عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - مهدي كاكه يي

صفحات: [1]
1
الكورد... ووهم كرسي رئاسةالجمهورية

صفوت الجباري

 منذ سقوط النظام الصدامي الدموي اصبح هناك عرفا سائدا في توزيع المناصب الرفيعة في الدولة الجديدة، وبات كل طرف يستحوذ على احدى المناصب الثلاث (رئاسة الجمهورية والوزراء والنواب) وكأنه موروث واستحقاق لا جدال فيه ومن غير اي مسوغ قانوني او دستوري او حتى استفتاء شعبي ... وبالشكل التالي... رئاسة الجمهورية للكورد ورئاسة الوزراء للشيعة ورئاسة  البرلمان للعرب السنة.... وبالرغم ان الشيعة والسنة استفادوا أيما استفادة من تولي  هذين المنصبين الفعالين و تمكنوا من خلالهما تحقيق الكثير من المكاسب القومية  والطائفية والفئوية الا ان الكورد  كان ولا يزال هو الخاسر الاكبر من هذا التوزيع الكيفي، مع انه كان لدوره ومن خلال تضحياته الجسام، التأثير الاكبرسواءا في عملية اسقاط النظام ميدانيا وفعليا او في قيادة المعارضة العراقية في الداخل والخارج ابان حكم النظام السابق، الا ان الحصيلة كان منصبا  شكليا بروتوكوليا هشا وفارغا لا يقدم ولا يؤخر في شئ وكما يقول المصريون  منصب (لا يهش ولا ينش) ولم يستطع ان يحقق للكورد اية مكاسب او حتى الاحتفاظ بالمكاسب المتحققة او العمل على تطبيق الدستور العراقي الذي صوت له ثمانون بالمائة من الشعب وذلك لضآلة صلاحيات هذا المنصب و محدودية تأثيره على مجمل السياسة العامة للدولة وبالاخص الداخلية منها التي تهم الكورد بدرجة رئيسية، وانا بتقديري الشخصي فان هذا المنصب لم يحقق الا بعض المكاسب الشخصية والطموح الجامح لبعض القادة الكورد في تولي هذا المنصب كحلم شخصي او كتعبير عن الحرمان من تهميش الكورد طيلة عقود من الزمن..... .

ان هذا الوهم  الهدام  الذي سلب ألباب وتفكير اهم قائد كوردي وهو المناضل مام جلال الذي تطلب منه توجيه جل اهتماماته ووقته لمستلزمات والتزامات هذا المنصب والتفرغ لمدة ثماني سنوات  للايفاء بمتطلبات هذا المنصب البروتوكولي التمثيلي والعراقي بامتياز مما ضيع عليه فرص مهمة في الالتفات الى ما يجري في كوردستان   سواء داخل حزبه او في التاثير على الوضع الكوردستاني الداخلي الذي كان يتطلب عملا دؤوبا وشاقا من اجل تقوية  صفوف الاتحاد الوطني وتربية وخلق  كوادر حزبية  جديدة للعمل  السلمي والمدني الذي يتناسب مع الوضع الجديد بعد سقوط النظام وتسلم السلطة الفعلية في كوردستان والتخلي عن الاساليب  القديمة في تربية وتهيئة الكوادر النضالية لظروف العمل السري او القتال في الجبال.... تلك الكوادر الجديدة و التي من المفترض ان تكون بدائل جاهزة للمستقبل  ليحلوا محل الكوادر القديمة سواءا من القيادات العليا او المستويات الادنى التي ستترك هذه المواقع و المناصب بفعل  تقدم العمر او المرض او الوفاة  ... كل هذا قد فسح المجال واسعا امام الجانب الاخر المنافس ان يتصرف بالضبط بالضد من هذا التوجه والتركيز على الوضع الكوردستاني ولملمة شمله وتقوية مراكزه القيادية والسيادية والبرلمانية بل وحتى على مستوى الشارع الكوردستاني  وبغض النظر عن الوسائل المتبعة لبلوغ هذه الاهداف.... و كانت النتيجة واضحة في تقدم هذا المنافس اشواط كبيرة في ظل تقهقر الاتحاد اضافة الى الانقسامات الحادة فيه الواحدة تلو الاخرى كانشقاق المرحوم نوشيروان مصطفى وتأسيسه لحركة جديدة (التغيير) وتذبذب بعض القيادات الاخرى المهمة وتسلل بعض القيادات الى صفوف الجانب الآخر... وتوج هذه النكسة بوفاة الزعيم الأوحد للاتحاد المرحوم مام جلال مما ترك فراغا واسع النطاق لم تسد لغاية هذا اليوم اضافة الى الصراعات الداخلية في عائلة الرئيس نفسه، والتي كادت ان تصل الى حد التصفيات الحزبية والتهديد والوعيد والاقصاء بين ابناء واقرباء الرئيس مام جلال.

ان مجمل هذه الاحداث والتوجهات في التحليل النهائي قد ضيع على الكورد فرص ذهبية لم يستطع استغلالها كونه كان يتسيد الموقف السياسي ويسيطر على توجيه الاحداث والمجريات لانها كانت الجهة الوحيدة المنظمة والقوية وتمتلك قوة  سياسية وعسكرية جاهزة ومتمرسة ..... في الوقت الذي كان الجانب العربي غارقا في تناقضاته وخلافاته التاريخية الموروثة منها  والمستجدة.... وكان دور المرحوم مام جلال ومن من خلال كاريزما شخصيته المعروفة ومنصب الرئاسة هو محاولة لم الشمل العراقي واعادة اللحمة والانسجام الى المكون العربي المتشذرم ...  والتي حينما يقوى عودها وتتوحد ولو شكليا يكشر عن انيابه للكورد ويحاول التنصل عن المكتسبات الكوردية وكأنها منية وهبة من الاخوة العرب للكورد متناسين ان الكورد كشعب وكحقوق هم الاقدم تواجدا في بلاد الرافدين من العرب انفسهم والاكثر استحقاقا لكل الحقوق التي يجب ان يتمتع بها اي شعب بدءا من الحكم الذاتي والى حق تقرير المصير وانشاء الدولة الكوردية المرتقبة حالهم حال كل شعوب الارض قاطبة.
 
 ان التنصل عن كل  الاتفاقات والالتزامات الدستورية بالاخص في تطبيق المادة 140 كان ديدن العرب بسنتهم وشيعتهم والى يومنا هذا، بل  قد وصل الامر الى بعض الوجوه الشيعية المعروفة بعداءها للكورد ك(حنان الفتلاوي) مثلا بالتفاخر وامام الاعلام بانها قد عملت وبقصد وباصرار وتحدي على تاخير واحباط تنفيذ المادة المذكورة من دون اي وازع او خوف من المحاسبة والمساءلة ..... وفعلا لم يستطع الرئيس مام جلال حتى توجيه لوم او عتاب ولا أقول المحاسبة القانونية المفترضة كونها ساهمت مع مثيلاتها في اشعال فتيل خلاف بين مكونات الشعب لم ينطفئ أوارها وآثارها المدمرة الى يومنا هذا.
   وبالعكس من هذا كله فلو حاول الكورد الاصرار على التمسك باحدى المنصبين الآخرين (مجلس الوزراء التنفيذي او مجلس النواب التشريعي) او على الاقل السعي لاشغال بعض الوزارات المهمة كالداخلية والعدل والدفاع او الامن الوطني فان ذلك كان سيغير الكثير من المجريات لصالح الكورد وبالذات  فيما يخص تحقيق اهداف الكورد الرئيسية والحيوية المهمة ورفع الظلم والحيف التاريخي عن الكورد وبالاخص فيما يخص ارجاع المناطق الكوردستانية المعربة الى الجسد الكوردستاني ورفع الحيف التاريخي الذي لحق بكورد هذه المناطق التي كانت محرقة لهم ايام صدام مثلما هي حسرة على قلوبهم اليوم ان يتنفسوا الصعداء بل ومحرومون حتى من ان يرفعوا صوتهم عاليا او يتفاخروا بعلمهم او نشيدهم الوطني كما هو متاح لبقية مكونات كركوك والمناطق المعربة... وهم ليسوا  في واقع الامر سوى أسرى ومواطنون من الدرجة الثانية او الثالثة في ارض آباءهم واجدادهم، وفي بلد يقال عنه ان رئيسه كورديَ!!!!!.

والآن لنعرج قليلا على ما (تحقق) للكورد بفعل هذا المنصب الوهمي والواهي.... لم يطبق اي نص من بنود المادة 140 الدستورية التي كان من المفترض ان تكون كل بنودها قد نفذت بنهاية عام 2007 التي كانت تتألف من تطبيع الاوضاع واعادة الوحدات الادارية المنسلخة من كركوك كجمجمال ودوز وكفري وكلار.... وارجاع المستوطنين الذين جلبهم صدام من الوسط والجنوب الى اماكنهم الاصلية واجراء الاستفتاء في كركوك حول تابعية المحافظة .... ومام جلال بكل وزنه وعظمته لم يستطع حتى من اعادة الوحدات الادارية الكوردية الى كركوك حتى...
و في عهد الدكتور فؤاد معصوم الذي كان مشغولا بتعيين بناته مستشارين له اكثر من انشغاله برفع الحيف عن الكورد وكوردستان. وفي عهد الدكتور برهم صالح الذي جاء للمنصب وهو يوعدنا بالكثير الكثير من المكاسب وعلى رأسها تنفيذ المادة 140 لم نجني منه نحن اهل كركوك سوى الكلام المزوق والمنمق لا غير.
 
والان بعد كل هذه التجارب المرة التي تم سردها لايزال التنافس على أشده بين الحزبين على هذا المنصب الخاوي وكأن كل مشاكل الكورد ستنتهي اذا ما تقلد (كوردي آخر هذا المنصب الفاخر)
 صفوت الجباري
21 شباط 2022
safwatjalal@hotmail.com

2
الساسانيون كانوا كورداً ولم يكونوا فُرساً (2 – 2)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة تطرقنا الى عشرة براهين التي تؤكد على كوردية الساسانيين. في هذه الحلقة نواصل سرد المزيد من الأدلة التي تُثبت أن الساسانيين كانوا كورداً.

11. اللهجة الهَورامية الكوردية هي نفسها اللغة الپهلوية التي كانت لغة الساسانيين، حيث يذكر العلّامة مسعود محمد بأنه جاء في كتاب (المعجم في معايير اشعار العجم) لمؤلفه شمس الدين محمد بن قيس الرازي ما ترجمته من الفارسية الى العربية ما يلي: {وجدتُ أهل العراق مشغوفين بإنشاء وإنشاد الفهلوية (الپهلوية)، بل أنّه ليس من لحن لطيف جاء من القول العربي والغزل الدري (الفارسي) هزّ قلبهم وطبعهم مثل:

{لحن أورامَن (هورَمان) وبيت پهلوي}[17]. البيت الشعري (لحن أورامَن (هورَمان) و(بيت پهلوي) يُشيد بالغناء الهورَماني وأنّ لحن الغناء مرتبط بِلغته وهذا يشير بِوضوح أنّ اللهجة الهَورَمانية هي اللغة الپهلوية.

بالنسبة للفُرس، تمّ إبتكار لغة فارسية جديدة مع إختفاء الحُكم الأشكاني في سنة 226 ميلادية ومجئ الساسانيين للحُكم. هذه اللغة الجديدة المُستخدَمة في العهد الساساني، تُسمّى (اللغة الپارسیکية) للتمييز بينها وبين اللغة الفارسية القديمة والفارسية الحديثة[18]. كون اللغة الپهلوية (الكوردية) لغة الساسانيين وتكلّم الفُرس بِلغة أخرى وهي (اللغة الپارسیکية)، يؤكد على كوردية الساسانيين.

12. كان الساسانيون يقومون بِتمجيد (كاوا الحداد) الكوردي، حيث كان إسم علَم هذه الإمبراطورية هو (علَم كاويان) وكلمة (كاويان) مأخوذة من إسم (كاوه الحداد) الذي يُقال أنه قتل الملك الظالم (ضحاك) الذي جعل من صدرية حدادته علماً[d]. كان إرتفاع العلَم (12) ذراعاً وعرضه (8) ذراع وكان مصنوعاً من جلد النمر ومُرصّعاً بالياقوت واللؤلؤ والمجوهرات.

في معركة القادسية التي جرت بين العرب المسلمين والدولة الساسانية في سنة 636 ميلادية، إنتصر المسلمون العرب على الساسانيين، فإستولوا على هذا العلَم وأعطوه للخليفة (عمر بن الخطاب) مع إثنتَين من بنات الملِك الساساني (يزدكورد) اللتين تمّ أًخذهما كسبايا واللتين كان إسمَيهما (شاهژنان أو کَيبانو) و(شاربانو)، حيث أخذ محمد بن ابو بكر الصديق (شاهژنان) زوجةً له و أخذ حسين بن علي بن أبي طالب البنت (شاربانو) زوجة له وهي والدة إمام الشيعة (زين العابدين إبن الحسين). تبنّي الساسانيين لِعلَم كاوه دليل آخر على إنتماء الأسرة الساسانية الحاكمة الى الشعب الكوردي[19].

13. الكتاب المعنون (التاريخ الصغير) لِمؤلف سرياني نسطوري مجهول (ولادته كانت بعد عام 680)، يتحدث عن تاريخ الكنيسة النسطورية ويسرد أحداثاً تاريخية مهمة التي حصلت خلال القرنَين السادس والسابع الميلادي. يسرد الكاتب في صفحات 100 - 102 من هذا الكتاب معلومات مهمة عن أصول الساسانيين وعن القائد الساساني (هُرمَزدان Hormazdān) الذي كان قائداً عسكرياً لمنطقة (خوزستان). تمّ أسر هذا القائد من قِبل القوات العربية – الإسلامية الغازية في عهد عمر بن الخطاب وثمّ تمّ قتله من قِبل المسلمين بعد أسره. يقول مؤلف الكتاب أنّ (هُرمَزدان) هو إبن عم آخر ملوك الساسانيين (يزد كورد الثالث) وحفيد الملِك (أردشير پاپَگان)، حيث أنه يذكر أنّ هذا القائد الساساني ينتمي  الى أسلاف الكورد الميديين. كما أنّ (Paravaneh Pourshariati ) يذكر أن (هُرمَزدان) كان من سكان ميديا[e]، أي أنه كان ينتمي الى الميديين. المصدران السابقان يشيران بوضوح الى أنّ الساسانيين كانوا ينتمون الى أسلاف الكورد الميديين وهذا دليل آخر على كوردية الحُكّام الساسانيين.

14. مقاومة سكان الإمبراطورية الساسانية للغزو الإسلامي العربي إنحصرت بشكلٍ رئيس في المناطق الكوردستانية، مثل (شارزور) و(الموصل) و(حلوان) و( نهاوند) و( جلولاء) الذين دافعوا عن الحُكم الساساني الكوردي، بينما لم تكن هناك مقاومة كبيرة ضد هذا الغزو في المناطق غير الكوردية. دفاع الكورد عن الدولة الساسانية كان دفاعاً عن دولتهم الكوردية وحكمهم الكوردي.

15. في قصيدة شعرية له كتبها قبل أكثر من (100) مائة سنة، يقول الشاعر الكوردي، حاجي قادر كۆيى (1817 – 1897 م)، أن الساسانيين هم من الكورد، حيث يذكر بالإسم الملكَين الساسانيَين، (أردشير) و (قُباد) و يتشكى فيها من إهمال تدوين تأريخ الشعب الكوردي باللغة الكوردية. أقتطف هنا من قصيدته الشعرية هذه الأبيات التي قمتُ بترجمتها من الكوردية الى العربية:

إذا لم يرغب الكوردي في تعلّم لغته الأُم
مِن المؤكد أنّ أُمّه عاهِرة و أباهُ زانٍ
تعالَ لأُحدّثك عن أمور تجهلها!
عالَم السياسة جميلٌ إذا أتقنتَ فنونه
(صلاح الدين) و (نور الدين) الكورديان
و (عزيزان)* ال(جزيرة) و (موش) و (وان)
(مهلهل)** و (أردشير) و الأسد (ديسم)***
(قُباد) و صقور أمراء أردلان
هؤلاء كلهم كورد خالصون لا شك فيه
بسبب الجهل و الأمّية، إختفوا من صفحات التأريخ
الكُتب و الألواح و الوثائق التأريخية
لو تم تدوينها عبر التأريخ بِلُغتنا
لخلّد التأريخ ملوكنا و حُكّامنا و أمراءنا
و لَبقوا نجوماً متلألئة تُنير صفحات التأريخ

* (عزيزان) هم أجداد (البدرخانيين)، الذين حكموا أجزاء من كوردستان (مناطق الجزيرة و موش و وان" في زمن الخليفة عمر بن الخطاب.

** (مهلهل) هو (مهلهل شازنجاني) الذي تغلّب على السلجوقيين في مدينة (كرماشان) و أصبح يحكم مناطق كرماشان و خانقين و كفري و كركوك و شهرزور و سيروان.

*** (دَيسَم) هو الحاكِم الكوردي الذي حكم أذربيجان في زمن الدولة العباسية.

هكذا فأنّ المصادر الرصينة التي نستند عليها، تؤكد على أنّ الساسانيين كانوا كورداً وأنّ معركة القادسية التي وقعت بين المسلمين العرب، بقيادة سعد بن أبي وقاص و الساسانيين في عهد آخر ملوكهم، (يزدكورد الثالث)، كانت معركة بين العرب و الكورد، إلا أن محتلي كوردستان قاموا بتزوير التأريخ و سرقة التأريخ الكوردي و إعتبروا الساسانيين من الفُرس.

أسماء الملوك الساسانيين
نذكر هنا أسماء ملوك الساسانيين الأربع و العشرين، الذين دام حكمهم لمدة أربعمائة و ستة و عشرين عاماً (224 أو 226 – 651 م) التي هي كالآتي، مرتبة حسب التسلسل الزمني لحكمهم :

1. أردشير الأول
2. شاپور الأول
3. هرمز الأول
4. بهرام الأول
5. بهرام الثاني
6. بهرام الثالث
7. نَرسي
8. هرمز الثاني
9. آزر نرسي
10. شاپور الثاني
11. أردشير الثاني
12. بهرام الرابع
13. يزدكورد الأول
14. بهرام الخامس
15. يزدكورد الثاني
16. هرمز الثالث
17. فيروز الأول (پيروز الأول)
18. بلاش (وەلكاش)
19. قُباد الأول (كوات)
20. خَسْرَو الأول (أنوشيروان العادل)
21. هرمز الرابع
22. خَسْرَو الثاني (پَرْويز)
23. قُباد الثاني
24. يزدكورد الثالث

يذكر حمدالله المستوفي في كتابه "نزهة القلوب" الذي كتبه في القرن الرابع عشر الميلادي، بأن الملِك (خاسرو الأول) قام بتنظيم الضرائب و الجيش و سجلات الدولة. في عهد هذا الملِك تم جلب كتاب "دليلة و دمنة" من الهند الى بلاد الساسانيين و في عهده أيضاً بلغت المدارس الفلسفية و الأدبية أوجّها[20].

نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لكيان سياسي يُعبّر عن هويته و يقوم بتدوين تأريخه و الحفاظ على ثقافته و لغته و تراثه و تطويرها، فأن تأريخه قد تعرض الى سرقة و طمس و إلغاء و تشويش ظالم لأن محتلي كوردستان يحاولون إستئصال اللغة و الثقافة الكوردية و إلغاء هوية الشعب الكوردي و تزوير تأريخه العريق، ليُكرّسوا إحتلالهم لكوردستان و يُلغون كوردستان من خارطة الشرق الأوسط و ليقوموا بصهر الشعب الكوردي عن طريق تتريكه و تفريسه و تعريبه.

إن للشعب الكوردي تأريخ مجيد و أنه من أقدم شعوب المنطقة و أن الحضارات السومرية و الإيلامية و الخورية – الميتانية و الهيتية و الميدية و الساسانية، تشهد على عراقة هذا الشعب و المساهمة العظيمة له في بناء الحضارة الإنسانية و تطورها و تقدمها.

إبراز الدور الحقيقي للكورد في تأسيس الحضارة البشرية و التعرّف على ثقافتهم و تأريخهم، يتطلب تأسيس مراكز علمية كوردية لإحياء الثقافة الكوردية و لتصحيح كتابة التأريخ الكوردي. على الكورد البحث عن تأريخهم في ثنايا الكتب و الوثائق وفي قاعات المتاحف و الأماكن الأثرية و عن طريق التنقيب عن الآثار في ممالك الكورد الأثرية و تفحص مراسلات و تقارير الحكومات و المسئولين من خلال القيام بدراسات علمية موضوعية للتأريخ الكوردي للعثور على الحقيقة، بالرغم من التخريب و السرقة و الطمس التي تعرض لها التأريخ الكوردي و خاصة أن الكورد يفتقرون الى كيان سياسي ليُكتب هذا التأريخ في ظله. محتلوا كوردستان قاموا بكتابة التأريخ الكوردي، فعملوا على تشويهه و سرقته و طمسه. من بين هذا التشويه و السرقة، على الكورد أن يبحثوا و يجدوا و يكتشفوا تأريخهم و يضعوه في متناول أطفال الكورد و ليدعوا العالم يعرف التأريخ الحقيقي للكورد. لا أطالب هنا بتزوير التأريخ كما قام به المقبور صدام حسين في حملته "إعادة كتابة التأريخ"، و إنما أقترح تأسيس مراكز علمية لجمع المعلومات التأريخية عن الكورد و تبويبها و تسجيلها و حفظها و مقارنة بعضها مع البعض و غربلتها و تحليلها و من ثم كتابة المعلومات الصحيحة بشكل موضوعي و علمي.

المصادر

17. مسعود محمد. لسان الكرد. 1984، صفحة 60 – 61.

18. المصدر السابق، صفحة 39.

19. ولي فولادى منصورى. تاريخ سياسى اجتماعى بزرگ ايل کلهر. المجلد الأول، صفحه 169.


20. المستوفي حمد الله القزويني. نزهة القلوب في المسالك و الممالك. ليدن، 1915.

d. https://donya-e-eqtesad.com/%D8%A8%D8%AE%D8%B4-%D8%B3%D8%A7%DB%8C%D8%AA-%D8%AE%D9%88%D8%A7%D9%86-62/3084203-%D9%BE%D8%B1%DA%86%D9%85-%D8%A7%DB%8C%D8%B1%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D8%B2-%D8%A2%D8%BA%D8%A7%D8%B2-%D8%AA%D8%A7%DA%A9%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%AA%D8%B5%D8%A7%D9%88%DB%8C%D8%B1

e. Paravaneh Pourshariati. The Parthians and the Production of the Canonical Shāhnamas : Of Pahlavi, Pahlavānī and the Pahlav. In: Henning Börn and Josef Wiesehöfer (eds.). Commutatio et Contentio Studies in the Late Roman, Sasanian, and Early Islamic Near East.  2008, p. 240.




3
الساسانيون كانوا كورداً ولم يكونوا فُرساً (1 – 2)

د. مهدي كاكه يي

الغالبية العظمى من المؤرخين، من شرقيين و غربيين، يعتبرون الساسانيين فرساً، بينما المصادر التأريخية الموثوقة تؤكد بشكل قاطع لا لبس فيه بأن الساسانيين ينتمون الى الشعب الكوردي. يجب إنصاف الشعب الكوردي العريق و إظهار الحقائق التأريخية بموضوعية و مهنية، بعيداً عن الأهواء الشخصية و النزعات العنصرية.

تُثبت الأدّلة التالية أن العائلة الساسانية الحاكمة كانت عائلة كوردية:

1. موطِن الجد الأعلى لملوك الساسانيين، (ساسان) هو كوردستان، حيث أنه إنتقل الى ولاية فارس هرباً بعد نبوءة أنّ من ذُريته سيحكم بلاد آريانا[1][2]. هكذا نرى أنّ (ساسان) كان كوردياً ولم يكن فارسياً ولم يكن من ولاية فارس، بل أنه قد نسب نفسه الى الملِك الكياني (بهمن بن اسفنديار بن گوشتاسپ) نسباً مشكوكا فيه. كان ساسان راعياً لِمواشي الإبل عند أحد الإقطاعيين[1]. كما يقول (دهخدا) في موسوعته أن والد الملِك الساساني (أردشير) هو الراعي (پاپَگان الكوردي)[3].

يذكر الدكتور رشيد ياسمي الأستاذ في جامعة طهران أنّ (ساسان) الذي هو جد (أردشير)، هو من عشيرة (شوانكاره) الكوردية و أنّ والدة (پاپَگان Papagan) هي إبنة أحد رؤساء عشائر (بازرنگي) الكوردية. موطن هذه العشيرة هي المنطقة االكوردية في مقاطعة فارس. يضيف ياسمي أنه نستطيع القول أنّ (أردشير) هو كوردي[4].

كان (پاپَگان) إبن (ساسان) ينتمي الى أحد بيوت النار ل(آناهَيتا)، ورزق (پاپَگان) بإبن أسماه (أردَشير Ardashir) الذي قام بِتأسيس الدولة الساسانية. ولِد (أردشير الأول) في مدينة (بيرسي پوليس) أي (ولاية فارس) التي سبق أن إنتقل إليها جدّه (ساسان). أحب (أردشير) الحياة العسكرية، فأصبح من كبار القادة العسكريين. كان أخوه حاكِم ولاية، إلا أنّ (أردشير) ثار ضد أخيه وأرغمه على التنازل عن الحُكم له. بعد تولّيه حُكم الولاية، قام (أردشير) بِتوسيع مملكته، فضمّ اليها كلاً من بلاد سواحل (خليج هرمز) و (إيلام) و(أصفهان) و(ميديا).

2. توسيع (أردشير الأول) لِمملكته، أقلق آخر ملوك الأشكانيين الفُرس، الملِك (أردوان الخامس)، حيث أنه قام بإرسال رسولٍ يحمل رسالةً منه الى (أردشير) يُعيبه فيها حسبه و نسبه. قام الملِك الساساني (أردشير) بِقراءة هذه الرسالة المُهينة في البلاط الملكي و بحضور رعية الدولة الساسانية. مما جاء في الرسالة المذكورة ما يلي: (إنكَ قد عدوتَ طوركَ و إجتلبتَ حتفكَ أيها الكوردي المُربّى في خيام الكورد، مَن أذِنَ لك في التاج الذي لبستَه؟). يشير الى هذه الرسالة كل من الطبري[5] و إبن الأثير[6]. رسالة الملِك الأشكاني الفارسي تؤكد بِوضوح أنّ الأسرة الساسانية الحاكمة كانت أسرة كوردية.

لم تقتصر إعابة  الملوك الساسانيين بسبب أصلهم الكوردي وإنتمائهم الى الأمة الكوردية، على (أردوان الخامس الإشكاني)، بل أنّ حاكم أرمينيا وآذربايجان في زمن الدولة الساسانية، (بهرام چوبین) الذي كان إبن (بهرام گوشتاسپ)، أعاب أيضاً الملِك الساساني (خسرو الثاني "پرويز") لِكونه كوردياً عندما حاول (بهرام) إغتصاب الحُكم من الملِك (خسرو الثاني)،  حيث قال له (يا إبن الزانية، المربّى في خيام الكورد[7].

3. كان (ساسان) ينتمي الى العشيرة الكوردية (شوانكاره) وكان أفراد هذه العشيرة يشتغلون في الرعي و الزراعة وأنهم في اواخر عهد البويهيين قاموا بتأسيس سُلالة كوردية حاكِمة بإسم (أتابكة ملوك شوانكاره الكورد في فارس[8]. كما يذكر المستشرق النمساوي (إدوارد ڤون زامباور) في كتاب (معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي) بأنّ أفراد عشيرة (شوانكاره) ينحدرون من مؤسس الدولة الساسانية (أردشير بن پاپَگان)[9].
4. كما يذكر ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان"، الذي إستغرقت كتابته من عام 1224 الى عام 1228 ميلادي[10]، بأن السلاطين الساسانيين عندما بنوا مدينة "المدائن"، قاموا ببناء حي ضمن المدائن، أطلقوا عليه إسم "كورد آباد"، تيمُّناً بإنتمائهم القومي للشعب الكوردي و الذي يعني "الحي المبني من قِبل الكورد"، حيث أنه يذكر أسماء ستة أحياء أخرى في مدينة المدائن، بالإضافة الى حي (كورد آباد).

من الجدير بالذكر أنّ إسم مدينة (المدائن) هو "ماديان" والذي هو إسم كوردي، يتكون من كلمة (ماد) أي (ميدي) و اللاحقة (ان) تُستخدم للجمع في اللغة الكوردية وبذلك فأنّ (ماديان) يعني باللغة الكوردية (ماديون أو ميديون) الذين هم أسلاف الكورد. تم تحوير الإسم الكوردي لهذه المدينة من قِبل العرب من (ماديان)  الى (المدائن) و أطلق الفُرس عليها إسم "تيسفون". قام الملِك الساساني، أردشير أيضاً ببناء مدينة خاصة بالكورد قرب مدينة الموصل الحالية و سماها "بوذ أردشير"[11].

كما أنّ الملِك الساساني (قُباد) و (أنوشيروان) قاما بِبناء أكثر من ثلاثين مدينة  في سهل (أرّان)، وكانت إحدى هذه المدن تحمل إسم (ملازكورد) [12][13]. تسمية حيّ من أحياء العاصِمة الساسانية بإسم الكورد، وبناء مدن كوردية من قِبل الساسانيين، هي دليل آخر على كوردية الساسانيين.

5. ملوك الساسانيين كانوا يُلقّبون ب"خاسرَو". الكلمة مؤلفة من الكلمتين الكورديتَين "خاس" التي تعني "جيد" باللغة الكوردية[14] و كلمة " رَو" التي تعني "تصرّف أو سلوك" باللغة الكوردية، و بذلك كلمة "خاسرَو" تعني "ذو تصرف جيد" أي "إنسان محترم و ذو منزلة عالية". الفُرس أخذوا هذا اللقب من الكوردية و حوّروه الى "خُسرَو"، حيث لا توجد كلمتَي "خاس" و " رَو" في اللغة الفارسية. العرب بِدورهم قاموا بتعريب هذه الكلمة فحوّلوها الى "كِسرى أو كَسرى". هكذا فأنّ اللقب الكوردي للملوك الساسانيين، يؤكد على إنتمائهم للشعب الكوردي.

من الجدير بالذكر أنّ الكثيرين من الناس يظنون خطأً بأن إسم الملك الساساني كان "كِسرى" الذي جرت معركة القادسية أثناء حكمه، بينما "كِسرى" هي لقب كل ملوك الساسانيين و ليس إسم أحدهم، و الذي يُقابل كلمة (جلالة) و (فخامة) و (سمّو) المُستخدمة في الوقت الحاضر في مخاطبة الملوك ورؤساء الجمهوريات والأمراء على التوالي. كثير من ملوك الشعوب الأخرى كانت لهم ألقابهم الخاصة بهم كما كان للساسانيين، مثلاً ملوك الروم كانوا يُلقّبون ب"قيصر" و ملوك الأقباط ب"فرعون" و ملوك الأتراك ب"خاقان" و ملوك اليمن ب"تُبّع" و ملوك الحبشة ب"نجاشي" و ملوك مصر ب"عزيز" و هكذا.

6. أسماء ملوك ساسان كانت أسماءاً كوردية والتي تُشير الى كورديتهم كما هي مبيّنة أدناه:

أ. كان إسم ثلاثة ملوك ساسانيين هو (يزدكورد). كما أنّ إحتواء أسماء هؤلاء الملوك الثلاث على كلمة (يزد)، يُشير الى الخلفية الدينية اليزدانية لأفراد الأُسرة الساسانية الحاكِمة.

ب. إسم إثنَين من الملوك الساسانیين كان (خَسرَو Xesrew). كما تمّ توضيحه أعلاه، (خَسرَو) مؤلف من الكلمتَين الكورديتين (خاس) التي تعني (جيد أو طيّب) و(رَو) التي تعني (سلوك أو خُلُق) وبذلك إسم (خَسرَو) يعني (الشخص ذو الخُلُق الجيدة).

ت. إسم إثنَين من الملوك الساسانيين هو (أردشير Erdeşîr) الذي هو إسم مُركّب متكوّن من الكلمة الميدية (أردا) التي تعني (صالِح أو جيد) و(شير) التي تعني بالكوردية (أسد) وبذلك  يعني هذا الإسم (الأسد الصالح أو الجيد).

ث. إسم أحد الملوك الساسانيين هو (فَیروز Feyrûz) أو (پیرۆز Pîroz) الذي هو إسم كوردي يعني (مُبارَك أو مُقدّس).

ج. إسم أربع ملوك ساسانيين هو (هرمز Hormizd) الذي هو إسم آري، مأخوذ من إسم إله أسلاف الكورد السومريين (هرميس). مع مرور الزمن، تغيّر هذا الإسم الى (هورامَزداHuramezda ) أو (مَزدا Mezda) عند الشعوب الآرية وبعد هذا التغيّر، إحتفظ هذا الإسم بمعناه الأصلي، أي بمعنى (إله).

ح. إسم أربعة ملوك ساسانيين كان (بَهرام أو بارام) وإسم إثنَين آخرَين منهم كان (قُباد). هذان الإسمان كورديان، الأول يعني (ذكي) والإسم الثاني يعني (ملِك).

7. هناك بعض الأسماء الساسانية التي لاتزال سائدة عند (الكورد) في كوردستان، على سبيل المثال وليس الحصر، الإسم (خماني)[14]. هذا الإسم الساساني ليس له وجود عند الفُرس. إلى الآن هناك أشخاص كورد، إناث وذكور، يحملون هذا الإسم.

8. يذكر (حسن پیر نیا) أن الساسانيين كانوا يطلقون إسم (ماي) على الميديين[15]. يدخل هذا الإسم في أسماء الكورد الذكور الى الوقت الحاضر رغم مرور أكثر من 2500 سنة على إختفاء الإمبراطورية الميدية، على سبيل المثال، الإسم (مايخان). تُلازم كلمة (خان) إسم (ماي)، حيث لا تتم تسمية شخص بإسم (ماي) لوحده، بل تُضاف الصفة (خان) له التي تُقابل كلمة (جلالة) و (فخامة) المستخدمة لمخاطبة الملوك ورؤساء الدول على التوالي في الوقت الحاضر، لأنّ الميديين كانوا نبلاء الكورد. من الجدير بالذكر أن إسم الميديين (مادا) يعني باللغة الميدية (عظيم) أو (كبير)[a].

تجدر الإشارة الى أنه عندما إحتل العرب كوردستان، تم إطلاق إسم (ماهات) على مركز السلطة الميدية من قِبل العرب، حيث أن (ماه) هو إسم الميديين وأن اللاحقة (ات) هي لاحقة الجمع في اللغة العربية. يذكر (البلاذري) بأنه عند إحتلال كوردستان من قِبل العرب في العهد الإسلامي، تم تقسيم بعض المناطق المحتلة  من كوردستان الى عدة أقسام، حيث أن الضرائب (الجزية) المأخوذة من كل منطقة، كانت تُرسَل الى المسلمين الساكنين في منطقة محددة[16]. لذلك كان العرب يطلقون إسم (ماه الكوفة) على مدينة (دینَوَر) وأطرافها لأن الجزية المأخوذة من سكان مدينة (دینَوَر) وتوابعها كانت توزع على السكان المسلمين الجدد الساكنين في مدينة الكوفة. كذلك لنفس السبب تم إطلاق إسم (ماه البصرة) على مدينة (نَهاوند)، حيث كانت الجزية المستحصلة من سكان (نهاوند) كانت تُعطى لسكان مدينة البصرة الذين أصبحوا مسلمين بعد الإحتلال العربي الإسلامي. هكذا تم تقسيم مركز بلاد ميديا من قِبل المحتلين العرب الى (ماه الكوفة) و (ماه البصرة).

7. العائلة الفضلوية التي أسست الإمارة الفضلوية (1155 – 1432 م)، تنتمي الى قبيلة شوانكاره الكوردية، وكان أفراد هذه العائلة من سلالة ملوك ساسان[c]. أفراد الأسرة الحاكِمة لهذه الإمارة كانوا كورداً وبذلك لابد أنّ أجدادهم الساسانيين كانوا كورداً أيضاً. من الجدير بالذكر أنّ هذه الإمارة أُقيمت في جنوب شرقي لورستان و دام حُكمها لمائتين و سبعة و سبعين عاماً. كانت المملكة تضم لورستان و تمتد الى ضواحي مدينة أصفهان و في بعض الفترات كانت تضم أيضاً مقاطعة خوزستان و مدينة البصرة.

8. في اواخر عهد البويهيين قامت عشيرة (شوانكاره) بتأسيس إمارة كوردية بإسم (أتابكة ملوك شوانكاره الكورد في فارس[8]، حيث أنّ أفراد عشيرة (شوانكاره) ينحدرون من (أردشير بن بابك مؤسس الدولة الساسانية)[9]. تأسيس هذه العشيرة التي ينتمي إليها الساسانيون، لإمارة كوردية، هو إشارة واضحة لِكون الساسانيين كورداً.

تجنباً للإطالة، نكتفي بهذه الأدلة في هذه الحلقة التي تؤكد على كوردية الساسانيين وسنواصل بتقديم المزيد من الأدلة في الحلقة القادمة.


المصادر

1. أبو القاسم الفردوسي. شاهنامه ملحمة الفرس الكبرى. ترجمة سمير المالطي، صفحة 133، 134.
   
2. ابن البلخي. فارسنامه، فصل احوال شبانكاره و كُرد و فارس. طبع اوروپا، صفحه 146.

3. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد سوم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 3843.

4. غلامرضا رشيد ياسمي. كُرد و پیوستگی نژادى وتاريخى. سال 1369 هـ ق، صفحه
171.

5. ابو جعفر محمد بن جرير الطبري. تأريخ الرسل والملوك. المجلد الثاني، المطبعة الحسينية، مصر، 1336 هـ، صفحة 57.

6. إبن الأثير. الكامل في التاريخ، المجلد الأول، صفحة 133.

7. ابو جعفر محمد بن جرير الطبري. تأريخ الرسل والملوك. المجلد الثاني، المطبعة الحسينية، مصر، 1336 هـ، صفحة 138.

8. ابن البلخي. فارسنامه، فصل احوال شبانكاره و كُرد و فارس. طبع اوروپا، صفحة 150 – 153.

9. زامباور. معجم الأنساب والأسرات الحاكمة في التاريخ الإسلامي. إخراج: الدكتور زكي محمد حسن بك و حسن أحمد محمود. ترجمة قسم من فصول الكتاب: الدكتورة سيدة إسماعيل كاشف و حافظ أحمد حمدي و أحمد محمود حمدي، دار الرائد العربي، بيروت، 1980 م، صفحة 351 – 352.

10. ياقوت الحموي. معجم البلدان. المجلد السابع، صفحة 413.

11. لي سترنج، ك. بلدان الخلافة الشرقية. ترجمة بشير فرنسيس وكوركيس عواد، مطبوعات المجمع العلمي العراقي، مطبعة الرابطة، بغداد، 1954.

12. الشيخ شمس الدين أبي عبدالله محمّد أبي طالب الأنصاري الصوفي الدمشقي. نخبة الدهر في عجائب البر والبحر. طبع مدينة بطربورغ، سنة 1865، صفحة 190.

13. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد دوم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 1631.

14. دهخدا، على اكبر. لغتنامه. جلد هفتم، چاب دانشگاه تهران، سال 1345 ﻫ ق، صفحه 9953.

15. حسن پیرنیا. تاریخ ایران باستان یا تاریخ مفصل ایران قدیم. جلد اول، با مقدمه و شرح: محمدابراهیم باستانی پاریزی، تهران، دنیای کتاب، 1362 ﻫ ق، صفحه 48.

16. البلاذري (2010). فتوح البلدان، صفحة 375.




a. Tavernier, Jan. Iranica in the Achaimenid period (ca. 550 – 330 B.C.): Lexicon of Old Iranian. Peeters Publishers, Louvian, Belgium, 2007, p. 558.

b. Browne, Edward G. (1919). A literary history of Persia: A literary history of Persia from the earliest times until Firdawsi. T. Fisher Unwin Ltd, London, page 19.

c. http://neyrizema.ir/texts.php?portal=tarikh&id=2978



4
الملاحم البطولية الكوردستانية والإتفاقية الأمريكية – التركية

د. مهدي كاكه يي

في البداية أود أن أُحيّ أرواح الثائرات الكوردستانيات والثوّار الكوردستانيين الذين سقَوا بِدمائهم أرض إقليم غرب كوردستان وضحوا بحياتهم في سبيل حرية شعبهم والدفاع عن وطنهم ضد الغزو التركي المتوحش. كما أتمنى للجريحات والجرحى الشفاء وأحيّهم على بسالتهم وشجاعتهم التي أصبحت حديث شعوب العالم. كما أُثمّن صمود وبطولة أفراد القوات المسلحة الكوردستانية وأفراد المقاومة الشعبية في الإقليم في تصدّيهم للعدوان التركي.

كما أحب أن أقول بأن شجاعة الكوردستانيين والخبرة القتالية التي يملكونها والصمود البطولي أمام ثاني أكبر جيش في الحلف الأطلسي وأمام مرتزقة أردوغان، أصبحت موضع إعجاب وتقدير شعوب وحكومات العالم وهزّت العرش التركي وعنجهية وغرور أردوغان ولقّنت الأتراك درساً بليغاً رغم عدم التكافؤ بين القوة الكوردستانية والتُركية في العدد والعُدّة. كما أنّ عدالة القضية الكوردستانية والصمود البطولي للمرأة الكوردستانية والرجُل الكوردستاني في غرب كوردستان، جعلت العالم كله يتعاطف مع شعب كوردستان ويسانده ويقف الى جانبه ضد الأتراك المتعطشين للدماء. لم تحظّ القضية الكوردستانية في تاريخها بمثل هذا الإهتمام والدعم العالمي الذي حظى بهما في الحرب الدفاعية ضد الغزو التركي، حيث أصبحت القضية الكوردستانية قضية عالمية، تُمهّد لنيل شعب كوردستان حريته وإستقلال بلاده.

أنا شخصياً أكره الحرب التي تعني الموت والدمار والخراب وخلق المزيد من اليتامى والأرامل وإنتشار الفقر والمرض والبطالة. لا يُعتبر تُجار الحروب بشراً، بل أنهم أناس معتوهون ومرضى نفسانيون، يجب أن يكون مكانهم في المصحّات النفسية والعقلية، لا التربّع على كراسي الحُكم والسلطة، ومع ذلك تضطر الشعوب، ومنها شعب كوردستان، الى الدفاع عن نفسها وعن وطنها ضد الحُكام والطُغاة المجرمين بِحق الإنسانية. لذلك أتمنى أن لا تُراق قطرة دم إنسان. لو كانت لي سلطة على العالَم، لكنتُ أقوم بتدمير كل أسلحة القتل والدمار وأجعل العالَم خالياً من الأسلحة و أنّ الأموال التي تُصرف على صناعة الأسلحة، أجعلها تُستخدَم في تطوير الزراعة والصناعة والطب والقضاء على الفقر والمرض والبطالة وتوفير حياة حُرة كريمة للبشرية جمعاء.

الإتفاقية المُبرمة بين أمريكا وتركيا، هي إتفاقية غير عادلة، تفرض الإستسلام على الكوردستانيين، حيث أنها تسمح لتركيا بإحتلال أجزاء من الإقليم بِعُمق 32 كيلومتر وطول 440 كيلومتر، أي أنها تُلبّي ما يريده الأتراك وتدعو الى إنسحاب القوات الكوردستانية الى خارج هذه المنطقة ودون تحديد تاريخ محدد للإنسحاب التركي. هذا يعني أنّ الإتفاقية تُشرّع الإحتلال وتُهجّر مواطني الإقليم من بيوتهم وممتلكاتهم وأراضيهم وقراهم وبلداتهم ومدنهم الواقعة ضمن "المنطقة الآمنة" المقترحة.

كما تبيّن خلال العدوان التركي على إقليم غرب كوردستان، أنّ جميع حكومات العالم تضامنت مع الكوردستانيين ووقفوا ضد الأتراك، حيث فرضت الولايات المتحدة الأمريكية عقوبات قاسية على تركيا وإمتنعت الكثير من دول الإتحاد الأوروپي عن بيع الأسلحة لتركيا وكانت دول الإتحاد تُمهّد لفرض عقوبات على تركيا. كما أنّ الكونگرس الأمريكي إتخذ موقفاً صارماً ضد الغزو التركي، حيث توحّد أعضاؤه من الحزب الجمهوري والديمقراطي في حالة نادرة ضد قرار الرئيس الأمريكي بالإنسحاب العسكري من إقليم غرب كوردستان ووقفوا ضد العدوان التركي وساندوا بكل قوة شعب كوردستان وكانوا بِصدد فرض عقوبات شديدة على تركيا بأغلبية ساحقة (أغلبية الثُلثَين) و في هذه الحالة لا يحقّ للرئيس الأمريكي إستخدام حق النقض (الڤيتو) ضد قرار الكونگرس وبذلك يصبح القرار نافذ المفعول. هكذا فأن الرأي العام العالمي والكونگرس الأمريكي وحكومات الإتحاد الأوروپي يقف مع شعب كوردستان وضد الأتراك. الرأي العام العالمي يتعاطف مع الكوردستانيين في غرب كوردستان ويساندهم في دفاعهم عن أنفسهم. يجب إستثمار هذه الفرصة التاريخية. لذلك أقترح على القيادة السياسية الكوردستانية في غربي كوردستان أن ترفض الإتفاقية المذكورة وتطالب أن يتمّ تعديلها، على أن تنص على الإنسحاب التركي الكامل من الأراضي الكوردستانية ووضع مراقبين دوليين على الحدود "التركية" مع إقليم غرب كوردستان وتشكيل لجنة أممية لتقصّي الحقائق، فيما يتعلق بالجرائم المقترفة من قِبل تركيا بِحق الكوردستانيين خلال الحرب التي فرضها الأتراك على الكوردستانيين، حيث أنه في حالة إستئناف العدوان التركي، سيفرض العالم عقوبات إقتصادية قاسية على تركيا والتي بها ينهار الإقتصاد التركي. يعتمد الأخذ بإقتراحي بكل تأكيد على الظروف الذاتية للكوردستانيين والتي القيادة الكوردستانية في الإقليم الغربي على دراية بها. بدون أدنى شك، أنّ دولة كوردستان قادمة.

5
القضية الكوردستانية أصبحت قضية عالمية، تفرض حضورها

مهدي كاكه يي

الهجوم التركي الجاري على إقليم غرب كوردستان، يُظهر أنّ القضية الكوردستانية قد تجاوزت حدود كوردستان وحدود منطقة الشرق الأوسط وأصبحت قضية عالمية، تحظى بإهتمام المجتمع الدولي والرأي العام العالمي وإهتمام الرأي العام لشعوب الدول الكبرى وحكوماتها. لأول مرة في التاريخ، تكسر القضية الكوردستانية حدود الدول الكبرى وتصبح من العوامل التي تُقرر مصير حُكّام وأحزاب هذه الدول. هذا التطور  التاريخي للدور الذي يلعبه شعب كوردستان في السياسة العالمية والذي حققه بنضاله وتضحياته والشجاعة الفائقة للمرأة الكوردستانية وللرجُل الكوردستاني في محاربة الإرهاب، حيث عمّت أصداء هذه الشجاعة مختلف بقاع العالم وأصبحت المرأة الكوردستانية رمزاً للنضال والإقدام والبسالة والشجاعة وتحظى بإعجاب وإحترام وتقدير شعوب العالم. 

الآن لِنستعرض مواقف حكومات العالم ومنظماتها من الغزو التركي لإقليم غرب كوردستان لنرى الإهتمام والتأييد العالمي الكبير لشعوب وحكومات العالم لشعب كوردستان ووقوفها ضد الغزو التركي.

في البداية يجب التأكيد بأنّ الرئيس الأمريكي (دونالد ترامپ) أعطى الضوء الأخضر للهجوم التركي على الأراضي الكوردستانية، إلا أنه الآن يتعرض الرئيس ترامپ لضغوطات هائلة من الكونگرس الأمريكي، بأعضائه الجمهوريين والديمقراطيين على السواء ومن مؤيدين مُهمّين له، حيث أعلن النواب الجمهوريون في مجلس النواب الأمريكي أنهم سيطرحون قرار عقوبات على تركيا رداً على هجومها على قوات سوريا الديمقراطية. لقد أصدرتْ النائبة الجمهورية (ليز چيني) بياناً، قالت فيه: (يجب أن يواجه الرئيس (رجب طيب أردوغان) ونظامه عواقب وخيمة بسبب الهجوم بلا رحمة على حلفائنا). كما أنّه صرّح مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية بأنّ الولايات المتحدة ستفرض إجراءاً عقابياً على تركيا إذا تورطت في أي تحركات "غير إنسانية وغير متناسبة" ضد المدنيين خلال توغلها في إقليم غرب كوردستان. الضغوطات الهائلة التي يتعرض لها الرئيس الأمريكي، إضطرته الى تكليفه دبلوماسيّين أميركيّين للتوسّط في وقف لإطلاق النار بين أنقرة والكوردستانيين، ولهذا السبب أيضاً، أعلن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب أنّ هناك ثلاث خيارات أمام واشنطن للتصدّي للغزو التركي وهي التوسّط من أجل التوصل لِإتفاق بين تركيا وإقليم غرب كوردستان، أو توجيه ضربة مالية قوية لِتركيا، أو إرسال آلاف الجنود للمنطقة لِإيقاف الإحتلال التركي.

من جانبٍ آخر، أعلن السيناتور الديمقراطي، (كريس ڤان هولن)، أن أعضاء الكونگرس ينجزون حالياً العمل على مشروع قانون يفرض عقوبات قوية على تركيا، بسبب غزوها الجديد ضد الكورد، وقال السيناتور الأمريكي (ڤان هولن)، في سلسلة تغريدات نشرها بموقع "تويتر"، بعد الهجوم التركي "لا بد من أن تدفع تركيا ثمناً كبيراً لمهاجمة شركائنا الكورد السوريين". تابع هولن "لن يدعم السيناتورات من كلا الجانبَين التخلي عن الجماعة الإقليمية الوحيدة التي تتحمل المسؤولية الأساسية عن تركيع داعش. وأشار (ڤان هولن) إلى أن الرئيس الأمريكي، دونالد ترامپ، "يحب أن يدّعي أنه هزم داعش"، مضيفا "حققت قواتنا بالشراكة مع الكورد السوريين تقدماً عظيماً، لكن ما زال هناك عمل كبير يجب القيام به. داعش يحتفل بخيانة ترامپ". وأكد السيناتور الأمريكي أنه "يجري الآن وضع اللمسات الأخيرة على مشروع قانون العقوبات من الحزبَين". السيناتور الجمهوري (ليندسي گراهام) أعلن أن الكونغرس سيجعل الرئيس التركي (رجب طيب اردوغان) "يدفع غاليا جداً" ثمن هجومه على القوات الكوردية المتحالفة مع بلاده.

من جهةٍ أخرى، في حالة نادرة، وجّهت شخصيات بارزة في حركة الإنجيليين، إنتقادات إلى الرئيس الأمريكي دونالد ترامپ بسبب قراره إعطاء الضوء الأخضر للهجوم التركي على غرب كوردستان، حيث دعا القس والمُبشّر الإنجيلي البارز (فرانكلين گراهام) الذي يعدّ صديقاً للرئيس الأمريكي على حسابه في "تويتر" مؤيديه إلى الصلاة معه من أجل أرواح الذين سيتأثرون بِقرار البيت الأبيض سحب قوات الولايات المتحدة من غرب كوردستان، مشيراً إلى أن القرار الذي إستدعى القلق العميق لدى الحزبَين الديمقراطي والجمهوري على حد سواء، يعني في الواقع التخلي عن الشعب الكوردي. كما أنّه من جانبه، حذّر الداعية والإعلامي الإنجيلي (بات روبرتسون) الذي كان حتى الآونة الأخيرة من أشدّ مؤيدي الرئيس الأمريكي، من أن ترامپ قد يخسر "التفويض من السماء" إذا لم يتدخل لوقف الهجوم التركي في غرب كوردستان، واصفاً الرئيس التركي (رجب طيب أردوغان) بأنه "ديكتاتور وسفّاح." أعرب روبرتسون أيضاً عن إستغرابه البالغ إزاء قرار البيت الأبيض خيانة هذه القوى الديمقراطية في غرب كوردستان، موجّهاً إنتقادات شديدة اللهجة إلى ترامپ بالقول: "الرئيس الذي سمح بتجزئة الصحفي السعودي (جمال خاشقجي) دون أي عقاب يُذكر، سيسمح الآن للأتراك بِذبح المسيحيين والكورد"

من جانبه، ذهب الإعلامي الإنجيلي البارز (إريك إريكسون) إلى أبعد من ذلك، إذ توجّه على حسابه في "تويتر" إلى رئيسة مجلس النواب الديمقراطي (نانسي بيلوسي) بِدعوة تسريع تحقيق العزل الجاري بِحق ترامپ، قائلاً: "ربما لا يزال لدينا وقت لإنقاذ بعض الكورد". تُشكّل هذه الإنتقادات خطراً كبيراً على حملة ترامپ الإنتخابية الثانية التي تُجرى في الولايات المتحدة في العام القادم، حيث أنّ دعم الإنجيليين لِ(ترامپ) كان من بين أهم أسباب الفوز الذي حققه في الإنتخابات الرئاسية السابقة. كل المؤشرات تشير الى أنه لو لم يقُم الرئيس الأمريكي بإيقاف العدوان التركي، فأنه سيخسر كرسي الرئاسة في الإنتخابات الرئاسية الأمريكية التي تُجرى في العام القادم.

أوروپياً، بناءاً على طلب كل من فرنسا والمملكة المتحدة وألمانيا وبلجيكا و پولندا، إنعقد مجلس الأمن الدولي لبحث العدوان التركي، إلا أنّ روسيا أفشلت قيام المجلس بإتخاذ قرارات لِردع العدوان التركي. من جهة أخرى، تقول وزيرة الدولة الفرنسية لشؤون الإتحاد الأوروپي (أميلي دومونشالان)، أنّ قمة الإتحاد الذي سينعقد في الأسبوع القادم، ستناقش فرض عقوبات على تركيا بسبب محاولتها غزو غرب كوردستان. كما أعلنت كلّ من ألمانيا وهولندا والسويد والنرويج وفنلندا، حظر بيع الأسلحة لتركيا نتيجة العدوان التركي على غرب كوردستان.

كما أنّ إسرائيل أدانت الغزو التركي لإقليم غرب كوردستان، حيث قال رئيس الوزراء الإسرائيلي (بنيامين نتنياهو) في تغريدة له بموقع تويتر "تُدين إسرائيل بشدة الإجتياح العسكري التركي للمحافظات الكوردية في سوريا، وتُحذّر من قيام تركيا ووكلائها بتطهير عرقي بِحقّ الكورد"، وأضاف نتنياهو  قائلاً: "ستبذل إسرائيل كل جهد ممكن لتقديم المعونات الإنسانية إلى الشعب الكوردي الباسل".


هذا الإستنكار العالمي الواسع للعدوان التركي والإهتمام الكبير من قِبل الرأي العام العالمي والأوساط السياسية العالمية بِشعب كوردستان، يُؤكّدان أن القضية الكوردستانية أصبحت قضية دولية وأنه مهما كانت نتائج الغزو التركي لِإقليم غرب كوردستان، فأنّ دولة كوردستان قادمة.



6
إنبثقت اللغات الهندو – أوروپية من كوردستان

د. مهدي كاكه يي

قام 13 علماء بإجراء بحثٍ لمعرفة المنطقة التي إنبثقت منها عائلة اللغات الهندوأوروپية. الدول التي تنتمي إليها هؤلاء العلماء وأعدادهم لكل دولة، هي كالآتي: 3 من نيوزيلندا، 1 من بلجيكا، 2 من هولندا، 2 من أستراليا، 4 من الولايات المتحدة الأمريكية، 1 من بريطانيا، والذين يعملون في 13 مراكز بحثية وأقسام علمية متخصصة في المجالات التالية: علم الكومپيوتر، علم الأحياء الدقيقة والمناعة، علم اللغات النفسية، الدماغ (علم المعرفة الدماغية والسلوك)، علم النفس، الثقافة والتاريخ واللغة و العلوم المتعلقة بِآسيا والمحيط الهادئ، علوم المعلومات الصحية والمعلومات الحياتية، البيئة الجزيئية والتطور، الفلسفة، علم الرياضيات البايولوجية، علم الإحصاء البايولوجي، علم الوراثة البشرية، علم الإنسان الإدراكي والتطوري.

إشتركت في هذا البحث المراكز العلمية والجامعات التالية: جامعة أوكلاند النيوزيلندية، مركز ريگا البلجيكي، مركز ماكس پلانك للغات النفسية الهولندي، جامعة رادبود الهولندية، الجامعة الوطنية الأسترالية، كلية الطب – جامعة نيويورك الأمريكية، جامعة كاليفورنيا الأمريكية، جامعة أوكسفورد البريطانية. تمّ نشر البحث في المجلة العلمية الأمريكية (Science)[1]. هذه المجلة هي أشهر مجلة علمية عالمية الى جانب مجلة (Nature) البريطانية اللتين تنشران الأبحاث الأصيلة فقط أي يقتصر النشر فيهما على الإكتشافات والإختراعات فقط.

في هذا البحث، قام العلماء بأخذ فرضيتَين متنافستَين كمصدر للعائلة اللغوية الهندو-أوروپية. وجهة النظر التقليدية، تضع موطن هذه اللغات في سهوب پونتيك (جمهورية أوكرانيا الحالية) قبل حوالي 6000 عام. تدّعي فرضية بديلة، أن اللغات الهندو-أوروپية إنتشرت من منطقة الأناضول (شمال كوردستان) مع التوسع في الزراعة خلال 8000 إلى 9500 سنة مضت.

إستخدم الباحثون العلميون في بحثهم منهج دراسة العمليات التاريخية التي قد تكون مسؤولة عن التوزيعات الجغرافية المعاصرة للأفراد. تمّ إجراء هذا البحث من خلال النظر في التوزيع الجغرافي للأفراد على ضوء علم الوراثة، وخاصة علم الوراثة السكانية، جنباً إلى جنب مع بيانات المفردات الأساسية لِ(103) لغات هندو- أوروپية قديمة ومعاصرة، لِعمل نموذج واضح لإنتشار هذه العائلة اللغوية وإختبار الفرضيتَين المذكورتَين.

وجد الباحثون دعماً حاسِماً لأصل منطقة الأناضول على أصل السهوب. يتطابق كل من التوقيت المُستنتج والموقع الجذري لأشجار اللغات الهندو-أوروپية مع التوسع الزراعي من الأناضول الذي بدأ بين سنة 6000 و سنة 7500 قبل الميلاد. تُسلّط هذه النتائج الضوء على الدور الحاسِم الذي يمكن أن يلعبه إستنتاج الدراسة الجغرافية لتوزيع الأفراد وراثياً في حل الجدال الدائر حول عصور ما قبل التاريخ البشري.

كما أنّ إكتشافات عالِم الآثار الأمريكي الپروفيسور (روبرت جون بريدوود Robert John Braidwood) تتوافق مع نتائج البحث الذي أجراه هؤلاء العلماء، حيث يذكر (بريدوود) بأن الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في شمال كوردستان في حوالي سنة 6000 - 10000 قبل الميلاد. يضيف بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل الزراعية قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوپوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ثم وصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروبا و الهند. مع إنتشار الزراعة، إنتشرت عائلة اللغات الهندو-أوروپية الى الشعوب التي تتكلم بها اليوم، كما توصّل إليه هؤلاء الباحثون العلميون. يستطرد هذا العالِم الأمريكي بأن الكثير من المحاصيل الزراعية التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد الپروفيسور المذكور بأن الموقع الآثاري "چيانو" الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالم، حيث يُستخرَج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري. في موقع "چيانو"، عثر عالِم الآثار (روبرت جون بريدوود) وفريقه التنقيبي أيضاً على أقدم قطعة قماش في العالَم والتي تمّت حياكتها في حوالي عام 7000 قبل الميلاد.

نتائج البحث تُفسّر كون أكثر من 50% من الكلمات الإنگليزية مأخوذة من لغة أسلاف الكورد السومريين، الذي أشار إليه العالِم اللغوي البريطاني (Wadell) قبل نشر هذا البحث بِعشرات السنين[2].

بالنسبة الى منطقة الأناضول، أقدم إشارة معروفة لها تمّت بإسم "بلاد الهيتيين" الذين هم أسلاف الكورد، على ألواح مسمارية تعود لِبلاد ما بين النهرين خلال فترة المملكة البابلية (2350 - 2150 قبل الميلاد). أول إسم مُسجّل إستخدمه اليونانيون لِشبه جزيرة الأناضول هو Ἀσία (Asía) ،[3] الذي قد يكون مقتبساً من إسم الكونفيدرالية التي تكوّنت من 22 دولة قديمة في غرب الأناضول والتي كانت بإسم (آسوا Assuwa) قبل سنة 1400 قبل الميلاد.

هذا الإكتشاف هو ثورة كبرى في التاريخ الكوردي ويُظهِر عراقة الشعب الكوردي والدور المحوري الذي لعبه أسلافه في لغات وثقافات شعوب العالَم وكونهم الروّاد الأوائل في إبتكار الزراعة والصناعة وتدجين الحيوانات والكتابة وإنشاء المدنية.

المصادر

1. SCIENCE, VOL 337, 24 AUGUST 2012. pp. 957 – 960.

2. Wadell, L. Austin. Sumer – Aryan Dictionary, London, 1927.

3. Henry George Liddell, Robert Scott, Ἀσία, A Greek-English Lexicon, on Perseus.


7
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (65) – الآشوريون

مقاومة أسلاف الكورد السوباريين للغزو الأجنبي

د. مهدي كاكه يي

ذكرنا في الحلقة السابقة بأنّ الأمّوريين والبابليين قاموا بِغزو بلاد سوبارتو. يجب أن نقوم بالتمييز بين الأمّوريين الساميين الذي قاموا بِغزو بلاد سوبارتو وبين البابليين الذين كانوا من أصول زاگروسية (گوتيين، ميديين، كاشيين)، هاجروا الى جنوب ميزوپوتاميا قبل آلاف السنين من هجرة الساميين الى المنطقة. بِقدوم بعض البابليين من جنوب ميزوپوتاميا الى شمالها (بلاد سوبارتو)، يكونون قد عادوا الى موطنهم الأصلي وبذلك لم يكونوا أقواماً غازية لِبلاد سوبارتو وهذا ما نقوم بِتوضيحه في أولى الفقرتَين من هذه الحلقة. لذلك في سياق حديثنا، نُطلِق كلمة (الغُزاة) على الآشورريين الأمّوريين، بينما الأقوام الزاگروسية، من ضمنها البابليون، كانوا السكّان الأصليين لِشمال ميزوپوتاميا ("بلاد سوبارتو" التي هي جنوب كوردستان الحالية). 

يذكر عالِم السومريات (صمويل كريمر) بأن العصر الذي سبق العهد السومري بدأ على هيئة حضارة قروية زراعية أدخلها "الإيرانيون" من الشرق (أسلاف الكورد الزاگروسيين) الى جنوب العراق الحالي1. هذا القول يؤكده المؤرخ الپروفيسور (سپايزر Speisere) في صفحة 99 من كتابه المعنون "شعوب ما بين النهرين"، حيث يقول بأن العناصر الگوتية (أسلاف الكورد) كانت موجودة في جنوب العراق قبل تأسيس سومر وأسسوا بلاد سومر فيما بعد وشكّلوا الحكومات فيهاa.

عاش المؤرخ (بيروسوس Berosus) في القرن الثالث قبل الميلاد وكان كلدانياً ورجل دين بابلي و مطّلعاً على الوثائق البابلية. يذكر هذا المؤرخ البابلي بأن الميديين كانوا يحكمون بابل منذ بداية الحُكم البابلي وأنّ مِن بين 86 ملِكاً بابلياً، كان 84 منهم من الميديين و 2 منهم فقط كانوا من الكلدانيين وهذا حصل قبل أكثر من 3000 سنة قبل الميلادb، c. يستطرد المؤرخ (بيروسوس) قائلاً بأن المجموعة الثانية من حُكّام بابل كان جميعهم من الميديين و تألّفت من 8 ملوك، حكموا بابل لمدة 224 سنة. هذا الكلام يُثبتُ بأن الميديين إنتقلوا من سلسلة جبال زاگروس الى جنوب ميزوپوتاميا وحكموا بابل قبل مجئ الساميين اليها بِآلاف السنين. كما أن (بيروسوس) قام بنقل المعلومات عن أصل البابليين الى اليونانيينd، حيث أنه كان يجيد اللغة اليونانية وهذا يؤكد على أن كتابات (بيروسوس) كانت مُعتمِدة على وثائق بابلية موثوقة. 

كما نرى فأن الپروفيسور (سپايزر) يطلق إسم (الگوتيين) على الشعب الذي عاش في بلاد بابل منذ أقدم العصور وحكموها، بينما المؤرخ الكلداني البابلي (بيروسوس) يطلق عليهم إسم (الميديين). هذا يؤكّد بأن الگوتيين والميديين كانوا شعباً واحداً ومن المرجح جداً أن الميديين كانوا إحدى القبائل الگوتية.
 
عند غزو الأمّوريين لِبلاد سوبارتو، قام السوباريون بِمقاومة الغزاة. بعد فقدان السوباريين لِحُكم سوبارتو (شمال ميزوپوتاميا) وسيطرة الأمّوريين على حُكمها وإنشائهم لِمملكة آشور، كان السوباريون يستغلّون فترات ضُعف الحكومات الآشورية الأمّورية ويشنّون الهجمات عليها في محاولةٍ منهم لِتحرير بلادهم من الغزاة الأجانب والقيام بِحُكم بلادهم بأنفسهم، إلا أنّ إنتفاضاتهم وثوراتهم كانت تُجابَه بِحملاتٍ عسكرية من قِبل المُحتلّين الأمّوريين. الحُكّام الأمّوريون كانوا مُحتلّين لِبلاد سوبارتو وفرضوا سلطتهم بالقوة على أسلاف الكورد الخوريين – الميتانيين.

في سجلاته، يتحدث الملِك الآشوري (أدد نيراري الأول) (1310 – 1281 قبل الميلاد) عن إنتصاراته على عساكر كاششو و گوتي و لولومي وسوبارو2. من هذا السجل يتبين أن الأقوام الزاگروسية كانت قد تجمعتْ لِمقاومة العاهل الآشوري بقيادة الگوتيين الذين ذكرتهم الألواح السومرية والأكدية قبل ألف سنة من هذا التأريخ ولعبوا دوراً هاماً أيضاً في العصر الآشوري منذ أن كان والد (أدد نيراري) المدعو (أريكدينيلو) حاكِماً على التلول والبلاد الجبلية لشعب (گوتي Qûtî).

يذكر الملك الآشوري (توكولتي نِينورتا الأول Tukulti-Ninurta I) (1233 – 1197 قبل الميلاد) أنّ السُوباريين تمرّدوا على أبيه الملِك (شلمانسر الأولI  Shalmaneser) ( 1273 – 1244 قبل الميلاد) في (خانيگالبات) وامتنعوا عن دفع الجِزية له3. واصلَ شلمانسر الأول إعتداءاته على بلاد (أوروئاتري) و (خانيگالبات) في شمال كوردستان. عند حديثه عن الگوتيين، يقول بأنّ "الگوتيين الذين يُعدّون كنجوم السماء وضليعون في القتال، إنفصلوا وتمرّدوا عليّ  وأقاموا معي عداوة" f ,eويُشير الى أنه إنتصر عليهم في المقاطعات الواقعة بين (أوروئاتري) و (كوتموخي) وسالت دماء الگوتيين على الجِبال كمياه الأنهار، حسب زعمه. حسب رأي المؤرخ (سپايزر) فأنّ هذا النص يُشير الى قوة الگوتيين وكثرة عددهم أيام الحكم الآشوري، إضافةً الى البلاد الواسعة التي كانوا يستوطنون فيها، بدءاً من سلاسل جبل (طور عابدين) حتى بحيرة (وان) في شمال وشمال غرب آشور. من الجدير بالذكر هو أنّ (خانيگالبات) تقع في غرب جزيرة بوتان وكان الآشوريون يطلقون هذا الإسم على مملكة ميتاني بعد إنكماشها، بينما كان الآراميون يُسمّونها (طور عابدين).

قام الملِك الآشوري (تيغلات پلاسر الأول Tiglathpilesser) (1114–1076 قبل الميلاد) (ويُسمّى أيضاً "توكولتي أپل إيشارا Tukulti-Apil-Ešarra") بِمحاصرة مدينة شهريس السوبارية ولقي من السوباريين مقاومة شرسة4.

خلال مرحلة آخر ملِك آشوري تابِع للإمبراطورية الميتانية وهو (آشور أوبلط الأول) (1366 – 1330 قبل الميلاد)، إجتاح الملِك الحثي شوبيلوليوما (1385 – 1345 قبل الميلاد) مع قواته من جهة ملاطية، الأراضي الميتانية وتمّ قتل الإمبراطور الميتاني (توشراثا) حمو الفرعون (أخناتون) في قصره بالعاصمة (واشوكاني) نتيجة مؤامرة دبّرها (أرتاداما الثاني) الموالي للحثيين. إستطاع (ماتيوازه) إبن (توشراثا) وبمساعدة  شوبيلوليوما من إستعادة العرش من (شوتتارنا) المُغتصِب للعرش، إلا أن هذه الحادثة ساعدت (آشور أوبلط) في السيطرة على مدينة آشور وإقتطاعها من المملكة الميتانية، دون ان يدخل في حربٍ مع الحثيين5. بعد أن تزوّج (آشور أوبلط الأول) إبنة الملك البابلي الكاشي (بورنابورياش)، عقد حلفاً مع مملكة بابل وإمتنع عن دفع الجزية لأسياده الميتانيين، كما كان يفعل أجداده. بعد ذلك تمكن (أدد نيراري الأول) (1307 – 1275 قبل الميلاد) من الإستيلاء على قسم من المقاطعات الميتانية في منطقة الجزيرة (خانيگالبات) وضمها الى دويلة آشور. قام الآشوريون بِقيادة شلمنصر الأول (1266 – 1243 قبل الميلاد) بإحتلال الأراضي الميتانية الواقعة في الجهة الشرقية من نهر الفرات. إستمر إبنه (توكولتي نينورتا) (1243 – 1221 قبل الميلاد) على نهج والده، حيث قام بالإستيلاء على البلاد التي كانت تحيط بالمملكة الآشورية. حافظت مملكة (خانيگالبات) الميتانية على إستقلالها الى أن إستطاع (أدد نيراري الثاني) (911 – 899 قبل الميلاد) أن يغزوها وبذلك إنتهى التأريخ السياسي الميتاني6.

المصادر
1. صمويل كريمر (1970). من ألواح سومر، ترجمة طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، صفحة 356.

2. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 28.

3. جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 82.

4. أحمد تاج الدين. الأكراد تاريخ شعب وقضية وطن. الطبعة الأولى، الدار الثقافية للنشر، القاهرة، 2001، صفحة 20.

5. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثالث، صفحة 194.

6. المصدر السابق، صفحة 196.

a. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia, USA.

b. Lewis, B., Cornewall, George (1982). An historical survey of the astronomy of the ancients. Parker & Bourn, London, page 403.

c. Niebuhr, Barthold George (1852). The Life and Letters of Barthold George Niebuhr Vol. 3; With Essays on His Character and Influence. Chapman and Hall, London, page 241.

d. Breasted, James Henry (1916). Ancient Times — A History of the Early World. Boston, The Athenæum Press.

e. Veider, E. F. AOBI n. 9. P. 113.

f. Speisere, E. A. Mesop. Orig. P. 111.   



8
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (53) – الآشوريون

اللغة والثقافة الآشورية

د. مهدي كاكه يي



الى ما قبل الألف الخامس قبل الميلاد، كانت المياه تُغطّي جنوب ميزوپوتاميا ولذلك كانت المنطقة غير مسكونة، بينما ِشمال ميزوپوتاميا (إقليم جنوب كوردستان الحالي) كان مأهولاً بالسكان بسبب إرتفاعه عن سطح البحر، حيث كان أسلاف الكورد الزاگروسيون يعيشون في هذه المنطقة على شكل جماعات، يسكنون الكهوف ويعتمدون في معيشتهم على الصيد وجمع الغذاء. مع تطور أدوات العمل، بدأوا بممارسة الزراعة وتأهيل الحيوان وتربية المواشي، الى جانب الصيد وقاموا ببناء القرى وإرتقت الثقافة فيه1. هذا يُشير الى أنّ الحضارة نشأت في كوردستان وفيما بعد، نقل السومريون حضارتهم معهم الى جنوب ميزوپوتاميا عند هجرتهم من كوردستان الى هناك بعد زوال المياه على سطحه وبروز اليابسة فيه.

في الحلقات السابقة، تمّ الحديث عن أنّه فـي أواخـر الألـف الثالث قبل الميلاد، هاجـرت أقوام آرامية من جنوب بلاد ما بين النهرَين الـى بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالي). بعد مرور حوالي 1000 سنة على تأسيس الدولة الآشورية من قِبل (شمشي أَدد الأول Shamshi- Adad 1) (1813 – 1781 قبل الميلاد)، أي في نهاية القرن العاشر قبل الميلاد، كانت الأراضي التابعة للدولة الآشورية عبارة عن شريط ضيّق لا يتجاوز طوله 1600 كيلومتر، ولا يزيد عرضه عن 800 كيلومتر والى ذلك الوقت كانت القبائل الآرامية لا تزال تعيش في الخيام التي نصبتها في الممرّات الضيّقة في آشورa.

هكذا مرّ الآشوريون بِمرحلة مضطربة تقارب ألف سنة قبل تأسيسهم لدولتهم المستقلة. في البداية قاموا بإنشاء دويلات – مدن، يحكمها أمراء محليون2. كانت بلاد آشور حتى حوالي سنة 1100 قبل الميلاد، مؤلفة من عدة دويلات ضعيفة يتحكم بها أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث حكمَ أسلاف الكورد الزاگروسيون بلاد آشور لفترة طويلة من الزمن. الملك الآشوري (إشمي) الذي إستلم الحكم بعد الملك (شمشي أدد) الذي حكم من عام 1814 الى عام 1782 قبل الميلاد، إستطاع الإستمرار في حكم بلاد آشور، إلا أنه لم يستطع بسط نفوذه على شمال ميزوپوتاميا، حيث ظهرت في هذه المنطقة عدة سُلالات حاكمة من الخوريين، مثل أتَل شني3.

في الفترة الأخيرة للحُكم الآشوري تسلّم الساميون السلطة الذين كانوا يحملون ثقافة صحراوية قاسية، مبنية على الغزو والعنف ولذلك فرضوا طبيعة حربية في مملكة آشور والتي إنعكست على عقائد الآشوريين وعباداتهم الدينية وبدأت خلالها مرحلة الغزوات والحروب والتوسّع. كانت الصفة الحربية تغلب على آلهتهم، والتي تجسدت في كبير آلهتهم، الإله (آشور)، الذي كان إله الحرب، حيث يتجسد في صورة مُحاربٍ قاسي الملامح، يحمل عدّة حربية. وفي المرتبة الثانية تأتي زوجة (آشور) الإلهة (عشتار) في المنزلة الثانية، حيث أنّ صورتها ذات سمةٍ حربية، حاملةً السيف والقوس وواضعةً على كتفِها سهام مُعدّة للقتال. على سبيل المثال، خلال حُكم الملك الآشوري (آشور باليت الأول Assur ballet I) (1363 – 1328 قبل الميلاد) الذي كان ينتمي الى السلالة الأمورية، حصل تغيّر راديكالي في نظام الحُكم الآشوري، حيث تحوّلت آشور من دولة - مدينة تجارية مسالمة إلى عاصمة مملكة تمّ تأسيسها بإسم (مملكة آشور)، حيث تمّت عملية صهر سكّان أسلاف الكورد الأُصلاء، السومريين والسوباريين والگُوتيين والخوريين مع الأموريين. في هذا العهد بدأ إستخدام اللغة والكتابة الأكادية/البابلية، ومع ذلك فأنّ الأموريين تأثروا بحضارة السوباريين من لُغة ودين وعبادة الآلهة وإقتبسوا منهم الطقوس الدينية وأسماء بعض المواقع4. كما أنّ الثقافة الآشورية المبكرة ورثت الثقافة السوبارية وخلّفتها. إسم الإلهة (عشتار "إيشتار") مُقتبَسٌ من إسم الإلهة السومرية – الگوتية (إينان). يذكر المؤرخ الروسي (صلوات گولياموف) أنه من الممكن جداً أن يرجع إسم الإلهة (إيشتار) الى الكلمة الهندو – الآرية (إيش – تار)، حيث أن كلمة (إيش) تعني (إله) وكلمة (تار) تعني (نجمة) وبذلك (إيشتار) تعني (إلهة النجوم)5. (إلهة النجوم) هي "كوكب الزهرة" وعند الرومان هي إلهة الحب والجمال "ڤينوس". لا تزال كلمة (إيشتار) حيّة في اللغة الكوردية، حيث أنها تحوّرت الى (أستير) والتي تعني (نجمة).

كما أنهّ بِحلول منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد، أصبحت مملكة آشور تابعة للميتانيين و جزءاً من الإمبراطورية الميتانية لحوالي 140 عاماً (1500 – 1360 قبل الميلاد)، حيث قام الملك الميتاني (ساوشتّار Saushshattar) إبن (پارساشتّار Parsashatar) بإخضاع الآشوريين لِحُكمه6. خلال فترة خضوع آشور لِلحُكم الميتاني، سمِح الميتانيون أن تحتفظ آشور بنظامها الملكي خلال فترة تبعيتها للإمبراطورية الميتانية7، إلا أنّ الملوك الآشوريين كانوا ملوكاً بالإسم فقط، حيث أنهم كانوا أتباعاً للملوك الميتانيين. خلال فترة الحُكم الميتاني لِآشور، كان الملوك الآشوريون، آشور رابي وآشور نيراري الثالث وآشور بيلنيشيشو وآشور ريمنيشوشو، يحكمون آشور8.

في المنطقة الصغيرة نسبياً التي عاش فيها السومريون والسوباريون والخوريون الزاگروسيون والمهاجرون الأموريون والكلدانيون مع البعض لفترة طويلة جداً، إمتدت لأكثر من أربعة آلاف سنة وخلالها إنصهر الأَموريون الساميون في أسلاف الكورد الزاگروسيين الذين هم السكان الأصليون لِكوردستان، نتيجة الإختلاط والتزاوج، حيث على سبيل المثال، يذكر عالِم الآشوريات البريطاني الپروفيسور (هاري ساغزHarry Saggs) أنّ أحد أحفاد (شمشي أَداد) تزوّج سيّدةً أو أميرةً من إحدى القبائل القوية والتي اسمها يدلّ على أنها كانت فتاةً خوريةً9. كما أنّ الملك الآشوري (آشور أوبلاط الأول) أقدم على الزواج من إبنة الملك الكاشي الذي كان يفرض نفوذه على بابل10.

هذا الإنصهار الإثني للمجموعات العِرقية، خلقت لغةً وثقافةً موحّدة وديناً مشتركاً، كما مرّ في الحلقات السابقة من هذه السلسلة من المقالات، حيث أنّ الآشوريين تبنّوا الإله السوباري (آسور) كإلهٍ خاصٍ لهم و إستمدوا إسمهم وإسم دولتهم (آشور) من إسم هذا الإله السوباري.

يذكر الپروفيسور جمال رشيد أحمد أن اللغة التي دوّنت بها لوحات الملوك الأشورية، مكتوبة باللغة الميتانية التي هي لغة كوردية قديمة. يستطرد الپروفيسور جمال رشيد أحمد في حديثه قائلاً أنّ أغلب مفردات اللغة الميتانية التي كُتبت بها لوحات ملوك الآشوريين تُستعمل الآن في اللغة الكوردية الحالية وعلى نطاق واسع11. كما أنه من الجدير بالذكر أن الكورد هم أصحاب التراث اللغوي والتأريخي لسكان هذه المنطقة. كتابة لوحات ملوك الآشوريين باللغة الميتانية تُثبت حقيقتَين أساسيتَين، هما أن اللغة الميتانية كانت لغة الملوك الآشوريين و أن أسلاف الكورد كانوا يهيمنون على الحُكم الآشوري، وخاصة في الفترات المبكرة للدولة الآشورية، قبل هيمنة الأموريين على الحُكم التي حصلت في الفترات المتأخرة من عُمر الدولة الآشورية وهذا ما سيتم الحديث عنه بالتفصيل في حلقة مستقلة قادمة.

هكذا إستوعبت اللغة الآشورية كلماتها من لغات الأقوام الزاگروسية، وخاصة السوبارية والسومرية والكاشية والخورية بالإضافة الى اللغة الأكادية، حيث أنّ اللغة الآشورية هي خليط من اللغات الزاگروسية والسامية، تحوي الكثير من مفردات اللغات الكاشية والسومرية والخورية والأكادية.

كانت الكتابة المسمارية هي كتابة الآشوريين التي كانت تُكتب علي ألواح الطين، وكانت علومهم مرتبطة بالزراعة ونظام العد الحسابي السومري الذي عُرف بنظام الستينات. كانوا يعرفون كذلك أن الدائرة 60 درجة، كما أنهم عرفوا الكسور والمربع والمكعب والجذر التربيعي، وتقدموا في الفلك وتمكنوا من حساب محيط خمسة كواكب، وكان لهم تقويمهم القمري. قاموا بِتقسيم السنة الى أشهر والشهر الى أيام، وكان اليوم عندهم يساوي 12 ساعة والساعة تساوي 30 دقيقة.
 
يذكر الدكتور بهنام ابو الصوف أنّ مَن كان يتكلم ويتعامل باللغة الاشورية، لغة الحاكمين في الإمبراطورية الاشورية و في كل بلاد الرافدين وأطرافها الشمالية والجبال وشمالي سوريا، قد إنقرضوا تماماً في مطلع القرنَين الخامس والرابع قبل الميلاد وما بعدهما حتى مجئ المسيحية الى هذه البلاد بعد إنتشارها في بلاد الشام أولاً.  يستطرد الدكتور ابو الصوف في حديثه قائلاً بأنّه في القرن الأول الميلادي، كانت اللغتان السائدتان هما الآرامية في بلاد الشام مع اليونانية (لغة المنتصرين في اليونان - بعد الاسكندر المكدوني) و اللغة الپهلوية في شرقي بلاد ما بين النهرَين وبلاد إيران الحاليةb.

ملاحظة: الرابط هو ڤيديو يحتوي على أنشودة خورية ألّفها أسلاف الكورد الخوريين قبل أكثر من 3400 سنة. أأمل أن تستمتعون بها خلال إستماعكم لها.


http://static.alarab.net/MMS_Files/MP3/mp3_files//M/Malek%20Jandali/Echoes%20From%20Ugarit/Alarab_Malek%20Jandali%20-%20Echoes%20From%20Ugarit.mp3


المصادر

1. برهان الدين دلّو. حضارة مصر والعراق. الطبعة الثانية، 2014، صفحة 237.

2. الدكتور فرج بصمه جي. دليل المتحف العراقي. مطبعة الحكومة، 1960، صفحة 31.

3. جرنوت فلهلم. الحوريون تأريخهم وحضارتهم. ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 44.

4. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 77.

5. صلوات گولياموف. آريا القديمة وكوردستان الأبدية (الكرد من أقدم الشعوب). ترجمة د. اسماعيل حصاف، متابعة وتدقيق مارگريت حصاف، مطبعة رۆژهەڵات ،هەولێر، الطبعة الأولى، 2011، صفحة 64.

6. جرنوت فلهلم. الحوريون - تأريخهم وحضارتهم. ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 62.

7. المصدر السابق، صفحة 35.

8. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ. الجزء الثاني. دار ئاراس للطباعة والنشر. اربيل 2003، صفحة 251.


9. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011.

10. الدكتور عبد الحميد زايد. الشرق الخالد (مقدمة في تاريخ وحضارات الشرق الأدنى من أقدم العصور حتى عام 323 ق.م)، دار النهضة العربية، القاهرة، 1967.

11. الدكتور جمال رشيد أحمد. دراسة لغوية حول تأريخ بلاد الكورد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، صفحة 99.
 

المراجع

a. Georges Roux. Ancient Iraq. Penguin books, third edition, 1992, page 282.

b. http://saotaliassar.org/01012013/BahnamAbuAlSuuf01.htm



9
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (55) – الآشوريون

تأسيس مملكة آشور

د. مهدي كاكه يي

قبل التحدث عن الموضوع الذي نحن بِصدده، أود أن أوضّح بأنّ غالبية الشعب الآشوري القديم كانت تتألف من السكان الزاگروسيين الأصليين من سومريين وسوباريين (خوريين - ميتانيين، كاشيين، لولويين) وميديين، بينما كانت الأقوام السامية الغازية لِشمال ميزوپوتاميا (جنوب كوردستان الحالية) تُشكّل أقلية سُكّانية آشورية، حيث يذكر الدكتور إبراهيم الفنّي بِأن أسلاف الكورد الخوريين هم الذين أعطوا الآشوريين تلك الملامح التي كانت تميّزهم عن الساميين1. هذا يؤكد ذوبان العناصر الآشورية السامية في الأقوام الزاگروسية. بعد تأسيس مملكة آشور، تمّ إطلاق إسم (الآشوريين) على الأقوام الزاگروسية من سكّان بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالية) وكذلك على الأقوام الأمّورية الغازية التي إستقرت هناك. في عهد الملك الآشوري (آشور باليت الأول Assur ballet I) (سنة 1363 – 1328 قبل الميلاد)، وخلال حُكمه تحوّلت (آشور) من دولة - مدينة إلى عاصمة مملكة سُمّيت (مملكة آشور). كما كان قسم من الحُكّام الآشوريين، زاگروسيين، وخاصة الملوك الأوائل والقسم الباقي كانوا أمّوريين. كما نرى أن إسم هذه الدولة الجديدة وإسم شعبها (آشور) مُقتبسان من إسم الإله السوباري (آسور) الذي كان يلفظه البابليون (آشور) ولذلك تحوّل الإسم من (آسور) الى (آشور).
 
هاجر الأمّوريون والبابليون الى بلاد سوبارتو في حوالي سنة 2000 قبل الميلاد، حيث عاشوا تحت الحكم السوبارتي. يذكر (هاري ساغز) أن سرجون الأول الأكادي (حكم بين سنة 2350 – 2294 ق.م) هاجم منطقة سوبارتو2.

الأقوام البابلية المهاجرة من جنوب ميزوپوتاميا والأقوام الأمّورية القادمة من الصحراء السورية الحالية، بعد إستقرارها في بلاد سوبارتو، تأثرت بحضارة السوباريين من لغة ودين وعبادة الآلهة وإقتبست منهم الطقوس الدينية وأسماء بعض المواقع3. بلاد آشور حتى حوالي سنة 1100 قبل الميلاد، كانت مؤلفة من عدة دويلات ضعيفة يتحكم بها أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث حكم الميتانيون بلاد آشور لفترة طويلة من الزمن4.

هاجر البابليون من بابل الى شمال ميزوپوتاميا بقيادة (شمشي أَدَد الأوّل Shamshi- Adad 1) (سنة 1813 – 1781 ق.م) وإبنه (إشْمي داگان Ishmi Dagan) (سنة 1780 – 1741 قبل الميلاد) وغزوا بلاد سوبارتو، وأسّسوا سُلالة حُكم هناك. في هذا المقال نواصل الحديث عن تأسيس مملكة آشور التي ستتألف سكانها من الأقوام الزاگروسية التي كانت السكان الأصليين لِجنوب كوردستان الحالية والأقوام البابلية والأمّورية التي هاجرت الى شمال ميزوپوتاميا (جنوب كوردستان الحالية) والتي إستقرّت بين شرق وشمال نهر دجلة والزابَين وعلى جانبَي خط عرض 37 تقريباً. هذه الأقوام الزاگروسية و البابلية والأمّورية ستتم تسميتها فيما بعد بالآشوريين.

عند إستقرار الأقوام البابلية والأمّورية الغازية في شمال ميزوپوتاميا، تَمَكَّنت مِن الإستحواذ على منطقةٍ مُحاذية لشمال المملكة البابلية وإستولت على مدينة ( ايكالاتIkalat ) المبنية فوقَ قلعةٍ على الساحل الشرقي لنهر دجلة واتخذتها مَقراً لحُكمها. بعد ثلاثة أعوام مِن استقرارها، في عام 1813 قبل الميلاد، إحتلت قوات (شمشي أَدَد الأوّل) مدينة آشور، الواقعة على الساحل الغربي لنهر دجلة ونصّب نفسه ملِكاً على مدينة آشور بإسم ( شمشي أدد الأول).

كانت مدينة آشور تتمتع بِموقعٍ إستراتيجي هام بسبب سيطرتها على مرور السفن والطوَّافات المارّة في نهر دجلة وهي في طريقها الى مدن سومر وأكد، ولذلك كانت تُشكّل مرفأً تجارياً تربط بين الشرق والغرب حسبما  يُشير لوحٌ مكتوبةٌ عليه بنود مُعاهدة عُثِرَت عليها  في تل مرديخ (إبلا). 
 
بعد أن أتَمِّ شمشي أدد سيطرته على اقليم آشور، أعلن نفسَه ملكاً على آشور باسم ( شمشي أدَد الأول Shamshi-Adad the First) (1813 - 1781 قبل الميلاد)  وبعد إستتباب أمره، عزم على القيام بتوسيع رقعة مملكتِه الفتية، فقادَ جيشَه  نحو مدينة (ماري) واحتلَّها، فأصبحت مملكتُه تشمُل (آشور) و(ايكالات) على نهر دجلة و(ماري) على نهر الفرات. نصّب (شمشي أدَد الأول) إبنه ( يَسمَج أدو Yasmah-Addu ) حاكماً على مدينة (ماري) و وإبنه الثاني (إشمي داگان Ishmi-Dagan) حاكماً على مدينة (ايكالات) و الذي خلفه على عرش آشور سنة 1780 قبل الميلاد. بعد مرور ثلاث سنواتٍ على احتلاله لمدينة آشور، قام الملك (شمشي أدَد الأول) بإحتلال ثلاث أقاليم في شرق دجلة وهي إقليم (نينوى Nineveh )  وإقليم ( أرابخا Arrapkha) (كركوك الحالية)  وإقليم (أربل Arbil-) (أربيل الحالية).   

يذكر الدكتور فتوحي بأنّه بعد إستقرار (شمشي أدد الأّول) في شمال ميزوپوتاميا، قام بِنقل مقر الدويلة التي أسسها، إلى مدينة (إيكالات Ikallate) للإبتعاد عن السورباريين الذين كانوا يُشكّلون الأغلبية السُكّانية في مدينة آشور5. إنتقل (شمشي أدد الأّول) فيما بعد الى مدينة نِينوى التي قام بِتعميرها وجعلها مدينة كبيرة. بعد ذلك نشأت الدولة الجديدة حول أربع مُدن ترويها مياه نهر دجلة وروافده، وهي مدينة آشور (قلعة شرگات الحالية)، ومدينة أربل (أربيل الحالية) ومدينة الكلف ( نمرود) ومدينة نينوى (قويونجك).

المصادر
1. الدكتور إبراهيم الفني. التوراة. دار اليازوري للنشر والتوزيع، ، عمّان، المملكة الأردنية الهاشمية، 2009، صفحة 101.
 
2. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى و احمد غسان سبانو، دار رسلان للطباعة والنشر والتوزيع، 2011، صفحة 29.

3. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 77.

4. محمد امين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 91.

5. عامر حنا فتوحي. الكلديون / الكلدان منذ بدء الزمان. 2004، صفحة 99.

10
المسيحية تعود الى جذورها الميثرائية (اليزدانية)

د. مهدي كاكه يي

كما هو معروف أنّ الديانة الميثرائية المُتجسّدة في الديانة اليزدانية، تؤمن بِتناسخ الأرواح وليس للموت وجودٌ في هذا الدين والإله (يزدان) لا يُعقاب البشر، بل خلال إستمرارية الدورة الحياتية للإنسان من خلال تناسخ الأرواح، تتطهّر الروح الخيّرة للإنسان من خطاياها وترتقي وتصبح في النهاية خالدةً وجزءاً من الذات الإلهية، بينما الإنسان السئ سيصبح عَدَماً، حيث ينقطع عن الإستمرارية في الحياة ويختفي.

يوم الخميس المصادف 29 آذار/مارس 2018، نشر الصُحفي الإيطالي الشهير (أوجينيو سكالفاري) مقالاً في صحيفة (لا روبوبليكا) الإيطالية التي هو مؤسسها، يذكر فيها بأنه سأل پاپا الڤاتيكان (بينيدكت) السادس عشر (Pop Benedict XVI) عن المكان الذي تذهب "الأرواح الشرّيرة" إليه في النهاية لِتنال العِقاب. ينقل هذا الصحفي نص جواب الپاپا عن سؤاله ما يلي:
 
" الأرواح الشرّيرة لا تُعاقَب. تلك التي تتوب، تحصل على مغفرة الرب وتأخذ مكانها مع مَن يُجلّونه.. لكن تلك التي لا تتوب ولا يمكن الغفران لها، تختفي. لا يوجد جحيم لكن اختفاء الأرواح الشرّيرة موجود".

پاپا الڤاتيكان يقرّ بِعدم وجود جهنم وليس هناك عِقاب بعد الموت. هكذا بمرور الزمن تعود الديانة المسيحية تدريجياً الى جذورها الأصلية (الميثرائية) التي تؤمن بِتناسخ الأرواح، حيث كانت جميع الأقوام الآرية تعتنق الميثرائية قبل ظهور المسيحية. بعد إنسلاخ مُعظم الآريين عن الميثرائية وإعتناقهم الديانة المسيحية، بقي الكثير من المعتقدات والطقوس الميثرائية حيّة في الدين المسيحي، مثل تبنّي المسيحيين لِيوم ولادة ميثرا (25 ديسمبر/كانون الأول) وجعله يوم عيد ميلاد المسيح. كما نرى، فأن تاريخ ميلاد المسيح يصادف نفس تاريخ ميلاد (ميثرا)، حيث أنه بعد إنتشار الدين المسيحي في أوروپا، وخاصة في روما، قام المسيحيون بِجعل تاريخ ولادة الإله‌ (ميثرا) تاريخاً لولادة السيد المسيح1.

لم تكتفِ المسيحية بِجعل ميلاد ميثرا يوم ميلاد المسيح، بل تبنّت يوم قيامة (ميثرا) يوماً لِقيامة المسيح، حيث سمّوه (ِعيد الفُصح) الذي يبدأ بعد يوم الحادي عشر من آذار/مارس (يوم نوروز، رأس السنة الكوردية)، يستذكرون فيه قيامة المسيح من بين الأموات بعد ثلاثة أيام من صلبه وموته كما هو مذكور في كتاب العهد الجديد. عيد الفصح المسيحي هو أيضاً إمتداد لعيد (أكيتو Ákitu) السومري.

طقوس إشعال النار الميثرائية بقيت في المسيحية. لا يزال المسيحيون يُشعِلون النيران في إحتفالات رأس السنة الميلادية، حيث أنّ النار ترمز إلى دحر الظلام المتمثّل في الليل، والإبقاء على شُعلة الإله النورانية المتمثلة في الشمس (ميثرا).

كما أنّ المسيحيين يحتفظون بِمصابيح مُشتعِلة في بيوتهم، إحتفاءً بِميلاد المسيح، يضعونها بالقُرب من شبابيك بيوتهم من الداخل لتكون مرئية للمارّة ويُبقون المصابيح مُضاءة الى مرور 13 يوماً على تاريخ ميلاد المسيح. الإحتفاظ بالمصابيح لليوم الثالث عشر بعد ميلاد المسيح، هو من بقايا طقوس إحتفال أسلاف الكورد السومريين بِعيد (أكيتو Ákitu)، حيث كان الإله السومري يُقيم مرة واحدة في مكانٍ خاص قبل إختيار مدينته التي يُقيم فيها بشكلٍ دائم. لذلك كان يُقام المهرجان للاحتفال بالوقت الذي إختاره الإله السومري (نانا) لتحديد مدينته. إستغراق المهرجان لمدة إثنا عشر يوماً هو الفترة التي خلالها يتم تمكين القمر من الإنتهاء من تشمّعه في السماء أي هي المدة التي كانت تستغرقه رحلة الإله (نانا) من بيته المؤقت المُسمى "بيت أكيتي" إلى مدينته الدائمية (أور)2. هكذا تنتهي رحلة الإله (نانا) في اليوم الثالث عشر وهذه المدة كما نرى لا تزال باقية في الديانة المسيحية.

لا يقتصر إمتداد عيد (أكيتو) عند المسيحيين فقط، بل أن الشعب الكوردي والشعوب الآريانية الأخرى التي تحتفل بِعيد رأس السنة (نوروز)، يقومون في اليوم الثالث عشر من السنة الجديدة بالخروج الى خارج بيوتهم والسفر الى حيث الطبيعة الخضراء والجو المعتدل، حامِلين معهم طعامهم، فيتناولون طعامهم وشرابهم في الهواء الطلق، في الطبيعة مع أنغام الموسيقى والغناء والدبكات الكوردية. يُسمّى هذا اليوم (سێزدە بەدەر) باللغة الكوردية والتي ما معناه (الخروج في اليوم الثالث عشر).
 
أخذ الدين المسيحي شعار الصليب أيضاً من أسلاف الكورد السومريين والميتانيين. لقد تمّ العثور في الموقع الأثري في (تل خيبر) في أور، على صور لأول إستخدام لرمز الصليب من قِبل السومريين. يُعتقد بأن عُمر أحد المباني في هذا الموقع هو حوالي 4000 سنة، وهذا يعني  أن السومريين إستخدموا شعار الصليب قبل حوالي 2000 سنة من ظهور المسيحية. الصليب السومري المُكتشَف يشبه الصليب المُستخدَم في صُلب السيد المسيح3. هكذا فأنّ مُعتقداتٍ وطقوسٍ دينية قديمة (سومرية وخورية) لا تزال نراها في الديانة المسيحية وبِمرور الزمن تقوم المرجعية الدينية المسيحية بالعودة الى أحضان الديانة الميثرائية المُتجسدة في اليزدانية التي الأيزيدية والهلاوية واليارسانية هي الفروع الرئيسية لها.
 

المصادر
1. http://www.iranchamber.com/religions/articles/mithraism_influence_on_christianity.php

2. http://www.gatewaystobabylon.com/religion/sumerianakitu.htm

3. "Ur Region Archaeology Project".


11
الإختلافات بين الديانة الأيزيدية والزردشتية

د. مهدي كاكه يي

أهم إختلاف بين الديانة الأيزيدية والزردشتية هو أنه في الديانة الأيزيدية هناك إله واحد وهو إله خيّر وليس هناك إله للشر، بينما في الزردشتية هناك إلهان (قوتان) أحدهما خيّر والآخر شرّير وهذا إختلاف جوهري وهام بين فلسفة الدينَين. الأيزيدية تفرض الصيام على معتنقيها مثل الصوم عن الطعام أو الصوم عن الكلام أو الصوم عن أكل نبات معين أو الصوم عن معاشرة النساء ليلة الأربعاء أو الإمتناع عن أكل لحم معيّن، بينما تُحرّم الزردشتية الصيام. الأيزيدية تقوم بِتقديس الشمس وبقية الظواهر الطبيعية بإعتبارها من دلالات الوجــود الإلهي، بينما مظاهر عبادة النار تطغي على الطقوس الزردشتية. كما تختلف الأيزيدية عن الزردشتية بإعتقادهم بِطاووس ملك وهو رئيس الملائكة وفي الثنائية المتجسدة في وحدة الله الواحد الأحد إضافة إلى وجود تمثال لهذا الطاووس يتبركون به.

أركّز هنا على الإختلاف الجوهري الموجود بين الديانتَين وهو وجود إله (قوة) خيّر فقط في الأيزيدية ووجود قوة الخير والشرّ المتمثلَين ب(أهورامزدا) و(أهريمن) على التوالي في الزردشتية. يمكن إعتبار(أهورامزدا) و(أهريمن) كإلهَين لأنّ كلاهما معاً يتحكمان بِمصير البشر، أحدهما يدفع الإنسان لِعمل الخير والآخر يدفعه لِعمل الشر وأهريمن يُمثّل (الشيطان) في الأديان الكتابية المُسماة السماوية. بعيداً عن المفهوم الكلاسيكي للإله، فأنّ زردشت إختلق قوتَين متضادتَين وهما في صراع مستمر، أحدهما يمثل الخير والثاني يمثل الشر. بهذه الصورة يُلغي زردشت إرادة الإله في القيام بالتحكّم بالكون والبشر، حيث أنه يُشرِك (أهريمن) في التحكّم بالكون والبشر الى جانب الإله (أهورامزدا)، بينما في الديانة الأيزيدية تتمثل الوحدانية في خالق الكون (يزدان). في الديانة الأيزيدية، لا توجد تسمية خاصة للشر و لا يوجد إله خاص بالشرّ. في فلسفة العقيدة الأيزيدية، يزدان (الإله) هو نور وخير مطلق، ولا يمكن أن ينبثق الظلام من النور، ولا يمكن للإله الخيّر أن يُنتج كائناً شرّيراً، يسلّطه على مخلوقاته، فالخير والشر في العقيدة الأيزيدية هما من عمل الإنسان، ولذلك فأنّ الإنسان هو صانع أفعاله وأقواله، ولا وجود لِكائن شرّير بإسم (أهريمن أو شيطان) لتحميله وزر أفعال وأقوال البشر. إنّ وجود الشر يتناقض مع مفهوم (الخالق) الذي هو خير مطلق في المُعتقَد الأيزيدي. وهبَ الإله (يزدان) الإنسان العقل ولذلك فأنّ الإنسان مُخيّر بين القيام بأعمال خيّرة أو سيئة و هذا يعني بأن الإنسان مُخيّرٌ في التفكير والقيام بالأعمال، سواء كانت أعمالاً صائبة أو خاطئة، جيدة أو سيئة، وأنه يتحمل مسئولية قيامه بالأعمال التي يقوم بها، وهو بنفسه يتحمل مسئولية إرتكابه الأخطاء أو الجرائم ولا يُسببها (أهريمن). خلقْ زردشت لِأهريمن، يسلب إرادة الإنسان، حيث أنه لو أنّ كل ما يقوم به الإنسان هو من إرادة الإله، حيث أنه أوجد (أهريمن) لإيذاء الناس ودفعهم الى القيام بأعمالٍ شرّيرة، هذا يعني بأن الإله يدفع الإنسان الى إرتكاب الجرائم والأعمال الشرّيرة الأخرى وأنه مصدر الشرّ. هذا يعني أيضاً أنه في هذه الحالة فأنّ الإنسان المُجرم برئ من جرائمه لأنه فاقد الإرادة وأنه مجرد آلة يستخدمها الإله (يدفعه أهريمن) في إرتكاب الجرائم و أنّ الإله هو المجرم الحقيقي والعقل المدبّر لكافة جرائم وشرور الإنسان.

الفلسفة التي تتميّز بها الديانة الأيزيدية عن الديانة الزردشتية والديانات الكتابية (المُسمّاة السماوية)، هي أنه في الديانة الأيزيدية، الإنسان هو منبع الخير والشر و ليس الإله، حيث ليست هناك قوة شرّيرة (لا وجود لِأهريمن). هكذا فأن الفلسفة الأيزيدية تقول أنّ أعمال البشر لا يُحددها الإله، بل أنّ الإنسان بنفسه يُحدّد الأعمال التي يقوم بها وبذلك يمنح الدين الأيزيدي للإنسان حرية الفكر والإبداع والإبتكار والإختراع والإستقلالية والإعتماد على النفس والثقة بالنفس و العمل على خدمة الإنسانية وبناء الحضارة البشرية، بِعكس الأديان المذكورة التي تجعل معتنقيها يخضعون للأقدار ويعتمدون على الإله ويخضعون لِمكائد وشرور (أهريمن أو الشيطان) وبذلك يتم تغييب عقل الإنسان وإلغاء إرادته.

أود أن أُضيف نقطة إختلاف مهمة أخرى بين الأيزيدية والزردشتية وهي أنّ الدين الأيزيدي يؤمن بِتناسخ الأرواح وليس للموت وجودٌ في هذا الدين والإله (اليزدان) لا يُعقاب البشر، بل خلال إستمرارية الدورة الحياتية للإنسان من خلال تناسخ الأرواح، تتطهر الروح الخيّرة للإنسان من خطاياها وترتقي وتصبح في النهاية خالدةً وجزءاً من الذات الإلهية، بينما الإنسان السئ سيصبح عدماً، حيث ينقطع عن الإستمرارية في الحياة ويختفي، بِعكس الدين الزردشتي الذي يؤمن بِعقاب الإله للبشر وتعذيبه على غرار الأديان الكتابية.


 
معبد لالش الأيزيدي


 
طقوس دينية أيزيدية

 
زردشت


 
رمز الإله (آهورامزد)ا


12
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (54) – الآشوريون

الحُكم السومري والسوباري في بلاد سوبارتو (4900 – 1820 قبل الميلاد)

د. مهدي كاكه يي

في البداية أود أن أوضّح بأن (السوباريون) و(الأموريون "العموريون") ليسا مُصطلحَين عِرقييَن (إثنييَن)، بل أنهما مصطلحان جغرافيان. إسم (السوباريون) متأتي من كلمة (سوبير) التي تعني باللغة السومرية (الشمال) أي (شمال ميزوپوتاميا) وبذلك إسم (السوباريين) يعني (الشماليون أي السكان الشماليون) والذين هم الأقوام الزاگروسية من سومريين وإيلاميين وكاشيين ولوللوين وخوريين وميديين وغيرهم. مصطلح (الأموريون) متأتٍ بِدورِه من كلمة (أموري) السومرية التي تعني (الغرب) وبذلك فأنّ مصطلح (الأموريون) يعني (السكان الغربيون) أي السكان الذين كانوا يعيشون الى الغرب من ميزوپوتاميا (في الصحراء السورية) وأن (مات أمّوري) تعني باللغة السومرية (البلاد الغربية). بعد إنشاء مملكة آشور، تمّت تسمية مواطني هذه المملكة بالآشوريين وهذه المواطَنة تشمل أفراد الأقوام الزاگروسية الذين عاشوا في مملكة آشور، وكذلك الأمّوريين الوافدين الى بلاد سوبارتو.

نتيجة قوة الإمبراطورية الآشورية بعد نشوئها وشُهرتها أو لأسبابٍ عنصرية، فأنّ الكثير من المؤرخين، قاموا بِكتابة تأريخ خاطئ للمملكة الآشورية، حيث جعلوا حُقبة الحُكم السومري والسوباري أيضاً جزءاً من التاريخ الآشوري رغم أنّ مملكة آشور لم يكن لها وجود في ذلك الوقت. لذلك نحن نفصل الحُقبة السومرية والسوبارية عن الحُقبة الآشورية التي تبدأ إعتباراً من تاريخ تأسيس المملكة الآشورية و في هذه الحلقة يتم الحديث عن عهد الحُكم السومري والسوباري. الحلقات القادمة ستتناول الحُقبة الآشورية.

العهد السومري
يبدأ هذا العهد إبتداءاً من بناء المستوطنات السومرية الزراعية في شمال ميزوپوتاميا، التي يعود بعضها إلى عهد حضارة گُوزانا (حضارة حلف) (4900 - 4300 قبل الميلاد). يستمر العهد السومري في هذه المنطقة الى القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد1.

العهد السوباري
تتم تسمية هذا العهد عن طريق الخطأ ب(العهد الآشوري الأول). يبدأ هذا العهد إبتداءاً من إنتقال السوباريين من سلسلة جبال زاگروس الى سهول شمال ميزوپوتاميا (جنوب كوردستان الحالية) والتي سُمّيت بلاد (سوبارتو). بعد إستقرار السوباريين في هذه المنطقة، قاموا بِبناء مدينة على أراضٍ كانت عبارة عن مستوطنة زراعية سومرية، وأطلقوا عليها إسم إلههم (سوبار) والذي تم التطرّق إليه في حلقةٍ سابقةٍ من هذه السلسلة من المقالات. استمرّ العهد السوباري من القرن 23 قبل الميلاد الى بداية القرن التاسع عشر قبل الميلاد2. يذكر الدكتور عامر حنّا بأنّ عدد الحُكّام السوباريين كان (38) حاكماً، متكونين من ثلاث فئات تبعاً لِطريقة ومكان عيشهم وهي:

أ. حُكّام عاشوا في الخيام
 أسماء هؤلاء الحُكّام السوباريين الذين عاشوا في الخيام خلال فترات حُكمهم هي:

1. (تودِيا Tudiya): أبرم هذا الحاكِم عقد تحالفٍ مع (إبريوم)، حاكم مملكة (إبْلا Ebla) في حوالي سنة 2250 أو سنة 2200 قبل الميلاد.   
2. (أدامو Adamu).
3. ينكي Yanki.
4. كِتلامو Kilamu.
5. هرهارو Harharu.
6. مندارو Mandaru.
7. إمشو Imshu.
8. هرشو Harshu.
9. ديدانو Didanu.
10. هانو Hanu.
11. زوابو Zuabu.
12. نوابو Nuabu.
13. أَبازو Abazu.
14. بِيلو Belu.
15. أَزاراهو Azaarahu.
16. أُوشپِيا Ushpia: هذا الحاكِم هو أوّل مَن بنى معبداً للإله السوباري (آسور) على أساس معبد سومري مخصص للإلهة (إنّانا Innana).
17. أَپِياشال Apiashal.

ب - حُكّام عاشوا في بيوت حجرية
أسماء هؤلاء الحُكّام هي:
 
18. هالي Hale.
19. سامانو Samanu.
20. هايانو Hayanu.
21. إيللومِير Illumir.
22. ياكميسي Yakmesi.
23. ياكميني Yakmeni.
24. يَزكوريل Yazkurel.
25. إيلَكابْكابا Ilakabkaba.
26. أمينو Amino.
27. سوليلي Sulili.
 
ج – حكّام عاشوا في مدينة آسور
28. كيكيا Kikkia: قام هذا الملِك السوباري بِبناء سور مدينة آشور وتحويل مستوطن زراعي سومري إلى مدينة محصَّنة، كما تمّ الحديث عنه في إحدى الحلقات السابقة.
29. آكيا Akia: حكم هذا الملِك حوالي سنة 1980 / 2000 قبل الميلاد.
 
د – حكّام مختلَطون:
قسم من هؤلاء الحُكّام، سواء كانوا سوباريين أو أكاديين، كانوا تابعين للسلطة الأكادية.
30. پُوزور آشور الأول Puzur Ashur I: حَكَم بِحدود سنة 1960 قبل الميلاد.
31. شاليم آخوم Shalimm Ahkum.
32. إيلوش أُوما Ilush Umma.
33. إيريشوم الأول Eri Shum I.
34. إيكونوم Ikunum.
35. شاروكين (سرجون الأول Sharru Kin I)
36. پوزور آشور الثاني Puzur Ashur II.
37. نارام سين Naram Sin.
38. إيريشوم الثاني Eri Shum II (حَكمَ في حوالي سنة 1820 قبل الميلاد).

هكذا كانت سوبارتو معروفة بإسمها الأصلي طوال مدة تصل الى 450 سنة، وكان سكّانها سوباريين والغالبية العظمى من حكّامها كانوا أيضاً سوباريين. كان (آسور) الإله الوطني للسوباريين والذي كان الأكاديون يلفظونه (آشور)، ومن هذا التلفّظ جاء إسم الآشوريين وإسم مملكتهم. كانت العاصمة الآشورية الأولى هي مدينة (آسور) التي حملت اسم الإله السوباري. في هذه الفترة، لم يكن للأقوام الأَمورية وجود في بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالية).


المصادر

1. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 105.

2. المصدر السابق، صفحة 105، 127.



13
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (52) – الآشوريون

أصل الآشوريين 


د. مهدي كاكه يي

منذ بدء المدّ القومي العروبي، أخذ الكثير من "المؤرخين" العروبيين العنصريين يُزّيفون تاريخ منطقة غرب آسيا ويسرقون تاريخ شعوب المنطقة ويجعلونها تاريخاً للعرب بشكل خاص وللساميين بِشكلٍ عام. كما يجب أن نذكر بأن العروبيين العنصريين الذين سيطروا على الحُكم في كثير من دول المنطقة التي أطلق عليها العروبيون إسم "الدول العربية"، قاموا بِتسييس التاريخ وأجبروا الكثير من المؤرخين في هذه البلدان أن يتخلّوا عن مهنيتهم ومصداقيتهم وأن يقوموا بِتزييف تاريخ المنطقة وإلغاء وسرقة تاريخ شعوبها وتنسيبه للعرب والساميين. إطلاق إسم "الدول العربية" على معظم دول المنطقة، هو جزء من عملية التزوير للتاريخ وإخفاء الحقائق، حيث أنه بإستثناء الحجاز واليمن، فأنّ شعوب الدول الأخرى المُسمّاة ب"الدول العربية" هي شعوب غير عربية والغالبية العظمى من المواطنين في هذه الدول، الذين أصبحت لغتهم عربية، هم مستعربون ينتمون الى الشعوب الأصيلة للمنطقة، مثل الكورد والأمازيغيين والأقباط واليهود والبلوش والنوبيين وغيرهم. تزوير أصل الآشوريين هو أيضاً ضمن هذه الحملة التزويرية الكبرى التي يقوم بها العنصريون العرب والأتراك والفرس لِطمس أصول شعوب المنطقة. خدمةً للحقيقة وإنصافاً لِشعوب المنطقة، نقوم بِتصحيح تاريخ شعوب المنطقة، ومنها تاريخ الآشوريين، وكتابته بِمهنية وأمانةٍ علمية بالإستناد على مصادرٍ رصينة.

يقول الأستاذ حازم هاجاني بأن مملكة سوبارتو كانت محصورة بين جبال زاگروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب ولذلك كانت سوبارتو تشمل المنطقة الاشورية وأن الاشوريين إستقروا في هذه المنطقة في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما قصدت قبائل سامية من الجنوب الغربي الى شمال ميزوپوتاميا وتوغلت في منطقة ما بين النهرين وإستقرت هذه المجموعة في جنوب كوردستان الحالي، في البقعة الممتدة على طول ضفة نهر دجلة اليمنى بين الموصل وشرقاط وكانت هذه المنطقة تُعرف بإسم سوبارتو1. هكذا فأن تأريخ أسلاف الكورد السوباريين يمتد إلى عصور سحيقة في القِدم.

الپروفيسور (مهرداد إزادي Mehrdad Izady) أستاذ التأريخ القديم في جامعة هارڤارد الأمريكية، يؤكد على كون الكورد هم أحفاد السوباريين، حيث يذكر بأن أقدم عشيرة كوردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريينa. في هذه المنطقة الواقعة في شمال مدينة أربيل، تمّ العثور على أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، وعلى قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية في هذه المنطقة.

يقول هاري ساغز بأنّ الآشوريين كانوا شعباً هَجِيناً، وهم يعرفون ذلك، وكان النقاء العِرقي ليس ذا قيمة بالنسبة إليهم، ومنذ أقدم الأزمنة كان لديهم تاريخ عنصري خليط. يستطرد هاري ساغز في حديثه قائلاً بأنّ هذه الحقيقة مذكورة في العديد من النقوش الملكية وأن شعوباً من خارج مملكة آشور كانوا يتوافدون إليها، وينضمّون إلى السكان الأصليين في البلاد، ويمتزجون بهم2.

من جهة أخرى، يذكر الدكتور توفيق سليمان بأنّ الآشوريين لا ينتمون إلى سلالة بشرية واحدة، مستنداً في ذلك على الرسوم والنقوش التي خلّفها الآشوريون لِمواطنيهم، التي تؤكّد على أنّ هؤلاء الأشخاص كانوا يشكّلون خليطاً من البُؤَر البشرية المحلّية في بلاد ما بين النهرين، ومن البُؤَر البشرية التي تعود بأصولها إلى الأرض الأرمينية3. بالنسبة الى قول الدكتور توفيق سليمان بأن "قسماً من الآشوريين ينحدرون من البُؤَر البشرية التي تعود بأصولها إلى الأرض الأرمينية"،  فأنّ قولَه هذا يفتقد الى المصداقية، حيث لم تكن خلال العهد الآشوري دولة إسمها (أرمينيا). ظهرَ إسم أرمينيا سنة (550 – 521 قبل الميلاد)، بينما ظهرَ الآشوريون قبل هذا التاريخ بِأكثر من ألف سنة4. في وقت ظهور الآشوريين، الأرض التي يظنّ الدكتور توفيق سليمان بـأنها كانت "أرضاً أرمينية" كانت في الحقيقة  الأرض الخورية والتي ورثها بعد الخوريين، أحفادهم الأورارتيون (الخَلديون)، حيث أنه لا تزال هناك قبيلة كوردية تحمل هذا الإسم. الأستاذ مروان المدوَّر يؤكد على كلامنا هذا، حيث يقول بأنّ (هيرودوت) يذكر أن الأرمن شعب هندو أوروپي، غادروا البلقان في القرن الثاني عشر قبل الميلاد إلى آسيا الصغرى عبر البوسفور والدَّردنيل، ثم توغّلوا شرقاً على مراحل، حتى وصلوا إلى أرارات في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، ووصلوا إلى أرمينيا بُعيد زوال دولة أورارتو (خَلْدي)5. يضيف الأستاذ مروان المدوَّر بأنّ أرمينيا لم تكن تُعرَف بهذا الاسم، إذ لم يتشكّل إسم أرمينيا كما نعرفه اليوم إلا إعتباراً من أعوام (550 – 521 قبل الميلاد)4.

يخبرنا المؤرخ الشهير ”ول ديورانت WILL DURANT" عن أصل الآشوريين بما يلي: {وكان الأهلون خليطاً من الساميين الذين وفدوا إليها من بلاد الجنوب المتحضرة (أمثال بابل وأكد) ومن قبائل غير سامية جاءت من الغرب، ولعلهم من الحثيين، أو من قبائل تَمُتّ بِصلةٍ إلى قبائل ميتاني، ومن الكورد سكان الجبال الآتين من القفقاس}6. في الحقيقة، أسلاف الكورد الخوريون كانوا يقطنون الى الغرب من الآشوريين وليس الحِثيون. قول (ول ديورانت) بأنّ الكورد آتون من القفقاس غير صحيح، حيث أن أسلاف الكورد السومريون والسوباريون والخوريون – الميتانيون والميديون وغيرهم، عاشوا في وديان جبال زاگروس وتوروس منذ ما قبل التاريخ. ما يذكره (ول ديورانت) يعني أن الشعب الآشوري لم يتألف من عنصر إثني واحد، بل كان شعباً هجيناً. هكذا تم تأسيس مملكة آشور في موطن أسلاف الكورد وأن الساميين القادمين من بابل و أكاد كانوا مهاجرين في بلاد أسلاف الكورد، لذلك لابد أن السكان الأصليين (السوباريين والخوريين - الميتانيين) كانوا حينذاك يشكّلون أغلبية سكان مملكة آشور.
 
كما يذكر المؤرخ طه باقر بأن الآشوريين نزحوا الى موطنهم من جنوب بلاد ما بين النهرين الى الشمال7. المؤرخ قسطنطين ماتفييف يقول بأن الخارجين من أرض بابل يممّوا صوب شمال ما بين النهرين وأسسوا لهم هناك موطنآ وكانت آشور أكبر مدنهم8.

يقول أيضاً كل من الدكتور طه باقر والدكتور عامر سليمان بأن الآشوريين إستقروا في شمال وادي الرافدين وعند هجرة الأكاديين الى منطقة جنوب كوردستان الحالي، كان السومريون والسوباريون يعيشون هناك وكانت المنطقة تُسمى ب(سوبارتو)9، 10. جاء ذكرالسوباريين في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات وكان ملوك اكاد وبابل يطلقون إسم "السوباريين" على الآشوريين9، 10.

يذكر المؤرخ يوسف رزق الله غنيمة أن التنقيبات الآثارية التي قام بها الألمان بين سنة  1903 و1914 تؤكد على أن سكان آشور القدماء لم يكونوا ساميين11. كما يذكر المؤرخ عامر حنا فتوحي أن الآشوريين الأوائل هم شعب آسيوي من الأرومة الهندو- أوروبية وإسمهم القديم الذي كانوا يتفاخرون به هو (شوبارو أو سوبارو)12. هذا يؤكد بأن الغالبية العظمى من سكان آشور كانوا ينحدرون من أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين – الميتانيين وأن الساميين الذين هاجروا الى بلاد السوباريين (سوبارتو) قد ذابوا في السكان الأصليين.

في نصوص الفأل، إقتصرت تسمية الآشوريين لبلادهم وأنفسهم على أنهم ( سوبارتو)، حيث أنه جاء في التقرير الذي قدّمه أحد المنجمين الآشوريين إلى الملك الأشوري ما يلي: (إذا شوهد القمر في يوم الثلاثين من شهر نيسان فإن بلاد سوبارتو سوف تتغلب على الأخلامو (هي إحدى القبائل الآرامية الكبرى)، ويضيف ذلك المُنجم قائلاً: (نحن السوباريين)13.

دليل آخر على كون غالبية الآشوريين من السوباريين، هو أن الملك البابلي (مردوخ – بلادن) كان لا يُسمّي خصمه، الملك الآشوري سرجون الثاني، ب(ملك الآشوريين) بل كان يُسمّيه (ملك السوباريين) وكان يُسمّي الجيش الآشوري بجموع السوبارتو14.

يقول الپروفيسور جمال رشيد أحمد أنّ الآشوريين ينحدرون عِرقياً من أسلاف الكورد الخوريين أو الگُوتيين أو اللولوبيين15.

كما أنّ الدكتور إبراهيم الفنّي يذكر بأنّه من القراءة الأولى نعتقد أن الخوريين هم الذين أعطوا الآشوريين تلك الملامح التي كانت تميّزهم عن الساميين في الجنوب16.

مما تقدم، نستنتج أن الأقوام الزاگروسية (أسلاف الكورد) كانت تُشكّل غالبية الآشوريين في شمال ميزوپوتاميا وأنّ المهاجرين الساميين الذي قدِموا الى شمال ميزوپوتاميا كانوا يُشكّلون الأقلية هناك وتدريجياً ذابوا في الأقوام الزاگروسية (السومريين، السوباريين والخوريين والميتانيين). بعد إختفاء المملكة الآشورية، مع مرور الزمن، ذابت بقايا العناصر السامية في الأقوام الزاگروسية.


المصادر

1. حازم هاجاني (1997). مجلة متين، العدد 67، دهوك، صفحة 103.

2. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 170، 173.

3. توفيق سليمان. دراسات في حضارات غرب آسيه القديمة الى عام 1190 ق.م: الشرق الادنى القديم بلاد مابين النهرين/بلاد الشام. دمشق، دار دمشق للطباعة والنشر، 1985، صفحة 161.

4. مروان المُدَوَّر. الأرمن عبر التاريخ، بيروت، 1982، صفحة 82، هامش 2.

5. المصدر السابق، صفحة 102.

6. ول ديورانت. قصة الحضارة. مجلد 1، الجزء 2، صفحة 496 – 470.

7. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 472.

8. قسطنطين بيتروفيج ماتفيف. الآشوريون والمسألة الآشورية في العصر الحديث. 1989.

9. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 120، 476.

10. عامر سليمان. العراق في التاريخ القديم. الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 119.

11. يوسف رزق الله غنيمة. نزهة المشتاق في تأريخ يهود العراق. مطبعة الفرات، 1924.

12. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 99.

13. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة  472 – 473.

14. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973.

15. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الأول، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 31.

16. إبراهيم الفني. التوراة: تاريخيا، أثريا، دينيا، دار اليازور العلمية، 2008، صفحة 101.


المراجع

a. Izady, Mehrdad R. The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, 1992, pp. 268. ISBN 978-0-8448-1727-9.


14
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (51) – الآشوريون

كيف إكتسب الآشوريون إسمهم؟

د. مهدي كاكه يي


قبل الحديث عن موضوع تسمية الآشوريين، أود أنّ أذكر بأن وديان سلاسل جبال زاگرۆس و تۆرۆس الكوردستانية، كانت الموطن الأصلي للأقوام المسماة بالأقوام الآرية والتي هي في الحقيقة أقوام زاگرۆسية، تمددت وإنتشرت في إيران وأفغانستان و پاكستان والهند وغيرها من دول قارة آسيا ووصل قسم من هذه الأقوام الزاگرۆسية الى أوروپا وإستقروا فيها وبذلك بدأت الحياة البشرية هناك منذ ذلك الوقت. هكذا فأنّ الشعوب المسمّاة بالآرية هي جميعها أحفاد الأقوام التي كانت تقطن في وديان سلاسل جبال زاگرۆس و تۆرۆس الكوردستانية منذ ما قبل التاريخ (للمزيد من المعلومات، يمكن الإطلاع على كتاب " آريا القديمة وكوردستان الأبدية" للمؤرخ الروسي "صلوات گولياموف")1. نظراً لِكَون كوردستان مهد الحضارة البشرية، فأنها بلاد الأساطير والآلهة والمعتقدات والأديان. أسلاف الكورد هم روّاد إكتشاف النار والزراعة والكتابة والصناعة. رغم ريادة الشعب الكوردي في الحضارة، إلا أننا نراه اليوم في تقهقر وأصبح يلعب دوراً هامشياً في حياة البشرية على كوكبنا الأرضي، حيث يفتقد الى كيانٍ سياسي على أرضه، وأنّ وطنه مُقسّم ومُغتصَب وإرادته وحريته مُقيّدة، فهو غريبٌ وذليلٌ في وطنه والمُغتصِبون يدّعون بأنهم أصحاب كوردستان و يحكمون الشعب الكوردي بالنار والحديد ويُجرّدونه من هويته وشخصيته ووطنه ولغته وثقافته وتاريخه وتراثه وعقائده وأديانه وينهبون ثرواته. آن الأوان للشعب الكوردي أن يقوم بِنهضةٍ حضارية كبرى بِكسر قيود العبودية والذل والتبعية والتواصل في رفد الحضارة الإنسانية بالإختراعات والإبتكارات والعلوم والثقافة والفنون، كما كان يقوم بها أسلافه السومريون والسوباريون والخوريون – الميتانيون والميديون.

هكذا إنطلقت الأساطير والعقائد والأديان من أرض كوردستان، حيث أنه  في العهود القديمة، كانت الشمس هي محور العبادات في المجتمعات الآرية (الزاگرۆسية) وكانت الشمس تُسمّى (سورياش، سورا، آسور، آهورا)2، حيث أنّ الخوريين - الميتانيين كانوا يُسمّون إله الشمس (آسور) و الكاشيون كانوا يُسمّونه (سورياش) وعند السوباريين تمت تسميته ب (آ- أُوسار). لا تزال اللغة الكوردية تحتفظ بالإسم الزاگرۆسي/الآري للشمس، حيث أن الشمس تُسمّى بالكوردية (خور).

قام السوباريون ببناء مدينة، وسمّوها بإسم إلههم ("آ- أُوسار" أو "آسور")، وإتخذوها عاصمةً لهم. يذكر السيد عامر حنا فتوحي بأن الحاكم السوباري (كيكيا Kikkia) قام ببناء سور هذه المدينة وجعلها مدينة محصَّنة3. تغّيرَ إسم مدينة (آسور) الى (آشور) خلال الحُكم الآشوري، حيث أنه في الكتابات الأكادية تمّ تبديل حرف (س) في الإسم (آسور) الى حرف (ش)، وبذلك تمت كتابته بصيغة (آشور) بدلاً من (آسور) وتبنّى الآشوريون هذا الإسم ليكون إسماً لِإلههم وعاصمتهم ودولتهم. قام الملِك السوباري (أُوشپيا Ushpia)، ببناء معبدٍ للإله السوباري الأكبر (آ- أُوسار "آسور") على أساس معبدٍ سومري قديم، والذي كانت تتم فيه عبادة الإلهة (إنانا Innana) التي تُسمّى عند الأكاديين ب(عشتار) و تمت تسمية هذا المعبد باللغة السوبارية (خورْزاك كورْكورا Ê- Xurzak- Kurkura)4. يذكر الدكتور احمد خليل في إحدى مقالاته بأنّ الإسم (Ê- Xurzak- Kurkura) مؤلّف من ثلاث مقاطع، (Ê) و (Xurzak) و (Kurkura)، حيث أنّ المقطع (Ê) يعني (الذي)، وهذا المقطع موجود أيضاً في بداية إسم إله السوباريين (آ- أُوسار). المقطع (Xur) و (Xurz ) صيغتان لإسم الشمس في اللغات الآرية الشرقية (اللغات الزاگروسية)، حيث أنّ الشمس كانت محور العبادة في الديانات الآرية. اللاحقة (ak) المُلحَقة بالكلمة (Xurzak)، هي لاحقة تُستخدم للدلالة على إسم مفرد نكِرة أي إسم مفرد غير مُعرّف، حيث أن هذه اللاحقة موجودة في اللغة الكوردية وتُعطي نفس المعنى مثل (دارێك DARÊK) أي (شجرة). المقطع (Kurkura) يعني (جبال). هكذا فأنّ إسم المعبد السوباري يعني (الذي هو شمس الجبال) أي (إله الجبال). الإلهَ السوباري (آسور)، الذي تمّ تعديل إسمه في العهد الآشوري الى (آشور)، إعتبره البابليون إلهاً أجنبياً ولذلك لم يتم إدخاله في طقوس البابليين ولم يتم ذكره من قِبل الملك البابلي، حمورابي، في مسلّته ضمن آلهة بابل.

عُرفت بلاد آشور في المصادر المسمارية بإسم (مات آشور)، أي (بلاد آشور)، ووردت بصورة (آ – شو- ار)، كما أن إسمها كُتِب في المصادر المصرية بصيغة (آسور) في عهد تُحوتْمُس الثالث (1490 – 1436 قبل الميلاد)5. كما أنّ إسم آشور جاء في بعض المصادر على شكل أَسْهور، و أَسْشور، وأَسور، وآثور، وآتور، وآسور، وآزور6. هذه الأسماء جميعها مُستمدة من إسم الإله السوباري (آ- أُوسار "آسور").

كما أنّ الإله آشور (آسور) مُقتبّسٌ من إله الشمس الآري (سورياش، آسور، آهورا)، والذي إسمه يعني الشمس7. كما أنّ عبادة الإله السوباري، بصيغة (آسُور)، إنتقلت إلى الحِثّيين أيضاً، الذين كانوا يعيشون في الأناضول.

كان رمز إله الشمس السومري هو عبارة عن قرص شمس مجنَّح، النصف العلوي منه عبارة عن صورة لِشخصٍ مُلتحٍ، موضوع على رأسه تاجٌ، ويمسك دائرةً بِيده اليسرى وهذه الدائرة ترمز إلى الكون (صورة رقم 1). عند إحتلالهم لِبلاد السوباريين، قام الأَموريون بِتغيير رمزَ الإله السُّوباري، حيث أنهم ألبسوا رأسه خوذةً لها قرنان8، الذي يرمز الى القمر الذي كان يُعبَد من قِبلهم، ووضعوا في يده اليمنى قوساً؛ الذي يرمز الى الحرب، وبذلك أصبح إله الشمس الزاگروسي النوراني عند الأموريين إلهاً للحرب (صورة 2).

 
صورة 1. رمز الإله آهورامزدا


 
صورة 2. رمز الإله آشور

يذكر المؤرخان (جيرمي بلاك Jeremy Black) و(أنثوني گرین Anthony Green) أنه لا علاقة للإله (آسور"آشور") بالأقوام الصحراوية (السامية)، وأن عبادته كانت شائعة بين الأقوام الزا گروسية/الآرية، مثل السوباريين والخوريين - الميتانيين والحِثّيين. لقد أطلق الميتانيون اسم (مِترا Mitra) على الإله (آسور) وقد تكون هذه الصيغة صفة للإله وليس اسماً له، حيث أنهم صوّروه في أختامهم الأسطوانية والذي يمكن إعتباره أحد صيغ الإله الوطني السومري (إنليل Enlil)a، مع الأخذ بِنظر الإعتبار أن الميثولوجيا السومرية كانت جبلية/زا گروسية/ شمسانية الأصل.

تُشير النصوص السومرية الى أنّ السومريين كانوا أول مَن إحتفلوا بِعيد (أكيتو Akitu) الذي كان يبدأ في الأول من شهر نيسان من كل عام. الإسم السومري لهذا العيد هو (أكيتي (Ákiti) وكانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً9.

قام الأموريون بإقتباس عيد (أكيتو Akitu) السومري وجعلوه عيداً آشورياً. كما أن البابليين إقتبسوا هذا العيد السومري وجعلوه رأس السنة الجديدة للإله البابلي (مردوخ)، وجعلوا الإلهة (صِرْبانِيتوم) التي هي زوجةَ الإله (مردوخ)، زوجةً للإله آشور، وجعلوا الإله (نابو) الذي هو إبن الإله (مردوخ)، إبناً للإله آشور10. يقول (هاري ساگز Hary Sags) بهذا الصدد أنّ الإله (آشور) إمتصّ عدّة مظاهر من الإله السومري (إنليل) ومن مردوخ، إله بابل11.

نستنتج مما تقدم، بأنّ إسم الآشوريين وإسم إلههم وبلادهم مُستمّدٌ من إسم الإله السوباري (آسور). في الحلقات القادمة ستتم مواصلة الحديث عن الآشوريين، حيث أنّ الحلقة القادمة ستُركّز على أصل الآشوريين.


المصادر

1. صلوات گولياموف. آريا القديمة وكوردستان الأبدية (الكرد من أقدم الشعوب). ترجمة د. اسماعيل حصاف، متابعة وتدقيق مارگريت حصاف، مطبعة رۆژهەڵات (هەولێر)، الطبعة الأولى، 2011.

2. جورج رو. العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986م، صفحة 333.

3. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 100.

4. المصدر السابق، صفحة 94.

5. الدكتور محمد بيومي مهران. تاريخ العراق القديم، 1990، صفحة 324.

6. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 11.

7. المصدر السابق، صفحة 298.

8. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 95 – 96.

9. جورج رو (1986). العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، صفحة 148.

10. عامر حنا فتوحي. الكلديون .. الكلدان .. منذ بدء الزمان – 5300 ق. م حتى الآن. الطبعة الثانية، 2007، صفحة 95.
 
11. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 298.


المراجع

a. Jeremy Black and Anthony Green. Gods, Demons and Symbols of Ancient Mesopotamia, London, 2000, page 38.



15
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (50) – الآشوريون

السوباريون وهجرة أقوامٍ سامية الى بلاد السوباريين (سوبارتو Subartu)

د. مهدي كاكه يي

نظراً لِلعلاقة الوثيقة بين أسلاف الكورد (السوباريين) وبين الآشوريين، ينبغي التعرّف قليلاً على السوباريين كمدخلٍ للحديث عن الآشوريين فيما بعد في حلقات قادمة ضمن هذه السلسلة من الحلقات. لذلك يتم تكريس هذه الحلقة للتكلّم عن السوباريين وبعد ذلك نبدأ في الحلقات القادمة بِالحديث عن العلاقات التي تربط بين هذين الشعبَين وكذلك ستتضمن تلك الحلقات نبذة مختصرة عن المملكة الآشورية ومراحل نشوئها وفترات حكمها.

يذكر مؤرخون كثيرون بأن السوباريين هم من أسلاف الكورد، حيث يشيرعلماء التأريخ والأجناس البشرية الى أنه منذ أقدم الأزمنة التأريخية، كانت بلاد (سوبارتو) يسكنها شعب آسيوي يشترك أفرادها في العرق والدين واللغة والثقافة التي كانت تميّزهم عن الشعوب الأخرى. من الجدير بالذكر أنّ أشهر الأقوام التي كانت تعيش في وديان جبال زاگروس وطوروس، هي السومريون والسوباريون والإيلاميون والگُوتيون واللولوبيون والكاشيون والخوريون (الهوريون).

يذكر الباحث الأمريكي (گلب Gelb) بأن السوباريين ينحدرون من الأقوام الجبلية مثل أسلاف الكورد (الگوتيين) و (الكاشيين) وأنّ السوباريين لم يكونوا شعباً سامياً و أن أسلاف الكورد (الخوريين) ينحدرون من السوباريينa. هذا يعني أن السوباريين هم من أسلاف الكورد والذين كانوا يعيشون في وديان سلاسل جبال زاگروس وطوروس. من جهة أخرى، يقول السير سدني سميث بأن ما حصلنا عليه من معلومات عن كوردستان حتى الآن تدلنا مما لاشك فيه أنه كانت في العهود القديمة منطقة تحدها من الشمال بحيرة وان ومن الغرب وادي الخابور ومن الشرق كركوك ومن الجنوب بلاد بابل، وكان يعيش في هذه المنطقة قوم يُسمّى (شوباري)b.

يذكر (هيرزفيلد) بأن سكان بلاد سوبارتو لم يجرِ عليهم تغيير إثني، بل جرى تغيير أسمائهم، حيث أن إسم (الخوريين) حلّ محل إسم أغلب سكان (سوبارتو) بعد عصر حمورابي. يضيف "هيرزفيلد" بأنه يظهر من نصوص آثار منطقة (بوغاز كوي) التي ترجع تأريخها الى ما قبل سنة 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون لغة بلاد سوبارتو ب(خوريلي) وسمّوا اللغة الأكدية ب(بابيبيلي) وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابلc.

كما أنّ الپروفيسور (مهرداد إزادي Mehrdad Izady) أستاذ التأريخ القديم في جامعة هارڤارد الأمريكية يؤكد على كون الكورد هم أحفاد السوباريين، حيث يذكر بأن أقدم عشيرة كوردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريينd. في هذه المنطقة الواقعة في شمال مدينة أربيل، تمّ العثور على أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، وعلى قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية في هذه المنطقة.

يذكر الأستاذ اسكندر داود أن السوباريين كانوا من أهم و أقدم شعوب المنطقة1. كما يقول الدكتور نعيم فرح أيضاً بأن السوباريين (الشوباريين) هم أقدم الأقوام التي سكنت في شمال بلاد ما بين النهرين وسُميّت تلك المنطقة ب(بلاد شوبارتو او سوبار)2. كما أنّ الدكتور عبد الحميد زايد يذكر أن إسم (سوبارتو) كان يُطلَق على المنطقة الممتدة من نهر دجلة إلى جبال زاگروس، وأن السوباريين كانوا شعباً جبلياً، ليست لهم أية صلة بالعرق السامي، قاموا بتأسيس مملكتهم في القسم الشمالي من ميزوپوتاميا، وهذه المملكة كانت تضّم المنطقة التي عُرفت فيما بعد بإسم (بلاد آشور)3.

ورد إسم بلاد السوباريين (سوبارتو Subartu) في النصوص المسمارية المختلفة بصيغ عديدة مثل سوبارتو، سوبار، سوبير، زوبار، شوبارتو، شوبور...الخ. كانت بلاد سوبارتو تتألف من المناطق الجبلية العالية التي دوّنت من قِبل السومريين بإسم (سوبير). ظهر إسم (سوبارتو) في أقدم صيغة جغرافية سومرية بشكل (سوبير) في لوحة أثرية سومرية التي يرجع تأريخها الى زمن (لوكال – آني – موندو) حاكم مدينة (ادب) في الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم تدوين الإسم الى جانب (إيلام وماراهشي وگوتيوم وآمورو وسوتيوم)4، 5. في سرد أسماء البلدان التي غزاها سرجون الأكدي الكبير، يشير نص مسماري الى حدود تلك البلدان. فيما يخص حدود بلاد سوبارتو، جاء في النص المسماري المذكور أن بلاد سوبارتو كانت تمتد من (إيلام) الواقعة في شرق كوردستان الحالي الى جبال الأرز (جبال الأمانوس). كما يذكر بعض النصوص الأكدية أن (سوبارتو) كانت تضم شرق كوردستان الحالي والجزيرة الوسطى والعليا وسوريا الحالية، ممتدةً الى حدود دولة إسرائيل الحالية، وكانت بلاد سوبارتو تضم أيضاً قسماً من أرمينيا وبلاد الأناضول.

من جهة أخرى، يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد أن التسمية الآشورية ل"سوبارتو" هي "شوبارو و شوبريا" وأنه ظهر مفهوم هذا الإسم بشكل (علياتم) في النصوص الأكدية و الآشورية وتغيّرَ المصطلح الى "كوهستان - قوهستان" في العصر المبكر للإسلام و تمّت ترجمته الى "بلاد الجبل" و التي شملت مناطق واسعة من أذربيجان و كوردستان، و من جبال البزر جنوب بحر قزوين، متخللةّ جبال زاگروس وطوروس وممتدة الى البحر الأبيض المتوسط و كذلك أرمينيا5. كما أنّ الحثّيين أطلقوا مصطلح (كور أوگو) على بلاد (سوبارتو) والذي يعني (البلاد العليا) و التي قصدوا بها المناطق الواقعة بين جبال طوروس و نهر هاليس (خالص).

هناك أدلة كثيرة على أن الآشوريين هاجروا الى بلاد (سوبارتو) منذ حوالي سنة 2000 قبل الميلاد وعاشوا هناك في ظل الحكم السوبارتي، ثم تغلّبوا على السكان الأصليين، وسيطروا على البلاد، وأسّسوا فيها مملكة آشور، فعُرفت تلك المنطقة بعدئذ بإسم (بلاد آشور)، حيث يقول الأستاذ حازم هاجاني بأن مملكة سوبارتو كانت محصورة بين جبال زاگروس من جهة الشرق ونهر الخابور من جهة الغرب ولذلك كانت سوبارتو تُطلق على المنطقة الاشورية وأن الاشوريين إستقروا في هذه المنطقة في أوائل الألف الثاني قبل الميلاد عندما هاجرت قبائل سامية من الجنوب الغربي الى الشمال وتوغلت في منطقة ما بين النهرين وإستقرت هذه المجموعة في جنوب كوردستان الحالي في البقعة الممتدة على طول ضفة نهر دجلة اليمنى بين الموصل وشرقاط وكانت هذه المنطقة تُعرف بإسم سوبارتو6. هكذا فأن تأريخ أسلاف الكورد السوباريين يمتد إلى عصور سحيقة في القِدم.

كما أنّ الدكتور محمد بيومي مهران، يذكر أنّ الآشوريين لم يهاجروا الى أرض خالية، بل نزحوا الى بلادٍ كانت تسكنها أقوام آخرى، والمعروفة منها هم (السوباريون) الذين كانوا يعيشون في المنطقة الممتدة من نهر دجلة الى سلسلة جبال زاگروس7.

يذكر الأستاذ طه باقر أيضاً بأنه فـي أواخـر الألـف الثالث قبل الميلاد، هاجـر قسم من الأقوام السامية من جنوب بلاد ما بين النهرَين الـى بلاد سوبارتو (جنوب كوردستان الحالي) وتأثروا بحضارة السوباريين من لغة ودين وعبادة الآلهة وإقتبسوا منهم الطقوس الدينية وأسماء بعض المواقع8. كما يذكر العلّامة محمد امين زكي أنّ بلاد آشور كانت حتى حوالي سنة 1100 قبل الميلاد، مؤلفة من عدة دويلات ضعيفة يتحكم بها أسلاف الكورد الزاگروسيين، حيث حكم الميتانيون بلاد آشور لفترة طويلة من الزمن9.

يذكر (هاري ساغز) أن سرجون الأكادي الأول (حكم بين سنة 2350 – 2294 قبل الميلاد) هاجم منطقة كانت تُدعى (سوبارتو)، وكان هذا الإسم يُطلَق على الأراضي الشمالية في شرق سوريا، وكان الجزء الأوسط منها يدعى (آشور)، وكان هذا الجزء على هيئة مثلّث يقع بين نهر دجلة ونهر الزاب الأعلى ونهر الزاب الأسفل10.

يقول الدكتور عامر سليمان والدكتور احمد مالك الفتيان أنّ إسم آشور لم يكن معروفاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل الألف الثالث قبل الميلاد، بل كان يتم إطلاق إسم (السوباريين) على السكان القاطنين في تلك البلاد التي كانت يُطلق عليها إسم (سوبارتو)، وعند هجرة الآشوريين إلى شمال بلاد ما بين النهرَين، غَلَب إسمُ الآشوريين وبلاد آشور، وإنصهر الآشوريون مع السوباريين11.


المصادر

1. اسكندر داود. الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. ‏مطبعة الترقي،‏1959 ، صفحة 119.

2. الدكتور نعيم فرح. معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198.

3. الدكتور عبد الحميد زايد. الشرق الخالد: مقدمة في تاريخ وحضارة الشرق الأدنى من أقدم العصور حتى عام 323 ق.م.، القاهرة، 1966، صفحة 81.

4. محمد أمين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67.

5. الدكتور جمال رشيد أحمد. دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3.

6. حازم هاجاني (1997). مجلة متين، العدد 67، دهوك، صفحة 103.

7. الدكتور محمد بيومي مهران. تاريخ العراق القديم، 1990، صفحة 325.

8. طه باقر. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 77.

9. محمد امين زكي. خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 91.

10. هاري ساغز. عظمة آشور. ترجمة وتحقيق خالد اسعد عيسى وأحمد غسان سبانو، 2011، صفحة 29.

11. الدكتور عامر سليمان و الدكتور احمد مالك الفِتيان. محاضرات في التاريخ القديم، الموصل ، بغداد، 1978، صفحة 143.


المراجع

a. T. G. Gelb (1944). Hurrians and Subarians.

b. Smith, Sidney (1928). Ancient Kurdistan.

c. Herzfeld, E. (1968). The Persian Empire. Wiesbaden, page 158.

d. Izady, Mehrdad R. The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, 1992, pp. 268. ISBN 978-0-8448-1727-9.





16
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (49) – أسلاف الكورد: الميديون

الحضارة الميدية (2)

د. مهدي كاكه يي

على الرغم من قلة الآثار الميدية المُكتشَفة، إلا ان العاصمة الميدية (هكمتانه) لا تزال تحتفظ بِآثار ميدية كثيرة، تشهد على عظمة الحضارة الميدية. المدينة التأريخية للعاصمة الميدية تقع تحت التل المبنية عليه هذه المدينة التي كانت مدينة عظيمة بمقياس ذلك الزمن. كما أنّ تمثال (الأسد الصخري) الرابض في إحدى الساحات العامة بالمدينة، يُظهِر جانباً من الحضارة الميدية.

بُنيت العاصمة الميدية سنة 728 قبل الميلاد على يد مؤسس المملكة الميدية (دياكو) d
 وتمت تسميتها بِ( جه مه زان)6 والتي تعني باللغة الكوردية (مكان الإجتماع)، وسُميّت أيضاً بإسم (هيكمەتانا)، إلا إنها إشتهرت أخيراً بإسم (أكباتانا)، وهذه التسمية أطلقها عليها اليونانيون. إشتهار المدينة بهذا الإسم يرجع الى أن معظم المصادر التي تتحدث عن الميديين، هي مصادر يونانية، مثل (هيرودوت) و(زينفون) وغيرهما. لقد جاء إسم العاصمة الميدية في الألواح الإيلامية أيضاً، وأنّ الاشوريين سموها (بيت دياكو) نسبة الى إسم مؤسس المملكة الميدية وباني عاصمتها. في الروايات الآشورية تمت تسمية العاصمة الميدية بِ(أمدانا) أيضاً، وفي الروايات الهيخامنشية جاءت بإسم (هنگمتانا Hangmatana).

تقع العاصمة الميدية في منطقة قريبة من مدينة همدان الحالية الواقعة شمال نهر نهاوند وشرق مدينة كرماشان. يقول المؤرخ اليوناني (هيرودوت) أن مدينة (هكمتانه) كانت مركزاً للامبراطورية الميدية، وبعد سقوط الميديين وإستلام الأخمينيين للحُكم، أصبحت مدينة (هكمتانه) عاصمة صيفية  للمملكة الأخمينية.
 
تمّ بناء مدينة (هكمتانه) في هذه المنطقة نظراً لطبيعتها الساحرة، حيث تتواجد سلسلة جبال الوند المكسوة بالثلوج خلال فصل الشتاء، الى جانب وجود الأنهار والشلالات الكثيرة والمصايف الجميلة. قام (دياكو) ببناء المدينة فوق تلٍّ لتسهيل الدفاع عنها. كانت مدينة (هكمتانه) مدينة عظيمة، حيث كان طول محيط سورها الخارجي مساوياً لِطول محيط سور مدينة أثينا اليونانية وكانت محصنة تحصيناً قوياً من خلال إحاطتها بِسبعة أسوار دائرية، التي كانت ذات دوائر متتالية، يعلو كل سور الآخر بِشُرفات دفاعية محصنة. كانت جدران خمسة أسوار منها (الأسوار من الخارج نحو الداخل) مصبوغة بألوان مختلفة، حيث كانت جدران السور الخارجي بيضاء وجدران السور الذي يُليه كانت سوداء وجدران السور الذي بعدَه كانت بنفسجية وجدران السور الرابع والخامس كانت زرقاء و برتقالية اللون على التوالي، بينما كانت جدران السور السادس مطلية بالفضّة وجدران السور السابع (السور الداخلي) كانت مطلية بالذهب. في داخل السور الداخلي، تمّ بناء القصر الملكي ومعبداً رائعاً لِعبادة الشمس وبنايَتَين، إحداهما للإدارة والثانية للخزينة. كانت القصور التي بناها (دياكو) تحتوي على حوالي ألف غرفة. كان قصر الملك وخزانته يقعان في الطابق السابع ويحوي مائة غرفة. دعا الملِك (دياكو) مواطنيه الى بناء بيوتهم خارج القلعة وعلى أطرافها. في سنة 330 قبل الميلاد، في الموقع الذي تقع فيه العاصمة الميدية (إكباتانا)، تمّ قتل القائد العسكري المكدوني (پارمينيون Parmenion) بِأمرٍ من الأسكندر المكدونيe.

لاحقاً أصبحت (إكباتانا) عاصمة لملوك الپارثيين والتي خلال عهدهم تمت تسمية عُملتهم بإسم العاصمة الميدية (إكباتانا)، وكانت تتفرع منها عُملات نقدية أصغر إسمها (دراچم drachm) ذات فئة 1 دراچم وذات فئة 4 دراچم، بالإضافة الى مجموعات عُملات نقدية  برونزية. لقد تمّ ذكر هذه العملة في التوراة  بإسم (أچميثا Achmetha) وأيضاً مكتوبة (أهميثا Ahmetha) (عزرا 6.2). بالنسبة الى إستخدام العُملة النقدية (دراچم drachm) لأول مرة، يُحدّثنا (هيرودوت) في سرده لِتأريخ ظهور العُملات النقدية في العالم قائلاً بأنّ الليديين الذي كانوا يعيشون في آسيا الصغرى، إستخدموا (دراچم drachm) كعُملة نقدية خلال القرن السابع قبل الميلاد وأنهم أول شعبٍ إستخدم عُملات ذهبية وفضّية وقام بإنشاء حوانيت في مواقع ثابتة و أنّ اليونانيين تعلّموا إستخدام العُملات من الليديينf. في الحقيقة أنه عند أولى إبتكارات العُملة في العالم، كانت العُملات النقدية عبارة عن سبائك من الذهب والفضة مع كميات قليلة جداً من النحاس والمعادن الأخرى وكانت هذه العُملة تُسمّى (إلكتروم Electrom)g.
 
من الجدير بالذكر أنه الى وقتٍ قريب، كانت (دراخما Drachma) هي العُملة الرسمية في اليونان، إلا أنه عندما إبتكر الإتحاد الأوروپي عُملته النقدية والتي تمت تسميتها بإسم (يورو Euro) وتمّ إستخدامها كعُملة لِدول الإتحاد، قامت اليونان بِإلغاء العُملة اليونانية (دراخما) وإستخدام عُملة الإتحاد الأوروپي الموحدة (Euro)، حيث أن اليونان هي دولة عضوة في الإتحاد الأوروپي. كما أنّ العُملة العراقية (درْهَم) التي كانت متداولة في العهد الملكي، قد تكون لها علاقة أيضاً بِالعُملة الليدية (دراچم).

كان الفن متقدماً خلال فترة الحكم الميدي، حيث قام الميديون بإستخدام الرسوم والزخارف والكتابات على الألواح والجدران والقبور والأحجار والحديد والأنسجة. كما أنهم عرفوا خياطة الألبسة والغزل والنسيج والنقش على الخشب والحديد وصنعوا التماثيل وخاصة للآلهة وللمشاهير منهم. إكتشفت التنقيبات التي أُجريت في تل (هسار) الفن الميدي الرائع، حيث أنه تم العثور في كهفَين على نوع متقدم من الفن. الكهف الأول هو (كهف شهرزور)  الذي يقع في محافظة السليمانية في جنوب كردستان ويضم قبر الملك (كَيخَسرَو) وكذلك يحتوي على رسومات عديدة تتناول مختلف جوانب الحياة السياسية. في هذا الكهف، تم العثور أيضاً على تمثال محفور على حجر لإنسانٍ له أربع أجنحة وعليه صورة كوكب الزهرة التي هي للإله (أناهيتا)، بالإضافة إلى صورة كاهن من الموغ (مجوس أو اليزدانيين) جالس أمام موقد نار. يقع الكهف الثاني في منطقة دوكان الواقعة في إقليم جنوب كوردستان أيضاً، حيث تم العثور فيه على قبر الملك الميدي (أستياگ) الذي كان آخر مَلِك ميدي ووجدت في هذا الكهف أيضاً رسوم عن الطبيعة وأشكالاً زخرفية للطبيعة على الصحون والكؤوس. إمتهن الميديون كذلك الزراعة وتربية الحيوانات وقاموا بِتدجينها و خاصة الحصان.

كان الميديون يهتمون بِتربية المواشي والخيول والجِمال. كانت الخيول الميدية من الخيول المشهورة في المنطقة بِجودتها وخاصة الأنواع البيضاء منها7، ولهذا السبب كانت المملكة الآشورية تأخذ الخيول الميدية من الميديين، كضرائب وجزية. كما أنّ الميديين كانوا يهتمون بالزراعة والتي كانت متطورة في عهدهم8.

يذكر نصٌّ بابلي الملِك الميدي (كَيخَسرَو) بإسم ملِك (أومانمانْده Ummanmande) والتي تعني"القوة المُرعِبة"، حيث يذكر دياكونوف بأنّ البابليين يطلقون هذا الإسم على الشعب الميدي9. كان الميديون يصنعون أسلحة حربية مثل القوس والنشاب والرماح والعربات الحربية10. يُشير (دياكونوف) الى شجاعة الميديين وكونهم كانوا يُشكّلون القوة الضاربة الرئيسية في جيش خشيارشاه11.

كان لإستخدام الميديين البارع للميليشيات أو القائمين بِحرب العصابات، دوراً كبيراً في توسيع إمبراطوريتهم والدفاع عنها. كانت تُسمى تلك الميليشيات بـ (كاره Kara)، حيث تدل الكتابات المنقوشة في نصب (بيستون) في إقليم شرق كوردستان على ذلك. يعد ذلك أقدم سجل تأريخي لهذا النوع من الحروب، حيث أصبح منذ ذلك الوقت الأسلوب الحربي المفضل لدى الشعب الكوردي الى الآن للدفاع عن كوردستان. 

لغة الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا) قريبة من اللغة الميدية12، حيث أن زردشت إقتبس الكثير من مبادئ وفلسفة وطقوس دينه من الديانة اليزدانية التي كان الميديون يعتنقونها. كما أنّ الدين اليزداني أسهم بشكلٍ كبير في بلورة البُنية الفكرية والروحية للشعوب الهندو - الآريانية والشعوب السامية العائشة في الممالك المجاورة لمملكة ميديا.

المصادر

6. طه باقر واخرون (1979). تاريخ ايران القديم. جامعة بغداد،صفحة 40.   

7. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 268.

8. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب،  صفحة 137، 177، 178.

9. المصدر السابق، صفحة 83.

10. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 517.

11. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب،  صفحة 412.

12. المصدر السابق، صفحة 68، 72، 146، 214، 272.


المراجع


d. Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962) book 1. Chapter 10.1, pages 96-101.

e. The Anabasis of Alexander; or, The history of the wars and conquests of Alexander the Great. Literally translated, with a commentary, from the Greek of Arrian, the Nicomedian, Published 1884.

f. Herodotus. Histories, I, 94.

g. Carradice and Price, Coinage in the Greek World, Seaby, London, 1988, p. 24.


17
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (48) – أسلاف الكورد: الميديون

الحضارة الميدية (1)

د. مهدي كاكه يي

قبل التحدّث عن الحضارة الميدية، من المفيد توضيح أسباب قلة المعلومات المتوفرة عن حضارة الإمبراطورية الميدية، حيث أنّ كوردستان هي مهد الحضارات البشرية ولذلك لابد أنها تزخر بِمعالم آثارية كثيرة، إلا أنه نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لِكيان سياسي بسبب إغتصاب وطنه، كوردستان، فأن التاريخ الكوردي قد تعرض للإلغاء والتعتيم والسرقة والتزييف والتحوير من قِبل مُغتصبي كوردستان. لِطمس التاريخ الكوردي والحضارة الكوردستانية، لم يقُم مُغتصبي كوردستان بالتنقيب عن آثار أسلاف الكورد، حيث لا يزال قسم كبير من المواقع الآثرية لأسلاف الكورد غير مكتشفة ومُهمَلة ومتروكة. كما أنّ جزءاً من آثار الحضارات الكوردية المُكتشَفة تم إتلافها أو إهمالها من قِبلهم. قسم آخر من الآثار الكوردية، قام مُغتصبو كوردستان بالإستحواذ عليها ويدّعون بأنها تعود لهم. لهذه الأسباب نرى أن هناك معلومات قليلة عن حضارة أسلاف الكورد.

بالنسبة للإمبراطورية الميدية، قلة المعلومات عن حضارتها تعود بشكلٍ رئيسي الى سرقة التاريخ والحضارة الميدية من قِبل الفرس الأخمينيين الذين أسقطوا الإمبراطورية الميدية وأسسوا الدولة الأخمينية في الجغرافية التي كانت تُشكّل المملكة الميدية، فإستحوذوا على الحضارة الميدية ونسبوها لهم. كما أن قسماً كبيراً من المواقع الأثرية الميدية مهملة و لم يتم التنقيب عنها وإكتشافها الى الآن، حيث يذكر (دياكونوف) مايلي: (رغم أنّ علم التاريخ أصبح يملك أدلّة أثرية ومصادر قديمة في هذا القرن، إلا أن أحداث تاريخ ميديا لم تستفد من هذه المنجزات العلمية، بعكس الدول والبلدان الأخرى المعاصرة لميديا. إنّ ما تَقدّم كافٍ لنقول:  إن آثار المدن والحضارة الميدية القديمة لا زالت كامنة تحت الأنقاض، وليس لدينا أيّة نصوص عن سلطة الميديين لمعرفة أحداث ميديا ودولتها)1.
 
في لقاء مع مجلة (گوڵان العربي) يقول الدكتور عبد القادر مارونسي بأنه بعد إنتزاع الأخمينيين الحُكم من الميديين، لم يبقَ أي أثر للحضارة الميدية، بإستثناء بضع كلمات قليلة، علماً أن المتخصصين في هذا المجال يعترفون بوجود حضارة وثقافة ميدية وتراث ميدي2. يستطرد المارونسي قائلاً بأن الأخمينيين تقمّصوا التراث الميدي والحضارة الميدية ويضيف بأن هذا هو رأي أساتذة متخصصين في هذا المجال أيضاً، منهم الدكتور (احمد تفضلي) الأستاذ بجامعة طهران. يمضي الدكتور المارونسي في حديثه و يقول بأن تقمّص الأخمينيين للحضارة والثقافة الميدية شبيهٌ بإنتقال الإرث الى الورثة، حيث ورث الأخمينيون اللغة والكتابة الميدية وديوان الإدارة من الميديين، كما ورثوا أساليب الحُكم من الميديين، وورثوا الأعياد والمناسبات الرسمية والشعبية منهم دون أية إشارة أو إعتراف بذلك2.

يخلص الدكتور المارونسي الى أن الأخمينيين طمسوا معالم الحضارة الميدية والتأريخ الميدي من خلال سرقتهم للحضارة الميدية والتاريخ الميدي والإدعاء بأن هذه الحضارة والتاريخ يعودان لهم. الإمبراطوريات التي تلت الإمبراطورية الأخمينية، وخاصةً الامبراطورية الساسانية، إستمرت بدورها في سرقة التاريخ الميدي والحضارة الميدية2.

يذكر الدكتور المارونسي أيضاً بأن كثيراً من الآثار المكتشفة في همدان هي آثار ميدية تم تسجيلها بإسم الأخمينيين، ويشمل ذلك العديد من المباني والكتابات والجداريات وأنه يعتقد بأن كل ما ظهر حتى الآن في همدان يعود الى الحضارة الميدية2.

كما يذكر (ويل ديورانت) بأن الفرس الأخمينيين أخذوا عن الميديين لغتهم الآرية، وحروفهم الهجائية التي يبلغ عددها ستة وثلاثين حرفاً، وهم الذين جعلوا الفرس يستبدلون في الكتابة الرق (جلد خاص بالكتابة) والأقلام بألواح الطين، ويستخدمون في العمارة العمد على نطاق واسع وعنهم أخذوا قانونهم الأخلاقي الذي يوصيهم بالإقتصاد وحُسن التدبير ما أمكنهم في وقت السلم، وبالشجاعة التي لا حد لها في زمن الحرب؛ ونظام الأسرة الأبوي وتعدد الزوجات وطائفة من القوانين3.

لم يكتفِ الفرس الأخمينيون بالإستحواذ على اللغة الميدية وإقتباس الملابس الميدية، بل أنهم إقتبسوا أيضاً العديد من التنظيمات الإدارية والسياسية والعسكرية الميدية، كالألقاب الرسمية وتنظيم إدارة الدولة والمصطلحات العسكرية، على سبيل المثال (قائد مائة جندي أو آمر الفصيل والمسؤول عن العينة وهيئة العقاب). لقد قام أحد الباحثين الأوروپيين بِتنظيم قائمة بالمصطلحات الأخمينية المُقتبسَة من الميديين. فيما بعد، قام اليونانيون الإغريق والرومان أيضاً بِإستعارة هذه المصطلحات الميدية.

كما يذكر (ستروناچ Stronach) بأن الآثار الميدية والأخمينية متشابهة، حيث إقتبس الأخمينيون كل ما كان يملكه الميديونa. يقول هيرودوت أيضاً بأن الفرس إقتبسوا الخط المسماري من الميديين، كما أن اللغة الأدبية الفارسية تأثرت كثيراً باللغة الميدية ويبدو أن الزي الميدي كان في غاية الإناقة بمقاييس ذلك العصر الى درجة أن الزي الميدي كان معروفاً على النطاق الإقليمي والعالمي وكان معظم الفرس يلبسون الملابس الميدية ويتزيّنون بالحُلي الميديةb. يتكون الزيّ الميدي من شروال ضيق وثوب ذي أكمام تصل إلى الركبة يسمى (أكيناكيسAkinakes )، يتم لبسه فوق الشروال ومن غطاء رأسٍ ليّن مائل قليلاً إلى الأمام مع غطاء أُذن مائل نحو الأعلىc.

يقول هيرودوت: (ليس هناك كالفرس شعبٌ ينْزِع إلى الأخذ بِمناهج من هو غريب عنه، فَهُم يرتدون أزياء الميديين مثلاً، لإعتقادهم بأن تلك الأزياءَ أكثرُ أناقةً من أزيائهم4.

يصف (هيرودوت) ملابس الفرس وعتادهم في الجيش الفارسي الأخميني الجرّار الذي قاده ملِكهم (أَحْشَويرش) في سنة 486 قبل الميلاد في محاولته لِغزو بلاد اليـونان، فيذكر بأنهم كانوا يرتدون القُبَّعةَ المثلثة المتكوّنة من اللَّبّـاد الناعـم والقميصَ المطرَّز مـع أكمامه، وفوقَه الدِّرع الذي يبـدو كحَراشِف السـمك، والسّروال، وأمّا عتـادهم فهو التُّرس المصنوع من قضبان الصَّفْصاف، وتحته المِقْلاع والرمح القصير، والقوس القوي، والسهام المصنوعة من الخَيْزران، والخنجر المربوط بالنطـاق على الفخـذ اليمنى)5. يضيف (هيرودوت) بأن الفـرقة الميـدية في جيش الملِك الأخميني (أَحْشَوِيرش) كانت ترتدي الزيّ نفسه وتتسلّح بالعتـاد ذاته، حيث أنه يؤكد على أن هـذا النمط من اللباس هو ميدي الأصل، وليس زيّاً فارسيّاً.

المصادر

1. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب،  ص 17.



2. الدكتور عبد القادر مارونسي. مجلة گوڵان العربي، 2000.

3. ويل ديورانت (1988). قصة الحضارة. ترجمة الدكتور زكي نجيب أحمد، المجلد الأول، الجزء الثالث، صفحة 604.

4. هيرودوت: تاريخ هيرودوت، صفحة 96.

5. المصدر السابق، صفحة 515 - 516.

المراجع

a. Stronach, David (1982), "Archeology ii. Median and Achaemenid", in Yarshater, E., Encyclopaedia Iranica 2, Routledge & Kegan Paul, pp. 288–96, ISBN 978-0-933273-67-2.

b. Herodotus : the history of Herodotus. Translated by Harry Carter ( London – 1962).

c. file:///C:/Documents/KURD/MEJU_kon/MIDIYA/%D8%B2%D9%8A%20%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%8A%D8%AF%D9%8A%D9%8A%D9%86%20_%20%D9%85%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A7%D8%AA%20%D9%83%D8%B1%D8%AF.html




18
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (47) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

هل هناك صلةٌ بين عيد (أكيتي) السومري و رأس السنة الإيزدية و عيد نوروز؟


د. مهدي كاكه يي

لِدراسة وجود صلة بين العيد السومري وعيد نوروز ورأس السنة الإيزدية، نُركّز في هذا المقال على عيد (أكيتي) السومري الذي تم ذكره في السجلات السومرية في منتصف الألفية الثالثة قبل الميلاد أي قبل أكثر من 4500 سنة، حيث أنّ هذا العيد هو الأصل والأقدم.

في الأزمنة القديمة كان التقويم الطقوسي في بلاد ما بين النهرين، يستند على الإعتدال الربيعي والخريفي، حيث أنه عندما يكون القمر والشمس في توازن مثالي مع بعضهما، تبدأ بداية السنة الزراعية و نهايتها على التوالي. أي أنه كان يتم إنطلاق الاعتدال الربيعي من خلال ظهور أول قمر جديد للربيع والذي يصادف نهاية شهر مارس/آذار أو بداية شهر أپريل/نيسان وفقاً لِدورة القمر السنوية، بينما يُمثّل الإعتدال الخريفي ظهور أول قمر جديد للخريف.

تُشير الأساطير السومرية الى أنّ سكان بلاد ما بين النهرين كانوا مزارعين، قاموا بِبناء المدن في هذه البلاد. لذلك كانت تُقام إحتفالات مُهيبة في بداية و نهاية السنة الزراعية، حيث أنّ هاتَين المناسبتَين كانتا تُصادفان إعتدال فصل الربيع والخريف على التوالي. بمرور الوقت تحولت هذه الإحتفالات إلى إحتفالات دينية ذات أهمية كبرى في تقويم الطقوس الدينية لبلاد ما بين النهرين.

تُشير النصوص السومرية الى أنّ السومريين كانوا أول مَن إحتفلوا بِعيد (أكيتو Akitu) الذي كان يبدأ في الأول من شهر نيسان من كل عام. الإسم السومري لهذا العيد هو (أكيتي (Ákiti) وكانت إحتفالات السومريين بهذا العيد تستمر لمدة أحد عشر يوماً1. كان الإله السومري للقمر (نانا  Nanna)، يحكم كلاً من (مرور الوقت) و (خصوبة التربة) وكان إبناً لإله و إلهة الهواء (إنليل Enlil ) و (نينليل Ninlil)a.

بدأت إقامة مهرجان السنة الجديدة في بلاد ما بين النهرين (عيد أكيتي) في مدينة أور التي كانت مدينة الإله (نانا) ومع مرور الوقت إنتقلت طقوس مهرجان (أكيتي) من (أور) الى المدن السومرية الأخرى والى بقية مدن بلاد ما بين النهرين، حيث على سبيل المثال تم تبنّي المهرجان من قِبل مدينة (نيپور  Nippur)، التي كانت العاصمة الدينية لبلاد ما بين النهرين وكذلك مدينة (أداب Adab) و(أوروك Uruk) و(اريدو Eridu) وغيرها، حيث أنّ كل مدينة قامت بِتعديل المهرجان فيها وفقاً لِطقوس الإله الرئيسي لها. كل مدينة إحتفلت بِهذه المناسبة بإدخال تمثال إلهها أو إلهتها الخاصة بها. كانت هذه المهرجانات فرصة عظيمة للترحيب بالإله أو الإلهة المحلية وإظهار الإحترام له أو لها وهذه بدورها دفعت الإله أو الإلهة الى أن يقوم بإدارة المدينة بالعدل وتقديم الخدمات التي كانت المدينة وِأهلها بِحاجةٍ لهاa.

كان برنامج المهرجان السومري يبدأ بِقدوم إله القمر (نانا Nanna)، الذي كان يُرمز إليه بتشميع القمر في السماء و يتم تمثيله من خلال جلب تمثال له الى مدينة (أور) من خارج المدينة. قبل جلب التمثال الى مدينة (أور)، كان التمثال يوضع مؤقتاً في بناية كانت تُسمى "بيت أكيتي"، حيث  كان هناك يتم تقديم الأضحية و الصلوات الى الإله خلال مكوثه في هذا البيت. كان يتم جلب التمثال في موكب فخم، ووضعه في مركبة كبيرة خاصة لمثل هذه الإحتفالات. بعد ذلك كان الإله يستلم إدارة المدينة ويخطط لها ويُدار من قبلهa.

الإسم السومري (Ákiti) إسم مُركّب، مؤلف من 3 كلمات، هي (Á) و (ki) و (ti). حرف (Á) قد يشير إلى (لحظة زمنية) أي (وقت أو فترة)، و (ki) تعني (مكان)، و أن هذه الكلمة لا تزال باقية في اللغة الكوردية ومتحورة الى (جي Cî)، وكلمة (ti) تعني (لقاء) وهذه الكلمة السومرية متحورة في اللغة الكوردية الى (دي Dî) والتي تعني (إلتقى أو رأى). هكذا (Ákiti) قد يعني (لحظة لقاء ِإله القمر "نانا" بِمدينته الأبدية، "أور" لأول مرة) b،  حيث كان الإله يُقيم مرة واحدة في مكانٍ خاص قبل إختيار مدينته التي يُقيم فيها بشكلٍ دائم. لذلك كان يُقام المهرجان للاحتفال بالوقت الذي إختاره الإله السومري (نانا) لتحديد مدينته. إستغراق المهرجان لمدة أحد عشر يوماً هو الفترة التي خلالها يتم تمكين القمر من الإنتهاء من تشمّعه في السماء أي هي المدة التي كانت تستغرقه رحلة الإله (نانا) من بيته المؤقت المُسمى "بيت أكيتي" إلى مدينته الدائمية (أور)a.

تبدأ السنة الإيزدية في أول يوم أربعاء من شهر أپريل/نيسان (Çarșemba sor)، حيث أن الإيزديين يعتقدون بأن هذا اليوم هو يوم بعث الخليقة وبداية الحياة وتكوين الأرض وما يحيى فيها من كائنات وأن في هذا اليوم تنزل الروح على الأرض. هكذا نرى أن رأس السنة الإيزدية يصادف نفس يوم عيد (Ákiti) السومري وبذلك فهو إمتداد لهذا العيد.

كان يوم الأربعاء يوماً مقدّساً عند الآريين. يوم الأربعاء له صلةً بالمعتقدات الكوردية القديمة، حيث أن العدد (4) كان يمتلك مكانة مرموقة في الديانة الميثرائية. كان يُرمز إلى العدد (4) بصليبٍ متساوي الأضلاع، يمثّل العناصر المقدسة الأربع: النار، الهواء، التراب، الماء. كما أنه كان يمثّل الجهات الأربع: الشرق، الغرب، الشمال، الجنوب. كان الصليب الميثرائي يُمثل أيضاً الأزمنة المقدسة الأربع: الولادة، الشباب، الرجولة، الكهولة، حيث أنه مروراً بهذه الأزمنة، تتم إستعادة الروح من جديد بعد إكتمالها. قد يحدث الخلق في أية مرحلة من مراحل هذه الأزمنة دون المرور بِجميعها. مما سبق، يستنتج المرء بأنّ إختيار الإيزديين لِأول يوم أربعاء ليكون رأس السنة الإيزدية، له صلة بالديانة الميثرائية، حيث أنّ الديانة الإيزدية هي فرع من الديانة اليزدانية التي تتجسد فيها الميثرائية.

كما هو معروف، أنّ يوم 21 مارس/آذار هو رأس السنة الكوردية (عيد نوروز). يوم عيد نوروز يصادف الأوّل من نيسان حسب التقويم السومري. هذا يعني أن عيد نوروز يصادف يوم عيد (أكيتي) السومري الذي كان يُقام في الأول من نيسان من كل عام، وبذلك فأن عيد نوروز هو أيضاً إمتداد لِعيد (أكيتي).

المصادر

1. جورج رو (1986). العراق القديم. ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، صفحة 148. 

المراجع

a. http://www.gatewaystobabylon.com/religion/sumerianakitu.htm

b. Halloran, John A. Sumerian Lexicon, version 3.0.


19
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (46) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي


الدين الهلاوي (الدين العلوي)


يذكر الپروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994"، بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية "هَلاڤ" التي تعني بالكوردية "بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة" وكذلك "لظى النار نفسها" وهذه الكلمة لها صلة بِقُدسية النار عند المثرائيين وتقديم القرابين المطبوخة على نار متّقدة من قِبل اليزدانيين. إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى "ألڤي" التي تعني "لظى النار" وثمّ تمّ تحويرها من قِبل العرب الى "علوي". هكذا نرى أنّ هذا الإسم له علاقة بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة ولا علاقة له بِعلي بن أبي طالب.

الدين الهلاوي، كما هو الحال بالنسبة الى الفروع الأخرى للديانة اليزدانية، هو دين غير تبشيري ويؤمن معتنقوه بِتناسخ الأرواح وحلول الألوهية في البشر. الهلاويون يعتقدون بأن هناك سبعة أدوار للظهور الإلهي كما هو الحال عند اليارسانيين والإيزديين. كما أن الهلاويين يؤمنون بأنّ أرواح الموتى لا تُفنى ولا تذهب الى جنّة أو جحيم، بل يُعاد خلقها من جديد في أجساد جديدة مراراً وتكراراً، فمَن يقوم بأعمال حسنة يرتقي في أجياله المتعددة على سُلّم من 14 مرتبة حتى يصل إلى المرحلة الأخيرة؛ وهي التنوّر النهائي والإتحاد مع الخالق، بينما مَن يقوم بأعمال سيئة، يولد لطوائف أخرى ومن ثم يصبح حيواناً ويستمر في حيوانيته حتى فنائه. كما أن المُعتقد الهلاوي يفرض بالضرورة غياب التدخل الديني الكبير في حياة الإنسان، حيث أنّ الطريق للوصول الى التنّور يكون بِالسلوك الجيد لا بالعبادة.

