الهيبة ومحاولة اضفاء القدسية عليها وكانها خارج اطار المجتمع فهي موؤسسة براغماتية مثلا اليزدي- الاحتلال البريطاني الاول. االمرجع الشيعي الاعلى السيد محسن الحكيم وتحالفة مع البعثين والقومين وغيرهم مما شكل جبهة رجعية معادية لثورة تموز1958. الصدر الثاني ودعمه من قبل النظام السابق لفترة معينة. ان المرجعية العليا ليست وسيلة لصراع قوى الاسلام الشيعي المستحوذ على ادارة الوضع القائم فقط، وانما هي هدف للصراع وذلك من خلال انشاء مراكز موازية لها وهذا يمكن ملاحظته في الانتشار الواسع للحوزات الاخري والجديدة وارتباطها بمرجعيات من ايات الله العليا ذات مرتبة وتاثر اقل من المرجع الاعلى،  وكذلك شيوع مصطلح المرجعية الناطقة والصامتة، السعي لقتل المراجع في النجف كخطوة اولى للتغير كما في مواقف جند الاسلام.  في حقيقة الامر ان الصراع سياخذ اشكال حادة لمرحلة ما بعد السيستاني، فالترتيبات يجري طبخها بهدوء وفي مطابخ عديدة داخلية وخارجية لمرحلة ما بعد السيستاني، وينعكس هذا بشكل او اخر على الصراع الداخلي. ان قضية تحديد المرجع الاعلى القادم والصراع القادم في هذا الاطار، سيضع المرجع الاعلى القادم اما خيارات حادة تمس استقلالية المرجعية وافاق عملها اللاحق.

* المرجعية لحد الان هي عامل توازن سياسي في الصراع القائم والمشتد بين قوى الاسلام السياسي الشيعي. هذا الصراع يشتد مع الايام ومع التطورات المختلفة وبمختلف الاشكال في داخل الاحزاب او في داخل تحالفات هذة الاحزاب، مثلا الائتلاف اقيم تحت مظلة المرجعية.  الدولة وفي خطواتها الاسياسية اذا لم يكن في معظمها تسترشد كما يطرحون بخط المرجعية وعلى ضوء توجهاتها. تدخل المرجعية في احداث النجف فتره حكم علاوي.  السؤال المطروح هو الى اي حد ستبقى المرجعية تلعب هذا الدور، هنا يبقى السوال مفتوح.

-  تعيش احزاب الاسلام السياسي الشيعى غربة فكرية سستعمق مع الايام وبالذات مع استقرار الاوضاع الامنية وبروز المهام الاقتصادية والاجتماعية على السطح اكثر فاكثر ولا تختلف في ذلك احزاب الاسلام السياسي السني.  رغم ان تجاربها السابقة( عموم تنظيرات الاسلام السياسي وتجاربه) ادت في واقع الامر  الى فرز اعمق في المجتمعات التي جرى محاولة التطبيق فيها، ولم يكن برنامجها في حقيقة الامر سوى برنامج ليبرالي عزز مواقع البرجوازية  وبالذات الطفيلية في تلك المجتمعات . فلم يعد الشعار السياسي والذي يمكن بسهولة صياغته ورفعه كافي لمواجهتة التطورات المتلاحقة، فهي الان في السلطة وهي بحاجة الى برنامج واضح لبناء الدولة. برنامج المحصاصصة الطائفية والقومية يعيش مازق حقيقي لبناء دولة مدنية مترافق مع ذلك مظاهر الفساد والسرقة والنهب وغيرها من المظاهر والتي لم يشهد لها العراق في تاريخة مثل له، ويشار بالبنان الى مسؤولية احزاب الاسلام السياسي عن ذلك، اضافة لمسؤولية الاحتلال، عدا  مسؤوليتها عن تصاعد الارهاب  واستمراره وبرنامجها العبثي في هذا الجانب ولجوئها لحل خلافاتها وصراعتها بقوة السلاح.
 السؤال الذي يفرض نفسه هل سيبقى الفكر الديني وبالاخص المرجعي حاضنة للصراع داخل هذة الاحزاب او فيما بينها؟    في البداية اشير الى انه لا تستطيع عند البحث في ادبيات هذه الاحزاب ان تجد برنامج اقتصادي – اجتماعي. يمكن الحديث عن افكار ( منظرين ) او اراء مفكرين يرتبطون بهذا الاتجاه او ذاك ولكن هل تم تبني هذه الافكار في مؤتمر او في اي هيكل تنظيمي اخر. حتى حزب بارز مثل الدعوة والذي عقد مؤتمره الاخير السنة الماضية لم اجد له برنامج كهذا، رغم انه يقف على راس الحكومة. كل ما يمكن ان تجده للعديد من هذه الاحزاب والحركات، شعارات سياسية تتطرق لجانب اقتصادي، بل هناك صياغات اشبه ما تكون سوريالية وذلك لغرابتها وهذا يعكس المازق الفكري لهذه الاحزاب وفي كل الاحوال لا تشذ احزاب الاسلام السياسي بكل تلاوينها عن مثليتها في المنطقة واعتقد ان هذا الامر مدروس بشكل جيد من قبل العديد من الكتاب، لذا فلن اتطرق لة.
 ولكن يمكن هنا التوقف، ارتباطا بالسؤال المطروح اعلاه،  عند مظهر مهم هو تبني المجلس الاعلى الاسلامي لمرجعية السيستاني كمرشد له، مقابل صمت السيستاني اتجاه هذا الالتزام، فرغم الاسباب العديدة التي تطرق لها البعض مثل محاولة تعريق المجلس وغيرها .  فالمجلس بتقديري، هو عبارة عن تجمع سياسي ذو طابع عشائري – عسكري اقرب من كونه ان يكون حزبا سياسيا. وهو احد اكبر المستفدين من مما حدث، ليس على مستوى الجانب السياسي والعسكري وانما ايضا على الجانب المادي ( الاغتناء كجهة سياسية او فردية على مستوى القيادات بالذات او القواعد).
فرئيسة السابق او الحالي او القادم والكثير من قيادتة تعمل على المزاوجة بين العمامة والسياسة.  وتكمن احد العقبات  في  المجلس كون رئيسه الحالي  او القادم الذي سيورث هذا المنصب رغم سلطتة المالية والتنظمية والعسكرية الا انة يحتل درجة دينية ( حجة الاسلام ) وهي درجة غير عالية في سلم درجات المرجعية، وبالتالي فالمجلس بحاجة الى قوى ذات هيبة اكبر واعظم مستمدة هيبتاتها وجزء من صلاحياتها من الامام الغائب كما يطرح، ولا يستطيع ان يتصدى لها الا من كان في منزلتها او مقارب لهذه المنزلة، وبهذا يكون سليل المرجعية والذي سيحتل هذا الموقع، والذي لا تؤهلة الامكانيات الفقهية لاحتلال موقع كهذا، يستطيع ان يمارس نفوذه او ليسود داخل المكون الطائفي بشكل كامل وهو يستند في امره لفكر المرجعية الحكيمة ومن يعترض على ذلك يجب ان يكون له مقام يوازي المرجعية ان لم يستمد غطائه الفكري منها.  هو جزء من محاولة استبعاد  الهزات التي سيتعرض لها المجلس في ضوء التغيرات التي ستطرأ داخل المجلس او في المجتمع.
مثلا يمكن ملاحظة احد اسباب التفكك في حزب الدعوة هو افتقاده الى هذا الغطاء الفكري في هذة المرحلة بالذات بعيدا عن مدى تماسك هذا الغطاء الفكري، وهو معرض الى تصدعات اكبر، فافكارالشهيد الصدر الاول لا تستطيع ان تكون بوصلة فكرية في تحليل الواقع الملئ بالحقائق المرة. اما التيار الصدري فيواجه هذا الامر بطرق اخرى، الا ان مصيره لن يكون افضل.

* الصلات الاقليمية سواء في الخليج او ايران او غيرها، ومعروف كيف خضع الامريكان لمطالب السيستاني في امور عدة مثل كتابة الدستور وغيرها وتكشف مذكرات برمير بشكل واضح عن حرص الامريكين في مراعاة هذه العلاقة.

