قصة قصيرة
شيء من الحب
أثار يوحانا
أغمضت عيني لتتبخر وتذوب أشباح الذكريات القاسية لكنها عادت إلى الذاكرة أكثر عناداً وإلحاحاً . شعرت بألم بلا اسم أو شكل يمتص بقايا فرحة باهتة . رميت بطانيتي جانبا لأسمع نغمات موسيقى هادئة كنت احتفظ بها وبعد لحظات تباطأت الاسطوانات القديمة وبدأت ترسل أصواتا ً غير متجانسة . أطفأتها.. شغلت المذياع .. وكانت أخبار عن الحروب والمفاعلات النووية .. قلبت الموجات غناء بشع في هذه الموجة ، وأخبار عن اغتيالات في مناطق مختلفة في الموجة الأخرى .. وأنباء قتل أشخاص أبرياء ومجهولي الهوية في هذه الموجة .. عاودني نفس الألم أطفأت المذياع عدت إلى السرير وبحالة عصبية ، بدأت اقلب صفحات مجلة كثيرة الصور ، فارغة المعنى وضعتها بسرعة في مكانها وكأنني أتخلص من جرب خبيث . مددت يدي إلى كتاب متروك في إحدى الأركان بدأت اقلب بصفحاته رأيت إن الكلمات تبدو ميتة ، والحروف حزينة كأنها متهددة . أغلقته هو الأخر وقمت من السرير ضجرة أحس بالاختناق يطبق على أنفاسي . فتحت النافذة على مصراعيها . لا جديد البشر هم البشر والعبوس والفرحة يتعاقبان . يوم لك ويوم عليك . الأطفال متسخو الثياب يقومون ببناء بيوت من التراب وهدمها وأطفال يقومون بلعب لعبة العريس والعروس ، وبدأ الأطفال بالرقص وبعد لحظات تغير كل شيء بدأوا بالقرص والضرب المبرح ، وانتهى كل شيء وقلوبهم منكسرة لان بعضهم غير قادرين على الحب .
أقفلت النافذة وأمسكت بيدي رأسي الذي يعثو (لبرهة عدت إلى السرير البارد أخذت قلما وأوراقا ً بيضاء كثيرة وبدأت بكتابة الرسالة الأولى إلى صديقتي الراحلة .. والرسالة الثانية إلى إذاعة صوت السلام .. والرسالة الثالثة الوردية الورق إلى شخص رقيق .. تواصلت الكتابة وحجم الرسائل يكبر سيحبونني حينما تصلهم رسائلي التي ستحرك الجليد ويحدثونني عن حبهم وإخلاصهم لي ويبعثون لي بهدايا لتأكيد اهتمامهم بي .. سيطرقون باب بيتي ذات يوم ويدعونني إلى فسحة قليلة التكليف كثيرة المشاعر .. وضعت كل شيء في مكانه وسرت إلى مرآة الدولاب ضاحكة كأنني لم أكن قبل قليل مملوءة بالضجر والوحدة . تأملت نفسي في المرآة ..لا بأس خطر ببالي فكرة .لبست ، تكحلت ، تعطرت ، ثم خرجت .. قوة جديدة تجري في كل أنحاء جسدي أودعت الرسائل كل واحدة إلى صاحبها والبقية في مكتب البريد وانطلقت إلى حيث البشر كيوم الحشر رأيت أناس المدينة البؤساء لا يبحثون أبداً عن أماكن دافئة تمتص تعب أيام الأسبوع المضجرة ودخلت بينهم مملوءة بإحساس وهمي يوحي لي باندماج ذاتي بين هذه الذوات اليابسة .. عيونهم مفتوحة حد الاندماج لكنها عمياء وحركات تمثيلية لجلب انتباه الآخرين وعطور قوية مثيرة .. وبينما انظر هنا وهناك وجدت شخصا ً جميلا ً جذابا ً بدأت انظر إليه فقال لي _ أنتِ التي تنظرين إلي هكذا بإلحاح .. هل أعجبتك ؟ لزمت الصمت والدهشة لتصرفه الغريب . وأكمل كلامه وهو واثق من نفسه .. ما رأيك في نزهة هادئة معي ؟ لم اجبه وبدأ ينظر إلي نظرة غريبة .. فقلت له أنت أيها القاسي الباحث عن متعة عابرة . ماذا تريد مني أنا الباحثة عن الطمأنينة والآمان . فأجابني بكل قسوة وقال أنا ابحث عن متعة لنفسي . لقد تلاشت الرغبة بداخلي بافتراق بارد إلى الأبد ؟ وفي الحال اختفت الفرحة التي رسمتها قبل قليل أمام المرأة . إستيقظت من الحلم والصدمة وأنا أحس بألم حاد وانظر إليه بنظرات عاتبة ، عندها أدرك بأنني أحسست فأشار برأسه معتذراً راسماً ابتسامة بلهاء على فمه المتداعي حتى كلمة (سامحيني ) لم يقلها بصورة لطيفة لقد قالها وهو بعيد ثم ابتلعته الأمواج البشرية الكثيرة الموجودة على الشارع وانسحبت بسرعة ولنا محتملة الجرح ، وعدت إلى المنزل وعند دخول المنزل رأيت إن الأطفال قد عادوا إلى طقوسهم الصبيانية . وبدأو يلعبون من جديد وهم يغنون أناشيد المدرسة وأغاني جميلة صافية عذبة حاولت أن أشاهد أفراحهم من خلال النافذة وانتظاري لبريد الغد قد يحمل لي رسالة من كل الأشخاص الغائبين عني والمفعمين بالحب والدفء . وفي الختام أقول لهم افتحوا الأبواب للمشاعر ولا تتركوها تضيع في وسط مشاكل الكرة والعتمة واجعلوني أجد إنسانا ً واحدا ً يمنح وردة بدلاً من أن يطعن في الخلف.
--------------------------------------------------
* نشرت في جريدة (صوت بخديدا) العدد (40) تموز 2007