يؤمن الهلاويون بِوجود هذه الدنيا فقط وأنّ القيامة هي خروج الروح من البدن ودخولها الى بدن آخر وأنّ الأبدان هي الجنة و الجهنم، حيث أنهم لا يؤمنون بِوجود البعث والجنة والنار. المفهوم الهلاوي للإله ليس مفهوم الإله الشخصي الذي يتدخل بتفاصيل حياة الناس ويراقبهم ويحاسبهم لاحقاً ليُدخِلهم في الجنة أو النار، بل يعتقدون بطبيعة كونية للإله، حيث لا يمكن تشخيصه أو الإحاطة به، بل أن كل الكون هو تجلٍّ من تجليات الإله.

(الدستور) هو عبارة عن النصوص الهلاوية المقدسة والذي يتكون من 16 قُدّاساً، يقوم الشيخ بِتلقينها للمُريد الذَكَر البالِغ ليصبح مؤهلاً للصلاة والإشتراك في الإجتماعات الدينية.
يمتلك الهلاويون 12 عيداً دينياً على مدار السنة، لكن هذه الأعياد تقتصر على ممارسة الطقوس والمراسيم الدينية وتقديم الأضحية والنذور. يتم توزيع لحم الأضحية مطبوخاً مع وجبة من البرغل أو الرز.

تُقدّر نفوس الهلاويين الكُلّي في العالم بِحوالي 25 مليون نسمة. في  تركيا وإقليم شمال كوردستان، تبلغ نفوس الهلاويين 25 – 30% من مجموع السكان، أي  20 - 24 مليون نسمة، حوالي 35% منهم من الكورد، أي ما بين 7.0 – 8.4 مليون نسمة. يوجد في تركيا أيضاً هلاويون تركمان الذين يعيشون بصورة خاصة في وسط وغرب  الأناضول بالقرب من البحر الأسود.

يُشكّل الهلاويون حوالي (13%) من نفوس إقليم غرب كوردستان وسوريا، أي 2.3   مليون نسمة. يعيش معظم الهلاويين في المناطق الساحلية والوسطى من سوريا، حيث يقطنون بشكل رئيسي في محافظات اللاذقية وطرطوس وحمص وحماه، مع وجود أعداد قليلة تسكن كلاً من دمشق وحلب.

تُقدّر نفوس الهلاويين في لبنان بِحوالي 70 ألف شخص، حيث يتواجد الهلاويون في جبل محسن الواقع في ضواحي مدينة طرابلس. كما أنهم يعيشون في سهل عكار في شمال لبنان.
 
وفق  التقديرات، يعيش في أوروبا أكثر من مليونَين هلاوي، حيث يتواجد العدد الأكبر منهم في ألمانيا (600 ألف شخص). حوالي 150 ألف منهم يعيشون في فرنسا و 60 ألف شخص في النمسا. تعترف الحكومة النمساوية بالدين الهلاوي رسمياً كَدين مستقل.



20
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (45) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

الدين الإيزدي


الديانة الإيزدية هي فرع من الديانة الميثرائية التي سادت في كوردستان كما تؤكدها صور ميثرا وأهريمن المكتشفة في موقع الحضر القريب من سنجار التي هي موطن الإيزديةad.

يؤمن الإيزديون بإله واحد كَخالق العالم، والذي هو موضوع في رعاية هذه "الكائنات المقدسة " أو الملائكة السبعة، الذين من ضمنهم "رئيس الملائكة، طاووس ملِك. طاووس ملك، كَحاكم العالم يسبب أموراً جيدة وسيئة التي تحدث للأفراد، وينعكس هذا الطابع المتناقض في الأساطير من سقوطه المؤقت من نعمة الله، قبل ذرف دموع الندم لإطفاء الحرائق لسجنه الجهنمي والتصالح مع الإله. هذا الإعتقاد مبني على إنعكاس الأفكار الصوفية على الملاك إبليس الذي رفض بِفخر إنتهاك التوحيد بعبادة آدم وحواء على الرغم من أمر الخالق الصريح للقيام بالسجود لهما. بسبب هذا الربط بالتقاليد الصوفية لِإبليس، بعض أتباع الديانتَين المسيحية والإسلامية يساوون بين (طاووس ملِك) و الشيطان الذي هو روح الشر عند هاتين الديانتّينae،af  والتي يتم إضطهاد الايزديين بسببه منذ قرون ويُنظر إليهم  ك"عبدة الشيطان". إستمر إضطهاد الايزديين في مجتمعاتهم المحلية داخل حدود العراق الحديث، من قِبل كل من صدام حسين والمسلمين السُنّة المتزمتينag. في شهر أغسطس/آب سنة 2014، تم إستهداف الإيزديين من قِبل إرهابيي الدولة الإسلامية في العراق والشام في حملتها لِ"تطهير" العراق ودول الجوار من الوجود غير الإسلاميah.

الإيزديون، الذين لديهم الكثير من القواسم المشتركة مع اليارسانيين، يقولون أن العالم الذي خلقه الله، كان في البداية لؤلؤة. وبقيت في هذه الحالة الصغيرة جداً والمغلقة لبعض الوقت (أربعون ألف سنة) قبل إعادة تكوينه بشكله الحالي. خلال هذه الفترة تم إستدعاء الأشخاص السبعة المساعدين للخالق (هَپتاد Heptad) للوجود و أبرم الله معهم إتفاقية وعهدَ إليهم العالم. إلى جانب (طاووس ملك)، شمل أعضاء المجموعة السبعة، الذين تمّ إستدعاؤهم إلى حيز الوجود من قِبل الخالق قبل ظهور أي شئ آخر، هم (شيخ آدي) ورفيقه (شيخ حسن) والمجموعة المعروفة بإسم الأسرار الأربعة والذين هم (شمس الدين) و(فخر الدين) و(سجاد الدين) و(نصرالدين).

(الطاووس) الذي يُقدّسه الإيزديون، هو إله القمح السومري القديم دموزي (تموز) الذي، حسب القاعدة الكوردية، تحوّل (الميم) فيه الى (واو) ليصبح (تَووز) أي (طاووس)24. هكذا نرى أن إسم (طاووس) متأتٍ من إسم الإله السومري (دموزي) وهذا يؤكد عُمق الديانة اليزدانية في التاريخ والتي الديانة الإيزدية هي أحد فروعها.

الإيزديون يعيشون في المنطقة الحدودية الواقعة بين جنوب كوردستان وشماله وكذلك يعيش أعداد كبيرة منهم في أرمينيا. تُقدّر نفوسهم بِحوالي مليون نسمة.


المصادر


24. الدكتور جمال رشيد احمد (2002). تموز .. تَووز.. تاووس ابن الآلهة شاووشكا. مجلة شاووشكا، العدد 4، صفحة 6 وما بعدها.


المراجع


ad. Taufiq Wahby. The Remnants Of Mithraism In Hatra and Iraqi Kurdistan, and its traces in Yazidizm > The Yazidis are not Devil. Worshippers Printed by Eveleigh Printing, pp. 42-52, Church Rd., S. W. 13, 1962.

ae. Kurdish Society by Martin Van Bruinessen, in The Kurds: A Contemporary Overview, ed. Philip G. Kreyenbroek, Stefan Sperl, Routledge, 17 Aug 2005, p. 29 “The Peacock Angel (Malak Tawus) whom they worship may be identified with Satan, but is to them not the Lord of Evil as he is to Muslims and Christians” .

af. The Yezidis: The History of a Community, Culture and Religion, by Birgül Açıkyıldız, I. B. Tauris, 30 Sep 2010, p. 2 “Muslim and Christian neighbors of the Yezidis in the Middle East consider the Peacock Angel as the embodiment of Satan and an evil, rebellious spirit” .

ag. http://www.telegraph.co.uk/news/worldnews/1560714/The-Devil-worshippers-of-Iraq.html

ah. https://www.nbcnews.com/storyline/isis-terror/who-are-yazidi-why-isis-targeting-them-n175621



21
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (44) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

الدين اليارساني


يذكر الپروفيسور إيزادي بأن الأديان الإيزدية واليارسانية والهلاوية (العلوية) هي إمتداد للدين اليزدانيw. يتم إعتناق هذه الديانات الثلاث التي تندرج تحت الدين اليزداني في مجتمعات معزولة نسبياً في المنطقة الممتدة من خراسان إلى الأناضول وجنوب إيران. تذكر المصادر بأنّ أسلمة معتنقي الدين اليزداني إزدادت في غضون القرن الثاني عشر الميلادي.w

هناك تشابه كبير بين الديانة الإيزدية واليارسانيةx وهذا التشابه يعود الى عناصر الإيمان القديمة التي كانت مهيمنة على الآريانيين الغربيبنy. بعض شعائر وطقوس ومعتقدات الإيزديين واليارسانيين مشابهة لتلك التي كانت سائدة في الديانة الميثرائية التوحيدية التي كان الآريون يعتنقونها قبل ظهور الديانة الزردشتيةz.

الفروع الرئيسية للديانة اليزدانية هي الإيزدية واليارسانية والهلاوية. يارسان والذي يُسمّى أيضاً (أهل الحق) عبارة عن أحد فروع الديانة اليزدانية القديمة التي كانت معتنقة من قِبل معظم الكورد قبل المد الإسلامي في كوردستان. هناك إعتقاد شائع بأن معظم الكورد كانوا يعتنقون الديانة الزردشتية قبل إعتناقهم الإسلام ولكن الوثائق التأريخية تشير إلى ان معظم الكورد كانوا من أتباع الديانة اليزدانية التي إختلطت كثيراً مع الزردشتية بعد ظهورها ولكنها حافظت على خطها العام المستقل عن الزردشتية، حيث أنّ الزردشتية نفسها أخذت الكثير من فلسفتها وطقوسها من الديانة اليزدانية. العقيدة الدينية لليارسانيين مشابهة للعقائد الدينية للهلاويين والدروز والإيزديين.
 
منذ القرن الرابع عشر قبل الميلاد، ظهر مصطلح (سان) الميتاني في وثائق حتوشا بمعنى (المسؤول أو السيد) حينما أطلق السائس (كيككولي) على نفسه (أسپا سان Aspa San) أي (سيد الخيول)23. الديانة اليارسانية هي فرع من فروع الديانة الميثرائية التي كان أسلاف الكورد الخوريون – الميتانيون يعتنقونها، لذلك من المرجح جداً أنّ إسم (يارسان) له علاقة بالكلمة الميتانية (سان) التي تعني (مسئول أو سيد) و تعني أيضاً (إله) وكلمة (يار) تعني بالكوردية (صديق، حبيب، صاحب) وبذلك يعني (يارسان) (عاشق أو حبيب الإله) أو (عاشق أو عابد اليزدان).

مصطلح "حق" (كما في أهل الحق) كثيراً ما يُساء  تفسيره كالمصطلح العربي ل"الحقيقة". المعنى الحقيقي يتم تفسيره بوضوح من قِبل نور علي إلهي (توفي سنة 1974 ميلادية) من خلال الصورة المعاصرة للروح في فرع الدين اليارساني الذي تمّ تمييزه عن المصطلح العربي و في واقع الأمر ينبغي أن يكون مكتوباً "حَق" بدلاً من "حقّ" وينبغي أن يتم فهم معناه الصحيح من حيث الدلالة والجوهرab. هكذا فأن كلمة (حق) تعني (الروح أو الإله).

يعتقد اليارسانيون بوجود خالق أعظم أساسي بالإضافة إلى 6 تجسدات للخالق في صور أو هيئات محددة ويتم تجسّد الخالق في هذه الهيئات في بداية عهد او فترة زمنية مهمة. من بعض هذه التجسدات حسب العقيدة اليارسانية هو المسيح وسان سَهاك والذي يُقال بأن ولادته كانت من عذراء. يؤمن أتباع الديانة اليارسانية بتناسخ الأرواح ويؤمنون أن الخالق الأعظم لا يدير شؤون العباد بصورة مباشرة بل عن طريق تجسدات ومنها 6 تجسدات لحد هذا العصر. إسم الكتاب المقدس لليارسانيين هو "سەرەنجام" وهو كتاب مكتوب باللغة الكوردية.

من وجهة نظر اليارسانيين، يتكون الكَون من عالَمَين متميّزَين مترابطَين، هما العالم الباطني والعالم الظاهري، ولكل منهما نظامه وقواعده الخاصة به. على الرغم من أن البشر يدركون فقط العالم الظاهري، إلا أن حياتهم تخضع لِقواعد العالم الباطني. من بين الركائز الهامة الأخرى لِنظام معتقدهم هي أن الجوهر الإلهي له مظاهر متتالية في شكل الإنسان والايمان بِتناسخ الأرواح (دۆناودۆن  Donawdon باللغة الكوردية). اليارسانيون لا يتقيدون بالشعائر والطقوس الإسلاميةac.

يرتكز الدين اليزداني على خمس مرتكزات أساسية وهي:

1. النظافة: تعني نظافة الجسم والفكر وصدق الوعد وحُسن السلوك.

2. الصدق: يعني إختيار الطريق الصحيح والإبتعاد عن الأعمال السيئة.

3. الإبتعاد عن الأنانية وحب الذات والإنتصار على الرغبات الدنيوية.

4. مساعدة الآخرين والتضحية في سبيلهم والعمل على توفير الرفاهية للناس.

5. عدم إيذاء أو الإضرار بالنار والهواء والماء والتربة والطبيعة والإنسان والحيوانات والنباتات والأشجار والطُرق.

الدين اليارساني هو دين توحيدي وغير تبشيري. لا وجود للموت في هذا الدين، حيث يؤمن معتنقوه بتناسخ الأرواح. عند موت الإنسان تنتقل روحه الى جسد إنسان أو حيوان آخر. كما أن هذا الدين ليس له نبي أو رسول مُرسَل من الخالق لأن الرب يُظهر نفسه كإنسان في سبع مرات ويعيش بين البشر ويقوم بإدارة شؤونهم.

في هذا الدين هناك أربع طبقات دينية في المجتمع وهي إبتداءً من أعلى مرتبة دينية الى أدنى مرتبة: پیر، مام، باوه، العامة. يحتفظ معتنقو هذا الدين بالشوارب ولا يؤمنون بالشهادة الإسلامية ولا بالجنة والجهنم، حيث أن الجنة والجهنم موجودان في هذه الدنيا ولا يؤمنون بالثواب والعقاب في الآخرة. يقومون بالتعميد كما في المسيحية لتسمية أطفالهم عند الولادة. لا يصلّون، بل أنهم يقدمون النذور خلال إجتماعات دينية خاصة، تتم خلالها قراءة أدعية خاصة بهم. لا يصومون شهر رمضان، بل يصومون لمدة ثلاث أيام في منتصف الشتاء. لا يحجّون الى مكة، بل يحجّون الى ضريح (سان سهاك) الموجود في منطقة هورامان في الجانب الواقع في شرق كوردستان. لهم كتاب ديني مقدس إسمه (سَرَنجام) المكتوب باللغة الكوردية وجميعه عبارة عن أبيات شعرية. يؤمن اليارسانيون بوجود 7 قدّيسين ولا يلعنون الشيطان لأن الشيطان هو من مخلوقات اليزدان (الرب).

تُقدّر نفوس اليارسانيين بِحوالي 4 ملايين نسمة. يعيش اليارسانيون في إقليم شرق كوردستان وبالتحديد في محافظة کرماشان وأيضاً في جنوب كوردستان، في مناطق كركوك و مندلي و خانقين و في بعض القرى التابعة لمحافظة الموصل و في مدينة بعقوبة في محافظة ديالى. كما أنّ هناك أعداداً كبيرة من اليارسانيين الساكنين في بعض مناطق آذربايجان الإيرانية. مدينة إلخيچي (İlxıçî) الواقعة على بُعد 87 كيلومتر جنوب غربي مدينة تبريز، مسكونة من قِبل اليارسانيين والذين هم من عشيرة گۆران الكوردية والتي أفرادها يعيشون أيضاً في إقليم شرق كوردستان الى جانب الكورد الزازا وأنّ أفراد هاتَين المجموعتَين يتكلمون اللهجة الهورامية.


المصادر


23. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، حاشية صفحة 905.


المراجع

w. Izady, Mehrdad R (1992). The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, p. 170. ISBN 978-0-8448-1727-9.

x. Kreyenbroek, Philip G. (1995). Yezidism—Its Background, Observances and Textual Tradition. Lewiston/Queenston/Lampeter: Edwin Mellen Press. pp. 54, 59, ISBN 0-7734-9004-3.

y. Foltz, Richard. Two Kurdish Sects: The Yezidis and the Yaresan. p. 219.

z. Foltz, Richard. "Mithra and Mithraism". Religions of Iran: From Prehistory to the Present. p. 30. ISBN 978-1-78074-307-3.

ab. Elahi, Nurali (1975), Buhan-i Haq (in Persian), Teheran, pp. anecdote 1143.

ac. Z. Mir-Hosseini, Inner Truth and Outer History: The Two Worlds of the Ahl-e Haqq of Kurdistan, International Journal of Middle East Studies, Vol.26, 1994, p.267-268.



22
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (43) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي


العقيدة اليزدانية



الديانة اليزدانية تدعو إلى عبادة الخالق الواحد وتخليص الروح من المادة، والى احترام العناصر الأربعة (النار، الهواء ،الماء ،التراب) وأنّ تعاليمه تقوم على مجاهدة النفس للإنتصار على أسباب الشر والوصول إلى فردوسٍ، حافلٍ بالأفراح والسعادة واللذة المادية
والإشراف على إيقاد النار المقدسة.

تأثرت الديانة اليزدانية بالفلسفة السومرية، كملحمة كلگامش التي تطرح أسئلة فلسفية عن الحياة والموت وموقف الإنسان من الآلهة والسعي للحصول على الخلود. الديانة اليزدانية مبنية على تألية العناصر الطبيعية، وعبادة قوى الطبيعة كالشمس والقمر والنجوم والماء والأرض والإحتفاظ بالقبور كَضريح موضوع على شكل برج مربع، مع غرفة واحدة في الأعلى، حيث كان اليزدانيون يضعون النارَ المقدسةَ فيها.

الثقافة اليزدانية هي ثقافة كوردستانية أصيلة، ثقافة إشراقية، ثقافة سلام، إنها ليست ثقافة تكفيرٍ وجهادٍ وغزوٍ وسلبٍ وسبيٍ وذبحٍ. إنها ثقافة مبنية على مبدأ (اطلب السلام، تُوهَبْ لك الحياة) وليست ثقافة مبنية على مبدأ (اطلب الموت تُوهَبْ لك الحياة) k. حتّى أن القرابين والنذور في هذه الديانة المُسالمة هي في الغالب عبارة عن الفواكه والفطائر. كما أن الطقوس والمراسيم الدينية اليزدانية يتم إجراؤها على أنغام الموسيقى التي تُنعش الروح وتسمو بالمشاعر. لا تزال الموسيقى حاضرةً في طقوس فروع الديانة اليزدانية رغم تعرضها للتحريف والتشويه بشكلٍ كبير. فروع الدين اليزداني هي الديانات الإيزدية واليارسانية والهلاوية والدروزية والشبكية21.

تتمثل الوحدانية في الديانة اليزدانية في خالق الكون (يزدان). في الديانة اليزدانية، لا توجد تسمية خاصة للشر و لا يوجد إله خاص بالشرّ. في فلسفة العقيدة اليزدانية، يزدان (الإله) هو نور وخير مطلق، ولا يمكن أن ينبثق الظلام من النور، ولا يمكن للإله الخيّر أن يُنتج كائناً شرّيراً، يسلّطه على مخلوقاته، فالخير والشر في العقيدة اليزدانية هما من عمل الإنسان، ولذلك فأنّ الإنسان هو صانع أفعاله وأقواله، ولا وجود لِكائن شرّير بإسم (أهريمن أو شيطان) لتحميله وزر أفعال وأقوال البشر. كما أنّ وجود الشر في الدين اليزداني يتناقض مع مفهوم (الخالق) الذي هو خير مطلق. وهبَ الإله (يزدان) الإنسان العقل ولذلك فأنّ الإنسان مُخيّر بين القيام بأعمال خيّرة أو سيئة و هذا يعني بأن الإنسان مُخيّرٌ في التفكير والقيام بالأعمال، سواء كانت أعمالاً صائبة أو خاطئة، جيدة أو سيئة، وأنه يتحمل مسئولية قيامه بالأعمال التي يقوم بها، وهو بنفسه يتحمل مسئولية إرتكابه الأخطاء أو الجرائم. لو أنّ كل ما يقوم به الإنسان هو من إرادة الإله، هذا يعني بأن الإله يدفع الإنسان الى إرتكاب الجرائم والأعمال الشرّيرة الأخرى وأنه مصدر الشرّ. هذا يعني أيضاً أنه في هذه الحالة فأنّ الإنسان المُجرم برئ من جرائمه لأنه فاقد الإرادة وأنه مجرد آلة يستخدمها الإله في إرتكاب الجرائم و أنّ الإله هو المجرم الحقيقي والعقل المدبّر لكافة جرائم وشرور الإنسان. الفلسفة التي تتميّز بها الديانة اليزدانية عن الديانات االمُسمّاة بالسماوية، هي أنه في الديانة اليزدانية، الإنسان هو منبع الخير والشر و ليس الإله. هكذا فأن الفلسفة اليزدانية تقول أنّ أعمال البشر لا يُحددها الإله، بل أنّ الإنسان بنفسه يُحدّد الأعمال التي يقوم بها الإنسان وبذلك يمنح الدين اليزداني للإنسان حرية الفكر والإبداع والإبتكار والإختراع والإعتماد على النفس والثقة بالنفس و العمل على خدمة الإنسانية وبناء الحضارة البشرية، بِعكس الأديان التي تجعل معتنقيها يخضعون للأقدار ويعتمدون على الإله وبذلك يتم تغييب عقل الإنسان وإلغاء إرادته.

كما أنّ العلاقة بين الإله والإنسان في الديانة اليزدانية، هي علاقة روحية هرمونية، علاقة عشق وحُبّ ومحبة، حيث أنّ الإنسان هو جزء من الذات الإلهية. لذلك فأنّ الإله يُحبّ مخلوقاته وأنه إلهٌ مسالمٌ، ليس "جلّاداً"، يُهدد ويُخيف ويُرعِب البشر ويُنذره بالحرق والتعذيب، كما هو الحال في أديانٍ أخرى. هذا يعني بأنّ الإنسان يعبد اليزدان عن قناعة وإيمان وأنّ عبادته غير ناجمة عن الخوف من غضب وعقاب الإله.

مما سبق، نرى أن اليزدانية كانت الدين الأصلي للشعب الكورديl قبل الغزو العربي – الإسلامي لِكوردستان وإحتلالها إستيطانياً من قِبل العرب وفرض الدين الإسلامي على سكّانها. لقد قام الباحث الكوردستاني مهرداد إيزادي Izady Mehrdad في السنين الأخيرة بإجراء أبحاثاتٍ ودراساتٍ حول الدين اليزداني، حيث أنّ معتنقي هذا الدين كانوا السكان الأصليون لِجبال زاگروس. يرى الپروفیسور إيزادي أن مصطلح (اليزدانية) هو مصطلح لِنظام العقيدة التي تسبق الإسلام بآلاف السنين والتي هي في طابعها مُعتقَد آري وليس سامياًl. يُعرّف مهرداد إيزادي الديانة اليزدانية بأنها دين خوري (هوري) قديم ويذكر بأنه قد يكون أسلاف الكورد الميتانيون قاموا بإيجاد بعض الطقوس الڤيدية التي تظهر بِوضوح في الديانة اليزدانيةm.

لقد أحدثَ مفهوم اليزدانية نقاشاً واسعاً داخل المجتمع الكوردستاني وخارجه على حدّ سواء، و خلق جدلاً في أوساط باحثين علميين مرموقين مختصّين بالأديان الآريانية.

المؤرخ الكوردستاني المعروف الأستاذ (محمد موكري) يُشارك الپروفیسور إيزادي في الرأي حول الهوية غير الإسلامية لليزدانيين (الديانات الإيزدية واليارسانية والهلاوية والدروزية والشبكية هي فروع للديانة اليزدانية)، حيث يذكر بأنّ الدين اليزداني أقل إسلامية من الدين البهائي الذي ظهرَ من البابية (Bábism) كَدين غير إسلامي جديدn. كما يؤيد الباحث الإيراني المختص بِعلم الإنسان (Anthropology) الأستاذ (زيبا مير حسيني Ziba Mir-Hosseini) رأي الدكتور إيزادي القائل بأنّ الدين اليزداني هو دين غير إسلامي وأنه دين كوردي بحت، حيث يذكر الأستاذ مير حسيني بأنّ اليزدانيين هم طائفة تعتنق ديناً ظهرَ في العصور القديمة جداً والذي يسمّيه "عبادة الملائكة". يستطرد الأستاذ مير حسيني في حديثه بأن هذا المُعتقد هو في الواقع يعود لِدين غير سامي، مع بُنية فوقية آرية تعود لمعتقدات أسلاف الكورد الذين هم السكان الأصليون لِجبال زا گروس. يمضي الأستاذ مير حسيني في حديثه ويقول بأنّ أي إدّعاء بأنّ اليزدانية أو فروعها هي مُعتقَد إسلامي هو خطأ يشير الى عدم الإلمام بهذا الدين الذي يرجع إلى ما قبل الإسلام بآلاف السنينo. كتاب {دَبيستان المذاهب (Dabestân-e Madâheb)} الذي مكتوب بين سنة (1645-1658 ميلادية) هو أحد  المصادر القديمة الذي يشير الى"Sipâsîâns"  الذي هو مرادف للديانة اليزدانيةp.

في الدين اليزداني، هناك إله متفوق مطلق (هاك أو حق)، مستقل تماماً عن الكون المادي وأنه خالق جميع القوانين الفيزيائية. إنه يشمل الكون كله، يربط معاً الكون كنظام معقد و منظَّم مع ذاته، كما أنه يظهر في (الأسرار السبعة "هَفتاد" أي "الملائكة السبعة")، الذين يحافظون على حياة الكون. يمكن أن يتجسد الإله في الأشخاص، بابا "بوابة" أو الظهور (تجسد الإله في شخص على الكوكب الأرضي)q. هذا الإنبثاق السبعة مماثل للأطوار السبعة لِ(أنوناكي) من آنو (آنوناكي هو مجموعة من الآلهة في الثقافات القديمة لميزوپوتاميا" (في الديانة االسومرية، آنو هو ملِك الآلهة)، وأنها تشمل (طاووس ملك) الذي هو نفس الإله القديم (دوموزي إبن إنكي)r والذي هو الإله الرئيسي في الديانة الإيزدية، والشيخ شمس الدين، الذي هو ميثراs.

يذكر الدكتور جمال رشيد احمد بأنّ (داريوس الأول) يصف على لوحة بيستون أن (ڤارونا) أي (آهورا) هو خالق السماوات والأرض والإنسان وكان مسؤولاً عن (أميشا سپنتا) أو الخالدات الست [فوهو ماناه (الفكر الطيب) و أشا (العدل) و خشارثرا (الحكم) و أرمايتي (الإخلاص) و هَورفَتات (سلامة الروح) و أميريتات (الخلود)] التي تجسدت في المواشي والنار والمعدن والأرض والماء والنبات في الطبيعة، كان يتحمل مسؤولية كل واحدة منها، مَلَكٌ من الملائكة وكان هو سابعهم. الوظيفة الأولى (الفكر الطيب) كانت تمثل مع (العدل) طبيعة المعبودَين (ڤارونا) و (ميثرا). الوظيفة الثانية (الحكم) فهو تجسيد لِقوة (إندرا). كانت (الخلود) ترمز الى مُهمّة (نَساتيا) أي (أناهيتا) عند الآريانيين. ظل في المعتقدات الزردشتية (أهريمن) منافساً لِ(آهورا)، حيث أن (أهريمن) يمثل قوى الشر والدمار والأمراض. بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية وإستقرار الميديين في كوردستان، برز (آهورا الحكيم) كصيغة جديدة لِ(آسورا) الميتانيين22.

يؤمن الدين اليزداني بِالطبيعة الدورية للعالم من خلال تناسخ أرواح الإله والبشر الذي هو سمة مشتركة وعبارة عن تجسيد لروح شخص في شكل إنسان أو حيوان أو حتى نبات. هناك سبع دورات لحياة هذا الكون، ستة من هذه الدورات قد حدثت بالفعل، في حين أن الدورة السابعة لم تحصل بعد. في كل دورة، هناك مجموعة مؤلفة من ستة أشخاص تُجسّد فيهم الروح (أُنثى واحدة وخمسة ذكور) الذين سوف يبشّرون الدورة الجديدة ويقودونها (الإله المتجسّد في الدورة السابعة في المجموعة يبقى خالداً ويبقى إلهاً حاضراً). تجسّد روح الإله يمكن أن يكون في واحدة من أشكال ثلاثة: "تجسد التفكير"، و "تجسيد ضيف"، أو الشكل الأعلى وهو "تجسد تجسيداً". يسوع والقادة الثلاثة من الفروع الرئيسية الثلاث للديانة اليزدانية كلها تجسد تجسيداً، أي أن الإله يتجسد في جسم الإنسانt.

هكذا نرى أنّ الميزة الرئيسية لليزدانية هي الإعتقاد في سبعة كائنات إلهية خيّرة التي تدافع عن العالم مع عدد متساو من الكائنات الشريرة. في حين أنّ في اليارسانية والإيزدية تصبح هذه الكائنات سبعة قديسين و في الديانة الهلاوية يُسمّى هؤلاء القدّيسون ب("Yedi Ulu Ozan")u. مظهر آخر لهذه الأديان هو الإعتقاد بتناسخ الأرواح. الهلاويون يؤمنون أيضاً بتناسخ الأرواحu.

اليزدانيون لا يؤدون الفرائض الإسلامية الخمسة وليست لهم مساجد ولا يذهبون إليها. إنهم يحترمون القرآن كإحترامهم للإنجيل. كل فرع من فروع الديانة االيزدانية له كتابه المقدس الخاص به والذي هو أكثر قُدسية ومنزلة فيها من كتب الأديان الأخرىv وأن هذه الكتب المقدسة مكتوبة باللغة الكوردية. 

المصادر

21. توفيق وهبي بك (2006). الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، سليمانية، كوردستان، صفحة 17.

22. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 735-736.


المراجع

k. http://stuna-kurd.com/%D9%8A%D8%A7-%D8%A3%D8%AA%D8%A8%D8%A7%D8%B9-%D9%85%D9%88%D9%84%D9%88%D8%AE-%D9%88%D9%87%D9%8F%D8%A8%D9%8E%D9%84-%D9%84%D9%83%D9%85-%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%AA%D9%83%D9%85-%D9%88%D9%84%D9%86/

l. Izady, Mehrdad R (1992). The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, p. 172. ISBN 978-0-8448-1727-9.

m. http://www.kurdistanica.com/?q=node/74

n. Mukri, Muhammad (1966). L'Esotrérism kurde (2nd (2002) ed.), Paris, p. 92.

o. Mir-Hosseini, Ziba (1992). "Faith, ritual and culture among the Ahl-e-Haqq". In Philipp G. Kreyenbroek; Christine Allison. Kurdish culture and identity. London: Zed Books. p. 132. ISBN 1-85649-330-X.

p. Azar Kayvan (1645–1658). "Dabestan-e Madaheb, section 1-2".

q. http://www.kurdistanica.com/?q=node/101

r. Açıkyıldız, Birgül (2010). The Yezidis: The History of a Community, Culture and Religion. I. B. Tauris. ISBN 978-1-84885-274-7.
 
s. Bidlīsī, Sharaf Khān & Mehrdad R. Izady. The Sharafnama: or the History of the Kurdish Nation, 1597. Mazda Publishing, 2000. ISBN 1568590741.

t. Elahi, Nurali (1975), Buhan-i Haq (in Persian), Teheran, pp. anecdote 487.

u. Izady, Mehrdad R. (1992). "The Kurds: a concise handbook". Washington & London: Taylor & Francis. ISBN 0-8448-1727-9.

v. Elahi, Nurali (1975). Buhan-i Haq (in Persian), Teheran, pp. anecdote 1143.
 



23
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (42) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

4. بقايا المعتقدات اليزدانية في المجتمع الكوردستاني


هناك معابد كثيرة في منطقة الشرق الأوسط تُعرف بأسماء قدّيسي اليزدانيين والمسيحيين والمسلمين، والتي هي في الأصل معابد ميثرائية، خاصةً تلك المعابد الموجودة في المناطق الجبلية والقريبة من الكهوف وينابيع المياه. كما أن آثار الديانة الميثرائية لا تزال باقية في كنائس الغرب ومعابدها، وخاصةً في مدينة روما الإيطالية. من الجدير بالذكر، أنّ كلمة (محراب) العربية مأخوذة من كلمة (مهر آب) التي تعني (مكان عبادة ميثر)ا18.

كما أنه لا تزال شعوب الشرق الأوسط وشعوب البلدان الغربية تتبع بعض المعتقدات الميثرائية دون أن تعرف مصدرها، على سبيل المثال، عند القيام بِتقليم الأظافر أو قص الشَعر أو عند سقوط الأسنان، يتم إخفاؤها في شقوق الجدران أو بين الصخور والأحجار. كما أنّ هذه الشعوب تُقْسِم بالشمس وتقوم بِصلاة الفجر قبل بزوغ الشمس والتي هي من بقايا المعتقدات الميثرائية.

تظهر كذلك بقايا معتقدات الديانة المثرائية بوضوح في فروع هذه الديانة، الإيزدية والهلاوية والدروزية واليارسانية والشبك، مثل تناسخ الأرواح والإعتقاد بوجود قوتَين متضادتَين: الخير والشر، وكذلك قُدسية الشمس والنار وتقديم القرابين (النذور) للأحياء والأموات و تقبيل الأرض الذي هو طقس ديني للتعبير عن حب الإنسان للأرض وشكرها، حيث يعيش الإنسان عليها و أن إستمرارية حياته مرتبطة بها.

في هذه الفروع الدينية، يتم تقديم القرابين، مثل لحم الثور و الغنم والدجاج خلال إجتماعات دينية خاصة وهذه الفريضة هي إمتداد لتقديم الثور قرباناً في الطقوس الميثرائية، حيث كان ميثرا يقوم بتقديم الثور كقُربان ووجهه إلى الشمس ويهجم عليه عقرب وثعبان كمخلوقَين لأهريمن. يحاول كلب ميثرا إبعاد العقرب والثعبان ويتحول ذيل الثور إلى سنبلة ومن دم الثور ولحمه وعظامه وجلده ينبت الخضار والزرع وتزدان الطبيعة من جديد، وتنبت الكروم من دم الثور ومن عنبها يُصنع الخمر. كانت هذه الطقوس تُجرى في كهفٍ أو بالقرب منه، وكانت تُمارس بمصاحبة الرقص والأغاني و حرق أعشاب الـ (هوم، سوم) أو (سوما). لذلك كانوا يطلقون على هذه الرقصة (سەما SEMA) والتي هي إسم لِعُشب مقدس. لا تزال كلمة (سەما) حيّة في اللغة الكوردية وتعني نفس المعنى، أي (رقص). كان يتم ذبح الثور في المعابد الميثرائية في مراسيم خاصة كقربان للشمس، ويُقطع إلى أوصال ثم يُطبخ ويتسابق الميثرائيون للحصول على قطعة منه. الى الآن اليارسانيون والهلاويون والإيزديون يمارسون نفس هذه الطقوس والمراسيم الميثرائية. من الجدير بالذكر أنه كان من الضروري أن تتم ممارسة هذه الطقوس عند الميثرائيين، في سرداب أو ما يشبه كهف مظلم يتم نقره و حفره في الصخر. هذا الإجتماع الديني كان يُسمى (جەم CEM) في الديانة الميثرائية ولا يزال يحمل نفس الإسم عند الإيزديين والهلاويين واليارسانيين. إنّ كلمة (جمع) العربية ومشتقاتها مثل (مجموع، جماعة، جِماع، تجمّع) كلها مأخوذة من الكلمة الخورية (جەم).

كان يعتقد أصحاب الديانة الميثرائية أنّ (ميثرا) هو إله الشمس الذي ولِد في كهف في 25 ديسمبر/كانون الأول الذي هو يوم الإنقلاب الشتوي، حيث أن الشمس تصل إلى نهاية إنحدارها في 23 ديسمبر/كانون الأول وتتوقف في مكانها في 24 من هذا الشهر وتبدأ بالنهوض والإعتراء في 25 من الشهر نفسه، والذي هو يوم تخلصها من قبضة (أهريمن) وهو رمز ولادتها ويوم ميلاد (ميثرا) من أم عذراء19. نشأت عبادة (ميثرا) في المغاور والكهوف وأنّ رمزه هو النور والشمس ومات في سبيل خلاص الشمس ودُفن وثمّ قام مرة ثانية من القبر و أحيي عند قيامته بإحتفال عظيم. كانت أعياده هي يوم الإنقلاب الشتوي في 25 ديسمبر/كانون الأول وهو يوم ولادته وأنّ يوم نوروز هو يوم قيام ميثرا ويوم الأحد هو يوم الشمس (Sunday) من كل أسبوع20.

عندما حكم الإمبراطور الروماني ( قسطنطين العظيم ) روما من سنة ( 306 – 337 م)، أصبحت المسيحية دين الإمبراطورية الرومانية المُهيمنf، g. خلال حكمه، أصدر (قسطنطين) مرسوماً والذي بموجبه جعل يوم الأحد هو اليوم الذي قام فيه السيد المسيح والذي يكون يوماً خاصاً للعبادة وتمجيداً لِاله الشمس (ميثرا) ويجب إغلاق أبواب المحاكم ودواوين الحكومة في اليوم المذكور ويكون هذا اليوم هو يوم الشمس (Sunday) ويكون عطلة رسمية لِإله الشمس (ميثرا)20.

كان يتم الإحتفال بِعيد ميلاد (ميثرا)‌ الذي يصادف الخامس والعشرين من شهر کانون الأول/ديسمبرh. في هذا اليوم، يكون الليل هو الأكثر طولاً في السنة، حيث بعد هذا التاريخ يبدأ طول الليل بالنقصان ويزداد طول النهار. عند ميلاد الإله (ميثرا) في كهف مظلم في هذا اليوم الأظلم خلال السنة، أضاء (ميثرا) بِنوره الكون. لذلك كان أسلاف الكورد الميتانيون يعتقدون بأنه بولادة ميثرا، تخلصت الشمس من قُبضة إله‌ الظلام وأخذت بالصعود إلی السماء وأنارت الكون والحياة.

كما نرى، فأن تاريخ ميلاد المسيح يصادف نفس تاريخ ميلاد (ميثرا)، حيث أنه بعد إنتشار الدين المسيحي في أوربا، وخاصة في روما، قام المسيحيون بِجعل تاريخ ولادة الإله‌ (ميثرا) تاريخاً لولادة السيد المسيحh. هكذا نرى تبنّي الدين المسيحي لِيوم ميلاد (ميثرا) ليكون يوم ميلاد نبيهم (عيسى).

تبعاً لنصوص الإنجيل، فأن السيد المسيح وُلِد في فصل الربيع، حيث يشير الإنجيل الى أن رعاةً كانوا يرعون أغنامهم في الليل عندما سمعوا خبر ولادة المسيح {(لوقا 2:8 (Luke 2:8)}. هذا يوحي الى أن ولادة المسيح كانت في موسم الربيع، حيث تزامنَت ولادته مع فترة ولادة الخرفان التي تحصل في موسم الربيعi. من المرجّح أن المسيح مولود في 28 آذارj.


المصادر


18. توفيق وهبي (2010). اليزيدية بقايا الديانة الميثرائية. ترجمة شوكت إسماعيل حسن، دار سردم للطباعة والنشر، سليمانية، كوردستان، صفحة 8.

19. فاروق الدملوجي (1953). الآلوهية في الديانة الزردشتية، صفحة 27.

20. المصدر السابق، ص 28.


المراجع

f. http://www.roman-empire.net/decline/constantine.html

g. R. Gerberding and J. H. Moran Cruz, Medieval Worlds (New York: Houghton Mifflin Company, 2004. p. 55.

h. http://www.iranchamber.com/religions/articles/mithraism_influence_on_christianity.php

i. http://www.biblicalarchaeology.org/daily/biblical-topics/new-testament/how-december-25-became-christmas/

j. Sheler, Joseph L. placed Jesus's birth on March 28. U.S. News & World Report. In: Search of Christmas, Dec. 23, 1996, p. 58).


24
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (41) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

3. صمود الديانة اليزدانية وإستمراريتها

في البداية أود أن أقدم إعتذاري عن حصول خطأ في ترقيم تسلسل الحلقة السابقة من هذه السلسلة من المقالات والتي تدور حول تواصل الدين اليزداني بعد إنهيار الإمبراطورية الميدية، حيث أن الحلقة السابقة هي الحلقة (40) وليست (39).

بعد ظهور الإسلام وإحتلال كوردستان من قِبل العرب، بدأت الديانة اليزدانية تصارع من أجل البقاء ضد الزردشتية السياسية الفارسية وضد العقيدة الإسلامية13. على سبيل المثال، تعاون الحكام الفُرس مع الدولة العباسية للقضاء على ثورات الخوراميين اليزدانيين في القرن التاسع والعاشر الميلادي، حيث قام بابَك الخورامي بثورة عارمة التي دامت من سنة 816 – 837 ميلادية ضد الحكم العربي الإسلامي14 (إسم "الخوراميين" متأتي من "خۆر" التي تعني بالكوردية "الشمس").

ظلت الديانة اليَزدانية بفروعها المختلفة سائدة بين الشعب الكوردي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي الى قبل حوالي 800 سنة15. في القرن الحادي عشر الميلادي تم عقد تحالف بين الخلافة العباسية والترك السلاجقة وتم غزو بلدان غرب آسيا من قِبل السلاجقة الذين قاموا بالقضاء على الإمارات الكوردية التي كانت قائمة في المنطقة، من ضمنها الإمارة الروادية في أَذربيجان وجنوبي القوقاز والإمارة البرزيكانية في همدان والشدّادية في أرمينيا والدوستكية في وسط وشمال كوردستان وإمارة (شوانْكارَه) في بلاد فارس وإمارة (أَرّان) التي كانت قائمة في كل من أَذربيجان وأرمينيا وجورجيا الحالية15.

في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليزدانية {إيزدي، يارساني، هلاوي (علوي)، الشبك، الدروز) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والسبي والظلم والإهانة وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل. على سبيل المثال، سُمّي الملاك ميكائيل بِ(الشيخ أبو بكر) في الإيزدية، وأصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة رئيسية عند اليارسانيين والعلويين الكورد، وحلّت الأسماء العربية محل الأسماء الكوردية عند أتباع هذه الفروع اليزدانية، فالإسم الكوردي العريق (آدي) مثلاً، كان إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الخوريين، أصبح إسمه عند الإيزديين إسماً عربياً وهو (عَدي)16 ونسبَ أمراء الإيزديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، وإتخذوا بعض أسمائهم مثل إسم (مُعاوية).

صمدت فروع الديانة اليزدانية أمام كافة الضغوط والبطش وإستمرت الى يومنا هذا بسبب أصالتها الكوردية وترسّخها في المجتمع الكوردي وكونها جزءاً مهماً من ثقافة ولغة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي التي حافظَ عليها أتباع هذه الديانات وتحمّلوا من أجلها المآسي والويلات، إلا أنهم لم يستسلموا، بل أصرّوا على حماية معتقداتهم الكوردية والثقافة الكوردية والتراث والتاريخ الكوردي وقدّموا ولا يزالون يقدّمون التضحيات والقرابين في سبيل الحفاظ على الهوية الكوردية المتجسدة في أديانهم.

هكذا حافظ الدين اليزداني على وجوده الى اليوم رغم المذابح والتهديدات والضغوط التي تعرّض له، إلا أنه نتيجة تفرّق وتشتت معتنقي الدين اليزداني جغرافياً، أصبحت لهذا الدين أسماء مختلفة، حيث أن في كل منطقة جغرافية، يعيش فيها معتنقو الدين اليزداني، تغيّر إسم هذا الدين وأخذ له إسماً خاصاً به في تلك المنطقة. هكذا إنبثق من الدين اليزداني، الديانة الإيزدية والهلاوية واليارسانية والدروزية والشبكية.

بالنسبة الى الدروز، فأن عائلة جانبولاد (جنبلاط) في لبنان التي تُدين بالديانة الدروزية، ينتمي نسبها الى الأمير الكوردي (منتشا = مند) الذي كان أميراً للإمارة الكوردية (كلس) و خدم الدولة الأيوبية في الشام و أصبح هناك والياً لناحية (القصير) الواقعة على مقربة من مدينة (أنطاكية) الواقعة في شمال كوردستان و بعدها أصبح أمير أمراء الشام و حلب. في عهد السلطان العثماني (سليمان)، تم إسناد منصب الإمارة الى إبنه (جانبلاد) و الذي إستمر في الحكم الى سنة 1016 هجرية (1584 ميلادية). في سنة 1630 ميلادية، إنتقل سعيد بك إبن جنبلاط زاده مع إبنه (رباح) الى بيروت و إستقرا هناك. علماً بأنّ العائلة الجنبلاطية كانت تعتنق الديانة الإيزدية17.

فيما يتعلق بِتسمية "العلويين"، يذكر البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994"، بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية "هَلاڤ" التي تعني بالكوردية "بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة" وكذلك "لظى النار نفسها". إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى "ألڤي" التي تعني "لظى النار". هذا الإسم له علاقة بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة.


المصادر

13. إبن خلدون. تاريخ ابن خلدون. الجزء الرابع، صفحة 993.

14. الطبري. تاريخ الطبري. الجزء الثامن، صفحة 622.

15. عبّاس إقبال (1984). الوزارة في عهد السلاجقة. ترجمة د. أحمد كمال الدين حلمي، الطبعة الأولى، صفحة 29.

16. جرنوت فيلهلم (2000). الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، صفحة 100.

17. محمد أمين زكي (1948). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان – تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، مطبعة السعادة، مصر، صفحة 376 – 380).


25
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (39) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

2. تواصل الدين اليزداني بعد إنهيار الإمبراطورية الميدية

بعد أن أصبحت الزردشتية الدين الرسمي للمملكة الأخمينية، ظل الدين اليزداني سائداً بين سكان المملكة. بعد إستلام الحُكم الأخميني من قِبل (أَرتَخششتا الثاني "أَردشير الثاني")، الذي كان إبن دارا الثاني (404 – 359 قبل الميلاد)، أصبح (ميثرا Mithra) إله العدل والإخلاص إلى جانب الإله (أهورامزدا)، حيث يقول (أَرتَخششتا الثاني): {أنا أصنع صور مهر (ميثرا) وناهيد، وأضعها في هذا القصر}. (ناهيد) هي الإلهة (آناهيدا Anahide) التي تَمنح الخصب والنجاح. هكذا كان (ميثرا) إلهاً شعبياً خلال الحُكم الأخميني، يتضرع إليه الملوك الأخمين في النقوش، وكان الملوك والعامّة يُركّبون أسماءَهم منه، مثل (مِيثرادتيس)10.

يصف زردشت دينه الجديد (مَزْديَسْنا) بأنه دين إله النور الأوحد (أَهُورامَزْدا)، وقام بمحاربة الدين اليزداني، فألغى قسماً من معتقدات هذا الدين، وقام بتعديل القسم الأخر وجعله جزءاً من الزَّردشتية، وجعل إله الشمس (ميثرا) أحدَ كبار الملائكة الذين يساعدون الإله (أهورامَزدا) في الحرب ضد إله الظّلام (أهريمان). في إطار هجومه على الأديان الآريانية السابقة، إعتبر زردشت أنّ عبادةَ (ڤارونا Varona) الذي كان الإله المحارب للآريين في الهند، وعبادةَ الإله (ميثرا) والإله (آَهُورا) هي عبادة الجِنّ والشيطان.

بعد وفاة زردشت، ترك أكثرية معتنقي الزردشتية دينهم وإعتنقوا الدين اليزداني من جديد وتحالفوا مع اليزدانيين، حيث أن الديانة الزردشتية لم تكن راسخة في نفوس الأشخاص الذين لبّوا دعوة زردشت وإعتنقوا الزردشتية.
 
بعد إنتصار (الإسكندر المكدوني) على آخر ملوك الأخمين (دارا الثالث) في سنة 331 قبل الميلاد وإسقاط الإمبراطوريةَ الأخمينية في معركة (گُوگاميلا Gaugamela) التي دارت في سهل أربيل، حاول (الإسكندر المكدوني) التقريب بين الشرق والغرب ودمج الثقافتَين الشرقية والغربية. كانت الديانة الزردشتية آيديولوجية الإمبراطورية الأخمينية الفارسية في ذلك الوقت، حيث كانت تُشكّل عقبة في تنفيذ مشروع (الإسكندر المكدوني) الهادف الى التقريب والدمج بين الثقافة الشرقية والغربية. لذلك أمر (الإسكندر المكدوني) بِحرق الكتاب المقدس (آڤيستا).

بعد إختفاء المملكة الأخمينية وإلغاء الزردشيتة كَدين رسمي للبلاد، استعادت الديانة اليزدانية مكانتها المرموقة، حيث أصبح (ميثرا) من جديد إلهاً للشمس (مِهِر) وأخذت الناس يمارسون طقوس وشعائر الديانة اليزدانية ويحتفون بمناسباتها وأعيادها. إستمرت الديانة اليزدانية في إزدهارها خلال حُكم (السلوقيين Seleucids) الإغريق (سنة 312 – 63 قبل الميلاد). في عهد المملكة الپارثية (سنة 249 قبل الميلاد - 226 بعد الميلاد)، حدث تقارب بين الديانة القديمة والجديدة وإستمرت معتقدات الديانة اليزدانية، حيث أن بعض ملوك المملكة الپارثية كانوا يحملون إسم (ميثرادات).

في القرن الأول قبل الميلاد، في ظلّ الإمبراطورية الرومانية، ظهر (ميثرا) كَنبي ومُجسِّد للإله وسادت الميثرائية بين سكان المنطقة، حتى أنها إنتشرت في صفوف الجيش الروماني، حيث يذكر (أرنولد توينبي) بأنّ الجنود الرومان قد حملوا (ميثرا) من الفرات إلى بريطانيا11.

كان جميع ملوك المملكة الكوردية (پونْت Pontus) الواقعة في آسيا الصغرى، يحملون لقب (ميثريدات) وهذا يدلّ على أن سكّان هذه الممالك كانوا أيضاً يعتنقون الديانة اليزدانية أو كانوا يعيشون تحت تأثيرها. في عهد الملِك (ميثريدات Mithridates) العظيم (سنة 120 – 63 قبل الميلاد)، الذي كان ملِكاً لِمملكة (پونت)، إمتدّ نفوذ هذه المملكة من اليونان إلى جنوبي أُوكرانيا. من الجدير بالذكر أنّ الرومان قضوا على هذه المملكة وقضوا كذلك على المملكتَين الكورديتَين (كاپادوكيا Cappadocia) و(كوماجينCommagene ) اللتين كانتا تقعان أيضاً في آسيا الصغرىe.

عند إستحواذ الساسانيين على السلطة (سنة 226-656 ميلادية)، تمسكوا بالسلطتين الدينية والقومية وقاموا بِفرض الديانة الزردشتية بالقوة على سكان المنطقة. أدت هذه السياسة الى حدوث صراعٍ بين الديانة اليزدانية والزردشتية. كان الملوك الساسانيون يقومون بين وقتٍ وآخر بِحملات عسكرية على كوردستان للقضاء على المعتقدات اليزدانية. لِكون الزردشتية كانت الديانة الرسمية للملوك الساسانيين، كانت فرصة إنتشارها أوفر حظاً وعمد أتباعها بإلصاق تُهمة عبادة قوى الشر (أهريمن) على أتباع الديانة اليزدانية. هذه التهمة التي روّجها الملوك الساسانيون وأتباع الدين الزردشتي ضد معتنقي الديانة اليارسانية، شاع إلتصاقها بهم في المنطقة بأسرها وعُرفوا من قِبل الأقوام المجاورة  بأتباع وعبدة (أهريمن) أي الشرّ. بعد ظهور الديانتين المسيحية والاسلامية، ظل هذا الإتهام رائجاً، في حين أن معتنقي الديانة اليزدانية كانوا ينظرون الى آلهة الميتانيين التي كانت الآلهة  القديمة للشعوب الهندو – الآريانية، بأنها آلهة الخير. إستمرت الديانة اليزدانية وقاوم معتنقوه تأثير الديانات الزردشتية والمسيحية والاسلامية على دينهم ومعتقداتهم.

خلال السنوات (816 – 837 ميلادية) قام (بابَك الخورامي) بِثورة عارمة ضد الدولة العباسية، والتي شملت معظم مناطق جنوب وشرق كوردستان، حيث أنها إمتدت من لورستان جنوباً الى آذربيجان شمالاً، واستمرّت 22 سنة12. كان أحد أهداف هذه الثورة هو رفض الدين الإسلامي والعودة إلى الدين اليزداني، ولذلك عُرِفوا في المصادر العربية باسم (خُرّميين) أي (خوراميين) أي (أتباع الدين الشمساني اليزداني).

المصادر

10. جفري بارندر (1992). المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة د. إمام عبدالفتاح إمام، مراجعة د. عبدالفتاح مكاوي هامش 29، صفحة 396.

11. أرنولد توينبي (2011). مختصر دراسة التاريخ. ترجمة: فؤاد محمد شبل، مراجعة: محمد شفيق غربال، تقديم: عيادة كحيلة، الجزء الثاني، المركز القومي للترجمة، القاهرة.

12. الطبري. تاريخ الرُّسل والملوك، الجزء التاسع، صفحة 50.

المراجع

e. Izady, Mehrdad R (1992). The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, p. 39. ISBN 978-0-8448-1727-9.


26
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (39) – أسلاف الكورد: الميديون

ديانة الميديين ومعتقداتهم

د. مهدي كاكه يي

1. اليزدانية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية
هناك معلومات قليلة عن المعتقدات الدينية للميديين قبل نشوء المملكة الميدية وخلالها، حيث أنهم لا بد كانت لهم معتقداتهم كما كانت لشعوب المنطقة. هناك دلائل كثيرة تُشير الى أنّ الميديين كانوا خلال فترة حُكمهم، يعتنقون الديانة اليزدانية التي هي تجسيد للديانة المثرائية. من الأدلة التي تُعزز كَوْن الدين اليزداني كان ديناً رسمياً للمملكة الميدية هي ما يلي:

1. يذكر الدكتور جمال رشيد احمد بأنه في العصر الميدي، الإله (بگا)، الذي كان إلهاً للنور والحكمة، إتخذ هو والملائكة المحيطين به لقب (يزدان)، حيث أنه لا يزال معتنقو الديانة الإزدية يبدأون صلاة الفجر والشروق قائلين بالكوردية (بإسم يزدان المقدس الرحيم الجميل)، ثم بالحمد والتعظيم. بنفس الأسلوب، يجري هذا التكبير عند اليارسانيين والشبك1.

2.  لا يخفى أنّ الميديين أسسوا مملكتهم في الأراضي التي كانت تُشكّل المملكة الخوريةَ ولذلك يكون الميديون قد ورثوا الثقافةَ والمعتقدات الخورية، بما فيها الدين اليزداني. كانت الميثرائية دين الآريين، من ضمنهم أسلاف الكورد الخوريين – الميتانيين، حيث كانت الديانة الميثرائية سائدة آنذاك بين الآريانيين، الذين الكورد هم جزء منهم.

3. مصادر كثيرة تذكر بأنّ الدعوة الدينية لِزردَشت ظهرت في أواخر الحُكم الميدي، بينما تمّ ذكر الميديين في المصادر التأريخية منذ القرن التاسع قبل الميلاد، أي قبل ظهور زردشت بِأكثر من 300 سنة. في الحقيقة أن الميديين هم السكان الأصليين في المنطقة وكانوا يعيشون على أرض كوردستان الحالية قبل ولادة زردشت بِآلاف السنينa،  b.

هذا يعني بأن الميديين كانوا يعتنقون ديناً آخراً، حيث كانت الديانة الزردشتية كانت لا وجود لها خلال فترة الإمبراطورية الميدية. لذلك عندما قام زردشت المولود في ورمێ (أورميه) الواقعة في إقليم شرق كوردستان الحالي، بِنشر دينه بين قومه، رفض الكهنة المجوس دعوته وقاوموها [الكهنة المجوس هم الكهنة الذين كانوا يتولّون الشؤون الدينية وكانوا ينتمون إلى القبيلة الميدية (ماگويي Magoi)، الذي تحوّل إلى الكلمة اليونانية (ماگوس Magos) عند اليونانيين وأصبحت (مجوس) عند العرب2. لذلك إضطر زردشت أن يترك قومه ومدينته ويهاجر إلى مقاطعة (باكتريا) الواقعة في شرقي إيران الحالية وقام بِنشر دينه هناك.

يقول زردشت في الكتاب الزردشتي المقدّس (آڤێستا) مناجياً ربه:
إلى أي أرض يمكنني الهروب؟
أين تتجه خطواتي؟
لقد تمّ إبعادي عن العائلة والعشيرة،
لم أعد محبوباً في القرية التي أنتمي إليها،
ولم يستمع أحد من عامة الشعب الى قولي
ولا عند حُكاّم البلد الأشرار،
كيف إذاً، أيها الرب، سأحظى بودِّك أيها الرب3.

من خلال النص الآڤێستي المذكور أعلاه، يتبين بأنّ الحُكّام الميديين وعامة الناس على السواء، كانوا يرفضون دعوة زردشت الدينية ويقفون ضدها، حيث أنّ زردشت يصف حُكّام ميديا بالأشرار ويشكو من قومه عند ربّه. من خلال كلام زردشت يتبين أيضاً أنّ طرده من مسقط رأسه أو إضطراره لِترك مدينته وأهله ومنعه من نشر دينه هناك، قد تمّ من قِبل كلٍّ من الحكومة الميدية والشعب الميدي. هذا يشير بوضوح الى أن الميديين كان لهم ديناً مختلفاً عن الدين الزردشتي. بما أنّ أسلاف الكورد كانوا يؤمنون بالديانة المثرائية المتجلية في الديانة اليزدانية قبل ظهور الزردشتية، فهذا يُشير الى أن الميديين كانوا يعتنقون الدين اليزداني وكان هذا الدين هو الدين الرسمي للمملكة الميدية. هنا يتساءل المرء كيف ولماذا تغّير إسم هذا الدين من (اليزداني) الى (المجوسي)؟ كما مرّ أعلاه أنّ الكهنة اليزدانيين الذين كانوا يتولّون الشؤون الدينية، كانوا ينتمون إلى القبيلة الميدية (ماگويي Magoi)، الذي أصبح (مجوس) عند العرب. منِ المُرجّح جداً أنّ الأخمينيين الفرس، بعد إسقاطهم المملكة الميدية وتأسيسهم للمملكة الأخمينية، قاموا بإطلاق الإسم (ماگويي) الذي هو إسم القبيلة الميدية التي كان الكهنة اليزدانيون ينتمون إليها، على الدين اليزداني وذلك لِتصغيره وحصره في إسم قبيلة واحدة من أجل إخراج الدين اليزداني من مساره التاريخي والإقليمي والعالمي ومن شموليته وعموميته ومنع الميديين بشكل خاص وشعوب غربي آسيا بشكل عام من التواصل الروحي والثقافي مع هذا الدين ومن أجل إزالته من ذاكرة هذه الشعوب، حيث كان الدين آنذاك ولا يزال في كثير من دول العالم إلهاماً، من خلاله يمكن الإستحواذ على السلطة والثروة. كما أن إلغاء إسم الديانة اليزدانية وتبديله الى المجوسية من قِبل الحُكّام الفرس، كان الهدف منه أيضاً مسح إسم وحضارة وأمجاد (الميديين) من ذاكرة الأقوام الآريانية وذاكرة العالم. في المحصلة، أنّ هدف الفرس كان الإستمرار في حُكم المنطقة ومنع الميديين من إستعادة حُكمهم من خلال قطع الصلة الروحية والثقافية والتاريخية والحضارية للميديين بِماضيهم.

بعد هجرته الى (باكتريا)، أخذ زردشت يبحث عن حاكم يسانده في نشر دينه، فإهتدى إلى حاكم (باكتريا) فشتاسپ (هشت أسپ)، فقام زردشت بزيارة هذا الحاكم في مقر إقامته وشرح له دينه الجديد ودعاه إلى إعتناقه. أعدّ حاكم (باكتريا) مناظرات بين زردشت والكهنة والسحرة التابعين له. أخذ زردشت العهد والميثاق من الحاكم المذكور أن يتخلى عن دينه ويعتنق الدين الزردشتي فيما لو فاز في مناظرته مع كهنته وسحرته. إستمرت المناظرات لمدة ثلاث أيام، خلالها أجاب زردشت عن جميع أسئلتهم. عندما حقّق زردشت الفوز في المناظرة التي تمّ إجراؤها، قال حاكم منطقة باكتريا: إنما هو نبي من عند إله حكيم. آمن (هشتاسپ) وزوجته وبقية أفراد عائلته بِدين زردشت، وبعد ذلك بدأت الديانة الزردشتية بالإنتشار في تلك المنطقة.

حتى أنه بعد سقوط المملكة الميدية ومجئ الأخمينيين للحُكم، لم يتم تبنّي الدين الزردشتي كَدين رسمي للمملكة الأخمينية في بداية حكمهم، خلال حُكم الملك الأخميني (كورش) و(قمبيز). هذا قد يعود على الأرجح الى كونهما كانا يتمسكان بإعتناق الدين اليزداني أو أنه خلال حكمهما، كان الحُكم الأخميني ضعيفاً ونفوذ الميديين قوياً، حيث كانوا يشاركون في الحُكم آنذاك ويحتلون مناصب هامة في مرافق الحُكم الأخميني المختلفة، وخاصة في الجيش مما جعل هذين الملكَين لا يتجرءان في الإقدام على إلغاء الدين اليزداني كَدين الدولة الرسمي وإحلال الدين الزردشتي محله. من الجدير بالذكر أن الدين الزردشتي هو فرع من الدين  اليزداني، حيث أن الكثير من معتقدات وتعاليم زردشت مستمدة من الدين اليزداني بما في ذلك بقاء الشمس رمزاً مقدساً في الديانة الزردشتية.

4. يذكر (هارڤي پورتر) أنّ الفرس الأخمينيين إعتنقوا الديانة الزردشتية وألغوا الدين المجوسي (الدين اليزداني)، إلا أنّ الثائر الميدي (گوماتيس) الذي كان مجوسياً، قد أعاد الدين المجوسي. دارا الأول الذي حكمَ بعده، قام بإبادة المجوس وثبّت الدين الزردشتي في البلاد من جديد4.

بعد تسلّم (دارا الأول) الحُكم في المملكة الأخمينية، بدأ الفرس يستحكمون سيطرتهم على مقاليد البلاد ويُرسّخون حُكمهم وبدأوا بإبعاد الميديين عن المناصب المهمة. حينئذٍ جعل (دارا الأول) الزردشتية الدين الرسمي للبلاد وبدأ يشنّ حرباً شرسة على الديانة اليزدانية وكهنتها (الكهنة المجوس). يقول ديورانت بهذا الصدد:

ولعل دارا الأول حينما إعتنق الدين الجديد رأى فيه ديناً مُلهِماً لشعبه، فشرع منذ تولّيه المُلك، يثير حرباً شعواء على العبادات القديمة، وعلى الكهنة المجوس، وجعل الزردشتية دين الدولة"5.

يذكر هارڤي پورتر أيضاً حول هذا الموضوع قائلاً:
"دين الفرس هو دين زردشت الذي ذكرناه في تاريخ الميديين، ولمّا غلبوا الميديين، نسخوا مذهب المجوس الفاسد، لِ(سميرديس) الكاذب أي (گوماتيس) الذي أعاده؛ إذ كان مجوسياً، لكن دارا الذي خلّفه، أهلك المجوس بعد إرتقائه، وتمسّك بالمذهب القديم"4. في المواجهة بين النخب الفارسية بقيادة دارا الأول من جهة، والأخوَين الميديين (پيرتزيثيس) و(سميرديس) من جهة أخرى، كان الميديون تتم تسميتهم بِ(مجوس)، ولذلك بعد مقتل الأخوَين، إنصبّ إنتقام الملك الأخميني على (المجوس)، حيث يصف (ديورانت) (سميرديس) قائلاّ:

"كان أحد رجال الدين المتعصبين من أتباع المذهب المجوسي القديم، وكان يعمل جاهداً للقضاء على الزردشتية، دين الدولة الفارسية الرسمي"6.
 
قول الملك الأخميني دارا الأول المحفور في نقش بيستون يدعم ما يذكره كلٌّ من ديورانت  وهارڤي پورتر، حيث أنّ دارا الأول يفتخر في النقش المذكور بإنجازاته بعد قضائه على ثورة الأخوَين الميدييَن قائلاً: إن المعابد التي هدمها (گوماتا) قمتُ بإصلاحها كما كانت، والتي أخذها (گوماتا) الموغ، أرجعتُها7.

من جهة أخرى، يذكر المؤرخ إبن العبري (گريگوريوس الملطي) أن (دارا الأول) كان إبن (هشتاسب) حاكم (باكتريا)8. هذا يعني بأنّ (دارا الأول) كان يعتنق الدين الزردشتي الذي كان دين والده، ولهذا السبب  شارك (دارا الأول) مع الزعماء الفرس الستة الآخرين في الهجوم على الأخوَين الميدييَن الموگييَن الثائرَين ضد الحُكم الأخميني و اللذَين حاولا إستعادة الحُكم الميدي، حيث كان (دارا الأول) قائداً لهذه المجموعة المهاجمة9.

مما تقدم يظهر أن معتقدات الملوك الأخمينيين قبل إستلام الحكم من قِبل (دارا الأول)، كانت نفس المعتقدات التي كانت سائدة خلال الحُكم الميدي، حيث كانت لِميثرا مكانةٌ مرموقة وأنّ الملك الأخميني (دارا الأول) هو الذي تبنّى الديانة الزردشتية وجعلها الدين الرسمي للمملكة الأخمينية. في الديانة الزردشتية التي فرضها (دارا الأول) إنخفضت مرتبة (ميثرا) من (إله) الى أحدَ كبار الملائكة المساعدين للإله (آهورامزدا) الذي هو ضد إله الظلام (أهريمان)، بينما في الدين الميثرائي، فأنّ إله الشمس (ميثرا) هو أكبر الآلهة و(أنايتا) إلهة الخصب والأرض، وأنّ (هَوْما) هو الثور المقدس الذي مات ثم بُعِث حياً، ووهب الجنس البشري دمه شراباً ليسبغ عليه نعمة الخلود. كان الآريانيون الأولون يعبدونه بِشرب عصير (هَوْما) المُسكّر الذي هو عشب ينمو على سفوح الجبال في مناطقهم .

أود هنا أن أذكر بأن هناك أناساً كثيرين يظنون أن الدين المجوسي هو الدين الزردشتي وهذا غير صحيح، حيث أن الدين المجوسي هو الدين اليزداني الذي هو أقدم من الدين الزردشتي بآلاف السنين. يمكن إعتبار الزردشتية فرعٌ من الديانة اليزدانية، حيث أن زردشت أخذ الكثير من فلسفة دينه وطقوسه وتعاليمه من الدين اليزداني وأن زردشت نفسه كان يزدانياً قبل أن يدعو الى دينه الجديد. أحب أيضاً أن أشير الى نقطة مهمة أخرى وهي أن الديانة اليزدانية كانت إلهاماً روحياً لأسلاف الكورد الميديين، غير أن الفرس قطعوا الصلة الروحية للميديين بالديانة اليزدانية حينما ألغوا الدين اليزداني وبذلك ألغوا المرجعية الدينية الميدية والثقافة الميدية وتبنّوا الديانة الزردشتية بعد تعديلها لتكون في خدمة القومية الفارسية. من هنا نرى أنّ اليزدانية هي الدين الأصيل للشعب الكوردي ورغم أن زردشت كان كوردياً، إلا أنّ الديانة الزردشتية تمّ تبنّيها وإستغلالها من قِبل الفرس وبها أسقطوا المملكة الميدية وقطعوا صلة الكورد بِمعتقداتهم الدينية وصلاتهم الروحية ومرجعيتهم الدينية وبذلك قطعوا الطريق على الكورد في تأسيس كيانٍ سياسي لهم الى الآن. من الجدير بالذكر أن العرب، عن طريق الخطأ، يطلقون عبارة "الفرس المجوس" على الفرس، حيث يتضح مما سبق بأن الكورد والفرس والأرمن والشعوب الأخرى التي كانت تابعة للمملكة الميدية، كانوا يعتنقون الدين المجوسي (اليزداني)، بينما بدأ الفرس بإعتناق الديانة الزردشتية بعد تأسيسهم للمملكة الأخمينية.   

5. يعتقد دياكونوف بأن الملك الميدي (أستياگ) وقد يكون الملك كَيخَسرَو أيضاً، كانا يعتنقان بالفعل ديناً مستمداً من تعاليم زردشت الذي لم يكن متطابقاً مع الدين الزردشتي (في الحقيقة أنّ العكس هو الصحيح، فالدين الزردشتي هو الذي مستمدٌ من الديانة اليزدانية وليس العكس، حيث أنّ الكثير من تعاليم الديانة الزردشتية مأخوذة من الدين اليزداني، الذي يمكن إعتبار الزردشتية أحد فروعه). من جهة أخرى، تعتقد (ماري بويس Mary Boyce)  بأن وجود المجوس في ميديا و معتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم الدينية، كانت عقبة في طريق التبشير بالدين الزردشتي هناكc.

6. عند مقتل الملك الميدي المجوسي (گوماتا) أُقيمت لِموته المآتم والتعازي من قِبل كافة سكان غربي آسيا، بإستثناء سكان المنطقة الفارسيةd. إقامة التعازي على روح الملِك الميدي (گوماتا) من قِبل سكان منطقة غربي آسيا يُشير الى أن سكان هذه المنطقة كانوا يعتنقون الدين الميدي (الدين اليزداني) وكانت لهم ثقافة مشتركة مع الميديين، بإستثناء الفرس، حيث كانوا يعتنقون ديناً آخراً ولم تربطهم صلات ثقافية مع سكان غربي آسيا. كما أن موالاة سكان غربي آسيا للملِك الميدي (گوماتا) تُشير الى أنه بالإضافة الى إعلان نفسه ملِكاً لميديا، لقد كان ل(گوماتا) سلطة  دينية على سكان المنطقة. هدف الفرس من عمليات الإبادة التي قاموا بها ضد رجال الدين الميديين، كان إضعاف الميديين والتقليل من سلطتهم ومنعهم من العودة الى حُكم المنطقة، حيث كانت للميديين إمبراطورية كبيرة وقوية تحكم المنطقة، بما فيها منطقة الفرس.

7. كان بعض الميديين يحملون إسم (ميثرادات/ميثريدات) أي (هِبة الإله ميثرا)، حيث كان لِ(ميثرا)، كإله للشمس، مكانة عليا في المجتمع الميدي كباقي الشعوب الآريانية. هذه التسميات تشير الى التقديس الذي كان يحظى به (ميثرا) عند الميديين. لا يخفى أن الميثرائية تتجلى في الديانة اليزدانية وهذا بِدوره يعضد كون الديانة اليزدانية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية.

8. (أزْدَهاك) كان آخر ملوك المملكة الميدية. إسمه مُركّب ومؤلّف من إسمَين هما (أَزْد/يَزْد) و(دَياك)، حيث أن (أَزْد/يَزْد) هو إسم الدين الذي كان يعتنقه هذا الملك الميدي، بينما (دَياكو) هو إسم مؤسس المملكة الميدية والذي الملك (أزْدَهاك) هو حفيده. هكذا فأن إسم هذا الملك الميدي يعني (دياكو اليَزداني)، نسبة إلى الإله (يَزْدان). هذا يُشير بِوضوح الى إعتناق الميديين للدين اليزداني وأنّ هذا الدين كان الدين الرسمي للمملكة الميدية.

المصادر
1. الدكتور جمال رشيد احمد. ظهور الكورد في التأريخ – دراسة شاملة عن خلفية الأمة الكوردية ومهدها. الجزء الثاني، الطبعة الثانية، 2005، صفحة 739).

2. جفري بارندر (1992). المعتقدات الدينية لدى الشعوب، ترجمة د. إمام عبدالفتاح إمام، مراجعة د. عبدالفتاح مكاوي هامش 29، صفحة 396.

3. ياسنا 1، 46.

4. هارفي بورتر (1991). موسوعة مختصر التاريخ القديم، صفحة 178.

5. ديورانت. قصة الحضارة، مجلد 1، الجزء الثاني، صفحة 426.

6. المصدر السابق، صفحة 406.

7. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 401.

8. إبن العبري (1992). تاريخ مختصر الدول. تحقيق: آنطون صالحاني اليسوعي، الناشر: دار الشرق، بيروت، الطبعة الثالثة، صفحة 83.

9. وليام لانجر (1968). موسوعة تاريخ العالم، الجزء الأول، ترجمة د. محمد مصطفى زيادة، الطبعة الأولى، القاهرة - نيويورك، مؤسسة فرانكلين للطبع والنشر، صفحة 91. 


المراجع
a. Lewis, George Cornewall (1982). An historical Survey of the astronomy of the ancients. Parker & Bourn, London, page 403.

b. Niebuhr, Barthold George (1852). The Life and Letters of Barthold George Niebuhr Vol. 3; With Essays on His Character and Influence. Chapman and Hall, London, page 241.

c. Boyce, Mary (1982). Handbuch Der Orientalistik: Der Nahe und der mittlere Osten, Part 1, Volume 2 of A history of Zoroastrianism by Mary Boyce, Brill, Netherland, pages 86-87.

d. Cook, J. M. (1985). The Cambridge History of Iran: The Median and Achaemenian periods. Volume 2 of The Cambridge History of Iran, The Rise of the Achamenids and The Establishment of their Empire. Cambridge University Press, Cambridge, page 218.


27
حتمية إستقلال كوردستان

د. مهدي كاكه يي

هناك الكثير من السياسيين والكُتّاب العرب والفرس والأتراك يدّعون بأنهم يريدون الخير لشعب كوردستان ويجعلون من أنفسهم ممثلين لشعب كوردستان وأوصياء عليه ويتباكون على الخطر الذي يواجهه هذا الشعب في قراره بالإستقلال عن العراق. ليست هناك أية مصداقية لهؤلاء الأدعياء الدجالين الذين يذرفون دموع التماسيح، على مصير ومستقبل شعب كوردستان. لو كان هؤلاء صادقين في إدعاءاتهم، فأنهم يجب أن يحترموا إرادة شعب كوردستان الذي عبّر عنها خلال إستفتاء الإستقلال والذي نتائجه ستُظهر بأن الغالبية العظمى من شعب كوردستان يرغبون أن تستقل بلادهم وأن تصبح كوردستان والعراق جارتَين صديقتَين، تتعاونان لخدمة شعبَيهما، بدلاً من التحارب وسفك الدماء وتخريب البلدَين. المسألة الكوردستانية أكبر من أن يتم حصرها وتقزيمها في شخص واحد مثل السيد مسعود بارزاني، إنها قضية شعب مُستعمَر ووطن مُغتصَب وها شعب كوردستان قد قرر أن يتحرر ويؤسس كيانه السياسي في وطنه.

الطغمة الشيعية الحاكمة منشغلة بالفساد والنهب، مستغلةً كذباً المذهب الشيعي، تاركةً الشعب الشيعي المسكين في وسط وجنوب العراق يعاني من الفقر والمرض والبطالة بالرغم من الثروة النفطية الهائلة الموجودة في باطن أرضه والمليارات من الدولات التي تجنيها الحكومة العراقية من واردات نفط جنوب العراق. لا تكتفي الحكومة العراقية الفاسدة بنهب أموال نفط الشيعة المساكين، بل أنها تُرسلهم الى جحيم ساحات الموت وتزجّهم في حروب لا مصلحة للشيعة فيها وتسبّبت هذه المافيا السياسية التي تتحكم بالشعوب العراقية في موت عشرات الآلاف من الشيعة ضحايا حروبها التي خلقت بِدورها عشرات الآلاف من المعوّقين والأرامل واليتامى.

أود هنا أن أذكر أيضاً بأن حُكّام العراق قد ربطوا مصير شيعة العراق، بل مصير الشعوب العراقية كلها، بإيران ويخططون لتأسيس نظام ولي الفقيه في العراق ليصبح العراق سياسياً وعقائدياً تابعاً لإيران. هذه السياسة ستكون لها عواقب كارثية على الشعب الشيعي في العراق، حيث أن الدول الغربية، و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية لا تسمح مطلقاً بأن تسيطر إيران على العراق وتتحكم بالثروة النفطية في كلّ من إيران والعراق وتُكوّن الهلال الشيعي الممتد من إيران الى لبنان والبحر الأبيض المتوسط وتهيمن على منطقة الشرق الأوسط وتُهدد المصالح الغربية في هذه المنطقة الإستراتيجية والغنية بمصادرها الطبيعية. رزح الشعب الشيعي تحت حُكم السُنة منذ تأسيس دولة العراق الى سقوط النظام البعثي في سنة 2003، حيث تعرّض خلال هذه الفترة للإبادة والقتل بالسلاح الكيميائي. هنا أحذّر الشعب الشيعي من خطورة عمالة القيادات الإسلامية الشيعية الحاكمة في العراق لإيران وربط مصير شيعة العراق بإيران. هذه السياسة الكارثية للحكام الشيعة في العراق ستُرجع الشعب الشيعي الى المربع الأول، حيث ستضطر الولايات المتحدة الى تسليم الحُكم الى سُنّة العراق من جديد وتبدأ مآسي الشعب الشيعي الطيب، بنات وأبناء سومر، من إبادة وقتل. ينبغي أن ينتهز الشعب الشيعي هذه الفرصة التأريخية وعدم سماح إضاعتها من قِبل الأحزاب الإسلامية الشيعية المتخلفة والفاسدة وذلك بِرص صفوفه وتنظيم نفسه والإطاحة بالمافيا السياسية التي تتحكم فيه والقيام بِحلّ الميليشيات المسلحة المنفلتة الخارجة عن سلطة الدولة والعميلة لإيران وتأسيس دولته المستقلة في وسط وجنوب العراق وأن يستثمر ثرواته الطبيعية الهائلة في البناء والتنمية ويعيش في رفاهية وسلام.

هناك قسم من السياسيين والكُتّاب المرتزقة يدّعون بأن سكان إقليم جنوب كوردستان يعيشون على واردات نفط الجنوب من خلال 17% من ميزانية العراق التي كانوا يستلمونها من العراق. أولاً، الأموال التي كانت يستلمها الإقليم هي أقل من واردات نفط كركوك التي هي مدينة كوردستانية. بدلاً من إستفادة شعب كوردستان من واردات نفطها، تمّ بهذه الأموال شراء الأسلحة التي تمّ قتل الشعب الكوردستاني بها وتدمير الحياة في كوردستان من قِبل الحكومات العراقية المتعاقبة منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي المصطنع من قِبل الإستعمار البريطاني والفرنسي. ثانياً، هذه النسبة تصبح 12% فقط بعد خصم التكاليف السيادية منها والتي من ضمنها تشمل رواتب الجيش والنفقات العسكرية العراقية التي كان الپیشمرگە محرومين منها ومع ذلك تمّ خصم هذه النفقات من حصة الإقليم. الإدّعاء الكاذب بأنّ شعب إقليم جنوب كوردستان كان يعيش على واردات نفط الجنوب، هو محاولة الحكومة العراقية والطائفيين والعنصريين تحريض الشعب الشيعي ضد شعب كوردستان، وإلا فأن الكورد عاشوا على واردات نفطهم في كركوك التي كانت يتم نهبها من قِبل الحكومات العراقية المتعاقبة.

لقد مضت 14 سنة على سقوط النظام البعثي في العراق، حيث كانت قوات الپيشمەرگه القوة الوحيدة التي ساهمت مع القوات الأمريكية في إسقاط هذا النظام في سنة 2003. لم يكتفِ إقليم جنوب كوردستان بالمساهمة في إسقاط النظام، بل رغم كون الإقليم كان يتمتع بإستقلالٍ تام عن العراق منذ سنة 1992 ميلادية أي خلال 11 عاماً (سنة 1992 – 2003 ميلادية)، تخلى قادة الإقليم بكل سذاجة عن إستقلالية إقليمهم وقبلوا بأن يكون الإقليم جزءاً من العراق في إتحاد فيدرالي وأخذوا يُعيدون تأسيس إدارة عراقية جديدة تحل محل الإدارة البعثية المنهارة وإعادة تأسيس قوات مسلحة بعد حل وإختفاء القوات المسلحة التابعة للنظام البعثي. هكذا أعاد القادة الكوردستانيون الإقليم الى سيطرة الحُكم العراقي وساهموا بِشكل كبير في إعادة ِتأسيس دولة العراق والمؤسسة العسكرية العراقية التي تقوم اليوم بتهديد شعب جنوب كوردستان وتريد فرض إرادتها عليه. 

كان من الواجب على قيادة إقليم جنوب كوردستان أن يحتفظوا بإستقلالية الإقليم وذلك بأخذ الحقائق التالية بِنظر الإعتبار:

1. المجتمع العراقي مجتمع متخلف، تتجذر فيه روح العنصرية والطائفية والقبلية ولا يمكن للشيعة والسُنّة في العراق الإقرار بِحقوق الشعب الكوردستاني، بما فيها حق تقرير المصير والإستقلال.

2. تبعية الأحزاب الشيعية العراقية لإيران، حيث أن هذه الأحزاب والميليشيات الشيعية العراقية المسلحة تمّ تأسيسها من قِبل إيران وعاشت في إيران خلال حُكم حزب البعث للعراق وقاتلت هذه الأحزاب والميليشيات الى جانب إيران ضد الجيش العراقي خلال الحرب العراقية – الإيرانية التي دامت لمدة ثماني سنوات. كان على القيادة الكوردستانية أن تعرف بأن الأحزاب الشيعية العراقية مرتبطة بالنظام الإيراني وأنها صنيعته ولا يمكن أن تصبح هذه الأحزاب حليفة لشعب كوردستان ما دامت إيران تغتصب إقليم شرق كوردستان ولذلك فهي تقف دائماً ضد تطلعات شعب كوردستان في التحرر والإستقلال.

3. بما أن كلاً من العراق وإيران وتركيا وسوريا يغتصب جزءاً من كوردستان، فأن هذه الدول الأربع، رغم خلافاتها مع البعض، فأنها تتوحد وتتحالف معاً فيما يخص القضية الكوردستانية، حيث أنها تعمل على الحفاظ على إستمراريتها في إحتلال كوردستان إستيطانياً ونهب ثرواتها، بِغضّ النظر عن الحكومات التي تحكم هذه الدول. كان من المفروض أن تكون القيادة الكوردستانية واعية وتأخذ هذه الحقائق الثلاث بِنظر الإعتبار في علاقاتها مع الأحزاب الشيعية الطائفية العراقية بعد سقوط نظام البعث في العراق.

بعد سقوط النظام البعثي العراقي، حاول شعب كوردستان أن يكون شريكاً للشيعة والسُنّة في العراق ضمن نظام فيدرالي. ها مضت 14 سنة على تحرر العراق من الحكم البعثي، والأحزاب الشيعية الطائفية تنفرد بالحكم وتُكرّس الطائفية والعنصرية وتريد فرض الطائفية الشيعية على الشعوب العراقية وخلق مجتمع اللطم والخرافات وسنّ قوانين بدوية بدائية عفا عليها الزمن وفرْضها على المجتمعات العراقية وتبنّت نظاماً طائفياً متخلفاً على غرار نظام الملالي في إيران.

يعالج الكثير من السياسيين والكُتّاب العرب والترك والفرس، مسألة إستقلال كوردستان بِسطحية ومن منطلق ذاتي وعنصري وطائفي وعاطفي، بعيد عن الواقعية والموضوعية. هناك إنفصال روحي ونفسي وثقافي وإجتماعي وإقتصادي بين سكان إقليم جنوب كوردستان من جهة وبين السكان العرب في العراق من جهة أخرى. لذلك لا تستطيع جيوش العالم أجمع أن تهدم هذا الحاجز بين شعب كوردستان وشعوب العراق ولا قادرة على خلق عيش مشترك بين الشعبَين في ظل كيان سياسي واحد الذي فشل خلال المائة السنة الماضية. تتم إزالة هذا الحاجز في حالة واحدة فقط وهي زوال شعب كوردستان وذلك بإبادته وهذه أمر مستحيل والتجارب الفاشلة للدول المُغتصِبة لكوردستان في إبادة شعب كوردستان وتعريبه وتتريكه وتفريسه، تشهد على إستحالة كسر إرادة شعب كوردستان وإبادته. لذلك فأن التهديدات بإستخدام القوة لا تُخيف شعب كوردستان وعاجزة عن إخضاعه.

قرر شعب جنوب كوردستان الإستقلال وعدم العيش ضمن الكيان العراقي، فلماذ لا تحترم الحكومة العراقية إرادة شعب كوردستان وتحاول إرغام هذا الشعب العريق على العيش ضمن العراق؟ هل هذه هي ديمقراطية النظام العراقي الجديد أم أنها إتباع نفس سياسة الحكومات العراقية الدكتاتورية الشمولية العنصرية تجاه شعب كوردستان؟ جميع الحكومات العراقية المتعاقبة التي وقفت ضد حرية وإستقلال كوردستان، أسقطتها الإرادة الكوردستانية وإذا إستمرت الحكومة العراقية الطائفية الحالية في محاولاتها الوقوف في طريق إستقلال كوردستان، فمصيرها يكون كمصير الحكومات العراقية السابقة، حيث أنها تنهزم أمام إرادة شعب كوردستان. لذلك عليها أن تأخذ الدروس والعِبر من السياسات الفاشلة التي إنتهجتها الحكومات العراقية السابقة تجاه شعب كوردستان والتي مُنيت بسببها بِهزائم وسقطت وإختفت.

من مصلحة الشعبَين العراقي والكوردستاني أن يفترقا ويصبحا جارَين صديقَين وأن تمتنع الحكومة العراقية عن زجّ أبناء الشعب الشيعي الطيّب في حروب مدمرة خاسرة. الشعب الكوردي لا يريد أن تُراق قطرة دمٍ واحدة للشعب الشيعي، حيث أن الشعبَين الشيعي والكوردي، كلاهما أحفاد سومر، تربطهما رابطة الدم وكل منهما هو شعب المقابر الجماعية والمتعرض للإبادات. لنتفرّغ معاً للبناء ونعمل لرفاهية شعبَينا، كجارَين ولِنبتعد عن إراقة دماء شعبَينا وتدمير بلدَينا. إن ولادة دولة كوردستان حتمية، ينبغي الإقرار بها والإمتناع عن القيام بمحاولات لإيقافها أو عرقلتها لأنها ستكون محاولات عقيمة غير مُجدية.

 

28
الوثيقة السياسية لضمان حقوق المكونات القومية والدينية في كوردستان

د. مهدي كاكه يي

قبل إجراء إستفتاء إستقلال إقليم جنوب كوردستان، صدر المجلس الأعلى للإستفتاء في كوردستان وثيقة سياسية مهمة جداً لتنظيم العلاقة بين المكونات القومية والدينية من جهة ودولة كوردستان من جهة أخرى لضمان حقوق هذه المكونات. أدعو أفراد كل المكونات الكوردستانية بالتصويت ب(نعم) لإستقلال كوردستان وبناء دولة المؤسسات والمواطنة وتأسيس نظام علماني، بعيد عن العنصرية والطائفية، يتمتع جميع أفراد الشعب في ظله بحقوقهم وحرياتهم ويعيشون بكرامة و في رفاهية، بِغضّ النظر عن القومية والدين والمذهب والطائفة والجنس واللون.


نص الوثيقة


نحن أعضاء المجلس الأعلى للاستفتاء في كوردستان باعتبارنا ممثلي معظم الأحزاب الكوردستانية، انطلاقاً من ايماننا بأن كوردستان وطن الجميع من كورد وتركمان والكلدان السريان الآشوريين والعرب والأرمن، ومن مسلمين وايزيديين ومسيحيين وكاكائية ويهود وزرادشتيين وصابئة مندائية والشبك، وفي الوقت الذي نستذكر الاضطهاد والاستبداد والمآسي التي تعرض لها شعب كوردستان بكافة مكوناته منذ عقود، وإدراكاً منا بأن القضاء على تلك المآسي لا يمر إلا عبر القضاء على التمييز والاضطهاد القومي والديني والطائفي وتعزيز حقوق الانسان والحريات الأساسية واحترامها دون تمييز بسبب العرق أو اللغة أو الدين أو المعتقد، وتكريماً لأرواح شهدائنا من أجل التحرر والقضاء على التمييز، واستلهاماً من روح التسامح والتآخي وقبول الآخر التي يتحلى بها شعب كوردستان، وايماناً منا بحقوق الانسان الأساسية وبكرامته وقيمته وبالحقوق المتساوية للشعوب صغيرها وكبيرها، واسترشاداً بالمباديء التي تتضمنها الاتفاقيات الدولية حول احترام حقوق الأقليات القومية والدينية واللغوية وحمايتها وتنميتها، وايماناً منا بأن تتمتع المكونات في كوردستان بحقوقها على أسس ديمقراطية وسيادة القانون والعدالة سيسهم في تعزيز الأمن والسلام ليس في كوردستان وحسب، بل وفي المنطقة والعالم أيضاً، لكل ذلك قررنا تنظيم العلاقة بين المكونات والدولة على الأسس الآتية:

المادة (1): الإقرار بالتعددية القومية والدينية والمذهبية والثقافية للمجتمع الكوردستاني وضمان حقوق جميع المكونات على أساس المواطنة والمساواة ومراعاة الخصوصيات الدينية والعقائدية وممارسة الشعائر والطقوس والحفاظ على دور العبادة والعناية بها.

المادة (2):
أ. ضمان الحقوق القومية والثقافية والإدارية للتركمان والكلدان السريان الآشوريين والعرب والأرمن، بدءاً بالإدارة الذاتية والحكم الذاتي واللامركزية وصولاً الى الفدرالية في مناطق المكونات التاريخية استناداً لإحصاء عام 1957.

ب. ضمان حقوق المكون الايزيدي بالإدارة الذاتية والحكم الذاتي واللامركزية وصولاً الى الفدرالية في مناطق ذات الكثافة السكانية للمكون، وينظم ذلك بقانون.

المادة (3): ضمان التمثيل العادل للمكونات في المجالس المنتخبة التشريعية والأجهزة الإدارية والسلك الدبلوماسي والهيئات المستقلة وينظم بقانون.

المادة (4): ضمان تمثيل المكونات القومية والدينية في المحكمة الدستورية العليا حسب المؤهلات التي تقتضيها القواعد العامة.

المادة (5): ضمان مشاركة المكونات القومية والدينية في المؤسسات التنفيذية والمناصب السيادية وفي المنظومة الدفاعية وقوى الأمن الداخلي وقوات البيشمركة حسب القوانين النافذة.

المادة (6): اعتبار اللغات الكوردية والتركمانية والسريانية والعربية والأرمنية لغات رسمية في كوردستان وينظم ذلك بقانون.

المادة (7): يرمز علم كوردستان وشعاره ونشيده الوطني الى المكونات وينظم بقانون.

المادة ( 8 ): تنظم الأعياد والمناسبات القومية والدينية والعطل الرسمية للمكونات بقانون.

المادة (9): تكفل الدولة حرية المعتقد وممارسة الشعائر والطقوس الدينية لكافة المكونات الدينية.

المادة (10): لأتباع المكونات الدينية غير المسلمة إتباع الأحكام الخاصة بأحوالهم الشخصية عبر تشكيل محاكم المواد الشخصية وعدم فرض أحكام ديانة على أتباع ديانة أخرى.

المادة (11): إزالة ومنع التغيير الديموغرافي في مناطق المكونات التاريخية استناداً لإحصاء 1957 منذ تأسيس الدولة العراقية وإزالة المظالم وآثار الإبادة الجماعية التي تعرض لها الكورد الايزيديون والكلدان السريان الآشوريون والتركمان وسائر المكونات الأخرى وتنمية المناطق التي تعرضت الى الدمار وتعويض الأضرار الواقعة.

المادة (12): ضمان حق إنشاء المجالس والرابطات والجمعيات والمنظمات والأندية الخاصة بالمكونات.

المادة (13): تلتزم الدولة بحماية وإحياء المواقع الأثرية والحضارية والدينية لكافة المكونات.

المادة (14): تدرج في مناهج التربية والتعليم تاريخ المكونات ومفاهيم التسامح والتعايش وقبول الآخر ورفض ثقافة الكراهية والتمييز، وكل ما يؤدي الى العنف في الفكر والممارسة.

المادة (15): مشاركة ممثلي جميع المكونات القومية والدينية في صياغة دستور الدولة.

المادة (16): يتم تنفيذ مواد هذه الوثيقة مع تفعيل أول دورة برلمانية في كوردستان بعد صدور الوثيقة.


29
مَن لا يلتزم بالدستور العراقي، حكومة إقليم جنوب كوردستان أم الحكومة العراقية؟

د. مهدي كاكه يي

في هذه المقالة، يتم تسليط الأضواء على خرق الحكومة العراقية للدستور العراقي وعدم الإلتزام به وقيامها بتطبيق موادها بصورة إنتقائية. قد يقول قائل بأن الكورد هم شركاء في الحكومة العراقية وهم أيضاً يتحملون مسئولية خرق الدستور العراقي. بهذا الصدد نقول بأنّ الأحزاب الإسلامية الشيعية الطائفية تُهيمن على مجلس النواب العراقي وعلى الحكومة العراقية والقضاء العراقي ولا سلطة فعلية للكورد و لا للطائفة الُسُنّية في العراق، حيث أن الشراكة في الحُكم هي شراكة صورية.

هذه المقالة تتضمن الحديث عن المادة الأولى من الدستور العراقي التي تمنح إقليم جنوب كوردستان الحق في الإستقلال إذا ما تمّ خرق الدستور العراقي من قِبل الحكومة العراقية. كما أنها تُشير أيضاً الى بعض مواد الدستور التي قامت الحكومة العراقية بِعدم الإلتزام بها على سبيل المثال، لا الحصر.
 
1. الحكومة العراقية تدّعي أن إستفتاء إستقلال إقليم جنوب كوردستان غير دستوري. هذا الإدعاء غير صحيح، حيث أن آخر جملة من ديباجة الدستور تقول:

(إن الالتزام بهذا الدستور يحفظ للعراق اتحاده الحر شعباً وأرضاً وسيادة) .

هذه الجملة واضحة جداً، حيث أنه بموجبها يُشترَط الإلتزام بالدستور العراقي لكي يتم الحفاظ على إتحاد مكونات العراق.

كما أن المادة الأولى من الدستور العراقي تنص على ما يلي:

[جمهورية العراق دولة اتحادية واحدة مستقلة ذات سيادة كاملة، نظام الحكم فيها جمهوري نيابي (برلماني) ديمقراطي. وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق].

إنّ عبارة "وهذا الدستور ضامن لوحدة العراق" تعني أن الإلتزام بالدستور من قِبل الحكومة العراقية يضمن وحدة العراق، وتعني هذا النص أيضاً بأنّ أي خرقٍ لِمواد الدستور من قِبل الحكومة العراقية يُلغي وحدة العراق.

2. تنص المادة 9  من الدستور العراقي على ما يلي:

أولا ًـ
أ ـ تتكون القوات المسلحة العراقية والاجهزة الامنية من مكونات الشعب العراقي، بما يراعي توازنها وتماثلها دون تمييز أو اقصاء وتخضع لقيادة السلطة المدنية وتدافع عن العراق ولا تكون اداة لقمع الشعب العراقي ولا تتدخل في الشؤون السياسية ولا دور لها في تداول السلطة.
 
ب ـ يحظر تكوين ميليشيات عسكرية خارج اطار القوات المسلحة.


إخترقت الحكومة العراقية كلاً من الفقرة (أ) و (ب) من هذه المادة، حيث أنّ الشيعة المستعربين يشكّلون الغالبية العظمى من أفراد الجيش العراقي، بل أنه جيش شيعي، بينماعلى سبيل المثال، أنّ نسبة الكورد في الجيش العراقي لا تتجاوز 1% من مجموع أفراد هذا الجيش رغم أن نسبة الكورد تُقدّر ب(21%) من نفوس العراق.

لم تلتزم الحكومة العراقية بالفقرة (ب) من هذه المادة أيضاً، حيث تشكّل العديد من الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) التي خارجة عن سلطة الحكومة العراقية. قامت إيران بتأسيس القسم الأكبر من هذه الميليشيات، مثل ميليشيات قوات بدر وعصائب الحق وغيرها التي هي على غرار الحرس الثوري الإيراني وتأتمر بأوامر قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني. العدد القليل المتبقي من هذه الميليشيات تتبع مرجعية السيستاني.

من جهة أخرى، فأّن قوات الپيشمەرگه هم حرس حدود إقليم جنوب كوردستان ويُشكّلون جزءاً من الجيش العراقي حسب الفقرة الخامسة من المادة (121) من الدستور العراقي التي تقول:

خامساً: تختص حكومة الاقليم بكل ما تتطلبه إدارة الاقليم، وبوجه خاص انشاء وتنظيم قوى الامن الداخلي للاقليم كالشرطة والامن وحرس الاقليم.

رغم عدم دستورية تأسيس الميليشيات الشيعية (الحشد الشعبي) التي تنتمي لأحزاب ومجموعات سياسية، إلا أن الحكومة العراقية خصصت لأفراد هذه الميليشيات رواتباً وتزوّدها بما تحتاج لها من أسلحة ومعدات، بينما تمتنع الحكومة العراقية عن دفع رواتب الپيشمەرگه الذين هم جزء من القوات المسلحة العراقية حسب المادة (121) من الدستور العراقي وتتعامل الحكومة العراقية مع قوات الپيشمەرگه كقواتٍ مُعادية، حيث أنها بالإضافة الى الإمتناع عن دفع رواتب أفرادها، فأنها تمتنع عن تزويد قوات الپيشمەرگه بالسلاح. لا تكتفي الحكومة الشيعية في بغداد بالإمتناع عن تزويد قوات الپيشمەرگه بالأسلحة، بل تتمادى في ذلك وتقوم بِمنع وصول المساعدات العسكرية التي يتلقاها الإقليم من الدول الغربية، حيث تقوم الحكومة بِتفتيش الأسلحة المُرسلة للإقليم قبل إستلامها من قِبل الإقليم رغم الحرب الدائرة بين قوات الپيشمەرگه والتنظيم الإسلامي الإرهابي، داعش.

3. تنص المادة (65) على:

اولاً ـ يتم انشاء مجلس تشريعي يدعى بـ"مجلس الاتحاد" يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه وشروط العضوية فيه واختصاصاته، وكل ما يتعلق به بقانون يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب.
ها مضت 12 سنة على وضع الدستور وحكّام العراق لم تقم بتشريع قانون (مجلس الإتحاد) الذي سيتشكل من ممثلي إقليم جنوب كوردستان والمحافظات العراقية ويكون للإقليم ولكل محافظة عراقية حق نقض أي قرار أو قانون يخص الإقليم أو المحافظة المعنية على غرار مجالس الإتحاد في الدول الفيدرالية الأخرى في العالم.

4.  لم تقم حكومة بغداد بِتشريع قانون تنظيم أجهزة الإستخبارات الوطنية الذي تنصّ عليه المادة (84) من الدستور وقانون إنشاء المحكمة العليا الوطنية التي تنص عليه المادة (92) من الدستور.

5. المادة (80) من الدستور العراقي تنصّ على ضرورة موافقة مجلس النواب على تعيين كبار ضباط الجيش. لا تلتزم الحكومة العراقية بهذه المادة الدستورية، حيث يقوم رئيس الوزراء بتعيين كبار قادة الجيش، دون موافقة مجلس النواب العراقي.

6. المادة (112) من الدستور العراقي تنص على منح حكومة الإقليم والحكومة العراقية دوراً في إنتاج وإستثمار النفط والغاز. لقد مضت 12 سنة على سن الدستور العراقي، والحكومة العراقية تعرقل سن قانون النفط والغاز الذي تمّت كتابته منذ سنوات عديدة ليتم توزيع إدارة قطاع النفط بين الجانبَين.

7. المادة (140) من الدستور العراقي تنص على ما يأتي:

أولاً:- تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، بكل فقراتها.

ثانياً:- المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية، والمنصوص عليها في المادة (58) من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية، تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور، على أن تنجز كاملةً (التطبيع، الإحصاء، وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها، لتحديد إرادة مواطنيها) في مدةٍ أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة.


كما نرى فأنّ الدستور العراقي ينص على إنجاز التطبيع والإحصاء والإستفتاء في محافظة كركوك والمناطق الكوردستانية غير التابعة إدارياً لإقليم جنوب كوردستان بإنتهاء سنة 2007. ها قد مضت على إنتهاء مدة تنفيذ هذه المادة حوالي 10 سنوات دون أن تقوم الحكومة العراقية بالإلتزام بالدستور العراقي وتنفيذ هذه المادة الدستورية.

8. بناءاً على طلب رئيس الوزراء العراقي، صوّت مجلس النواب العراقي الذي تُهيمن عليه الأحزاب السياسية الإسلامية الشيعية، على إقالة محافظ كركوك من منصبه على الرغم من أن الدستور العراقي لا يخوّل مجلس النواب مثل هذه الصلاحيات، حيث أنّ إقالة المحافظ هي من صلاحيات مجلس محافظة كركوك.



30
إستفتاء إستقلال إقليم جنوب كوردستان

د. مهدي كاكه يي

لمناسبة قرار القيادة الكوردستانية لإقليم جنوب كوردستان بإجراء إستفتاء الإستقلال في الخامس والعشرين من شهر أيلول الحالي، أود أن أتحدث هنا عن هذا الحدث التاريخي الذي ينتظره الشعب الكوردي منذ إنهيار الإمبراطورية الميدية أي منذ أكثر من 2500 سنة وخلال هذه الفترة الطويلة ضحّى الشعب الكوردستاني بأرواح الملايين من أبنائه وبناته وتعرضت كوردستان للخراب والدمار وهو مستمر في نضاله من أجل حريته وبناء كيان سياسي له على أرضه التاريخية لينقذ نفسه من العبودية والتبعية ويعيش بِحرية وكرامة ورفاهية ويستثمر ثروات بلاده ويبني بلاده ويساهم في بناء الحضارة البشرية الى جانب الشعوب المتقدمة.

1. يظن البعض بأن شعب كوردستان يقوم بِتأسيس دولة قومية على غرار الدول القومية العربية والتركية والإيرانية العنصرية وهذا غير صحيح. دولة كوردستان ستكون دولة التركمان والآشوريين والسريان والكلدان والأرمن والعرب والكورد الذين يشكّلون المكوّنات القومية لِشعب كوردستان. سيتم الإعتراف بكافة حقوق المكونات القومية الكوردستانية من سياسية وثقافية ويتم التعامل مع الكوردستانيين على أساس المواطنة والكفاءة ويتساوون في الحقوق والواجبات.

2. يتم سن دستور عصري في جمهورية كوردستان يقر نظاماً علمانياً، يفصل الدين عن السياسة ويتبنى نظاماً لامركزياً مستنداً على الجغرافيا، لا الجانب الإثني أو الديني ويمنع الأحزاب الدينية السياسية ويحدّ من العلاقات العشائرية المتخلفة وينص على حرية المعتقد وممارسة الطقوس والشعائر الدينية لكافة الأديان الكوردستانية والإحتفاء بِأعيادها ومناسباتها وجعل الدين علاقة شخصية بين الإله والإنسان.

3. يطالب بعض القوى السياسية الكوردستاية في الإقليم بِتأجيل إستفتاء الإستقلال مُعللةً ذلك بإفتقار كوردستان للدستور وبِسبب الأزمة الإقتصادية التي يمر بها الإقليم والخوف من إستمرار إحتكار السلطة في الإقليم من قِبل العائلات الحاكمة بعد تأسيس دولة كوردستان. نعم كان من الضروري وضع دستور خلال الفترة الطويلة من الحكم الكوردستاني للإقليم (سنة 1992 – الى الآن) أي خلال 26 سنة الماضية، مع ذلك يمكن سن الدستور بعد تأسيس دولة كوردستان وعرضه لإستفتاء شعبي أو تشريعه من قِبل الدورة القادمة للبرلمان الكوردستاني. كما أن إقليم جنوب كوردستان غني بمصادره الطبيعية وأراضيه الخصبة ولذلك عند إستقلاله ستتوفر له فرصة ممتازة لتحسين إقتصاده وتوفير الرفاهية لشعبه. كما قلنا، ينتظر شعب كوردستان منذ أكثر من ألفَين وخمسمائة سنة لمثل هذه الفرصة التاريخية لتنال بلاده إستقلاله ولذلك لا ضير من تقبّل شعب كوردستان للسلطة العشائرية والعائلية لعدة سنوات أخرى على فرض إستمرار هذه السلطة. يجب أن نعرف بأنه عند إستقلال الإقليم وإعتراف المجتمع الدولي به، سوف تتوفر للشعب فرصة ممتازة للقيام بالإحتجاجات وإزاحة أصحاب السلطة عن الحكم من خلال صناديق الإنتخابات، وخاصة في عصرنا الحاضر، حيث يرتفع الوعي المجتمعي لشعب كوردستان بسرعة، بينما في الوقت الحاضر فأن فرص محاولات التغيير  محدودة ومحفوفة بالمخاطر بسبب إفتقار الكوردستانيين لِكيان سياسي يحافظ على وجوده ومكتسباته.

كما أن الوقت الحاضر هو الوقت المثالي لإعلان إستقلال كوردستان، حيث أن الحكومة العراقية ضعيفة وتدب الفوضى في منطقة الشرق الأوسط والوجود السياسي والعسكري للولايات المتحدة في المنطقة والعلاقات السيئة التي تربط الغرب بِكلّ من إيران وتركيا التي يحكمها إخوان المسلمين، بينما المستقبل مجهول لا يمكن التكهن به أو الإعتماد عليه.

نقطة مهمة أخرى هي أن مجتمعات الشرق الأوسط هي مجتمعات متخلفة، مشبّعة بالروح العنصرية والطائفية والشمولية ولذلك فأنّ أية جهة تستلم الحكم في العراق سيكون موقفها من حق تقرير مصير كوردستان موقفاً سلبياً وتقف ضد طموحات شعب كوردستان. ها هو السيد نوري المالكي نائب رئيس جمهورية العراق يكرر نفس عبارات التهديد التي كان يطلقها أزلام حزب البعث الحاكم في العراق ضد شعب كوردستان بِقوله للسفير الأمريكي في العراق : (لا نسمح بإقامة إسرائيل ثانية في "شمالي العراق"!!). كما أنه يجب ذكر حقيقة مهمة أخرى وهي أن أية حكومة عراقية تستلم الحُكم تكون تحت ضغوطات كل من تركيا وإيران اللتين تغتصبان أجزاء من كوردستان وهاتَان الدولتان تضغطان على الحكومة العراقية وتدفعانها الى رفض الإعتراف بِحق شعب كوردستان في تقرير مصيره كما يحصل اليوم وكما حصل خلال حُكم حزب البعث في العراق أثناء مفاوضات الثورة الكوردستانية مع الحكومة العراقية، حيث كانت تركيا تمارس ضغوطاً كبيرة على الحكومة العراقية لِمنع إحراز سكان الإقليم لأية مكتسبات وطنية وقومية.

4. إجراء إستفتاء الإستقلال من عدمه لا يُغيّر شيئاً من الواقع التحرري الكوردستاني، حيث أنه سواء تمّ الإستفتاء أم لاء، فأن الإقليم ماضِ في طريقه نحو الإستقلال، حيث أنّ الإقليم شبه مستقل منذ 26 سنة وإذا أضفنا الأطفال الكوردستانيين الذين كانوا يبلغون من العمر 7 سنوات أو أقل في سنة 1992 التي تم خلالها جعل الإقليم منطقة آمنة من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا، فهذا يعني أن المواطنين في الإقليم الذين أعمارهم 33 سنة فما دون (26 سنة + 7 سنوات = 33 سنة) لا يربطهم أي شئ بالعراق وشعبه ولا يفهمون اللغة العربية وغير متأثرين بالثقافة العربية وبذلك ليست هناك أية مشتركات تربط هؤلاء بالعراقيين وأنّ إنتماءهم هو لكوردستان فقط. عليه فأنّ هناك الكثير من الساسة والكُتّاب الساذجين والحهلة الذين لا يعرفون هذه الحقيقة ويريدون إجبار شعب كوردستان بالقوة على العيش القسري مع العراقيين. فشلَ هذا العيش القسري الذي إستمر لِحوالي 100 سنة في العراق والآن آنَ لعقلاء العراق أن يكونوا واقعيين ويأخذوا الدروس من التاريخ ويعترفوا بإستقلال إقليم كوردستان لتصبح كوردستان والعراق جارَين صديقَين ومُسالِمين، نتفرغ لبناء بلدَينا وخدمة شعبَينا. كفانا سفك المزيد من دماء عراقية وكوردستانية وتخريب وتدمير بلدَينا بِدون طائل.

كما أنه من الجدير بالذكر بأنّ تأجيل الإستفتاء سيكون إنتحاراً سياسياً للقيادة الكوردستانية وفي هذه الحالة سيطيح مواطنو الإقليم بهذه القيادة التي تتهرب من تحمّل هذه المسئولية التاريخية.

5. بسبب كون كوردستان محاطة بالأعداء، فأنه يجب إتخاذ إجراءات إحتياطية كاملة فيما يتعلق بالجوانب الإقتصادية والمعيشية والعسكرية ومصادر الطاقة وغيرها والتهيؤ لِحدوث أسوء الإحتمالات، بما فيها الحصار الإقتصادي والتدخل العسكري الأجنبي الذي هو مُستبعَد جداً. كما أنه من الضروري مفاتحة الحكومة الإسرائيلية لإقامة إتحاد كونفيدرالي بين كوردستان وإسرائيل لحماية الإقليم من الأخطار الخارجية التي تحيط بها. يجب على قيادة إقليم جنوب كوردستان العمل سريعاً لتأسبس إتحاد مع إقليم غرب كوردستان وتحرير الأراضي الكوردستانية الممتدة من هناك الى البحر الأبيض المتوسط للوصول الى منفذ بحري للإستغناء عن الإعتماد على المنافذ الحدودية للبلدان المُغتصِبة لكوردستان. كما أن هذا المنفذ البحري يقع مقابل إسرائيل وبذلك فأنّ هذا المنفذ يجعل من إسرائيل وكوردستان جارتَين.

6. يجب من الآن ضمان معيشة ورواتب موظفي كوردستان في جميع مناطق الإقليم، من ضمنها المناطق الكوردستانية التي لم تكن تحت الحكم الكوردستاني قبل سقوط حكم حزب البعث في العراق لطمأنة شعب كوردستان على معيشته وحياته. 

31
الأسباب الكامنة في صمود الأديان الكوردية الأصيلة وديمومتها

د. مهدي كاكه يي

تعرضت كوردستان بإستمرار للغزوات الأجنبية وتم إحتلالها وحُكمها من قِبل العديد من الشعوب والممالك في حقب زمنية مختلفة، إلا أنّ عقائد شعب كوردستان وأديانها صمدت أمام العقائد الغريبة التي حملها الغزاة والمحتلون معهم الى أرض كوردستان وتمسك الشعب الكوردي بأديانه المسالمة والمتسامحة رغم القتل والعنف والتهديد والسبي التي تعرض لها و الجزية والضرائب الباهظة التي فُرضت عليه. إستمر معظم الشعب الكوردي في الإحتفاظ بأديانهم ومعتقداتهم الى النصف الثاني من القرن السادس عشر أي الى قبل حوالي 400 سنة، حيث حينذاك ضعفت مقاومة الشعب الكوردي نتيجة المجازر التي تعرض لها والضرائب الباهضة التي كان على مواطني كوردستان المحتفظين بأديانهم دفعها، فأصبحت أكثرية الشعب الكوردي مسلمين.

رغم القتل ودفع الجزية والإضطهاد الديني الذي تعرض له الشعب الكوردي، إلا أن نسبة معتنقي فروع الديانة اليزدانية [الإيزدية والهلاوية (العلوية) واليارسانية والدروزية والشبكية والزردشتية] تٌقدّر اليوم بِحوالي 30% من مجموع نفوس الشعب الكوردي المُقدّرة بِحوالي 50 مليون نسمة. هذا يعني أن حوالي 70% (35 مليون نسمة) من الشعب الكوردي منسلخون من دينهم والآن هم مسلمون. رغم المذابح والمآسي التي تعرض لها معتنقو هذه الأديان، تحتفظ هذه النسبة العالية من الكورد بأديانهم الأصلية ولم تنقرض هذه الأديان، بل أنها في عهد نهضتها الآن وأتوقع عودة الملايين من الشعب الكوردي الى أحضان دياناتهم الأصيلة من جديد بمرور الوقت بفضل زيادة الوعي الوطني والقومي للشعب الكوردي ومعرفتهم لِقيمة وأهمية اللغة و الثقافة الكوردية والتراث والتاريخ الكوردي، حيث أن هذه الأديان تُشكّل جزءاً مهماً من الثقافة الكوردية و التراث والتاريخ الكوردي، كما أن كتبها مكتوبة باللغة الكوردية التي هي ثروة أدبية وشعرية كوردية ضخمة وثمينة، لا يمكن الإستغناء عنها والتي ساهمت عبر التاريخ في الحفاظ على اللغة الكوردية وتطويرها.

ديمومة وإستمرارية هذه الأديان تعود الى 5 أسباب رئيسية وهي:

1. أصالة الديانة اليزدانية بمختلف فروعها وتجذّرها في نفوس الشعب الكوردي منذ آلاف السنين وسلمية وتسامح هذه الديانة وعدم تبشيريتها، كلها عوامل إيجابية هامة ساهمت في تمسك معتنقيها بها والتضحية في سبيلها.

2. إقتباس فروع الديانة اليزدانية بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها، هي من العوامل المهمة التي ساهمت في حماية معتنقيها من القتل والإضطهاد والحفاظ على هذه الفروع الدينية وبقائها وديمومتها. على سبيل المثال، في الديانة اليارسانية والهلاوية أصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة و في الديانة الإيزدية تمت تسمية الملاك (ميكائيل) بإسم (الشيخ أبو بكر) وتمّ تعريب الإسم الكوردي (آدي) الذي هو إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الهوريين الى (عَدي) (جرنوت فيلهلم. الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، 2000، صفحة 100).

3. قيام معتنقو هذه الأديان بممارسة طقوسهم الدينية بشكل سرّي تفادياّ للتعرض للقتل والعنف والإهانة. بمرور الزمن وتواصل أجيال أصحاب هذه الديانات، أصبحت السرّية وإخفاء أسرار هذه الأديان من الواجبات الدينية، حيث يظن معتنقو هذه الأديان في الوقت الحاضر بأنّ الحفاظ على أسرار هذه الأديان هي من الفرائض الدينية التي يجب التقيّد بها. من خلال الإنكفاء والإنزواء والعزلة والإبتعاد عن عرض الطقوس والمناسبات والإحتفالات الدينية وإخفائها والتستر عليها، نجح أصحاب الديانات الكوردية في التخفيف عن التهديدات والضغوطات الإسلامية عليهم وذلك بعدم "تحدّيهم" للمسلمين والإبتعاد عن الظهور العلني. هذا العمل ساهم أيضاً في إستمرارية هذه الأديان وحماية حياة معتنقيها.

4. إدّعاء قسم من أصحاب هذه الديانات بأنهم مسلمون، كما هو الحال بالإدعاء بأن نسب الإيزديين يعود لِيزيد بن أبي سفيان وأن الهلاويين واليارسانيين والدروز والشبك هم من  الفرق الشيعية.

5. التضاريس الجبلية الوعرة لكوردستان كانت ملاذاً آمناً لأصحاب الديانات الكوردية الأصيلة، حيث إستطاعوا الدفاع عن أنفسهم. كان البدو العرب يلاقون صعوبة كبيرة في الوصول الى مثل هذه المناطق الجبلية العالية الباردة، حيث أنهم متعودون على العيش في بيئة صحراوية حارة.


32
أبو مسلم الخراساني و صلاح الدين الأيوبي في خدمة الإحتلال العربي - الإسلامي

د. مهدي كاكه يي

ساهم الكورد بشكل كبير في الحفاظ على الدين الإسلامي وخدموه وبهذا الإخلاص والخدمة أضاعوا وطنهم وكرّسوا الإحتلال الإستيطاني لبلادهم وجعلوا أنفسهم عبيداً للأجانب. نأخذ هنا كلاً من القائدَين الكوردييَن (أبو مسلم الخراساني) و (صلاح الدين الأيوبي) كمثالَين بارزَين لِدور الكورد في الحفاظ على الدين الإسلامي ودعم الحُكام الإسلاميين في الإحتفاظ بِكراسيهم وسلطتهم. لقد تمّ إستغلال هذَين القائدَين الكوردييَن من أجل بقاء الدين الإسلامي وترسيخ وإدامة إحتلال على كوردستان وإذلال شعبها ونهب ثرواتها.

كان أبو مسلم الخراساني قائداً كوردياً عظيماً ومحنكاً، حيث يقول الخليفة العباسي (المأمون) الذي هو سابع خلفاء بني العباس وإبن هارون الرشيد: أجل ملوك الأرض ثلاثة، الذين قاموا بنقل الدول، وهم : الإسكندر، وأردشير، وأبو مسلم. قام أبو مسلم الخراساني بإسقاط الدولة الأموية و تسليم الحكم الى العباسيين، حيث تمّ تأسيس الدولة العباسية على أنقاض الدولة الأموية.
 
بدلاً من تكريم أبي مسلم الخراساني على إسقاطه الدولة الأموية وتسليم الحكم للعباسيين، تآمر عليه الخليفة العباسي الثاني، أبو جعفر المنصور، فقتله. هجا الشاعر أبو قتادة، أبا مسلم الخراساني بعد مقتله قائلا :

أبا مجرمٍ ما غيّر الله نعمتهُ على عبدٍ حتى يُغيّره العبدُ
ففي دولة المهدي أردتَ غدرها  إلا أنّ أهل الغدرِ من آبائِك الكورد

لولا إعتناقه الدين الإسلامي، لَربما كان أبو مسلم الخراساني يقوم بتأسيس دولة كوردية على أنقاض الدولة الأموية بدلاً من الدولة العباسية ولًكانت الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط مختلفة عما نراها اليوم، أو على أقل تقدير، كان أبو مسلم يؤسس مملكة خاصة به في منطقة خراسان.

صلاح الدين الأيوبي معروف في التاريخ عن دوره البارز في الحفاظ على الدين الإسلامي والدولة الإسلامية. لولا صلاح الدين الأيوبي لربما كان الدين الإسلامي اليوم لا وجود له على كوكبنا الأرضي، أو في أحسن الأحوال لَكان اليوم عبارة عن دين يعتنقه عدد محدود من الناس و لَكان العرب اليوم عبارة عن شعب صغير معزول، يعيش في شبه الجزيرة العربية. هذا يعني بأنه لولا صلاح الدين الأيوبي لّكانت خارطة الشرق الأوسط السياسية مختلفة تماماً عما نراها اليوم و لَإزدهرت و إنتشرت الأديان الأصيلة في المنطقة و بذلك كانت الشعوب غير العربية في المنطقة تحتفظ بأوطانها و هوياتها و ثقافاتها و لغاتها و معتقداتها و أديانها و تمارس طقوسها و شعائرها الدينية بِحُرّية. بدون صلاح الدين الأيوبي لَكان أحفاده اليوم لهم دولتهم المستقلة و كانوا لا يتعرضون الى الإبادة الجماعية و الأنفالات و التعريب و التتريك و التفريس و لا يكونون أهدافاً للأسلحة الكيميائية.

وضع صلاح الدين الأيوبي نفسه في خدمة العرب، فحارب الأورو پيين، دفاعاً عن الدولة العباسية، و قام بإجبار سكان مصر و دول شمال أفريقيا الحالية على التخلّي عن المذهب الشيعي و إعتناق المذهب السُنّي تحت تهديد السلاح و العنف، بدلاً من  القيام بِتحرير وطنه، كوردستان وتأسيس دولة كوردستان. هكذا قام بِتكريس الإحتلال العربي لِكوردستان. لولا حروب صلاح الدين الأيوبي ضد الصليبيين، لَكان اليوم الكثير من سكان منطقة الشرق الأوسط يُدينون بالديانة المسيحية ولَكانت منطقة الشرق الأوسط الآن تُشكّل جزءً من العالم الغربي المتحضر ولَتفادت شعوب المنطقة الحروب والدمار والإبادات الجماعية وحملات الأنفال ولَكانت بلدان الشرق الأوسط الآن من المرجح أن تكون أكثر تقدماً وتحضراً من البلدان الغربية التي نراها اليوم، حيث تتمتع شعوب منطقة الشرق الأوسط بنعمة الشمس المستديمة التي هي مصدر إدامة الحياة وبوفرة المياه فيها ولِكون بواطن أرضها تزخر بالبترول والمعادن التي هي عصب الحياة. فى مثل هذه الظروف، لَكان الشعب الكوردي له اليوم دولته المستقلة على الأرجح ولكانت بغداد والبصرة والموصل وهمدان وحلب وغيرها من المدن التاريخية الكوردستانية الآن جزءً من كوردستان ولَحافظ كورد وسط و جنوب العراق والكورد الذين تمّ تفريسهم وتتريكهم، على قوميتهم الكوردية وَلَكان الشعب الكوردي ينجو من التعريب والتفريس والتتريك والقتل والتشريد و الإذلال ولَكانت كوردستان تنجو من الدمار والخراب.

لِنإخذ إسپانيا التي رزحت تحت الإحتلال العربي – الإسلامي ردحاً من الزمن وثم تحررت، كمثال على مصداقية ما أقوله. لو بقيت إسبانيا تحت الإحتلال العربي - الإسلامي الى الوقت الحاضر، لَكانت اليوم دولة متأخرة فقيرة، ذات نظام شمولي متخلف كَجاراتها المغرب وتونس والجزائر وليبيا، بينما نراها لِنإخذ إسپانيا اليوم دولة متقدمة ذات نظام ديمقراطي، يتمتع شعبها بالحرية والكرامة والرفاهية، بعكس دول الشرق الأوسط التي بقيت تحت الحكم العربي - الإسلامي.

هكذا تم ويتم إستغلال الدين الإسلامي من قِبل مُغتصِبي كوردستان، منذ ظهور هذا الدين مروراً بالأمويين والعباسيين والعثمانيين والصفويين وإنتهاءً بالمحتلين الإسلاميين من أمثال أردوغان والإخوان المسلمين والإسلاميين الشيعة. من هنا نرى أن المسلمين مُدينون للأمة الكوردية وكان من المفترض أن يدافعوا عن هذا الشعب العريق المظلوم والمضطهَد، الذي يتعرض وجوده ولغته وثقافته الى الإلغاء ويتعرض تاريخه الى التشويه والتزوير والسرقة، إلا أن غالبيتهم المطلقة تقف ضد تطلعات الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال.




33
هل إعتنق الكورد الدين الإسلامي طواعيةً أم عن طريق العنف والإرهاب والقتل؟

د. مهدي كاكه يي

هناك مَن يدّعي بأن الشعب الكوردي إعتنق الدين الإسلامي طواعيةً. هنا نتحدث عن المجازر التي تعرض لها الشعب الكوردي خلال الغزو العربي – الإسلامي لِكوردستان. خلال غزو وإحتلال كوردستان في عهد عمر بن الخطاب، تمّ قتل عشرات الآلاف من الكورد وسبي آلاف النساء الكورديات، على سبيل المثال، في مدينة جلولاء وحدها تمّ قتل أكثر من 15000 (15 ألف) من المواطنين الكورد وسبي آلاف النساء الكورديات وتوزيعهن على المقاتلين العرب وإرسال قسم منهن (الخُمس) الى الحجاز وتوزيعن على كبار المسئولين الإسلاميين.

أقتطف هذه الفقرة عن المجزرة التي تم إرتكابها خلال إحتلال المسلمين العرب لمدينة جلولاء:
(اتجه المسلمون بعد فتح جلولاء إلى خانقين مباشرة بقيادة سيدنا القعقاع بن عمرو التميمي، وسيطر المسلمون على المنطقة وأخذوا ما فيها من الغنائم ومن السبي ومن الذراري، وقُتِلَ في خانقين مهران الرازي قائد الجيش الفارسي في جلولاء الذي هرب من القادسية، ثم من المدائن، ثم من جلولاء، استطاع القعقاع بن عمرو التميمي أن يقتله في خانقين.
وكانت غنائم جلولاء وسبيها من الكثرة حتى إنها وُزِّعَتْ على جيش المسلمين في جلولاء، فكان نصيب الواحد منهم كنصيب أحدهم في المدائن، وقيل: إن الفارس أخذ في هذه المعركة تسعة آلاف درهم، وتسعة من الدواب، وأُرْسِلَ الخُمْسُ إلى سيدنا عمر بن الخطاب في المدينة مع سيدنا زياد بن أبي سفيان الذي كان كاتب الحملة، أرسله سيدنا هاشم بن عتبة بن أبي وقاص إلى سيدنا عمر في المدينة.

لما قدم زياد بن أبي سفيان المدينة، سأل عمر زياد بن أبي سفيان عن كيفية الوقعة، فذكرها له، وكان زياد فصيحاً، فأعجب إيراده لها عمر بن الخطاب  ، وأحب أن يَسْمع المسلمون منه ذلك، فقال له: أتستطيع أن تخطب الناس بما أخبرتني به؟ قال: نعم يا أمير المؤمنين، إنه ليس أحد على وجه الأرض أهيب عندي منك، فكيف لا أقوى على هذا مع غيرك؟ فقام في الناس فَقَصَّ عليهم خبر الوقعة، وكم قتلوا، وكم غنموا بعبارة عظيمة بليغة، فقال عمر: إن هذا لهو الخطيب المِصْقع. يعني الفصيح، فقال زياد: إن جندنا أطلقوا بالفعال لساننا.

فلما قدمت غنائم جلولاء على عمر قال: والله لا يُجنُّه سقف حتى أقسمه. فبات عبد الرحمن بن عوف وعبد الله بن الأرقم يحرسانه في المسجد، فلما أصبح، جاء في الناس فكشف عنه، فلما نظر إلى ياقوته وزبرجده وجوهره بكى، فقال له عبد الرحمن بن عوف: ما يبكيك يا أمير المؤمنين؟ فوالله إن هذا لموْطِنُ شكرٍ. فقال عمر: والله ما ذلك يبكيني، إن هذا الأمر لهو أشد ما أخاف على المسلمين، وبالله ما أَعطَى الله هذا قومًا إلا تحاسدوا وتباغضوا، ولا تحاسدوا إلا ألقى الله بأسهم بينهم، وضاعت هيبتهم.

ووزع سيدنا عمر بن الخطاب سبي جلولاء وكان كثيراُ؛ فكان المسلم ينال أكثر من واحدة من السبي، وكان سيدنا عمر بن الخطاب يخاف على المسلمين من هذا السبي أن يقعدوهم عن الجهاد في سبيل الله، وكان دائم الاستعاذة من سبي جلولاء لكثرته). (إنتهى الإقتباس)

هذه فقرة أخرى عن إحتلال الموصل وشهرزور:

(مؤرخو المسلمين، الكورد في مؤلفاتهم في صدر الإسلام. مثل (أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري) المتوفى في بغداد سنة (892) ميلادية. الذي في كتابه الشهير (فتوح البلدان) عن (فتح) (الموصل) واستيطان العرب فيها يقول: ولى (عمر بن الخطاب) (عتبة بن فرقد السلمي) (الموصل) سنة عشرين، فقاتله أهل (نينوى) ، فأخذ حصنها وهو الشرقي عنوةً، وعبر (دجلة) فصالحه أهل الحصن الآخر على الجزية. ثم فتح (المرج) وقراه، وأرض (باهذرة) ،و(باعذرى)،و(الحنانة)، و(المعلة)، و(دامير)، وجميع معاقل الأكراد. ويقول البلاذري أيضاً في ذات المصدر "عن (العباس بن هشام الكلبي)،عن أبيه، عن جده قال: أول من اختط (الموصل) وأسكنها العرب ومصرها (هرثمة بن عرفجة البارقي)" وهرثمة هذا كان قائداً للجيش العربي الإسلامي الذي غزا الموصل. ويضيف البلاذري في مكان آخر في كتابه آنف الذكر: (حدثني (أبو رجاء الحلواني)، عن (أبيه)،عن (مشايخ) شهرزور، قالوا :(شهرزور) و (الصامغان) و (دراباد) من فتوح (عتبة بن فرقد السلمي). فتحها وقاتل الأكراد فقتل منهم خلقاً).

للحصول على مزيد من المعلومات، يمكن مراجعة كتاب (فتوح البلدان لمؤلفه أبو العباس أحمد بن يحيى بن جابر البلاذري).

ما هو تعريف الإحتلال؟ ما تسمى ب"الفتوحات الإسلامية" هي إحتلال إستيطاني، حيث إستغل العرب الدين الإسلامي لإغتصاب أوطان الشعوب الأخرى ونهب ثرواتها وفرض لغتها وثقافتها البدائية المتخلفة على الشعوب الأخرى وإلغاء هويات ولغات وثقافات هذه الشعوب وإلغاء وتحريف وتشويه تاريخها وسبي نسائها. ها نرى اليوم تُسمى هذه الدول المُغتصَبة ب"الدول العربية" وشعوبها ب"الشعوب العربية" وأن هذه الشعوب تجهل لغاتها وتاريخها وإنسلخت عن هوياتها وشخصياتها. ما تُسمى ب"الفتوحات الإسلامية" هي أبشع وأسوء نوع من الإحتلال الذي شهده التاريخ البشري. من الشعوب التي تمّ إغتصاب أوطانها من قِبل العرب بإسم الإسلام هي الشعب الكوردي والأمازيغي والقبطي والنوبي والبلوشي وغيره. تمكّن العرب من خلال إستغلال الدين الإسلامي، أن يقوموا بإسقاط الدولة الساسانية الكوردية ويغتصبوا كوردستان. لِنسأل أنفسنا ونحن الكورد نتخاطب مع البعض باللغة العربية (لغة غزاة ومحتلي كوردستان)، لماذا لا نتخاطب بِلغتنا الكوردية الجميلة مع البعض؟! هذه هي إحدى الكوارث الكبرى للإحتلال الإستيطاني الإسلامي – العربي الذي منعنا من تعلّم لغتنا التي وهبها لنا الخالق وفرض العرب علينا لغتهم.

موطن العرب هو اليمن والجزيرة العربية فقط. شعوب سوريا ومصر والعراق ولبنان والسودان وشمال أفريقيا كلها شعوب مستعرَبة وليست عربية، على سبيل المثال، الرئيس الجزائري الحالي عبد العزيز بوتفليقة هو أمازيغي مُستعرَب والآن أصبح عروبياً نتيجة إحتلال بلاد الأمازيغ ومسخ هوية وثقافة الشعب الأمازيغي. من المُعيب جداً للمواطن الكوردي أن يدافع عن محتلي بلاده الذين منعوه من تعلّم لغته وألغوا هوية شعبه الكوردي وثقافته وتاريخه وتراثه ولغته.

يمكن الحصول على المزيد من المعلومات حول الموضوع من خلال الرابط التالي:
 
الفتح الإسلامي لفارس

34
إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الخامس) (القسم الأخير)

د. مهدي كاكه يي

صفات وخصال البابانيين

إن أبناء هذه الأسرة شأنهم في ذلك شأن أبناء الشعب الكوردي، كانوا يتسمون ببعض الصفات المتميزة، مثل الشجاعة والبسالة والإستقامة والإخلاص وعزة النفس والكبرياء المفرطة لدرجة الغرور والغطرسة في بعض الأحيان.

كما أن البابانيين كانوا مولعين بالفروسية وإستعمال السلاح. كانوا من هواة الرياضة، مثل المصارعة وغيرها والتي كانوا يمارسونها في الزورخانة و في الملاعب. كانت
للمرأة منزلة عالية عند البابانيين، حيث كانوا يحترمون المرأة وأن ظاهرة تعدد الزوجات كانت معدومة في مجتمعهم وهذا يعود على الأرجح الى خلفيتهم الدينية اليارسانية، حيث أن هذا الدين يمنع الزواج من أكثر من إمرأة واحدة، لذلك برزت نساء من الأسرة البابانية اللواتي لعبن دوراً كبيراً في الحياة السياسية والإجتماعية.

التجارة والزراعة والصناعة
أصبحت مدينة السليمانية في أوائل القرن التاسع عشر مركزاً تجارياً مهماً لوقوعها في طريق تجارة الحرير، حيث كانت لها علاقات تجارية مع كل من بغداد وكركوك والموصل وسنه وهمدان وتبريز وأرضروم ومصر. كانت إمارة بابان تُصدّر الحنطة، التبغ، الجبن، السمّاق، الصابون، العسل، العفص، الفواكه، الرز، الجوز، الحرير الطبيعي والأغنام، بينما كانت تستورد التمر، القهوة، الأقمشة، البضائع الهندية، الأحذية، الجلود، المصنوعات اليدوية، النحاس والحديد. كانت بغداد تستورد الخشب من الإمارة عن طريق نهر (سيروان).  كانت الصناعات اليدوية متطورة في الإمارة و كذلك صناعة مواد البناء والأسلحة. كان البابانيون يصنعون المدافع والسيوف والخناجر و مستلزمات عسكرية أخرى بمساعدة خبراء روس 1، 2.

الأدب والشعر والفن والطب
كان الأدباء والشعراء والأطباء الشعبيون والفنانون موضع رعاية وإهتمام االحكام البابانيين، فكانوا يساعدونهم مادياً ويشجعونهم، ونتيجة لهذه الرعاية والإهتمام، برز شعراء كبار في عهد الحكم الباباني، أمثال (ملا خضر نالي) و(قادر كويي) و(شيخ رەزا تالباني) و(مصطفى بگ كوردي).


المصادر


1. جمال بابان (1993). بابان في التاريخ ومشاهير البابانيين.

2. حسين ناظم بك (2001). تأريخ الإمارة البابانية.
هناء حنين منكلو

35
إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الرابع)
د. مهدي كاكه يي

أسباب سقوط إمارة بابان

إن السبب الرئيس لسقوط إمارة بابان و الإمارات الكوردية الأخرى، هو عقد معاهدة أرضروم بين الدولة الصفوية والدولة العثمانية. بعد إبرام الإتفاقية المذكورة، أوعزت السلطات العثمانية إلى والي بغداد رشيد پاشا الملقب ب(كويزلكي) الذي يعني (صاحب النظارات) باللغة التركية، بإبعاد الأمير الباباني (أحمد پاشا) إلى الإستانة ونفي جميع أفراد الأسرة  البابانية الحاكمة الى المناطق التركية من الإمبراطورية العثمانية للحيلولة دون محاولتهم إستعادة حكمهم وسلطتهم من جديد وبالتالي إحياء إمارة بابان.

أما العوامل الأخرى التي لعبت دوراً مهماً في انهيار هذه الأمارة فتتمثل بالصراعات الداخلية بين الأمراء البابانيين، وكذلك ظهور عوائل وعشائر قوية أخذت تنافس الأسرة البابانية في السلطة. كما أن القوى الخارجية المتمثلة بالفرس والأتراك كان لها دور في إضعاف نفوذ إمارة بابان وساهم بشكل كبير في سقوطها، حيث تمكن العثمانيون من إستقطاب عشائر كوردية كبيرة من خلال إستغلال الدين الإسلامي بالإدّعاء بأنّ الأتراك هم خلفاء المسلمين وظل الله في الأرض، ولذلك يجب أن تتمّ إطاعتهم، حيث أن أيّة معارضة لهم تعني عدم إطاعة الله ومخالفة الشريعة الإسلامية. لهذا السبب إصطفّ معظم رجال الدين الكورد الى جانب الدولة العثمانية ومقابل ذلك منحت الحكومة العثمانية  الشيوخ والإقطاعيين المؤيديين لهم والمتحالفين معهم بعض الإمتيازات التي ساهمت في كسب نفوذهم الى جانب العثمانيين. كما أنّ لغة الترهيب التي إستخدمتها الدولة العثمانية ضد بعض العشائر الكوردية، ساهمت أيضاً في إضطرار قسمٍ من هذه العشائر الى تأييد ودعم الحكومة العثمانية. هكذا تحالفت عشائر كوردية كبيرة مع العثمانيين، مثل عشيرة الجاف والبلباس وكان لهذا التحالف دوراً كبيراً في إسقاط إمارة بابان.

من الأسباب الأخرى لسقوط الإمارة، هو قيام بعض الأمراء البابانيين بإنشاء جيش عصري كبير، يمتلك أسلحة متطورة قياساً بذاك الوقت، واستعانتهم بِخبراء أجانب من الروس والفرنسيين لتنظيم هذا الجيش وتدريب أفراده، وإنشاء معامل لصنع الأسلحة والمعدات والذخيرة الحربية. هذه التطورات العسكرية أقلقت الحكومة العثمانية وولاة بغداد، ولذلك قرروا إلغاء الإمارة. كما أن الأزمة الإقتصادية التي كانت الإمارة تعاني منها والمتسببة من الأوضاع السياسية غير المستقرة فيها، كانت عاملاً آخراً، ساهم في إنهيار إمارة بابان  وسقوطها.
 
هكذا سقطت الإمارة البابانية التي حكمت شرق كوردستان لمدة تبلغ 194 سنة (1202- 1396 م) وحكمت جنوب كوردستان بصورة متقطعة لمدة 300 سنة (1550-1850م).

مراكز إمارة بابان1، 2
إنتقلت مراكز إمارة بابان قبل إستقرارها في مدينة السليمانية الى أماكن عديدة، وكانت أهم هذه المراكز هي:

مدينة مريوان: تمّ إتخاذ هذه المدينة مركزاً لإمارة بابان في الفترة الممتدة بين سنة 1202م و 1396م، وذلك في عهد الأمير حمزة پاشا بابان والأمراء الذين حكموا بعده.

مدينة درياس: خلال حكم الأمير سيف الدين موكري.

مدينة أورميه: أثناء حكم الأمير صارم سيف الدين موكري.

مدينة سابلاخ (مهاباد): أيام حكم الأمير بوداق بن شير بگ.

مەرگه: كانت مركز إمارة بابان حوالي سنة 1596 م. في الوقت الحاضر وهي قرية كبيرة تابعة لمحافظة السليمانية.

دارەشمانه: كانت مركز الإمارة في عهد الأمير (فقي أحمد)، مؤسس الأسرة البابانية الأخيرة. إستمر فيها الحكم الباباني الى سنة 1608 م. الآن هي عبارة عن قلعة كبيرة في مدينة (قلادزه).

ماوەت: كانت مركزاً للإمارة من سنة 1608م الى 1619م. في الوقت الحاضر هي مركز لناحية تابعة لِ(شارباژير) في محافظة السليمانية.

قەلاى بكراو: إستمر فيها الحكم كمركز للإمارة الى سنة 1627م.

قەلا چواڵان: إتُخذت مركزاً للإمارة في فترة حكم محمود پاشا وذلك خلال الفترة الممتدة بين سنة 1669 - 1784 ميلادية.

مدينة سنه (سنندج): تقع في إقليم شرق كوردستان. كانت مركز حكم الإمارة في سنة  1719 - 1730 م خلال حكم كل من سليمان پاشا ببه ومحمد پاشا وغيرهما.

السليمانية: مركز الإمارة خلال سنة 1847- 1850 م، حيث أنها أصبحت  عاصمة للإمارة بعد بنائها وحتى سقوط إمارة بابان.

نظراً لضيق مدينة (قەڵا چواڵان) التي كانت عاصمة إمارة بابان قبل إنتقالها الى مدينة السليمانية، و لموقعها المنزوي خلف جبل (گوێژە) )، ولقربها من الحدود الإيرانية وتعرضها لهجماتها المستمرة، قام إبراهيم پاشا بابان بإنشاء مدينة السليمانية التي تم إكمال بنائها في سنة 1784 ميلادية و أصبحت عاصمة الإمارة البابانية. إستناداً الى دراسة مستر ريچ3، كان عدد سكان مدينة السليمانية في سنة 1920 ميلادية حوالي 15000 نسمة، منهم 800 يهودي، و100 مسيحي. كان عدد بيوت السليمانية في ذلك الوقت 2144 بيتاً، بضمنها 130 بيتاً يهودياً و9 بيوت كلدانية و5 بيوت للأرمن وكنيسة خاصة بالمسيحيين. كما أنه آنذاك كانت في مدينة السليمانية 5 خانات و5 حمّامات و5 مساجد وحمّام خاص للحاكم، الى جانب عدد من المباني الخاصة بِدار إمارة بابان نفسها. قام البابانيون بِبناء المدارس في كوردستان، كما أنهم بنوا المكتبات في مناطق عديدة من الإمارة، من ضمنها في (قەڵا چواڵان).


1. جمال بابان (1993). بابان في التاريخ ومشاهير البابانيين.

2. حسين ناظم بك (2001). تأريخ الإمارة البابانية.

3. كلوديوس جيم ريچ (2008). رحلة ريج؛ المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان- إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات.



36
إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الثالث)

د. مهدي كاكه يي

كان يُستعمل إسم (بابان) في القرن االسادس عشر الميلادي كإسم للعشائر الساكنة في المنطقة المحصورة بين نهر الزاب الصغير ونهر سيروان وتمّ ذكر بعض الأماكن ضمن هذه  المنطقة، مثل پشدر ومرگه وسورداش وسرچنار وشارباژێر وشارَزور وقرَداخ1.

تأريخ إمارة  بابان منذ نشأتها الى إختفاائها ليس تأريخاً مسجلاً بالتعاقب1. كما أن سلسلة الأسرة الحاكمة لِإمارة بابان، تمّ تغييرها وتحديثها لمرات عديدة بسبب إنعدام الخلف للحكام وبسبب قتلهم2. كانت إمارة بابان كبيرة قبل أن يصبح (سليمان پاشا الكبير) والياً على بغداد، حيث كانت تمتد حتى زنكباد ومندلي وكانت أربيل وآلتون كو پري تحت حكمها، حيث كانت حدود إمارة بابان تبدأ من كركوك غرباً الى قصرشيرين شرقاً وحتى مناطق خانقين ومندلي وبدرة وجصان جنوباً و أربيل ومناطق الزاب الأسفل شمالاً.

الحدود الجغرافية لإمارة بابان، كما يذكرها مستر(ريچ)، وكما ينقل عنه العلامة محمد أمين زكي في كتابه (تاريخ السليمانية وأنحائها) تبدأ من حدود بغداد وشملت كلاً من الداوودة، كفري، دلو، زنگنه، كوم، زندآباد، شيخان، نوره، چمچمال، چياسور، كوجماله، شوان، جبوق قلا، عسكر، قلاسيوكه، كردخير، بازيان وأنحاء قره داخ والذي يشمل باني خيلان، سرچنار، سورداش، مرگه، پشدر، گلاله، شنيك، ماوەت، آلان، سيوەيل، سرآو، ميرآو، بالخ، كابيلون، بازار، بركيو، سروجك، گولعنبر، حلبجه، شميران، قزلجة، ترتول، قرە حسن، ليلان)1.

المرحلة الثانية  من حكم إمارة بابان
 تبدأ هذه المرحلة إعتباراً من سنة 1650 ميلادية عندما قام فقي أحمد بِتأسيس الأسرة البابانية الحاكمة، والذي كان من سكان (دارشمانه) ومن عشيرة نورالديني في منطقة پشدر (منطقة قَلادزه الحالية)3.

بدأ الكورد نشاطهم السياسي في مطلع القرن التاسع عشر من خلال الحركة التي قام بها عبد الرحمن باشا بابان، حيث  أنه في سنة 1803 ميلادية، أصبح عبد الرحمن پاشا أميراً على إمارة بابان وأخذ يقوم بِتقوية سلطته وتوسيع إمارته4.

رغم معارضة والي بغداد (علي پاشا) لِحكم عبد الرحمن پاشا، إلا أنه إستطاع خلال فترة قصيرة من ترسيخ دعائم حُكمه، مستغلاً العلاقات المتأزمة التي كانت قاائمة بين الإمبراطورية العثمانية وإيران، حيث أخذ يحاول إيجاد حلفاء خارجيين له، فإتّصل بِحُكّام الإمارات الكوردية المجاورة و بِحاكم كرماشان، محمد علي ميرزا5.

في سنة 1806 ميلادية، تحالفَ الأمير الباباني عبدالرحمن پاشا مع حاكم كرماشان، محمد علي ميرزا الذي أعلن الحرب ضد والي بغداد، علي پاشا، فإنضّم هو وقواته إلى جيش حاكم كرماشان. خلال الفترة التي  تلت هذا التحالف، أصبحت إمارة بابان تتعرض لتدخلات في شئونها الداخلية من قِبل كلِ من والي بغداد ونائب شاه إيران. بالرغم من الخلافات التي حدثت في بعض الأحيان بين الأمير عبدالرحمن پاشا مع كلِ من والي بغداد الجديد، عبدالله پاشا وحاكم كرماشان، إلا أن الأمير الباباني إستطاع بِحكمته أن يقوم بِتعزيز سلطته وتوسيع نطاق نفوذه في المنطقة. في سنة 1812 ميلادية، حدث قتال عنيف في مدينة كفري بين القوات البابانية وقوات والي بغداد، داود پاشا ومُنيت القوات البابانية بِهزيمة كبرى ومن جرّاء هذه الهزيمة تعرّض سكان منطقة (شارزور) لِمآىسٍ وويلات كبيرة. إضطر الأمير عبد الرحمن پاشا أن يلجأ الى إيران ويطلب الحماية من حكومتها، حيث إستجابت الحكومة الإيرانية لِطلبه وقامت بِشنّ غارات على المناطق العثمانية الحدودية المتاخمة لإيران6.

توفي الأمير عبدالرحمن پاشا في سنة 1813 ميلادية وإستلم سليمان پاشا حُكم إمارة بابان7. في سنة 1838 ميلادية توفى الأمير سليمان پاشا وخلّفه في الحُكم إبنه احمد پاشا الذي قام بِتقوية الإمارة، حيث قام بتأسيس جيش منظم ومسلًح بأسلحة حديثة ليكون قادراً على حماية إمارته من النفوذ الأجنبي وأن تستقل إمارة بابان وتُنهي سيطرة ولاة بغداد عليها. كاد الأمير الباباني أن يحقق هدفه في الإستقلال، إلا أن تدخّل بلاد فارس ودعمها لِعلي بن محمد بن عبدالرحمن بابان الذي إعتنق المذهب الشيعي والذي كان يدّعي أحقيته في الجلوس على عرش الإمارة، حال دون ذلك، حيث أن الأمير أحمد پاشا ترك الحُكم لمدة سنة واحدة (1841 – 1842م)، وتولى الحُكم عمّه محمود پاشا بِمساعدة القوات الفارسية. بعد مرور حوالى سنة واحدة، إستطاع الأمير أحمد پاشا طرد عمّه محمود پاشا عن طريق القوة العسكرية وإستعاد حُكمه من جديد في سنة 1842 ميلادية7.

تشير بعض النصوص الأدبية إلى إن الإمارة كانت في فترة من الفترات مستقلة تماماً عن النفوذَين الفارسي والعثماني إستناداً إلى قصيدة مشهورة للشاعر الكوردي المعروف شيخ رضا طالباني (1835 - 1909)8 المشهور بإسم (شێخ رەزاى تاڵەبانى). هنا نقتطف من قصيدته المذكورة المقطع التالي:

له بيـــــرم دێ سوله‌يمانی كه  دارولمولكی بابان بوو
نه مه‌حكوومی عه‌جه‌م، نه سوخره‌كێشی ئالی عوسمان بوو
له‌به‌ر قاپی سه‌را سه‌فيان ده‌بةست شێخ و مه‌لا و زاهيد
مه‌تافی كه‌عبه بۆ ئه‌ربابی حاجه‌ت گردی سه‌يوان بوو
له‌به‌ر تابووري عه‌سكه‌ر ڕێ نه‌بوو بۆ مه‌جليسي پاشا
سه‌دای مۆزيقه‌وو نه‌قاره تا ئه‌يوانی كه‌يوان بوو
درێغ بؤ ئه‌و زه‌مانه، ئه‌و ده‌مه ، ئه‌و عه‌سره ، ئه‌و ڕۆژه
كه مه‌يدانی جريدبازی له ده‌وری كانی ئاسكان بوو

الترجمة العربية  للمقطع الشعري
أتذكر السليمانية عندما كانت بيتاً ومُلكاً لِلبابانيين
لم يكونوا تحت حُكم الفرس ولم يخدموا آل عثمان
كان الشيوخ والملالي والزاهدون يصطفون أمام باب الحكومة
كان تل سَيوان قِبلة أرباب الحاجات
بسبب طوابير العساكر، لم يكن هناك طريق سالك الى مجلس الپاشا
كان صدى الموسيقى والطبول يصل الى بهو كَيوان
أسفاً لذلك الزمان، لذلك الوقت، لذلك العصر ولذلك اليوم
الذي كان ميدان الألعاب حول نبع الغزلان

بناءً على أوامر السلطان العثماني عبد الحميد الثاني (1876 – 1909م)، قام والي بغداد، نجيب پاشا في سنة 1896 ميلادية بالهجوم على إمارة بابان والقضاء عليها وبذلك سقطت هذه الإمارة الكوردية وإختفت.

المصادر

1. كلوديوس جيم ريچ (2008). رحلة ريج؛ المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان- إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات.

2. نەوشیروان مستەفا (1998). میرایەتی بابان لە نێوان بەرداشی ڕۆم و عەجەمدا. چاپی دووەم، چاپەمەنی خاك، سلێمانی، لاپەڕە 36.

3. المصدر السابق، صفحة 45.

4. مەحەمەد حەمە باقی (2002). میرنشینی ئەردڵان، بابان، سۆران لە بەڵگەنامەی قاجاریدا 1799 – 1847 ز. چاپی یەكەم، چاپخانەی وەزارەتی پەروەردە، هەولێر، لاپەڕە 42-46.

5. المصدر السابق، صفحة 69.

6. المصدر السابق، صفحة 69-118.

7. عبد القادر رستم الباباني (1871). تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد. صفحة 151 (باللغة الفارسية).

8. شێخ محمدى خاڵ و ئومێد ئاشنا (2003). دیوانى شێخ رەزاى تاڵەبانى.

37
الدين اليزداني كان الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية

د. مهدي كاكه يي

تعقيباً على مقالي المعنون [إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الأول]، أثار الأستاذ (حاجي علو) مواضيعاً مهمة التي أغنت المقال. أشكر الأستاذ (حاجي علو) لمتابعته المستمرة لكتاباتي ولِإثرائه لها. نظراً لأهمية الموضوع، أنقل هنا نص تعقيبه وردّي على التعقيب.

التعقيب
مقالاتك مهمة جدّاً وقيمة وتنطق بالحقيقة فقط ، لكن دائماً أرى فيها بعض التناقض وشيء من التجاهل وذرّ ة من الإنكار شأن كثير من اليزيديين الذين يحومون حول الحقيقة وينكرونها عندما تتجلى لهم فمثلاً تتكلم عن 400 سنة ق ب ـ وهذا لاشك فيه مطلقاً فمذ نشوء الدولة الميدية وإلى نهاية الساسان كان الحكم فيدرالية الممالك شاهنشياً ولابد أن كانت في كردستان عدة عوائل ملكت ممالك مستقلة فيدرالية، واحدة منها مملكة الداسنيين التي ينحدر منها باشيخ الئيزديين الحالي الختاري , ثم تقول دينهم يارساني، هذا لم يكن قبل العصر العباسي الإسلامي، ،، اليارساني والشيعي والئيزدي والكاكئي .... كلهم دين واحد قبل الإسلام وهو الدين الزرادشتي المزداسني الذي نتسمى به حتى اليوم تعرض إلى السيف الإسلامي فانقرض الدين وأسلم الجميع إلاّ من كان نائياً بقي بشيء من دينه الذي تشوّه كثيراً ، وبعد إبادة الدولة الإسلامية على يد هولاكو إستقرّت الطوائف المختلفة في الأماكن المختلفة على ما وصلت إليه من التدهور، ومعظمها قبلت عليّاً بدرجات متفاوتة إلاّ اليزديون قبلوا سنيّاً وهو الشيخ عدي والأمر سيان، لا يوجد دين يزداني هي طوائف زرادشتية مختلفة وهي ديانات شمسانية.
 
ثم نأتي إلى أسرة بابان العريقة ، نحن في كردستان لم نجد أسرة عريقة واحدة لا تُنسب نفسها للعرب بصفة سادة أو أحفاد أحد من الصحابة أو إحدا العشار العربية القديمة مثل طي وبني مُضر فكيف شذّت هذه منها ؟ إسأل بنفسك وتأكد ، أنا أيضاً لا أشك في عراقة كردية الجميع لكن هم يُنسبون أنفسهم ويصرّون والإعتراف سيد الأدلة ، وهو كذب فرضه السيف في عصر الخوف والرعب واكتسبته الأجيال , هذا مرض سرطان في كردستان ، يُقاتل ويُناضل من أجل شيء لا يُؤمن به ، كلهم كانوا أبياراً بنسب راقي قبل الإسلام يتزعمون شعوبهم ، بعد الإسلام نسبوا أنفسهم إلى أصول إسلامية رفيعة ، حتى سادة الشيعة المستعربين وغير المستعربين نفس الشيء ، عشائر السادة نعيم والهاشميين والبدريين هم سنّة وهم أحفاد علي ، ثم لم يكن هناك مذهب ديني شيعي خاص بعلي وأولاده ........


الرد

المقال يتناول إمارة بابان ويشير الى أن اليارسانيين كانوا حُكّام هذه الإمارة وأنّ ظهورها قد يكون بدأ قبل سنة 400 قبل الميلاد. المقال لا يتطرق الى الأديان الكوردية القديمة ولا يقول بأن تاريخ ظهور هذه الأديان يعود الى عدة قرون قبل الميلاد ولا يذكر بأن اليارسانيين كانوا يحكمون جميع الممالك الكوردستانية، حيث أن التاريخ يذكر حكمهم لإمارة أردلان وبابان فقط.
 
الأديان الإيزدية والهلاوية واليارسانية (كاكەیی) والدروزية والشبكية والزردشتية كلها هي فروع للدين اليزداني. هذه الفروع لا تعود للدين الزردشتي، حيث أن الدين الزردشتي نفسه هو فرع من فروع الدين اليزداني كباقي الفروع الأخرى. عند ظهور الدين الإسلامي، كانت غالبية الشعب الكوردي تعتنق الدين اليزداني وأن إدخال بعض الشخصيات الإسلامية الى فروع الدين اليزداني كالإيزدية والهلاوية واليارسانية وغيرها، هو لِحماية أصحاب هذه الديانات من القتل والإضطهاد والإهانة وللحفاظ على هذه الأديان ولذلك نرى أن معتنقي هذه الأديان إضطروا أن يجعلوا معتقداتهم وطقوسهم وشعائرهم الدينية سرّية خوفاً من القتل والبطش والإرهاب وبمرور الزمن أصبح معتنقو هذه الأديان يظنون أن المحافظة على سرّية أديانهم هي من الفرائض الدينية، وإلا فأن الدين اليزداني هو إمتداد للمعتقدات السومرية وتتجلى فيه الديانة المثرائية التي كانت سائدة بين الزاگروسيين والآريين خلال فترة الحكم الهوري – الميتاني وما بعدها. تفادياً للإطالة أرفق في نهاية هذا الرد مقالاً قيّماً ووافياً للصديق الدكتور أحمد خليل حول هذا الموضوع. كما أنني في المستقبل القريب سأتحدث بالتفصيل عن الدين اليزداني خلال حديثي عن دين ومعتقدات الميديين ضمن حلقات سلسلة المقالات المعنونة (نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم).

في الحقيقة أن الأسَر الكوردية العريقة لم تدّعي أن نسبها يعود الى العرب، بل أن العنصريين العرب يُحرّفون تاريخ هذه الأُسر ويزوّرونه وينسبونه الى العرب. كما نرى بالنسبة للأسرة البابانية الحاكمة التي هي أسرة كوردية عريقة كان أفرادها يعتنقون الدين اليارساني.

نص مقال الدكتور أحمد خليل

المسألة الدينية في كُردستان والحقائق السبع

عمر تشابكات الدين والسياسة في كُردستان لا يقلّ عن 25 قرناً، وقد عبرتْ مع كل تعقيداتها من العصر القديم إلى العصر الوسيط، ووصلت إلى العصر الحديث وهي أكثر تعقيداً، وصارت في عهدنا هذا أكثر خطراً على الأمّة الكُردية وعلى مشروعها التحرّري. ولتوضيح ذلك نسرد بإيجاز الحقائق السبع التالية.
حقائق تاريخية:
الحقيقة (1): صراع الديانات هو، في العمق، صراعُ ثقافات وذهنيات وسياسات، وكذلك كان الصراع بين اليَزْدانية (الأَزْدائية الدين الوطني الميدي/الكُردي) والزَّرْدشتية السياسية (الدين الرسمي للدول الفارسية)؛ فالفرس- كبقية الأقوام الصحراوية المنشأ- كانوا عاجزين عن إبداع فكر حضاري متقدّم، لكن ماهرين في السطو على الثقافات الأخرى الأكثر تقدّماً، وتوظيفِها لخدمة مصالحهم التوسّعية، وقد سطوا على الزَّرْدشتية، وهي في الأصل جزء من الثقافة الميدية، ومن إبداعات الفكر الميدي، وسخّروها لمشروعهم الإمبراطوري، وهم منذ خمسة قرون يلعبون اللعبة ذاتها مع الإسلام الشيعي، وقد انتقلوا باللعبة الآن إلى مرحلة أكثر نشاطاً.
الحقيقة (2): رغم مشاريع القهر والصهر الماكرة المتوحّشة ضد اليَزْدانيين، لم تنجح الحكومات الفارسية إلا في زَرْدَشَة نسبة قليلة من الكُرد، وهم في الغالب كُرد المدن، والكُرد الذين ارتبطت مصالحهم بالدول الفارسية، وظلّ معظم الكُرد متمسّكين ببقايا اليَزْدانية (أَيزْدي، مَزْدَكي، يارساني/كاكائي، آلاوي/عَلَوي)، وصحيح أن هذه الفروع اليَزْدانية تعرّضت- كأيّ دِين آخر-  للانحرافات والخرافات، لكنها ظلّت محصّنة إلى حدّ كبير ضدّ الزوال، ولم تستطع الزَّردشتية السياسية افتراسَها وهضمَها بشكل كامل.
 
الحقيقة (3): في العهود الإسلامية، واجهت اليَزْدانية صراعاً على جبهتين:
- صراعُ ضدّ الزَّردشتية السياسية الفارسية الطابَع، فكثير من نُخَب الفُرس اعتنقوا الإسلام، واستمرّوا، تحت ستار الإسلام، في اضطهاد اليَزْدانيين وتبشيعهم، وهذا واضح في الروايات التي نَسبت الكُرد إلى الجِنّ الكفّار والإماء المنافقات، وواضح في ملحمة "شاهْنامَه" للفِرْدَوْسي، إذ حُوِّل الملك الميدي الأخير وحامي اليَزْدانية أَزْدَهاك إلى Ejdeha (تِنّين)، وواضحٌ أيضاً في تعاون كبار قادة الفُرس مع دولة الخلافة العبّاسية، للقضاء على ثورات الخُوراميين اليَزْدانيين في القرنين (2، 3هـ).

- صراعٌ  ضد الإسلام العقائدي والسياسي، ورغم افتقار اليَزْدانيين إلى مرجعية دينية وسياسية جامعة، فقد قاوموا الغزو الإسلامي، وسُمّوا "مشركين"1. ومنذ سنة (137 هـ/754 م)، ظهر قادة يَزْدانيون وطنيون، وقادوا ثورات ذات توجّه اجتماعي قومي ديني عُرفت بالثورات الخُرَّمِيّة (الخُورامية، نسبة إلى خُور/هُور = الشمس)، وسُمّوا (المُحَمَّرة) أيضاً، لأن شعارهم كان اللون الأحمر (لون النار، ظلّ باقياً عن كُرد آلاوي/عَلَوي الذين سمّاهم الترك: قِزِلْ باش= الرؤوس/العمائم الحُمر)، وكان أكبر تلك الثورات وأقواها وأطولها عمراً ثورة بابَك الخُورامي (باب، بابَك، مرتبة دينية يَزْدانية، ولعلّها من كلمة Bav أب الكُردية)، ودامت ثورة بابَك بين (201 -222 هـ/816 – 837 م) 2.

الحقيقة (4): ظلت فروع اليَزْدانية سائدة بين الكُرد إلى القرن (12 م)، فحتّى ذلك الوقت كانت دولة الخلافة قد ضعفت، وظهرت حكومات كُردية ذات حكم ذاتي، منها (رُوآدي في أَذَربَيْجان وجنوبي القوقاز، وبَرْزَيكاني في هَمَدان، وشَبانْكارَه في بلاد فارس، وشدّادِي في أرمينيا وأَرّان المقسَّمة بين أَذَرْبَيجان وأرمينيا وجورجيا، ودوسْتِكي في وسط وشمالي كُردستان). وفي القرن (5 هـ/11 م) حصل تحالف بين الخلافة العبّاسية والترك السلاجقة، فغزا السلاجقة غربي آسيا، وسيطروا عليها، وقضوا على الحكومات الكُردية، وخلخلوا المجتمع الكُردي ثقافياً وسياسياً واقتصادياً، وكان من الطبيعي أن تنتقل الخلخلة إلى المنظومة الدينية، وبدأت نسبة الأسلمة تزداد بين الكُرد3.

الحقيقة (5): مع نهاية القرن (15 م)، كانت فروع اليَزْدانية قد أُرهِقت، وبدأت تضعف، وذلك بسبب القهر الديني والتحوّلات الاجتماعية والاقتصادية الناجمة عن تدفّق البدو التورانيين (السلاجقة الغُز/أُوغوز، والخُوارِزميون، والمُغول). في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليَزْدانية (أَيزْدي، يارْساني(كاكه يي)، آلاوي/عَلَوي، الشَّبَك) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية إضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والظلم وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل.

ونذكر على سبيل المثال، أن الملاك ميكائيل سُمّي (الشيخ أبو بَكْر) في الأَيزْدية، وأصبح الإمام عليّ بن أبي طالِب شخصية مقدّسة رئيسة عند طائفة (علي- إلهي) اليارْسانية الكُردية وعند العَلَويين الكُرد. وحلّت الأسماء العربية محلّ الأسماء الكُردية عند أتباع هذه الفروع اليَزْدانية، فالاسم الكُردي العريق (آدي) مثلاً، كان اسم أحد آلهة المَجْمَع الإلهي الحُوري (خُوري/هُوري)، بصيغة (أَدَّو) Addaw، واقتبسه البابليون والآشوريون بصيغة الإله (أَدَد)، واقتبسه الآراميون بصيغة الإله (حَدَد/هَدَد)، وقد صار اسمه عند الأيزديين عربياً بصيغة (عَدِي)4.

ونسب أمراء الأَيزْديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، واتخذوا بعض أسمائهم (مُعاوية)، ولم ينهجوا وحدهم هذا النهج، فبعض أمراء الكُرد السُّنّة فعلوا ذلك أيضاً، ومنهم أمراء جزيرة بُوتان، فقد انتسبوا إلى الصحابي العربي خالد بن الوليد، مع أن المصادر العربية تؤكد أن الطاعون قضى على ذرّية خالد في وقت مبكِّر، قال النُّوَيْري :
"وقد انقرض ولد خالد بن الوليد، فلم يبق منهم أحدٌ شرقاً ولا غرباً، ... وكلُّ مَن ادّعى إليه فقد كذب"5.

الحقيقة (6): بسبب غزو السلاجقة الترك (كانوا أتباع المذهب الشافعي السُنّي)، ثم بتأثير الدولة الأيّوبية الكُردية (كانت تتبع المذهب نفسه)، أصبح معظم الكُرد في الوسط والشمال مسلمين شوافع. وبسبب مجاورة الفُرس، ثم بسبب القهر الصَّفَوي، اضطرّ عدد كبير من اليارْسانيين في جنوبي كُردستان إلى اعتناق المذهب الشيعي الإسلامي. وهكذا لم يَعُد الانقسام الديني في المجتمع الكُردي يقتصر على الكُرد المسلمين والكُرد من أتباع الفروع اليَزْدانية، وإنما ظهر انقسام جديد بين الكرد السُنّة والكُرد الشيعة.

الحقيقة (7): المثير للانتباه أن المسيحية والإسلام هيمنا على الشرق الأوسط، وهضما كثيراً من الديانات القديمة، وقطعا صلة كثير من الشعوب بعقائدها الوطنية، فالآن لا صلة للمصريين، والفينيقيين، والفلسطينيين، والسُّريان (الآراميين) والآشوريين، والأرمن، بعقائدهم الوطنية، في حين ظلّت اليَزْدانية، رغم مشاريع القهر والصهر المتوحّشة، صامدة كفلسفة وقيم وتشريع عند الكُرد الأَيزْدي، واليارْساني، والآلاوي/العَلوي، وما زالت بعض عناصرها العقائدية باقية أيضاً عند الإسماعيليين والدُّروز. وهذا الصمود جزء من صمود الأمّة الكُردية في وجه مشاريع الافتراس والهضم والدمج؛ وقد لخّص بعض جيران الكُرد هذا الصمود في المقولة الشهيرة "عقل كُردي!"؛ يقصدون العناد ويباسة الرأس.
وما أروعه من عناد! وما أعظمه من يباسة رأس!
ومهما يكن فلا بدّ من تحرير كُردستان!

المصادر
  - انظر ابن خلدون: تاريخ ابن خلدون، 4/993.
2 - أبو حَنِيفة الدِّينَوَري: الأخبار الطِّوال، ص 403. الطَّبَري: تاريخ الطَّبَري، 8/622. ابن الأثير: الكامل في التاريخ، 5/560، 6/37.
3- عبّاس إقبال: الوزارة في عهد السلاجقة، ص29. أحمد كمال الدين حِلْمي: السلاجقة في التاريخ والحضارة، ص21، 25. عبد النعيم محمد حسنين: سلاجقة إيران والعراق، ص16. Mehrdad  R. Izady: The Kurds, p. 135. Mehrdad  R. Izady: The Kurds, p. 144 .
4- جِرْنُوت فيلْهِلْم: الحوريون، ص 100. سَبَتينو موسكاتي: الحضارات السامية القديمة، ص 183.
5 - ليدي دُرور: طاووس ملك اليَزيدية، ص 68. محمد عبد الحميد الحمد: الديانة اليزيدية بين الإسلام والمانوية، ص 221. شرف خان بدليسي: شرفنامه، ص 245. محمد أمين زكي: تاريخ الدول والإمارات الكُردية في العهد الإسلامي، ص 363.)


38
إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الثاني)

د. مهدي كاكه يي

تمّ ذكر تأريخ إمارة  بابان لأول مرة من قِبل شرفخان بدليسي (1543 – 1604 م) في كتابه المعنون (شرفنامه) الصادر في سنة 1596 ميلادية باللغة الفارسية1. الكتاب يتحدث عن تأريخ الإمارة إبتداءاً من ظهور حُكم إسماعيل الصفوي (1501 – 1523 م).

حسب المعلومات الواردة في كتاب شرفنامه، فأن إنشاء إمارة بابان تمّ  قبل ظهور الدولة الصفوية، إلا أنه لا توجد معلومات في المصادر التأريخية عن هذه الإمارة قبل القرن الحادي عشر الميلادي.

 يذكر شرفخان بدليسي في كتابه أنه عندما تمّ تأسيس الدولة الصفوية، كان الأمير بوداق إبن عبدال حاكم البابانيين والذي كان يحكم المنطقة المحصورة بين كركوك وشارباژێر وأنه المؤسس الرئيس للإمارة البابانية، وهو من أطلق إسم بابان على منطقة نفوذه. كما يذكر بدليسي بأنّ الجد الأكبر للأسرة البابانية الحاكمة هو (بابا قباد). يشير بدليسي أيضاً إلى إحدى الحروب التي خاضها والده (الأمير شمس الدين) جنباً إلى جنب مع القوات البابانية بأمر من السلطان العثماني في القرن السادس عشر من الألفية الثانية والذي يؤكد على أن البابانيين كانوا قبل هذا التاريخ من ذوي النفوذ والسلطة في المنطقة.

في سنة 1686 ميلادية أي حوالي 70 سنة بعد شرفخان بدليسي، أصدر كاتب كوردي آخر كتاباً بإسم (نور الأنوار). كان إسم الكاتب هو (سيد عبد الصمد توداري) وكان من مدينة (مريوان) الواقعة في شرق كوردستان. يذكر هذا الكاتب في كتابه المذكور بأن الأمير خالد أحمد باباني كان حاكم إمارة بابان في سنة 1276 ميلادية2. كما أنه، نقلاً عن كتاب (تذكرة الأجناد في محاربة الأتراك والأكراد)، يذكر (سيد عبد الصمد توداري) بأن الأمير حمزة باباني سيطر على كل من آمد (ديار بكر) وحلب عن طريق الحرب. كما أنه يقول بِأن العرب والأتراك  قاموا بمحاربته و في هذه الحرب، كان (حمدون بگ) يقود الجيش الباباني الذي أوقف القتال وسلّم القوات البابانية للقوات المُعادية لقاء مبلغ كبير من المال. حينئذ إضطر الأمير حمزة أن يهرب مع 12 شخصاً من أنصاره الى مدينة مريوان وهناك بدأ يجمع قوات جديدة. بعد مُضي سنتين، توجّه مع جيشه االجديد الى ساحات الحرب ووصلت  قواته الى مدينة بعقوبة، إلا أنه هناك تمّ تسميمه ومات من جرّاء ذلك2.

يتبين مما سبق أن هناك معلومات موجودة في هذا الكتاب عن إمارة بابان وأمرائه لفترة تبلغ حوالي 250 سنة قبل صدور كتاب شرفخان بدليسي، إلا أن السيد (توداري) لا يتطرق في كتابه الى حدود إمارة بابان.

بعد صدور كتاب (نور الأنوار)  للكاتب (سيد عبد الصمد توداري)، لم يتم االعثور على معلومات عن إمارة بابان في االمصادر التأريخية حتى سنة 1820، حيث أنه في ربيع وصيف هذه السنة قام ممثل شركة الهند للشرق، كلوديوس جيمس ريچ (1787 – 1821 م) بِرحلة الى كوردستان وقام بِوصف الحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية لسكان إمارتَي أردلان وبابان وجغرافيتهما في كتابه المعنون (رحلة ريج في العراق عام 1820)3. تمّ طبع هذا  الكتاب من قِبل زوجة (ريچ) في سنة 1836 في إنكلترا.

 رافقت مستر (ريچ) زوجته ومجموعة كبيرة من موظفي ومستخدمي وحُرّاس المُقيمية البريطانية، حيث غادروا مقر عملهم في بغداد في شهر نيسان 1820، متوجهين الى مدينة السليمانية، تلبية لِدعوة الأمير الباباني محمود پاشا. كان الهدف المعلن لِسفرهم هو للترفيه والسياحة، إلا أنّ معلومات أخرى تذكر بأن السبب الحقيقي لهذه الزيارة كان العلاقات السيئة التي كانت قائمة بين والي بغداد (داود پاشا) ومستر ريچ ومحاولة داود پاشا التدخل في شؤون مستر ريچ.
 
سلك مستر ريچ ومرافقيه طريق دلي عباس- كفري- خورماتو- داقوق- لَيلان- چمچمال للوصول الى عاصمة الإمارة البابانية، مدينة السليمانية، حيث أقاموا في سرچنار لبعض الوقت، للراحة والإستجمام، وتمّ الإحتفاء بهم هناك من قِبل الأسرة البابانية الحاكمة و في مقدمتهم الأمير الباباني محمود پاشا. في 10 مايس سنة 1820 ، إصطحب شقيق الأمير الباباني (عثمان بگ) ضيوفه الى داخل مدينة السليمانية في موكب رسمي بهيج وكانت تعلوه الأعلام ويسير على أصوات الطبول وأنغام الموسيقى.
 
اقام مستر ريچ ومرافقيه في مدينة السليمانية لأكثر من 3 أشهر لفترتَين، إستمرت الفترة الأولى الى منتصف شهر تموز وبعدها سافروا الى إقليم شرق كوردستان، ضمن إمارة أردلان، وعادوا من هناك الى السليمانية في أواسط شهر أيلول، فأقاموا فيها لغاية 21 تشرين الأول سنة 1820. خلال إقامته في السليمانية، تسنى لِمستر ريچ فرصة للإطلاع على السليمانية والمناطق المحيطة بها ودراسة بيئة المنطقة وتاريخها وحضارتها والحياة السياسية والإقتصادية والإجتماعية فيها وجغرافية إمارة بابان.

المصادر

1. شرفخانى بدليسى (1982). شرفنامه. وەرگێڕانی هەژار، كۆڕی زانیاری كورد، چاپی دوهەم، چاپخانەی جەواهیری، تاران.

2. سيد عبد الصمد توداري (1686). چەمكێكی مێژووی هەورەمان و مەریوان. وەرگێڕانی لە فارسییەوە بۆ كوردی لەلایەن محەمەدی مەلا كەریم 1970. بەغداد. 

3. كلوديوس جيم ريچ (2008). رحلة ريج؛ المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان- إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات.

39
إمارة بابان (1649- 1851) (القسم الأول)

د. مهدي كاكه يي

الأسرة البابانية الحاكمة كانت أسرة عريقة، أشارت إليها دائرة المعارف البريطانية في موسوعتها لِسنة 1950 (الإنسكلوبيديا) في مادة (الكورد Kurd)، بأن تأريخ الأسرة البابانية الحاكمة يعود إلى ما قبل سنة 401 قبل الميلاد. يؤكد على ذلك الأستاذ عبد القادر رستم الباباني في كتابه المعنون (تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد)، الصادر باللغة الفارسية، و يذكر أيضاً في هذا الكتاب بأن هذه الأسرة إشتهرت في كوردستان في أيام الحكم الكياني والأشكاني وأن عشيرة الأسرة البابانية كانت من أكثر العشائر الكوردية عدداً وعُدةّ في ذلك الوقت و كما أنهم إهتموا بالصناع الماهرين وأرباب الحرف والمهن والفنون الذين برزوا في منطقة السليمانية1.

مصادر تأريخية عديدة تذكر بأن كورد شهرزور كانوا ذوي سلطة ونفوذ على بلادهم، وكانوا أقوياء بحيث أنهم تمكنوا من الإستيلاء على الحدود القريبة من همدان وكرماشان أيام حكم (أردشير بابكان) الذي إمتد من سنة 226 ميلادية إلى سنة 241 ميلادية2، 3.