اما من الناحية الاقتصادية، فيمكن ملاحظة ما يلي:
#  المرجعية هي في واقع الامر اضخم مؤسسة طفيلية في العراق، تتغذى كما هو واضح على موارد من داخل وخارج العراق، فهي تحصل على مردودات ضخمة جدا دون ان تساهم في اي دور في العملية الانتاجية.وان هذا الدخل غير مبرر اجتماعيا. ولا توجد اي احصائيات عن هذا الدخل ولكن يمكن تصورة من الدعم الذي تقدمة لمؤوسساتها خارج العراق وداخله. هناك بعض الارقام التي يمكن الاشارة لها مثل خيرية اودية وتتمثل بمبلغ  سنوي يقرب من 121 الف روبية ( 21)، ورغم تاكيد ( النقاش22) على صعوبة تقدير مداخل المرجعية فانة يشير الى ( الحد الاقصي الذي تستطيع المدينتان ان تحصلا عليه من هذا المصدر                186.148    روبيةسنويا او حوالي               15.512  جنية استرليني بسعر الصرف الرسمي في منتصف القرن التاسع عشر ، حين كان الجينة يعادل حوالي عشر روبيات). طبعا استمر وقف اودية لمدة 100 سنة تقريبا في خدمة المرجعية.
ورد في التقارير الغير رسمية بان دخل المرجعية يقدر بعدة مليارات من الدولارات في السنة الواحدة. ولا يوجد اي توثيق لاملاك للمرجعية، بل لا يجرئ احد في اثارة امر كهذا او لطرحه للنقاش او وضعة تحت طائلة البحث.
بعد 2003 انفتحت الابواب على مصراعيها لتحول المرجعية الى قوه سياسية ذات تاثير فعال وحاسم في معظم الامور. فهل  ستكتسب علاقاتها بالقوى النامية من الفئات الطفيلية اهمية اكبر؟ اذا كان ما يميز هذة العلاقة ضعف الدفع من قبل التجار العراقين للمرجعية خلال فترة عشرات العقود السابقة، كما اشار النقاش ، فبتقدري ان هذة العلاقة بعد 2003 ستتخذ منحى اخر وباتجاه تنشيط  الدفع الجيد.
 
# انتجت المرجعية كبار الملاكون العقاريون وملاكي الارض من رجال الدين، مثلا في الطائفة الشيخيةاصبح القائم عليها  احد كبار ملاكي الاراضي والعقارات في الجنوب وبالذات في البصرة بعد ان كان والده المغفور له ( المرجع السابق) في شبابه من بسطاء الناس اوائل القرن الماضي، ويمكن ملاحظة هذا الامر بعد وفاة المراجع الكبار او المرجع الاعلى وبالذات الذي يقف على المرجعية لسنوات طويلة  نسبيا. مثلا كان من نتاج المرجعية تحول عائلة الحكيم الى عائلة من عدادي الملاكين العقارين وملاكي الارض، كذلك فان مؤسسة الخوئي والتي توارثها الابناء، هي نتاج المرجعية، وهي مؤسسة عملاقة تقدر ملكيتها بعشرات المليارات. ويمكن الرجوع ايضا  الى موقع السيستاني، والذي يعطي صورة عن القدرات المالية الضخمة والعملاقة لها. وتظهر قدرة المرجعية المالية بما يورثة الابناء والذين يظهر انهم ذو دور فاعل ونشاط سياسي اكثر من الاباء، وهم يلعبون دورا مهما في تنفذ التوجهات الساسية بفعل مكانتهم كابناء للمراجع وبفعل قدرتهم وحيوتهم على الحركة والقدرة المالية الضخمة التي يتوارثونها عن الاباء.
 
# يدفع المقلد وحتى الغير مقلد وبالذات من الفئات الطفيلية النامية للمرجعية عن طريق ثلاثة اشكال رئيسية وهي اما  بشكل طوعي ولاعتبارات عقائدية او يلزم بالدفع كاتاوات من قبل المليشيات والاحزاب المتنفذة ( حصة السيد – ولكن  غير معروف من هو المقصود بالسيد وهي تخضع لمرجعية المليشيا او الحزب الذي يفرض الاتاوات)، الشكل الاخير البارز هو الدفع الطوعي بامل التقرب او الاسناد المتنوع ( سياسي، وجاهة اجتماعية، الاستفاد لاحقا من تاويلات فقهية او فتاوى.. الخ). السوال المطروح الان هو متى ستتحول هذة العلاقة الى علاقة تخادم بين الطرفين ؟
 علماء الدين السنة في المنطقة العربية لهم باع طويل في عملية التخادم، اي اصدار فتوى تبرر ارباح او استثمارات الفئات الدافعة. ربما هذا الامر يتطلب تغيرات عديدة داخل المرجعية وفي الاوضاع العراقية.
الفئات القديمة – الجديدة كانت تعتمد على فكر الحزب والنظام الحاكم وطروحات ريئسة في تبرير وتطوير نشاطه. وفي الظروف الجديدة، حين  تكون فيه الدولة مهمشة، ستجد هذة الفئات حاجتها الماسة للفتوي الدينية سواء شعية او سنية لتبرير نشاطها وتطوير استثماراتها.

49
ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدرتها على
بناء الدولة العراقية وفق اسس الديقراطية والوحدة الوطنية.
3-5
د. احمد الشيخ احمد ربيعة


ماهي مصادر نمو هذة الطبقة

* أهم المصادر كانت هي سرقة المال العام بعد رحيل النظام الساقط سواء من خلال الافراد او المجاميع او الاحزاب السياسية. بالذات لعب الحزبان الكرديان الحكمان والاحزاب الاسلامية والمؤتمر الوطني وغيرها دورا بارزا في هذا الامر، ثم اخذت هذة العملية تاخذ طبعا منظما ارتباطا بالاهداف السياسية، فكانت المساعدات الامريكية  ومشاريع اعمار العراق  احد المصادرالهامة  لتمويل هذه الطبقة، مثلا عقود اعادة الاعمار التي كانت احد اشكال المساعدة. الا ان هذة المنح او المساعدات لم تكن تحت تصرف مجلس الحكم وانما كانت تحت تصرف سلطة الاحتلال، وحتى العقود والمقاولات لم تتم عن طريق مناقصات دولية ولم يعطى فيها مجالا للمنافسة الدولية وبالتالي تم فرض اسعار احتكارية من قبل الشركات الامريكية والبريطانية وليس اسعار تنافسة ( 7). عمليا تحولت المساعدات من منح تعطى في اليمنى لكي تاخذ من اليسرى كما يقال، مع خلق قطاع واسع مستفيد من هذا الفساد والتبذير.
طبعا وجود قوات الاحتلال وطبيعة الخدمات التي تحتاجها يبقى ايضا عامل هام لمصادر التمويل، مثلا دفعت الحكومة الامريكية للمتعاقدون المدينون وهم اكثر من الجنود والبالغ عددهم 163,000 الف، مبالغ 100 مليار دولار خلال 2003-2008. من الامثلة البارزة ايضا هو ال 900 مليون دولار التي اهدرتها شركة بارسون ديلاوير الامريكية بمقتضيات عقد لانشاء عدد من المرافق في العراق، كان منحته وزارة الدفاع – البنتاجون- ( محاكم، سجون، مراكز شرطة، مقرات اجهزة امنية....الخ). 
تقارير المفتش العام العام المختص باعادة الاعمار، والذي لاحظ بعد تعينة بقليل في بداية 2005  اختفاء 9 مليار دولار كانت مخصصة لاعادة بناء العراق عبر شبكة معقدة ومتقنة من الاختلاسات والسرقات والتهريب والفساد والرواتب الوهمية وشراء الذمم .... والخ من الفضائح.(8) 
الان وفي المستقبل القريب سيزيد عاملان مهمان في التوسع الافقي والعمودي لهذة الطبقة وهما الفساد والخصصة باعتبارها اهم المصادر المالية. فهل ستناضل هذة الطبقة ضد احد مصادر نموها؟
حسب اخر الاحصائيات قدر الملبغ المختلس في 2007 من المال العام العراقي ب 18 مليار دولار. واشارت تقارير هيئة النزاهة الى انه ( بلغت خسائر العراق منذ سقوط النظام حتى يومنا هذا ب 250 مليار دولارامريكي بسبب تفشي ظاهرة الفساد المالي ، وخسر العراق خلال هذة الفترة 45 مليار دولار من تهريب النفط الخام وتم انفاق 17 مليار على قطاع الكهرباء خلال نفس الفترة دون تحسن يذكر). ( 9.).
وعموما فان الهيئات الثلاثة التي تصب في مكافحة الفساد قد جمدت عمليا بسبب تسيسها، ولم يسمع لها صوت منذ زمن الا اذا ارتبط الامر بحاجات سياسية معينة، وهذه الهيئات هي:
1- هيئة النزاهة.
2- ديوان الرقابة المالية.
3- دائرة المفتش العام.
ولم يطور لحد الان او ان  يجري التفكير حتى بخلق او تطوير نظام للرقابة الشعبية، رغم الدعوات المتنوعة منها دعوة الحزب الشيوعي العراقي في هذا المجال. الاحصائيات تشير ان 1066 قضية تتعلق بالفساد الاداري والمالي قيد التحقيق، كما ان 80 مليار دولار كانت ضريبة العراق من الفساد واكثر 87 مليار هدرت بسب عدم الموافقة على احالة الموظفين الى المحاطم بسبب المادة 1136 ب من قانون اصول المحاكمات الجزائية رقم 23 لسنة 1971 والتي تمنع احالة الموظف للقضاء الا بموافقة الوزير المختص. الغريب والمضحك ان الوضع الجديد يتمسك بفقرة من سياسية النظام السابق  رغم الحديث الى حد الصراخ عن هذه المادة. ولا توجد مؤشرات جادة في القريب القادم لالغاء هذة المادة.
كل المؤشرات توكد ان الحكوهة والاحزاب المتنفذة فيها هي جزء اساسي في الفساد، الذي تستفاد منه وتعمل على نشره.
الجانب الاخر هو الخصصة، والتي ستكون احد الروافع لتعزيز وصعود هذه الطبقة. وكما يلاحظ  فانه لا توجد في الفتره السابقة او الحالية اي توجة لصياغة سياسة تنموية للعراق خلال الفترة القادمة. هذا الامر لا يرتبط فقط بضعف كفاءات السياسين او القائمين على هذا الامر وانما بسب التوجه، فالغالبية العظمى وبالذات القوى المتحكمة بالسلطة ذات توجهات اقتصادية ليبرالية  وربما ليبرالية متطرفة كما يصفها د. كاظم حبيب.  وهولاء ذو مشارب مختلفة مثلا من ابرز وجوه  التوجهات الاقتصادية الليبرالية هم احمد الجلبي، برهم صالح، عادل عبد المهدي.
فالدولة العراقية وقطاعاتها الاقتصادية معروضة للبيع ويجري اضعاف مركز الدولة لاهداف تصب في مصالح سياسية وشخصية. حتى قضية مثل قضية الفدرالية اخذت تستخدم في باب المضاربات السياسية ولاضعاف دور الدولة وتهميشه بحجة الخوف من المركزية. طبعا هذا الخوف مشروع ومرتبط بتاريخ الدولة العراقية، ولكن المقصود هنا محاولة بناء الدولة  ارتباطا بسياسة حزبية او طائفية او قومية،  مثلا فدرالية الوسط والجنوب، وحتى الصراع الجاري حول البصرة فيما اذا ستكون فدرالية لوحدها او جزء من فدرالية في الجنوب او الجنوب والوسط، هو صراع يرتبط بمفهوم حزبي وليس مفهوم وطني. 
تستخدم  منذ سقوط النظام وحتى الان، تقريبا نفس الافكار والطرق التي استخدمت في اوربا الشرقية بعد التغير. ويلاحظ انه بدلا من اجراءات لتحديث الدولة ، يجري العكس حيث يتم ارهاقها وزيادة ترهلها. ( كان هناك مليون و 900 الف موظف ومتقاعد، بعد السقوط تضاعف العدد ليصل الى اربعة ملايين موظف ومتقاعد) (10). 
الخط العام هو الضغط على مؤسسات الدولة لاثبات عدم فعاليتها الاقتصادية. ويمكن لتصريح احد القادة النقابيون ان يوضح الامر( الاتربة تاكل مكائن هذة الشركات ( يقصد الالبسة  ) البسة  الداخلية والدفاع كانت تصنع في العراق والان تصنع في الاردن وسوريا، هناك نصف مليون عامل في قطاع النسيج من العاطلين. وزاره الصناعة خصصت منح لهذه الشركات. منح تسترد خلال خمس سنوات او اقل – الشركات التي لم تتمكن من اعادة المبلغ ، تحجم، ثم تخصخص، ثم ينتهي دور العمالة في هذا المكان). هذا الامر يجري الان في قطاعات انتاجية اخرى) 11، وهناك العديد من الشواهد عليه في بلد يحتل المرتية الاولى في تقرير منظمة العمل العربي من حيث نسبة الشباب العاطل عن العمل ( 32%).
ويشير طارق الهاشمي نائب رئيس الجمهورية الى تواجد 192 شركة حكومية متوقفة عن العمل وتستوعب 500 الف عامل.12 
ويعكس الموقف من الخصصة، جانب هام من  رؤية الجهات المخلتفة لمستقبل العراق وبالذات في القطاعات الاساسية او الارتكازية في الاقتصاد العراقي وبالذات النفط. ففكرة ان من يمتلك النفط يمتلك السلطة هي السائدة في تفكير القوى المتصارعة على السلطة. وحتىقضية الصراع على كركوك فهو وجه من وجوه الصراع على النفط. فكركوك تملك 12% من الاحتياطي النفطي العراقي. والنزاع حول اراضي بين كربلاء والرمادي، وحديث البعض عن اقتطاع اراضي شيعية وضمها لاراضي سنية!. هذه التوجهات في جوهرها لاتخلتف في قطاع الزراعة او التجارة وغيرها من القطاعات الاخرى ومما يساعد في الضغط بهذا الاتجاة سياسة صندوق النقد الدولي.