يذكر (مأمون بك) بأن البابانيين أصحاب إمارة بابان الكوردية ويرجع مصدر إسمهم الى كلمة (باوه) ومن ثم تحولت هذه الكلمة الى (بەبه)4. قوله هذا يشير الى أنّ أمراء بابان كانوا يعتنقون الدين اليارساني. يقول الأستاذ (محمد جميل روژبياني)، أن لفظة (ببئي) متطورة من(بابائي)، وهو اللقب الروحي الخاص بالقديسين اليارسانيين ويذكر الأستاذ (روژبياني) بأنه سأل العلامة (توفيق وهبي) عن منشأ لقب (بابان) فأجابه بأنهم يرجعون في الأصل إلى مؤسس إمارة أردلان (بابا أردلان). هكذا فأنّ المؤرخ واللغوي الكوردستاني العلامة توفيق وهبي يؤكد على أن إسم البابانيين الذين أسسوا إمارة (بابان) الكوردستانية، متأتٍ من كلمة (باوه) التي هي إسم لطبقة دينية يارسانية ومن ثم تحولت هذه الكلمة الى (بەبە BEBE)، وبذلك يقول بأن أمراء بابان كانوا من أتباع الدين اليارساني5. يضيف العلامة توفيق وهبي بأن البابانيين ينحدرون من باوه أردلان، مؤسس الدولة الأردلانية. كانت اللهجة الگورانیة هي اللهجة الرسمية لإمارة بابان في فترة معينة من تأريخها. كما يذكر العلامة توفيق وهبي في بحثه المعنون (جبل پیرەمەگرون PÎREMEGRÛN) والذي يوجد على قمّته ضريح بنفس الإسم، بأن ذلك االضريح يعود لشخصية دينية يارسانية بإسم (پير ئەنبەر گدروون)، إلا أن هذا الإسم  تحوّر بمرور الزمن الى (پیرەمەگرون)6. هذا الضريح هو لِشخصية يارسانية قد تكون عاشت خلال إنتشار الدين  اليزداني في زمن الهوريين أو قبله في عهد السومريين أو قد تعود الى أيام حُكم الأردلانيين أو البابانيين. لِتحديد عمر الضريح وفترة حياة صاحبه، يجب القيام بحفريات أثرية للضريح وللمنطقة المحيطة به.

كما يذكر التأريخ بأن الطوفان السومري حصل في هذه المنطقة قبل أكثر من 6000 سنة، حيث رست السفينة السومرية فوق قمة هذا الجبل7. هذه المصادر التأريخية قد تعزز ربط  الضريح الموجود على قمة جبل  (پیرەمەگرون) بالعهد السومري. من الجدير بالذكر أنّ هناك أربع طبقات دينية في الدين اليارساني وهي حسب تسلسل درجاتها من الأعلى الى الأدنى: پیر، باوە، مام، ئۆمی أي عامة الناس. هكذا فأنّ كل فرد منتمي للطبقة الدينية العليا في الدين اليارسي يُلقّب بِ(پیر) وعليه فهو أعلى لقب ديني في الدين اليارساني، حيث أنّ حاملي هذا اللقب ينتمون لِأعلى طبقة دينية التي هي أعلى مرجعية دينية يارسانية وأن هذه الطبقة تعادل طبقة الشيوخ في المذهب السُنّي وطبقة السادة لدى الشيعة. الفروع الأخرى للدين اليزداني مثل الإيزدية والهلاوية والدروز والشبك تشترك مع الدين اليارساني في وجود طبقة ال(پیر) لديها.

في الوقت الحاضر، ينتشر في كوردستان الكثير من المراقد العائدة لليارسانيين التي تعود الى عهود إعتناق الكورد للدين اليزداني  قبل آلاف السنين والى عهد إمارة أردلان وبابان اللتَين كان حكامهما يارسانيين. من هذه المراقد هي (باوه مَحمي) في خانقين و(باوه گوڕگوڕ BAWE GUŔGUŔ) في كركوك و(باوه نور) في منطقة (گەرمیان GERMYAN) و (داوود دَدَ) في مدينة داقوق و (سيد برايم) في بغداد و (داوود كەوەسوار) في قصر شيرين و (باوه یادگار) في جبال داڵەهۆ DAŁEHO و(باوه گرزين) في مندلي ومرقد (شيخ باوه) الواقع بين مدينة جلولاء وكلار ومنطقة باوه شاسوار التي تقع في شمال شرقي مدينة كفري، حيث أنّ فيها مقبرة أثرية قديمة تُسمى بهذا الإسم لوجود أضرحة كبار رجال الدين اليارسانيين. هذه المزارات تدل على التأريخ السحيق للدين اليارساني في كوردستان و حُكم أتباعه لهذه البلاد.

المصادر

1. عبد القادر رستم الباباني (1871). تاريخ وجغرافية كردستان- سير الأكراد. (باللغة الفارسية).

2. جمال بابان (1993). بابان في التاريخ ومشاهير البابانيين.

3. حسين ناظم بك (2001). تأريخ الإمارة البابانية.

4. مأمون بن بيكه بك (1980). مذكرات مأمون بن بيكه بك. ترجمة محمد جميل روژبياني وشكور مصطفى، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، صفحة 16.

5. توفيق وهبي بك (2006). الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، الجزء الاول. سليمانية.

6. المصدر السابق، صفحة 214.

7. فاضل عبد الواحد علي (1975). الطوفان في المراجع السماوية. صفحة 64.

40
محاولة تركيا خلق واقع جديد لِفرضه على الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الكبير المُزمع رسمها

د. مهدي كاكه يي

تستغل تركيا حالة الفوضى التي تعيشها منطقة الشرق الأوسط، حيث الحرب الأهلية المندلعة في كل من العراق وسوريا وإنشغال الإدارة الأمريكية بالإنتخابات الرئاسية التي سيتم إجراؤها في شهر نوفمبر/تشرين الثاني القادم، لإحتلال إقليم جنوب كوردستان، بما فيه الموصل وكركوك وكذلك إقليم غرب كوردستان.

منذ قيام الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا بإقامة المنطقة الآمنة لِسكان إقليم جنوب كوردستان، تحركت تركيا لإيجاد وجود عسكري وإستخباري في الإقليم والهيمنة على إقتصاده وغزو المنتوجات التركية لِأسواقه ونجحت في مسعاه، حيث أقامت قواعد عسكرية عديدة في الإقليم وتُهيمن شركاتها ومنتوجاتها فيه. هذه الخطوات التركية المدروسة تهدف الى ربط الإقليم بِتركيا إقتصادياً وخلق إقتصاد ريعي للإقليم لِمنع حصوله على مقومات بناء دولة مستقلة و في حالة أية محاولة لإستقلال الإقليم، تحتفظ تركيا بِقوات عسكرية في الإقليم التي تعمل لإجهاض المحاولة وإفشالها. بعد ظهور المنظمة الإرهابية، داعش، أمرتْ تركيا قوات هذه المنظمة الإرهابية القيام بإحتلال إقليم جنوب كوردستان وتقويض الحُكم الكوردستاني فيه ولولا التدخل العسكري الأمريكي، لَنجح إرهابيي داعش في إحتلال أربيل وإنهاء السلطة الكوردستانية هناك.

بعد تحرير أجزاء من إقليم غرب كوردستان وبناء سلطة كوردستانية فيه، قامت تركيا بإستخدام القوى الإسلامية الإرهابية، مثل جبهة النصرة وداعش وكذلك القوى العروبية السورية، في محاولة منها للقضاء على الإدارة الكوردستانية في الإقليم، حيث فتحت تركيا حدودها لإرهابيي داعش الآتين من مختلف بقاع العالم وقامت بتدريبهم وتسليحهم ومساعدتهم لوجستياً وإرسالهم الى إقليم غرب كوردستان لمحاربة القوات الكوردستانية. بعد فشل القوى الإرهابية في إسقاط الحُكم الكوردستاني، قامت تركيا بالتدخل العسكري المباشر في الإقليم، حيث قامت بإحتلال جرابلس وفي الأيام الأخيرة قامت طائراتها ومدفعيتها بِقصف مناطق في عفرين والشهباء وجبل الأكراد بعد أن بدأت طائرات قوات التحالف الدولي بتركيز عملياتها الحربية ضد داعش في الموصل.

كان الرئيس التركي يريد أن تشترك قوات بلاده مع قوات التحالف الدولي ل"تحرير الموصل" وذلك تمهيداً لإحتلالها وضم جميع المناطق التي كانت تُشكّل ولاية الموصل خلال الحُكم العثماني والتي تضم إقليم جنوب كوردستان أيضاً، لاحقاً الى الدولة التركية، إلا أن الولايات المتحدة الأمريكية لم تسمح لِتركيا بالإشتراك في "تحرير الموصل" وبذلك أفشلت خطط الأتراك للإستحواذ على الموصل ومن ثم التمدد الى كركوك والمدن الأخرى في إقليم جنوب كوردستان. بعد فشل خطة أردوغان هذه، صرّح علناً بأنه سيلجأ الى الخطة (ب) لتحقيق مطامع بلاده التوسعية لإحتلال ولاية الموصل العثمانية.

بعد منع مساهمة القوات التركية في "تحرير الموصل"، بدأ أردوغان بالفعل بتنفيذ خطته (ب)، حيث قام بِقصف القوات الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان بالطائرات والمدفعية وأنها لو تسمح الظروف لِتركيا. فأنها ستقوم بإحتلال كامل أراضي هذا الإقليم سواء بصورة مباشرة من خلال الإحتلال العسكري المباشر أو بصورة غير مباشرة وذلك عن طريق القوى الإرهابية الإسلامية والقوى العروبية السورية.

كما أن هجوم داعش الأخير على كركوك هو جزء من تنفيذ خطة (ب) التركية، حيث أن إعتراف إرهابيي داعش المشتركين في هذا الهجوم والذين تمّ إلقاء القبض عليهم من قِبل القوات الكوردستانية، يشير الى نقل هؤلاء الإرهابيين بِطائرات تركية الى أطراف مدينة كركوك، حيث أنّ في كركوك حاضنة كبيرة لإرهابيي داعش والتي تشمل الجبهة التركمانية التي قامت المخابرات التركية (ميت) بتأسيسها، وكذلك البعثيين والقوى المتضررة من تحرر العراق من حُكم صدام حسين وأيضاً الجهات المعادية للشعب الكوردي والحاقدة عليه. هكذا تخطط تركيا لإغتصاب إقليم جنوب وغرب كوردستان من خلال ضمهما لِتركيا، حيث تدّعي تركيا بأنّ أراضي ولاية الموصل العثمانية (إقليم جنوب كوردستان الحالي) وإقليم غرب كوردستان هي جزء من الأراضي التركية. من الجدير بالذكر أنّ تركيا لا تزال تخصص سنوياً ليرة تركية واحدة لِولاية الموصل من الميزانية التركية كمبلغ رمزي لهذا الغرض.

يبدو أن التاريخ قد يُعيد نفسه، حيث أنّه خلال إنهيار الدولة العثمانية، قام كمال أتاتورك بِتنظيم حركة مسلحة لِتأسيس دولة تركية على أكبر مساحة ممكنة من أراضي الإمبراطورية العثمانية وذلك من خلال السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من هذه الأراضي لِفرض الواقع الجديد على الأرض بعد إنتهاء الحرب العالمية، ونجح أتاتورك في مسعاه وإنخدع الكورد بوعوده والذين كانوا يشكّلون العمود الفقري لِقواته ومن ثمّ نكث بِعهوده وأسس دولة تركية عنصرية، التي حاولت إذابة الكورد من خلال تتريكهم وتهجيرهم. اليوم يحاول أردوغان أن يلعب دور كمال أتاتورك وذلك من خلال محاولته إحتلال إقليم غرب وجنوب كوردستان وضمّهما الى تركيا قبل أن يتم رسم الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط الكبير لِفرض الواقع الذي تخلقه تركيا على المرجعيات التي تقوم بِإعادة رسم خارطة المنطقة و خاصةً الولايات المتحدة الأمريكية. 

من جانب آخر، منذ سقوط نظام صدام حسين وخاصة بعد جلاء القوات الأمريكية من العراق،  تعمل إيران عن طريق الميليشيات والأحزاب الشيعية العراقية والحرس الثوري الإيراني، على تأسيس هلال شيعي يمتد من إيران، ماراً بِكركوك والموصل، الى سوريا ولبنان ليتم التواصل بين شيعة المنطقة وإستحواذ إيران على النفوذ فيها. هذه الإستراتيجية الإيرانية تتم معارضتها بِقوة من قِبل الحكومات السُنيّة في المنطقة بقيادة تركيا والسعودية. لذلك يحدث صراع طائفي بين المحوَرَين الشيعي والسُنّي في المنطقة واللذَين بِدورهما ينتميان الى كلٍ من المحور الروسي والغربي على التوالي. التنافس بين هذين المحورَين قد يقود الى حربٍ إقليمية مدمرة ومع ذلك مهما تختلف الدول المُغتصِبة لِكوردستان فيما بينها لأسباب طائفية وإقتصادية وتاريخية وسياسية، إلا أنها تتفق مع بعضها على تكريس إغتصاب كوردستان ومنع تحررها ولهذا الغرض تقوم هذه الدول بالتنسيق فيما بينها.
 
سيتم الحديث في مقالٍ قادمٍ عن الظروف الراهنة لِكوردستان والإمكانيات التي تتمتع بها للتصدّي للتهديدات الخطيرة التي يتعرض لها شعب كوردستان من قِبل الدول المغتصِبة لِكوردستان و في مقدمتها خطة باء التركية.





41
تركيا في طريقها نحو الإنهيار والسقوط (4) (القسم الأخير)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقات الثلاث السابقة، تمّ رسم صورة واضحة للفوضى السياسية والإقتصادية والعسكرية والإدارية التي تمر بها تركيا والأرضية الهشة التي تقف عليها الحكومة التركية الإسلامية وأنّ عرض العضلات التركية الحالية ناجمة عن ضعف تركيا وتوجهها نحو الحرب الأهلية والتفكك. إنّ توجّهْ حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا نحو تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدريج و إستمرار الثورة الكوردستانية وتدهور الإقتصاد التركي، حيث البطالة، و خاصة في صفوف الشباب و فشل السياسة الخارجية التركية فيما تخص العلاقات التركية مع دول الجوار و دول المنطقة و الدول الغربية وتخلّف عقلية الحكام الأتراك عن مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية، من المتوقع أن تؤدي هذه التطورات الى إندلاع إحتجاجات و تظاهرات شعبية كبرى تُطيح بحكومة أردوغان و إنتشار الفوضى و إندلاع حرب أهلية بين الأتراك و الكورد و بين الهلاويين و الأتراك السُنّة و التي قد تقود الى إنهيار الكيان السياسي التركي و إستقلال شمال كوردستان و ظهور دولة علوية و دولة سُنية تركية. في هذه الحالة قد تتدخل كل من بلغاريا و أرمينيا و اليونان لإستعادة أراضيها التي تحتلها تركيا.

حالة الضعف التي تمر بها تركيا، تمنح فرصة ممتازة لِسكان شمال كوردستان بِوضع إستراتيجية متكاملة لتحرير الشمال الكوردستاني من خلال إستثمار الضعف التركي وتناحر مراكز القوى التركية الداخلية وتضارب المصالح الأمريكية والأوروبية والإسرائيلية مع المصالح التركية، والخلافات بين الدول الإقليمية وذلك بالتحالف مع الدول الغربية والتنسيق مع القوى التركية المعارضة  والمستاءة والقوى اليسارية ومحاولة شراء الأسلحة أو الحصول عليها من العسكريين المعارضين للحكومة أو الفارين من الخدمة العسكرية وإستغلال الإرباك الذي تعايشه الحكومة التركية وذلك بِتشديد وتكثيف الكفاح المسلح في المدن التركية و تنظيم الجماهير الكوردستانية وتنظيم المظاهرات والمسيرات والعصيان المدني والإضرابات، لِيتكامل النضال المدني السلمي مع الكفاح المسلح ونبذ الحرب الجبهوية سواءً في المدن أو الأرياف لِتفادي خسائر بشرية كبيرة بِسبب الإختلال في ميزان القوة بين الطرفَين وتفوّق الحكومة في العدد والعُدّة.

الى جانب النضال الجماهيري والمسلح، ينبغي تنظيم الإعلام الكوردستاني لإيصال صوت شعب كوردستان الى المجتمع الدولي وجميع شعوب العالم. من خلال هذه الإستراتيجية يمكن توجيه ضربة قاضية لَلكيان التركي وتحرير شمال كوردستان من الإحتلال التركي.

 كما يجب تنظيم الجاليات الكوردستانية في الخارج، خاصةً في الدول الغربية و قيامهم بالمظاهرات والمسيرات والتجمعات وعقد الندوات والمحاضرات والإتصال بالحكومات الغربية ومنظمات المجتمع المدني وممثلي الأمم المتحدة وغيرهم، لِدعم الثورة الكوردستانية وتحقيق إستقلال كوردستان.

كوردستانياً، ينبغي تجاوز الآيديولوجيا والمصالح الشخصية والحزبية والإنغلاق الإقليمي الكوردستاني (إنغلاق الأقاليم الكوردستانية) و أن تنصهر القوى السياسية الكوردستانية في إئتلاف كوردستاني موحّد وتتبنى الفكر الوطني الكوردستاني، لمواجهة تحالف الدول المُغتصِبة لِكوردستان التي تعمل على إجهاض الثورات الكوردستانية ومنع تحرر كوردستان وتوحّدها.

من خلال إجراء تقييم للأحزاب السياسية الكوردستانية الحالية، يتبيّن بأنّ الغالبية العظمى من هذه الأحزاب هي أحزاب كلاسيكية أو آيديولوجية متخلفة، تدور في فلك الدول المُغتصِبة لِكوردستان وتُركّز على مصالح قياداتها وأحزابها بدلاً من المصالح الوطنية الكوردستانية ومنشغلة بالتنافس الشخصي والحزبي فيما بينها والإيقاع ببعضها البعض وإضعافها، تاركةً الدول المُغتصِبة لِكوردستان أن تُنفّذ خططها الرامية للقضاء على نضال شعب كوردستان وتكريس إغتصابها لِكوردستان.

شعب كوردستان بِحاجةٍ ماسة الى تأسيس تنظيمات سياسية عصرية مخلصة، تحمل الفكر الوطني الكوردستاني، خلاله تنصهر كافة أجزاء كوردستان في بوتقة واحدة وتضع إستراتيجية متكاملة، بها يفرض شعب كوردستان نفسه كقوةٍ إقليمية كبرى في منطقة الشرق الأوسط و  بذلك يضمن تحرره وإستقلال كوردستانه.







42
تركيا في طريقها نحو الإنهيار والسقوط (3)

د. مهدي كاكه يي

بعد إنتهاء الحرب الباردة وإختفاء الإتحاد السوفيتي والتطورات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، حصلت تغيرات كبيرة في العلاقات التي كانت تربط الولايات المتحدة الأمريكية بِتركيا وظهرت تضارب واضح بين مصالح الدولتَين. التواجد المباشر للقوات الأمريكية في منطقة الشرق الأوسط  (على سبيل المثال في جنوب وغرب كوردستان والعراق ودول الخليج الفارسي) وإختفاء الإتحاد السوفيتي، قلّلا من الأهمية الإستراتيجية لتركيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. كما أن تسلّم الحُكم في تركيا من قِبل حزب إسلامي (حزب العدالة والتنمية) يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة و قد يقود الى نشر الإرهاب والعنف في منطقة الشرق الأوسط والدول الغربية. مساندة الحكومة التركية الإسلامية لِداعش وجبهة النصرة الإرهابية والمجموعات الإرهابية الأخرى ومحاولة تركيا العمل على الإتيان بأنظمة حُكم إسلامية لِتحكم دول الشرق الأوسط وإحياء الإمبراطورية العثمانية، كل هذا يؤكد على الخطر الكامن الآتي من النظام التركي، الذي  يهدد الدول الغربية ودول الشرق الأوسط وبقية دول العالم.

أخذت تركيا في الآونة الأخيرة بالتقرّب من روسيا وهذا التقارب يُشكّل خطاً أحمراً بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية، حيث أنّ تركيا عضوة في حلف الناتو وأنّ أي تحالف روسي – تركي يهدد المصالح الأمريكية في المنطقة. محاربة تركيا القوات الكوردستانية في غرب كوردستان التي هي حليفة للولايات المتحدة في محاربتها للإرهاب ومحاولة تركيا إحتلال غرب كوردستان، سواءً عن طريق الإحتلال العسكري المباشر أو عن طريق مرتزقته المؤلفة من القوى الإسلامية الإرهابية والقوى العربية السورية العنصرية، تتعارض مع الإستراتيجية الأمريكية في محاربة الإرهاب، حيث أنها تًربِك وتعرقل الحرب الأمريكية ضد المجاميع الإرهابية وهذا ما لا يسمح به الأمريكيون.

بالنسبة للمشكلة السورية، تريد تركيا إزالة الحكم الهلاوي (العلوي) في سوريا و إستلام الحكم فيها من قِبل جماعة إخوان المسلمين الرديفة لحزب العدالة و التنمية التركي. لهذا الغرض بدأت حكومة أردوغان بمساعدة التنظيمات الإسلامية الإرهابية في سوريا لإيجاد نفوذ لها في توجيه مسارات التغيير في سوريا و في محاولة منها لمنع السكان الكوردستانيين من التمتع بحقوقهم في الحرية و الإستقلال في غرب كوردستان، بينما الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إستلام الحكم في سوريا من قِبل أحزاب إسلامية متشددة و إنتشار الفوضى في بلد يجاور إسرائيل.

الخلاف التركي – الأمريكي يدور أيضاً في مسألة إزاحة الرئيس المصري السابق مرسي عن الحكم من قِبل الجيش المصري و كذلك في مسألة الإتفاق المؤقت بين الدول الغربية و إيران حول البرنامج النووي الإيراني. كما أن تقويض النظام الديمقراطي في تركيا من قِبل الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان و محاولته خلق نظام إسلامي شمولي ودكتاتوري وتدخّله في شئون القضاء وخنق حرية التعبير والصحافة، كلها لا يلتقي مع القيم والتوجهات الأمريكية والذي بِدوره يخلق هوة كبيرة في العلاقة بين الحانب الأمريكي والتركي. كل هذه العوامل وعوامل أخرى لا يتسع المجال في سردها في هذا المقال، تجعل العلاقات الأمريكية – التركية متوترة وسيئة وتدفع أمريكا الى إزاحة أردوغان عن الحكم و خلق "ربيع تركي" على غرار العراق وتونس وليبيا ومصر وسوريا.

الدول الأوروبية بِدورها يتعارض جانبٍ من مصالحها مع المصالح التركية. تنطبق العوامل المعرقلة للعلاقات الأمريكية – التركية المذكورة أعلاه مع تلك العوامل التي تقف عقبة في طريق العلاقات الأوروبية – التركية. بالإضافة الى تلك العوامل المذكورة، فأن مسألة المهاجرين السوريين والعراقيين والكوردستانيين الذين يهاجرون عبر تركيا الى دول الإتحاد الأوروبي والتي تؤثر سلباً على إقتصاد هذه الدول وعلى الحياة الإجتماعية لشعوبها، تُشكّل تهديداُ كبيراً على الأمن الوطني لِدول الإتحاد الأوروبي من خلال إندساس إرهابيين وأشخاص مجرمين ضمن اللاجئين ودخولهم الى هذه الدول وقيامهم بعمليات إرهابية وإجرامية فيها والعمل على زعزعة الأمن الوطني والسلم الأهلي في هذه الدول. هذه المشاكل التي تخلقها تركيا لِدول الإتحاد الأوروبي، تساهم في خلق علاقات سيئة بيت تركيا ودول الإتحاد الأوروبي.

إبتزاز تركيا لِدول الإتحاد الأوروبي بمحاولتها إستغلال الهجرة الراهنة الى هذه الدول، لفرض إلغاء تأشيرة الدخول للأتراك الى دول الإتحاد الأوروبي، هو عامل آخر يعمل على تدهور العلاقات التركية – الأوروبية، حيث تريد تركيا إطلاق 70 مليون شخص، وهو مجموع سكان تركيا وشمال كوردستان المحتلة و إغراق دول الإتحاد الأوروبي بهذا العدد الكبير من البشر والذي سيتسبب في زعزعزعة إقتصاد هذه الدول وإستقرارها و يهدد الأمن الوطني لها من خلال إنتقال وإستقرار أفراد ومؤيدي المجموعات الإسلامية التركية الإرهابية وأفراد المجاميع الإرهابية الأخرى بكل حرية وبشكل قانوني في هذه الدول وقيامهم بعمليات إرهابية وإجرامية فيها وبذلك ينتشر الإرهاب والفوضى والعنف والإجرام في الدول الأوروبية وتختفي الرفاهية التي تعيشها شعوبها ويتدهور العلم والتطور والفن وكل المعالم الأخرى للحياة فيها. إحتلال تركيا لِشمال قبرص وعلاقاتها المتدهورة مع بعض الدول العضوة في الإتحاد الأوروبي مثل اليونان وبلغاريا وأرمينيا، تؤثر أيضاً سلباً على علاقات تركيا مع الإتحاد الأوروبي. 

بالنسبة للعلاقات التركية الإسرائيلية، هناك تضاد في مصالح الدولتَين، حيث تحاول تركيا إنهاء الحكم الهلاوي (العلوي) في سوريا و إستلام الحكم فيها من قِبل الجماعات الإسلامية، حيث بدأت الحكومة التركية بالتدخل العسكري المباشر في غرب كوردستان وسوريا وبِتقديم الدعم المادي والعسكري للتنظيمات الإسلامية الإرهابية في سوريا لِمنع تحرر غرب كوردستان وكذلك للإطاحة بالنظام السوري الحالي. من جهة أخرى فأنّ إسرائيل تعارض إستلام الحكم في سوريا من قِبل قوى إسلامية و إنتشار الفوضى في بلد يجاورها. ليست في مصلحة إسرائيل وجود حكم إسلامي في تركيا والذي قد يقود الى هيمنة القوى الإسلامية على الحكم في دول منطقة الشرق الأوسط  وإنتشار الفكر الإسلامي المتشدد والمتزمت فيها والذي سيُشكّل تهديداً للأمن الوطني الإسرائيلي.

الحكومة التركية الإسلامية جاءت للحكم من خلال الإنتخابات والذي يعني أن أكثرية الأتراك ذوو ميول إسلامية وعليه فأن قيام تحالف إستراتيجي بعيد المدى بين إسرائيل وتركيا، ليس في مصلحة إسرائيل ولذلك تبحث إسرائيل عن حلفاء إستراتيجيين في المنطقة للحفاظ على وجودها وأمنها الوطني.

شعب كوردستان هو الحليف الطبيعي لإسرائيل، حيث تلتقي مصالح الشعبَين. إسرائيل هي الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي لها نظام ديمقراطي وكونها دولة متقدمة علمياً وصناعياً وقوية عسكرياً. من جهة أخرى فأن لٍكوردستان موقع إستراتيجي مهم ولها جذور حضارية عميقة في المنطقة وأن أكبر منابع المياه  في الشرق الأوسط تقع في كوردستان، بالإضافة الى أن بواطن أرضها تحتفظ بكميات هائلة من البترول والغاز والمعادن. هكذا فأنّ تحالف إسرائيل مع كوردستان سيحقق لشعوب الشرق الأوسط الكبير تقدماً عظيماً في مجالات العلوم والصناعة والإدارة وغيرها وتصبح هذه الدول دولاً متقدمة ومزدهرة، تلعب دوراً محورياً في إدارة سياسة المنطقة والعالم. من هنا تلتقي المصالح الكوردستانية مع المصالح الإسرائيلية في المنطقة، حيث أنه للحفاظ على أمنها الوطني و مواصلة التطور والتقدم، فأن من مصلحة إسرائيل، أن تستقل كوردستان وبقية شعوب المنطقة، لتتخلص من الأخطار الخطيرة التي تواجهها من قِبل العرب والمسلمين، حيث بتحرر كوردستان في المنطقة، ستتغير موازين القوى لصالح إسرائيل. هكذا فأن إلتقاء المصالح هو السبب الكامن وراء الدعوة الى تعاون إستراتيجي بين كوردستان والشعوب المُستعمَرة الأخرى من جهة وإسرائيل من جهة أخرى.


43
تركيا في طريقها نحو الإنهيار والسقوط (2)

د. مهدي كاكه يي

قيام أردوغان بِفصل عشرات الآلاف من أفراد الجيش والشرطة والقضاء وأساتذة الجامعات والمًدرّسين والمُعلّمين ورجال الأعمال ورجال الدين وغيرهم بِحُجّة إنتمائهم وموالاتهم لِحركة فتح الله گولن، يخلق مشاكل سياسية وعسكرية وإدارية وإقتصادية كبيرة للحكومة التركية الإسلامية والتي قد تقود الى الإطاحة بِالحُكم الإسلامي. حرمان هذا العدد الكبير من العسكريين من مصادر معيشتهم، بالإضافة الى تسببه في تذمر أفراد الجيش والقيام بِمحاولات إنقلابية للتخلص من الحُكم الإسلامي، فأنه يؤدي الى إنخفاض القدرة العسكرية التركية والخلل في التركيبة العسكرية التركية. عزل هذه المجاميع الكبيرة من منتسبي مختلف الدوائر الحكومية وشبه الحكومية والأهلية، وخاصةً في  مجال الأبحاث والتدريس، يقود الى تدّني العلم والمعرفة اللذين هما عماد تقدّم  وتطوّر الأمم والشعوب، بالإضافة الى أنّ خلق هذا العدد الهائل من العاطلين عن العمل، يؤدي الى إنخفاض  الإنتاج والإنتاجية وبروز مشاكل إقتصادية وإجتماعية خطيرة، تهدد السلم الوطني ويُنعش بيئة مناسبة لإندلاع موجات من الإحتجاجات والثورات الشعبية والعصيان المدني.

كما أنّ السير بإتجاه فرض حُكمِ شمولي دكتاتوري من خلال فرض حالة الطوارئ في  البلاد والتفرد بالحكم والقيام بإعتقالات كيفية وخنق حرية الصحافة والتعبير، يؤدي الى ولادة معارضة سياسية  وشعبية كبيرة داخل تركيا، بالإضافة الى رفض المجتمع الدولي والدول الغربية ومنظمات المجتمع المدني في العالم، للإجراءات التركية الدكتاتورية والتي تؤدي بِدورها الى عزل تركيا عن المجتمع الدولي.

خلقَ حزب العدالة والتنمية الإسلامي، بيئة خصبة لِنمو الأفكار الإسلامية المتزمتة وبالتالي إنتشار حركات إسلامية إرهابية، مثل القاعدة وداعش، يُزيد من سطوة وقوة ونفوذ هذه المجاميع الإرهابية في تركيا. هدف أردوغان من دعم هذه المنظمات الإرهابية، هو وقف المد التحرري الكوردستاني وإسقاط نظام بشار الأسد وإبتزاز دول الإتحاد الأوروبي للحصول على الأموال  منها والسماح للمواطنين الأتراك بِدخول دول الإتحاد الأوروبي لٍنشر الإرهاب والعنف فيها والحصول على العُملة الصعبة من خلال المغتربين الأتراك في أوروبا وكذلك للضغط على الدول الأوروبية لِقبول تركيا في الإتحاد الأوروبي. أخطأ أردوغان بِتحالفه مع المنظمات الإرهابية مثل داعش وجبهة النصرة وغيرهما، حيث بدأت هذه المنظمات بالقيام بِعمليات إرهابية داخل تركيا وبدأت بإخلال الإستقرار فيها وتُشكّل تهديداً لا يُستهان به للحكومة التركية.

بسبب عدم الإستقرار في تركيا، حيث فرض حالة الطوارئ وإستمرار الثورة المسلحة في شمال كوردستان والإعتقالات الكيفية والعمليات الإرهابية والتدخل العسكري التركي في جنوب وغرب كوردستان و في سوريا والعراق، إنخفضت بشكل كبير نسبة السائحين الزائرين لِتركيا و لا يخفى أنّ السياحة تُشكّل نسبة كبيرة من الدخل الوطني التركي وبالتالي يؤثّر هذا الإنخفاض في عدد السائحين بشكل سلبي على الإقتصاد التركي. كما  أن الثورة الكوردستانية والتدخل التركي في كل من غرب وجنوب كوردستان وسوريا والعراق و الإنخفاض الحاد في الإستثمارات الأجنبية وهجرة الرأسمال الأجنبي والمحلي من تركيا الى الخارج بسبب حالة العنف واللاإستقرار في تركيا، تُضعِف الإقتصاد التركي بشكل كبير. كما أن الإقتصاد التركي يتعرض لِهزات كبيرة بسبب إنتشار مستوى البطالة نتيجة تسريح عشرات الآلاف من الموظفين والأكاديميين والقُضاة ونتيجة إنتشار العنف والفوضى. 

الثورة الكوردستانية هي عامل مهم آخر في عدم إستقرار تركيا والتي تتسبب في خسائر بشرية وإستنزاف الخزينة التركية وإنخفاض السياحة وإرتفاع المد الجماهيري المًطالِب بِإعتراف الحكومة التركية بِحق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره وبناء دولته المستقلة وتدفع الأمم المتحدة والدول الكبرى والعالم الحر بالضغط  على الحكومة التركية للإعتراف بِحقوق شعب كوردستان.


44
تركيا في طريقها نحو الإنهيار والسقوط (1)

د. مهدي كاكه يي

منذ تأسيسها بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية، لم تشهد تركيا ظروفاً صعبة مثل الظروف التي تمر بها اليوم، حيث يقودها رئيسها رجب طيب أردوغان و حزبه الإسلامي نحو الإنهيار والسقوط. تعاني تركيا اليوم من مشاكل داخلية وخارجية كبيرة، تهزها هزّاً عنيفاً ككيان سياسي رغم تظاهر حكومتها بِعرض العضلات والإيهام بأنها قوة إقليمية كبرى والتوهّم بإمكانية إعادة أمجاد الإمبراطورية العثمانية في العصر الذي نعايشه، حيث العولمة وإنتشار الأفكار الديمقراطية والليبرالية ويقظة الشعوب الشرق أوسطية المُستعبدة وإنهيار الإتحاد السوفيتي وهيمنة الولايات المتحدة الأمريكية على العالم وفقدان تركيا لِأهميتها الجيوسياسية كَعضوة في حلف الناتو لِتجاورها لِروسيا، وبعد التطورات الكبرى التي حصلت في منطقة الشرق الأوسط بشكل خاص و في العالم بشكل عام.

بعد المحاولة الإنقلابية الفاشلة وإهانة الرئيس التركي للجيش التركي وإعتقال عشرات الآلاف من جنرالاته وضباطه وجنوده وإهانتهم، فأن الجيش التركي، الذي كان الحاكم الفعلي لتركيا من وراء الستار أو بِشكل مباشرمنذ تأسيس تركيا الى ما قبل حدوث المحاولة الإنقلابية الفاشلة  الأخيرة، لا يقبل هذه الإهانة والإساءة التي تعرض لها وأنه ينتهز الفرص لإسترجاع هيبته وسلطته من خلال القيام بإنقلاب عسكري أو إغتيال الرئيس التركي رجب طيب أردوغان والإطاحة بِحُكمه. لذلك تعيش الحكومة التركية في هاجس الإطاحة بها من قِبل الجيش المتذمر والمتطلّع لإستعادة كرامته وسلطته المفقودة وبذلك ستُخيّم حالة عدم الإستقرار على تركيا وتستمر إجراءات الحكومة التركية في أخذ الإحتياطات اللازمة للحيلولة دون إطاحة الجيش بها.   

كما أن التذمّر الذي يدبّ في صفوف الجيش التركي، يُضعِف قوته القتالية ويُقلل جاهزيته ويهبط معنويات أفراده ورغبتهم في القتال والدفاع عن تركيا و ينشر الملل وعدم الإنضباط في صفوفه ويًزيد حالات فرار منتسبيه وتمرّدهم على الأوامر العسكرية.

حركة فتح الله گولن  (Fethullah Gülen)الدينية متغلغلة بِشكل كبير في المجتمع التركي و في كافة مفاصل ومؤسسات الدولة التركية، بما فيها القوات المسلحة من جيش وشرطة وبذلك تنخرط أعدادٍ كبيرة جداً في صفوفها وتمتلك ثروة ضخمة ونفوذ كبيرة، ليست في تركيا فقط، بل في مختلف دول العالم، وخاصةً في المجتمعات الإسلامية، من خلال إنتشار مدارسها الدينية وجوامعها و رجالها الدينيين في مختلف بقاع العالم. يمكن مقارنة النفوذ العالمي لهذه الحركة الى حدٍ ما بِنفوذ الفكر الوهابي الذي تقوم المملكة العربية السعودية بِنشره في العالم من خلال صرف عشرات المليارات من الدولار لهذا الهدف. لذلك قأنّه من الصعب جداً القضاء على هذه الحركة، التي كان أردوغان أحد مناصريها في السابق وأنها ستظل تُشكّل تهديداً كبيراً لِحُكم الرئيس التركي أردوغان.

محاولة أردوغان أسلمة النظام السياسي التركي الذي هو نظام علماني منذ تأسيس تركيا التي تأسست على أنقاض الإمبراطورية العثمانية بعد هزيمتها في الحرب العالمية الأولى
وإنهيارها، تدفع القوى العلمانية والطوائف غير الإسلامية الى التحالف معاً وزيادة نضالها لإفشال المحاولات الجارية لِفرض الإسلام السياسي على نظام الحكم التركي. كما أنّ طموح الرئيس التركي في خلق نظام حُكمٍ دكتاتوري في تركيا والإنفراد في الحكم، تجعل القوى الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني في  تركيا، الى تنظيم نفسها وتكثيف نضالها للحفاظ على النظام الديمقراطي وترسيخ الديمقراطية وتعميقها في تركيا.

الهَلاويون (العلويون) الذين يًشكلون حوالي ثلث سكان تركيا، ستزداد وتيرة نضالهم ضد الحكومة التركية لِثلاث أسباب رئيسة وهي:

1. محاولة الحكومة التركية فرض الإسلام السياسي (المذهب السُنّي) على نظام الحُكم والذي يعني زيادة  وتيرة إضطهاد الهلاويين لِكونهم غير مسلمين و كون معظمهم علمانيون.

2.  تٌقدّر نفوس الهلاويين الكورد بحوالي 50% من المجموع الكلي للهلاويين في شمال كوردستان وتركيا. شراسة الحملات التركية ضد الشعب الكوردي وإندلاع الثورة الكوردستانية في شمال كوردستان والتدخل التركي العسكري في غرب كوردستان، تدفع الهلاويين الكورد للإنضمام الى صفوف الثورة الكوردستانية لتحقيق حرية شعب كوردستان و إستقلال وطنه.

3. العداء القائم بين الحكومة التركية والنظام الهَلاوي في سوريا والتدخل العسكري التركي في سوريا ومساعدة النظام التركي للجماعات الإرهابية الإسلامية السُنيّة ومحاولته إسقاط النظام الهَلاوي في سوريا، يدفع كل هذا التدخل التركي الى وقوف الهلاويين ضد الجكومة التركية والتحالف مع القوى المضادة للنظام التركي.


45
مستقبل شعب كوردستان في ظل الظروف الذاتية والإقليمية والدولية

د. مهدي كاكه يي

الظروف الذاتية سيئة جداً لِشعب كوردستان، حيث أن الأحزاب السياسية الكوردستانية بشكل عام هي تنظيمات متخلفة وأنانية وفاسدة، لا تحمل فكراُ إستراتيجياً كوردستانياُ، بل أنها تدور في فلك الدول المغتصِبة لكوردستان، وخاصة تركيا وإيران. هكذا فأن القوى الكوردستانية مشتة ومعادية لبعضها، في الوقت الذي تتحالف الدول الممغتصِبة لكوردستان معاً لمنع الشعب الكوردستاني من تحقيق هدفه في الحرية والإستقلال.

الأحزاب الكوردستانية تفكر فقط في كسب مكاسب حزبية آنية وأنها ليست لها إستراتيجية بعيدة المدى، بل تتحارب من أجل السيطرة على مناطق كوردستانية وإستلام بعض الأسلحة والأموال من الدول الممغتصِبة لكوردستان وغيرها من الدول والجهات، في الوقت الذي تعمل هذه الدول على إجهاض المشروع الكوردستاني التحرري، حيث تستهدف الدول الممغتصِبة لكوردستان شعب كوردستان بأجمعه، طبعاً بضمنه الأحزاب الكوردستانية. هكذا تقود هذه الأحزاب نفسها وشعب كوردستان الى الهزائم والمآسي والفناء. هذا يعني بأنه لا أمل في المستقبل المنظور في تحرير كوردستان إستناداً الى الظروف الذاتية الكوردستانية.

من جهة أخرى، فأن التغيرات الإقليمية والدولية الجارية هي لِصالح شعب كوردستان  وقد تقتضي المصالح الإسرائيلية والغربية إنشاء دولة كوردستان و في هذه الحالة ستضغط إسرائيل والدول الغربية على التنظيمات السياسية الكوردستانية للتوحد والتنسيق، بدلاً من التفرّق والتشتت. لذلك هناك أمل لِشعب كوردستان أن يتحرر ويؤسس دولة كوردستان بالإعتماد على العامل الدولي والإقليمي.


46
خطورة إنتشار الفكر الإسلامي المتشدد في إقليم جنوب كوردستان ووسائل التصدّي له

د. مهدي كاكه يي

يحكم الكوردستانيون إقليم جنوب كوردستان منذ أكثر من 25 سنة. خلال هذه الفترة الطويلة تمّ إستغلال شعب كوردستان دينياً وخاصة الشباب والأطفال، حيث تمّ حشو أدمغتهم بأفكار دينية متشددة و بِأوهام الحوريات بعد الموت وبذلك أخذ الكثير من الشباب والشابات يؤمنون بالفتوحات الإسلامية التي هي غزو وإحتلال وإغتصاب أوطان الشعوب الأخرى، والجِهاد الذي يعني الإرهاب أي إجبار غير المسلمين على إعتناق الدين الإسلامي عن طريق القوة والإرهاب،  والسبي الذي هو إغتصاب النساء وإستغلالهن جنسياً وخدمياً، والغنائم التي هي نهب وسرقة  ممتلكات وأموال الناس.

في العقد السادس والسابع والثامن من القرن الماضي، كان شعب كوردستان شعباً ليبرالياً منفتحاً، يحب الحياة واليوم تراجعت الليبرالية والإنفتاح والتسامح الديني بشكل خطير في المجتمع الكوردستاني نتيجة الحملة الدينية التي يتعرض لها. بهذه الطريقة يتم إستغلال شعب كوردستان بإسم الدين الإسلامي من قِبل مُغتصبي كوردستان للقضاء على الفكر القومي الكوردي والفكر الوطني الكوردستاني والذي يهدف الى إبقاء كوردستان محتلة ومغتصَبة ومجزأة، والإستمرار في عبودية وتبعية شعب  كوردستان ونهب ثروات كوردستان.

تتحمل حكومة  جنوب كوردستان المسئولية الكاملة عن غرق المجتمع الكوردستاني في المستنقع الديني ونحن نعيش في القرن الحادي والعشرين، قرن العولمة وهيمنة الفكر الديمقراطي وقرن تحرر الشعوب المُستَعبَدة. إنتشار الفكر الديني الممزوج بالسياسة و الفكر الديني المتشدد يهدد الوجود الكوردستاني كشعب والوجود الكوردي كأمة وقومية.

من أهم أسباب هذه الظاهرة الدينية الخطيرة هي الخطاب الديني في وسائل الإعلام المختلفة وعلى منابر الجوامع والحسينيات المنتشرة في كافة قرى ومدن كوردستان و المناهج الدينية المدرسية، حيث أن الدين الإسلامي هو المادة الوحيدة التي يتم تدريسها في المدارس كَمادة الدين ويتم فرضها على التلاميذ والطلاب غير المسلمين. كما أن مادة الدين الإسلامي عبارة عن سرد لتأريخ مزوّر. من جهة أخرى هناك أحزاب سياسية إسلامية في الإقليم تبث سمومها في المجتمع الكوردستاني وتلقى الدعم المادي  والمعنوي من  تركيا  والسعودية ومن الدول الخليجية الأخرى والتي تُشكّل تهديداً خطيراً للأمن الوطني الكوردستاني.
   
كما أنّ الإقليم أصبحت ساحة مفتوحة لنشر الفكر الوهابي، حيث قام النظام السعودي وأنظمة الدول الخليجية الأخرى ببناء العشرات من الجوامع في الإقليم لهذا الغرض. كما قام النظام الإيراني أو بِتشجيع منه، ببناء العديد من الحسينيات لنشر المذهب الشيعي في الإقليم وغسل أدمغة الكورد الشيعة وحشوها بالأساطير والأفكار المذهبية لسلخ هذه الشريحة الكوردية عن شعبها الكوردستاني وتغليب الفكر المذهبي لدى أفراد هذه الشريحة على الفكر القومي الكوردي والفكر الوطني الكوردستاني. قام  النظام التركي بِدوره بِفتح العديد من المدارس والمؤسسات الدينية في الإقليم لِنشر الفكر الديني وإستغلاله لِخدمة الدولة التركية وببناء العديد من  الجوامع.

ينبغي أن تعيَ حكومة إقليم جنوب كوردستان الخطر الذي يهدد شعب كوردستان من قِبل الأفكار الدينية التي تهيمن على المجتمع الكوردستاني وذلك بِخلق نظام علماني، يفصل الدين عن السياسة ومنع الأحزاب الدينية في ممارسة العمل السياسي وتغيير مادة "الدين الإسلامي" في المناهج المدرسية الى "علم الأديان" الذي يشمل جميع الأديان الموجودة، مع التركيز على الأديان التي يعتنقها شعب كوردستان والتركيز على بناء المدارس والمعاهد والجامعات العلمية بدلاً من  الجوامع والحسينيات ومنع الحديث عن السياسة في الجوامع والحسينيات، حيث أنها أماكن  للعبادة وليست للسياسة ومنع نشر الأفكار الدينية المتشددة من قِبل الشيوخ  والملالي و في  وسائل  الإعلام ومحاسبة المتزمتين الدينيين الذين يفرضون آراءهم وطقوسهم على الآخرين. إن القضاء على الفكر الديني المتطرف وخلق مجتمع علماني منفتح ومتسامح، ضرورة قصوى لحماية الأمن الوطني الكوردستاني  ولِتطور وتقدم المجتمع الكوردستاني وإنخراطه في العمل والبناء، بدلاً من العيش على الأوهام والأساطير وعشق الموت وإكراه الحياة.


47
الديانة الإيزدية وغيرها من الديانات الكوردية الأخرى هي من إبتكارات الشعب الكوردي


د. مهدي كاكه يي

الإنسان هو خالق الأفكار والعقائد والفلسفة والأديان ولولا الإنسان لما كانت هناك أديان. هل الإنسان تابع للفكر أم الفكر تابع للإنسان؟ بالطبع الفكر هو من إبتكارات الإنسان وعليه فأن الفكر ليس فقط تابعاً للإنسان، بل من إبتكاراته. أسلاف الشعب الكوردي هم الذين أوجدوا الديانة الإيزدية وغيرها من الأديان الكوردية القديمة.

الديانات الإيزْدية و المَزْدَكية و اليارسانية (كاكەيي) والهلاوية (العلوية) و الدروزية والشبكية هي إمتداد للديانة المثرائية المتجلية في الديانة اليزدانية. قبل ظهور المسيحية، كان جميع الآريين يعتنقون الديانة المثرائية. عليه فأن الديانة اليزدانية هي أقدم بكثير من الديانة الزردشتية، حيث أنه قبل أكثر من 3500 سنة، كان أسلاف الكورد الميتانيون يُدينون بالديانة المثرائية. كما أن الميديين كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية، حيث أن اليزدانية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية.

تظهر بقايا معتقدات الديانة المثرائية بوضوح في هذه الأديان الكوردية، مثل تناسخ الأرواح والإعتقاد بوجود قوتَين متضادتَين وهما الخير والشر، وكذلك قُدسية الشمس والنار وتقديم القرابين (النذور) للأحياء والأموات و تقبيل الأرض الذي هو طقس ديني للتعبير عن حب الإنسان للأرض وشكرها، حيث يعيش الإنسان عليها و أن إستمرارية حياته مرتبطة بها.

لذلك فأن الديانة الهلاوية و الإيزدية و الدروزية و اليارسانية (الكاكائية) والشبكية تكاد تكون ديانة واحدة. إن هذه الأديان متشابهة في العقيدة و الشخصيات الدينية و الإيمان بتناسخ الأرواح و النظام الطبقي و الطقوس الدينية من صوم و تقديم النذور و التكايا و الإحتفاظ بالشارب و غيرها، حيث أن جميعها ينحدر من الديانة المثرائية. الإختلافات البسيطة الموجودة بين هذه الأديان، ناتجة عن العزل الجغرافي بين أصحاب هذه الأديان، حيث أن عيشها ضمن كيانات سياسية مختلفة والتباعد الجغرافي بينهم والعيش بمعزل عن بعضهم البعض، خلقت بمرور الزمن هذه الإختلافات البسيطة في أسماء الشخصيات الدينية والطقوس الدينية وغيرها.

  مما سبق، نرى أن الديانة الإيزدية لم تكن موجودة قبل 3500 سنة، بل كانت هناك الديانة المثرائية والتي بمرور الزمن إنبثقت منها الديانات الهندوسية والبوذية والإيزدية واليارسانية والهلاوية والدروزية والشبكية والمزدكية، بينما يمتد تاريخ الشعب الكوردي في أعماق التاريخ وعبر تاريخه أوجد الكثيرمن العقائد والأديان، من ضمنها الدين الإيزدي. على سبيل المثال، تمّ ذكر الكورد في وثيقة تاريخية قديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد والتي هي عبارة عن لوحَين من الحجر نقش عليهما نص سومري، سبق ل(إرنانا)، الوزير الأكبر للملك السومري سوشين (2037 – 2029 ق. م.) أن أمر بوضعهما تحت قاعدة الباب العائد لمعبد جديد تم بناؤه في جرسو (تيللو) في جنوب العراق. بعد أن يذكر (إرنانا) سلسلة من ألقابه ومناصبه، يذكر بأنه محافظ عسكري لأربيلوم (أربيل)، ومحافظ كل من خماسي وكره خار (قره خان/ جلولاء)، وكذلك القائد العسكري لأهالي سو وبلاد كوردا (كوردستان الكبرى).

كما أن أسلاف الكورد قبل مئات الآلاف من السنين كانوا يعيشون في كهوف كوردستان وأسلاف الكورد السومريون قبل اكثر من 8000 سنة كانوا يعيشون في كوردستان و في تلك الأزمنة كان لا وجود للديانة المثرائية نفسها والتي كانت ديانة الشعوب الآرية والتي الديانة الإيزدية هي من بقاياها. هكذا فأن الشعب الكوردي، بمختلف مسمياته، كان موجوداً وآمن بعقائد عديدة في مراحل حياتها الى أن إعتنق المثرائية والتي إنبثقت منها عدة ديانات وإحداها هي الديانة الإيزدية.

48
الإيزديون في ظل التنافسات الحزبية الكوردستانية والصراع الطائفي في المنطقة

د. مهدي كاكه يي


كانت قوات إقليم كوردستان أو بالأحرى قوات الحزب الديمقراطي الكوردستاني تحمي شنگال عندما هاجمت إرهابيي داعش المنطقة، لذلك فأن هذا الحزب يتحمل مسئولية وقوع التراجيديا الإيزدية الأخيرة، بينما سكان الإقليم بريئون من التسبب في هذه التراجيديا. كما ينبغي القول بأنّ إنسحاب قوات الپيشمرگة من منطقة شنگال عند هجوم إرهابيي داعش عليها، لم تكن له أية علاقة بِكون سكانها من الإيزديين. بكلام آخر لم يكن للدين أي دور في هذا الإنسحاب وترك سكان المنطقة فرائس للإرهابيين المتوحشين، حيث قد يكون تمّ هذا الإنسحاب لأسباب سياسية أو عسكرية وفي كلتا الحالتَين يتحمل الحزب الديمقراطي الكوردستاني مسئولية المجازر والسبي التي حصلت للإيزديين.

المأساة التي حصلت للإيزديين لا تُبرر فصل الإيزديين عن سكان الإقليم أو إنكار كورديتهم، حيث أنّ الإيزديين هم شريحة دينية كوردية وجزء من سكان إقليم كوردستان. كما تنبغي الإشارة الى أن الإيزديين وأصحاب الديانات الكوردية الأصيلة  الأخرى ضحوا ولا يزالون يُضحّون بأرواحهم وأموالهم ويتعرضون للسبي والعنف والتهديد والإهانة في سبيل الحفاظ على أديانهم وعقائدهم وطقوسهم وكُتبهم الدينية التي تُشكّل جزءاً مهماً من الثقافة الكوردية والتاريخ والتراث الكوردي والتي حافظت على اللغة الكوردية وعملت على تطويرها من خلال كُتبهم الدينية التي أثْرَت اللغة الكوردية والأدب والشعر الكوردي وصانت التاريخ الكوردي، إلا أن الشعب الكوردي هو خالق هذه الأديان وكلها من بُناة أفكار هذا الشعب العريق وهذه العقائد تُبرِز فلسفة الشعب الكوردي وعُمق تصوراته حول الخلق والكون والإنسان والحياة والموت والمجتمع الإنساني والتعايش السلمي بين المجتمعات البشرية.

ينبغي أن يمتنع الإيزديين عن أن يكونوا جزءاً من الخلافات القائمة بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني وحزب العمال الكوردستاني وتنافس هذين الحزبَين على النفوذ والسلطة في كوردستان وعليه على الإيزديين ان لا يجعلوا من أنفسهم حطباً لحرائق هذين الحزبَين اللذين يسيران في فلك الصراع الإقليمي الجاري في المنطقة المتمثل بالصراع السُنّي – الشيعي بقيادة السعودية وتركيا التي تقودان المحور السُنّي (ينتمي الحزب الديمقراطي الكوردستاني الى هذا المحور) والمحور الشيعي بقيادة إيران، المتحالفة مع الحكومة العراقية الشيعية والنظام السوري العلوي و حزب الله اللبناني (ينتمي حزب العمال الكوردستاني الى هذا المحور).

الإيزديون في الوقت الحاضر منقسمون في ولاءاتهم بين الحزبَين المذكورَين ولهم وحدات عسكرية متوزعة بين هذين الحزبَين. ينبغي أن لا يجعل الإيزديون من أنفسهم ضحايا الصراع الدائر في المنطقة، بل عليهم التفاعل مع بقية الشرائح الكوردستانية والنضال من أجل تحرير كوردستان، حيث أنه ليس بِمقدور الإيزديين عزل أنفسهم عن شعب كوردستان والعمل لوحدهم في ظل هذه الفوضى التي تعمّ المنطقة، وإلا سيكون عملهم هذا عملاً إنتحارياً.

في الوقت الحاضر، كوردستان محتلة وأن شعب كوردستان بحاجة الى قيادة مركزية موحدة وأنّ أيّ عمل يهدف الى تقسيم كوردستان الى كانتونات وأقاليم، يكون ضد المصالح العليا لشعب كوردستان، حيث يُشتت ويُضعِف شعب كوردستان ويخلق مراكز قوى كوردستانية متنافرة ومتخاصمة ويُعمّق الخلافات العرقية والدينية والمذهبية والمناطقية في المجتمع الكوردستاني ويسنح فرصة جيدة لِمحتلي كوردستان لزرع الشقاق بين المجتمع الكوردستاني والتحريض على خلق حروب أهلية في كوردستان بين المجاميع الكوردستانية المختلفة وبذلك يُعرقل تحرير كوردستان ويُشكّل تهديداً كبيراً على الوجود الكوردستاني كَشعب.

في ظل الفوضى العارمة التي تجتاح منطقة الشرق الأوسط، يحتاج شعب كوردستان الى الوحدة والى قيادة سياسية وعسكرية موحدة لتحقيق حرية شعب كوردستان وإستقلال كوردستان. بعد تأسيس كوردستان وبعد أن تصبح كوردستان عضوة في الأمم المتحدة، يمكن بناء نظام لامركزي في كوردستان، تتمتع في ظله جميع الشرائح الدينية والمذهبية والإثنية بحقوقها، حيث أن شعب كوردستان يكون له في ذلك الوقت كياناً سياسياً مُعترفاً به دولياً وأنّ إنشاء أقاليم وتأسيس نظام لامركزي فيها لا يُشكّلان أيّ تهديد لأمنها الوطني.



49
الإيزديون هم جزء لا يتجزأ من الشعب الكوردي

د. مهدي كاكه يي

يحاول محتلو كوردستان تشتيت الشعب الكوردي بعد أن فشل في إبادة الشعب الكوردي وتعريبه وتفريسه وتتريكه. بكل أسف هناك بعض الإيزديين الساذجين ينفذون مؤامرة محتلي كوردستان وقسم منهم يقوم بهذا العمل الخياني كَردّ فعل لأحداث شنگال المأساوية وكأنّ الشعب الكوردي هو المتهم بالتسبب في هذه المآسي، ناسين أو متناسين بأن الإيزديين هم شريحة كوردية. على سبيل المثال، ينشر هؤلاء كتابات مثل " تاريخ الكورد لم يتجاوز 400 سنة وتاريخ الإيزدية يتجاوز 7000 سنة، رغم ذلك يُقال بأن الإيزديين هم كورد" في محاولة منهم لِسلخ الإيزديين عن الشعب الكوردي.

من البديهي أن الإنسان خُلِق قبل ظهور الأديان. الإنسان هو الذي أوجد الأديان. الكورد قد أوجدوا الدين الإيزدي وأن الكورد أقدم من الديانة الإيزدية، حيث أنها ديانة كوردية. لا يمكن لهؤلاء تزوير التاريخ والنَيل من الشعب الكوردي العريق. الكتب الدينية الإيزدية مكتوبة باللغة الكوردية وهذا يدحض تخرصات واكاذيب أعداء الشعب الكوردي الذين يدّعون أن الإيزديين قومية مستقلة.

هناك حملة شرسة تحاول سلخ الإيزديين عن الشعب الكوردي وترتفع من هنا وهناك أصوات نشازة تطالب بإنشاء إقليم مستقل للإيزديين وإدارتهم لشئونهم بأنفسهم وكأنما الإيزيديين شعب لا يُشكّل جزءاً من شعب كوردستان. طيب إذا يُشكّل الإيزيديون واليارسانيون والهلاويون والهوراميون والفيليون والسورانيون والبهدينانيون والزازا واللور شعوباً مستقلة وكل شريحة من هذه الشرائح تؤسس إقليماً مستقلاً لنفسها، ماذا يبقى من الشعب الكوردي وماذا يبقى من كوردستان؟ إنها محاولات تُشكّل خطراً كبيراً على الشعب الكوردي ويجب الوقوف بوجهها وإفشالها.

 تم ذكر الكورد في وثيقة تاريخية قديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد والتي هي عبارة عن لوحَين من الحجر نقش عليهما نص سومري، سبق ل(إرنانا)، الوزير الأكبر للملك السومري سوشين (2037 – 2029 ق. م.) أن أمر بوضعهما تحت قاعدة الباب العائد لمعبد جديد تم بناؤه في جرسو (تيللو) في جنوب العراق. بعد أن يذكر (إرنانا) سلسلة من ألقابه ومناصبه، يذكر بأنه محافظ عسكري لأربيلوم (أربيل)، ومحافظ كل من خماسي وكره خار (قره خان/ جلولاء)، وكذلك القائد العسكري لأهالي سو وبلاد كوردا (كوردستان الكبرى). إن هذه المناطق التي يذكرها الوزير السومري كلها تقع ضمن كوردستان الحالية. وفي فترة كتابة النص، كان يسكن أسلاف الكورد الهوريون في معظم أنحاء كوردستان. كانت منطقة (قره خار) المذكورة، والواقعة في أعالي نهر ديالى، تعتبر من أحد أهم مراكز الهوريين السياسية. من الجدير بالذكر أن هذين اللوحَين المتواجدَين حالياً في متحف اللوفر في باريس، قد تم التنقيب عنهما من قِبل بعثة فرنسية في (تيللو) في جنوب العراق. قام كل من البروفيسور (مانفريد ميللر) و البروفيسور (أولسنر) بترجمته إلى اللغة الألمانية. هكذا فأن هذه الوثيقة السومرية تشير الى الوجود الكوردي في كوردستان قبل أكثر من 4000 سنة.

قبل حوالي 2400 سنة، يذكر (زینفون) إسم الكورد ويُسمّيه (کاردۆخی) و قبل حوالي 2000  سنة، يذكر (سترابو) إسم الكورد قائلاً: بالقرب من نهر دجلة هي المناطق التي تعود لل(گوردیایی) الذين كان يُطلَق عليهم في السابق إسم "كاردوخي".

فيما يخص أصل الكورد، أوليا چلبي المولود في إسطنبول في سنة 1611 أو 1616 ميلادية يذكر ما يلي: حسب قول الرحالة المقدسي (إسمه محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي والمعروف بإسم شمس الدين المقدسي، مولود في القدس سنة 947 ميلادية وصاحب الكتاب المشهور "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم")، أنه بعد طوفان نوح، تم في البداية إعمار مدينة (جودي) ومن ثم إعمار قلعة شنگار (سنجار) وبعد ذلك (ميافارقين). كان الملك (كوردوم) هو مالك مدينة جودي وكان من أمة نوح، عاش لمدة ستمائة سنة وتجوّل في كافة أنحاء كوردستان. عندما وصل الى مدينة (ميافارقين)، (تقع مدينة ميافارقين في شمال شرق مدينة آمد "ديار بكر" بين نهرَي دجلة والفرات)، أحبّ هذا الملك مناخ المدينة وإستقرّ فيها هناك. كان له أبناء وأحفاد كثيرون، حيث قاموا بإيجاد لغة خاصة بهم والتي هي ليست اللغة العربية ولا الفارسية ولا العبرية ولا الدرية، وهذه اللغة تُسمّى اليوم اللغة الكوردية و يتم التكلّم بها في كوردستان. هكذا يخبرنا الرحالة المقدِسي قبل 1067 سنة عن الوجود الكوردي في كلٍ من (جودي) و (شنگار) و(ميافارقين) ويخبرنا أيضاً عن وجود اللغة الكوردية.



50
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (7) (الحلقة الأخيرة)

د. مهدي كاكه يي

النضال الكوردستاني في ظل إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة
التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وزوال الحدود السورية والعراقية التي تمّ رسمها تبعاً لإتفاقية سايكس – پيكو وظهور كيانَين سياسيين جديدَين في جنوب وغرب كوردستان اللذَين قائمَين الآن داخل الحدود المرسومة من قِبل الإتفاقية المذكورة ويُداران من قِبل إدارتَين كوردستانيتَين، وإنهيار العراق وسوريا كَكيانَين سياسيَين عملياّ، حيث أنهما اليوم عبارة عن كانتونات طائفية، تتحكم بها المجموعات الإرهابية والطوائف والميليشيات السورية والعراقية والأجنبية المختلفة. كل هذه التطورات أنهت إتفاقية سايكس – پيكو عملياً وأنّه أخذ يتبلور ظهور خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وحقوق وحرية وتطلعات شعوب المنطقة بِنظر الإعتبار.

بناءً على ما تقدم، فأن منطقة الشرق الأوسط الكبير تمر بتطورات حاسمة تقود الى تفتت كيانات العديد من دول المنطقة، من ضمنها الدول المُغتصِبة لكوردستان وتأسيس دول جديدة على أنقاضها، أهمها كوردستان، حيث أنها ستصبح أكبر دولة في المنطقة. لذلك على القيادات الكوردستانية أن تتدارك التطورات الحاصلة في المنطقة وتهجر العقليات القديمة التي عفى عليها الزمن وتحمل عقلية العصر لكي تكون قادرة على رسم إستراتيجية إستقلال كوردستان وتوفير مستلزمات ومقومات نجاحها وذلك بإستثمار الفرصة التاريخية السانحة حالياً والتي خلقتها الظروف الكوردستانية والإقليمية والدولية وأن تضع مصلحة شعب كوردستان فوق المصالح الشخصية والحزبية. تتحمل هذه القيادات مسئولية تاريخية كبرى أمام شعب كوردستان وأمام التاريخ والضمير الإنساني في القيام بتوحيد الصف الكوردستاني وترتيب البيت الكوردستاني والإبتعاد عن المحاور الإقليمية وعدم التعاون والتحالف مع الدول المُغتصِبة لِكوردستان، وإلا ستقود القيادات الكوردستانية شعب كوردستان الى الكوارث والتراجيديا وستقود نفسها الى الفناء والسقوط و عندئذ سيلعنها التاريخ والأجيال الكوردستانية القادمة. لِتفادي التراجيديا الكوردستانية ولعنة التاريخ والضمير الإنساني ولِقيادة شعب كوردستان الى الحرية والإستقلال، يجب عقد مؤتمر كوردستاني عام بأسرع وقت ممكن، تشارك فيه على الأقل الأحزاب الكوردستانية الكبرى (حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني وگۆڕان وحزب الإتحاد الديمقراطي) وشخصيات وطنية وأكاديمية وممثلو منظمات المجتمع المدني ويؤسسوا خلال المؤتمر مرجعية سياسية جامعة وقيادة عامة للقوات المسلحة الكوردستانية وتأسيس جيش مهني موحّد، بعيد عن الولاءات الحزبية ووضع دستور ينص على علمانية النظام السياسي الكوردستاني والمساواة والعدالة الإجتماعية وحرية المعتقد والرأي والتملك وتداول السلطة السياسية من خلال صناديق الإقتراع والمساواة بين المرأة والرجل وضمان  حقوق الطفل والمُسنّ.
 
رغم كون أكثرية مواطني كوردستان مسلمين، إلا أن شعب كوردستان هو شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية وأنه شعب غير متزمتٍ دينياً وليس عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم. هكذا فأنه يُشكّل جزءاً من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية والحرية. تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة، وهي ثروة بشرية كبيرة في المنطقة والتي لا يمكن الإستهانة بها وأنّ كوردستان بلاد كبيرة، تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلومتر مربع. كما أن لِكوردستان موقع إستراتيجي مهم وأنها غنية بمواردها الطبيعية من بترول وغاز طبيعي (يبلغ إحتياطي النفط في كوردستان 160 مليار برميل، أي أنها ثامن أغنى دولة نفطية في العالم وتملك 5,7 تريليون متر مكعب من الغاز الطبيعي) وكذلك فأنها غنية بالمعادن والمياه، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها. لذلك ستلعب كوردستان، عند إستقلالها، دوراً أساسياً في التوازنات الدولية في المنطقة و تساهم في تطويرها وتقدمها و في بناء جسر يربط بين العالم الشرقي والغربي في مختلف مجالات الحياة. هكذا فأن كوردستان بحاجة الى قيادة سياسية وطنية مخلصة ومحنكة لقيادة شعب كوردستان وتحريره من الإحتلال وتأسيس دولة معاصرة، يعيش في ظلها مواطنوها بِعزّ وكرامة وحرية و في رخاء وفي نفس الوقت يبدأ شعب كوردستان بالتواصل مع أمجاد أسلافه العظام ويساهم من جديد في بناء الحضارة الإنسانية.

ملاحظة: تمّ تقديم هذه الدراسة التي تمّ نشرها في 7 حلقات، الى الندوة التي أقيمت من قِبل المركز الكردي للدراسات في المانيا بتاريخ 22/5/2016 بمناسبة مرور مائة عام على إتفاقية سايكس- پيكو.


51
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (6)

د. مهدي كاكه يي

إستحالة تعايش شعوب المنطقة في كيانات سياسية موحدة

لا يمكن نجاح النظام الفيدرالي في دول منطقة الشرق الأوسط التي تجتمع فيها شعوب وطوائف مختلفة، حيث أنها لم تنجح في إيجاد ثقافة موحدة وتكوين أهداف مشتركة لها طوال عيشها المشترك، ولم تتوفر ظروف ملائمة لهذه الشعوب في يوم ما، عبر تأريخها الطويل، ليكون كل شعب وطائفة وقومية وأقلية ومذهب ودين، حراً في إختيار حياته وطبيعة ونوعية علاقاته مع الآخرين ولم تتوفر العدالة والمساواة بين هذه الشعوب ولم تُتح الفرصة لها أن يشترك الجميع في الحكم ويمتلكون السلطة بشكلٍ متساوٍ وبشفافية، بل خلال تأريخها، تسلطَ فريق واحد على مقدرات البلاد وإستأثر بالحكم وأخضع الآخرين لِحُكمه بالحديد والنار. لذلك فشلت هذه الشعوب والقوميات والمذاهب والأديان في التلاقي والتفاعل والإنسجام.

يغضّ الطرف الكثير من السياسيين والمثقفين والكُتّاب عن واقع التنافر الذي يطغي على علاقات الشعوب التي تعيش ضمن الكيانات السياسية للدول المُغتصِبة لكوردستان والتي لم تعش معاً في يوم من الأيام بإرادتها وحريتها، وإنما فُرض عليها العيش المشترك بالقوة من قِبل الأجانب، إبتداءً من إتفاقية سايكس – پيكو ومعاهدة سيفر ومروراً بِمعاهدة لوزان والإستفتاء الصوري الذي تمّ إجراؤه والذي تمّ بموجبه إلحاق إقليم جنوب كوردستان بالكيان العراقي الجديد وإنتهاءً بإستخدام السلاح ضد شعب كوردستان واللجوء الى الإبادة الجماعية وإستعمال السلاح الكيميائي وتعريب وتتريك وتفريس كوردستان، بشراً وأرضاً، في محاولة للإستمرار في إغتصاب كوردستان.

خطورة رفع شعارات تُكرّس إغتصاب كوردستان

للأسباب السابقة الذكر، فأن رفع شعار الحكم اللامركزي أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية الديمقراطية من قِبل شعب كوردستان للعيش تحت حكم الإحتلال، هو خطأ تأريخي فادح، حيث لا يمكن تحقيق تمتع الكوردستانيين بحقوقهم في ظل حكم عنصري شمولي والعيش مع شعوب متخلفة لا تقرّ بحقوق شعب كوردستان. كما أن رفع مثل هذه الشعارات للقبول بالعيش في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، هو إقرار صريح بقبول إغتصاب كوردستان وتجزئة شعبها. إن تجزئة القضية الكوردستانية تعني أيضاً تجزئة النضال الكوردستاني والتي بدورها تؤدي الى إضعاف هذا النضال وتقليل فرص تحقيق طموحات شعب كوردستان، بينما تقوم الدول المُغتصِبة لكوردستان بالتنسيق فيما بينها سراً وعلناً لتتمكن من الإستمرار في إغتصاب كوردستان وإستعمار شعبها والوقوف بوجه تطلعات الكوردستانيين في التمتع بالحرية والإستقلال ومن أجل الإستمرار في نهب ثروات كوردستان.

عدم ثبات الشعارات التي ترفعها الثورات والتنظيمات السياسية الكوردستانية وضبابيتها، تؤديان الى عدم تحقيق الأهداف الكوردستانية وإرباك شعب كوردستان ونضاله، حيث أن الثورات والأحزاب الكوردستانية تقوم بتغيير هدف نضالها بإستمرار كأنْ تناضل من أجل الإدارة اللامركزية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حق تقرير المصير أو الإستقلال.

إن عدم رفع شعار إستقلال كوردستان تجعل القضية الكوردستانية شأناً من الشئون الداخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان وبذلك تتقوقع القضية الكوردستانية داخل حدود الدول المُغتصِبة لكوردستان وتمنعها أن تصبح قضية عالمية لشعب مستعمَر وبلاد مُغتصَبة، تحتاج الى تدخّل الأمم المتحدة والدول الكبرى وتلقّي الدعم والمساعدة منها ليتحرر شعب كوردستان من العبودية والإحتلال.


52
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (5)
 
د. مهدي كاكه يي

حقائق مُهمّة عن واقع القضية الكوردستانية

من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية والتي ينبغي أن تُشكّل هذه الحقائق ركائز أساسية للإستراتيجية الكوردستانية. تُحدد هذه الحقائق الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان وتحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية وإختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل ولوضع إستراتيجية متكاملة وناجحة للنضال الكوردستاني.

الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول ولذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً وثقافياً ولغوياً وإقتصادياً وإجتماعياً للدولة المُغتصِبة له و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة ومؤامرات الدول المُغتصِبة لكوردستان والإفتقار الى قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً ومشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تُخاصِم وتحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد مُغتصِبي كوردستان.

كما أن كل جزء مُغتصَب من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان وبذلك يقرّ القادة السياسيون الكوردستانيون عملياً بتجزئة كوردستان والإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي وبحدود الدول المُغتصِبة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية وعمل هؤلاء القادة ولا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني وتفريق وإضعاف شعب كوردستان.

الحقيقة الثانية: إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المُغتصِبة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو أجزاء من "الشعب التركي" و"الشعب العراقي" و"الشعب السوري" و"الشعب الإيراني" وأن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها وبذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته وتُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين وتنهب ثرواتها.

هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته وثقافته وتأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت الدول المُغتصِبة لكوردستان ولا تزال تعمل على تعريب وتتريك وتفريس كوردستان وشعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان وترحيلهم قسراً الى المناطق العربية والتركية والفارسية في كل من (العراق وسوريا) و"تركيا" وإيران على التوالي وتم إحلال العرب والترك والفرس محلهم وتم إغتصاب ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع والأماكن والقرى والمناطق والمدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه وعلى أرضه التأريخية. نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك وتعريب وتفريس الملايين من الكورد وتقلصت وإنكمشت مساحة كوردستان.

الحقيقة الثالثة: قامت الدول المُغتصِبة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري الإستعلائي في نفوس شعوبها وتلقينها بمعلومات كاذبة مشوّهة عن الشعب الكوردي وأصله وتأريخه وحضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة أخرى لكسب شعوبها الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب وتتريك وتفريس وتعريب كوردستان لسرقتها ونهب ثرواتها.

هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية والفارسية والعربية تمّ ويتم عن طريق وسائل الإعلام ومناهج التعليم وعن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية وتجويعها وتجهيلها ونشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها وإنقيادها الى القبول والإيمان بالفكر العنصري وخلق مواقف عنصرية وعدائية تجاه حق الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم.

حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المُغتصَب من قِبل "تركيا") وعربية (القسم المُغتصَب من قِبل العراق وسوريا) وإيرانية (القسم المُغتصَب من قِبل إيران). هذا النجاح لحكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان، خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة والشعوب التركية والفارسية والعربية من جهة ثانية والذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الحوار والتفاهم والإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.

لو أُعطيت الشعوب التركية والفارسية والعربية فرصةً جيدة لتكون واعية ومُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريره من الإحتلال وتحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية والعنصرية لتحقيق الحرية والعيش الكريم لنفسها ولشعب كوردستان ولَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية والسلم والأمان والإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية والعنصرية المتخلفة وبناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة والمساهمة في خدمة الإنسانية وتعمير وتطوير كوكبنا الأرضي، إلا أن تخلف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هو عائق أمام توحيد صفوفها مع شعب كوردستان لتحرير نفسها من براثن الدكتاتورية والشمولية والعنصرية من جهة وتحقيق إستقلال كوردستان من جهة أخرى.

الحقيقة الرابعة: إن الدول المُغتصِبة لكوردستان يتم حكمها من قِبل حكومات شمولية عنصرية متخلفة، حاولت و تحاول إلغاء وجود الشعب الكوردي وإلغاء هويته ولغته وتأريخه وثقافته وتراثه. إن هذه الحكومات العنصرية تستخدم العنف وكل الوسائل الأخرى للقضاء على شعب كوردستان وإعاقة نضاله من أجل التحرر وإستقلال بلاده، بما فيها القيام بالإبادة الجماعية وإستخدام الأسلحة الكيميائية وفرض الحصار الإقتصادي وإتباع سياسة الأرض المحروقة وهدم عشرات الآلاف من القرى والمدن الكوردستانية وتشريد سكانها وحرق غابات كوردستان وتدمير بيئتها والعمل على إلغاء الهوية واللغة الكوردية والتأريخ الكوردي العريق ومحو وإزالة هوية وثقافة وتراث شعب كوردستان.

الحقيقة الخامسة: إن شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هي شعوب متخلفة نتيجة أسباب عديدة ولذلك فهي غير مؤهلةٍ لبناء أنظمة حُكمٍ ديمقراطية وقبول التعددية والرأي المختلف والإعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، بما فيها تحرر شعب كوردستان. قد
يستغرق تأهيل هذه الشعوب وتطورها أجيالاً عديدة. لذلك ينبغي على الكوردستانيين أن يعرفوا هذه الحقيقة وعلى ضوئها يجب أن يُحددوا أهدافهم ويضعوا إستراتيجياتهم ووسائل نضالهم.

كمثالٍ، لِنأخذ النظام الفيدرالي في بلجيكا والتي هي دولة متطورة. لقد إجتاز المجتمع البلجيكي المراحل الإقطاعية والعشائرية ويعيش في المرحلة الرأسمالية وله نظام علماني، لا يتدخل الدين في شئوون الدولة والحكم وأنها عضوة في الإتحاد الأوروبي. بلجيكا مملكة صغيرة تقع في شمال غرب أوروبا وتبلغ نفوسها حوالي عشرة ملايين نسمة ومساحتها 33990 (89.8% منها يابسة و10.2% مياه). البلجيكيون يتألفون من الشعب الفلمنكي (Flanders)، الناطقون باللغة الهولندية ويُشكّلون 58% من سكان بلجيكا ويعيشون في شمال البلاد، ومن الشعب الوَلوني الناطق باللغة الفرنسية والذي يعيش في جنوب البلاد في مقاطعة (Wallonia)، ويُشكّلون 32% من مجموع سكان بلجيكا. هناك أيضاً مجموعة سكانية صغيرة ناطقة باللغة الألمانية تعيش في بلجيكا. الشعوب البلجيكية تُدين بالمذهب الكاثوليكي. الدستور البلجيكي ينص على حق الحكومات الفيدرالية في نقض قرارات الحكومة المركزية. قال الجنرال ديگول مرة "الفلمنكيون البلجيكيون يجعلون حياة الوَلونيين مزعجة لدرجة أنّ الوَلونيين يرمون أنفسهم في أحضاننا". قد يحدث هذا ما قاله الجنرال ديگول ويختار الشعب الوَلوني الإنفصال عن بلجيكا و الإنضمام الى فرنسا، حيث تمر الحكومة البلجيكية بإستمرار بأزمات سياسية حادة بسبب الخلاف المستمر بين الناطقين بالهولندية والفرنسية وصعوبة عيشهم معاً ضمن دولة واحدة. يُظهِر إستفتاء أجرته صحيفة (La Voix du Nord) الفرنسية و(Le Soir) البلجيكية، أنّ 49% من الوَلونيين يؤيدون إنضمام مقاطعتهم الى فرنسا، بينما يؤيد 60% من الفرنسيين هذا الإنضمام.

هكذا نرى أن الشعب البلجيكي المتحضر الذي يتقدم شعوب منطقة الشرق الأوسط بمئات السنين في التطور الإجتماعي والسياسي والإقتصادي والفكري، لا تستطيع القومية الفلمنكية و الوَلونية العيش معاً في دولة فيدرالية وكلتا القوميتين تشتركان في المذهب الكاثولوكي وتختلفان في اللغة فقط. إذن كيف تستطيع الشعوب المتخلفة في منطقة الشرق الأوسط أن تعيش في كيانات سياسية موحدة؟!

الحقيقة السادسة: تتعاون و تُنسّق الدول المُغتصِبة لكوردستان فيما بينها للوقوف بوجه تطلعات شعب كوردستان ومنعه من أن يتحرر من الإستعمار الإستيطاني والإحتلال والعبودية. رغم الخلافات السياسية والثقافية والمذهبية والإقتصادية والتأريخية القائمة بين الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تتعاون معاً للإستمرار في إستعباد شعب كوردستان والإستمرار في إغتصاب بلاده ونهب ثروات كوردستان.

هكذا نرى أنّ القضية القومية لا تزال تلعب دوراً كبيراً في دول ديمقراطية متقدمة ومتطورة، حيث أنه من المتوقع أن تنال شعوبٍ كثيرة في الدول الغربية المتقدمة التي تعيش ضمن كيانات سياسية مشتركة، حريتها وإستقلال بلدانها. القوميون الأسكتلنديون يناضلون من أجل إستقلال بلدهم عن بريطانيا وينظمون إستفتاء بعد آخر لتحقيق هذا الهدف. الشعب الكتالوني و الباسك في إسپانيا يعملان بدورهما من أجل إستقلال بلدَيهما عن إسپانيا. في بلجيكا، شعب الفلامان (الفلامنج) الناطق باللغة الهولندية و شعب الوالون (الوالس) الناطق باللغة الفرنسية، لا ينسجمان معاً في العيش المشترك في بلجيكا ومن المحتمل جداً أن يستقل هذان الشعبان في المستقبل المنظور ويؤسسان دولتَين مستقلتَين على أنقاض مملكة بلجيكا الحالية. شعب كيوبك الناطق بالفرنسية يناضل من أجل الإستقلال عن بقية سكان كندا الناطقين باللغة الإنكليزية. إذا كانت الدول الغربية الديمقراطية التي قد تسبق الشعوب المتأخرة، مثل الشعوب التركية والفارسية والعربية، في التقدم والتطور بمئات السنين، لا تستطيع حل التعدد الإثني في بلدانها فكيف يستطيع شعب كوردستان العيش مع الشعوب المتأخرة للدول المُغتصِبة لكوردستان ضمن كياناتها السياسية الحالية؟!!

الحقيقة السابعة: القضية الكوردستانية غير معنية بجزء مُعيّن من كوردستان وعلاقة ذلك الجزء بِحكومة الدولة المُغتصِبة لكوردستان، بمعزل عن الأجزاء الأخرى، وبكلام آخر فأن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لشعب واحد، مُغتصَب وطنه من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن حل القضية الكوردستانية بتجزئة هذه القضية الى عدة قضايا مستقلة وكل قضية تكون مرتبطة بإحدى الدول المُغتصِبة لكوردستان بحيث يتم عزل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها البعض، بل أن القضية هي قضية شعب كوردستان بأسره وحل القضية الكوردستانية يتم فقط على نطاق كوردستان بأكملها لأن القضية الكوردستانية هي قضية الكوردستانيين جميعاً ولا يمكن حلها ضمن نطاق كل دولة مُغتصِبة لجزء من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى.

مما سبق، يتوصل المرء الى إستنتاجَين مُهمّين، الأول هو إستحالة تمتع الشعب الكوردستاني بحقوقه في المستقبل المنظور والبعيد في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث لا تعترف حكومات وشعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق تقرير المصير لشعب كوردستان.

إن التطور الإجتماعي للمجتمعات البشرية عبارة عن عملية بطيئة جداً، لذلك فأن تطور شعوب البلدان المحتلة لكوردستان يستغرق أجيالاً عديدة، عندئذٍ قد يرتفع المستوى الفكري ووعي هذه الشعوب بحيث تتبنى النظام الديمقراطي وتتفاعل مع المفاهيم والأفكار الإنسانية المعاصرة و تعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره والتعبير عن إرادته.

الإستنتاج الثاني هو أنه لا يمكن حل القضية الكوردستانية في كل جزء مُغتصَب من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى، حيث أن تجزئة القضية الكوردستانية تعني تجزئة كوردستان وتشتت شعبها ونضاله.   

الحقائق السالفة الذكر تؤكد على إستحالة بناء أنظمة سياسية ديمقراطية في الدول المُغتصِبة لكوردستان خلال المستقبل المنظور والبعيد، بحيث تعترف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره بنفسه وأن يكون ندّاً متكافئاً لهذه الشعوب.


53
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (4)

د. مهدي كاكه يي

فشل الكيانات السياسية المصطنعة

دولة الهند الحالية التي كانت دولة واحدة والآن أصبحت ثلاث دول (الهند وپاكستان وبنگلادش)، الإتحاد السوفيتي السابق إختفى وإنبثقت منها دول عديدة. نتجت عن چيكوسلوڤاكيا دولتان، هما جمهورية الچيك وسلوڤاكيا، حيث أنّ هذين الشعبَين إنفصلا  عن بعضهما دون إراقة دماء. يوغسلافيا السابقة تجزأت الى عدة دول، كما إستقلت في الآونة الأخيرة كل من كوسوفو وجنوب السودان. هكذا تستمر الشعوب في فرض إراداتها وليست هناك قوة على كوكبنا الأرضي قادرة على قهر هذه الإرادات. شعب كيوبك الناطقون بالفرنسية في كندا (تبلغ نفوسه 23.2% من سكان كندا) والشعب الأسكتلندي الذي تبلغ نسبتهم 8.5% من نفوس بريطانيا والشعب الكتلاني والباسك في إسپانيا و شعوب في الشرق الأوسط وغيرها من مناطق العالم، بما فيها شعب كوردستان، هي في طريقها نحو إستقلالها.

الدول الكبرى والإقليمية والكُتّاب والمثقفون والسياسيون الذين يصرّون على صهر شعوب المنطقة وإرغامها على العيش المشترك في كيانات سياسية مشتركة، متجاهلين واقع هذه الشعوب، يتهربون مما ينقله لنا التأريخ عن العلاقات العدائية الموجودة بين شعوب وقوميات وأديان ومذاهب المنطقة. إن هؤلاء هم أُناس حالمون، يعيشون على الأوهام والتمنيات. بإصرارهم هذا، سواء عن فهم أو بدونه، فأنهم يعملون على إستمرار نزيف شعوب المنطقة ودمار دول المنطقة ودوام تخلفها وتناحر شعوبها. إنهم يصرّون على إستمرارية الموت والحروب والدمار والخراب والفقر والجهل والمرض، دون أن يردعهم ضميرهم الى التوجه الى حلول واقعية حكيمة لإنقاذ الإنسان في هذه البقعة الجغرافية من الحروب والمآسي التي يعيش فيها. على هؤلاء الإعتراف بفشل تجربة العيش القسري المشترك بين شعوب المنطقة بالضد من إرادتها ورغبتها. هؤلاء المتباكون على وحدة الكيانات السياسية المصطنعة في المنطقة، هم أناس يحملون عقليات فرض الإرادات بالقوة التي أصبحت جزءً من الماضي والتي تجاوزتها العقليات المتحضرة العصرية التي تتفاعل مع القيم والأفكار المُعبرة عن عالمنا الراهن. العقليات المتحجرة عاجزة عن التخلص من الأفكار الماضوية التي كانت سائدة خلال حُقب إزدهار الأفكار العنصرية وأنهم عاجزون عن فهم وإستيعاب التطورات الكبرى الحاصلة في الفكر والقيم والمفاهيم والإقتصاد والتكنولوجيا على كوكبنا الأرضي، فلذلك يصرون على تطبيق ما في عقولهم من أفكار بالية التي لا صلة لها مع واقع شعوب المنطقة، غير آبهين بمئات الآلاف من النفوس البريئة التي تفقد حياتها والدمار الذي تتعرض له بلدان المنطقة.

لِندع شعوب المنطقة تُقرر مصائرها بنفسها، دون وصاية، ونسمح لها في إستفتاء شعبي حر أن تختار هذه الشعوب مستقبلها ومصيرها، دون أن يدّعي أحد بتمثيله لها. في هذه الحالة فقط نحافظ على دماء هذه الشعوب وثرواتها ونفسح المجال لها للعيش بِحرية وأمان وطمأنينة، بعيدين عن أهوال الحروب ومآسي العنف. في هذه الحالة فقط ندع الجميع يتفرغون للبناء والإعمار والتقدم والتطور. بهذه الطريقة فقط نمارس الأساليب الديمقراطية ونحترم إرادة الشعوب وحريتها وتتحقق مساواة الشعوب وحرية الإنسان وسموّه.

يجب أخذ الدروس والعِبر من التأريخ، حيث عاشت شعوب المنطقة ضمن كيانات سياسية موحدة لِحوالي مائة سنة وخلال هذه الفترة الطويلة لم تلتئم لحمتها ولم تستطع الحفاظ على وحدة دولها الهشة المفروضة عليها من خلال البطش والإرهاب والعمل على إلغاء هويات وشخصيات ولغات وثقافات وتاريخ وتراث الشعوب المحكومة والمضطهَدة ونهب ثرواتها وغرق هذه البلدان في دوامة من الحروب والدمار والخراب والتخلف والجهل والجوع والمرض. كفانا نفاقاً و تباكياً على الوحدة القسرية لِدول المنطقة ولنكن جريئين صادقين مع أنفسنا ومع الآخرين ونضع النقاط على الحروف بأن نضع مصلحة شعوب المنطقة فوق أي إعتبار آخر ويكون هدفنا المركزي هو حرية ورُقي وتقدم ورفاهية الإنسان في منطقة الشرق الأوسط. يجب عدم التباكي على كيانات سياسية أصبحت بمثابة سجون كبيرة، حُشرت فيها الشعوب حشراً كالقطيع، تاركينها تعاني وتتقاتل فيما بينها وتموت و في نفس الوقت تتم مباركة وضعها الإنساني المزري بحجة الحفاظ على الحدود "المقدسة" لهذه الدول ومباركة قيام الحكومات الإقليمية الدكتاتورية الشمولية في سعيها لإطالة أعمارها عن طريق قهر إرادة شعوب المنطقة وعلى حساب حرية هذه االشعوب وتقدمها ورفاهيتها.


54
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES - PICOT سايكس – پيكو) (3)

د. مهدي كاكه يي

تقسيم جائر لمنطقة الشرق الأوسط

هكذا، تبعاً لإتفاقية سايكس – پيكو، تمّ تقسيم منطقة الشرق الأوسط بشكل قسري وظالم. على ضوء هذه الإتفاقية، تم تأسيس دول على أنقاض الإمبراطورية العثمانية ورُسمت حدودها دون الرجوع الى إرادة شعوب منطقة الشرق الأوسط ودون الأخذ بنظر الإعتبار خصائص شعوب المنطقة والإختلافات الإثنية والثقافية والتأريخية العميقة بين هذه الشعوب، بل فكرت بريطانيا وفرنسا بمصالحهما فقط. هكذا تم رسم حدود الدول المستحدثة والتي تمّ بها تمزيق أوطان الكورد والعرب السُنّة والشيعة وحتى أن هذه الحدود المصطنعة شتّتت العائلة الواحدة والقبيلة الواحدة ووزعتها بين عدة دول وحشرت شعوباً تعيش في مرحلة البداوة و القبلية وتشهد تخلفاً فكرياً وثقافياً وإجتماعياً، في كيانات جديدة في المنطقة، بالرغم من كونها شعوب متنافرة و متباعدة في لغاتها و ثقافاتها وتأريخها وأهدافها ومصالحها، وبذلك لم تفكر بريطانيا وفرنسا بمستقبل هذه الشعوب والمشاكل والخلافات والنزاعات والحروب المدمرة التي ستنتظرها نتيجة هذا الحشر العشوائي.

إبرام إتفاقية سايكس - پيكو كان جريمة كبرى بحق شعوب الشرق الأوسط وبِحق البشرية جمعاء. إجبار شعوب متخلفة ومتنافرة على العيش معاً في كيانات سياسية مشتركة دون أن تربطهم لغة وثقافة ومصالح وأهداف مشتركة وتأريخ مشترك، كان يحمل في طياته بذور المشاكل والتناحر والمآسي والحروب وبالتالي غياب أي أمل في تحسين حياة هذه الشعوب ومواكبتها للتقدم والتطور العالمي والمشاركة في ركب بناء الحضارة الإنسانية.

منذ رسم الحدود المصطنعة للمنطقة حسب إتفاقية سايكس – پيكو، لم تستقر الأوضاع في هذه الدول المصطنعة والذي كان سبباً في إزهاق نفوس الملايين من سكان المنطقة الأبرياء وتخلفهم وفقرهم بالرغم من توفر كل مقومات التقدم والرفاهية في هذه البلدان من بترول ومعادن وزراعة وسياحة وثروة بشرية، الا أنّ حكومات دول المنطقة المتعاقبة لم تستفد من هذه الإمكانيات الكبيرة وقامت عوضاً عنها بإهدار ثروات البلاد وزج شعوبها في حروب أهلية وخارجية كارثية. كانت تتوفر فرصة جيدة لِحُكّام المنطقة لخلق شعور وطني ومصالح وأهداف مشتركة لشعوبها المتنافرة والتي كانت ستؤدي الى تكوين شعوب متجانسة، تعيش في وئام وسلام ورفاهية، إلا أنّ الحكام هم جزء من المجتمعات المتخلفة، لذلك عملوا على تعميق التناقضات والخلافات والإختلافات بين شعوب وقوميات وأديان ومذاهب المنطقة.

فُرضت هذه الوحدة القسرية على شعوب المنطقة بالقوة والعنف والإكراه والإرهاب وبذلك سبّبت هذه الوحدة القسرية حروباً ومعارك مستمرة بين التجمعات السكانية المختلفة والتي لا تزال مستمرة وخلّفت وراءها الملايين من الضحايا الأبرياء وحولت بلدانها الى خراب وقادت الى الفقر والجهل والمرض والتخلف رغم الحضارة العريقة لِبلدان المنطقة ورغم خيراتها ومياهها وبترولها وثرواتها البشرية.

يجب أن يكون الإنسان ورُقيّه وحريته ورفاهيته هي الهدف الذي تناضل المجتمعات البشرية من أجله، حيث أنّ الحدود الدولية المصطنعة ليست "مقدسة" ولا تتطلب التضحية من أجلها، بل يجب إحترام إرادات الشعوب ورغباتها. القوة والإكراه عاجزتان عن فرض الوحدة على الشعوب بالضد من إراداتها، وإنْ نجحتا في ذلك، فأنهما تخلقان وحدة هشة تنهار وتختفي عندما تزول أو تضعف مصادر تلك القوة والإكراه، كما هو الحال في الوقت الحاضر في كثير من دول المنطقة.



55
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (2)

د. مهدي كاكه يي


أسباب إلغاء معاهدة سيڤر


في الحلقة السابقة، تم ذكر المواد الثلاث المتعلقة بإستقلال كوردستان والتي تضمنتها معاهدة سيڤر. في هذه الحلقة يتم تحديد أهم أسباب إلغاء المعاهدة المذكورة وإحلال معاهدة لوزان محلها. يمكن أن يكون إلغاء معاهدة سيڤر للأسباب التالية:

1. نجاح مصطفى كمال أتاتورك في السيطرة على مناطق واسعة من تركيا  الحالية بعد هزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى. شكّل النصر الذي حققه أتاتورك في الحرب التركية – اليونانية منعطفاً رئيسياً في نجاح أتاتورك أن يصبح في موقف قوي بحيث يكون قادراً على إستخدام الضغوطات لإلغاء المعاهدة. لا شك ان الكورد لعبوا دوراً محورياً في نجاح أتاتورك في حروبه، حيث ألقى الكورد بِثقلهم الى جانب أتاتورك في حربه ضد الأرمن واليونانيين. ففي سنة 1920، قرر مؤتمر قادة الحركة الكوردية التحالف مع حركة كمال أتاتورك، فكان الكورد يُشكّلون القسم الأساسي من قوات كمال أتاتورك. لهذا السبب أشاد القادة الأتراك بالدور الكوردي في محاربة البريطانيين والفرنسيين واليونانيين و تحرير "تركيا" الحالية، بما فيهم أتاتورك وعصمت إينونو وفتحي بگ وحسين بگ هوني الذي قال في خطابٍ له في المجلس الوطني التركي الكبير: إنّ حق التكلّم من فوق هذه المنصة هو للأُمتَين التركية والكوردية. عند إلقاء خطابه على ضريح الجندي المجهول، قال وزير الدفاع التركي آنذاك: أغلب الظن أن هذا الجندي هو كوردي. هكذا إنخدع القادة الكورد بالوعود الكاذبة لأتاتورك ومساعديه وبذلك ساهموا بشكل غير مباشر في إلغاء معاهدة سيڤر.

2. لم يكتفِ الكورد بالتحالف العسكري مع الأتراك، بل ساهموا سياسياً في دعم إلغاء معاهدة سيڤر. في عام 1920م عندما تمّ إنعقاد مؤتمر سيڤر، في  الوقت الذي كانت الهيئة القومية الكوردية برئاسة شريف پاشا تشترك في المؤتمر المذكور، كان الپرلمان التركي يحاول جاهداً إبعاد هذه الهيئة عن تمثيل الشعب الكوردي، حيث كان يتصل برقياً بأعوانه وتابعيه والپرلمانيين في إستانبول، يحثهم على تقديم مذكرات بإسم الكورد ينفون فيها أن يكون شريف پاشا يمثّل الكورد وأن الكورد والأتراك إخوة وليس في نيتهم الإنفصال عن البعض. لقد لعب قسم من الپرلمانيين ورؤساء العشائر الكورد دوراً سياسياً كبيراً في إلغاء هذه المعاهدة.

3. اتفاق اتاتورك مع الحلفاء على الغاء الخلافة الإسلامية وبناء نظام سياسي علماني على النمط الغربي، ساهم في قبول كل من  بريطانيا وفرنسا أن يتم إلغاء معاهدة سيڤر وإحلال معاهدة لوزان محلها.

4. إختفاء روسيا القيصرية وتسلّم الشيوعيين للحكم في روسيا، أقلق دول التحالف بأن يتحالف مصطفى كمال أتاتورك مع الحكومة الروسية الجديدة ومنافستها لِدول التحالف في النفوذ في منطقة الشرق الأوسط.

5. تشتت القيادات الكوردية وإفتقارها الى مرجعية سياسية موحدة تقوم بِوضع إستراتيجية صائبة لترتيب البيت الكوردي وتوحيد قواه ليصبح الشعب الكوردي طرفاً مكافئاً للأطراف التركية  والعربية لِنيل إستقلال كوردستان.

6. خوف بريطانيا من مواجهة أعداء جدد جراء التمسك بإعلان الدولة الكردية ودعمها، مثل روسيا وتركيا الكمالية وإيران والقوميين العرب الذين كانوا حلفاء بريطانيا الأساسيين خلال الحرب العالمية الأولى.

7. قد يكون للعامل التاريخي أيضاً دوراً في إلغاء معاهدة سيڤر، حيث ان الغرب لم ينسوا ما فعله بهم  صلاح الدين الأيوبي الكوردي خلال الحروب الصليبية.

 



56
مستقبل شعب كوردستان بعد إنهيار إتفاقية (SYKES -PICOT  سايكس – پيكو) (1)

د. مهدي كاكه يي

إتفاقية سايكس – پيكو

إتفاقية سايكس - پيكو التي أُبرمت في سنة 1916، كانت إتفاقاً سرياً بين فرنسا وبريطانيا، بمصادقة الإمبراطورية الروسية، على إقتسام منطقة الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد هزيمة الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى والتي كانت تحكم هذه المنطقة. هذه الإتفاقية كانت حصيلة مفاوضات سرية بين الدبلوماسي البريطاني (مارك سايكس) والدبلوماسي الفرنسي (فرانسوا جورج پيكو) التي جرت خلال الفترة الممتدة بين شهر تشرين الثاني/نوڤمبر من سنة 1915 وشهر مايس/مايو من سنة 1916. كانت هذه الإتفاقية على صورة تبادل وثائق تفاهم بين وزارة الخارجية البريطانية والفرنسية والروسية القيصرية آنذاك. تمّ الكشف عن الإتفاقية عند تسلّم الشيوعيين للحكم في روسيا سنة 1917، والذي أثار إحتجاج ورفض الشعوب التي كانت الإتفاقية تتعلق بها، كما أن هذا الكشف أحرج كلاً من فرنسا وبريطانيا.

بموجب هذه الإتفاقية، تم تقسيم منطقة الهلال الخصيب، حيث حصلت فرنسا على الجزء الأكبر من الجناح الغربي من الهلال الخصيب (سوريا ولبنان وجنوب كوردستان)، بينما إمتدت المناطق التي سيطرت عليها بريطانيا من بلاد الشام الجنوبي، متوسعةً شرقاً لِتضم ولاية بغداد والبصرة وجميع المناطق الواقعة بين الخليج الفارسي والمنطقة الفرنسية في سوريا. كما أنه تقرر أن تصبح فلسطين تحت إدارة دولية، يتم الإتفاق عليها بالتشاور بين كل من بريطانيا وفرنسا وروسيا.  نصّت الاتفاقية أيضاً على منح بريطانيا مينائَي حيفا وعكا، على أن تكون لِفرنسا حرية إستخدام ميناء حيفا وتمّ منح بريطانيا من قِبل فرنسا بالمقابل إستخدام ميناء الأسكندرونة الذي كان سيصبح تحت إدارتها.

معاهدة سيفر وحق شعب كوردستان في الإستقلال
لقد تم التأكيد على نصوص إتفاقية سايكس - پيكو مجدداً في مؤتمر سان ريمو الذي تمّ إنعقاده في سنة 1920 والذي خلاله تمّ تحديد الحدود النهائية للمنطقة. بعد هذا المؤتمر، أقرّ مجلس عصبة الأمم وثائق الإنتداب على المناطق المعنية في 24 حزيران/يونيو 1922. في شهر آب/يوليو 1920، تمّ إبرام معاهدة سيفر التي عقدت بين الحلفاء و(تركيا). المادة 62 و63 و64 من هذه المعاهدة كانت تتعلق بِشعب كوردستان، حيث نصت هذه المواد على إنشاء دولة كوردستان والتي نصوصها هي:

المادة 62: ستقوم لجنة مكوّنة من ثلاثة أعضاء تُعيّنهم الحكومات البريطانية والفرنسية والإيطالية على التوالي وتتخذ إسطنبول مركزاً لها، بوضع خطة خلال ستة أشهر من تأريخ تنفيذ المعاهدة للإستقلال الذاتي للمناطق التي تسكنها أغلبية كوردية والتي تقع شرقي الفرات وجنوبي الحدود الجنوبية لأرمينيا، وشمال حدود تركيا مع سوريا والعراق. و ينبغي أن تشتمل الخطة على ضمان حقوق الأقليات الآشورية – الكلدانية والأقليات الدينية الأخرى التي تسكن في المنطقة.

المادة 63: توافق الحكومة التركية على تنفيذ قرارات اللجنة المذكورة في المادة 62 خلال ثلاثة أشهر من إخبارها بقراراتها.

المادة 64: إذا ظهر أنّ غالبية الشعب الكوردي، كما حُدّد في المادة 62، قد أظهر الرغبة في الإستقلال عن (تركيا) خلال عام واحد، وإذا إعتبر مجلس عصبة الأمم أن هؤلاء القوم قادرون على التمتع بهذا الإستقلال، فإنّ (تركيا) ستوافق على تنفيذ توصيات المجلس، وأن تتخلى عن جميع حقوقها وممتلكاتها في هذه المنطقة (أنظر الى هامش صفحة 40 من كتاب الدكتور شاكر خصباك المعنون "الكرد والمسألة الكردية"، الطبعة الثانية، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 1989).

معاهدة  لوزان
في 24 يوليو/تموز سنة 1923، تمّ إبرام إتفاقية جديدة التي عُرفت بإسم معاهدة لوزان والتي ألغت معاهدة سيفر وبذلك تمّ التراجع عن تأسيس دولة كوردستان. بموجب معاهدة لوزان، تم التنازل أيضاً عن معظم المناطق الكوردستانية التي كانت تحت الإنتداب الفرنسي  لتركيا الأتاتوركية، إضافة إلى منح تركيا بعض المناطق التي كانت قد أُعطيت لليونان في معاهدة سيفر.

في وقتٍ لاحق تمّ تأسيس لبنان خلال فترة الإنتداب الفرنسي على سوريا، وتمّ فصل شرق الأردن خلال فترة الإنتداب البريطاني على فلسطين، وأصبح الإنتداب البريطاني على العراق الذي تشكّل من ثلاث ولايات عثمانية وهي شارَزور (الموصل) وبغداد والبصرة. في سنة 1939، تنازلت فرنسا عن منطقة إيسوس (الإسكندرونة) لِتركيا.

حسب إتفاقية سايكس - پيكو، تم تأسيس الكيان العراقي من ولاية بغداد العثمانية مضافة اليها ولايتي شارزور ( الموصل لاحقاً) والبصرة، بعد إقتطاع أجزاء من الولايتين الأخيرتين وتوزيعها بين الكيانات الجديدة التي ظهرت في المنطقة، تركيا والسعودية وسوريا. كما تم تأسيس إمارات جديدة على أنقاض ولاية البصرة مثل إمارة الكويت وقطر.

كانت ولاية شارَزور تشمل آمد (دياربكر) و(وان) من الشمال وتحدّها ايران من الشرق ودير الزور من الغرب وولاية بغداد من الجنوب، أي أن ولاية شارَزور كانت تشمل كوردستان بأكملها ما عدا القسم الشرقي منها التي بقي تحت الحكم الفارسي حسب معاهدة أرض روم التي أُبرمت بين الإمبراطورية العثمانية والصفوية في عام 1639. تم تقسيم الجزء الذي كان تابعاً للإمبراطورية العثمانية من كوردستان، حسب إتفاقية سايكس - پيكو، بين كل من العراق وسوريا وتركيا و بذلك أصبحت كوردستان مقسمة الى أربع أقسام وكل قسم يتبع احدى الدول الأربع التي مر ذكرها. أما ولاية البصرة، فكانت تشمل جنوب العراق والكويت ونجد وقطر والإحساء والقطيف وديزفول، حيث أُعطيت نجد والإحساء والقطيف للمملكة العربية السعودية وديزفول تمّ ضمها من قِبل إيران.


57
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (38) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (6)


د. مهدي كاكه يي

أصبحت كوردستان تؤلف جزء من الأمبراطوريات التي تعاقبت بعد إحتلال بابل من قِبل الأسكندر المكدوني. قام الملك السلوقي أنطيوخيوس السابع (حكم من 138 ق.م - 129 ق.م) بآخر حملة كبيرة له على ميديا، إلا أنه تمّ  إندحار قواته وكانت بمثابة كارثة كبيرة للإغريق في الشرق وللوجود الهيليني في بلاد ما بين النهرَين1.

في سنة 36 قبل الميلاد دخلت كوردستان في حكم القائد الروماني (مارك أنتوني) الذي كان في صراع مستمر مع الأشكانيين، والذي إنتهى بإندحار الجيش الروماني وإغتنام الأشكانيين لكثير من الأموال والعتاد والذخيرة الرومانية. كانت ( ميديا الأتروپاتية) في هذا الوقت مستقلة تماماً.

بعد فترة من الزمن هاجم الملك الأشكاني بِجيش كبير على ( ميديا الآتروپاتية) فقضى عليها بعد معارك دامية وتمّ أسر ملكها وإستولى أيضاً على أرمينيا، حيث أنه نصّب أحد أقاربه ملكاً عليها2. في سنة 1 قبل الميلاد عقدت الحكومة الأشكانية معاهدة مع حكومة روما تنازلت بموجبها عن مقاطعتَي أرمينيا و كوردستان لِحكومة روما.

في بداية القرن الأول الميلادي، نتيجة خلافات داخلية، تم قتل عدد من ملوك الأشكانيين. لهذا السبب طلب الأشكانيون من الروم أن يُعيّنوا أحد إخوة الملِك السابق ملِكاً للدولة الأشكانية، إلا أنه بعد تعيين هذا الملِك بفترة، تندّم الأشكانيون على إختيار ذلك الملك الرومي، حيث كان هذا الملِك يجهل تماماً العادات والتقاليد التي كانت سائدة في بلادهم وكان هذا الملِك غير مؤهّل لِحُكم الأشكانيين، حيث كان متغطرساً ويتعامل مع الناس بإستعلاء. لذلك في سنة 16 الميلادية، قدِم الملِك الميدي (آرتابانوس Artabanus) مع جيش ميدي الى العاصمة الأشكانية، ففرّ الملِك الأشكاني (ڤونونيس Vonones) وطلب الأشكانيون من (آرتابانوس) أن يصبح ملِكاً عليهم.

السُلالة الميدية الحاكمة (سُلالة آترپات) حكمت مملكة ميديا لقرون عديدة كمملكة مستقلة أو تابعة للسلوقيين ومن ثم للأرخميديين الذين إرتبطوا معهم بصلة القرابة عن طريق الزواجa. السلالة الميدية أصبحت العائلة الأرخميدية الحاكمة الجديدة من خلال زواج وريثة العائلة الأرخميدية من وريث العائلة الآتروپاتية. اليونانيون أطلقوا إسم (آتروپاتيني الميدية) أو (آتروپاتيني)، على الجزء الذي كان يحكمه (آترپات) من ميديا، بينما أطلق الأرخميديون عليه إسم (آتيورپاتاكان) وأطلق الساسانيون الذين حكموا بعد الأرخميديين نفس الإسم على ميديا آتروپات. هذا الإسم أصبح فيما بعد (أذربايجان).

آخر ذكر للحُكم الميدي في المصادر التاريخية، تمّ في نهاية القرن الثالث الميلادي، حيث أنه مذكور في سجل أعمال الملك (أردشير پاپەگان) المكتوب باللغة الپهلوية في القرن السادس الميلادي. في السجل يتم الحديث عن أول حرب قام بها (أردشير پاپەگان) في القرن الثالث الميلادي التي حصلت ضد ملِك ميدي، حيث يقول:  بعد أن قام الملك الساساني (أردشير) بقتل الملك الأشكاني (أردوان الخامس)، قام بِجمع جيش كبير في منطقة (زابول) وذهب لمقاتلة الملك الميدي الكوردي3. في البداية هُزم جيش الملك أردشير أمام جيش ملِك ميديا، إلا أنه بعد هذه الهزيمة، قام أردشير بتنظيم جيش أكبر وأقوى والذي به هاجم الميديين وإستطاع أسر الملك الميدي وأفراد عائلتهb.


على الأرجح أن إسم مدينة (المدائن) متأتي من الإسم "ماديان" و الذي يعني باللغة الكوردية "ماديون أو ميديون" الذين هم أسلاف الكورد، حيث تم تحويره من قِبل العرب الى "المدائن" و أطلق الفرس عليها إسم "تيسفون".


المصادر

1. (زينفون (1978). ساثيو بيدي لاسبيلاس. باريس، فرنسا، صفحة 241.

2. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب،  صفحة 173.

3. توفيق وهبي بك (2006). الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، سليمانية، كوردستان، صفحة 17.


المراجع

a. Schippmann, K. (1989), "Azerbaijan III: Pre-Islamic History", Encyclopaedia Iranica 3.1, London: Routledge & Kegan Paul.

b. Farrokh, Kaveh (2007). Shadows in the Desert: Ancient Persiaat War. Osprey Publishing, USA.



58

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (37) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (5)


د. مهدي كاكه يي
 

كانت (آتروپاتين) البلد الواقع في غرب آسيا، أقل تأثراً بالحضارة الإغريقية من جميع البلدان الأخرى. لا توجد حتى قطعة نقدية واحدة مسكوكة لِحُكام (آتروپاتين)، لكن يرى الباحثون المعاصرون بأن (آتروپاتين) كانت مكاناً خاصاً للديانة الزردشتية، ويستندون الى حد ما على الإتيمولوجيا الشعبية للإسم وعلى التقاليد الزردشتية (إسم "آتروپاتين" يعني "بلاد عبادة النار")، بما في ذلك التقاليد فيما يتعلق مسقط رأس زردشت، وذلك الى حد ما بسبب الظاهرة الطبيعية للهيب النيران المنبعثة من شقوق الصخور الموجودة في جميع أنحاء مناطق (آتروپاتين) (إتيمولوجيا هي عِلم متخصص في مجال أصل الكلمات وتاريخها). قد يكون الملوك الميديون بلا شك قد إعتنقوا الديانة الزردشتية، إلا أنه لم تكن العقيدة الزردشتية عميقة الجذور بين رعايا الإمبراطورية الأخمينية وكان الدين اليزداني سائداً بينهم.

ظل جنوب ميديا كمقاطعة من الإمبراطورية السلوقية لمدة قرن ونصف، وإنتشرت الهيلينية في المنطقة. كانت ميديا محاطة بالمدن اليونانية في كل مكان، وفقاً لِخطة الأسكندر المكدوني لحمايتها من الممالك المجاورة، حسب كلام (پوليبيوس Polybius)a. مدينة إكباتانا كانت المدينة الوحيدة التي حافظت على طابعها القديم. (سلوقس الأول نيكاتور Seleucus I Nicator)، الذي كان قائداً عسكرياً في جيش الأسكندر المكدوني، قام بتغييرإسم  مدينة (رَي Rhagae) الى (يوروپوس Europus). بالإضافة الى هذه المدينة، يذكر سترابو  أسماء مدن (لاوديسيا Laodicea) و (أپاميا هيراكليا Apamea Heraclea) أو (أچايس Achais)b. تم بناء معظم  هذه المدن من قِبل (سلوقس الأول Seleucus I)  وإبنه (أنتيوچس الأول Antiochus I).

في سنة 221 قبل الميلاد، حاول حاكم ميديا (مولون Molon) أن يجعل مملكته مستقلة (توجد عملات برونزية بإسمه مع لقبه الملِكي)، جنباً إلى جنب مع شقيقه أسكندر، حاكم (پيرسيس Persis)، إلا أنهم هُزِموا أمام جيش (أنتيوچس الكبير Antiochus the Great) وبعد هزيمته إنتحر (مولون). بنفس الطريقة، أصبح الحاكم الميدي (تيمارچس Timarchus) ملِكاً وقام  بِغزو بابل. في النقود التي سكّها، يُسمّي نفسه الملِك العظيم (تيمارچس)، إلا أنه مرة أخرى نجح الملك (ديمتريوس الأول Demetrius I)، في إخضاع ميديا وتمّ قتل (تيمارچس). مع بدأ حُكم (ديمتريوس الأول)، حلّ إنهيار الإمبراطورية السلوقية، والذي نتج في المقام الأول عن دسائس الرومان، وبعد ذلك بوقت قصير، في حوالي سنة 150 قبل الميلاد، قام الملك الپارثي (ميثراداتس الأول Mithradates I)  بِغزو ميدياc.

منذ ذلك الوقت ظلت ميديا تخضع للأشكانيين (الپارثيين) الذين غيّروا إسم (رَي  Rhagae)، أو (يوروپوس Europos)، إلى (أرساسيا Arsacia)t، وقاموا بتقسيم البلاد إلى خمسة أقاليم صغيرة (Isidorus Charac). في سنة 226 م، أصبحت هذه الأقاليم بالإضافة الى (آتروپاتين) تحت حُكم الساسانيين. قام الساسانيون بإحياء الديانة الزردشتية بالإكراه في كل مكان، ثم أصبحت (آتروپاتين) المركز الرئيسي لِعبادة النار، وبُنيت فيها العديد من معابد النار وأصبحت (رَي) أكثر المدن المقدسة للإمبراطورية الساسانية ومقراً لرئيس الهيئة الدينية الزردشتية و لِآڤيستا الساسانية وتقاليد معتنقي الديانة الزردشتية ولهذا السبب تُعتبر (رَي) موطن عائلة النبي زردشت.

بعد الإحتلال اليوناني للمنطقة، لعب الميديون دوراً فعالاً في الأحداث التي حصلت في المنطقة، حيث إشتركوا في العديد من الحروب التي إندلعت فيها وكانوا يحاولون تقوية سلطتهم وتوسيع مملكتهم. بعد ضعف السلطة اليونانية في المنطقة وإزدياد النفوذ الأشكاني، كان الملوك الميديون يستغلون الخلافات القائمة بين الأشكانيين والروم لتقوية حكمهم وكانوا يُقيمون التحالفات مع القوى الأخرى تبعاً للتغيرات التي كانت تحصل في ميزان القوى في المنطقة.

بعد وفاة الأسكندر المكدوني، تجزأت إمبراطوريته وأصبحت ميديا ضمن المنطقة التي كان يسيطر عليها أحد جنرالات الأسكندر المكدوني والذي كان إسمه (سلوقس Seleucus)، حيث قام بتأسيس السلالة السلوقية. بقيت ميديا تحت الإحتلال السلوقي لمدة 64 سنة (311 – 247 قبل الميلاد). في سنة 250 أو 249 قبل الميلاد، إحتل الأشكانيون بلاد ميديا. في عهد الملك الأرمني (تيگران الثاني) (توفي في سنة 55 أو 54 قبل الميلاد)، كانت ميديا محتلة من قِبل الأرمن، حيث أن الملك الأرمني بنى عاصمته الثانية (تيگران كيرتا) في الأراضي الميديا وهي مدينة (ميافارقين) الحالية1. في الربع الأول من القرن الأول قبل الميلاد أصبحت ميديا ساحة للصراع بين القوى الإقليمية الكبرى الثلاث المتمثلة  بالرومان والأشكان والأرمن، حيث تشكّلت جبهتان متصارعتان، الجبهة الأولى كانت تضم كلاً من الأشكان والأرمن والجبهة الثانية كانت مؤلفة من كل من الرومان والميديين، حيث تمّ إتخاذ مدينة (نصيبين) قاعدة عسكرية رومانية من قِبل القائد الروماني (لوكولس) ومن ثم القائد الروماني پومپَي2. تبعاٌ للتحالف الذي كان قائماً بين الميديين  والرومان، وقف الملِك الميدي أردافست (أرْدَوان) الى جانب القائد الروماني (أنتونيو) في حربه ضد الأشكان والأرمن، لذلك شنّ الملِك الأشكاني فرهاد الرابع والملِك الأرمني أرداشيس الثاني (حكم من سنة 30 الى 20 قبل الميلاد) هجوماً مشتركاً على الأراضي الميدية في المنطقة الواقعة بين تبريز وهمدان وخلال هذا الهجوم إستطاع  الملِك الأرمني أن يقتل الملِك الميدي أردافست. بين سنة 1 – 2 ميلادية سيطر الرومان على أرمينيا وعينوا عليها حاكماً ميدياً إسمه (أريوبازان) و بين سنة 2 – 11 ميلادية حكم أرمينيا شخصاً ميدياً آخراً إسمه أردافست الخامس3.

سلالة آتربات (atropat) حكمت بحزم لمدة خمسة قرون، وتمسكوا بعاداتهم الكوردية القديمة. الميديون في ميديا الصغرى أصبحوا أمة قوية والتي لم تتقهقر أمام جحافل الرومانيين. كان الآتروباتيون يفتخرون بأنفسهم عن جدارة، بعد ان قطعوا أوصال الإمدادات للإمبراطور الروماني (أنتونيو) في سنة 37 قبل الميلاد.

في سنة 220 - 222 قبل الميلاد، حصل ملك ميديا الصغرى( أرتبازان) على أراضي واسعة ليس فقط بإتجاه الجنوب ولكن أيضا بإتجاه الشمال من نهر آىراس. وعقد تحالفاً مع ثوار مرزبان ميديا العظمى (آرشيكوم) ضد السلوقيين. (أرشيكوم) باللغة الكوردية هو "آري شاك" أي "الرجال اﻷريين". الإسم الأرمني "أرتساخ" متأتي من هذا الإسم. في سنة 138 قبل الميلاد، ميديا الصغرى غزاها ملك الپارثيين (ميثراتديس الأول)، (ميثرا دال "إله الشمس ميثرا دال" باللغة الكوردية).

أصبحت كوردستان بعدها تؤلف جزء من الأمبراطوريات التي تعاقبت بعد إحتلال بابل من قِبل الأسكندر المقدوني. قام الملك السلوقي أنطيوخيوس السابع (حكم من 138 ق.م - 129 ق.م) بآخر حملة كبيرة له على ميديا، إلا أنه تمّ  إندحار قواته وكان بمثابة كارثة كبيرة للإغريق في الشرق وللوجود الهيليني في بلاد ما بين النهرَين4. 

يذكر الباحث مهرداد إيزادي بأنه خلال القرن الأول قبل الميلاد كانت هناك ثلاث ممالك كوردية قائمة في آسيا الصغرى وهذه الممالك كانت مملكة (كاپادوكياCappadocia ) ومملكة (كوماجين Commagene) ومملكة (پونتPontus )d. خلال حُكم الملك الكوردي (ميثريدات Mithridates) العظيم (حكم من سنة 120 – 63  قبل الميلاد) ، إمتدّ نفوذ مملكة پونت من اليونان إلى جنوبي أُوكرانيا. كان ملوك مملكة (پونت) يحملون لقب ميثريدات. تمّ إسقاط هذه الممالك الثلاث من قِبل الرومان. في حديثه عن وقائع القرن الأول قبل الميلاد، يذكر المؤرخ اليوناني (پلوتارچ Plutarchus ) (120 – 40 م) أن زوجة الملك الكوردي (ميثريدات Mithridates) ملك مملكة (پونت Pontain) كانت تقود وحدة عسكرية وتقاتل إلى جانب زوجها ضد القائد الروماني (پومپَى Pompey) (106 – 64 ق.م) الذي كان يحاول غزو مملكة (پونت)d.

المصادر

1. أرشاك سافراستيان (2008). الكرد وكردستان. ترجمة الدكتور أحمد محمود الخليل، االطبعة الثانية، صفحة 48.

2. مروان المدوّر (1982). الأرمن عبر التاريخ. دار مكتبة الحياة، صفحة 155 – 157.

3. المصدر السابق، صفحة 158 – 162.


4. (زينفون (1978). ساثيو بيدي لاسبيلاس. پاريس، فرنسا، صفحة 241.


المراجع

a. Polybius x. 27.

b. Strabo xi. 524.

c. Justin xli. 6.

d. Mehrdad R. Izady: The Kurds :A Concise History And Fact Book. First Edition, page 194.

 


أرمينيا في ظل الملك الأرمني تيگرانا




أسكندر المكدوني









 

  محاربون ميديون







 مملكة آتروپاتينا







  أسكندر المكدوني في معركة ضد الملك الأخميني دارا الثالث

59
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (36) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (4)


د. مهدي كاكه يي

 
 
في خريف وشتاء سنة 324 أو 323 قبل الميلاد، إستضاف (آترپات) في مدينة إكباتانا الأسكندر المكدوني و أحد أقرب أصدقاء الأسكندر الذي كان إسمه (هيفايستيون Hephaestion) والذي كان الشخص الثاني في القيادة. يذكر بعض المصادر أن (آترپات) عرض على الأسكندر تقديم هدية ثمينة له والتي كانت عبارة عن مائة مُحارِبة (أمازونيات)، إلا أن (آريان Arrian) ينفي حصول هذا الشئa. الملك المكدوني ربما إحتاج للترفيه عن نفسه لأن صديقه المقرّب (هيفايستيون Hephaestion) قد توفي بعد وصوله الى مدينة إكباتانا بفترة قصيرة. لاحقاً، بعد 8 أشهر، مات الأسكندر وذلك في شهر يونيو/حزيران من سنة 323 قبل الميلاد.

بعد وفاة الأسكندر المكدوني، أصبح صهر (آترپات) الذي كان إسمه (پيرديكاس) وصياً على العرش للأخ غير الشقيق للأسكندر المكدوني الذي كان إسمه (فيليپ الثالث). بعد تقسيم بابل، قام القادة المكدونيون بتقسيم المقاطعات خلال المؤتمر الذي تم عقده في (تريپاراديسوس Triparadisus) وذلك في سنة 323 قبل الميلاد. تم تقسيم ميديا، حيث مُنِح القسم الجنوب الشرقي الذي كان يُشكل الجزء الأكبر من ميديا الى شخص مكدوني إسمه (پيثون Peithon) والذي كان جنرالاً في جيش (پيرديكاس) وهذا القسم كان يسيطر على الطريق الرابط بين الغرب والشرق، بينما إحتفظ (آترپات) بالقسم الشمال الغربي من ميديا كمملكة له والذي كان يقع حول حوض نهر آراس، حيث أن (آترپات) رفض الولاء لخلفاء الأسكندر المكدوني، فأسس مملكة مستقلة وحصر الحُكم في عائلته. كانت (ميديا الأتروپاتية) بلداً عظيماً نظراً للقوة العسكرية الكبيرة التي كانت تملكها، حيث كان الجيش الميدي مؤلفاً من عشرة آلاف فارس و أربعين ألف مشاة.

تمّ قتل (پيرديكاس)، الذي كان صهر (آترپات)، من قِبل (پيثون) في صيف سنة 320 قبل الميلاد.

كان (آترپات) الحاكم الوحيد الذي تمكن من الإحتفاظ بِحُكمه، كما كان الحال في عهد أسكندر وبعد وفاته، ومع ذلك ظلت أراضي واسعة من كوردستان مثل آسيا الصغرى وبلاد ما بين النهرَين (ميزوپوتاميا) وجنوب ميديا، بما فيها (لورستان) و (أفرومان) وقسم من (أردلان)، تحت سيطرة الغزاة المكدونيين، حيث أنهم أنشأوا هناك مستوطانات إغريقية (يونانية). حكم (آترپات) فقط شمال ميديا، من ضمنها المنطقة الواقعة حول بحيرة (أورميه) و شمال مدينة (إكباتانا) والمناطق الواقعة على جانبَي نهر آراس. هكذا تمخضت عن فترة حكم الأسكندر المكدوني قيام دولة (آتروپاتينا) في جنوب آذربايجان وقيام دولة ألبانيا في الشمال.

أصبح جنوب ميديا مع إكباتانا تحت حُكم (أنتيگونوس Antigonus) وثم أصبحت تحت حُكم سلوقس الأول في حوالي سنة 310 قبل الميلاد، بينما حافظ (أترپات) على حُكمه ونجح في المحافظة على إستقلالية مملكته.

هذا هو آخر الأخبار عن (آترپات) في المصادر اليونانية. لم يتم ذكره في تأريخ حروب الممالك الهيلينية (ديادوچي Diadochi) التي تم إنشاؤها على أنقاض الإمبراطورية المكدونية بعد وفاة الأسكندر المكدوني. من خلال الأحداث يتبين أن (آترپات) توفي بعد سنة 320 قبل الميلاد. على كل حال فأن إسم (آترپات) يظل باقياً في إسم (آذربايجان) التي هي في الوقت الحاضر مقاطعة تقع في شمال إيران الحالية.

ليست هناك معلومات عن الوظائف التي شغلها (آترپات) في سنّه المبكر، إلا أنه من المؤكد أن والدَيه كانا من مُعتنقي الديانة اليزدانية. يمكن الإستدلال من إسمه الذي يعني (حامي النار)، على أنه كان أحد أبناء اليزدانيين. من الجدير بالذكر أن النار مقدسة في الديانة اليزدانية التي سبقت الديانة الزردشتية بفترة زمنية طويلة، وأن الديانة الزردشتية إقتبست الكثير من فلسفتها وطقوسها من الديانة اليزدانية، ومنها تقديس النار، إلا أن الكثير من المؤرخين والباحثين يجهلون أو يتجاهلون الديانة اليزدانية التي كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية وينسبون كل ما له علاقة بعبادة وتقديس النار الى الديانة الزردشتية. من المرجح جداً أن عائلة (آترپات) كانت غنية وذات نفوذ كبيرة، حيث أن إبن العائلة كان حاكماً لميديا.
 
يذكر المؤرخ اليوناني (بوليبيوس) بأن عاصمة ميديا الآتروپاتية في ذلك الوقت كانت مدينة (گازاكا) الواقعة في منتصف الطريق بين مدينة (إكباتانا) و(أرمافير) على نهر آراس. إمتدت مملكة (آترپات) من بحر قزوين الى منابع (ريوبي العليا) الذي هو نهر(فاسيسا) الواقع في جمهورية جورجيا الحالية، حيث كان من المقرر أن تشمل أيضاً (أرارات) و(إفيريا)1.

تقع عاصمة (أتروپاتين)، (گازاكا)، في السهل الأوسط. تمّ إكتشاف قلعتها (فرآسپا Phraaspa)، على نهر آراس من قِبل علماء الآثار في أبريل/نيسان 2005. كان الملوك الميديون لهم جيش قوي ومولعون بالفنون الحربية، خاصةً في سلاح الفرسانb، c. مع ذلك، في سنة 220 قبل الميلاد، تمّ إجبار الملك الميدي (أرتابازانيس Artabazanes) من قِبل (أنتيوچس الكبير Antiochus the Great) على إبرام معاهدة مجحفةb. في الأوقات اللاحقة، أصبح الحكام الميديون يعتمدون بدورهم على الپارثيين، وعلى الملِك الأرميني (تيگران Tigranes). في عهد (پومپَي Pompey) الذي هزم ملِكهم (داريوس)d، إعتمد الملوك الميديون على (أنتونيو Antonius) الذي غزا آتروپاتين و على ملِك روما (أوغسطس Augustus). في زمن سترابو (سنة 17 ميلادية)، كانت السلالة الملكية الميدية لا تزال باقية.


المصادر

1. تاريخ العالم القديم. موسكو، 2000، صفحة 389.


المراجع


a. The Anabasis of Alexander; or, The history of the wars and conquests of Alexander the Great. Literally translated, with a commentary, from the Greek of Arrian, the Nicomedian, Published 1884.
 
b. Polybius v. 55.

c. Strabo xi. 253.

d. Appian, Mithr. 108.






 

الملك الميدي آترپات


خارطة آتروپاتينا




نقود مملكة آتروپاتينا


 

نقود مملكة آتروپاتينا



الإمبراطورية الأخمينية في أوج عظمتها


 
نقوش رومانية




خارطة الإمبراطورية الميدية



موقع مملكة آتروپاتينا



فرسان ميديين

60
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (35) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (3)


د. مهدي كاكه يي


عندما توجّه الأسكندر المكدوني الى المنطقة لإسقاط الدولة الفارسية، كان الملك الميدي (آتَرپات) يحكم جزءاً من كوردستان. المصادر التأريخية تذكر بأنه في خريف عام 333 قبل الميلاد، هزم (أسكندر المكدوني) جيشاً ضخماً للملك الفارسي (دارا الثالث) في معركة (إسسوس). هرب (دارا الثالث) الى بابل، وبدأ في جمع جيش جديد. وصل القائد الكوردي (آترپات) إلى بابل مع وحدة عسكرية تم تشكيلها في ميديا. إختار (دارا) قرية كوردية إسمها (گاوگامیلا Gaugamela) الواقعة قرب مدينة أربيل مقراً لجيشه. في 1 تشرين الأول/أكتوبر سنة 332 قبل الميلاد، حدثت معركة كبرى في هذه القرية بين الأخمينيين والمكدونيين والتي حددت مصير آسيا الصغرى عبر قرون عديدة وسُميّت هذه المعركة بإسم هذه القرية. إشتركت ميديا، تحت قيادة الملِك (آترپات) في معركة (گاوگامیلا Gaugamela) التي دارت بين الملِك الأخميني (دارا الثالث) والأسكندر المكدوني. في هذه المعركة، كان (آترپات) قائداً عسكرياً للجناح الأيمن من الجيش الأخميني والذي كان يُشكّل الوحدات العسكرية المهمة جداً في هذا الجيش. شارك الكادوشيون والألبان والسكيثيون الذين كانوا من سكان آذربايجان، مع الميديين تحت قيادة (آترپات) في هذه المعركة. قاد حاكم مقاطعة باكتريا (بيسوس Bessus) الجناح الأيسر من الجيش الأخميني في هذه المعركةa. نتيجة الضغط الذي تعرض له (دارا الثالث) من قِبل (أسكندر المكدوني)، ﻻذ (دارا) بالفرار، وبعد ذلك ﻻذ الجيش الفارسي أيضاً بالفرار. قاتل (آترپات) ومعه الكورد الخيالة (الفرسان) في هذه المعركة و حقق نجاحاً، حيث إستطاع فرسان (آترپات) الوصول الى مؤخرة الجيش المكدوني وقاموا بِنهب أمتعتهم، إلا أن هروب (دارا) حدّد نتيجة المعركة، حيث بقيت قوات (آترپات) تواجه القوات المكدونية لوحدها. بعد إختراق فرسان (آترپات) لمؤخرة الجيش المكدوني، تراجعت القوات الميدية الى عُمق ميديا. كان جيش (آترپات) يتألف أيضاً من الخيالة النسائية (أمازونيات Amazones).

بعد هزيمة الجيش الأخميني أمام الجيش المكدوني، أصبحت الإمبراطورية الأخمينية عاجزة عن الإستمرار في القتال والمقاومة، فهرب الملِك الأخميني (دارا الثالث) الى العاصمة الميدية (إكباتانا) (مدينة همدان الحالية)، حيث أنه أصبح في ضيافة الملِك الميدي (آترپات). حاول (دارا) تشكيل جيش جديد، لكن هذا الجيش لم يكن جاهزاً عندما إقتربت قوات الأسكندر المكدوني من عاصمة الإمبراطورية الأخمينية، (پيرسیپولیس) التي تم تدميرها من قِبل الأسكندر المكدوني في شهر حزيران/يونيو من سنة 330 قبل الميلاد. إضطر الملك الأخميني أن يهرب من مدينة (إكباتانا) الى الشرق. بعد مرور شهر على هروبه، تمّ قتله من قِبل (بيسوس) حاكم مقاطعة باكترياa، b.  بعد أن إستطاعت قوات أسكندر المكدوني من دحر قوات (بيسوس) التي كانت متمركزة في باكتريا، إستسلم كبار قادة الفرس والكورد الواحد تلو الآخر لقوات أسكندر. من بين القادة المستسلمين كان الملِك الميدي (آترپات). قام أسكندر بِالإطاحة بِحُكم (آترپات) وإختار رجلاً ميدياً إسمه (أوكسيداتس Oxydates) حاكماً على ميديا، إلا أنه في سنة 328 أو 327 قبل الميلاد، بعد أن شكّ الأسكندر في ولاء (أوكسيداتس) له، تمت إعادة تعيين (آترپات) في منصبه السابق كحاكم لِميديا لأن الأسكندر المكدوني أراد أن يكون هذا النبيل الأصيل الى جانبه.

هكذا أنهت معركة (گاوگامیلا) حُكم الفرس الأخميينين التي دامت حوالي 220 سنة. بقي قسم من كوردستان متمتعاً بإستقلاليته، حيث أن المقاطعة الميدية التي حكمهما (آتَرپات)، إحتفظت بإسمها ك(ميديا الآترپاتية) وحافظت على إستقلالها. في البداية كانت (ميديا الآترپاتية) تحت الحكم اليوناني، إلا أنه بعد فترة قصيرة إستطاع (آتَرپات) أن يستقل بمقاطعته وأصبح ملِكاً لهاc.

بعد النصر الذي أحرزته قوات (أسكندر المكدوني)، إتجهت هذه القوات الى العاصمة الميدية (إكباتانا)، وفي طريقها إحتلت مدينة (أوش كاني). لقد تمّ حرق ونهب عاصمة بلاد فارس (پاسارگادَي Pasargadae). أصبحت مدينة إكباتانا (همدان الحالية) العاصمة للدولة الجديدة.

كانت مدينة (إكباتانا) الجسر الذي يربط بين ميزوپوتاميا والبحر الأبيض المتوسط والحكام الشرقيين، حيث كان الأسكندر المكدوني يخطط للقيام بحملة عسكرية في الشرق ولذلك كان من المهم له أن يكون حاكم ميديا شخصاً يمكن الإعتماد عليه. كان (آترپات) في الواقع شخصاً يمكن الإعتماد عليه. عندما تم قتل (پارمینیون Parmenion) في مدينة (إكباتانا) الذي كان اليد اليمنى للأسكندر المكدوني، تمكن (آترپات) من المحافظة على أمن وإستقرار البلاد. في سنة 324 قبل الميلاد قام (آترپات) بإعتقال رجل متمرد إسمه (بارياكسيس Baryaxes) الذي إدعى بأنه ملك الميديين والفرس وقام بتسليمه الى الأسكندر المكدوني عندما قام بزيارة العاصمة الدينية لبلاد فارس، (پاسارگادَي Pasargadae)1. هذا أدى الى زيادة إحترام وتقدير (الأسكندر) ل(آترپات) بشكل كبير الى درجة أنه بعد وقت قصير تم تزويج جوتاپا (Jotapa)، إبنة الملِك الميدي (آترپات)، من (پيرديكاس Perdiccas) الذي كان أهم جنرال مُقرّب للأسكندر المكدوني والشخص الثاني في المرتبة بعد القيصر في الإمبراطورية المكدونية، حيث تمت إقامة حفلة زواج كبيرة في مدينة (سوسه) في فبراير/ شباط 324 قبل الميلاد. هذا الزواج كان يهدف الى تقوية التحالف المكدوني – الميدي.
 
المصادر

1. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 416.


المراجع.

a. Heckel, Waldemar (2008). "Who's Who in the Age of Alexander the Great": 67–73. doi:10.1002/9780470757604.ch2.1waw.

b. Gershevitch, Ilya; William Bayne Fisher; J.A. Boyle The Cambridge History of Iran, Volume 2 Cambridge University Press 1985 ISBN 978-0-521-20091-2 p.449.

c. Gmirkin, Russell E. (2006). Berossus And Genesis, Manetho And Exodus: Hellenistic Histories And the Date of the Pentateuch, T & T Clark International, New York, USA, page 153.


61
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (34) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (2)


د. مهدي كاكه يي

يُرجع بعض الباحثين تسمية (آذربايجان) إلى إسم الملك الميدي (آتَرپات) والذي يذكره اليونانيون بإسم (آتَروپاتيس)a، b، c، d، e.

رافق الجغرافي والمؤرخ اليوناني (سترابو) (مولود في سنة 63 أو 64 ميلادية) الحملة الرومانية بقيادة (يوليوس جالوس Julius Jalus)، وقام بزيارة بلاد ما بين النهرَين أثناء حكم (أوگوست August) (26 قبل الميلاد – 14 ميلادي). قدّم (سترابو) وصفاً لبلاد ما بين النهرَين في كتابه السادس عشرi، كما تحدث عن الكورد في مصنفه الجغرافي وأطلق عليهم إسم (Kyrtioi).
 
يذكر (سترابو) في "جغرافيته"، بأنه تم تقسيم ميديا الى قسمَين، أحدهما كان يُسمى (ميديا العظمى) والثاني (ميديا الأتروپاتية) التي أخذت إسمها من إسم الملِك الميدي (آترپات) والذي لم يسمح أن تخضع بلاده للمكدونيين، كما حصل لميديا العظمى. في الوثائق التاريخية اللاحقة تمّ ذكر هذه البلاد بإسم "ميديا الصغرى Medes Minor " و "ميديا الآتروپاتية  Atropatenian Medes " و "آتروپاتينا الميدية Medes-Atropatena".

كما أن بعض الباحثين يقولون بأن أصل إسم (آذربايجان) يرجع الى الديانة الزردشتية. في الكتاب الزردشتي، آڤيستا، تحتوي (فراواردين يشت) التي تعني "ترنيمة إلى الملائكة الحامية"، على الجملة "أتريباتاه فرافاشيم أتريباتاه يازامايدي أشاونو"، والتي تعني "نعبد فرافاشي من أتاري- باتا المقدسة"j. الإسم "أتروپات" هو الترجمة الحرفية اليونانية لِلعبارة الميدية "محمية بالنار المقدسة".

(آترپات) هو إسم هذا الملك باللغة الميدية والذي يصبح (آتَرپاس أو آگرپاس) في اللغة الكوردية الحالية والذي يعني (حماية النار). كلمة (آتَر أو آگر) التي تعني بالكوردية (نار) هي نفسها باللغة الميدية، وكان الميديون يكتبونها (آتر).

هكذا فأن معظم الباحثين يرون أن إسم (آذربايجان) متأتٍ من إسم الملك الميدي (آتَرپات)، حيث كان اليونانيون يطلقون على (آذربايجان) الحالية إسم (آتروپاتیان). لهذا السبب فأن هذا الإسم اليوناني لآذربايجان ينتهي بِ (يان) التي تعني باللغتَين الهورية والكوردية (بلاد أو منطقة) وهكذا يعني (آتروپاتیان) (بلاد آترپات)، أي بلاد الملك الميدي (آتَرپات) الذي كان اليونانيون يُسمّونه (آتَروپاتيس). الإسم اليوناني لآذربايجان الذي هو (آتروپاتیان) يتألف من ثلاث كلمات كوردية، وهي (آدر أو آتَر) التي تعني (نار) وكلمة (پاس) التي تعني (حراسة أو حماية) والكلمة الثالثة (يان) التي تعني (بلاد) وبذلك فأن الإسم (آتروپاتیان) يعني (بلاد حماية النار). لقد تمّ تحوير إسم (آتروپاتیان) الى (آذربايجان) من قِبل العرب وبذلك إختفى الإسم الكوردي لها. هكذا يعني إسم (أذربايجان) (بلاد حماية النار) والتي تحورت من قِبل العرب الى (أذربيجان) لتسهيل تلفظها عند العرب، حيث أن اللغة العربية تفتقد لحروف مثل (گ) و (پ) و (چ) و (ژ) و لا يستطيع العرب تلفظ مثل هذه الحروف التي كانت موجودة في الإسم الأصلي ل(آذربايجان).

من الصعب رسم صورة كاملة لآذربايجان في عهد الأسكندر المكدوني. على كل حال هناك بعض الأدلة التي تساعدنا في الحصول على بعض الحقائق حول هذا الموضوع. المصادر التأريخية تذكر بأن (آترپات) شارك الى جانب الأخمينيين ضد المكدونيين في كلٍ من معركة (إسسوس) التي جرت في سنة 333 قبل الميلاد و في معركة (گاوگامیلا Gaugamela) التي حصلت في سنة 332 قبل الميلاد وكان يقود جيشاً ميدياً كبيراً في هاتين المعركتَين. هذا يعني بأن (آترپات) كان حليفاً للمملكة الأخمينية خلال غزو (الأسكندر المكدوني) لهذه المملكة. كما أن هذه المساهمة الكبيرة تشير الى أن ميديا كانت مملكة قوية من الناحية العسكرية، حيث أن الملك الأخميني (داريوس الثالث) إلتجأ الى (آترپات) بعد هزيمته أمام الجيش المكدوني في معركة (إسسوس) وطلب من (آترپات) تقديم مساعدة عسكرية له لمواجهة الغزو المكدوني والذي لبّى طلبه1.


المصادر

1. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 415.

المراجع

a. Schippmann, K. (1989), "Azerbaijan III: Pre-Islamic History", Encyclopaedia Iranica 3.1, London: Routledge & Kegan Paul.
   
b. Houtsma, M. Th. (1993). First Encyclopaedia of Islam 1913–1936 (reprint ed.). BRILL. ISBN 978-90-04-09796-4.

c. de Planhol, X. (1989), "Azerbaijan I: Geography", Encyclopaedia Iranica 3.1, London: Routledge & Kegan Paul.

d. Minorsky, V.; Minorsky, V. (2007). "Ādharbaydjān (Azarbāydjān)." Encyclopaedia of Islam. Edited by: P.Bearman, Th. Bianquis, C.E. Bosworth, E. van Donzel and W.P. Heinrichs. Brill, Brill Online. EncIslam.brill.nl.

e. Encyclopedia Iranica, "Azerbaijan: Pre-Islamic History", K. Shippmann.
















62
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (33) – أسلاف الكورد: الميديون

ميديا بعد سقوط إمبراطوريتها (1)


د. مهدي كاكه يي

يذكر المؤرخ (حسن پيرنيا) بأن العشائر الكوردوخية (الكوردية) إحتفظت بإستقلالها في جميع أدوار التاريخ، حيث أنها كانت مستقلة في عهد الحكومات الكيانية والمكدونية والأشكانية والعربية والتركية1.

تمّ ذكر الكوردوخيين في كتاب (أناباسيس Anabasis) لمؤلفه المؤرخ والفيلسوف والقائد اليوناني (زينفون Xenophon) (430 – 355 قبل الميلاد)a. يذكر (زينفون) في كتابه المذكور بأنه في سنة 401 قبل الميلاد أي بعد سقوط الإمبراطورية الميدية بـ(49) سنة، نشب صراع بين الملِك (أردشير الثاني) وأخيه (كورش)، فإستعان كورش بِجيش من مرتزقة يونانيين وإندلعت المعارك بين الجانبَين المتخاصِمَين في موقعة (كونكاس) شمال غرب بابل، حيث لقى (كورش) مصرعه في هذه المعركة. كان يتوجب على الجيش اليوناني بقيادة (زينفون) أن يعود التقهقري إلى بلاد الإغريق عبر أرمينيا2. سلك المرتزقة اليونانيون مجرى نهر الفرات، متجهين نحو منبعه. عبر المرتزقة اليونانيون جبال كوردستان وأرمينيا، متّجهين نحو البحر الأسود. إستغرق عبورهم لِجبال كوردستان سبعة أيام والذي واجهوا خلالها الأهوال، حيث أنهم بعد عبورهم مدينة مسبيلا (مدينة الموصل الحالية) وخرائب نينوى، جوبهوا بمقاومة شديدة من قِبل قوم أشداء يدعون (كوردوخ) {الترجمة الإنكليزية لكتاب (الأناباسيس) يُسميهم (kurds) حيث أن الحرفَين (و) و (خ) في نهاية كلمة (كوردوخ) هما لاحقة الجمع في اللغة اليونانية القديمة، ففي حالة المفرد تصبح الكلمة (كوردوس) أي (الكورد) في اللغة اليونانية الحديثة}. كانت بلاد (الكوردوخ) تمتد آنذاك من مدينة (تبريز) إلى مدينة آمد (ديار بكر) وإلى جنوب بحيرة وان. تكبّد الإغريق في معركتهم خسائر بشرية جسيمة إلى ان وصلوا إلى أرمينيا، أكثر مما ألحقه بهم الملِك الأخميني (أردشير الثاني). يذكر (زينفون) تفاصيل مهمة عن الكوردوخ وكيف أنه سمع من جنوده ان هؤلاء قوم شرسون وقد كبّدوا جيشاً فارسيا تعداده مائة ألف جندي خسائر فادحة حينما حاول هذا الجيش مهاجمة معاقلهم الجبلية وكيف أن هذا الجيش قد أُبيد عن بكرة أبيه. كما أنّه يذكر بأنّ تضاريس بلادهم جبلية وأنهم غير خاضعين لأية دولة أجنبية3.

يرى المؤرخ الإغريقي (تيودورس) أنه من الأفضل إبقاء الكورد في معاقلهم الجبليه بدلاً من إحتلال بلادهم لأن ذلك سيسبب للإمبرطوريات والجيوش التي تحتلها خسائر تفوق ما يمكن تحقيقه من مكاسب. كما يذكر الكاتب الأمريكي (جوناثان راندل) بأنّ أستاذ التاريخ القديم في جامعة كولومبيا الأمريكية (ويليام لين ويسترمان William Linn Westermann) أكد قبل نصف قرن أن بإمكان الكورد الإدعاء بأنهم حافظوا على نقاء عرقهم وحافظوا على السمات الرئيسية لثقافتهم لمدة زمنية أطول مما فعله أي شعب يعيش في أورپا اليوم)4.

مملكة آتروپات الميدية


في ظل الحكم الأخميني، تم تقسيم ميديا إلى قسمين: القسم الجنوبي، الذي كان يشمل إكباتانا و (رَي Rhagae)، الذي غالباً ما كان يُطلق عليه ميديا الأصلية أو ميديا العظمى، والذي شكّل الحاكمية الحادية عشرة في ظل نظام حُكم (داريوس)b. مقاطعات (Paricanians) و (Orthocorybantians)، القسم الشمالي، و مقاطعة (Matiane) مع المناطق الجبلية لِزاگروس ومملكة آشور الأصلية (شرق دجلة)، توحدت مع كل من (Alarodians) و (Saspirians) في شرق أرمينيا، وشكّلت الحاكمية الثامنة عشرc.

عندما إضمحلت الإمبراطورية الأخمينية وإستقلت قبيلة (كادوسي Cadusii) وغيرها من القبائل الجبلية، أصبح شرق أرمينيا حاكمية خاصة، بينما إتحدت منطقة آشور مع ميديا ولهذا السبب  يطلق (زينفون) دائماً على (آشور) إسم (ميديا) في كتابه (أناباسيس Anabasis).

في الثلث الأخير من القرن الرابع قبل الميلاد كان (آترپات) ملِكاً على ميديا الصغرى، حيث أن البلاد تمت تسميتها بإسم "آتورپاتكان Atoorpatkan" أو "آتروپاتينا Atropatena"، حسب الكتابة اليونانية القديمة. هذه البلاد هي مقاطعة آذربايجان الحالية في إيران والتي تقع شمال نهر آراس.


المصادر

1. مشير الدولة، حسن پيرنيا (1921). تاريخ ايران القديم، صفحة 321 (باللغة الفارسية).

2. دياكونوف (1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 36 – 37.

3. باسيلي نيكيتين (2007). الكرد – دراسة سوسيولوجية وتاريخية. ترجمة وتحقيق الدكتور نوري طالباني، الطبعة الثالثة، صفحة 47.

4. جوناثان راندل (1997). أمة في شقاق: دروب كردستان كما سلكتها. ترجمة وتحقيق فادي حمود، الطبعة الأولى، دار النهار للنشر ص34.


المراجع

a. Ancient History Sourcebook: Xenophon: Anabasis, or March Up Country.

b. Herodotus. iii. 92.

c. Herodotus. iii. 94; cf. v. 49, 52, VII. 72.



63
محاولات إيران السيطرة على كركوك والموصل لِإستكمال الهلال الشيعي

د.  مهدي كاكه يي


إيران مستمرة في جهودها لِخلق وحدة جغرافية مترابطة، تضّم الشيعة في منطقة الشرق  الأوسط، والتي هي على شكل هلال، يمتد من إيران، ماراً بالعراق وسوريا وينتهي بِلُبنان. لهذا السبب نرى الدفاع المستميت لإيران عن النظام  السوري وإستقدام قوات عسكرية تابعة لِحزب الله وميليشيات شيعية عراقية للدفاع عن النظام العلوي في سوريا والمحافظة على هذا الجزء المهم من الهلال الشيعي.

أهداف الهلال الشيعي

1. ربط لبنان وسوريا والعراق وإيران والمناطق الشيعية في دول الخليج واليمن وأذربيجان و أفغانستان وباكستان والهند، لتكوين جغرافية شيعية مترابطة، تُشكّل قوة سياسية  وإقتصادية وعسكرية كبرى في المنطقة والعالم، حيث تُقدّر نفوس الشيعة في العالم بِحوالي 400 مليون نسمة، أي ما يعادل ربع نفوس المسلمين في العالم.

2.  منع إستقلال وتحرر كوردستان، بشكل خاص أجزاء كوردستان المحتلة من قِبل إيران والعراق وسوريا.

3. السيطرة على الثروات الطبيعية للدول والمقاطعات ذات الأكثرية الشيعية.

4. قيام الفرس بِقيادة العالم الشيعي وسيطرتهم على المرجعية الدينية في النجف وعلى المراقد الشيعية في العراق وسوريا.

5. الإستحواذ على الكميات الضخمة من  البترول والغاز الطبيعي والمعادن في محافظات كركوك والموصل وديالى (منطقة خانقين) وكذلك في غرب كوردستان.

بالإضافة الى منع قيام دولة كوردستان والسيطرة على الثروة الطبيعية في كل من غرب وجنوب كوردستان، فأنّ من الأسباب الأخرى لإختيار إيران أن يكون جنوب كوردستان ممراً للهلال  الشيعي هي تواجد تجمعات شيعية (تركمانية والشبك) في جنوب كوردستان في المنطقة الممتدة من إيران الى سوريا، حيث تقوم إيران بإستغلال التركمان والشبك في هذه المناطق لتحقيق أهدافها وذلك بالتركيز على العامل الطائفي. المناطق الأخرى من العراق المجاورة لِسوريا يقطنها العرب السُنّة، حيث لا يستطيع الإيرانيون فتح ممر في مثل هذه المناطق التي تحمل سكانها العداء لإيران، سواء في الجانب العراقي أو السوري. كما أن أقصر مسافة بين إيران وسوريا تمر في جنوب كوردستان. سبب آخر لهذا الإختيار هو أنّ جنوب كوردستان يربط  إيران بِمناطق العلويين من خلال إقليم غرب كوردستان المحاذي للمناطق العلوية في سوريا، حيث تستطيع إيران بهذه الطريقة إفشال التجربتَين الكوردستانيتَين في إقليمَي غرب وجنوب كوردستان. وقوع مناطق ديالى الكوردستانية وكركوك تحت نفوذ الإتحاد الوطني الكوردستاني الذي يحكم الجزء المحاذي لإيران من إقليم كوردستان وبذلك تستخدم إيران ضغوطاً على هذا الحزب للتعاون معها والسماح للحرس الثوري الإيراني وميليشيات الحشد الشعبي في العراق، التي تخضع للنفوذ الإيراني وحتى السماح لحزب الله اللبناني إذا تطلّب الأمر ذلك، بالتواجد في مناطق محافظة ديالى وكركوك التي تخضع لِسلطة الإتحاد الوطني الكوردستاني.

يلقى الهلال الشيعي التأييد والدعم من روسيا والصين في المنطقة لترسيخ نفوذها بالمنطقة والحفاظ على مصالحهما فيها و منع إحتكارها من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية.

الموقف التركي من الهلال الشيعي موقف صعب وحرج، من جهة فأن المصالح التركية والإيرانية تلتقيان في الإستمرار في إغتصاب كوردستان ومنع تحررها، بينما تتعارض مصالح البلدَين في المنافسة بينهما على النفوذ السياسي والإقتصادي في المنطقة و كذلك في الإنتماء المذهبي  والطائفي، بالإضافة الى العداء التاريخي الذي بينهما والذي يقف عقبة أمام تطبيع العلاقات بين الجانبَين. لِخلق توازن بين الجبهة الشيعية والسُنيّة في المنطقة، تم إنشاء حلف عسكري مؤخراً بقيادة المملكة العربية االسعودية، كما أن تركيا بدأت بإنشاء قاعدة عسكرية في دولة قطر. قد تقدِم تركيا أيضاً على إحتلال أجزاء من محافظة نينوى و مناطق من إقليم غرب كوردستان، لِمنع إستقلال كلٍ من إقليم غرب وجنوب كوردستان وإضعاف السلطة الكوردستانية وكذلك للتصدّي للتمدد الإيراني في المنطقة ومواجهة الخطر الذي يُشكله ظهور الهلال الشيعي على الأمن الوطني التركي.

بالنسبة الى الولايات المتحدة الأمريكية، فأنها قد تقف ضد مشروع الهلال الشيعي الذي قد يهدد مصالحها في منطقة الشرق الأوسط ، إلا أنه من الصعب التكهن بإستراتيجية أمريكا المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وخاصة بعد الإتفاق المُبرَم مع إيران حول برنامجها النووي. قد تهدف إستراتيجيتها الى خلق توازن في ميزان القوى بين الطرفَين الشيعي بقيادة إيران والسُنّي بقيادة السعودية وتركيا لإستنزاف القوى البشرية والمادية لِدول المنطقة وبعد إنهاك دول المنطقة وإضعافها، القيام بإسقاط إتفاقية سايكس - بيكو ورسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة، أو قد تكون إستراتيجية أمريكا تسليط إيران على الحكومات السُنيّة في المنطقة لإضعافها ومن ثمّ تقسيم دول المحور السعودي – التركي وإعادة رسم الخارطة السياسية لهذه الدول وبعد إنجاز هذه المُهمّة، ستنفرد أمريكا بإيران وتقوم بإسقاط حُكم  الملالي وتقسيمها تبعاً لتركيبتها الإثنية. من المرجح أن تكون إستراتيجية إستنزاف الطاقة البشرية والمادية لِدول المنطقة، هي الإستراتيجية الأمريكية، حيث أن إستراتيجية تسليط إيران على دول المنطقة، هي إستراتيجية تحمل مخاطر تحالف إيران وحليفاتها في المنطقة مع روسيا والصين ضد أمريكا والدول الغربية الأخرى، بعد ضعف وتفكك الدول التي تحكمها حكومات سُنيّة مثل تركيا والسعودية. تطبيقات إستراتيجية الإستنزاف جارية الآن في كل من العراق وسوريا ولبنان واليمن ومصر وليببيا وتونس والإستنزاف المكثف للموارد البشرية والمادية والتسليحية لإيران في كلٍ من سوريا والعراق ولبنان والى حد ما في اليمن وكذلك تحطيم الطاقة البشرية والتسليحية لِحزب الله اللبناني في سوريا.

بكل تأكيد تقف إسرائيل بكل قوة ضد ظهور الهلال الشيعي في المنطقة، حيث أنه في هذه الحالة سيجاور دول الهلال إسرائيل من جهة لبنان وسوريا. إسرائيل ستكون العقبة الكبرى أمام نجاح المشروع الإيراني وستستخدم إسرائيل كل الوسائل المتاحة لديها لِمنع قيام الهلال الشيعي الذي يهدد أمنها الوطني. 

الجهود الإيرانية الحثيثة لإستكمال الخارطة السياسية للهلال الشيعي تظهر بوضوح من خلال إيجاد نفوذ قوية في العراق، من خلال الأحزاب السياسية الدينية الشيعية العراقية وإستغلال الحشد الشعبي الذي تأتمر ميليشاته بأوامر قائد فيلق القدس الإيراني السيد قاسم سليماني. بشكل مباشر، عن طريق الحرس الثوري وبشكل غير مباشر، من خلال ميليشيات الحشد الشعبي، بدأت القوات العسكرية الإيرانية بالتمدد داخل إقليم كوردستان بِحجة محاربة المنظمة الإرهابية داعش، بادئةً من مناطق في محافظة ديالى التي تحت سيطرة القوات العراقية و پیشمەرگة الإتحاد الوطني الكوردستاني، ومارةً بِمدينة خورماتو وقرية البشير وستتمدد القوات الإيرانية وحليفاتها من القوات الشيعية العراقية لاحقاً الى كركوك ومنها الى الموصل، مُستغِلةً وجود تجمعات سكانية تركمانية شيعية في هذه المناطق. إنّ لإيران في الوقت الحاضر نفوذ عسكرية في منطقة شنگال من خلال حلفاء لها. كما أن الدعم العسكري الهائل للنظام العلوي في سوريا ولِحزب الله اللبناني، هو حلقة من حلقات إنجاح مشروع الهلال الشيعي في المنطقة.

من الجدير بالذكر أنّ أسلاف الكورد الهوريين (الخوريين) قاموا بِبناء مدينة خورماتو، حيث يذكر المؤرخ البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن الهوريين قد بنوا عدة مدن في منطقة كركوك وكانت مدينة خورماتو من أهم هذه المدن. إسم مدينة خورماتو يتألف من كلمتَين هما "خور" أي "الخوريون" وكلمة "ماتو" التي تعني بالأكدية "مدينة" وبذلك فأن "خورماتو" تعني "مدينة الخوريين / الهوريين"1. يقول المؤرخ (سيتون لويد) بأن مدينة خورماتو إحتفظت بإسمها الأصلي الى مطلع القرن التاسع عشر2، حيث بعد ذلك أُضاف العثمانيون إليها كلمة "دوز" التركية التي تعني "ملح" لِتتريك إسم المدينة، فأصبح "دوزخورماتو" و بمرور الوقت تغيّر الإسم الى "طوزخورماتو". كان يظن العثمانيون خطأً أن كلمة "خورماتو" مؤلفة من كلمتّي "خورما" و"تو" الكورديتَين والتي تعنيان "تمر" و"توت" على التوالي ولذلك أضافوا كلمة "دوز" التركية الى إسم المدينة، حيث كانت كوردستان والعراق تحت الحكم العثماني آنذاك.

هذه هي صورة منطقة الشرق الأوسط والتحديات والمخاطر التي تواجهها كوردستان. هذه المخاطر تتطلب وحدة القوى الكوردستانية لحماية الأمن الوطني الكوردستاني الذي يتعرض الى تهديد خطير من قِبل الدول المُغتصِبة لِكوردستان. على القيادات الكوردستانية في جميع أجزاء كوردستان أن تفكر بهذه التحديات بِجدية وأن تتحمل مسؤولياتها الوطنية بأن تترك التناحر والتنافس الكوردي – الكوردي في الوقت الذي تتعرض كوردستان وشعب كوردستان، بما فيها القيادات السياسية الكوردستانية نفسها الى مؤامرات لها عواقب خطيرة وقد تتسبب في دفن  الحلم الكوردستاني في  الحرية والإستقلال. كما أود هنا أيضاً أن أذكّر القيادات السياسية في جنوب وغرب كوردستان بأن لا تكون قصيرة النظر ومغرورة، تفرح بالإنجازات والمكتسبات الوقتية المنجزة، فإذا تبقى القوى السياسية الكوردستانية غير موحدة في مرجعية سياسية مشتركة وتبقى القوات المسلحة الكوردستانية مجرد ميليشيات حزبية، فأنّ كل المكتسبات المتحققة ستختفي وتنهار الإدارتَين في غرب وشمال كوردستان. على هذه القيادات أن تستعيد وعيها الوطني وحسّها الإنساني وتترك أفقها الحزبي الضيق المُدمّر ومصالحها الشخصية والعائلية والعشائرية والحزبية جانباً وأن لا تُعرّض الشعب الكوردستاني العريق الى مزيد من الإبادة والأنفالات والأهوال والمآسي، حيث أنّ هذا الشعب له تاريخ مأساوي طويل، ينزف دماءاً ودموعاً.
 
المصادر

1. الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 8.

2. سيتون لويد: بلاد الرافدين. ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد، دار الرشيد، بغداد، 1980، صفحة 208.






64
آن الأوان لإعلان إستقلال كوردستان

د. مهدي كاكه يي

إقليمياً، تعاني منطقة الشرق الأوسط بشكل عام والدول المُغتصِبة لكوردستان بشكل خاص، من الحروب الأهلية وتعجز حكوماتها عن السيطرة على الأوضاع المنفلتة في دولها وتنتشر الحروب والفوضى فيها. في سوريا، الحرب الأهلية جارية منذ عدة سنوات والقوى الإسلامية الإرهابية تسيطر على أجزاء كبيرة منها وأجزاء كبيرة من إقليم غرب كوردستان تمّ تحريرها وتمّ بناء إدارة كوردستانية فيه ويواجه هذا الإقليم تحدّيات كبيرة المتأتية من الدسائس التركية وتدّخل الحكومة التركية في شؤون الإقليم الداخلية ومحاولتها إفشال هذه التجربة الكوردستانية بشكل مباشر أو من خلال عملائها ومرتزقتها.

يسود الإنفلات الأمني والتناحر السياسي بين مختلف القوى السياسية في العراق، ويستحيل العيش المشترك بين الكورد والعرب الشيعة والعرب السُنّة في ظل كيان سياسي عراقي، بالإضافة الى إنتشار الفساد المالي والإداري فيه. كما أنّ معظم أراضي إقليم جنوب كوردستان متحررة الآن ويتمتع الإقليم بإستقلال شبه تام. من جهة أخرى فأن المنظمة الإرهابية داعش تحتل أراضٍ واسعة من كلٍ من العراق وجنوب كوردستان.

بالنسبة الى تركيا، فأنّ الثورة مندلعة في شمال كوردستان التي تهز الكيان التركي وأن حكومة إسلامية قائمة فيها، تعمل على إلغاء النظام العلماني في تركيا وإحلال نظام إسلامي فيها ويحاول الرئيس التركي بشكل دؤوب أن يغيّر الدستور التركي ليخلق عن طريقه حُكماً دكتاتورياً فردياً. كل هذا يهدد المصالح الغربية والإسرائيلية. كما أنّ تركيا فقدت أهميتها الإستراتيجية للدول الغربية بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي وإنخفاض أهمية النفط للولايات المتحدة الأمريكية بعد إكتشاف النفط فيها بحيث يسد إحتياجات البلاد.

في إيران، يتحكّم الملالي في هذا البلد بالِشعوب الإيرانية وقاموا ببناء نظام سياسي طائفي مذهبي فيها والذي هو نظام بدائي متخلف، عاجز عن الإستمرار والبقاء في عالم العولمة والتحضَر الذي نعايشه اليوم وأن هذا النظام بدون أدنى شك في طريقه الى الزوال في المستقبل المنظور.

 ترتبط إسرائيل بِصلات تاريخية تعود الى أكثر من 2600 عاماٌ مع الشعب الكوردي، حيث عاش اليهود مع الكورد في الإمبراطورية الميدية وإلتجأوا الى الشعب الميدي خلال المجازر التي تعرضوا لها من قِبل الآشوريين الذين قام الميديون والبابليون بإسقاط إمبراطوريتهم في سنة 612 قبل الميلاد. كما أن الشعب الكوردستاني، رغم كون أكثرية مواطنيه مسلمين، إلا أنه شعب مسالم ومنفتح، توّاق للحرية وأنه شعب غير متزمتٍ دينياً وليس عنصرياً، يتقبل المبادئ والقيم والأفكار العصرية بسهولة، لذلك فهو قادر على التفاعل مع التطورات السياسية والإجتماعية والثقافية والفكرية والتكنولوجية الحاصلة في العالم، كما أنه بذلك يُشكّل جزءاً من الشعوب المؤمنة بالديمقراطية والحرية. تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة، وهي ثروة بشرية كبيرة في المنطقة والتي لا يمكن الإستهانة بها و وأنّ كوردستان بلاد كبيرة، تُقدّر مساحتها بأكثر من نصف مليون كيلومتر مربع، لذلك فهي تلعب دوراً أساسياً في التوازنات الدولية في المنطقة و تساهم في تطويرها وتقدمها و في بناء جسر يربط بين العالم الشرقي والغربي في مختلف مجالات الحياة. كما أن لِكوردستان موقع إستراتيجي مهم وأنها غنية بمواردها الطبيعية من بترول وغاز طبيعي ومعادن ومياه، حيث تقع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها. من جهة أخرى، فأن إسرائيل بلد صغير، تبلغ نفوس اليهود فيها أقل من 8 ملايين وذات مساحة صغيرة، إلا أنها دولة متقدمة سياسياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتكنولوجياً وعلمياً وعسكرياً. إسرائيل وكوردستان تشتركان في كونهما محاطتَين بالأعداء ووجودهما مهدّد من قِبل هؤلاء الأعداء. عليه فأن تحالف إسرائيل وكوردستان والتعاون والتنسيق معاً في مجالات مختلفة، يخلق منهما قوة إقتصادية وعسكرية كبرى في المنطقة، قادرة على حماية الأمن الوطني لهما وسيغيّر التوازنات والمعادلات الإقليمية القائمة في منطقة الشرق الأوسط ويعمل على ترسيخ الديمقراطية وقبول العيش المشترك بين شعوبها ويقضي على الإرهاب وثقافة الكراهية والعنف والإنتقام المنتشرة بين شعوب المنطقة. هكذا فأنّ مصالح إستراتيجية بعيدة المدى، تربط بين الشعب الإسرائيلي والكوردستاني، بل أن لهما مصير واحد، أيّ نصرٍ أو إخفاقٍ لِأحدهما يؤثر بشكل كبير على الآخر. لذلك لا بد أن ترتبط كوردستان وإسرائيل بِحلفٍ إستراتيجي يمتد لِعشرات أو مئات السنين لضمان أمنهما وتقدم ورخاء شعبَيهما ودمقرطة المنطقة وتطويرها ونشر السلم والمحبة بين شعوبها والتي تُهئ الظروف لإقامة إتحادٍ كونفدرالي بين دول المنطقة في المستقبل البعيد.

دولياً، بالإستناد الى ما جاء أعلاه، فأنّ قيام دولة كوردستان يحافظ على مصالح الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وحتى روسيا والصين، حيث تصبح منطقة الشرق الأوسط منطقة آمنة لا تتهدد مصالح الدول الكبرى فيها وسوقاً لمنتجات الدول الصناعية ومصدراً للمواد الأولية وللطاقة لها ومنطقة لإستثمارات شركاتها. كذلك سيختفي الإرهاب الذي يهدد مصالح دول العالم في المنطقة و سيُبعِد التهديدات الإرهابية التي تهدد الشعوب الغربية في داخل بلدانها.

التطورات التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط وزوال الحدود السورية والعراقية التي تمّ رسمها تبعاً لإتفاقية سايكس – بيكو وظهور كيانَين سياسيين جديدَين في جنوب وغرب كوردستان اللذَين قائمَين الآن داخل الحدود المرسومة من قِبل الإتفاقية المذكورة ويُداران من قِبل إدارتَين كورديتَين و إنهيار العراق وسوريا كَكيانَين سياسيَين عملياّ، حيث أنهما اليوم عبارة عن كانتونات طائفية، تتحكم بها المجموعات الإرهابية والطوائف والميليشيات السورية والعراقية المختلفة. كل هذه التطورات أنهت إتفاقية سايكس – بيكو عملياً وأنّه أخذ يتبلور رسم خارطة سياسية جديدة لمنطقة الشرق الأوسط، تأخذ التطورات الحاصلة في منطقة الشرق الأوسط الكبير وحقوق وحرية وتطلعات شعوب المنطقة بِنظر الإعتبار.

بناءً على ما تقدم، فأن منطقة الشرق الأوسط الكبير تمر بتطورات حاسمة تقود الى تفتت كيانات العديد من دول المنطقة، من ضمنها الدول المُغتصِبة لكوردستان وتأسيس دول جديدة على أنقاضها، أهمها كوردستان، حيث تصبح أكبر دولة في المنطقة. لذلك على القيادات الكوردستانية أن تستوعب التطورات الحاصلة في المنطقة وتهجر عقلياتها القديمة البالية التي عفى عليها الزمن وتحمل عقلية العصر لكي تكون قادرة على رسم إستراتيجية إستقلال كوردستان وتوفير مستلزمات ومقومات نجاحها. من أجل تحقيق هذا الهدف، يجب عقد مؤتمر كوردستاني عام بأسرع وقت ممكن، تشارك فيه على الأقل الأحزاب الكوردستانية الكبرى (حزب العمال الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني و گۆڕان وحزب الإتحاد الديمقراطي) وشخصيات وطنية وأكاديمية وممثلو منظمات المجتمع المدني ويؤسسوا خلال المؤتمر مرجعية سياسية جامعة وقيادة عامة للقوات المسلحة الكوردستانية.

يجب الإقرار بأنّ غالبية القيادات الكوردستانية هي قيادات متخلفة، نرجسية، عائلية، قبلية، جشِعة وعبدة الدولار وأسيرة كرسي الحُكم والسلطة. بكلام آخر أنها ليست مؤهلة لقيادة شعب كوردستان نحو الحرية والإستقلال، من خلال إستثمار هذه الفرصة التاريخية السانحة لشعب كوردستان الذي قدّم مئات الآلاف من الأرواح كقرابين لتحرير شعب كوردستان ووطنه، إلا أن على هذه القيادات أن تعي بأن التطورات العالمية والإقليمية والكوردستانية ومصالح الدول الكبرى وإسرائيل، تفرض نفسها على هذه القيادة وتضغط عليها من أجل تأسيس دولة كوردستان وما على القيادات الكوردستانية إلا الإستجابة لهذه الإرادات وعدم عرقلة قيام دولة كوردستان، وإلا فأنّ شعب كوردستان سوف يُطيح بكل الرؤوس العفنة التي تقف في طريق حريته وإستقلال كوردستانه.



65
ملاحظات حول بعض القضايا الساخنة المتعلقة بالدين اليارساني واليارسانيين (الدين الكاكائي والكاكائيين)
د. مهدي كاكه يي

أود التحدث هنا عن بعض القضايا الساخنة التي تخصّ الدين اليارساني واليارسانيين.

كُتمان أسرار الدين اليارساني
يجب إستيعاب حقيقة أنه نحن نعيش في عصر العولمة وثورة المعلومات والإتصالات وأن جميع أسرار الدين اليارساني مكشوفة ومعروفة للجميع، حيث أنها منشورة على شكل كُتب ودراسات ومقالات وموجودة في مختلف مكتبات العالم ولذلك ينبغي عدم الحديث عن المحافظة على أسرار الدين اليارساني، حيث أن الحديث عنها هو عبارة عن جدل عقيم لا فائدة منه لأنّه في الوقت الحاضر ليست هناك معلومات دينية غير مُعلَنة وغير مكشوفة وهكذا ليست هناك أسرار دينية باقية حتى تتم المطالبة بحفظها وعدم إفشائها.

من الجدير بالذكر أن لجوء اليارسانيين الى كُتمان أسرار دينهم جاء بسبب عمليات القتل والسبي والإرهاب التي تعرضوا لها بعد إحتلال كوردستان من قِبل العرب البدو بإسم الدين وهكذا بمرور الوقت أصبح كُتمان أسرار الدين اليارساني جزءاً من الواجبات الدينية والتي نرى جدلاً عقيماً حوله الآن.

اليارسانيون واليارسانيون المتأسلمون
قسم من اليارسانيين الذين ينكرون دينهم ويدّعون بأن اليارسانيين هم مسلمون، هم عبارة عن بعض رجال الدين اليارسانيين الذين باعوا ضميرهم لِحُفنة من الدولارات أو نتيجة جُبنهم، فيضعون أنفسهم في خدمة الجهات الإسلامية التي وضعت خطة مبرمجة لِصهر الأديان غير الإسلامية. هؤلاء رجال الدين المتأسلمون بِدورهم يستغلون موقعهم ونفوذهم الديني، فيؤثرون على عامة اليارسانيين وهكذا نجحوا في خلق مجموعة كبيرة من عامة اليارسانيين المتأسلمين. القسم الثاني من اليارسانيين المتأسلمين يدّعون بأن الدين اليارساني هو مذهب إسلامي بِسبب خوفهم على حياتهم وهذا الخوف غير مقبول، حيث نرى أنّ المسلمين يفجّرون أنفسهم في سبيل دينهم، بينما هؤلاء اليارسانيون ينكرون دينهم ومستعدون لِترك دينهم للحفاظ على حياتهم وأموالهم بالرغم من أنّ حياتهم غير معرضة للخطر بشكل كبير بِسبب دينهم. كما يجب القول بأن اليارساني الحقيقي يجب أن يكون مستعداً أن "يموت" في سبيل دينه وعقيدته ويُضحي بنفسه وبِماله في سبيل دينه. أضع كلمة (يموت) بين قوسَين لأنه ليس هناك موت في الدين اليارساني، بل عند ما يُسمّى "موت الإنسان"، يتم إنتقال الروح من جسد الى آخر. القسم الثالث من اليارسانيين الذين ينكرون دينهم، يقومون بذلك نظراً لوقوعهم تحت تأثير الدين الإسلامي، حيث أن المسلمين هم الأكثرية وبيدهم الحُكم والسلطة والثروة والإعلام منذ 1400 سنة. هكذا يساهم اليارسانيون المتأسلمون في تنفيذ الخطط الرامية للقضاء على الدين اليارساني.

في محاربتهم لليارسانيين المتمسكين بِدينهم وعقيدتهم، ينشر اليارسانيون المتأسلمون دعايات بائسة، بأنّ اليارسانيين يتمسكون بِدينهم من أجل المال والمناصب، وهذا أمر غريب جداً لأنّ اليارساني الذي يحمي دينه وعقيدته، يُعرّض حياته للخطر في سبيل الإحتفاظ بِدينه وتتم محاربته من قِبل القوى الإسلامية ومن قِبل اليارسانيين المتأسلمين معاً، بينما اليارسانيون المتأسلمون يُلاقون الترحيب والتشجيع ويتلقون الأموال من القوى الإسلامية في محاولتهم القضاء على الدين اليارساني وجعله مذهباً إسلامياً.

الدين اليارساني هو فرع مهم من الدين اليزداني الذي ظهر في كوردستان منذ ما قبل التاريخ. إنه من أوائل الأديان والعقائد البشرية التي ظهرت في العالم. لذلك فهو دين كوردستاني أصيل، يُمثّل جزءاً مهماً من عقائد ولغة وثقافة وتاريخ وتراث الشعب الكوردي العريق. إنّه حامي اللغة والثقافة الكوردية والتراث والتاريخ الكوردي. اليارسانيون الأصلاء يواصلون نضالهم دون هوادة في سبيل إحتفاظ الدين اليارساني بِهويته وجعله من الأديان الرسمية في كوردستان وديناً مُعترفاً به عالمياً، حيث أن قوتهم وإرادتهم الفولاذية تكمنان في قوة وصلابة وعُمق عقيدتهم وإمتداد جذور الكوردايەتي في أعماق نفوسهم. إنهم يحملون كافة المخاطر والمصاعب في سبيل عقيدتهم ووطنهم ويتشرفون بِتحمل هذه المسؤولية المقدسة.


66

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (32) – أسلاف الكورد: الميديون

ثورات الميديين بعد سقوط إمبراطوريتهم (2)


د. مهدي كاكه يي

ثورة (فارڤارتيش Farvartish أو فراورتيس Phraortes)
مع إطلالة عام 522 قبل الميلاد، بدأت تنتشر إنتفاضات عارمة، قامت بها الشعوب غير الفارسية التي كانت ترزح تحت الحُكم الأخميني، ضد الملِك الأخميني (دارا الأول) لِتحرير بلدانهم من حُكم الفرس، حيث في جنوب البلاد، ثار الإيلاميون بقيادة زعيمهم (أشين) و في غرب البلاد بدأت الإنتفاضة في أرمينيا وثار البابليون في جنوب البلاد بقيادة زعيمهم (تي دين توبل) الذي كان إبن (نابونيد) آخر ملِوك بابل قبل إحتلالها في سنة 538 قبل الميلاد من قِبل الفرس. في شرق البلاد، إندلعت ثورة بقيادة زعيم كان إسمه (فرادا) في مقاطعة (مرگيانا) التابعة لِ(باكتريا) الواقعة في شرق بحر قزوين والتي مُقسمة الآن بين كل من إيران وأفغانستان. كما أنه في نهاية سنة 522 قبل الميلاد إنتفضت شعوب أخرى في مصر وبلدان أخرى ضد الأخمينيين1.

بالنسبة للميديين، بعد مقتل (گاؤوماتا)، حاول أحد ملوك الميديين في سنة 522 قبل الميلاد والذي كان إسمه (فارڤارتيش Farvartish أو فراورتيس Phraortes) و الذي كان أحد أحفاد الملك الميدي (كَيخَسرَو)، إستعادة السلطة الميدية من الأخمينيين، حيث أنه نصّب نفسه ملِكاً للميديين، وأيّده وسانده الأشكانيون والهَركانيون والأرمن وأصبح ملِكاً قوياً يتحدى الأخمينيين2. إنتهز (فَارڤَارتیش) إنشغال الملِك الأخميني (دارا الأول) في حربه في بابل لإخماد ثورة البابليين، فقام بقيادة ثورة كبيرة ضد الأخمينيين. أرسل (دارا) الأول قوات عسكرية أخمينية بقيادة أحد أقرب أصدقائه الذي كان إسمه (ويدرانا) لِإخماد ثورة الميديين القائمة في غرب ميديا. بِتأريخ 12 كانون الثاني/يناير من سنة 521 قبل الميلاد، إندلعت المعارك بين قوات (دارا) وقوات (فَارڤَارتیش) التي كان يقودها أحد قادة الجيش الميدي، إلا أن الجيش الأخميني فشل في مسعاه للقضاء على الثورة الميدية ولذلك طلب قائد القوات الأخمينية من الملِك الأخميني إرسال المزيد من القوات لِزجّها في الحرب التي كانت دائرة ضد الميديين.

كان والد (دارا) الذي إسمه (هَايستاسپ Hyestaspes) حاكِماً لِمقاطعة (پارثيا) المتاخمة للحدود الشرقية لِميديا. هاجمت قوات (هَايستاسپ) القوات الميدية وبذلك إضطر الميديون خوض حرب في جبهتَين في آن واحد، في غرب وشرق البلاد3. كما أنّ الملِك الأخميني (دارا)، بعد أن قضى على ثورة البابليين، توجّه مع قسمٍ من قواته الى ميديا لِمساندة الوحدات العسكرية التي كانت تخوض الحرب ضد الملِك الميدي (فَارڤَارتیش). إندلعت معركة بين جيش (فاَرڤَارتیش) وجيش (دارا) الفارسي بالقرب من مدينة (رَي) الواقعة قرب مدينة طهران الحالية و في هذه المعركة التي جرت في قرية (كوندورا) والتي سُميّت المعركة بإسم هذه القرية، تمت هزيمة الملك الميدي (فَارڤَارتیش). لم يستطع (فَارڤَارتیش) الصمود بِوجه القوات الأخمينية التي كانت تهاجم ميديا من الشرق والغرب، فإضطر أن يتسلل مع قوة ميدية صغيرة الى منطقة (رَي) الميدية، متأملاً حصوله على مساعدات من الهركيين والأشكانيين4. شكّل (دارا) قوة خاصة لتعقّب (فَارڤَارتیش) التي إستطاعت أسر الملِك الميدي (فَارڤَارتیش) في نهاية شهر حزيران من عام 521 قبل الميلاد. في إحدى النصوص، يسرد الملِك الأخميني (دارا) عن مصير الملِك الميدي (فَارڤَارتیش) بعد أسره كالآتي: "لقد تمّ أسر (فَارڤَارتیش) وجلبوه لي. قمتُ بِقطع أنفه وأذنّيه ولسانه وفقأتُ عينَيه. قمتُ بتعليقه على البوابات الخارجية وقام جميع الناس بمشاهدته. بعد ذلك، قمتُ بِتعليقه في همدان على شجرة وقمتُ بِحرق مُساعديه في قلعة همدان4، a.

ثورة (چَيتْران تَخْمَه)

بعد فشل ثورة (فَارڤَارتیش)، قام أحد أحفاد (كَيخَسرَو) الذي كان إسمه (چَيتران تَخْمه) بالثورة ضد الحُكم الأخميني، حيث أنه نصّب نفسه ملِكاً لِميديا4. إستطاع الملِك الأخميني (دارا) أن يُغري بعض النبلاء الميديين بالمال والمناصب، فقاموا بإلقاء القبض عليه وتسليمه الى الملك (دارا) في مدينة هولير (أربيل) و كانت نهايته ليست أفضل من نهاية سلفه (فاَرڤَارتیش)، حيث تمّ تعذيبه وقطع أنفه ولسانه وأُذنَيه ومن ثمّ قتله4.


المصادر

1. دياكونوڤ(1998). ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، صفحة 407 – 408.

2. المصدر السابق، صفحة 408.

3. المصدر السابق، صفحة 409.

4. المصدر السابق، صفحة 410.


المراجع

a. Burn, A. R. (1984). Persia and the Greeks: THE DEFENCE OF THE West, c. 546 – 478 B.c.Standford University Press, UK, 102.

67

نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم  (31) – أسلاف الكورد: الميديون

ثورات الميديين بعد سقوط إمبراطوريتهم (1)


د. مهدي كاكه يي

خلال حُكم الملِك الأخميني (كورش) الذي أسقط الإمبراطورية الميدية وأسّس المملكة الأخمينية، لم يقم الميديون بِثورات ضد حُكمه لإستعادة السلطة الميدية. تعود أسباب إحجام الميديين عن القيام بالثورات ضد الأخمينيين الى أن (كورش) عاش وترعرع في كنف الشعب الميدي وتشبّع بالثقافة الميدية وكان قائداً عسكرياً كبيراً في الجيش الميدي، حيث كانت أُمه إبنة أستياگ، الذي كان آخر ملِك ميدي، لذلك كان في الحقيقة ملِكاً ميدياً وليس فارسياً، فكان الكثير من ملوك المنطقة ينظرون إليه كملِك ميدي، على سبيل المثال، كانت ملِكة (ماساگيتاي) تُخاطبه في مراسلاتها بِلقب "ملِك الميديين"1. لهذا السبب، بعد إنهيار الإمبراطورية الميدية وظهور الدولة الأخمينية وإستلام الحُكم من قِبل (داريوس)، أبقى (كورش) القادة الميديين المدنيين والعسكريين، الذين كانوا في السلطة خلال عهد الإمبراطورية الميدية، في مناصبهم في إدارة الدولة الأخمينية و في قيادة جيشها، وبذلك أشرك الميديين في حُكم البلاد.

في سنة 530 قبل الميلاد، تمّ قتل الملِك الأخميني (كورش) خلال الحرب التي نشبت بين الأخمينيين وشعب (ماساگيتاي) التوراني في آسيا الوسطى. بعد مقتل (كورش) خلّفه في العرش إبنه (قمبيز الثاني)، الذي خلال حُكمه، إزدادت هيمنة الفرس على الحُكم، حيث أنه بعد إستلامه الحُكم بدأ (قمبيز) بإبعاد الميديين تدريجياً عن إدارة شؤون البلاد وإحلال الفرس محلهم.

يُروى بأن (قمبيز) رأى في الحلم أن شخصاً كان إسمه (سميرديس) أصبح ملِكاً للأخمينيين بدلاً منه. كان ل(قمبيز) أخ بهذا الإسم ولذلك أثناء قيام (قمبيز) بِحملة عسكرية لغزو مصر في سنة 525 قبل الميلاد، أمر (قمبيز) قائد جيشه (بركساسبيس) بالعودة إلى بلاد فارس والقيام بقتل أخيه (سميرديس) ودفنه سراً ليتخلص منه للإحتفاظ ِبِعرشه2.

ثورة (گاؤوماتا Gaumata) سنة 522 قبل الميلاد
بعد هيمنة الفرس على حُكم الدولة الأخمينية وتراجع الدور الميدي في المشاركة في الحكم، أدرك الميديون بأنهم فقدوا سلطتهم وأصبحوا تابعين للفرس ولذلك بدأوا ينتهزون فرصة سانحة لإسترداد حُكمهم. أثناء غياب (قمبيز) عن البلاد، حيث كان يقود حملة عسكرية لِغزو مصر، إنتهز كل من الكاهن الميدي (پيرتزيثيس) الذي كان رئيس ديوان القصر الملكي الأخميني و أخيه (سميرديس Smerdis) الذي كان يُدعى أيضاً (گاؤوماتا)، فرصة غياب (قمبيز) عن البلاد للإستيلاء على الحكم وإستعادة السلطة الميدية من الفرس. كان (پيرتزيثيس) هو مُخطط الثورة الميدية لإستعادة الحكم الميدي من الفرس. كما مرّ، كان ل(قمبيز) أخ إسمه (سميرديس) والذي دبّر (قمبيز) قتله بسبب الحلم الذي رآه في المنام. كان (گاؤوماتا) يشبه في الشكل (سميرديس) المقتول. نظراً لِكون الفرس كانوا يسيطرون على جميع مفاصل الجيش الأخميني، فكّر (پيرتزيثيس) بإيجاد وسيلة ناجحة للسيطرة على الحكم، فقام بِدهاء بإستغلال مقتل (سميرديس) الأخميني من قِبل أخيه (قمبيز)، فإتفق مع أخيه (گاؤوماتا) على إعلان الأخير بأنه (سميرديس) أخ (قمبيز) ويُنصّب نفسه ملِكاً على العرش الأخميني، وبذلك جعل (گاؤوماتا) نفسه ملِكاً على البلاد وأصدر بياناً بعد إستيلائه على الحكم. يتحدث (هيرودوت) عن هذا البيان قائلاً:
"وأرسل بياناً لجميع القوات في أنحاء فارس ومصر كافّة، مفاده أن عليهم في المستقبل تنفيذ الأوامر الصادرة عن (سميرديس)، وليس عن قمبيز"3.

في سنة (522 ق.م)، بينما كان (قمبيز) في سوريا، عائداً إلى فارس، وصلته نسخة من بيان إستيلاء (گاؤوماتا) على الحكم. بعد التأكد من مقتل أخيه (سميرديس) من خلال قيامه بالتحقيق مع قائد جيشه (بركساسبيس) الذي كان قد أوكل إليه مُهمّة قتل أخيه (سميرديس)، تأكد له بأن الأخوَين (پيرتزيثيس) و (گاؤوماتا) قد قاما بِثورة ضده، وأنهما يحكمان البلاد بإسم أخيه المقتول (سميرديس). إستشاط (قمبيز) غضباً من جراء الإنقلاب الميدي، فركِب حصانه للتوجّه إلى بلاد فارس للقضاء على الثائرَين الميدييَن، وحينما وثب على حصانه، سقط غمد سيفه، فإنكشف نصل السيف، فأُصيب بطعنة في فخذه، فمرِض نتيجة ذلك. بعد عشرين يوماً شعر (قمبيز) بدنوّ أجله، فأمر بحضور قادة الجيش الفارسي، وعند حضورهم خاطبهم قائلاً:

"يا رجال فارس، إن الظروف لَتفرِض عليّ أن أبوح لكم بما كنتُ قد بذلتُ قُصارى جهدي لإخفائه. ثم روى لهم الحلم الذي رآه في منامه، وقيامه بقتل أخيه (سميرديس) بسبب الحلم. إستطرد (قمبيز) في حديثه الى قادة جيشه، حيث أخبرهم بأن المجوسيَين يحكمانهم الآن "4.

مضى (قمبيز) في حديثه للقادة الفرس قائلاً: " لزامٌ عليّ أن أبيّن لكم وأنا أَلفِظ أنفاسي الأخيرة، ما أرغب إليكم القيام به، فبإسم الآلهة التي تحرس أسرتنا الملكية أأمركم، وخاصةً الحاضرين منكم من الأخمينيين، ألاّ تَدَعوا الميديين يستردّون السلطة، فإذا حصلوا عليها عن طريق الغدر والخيانة، فاستردّوها بالسلاح نفسه، أما إذا استردّوها بالقوة فكونوا رجالاً، واستردّوها بالقوة. إذا قمتم بما آمركم به، فإني أدعو لكم بأن تغمركم الأرض بخيراتها، وأن تُرزَقوا بالأطفال، وتتكاثر قطعانكم، وأن تكونوا أحراراً مدى الدهر، أما إذا فشلتم في إسترداد السيادة، أو لم تقوموا بأيّة محاولة لإستردادها، فلتنزلْ لعنتي عليكم، وليكن مصيركم عكس ما أدعو لكم به الآن، وعِلاوة على ذلك فلتكن لِكلّ فارسي نهاية بائسة مثل نهايتي"4، a.

بعد سماع وصية (قمبيز)، خيّم الحزن على القادة الفرس وأشفقوا على ملِكهم عندما رأوه وهو يبكي والدموع تنهمر من عينيه، فأخذوا يمزّقون ثيابهم ويبكون. توفي (قمبيز)، دون أن يترك وراءه ورثة له، حيث لم يكن له أبناء أو بنات يُخلفونه في الحكم.

دام حُكم (گاؤوماتا) سبعة أشهر، حيث قام خلال حكمه القصير بتحرير الشعوب المُضطهَدة التي كانت خاضعة للفرس وألغى الضرائب الباهظة عن كاهلها وأعفى أبناء المملكة من أداء الخدمة العسكرية، حيث يذكر (هيرودوت) بهذا الصدد ما يلي:

" خلال عهد المجوسي حصل رعاياه على منافع عظيمة، ولذلك أسف لموته جميع الآسيويين التابعين، باستثناء الفرس؛ إذ أنه بُعَيد اعتلائه العرش أعفى جميع الأمم الخاضعة له من الضرائب والخدمة العسكرية لِمدة ثلاث سنوات"4. (هيرودوت: تاريخ هيرودوت، صفحة 249).

تحرّكت النخب الفارسية بسرعة لتنفيذ وصية (قمبيز)، حيث قام سبعة منهم بتشكيل قيادة سرية وكان (دارا الأول) أبرز هؤلاء السبعة وأكثرهم شجاعة ودهاء، وهو الذي رسم خطّة الهجوم على الأخوَين الميدييَن في القصر الملكي. خلال إجتماعهم، تحمّس زعيم فارسي آخر كان إسمه (گوبرياس) لِخطة دارا، حيث خاطب الحاضرين قائلاً:
"يا أصحابي، هل تُتاح لنا فرصة أفضل مما لدينا الآن لإنقاذ العرش؟ إذا فشلنا فلنمتْ في المحاولة، أفحتمٌ على فارس أن يحكمها ميدي؛ ذلك المجوسي الذي قُطعت أذناه؟ ولن ينسى من كان منكم واقفاً بجانب قمبيز، وهو على فراش الموت، اللعنةَ التي أنزلها بالفرس إذا لم يقوموا بأي جهد لإنقاذ العرش، ... وأعتقد أن علينا الأخذ بنصيحة داريوس، وان ننهي الإجتماع، ولنذهب فوراً إلى القصر، ونهاجم المجوسيين"5.

شنّ الزعماء الفرس السبعة هجوماً مفاجئاً على القصر الملِكي، ولم يعترضهم حُرّاس القصر لِكونهم من كبار الزعماء الأخمينيين، إلّا أن خصيان القصر إستوقفوهم، ولكنهم أصروا على الدخول الى القصر الملِكي، حيث أخرجوا خناجرهم وبدأوا بِطعن الخصيان وقتلهم. عند حصول المعركة التي جرت عند بوابة القصر، أدرك الأخَوان (پيرتزيثيس) و (گاؤوماتا) أنهما مُستهدفان من قٍبل الفرس، فإستعدّا للتصدي للمهاجمين، وقاتلا المهاجمين السبعة، إلا أنه تمّ قتلهما خلال هذه المواجهة، حيث يقول هيرودوت:
"بعد أن تمّ قتل المجوسييَن، قطع المتآمرون رأسيهما، وخرجوا إلى الشارع وهم يصرخون، مُحدِثين ضجّة عظيمة، حاملين الرأسَين المقطوعين، ثم بدأوا بقتل كل مجوسي صادفوه في طريقهم، وسرعان ما أصبح الفرس الآخرون على أهبة الإستعداد لأن يحذوا حذوهم، بعد أن علِموا بالعمل البطولي الذي إضطلع به الحلفاء السبعة، والخدعة التي قام بها المجوسيان، فإستلّوا خناجرهم، وقتلوا كل مجوسي وقعت أنظارهم عليه، وكادوا يبيدون المجوس لولا حلول الظلام، فتوقفت المجزرة، وقد أصبح هذا اليوم يوماً مشهوداً في التقويم الفارسي، حيث يُقام إحتفال سنوي بإسم قتل المجوس، ولا يُسمح خلال ذلك اليوم لأيّ مجوسي بالظهور، فيبقون جميعاً في بيوتهم طوال اليوم، لا يبرحونها"6، b.

في المواجهة بين النخب الفارسية بقيادة (دارا الأول) من جهة، والأخوَين الميديين (پيرتزيثيس) و (گاؤوماتا) من جهة أخرى، كان يتم ذكر (الميديين) بإسم (مجوس)، وأنه بعد مقتل الأخوَين الميدييَن، إقتصر إنتقام الفرس على قتل (المجوس)، حيث يذكر ديورانت عن (گاؤوماتا) ما يلي:

"كان أحد رجال الدين المتعصبين من أتباع المذهب المجوسي القديم، وكان يعمل جاهداً للقضاء على الزردشتية، الدين الرسمي للدولة الفارسية "7.

من جهة أخرى، فأن (Young) يسرد قصة ثورة (گاؤوماتا)، حيث يذكر بأن (گاؤوماتا) أراد إسترجاع الحكم الميدي وأنه إستطاع خلال فترة قصيرة إسترجاع معظم المناطق التي كانت تحت الحكم الميدي وبذلك شكّلت ثورة (گاؤوماتا) تهديداّ خطيراً للحكم الفارسي الذي كان حكماً حديث العهد. أصبح الملك الأخميني (دارا الأول) قلقاً على حكمه، بالإضافة الى نفسه، إختار 6 رؤساء قبائل فارسية للتعاون معه في التصدي لثورة (گوماتا)، حيث قاموا بالهجوم على قوات (گاؤوماتا) وإستطاعوا قتله في إحدى القصورالميدية في اليوم الأول من الشهر الجديد سنة 522 قبل الميلادc.
 
ينقل (Cook) عن (هيرودوت) حول مقتل (گاؤوماتا) بأنه في كافة أنحاء آسيا أُقيمت المآتم والتعازي لِموت (گاؤوماتا)، بإستثناء سكان المنطقة الفارسيةd. إقامة التعازي على روح الملِك الميدي (گاؤوماتا) من قِبل سكان منطقة غربي آسيا قد يُبيّن بأن سكان هذه المنطقة كانوا يعتنقون الدين الميدي (الدين اليزداني) وكانت لهم ثقافة مشتركة مع الميديين وأن الفرس كانوا يعتنقون ديناً آخراً (الدين الزردشتي) ولم تربطهم صلات ثقافية مع سكان غربي آسيا. كما أن موالاة سكان غربي آسيا للملِك الميدي (گاؤوماتا) تُشير الى أنه بالإضافة الى إعلان نفسه ملِكاً لميديا، كانت ل(گاؤوماتا) سلطة  دينية على سكان المنطقة. كما أن إقامة المآتم من قِبل سكان غربي آسيا بإستثناء الفرس، بسبب مقتل (گاؤوماتا) كانت تعود الى حُكمه العادل وإنصافه للشعوب غير الفارسية التي كانت مُضطهَدة من قِبل الحكم الأخميني. هدف الفرس من عمليات الإبادة التي قاموا بها ضد رجال الدين الميديين، كان إضعاف الميديين والتقليل من سلطتهم ومنعهم من العودة الى حُكم المنطقة كالسابق عندما كانت لهم إمبراطورية كبيرة وقوية تحكم المنطقة، بما فيها منطقة الفرس، وإبقاء الحكام الميديين كملوك محليين، يحكمون ممالك صغيرة.

المصادر

1. الدكتور أحمد محمود الخليل (2011). مملكة ميديا. الطبعة الأولى، مؤسسة موكرياني للبحوث والنشر، مطبعة ڕۆژهەڵات، أربيل، صفحة 126.

2. هيرودوت: تاريخ هيرودوت، ترجمة عبد الإله الملاح، المجمّع الثقافي، أبو ظبي، 2001. صفحة 233، 234.

3. المصدر السابق، صفحة 246.

4. المصدر السابق، صفحة 249.

5. المصدر السابق، صفحة 253.

6. المصدر السابق، صفحة 255- 256.

7. ول ديورانت (1957 - 1958). قصة الحضارة، ترجمة محمد بدران، زكي نجيب محفوظ، الإدارة الثقافية في جامعة الدول العربية، القاهرة، صفحة 406.


المراجع

a. Young, T, Cuyler, JR (1988). The Cambridge Ancient History: Persia, Greece and the Western Mediterancean c. 525 to 479 B.C. Volume 4 of  The Cambridge Ancient History, Cambridge University Press, Darius and the re-establishment of Achaemenid Power, Cambridge University Press, Cambridge, 55 p.

b. Boyce, Mary (1982). Handbuch Der Orientalistik: Der Nahe und der mittlere Osten, Part 1, Volume 2 of A history of Zoroastrianism by Mary Boyce, Brill, Netherland, pages 86-87.

c. Young, t. Cuyler, JR (1988). The Cambridge Ancient History: Persia, Greece and the Western Mediterancean c. 525 to 479 B.C. Volume 4 of  The Cambridge Ancient History, Cambridge University Press, Darius and the re-establishment of Achaemenid Power, Cambridge University Press, Cambridge, p. 54.

d. Cook, J. M. (1985). The Cambridge History of Iran: The Median and Achaemenian periods. Volume 2 of The Cambridge History of Iran, The Rise of the Achamenids and The Establishment of their Empire. Cambridge University Press, Cambridge, page 218.



68
مستقبل الكيان التركي (5)(الحلقة الأخيرة)


د. مهدي كاكه يي

في الحلقات السابقة، تم الحديث عن أزمة الهوية والإنتماء التركية و الفكر العنصري التركي والصراع بين العلمانيين والإسلاميين ومشكلة خرق حقوق الإنسان وحرية التعبير وتراجع النهج الديمقراطي في ظل الحكم الإسلامي في تركيا والتمهيد لِترسيخ حكم فردي دكتاتوري من قِبل الرئيس التركي أردوغان والصراع الطائفي في منطقة الشرق الأوسط والقضية الكوردستانية والتخلف الإقتصادي والعلمي التركي. هذه المشاكل كلها عوامل مهمة تُشكّل تهديداً كبيراً لِتركيا ككيان سياسي. في هذه الحلقة نستمر في تشخيص العوامل المتبقية التي تساهم في إنهيار تركيا.

العلويون
تبلغ نفوس العلويين (الكورد و الأتراك) في تركيا حوالي 20 مليون نسمة أي نسبتهم هي حوالي 30% من المجموع الكلي لسكان تركيا. إن نصف العلويين في تركيا أي 10 ملايين نسمة، هم كورد، بينما الملايين العشرة الباقية هم أتراك. يُعاني العلويون من التفرقة المذهبية و الإضطهاد في تركيا و لا يتمتعون بحقوقهم الدينية و المدنية. لذلك فأن العلويين الأتراك المضطهدين هم حلفاء طبيعيين للكوردستانيين و يمكنهم التحالف مع البعض للنضال معاً في تحقيق أهدافهم.

كما أن هناك أقليات دينية و مذهبية و قومية في تركيا. أعداد الشيعة في تركيا تصل الى حوالي ثلاثة ملايين نسمة. إستناداً الى هذه الأرقام و مع أخذ نفوس القوميات الأخرى غير المذكورة هنا بنظر الإعتبار المقدرة بحوالي 3 ملايين نسمة، نتوصل الى أن نفوس الأتراك السُنة الذين يحكمون تركيا تبلغ حوالي 26 مليون نسمة أي حوالي 37% من المجموع الكلي لسكان تركيا و بذلك فأن نفوس الأتراك السُنة هي أقل بكثير من نفوس الكورد و العلويين معاً التي تبلغ حوالي 35 مليون نسمة أي حوالي 50% من المجموع الكلي للسكان. كما أنّ هناك دراسات تشير الى أن نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و تركيا ستصبح أكثر من نفوس الأتراك بحلول عام 2020.

القوى الإسلامية الإرهابية
تُمثّل تركيا بيئة خصبة لنمو و ترعرع تنظيم القاعدة و الحركات الإسلامية المتطرفة الأخرى. إن شعبية حزب العدالة و التنمية الإسلامي خير دليل على قوة العامل الديني للمجتمع التركي و ضعف الفكر الليبرالي و العلماني فيه. لهذه الأسباب فأن تركيا هي مرشحة لتكون قاعدة كبيرة للمتطرفين الإسلاميين و أن يُشكلوا خطراً كبيراً على الأمن في تركيا و في المنطقة من خلال عمليات عسكرية و تفجيرات تقود الى زعزعة الكيان السياسي التركي.

العيش في أحلام الإمبراطورية العثمانية
إنّ الأنظمة التربوية التركية و المؤسسات الثقافية و الإعلامية فيها، خلقت أجيالاً تركية خيالية، تم تخديرها بأمجاد الأتراك و تأسيسهم للإمبراطورية العثمانية و حُكمهم لكثير من الشعوب و الدول في كل من قارة آسيا و أوروبا خلال تلك الحقبة الزمنية. هذه العملية التربوية خلقت عقليات تتوهم بأنّ الزمن قد توقف منذ الحكم العثماني و أنّ الأتراك لا يزالون قادرين على التحكّم بمصائر الشعوب و القوميات، كما كانوا يفعلونها خلال الحكم العثماني. هذه التربية رسخت في عقل المواطن التركي التفكير بعقلية زمن الإمبراطورية العثمانية. كما أن هذه التربية خلقت، بشكل عام، شخصية تركية متغطرسة، تؤمن بتفوقها على الشعوب الأخرى و بكونها أحسن و أرقى من هذه الشعوب. من نتائج هذه التربية أيضاً هي إعتقاد الأتراك بأنّ الشعوب و القوميات غير التركية هي أدنى مستواً منهم و ما على هؤلاء إلا أن يكونوا تابعين لهم، كما صرح بذلك بعض القادة الأتراك بكل صراحة. من جهة أخرى، فأنّ هذه التربية الإستعلائية تُسبب الإحباط و اليأس عند المواطن التركي، حينما يتأكد من أنّ الواقع يُفنّد ما غُرس في عقليته، حين يكتشف بأن تركيا هي بلد شرقي فقير و متأخر، تتحكم فيه الدول الكبرى و أنّ الكثير من الشعوب الأخرى لها مستواً معاشياً أعلى بكثير من ذلك الذي لدى الشعب التركي.

الإستنتاج
من خلال دراسة المخاطر التي تواجهها تركيا و التي تم تحديدها في هذه السلسلة من المقالات، يمكن الإستنتاج بأن القضية الكوردستانية و العلوية و الصراع الطائفي بين شعوب الشرق الأوسط والعولمة وإنخفاض أهمية تركيا بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية وإسرائيل، ستكون عوامل حاسمة في التسبب في إنهيار الدولة التركية، حيث أن تركيا، ككيان سياسي، تتجه نحو التفكك و أن شمال كوردستان في طريقه نحو الإستقلال، كما لا يمكن الإستهانة بدور العوامل الأخرى المذكورة في هذه السلسلة من المقالات في إضعاف الكيان التركي و بالتالي إنهياره.







69
مستقبل الكيان التركي (4)

د. مهدي كاكه يي

الصراع الطائفي في المنطقة


تنقسم سكان دول منطقة الشرق الأوسط الكبير الى فريقَين طائفييَن عدوَين، الفريق السُنّي بقيادة كل من السعودية و تركيا و الفريق الشيعي بقيادة إيران. بالرغم من الإتفاق المؤقت الذي تم إبرامه بين إيران و الدول الغربية حول الحد من البرنامج النووي الإيراني، فأنه من المتوقع أن تفشل هذه الإتفاقية لأسباب عديدة، و من أهمها معارضة إسرائيل لها لتخوفها من إستغلال إيران لهذه الإتفاقية و التمكن من أن تصبح دولة نووية، كما أن السعودية، بأموالها الضخمة تحاول بكل قوة إفشال الإتفاقية المذكورة و بلغ بها الذعر و الهلع لدرجةٍ تفكر بشراء سلاح نووي من باكستان. كما أن الطموحات الإيرانية في صنع أسلحة نووية و خلق توازن في القوة مع إسرائيل، لا يمكن أن تتوقف، بل سيستمر الإيرانيون بشكل سري في تطوير برنامجهم النووي لأغراض عسكرية. هذا التخندق الطائفي و إمكانية إندلاع حروب مذهبية مدمرة في المنطقة، سيؤثر على تركيا و على مستقبل وجودها ككيان سياسي، بالإضافة الى إضطرارها تخصيص مبالغ طائلة لتطوير قوتها العسكرية و التي بدورها تؤثر سلباً على إقتصادها المتدهور. 

تعارض المصالح الغربية و الإسرائيلية مع المصالح التركية   

بدأت تظهر معالِم تعارض المصالح التركية مع المصالح الغربية في المنطقة، و خاصة الأمريكية و مع مصالح إسرائيل في مسائل عديدة. بالنسبة للمشكلة السورية، تريد تركيا إزالة الحكم العلوي في سوريا و إستلام الحكم فيها من قِبل جماعة إخوان المسلمين الرديفة لحزب العدالة و التنمية التركي. لهذا الغرض بدأت حكومة أردوغان بمساعدة التنظيمات الإسلامية الإرهابية في سوريا لإيجاد نفوذ لها في توجيه مسارات التغيير في سوريا و في محاولة منها لمنع السكان الكوردستانيين من التمتع بحقوقهم في الحرية و الإستقلال في غرب كوردستان، بينما الدول الغربية و إسرائيل لا تريد مجئ حكم إسلامي متشدد في سوريا و إنتشار الفوضى في بلد يجاور إسرائيل. الخلاف التركي – الغربي يدور أيضاً في مسألة إزاحة الرئيس المصري السابق مرسي عن الحكم من قِبل الجيش المصري و كذلك في مسألة الإتفاق المؤقت بين الدول الغربية و إيران حول البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة الى علاقات تركيا مع كل من جنوب كوردستان و الحكومة العراقية. من المتوقع أن تتعمق هذه التقاطعات في المصالح مع تطور الأحداث في المنطقة.

نمو الإحتجاجات الشعبية
توجّهْ حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا نحو تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدريج و تدهور الإقتصاد التركي، حيث البطالة، و خاصة في صفوف الشباب و فشل السياسة الخارجية التركية فيما تخص العلاقات التركية مع دول الجوار و دول المنطقة و تخلف عقلية الحكام الأتراك عن مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية، قد تؤدي الى إندلاع إحتجاجات و تظاهرات شعبية كبيرة تُطيح بحكومة أوردغان و تنتشر الفوضى و تندلع حرب أهلية بين الأتراك و الكورد و بين العلويين و الأتراك السُنّة و التي قد تقود الى إنهيار الكيان السياسي التركي و إستقلال شمال كوردستان و ظهور دولة علوية و دولة سُنية تركية. في هذه الحالة قد تتدخل كل من بلغاريا و أرمينيا و اليونان لإستعادة أراضيها التي تحتلها تركيا.

تعاظم الدور الكوردستاني في المنطقة
إن الكوردستانيين بعد أن كان يتم إستغلالهم من قِبل محتلي كوردستان في ظل الحرب الباردة، برزوا كقوة مؤثرة في المنطقة بعد إنتهاء الحرب الباردة و ظهور إقليم جنوب كوردستان و أخيراً تأسيس الإدارة الذاتية في غرب كوردستان. إن تطور القضية الكوردستانية و تعاظم دورها سيؤديان بكل تأكيد الى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بشكل منصف، تحترم إرادة شعوب المنطقة و تتجاوب مع تطلعات شعوب المنطقة في الحرية و الإستقلال. في هذه الحالة، فأن شمال كوردستان سيستقل و بذلك يؤثر في الصميم على تركيا ككيان سياسي في المنطقة، حيث تُقدّر نفوس سكان إقليم شمال كوردستان بحوالي 25 مليون نسمة أي بنسبة 36% من المجموع الكلي لسكان تركيا البالغة حوالي 70 مليون نسمة و هذا العدد الكبير لكوردستانيي الشمال سيُغيّر المعادلات و التوازنات في القوة في المنطقة. في هذه الحالة أيضاً قد تتدخل دول جوار تركيا لتحرير أراضيها من الإحتلال التركي. 

علاقات تركيا مع دول الجوار

بالنسبة الى الشعوب المسيحية الجارة لتركيا مثل الشعب اليوناني و البلغاري و الأرمني، فأنّ العداء التأريخي و الحضاري و الديني و التباين الثقافي بين الأتراك و هذه الشعوب من العوامل المهمة التي أدت إلى إستفحال حالة العداء المزمن بين الشعوب المذكورة و الأتراك. إنّ الأتراك قد إحتلوا العديد من البلدان الأوروبية في عهد الدولة العثمانية، و وصلت القوات التركية الى أسوار مدينة فيينا. كما قام العثمانيون بقتل الكثير من الأوربيين و إختطفوا عشرات الآلاف من الأطفال الأوروبيين و قاموا بعزلهم و تربيتهم و ترسيخ الأفكار الإسلامية في عقولهم و من ثم تشكيل الجيش الإنكشاري منهم و إستعمالهم وقوداً لحروب العثمانيين لإحتلال الدول الأخرى و إستعباد شعوبها. كما أن التأريخ يُحدثنا عن الإبادة المروعة التي تعرض لها الأرمن من قِبل العثمانيين، حيث تمت إبادة أكثر من مليون أرمني.

العثمانيون إحتلوا العراق و سوريا و السعودية و غيرها و تم إستعباد شعوب هذه الدول، بالإضافة الى الخلاف الطائفي للأتراك مع شيعة هذه الدول. أما العلاقة السيئة لتركيا مع إيران، فأنها ناتجة عن أسباب تأريخية و مذهبية، حيث خاضت الدولتان العثمانية و الصفوية حروباً كثيرة ضد بعضهما البعض. كما يعود الخلاف بين هاتين الدولتين الى المنافسة بينهما على النفوذ و المصالح الإقتصادية في المنطقة.


70
مستقبل الكيان التركي (3)

د. مهدي كاكه يي

التخلف الإقتصادي و العلمي


في الحلقتين السابقتين، تم الحديث عن أزمة الهوية والإنتماء التركية و الفكر العنصري التركي والصراع بين العلمانيين والإسلاميين ومشكلة خرق حقوق الإنسان وحرية التعبير وتراجع النهج الديمقراطي في ظل الحكم الإسلامي في تركيا والتمهيد لِترسيخ حكم فردي دكتاتوري من قِبل الرئيس التركي أردوغان. هذه المشاكل تُشكّل تهديداً كبيراً لِتركيا ككيان سياسي. في هذه الحلقة يتم التركيز على التخلف الإقتصادي والعلمي التركي الذي هو عامل مهم، يساهم في إنهيار تركيا.

العداء التركي المتزايد للرأسمال الأجنبي في تركيا و الإنتفاضة الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان والمشكلة السورية و إندلاع الإحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة التركية التي حصلت في مدن تركية عديدة، و خاصةً في إسطنبول، والتفجيرات التي حدثت في أنقرة، دفعت الكثير من المستثمرين الى ترك تركيا، حيث أنهم لا يودون المخاطرة بإستثمار رؤوس أموالهم في تركيا بسبب الظروف غير المستقرة فيها.

للأسباب الآنفة الذكر، لقد فقد مؤشر بورصة إسطنبول ثلث قيمته و إنخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية، حيث فقدت 20 ٪ من قيمتها مقابل الدولار و إرتفعت عائدات السندات إلى 10% و فشل البنك المركزي التركي في وقف هذا الإنخفاض الناتج عن إخراج المليارات من الدولارات من البلاد، بالرغم من صرفه أكثر من 15% من الإحتياطي الصافي له.

الإنكماش الحاصل في نمو الإقتصاد التركي، يفنّد إدعاء الحكومة التركية بأن الإقتصاد التركي قد تفادى الكساد الإقتصادي. يذكر السيد (ميرت يلدز)، كبير الإقتصاديين في بنك (برقان) تركيا بأن الإقتصاد التركي يواجه أزمة كبيرة و سينمو بشكل بطئ يُشبه الركود الإقتصادي لسنين عديدة. في عام 2011 إزداد العجز في الحساب الجاري في البلاد الى مستوى قياسي الذي كان مقداره 78,4 مليار دولار أي 10% من إجمالي الناتج القومي التركي و إنخفض النمو الإقتصادي من 8,8% الى 2,2%. وصلت نسبة التضخم في تركيا إلى 6.1 في المائة في عام 2013.

كانت الأزمة الإقتصادية العالمية تؤثر بشكلٍ سلبي أكثر على الإقتصاد التركي، إلا أن التطورات السياسية التي حصلت في العراق و بلدان شمال أفريقيا ساعدت الإقتصاد التركي على الصمود، حيث أن هذه البلدان أصبحت سوقاً رائجة للمنتوجات و الشركات التركية، لا سيما في جنوب كوردستان و العراق، حيث عقدت الحكومة التركية إتفاقيات مجحفة مع حكومة جنوب كوردستان، من خلال الضغط السياسي و العسكري، و تقوم بشراء البترول و الغاز الكوردستاني بأسعار رخيصة جداً قياساً لأسعار النفط و الغاز في الأسواق العالمية.

في محاولة لِتضليل الرأي العام التركي والإقليمي، تنشر الحكومة التركية والإسلاميون السائرون في الفلك التركي، معلومات كاذبة ومضللة عن الإقتصاد التركي للإستدلال على نجاح الحكم الإسلامي. لذلك أود هنا أن أشير الى بعض الحقائق عن الإقتصاد التركي لفضح أكاذيب حكومة أردوغان وحلفائه. الناتج القومي لتركيا عام 2013 لم يكن ترليون ومائة مليار دولار كما تدّعي الحكومة التركية، بل كان 819,4 مليار، وهو لا يساوي
مجموع الناتج المحلي لأقوى إقتصادات ثلاث دول في الشرق الاوسط ايران والسعودية و الإمارات فضلاً عن الأردن وسوريا ولبنان كما يدّعون، حيث أن الدخل القومي الإيراني كان 489,6 مليار والسعودي 748,4 مليار دولار في عام 2013 وهذا يعني ان الناتج القومي الإيراني والسعودي كان 1238 مليار أي أكثر من الدخل القومي التركي بنسبة أكثر من 50%. لو كانت إيران لم يُفرض الحصار الإقتصادي عليها ولم يتم إستنزاف إقتصادها على التسلح والمساعدة المقدمة لكل من النظام السوري وحزب الله وحكومة العراق واليمن والفلسطينيين، لَكان دخلها القومي أكثر من تركيا. كما يجب الإنتباه الى أنه لا يمكن المقارنة بين إقتصاد بلد صغير مع إقتصاد بلد كبير مثل تركيا وفي هذه الحالة يمكن مقارنة الإقتصاد التركي مع الإقتصاد الإيراني في المنطقة. تركيا تحتل المرتبة 18 في العالم من حيث الدخل القومي والمرتبة 77 من حيث حصة الفرد من الدخل القومي.
 
كيف يكون الدخل القومي التركي أعلى من الدخل القومي الفرنسي كما تدّعي تلك المعلومات المضللة؟!! في عام 2013 كان الدخل القومي الفرنسي 2806 مليار دولار والذي هو 3,4 مرة أكثر من الدخل القومي التركي وأن حصة الفرد الفرنسي من الدخل القومي في عام 2013 كان 43520 دولار أي ما تعادل تقريباً 4 أضعاف حصة الفرد التركي. تحاول التقارير التركية والإسلامية تضليل الرأي العام التركي والإقليمي، حيث أنها تذكر بأن تركيا غير مُدينة لأحد، بل أنها أقرضت البنك الدولي مبلغاً قدره 5 مليارات دولار، في الوقت الذي بلغت الديون التركية للدول والمصارف الأجنبية في سنة  2013 388,2  مليار دولار أي ما تعادل 47% من الدخل القومي التركي. يدّعون بأن مطار إسطنبول هو أكبر مطار في أوروبا، وهذا غير صحيح، حيث أنه رابع أكبر مطار في أوروبا.

إن تقدم البحث العلمي في أي بلد هو من أهم الشروط المحددة لتقدم ذلك البلد و تطوره و أنه من أهم مستلزمات و متطلبات تطور البلدان و رفاهية شعوبها، غير أنّ (تركيا) لا تزال تفتقد الى الإيفاء بهذا الشرط الأساس لتستطيع مواكبة الدول المتقدمة، حيث أن تركيا هي من الدول المتخلفة في هذا المجال و تفصلها عن الدول الصناعية المتطورة مسافات طويلة. على سبيل المثال، هناك 70 عالِماً لكل عشرة آلاف شخص في الدول الغربية، بينما يقابله سبعة علماء فقط في تركيا. في الدول المتقدمة، يتم تخصيص نسبة تتراوح بين 1 و 3% من الدخل القومي للأبحاث العلمية، بينما تبلغ هذه النسبة في (تركيا) 2 في الألف (0.002). يُشكل البحث العلمي في مجال القطاع الصناعي في الدول الغربية 70% من البحوث، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 10% في تركيا.


71
مستقبل الكيان التركي (2)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة، تم التطرق الى أزمة الهوية والإنتماء التي تواجهها تركيا و التي تُشكّل إحدى العوامل المهمة التي تهدد تركيا ككيان سياسي. في هذه الحلقة تتم مواصلة تشخيص عوامل أخرى قد تساهم في تغيير الخارطة السياسية الحالية لتركيا و الذي يتمخض عنه تحرر إقليم شمال كوردستان وإستعادة اليونان وأرمينيا لأراضيها المُغتصَبة من قِبل تركيا. 

العنصرية
يتم تلقين الطفل التركي، منذ صغره في المدارس بالأفكار العنصرية و يتم تعليمه ترديد عبارة (يكون سعيداً مَن يكون تركياً!!). هذا الفكرالعنصري الذي يتشبع به الإنسان التركي، يجعله لا يعترف بحق الآخر غير التركي في الوجود. من نتائج هذه الآفة الشوفينية هي إنكار الأتراك لحقوق الشعوب والقوميات الأخرى في تقرير مصيرها، بل ينكرون وجودها و يعتبرون هذه الشعوب و القوميات أتراكاً، كما هو الحال مع الكورد في الشمال الكوردستاني الذين يُطلق عليهم إسم "أتراك الجبال". هذه العقلية العنصرية أكسبت الشخصية التركية العنف و العدوان و رفع شعار إخضاع الشعوب و القوميات الأخرى بكل الوسائل و منها إستخدام العنف و القوة.

العلمانيون و الإسلاميون
إن الإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية و تداول السلطة لأنه يحمل فكراً شمولياً، و دخوله معترك السياسة و التظاهر بقبول النظام الديمقراطي ما هو إلا وسيلة للإنقضاض على الحكم و من ثم فرض أفكاره البدائية على الشعوب التي يحكمها. بعد تسلّم حزب العدالة و التنمية الإسلامي الحكم و إستمراره في السلطة لسنين عديدة، بدأ الحزب يحاول تطبيق القوانين الإسلامية في تركيا، مثل إرتداء النساء للحجاب و تشجيع الناس على الإمتناع عن تناول المشروبات الكحولية و غيرها، حيث أن الفكر الإسلامي السياسي يستغل المبادئ الديمقراطية لإستلام الحكم و ينتهز الفرص المناسبة لفرض نفسه على المجتمع. الصراع بين الإسلاميين و العلمانيين، سيؤثر سلباً على الحياة السياسية و الإقتصادية لتركيا و يُؤدي الى حالة من الفوضى و عدم الإستقرار و بالتالي يقود الى إضطراب الحياة السياسية و التأخر في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و يُضعف مقومات الأمن القومي التركي.

الديمقراطية و حقوق الإنسان
إن إنتشار المبادئ الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان و حرية التعبير و الفكر و الصحافة، يُشكّل تهديداً جدّياً لإستمرار الكيان السياسي التركي، حيث أن نمو وعي الشعب الكوردي و القوميات الأخرى و كذلك الطوائف الدينية غير المسلمة مثل العلويين و الإيزيديين و غيرهم، و الطوائف الإسلامية غير السُنّية، مثل الشيعة الذين تبلغ نفوسهم في تركيا أكثر من ثلاث ملايين نسمة، و عيش هؤلاء في ظل حكم ديمقراطي حر، سيقود الى المطالبة بالتمتع بحريتهم و حقوقهم و بالتالي إستقلال شمال كوردستان و فقدان الأتراك السُنّة لمقاليد الحكم، الذي يتربعون عليه منذ الحكم العثماني الى الآن.

من جهة أخرى فأن القيادات السياسية التركية عاجزة عن الوقوف بوجه إنتشار المبادئ الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان و حقوق الشعوب و القوميات و الأقليات الإثنية و الدينية و المذهبية في عصرنا الحاضر، عصر العولمة.

التغييرات العالمية و الإنجازات العلمية جعلت من كوكبنا مجرد قرية صغيرة يتواصل و يتفاعل سكانها مع البعض. هذا الواقع المستجد يعطي زخماً كبيراً لمنظمات المجتمع المدني و المنظمات الإنسانية و الدينية المدافعة عن حقوق الشعوب و كرامة الإنسان و عملَ و يعمل على تقوية نفوذ و دور الرأي العام العالمي و المحلي في التأثير على القرارت العالمية المتعلقة بحقوق الشعوب و القوميات و الطوائف الدينية و المذهبية و الأفراد، و تحسين الظروف السيئة اتي تعيش فيها. كما أنّ هذه التطورات العالمية منحت دوراً محورياً للإعلام و الصحافة للتأثير على الأحداث و كشف الواقع السئ الذي تعيش في ظله الشعوب و القوميات و الأقليات المضطهدة و واجب الدفاع عن حقوقها. هذه الثورة الإنسانية  تعمل أيضاً على تسهيل إيصال صوت الشعوب و الأفراد المضطهدة و المستعبدة الى العالم لإنصافها و تحريرها من الإستعباد و إنقاذها من الظلم و الإضطهار و القهر.

العولمة و ثورة المعلومات و الإتصالات أزالت الحدود الدولية و جعلت شعوب الأرض في تواصل مستمر و دائم مع بعضها. هذه الثورة أثرت و تؤثر بشكل سلبي على الكيان السياسي التركي بطريقتين؛ الأولى: أنها تفضح الجرائم التي ترتكبها الحكومة التركية بحق شعب كوردستان و العلويين و الأقليات الدينية و القومية في تركيا و تكشف الإضطهاد و خرق حقوق الإنسان الذي يتعرضون لهما. الطريقة الثانية هي من خلال توعية الشعوب و الأفراد التي تقوم بها هذه الثورة المعلوماتية و الإتصالاتية من إنترنت و فضائيات و موبايل و التجمعات الإقتصادية و السياسية و حرية و سرعة إنتقال الرأسمال و الأفراد و زيادة التواصل و التلاقح بين الأفراد و الشعوب و الجمعيات و الثقافات و تشابك المصالح و تلاقيها. هذه الثورة الإنسانية الكبرى لا تدع النظام التركي أن ينفرد بالشعب الكوردي في الشمال و العلويين و غيرهم، و أن يخنق صوتهم بعيداً عن أنظار العالم. من جهة أخرى فأن العولمة تُزيد من الوعي القومي لهؤلاء المضطهدين و الذي يدفعهم الى زيادة وتيرة نضالهم لتحقيق أهدافهم في الحرية و التمتع بحقوقهم. كما أنّ العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات ستؤثر بشكل إيجابي على الإنسان التركي و تُغيّر عقليته العنصرية و غطرسته.


72
مستقبل الكيان التركي (1)

د. مهدي كاكه يي

أزمة الهوية و الإنتماء


تواجه تركيا الكثير من المشاكل التي تهدد وجودها ككيان سياسي في المنطقة. إنّ بعضاً من هذه المشاكل لها جذور تأريخية تعاني منها تركيا منذ أن نزح الأتراك من بادية الصين الى منطقة الشرق الأوسط، حيث إستوطنوا و إستقروا فيها و من ثم أقاموا الإمبراطورية العثمانية على أوطانٍ تعود لشعوب عاشوا فيها منذ فجر التأريخ. كما أن القسم الآخر من هذه المشاكل هي عبارة عن مشاكل تتعلق بأزمة الهوية و الإنتماء و إنتشار الفكر العنصري بين الأتراك و التأخر الإقتصادي و العلمي و العداء التركي مع جيرانها و شعوب دول المنطقة و قضية عدم الإعتراف بحقوق الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف العائشة ضمن الكيان التركي و تقييد حريات المواطنين الأتراك و عدم إحترام حقوق الإنسان و العيش في أحلام الإمبراطورية العثمانية و بروز بيئة ملائمة لنمو الفكر الإسلاموي وتعشعش المنظمات الإسلامية الإرهابية و إزدهارها في تركيا.

إن الأتراك يجدون أنفسهم غرباء في المنطقة و يعيشون على أراضٍ تأريخية تعود للكورد و الأرمن و اليونانيين و البلغاريين و يفتقدون الى جذور تأريخية و ثقافية و حضارية تربطهم بالأرض التي يعيشون عليها و تشدّهم الى الشعوب الساكنة في المنطقة. لهذا السبب و لأسباب ثقافية و دينية و مذهبية و سياسية و إقتصادية، فأنهم يجدون أنفسهم وحيدين محاطين من كل الجهات ب"الأعداء"، من قِبل الشعوب الكوردستانية و اليونانية و البلغارية و الأرمنية و العربية و الفارسية. هذه الأسباب تجعل الأتراك قلقين، يشعرون بشكل دائم بأن وجودهم مهدد في المنطقة ككيان سياسي و هذا ما يدفعهم الى التلويح بالقوة و تهديد الغير و الإستيلاء على أراضي الآخرين و العمل على تقييد الحريات و الحد من الممارسات الديمقراطية في البلاد كوسيلة لضمان الأمان و الإطمئنان النفسي على إستمرارية الوجود و مواصلة البقاء.

من جهة ثانية، تجد تركيا نفسها تفتقد الى الإنتماء، حيث أنها تائهة لا تعرف هل أنها دولة أوروبية أو تركية أو إسلامية أو شرق- أوسطية أو تنتمي الى الدول المطلة على البحر الأسود! هذه مشكلة حقيقية تؤرق الأتراك و تهدد الكيان التركي في المنطقة، لغربتهم عنها و لضياعهم بين إنتماءات عديدة، لا تتوفر فيهم شروط الإندماج في إحداها و كسب هوية محددة و إنتماء معيّن ينقذهم من الضياع و المستقبل المجهول.

العداء التأريخي و الحضاري و الديني و التباين الثقافي بين الأتراك و الأوروبيين بالإضافة الى العامل الإقتصادي، من العوامل المهمة التي تقف حجر عثرة أمام تركيا في طريقها الى الإتحاد الأوروبي، حيث أن الأتراك قد إحتلوا العديد من البلدان الأوروبية في عهد الدولة العثمانية. الإختلاف الديني بين تركيا المسلمة و أوروبا المسيحية عقبة كبيرة أخرى أمام حصول تركيا على عضوية الإتحاد الأوروبي، حيث أن الكمالية التي أصبحت شعاراً ونهجاً للحكم التركي، فشلت في خلق مجتمع علماني في تركيا. يقتصر الفكر الكمالي في الوقت الحاضر على مدينة أنقرة و بعض المدن الأخرى، بينما لا زال القرويون و الريفيون محتفظين بثقافتهم الإسلامية و خير دليل على ذلك هو تسلّم الإسلاميين الحكم في تركيا بأغلبية ساحقة من الأصوات في الإنتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في السنين الأخيرة. لذلك فأن عضوية تركيا في الإتحاد الأوروبي سيهدد الأمن الوطني الأوروبي من خلال إنتقال إرهابيين مسلمين أتراك الى أوروبا بحرية وبشكل قانوني وقيامهم بعمليات إرهابية هناك. كما أنه بسبب التخلف الإقتصادي التركي وتدّني المستوى المعيشي للأتراك، فأنه في حالة إنضمام تركيا الى الإتحاد الأوروبي، فأن الملايين من الأتراك سيهاجرون الى الدول الأوروبية ويشكّلون عبئاً إقتصادياً كبيراً على هذه الدول.
 
بحكم الموقع الجغرافي لتركيا و كون غالبية شعبها مسلمون و الثقافة الإسلامية و الشرقية للشعب التركي، فأن تركيا تجد نفسها جزءاً من منطقة الشرق الأوسط و المجتمعات الإسلامية، حيث أنها عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي. عوامل عديدة تعرقل تكامل تركيا مع محيطها في المنطقة. من أسباب ضعف الوشائج التركية مع بلدان المنطقة هو إنقطاع التواصل التركي مع شعوب الشرق الأوسط منذ تأسيس تركيا الحديثة، حيث إتجهت نحو الغرب بإنتهاجها نظاماً علمانياً غربياً و محاولتها القضاء على الثقافة و العادات و التقاليد الإسلامية و العمل على تبنّي الثقافات الأوروبية و التي نتجت عنها ضعف العلاقات الثقافية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية بينها و بين دول المنطقة و المجتمعات الإسلامية. كما أن عضوية تركيا في الحلف الأطلسي، ربطتها سياسياً و عسكرياً بالعالم الغربي. العداء التأريخي بين الأتراك و شعوب المنطقة، و خاصة العرب و الكورد و الفرس هو عامل آخر يلعب دوره في التنافر بين الأتراك و هذه الشعوب، حيث تعرضت هذه الشعوب للإستعمار التركي خلال حكم العثمانيين و عانت هذه الشعوب من مظالم و بطش و تنكيل و تجويع و حروب لا نهاية لها على أيدي الأتراك.


73
الوسائل السلمية للنضال الكوردستاني (2) (الحلقة الأخيرة)

د. مهدي كاكه يي

هناك الملايين من الكوردستانيين الذين يعيشون في المدن الكبيرة للدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث يُقدّر عدد الكورد الذين يعيشون في إستانبول لوحدها بأكثر من سبعة ملايين نسمة و تعيش عدة ملايين من الكورد في كل من أنقره و إزمير و قونية و مناطق و مدن أخرى في "تركيا"، بالإضافة الى الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبرى للدول المُغتصِبة الأخرى، مثل مدن طهران و شيراز و خراسان و بغداد و دمشق و حلب و غيرها. هذه الأعداد المليونية للكورد الذين يعيشون في مدن الدول المُغتصِبة لكوردستان، يمكن أن يلعبوا دوراً حاسماً في شل الحياة في المدن الكبرى في كل من تركيا و إيران و العراق و سوريا من خلال إعلان العصيان المدني و الإضراب عن العمل و الإضراب عن الطعام و تنظيم التظاهرات المليونية و قطع خطوط المواصلات من خلال تكوين عوازل بشرية في الشوارع الرئيسية و الساحات العامة. بهذه الوسائل النضالية في عقر دار المحتلين سيفرض شعب كوردستان إرادته على المحتلين و يجبرهم على الإستسلام و الإعتراف بحق الكوردستانيين في الحرية و الإستقلال.

يعيش في الدول الغربية أكثر من مليون كوردي و هؤلاء يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في النضال الكوردستاني و يكونوا سنداً قوياً لنضال الكوردستانيين في كوردستان و في الدول المحتلة، حيث أنهم يعيشون في دول ديمقراطية تسمح لهم بالقيام بمختلف الفعاليات من إضراب عن الطعام و تنظيم المظاهرات و إيصال الصوت الكوردستاني الى مسامع منظمة الأمم المتحدة و عواصم الدول الكبرى و إقامة الندوات و المهرجانات و الحفلات و المعارض للتعريف بالشعب الكوردستاني و بإحتلال بلده و حرمانه من حق الإستقلال و التمتع بحقه في تقرير مصيره بنفسه كالشعوب الحرة الأخرى في العالم و التعريف بتأريخه و تراثه و فنونه.

هكذا فأن الجاليات الكوردستانية في الخارج تستطيع إيصال الصوت الكوردستاني الى الرأي العام العالمي و الأمم المتحدة و حكومات الدول الكبرى و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الدينية في البلدان التي يعيشون فيها و في نفس الوقت يكونون سفراء كوردستان في هذه الدول للتعريف بالشعب الكوردستاني و بحضارته و تراثه و الإستعباد الذي يعاني منه في ظل الإحتلال و إلغاء الهوية و اللغة و التأريخ و التراث.

أود أن أذكر هنا بأنه كان ينبغي على قيادات الأحزاب السياسية الكوردستانية تغيير إستراتيجيتها منذ إنتهاء الحرب الباردة في بداية العقد التاسع من القرن العشرين، أي قبل أكثر من عشرين عاماً و جعل الكفاح المسلح يأتي في المرتبة الثانية و التركيز على العمل السياسي و توعية و تنظيم الجماهير الكوردستانية و مساعدتها لتعلم اللغة الكوردية و تعريفها بالتأريخ العريق للأمة الكوردية و تأسيس منظمات المجتمع المدني و ترتيب البيت الكوردستاني في كافة أجزاء كوردستان، و من ثم القيام بالنضال السلمي الذي نتحدث عنه لتحقيق نقلة نوعية في النضال الكوردستاني و بالتالي تحرير كوردستان و تحقيق إستقلالها.

هناك نقطة مهمة أخرى أود الحديث عنها هنا وهي تحديد الجهات و القوى و الدول التي يمكن للكوردستانيين أن يتلقوا التأييد و الدعم منها و الجهات و القوى و الدول التي تقف ضد حق شعب كوردستان في التحرر و الإستقلال.

في البداية يجب القول بأنه في السياسة ليست هناك صداقات و عداوات، بل مواقف الدول و المنظمات السياسية تحددها مصالحها. على ضوء هذه الحقيقة، فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان و المنظمات السياسية العربية و التركية و الفارسية التي تحمل الفكر العنصري، هي القوى التي تقف بوجه تطلعات شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال و لذلك يجب على القيادات السياسية الكوردستانية عدم الإعتماد على هذه الجهات في النضال الكوردستاني بأي شكل من الأشكال و تجارب كثير من الثورات الكوردستانية التي حدثت في السابق تظهر أن إنهيارها كانت بسبب إعتمادها على "المساعدات" المقدمة من قِبل الدول المُغتصِبة لكوردستان. من جهة أخرى، كما ذكرتُ آنفاً بأن السياسة و العلاقات بين الشعوب و الدول هي علاقات مصالح بحتة، فأن الدول الكبرى و الدول الغربية الديمقراطية تتحدد مواقفها من القضية الكوردستانية على ضوء تقاطع أو تلاقي مصالحها مع إستقلال كوردستان، إلا أنه في نفس الوقت فأن الرأي العام في هذه الدول و منظمات المجتمع المدني و الصحافة و الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في تحديد سياسات حكومات هذه الدول. لذلك من الممكن الحصول على دعمٍ معنوي و مادي للقضية الكوردستانية من هذه الدول.

في الحقيقة أن مواقف الشعوب و الدول و المنظمات السياسية و حتى منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، من إستقلال كوردستان، تعتمد بالدرجة الرئيسية على العامل الذاتي لشعب كوردستان، حيث عندما تكون للكوردستانيين مرجعية سياسية موحدة و دستور ديمقراطي و أحزاب سياسية عصرية و قوة إقتصادية و عسكرية لا يمكن الإستهانة بها، حينئذٍ يستطيع شعب كوردستان فرض إرادته على الآخرين و إثبات وجوده كشعب له الحق في التحرر و الإستقلال. إن العوامل الذاتية الكوردستانية تلعب الدور الرئيس في النضال الكوردستاني لتحقيق أهدافه، بينما العوامل الخارجية هي عوامل مساعدة، حيث أن وحدة الكوردستانيين و قوتهم قادرة على تغيير سياسة و إستراتيجيات الدول الكبرى و الدول المُغتصِبة لكوردستان تجاه القضية الكوردستانية.

74
الوسائل السلمية للنضال الكوردستاني (1)

د. مهدي كاكه يي

تميّز النضال الكوردستاني عبر مراحله المختلفة بإتباع النضال المسلح من خلال حرب العصابات في جبال كوردستان، حيث كان الكوردستانيون يلتجئون الى جبالهم المحصّنة في نضالهم من أجل التمتع بحقوقهم على أرضهم التأريخية، كوردستان. كانت الإستراتيجية المتبعة هي إستراتيجية دفاعية و كانت كوردستان الساحة الوحيدة لكافة الحروب التي خاضها الكوردستانيون ضد المحتلين. لهذا السبب تعرضت كوردستان و شعبها لأضرار بشرية و إجتماعية و إقتصادية و بيئية و صحية كبيرة جداً خلال النضال المسلح الذي جرى على أرض كوردستان. هكذا إستمر هذا النضال المسلح الكلاسيكي في القرن الماضي و القرن الحالي، حيث لم يعمل القادة الكوردستانيون على تطوير وسائل نضالهم لمواكبة التطورات الذاتية و الموضوعية للقضية الكوردستانية و لم يتواصلوا مع التغيرات العالمية الكبرى التي حصلت والتي كانت قد تقود الى تحقيق الهدف الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. هكذا جُعِلتْ من كوردستان ساحةً للحروب و الدمار، حيث تحطمت البنية التحتية لها و تشرّد و تسمّم شعبها و تسممت أرضها و هواؤها و مياهها و مزارعها و غاباتها، بينما سكان الدول المُغتصِبة لكوردستان كانوا يعيشون في أمان، بعيدين عن أهوال الحروب و المعارك و كانت مدنها و قراها و مزارعها و مصانعها بعيدةً عن الحروب و لم تتعرض للخراب و الدمار.

ظهور عالمٍ جديد بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي و إنتهاء الحرب الباردة و قيام ثورة كبرى في وسائل الإتصالات و تلقّي المعلومات، تجعل الوسائل السلمية الحضارية في النضال وسائل فعالة لتحقيق أهداف الشعوب في الحرية و الإستقلال، حيث تعيش البشرية اليوم في عصر العولمة و عصر تحرر الشعوب و تغيّرت على ضوئها أساليب النضال التحرري و يمكن إحلال الأساليب السلمية محل النضال المسلح و ها أن شعوب تونس و مصر وغيرهما أسقطتْ حكوماتها الدكتاتورية عن طريق التظاهرات و الإحتجاجات و العصيان المدني.

هكذا فأن التطورات العالمية التي حصلت في الأعوام الأخيرة أوجدت وسائل جديدة للثورة و الدفاع عن النفس التي قد تكون أكثر فعّالية من الإلتجاء الى السلاح و في نفس الوقت فأن الوسائل السلمية هي أقل ضرراً بكثير من الثورات المسلحة.

تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي خمسين مليون نسمة و تُقدّر مساحتها بحوالي نصف مليون كيلومتر مربع. لو يتم إستغلال جيد لهذا العدد السكاني الكبير من خلال توعيتهم و تنظيمهم، فأنهم، من خلال النضال السلمي سيتمكنون أن يفرضوا إرادتهم على مُغتصِبي كوردستان و على الدول الكبرى و سيكونون قادرين على التحرر من الإستعمار الإستيطاني و الإحتلال و إقامة دولة مستقلة و يصبحون قوةً بشرية و إقتصادية عملاقة في المنطقة، يلعبون دوراً محورياً فيها و يُغيّرون المعادلات و التوازنات الإقليمية القائمة و سياسة و إستراتيجيات القوى العالمية في المنطقة.

يجب وضع إستراتيجية صائبة لتوعية المجتمع الكوردستاني، و خاصةً الشباب، من خلال تعريفهم بالتأريخ العريق لأسلافهم و مساهماتهم الكبيرة في بناء صرح الحضارة الإنسانية و كذلك تعليمهم اللغة الكوردية و تثقيفهم من خلال تزويدهم بالعلوم و المعارف و المعلومات في مختلف المجالات لمساعدتهم في خلق شعبٍ مثقف، مؤهل لتحرير نفسه و بلاده. كما أن إيجاد لغةٍ كوردية موحدة هو من العناصر الأساسية في توحيد الكوردستانيين و جعلهم يتفاعلون مع البعض و يتجانسون في الفكر و الثقافة.

إن تنظيم الكوردستانيين يكون سهلاً عندما يكونون واعين و مشبعّين بالمبادئ الوطنية و يعيش في أعماقهم حُب الوطن و الشعور بالإنتماء لكوردستان و الإستعداد الكامل للدفاع عنها. يتم تنظيم الجماهير الكوردستانية من خلال التنظيمات السياسية و الطلابية و الشبابية و النسوية و المهنية و منظمات المجتمع المدني. إن تنظيم الجماهير الكوردستانية سيُحقق إستقلال كوردستان و حرية شعبها من خلال تنظيم المظاهرات و الإضرابات و إعلان العصيان المدني و الإضراب عن الطعام. على سبيل المثال، قيام عدة ملايين من الكوردستانيين بالإضراب عن الطعام سيهزّ الرأي العام العالمي و يضطر بسببه المجتمع الدولي و الدول الكبرى التدخل لإنقاذ حياة الملايين من الكوردستانيين المضربين عن الطعام و تضغط على الدول المُغتصِبة لكوردستان للإعتراف بحق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. كما أن الجماهير الكوردستانية المليونية تستطيع إيقاف الحياة في كافة أرجاء كوردستان و في الدول المُغتصِبة لكوردستان من خلال الإضراب العام عن العمل و التظاهرات و قطع طرق المواصلات.

















75
تأسيس جيش كوردستاني موحّد (4) (الحلقة الأخيرة)

د. مهدي كاكه يي

إن كافة الثورات الكوردستانية إتخذت إستراتيجية عسكرية دفاعية و جعلت من كوردستان الساحة الوحيدة لحروبها مع المحتلين. هذه الإستراتيجية الخاطئة أدت الى دمار و خراب كوردستان و قتل مواطنيها و تشريدهم و قادت الى كارثةٍ إجتماعية و صحية و نفسية و بيئية، يحتاج الكوردستانيون الى عشرات السنين و مئات المليارات من الدولارات لمعالجتها و محو تأثيراتها السلبية. لذلك في حالة الإضطرار للقيام بالكفاح المسلح ضد الدول المُغتصِبة لكوردستان، ينبغي نقل الحروب الى داخل البلدان المُغتصِبة لكوردستان، بدلاً من جعل كوردستان ساحة للحروب، لمنع قتل و تشريد سكان كوردستان و تدمير البنى التحتية فيها و خلق مشاكل إجتماعية و إقتصادية و نفسية و صحية و بيئية كارثية التي تمتد آثارها المدمرة لأجيال عديدة.

يمكن الإستفادة من الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبيرة للبلدان المُغتصِبة لكوردستان مثل إستانبول و أنقره و إزمير و طهران و خراسان و بغداد و دمشق و حلب و غيرها من المدن التي فيها جاليات كوردستانية كبيرة، من خلال تنظيمهم و تدريبهم لنقل الحرب الى قلب الدول المُغتصِبة لكوردستان و جعل موازين القوى تميل لصالح شعب كوردستان. هذا يتطلب  العمل منذ الآن لتهيئة القوى البشرية و السلاح و الأوكار و وسائل النقل و الإتصالات و وضع الإستراتيجيات و الخطط و كل مستلزمات العمليات العسكرية التي ستُجرى على أرض العدو.

نظراً للإختلال في توازن القوة العسكرية بين الكوردستانيين من جهة و الدول المُغتصِبة لكوردستان من جهة أخرى، ينبغي أن يكون معظم وحدات الجيش الكوردستاني عبارة عن قوات خاصة مدرّبة على خوض حرب العصابات و حرب المدن، حيث يمكن دراسة الحرب الأخيرة التي إندلعت بين إسرائيل و حزب الله اللبناني للإستفادة من الإستراتيجيات و التكتيكات العسكرية التي إتبعها حزب الله في الحرب المذكورة.

نتيجة هذا الخلل في ميزان القوة بين الكوردستانيين و محتليهم، فأن خوض حروب جبهوية ضد القوات المُغتصِبة سيكون في صالح الدول المُغتصِبة لكوردستان. لهذا السبب فأن الإستراتيجية العسكرية الصحيحة ستكون الإعتماد على حرب العصابات في المناطق الجبلية و حرب المدن و التركيز على الأسلحة الدفاعية مثل الأسلحة المضادة للطائرات الحربية و طائرات الهليوكوبتر و الدبابات. كما ينبغي إستخدام الألغام المضادة للدبابات و العربات العسكرية و إستعمال الأسلحة الدفاعية الخفيفة التي يمكن حملها و نقلها و إستخدامها بسهولة و كذلك تأسيس مجاميع قتالية خاصة للقيام بعمليات نوعية خلف القوات المعادية و في مناطق تواجد هذه القوات لتدمير مخازن الأسلحة و مصادر التموين و قطع الإتصالات بين مختلف الوحدات العسكرية للدول المُغتصِبة لكوردستان و الإهتمام النوعي بجهاز المخابرات لجمع المعلومات الضرورية عن أهداف العدو و خططه و عدد و عُدة قواته العسكرية و مواقع إنتشارها و تحركاتها و أماكن تواجد قياداتها و عن خططها و إمكانياتها و غيرها. ينبغي على حكومة جنوب كوردستان أيضاً إتباع إستراتيجية حرب العصابات نظراً للخلل في توازن القوة العسكرية بين جنوب كوردستان و الدول المُغتصِبة.

من شروط النجاح في الحرب التي تخوضها كوردستان، يجب تحقيق الإكتفاء الذاتي في إنتاج المواد الغذائية و مصادر الطاقة و الألبسة و الأسلحة الدفاعية اللازمة.

ينبغي على القيادة الكوردستانية، و خاصةً حكومة جنوب كوردستان وضع خططٍ إستراتيجية للحصول على أسلحةٍ نوعية يمكن عن طريقها ردع المحتلين من الإستمرار في إحتلالهم الإستيطاني لكوردستان و إستعمارهم لشعبها. إنّ كوردستان بلد غني بثروتها البشرية و خبرات و كفاءات مواطنيها و بمواردها الطبيعية من مياهٍ و بترول و غازٍ و معادن و أراضي زراعية خصبة و بآثارها و مقومات السياحة فيها، لذلك تتوفر فيها كل الإمكانيات لإبتكار أسلحةٍ إستراتيجية رادعة. إستطاع الإسرائيليون أن يصنعوا قنابل نووية في عام 1959 أي بعد 11 عاماً من تأسيس دولة إسرائيل.

76
تأسيس جيش كوردستاني موحّد (3)

د. مهدي كاكه يي

يجب أن يتم قبول المواطنين الكوردستانيين في الجيش الكوردستاني على أساس الوطنية و الكفاءة  و اللياقة البدنية، بعيداً عن الحزبية و العشائرية و المحسوبية و أن يتم من خلال تطوع المواطنين الكوردستانيين في الخدمة فيه. أقترح أن يخدم قسم قليل من أفراد هذا الجيش بصورة دائمية، بينما أن تكون أكثرية أفراد الجيش عبارة عن أفراد إحتياط، تتم دعوتهم للخدمة العسكرية عندما تكون كوردستان بحاجة الى خدماتهم، مثلاً في حالة الحروب و الطوارئ. بهذه الطريقة يتم تخفيض الإنفاق العسكري و في نفس الوقت تتم الإستفادة من قوات الإحتياط في أوقات السلم للمساهمة في بناء كوردستان و خدمة الشعب من خلال العمل، كلٌّ في مجال إختصاصه و تبعاً لخبراته و مؤهلاته و قدراته و إمكانياته، كما هو الحال بالنسبة لباقي المواطنين المدنيين. يجب أن يتم تحديد فترة زمنية لتدريب أفراد الجيش الى أن يصبحون مؤهلين للقيام بمهامهم العسكرية. بعد إتمام التدريب الأولي، يتسرح الأفراد الإحتياط، فيعودون الى أعمالهم أو دراساتهم و الى حياتهم الإعتيادية السابقة.

بالنسبة لقوات الإحتياط، ينبغي إستدعاؤهم للتدريب بين فترة و أخرى، مثلاً مرة واحدة كل ثلاث أو كل ستة أشهر، ليتدربون لفترة زمنية محددة ليتواصلوا مع تدريباتهم و يقوموا بتطوير علومهم العسكرية و يحافظوا على إستعداداتهم النفسية و البدنية. يمكن أن تتم مراعاة ظروف قوات الإحتياط عند الإستدعاء لكي لا يؤثر على حياتهم الشخصية و معيشتهم و معيشة عائلاتهم، كأنْ يتم مثلاً إستدعاء الطلاب أثناء عطلهم الصيفية أو عطل نصف السنة الدراسية و بالنسبة للأفراد العاملين، يمكن أن يتم ترتيب و تنظيم إلتحاقهم بالتدريب، بحيث لا يؤثر على أعمالهم، كأنْ يتم إستدعاؤهم خلال الأوقات التي لا يعملون فيها. ينبغي تخصيص رواتب للعسكريين الدائميين بحيث تكفي لمعيشتهم. كما ينبغي تفضيل الكوردستانيين الذين كانوا جنوداً و ضباط صف و ضباطاً في جيوش الدول المحتلة لكوردستان في الإنضمام الى صفوف الجيش و مراعاة الأصناف العسكرية التي خدموا فيها و التي أتقنوها و بذلك يتم توفير الكثير من المال و الوقت و الجهد، مقارنةً بقبول أفرادٍ لا يمتلكون خبرات عسكرية.

هناك نقطة مهمة جداً ينبغي الإهتمام بها وهي أنه يجب على الجهات المسئولة عن إختيار المتطوعين أن تكون حذرة جداً و دقيقة في قبول المتطوعين لمنع إختراق الجيش من قِبل حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان التي ستحاول مخابراتها بكل تأكيد أن تزرع و تدّس عناصرها في الجيش الكوردستاني. لذلك ينبغي دراسة خلفيّة كل شخص يرغب بالتطوع في الجيش، دراسة دقيقة لإفشال محاولات المحتلين.

بالنسبة الى مصادر تمويل الجيش الذي يتم تأسيسه، فأنه يتم تأسيس صندوق خاص يتم عن طريقه تمويل نفقات الجيش، بالإضافة الى إستخدامه في تمويل إحتياجات الكوردستانيين في كافة المجالات. في البداية ستُشكّل تبرعات المواطنين الكوردستانيين المصدر الرئيس لتمويل الصندوق و فيما بعد سيصبح التمويل بشكل رئيسي عن طريق أرباح الإستثمارات التي تُقام. كما يمكن لحكومة جنوب كوردستان تغطية جزءٍ من النفقات العسكرية للجيش الكوردستاني.

جيوش الدول المُغتصِبة لكوردستان ستكون إحدى المصادر الرئيسية لتعلّم الكوردستانيين للفنون العسكرية على مختلف أصناف الأسلحة و بذلك يتم الإقتصاد في الأموال و الوقت و الجهد و حل قسمٍ من مشكلة إيجاد أماكن للتدريب و توفير مختلف أنواع الأسلحة و مُدرّبين، حيث يتم تدريب المواطنين في هذه الجيوش "مجّاناً". كما أن جنوب و غرب كوردستان سيكون لهما دوراً محورياً في تدريب الكوردستانيين و توفير الأسلحة اللازمة لهم. يمكن إستخدام  مقرات و معسكرات حزب العمال الكوردستاني لتدريب قسم من الجيش الكوردستاني و أن تلعب هذه المعسكرات دوراً كبيراً في تدريب المواطنين على الفنون الحربية و خاصة حرب العصابات. يمكن القيام بإقامة معسكرات التدريب في المناطق الجبلية في مختلف المناطق الكوردستانية و حتى أنه يمكن تنظيم دورات تدريبية في البيوت لمجموعات صغيرة (كل مجموعة تتألف مثلاً من أربعة أو خمسة أشخاص) في مختلف مناطق كوردستان، بل في مدن و قصبات و أرياف الدول المُغتصِبة لكوردستان.

كما يمكن تهيئة كوادر عسكرية في مختلف الصنوف، و خاصة في مجال القوة الجوية عن طريق الحصول على زمالات و بعثات عسكرية في دول محددة و لدى تنظيمات و منظمات صديقة أو من الدول و المنظمات المعادية للدول المُغتصِبة لكوردستان، مثل بلغاريا و اليونان و أرمينيا و إسرائيل غيرها. قد يكون ممكناً شراء أسلحة من الدول المذكورة و من تنظيمات و منظمات عديدة. كما يجب القيام بتصنيع الأسلحة محلياً في إقليم جنوب كوردستان و في المناطق التي يتواجد فيها حزب العمال الكوردستاني و كذلك في إقليم غرب كوردستان.



77
تأسيس جيش كوردستاني موحّد (2)

د. مهدي كاكه يي

في البداية أود أن أتحدث عن واقعة تُبيّن كيف يقوم محتلو كوردستان بسرقة تأريخ و ثقافة و تراث الشعب الكوردي لإلغاء وجوده و هويته. قبل عدة سنوات قمتُ بزيارة سياحية لشمال كوردستان مع مجموعة من المواطنين الغربيين. كان من ضمن برامج هذه السفرة هو القيام بزيارة لأحد معامل صناعة السُجّاد هناك. خلال زيارتنا للمعمل، أخذ أحد الموظفين العاملين في المعمل يسرد لنا تأريخ صناعة السجاد في "تركيا" و خلال حديثه ذكرَ بأن تأريخ صناعة السجاد "التركي" عمره حوالي ثلاثة آلاف سنة. بعد الإنتهاء من حديثه، سألتُه عن تأريخ قدوم الأتراك الى المنطقة و أضفتُ بأن الوجود التركي في المنطقة لا يتجاوز 900 عاماً و أن أسلاف الكورد هم الذين قاموا في ذلك الزمن البعيد بصناعة السُجاد في هذه المنطقة، حيث كان لا وجود للأتراك في المنطقة في ذلك الوقت. أضفتُ بأن أسلاف الشعب الكوردي على هذه الأرض التي نقف عليها الآن، قاموا بحياكة أقدم قطعة قماش في العالم في عام 7000 قبل الميلاد أي قبل أكثر من تسعة آلاف سنة و التي تم العثور عليها في شمال كوردستان، في موقع "چيانو" الذي يعني "الجبل الجديد" بالكوردية و أن إسم هذا الموقع الأثري يدل على كورديته.

لذلك فأن تأسيس جيش مهني موحد، ينخرط في صفوفه المواطنون الكوردستانيون من كافة أنحاء كوردستان، هو حاجة مُلحّة ينبغي القيام به بسرعة لحماية شعب كوردستان و وطنه و للإستعداد الكامل لكافة التطورات السياسية و العسكرية الكبرى التي تمر بها المنطقة بشكل خاص و العالم بشكل عام و إغتنام هذه الفرصة التأريخية لتحرير كوردستان و شعبها و ترسيخ الدور الكوردستاني في توازن القوى في المنطقة و تثبيت الحضور الكوردستاني في كافة الإستراتيجيات التي يتم وضعها للمنطقة و فرض الوجود الكوردستاني القوي في كافة الإتفاقيات و المعاهدات التي يتم إبرامها بشأن مصير منطقة الشرق الأوسط الكبير لتظهر دولة كوردستان على الخارطة الجديدة للمنطقة و تبزغ شمسها في سماء المنطقة و يُبنى نظام ديمقراطي فيها يتم الإقتداء به من قِبل شعوب المنطقة و لتنتشر معالم الرخاء و الرفاهية و العدالة الإجتماعية في المجتمع الكوردستاني للتعويض عن المآسي و الإبادة و الأنفالات التي تعرض لها و ليأخذ مكانته في صفوف الشعوب المتحضرة و المتقدمة لمواصلة رفد البشرية بالإنجازات و الإبتكارات و الإختراعات و الخدمات من جديد كأسلافه الذين أوجدوا النار و الزراعة و تربية الحيوانات و الصناعة في كهوف كوردستان و كأسلافهم السومريين و السوباريين و الإيلاميين و غيرهم الذين قدموا خدمات كبرى للإنسانية من خلال إبتكاراتهم و إكتشافاتهم العظيمة.

يُقترح أن تقوم المرجعية السياسية الكوردستانية الموحدة المؤمّل إيجادها، بالإشراف على تأسيس جيش كوردستاني و أن تقوم هذه المرجعية بتشكيل لجنة عسكرية مهنية للقيام بهذه المهام و تحديد أصناف الوحدات العسكرية و أعدادها و أنواع و كميات الأسلحة و برامج التدريب و أماكن تواجد القوات و ميزانية هذا الجيش و مصادر المال اللازم له و كيفية الحصول على الأسلحة التي يحتاج إليها الجيش الكوردستاني المُقترح تشكيله و القيام بعقد إتفاقيات التدريب و شراء الأسلحة و وضع الإستراتيجيات العسكرية و غيرها من الأمور العسكرية الضرورية التي يحتاجها الجيش، حيث أن العسكريين هم أكثر إلماماً بها.


78
تأسيس جيش كوردستاني موحّد (1)

د. مهدي كاكه يي


في البداية نؤكد على أنّ خيرات و موارد الكرة الأرضية هي مُلك للبشرية جمعاء و كل إنسان له الحق في التمتع بحصته من هذه الثروة و يكون حراً و سيد نفسه و مساوياً للآخرين بِغض النظر عن لونه و قوميته و جنسه و دينه و معتقده و مهنته وقابليته البدنية و العقلية، إلا أن هذا لا يحصل، حيث أنه تندلع الحروب بين المجتمعات البشرية على كوكبنا الأرضي منذ عصور سحيقة، فيحاول الإنسان القوي إستغلال الإنسان الضعيف و تحاول الشعوب و الجماعات القوية فرض هيمنتها و سيطرتها على الشعوب و الجماعات الأضعف منها و التحكّم بحياة هذه الشعوب و الجماعات و نهب ثرواتها و يعود السبب في ذلك الى جشع الإنسان و تخلفه و رغبته في الحكم و السيطرة و الشهرة و الإستحواذ على الثروة. لذلك تضطر الدول و الشعوب الى إيجاد وسائل للدفاع عن نفسها و لحماية ثرواتها.

الحرب تعني الموت و الدمار و الخراب، إنها الجنون، وهي جريمة ضد الإنسانية و ضد التمدّن و التحضّر، إلا أن الإنسان قد يضطر لخوضها من أجل الحفاظ على حياته و ممتلكاته. لذلك تحتاج كوردستان الى بناء قوةٍ دفاعية تدافع عن شعب كوردستان، حيث أن بلاده مُحتلة إستيطانياً و مجزأة و أن الظروف الإقليمية غير مستقرة و يُرى في الأفق تبلْور إنبثاق خارطة جديدة للشرق الأوسط الكبير و لذلك ينبغي على شعب كوردستان أن يُهئ نفسه و يستعد لمواجهة كافة المستجدات و التطورات التي قد تحصل في هذه المنطقة المضطربة و التي تسودها الفوضى و ضبابية المستقبل الذي ينتظر سكانها.

إن لكوردستان موقع إستراتيجي مهم، حيث أنها الجسر الموصل بين الشرق و الغرب. كما أنها تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط التي تحتوي بواطنها على أكبر إحتياطي البترول في العالم. منطقة الشرق الأوسط هي أيضاً سوق كبيرة مربحة لمنتجات الدول الصناعية و مصدر مهم لتصدير المواد الأولية الى الدول الصناعية. كما أن كوردستان غنية بمواردها الطبيعية، حيث تقع منابع نهرَي دجلة و الفرات فيها، بالإضافة الى أنها تطفو فوق بحارٍ من البترول و الغاز الطبيعي و تحتوي بواطن أرضها على الكثير من المعادن.

تُقدّر نفوس سكان كوردستان بحوالي 50 مليون نسمة و يمكن القول بأن غالبية الكوردستانيين يؤمنون بالنظام الديمقراطي و منفتحون على الحداثة و القيم و المفاهيم المعاصرة.

كل هذه العوامل الآنفة الذكر توفّر فرصة عظيمة لشعب كوردستان في لعب دورٍ محوري في رسم خارطة المنطقة و في تحديد التوازنات الإقليمية و الدولية و المساهمة في بناء و تطور الحضارة الإنسانية.

القوانين الدولية تعطي الحق لكل شعب و كل إنسان في الدفاع عن نفسه و عن أسرته و شعبه و ممتلكاته و وطنه. لذلك فأن شعب كوردستان ينبغي أن تكون له قوات عسكرية ليحمي بها نفسه و وطنه و ثرواته و مكتسباته و ليدافع عن وجوده و هويته و لغته و ثقافته و تراثه و ليحرر وطنه من الإستعمار و الإحتلال الإستيطاني وليردع المحتلين و كل الطامعين و منعهم من إبادة شعب كوردستان و إستعباده.

إن شعب كوردستان من أكثر الشعوب التي تحتاج الى إمتلاك قوة عسكرية رادعة، حيث أن بلاده مُجزأة و محتلة من قِبل عدة دول و أن هذه الدول لا تقرّ بأنها دول محتلة، بل تعتبر كل دولة من هذه الدول الجزء الذي تحتله من كوردستان جزءاً لا يتجزأ من بلادها، و الذي يعني أنها تُلغي الوجود الكوردستاني شعباً و وطناً و هويةً و لغةً و ثقافةً و تراثاً و تأريخاً.


79
ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان (4)  (الحلقة الأخيرة)

تأسيس أحزاب سياسية عصرية و منظمات المجتمع المدني

مهدي كاكه يي

إن معظم الأحزاب الكوردستانية هي أحزاب تقليدية "تعبانة" و لا تزال تعيش في زمن الحرب الباردة التي كانت سائدة في القرن الماضي و أن قيادات هذه الأحزاب متأثرة بالأفكار الشمولية و الدكتاتورية و الشعور بالدونية و أن قسماً كبيراً من الأحزاب الكوردستانية  قائمة على أسس شخصية و عائلية و عشائرية و مناطقية. لهذه الأسباب فأن هذه الأحزاب عاجزة عن الإنفتاح على الأفكار و المبادئ و المفاهيم و القيم المعاصرة و قاصرة عن مواكبة التطور و المستجدات السياسية و الإقتصادية و الفكرية في كوردستان و في الدول المُغتصِبة لكوردستان و في مراكز القرار الدولية.

إن قيادات هذه الأحزاب قد ترسّخ فيها التعصب الحزبي و الفكر التقسيمي (الفكر الذي يُقسّم كوردستان الى أقاليم مستقلة و يعزلها عن بعضها، حيث يربط كل جزء من أجزاء كوردستان بالدولة المُغتصِبة له و بذلك يعمل هذا الفكر التقسيمي على تقسيم القضية الكوردستانية و تشتيت النضال الكوردستاني) اللذان يهددان النضال الكوردستاني و وحدة كوردستان. لذلك فأن هذه الأحزاب تعيش في عصر غير عصرها، تفتقد الى القدرة على قيادة شعب كوردستان و تحقيق إستقلال كوردستان و أن هذه القيادات قد تجاوزها الزمن و العصر الذي نعيش في ظله وتعيش خارج الزمن، وهي في طريقها الى الزوال.

نتيجة عجز غالبية الأحزاب الكوردستانية الحالية في قيادة شعب كوردستان نحو التحرر و الإستقلال، فأن شعب كوردستان ، بحاجة الى تأسيس أحزاب سياسية عصرية، يُشكّل الشباب العمود الفقري لها، ليتسلم جيل الشباب المسئولية الوطنية و ليصبح جيلاً للإدارة و البناء و الدبلوماسية و تنظيم الجماهير و قيادة النضال الجماهيري الحضاري. مثل هذه الأحزاب السياسية العصرية ستكون قادرة على التفاعل مع الأفكار و المبادئ و القيم الجديدة و مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية الكبرى التي حدثت و تحدث في العالم و المنطقة و مؤهلةً لوضع إستراتيجية صائبة للنضال الكوردستاني و بالتالي تحقيق إستقلال كوردستان و تأسيس نظام سياسي ديمقراطي يُلبّي طموحات الشعب في الحرية و المساواة و العدالة الإجتماعية و الرفاهية و التقدم.

ينبغي أن يعمل كل حزب سياسي على نطاق كوردستان كلها، في كل أجزاء كوردستان، و بذلك يتوحد النضال الكوردستاني على مستوى كوردستان كلها و يتم إنهاء الفكر التقسيمي الخطير الذي لا يزال يسود في كوردستان. من الأفضل أن يكون لكل حزب فرع رئيسي في كل إقليم كوردستاني، إضافةً الى قيادة عليا يتمثل فيها كل أجزاء كوردستان و كوردستانيو المهجر.

كما ينبغي إنشاء منظمات المجتمع المدني من نقابات و جمعيات و إتحادات مختلفة تقوم بنشاطاتها لتحقيق الأهداف الكوردستانية. يجب أن تكون هذه المنظمات مستقلة عن السلطة التنفيذية في حالة جنوب كوردستان و غير مرتبطة بأحزاب سياسية بالنسبة الى بقية أجزاء كوردستان التي تفتقد الى حكومات. تستطيع هذه المنظمات عقد لقاءاتها و إجتماعاتها و تواصلها مع البعض عن طريق اللقاء المباشر و الإنترنت و الفضائيات. كما ينبغي تأسيس جمعية لحقوق الإنسان للدفاع عن حقوق الكوردستانيين. ينبغي أن تكون هذه المنظمات موحدة، تضم النقابات و الإتحادات و الجمعيات الكوردستانية في مختلف أنحاء كوردستان.



80
ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان (3)

خلق مجتمع كوردستاني متجانس

مهدي كاكه يي

يجب إستخلاص الدروس من التجارب الفاشلة لحكومات كثير من دول العالم، خاصة دول منطقة الشرق الأوسط و التي تتألف شعوبها من مجموعات إثنية و قومية و دينية و مذهبية متعددة، حيث حاولت الحكومات العنصرية و الدينية و الطائفية أن تُذيب القوميات و الأديان و المذاهب الأخرى في قوميتها و دينها و طائفتها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل و خلقت مجتمعات متنافرة، عبارة عن خليط من المجاميع الإثنية و الدينية و المذهبية التي لا تربطها ثقافة و أهداف و مصالح مشتركة أو مصير مشترك، و بذلك عاشت هذه الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف ضمن كيانات سياسية واحدة لفترة زمنية طويلة دون أن تتمكن أن تصبح مجتمعات متجانسة، كما في حالة العراق و سوريا و "تركيا" و إيران و البحرين و السعودية و غيرها من الدول.

إن كافة القوميات و الديانات و المذاهب يجب أن تتساوى في كوردستان و أن تتمتع هذه القوميات و الإثنيات و الأديان و المذاهب الكوردستانية بحريتها و كافة حقوقها. لذلك يجب الإهتمام بثقافات و لغات و تأريخ و تراث و شعائر و طقوس و مناسبات القوميات في كوردستان و تطويرها و فتح مدارس و معاهد لتعليم أطفال القوميات غير الكوردية لغاتهم و تعريفهم بتأريخهم و تراثهم و أن يكون جميع مواطني كوردستان متساوين في الحقوق و الواجبات.

كذلك ينبغي أن تتمتع الأديان و المذاهب و المعتقدات في كوردستان بكافة حقوقها و حريتها في ممارسة طقوسها و شعائرها و الإحتفاء بمقدساتها و مناسباتها الدينية و المذهبية و تعريف أطفالها في المدارس بأديانهم و تأريخ هذه الأديان و الإهتمام بمزاراتهم و معابدهم و تكاياهم و كنائسهم و حسينياتهم .

مبدأ المساواة بين المكونات الكوردستانية ينبغي أن يتم التمسك به من قِبل الأحزاب الكوردستانية و حكومة إقليم جنوب كوردستان، لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، تتمتع فيه كافة مكوناته الإثنية و القومية و الدينية و المذهبية و العقائدية بحقوق متساوية دون أي تمييز. إن هذا الأمر مهم جداً و ينبغي الإهتمام الكبير به لنشر ثقافة الديمقراطية و حقوق المواطنة و حرية التعبير و الإعتقاد و إنفتاح المكونات الكوردستانية على بعضها و التآلف بينها لخلق مجتمع ذي ثقافة و مصالح و أهداف مشتركة و مصير مشترك و ليشعر الجميع بالإنتماء الى وطنهم، كوردستان.


81
ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان (2)

مبدأ المواطنة في كوردستان

مهدي كاكه يي


إن بناء أنظمة سياسية على مبدأ المواطنة، بعيداً عن التمييز الإثني و القومي و الديني و المذهبي و الجنسي، يخلق مجتمعاً متجانساً، يشعر المواطنون في ظلها بروح الإنتماء الى الوطن و الدفاع عنه و يشترك أفراد الشعب في الثقافة و المصالح و الأهداف و المصير و هذا بدوره يقود الى التقدم و الإزدهار و الرفاهية. من هذا المنطلق، ينبغي أن تؤمن الأحزاب الكوردستانية بمبدأ المواطنة و تطبيقه عملياً في التعامل مع مختلف مكوّنات شعب كوردستان.

حرصاً على التجربة الكوردستانية في الجنوب و على نجاح النضال الكوردستاني، أود هنا أن أشير الى ثلاث حالات لخرق مبدأ المواطنة و الكفاءة في جنوب كوردستان. هناك أعداد كبيرة تُقدّر بعشرات الآلاف من أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الإتحاد الوطني الكوردستاني، تمت إحالتهم على التقاعد و يحصلون على رواتب تقاعدية من أموال الشعب. أغلب هؤلاء المتقاعدين لم يخدموا في صفوف البيشمەرگه و أنهم من الشباب القادرين على العمل. تمت إحالة هؤلاء على التقاعد فقط لكونهم ينتمون الى الحزبَين المذكورَين. هؤلاء الآن يؤدون مهام حزبية مقابل الرواتب التقاعدية التي يحصلون عليها، حيث يداومون ك"موظفين" في المقرات الحزبية. هذا الإجراء يخرق مبدأ المواطنة، حيث يتم تفضيل الحزبيين على المواطنيين الكوردستانيين الآخرين، كما تعمل الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية. كما أن دفع أموالٍ طائلة كرواتب تقاعدية لهذا العدد الهائل من أعضاء الحزبَين الذين معظمهم قادرون على العمل، يستنزف خزينة الإقليم و يؤثر سلباً على تنمية الإقليم و تطويره و بناء البُنية التحتيه له و تقديم الخدمات للمواطنين و يؤدي الى إنخفاض مستوى المعيشة لسكان الإقليم.

إحالة هؤلاء على التقاعد، خلقت جيشاً من العاطلين عن العمل الذين يتم إبعادهم عن المساهمة في بناء الإقليم و خدمته و زيادة الإنتاج و الإنتاجية. ينبغي أن يتم التفكير بالمصلحة الوطنية قبل أي شئ آخر و التفكير ببناء و تنمية و إزدهار كوردستان بدلاً من المصالح الحزبية. يمكن تشريع قوانين عامة للتقاعد و الضمان الإجتماعي و ضمان التعويض عن البطالة في الإقليم ليحصل جميع المواطنين الذين أعمارهم ضمن سن التقاعد على رواتب تقاعدية طبقاً لخدماتهم الوظيفية. بالنسبة للذين لم يكن لهم عمل، أي لم يخدموا كموظفين أو عمال، ينبغي منحهم رواتب تقاعدية مقدارها يُعادل المبلغ المخصص للضمان الإجتماعي الذي مقداره يُعادل الحد الأدنى من مستوى المعيشة في الإقليم لضمان حياة معيشية كريمة للمواطنين. مبلغ الحد الأدنى لمستوى المعيشة يتغير بإستمرار تبعاً لتغيّر مستوى المعيشة في الإقليم. بالنسبة للعاطلين عن العمل، ينبغي إقرار قانون لتعويض العاطلين عن العمل بنسبة معقولة من رواتبهم ليكونوا قادرين على العيش بها.

الحالة الثانية هي عدم إستفادة الإقليم من خبرات و معلومات عشرات الآلاف من الأكاديميين و المهنيين الكوردستانيين المغتربين في الدول الغربية و الذين يحملون شهادات دراسية في مجال إختصاصاتهم و عدم إتاحة الفرصة أمامهم للمساهمة في بناء الإقليم و دمقرطة المجتمع، بسبب عدم إنتمائهم الى أحد الحزبَين الحاكمَين في الإقليم. إن هؤلاء ثروة بشرية نادرة لا يمكن الإستغناء عنهم، حيث أن العلماء و الباحثين هم الركيزة الأساسية في بناء و تطور و تقدم البلدان.

الحالة الثالثة هي ظاهرة هجرة الشباب من كوردستان ومطالبة حكومة إقليم جنوب كوردستان للحكومات الغربية بعدم إعادة طالبي اللجوء من مواطني الإقليم الى وطنهم و بمنحهم اللجوء في البلدان الغربية. إن حياة هؤلاء لا تتعرض للتهديد و المخاطر في كوردستان و هذا يعني بأنهم غير مستحقين للحصول على اللجوء في بلدان أخرى حسب بنود الإتفاقيات و المعاهدات الدولية. كما أن مطالبة حكومة الإقليم بمنح اللجوء الى هؤلاء، تُسئ لحكومة الإقليم لأن منحهم اللجوء يعني أن النظام السياسي في الإقليم هو نظام مستبد، يضطهد مواطنيه. غالبية طالبي اللجوء من سكان الإقليم هم من الشباب و أن كوردستان بحاجة كبيرة لهم لبنائها و تطويرها، لذلك ينبغي إيجاد فرص الدراسة و العمل للشباب في الإقليم و إشباع إهتماماتهم و هواياتهم ليعيشوا في كوردستان و يخدموا شعبهم و بلدهم.

هنا يجب التأكيد على أن الإنتماء الحزبي هو عمل تطوّعي، حيث أن المواطن ينتمي الى حزب سياسي مُعيّن ليقوم بخدمة شعبه و لذلك فأن هدف الإنتماء الحزبي هو ليس التفرّد بالحكم والسلطة والثروة والحصول على الإمتيازات على حساب الشعب، بل هو المساهمة في خدمة الشعب من خلال خلق الرفاهية للشعب و تنمية البلاد و تطويرها.



82
ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان (1)

ترسيخ الديمقراطية

مهدي كاكه يي

إن تبنّي الديمقراطية و التعددية و العلمانية و قبول الآخر، تُعتبر الحجر الأساس لضمان تحقيق أهداف النضال الكوردستاني، حيث لا يمكن للكوردستانيين تحقيق تحررهم و إستقلال بلدهم بإتباع النهج الشمولي و الدكتاتوري و خلط الدين بالسياسة. ينبغي أن يكون المواطن الكوردستاني حراً في خياراته و تفكيره و قراراته ليكون قادراً على الإبداع و الخلق و التطور و التطوير و المساهمة في خلق مجتمع متحضر منتج، تسوده العدالة الإجتماعية و المساواة. الإنسان المُقيّد و مقهور الإرادة لا يمكنه أن يكون عضواً نافعاً في المجتمع، حيث يكون عاجزاً عن الإبداع و الإنتاج.

ينبغي أن تسود الديمقراطية و الحرية في إقليم جنوب كوردستان لتكون قدوةً للأجزاء الأخرى من كوردستان و لضمان نجاح التجربة الكوردستانية في هذا الجزء و الذي بدوره يُمهّد الطريق لتحقيق تحرر كوردستان بأكملها و بنائها بكل عزم و سرعة للحاق بالدول المتحضرة و المتقدمة.

ينطبق هذا الأمر أيضاً على التنظيمات السياسية الكوردستانية لخلق أحزاب سياسية ناجحة، قادرة على العطاء و تقديم المنجزات و تجديد نفسها بإستمرار لمجاراة التطورات المحلية و الإقليمية و الدولية و التفاعل مع المستجدات من الأفكار و المبادئ و المفاهيم و القيم، ليضمن بقاءها و إستمرارها و لكسب ثقة الشعب و القدرة على تحمل أعباء النضال الصعب الذي تتطلبه القضية الكوردستانية و لتتحرر المواهب و الطاقات الفكرية و الإبداعية الكامنة في أعضاء هذه الأحزاب لخدمة شعبهم و بلادهم.

كما ينبغي أن تسود الديمقراطية و الحرية في منظمات المجتمع المدني و المحافظة على إستقلالية هذه المنظمات عن السلطة التنفيذية في جنوب كوردستان و عن الأحزاب السياسية في كافة أرجاء كوردستان، لخلق ظروف جيدة لهذه المنظمات لأداء مهامها و دورها في المجتمع الكوردستاني.

سيادة الجو الديمقراطي في داخل الأحزاب الكوردستانية، تعمل على خلق قيادات جماعية منسجمة في هذه الأحزاب و بذلك يوفّر فرصاً أكبر و أفضل لإتخاذ قرارات صائبة و تجنّب الأخطاء. كما أن القيادة الجماعية تسد الطريق أمام ظهور الدكتاتورية الفردية و بروز ظاهرة "الزعيم الأوحد" أو سيطرة العائلة و القبيلة على مقدّرات و قرارات الحزب. القيادة الجماعية تمنع أيضاً حدوث فساد مالي و إداري في الحزب أو تحدّ منه. الديمقراطية الحزبية تعمل كذلك على خلق و تنمية و تشجيع الكفاءات و المواهب الفردية التي تكون ثروة بشرية خلّاقة للحزب و للشعب على السواء. من الجوانب الإيجابية الأخرى للديمقراطية الحزبية هي أنها تعمل على الحد من النزاعات و الخلافات بين الأحزاب الكوردستانية و ذلك من خلال إسهامها في الحدّ من دور الخلافات الشخصية و العشائرية والآيديولوجية في علاقة الأحزاب السياسية مع بعضها و وضع المصالح الوطنية فوق المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية.

إن سيادة الديمقراطية في تنظيم سياسي ما أو نظامٍ ما، تقود الى تبؤ الأشخاص للمواقع الحزبية أو الإدارية بالإستناد الى الكفاءة و الخبرة و المقدرة و وضع المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الأخرى، حيث يتم إختيار المسئولين بطريقة ديمقراطية و بقرارات جماعية التي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب. بالنسبة الى الديمقراطية في النظام السياسي، التي تنطبق على جنوب كوردستان و الى حد ما على غرب كوردستان، فأنه ينبغي إناطة المسئوليات و المهام و فتح أبواب التعيينات أمام الكوردستانيين على أساس المواطنة و الكفاءة، بعيداً عن أسس الإنتماء الحزبي.

83
رفع شعار إستقلال كوردستان (3) (الحلقة الأخيرة)

مهدي كاكه يي

نقطة مهمة أخرى لابد الإشارة إليها وهي أن القضية الكوردستانية غير معنية بجزء مُعيّن من كوردستان و علاقة ذلك الجزء بِحكومة الدولة المُغتصِبة لكوردستان، بمعزل عن الأجزاء الأخرى، و بكلام آخر فأن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لشعب واحد، مُغتصَب وطنه من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن حل القضية الكوردستانية بتجزئة هذه القضية الى عدة قضايا مستقلة و كل قضية تكون مرتبطة بإحدى الدول المُغتصِبة لكوردستان بحيث يتم عزل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها البعض، بل أن القضية هي قضية شعب كوردستان بأسره و حل القضية الكوردستانية يتم فقط على نطاق كوردستان بأكملها لأن القضية الكوردستانية هي قضية الكوردستانيين جميعاً و لا يمكن حلها ضمن نطاق كل دولة مُغتصِبة لجزء من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى.

مما سبق، يتوصل المرء الى حقيقتَين مهمتَين، الأولى هي إستحالة تمتع الشعب الكوردستاني بحقوقه في المستقبل المنظور في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث لا تعترف حكومات و شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق تقرير المصير لشعب كوردستان.

إن التطور الإجتماعي للمجتمعات البشرية عبارة عن عملية بطيئة جداً، لذلك فأن تطور شعوب البلدان المُغتصِبة لكوردستان يستغرق أجيالاً عديدة، عندئذٍ قد يرتفع المستوى الفكري و وعي هذه الشعوب بحيث تتبنى النظام الديمقراطي و تتفاعل مع المفاهيم و الأفكار الإنسانية المعاصرة و تعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره و التعبير عن إرادته.

الحقيقة الثانية هي أنه لا يمكن حل القضية الكوردستانية في كل جزء مُغتصَب من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى، حيث أن تجزئة القضية الكوردستانية تعني تجزئة كوردستان وتشتت شعبها و نضاله. 

للأسباب السابقة الذكر، فأن رفع شعار الحكم اللامركزي أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية الديمقراطية من قِبل شعب كوردستان للعيش تحت حكم الإحتلال، هو خطأ تأريخي فادح، حيث لا يمكن تحقيق تمتع الكوردستانيين بحقوقهم في ظل حكم عنصري شمولي و العيش مع شعوب متخلفة لا تقرّ بحقوق شعب كوردستان. كما أن رفع مثل هذه الشعارات للقبول بالعيش في ظل الدول المُغتصِبة لكوردستان، هو إقرار صريح بقبول إغتصاب كوردستان و تجزئة شعبها. إن تجزئة القضية الكوردستانية تعني أيضاً تجزئة النضال الكوردستاني و التي بدورها تؤدي الى إضعاف هذا النضال وتقليل فرص تحقيق طموحات شعب كوردستان، بينما تقوم الدول المُغتصِبة لكوردستان بالتنسيق فيما بينها سراً و علناً لتتمكن من الإستمرار في إغتصاب كوردستان و إستعمار شعبها و الوقوف بوجه تطلعات الكوردستانيين في التمتع بالحرية و الإستقلال و من أجل الإستمرار في نهب ثروات كوردستان.

إن عدم ثبات الشعارات التي ترفعها الثورات و التنظيمات السياسية الكوردستانية و ضبابيتها، تؤديان الى عدم تحقيق الأهداف الكوردستانية و إرباك شعب كوردستان و نضاله، حيث أن الثورات و الأحزاب الكوردستانية تقوم بتغيير هدف نضالها بإستمرار كأنْ تناضل من أجل الإدارة اللامركزية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حق تقرير المصير أو الإستقلال.

إن عدم رفع شعار إستقلال كوردستان تجعل القضية الكوردستانية شأن من الشئون الداخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و بذلك تتقوقع القضية الكوردستانية داخل حدود الدول المُغتصِبة لكوردستان و تمنعها أن تصبح قضية عالمية لشعب مستعمَر و بلاد مُغتصَبة تحتاج الى تدخّل الأمم المتحدة و الدول الكبرى و تلقّي الدعم و المساعدة منها ليتحرر شعب كوردستان من العبودية و الإحتلال.

فيما يتعلق بهذا الموضوع، يجب التأكيد على أنه لا يحق لفرد أو حزب أو مجموعة ما أن تقرر مصير شعب كوردستان بمفردها، بل يجب رفع شعار إستقلال كوردستان ليتحرر من الإحتلال الإستيطاني و يعيش بكرامة و عزة في وطنه، حيث أنه ليس هناك شعب على كوكبنا الأرضي يرضى أن يكون عبداً في وطنه و يوافق على أن يتم إغتصاب بلاده و إلغاء و محو هويته و لغته وثقافته و تراثه وتأريخه و نهب ثروات بلاده.


84
رفع شعار إستقلال كوردستان (2)
مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة تم الحديث عن ثلاث حقائق و التي ينبغي على شعب كوردستان أخذها في الإعتبار في مسيرة نضاله، وهي كون كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول و أنّ الدول المُغتصِبة لكوردستان تدّعي بأن شعب كوردستان هو جزء من شعوبها و أن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها و بذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته و تُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين. كما تم الحديث عن حشو أدمغة شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان بالفكر القومي العنصري الإستعلائي.  في هذه الحلقة نستمر في سرد الحقائق الأخرى.

الحقيقة الرابعة: إن الدول المُغتصِبة لكوردستان يتم حكمها من قِبل حكومات شمولية عنصرية متخلفة، حاولت و تحاول إلغاء وجود الشعب الكوردي و إلغاء هويته و لغته و تأريخه و ثقافته و تراثه. إن هذه الحكومات العنصرية تستخدم العنف و كل الوسائل الأخرى للقضاء على شعب كوردستان و إعاقة نضاله من أجل التحرر و إستقلال بلاده، بما فيها القيام بالإبادة الجماعية و إستخدام الأسلحة الكيميائية و فرض الحصار الإقتصادي و إتباع سياسة الأرض المحروقة و هدم عشرات الآلاف من القرى و المدن الكوردستانية و تشريد سكانها و حرق غابات كوردستان و تدمير بيئتها و العمل على إلغاء الهوية و اللغة الكوردية و التأريخ الكوردي العريق و محو و إزالة ثقافة و تراث شعب كوردستان.

الحقيقة الخامسة: إن شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هي شعوب متخلفة نتيجة أسباب عديدة لا مجال هنا في الخوض فيها و لذلك فهي غير مؤهلةٍ لبناء أنظمة حُكمٍ ديمقراطية و قبول التعددية و الرأي المختلف و الإعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، بما فيها تحرر شعب كوردستان.

نظراً لتأخر شعوب الدول المحتلة لكوردستان و عدم أهليتها لبناء أنظمة سياسية ديمقراطية في بلدانها في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور و قد يستغرق تأهيل هذه الشعوب و تطورها أجيالاً عديدة و لهذا السبب على الكوردستانيين أن يعرفوا هذه الحقيقة و على ضوئها يجب أن يُحددوا أهدافهم و يضعوا إستراتيجياتهم و وسائل نضالهم.

الحقيقة السادسة: تتعاون و تُنسّق الدول المُغتصِبة لكوردستان فيما بينها للوقوف بوجه تطلعات شعب كوردستان و منعه من أن يتحرر من الإستعمار الإستيطاني و الإحتلال و العبودية. رغم الخلافات السياسية و الثقافية و المذهبية و الإقتصادية و التأريخية القائمة بين الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تتعاون معاً للإستمرار في إستعباد شعب كوردستان و الإستمرار في إغتصاب بلاده و نهب ثروات كوردستان.

هذه الحقائق السالفة الذكر تؤكد على إستحالة بناء أنظمة سياسية ديمقراطية في الدول المُغتصِبة لكوردستان على الأقل خلال المستقبل المنظور، بحيث تعترف أنظمة الدول المُغتصِبة لكوردستان بحق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره بنفسه و أن يكون ندّاً متكافئاً لهذه الشعوب.

لا تزال القضية القومية تلعب دوراً كبيراً في دول ديمقراطية متقدمة و متطورة، حيث أنه من المتوقع أن تنال شعوبٍ كثيرة في الدول الغربية المتقدمة التي تعيش ضمن كيانات سياسية مشتركة، حريتها و إستقلال بلدانها. القوميون الاسكتلنديون يناضلون من أجل إستقلال بلدهم عن بريطانيا وينظمون إستفتاء بعد آخر لتحقيق هذا الهدف. الشعب الكتالوني و الباسك في إسبانيا يعملان بدورهما من أجل إستقلال بلدَيهما عن إسبانيا. في بلجيكا، شعب الفلامان (الفلامنج) الناطق باللغة الهولندية و شعب الوالون (الوالس) الناطق باللغة الفرنسية، لا ينسجمان معاً في العيش المشترك في بلجيكا و من المحتمل جداً أن يستقل هذان الشعبان في المستقبل المنظور و يؤسسان دولتَين مستقلتَين على أنقاض مملكة بلجيكا الحالية. شعب كيوبك الناطق بالفرنسية يناضل من أجل الإستقلال عن بقية سكان كندا الناطقين باللغة الإنكليزية. إذا كانت الدول الغربية الديمقراطية التي قد تسبق الشعوب المتأخرة، مثل الشعوب التركية و الفارسية و العربية، في التقدم و التطور بمئات السنين، لا تستطيع حل التعدد الإثني في بلدانها فكيف يستطيع شعب كوردستان العيش مع الشعوب المتأخرة للدول المُغتصِبة لكوردستان ضمن كياناتها السياسية الحالية؟!!


85
رفع شعار إستقلال كوردستان (1)

مهدي كاكه يي

من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية. هذه الحقائق هي عوامل مؤثرة جداً على القضية الكوردستانية، بل أنها تُحدد الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان و تحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية و إختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل و لوضع إستراتيجية متكاملة و ناجحة للنضال الكوردستاني.

الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد مُغتصَب من قِبل عدة دول و لذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً و ثقافياً و لغوياً و إقتصادياً و إجتماعياً للدولة المُغتصِبة له و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة و مؤامرات الدول المُغتصِبة لكوردستان و إنعدام قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً و مشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تُخاصِم و تحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد مُغتصِبي كوردستان.

كما أن كل جزء مُغتصَب من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان و بذلك يقرّ القادة السياسيون الكوردستانيون عملياً بتجزئة كوردستان و الإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي و بحدود الدول المُغتصِبة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية و عمل هؤلاء القادة و لا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني و تفريق و إضعاف قوة شعب كوردستان.

الحقيقة الثانية:
إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المُغتصِبة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو جزء من الشعب التركي في "تركيا" و من الشعب العراقي في العراق و أنه جزء من الشعب العربي في سوريا و جزء من الشعب الإيراني في إيران و أن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه الدول المُغتصِبة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المُغتصِبة لكوردستان تعتبر كوردستان مُلكاً لها و بذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته و تُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين.

هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته و ثقافته و تأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت حكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان و لا تزال تعمل على تعريب و تتريك و تفريس كوردستان و شعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان و ترحيلهم قسراً الى المناطق العربية و التركية و الفارسية في كل من (العراق و سوريا) و "تركيا" و إيران على التوالي و تم إحلال العرب و الترك و الفرس محلهم و تم إغتصاب ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع و الأماكن و القرى و المناطق و المدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه و على أرضه التأريخية. نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك و تعريب و تفريس الملايين من الكورد و تقلصت و إنكمشت حدود كوردستان.

الحقيقة الثالثة: قامت الحكومات العنصرية الحاكمة للدول المُغتصِبة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري الإستعلائي في نفوس شعوبها و تلقينها بمعلومات كاذبة مشوهة عن الشعب الكوردي و أصله و تأريخه و حضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة أخرى لكسب هذه الشعوب الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب و تتريك و تفريس و تعريب كوردستان لسرقتها و نهب ثرواتها.

هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية و الفارسية و العربية تمّ و يتم عن طريق وسائل الإعلام و مناهج التعليم و عن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية و تجويعها و تجهيلها و نشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها و إنقيادها الى القبول و الإيمان بالفكر العنصري لحكوماتها و خلق مواقف عنصرية و عدائية تجاه حق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم.

هذه الحكومات نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المُغتصَب من قِبل "تركيا") و عربية (القسم المُغتصَب من قِبل العراق و سوريا) و إيرانية (القسم المُغتصَب من قِبل إيران). هذا النجاح لحكومات الدول المُغتصِبة لكوردستان خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة ثانية و الذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الحوار و التفاهم و الإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.

لو أُعطيت الشعوب التركية و الفارسية و العربية فرصةً جيدة لتكون واعية و مُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريره من الإحتلال و تحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية و العنصرية لتحقيق الحرية و العيش الكريم لنفسها و لشعب كوردستان و لَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية و السلم و الأمان و الإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية و العنصرية المتخلفة و بناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة و المساهمة في خدمة الإنسانية و تعمير و تطوير كوكبنا الأرضي، إلا أن تخلف شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان هو عائق أمام توحيد صفوفها مع شعب كوردستان لتحرير نفسها من براثن الدكتاتورية و الشمولية و العنصرية من جهة و تحقيق إستقلال كوردستان من جهة أخرى. في الحلقة الثانية من هذه السلسلة من المقالات، نستمر في سرد هذه الحقائق المؤثرة على شعب كوردستان والتي يتحدد على ضوئها النضال الكوردستاني والشعار الذي ينبغي رفعه والإستراتيجية الصائبة التي يجب تحديدها.


86
الفكر الوطني الكوردستاني (7) (الحلقة الأخيرة)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة، تمّ الحديث عن 6 مجاميع من المجاميع الكوردستانية التي ترفع شعار العيش المشترك بين الكورد و الشعوب المغتصِبة لِكوردستان في كل من إيران و "تركيا" والعراق و سوريا، و الإبقاء على الشعب الكوردستاني مجزأً و مقسّماً، فاقداً لهويته. في هذه الحلقة نواصل الحديث عن القسم الثاني من هذه المجاميع والتي مكرّسة لأصحاب مشروع الأمة الديمقراطية.

7. أصحاب مشروع الأمة الديمقراطية:
في الآونة الأخيرة، ظهر مصطلح "الأمة الديمقراطية" الذي هو عبارة عن مشروع لإقامة إتحاد كونفيدرالي بين شعوب منطقة الشرق الأوسط، بضمنها شعب كوردستان. هذا المشروع هو مشروع غير واقعي وسابق لأوانه وغير قابل للتطبيق في الوقت الحاضر وعلى المدى المنظور والمتوسط والبعيد، لأنه لا يراعي تخلّف شعوب المنطقة، من ضمنها شعب كوردستان و شعوب الدول المُغتصِبة لكوردستان ولا يأخذ في الحسبان التراكمات التاريخية والثقافية في هذه المجتمعات والتربية العنصرية والعدائية المترسخة في فكر شعوب المنطقة. مجتمعات منطقة الشرق الأوسط المتخلفة التي تتألف من شعوب وقوميات وإثنيات وأديان ومذاهب متنافرة ومتعادية، لا تجمع بينها وحدة المصالح والأهداف والمصير والثقافة لأسباب تاريخية وسياسية وثقافية متراكمة. لذلك فأن أي محاولة للجمع بين هذه المجتمعات المتضادة، ستفشل لأنها لا تستند على البُنية الفكرية والثقافية والسياسية المتنافرة لهذه المجتمعات. الهجمة الوحشية لإرهابيي داعش في هذه الأيام على غربي وجنوبي كوردستان وسوريا والعراق والفوضى السائدة في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا والتطاحن والحروب المندلعة بين الشعوب والقوميات والأديان والمذاهب فيها والخراب والدمار اللذان تعرضت لهما بلدان المنطقة بسبب هذه الحروب، تكشف بِوضوح عن العلاقة العدائية بين إثنيات وقوميات وطوائف المنطقة و سيادة الفكر القومي والديني والمذهبي في هذه المجتمعات وهذا يُثبت سذاجة النظرية القائلة بِإمكانية العيش المشترك بين المكونات القومية والدينية والمذهبية ضمن كيانات سياسية واحدة.
 
المجتمعات المتحضرة الهجينة عرقياً أو مذهبياً، تعاني من مشاكل كبيرة نتيجة التعدد القومي أو المذهبي فيها. حيث نرى أن دولاً متقدمة و متحضرة تعاني من المشكلة القومية، على سبيل المثال، يطالب كل من الشعب الباسكي و الكتلاني بالإستقلال عن إسبانيا. في بلجيكا، الخلاف مستمر بشكل متواصل بين سكان القوميتين الرئيسيتين الناطقتين بالهولندية و الفرنسية اللتين تعيشان في إقليمَي فلاندرز و والونيا. إفتقار القوميتين للإنسجام و التفاهم على العيش المشترك، يجعل الظروف السياسية في بلجيكا أن تكون غير مستقرة بإستمرار. حزب التحالف الفلمنكي الجديد (N-VA) للسكان الناطقين بالهولندية، الذي هدفه إستقلال فلاندر عن بلجيكا، حصل في الإنتخابات البرلمانية الأخيرة على حوالي 20 بالمائة من أصوات المقترعين (30 مقعد من مجموع 150 مقعد في مجلس العموم البلجيكي) و بذلك يصبح أكبر حزب في البلاد، مما ستجعل البلد أن تتجه نحو التقسيم. يتكهن بعض المؤرخين و المحللين السياسيين بأن بلجيكا ستنشأ منها دولتان مستقلتان خلال 10 الى 15 سنة القادمة. في بريطانيا، هناك أحزاب أسكتلندية و إيرلندية شمالية و ويلزية تناضل من أجل إستقلال كل من أسكتلندا و إيرلندا الشمالية و ويلز على التوالي. في الوقت الحاضر يقود الحزب القومي الأسكتلندي، الذي يرفع شعار إستقلال أسكتلندا، الحكومة الأسكتلندية. في كندا، هناك حركة مستمرة في إقليم كيوبك، الذي سكانه من الناطقين باللغة الفرنسية، تطالب بالإستقلال. لا تزال إيرلندا الشمالية تواجه مشكلة العداء بين الكاثوليك والبروتستانت و التي تتسبب في حوادث الإقتتال بين الجانبَين ووقوع الضحايا بينهما. في هذه البلدان الديمقراطية المتحضرة توجد أحزاب و حركات تعمل من أجل إستقلال أوطانهم عن تلك الدول بسبب الإختلاف القومي والمذهبي، بالرغم من الحقوق التي تتمتع بها هذه الشعوب الطامحة في الإستقلال. كيف يكون الأمر بالنسبة للشعب الكوردي في الدول المُغتصِبة لبلاده الذي تعرض و يتعرض للإبادة الجماعية و الإلغاء و التعريب و التتريك و التفريس؟!

لذلك يجب أن يستوعب شعب كوردستان و خاصة أحزابه و قياداته بأن القبول بإغتصاب كوردستان و الإعتقاد بإمكانية العيش المشترك لشعب كوردستان مع الشعوب المُغتصِبة لكوردستان ضمن الكيانات السياسية المصطنعة لتلك الشعوب، هو إعتقاد خاطئ مبني على الوهم و بعيد جداً عن الواقع و أنهم في حالة إصرارهم في المضي في هذه السياسة، فأنهم يقومون بالعمل على إستمرارية العبودية التي يعيشها شعب كوردستان و سيلعنهم التأريخ و يطيح بهم الشعب الكوردستاني و يستلم زمام قراره بنفسه.

إن طرح هذه الفكرة يشبه تماماً الطرح الشيوعي لنشر أفكاره في المجتمعات الزراعية القبلية المتخلفة التي تفتقر الى الطبقة العاملة بسبب عيشها في المرحلة الإقطاعية وشبه الإقطاعية والتي فشلت فشلاً ذريعاً في أوروبا الشرقية و في العالم بأسره بسبب عدم أخذها بِنظر الإعتبار لِواقع المجتمعات المعنية. كذلك فأن فكرة الكونفدرالية الديمقراطية تلعب دوراً تخريبياً مماثلاً لِشعار الإخوة الإسلامية الذي يرفعه العرب و الفرس و الأتراك، خدمةً لمشاريعهم القومية الشوفينية للإستمرار في إغتصاب بلدان الشعوب الأخرى و من ضمنها كوردستان وذلك عن طريق التخفّي وراء مثل هذه الشعارات الخادعة.

إن رفع شعار الكونفدرالية الديمقراطية قد يكون صحيحاً على المدى البعيد جداً (بعد مئات السنين) عندما تتقدم شعوب المنطقة فكرياً وثقافياً وإجتماعياً وإقتصادياً وتكنولوجياً، وبعد أن تتحرر كوردستان من الإحتلال وتحقق إستقلالها ويتمتّع شعبها بهويته الثقافية والسياسية. عندئذ قد تحتاج شعوب المنطقة الى التعاون والتنسيق والتكامل فيما بينها لأسباب إقتصادية وأمنية وسياسية، فتقوم بإنشاء علاقة متكافئة بينها من خلال تأسيس إتحاد كونفدرالي. خير مثال على تطبيق الكونفدرالية الديمقراطية هو الإتحاد الأوروبي الذي ترتبط دولها ببعضها بنظام كونفدرالي، حيث أن هذه الدول متقدمة صناعياً وعلمياً وإقتصادياً، وتتمتع بِنظام رأسمالي ويسود فيها حكم القانون وحق المواطنة وأن شعوب هذه الدول متحضرة ومتخطية للعلاقات القبلية والأفكار العنصرية والطائفية.
 
إن رفع شعار الكونفدرالية الديمقراطية في الوقت الحاضر، قبل نضوج شعوب المنطقة وتقدمها وتوفر الظروف الذاتية والموضوعية لتطبيقها، يشكّل خطراً جدّياً على نضال شعب كوردستان ويُحرّف النضال الكوردستاني ويعرقله ويعمل على إفشال تحقيق إستقلال كوردستان. قبل كل شئ، يجب أن تتحرر كوردستان من الإحتلال وأن تصبح دولة مستقلة و نداً متكافئاً لدول المنطقة وبعد تحضّر وتقدم شعوب المنطقة، قد تصبح الظروف مؤاتية للتنسيق والتحالف بين شعوب المنطقة لتشكيل نظام كونفدرالي.

كما أن شعب كوردستان هو شعب مُستعمَر ووطنه مُغتصَب من قِبل عدة دول، لذلك فأنه بحاجة الى إدارة مركزية قوية لتحرير كوردستان وتأسيس دولة كوردستان. بعد إستقلال كوردستان يمكن تأسيس نظام لامركزي وتأسيس كانتونات إذا ما تطلبت الظروف.

هناك مَن يُعيب النضال الكوردستاني ويقول بأنه نضال قومي عفا عنه الزمن. النضال الكوردستاني ليس نضالاً قومياً بحتاً، بل أنه نضال تحرر وطني من إحتلال إستيطاني بشع. إن شعب كوردستان يئنّ تحت إستعمار إستيطاني و نضاله هو لتحرير وطنه من هذا الإستعمار الخبيث. كما أن شعب كوردستان مكوّن من قوميات عديدة، لذلك فأن نضاله هو نضال وطني لتحرير وطنه ونفسه بكافة مكوناته القومية والإثنية.




87
الفكر الوطني الكوردستاني (6)

د. مهدي كاكه يي


يمكن تصنيف الكورد الذين يرفعون شعار العيش المشترك بين الكورد و الشعوب المغتصِبة لِكوردستان في كل من إيران و "تركيا" والعراق و سوريا، و الإبقاء على الشعب الكوردستاني مجزأً و مقسّماً فاقداً لهويته، الى المجاميع التالية:

1. الإسلاميون: ينطلق هؤلاء من فكرة الدين المشترك بين الكورد المسلمين و الأتراك والعرب والفرس المسلمين وعدم إعتراف هؤلاء بالفكر القومي الكوردي والفكر الوطني الكوردستاني. هؤلاء قد تم غسل أدمغتهم و ينطلقون من شمولية الفكر وفرضه بالعنف والقوة. طيب، إذا كان الإسلام يساوي بين المسلمين، بِغضّ النظر عن لغاتهم و ألوانهم و قومياتهم، لماذا يتعرض الكورد للأنفالات و الإبادة و تُهيمن الثقافة و اللغة العربية على نظيرتها الكوردية؟ لماذا تم حرمان الكورد من أبسط الحقوق الإنسانية طيلة الحكم الإسلامي لكوردستان؟ إن شعار الإخوة الإسلامية المرفوع من قِبل هؤلاء الكورد المنخدعين الغافلين، هو شعار خادع و مُقنّع، هدفه تكريس إغتصاب كوردستان من قِبل العنصريين العرب و الفرس و الترك. العنصريون العرب و الفرس و الأتراك يستغلون الدين الإسلامي في خدمة أفكارهم القومية العنصرية و في إحتلال بلدان الشعوب الأخرى و نهب ثرواتها. العرب أوجدوا الدين الإسلامي وبه خدموا العرب وإستولوا على بلدان كثيرة وعرّبوها. الفرس إعتنقوا المذهب الشيعي وعن طريقه خدموا القومية الفارسية. إعتنق الأتراك المذهب الحنفي و تمسكوا به لأن هذا المذهب لا يلتزم بحديث النبي محمد القائل "الأئمة في قريش" و عليه فأن تمسكهم بهذا المذهب خدمهم و أعطاهم الشرعية الدينية لأخذ الخلافة الإسلامية من قبائل قريش العربية و نقل مركز الخلافة الى إستانبول. هكذا أوجد الأتراك شرعية دينية لإحتلال بلدان العالم الإسلامي و إقناع الكثير من المسلمين بأن الدولة العثمانية هي إمتداد و إستمرار للخلافة الإسلامية. فقط الكورد لم يقوموا بذلك، بل قاموا بخدمة مُغتصبي وطنهم. كان بإمكان الكورد على سبيل المثال إحياء الدين اليزداني الآري لخدمة القومية الكوردية أو تبنّي الطريقة القادرية أو النقشبندية وجعلها مذهباً خاصاً بالكورد، الا أنهم لم يعملوها.

2. اليساريون المتزمتون: يؤمن هؤلاء ب"وحدة الطبقة العاملة" في كل من (تركيا) و إيران و العراق و سوريا، بدلاً من العمل على وحدة الطبقة العاملة الكوردستانية و توحيد كوردستان. هؤلاء أُناس تقليديون يحفظون نصوصاً مرّ على كتابتها أكثر من قرن، دون أن يستطيعوا أو يرغبوا في القيام بتطوير هذه النظريات الإنسانية الرائعة و جعلها تنسجم مع التطورات الكبرى التي حصلت للإنسان و لحياته و معيشته منذ ذلك الوقت. كما أن مجتمعات دول الشرق الأوسط هي مجتمعات متخلفة، تفتقد الى المصانع و المعامل ولذلك نجد هناك طبقة عاملة قليلة و ضعيفة في هذه الدول و التي تعني إنعدام طبقة عاملة حقيقية في الدول المُغتصِبة لكوردستان لكي يجعل هؤلاء من الشعب الكوردستاني ضحية لِفكرهم الطوباوي. أما ترديد هؤلاء نظرية الوحدة الإقتصادية لكل دولة من الدول المُغتصِبة لكوردستان و عدم الجواز بتفككها، فهي نظرية بائسة لا تحتاج الى الرد. كل ما يمكن ذكره هو التساؤل كيف نجحت الوحدة الألمانية بين ألمانيا الشرقية "الشيوعية" و ألمانيا الغربية الرأسمالية؟ كيف نجح إستقلال بنغلادش و دول الإتحاد السوفيتي السابق و دول يوغسلافيا السابقة و كل من التشيك و سلوفاكيا و تيمور الشرقية وأخيراً جنوب السودان؟

3. المتأثرون بثقافات و أفكار الشعوب المحتلة لكوردستان: نتيجة لِطول فترة إغتصاب كوردستان، تأثر قسم كبير من الكورد بِثقافات و أفكار مُغتصِبي كوردستان. تعتبر هذه الفئة من الكوردستانيين الواقع التقسيمي لكوردستان أمراً واقعاً يقبلونه و يُسلّمون به. هؤلاء يعوزهم الوعي القومي والوطني، حيث يفتقرون الى المعلومات التأريخية عن شعبهم. نتيجة الإفتقار الى هذا الوعي، يرى هؤلاء أنفسهم جزءً من شعوب الدول المحتلة لكوردستان.

4. الإستسلاميون: هذه الفئة ترى أن إستقلال كوردستان غير ممكن بسبب إحتلال كوردستان من قِبل أربع دول و تعاون حكومات هذه الدول فيما بينها لكبح جماح أي تطلع كوردستاني نحو الإستقلال و يعتقدون بأن الدول الكبرى لا تشجع أو تؤيد طموحات الكوردستانيين في الإستقلال. هؤلاء أناس سوداويون لا يرون بصيص أمل الإستقلال أمام الشعب الكوردستاني. الكوردستانيون السوداويون متأثرون بالظروف التي كانت سائدة في فترة الحرب الباردة و لذلك أنهم غير قادرين على فهم الواقع الإقليمي و العالمي الجديد و عاجزين عن تحليل مسارات التطورات الكوردستانية و الإقليمية و العالمية الجارية ويرون أن تحرر كوردستان هدفاً مستحيلاً.

5. المنتفعون و الوصوليون: هؤلاء يرتبطون بالحكومات المحتلة بأواصر إقتصادية أو سياسية أو تبعية أو نفعية، التي تجعلهم يفضلون الإبقاء على الواقع التقسيمي لكوردستان للحفاظ على مصالحهم الشخصية.

6. التقليديون: هؤلاء المجموعة من الكورد يقبلون إحتلال كوردستان و يتغنون بالإخوة الكوردية مع العرب و الترك و الفرس و يعتقدون بأنه من الممكن أن يتمتع الكورد بحقوقهم القومية ضمن البلدان المصطنعة التي تحتل كوردستان.


88
الفكر الوطني الكوردستاني (5)

د. مهدي كاكه يي


قد يتساءل البعض قائلين، بأن هناك شعوباً تعيش ضمن كيانٍ سياسي واحد فلماذا يتم إستثناء شعب كوردستان من العيش مع شعوب أخرى ضمن كياناتٍ سياسية؟ للإجابة على هذا السؤال نقول:

1. الشعوب العائشة ضمن كيان سياسي واحد قد تشترك في العيش معاً بمحض إرادتها أو بالقوة. كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول و يعاني شعب كوردستان من التعريب و التفريس و التتريك و العبودية و تتم إبادته و نهب ثروات بلاده.

2. لا تنحصر المسألة الكوردستانية في كيان سياسي واحد، حيث أن كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن جمع شعب كوردستان وتوحيد كوردستان ضمن إحدى الكيانات التي تغتصبها.

3. كلما تطول تجزئة كوردستان و عُزلة الأقاليم الكوردستانية عن بعضها، كلما تزداد خطورة التباعد الثقافي واللهجوي بين الكوردستانيين.

4. لا يمكن نجاح العيش المشترك بين شعوب متخلفة ضمن كيان سياسي واحد، حيث أنه من الصعوبة للشعوب المتحضرة أن تعيش ضمن كيانات سياسية موحدة، كما في حالة شعوب بلجيكا و كندا و إسبانيا والمملكة المتحدة و غيرها، فكيف يكون الأمر بالنسبة لشعوب متأخرة كالشعب الكوردستاني و التركي و العربي والفارسي؟
 
ه. بعد إستقلال كوردستان و تقدم وتحضّر شعوب منطقة الشرق الأوسط، قد تتطلب المصالح الإقتصادية و الأمنية لهذه الدول تأسيس كيان كونفيدرالي بينها.

بالنسبة الى الكُتّاب والمثقفين الكوردستانيين الذين يحملون الفكر الوطني الكوردستاني، هناك مشكلة في خطاب قسم منهم، حيث تطغى عليه الضبابية و الإزدواجية و التناقض و التذبذب و يفتقر الى الفكر الوطني الثابت. في الوقت الذي يتبنّى هؤلاء تحرير كوردستان وإستقلالها، يساهم هؤلاء في نفس الوقت، على سبيل المثال في إصدار بيان يؤكدون فيه على عراقيتهم و أنهم (يُقدّسون) العَلَم العراقي. إن الإزدواجية و ضبابية الأهداف عند الكاتب و المثقف الوطني الكوردستاني تخلقان تشويشاّ و إرباكاً في الفكر عند المواطن الكوردستاني، لذلك علينا، ككًتّاب و مثقفين و صحفيين، أن نتبنى الفكر الوطني الكوردستاني بوضوح و الذي يهدف الى تحرير و إستقلال كوردستان، و أن نتبنى خطاً فكرياً محدداً و واضحاً، بعيدين عن العفوية و المجاملات و التخبط و أن نختار مفرداتنا و مصطلحاتنا بدقة، لتُعبّر عن أفكارنا بشفافية، لكي تكون قادرة على إيصال أفكارنا الى القارئ و السامع بِدقة و وضوح.

الفكر الوطني الكوردستاني يرى كوردستان مُغتصَبة ومقسّمة ويتبنى النضال بكافة الوسائل، من فكرية و ثقافية و إجتماعية و علمية و سياسية و دبلوماسية و إعلامية و عسكرية، لتحرير كوردستان و توحيدها. كما أنه يعترف بالحقوق القومية والثقافية لكافة المكونات القومية والإثنية لشعب كوردستان و يعمل على صيانة لغات وتراث و تاريخ هذه المكونات و تطويرها والمساواة بينها في الواجبات والحقوق. كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى النظام الديمقراطي العلماني الذي يؤمن بالتداول السلمي للسلطة وذلك طبقاً لإرادة الشعب الكوردستاني، و فصل الدين عن السياسة وإستقلالية السلطات التشريعية والتنفيذية و القضائية و حرية الصحافة والتعبير والإعتقاد وكافة الحريات الشخصية الأخرى و المساواة بين المرأة و الرجل و رعاية الطفل والمسنين وتحقيق العدالة الإجتماعية. الفكر الوطني الكوردستاني يتبنى أيضاً الإعتراف بكافة الأديان والمذاهب والمعتقدات في كوردستان و إحترامها والمساواة بينها و قيام أصحابها بممارسة طقوسهم و شعائرهم الدينية بِحرية لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، له أهداف و مصالح و ثقافة مشتركة و مصير واحد. الفكر الوطني الكوردستاني يؤمن بالتقدم العلمي والإجتماعي و الثقافي ويناضل من أجل خلق مجتمع كوردستاني متطور و عصري، يكون مؤهلاً للمساهمة في رفد الحضارة البشرية بالإختراعات و الإبداعات في مختلف نواحي الحياة، ليواصل عطاءه كأسلافه العظام.

مما تقدم، فأن حاملي الفكر الوطني الكوردستاني الذين يعتبرون شعب كوردستان شعباً واحداً و مُستعمَراً و أن كوردستان هي بلاد مُغتصَبة يجب تحريرها، هم المؤهلون لِتأسيس وقيادة تنظيمات سياسية، لِتناضل و تقود شعب كوردستان نحو الحرية و الإستقلال، حيث أنها تنظيمات وطنية كوردستانية، تؤمن بالنضال الكوردستاني الموحّد في كافة أرجاء كوردستان. مثل هذه الأحزاب الوطنية الكوردستانية العصرية المؤمنة بِوحدة الهدف و النضال والمصير الكوردستاني والحاملة للفكر الديمقراطي، هي التي ستحرر شعب كوردستان و وطنه من براثن الإحتلال والإستيطان، بينما الأحزاب الكوردية المحلية التي هي أحزاب سورية و تركية و إيرانية و عراقية، فأنها تعيش خارج العصر و ستنهار و تختفي لأنها قاصرة عن تحقيق أهداف شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال والديمقراطية و التقدم و الرفاهية.

عليه، يجب تعرية الأحزاب الكوردية المحلية الكلاسيكية المتخلفة و التي تجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تعمل على تشتيت النضال الكوردستاني و تجعله نضال قوميةٍ، تعيش على أرضٍ سورية و تركية و إيرانية و عراقية، بدلاً من نضال شعب مُستعمَر، وطنه مُغتصَب، الذي يكافح في سبيل تحرير نفسه و وطنه. بالإضافة الى محليّة هذه الأحزاب الكوردية، فأن هذه الأحزاب هي أحزاب متخلفة تعيش خارج الزمن، ترتكز على الفردية و العشائرية و المناطقية و يسودها الفساد والمحسوبية، و تستخدم وسائل نضالٍ بالية، عفا عنها الزمن. لذلك فأن شعب كوردستان بحاجة الى أحزاب وطنية عصرية مخلصة وشجاعة، تحمل الفكر الوطني الكوردستاني وقادرة على التفاعل مع المفاهيم والقيم والأفكار المعاصرة ومؤهلة لمواكبة التطورات والتغيرات المحلية والإقليمية والعالمية وبذلك تضمن تحرير كوردستان وتوحيدها.


89
الفكر الوطني الكوردستاني (4)

د. مهدي كاكه يي

إن مساحة كوردستان تنكمش مع مرور الوقت بسبب زحف الأقوام التركية و العربية و الفارسية عليها و إحتلالها و الإستيلاء عليها والإستيطان فيها، حيث أن كوردستان التاريخية تشمل العراق الحالي و إقليم غرب كوردستان الحالي و قسم من دول الخليج الفارسي و أجزاء كبيرة من كلٍ من إيران وبلاد الأناضول (تركيا)، إلا أن كوردستان فقدت مساحات كبيرة والتي تُقدر بأضعاف المساحة الحالية لكوردستان و اليوم يكافح الكوردسانيون جاهدين من أجل تأمين إنضمام محافظة كركوك و مناطق أخرى تابعة لمحافظتي الموصل و ديالى الى إقليم جنوب كوردستان و يتأملون أن يصوّت أهالي هذه المناطق لصالح إنضمامها للإقليم.

كما أن عشرات الملايين من الكورد تم تعريبهم و تتريكهم و تفريسهم خلال القرون الماضية، حيث أن معظم المستعربين الشيعة و الفرس و الملايين من المستتركين الذين نراهم اليوم، ينحدرون من أصول كوردية، فقدوا هويتهم و لغتهم الكوردية و تراثهم الكوردي وشعورهم القومي والوطني بمرور الوقت، نتيجة إفتقار الكورد لدولة تجمعهم و تحافظ على وجودهم و هويتهم و لغتهم و تراثهم و تحميهم من التعريب والتفريس والتتريك. أذكر هذه الحقائق المُرّة و المأساوية لتبيان مدى خطورة الخطاب الكوردي الذي يُكرّس واقع إحتلال كوردستان، على الوجود الكوردي كشعب و هوية و ثقافة و تراث و تأريخ و جغرافية.

في الوقت الحاضر، ترفع الغالبية العظمى من الأحزاب السياسية الكوردستانية شعارات كلها تلتقي في تكريس إغتصاب كوردستان والإعتراف ضمنياً بتجزئة كوردستان وتبعية كل جزء منها للدولة التي تغتصبه وكون شعب كوردستان جزءاً من شعوب الدول المُغتصِبة لِكوردستان. ترفع هذه الأحزاب شعارات مثل الحكم الذاتي والفيدرالية والإدارة الذاتية والتي كلها قبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها وجعلها قضية داخلية للدول المُغتصِبة لِكوردستان. هذه الشعارات لها آثار سلبية كبيرة على حركة التحرر الوطنية الكوردستانية.

رفع الأحزاب السياسية الكوردية شعارات "اللامركزية" و "الحكم الذاتي" و "الفدرالية" و"الإدارة الذاتية"، يجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و هذا إعتراف صريح بشرعية إغتصاب كوردستان وتجزأتها وهذا الأمر خيانة عظمى تجاه شعب كوردستان ويجب محاكمة القائمين بهذه الجريمة الوطنية الكبرى. من جهة أخرى فأن هذه الشعارات تروّض شعب كوردستان على القبول بإغتصاب كوردستان وقبول تقسيمها ومن جهة أخرى تُقسّم شعب كوردستان من خلال إلتفافه حول شعارات مختلفة وكذلك تُشتّت النضال الكوردستاني بجعلها نضالاً محلياً يُجرى في كل إقليم كوردستاني بمعزل عن الأقاليم الأخرى.

لذلك من المفروض أن تهتم التنظيمات السياسية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان"، بالمسائل السورية و الإيرانية و التركية و العراقية، حيث أن هذه التنظيمات هي تنظيمات محلية في الكيانات السياسية التي تغتصب كوردستان وأن تشمل برامج هذه الأحزاب أهدافاً تعني بشئون الدولة المُصطَنعة التي تعمل فيها، مع التركيز على الحقوق الكوردية والعمل على تحقيقها مثل الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية و غيرهما.

بما أن الأحزاب الكوردية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان" هي أحزاب محلية في الدول المُغتصِبة لكوردستان، تابعة لهذه الدول، فأنّ هذه الأحزاب ضمنياً تعتبر (الكورد) قومية وليسوا شعباً، لأن الشعب له وطن يعيش فيه و له الحق أن يؤسس دولة مستقلة خاصة به، بينما هذه الأحزاب، من خلال عدم نضالها في سبيل تحقيق إستقلال كوردستان، فأنها تعتبر كوردستان أجزاءً من الدول المُغتصِبة لكوردستان وتعمل ضمنياً على ترسيخ إحتلال كوردستان وتجزئتها. هذا يعني أيضاً بأن هذه الأحزاب هي أحزاب كوردية و ليست كوردستانية، حيث أنها تُمثّل (القومية الكوردية) و لا تُمثّل (شعب كوردستان) بمختلف مكوناتها، الذي يعيش على أرض كوردستان. هذه الأحزاب تحمل الفكر القومي و تُجرى نشاطاتها ضمن حدود الدول المُغتصِبة لِكوردستان.

نظراً الى أن الأحزاب الكوردية الإنهزامية والمستسلمة لواقع إغتصاب كوردستان وتجزئتها، يقتصر عملها ضمن الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تُشتّت النضال الكوردستاني، حيث تفصل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها وتقزم القضية الكوردستانية وتجعلها "قضايا" داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تجعل نضال كل إقليم بِمعزل عن نضال الأقاليم الأخرى. بِكلام آخر أن هذه الأحزاب تُشتّت النضال الكوردستاني وتمنعه أن يكون نضالاً كوردستانياً شاملاً، يشمل كافة الأقاليم الكوردستانية، بحيث يكون النضال الكوردستاني موحّداً، ذا إستراتيجية موحدة و يهدف الى تحرير شعب كوردستان و إستقلال كوردستان.



90
الفكر الوطني الكوردستاني (3)

د. مهدي كاكه يي

يؤمن الفكر الوطني الكوردستاني بأن شعب كوردستان شعب واحد و أن بلاده، كوردستان، مُغتصَبة و مجزأة و مقسمة بين عدة دول و أنه يجب تحريرها وتوحيد كافة أجزائها، لجمع شمل شعب كوردستان في كيان سياسي ديمقراطي موحد. كما يؤمن بأن شعب كوردستان يتألف من مكونات قومية وإثنية ودينية ومذهبية متعددة وهذه المكونات تتمتع بحقوق متساوية وتُنيط بها واجبات متكافئة. كما أن الفكر الوطني الكوردستاني يتبنّى العلمانية والديمقراطية والعدالة الإجتماعية. حاملو الفكر الوطني الكوردستاني يُشكّلون الغالبية المطلقة من شعب كوردستان، حيث أظهر الإستفتاء غير الرسمي الذي جرى في جنوب كوردستان في بداية عام 2005، بأن 98% من المواطنين الكوردستانيين يريدون إستقلال كوردستان.

يرفع حاملو الفكر الوطني الكوردستاني شعار (إستقلال كوردستان) الذي يُخرِج النضال الكوردستاني من كونها قضايا داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان الى قضية وطن مُغتصَب وشعب مُستعمَر، يناضل من أجل تحرير نفسه ووطنه وبذلك تصبح قضية دولية. عندئذٍ يكون الشعب مستعداً للتضحية بأرواح الكوردستانيين وبأموالهم في سبيل حريته وإستقلال بلاده.
 
إن شعار (إستقلال كوردستان) هو شعار إستراتيجي، وليس شعاراً آنياً أو وقتياً وتحقيقه غير محدد بوقتٍ معيّن أو بفترة زمنية معينة، بل أن تحقيقه يتم خلال فترة زمنية مفتوحة و في الوقت المُتاح له. لذلك فأنّه قد يتم تحقيق إستقلال كوردستان وتوحيدها بعد عدة سنوات أو بعد عشرات أو مئات السنين. المهم هو رفع هذا الشعار كهدف إستراتيجي والعمل على توفير الظروف الملائمة للوصول إليه.

كما أن هذا الشعار غير مقيّد بالظروف الذاتية الكوردستانية والإقليمية والدولية الحالية، بل أنه يتم العمل على إستثمار تغيير الظروف الذاتية إيجاباً لتغيير المعادلات الإقليمية والدولية لِصالح إستقلال ووحدة كوردستان. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن الظروف الإقليمية والدولية هي ظروف غير ثابتة، بل تتغير بإستمرار نتيجة التغيرات السياسية والإقتصادية والإجتماعية لدول المنطقة ودول العالم.

التاريخ يُخبرنا عن إمبراطوريات ودول تهاوت وإختفت وإمبراطوريات ودولٍ جديدة تظهر وتحل محلها وهذه العملية مستمرة بلا إنقطاع. من هنا فأن الموقع الجيوسياسي لكوردستان والمواقف الحالية للدول الكبرى والدول الإقليمية من إستقلال كوردستان، لا يمكن جعلها تبريراً للقبول بإغتصاب كوردستان وتجزئتها، حيث أن مواقف هذه الدول في تغيير مستمر وأنه بتحرير كامل تراب كوردستان، ستطلّ كوردستان على البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والخليج الفارسي.

على النقيض من الفكر الوطني الكوردستاني، هناك فكر إستسلامي وإنهزامي، يحمله بشكل خاص السياسيون الكورد و قسم من "المتثقفين" والكُتّاب الكورد. هؤلاء يوافقون ضمنياً على أن شعب كوردستان هو جزء من الشعوب المحتلة لكوردستان و تابعاً لها و أن الأقاليم الكورستانية هي أجزاء لا تتجزأ من الدول المحتلة لكوردستان، أي أن أرض كورستان هي أرض تابعة لكل من (تركيا) و إيران و العراق و سوريا. هؤلاء الداعون الى تكريس إحتلال كوردستان، يعتبرون أنفسهم من مواطني تلك الدول و التي تعني أنهم يقرّون و يعترفون بواقع تجزئة كوردستان و يقبلون الواقع التقسيمي لها، و عليه فأنهم ينطلقون في أفكارهم و أعمالهم و ممارساتهم و طروحاتهم من منطلق القبول بالأمر الواقع، أي بقاء كوردستان بلداً محتلاً و مقسّماً، يفتقد شعبه الى هوية يُعرّف بها نفسه للعالم و لِتبقى الشعوب المحتلة لوطنه، تهيمن عليه و تسلبه هويته و لغته و تأريخه و تراثه و حريته و ثرواته.
موقف هؤلاء الإستسلاميين الإنهزاميين ناتج عن تأثرهم بِثقافة الشعوب المُغتصِبة لِكوردستان وإصابتهم بحالة اليأس والإحباط من تحرير كوردستان وتوحيدها، حيث أن الشريحة الكوردية المتعلمة هي أكثر الشرائح الكوردية تأثراً بِثقافة المحتلين نتيجة تلقينهم بها في المدارس والمعاهد والجامعات وعن طريق وسائل الإعلام المختلفة، كما أنها الشريحة الأكثر تذبذباً للحفاظ على مصالحها وإمتيازاتها.
 
قسم من هؤلاء متأثرون بالفكر الأممي والفكر الإسلامي، حيث أنه من خلال رفع شعار الإخوة الأممية والإسلامية المضللة من قِبل مُغتصبي كوردستان، يتم إستغلال هؤلاء، لِيستمر المحتلون الإستيطانيون في إذلال شعب كوردستان وإحتلال وطنه ونهب ثرواته. هكذا يساهم هؤلاء في ترسيخ الإحتلال وترويض الشعب للعيش في ظل العبودية والتبعية.
إن الشخصية الكوردية هي شخصية تبعية بشكل عام بسبب تسلط الشعوب الفارسية و العربية و التركية على الشعب الكوردي لفترة طويلة، حيث أنها خلال هذه الفترة، هيمنت ثقافات تلك الشعوب على الثقافة الكوردية، لذلك نرى الكوردي يكون تابعاّ للعربي أو الفارسي أو التركي، وهذا ناتج عن التراكمات التأريخية المكوّنة لشخصيته و ثقافته. علينا أن نبدأ بِخلق شخصية كوردية مستقلة، تثق بنفسها و تعتز بِوطنها وقوميتها و تأريخها و لغتها و ثقافتها و تراثها و تتخلص من آثار ثقافات الشعوب المحتلة لكوردستان. ظهور مثل هذه الشخصية قد يحتاج الى جيل أو جيلين و الى جهود تربوية و ثقافية و إعلامية كبيرة.
لا شك أن الكُتّاب و المتعلمين و السياسيين الكورد، الداعين ضمنياً الى تكريس إحتلال كوردستان، وذلك بالترويج لفكرة إندماج الشعب الكوردي، كل في إقليمه، مع الشعوب التركية و الفارسية و العربية المحتلة لكوردستان و فرض واقع التجزئة و التشتت على الشعب الكوردي، يلعبون دوراً سلبياً خطيراً ضد المصالح الوطنية الكوردستانية. دور هؤلاء هو أخطر بكثير من النتائج الكارثية لعمليات الأنفال و الإبادة الجماعية التي تعرض لها شعب كوردستان و لا يزال يتعرض لأهوالها لأن الخطاب الإستسلامي الذي يحمله هؤلاء، يعمل على زرع روح الإستسلام في نفوس شعب كوردستان و القبول بواقع الإحتلال و التجزئة و إستمرارية عمليات التعريب و التتريك و التفريس للشعب الكوردي و لأرضه. إن نتائج محاولة هؤلاء في تدجين شعب كوردستان و تلقينه بأفكار إنهزامية و تقسيمية و إبعاده عن الفكر الوطني التحرري، هي تهديد خطير لوجود و مستقبل هذا الشعب المكافح الشامخ لأن تربية و غرس روح اليأس و الإستسلام في نفوس الأجيال الكوردية بقبول و ترسيخ واقع الإحتلال و التقسيم، تؤدي الى هزيمة شعب كوردستان بدون إبداء أية مقاومة أو أيّ رفض لواقعه المأساوي.




91
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (30) – أسلاف الكورد: الميديون

سقوط الإمبراطورية الميدية

د. مهدي كاكه يي

بعد أن نجح كورش في ضمان دعم قائد الجيش الميدي (هارپاك) له ونجاحه في التحالف مع الممالك الأخرى في المنطقة، في مسعاه للإطاحة بِحُكم جدّه (أستياگ) وإسقاط الإمبراطورية الميدية، قام كورش بقيادة جيش ضخم في هجومه على  الإمبراطورية الميدية. إستمرت الحرب بين الجانبَين  لمدة ثلاث سنوات. بعد أن إنضم إليه أعداد كبيرة من القبائل الفارسية والكوردية وغيرها، المُستاءة من حُكم الملك الميدي، زحف كورش على رأس جيش جرّار نحو العاصمة الميدية وبالقرب منها نشبت معركة كبيرة  بين الطرفَين  المُتحاربَين، وكان (أستياگ) يقود قواته بنفسه، حيث دافع عن عاصمته دفاعاً مستميتاً للحفاظ على عرشه ومملكته، إلا أن قائد الجيش الميدي (هارپاك) حسم مصير الحرب الدائرة، عندما إنضمّ مع مَن كان معه من قادة وجنود الى صفوف جيش العدو وبذلك وجّه طعنة قاتلة الى صدر الملك الميدي (أستياگ) وجيشه، حيث أدى الى ضعف الروح المعنوية للجيش الميدي، الذي لم يستطع الصمود أمام جيش العدو وبدأ ينهزم في ساحة المعركة. هذا قاد الى إندلاع ثورة عارمة في مملكة ميديا والتي تمخضت عنها إسقاط حُكم (أستياگ) في عام 550 قبل الميلاد. 
 
هكذا لعبت الخيانة دورها في رجحان كفة جيش (كورش)، حيث أن عدداً قليلاً فقط من أفراد الجيش الميدي، لم يكونوا على علم بالمؤامرة التي أحاكها (هارپاك) ضد الملك الميدي (أستياگ) ولذلك فأن هؤلاء القلة حاربوا ببسالة، بينما الباقون والذين كانوا يُشكلون أكثرية أفراد الجيش الميدي، فأنهم أما فرّوا من ساحات القتال أو إستسلموا وإنضموا الى الجيش الغازي1. هكذا دخلت القوات الفارسية الغازية العاصمة الميدية وأسقطعت الإمبراطورية الميدية وتم خلع الملك (أستياگ) عن عرشه2.

لقد عامل (كورش) جده الملك (أستياگ) بإحترام كبير وأبعده الى (هيركانيا) الواقعة في شمال إيران الحالية، حيث أنه قوبل بإحترام كبير من قِبل حاكم (هيركانيا). قام (أستياگ) بالإلتقاء بإبنته (ماندانا) وبعد ذلك، بناءاً على أوامر (كورش)، تمّ أخذ (أستياگ) من قِبل أحد القوّاد الذي كان إسمه (بتسياك) الى منطقة صحراوية وتركه هناك وحيداً، فمات من الجوع والعطش3. هكذا إنقرضت الإمبراطورية الميدية وتمت إقامة إمبراطورية فارسية على أنقاضها والتي حملت إسم (الإمبراطورية الأخمينية) وذلك في سنة 550 قبل الميلاد.

لقد أحسن كورش معاملة (هارپاك) وقام بتكريمه، حيث أنه هو الذي حسم الحرب لصالح الأخمينيين وساهم في إسقاط الإمبراطورية الميدية وتأسيس الإمبراطورية الأخمينية.

لما وقع أستياگ في الأسر، جاءه (هارپاك) يقرّعه ويهينه، فرماه الملك الميدي بنظرة إزدراء، وسأله إن كان شريكًا لكورش في مؤامرته، فصرّح هارپاگ أنه هو الذي حرّض كورش على الثورة، فقال له أستياگ:

"إذاً فأنت لستَ الأشدَّ لؤمًا بين البشر فقط، بل أكثرَ الرجـال غبـاءً، وإذا كان هـذا من تدبيرك حقاً، كان الأجـدرُ بك أن تكون أنت الملك، ولكنك أعطيتَ السلطانَ لغيرك، واللؤمُ فيك جليّ، لأنك بسبب ذلك العَشاء حملتَ الميديين إلى العبودية، وإذا كان لا بدّ لك من أن تُسلّم العرشَ لآخر غيرك، لَكان الأجدرُ بك أن تقدّم هذه الجائزة لِميدي، بدلاً من فارسي، لكنّ الحال القائمة الآن هي أن الميديين الأبرياء من كل جُنحة، أصبحوا عبيدًا بعدما كانوا أسياداً، وأصبح الفرسُ سادةً عليهم، بعد ما كانوا عبيداً عندهم"4.

هكذا إختفى الميديون مبكراً من المسرح السياسي لِغرب آسيا بعد أن كانوا أسياداً لهذه المنطقة، حيث أن حكمهم دام لمدة مائة وثمانية وعشرين عاماً. كانت الإمبراطورية الميدية تحدها من الشرق أفغانستان، بل كان بعض أراضي أفغانستان جزءاً من ميديا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال مناطق (كادوس) فيما وراء نهر (آراس) ومن الجنوب الخليج الفارسي، حيث أنها كانت تضم كلاً من فارس و أرمينيا و آشور و إيلام و هيركاني و جزء من باكستان على المحيط الهندي و كذلك غربي كوردستان.

المصادر
1. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 93.

2. المصدر السابق.

3. دياكونوف. ميديا. صفحة 115.

4. أرنولد توينبي. مختصر لدراسة التاريخ. الجزء الثاني، صفحة  187.




92
الفكر الوطني الكوردستاني (2)

د. مهدي كاكه يي


يمكن تعريف القومية بأنها مجتمع طبيعي من البشر ترتبط أفراده مع البعض بوحدة الأرض والأصل، والعادات واللغة من جراء الإشتراك في الحياة و في الشعور الإجتماعي. أما الشعب فيمكن تعريفه بأنه مجموعة من البشر تعيش على أراضي معينة و لهم عاداتهم وتقاليدهم الخاصة بهم. ليس شرطاً أن تكون للقومية وطناً خاصاً بها، بل قد تشاركها قوميات أخرى، حيث أن هناك قوميات كثيرة ليست شعوباً، أي أنها لا تمتلك وطناً خاصاً بها، بينما الشعب له وطن خاص به يعيش فيه. الشعب قد يتألف من قومية واحدة أو عدة قوميات. هكذا فأن القومية قد لا تمتلك أرضاً محددة تعيش عليها، بينما الشعب له أرض معينة يعيش عليها. على سبيل المثال، شعب كوردستان مؤلّف من عدة قوميات ويعيش في وطنه كوردستان، بينما التركمان قومية تعيش مع القوميات الكوردستانية الأخرى في كوردستان، إلا أنهم ليسوا شعباً. لذلك فأن مصطلح "الوطني الكوردستاني" مرتبط بِكوردستان كَوطن وبِشعب كوردستان بمختلف قومياته، بينما يرتبط مصطلح "القومي الكوردي" بالقومية الكوردية فقط وليست له صلة بالقوميات الكوردستانية الأخرى.

من هنا نرى بأن "الفكر الوطني الكوردستاني" هو فكر شامل، مادته هي كوردستان كَوطن وشعب كوردستان بِمختلف قومياته، بينما " الفكر القومي الكوردي" هو فكر، مادته القومية الكوردية ويهمل القوميات الكوردستانية غير الكوردية. هذا يعني بأن مجال عمل "الفكر الوطني الكوردستاني" هو الفضاء الكوردستاني الواسع، بينما ينحصر مجال عمل "الفكر القومي الكوردي" في الفضاء الكوردي، أي في جزءٍ من الفضاء الكوردستاني.
 
هكذا يُحدِث "الفكر الوطني الكوردستاني" نقلة نوعية للقضية الكوردستانية، فيجعلها قضية كوردستانية بدلاً من قضية كوردية، وقضية شعبٍ بدلاً من قضية قومية، وقضية شعبٍ مستعمَر ووطن مغتصَب بدلاً من قضية قومية مضطهَدة، قضية شعبٍ يناضل من أجل حريته وإستقلال وتوحيد وطنه بدلاً من قضية قومية تناضل من أجل حقوقها القومية.

مع ظهور العولمة والأفكار الديمقراطية والإعتراف بِحقوق الإنسان وحق الشعوب في تقرير مصيرها والمساواة بين مختلف القوميات العائشة ضمن كيان سياسي واحد، فأنّ الفكر القومي الكوردي بِدوره أصبح بِحاجة الى تطوير لِيتفاعل مع المفاهيم والقيم الإنسانية الجديدة ليستطيع مواكبة العصر، وإلا سيكون مصيره الفشل والإنهيار.
 
يجب إستدراك حقيقة مهمة وهي أنه الى جانب الكورد، تعيش في كوردستان قوميات أخرى، مثل الآشوريين والسريان والكلدان والتركمان والعرب والشركس وغيرهم. المنتمون لهذه القوميات، هم مواطنون كوردستانيون و أن جميع مواطني كوردستان، بِغض النظر عن قومياتهم، هم متساوون في الحقوق والواجبات ويجب الحفاظ على هوياتهم القومية ولغاتهم وتراثهم وتطويرها. على سبيل المثال، في معظم الدول الغربية، يتم منح الجنسية للشخص الأجنبي بعد إقامته لعدة سنوات هناك، إلا أنه بالنسبة لكوردستان، فأن الوضع يختلف، حيث أن كوردستان لا تزال مُغتصَبة ومُقسّمة، لذلك فأن المواطنين الأصلاء الذين يعيشون في كوردستان منذ عشرات السنين، هم مواطنون كوردستانيون. يُستثنى من المواطنة الكوردستانية العرب والفرس والأتراك المستوطنون في كوردستان، الذين جلبتهم الحكومات العراقية والسورية والتركية والإيرانية الى كوردستان لِغرض تعريب وتتريك وتفريس كوردستان على التوالي.

لا يمكن للأمة الكوردية العريقة التي تعيش تحت الإحتلال الإستيطاني منذ زمن طويل، خلاله تتعرض هويتها ولغتها وثقافتها وتراثها وتاريخها للإنكار والإلغاء والتزييف والتحريف والتشويش والسرقة، أن تحذو الفكر العنصري العربي والتركي والفارسي بِنُكران هويات ولغات وتاريخ وتراث القوميات الكوردستانية غير الكوردية. من هنا يبرز الفكر الوطني الكوردستاني ويتصدى لهذه المسألة الهامة التي تخص شعب كوردستان والذي يٌعطي مدلولاً شاملاً، يرى شعب كوردستان شعباً ذا قوميات متعددة ويعترف بِكافة القوميات والأديان والمذاهب الكوردستانية ويساوي بينها ويناضل من أجل حريته وإستقلال بلاده، بينما الفكر القومي الكوردي يضع القومية الكوردية لوحدها، بأديانها ومذاهبها المختلفة، موضع إهتمامه وتهمل القوميات الكوردستانية الأخرى. الفكر الوطني الكوردستاني يربط شعب كوردستان، بِمختلف قومياته بالوطن الكوردستاني ويخرج من النطاق الضيق المقتصر على القومية الكوردية الى الفضاء الكوردستاني الواسع، كَوطن وأرض وشعب متعدد القوميات والأديان والمذاهب والمعتقدات وبذلك يخلق مجتمعاً كوردستانياً متجانساً، ذا أهداف واحدة وثقافة ثرية مشتركة ومصير واحد ومصالح مشتركة، التي يعجز الفكر القومي عن تحقيقها.


93
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (29) – أسلاف الكورد: الميديون

تعاون قائد الجيش الميدي (هارپاك) مع الأمير الأخميني (كورش) لإسقاط الإمبراطورية الميدية


د. مهدي كاكه يي


إن سياسات أستياگ الاستبدادية جرّت عليه نقمة بعض أعضاء الطبقة العليا في المجتمع الميدي، ومنهم كبير قادة الجيش (هارپاك)، بعد أن قتل (أستياگ) إبنه وقدّم له لحمه طعامًا في وجبة عشاء حسبما زُعم؛ الأمر الذي جعل الأخير يقف ضد الملك ويقنع بعض الكهنة الموغ والنبلاء والقادة الميديين بالانضمام إلى كورش، حيث دارت الحرب بين أستياگ وكورش، وأخيرًا خسر أستياگ الحرب نتيجة خيانة هارپاگ وأتباعه، وإبتهج الميديون أنفسهم بالخلاص من طغيانه، وخسرت بذلك ميديا إستقلالها وأصبحت تابعة للإمبراطورية الأخمينية في عام (550 ق.م)1، 2.

بعد حادثة تقديم لحم إبنه كطعام له من قِبل الملك (أستياگ)، أخذ (هارپاك) ينتظر فرصة للإنتقام من الملك والقضاء عليه وعلى حُكمه. وجد (هارپاك) في (كورش) إبن (ماندانا) الذي كان ضابطاً في الجيش الميدي آنذاك، الشخص القادر على القضاء على حكم (أستياگ)، فأخذ يتودد له ويغدقه بالهدايا. هذا التقرّب جعل (كورش) يقوم بِتقوية نفوذ الفرس في الجيش الميدي والذي مهّد الى علو شأن الفرس وطموحهم في الاستقلال، حيث أخذوا ينتهزون فرصة للتخلص من سلطة الميديين، وشرعوا في تكوين جبهة قوية ضد الحكم الميدي3. نجح الفرس في التحالف مع أقوام أخرى من الشعوب الخاضعة لميديا والتي تمردت على المملكة الميدية. أرسل (هارپاك) رسالة الى (كورش) يحثه فيها على القضاء علىى حُكم جدّه وإستلام الحكم بنفسه وأنّ نص الرسالة هو الآتي: يا إبن قمبيز قد أحاطتك الآلهة بِرعايتها، ومن دونها لما بلغتَ مما أنت فيه من نعمة وبات عليك أن تُسدد لٍ(أستياگ) دَينهُ وإلا كان قاتلك ولو تحقق ما أراد، لكنتَ الآن من الأموات. يعود الفضل في إنقاذ حياتك للآلهة و لي وبدون شك تعلم بتفاصيل ما حدث لك وكيف حاول (أستياگ) معاقبتي وكيف أعطيتُك الى راعي البقر بدلاً من قتلك. إعملْ بما أنصحك به وسوف تصبح سيد مملكة (أستياگ) كلها. هيئ الفرس للثورة وإمضي  لمُلاقات  الميديين ولا يضيرنك إنْ كنتُ أنا أو أحد المُقدّمين منهم على رأس الجيش الذي سيرسله الملك لملاقاتك، فالنصر لك في كل الأحوال لأن أشراف الميديين أول مَن يهجرونه للإنضمام إليك في جهدك للإطاحة به ونحن جميعاً جاهزون للعمل، فإفعلْ ما أنصحك به وبادرْ بالعمل سريعاً وسوف أقوم أنا بمؤازرتك للسيطرة على عرش جدك، علماً بأن غالبية قادة الجيش هنا معنا. أدعوك للقدوم الى ميديا للسيطرة عليها قبل ان يثور الشعب على جدك وساعتها سيذهب عرش أمك ويستولي غيرك على عرش ميديا. أنت أولى به من غيرك لأنك ابن مندانا العزيزة 4.
       
بعد قراءة الرسالة من قبل (كورش)، قام بدعوة رؤساء العشائر التالية الى وليمة وهم:
العشائر المستقرة: باسارگاداي و مارفيان و ماسبيان و بافثيالايان و ديروسيايان و جيرمانيان. العشائر الرحل: دان و مارديا و دروبيكان و ساگارتيان5، 6. عشيرة (باسارگاداي) كانت أهم هذه العشائر لأنها كانت تضم فخذ (الأخمينين) الذي كان يبحث عن السلطة السياسية والعسكرية والذي كان يحاول الإستيلاء على الممالك المجاورة، وخاصةً تلك التي كانت خاضعة للحكم الميدي. كان (كورش) يُحرّض سكان هذه الممالك على القيام بالتمرّد على حُكم جدّه (أستياگ)، والتخلص من ظلمه. تجاوب سكان هذه الممالك بِحماس مع نداءات (كورش) الداعية الى التمرد على حكم الميديين.

قام (كورش) بِدعوة أبناء هذه العشائر وأعطاهم مناجل للقيام بِحصاد مساحة واسعة من الأرض من الصباح حتى المساء حتى أنهكهم التعب. دعاهم في اليوم التالي الى وليمة أكلٍ وشربٍ ولهوٍ كبيرة وخلال هذه الوليمة سألهم أيهما كان الأفضل، الحصاد المُضني أم هذه الوليمة الفاخرة. قال الجميع بأنه كان هناك فرق كبير بين الوليمة والحصاد المُتعِب، فأخبرهم بأنهم إذا نفذوا ما كان يريده منهم، ستكون أيامهم كلها بذخ وراحة وعز، فأبدى الحاضرون حبهم للراحة والثراء والعز. عندئذٍ طلب منهم القيام بالثورة ليصبحوا أسياد ميديا وآسيا وسوف تكون كل كنوزها وأموالها تحت تصرفهم وسوف يكونون الأسياد وتتم خدمتهم بدلاً أن يكونوا خدماً وعبيداً. بعد إنتهاء كلمة (كورش)، هتف الجميع للثورة والعز والمجد7. هكذا بثّ (كورش) الحماس والعزيمة في نفوسهم.

كذلك نجح (كورش) في إثارة القلاقل في مناطق ميدية مختلفة و في كسب دعم قيادات ميدية له و إنضمام أقوام، مثل البارث و الهيركيا إليه. أقام (كورش) تحالفاً مـع الملك البابلي (نابونيد) ضد الميديين، وكان (أستياگ) قد هاجم بابل قبل إقامة هذا الحلف وبذلك تحولت بابل من مملكة حليفة لميديا الى مملكة مناوئة لها. كما أن (كورش) أفلح في إقامة تحالف مع حاكم أرمينيا (ديگْران الأول) الذي كانت مملكته في ظل النفوذ الميدي8. هكذا خلق (كورش) ظروفاً ممتازة له من خلال التحالف مع قيادات ميدية متنفذة ومع الممالك الخاضعة للإمبراطورية الميدية والمجاورة لها، حيث إستطاع إستثمار هذه الظروف  وإزاحة جدّه (أستياگ) عن الحكم وإسقاط الإمبراطورية الميدية.

كانت زوجة كبير كهنة الموغ التي كان إسمها( مينا) قد كشفت مؤامرة (هارپاك) و كورش ضد (أستياگ)9، إلا أن الملك الميدي لم يتمكن من التصدي لها، حيث أن الوضع الداخلي الميدي كان قد أصبح مُقلقاً وخطيراً، إذ إنقسم الجيش الميدي الى قسمَين، قسمٌ كان موالٍ ل(أستياگ) والقسم الآخر كان ضده، ولذلك وقعت مجابهات بين الطرفَين. رغم عِلم (أستياگ) بالمؤامرة القائمة ضده، قام في أواخر حكمه، بالتخطيط للهجوم على بابل والإستيلاء على حرّان، حيث قام بتحريك جيشه نحو مدينة حرّان والذي قاده بنفسه، إلا أنه قبل إقدامه على الهجوم، تمّ إبلاغه بِخبر تمرّد القبائل الفارسية بقيادة حفيده (كورش)، فإضطر أن يوقف هجومه على بابل ويعود الى العاصمة، أكباتانا. 

المصادر
 
1. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 96، 259.

2. دياكونوف. ميديا. صفحة 343، 386، 392، 412.

3. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 90-91. 

4. اولمستيد (1928). تاريخ اشور. نيوريوك ، صفحة 117.

5. دياكونوف. ميديا. صفحة 93، 214.

6. أرشاك سافرستيان. الكرد وكوردستان. صفحة 40.

7. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 92-93.

8. حسن محمد محيي الدين السعدي. في تاريخ الشرق الأدنى القديم. صفحة 253.

94
الفكر الوطني الكوردستاني (1)

د. مهدي كاكه يي

مع تطور الحياة البشرية، تتطور وتتغير النظريات والأفكار والمفاهيم والقيم الإنسانية، حيث يتم تعديلها أو تختفي وتحل محلها نظريات وأفكار ومفاهيم وقيم جديدة، تستجيب للظروف المستجدة وتتفاعل معها. تنعكس هذه التطورات والتغيرات الجارية أيضاً على الفكر القومي الكوردي الذي ظهر مع نشوء الأفكار القومية في المنطقة والعالم وبدأ الشعب الكوردي يستلهم من هذا الفكر روح النضال في تحقيق حريته. ظهر الفكر القومي الكوردي لإستنهاض الأمة الكوردية لتحريرها من الإحتلال الإستيطاني وتحرير كوردستان وتوحيدها.

من جهة أخرى، تمّ نشوء الفكر القومي العربي والفارسي والتركي بشكل مشوّه، حيث أخذ مساراً عنصرياً منحرفاً، يعمل على فرض سيادة اللغة والثقافة العربية والفارسية والتركية على التوالي على الشعوب والقوميات الأخرى ويقوم بإلغاء هويات ولغات وتراث وتاريخ الشعوب التي قام العرب والفرس والأتراك بإغتصاب أوطانها ونهب ثرواتها.

دلائل هذه الأفكار العنصرية واضحة في تسمية البلدان التي يحكمها العرب والأتراك، كما في تسمية مصر ب(جمهورية مصر العربية) وسوريا ب(الجمهورية العربية السورية) وبلاد الأناضول وشمال كوردستان ب(تركيا). تعريب و تتريك و تفريس الأسماء الكوردية للمدن والقصبات والقرى والمناطق الكوردستانية، هو شهادة أخرى على الفكر القومي العنصري المنتشر في البلدان المُغتصِبة لِكوردستان. هذه الأعمال العنصرية تؤكد على إنكار القوميين العنصريين لِوجود الشعوب والقوميات الأخرى في هذه البلدان المصطنعة من جهة وتدل في نفس الوقت على أن الأتراك والعرب والفرس هم غرباء مغتصِبون لهذه الأوطان ولهذا السبب يقومون بِعمليات التعريب والتتريك والتفريس في محاولة مفضوحة ويائسة لِطمس وجود الشعوب التي إغتصبوا بلدانها. كما أن أصحاب الفكر العنصري يحاولون فرض لغتهم وثقافتهم على الشعوب والقوميات التي لا تنتمي الى شعوبهم.