بعض الملامح الفكرية والساسية لائتلاف البرجوازية البيروقراطية الطفيلية
 
* لقد شخص التقرير السياسي للموتمر الثامن للحزب في هذا الجانب مايلي.( وقد تمخضت تطورات السنوات الأخيرة عن تحول في بنية الائتلاف الطبقي السابق (ائتلاف البرجوازية البيروقراطية الطفيلية) لصالح الفئات البرجوازية الطفيلية، بعد أن ظلت البرجوازية البيروقراطية تهيمن عليه عدة عقود) 13. وقد توقف التقرير بشكل معين في  الاشارة للبرجوازية  البيروقراطية الطفيلية، الا ان المؤتمر وما اعقبه لم يتداول او يتدارس هذا الامر بشكل كافي.
 
* ان اعادة  التشكيل الجديد او الانتاج لهذه الطبقة يقوم على اساس طائفية- قومية – مناطقية.

* اعداد غير قليلة من المستفدين الجدد تسعى للهرب باسرع ما يمكن من العراق وللااستثمار خارج العراق بل ان الاستثمارات االضخمة تتم خارج العراق وهذا يعيق بشكل او اخر تراكم الاموال داخل البلد.
* الصراعات بين الاجنحة السياسية لهذة القوى محكومة بلغة السلاح، بحيث اصبح استخدام السلاح كلغة هو جزء من سيكالوجية هذة القوى في التعامل مع الاحداث سواء بشكل معلن او مخفي، وهي رغم تسلحها ومليشياتها وقدرتها المالية الضخمة، الا انها لا تمتلك برنامج سياسي موحد، وهذا احد منبابع الصدام المستمر بين اطرافها وقد انعكس هذا الامر في  ان العراقين كشعب، ليس لديهم مشروع سياسي موحد، مما يثير الكثير من الشكوك على قدرة القوى المتنفذة في بناء دولة مدنية وديقراطية.
* يرى بعض الكتاب ان القوى المتنفذة في السلطة من ممثلي هذه الطبقة، هم قوى معتدلة. وبتقديري ان هذا الامر شئ من الخرافة الايدلوجية. فقد راجت عند بعض كتاب اليسار في ثمانينيات القرن الماضي ان قوى الاسلام السياسي الشيعي في العراق في حالة تمكنها في السلطة فانها ستكون معتدلة بسب نشؤئها وتطورها في مسيرة النضال ضد الديكتاتورية والتي هي احد ضحاياها. من الضروري ان لا يكتفي ببرنامج اي حزب سياسي لتحديد ماهية هذا الحزب، فهناك عوامل اخرى منها  الانحدار الطبقي لقياداتة ومواقعهم الطبقية الحالية، شكل تنظيمة وحياته الداخلية، السياسة اليومية والمواقف العملية له، الموقف الصادق امام قضية تداول السلطة، تاريخة  ......الخ. والا كيف يفهم ان حزب سياسي معتدل ويمتلك جيش جرار من المليشات المسلحة. مثلا قدر تعداد قوات بدر خلال فترة سقوط النظام بثلاثين الف مقاتل، وفي تصريح للحكيم اثناء فثرة الانتخابات الثانية اكد ان تعداد منظمة بدر مائة الف عضو. هذا غير فرق الاغتيالات التي تمتلكها الاحزاب المتنفذة في السلطة والتي لا تختلف في مهامها عن حهاز حنين ومكتب العلاقات العامة للحزب البعث . 
هي ( معتدلة) مادامت اليات العمل السياسي تضمن لها التفوق في البرلمان والحكومة. هل لنا ان نتصور سلوك بعض هذه القوى والتي تعتبر نفسها اساسية، لو انها خسرت تاثيرها الفعال في البرلمان والحكومة؟. والتجرية الكردستانية في العراق عكست عدم استعداد  الحزبان الحاكمان لقبول منافسة قوى اخرى لهم، بل جسدت ميلهم لاحتواء القوى الاخرى حتى لو كانوا حلفائهم.
* في فترة النظام السابق والذي فتح الطريق لصعود هذة الطبقة، مما جعلها الطبقة المهيمنة، تبنت الايدلوجية القومية اليمنية كغطاء فكري لها.   اما في الوضع الجديد قان الطائفية هي الغطاء الفكري لهذه الطبقة وخاصة في جناحها الذي يتخذ الاسلام السياسي واجهه لة، ام في الجانب الكردي فيجد في المزيدات القومية غطاء لها، وما نظام المحاصصة الطائفية والقومية الا اداة سياسية لهذا الغطاء الفكري. وصف احد الدبلوماسيون العراقيون في اوربا ممن رفعهم نظام المحاصصة من القاع الى القمة.  ان هذا النظام خير ما انتجة العقل السياسي العراقي. وفي كلا الفترتين فان هذه الطبقة ما ان  وقفت على ارجلها حتى سحقت  اهم  مبدا من مبادئ المجتمع المدني الا وهو المواطنة. ان نظام البعث الساقط تعامل مع مفهوم الموطنة بما يخضع لايدلوجيته. فالعراق كان في البداية لكل العراقين ثم اصبح العراق للعرب باعتبارهم القومية الاكبر وغيرها من التبررات ثم تحول الى العرب السنة ومنها انتقل الى التركيز على المنطقة الغربية وعشائرها وواقتصر الامر فيما بعد  على التكراتة وضاقت الدائرة لتكون محصورة بعشيرة راس النظام وحلفائها ومن ثم  بعائلة راس النظام باعتبارهم مواطني درجة اولى. ما يجري الان هو انعكاس للصورة السابقة. فقد رفعت احزاب الاسلام السياسي الشيعي قبل عقود شعار ( ماكو ولي الا علي، ونريد قائد جعفري)، فالحديث يجري الان حول الاغلبية الشيعية وكل يعزف على هواة في حساب نسبتهم، بعد الحديث عن المسلمين والاسلام كدرجة اولى في تحديد مفهوم المواطنة ، و الان يجري وضع مفهوم الشيعي ( وبالذات الذي يحتل موقع قيادي في الدولة ) ضمن مقاسات معينة، فالشيعي العلماني مرفروض ولا يحسب على حصتهم، وهناك الفرز بين الشيعي العربي والشيعي الغير عربي، وان يكون الشيعي من محبي و اتباع اهل البيت ثم يجري التضيق للمفهوم بحيث يكون من اتباع المرجعية، ولا يكتفي بهذا الامرفالشيعي ذو الماركة المسجلة هو من اتباع المرجعية وبالذات مرجعية السيد السيستاني ، واذا اضفيت علية نهكة انحدارة المناطقي والعائلي ( كربلاء او النجف بدل تكريت والرمادي سابقا) فانة سيصبح مواطن سوبر. وذات النغمة لا تختلف كثيرا عند احزاب الاسلام السياسي السني وبدرجة اقل عند احزاب الحركة القومية الكردية. فالكل هنا يسعى لسحق مفهوم المواطنة العراقية. 

* هناك علاقات وتحالفات واليات اقتصادية جديد او جرى اعادة صياغتها من جديد على اثر سقوط النظام، ادت لتوزيع جديد لثروة الدولة الوفيرة بسب الوفرة المالية المتأتية من ارتفاع اسعار النفط  والتي لم يسبق ان يشهدها العراق-70 مليار دولار مزانية العراق لسنة 2008. هذا الامر يودي الى  ابتعاد وانفصال متواصل بين قيادة الاحزاب المتنفذه  و بين قاعدتها الاجتماعية، ورغم عمليات الشراء التي تمت وتتم للفئات من المجتمع ورغم التحسن في الوضع المادي الملحوظ في اوساط  وشرائح معينة من خلال تحسن مداخيلها ورغم الارهاب الذي تمارسة الاحزاب المنتفذة او التي خارج اطار السلطة، الا ان ذلك لم يخفي حقيقة الوضع الصعب للاحزاب الاسلامية او الكردية وبالذالت قيادتها وسمعتها السيئة وفسادها وارتباطاتها الخارجية وغيرها مما هو معروف. بنفس الوقت هناك انفصال بين الدولة والمجتمع فرغم الاموال الكبيرة المكدسة في ارصدة الدولة، والحديث عن العراق الجديد، الا انة لم تكن هناك مواطنة متساوية، اضافة لمستوى الخدمات السئية والشبه معدومة، وغيرها مما هو معروف. فالسطة تواصل سياسة النظام السابق من علاقة الغش والخدعية السياسية في علاقاتها مع الشعب. بحيث ان الوعود والتناقضات في تصريحاتها وسياستها ما عادت سوى ان تثير السخرية في اوساط عديدة.
   أن الديمقراطية كما هو معروف لا يمكن تحقيقها الا من خلال اعادة اندماج الدولة مع المجتمع. صحيح هناك بعض المحاولات في هذا الجانب منها مشاريع الاسكان ومنح القروض العقارية وغيرها. الا ان الفساد والمصالح الحزبية  والطائفية الضيقة والارهاب لها من القدرة ليس فقط اعاقة هذه المشاريع وانما افشالها. بل ان استقرار الاوضاع الامنية سيضع الحكومة بحالة مزرية لعدم قدرة مؤسسات الدولة العراقية على توفير الخدمات للشعب ( العراق ينتج الان 4200 ميكاواط مع الطاقة الطاقة الكهربائية المستوردة، واذا م استتب الامن وساد العراق الهدوء ، سيقفز الطلب على الكهرباء الى 20 الف ميكاواط)- 15.

* عانت هذة الطبقة ابان حكم النظام السابق من تحكم هرم السلطة الاعلى بافقاق تطورها ما يخدم حماية سلطته. فهو رغم فحتة الابواب لتطورها الا ان مقصلتة كانت تشذب بها باستمرار بما يخدم مصالحه وبالذات مصالح الحلقة الضيقة لقمة هرم السلطة ويؤمن استمرار سلطتة. وفي العهد ( الجديد ) يبدوا ان الصورة لم تختلف كثيرا سوى سعة عدد المتحكمين فيها من احزاب ومليشيات واتاوات وعوامل خارجية اقليمة او عالمية. وبتقديري سياتي الوقت الذي تحتاج فيها هذة الطبقة لصاغة مصالحها من خلال حزب موحد، وقد تبدو بعض المؤشرات على هذا الجانب ولكنها لحد الان ضعيفة ولعدة اسباب من ابرزها البناء الطائفي للدولة وبالذات القوى الامنية وسعة القوى المسلحة خارج اطار الدولة. وهذه العملية المحتملة هي عملية غير سهلة وتلعب في تطورها عوامل عدة خارجية وداخلية بما فيها قوة ونمو التيار الديمقراطي. خاصة كما يظهر ان التصميم المخطط للعراق مستقبلا هو ان يكون فيه نظام حكم يسيطر فية حزب او ائتلاف يملك الاغلبية ( بعيدا عن مدى شرعية هذه الاغلبية وطريقة الحصول عليها) بحيث يستطيع ان يحدد بشكل كبير ان لم يكن بشكل حاسم افاق التطور اللاحق للبلد مع وجدود معارضة غير فعالة ان لم تكن شكلية وهي اقرب ما تكون الى التجربة المصرية او الروسية او الكردستانية قي العراق، وربما هذا هو منبع الاعجاب الكبير الذي يبديه عدد كبير من السياسين العراقين وبالذات المتنفذين في الحكم بالتجربة الكردستانية.
* ان سياقات ادارة الدولة وافاق تطورها وبالذات تخصيصاتها المالية على للقطاعات الاقتصادية المختلفة، يبدو انها لا تختلف عن سياقات الدولة السابقة، رغم عدم توفر احصائيات واضحة عن اوجهة التوزيع، الا انة يبدو ان الاجور وبناء القوات المسلحة ( شرطة، جيش، امن ، مخابرات وغيرها) التي يقارب عددها الان ( المليون)  من عدد القوات ايام النظام السابق، اضافة للحصة التمونية ( 9 مليار في السنة) والقطاعات الخدمية، فان هذه الجوانب تاخذ حصة الاسد من المزانية. مثلا في مقترح ميزانية وزارة المالية لعام 2009 والتي تصل في مجملها 78.88 مليار دولار، يلاحظ ان 60.26 مليار خصصت لنفقات التشغيل و 18.62 مليار للاشتثمار. كذلك أن ( مساهمة قطاع الخدمات في الناتج المحلي الاجمالي تصل نحو 22% بينما تصل مساهمة القطاع الصناعي في الناتج الاجمالي المحلي نحو 1.5% فقط. وان مساهمة القطاع الزراعي لا تتجاوز نسبة 6.5% علما بان مساهمة القطاع النفطي في الناتج المحلي الاجمالي يصل الى 70% -14).   
ويمكن الاستشهاد ببعض ما كتب عن ميزانية اقليم كرستان لسنة 2008. كان اعتمادات ستة وزارات وهي الاعمار والاسكان، الزراعة، الموصلات ، النقل، الموارد المائية، الموارد الطبيعية ( 6.01% ) ستة و واحد بالمئة بالمئة من المزانية، بينما اعتماد وزارة الاقليم للشؤون الداخلية، وزارة الداخلية (13.2% ) ثلاثة عشر واثنان بالعشرة بالمئة اي اكثر من ضعفي اعتمادات ستة وزارات. اعتمادات اسايش السلمانية وحدها ( 1. 18% ) ثمانية عشر و واحد بالمئة بالمئة،  اعتمادات وزارة الاوقاف والشؤون الدينية ( 1.46% )، بينما اعتمادات وزارة الصناعة ( 4%)  ، ووزارة السياحة ( 2.9% ) من الموازنة. 16

* الضغوط الفكرية والاجتماعية التي تمارسها الايدلوجية الدينية والطائفية من اعادة احياء اسوء ما في التراث العربي الاسلامي واشاعة الفكر الغيبي وتغيب العقل واشاعة وتجيش الطائفية وروح الانتقام والقتل والتمثيل بالضحايا واستغلال الشعائر الدينية والحسينة وغيرها. ان (  الديمقرطية بحاجة الى مواطنين يمتلكون ثقافة ومعارف سياسية. ان التعليم شرط اساسيا من شروط المشاركة السياسية بشكل عام).
 * تمتاز هذة الطبقة بقدرتها على الاهدار والتبذير بموارد البلد البشرية والاقتصادية وغيرها من الموارد، وضعف كفائتها السياسية والعلمية والادارية. وهي ليست معنية بشكل او اخر بمستقبل البلد وفي هذا المجال هناك العديد من الشواهد والاحصائيات.
 