أصحاب الفكر العنصري الفارسي يقومون بإستغلال الإنتماء الآري لقسمِ من هذه الشعوب التي يغتصب الفرس أوطانها، مثل الشعب الكوردي والبلوشي، للإستمرار في إحتلال هذه الأوطان. كما أن أصحاب الفكر العنصري العربي والتركي والفارسي يقومون بإستغلال الدين الإسلامي والمذاهب الإسلامية لإستعباد الشعوب الأخرى. الفكر العنصري بدأ يعيش خارج الزمن، ولذلك فهو عاجز عن الإستمرار في البقاء وإنتهى به المطاف الى الفشل والإنهيار والسقوط. زوال الفكر العنصري في جنوب أفريقيا مثال حيّ على بؤس هذا الفكر وعجزه عن مواصلة الحياة.

قد يقول المرء بأن إطلاق إسم "كوردستان" على بلاد الكوردستانيين هو تسمية عنصرية أيضاً، حيث يتم بموجبها إلغاء القوميات الكوردستانية غير الكوردية. للإجابة على هذا التساؤل المشروع نقول بأن المنطقة التى تُسمى "كوردستان" اليوم عُرِفت ب"بلاد الكورد" منذ آلاف السنين، حيث كان السومريون يسمّون المنطقة (كورا قوتيوم) و التي تعني "أرض كاردا" و الأشوريون كانوا يسمونها (كورتي) و البابليون كانوا يطلقون عليها إسم " قاردو" و الإغريق سموها "قاردوتشوي" و الرومان أطلقوا عليها إسم (كوردرين) و تم ذكر إسم كوردستان في التورات بإسم (منطقة کاردو/قاردو). أول من أطلق إسم "كوردستان" على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى سنجر و ذلك فى أواسط القرن السادس للهجرة (القرن الثاني عشر الميلادي) أي قبل أكثر من 850 سنة1. من هنا يُدرَك بأن "كوردستان" هي تسمية تأريخية ليست لها أية صلة بالعنصرية، حيث أن الفكر القومي لم يكن له وجود في تلك العهود القديمة، بينما المصطلحات العنصرية التي نحن بصددها، تم إبتكارها على أسس قومية عنصرية بعد ظهور الفكر القومي في المنطقة.

المصادر

1. لى سترينج (1930). الأراضي فى شرق عصر الخلافات.


95
تأريخ تقسيم كوردستان في العصر الحديث

د. مهدي كاكه يي



قبل معركة جالديران التي حدثت بين الإمبراطورية الصفوية والعثمانية، كانت كوردستان مقسمة الى إمارات كوردية مستقلة ضمن الإمبراطورية الصفوية، على سبيل المثال كانت إمارة أردلان الكوردستانية تمتد من مدينة أصفهان الى مدينة الموصل ودام حكمها لمدة  700 سنة (1169 - 1869 ميلادية). عند نشوب معركة جالديران بين الإمبراطوريتَين العثمانية و الصفوية في سنة 1514 وإنتصار العثمانيين في هذه الحرب، تمّ تقسيم كوردستان لأول مرة، حيث تم إحتلال قسم منها من قِبل العثمانيين والقسم الآخر إحتله الصفويون. في 17 مايس سنة 1639، تمّ تثبيت ذلك التقسيم نهائياً بموجب معاهدة قصر شيرين (زهاب) التي أُبرمت بين الإمبراطوريتين المذكورتَين1.

كان للكورد دوراً حاسماً في إنتصار الدولة العثمانية على الدولة الصفوية، حيث تحالف معظم الأمراء الكورد مع العثمانيين. لعِب العامل الطائفي دوراً بارزاً في التحالف الكوردي – العثماني، حيث أن أكثرية الكورد والأتراك ينتمون الى المذهب السُنّي، بينما الصفويون كانوا يعتنقون المذهب الشيعي. من الجدير بالذكر أن حُكّام الإمبراطورية الصفوية كانوا كورداً، حيث كان نادر شاه كوردياً و أنّ الصفويين كانوا ينتمون الى عائلة كوردية من شيوخ الدراويش و لم يكونوا فرساً2، إلا أن حُكّام الإمبراطورية الصفوية خدموا الفرس ولم يعملوا لِصالح شعبهم الكوردي.

بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى وزوال الإمبراطورية العثمانية، تمّ تقسيم كوردستان من جديد بموجب إتفاقية سايكس – بيكو، فتمّ ضمّ القسم الكوردستاني الذي كان تحت حكم الإستعمار العثماني، الى ثلاث كيانات سياسية مصطنعة التي تم تأسيسها في المنطقة، وهي تركيا و العراق و سوريا.

قبل الحرب العالمية الأولى، كانت إيران الحالية يحكمها القاجاريون وكانت الإنتفاضات والتمردات العشائرية قد خلقت فوضى كبيرة فيها ولم تكن للحكومة القاجارية سلطة فعلية في البلاد، بينما كانت بقية منطقة الشرق الأوسط واقعة تحت الحكم العثماني. لذلك لم تكن هناك دول مستقلة في المنطقة، بل كانت المنطقة مقسمة الى ولايات عثمانية، على سبيل المثال، كان العراق الحالي عبارة عن ثلاث ولايات وهي ولاية شهرزور وبغداد والبصرة وكانت ولاية البصرة تضم منطقة القطيف والإحساء الشيعيتَين الغنيتَين بالبترول واللتين تم ضمهما للمملكة العربية السعودية و هما الآن جزء من أراضي هذه المملكة وكانت الكويت أيضاً جزءاً من ولاية البصرة.

بعد الحرب العالمية الأولى أصبح الشيخ محمود الحفيد ملِكاً على جنوب كوردستان، إلا أن الإستعمار البريطاني قام بإحتلال مملكته وضمها للمملكة العراقية التي قام الإنكليز بإستيراد رجل سعودي الى العراق ونصّبوه ملكاً عليه.

العنصريون الأتراك والعرب والفرس يتبجحون بأن كوردستان لم تكن مستقلة في السابق في العصر الحديث ولذلك لا يحق لها الإستقلال، بينما كانت كوردستان جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، كغيرها من المناطق وأن العراق الحالي وسوريا وتركيا ولبنان والسعودية والأردن الحالية وغيرها من دول المنطقة، لم يكن لها وجود قبل الحرب العالمية الأولى ككيانات سياسية، حالها حال كوردستان. هكذا بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى ظهرت هذه الدول المصطنعة في المنطقة بحدودها الحالية التي أصبحت الآن حدوداً "مقدسة" والتي خلالها تمّ ضم الجزء العثماني من كوردستان الى الدول التي تم إصطناعها بموجب إتفاقية سايكس – بيكو الإستعمارية وهي تركيا والعراق وسوريا. حسب قوانين الأمم المتحدة، فأن لكل شعب الحق في تأسيس دولته المستقلة وبذلك يحق لشعب كوردستان أن يحرر وطنه ويؤسس دولة مستقلة على أرضه التأريخية.

المصادر

1. محمد أمين زكي (1948). تاريخ الكورد وكوردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، ترجمة: محمد علي عوني، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر.

2. جەمال نەبەز (2002). ناسنامه و كێشەی ناسيونالي كورد له چەند سەمينار و كۆرێكي زانستيدا. بڵاوكراوەی بنكەی كوردنامە، لندن، صفحة 106 و 107.



96
تأريخ (إسم كوردستان)

د. مهدي كاكه يي

تُظهر الآثار القديمة المُكتشَفة بأن (كوردستان) عُرِفت ب(بلاد الكورد) منذ آلاف السنين، حيث كان السومريون يسمّون المنطقة (كوردا قوتيوم) و التي تعني "أرض كاردا" و الأشوريون كانوا يسمونها (كورتي) و البابليون كانوا يطلقون عليها إسم "قاردو" و الإغريق كانوا يسمونها "قاردوتشوي" و الرومان أطلقوا عليها إسم (كوردرين) وتم ذكر إسم كوردستان في التوراة بإسم (منطقة کاردو/قاردو). أطلق الآراميون إسم (بیت قاردو) على كوردستان والتي تعني (بلاد الكورد). كما أنه في حوالي سنة 1760 قبل الميلاد، قام الكاشيون بقيادة زعيمهم (خانديژ)، بالتعاون مع أسلاف الكورد الگوتيين واللوليين، بتأسيس دولة (كاردوينا) في جنوب ميزوبوتاميا1.  دولة (كاردوينا) تعني دولة (الكورد).

كان (مارسيلينيوس)، مؤرخاً وجندياً رومياً في القرن الرابع الميلادي، أي قبل حوالي 1700 سنة، عندما يصل الى الهذبانيين، يشير بوضوح الى الخارطة الجديدة لكوردستان، حيث يقول بأن المنطقة الممتدة من نينوى، مارةً بأربيل حتى مدينة همدان هي بلاد الهذبانيينa. هذه هي أقدم إشارة للجغرافية الجديدة لكوردستان في التأريخ. علماً بأن نينوى كانت في ذلك الوقت مقاطعة أكبر بكثير من تلك التي نجدها اليوم، حيث كانت تضم أيضاً أجزاءً من شرق و شمال كوردستان الحالية، بينما كانت الأقسام الأخرى من شرق وشمال كوردستان تحت الحكم الرومي آنذاك. هكذا نرى بأن (مارسيلينيوس) قبل حوالي 1700 عاماً يشير الى جغرافية كوردستان الحالية. من الجدير بالذكر هو أن الهذبانيين كانوا ينتمون الى قبيلة قامت بتأسيس دولة كوردية قديمة، حيث يعود أصلهم الى العهد الهوري، قبل مجئ الآشوريين الى المنطقة، وأن أصل عائلة صلاح الدين الأيوبي يعود الى هذه القبيلة، حيث كانت كوردستان تُعرف ببلاد الهذبانيين في القرن الرابع الميلادي، أي قبل الإحتلال العربي الإسلامي لِكوردستان بِحوالي 300 سنة.

خارطة العالم الإسلامي التي رسمها محمود كشغري في سنة 1076 ميلادية أي قبل 939 سنة، تتضمن كوردستان بإسم (أرض الأكراد)b. هذا دليل آخر على العمق التأريخي للكورد في كوردستان.

أول من أطلق إسم "كوردستان" على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى (سنجر) و ذلك فى أواسط القرن السادس للهجرة (القرن الثاني عشر الميلادي) أي قبل أكثر من 800 سنة2. من هنا نرى بأن إسم (كوردستان) قديم جداً.


المصادر

1. محەممەد مەردۆخی كوردستانی (1991). مێژووی كورد و كوردستان. وەرگێڕانی عەبدولكەریم محەممەد سەعید. مطبعة اسعد، بغداد.

2. لى سترينج (1930). الأراضي فى شرق عصر الخلافات.

a. Ammianus Marcellinus (1862). Res Gestae (Rerum gestarum Libri XXXI). Translated by C.D. Yonge.

b.

https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%85%D8%AD%D9%85%D9%88%D8%AF_%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%A7%D8%B4%D8%BA%D8%B1%D9%8A

97
مستقبل كوردستان في المدى المنظور


د. مهدي كاكه يي



مستقبل كوردستان يعتمد على الظروف الداخلية لكوردستان والظروف الإقليمية والدولية. الظروف الدولية جيدة بالنسبة للقضية الكوردستانية، حيث تلتقي المصالح الغربية في الوقت الحاضر مع المصالح الكوردستانية في المنطقة. منطقة الشرق الأوسط تمرّ الآن بمخاض ولادة خارطة سياسية جديدة لها وأن المصالح الكوردستانية والإسرائيلية تلتقيان في المنطقة وبهذا فأن الظروف الإقليمية متاحة لقيام دولة كوردستان مع مواجهة مشروع الإستقلال لبعض التحديات والتهديدات من الجانب التركي والإيراني والتي يمكن التغلب عليها من خلال ضغوط إسرائيلية وغربية أو تحسين الأداء الكوردستاني.

الظروف الذاتية الكوردستانية سيئة، حيث أن القوى السياسية الكوردستانية مشتتة ومعادية لبعضها ومقسّمة بين التبعية لكل من تركيا وإيران. كان بإستطاعة المسئولين في جنوب كوردستان بناء مرتكزات دولة كوردستان من خلال الإهتمام بالبُنى التحتية والإهتمام بالصناعة والزراعة لتحقيق الإكتفاء الذاتي في هذين المجالَين وبناء مصافي تكرير النفط والسدود لتحقيق الإستقلالية في مجال المياه والطاقة من كهرباء ومشتقات بترولية وبناء جيش كوردستاني مهني والتعاون والتنسيق مع غرب كوردستان لتحرير الأراضي الكوردستانية الممتدة الى البحر الأبيض المتوسط التي توفر منفذاً بحرياً لكوردستان وتكسر الحصار الذي تفرضه كل من تركيا وإيران والعراق على كوردستان، إلا أن أفراداً جهلة ومتخلفين وفاسدين وجشعين يحتكرون السلطة في جنوب كوردستان، همّهم السلطة وجمع الثروة وإرتهنوا بترول كوردستان لدى تركيا لمدة 50 عاماً وبعد هذه المدة سينضب بترول كوردستان أو ينخفض مستواه الى مستويات أرضية عميقة بحيث يصبح إستخراجه غير إقتصادي أي تصبح كلفة إستخراجه أعلى من وارداته وحينئذ سيصبح جنوب كوردستان بلداً فقيراً كالصومال، تنتشر فيه المجاعة والفقر والمرض.

الوضع في غرب كوردسستان ليس أحسن من جنوبها، حيث أن أصحاب السلطة هناك إبتكروا نظام الكانتونات التي تشتت القوة الكوردستانية وأنهم لا يؤمنون بإستقلال كوردستان، بل يعادونه، بالإضافة الى تفرّد جهة شمولية بالحكم، لا تسمح لغيرها بالمساهمة في العمل السياسي والعسكري. نفس الحالة تنطبق على شمال كوردستان، حيث تراجع حزب العمال الكوردستاني عن رفع شعار إستقلال كوردستان ويرفع الآن شعار الكونفدرالية بين شعوب المنطقة والذي هو شعار غير واقعي وغير ممكن تحقيقه. الحركة الكوردستانية في شرق كوردستان ضعيفة ومتفرقة.

هناك شرطان أساسيان لتقديم التضحيات الكوردستانية من أرواحٍ وممتلكات وهما: 1. أن تكون هذه التضحيات في سبيل تحرير شعب كوردستان و إستقلال كوردستان. 2. أن يضمن النضال الكوردستاني تحقيق حرية شعب كوردستان وإستقلال وطنه، وإلا فأن تقديم التضحيات هو جريمة بِحق شعب كوردستان، يرتكبها قادته وأحزابه السياسية.

للأسباب آنفة الذكر فأن العوامل الدولية والإقليمية قد تساهم في تحرير كوردستان وإستقلالها إذا تطلبت المصالح الغربية والإسرائيلية ذلك، وإلا فأن إستقلال كوردستان لن يحصل في المستقبل المنظور وسيتم ذلك على أيدي الجيل الجديد من الكوردستانيين الذين يحملون الفكر الوطني الكوردستاني ويتصفون بالنزاهة والوطنية ويستوعبون المتغيرات والتطورات العالمية والإقليمية والكوردستانية.

98
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (28) – أسلاف الكورد: الميديون


أسطورة محاولة الملك الميدي (أستياگ) قتل حفيده (كورش)

د. مهدي كاكه يي


في الحلقة السابقة، تم الحديث عن أن الملك الميدي (أستياگ) رأى في حلمه أن أن إبنته (ماندانا) قامت بِجلب مياه كثيرة ملأت بها المدينة وأغرقت كل آسيا وأن الكهنة الموغ فسروا الحلم وقالوا للملك بأن رجلاً سيخرج من صلبه ويقوم بالقضاء على حكمه وإمبراطوريته. لذلك قرر الملك الميدي التخلص من الرضيع (كورش) الذي ولدته إبنته (ماندانا)، فأمر قائد جيشه (هارپاك) بقتل الرضيع، إلا أان (هارپاك) لم يقتل الطفل بنفسه، بل سلّمه لأحد رعاة القصر الملكي ليقوم بقتله. الراعي لم يرغب بقتل الطفل، بل إحتفظ به وجعله إبناً له. في هذه الحلقة تتم مواصلة الحديث عن ترعرع الطفل (كورش) مع أفراد عائلة الراعي.

عندما علِمت (ماندانا) بأمر إختفاء إبنها، أقامت الدنيا، حيث تمّ البحث عن الطفل في كل أرجاء المدينة دون العثور عليه. على ضوء حِلم أبيه، إتهمت (ماندانا) أباها بقتل إبنها. رجعت (ماندانا) مع زوجها الى (أنشان) وأقسمت بأن لا تعود الى العاصمة الميدية مرة أخرى.

ترعرع الطفل في كنف الراعي وزوجته. كان طفلاً  ذكياً، ذا بُنية قوية. بعد أن أصبح عمر الطفل عشرة سنوات، أخذ الراعي يصطحبه معه الى ردهات الخدم في القصر الملكي لكي يساعده في بعض أعمال القصر. لقد حذّره من الإقتراب من أبناء الأمراء والوزراء والقادة والذوات واللعب معهم لأنه من أبناء العامة ولذلك لا يجوز له الإختلاط معهم. أخذ الصبي ينظر من بعيد الى الصبيان الذين يشكلّون مجاميع للعراك والمصارعة والمبارزة بالسيوف الخشبية في باحات وحدائق القصر الملكي وهو يتحسر ويتألم لحرمانه من الإقتراب منهم واللعب معهم. عند غياب أبيه الراعي، كان يقترب منهم وينظر إليهم، وكان الأطفال يدعونه للعب معهم، تكملةً لعددهم، فيقوم باللعب معهم بِحذر. كان يبتعد عنهم عندما يشاهد والده قادماً من بعيد. بمرور الوقت أخذ يلعب معهم حتى بوجود أبيه، حيث أن الصبيان كانوا يطلبون منه ويلحّون عليه أن يلعب إبنه معهم. نظراً لِقوة الطفل ونباهته وشخصيته القيادية، كان يترأس مجموعته من الصبيان والتي كانت تتبارز وتتعارك مع المجاميع الأخرى من الصبيان، حيث تمّ إختياره رئيساً لمجموعته. بعد ذلك أصبح رئيساً لِكل المجاميع، حيث كان يقوم بتوزيعهم في اللعب والعراك والمصارعة وغيرها من الألعاب. كان الأطفال ينادونه (الملِك). نسي الطفل بأنه إبنُ راعٍ، فأخذ يوجّه الأوامر إليهم ويعاقب كل مَن لا يطيع أوامره وكان يُذكّرهم بأنه الملِك. في إحدى المرات قام بمعاقبة صبيٍ كان إبناً لأحد الأعوان الذي كان إسمه (أرتمبارس) بعد أن رفض هذا الصبي تنفيذ أمره، حيث قام بضربه بالسوط وآذاه. ذهب الصبي الى بيتهم باكياً وأخبر والده بما حدث له. أغضب هذا الأمر (أرتمبارس) فإصطحب إبنه معه الى الملك وأخبره بأن إبنه قد تعرض الى إهانة ومعاملة قاسية من أحد أبناء الرعاة وأظهر له آثار الضرب التي كانت بادية على ظهر وكتف إبنه.

قام الملك بإستدعاء الراعي وإبنه (ديسوس). دار الحوار التالي بين الملك والصبي:

الملك : من أين أتيت أنت بهذه الوقاحة وكيف تتجرأ وأنت إبن عبد، أن تعاقب بوحشية إبن من أبناء أسيادك؟
الصبي : سيدي لم أرتكب عملاً خاطئاً.
الملك : كيف ذلك وأنت ضربته بالسوط؟
الصبي : سيدي الملك لقد عيّنوني زعيماً وملكاً عليهم بسبب إعتقادهم بأنني الأصلح لهذا المنصب وكان الجميع يطيعون أوامري ماعدا هذا الصبي، حيث أنه تمرّد ولم يُنفّذ أمري فقمتُ بِمعاقبته، حيث أنه بصفتي ملِكهم فمن حقي معاقبة مَن يخرج عن أمري كما تفعل أنت سيدي. هذا كل ما حدث وإذا كنتُ أستحق العقاب لِفعلتي، فانا أقبل ذلك.

    تعجب الملك من فصاحة الصبي فإبتسم وسأله : مَن ولّاك عليهم زعيماً وملِكاً؟
الصبي : هم سيدي الملك إنتخبوني زعيماً وملكاً عليهم
الملك  : إذن أنت الملك تضرب وتعاقب كيفما تشاء
الصبي : ألا تفعل أنت ذلك مع مَن يخرج عن أوامرك سيدي الملك؟
الملك: هل يوجد في المملكة ملِكان؟
الصبي : نعم سيدي أنت ملك الكبار وأنا ملك الصغار

ضحك الملِك كثيراً لشجاعة الصبي وهو الملك الذي لا يتجرأ أحد الوقوف أمامه مرفوع الرأس. نظر الملك الى الصبي وتأمله فتذكر إبن إبنته (ماندانا) الذي إعتقد بأنه قتله، فندِم على ما فعل، حيث أنه بسببه خسر إبنته فلم يرَها منذ تلك الحادثة. عنذئذٍ شكّ بأن الطفل هو من نسل نبيل وليس إبناً للراعي. تمعّن الملك في ملامح الصبي جيداً، فلاحظ أن ملامح وجه الصبي ذات شبه كبير بِملامحه وملامح وجه إبنته (ماندانا)، ولذلك شكّ بأن الطفل قد يكون إبن (ماندانا) وأنه لم يتم قتله.
 
أصاب الملك القلق والإضطراب بسبب ذلك ولذلك أراد التأكد بصورة شخصية عن أصل الصبي من الراعي. أخبر الملك (أرتمبارس) بأنه سيُتابع الموضوع ويقرر بِما يُرضيه ويُرضي إبنه وصرفهما.

بعد مغادرة (أرتمبارس) وإبنه، دار الحوار التالي بين الملكِ والراعي:

الملك : هل أنّ هذا الصبي إبنك؟
الراعي : ( بإرتباك) نعم سيدي       
الملك : (غاضباً) لا تكذب، أنا أحبك وأنت تخدمني بإخلاص منذ سنين طويلة، كما خدمني أبوك. لا تجعلني أغضب عليك وأنت تعرف ماذا أفعل حين أغضب. ثم أمر بإخراج الطفل من ديوانه.
الملك  : الأن تكلّم بِصراحة عن قصة هذا الطفل
الراعي : سيدي إنه إبني من زوجتي (سباكو)
الملك : أنت لا تعترف ولا تقول الحقيقة. أشار الى حُرّاسه بأن يُجبِروه على الإعتراف. بدأ الحُرّاس بتعذيبه ولذلك إضطر أن يعترف ويطلب العفو من الملِك.

عندما عرف الملك بالقصة، أمر بإحضار قائد جيشه (هارپاك). نظر الراعي المسكين الى (هارپاك) الذي طأطأ رأسه وكان الذعر والإرتباك باديان عليه. أخبر الراعي الملك بأن (هارپاك) أعطاه الطفل ليقتله إلا أنه لم يستطع قتله لأنه كان طفلاً بريئاً ولذلك قام بإخفائه و ثمّ أخذ على عاتقه مُهمّة تربيته. غضِب الملك كثيراً من (هارپاك) ودار الحديث التالي بينهما:
 
هارپاك: سيدي عندما إستلمتُ الطفل، أخذتُ بِنظر الإعتبار تنفيذ أمرك و في نفس الوقت لم أرغب في قتل حفيدك الصغير، حيث فكرتُ بأنك قد تندم يوماً ما على قتله. كما أنني لم أستطع قتله بِنفسي بسبب كونه قريبي ولذلك طلبت ُ من هذا الراعي أن يقوم بِقتله بدلاً مني. أقسم بأنني ذكرتُ لك الحقيقة.

الملك : ما دامت النتيجة أصبحت بهذه الصورة السعيدة التي هي إرادة الآلهة التي قامت بِحماية الطفل، أعفي عنكما. ثمّ أخبر الراعي بأنه عمل شيئاً جيداً بالحفاظ على حياة حفيده وأمره بِكُتمان السرّ الى أن يعلنه بنفسه. فرِح الراعي كثيراً بهذا الأمر ووعد الملك الراعي بالقيام بِمُكافئته لقيامه بتربية الصبي تربية جيدة ثم أمر الملك بإنصراف (هارپاك) والراعي.
   
إحتضن الملك حفيده وأخبره بأنه حقاً أنه ملِك، حيث أنه إبن ملِك. أمر الملِك بإحضار الكهنة لإستشارتهم في الأمر. أخبروه بأن حلمه قد تحقق وأن الطفل قد أصبح ملِكاً حقيقياً، إلا أنه أصبح ملك الصبيان وأن الصبي سيكون له شأن عظيم وسيساعد أمه في إدارة مملكته من بعده ولا هناك شئ يدعو للقلق والخوف من الطفل. فرِح الملك (أستياگ) بِتفسير الكهنة وإستدعى إبنته (ماندانا) لرؤية إبنها الذي لم ترَه منذ إختطافه وأخبرها بأن أحد الخونة قد قام بِسرقة طفلها من القصر الملكي ورماه في العراء لِتأكله الذئاب وأن هذا الخائن هارب من وجه العدالة وأنه سيتم العثور عليه ومعاقبته وأن الراعي قد عثر على الطفل في العراء وقام بتربيته تربية حسنة وأنه كافأه على ذلك. بعد ذلك قام  (أستياگ) بِذبح القرابين للآلهة التي يعود لها الفضل في ذلك وعمّت الإحتفالات والأفراح في البلاد لمدة ثلاث أيام إبتهاجاً بهذه المناسبة، حيث دعا الملك الوزراء وكبار المسسئولين الى وليمة كبيرة أقامها في ديوان قصره لهذه المناسبة. بعد الإنتهاء من الأكل والشرب، نهض الملك من مكانه، وهو ثمل لِحدٍ ما وسأل (هارپاك) فيما لو أنه شبِع فأجابه بالإيجاب وثم أخبره الملِك بأنه أكل لحم إبنه الذي كان في الثالثة عشر من عمره، فسقط (هارپاك) متهالكاً على كرسيه وأفرغ ما في معدته. أخبر الملك الحاضرين بأن هذا هو جزاء كل مَن يتهاون في عمله وطلب من (هارپاك) عدم إفشاء هذا السر.

بعد إنتهاء الإحتفالات، رجعت (ماندانا) مع إبنها الى (أنشان) خوفاً عليه من أية مكيدة أخرى. وعمت الإحتفالات والأفراح في منطقة (أنشان) أيضاً وتمّ نحر الذبائح. هكذا بدأ الطفل يترعرع في كنف والدَيه الى أن أصبح شاباً يافعاً.


99
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (27) – أسلاف الكورد: الميديون


ميديا في ظل حُكم الملك أستياگ (584 – 550 قبل الميلاد)

د. مهدي كاكه يي

بعد وفـاة كَيخَسرَو سنة 585 قبل الميلاد، خلّفه على العرش إبنه أستياگ (أستياگيس Astuages)، الذي دام حكمه لمدة 34 سنة (584 – 550 قبل الميلاد). كان البابليون يسمّونه (اشتوميكو)1.

بعد إختفاء الإمبراطورية الآشورية، كانت الإمبراطورية الميدية لها علاقات ودية مع كل من مملكة بابل ومملكة ليديا، وبذلك ساد الإستقرار والأمن والسلام في غربي آسيا، حيث إزدهرت التجارة وعمّ الثراء في المنطقة, وخاصة في ميديا. عن الثراء الميدي، يذكر (ويل ديورانت Will Duarant) ما يلي: أصبحت الطبقات العليا أسيرة الأنماط الحديثة والحياة المُترَفة، فلبس الرجال السراويل المطرّزة الموشّاة، وتجمّلت النساءُ بالأصباغ والحليّ، بل أنّ الخيول نفسها كثيراً ما كانت تُزيّن بالذهب، وبعد أن كان هؤلاء الرعاة البسطاء يجدون السرور كلَّ السرور في أنْ تحملهم مركبات بدائية ذات دواليب خشبية غليظة، مقطوعة من سيقان الأشجار، أصبحوا الآن يركبون عربات فاخرة عظيمة الكلفة، ينتقلون بها من وليمة إلى وليمة2.

نتيجة ثراء الإمبراطورية الميدية، إنصرف الملك الميدي (أستياگ) الى الترف والبذخ وأهمل  شئون شعبه وبلاده، حيث أنه طوال حكمه أحجم عن حماية مملكته من العصيان والتمرد. وقاد الإنصراف إلى الترف والبذخ في العيش، الى ظهور مراكز قوة في ميديا والتي أصبحت تطمح الى إستلام السلطة وتُشكّل تحديات كبيرة تُهدد عرش الملك الميدي (أستياگ)، إلا أن الملك الميدي لم يعمل على التصدي لمراكز القوة التي أصبحت أحد أهم أسباب فقدان (أستياگ) لعرشه وسقوط الإمبراطورية الميدية.

بعد سقوط الدولة الإيلامية ، سيطر (تايسبس بن هاخامنيش) الذي كان أحد رجال قبيلة (باسارگاداي الأخمينية ) الأقوياء على دويلة (أنشان) وقام بتأسيس حكومة جديدة بإسم الحكومة الأخمينية وأصبحت هذه الدويلة فيما بعد تابعة للإمبراطورية الميدية ، كان ل(تايسبس)3 ولدَين حكما في جنوب إيران الحالية، هما (كورش الأول) و(أريارامنا). خلّف (كورش الأول) ولداً إسمه (قمبيز) الذي كان خلال حكم الملك الميدي (أستياگ)، أميراً لمنطقة (أنشان) (لورستان الحالية) والتي كانت جزءاً من الإمبراطورية الميدية.

لم يكن للملك (أستياگ) ولداً ليُخلّفه في الحكم. يروي هيرودت في قصة أسطورية بأن (أستياگ) حلِم أن إبنته (ماندانا) قامت بِجلب  مياه كثيرة ملأت بها المدينة وأغرقت كل آسيا. إستيقظ (أستياگ) من النوم مفزوعاً و دعا  في الحال الكهنة الموغ  لتفسير حلمه. أخبره الكهنة بأن رجلاً سيخرج من صلبه ويقوم بالقضاء على حكمه وإمبراطوريته. عند سماعه هذا الكلام، تملّك (أستياگ) الذعر والخوف وقرر حينذاك عدم تزويج إبنته (ماندانا) من أي رجلٍ ميدي ذي شأن ومنزلة، لمنع إنهيار إمبراطوريته وزوال حكمه4.

كانت مملكة  ميديا تحتفل سنوياً بذكرى إنتصارها على الإمبراطورية الأشورية والقضاء عليها وتدعو ملوك  وأمراء ممالك المنطقة لحضور الإحتفالات، حيث كان يتم  في القصر الملكي حفلة راقصة كبيرة و إحتفالات شعبية عارمة في كافة أرجاء الإمبراطورية الميدية.

كان الأمير (قمبيز) من بين المدعوين لإحدى الإحتفالات الميدية والتي كانت الأميرة الجميلة (ماندانا) حاضرة فيها أيضاً. كان الأمير (قمبيز) شاباً يافعاً وسيماً. عندما رأى (قمبيز) الأميرة (ماندانا)، أخذ يلاحقها بنظره وأن (ماندانا) إستمالت هي بدورها إليه. في إحدى مباريات المصارعة التي كانت تُقام بين المصارعين الميديين والأجانب، كانت الأميرة (ماندانا) جالسة بجوار أبيها الملك (أستياگ)، أخذ  الأمير (قمبيز) يلاحقها بنظراته وردّت الأميرة بأن إبتسمت له، فإبتسم الأمير بدوره فرحاً لتجاوبها معه. هذا ما شجعه على طلب يدها من أبيها بعد إنتهاء مراسيم الإحتفالات، حيث وافق أبوها على تزويج إبنته من (قمبيز) لِكونه لا تجري في عروقه الدماء الملكية، بل كان ينتمي الى الطبقة الوسطى، حيث كان الأمير ( قمبيز) رئيس أحد أفخاذ القبيلة الأخمينية وأمير على منطقة صغيرة (أنشان).

كان من عادة الملوك أن يحصروا زواج أبنائهم  وبناتهم ضمن الأُسر الملكية، إلا أن الملك الميدي بسبب الحلم الذي رآه، خرج عن هذا التقليد ورأى أنه من الأفضل عدم حرمان إبنته الجميلة  (ماندانا) من الزواج وتزويجه للأمير (قمبيز) الذي ينتمي للسلالة الأخمينية التي هي بدورها تنتمي للسلالة الإيلامية الكوردية، حيث كان يحبّذ تزويجها من رجل كوردي ليبقى الدم الكوردي نقياً.
 
يذكر " هيرودوت بأنّه بعد تفسير الكهنة Mages))  لرؤيا (أستياگ) بخصوص كريمته (مانداناMandane ) ، فضّل تزويجها من( قمبيز) بدلاً من أحد النبلاء الميديين لكي يتجنب أية محاولة يقوم بها نبلاء قومه لإزاحته عن الحكم في المستقبل . يذكر (هيرودوتس) أيضاً بأنّ (ماندانا) أنجبت ولداً من قمبيز أسمته (كورش Kurush ) الذي عاش في كنف الميديين و تربّى بينهم. عندما أصبح كوروش بالغاً، إستطاع الإطاحة بجدّه " أستياگ " بمساعدة أحد القادة الميديين الذي كان إسمه (هارباگ Harpage) وأسقط الإمبراطورية الميدية وأسّس المملكة الأخمينية.
 
من جهة أخرى، فأن المؤرّخ (ستيسياسStesias ) يذكر بأنه لم تكن هناك أية رابطة عائلية تربط كوروش بالملك الميدي5. أمّا المؤرّخ (كزينفونXenophon") فأنّ له رأي مشابه لرأي (هيرودوت) في هذه المسألة، حيث يذكر بأنّ كورش كان إبن (ماندانا) الميدية وقمبيز الفارسي، ويضيف بأنّه تربّى، وأقام صباه بين الميديين في كنف جدّه (أستياگ) إلى أن بلغ سنّ الرشد6.

كما ان التنقيبات الأثرية المكتشفة تدل بأنّ كورش كان ينتمي إلى العائلة الأخمينية، وأن والده كان ملكاً، حيث يمكن قراءة الكتابة المسمارية على أحد الألواح التي تتضمن النص التالي: "إبن قمبيز، الملك القوي"، يتبعه "أنا كورش، الملك الأخميني" وهناك إشارة أيضاً إلى أنّه كان ملكاً على مملكة ( الشوش Susiane) قبل إطاحته بـ (أستياگ) و إسقاط الإمبراطورية الميدية.

جرى مراسيم الزواج في حفل مهيب وأُقيمت إحتفالات جماهيرية واسعة بهذه المناسبة، وإنتقلت الأميرة (ماندانا) مع زوجها الى (أنشان). بعد مُضي عام من زواجهما ولّدت (ماندانا) طفلاً ذكراً في قصر أبيها في ميديا، أسموه (كورش).

شاهد الملك (أستياگ) حفيده لأول مرة فوجده، كما وصفه له الكهنة، فعلٍم بأن رؤياه كان صحيحاً وأن زوال حكمه وإمبراطوريته سيكون على يد هذا الطفل. أمر بإختطاف المولود الجديد من أمه سراً من القصر وإعطائه لأحد أقاربه الذي كان إسمه (هارپاك) وكان قائد جيشه وأمره أن يقوم بِقتله والتخلص منه بعيداً عن القصر.

أخذ (هارپاك) الطفل الى بيته وهو حائر من طلب الملك بِقتل هذا الطفل البريء. فكّر مع نفسه بأنه لا يريد تنفيذ أمر الملك ولا يريد أن يُلطّخ يديه بقتل طفلٍ كان يرتبط به بِصلة رحم  ورابطة الدم. كما أنه فكّر بأن الملك رجل مُسّن و أنّ (ماندانا) هي الوريثة الشرعية للحكم من بعد والدها وأنها سوف تنتقم منه عند علمها بهذا الأمر. لذلك فكّر (هارپاك) في إيجاد حلّ لهذه المشكلة العويصة. أرسل جنوداً لإحضار أحد رعاة الملك الذي كان إسمه (ميترادات)، حيث أن هذا الراعي كان يرعى قطعانه في مناطق نائية، بعيدة عن المدينة ومليئة بالحيوانات الوحشية. طلبَ من (ميترادات) أن يرمي الطفل في تلك المنطقة الموحشة لِتأكله الحيوانات البرية هناك أو قتله، بعيداً عن المدينة. كما أن (هارپاك) أفهم الراعي بأن طلبه هذا جاء بناءً على أوامر الملك و أن الملك سيعاقبه عقاباً شديداً إذا لم يقُم بتنفيذ الأمر.

كانت زوجة الراعي (مترادات) إسمها (سباكو) وحامل في شهرها الأخير آنذاك. عند إقتياد جنود الملك لِزوجها بطريقة مخيفة، أُصيبت(سباكو) بالصدمة وخشيت على زوجها، فإستفسرتْ من أحد الجنود عن سر هذا الإستدعاء، فلم يُجِبها الجندي وعندما ألحت عليه وحاولت منعهم من أخذه، دفعها أحد الجنود فسقطت على الأرض. نتيجة الهلع والفزع الذي أصابه ونتيجة إسقاطها على الأرض، سقط منها جنينه ومات.

خوفاً على حياته أو فقدان عمله، حمل (ميترادات) الطفل مُجبَراً وهو يردد عبارة (الويل للعوام من غضب الملوك)، وهو في حيرة من أمره، حيث كان يفكّر كيف يمكنه قتل طفل بريء. أخذ الطفل الى كوخه ووجد زوجته طريحة الفراش وهي تبكي. سألها عن سبب بكائها، فأجابت بأن الجنين قد سقط منها ومات. سألته زوجته عن طلب إستدعائه فأجابها أنه لغرض مصيبة أخرى، التي سيواجهونها فأصبحت عندهم مصيبتان بدلاً من مصيبة واحدة. ثم سألته زوجته عن المصيبة الثانية، ففتح الراعي السلّة التي كان يحملها فإندهشت المرأة حينما وجدت طفلاً يرفس داخل السلة بعد أن نهض من نومه وهو يلبس الملابس الثمينة  المرصعة بالجواهر والذهب، فسألت الزوجة عن الطفل، فأجاب زوجها بأنّه طفل الأميرة (ماندانا) إبنة الملك، حيث أنهم أمروه بقتله. فسألت المرأة مندهشة عن سبب قتله، فأجابها الزوج بأنه لا يعرف السبب. بعد أن أكمل الرجل كلامه، نهضت زوجته وقامت بإحتضان الطفل و أجهشت بالبكاء وقالت لزوجها: ويحك كيف يمكنك قتل طفل! ، فأجابها زوجها بأن ليس لديه خيار آخر. ركعت المرأة على الأرض ومسكت ركبة زوجها، متوسلةً به للإبقاء على الطفل وعدم قتله، فأجابها بأنه ليس لديه خيار آخر، حيث أنه مُهدّد بالقتل إذا لم يقُم بتنفيذ أوامر الملِك، إلا أن زوجته أخبرته بأن هناك خيار آخر. قالت بأن طفلها قد سقط منها وهو الآن ميت، ينتظر الحرق، وأنه يستطيع حرقه بدلاً من حفيد الملك والإحتفاظ بإبن (ماندانا) وسوف لا يعرف أحداً بهذا الأمر. فرِح الراعي (مترادات) بِفكرة زوجته. بعد يومين قام بإحراق طفله الميت وثم ذهب الى بيت (هارپاك) في المدينة وأخبره بأنه ترك الطفل في مكان نائي، إلا أنه لم تأكله الحيوانات البرية، بل مات جوعاً، فقام بِحرقه. طلب الراعي من (هارپاك) أن يبعث أحد رجالاته للتأكد من ذلك. بعد ان تأكد (هارپاك) من موت الطفل، تم الإنتهاء من الموضوع.


المصادر

1. توماس بوا. تاريخ الأكراد، ترجمة محمد تيسير ميرخان، دار الفكر المعاصر بيروت، صفحة 240.

2. ويل ديورانت (1988). قصة الحضارة. ترجمة الدكتور زكي نجيب أحمد، االمجلد الأول، الجزء الثاني، صفحة 402.

3. د. زيار (2000). إيران ثورة في إنتعاش. طُبع في باكستان، صفحة 115.

4. هيرودوت. تاريخ هيرودوت. صفحة 90.

5. د. زيار (2000). إيران ثورة في إنتعاش. طُبع في باكستان، صفحة 165.

6. المصدر السابق، صفحة 170.


100
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (26) – أسلاف الكورد: الميديون

تأسيس الإمبراطورية الميدية

د. مهدي كاكه يي

في هجومهم على نينوى، إختار المهاجمون الزاوية الشمالية الشرقية من سور نينوى وهو القسم الأعلى والأضعف لإقتحام المدينة. بعد القيام بِتدمير القوات الآشورية خلال ثلاث معارك جرت بين الطرفَين المتحاربَين، إستولى المهاجمون على منظومة التحصينات الأمامية والسدود والقناطر التي بواسطتها تعود مياه نهر الخوصر الى الخنادق وبِتجفيف الخنادق، إستطاع المهاجمون الوصول الى المنطقة الملاصقة لِسور المدينة الذي كان يبلغ إرتفاعه أكثر من 20 متراً وقاموا بتقريب الأكباش إليه، حيث قام المهاجمون بِردم قطاع الخندق الملاصق للزاوية الشمالية الشرقية من نينوى، بأنقاض الفجوة الكبيرة المتكونة بالسور، والتي تدل عليها التنقيبات. دافع الآشوريون بقوة ومهارة عن مدينتهم وأقاموا خلف الفجوة خطاً جديداً من التحصينات وأحبطوا هجوم المحاصِرين الميديين والبابليين، إلا أن المهاجمين إستغلوا تركيز إهتمام الآشوريين على الفجوة المعمولة في السور، فقاموا بِتحويل نهر (الخوصر) الى الخنادق التي تغطي الوجه الجنوبي للسور الشرقي وإندفعوا على حين غرة الى داخل المدينة في مجرىً عبر القنطرة النهرية، عندئذٍ جرت في شوارع العاصمة الآشورية عمليات قتل الآشوريين1.

فيما يتعلق بِمصير الملك الاشوري (سين – شار - اشكن)، فأن هناك نص يذكر بأن الملك الآشوري قد هرب من المدينة2، إلا أن المصادر الإغريقية تقول بأن (سين – شار – اشكن) قد لقي حتفه في الحرائق التي دمرت نينوىa. يستند الباحث (جورج رو) على نصٍ يذكر مقتل الملك الآشوري، حيث جاء في هذا النص ما يلي: ( فإحتلوا المدينة وأنجزوا  هزيمة الرئيس وفي ذلك اليوم تم قتل الملك الآشوري (سين – شار - اشكن) f. كل الدلائل تشير الى ان الملك الآشوري قد لقي مصرعه في  خضم المعارك الدامية التي جرت في  مدينة نينوى أثناء إستيلاء الميديين والبابليين عليها، بِدليل أن (آشور- اوبالط الثاني) إعتلى العرش الاشوري. في 20 أيلول|سبتمبر من عام 612 قبل الميلاد، ترك الملك الميدي (كَيخَسرَو) وجيشه مدينة نينوى المتحولة الى أنقاض، عائدين الى بلادهم، حاملين معهم الغنائم والأسرى، بينما إستمرت قوات (نبوبلاصر) في تقدمها حتى وصلت مدينة (روسابو). تقع (روسابو) غرب نينوى قرب جبل سنجار3، حيث كانت في طريقها تنهب وتحرق. بعدها عاد الملك البابلي الى نينوى وإستقطع لنفسه منطقة آشور، بينما إستولى الاسكيثيون وزعماء آسيا الدنيا على القسم الأكبر من الغنائم، إلا أن الدولة الآشورية لم تنتهِ بعد، حيث أن مجاميع من الجيش الآشوري والنبلاء الآشوريين بقوا على قيد الحياة وإستمروا في المقاومة وإتخذوا مدينة (حران) ملاذاً لهم. (حران) مدينة قديمة تقع في أعالى نهر الفرات في إقليم شمال كوردستان، حيث أنها تقع على طريق تجاري مهم وإسمها يعني (طريق) وكانت مركزاً لعبادة إله القمر (سين) 4. في (حران) أصبح (آشور- اوبالط الثاني) ملِكاً لِبلاد آشور، حيث طلب المساعدة من حليفه الملك المصري (أمازيس) الذي قام بِتلبية طلبه. أسرع (أمازيس) بإرسال المعونات العسكرية لحلفائه الآشوريين.

من مجريات الأحداث، يظهر أن الملك البابلي (نبوبلاصر) لم يقف مكتوف الأيدي تجاه هذا التطور السياسي الخطير، حيث أنه في تموز عام 611 قبل الميلاد، زحف نحو بلاد آشور التي سار حولها بدون أية مقاومة تُذكر، ثم إلتقى بجيوش بلدان (حازو) و (هان) و (سو) فإستولى على غنائم وإقتاد الأسرى من هناك. في شهر تشرين الثاني من نفس السنة، توجّه نحو مدينة (أوكولتيو) وتمكن من الإستيلاء عليها في عام 610 وقام بقتل جميع سكانها بحيث لم يتمكن رجل واحد من الهرب من المدينة، إستناداً الى النص البابلي. (أوكولتيو) هي مدينة تقع في إقليم غرب كوردستان، قرب تل (بارسيب) شرق نهر الفرات وقد سيطر عليها الاشوريين في عهد (شلمنصر الثالث) عام 856 قبل الميلاد5. قد يكون الملك البابلي قام بهذا القتل الجماعي لترهيب وتخويف سكان المدن الأخرى وإجبارهم على الإستسلام5. بعد معارك عديدة دامت بين سنتي (612 – 605 قبل الميلاد)، والتي إستطاع الحلف الميدي - البابلي إنهاء الوجود الآشوري السياسي في منطقة الشرق الأدنى القديم بشكل نهائي في معركة (كركميش)، وبذلك خسر الحلف الآشوري - المصري الحرب أمام الحلف الميدي - البابلي، وإختفت من الوجود إحدى أقوى الإمبراطوريات التي عرفها العالم القديم.

تمّ تقسيم أراضي الإمبراطورية الآشورية وآسيا الصغرى بين الميديين والبابلين، فكانت حصة الميدين كل البلاد القريبة من ميديا وغرب كوردستان الحالي ودجلة العليا والفرات وإمتدت حدودهم الى البحر الأسود، أما البابليون فقد إستحوذوا على جنوب سوريا وجنوب بلاد الرافدين. بعد هذا النصر التاريخي، رجع الملك كَيخاسرَو مع جيشه المظفر، حاملاً معه الثروة الطائلة التي تركها الآشوريون، الى عاصمة مملكته، جمزان.

يذكر النبي العبراني (ناحوم) عن سقوط نينوى أمام الهجوم الميدي - البابلي، بأن الشعوب التي كانت تخضع للآشوريين، عبّرت عن إرتياحها وفرحها لهذا السقوط، حيث كان (ناحوم) حينذاك أسيراً في نينوى ولذلك  كان شاهداً على سقوط نينوى: (نَعِست رعاتُك يا ملك آشور. إضطجعتْ عظماؤك. تشتّتَ شعبُك في الجبال ولا مَن يجمع. ليس جبرٌ لإنكسارك. جرحُك عديم الشفاء. كلُّ الذين يسمعون خبرك يصفّقون بأيديهم عليك؛ لأنه على من لم يمرّ شرُّك على الدوام)6.

بعد سقوط الدولة الاشورية وإختفائها، بدأ (كَيخَسرَو) يطمح  في التوسّع الى تخوم
آسيا الصغرى، بعد أن تفككت وتلاشت ممكلة أورارتو بالتزامن مع إنهيار
الإمبراطورية الآشورية. إستغل الملك الميدي (كَيخَسرَو) الفراغ السياسي الحاصل في الجهة الشمالية الغربية لمملكته، فتوجّه نحو مملكة (ليديا) التي كانت آنذاك من أهم الدول المتمتعة بموقع إستراتيجي مهم وكانت أيضاً مركزاً تجارياً مهماً. إندلعت حروب عنيفة بين الميديين والليديين، بقيادة كل من الملك الميدي (كَيخَسرَو) والملك الليدي (ألياتسAlyaates ). إستمرت الحروب بين الجانبَين لمدة خمس سنوات دون أن ينتصر أحد الجانبَين. في سنة 575 قبل الميلاد، إندلعت معركة ،أُطلِق عليها إسم (معركة الكسوف)، حيث أنه أثناء هذه المعركة حصل كسوف الشمس طيلة يوم كامل، فخاف منه الجيشان المتحاربان وإعتقدا بأنه نذير شؤم لهما من السماء؛ لذلك قام الطرفان بتوقيع  معاهدة للصلح التي تم إبرامها بعد أن شرِب كل من الملِكَين جرعة من دم الآخر7. إستناداً الى بنود هذه المعاهدة، أصبح (نهر هاليس Halys)، الذي يصب في البحر الأسود والواقع قرب مدينة أنقرة الحالية، فاصلاً حدودياً بين المملكة الميدية والليدية8. توطدت هذه المعاهدة بزواج ولي العهد الميدي ( أستيا گ Astyages)، إبن الملك الميدي (كَيخَسرَو) من (أرينيس Arenes)، إبنة الملك الليدي (ألياتس).

تذكر مصادر أخرى بأن الحرب التي إندلعت بين مملكة ميديا و ليديا (Lydie) التي كانت عاصمتها (ساردSarde )، كانت بسبب السكيث الذين كانوا قد غزوا ميديا قادمين من شمالي البحر الأسود، وتحالفوا مع الدولة الآشورية، ولما سقطت الدولة الآشورية لجأوا إلى ليديا، وحماهم الملك الليدي إلياتس9.

في هذه الفترة، تميزت العلاقات بين الممالك الثلاث، الميدية ، والبابلية ، والليدية بالهدوء والسلام في عهد الملك (كَيخَسرَو) الذي إستمر حتى وفاته في عام 585 قبل الميلاد. هكذا خيّم الإستقرار والإزدهار على غربي آسيا لفترة دامت حوالي نصف قرن9.
 
هكذا أصبحت الدولة الميدية إحدى الإمبراطوريات الأربع التي تقاسمت فيما بينها زعامة الشرق الأدنى القديم وهي الدولة البابلية والدولة المصرية والدولة الميدية والدولة الليدية، حيث بلغت ميديا أوج عظمتها و إزدهارها و إمتدت حدودها من (بخاري) شرقاً الى نهر (قزيل إيرماق) غرباً ومن بحر قزوين شمالاً الى الخليج الفارسي جنوباً. بعد أن أصبحت ميديا دولة قوية أخذت الدول المجاورة لها تخاف منها، وخاصة البابليون، حيث قام ملكهم (نبو خذ نصر) ببناء سد ضخم وتحصينات كبيرة على طول الحدود الشمالية الذي عُرف بالسد (الميدي) نسبة الى الميدين، لحماية بابل من أي هجوم ميدي من الشمال.

المصادر

1. سليمان، عامر (1991). الموصل في النصف الأول ق.م. موسوعة الموصل الحضارية، الموصل، المجلد 1، صفحة 106.

2. بليافسكي، ف أ (2007). أسرار بابل. ترجمة توفيق نصار، الطبعة الثانية، دمشق، صفحة 168 – 169.

3. محمد، حياة ابراهيم (1983). نبوخذ نصر الثاني (604- 562 ق.م). بغداد، صفحة 050

4. الكيلاني، لمياء الآلوسي (1999). أول الرب من القرن التاسع وحتى القرن السادس قبل الميلاد. بيروت، صفحة 73.

5. غزاله، هديب. الدولة البابلية الحديثة (626-539ق.م). صفحة 64.

6. الكتاب المقدّس. العهد القديم، سفر ناحوم، الأصحاح 3، الآية 18- 19.

7. دياكونوف (1956). تاريخ ميديا. موسكو. صفحة 302.

8. الأحمد، سامي سعيد (1983). الصراع العراقي الفارسي خلال الألف الاول قبل الميلاد (933-331ق.م). صفحة 79.


9. هيرودوتس (1886). تاريخ هيرودوتس. ترجمة حبيب افندي، مطبعة القديس جاورجيوس، بيروت. 

المراجع

a. Heick, Gwendolyn (1999). whos who in the Ahcient Near East. London and New york, p . 657 .



نهر هاليس الذي شكّل فاصلاً حدودياً بين ميديا و ليديا





الملك كَيخَسرَو يُستقبَل في العاصمة (جَمَزان) بِحفاوة منقطعة النظير من قٍبل الميديين بعد قضائه على الإمبراطورية الآشورية.



 
خرائب مدينة نينوى بعد سقوط الإمبراطورية الآشورية



الحدائق المعلقة التي بناهها نبوخذ نصر لزوجته، الأميرة الميدية أوميد



101
الإسلام السياسي والتطرف الديني في كوردستان


د. مهدي كاكه يي


في البداية يجدر القول بأنه يجب مكافحة التطرف الإسلامي في كوردستان عن طريق وسائل الإعلام والمناهج الدراسية ومنع الأصوات الداعية الى الإرهاب والتطرف والشمولية من منابر الجوامع وعلى شاشات التلفزيون و صفحات الكتب والصحف والمجلات والمواقع الإلكترونية وعلى صفحات التواصل الإجتماعي، لِخلق مجتمع كوردستاني منفتح ومتسامح وديمقراطي، فيه يتمتع الجميع بِحرية الإعتقاد واللاإعتقاد والحرية الشخصية وحرية التعبير والرأي، دون خوف من قتل أو إرهاب أو تهديد أو إهانة أو إزعاج.

غالبية شعب كوردستان علمانيون، لذلك لا تستطيع الأحزاب الدينية إستلام الحكم في كوردستان. الواقع السياسي في جنوب كوردستان يعضد هذا، حيث أن نسبة الإسلاميين في البرلمان هناك لا تتجاوز 10% وهذا يعني بأن غالبية شعب كوردستان هم علمانيون والإسلاميون هم أقلية. 

تصاعد الموجة الإسلامية الحالية التي نراها اليوم في المجتمعات الإسلامية يعود الى عيش هذه المجتمعات في ظل أنظمة دكتاتورية وشمولية، حيث عانت هذه المجتمعات من الإضطهاد والفقر والمرض، فلجأت الى الدين والغيبيات التي لها جذور فيها، آملةً في تحسين حياتها الشقية. الآن بدأت تتهاوى هذه الأنظمة ويتزامن معها تغيّر في وعي وتوجهات هذه المجتمعات والكف عن الإلتجاء الى الدين، الذي هو عاجز عن تحسين حياة الناس.

من جهة أخرى، العولمة التي نعايشها اليوم تلعب دوراً  محورياً في توعية المجتمعات وتغيير أفكارها وعقائدها وثقافاتها و هذا يعني بأن الزمن ليس لِصالح الإسلام السياسي وبمرور الوقت يضمحل دوره في حياة المجتمعات الإسلامية. الدين الإسلامي نفسه لا يستطيع  الصمود أمام تيّار العولمة، فيجرفه هذا التيار، حيث أن الثقافة البدوية التي يمثلّها الإسلام، عاجزة عن مواكبة تطورات وتغيرات عصرنا الحالي، ولذلك فأن الدين الإسلامي سينحصر وجوده في أماكن العبادة فقط ويقتصر معتنقيه على أعداد قليلة من الناس في المستقبل البعيد.

تزامناً مع إنحسار دور الدين الإسلامي في حياة شعب كوردستان، تنهض الأديان الكوردية الأصيلة المتجذرة في أعماق كوردستان، تستعيد حضورها وهيبتها، حيث يبدأ شعب كوردستان بإحياء أديانه الأصيلة، مثل الزردشتية واليزدانية (الديانات الهلاوية "العلوية" والإيزدية والكاكائية والشبك هي من بقايا الديانة اليزدانية "الميترائية") التي هي جزء مهم من لغة وثقافة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي، بدلاً من التمسك بِدين غريب عليه، فُرِض عليه في غفلة من الزمن بالسيف والقتل والإرهاب والنهب وسلب نسائه، ليتخلص من الثقافة البدوية المتخلفة المفروضة على هذا الشعب الأصيل والذي يتمّ إستعباده وإستغلاله بإسم هذا الدين. للعلم فأن الدين اليزداني كان دين أكثرية الشعب الكوردي الى ما قبل 400 سنة أي الى القرن السادس عشر الميلادي.

إحياء الدين الزردشتي في جنوب كوردستان، مثال حي على تصميم الكثير من الكورد للعودة الى أديانهم الأصيلة، حيث قامت مجموعة من الناس هناك مؤخراً بإعتناق هذا الدين وقدموا طلباً الى حكومة الإقليم للإعتراف بالزردشتية كأحد الأديان الرسمية في كوردستان وتم الإعتراف بهذا الدين رسمياً من قِبل حكومة الإقليم.

العصر الذي يعيشه الشعب الكوردي هو عصر العثور على الذات المفقودة من خلال تمسكه بِلغته والتعرّف على تاريخه وإحياء تراثه ومعتقداته والتي أديانه القديمة هي جزء أساس من تراثه ولغته وتاريخه. إن شعب كوردستان اليوم مُقبِلٌ على تنفيذ مشروع كوردستاني تاريخي حضاري عظيم، كان يفتقده منذ زوال إمبراطوريته الميدية. من خلال هذا المشروع الإستراتيجي، يستيقظ شعب كوردستان من نومه وغفوته وغفلته ومن خلاله يكسر قيود العبودية والذل والظلام والتبعية ويدخل الى عالم الحرية والإستقلال والعزة والنور. إنه وقت العمل والنضال الكوردستاني. إنه عصر النهضة الكوردستانية.


102
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (25) – أسلاف الكورد: الميديون

الهجوم الميدي – البابلي على الإمبراطورية الآشورية

د. مهدي كاكه يي

بعد إبرام التحالف الميدي - البابلي والإستعدادات العسكرية ، هاجم الميديون بلاد آشور في أواخر عام 614 قبل الميلاد، حيث أنهم في البداية إتجهوا نحو شرقي دجلة، فهجموا على منطقة ارابخا (كركوك) وسيطروا عليها، وإتخذوا هذه المدينة الإستراتيجية قاعدة لإنطلاق أعمالهم الحربية. توجهت القوات الميدية نحو بلاد آشور، قاصدةً مدينة آشور، العاصمة القديمة للآشوريين. في العام التالي أي في عام 613 قبل الميلاد، هاجموا قلب بلاد آشور، حيث تمكنوا من الإستيلاء على مدينة تربيص (شريف خال الحالية الواقعة قرب قرية الرشيدية الى الغرب من نينوى على نهر دجلة)1 التي كانت مركزاً إدارياً مهماً للآشوريين في شمال بلاد ما بين النهرَين، إلا أن الإسكيثيين وقفوا ضد القوات الميدية ومنعوها من الإستيلاء على المدينة المذكورة ولذلك فشل (كَيخَسرَو) في بادئ الأمر من الإستيلاء على مدينة آشور. أعاد الميديون الكرّة في الهجوم على مدينة آشور، حيث إنتقلوا عبر نهر دجلة فإنحدروا مع تياره نزولاً الى مدينة آشور التي حاصروها ثم إستطاعوا الإستيلاء عليها2. قام الميديون بِهدم أسوار مدينة آشور ونهب وتخريب المدينة وقتل أعداد كبيرة من الآشوريين وأسر الكثير منهم وقاموا بِأخذ الأسرى الآشوريين الى ميديا، كما هو مدوّن في النص البابلي الآتي: (في شهر تشرين الثاني، نزل الميديون الى مقاطعة عرفة وقاموا بالهجوم على مدينة ...السنة الثانية عشرة في شهر آب عندما قام الميديون ... بإتجاه نينوى ... وبسرعة إستولوا على مدينة تربيص في مقاطعة نينوى ... وإنحدروا مع التيار (من الشمال الى الجنوب) بمحاذاة دجلة وأقاموا معسكراً قبالة آشور وشنوا هجوماً ضد المدينة (وإستولوا عليها) وقد هدموا سور المدينة وألحقوا بها هزيمة مروعة وذبحوا السكان وأخذوا الغنائم و إقتادوا الأسرى ...)a.
لقد تمّ العثور على الكثير من الدلائل المادية في أطلال مدينة آشور التي تشير الى الخراب الحاصل للمدينة، إلا انه لم يُعثر إلا على القليل من ركام حريق ودلائل أخرى تشير الى الإنهيار في أحد مواقع السد الجنوبي، حيث تجمعت فيه الكثير من رؤوس السهام والمشابك البرونزية التي تشير الى حدوث قتال عنيف عند بوابة كريكوري. كما أنه تمّ العثور كذلك على كتل من خشب الأرز المحترق على الأرضية التي تعود الى سقف البوابة وهذه قد تكون دليلاً مادياً لإحتراق البوابة بعد إقتحام المدينة من قِبل الميديين. فيما يتعلق بالقبور الملكية، فقد تمّ تحطيمها تماماً وتمّ كسر النقوش وتحطيم المعبد الكبير لإله مدينة آشور ونهب وثائقهb. الحجرية الكبيرة المرتبة
يلاحظ من النصوص الملكية للملك نبوبولاصر ( 828-  805 قبل الميلاد)، أن هذا الملك لم يشترك بالهجوم على بلاد آشور، إلا انه إلتحق بالملك الميدي الذي كان مرتبطاً معه بِحلف والذي بموجبه خرج (نبو بولاصر) من تبعية الدولة الآشورية، ومع ذلك فأن الملك البابلي (نبو بولاصر) وصل متأخراً وقام بِعقد إتفاق جديد.

تأخر الملك البابلي نبوبلاصر مع جيشه بشكل متعمد في تقديم المساعدة للميديين من خلال المشاركة في حربهم ضد الدولة الآشورية، ويمكن أن يكون سبب تأخر نبوبلاصر في مساعدة الميديين هو أن مدينة آشور القديمة ومعابدها كانت مقدسة من قِبل البابليين، لذلك لم يرغب أن يقوم بنفسه بتدنيس المقدسات الآشورية، و في نفس الوقت كان الملك نبوبلاصر غير قادر على وقف الزحف الميدي على آشور وإنقاذ الإله الآشوري من الموت. هذا ما يوضحه النص البابلي التالي: (... هب ملك أكد وجيشه لمساعدة (الميديين)، لكنه لم يأت في الوقت المناسب للمعركة، إذ كانت المدينة محتلة، إلتقى ملك أكد و(كَيخَسرَو) (اوماكشتار) أمام المدينة وتمّ عقد تحالف بينهما وأقاما صداقة جيدة ... عاد (كَيخَسرَو) وجيشه الى بلاده وعاد ملك أكد وجيشه الى بلاده ...) a. عند خرائب مدينة آشور التي إنبعث منها الدخان، إلتقى البابليون مع الميديين في شهر آب/أغسطس سنة 614 قبل الميلاد، وعقد نبوبلاصر والملك الميدي (كَيخَسرَو) معاهدة تحالف فيما بينهم والتي تمّ توطيدها بزواج الأمير (نبوخذنصر) إبن نبوبلاصر بالأميرة الميدية أوميد (اميتيس) إبنة الملك الميدي (كَيخَسرَو)3. (حدائق بابل المعلقة) الشهيرة، تمّ بناؤها لهذه الأميرة الميدية من قِبل زوجها نبوخذنصر،  لِخلق أجواء جبلية لها.

أراد الملك الميدي (كَيخَسرَو) أن يكون الإستيلاء على مدينة آشور وما ينجم عنه، لِصالح
الميديين فقط، الا أن الطرفين الميدي والبابلي دخلا في حلف سياسي مبني على مصالح مشتركة. أول هجوم مشترك وناجح للكلدانيين والبابليين، كان على مدينة (دور شروكين) (خرسباد) التي كانت المدينة المقدسة عند الاشوريين .

في سنة 612 قبل الميلاد، أمر الملك (كَيخَسرَو) جيشه بالتقدم الى مكان مذكور في النص، إلا أن إسم المكان غير واضح بسبب التلف الذي تعرّض له النص. من المحتمل أن يكون هذا المكان هو مدينة نينوى، حيث عقد الجانبان البابلي والميدي معاهدة ثانية والتي بموجبها تم تأسيس حلف بينهما. تُطلِق الوثيقة البابلية على الملك الميدي إسم (ملك أُومّان مانْدا) والتي تعني باللغة الأكدية (القوة المُرعِبة) 4.

في طريقها الى نينوى، قام جيوش التحالف الميدي -  البابلي بِعبور نهر دجلة، حيث تقع مدينة نينوى وعسكرت الجيوش أمامها لِمدة ثلاثة أشهر. من أجل شل مقاومة الآشوريين، قامت الجيوش المهاجمة على نينوى بِفتح نهر (الخوصر) الذي هو أحد روافد نهر دجلة وأحدثوا بذلك فيضاناً إتجه نحو مدينة نينوى. كان لهذا العمل تأثير كبير في فتح الثغرات في الجبهة الآشورية والذي ساعد القوات الميدية – البابلية المشتركة في الدخول الى العاصمة الآشورية، نينوى ومقتل الملك الآشوري (سين شار أشكن) والقيام بِنهب المدينة وذلك في 8 آب/أغسطس سنة 612.

المصادر

1. ساكز، هاري (1979). عظمة بابل. ترجمة عامر سلمان, الموصل، صفحة 165.

2. سليمان, عامر (1969). نتائج حفريات جامعة الموصل في أسوار نينوى. آداب الرافدين: 1، صفحة 54.

3. أندريه، فالتر (2003). آشور تنهض من جديد. دراسة الطالب أنور شكري محمود لنيل الدبلوم العالي، جامعة بغداد، كلية اللغات صفحة 57-58.

4. رو، جورج (1986). العراق القديم. ترجمة حسين علوان، مراجعة فاضل عبد الواحد علي، بغداد،  صفحة 504.


المراجع

a. Openheim, A, Leo. Babylonian and Assyrian Historical. ANET, p. 304 .                   

b. Reqde, Julian (2003). Why did the medesInvaale Assyria? History of Ancient Near East. Monoyraphs, V., Padava, p.152.
                   




103
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (24) – أسلاف الكورد: الميديون

الملك الميدي كَيخَسرَو (625 – 585 ق.م)

د. مهدي كاكه يي


في البداية أود أن أنوّه بأنه جاء في الحلقة السابقة عن طريق الخطأ بأن الحرب بين بلاد آشور وميديا حصلت في سنة 626 قبل الميلاد، والصحيح هو أن هذه الحرب جرت في سنة 653 قبل الميلاد والتي خلال المعارك التي إندلعت بين الجانبَين، تم قتل الملك الميدي (فراورتيس)، حيث قام الإسكيثيون خلالها بالهجوم على الميديين من الخلف.

من المرجح أن الإسم (كَيخَسرَو) كان لقباً لِملوك الميديين، حيث أن الإسم متكون من ثلاث كلمات والتي لا تزال اللغة الكوردية تحتفظ بها، وهي: (كَي) و (خاس) و (رَو). كلمة  (كَي) تعني (سيد)، حيث أن كلمة (كاك أو كَكێ) تُستعمل في اللغة الكوردية قبل ذكر إسم الشخص إحتراماً له. كلمة (خاس) تعني (جيد) وهذه الكلمة لا تزال باقية في اللهجة اللورية والهورامية ولقد تحوّل حرف الألف في كلمة (خاس) الى علامة الفتحة (خَس). كلمة (رَو) تعني (سلوك). هكذا فأن إسم (كَيخَسرَو) يعني (السيد أو النبيل المحترم) وبالضبط يعني "صاحب الجلالة" المتداول كَلَقب مَلِكي في الوقت الحاضر. لقد تم تحوير هذا اللقب في المصادر العربية الى (كِسرى) و في المصادر الفارسية الى (كَيخُسرَو). (كَيخَسرَو) هو إسم شائع بين الكورد.

بعد مقتل الملك الميدي (فراورتيس) خلال هجومه على العاصمة الآشورية، نينوى، إستلم الحكم إبنه (كي أخسار Kyaxars "كَيخَسرَو")، حيث كانت بلاد ميديا آنذاك تحت الإحتلال الإسكيثي. كان (كَيخَسرَو) ملِكاً حكيماً وطموحاً، حيث كان يطمح ليس فقط في تحرير ميديا من الهيمنة الآشورية، بل كان أيضاً يريد أن تصبح ميديا مملكة قوية مهيمنة في منطقة غرب آسيا. لتحقيق أهدافه، وضع (كَيخَسرَو) إستراتيجية متكاملة تضمنت ما يلي:

1.   القيام بتوحيد القبائل الميدية بشكلٍ أشمل مما كانت الحالة في عهد والده وجدّه وإيجاد سلطة مركزية تخضع لها هذه القبائل، وإسكان القبائل الرحّل في مناطق ذات أراضٍ خصبة، صالحة للزراعة وبث روح التحرر من السيطرة الآشورية في نفوس هذه القبائل.

2.  إعادة تنظيم الجيش الميدي: كان (كَيخَسرَو) هو أول من أسس الجيوش النظامية في بلاد ما بين النهرَين و في قارة آسيا، حيث قام  بِتقسيم الجيش الى وحدات مستقلة، تبعاً لِصنوفها، مثل وحدات حملة الرماح ووحدات حملة السِهام ووحدات الخيالة والفرسان. كما قام بِتدريب هذه الوحدات العسكرية تدريباً جيداً. كان الميديون يغمسون سِهامهم بِخليط من الزيت والنفط لتكون السِهام قادرة على إحراق الأهداف التي تُصيبها. قيام (كَيخَسرَو) بهذا الإعداد الممتاز للقوات المسلحة الميدية، كان ناتجاً عن إدراكه بأن التحرر من حكم الإسكيثيين والإنتصار على الجيش الآشوري القوي والمنظّم، يتم بإيجاد جيشٍ متطور ومتفوق على جيوش أعدائه. كما قام (كَيخَسرَو) بإضافة فنون جديدة الى صنوفه، مثل رُماة السِهام وفِرَق المشاة و تشكيل فِرَق جديدة التي تضمنت فِرَق سلاح الفرسان وفِرَق الرِماح وإدخال عربات، تمّ تركيب المناجل في عجلاتهاa، حيث أصبحت هذه العجلات جزءاً من الموروث الشعبي في بلاد ميديا و في منطقة غربي آسيا وأصبحت مادة مشهورة في الحكايات البطولية في أساطير شعوب المنطقة. فيما يتعلق بتنظيم وتطويرالجيش الميدي، إقتبس الملك (كَيخَسرَو) بعض الأساليب الحربية المتطورة من الإسكيثيين.

3. في البداية إستطاع (كَيخَسرَو) أن يُنهي التبعية الميدية للإسكيثيين وبناء علاقة متكافئة معهم، حيث أصبح حليفاً للملك الإسكيثي (پروتوثياسProtothyas ). بعد ذلك فكّر بالتخلص من الخطر الإسكيثي، حيث أن الإسكيثيين كانوا عادةً يطعنون الميديين من الخلف خلال مواقفٍ مُحرِجة. لتحقيق هذا الهدف، قام (كَيخَسرَو) بِدعوة زعماء القبائل الإسكيثية وحلفائهم الكميريين وزعماء القبائل الآرية الأخرى الى وليمة أُقيمت في قصره في العاصمة الميدية (جَمَزان). عند حضورهم وإكثارهم للشراب، أمر بِقتلهم، وبذلك إستطاع أن يتخلص منهم ومن تهديداتهم للبلاد الميدية1.

4. القيام بالتحالف مع الجارة الجنوبية، إيلام والجارة الغربية، بابل. بعد أن وطّد (كَيخَسرَو)  أركان مملكته، عقد تحالفًا مع الملك البابلي نابوبولاصّر (627 - 605 قبل الميلاد) ضد عدوهما المشترك، مملكة آشور2، وكان قد تمّ تعيين (نابوبولاصّر) حاكماً على بابل من قِبل الملك الآشوري آشور بانيپال، لكنه استقلّ عن مملكة آشور، وكان من مصلحته أن يتحالف مع الملك الميدي، ليستطيع الوقوف ضد الآشوريين، ويحرر بلاده.

بعد قيام (كَيخَسرَو) بتنظيم البيت الميدي وتأسيس جيش قوي ومُسلح بأسلحة متطورة والتخلص من التهديد الذي كان يُشكله الإسكيثيون على مملكته وبعد توطيد تحالفه مع البابليين والإيلاميين، أخذ يوجّه أنظاره نحو خارج مملكته، وخاصة نحو بلاد آشور. في هذا الوقت كانت بلاد (أورارتو) مضمحلة بسبب حروبها ضد الآشوريين، التي أنهكتها وأضعفتها، فإنتهز الميديون الإضمحلال الأورارتي فَورثوا الأراضي الأورارتية وأخذوا يتوسعون منها نحو بلاد آشور.

يذكر المؤرخ (ديودورس الصقلي) بأنه بتشجيع من الملك الميدي (كَيخَسرَو)، قام الزعيم الكلداني البابلي ) بيلينيس "نبوبولاصر"( بالهجوم على بلاد آشور، حيث قام بِطرد الحامية الآشورية من مدينة نفَر (نيپور) خلال نهاية حكم الملك الآشوري (آشور بانيبال) وتسلّم الحكم في آشور من قِبل الملك (آشور- إتيل- يلاني) في سنة 630 قبل الميلاد.

تمرُّد القائد (سين- شوم- ليشر) على الملك االآشوري (آشور- اتيل- ايلاني) وسيطرته على عرش آشور3، التي تذكرها إحدى النصوص البابلية، جعل بلاد بابل بدون ملِك خلال الفترة الممتدة بين موت الملك (آشور- إتيل- يلاني) في نهاية عام 628 قبل الميلاد و بداية عام 627 قبل االميلاد حتى إعتلاء (سين – شار – اشكن) العرش الآشوري في نهاية عام 627 قبل الميلاد، وكذلك إعتلاء العرش البابلي من قِبل (نبوبلاصر) في عام 626 قبل الميلادb. لهذا السبب نجح (نبوبلاصر) في السيطرة على بلاد بابل وإستطاع الأمير الآشوري (سين- شار- اشكن)، الإبن الثاني للملك الآشوري (آشور بانيبال) أن يعتلي العرش في نفس السنةc.

المصادر
1. هيرودوتس (1886). تاريخ هيرودوتس. ترجمة حبيب افندي، مطبعة القديس جاورجيوس، بيروت.

2. علي، عادل هاشم (2012). الميديون ودورهم في تاريخ العراق القديم. طهران، صفحة  126.

3. بصمة جي، فرج (1972). كنوز المتحف العراقي. بغداد، صفحة  57.


المراجع

a.   Izady, Mehrdad R. The Kurds: A Concise Hbandbook. Washington & London, Taylor & Francis, 1992, page 33.

b. Grayson, A. k.(1975). Assyrian and Babylonian chronicles. New york, p. 88 .

c. Openheim, L.(1964). Ancient Mesopotamia. London, p. 341.

 
الملك الميدي كَيخَسرَو


صورة لِمدخل ضريح الملك الميدي كَيخَسرَو الواقع في منطقة السليمانية في جنوب كوردستان


 
عربة حربية ميدية


104
رؤية مستقبلية لِواقع إقليم غرب كوردستان

د. مهدي كاكه يي

وضع إقليم غرب كوردستان المستقبلي يعتمد على التطورات الدولية والإقليمية والذاتية، وأن الوضع الذي يؤول إليه في سوريا، له تأثير حازم على الإقليم.

من المتوقع أن تستمر الحرب الأهلية في سوريا لسنين عديدة، حيث أنها حرب على النفوذ في منطقة الشرق الأوسط بين الغرب من جهة وكلٍ من روسيا والصين من  جهة أخرى. من الصعب التكهن بما تسفر عنه الحرب الأهلية السورية، إلا أن هناك عدة إحتمالات لنتائج هذه الحرب وهي كالآتي:

1. بقاء النظام السوري وتشكيله حكومة إئتلافية مع قوى المعارضة "المعتدلة" والتي تشمل العروبيين والإخوان المسلمين والكورد وتكون حكومة متنافرة وضعيفة على غرار الإئتلاف الحكومي العراقي الحالي وتكون الأوضاع في سوريا خلالها غير مستقرة.

2. يختفي النظام السوري الحالي ويتم تأسيس حكومة إئتلافية ضعيفة غير منسجمة، يشارك فيها ممثلين عن الإخوان المسلمين والعروبيين والكورد والعلويين وهذه الحكومة تكون فاشلة و الثقة مفقودة بين أطرافها.

3. يتم تقسيم سوريا الى ثلاث دول، دولة السُنّة ودولة العلويين وإقليم غرب كوردستان.

نظراً لتخلّف شعوب الشرق الأوسط وهيمنة الشعور القومي والديني والمذهبي في مجتمعاتها وتراكم الخلافات الثقافية والتاريخية فيها، فأنه من المستحيل أن تستطيع شعوب وطوائف المنطقة أن تعيش بسلام و في إنسجام في ظل كيانات سياسية موحدة وأن العيش المشترك القسري المفروض على هذه الشعوب، سرعان ما يؤدي الى الخِصام والإفتراق عندما تتهاوى الأنظمة الدكتاتورية والشمولية والعنصرية  وتختفي أو تضعف، كما في حالة العراق وليبيا وسوريا ومصر وغيرها. بما أنه لا يكون هناك في سوريا طرف سياسي أو عسكري يستطيع بعد اليوم أن يستحوذ على الحكم ويوحّد سوريا ويفرض الوحدة على شعوبها، فأن كل الفرضيات المشار إليها أعلاه تؤدي الى تقسيم سوريا وإستقلال إقليم غرب كوردستان.

هذا بالنسبة الى الوضع المستقبلي السوري. من جهة أخرى فأن جميع الدول المُغتصِبة لكوردستان ستعمل ما بوسعها لمنع إستقلال إقليم غرب كوردستان الذي يُشكّل تهديداً لإستمرارها في إغتصاب الأراضي الكوردستانية. تركيا التي تشترك بالحدود مع الإقليم، ستساند وتدعم القوى الإرهابية والإسلامية والعربية العنصرية، كما تفعل اليوم، للوقوف  بِوجه إستقلال الإقليم وقد تحاول إحتلال الإقليم إذا كانت الفرص سانحة أمامها وكانت قادرة على ذلك. إيران لها وجود عسكري في سوريا وستحاول مع حلفائها، النظام السوري وحزب الله اللبناني منع ولادة الإقليم الكوردستاني المستقل. كما أن الحكومة العراقية الشيعية، سواء عن طريق جيشها أو ميليشياتها ستتحالف مع القوات الإيرانية وقوات نظام الأسد وحزب الله اللبناني وتساهم في محاربة القوى السُنّية السورية والكوردستانيين فيما لو إستطاعت التخلص من قوى الإرهاب التي تحتل حوالي ثلث البلاد.

هكذا قد يكون الوضع في إقليم غرب كوردستان. ماذا يستطيع شعب كوردستان عمله لمواجهة هذه التحديات الكبيرة التي تقف في طريقه وتحاول الإبقاء على عبوديته؟ هذا ما تتم الإجابة عليه في مقال قادم والذي أأمل أن تقوم القارئات العزيزات والقراء الأعزاء المهتمات والمهتمين بالقضية الكوردستانية بالمساهمة معي في الإجابة على هذا السؤال لإثراء الموضوع بأفكارهم وآرائهم، لنشر خلاصة أفكارنا وطروحاتنا معاً في مقال مشترك يتم نشره قريباً.



105
الظروف الذاتية الكوردستانية

د. مهدي كاكه يي

تفاعل الظروف الذاتية والموضوعية يخلق الواقع، حيث أنّ كليهما تؤثّران على بعضهما البعض وتتأثران بالبعض. طالما يتحكم الإنسان بالظروف الذاتية، فأنه من  خلال تغييره للظروف الذاتية، يستطيع تغيير الظروف الموضوعية لِصالحه. هكذا بالنسبة الى الظروف الذاتية الكوردستانية، فأنّ شعب كوردستان يجب أن يقوم   بتغيير الظروف الموضوعية (الظروف الدولية والإقليمية) إيجابياً عن طريق تطوير وتحسين ظروفه الذاتية، حيث أن تغيير الظروف الذاتية هو السبيل الوحيد المُتاح أمامه لتغيير الظروف الإقليمية والدولية لِصالح القضية الكوردستانية.

لا  يزال المجتمع الكوردستاني هو مجتمع زراعي عشائري متخلف، تلعب التقاليد والعادات الموروثة والدين والمذهب، دوراً رئيسياً في حياة أفراده. كما أن الغالبية العظمى من التنظيمات السياسية الكوردستانية متأثرة بالأفكار الشمولية والدكتاتورية والأنظمة البوليسية للدول المُغتصِبة لكوردستان ولذلك تسود فيها تألية وعظمة زعمائها والدكتاتورية وتوريث الزعامة والرئاسة والتشبث بها طالما الرئيس في الحياة وتنفرد العائلة والعشيرة في الإستحواذ على هذه التنظيمات السياسية. لذلك لا تستطيع هذه الأحزاب السياسية أن تُجدد وتطوّر نفسها من خلال الإعتماد على مقاييس الكفاءة والخبرة والوطنية والنزاهة في إختيار قادتها وكوادرها وأعضائها. لهذه الأسباب فأن الغالبية العظمى من الأحزاب هي عبارة عن تنظيمات متخلفة هرِمة، عاجزة عن مواكبة التغيرات الفكرية والسياسية والإقتصادية  الجارية في الدول المُغتصِبة لكوردستان و في منطقة الشرق الأوسط والعالم وعليه فهي غير مؤهلة لقيادة شعب  كوردستان.

بسبب تخلّف التنظيمات السياسية الكوردستانية التي هي نِتاج المجتمع الكوردستاني المتخلف، فأننا نرى تفشّي ظاهرة التصارع والتشتت والتحالف مع مُغتصِبي كوردستان والفساد الإداري والمالي والترهّل وتوريث القيادات والهيمنة العائلية والعشائرية وتألية القادة، سائدة فيها. من خلال معرفة المرحلة الإجتماعية التي يمر بها شعب كوردستان، يمكن رسم صورة حقيقية لِواقعه.

في إقليم جنوب كوردستان، هناك إدارة متصارعة فاسدة فاشلة، حيث مضت على  حُكمها أكثر من 23 سنة، دون أن تعمل على بناء البُنية التحتية للإقليم وتحقيق الأمن الغذائي وتوفير مصادر الطاقة وبناء جيش مهني موحد وسن دستور عصري وبناء إدارة مؤسساتية يسودها القانون والنظام وخلق نظام ديمقراطي، يحترم إرادة الشعب  ويؤمن بالتناوب السلمي للسلطة وهذه كلها من مقومات الأمن الوطني   الكوردستاني. لم تُبادر هذه  الإدارة الى إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية تقود شعب كوردستان ولم تُقدم المساعدة والدعم المطلوبَين لإقليم غرب كوردستان الذي هو منطقة إستراتيجية مُهمة، تُشكّل منفذاً بحرياً لكوردستان. بعد هذه المدة الطويلة من الحكم، فأن حكومة الإقليم عاجزة عن دفع رواتب الپيشمەرگە الذين  يُضحون بأرواحهم في سبيل الوطن وكذلك الموظفين والعمال وعاجزة عن توفير الماء والكهرباء والعلاج  للشعب، حيث أن العيادات الطبية الأهلية أصبحت تجارة مُربِحة، يقوم الأغنياء بِعلاج أنفسهم فيها، بينما الفقراء لا مال لديهم فيموتون بسبب الأمراض، أما المستشفيات الحكومية فهي عبارة عن  بنايات وديكورات لا نفع لها. بسبب هذه الظروف الصعبة، يهجر الشباب الإقليم، مواجهين الأهوال والموت في طريقهم الى أوروبا لكي يؤمّنون حياتهم وعيشهم بكرامة.

هنا أود أن أتحدث عن مسألة تقديم رئيس جامعة جيهان الدكتور شيرزاد طالباني إستقالته من منصبه مؤخراً بسبب مطالبته من قِبل وزير التعليم العالي والبحث العلمي لإقليم جنوب كوردستان وأحد قادة الپيشمەرگە بالسماح لأحد الطلاب بإداء الإمتحانات رغم أنه مفصول من الجامعة بسبب غياباته، حيث أنه ترك دراسته وأصبح پيشمەرگە. كما أن هناك قرار في الإقليم بإضافة 3 درجات الى معدل درجات الطالبة أو الطالب الذي قدمت أسرته "شهيداً" أو أن أحد أفراد أسرته پيشمەرگە.  كيف يمكن بناء الإقليم عندما يتم الإستهتار بالعلم والمعرفة؟ الپيشمەرگە يستلم راتباً شهرياً واحداً كل ثلاث أشهر وعائلته تعاني من الفقر والجوع والمرض، بينما بإسمه يتم إنتهاك وتدمير العلم والمعرفة! لا يمكن تسييس العلم بأي شكل من الأشكال. هذا مثال بسيط على الجهل واللامسئولية اللذان يُخيّمان على القائمين بإدارة الإقليم.             

في شمال كوردستان، كان حزب العمال الكوردستاني يناضل من أجل إستقلال   كوردستان، إلا أنه تخلى عنه في السنين الأخيرة وأخذ  ينادي ب"الأمة  الديمقراطية"   التي هي سابقة لأوانه ولا يمكن نجاحها حتى على المدى البعيد بسبب تخلف مجتمعات الشرق الأوسط والتراكمات الثقافية والتاريخية فيها. هذا التغيّر في شعار الحزب يُسبب ضرراً كبيراً للحركة التحررية الكوردستانية ونأمل أن تُعيد قيادة وكوادر وأعضاء الحزب النظر في هذه المسألة الهامة. كما أن النضال الكوردستاني في هذا الإقليم يحتاج الى تعبئة الجماهير بشكل أكبر ونقل الحرب الى المدن التركية الكبرى، حيث يعيش أكثر من 4 ملايين كوردي في مدينة إسطنبول لوحدها وعدم الإكتفاء بِجعل شمال كوردستان لوحده مكاناً للنشاطات الكوردستانية وساحةً للحرب والمعارك والقتل والخراب والدمار.

في غرب كوردستان، يواجه السكان حرباً ضروسة ضد إرهابيي داعش ويتعرضون للمؤامرات التركية التي تهدف الى حرمان الكوردستانيين في هذا الإقليم من حقهم في تقرير مصيرهم. الإقليم بحاجة الى توحيد كافة القوى الكوردستانية فيه لمواجهة الأخطار الجسيمة التي يتعرض لها. كما أنه بسبب ضراوة الحرب وقسوتها، فأن الكثير من كورد الإقليم بدأوا يهجرونه وهذه الهجرة تُعرّض الأمن الوطني الكوردستاني في الإقليم للخطر، حيث أنها تؤدي الى إنخفاض نفوس الكورد وقد يصبحون أقلية فيه. لابد من معالجة هذا الأمر قدر الإمكان، وخاصة بعد أن قررت  الدول الأوروبية قبول الملايين من السوريين، فأنه من المتوقع جداً أن تزداد بشكل كبير أعداد الكورد الذين يهجرون الإقليم ولابد من مواجهة هذا الخطر.

الأحزاب الكوردستانية في إقليم شرق كوردستان، أيضاً مشتتة والى حد ما خاملة، بينما تستطيع هذه الأحزاب إنتهاز الفرصة من التهديد الذي تُشكّله إيران للمصالح الغربية في المنطقة بتوحيد قواها وإثبات وجودها لتكون مؤهلة للتحالف مع الغرب والحصول على المساعدات والدعم منه لتحقيق الأهداف الكوردستانية.



106

القضية الكوردستانية في ظل الظروف الإقليمية

د. مهدي كاكه يي

من البديهي أن جميع الدول المُغتصِبة لكوردستان لا تعترف بِحق شعب كوردستان في التحرر والإستقلال، بل يكاد جميعها لا تعترف بِكون الكوردستانيين شعب يعيش على أرضه التاريخية، له هوية وثقافة خاصة، وإنما تعتبرهم مهاجرين، كما هو الحال في سوريا، أو هم أجزاء من الشعب التركي والإيراني والعراقي في تركيا وإيران والعراق على التوالي. الدول الإقليمية الأخرى في منطقة الشرق الأوسط تقف أيضاً بشكلٍ عام ضد حق شعب كوردستان في التحرر وإستقلال بلاده، إلا أن مواقف هذه الدول أقل شدةً بكثير من مواقف الدول المُغتصِبة لكوردستان، حيث أن إستقلال كوردستان لا يهدد أمنها القومي بشكلٍ مباشر، كما هي الحالة بالنسبة للدول المُغتصِبة. تُستثنى دولة إسرائيل من هذه الدول، حيث أنها الدولة الوحيدة التي تؤيد بشكلٍ علني حق شعب كوردستان في تحرير بلاده وتأسيس دولة مستقلة.

صحيحٌ أن جميع الدول المُغتصِبة لكوردستان تحاول بكلّ ما بِوسعها منع تحرر كوردستان، بل تحاول هذه الدول جاهِدةً من أجل القضاء على الوجود الكوردستاني من خلال الإبادات الجماعية والتهجير والتعريب والتتريك والتفريس وإلغاء الهوية والثقافة واللغة الكوردية وتشويه وتحوير وحجب وإنكار وسرقة التاريخ والتراث الكوردي، إلا أن تحقيق هدفها في صهر الأمة الكوردية والقضاء على هويتها باء بالفشل نتيجة النضال الكوردستاني المتواصل والتضحيات العظيمة التي قدمها شعب كوردستان في سبيل الإحتفاظ بِهويته وتراثه و من أجل حريته وإستقلال بلاده. كما أنّ مدى قُدرة الدول المُغتصِبة لكوردستان على عرقلة تحرر كوردستان، يعتمد على مكامن قوة وضعف هذه الدول والمقاومة التي تتلقاها من الشعب الكوردستاني، بالإضافة الى العوامل الدولية، حيث أن منطقة الشرق الأوسط هي منطقة إستراتيجية وهي مصدر مُهم للطاقة وأنها تُشكّل سوقاً كبيرة رائجة لمنتوجات الدول الصناعية ولذلك فأنّ أي تطور وتغيير سياسي وإقتصادي وعسكري في المنطقة، يؤثر على مصالح الدول الكبرى ولهذا السبب فأنّ هذه الدول معنية بالقضية الكوردستانية التي تُشكّل إحدى القضايا الهامة في المنطقة الى جانب القضايا الأخرى. كما أنّ المحاولات القائمة لِحُرمان الشعب الكوردستاني من حقه في الحرية والإستقلال من قِبل كل دولة مُغتصِبة لكوردستان، تُجابَه بالرفض من قِبل الدول المُغتصِبة الأخرى والدول الأخرى في المنطقة في حالة تسّبب هذه المحاولات في الإختلال بتوازن القوى لِصالح هذه الدولة المُغتصِبة، حيث أن دول المنطقة في تنافس على الثروة والنفوذ والحفاظ على مصالحها وأمنها القومي.

تحلم تركيا بِحُرمان شعب كوردستان من حقه في تقرير المصير، بل تذهب بعيدةً، فتحلم بإحياء أمجاد الإمبراطورية العثمانية، حيث أنها تطمح الى تحقيق أهداف تفوق قدرتها وإمكانياتها. الإنتفاضة الكوردستانية القائمة في شمال كوردستان وعدم الإستقرار السياسي في تركيا والإقتصاد التركي الضعيف في عالمٍ يعاني من الركود الإقتصادي وتضارب المصالح الإسرائيلية والغربية مع المصالح التركية فيما يخص القضية الكوردستانية و الصراع على النفوذ في سوريا بين تركيا وإيران، حيث تساند إيران النظام السوري، بينما تدعم تركيا القوى الإرهابية الإسلامية وتقف ضد كل من الشعب الكوردستاني في الإقليم الغربي والنظام السوري، كلها يجعل من المستبعد أن تستطيع تركيا القيام بغزو عسكري لإقليم غرب كوردستان، إلا أنها ستستمر في دعم إرهابيي داعش والنصرة والأطراف العربية العنصرية وحثها لمحاربة القوات الكوردستانية في هذا الإقليم. كما تحاول تركيا خلق حرب كوردستانية داخلية بين الأطراف السياسية فيه لإضعاف القوات الكوردستانية وتمكين القوات الإسلامية الإرهابية والعربية السورية العنصرية وكذلك التركمان بالإستيلاء على الإقليم وإنهاء السلطة الكوردستانية فيه. كما تقوم تركيا والدول الأخرى التي تغتصب كوردستان في تشجيع هجرة الشباب الكوردستاني من الإقليم الى الدول الأخرى، وخاصةً الى الدول الأوروبية لتقليل نفوس الكورد فيه وإضعاف الإقليم، حيث أن الشباب هم مصدر قوة الإقليم عسكرياً وإقتصادياً وذلك ليصبح الكورد أقلية في وطنهم والقضاء على الطموح الكوردستاني في التحرر.

قد تدعم إيران السلطة الكوردستانية في غرب كوردستان لتحجيم زيادة النفوذ التركي في كل من سوريا ومنطقة الشرق الأوسط والتصدي للقوى الإرهابية والعربية السورية المناهضة للنظام السوري للحفاظ على إستمرار هذا النظام الحليف لها، إلا أن هذا الدعم يكون محدوداً، بحيث لا يقود الى إستقلال الإقليم أو تقويته التي يُشكّل تهديداً لنظام بشار الأسد.

النظام السوري يعاني من الحرب الأهلية المندلعة في سوريا، حيث تُشكّل القوى الإسلامية الإرهابية والمعارضة العربية السورية التهديد الرئيس له، لذلك فأن أولوية النظام هي محاربة هذه الأطراف وأن تجعل الطرف الكوردستاني محايداً في هذه الحرب أو طرفاً ضد القوى المُناهضة له، لتخفيف الضغط العسكري عليه. إذا قُدّر للنظام أن يعيش بعد إنتهاء الحرب الأهلية وإستعادة قوته وهذا مُستبعَد، فأنه سينفرد بالكوردستانيين ويحاول القضاء على سلطتهم ووضعهم تحت الحكم السوري من جديد. في حالة تسلّم الحكم في سوريا من قِبل الإسلاميين والعروبيين، فأن موقفهم من القضية الكوردستانية سيكون أسوء بكثير من موقف النظام السوري.

إسرائيل هي الحليفة الطبيعية لشعب كوردستان بسبب تلاقي مصالح الجانبَين، حيث أن الدول المُغتصِبة لكوردستان هي دول مُناهضة لإسرائيل وأن بِتحالف الشعبَين الكوردستاني والإسرائيلي وعند إستقلال كوردستان، سيتغير ميزان القوى في المنطقة وستكون دولتا إسرائيل وكوردستان نواةً لنظام ديمقراطي وبداية  النهاية لثقافة العنف والإرهاب والكراهية في منطقة الشرق الأوسط. كما أنه بِتحرير المناطق الكوردستانية في غرب كوردستان والممتدة الى البحر الأبيض المتوسط، تصبح كوردستان وإسرائيل جارتَين عن طريق البحر وبذلك يتخلص شعب كوردستان من الحصار المفروض عليه من قِبل مُغتصِبي كوردستان ويصبح لها منفذاً بحرياً يربطها بالعالم الخارجي. عليه فأن من المصلحة الوطنية الكوردستانية أن تتحالف القيادات السياسية في غرب كوردستان مع إسرائيل لصيانة المصالح المشتركة بين الشعبَين وأنّه بإستطاعة إسرائيل المساهمة في الحفاظ على المنفذ البحري الكوردستاني في البداية الى أن يصبح إقليم غرب كوردستان قادراً على حمايته. كما ينبغي الإشارة الى النفوذ ألإسرائيلي الكبير في الدول الغربية، وخاصةً في الولايات المتحدة الأمريكية ويمكن الإستفادة من هذا النفوذ لِكسب الدول الغربية في دعم إستقلال كوردستان.

بالنسبة الى الدول الإقليمية الأخرى، مثل السعودية والأردن ومصر، فأن هذه الدول تقف مبدئياً ضد إستقلال كوردستان من مُنطلق عروبي بأن إستقلال كوردستان يعني "تقسيم" كل من سوريا والعراق اللتين تحت الحكم العربي، إلا أن هذه المسألة لا تأتي ضمن أولويات هذه الدول، حيث أن هذه الدول تواجه تحديات الإرهاب والمشاكل الداخلية والتهديد الإيراني. 


107
الغرب و القضية الكوردستانية


د. مهدي كاكه يي


إنّ إستقلال كوردستان يخدم المصالح الغربية لأسباب عديدة، منها الإنفتاح الإجتماعي الذي يتميز به شعب كوردستان وسرعة تقبُّله لمفاهيم وقيم جديدة وبُعد الغالبية المسلمة منه عن التزمّت والتشدد الديني، بالإضافة الى الموقع الإستراتيجي المهم لِكوردستان، حيث تربط القارتَين، آسيا وأفريقيا مع البعض وتطلّ على كلٍ من البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود والخليج الفارسي وتقع في قلب المنطقة التي تطفو على أكبر إحتياطي البترول في العالم، ووقوع منابع نهرَي دجلة والفرات فيها وما يزخر بها أرضها من ثروات طبيعية ضخمة ومواقع أثرية كثيرة.

كما أن  التزمّت والتشدد والعنف الديني لغالبية العرب والأتراك المسلمين في منطقة الشرق الأوسط، يحجب أي أملِ في مساهمة هذه الشعوب في مواكبة التقدم والتحضّر الإنساني وخلق أنظمة ديمقراطية، تحترم حرية وحقوق الإنسان وتعمل من أجل رفاهيته وتساهم في رفد البشرية بعلومها وإبتكاراتها وإكتشافاتها.

للأسباب المذكورة أعلاه، يُنتظر أن يلعب شعب كوردستان، الى جانب الشعب الإسرائيلي دوراً إقليمياً محورياً في المشروع الغربي لِدمقرطة المنطقة و إلغاء إتفاقية سايكس – بيكو الإستعمارية وإعادة رسم الخارطة السياسية لمنطقة الشرق الأوسط الكبير والتي سيكون لِدولة كوردستان موقع متميّز فيها.   

من الدلائل التي تُشير الى أن القضية الكوردستانية تحظى بأهمية كبيرة في الإستراتيجية الغربية الشرق أوسطية، هي الرعاية الكبيرة التي يحظى بها إقليم جنوب كوردستان من قِبل الدول الغربية و في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية، حيث تعمل فية شركات غربية عملاقة وتمّ السماح له بِوضعِ منطقة كركوك التي تحتوي بواطنها على إحتياطي ضخم من البترول، تحت حُكم الإقليم وتصدير النفط الكوردستاني الى الأسواق العالمية مباشرةً وبشكل مستقل، بدون إشراف الحكومة العراقية. كما أن الدعم الغربي للقوات الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان، وخاصةً في حربها ضد إرهابيي داعش ومنع التدخل العسكري التركي في شؤون الإقليم وإحتجاجات الحكومات الغربية ضد الحرب التي أعلنتها تركيا ضد السكان الكوردستانيين في إقليم الشمال ومطالبتها بالعودة الى إجراء المفاوضات بين الجانبَين، هو إشارة هامة أخرى الى المكانة المرموقة التي يحظى بها شعب كوردستان في مشروع الشرق الأوسط الكبير لِرسم الخارطة السياسية للمنطقة بشكلٍ عادل، يتم فيها إحترام إرادات شعوب وقوميات وأديان وطوائف المنطقة والتي من خلالها تسود الحرية والديمقراطية والسلام والبناء والتقدم في المنطقة.

من جهةٍ أخرى، فأنه بِفضل العولمة وثورة المعلومات والإتصالات ووجود جاليات كوردستانية كبيرة في الخارج، وخاصةً  في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا ومن خلال البسالة والشجاعة التي أبدتها وتُبديها قوات الپيشمرگه والگريلا وخاصةً البطولات والملاحم التي سجلتها المرأة الكوردستانية في إقليم غرب كوردستان في تصديها للهجمات الوحشية لِإرهابيي داعش والتي أصبحت مثار إعجاب العالم، أصبحت القضية الكوردستانية معروفة لِشعوب العالم وأن الرأي الشعبي العالمي ومنظمات المجتمع المدني تُناصر وتدعم شعب كوردستان في نضاله من أجل تحرره وإستقلال بلاده وتقوم بالضغط على الحكومات في مختلف دول العالم لتقوم بِدعم ومساعدة شعب كوردستان في تحقيق أهدافه. هذا عامل إيجابي جديد يحظى به شعب كوردستان والذي كان يفتقده في الماضي القريب.

كما أن العلاقات الكوردستانية مع حكومات العالم، وخاصةً حكومات الدول الغربية، قد تطورت بشكل كبير جداً، حيث أن ممثلو التنظيمات السياسية الكوردستانية في السابق كانوا لا يحظون بمقابلة موظف صغير في وزارة خارجية دولة غربية لإيصال صوت الشعب الكوردستاني ومعاناته الى حكومات هذه الدول، بينما الآن يقابلون رؤساء دول ورؤساء حكومات الدول الغربية و في إقليم جنوب كوردستان، تم فتح عشرات القنصليات العائدة لمختلف دول العالم وتعمل فيه آلاف الشركات الأجنبية. هذه تطورات دولية إيجابية تجاه شعب كوردستان والتي تخدم نضاله من أجل الحرية والإستقلال.

إنه فرصة تاريخية نادرة لشعب كوردستان في إنتهاز الموقف الغربي الإيجابي من حق شعب كوردستان في حق تقرير المصير على المدى المنظور أو البعيد، ضمن إستراتيجية مشروع الشرق الأوسط الكبير، وذلك بِتطوير الظروف الذاتية الكوردستانية لِتواكب العامل الدولي الإيجابي وتتفاعل معه من خلال توحيد صفوف شعب كوردستان ووضع إستراتيجية تحررية صائبة  وآليات مناسبة لها.

بالنسبة الى إقليم غرب كوردستان، على القوى الكوردستانية في الإقليم تمتين أواصر علاقاتها مع الدول الغربية بشكل عام ومع الولايات المتحدة بشكل خاص والتي هي القوة المهيمنة على العالم في الوقت الحاضر والتحالف معها ليصبح الشعب الكوردستاني طرفاً مُهماً في إعادة رسم الخارطة السياسية للمنطقة وأن يحتل مكانةً مرموقة في المنطقة، توازي أدواره التاريخية في رفد الحضارة البشرية بِعلومه وإبتكاراته وإكتشافاته. 




108
ترسيخ إحتلال كوردستان من قِبل الأحزاب الكوردية المحلية

د. مهدي كاكه يي


إن رفع شعار "اللامركزية" أو "الحكم الذاتي" أو "الفيدرالية" أو "الإدارة الذاتية" هو قبول صريح وواضح بإحتلال كوردستان وتجزئته وهذا القبول هو خيانة عظمى بِحق شعب كوردستان. هنا لا يتم الإنطلاق من فكر شمولي إرهابي للمطالبة بإنزال العِقاب بِحق القيادات التي ترتكب الخيانة العظمى بِحق شعب كوردستان من خلال إعترافها بأن كوردستان هي أجزاء من الدول المُغتصِبة لها و جعل المسألة الكوردستانية عبارة عن مسألة داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان، بل أنه من المفروض أن تهتم التنظيمات السياسية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان"، بالمسائل السورية و الإيرانية و التركية و العراقية، بحيث يشمل نطاق عملها كل مكونات الدولة المُغتصِبة لكوردستان، التي تعمل فيها تلك التنظيمات كتنظيمات محلية في تلك الكيانات السياسية التي تغتصب كوردستان وأن تشمل برامج هذه الأحزاب أهدافاً تعني بشئون الدولة التي تعمل فيها، مع التركيز على الحقوق الكوردية والعمل على تحقيقها مثل الحكم الذاتي أو الإدارة الذاتية و غيرهما.

نقطة مهمة أخرى تجدر الإشارة اليها وهي بما أن الأحزاب الكوردية التي لا ترفع شعار "إستقلال كوردستان" هي أحزاب محلية في الدول المُغتصِبة لكوردستان، تابعة لهذه الدول، فأنّ هذه الأحزاب ضمنياً تعتبر (الكورد) قومية وليسوا شعباً، لأن الشعب له وطن يعيش فيه و له الحق أن يؤسس دولة مستقلة خاصة به، بينما هذه الأحزاب، من خلال عدم نضالها  في سبيل تحقيق إستقلال كوردستان، فأنها تعتبر كوردستان أجزاءً من الدول المُغتصِبة لكوردستان وتعمل ضمنياً على ترسيخ إحتلال كوردستان وتجزئتها. هذا يعني أيضاً بأن هذه الأحزاب هي أحزاب كوردية و ليست كوردستانية، حيث أنها تُمثّل (القومية الكوردية) والقوميات الأخرى المكوّنة للشعوب المُغتصِبة لكوردستان و لا تُمثّل (شعب كوردستان)، بمختلف مكوناتها، الذي يعيش على أرض كوردستان. هذه الأحزاب تحمل الفكر القومي و نشاطاتها تُجرى ضمن حدود الدول المُغتصِبة لِكوردستان.

بما أن هذه الأحزاب الكوردية يقتصر عملها ضمن الدول المُغتصِبة لكوردستان، فأنها تُشتّت النضال الكوردستاني، حيث تفصل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها وتقزم القضية الكوردستانية وتجعلها "قضايا" داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تجعل نضال كل إقليم بِمعزل عن نضال الأقاليم الأخرى. بِكلام آخر أن هذه الأحزاب تُشتّت النضال الكوردستاني وتمنعه أن يكون نضالاً كوردستانياً شاملاً، يشمل كافة الأقاليم الكوردستانية، بحيث يكون النضال الكوردستاني موحّداً، ذو إستراتيجية موحدة و يهدف الى تحرير شعب كوردستان و إستقلال كوردستان.

قد يقول قائل، بأن هناك شعوباً تعيش ضمن كيانٍ سياسي واحد فلماذا يتم إستثناء شعب كوردستان من العيش مع شعوب أخرى ضمن كياناتٍ سياسية؟ للإجابة على هذا السؤال نقول: 1. الشعوب العائشة ضمن كيان سياسي واحد قد تشترك في العيش معاً بمحض إرادتها أو بالقوة، بينما كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول و يعاني شعب كوردستان من التعريب و التفريس و التتريك و العبودية و يتم إبادته و نهب ثروات بلاده. 2. لا تنحصر المسألة الكوردستانية في كيان سياسي واحد، حيث أن كوردستان مُغتصَبة من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن جمع شعب كوردستان ضمن إحدى الكيانات التي تغتصب كوردستان. 3. كلما تطول تجزأة كوردستان و عزلة الأقاليم الكوردستانية عن بعضها، كلما تزداد خطورة التباعد الثقافي واللهجوي بين الكوردستانيين. 4. لا يمكن نجاح العيش المشترك بين شعوب متخلفة ضمن كيان سياسي واحد، حيث أنه من الصعوبة للشعوب المتحضرة أن تعيش ضمن كيانات سياسية موحدة، كما في حالة شعوب بلجيكا و كندا و إسبانيا والمملكة المتحدة و غيرها، فكيف يكون الأمر بالنسبة لشعوب متأخرة كالشعب الكوردستاني و التركي و العربي؟ ه. بعد إستقلال كوردستان و تقدم وتحضّر شعوب منطقة الشرق الأوسط، قد تتطلب المصالح الإقتصادية و الأمنية لهذه الدول تأسيس كيان كونفيدرالي بينها.

مما تقدم، فأن التنظيمات الكوردستانية التي تعتبر شعب كوردستان شعباً واحداً و مُستعمَراً و أن كوردستان هي بلاد مُغتصَبة يجب تحريرها، هي المؤهلة للنضال و قيادة شعب كوردستان نحو الحرية و الإستقلال، حيث أنها تنظيمات وطنية كوردستانية، تؤمن بالنضال الكوردستاني الموحّد في كافة أرجاء كوردستان. هذه الأحزاب الوطنية الكوردستانية العصرية المؤمنة بِوحدة الهدف و النضال والمصير الكوردستاني والحاملة للفكر الديمقراطي، هي التي ستحرر شعب كوردستان و وطنه من براثن الإحتلال والإستيطان، بينما الأحزاب "الكوردية" المحلية التي هي أحزاب سورية و تركية و إيرانية و عراقية، فأنها تعيش خارج العصر و ستنهار و تختفي لأنها قاصرة عن تحقيق أهداف شعب كوردستان في الحرية و الإستقلال والديمقراطية و التقدم و الرفاهية.

عليه، يجب تعرية الأحزاب الكوردية المحلية الكلاسيكية "العجوز" و التي تجعل القضية الكوردستانية قضية داخلية للدول المُغتصِبة لكوردستان و تعمل على تشتيت النضال الكوردستاني و تجعله نضال قوميةٍ، تعيش على أرضٍ سورية و تركية و إيرانية و عراقية، بدلاً من نضال شعب مُستعمَر، وطنه مُغتصَب، الذي يكافح في سبيل تحرير نفسه و وطنه. بالإضافة الى محليّة هذه الأحزاب الكوردية، فأن هذه الأحزاب هي أحزاب متخلفة تعيش خارج الزمن، ترتكز على الفردية و العشائرية و المناطقية و يسودها الفساد والمحسوبية، و تستخدم وسائل "نضالٍ" بالية، عفا عنها الزمن. 


109
آذربايجان: تسميتها وإحتلالها وتتريك سكانها
 
د. مهدي كاكه يي

يُرجع بعض الباحثين أصل إسم (آذربايجان) إلى الديانة الزرشتية. في الكتاب الزردشتي، آڤيستا، تحتوي (فراواردين يشت) التي تعني "ترنيمة إلى الملائكة الحامية"، على الجملة "أتريباتاه فرافاشيم أتريباتاه يازامايدي أشاونو"، والتي تعني "نعبد فرافاشي من أتاري-باتا المقدسة" (مصدر a). الإسم "أتروپات" هو الترجمة الحرفية اليونانية لِلعبارة الميدية "محمية بالنار المقدسة".

يُرجع البعض الأخر تسمية (آذربايجان) إلى إسم الملك الميدي (آتَرپاس) والذي يذكره اليونانيون بإسم (آتَروپاتيس) (مصدر b، c). بعد أن ضم الأسكندر المقدوني منطقة آذربايجان إلى إمبراطوريته، عيّن الأمير الميدي (آتَروپاتيس) حاكماً على المنطقة، فسُميّت المنطقة بإسم هذا الأمير الميدي الذي إستقلّ فيما بعد وأصبح ملِكاً (مصدر d، e، f، g، h، i، j).

المؤرخ والجغرافي والفيلسوف اليوناني (سترابو) الذي قام بِزيارة المنطقة في القرن الأول الميلادي، يذكر بأنه عندما أراد الأسكندر المقدوني محاربة الفرس، أصبح أحد الملوك الميديين والذي كان إسمه (آتَرپاس) ويُسمّيه اليونانيون بإسم (آتَروپاتيس)، حليفاً للأسكندر المقدوني (مصدر k). بعد القضاء على الدولة الفارسية في سنة 330 قبل الميلاد من قِبل الأسكندر المقدوني، تم إعطاء منطقة آذربايجان، التي كانت جزءاً من بلاد ميديا، الى الملك الميدي (آتَرپاس) لِيكون حاكماً عليها. لِتقوية الحلف الذي كان قائماً بين الأسكندر المقدوني و الملك الميدي (آتَرپاس)، تم تزويج إحدى بنات (آتَرپاس) من أحد قَواد جيش الأسكندر المقدوني. بالرغم من أنه في البداية كانت المنطقة التي كان يحكمها الملك الميدي (آتَرپاس) مرتبطة بالحكم اليوناني، إلا أنه بعد إنقضاء فترة قليلة، أعلن (آتَرپاس) إستقلال منطقته وعدم خضوعها للسلطة اليونانية و نصّب نفسه ملِكاً على منطقته.

تمت قِراءة إسم هذا الملك من قِبل الميديين ك(آترپات) والذي يصبح في اللغة الكوردية الحالية (آتَرپاس أو آگرپاس) والتي تعني (حماية النار). كلمة (آتَر أو آگر) التي تعني بالكوردية (نار) هي نفسها باللغة الميدية، وكان الميديون يكتبونها (آتر).

هكذا فأن معظم الباحثين يرون أن إسم (آذربايجان) متأتٍ من إسم الملك الميدي (آتَرپاس)، حيث كان اليونانيون يطلقون على (آذربايجان) الحالية إسم (آتروپاتیان). لهذا السبب فأن هذا الإسم اليوناني لآذربايجان ينتهي بِ (يان) التي تعني باللغتَين الهورية والكوردية (بلاد أو منطقة) وهكذا يعني (آتروپاتیان) (بلاد آتروپات)، أي بلاد الملك الميدي (آتَرپاس) الذي كان اليونانيون يُسمّونه (آتَروپاتيس). الإسم اليوناني لآذربايجان الذي هو (آتروپاتیان) يتألف من ثلاث كلمات كوردية، وهي (آدر أو آتَر) التي تعني (نار) وكلمة (پاس) التي تعني (حماية) والكلمة الثالثة (يان) التي تعني (بلاد) وبذلك فأن الإسم (آتروپاتیان) يعني (بلاد حماية النار). لقد تمّ تحوير إسم (آتروپاتیان) الى (آذربايجان) من قِبل الفرس والعرب وبذلك إختفى الإسم الكوردي لها.

هكذا فأن بلاد (آذربايجان) التي تمّت تسميتها بإسم ملِك كوردي، يُنظَر الى الكورد فيها كغرباء وأجانب بسبب تتريك سكانها الكورد الأصلاء والإحتلال الإستيطاني التركي الذي تعرضت له أذربايجان في فترات تاريخية مختلفة والتي يتم التطرق إليه أدناه.

قبل إحتلال المنطقة من قِبل المغول والتتار، كان سكان آذربايجان كورداً، حيث كانت جزءاً من بلاد ميديا. خلال حملات جنگيز خان المغولي وهولاكو التتاري و خلال الحُكم الصفوي، إستوطن التركمان في آذربايجان و تدريجياً إضطر سكانها الأصليون الكورد أن يهجروا لغتهم الأم الكوردية و يتخذون اللغة التركية لغة لهم. لا تزال آثار اللغة الكوردية باقية بوضوح في اللغة الآذرية، حيث تحتوي على الكثير من المفردات الكوردية.

يشير الپروفيسور (پيتر گولدن Peter Golden) بأن تتريك آذربايجان تمّ خلال ثلاث مراحل (مصدر l): 1. إستيطان السلاجقة و الأوغوز في مناطق آذربايجان و حرّان و أناضول. 2. خلال حملات المغول على المنطقة، حيث كانت غالبية جنودهم تتألف من قبائل تركية. 3. في زمن الدولة الصفوية، هاجر الكثير من قبائل أوغوز و التركمان و قزلباش من الأناضول إلى إيران وإستقرت هناك.

فيما يتعلق بِتغيير لغة سكان آذربايجان، يذكر المستشرق الروسي البروفيسور (فلاديمير مينورسكي Vladimir Minorsky) بأنه في القرن السادس الهجري، في ظل حكم السلجوقيين، قام  الأوغوز تدريجياً بِإحتلال كامل التراب الآذربايجاني. أجبر هذا الإحتلال سكان آذربايجان على تغيير لغتهم إلى اللغة التركية (مصدر m) . قبل هذا الإحتلال كان سكان آذربايجان و سكان أطراف القفقاز يتكلمون اللغة "الإيرانية".

يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد في صفحة 55 من كتابه المعنون (لقاء الاسلاف) بأنه بدأ تتريك سكان (الران) تدريجياً منذ عهد السلاجقة (مصدر 1). يضيف الدكتور جمال رشيد أحمد بأن سكان كل من أذربايجان و شيروان و دربند مروا أيضاً بِعملية التتريك منذ ظهور الحكم السلجوقي.

يذكر الدكتور جمال نبز بأنه بعد حملات جنگيز خان المغولي (1203-1226) م و هولاكو التتاري (1217-1265) م، الذي قضى على الخلافة الإسلامية و تسبّب في جريان أنهار من الدماء في كوردستان و بغداد و إيران، بدأ التركمان بالإستيطان في بعض مناطق أذربايجان الكوردية و أخذوا يعملون على تتريكها (مصدر 2) .

يذكر المستشرق الألماني (برتلد سپولر Bertold Spuler) (1911-1990) بأن إحتلال الأتراك لِمنطقة آذربايجان أدى الى ترك سكان المنطقة الذين كانوا آريين، لغتهم بمرور الزمن و جعل اللغة التركية لغة لهم(مصدر n). هذا يعني بأن الكورد هم أصل الآذريين وأنه لا تزال هناك مفردات كوردية كثيرة باقية في لغتهم، حيث كانت اللغة الكوردية هي اللغة الأصلية للآذريين.

المصادر

1. الدكتور جمال رشيد أحمد (1994). لقاء الاسلاف: الكرد واللان فى بلاد الباب وشروان. الناشر رياض اليس للكتب.

2. الدكتور جمال نبز (1994). المستضعفون الكورد وإخوانهم المسلمون. صفحة 109.


المراجع
a.  "Frawardin Yasht" (Hymn to the Guardian Angels) – translated by James Darmesteter (From Sacred Books of the East, American Edition, 1898.

b. Minorsky, V.; Minorsky, V. (2007). "Ādharbaydjān (Azarbāydjān)." Encyclopaedia of Islam. Edited by: P.Bearman, Th. Bianquis, C.E. Bosworth, E. van Donzel and W.P. Heinrichs. Brill, Brill Online. EncIslam.brill.nl.

c. Encyclopedia Iranica, "Azerbaijan: Pre-Islamic History", K. Shippmann.

d. Miniature Empires (2000). A Historical Dictionary of the Newly Independent States by James Minahan, page 20.

e. Lendering، Jona. "”Atropates (Biography)”. Livius.org. Archived from the original on 15 December 2007. Retrieved 2007-12-10.

f. Chamoux, Francois.(2003) Hellenistic Civilization. Blackwell Publishing, page 26.

g. Bosworth, A.B., and Baynham, E.J.  (2002) Alexander the Great in Fact and Fiction. Oxford, page 92.

h. Schippmann, K. (1989). "Azerbaijan III: Pre-Islamic History", Encyclopaedia Iranica 3.1, London: Routledge & Kegan Paul.

i. Chaumont , M. L. (1989). Encyclopaedia Iranica. London, Routledge & Kegan Paul.

j. Swietochowski, Tadeusz and Collins, Brian C (1999). Historical Dictionary of Azerbaijan by. The Scarecrow Press, Inc., Lanham, Maryland, ISBN 0-8108-3550-9. Retrieved 7 June 2006.

k. Strabo's Geography in three volumes as translated by H.C. Hamilton, ed. H.G. Bohn, 1854–1857.

l. Peter Golden (1992). An introduction to the history of the Turkic peoples: Ethnogenesis and state-formation in medieval and early modern Eurasia and the Middle East Wiesbaden: O. Harrassowitz. Page 386.

m. Minorsky, V., "Tat" in M. Th. Houtsma et al., eds., The Encyclopædia of Islam: A Dictionary of the Geography, Ethnography and Biography of the Muhammadan Peoples, 4 vols. and Suppl., Leiden: Late E.J. Brill and London: Luzac, 1913–38. Excerpt: Like most Persian dialects, “Tati is not very regular in its characteristic features".

n. Spuler, Bertold (1968). History of the Mongols based on eastern & western accounts of the Thirteenth & Fourteenth Centuries.

110
الدين الهَلاوي (العلوي) هو إمتداد للديانة اليَزدانية (المثرائية)

د. مهدي كاكه يي

قديماً، كان يُطلق على العلويين إسم (النصيرية) نسبة الى مُجدّد الدين العلوي، محمد بن نصير الذي عاش حوالي سنة 850 ميلادية. ولِد محمد بن نصير في البصرة وقضى معظم حياته في بغداد وكانت مدينة سامراء مركزاً لنشاطاته الدينية. يذكر البعض بأنه من أصل فارسي، إلا أن كوردية الديانة العلوية تٌرجّح كونه كوردياً، حيث أن الغالبية العظمى من المؤرخين العرب يُرجعون أصول الشخصيات الكوردية الى الفرس.

ظلت تسمية (النصيرية) تُطلق على العلويين الى أن تمّ إطلاق إسم (العلويون) عليهم من قِبل الأتراك في زمن الإمبراطورية العثمانية، حيث يذكر البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994"، بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية (هَلاڤ HALLAV) التي تعني بالكوردية (بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة) وكذلك (لظى النار) نفسها. الأتراك أخذوا هذه الكلمة الكوردية وأضافوها الى لغتهم وحوّروها الى (ALEV) والتي تعطي نفس المعنى. هكذا أطلق الأتراك في زمن الإمبرطورية العثمانية إسم (ALEVî) على هذا الدين والذي تمّ تحويره من قِبل العرب الى (علوي). كلمة (هَلاڤ) لها علاقة بالنار المقدسة في المثرائية المتجسدة في الديانة اليزدانية والتي الديانة العلوية هي من بقاياها. مما سبق نستنتج بأن إسم الدين العلوي هو إسم كوردي خالص وليس له أية علاقة بِعلي بن أبي طالب، بل مرتبط بالنار المقدسة عند اليزدانيين.

بسبب عدم تعمّق الكثير من الباحثين والمؤرخين في الأديان القديمة، فأن "دراساتهم" تكون سطحية، عاجزة عن الوصول الى الحقائق. على سبيل المثال، فأن الغالبية العظمى منهم يعتبرون (محمد بن نصير) هو مؤسس الدين أو "المذهب" العلوي، دون أن يدركوا بأن الدين العلوي، مثل سواه من الأديان الآرية القديمة، يتمّ تجديده بإستمرار وفي كل مرة يتقمص الإله في شخص ما ويقوم هذا الشخص بِتجديد الدين. في الدين العلوي، فأنّ (محمد بن نصير) إمتلك الذات الإلهية وقام بتجديد الدين العلوي وفقاً لظروف ذلك الزمن، بينما في الدين اليارساني قام (سان سهاك) بِآخر تجديد لهذا الدين.

إن جميع الكُتب والدراسات التي يدّعي فيها أصحابها بأن العلويين هم طائفة إسلامية، هي عبارة عن "دراسات" غير موضوعية ومنحازة. إنحياز وعدم تمسك القائمين بهذه الدراسات بالمهنية البحثية ناتج عن أربع أسباب رئيسة:

1. قسم من الدارسين لجذور المعتقد العلوي يميلون الى الفكر الإسلاموي ومنحازون الى هذا الفكر، لذلك يحاولون تزييف الحقائق وفرض الهوية الإسلامية على العلويين.

2. قسمٌ ثانٍ من الدارسين يحملون الفكر العروبي ويلجأون الى كل الطرق الملتوية ليُثبتوا إسلام العلويين، حيث أن الإسلام والعروبة وجهان لعُملة واحدة. كما أن الهوية الإيزدية تتعرض أيضاً للتزوير من قِبل الكُتّاب الإسلامويين والعروبيين ويحاولون بمختلف الوسائل أن يُرجعوا أصلهم الى  يزيد بن معاوية، أي بكلام آخر يحاولون أسلمتهم وتعريبهم.

لو ندرس تأريخ شعوب منطقة الشرق الأوسط الكبير لَنكتشف بأن الغالبية العظمى من  السوريين واللبنانيين وغيرهم من شعوب المنطقة، هم مستعربون وليسوا عرباً، حيث أنهم من أصول كلدانية وآشورية وسريانية وأرمنية وكوردية. السكان في مصر هم من الأقباط وسكان السودان نوبيون و سكان شمال أفريقيا هم أمازيغ، حيث فرض العروبيون إسم "المغرب العربي" على بلاد (ثامزغا).

3. القسم الثالث من الباحثين يقومون بدراسة مجاميع علوية في سوريا التي أسلمتْ و أصبحت مسلمة وإنسلخت عن العلويين. نتيجة الغزو الإسلامي العربي للمنطقة وكَون الإسلام ديناً شمولياً غير متسامح مع الأديان والمعتقدات الأخرى ووقوع المنطقة تحت حكم عربي إسلامي لأكثر من 1400 سنة، فأن أعداداً كبيرة من العلويين و غيرهم من أصحاب الديانات غير الإسلامية أُجبِروا على ترك دياناتهم القديمة وإعتناق الدين الإسلامي، أو إضطروا أن يعتنقوا الإسلام.

خلال وقوع أصحاب الديانات غير الإسلامية تحت الحكم العربي الإسلامي والممتدة لأكثر من 1400 سنة، فقدت الديانات القديمة في المنطقة الكثير من معالم هوياتها ومعتقداتها وطقوسها وأُدخلت إليها معتقدات وطقوس إسلامية لِتلافي القتل والسبي أو دفع الجزية والتخلص من الإرهاب والتهديدات والإهانات والضغوط المفروضة على معتنقي االديانات غير الإسلامية من جانب المسلمين. نرى في سوريا، على سبيل المثال،  بأن بشار الأسد العلوي يذهب للصلاة في أحد الجوامع خلال الأعياد الإسلامية. بشار الأسد ينتمي الى الشريحة العلوية المنسلخة عن العقيدة العلوية، حيث أن الدين العلوي لا يؤمن بالشهادة الإسلامية (أشهد ان لا إله الا الله محمد رسول الله) ولا يصوم العلويون شهر رمضان ولا يصلّون ولا يؤدون فريضة الحج في مكة ولا يقومون بدفع  الزكاة، أي أن الأركان الخمس للإسلام لا وجود لها في الدين العلوي، بل أن العلويين يقدمون النذور ويصومون لمدة ثلاث أيام في السنة في منتصف الشتاء الذي يُصادف ميلاد ميترا (ميثرا) وهذا أحد الأدلة على أن الدين العلوي هو إمتداد للديانة الآرية (المثرائية واليزدانية). كما أن إيمان العلويين بِتناسخ الأرواح هو إثبات جازم لإنتمائهم الى الأديان القديمة في منطقة غرب آسيا وهذا الإعتقاد نجده عند الهندوس والبوذيين والإيزديين والدروز واليارسانيين وغيرهم من أتباع الديانات القديمة في المنطقة. إذن دراسات هذه المجموعة من الباحثين هي عن "العلويين" الذين هجروا دينهم وإعتنقوا الإسلام، لذلك لا يمكن تصنيف هذه الدراسات ضمن الدراسات العلوية. من جهة أخرى نجد أن العلويين في شمال كوردستان و في تركيا لا يزالون يحتفظون بالكثير من معتقداتهم وطقوسهم الدينية.

4. المجموعة الرابعة تضم باحثين علويين، يدّعون في "دراساتهم" بأنهم مسلمون، كوسيلة لحماية العلويين من القتل والإضطهاد والتهديد والإرهاب والمضايقة أو أن هؤلاء من الشريحة العلوية المنفصمة عن العقيدة العلوية و الشاعرة بالدونية، ولذلك يحاولون بكل الوسائل أن يجعلوا من العلويين طائفة إسلامية.

الديانة العلوية هي من الأديان اليزدانية الآرية ولا تمتّ بأية صلة بالدين الإسلامي وأن إدخال بعض الرموز الإسلامية فيها هو للحفاظ على هذا الدين وعلى أرواح معتنقيها. هنا أذكر خمس أدلة على كون الدين العلوي هو من بقايا الديانة المثرائية:

1. معتنقو الديانة العلوية والدروزية يؤمنون بتناسخ الأرواح وهذا كفر في الدين الإسلامي. هكذا فأن العلويين والدروز يلتقون في هذا الإعتقاد مع بقية فروع الديانة المثرائية، كالديانة الإيزدية واليارسانية والهندوسية والبوذية والشبكية. الإيمان بتناسخ الأرواح دليل جازم بأن العلوية والدروزية هما من بقايا المثرائية ولا تربطهم أية صلة بالإسلام.

2. إسم الطبقة الدينية العليا للعلويين والدروز واليارسانيين والإيزديين هو (پیر PÎR) وهي كلمة كوردية خالصة والتي تعني (شيخ، عجوز، شخص كبير العمر) وهنا تعني (شخص محترم). هذا يشير بوضوح الى أن هذه الأديان لها أصل واحد وهو المثرائية وكذلك أن هذه الأديان بما فيها الديانة الدروزية والعلوية ذات أصل كوردي.

3. إسم المعبد في الديانة العلوية يُسمى (جَمَڤي CEMEVÎ) و في الديانة اليارسانية يُسمّى "جَمخانه CEMXANE" وكلاهما يعنيان (محل التجمّع)، حيث يتم الإجتماع في المعبد ويتم تقديم النذور وأداء الطقوس الدينية فيه. كلمة "جَم" هي كلمة كوردية قديمة وحتى أن عاصمة الإمبراطورية الميدية كان إسمها (جَمَزان) والتي تعني (ملتقى الطرق). هذا يعني كوردية أصل الدين العلوي. الكلمة العربية (جمع) و مشتقاتها مثل (جماعة، جمعة، تجمّع، جِماع، إجماع، ، إجتماع، جموع، مجموع... الخ) مأخوذة من الكلمة الكوردية "جَم".

4. يقوم العلويون بتقديم النذور بصورة مأكولات مطبوخة و فواكه في إجتماعات دينية خاصة، حيث يترأسها ال(پير) وبمشاركة مساعديه وآخرين وأداء مراسيم خاصة وقراءة أدعية دينية خاصة بهذه المناسبة. هذه الإجتماعات الدينية والمراسيم تتطابق مع ما لدى اليارسانيين (الكاكائيين).

5. موطن العلويين هي كوردستان، حيث يقطن معظمهم في المنطقة المحصورة بين سلسلة الجبال الممتدة من عكار جنوباً إلى جبال طوروس شمالاً، ويتوزع بعضهم في ريف حماة وحمص، ولواء اسكندرون وقيليقية. نرى أن أكثريتهم لا يزالون يعيشون في موطنهم الأصلي، كوردستان. ("عكار" هي إحدى المحافظات اللبنانية والتي تقع بِمحاذاة الحدود السورية الشمالية).

الديانة العلوية و الإيزدية و الدروزية و اليارسانية (الكاكائية) والشبك تكاد تكون ديانة واحدة، حيث أنها متشابهة في العقيدة و الشخصيات الدينية و الإيمان بتناسخ الأرواح و النظام الطبقي و الطقوس الدينية من صوم و تقديم النذور و التكايا و الإحتفاظ بالشارب و غيرها. لذلك فأن المصادر الرصينة تذكر بأن الديانة العلوية هي إحدى الديانات الكوردية القديمة. عند المقارنة بين العقيدة الإسلامية و العلوية، نرى أنّه ليس هناك أيّ رابط يربط  بين هذين الدينَين، حيث لا وجود للأركان الخمسة للدين الإسلامي عند العلويين. عليه فأن الدين العلوي هو دين كوردي قديم و أن قسماً من معتنقي هذا الدين من غير الكورد، هم كورد مستتركون أو مستعربون أو مستفرسون، بينما القسم الآخر ينتمون لقوميات أخرى، غير القومية الكوردية وقد إعتنقوا هذا الدين الكوردي و جعلوه ديناً لهم.

هكذا نرى أن الكثير من صفحات تاريخ منطقة الشرق الأوسط مكتوبة من قِبل الحُكّام وللحُكام ومن قِبل أناس عنصريين وطائفيين وشموليين ومنحازين. كما أن "دراسات" الكثير من الغربيين هي "دراسات" خاطئة أو محرّفة بسبب كون حكومات دول منطقة الشرق الأوسط هي مرجعيات ومصادر هذه الدراسات سواء بصورة مباشرة أو غير مباشرة وبسبب جهل هؤلاء المؤرخين للغات وثقافات وتراث وخلفيات شعوب المنطقة.

لذلك يجب إعادة النظر في تاريخ منطقة الشرق الأوسط في مختلف المجالات من خلال إجراء دراسات وأبحاث علمية رصينة، حيث أن العولمة وثورة المعلومات والتغيّرات السياسية الكبرى التي حصلت وتحصل في المنطقة، فتحت آفاقاً واسعة للإكتشافات الأثرية وتوفّر فرصاً ممتازة للمؤرخين والباحثين لإعادة النظر في تاريخ المنطقة خدمةً للحقيقة ولإنصاف الأمم والشعوب والقوميات والأديان والطوائف والشرائح الإجتماعية التي تعرض تاريخها للإلغاء أو التزوير والتحريف والتشويه وكشف التاريخ المزوّر والمُحرّف.

العولمة وثورة المعلومات وسرعة نقلها، تتيح للباحثين إكتشاف جوانب مجهولة من التاريخ وتصحيح الكثير من الجوانب التاريخية التي تم زيفها وتحريفها أو تم دراستها بشكل خاطئ أو ناقص. لذلك يجب العمل بكل حيادية وموضوعية وبِمهنية لتقديم أبحاث ودراسات علمية وأكاديمية للتوصل الى الحقائق التاريخية وإنقاذ تاريخ منطقة الشرق الأوسط من التزوير والتحريف والتشويه والبتر.

mahdi_kakei@hotmail.com


111
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (24) – أسلاف الكورد: الميديون

المملكة الميدية في عهد الملك فراورتيس

د. مهدي كاكه يي

بدأ (فراورتيس) حكمه بسياسة التهدئة مع المملكة الآشورية. هذه السياسة ساعدته في زيادة نفوذ الميديين في مناطق الشعوب الآرية، حيث إنضمت شعوب آرية أخرى الى الميديين، من ضمنهم كان الشعب الپارسي الذي تمّ إخضاعه للحكم الميدي، حيث قاد (فراورتيس) حملة عسكرية لإخضاع المملكة الپارسية ونجح في تحقيق ذلك. هكذا إستطاع هذا الملك الميدي أن يوحّد الميديين والفرس وبعض الممالك الصغيرة الأخرى. إنشغال الملك الآشوري (سرجون) بالقتال ضد (الأُورارتيين) و (المانيين) وشن حملات عسكرية مستمرة ضدهم، ساعد الملك (فراورتيس) في بسط حكمه في المنطقة، حيث مكّنت الميديين في التوسّع نحو الغرب وضم الشعوب المذكورة الى مملكتهم الفتية من خلال تلقّي المساعدة من (الكيمريين) وذلك في عام 670 قبل الميلاد. نجح الميديون أيضاً في إقامة جبهة ضد الآشوريين وذلك من خلال التحالف مع المانيين و الكيمريين.

بلغ الملك الميدي (فراورتيس) مكانة مرموقة في عصره، لدرجةٍ أنّ الملك الآشوري (أسرحدون) شرع يخطب ودّه والذي بدء يشعر بِقلق كبير من قيام الدولة الميدية والكيميرية والمانية التي كانت خاضعة لمملكته، بالهجوم على بلاد آشور وخاصةً العاصمة، نينوى. هذا القلق كان يشير الى وصول الدولة الآشورية الى حافة الضعف والإنهيارa.

هذه النجاحات التي أحرزها الميديون عززت قوتهم ودفعتهم الى الإمتناع عن دفع الجزية للآشوريين، التي كانوا مجبَرين على دفعها سنوياً منذ فترة زمنية طويلة و قاموا بتوسيع عملياتهم العسكرية وإقامة الإستعدادات لغزو مملكة آشور. هذه العلاقات المتشنجة بين الميديين والآشوريين سرعان ما قادت الى إندلاع الحرب بين الجانبَين وذلك في سنة 626 قبل الميلاد.

أعدّ الملك (فراورتيس) مع حلفائه المانيين و الإسكيثيين والقبائل الأخرى في كوردستان، جيشاً كبيراً وإتجهوا نحو العاصمة الآشورية، نينوى. عندما وصلوا إلى حدود مدينة نينوى، حاولوا مهاجمة المدينة، إلا أنهم عندما لاحظوا قوة الجيش الآشوري، تراجع حلفاء الميديين نحو الخلف وإنسحبت قواتهم قبل بدأ المعركة، وبقي الجيش الميدي وحيداً في ميدان المعركة، حيث أمر الملك الميدي (فراورتيس) جيشه بالتقدّم والهجوم على نينوى وهو يقودهم في الجبهة الأمامية، فقاموا بالهجوم وبدأت المعركة بين الطرفَين، حيث كان الملك (فراورتيس) أول من بدأ بتوجيه سهام رماحه نحو الجيش الآشوري وقتل أحد قادة الآشوريين. إلتقى الجيشان العظيمان وإنقضّ أحدهما على الاخر بالسيوف والرماح والفؤوس والدرق و سقطت أعداد كبيرة من الجانبَين في ساحة المعركة و فقدوا أرواحهم خلال هذه الحرب.

كاد النصر أن يكون حليف الميديين، لولا هجوم الإسكيثيين على الميديين من الخلف، حيث أن الإسكيثيين أنهوا تحالفهم مع الميديين وإنضموا الى الآشوريين نتيجة منحهم بعض الإمتيازات في المناطق الشمالية والشرقية من قِبل الآشوريينb. في هذه المعركة قُتِل الملك (فراورتيس) وخرج الجيش الآشوري منتصراً فيها.

بالإضافة الى نقض الإسكيثيين لحلفهم مع الميديين وإنضمامهم الى القوات الآشورية، فأنّ سياسة الملك الآشوري (أسرحدون) ودهائه وإمتلاك المملكة الآشورية للخبرات والمهارات العسكرية التي كانت قد إكتسبتها في ميادين القتال والحروب، كل هذه العوامل ساهمت في تمكين الدولة الاشورية التصدي للهجوم الميدي وإفشاله وتحقيق النصر على الملك الميدي (فراورتيس) وقتله.

إستغل الإسكيثيون الهجوم الميدي الفاشل على نينوى والذي تسبّب في إرباك الأوضاع الميدية الداخلية بعد مقتل الملك الميدي (فراورتيس)، فهاجموا بلاد ميديا وقاموا بإحتلالها، حيث بقيت ميديا تحت الإحتلال الإسكيثي لمدة 28 سنة، في الفترة الواقعة بين عامَي 653 و 625 قبل الميلاد1. بعد إحتلال ميديا، توجه الإسكيثيون الى الغرب وبمساعدة الكيميريين، نشروا الدمار والخراب في الأقاليم التابعة لآشور2. حكم (فراورتيس) 22 سنة. بعد موته، خلفه إبنه (كي أخسار Cyaxares "كَي خاسرَو").

المصادر

1. طه باقر وآخران (1980). تاريخ إيران القديم. بغداد، صفحة 39 - 40.

2. المصدر السابق، صفحة 40.

المراجع


a. Will Durant and  Ariel Durant (1993). The Story of Civilization. Book 1, part 2, page 204.
b. Hall, H. R. (1919). The Ancient History Near East. Fourth Edition, London, page 446.


112
اليارسانيون (الكاكائيون) و الحفاظ على هويتهم الدينية

د. مهدي كاكه يي


يستطيع اليارسانيون (كاكائيون) تعريف دينهم للآخرين والإعتراف به رسمياً من خلال القيام ببناء مقومات الهوية اليارسانية وعندئذ سيتعرف العالم على هذا الدين الكوردي الأصيل ويصبح كلام الكُتّاب من أمثال عباس العزاوي وغيره مجرد هُراء، لا قيمة له.

إضطراليارسانيون الى إدخال بعض الشخصيات الإسلامية مثل علي بن أبي طالب وأبنائه الى دينهم حفاظاً على حياتهم ودينهم وحتى أنهم تخلصاً من حد السيف، قاموا بممارسة طقوسهم الدينية بشكل سرّي وبمرور الزمن أصبحت السرّية والكتمان جزءً من هذا الدين وغالبية اليارسانيين يعتقدون اليوم بأن الحفاظ على سرّية دينهم هو واجب ديني ولا يعرفون بأن هذا الكُتمان هو ناتج عن المذابح والإضطهاد والإهانات التي تعرضوا لها بعد إحتلال كوردستان من قِبل القبائل البدوية القادمة من الجزيرة العربية وبعد أن تم إجبار أكثرية الكورد على إعتناق الدين الإسلامي.

اليارسانيون بحاجة الى ثورة دينية من خلال تنظيم أنفسهم وإعطاء هوية خاصة متميزة لدينهم. سأقوم قريباً بِتقديم أسس لهذه الثورة اليارسانية وأأمل أن يشارك الجميع في إغنائها ومن ثم العمل على تبنّيها في مؤتمر عام، يشارك فيه ممثلو اليارسانيين من مختلف أنحاء العالم.


بالنسبة لإنعقاد مؤتمر عام لليارسانيين، أقترح أن يتم في جنوب كوردستان، حيث في هذه الحالة يستطيع جميع المدعويين من المشاركة فيه، بينما إنعقاده مثلاً في دولة أوروبية، لا تستطيع أكثرية المدعويين المشاركة فيه بسبب صعوبة حصولهم على تأشيرة دخول (الڤیزا).

الدين المسيحي والإيزدي معترف بهما رسمياً في كل من جنوب كوردستان والعراق. في الآونة الأخيرة بدأ الكثيرون من الكورد بإعتناق الدين الزردشتي وقام الزردشتيون قبل أيام بتقديم طلب رسمي الى حكومة جنوب كوردستان للإعتراف بِدينهم رسمياً.

يجب أن يقرر اليارسانيون مصير دينهم ومعتقداتهم. الذين يعتقدون بأنهم مسلمون، بإمكانهم أن يصبحوا مسلمين. القسم الآخر من اليارسانيين الذين يعتبرون دينهم ديناً كوردياً، عليهم النضال والعمل على الحفاظ على دينهم وممارسة طقوسهم والإعتراف الرسمي بِدينهم وتقديم القرابين والتضحيات في سبيل هذا الدين.

لِيعلم أصحاب الأديان غير الإسلامية في منطقة الشرق الأوسط، بأنهم معرضون للقتل والسبي، سواء إدّعوا بأنهم مسلمون أو إحتفظوا بِدينهم. لذلك هناك طريقان إثنان أمام اليارسانيين: أما أن يعتنقوا الدين الإسلامي ويؤدون الفرائض الإسلامية من صلاة وصوم وزكاة وحج وشهادة وبذلك ينسلخون عن دينهم وعن ثقافتهم الكوردية وتراثهم الكوردي ويحافظون على حياتهم وأموالهم وممتلكاتهم، أو أن يحتفظوا بِدينهم ويدافعوا عنه بأرواحهم وأموالهم ويقدموا التضحيات في سبيله. اليارسانيون أمام خيارَين إثنين: أما الخضوع والإستسلام أو المقاومة والدفاع.


113
الديانة اليارسانية (الكاكائية) هي إمتداد للديانة المثرائية

د. مهدي كاكه يي

الديانات الإيزْدية و المَزْدَكية و اليارسانية (كاكەيي) والهلاوية (العلوية) و الدروزية والشبكية هي من بقايا االديانة المثرائية المتجلية في الديانة اليزدانية. قبل ظهور المسيحية، كان جميع الآريين يعتنقون الديانة المثرائية. عليه فأن الديانة اليزدانية هي أقدم بكثير من الديانة الزرادشتية، حيث أنه قبل أكثر من 3500 سنة، كان أسلاف الكورد الميتانيون يُدينون بالديانة المثرائية. كما أن الميديين كانوا يعتنقون الديانة اليزدانية، حيث أن اليزدانية كانت الدين الرسمي للإمبراطورية الميدية.

تظهر بقايا معتقدات الديانة المثرائية بوضوح في هذه الأديان الكوردية، مثل تناسخ الأرواح والإعتقاد بوجود قوتَين متضادتَين وهما الخير والشر، وكذلك قُدسية الشمس والنار وتقديم القرابين (النذور) للأحياء والأموات و تقبيل الأرض الذي هو طقس ديني للتعبير عن حب الإنسان للأرض وشكرها، حيث يعيش الإنسان عليها و أن إستمرارية حياته مرتبطة بها.

لذلك فأن الديانة العلوية و الإيزدية و الدروزية و اليارسانية (الكاكائية) والشبك تكاد تكون ديانة واحدة. إن هذه الأديان متشابهة في العقيدة و الشخصيات الدينية و الإيمان بتناسخ الأرواح و النظام الطبقي و الطقوس الدينية من صوم و تقديم النذور و التكايا و الإحتفاظ بالشارب و غيرها، حيث أن جميعها ينحدر من الديانة المثرائية. الإختلافات البسيطة الموجودة بين هذه الأديان، ناتجة عن العزل الجغرافي بين أصحاب هذه الأديان، حيث أن عيشها ضمن كيانات سياسية مختلفة والتباعد الجغرافي بينهم والعيش بمعزل عن بعضهم البعض، خلقت بمرور الزمن هذه الإختلافات البسيطة في أسماء الشخصيات الدينية والطقوس الدينية وغيرها.

بالنسبة الى تسمية العلويين، يذكر البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994"، بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية "هالاڤ" التي تعني بالكوردية "بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة" وكذلك "لظى النار نفسها". إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى "ألڤي" التي تعني "لظى النار". هذا الإسم له علاقة بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة.

بالنسبة الى الدروز، فأن عائلة جانبولاد (جنبلاط) في لبنان التي تُدين بالديانة الدروزية، ينتمي نسبها الى الأمير الكوردي (منتشا = مند) الذي كان أميراً للإمارة الكوردية (كلس) و خدم الدولة الأيوبية في الشام  و أصبح هناك والياً لناحية (القصير) الواقعة على مقربة من مدينة (أنطاكية) الواقعة في شمال كوردستان و بعدها أصبح أمير أمراء الشام و حلب. في عهد السلطان العثماني (سليمان)، تم إسناد منصب الإمارة الى إبنه (جانبلاد) و الذي إستمر في الحكم الى عام 1016 الهجري (1584 ميلادي). في سنة 1630 ميلادية، إنتقل سعيد بك إبن جنبلاط زاده مع إبنه (رباح) الى بيروت و إستقرا هناك. علماً بأنّ العائلة الجنبلاطية كانت تعتنق الديانة الإيزدية1.

بعد سقوط الإمبراطورية الميدية وتأسيس الدولة الأخمينية الفارسية التي كان الدين الزرادشتي الدين الرسمي لها، نجحت الحكومات الفارسية المتعاقبة في إجبار نسبة قليلة من الكورد اليزدانيين، خاصةً كورد المدن، بإعتناق الديانة الزرادشتية، بينما بقيت غالبية الكورد متمسّكين ببقايا الديانة اليزدانية، حيث لم تتمكن الديانة الزرادشتية الهيمنة على الديانة اليزدانية.

بعد ظهور الإسلام وإحتلال كوردستان من قِبل العرب، بدأت الديانة اليزدانية تصارع من أجل البقاء ضد الزرادشتية السياسية الفارسية وضد العقيدة الإسلامية2. على سبيل المثال، تعاون الحكام الفُرس مع الدولة العباسية للقضاء على ثورات الخوراميين اليزدانيين في القرن التاسع والعاشر الميلادي، حيث قام بابَك الخورامي بثورة عارمة التي دامت من سنة 816 – 837 ميلادية ضد الحكم العربي الإسلامي3 (إسم "الخوراميين" متأتي من "خۆر" التي تعني بالكوردية "الشمس").

ظلت الديانة اليَزدانية بفروعها المختلفة سائدة بين الشعب الكوردي إلى القرن الثاني عشر الميلادي، أي الى قبل حوالي 800 سنة4. في القرن الحادي عشر الميلادي تم عقد تحالف بين الخلافة العباسية والترك السلاجقة وتم غزو بلدان غرب آسيا من قِبل السلاجقة الذين قاموا بالقضاء على الإمارات الكوردية التي كانت قائمة في المنطقة، من ضمنها الإمارات الروادية في أَذربيجان وجنوبي القوقاز والبرزيكانية في همدان والشدّادية في أرمينيا والدوستكية في وسط وشمال كوردستان وإمارة (شوانْكارَه) في بلاد فارس وإمارة (أَرّان) التي كانت واقعة في كل من أَذربيجان وأرمينيا وجورجيا الحالية4.

في النصف الثاني من القرن 16 الميلادي، أي منذ حوالي 400 سنة، أصبحت غالبية الكورد مسلمين واضطرّت فروع الديانة اليَزْدانية {إيزْدي، يارْساني(كاكه يي)، هلاوي (علوي)، الشبك، الدروز) إلى إقتباس بعض الرموز الإسلامية وإضافتها الى معتقداتها لحماية معتنقيها من القتل والسبي والظلم والإهانة وللحفاظ على دينهم الكوردي الأصيل. على سبيل المثال، سُمّي الملاك ميكائيل (الشيخ أبو بكر) في الإيزدية، وأصبح علي بن أبي طالب شخصية مقدّسة رئيسية عند اليارسانيين (الكاكائيين) والعلويين الكورد، وحلّت الأسماء العربية محل الأسماء الكوردية عند أتباع هذه الفروع اليزدانية، فالإسم الكوردي العريق (آدي) مثلاً، كان إسم أحد آلهة أسلاف الكورد الخوريين، أصبح إسمه عند الإيزديين إسماً عربياً وهو (عَدي)5 ونسبَ أمراء الإيزديين أصلهم إلى الأسرة الأُموية العربية، وإتخذوا بعض أسمائهم مثل إسم (مُعاوية).

صمدت فروع الديانة اليزدانية أمام كافة الضغوط والبطش وإستمرت الى يومنا هذا بسبب أصالتها الكوردية وترسّخها في المجتمع الكوردي وكونها جزءّ مهماً من ثقافة ولغة وتراث وتاريخ الشعب الكوردي التي حافظَ عليها أتباع هذه الديانات وتحمّلوا من أجلها المآسي والويلات، إلا أنهم لم يستسلموا، بل أصرّوا على حماية معتقداتهم الكوردية والثقافة الكوردية والتراث الكوردي والتاريخ الكوردي وقدّموا ولا يزالون يقدّمون التضحيات والقرابين في سبيل الحفاظ على الهوية الكوردية المتجسدة في أديانهم.

يرتكز الدين الكاكه يي على خمس مرتكزات أساسية وهي:

1. النظافة: تعني نظافة الجسم والفكر وصدق الوعد وحُسن السلوك.

2. الصدق: يعني إختيار الطريق الصحيح والإبتعاد عن الأعمال السيئة.

3. الإبتعاد عن الأنانية وحب الذات والإنتصار على الرغبات الدنيوية.

4. مساعدة الآخرين والتضحية في سبيلهم والعمل على توفير الرفاهية للناس.

5. عدم إيذاء أو الإضرار بالنار والهواء والماء والتربة والطبيعة والإنسان والحيوانات والنباتات والأشجار والطُرق.

دين الكاكەیی هو دين توحيدي وغير تبشيري. لا وجود للموت في هذا الدين، حيث يؤمن معتنقيه بتناسخ الأرواح. عند موت الإنسان تنتقل روحه الى جسد إنسان أو حيوان آخر. كما أن هذا الدين ليس له نبي أو رسول مُرسَل من الخالق لأن الرب يُظهر نفسه كإنسان في سبع مرات ويعيش بين البشر ويقوم بإدارة شؤونهم.

في هذا الدين هناك 4 طبقات دينية في المجتمع وهي إبتداءً من أعلى مرتبة دينية الى أدنى مرتبة: پیر، دليل، باوه، العامة. يحتفظ معتنقو هذا الدين بالشوارب ولا يؤمنون بالشهادة الإسلامية ولا بالجنة والجهنم، حيث أن الجنة والجهنم موجودان في هذه الدنيا ولا يؤمنون بالثواب والعقاب في الآخرة. يقومون بالتعميد كما في المسيحية لتسمية أطفالهم عند الولادة. لا يصلّون، بل أنهم يقدمون النذور خلال إجتماعات دينية خاصة، تتم خلالها قراءة أدعية خاصة بهم. لا يصومون شهر رمضان، بل يصومون لمدة ثلاث أيام في منتصف الشتاء. لا يحجّون الى مكة، بل يحجّون الى ضريح (سان سهاك) الموجود في منطقة هورامان في الجانب الواقع في شرق كوردستان. لهم كتاب ديني مقدس إسمه (سَرَنجام) المكتوب باللغة الكوردية وجميعه عبارة عن أبيات شعرية. يؤمن الكاكەییون بوجود 7 قدّيسين ولا يلعنون الشيطان لأن الشيطان هو من مخلوقات اليزدان (الرب).

المصادر


1. محمد أمين زكي المعنون (1948). خلاصة تأريخ الكرد و كردستان – تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، مطبعة السعادة، مصر، صفحة 376 – 380).

2. إبن خلدون. تاريخ ابن خلدون. الجزء الرابع، صفحة 993.
 
3. الطبري. تاريخ الطبري. الجزء الثامن، صفحة 622.

4. عبّاس إقبال (1984). الوزارة في عهد السلاجقة. ترجمة د. أحمد كمال الدين حلمي، الطبعة الأولى، صفحة 29.

5. جرنوت فيلهلم (2000). الحوريون. ترجمة وتحقيق فاروق إسماعيل، الناشر: دار جدل، الطبعة الأولى، صفحة 100.

mahdi_kakei@hotmail.com


114
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين والعلاقة بينهم (23) – أسلاف الكورد: الميديون

تأسيس مملكة ميديا


د. مهدي كاكه يي

عند توحيد القبائل الميدية بقيادة دياكو، كانت الممالك القوية، مثل المملكة الآشورية والحثيّة والمصرية ومملكة أورارتو في صراع مع بعضها من أجل بسط النفوذ والهيمنة على منطقة الشرق الأدنى. نتيجة هذه الحروب، ضعُفت هذه الدول عسكرياً وإقتصادياً وهذا الضعف كان لصالح الميديين، حيث تهيأت لهم فرصة جيدة لترتيب البيت الميدي وتأسيس مملكة لهم. 

كان دياكو يطمح في تأسيس دولة قوية للميديينa، إلا أن وقوع ميديا بين المملكتّين القويتَين، آشور وأورارتو، كان عائقاً أمامه لتحقيق هذا الهدف. لذلك كان عليه أن يتحالف مع إحدى هاتين الدولتَين للقضاء على الدولة الأخرى وتحقيق إستقلال ميديا بعد أن تختفي إحدى هاتين الدولتَين. إختار دياكو التحالف مع أورارتو، حيث كان الملك (روساس الأول) يحكم أورارتو آنذاك.

بتحالف الميديين في عهد دياكو مع مملكة أورارتو، إستطاعت أورارتو أن تحقق إنتصارات كبيرة في حروبها، لا سيما على مملكة ماناي، حيث إستولت على 22 قلعة تابعة لهذه المملكة في زمن ملكها (اولوسولو)1. نتيجة تحالف الميديين مع مملكة أورارتو ضد الدولة الآشورية، قام الآشوريون بحملات عسكرية ضد الميديين في عهد الملك الآشوري سرجون الثاني والتي دفعت الميديين الى التوحّد السياسي والعسكري2. كما أن إستمرار الحملات العسكرية الآشورية على مملكة أورارتو1، وخاصة بعد الحملة العسكرية الثامنة للملك الآشوري سرجون الثاني2 التي هدمت أركان مملكة أورارتو، أدت الى إضعاف مملكة أورارتو بحيث لم تعد قادرة على مواجهة دولة آشور وبذلك تهيأت الفرصة لآشور أن تواجه الشعوب الأخرى في المنطقة.

هذه الظروف أتاحت الفرصة للميديين بالعمل الدؤوب لتأسيس دولة مستقلة لهم بقيادة الزعيم الميدي دياكو بعد أن وحّد الإمارات والقبائل الميدية. في ظل قيادة (دياكو)، تعززت الحياة الإجتماعية والإقتصادية للميديين، وتمرّسوا على إحتمال الشدائد والصعاب ليكونوا مؤهلين للمشاركة في الحروب وتحمّل أعبائها. هذا التطورالحاصل في حياة الميديين أصبح يُشكل تهديداً للحكم الآشوريb.

بعد أن أصبحت ميديا قوة لا يستهان بها في المنطقة، أطلق الآشوريون على العاصمة الميدية (إكباتانا) إسم (بيت دياكو) نتيجة القوة التي كان يتمتع بها دياكو وتأثيرها الكبير على الآشوريين. إستمرار العمل الجاد من قِبل دياكو من أجل تأسيس دولة ميدية مستقلة للميديين و إندلاع ثورة الميديين ضد آشور خلال حكم الملك الآشوري سرجون الثاني في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد، دفع الملك الاشوري سرجون الثاني الى أن يشن حملات عسكرية ضد الميديين لِمنع دياكو من تأسيس دولة في المنطقة التي كانت تُشكّل الجزء الشمالي والشمال الغربي من الدولة   الآشورية آنذاك. قام الآشوريون بحملات عسكرية في السنوات (716- 715) قبل الميلاد، ضد مراكز الثورة الميدية، حيث قامت القوات الآشورية بإجتياح المدن والقصبات والقرى الميدية وأسر الزعيم الميدي دياكو ونفيه مع أسرته الى مدينة حماه في سوريا الحالية في سنة 715 قبل الميلاد. عندئذ خضع 22 حاكماً ميدياً  . .c, dللحكم الآشوري

بعد عودة دياكو من الأسر وتوحيده للقبائل الميدية، أصبح أول ملك لها، وحكم لمدة 53 عاماً، إلا أنه حسب المصادر الآشورية المعاصرة، كان دياكو رئيساً محلياً في  المنطقة الواقعة بين مملكة آشور وأورارتو.

بعد وفاة الملك (دياكو)، خلّفه في الحكم إبنه ( خشتاريتي Khashtariti (675 – 653 قبل الميلاد) أو )خشاتريتا Khshatrita) باللغة الأكدية أو (فراورتيس (Phraortes  حسب تسمية المؤرخ اليوناني (هيرودوت)e. وُجِد أقدم ذكر لهذا الملك في كتابات الملك الأخميني دارا الأول في مدينة بيستون. سار هذا الملك على نهج أبيه في توحيد الإمارات والقبائل الميدية وتأسيس جبهة قوية لمواجهة الإعتداءات الآشورية .إستطاع هذا الملك أن يوحّد معظم القبائل والإمارات الميدية بالإضافة الى حلفائهم الكيمريين والإسكيثيين3، حيث ساعده في ذلك ضعف النفوذ الآشورية على ميديا وإنحسار الهجمات العسكرية عليها وإختفاء السلطة الآشورية في المناطق الشرقية من الإمبراطورية الآشورية، وخاصة في عهد الملك الآشوري (سنحاريب)، حيث كان منشغلاً بمواجهة الإنتفاضات والثورات الإيلامية المندلعة ضد الدولة الآشورية. 

إستمر نموالنفوذ الميدي والأقوام المتحالفة مع الميديين في المناطق الشرقية لبلاد آشور، خاصةً بعد أن ضعُفت نفوذ و قوة ممكلة (أورارتو) في زمن ملكها (روساس الأول) نتيجة للحملات العسكرية الآشورية المتواصلة عليها في عهد الملك الآشوري (سرجون). هكذا فأن هذه الأوضاع سنحت الفرصة للملك الميدي (فراورتيس) بأن ينجح في ضم مدنٍ عديدة الى مملكته والذي كان ينال الدعم من القبائل الفارسية التي إستقرت في الجهات الجنوبية الشرقية في نهاية القرن الثامن قبل الميلاد.3

أدركت الدولة الآشورية مدى خطورة القوة المتنامية للميديين على نفوذها وسلطتها وهيمنتها على المنطقة، إلا أنها كانت عاجزة عن مواجهة الميديين عسكرياً، حيث كان الآشوريون منشغلين بالحروب والإضطرابات التي بدأت بفقدان الامبراطورية  الآشورية للمناطق الغربية والجنوبية لها. لذلك إضطر الآشوريون أن يعقدوا إتفاقيات وتحالفات مع  بعض الأمراء الميديين، كما جاء ذلك في المعاهدة السياسية التي أبرمها الملك الآشوري أسرحدون (681- 669 قبل الميلاد) قبل وفاته بثلاث سنوات مع الأمير الميدي  (راماتايا Ramataya) حاكم الإقليم الميدي (أُوركازابانو Urkazabanu). تمت دعوة هذا الأمير الميدي الى مراسيم تنصيب ولي العهد الآشوري (آشوربانيبال) و) شمش شم أوكن)  إبنا الملك الآشوري أسرحدون4.
 
تم إبرام هذه المعاهدة بإشراف محافظ مدينة (دور شروكين)) مدينة خرسباد الحالية( الذي كان مشرفاً على إحتفالات رأس السنة الآشورية. نصّت المعاهدة على أنه عند موت الملك الآشوري (أسرحدون)، يجب أن يُخلّفه ولي العهد (آشور بانيبال) الذي يجب تقديم الحماية له. كما نصت المعاهدة على أنه في حالة وفاة الملك الآشوري (أسرحدون) عندما يكون أبناؤه  قاصرين، يجب مساعدة ولي العهد الآشوري  (آشور بانيبال) للجلوس على العرش الآشوري والمساعدة في تنصيب أخيه (شمش شم اوكن) ليصبح ولياً للعهد ويحكم بلاد بابلf. كما تضمنت المعاهدة توجيه لعنات إله الحرب الآشورية (ننورتا) الى الأمير الميدي المذكور في حالة عدم إلتزامه بنصوص هذه المعاهدة.


المصادر

1. علي قاسم محمد. سرجون الاشوري 721-705 ق.م. رسالة ماجستير غير منشورة. جامعة بغداد، كلية الآداب، ، ص 83.
1983

2. طه باقر وآخران (1980). تاريخ إيران القديم. بغداد، صفحة 39.

3. سامي سعيد الأحمد (2000). العراق في القرن السابع قبل الميلاد. منشورات بيت الحكمة، بغداد، صفحة 55.

4. سامي سعيد الأحمد و رضا جواد الهاشمي (1990) تاريخ الشرق الأدنى القديم (ايران والأناضول). بغداد، وزارة التعليم العالي، صفحة 89.


المراجع

a. Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962) book 1. Chapter 10.1.

b. Will Durant and Ariel Durant (1993). The Story of Civilization. pages 384-385.

c. Herodotus (1962). The history of Herodotus . translated by Harry Carter, London, book 1. Chapter 10.1, pages 96-101.

d. Diakonoff, I. M. "Media ."In: The Cambridge History of Iran, Vol. 2: 36-148. Cambridge University Press, Cambridge, England, 1985.

e. Herodotus (1962). The history of Herodotus . translated by Harry Carter, London, book 1. Chapter 10.1, page 102.

f. Muhammad A Dandamayev. Harpagos. Article in (CAIS).

115
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (22) – أسلاف الكورد: الميديون

توحيد القبائل والإمارات الميدية


د. مهدي كاكه يي

قام الملك الآشوري (سرجون) بِحملات عسكرية وحروب كثيرة خلال حكمه، وكانت بلاد ميديا هي البلاد الأكثر تعرضاً لهذه الحملات الحربية، حيث قام الميديون بِإنتفاضات وثورات كثيرة ضد الآشوريين. بسبب هذه الثورات، خلال أو بعد حُكم الملك الميدي (دياكو) بقليل، قام الملك الآشوري (سرجون) بِجلب سكان من مدينة السامرة الفلسطينية وقام بتوطينهم في المدن الميدية ضمن سياسة التهجير والإستيطان التي إتبعها الآشوريون ضد البلدان والمناطق الثائرة.

تزامن إستيلاء الملك الآشوري (سرجون) على المدن الميدية مع قضائه على مملكة إسرائيل وإسقاط عاصمتها (السامرة) في سنة 721 قبل الميلاد1، حيث أنه في سنة 715 و713 قبل الميلاد تم إخضاع الميديين لِحُكم الملك الآشوري (سرجون) وصولاً الى مناطق أبعد من جبل (بيكني Bikni).

على الرغم من قيام الإمارات الميدية بالثورات المتكررة ضد الحكم الآشوري، إلا أن الميديين إضطروا أن يدفعوا الجزية لمملكة آشور خلال حكم خلفاء الملك الآشوري سرجون، كلاً من سنحاريب  وأسرحدون وآشور بانيبال، كلما سار هؤلاء الملوك بِجيوشهم الشرسة الى ميديا. كانت هناك حصون آشورية موجودة في منطقة ميديا (جبال زاگروس) في وقت حملة أسرحدون (حوالي سنة 676 قبل الميلاد) مثل بيت پارناكي Bit-Parnakki) و (بيت كاري Bit-kari) و (هرهر Harhar (كار شاروكين Kar-Sharrukin). لقد تمت محاربة الميدييين من قِبل الملوك الآشوريين (شلمانصر الثالث) (858 - 823 ق.م)، و(شمشي حـدَد الخامس) (821 - 811 ق.م)، و(تغلات پلاسر الثالث) (747 - 728 ق.م)، و(سرجون الثاني) (722 - 705 ق.م)، كما حاربهم (أسرحدون) (680 - 669 ق.م) و (آشور بانيپال) (668- 626 ق.م)a.

يذكر المؤرخ اليوناني، هيرودوتس بأن الميديين إختاروا رجلاً كان يتولى منصب العمدة في إحدى القرى الميدية ليكون ملكاً عليهم. كان إسمه (دياكو(Diyaoku  إبن (فراورتيس Phraortes)b (حكم من سنة 727 – 675 قبل  الميلاد) وكان الإغريق يُسمّونه (ديوكس  Deioces) والفرس يسمّونه (كَيْقُباد). تمّ هذا الإختيار نظراً لإشتهار دياكو بالحكمة والحكم العادل عند فصل المنازعات، حيث كانت القبائل الميدية تلجأ إليه لحل مشاكلها الإجتماعية والإقتصادية. وهو أول حاكم ميدي منتخب، حيث كان الميديون ينتخبون ملوكهم.

يذكر الأستاذ (محمد مردوخي كوردستاني) بأن إسم مؤسس المملكة الميدية هو "آراماس" والمعروف عند اليونانيين ب"ديوكس"2. يقول المؤرخ الدكتور جمال رشيد أحمد بأنّ مؤسس المملكة الميدية لم يكن إسمه (دياكو)، بل أنّ (دياكو) كان لقباً رسمياً له وهو إسم مُركّب من كلِمتَين هما (دهيو) التي تعني (إقليم) و في الوقت الحاضر أصبحت هذه الكلمة في اللغة الكوردية (دێ Deh) التي تعني (قرية) والكلمة الثانية (وك أو ەكە) هي لاحقة غدت اليوم من صميم الخاصية الكوردية3. الكلمة العربية (دهاق) هي الصيغة المقاربة كلياً لأصل الكلمة الميدية. كلام الدكتور جمال رشيد أحمد يعضد ما يقوله الأستاذ (محمد مردوخي كوردستاني) بأنّ إسم مؤسس المملكة االميدية هو "آراماس". 

وضع (دياكو) اللبنة الأولى للدولة الميدية، حيث قام بتوحيد القبائل و الإمارات المحلية الميدية في مملكة موحدة وجعلها شعباً موحداً وتمّ إنتخابه ملكاً لِميديا (حكم من سنة 727 – 675 قبل  الميلاد)c. إنشغال الملك الآشوري (سنحاريب) بِحروبه مع البابليين والإيلاميين، ساعد (دياكو) على النجاح في القيام بتوحيد الإمارات والقبائل الميدية وبناء مدينة  (إكباتانا) وجعلها عاصمة لِميديا.

يذكر (هيرودتس) بأن (دياكو) إختار (إكباتانا) لتكون عاصمة لمملكته (وهى مدينة همدان الحالية) و تعني ( محل الإجتماع أو ملتقى الطرق)، حيث قام بتحصينها لِمقاومة الغزوات الأجنبية. تم إختيار هذا الموقع  لبناء مدينة (إكباتانا) وإتخاذها عاصمة للمملكة الميدية نظراً لأهميته الإستراتيجية، حيث كان يقع على الطريق التجاري العالمي، طريق الحرير، ووقوعه عند سلسلة جبال الوند المنيعة التي تساعد في الدفاع عن المدينة ضد الغزوات الأجنبية، بالإضافة الى جمال وسحر الطبيعة في هذه المنطقة، حيث الجبال والأنهار والشلالات والمصايف الخلابة. تم  بناء القصر الملكي في مدينة (إكباتانا) على أراضٍ تبلغ مساحتها  أكثر من 1.7 كيلومتر مربعd، والذي كان يحتوي على حوالي 100 غرفة. كان قصراً منيعاً وعلى شكل سبع قلاع. يقع قصر الملك وخزانته في الطابق السابع، في أعلى الأسوار السبعة. تمّ طلاء القصر الملكي والقلاع بألوان زاهية جميلة.

أقام (دياكو) حكماً لامركزياً، حيث أنشأ مملكة ذات نظام فيدرالي وقام بِسن القوانين وإقامة مؤسسات الدولة وتنظيم حياة المواطنين وتنظيم البيت الميدي وبناء جيش موحد ومسلّح، إلا أن ميديا كانت لا تزال تعيش تحت الحكم الآشوري آنذاك. أعلن (دياكو) الثورة على الإمبراطورية الآشورية وأعلن إستقلال مملكته، إلا أن الملك الآشوري (سرجون الثالث) أخمد الثورة الميدية وأسر (دياكو) في سنة 715 قبل الميلاد ونفاه هو وحاشيته إلى مدينة حَماه (Haniah) في سوريا الحالية. تخلص (دياكو) من الأسر بعد فترة وعاد الى ميدياa.

المصادر

1. هاري ساكز (1991). عظمة بابل. ترجمة عامر سليمان، جامعة الموصل، صفحة 135.

2. مەحەمەد مەردۆخی كوردستانى (1991). مێژووی كورد و كوردستان. وەرگێرانی عەبدول كەریم مەحەمەد سەعيد. مطبعة أسعد، بغداد.

3. الدكتور جمال رشيد أحمد (1984). دراسات كردية في بلاد سوبارتو. بغداد، صفحة 39.

المراجع
 
a. Diakonoff, I. M. "Media ."In: The Cambridge History of Iran, Vol. 2: 36-148. Cambridge University Press, Cambridge, England, 1985.

b. Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962) book 1. Chapter 10.1, pages 96-101.

c. Herodotus, with an English translation by A. D. Godley. Cambridge. Harvard University Press. 1920, 1.101.1.

d. Durant, Will and Ariel (1935).  THE STORY OF CIVILIZATION. Page 384. 



بقايا القصر الملكي في همدان الذي بناه مؤسس المملكة الميدية، دياكو


سهل نيشاي الساحر الذي يحيط بالعاصمة الميدية، إكباتانا


برج ميدي محصّن


116
إمتداد عيد نوروز في أعماق التاريخ الكوردي

د. مهدي كاكه يي

إن الكشف عن خلفيات رأس السنة الكوردية، جدير بالدراسة لمعرفة سبب تبنّي عيد نوروز وجعله بداية العام الجديد للشعب الكوردي. في الحقيقة أنني منذ فترة بدأتُ بالبحث عن مصادر حول الموضوع وجمع المعلومات عنه لكتابة دراسة مستفيضة عن خلفيات عيد نوروز. هنا أود كتابة معلومات قليلة عن هذا الموضوع.

تذكر أسطورة مناسَبة عيد نوروز بأنه كان هناك ملِك ظالم يحكم بلاد الكورد، إسمه أژدهاك (الضحّاك) وكانت هناك أفاعي على كتف الملك تأكل مخ الشباب الكورد أو كان يتم إستخدام مخ شباب الكورد كدواء لمرض هذا الملك. قام أحد الحدّادين والذي كان إسمه (كاوه) بِقتل الملك الظالم (الضحاك). هذه مجرد أسطورة تمّ حبكها لتكون رمزاً لتحرر الشعب الكوردي من الظلم، حيث قامت الطبقات الكادحة المسحوقة المتمثلة ب(كاوه الحداد) بتحرير الشعب الكوردي من الظلم المتمثل ب(الضحّاك).

في سنة 550 قبل الميلاد، تمّ إسقاط الإمبراطورية الميدية والقضاء على آخر ملوك الميديين، (أستياگ)، من قِبل حفيده (كورش) وبمساعدة قائد الجيش الميدي (هارپاگ). يذكر بعض المؤرخين بأنه قد يكون (الضحّاك) هو نفسه الملك الميدي (أستياگ) وأن قائد الجيش الميدي (هارپاگ)، الذي ساهم في إسقاط الإمبراطورية الميدية، قد يكون (كاوه الحداد). قد يكون هذا الرأي صحيحاً، حيث أن الفرس الأخمينيين لم يُسقِطوا الإمبراطورية الميدية فقط، بل إستحوذوا على الحضارة الميدية و سجلوا كل ما يمتّ بالميديين بإسمهم وجعلوه عائداً لهم وإقتبسوه، من لغة وتقاليد ومعتقدات وفن وأزياء وصناعات وآثار وغيرها. كما أنه بعد سقوط الإمبراطورية الميدية، إستمرت ثورات وإنتفاضات  الميديين ضد الفرس الأخمينيين لإسترداد حكمهم. لذلك من المرجح أن الفرس الأخمينيين خلقوا رواية "إستبداد وترف" الإمبراطور (أستياگ) لتشويه سمعته للفوز بتأييد الشعب الميدي لهم وللحيلولة دون قيام الميديين بالثورة ضدهم لإسترجاع حكمهم.
   
من جهة أخرى، نجد تناقضاً بين التقويم الكوردي وتاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية. لو تتم المقارنة بين تاريخ عيد نوروز الذي يبدأ في عام 700 قبل الميلاد، نكتشف أن هذا التاريخ لا يتطابق مع تاريخ سقوط الإمبراطورية الميدية التي كان يحكمها الملك (أستياگ)، والذي حصل في عام 550 قبل الميلاد. كما نرى فأن الفرق بين التاريخَين هو 150 سنة. كما أن الفرس لم يتبنوا يوم تأسيس الدولة الأخمينية كبداية للتاريخ الفارسي، بل أنهم يستعملون في الوقت الحاضر التاريخ الهجري الشمسي الذي يبدأ من هجرة النبي محمد.

حسب بعض المصادر التاريخية، على سبيل المثال المؤرخ اليوناني هيرودت، فأن مؤسس الدولة الميدية (دياكو) بدأ بتوحيد القبائل والإمارات الميدية وأسّس مملكة ميديا وأصبح ملِكاً لها في سنة 700 قبل الميلاد. من هنا نرى أن التاريخ الكوردي يبدأ مع تأسيس الدولة الميدية بقيادة (دياكو) والذي حصل في عام 700 قبل الميلاد.

مما سبق، فأنّ هناك نظريتان لإختيار بدء التقويم الكوردي. من المرجح أن هذا التقويم بدأ مع تأسيس الدولة الميدية في سنة 700 قبل الميلاد، حيث يتطابق التأريخان. قد يكون التقويم له علاقة بسقوط الإمبراطورية الميدية وتمّ تبنّيه من قِبل الفرس الأخمينيين للإساءة للملك الميدي (أستياگ)، إلا أنه في هذه الحالة لا يتطابق بدء التقويم الكوردي مع السنة التي خلالها تم إسقاط الإمبراطورية الميدية، حيث أن الفرق بينهما هو 150 سنة وفي هذه الحالة يكون التقويم خاطئاً.

بالنسبة الى عيد نوروز، في الحقيقة أن هذا العيد تعود جذوره الى آلاف السنين قبل الميلاد، حيث كان أسلاف الكورد السومريون يحتفلون في الربيع (21 آذار) بمناسبة تساوي النهار والليل في هذا اليوم والبدأ بزيادة طول النهار، حيث تتخلص الشمس وتتحرر من قبضة الظلام وكانوا يحتفلون في الخريف أيضاً بِتساوي النهار والليل، حيث كانوا في الحقيقة يحتفلون بِجني المحاصيل الزراعية ويُعبّرون عن فرحهم بِجمع منتوجاتهم الزراعية بعد عملٍ شاق يستمر لأشهر عديدة في زراعتها وخدمتها الى أن يحين موعد حصادها وجمعها وتناولها. كان إسم عيدهم هو (Zag-mug) الذي قد يعني بالسومرية (الميلاد) أي ميلاد يوم جديد أو ميلاد الشمس من جديد بعد خلاصها من هيمنة الظلام. لا تزال هذه الكلمة المركبة باقية في اللغة االكوردية (زگماك) التي تعني (أُم أو ما له علاقة بالولادة).