* اخيرا يمكن الاشارة الى ان هذه الطبقة ومن خلال تاريخها وواقعها الحالي وبسبب صعودها السريع وحيازتها على نسبة عالية من الدخل القومي وامتلاك شرائح واسعة منها قدرات كبيرة من السلاح  وبسبب ارتباطاتها الاقليمة والعالمية وهشاشتها وانحداراتها المخلتفة من الفئات الهامشية الى التنكوقراطية والبرجوازية وهشاشة مشروعها الوطني هذا فيما اذا كان لها مشروع كهذا وضيق افقها الطبقي وطيفيليتها وغيرها من العوامل العديدة، يمكن الاشارة الى انها طبقة ( مخبولة ) ان صح التعبير، فهي يمكن ان تقدم على اي مغامرة حتى لو كانت انتحارية. وهذا هو من ابرز المخاطر التي تحدق بالوضع العراقي الحالي او القادم.   

50
ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدرتها على
بناء الدولة العراقية وفق اسس الديقراطية والوحدة الوطنية.
1-5
د. احمد الشيخ احمد ربيعة

أولا: المفاصل الاساسية في تطور الراسمالية في العراق       
مرحلة الاولى: تاسيس مجلس الاعمار الى تاميم النفط في 1972
 المرحلة الثانية: تاميم النفط 1972 الى سقوط النظام في 9-4-2003
- المرحلة الثالثة : من 9-4-2003 وهي مازالت مستمرة
* تعريف الطفيلية:
* كيف جري ويجري تشكيل هذة القاعدة؟
* ماهي مصادر نمو هذة الطبقة
* بعض الملامح الفكرية والساسية لائتلاف البرجوازية البيروقراطية الطفيلية
ثانيا: المرجعية.
ثالثا: أخيرا وليس اخرا
رابعا:  المصادر

اولا: المفاصل الاساسية في تطور الراسمالية في العراق:
من اجل استيعاب صورة مقاربة للوضع الحالي، لابد من نظرة تاريخية سريعة عن اهم مفاصل او مراحل تطور الراسمالية في العراق، والتي يمكن تقسيمها الى مايلي:
مرحلة الاولى: تاسيس مجلس الاعمار الى تاميم النفط في 1972
2- المرحلة الثانية: تاميم النفط 1972 الى سقوط النظام في 9-4-2003
3- المرحلة الثالثة : من 9-4-2003 وهي مازالت مستمرة.

مرحلة الاولى: تاسيس مجلس الاعمار الى تاميم النفط في 1972

يشكل تاسيس مجلس الاعمار 1951 وتاسيس وزارة الاعمار في العراق دفعة هامة لتطور العلاقات الراسمالية في العراق، لقد اتاح توقيع اتفاقية المناصفة مع شركات النفط  العالمية العاملة في العراق امام الحكومة العراقية وفرة مالية قياسا مع الفترة التي سبقتها مما أهل الحكومة العراقية اطلاق جملة من المشاريع.

في هذة المرحلة يمكن ان نتوقف عند مفصلين مهمين الاول هو ثورة 14 تموز 1958 التي كانت في واقع حالها دافع جديد للعلاقات الراسمالية في الاقتصاد العراقي،فقد ساهمت اجراءات الثورة في زيادة تفكك العلاقات الشبه اقطاعية في الريف واطلاق العنان امام  العديد من المشاريع التي ساهم القطاع الخاص بها اضافة لتعزيز دور قطاع راسمالية الدولة ( القطاع العام) ، ويمكن هنا الاشارة الى قانون الاصلاح الزراعي الذي استولى على مساحات واسعة من الاراضي التي كانت محصورة بايدي قلة من المالكين وتوزيع مساحات واسعة من الاراض على فقراء  الفلاحين وتحديد الحد الاعلي  لملكية الاراضي في الاراضي المختلفة. ورغم التعثر الذي اصاب تطبيق القانون بعد فترة وجيزة من تطبيقه الا ان  هذا القانون بمجملة دفع تطور العلاقات الراسمالية في الريف. وحتى قانون رقم 80 لسنة 1960  الذي حصر حق التنقيب  عن النفط  في معظم الاراضي العراقية بايدي عراقية، ففي واقع الامر اعطى هذا القانون دفعة لتطور راسمالية الدولة وحولها الى سيد في اهم واساس الاقتصاد العراقي الا وهو قطاع النفط. وبحد ذاته فان التحسن الكبير الذي طرا على معظم جوانب حياة المجتمع العراقي وبالذات زيادة مداخليهم المادية ادى و ساهم بتنشيط حركة السوق والتبادل.

ورغم التنشيط الكبير لتطور العلاقات الراسمالية في الاقتصاد العراقي الا ان الحكومة العراقي او ان عموم البرجوازية العراقية لم تستطع ان تجد لها تمثيل في حزب سياسي يكون قابض او مساهم في السلطة او ضاغط عليها كي يحفظ لها  التطورات التي طراْت في الاقتصاد العراقي او يؤمن تطورها اللاحق، بل بالعكس نجدها تامرت على ثورة تموز واسقطتها.
ويلاحظ منذ عام 1957 حتى عام 1959 تم  تخصيص نسبة 70% من الايردات النفطية لتمويل مشاريع البنية الاساسية في البلاد. وخلال الفترة (1960 – 1973)، كانت الايرادات النفطية المصدر الاساسي للميزانية السنوية ولتمويل مشاريع البنية الاساسية وموزعة بينهما بنسبة ( 50% - 50% ). 1

رغم ان انقلاب 8 شباط 1963 قطع الطريق امام تنفيذ برنامج ثورة تموز ورغم الاجراءات التي اتخذها حكم عارف بتاميمات 1964 حيث امم اكبر مؤسسات الراسمال المحلي الا انها كانت ذو اهداف سياسية اكثر من كونها ذو تاثر اقتصادي سلبي موثر في تطور العلاقات الراسمالية  في الاقتصاد العراقي وعموما فان هذه الاجراءات  عززت من راسمالية الدولة،( كان مجموع راسمال الؤسسات المؤممة 21,5 مليون دينار بينما كانت عوائد البترول ذلك العام 126 مليون دينار ويفترض انها تساوي نصف الارباح الناجمة عن استخراج وتصدير البترول. ( صباح الدرة: القطاع العام، بغداد، 1977) نقلا عن الناصري(2). رغم ادعاءات السلطة الساسية المعروفة انئذاك حول شعاراتها الاشتراكية الزائفة، الا انها قامت بتجاوزات على قانون الاصلاح الزراعي وقانون النفط وغيرها. ويوكد عدد كثير من الباحثين منهم الناصري ( لكن الطفيلية الاكبر والاشد ضررا بقيت مستمرة في نشاط وارباح شركات البترول الاحتكارية ، وفي الريع الاقطاعي، وفي ارباح المقاولين وكبار التجار والمضاربين بالعقار والمرابين وغيرهم من الطفيلين)، كان ( تكوين راس المال الثابت للقطاع الخاص قد ارتفع من 55 مليون دينار الى 67 مليون دينار خلال الفترة 64- 1968 وبذلك ارتفعت حصتة من 45% الى 47% )- 3.
ان  اجراءات القادمين الجدد مع انقلاب تموز 1968 سنواتهم الاولى لم تختلف في جوهرها  عن اجراءات سلفهم  حيث ان اجراءاتهم ادت لتنشيط نمو العلاقات الراسمالية في الاقتصاد العراقي .

- المرحلة الثانية: تاميم النفط 1972 الى سقوط النظام في 9-4-2003
     
ادرك القادمون الجدد اهمية الدولة. لقد وفرت اجراءات التاميم في 1972 للدولة وفرة مالية لم يسبق لها مثل في تاريخ  العراق حينذاك . وتحويل الدولة الي اكبر راسمالي في العراق ( من مؤشرات تعاظم  دور الدولة ان حصة   قطاعها من مجموع تكوين راسمال الثابت قد ارتفع من 55% الى 80% من خلال الفترة 1970- 1978 . وكانت النسبة قد بلغت85.5% عام 1975 ويدل تراجعها في السنوات التالية على الزيادة السريعة لاستثمارات القطاع الخاص من الارباح السريعة التي جناها بعد 1973) (4).