أسلاف الكورد الميتانيون بِدورهم، الذين كانوا يعتنقون الديانة الميثرائية، كان عيدهم الرئيسي هو الإحتفال بإنقلاب أو إنحدار الشمس (ڤیشوڤا vishuva) الذي كان شائعاً في معظم الثقافات في العالم القديم. إن هذا العيد كان عيد رأس السنة الجديدة في الهند في العهود السحيقة في القدم و يصادف 14/15 نيسان/أبريل الذي هو وقت قدوم الربيع، حيث الطبيعة الزاخرة بالخضار و الأزهار. إن عيد نوروز له صلة بهذا العيد الذي يسبقه نوروز ب(25) يوماً فقط، حيث يكون هذا العيد قد إنتقل جيلاً بعد جيل من أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين والأرارتيين الى أحفادهم الشعب الكوردي، فبقي حياً الى يومنا هذا.

ما دمنا نتحدث عن الديانات الكوردية التي هي الجذور التاريخية لعيد نوروز ورأس السنة الكوردية والتي قسم من معتقداتها لا تزال باقية في الثقافة الكوردية والتراث الكوردي، أود هنا أن أذكر بأن الشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان هي رمز للإله (ميترا). كما أن الأشعة الواحدة والعشرين للشمس التي تتوسط عَلَم كوردستان تعود الى الديانة اليزدانية. العدد (21) يحمل أهمية قصوى في الطقوس الدينية اليزدانية  وأن الأشعة الواحدة والعشرين لشمس العَلَم الكوردستاني ليست لها علاقة بالتاريخ الميلادي و لا تُمثّل الحادي والعشرين من آذار، كما يظن الكثير من الناس. عليه فأن إختيار 21 شعاعاً للشمس التي تتوسط علم كوردستان، تمّ لِكون العدد 21 عدداً مقدساً في الدين اليزداني. الدين اليزداني هو دين كوردي قديم جداً، إعتنقه الشعب الآري قبل أكثر من 4000 سنة. من الجدير بالذكر أن اليزدانية هي أقدم بكثير من الزردشتية وأن الدين الزردشتي قد أخذ الكثير من مبادئه وطقوسه من الدين اليزداني، بل أنه عندما بدأ زردشت بنشر دينه في كوردستان، لاقى معارضة كبيرة من أهالي المنطقة الذين كانوا يعتنقون الدين اليزداني، لذلك إضطر زردشت أن يترك منطقته (منطقة ورمێ "أورمية") ويهاجر الى بلاد فارس، حيث قام هناك بنشر دينه بين الفرس. الفرس إعتنقوا الدين الزردشتي وإستغلوه لأهداف سياسية، لإستلام الحكم وبناء دولة لهم. أود أن أشير أيضاً بأن الديانات الكوردية القديمة مثل الإيزدية والعلوية والشبك والدروز واليارسانية (كاكه يي) هي من بقايا الدين اليزداني وأن فلسفة و طقوس وآداب هذه الأديان تكاد تكون متطابقة مع بعضها، بإستثناء ظهور إختلافات طفيفة جداً بينها بسبب التباعد الجغرافي الذي يعزلهم عن البعض وتشتت معتنقيها الناتج من إحتلال كوردستان من قِبل عدة دول.

بِغض النظر عن خلفيات عيد نوروز، فأن نجاح الشعب الكوردي في إيجاد عيد قومي له وجعله رأساً للسنة الجديدة، هو إنجاز عظيم للأمة الكوردية، حيث  أصبح نوروز رمزاً قومياً يُعبّر عن هوية الأمة الكوردية وإلهاماً للنضال للتمتع بحريته وتحرير وطنه، حيث  يتغنّى به الشعراء والمغنين ويحتفي الصغار والكبار بهذا الرمز القومي الكوردي والذي أصبح أيضاً إلهاماً لإبداعات الفنانين والرسّامين والكُتّاب.

mahdi_kakei@hotmail.com





117
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (21) – أسلاف الكورد: الميديون

الميديون قبل تأسيس دولتهم

د. مهدي كاكه يي


قبل تأسيس المملكة الميدية، كانت القبائل الميدية تعيش في شرق كوردستان الحالية. هناك معلومات تشير الى أن الميديين كانوا يُشكّلون أغلبية سكانية في هذه المنطقة في بداية النصف الأول من القرن الثامن قبل الميلادa. في هذا الوقت كانت القبائل الميدية تُشكّل غالبية سكان المنطقة التي أصبحت فيما بعد مملكة ميديا وكذلك أصبحت تُشكّل غالبية سكان الأراضي الواقعة في غرب المنطقة الميديةa. من خلال دراسة المصادر النصوصية للمنطقة يتبين أنه خلال الفترة الآشورية الحديثة (911 – 612 قبل الميلاد)، كانت أغلبية سكان مناطق ميديا والمناطق الممتدة الى الغرب وشمال الغرب، تتكلم اللغة الميديةb.

قبل قيام المملكة الميدية، كانت هناك ممالك قوية في المنطقة، حيث كانت هناك ممالك (إيلام) و(مانيا) و(آشور) و(أورارتو) التي كانت في شرق كوردستان الحالية و في المناطق الواقعة الى غرب هذه المنطقةa. هناك آراء عديدة حول مواقع وأنشطة القبائل الميدية في هذه الممالك قبل تشكيل دولة ميديا في أواخر القرن السابع قبل الميلادa. في دراسة أجراها (دانداماييڤ (Dandamaev  و باحثون آخرون معه، يذكر هؤلاء الباحثون بأن الباحث (هرتسفلد) ومجموعته البحثية يقولون بأن الطبقة الميدية الحاكمة كانت "قبائل مهاجرة"، إلا أن سكان المنطقة كانوا من السكان الأصليين، بينما يقول (Grantovsky) ومجموعته البحثية بأن سكان ميديا وكذلك حُكّامها كانوا السكان الأصليين للمنطقةc. خلال فترة الإمبراطورية الآشورية الحديثة (911-612 قبل الميلاد)، كان الميديون والفرس وسكان شرقي كوردستان الحالية خاضعين للآشوريين. تغيّر هذا الوضع في عهد الملك الميدي (كَيخاسرَو) الذي بتحالفه مع الملك البابلي (نبوبلاسر) و السكيثيين، هاجم ودمّر الإمبراطورية الآشورية بين عامَي 616 و 605 قبل الميلادd.

تبعاً لِرواية هيرودوت، كانت هناك 6 قبائل ميديةe. كانت هذه القبائل هي: قبائل (بوساي Busae) و (پاريتاسيني Paraetaceni) و (ستروخات Stru¬khat) و (أريزانتي Arizanti) و (بودي Budii) و (ماگي Magi). عاشت هذه  القبائل الست في مناطق ميدية واقعة في المثلث المحصور بين مدن (أكباتا) و(رَي) و(أسپادانا)f في وسط إيران الحاليةg وهي المنطقة الواقعة بين طهران وأصفهان وهمدان. إستقرت قبيلة (ماگي) في مدينة (رَي)h التي هي مدينة طهران الحاليةi. قبيلة (ماگي) كانت طبقة دينية مكرسة لعبادة الآلهة والتي كانت مؤلفة من الكهنة الذين كانوا يُلبّون الإحتياجات الدينية للميديينj. أقامت قبيلة (پاريتاسيني) في مدينة (أسپادانا) وفي محيطها والتي هي مدينة أصفهان الحاليةk, l. عاشت قبيلة (أريزانتي) الميدية في مدينة كاشان وحولهاm، بينما أقامت قبيلة (بوساي) في مدينة (أكباتانا "همدان الحالية") وفي محيطها، والتي أصبحت فيما بعد عاصمة للإمبراطورية الميديةm. عاشت قبيلة (ستروخات) و (بودي) في القرى الواقعة في المثلث الميديo.

في البداية كانت تعيش هذه القبائل منعزلةً عن بعضها ثم أسست الأُسَر الميدية حكومات محلية لإمارات صغيرة مستقلة لها، وكان قسم من هذه الإمارات تابع للسلطة الآشورية، والقسم الآخر كان إمارات مستقلة نوعاً ما وذلك خلال السنوات (1274 - 745 قبل الميلاد). هكذا فأنه في هذه المرحلة المبكرة، كان الميديون يعيشون في مناطق ومدن عديدة على شكل إمارات محلية صغيرة. يذكر هيرودت بأن الميديين كانوا أول مَن تمردوا على المملكة الأشورية، حيث كانوا يناضلون بكل إصرار من أجل تحرير أنفسهم وبلادهم من حُكم آشور. e

يسرد تقرير عسكري آشوري يعود لِسنة 800 قبل الميلاد، قائمةً تحتوي على أسماء 28  رئيس ميدي. تقرير آشوري آخر يعود لحوالي سنة 700 قبل الميلاد يذكر أسماء 26 رئيس ميدي. (Will Durant وAriel)  يقولان بأن الميديين كان  لهم 27 ملكاً يحكمون 27 مملكة والتي كان يُطلَق على سكانها إسم (أماداي Amadai) و (ماداي Madai) و (ميد Medes)p.

تم وصف منطقة (ميديا) من قِبل الآشوريين إبتداءً من نهاية القرن التاسع قبل الميلاد حتى بداية القرن السابع قبل الميلاد. الحدود الجنوبية لِميديا في تلك الفترة، كانت تُسمى المنطقة الإيلامية (سيماشكي Simaški ) والتي هي لورستان الحالية. كانت تحد ميديا من الغرب ومن الشمال الغربي جبال زاگروس ومن الشرق (دَشتي كاڤير Dasht-e Kavir). إمتدت منطقة ميديا على طول طريق خراسان العظيم من شرق (هرهر Harhar) الى (الوند Alwand)، وربما الى ما بعدها. كانت ميديا محصورة بين دولة (مانيا Mannea) من الشمال و(Ellipi) من الجنوبq. قد يكون موقع (هرهر Harhar) واقع في وسط أو شرق (ماهيدَشت Mahidasht) الواقعة في محافظة كرمنشاهr. تذكر المصادر الآشورية بأن بلاد (پاتوشَرّا Patušarra) كانت تقع في شرق وشمال شرقي بلاد ميديا. كانت بلاد (پاتوشَرّا) تقع بالقرب من سلسلة الجبال التي كان الآشوريون يسمونها (بيكني Bikni) ووصفوها بِ(جبل اللازَوَرد Lapis Lazuli Mountain) (اللازَوَرد هو حجر سماوي الزرقة). هناك آراء مختلفة حول موقع هذا الجبل. قد يكون موقع هذا الجبل في منطقة (دَماوند "طهران") أو منطقة (الوند "همدان"). هذا الموقع هو أقصى منطقة شرقية نائية التي عرفها الآشوريون أو وصلوا إليها خلال توسّعهم حتى بداية القرن السابع قبل الميلادs.

تم ذكر الميديين لأول مرة في عام 836 قبل الميلاد، حيث تذكر السجلات الآشورية بأن الملك الآشوري (شلمنصر الثالث) كان يتلقى إتاوة من الميديين خلال حروبه ضد القبائل الزاگروسية في محاولة منه لِقمع ثورات وإنتفاضات هذه القبائل. كما أن الملوك الآشوريين الذين حكموا بعد (شلمنصر الثالث)، قاموا بحملات عسكرية كثيرة ضد الميديين. كان الميديون في حروب مستمرة مع الإمبراطورية الآشورية، حيث كانت هـذه الإمبراطـورية في ذلك الوقت أقوى قوة في منطقة الشرق الأوسط وغربي آسيا التي تشمل كلاً من كوردستان والعراق وإيران وسوريا وتركيا وأذربيجان وأرمينيا الحالية. الإمارات الميدية التي كانت خاضعة للإمبراطورية الميدية، كانت تناضل من أجل تحرير نفسها من السيطرة الآشورية، حيث كانت تقوم بالإنتفاضات والثورات المستمرة ضد الحكم الآشوري. كانت المملكة الآشورية تقوم بِحمـلات عسكرية متواصلة على هذه الإمارات الميدية الثائرة لقمع إنتفاضاتها وثوراتها، حيث كانت تقوم بِقتل الميديين الثائرين وتدمير قراهم وبلداتهم ومدنهم، وتهجير سكان هذه الإمارات.

الملك الاشوري (تجلاتبليزر الثالث) جلب 85000 أسيراً ميدياً وأسكنهم في منطقة ديالى الواقعة في وسط العراق الحالي التي كانت تُشكّل المناطق الحدودية الجنوبية لبلاد آشور1، كما أنه إحتل عدداً كبيراً من المدن الميدية، مثل مدن ( شيركاري (Shirkari وأرض )نيشاي Naesian) التي هي المنطقة الواقعة في جنوب همدان وتشتهر بتربية قطعان الخيولt. يبدو أن هذا العدد الكبيرمن المدن التي إستولى عليها الملك الآشوري (تجلاتبليزر) قد شمل القرى والمستوطنات الزراعية الصغيرة بالإضافة الى المدن، حيث أن الآشوريين كانت لهم تسمية واحدة للقرية والمدينة والمقاطعة وضاحية المدينة وهي (أورو uru)u.

المصادر

1. طه باقر وآخرون (1980). تاريخ ايران القديم. بغداد، صفحة 38.

المراجع
 
a. Dandamaev, M. A.; Lukonin, V. G.; Kohl, Philip L.; Dadson, D. J. (2004), The Culture and Social Institutions of Ancient Iran, Cambridge, England: Cambridge University Press, p. 480, ISBN 978-0-521-61191-6, pages 2-3.
   
b. Zadok, Ran (2002), "The Ethno-Linguistic Character of Northwestern Iran and Kurdistan in the Neo-Assyrian Period", Iran 40: 89–151, doi:10.2307/4300620, ISSN 0578-6967, JSTOR 4300620, page 140.

c. Dandamaev, M. A.; Lukonin, V. G.; Kohl, Philip L.; Dadson, D. J. (2004), The Culture and Social Institutions of Ancient Iran, Cambridge, England: Cambridge University Press, p. 480, ISBN 978-0-521-61191-6, page 3.

d. Oppenheim,  A. Leo. Ancient Mesopotamia: portrait of a dead civilization. Chicago: University of Chicago Press. 1964. (reprint ISBN 0-226-63186-9).

e. Herodotus, with an English translation by A. D. Godley. Cambridge. Harvard University Press. 1920, 1.101.1.

f. Kuz'mina, Elena E. (2007), The origin of the Indo-Iranians, J. P. Mallory (ed.), BRILL, p. 303, ISBN 978-90-04-16054-5).

g. Oden, Scott (2006). Man of Bronze. Medallion Press, Inc., page 79.

h. Boyce, Mary (1982). A History of Zoroastrianism: Volume II: Under the Achaemenians. LEIDEN/KÖLN, E. J. BRILL, page 9.

i. Zumerchik, John and Danver, Steven Laurence (2010). Seas and Waterways of the World: An Encyclopedia of History, Uses and Issues. Volum 1, ABC-CLIO,LLC., PAGE 85.

j. Sabourin, Leopold (1973). Priesthood – Acomarative Study. Page 28.

k. De Bode, C. A. (Baron) (1845). Travels in Luristan and Arabistan, Volum 2, page 312.
 
l. Christensen, Peter (1993). The Decline of Iranshahr: Irrigation and Environments in the History of the Middle East 500 B.C. to A.D. 1500. AiO tryck, Museum Tusculanum press, University of Copenhagen, Denmark, page 131.

m. Levine, Louis D. (1973-01-01), "Geographical Studies in the Neo-Assyrian Zagros: I", Iran 11: 1–27, doi:10.2307/4300482, ISSN 0578-6967, JSTOR 4300482.

o. Thomson, James Oliver (1947). History of Ancient Geography - Biblo and Tannen. Birmingham University, Britain, page 292.

p. Durant, Will and Ariel (1935).  THE STORY OF CIVILIZATION. Page 385. 

q. Levine, Louis D. (1973-01-01), "Geographical Studies in the Neo-Assyrian Zagros: I", Iran 11: 119, doi:10.2307/4300482, ISSN 0578-6967, JSTOR 4300482.

r. Levine, Louis D. (1973-01-01), "Geographical Studies in the Neo-Assyrian Zagros: I", Iran 11: 117, doi:10.2307/4300482, ISSN 0578-6967, JSTOR 4300482.

s. Levine, Louis D. (1973-01-01), "Geographical Studies in the Neo-Assyrian Zagros: I", Iran 11: 118–119, doi:10.2307/4300482, ISSN 0578-6967, JSTOR 4300482.

t. D.D. Lucenbi. op.cit. p.85.

u. Halloran, Joan. a : Sumerian lexicon. Letter (u). www.sumerian.org.

  خارطة تُبين التغيّرات الحاصلة في حدود ميديا منذ نشأتها الى أن أصبحت إمبراطورية عظيمة.



رجلان ميديان




رَجلان ميديان يلبسان قُبّعات ورجلان فارسيان يلبسان عمّامات.

118
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (20) – أسلاف الكورد: الميديون

آثار الحضارة الميدية

د. مهدي كاكه يي


قبل التحدّث عن مواقع الآثار الميدية و الآثار الميدية المكتشفة، من المفيد توضيح أسباب قلة المعلومات المتوفرة عن الإمبراطورية الميدية. إن كوردستان هي مهد الحضارات البشرية ولذلك فأنها تزخر بِمعالم آثارية كثيرة، إلا أنه نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لِكيان سياسي بسبب إحتلال وطنه، كوردستان، فأن التاريخ الكوردي قد تعرض للإلغاء والتعتيم والسرقة والتزييف والتحوير من قِبل محتلي كوردستان. لِطمس التاريخ الكوردي والحضارة الكوردستانية، لم يقُم محتلو كوردستان بالتنقيب عن آثار أسلاف الكورد، حيث لا يزال قسم كبير من المواقع الآثرية لأسلاف الكورد غير مكتشفة ومُهمَلة ومتروكة وأن آثار الحضارات الكوردية المُكتشَفة تم إتلافها أو إهمالها من قِبلهم. قام محتلو كوردستان بالإستحواذ على قسمٍ من الآثار الكوردية والإدعاء بأنها تعود لهم. لهذه الأسباب نرى أن هناك معلومات قليلة عن حضارة أسلاف الكورد. قلة المعلومات عن الإمبراطورية الميدية وحضارتها تعود بشكلٍ رئيسي الى سرقة التاريخ والحضارة الميدية من قِبل الفرس الأخمينيين الذين أسقطوا الإمبراطورية الميدية.كما أن قسماً كبيراً من المواقع الأثرية الميدية مهملة و لم يتم التنقيب عنها وإكتشافها.

في لقاء مع مجلة (گوڵان العربي) يقول الدكتور عبد القادر مارونسي بأنه بعد إنتزاع الأخمينيين الحكم من الميديين، لم يبقَ أي أثر للحضارة الميدية، بإستثناء بضع كلمات قليلة، علماً أن المتخصصين في هذا المجال يعترفون بوجود حضارة وثقافة وتراث ميدي. يضيف المارونسي بأن الأخمينيين تقمّصوا التراث الميدي والحضارة الميدية وأن هذا هو رأي أساتذة متخصصين في هذا المجال أيضاً، منهم الدكتور (احمد تفضلي) الأستاذ بجامعة طهران. يمضي الدكتور المارونسي في حديثه و يقول بأن تقمّص الأخمينيين للحضارة والثقافة الميدية شبيهٌ بإنتقال الإرث الى الورثة، حيث ورث الأخمينيون اللغة والكتابة الميدية وديوان الإدارة من الميديين، كما ورثوا أساليب الحكم من الميديين، وورثوا الأعياد، والمناسبات الرسمية والشعبية منهم دون اية إشارة أو إعتراف بذلك1.

يخلص الدكتور المارونسي الى ان الأخمينيين طمسوا معالم الحضارة الميدية والتأريخ الميدي من خلال سرقتهم للحضارة الميدية والتاريخ الميدي والإدعاء بأن هذه الحضارة والتاريخ يعودان لهم. الإمبراطوريات التي تلت  الإمبراطورية الأخمينية، وخاصةً الامبراطورية الساسانية، إستمرت بدورها في سرقة التاريخ الميدي والحضارة الميدية1.

يذكر الدكتور المارونسي أيضاً بأن كثيراً من الآثار المكتشفة في همدان هي آثار ميدية تم تسجيلها بإسم الأخمينيين، ويشمل ذلك العديد من المباني والكتابات والجداريات وأنه يعتقد بأن كل ما ظهر حتى الآن في همدان يعود الى الحضارة الميدية1.

كما يذكر (ويل ديورانت) بأن الفرس أخذ عن الميديين لغتهم الآرية، وحروفهم الهجائية التي يبلغ عددها ستة وثلاثين حرفاً، وهم الذين جعلوا الفرس يستبدلون في الكتابة الرق والأقلام بألواح الطين، ويستخدمون في العمارة العمد على نطاق واسع. وعنهم أخذوا قانونهم الأخلاقي الذي يوصيهم بالإقتصاد وحُسن التدبير ما أمكنهم في وقت السلم، وبالشجاعة التي لا حد لها في زمن الحرب؛ ودين زردشت وإلهية (آهورامزدا) و(أهرمان) ونظام الأسرة الأبوي وتعدد الزوجات وطائفة من القوانين2. كما يذكر (ستروناچ Stronach) بأن الآثار الميدية والأخمينية متشابهة، حيث إقتبس الأخمينيون كل ما كان يملكه الميديونa. يقول هيرودوت أيضاً بأن الفرس إقتبسوا الخط المسماري من الميديين، كما أن اللغة الأدبية الفارسية تأثرت كثيراً باللغة الميدية ويبدو أن الزي الميدي كان في غاية الأناقة بمقاييس ذلك العصر الى درجة أن الزي الميدي كان معروفاً على النطاق الإقليمي والعالمي وكان معظم الفرس يلبسون الملابس الميدية والحُلي الميديةb.

يذكر (ستروناچ Stronach) بأنه تم إكتشاف مواقع أثرية ميدية بعد الستينات من القرن العشرين وأن الحفريات الأثرية تركّزت فقط في المنطقة المعروفة بالمثلث الميدي الذي يشمل المنطقة التي تحدها مدينة همدان و(ملاير) الواقعة في محافظة همدان و (كَنگاور Kangāvar) الواقعة في محافظة كرمنشاهa. كما يذكر (دياكونوف) بأن آثار المدن والحضارة الميدية القديمة لا تزال باقية تحت الأنقاض وليست هناك أية نصوص عن الحكم الميدي لمعرفة ميديا ودولتهاc.

المواقع الأثرية

تم إكتشاف مواقع أثرية ميدية بعد الستينات من القرن العشرينa، حيث تركّزت الحفريات الأثرية في المنطقة المعروفة بالمثلث الميدي الذي يشمل المنطقة التي تحدها مدينة همدان و(ملاير) الواقعة في محافظة همدان و (كَنگاور Kangāvar) الواقعة في محافظة كرمنشاهa. 
ثلاث مواقع أثرية رئيسية في وسط غرب ايران في فترة العصر الحديدي الثالث ( 850-500 قبل الميلاد) هيd:

1. تَپە (نوشي جان Tepe Nush-i Jan)
وهي في المقام الأول موقع أثري ديني. يقع الموقع على بعد 14 كيلومتر غرب (ملاير Malāyer) في محافظة همدانa. بدأت الحفريات فيه في سنة 1967 بإدارة (د. ستروناچ D. Stronach)e. لا تزال هناك بقايا أربعة مباني رئيسية في الموقع التي تحتوي على المعبد المركزي و المعبد الغربي والحُصن والقاعة العمودية التي، حسب قول (ستروناچ) أنه من المرجح تم بناؤها بإسم طبقة الكهنة قبل النصف الأول من القرن السادس قبل الميلادf. يذكر (ستروناچ) بأن المعبد المركزي، بِتصميمه الصارخ، يعطي تعبيراً واضحاً عن المعتقد الديني وإقامة الشعائر الدينيةf. لقد تم العثور على عدد من السيراميك لِلشاقول الأفقي (ميزان البنائين) الميدي في تل (نوشي جان) الذي يعود الى عهد  توطيد الميديين لنفوذهم في مناطق همدان (النصف الثاني من القرن السابع قبل الميلاد). هذه المكتشفات تُظهِر أربع تركيبات مختلفة معروفة بإسم "خزف شائع" (أصفر برتقالي أو أصفر شاحب أو أحمر فاتح مع سبيكة لِمادة شبه زجاجية (mica) من الذهب أو الفضة، بما في  ذلك جرّات ذات أحجام مختلفة، أكبرها هو نوع من أنواع الحاويات الكبيرة المضلعة (صورة 1، 2، 3). تم أيضاً إكتشاف أواني أكثر إتقاناً، ذات حجوم أصغر و ذات ألوان رمادية (صورة 4). هذه الأواني ذات سطوح ناعمة ولمّاعة. في هذا الموقع، تم العثور أيضاً على مصنوعات يدوية مثل أدوات الطبخ وأواني سهلة الكسرf.

2. تَپە (گودين Godin Tepe)

فيه قصر مُحصّن لِملِك ميدي أو رئيس عشيرة. يقع هذا الموقع الأثري 13 كيلومتر شرقي مدينة  (كَنگاور Kangāvar)، على الضفة اليسرى لنهر (گاماس Gamas). بدأت الحفريات في هذا الموقع في سنة 1965 بقيادة (يونگYoung ) والتي طبقاً لِقول (ستروناچ Stronach) يُظهِر هذا الموقع بِوضوح منشآت مهمة تعود للعصر البرونزي التي تم السكن فيها من جديد قبل بداية العصر الحديدي الثالث. الحفريات التي قام بها (يونگ) تشير الى بقايا جزء من مسكن يعود لِحاكم ميدي محلي الذي أصبح فيما بعد حاكماً مُهماًa. هذا المسكن مشابه لتلك البيوت التي تشير إليها المصادر الآشوريةd.

3. موقع (بابا جان Baba Jan)
قد يكون هذا الموقع مقر حاكم قبلي ميدي أقل شأناً. يقع الموقع الأثري في شمال شرق لورستان، يبعد حوالي 10 كيلومترات من مدينة (نورآباد) الواقعة في محافظة لورستان. في سنوات 1966-1969 تمت الحفريات في هذا الموقع من قِبل (گوف C. Goff). قد تعود الطبقة  الثانية لهذا الموقع الى القرن السابع قبل الميلادg. تتشابه هذه المصادر (في الخصائص الثقافية) وتختلف فيما بينها في جوانب أخرى بسبب وجود إختلافات وظيفية وتنوع القبائل الميديةd. بُنية هذه الإكتشافات الأثرية، التي تعود على الأرجح لفترة الحكم الميدي، تُظهِر وجود صلة بين تقليد القاعات العمودية المخصصة للمقابلات الرسمية الذي غالباً ما تُشاهَد في إيران الأخمينية، على سبيل المثال في (پیرسیپولیس Persepolis "تخت جمشيد") وكذلك في إيران الصفوية، على سبيل المثال في "قاعة الأعمدة الأربعين" التي تعود الى القرن السابع عشر الميلادي، وبين العمارة الميديةd.

المواد التي تم العثور عليها في تل (نوشي جان) وتل (گودين) ومواقع أثرية أخرى واقعة في الإمبراطورية الميدية، الى جانب النقوش الآشورية، تُظهِر وجود مستوطنات حضرية في ميديا في النصف الأول من الألفية الأولى قبل الميلاد والتي كانت تعمل كمراكز لإنتاج الحِرَف اليدوية وكذلك مراكز للإقتصاد الزراعي وتربية الأبقار من النوع الثانويh. للتوثيقات التأريخية الأخرى، الأدلة الأثرية نادرة والتي الى جانب السجلات المسمارية الآشورية، تجعل من الممكن تسجيل جانبٍ من التأريخ المبكر للميديين، دون أخذ معلومات (هيرودوتس) بنظر الإعتبارi.

4. تَپە هكمتانة (تل هكمتانه):
ما زالت آثار عاصمة الإمبراطورية الميدية (هكمتانه أو جەمەزان) باقية وهذه المدينة التي يظهر قسمها الشرقي من تحت الارض، تكشف عن نظام معماري متقدم الذي قام بتصميمه معماريون متخصصون. إن بناء مدينة مُحكمة وحصينة وجعلها عاصمة للإمبراطورية ومركزاً لِخزينتها، مثل (جەمەزان) لا يتم إلا من قِبل ملك مُقتدِر. كما أن المدينة بِقلاعها وأبراجها الدفاعية تدل على إتخاذ الميديين الحيطة والحذر من إعتدءات الدول المجاورة لها. تكمن أهمية (تل هكمتانه) كونها تضم تحتها أطلال عاصمة الميديين. التل بيضوي الشكل وتبلغ مساحته حوالي ثلاثين هكتاراً. في أطراف التل، هناك أكثر من عشرة هكتارات تم إنشاء بيوت سكنية فيها. هناك شارع يُقسّم (تل أكباتان) الى قسمين، شرقي وغربي. مدينة (جەمەزان) هي مدينة ضخمة وتتميز بأسوارها النادرة التي تتألف من سبع أسوار عالية وعريضة على شكل صفوف متراصة وهي تحيط بالمدينة. السور السابع هو أعلى من السادس والسادس هو أعلى من الخامس وهكذا بالنسبة الى الأسوار الباقية (صورة 5، 6).

 (جەمەزان) تعني (مكان الإجتماع) في اللغة الكردية وإستُخدمت أحياناً إسم "هيكمەتانا"، إلا أنها إشتهرت بإسم "آكباتان" وهذه التسمية أطلقها عليها اليونانيون وقد تم تثبيتها في المراجع اليونانية بهذا الإسم. كما أن كلاً من "زينفون" و"هيرودوت" وغيرهما، يشيرون إليها بهذه التسمية وأن موقعها يقع بالقرب من مدينة (همدان) الحالية ومصادر أخرى تذكر بأن مدينة همدان الحالية هي نفسها مدينة (آكباتان) الميدية.
       
الأسد الصخري في همدان
من الآثار الميدية المتبقية في همدان هو تمثال الأسد الصخري العملاق الذي ينسب الى الملك الميدي دياكو (صورة 7). ينتصب الأسد الصخري في إحدى الساحات العامة في مركز مدينة همدان. طول التمثال هو 5.2 متراً وعرضه 1.15 متراً وإرتفاعه 2.1 متراً. كان يُطلق على المنطقة التي يوجد فيها الأسد، باب الأسد. يُلاحظ في الصورة أن أقدام الأسد مكسورة  وتقول بعض المصادر بأن لبوة صغيرة كانت موجودة الى جوار الأسد الصخري، إلا أنها لم تعد موجودة الان. هناك تماثيل أخرى للأسود، منها تمثال لِأسدَين مجنحين لهما رأسان على هيئة إنسان (صورة 8).

 
 هناك مواقع أثرية أخرى للحضارة الميدية، حيث تم العثور في (كهف شهرزور) الواقعة في محافظة السليمانية في جنوب كردستان على قبر الملك (كَيخاسرَو( وعلى رسومات عديدة1. كما وجِد في هذا الكهف على تمثال ذو أربعة أجنحة لِشخص محفور على حجر، عليه صورة كوكب الزهرة التي تدل على الآلهة أناهيتا، وللقمر الدال على الآلهة ( ميثرا(، وللشمس الدالة على (أهورامزدا(، بالإضافة إلى صورة كاهن من الموغ أمام موقد نار1. في كهف آخر في منطقة (دوكان) في جنوبي كوردستان، تم العثور على قبر الملك الميدي أستيا گ. في جنوبي بحيرة (أورمية) في شرقي كوردستان، تم إكتشاف آثار (فاهريكا) حيث أن قبور الأمراء الميديين قائمة على سفوح الجبل وتم تزيين أحد القبور بِنقوش تصوّر شخصاً يقبض على حزمة من الأغصان وهو يناجي. يبدو أن هذه الرسوم تُصوّر الإحتفالات الدينية الميدية.

بالإضافة الى المواقع الأثرية المذكورة أعلاه، كانت هناك مدن ميدية أخرى، منها (لاودسيا Laodicea ) ( نهاوند الحالية) و(Rhages رَي ) الواقعة على مشارف مدينة (رَي) في جنوب مدينة طهران و مدينة (أپاميا Apamea) الواقعة بالقرب من (أكباتانا) التي موقعها غير معروف بشكل دقيق. خلال الفترات اللاحقة، فأن الميديين وخاصة الجنود منهم قد  تم التعرّف عليهم في المواقع الأثرية الميدية، مثل موقع (بيرسيبوليس Persepolis "تخت جمشيد")، والذي يشير الى أنه كان لهم دوراً ووجوداً رئيسياً في جيش الإمبراطورية الأخمينية الفارسية.

المصادر

1. الدكتور عبد القادر مارونسي. مجلة گوڵان العربي، 2000.

2. ويل ديورانت (1988). قصة الحضارة. ترجمة الدكتور زكي نجيب أحمد، االمجلد الأول، الجزء الثالث، صفحة 604.

المراجع

a. Stronach, David (1982), "Archeology ii. Median and Achaemenid", in Yarshater, E., Encyclopaedia Iranica 2, Routledge & Kegan Paul, pp. 288–96, ISBN 978-0-933273-67-2.

b. Herodotus : the history of Herodotus . translated by Harry Carter ( London – 1962).

c. Diakonoff, I. M. "Media ."In The Cambridge History of Iran, Vol. 2: 36-148. Cambridge University Press, Cambridge, England, 1985.

d. Young, T. Cuyler (1997), "Medes", in Meyers, Eric M., The Oxford encyclopedia of archaeology in the Near East 3, Oxford University Press, p. 449, ISBN 978-0-19-511217-7.

e. Stronach, David (1968), "Tepe Nush-i Jan: A Mound in Media", The Metropolitan Museum of Art Bulletin, New Series 27 (3): 179, doi:10.2307/3258384, ISSN 0026-1521, JSTOR.

f. Stronach, David (1982), "Archeology ii. Median and Achaemenid", in Yarshater, E., Encyclopaedia Iranica 2, Routledge & Kegan Paul, p. 290, ISBN 978-0-933273-67-2.

g. Henrickson, R. C. (1988), "Baba Jan Teppe", Encyclopaedia Iranica 2, Routledge & Kegan Paul, ISBN 978-0-933273-67-2.

h. Dandamayev, M. and Medvedskaya, I. (2006), "Media", Encyclopaedia Iranica Online Edition.

i. Young, T. Cuyler (1997), "Medes", in Meyers, Eric M., The Oxford encyclopedia of archaeology in the Near East 3, Oxford University Press, p. 448, ISBN 978-0-19-511217-7.
   

 
صورة 1. إناء على شكل رأس خروف مصنوع من الذهب يعود للإمبراطورية الميدية (أواخر القرن السابع و بداية القرن السادس قبل الميلاد). موجود في المتحف الوطني الإيراني.


صورة 2. إناء على شكل رأس ثور مُطرّز بالذهب يعود للقرن الثامن قبل الميلاد. الإناء موجود في المتحف الوطني في وارشو، پولندا.


صورة 3. إناء على شكل رأس ثور مُطرّز بالذهب يعود للقرن الثامن قبل الميلاد. الإناء موجود في المتحف الوطني في وارشو، پولندا.




صورة 4. إناء على شكل رأس خروف مصنوع من الذهب يعود للإمبراطورية الميدية (أواخر القرن السابع و بداية القرن السادس قبل الميلاد).




صورة 5. أنقاض مدينة أكباتانا



صورة 6. أنقاض مدينة أكباتانا




صورة 7. الأسد  الصخري في همدان





صورة 8. أسدان مجنحان لهما رأسان على هيئة إنسان





119
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (19) – أسلاف الكورد: الميديون

د. مهدي كاكه يي

أصل الميديين

2. نظرية كون الميديين السكان الأصليين لكوردستان


في الحلقة السابقة تم الحديث عن النظرية التي تقول بأن الميديين قد هاجروا الى كوردستان الحالية في حوالي سنة 1100 قبل الميلاد وإستقروا هناك وإمتزجوا مع السكان الأصليين. في هذه الحلقة يتم عرض النظرية الثانية التي تقول بأن الميديين هم من السكان الأصليين لكوردستان ولم يهاجروا إليها.

يذكر البروفيسور الأمريكي (Albert Olmstead) المختص بالتأريخ الآشوري والشرقي، بأن موطن الشعب الميدي كان جبال زاگروس وكان على صلة القرابة مع الشعوب الآرية الوافدة وكانت لغتهم هي إحدى اللهجات الآرية، حيث كانوا قبائل رحل، ثم إستقروا في الجبال والوديان وأنشأوا القرى والمدن على سفوح الجبال في الأماكن المطلة على الوديان (مصدر a). كما يذكر الأستاذ كيو موكرياني بأن عالم الآثار (دومركان) يقول بأن الميديين كانوا موجودين في كوردستان منذ أكثر من 2000 سنة قبل الميلاد وأسسوا إمبراطوريات وسلطنات كثيرة وعُرفت عن حروبهم وشهرتهم وتفوقهم منذ سنة 700 قبل الميلاد (مصدر 1).

يقول المؤرخ الإيراني (حسن پيرنيا) بأن الموطن الأصلي للشعب الميدي هو آذربيجان وكوردستان والعراق العجمي، ثم أخذ هذا الشعب يسعى لتوسيع سلطاته إبتداءً من نهر (هاليس) الذي يصب في البحر الأسود و الواقع قرب مدينة أنقرة الحالية، حتى (باختر) أي (أفغانستان) ومن بحر قزوين حتى فارس وخوزستان (مصدر 2). يقول السيد حسن پيرنيا في صفحة 56 من كتابه بأن العراق العجمي كان يضم المقاطعات التالية: كروس وهمذان وكرمنشاه وقزوين وعراق وأصفهان ونهاوند والري حتى دربند بحر قزوين الذي كان حداً فاصلاً بين الميديين والپارث.

يذكر (زنيفون) بأنه لم ينجُ من تعرض (الكوردوئيين) له في طريقه من (أشورية) الى (طرابزون). هذا يعني بأن الشعب الكوردي في أواخر القرن الخامس قبل الميلاد أي بعد سقوط الإمبراطورية الميدية، لم يشمل موطنه جميع المناطق الممتدة من منبع الزاب الكبير الى قرب سواحل البحر الأسود. هذا دليل على أن الشعب الكوردي لم يكن شعب حديث وافد الى كوردستان، بل أنه كان له إسم آخر قبل القرن السابع قبل الميلاد بمدة كبيرة جداً. إذا صحّت نظرية قدوم قوم آخر (الميديون) من الشعب الكوردي الى كوردستان، فأن ذلك القوم يكون قد إلتقى بأصوله القديمة وإندمج فيها.

عاش المؤرخ (بيروسوس Berosus) في القرن الثالث قبل الميلاد وكان كلدانياً ورجل دين بابلي و مطّلعاً على الوثائق البابلية. يذكر هذا المؤرخ البابلي بأن الميديين كانوا يحكمون بابل منذ بداية الحكم البابلي وأن من بين 86 ملكاً بابلياً، كان 84 منهم من الميديين و 2 منهم فقط كانوا من الكلدانيين وهذا حصل قبل أكثر من 3000 سنة قبل الميلاد (مصدرb ، c). يستطرد المؤرخ (بيروسوس) قائلاً بأن المجموعة الثانية من حكام بابل كانت جميعهم من الميديين و تألفت من 8 ملوك حكموا بابل لمدة 224 سنة. هذا الكلام يُثبت بأن الميديين كانوا السكان الأصليين للمنطقة وأنهم حكموا بابل قبل مجئ الساميين الى بلاد ما بين النهرَين بآلاف السنين. كما أن (بيروسوس) قام بنقل المعلومات عن أصل البابليين الى اليونانيين (مصدر d)، حيث أنه كان يجيد اللغة اليونانية وهذا يؤكد على أن كتابات (بيروسوس) كانت معتمدة على وثائق بابلية موثوقة. 

كما يذكر العالم المختص بالسومريات (صمويل كريمر) بأن العصر الذي سبق العهد السومري بدأ على هيئة حضارة قروية زراعية أدخلها "الإيرانيون" من الشرق (أسلاف الكورد الزاگروسيين) الى جنوب العراق الحالي (مصدر 3). هذا القول يؤكده المؤرخ البروفيسور (سپايزر Speisere) في صفحة 99 من كتابه المعنون "شعوب ما بين النهرين"، حيث يقول بأن العناصر الگوتية (أسلاف الكورد) كانت موجودة في جنوب العراق قبل تأسيس سومر وأسسوا بلاد سومر فيما بعد وشكلوا الحكومات فيها (مصدر e). كما نرى فأن المؤرخ الكلداني البابلي (بيروسوس) يطلق إسم (الميديين) على الشعب الذي حكم بلاد بابل، بينما يطلق الپروفيسور (سپايزر) عليهم إسم (الگوتيين). هذا يؤكد بأن الگوتيين والميديين كانوا شعباً واحداً ومن المرجح جداً أن الميديين كانوا إحدى القبائل الگوتية.

البابليون في الألف الثالث قبل الميلاد، كانوا يرون السومريين والگوتيين والميديين كشعب واحد. إن التشابه بين اللغات السومرية والگوتية والميدية والكوردية يدعم أن الشعوب السومرية و الگوتية والميدية والكوردية لها أصل واحد. الملابس التي كان السومريون يلبسونها متشابهة لتلك التي كان الميديون يلبسونها وهذا دليل آخر على صلة القرابة بين السومريين والميديين وأنهم كانوا ينتمون لِشعب واحد.

يقول الأستاذ (توماس بوا) بأن الكاشيين كانوا قبيلة ميدية أدخلت معها الحصان إلى المنطقة، ويعتقد بأن الميديين أول من أدخلوا ركوب الحصان إلى بلاد الرافدين، وهم الأجداد الأقدم للشعب الكوردي (مصدر 4). هكذا نرى بأن المؤرخين وعلماء الآثار يخلطون بين الأقوام التي كانت أسلاف الكورد ومن خلال إطلاق تسميات مختلفة على الأقوام الزاگروسية، يستنتج المرء بأن كل تلك الأسماء هي أسماء لقبائل زاگروسية تنتمي لِشعب واحد. 

عندما قرر الفرس أن يحتلوا بلاد بابل، طلب الملك الفارسي (كوروش) من الملك (گۆبرياس Gobryas) أن يغزو بابل. السجلات اليونانية والفارسية تذكر بأن الملك (گۆبرياس Gobryas) هو ملك ميدي، بينما تذكر السجلات البابلية بأن هذا الملك كان ملكاً گوتياً (مصدر f). كما أن اليهود يذكرون بأن الملك (گۆبرياس) كان ملكاً ميدياً. يذكر البابليون في سجلاتهم أسماء الأمم وليست أسماء القبائل والعائلات و لذلك يقولون بأن الملك (گۆبرياس) كان ملكاً گوتياً وهذه دلالة على أن الميديين كانوا قبيلة تنتمي للشعب الگوتي.

يذكر (هيرودوت) بأن الجميع كانوا يطلقون إسم (آريون) على الميديين في الأزمنة القديمة (مصدر g). اليونانيون و الرومان عادةً يُغيّرون حرف (ھ) الى حرف (ا)، على سبيل المثال يذكر (دياكونوف) في صفحة 127 من كتابه بأن اليونانيين كتبوا إسم منطقة (هاريا Haria) التي كانت ضمن بلاد ميديا، بشكل (آريا Aria) (مصدر h)، حيث غيّروا حرف الهاء الى حرف الألف، لذلك ليس مستبعداً أن يكون الإسم (آريا Aria) هو (هوري أو هوريا) وأن (هيرودوت) قد غيّره الى (آري) (مصدر 5).هذا يشير الى أن الميديين في السابق كانوا يُسمّون أنفسهم (هوريين) وأن الميديين كانوا عائلات أو قبيلة هورية (خورية) حاكمة وأن الساميين كانوا يرون أن هذه العائلات أو القبائل تنتمي الى أمة واحدة، حيث تفاعلَ وإندمج السومريون والگوتيون والهوريون والميديون مع البعض. تأكيداً على كون الشعوب المذكورة كانت تنتمي الى أمة واحدة وأنها عبارة عن سلالات لأسلاف الشعب الكوردي، فأن وثيقة خطة عمل الملك الساساني (أردَشير پاپَگان Ardashir Papagan) التي مكتوبة باللغة الپهلوية ومكتوبة في القرن السادس الميلادي، تتحدث عن حروب (أردَشير پاپَگان) التي دارت في القرن الثالث الميلادي ضد ملوك كورد. تذكر هذه الوثيقة بأنه بعد أن قام الملك (أردَشير) بِقتل الملك الأشكاني (الپارثي) (أردَوان الخامس)، جمعَ جيشاً كبيراً في منطقة (زابول) وتم إرسال هذا الجيش لمحاربة الملك الميدي الكوردي (مصدر 6). في المصادر الأرمنية التي تعود الى القرون الوسطى، تتم الإشارة الى الكورد على أنهم قبائل ميدية (مصدر i). بعد القرن الثالث الميلادي، يُلاحظ في المصادر العائدة لسكان المنطقة بأنه تم تغيير إسم ال(گوتيين) الى (كورد) وأنه في المصادر الأرمنية أيضاً تمّ إستعمال (الكورد) و(الميديون) بدلاً من (الگوتيون).

منذ القرن التاسع قبل الميلاد، كان الآشوريون يخلطون بين الگوتيين والميديين والذي يظهر بأنهم كانوا يرون الگوتيين كشعب بينما يرون الميديين كعائلة أو قبيلة گوتية. في السجلات البابلية، يتم ذكر الملك الميدي (گوبرياس) كملك گوتي ويذكر (گوبرياس) نفسه بأن (السومريين) و (الگوتيين) هم (ميديون). يذكر (هيرودوت) بأن الميديين قد أسسوا إمبراطورية كبيرة وكانوا في السابق يُطلق عليهم إسم "آريين" (هوريين)، حيث كانوا يحكمون شعوب قارة آسيا (مصدر j) . في سجل الملك الساساني (أردَشير پاپَگان) الذي هو مكتوب باللغة الپهلوية، يروي هذا الملك حادثة حصلت في القرن الثالث الميلادي وفيه يتحدث عن الملوك الميديين الكورد، حيث أنه يتم فيه إستعمال مصطلح (الكورد الميديين) بدلاً من (الگوتيين) و (الميديين).

بعد الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة، كان إسم (الميديون) باقياً في مناطق همدان وكرماشان ودينَوَر حتى حلول القرون الوسطى. تلك المناطق كانت تُسمّى (ماه كوفة) و (ماه بصرة). في المصادر الإسلامية تتم تسمية المناطق الميدية القديمة المهمة بإسم (ماهات) (مصدر k)، بينما هذه المصادر تُطلق إسم (الكورد) على سكان بلاد ميديا. على سبيل المثال، في القرن التاسع الميلادي، يذكر اليعقوبي، عند حديثه عن الأمم، بأن سكان (إقليم الجبل) هي (بلاد الكورد) التي هي نفس بلاد ميديا. في القرن الحادي عشر الميلادي، محمود كاشغري، في خارطة العالم التي رسمها، يُسمّي بلاد ميديا ب(أرض الأكراد).

بعد القرون الوسطى، تذكر المصادر الأرمنية إسم (الكورد الميديون) في مناسبات عديدة و في بعض الأحيان النصوص الكوردية في هذه المصادر تُسمّى نصوص ميدية (مصدر l). بالنسبة الى المصادر الغربية، مثلاً يُسمّي (بنيامين تيدولاBenjamin of Tudela ) كوردستان ببلاد الميديين ولا يذكر إسم (الكورد) بل يستعمل إسم (الميديين) بدلاً منه (مصدر m)، بينما السكان الذين يُسمّيهم (تيدولا) ب(ميديين) يُسمّون في معظم الكتب التاريخية الإسلامية بإسم (الكورد) و تتم تسمية (بلاد ميديا) بإسم (كوردستان). في القرن الثالث عشر الميلادي، تم ذكر إسم (كوردستان) لأول مرة من قِبل المؤرخين الغربيين، حيث ذكر (ماركو پولو) إسم (كوردستان) (مصدر n).

كما نرى، فأن نظرية كون الميديين هم السكان الأصليين لكوردستان الحالية، المستندة على الكثير من الوثائق والمصادر القديمة الرصينة، تُفنّد الآراء القائلة بأن الميديين لم يكونوا من السكان الأصليين لكوردستان. من خلال هذه المصادر المعتبرة، يتأكد المرء بأن جذور الشعب الميدي مترسخة في أعماق كوردستان وبلاد ما بين النهرين منذ ما قبل التأريخ، قبل هجرة الساميين الى المنطقة بآلاف السنين.

3. الكورد هم أحفاد الميديين

يذكر كل من المؤرخ الإيراني (حسن پیرنیا) و العلامة الكوردستاني مسعود محمد بأن لغة الميديين هي لغة الشعب الكوردي الحالية (مصدر 7، 8)، حيث يذكر (حسن پیرنیا) في صفحة (57) من كتابه المعنون (تاريخ إيران منذ العهود القديمة الى سقوط الدولة الساسانية) بأن كتاب زرادشت المقدس (آڤێستا) مكتوب باللغة الميدية. يضيف (پیرنیا) بأن هناك مؤرخون و مستشرقون يعتقدون بأن اللغة الكوردية المعاصرة مشتقة من اللغة الميدية (مصدر 7). كما يذكر العلامة مسعود محمد في كتابه المعنون (لسان الكُرد) بأن العشائر الكوردية الموكريانية لا تزال تحتفظ باللغة الميدية، حيث أن اللهجة التي يتكلمون بها هي اللغة الميدية (مصدر 8). المؤرخ الإيراني (موسى نثري همداني) يذكر بأن لغة الميديين هي لغة كوردية (مصدر 9).

يقول المؤرخ (سايس) بأن الشعب الميدي كان يتألف من عشائر كوردية كانت تقطن شرقي مملكة آشور، حيث كانت حدود موطنها تمتد الى جنوبي بحر قزوين و كانت غالبية هذا الشعب من الهندوأورپيين (مصدر 10). كما أن المستشرق الروسي فلاديمير مينورسكي، في بحثه (مادة الكرد) المنشور في دائرة المعارف الاسلامية في عام 1905، يذكر بأن الكورد هم أحفاد الميديين. يقول السير (ولسون) بأن الكورد هم أحفاد الميديين (مصدر o). كما أن (حسن پیرنیا) يذكر في كتابه المعنون (إيران قديم) بأن الميديين هم من الشعوب الآرية وهم أجداد الكورد (مصدر 2). يقول ابن خلدون بأن الكورد منحدرون من الميديين (مصدر 11).

يذكر المؤرخ محمد أمين زكي بأنه من المرجح أن النايريين الذين هم أسلاف الميديين كانوا عشيرة تؤلف قسماً من أقوام (سوبارو) و (گوتو) وثم تغلبوا على جميع أقسام وعشائر هذين الشعبَين وحلّ إسم (نايري) محل إسم كل من (سوبارو) و (گوتو) (مصدر 12). يظهر أن القرى والعشائر في منطقة (نايري) بمقاطعة (شمدينان) الواقعة في شمال كوردستان هي آثار باقية من ذلك الشعب القديم، أي الشعب النايري (مصدر 13). كما يذكر المستشرق (تورودانجين) أن منطقة (نايري) أو (هوبشكيا) هي وادي (بوتان) والذي كان يُشكّل القسم الشرقي من بلاد النايريين (مصدر 14). يقول (ميجرسون) أنه في القرن الخامس عشر والثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب النايري، الذي هو سلف الشعب الميدي، يعيش في القسم الأوسط من كوردستان وأن هذا الشعب حمل إسم (الكورد) فيما بعد (مصدر p). يضيف (ميجرسون) بأنه في أيام مجد الشعب النايري وتفوقه كان هذا الشعب على جانب كبير من القوة والسلطان اللتين كان لهما شأن ظاهر في إلقاء الرعب والهيبة في قلوب جميع الشعوب والأمم المجاورة له.

المصادر

1. كيو موكرياني (1961). فەرهەنگى مەهاباد. چاپى يەكەمين، هەولێر، چاپخانەى كوردستان (باللغة الكوردية). 

2. حسن پيرنيا (1929). ايران قديم، طهران، صفحة 168 (باللغة الفارسية).

3. (صمويل كريمر (1970). من ألواح سومر، ترجمة طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، صفحة 356).

4. (توماس بوا (2001). تاريخ الأكراد. ترجمة: محمد تيسير ميرخان، الطبعة الأولى، دار الفكر، دمشق، صفحة 20.

5. سۆران حەمەڕەش (2013). كورد كێیە؟ مێژووی كورد و ڕەچەڵەكی زمانەكەی لە سەرەتای شارستانییەوە هەتاوەكو سەدەی دەیەمی زاینی. چاپی یەكەم، لەندەن، YPS-Publishing، ، لاپەڕە 11، په‌راوێزی 4) (باللغة الكوردية).

6. توفيق وهبي بك (2006). الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، سليمانية، كوردستان، صفحة 17)

7. حسن پیرنیا (1927) تاريخ إيران منذ العهود القديمة الى سقوط الدولة الساسانية، الطبعة الثانية (باللغة الفارسية).

8. مسعود محمد (1987). لسان الكُرد، مطبعة الحوادث.

9. موسى نثري همداني (1389ق "2000م"). عشق وسلطنت. ناشر: سمير –  گسترش فرهنگ، چاپ 1 (باللغة الفارسية).

10. م. سايس (1918). التاريخ العام للمؤرخين، الجزء الثاني.

11. عبد الرحمن بن محمد إبن خلدون (2004). العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. مطبعة دار الفجر في التراث، القاهرة.

12. محمد أمين زكي (1961). خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، القاهرة، صفحة 70-71.

13. فلاديمير مينورسكي (1929). الكرد وكردستان. موسوعة الإسلام، دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة.

14. تورودانجين (1912). رابطة الغزوة الثامنة من غزوات الملك سرجون، باريس.
a. Olmstead, Albert. T. (1923). History of Assyria. Chicago, USA, page 75.

B. Lewis, George Cornewall (1982). An historical Survey of the astronomy of the ancients. Parker & Bourn, London, page 403.

c. Niebuhr, Barthold George (1852). The Life and Letters of Barthold George Niebuhr Vol. 3; With Essays on His Character and Influence. Chapman and Hall, London, page 241.

d. Breasted, James Henry (1916). Ancient Times — A History of the Early World. Boston, The Athenæum Press.

e. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia, USA.

f. m. Horner, Joseph (1901). Daniel, Darius the Median. Cyrus the Great: A chronologico-historical study: based on results of resent researches, and from sources Hebrew, Greek, cuneiform, etc., New York, USA.

g. Rawlinson, George, Rawlinson, Henry and Wilkison, J. C. (1861). The History of Herodotus. New York, D. Appleton & Company 443 & 445 Broadway.

h. Diakonoff, I. M. (1985). The Cambridge History of Iran: Media, Cambridge University Press, Cambridge.

i. n. Asatrian, G. (2009). Prolegomena to the Study of the Kurds, Iran and the Caucasus, Vol. 13, pp. 1–58,. (p. 21).

j. Herodotus (1860). The history of Herodotus. Vol. 4, J. Murray, London

k. Browne, Edward G. (1919). A literary history of Persia: A literary history of Persia from the earliest times until Firdawsi. T. Fisher Unwin Ltd, London, page 19.

l. Cook, J. M. (1985). The Cambridge history of Iran: The Median and Achaemenian periods. Vol. 2: The rise of the Achaemenids and the Establishment of their Empire. Cambridge University Press, Cambridge, page 212.

m. Benjamin of Tudela. The Itinerary of Benjamin of Tudela: Travels in the Middle Ages. Trans. Marcus Nathan Adler. Introductions by Michael A. Signer, Marcus Nathan Adler, and A. Asher. Published by Joseph Simon/Pangloss Press, 1993. ISBN 0-934710-07-4.

n. Marco polo and Murray, Hugh (1845). The travel of Marco Polo. Oliver & Boyd, Edinburgh, Scotland, page 229. 

o. Lient Colonel Wilson (1917-1920). Mesopotamia, London.

p. Soane, E. B. (1912). Mesopotamia and Kurdistan in disguise. London.

mahdi_kakei@hotmail.com


120
إمتداد الجذور التأريخية للشعب الكوردي في أعماق كوردستان - 3 (3)

د. مهدي كاكه يي

في الحلقتين السابقتين تم التطرق الى ظهور إسم (كوردستان) وإسم (الكورد) خلال التأريخ القديم. كما تم التحدث عن أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين والميديين ووجود الكتابة الكوردية قبل ظهور الإسلام وكون اللغة الكوردية لغة رسمية في بلاد ما بين النهرَين الى أن تم إلغاؤها من قِبل الحجاج بن يوسف الثقفي في عهد الخليفة الأموي عبد الملك بن مروان. كما تم الحديث أيضاً عن الموسيقار الكوردي العبقري (زرياب) الذي إشتهر في كافة أنحاء أوروپا ومنطقة الشرق الأوسط في بداية القرن التاسع الميلادي. في هذه الحلقة والتي هي الحلقة الأخيرة في هذه السلسلة من المقالات، نواصل حديثنا عن جوانب أخرى من التأريخ الكوردي لتعريف القارئات العزيزات والقراء الأعزاء بالوجود السحيق للشعب الكوردي في وطنه، كوردستان ولِكشف أكاذيب محتلي كوردستان والحاقدين على الشعب الكوردي الذين يحاولون عبثاً إلغاء تأريخ الشعب الكوردي في وطنه، كوردستان ويُظهروه شعباً لاجئاً غريباً في بلاده، للإستمرار في إحتلال كوردستان ونهب مواردها والعمل على إلغاء هوية الشعب الكوردي ولغته وتأريخه وثقافته وتراثه. في هذه الحلقة، نضيف معلومات أخرى عن كون كوردستان الموطن الأصلي للشعب الكوردي.

10. أبو الطيب المتنبي يكتب الشعر لِقائد عسكري كوردي: كان (دلێر بن لَشكَروز) أحد القادة العسكريين البارزين في مركز الخلافة العباسية في بغداد. إشتهر (دلێر) بتصدّيه للتمرد القرمطي الذي قام به أحد أفخاذ قبيلة (كلاب) في عام 353 هجري (964 ميلادي)، حيث قام أفراد القبيلة المذكورة بالهجوم المسلَّح على مدينة الكوفة و إحداث إضطرابات فيها. إشترك الشاعر (أبو الطيب المتنبي) بنفسه، مع غلمانه في القتال ضدهم و تمكنوا من إلحاق الهزيمة بهم و إخراجهم من مدينة الكوفة، بعد أن كبدوهم خسائر كبيرة في الأرواح و غنموا أسلحة كثيرة منهم. وصل الكوفة القائد العسكري الكوردي (دلێر)، قادماً من بغداد، فوجد الأوضاع هادئةً و مستقرة، فوجّه الدعوة لوجوه المدينة من الذين وقفوا ضد الإنتفاضة فكافأهم و منحهم هدايا تقديرية. كان من بين الحضور الشاعر (المتنبي). نتيجة هذا الحدث، نظمّ المتنبي قصيدة بعنوان (دون الشهدِ إبرُ النحَل)، في مدح القائد العسكري الكوردي (دلێر بن لَشكَروز) الذي أرسلته بغداد لقمع الإنتفاضة.

تتكون هذه القصيدة من أربعين بيتاً، الأبيات العشرة الأولى هي أبيات غزلية، حيث قال في مطلعها:

كدعواكِ كلٌّ يدّعي صِحةَ العقلِ
ومن ذا الذي يدري بما فيهِ من جهلِ

تقولين ما في الناس مثلك عاشق جدي
مثل من أحببته تجدي مثلي

تُريدين لُقيانَ المعالي رخيصةً
ولا بُدَّ دون الشهدِ من إبَرِ النحلِ

الأبيات الثلاثين الباقية، خصصها الشاعر المتنبي لِمدح القائد (دلێر) والتي نقتطف منها هذه الأبيات:

أرادتْ كلابٌ أنْ تفوزَ بدولةٍ
لمن تركتْ رعيَ الشويهاتِ والإبلِ

وقادَ لها دِلّيرُ كلَّ طِمرِّةٍ
تُنيفُ بخديها سَحوقٌ من النخلِ

شفى كلَّ شاكٍ سيفهُ ونوالُهُ
من الداءِ حتى الثاكلاتِ من الثُكلِ

عفيفٌ تروقُ الشمسَ صورةُ وجههِ
فلو نَزَلتْ شوقاً لحادَّ إلى الظلِّ

شجاعٌ كأنَّ الحربَ عاشقةٌ له
إذا زارها فدّتهُ بالخيلِ والرَجلِ

و ريانُ لا تصدى إلى الخمرِ نفسُهُ
و صديانُ لا تًروي يداهُ من البذلِ

فتمليكُ دِلَّيرٍ وتعظيمُ قدرهِ
شهيدٌ بوحدانيةِ اللهِ والعدلِ

وما دامَ دِلَّيرٌ يهزُّ حُسامَه
فلا نابَ في الدنيا لليثٍ ولا شِبلِ

فلا قطعَ الرحمنُ أصلاً أتى بهِ
فإني رأيتُ الطيّبَ الطيّبَ الأصلِ.

هكذا كان الوجود الكوردي في بغداد حاضراً قبل أكثر من ألف عام، حيث أن كوردياً كان قائداً عسكرياً بارزاً في الدولة العباسية وأن شاعراً عربياً كبيراً مثل المتنبي كتب الشعر له، يمدح فيه هذا القائد الكوردي.

11. الإمارة الورامية الكوردية في بابل و بناء مدينة الحلة من قِبل الكورد: في العصر العباسي، كان السكان الأصليون الذين يعيشون في منطقة الحلة، تتألف من قبائل كوردية و عربية و نبطية. أما العربُ فكان أكثرهم من بني أَسَد، و كانت تعيش فيها أيضاً طوائف من عرب خفاجة و عبادة وعقيل وغيرهم من عرب العراق. في عام 479 للهجرة (1086 ميلادي)، تولى إمارة بني مَزيد، الأمير سيف الدولة صَدَقة، الذي كان من أمراء بني أسد القادمين إليها من واسط، ثم من النيل. سيف الدولة كان أول من سكن في الحلة وإتخذها عاصمةً له في شهر مُحرَّم عام 495 للهجرة (1102 ميلادي). أما الكورد فكانوا من قبيلة جاوان (جاوان تعني باللغة الكوردية ”شاب أو جميل“) و شاذان (هذ الإسم متحور من كلمة ” شادان“ الكوردية التي تعني ”سعداء“). كان من رجالات قبيلة جاوان الكوردية الفقيه (محمد بن علي جاواني) المولود في سنة 468 هجرية (1076 ميلادية). الجاوانيون، قبل نزوحهم إلى الحلة، كانوا يسكنون الجانب الشرقي لنهر دجلة. يأتي المسعودي على ذكر (أكراد واسط) في أحداث عام 329 الهجري (941 ميلادي) في مؤلفه الشهير (مروج الذهب و معادن الجوهر). كانت حتى عهد غير بعيد، أكثرية غالبة من الكورد الشيعة تقطن في ضواحي ونواحي وبعض أقضية محافظة ميسان وواسط، منتشرين شمالاً حتى خانقين وبعض مناطق محافظة ديالى، فمن تلك المناطق جاء كُرد الحلة مع بني مَزيد. قبيلة جاوان تحالفت مع بني مَزيد الأَسَديين، حيث كان إتصالهم بالمزيديين يمتدُّ من عهد الأمير علي بن مَزيد حينما كان في ميسان. كانت قبيلةُ جاوان شافعيةَ المذهب والمزيديون شيعةً إثني عَشَرية ولكن على مر الأيام إندمجوا ببني أَسَد فصاروا شيعةً إثني عَشَرية، كما إستعرب الكثير منهم. لا تزال هناك في مدينة الحلة محلة قائمة بذاتها تُسمّى (محلة الكراد) و قبور الأمراء الكورد، مثل (ورام جاواني)، ماثلة للعيان في هذه المدينة. في عهد أميرهم، وَرام الثاني إبن أبي فِراس، إنتقل الجاوانيون إلى (أرض الجامعين) ليؤسسوا الحلة مع أمير بني أَسَد، صَدَقة، وكانت القبيلة الجاوانية تتألف من مجموعتين هما البِشرية و نَرْجِس. من الأُسر التي كانت تنتمي الى الجاوانيين، كانت الأسرة الورامية، نسبة الى وَرام بن محمد الجاواني الذي كان عائشاً في النصف الثاني من القرن الرابع الهجري (النصف الثاني من القرن العاشر الميلادي) و الذي كان قد تحالف مع الأمير أبي الحسن علي بن مَزيد الأسَدي. ومما زاد في قوّة التحالف بين المزيديين و الجاوانيين هو حصول المصاهرة بينهم، فقد كانت أم الأمير صَدَقة من الكورد الوراميين، حيث كان وَرام بن أبي فراس خال الأمير صَدَقة.

يتبين لنا مما سبق بأنّ قسماً من الكورد الحاليين العائشين في وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين، هم أحفاد قبيلة جاوان الكوردية التي بنت مدينة الحلة الحالية، بالمشاركة مع قبيلة بني أسد العربية، و أسست الإمارة الورامية الكوردية الى جانب الإمارة المزيدية العربية. كما يظهر لنا أنّ لا علاقة لتشيّع قسم من الكورد بإيران، حيث أنهم إعتنقوا المذهب الشيعي قبل تأسيس الدولة الصفوية، وأصبحوا شيعة منذ زمن البويهيين، تشيّعوا بالتحالف والمصاهرة مع رؤساء قبيلة بني أسد الشيعية منذ منتصف القرن الرابع الهجري وإستعرب قسم منهم. القسم الآخر من الكورد إعتنقوا المذهب الشيعي الإثني عشري أثناء فترة الحكم الصفوي (1721-1507 م).

هكذا نرى أن أحفاد السومريين والكاشيين الكورد كانوا منذ أكثر من ألف سنة يعيشون في محافظات ميسان وواسط وبابل وديالى، منتشرين شمالاً حتى خانقين وبعض المناطق الأخرى لمحافظة ديالى، وشاركوا في بناء مدينة الحلة في بابل. في الحقيقة فأن المنطقة الواقعة شرق نهر دجلة من العراق الحالي، هي تاريخياً وجغرافياً جزءً من كوردستان، حيث تم تعريب القسم الأكبر منها بعد الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة كما تم تعريب وإستعراب غالبية الكورد في هذه المناطق. لمعرفة المزيد من المعلومات عن بناء مدينة الحلة و مدح الشاعر (المتنبي) للقائد الكوردي (دلێر بن لَشكَروز)، يمكن الإطلاع على المقال القيّم للدكتور عدنان الظاهر من خلال فتح الرابط الموضوع في نهاية هذا المقال.

12. إمارة أردلان (1169-1869م): أسس (باوه أردلان) هذه الإمارة، حيث سُمّيت هذه الإمارة بإسمه. إمتدت إمارة أردلان من أصفهان الى الموصل، حيث دام حكم هذه الإمارة حوالي 700 سنة والتي كانت قائمة من سنة 1169 الى سنة 1869 ميلادية، إلا أن الأمير شرفخان بدليسي يذكر في كتابه "شرفنامه" بأن دولة أردلان تم تأسيسها في زمن الساسانيين، أي قبل ظهور الإسلام و أنها إستمرت الى سنة 1869م (شرفخانى بدليسى: شرفنامه. ترجمة هەژار، كۆڕی زانیاری كورد، چاپی دوهەم، چاپخانەی جەواهیری، تاران، 1982).

كانت إمارة أردلان تضم أصفهان وهمدان وكرماشان وهورامان وشارزور وأربيل وراوندوز وكركوك والموصل وكفري وخانقين ومندلي وتكريت وأجزاء من محافظة الكوت. خضعت إمارة العمادية التي كانت تضم عقرة والدير ودهوك وزاخو، لحكم الأردلانيين لمدة 200 عاماً والذي إستمر من القرن الثاني عشر الى القرن الرابع عشر الميلادي. في البداية، تأسست هذه الدولة في شارزور الواقعة في محافظة السليمانية و ثم إنتقل مركز حكم الدولة الأردلانية الى مدينة "سنه"، حيث إتخذ الأردلانيون هذه المدينة عاصمة لهم. كانت اللهجة الگورانیة هي اللهجة الرسمية لدولة أردلان. قامت هذه الدولة الكوردية بسك النقود الخاصة بها.

يذكر الأمير شرفخان بدليسي بأن حكومة أردلان كانت حكومة قوية وعظيمة الشأن. كما يقول اللورد كريمر عن نفوذ حكام إمارة أردلان في منطقة كركوك بأنهم كانوا السادة الحقيقيين لكركوك وتوابعها وحتى منطقة تكريت. فيما يتعلق بدور إمارة أردلان في التأريخ الكوردي، يذكر "لونكريك" بأن "أردلان أفضل إمارة ظهرت في المنطقة من حيث الحضارة أو الحكم الملكي قبل الإحتلال العثماني للمنطقة" و حتى أنه يصفها بالإمبراطورية الأردلانية أكثر من مرة (ستيفن هيمسلي لونكريك، 1968م، أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث، كتاب يبحث عن تأريخ العراق في العصور المظلمة. ترجمة جعفر الخياط، الطبعة الرابعة، بغداد). كما يشير (لونكريك) بأن (جنكيزخان) قد إعترف بِحكومة أردلان. القاجاريون بقيادة ناصر الدين شاه (1848 - 1896) أسقطوا الدولة الأردلانية في عام 1869. هكذا نرى بأن الكورد أسسوا إمارة مترامية الأطراف تمتد من أصفهان الى الموصل قبل حوالي 850 سنة وحكمت هذه الإمارة لمدة 700 سنة.

13. الدولة الأيوبية (1172-1543م)
لِنبدأ بالسلطان صلاح الدين الأيوبي (1137-1193م). ولِد هذا القائد الكوردي الشهير في تكريت في سنة 1137 ميلادية. يذكر القاضي إبن شداد الذي كان من أصحاب السلطان صلاح الدين بأن والد صلاح الدين (نجم الدين أيوب) كان والياً على تكريت. هذا يثبت على الوجود الكوردي في منطقة تكريت منذ أكثر من 877 سنة. الجدير بالذكر أن أصل عائلة صلاح الدين الأيوبي يعود الى القبيلة الهذبانية، حيث كانت هذه القبيلة تحكم كوردستان في القرن الرابع الميلادي أي قبل الإحتلال العربي الإسلامي لِكوردستان بِحوالي 300 سنة وكانت تُطلق آنذاك إسم (بلاد الهذبانيين) على كوردستان.

أقامت الأسرة الأيوبية دولة كبيرة وقوية ضمت مصر وسوريا وفلسطين واليمن وشمال أفريقيا و كوردستان وعاشت هذه الدولة لمدة 371 سنة. كانت أكثرية أفراد الجيش الأيوبي وقوّاده من الكورد وهذا يشير الى حضور الوجود الكوردي الكبير في منطقة الشرق الأوسط. هكذا نرى أن الكورد أسسوا دولة قوية مترامية الأطراف قبل 842 سنة وقهرتْ هذه الدولة القوات الأوروپية الغازية في الحروب المعروفة بالحروب الصليبية التي دارت رحاها في المنطقة آنذاك.
 
http://d-adnan.i8.com/mutanaby/16.html
mahdi_kakei@hotmail.com


121
إمتداد الجذور التأريخية للشعب الكوردي في أعماق كوردستان - 2 (3)

د. مهدي كاكه يي


في الحلقة السابقة تم التطرق الى ظهور إسم (كوردستان) وإسم (الكورد) خلال التأريخ القديم. كما تم التحدث عن أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين، لتعريف القارئات العزيزات والقراء الأعزاء بالوجود السحيق للشعب الكوردي في وطنه، كوردستان وللرد على أكاذيب محتلي كوردستان والحاقدين على الشعب الكوردي الذين يحاولون يائسين أن يفصلوا الكورد عن وطنهم ويُظهروا الشعب الكوردي شعباً لاجئاً في بلده، للإستمرار في إحتلال كوردستان ونهب مواردها وإذلال شعبها. في هذه الحلقة، نواصل الحديث عن كون كوردستان الموطن الأصلي لشعب كوردستان من خلال إختيار مقتطفات من التاريخ الكوردي، يعود لعصور مختلفة.

6. الإمبراطورية الميدية (708 – 560 قبل الميلاد): كانت تحد ميديا من الشرق أفغانستان، بل كان بعض أراضي أفغانستان جزء من ميديا، ومن الغرب البحر الأبيض المتوسط ومن الشمال مناطق "كادوس" فيما وراء نهر (آراس) ومن الجنوب الخليج الفارسي. كانت الإمبراطورية الميدية تضم كلاً من فارس و أرمينيا و آشور و إيلام و هيركاني و جزء من باكستان على المحيط الهندي و شمالي شرقي سوريا الحالية. تم إسقاط الإمبراطورية الميدية من قِبل الأخمينيين الفرس في سنة 560 قبل الميلاد، حيث دامت هذه الإمبراطورية لِحوالي 150 سنة.

يذكر المؤرخ (سايس) بأن الشعب الميدي كان يتألف من عشائر كوردية تقطن شرقي مملكة آشور، حيث كانت حدود موطنها تمتد الى جنوبي بحر قزوين و كانت غالبية هذا الشعب من الهندوأورپيين (م. سايس: التاريخ العام للمؤرخين، الجزء الثاني، 1918). لغة الميديين هي اللغة الحالية التي يتكلم بها الشعب الكوردي اليوم (حسن پیرنیا: تاريخ إيران منذ العهود القديمة الى سقوط الدولة الساسانية، الطبعة الثانية، 1927؛ مسعود محمد: لسان الكُرد، مطبعة الحوادث، 1987)، حيث يذكر العلامة مسعود محمد في كتابه المذكور بأن العشائر الكوردية الموكريانية لا تزال تحتفظ باللغة الميدية، حيث أن اللهجة التي يتكلمون بها هي اللغة الميدية. يقول السير (ولسون) بأن الكورد هم أحفاد الميديين (مصدر 1). كما يذكر (ميجرسون) بأنه في القرن الخامس عشر والثاني عشر قبل الميلاد كان الشعب النايري، الذي هو سلف الميديين، يعيش في القسم الأوسط من كوردستان وأن هذا الشعب حمل إسم (الكورد) فيما بعد (مصدر 2). يضيف (ميجرسون) بأنه في أيام مجد الشعب النايري وتفوقه كان هذا الشعب على جانب كبير من القوة والسلطان اللتين كان لهما شأن ظاهر في إلقاء الرعب والهيبة في قلوب جميع الشعوب والأمم المجاورة له.

يقول ابن خلدون بأن الكورد منحدرون من الميديين (عبد الرحمن بن محمد إبن خلدون: العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر. مطبعة دار الفجر في التراث، القاهرة، 2004). كما يذكر (حسن پيرنيا) بأن الميديين هم من الشعوب الآرية وهم أجداد الكورد ولغتهم هي نفس لهجة الكورد الموكريانيين الساكنين في شرق كوردستان (حسن پیرنیا: تاريخ إيران منذ العهود القديمة الى سقوط الدولة الساسانية، الطبعة الثانية، 1927)، وفي كتابه "عشق وسلطنة" يقول (حسن پيرنيا) بأن لغة الميديين هي لغة كوردية. هكذا نرى بأن أسلاف الكورد الميديين قاموا بتأسيس إمبراطورية عظيمة في المنطقة قبل أكثر من 2700 سنة.

7. الكتابة الكوردية: كان للكورد قبل الإحتلال العربي الإسلامي لكوردستان، أبجدية خاصة بهم للكتابة (لاحظ الصورة الموضوعة في نهاية المقال)، حيث أن (إبن وحشية) قبل أكثر من ألف و مائتَين سنة، نشر كتابه المعنون (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام) (أحتفظ بنسخة إلكترونية من هذا الكتاب)، يذكر في كتابه المذكور الحروف الكوردية القديمة المستعملة من قِبل الكورد. الكتاب مطبوع في أوروپا قبل قرنين من الزمن وأن نسخة المخطوطة ترجع إلى أكثر من عشرة قرون.

إبن وحشية هو أبو بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا و المعروف بالصوفي وهو كلدانيّ الأصل، عالمٌ بالكيمياء و اللغة و الزراعة، لا يُعرف له تأريخ ميلاد و يرجّح أنه توفي في أواخر القرن الثالث الهجري (العاشر الميلادي). كان يعيش في "قسين" التي كانت كورة من مدينة الكوفة الحالية. أورد (إبن النديم) أسماء كثير من مؤلفاته. من كُتبه الأخرى وترجماته: غاية الأمل في علوم الرياضيات، الفوائد العشرون في الكيمياء، الإشارات في السحر، الأصنام، الحياة و الموت في علاج الأمراض، كتاب الطبيعة، كتاب الفلاحة النبطية (مخطوط) ترجمه عن الكلدانية في سنة 291هـ (904 ميلادية)، و كتاب في إصلاح الكروم والنخيل (مخطوط) ترجمه عن الكوردية في دمشق.

في كتابه (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام)، يعنون (إبن وحشية) الباب السابع من كتابه في صفحة 67 كالآتي: (الباب السابع من شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام في ذكر أقلام الملوك التي تقدمت من ملوك السريان والهرامسة والفراعنة والكنعانيين والكلدانيين والنبط والأكراد والكسدانيين والفرس والقبط) (يستعمل إبن وحشية عبارة "رموز القلم" للدلالة على "حروف الكتابة"). كما أنه يكتب في صفحة 131 من كتابه المذكور ما يلي: (و أما الكلدانيين فكانوا أعلم الناس في زمانهم بالعلوم و المعارف و الحُكم و الصنايع، و كان الأكراد يريدون مناظرتهم و مماثلتهم). يستنتج المرء من هذا القول بأن الكورد كانوا أهل العلم و المعرفة، حيث أنهم كانوا ينافسون الكلدانيين في هذا المجال. يستطرد إبن وحشية في حديثه في نفس الصفحة  قائلاً: (و إنما كانت براعة الأكراد الأول في صناعة الفلاحة وخواص النبات ويدعون أنهم من أولاد بينوشاد، وقد وصل إليهم سفر الفلاحة لآدم عليه السلام). يقول إبن وحشية في كتابه عن الكتابة الكوردية ما يلي: (وهو من الأقلام العجيبة والرسوم الغريبة، وقد رأيتُ في بغداد في ناووسٍ (تابوت حجري) من هذا الخط نحو ثلاثين كتاباً، وكان عندي منها بالشام كتابَين: كتاب في إفلاح الكرم والنخيل، و كتاب في علل المياه و كيفية إستخراجها من الأراضي المجهولة، فترجمتُهما من لسان الأكراد إلى اللسان العربي لينتفع به أبناء البشر). يقول إبن وحشية في نهاية كتابه المذكور ما يلي: صفة قلم آخر من الأقلام القديمة وفيه حروف زائدة عن القواعد الحرفية، تدّعي الأكراد وتزعم أنه القلم الذي كتب به بينوشاد وماسي التوراتي جميع علومهما وفنونهما وكُتُبهما.

مما سبق يدل بأن اللغة الكوردية قبل أكثر من 1100 سنة، لم تكن مجرد لغة محكية أو مكتوبة فحسب، بل كانت كذلك لغة علمٍ منتشرة في منطقة الشرق الأوسط، في كوردستان وبغداد والشام والكوفة، حيث كانت هناك العشرات من الكتب والمخطوطات العلمية المكتوبة باللغة الكوردية وتمت ترجمة بعضها الى اللغة العربية، حيث كانت اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية لبلاد ما بين النهرَين في ذلك الوقت كما سيأتي ذكره في هذا المقال. كما أن إتقان رجلٍ كلداني مثل إبن وحشية للغة الكوردية يدل على أن اللغة الكوردية كانت سائدة في بلاد ما بين النهرَين والشام، حيث أن غير الكورد كانوا يتقنون اللغة الكوردية ويترجمون الكتب المكتوبة بهذه اللغة الى لغات أخرى. كما أن ترجمة إبن وحشية لِكتابَين كورديين تدل على الأهمية العلمية للكُتب الكوردية والتي بدورها تشير الى التقدم العلمي والحضاري للكورد في ذلك الوقت. 

8. اللغة الكوردية لغة رسمية في بلاد ما بين النهرَين:
كانت اللغة الكوردية هي اللغة الرسمية في بلاد ما بين النهرين قبل الإحتلال العربي - الإسلامي لهذه البلاد وبقيت لغة رسمية فيها بعد الإحتلال الى أن تسلّم الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان الحكم. كانت اللغة الكوردية تُكتب بأبجديتها الكوردية التي يتحدث عنها (إبن وحشية) في كتابه المعنون (شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام)، المكتوب قبل أكثر من 1200 سنة. كما أن اللغة الكوردية كانت اللغة المستخدمة في الدواوين والشؤون الرسمية الإدارية في بلاد ما بين النهرَين وكانت جميع الدواوين الرسمية بإدارة رجل كوردي إسمه (زادان مەرروخ). كان الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان من أکثر الخلفاء الأمويين تمسکاً بالتعصب العربي العنصري، حيث طبّق سياسة التعريب في مجالات عديدة. لقد منع عبد الملك بن مروان التعامل بالعملة الرومية التي کانت متداولة آنذاك وإستعاض عنها بسکّة عربية. کما منع إستعمال اللغة الكوردية، فقام بتعريب الجهاز الحکومي الإسلامي في زمن أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي (660 - 714 م) الذي كان سياسياً وقائداً عسكرياً أموياً، فتمّت ترجمة جميع الدفاتر وأمور الدولة الأموية من اللغة الكوردية إلى اللغة العربية بأمر من الحجاج الثقفي. بعد أن ألغى الحجاج اللغة الكوردية كلغة رسمية لبلاد ما بين النهرين و إستبدلها باللغة العربية، بقيت اللغة الكوردية وأبجديتها مستعملة على نطاق ضيق وبشكل سري حتى أواخر عصر الخلفاء العباسيين (كێو موكريانی: فەرهەنگي مەهاباد. چاپي يەكەمين – هەولێر- چابخانەى كوردستان، 1961؛ محمد مەردوخي كوردستانی: مێژووی كورد و كوردستان. ترجمة عبدالكريم محمد سعيد، مطبعة أسعد، بغداد، 1991، صفحة 81، 302).

9. الموسيقار العبقري الكوردي (زرياب): ولِد (زرياب) في بغداد في سنة 789 ميلادية خلال فترة حكم هارون الرشيد. ترك زرياب بغداد، متوجهاً الى بلاد الأندلس، حيث إستقر هناك في مدينة قرطبة. إنتشر مقطوعاته الموسيقية من الأندلس الى جميع أنحاء أوروپا وأصبح موسيقاراً عالمياً مشهوراً. هذا الموسيقار والمغني الكوردي كان تلميذاً للموسيقار الكوردي إسحق الموصلي. أضاف (زرياب) وتراً خامسا ً لآلة العود الموسيقية، حيث كانت لهذه الآلة أربع أوتار قبل ذلك. كما أن زرياب كان السبب في إختراع الموشح، بتعميمه طريقة الغناء على أصول النوبة، بالإضافة الى إدخاله مقامات كثيرة لم تكن معروفة من قبله و جعل مضراب العود من قوادم النسر بدلاً من الخشب. (زرياب) كان أول من أدخل نظام إفتتاح الغناء بالنشيد قبل البدء بالنقر كما أنه هو أول من وضع قواعد تعليم الغناء للمبتدئين. هكذا نرى الوجود الكوردي في بغداد قبل 1225 سنة، حيث ولِد (زرياب) هناك وأن بنات وأبناء الشعب الكوردي كانوا يكرّسون حياتهم في خدمة البشرية من خلال الإبتكارات الموسيقية وتطوير الموسيقى كأجدادهم الخوريين الذين إبتكروا أول نوطة موسيقية في تأريخ البشرية قبل أكثر من 3400 سنة.

المصادر

1
. Lient Colonel Wilson (1917-1920). Mesopotamia, London.

2. Soane, E. B. (1912). Mesopotamia and Kurdistan in disguise. London.

mahdi_kakei@hotmail.com



122
إمتداد الجذور التأريخية للشعب الكوردي في أعماق كوردستان - 1 (3)

د. مهدي كاكه يي

في هذا المقال، أتطرق الى مقتطفات من تاريخ الشعب الكوردي التي تعود لأزمانٍ مختلفة، في تسلسل زمني، لتبيان الحقائق التأريخية التي تؤكد على عراقة الشعب الكوردي وكونه أحد أقدم شعوب العالم و عيشه في وطنه، كوردستان منذ ما قبل التأريخ، لتتطّلع عليها القارئات العزيزات والقرّاء الأعزاء ولتعرية وكشف إفتراءات وأكاذيب محتلي كوردستان والحاقدين على الشعب الكوردي الذين يدّعون بأن الوجود الكوردي في كوردستان لا يتجاوز عدة قرون والذين يهدفون في مساعيهم الى إظهار الشعب الكوردي كشعب غريب في وطنه، كوردستان والمنطقة وقلع جذور الشعب الكوردي من أرض أسلافه العظام، في محاولة يائسة لإجهاض النضال الكوردستاني لتحرير وطنه المغتصب وتحرير شعب كوردستان من الإحتلال والتبعية وإنقاذ الهوية واللغة والثقافة الكوردية من الإلغاء و تخليص التأريخ والتراث الكوردي من الإلغاء والتشويه والتحريف والسرقة وإيقاف نهب وسرقة موارد كوردستان من قِبل المحتلين. كما أن هؤلاء يحاولون عرقلة مسيرة الشعب الكوردي العريق في الإسهام من جديد، كأسلافه السوباريين والسومريين والإيلاميين والهوريين والميتانيين، في رفد الحضارة الإنسانية بإبداعاته وإبتكاراته وأفكاره وفنونه وآدابه، إلا أن الشعب الكوردي ماضٍ في مسيرته النضالية وسيحقق أهدافه في التحرر وإستقلال بلاده والمساهمة في بناء الحضارة الإنسانية.

1. إسم (كوردستان):
إن المنطقة التى تُسمى "كوردستان" اليوم عُرِفت ب"بلاد الكورد" منذ آلاف السنين، حيث كان السومريون يسمّون المنطقة (كوردا قوتيوم) و التي تعني "أرض كاردا" و الأشوريون كانوا يسمونها (كورتي) و البابليون كانوا يطلقون عليها إسم "قاردو" و الإغريق كانوا يسمونها "قاردوتشوي" و الرومان أطلقوا عليها إسم (كوردرين) وتم ذكر إسم كوردستان في التورات بإسم (منطقة کاردو/قاردو). أطلق الآراميون إسم (بیت قاردو) على كوردستان والتي تعني (بلاد الكورد).

كان (مارسيلينيوس)، مؤرخاً وجندياً رومياً في القرن الرابع الميلادي، أي قبل حوالي 1700 سنة، عندما يصل الى الهذبانيين، يشير بوضوح الى الخارطة الجديدة لكوردستان، حيث يقول بأن المنطقة الممتدة من نينوى، مارةً بأربيل حتى مدينة همدان هي بلاد الهذبانيين. هذه هي أقدم إشارة للجغرافية الجديدة لكوردستان في التأريخ. علماً بأن نينوى كانت في ذلك الوقت مقاطعة أكبر بكثير من تلك التي نجدها اليوم، حيث كانت تضم أيضاً أجزاءً من شرق و شمال كوردستان الحالية، بينما كانت الأقسام الأخرى من شرق وشمال كوردستان تحت الحكم الرومي آنذاك. هكذا نرى بأن (مارسيلينيوس) قبل حوالي 1700 عاماً يشير الى جغرافية كوردستان الحالية. من الجدير بالذكر هو أن الهذبانيين كانوا ينتمون الى قبيلة قامت بتأسيس دولة كوردية قديمة، حيث يعود أصلهم الى العهد الهوري، قبل مجئ الآشوريين الى المنطقة، وأن أصل عائلة صلاح الدين الأيوبي يعود الى هذه القبيلة، حيث كانت كوردستان تُعرف ببلاد الهذبانيين في القرن الرابع الميلادي، أي قبل الإحتلال العربي الإسلامي لِكوردستان بِحوالي 300 سنة.

خارطة العالم الإسلامي التي رسمها محمود كشغري في سنة 1076 ميلادية أي قبل 938 سنة، فيها كوردستان بإسم (أرض الأكراد). هذا دليل آخر على العمق التأريخي للكورد في كوردستان.

أول من أطلق إسم "كوردستان" على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى سنجر و ذلك فى أواسط القرن السادس للهجرة (القرن الثاني عشر الميلادي) أي قبل أكثر من 800 سنة (لى سترينج: الأراضي فى شرق عصر الخلافات. 1930).

2. إسم (الكورد): تم ذكر الكورد في وثيقة تاريخية قديمة تعود إلى الألف الثالث قبل الميلاد والتي هي عبارة عن لوحَين من الحجر نقش عليهما نص سومري، سبق ل(إرنانا)، الوزير الأكبر للملك السومري سوشين (2037 – 2029 ق. م.) أن أمر بوضعهما تحت قاعدة الباب العائد لمعبد جديد تم بناؤه في جرسو (تيللو) في جنوب العراق. بعد أن يذكر (إرنانا) سلسلة من ألقابه ومناصبه، يذكر بأنه محافظ عسكري لأربيلوم (أربيل)، ومحافظ كل من خماسي وكره خار (قره خان/ جلولاء)، وكذلك القائد العسكري لأهالي سو وبلاد كوردا (كوردستان الكبرى). إن هذه المناطق التي يذكرها الوزير السومري كلها تقع ضمن كوردستان الحالية. وفي فترة كتابة النص، كان يسكن أسلاف الكورد الهوريون في معظم أنحاء كوردستان. كانت منطقة (قره خار) المذكورة، والواقعة في أعالي نهر ديالى، تعتبر من أحد أهم مراكز الهوريين السياسية. من الجدير بالذكر أن هذين اللوحَين المتواجدَين حالياً في متحف اللوفر في باريس، قد تم التنقيب عنهما من قِبل بعثة فرنسية في (تيللو) في جنوب العراق. قام كل من البروفيسور (مانفريد ميللر) و البروفيسور (أولسنر) بترجمته إلى اللغة الألمانية. هكذا فأن هذه الوثيقة السومرية تشير الى الوجود الكوردي في كوردستان قبل أكثر من 4000 سنة.

قبل حوالي 2400 سنة، يذكر (زینفون) إسم الكورد ويُسمّيه (کاردۆخی) و قبل حوالي 2000  سنة، يذكر (سترابو) إسم الكورد قائلاً: بالقرب من نهر دجلة هي المناطق التي تعود لل(گوردیایی) الذين كان يُطلَق عليهم في السابق إسم "كاردوخي".

فيما يخص أصل الكورد، أوليا چلبي المولود في إسطنبول في سنة 1611 أو 1616 ميلادية يذكر ما يلي: حسب قول الرحالة المقدسي (إسمه محمد بن أحمد بن أبي بكر المقدسي والمعروف بإسم شمس الدين المقدسي، مولود في القدس سنة 947 ميلادية وصاحب الكتاب المشهور "أحسن التقاسيم في معرفة الأقاليم")، أنه بعد طوفان نوح، تم في البداية إعمار مدينة (جودي) ومن ثم إعمار قلعة شنگار (سنجار) وبعد ذلك (ميافارقين). كان الملك (كوردوم) هو مالك مدينة جودي وكان من أمة نوح، عاش لمدة ستمائة سنة وتجوّل في كافة أنحاء كوردستان. عندما وصل الى مدينة (ميافارقين)، (تقع مدينة ميافارقين في شمال شرق مدينة آمد "ديار بكر" بين نهرَي دجلة والفرات)، أحبّ هذا الملك مناخ المدينة وإستقرّ فيها هناك. كان له أبناء وأحفاد كثيرون، حيث قاموا بإيجاد لغة خاصة بهم والتي هي ليست اللغة العربية ولا الفارسية ولا العبرية ولا الدرية، وهذه اللغة تُسمّى اليوم اللغة الكوردية و يتم التكلّم بها في كوردستان. هكذا يخبرنا الرحالة المقدِسي قبل 1067 سنة عن الوجود الكوردي في كلٍ من (جودي) و (شنگار) و(ميافارقين) ويخبرنا أيضاً عن وجود اللغة الكوردية.

3. السومريون: يذكر كل من الأستاذ طه باقر والدكتور عامر سليمان بأنه عند هجرة الأكديين الى شمال وادي الرافدين (جنوب كوردستان الحالية) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، كان السومريون و السوباريون يعيشون هناك وكانت المنطقة تُسمى ب"سوبارتو". يضيف المؤرخان المذكوران بأنه جاء ذكر السوباريين في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 120، 476؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 119). من هنا نرى أن الموطن الأصلي للسومريين هو كوردستان وأنهم من أقوام جبال زاگروس التي هي الموطن الأصلي للكورد وأن السومريين هاجروا من كوردستان الى جنوب بلاد ما بين النهرَين وبنوا حضارة راقية هناك.

يذكر كل من الدكتور عبدالعزيز صالح في صفحة 448 من كتابه (الشرق الأدنى القديم –مصر والعراق، الجزء الأول، القاهرة، 1976م) والدكتور محمد بيومي مهران في كتابه المعنون (تاريخ العراق القديم، الاسكندرية، 1990، صفحة 90) والدكتور إبراهيم الفني في صفحة 319  من كتابه المعنون (التوراة) المنشور من قِبل (دار اليازوري للنشر والتوزيع) في العاصمة الأردنية، عمّان في عام 2009، بأن الموطن الأصلي للسومريين هو جبال زاگروس الكوردستانية.

في بعض مدن شمال بلاد ما بين النهرَين مثل مدينة آشور ونينوى، تم إكتشاف آثار للحضارة السومرية التي تعود لعصر فجر السلالات ولا سيما الفترة الأخيرة منه (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، عام 1973، صفحة 177). إكتشاف آثار سومرية في شمال بلاد ما بين النهرَين (كوردستان) يؤكد على أن كوردستان هي الموطن الأصلي للسومريين وأن السوباريين والسومريين عاشوا معاً هناك. هذا دليل مادي على كون كوردستان الموطن الأصلي للسومريين ولا مكان فيه لأية إجتهادات أو تحليلات (لمعرفة المزيد من المعلومات عن السومريين وعن كونهم أسلاف الكورد، يمكن الإطلاع على الرابط الموضوع في نهاية المقال).

4. السوباريون: الپروفيسور (مهرداد إزادي Mehrdad Izady) أستاذ التأريخ القديم في جامعة هارڤارد الأمريكية يذكر بأن أقدم عشيرة كردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريين (مصدر 1). إكتشاف آثار سوبارية في منطقة "زيبار" الواقعة في جنوب كوردستان هو دليل على أن عشيرة الزيبار هي إمتداد للسوباريين، حيث تم في هذه المنطقة الواقعة في شمال مدينة أربيل، العثور على أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، وعلى قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية في هذه المنطقة. كما يذكر الباحث الأمريكي " گلب Gelb" بأن أصل السوباريين من الأقوام الجبلية غير السامية مثل الگوتيين و الكيشيين و أن الهوريين (الخوريين) ينحدرون من السوباريين (مصدر 2). كان السوباريون والسومريون يعيشون معاً في كوردستان الحالية وأن الوجود السوباري في كوردستان قديم جداً، يعود الى أكثر من 5000 سنة وأن وجودهم في كوردستان سبق هجرة الساميين الى كوردستان و كذلك سبق تأسيس الدولة الآشورية بِأكثر من 2000 سنة.
5. الخوريون: يشير الدكتور جمال رشيد احمد بأن "جيجر" يذكر أن إسم الخوريين مرتبط بإسم الإله "خوارHVAR " إله الشمس، حيث لا يزال إسم الشمس باللغة الكوردية هو (خۆر) (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 25، 26). إن هذه التسمية في بلاد سوبارتو و تعميقها بمفهوم ديني ومن ثم بمفهوم قومي على جميع السكان الذين آمنوا بإله الشمس والنور في بلاد سوبارتو من گوتيين ولوليين وكاسيين، له مغزى تأريخي عظيم، حيث أنها تعني بأن هذه المجموعة البشرية كانت تعبد إلهاً مشتركاً و تقوم بأداء طقوس دينية مشتركة. الديانات التي كانت سائدة في بلاد سوبارتو، كانت تدّعي بأولوية وعظمة إله الشمس من بين الآلهة الأخرى. يستطرد الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه بأنه لا يزال إسم إله الشمس باقياً في نفس المنطقة بشكل "خورماتو" (طوزخورماتو، تازه خورماتو)، كما هو الحال مع إسم "باگاداتو" التي تحولت الى "باگادات" أي عطاء الإله باگا.

يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أغلب مفردات اللغة الخورية تُستعمل الآن في اللغة الكوردية الحالية وعلى نطاق واسع (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسة لغوية حول تأريخ بلاد الكورد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، صفحة 99). من هنا يظهر بأن لغة الميديين (لغة الآڤێستا) واللغة الكوردية الحالية هي إمتداد للغة الخورية، حيث يذكر المفكر الكوردستاني مسعود محمد في بحثه المنشور في كتابه المعنون "لسان الكُرد" الصادر في عام 1987، الى أن الكتاب المقدس للديانة الزردشتية (آڤێستا)، مكتوب بِلغة كوردية قديمة وأن اللهجة الموكريانية هي نفسها لغة الآڤێستا و لا يزال الموكريانيون في شرق كوردستان محافظين على لُغة الآڤێستا و يتكلمون بها. كما أنه تم العثور على مفردات سوبارية التي هي مفردات تمت كتابة الرسالة الميتانية بها، وعليه فأن اللغة الخورية – الميتانية هي إمتداد للغة السوبارية، حيث أن الخوريين هم أحفاد السوباريين (مصدر 3). هذا يعني بأن الكورد كانوا يعيشون في كوردستان الحالية قبل أكثر من 3400 سنة، حيث مما تقدم فأن الكورد هم أحفاد الخوريين.

المصادر
1. Izady, Mehrdad R (1992). The Kurds: A concise handbook. Washington, London, Taylor & Francis Publishers, pp. 268. ISBN 978-0-8448-1727-9.

2. T. G. Gelb (1944). Hurrians and Subarians.

3. Speiser, E. A. Introduction to Hurrian (1940 - 1941). The Annual of the American Schools of Oriental Research, Vol. 20, Introduction to Hurrian, pp. 1-230, published by The American Schools of Oriental Research.

https://www.facebook.com/groups/203651246492056/permalink/306905466166633/

mahdi_kakei@hotmail.com



123
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (18) – أسلاف الكورد: الميديون

د. مهدي كاكه يي

أصل الميديين

1. نظرية هجرة الميديين الى كوردستان

هناك نظريتان حول أصل الميديين. النظرية الأولى تقول بأن الميديين هم آريون أو هندوأوروپيون، هاجروا هُم والفرس الى المنطقة منذ حوالي سنة (1100) قبل الميلاد وإستقر الميديون في المنطقة التي سُمّيت لاحقاً (كوردستان). النظرية الثانية تقول أن الميديين هم السكان الأصليون لكوردستان ولم يكونوا مهاجرين إليها. في هذه الحلقة يتم الحديث عن نظرية هجرة الميديين الى كوردستان. في الحلقة القادمة سيتم إستعراض أقوال وآراء الفريق الآخر من المؤرخين والباحثين القائلين بأن الميديين هم السكان الأصليون لكوردستان.

يذكر المؤرخ محمد أمين زكي بأنه منذ فجر التاريخ كانت تعيش شعوب جبال زاگروس في كوردستان الحالية وكانت تتألف من شعوب (لولو)  و (گوتي) و (خالدي - كالدي) و (سوبارو) و (هوري) (مصدر 1) . من هنا يستنتج المرء بأن (المانيين) الذين عاشوا في منطقة أذربيجان التابعة لإيران الحالية في الفترة الواقعة بين القرن العاشر قبل الميلاد والقرن السابع قبل الميلاد، هم من أسلاف الكورد. لقد ورد ذكرهم في الكتاب المقدس (العهد القديم). كان (المانيون) مجاورين للآشوريين ودولة أرارات ولم يكونوا من الشعوب الهندو - أورپية ولم يكونوا خاضعين لسيطرة الإمبراطوريات المجاورة. حسب رأي أصحاب هذه النظرية، فأن الميديين، الذين كانوا أقواماً آرية (هندو- أورپية)، هاجروا من منطقة بحر قزوين الى كوردستان الحالية و إمتزجوا مع الأقوام الأصلية التي كانت تقطن كوردستان مثل (المانيين) و (الصيثيين) و (الكيمريين) وإستوطنوا في كوردستان الحالية مع السكان الأصليين الذين كانوا يقطنون كوردستان منذ فجر التاريخ و ُيسمّيهم المؤرخ محمد أمين زكي ب"شعوب جبال زاگروس" والتي لم تكن شعوب هندو – أوروپية. إستناداً الى العهد القديم من الكتاب المقدس، فأن الميديين ينحدرون من سلالة يافث إبن نوح.

تذكر الدراسات بأن الميديين أتوا إلى كوردستان الحالية منذ حوالي (1100 ق.م)، وكانوا يتألفون من ست قبائل وهي (بوسي Busae) و (پاريتاسيني Paraetaceni) و (ستروخات Stru¬khat) و (أريزانتي Arizanti) و (بودي Budii) و (ماگي Magi) (مصدر a)، بينما يُسمّي (دياكونوف) هذه القبائل الست كالآتي: (بوسي Boussi) و (پاريتاكنوي Paretaknoi) و (ستروكناتيس Strouknates ) و (أريزانتوي Arizantoi) و (بودلوي Boudloi) و (ماگوي Magoi) (مصدر b). كانت القبائل الميدية لها لغة مشتركة. يذكر (أرشاك سافراستيان) بأنه تمت تسمية (گوتيوم) فيما بعد ب(ميديا) و ثم سُمّيت المنطقة ذاتها ب(كوردستان)، حيث أن (ميديا) هي إمتداد جغرافي وتأريخي وثقافي لِبلاد الگوتيين (گوتيوم) وكانت المنطقة موطناً لكل من الگوتيين والميديين (مصدر 2).

يذكر الباحث (زيار) بأنه بحلول سنة 1500 قبل الميلاد، هاجرت قبيلتان رئيسيتان من الآريين من نهر الفولگا، شمال بحر قزوين وإستقرتا في إيران الحالية وكانت القبيلتان هما (الفارسيين) و (الميديين)، حيث أسس الميديون، الذين إستقروا في المنطقة الشمالية الغربية، مملكة ميديا وعاشت الأخرى في الجنوب في منطقة أُطلق عليها الإغريق فيما بعد إسم "پارسيس" وتحول هذا الإسم فيما بعد الى (فارس) (مصدر 3).

يذكر (Will Durant)، بأن الميديين هم أقوام من الجنس الهندو-أوروپي ومن المرجح أنهم جاؤوا من شواطئ بحر الخزر، إلى غربي آسيا قبل ميلاد المسيح بنحو ألف عام (مصدر c). كما يقول (Will Durant) في نفس الصفحة من كتابه بأنه تم ذكر الميديين لأول مرة على لوح مسجّلة فيه رحلة الملك الآشوري (شلمنصر الثالث) الى بلاد كانت تُسمى (Parsua) الواقعة في جبال كوردستان (837 قبل الميلاد) وكان شعبها يُدعى (أماداي Amadai) و (ماداي Madai) و (ميد Medes). يذكر المؤرخ محمد أمين زكي بأن الجيش الآشوري في عهد الملك (شلمنصر الثاني) صادف العشائر الميدية في الحدود الشرقية لبلاد آشور، حيث قامت هذه العشائر بتقديم بعض الهدايا للملك الآشوري الذي إعتبرها فيما بعد فريضة على هذه العشائر، يجب تقديمها له كل سنة (مصدر 4). دفع الجزية هذه مذكورة في السجلات الآشورية أيضاً التي تقول بأن كلاً من الملكَين الآشوريين (تِغلات پلاسر الثالث) (747 – 728 قبل الميلاد) و (سرجون الثاني) (722 – 705 قبل الميلاد) أجبرا الميديين على دفع الجزية لهما. كما أن المدّونات الآشورية تصف الشعب الميدي بأنه شعبٌ قوي وأنهم شعب مؤلّف من قبائل غير خاضعة لِحُكم ملك واحد (مصدر b، d).

يذكر المؤرخان (هارڤي روبنسون James Harvey Robinson) و (جَيمس هنري بريستيد James Henry Breasted) بأنه كانت هناك أقوام آرية تقطن البلاد الشرقية والشمالية الشرقية لبحر قزوين في حوالي عام 2500 قبل الميلاد (مصدر e، f). كان قسم من هذه الأقوام حينذاك يمتهنون الزراعة ويقومون بتربية المواشي و الأغنام و الخيول و كانوا يجهلون الكتابة (مصدر f). إرتحل قسم من هذه الأقوام الآرية الى الهند وتركت لنا كتاباً مقدساً مكتوباً باللغة السنسكريتية الذي إسمه (ڤيداس). هذا الكتاب المقدس يحتوي على معلومات مهمة عن الحياة الأولى لهذه الأقوام و عن الأدوار التأريخية التي مرت بها. القسم الباقي من هذه الأقوام الآرية توجهت نحو الغرب الجنوبي وبلاد ما بين النهرين، حيث إستقرت هناك. كان شعب (ماد أو ميد) و شعب (پارس أو پارساي) هما من أهم الأقوام التي إستقرت في هذه المنطقة. في بداية إستقرارهم، أسست كل أسرة من العشائر والقبائل الميدية حكومة مستقلة صغيرة. بعد إنتقال الميديين في القرن التاسع قبل الميلاد أو بعده الى الهضبة الإيرانية (بلاد ميديا)، بدأوا بالإستيلاء تدريجياً على بلدان جيرانهم.

في أواخر القرن الثامن قبل الميلاد قام الشعب الميدي بتأسيس مملكة ميديا و أصبح شعب پارساي (الشعب الفارسي الحالي)، الذي يرتبط به بصلة القرابة والنسب، تحت حكم الدولة الميدية. قام الميديون بتأسيس مدينة (هكمتان "همذان") وجعلوها عاصمة لمملكتهم (مصدر 5).

لإثبات صحة النظرية التي تقول بأن الميديين هاجروا الى كوردستان، يحتاج المرء الى دلائل آثارية وتأريخية تشير الى مجئ الميديين الى منطقة كوردستان الحالية، حيث كان الشعب الميدي شعباً قوياً وبنى إمبراطورية عظيمة، لذلك فأنه من المُستبعد عدم العثور على آثار وتاريخ قدومه الى المنطقة. الى الوقت الحاضر لم يتم الحصول على مصادر آثارية وتاريخية تشير الى هجرة الميديين الى المنطقة وكل ما يتوفر لدى الباحثين هو مجرد آراء وإجتهادات وتحاليل بصدد هجرة الميديين الى المنطقة، حيث أن هذه النظرية تفتقد الى آثار أركيولوجية وتاريخية تُثبت صحتها. كما أنه ليست هناك معلومات تُذكَر عن تأريخ وحياة الميديين في منطقة بحر قزوين التي يرى أصحاب هذه النظرية بأنها كانت الموطن الأصلي للميديين.

فيما لو هاجر الميديون الى كوردستان، كيف تم إستيطان هذا القوم الجديد الوافد الى كوردستان بدون أية مقاومة من السكان الأصليين الذين كانوا يعيشون هناك، حيث كانت كوردستان آنذاك موطناً للشعب الگوتي ولم تكن فارغة من السكان. الملك الآشوري (شلمنصر الثالث) (858 – 823 قبل الميلاد) إتصل بالشعب الگوتي وقاتلهم، حيث تشير الآثار الآشورية الى أن العشائر الگوتية كانت على جانب عظيم من الشدة والبأس وكانت حدود بلاد الگوتييين  تمتد من (أوراتري "أرمينية") الى غرب (كيموخي "طورعابدين")، كما جاء في أقوال الملك الآشوري (شلمنصر) (مصدر 6). هنا يتساءل المرء كيف إستطاع الميديون "المهاجرون" الإستقرار في كنف الشعب الگوتي في بلاد الگوتيين (كوردستان) دون مقاومة الشعب الگوتي لهذا القوم الغريب الآتي الى بلاده. لا نجد في ثنايا التاريخ أخباراً عن وقوع حروب ومعارك بين الگوتيين والميديين الذين يدّعي بعض المؤرخين بِأن الميديين قد هاجروا الى كوردستان. هذه الإشكالات تُضعِف مصداقية النظرية القائلة بأن الميديين قد أتوا الى كوردستان من مناطق أخرى.

المصادر

1. محمد أمين زكي (1961). خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، القاهرة، صفحة 58 - 59.

2. أرشاك سافرستيان (1948). الكورد وكوردستان. مطبعة هارفيل، لندن ، صفحة 16..

3. د. زيار (2000). إيران ثورة في إنتعاش. باكستان.

4. محمد أمين زكي (1961). خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، القاهرة، صفحة 105.

5. المصدر السابق، صفحة 69.

6. المصدر السابق، صفحة 92.


a. Rawlinson, George, Rawlinson, Henry and Wilkison, J. C. (1861). The History of Herodotus. New York, D. Appleton & Company 443 & 445 Broadway.

b. Diakonoff, I. M. (1985). The Cambridge History of Iran: Media, Cambridge University Press, Cambridge.

c. Will Durant (1935). THE STORY OF CIVILIZATION. Volume one, Chapter XIII, page 384.

d. Olmstead, A. T. (1923). History of Assyria. Chicago, USA, page 75.

e. Robinson, James Harvey. History of Europe: Our Own Times (with Charles A. Beard) Boston: Ginn and Co., 1921.

f. Breasted, James Henry (1916). Ancient Times — A History of the Early World. Boston, The Athenæum Press.



124
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (17) – أسلاف الكورد: الميديون

د. مهدي كاكه يي

1. تسمية الميديين

تمهيد

نتيجة إفتقار الشعب الكوردي لِكيان سياسي منذ سقوط الإمبراطورية الميدية الى الآن بسبب إحتلال وطنه، كوردستان، فأن التاريخ الكوردي قد تعرض للإلغاء والتعتيم والسرقة والتزييف والتحوير من قِبل محتلي كوردستان. إن كوردستان هي مهد الحضارات وأنها تزخر بِمعالم آثارية كثيرة تعود لأسلاف الكورد، إلا أن قسماً منها تم إتلافه من قِبل محتلو كوردستان لِطمس التاريخ الكوردي والحضارة الكوردستانية، وقسم آخر مُهمَل ومتروك في مواقعه، كما أنه لابد أن تكون هناك آثار كثيرة تحتفظ بها أرض كوردستان والتي لا تزال غير مُكتشَفة، تنتظر تحرر كوردستان ليقوم الكوردستانيون بِمسحٍ عام للمناطق الأثرية، للعثور على آثار حضارة أسلافهم العظام. هكذا نرى أن هناك معلومات قليلة عن الإمبراطورية الميدية، بالرغم من أنها كانت إمبراطورية كبيرة وقوية دامت لِحوالي 150 سنة و إستطاعت، بالتحالف مع البابليين، إسقاط الإمبراطورية الآشورية. لهذا السبب إختفت سجلات ومدوّنات هذه الإمبراطورية العظيمة و لا يمكن التعرّف على تاريخ وحضارة الشعب الميدي من خلال مصادر عائدة له. هناك معلومات قليلة عن الشعب الميدي ودولته في المصادر الآشورية والأرمنية والفارسية وعن طريق بعض اليونانيين، من أمثال قائد المرتزقة العشرة آلاف، (زينوفون) والرحالة المؤرخ (هيرودوت) والطبيب المؤرخ (كتسياس).

أطلق شعوب المنطقة على الميديين أسماء مختلفة، حيث كان إسم (الميديين) باللغة الإيلامية الحديثة (ماتا- په Mata- pe)، وباللغة الأكدية (ماداي Madai)، وباللغة الآشورية (ماداي Medai) و (أماداي Amadai) و (ماتاي Matai)، وباللغة اليونانية القديمة (مادوي/ميدوي Madoi/Medoi)، وباللغة العبرية القديمة (ماداي Madai)، وباللغة الفارسية القديمة (مادا Mada)، وباللغة الفارسية الحديثة (مادي Madi)، وباللغة الأرمنية القديمة (مار-ك Mar-k)، وباللغة الفرثية (مات Mat)، وباللغة اليونانية {ميديا Μηδία (Midia)}، وباللغة الإنكليزية (ميد Mede) وباللغة الكوردية (ماد أو ميدي Mad/ Mîdî).

يقول المؤرخ اليوناني (هيرودوتس Herodotus)، بأنه تم ذكر الشعب الميدي بهذا الإسم في نصوص قديمة كثيرة، حيث أنه في العهود الغابرة في القِدم، كان يُطلق إسم (آريين) على الميديين من قِبل جميع الناس، إلا أنه بعد مجئ إمرأة بإسم "ميديا" من أثينا الى الميديين، غيّر سكان المنطقة إسمهم من (آريين) الى (ميديين) (مصدر a). ("ميديا" كانت إمرأة في المعتقدات الدينية اليونانية و كانت من سكان ميديا). كانت هذه الإمرأة إبنة "آيتيس Aeetes" ملك منطقة القوقاز وإبنة أخ (سيرس Circe) وحفيدة إلهة الشمس (هيليوس Helios) والزوجة الجديدة للبطل (جاسون Jason) واللذان خلّفا معاً طفلَين، هما (ماميروس Mermeros) و (فيريس Pheres).

يرى (دياكونوفDiakonoff ) بأن هناك تقارب في المعنى بين كلمة (أمادي) أو (ماداي) وكلمتَي (مارودي) و(أمارودي)، حيث يقول بأن كلاً من كلمة (ماردوي) و(أماردوي) باليونانية القديمة، و(مارتا) في كتاب زرادشت المقدس (آڤێستا الوسطى)، تعني (المحارب) أو (المقاتل) أو (المتمرّد) أو (المتمرّد الجبلي) (مصدر b)، بينما يقول (Tavernier) بأن كلمة (مادا) و(ماسا) تعني (عظيم أو كبير) (مصدر c).   

يشير (أرشاك سافرستيانArshak Safrastian ) الى أن بعض النصوص السومرية المعجمية التي نُشرت من قِبل الأستاذ ( Chirac. E)، تشير الى أن كلمة (Media) مرادفة لعبارة (الأرض) أو (البلد) مثل (مادا- گوتيام) أي (أرض الگوتيين)، إلا أن البابليين الذين كانوا متأثرين بالأدب السومري، أغفلوا المعنى الأصلي للكلمة، وإعتبروها إسماً لمنطقة أو شعب دون تحديد موقع هذه المنطقة أو هذا الشعب (مصدر 1). عندما تمّ إطلاق إسم (الميديين) على هذا الشعب القاطن في سلسلة جبال زا گروس، نقل (هيرودوتس) الإسم الى اليونانيين، ومنهم إنتقل بعد ذلك الى المصادر الأورپية كإسم لسلف الشعب الكوردي الحالي. رغم أنه كان يُطلق أسماء مثل (Mahi, Masi, Mada) على الشعب الميدي، إلا أن هذه الأسماء لها نفس المعنى أو ذات معاني متقاربة.

من جهة أخرى يذكر الباحثان (Skalmowski) و (Van Tongerloo) بأنه تم أخذ المصدر الأصلي للأسماء المختلفة التي تُطلق على الشعب الميدي و على لغته ووطنه، من الكلمة الهندوأوروپية القديمة (مادا Mãda)، حيث أن هذه الكلمة مرتبطة بالكلمة الهندأوروپية القديمة "Med(h)" التي تعني (مركز أو "الواقع في الوسط") إستناداً الى الكلمة الهندية القديمة (Madhya) والكلمة الإيرانية القديمة (Maidiia) اللتين لهما نفس المعنى و تنتميان الى سلالات لغوية، منها الكلمة اللاتينية (Medium) و اليونانية (mėso) و الألمانية (Mittel)(مصدر d). 

من المرجح أن الميديين كانوا يسمّون أنفسهم ب(Masa) الذي يعني باللغة الميدية (كبير، نبيل) (مصدر c). في اللغة السومرية كلمة (Massu) تعني (قائد) وكلمة Mes)) تعني (بطل) و في اللغة اللوڤية كلمة (Masana) تعني (إله) و كلمة (Mashani) تعني (تكبير أو تعظيم) و في لغة الآڤيستا كلمة (Masan) تعني (عظيم) و في اللغة الكوردية الحديثة كلمة (مەس، مەزن) تعني (كبير أو عظيم) أيضاً. هنا نرى تواصل لغات أسلاف الكورد مع بعضها وإحتفاظ أحفادهم الكورد بِلُغة أسلافهم رغم الفاصل الزمني الطويل بينهم. 

عندما إحتل العرب كوردستان، تم إطلاق إسم (ماهات) على مركز السلطة الميدية من قِبل العرب، حيث أن (ماه) هو إسم الميديين (مصدر e) وأن اللاحقة (ات) هي لاحقة الجمع في اللغة العربية. يذكر (البلاذري) بأنه عند إحتلال كوردستان من قِبل العرب في العهد الإسلامي، تم تقسيم قسم من المناطق المحتلة لكوردستان الى عدة أقسام، حيث أن الضرائب (الجزية) المأخوذة من كل منطقة، كانت تُرسَل الى المسلمين الساكنين في منطقة محددة (مصدر 2). لذلك كان العرب يطلقون إسم (ماه الكوفة) على مدينة (دینەوەر) وأطرافها لأن الجزية المأخوذة من سكان مدينة (دینەوەر) وتوابعها كانت توزع على السكان المسلمين الجدد الساكنين في مدينة الكوفة. كذلك لنفس السبب تم إطلاق إسم (ماه البصرة) على مدينة (نَهاوند)، حيث كانت الجزية المستحصلة من سكان (نهاوند) كانت تُعطى لسكان مدينة البصرة الذين أصبحوا مسلمين بعد الإحتلال العربي الإسلامي. هكذا تم تقسيم مركز بلاد ميديا من قِبل المحتلين العرب الى (ماه الكوفة) و (ماه البصرة).

يتبين مما سبق بأن الميديين كانوا يسمّون أنفسهم (Masa)، بينما يُشار إلى إسمهم في السجلات التابعة للملك الساساني (أردَشير پاپەگان) المكتوبة باللغة الپهلوية بإسم (Masi). حرف (س) الميدي يصبح حرف (ھ) في اللغة الپهلوية، إلا أنه يبدو أن الساسانيين قد إستعملوا الإسم الميدي المستّخدَم من قِبل الميديين أنفسهم. كذلك يتحول حرف (س) السومرية والكوردية الى حرف (ھ) في اللغة الپهلوية. على سبيل المثال، الكلمة الكوردية (ماسي) التي تعني (سمكة) تصبح (Mahig) في اللغة الپهلوية والكلمة الكوردية (آسن) التي تعني (حديد) تصبح في اللغة الپهلوية (Ahan آهَن).

هكذا فأنه يُشار الى (بلاد الميديين) بإسم (ماه) في المصادر الإسلامية حتى القرن الثاني عشر الميلادي و أن العرب قاموا بجمع كلمة (ماه) و بذلك جعلوها (ماهات). إن الإسم (ماه) هو كلمة پهلوية وأن العرب أخذوا هذا الإسم من اللغة الپهلوية للإشارة الى بلاد الميديين (ميديا)، حيث أنه عند الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة كانت لا تزال النصوص المكتوبة باللغة الپهلوية سائدة في المنطقة و كانت اللغة الپهلوية تُستعمَل كلُغة الكتابة فيها (مصدر 3، 4)، لذلك قد يكون سكان المنطقة لم يستعملوا نفس الإسم الپهلوي ل(ميديا) في أحاديثهم اليومية، إلا أنه نتيجة إستخدام اللغة الپهلوية في الكتابة آنذاك، فأن الإسم الپهلوي ل(ميديا) تم إستعماله من قِبل العرب المحتلين. من الجدير بالذكر أن كلمة (Masa) السومرية والكوردية التي تعني (عظيم) وكانت إسم (الميديين)، تصبح في اللغة الپهلوية (Meh) وهذا يعضد التحليل المذكور أعلاه المتعلق بإسم بلاد ميديا (مصدر 5).
       

المصادر

1. أرشاك سافرستيان (1948). الكورد وكوردستان. مطبعة هارفيل، لندن ، صفحة 16.

2. البلاذري (2010). فتوح البلدان، صفحة 375.

3. كێو موكريانی (1961). فەرهەنگي مەهاباد. چاپي يەكەمين، هەولێر، چابخانەى كوردستان.

4.  محمد مەردوخي كوردستانی (1991). مێژووی كورد و كوردستان. ترجمة السيد عبدالكريم محمد سعيد، مطبعة أسعد، بغداد.

5. سۆران حەمەڕەش (2013). كورد كێیە؟ مێژووی كورد و ڕەچەڵەكی زمانەكەی لە سەرەتای شارستانییەوە هەتاوەكو سەدەی دەیەمی زاینی. چاپی یەكەم، لەندەن، YPS-Publishing، ، لاپەڕە 11، په‌راوێزی 4).

a. Rawlinson, George, Rawlinson, Henry and Wilkison, J. C. (1861). The History of Herodotus. New York, D. Appleton & Company 443 & 445 Broadway.

b. Diakonoff, I. M. (1985). The Cambridge History of Iran: Media, Cambridge University Press, Cambridge.

c. Tavernier, Jan (2007), Iranica in the Achaemenid Period (ca. 550-330 B.C.): Linguistic Study of Old Iranian Proper Names and Loanwords, Attested in Non-Iranian Texts, Peeters Publishers, ISBN 90-429-1833-0, page 558.

d. W. Skalmowski and A. van Tongerloo eds., Medioiranica (Orientalia Lovaniensia Analecta 48), Louvain, 1993, pp. 29-44.

e. Browne, Edward G. (1919). A literary history of Persia: A literary history of Persia from the earliest times until Firdawsi. T. Fisher Unwin Ltd, London, page 19.


125
هل أن حكام إمارة أردلان كاكائيون؟

د. مهدي كاكه يي

حدود الإمارة

أسس (باوه أردلان) هذه الإمارة، حيث سُمّيت هذه الإمارة بإسمه. إمتدت إمارة أردلان من أصفهان الى كركوك، حيث دام حكم هذه الإمارة حوالي 700 سنة والتي كانت قائمة من سنة 1169 الى سنة 1869م، إلا أن الأمير شرفخان بدليسي يذكر في كتابه "شرفنامه" بأن دولة أردلان تم تأسيسها في زمن الساسانيين، أي قبل ظهور الإسلام و أنها إستمرت الى سنة 1869م (شرفخانى بدليسى: شرفنامه. ترجمة هەژار، كۆڕی زانیاری كورد، چاپی دوهەم، چاپخانەی جەواهیری، تاران، 1982).

كانت إمارة أردلان تضم أصفهان وهمدان وكرماشان وهورامان وشارزور وأربيل وراوندوز وكركوك والموصل وكفري وخانقين ومندلي وتكريت وأجزاء من محافظة الكوت. خضعت إمارة العمادية التي كانت تضم عقرة والدير ودهوك وزاخو، لحكم الأردلانيين لمدة 200 عاماً والذي إستمر من القرن الثاني عشر الى القرن الرابع عشر الميلادي. تأسست هذه الدولة في شارزور الواقعة في محافظة السليمانية و ثم إنتقل مركز حكم الدولة الأردلانية الى مدينة "سنه"، حيث إتخذ الأردلانيون هذه المدينة عاصمة لهم. كانت اللهجة الگورانیة هي اللهجة الرسمية لدولة أردلان. قامت هذه الدولة الكوردية بسك النقود الخاصة بها.

يذكر الأمير شرفخان بدليسي بأن حكومة أردلان كانت حكومة قوية وعظيمة الشأن. كما يقول اللورد كريمر عن نفوذ حكام إمارة أردلان في منطقة كركوك بأنهم كانوا السادة الحقيقيين لكركوك وتوابعها وحتى منطقة تكريت. فيما يتعلق بدور إمارة أردلان في التأريخ الكوردي، يذكر "لونكريك" بأن "أردلان أفضل إمارة ظهرت في المنطقة من حيث الحضارة أو الحكم الملكي قبل الإحتلال العثماني للمنطقة" و حتى أنه يصفها بالإمبراطورية الأردلانية أكثر من مرة (ستيفن هيمسلي لونكريك، 1968م، أربعة قرون من تأريخ العراق الحديث، كتاب يبحث عن تأريخ العراق في العصور المظلمة. ترجمة جعفر الخياط، الطبعة الرابعة، بغداد). كما يشير (لونكريك) بأن (جنكيزخان) قد إعترف بِحكومة أردلان. القاجاريون بقيادة ناصر الدين شاه (1848 - 1896) أسقطوا الدولة الأردلانية في عام 1869.

أصل حكام أردلان
يذكر شرفخان بدليسي في كتابه "شرفنامه" الذي كتبه في سنة 1005 هجرية، أي قبل 428 سنة، بأن مؤسس إمارة أردلان، (بابا أردلان) هو من أسرة (أحمد بن مروان) مؤسس الحكومة المروانية في شمال كوردستان وأنه قدِم من مدينة آمد (دياربكر) وإستقر بين عشيرة گوران (شرفخانى بدليسى: شرفنامه. ترجمة هەژار، كۆڕی زانیاری كورد، چاپی دوهەم، چاپخانەی جەواهیری، تاران، 1982). يؤيد المؤرخ ستیڤن هیمسلي لونكریك كلام شرفخان بدليسي فيما يتعلق بأصل باوه أردلان (ستیڤن هیمسلي لونكریك: أربعة قرون من تاريخ العراق الحديث – كتاب يبحث عن تاريخ العراق في العصور المظلمة. ترجمة جعفر الخياط، الطبعة الرابعة، بغداد، 1968). من جهة أخرى فأن المستشرق الإنگليزي (ريچ) يقول بأن الأسرة الأردلانية گورانية الأصل ومن  فرقة (مامويي) (كلوديوس جيم ريج: رحلة ريج - المقيم البريطاني في العراق عام 1820 إلى بغداد - كردستان – إيران. ترجمة بهاء الدين نوري، الدار العربية للموسوعات، 2008 م). يؤيد المؤرخ محمد أمين زكي رأي (ريچ)، فيعتقد بأن رأي (ريچ) هو رأي منطقي، حيث أن (أردلان) وصل الى السيادة وبسط نفوذه على عشائر تلك الجهات بفضل تأييد وتعضيد عشيرة گوران. كما يستند العلامة محمد أمين زكي في رأيه هذا على كون كتاب شرفنامه يفتقر الى معلومات عن (بابا أردلان) وعن عدد من ذريته (محمد أمين زكي: تاريخ الكورد وكوردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، ترجمة: محمد علي عوني، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر، 1948، صفحة 277).

يرى الأستاذ محمد جميل رو ژبياني بأن أصل لفظة (ببئي) هو (بابائي) والذي هو اللقب الروحي الخاص بالقديسين الكاكائيين، وأن أمراء إمارة بابان كانوا من الكاكائيين (مأمون بن بيكه بك: مذكرات مأمون بن بيكه بك. ترجمة: محمد جميل الروزبياني وشكر مصطفى، مطبعة المجمع العلمي العراقي، بغداد، 1980، صفحة 16). كما يذكر الأستاذ محمد جميل رو ژبياني بأن العلامة (توفيق وهبي) قد أخبره بأن إسم (بابان) يرجع في الأصل إلى (بابا أردلان)، أي أن البابانيين منحدرون من الأسرة الأردلانية الحاكمة. يشير المؤرخ الدكتور كمال مظهر أحمد أيضاً بأن أمراء دولة أردلان الكوردية كانوا من الكاكائيين.

إن رأي المؤرخين القائلين بأن باوه أردلان كان من عشيرة گوران، التي تُدين بالديانة الكاكائية، هو الرأي الصحيح لسبعة أسباب وجيهة:
 
1. إن إسم مؤسس إمارة أردلان (باوه أردلان) يشير الى أنه كان من الكاكائيين، حيث أن "باوه" هي إحدى الطبقات الدينية الكاكائية. من الجدير بالذكر أن الطبقات الدينية الكاكائية تتكون من أربع طبقات وهي كالآتي، بدءً من أعلى الطبقات الى الأدنى: پیر، باوه، مام، العامة.

2. كانت اللهجة الگورانیة هي اللهجة الرسمية لدولة أردلان، وهذه إشارة واضحة الى أن العائلة الأردلانية المالكة كانت من عشيرة گوران، حيث تتبع اللغة الرسمية لبلد ما عادةً العائلة المالكة. 
 
3. لو نتمعن في أسماء حُكام أردلان، نرى أنها أسماء لورّية والتي تدل على أن هؤلاء الحكام هم من سكان لورستان، أو بالأحرى كانوا ينتمون الى عشيرة گوران الكاكائية.

4. أسس باوه أردلان إمارته في أحضان عشيرة گوران في شهرزور و هاورمان، حيث أن هذه المنطقة هي مركز موطن الكاكائيين ويوجد فيها ضريح (سان سهاك) الموجود في قرية (شيخان) قرب (نوسود). يتجلى الإله في شخص (سان سهاك)، الذي يحج إليه الكاكائيون. يذكر الأستاذ محمد جميل بندي روژبياني بأن (سان سهاك) هو الملك (أستياك) آخر ملوك الإمبراطورية الميدية [محمد جميل بندي الروژبياني: بندنيجين (مندلي) في التاريخ قديماً وحديثاً. مجلة المجمع العلمي العراقي – الهيئة الكردية، بغداد، 1980]. في عهد إمارة أردلان لم يكن هناك أيّ وجود لعشائر الزنگنة والهماوند والجاف في منطقة شهرزور، كما أنه كانت هناك عائلات أخرى مثل الشيخان والطالباني والجباري التي كانت مجرد عائلات، حيث أنها في ذلك الوقت لم تتكاثر وتتوسع لِتصبح تجمعات سكانية كبيرة على شكل عشائر (محمد أمين زكي: تاريخ الكورد وكوردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. الجزء الثاني، ترجمة: محمد علي عوني، مطبعة السعادة، القاهرة، مصر، 1948، صفحة 278 - 279). إقامة إمارة أردلان في قلب موطن الكاكائيين دلالة على إنحدار العائلة المالكة لهذه الإمارة من الكاكائيين.

5. إنتشار مزارات و مراقد رجال الدين الكاكائيين في جميع مناطق إمارة أردلان خلال حكمها. لو كانت الأسرة الأردلانية الحاكمة مسلمة، لما سمحت بتقديس رجال الدين الكاكائيين في مختلف أرجاء الإمارة. هناك الكثير من هذه المراقد والمزارات في كوردستان والتي يعود قسم منها الى عهد الحكم الأردلاني والباباني الكاكائييَن، مثل (باوه مَحمي) في خانقين و(باوه گوڕگوڕ BAWE GUŔGUŔ) في كركوك وباوه نور في منطقة (گەرمیان GERMYAN) و (باوه داوود) في داقوق و (داوود كەوەسوار) في قصر شيرين و (باوه یادگار) في جبال (داڵەهۆ DAŁEHO) و(باوه گرزين) في مندلي و(شيخ باوه) الواقعة بين مدينة جلولاء وكلار و (باوه شاسوار) التي تقع شمال شرقي مدينة كفري، حيث أن هناك مقبرة أثرية قديمة تُسمى بهذا  الإسم والتي فيها قبور السادة الكبار للكاكائيين، و باوه (پير ئەنبەر گدروون)، الذي هو إسم شخصية دينية كاكائية، حيث تحوّر هذا الإسم بمرور الزمن الى (پیرەمەگرون)، كما يذكر العلامة توفيق وهبي في بحثه المعنون (جبل پیرەمەگرون PÎREMEGRÛN) (توفيق وهبي بك: الآثار الكاملة. إعداد: رفيق صالح، الجزء الاول. سليمانية، 2006، صفحة 214). يوجد ضريح (پیرەمەگرون) على قمّة جبل (پیرەمەگرون). كما نرى فأن هذا الجبل يحمل إسم هذه الشخصية الدينية.

6. إذا كان باوه أردلان أحد أمراء الحكومة المروانية في آمد كما يقول بعض المؤرخين من أمثال شرفخان بدليسي، هذا يعني أن باوه أردلان كان مسلماً وسُنّي المذهب، ولذلك من غير المعقول أن يسمح له الكاكائيون، الذين يدينون بِدين غير إسلامي، بأن يصبح رجل مسلم غريب رئيسهم و يساندونه في بسط نفوذه وحكمه في المنطقة، حيث أن الدين الى الآن لا يزال عاملاً مهماً في حياة مجتمعات الشرق الأوسط الكبير، وبالطبع كان في القرون الماضية، في زمن إمارة أردلان، للدين دور أكثر في حياة هذه المجتمعات مقارنةً بالوقت الحاضر.

7.  إنه من غير المنطقي أن يلقى (باوه أردلان) تأييد وتعضيد عشيرة گوران، لو لم يكن واحداً من هذه العشيرة وأن يتمكن شخص غريب، مثل باوه أردلان، فيما لو أنه كان من شمال كوردستان، أن يسيطر على منطقة عشيرة گوران ومن ثم يؤسس إمبراطورية كبيرة تمتد من أصفهان الى الموصل.

على كل حال، حتى في حالة كون أصل باوه أردلان من مدينة آمد (وهو إحتمال ضعيف جداً)، فأنه بِإستقراره في أحضان عشيرة گوران، يكون قد إعتنقد الدين الكاكائي وأصبح  واحداً منهم، وإلا لَكان لا يحصل على دعم عشيرة گوران ولَكان لا يسمح بإنتشار الدين الكاكائي وتبجيل الشخصيات الدينية الكاكائية.

قبل الإحتلال العربي لكوردستان بإسم الدين، كانت غالبية الشعب الكوردي يزدانيين (إنقسم هذا الدين الى "إيزدي" و "علوي" و "كاكائي" فيما بعد) والقسم الآخر كانوا زردشتيين، بالإضافة الى يهود ومسحيين. كان الكثير من القبائل والأفراد الذين كانوا يدينون بالديانة الكاكائية، قد أُجبروا على ترك دينهم أو هجروه طواعيةً نتيجة وقوعهم تحت تأثير الدين الإسلامي، حيث أن المسلمين يحكمون كوردستان منذ 1400 سنة. خير مثال على ذلك هو عشيرة باجلان، حيث يذكر العلامة محمد أمين زكي في صفحة 29 من كتابه المعنون (خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، القاهرة، 1961)، بأن المستشرق الدكتور (فريج) يقول أن أفراد عشيرة باجلان كاكائيون. يذكر كل من شيل (1836م) ومينورسكي في الإنسكلوبيديا الإسلامية بأن عشيرة باجلان تنتمي الى الشريحة الكوردية (لَك) التي بدورها هي جزء من عشيرة گوران. يذكر العلامة توفيق وهبي بأن (و. ممان) يقول بأنه يتذكر أن القصاصين والمُغنين في أقصى جنوب كركوك كانوا يقرأون القصص والملاحم باللهجة الگورانية، إلا ان الوضع قد تغيّر بعد الحرب العالمية الأولى، بعد أن إنتشرت الجرائد باللغة الكرمانجية الجنوبية وتوسع الأدب الكرمانجي الجنوبي الزاحف من موكريان الى منطقة السليمانية، فإنقرضت اللهجة الگورانية في المنطقة. يضيف (و. ممان) بأن عشيرة باجلان إنفصلت عن عشيرة گوران سياسياً ودينياً، أي بكلام آخر أنها غيّرت دينها (من الكاكائية الى الإسلام) (توفيق وهبي: الآثار الكاملة. الطبعة الثانية، إعداد رفيق صالح، مشروع مشترك لدار الثقافة والنشر الكوردية ومؤسسة ژين، طُبِع في بغداد، 2011). هناك عائلات وأقارب، قسم منهم لا يزالون محتفظين بِدينهم الكاكائي والقسم الآخر هم الآن مسلمون شيعة وسُنّة. 

حكام دولة أردلان وفترات حكمهم
ينتمي حكام أردلان الى عائلة "مامَوي MAMEWÎ" التابعة لقبيلة گۆران GORAN. 
1. باوه أردلان (1169 – 1210م)
2. كڵوڵ أردلان (1210- 1232م)
3. خدر إبن كڵوڵ (1232- 1265م)
4. ألياس خدر (1265 – 1310م)
5.  خدر الثاني (خدر ألياس) (1310 – 1345م)
6. حسن إبن خدر الثاني (1345 – 1382م)
7. بابڵۆڵ حسن (1382 – 1406م)
8. مونزير إبن بابڵۆڵ (1406 – 1438م)
9. مأمون بگ (1438 – 1475م)
10. بێگە بگ (1475 – 1516م)
11. مأمون بگ الثاني ( 1516 - 1518م)
12. سورخاب بگ عم مأمون بگ (1518 - 1567م)
13. بَسسات بگ إبن سورخاب بگ (1567 – 1578م)
14. تيمور خان إبن سلطان علي بگ (1578 – 1590م).
15. هەڵۆ خان أخ تيمور خان (1590 - 1615م)
16. خان أحمد خان (1615 – 1636م)
17. سليمان خان) 1636 - 1656م). حكم خلال فترة حكم الشاه سفي. أعاد هذا الأمير بناء قصر مدينة سنه.
18. گڵبالی خان (1656 – 1671م)
19. خان أحمد خان إبن گڵبالی خان (1671 – 1678م)
20. خسرو خان عم خان أحمد خان (1678 – 1682م)
21. تيمور آجورلوو (1682 – 1688م). (ليس من الأسرة الأردلانية)
22. خان أحمد خان إبن گڵبالی خان (1688 - 1695م). يستلم الحكم  للمرة الثانية
23. محمد خان إبن خسرو خان أردلان (1695 – 1701م)
24. محمد خان گورجی (1701 -  1704م)
25. حسن علي خان إبن محمد مؤمن خاني (1704 - 1706). (ليس من الأردلانيين)
26. حسين علي خان أخ حسن علي خان (1706 – 1708م) (ليس من الأردلانيين)
27. كيخسرو بگ (1708 – 1710م). (ليس من الأسرة  الأردلانية)
28. عباس قولي خان وهو من أحفاد خان أحمد خان بني أردلان (1710 – 1718م)
29. علي قولي خان وهو من أحفاد خان أحمد خان بني أردلان (1718 – 1720م)
30. خانه پاشا بابان (1720 – 1724م). كان إبن عم سليمان پاشا حاكم إمارة بابان آنذاك
31. علي خان إبن خان پاشا (1724 – 1729م)
32. سوبحانوێردي بني أردلان (1729 – 1735م). حكم خلال فترة نادر شاه
33 موستفا خان أخ سوبحانوێردي خان (1735 – 1736م).
34. سوبحانوێردي بني أردلان (1736 – 1737م). يستلم الحكم للمرة الثانية
35. أحمد خان إبن سوبحانوێردي خان (1737 – 1741م). كانت المنطقة الممتدة من الموصل الى همدان تحت حكمه. إتخذ مصيف احمد آوا الواقع في محافظة السليمانية مكاناً للراحة والإستجمام خلال فصل الصيف.
36. سوبحانوێردي بني أردلان (1741م). يستلم الحكم للمرة الثالثة
37. أحمد خان إبن سوبحانوێردي خان (1741 – 1743م) يستلم الحكم للمرة الثانية
38. حاجي مولا وێرديخان قاجاري (1743 - 1744)
39. سوبحانوێردي بني أردلان (1744 – 1748م). يستلم الحكم للمرة الرابعة
40. حسن علي خان بني أردلان (1748 – 1751م)
41. كريم خان إبن عباس قولي خان (1751 - 1752م)
42. خسرو خان إبن أحمد خان (1752 - 1754م)
43. سليم پاشا بەبە (1754 - 1757م)
44. خسرو خان الثاني (1757 - 1763م).
45. سليمان پاشا (1763 - 1764م)
46. علي خان إبن سليمان پاشا بابان (1764 - 1766م)
47. خسرو خان الثاني (1766 - 1790م). يستلم الحكم للمرة الثانية
48. خان أحمد خان إبن خسرو خان (1790م)
49. لوتفالي خان عم خسرو خان الكبير (1790 - 1794م)
50. حسن علي خان لوتفالي خان (1794 - 1799م)
51. أمان الله خان الكبير (1799 – 1824م)
52. خسرو خان إبن أمان الله خان المعروف ب(ناكام) (1824 – 1834م)
53. رزا قولي خان (1834 - 1842م)
54. ميرزا هدايت الله (1842 - 1843م)
55. رزا قولي خان (1843 - 1845م) يستلم الحكم للمرة الثانية
56. آمان الله خان الثاني (1845م)
57. رزا قولي خان (1845- 1849م). يستلم الحكم للمرة الثالثة
58. خسرو خان گورجی (1849م)
59. رزا قولي خان (1849م). يستلم الحكم للمرة الرابعة
60. آمان الله خان الثاني المعروف بِ(غلام شاه خان والي) (1849 – 1859م)
61. نجف قولي خان (1859 – 1860م)
62. غلام شاه خان (1860 – 1869م)

في سرد أسماء حكام أردلان وفترات حكمهم، تم الإعتماد على الكتابَين التاليين:

1. عەلی نەقی ئەلحوسینی: مێژووی 641 ساڵەی فەرمانڕەوایی ئەردەلانییەكان لە ناوچەی ژێر دەستەڵاتی ئێران. وەرگێڕان و پیاچوونەوەی ئاسۆس هەردی، چاپخانەی حەسەن ئەبدولكەریم، سلێمانی، كوردستان، 2002.

2. مەستوورەی كوردستانی: مێژووی ئەردەلان. وەرگێڕان و لێكۆڵینەوە: هەژار موكریانی، بڵاوكراوەی ئاراس، ژمارە 160، چاپی یەكەم، چاپخانەی وەزارەتی پەروەردە، هەولێر، 2002.

الجدير بالذكر هو أن مؤلفة االكتاب الثاني أعلاه (مەستوورەی كوردستانی) هو إسم الشهرة لها، بينما إسمها الحقيقي هو (ماه شرف خانم)  ومولودة في سنة 1804م وكانت زوجة الأمير الأردلاني خسرو خان.

mahdi_kakei@hotmail.com

126
الإجابة على تساؤلات وإدّعاءات قارئ

د. مهدي كاكه يي

قام السيد (عاشق علي) الذي هو إسم مستعار له، بالتعقيب على مقالي المعنون "هل العلويون مسلمون أم من أتباع دين خاص بهم؟" والمنشور في الموقع الإلكتروني، الحوار المتمدن. نظراً لأهمية المواضيع المطروحة ولِتبيان الحقائق حولها ووضعها في متناول القارئات العزيزات والقراء الأعزاء، إرتأيتُ أن أرد على تساؤلاته وإدعاءاته بهذا المقال.

1. يذكر الأستاذ المذكور بأن إحتفاظ الأرمن بلغتهم ودينهم رغم حكمهم من قِبل المسلمين لفترة طويلة يدل على سماحة المسلمين تجاه الأديان والقوميات الأخرى.
 
الجواب: بالنسبة الى الأرمن، فأن العرب المسلمين لم يحكموا أرمينيا فعلياً ولذلك إحتفظ الأرمن بلغتهم وثقافتهم ودينهم. لإلقاء الضوءعلى هذا الأمر، أذكر هنا لمحة بسيطة جداً عن تأريخ أرمينيا. كان الأرمن يدينون بالديانة الزرادشتية قبل أن يعتنقوا المسيحية، حيث أصبحوا مسيحيين في عام 301 ميلادي. في عام 428 م تم ضم أرمينيا الى الإمبراطورية الساسانية. بعد الإحتلال العربي الإسلامي للمنطقة، أسس الأرمن إمارة مستقلة ضمن الخلافة الإسلامية. في عام 884م إستقلت أرمينيا عن الحكم العربي الإسلامي وأصبحت عبارة عن إمارات وممالك مستقلة. إبتداءً من عام 1071م أصبح الأرمن تحت حكم السلاجقة. خلال ثلاثينيات القرن 13 تم غزو أرمينيا من قِبل المغول. في القرن 16 إقتسمت الدولة العثمانية والصفوية أرمينيا. عندما كان الأرمن تحت الحكم العثماني كانوا يتمتعون بِحكم ذاتي واسع. تعرض الأرمن خلال عام 1894-1896 الى مجازر على يد السلطان العثماني عبد الحميد. خلال عامَي 1915 و 1916 تم قتل  أكثر من مليون أرمني من قِبل الأتراك.

نرى مما سبق بأن الأرمن لم يكونوا تحت الحكم العربي الإسلامي المباشر، وإلا لَكان يتم إلغاء هويتهم الدينية والقومية. عندما أصبحوا خلال سنوات قليلة تحت الحكم العثماني الإسلامي المباشر، تم قتل حوالي مليونَين أرمني. كما أن نفوس الأرمن في جمهورية أرمينيا اليوم هو حوالي 4 ملايين نسمة. لولا تعرضهم للإبادة من قِبل المسلمين، لَكانت نفوسهم الآن لا تقل عن 15 مليون نسمة.

2. يشير الأستاذ المذكور بأن تأثّر الأديان غير الإسلامية بالدين الإسلامي لم يتم عن طريق القوة، بل نتيجة الإحتكاك بين هذه الديانات والإسلام.

الجواب: الإسلام فرض دينه بِقوة السيف وبإقامته حكماً عربياً إسلامياً، ألغى الهويات القومية غير العربية والهويات الدينية غير الإسلامية، حيث تم فرض اللغة العربية والثقافة البدوية والتأريخ العربي الإسلامي المزوّر على غير العرب وغير المسلمين من خلال مناهج الدراسة والصحافة ووسائل الإعلام وجعل اللغة العربية اللغة الرسمية الوحيدة في البلدان التي إحتلوها وإغتصبوها. هنا نأخذ إلغاء اللغة الكوردية من قِبل المحتلين العرب كمثال لتبيان الإلغاء الذي تعرضت له القوميات غير العربية. الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان کان من أکثر الخلفاء الأمويين تمسکاً بالتعصب العربي العنصري، حيث طبّق سياسة التعريب في مجالات عديدة. لقد منع بن مروان التعامل بالعملة الرومية التي کانت متداولة آنذاك و إستعاض عنها بسکة عربية. کما منع إستعمال اللغة الپهلوية في الدواوين و الشؤون الرسمية الادارية فقام بتعريب الجهاز الحکومي الإسلامي في زمن أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي (660 - 714 م)، وهو كان سياسياً و قائداً عسكرياً أموياً. حينذاك كان العراق يشتمل على عراقَين، عراق العرب وعراق العجم. كانت جميع الدواوين الرسمية بإدارة رجل كوردي إسمه (زادان مه رروخ). تمت ترجمة جميع الدفاتر وأمور الدولة من اللغة الكوردية إلى اللغة العربية في زمن الحجاج الثقفي و بأمر منه. كانت اللغة الكوردية وأبجديتها متداولة حتى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي دون إنقطاع و كانت الأبجدية الكوردية تُستعمل حتى أواخر عصر الخلفاء العباسيين. بعد أن ألغى الحجاج اللغة الكوردية كلغة رسمية لبلاد ما بين النهرين و إستبدلها باللغة العربية، بقيت اللغة الكوردية وأبجديتها مستعملة على نطاق ضيق وبشكل سري (لمزيد من المعلومات حول تأريخ اللغة الكوردية يمكن مراجعة كتاب الأستاذ كێو موكريانی المعنون " فەرهەنگي مەهاباد"، چاپي يەكەمين – هەولێر- چابخانەى كوردستان، 1961 و كتاب "مێژووی كورد و كوردستان" للكاتب محمد مەردوخي كوردستانی، ترجمة السيد عبدالكريم محمد سعيد، مطبعة أسعد، بغداد، 1991).

لقد تم إستخدام القوة ولهذا السبب إضطر أصحاب الديانات غير الإسلامية، الى التظاهر بأنهم مسلمون وبدأوا يمارسون شعائرهم وطقوسهم الدينية سراً. هنا يتساءل المرء هل أن الكورد والفرس والأرمن والأمازيغ وغيرهم من الشعوب غير العربية، طلبوا من عرب الجزيرة العربية أن يأتوا ويحتلوا بلدانهم ويفرضوا عليهم دينهم وثقافتهم البدوية البدائية ولغتهم وينهبوا خيرات هذه البلدان ويغتصبوا نساءهم؟ هل هذا ليس إحتلال وإغتصاب وإستعمال القوة لإحتلال بلدان الغير بإسم الدين؟

3. يقول السيد "عاشق علي" بأن الدروز ليسوا أصحاب دين قديم، بل الدروزية هي تفرّع من الشيعة الإسماعيلية.

الجواب: شئ مؤسف أن يتم  تزوير التأريخ. مَن يقول بأن الدروزية ليست دين قديم، بل هي فرع من الشيعة الاسماعيلية؟! عائلة جانبولاد (جنبلاط) في لبنان التي تُدين بالديانة الدُرزية، ينتمي نسبها الى الأمير الكوردي (منتشا = مند) الذي كان أميراً للإمارة الكوردية (كلس) و خدم الدولة الأيوبية في الشام  و أصبح هناك والياً لناحية (القصير) الواقعة على مقربة من أنطاكية الواقعة في تركيا الحالية و بعدها أصبح أمير أمراء الشام و حلب. في عهد السلطان العثماني (سليمان)، تم إسناد منصب الإمارة الى إبنه (جانبلاد) و الذي إستمر في الحكم الى عام 1016 الهجري (1584 ميلادي). في سنة 1630 ميلادية، إنتقل سعيد بك جنبلاط زاده مع إبنه (رباح) الى بيروت و إستقرا هناك. علماً بأنّ العائلة الجنبلاطية كانت من الإيزيديين (لمزيد من المعلومات، راجع كتاب محمد أمين زكي المعنون "خلاصة تأريخ الكرد و كردستان – تأريخ الدول و الإمارات الكردية في العهد الإسلامي"، الجزء الثاني، مطبعة السعادة، مصر، 1948، صفحة 376 – 380). مما سبق يتبين بأن الديانة الدروزية منحدرة من الديانة الإيزدية التي نقلتها عائلة (جانبلاد = جنبلاط) معها الى كل من سوريا ولبنان حينما إنتقلت الى هناك و إستقرت فيها. بمرور السنين، ربما حصل بعض التغييرات البسيطة على الديانة الإيزدية بعد إنتقالها الى لبنان وسوريا، وحتى أن إسمها تغيّر هناك من (إيزدي) الى (دروز). كما نرى فأن هناك تقارب بين اللفظَين. 
 
4. يقول بأن أصحاب الديانات غير الإسلامية لم يتم إضطهادهم من قِبل المسلمين.

الجواب: بالنسبة الى إضطهاد وقتل غير المسلمين، لا أريد أن أطيل الحديث حوله وفقط أشير الى أن إبادة الإيزديين في شنگال على يد داعش هي المجزرة رقم 74 التي يتعرض لها الإيزديون على يد المسلمين. إبادة الأرمن من قِبل الأتراك المسلمين مثال آخر على تعرض الأديان غير الإسلامية الى الظلم والإضطهاد والقتل والإبادة.

5. يذكر الأستاذ المذكور بأنه تم قتل حوالي 300 يهودي من بني قريظة من قِبل النبي محمد كأعلى عدد وهذا العدد لا شئ قياساً بضحايا الأنفال وحلبجة.

الجواب: بالنسبة الى مذبحة  بني قريظة، لو إفترضنا أن عدد قتلى المجزرة هو 300 شخص، مع  أخذ نفوس البشر على الكرة الأرضية آنذاك بنظر الإعتبار قياساً الى نفوس سكان الكرة الأرضية الآن، فأن هؤلاء 300 شخص الذين تم قتلهم آنذاك يعادل 300 ألف شخص اليوم، أي ما قتله النبي محمد هو أضعاف أعداد ضحايا الأنفال وحلبجة. كما يجب أن لا ننسى بأن هؤلاء الضحايا كانوا أبرياء وتم قتلهم فقط بسبب دينهم.

6. يقول بأن القوميات غير الفارسية وأصحاب الديانات غير الإسلامية يتمتعون بحقوقهم في إيران، ما عدا فرض الحجاب ومنع البهائية.

الجواب: هنا أتحدث عن أهل الحق في إيران والذين لي إتصال مباشر معهم، حيث يتعرضون الى الإضطهاد والمضايقات من قِبل حكم الملالي في قم وطهران. لقد تم إجبار الآلاف من اليارسانيين (أهل الحق) على ترك دينهم وإعتناق المذهب الشيعي. قبل حوالي 6 أشهر تم إعتقال عدد من اليارسانيين في منطقة كرماشان وقام الباسداران بِقص شواربهم في السجن مما أدى الى إنتحار إثنين منهم حرقاً، إحتجاجاً على ذلك، حيث أن الشارب هو أحد الرموز المقدسة عند اليارسانيين. لقد قام اليارسانيون في العديد من الدول الأوروبية بتنظيم مظاهرات ضد هذا العمل الإجرامي الذي أهان مقدسات الدين اليارساني.

العالم كله يعرف عن العمليات الإرهابية التي  يقوم بها الحكم الطائفي في إيران و إغتيال الزعيم الكوردستاني عبد الرحمن قاسملو و صادق شرفكندي وغيرهما في قلب أوروبا، يُظهر مدى إضطهاد حكم الملالي للشعب الكوردي ولغيره من الشعوب الإيرانية. إذا تقوم الحكومة الإيرانية بقتل معارضيه في خارج إيران، على أراضي دول أخرى، فكيف تتعامل هذه الحكومة مع المعارضة داخل إيران؟إإ كما يتساءل المرء هل يتم تعليم القوميات غير الفارسية بلغاتهم وتضم برامج التعليم في إيران مواد تتناول تأريخ وثقافة وتراث هذه الشعوب وتأريخ وفلسفات وعقائد وطقوس وشعائر و أعياد ومناسبات معتنقي الديانات غير الإسلامية؟ هل يتم بناء معابد لهم كما تُبنى الحسينيات؟

7. يذكر السيد "عاشق علي" بأن المثقفيين الكورد لا يهتمون بالفيليين، بل يعتبرونهم فُرساً لأنهم ينتمون الى المذهب الشيعي

الجواب: حول الفيليين ومثقفي  كوردستان، أنا الكاكائي كتبتُ 17 مقالاً عن الفيليين. هناك الآلاف من المقالات والدراسات المكتوبة عن الفيليين من قِبل الكُتاب الكورد. قولك بأن المثقفين الكوردستانيين يعتبرون الفيليين فُرساً، يُجانب الحقيقة وهذه أول مرة أسمعها في حياتي.

8. يذكر الأستاذ بأن الكُتّاب الكورد مهتمون بالأعراق والأصول التي ولى زمنها.

الجواب: بالنسبة للأعراق والأصول، الكُتّاب الكورد يتحدثون عنها كمادة تأريخية ولا يتعلق الموضوع بالعنصرية. بعد ظهور العولمة وثورة المعلومات والإتصالات، بدأ الكورد بتقصّي الحقائق التأريخية وكشف سرقة وتزوير وتحريف وإلغاء التأريخ الكوردي، حيث أن الكورد هم أحد أعرق شعوب الأرض

9. يتهم السيد المذكور (الجحوش الكورد) بتسفير الفيليين!

الجواب: رغم خيانة جحوش الكورد لِشعب كوردستان، إلا أن التأريخ يشهد بأن الحكم البعثي هو الذي قام بتسفير الفيليين ولم يكن لهؤلاء أي دور في تسفير الفيليين، حيث كان لا وجود لهم في بغداد لكي يقوموا بعملية تسفيرهم.

للإطلاع على مأساة بني قريظة، يمكن فتح الرابط التالي:

http://entaha.com/%D9%85%D9%88%D8%B6%D9%88%D8%B9%D8%A7%D8%AA-%D8%B3%D8%A7%D8%AE%D9%86%D8%A9/%D8%BA%D8%B2%D9%88%D8%A9-%D8%A8%D9%86%D9%8A-%D9%82%D8%B1%D9%8A%D8%B8%D8%A9-%D8%A3%D9%88%D9%84-%D9%85%D8%B0%D8%A8%D8%AD%D8%A9-%D8%AC%D9%85%D8%A7%D8%B9%D9%8A%D8%A9-%D8%A3%D8%B1%D8%AA%D9%83%D8%A8%D9%87%D8%A7-%D8%A7%D9%84%D9%86%D8%A8%D9%8A-%D9%81%D9%8A-%D8%A7%D9%84%D8%A5%D8%B3%D9%84%D8%A7%D9%85



127
هل العلويون مسلمون أم من أتباع دين خاص بهم؟

د. مهدي كاكه يي

إن جميع الكُتب والدراسات التي يدّعي فيها أصحابها بأن العلويين هم طائفة إسلامية، هي عبارة عن "دراسات" غير موضوعية ومنحازة. إنحياز وعدم تمسك القائمين بهذه الدراسات بالمهنية البحثية ناتج عن أربع أسباب رئيسة:

1. قسم من الدارسين لجذور المعتقد العلوي يميلون الى الفكر الإسلاموي ومنحازون الى هذا الفكر، لذلك يحاولون تزييف الحقائق وفرض الهوية الإسلامية على العلويين.

2. قسمٌ ثانٍ من الدارسين يحملون الفكر العروبي ويلجأون الى كل الطرق الملتوية ليُثبتوا إسلام العلويين، حيث أن الإسلام والعروبة وجهان لعُملة واحدة. كما أن الهوية الإيزدية تتعرض أيضاً للتزوير من قِبل الكُتّاب الإسلامويين والعروبيين ويحاولون بمختلف الوسائل أن يُرجعوا أصلهم الى  يزيد بن معاوية، أي بكلام آخر يحاولون أسلمتهم وتعريبهم. لو ندرس تأريخ شعوب منطقة الشرق الأوسط الكبير لَنكتشف بأن الغالبية العظمى من  السوريين واللبنانيين وغيرهم من شعوب المنطقة، هم مستعربون وليسوا عرباً، حيث أنهم من أصول كلدانية وآشورية وسريانية وأرمنية وكوردية. السكان في مصر هم من الأقباط وسكان السودان نوبيون وغالبية سكان شمال أفريقيا هم من الأمازيغ، حيث فرض العروبيون إسم "المغرب العربي" على بلاد (ثامزغا).

3. القسم الثالث من الباحثين يقومون بدراسة مجاميع علوية في سوريا التي أسلمتْ و أصبحت مسلمة وإنسلخت عن العلويين. نتيجة الغزو الإسلامي العربي للمنطقة وكَون الإسلام ديناً شمولياً غير متسامح مع الأديان والمعتقدات الأخرى ووقوع المنطقة تحت حكم عربي إسلامي لأكثر من 1400 سنة، فأن أعداداً كبيرة من العلويين و غيرهم من أصحاب الديانات غير الإسلامية أُجبِروا على ترك دياناتهم القديمة وإعتناق الدين الإسلامي، أو إضطروا أن يعتنقوا الإسلام. خلال وقوع أصحاب الديانات غير الإسلامية تحت الحكم العربي الإسلامي والممتدة لأكثر من 1400 سنة، فقدت الديانات القديمة في المنطقة الكثير من معالم هوياتها ومعتقداتها وطقوسها وأُدخلت إليها معتقدات وطقوس إسلامية لِتلافي القتل أو دفع الجزية والتخلص من الإرهاب والتهديدات والضغوط المفروضة على معتنقي االديانات غير الإسلامية من جانب المسلمين. نرى في سوريا، على سبيل المثال،  بأن بشار الأسد العلوي يذهب للصلاة في أحد الجوامع خلال الأعياد الإسلامية. بشار الأسد ينتمي الى الشريحة العلوية المنسلخة عن العقيدة العلوية، حيث أن الدين العلوي لا يؤمن بالشهادة الإسلامية (أشهد ان لا إله الا الله محمد رسول الله) ولا يصوم العلويون شهر رمضان ولا يصلّون ولا يؤدون فريضة الحج في مكة ولا يقومون بدفع  الزكاة، أي أن الأركان الخمس للإسلام لا وجود لها في الدين العلوي، بل أن العلويين يقدمون النذور ويصومون لمدة ثلاث أيام في السنة في منتصف الشتاء الذي يُصادف ميلاد ميترا (ميثرا) وهذا أحد الأدلة على أن الدين العلوي هو إمتداد للديانة الآرية (المثرائية واليزدانية). كما أن إيمان العلويين بِتناسخ الأرواح هو إثبات جازم لإنتمائهم الى الأديان القديمة في منطقة غرب آسيا وهذا الإعتقاد نجده عند الهندوس والبوذيين والإيزديين والدروز والكاكائيين وغيرهم من أتباع الديانات القديمة في المنطقة. إذن دراسات هذه المجموعة من الباحثين هي عن "العلويين" الذين هجروا دينهم وإعتنقوا الإسلام، لذلك لا يمكن تصنيف هذه الدراسات ضمن الدراسات العلوية. من جهة أخرى نجد أن العلويين في شمال كوردستان و في تركيا لا يزالون يحتفظون بالكثير من معتقداتهم وطقوسهم الدينية.

4. المجموعة الرابعة تضم باحثين علويين، يدّعون في "دراساتهم" بأنهم مسلمون، كوسيلة لحماية العلويين من القتل والإضطهاد والتهديد والإرهاب والمضايقة أو أن هؤلاء من الشريحة العلوية المنفصمة عن العقيدة العلوية و الشاعرة بالدونية، ولذلك يحاولون بكل الوسائل أن يجعلوا من العلويين طائفة إسلامية. 

يذكر البروفيسور جمال نبز فيي كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994"، بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية "هالاڤ" التي تعني بالكوردية بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة وكذلك لظى النار نفسها. إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى "ألڤي" التي تعني "لظى النار". هذا الإسم يتعلق بالنار المقدسة في الديانات الكوردية القديمة. الديانة العلوية و الإيزدية و الدروزية و اليارسانية (الكاكائية) تكاد تكون ديانة واحدة، حيث أنها متشابهة في العقيدة و الشخصيات الدينية و الإيمان بتناسخ الأرواح و النظام الطبقي و الطقوس الدينية من صوم و تقديم النذور و التكايا و الإحتفاظ بالشارب و غيرها. لذلك فأن المصادر الرصينة تذكر بأن الديانة العلوية هي إحدى الديانات الكوردية القديمة. عند المقارنة بين العقيدة الإسلامية و العلوية، نرى أنّ هناك لا رابط يربط  بين هذين الدينَين، حيث لا وجود للأركان الخمسة للدين الإسلامي عند العلويين. عليه فأن الدين العلوي هو دين كوردي قديم و أن قسماً من معتنقي هذا الدين من غير الكورد، هم كورد مستتركون أو مستعربون أو مستفرسون، بينما القسم الآخر ينتمون لقوميات أخرى، غير القومية الكوردية وقد إعتنقوا هذا الدين الكوردي و جعلوه ديناً لهم.

mahdi_kakei@hotmail.com

128
التجمع الأمازيغي الكوردستاني للصداقة والسلام يشجب هجمات إرهابيي داعش على كوردستان


إن شعب كوردستان يعيش على أرضه التأريخية منذ آلاف السنين و أن كوردستان محتلة من قِبل عدة دول. منذ إحتلال كوردستان أصبح شعب كوردستان مواطنين من الدرجة الثانية في وطنهم و تعرضوا و تعرضت بلادهم للتعريب و التتريك و التفريس الذي نتج عنه إنخفاض شديد في نفوس الكورد و إنكماش الخارطة الجغرافية لكوردستان التي كانت تمتد من الخليج الفارسي الى البحر الأبيض المتوسط والبحر الأسود. كما أن هذا الشعب العريق تعرض في وطنه الى الإبادة الجماعية و الأنفال و الإذلال و التجويع و التجهيل و تعرضت كوردستان للدمار و الخراب وتم حرق وتدمير الطبيعة الجميلة لكوردستان وتحطيم بُنيتها التحتية و تلويث بيئتها و إنهاك إقتصادها و سلب مواردها. هوية الشعب الكوردي و لغته وثقافته وتراثه وتأريخه تعرضت للإلغاء و التحريف و التزوير و السرقة. كل هذه المحاولات و الأساليب العنصرية والبطش والإبادة لم تستطع أن تنال من إرادة الشعب الكوردستاني و إجباره على قبول حياة العبودية و الذل، حيث واصل نضاله بكل إصرار، مستخدماً كل الوسائل الممكنة و مضحياً بحياة الملايين من بناته وأبنائه في سبيل تحقيق حريته و توفير عيش كريم لنفسه و للأجيال القادمة.

بعد إنتهاء الحرب العراقية – الكويتية و هزيمة نظام صدام حسين في هذه الحرب و إنتفاضة شعب كوردستان في إقليم جنوب كوردستان ضد حكم الطاغية و تعرُّض شعب كوردستان لحرب الإبادة بعد فشل إنتفاضته وإضطرار الملايين منهم الى القيام بالهجرة الى كل من إيران وتركيا، هرباً من قوات صدام حسين، قامت دول التحالف الدولي، التي حررت الكويت من الإحتلال العراقي، وخاصة الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وفرنسا، بإنشاء منطقة آمنة لسكان إقليم جنوب كوردستان، حيث منعت قوات التحالف طيران الطائرات الحربية العراقية في أجواء الإقليم وكان ذلك في نهاية عام 1991. منذ ذلك الوقت الى يوم تحرير العراق و إسقاط النظام البعثي في العراق في عام 2003، إستقل الإقليم عملياً عن العراق وأصبح يُدار من قِبل الكوردستانيين أنفسهم. في إقليم غرب كوردستان المحتل من قِبل سوريا، بعد إندلاع الحرب الأهلية في سوريا، بدأ الشعب الكوردستاني في هذا الجزء من بلده بتحرير الكثير من أرضه المحتلة و قام ببناء مؤسسات للإدارة الذاتية للمناطق المحررة. كما قام الإقليم بتأسيس قوات مسلحة للدفاع عن الأراضي المحررة.

إن الدول المحتلة لكوردستان وخاصة تركيا شعرت بِخطورة تحرر الكوردستانيين في غرب وجنوب كوردستان وقُرب ميلاد دولة كوردستان على أرض هذين الإقليمين وتغيير الخارطة السياسية للشرق الأوسط وتغيير التوازنات الإقليمية لصالح الشعوب المُستعمَرة والمُستعبَدة. لذلك حركت الدول المحتلة لكوردستان وخاصة تركيا، العصابات الإرهابية لِداعش ونسقت معها و ساعدتها لوجستياً وعسكرياً ومادياً للهجوم على غرب وجنوب كوردستان في محاولةٍ يائسة لإحتلال هذين الإقليمَين وإسقاط الإدارة الكوردستانية فيهما، إلا أن بطلات وأبطال قوات حماية الشعب و قوات حماية المرأة في غربي كوردستان وقوات الپێشمرگە في جنوب كوردستان تصدت بكل حزم وعزيمة لعصابات داعش وأرغمتها على التقهقر وأفشلت مخططات ومؤامرات محتلي كوردستان في النَيل من مكتسبات شعب كوردستان والكفاح بكل صلابة في سبيل حرية شعب كوردستان وإستقلال كوردستان.

التجمع الأمازيغي الكوردستاني للصداقة والسلام يندد بالهجمات البربرية لعصابات داعش على كوردستان ويعلن وقوفه الى جانب شعب كوردستان في نضاله ضد قوى الظلام ودعمه لحرية شعب كوردستان وبناء دولته المستقلة على أرضه التأريخية. كما يناشد التجمع الأمازيغي الكوردستاني للصداقة والسلام منظمة الأمم المتحدة وكافة الدول الديمقراطية ومنظمات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية في العالم الى الوقوف الى جانب الشعب الكوردستاني التواق للحرية ودعمه عسكرياً ولوجستياً وسياسياً وإعلامياً لتحرير كافة الأراضي الكوردستانية من إحتلال عصابات داعش وفك الحصار عن المدينة البطلة، كوباني التي أصبحت أمثولة للفداء والبسالة والشجاعة التي أدهشت العالم أجمع.

الحرية لشعب كوردستان والإستقلال لكوردستان
الموت لعصابات داعش والخزي والعار لمحتلي كوردستان

التجمع الأمازيغي الكوردستاني للصداقة والسلام

25 تشرين الأول/أكتوبر 2014

129
لمحات من تأريخ إحتلال آذربايجان و تتريك سكانها
 
د. مهدي كاكه يي

 
قبل إحتلال المنطقة من قِبل المغول والتتار، كان سكان آذربايجان كورداً. خلال حملات جنگيز خان المغولي وهولاكو التتاري و خلال الحُكم الصفوي، إستوطن التركمان في آذربايجان و تدريجياً إضطر سكانها الأصليون الكورد أن يهجروا لغتهم الأم الكوردية و يتخذون اللغة التركية لغة لهم. لا تزال آثار اللغة الكوردية باقية بوضوح في اللغة الآذرية، حيث تحتوي على الكثير من المفردات الكوردية.

يشير الپروفيسور (پيتر گولدن Peter Golden) في صفحة 386 من كتابه المعنون (An introduction to the history of the Turkish People) بأن تتريك آذربايجان تمّ خلال ثلاث مراحل: 1. إستيطان السلاجقة و الأوغوز في مناطق آذربايجان و حرّان و أناضول. 2. خلال حملات المغول على المنطقة، حيث كانت غالبية جنودهم تتألف من قبائل تركية. 3. في زمن الدولة الصفوية، هاجر الكثير من قبائل أوغوز و التركمان و قزلباش من الأناضول إلى إيران وإستقرت هناك.

يقول المستشرق الروسي البروفيسور (فلاديمير مينورسكي Vladimir Minorsky)
في الموسوعة الإسلامية (Azerbaijan: Encyclopedia of Islam) حول تغيير لغة سكان آذربايجان بأنه في القرن السادس الهجري، في ظل حكم السلجوقيين قام  الأوغوز تدريجياً بِإحتلال كامل التراب الآذربايجاني. أجبر هذا الإحتلال سكان آذربايجان على تغيير لغتهم إلى اللغة التركية. قبل هذا الإحتلال كان سكان آذربايجان و سكان أطراف القفقاز يتكلمون اللغة "الإيرانية".

يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد في صفحة 55 من كتابه المعنون (لقاء الاسلاف) بأنه بدأ تتريك سكان (الران) تدريجياً منذ عهد السلاجقة. يضيف الدكتور جمال رشيد أحمد بأن سكان كل من أذربايجان و شيروان و دربند مروا أيضاً بِعملية التتريك منذ ظهور الحكم السلجوقي.

في صفحة 109 من كتابه المعنون "المستضعفون الكورد وإخوانهم المسلمون" يذكر الدكتور جمال نبز بأنه بعد حملات جنگيز خان المغولي (1203-1226)م وهولاكو التتاري (1217-1265)م الذي قضى على الخلافة الإسلامية و تسبّب في جريان أنهار من الدماء في كوردستان و بغداد و إيران، بدأ التركمان بالإستيطان في بعض مناطق أذربايجان الكوردية و أخذوا يعملون على تتريكها.

يذكر المستشرق الألماني (برتلد سپولر Bertold Spuler) (1911-1990) بأن إحتلال الأتراك لِمنطقة آذربايجان أدى الى ترك سكان المنطقة الذين كانوا آريين، لغتهم بمرور الزمن و جعل اللغة التركية لغة لهم. هذا يعني بأن الكورد هم أصل الآذريين وأنه لا تزال هناك مفردات كوردية كثيرة باقية في لغتهم، حيث كانت اللغة الكوردية هي اللغة الأصلية للآذريين.


130
إثبتْ وجودك يا شعب كوردستان في إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط الكبير!

د. مهدي كاكه يي
ها بدأت الدول الكبرى و على رأسها أمريكا وبمشاركة الدول الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، وخاصة تركيا والحكومات العربية لدول الخليج الفارسي، بِإزالة حدود سايكس – بيكو و رسم حدود جديدة للمنطقة. إن ظهور إرهابيي داعش وحربها وغزواتها هي ضمن مخطط عالمي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية لإعادة رسم الخارطة االسياسية للمنطقة. كما أن حرب داعش هي حرب إثنية ودينية ومذهبية في آنٍ واحد، حيث أن الطائفة السُنية في العالم بشكل عام والعرب السُنة في المنطقة بشكل خاص، مُمثلة بِالمنظمة الإرهابية داعش التي هي الجناح العسكري للطائفة السُنية، تحارب كلاً من الكورد والمجتمعات غير الإسلامية والشيعة في المنطقة.

إن السُنة العرب يعملون عن طريق داعش عسكرياً وعن طريق الإدعاء بالمشاركة في الحملة الدولية لمكافحة الإرهاب، دبلوماسياً وسياسياً لتأسيس دولة عربية سُنيّة تشمل المناطق السُنية في كل من العراق وسوريا وغربي وجنوبي كوردستان.

من خلال الهجمة الداعشية على غربي كوردستان وعدم جدّية قوات التحالف الدولي لمحاربة الإرهاب بِقيادة الولايات المتحدة الأمريكية والدعم التركي والعربي لإرهابيي داعش، يستنتج المرء بأن واضعي الخارطة الجديدة للشرق الأوسط الكبير يريدون جعل غربي كوردستان جزءً من الكيان السياسي السُنّي العربي المُراد تأسيسه على الأراضي السورية والعراقية ذات الأغلبية السُنّية. كما أن قرار الولايات المتحدة الأمريكية بتشكيل وحدات عسكرية في كل محافظة عراقية ومن ضمنها محافظة كركوك الكوردستانية و أن تكون نسبة القوات المقترَح تشكيلها في كركوك 32% لكلٍ من الكورد والعرب والتركمان و أن تكون نسبة المسيحيين 4% من هذه القوات العسكرية، يدل على أن الإدارة الأمريكية تخطط أن تقتصر دولة كوردستان، التي سيتم تأسيسها، على محافظات أربيل ودهوك والسليمانية وقد تشمل قضاء خانقين وبعض المناطق الكوردستانية في محافظة الموصل وسلخ كركوك من كوردستان وضمها الى الدولة العربية السُنيّة التي من المتوقع إنشاؤها.

نرى أن العرب السُنة فرضوا أنفسهم على أصحاب القرار في العالم عن طريق إستخدام الإرهاب والعنف، من ضمنها خلق المنظمة الإرهابية، داعش في كوردستان والعراق وسوريا وغيرها من الدول وتقديم الدعم العسكري والمادي والدبلوماسي والسياسي والإعلامي لهذه الجماعات الإرهابية من قِبل الحكومات السُنّية في المنطقة، وفي مقدمتها حكام تركيا والسعودية والأردن و الحكومات الأخرى لدول الخليج الفارسي. من جهة أخرى نرى أن القيادات والأحزاب الكوردستانية تعيش حالة من التشتت والتخاصم والفوضى، حيث إنقسمتْ الى فصيلَين رئيسيين متعاديين، يتحالف أحد الفصيلَين الكوردستانيين مع الِمحور السُنّي (التركي – السعودي) والفصيل الثاني أصبح حليفاً للمحور الشيعي (الإيراني) ويقوم كل من هذين المحورَين بإستغلال شعب كوردستان من أجل فرض سيطرته على المنطقة و الإستحواذ على ثرواتها.

في هذه الظروف الحساسة التي تمر بها منطقة الشرق الأوسط، حيث الصراع الطائفي المحتدم يفرض نفسه على شعوب المنطقة وسيطرة داعش، الجناح العسكري للعرب السُنّة، على مساحات واسعة من كوردستان والعراق وسورية، فأن شعب كوردستان تتعرض لمؤامرة خطيرة تُحيكها الدول المحتلة لكوردستان و الحكومات الإقليمية الأخرى في المنطقة، عن طريق إستخدام إرهابيي داعش للقضاء على الإدارة الكوردستانية في غربي و جنوبي كوردستان و إحتلال هذين الإقليمَين من قِبل داعش وجعلهما جزء من الدولة العربية السُنيّة التي يتم التخطيط لتأسيسها في المنطقة على أجزاءٍ من الأراضي الكوردستانية و العراقية والسورية.

لمواجهة هذه التحديات المصيرية، يجب على القيادات الكوردستانية في كل إقليم ترتيب البيت الكوردستاني و تأسيس مرجعية سياسية وجيش موحد يتم تأسيسه من خلال تطوّع المواطنين وفرض الخدمة الإجبارية للدفاع عن شعب كوردستان. يجب أن يكون هذا الجيش جيشاً محترفاً، بعيداً عن الأيديولوجيا والمبادئ الحزبية، بل يكون جيشاً وطنياً كوردستانياً. يمكن أن تكون مدة الخدمة الإجبارية 6 أشهر، حيث يتدرب المقاتل خلالها على مختلف صنوف الأسلحة ويتلقى دروساً نظرية في العلوم العسكرية. على القيادات الكوردستانية وضع  مصلحة كوردستان فوق المصالح الشخصية والحزبية وأن يعلموا بأن مصير ووجود شعبهم يتعرض لتهديد خطير و أن مصيرهم مرتبط بمصير شعب كوردستان وأيّ خطر يواجهه شعبهم سيكون خطراً عليهم أجمعين. بعد تأسيس القيادة السياسية في كل إقليم، يجب الإسراع في تشكيل قيادة سياسية كوردستانية عامة من ممثلي قيادات الأقاليم الأربع. كما يجب تأسيس قيادة مسلحة مشتركة لجيوش الأقاليم لتوحيد القوات الكوردستانية لتكون مؤهلة لمواجهة الأخطار الجسيمة التي يواجهها شعب كوردستان. كوردستان في خطر! يتعرض غربي وجنوبي كوردستان لهجمة إرهابية شرسة ترمي الى إحتلال هذين الإقليمَين من كوردستان و ضمهما للدولة السُنّية المزمع تأسيسسها. لذلك فأن كوردستان تُنادي كافة الأحزاب و التنظيمات السياسية الكوردستانية الى تدارك الخطر المحدق بِشعب كوردستان والذي يُلزِم التخلّي عن المصالح الشخصية والحزبية والآيديولوجية و العمل بِقلبٍ و عقلٍ واحد وإلا سيغرق مركب كوردستان ويغرق جميع مَن فيه، حيث أن القوى الإرهابية الظلامية لا تفرّق بين حزب وآخر، بل يستهدف الوجود الكوردستاني، دون مراعاة الإنتماءات الحزبية و الدينية والمذهبية.

القيام بتوحيد القوى السياسية والعسكرية الكوردستانية ينتج عنه ظهور قوة كوردستانية إقليمية كبرى لا يمكن الإستهانة بها من قِبل الدول الكبرى  والدول الإقليمية و بذلك يفرض شعب كوردستان نفسه على العالم والمنطقة كقوة لا بد أن يتم إشراكه في رسم الخارطة الجديدة للشرق الأوسط وتأسيس دولة كوردستان في قلب هذه المنطقة. الوسيلة الوحيدة للكوردستانيين في التحرر والإستقلال هو الوحدة والإعتماد على النفس، على القوة الذاتية. لِتعلم جميع التنظيمات السياسية الكوردستانية بأن الإعتماد على الحكومات المحتلة لكوردستان هو إنتحار ويقود الى الهزائم والكوارث وأن "المساعدات" المقدمة من قِبل محتلي كوردستان والجهات المعادية الأخرى، ما هي إلا لخدمة مصالح تلك الدول والجهات، حيث تستغل هذه الجهات شعب كوردستان في تنافسها على النفوذ والثروة في منطقة الشرق الأوسط.

على شعب كوردستان القيام بالضغط على القيادات الكوردستانية لتوحيد صفوفها وتشكيل مرجعية سياسية وعسكرية موحدة، من خلال تنظيم فعاليات شعبية مختلفة كالتظاهرات والتجمعات والإحتجاجات والمسيرات وجمع التواقيع والمحاضرات وعن طريق الإعلام وغيرها. يجب أن يكون شعب كوردستان شعباً حيّاً، يصبح يداً واحدة وصوتاً واحداً وقوةً عملاقة، يهيئ كل مقومات النصر لمواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها والتغلب عليها وإفشال مؤامرات الدول المحتلة لكوردستان والدول المعادية لِحق شعب كوردستان في الحرية والإستقلال و إعطاء درسٍ لن ينسوه، لأعداء الكوردستانيين، لكي لا يتجرأون مرة أخرى بالتفكير في الإعتداء على كوردستان. تحية حب وإعجاب الى حاميات وحُماة غربي كوردستان والى أرواح الذين وهبوا حياتهم لكوردستان وجعلوا مدينة كوباني أسطورة للبسالة والفداء ونكران الذات وحب الوطن، التي أدهشت العالم وأصبحوا موضع حب وإهتمام العالم أجمع ومفخرةً لشعب كوردستان وسيسجل التاريخ بطولاتهم ومقاومتهم وعشقهم للحرية وللوطن بحروف من نور. تحية حب وثناء لقوات الپێشمەرگە الأبطال في جنوبي كوردستان في تضحياتهم ودفاعهم المستميت عن وجود وحرية شعب كوردستان.

mahdi_kakei@hotmail.com

131
سقوط شنگال وزوممار، أسبابها وعواقبها والتصدي لها   

د. مهدي كاكه يي

إن إقليم جنوب كوردستان يواجه تحديات خطيرة، تتطلب توفير مستلزمات التصدي لها والخروج منها منتصراً. عدم قدرة الپێشمەرگە على حماية شعب وأرض كوردستان كانت متوقعة ولا يعود هذا العجز لأسباب آنية، بل أنه مرتبط بالخلل الكبير الموجود في إدارة شئون الإقليم والذي بحاجة ملحة لتصحيح هذا الخلل الذي يتطلب القيام بإجراءات وإصلاحات جذرية كبرى. أشك برغبة وقدرة القيادات السياسية الحالية للإقليم على تنفيذ هذه الإصلاحات لِكون هذه القيادات هي قيادات عائلية وعشائرية كلاسيكية متخلفة، غير مؤهلة وعاجزة عن خدمة شعب كوردستان وقيادته الى حيث الحرية والإستقلال والتطور والتقدم والرفاهية.

أشير هنا الى مفاصل الخلل الموجود في إدارة إقليم جنوب كوردستان وبإختصار شديد، حيث حددتُ هذا الخلل بالتفصيل في الدراسات المنشورة لي.

1. إنعدام قيادة سياسية موحدة: ها قد مرت 23 سنة على إنشاء إقليم جنوب كوردستان ولا يزال الإقليم عملياً له قيادتان سياسيتان تتمثلان في الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني، حيث يمتلك كل منهما ميليشياته الحزبية الخاصة به وقواته الأمنية وميزانيته. هكذا نرى أنه رغم مرور 23 سنة على الحكم الكوردستاني في الإقليم، لا تزال الإدارة فيه مقسمة عملياً بين الحزبَين الحاكمَين وأن هناك إدارتَين متنافستَين و متصارعتَين لهذين الحزبَين، دون الإحساس بالمسئولية الوطنية التي تستوجب توحيد الإدارتَين عملياً ليتم القضاء على المراكز المتافسة المتصارعة لتوحيد القرارات والأوامر والبرامج والإستراتيجيات في إدارة الإقليم.

2. الهيمنة الحزبية: لا يزال الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني يتدخلان في كل صغيرة وكبيرة في شئون حكومة الإقليم وأنهما الحاكمان الفعليان وأن البرلمان والحكومة هما ديكوران، لا حول لهما ولا قوة. يتدخل أفراد هذين الحزبَين في شئون السلطات التنفيذية والقضائية والبرلمان ومنظمات المجتمع المدني، وهذا يعني إنعدام مؤسسات تشريعية وتنفيذية وقضائية وشعبية مستقلة، غير خاضعة لسلطة الحزبَين. هذا الأمر يخلق الفوضى في إدارة الإقليم وفي وضع برامج عمله وإستراتيجياته وتنفيذ مهامه.

3. الهيمنة العائلية: إن الحزبَين الحاكمَين في الإقليم في الحقيقة هما واجهتان لحُكم عائلتَين، تسيطران عملياً على الحكم و تتحكمان بمصير سكان الإقليم وتقومان بتحديد السياسات والإستراتيجيات والخطط والبرامج والعلاقات الخارجية وتهيمنان على جميع مفاصل مؤسسات الإقليم، بما فيها الشركات والإستثمارات الأهلية. من هنا يظهر مدى خطورة سيطرة هاتَين العائلتَين المتنافستَين والمتصارعتَين على مقدرات الإقليم والتي تتسبب في إنتشار الفساد المالي والإداري والمحسوبية وتحكّم أفراد العائلتَين بِمصير الإقليم. إن هؤلاء الأفراد يفتقدون الى الكفاءة والتجربة والممارسة والمؤهلات والتي تقود الى الفشل و تسير بِسكان إقليم جنوب كوردستان الى حيث الإبادة و الهزائم وتُبقي كوردستان محتلة.

4. الفساد الإداري والمالي: إستحواذ العائلتَين المذكورتَين والقيادات الحزبية التي تخدمهما على مقدرات الإقليم، خلقت فساداً مالياً وإدارياً خطيراً، حيث أن أفراد العائلتَين وقيادات حزبَيهما مشغولون بِجمع الغنائم ونهب وسرقة أموال الشعب وإحتكار الشركات العاملة في الإقليم وكذلك الإستثمارات الجارية فيه وإحتكار المناصب والوظائف والإمتيازات وبناء القصور والڤلل ومحاربة المواطنين غير الحزبيين وغير الموالين لهم في رزقهم، بينما تعيش غالبية سكان الإقليم في فقر وعوز، يبذلون جهودهم أن يوفروا لقمة العيش لهم ولأسرهم. بهذا الإستحواذ على السلطة والثروة، عزل حكام الإقليم أنفسهم عن الشعب وفقدوا ثقته بهم وموالاته لهم.

5. هيمنة الدول المحتلة لكوردستان: إن تقسيم الإقليم الى منطقتَين للنفوذ ووجود مركزَين للسلطة والقوة والنفوذ والتنافس والصراع بين هاتين السلطتَين على النفوذ والثروة، قسّمت الإقليم الى منطقتَين، إحداهما للنفوذ التركي والثانية للنفوذ الإيراني، وبذلك أصبح الإقليم ساحة مفتوحة للمخابرات التركية والإيرانية و تابعاً إقتصادياً وسياسياً لهاتَين الدولتَين اللتين تحتلان شمال وشرق كوردستان. هكذا فأن كافة أسرار وإستراتيجيات وخطط الإقليم هي تحت أيدي هاتَين الدولتين ودول أخرى معادية. كما أن الحزب الديمقراطي الكوردستاني يدور في فلك السياسة التركية، بينما الإتحاد الوطني الكوردستاني يدور بدوره في فلك السياسة الإيرانية. نتيجة تقاطع المصالح التركية والإيرانية في المنطقة ونظراً لسياسة "فرق تسد" التي تتبعها الدول المحتلة لكوردستان، فأن سياسة هذين الحزبين تتقاطع ولا يستطيعان توحيد الإدارتَين و خلق حُكم القانون والمؤسسات ورسم إستراتيجية موحدة ومصدر قرار واحد وبناء جيش مهني موحد للدفاع عن كوردستان.

6. قوات الپيشمرگه

أ. عدم تأسيس جيش كوردستاني:
لا يزال الپيشمرگه عبارة عن ميليشيات حزبية، دون أن يتم تأسيس جيش كوردستاني مهني موحد، يكون ولاؤه لكوردستان وليس للأشخاص والأحزاب. لِنقارن الإقليم بهذا الصدد مع إسرائيل، لنتعرف على البون الشاسع بين ما أنجزته إسرائيل و الإقليم في هذا المجال. بعد أسابيع من الإعلان الرسمي لتأسيس دولة إسرائيل، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون بِحل جميع المنظمات اليهودية المسلحة في إسرائيل، مثل منظمة الهاجاناه و منظمة شتيرن و منظمة الإرجون، و المنظمة الأخيرة كان يقودها مناحيم بيگن، و ذلك لتأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي. عندما كانت سفينة "ألتالينا" في طريقها الى إسرائيل، مُحملة بأسلحة تعود لمنظمة الإرجون الصهيونية، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون بإغراق السفينة المذكورة في البحر لمنع إستمرار تواجد الميليشيات المسلحة في البلاد. في جنوب كوردستان، بعد مرور 23 عاماً على الحكم الكوردستاني لا يزال كل حزب له ميليشياته، و أن حكام جنوب كوردستان لم يؤسسوا لحد الآن جيشاً مهنياً موحداً ليدافع عن مصالح سكان الإقليم ويكون ولاؤه لكوردستان وليس للأحزاب. كيف يستطيع الپيشمرگه أن يدافعون عن كوردستان في الوقت الذي يفتقرون الى قيادة عسكرية موحدة ويستلمون أوامر متناقضة ومتضادة من أحزابهم؟! 

ب. إفتقار الپيشمرگه للمهنية العسكرية: بسبب كون الپيشمرگه مجرد ميليشيات حزبية و إختيار أفرادها على أسس الولاء الشخصي والعائلي والعشائري والحزبي، يفتقد معظم الپيشمرگه الى الكفاءة والشروط المطلوبة التي تؤهلهم ليكونوا مدافعين مهنيين عن كوردستان. هناك الكثير من ضباط الپيشمرگه الذين هم أمّيون لا يعرفون القراءة والكتابة، و هناك ضباط لم يدخلوا الى أية دورة عسكرية وتم منحهم رُتب عسكرية لِكونهم حزبيين. كيف يستطيع الضابط الأُمّي والضابط الذي لم يخضع للتدريب العسكري و لم يتلقَ دروساً عسكرية ولا إلمام له بالعلوم العسكرية، أن يضع الخطط العسكرية ويقود جنوده وينتصر في الحرب؟

كما أن القيادات العسكرية هم من قادة الحزبَين الحاكمَين الذين لا إلمام لهم بالعلوم والفنون العسكرية، بل قد يكونون من الپيشمرگه الذين شاركوا في الثورات الكوردستانية المسلحة ولهم خبرات في حرب الأنصار (حرب العصابات). إن الكوردستانيين الآن يديرون إقليم الجنوب ولهم أسلحة ثقيلة ولذلك فأن الحروب التي يخوضونها هي حروب جبهوية وحروب المدن والشوارع التي تختلف كلّياً عن حرب الأنصار المبنية على الكرّ والفرّ أي أُضربْ وإهربْ. الپيشمرگه وقياداتها العسكرية الآن بحاجة الى التدريب العصري للتزوّد بمختلف العلوم والفنون العسكرية الحديثة في مجال الأسلحة والتدريب والتموين والمخابرات والدفاع المدني وإدارة الحروب وتأمين سلامة المدنيين والإتصالات والحروب النفسية والدعائية ودور الإعلام وغيرها من الأمور المتعلقة بالعلوم العسكرية.

ج. التدريب والتسليح والتموين: يفتقد الپيشمرگه الى الإنخراط في دورات عسكرية مهنية لتعليمه العلوم والفنون العسكرية والتدريب على مختلف أنواع الأسلحة وينعدم الإنضباط العسكري في صفوف الپيشمرگه. كما أنه لا يتم التدريب اليومي للپيشمرگه للإحتفاظ بلياقتهم البدنية والتواصل مع الفنون والعلوم العسكرية. لم تُهئ القيادة السياسية والعسكرية المستلزمات التي يحتاج إليها الپيشمرگه والتي تتطلبها الحروب من تدريب مكثف متواصل وفتح دورات عسكرية ذات مستويات عالية لتخريج پيشمرگه، مُسلّحين بالعلوم والفنون العسكرية المتطورة وكذلك وضع خطط التموين.

كما أن الپيشمرگه يعيشون في حالة يُرثى لها، حيث يعيشون في فقر وعوز، لا يتم منحهم رواتبهم بإنتظام وشهرياً لإعالة أنفسهم وأُسرهم، حيث يستلمون الرواتب بين فترة وأخرى، أي أنهم قد يستلمون الراتب بمعدل مرة واحدة كل شهرَين وهذا يعني أنهم يستلمون نصف الراتب المُعيّن لهم. كيف يستطيع الپيشمرگه الجائع والقلِق على توفير مصدر رزقه وضمان عيشه وعيش عائلته، أن يحارب ويحقق النصر في ساحة المعركة؟

لم أرَ أو أسمع في حياتي بأن الجندي المتطوع في الجيش يجب عليه شراء ملابسه العسكرية وسلاحه على نفقته الشخصية، دون أن تقوم الدولة بذلك! لا نذهب بعيداً فأن أحد أبناء أخي تطوّع وأصبح پيشمرگه عند الحزب الديمقراطي الكوردستاني. قبل إلتحاقه بصفوف الپيشمرگه، تم إخباره من قِبل وحدته العسكرية بأن عليه شراء ملابسه العسكرية وسلاحه على نفقته الشخصية وهكذا إضطر أن يقوم بذلك قبل إلتحاقه بالپيشمرگه.

في الوقت الذي يعيش معظم شعب كوردستان وأفراد الپيشمرگه في فقر ومحرومون من رواتبهم ويعانون من الجوع والمرض والقلق على معيشتهم وحياتهم، فأن پرلمان كوردستان أقرّ بمنح كل عضو پرلمان مبلغاً قدره 30 ألف دولار لتأثيث بيته أي ما يعادل حوالي 37 مليون دينار! هذا يعني بأن المبلغ الممنوح لأعضاء پرلمان كوردستان يبلغ 3,33 مليون دولار والذي يساوي أكثر من 4 مليارات دينار. هذا بالإضافة الى الرواتب والمخصصات الضخمة التي يتقاضاها الپرلمانيون والوزراء وأصحاب الدرجات الخاصة والمسئولون الحزبيون، بالإضافة الى رواتب حماياتهم الضخمة. كما أن الوزراء وأعضاء الپرلمان، بعد إنتهاء دوراتهم الپرلمانية و فترة توزيرهم، يتقاضون رواتب تقاعدية ضخمة من أموال الشعب وبمرور الوقت يصبح لدينا جيشاً عرمرماً من الوزراء والپرلمانيين المتقاعدين الذين يمتصون خزينة الإقليم ويفرّغونها، في الوقت الذي تدّعي حكومة الإقليم بعدم توفر الأموال لدفع رواتب الموظفين و الپيشمرگه.

من جهة أخرى، فأن قوات النخبة والخاصة المسئولة عن حماية القيادات الكوردستانية، تمتلك أسلحة وذخائر حربية حديثة وكافية، قياساً بتلك التي تتوفر لدى باقي الوحدات العسكرية. كما أن غالبية أفراد هذه القوات الخاصة مؤلفة من أفراد عوائل وعشائر القيادات السياسية الكوردستانية، كما هو الحال عند الأنظمة الدكتاتورية التي فيها يحكم القائد الأوحد والعشيرة والحزب. هذا يشير الى أن القيادات الكوردستانية تُكرّس جهودها في حماية نفسها وحكمها وفي نفس الوقت تقوم بِحرمان القطعات الأخرى من الپيشمرگه من إمتلاك أسلحة متطورة وكافية، خوفاً من أن تقوى وتصبح ذات نفوذ، تهدد حكم القيادات السياسية الكوردستانية، بحيث قد تسيطر على الحكم والسلطة.

لقد مرت 23 سنة وخلال هذه السنوات الطويلة، لم تنتهز القيادات الكوردستانية هذه الفترة الطويلة لبناء البُنية التحتية للإقليم وخلق مقومات الأمن الوطني الكوردستاني من خلال الوصول الى الإكتفاء الذاتي في الغذاء والطاقة والحاجيات الأخرى وفي المجال العسكري لضمان الدفاع عن كوردستان في هذه المنطقة الملتهبة التي نعيش فيها. بعد سقوط حكم البعث في العراق، توفرت لدى القيادات الكوردستانية أموالاً طائلة، لو تم إستثمارها في خلق أمن وطني كوردستاني، كان بالإمكان التصدي لكافة الأخطار المحيطة بِشعب كوردستان وضمان إستقلال كوردستان، إلا أن المصالح الشخصية والعشائرية والحزبية طغت على ساحة الإقليم على حساب المصالح الوطنية الكوردستانية. لِنقارن حكومة الإقليم بِحكومة حماس في غزة، المحاصرة براً وبحراً وجواً من قِبل إسرائيل. تبلغ مساحة قطاع غزة 360 كيلومتر مربع فقط، بينما تبلغ سكانها أكثر من مليونَين نسمة (تُقدّر مساحة إقليم جنوب كوردستان بحوالي 000 80 كيلومتر مربع ونفوسها بِحوالي 8 ملايين نسمة). رغم الحصار المفروض على القطاع وقلة موارده والكثافة السكانية العالية له، فأن الفلسطينيين إستطاعوا صنع أو توفير آلاف الصواريخ والمدافع و قاموا ببناء عشرات الأنفاق تحت الأرض، بعضها يصل عمقها الى حوالي 30 متراً تحت الأرض، لإستخدامها كقنوات للتسلل الى إسرائيل ولخزن الأسلحة فيها وإستخدامها كملاجئ للقيادات الفلسطينية. هذه هي الجهود الجبارة للفلسطينيين للدفاع عن أنفسهم والحرب ضد إسرائيل، فأين مثل هذه الجهود عند القيادة الكوردستانية في الإقليم؟ من خلال طبيعة كوردستان الجبلية الوعرة والإمكانيات البشرية والمالية الضخمة للإقليم ومن خلال وضع إستراتيجية دفاعية متكاملة، تستطيع قيادة الإقليم أن يجعل من الإقليم حصناً منيعاً لا يستطيع محتلو وأعداء كوردستان إختراقه.

إن إنسحاب پيشمرگه الحزب الديمقراطي الكوردستاني قد يعود الى ضغوطات تركية على قيادة الحزب للسماح لإرهابيي داعش بالسيطرة على المنطقة وعزل قوات إقليم غربي كوردستان وتسهيل غزو الحسكة من قِبل داعش. قد يكون سبب الإنسحاب هو ترك قوات الإتحاد الوطني الكوردستاني وقوات غربي كوردستان وحيدة في ساحة المعركة لتتعرض لِهجمات داعش وبالتالي إضعاف هذه القوات أو إبادتها. هناك إحتمال آخر بأن قوة داعش كانت أكبر من قوة الپيشمرگه العائدين للحزب الديمقراطي الكوردستاني بسبب التسليح المتواضع لهؤلاء الپيشمرگه وقلة ذخائرهم الحربية والنقص في المؤن وهذا يُعرّض القيادة السياسية والعسكرية للحزب المذكور للمساءلة وتحمّل مسئولية هذا الإهمال والفشل.

قبل التحدث عن كيفية مواجهة التحديات الخطيرة التي تواجهها كوردستان، من المفيد الإشارة الى أنه حتى لو تم القضاء على داعش في المنطقة، وخاصة في العراق، فأن الحكومة العراقية الشيعية ستعمل على إلغاء النظام الفيدرالي في العراق وفرض شروطها على كوردستان وإحتلالها. إنه بعد أحداث سقوط مدينة شنگال وزوممار وغيرها، يظهر بأن قدرة وجاهزية الپيشمرگه للدفاع عن الإقليم مشكوك فيهما بسبب النقص في الرعاية والتدريب والتسليح والأهم بسبب عدم توحدهم في جيش مهني، يأتمر بأوامر قيادة واحدة ويكون ولاؤه للوطن، لا للأفراد والعشائر والأحزاب. إستعانة قيادة الإقليم بالحكومة العراقية في حربها ضد داعش، دليل واضح على ضعف قوات الپيشمرگه وإذا لم تتم معالجة النواقص التي تشل قدرة  الپيشمرگه وجاهزيتهم، فأنه في المستقبل، بعد أن تتفرغ الحكومة العراقية من مشكلة داعش، فأنها ستكون قادرة على فرض شروطها على الإقليم أو إحتلاله.

الآن ما العمل لمواجهة التحديات الخطيرة التي يواجهها الإقليم بعد هزائم شنگال وزوممار و غيرها من المناطق؟ مساهمة قوات حزب العمال الكوردستاني وقوات غربي كوردستان أصبحت واقعاً على الأرض، ولذلك من الواجب تشكيل قيادة كوردستانية مشتركة ودمج قوات الأقاليم الكوردستانية وتشكيل جيش وطني كوردستاني الذي نأمل أن يتم فيما بعد جعله جيشاً كوردستانياً مهنياً، ولاؤه يكون لكوردستان وليس لحزب أو أحزاب ويتم قبول الإنتساب إليه على أساس المواطنة والمؤهلات، بدلاً من الإنتماء الحزبي و الآيديولوجية. هل يستطيع الحزب الديمقراطي الكوردستاني التخلّي عن إرتباطاته ومصالحه مع تركيا؟ هل يستطيع الإتحاد الوطني الكوردستاني التخلّي عن إرتباطاته ومصالحه مع إيران؟ هل يقوم الكوردستانيون بالتصدي للمحاولات التركية والإيرانية لبث التفرقة بين الأحزاب الكوردستانية لمنعها من التوحّد وإكتساب القوة والمنعة؟ شخصياً أشك في ذلك وأأمل أن يكون تقديري خاطئاً بهذا الصدد كما أأمل أن لا تندلع حرب داخلية بين الأحزاب الكوردستانية المتنافسة وتُضعف النضال الكوردستاني  وتشلّه.

mahdi_kakei@hotmail.com

   

132
الطريق الى إستقلال جنوب كوردستان

التحديات التي تواجهها كوردستان في ظل الصراع الطائفي في العراق والمنطقة وخيارات التصدي لها (2)


د. مهدي كاكه يي


في الحلقة الأولى تمّ الحديث عن إستحالة العيش المشترك بين الشعوب الشيعية والسُنّية والكوردستانية في العراق ضمن كيان سياسي واحد. لذلك فأن أية محاولة لفرض العيش القسري على هذه الشعوب، سواء كانت من جهات خارجية أو داخلية، ستفشل وهناك طريق واحد لتقرير مصير هذه الشعوب، وهو تأسيسها لكياناتها السياسية المستقلة ليقوم كل شعب بإدارة بلده وإختيار نمط الحياة التي يريدها.

بعد سقوط الحكم البعثي في العراق وفشل هذه الشعوب في العيش المشترك في محاولات مستمرة منذ عام 2003 الى الآن، إكتشف الكثير من مثقفي وسياسيي وعقلاء وعامة المستعربين الشيعة بأنه من المستحيل الحفاظ على الكيان السياسي العراقي الحالي والعيش مع السُنّة والكوردستانيين ضمن هذا الكيان. لذلك بدأت الأصوات الشيعية ترتفع، مطالِبةً بتأسيس إقليم شيعي أو دولة شيعية وتحديد حدود هذه الدولة من قِبل الشيعة أنفسهم قبل أن يتم فرض حدودها من قِبل الآخرين عليهم وقبل أن يتم الإستيلاء على قسم من الأراضي الشيعية وإنكماش الوطن الشيعي. كما أن الكثير من العرب السُنّة أفاقوا من صدمتهم بسبب فقدانهم للسلطة والحكم في العراق ووهم العودة الى الحكم والإنفراد بالسلطة من جديد وأخذوا ينظرون الى الأمور بواقعية ولذلك بدأوا بالتفكير في تأسيس إقليم خاص أو دولة خاصة بهم.

خلال الأيام الأخيرة الماضية جرت تطورات هامة في العراق، حيث قام إرهابيي داعش وعصابات البعث والعشائر السُنّية بالإستيلاء على الموصل وتكريت ومناطق سُنّية أخرى و مُني الجيش العراقي بِهزيمة كبرى وأعلن داعش عن تشكيل الدولة الإسلامية في المناطق التي إستولوا عليها في كل من سوريا والعراق. كما أن الجيش العراقي فرّ مذعوراً من المناطق الكوردستانية المحتلة من قِبل العراق و بذلك تحررت هذه المناطق وعادت الى أحضان كوردستان. كما نرى فأن العراق إنقسم عملياً الى ثلاث كيانات سياسية، كوردستان و الدولة الإسلامية و دولة سومر الشيعية التي تشمل وسط وجنوب العراق بعد أن إنهار الجيش العراقي وإختفى والآن فأن الميليشيات الشيعية هي القوات التي تستند حكومة بغداد عليها في حربها ضد داعش والبعثيين والعشائر السُنّية، بعد إعلان فتوى المرجع الشيعي السيد علي السيستاني بالجهاد للحفاظ على الكيان السياسي العراقي المصطنع.

بالنسبة لِجنوب كوردستان، حصلت تطورات إيجابية كبرى تساعد في تحقيق إستقلال القسم الجنوبي من كوردستان وبناء دولة على جزء من الأراضي الكوردستانية. إسرائيل تدعم بِقوة إستقلال كوردستان وهذا الدعم هو من أهم التطورات الإيجابية التي تساعد على تحقيق إستقلال كوردستان، حيث أن اليهود يسيطرون على مراكز القرار في الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا من خلال سيطرتهم على الرأسمال العالمي ووسائل الإعلام. كما أن تركيا، لأسباب إقتصادية وسياسية وأمنية لا يسع المجال هنا الخوض فيها، تؤيد إستقلال جنوب كوردستان وهذا تطور كبير آخر، حيث أن تركيا هي المنفذ المهم للإتصال بالخارج للكورستانيين الجنوبيين وأنها كانت أشدّ الدول المحتلة لكوردستان التي وقفت ضد حرية شعب كوردستان وإستقلال كوردستان. يبدو أن الولايات المتحدة الأمريكية لا تعارض إستقلال جنوب كوردستان وأنها في النهاية ستدعم هذه الخطوة وأن عدم رد فعل الأمريكيين تجاه تحرير مدينة كركوك الغنية بالبترول من قِبل القوات الكوردستانية، هو ضوء أخضر لمُضي حكومة جنوب كوردستان في تحقيق مشروع الإستقلال. كما تشير الأنباء بأن كلاً من بريطانيا وفرنسا تؤيد إستقلال كوردستان وأن هذا التأييد مهم جداً للكوردستانيين، حيث أن هاتين الدولتين هما عضوتان دائميتان في مجلس الأمن ولهما نفوذ كبير في العالم.

الى جانب التطورات الإيجابية التي تدعم مشروع الإستقلال الكوردستاني، فأن هناك تحديات كبيرة أمام هذا المشروع التاريخي. إرهابيو داعش وعصابات حزب البعث أعلنوا إنشاء دولة جارة لجنوب كوردستان والتي تُشكل تهديداً كبيراً للأمن الوطني الكوردستاني. هذا من جهة، ومن جهة أخرى فأن حكومة الملالي في إيران التي تحتل جزء من كوردستان، تبذل كل ما تستطيع لإفشال إستقلال جنوب كوردستان. تستخدم إيران ثلاث وسائل لتحقيق ذلك، أولاً: التدخل العسكري المباشر، وخاصة بإستخدام سلاح الطيران، حيث أن الحرس الثوري الإيراني يساند الآن الحكومة العراقية الشيعية في قتالها لإستعادة المناطق التي إستولى عليها البعثيون والإرهابيون، الى جانب العشائر السُنّية. ثانياً: عن  طريق مساندة الأحزاب الإسلاموية الشيعية في العراق للحيلولة دون تفكك الكيان العراقي المصطنع. إذا ما نجحت إيران والقوات الشيعية العراقية في دحر الإرهابيين والبعثيين، فأنهم سيوجهون فوهات مدافعهم وبنادقهم نحو الكوردستانيين في جنوب كوردستان لإحتلال جنوب كوردستان وحرمان شعب كوردستان من التمتع بحريته وإستقلاله. ثالثاً: خلق حرب أهلية في جنوب كوردستان بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني، الذي له علاقة قوية بحكومة طهران بِحُكم جوار منطقة نفوذ الإتحاد الوطني مع إيران. قد يتم جر حزب العمال الكوردستاني من قِبل الإيرانيين الى هذه الحرب والوقوف ضد الحزب الديمقراطي الكوردستاني، حيث أن العلاقات بين حزب العمال وإيران جيدة. إذا نجحت إيران في إشعال الحرب الأهلية في جنوب كوردستان، ستكون هذه الحرب من أخطر التحديات التي سيواجهها شعب كوردستان في تحقيق إستقلال القسم الجنوبي من كوردستان.

إن الوضع السياسي والأمني السئ في العراق وبروز معالم حرب إقليمية طائفية في المنطقة، تضع القيادة الكوردستانية في الإقليم أمام تحمّل مسئولياتها الوطنية تجاه شعب كوردستان وتحرير بلاده من الإحتلال الإستيطاني. منذ اكثر من 2500 سنة، اي منذ إنهيار الإمبراطورية الميدية، يناضل شعب كوردستان في سبيل تحرير وطنه من الإحتلال و قدّم الملايين من أبنائه وبناته قرباناً للحرية والإستقلال وينتهز الفرص منذ ذلك الوقت لتحقيق هذا الهدف الذي يتطلع الى تحقيقه كل الكوردستانيين. التحديات الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تُحتّم على حكومة كوردستان أن تتهيأ وتستعد لِصد والتغلب على هذه التحديات من خلال:

1. على القيادة السياسية في جنوب كوردستان أن يرتبّوا البيت الكوردستاني ويوحّدوا صفوفهم وكلمتهم ويرفعوا شعار إستقلال كوردستان. هناك تخوّف من وقوف بعض الأحزاب الكوردستانية المقرّبة من حكومة الملالي في إيران، ضد إستقلال كوردستان والعمل على إضعاف وحدة القيادة الكوردستانية، بتحريض من إيران. كما يجب على الأحزاب الكوردستانية في جنوب كوردستان أن لا تجذبهم فُتات الحكومة العراقية، من مناصب وإمتيازات، بل التمسك بتحقيق إستقلال كوردستان الذي ينتظره شعب كوردستان منذ 2500 سنة وراحت في سبيله أرواح الملايين من خيرة بناته وأبنائه. إن شعب كوردستان شعب واعٍ اليوم وأن أية جهة كوردستانية تقف في طريق وحدته وحريته وإستقلاله ستنتهي سياسياً وتختفي على المسرح السياسي الكوردستاني وستلعنه الأجيال الكوردستانية وسيكون مكانها مزبلة التاريخ.

2. يجب إستثمار الفرصة التاريخية المتاحة الآن للكوردستانيين وتحرير كامل التراب الكوردستاني في جنوب وغرب كوردستان ووضع المصلحة الوطنية الكوردستانية فوق المصالح الحزبية والفئوية وتوحيد وتنسيق النضال بين حكومة إقليم الجنوب وإقليم الغرب وتحرير الأراضي الكوردستانية في الإقليم الغربي، وصولاً الى البحر الأبيض المتوسط ليكون لكوردستان منفذاً بحرياً، يكسر طوق الحصار المفروض عليها من قِبل الدول المحتلة لكوردستان.

3. يجب على حكومة إقليم جنوب كوردستان معاملة كافة مواطني كوردستان بالتساوي، بغضّ النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم، لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، يتحلى مواطنوه بروح المواطنة والإنتماء الى كوردستان. يجب أن تتحقق كافة الحقوق القومية والثقافية والدينية والمذهبية لكافة القوميات ومعتنقي الأديان والمذاهب من كلدان وسريان وآشوريين وتركمان وعرب وأرمن وكورد وسُنّة وشيعة وإيزديين وشبك وكاكَيين وغيرهم.

4. إن تهيؤ شعب كوردستان لإعلان إستقلال كوردستان هو حدث تاريخي عظيم وفريد في تاريخ شعب كوردستان والذي يتطلب حِراكاً شعبياً عارماً وفعاليات كبرى لجلب إنتباه دول العالم والرأي العام العالمي نحو القضية الكوردستانية وحق شعب كوردستان في التمتع بحريته وإستقلال بلاده، إلّا أنه من المؤسف لحد الآن لم تظهر بوادر فعاليات ونشاطات جماهيرية كوردستانية لِدعم ومساندة وتأييد إجراء إستفتاء شعبي لإستقلال جنوب كوردستان والترحيب بهذا الحدث التاريخي العظيم في حياة شعب كوردستان. يجب تشكيل تنسيقيات وهيئات للقيام بأعمال جبارة يُسمع صداها في كافة أنحاء العالم وتجذب إنتباه دول العالم وحكوماتها وشعوبها. يجب تأسيس هيئات لتنظيم مسيرات ومظاهرات كبرى عارمة في كوردستان والبلدان الغربية وفي كل مكان يتواجد فيه الكوردستانيون وإقامة المعارض والحفلات والمهرجانات وإلقاء المحاضرات وإقامة الندوات وتوجيه إعلامي مركز ومكثف على إستقلال كوردستان. كما يجب تشكيل وفود رسمية وشعبية للإتصال بمختلف زعماء وحكومات وبرلمانات العالم والمراجع الدينية ومجتمعات المجتمع المدني فيها لشرح القضية الكوردستانية وقرار حكومة جنوب كوردستان بإجراء إستفتاء لإستقلال جنوب كوردستان.

إن قيام مجموعة من الكُتّاب والمثقفين الكوردستانيين بتأسيس مركز الإعداد لإستقلال كوردستان و تحديد هيئة تحضيرية لإعداد كرنفال جماهيري مليوني في إقليم جنوب كوردستان لدعم إعلان استقلال كوردستان، هو عمل عظيم يستحق كل التقدير والدعم والمساندة و يجب القيام بالتخطيط لمزيد من المبادرات الجماهيرية الكبرى وإدامتها الى أن يتحقق إستقلال جنوب كوردستان.

5. يجب عدم ربط إستقلال جنوب كوردستان بِنوري المالكي أو غيره من الحكّام الذين يحكمون في بغداد، بل رفع شعار تحرير كوردستان من الإحتلال و إستقلالها. كما ينبغي على حكومة جنوب كوردستان الإمتناع عن المشاركة في الحكومة العراقية وأن يُقدّم البرلمانيون الكوردستانيون المنتخَبون كأعضاء في البرلمان العراقي، إستقالاتهم وإنهاء تبعية جنوب كوردستان للكيان العراقي المصطنع. على الكوردستانيين أن لا تغرّهم المناصب والإمتيازات التي يحصلون عليها في بغداد، بل يجب أن يعملوا ليكونوا أسياداً في وطنهم، كوردستان ويبنوا دولة ديمقراطية حضارية متقدمة، تساهم في تقدم وتطوير الحياة الإنسانية على كوكبنا.

6. يجب تحرير كافة الأراضي الكوردستانية في إقليم جنوب كوردستان من الإحتلال ووضع خطط دفاعية محكمة وناجحة للدفاع عن الحدود الكوردستانية، حيث أن الإقليم مهدّد من قِبل الإرهابيين الإسلامويين وعصابات حزب البعث والقومويين العروبيين. كما أن القوى الإسلاموية الشيعية والمرجع الديني الشيعي السيد علي السيستاني يهددون شعب كوردستان في الإقليم ويقفون بِوجه النضال الكوردستاني في التحرر والإستقلال، بِحُجة الحفاظ على وحدة الكيان السياسي العراقي، حيث أنهم فيما لو نجحوا في القضاء على الإرهابيين الإسلامويين وعصابات حزب البعث والإنتفاضة السُنيّة في العراق، فأنهم سيحاولون إحتلال إقليم جنوب كوردستان، وخاصة المناطق الكوردستانية المحررة في الآونة الأخيرة مثل كركوك وغيرها. الأمر الأخطر في الموضوع هو إحتمال مشاركة الحرس الثوري الإيراني في الحرب ضد كوردستان الى جانب الأحزاب الإسلاموية الشيعية العراقية، رغم أن هذا الأمر قد يكون مستبعداً بسبب وقوف الكثير من الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية و كذلك دولة إسرائيل ضد أي إعتداء إيراني محتمل على كوردستان. لذلك يجب وضع خطة عسكرية متقنة لحماية كل شبر من الأراضي الكوردستانية، وخاصة كركوك التي تكون وارداتها البترولية دعامة للإقتصاد الكوردستاني وخاصة في السنوات الأولى بعد إستقلال جنوب كوردستان، حيث لابد أن تعتمد دولة كوردستان فيما بعد على المشاريع الزراعية والصناعية والسياحية كدعائم رئيسية للإقتصاد الكوردستاني. يجب ربط الأنابيب التي تنقل نفط كركوك الى الخارج، بالأنبوب النفطي الكوردستاني بالسرعة الممكنة للقيام بتصدير نفط كركوك الى الخارج لضمان الإستقلال الإقتصادي الكوردستاني والتمكّن من إدارة كافة المناطق الكوردستانية وتوفير العيش الكريم للمواطنين الكوردستانيين وبناء وتطوير كوردستان.

7. يجب عدم السماح مطلقاً للجيش العراقي بالعودة الى المناطق المحررة بِحجة تشكيل قوات مشتركة مع الپێشمەرگە لحماية المناطق التي كانت مشمولة بالمادة 140 من الدستور العراقي. يجب تحرير كافة المناطق الكوردستانية التي إحتلتها القوى الإرهابية. إن إلمامي بالعلوم العسكرية محدود جداً، ومع ذلك أستطيع القول بأن هناك أخطاء عسكرية خطيرة ترتكبها قيادة قوات الپێشمەرگە وهذه الأخطاء تدل على عدم مهنية وكفاءة القادة العسكريين. على سبيل المثال سمحت قوات الپێشمەرگە للجيش العراقي في عام 2010 على ما أعتقد، بإحتلال سلسلة جبال حمرين التي هي الحدود الطبيعية لكوردستان وكذلك ناحيتَي جلولاء و"السعدية" التابعتَين لقضاء خانقين، وإحتفظ قوات الپێشمەرگە بمدينة خانقين فقط. من الناحية العسكرية فأن مدينة خانقين كانت ساقطة بيد الجيش العراقي، نظراً لوقوعها في منطقة سهلية تحت مرمى المدافع والدبابات العراقية. من السُخرية أن أحد القياديين البارزين للإتحاد الوطني الكوردستاني صرح آنذاك بأن كلاً من المدينتَين المذكورتَين ليست مهمة، بل أن مدينة خانقين هي المدينة المهمة. أولاً، كما تم ذكره أعلاه، فأن مدينة خانقين غير محمية عسكرياً، حيث أنها تفتقر الى خطوط دفاعية إستراتيجية للدفاع عنها، وثانياً فأنه لا يمكن التفريط بِشبرٍ واحد من الأراضي الكوردستانية ولا يحق لأحد أن يتنازل عنه. لذلك ينبغي تحرير كافة الأراضي الكوردستانية، بما فيها سلسلة جبال حمرين الإستراتيجية. إن الظروف الحالية مهيئة للكوردستانيين لتحرير جميع الأراضي الكوردستانية وعليهم القيام بذلك دون أي تهاون أو تأخير.

8. يجب على حكومة كوردستان أن تمنع منعاً باتاً تشكيل ميليشيات في كوردستان، خاصة في المناطق المحررة حديثاً ومنع المظاهر المسلحة وأن تكون قوات الپيشمەرگه هي القوة العسكرية الوحيدة في كوردستان، بالإضافة الى قوات الشرطة والأمن. إن السماح بتشكيل ميليشيات سيُشكّل خطراً كبيراً على الأمن الوطني الكوردستاني.

9. إن الظروف التي تمر بها كوردستان والعراق ومنطقة الشرق الأوسط، تتطلب أن تعلن حكومة إقليم جنوب كوردستان التعبئة العامة و تدريب جميع مواطني كوردستان، القادرين على حمل السلاح والراغبين في التطوع للدفاع عن وطنهم، على مختلف أنواع الأسلحة والمهمات الدفاعية الأخرى مثل الدفاع المدني وإطفاء الحرائق ونقل وتضميد وعلاج الجرحى والمصابين وتوفير الأغذية والأدوية والملاجئ ووسائط النقل وغيرها التي تتطلبها البلاد أثناء الحروب وإندلاع القتال والمعارك.

10. القيام بِسن قانون للخدمة العسكرية الإلزامية وأن تكون مُلزَمة للجنسَين وأقترح أن تكون مدة الخدمة الإجبارية 6 أشهر، حيث يقوم الجندي المكلّف بالتدريب المكثّف على مختلف أنواع الأسلحة والتزوّد بالعلوم العسكرية اللازمة، مع تخصص كل جندي في صنفٍ معيّن من صنوف الجيش. كما يمكن أن تتخصص النساء بشكل خاص في صنوف الطبابة والدفاع المدني و الإسعافات الأولية والإتصالات السلكية واللاسلكية والتموين والمخابرات وما شابه.

11. تسليح الپيشمەرگه والشرطة والأمن بأسلحة وأجهزة عسكرية حديثة ومتطورة. يمكن شراء أسلحة ومعدات عسكرية من إسرائيل ودول وشركات عالمية، لتكون القوات المسلحة الكوردستانية قادرة على الدفاع عن حدود كوردستان وحفظ الأمن الداخلي، حيث تواجه كوردستان مخاطر كبيرة من جانب الدول المحتلة والقوى الإرهابية والطابور الخامس للدول المحتلة لكوردستان.

12. أعتقد أن تدريب قوات الپێشمەرگە في الوقت الحاضر لا يرتفع الى المستوى المطلوب، حيث أن أفرادها يتمتعون بإجازات مددها تبلغ أضعاف حضورهم. في هذه الظروف المصيرية يجب أن تتمتع أفراد الپێشمەرگە بالإجازة لمدة أسبوع واحد فقط شهرياً. كما أن برامج التدريب الحالية سيئة ولا ترقى الى مستوى التحديات التي تتعرض لها كوردستان. يجب التعاقد مع خبراء عسكريين إسرائيليين و أمريكيين وأوروبيين، سواءً عن طريق إبرام إتفاقيات مع حكومات هذه الدول أو إبرام عقود شخصية مع خبراء عسكريين متقاعدين من مواطني هذه الدول. كما أنه فيما لو أن تسليح الپێشمەرگە يعتمد حالياً على الأسلحة التي حصلوا عليها عند إنهيار نظام صدام حسين في عام 2003، فأن هذه الأسلحة هي أسلحة قديمة لا يمكن الإعتماد عليها في حماية جنوب كوردستان والدفاع عن شعبه. عليه يجب شراء أسلحة متطورة من إسرائيل وكذلك من دول أخرى، سواء عن طريق عقد صفقات شراء الأسلحة مع حكومات هذه الدول أو عن طريق شرائها من شركات وجهات في الأسواق العالمية لتوفير أسلحة دفاعية فعالة ضد أي إعتداء سواء عن طريق الطائرات الحربية والطائرات السمتية أو عن طريق القوات البرية.

13. ضمن قوات الپێشمەرگە، يجب تشكيل قوات عسكرية خاصة، تتمتع وحداتها بالمرونة والتنقل والتحرك الدائم واللامركزية في إتخاذ القرارات، للتغلب على التفوق العسكري العددي والنوعي والتسليحي للأطراف المُعادية. عند التفوق العسكري للعدو أو إحتلال مدن وأراضي كوردستانية، لا يمكن القيام بحرب الخنادق وجهاً لوجه، بل يجب إتباع حرب العصابات وحرب المدن. يمكن بناء وحدات عسكرية صغيرة على شكل خلايا تتألف كل خلية من 10 الى 12 فرداً. ينبغي أن تتسلح القوات المسلحة الكوردستانية بأسلحة دفاعية، مثل الألغام و مضادات الآليات المصفحة ومضادات الهليوكوبتر ومضادات الطائرات وبنادق القنص والقنابل اليدوية والمفرقعات وغيرها. ينبغي أيضاً إنتشار القوات المسلحة في أكبر رقعة جغرافية ممكنة لإجبار العدو على نشر قواتها وبالتالي تشتيت قواتها و إضعافها و التغلب عليها. هكذا ترتبط الخلايا مع بعضها و تُشكّل وحدات أكبر، كما في الجيوش النظامية. لذلك ينبغي إعلان التعبئة العامة والقيام بتدريب كافة الكوردستانيين القادرين على حمل السلاح وتعليمهم الصنوف العسكرية المختلفة و حرب العصابات في الجبال والأرياف و حرب المدن ومكافحة الإرهاب.

mahdi_kakei@hotmail.com
 

133
التحديات التي يواجهها شعب كوردستان في ظل الصراع الطائفي في العراق والمنطقة وخيارات التصدي لها (1)

د. مهدي كاكه يي


1. التحديات التي تواجه شعب كوردستان في ظل الصراع الطائفي في المنطقة


إن الأحداث التي يمر بها العراق هي إنعكاس مباشر للصراع الطائفي بين السُنّة والشيعة الذين يحملون العداء لبعضهم البعض منذ ظهور الدين الإسلامي. بسبب هذا الصراع الطائفي تمّ قتل الملايين من البشر من الجانبَين عبر تاريخهم الدامي. هكذا فأن الصراع السُنّي – الشيعي ليس وليد اليوم كما يزعم البعض، بل أن هذا الصراع مستمرٌ منذ 1400 سنة وسيستمر الى أن تتطور المجتمعات الإسلامية وينحصر دور الدين على المساجد والحسينيات ويصبح الدين عبارة عن علاقة روحية بين الإله والفرد، بعيداً عن إستغلاله لأهداف سياسية وللإستحواذ على السلطة والثروة وللحصول على الشهرة.

اللاعبون السُنّة الرئيسيون في المنطقة هم الحكومات السعودية والتركية وحكومات الخليج الميدي (الفارسي) الأخرى والحكومة المصرية والأردنية. الحكومة الإيرانية هي اللاعبة الرئيسة التي تُمثّل الشيعة في المنطقة والعالم وتدور في فلكها الحكومات السورية والعراقية وحزب الله اللبناني. فالصراع الحقيقي الحالي الناشئ بين الشيعة والسُنّة هو صراع بين هاتَين الجبهتَين المعاديتَين و الأحداث الجارية في العراق حلقة من حلقات هذا الصراع.

بالنسبة الى الجبهة السُنية، فأن النظام السعودي والأنظمة الخليجية الأخرى هي مصادر تمويل للقوى السُنّية التي تحارب الحكومة العلوية في سوريا والحكومة الشيعية في العراق وتقوم هذه الأنظمة أيضاً بتسليح وتدريب المحاربين السُنّة، بينما حكومة تركيا والأردن تقومان بتدريب هؤلاء المحاربين وتقديم مساعدات إستخباراتية ولوجستية لهم. الحكومة المصرية مشغولة الآن بمشاكلها الداخلية، إلا أنه بعد إستقرار الوضع فيها، ستصبح مصر مصدراً رئيسياً لتمويل الجبهة السُنّية بالمقاتلين والمعلومات الإستخباراتية والقيام بمُهمّات التدريب.

بالنسبة الى الجبهة الشيعية في المنطقة، فأن إيران تقود هذه الجبهة وتتحمّل معظم النفقات المالية و الإحتياجات البشرية وعمليات التدريب و تجهيز الأسلحة والمعدات العسكرية والمساعدات اللوجستية و الإستخباراتية والإعلامية التي يحتاجها هذا الصراع ويأتي العراق في المرتبة الثانية في إدارة هذا الصراع، حيث أنه بلد غني بالنفط وذو نسبة سكانية عالية.

إن موقف الحكومات الغربية، وفي مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية وكذلك موقف إسرائيل من الصراع الطائفي في المنطقة، هو إستمرار هذا الصراع لإستنزاف القوى البشرية والموارد المالية الإيرانية و موارد البترول للدول الخليجية كما حصل بالنسبة للحرب الإيرانية – العراقية التي حصلت في الثمانينات من القرن المنصرم، حيث دامت هذه الحرب لمدة ثماني سنوات. من خلال إندلاع الحروب السُنّية – الشيعية في المنطقة، فأن الدول الغربية وإسرائيل تهدف أيضاً الى القضاء على أكبر عدد ممكن من الإرهابيين السُنّة وأفراد الميليشيات الشيعية. خير مثال على ذلك هو تفرّج الدول الغربية وإسرائيل على الحرب الدائرة في سوريا التي تقوم بإستنزاف القوى البشرية والمادية الإيرانية والسورية والقوى البشرية لحزب الله وفي نفس الوقت يتم قتل الإرهابيين السُنّة على أيدي القوات العلوية والشيعية. هكذا بدأ إستنساخ السيناريو السوري في العراق. تدع الدول الغربية إستمرار هذه الحروب الطائفية في المنطقة بحيث لا تُشكّل خطراً على المصالح الغربية ولا تؤثر على تدفق البترول من المنطقة الى الغرب. إن الولايات المتحدة الأمريكية لا تريد إنفراد الشيعة بالحكم في العراق والذي يؤدي بدوره الى زيادة قوة ونفوذ إيران في المنطقة، بل تعمل على خلق توازن للقوى الشيعية والسُنّية في هذا البلد وفي منطقة الشرق الأوسط.

إلقاء نظرة على المجتمعات العراقية، يتبين بأنها لا تزال عبارة عن مجتمعات زراعية ذات بُنية قبلية و يلعب الدين والطائفة دوراً مركزياً في حياتها، حيث لا تزال العائلة والقبيلة هي السائدة وتراكمات العقائد الدينية والمذهبية لا تزال مترسخة في عقول الغالبية. لذلك فأن العائلة والقبيلة ورجل الدين هم الذين لا يزالون يديرون البلاد ويحتكرون الحكم والسلطة والثروة وأنّ ما تتم من عمليات إنتخابية تشريعية وبلدية وسن دساتير عراقية، ماهي إلا إجراءات صورية لا تصمد أمام سيادة الثقافة الدينية والطائفية والقبلية السائدة في المجتمعات العراقية. لهذا السبب لا يمكن نجاح أنظمة ديمقراطية في العراق، بل لا تنجح مثل هذه الأنظمة في كافة المجتمعات المتأخرة إجتماعياً وفكرياً. تأكيداً على ذلك، هو الفتوى التي أفتى بها المرجع الشيعي الأعلى السيد السيستاني بالجهاد ضد الإرهابيين. هذه الفتوى الدينية الملزَمة للطائفة الشيعية في العراق، تُثبت بؤس النظام السياسي العراقي وغياب دور الهيئات التشريعية والقضائية والتنفيذية العراقية في إتخاذ القرارات الهامة. أين هو دور البرلمان العراقي الذي يُمثّل الشعوب العراقية من إعلان الحرب في البلاد وإتخاذ قرارات خطيرة تخص هذه الشعوب؟إ من هنا يتبين بأن صلاحيات المرجعية الدينية هي صلاحيات مطلقة وأن ممثلي الشعوب العراقية في البرلمان المنتخبين لا دور لهم في إتخاذ قرارات مهمة، مثل إعلان الحرب.

إن فتوى المرجعية الشيعية الدينية بحمل السلاح هي إعلان حرب وضمنياً أنها إعلان حرب طائفية، حيث أن الشيعة لوحدهم ملزَمون "شرعاً" بإطاعة وتنفيذ أوامر المرجعية المذكورة. بذلك تم خلق جيش "رديف" للجيش النظامي العراقي، كما تقول الحكومة العراقية. في الحقيقة أن هذا الجيش "الرديف" ليس جيشاً بل هو عبارة عن ميليشيات شيعية التي ستصبح القوة العسكرية المهيمنة في العراق وسيتم تهميش الجيش العراقي النظامي وإضعافه وسيكون دوره هامشياً. يتمّ تأسيس هذا الجيش الشيعي "الرديف" على غرار "الحرس الثوري الإيراني (پاسداران) وأعتقد أن قائد فيلق القدس الإيراني، قاسم سليماني المتواجد حالياً في بغداد، هو صاحب فكرة تأسيس هذا "الجيش" على غرار ما هو موجود في إيران. أين موقع العرب السُنّة والكوردستانيين في مثل هذا "الجيش الرديف" الذي يتألف من الشيعة فقط؟! هذه الإجراءات زادت من الصراع الذي كان موجوداً بين الشيعة والسُنّة والكوردستانيين و عمّقت التنافر والصراع بينها، وهي إنقلاب على العملية السياسية في العراق وتفرّد للأحزاب الإسلاموية الشيعية بالحكم في العراق وأن هذه الإجراءات جرّدت السُنّة والكوردستانيين من التمتع بأي دور في حكم العراق. هكذا أصبح من المستحيل أن تعيش هذه الشعوب ضمن كيان سياسي واحد إسمه "العراق".

من جهة أخرى، قال السيد السيستاني، في بيان صادر عن مكتبه بأن: "على جميع المواطنين ولاسيما في المناطق المختلطة ان يكونوا بأعلى درجات ضبط النفس في هذه الظروف الحرجة"، حيث ناشد السيستاني العراقيين أيضاً على "الإبتعاد عن أيّ تصرف ذي توجه قومي أو طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي". هذا البيان الصادر عن السيستاني لسكان المناطق المختلطة مذهبياً وقومياً هو إشارة واضحة بأنه لا يعترف بحق شعب كوردستان في تقرير المصير ويؤمن بوحدة العراق عندما يقول: " الإبتعاد عن أيّ تصرف ذي توجه قومي أو طائفي يسيء الى وحدة النسيج الوطني للشعب العراقي". كما أنه ذكر مصدر في مكتب المرجعية الشيعية العليا لوكالة كل العراق[اين] بان "المرجع الديني الأعلى السيد علي السيستاني طالب برفع صورته من القنوات الفضائية ووضع خارطة العراق مكانها". هذا تأكيد آخر على إلتزام السيستاني بالوحدة القسرية بين الشعوب "العراقية" ووقوفه ضد إرادة شعب كوردستان في الحرية والإستقلال.

مما تقدم، فأن المرجعية الدينية الشيعية والأحزاب الإسلاموية الشيعية لا تعترف بحقوق الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال ورغم الحرب الأهلية التي يعيشها العراق الآن، فأن المالكي وأعضاء حزبه ووسائل إعلامه يهددون شعب كوردستان ويتوعدون بِغزو إقليم جنوب كوردستان بعد أن ينجحوا في حربهم على العرب السُنّة في العراق وأن الصحفيين والكُتّاب المأجورين من قِبل المالكي من المستعربين الشيعة، لقاء حفنةٍ من الدولارات المنهوبة من ثروات الشعوب العراقية، يقومون بِشن هجوم إعلامي شرس، ملئ بالكذب والدجل ومشبّع بالشوفينية والحقد الأعمى ضد شعب كوردستان لِتخويفه وإستعباده من جديد، دون أن يعلم هؤلاء بأن الدنيا قد تغيرت وموازين القوى في العراق والمنطقة قد تغيّرت وأن الشعب الكوردستاني سائر في طريقه نحو الحرية والإستقلال وسيتمكن من تحرير أرضه التاريخية من دنس الإحتلال والإستيطان. يذكر هؤلاء بأن الكوردستانيين "يسرقون" نفط العراق وأنهم "إحتلوا" كركوك. منذ تأسيس الكيان العراقي، تشتري الحكومات العراقية الأسلحة الفتاكة بِواردات النفط الكوردستاني في كركوك وتُبيد بها شعب كوردستان وتهدم مدن كوردستان وقراها. الموارد الطبيعية في كوردستان هي ملك لشعب كوردستان وكفى سرقة ونهب خيرات كوردستان من قِبل المحتلين. مدينة كركوك بناها أسلاف الكورد الخوريين في حوالي 3000 سنة قبل الميلاد وفي ذلك الوقت لم يكن أي وجود للعرب في بلاد ما بين النهرين. لذلك فأن قوات الپيشمَرگة لم "يحتلوا" كركوك بل حرروا مدينتهم من الإحتلال.

يرتبط الشعبان الشيعي والكوردي بأواصر الدم والقرابة، حيث أنهما أحفاد السومريين الذين كانوا يعيشون في منطقة سلسلة جبال زاگروس الكوردستانية، قبل أن ينزحوا الى جنوب بلاد ما بين النَهرين. بالإضافة الى صلة الدم والقرابة بين الشعبَين، فأنهما يشتركان في الظلم والإبادة اللتَين تعرضا لهما عبر تاريخهم المخضب بالدماء ولذلك يجب أن يجمع هذين الشعبَين خندق واحد للتنسيق والتعاون فيما بينهما ضد مؤامرات الأعداء لبناء حياة حرة كريمة لهما، إلا أن الأحزاب الإسلاموية الشيعية تحاول تخريب هذه العلاقة التاريخية بين الشعبَين الشقيقَين. محاولات بث الفرقة بينهما من قِبل الأحزاب الإسلاموية الشيعية ناتجة عن تبعية هذه الأحزاب للنظام الإيراني الذي يحتل جزءً من كوردستان ويقف هذا النظام والأنظمة الأخرى المحتلة لكوردستان، بوجه تطلعات الشعب الكوردستاني نحو الحرية والإستقلال.

أما موقف عنصريي العرب السُنّة من شعب كوردستان، فهو معروف، حيث أن عمليات الأنفال والمقابر الجماعية وإستخدام الأسلحة الكيميائية ضد شعب كوردستان وتهجير أعداد هائلة من هذا الشعب الى خارج كوردستان وتعريب وتخريب كوردستان، شواهد على محاولتهم لإزالة وجود الشعب الكوردي وإلغاء هويته ولغته وتاريخه وتراثه.

إن المجموعات المسلحة التي تقاتل الحكومة العراقية والتي سيطرت على مدينة الموصل وتكريت وغيرهما، هي مجموعات بعثية بشكل رئيس وبأسماء مختلفة، تعمل تحت ستار الدين لإخفاء هوية حزب البعث بسبب دمويته وإجرامه وتاريخه الأسود. إن حزب البعث له إمكانيات مالية ضخمة بسبب تخصيص نسبة من واردات النفط لحزب البعث خلال حكمه للعراق، حيث قاموا بإدخار هذه الأموال في البنوك الغربية وإستثمارها في مختلف بقاع العالم لإستخدامها في إستلام الحكم في العراق فيما لو فقدوا السلطة في هذا البلد. كما أن حزب البعث حكم العراق لمدة 35 سنة وكان جميع ضباط الجيش والشرطة أعضاء في حزب البعث، لذلك فأن لهم كوادر إستخباراتية وعسكرية محترفة وذات خبرات عالية بالإضافة الى كَون البعثيين دمويين، يستخدمون القوة والإجرام والبطش والتهديد وكل الوسائل الأخرى المتاحة لتحقيق أهدافهم. هكذا نرى شعب كوردستان يعيش في ظل ظروف حرجة، يُعاديه حزب البعث والإرهابيون والأحزاب الإسلاموية الشيعية وعليه أن يضع إستراتيجية وخطة عمل للحفاظ على وجوده وتحقيق أهدافة في حياة حرة كريمة.

خلال الحرب الأهلية الجارية في العراق بين السُنّة والشيعة، فأن سكان إقليم جنوب كوردستان بشكل خاص وشعب كوردستان بشكل عام يمرون بظروف إستثنائية، تتطلب القيام بأعمال إستثنائية ونضال خاص للحفاظ على وجودهم كشعب وأمة عريقة ولتأمين حرية وإستقلال كوردستان. هذه الأعمال الإستثنائية سيتم الحديث عنها في الحلقة القادمة.

mahdi_kakei@hotmail.com


134
آن الأوان لإنهاء العيش المشترك القسري بين الشعوب "العراقية"

د. مهدي كاكه يي

الكيان العراقي المصطنع الذي تم تأسيسه من قِبل الإستعمار الأنكلو - فرنسي حسب معاهدة سايكس-بيكو، يمر اليوم بظروف صعبة تعكس التنافر بين شعوب هذا الكيان التي تمّ حشرها فيه دون إرادتها، حيث أن عوامل تاريخية وثقافية ودينية تُفرّق بين هذه الشعوب. لذلك، فأنه منذ تأسيس الكيان السياسي العراقي الى سقوط حكم صدام حسين، كان العرب السُنّة يحتكرون الحكم في هذا الكيان ويحكمون بالحديد والنار ويبيدون الشعبَين الشيعي والكوردستاني. هكذا طوال عمر هذا الكيان المصطنع، عاشت شعوبه في حروب ونزاعات وبسببها سالت بحار من الدماء وتم إهدار ثروات هذه الشعوب في حروب وإتتفاضات وبقيت هذه الشعوب تعيش في ظل الجهل والمرض والفقر. هكذا لم تُتَح الفرصة لهذه الشعوب لخلق مجتمع متجانس ذي ثقافة وأهداف مشتركة ومصير واحد ويتشبع بروح الإحساس بالمواطنة والوطنية.

لقد نشرتُ في مناسبات عديدة بأنه لا يمكن نجاح العيش المشترك ضمن كيان سياسي واحد لمجتمعات متخلفة ذات قوميات أو أديان أو مذاهب مختلفة، حيث أن الشعور القومي لا يزال سائداً في المجتمعات الغربية المتمدنة، على سبيل المثال لا الحصر، التناحر القومي في كل من بلجيكا وإسبانيا وكندا وبريطانيا وغيرها. الشعب الأسكتلندي سيجري في شهر أيلول القادم إستفتاءً لإستقلال بلاده. نرى إستمرار النزاع القومي في الدول الغربية المتقدمة، فكيف يكون الحال في المجتمعات الشرقية المتخلفة، مثل الشعوب "العراقية"؟! نفس الشئ بالنسبة للنزاع التاريخي بين الشيعة والسُنّة الذي عمره 1400 سنة.

يجب أن يعترف المرء بالواقع الذي يفرض نفسه. منعاً لإستمرار القتل والحرب والدمار والإستنزاف المدمًر للثروة البشرية والطبيعية وتدمير الإقتصاد والحياة الإجتماعية والصحية والتعليمية، يجب على الأحزاب السياسية وممثلو الشعوب العراقية وكافة الجهات التي لها دور في إتخاذ القرارات السياسية في الكيان السياسي العراقي، أن تتحمل مسئولياتها التاريخية والأخلاقية و أن تكون واقعية، تتفق فيما بينها لتشكيل ثلاث دول على أنقاض العراق بشكل سلمي، دون إراقة مزيد من الدماء و إهدار مزيد من المال وليتم ذلك بإشراف الأمم المتحدة ووضع قوات تابعة للأمم المتحدة على حدود الدول الثلاث التي تنبثق من الكيان العراقي لفترة محددة الى أن تستقر الأمور فيها.

بالنسبة الى شعب كوردستان، فأن الظروف الحالية التي يمر بها الكيان العراقي هي فرصة تاريخية لحكومة إقليم جنوب كوردستان لتحرير كافة الأراضي الكوردستانية المحتلة من قِبل الكيان العراقي إبتداءً من الموصل، مروراً بكركوك وخانقين ومندلي وبدرة وجصان الى الخليج الميدي (الفارسي). تتحمل القيادة الكوردستانية مسئولية تاريخية كبرى بإنتهاز هذه الفرصة النادرة لتحقيق هدف الشعب الكوردستاني في الحرية والإستقلال والرفاهية. إذا لا تقوم حكومة الإقليم بواجبها في هذه الظروف التاريخية المتاحة، فأن شعب كوردستان مدعو الى الإنتفاضة وإزاحة الحكومة الكوردستانية الحالية عن الحكم و الإتيان بحكومة مؤهلة لقيادة الجماهير الكوردستانية الى حيث التحرر والإستقلال وأن حركة التغيير تستطيع أن تلعب دوراً تاريخياً في قيادة الجماهير الكوردستانية الى النصر فيما لو تخلّف
الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني في أداء واجبهما الوطني في هذه الظروف التي يمر بها العراق والمنطقة.

بالنسبة الى مواقف الحكومة التركية والإيرانية والأمريكية من تحرير المناطق المحتلة من إقليم جنوب كوردستان وإستقلال كوردستان، فأنه من المستبعد جداً أن تستطيع إيران أن تتدخل عسكرياً بشكل مباشر في حالة إعلان إستقلال كوردستان لِسببَين رئيسيين: أولاً: إن الدول الغربية وفي مقدمتها الولايات المتحدة وكذلك إسرائيل لا تسمح لإيران بإحتلال جنوب كوردستان و أن تصبح جارة لحليفها سوريا وأن تزداد نفوذ إيران في المنطقة؛ ثانياً: ضعف الإقتصاد الإيراني، حيث تعاني إيران من مشاكل إقتصادية خطيرة بسبب الحصار الإقتصادي المفروض عليها من المجتمع الدولي وأن المساعدات العسكرية والمالية التي تقدمها إيران لكل من الحكومة السورية وحزب الله اللبناني، تستنزف الإقتصاد الإيراني وتُشكّل عبئاً إقتصادياً كبيراً عليها. كما أن لإيران إستثمارات كبيرة في الإقليم وأنها تأخذ في الإعتبار ضياع هذه الإستثمارات في حالة إتخاذ إجراءات عدائية ضد جنوب كوردستان. لذلك فأن التدخل العسكري الإيراني في شئون الإقليم هو أمر مستبعد جداً. في حالة إستقلال كوردستان وتحرير مناطق الإقليم المحتلة، ستلجأ إيران الى محاولة شق وحدة القيادة الكوردستانية في الإقليم وذلك بخلق صراع بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني. لذلك يجب على هذين الحزبَين أن يكونا حذرَين من المؤامرات التي تخططها إيران وأن يعرفا بأن جميع الدول المحتلة لكوردستان هي أعداء شعب كوردستان و تعمل لإجهاض أية محاولة كوردستانية لتحرير كوردستان وشعبها. كما أن إيران ستحاول القيام بعمليات التخريب والإغتيالات في الإقليم.

تعاني تركيا في الوقت الحاضر من مشاكل إقتصادية كبيرة ومن مشاكل داخلية كثيرة، حيث أن جبهتها الداخلية هشة نتيجة المظاهرات المستمرة ضد الحكومة التركية والصراع على السلطة. كما أن دول الإتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل لا تسمح لتركيا بمحاولة إحتلال جنوب كوردستان والإستحواذ على الثروات الطبيعية فيه والإخلال بالتوازن الإقليمي وأن تهيمن تركيا على منطقة الشرق الأوسط. بإحتلال تركيا لجنوب كوردستان، سيتوحد شمال وجنوب كوردستان و يصبح الكورد الأكثرية في تركيا، مما يعمل على توحيد كوردستان وشعبها والذي يُعجّل بدوره في تحرر كوردستان ولذلك تأخذ تركيا هذا الأمر بنظر الإعتبار و تكون حذرة جداً في القيام بمحاولة غزو جنوب كوردستان. تضاريس كوردستان الجبلية تجعل إحتلال جنوب كوردستان عملية صعبة ومكلفة جداً بشرياً ومادياً. كما أن لتركيا إستثمارات ضخمة في الإقليم وأن المجازفة بإعلان الحرب على إقليم جنوب كوردستان من قِبل تركيا ستُشكّل ضربة كبيرة للإقتصاد التركي. لذلك فأن محاولة تركيا لإحتلال جنوب كوردستان ليست أمراً سهلاً. في هذه الحالة فأن تركيا ستحاول فرض الحصار الإقتصادي على الإقليم والعمل على شق الصف الكوردستاني، وخاصةً بين الحزب الديمقراطي الكوردستاني والإتحاد الوطني الكوردستاني. كما ستحاول تركيا القيام بالتخريب والإغتيالات في الإقليم.

إذا حاولت تركيا إحتلال جنوب كوردستان، فأنها ستفشل، بل يمكن أن تصبح محاولة تركيا لغزو الإقليم، بدايةً لتحرير كافة التراب الكوردستاني من الإحتلال إذا ما توحّدت القوى السياسية الكوردستانية في إقليم جنوب كوردستان (خاصة توطيد العلاقات بين الإتحاد الوطني الكوردستاني والحزب الديمقراطي الكوردستاني) وعلى مستوى كوردستان من خلال تأسيس قيادة كوردسانية موحدة مؤلفة من حكومة إقليم جنوب كوردستان و حزب العمال الكوردستاني وحزب الإتحاد الديمقراطي وكافة القوى السياسية الأخرى. إن وحدة القوى الكوردستانية وتأمين شروط الأمن الوطني الكوردستاني ووضع خطة عسكرية دفاعية مبنية على حرب العصابات وحرب المدن، تحقق نصراً ساحقاً على النظام التركي وتقود في نفس الوقت الى تحرر كوردستان من الإحتلال وإستقلالها.

نتيجة إختلال القوة العسكرية بين الإقليم والقوات التركية، يحتاج الإقليم الى تأسيس قوات شبه عسكرية، تتمتع وحداتها بالمرونة والتنقل والتحرك الدائم واللامركزية في إتخاذ القرارات، للتغلب على التفوق العسكري العددي والنوعي والتسليحي للطرف المُعادي. بسبب التفوق العسكري للعدو، لا يمكن القيام بحرب الخنادق وجهاً لوجه، بل يجب إتباع حرب العصابات وحرب المدن. يمكن بناء وحدات عسكرية صغيرة على شكل خلايا تتألف كل خلية من 10 الى 12 فرداً. ينبغي أن تتسلح القوات المسلحة الكوردستانية بأسلحة دفاعية، مثل الألغام و مضادات الآليات المصفحة ومضادات الهليوكوبتر ومضادات الطائرات وبنادق القنص والقنابل اليدوية والمفرقعات وغيرها. ينبغي أيضاً إنتشار القوات المسلحة في أكبر رقعة جغرافية ممكنة لإجبار العدو على نشر قواتها وبالتالي تشتيت قواتها و إضعافها و التغلب عليها. هكذا ترتبط الخلايا مع بعضها و تُشكّل وحدات أكبر، كما في الجيوش النظامية. لذلك ينبغي إعلان التعبئة العامة والقيام بتدريب كافة الكوردستانيين القادرين على حمل السلاح وتعليمهم الصنوف العسكرية المختلفة و حرب العصابات في الجبال والأرياف و حرب المدن. 

في الحقيقة أن إستقلال كوردستان يخدم المصالح الأمريكية والإسرائيلية في المنطقة، حيث تنبثق خارطة جديدة للشرق الأوسط تكون لصالح الدول الديمقراطية في العالم. لذلك فأن رفض الولايات المتحدة الأمريكية لإستقلال كوردستان قد يكون مجرد رفضاً ظاهرياً ولا يُعبّر عن الموقف الحقيقي المؤيد لمشروع إستقلال كوردستان أو يكون هذا الرفض حقيقياً ناتجٌ عن غباء الإدارة الأمريكية. على كل حال، ينبغي على القيادة الكوردستانية أن تضع المصالح الوطنية في نصب أعينها و تعمل جاهدةً لتحقيق الهدف الكوردستاني في الإستقلال وفرض الواقع الجديد على الدول الكبرى والدول الإقليمية. لِتكون إسرائيل قدوة لها، حيث كافح الإسرائيليون في نفس الوقت ضد العرب وضد بريطانيا، التي كانت فلسطين تحت إنتدابها، ووضع الإسرائيليون المصلحة الوطنية فوق أي إعتبار آخر ولم يستمعوا لأية جهة مهما كانت حينما كان الأمر يتعلق بالأهداف الوطنية الإسرائيلية. لهذا، بعد مرور 18 شهراً على تأسيس إسرائيل، قامت بريطانيا بالإعتراف بإسرائيل.

إن هدف العرب السُنّة في العراق هو إستلام السلطة من جديد وإستعباد الشعبَين الشيعي و الكوردستاني ولا يرضون بِغير ذلك. لذلك ينبغي أن يقوم الشيعة في العراق بالعمل على تأسيس دولة لهم في جنوب ووسط العراق لضمان وجود كيان سياسي يجمعهم و يحميهم من الأعداء وإستغلال الثروات الطبيعية فيه لرفاهية الشعب الشيعي. ينبغي أن تبادر القوى السياسية الشيعية في العراق والمثقفين الشيعة بإعلان دولتهم والكف عن إرسال أبنائهم الى ساحات الموت في المناطق السُنية وأن يتمتعوا بالواقعية وإلا فأن أنظمة الحكم السُنيّة في المنطقة تحيك المؤامرات والخطط لإعادة السُنّة الى حكم العراق و إستعباد الشيعة من جديد.

mahdi_kakei@hotmail.com

135
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (16) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

11. الحضارة الخورية - الميتانية
 
د. مهدي كاكه يي

إعتمد الخوريون الكتابة المسمارية في تدوين لغتهم الهندو ـ آرية، كما أنهم دوّنوا وثائقاً باللغتين الأكادية والحثية. عُثر على مجموعات من الوثائق الخورية في نوزي (يورگان تبه، جنوبي كركوك) ومحيطها وفي (ماري) و(إيمار) الواقعتَين على الفرات الأوسط وفي (أوگاريت) وفي العاصمة الحثية هاتوشا (بوغازكوي الواقعة  في شرقي أنقرة). كما ترد تعابير ومفردات وأسماء أعلام خورية في كثير من الوثائق المكتشفة في مناطق مختلفة من الشرق القديم. إنتشرت اللغة الخورية على نطاق واسع عند إتساع المملكة الخورية في أواسط الألف الثاني قبل الميلاد، وأصبحت لغة لها مكانة بارزة في المنطقة. اللغة الأورارتية قريبة من اللغة الخورية و قد تكون منحدرة منها.

تم العثور في (أوگاريت) على رقم فيه مسرد مفردات خورية مكتوبة بالخط المسماري وهو عبارة عن معجم يدل على عبقرية الخوريين في تعلم اللغات وإفادتهم من هذه المسارد

إن من أهم ما قدمه الخوريون للحضارة الإنسانية هو إختراع أقدم نظام كتابي أبجدي مسماري في العالم المستند على نظام قواعدي متكامل والمؤلف من 30 رمز مسماري أبجدي الذي شكلّ القاعدة الأساسية في إبتكار وظهور الأبجدية الفينيقية والآرامية والأبجديات الأخرى التي اشتقت من الفينيقية والآرامية كالعبرية واليونانية والنبطية والسريانية والعربية.

التنقيبات المكتشفة تشير الى أنه كان يتم تدوين أخبارالخوريين وكان هناك محل خاص لكتابة الوثائق (مصدر 1).

إن معظم الرُقم المُكتشَفة كانت مرتّبة على شكل مجموعات وكل مجموعة مؤلفة من مكتبة أو ديوان للأرشيف. كانت المكتبات تابعة لمؤسسة دينية أو ممتلَكة من قِبل أفراد. المكتبات المكتشفة في أوگاريت تشتمل على مكتبة الكاهن الأكبر التي تحتوي على الملاحم والأساطير ومكتبتان لكاهن آخر ومكتبة النصوص الأدبية وستة دواوين للأرشيف في القصر الملكي وديوان للأرشيف في القصر الجنوبي. تم العثور في الحي الفخم الممتد شرقي القصر الملكي على مكتبتين خاصتين وعلى ديوان أرشيف خاص. كانت الوثائق التي لها طابع مدرسي، موجودة في القاعات المخصصة لهذه المجموعات وكذلك وُجِدت بعض الأدوات الكتابية كالمخرز أو المنقاش وهو القلم الذي كان يتم إستخدامه لحفر الرموز المسمارية في الرقم الفخارية. كان الكاتب (SCRIBE) االخوري يقضي معظم وقته في قاعات المحفوظات ويقوم بكتابة الرقم الفخارية وتصنيفها وترتيبها على رفوف وفي هذه القاعات كان يزاول أيضاً دوره كمُعلّم (مصدر 2).‏

الوثائق المُكتشَفة في رأس الشمرة تُبين بأن الكاتب الخوري كان يقوم بتعليم الطلاب حروف الأبجدية. لقد تم العثور على عدد من رُقم فخارية صغيرة منقوشة عليها أحرف الأبجدية الخورية الثلاثين وهي مرتبة بحسب التسلسل الذي كان معتمداً آنذاك. هذا التسلسل يُظهر في كل رقم الألفباء المكتشفة في الموقع، وهذا يدل على أن هذه الوثائق تم وضعها لتعليم الطلاب.

تم العثور على رقم مُرتّبةً فيه أحرف أبجدية خوررية في أعمدة ويوجد مقابل كل حرف المقطع الصوتي الأكادي المطابق له باللفظ. إنه عبارة عن جدول تم وضعه لمساعدة المترجمين في القيام بالترجمة. في رأس الشمرة، علاوة على النصوص المكتوبة بهذه الطريقة، هناك نصوص خورية مكتوبة بالإشارات المسمارية الأبجدية المبتكرة في أوگاريت (مصدر 2).

هناك نص تم إكتشافه في رأس الشمرة يبين أهمية الكتابة والمعرفة في المجتمع الخوري، وهو عبارة عن دعاء تمت كتابته بصيغة رسالة موجهة من كاهن إلى أحد الآلهة يطلب فيه مساعدة تلميذه ومما جاء في النص المذكور:‏

"لا تُظهر في عظمتك عدم الإهتمام بالقضية التي أستعطفك من أجلها. بهذا التلميذ الصغير الجالس أمامك.. لا تُظهر عدم الإهتمام.. إكشف له أيّ سر في فن الكتابة، العد، المحاسبة، أيّ حل.. إكشف له.. إكشف له إذن الكتابة السرية.. إعطِ لهذا التلميذ الصغير القصب المبرى والجلد والفخار.. إذن لا تهمل شيئاً من كل ما يتصل بفن الكتابة".‏

قام الخوريون بعمل قوائم لتنظيم  الحياة الإدارية والإقتصادية و قوائم تُمثل مفكرات تم إستعمالها للحصول بسرعة على المعلومات التي كانوا يحتاجونها. في أوگاريت، تم العثور على رقم يتضمن خمسمائة سطر والذي هو موسوعة فيها تعداد الأسماك والطيور والنباتات والمنسوجات والأقمشة والأحجار وما شابه ذلك. فيها أيضاً قوائم تعدّد آلهة أوگاريت وقائمة تعداد الآلهة الخورية. رقم آخر يتضمن جدولاً بالآلهة السومرية، فيه يقابل كل إله ما يقابله من آلهة عند الخوريين، حيث أنه وثيقة عن الديانة المقارنة عمرها حوالي ثلاثة آلاف سنة.

ساهم الخوريون في إثراء التراث الأدبي والفني العالمي القديم المدوّن من خلال كتابة نصوص أدبية بأسلوب متميز والتي كانت تدور حول مواضيع شائعة في ذلك العصر. کما قاموا بترجمة نصوص تعود لشعوب أخرى، إلى اللغة الخورية و أخذوا حكايات شفاهية وکتابية وصاغوها بلغتهم صياغة جديدة. کما أضافوا إلى أدبيات منطقة غربي آسيا أساطير وتعويذات من تراثهم الذي تشير إليه الإكتشافات الأثرية في حتوشا و(أوگاريت) (محمد العزو: حضارة الفرات الأوسط والبليخ، دار الينابيع، دمشق، 2009).

كانت للثقافة الخورية تأثير كبير على الثقافة الحثية، بل أثرت الثقافة الخورية على ثقافات شعوب منطقة الشرق الأدنى القديم بأكملها، كما أن الثقافة الآشورية المبكرة ورثت الثقافة الخورية وخلفتها. يذكر الدكتور عبد الحميد زايد بأن الأسرة الحثّية خلال فترة المملكة الحثّية الحديثة أصبح لها طابع خوري وكان عدد كبير من ملوك وملكات الحثيين يحملون أسماء خورية (عبد الحميد زايد: الشرق الخالد: مقدمة في تاريخ و حضارة الشرق الادنى من اقدم العصور حتى عام 323 ق.م, دار النهضة العربية، القاهرة، 1966، صفحة 473).

تم العثور أيضاً على رقم يحتوي على بعض النصوص الطبية، حيث كان الطب آنذاك مرتبط بالسحر ومتداخل معه. يحتوي هذا الرقم على عدد من الوصفات الطبية ومن خلال نصوص الإبتهالات والأدعية السحرية يمكن التعرّف أحياناً على بعض الأمراض والأدوية. من بين الأمراض التي يأتي ذكرها هي الصداع والأنفلونزا والصرع والزكام والدوار وأمراض الأسنان والرئة والبطن والعيون و إعتلال العضلات والجلد. كان يتم إستعمال المواد النباتية في العلاج، وأحد الرقم يشير الى إستخدام حمام بخاري في العلاج. هناك نص يذكر وجود أطباء في (أوگاريت) ونص آخر يتضمن التعليمات الواجب إتباعها للعناية بالخيول المريضة. كما أنه تم إكتشاف نص تم تفسيره على أنه تلميح لكسوف الشمس (مصدر 3).

قام الخوريون بتنظيم الإدارة بشكل جيد، حيث كان الحُكام يقررون إعلان الحروب و الإستمرار فيها أو إيقافها و كذلك كانوا يقومون بعقد التحالفات و المعاهدات مع الممالك الأخرى و الإشراف على الجوانب الإقتصادية و التجارية و العسكرية. كان الملك الخوري يُمثل السلطة التنفيذية و التشريعية  معاً، وكان له مساعدون يساعدونه في إدارة شئوون البلاد (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م).

تذكر الوثائق التي تم العثور عليها في مدينة نوزي بأنه في نظام الحكم الخوري، كان هناك الملك الأكبر الذي يرأس المملكة وكان هناك ملوك أدنى شأناً كانوا يحكمون المدن وكانوا خاضعين لسلطة الملك الأكبر. ملوك المدن كانوا من طبقة الذوات وكان أغلبهم ينتمون الى سلالة الملك الأكبر. كان من واجبات ملوك المدن الدفاع عن المملكة، حيث كانوا مسئولين عن نصب الإستحكامات الدفاعية في المدن والقرى وتأمين العربات الحربية والمتطلبات الدفاعية والحربية الأخرى. كل قصبة والتي كانت تسمى  (ALUM )باللغة الخورية، كان يديرها بيگ (HAZANNU ) أو مختار خاضع لسلطة ملك المدينة التي تتبعها قصبته. كان من واجبات البيگات هي إقامة الإستحكامات في قراهم.

كانت هناك موازين موحدة معمول بها في المملكة وكانت في مدخل المدينة يتم عرض مقاييس ومكاييل لتعميمها على بقية المدن. من القوائم التي كانت تُستعمل كمفكرة، عدة رقم التي هي عبارة عن جداول لقياسات الوزن والطول والمساحة (مصدر 4). ‏

إشتهر الخوريون بصناعة الخزف و إمتاز الفخار الخوري بألوانه الزاهية وتنوع أشكاله كان خزف الخابور يتميز بِرسومات ذات خطوط حمراء و أشكال هندسية ثلاثية الأضلاع، بينما خزف نوزي (مدينة كركوك الحالية) كان له أشكال مميزة جداً و لونه بُنّي أو أسود

كان الخوريون كذلك بارعين في الصناعات المعدنية، حيث كان يتم جلب النحاس من جبال منطقة الأناضول الى بلاد ما بين النهرَين. كان وادي الخابور مركزاً رئيسياً لتجارة المعادن، حيث كانت مملكة (كيزوواتنا Kizzuwatna) و (إيشوا ISHUWA) الواقعة في مرتفعات الأناضول، مصادر للنحاس والفضة والقصدير، إلا أن المملكة الخورية كانت تعاني من نقصٍ في كمية الذهب ولذلك كانت تستورد الذهب من مصر، كما تخبرنا رسائل "AMARNA". السومريون قد أخذوا مفردات مصطلحات النحاس من الخوريين.

تعرضت المصنوعات المعدنية الخورية للتلف والضياع، بإستثناء تلك التي تعود الى العهد المتأخر لمملكة أورارتو، حيث تم إكتشاف بعض التماثيل البرونزية الصغيرة للأسد في مدينة (URKESH). كما تم إكتشاف لوحة برونزية تصّور أسداً فاغر الفم، يثبّ فوق لوحةٍ تحتوي على كتابة مسمارية. هذه اللوحة معروضةً في متحف لوفر في العاصمة الفرنسية، باريس. ومن المنحوتات الميتانية هناك تمثال أسد ضخم من حجر البازلت، يبدو فاغر االفم ويمشي ببطء، يعود تأريخه إلى منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، ويتميز بالجلال وتتجلى فيه كاريزما الحياة.

إشتهر الميتانيون بصناعة  الأقواس، حيث تجاوزت شهرة القوس الميتاني خلال القرن الرابع عشر قبل الميلاد حدود بلاد ميتاني. كان التنظيم القوي للبيت الملكي واضحاً في القصور الكبيرة، والموجود حتى في عواصم المقاطعات. لقد كان يتمّ تزيين القصور باللوحات الجدارية. كانت العاصمة الميتانية (واشوكاني) تُزينها مباني المعابد والقصور المتميزة بجمال مداخلها التي كانت تزينها منحوتات كبيرة للأسود والثيران وغيرها، و كان يتم تزيين أسفل الجدران بمنحوتات مغايرة. ربما كان يتم دفن الموتى خارج مناطق السكن.

كان الميتانيون رواداً في تربية الخيول، حيث أن إسم مملكة (إيشوا ISHUWA) قد يعني "بلد الحصان". تم إكتشاف نصٍ مشهور في (HATTUSA) يتضمن دروساً في تعلّم تربية الخيول وجاء في ذلك النص بأن شخصاً خورياً إسمه (كيكولي Kikkuli) كان مسئولاً عن التدريب لتعلّم تربية الخيول. الميتانيون قاموا بإستخدام الخيول في قيادة عربات حربية خفيفة ذات عجلتين، حيث كان الكاشيون والخوريون أوّل من أدخلوا إستخدام الخيول والعربات الحربية في غربي آسيا وكان (كيكولي Kikkuli)، يقوم بتعليم الفنون الحربية المتعلقة بإستخدام المركبات والعربات الحربية (وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم، أشرف على الترجمة د.محمد مصطفى زيادة , الطبعة الأولى.القاهرة  -نيويورك، مؤسسة فرانكلين للطباعة والنشر، 1968 م، صفحة 62).

في المملكة الخورية، لم يتم بناء الكثير من المدن، حيث كانت (URKESH) المدينة الخورية الوحيدة في الألف الثالث قبل الميلاد. في الألف الثاني قبل الميلاد، تم بناء عدد من المدن الخورية مثل (ARRAPHA) و (HARRAN)  و(KAHAT)  و  (NUZI)و TAIDU)) و ((WASHUKANNI التي كانت عاصمة المملكة الميتانية. يبدو أن الثقافة الخورية في بناء المدن كانت تختلف عن الحكم المركزي للأشوريين و المصريين القدماء ويمكن تفسير ذلك بأن النظام الإقطاعي للممالك الخورية لم يسمح بتطوير بناء قصور فخمة أو معابد.

كانت أغلب الأختام الإسطوانية الخورية تصوّر مخلوقات أسطورية مثل البشر المُجنّح و الحيوانات المُجنّحة و هذه الصور المرسومة قد تكون الغاية منها هي الوقاية من الأرواح الشريرة. الأختام الأسطوانية الميتانية تتميز بتنوع المادة المتكونة منها مثل حجر الهيماتيت والعجينة الزجاجية. كان الفنان الميتاني يميل إلى تبسيط الأشكال وتحويرها إلى ما يشبه العناصر الزخرفية ويحرص على إظهار الرموز بأنواع مختلفة، حيث أن لكل رمز دلالته وجماليته مثل السمكة والعقرب والطائر والماعز والكلب والأسد والكائنات الخرافية المجنحة، والكواكب والنجوم والقمر ويرسم رسومات تُظهِر عبادة الشجرة المقدسة والعابد بملابسه الطويلة، وهو يؤدي طقوس العبادة كتشابك اليدين على الصدر، أو لمس شجرة الحياة. كان الفنان الميتاني يحرص كذلك على التناظر والدقة الفنية في نقش مشاهد معقدة بأدوات بسيطة. وهذا الفن له أهمية وثائقية وقيمة فنية وجمالية متميزة ويشير الى مدى إنفتاح الميتانيين ثقافياً وتفاعلهم مع ثقافات شعوب الشرق الأدنى القديم. هذا الإنفتاح ساهم كثيراً في إثراء الفنون الخورية وتطوير االثقافة الخورية.

إهتم الخوريون إهتماماً كبيراً بالزراعة، حيث قاموا بزراعة الشعير بشكل خاص. الفلاح الخوري كان يقوم بزراعة قطعة أرض زراعية كبيرة و كان مالك الأرض يحصل على قسمٍ من المحصول الزراعي ثمناً لإستغلال أرضه الزراعية من قِبل الفلاح.

المصادر

1. BULLETIN OF AMERICAN SCHOOL OF ORIENTAL RESEARCH (11) NO , 81 FEBRUARY 1941.

2. LAROCHE; E. “Les textes hourrites”, Palais Royal d’Ugarit III, Paris 1955. 325-385; “Documents en langue hourrite provenant de Ras Shamra” Ugaritica V, Paris 1968: 447-644.

3. BOYER, G. La place d’Ugarit dans I’histoire de I’ancien Droit oriendans Palais Royal d’Ugarit III, Paris 1955: 283-306.

4. SMITH, SIDNEY. EARLY ASSYRIA HISTORY TO 1000 B. C,
 LONDON, 1928, p. 325.

mahdi_kakei@hotmail.com

136
أسباب و نتائج تبعية إقليم جنوب كوردستان للعراق

د. مهدي كاكه يي

إمتناع الحكومة العراقية بدفع حصة كوردستان من الأموال المخصصة لها في الميزانية العراقية والذي نتج عنه عجز حكومة جنوب كوردستان عن دفع رواتب الموظفين والعمال من مواطني الإقليم و فقدان السيولة النقدية، يُظهر هشاشة البُنية الإقتصادية للإقليم نتيجة أخطاء إستراتيجية إرتكبتها وترتكبها حكومة جنوب كوردستان والتي نستعرضها في هذا المقال.

في البداية يجب القول بأن العلاقة بين إقليم جنوب كوردستان والعراق لا تتحدد بالأشخاص الحاكمين في بغداد، بل تحددها ثقافة حُكّام العراق التي هي ثقافة بدوية بدائية، تتميز بالعنف و النهب و الغدر و الإغتصاب والغزو والإحتلال. لذلك ينبغي أن يدرك شعب كوردستان هذه الحقيقة بأن لا يبني إستراتيجيته إستناداً الى الأشخاص الذين يحكمون في بغداد، بل يضع إستراتيجيته على حقيقة إستحالة العيش المشترك مع عرب العراق ضمن كيان سياسي واحد ومن هنا عليه أن تكون إستراتيجيته هي تحرير نفسه و وطنه من الإحتلال الإستيطاني.

ربطت حكومة جنوب كوردستان إقتصاد الإقليم بإقتصاد العراق، بدلاً من إتباع سياسة إقتصادية مستقلة، وبذلك وضعت مصير الإقليم تحت رحمة الحكومة العراقية. من خلال تخصيص 17% من الميزانية العراقية للإقليم، تجعل هذه التبعية الإقتصادية أن يكون الإقليم تابعاً للحكومة العراقية إقتصادياً وسياسياً، بل أن هذه التبعية تجعل أن يدور الإقليم في فلك الدولة العراقية. لا تكتفي حكومة جنوب كوردستان بإخضاع الإقليم للحكم العراقي عن طريق هذه النسبة المخصصة للإقليم من الميزانية العراقية، بل تذهب أبعد من هذا وتطالب الحكومة العراقية بدفع رواتب الپيشمرگه وبذلك ستُهيمن الحكومة العراقية على قوات الپيشمرگه من خلال إعتمادهم على الحكومة العراقية إقتصادياً وتسليحياً و الذي يتسبب في خلق نتائج سلبية خطيرة، حيث ستتحكم الحكومة العراقية بمصير الپيشمرگه و بمرور الوقت يتحول ولاء الپيشمرگه للحكومة العراقية بدلاً من الولاء لحكومة الإقليم.

لأسباب جيوسياسية، ربطت إدارة أربيل إقتصادها و سياستها بالنظام التركي، بينما يرتبط إقتصاد و سياسة إدارة السليمانية بالنظام الإيراني. كما أن شركات هاتَين الدولتَين المحتلتَين لشمال و شرق كوردستان، تحتكر الإستثمار في كوردستان و أن منتجاتهما الرديئة تغزو جنوب كوردستان وتحتكر الأسواق الكوردستانية، بينما لا وجود للمنتجات المحلية في الإقليم.

لقد مضت أكثر من 23 سنة على حُكم إقليم جنوب كوردستان من قِبل الكوردستانيين أنفسهم، دون تحقيق متطلبات الأمن الوطني الكوردستاني المرتكز على الإقتصاد والأمن الغذائي والديمقراطية والتقدم العلمي والتكنولوجي والقوة العسكرية والإعلام. بعد كل هذه السنين لا يزال الإهتمام منصبّاً على المشاريع غير الإنتاجية من فنادق ومطاعم وغيرها. الإقليم معتمد على الدول الأجنبية، وخاصة تركيا وإيران المحتلتَين لشمال وشرق كوردستان، في مجال الطاقة والغذاء والألبسة وغيرها، حيث تم إهمال الزراعة و الصناعة وإنتاج الطاقة و إضطر الفلاح أن يهجر أرضه و قريته ويصبح شرطياً أو جندياً متطوعاً لإعالة نفسه و أسرته. كما أن إنتاجية الموظفين و العمال واطئة جداً بسبب إشتغالهم لساعات قليلة خلال الأسبوع و بسبب العطل الكثيرة التي تُعلَن في الإقليم و كذلك نتيجة البيئة السيئة لعملهم.

لا يزال الپيشمرگه مجرد ميليشيات حزبية، دون أن يتم تأسيس جيش كوردستاني مهني موحد، يكون ولاؤه لكوردستان وليس للأشخاص والأحزاب. لِنقارن الإقليم بهذا الصدد مع إسرائيل لنتعرف على البون الشاسع بين ما أنجزته إسرائيل و الإقليم في هذا المجال. بعد أسابيع من الإعلان الرسمي لتأسيس دولة إسرائيل، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بن غوريون بِحل جميع المنظمات اليهودية المسلحة في إسرائيل، مثل منظمة الهاجاناه و منظمة شتيرن و منظمة الإرجون، و المنظمة الأخيرة كان يقودها مناحيم بيغن، و ذلك لتأسيس جيش الدفاع الإسرائيلي. عندما كانت سفينة "ألتالينا" في طريقها الى إسرائيل، مُحملة بأسلحة تعود لمنظمة الإرجون الصهيونية، أمر رئيس الوزراء الإسرائيلي بإغراق السفينة المذكورة في البحر لمنع إستمرار تواجد الميليشيات المسلحة في البلاد. في جنوب كوردستان، بعد مرور 23 عاماً على الحكم الكوردستاني لا يزال كل حزب له ميليشياته، و أن حكام جنوب كوردستان لم يؤسسوا لحد الآن جيشاً موحداً ليدافع عن مصالح سكان الإقليم ويكون ولاؤه لكوردستان وليس للأحزاب.

رغم مرور 23 عاماً على الحكم الكوردستاني في الإقليم، لا تزال الإدارة فيه مقسمة عملياً بين الحزبَين الحاكمَين و حتى أنه في المناطق الكوردستانية المحتلة من قِبل العراق، فأن هناك إدارتَين متنافستَين و متصارعتَين لهذين الحزبَين، دون الإحساس بالمسئولية الوطنية التي تستوجب التوحّد و التعاون و التنسيق فيما بينهما و نبذ العقلية الحزبية الضيقة لتحرير هذه المناطق و عودتها الى أحضان كوردستان.

حكام الإقليم و حاشيتهم، بالإضافة الى إستحواذهم على الحكم، فأنهم يستحوذون على ثروات شعب كوردستان في هذا الإقليم و يدب الفساد الإداري و المالي فيه. كما أن تقلّد المناصب و الوظائف في مختلف دوائر و إدارات الإقليم يحدده الإنتماء الحزبي لأحزاب السلطة، كما كان متّبعاً في العراق في عهد البعث و الذي هو متّبع حالياً في العراق أيضاً. إن هذه السياسة الحمقاء تمنع تقدم و تطور الإقليم في كل مجالات الحياة، حيث أن عدم الإعتماد على أسس المهنية و الكفاءة و الخبرة، يؤدي الى فشل إنجاز المهام و البرامج الموضوعة، و الذي يقود بدوره الى التخلف و التأخر. كما أن القوات المسلحة الكوردستانية تعاني بدورها بشدة من تطبيق هذه السياسة، ذات النظرة الحزبية المتخلفة المستندة الى الولاء الحزبي، التي تُفرّق بين مواطني الإقليم و تلغي المساواة بينهم، كما تفعل الحكومات الشمولية، والتي قادت و تقود الى خلق قوات مسلحة غير كفوءة و غير مؤهلة للقيام بمهمات الدفاع عن الإقليم ضد المخاطر التي يواجهها.

بالرغم من عيشنا في القرن الحادي والعشرين و في عصر العولمة و في ظل التغيّرات و التطورات العالمية الكبرى، فأن قيادة الحزبَين الحاكمَين تستمر في التمسك بالحكم العائلي و تسير ضد تيار التغيير و التطور، تخفي رؤوسها في الرمال لحجب الوقائع التي تعايشها. إن هذه العقليات المتخلفة تعيش خارج الزمن وأن وعي شعب كوردستان في إزدياد مستمر وسيطيح بهم في المستقبل المنظور.

بالإضافة الى النهب والسرقة التي يقوم بها مسئولي الإقليم، فأن الرواتب والإمتيازات التي يحصل عليها الوزراء وأعضاء البرلمان وأصحاب الدرجات الخاصة والقياديين الحزبيين، تُشكل مبالغ طائلة يستحوذون عليها من أموال الشعب بغير حق ودون وخز ضمير أو الإحساس بالوطنية التي يتشدقون بها. كما أنه الى جانب رواتبهم ومخصصاتهم الخيالية،  يحصل الوزراء و أعضاء البرلمان الكوردستاني على رواتب تقاعدية بعد أداء خدمة تستمر لمدة أربع سنوات فقط. بمرور السنين، سيذهب أكثر من نصف خزينة كوردستان في دفع الرواتب التقاعدية للوزراء وأعضاء البرلمان المتقاعدين.

كما أن هناك عشرات الآلاف من الحزبيين المنتمين الى الحزبَين الحاكمَين في الإقليم الذين تمت إحالتهم على التقاعد على أساس الخدمة الحزبية. غالبية هؤلاء هم من الشباب أو أن أعمارهم تسمح لهم بالعمل. هذا العدد الهائل من الأشخاص يُشكلون عبئاً كبيراً على ميزانية الإقليم و في نفس الوقت ينهبون ثروات شعب كوردستان بصورة قانونية. من جهة ثانية، فأن هذا الإجراء غير المسئول يُحرّم كوردستان و شعبها من خدمة الأيدي العاملة التي يشكلها هؤلاء و بذلك يتم إبعادهم عن المساهمة في بناء و إعمار و تطوير الإقليم و تركهم كجيش من العاطلين عن العمل، يعيشون عالة على المجتمع الكوردستاني.

تتحكم الأحزاب الحاكمة بالسلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية وبذلك ليست هناك سلطات تشريعية أو قضائية مستقلة و الذي يؤدي الى غياب الإلتزام بالقانون والنظام وفقدان العدالة والأمان. من جهة أخرى فأن منظمات المجتمع المدني، من نقابات وإتحادات وجمعيات، كلها مخلوقة من قِبل الأحزاب الحاكمة وبذلك فقدت إستقلاليتها ومهنيتها وأصبحت مشلولة عاجزة عن أداء دورها الوطني والإنساني الذي تلعبه منظمات المجتمع المدني في الدول الديمقراطية.

نقطة أخرى جديرة بالإهتمام وهي عند الفشل و التعرض للهزائم، تلجأ القيادات الكوردستانية دوماً الى إتهام قوى خارجية بالتسبب في هزائمها و لا تعترف أبداً بمسئوليتها عن تلك الهزائم و التسبب في الويلات و الكوارث و المصائب التي يواجهها شعب كوردستان بسبب أخطاء قياداته السياسية. لو نستعرض الثورات و الإنتفضات الكوردستانية عبر التأريخ، لُنرى أن القيادات الكوردستانية قد زكّت نفسها و ألقت بمسئولية فشل تلك الثورات و الإنتفاضات على عاتق قوى أجنبية وظروف موضوعية، دون الإعتراف بهزيمتها و عدم أهليتها و جدارتها لقيادة شعب كوردستان. القيادة التي تقود شعبٍ ما، هي المسئولة الوحيدة عن فشل ثورتها أو حكمها، حيث أن كل شعب أو دولة أو جهة تعمل لحماية مصالحها و تحقيق أهدافها و لا تهتم فيما لو يتعرض شعب مثل شعب كوردستان للإبادة. إن شريعة الغاب لا تزال تحكم كوكبنا الأرضي و ينبغي على كل شعب أن يناضل في ظل هذه الشريعة من أجل البقاء و تحقيق أهدافه. لذلك إنه من السذاجة معاتبة أو إلقاء مسئولية فشل الكوردستانيين على عاتق دول مثل أمريكا أو تركيا أو إيران أو العراق أو غيرها، و إلا فأن القيادات الكوردستانية تكون مجرد رُقع الشطرنج يُحركها اللاعبون كما يشاؤون و تستمر معاناة شعب كوردستان و يستمر الإحتلال و الإستعمار الإستيطاني، حيث أن الدول المحتلة لكوردستان تريد تكريس هذا الإحتلال و الدول الكبرى ترسم سياساتها على ضوء متطلبات مصالحها. إذن القادة الكورد هو يتحملون مسئولية أي فشل أو هزيمة و أن تحميلهم قوى أجنبية مسئولية ذلك أمر غير مقبول. القيادة التي ليست بمستوى المسئولية و الكفاءة، يجب أن تتنحى جانباً و تترك القيادة لأشخاص مؤهلين و قادرين على قيادة الشعب نحو الحرية و الإستقلال، و إلا فأن تلك القيادة تتحمل تبعات ما يتعرض له شعب كوردستان من إبادة و نكبات ناتجة عن أخطاء قياداته السياسية.

بعد هذا العرض الموجز لأهم الأخطاء الإستراتيجية لحكومة جنوب كوردستان التي تُشكل عوامل ضعفها في علاقاتها مع سلطات بغداد وحكومات الدول المحتلة لكوردستان والدول الكبرى وفي مقدمتها أمريكا، يجب إزالة كل تلك السلبيات الخطيرة المذكورة أعلاه والتي تنخر جسد النظام في الإقليم من أجل إكتساب الإقليم عوامل قوة في علاقاته الإقليمية والدولية.

كما ينبغي تصحيح الخطأ التأريخي الذي إرتكبته قيادة جنوب كوردستان عندما تبنّى البرلمان الكوردستاني النظام الفيدرالي في علاقته مع العراق بالرغم من أن جنوب كوردستان كان مستقلاً عن العراق آنذاك وأن القيادة الكوردستانية إتخذت هذا القرار الساذج والخطير بمحظ إرادتها بالرغم من كونها قيادة مخضرمة وذات تجربة سياسية كبيرة!! لذلك ينبغي على البرلمان الكوردستاني أن يتبنى النظام الكونفيدرالي في علاقة الإقليم مع الحكومة العراقية، فيما لو تعذر إعلان الإستقلال، ليصبح الإقليم مستقلاً سياسياً وإقتصادياً وعسكرياً.

كما ينبغي على القادة الكوردستانيين تصحيح خطئهم التاريخي عندما لم يقوموا بتحرير كافة الأراضي الكوردستانية المحتلة من قِبل العراق أثناء تحرير العراق من قِبل القوات الأمريكية و التي كانت فرصة تاريخية لهم. الحكومة العراقية لا تزال ضعيفة جداً ولذلك على حكومة الإقليم البدء بتحرير كافة المناطق الكوردستانية المحتلة من قِبل العراق و أن الثروات الطبيعية في جنوب كوردستان، من مياه وبترول وغاز وزراعة تُشكّل ثروات ضخمة تحقّق التقدم والرخاء والرفاهية لشعب كوردستان.

أود أن أختتم هذا المقال بالقول بأن الوعي الوطني والسياسي والثقافي والإجتماعي لشعب كوردستان هو العامل المُحدّد لتحريره من الإستعمار والإحتلال الإستيطاني وأن شعباً واعياً لا يمكن أن يتم إستعباده و إحتلال وطنه. العصر الحالي الذي نعيشه الآن يضمن إرتقاء الوعي عند شعب كوردستان الى مستواً يستطيع تحرير نفسه ووطنه وبناء دولته المستقلة. تتحمل النخبة الكوردستانية المثقفة والمخلصة مسئولية توعية الجماهير الكوردستانية وتعريفها بهويتها ولغتها وتاريخها وتراثها والواقع المزري الذي تعيشه. نأمل من جانبنا أن تتكاتف جهود النخبة المثقفة للتنسيق فيما بينها وإيجاد آلية مشتركة لوضع برامج كفوءة وفعالة لزيادة مستوى الوعي عند المواطن الكوردستاني، حيث أن مثقفي كوردستان المؤمنين بحرية شعب كوردستان وإستقلال كوردستان، لا يزالون يعملون بجهود فردية غير منظمة، تفتقر الى برامج عمل. نأمل بإيجاد مظلة نعمل تحتها و يكون تركيزنا على الشباب الذين هم أمل الشعب الكوردستاني في التحرر والتقدم، حيث أن القيادات السياسية الكوردستانية الكلاسيكية الحالية غير مؤهلة لقيادة شعب كوردستان الى التحرر والإستقلال و أن كوردستان ستتحرر على أيدي الشباب الكوردستانيين المفعمين بالحيوية والإرادة والتصميم والذين هم ثروة شعب كوردستان التي لا تنضب، وستتحرر كوردستان على أيديهم.

mahdi_kakei@hotmail.co

137
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (15) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

01. لِنستمتع معاً بالإستماع لموسيقى خورية عمرها 3400 سنة!
 
د. مهدي كاكه يي


تم العثور في (أوگاريت Ugarit) على أقدم نوطة موسيقية في العالم، مكتوبة باللغة الخورية وبالكتابة المسمارية ومؤرخة في حوالي عام 1400 قبل الميلاد. لقد تم أيضاً إكتشاف نص يحتوي على أسماء أربعة مُلحنين خوريين. في هذا المقال سنتحدث عن تفاصيل هذه النوطة الموسيقية وكيفية تفسير رموزها، بالإضافة الى عرض صور للرقيم الخوري والنوطة الموسيقية وصورة لعازفة طبل خورية، وتقديم الأنشودة المذكورة للإستماع إليها من خلال الرابطَين الموضوعَين في نهاية المقال لإستمتاع القارئات العزيزات والقراء الأعزاء بالإستماع لهذه القطعة الموسيقية التي عمرها أكثر من 3400 سنة.

الأنشودة الخورية هي عبارة عن إبتهال ديني باللغة الخورية ومحتواها تدور حول حكاية زواج لم ينتج أطفالاً، فنتج عنها أنشودة لرثاء حال الإلهة (نيگال) زوجة إله القمر، التي كانت عاقرة لا تنجب أطفالاً. في الأنشودة كأن الإلهة (نيگال) تسأل زوجها عن سبب عقمها وتلومه على ذلك، حيث أنه الإله الذي يمنح الأطفال للأزواج، بينما ترك زوجته عاقرة، لا تنجب.

في عام 1948، قامت بعثة فرنسية مختصة بالآثار بالتنقيب في موقع (أوگاريت Ugarit) الواقع شمال مدينة اللاذقية بحوالي تسعة كيلومترات. خلال الحملة التنقيبية الخامسة عشرة التي جرت في عام 1951، تم العثور بين أنقاض القصر الملكي في موقع (أوگاريت) على رقيمات عديدة، من بينها رقيمان مكسوران. في عام 1953، تم العثور في القصر الملكي أيضاً على قطعة من رقيم مهشّم. بعد بضعة أعوام تعرّف (إيمانويل لاروش) الأستاذ في جامعة (ستراتسبورغ) الفرنسية على هذه القطع الثلاثة وأدرك أنها كانت أجزاء لرقيم واحد مكسور. إستطاع هذا الباحث جمع الأجزاء الثلاثة مع  بعضها في توافق كامل. بعد ضم أجزاء هذا الرقيم الى بعضها، كان شكله مستطيلاً، يبلغ  طوله حوالي 19 سنتيمتر وعرضه 7,5 سنتيمتر. في عام 1967، قام هذا العالم المختص بالآثار بدراسة الكتابات الموجودة على الرقيم الطيني وترجمتها ونشرها في المجلد الخامس من النشرة الرسمية الخاصة بالبعثة التنقيبية الفرنسية المسماة (أوگارتيكا) التي تصدر بالفرنسية. أشارت هذه الدراسة الى أنّ الرقيم هو عبارة عن أنشودة مؤلفة للإلهة الخورية (نیگال Niggal) زوجة إله القمر (كوشوخ Kushukh). بعد جمع أجزاء الرقيم الى بعضها، وإستنساخه ونشره، أصبح الرقيم في حالة تسمح بدراسة محتوياته من قِبل الباحثين.

الرقيم الطيني الخوري مكتوبٌ بالخط المسماري و يحتوي على أول تدوين موسيقي معروف في تأريخ الثقافة الانسانية، والذي هو أقدم مقطوعة موسيقية في التاريخ، حيث يرجع تأريخها الى عام 1400 قبل الميلاد. كما تم إكتشاف صورة نادرة لعازفة طبل خورية.

في القسم  العلوي على الوجه الأول من الرقيم الخوري المُكتشَف، هناك كتابة مؤلفة من اربعة سطور، التي تلتف لتحيط بالرقيم من الوجه الثاني. يليها على الوجه الأول خطان أفقيان فاصلان. توجد تحت هذين الخطّين في القسم الأسفل، ستة سطور مؤلفة من رموز وإشارات التي هي عبارة عن أسماء أبعاد موسيقية ويأتي عدد بعد كل بُعد موسيقي. في السطرالأول كان العدد هو (10)، بينما في الأسطر الخمسة الباقية تتراوح قيمة كل عدد بين 1 و 5.  بعد دراسة هذا الرقيم من قِبل باحثين، تبيّن أن السطور الاربعة العلوية تحتوي على أنشودة دينية قديمة مدونة باللغة الخورية. السطور الستة الواقعة تحت الخطين هي عبارة عن إشارات موسيقية. يُظهر هذا اللوح لأول مرة في التأريخ تفصيلاً موسيقياً دقيقاً لأنشودة دينية تدعى (نيد قبلي). كما أن إسم ملحّن الأنشودة هو (أورهيا) وإسم مدوّن الأنشودة هو (آمورابي) المذكوران في اللوحة الخورية.

التنويط الموسيقي
محاولات عديدة قام بها علماء ومختصون لفك رموز الرقيم. كان عالم الحثيات الباحث الأميركي (هانز گوتربوك) أول من ميّز النوطة الموسيقية وإكتشف بأن الرموز في القسم السفلي هي عبارة عن أسماء لأبعاد موسيقية وأنه يلي كل بُعد من هذه الأبعاد رقم، إلا أنه لم يتمكن من ترجمة هذه الموسيقى المكتوبة بشكل بُعد موسيقي يليه رقم.

بعد ذلك في عام 1971، قام العالم الانكليزي (دافيد وولستان) بأول محاولة لفك هذه الرموز وهو من الذين درسوا لوحات بلاد ما بين النهرين. قال (وولستان) بأن التدوين (دو- صول) يعني نغمة متدرجة من خمس درجات: (دو -  ري -  مي -  فا – صول)، وليس مسافة، إلا أنه في هذه الحالة لا يكون للعدد الذي يلي البُعد أي معنى، حيث أنه طالما أن الموسيقى مدوّنة يكون لا لزوم لوجود عدد فيها.

المحاولة الثانية قامت بها العالمة الأمريكية الدكتورة (آن كيلمر)، التي هي باحثة في الأكاديات، بمشاركة الموسيقار (ريتشارد كروكر) والفيزيائي (روبرت براون)، حيث قالت الدكتورة (آن كيلمر) بأن (دو – صول) تعني (دو) و (صول)، وهي مسافة ويليها العدد (3) الذي يعني تكرار (دو – صول) ثلاث مرات (دو - صول، دو - صول، دو - صول)، وقالت أيضاً بأن هناك موسيقى متعددة الأصوات في (أوگاريت). قامت (كيلمر) ومساعدَيها بتسجيل تفسيرهم للإنشودة الخورية على اسطوانة وتم توزيعها في الاسواق في عام 1975، تحت عنوان "أصوات من الصمت"، الا أن الإسطوانة كانت غير مُقنعة.

المحاولة الثالثة قامت بها السيدة البلجيكية (دوشان گيومان) التي كانت تكتب في مجلة علوم الموسيقى الصادرة في فرنسا. أبدت (دوشان گيومان) تأييدها لتفسير (وولستان) بأن (دو – صول) هو لحن: (دو –  ري -  مي -  فا – صول) وأن العدد الذي يلي (دو- صول)، يدل على درجات قصيرة (Petites notes) مضافة للزخرف، حيث قالت بأن اليونانيين يستعملونها إلى الآن في الموسيقى البيزنطية، الا أنه عندما يكون (دو – صول) هو تدوين موسيقي، ليس هناك أي معنى لوجود الدرجات القصيرة.

المحاولة الرابعة والناجحة قام بها الباحث السوري الفيزيائي (راوول فيتالي)، حيث أنه إكتشف بأن العدد الموجود في الرقيم يدل على عدد قياسات زمنية موسيقية (Mesures). تطابقت كل الخطوط تماماً، ما عدا الخطَين الأول والأخير، فلم يجد لهما ما يقابلهما من الأبيات الشعرية المكتوبة فوقهما. إستنتج (فيتالي) من ذلك بأن ثمة في البداية مقدمة موسيقية غير مغنّاة، وختاماً موسيقياً غير مغنّى، بينما إنطبقت كل الخطوط الباقية تماماً. كانت الكلمة الخورية (أوستما آري) موجودة في الخط الأول و التي يليها العدد (10). حسب ترجمة العالم الألماني (تيل) فأن الكلمة الخورية (أوستما آري) تعني (لا أعطي الكلام، أعطي). هذه العبارة توضح بأن نصف المقطوعة بلا كلام ونصفها الآخر بِكلام. هكذا فأن السطر الاول من التدوين هو عبارة عن مقدمة موسيقية دون كلام والسطر الثاني من التدوين يطابق البيت الاول من الأنشودة و السطر الثالث من التدوين يطابق البيت الثاني من الأنشودة و السطر الرابع من التدوين يطابق البيت الثالث من الأنشودة والسطر الخامس من التدوين يطابق البيت الرابع من الأنشودة والسطر السادس (الأخير) من التدوين هو عبارة عن خاتمة موسيقية دون كلام. قام (فيتالي) بكتابة الدرجات الموسيقية، البيضاء والسوداء وغيرها وعلى أساس أن الأعداد هي الأزمان. ثم كتب النص الموسيقي الذي عزفه له أحد أصدقائه الموسيقيين على (مقام كورد) المماثل لمقام ( نيد قبلي) السومري والخوري، وقام بتسجيله. بعد ذلك قام بتعديل ثلاث أو أربع نوطات موسيقية لهذه الأنشودة الخورية لتصليح بعض الأخطاء التي كانت موجودة فيها.

إكتشاف هذه الأنشودة الخورية يثبت بأن السلم الموسيقي السباعي والنوطة الموسيقية ليست إبتكاراً يونانياً، بل هي من الإبتكارات الرائدة لحضارة أسلاف الكورد الخوريين، حيث أنه قبل هذا الإكتشاف التاريخي، كان العالم يعتقد بأن أول قطعة موسيقية مدونة على السلم السباعي كانت مقطوعة تم عزفها في إحدى مسرحيات الكاتب اليوناني التراجيدي (يوربيديس) التي تم عرضها في أواسط القرن الخامس قبل الميلاد. هذه الأنشودة الخورية سبقت هذه المقطوعة اليونانية بألف عام.‏ هكذا فأن هذه القطعة الموسيقية الخورية هي أقدم بِألف عام عن أقدم قطعة موسيقية عرفها الغرب على أساس السلم الموسيقي الذي إكتشفه اليوناني (فيثاغورث)  في حوالي عام 450 قبل الميلاد.

من هنا يتبين بأن كوردستان هي منبع السلالم الموسيقية في العالم، وأن السلالم اليونانية السبعة التي تشكّل بدورها السلم الموسيقي الغربي قد إستندت على السلّم الموسيقي لأسلاف الكورد السومريين والخوريين.

بهذا الإكتشاف تم تحديد عمر وتاريخ الموسيقى والتدوين الموسيقي في منطقة الشرق الأوسط. كما أن هذه الأنشودة الخورية تُثبت عراقة وأصالة الموسيقى الكوردية من جهة، ومن جهة ثانية أنها دليل مادي لِكون الخوريين أسلافاً للكورد وأن الكورد وأسلافهم يتواصلون معاً من خلال الموسيقى، حيث يستند اللحن الخوري على مقام الكورد كمقام موسيقي. عند الإستماع الى هذه القطعة الموسيقية الخورية، يكتشف المُستمع بسهولة الطابع الكوردي المتميز لهذا اللحن الخوري الذي يختلف عن الأنغام العربية والفارسية وغيرها.

يستلهم الكورد وأسلافهم من الطبيعة الجبلية الجميلة لكوردستان، الإبداع والعبقرية في مختلف نواحي الحياة، من موسيقى وفن وشعر وأدب وعلوم. إن التاريخ والتراث الكوردي بحاجة الى إهتمام كبير من قِبل حكومة إقليم جنوب كوردستان و التنظيمات السياسية الكوردستانية والإعلام الكوردستاني لإبراز معالم الحضارة الكوردستانية لشعوب العالم.

المصادر

الدكتور علي القيم: الموسيقا تاريخ وأثر. الطبعة الأولى، مطبعة الكندي، دمشق، 1988.

راؤول فيتالي: أقدم موسيقا معروفة في العالم. مجلة الحياة الموسيقية العدد 2 سنة 1993 والعدد 6 سنة 1994"
 
West, M. L. The Babylonian Musical Nation and the Hurrian Melodic Texts. Music & Letters Vol: 56, No. 2 (May 1994), pp. 161-179, Oxford University Press.

Gurney, O. R. Babylonian Music Again. Iraq Vol. 56 (1994), pp. 101-106. British Institute for the Study of Iraq.

الروابط

الرابط الأول يحتوي على الأنشودة الخورية لوحدها.

الرابط الثاني هو عبارة عن برنامج مُقدّم من قِبل قناة الجزيرة الفضائية حول الأنشودة المذكورة، الذي يتم فيه شرح الموضوع وعرض الرقيم وإظهار موقع (أوگاريت) الآثارية، بالإضافة الى تسجيل للأنشودة الخورية.

http://static.alarab.net/MMS_Files/MP3/mp3_files//M/Malek%20Jandali/Echoes%20From%20Ugarit/Alarab_Malek%20Jandali%20-%20Echoes%20From%20Ugarit.mp3


http://www.youtube.com/watch?v=Pyy51o__7oA

الصور


الرقيم الخوري المصنوع من الطين والذي يحتوي على أقدم مقطوعة موسيقية يرجع تاريخها الى عام 1400 ق م




نفس الرقيم السابق


 
 الرقيم الخوري



النوطة الموسيقية الخورية حسب دراسة الباحث راوول فيتالي


صورة نادرة لعازفة طبل خورية


mahdi_kakei@hotmail.com


138
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (14) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

9. المعتقدات الميتانية وتأثّر الأديان الأخرى بها
 
د. مهدي كاكه يي


بعد تأسيس مملكة ميتاني في أواسط القرن الخامس عشر قبل الميلاد، نشر الميتانيون في المنطقة عبادة الآلهة الهندو – آرية، مثل الآلهة (إندرا Indra) و(ميترا Mitra) و(ڤارونا Varuna) والتوأمان (ناساتيا Nasatya) و( داسرا Dasra) اللذان تتم تسميتهما ب(أشڤين Ashvin).

في المعاهدة المشهورة التي تم عقدها بين الحاكم الحثي (سوپيلوليوما Suppiluliuma) و الملك الميتاني (ماتيوازا Mattiwaza) في حوالي عام 1380 قبل الميلاد في (بوگازكوي Boghazkoy)، تم أداء القسم بإسم الآلهة الميتانية (إندرا) و(ميترا) و (ڤارونا) و(ناساتيا) للشهادة على هذه المعاهدة (مصدر رقم 1).

1. (إندراIndra ) – هو ملك الآلهة. كان إلهاً للآريين قبل أن يكون إلهاً في الهند. إنه إله هندوأوربي وإبن عم الإله الألماني (وتان Wotan) الذي هو مُماثل لأب الآلهة الإسكندنافية (أودين Odin) وملك الآلهة اليونانية (زيوس Zeus) وملك الآلهة الرومانية (جوپيترJupiter). يرمز (إندرا) الى إكتمال الإنسان الأسمى وأن سلاحه هو البرق. يحب الشرب كثيراً.

في النصوص الدينية المبّكرة، يلعب الإله (إندرا) أدواراً متنوعة. كملِك، يقود غارات الماشية ضد (داساس أو داسيوس dasas or dasyus) الذين هم السكان الأصليون للأراضي التي فيها يقوم شعبه برعي الماشية. إنه يجلب المطر لكونه إله الصاعقة وأنه المحارب العظيم الذي ينتصر على عدو الآلهة (آسوراس Asuras). إنه يهزم أيضاً أعداء الإنسان وأعداء الإنسان الجبّار الذين عددهم لا يُعَد ولا يُحصى، أشهرهم هو (ڤريترا Vritra) الذي هو تنين و زعيم (داسا). كَتنين، يتم إتهام (ڤريترا Vritra) بأنه يحجب المياه والأمطار، وك(داسا)، يُتّهَم (ڤريترا) بِسرقة الأبقار، وكَعدو الآلهة، يُتّهَم بإخفاء الشمس (مصدر 2).

2. (ڤاروناVaruna ) – تبعاً للمعتقدات الميتانية، فأن الدنيا قد خُلِقت من قِبل الإله (ڤارونا) و هو الذي يحميها. يقوم هذا الإله بالحفاظ على النظم الأخلاقية ويبارك مَن يحافظ عليها و يمنحه الهِبات. مَن لا يتبع الأخلاق الحميدة، سيعدهُ (ڤارونا) مذنباً و سيُعاقبه وفيما بعد سيعرف الإله ميترا بالأمر. (ڤارونا) هو إله الماء والمحيط السماوي، وهو كذلك إله القانون للعالم الواقع تحت الماء (مصدر 3). (ماكارا) هي جبل (ڤارونا). كرئيس لل(آديتياس Adityas) (أديتياس هُم الآلهة السماوية السبعة وهم أبناء آديتي Āditi)، يمتلك (ڤارونا) جوانب ألوهية شمسية، ومع ذلك، بعكس (ميترا)، فهو مرافق لليل، بينما يرافق (ميترا) ضوء النهار. كأبرز إله، فهو في الغالب مهتم بالشؤون الأخلاقية والإجتماعية أكثر من تألية الطبيعة.

في الديانة الزردشتية ، "ڤارونا " هو أحد أسماء ال(101) لآهورا مازدا الذي يعني "المُنقِذ من الشر" (مصدر 3).

3. أشڤين Ashvins (ناساتيا Nasatya  و (داسرا Dasra) – الإلاهان (أشڤين) هما إلهان توأمان أحدهما إسمه (ناساتيا) والثاني إسمه (Dasra). في الكتاب المقدس (ريگڤيدا Rigveda)، كلمة (ناساتيا) تعني (رحيم أو نافع) و كلمة (داسرا) تعني (مانح التنوير الروحي). في الأساطير الهندوسية، هذان الإلاهان هما إلاهان ڤيديان وفارسان توأمان مقدّسان. في الكتاب المقدس (ريگڤيدا Rigveda) هما إبنان ل(سارانيا Saranya) {سارانيا هي إبنة ڤيشواكارما Vishwakarma التي هي آلِهة الغيوم وزوجة سوريا Surya في طوره ك(ڤيڤاسڤات Vivasvat)} (مصدر 4). هذان الإلهان يرمزان الى ضوء شروق الشمس وغروبها، يظهران في السماء قبل الفجر في عربة ذهبية، يجلبان الكنوز للرجال ويُبعِدان سوء الحظ و المرض. هما طبيبان إلاهيان و روحان مُشعّان للطب الهندي الشعبي الطبيعي القديم. يتم تمثيلهما كَبشر ذي رأس الحصان. في ملحمة (ماهابهاراتا Mahabharata)، يتم منح إبن ل(مادري Madri) التي هي زوجة الملك (پاندوPandu )، من قِبل كُلّ من الإلاهَين التوأمَين و تصبح حبلى بالتوأمَين (ناكولا Nakula) و (ساهاديڤا Sahadeva) واللذَين معروفَين مع أبناء (كونتي Kunti) ب(پانادا ڤاس).

في المعابد الميثرائية نشاهد شُعلتَي الإلهَين الإثنين الذين يُعرفان ب(الراعييَن)، حيث أن إتجاه شعلة الإله الأول هو نحو السماء الذي هو رمز لشروق الشمس، بينما إتجاه شعلة الإله الثاني هو نحو الأرض والذي هو دلالة على غروب الشمس.

4. (ميترا Mitra) – كان ميترا إلهاً هندوإيرانياً مُهمّاً، وهو إله الصداقة و السلام والتواصل والنظم والصلح و النور (مصدر 5). يتم ذكر إسمه بشكل مختلف في الأديان الهندوآرية القديمة، كما هو موضح كالآتي:

• إسم ولقب: (ميترا) هو إسم عائلة هندية ويُستعمل كذلك كلَقب وبشكل رئيسي بين البنغاليين.

• الديانة الڤيدية (ديانة هندية قديمة): تتم تسميته في الكتاب الهندوسي المقدس (ريجڤيدا) ب(ميترا) (السنسكريتية Mitrá-, Mitráḥ). يظهر كثيراً في النص السنسكريتي القديم ل(ريجڤيدا). الديانة الڤيدية تؤمن بأن الإله (ميترا) يقود حياة الإنسان إلى السلام و النظام. وظيفة الإله (ميترا) هي تحقيق وحدة الإنسانية. هو إله الخير والبرکة وصاحب أعظم قوة، تتصدى للأعمال السيئة التي تظهر بين شعوب الأرض. كما أن الإله (ميترا) يعادي بشدة الأعمال الشريرة والخيانة والكذب.

• الديانة الزردشتية: إسم (ميترا) في الديانة الزردشتية هو (ميثرا) (آڤيستا Miθra، Miθrō)، وهو (يازاتا yazata) المذكور في الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا)، والذي يقابله في اللغة الفارسية الجديدة (مهر Mīhr أو Mehr) وفي اللغة الكوردية الحديثة (مير). يتم تقديس (ميترا) في الديانة الزردشتية، التي تأثرتْ بشكل كبير بالميثرائية، وخاصةً فيما يتعلق بتقديس الشمس. يقول زردشت في الكتاب المقدس (آڤيستا) ما يلي: قال آهورامازدا لزرادشت سپيتاما "هكذا خلقتُ (ميثرا) ذا المراعي الواسعة، الذي يستحق أيضاً الصلاة والمجد، مثلما أنا آهورامازدا أستحقهما" (الدكتور خليل عبدالرحمن: آڤِستا الكتاب المقدس للديانة الزرادشتية، الطبعة الثانية، روافد للثقافة والفنون، ياشت 10 ميهر ياشت "نشيد ميثرا"، صفحة 459). كما جاء في الكتاب المقدس، (آڤيستا) ما يلي: أُصلّي لميثرا القوي، الأقوى بين المخلوقات وأقدّم له قربان الهاوما وأُبجّله وأُمجّده (نفس المصدر السابق صفحة 460).

إن إسم الشهر السابع في الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا)، هو (مهر) الذي هو (ميترا)، حيث يتم الإحتفال بِعيد خاص في السادس عشر من هذا الشهر والذي يُسمى (ميتراگان أو مهرگان) وهو عيد لتقديس وتعظيم الإله (ميترا). أخذ العرب إسم هذا العيد الزردشتي وقاموا بتحويره الى كلمة (مهرجان). يوافق هذا العيد اليوم الثاني من تشرين الأول (توفيق وهبي: اليزيدية بقايا الديانة الميثرائية. ترجمة شوكت إسماعيل حسن، دار سردم للطباعة والنشر، سليمانية، كوردستان، 2010، صفحة 15). كما أن کلمة (محراب) العربية مأخوذة من الكلمة الهندوآرية "مهر آب" التي هي "مكان عبادة الإله ميترا". (مهر) الذي هو إسم (ميترا)، يتم تلفظه في اللغة الكوردية الحديثة (مير) (توفيق وهبي: اليزيدية بقايا الديانة الميثرائية. ترجمة شوكت إسماعيل حسن، دار سردم للطباعة والنشر، سليمانية، كوردستان، 2010، صفحة 8). تمّ إدخال هذا الإسم الآري الى اللغة العربية وتمّ تحويره من (مهر) أو (مير) الى (أمير).

آثار تأثير المعتقدات الميثرائية على الديانة الزردشتية واضحة جداً، على سبيل المثال، عبادة الزردشتيين للشمس والقمر وتقديم القرابين.
 
• الديانة البوذية: إسم (ميترا) في الديانة البوذية هو (مايتريا Maitreya) أو (بوديساتڤا bodhisattva). (بوديساتڤا) هو أي شخص، بدافع من تعاطف عظيم، تولّدَ لديه (بوديسيتّا bodhicitta)، التي هي عبارة عن رغبة عفوية لجعل البوذية أن تكون لصالح جميع الكائنات الحية (مصدر 6)، حيث أنه في التقاليد البوذية أن (ميترا) هو الشخص الذي يظهر على الكرة الأرضية ويحقق التنوير الكامل و يُعلّم الناس (دهارما Dharma) نقية. في العقيدة البوذية، (دهارما) تعني القانون والنظام الكوني و تعني أيضاً تعاليم بوذا (مصدر 7). (ميترا) في الديانة البوذية، هو الأضواء أو الإشعاعات الضوئية التي تُنير الكون.

• الديانة اليونانية الرومانية: ميترا يُسمّى ب(ميثراس Mithras) في الديانة اليونانية الرومانية. الميثرائية هي البُنية الرئيسية للدين اليوناني الروماني.

يُقال بأن ولادة إله‌ (ميترا) كان في الخامس والعشرين من شهر کانون الأول، حيث كان يتم الإحتفال بِعيد ميلاده‌ في هذا التاريخ. في يوم 25 كانون الأول، يكون الليل هو الأكثر طولاً في السنة، حيث بعد هذا التاريخ يبدأ طول الليل بالنقصان ويزداد طول النهار. عند ميلاد الإله (ميترا) في كهف مظلم في هذا اليوم الأظلم خلال السنة، أضاء (ميترا) بِنوره الكون. لذلك كان الميتانيون يعتقدون بأنه بولادة ميترا، تخلصت الشمس من قُبضة إله‌ الظلام وأخذت بالصعود إلی السماء وأنارت الكون والحياة.

كما نرى، فأن تاريخ ميلاد المسيح يصادف نفس تاريخ ميلاد (ميترا)، حيث أنه بعد إنتشار الدين المسيحي في أوربا، وخاصة في روما، قام المسيحيون بِجعل تاريخ ولادة الإله‌ (ميترا) تاريخاً لولادة السيد المسيح (مصدر 8).

تبعاً لنصوص الإنجيل، فأن السيد المسيح وُلِد في فصل الربيع، حيث يشير الإنجيل الى أن رعاةً كانوا يرعون أغنامهم في الليل عندما سمعوا خبر ولادة المسيح {(لوقا 2:8 (Luke 2:8)}. هذا يوحي الى أن ولادة المسيح كانت في موسم الربيع، حيث تزامنَت ولادته مع فترة ولادة الخرفان التي تحصل في موسم الربيع (مصدر 9). من المرجّح أن المسيح مولود في 28 آذار (مصدر 10).

لا يقتصر عدم صحة تاريخ ميلاد السيد المسيح على يوم ولادته، بل أن سنة ولادته غير صحيحة أيضاً، حيث يذكر الپاپا (بينيدكت) السادس عشر (Pop Benedict XVI) في أحد كُتبه المنشورة في عام 2012، بأن المسيح مولود سنين عديدة قبل التأريخ الموضوع لولادته (مصدر 11).
 
أخذ الدين المسيحي شعار الصليب من أسلاف الكورد ،السومريين والميتانيين. لقد تم العثور في الموقع الأثري (تل خيبر) في أور، على صور لأول إستخدام لرمز الصليب من قِبل السومريين. يُعتقد بأن عُمر أحد المباني في هذا الموقع هو حوالي 4000 سنة، وهذا يعني  أن السومريين إستخدموا شعار الصليب قبل حوالي 2000 سنة من ظهور المسيحية. الصليب السومري المُكتشَف يشبه الصليب المُستخدَم في صلب السيد المسيح (مصدر 12).
 
الصليب الميثرائي قد يُمثّل جهازاً كان يتم إستخدامه في إشعال النار، وبالتالي هو رمز لإطلاق النار المقدسة أو أنه رمز للشمس الذي يدلّ على التناوب اليومي. كما تم تفسير الصليب على أنه يُمثّل طقوس البرق أو أنه رمز لإله العاصفة، أو هو شعار للآلهة والحضارة الآرية البدائية (مصدر 13).

الصليب الميثرائي المعكوف يُسمى في اللغة السنسكريتية (سواستيكا svastika)، التي تعني "حظ سعيد"  أو "صحة جيدة" (كوين، مالكولم: الصليب المعقوف: إنشاء الرمز. لندن، روت ليدج، 1994؛ مصدر 14). (سواستيكا) هو مصطلح يُعبّر عن القيمة الإيجابية للحياة. تم العثور على رسوم هذا الصليب منقوشةً على الكثير من المصنوعات الخزفية و المواد الآثرية الأخرى العائدة للإمبراطورية الميتانية والذي عُرف ب(العجلة الميثرائية). الصليب المعكوف قد يرمز الى حركة الشمس في السماء. كما أن الأذرع الأربعة للصليب ترمز إلى العناصر المقدسة الأربعة (الماء، النار، الهواء، التراب)، حيث أن كل ذراع من الصليب ترمز إلى أحد هذه العناصر (مصدر 15).

في الحقيقة أن جذور الديانة المسيحية هي الميثرائية (مصدر 16). كما أن بصمات تأثيرات الميثرائية واضحة جداً في الأديان الأخرى، كالديانة اليهودية والإسلامية، حيث لا يسع المجال هنا للحديث عن هذا الموضوع.

كما أود أن أذكر أيضاً بأن الأديان الكوردية الإيزيدية والعلوية واليارسانية (كاكه يي أو أهل حق) والدروزية هي من بقايا الديانة الميثرائية وهذه الأديان هي أقدم من الزردشتية، حيث تشترك هذه الأديان مع الميثرائية في الإيمان بوجود قوتَين متضادتَين هما الخير والشر وكذلك تناسخ الأرواح و تقديس النار والشمس وتقديم النذور للأحياء والأموات وتقبيل الأرض الذي هو طقس ديني يُعبّر عن إمتنان وحُب الإنسان للأرض التي يعيش عليها و وجوده مرتبط بها. في دراسة مستقلة سأتحدث عن هذا الموضوع بالتفصيل.


أسطورة خصاء آنو
(أسطورة خصاء آنو) هي نص خوري يعود إلى أواسط الألف الثاني قبل الميلاد. هنا أنقل خلاصة هذه الأسطورة (مصدر 17):

في قديم الزمان، كان (ألالوس) ملكاً في السماء. طوال مدة جلوسه على عرش السماء والتي دامت تسع سنوات، كان آنوس (آنو) يسجد عند قدميه ويُقدّم له كأس الشراب. في السنة التاسعة، قاتلَ (آنوس) (ألالوس) وتغلّب عليه في المعركة، فهرب (ألالوس) من السماء ونزل إلى تحت الأرض المظلمة وبذلك جلس آنوس على العرش في السماء. طوال مدة جلوسه على العرش، التي دامت تسع سنوات كان (كوماربي) الجبّار يُقدّم له الطعام ويسجد عند قدميه ويُقدّم له كأس الشراب. في السنة التاسعة، قاتلَ (كوماربي) (آنوس) و تغلب عليه مما إضطرّ (آنوس) أن يهرب و حلّق في السماء. طارده (كوماربي) فمسكَ قدمَيه وجرَّه ثم عضَّ قضيبه فإنسال سائله االمنوي إلى بطن (كوماربي). أصبح (كوماربي) حاملاً، يحمل في بطنه ثلاث توائم، حيث حبَلَ بإله العاصفة وبِنهر دجلة و بِوزير إله العاصفة (تاسميشو) (مصدر 17). بعد ذلك عاد (آنوس) الى السماء وإختبأ هناك. بصق (كوماربي) بعضاً من السائل المنوي على الأرض والذي كان قد إبتلعه، فوَلدَ منه كلّ من (تاسميشو) ونهر دجلة. ذهبَ (كوماربي) إلى مدينة (نيبور) السومرية لإستشارة إله الحكمة (إيا). بقي (كوماربي) في (نيبور) ينتظر مولود التوأم الثالث الذي هو إله العاصفة. بعد إكتمال مدة الحمل، جاءه المخاض، إلا أن (كوماربي) كان رجلاً ولم يكن بإستطاعته أن يولِد ولادة طبيعية كما تحدث عند النساء. إشتدت عليه آلام المخاض والطفل الذي في بطنه كان لا يجد طريقاً للخروج من بطن "أمه" بسلام. في هذا الوقت جاء (آنو) من السماء للمساعدة في إخراج إله العاصفة من بطن (كوماربي)، حيث كان يعوّل عليه في الإنتقام من (كوماربي). لاقى (آنو) صعوبة في إختيار منفذ آمن لخروج إله العاصفة من بطن (كوماربي) لأن الخروج من أي منفذ سوف يُسبب العطل في عمل عضو الجسم المقابل عند إله العاصفة بعد ولادته. على سبيل المثال، لو يخرج الطفل من عَين (كوماربي)، سيصيب إله العاصفة بالعمى والخروج من الأذن سيسبب له الصمم والخروج من الرأس ينتج عنه خلل في عقل إله العاصفة. تزداد آلام (كوماربي) ضراوةً فيستنجد (كوماربي) بالإله (إيا). عندئذٍ يطلب (إيا) قدوم مجموعة من السحرة للقيام بطقوس خاصة تساعد إله العاصفة على الخروج من بطن (كوماربي). يأتي السحرة فيقومون بتقديم القرابين وقراءة التعاويذ ويعملون على منع خروج إله العاصفة من مؤخرة كوماربي. بعد ذلك يتجه الجنين نحو "الموضع الحسن" ويولَد إله العاصفة من خلال الخروج من ذلك الموضع. في النص مذكور بأن (آنو) قد ساعد إله العاصفة على خلع أبيه والجلوس على عرش السماء. الموضع الذي خرج منه إله العاصفة هو القضيب الذكري إستناداً على أن القضيب هو العضو المقابل لعضو الولادة عند المرأة و أن القضيب له دور في عملية الإخصاب (مصدر 18) حيث أن إله العاصفة كان أيضاً إلهاً للخصب.

المصادر
1. (Konow, S. (1921). Aryan gods of the Mitani people.

2. Rig-Veda 1.154 (English).

3. http://www.pantheon.org/articles/v/varuna.html

4. Tilak, Lokmanya Bâl Gangâdhar (2011). THE ARCTIC HOME IN THE VEDAS. Fourth edition, Arktos Media Ltd, United kingdom.

5. Schmidt, Hans-Peter (2006), "Mithra in: Mithra in Old Indian and Mithra in Old Iranian", Encyclopaedia Iranica, New York: iranica.com (accessed April 2011).

6. The Bodhisattva Vow: A Practical Guide to Helping Others, page 1, Tharpa Publications (2nd. ed., 1995) ISBN 978-0-948006-50-0.

7. The Oxford Dictionary of World Religions.

8. http://www.iranchamber.com/religions/articles/mithraism_influence_on_christianity.php

9. http://www.biblicalarchaeology.org/daily/biblical-topics/new-testament/how-december-25-became-christmas/

10. Sheler, Joseph L. placed Jesus's birth on March 28. U.S. News & World Report. In: Search of Christmas, Dec. 23, 1996, p. 58).

11. Pop Benedict XVI (2012). Jesus of Nazareth: The infancy Narratives.

12. "Ur Region Archaeology Project".
 
13. Marucchi, Orazio. "Archæology of the Cross and Crucifix." The Catholic Encyclopedia. Vol. 4. New York: Robert Appleton Company, 1908 Retrieved 13 February 2010. Cf. "Various objects, dating from periods long anterior to the Christian era, have been found, marked with crosses of different designs, in almost every part of the old world. India, Syria, Persia and Egypt have all yielded numberless examples… The use of the cross as a religious symbol in pre-Christian times and among non-Christian peoples may probably be regarded as almost universal, and in very many cases it was connected with some form of nature worship" (Encyclopaedia Britannica (1946), Vol. 6, p. 753.

14. http://www.sanskrit.org/www/Hindu%20Primer/swastika.html

15. Chevalier, Jean (1997). The Penguin Dictionary of Symbols. Penguin ISBN 0-14-051254-3.

16. http://www.truthbeknown.com/mithra.htm

17. Pritchard, James B. (2010). The Ancient Near East: An Anthology of Texts and Pictures.

18. Kirk, G. S. (1970). Myth, Its Meaning and Function, Cambridge, p. 216.
 
mahdi_kakei@hotmail.com

139
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (13) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

8. الآلهة الخورية
 
د. مهدي كاكه يي



ترك الخوريون لنا مصادر قليلة عن ديانتهم، حيث تمّت معرفة الكثير من الأساطير الخورية من خلال الأساطير الحثية التي هي بالأساس أساطير خورية و كذلك من خلال الآثار المكتشفة في (أوگاريت).

إنتشرت المعتقدات الخورية في منطقة آسيا الوسطى، حيث تبنّت شعوب هذه المنطقة الديانة الخورية وأن ملامح الآلهة الخورية تظهر بوضوح في ديانات هذه الشعوب. كانت للديانة الخورية تأثير كبير بشكل خاص على المعتقدات الحثية. على سبيل المثال، تشير النقوشات في (يازلكايا Yazlkaya) إلى أن الآلهة الخورية أصبحوا رسمياً آلهةً للإمبراطورية الحثية وأن الملِكات الحثيّات كانت لهن أسماء خورية، وأن الأساطير الخورية تظهر في الأشعار الحثية. الحثيون قاموا أيضاً بتبنّي الأسطورة الخورية "أغاني من ULLIKUMMI".

كانت آلهة الخوريين لهم معابد خاصة بهم، كما كان الحال بالنسبة الى السكان القدماء لجنوب بلاد ما بين النهرين أو مصر. كانت المملكة الخورية في وقت لاحق مركزاً دينياً لإله القمر، بينما كانت بلدة (KAHAT) مركزاً دينياً لمملكة ميتاني بعد تأسيسها. تم بناء معبد (نیرگال NERGAL) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد كما أن الإله (شاوشكا SHAUSHKA ) كان له معبد هام في نينوى عندما كانت المدينة تحت حكم الخوريين.

مارس الخوريون شعائر دينية خاصة وكانت لهم أعياد في أوقاتٍ محددة، حيث كانوا يحتفلون بها في المعابد وفي غابات صغيرة مقدسة. كانت شعائرهم عبارة عن فعاليات لتطهير الروح والحصول على البركة الإلهية والتزوّد بالتأثيرات السحرية. إهتم الخوريون أيضاً بالتعويذات والنبوءات والكهانة والعرافة.

تشير الوثائق والأساطير الخورية بأن الآلهة الخورية كانوا يعيشون كالبشر، حيث يتزوجون وينجبون أطفالاً ويتمرضون ويموتون، كما يفعل البشر، إلا أن البشر كانوا يعبدون آلهتهم  ويسجدون لهم، كما هو العلاقة اليوم بين الخالق والبشر. كانوا يُقدّمون القرابين للآلهة ويقومون بطقوس دينية عبادية، حيث تم العثور على العديد من الطقوس الخورية في المملكة الحثية في الأناضول. كما أن هناك مؤشرات كثيرة عن قيام الخوريين بالسحر والايحاءات.

بالإضافة إلى ذلك، كانت للمُقدّسات غير البشرية، مثل السماء والأرض، أهمية كبرى عند الخوريين ونفس الشئ بالنسبة الى آلهة الجبال والأنهار. في الأساطير الخورية، كان الجانب الشرير من الآلهة غالباً ما كان ينتصر على جانب الخير.

كان الخوريون يعبدون آلهة كثيرة، حيث كانت الآلهة الخورية الرئيسية هي: ملك الآلهة و الذي هو إله الطقس (تيشوپ TESHUP)، إلهة الأم (هيبات HEBAT) التي كانت إلهة الشمس عند الحثيين، الإله (شاروما SHARRUMA) الذي هو إبن كل من إله الطقس و إلهة الأم، الإله (كوماربي KUMARBI ) الذي هو سلف إله الطقس وكانت مدينة أوركيش المركز الرئيس لعبادة هذا الإله، إلهة الخصوبة و الحرب والشفاء (شاوشكا SHAUSHKA) التي كان مركزها في نينوى، إله الشمس (شيميگي SHIMEGI) و إله القمر (كوشوه KUSHUH).  فيما يلي نستعرض بإختصار شديد أهم الآلهة الخورية.

 (شاووشكا Shawushka) - هي إلهة الخصوبة و الحرب والشفاء، وهي زوجة ملك الإله (تيشوپ). لقد  تم ذكرها في وثائق عصر سلالة أور الثالثة و كان مرکز عبادتها الرئيس هو مدينة نينوى. كانت تُعبَد تحت مُسميّات عديدة وأشهرها كانت عشتار نينوى. كان الإعتقاد السائد هو أن تمثالها يشفي المرضى، حيث تم إرسال التمثال مرتَين الى مصر لشفاء الفرعون المصري أمنحوتب الثالث (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 98 - 101، 123؛ فاضل عبد الواحد علي: من سومر إلى التوراة، ص 154).

(تيشوب Teshub) - كان ملك الآلهة وإله الطقس. تبعاً للأساطير، قام (تيشوب) بخلع والده (كوماربي Kumarbi) عن عرش الألوهية من خلال إستخدام العنف وأصبح ملكاً. في هذا الصدد أنه يشبه الإله اليوناني (زيوس Zeus) الذي قام بخلع والده (كرونوس Kronos). العربة الحربية لملك الآلهة (تيشوب) كانت تجرّها آلهة الثور (سيريس Seris) (نهار)  و (هوريس Hurris) (ليل) (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 98). كانت المعابد الرئيسة ل(تيشوب) تقع في (أرابخا Arrapkha) (كركوك الحالية) وفي حلب. كانت مدينة (كومّي/كوميجا Kumme/ Kummija) من أهم مراکز عبادته والتي تقع على الأغلب في المنطقة الجبلية في منطقة زاخو وقد ورد إسمه في نصوص الألف الثالث قبل الميلاد (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 98). في الشرق (شمال بلاد ما بين النهرين)، كانت إلهة الحب والحرب (شاووشكا Shawushka) زوجته، بينما في الغرب (الأناضول) كانت الإلهة (هيبات Hebat) زوجته. تمت عبادة (تيشوب) أيضاً في كلّ من بلاد الحثيين و(كزوواتنا).

(كوماربي Kumarbi) - كان (كوماربي) والد جميع الآلهة تبعاً للمعتقدات الخورية. كان مرتبته تكون في بعض الأحيان بمستوى مرتبة رئيس الآلهة السومرية (إنليل Enlil) وإله خصوبة النباتات عند الساميين الغربيين (داگان Dagan). إنه ذو أفكار حكيمة ويقود الموظفين. كانت مدينة (أوركيش Urkish) عبارة عن مقر ديني للخوريين ومركزاً للإله الخوري (كوماربي) الذي هو سلف إله الطقس (تيشوب TESHUB) ؛ مصدر 1، 2).

(إمبالوريس Imbaluris) – كان رسول (كوماربي). يتم إرساله لتحذير البحر بأنه يجب أن يبقى (كوماربي) والداً للآلهة.

(نيرگال Nergal) – الإله (نيريگال) كان إله السماء و كان ذا مرتبة عالية في العبادة. لقد تم بناء معبد (NERGAL) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد في عهد الملك الخوري (آتالشان).

(هاناهانا Hannahanna) (نينتو Nintu، ماه Mah) – هي أم جميع الآلهة. لها إرتباط مع (گولسيس). بعد أن يختفي (تيليپينو Telepinu)، يشكو إله العاصفة عندها. إنها ترسله للبحث عن نفسه وعندما يكفّ عن البحث، فأن أم الآلهة (هاناهانا) ترسل نحلة لمعاقبته بتطهير هذا الإله من خلال لسع النحلة ليديه ورجليه ومسح عينيه وقدميه بالشمع.

(أوپيلوري Upelluri) - على غرار (أطلس Atlas)، هذا الإله الجبّار يحمل العالم على كتفيه. قامت الآلهة القديمة ببناء الأرض والسماء فوق هذا الإله ورغم ذلك فأنه لم ينتبه لهذا البناء، حتى عندما تم فصل الأرض والسماء بالساطور.

 (سيريس أو سيريسو  or Serisu Seris) - هذا هو أحد الثيران المقدسة لإله العاصفة. إستعداداً للمعركة، إله العاصفة عنده (تاسميسوس Tasmisus) الذي يقوم بِتزييت قَرنَيه و يأخذه الى قمة جبل (إمگارا Imgarra) مع الثور (تيلا Tella) وعربة المعركة.

(تيلا Tella) - هذا هو ثور مقدس آخر لإله العاصفة. إستعداداً للمعركة، إله العاصفة عنده (تاسميسوس Tasmisus) الذي يقوم بطلاء ذيله بالذهب و يأخذه الى قمة جبل (إمگارا Imgarra) مع الثور (سيريس Seris) وعربة المعركة.

 (آرانزاهوس Aranzahus) – هو نهر دجلة المؤلّه. هو إبن (آنوس) و(كوماربي)، وكان أخاً لإله العاصفة و(تاسميسوس Tasmisus). لقد تم بصقه من فم (كوماربي)، على جبل (كانزوراس Kanzuras). في وقت لاحق يتواطأ مع (آنوس) وإله العاصفة لتدمير (كوماربي Kumarbi).

 (تاسميسوس Tasmisus) – هو إبن (آنوس) و(كوماربي) و متفاهم مع كلّ من إله العاصفة و(آرانزاهوس Aranzahus). كان أخاً لإله العاصفة و(آرانزاهوس Aranzahus). لقد تم بصقه من فم (كوماربي)، على جبل (كانزوراس Kanzuras). في وقت لاحق يتواطأ مع (آنوس) وإله العاصفة لتدمير (كوماربي Kumarbi).
 إنه بمثابة مساعِد إله العاصفة.

(سووالياتاس Suwaliyattas) – هو إله محارب وربما كان أخ إله العاصفة.

(هيبات Hebat) – هي الزوجة الوقورة لإله العاصفة (تيشوب). هي إلهة الجنس و الخصب. حسب المعتقدات الخورية، فأنه عندما يمارس (تيشوب) و (هيبات) الجنس مع البعض، تهطل أمطار غزيرة والتي تنبعث منها حياة جديدة على وجه الأرض وتزداد إنتاجية الحقول الزراعية و تتكاثر قطعان الأغنام و الخيول. في بعض الأحيان، تتصور بأنها تقف على حيوانها المقدس، الأسد. بعد أن فشل إله العاصفة و (آستابيس Astabis) في مهاجمة (أوليكوميس Ullikummis)، أجبرها الجبّار أن تخرج من المعبد والذي أدى الى فقدانها الإتصال مع الآلهة. أصبحت قلقة لأن (أوليكوميس)، قد يكون هزم زوجها. أعربت عن قلقها لخادمها (تاكيتيس Takitis)، حيث كلفته أن يدعو مجلس الآلهة الى الإنعقاد و الحصول على أخبار زوجها. من المفترض حصلت على أخبار هزيمة زوجها. يزورها (تاسميسوس) في البرج العالي للمراقبة ويخبرها بأنه تم وضع إله العاصفة في مكان متواضع لفترة زمنية طويلة. الإلهة (هيبات) هي والدة (شاروما Sharruma).

تذكر الكتابات في مدينة هاتوشاش اسم شاروما (Sharuma) ابن الآلهة هيبات و ولديه (شارمانيسSharmanis ) و (آلونزونيسAlunzunis). عُرف شاروما ابن هيبات في بلاد الأوراتيين بإسم (تلعا) أما هيبات نفسها فعُرفت بإسم (هوبا Hupa).

يرد إسم (هيبات) في عصر المملكة الحيثية في كتابات (يازيليكايا)، حيث تمّ حفر صورة الإلهة (هيبات) على ذلك اللوح. تظهر الإلهة (هيبات) على ذلك اللوح ممتطية ظهر نمر و إسمها مكتوب بالأحرف الهيليغروفية الحثية فوق قبضة يدها اليمنى. كُتبت هذه الكتابات في عهد الملك الحثي هاتوشي الثالث في أواسط القرن الثالث عشر قبل الميلاد.

(ورونتيمو Wuruntemu) – إلهة شمس (أرينا Arrina)، سيدة أراضي (هاتي Hatti)، ملكة السماء والأرض، سيدة ملوك وملِكات (هاتي)، تُدير حكومة ملك وملكة (هاتي). تصبح هذه الإلهة في وقت لاحق مشابهة ل(هيبات). إنها خلقت أرض الأرز. هي الإلهة الأولى في (أرينا)، مع (تارو Taru) كَقرينها. هي إلهة المعركة وترتبط بالنصر العسكري الحثي. إنها والدة إله العاصفة ل(نيريك Nerik) وبالتالي قد تكون مرتبطة ب(ايريشكيگال Ereshkigal) والذي تقوم الإلهة  (ورونتيمو) بمساعدته لإرجاعه من العالم السفلي.

 (شاروما) – "عجل ( تيشوب Teshub)" هو إبن ( تيشوب) و(هيبات). يُرمَز هذا الإله بِزوج من الأرجل البشرية، أو برأس الإنسان على هيئة ثور. يتم التعرّف عليه في وقت لاحق مع إله الطقس ل(نيريك Nerik) و(زيپالاندا Zippalanda).

(تاكيتيس Takitis) – هو خادم (هيبات). بعد أن تم إخراج (هيبات) من معبدها، أعربت (هيبات) لخادمها (تاكيتيس)عن قلقها على زوجها  و كلّفته أن يدعو مجلس الآلهة الى الإنعقاد و معرفة مصير زوجها.

(ميزولاس Mezzullas) – هي إبنة إله العاصفة و إلهة الشمس لآرينا (Arinna). هي ووالدَيها يمتلكون فيضاً من قوة خفية منبثقة من النجوم التي تؤثر على حياة الناس وأقدارهم.

(زينتوهيس Zintuhis) – هي حفيدة إله العاصفة وإلهة الشمس لآرينا (Arinna).

(تيليپينوس Telepinu(s)) – "الإله النبيل" الذي هو إله زراعي. إنه الإبن البكر لإله العاصفة والإبن المفضّل عنده. وقال عنه أنه "الأمشاط والمحاريث". كان يسقي الحقول ويجعل المحاصيل تنمو. هو يُحضّر التربة ويُسوّيها و يحرث الأرض و يسقي الحقول ويجعل النباتات تنمو.

(أولّيكوميس Ullikummi(s)) - الرجل الديوريت (ديوريت هو صخر بركاني). إنه إبن الإله (كوماربي)  والصخرة. هذا الإله متكون بشكل تام من الديوريت. لقد وُلِد لإستخدامه كسلاح لهزيمة إله العاصفة وحليفه إله الشمس للسماء. هذا الإله هو أحد الآلهة العادلين وأحياناً هو ملِك كل الآلهة. هو حليف لإله العاصفة. إنه يكتب ملاحظات للجبّار (أولّيكوميس) في البحر وزار إله العاصفة، رافضاً تناول الطعام الى أن يكتب تقارير أخباره. بعد ان يكون قد فعل ذلك، يعلن إله العاصفة بأن الطعام على الطاولة ويجب أن يصبح سائغاً، وهو ما يحدث بالفعل، وبالتالي فإن إله الشمس تتمتع بتناول وجبة غذائه ويعود إلى مسلكه في السماء.

(هاپانتاليس Hapantallis) – هو راعي إله الشمس.

(كاشكو Kashku) – هو إله القمر. لقد سقط من السماء على مُجمّع البوابة "كيلامار killamar" وإختفى. إله العاصفة (تارو Taru) أحدثَ عاصفة مطرية بعده تُرعبه. كانت مملكة خوري في وقت لاحق مركزاً دينياً لإله القمر.

(إيناراس Inaras) – هي إبنة إله العاصفة و إلهة الحيوانات البرّية للسهب (سهب هو سهل واسع خالٍ من الأشجار).

(إيلويانكاس Illuyankas)، التنين (التنين يعني الشخص العنيف جداً). إنه هزمَ إله العاصفة في (كيسكيلوسا Kiskilussa). في وقت لاحق، تمّ إستدراجه هو وأطفاله من مخبأهم من قِبل (إيناراس Inaras) الأنيق بِحُجّة دعوتهم لِوليمة. بعد أن كانت دماؤهم محتقنة جداً للعودة الى مخبأهم مرة أخرى، قام إله العاصفة، يرافقه آلهة آخرين، بقتله.

 (هيدامو Hedammu) - هو الثعبان الذي أحب عشتار.

 (هاپانتالي أو هاپانتالياس Hapantalliyas / Hapantalli) – هذا الإله أخذ مكانه الى جانب إله القمر عندما سقط من السماء على مُجمّع البوابة وأطلقَ السحر.

(كامروسيپاس Kamrusepas) - هي إلهة السحر والشفاء. إنها شهِدتْ وأعلنت عن سقوط إله القمر من السماء على مُجمّع البوابة.

(أستابيس Astabis) - هو إله خوري مُحارب. بعد الهجوم الأول غير الناجح لإله العاصفة على (أوليكوميس Ullikummis)، قام بقيادة سبعين آلهة في عربات المعركة بالهجوم على العملاق الصخري البركاني. حاولوا سحب الماء بعيداً عنه، ربما للعمل على وقف نموه، إلا أنهم يسقطون من السماء و(أوليكوميس Ullikummis) ينمو بشكل أكبر، مُحلّقاً فوق بوابة (كوميّا Kummiya).

(أوليّاسيس Uliliyassis) – هو إله قاصر يقوم كما ينبغي بإزالة العجز الجنسي.

(كوبابا Kubaba) – هي الإلهة الرئيسة للحثيين، أصبحت Cybebe (سايبيبي Cybebe)  للفريجيين و (سايبيلي Cybele) للرومان.
 
(ياريس Yarris) -  هو إله الوباء. تمت إقامة إحتفال له كل خريف.

(هاساميليس Hasamelis) – هو الإله الذي يستطيع حماية المسافرين، قد تكون هذه الحماية من خلال جعلهم غير مرئيين.

(زاشاپونا Zashapuna) – هو الإله الرئيسي لمدينة (كاستاما Kastama)، حيث يتم إحترامه هناك أكثر من إله العاصفة وقد يكون قد حصل على مثل هذا النفوذ من خلال إنتزاع إعجاب الكثير من الآلهة الآخرين.

(پاپايا Papaya) – هو أحد الآلهة الذين جلسوا تحت شجرة الزعرور البريّة في إنتظار عودة (تيليپينوس Telipinus).

(إستوستايا Istustaya) – هو أحد الآلهة الذين جلسوا تحت شجرة الزعرور البريّة في إنتظار عودة (تيليپينوس Telipinus).

(ميياتانزيپا Miyatanzipa) – لا يُعرَف فيما لو كان هذا الإله ذكراً أو أنثى. هو أحد الآلهة الذين جلسوا تحت شجرة الزعرور البريّة في إنتظار عودة (تيليپينوس Telipinus). جلس أيضاً تحت شجرة عرق الذهب عندما عثرت (هاناهانا Hannahanna) على حقيبة الصيد.

(أوروزيمو Uruzimu) – إله شارك في إعادة إله العاصفة ل(نيريك Nerik).

(هاههيماس Hahhimas) (الصقيع) – عندما يقوم إله البحر بإعتقال إله الشمس، يعتقل(هاههيماس) الآلهة الآخرين و نباتات وحيوانات المناطق اليابسة ويشلّهم. هو أخ غير شقيق لإخوة (هاساميلي Hasamili) ويُحجِم عن القبض عليهم.

المصادر

1. Paul Thieme (1960). The 'Aryan Gods' of the Mitanni Treaties, Journal of the American Oriental Society 80, 301-317.

2. Güterbock, Hans Gustav (1950): "Hittite Religion"; in Forgotten Religions: Including Some Living Primitive Religions (ed. Vergilius Ferm) (NY, Philosophical Library, pp. 88–89, 103–104.
mahdi_kakei@hotmail.com




140
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (12) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

7. ملوك مملكة ميتاني (القسم الثاني)
 
د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة، تمّ الحديث عن عدد من الملوك الميتانيين. في هذه الحلقة يتم تناول القسم المتبقي من ملوك الإمبراطورية الميتانية.

توشراتا (Tushratta)
بعد أن قام المُعتمَد (أُدهي) بقتل (أرتاشومارا)، قام بتنصيب (توشراتا Tushratta) على العرش والذي هو الإبن الثاني للملك (شوتارنا). من المحتمل أن (توشراتا) كان يافعاً عند جلوسه على عرش المملكة الميتانية و كان الغرض من تنصيبه هو أن يكون فقط كواجهة صورية للحُكم وأن يكون (أدهي) الحاكم الفعلي للمملكة، إلا أن الملك (توشراتا) تمكّن من قتل (أُدهي) و بذلك إستطاع التخلص منه. قد يكون (توشراتا) قام بقتل (أدهي) بمساعدة الفرعون المصري أخناتون الذي كان زوج (نفرتيتي) أخت الملك الميتاني (توشراتا).

أصبح (توشراتا) ملكاً لمملكة ميتاني في أواخر القرن الرابع عشر قبل الميلاد، الذي تزامنَ مع نهاية عهد الفرعون المصري (أمنحتوب الثالث) وحكمَ هذا الملك الميتاني طوال فترة حكم الفرعون أخناتون. تزوج الفرعون المصري (أمنحوتب الثالث) أخت  (توشراتا) التي كان إسمها (گيلوهيپا Gilu-Hepa) وكذلك تزوج هذا الفرعون إبنة الملك (توشراتا) التي كان إسمها (تادوخيپا Tadukhipa). بعد وفاة الفرعون المصري (أمنحوتب الثالث)، تزوجت زوجته (تادوخيپا) من الفرعون أخناتون والتي غيّرت إسمها فيما بعد من (تادوخيپا) الى (نفرتيتي)، كما تم سرد تفاصيله في الحلقة العاشرة من هذه السلسلة من المقالات. هناك لوحة مسمارية تحتوي على رسالة من الملك الميتاني (توشراتا) الى الفرعون المصري (أمنحتوب الثالث) من بين 13 رسالة للملك (توشراتا). 

ربما عرف المصريون بأن قوة مملكة ميتاني كانت على وشك الإنتهاء، لذلك للحفاظ على الحدود المصرية مع سوريا الحالية، بدأ الفرعون الجديد (أخناتون) بإستقبال مبعوثين حثيين وآشوريين، الذين أصبحوا في ذلك الوقت من القوى الصاعدة في المنطقة بدلاً من إستقبال مبعوثين ميتانيين. رسائل تل العمارنة تكشف أن الطلبات المُلحّة للملك الميتاني (توشراتا) للحصول على تمثال ذهبي من أخناتون، تطورت الى أزمة دبلوماسية كبرى بين المملكتَين.

الإضطرابات التي سادت في مملكة ميتاني، أضعفت سيطرة الميتانيين على الممالك التابعة لهم. (أزيرو Aziru) الذي كان ملكاً لمملكة (أمّورو Amurru)، إنتهز هذه الإضطرابات وقام بعقد صفقة سرية مع الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول I Suppiluliuma). مملكة (كيزوواتنا Kizzuwatna) التي كانت منفصلة عن المملكة الحثية، قام الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول) بإستعادتها وضمها الى مملكته من جديد. بعد ذلك قام هذا الملك الحثي بإحتلال غرب وادي نهر الفرات وإستولى على كل من مملكة (أمّورو Amurru) و مملكة (نُهاشّه Nuhashshe) التي كانتا جزء من مملكة ميتاني.

إستناداً الى نصوص المعاهدة التي تم عقدها لاحقاً بين الملك الميتاني (شاتيوازا Shattiwaza) و الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول)، فأن الملك (سوپيلوليوما الأول) قد قام بعقد معاهدة مع الملك الميتاني (أرتاتاما الثاني Artatama II) الذي كان ينافس (توشراتا) على حكم مملكة ميتاني. بدأ الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول) بنهب أراضي الضفة الغربية لنهر الفرات وقام بِضم جبل لبنان الى مملكته. قام (توشراتا) بالتهديد بمداهمة ما وراء نهر الفرات فيما لو تمت سرقة خروف أو طفل واحد من قِبل الحثيين.

 عند إستلام الحكم في مملكة آشور من قِبل (إريبا أداد الأول Eriba-Adad I) (1390 - 1366 قبل الميلاد)، كان النفوذ الميتاني في آشور في طريقه الى الزوال. بدأ الملك الآشوري (إريبا أداد الأول) يتدخل في المعارك التي كانت مندلعة بين الأخوَين (توشراتا) و (أرتاتاما الثاني) وبعد ذلك بين (أرتاتاما الثاني) وإبن (توشراتا) الذي كان إسمه (شوتارنا الثاني Shuttarna II) الذي سمى نفسه "ملك مملكة خوري" والذي تقدّم في نفس الوقت بطلب المساعدة من الآشوريين لتثبيت حكمه. حينئذٍ ظهرت مجموعة من أفراد العائلة المالكة الميتانية المؤيدة للتحالف الخوري- الآشوري. إستطاع الملك الآشوري (إريبا أداد الأول) أن يقضي على النفوذ الميتاني في بلاد آشور، بل أصبح له نفوذ في البلاد الميتانية وأخذ يتدخل في شئون مملكة ميتاني (مصدر 1). 

 قرر الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول) أن يبسط سيطرته على مملكة (إيشوا) الواقعة في أعالي نهر الفرات، والتي كانت قد إنفصلت عن المملكة الحثية خلال حكم جدّه، إلا أنه فشلت كل المحاولات الحثية للإستيلاء على هذه المملكة. في زمن والده، تمردت مدن أخرى على الحكم الحثي. يدّعي (سوپيلوليوما الأول) بأنه إنتصر على حُكّام هذه الممالك، حيث أن الناجين من هذه الممالك قد هربوا الى مملكة (إيشوا) التي كانت جزءً من مملكة ميتاني. العديد من المعاهدات بين الدول المستقلة وبين الحُكام و الدول التابعة لهذه الدول، كانت تتضمن بنداً ينص على عودة الفارّين ولذلك قد يكون إيواء الهاربين من قِبل (إيشوا) ذريعة لغزو الحثيين لهذه المملكة.

عبر الجيش الحثي الحدود ودخل مدينة (إيشوا) وأرجع الهاربين الى سيطرة الحكم الحثي. يقول الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول): أنا حررتُ الأراضي التي قمتُ بالإستيلاء عليها وأن الناس أخذوا يسكنون في أماكنهم الأصلية وأن جميع الناس الذين أطلقتُ سراحهم، عادوا الى شعوبهم و أراضيهم. ثم سار الجيش الحثي من خلال مناطق مختلفة نحو العاصمة الميتانية (واشوكاني). يدّعي (سوپيلوليوما) أنه نهب المنطقة وجلب الغنائم والأسرى والأبقار والأغنام والخيول الى المملكة الحثية. يدّعى أيضاً بأن (توشراتا) قد هرب، ومع ذلك فأن (سوپيلوليوما) فشِل في السيطرة على العاصمة الميتانية (واشوكاني).

هذه الحملة العسكرية الحثية أضعفت مملكة ميتاني، إلا أنها لم تُشكّل خطراً على وجودها. في حملة عسكرية ثانية، عبرَ الحثيون نهر الفرات مرة أخرى وسيطروا على كل من مدينة حلب و (موكيش Mukish) و (نيّا Niya) و (أراهاتي  Arahati) و (أپينا  Apina) و (قطنا Qatna)، بالإضافة الى بعض المدن الأخرى التي أسماؤها غير مذكورة. من ضمن الغنائم التي تم أخذها من مدينة (أراهاتي)، كان سائقي العربات الحربية الذين تم نقلهم الى المملكة الحثية جنباً الى جنب مع جميع مقتنياتهم. دمج جنود العدو في الجيش كان أمراً مألوفاً آنذاك وهذا يشير الى محاولة الحثيين لمواجهة العربات الحربية الميتانية، التي كانت السلاح الأكثر فعالية، من خلال بناء أو تعزيز قواتهم المؤلفة من العربات الحربية.

يدّعي (سوپيلوليوما الأول) أنه قد غزا أراضي من جبل لبنان ومن الضفة البعيدة لنهر الفرات، إلا أن الحُكّام الحثيين أو الحُكّام  التابعين لهم، ذكروا فقط بعض المدن والممالك منها. أحرز الحثيون بعض المكاسب الإقليمية في غرب كوردستان الحالي، إلا أنه يبدو أنهم فشلوا بإقامة سلطةٍ دائمة في المناطق الواقعة في شرق نهر الفرات.

أرتاتاما الثاني (Artatama II)
قام (أرتاتاما الثاني) بإغتصاب الحُكم من الملك (توشراتا) في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. ليس هناك ما هو معروف عن ماضي (أرتاتاما الثاني) أو عن إتصالاته أو فيما لو كان فرداً من العائلة المالكة. كان يُطلَق عليه "ملك مملكة خوري"، بينما كان (توشراتا) يُلّقب ب"ملك مملكة ميتاني". هذا يُشير الى أن (أرتاتاما الثاني) كان على خلاف مع (توشراتا). قد يكون (أرتاتاما الثاني) أخاً للملك (توشراتا) أو قد ينتمي الى جماعةٍ منافسة للعائلة المالكة الميتانية. قام الملك الحثي (سوپيلوليوما الأول Suppiluliuma I) بإبرام معاهدة مع الملك الميتاني (أرتاتاما الثاني) بعد غزوه لمملكة ميتاني. بعد هذا الملك، قام إبنه (شوتارنا الثالث III Shuttarna) بِحُكم مملكة ميتاني.

شوتارنا الثالث (Shuttarna III)
دام حُكم (شوتارنا الثالث) لفترة قصيرة في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. (شوتارنا الثالث) هو إبن الملك (أرتاتاما الثاني) الذي إغتصب العرش الميتاني من الملك (توشراتا). سعى الملك (شوتارنا الثالث) للحصول على الدعم من الآشوريين للتصدي للحثيين، إلا أنه تمت هزيمته من قِبل الحثيين عندما توجّه الجيش الحثي نحو العاصمة الميتانية (واشوكاني)، حيث تمّ تنصيب (شاتيوازا Shattiwaza) على العرش الميتاني من قِبل الحثيين.

شاتيوازا أو كورتيوازا (Shattiwaza / Kurtiwaza)
كان (شاتيوازا) ملكاً للمملكة الميتانية في القرن الرابع عشر قبل الميلاد. (شاتيوازا) هو أخ الملك (توشراتا). إسمه الخوري هو (كيلي تيشوپ Kili-Tešup).

خلال الإضطرابات السياسية التي أعقبت وفاة سلفه، حاول الملك (شوتارنا الثالث) الذي إغتصب الحُكم، قتل (شاتيوازا). لذلك هرب (شاتيوازا) ولجأ في البداية الى الملك الحثي (سوپيلوليوما)، حيث تزوج (شاتيوازا) إبنة الملك الحثي وعاد الى مملكة ميتاني مع الجيش الحثي. تمت هزيمة الملك (شوتارنا الثالث) الذي كان قد سيطر على الحُكم في غياب (شاتيوازا) وتمّ تنصيب (شاتيوازا) ملكاً على مملكة ميتاني. هذه الأحداث مُسجّلة في المعاهدة المعقودة بين الملك الحثي (سوپيلوليوما) والملك الميتاني (شاتيوازا).     