 وبالاختصار شديد وبسبب ان هذة المرحلة قد درست من قبل العديد من الباحثين، يمكن الاشارة الى ان الدولة كانت الرافعة الاساسية لفئات عديدة من البرجوازية الصغيرة والمتوسطة الى مصافي البرجوازية الطفيلية. وظهرت امكانية لنشوء تحالف جديد بين البرجوازية الطفيلية والبيرقراطية تحكم باعادة توزيع الثروة مما امن سيطرة هذه الطبقة على الدولة والمجتمع.
ورغم الشعاراتية التي كان يطلقها النظام في الاشتراكية والتحرر وبناء اقتطاد وطني متين وغيرها الا انة في نهاية المطاف قادت العراق من كارثة الى اخرى. لقد كان المنطلق الاساسي لكل سياسات النظام الساقط هو تامين مصالحة وسيطرتة. لقد عززت  القرارات التي اتخذت في مختلف المجالات  ومنها في المجال الاقتصادي، تطور العلاقات الراسمالية في العراق وبالذات الاشكال الطفيلية منها وفي مختلف مجالات الاقتصاد ( بلغت الاستثمارات الحكومية في العراق حوالي 15 مليار دينار خلال السبعينات وقد قدر كبير المسؤولين عن القطاع الاقتصادي نسبة نفقات البناء والتشيد 60% من مجموع الاستثمارات. ورغم توسع قطاع الدولة الانشائي فان حصتة في تنفيذ الاستثمارات الحكومية لم تبلغ 10% وعلية فان القطاع الخاص قد تولى في السبعينات مقاولات بما لا يقل عن 6 مليار دينار جنى منها ارباحا تزيد على المليار دينار وتنطوي على هامش طفيلي كبير)(5)، وحتى في منتصف الثمانيات من القرن الماضي وفي فترة الحصار استمر النظام بهذة السياسة، بل ان مصائر العراقين وشرفهم وضمائرهم وغيرها من مظاهر حياتهم اصبحت متعلقة بالايدي مجموعة من الطفيلين والقتلة وغيرهم وتحولت الدولة العراقية الى الراعي الاكبر للمجتمع من خلال استحواذها على البطاقة التموينية وتلاعبها بقوت الشعب . وكان راس النظام والحلقة الضيقة به ومن تحالف معهم المستفيد الاكبر من تلك الاوضاع.
     
المرحلة الثالثة : من سقوط النظام في 9-04-2008 وما تلاها.

 في 9-04-2003 نفذ الامريكان وحلفائهم خيارهم الوحيد لازاحة النظام الساقط متجاهلين بذلك تحذيرات  دراسات اقتصادية جادة من مخاطر هذا الخيار، لما يتميز الاقتصاد العراقي عشية الحرب من  هشاشة  وضعف وتفكك وبالتالي النتائج المترتبة عن هذه العملية، اي اسقاط النظام بطريقة الحرب. يضاف لذلك تجاهل  المعارضة العراقية لنتائج هذا التغير بالطريقة اعلاه وما يترتب علية من نتائج سياسية، اقتصادية، اجتماعية، ثقافية.
كان افاق تطور العراق اللاحق وبخطوطها الاساسية بعد الاحتلال، قد حسمت مسبقا سواء من جانب الامريكين او من جانب القوى العراقية المؤيدة لهم.
نتذكر هنا المقالات العديدة التي عكست وجهة نظر كهذه منها مثلا مقالات حسن العلوي في جريدة المؤتمر منها ان افاق الوضع القادم هو تطور القوى الليبرالية ومن تنبائته بانتهاء دور القوى الساسية التقليدية بما فيها الحزب الشيوعي العراقي بسب دولة الرفاة القادمة. طبعا اشترك في هذه الحملة الفكرية والسياسية قوى عديدة ومن  مواقع مختلفة.
ان الهدف الاساسي ( للتحرير ) كما اطلق علية حينذاك والذي تحول فيما بعد الى احتلال رسمي، وبعيدا عن التسميات فان الاحداث الان وما سبقتها وما كشف عنه لاحقا القمت اولئك الذين دافعوا وما  زالوا يدافعون عن هذه العملية حجرا عن السبب الحقيقي لهذه السياسية وهي بكلمة واحدة ( النفط).
 ان الامر لا  يحتاج الى مجهود كبير لمعرفة ان الامريكان وحلفائهم بحاجة لخلق قاعدة اجتماعية – اقتصادية – سياسية –ثقافية  تتسند سياستهم على المدى القريب او البعيد وترتبط مصالحهم بشكل مباشر او غير مباشر مع السياسية الامريكية. معتمدين بذلك على تاريخ الاحتلال وبالذات البريطاني السابق للعراق وما توفر من خبرة جديدة في هذا الامر منها تجارب اوربا الشرقية بعد انهيار جدار برلين وبالذات تجربة روسيا.



ظهور القوى الاجتماعية الجديدة طبيعتها وسماتها التاريخية وقدرتها على
بناء الدولة العراقية وفق اسس الديقراطية والوحدة الوطنية.
2-5
د. احمد الشيخ احمد ربيعة

تعريف الطفيلية:

( ان الطفيلي عالة على الانتاج الاجتماعي، يكسب منه مقدارا لا ينتاسب مع مساهمته في عملية تجديد الانتاج، بل قد ياْتي هذا الكسب من نشاط ضار بهذة العملية، وذلك حين ينشط في اغتنام مصاعب المجتمع فيتسبب بتفاقمها. وقد يكون الكسب طفيليا في جزء منه، وهو الجزء الغيرالمبرر اجتماعيا بكمية ونوعية الجهد الذي يبذله الفرد في العملية المذكورة.
ان الطفيلية موجودة في مختلف المجتمعات والاطوار، على الاقل كحالات غير انها تتحول الي ظاهرة طاغية في طور معين من حياة المجتمع، في طور انحطاط نظامة الاجتماعي)(6).
 
كيف جري ويجري تشكيل هذة القاعدة؟

أتسمت السياسية الامريكية في العراق بالتفكيك والتفيت لكل بنى المجتمع وعلى كل المستويات ،( لا ينكر ان عناصرهذا التفكك كان النظام الساقط قد خلقها وعززها في رحم المجتمع والدولة العراقية)، ومن ثم اعادة جمع وتركيب القطع المتشذية ببناء جديد يتناسب والمصالح الامريكية. طبعا هذة العملية معقدة وصعبة، لكن الامريكين كانوا على درجة من المرونة امام الصعوبات اللاحقة لخلق هذا التركيب، والعملية مازالت تتواصل ولم تتكمل صورتها النهائية بعد، هذا اذا نجحوا في مواصلة مخططهم المرسوم مسبقا. ومن هذا يمكن ان نفهم حل الجيش العراقي، انهيار الدولة، اقرار دستور ملغوم، تحرير ثم احتلال، افساح المجال امام تطور المليشيات، شيوع وترسيخ ثقافة السرقة والاغتناء باي ثمن، شيوع الفساد بما لم يسبقه مثيل ، خلق مراكز قوى متعددة وغيرها من الامثلة التي لا حصر لها.

لابد من الاشارة هنا الى صعوبة الحصول على اي احصايئات ولو تقدرية من الدولة او المؤوسسات او غيرها، رغم الجهد الغير قليل الذي بذلتة في البحث عنها، وربما البحث بين الاخبار والحوادث اليومية التي استندت عليها تعزيز الصورة التي احاول الاقتراب منها. ويمكن الاشارة الى ابرز المصادر لاعادة تشكيل هذه القاعدة: 

* جزء من قاعدة النظام الساقط من البرجوازية  الطيفيلية، ، وليس كل القاعدة. يلاحظ ان اسماء العوائل والتجار والمقاولين وغيرهم والتي كانت متربطة بالنشاط الطفيلي ابان النظام السابق تم تهجيرها او هروب اغلبها بعد السنة الاولى او الثانية للاحتلال.
وكذلك جزء اكبر من البرجوازية البيرقراطية سواء كانت سابقا داخل الحزب الحاكم او خارجه. ان اغلب هذه الفئات اندمجت مباشرة بالسياسة الامريكية واصبحت اداة تنفذية فعالة، يمكن هنا الاشارة الى العديد من الاسماء البارزة.
 
* معظم قيادات الاحزاب الطامحة للحكم او التي ارادت ان تلعب دورا مؤثرا فية او اللذين جاءوا الى الحكم او التحقوا فيما بعد به عن الطريق الامريكي، وحتى خارج اطار المجموعة الحاكمة. من الصعب الان ان نجد بين قيادات الاحزاب الفاعلة في الحكم ومنذ 9-04-2003 لم تنزل علية نعمة الثراء وحتى الفاحش منه. هناك تقرير امريكى سري نشر خبر عنة في الصحف يشير الى ان ( كبار المسوؤلين السياسين اصبحوا خلال سنوات قليلة من المستثمرين الرئيسين في دبي ، عمان ، القاهرة، لندن).

* كبار المقاولون والتجار والملاكون العقاريون والمضاربون ( اراضي، عقارات، اموال، تجارة،...الخ).
مثلا في جريدة الصباح في 25-7-08 تشير الى ان ( شيش التسليح ارتفع سعره للضعف خلال شهر واحد. اضافة لارتفاع اسعار العقارات والاراضي، المواد الانشائية ، اسعار الايجارات، اسعار الدور، اسعار بعض المساكن في حي الجزائر بمحافطة البصرة اجتازت المليار دينار. هذا الامر ينطبق على مناطق بغداد كالمنصور والكرادة. المتضررالاول هم ذو الدخول المحدودة).

* فئات واسعة من رجال الدين اللذين انزل الله عليهم خيرة وفضلة بالزنبيل الامريكي وحلفائهم من العراقين. ولا نستغرب تعمم الكثير من الناس العادين بما فيهم اناس لا يرتبطون بطقة السادة الاشراف المعروفة في العراق. هذا يعيد الى الاذهان فترة صعود البعث في النصف الاول من سبعنيات القرن الماضي حيث كانت الشوارب رقم ثمانية أو طريقة حمل المسدس او اللباس ذو مدلول سياسي، نجد الان لبس المحابس الفضية في الاصابع وطريقة حركة اليد لاظاهرها. هذه المحابس تكتسب الان مدلولا  سياسيا يرتبط بالتحول الجديد. طبعا سيزداد دور هولاء مع الايام في تبرير عمليات  النهب الاقتصادي او الاستثمارات الجديدة، سواء كانوا من السنة او الشيعة. يمكن هنا تذكر فتوى رجال الدين السنة في قضايا البنوك الاسلامي في مصر او الخليج. لكن هذا لا يعفي من وجود العناصر الوطنية والشريفة في هذة الاوساط. يمكن ان نلاحظ هنا دعوة المرجع اية الله الشيخ محمد اسحاق الفياض – احد المراجع الاربعة الكبار في النجف – الى الحفاظ على استقلالية الحوزة  وعدم ارتباطها بالدولة والاحزاب الساسية ، مشيرا الى ان الحوزة ( لا تريد مرجعا دينيا وسياسيا) يقول في بيان كما نقلته جريدة الحياة في 15-07-08 ( ان ارتباط علماء الطائفة بالدولة ، وكونهم موظفين، له معناه وهو تسليم الحوزة العلمية للحكومة او الاحزاب معا، وجعلها لقمة سائغة واداة لماْربهما من جانب وسقوط معنوياتهم وقداستهم عند الناس من جانب اخر. وهذه جريمة لا تغتفر ولا تحمد عقباها) هذا الكلام والمخاوف تصدر من مرجع كان قد اصدر بيان قبل عدة اشهر حول بعض التغيرات التي حصلت في الجيش يهدد،  بانه اي تغيرات في الجيش ستودي الي تغير المعادلة الطائفية، وان امرا كهذا لا يمكن السكوت عليه.

* مجاميع الحواسم ومهربي النفط ومهربي المخدرات والعصابات وتجار السلاح وتجار الجنس ومن على شاكلتهم. مثلا اغتيل في كرستان قبل ايام احد الصحفين ويشار ان سبب اغتيالة هو نشره لتقرير صحفي عن علاقات مسؤولين من الحكومة الكردية ( الديقراطي الكردستاني) بتجارة الدعارة. وحسب لجنة النزاهة فان ما يهرب من مدينة البصرة  من النفط الخام يقدر بما قيمته 4 مليار دولار امريكي في السنة، و معروف ان عوائل التهرب في البصرة موجودة منذ ايام النظام الساقط ولكنها الان مرتبط باحزاب الاسلام السياسي الحاكم في المدينة والعراق، كذلك فان مؤاني البصرة مقسمة بين هذه الاحزاب. عن مصدر موثوق ومستقل يؤكد ان مكتب احمد الجلبي عندما كان رئيس مجلس الطاقة كان مقر دائم  لزيارات مهربي النفط العراقي، والويل او الموت لمن كان يعترض على عمليات كهذة او يقوم بكشفها.

* الموظفون الكبار والاستشاريون والكوادر سواء في المؤسسة المدينة او العسكرية، واللذين يحلصون على رواتب عالية جدا، مثلا الراتب الشهري  لرئيس البرلمان هو 65 مليون دينار عراقي في الشهر غير المخصصات. هو ومن على شاكلتهم يحصلون على مقداركبير من الدخل القومي بدون المساهمة المباشرة او الفعالة قي الانتاج. ويمكن هنا ملاحظة ان الكثير من وجوه الحكومة اضافة لمهامها الوظيفية العليا في الدولة فانها تمارس النشاطات التجارية مثلا ( علي الدباغ، موفق الربيعي، الياور وغيرهم)، من المضحك انه لحد الان لم يعلن اي من مسؤولي الدولة وبالذات الكبار او اعضاء البرلمان او القادة السياسين عن حجم املاكه، رغم دعوة او مطالبة لجنة النزاهة بذلك.
ان الكثير من الشركات هي عبارة عن ملك او على صلة بالقادة  السياسين او الاحزاب  المتنفذة في الحكومة، مثلا تحول عمار الحكيم وبشكل رسمي وباتفاق الامريكان ووزارة النفط الى المصدر الاول للنفط العراقي ( نشرت نسخه من  العقد في ايلاف دون ان يصدر اي تكذيب لة). ان التشابك بين مصالح هؤلاء والبرجوازية الطفيلية واضح ومعروف ويكفي ان نشير للامرالمعروف للجميع ان اي مقاولة لا ترسي على شركة او مقاول الا بعد الدفع 25% من اجمالي المقاولة كرشوة مسبقا.
ان التشابك بين جناحي هذة الببرجوازية الطفيلية والبيراقطية يزداد ويتضح بشكل اكبر يوميا بعد يوم اضافة لترابط مصالحها مع الشركات سواء العالمية او الاقليمية او العراقية. وبهذا الرؤية يمكن قراءة البيان الذي اصدره الؤتمر الوطني العراقي في 28 تموز 2008 حول افتتاح الجلبي للمصرف العراقي للتجارة التابع لوزارة المالية العراقية وهو شخص لا يمتلك اي صفة حكومية.
 لا يفوتنا هنا ترابط مصالح هذة الشرائح وسعيها لربط السوق العراقية بالسوق العالمية ومؤسساته وبالذات بالسوق الامريكية.     
* هناك البيرجوازية الطفيلية – البيرقراطية الكردستانية والتي كانت جاهزه للمارسة دورها عند سقوط النظام والتي اتخذ مسار نموها جانب ابطئ من الاولى بعد انسحاب  النظام من كردستان العراق  بعد 1991، حيث كان المردود المالي قليل جدا، ولكن عندما تقرر برنامج النفط مقابل الغذاء والذي حدد فيه نسبة 17% ثم تزايد اهمية الموارد الكمركية سواء للنفط او البضائع من والي تركيا. ادي ذلك كله الى وفره مالية كبيرة لنمو هذه الطبقة تحت خمية الحزبين الحاكمين واقامت او عززت علاقات وثيقة بهما.
ان التحالف الحكومي الحالي هو التزاوج الحقيقي لهاتين البرجوازتين العربية والكردية

51
هل فتح المالكي باب جهنم؟

د. أحمد الشيخ أحمد ربيعة

بهجومه على البصرة، يكون المالكي قد خطا خطوة غير مسبوقة بحدتها باتجاه ضرب المليشيات وعصابات التهريب والجريمة المنظمة في البصرة المنكوبة بحكامها الجدد والتي اصبحت اقبح واسوء صورة للمشروع الإسلامي المنتظر والأحق فان وضع البصرة اصبح وسيبقى هكذا وصمة عار في جبين الإسلاميين المتحكمين في وضع المدينة وفي عموم وضع العراق.
 ويبدوا ان صعوبة الكتابة في هذا، رغم كثرة الكتابات في هذا الموضوع، نابعة من طبيعة الأجندات  الغير معلنة او السرية للأطراف المحيطة بهذا المشكلة. والكثير من هذه الأطراف أراد بشكل أو بآخر أن يعتاش على هذه المعركة ضاربا كالعادة بمصالح المدينة وسكانها الذين يتحملون بالدرجة الأساسية إثم إيصال هؤلاء السر سرية والقتلة ومن على شاكلتهم الى سدة الحكم في المدينة او في عموم العراق.
  فالمجلس الاعلى وجد في ذلك الامر ما يسهل له مستقبلا بازاحة الصدريين باتجاه مشروعه الفيدرالي الطائفي التقسيمي المعتمد أصلا على البصرة والعمارة، والذي لا يتوانى من اجله تحويل عمائم المجلس سوداء كانت ام بيضاء الى ماسحات للمرافق الصحية في البيت الابيض الامريكي. اضافة لتفتيت القاعدة التي اوصلت المالكي الى رئاسة الوزراء مما يفتح الطريق مستبقلا بعد انتهاء صلاحية المالكي امام مرشح المجلس القادم، ثم اعادة شئ من ماء الوجه، فالمعروف ان اي صدامات للصدريين مع مليشيات المجلس وقواته البدرية والتي تم إعدادها بشكل جيد سابقا، سواء التي حدثت في كربلاء او النجف او مدن عراقية أخرى وفي فترات سابقة. فإن قوات المجلس الاشاوس يلوذون بالفرار مع الساعات او بالاحرى الدقائق الاولي للقتال، رغم كون المجلس أثبت  فاعلية ونشاطا مرموقا في عمليات الاغتيال والتهجير وإرهاب الناس وغيرها من الامور المعروفة. فانهم يخوضون هذه العملية بواحهة القوات الحكومة المدعومة بالاسلحة الثقلية.
وعلى الجانب الاخر برز الجعفري والجلبي والنجيفي بملابسهم االبيضاء الملوثة باوساخ الطائفية والانتهازية السياسية والمصالح الضيقة وغيرها ليلعبوا دور الوسطاء  بين الحكومة والصدريين. هذه الدعوات الغير نزيهة لم تجد لها اي صدى  بين اقرب الاطراف لهولاء. من جانب اخر يعكس هذا الامر جحم الصراع بين تيار المالكي والجعفري والذي هو مرشح لياخذ أبعادا أكثر في القريب العاجل.
رغم الشعارات البراقة التي يرفعها الصدريون والتي تلامس بعض مشاعير العراقيين إلا أنهم كانوا في واقع الامرمع سرسرية جيشهم، واحد من أسوء القوي التي دمرت البصرة، ورغم تركزهم في مناطق شعبية محددة الا انهم يعرفون  حجم الرفض الذي يخصهم به البصاروة كما يخصون به كذلك وبنفس القوة عموم الاحزاب الإسلامية في البصرة. وحتى مناوراتهم السياسية بتحويل امر جيش المكبسلين كما يطلق عليهم في البصرة الى المرجعية ( الصامتة ) ماعادت مقنعة لأحد. وهناك  رأي  يظهر انه اخاذ في النمو في اوساط غير قليلة من العراقين، بان المرجعية التي ورطتهم بفتواها بدعم قائمة الاتئلاف ومن ضمنهم الصدريين، يبدو أنها غير معنية بالمصير الذي اصاب العراقيين نتيجة سلوكها هذا والنتائج التي ترتبت عليها. واراد الصدر ان يكشف عن مدي عمق صمت المرجعية وخاصة في قضية الموقف من الاحتلال ومن جيش المهدي الذي يدعي الصدرانه شكله من اجل إخراج المحتل، بل وبالأحرى موقفها من عموم مستقبل العراقيين.
ورغم الصراعات العلنية والخفية بين  الاحزاب الاسلامية الشيعية المتحكمة في البصرة المنكوبة أصلا منذ أيام النظام الساقط والذي لايعدو كونه صراع سياسي علي مركز السلطة والنفوذ، الا انهم يدركون من جهة أخرى أن سقوطهم في البصرة هو مقدمة لسقوطهم في عموم العراق. لذلك يسعون بكل الأشكال إبقاء حالة المدينة على حافة التوتر الذي لا أعرف الى أي حد سيستمرون به وكانهم  يعيدون بذلك  تجربة النطام الساقط. وهم وان اختلفوا الا انهم  لا يختلفون في ضرورة أسلمة المجتمع (الوجه الجديد  لتبعيث المجتمع  ) البصراوي كطريق لإدامة الخوف والإرهاب على أبناء البصرة. وكل هذا من اجل التاثير على العوامل التي قد تساهم في اعادة توزيع النفوذ على اسس المحاصصة داخل التيار الواحد. فالموقف لم يكن صادقا تجاه المليشيات وإرهابها وعصابات الجريمة المنظمة واستشراء الفساد والارتباطات الايرانية وغيرها من قباحات اعمالهم. فالكل بدون استثناء متورط بهذا الامر.
فالعامري كمسؤول لقوات بدر يساوي بين جيش المهدي والقاعدة كونهما فقط من حمل السلاح ضد الدولة والجيش. ويتناسى  المليشيات الأخرى العلنية والسرية والتي ترتبط بشكل اخر بالمجلس او بإيران. ويرسم صورة جميلة لتحويل منظمة بدر الى مؤسسة غير مسلحة من خلال استيعاب أغلب عناصرها في تشكليلات الحكومة المسلحة وقسم اخر جرى استعابه بشكل اخر. وهذا اعتراف وتاكيد ضمني لما يطرحه الصدرويون للوجه الجديد لقوات بدر بمعنى انه جرى اعادة هيكلة لمليشيات بد ويشكل جديد وإلا لماذا جرى معالجة قضية بدر خارج إطار مشروع وطني لحل المليشيات وخاصة أنه توجد لجنة خاصة لدراسة مسألة حل المليشيات.  وبالمناسبة فان كل الأحزاب الشيعية في البصرة تسيطر بشكل أو بآخر على قسم من التشكيلات الحكومية المسلحة كواجهة لها وهذا الامر معروف للجميع. يعني مليشيا حزبية جزء منها تستلم رواتبها من الدولة.
ان الأحزاب  الإسلامية الشيعية تدرك رغم صراعها بان اي خلخة في قبضتها الإرهابية على البصرة، فإنه  سيؤدي لعودة الحياة الطبيعية لمدينة تعشق الفرح والتسامح والثقافة والابداع والجمال وغيرها من وجوه الحياة المتالقة والكريمة. وفي ظل هذه الأجواء يمكن قراءة  اغتيال قائد شرطة الحلة اللواء المعموري الذي اراد ان يحد من سلطة المليشيات في محافظة بابل ومن ثم عملية نقل مسوؤل قيادة العمليات في البصرة الفريق الركن موحان حافظ  وقائد شرطة محافظة البصرة اللواء الركن عبدالجليل خلف الذي أشار الى أن بعض الأحزاب  في البصرة مصممة على الفوز في الانتخابات المقبلة بالقوة كما فعلت خلال الانتخابات السابقة. ويمكن الاشارة هنا الى المبالغات والتي يبدو أنها متعمدة،  والتي ترافقت مع ارتخاء قبضة المليشيات وعودة بعض مظاهر الحياة الطبيعية في البصرة  والتي كانت تشكل جزءا من حياة المدينة السابقة منذ ان وجدت، مثل بيع الخمور ومسارعة السنيد للتصريح بإسلامية المجتمع العراقي واستخدام الدستور كيافطة لذلك. إنها تأكيد على سير القوى الإسلامية وأحزابها المتحكمة في الدولة على المواصلة في أسلمة المجتمع العراقي ولو تطلب الأمر إدخال الناس الى الجنة بقوة العصا. ثم إنها تنبه لخطورة عودة الحياة الطبيعة او المدنية للبصرة على سلطة الاحزاب  الاسلامية ومشاريعها، وبالتالي دعوة لقوي الإسلام السياسي وبالذات الشيعي لحل محاصصاته بشكل آخر وتقليل قوائم الاغتيالات التي يبدو أنها ستطول عند كل طرف والتي ابتدأت بمحاولة اغتيال الصغير ولا يعرف بمن ستنتهي.
الامريكيون وحلفاؤهم البريطانيون فالمياه كانت تصب في طواحينهم، وإدعاءاتهم من أن المالكي اتخذ قراره دون التنسيق معهم، لا يعدو هذا الأمر إلا كذبا في بلد اصبح الكذب والاحتيال اهم ميزات الحياة السياسية. والا كيف يستطيع المالكي أن يحرك قوات بهذا الحجم دون علم الأمريكان ا لذين يتحكمون بكل مفاصل الجيش. ثم دعوتهم المثيرة للاستغراب لاحتواء التيار الصدري. الامريكيون وحلفاؤهم لن يكونوا مشغولين اقلها كما يقال في الوقت الحاضر او القريب بحل المليشيات بقدر ما هم منشغلين بخلق توازنات بين التيارات السياسية والمليشيات وحتى العصابات إن تطلب الأمر سواء علي جبهة الاحزاب الشيعية او الاحزاب السنية. انهم يسعون لخلق وتعزيز مواقف او جبهة توافقية يمكن خرقها بقدر من السهولة بدلا من جبهة اوموقف وطني موحد، خاصة انهم على ابواب المفاوضات لعقد اتفاقية امريكية عراقية، اضافة لقانون النفط وغيرها. ان هذه الصراعات يتم دوزنتها بما يخدم المصالح الامريكية وستبقى بدون خاسر او رابح وتجربة اقتتال الاحزاب الكردستانية في التسعنيات وقتالها خير شاهد على ذلك.
  إن تدهور الأوضاع في البصرة  وترعرع العصابات والمليشيات لم يكن بعيدا عن أعين القوات البريطانية ويحملهم البصاروة جزءا كبيرا من هذا الامر.  ربما بعد تطمين المصالح الامريكية بشكل رسمي سيتوجهون الى المليشيات والعصابات سواء عن طريق استيعابها او عن طريق حلها او اي شكل اخربما فيه التصفيات، فهم اصحاب خبرة واسعة في هذا الامر.
المالكي بخطوته هذا والتي هي بجاجة الي الدعم والمساندة طرح من جديد على بساط البحث وبقوة، انه لا يمكن احياء المشروع الوطني العراقي في ظل سلطة المليشيات وعصابات الإجرام والإرهاب والفساد. من جهة اخرى اكدت الاحداث ان المالكي او غيره ومدى مصداقيته في طرح او اتخاذ مواقف وطنية جادة فان يديه  تبقى مغلولة الى عنقه بسب نظام المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية ، الذي هو نتاجه.       

 

صفحات: [1]