بمساعدة رعاياه، قام أحد أبناء (توشراتا) بقتل والده لكي يٌخلّفه في الحُكم. إضطر أخوه (شاتيوازا) أن يهرب من مملكة ميتاني. خلال الإضطرابات التي أعقبت حادثة القتل، أظهر الآشوريون قوتهم تحت قيادة ملكهم (آشور أُباليت الأول I Ashur-uballit)، حيث قاموا بغزو مملكة ميتاني و أن (أرتاتاما الثاني Artatama II) الذي كان يُطالب بالعرش، أصبح ذا سطوة ويليه إبنه (شوتارنا Shuttarna). يدّعي الملك الحثي (سوپيلوليوما) بأنه تمّ تدمير مملكة ميتاني كلياً وأن بلاد آشور و بلاد (ألشي Alshi) قامتا بتقسيم مملكة ميتاني بينهما، إلا أنه يبدو أن هذا الكلام هو مجرد نوع من التمنّي، حيث أنه بالرغم من إحتلال الآشوريين لأراضٍ ميتانية، فأن المملكة الميتانية إحتفظت بوجودها. إحتفظ الملك الميتاني (شوتارنا Shuttarna) بعلاقات جيدة مع الآشوريين وأعاد إليهم أبواب القصر الملكي الآشوري التي تم أخذها من قِبل الملك الميتاني (شاوشتاتار Shaushtatar). مثل هذه الغنائم شكّلت رمزاً سياسياً قوياً في بلاد ما بين النهرين القديمة.

ربما في البداية، فرّ (شاتيوازا Shattiwaza) الى بابل، إلا أنه إنتهى به المطاف في بلاط الملك الحثي الذي قام بتزويجه من إحدى بناته. تم الحفاظ على المعاهدة المعقودة بين الملك الحثي (سوپيلوليوما) و الملك الميتاني (شاتيوازا) ونصوص هذه المعاهدة هي أحد المصادر الرئيسة لهذه الفترة. بعد إبرام المعاهدة بين (سوپيلوليوما) و (شاتوازا)، قاد (پياشيلي Piyashshili) الذي هو إبن (سوپيلوليوما)، الجيش الحثي في هجومه على مملكة ميتاني. تذكر المصادر الحثية بأن (پياشيلي) و (شاتيوازا) عبرا نهر الفرات عند مدينة (كَرْكَميش Carchemish) وثم سارا نحو ( إريدو Irridu) في الأراضي الميتانية. قاما بإرسال رُسلاً من الضفة الغربية لنهر الفرات الى سكان (إريدو) وكانا يتوقعان إستقبالهما بالترحاب من قِبل الناس هناك، إلا أن سكان المدينة كانوا موالين للحاكم الجديد (توشراتا) بسبب ثرائه، كما يدّعي (سوپيلوليوما). سخر الناس منهما وقالوا: لماذا أنكما قادمان؟ إذا كنتما قادمَين للقتال، تقدّما ولكنكما سوف لا تعودان الى أرض الملك العظيم. أرسل الملك (توشراتا) الرجال لتعزيز قوات العربات الحربية في منطقة (Irridu)، إلا أن الجيش الحثي إنتصر عليهم في المعركة وإلتمس سكان (Irridu) من الحثيين أن يتم إحلال السلام بينهم. في غضون ذلك دخلت عربة حربية آشورية العاصمة الميتانية (واشوكاني) و كان يقود العربة شخص واحد فقط. يبدو أن الملك الميتاني (شوتارنا) كان قد سعى لتلقّي المساعدات العسكرية من الآشوريين لمواجهة التهديد الحثي. كما يبدو أن القوة الآشورية المُرسلة لم تُلبِّ ما كان يطمح (شوتارنا) الحصول عليه أو أنه يكون قد غيّر رأيه. على أي حال، تم رفض دخول الجيش الآشوري الى مملكة ميتاني وبدلاً من تقديم المساعدة لمملكة ميتاني، قام الجيش الآشوري بمحاصرة العاصمة الميتانية (واشوكاني). يبدو أن هذا الواقع غّير مزاج الناس ليصبحوا ضد ملِكهم (شوتارنا)، حيث ربما أن غالبية سكان مدينة (واشوكاني) فضلوا أن يكونوا تحت رعاية الإمبراطورية الحثية من أن يصبحوا تحت الحكم الآشوري. على أي حال، بعث سكان (واشوكاني) رسولاً الى كل من (پياشيلي) و (شاتيوازا) اللذين كانا في مدينة (Irridu)، حيث أنهما كانا يتكلمان للناس هناك عند بوابة المدينة. توجّه (پياشيلي) و (شاتيوازا) الى العاصمة (واشوكاني) و أن مدن (حرّان) و (پاكاريپا Pakarripa) إستسلمتا للقوات الحثية. في (پاكاريپا) التي هي بلد مقفر، عانت القوات الحثية والميتانية من الجوع وهذه أدت الى بعض التقدم للقوات الآشورية هناك، إلا أن الآشوريين لم يُحققوا أي نجاح. إضطرت القوات الأشورية أن تتقهقر أمام القوات الحثية والميتانية وتراجعت الى مدينة (نيلاپ إيني Nilap_ini)، إلا أنه لم تحصل مواجهة عسكرية بين الجانبَين. نتيجة تفوّق القوات الحثية، يبدو أن الآشوريين إضطروا الى أن ينسحبوا ويعودوا الى آشور.

أصبح (شاتيوازا) ملكاً لمملكة ميتاني ولكن بعد أن قام الملك الحثي (سوپيلوليوما) بأخذ مدينة (كَرْكَميش Carchemish) و الأراضي الواقعة غرب نهر الفرات التي كان إبنه (پياشيلي) حاكماً عليها. هكذا أصبحت مملكة ميتاني تقتصر على وديان نهر الخابور ونهر البليخ (Balikh) وأصبحت مملكة ميتاني تعتمد بشكل كبير على حليفتها المملكة الحثية. بعض العلماء يطلقون على مملكة ميتاني عبارة "دُمية المملكة الحثية" في هذه الفترة ويقولون بأنها كانت تُشكّل منطقة جغرافية عازلة للحثيين ضد بلاد آشور القوية. 

في عهد الملك الآشوري (آشور أُباليت)، بدأت بلاد آشور بالتحرش بمملكة ميتاني، حيث قامت بغزو مملكة نوزي الواقعة في شرق نهر دجلة والتي كانت تابعة للميتانيين و تم تدميرها من قِبل الآشوريين.

يذكر الباحث (Trevor Bryce) المختص بتأريخ الحثيين بأن مملكة ميتاني تم إحتلالها بشكل دائمي خلال حكم الملك الحثي (مورسيلي الثالث Mursili III) الذي تمت هزيمته من قِبل الآشوريين وكانت هذه الهزيمة ضربة قوية لِهيبة المملكة الحثية في العالم القديم وقوّضت سلطة الملك الحثي الشاب في مملكته (مصدر 2).

شاتوارا الأول (Shattuara I)
كان (شاتوارا الأول) ملكاً لمملكة ميتاني في القرن الثالث عشر قبل الميلاد. أصبح (شاتوارا الأول) تابعاً لمملكة آشور بعد أن تمت هزيمته من قِبل الملك الآشوري (أداد نيراري الأول Adad-nirari I) (1295 – 1263 قبل الميلاد) (مصدر 3، صفحة 276). في أحد النقوش التابعة للملك الآشوري (أداد نيراري الأول) يذكر هذا الملك بأن (شاتوارا الأول) قد تمرد ضده، إلا أنه تم القبض عليه وتجديد ولائه له.

حكمَ ملك ميتاني آخر مملكة ميتاني لاحقاً بإسم (شاتوارا) خلال حُكم الملك الآشوري (شلمنصر الأول Shalmaneser I) (1263-1233 قبل الميلاد)، حيث أنه في إحدى النقوشات الآشورية، يُذكر بأن الملك الميتاني (شاتوارا) قد ثار ضد الملك الآشوري (شلمنصر الأول)، إلا أنه من المرجح أن يكون هذا الحدث هو إعادة للثورة الميتانية التي إندلعت ضد الملك الآشوري (أداد نيراري الأول) من قِبل (شاتوارا) أو إبنه (واساشاتا).

النقوش الملكية للملك الآشوري (أداد نيراري الأول Adad-nirari I) (حوالي عام 1307 – 1275 قبل الميلاد) تُشير الى أن الملك الميتاني (شاتوارا الأول) الذي كانت مملكته تابعة لبلاد آشور، ثار ضد الحكم الآشوري و قام بأعمال عدائية ضد آشور.

إن قرابة (شاتوارا الأول ) مع سلالة الملك الميتاني (پارتاتاما Partatama) غير معروفة. بعض العلماء يعتقدون بأنه كان الإبن الثاني للملك (أرتاتاما الثاني Artatama II) وأخ الملك (شاتيوازا Shattiwazza) الذي كان في وقت ما المنافس للملك (شوتارنا Shuttarna). يدّعي الملك الآشوري (أداد نيراري الأول) بأنه إعتقل الملك (شاتوارا) و أتى به الى آشور، حيث أنه تعهد هناك بأن يكون تابعاً لآشور. بعد ذلك سمح له بالعودة الى مملكة ميتاني و قام بدفع جزية للملك الآشوري (أداد نيراري) بإنتظام. هذا حدث خلال حكم الملك الحثي (مورسيلي الثاني)، إلا أنه ليس هناك تأريخ محدد لهذه الحادثة.

واساشاتا (Wasashatta)
كان (واساشاتا) ملك مملكة ميتاني في بداية القرن الثالث عشر قبل الميلاد. كان تابعاً للآشوريين كما كان والده.

بالرغم من القوة التي كانت تتمتع بها بلاد آشور، حاول (واساشاتا Wasashatta)، القيام بثورة ضد الإحتلال الآشوري، حيث سعى للحصول على مساعدة عسكرية من المملكة الحثية، إلا أن المملكة الحثية كانت تعاني في ذلك الوقت من صراعات داخلية والتي كانت ناتجة عن إغتصاب العرش الحثي من قِبل (حاتوسيلي الثالث Hattusili III) الذي بسببه إضطر إبن أخيه (أورهي تشوپ) أن يلجأ للعيش في المنفى. يُشير الملك الآشوري (أداد نيراري) بإبتهاج في نقوشاته الى أن الحثيين أخذوا الأموال التي أعطاها لهم (واَساشاتا) مقابل تقديم مساعدة عسكرية حثية له، إلا أن الحثيين أخذوا النقود دون تقديم أي مساعدة له.

وسّع الآشوريون مملكتهم أكثر فأكثر، حيث قاموا بغزو المدينة (تايدو Taidu) وكذلك العاصمة الميتانية (واشوكاني) و مدن (أماساكو Amasakku) و (كاهات Kahat) و (شورو Shuru) و (نابولا Nabula) و (هورّا Hurra) و (شودوهو Shuduhu). غزا الآشوريون أيضاً مدينة (إريدو Irridu) وقاموا بتدميرها كلياً ونثروا الملح عليها. تم أخذ زوجة إبن الملك الميتاني (واَساشاتا) وبناته الى آشور، بالإضافة الى الكثير من الغنائم والأسرى. لم يتم ذكر (واساشاتا) نفسه ضمن قائمة الأسرى وهذا يشير الى أنه يكون قد هرب ونجا من الأسر. هناك رسائل ل(واساشاتا) في الوثائق الحثية. يعتقد بعض العلماء بأنه أصبح فيما بعد حاكماً لمملكة ميتانية صغيرة كانت تُسمى (شوبريا Shubria).

إحتل الملك الآشوري (أداد نيراري الأول Adad-nirari I) قلب المملكة الميتانية الواقع بين نهر (البليخ  Balikh) ونهر الخابور الذي كان محتلاً من قِبل الحثيين، إلا أنه يبدو أن الآشوريين لم يعبروا نهر الفرات وأن مدينة (كركميش Carchemish) ظلت تحت حكم الحثيين. بعد إنتصاره على مملكة ميتاني، لقّب (أداد نيراري الأول) نفسه ب"الملك العظيم sharru rabû " في رسائله المرسلة الى حُكام المملكة الحثية.

شاتوارا الثاني (Shattuara II)
كان (شاتوارا الثاني) آخر ملك ميتاني معروف في القرن الثالث عشر قبل الميلاد، قبل الغزو الآشوري.

في عهد الملك الآشوري (شلمنصر الأول Shalmaneser I) (1270 - 1240 قبل الميلاد)، ثار الملك الميتاني (شاتوارا Shattuara) الذي كان إبن أو إبن أخ الملك الميتاني (واساهاتا Wasahatta)، ضد الإحتلال الآشوري بمساعدة الحثيين و البدو الآراميين (Ahlamu) وكان ذلك في حوالي عام 1250 وكان جيشه مُجهّزاً بشكل جيد و إستطاع تحرير جميع الممرات الجبلية والبحيرات بحيث أن الجيش الآشوري عانى من العطش أثناء تقدمهم، إلا أنه مع ذلك إنتصر الملك الآشوري (شلمنصر الأول) إنتصاراً ساحقاً على الحثيين والميتانيين. يدّعي الملك الآشوري المذكور بأنه قتل 14400 رجل وأما الباقون فقد تم إعماؤهم ورميهم بعيداً. نقوشاته تذكر بأنه قام بإحتلال تسعة معابد محصّنة وحوّلَ 180 مدينة خورية الى أكوام من الأنقاض وأن (شلمنصر) قام بذبح جيوش الحثيين و حلفائهم البدو الآراميين كالخراف. كما تشير نقوشاته الى أنه قام بالإستيلاء على المدن التي تبدأ من (تايدو Taidu) الى مدينة (إريدو Irridu) وكذلك جبل (كاشيار Kashiar) واصلاً الى نهر الفرات وكل من قلعة (سودو Sudu) و (هرّانو Harranu) الى (كَركَميش Carchemish) الواقعة على نهر الفرات. نقش آخر يُشير الى بناء معبد للإله الآشوري (أداد) في مدينة (كاهات Kahat) الميتانية والتي تم إحتلالها أيضاً من قِبل الآشوريين.
1. Roux, Georges (1966). Ancient Iraq. p. 229. Penguin Books.

2. Bryce, Trevor (2005). The kingdom of the Hittites. Oxford University Press. ISBN 0-19-927908-X.
3. Idwards, I. E. S. (1973). The Cambridge Ancient History, Vol. 1, Part 2: Early History of the Middle East (The Cambridge Ancient History, 2nd edition), Cambridge University Press, p. 276.

mahdi_kakei@hotmail.com


141
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (11) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

6. ملوك مملكة ميتاني (القسم الأول)

 
د. مهدي كاكه يي


هناك معلومات قليلة عن ملوك المملكة الميتانية و المعلومات المتوفرة عنهم مستقاة في الغالب من المعاهدات و التحالفات التي أقاموها مع المصريين والحثيين والآشوريين، بالإضافة الى الحروب التي قاموا بها والتطورات الداخلية التي حصلت لِمملكة ميتاني ولِممالك المنطقة. لذلك هناك حاجةٍ للقيام بمزيدٍ من التنقيب عن الآثار الميتانية و مزيد من البحث والدراسة للحصول على معلومات دقيقة ووافية عن الملوك الميتانيين. تم إجراء تدقيق وتحليل وتقييم للمعلومات القليلة المتوفرة عن ملوك الإمبراطورية الميتانية وعلى ضوء هذا التدقيق والتحليل والتقييم، تمّ إختيار المعلومات الأكثر قرباً للصواب في هذه الحلقة والحلقة القادمة واللتين تتناولان ملوك مملكة ميتاني. كما أود أن أذكر بأن غالبية المعلومات المذكورة في هذه الحلقة والحلقة القادمة، هي معلومات مستندة على كتابَي (Trevor Bryce) المذكورَين في نهاية هذا المقال.

كيرتا (Kirta)
هو مؤسس مملكة ميتاني وقد يكون عاش في حوالي عام 1500 قبل الميلاد، إلا أنه لحد الآن لم يتم إكتشاف أي نقوشات تعود الى فترة حكم هذا الملك.

شوتارنا الأول (Shuttarna I)
وُجد إسمه في نقشٍ في (ألالاخ) الذي مذكور فيه بأنه إبن الملك الميتاني (كيرتا) وهذا هو المصدر الوحيد المكتشَف عن هذا الملك في الوقت الحاضر. بدأ حكمه في بداية القرن الخامس عشر قبل الميلاد.
 
باراتارنا (Barattarna) أو (پارشاتار Parshatatar)
حكَم هذا الملك في حدود عام 1447 قبل الميلاد. لم يتم العثور على أي نقشٍ يعود للملك (باراتارنا) نفسه، إلا أن هذا الملك معروف من خلال إحدى اللوحات المسمارية التي تم العثور عليها في مدينة نوزي التي يعود تأريخها الى وقت وفاة الملك (باراتارنا) وحرق جثته. هناك معلومات أخرى عن هذا الملك في نقشٍ يعود للملك (إدريمي Idrimi) ملك مملكة ألالاخ (Alalakh) والذي يتضمن أسماء أشخاص. كان (إدريمي Idrimi) تابعاً للملك (باراتارنا). في عهد هذا الملك، قد تكون مملكة ميتاني تمتد الى مدينة (أرابخا Arrapha) من جهة الشرق. إسم هذا الملك غير مذكور في المصادر المصرية والذي حاربَ الفرعون المصري (تُحتموس الثالث Thutmose III) في القرن 15 قبل الميلاد. لا يُعرف فيما لو أن الإسم (پارشاتار Parsha(ta)tar)، الذي وجِد في نقشٍ آخر في مدينة نوزي هو نفس الملك (باراتارنا) أو أنه ملك آخر.

خلال حكم (تحتموس الثالث)، عبرت القوات المصرية نهر الفرات ووصلت الى وسط مملكة ميتاني. في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، في مدينة (ميگيدو Megiddo) الواقعة حالياً في شمال إسرائيل، خاض (تحتموس الثالث) قتالاً ضد تحالف مؤلف من 330 أمراء ميتانيين وزعماء قبائل ميتانية تحت قيادة حاكم مدينة (كاديش Kadesh)، حيث بعثت مملكة ميتاني بدورها بقوات لمحاربة هذا التحالف الميتاني. لا يُعرف فيما لو أن إرسال مملكة ميتاني قواتٍ لمحاربة أمراء ورؤساء القبائل الميتانية، قد تمً بسبب وجود معاهدات كانت قائمة بين مملكة ميتاني و مصر الفرعونية، أو كان ناتجاً عن التهديد الذي كان الأمراء الميتانيون وزعماء العشائر الميتانية يُشكلونه لمملكة ميتاني بالإضافة الى مصر. إنتصار المصريين في هذه المعركة فتح الطريق أمامهم بإتجاه الشمال.

في العام 33 من حُكمه، أشعل (تحتموس الثالث) من جديد حرباً في مملكة ميتاني. عبر الجيش المصري نهر الفرات عند مدينة (كَرْكَميش Carchemish) (تقع في غرب كوردستان عند الضفة الغربية لنهر الفرات، شمال شرق مدينة حلب وعلى بُعد 100 كيلومتر منها) ووصل الى مدينة (Iryn) التي قد تكون مدينة (Erin) الحالية الواقعة على بُعد 20 كيلومتر شمال شرق مدينة حلب. وصل الجيش المصري عن طريق نهر الفرات الى (إيمار Emar) (Meskene) (تقع في محافظة حلب) ثم رجع الى مصرعبر مملكة ميتاني.

يبدو أن صيد الفيل كان مهماً آنذاك لدرجة أنه تم تسجيل مطاردة الفيلة في بحيرة (Nija) في سجلات مصر الفرعونية. التحركات العسكرية المصرية لم تؤدِ الى إحتلال دائم لمناطق ميتانية، بإستثناء ذلك أن منطقة (فينيقية Phoenicia)عند نهر العاصي تم إحتلالها من قِبل مصر.

إنتصارات المصريين على مملكة ميتاني مسجّلة في سجلات الحملات العسكرية المصرية في (نوهاشي Nuhashshe) (القسم الأوسط من سوريا الحالية)، إلا أن هذه الحملات لم تؤدِ الى مكاسب إقليمية دائمة. الملك الميتاني (باراتارنا) أو إبنه (شاوشتاتار Shaushtatar) كان يسيطر على المناطق الداخلية لشمال مملكة ميتاني الى مدينة (Nuhashshe) والمناطق الساحلية الممتدة من دويلة (كيزوواتنا Kizzuwatna ) الى مدينة (ألالاخ Alalakh) عاصمة مملكة (Mukish) الواقعة عند مصب نهر العاصي. عاد (إدريمي Idrimi) ملك (ألالاخ) من منفاه في مصر وإستطاع الجلوس على العرش بموافقة الملك الميتاني (باراتارنا)، حيث أصبح يحكم كلاً من مملكة (موكيش Mukish) و (أماؤو Ama'u)، بينما بقت مدينة حلب تابعة لمملكة ميتاني.

شاوشتاتار (Shaushtatar)
هو إبن الملك (باراتارنا). عندما كان والده في الحكم، عيّن والده أشخاصاً تابعين لمملكة ميتاني، ملوكاً لعدد من ممالك المدن وهذا العمل قام بتسهيل الأمر للملك (شاوشتاتار) ليجعل من مملكة ميتاني مملكةً قويةً في بلاد ما بين النهرين. في عهده، إجتاز هذا الملك التهديد الذي كانت مصر تُشكله لها، وبدأ بالإهتمام بمملكة آشور، حيث قام بغزو آشور وسلبها ونهبها (مصدر رقم 1).

بعد غزوه لآشور، توجّه جيشه نحو الغرب، حيث عبر نهر الفرات وعلى طول الطريق وضعَ جميع ممالك غرب كوردستان تحت حُكمه ووصل جيشه الى ساحل البحر الأبيض المتوسط. كان يتطلع الى توسيع نفوذ مملكة ميتاني في الجنوب والوصول الى فلسطين، إلا أنه مع ذلك فأن الكثير من جنوب سوريا الحالية كان لا يزال تحت النفوذ المصري والتي كانت تُشكّل تهديداً لمملكة ميتاني.

الحرب مع مصر كانت من نتائج التوسع الذي قام به الملك (شاوشتاتار) للوصول الى فلسطين. على الرغم من أن الخوريين كانوا آنذاك يُشكلون نسبة كبيرة من نفوس فلسطين، إلا أن كان من الصعب على الميتانيين أن ينتصروا في الحرب على مصر. خلال التخطيط للقيام بِحربٍ ضد مصر، ماتَ الملك (شاوشتاتار) وخلّفه في الحكم إبنه (أرتاتاما الأول Artatama I) الذي بدأ التفاوض مع الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني Amenhotep II) لعقد تحالف بينهما (مصدر رقم 1).

نهبَ الملك الميتاني (شاوشتاتار) العاصمة الآشورية، آشور في عهد الملك الآشوري (Nur-ili) (1466 – 1454 قبل الميلاد) وأخذ الأبواب الفضية و الذهبية للقصر الملكي الآشوري الى العاصمة الميتانية (واشوكاني Washshukanni). تم الحصول على هذه المعلومات من وثيقة حثية تتضمن معاهدة تم إبرامها بين الملك الحثي (سوپيليليوما  Suppililiuma) والملك الميتاني (شاشاتيوازا Shattiwaza). بعد نهب آشور، من المرجح أن مملكة آشور دفعت جزية لمملكة ميتاني الى أن جاء الملك الآشوري (إريبا-أداد الأول Eriba-Adad I) (1390 - 1366 قبل الميلاد) الى الحكم. لا توجد أي إشارة لدفع الجزية للميتانيين في سجلات ملوك الآشوريين، وبالتالي فمن المحتمل ان آشور كانت تحكمها سلالة آشورية أصلية لها الولاء للملك (شاوشتاتار). خلال فترة تبعية آشور للميتانيين، تم بناء معبد (Sin) و (Shamash) في آشور.

كان كل من  دولة حلب في الغرب و دولة نوزي و أرابخا (Arrapha) في الشرق، جزءً من مملكة ميتاني خلال حُكم الملك (شاوشتاتار) (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 62). تم إجراء الحفريات في قصر ولي العهد، حاكم (أرابخا)، و تم فيه إكتشاف رسالة من الملك الميتاني (شاوشتاتار) في بيت (Shilwe-Teshup). كان ختْمُهُ يحتوي على صور لأبطالٍ و مخلوقات مجنحة تقاتل أُسوداً وحيوانات أخرى وكذلك شمس مُجنّحة. هذا النمط مع العديد من الرسومات الموزعة في المنطقة بأكملها هي من النمط الخوري النموذجي. تم العثور في (ألالاخ) على ختمٌ ثانٍ عائد للملك (شوتارنا الأول) إلا أنه مستخدَمٌ من قِبل الملك (شوشتاتار). الختم يُظهر نمطاً آشورياً – أكدياً تقليدياً بشكل واضح. التفوق العسكري الميتاني قد يكون بسبب إستخدامِهم عربات حربية ذات عجلتَين تسحبها خيول. خلال حُكم الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني Amenhotep II)، يبدو أن الميتانيين إستعادوا النفوذ في منطقة وسط وادي نهر العاصي التي كانت قد إحتلها (تُحتموس الثالث Thutmose III). حاربَ (أمنحوتب) الميتانيين في سوريا الحالية، إلا أنه لم يصل الى نهر الفرات.

أرتاتاما الأول (Artatama I)
كان (أرتاتاما الأول) ملكاً لمملكة ميتاني في أواخر القرن الخامس عشر قبل الميلاد وتزامن حكمه مع حُكم كل من الفرعون المصري (أمنحوتب الثاني) و(تحتموس الرابع) (مصدر 2). هناك معلومات قليلة عن هذا الملك، حيث لم يُعثر الى يومنا هذا على نقوش عائدة له. يتم ذكر الملك (أرتاتاما الأول) في رسائل تل العمارنة بأنه أبرمَ تحالفاً مع الفرعون المصري (تحتموس الرابع). تبعاً للتفسيرات الحديثة للمصادر النادرة المتوفرة، فأن هذا الملك جاء الى الحكم عندما أصبحت مملكة ميتاني ضعيفة من جرّاء الغزو الحثي لها (مصدر 3، صفحة 144). في ذلك الوقت كانت مملكة ميتاني تواجه مخاطر الحرب على جبهتَين، الحثيين في الشمال ومصر في الجنوب. لمواجهة هذه المخاطر، قدّم الملك (أرتاتاما) عرضاً لفرعون مصر (أمنحوتب الثاني) بتقسيم الأراضي المتنازع عليها في سوريا الحالية سلمياً (مصدر 3، صفحة 144). كان بالإمكان أن يتطور الحل السلمي للنزاع القديم بين مملكة ميتاني و مصر الفرعونية، الى تحالفٍ سياسي وعسكري بين المملكتَين، إلا أن المصريين شكّكوا في نوايا الميتانيين ولم يستجيبوا لسنوات للدعوات السلمية التي أطلقها الملك الميتاني (أرتاتاما) (مصدر 3، صفحة 144-145). في عهد الفرعون (تحتموس الرابع)، طلب هذا الفرعون الزواج من إبنة الملك (أرتاتاما)، إلا أن الملك الميتاني رفض هذا الطلب لأسباب غير معروفة (مصدر 3، صفحة 145). الفرعون المصري المذكور طلب الزواج من إبنة الملك الميتاني المذكور سبع مرات الى أن وافق الملك الميتاني (أرتاتاما) في نهاية المطاف على تزويج إبنته من الفرعون (تحتموس الرابع) (مصدر 3، صفحة 145). هذا يعني بأن الملك (أرتاتاما) هو والد الملكة (موتيمويا Mutemwiya) التي كانت الزوجة الرئيسة للفرعون (تحتموس الرابع) وكذلك فأن الملك الميتاني (أرتاتاما) هو جدّ الفرعون (أمنحتوب الثالث) من أمّه.

بعد ذلك تحسنت العلاقات بين الميتانيين والمصريين وقام الملك الميتاني (شوتارنا الثاني) بزيارة مصر، حيث تم تبادل الرسائل والهدايا بين قادة المملكتَين. كانت مملكة ميتاني مهتمة بالحصول على الذهب من مصر. هذه العلاقة الودية قادت الى المصاهرات بين الطرفَين والتي تم الحديث عنها في الحلقة السابقة. عندما تمرّض الفرعون المصري (أمنحتوب الثالث Amenhotep III)، بعث الملك الميتاني الى هذا الفرعون تمثال آلهة نينوى (شاوشكا Shaushka)، التي إشتهرت بعلاج المرضى. كانت هناك حدود دولية ثابتة بين مملكة ميتاني ومصر والتي كانت تقع بالقرب من (قَطنا Qatna) الواقعة على نهر العاصي وكانت (أوگاريت Ugarit) جزءً من الأراضي المصرية.

إن سبب سعي مملكة ميتاني للسلام مع مصر قد يكون بسبب مشاكلها مع الحثيين، حيث قام الملك الحثي (تودهاليا Tudhaliya) بحملات عسكرية ضد (كيزوواتنا Kizzuwatna) و (ارزاوا Arzawa) و (إيشوا Ishuwa) و حلب و ربما ضد مملكة ميتاني نفسها أيضاً. قد تكون (كيزوواتنا) وقعت تحت الإحتلال الحثي في ذلك الوقت.

شوتارنا الثاني (Shuttarna II)
كان (شوتارنا الثاني) ملكاً لمملكة ميتاني في أوائل القرن الرابع عشر قبل الميلاد. (شوتارنا الثاني) هو إبن الملك الميتاني العظيم (أرتاتاما). كان حليفاً للفرعون المصري (أمنحتوب الثالث)، حيث أن النشاطات الدبلوماسية للملوك مسجّلة بشكل مختصر في رسائل العمارنة. في العام العاشر لحُكمه، تزوج الفرعون (أمنحتوب الثالث) إبنة الملك الميتاني (شوتارنا الثاني) وكان إسمها (گيلوهيپا Gilu-Hepa) وهذا الزواج عزز التحالف والعلاقات بين العائلة الملكية الميتانية والفرعونية. دفع الفرعون (أمنحتوب الثالث) مهراً كبيراً لهذا الزواج.

بلغت قوة وإزدهار مملكة ميتاني أوجّها في عهد هذا الملك. من مدينة (ألالاخ) من الغرب، كانت تشترك مملكة ميتاني في الحدود مع مصر في غرب كوردستان الحالي وكان نهر العاصي يفصل الدولتين عن بعضهما البعض. كان مركز المملكة يقع في حوض نهر الخابور، حيث تقع العاصمة (واشوكاني). في عهد هذا الملك كانت آشور و (أرابخا) في الشرق ممالكاً تابعة لمملكة ميتاني. حاول الحثيون غزو الأقسام الشمالية من مملكة ميتاني، إلا أنه تمت هزيمتهم من قِبل الملك الميتاني (شوتارنا). بعد وفاة هذا الملك، خلّفه في الحكم إبنه (أرتاشومارا) في ظروفٍ مُلتبسة.

أرتاشومارا (Artashumara)
جاء (أرتاشومارا) الى الحكم في القرن الرابع عشر قبل الميلاد بعد وفاة والده (شوتارنا الثاني). حُكمه لم يدم طويلاً، حيث بعد جلوسه على العرش بفترة قصيرة، تمّ قتله من قِبل المُعتمَد (أُدهي أو أُتهي or Uthi UD-hi). لا يُعرف شيئاً عن التطورات التي تلت القتل هذا. بعد موت (أرتاشومارا)، تسلّم الحكم أخوه توشراتا (Tushratta).

تجنّباً للإطالة، نكتفي في هذه الحلقة بهذا القدر من المعلومات عن عددٍ من الملوك الميتانيين وسنتحدث في الحلقة القادمة (الحلقة 12) عن القسم المتبقي من ملوك الإمبراطورية الميتانية.
 

1. Bryce, Trevor (2003). Letters of the Great Kings of the Ancient Near East.

2. "Mitanni".  Encyclopædia Britannica Online. 9 June 2008.

3. Bryce, Trevor (2005). The kingdom of the Hittites. Oxford University Press. ISBN 0-19-927908-X.
mahdi_kakei@hotmail.com

142
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (10) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

5. إنهيار الإمبراطورية الميتانية

د. مهدي كاكه يي

في الحلقة السابقة تم الحديث عن تأسيس الإمبراطورية الميتانية في القرن الخامس عشر قبل الميلاد و كانت إمبراطورية قوية وكبيرة في المنطقة، تمتد حدودها من بحيرة وان شمالاً الى أواسط بلاد ما بين النهرَين جنوباً ومن بحيرة أورمية وجبال زاگروس شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً، حيث أنها ضمت سوريا الحالية ووصلت نفوذها الى فلسطين و أصبحت آشور جزءً من هذه الإمبراطورية. في هذه الحلقة نتابع الأحداث والتطورات التي حصلت لهذه الإمبراطورية الى أن سادها الضعف و إنهارت بعد حُكمٍ دام حوالي 200 عاماً (1475-1275 قبل الميلاد). سقوط الإمبراطورية الميتانية حصل نتيجة الصراع على السلطة الذي نشب بين أفراد العائلة الميتانية الحاكمة وكذلك نتيجة الغزوات التي تعرضت لها من قِبل جيرانها المصريين و الحثيين والآشوريين.

تشير المكتشفات الأثرية الخورية إلى أنه كان للميتانيين دور كبير في ظهور العلاقات الدبلوماسية بين دول الشرق الأدنى القديم، حيث أنهم أقاموا علاقات متينة مع فراعنة مصر وتبادلوا الرُسل والهدايا معهم. في بداية تأسيس مملكة ميتاني، كانت مصر الدولة المنافسة الرئيسة للميتانيين عندما كان الملك الفرعوني (ثوتموس الثالث Thutmose III) في الحكم. بعد معارك قليلة للميتانيين ضد الفراعنة في سبيل السيطرة على غرب كوردستان، عقد الميتانيون معاهدة سلام مع مصر و تم تشكيل تحالف بين الطرفَين لحماية مصالحهما من التهديدات التي كانت تُشكّلها الإمبراطورية الحثية التي ظهرت في المنطقة آنذاك.

تتويجاً للعلاقة الودية التي سادت بين الملوك الميتانيين و فراعنة مصر، الفرعون المصري (أمنحتب الثالث Amenhotep III) (حكمَ عام 1391 – 1353 قبل الميلاد) تزوّج (گيلوهيپا Gilu-Hepa)، التي كانت أخت الملك الميتاني (توشراتا Tushratta) (حكمَ من حوالي عام 1382 الى عام 1342 قبل الميلاد) (مصدر 1). كما أن الفرعون المصري (أمنحتب الرابع  Amenhotep IV)، (حكمَ من عام 1353 الى عام 1337 قبل الميلاد) والذي غيّر إسمه فيما بعد الى (أخناتون)، تزوج إبنة الملك الميتاني (توشراتا) والتي كان إسمها (تادوهيپا Tadu-Hepa) (1370-1330 قبل الميلاد). (تادوهيپا) هي نفسها (نفرتيتي Nefertiti)، الملكة الفرعونية الشهيرة في التأريخ بجمالها ودورها المحوري في حُكم مصر الفرعونية (مصدر 2، 3). (نفرتيتي) تعني باللغة المصرية القديمة (الجميلة قد أتت). يوجد تمثال (نفرتيتي) في متحف برلين في ألمانيا.

تأثّر الفرعون أخناتون بالمعتقدات الدينية الخورية الشمسانية التي كانت زوجته (نفرتيتي) تؤمن بها، حيث قام مع زوجته بنشر هذه المعتقدات الدينية في مصر وأوجدا ديناً توحيدياً يؤمن بإله واحد وهو (آتون) أي (قرص الشمس). فرضَ (أخناتون) عبادة الإله (آتون) بدلاً من الإله (آمون) وبذلك قام بثورة دينية كبرى التي إنعكست بدورها على الحياة في مصر، خاصةً الحياة الثقافية والفنية فيها. هكذا بدأت تسود المعتقدات الدينية الخورية في مصر الفرعونية. بعد إيجاد الدين الجديد، غيّر الفرعون (أمنحتب الرابع) إسمه الى (أخناتون) الذي يعني "الروح الحيّة لِآتون". كما أن زوجته (تادوهيپا) قامت بدورها بتغيير إسمها بعد إيجاد الدين الجديد إلى "نفرنفراتون نفرتيتي" الذي يعنى "آتون يشرق لأن الجميلة قد أتت".

عند وفاة الملك (شوتارنا)، كانت مملكة ميتاني قد أنهكها الصراع على السلطة الذي نشب بين أفراد العائلة المالكة. (توشراتا) إبن الملك (شوتارنا) إستلم الحكم بعد موت أبيه، إلا أن المملكة قد إنتابها الضعف بشكل كبير و التهديدات الحثية والآشورية قد إزدادت. في نفس الوقت، العلاقات الدبلوماسية الميتانية - المصرية سادها الفتور، حيث كان المصريون خائفين من النمو المضطرد لقوة الحثيين والآشوريين.

في منتصف القرن الرابع عشر، إستعادت الإمبراطورية الحثية قوتها تحت حكم ملكها (سوپلوليوما الأول I Suppiluliuma)، الذي قام بغزو الممالك التابعة للميتانيين في غرب كوردستان وعيّن حكاماً موالين للحثيين محل الحكام الذين كانوا يحكمون تلك الممالك.

في العاصمة واشوكاني، إندلع صراع جديد على السلطة بين أفراد العائلة المالكة الميتانية. الحثيون و الآشوريون قاموا بتأييد أشخاص مختلفين في الأسرة الميتانية الحاكمة الذين كانوا يطالبون بالجلوس على العرش الميتاني. في النهاية قام الجيش الحثي في نهاية القرن الرابع عشر قبل الميلاد بغزو العاصمة واشوكاني وتمّ تعيين (شاتيوازا Shattiwaza) إبن الملك (توشراتا Tushratta) ملكاً لمملكة ميتاني، حيث كان تابعاً للحثيين. عندئذ إنكمشت مملكة ميتاني و أصبحت تضم وادي الخابور فقط.

بمجئ حُكم الملك الآشوري (إريبا أداد الأول Eriba-Adad I) (1390-1366 قبل الميلاد)، تقلص النفوذ الميتاني في بلاد آشور بشكل كبير. بدأ الملك الآشوري (إريبا أداد الأول) بالتدخل في المعارك المريرة التي إندلعت بين الملك الميتاني (توشراتا Tushratta) و أخيه (أرتاتاما الثاني Artatama II) و بعد ذلك إندلع القتال بين هذا الأخير وبين إبن أخيه (شوتارنا الثاني Shuttarna II) الذي نصب نفسه ملكاً على مملكة ميتاني وتقدّم في نفس الوقت بطلب المساعدة من الآشوريين لتثبيت حكمه. حينئذٍ ظهرت مجموعة من أفراد العائلة المالكة الميتانية المؤيدة للتحالف الميتاني- الآشوري. إستطاع الملك الآشوري (إريبا أداد الأول) أن يقضي على النفوذ الميتاني في بلاد آشور، بل أصبح له نفوذ في البلاد الميتانية وأخذ يتدخل في شئون مملكة ميتاني (مصدر 4).

الملك الآشوري (آشور أُباليت الأول (1365-1330 قبل الميلاد) هاجم الملك الميتاني (شوتارنا) و قام بِضم مملكة ميتاني للدولة الآشورية و بذلك أنهى الدور السياسي للميتانيين في المنطقة بعد حُكمٍ دام حوالي 200 عاماً و جعل مملكة آشور أكثر قوة ونفوذاً (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان – تاريخ الدول والإمارات الكردية في العهد الإسلامي. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الثاني، 1945، صفحة 14؛ جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 44).

بعد أن إحتلال الآشوريين لمملكة ميتاني، قام الآشوريون بترحيل قسم من سكان الإمبراطورية الميتانية، الذين معظمهم كانوا من الخوريين، من مناطقهم و تم إستخدامهم كأيدي عاملة رخيصة في بلاد آشور. هناك وثائق إدارية آشورية تشير الى أنه كان يتم توزيع الشعير على "الرجال الخوريين المستأصلين" المُرحّلين من مملكة ميتاني. على سبيل المثال، الحاكم الآشوري (ميلي ساه Meli-Sah) الذي كان حاكماً لمدينة (ناهور Nahur)، إستلم الشعير ليقوم بتوزيعه على الخوريين المُرحّلين من مدينة (شودوهو Shuduhu) لإستعماله كبذور وغذاء لأنفسهم ولثيرانهم.

بنى الآشوريون خطاً من التحصينات الحدودية على نهر البليخ لمواجهة الحثيين. يقول الملك الآشوري (توكلتي-آبل-إشرَّ الأول) في ذكرى حملته العسكرية ضد مملكة (كاتموهو) الخورية ما يلي: قطعتُ رؤوسهم (رؤوس جنود العدو) ووضعتُهم على الخوازيق مثل كوم الحبوب حول مدنهم (الدكتور صفوان سامي سعيد: التشبيه في الحوليات الملكية الآشورية. مجلة القادسية للعلوم الإنسانية عدد 2، عام 2009، المجلد الثاني عشر، جامعة الموصل، العراق).

تم حُكم مملكة ميتاني تحت الإحتلال الآشوري من قِبل الوزير المُهيب (لي إپادا Ili-ippada) الذي كان من أفراد العائلة المالكة و الذي لقّب نفسه بملك هانيگالبات. أقام هذا الملك في المركز الإداري الآشوري الذي كان قد تم بناؤه حديثاً في تل سابي الأبيض (تەپە سپی) الواقع في وادي نهر البليخ في غرب كوردستان. بالإضافة الى السيطرة الآشورية على مملكة ميتاني سياسياً وعسكرياً، يبدو أن الآشوريين كانوا يهيمنون أيضاً على التجارة في هذه المملكة، حيث لا تظهر أسماء خورية أو ميتانية في السجلات الشخصية التي تعود الى عهد الملك الآشوري شلمنصر.

في عهد الملك الآشوري (توكولتي نينورتا Tukulti-Ninurta) (حوالي 1243-1207 قبل الميلاد)، حدثت مرة أخرى العديد من موجات ترحيل الخوريين من شرق مملكة ميتاني الى بلاد آشور وقد يكون الغرض من هذا الترحيل هو إستخدامهم كأيدي عاملة في بناء قصر جديد الذي كان الآشوريون يريدون بناءه. كما أن الكتابات الملكية تشير الى حصول غزوٍ لمملكة ميتاني من قبل الحثيين و من الممكن أنه حصلت إنتفاضة جديدة من قِبل الميتانيين ضد الإحتلال الآشوري أو على الأقل أن الميتانيين قد دعموا الغزو الحثي و لهذا السبب تم ترحيلهم. هناك دلائل تدعم نظرية إنتفاضة الميتانيين ضد الإحتلال الآشوري، حيث تم العثور على آثار الدمار في بعض الحفريات للمدن الميتانية التي تشير الى أن تلك المدن الميتانية قد تعرضت للهدم والسلب أثناء حصول تلك الإنتفاضة، إلا أنه مع ذلك لم يتمكن علماء الآثار من تحديد تأريخ حصول ذلك السلب والهدم بدِقة. تل السابي الأبيض الذي كان مقراً للحكومة الآشورية في مملكة ميتاني في عهد الملك الآشوري شلمنصر، كان مهجوراً بين عام 1200 وعام 1150 قبل الميلاد.

في عهد الملك الآشوري ( آشور نيراري الثالث Ashur-nirari III) (حوالي عام 1200 قبل الميلاد، بداية إنهيار العصر البرونزي)، قام الفريجيّون (الفريجيون كانوا من الشعوب الهندوآرية و أسسوا مملكة فريجيا في وسط غرب الأناضول) و آخرون بغزو و تدمير الإمبراطورية الحثية، التي كانت ضعيفة آنذاك بسبب هزائمها أمام الآشوريين. فقدَ الآشوريون مؤقتاً بعض أجزاء مملكة ميتاني، حيث إحتلها الفريجيّون، إلا أن الآشوريين إستطاعوا أن يهزموا الفريجيين ويُعيدوا السيطرة على مستعمراتهم الميتانية مرة أخرى، ومع ذلك إستطاع الخوريون الإحتفاظ بمملكة (كاتموهو Katmuhu) ومملكة (پاپهو Paphu). (پاپهو) تعني (مواطِن بلاد الجبل) و هذا دليل آخر على الأصل الجبلي للخوريين، حيث أن موطنهم هو جبال زاگروس الكوردستانية.

في الفترة الإنتقالية للعصر الحديدي المبكر (1200 – 1000 قبل الميلاد)، قامت القبائل السامية الآرامية الغازية بالقضاء على الميتانيين، حيث إختفى إسم الخوريين وقام الخوريون بتأسيس مملكة أخرى هي مملكة (أورارتو) (مصدر 5).

بعد سقوط مملكة ميتاني، إستمرت اللغة والثقافة الخورية في الممالك الآشورية والحثية الى أوائل الألفية الأولى قبل الميلاد، إلا أنه بعد هذا التأريخ أصبحت اللغة الآرامية هي السائدة في مملكة ميتاني و بدأ إستخدام اللغة الخورية يواجه المعوقات خلال فترة الإمبراطورية الآشورية الجديدة (عام 934-609 قبل الميلاد)، إلا أن اللغة الأورارتية إستطاعت أن تبقى حيّة في المملكة الأورارتية التي قام بتأسيسها أحفاد الخوريين. تشير نقوشات عائدة للملك الآشوري (أداد-نيراري الثاني Adad-nirari II) و (شلمنصر الثالث Shalmaneser III) بأنه في الفترة الممتدة من القرن العاشر الى القرن التاسع قبل الميلاد كان  لا يزال في ذلك الوقت يتم إستخدام مصطلح "مملكة ميتاني" كمصطلح جغرافي.

في عهد الإمبراطورية الميتانية، كان الخوريون يُشكلون المجموعة السكانية الأكثر عدداً (جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986). بالرغم من الخضوع السياسي للخوريين، إستمر الوجود الإثني والثقافي الخوري في سوريا الحالية و في (كزوادنا Kizzuwadna). كان الحثيون متأثرين بالثقافة و اللغة والمعتقدات الخورية، على سبيل المثال، النقوشات في (يَزلكايا Yazlkaya) تشير إلى أن الآلهة الخورية أصبحت رسمياً آلهةً للإمبراطورية الحثية وكانت الملِكات الحثيّات لهن أسماء خورية وأن الأشعار الحثية تتضمن الأساطير الخورية، بإستثناء إمارة (هاياشا Hayasha) الواقعة في الجبال الأرمنية، التي يبدو أن الوجود الخوري الإثني إختفى فيها في أواخر الألف الثاني قبل الميلاد. كما أن اللغة الحثية أخذت الكثير من الكلمات الخورية، من ضمنها أغلب المصطلحات الدينية.

تذكر الدكتورة پاكزه رفيق حلمي بأنه من خلال الدراسات اللغوية المقارنة يمكن إعتبار اللغة الخورية بدايةً لظهور الأسرة اللغوية الآرية والتي ظهرت في الألف الثاني قبل الميلاد (روشنبيرى نوێ، 1986) و يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أغلب مفردات اللغة الخورية تُستعمل الآن في اللغة الكوردية الحالية وعلى نطاق واسع (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسة لغوية حول تأريخ بلاد الكورد، دار الحرية للطباعة، بغداد، 1980، صفحة 99). من هنا يظهر بأن لغة الميديين (لغة الآڤێستا) واللغة الكوردية الحالية هي إمتداد للغة الخورية، حيث يذكر المفكر الكوردستاني مسعود محمد في بحثه المنشور في كتابه المعنون "لسان الكُرد" الصادر في عام 1987، الى أن الكتاب المقدس للديانة الزردشتية (آڤێستا)، مكتوب بِلغة كوردية قديمة، حيث أن اللهجة الموكريانية هي نفسها لغة الآڤێستا و لا يزال الموكريانيون في شرق كوردستان محافظين على لُغة الآڤێستا و يتكلمون بها. كما أنه تم العثور على مفردات سوبارية التي هي مفردات تمت كتابة الرسالة الميتانية بها، وعليه فأن اللغة الخورية – الميتانية هي إمتداد للغة السوبارية، حيث أن الخوريين هم أحفاد السوباريين (مصدر 6). كما يذكر جورج رو بأن الخوريين - الميتانيين والكاشيين ينتمون الى مجموعة عرقية لغوية واحدة (الهندو اوربية)، أي أنهم آريون ((جورج رو: العراق القديم، ترجمة حسين علوان حسين، بغداد، 1984، صفحة 306).

يقول العلامة محمد أمين زكي بأن المستشرق جنسن يذكر بأن لفظ "ميتاني" كان لقباً خاصاً بالأسرة المالكة فقط، بينما الإسم "سوباري" كان الإسم الدال على الشعب وكانت بلادهم تُسمى "هاني گالبات"، حيث أنها مذكورة في نصوص وثائق من ضمن آلاف الوثائق السوبارية والميتانية التي تم إكتشافها في منطقة كركوك وفي (بوغازكوي) (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 97). من جهة أخرى يذكر البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن الخوريين إمتزجوا بالآريين القادمين الى كوردستان و لذلك يُطلَق على المملكة الخورية إسم "مملكة ميتاني"، حيث أن الميتانيين كنية مشتقة كانت تُطلق على الآريين (الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 10).
1. Betsy M. Bryan: The Egyptian Perspective on Mittani. In: Amarna Diplomacy. Chapter 6, the Johns Hopkins University Press, 2002, pp. 71-84.

2. Freed, R. E., D'Auria, S., Markowitz, Y. J. (1999). "Pharaohs of the Sun: Akhenaten, Nefertiti, Tutankhamen" (Museum of Fine Arts, Leiden).

3. Tyldesley, Joyce (1998). Nefertiti: Egypt's Sun Queen. Penguin. ISBN 0-670-86998-8.

4. Roux, Georges. Ancient Iraq. p. 229. Penguin Books, 1966.

5. Sayce, Archibald H. "The Kingdom of Van (Urartu)". In: Cambridge Ancient History. Vol. ii, p. 172.

6. Speiser, E. A. Introduction to Hurrian (1940 - 1941). The Annual of the American Schools of Oriental Research, Vol. 20, Introduction to Hurrian, pp. 1-230, published by The American Schools of Oriental Research.

mahdi_kakei@hotmail.com




143
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (9) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

4. تأسيس الإمبراطورية الميتانية
 
د. مهدي كاكه يي


وُجد إسم (ميتاني) لأول مرة في مذكرات الحروب في غرب كوردستان والمكتوبة في حوالي عام 1480 قبل الميلاد، من قِبل الفلكي و الساعاتي (أميميمهيت Amememhet) الذي رجع من مملكة ميتاني في عهد الفرعون المصري (ثوتموسي الأول Thutmose I) (15061493- قبل الميلاد) (مصدر 1). في بداية حكم الفرعون المصري (ثومسيس الأول Thutmosis I)، تم الإعلان عن الحملة العسكرية على مملكة ميتاني (مصدر 2 ) والتي قد تكون جرت خلال العهد السابق للفرعون المصري (أرمينهوتپ Amenhotep) (1525 – 1504 قبل الميلاد) (مصدر 3)، حيث يعتقد العالم الألماني البروفيسور (Hans Wolfgang Helck) الذي يُعتبر أشهر مؤرخ في القرن العشرين المختص بالتاريخ المصري القديم، بأن هذه الحملة كانت تلك التي أشار إليها الفرعون أمينهوتپ الثاني (مصدر 2).

كان المصريون يسمون مملكة ميتاني ب(ماريانو Maryannu) أو (نهرين Nahrin) المتأتي من الكلمة الآشورية-الأكدية (نهر) أو (ميتاني Mitanni) (مصدر 4). الحثيون كانوا يسمون هذه المملكة (حوري Hurri)، بينما الآشوريون يسمونها (هانيگالبات Hanigalbat) (مصدر 5). (توشراتا Tushratta) الذي كان يُلقب نفسه ب"ملك ميتاني" يشير الى مملكته بإسم (هانيگالبات) في رسائله المكتوبة على الرُقم الطينية المكتوبة باللغة الأكدية والخط المسماري التي وجدت في أرشيف قصر الملك المصري إخناتون (أمنحوتب الرابع) في مقر حكمه (أخت أتون) في تل العمارنة في مصر (مصدر 6).

بعض الباحثين يقولون بأن اللغة الخورية ليست لغة هندوأوروبية ولا لغة سامية، بل أنها ذات صلة باللغة الأورارتية، لغة شعب أورارتو، حيث أن هاتين اللغتَين تنتميان الى عائلة اللغة الخورية – الأورارتية. يقول عدد من الباحثين الروس من أمثال (Diakonov) و (Starostin) بأن اللغة الخورية تنتمي الى مجموعة اللغات القوقازية الشمالية الشرقية (مصدر 7)، بينما يذكر باحثون آخرون بأن اللغة الخورية هي من اللغات الهندوأوروبية وذات صلة باللغة الكاشية (لغة أسلاف الكورد الكاشيين) (مصدر 8، 9).

لتبيان حقيقة إنتماء اللغة الخورية و الحُكم على التناقضات المستخلصة من أبحاث اللغويين حول هذه المسألة، يمكن الإستناد الى الحقائق التاريخية المتعلقة بالخوريين – الميتانيين:

1. سلسلة جبال زاگروس هي الموطن الأصلي للخوريين (الدكتور جمال أحمد رشيد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 147، مصدر 8، 10، 11). هكذا فأن الخوريين هم السكان الأصليون في كوردستان ولم يأتوا الى كوردستان من القوقاز لتكون لغتهم قوقازية.

2. الميتانيون هم هندوآريون، حيث أنه في الحلقة السابقة من هذه السلسلة من المقالات، تم الإستناد الى العديد من الدلائل التي تُشير الى أن الميتانيين الذين جاؤوا الى كوردستان في بداية الألف الثاني قبل الميلاد، هم هندوأريون ولذلك لغتهم لا علاقة لها باللغات القوقازية. الميتانيون إنصهروا في الشعب الخوري و أصبحت اللغة الخورية لغتهم أيضاً.

3. لم تحصل هجرات بشرية من القوقاز الى كوردستان خلال العهود القديمة قبل ظهور الخوريين أو خلال وجودهم، حيث أن المصادر التاريخية تخلو من الإشارة الى حدوث هجرات قوقازية الى كوردستان أو وقوع الخوريين تحت هيمنة اللغة القوقازية لكي يتم وضع فرضية وقوع الخوريين تحت التأثير اللغوي القوقازي بحيث تصبح اللغة القوقازية لغةَ الخوريين في موطنهم، كوردستان.
 
4. وصلت حدود الإمبراطورية الميتانية الى منطقة القوقاز وإذا كانت هناك علاقة بين اللغة الخورية و "مجموعة اللغات القوقازية"، فأنها ناتجة عن التأثير اللغوي والثقافي الكبير للخوريين على السكان القوقازيين الى درجةٍ أنهم تبنّوا اللغة الخورية وأصبحت لغتهم الأُم. كما أنه قد يكون قسم من الخوريين إنتقلوا الى منطقة القوقاز وإستقروا هناك وسادت ثقافتهم ولغتهم في المنطقة. من هنا يظهر بأن "مجموعة اللغات القوقازية" التي يتكلم عنها بعض اللغويين والباحثيين والذين يرون بأن اللغة الخورية تنتمي إليها، هي في الحقيقة ليست قوقازية، بل زاگروسية، لغات أسلاف الكورد التي تنتمي إليها اللغة الخورية.

البروفيسور (Izady)، في محاضرة له في جامعة هارڤارد الأمريكية، يعتقد أيضاً بأن  إنتشار اللغة الخورية بين سكان مناطق القوقاز عن طريق الخوريين غير مستبعد (يمكن الإطلاع على نص المحاضرة من خلال الرابط الموجود في نهاية المقالة).

في العصور الأكدية كان معروفاً بأن الخوريين كانوا يعيشون في منطقة شرق دجلة على الحافة الشمالية من بلاد ما بين النهرَين. أفراد المجموعة التي أصبحوا ميتانيين، تحركوا تدريجياً نحو الجنوب في بلاد ما بين النهرين قبل القرن السابع عشر قبل الميلاد. الميتانيون هم الفرع الآري من الحوريين الذين نزحوا الى كوردستان في بداية الألف الثاني قبل الميلاد و إندمجوا مع أقوام زا گروس الأصليين و إستلموا الحُكم (أندريه إيمار و جانين أوبوايه: تاريخ الحضارة العام – الشرق و اليونان القديمة، إشراف موريس كروزيه، ترجمة فريد م. داغر و فؤاد ج. أبو ريحان، المجلد الأول، دار منشورات عويدات، بيروت – باريس، الطبعة الثانية، 1986، صفحة 204). المؤرخان (گلب Gelb) و(سپايزر Speiser) يعتقدان بأن أسلاف الكورد السوباريين كانوا يستوطنون شمال بلاد ما بين النهرين منذ زمن بعيد و ان الخوريين هم أحفاد السوباريين ( مصدر 10، 12).

القبائل الخورية المحاربة و بلدان المدن توحدت تحت حكم سلالة حاكمة وقامت بتأسيس مملكة ميتاني. العامل الذاتي و الموضوعي ساعدا الميتانيين في توحيد القبائل الخورية وتأسيس مملكتهم. إن الميتانيين كانوا محاربين أشداء وكانوا يستخدمون الخيول والعربات الحربية في حروبهم والتي كانت أسلحة حربية متطورة في ذلك الزمن. الخبرات القتالية للميتانيين والأسلحة المتطورة المستخدمة كانت من العوامل الرئيسة التي ساعدت الميتانيين في إستلام قيادة الخوريين وتأسيس مملكة لهم. كما أن عوامل خارجية أسهمت في نجاح الميتانيين في بناء إمبراطوريتهم. قام الحثيون بنهب بابل خلال حُكم الملك الحثي (مورسيلي الأول Mursili I) وكما قام الكاشيون بالسيطرة على بابل وحكمها. هذان العاملان أدّا الى إنهيار حُكم البابليين. إحتلال الحثيين لحلب (يامكهاد Yamkhad) وضعف ملوك آشور الذين إستلموا الحكم بعد الملك پوزر آشور الثالث (Puzur-Ashur III) و النزاعات الداخلية بين الحثيين، هذه الأمور كلها خلقت فراغاً في القسم العلوي من بلاد ما بين النهرين و الذي قاد الى تأسيس مملكة ميتاني (الدكتور توفيق سليمان: دراسات في حضارات غرب آسية القديمة. الطبعة الأولى، دار دمشق للطباعة والصحافة والنشر، 1985، صفحة 312؛ مصدر13، 14). كان المؤسس الأسطوري للسلالة الميتانية الحاكمة هو الملك (كيرتا Kirta) الذي إستلم الحكم بعده الملك (شوتارنا Shuttarna).

تم تأسيس مملكة ميتاني في غرب و شمال كوردستان الحالييَن و عاشت بين حوالي عام 1500 قبل الميلاد و 1300 قبل الميلاد وكانت اللغة الخورية هي لغة سكانها، حيث كان الخوريون يُشكلون غالبية سكان هذه المملكة (مصدر 13).

سيطرت مملكة ميتاني على المناطق الممتدة من الخابور الى ماري و أعلى الفرات ومن هناك امتدت المملكة الى (Charchamesh). خلال فترة زمنية إمتدت لحوالي قرن واحد كانت آشور تحت حكم مملكة ميتاني. كان حلفاء الميتانيين كلاً من مملكة (Kizuwatna) الواقعة في شمال شرق الأناضول و مملكة (Mukish) الواقعة بين (Ugarit) و (Quatna) غرب نهر العاصي و مملكة (Niya) التي كانت تسيطر على الضفة الشرقية لنهر العاصي، من مدينة (Alalakh) بإتجاه الأسفل مارةً من خلال حلب وإيبلا وحماه الى (Quatna) (تبعد 18 كيلومتر شمال شرق مدينة حمص) و (Kadesh) القريبة من ضفاف نهر العاصي وتبعد 15 ميل جنوب غرب مدينة حمص. من الشرق، كانت علاقة الميتانيين جيدة مع جيرانهم الشرقيين، الكاشيين (مصدر 15) .

في غرب كوردستان الحالي، إمتدت المملكة الميتانية من سلسلة جبال طوروس الى غرب الإقليم الكوردستاني المذكور ومن الشرق إمتدت الى مدينة نوزي (كركوك الحالية) و نهر دجلة. من الجنوب إمتدت المملكة الميتانية من حلب قاطعةً بلاد الشام الى مملكة (ماري) الواقعة على نهر الفرات من جهة الشرق. مركز المملكة الميتانية كان في وادي نهر الخابور وكانت لها عاصمتان، (Taite) و (Washshukanni)، حيث أنهما تُسميان في المصادر الآشورية بإسم (Taidu) و (Ushshukana) على التوالي. موقع آثار مدينة (Taite) يقع في (تل حميدية) الواقع في منطقة الخابور وتم إكتشافه من قِبل العالم الإيطالي (Mirjo Salvini) (مصدر 16).

أسماء الإرستقراطية الميتانية في الغالب هي من أصل هندوآري، ولكنها بشكل خاص أسماء الآلهة الميتانية تُظهر أن لها جذور هندوآرية (ميترا Mitra، ڤاريونا Varuna، إندرا Indra، ناساتيا Nasatya) و لذلك يعتقد قسم من الباحثين بأنها ذات صلة مباشرة بالكاشيين (مصدر 9). إن رسائل (تل العمارنة) تُظهر بأن أفراد العائلة المالكة الميتانية في ذلك الوقت كانوا يتكلمون اللغة الخورية. هناك الكثير من حاملي الأسماء الخورية في مناطق واسعة من سورية الحالية وشمال بلاد الشام والتي هي خارج الكيان السياسي الميتاني. لا يوجد أي دليل على أن هؤلاء الأشخاص كانوا موالين للكيان السياسي الميتاني، بالرغم من أن المصطلح الألماني "خوريون مهاجرون" قد تم إطلاقه على هؤلاء الأشخاص من قِبل بعض المؤلفين. في القرن الرابع عشر قبل الميلاد، تم حُكم العديد من ممالك المدن (city-states) في غرب كوردستان و كنعان من قِبل أشخاص يحملون أسماء خورية و البعض منهم أسماؤهم كانت هندوآرية. إذا يتم أخذ هذا بنظر الإعتبار فهذا يعني بأن سكان هذه الممالك كانوا أيضاً من الخوريين. ثم يكون ممكناً أن هذه الكيانات كانت جزء من نظام سياسي أكبر ذي هوية خورية مشتركة.

إستطاع الميتانيون أن يؤسسوا إمبراطورية قوية شاسعة،عُرفت بإسم الإمبرطورية الخورية - الميتانية والتي كانت غالبية سكانها من الخوريين و كانت عاصمتها( وَشوكاني) التي يقع موقعها قرب مدينة (سَري كاني) الواقعة في غربي كوردستان. يذكر عدد من الباحثين بأن الدولة الميتانية إمتدت من بحيرة وان شمالاً الى أواسط بلاد ما بين النهرَين جنوباً ومن بحيرة أورمية وجبال زاگروس شرقاً الى البحر الأبيض المتوسط غرباً، حيث أنها ضمت سوريا الحالية ووصلت نفوذها الى فلسطين (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 489؛ جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986، صفحة 129؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 131).

المملكة الميتانية كانت إحدى الممالك الأربع القوية في المنطقة في ذلك الوقت والتي كانت مصر ومملكة الحيثيين وكاردونياش والمملكة الميتانية (محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 97).

قام الملك الميتاني (باراتارنا Barattarna) بتوسيع مملكته من الغرب الى حلب و جعل من الملك الكنعاني (إدريمي Idrimi) ملك (ألالاخ Alalakh) تابعاً له. مملكة (كيزواتنا Kizzuwatna) في الغرب أيضاً أصبحت موالية للميتاني، و مملكة آشور في الشرق أصبحت بلاد تابعة للميتانيين بحلول منتصف القرن الخامس عشر قبل الميلاد، حيث أصبحت بلاد آشور جزءً من الإمبراطورية الميتانية لحوالي 75 عاماً (1450 – 1375 قبل الميلاد) وسمِح الميتانيون أن تحتفظ آشور بنظامها الملكي خلال فترة تبعيتها للإمبراطورية الميتانية (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 62؛ الدكتور جمال أحمد رشيد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 251؛ محمد بيومي مهران: تاريخ العراق القديم، الاسكندرية، 1990، صفحة 343-344).

الأمة الميتانية أصبحت أكثر قوة خلال حكم ملكها (شاوشتاتار Shaushtatar) وكان الخوريون مصممين على إبقاء الحثيين محصورين في داخل المناطق الجبلية الأناضولية. كانت مملكة (كيزواتنا Kizzuwatna) في الغرب و (إيشوا Ishuwa) في الشمال، حليفتَين مهمتَين للميتانيين ضد الخصم الحثي. نكتفي هنا بهذا القدر من المعلومات عن الإمبراطورية الخورية وفي الحلقة القادمة سنتواصل مع الأحداث و التطورات الجارية في هذه الإمبراطورية.

المصادر الأجنبية
1. Borchardt, L. "Altägyptische Zeitmessung" in E. von Basserman-Jordan, Die Geschichte der Zeitmessung und der Ühre, vol. I. (Berlin/Leipzig) 1930, pp 60ff, noted in Astour 1972:104, notes 25,26.

2. Helck, W. ''Oriens Antiquus 8 (1969:301, note 41; 302).

3. Drioton, É. and Vandier, J., L'Égypte, 4th ed. (Paris). 1962:396f.

4. Faulkner, Raymond O. A Concise Dictionary of Middle Egyptian. p.135. Griffith Institute, Oxford, 1962; [1] Egyptian New Kingdom Topographical lists], by Kenneth Kitchen, p.5 bottom paragraph, University of Memphis.

5. Astour, Michael C. "Ḫattusilis̆, Ḫalab, and Ḫanigalbat" Journal of Near Eastern Studies 31.2 (April 1972:102–109) p 103.

6. Astour Michael C 1972:103, noting Amarna letters 18:9; 20:17;29:49.

7. Diakonov, Igor M., and Starostin, Sergei . Hurro-Urartian as an Eastern Caucasian Language. Münchener Studien zur Sprachwissenschaft. Munich: R. Kitzinger, 1986. ISBN 3-920645-39-1 [Amazon-US | Amazon-UK].

8. Speiser, E. A. "Introduction to Hurrians".

9. Roux, Georges. Ancient Iraq, p. 229. Penguin Books, 1966.

10. Gelb, Ignace J. (1944). Hurrians and Subarians. Studies in Ancient Oriental Civilization No. 22. Chicago, University of Chicago Press.

11. Wilhelm, Gernot. The Hurrians. Aris & Philips Warminster, 1989.

12. Speiser, E. A. "Hurrians and Subarians.

13. Saggs, H.W.F. (1975). The Assyrian, The people of Old Testament, Oxford, p.54.

14. Trevor Bryce (2005). The Kingdom of the Hittites. Oxford University Press. p. 98.

15. Roaf, Michael. Cambridge Atlas of Mesopotamia maps pp 134–135.

16. Eichler, S. et al. Tall Al-Hamidiya 2 Vorbericht 1985-1987 - Symposium Recent Excavations in the Upper Khabur Region, Berne, December 9–11, 1986, Academic Press Fribourg, 1990.

http://www.kurdistanica.com/?q=node/74

mahdi_kakei@hotmail.com

144
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (8) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

3. التأريخ الخوري

د. مهدي كاكه يي

الخوريون هم من شعوب الشرق الأدنى الذين عاشوا في العصر البرونزي (4000 – 1500 قبل الميلاد) و كانوا يتكلمون اللغة الخورية. عاشوا في الأناضول وشمال بلاد ما بين النهرَين (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 26؛ مصدر رقم 1).

أصبح الخوريون جزءً من الحضارة القديمة في الشرق الأوسط في حوالي منتصف الألف الثالث قبل الميلاد (مصدر رقم 2). لقد وصلوا الى بلاد ما بين النهرين من الشمال. تم إكتشاف نقش مختصر باللغة الخورية، يعود تأريخه الى زمن نهاية فترة الأكديين. كما تم إكتشاف نقشٍ آخر يعود للملك (أريشن  Arishen) أو (أتالشن Atalshen)، ملك مملكة (أوركيش Urkish) و(نَوار Nawar)، مكتوب بالخط المسماري الأكدي.

أسماء الأعلام في النصوص المسمارية وزيادة وتيرتها في فترة أور الثالثة، تُشكّل أدلة رئيسية على الوجود الخوري، إلا أنه ليس هناك دليل واضح على أن الخوريين قد تقدموا نحو مناطق غرب نهر دجلة لحد حلول منتصف الألف الثالث قبل الميلاد. تنكشف صورة مختلفة تماماً من أرشيف قصر (ماري) المبني في القرن 18 قبل الميلاد ومن نصوص تم إكتشافها بالقرب من أعالي نهر الخابور، حيث تُشير هذه الدلائل الى أن شمال بلاد ما بين النهرين و غرب دجلة وسوريا الحالية كانت مسكونة من قِبل سكان كان معظمهم من الخوريين و كانت تضم أموريين أيضاً. الخوريون قد وصلوا بالفعل الى ساحل البحر المتوسط، كما يتضح من نصوص مدينة (ألالاخ Alalakh) الواقعة على نهر العاصي. كما تم أيضاً العثور في (ماري) على نصوص أدبية باللغة الخورية التي تدل على أن اللغة الخورية  كانت آنذاك قد أصبحت لغة مكتوبة كاملة النمو (مصدر رقم 3).

تشير السجلات الحثية أيضاً الى شعب كان يُسمّى (خوري) الذي كان يعيش في غرب كوردستان. لوحة حثية قد تعود الى عصر الملك الحثي (مورسيلي الأول Mursili I) (1556-1526 قبل الميلاد) تشير الى أحد ملوك الخوريين (LUGAL ERÍN.MEŠ Hurri). هذا المصطلح تم إستخدامه في السابق للملك الميتاني (توشراتا Tushratta) في رسالةٍ كانت موجودة في أرشيف موقع العمارنة. اللقب الإعتيادي للملك كان "ملك رجال خوري" (King of the Hurri-men)، بدون ذكر كلمة "كور KUR" التي تعني "بلاد". النصوص الآشورية – الأكدية تُسمي (خوري) بإسم هانيگالبات.

في العصور الأكدية كان معروفاً بأن الخوريين كانوا يعيشون في منطقة شرق دجلة على الحافة الشمالية من بلاد ما بين النهرَين. أفراد المجموعة التي أصبحوا ميتانيين، تحركوا تدريجياً نحو الجنوب في بلاد ما بين النهرين قبل القرن السابع عشر قبل الميلاد (الدكتور احمد محمود الخليل: تاريخ مملكة ميتّاني الحورية، 2013، صفحة 12؛ وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم. أشرف على الترجمة د. محمد مصطفى زيادة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1963، صفحة 62).

بحلول العصر البرونزي المتوسط (2000 – 1600 قبل الميلاد)، كانت هناك أسماء خورية موجودة في شمال غربي بلاد ما بين النهرَين وفي منطقة كركوك في جنوب كوردستان. هذه الأسماء وجدت في مدينة (نوزي Nuzi) ومدينة (أوركيش Urkesh) وفي أماكن أخرى. في نهاية المطاف أصبحت مملكة الخوريين تضم منطقة واسعة من الأراضي الزراعية الخصبة التي تُشكّل قوساً يمتد من وادي نهر الخابور في الغرب إلى سلسلة جبال زاگروس في الشرق (وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم. أشرف على الترجمة د. محمد مصطفى زيادة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1963، صفحة 62).

الخوريون مذكورون في النصوص الشخصية لمدينة نوزي (كركوك) وفي مدينة (أوگاريت) وفي أرشيف الحثيين في هتوششا Hattushsha (بوغازكوي Boğazköy). النصوص المسمارية لمملكة (ماري) تذكر أسماء خورية وأمورية لحكام ممالك المدن في أعالي بلاد ما بين النهرَين. تم التأكد من وجود حكام يحملون أسماء خورية لأورشوم (Urshum) و هاششوم (Hashshum) وألواح من مدينة (ألالاخ Alalakh) خلال الفترة المتأخرة من العصر البابلي القديم، التي تذكر أشخاص يحملون أسماء خورية عند مصب نهر العاصي. بصورة عامة، يتم الإستناد الى أسماء الأعلام في هذه المصادر كدليل للتوسع الخوري نحو الجنوب و الغرب.

لقد تم العثور على الكتابة باللغة الخورية بالخط المسماري في كل من (هَتوسة Hattusa) و (أوگاريت Ugarit) وكذلك في إحدى الرسائل الطويلة التي تم إكتشافها في موقع آثار (أمارنا Amarna) التي مكتوبة من قِبل الملك الميتاني (توشراتا Tushratta) والمرسَلة الى الفرعون (أمينهوتپ الثالث Amenhotep III). كانت تلك الرسالة هي النص الخوري الطويل الوحيد المعروف الى أن تم في عام 1983 في (هَتوسة Hattusa) إكتشاف مجاميع ألواح مكتوبة باللغة الخورية تتضمن آثار أدبية مع ترجمة لها باللغة الحثية.

كان الخوريون أحد الشعوب المهمة في تأريخ وثقافة الشرق الأوسط خلال الألف الثاني قبل الميلاد. أبكر تسجيل لوجود أسماء أشخاص خوريين وأماكن خورية هو في سجلات بلاد ما بين النهرين في أواخر الألفية الثالثة، هذه السجلات تشير إلى أن موطن الخوريين كان المنطقة الشرقية لنهر دجلة ومنطقة جبال زا گروس. منذ ذلك الحين، وخصوصا خلال مطلع الألفية الثانية قبل الميلاد، هناك أدلة عديدة لإنتشار الخوريين بإتجاه الغرب. من المحتمل أن هجرات أكثر كثافة نحو الغرب قد حصلت عندما إندفع الهندوإيرانيون من الشمال، من المنطقة الواقعة بين بحيرة (ڤان) وسلسلة جبال زاگروس نحو الغرب والذي يبدو أنها قد جرت بعد سنة 1700 قبل الميلاد. وتشير الأدلة إلى أن الخوريين أطاحوا بالحكام الآشوريين وسيطروا على المنطقة وأصبحوا سادة فيها. كان شرق دجلة، المركز التجاري المزدهر لمدينة (Nuzi)، هو الموطن الأساسي للخوريين وسادت النفوذ الخورية في كثير من المناطق في سوريا الحالية. أجزاء كبيرة من شرق الأناضول أصبحت تحت حُكم الخوريين أيضاً، وبالتالي أصبحوا جيراناً شرقيين للحثيين وثم لاحقاً أصبحوا مستقلين عن الحثيين. كان شمال بلاد ما بين النهرين لا يزال الموطن الرئيس للخوريين خلال هذه الفترة، وكانت البلاد آنذاك معروفة بإسم (خوري)، حيث هناك كانت الوحدات السياسية تسيطر عليها سلالات ذات أصل هندوإيراني. في القرن الخامس عشر قبل الميلاد، كانت المنطقة الخورية الممتدة من جبال زاگروس الى سوريا الحالية تُشكّل دولة بإسم (ميتاني).

وادي نهر الخابور أصبح قلب الممالك الخورية لمدة ألف عام. أول مملكة خورية ظهرت حول مدينة أوركيش خلال الألف الثالث قبل الميلاد. هناك دلائل على أن الخوريين كانوا حلفاء مع الإمبراطورية الأكدية الذي يشير الى أن الخوريين كانت لهم السيطرة الكاملة على المنطقة بحلول تسلًم السلطة في بلاد أكد من قِبل الملك (نارام سين Naram-Sin) (حوالي 2254 – 2218 قبل الميلاد). في هذه المنطقة، عاشت ثقافات غنية أخرى في (تل حلف) و(تل براك). مملكة مدينة أوركيش كانت لها جيران قوية. في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد، جارتها الجنوبية، مملكة (ماري) الأمورية أخضعت أوركيش لحكمها و جعلتها دولة تابعة لها. خلال تواصل الصراع للسيطرة على بلاد ما بين النهرين، سلالة أمورية أخرى حكمت (ماري) في القرن الثامن عشر قبل الميلاد. تم العثور على بقايا (شوبات إنليل Shubat-Enlil) عاصمة مملكة آشور القديمة، التي تبعد قليلاً عن أوركيش في موطن آخر للخوريين في وادي نهر الخابور.

المؤرخان (گلب Gelb) و(سپايزر Speiser) يعتقدان بأن أسلاف الكورد السوباريين كانوا يستوطنون شمال بلاد ما بين النهرين منذ زمن بعيد و ظهر الخوريون في المنطقة نفسها بعدهم (مصدر رقم 2، 4). هذا يعني بأن الخوريين هم أحفاد السوباريين.

كان الخوريون يُشكلّون أيضاً نسبة كبيرة من سكان الإمبراطورية الحثية في الأناضول وكان هناك تأثير واضح للمعتقدات الدينية الخورية على المعتقدات الحثية (مصدر رقم 2).

اللغة الخورية تنتمي إلى مجموعة اللغات السوبارية و الأورارتية التي جميعها هي لهجات "لغات" أسلاف الكورد، حيث لعب الأورارتيون دوراً مهماً في المنطقة إعتباراً من نهاية الألف الثاني قبل الميلاد الى القرن الثامن قبل الميلاد (مصدر رقم 4).

الممالك الخورية كانت موزعة في جنوب و غرب كوردستان الحالية. بدأت التنقيبات الكبرى في مواقع الآثار الخورية في جنوب و غرب كوردستان في حدود عام 1920 و 1930على التوالي بقيادة عالم الآثار الأمريكي (EDWARD CHIERA) في موقع آثار (XORGHAN TEPE) الواقع في مدينة نوزي (كركوك) وعالم الآثار البريطاني (MAX MALLOWAN) في موقع آثار (CHAGAR BAZAR) و (TEPE BRAK). الدلائل تشير الى أن المنطقة كانت مأهولة في بداية العصرالحجري الحديث أي حوالي عام 12000 قبل الميلاد، وتنتهي في العصر الروماني أي في حدود عام 275 – 75 قبل الميلاد. كما تم إكتشاف آثار خورية تعود للعصر البرونزي الأوسط (2000 – 1550 قبل الميلاد) الى نهاية العصر البرونزي المتأخر (1550 - 1200 قبل الميلاد)، ما عدا تل موزان الواقع في (URKESH).

قادت التنقيبات في مدينة (نوزي) الى العثور على مئات الرُقم الطينية المسمارية وبيوت سكنية فضلاً عن العثور على خارطة مرسومة على لوح طيني تظهر فيها الجبال والأنهار والمدن وأسوارها والطرق الرئيسية، وهذه الخارطة تُعتبر أول خارطة في التأريخ (مصدر رقم 5) . كما تم إكتشاف نصوص كتابية وآلاف الأختام الأسطوانية وقصر يعود إلى عهد الملك (سوشْتتر)، الذي مُزيّن برسومٍ جدارية متميزة وكذلك تم إكتشاف معبد ومنحوتات مختلفة. القصر الملكي مُرفَق به جناح خاص للخدم ومعبد الإله (كوماربي) و حفرة كبيرة في مدخل القصر التي كان الخوريون يعتقدون بأنها المدخل إلى العالم السفلي. لقد تم إكتشاف حوالي 5000 وثيقة خورية في نوزي، تضم وثائق قانونية وتجارية، حيث يشير بعض هذه الوثائق الى أن مدينة نوزي كانت لها علاقات تجارية مع بلاد آشور (مصدر رقم 6).

 تعد مملكة خمازي (Hamazi) أقدم وأبرز كيان سياسي خوري ظهر في وقت مبكر في بلاد سوبارتو وكانت من الممالك الهامة في تلك الفترة. يرد إسم خمازي في قائمة الملوك السومرية في المرتبة السادسة من بين المدن التي إستقرت فيها الملكية بقرار إلهي بعد حدوث الطوفان. كان يحكمها ملك يُدعى خدانيش  (Hadaniš)، ثم إنتقلت الملكية إلى أوروك. يتضح من الشواهد الكتابية بأن مملكة خمازي كانت تقع في منطقة شرقي دجلة، بين نهر الزاب العلوي ونهر ديالى. لقد تمّ ذكر مملكة خمازي في نص يعود لمملكة (إبلا) والذي هو عبارة عن معاهدة تحالفٍ بين مملكة خمازي ومملكة إبلا التي تم إبرامها على ما يُعتقد لمواجهة التهديدات التي كانت مملكة (ماري) تُشكّلها لهما.

تتحدث المصادر السـومرية عن حملات ملوكهم على مملكة خمازي، وتكشف عن أهمية مدينة خمازي. كما تتحدث نقوش الملك الأكادي (سرگون الأول) (2340 - 2284 قبل الميلاد) عن حملاته المتكررة على هذه المملكة. الإكتشافات الأخيرة في مدينة (أوركيش) تشير الى أن ملكها كان متزوجاً من إبنة الملك الأكدي (نارام سين). تشير وثائق مملكة (إبلا) الى علو مكانة مدينة خمازي آنذاك، وقيام علاقات حسنة بين المملكتَين.

 تعد مملكة أوركيش (Urkeš) أقدم الممالك الخورية في المناطق السهلية، والتي كانت مركزاً لِملك الآلهة الخورية (كوماربي Kumarbi). جاء في نصوص مختلفة ذكر إسم الملك (أتل شين Atal Šen)، كما هو مُبيّن في لوح البرونز العائد لهذا الملك والمدوّن باللغة الأكدية الذي يذكر أن هذا الملك هو ملك أوركيش ونوار (Nagar) ويرجَّح أن هذا الملك قد حكم في عهد الگوتيين أو فيما بعد، في العقود الأولى من عهد سلالة أور الثالثة (2015 – 1998 قبل الميلاد) (الدكتور جمال رشيد أحمد: كركوك في العصور القديمة. الطبعة الأولى، دار آراس للطباعة والنشر، مطبعة وزارة التربية، أربيل، 2002، صفحة 30؛ مصدر رقم 7). كما تم العثور على أسدَين برونزيين اللذين يُعتبران من أشهر آثار مدينة (أوركيش).

توجّه الخوريون أيضاً أكثر نحو الغرب. بحلول عام 1725 قبل الميلاد، وصلوا الى أجزاء من غربي كوردستان، مثل (ألالاخ Alalakh). يذكر التأريخ بأن مملكة يامهاد (Yamhad) الخورية كانت في صراعٍ مع الملك الحثي (هاتوسيليس الأول Hattusilis I) في حوالي 1600 قبل الميلاد. الخوريون إستوطنوا كذلك المنطقة الساحلية ل(أدانية) في مملكة (كيزواتنه Kizzuwatna) الواقعة في جنوب الأناضول. في نهاية المطاف، ضعفت مملكة (يامهاد) و خضعت للمملكة الحثية القوية، إلا أن الأناضول بقيت تحت سطوة الثقافة الخورية، حيث أن الحثيين كانوا واقعين تحت التأثير الثقافي الخوري لعقود عديدة.

يذكر المؤرخ البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن الخوريين قد بنوا عدة مدن في منطقة كركوك وكانت مدينة طوزخورماتو من أهم هذه المدن، حيث كان إسمها آنذاك "خورماتو" التي تتألف من كلمتَين هما "خور" أي "الخوريون" وكلمة "ماتو" التي تعني بالأكدية "مدينة" وبذلك فأن "خورماتو" تعني "مدينة الخوريين" (الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 8). يقول المؤرخ سيتون لويد بأن مدينة خورماتو إحتفظت بإسمها الأصلي الى مطلع القرن التاسع عشر (سيتون لويد: بلاد الرافدين. ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد، دار الرشيد، بغداد، 1980، صفحة 208)، حيث بعد ذلك أُضيفت إلى إسمها كلمة "دوز" التركية التي تعني "ملح" فأصبح الإسم "دوزخورماتو" و بمرور الوقت تغيّر الإسم الى "طوزخورماتو". كان يُظن خطأً بأن كلمة"خورماتو" مؤلفة من كلمتّي "خورما" و"تو" الكورديتَين والتي تعنيان "تمر" و"توت" على التوالي ولذلك أضافوا كلمة "دوز" التركية الى إسم المدينة، حيث كانت كوردستان والعراق تحت الحكم العثماني آنذاك.

لم يتم إزدهار الحكم الخوري الى حوالي منتصف الألفية الثانية قبل الميلاد. في القرن الخامس عشر، كان مدينة (ألالاخ Alalakh) أصبحت مدينة خورية بشكل كبير، وفي عهد الإمبراطورية الميتانية، كان الخوريون يُشكلون المجموعة السكانية الأكثر عدداً (مصدر رقم 8).

إستخدم الخوريون الكتابة المسمارية في تدوين لغتهم الهندو ـ آرية، كما دونوا وثائق باللغتين الأكادية والحثية. إنتشرت اللغة الخورية على نطاق واسع عند إتساع مملكتهم في أواسط الألف الثاني ق.م، وصارت تأخذ مكانها ضمن المعاجم متعددة اللغات. لقد تم العثور على مجموعات من الوثائق الخورية في نوزي (يورگان تبه، جنوبي كركوك) وفي (ماري) و (إيمار) على الفرات الأوسط، وفي (أوگاريت)، وفي العاصمة الحثية هاتوشا (بوغازكوي شرقي أنقرة)، كما ترد تعابير ومفردات وأسماء أعلام خورية في كثير من الوثائق المكتوبة المكتشفة في مناطق الشرق القديم المختلفة.

المصادر

1. Herzfeld, E. (1968). The Persian Empire. Wiesbaden, page 158.

2. Gelb, Ignace J. (1944). Hurrians and Subarians. Studies in Ancient Oriental Civilization No. 22. Chicago, University of Chicago Press.

3. Antonio, Robert (2007), The Rise of the Hurrians, International World History Project (updated January 2007, accessed 27/03/2010)

4. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia, USA.

5. Maidman, Maynard Paul (1976). The Teip-tilla Family of Nuzi: A Genealogical Reconstruction. Journal of Cuneiform Studies, Vol. 28, No. 3.

6. al-Khalesi, Y.M. (1970). "Tell al-Fakhar. Report on the First Season’s Excavations". Sumer 26: 109–126. ISSN 0081-9271.

7. Rost, P. (1893). Die Keilschrfttexte Tiglat Pilesers III, Leipzig, s. 24f, z. 139f.

8. Drews, Robert (1994) "The Coming of the Greeks: Indo-European Conquests in the Aegean and the Near East", Princeton University Press, Chariot Warfare. pg 61.

mahdi_kakei@hotmail.com

145
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (7) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

2. الميتانيون الهندوآريون
 
د. مهدي كاكه يي


في بداية الألف الثاني قبل الميلاد شهدت منطقة الشرق الأدنى هجرات لأقوام هندوآرية الى كوردستان وإيران الحالية وآسيا الصغرى وإندمجوا مع السكان الأصليين للمناطق التي إستقروا فيها، حيث نقلوا معهم حضارتهم المتقدمة الى مَواطنهم الجديدة و التي مكّنتهم أن يؤسسوا دولاً جديدة و أن يحكموا هذه الدول.

كان الميتانيون من ضمن هذه الأقوام الهندوآرية المهاجرة و الذين إستقروا في كوردستان و إندمجوا مع الخوريين الذين كانوا السكان الأصليين للبلاد، حيث قاموا بعد منتصف القرن السادس عشر قبل الميلاد بتأسيس مملكة ميتاني في شرق نهر الفرات (هاري ساگز: عظمة آشور، ترجمة عامر سليمان، بغداد، 1999، صفحة 54)، بينما يذكر الباحث (كانتور) بأن مملكة ميتاني تم تأسيسها في حوالي عام 1475 قبل الميلاد و إستمرت الى حوالي عام 1275 قبل الميلاد (مصدر رقم 1). كما أن الميتانيين تواجدوا بكثرة في منطقة (أوگاريت Ugarit) الواقعة على بعد 11 كيلومتر شمالي اللاذقية، حيث تم إكتشاف آثار ميتانية كثيرة في هذه المنطقة. من المرجح أن يكون تواجدهم في (أوگاريت) كان لأغراض تجارية و دينية.

هناك أدلة عديدة على كون الميتانيين هندوآريين، هاجروا الى كوردستان. هذه الأدلة تستند بشكل خاص الى أسماء آلهة الميتانيين وأسماء أعلامهم. النصوص المكتوبة عن تربية الخيول من قِبل (كيكولي Kikkuli)، مدرب الخيول التي تجرّ العربات، تحتوي على عدد من المفردات الهندوآرية (مصدر 2). ترى الباحثة (كامنهيوبر Kammenhuber) بأن هذه المفردات اللغوية مستمدة من اللغة الهندو-إيرانية (مصدر 2). كما أن الباحث (ماريهوفر Mayrhofer) يقول بأن الملامح  الهندوآرية واضحة في هذه النصوص (مصدر 3).

بعض أسماء الآلهة وأسماء الأعلام و مصطلحات أخرى لمملكة ميتاني تُظهِر تشابهاً كبيراً لها مع الهندوآرية، مما توحي بأن النخبة الهندوآرية فرضت نفسها على السكان الخوريين في سياق التوسع الهندوآري. في معاهدة بين الحثيين والميتانيين، يتم اداء القسم بإسم الآلهة {(ميترا وڤارونا و إندرا وناساتيا (أشڤينس)}.

أسماء الإرستقراطية الميتانية في الغالب هي من أصل هندوآري. بشكل خاص، فأن أسماء الآلهة الميتانية (ميترا Mitra، ڤاريونا Varuna، إندرا Indra، ناساتيا Nasatya)، تُظهر أن لها جذور هندوآرية  و لذلك فأن بعض الباحثين يعتقدون بأنها ذات صلة مباشرة بالكاشيين (مصدر 4). فيما يلي بعض الأدلة على كون الميتانيين هندوآريين:

 1. مدرًب الخيول الميتاني (كيكولي Kikkuli) هو كاتب النص الذي يتحدث عن تربية الخيول. هذا النص مكتوب في حوالي عام 1499 قبل الميلاد و يُقدم معلومات قيّمة حول تطور اللغة الهندوأوروبية و أن محتوياته أيضاً ذات أهمية خاصة. يتضمن النص الذي كتبه (كيكولي) حول تربية الخيول، مصطلحات تقنية، من ضمنها مصطلحات رقمية، مثل " أيكا  a-i-ka، aika" التي تقابلها في السنسكريتية "إيكا eka" والتي تعني "واحد" و"توا tuwa" التي تقابلها "دوَ dwe " السنسكريتية التي تعني "إثنين" و"تيراtie-ra- ، tera-" التي تقابلها في السنسكريتية "tri" والتي تعني  "ثلاثة" و " پَنزَ  paanza، pańća" التي تقابلها في السنسكريتية "پَنجَ pañca" التي تعني "خمسة" و"سَتَ ša-at-ta، satta " التي تقابلها في السنسكريتية "سَپتا sapta"  التي تعني "سبعة" و"نا na-a-[w]a، nāva" التي تقابلها في السنسكريتية "نَڤا nava" التي تعني "تسعة" و(ڤارتانا vartanna) التي تقابلها في السنسكريتية (ڤارتانا vartana) التي تعني (مباراة سباق الخيل أو جولة في سباق الخيل) ". الرقم "واحد" "أيكا" له أهمية خاصة لأنه يضع الطبقة الإرستقراطية في جوار الأسماء الهندوآرية مقابل الهندوآرية أو الإيرانية القديمة التي لها "أيڤا aiva" بشكل عام (مصدر 5). هذه المفردات الرقمية الهندوآرية لا زالت حية في اللغات الهندوأوروبية، بما فيها اللغة الكوردية.

2. النص المكتوب من قِبل مُدرّب الخيول (كيكولي) يحتوي أيضاً على مفردات مثل "بابرو babru" التي تقابلها في السنسكريتية كلمة "بابهرو babhru" التي تعني "بُنّي" و"پاريتا parita" التي هي " پاليتا palita " في السنسكريتية والتي تعني "رمادي" و"پينكارا pinkara" التي تقابلها في السنسكريتية كلمة "پينگالا pingala" التي تعني "أحمر". هذه الكلمات الهندوآرية تدعم كون الميتانيين هندوآريين.

3. الديانة الڤيدية (الديانة الهندية القديمة التي سبقت الديانة الزرادشتية) كان بشكل ما له حضور في منطقة بلاد ما بين النهرين خلال عصور حكم الميتانيين والحثيين والكاشيين (حوالي عام 1750 قبل الميلاد) الذين عبدوا الإله سوريا (Surya). لقد تم إكتشاف كتابة حثية في (بوگازكوي Bogazköy) لإله الدمار و الإبادة (آك أو گنيش Ak/gniš) الذي هو إله النار الهندوآري (أگني AGNI). في كتاب التراتيل الزرادشتي (گاثا Gathas) كلمة (آتر atr) تعني (نار)، بينما هذه المفردة غير موجودة في كُتب (ڤيدا) الهندية المقدسة. هذا يدل على أن الديانة الڤيدية كان لها وجود في المنطقة في ذلك الزمن (مصدر رقم 6، كما يمكن الإطلاع مباشرةً على هذا الكتاب من خلال الرابط رقم 1).

4. أسماء بعض الملوك الميتانيين تكشف عن نفسها بأنها ذات جذور هندوآرية. يظهر أنهم كانوا من أتباع الديانة الڤيدية. الطبقة الارستقرطية الحاكمة كانت (مارياني maryanni) التي تعني "محارب شاب" المتأتية من الكلمة السنسكريتية "ماريا marya". المحاربون الميتانيون كانوا يُسمَّون (ماريا Marya) الذي هو كذلك مصطلح سنسكريتي.

5. إسم العاصمة الميتانية (واشوكاني Washukanni) هو مشابه للعبارة السنسكريتية "منجم الثروة". لا تزال المفردة الهندوآرية (كاني) باقية في اللغة الكوردية و التي تعني (نبع ماء) و المعنى قريب من كلمة "منجم"، حيث أن الأول هو مصدر الماء الجَوفي والثاني مصدر جَوفي أيضاً.

6. أسماء الملوك الميتانيين هي هندوآرية. إسم مؤسس مملكة ميتاني الملك (كرتا Kirta) (عام 1500 – 1490 قبل الميلاد)، هو هندوآري. أسماء الملوك الميتانيين الآخرين و رجال ذلك العهد هي أيضاً ذات أصول هندوآرية. على سبيل المثال: (توشراتا Tushrata) التي تقابلها الكلمة السنسكريتية (داشاراثا Dasharatha) تعني "مالك عشرة عربات حربية"، (باراتارنا Baratarna) تقابلها الكلمة السنسكريتية (پاراتارنا) التي تعني "الشمس العظيمة"، (بيريداسوا Biridaswa) = ( بريهاداشوا Brihadashwa) "مالك خيول عظيمة"، (أرتاتامنا Artatamna) = (رتومنا Rtumna) "الناذر نفسه للدين الإلهي"، (ساوستاتار Saustatar) = (ساوكشاترا Saukshatra) "الحاكم الجيد"، (ساوماثي Saumathi) = (ساتاوازا) "هو الذي فائزٌ بِسبع جوائز"، (شوتارنا Shuttarna) = (سوتارنا Sutarna) "شمس جيدة"، (سومالا Sumaala) = "مالك أكاليل جميلة من الأزهار"، (پارساتاتار Parsatatar) = (پاراشوكشاترا Parashukshatra) "حاكم مع فأس"، (ماتيوازا Mattiwaza) = (ماتيڤاجا) "ثروته هي الصلاة" (مصدر رقم 3).

7. قبل إعتلائه العرش، الملك (شاتيوازا Šattiwaza) (حوالي 1325 – 1280 قبل الميلاد) كان يحمل إسماً خورياً هو (كيلي – تيشوپ Kili-Teššup) مثل العديد من أسلافه الملوك الميتانيين. من بين الكثير من الآلهة الخورية و الميزوپوتامية التي كان الملوك الميتانيون يقسمون بها في معاهداتهم، هي الآلهة الهندوآرية ميترا وڤارونا وإندرا وناساتياس (لاحظ الرابط رقم 2).

8. تم عقد معاهدة مشهورة بين الحاكم الحثي (سوپيلوليوما Suppiluliuma) و الملك الميتاني (ماتيوازا Mattiwaza) في حوالي عام 1380 قبل الميلاد في (بوگازكوي Boghazkoy)، حيث أنه لم يتم فقط أداء القسم بإسم الآلهة البابلية للشهادة على هذه المعاهدة، بل تم أيضاً أداء القسم بإسم الآلهة ذات الأصول الڤيدية مثل ميترا و ڤارونا وإندرا وناساتيا (أشوين). أسماء هذه الآلهة مكتوبة بنفس الصيغة الموجودة في الكتب المقدسة الهندية (رگڤيداRig-Veda ) (مصدر رقم 7).

أسماء هذه الآلهة الڤيدية متشابهة الى حد كبير مع تلك المذكورة في الكتاب الزردشتي المقدس (آڤيستا)، حيث يتم الإبتهال في (آڤيستا) الى الإله (ميتراMitra "Mithra "). يظهر أن الإله إندرا ونانهايثي في الكتاب المقدس الزردشتي (آڤيستا) قد أصبحا من الشياطين، بينما الإله (ڤارونا Varuna) قد بقي في الديانة الزرادشتية وتحول إسمه الى (آهورامزدا Ahura Mazda). هذا يشير الى أن أفراد العائلة المالكة الميتانية كانوا يعتنقون الدين الڤيدي وأنه لم يبرز تأثير المعتقدات الخورية على العائلة المالكة الميتانية لحد ذلك الوقت، إلا أن أن أفرادها كانوا يتكلمون اللغة الخورية.

9. كان العيد الرئيسي للميتانيين هو الإحتفال بإنقلاب أو إنحدار الشمس (ڤیشوڤا vishuva) الذي كان شائعاً في معظم الثقافات في العالم القديم. إن هذا العيد كان عيد رأس السنة الجديدة في الهند في العهود السحيقة في القدم و يصادف 14/15 نيسان/أبريل الذي هو وقت قدوم الربيع، حيث الطبيعة الزاخرة بالخضار و الأزهار. قد يكون عيد نوروز له صلة بهذا العيد الذي يسبق نوروز بستة أيام فقط، حيث قد يكون هذا العيد إنتقل جيلاً بعد جيل من أسلاف الكورد السومريين والسوباريين والخوريين والأرارتيون الى أحفادهم الشعب الكوردي، فبقي حياً الى يومنا هذا. المحاربون الميتانيون كانوا يُسمّون "ماريا marya" الذي هو مصطلح للمحارب في اللغة السنسكريتية أيضاً. يُلاحظ أن "ميشتا-ننو mišta-nnu " تقابلها في السنسكريتية كلمة (ميدها mīḍha) التي تعني "دفع النقود لإلقاء القبض على الهارب" (مصدر رقم 8).

10. الترجمة السنسكريتية لأسماء ملوك مملكة ميتاني هي ما يلي: "أرتوشومارا Artashumara  (Artaššumara)" = (أرتا – سمارا Arta-smara) الذي يعني (الذي يفكر بأرتا أو رتا Arta/Ṛta) (مصدر رقم 8، صفحة 780)، و"بيريداشڤا Biridashva" (,Biriiašṷa Biridašṷa) = "پريتاشڤا" التي تعني "حصان مّن غالي" (مصدر رقم 8، صفحة 182)، و "پريامازدا (پرييامازدا)" = " پرياميدها" التي تعني "حكمة مَن غالية"( مصدر رقم 8، صفحة 189، 378)، و"ستراتا" = "ستراتها" التي تعني "أية عربة حربية مشرقة" (مصدر رقم 9، صفحة 553)، و"إندارودا أو إنداروتا Indaruda/Endaruta " = "إندروتا" التي تعني (المُساعَد من قِبل إندرا) (مصدر رقم 9، صفحة 134 (و "شاتيڤازا Shativaza (شاتيوازا šattiṷaza) = (ساتيڤاجا Sātivāja) التي تعني "فوز ثمن السباق" (مصدر رقم 8، صفحة 540، 696)، و (شوباندهو Šubandhu) = (سوباندهو Subandhu) التي تعني "إمتلاك أقارب جيّدين" (إسم في فلسطين، مصدر رقم 8، صفحة 209، 735)، و (توشراتا Tushratta) (تيوشيراتا و توشرات وغيرها) = (توايشاراثا Tṷaiašaratha، تڤاستر الڤيدي Vedic Tvastr) = (تواياشاراثا) التي تعني "عربة حربية مَن عنيفة" (مصدر رقم 3، صفحة 689، 736). (آشڤ-سان-ني āśv-san-ni) التي تقابلها في السنسكريتية (آشڤا-سانا) التي تعني "أستاذ مدرب الخيول" الذي هو (كيكولي Kikkuli) نفسه و كلمة (آش-شو-وا aš-šu-wa) التي تقابلها في السنسكريتية (آشڤا aśva) التي تعني (حصان) (مصدر رقم 10).

المصادر
1. Kantor, H. J. (1999). Plant Ornament in the Ancient Near East, Chapter XIV: Mitanni. Oriental Institute, University of Chicago, USA.

2. Kammenhuber, Annelies (1968). Die Arier im vorderen Orient. Heidelberg: Carl Winter Universistätsverlag, pp 238.

3. Mayrhofer, M. (1974). Die Arier im Vorderen Orient – ein Mythos? Sitzungsberichte der Oesterreichischen Akademie der Wissenschaften 294,3, Vienna.

4. Roux, Georges (1966). Ancient Iraq. Penguin Books, pp. 234.

5. Mallory, James P. (1997) Kuro-Araxes Culture. Encyclopedia of Indo-European Culture, Fitzroy Dearborn.

6. Antonov, Vladimir (2008). Agni Yoga. Translated from Russian by Mikhail Nicolenko, Createspace Independent Publishing, Bancroft, Ontario, Canada.

7. (Konow, S. (1921). Aryan gods of the Mitani people.

8. (Mayrhofer, M. (1986-2000). Etymologisches Wörterbuch des Altindoarischen, Heidelberg. Vol: II (686, 736).

9. Mayrhofer, M. (1986–2000). Etymologisches Wörterbuch des Altindoarischen, Heidelberg, vol. IV.

10. Witzel, Michael  (2001): Autochthonous Aryans? The evidence from Old Indian and Iranian texts. Electronic Journal of Vedic Studies, Vol. 7(3): 1–115.

1. http://www.swami-center.org/en/text/agni_yoga.pdf

 2. http://www.hittites.info/history.aspx?text=history%2FEarly+Late+Empire.htm

mahdi_kakei@hotmail.com


146
(تركيا)  .....   الى أين؟  (36) (القسم الأخير) - مستقبل الكيان التركي

 
د. مهدي كاكه يي

قبل الحديث عن مستقبل الكيان التركي الذي نحن بصدده و الذي هو إستخلاص لنتائج و تحليلات هذه الدراسة، أود التذكير بأهم المواضيع التي تناولتها هذه الدراسة. في البداية تم الحديث عن أصل الأتراك و موطنهم و هجرتهم من منطقة (توران) الواقعة قرب الصين، الى منطقة الشرق الأوسط قبل حوالي 900 عام و مراحل تأسيس الدولة العثمانية و بعض الحروب التي خاضتها و معاملة العثمانيين للشعوب الرازحة تحت إحتلالهم و إنهيار هذه الدولة. كما أنها تضمنتْ إبادة الأرمن من قِبل الإمبراطورية العثمانية و أزمة الهوية و الإنتماء التي يعاني منها الأتراك و عن حياة كمال أتاتورك و حكمه و حروبه و إستغلاله للشعب الكوردي في حروبه و في تأسيس تركيا الحالية. تطرقت المقالات بالتفصيل الى الأمن القومي التركي و عوامل القوة التي ترتكز عليها الدولة التركية. تم كذلك التركيز على مكامن ضعف هذه الدولة و تحديد العوامل المُسببة لضعف الدولة التركية من عوامل تأريخية و إقليمية و دولية و عوامل داخلية، كضعف الإقتصاد والتأخر في مجال البحث العلمي و العيش في الماضي، في أحلام الإمبراطورية العثمانية و التربية العنصرية المبرمجة للأتراك و أزمة الديمقراطية و حقوق الإنسان في تركيا و النزاع بين العلمانيين و الإسلاميين و الإضطهاد الذي تتعرض له الشعوب و القوميات غير التركية مثل الشركس و اليونانيين و الأرمن و الشعب الكوردي و كذلك العلويين و الشيعة و أصحاب الأديان الأخرى و الطوائف الإسلامية غير السُنّية. درستْ هذه السلسلة من المقالات أيضاً دور الكورد في تأسيس تركيا الكمالية و "المكافأة" التي تلقاها الشعب الكوردي لدوره الحاسم في تأسيس الجمهورية التركية الأتاتوركية و أسباب الثورات الكوردستانية ضد الحكومات التركية و الإنتفاضات و الثورات الكوردستانية في عام 1919 و 1920 و 1925 و ثورة آگري التي إندلعت في عام 1926. هذه الدراسة قامت أيضاً بتناول موضوع إعادة الوعي القومي الكوردي نتيجة ظهور حزب العمال الكوردستاني و نضاله المسلح، و الأخطاء الإستراتيجية التي وقع فيها هذا الحزب و بروز ظروف إيجابية للقضية الكوردستانية بسبب التطورات العالمية و الإقليمية و الداخلية و خوض الكوردستانيين الشماليين لنضال طويل و تقديمهم تضحيات جسيمة دون تحقيق أهداف شعب كوردستان. الحلقات الأخيرة هي حول حاجة الكوردستانيين الى إستراتيجيات تنظيمية و تثقيفية كبرى، كتوحيد اللغة الكوردية و تعليم الكورد لغتهم الأم و تعريف الشعب الكوردي و العالم بالتاريخ الكوردي العريق، حيث أن كوردستان هي مهد السلالات البشرية الأولى و كذلك مهد البشرية الثانية، حيث رست سفينة نوح على أعالي جبل جودي (گوتي) عند حدوث الطوفان الذي يُحدثنا التأريخ عنه. كما تُركز عدة مقالات من هذه السلسلة على تطوير الإقتصاد الكوردستاني و القيام بالإستثمارات و تأسيس صندوق مالي لتمويل كافة النشاطات و الفعاليات الجارية في كوردستان في مختلف المجالات و تطوير الحياة الإجتماعية و الثقافية للكوردستانيين القاطنين في كوردستان و في مدن الدول المحتلة  لكوردستان و للجاليات الكوردستانية في البلدان الغربية و تكوين و تنظيم لوبي كوردستاني فعال من الجاليات الكوردستانية. إحدى المقالات الأخيرة قيّمت الكفاح المسلح الكوردستاني و مدى جدواه و تتناول الحلقات الأخيرة ضرورة إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية و إختيار برلمان كوردستاني و تأسيس مجلسٍ للأمن الوطني الكوردستاني و رفع شعار إستقلال كوردستان و ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان و تأسيس جيش كوردستاني موحّد و أخيراً إختيار وسائل سلمية حضارية للنضال الكوردستاني التي تتطلبه الظروف العالمية و الإقليمية المستجدة و التطور الحاصل في نمط النضال التحرري و بروز مفاهيم و أفكار و قيم متطورة للإنسان المعاصر.

تواجه تركيا الكثير من المشاكل التي تهدد وجودها ككيان سياسي في المنطقة. إنّ بعضاً من هذه المشاكل لها جذور تأريخية تعاني منها تركيا منذ أن نزح الأتراك من بادية الصين الى منطقة الشرق الأوسط، حيث إستوطنوا و إستقروا فيها و من ثم أقاموا الإمبراطورية العثمانية على أوطانٍ تعود لشعوب عاشوا فيها منذ فجر التأريخ. كما أن القسم الآخر من هذه المشاكل هي عبارة عن مشاكل تتعلق بأزمة الهوية و الإنتماء و إنتشار الفكر العنصري بين الأتراك و التأخر الإقتصادي و العلمي و العداء التركي مع جيرانها و شعوب دول المنطقة و قضية عدم الإعتراف بحقوق الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف العائشة ضمن الكيان التركي و تقييد حريات المواطنين الأتراك و عدم إحترام حقوق الإنسان و العيش في أحلام الإمبراطورية العثمانية و بروز بيئة ملائمة لنمو الفكر الإسلاموي وتعشعش المنظمات الإسلامية الإرهابية و إزدهارها في تركيا.

أزمة الهوية و الإنتماء
إن الأتراك يجدون أنفسهم غرباء في المنطقة و يعيشون على أراضٍ تأريخية تعود للكورد و الأرمن و اليونانيين و البلغاريين و يفتقدون الى جذور تأريخية و ثقافية و حضارية تربطهم بالأرض التي يعيشون عليها و تشدّهم الى الشعوب الساكنة في المنطقة. لهذا السبب و لأسباب ثقافية و دينية و مذهبية و سياسية و إقتصادية، فأنهم يجدون أنفسهم وحيدين محاطين من كل الجهات ب"الأعداء"، من قِبل الشعوب الكوردستانية و اليونانية و البلغارية و الأرمنية و العربية و الفارسية. هذه الأسباب تجعل الأتراك قلقين، يشعرون بشكل دائم بأن وجودهم مهدد في المنطقة ككيان سياسي و هذا ما يدفعهم الى التلويح بالقوة و تهديد الغير و الإستيلاء على أراضي الآخرين و العمل على تقييد الحريات و الحد من الممارسات الديمقراطية في البلاد كوسيلة لضمان الأمان و الإطمئنان النفسي على إستمرارية الوجود و مواصلة البقاء.

من جهة ثانية، تجد تركيا نفسها تفتقد الى الإنتماء، حيث أنها تائهة لا تعرف هل أنها دولة أوروبية أو تركية أو إسلامية أو شرق- أوسطية أو تنتمي الى الدول المطلة على البحر الأسود! هذه مشكلة حقيقية تؤرق الأتراك و تهدد الكيان التركي في المنطقة، لغربتهم عنها و لضياعهم بين إنتماءات عديدة، لا تتوفر فيهم شروط الإندماج في إحداها و كسب هوية محددة و إنتماء معيّن ينقذهم من الضياع و المستقبل المجهول.

العداء التأريخي و الحضاري و الديني و التباين الثقافي بين الأتراك و الأوروبيين بالإضافة الى العامل الإقتصادي، من العوامل المهمة التي تقف حجر عثرة أمام تركيا في طريقها الى الإتحاد الأوروبي، حيث أن الأتراك قد إحتلوا العديد من البلدان الأوروبية في عهد الدولة العثمانية. الإختلاف الديني بين (تركيا) المسلمة و أوروبا المسيحية عقبة كبيرة أخرى أمام حصول تركيا على عضوية الإتحاد الأوروبي، حيث أن الكمالية التي أصبحت شعاراً ونهجاً للحكم التركي، فشلت في خلق مجتمع علماني في تركيا. يقتصر الفكر الكمالي في الوقت الحاضر على مدينة أنقرة و بعض المدن الأخرى، بينما لا زال القرويون و الريفيون محتفظين بثقافتهم الإسلامية و خير دليل على ذلك هو تسلّم الإسلاميين الحكم في تركيا بأغلبية ساحقة من الأصوات في الإنتخابات البرلمانية التي تم إجراؤها في السنين الأخيرة.

بحكم الموقع الجغرافي لتركيا و كون غالبية شعبها مسلمون و الثقافة الإسلامية و الشرقية للشعب التركي، فأن تركيا تجد نفسها جزء من منطقة الشرق الأوسط و المجتمعات الإسلامية، حيث أنها عضوة في منظمة المؤتمر الإسلامي. عوامل عديدة تعرقل تكامل تركيا مع محيطها في المنطقة. من أسباب ضعف الوشائج التركية مع بلدان المنطقة هو إنقطاع التواصل التركي مع شعوب الشرق الأوسط منذ تأسيس تركيا الحديثة، حيث إتجهت نحو الغرب بإنتهاجها نظاماً علمانياً غربياً و محاولتها القضاء على الثقافة و العادات و التقاليد الإسلامية و العمل على تبنّي الثقافات الأوروبية و التي نتجت عنها ضعف العلاقات الثقافية و السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية بينها و بين دول المنطقة و المجتمعات الإسلامية. كما أن عضوية تركيا في الحلف الأطلسي، ربطتها سياسياً و عسكرياً بالعالم الغربي. العداء التأريخي بين الأتراك و شعوب المنطقة، و خاصة العرب و الكورد و الفرس هو عامل آخر يلعب دوره في التنافر بين الأتراك و هذه الشعوب، حيث تعرضت هذه الشعوب للإستعمار التركي خلال حكم العثمانيين و عانت هذه الشعوب من مظالم و بطش و تنكيل و تجويع و حروب لا نهاية لها على أيدي الأتراك.

العنصرية
يتم تلقين الطفل التركي، منذ صغره في المدارس بالأفكار العنصرية و يعلّموه ترديد عبارة (يكون سعيداً مَن يكون تركياً!!). هذا الفكرالعنصري الذي يتشبع به الإنسان التركي، يجعله لا يعترف بحق الآخر غير التركي في الوجود. من نتائج هذه الآفة الشوفينية هي إنكار الأتراك لحقوق الشعوب والقوميات الأخرى في تقرير مصيرها، بل ينكرون وجودها و يعتبرون هذه الشعوب و القوميات ما هي الا أتراكاً، كما هو الحال مع الكورد في الشمال الكوردستاني الذين يطلقون عليهم إسم "أتراك الجبال". هذه العقلية العنصرية أكسبت الشخصية التركية العنف و العدوان و رفع شعار إخضاع الشعوب و القوميات الأخرى بكل الوسائل و منها إستخدام العنف و القوة.

العلمانيون و الإسلاميون
إن الإسلام السياسي لا يؤمن بالديمقراطية و تداول السلطة لأنه يحمل فكراً شمولياً، و دخوله معترك السياسة و التظاهر بقبول النظام الديمقراطي ما هو إلا وسيلة للإنقضاض على الحكم و من ثم فرض أفكاره البدائية على الشعوب التي يحكمها. بعد تسلّم حزب العدالة و التنمية الإسلامي الحكم و إستمراره في السلطة لسنين عديدة، بدأ الحزب يحاول تطبيق القوانين الإسلامية في تركيا، مثل إرتداء النساء للحجاب و تشجيع الناس على الإمتناع عن تناول المشروبات الكحولية و غيرها، حيث أن الفكر الإسلامي السياسي يستغل المبادئ الديمقراطية لإستلام الحكم و ينتهز الفرص المناسبة لفرض نفسه على المجتمع. الصراع بين الإسلاميين و العلمانيين، سيؤثر سلباً على الحياة السياسية و الإقتصادية و يُؤدي الى حالة من الفوضى و عدم الإستقرار و بالتالي يقود الى إضطراب الحياة السياسية و التأخر في التنمية الإقتصادية و الإجتماعية و يُضعف مقومات الأمن القومي التركي.

الديمقراطية و حقوق الإنسان
إن إنتشار المبادئ الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان و حرية التعبير و الفكر و الصحافة، يُشكّل تهديداً جدّياً لإستمرار الكيان السياسي التركي، حيث أن نمو وعي الشعب الكوردي و القوميات الأخرى و كذلك الطوائف الدينية غير المسلمة مثل العلويين و الإيزيديين و غيرهم، و الطوائف الإسلامية غير السُنّية، مثل الشيعة الذين تبلغ نفوسهم في تركيا أكثر من ثلاث ملايين نسمة، و عيش هؤلاء في ظل حكم ديمقراطي حر، سيقود الى المطالبة بالتمتع بحريتهم و حقوقهم و بالتالي إستقلال شمال كوردستان و فقدان الأتراك السُنّة لمقاليد الحكم، الذي يتربعون عليه منذ الحكم العثماني الى الآن.

من جهة أخرى فأن القيادات السياسية التركية عاجزة عن الوقوف بوجه إنتشار المبادئ الديمقراطية و مبادئ حقوق الإنسان و حقوق الشعوب و القوميات و الأقليات الإثنية و الدينية و المذهبية في عصرنا الحاضر، عصر العولمة.

التغييرات العالمية و الإنجازات العلمية جعلت من كوكبنا مجرد قرية صغيرة يتواصل و يتفاعل سكانها مع البعض. هذا الواقع المستجد يعطي زخماً كبيراً لمنظمات المجتمع المدني و المنظمات الإنسانية و الدينية المدافعة عن حقوق الشعوب و كرامة الإنسان و عملَ و يعمل على تقوية نفوذ و دور الرأي العام العالمي و المحلي في التأثير على القرارت العالمية المتعلقة بحقوق الشعوب و القوميات و الطوائف الدينية و المذهبية و الأفراد، و تحسين الظروف السيئة اتي تعيش فيها. كما أنّ هذه التطورات العالمية منحت دوراً محورياً للإعلام و الصحافة للتأثير على الأحداث و كشف الواقع السئ الذي تعيش في ظله الشعوب و القوميات و الأقليات المضطهدة و واجب الدفاع عن حقوقها. هذه الثورة الإنسانية  تعمل أيضاً على تسهيل إيصال صوت الشعوب و الأفراد المضطهدة و المستعبدة الى العالم لإنصافها و تحريرها من الإستعباد و إنقاذها من الظلم و الإضطهار و القهر.

العولمة و ثورة المعلومات و الإتصالات أزالت الحدود الدولية و جعلت شعوب الأرض في تواصل مستمر و دائم مع بعضها. هذه الثورة أثرت و تؤثر بشكل سلبي على الكيان السياسي التركي بطريقتين؛ الأولى: أنها تفضح الجرائم التي ترتكبها الحكومة التركية بحق شعب كوردستان و العلويين و الأقليات الدينية و القومية في تركيا و تكشف الإضطهاد و خرق حقوق الإنسان الذي يتعرضون لهما. الطريقة الثانية هي من خلال توعية الشعوب و الأفراد التي تقوم بها هذه الثورة المعلوماتية و الإتصالاتية من إنترنت و فضائيات و موبايل و التجمعات الإقتصادية و السياسية و حرية و سرعة إنتقال الرأسمال و الأفراد و زيادة التواصل و التلاقح بين الأفراد و الشعوب و الجمعيات و الثقافات و تشابك المصالح و تلاقيها. هذه الثورة الإنسانية الكبرى لا تدع النظام التركي أن ينفرد بالشعب الكوردي في الشمال و العلويين و غيرهم، و أن يخنق صوتهم بعيداً عن أنظار العالم. من جهة أخرى فأن العولمة تُزيد من الوعي القومي لهؤلاء المضطهدين و الذي يدفعهم الى زيادة وتيرة نضالهم لتحقيق أهدافهم في الحرية و التمتع بحقوقهم. كما أنّ العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات ستؤثر بشكل إيجابي على الإنسان التركي و تُغيّر عقليته العنصرية و غطرسته.

التخلف الإقتصادي و العلمي
بسبب العداء التركي المتزايد للرأسمال الأجنبي في تركيا و بسبب المشكلة السورية و إندلاع الإحتجاجات الأخيرة المناهضة للحكومة التركية التي حصلت في مدن تركية عديدة، و خاصةً في إسطنبول، فأن الكثير من المستثمرين قد تركوا تركيا و أنهم لا يودون المخاطرة بإستثمار رؤوس أموالهم في تركيا بسبب الظروف غير المستقرة فيها.

للأسباب الآنفة الذكر، لقد فقد مؤشر بورصة إسطنبول ثلث قيمته و إنخفضت قيمة الليرة التركية إلى مستويات قياسية، حيث فقدت 20 ٪ من قيمتها مقابل الدولار و إرتفعت عائدات السندات إلى 10% و فشل البنك المركزي التركي في وقف هذا الإنخفاض الناتج عن إخراج المليارات من الدولارات من البلاد، بالرغم من صرفه أكثر من 15% من الإحتياطي الصافي له. الإنكماش الحاصل في نمو الإقتصاد التركي، يفنّد إدعاء الحكومة التركية بأن الإقتصاد التركي قد تفادى الكساد الإقتصادي. يذكر السيد (ميرت يلدز)، كبير الإقتصاديين في بنك (برقان) تركيا بأن الإقتصاد التركي يواجه أزمة كبيرة و سينمو بشكل بطئ يُشبه الركود الإقتصادي لسنين عديدة. في عام 2011 إزداد العجز في الحساب الجاري في البلاد الى مستوى قياسي الذي كان مقداره 78,4 مليار دولار أي 10% من إجمالي الناتج القومي التركي و إنخفض النمو الإقتصادي من 8,8% الى 2,2%. يتوقع البنك الدولي أن يصل التضخم في تركيا إلى 6.1 في المائة في عام 2013. كانت الأزمة الإقتصادية العالمية تؤثر بشكلٍ سلبي أكثر على الإقتصاد التركي، إلا أن التطورات السياسية التي حصلت في العراق و بلدان شمال أفريقيا ساعدت الإقتصاد التركي على الصمود، حيث أن هذه البلدان أصبحت سوقاً رائجة للمنتوجات و الشركات التركية، لا سيما في جنوب كوردستان و العراق، حيث عقدت الحكومة التركية إتفاقيات مجحفة مع حكومة جنوب كوردستان، من خلال الضغط السياسي و العسكري، و تقوم بشراء البترول و الغاز الكوردستاني بأسعار رخيصة جداً قياساً لأسعار النفط و الغاز في الأسواق العالمية.

إن تقدم البحث العلمي في أي بلد هو من أهم الشروط المحددة لتقدم ذلك البلد و تطوره و أنه من أهم مستلزمات و متطلبات تطور البلدان و رفاهية شعوبها، غير أنّ (تركيا) لا تزال تفتقد الى الإيفاء بهذا الشرط الأساس لتستطيع مواكبة الدول المتقدمة، حيث أن تركيا هي من الدول المتخلفة في هذا المجال و تفصلها عن الدول الصناعية المتطورة مسافات طويلة. على سبيل المثال، هناك 70 عالماً لكل عشرة آلاف شخص في الدول الغربية، بينما يقابله سبعة علماء فقط في تركيا. في الدول المتقدمة، يتم تخصيص نسبة تتراوح بين 1 و 3% من الدخل القومي للأبحاث، بينما تبلغ هذه النسبة في (تركيا) 2 في الألف (0.002). يُشكل البحث العلمي في مجال القطاع الصناعي في الدول الغربية 70% من البحوث، بينما لا تتجاوز هذه النسبة 10% في تركيا.

الإصطفاف الطائفي في المنطقة
إنقسمت سكان دول منطقة الشرق الأوسط الكبير الى فريقَين طائفييَن عدوَين، الفريق السُنّي بقيادة كل من السعودية و تركيا و الفريق الشيعي بقيادة إيران. بالرغم من الإتفاق المؤقت الذي تم إبرامه بين إيران و الدول الغربية حول الحد من البرنامج النووي الإيراني، فأنه من المتوقع أن تفشل هذه الإتفاقية لأسباب عديدة، و من أهمها معارضة إسرائيل لها لتخوفها من إستغلال إيران لهذه الإتفاقية و التمكن من أن تصبح دولة نووية، كما أن السعودية، بأموالها الضخمة تحاول بكل قوة إفشال الإتفاقية المذكورة و بلغ بها الذعر و الهلع لدرجةٍ تفكر بشراء سلاح نووي من باكستان. كما أن الطموحات الإيرانية في صنع أسلحة نووية و خلق توازن في القوة مع إسرائيل، لا يمكن أن تتوقف، بل سيستمر الإيرانيون بشكل سري في تطوير برنامجهم النووي لأغراض عسكرية. هذا التخندق الطائفي و إمكانية إندلاع حروب مذهبية مدمرة في المنطقة، سيؤثر على تركيا و على مستقبل وجودها ككيان سياسي، بالإضافة الى إضطرارها تخصيص مبالغ طائلة لتطوير قوتها العسكرية و التي بدورها تؤثر سلباً على إقتصادها المتدهور. 

تركيا و المصالح الغربية و الإسرائيلية   
بدأت تظهر معالِم تعارض المصالح التركية مع المصالح الغربية في المنطقة، و خاصة الأمريكية و مع مصالح إسرائيل في مسائل عديدة. بالنسبة للمشكلة السورية، تريد تركيا إزالة الحكم العلوي في سوريا و إستلام الحكم فيها من قِبل جماعة إخوان المسلمين الرديفة لحزب العدالة و التنمية التركي. لهذا الغرض بدأت حكومة أردوغان بمساعدة التنظيمات الإسلاموية الإرهابية في سوريا لإيجاد نفوذ لها في توجيه مسارات التغيير في سوريا و في محاولة منها لمنع السكان الكوردستانيين من التمتع بحقوقهم في الحرية و الإستقلال في غرب كوردستان، بينما الدول الغربية و إسرائيل لا تريد مجئ حكم إسلامي متشدد في سوريا و إنتشار الفوضى في بلد يجاور إسرائيل. الخلاف التركي – الغربي في مسألة إزاحة الرئيس المصري السابق مرسي عن الحكم من قِبل الجيش المصري و كذلك في مسألة الإتفاق المؤقت بين الدول الغربية و إيران حول البرنامج النووي الإيراني، بالإضافة الى علاقات تركيا مع كل من جنوب كوردستان و الحكومة العراقية. من المتوقع أن تتعمق هذه التقاطعات في المصالح مع تطور الأحداث في المنطقة.

نمو الإحتجاجات الشعبية
توجّهْ حزب العدالة و التنمية الحاكم في تركيا نحو تطبيق الشريعة الإسلامية بالتدريج و تدهور الإقتصاد التركي، حيث البطالة، و خاصة في صفوف الشباب و فشل السياسة الخارجية التركية فيما تخص العلاقات التركية مع دول الجوار و دول المنطقة و تخلف عقلية الحكام الأتراك عن مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية، قد تؤدي الى إندلاع إحتجاجات و تظاهرات شعبية كبيرة تُطيح بحكومة أوردغان و تنتشر الفوضى و تندلع حرب أهلية بين الأتراك و الكورد و بين العلويين و الأتراك السُنّة و التي قد تقود الى إنهيار الكيان السياسي التركي و إستقلال شمال كوردستان و ظهور دولة علوية و دولة سُنية تركية. في هذه الحالة قد تتدخل كل من بلغاريا و أرمينيا و اليونان لإستعادة أراضيها التي تحتلها تركيا.

تعاظم الدور الكوردستاني في المنطقة
إن الكوردستانيين بعد أن كان يتم إستغلالهم من قِبل محتلي كوردستان في ظل الحرب الباردة، برزوا كقوة مؤثرة في المنطقة بعد إنتهاء الحرب الباردة و ظهور إقليم جنوب كوردستان و أخيراً تأسيس الإدارة الذاتية في غرب كوردستان. إن تطور القضية الكوردستانية و تعاظم دورها سيؤديان بكل تأكيد الى إعادة رسم خارطة الشرق الأوسط بشكل منصف، تحترم إرادة شعوب المنطقة و تتجاوب مع تطلعات شعوب المنطقة في الحرية و الإستقلال. في هذه الحالة، فأن شمال كوردستان سيستقل و بذلك يؤثر في الصميم على تركيا ككيان سياسي في المنطقة، حيث تُقدّر نفوس سكان إقليم شمال كوردستان بحوالي 25 مليون نسمة أي بنسبة 36% من المجموع الكلي لسكان تركيا البالغة حوالي 70 مليون نسمة و هذا العدد الكبير لكوردستانيي الشمال سيُغيّر المعادلات و التوازنات في القوة في المنطقة. في هذه الحالة أيضاً قد تتدخل دول جوار تركيا لتحرير أراضيها من الإحتلال التركي. 

علاقات تركيا مع دول الجوار
بالنسبة الى الشعوب المسيحية الجارة لتركيا مثل الشعب اليوناني و البلغاري و الأرمني، فأنّ العداء التأريخي و الحضاري و الديني و التباين الثقافي بين الأتراك و هذه الشعوب من العوامل المهمة التي أدت إلى إستفحال حالة العداء المزمن بين الشعوب المذكورة و الأتراك. إنّ الأتراك قد إحتلوا العديد من البلدان الأوروبية في عهد الدولة العثمانية، و وصلت القوات التركية الى أسوار مدينة فيينا. كما قام العثمانيون بقتل الكثير من الأوربيين و إختطفوا عشرات الآلاف من الأطفال الأوروبيين و قاموا بعزلهم و تربيتهم و ترسيخ الأفكار الإسلامية في عقولهم و من ثم تشكيل الجيش الإنكشاري منهم و إستعمالهم وقوداً لحروب العثمانيين لإحتلال الدول الأخرى و إستعباد شعوبها. كما أن التأريخ يُحدثنا عن الإبادة المروعة التي تعرض لها الأرمن من قِبل العثمانيين، حيث تمت إبادة أكثر من مليون أرمني.

العثمانيون إحتلوا العراق و سوريا و السعودية و غيرها و تم إستعباد شعوب هذه الدول، بالإضافة الى الخلاف الطائفي للأتراك مع شيعة هذه الدول. أما العلاقة السيئة لتركيا مع إيران، فأنها ناتجة عن أسباب تأريخية و مذهبية، حيث خاضت الدولتان العثمانية و الصفوية حروباً كثيرة ضد بعضهما البعض. كما يعود الخلاف بين هاتين الدولتين الى المنافسة بينهما على النفوذ و المصالح الإقتصادية في المنطقة.

العلويون
تبلغ نفوس العلويين (الكورد و الأتراك) في تركيا حوالي 20 مليون نسمة أي نسبتهم هي حوالي 30% من المجموع الكلي لسكان تركيا. لو نقوم بتحديد نفوس العلويين الأتراك فقط إستناداً الى نسبة نفوس الكورد في تركيا، فأن نفوسهم تبلغ حوالي 13 مليون علوي تركي. يُعاني العلويون من التفرقة المذهبية و الإضطهاد في تركيا و لا يتمتعون بحقوقهم الدينية و المدنية. لذلك فأن العلويين الأتراك المضطهدين هم حلفاء طبيعيين للكوردستانيين و يمكنهم التحالف مع البعض للنضال معاً في تحقيق أهدافهم.

كما أن هناك أقليات دينية و مذهبية و قومية في تركيا. أعداد الشيعة في تركيا تصل الى حوالي ثلاثة ملايين نسمة. إستناداً الى هذه الأرقام و مع أخذ نفوس القوميات الأخرى غير المذكورة هنا بنظر الإعتبار المقدرة بحوالي 3 ملايين نسمة، نتوصل الى أن نفوس الأتراك السُنة الذين يحكمون تركيا تبلغ حوالي 26 مليون نسمة أي حوالي 37% من المجموع الكلي لسكان تركيا و بذلك فأن نفوس الأتراك السُنة هي أقل بكثير من نفوس الكورد و العلويين معاً الذين يبلغ تعدادهم حوالي 38 مليون نسمة أي أكثر من 54% من المجموع الكلي للسكان. كما أنّ هناك دراسات تشير الى أن نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و تركيا ستصبح أكثر من نفوس الأتراك بحلول عام 2020.

القوى الإسلامية الإرهابية
تُمثّل تركيا بيئة خصبة لنمو و ترعرع تنظيم القاعدة و الحركات الإسلامية المتطرفة الأخرى. إن شعبية حزب العدالة و التنمية الإسلامي خير دليل على قوة العامل الديني للمجتمع التركي و ضعف الفكر الليبرالي و العلماني فيه. لهذه الأسباب فأن تركيا هي مرشحة لتكون قاعدة كبيرة للمتطرفين الإسلاميين و أن يُشكلوا خطراً كبيراً على الأمن في تركيا و في المنطقة من خلال عمليات عسكرية و تفجيرات تقود الى زعزعة الكيان السياسي التركي.

العيش في أحلام الإمبراطورية العثمانية
إنّ الأنظمة التربوية التركية و المؤسسات الثقافية و الإعلامية فيها، خلقت أجيالاً تركية خيالية، تم تخديرها بأمجاد الأتراك و تأسيسهم للإمبراطورية العثمانية و حُكمهم لكثير من الشعوب و الدول في كل من قارة آسيا و أوروبا خلال تلك الحقبة الزمنية. هذه العملية التربوية خلقت عقليات تتوهم بأنّ الزمن قد توقف منذ الحكم العثماني و أنّ الأتراك لا يزالون قادرين على التحكّم بمصائر الشعوب و القوميات، كما كانوا يفعلونها خلال الحكم العثماني. هذه التربية رسخت في عقل المواطن التركي التفكير بعقلية زمن الإمبراطورية العثمانية. كما أن هذه التربية خلقت، بشكل عام، شخصية تركية متغطرسة، تؤمن بتفوقها على الشعوب الأخرى و بكونها أحسن و أرقى من هذه الشعوب. من نتائج هذه التربية أيضاً هي إعتقاد الأتراك بأنّ الشعوب و القوميات غير التركية هي أدنى مستواً منهم و ما على هؤلاء إلا أن يكونوا تابعين لهم، كما صرح بذلك بعض القادة الأتراك بكل صراحة. من جهة أخرى، فأنّ هذه التربية الإستعلائية تُسبب الإحباط و اليأس عند المواطن التركي، حينما يتأكد من أنّ الواقع يُفنّد ما غُرس في عقليته، حين يكتشف بأن تركيا هي بلد شرقي فقير و متأخر، تتحكم فيه الدول الكبرى و أنّ الكثير من الشعوب الأخرى لها مستواً معاشياً أعلى بكثير من ذلك الذي لدى الشعب التركي.

من خلال دراسة المخاطر التي تواجهها تركيا و التي تم تحديدها في هذا المقال، يمكن الإستنتاج بأن تركيا، ككيان سياسي، تتجه نحو التفكك و أن شمال كوردستان في طريقه نحو الإستقلال و أن القضية الكوردستانية و العلوية و زيادة وعي الشباب التركي ستكون عوامل حاسمة في التسبب في إنهيار الدولة التركية. كما لا يمكن الإستهانة بدور العوامل الأخرى المذكورة في هذا المقال في إضعاف الكيان التركي و بالتالي إنهياره.

mahdi_kakei@hotmail.com






147
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (6) – أسلاف الكورد: الخوريون – الميتانيون

1. أصل الخوريين وموطنهم
 
د. مهدي كاكه يي

كان أسلاف الكورد، الذين كان موطنهم الأصلي هو سلسلة جبال زاگُروس، يتكونون من قبائل وفروع عديدة. خلال المراحل التأريخية التي مرت على الشعب الزاگُروسي، تم حُكم كوردستان من قِبل قبائل عديدة من هذه القبائل الزاگُروسية التي كانت تحمل أسماءً مختلفة، مثل القبائل اللولية والگوتية والسوبارية والإيلامية والسومرية والخورية و الميدية و غيرها من القبائل التي هي أسلاف الكورد. لذلك فأن الممالك و الإمبراطوريات التي أقامها أسلاف الكورد كانت تحمل إسم القبائل التي قامت بتأسيسها، مثل إيلام وسومر وسوبارتو وميديا وغيرها. هكذا فأن الخوريين بدورهم هم من الأقوام الزاگروسية التي تنتمي الى الشعوب الهندو- آرية. إسم الخوريين مذكور في التوراة بصيغة (الحوريون)(2:36-3).

لم يجرِ تغيير إثني على سكان بلاد سوبارتو التي كانت تشمل كلاً من "أراپخا وناوار وپاراخشي" وغيرها من المقاطعات، بل أن أسماءهم قد تغيّرت، لذلك حل إسم "الخوريون" محل إسم "السوباريين" بعد عصر حمورابي (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 26؛ مصدر رقم 1). يقول "هيرزفيلد" بأنه يظهر من نصوص "بوغاز كوي" التي ترجع تأريخها الى ما قبل عام 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون اللغة الأكدية ب"بابيبيلي" وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابل وسمّوا لغة بلاد سوبارتو ب"خوريلي" (مصدر رقم 1). هذا يعني بأن الخوريين ينتمون الى السوباريين. السوباريون بدورهم هم من الأقوام الجبلية الزاگروسية الهندو - آرية كما هو الحال بالنسبة للگوتيين و الكيشيين وغيرهم من أسلاف الشعب الكوردي.

يذكر (گلب) بأن الخوريين برزوا في التأريخ منذ منتصف الألف الثالث قبل الميلاد و أقرب لغة لهم هي اللغة الأورارتية، بل على الأرجح أن اللغة الأورارتية تنحدر من اللغة الخورية (مصدر رقم 2). يستطرد (گلب) في سرده فيقول بأنه في النصف الثاني من الألف الثاني قبل الميلاد، إنتشر الخوريون في منطقة الشرق الأدنى و تغلغلوا في شمال بلاد ما بين النهرين وكانت من مراكزهم المهمة "نوزي" (مدينة كركوك الحالية) و أقاموا مملكة "ميتاني" في شمالي بلاد ما بين النهرَين وكانت لغتهم من اللغات الهندوأوروبية وأن الخوريين وصلوا أيضاً الى غرب كوردستان الحالي.

كما يقول الدكتور جمال رشيد أحمد بأن الخوريين ظهروا منذ الألف الثالث قبل الميلاد وجاء في السجلات المسمارية في الألف الثاني قبل الميلاد بأن الخوريين كانوا سكان المناطق الواقعة على نهر الزاب الصغير وسهول بيتوانه وكركوك والموصل ووان والجزيرة ووديان نهر الخابور وصولاً الى مدينة حلب الحالية وأطرافها (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان العراق، الطبعة الأولى، 2003، صفحة 601).

إن الدولة الميتانية إمتدت من بحيرة وان الى أواسط نهر الفرات الأعلى ومن جبال زاگروس حتى الساحل السوري و كانت غالبية سكانها من الخوريين (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 489؛ جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، 1986، صفحة 129؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 131).

يذكر العالِم (هورست كلينكل) بأن الخوريين بدأوا بالظهور في غرب كوردستان الحالي منذ مطلع الألف الثالث قبل الميلاد وحكموا عدداً من المناطق هناك (هورست كلينكل: حمورابي البابلي و عصره، ترجمة محمد وحيد خياطة، دار المنارة للنشر والتوزيع والترجمة، الطبعة الأولى، 2003).

عاش الخوريون في منطقة تمتد من جبال زاگروس الى منابع نهر الفرات أي في جنوب و غرب كوردستان الحاليين (اسكندر داود: الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. مطبعة الترقي، ‏1959،صفحة 119). من جهة أخرى، يقول الدكتور نعيم فرح بأنه منذ منتصف الألف الثاني قبل الميلاد، عاش الخوريون في جنوب وغرب كوردستان الحالييَن و في القرن الخامس عشر والرابع عشر قبل الميلاد، كانت حدود هذه المملكة تمتد من جبال زاگروس الى البحر الأبيض المتوسط ومن بحيرة وان الى آشور وأن الخوريين – الميتانيين كانوا في أوج قوتهم في القرن السادس عشر قبل الميلاد (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم. دارالفكر، 1973، صفحة 198). كما يذكر(Robert Antonio) بأن المنطقة الممتدة من شرق دجلة الى سلسلة جبال زاگروس، كانت موطناً للخوريين (مصدر رقم 3).

يشير الدكتور احمد محمود الخليل الى أن (وليام لانجر) يذكر بأنه في حوالي عام 1690 قبل الميلاد بدأ الخوريون يهاجرون من موطنهم و ينتشرون في مناطق تمتد من وان شمالاً الى مناطق شَوشاره ونوزي الواقعة قرب مدينة كركوك جنوباً والى شمالي الموصل غرباً (الدكتور احمد محمود الخليل: تاريخ مملكة ميتّاني الحورية، 2013، صفحة 12؛ وليام لانجر: موسوعة تاريخ العالم. أشرف على الترجمة د. محمد مصطفى زيادة، الطبعة الأولى، القاهرة، 1963، صفحة 62)، بينما يذكر المؤرخ البروفيسور كمال مظهر أحمد بأن مدينة "نوزي" هي نفسها مدينة كركوك الحالية وأن الخوريين أطلقوا هذا الإسم على هذه المدينة (الدكتور كمال مظهر أحمد: كركوك وتوابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 7).

تتحدث المصادر السـومرية عن حملات ملوكهم إلى ممالك الخوريين، وتكشف عن أهمية المدينة الخورية (خمازي) آنذاك. كما تتحدث نقوش الملك الأكدي شرُّكين (سرگون الأول) (2340 - 2284 قبل الميلاد) عن حملاته المتكررة الى بلاد الخوريين، خاصةً إلى المدينة الخورية (سيمورّم). إبتداءً من عهد حُكم (نارام سين) (2259- 2223 قبل الميلاد)، بدأت المدونات الأكدية المسمارية تتحدث عن الخوريين في بلاد سوبارتو وعن حملاته ضد ملوكهم، وكان أبرزهم الملك (تخيش أتل) حاكم (أزوخينم) الواقعة في غربي دجلة ووصول قواته الى مناطق مختلفة في بلاد الخوريين. كما أن المصادر البابلية والآشورية في عهد الملك البابلي (حمورابي) والملك الآشوري (شمشي أدد) المكتشفة في مملكة ماري، تُظهِر بأن الدولة الخورية كانت تضم غرب وجنوب كوردستان الحاليين، وتمتد الى شرقي نهر دجلة و جبال زا گروس.

إستوطن الخوريون مدن مختلفة في كوردستان، مثل خوزي و أربيل و مناطق قريبة من مدينة أورمية الواقعة في شرقي كوردستان و مدينة (أوركيش) التي تبعد عن مدينة عامودا الواقعة في غرب كوردستان بحوالي 8 كيلومترات.

الملك الآشوري (إشمي) الذي إستلم الحكم بعد الملك (شمشي أدد) الذي حكم من عام 1814 الى عام 1782 قبل الميلاد، إستطاع الإستمرار في حكم بلاد آشور، إلا أنه لم يستطع بسط نفوذه على شمال بلاد الرافدَين، حيث ظهرت في هذه المنطقة عدة سُلالات حاكمة من الخوريين، مثل أتَل شني (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 44). من الجدير بالذكر أن الخوريين (الميتانيين) حكموا بلاد آشور لفترة تصل الى حوالي 75 عاماً (حوالي 1450 - 1375 قبل الميلاد) (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ، دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، كوردستان العراق، الطبعة الأولى، 2003، صفحة251).

ظهر أول مملكة خورية في المنطقة السهلية الواقعة حول مدينة أوركيش (URKESH) خلال الألف الثالث قبل الميلاد في عهد الملك الأكدي نارام – سين (حوالي عام 2254 – 2218 قبل الميلاد). كانت مملكة أوركيش عبارة عن مقر ديني للخوريين ومركزاً للإله الخوري، كوماربي (Kumarbi) الذي هو سلف إله الطقس تشوپ (TESHUP) (مصدر رقم 4، 5).

في أواخر العصر البرونزي الأوسط (2000 – 1550 قبل الميلاد) وصل الخوريون الى فلسطين وإستقروا هناك، حيث توجهوا نحو الجنوب من خلال إجتياز منطقة البقاع ووادي الأردن (لاحظ الرابط الموجود في نهاية المقال). يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أسماء الأعلام الخورية المسجلة في ألواح "تَغنَك" التي تقع قرب مدينة جنين الفلسطينية، التي تم إكتشافها في وادي يَزرائيل (مرج ابن عامر)، تُظهر أن سكان هذه المنطقة كانوا من الخوريين، حيث أن "گوستاڤ"، في دراسةٍ له، إكتشف أن غالبية أسماء الأعلام في المنطقة المذكورة كانت خورية و ليست كنعانية. يضيف الدكتور جمال رشيد أحمد بأن هناك مناطق أخرى في فلسطين، كانت أسماء الأعلام الخورية هي السائدة فيها خلال أواسط الألف الثاني قبل الميلاد (الدكتور جمال رشيد أحمد: ظهور الكورد في التاريخ. دار آراس للطباعة والنشر، أربيل، الطبعة الأولى، صفحة 608، 609).

يذكر (روبرت أنتونيو) بأن الخوريين كانوا يُشكلّون جزءً كبيراً من سكان الإمبراطورية الحثية التي كانت قائمة في الأناضول وكانت الحضارة الحثية متأثرة بالحضارة الخورية (مصدر رقم 3).

يشير الدكتور جمال رشيد احمد بأن "جيجر" يذكر أن إسم الخوريين مرتبط بإسم الإله "خوارHVAR " إله الشمس، حيث لا يزال إسم الشمس باللغة الكوردية هو "خۆر" (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 25، 26). إن هذه التسمية في بلاد سوبارتو و تعميقها بمفهوم ديني ومن ثم بمفهوم قومي على جميع السكان الذين آمنوا بإله الشمس والنور في بلاد سوبارتو من گوتيين ولوليين وكاسيين، له مغزى تأريخي عظيم، حيث أنها تعني بأن هذه المجموعة البشرية كانت تعبد إلهاً مشتركاً و تقوم بأداء طقوس دينية مشتركة. الديانات التي كانت سائدة في بلاد سوبارتو، كانت تدّعي بأولوية وعظمة إله الشمس من بين الآلهة الأخرى. يستطرد الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه بأنه لا يزال إسم إله الشمس باقياً في نفس المنطقة بشكل "خورماتو" (طوزخورماتو، تازه خورماتو)، كما هو الحال مع إسم "باگاداتو" التي تحولت الى "باگادات" أي عطاء الإله باگا.

المصادر الأجنبية
1. Herzfeld, E. (1968). The Persian Empire. Wiesbaden, page 158.

2. Gelb, Ignace J. (1944). Hurrians and Subarians. Studies in Ancient Oriental Civilization No. 22. Chicago, University of Chicago Press,.

3. Antonio, Robert (2007), The Rise of the Hurrians, International World History Project.

4. Paul Thieme (1960). The 'Aryan Gods' of the Mitanni Treaties, Journal of the American Oriental Society 80, 301-317.

5. Güterbock, Hans Gustav (1950): "Hittite Religion"; in Forgotten Religions: Including Some Living Primitive Religions (ed. Vergilius Ferm) (NY, Philosophical Library, pp. 88–89, 103–104.

http://earlyworldhistory.blogspot.se/2012/03/hurrians.html
mahdi_kakei@hotmail.com







148
(تركيا)  .....   الى أين؟  (35) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

6. وسائل النضال الكوردستاني


د. مهدي كاكه يي

تميّز النضال الكوردستاني عبر مراحله المختلفة بإتباع النضال المسلح من خلال حرب العصابات في جبال كوردستان، حيث كان الكوردستانيون يلتجئون الى جبالهم المحصّنة في نضالهم من أجل التمتع بحقوقهم على أرضهم التأريخية، كوردستان. كانت الإستراتيجية المتبعة هي إستراتيجية دفاعية و كانت كوردستان الساحة الوحيدة لكافة الحروب التي خاضها الكوردستانيون ضد المحتلين. لهذا السبب تعرضت كوردستان و شعبها لأضرار بشرية و إجتماعية و إقتصادية و بيئية و صحية كبيرة جداً خلال النضال المسلح الذي جرى على أرض كوردستان. هكذا إستمر هذا النضال المسلح الكلاسيكي في القرن الماضي و القرن الحالي، حيث لم يعمل القادة الكوردستانيون على تطوير وسائل نضالهم لمواكبة التطورات الذاتية و الموضوعية للقضية الكوردستانية و التي كانت قد تقود الى تحقيق الهدف الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. هكذا جُعِلتْ من كوردستان ساحةً للحروب و الدمار، حيث تحطمت البنية التحتية لها و تشرّد و تسمّم شعبها و تسممت أرضها و هواؤها و مياهها و مزارعها و غاباتها، بينما سكان الدول المحتلة لكوردستان كانوا يعيشون في أمان، بعيدين عن أهوال الحروب و المعارك و كانت مدنها و قراها و مزارعها و مصانعها بعيدةً عن الحروب و لم تتعرض للخراب و الدمار.

ظهور عالمٍ جديد بعد إنهيار الإتحاد السوفيتي و إنتهاء الحرب الباردة و قيام ثورة كبرى في وسائل الإتصالات و تلقّي المعلومات، تجعل الوسائل السلمية الحضارية في النضال وسائل فعالة لتحقيق أهداف الشعوب في الحرية و الإستقلال، حيث تعيش البشرية اليوم في عصر العولمة و عصر تحرر الشعوب و تغيّرت على ضوئها أساليب النضال التحرري و حلّت الأساليب السلمية محل النضال المسلح و ها أن شعوب تونس و مصر وغيرهما أسقطتْ حكوماتها الدكتاتورية عن طريق التظاهرات و الإحتجاجات و العصيان المدني. هكذا فأن التطورات العالمية التي حصلت في الأعوام الأخيرة أوجدت وسائل جديدة للثورة و الدفاع عن النفس التي قد تكون أكثر فعّالية من الإلتجاء الى السلاح و في نفس الوقت فأن الوسائل السلمية هي أقل ضرراً بكثير من الثورات المسلحة.

تُقدّر نفوس كوردستان بحوالي خمسين مليون نسمة و تُقدّر مساحتها بحوالي نصف مليون كيلومتر مربع. لو يتم إستغلال جيد لهذا العدد السكاني الكبير من خلال توعيتهم و تنظيمهم، فأنهم، من خلال النضال السلمي سيتمكنون أن يفرضوا إرادتهم على محتلي كوردستان و على الدول الكبرى و سيكونون قادرين على التحرر من الإستعمار الإستيطاني و الإحتلال و إقامة دولة مستقلة و يصبحون قوةً بشرية و إقتصادية عملاقة في المنطقة، يلعبون دوراً محورياً فيها و يُغيّرون المعادلات و التوازنات الإقليمية القائمة و سياسة و إستراتيجيات القوى العالمية في المنطقة.

يجب وضع إستراتيجية صائبة لتوعية المجتمع الكوردستاني، و خاصةً الشباب، من خلال تعريفهم بالتأريخ العريق لأسلافهم و مساهماتهم الكبيرة في بناء صرح الحضارة الإنسانية و كذلك تعليمهم اللغة الكوردية و تثقيفهم من خلال تزويدهم بالعلوم و المعارف و المعلومات في مختلف المجالات لمساعدتهم في خلق شعبٍ مثقف، مؤهل لتحرير نفسه و بلاده. كما أن إيجاد لغةٍ كوردية موحدة هو من العناصر الأساسية في توحيد الكوردستانيين و جعلهم يتفاعلون مع البعض و يتجانسون في الفكر و الثقافة.

إن تنظيم الكوردستانيين يكون سهلاً عندما يكونون واعين و مشبعّين بالمبادئ الوطنية و يعيش في أعماقهم حُب الوطن و الشعور بالإنتماء لكوردستان و الإستعداد الكامل للدفاع عنها. يتم تنظيم الجماهير الكوردستانية من خلال التنظيمات السياسية و الطلابية و الشبابية و النسوية و المهنية و منظمات المجتمع المدني. إن تنظيم الجماهير الكوردستانية سيُحقق إستقلال كوردستان و حرية شعبها من خلال تنظيم المظاهرات و الإضرابات و إعلان العصيان المدني و الإضراب عن الطعام. على سبيل المثال، قيام عدة ملايين من الكوردستانيين بالإضراب عن الطعام سيهزّ الرأي العام العالمي و يضطر بسببه المجتمع الدولي و الدول الكبرى التدخل لإنقاذ حياة الملايين من الكوردستانيين المضربين عن الطعام و تضغط على الدول المحتلة لكوردستان للإعتراف بحق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال. كما أن الجماهير الكوردستانية المليونية تستطيع إيقاف الحياة في كافة أرجاء كوردستان من خلال الإضراب العام عن العمل و التظاهرات و قطع طرق المواصلات.

كما أن هناك الملايين من الكوردستانيين الذين يعيشون في المدن الكبيرة للدول المحتلة لكوردستان، حيث يُقدّر عدد الكورد الذين يعيشون في إستانبول لوحدها بأكثر من سبعة ملايين نسمة و تعيش عدة ملايين من الكورد في كل من أنقره و إزمير و قونية و مناطق و مدن أخرى في "تركيا"، بالإضافة الى الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبرى للدول المحتلة الأخرى، مثل مدن طهران و شيراز و بغداد و دمشق و حلب و غيرها. هذه الأعداد المليونية للكورد الذين يعيشون في مدن الدول المحتلة لكوردستان، يمكن أن يلعبوا دوراً حاسماً في شل الحياة في المدن الكبرى في كل من تركيا و إيران و العراق و سوريا من خلال إعلان العصيان المدني و الإضراب عن العمل و الإضراب عن الطعام و تنظيم التظاهرات المليونية و قطع خطوط المواصلات من خلال تكوين عوازل بشرية في الشوارع الرئيسية و الساحات العامة. بهذه الوسائل النضالية في عقر دار المحتلين سيفرض شعب كوردستان إرادته على المحتلين و يجبرهم على الإستسلام و الإعتراف بحق الكوردستانيين في الحرية و الإستقلال.

يعيش في الدول الغربية أكثر من مليون كوردي و هؤلاء يمكنهم أن يلعبوا دوراً كبيراً في النضال الكوردستاني و يكونوا سنداً قوياً لنضال الكوردستانيين في كوردستان و في الدول المحتلة، حيث أنهم يعيشون في دول ديمقراطية تسمح لهم بالقيام بمختلف الفعاليات من إضراب عن الطعام و تنظيم المظاهرات و إيصال الصوت الكوردستاني الى مسامع منظمة الأمم المتحدة و عواصم الدول الكبرى و إقامة الندوات و المهرجانات و الحفلات و المعارض للتعريف بالشعب الكوردستاني و بإحتلال بلده و حرمانه من حق الإستقلال و التمتع بحقه في تقرير مصيره بنفسه كالشعوب الحرة الأخرى في العالم و التعريف بتأريخه و تراثه و فنونه. هكذا فأن الجاليات الكوردستانية في الخارج تستطيع إيصال الصوت الكوردستاني الى الرأي العام العالمي و الأمم المتحدة و حكومات الدول الكبرى و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الدينية في البلدان التي يعيشون فيها و في نفس الوقت يكونون سفراء كوردستان في هذه الدول للتعريف بالشعب الكوردستاني و بحضارته و تراثه و الإستعباد الذي يعاني منه في ظل الإحتلال و إلغاء الهوية و اللغة و التأريخ و التراث.

أود أن أذكر هنا بأنه كان ينبغي على قيادات الأحزاب السياسية الكوردستانية تغيير إستراتيجيتها منذ إنتهاء الحرب الباردة في بداية العقد التاسع من القرن العشرين، أي قبل أكثر من عشرين عاماً و ترك الكفاح المسلح و التركيز على العمل السياسي و توعية و تنظيم الجماهير الكوردستانية و مساعدتها لتعلم اللغة الكوردية و تعريفها بالتأريخ العريق للأمة الكوردية و تأسيس منظمات المجتمع المدني و ترتيب البيت الكوردستاني في شمال كوردستان بشكل خاص و في كوردستان بشكل عام، و من ثم القيام بالنضال السلمي الذي نتحدث عنه لتحقيق نقلة نوعية في النضال الكوردستاني و بالتالي تحرير كوردستان و تحقيق إستقلالها.

تحدثتُ في الحلقة السابقة عن تأسيس الجيش الكوردستاني، حيث يمكن للثوار الكوردستانيين الذين إكتسبوا الخبرة خلال نضالهم المسلح، أن يعملوا كمُدرّبين عسكريين في الجيش الكوردستاني المُقترح لتعليم أفراد الجيش علوم حرب العصابات و النضال في المناطق الريفية في كوردستان بالإضافة الى كثير من الأمور المتعلقة بهذا النوع من الحرب.

هناك نقطة مهمة أخرى أود الحديث عنها هنا وهي تحديد الجهات و القوى و الدول التي يمكن للكوردستانيين أن يتلقوا التأييد و الدعم منها و الجهات و القوى و الدول التي تقف ضد حق شعب كوردستان في التحرر و الإستقلال. في البداية يجب القول بأنه في السياسة ليست هناك صداقات و عداوات، بل مواقف الدول و المنظمات السياسية تحددها مصالحها. على ضوء هذه الحقيقة، فأن الدول المحتلة لكوردستان و المنظمات السياسية العربية و التركية و الفارسية التي تحمل الفكر العنصري، هي القوى التي تقف بوجه تطلعات شعب كوردستان في حريته و إستقلال بلاده و لذلك يجب على القيادات السياسية الكوردستانية عدم الإعتماد على هذه الجهات في النضال الكوردستاني و بأي شكل من الأشكال و تجارب كثير من الثورات الكوردستانية التي حدثت في السابق تظهر أن إنهيارها كانت بسبب إعتمادها على "المساعدات" المقدمة من قِبل الدول المحتلة لكوردستان. من جهة أخرى، كما ذكرتُ آنفاً بأن السياسة و العلاقات بين الشعوب و الدول هي علاقات مصالح بحتة، فأن الدول الكبرى و الدول الغربية الديمقراطية تتحدد مواقفها من القضية الكوردستانية على ضوء تقاطع أو تلاقي مصالحها مع إستقلال كوردستان، إلا أنه في نفس الوقت فأن الرأي العام في هذه الدول و منظمات المجتمع المدني و الصحافة و الكنيسة تلعب دوراً كبيراً في تحديد سياسات حكومات هذه الدول. لذلك من الممكن الحصول على دعمٍ معنوي و مادي للقضية الكوردستانية من هذه الدول.

في الحقيقة أن مواقف الشعوب و الدول و المنظمات السياسية و حتى منظمات المجتمع المدني في هذه الدول، من إستقلال كوردستان، تعتمد بالدرجة الرئيسية على العامل الذاتي لشعب كوردستان، حيث عندما تكون للكوردستانيين مرجعية سياسية موحدة و دستور ديمقراطي و أحزاب سياسية عصرية و قوة إقتصادية و عسكرية لا يمكن الإستهانة بها، حينئذٍ يستطيع شعب كوردستان فرض إرادته على الآخرين و إثبات وجوده كشعب له الحق في التحرر و الإستقلال. إن العوامل الذاتية الكوردستانية تلعب الدور الرئيس في النضال الكوردستاني لتحقيق أهدافه، بينما العوامل الخارجية هي عوامل ثانوية، حيث أن وحدة الكوردستانيين و قوتهم قادرة على تغيير سياسة و إستراتيجيات الدول الكبرى و الدول المحتلة لكوردستان تجاه القضية الكوردستانية. 

mahdi_kakei@hotmail.com



149
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (5) – أسلاف الكورد: السوباريون

د. مهدي كاكه يي

يقرّ الكثير من المؤرخين بأن السوباريين هم من أسلاف الكورد، حيث يشيرعلماء التأريخ والأجناس البشرية الى أنه منذ أقدم الأزمنة التأريخية، كانت بلاد "سوبارتو" يسكنها شعب آسيوي يشتركون في العرق والدين واللغة والثقافة التي كانت تميّزهم عن الشعوب الأخرى. يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن أغلب المناطق الشمالية لوادي الرافدين عُرفت في المصطلحات البابلية بـ "سوبارتو"، وأن سكانها كانوا غير ساميين وغير هندو أوربيين وأن "سوبارتو" هي إسم جغرافي يعني "الشمال أو المنطقة المرتفعة" (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3).

يذكر العلّامة محمد أمين زكي بأنه في عهد الأكاديين كان إسم "سوباري" عبارة عن تعبير جغرافي يدل على بلاد واسعة جداً تمتد من الشمال الغربي في بلاد إيلام الى جبال الأمانوس، ثم أصبح الإسم يُطلق على عشائر كبيرة في كردستان (محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67).

يذكر الدكتور جمال رشيد أحمد بأن مصطلح "سوبارتو" الجغرافي دخل التأريخ منذ الألف الثالث قبل الميلاد، على أنها بلاد تقع بين "پاراهشي" في شمالي إيلام وجبال أمانوس المتاخمة للبحر الأبيض المتوسط غرباً، وفي عهد الملك الأكادي نارام سين، كانت مناطق الگوتيين واللولويين جزءً من سوبارتو (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3). في أواخر حكم الآشوريين إختفى إسم السوباريين وظهر بدلاً منه إسم شعب آخر يُعرف ب"نايري" ومن المرجح أن يكون النايريين قسماً مهماً من الشعب السوباري ولا تزال آثار الشعب النايري باقية في منطقة "نهري" (شمدينان الحالية) الواقعة في شمال كوردستان الحالي (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67). المستشرق الروسي " فلاديمير مينورسكي" يذكر أيضاً بأن النايريين هم أحفاد السوباريين وأن السوباريين بدورهم هم أحفاد الگوتيين (فلاديمير مينورسكي: الكرد وكردستان. موسوعة الإسلام، دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة، 1929). كما أن المستشرق "تورودانجين" يذكر بأن منطقة "نايري" أو "هوبشكيا" هي وادي بوتان و تم تأسيس حكومة نايرية مستقلة في القسم الشرقي من بلاد النايريين (تورودانجين: رابطة الغزوة الثامنة من غزوات الملك سرجون، باريس، عام 1912). الأستاذ حازم هاجاني يذكر بأن أنور المائي يقول بأن أقدم عشيرة كردية بادينانية هي عشيرة الزيبار وأن هذه العشيرة تنحدر من السوباريين (حازم هاجاني: مجلة متين، عدد 67، صفحة 103). كما يذكر الباحث الأمريكي " گلب" بأن أصل السوباريين من الأقوام الجبلية غير السامية مثل الگوتيين و الكيشيين و أن الهوريين ينحدرون من السوباريين (مصدر رقم 1).

يذكر المستشرقون بأن الميتانيين هم فرع من السوباريين وأن السكان الذين كانوا يعيشون في شمال بلاد ما بين النهرين كانوا ينتمون أيضاً الى السوباريين (مصدر رقم 2، صفحة 128 – 135). كما يقول السير سدني سمث بان السكان السوباريين القاطنين في أعالي القسم الغربي لدجلة، كانوا معروفين بإسم "الهوريين (الخوريين)" الذين إستطاعوا ان يبسطوا سيطرتهم في القرن 18 قبل الميلاد على القسم الأكبر من ســورية الحالية حتى نهر الفرات وأن المصريين في تلك الفترة كانوا يُطلقون على ســـورية الحالية إسم بلاد "هورو" (مصدر رقم 3).

يذكر "هيرزفيلد" بأن سكان بلاد سوبارتو لم يجرِ عليهم تغيير إثني، بل جرى تغيير أسمائهم، حيث أن إسم "الهوريين" حلّ محل إسم أغلب سكان سوبارتو بعد عصر حمورابي. يضيف "هيرزفيلد" بأنه يظهر من نصوص "بوغاز كوي" التي ترجع تأريخها الى ما قبل عام 1600 قبل الميلاد، بأن الحثيين كانوا يُسمّون اللغة الأكدية ب"بابيبيلي" وهو الزمن الذي يسبق ظهور مدينة بابل وسمّوا لغة بلاد سوبارتو ب"خوريلي" (مصدر رقم 4).

يقول السير سدني سمث: إن ما حصلنا عليه من معلومات عن كوردستان حتى الآن تدلنا مما لاشك فيه أنه كانت في العهود القديمة منطقة تحدها من الشمال بحيرة وان وغربها وادي الخابور وشرقها كركوك وجنوبها بلاد بابل وكان يعيش في هذه المنطقة قوم يُسمّى "شوباري" (مصدر رقم 3).

يعتقد بعض المؤرخين بأن السوباريين والسومريين ينتمون الى أصل واحد وأنهم مرتبطون مع البعض بصلة القرابة أو على الأقل أنهما كانا يعيشان معاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل إنتقال السومريين الى جنوب بلاد ما بين النَهرَين وإستقرارهم هناك (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198). يذكر الدكتور نعيم فرح في كتابه المذكور أيضاً بأن السوباريين والسومريين ينحدرون من الگوتيين (أسلاف الكورد) الذين كان موطنهم سلسلة جبال زاگروس. إن أسماء كثير من المدن السومرية هي ليست أسماء سومرية، بل سوبارية، أمثال مدن: أور، أريدو، أوروك، سِپار، لارْسا، لَگَش، وكذلك قد تكون المفردات المشتركة بين اللغتين السوبارية والسومرية هي مفردات سوبارية، مثل كلمة "باتيس – باتيز" التي تعني "الملِك" (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975). هذا يدعم الرأي القائل بوجود صلة القرابة بين السوباريين والسومريين. كما أنه في بعض مدن شمال بلاد ما بين النهرَين مثل مدينة آشور ونينوى، تم إكتشاف آثار للحضارة السومرية التي تعود لعصر فجر السلالات ولا سيما الفترة الأخيرة منه (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، عام 1973، صفحة 177). إكتشاف آثار سومرية في شمال بلاد ما بين النهرَين يؤكد على أن الموطن الأصلي للسومريين هو شمال بلاد ما بين النهرَين وأن السوباريين والسومريين عاشوا معاً هناك. هذا هو دليل مادي لا مكان للإجتهادات والتحليلات فيه .

يذكر الأستاذ اسكندر داود بأن السوباريين كانوا من أهم و أقدم شعوب المنطقة (اسكندر داود: الجزيرة السورية بين الماضي والحاضر. ‏مطبعة الترقي،‏1959 ، صفحة 119). يقول الدكتور نعيم فرح أيضاً بأن السوباريين (الشوباريين) هم أقدم الأقوام التي سكنت في شمال بلاد ما بين النهرين وسُميّت تلك المنطقة ب"بلاد شوبارتو او سوبار" (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198).

بدأت الحضارة السوبارية قبل الطوفان وكان من بين حُكام سوبارتو آنذاك، الملك "أينمن دور أنّا" الذي جاء بقوانين الحكمة والمعرفة للبشرية بعد إستلامها من السماء بإسم (سر آنو) التي شملت أسرار السماء ولوح الفأل والعرافة. كما أن المادة الحضارية لمملكة بابل و آشور مأخوذة من الحضارة السوبارية والسومرية.

ورد إسم "سوبارتو" في النصوص المسمارية المختلفة بصيغ عديدة: سوبارتو، سوبار، سوبير، زوبار، شوبارتو، شوبور...الخ. كانت بلاد سوبارتو تتألف من المناطق الجبلية العالية التي دوّنت من قِبل السومريين بإسم "سوبير". ظهر إسم "سوبارتو" في أقدم صيغة جغرافية سومرية بشكل "سوبير" في لوحة أثرية سومرية التي يرجع تأريخها الى زمن "لوكال – آني – موندو" حاكم مدينة "ادب" في الربع الأول من الألف الثالث قبل الميلاد، حيث تم تدوين الإسم الى جانب (إيلام وماراهشي وگوتيوم وآمورو وسوتيوم) (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 3؛ محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 67). يمضي الدكتور جمال رشيد أحمد في حديثه في نفس الصفحة المذكورة بأن التسمية الآشورية ل"سوبارتو" هي "شوبارو و شوبريا" وأنه ظهر مفهوم هذا الإسم بشكل (علياتم) في النصوص الأكدية و الآشورية وتغيّرَ المصطلح الى "كوهستان - قوهستان" في العصر المبكر للإسلام و تمت ترجمته الى "بلاد الجبل" و التي شملت مناطق واسعة من أذربيجان و كوردستان، و من جبال البزر جنوب بحر قزوين، متخللةّ جبال زاگروس وطوروس وممتداً الى البحر الأبيض المتوسط  و كذلك أرمينيا. كان للسوباريين إله متميز إسمه "علياتم" الذي إتخذ فيما بعد مدلول مقاطعة إدارية ضمن الإمبراطورية الآشورية، بينما إستعمل الحثيون مصطلح "كور أوگو") الذي يعني "البلاد العليا" و التي قصدوا بها المناطق الواقعة بين جبال طوروس و نهر هاليس (خالص).

كما أنه سُميّت بلاد سوبارتو بإسم "سوبارتيم" في نص يعود الى زمن الحاكم الأكادي "نارام سن" الذي حكم عام 2291- 2255 قبل الميلاد. إستمر إستعمال هذا الإسم في العصر الأكادي بمعناه الواسع وشمل جميع المناطق التي تقع شمال بلاد ما بين النهرين، التي كانت تتضمن مناطق اللولو والگوتيين. لقد وردت في النصوص القديمة بأن سوبارتو كانت تضم أيضاً غرب كوردستان الحالي المحاذي لميتان (حازم هاجاني: مجلة متين، عدد 67، صفحة 103).

تم تدوين إسم "سوبار" في النصوص المسمارية بإسم "سوبارتو" لأن اللاحقة "تو" كانت تُضاف من قِبل السومريين كنهاية لكلمات الجهات الجغرافية. لقد تم ذكر إسم "سوبارتو" في لوحات جغرافية قديمة جداً وجِدت في مكتبة الملك الآشوري "آشور بانيبال" والتي تعود الى العهد البابلي، حيث أنه تم تقسيم العالم  في هذه اللوحات الى أربعة أقسام: شومر وأكاد في الجنوب الشرقي، إيلام في الشمال الشرقي، عمورو أو بلاد العموريين في الجنوب الغربي، سوبارتو أو بلاد السوباريين في الشمال الغربي. (جورج رو: العراق القديم، ترجمة وتعليق حسين علوان حسين، بغداد، وزارة الثقافة والإعلام، الطبعة الثانية، عام 1986، صفحة 411؛ طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة، الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، عام 1973، صفحة 511؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، عام 1992، صفحة 132-133).
 
يذكر المؤرخ "جرنوت فلهلم" بأن التسمية الجغرافية "سوبارتو" لم تكن تشير دائماً إلى مناطق محددة في شمال بلاد ما بين النهرَين، بل أنها في البداية كانت تدل على جزء من منطقة شمال شرقي دجلة، ثم إتسعت دلالتها لتشمل بلاد آشور وشمالي بلاد ما بين النهرَين، وأضحتْ أخيراً في النصوص البابلية الحديثة وصفاً أدبياً لبلاد آشور (جرنوت فلهلم: الحوريون تأريخهم وحضارتهم، ترجمة فاروق إسماعيل، دار جدل، حلب، الطبعة الأولى، عام 2000 م، صفحة 29). كما يذكر العلامة محمد أمين زكي بأن بلاد سوبارتو كانت تمتد من شمال غربي بلاد إيلام حتى جبال آمانوس التي تقع غربي نهر الفرات بين لواء أسكندرونة وولاية أظنه (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، عام 1961، صفحة 67).

في سرد أسماء البلدان التي غزاها سرجون الأكادي الكبير، يشير نص مسماري الى حدود تلك البلدان. فيما يخص حدود بلاد سوبارتو، جاء في النص المسماري المذكور بأن بلاد سوبارتو كانت تمتد من "إيلام" الواقعة في شرق كوردستان الحالي الى جبال الأرز (جبال الأمانوس). كما يذكر بعض النصوص الأكادية بأن سوبارتو كانت تضم شرق كوردستان الحالي والجزيرة الوسطى والعليا وسوريا الحالية، ممتدةً الى حدود إسرائيل الحالية، وكانت بلاد سوبارتو تضم أيضاً قسماً من أرمينيا وبلاد الأناضول.

خلال الحكم السوباري، كانت القرى تخضع لسلطة المدينة المجاورة لها والتي كان يرأسها حاكم يُسمّى "باتيس –  باتيز" الذي يعني الملِك باللغة السوبارية والسومرية وعندما كانت سلطة مدينةٍ ما تزداد قوةً، كانت هذه المدينة تقوم بإخضاع بعض المدن الأخرى لسلطتها و حينذاك كان حاكم تلك المدينة يُلقّب ب"لوكال" (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198).

السوباريون كانوا شعباً مسالماً، لذلك كانت الحضارة السوبارية مبنية على السلم و السلام ولم يقم السوباريون بإستعباد الشعوب الأخرى أو إحتلال أوطان هذه الشعوب، بل أنهم نقلوا حضارتهم الى شعوب المنطقة.
 
يذكر علماء الآثار الألمان "فون أوبنهايم" و "هيوبرت شميدت" و "ناومان" بأن مملكة سوبارتو كانت مهداً لمدنية ذات طابع خاص، حيث أقام السوباريون حضارة مزدهرة وأن الآثار التي إكتشفوها في "تل حلف" وفي "جبلة البيضا" تشير الى إزدهار الزراعة و التجارة و بناء المدن في بلاد سوبارتو (مصدر رقم 5، 6). كان للسوباريين علاقات تجارية مع كل من أرمينيا و أسيا الصغرى، حيث تم العثور على لوحات أثرية تحوي مراسلات تجارية مشابهة لتلك الموجودة في الوقت الحاضر. كان للسوباريين تجّار و عملاء مقيمون في مملكة آشور و غيرها من الممالك لمساعدة مملكة سوبارتو في إزدهار تجارتها مع ممالك المنطقة. من بين السلع التي كان السوباريون يقومون بتصديرها الى جنوب بلاد ما بين النهرين، هي النحاس والقصدير والأقمشة والملابس و الجلود و الزيوت. كان يتم نقل صادرات بلاد سوبارتو عن الطريق المائي عبر نهرَي دجلة والفرات و كذلك عبر نهر الخابور، حيث عثر "فون أوبنهايم" و زميلاه على مرفأ نهر يعود للسوباريين (مصدر رقم 5، 6). 

كانت اللغة السوبارية هي أقدم اللغات وكذلك كتابتها المسمارية، حيث أن الحضارة السوبارية كانت تنافس الحضارة السومرية حتى في ظهور الكتابة بل وفي تدشين العصور التأريخية، فهناك الكثير من المفردات السومرية المأخوذة من اللغة السوبارية (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975).

هناك تشابه في لغات أسلاف الكورد الگوتيين و الكاسيين و الكردوخيين و اللولويين و السومريين و السوباريين و الهوريين وغيرهم من الأقوام الزاگروسية. يذكر السير "سدني سمث" بأنه ليست هناك أية علاقة بين لغة هؤلاء الأقوام ولغات الأقوام السامية. هذا يعني بأن اللغة السوبارية تنتمي الى اللغات الهندوأوروبية.

كان تقديس الطبيعة وعبادة قواها سائدة في معتقدات السوباريين، حيث أن الصليب المتساوي الأضلاع الهوري – الميتاني كان رمزاً للإله "ميثرا". لا يزال يتم رسم هذا الصليب على أجساد الأطفال المرضى  ويتم وضعه في رقاب الأطفال والحيوانات الأليفة، كما يتم رسمه على الأدوات المنزلية. لذلك كانت عبادة الشمس من العبادات السائدة عند شعوب الشرق الأوسط ومصر (الدكتور جمال رشيد أحمد: دراسات كردية في بلاد سوبارتو، بغداد، 1984، صفحة 27). لا يزال تقديس الشمس باقٍ في بعض الأديان الحاضرة مثل الديانة الإيزيدية و الكاكەییة. كانت الشمس هي الإله الأول للسوباريين ومن ثم تأتي الكواكب الأخرى وخاصةً كوكب الزهرة والقمر، بعد الشمس في القدسية و العبادة. كما أنه من المفيد القول بأن السوباريين كانوا يحترمون الأديان الأخرى، الى جانب إحتفاظهم بمعتقداتهم الدينية و كانوا يمنعون التطرف والعنف. كان السوباريون و الأقوام الزاگروسية القديمة الأخرى يجعلون مقابر موتاهم بإتجاه شروق الشمس نتيجة تقديسهم لإله الشمس وكانوا يدفنون حاجيات الشخص المتوفي معه في قبره.

إكتشف علماء الآثار في "زيبار" أنقاض مدرسة لتعليم الأطفال التي يعود تأريخها الى العصر السوباري، حيث تم العثور فيها على قرميدات عليها دروس للأطفال والشباب في علوم الحساب وجداول الضرب والمعاجم. كما تم إكتشاف كُتب عديدة و رسائل التي كانت عبارة عن صكوك وقيود ومسائل رياضية وفلكية و نصوص تأريخية.

كانت مدينة "شريش" من المدن السوبارية الشهيرة، حيث دافع عنها السوباريون دفاعاً مستميتاً عندما حاصرها الملك الآشوري تيجلات بلاسر الاول، كما أن مدن كركوك وكفري وخورماتو وآمد (ديار بكر) من المدن السوبارية القديمة الباقية الى يومنا هذا.

لقد عثر علماء الآثار على بعض الأدعية الدينية، التي تُشير الى أنه كانت للمرأة مكانة مرموقة في المجتمع السوباري، حيث كانت المرأة متمتعةً بحريتها و إستقلاليتها في كثير من الأمور. الآثار المكتشفة تدل أيضاً على أن المرأة كانت تؤدي الأعمال الكتابية في الدواوين الى جانب الرجل (جورجي زيدان: العرب قبل الاسلام. الجزء الأول، الطبعة الثانية، دار الهلال، 1922، صفحة 67).

المصادر الأجنبية
 
1. T. G. Gelb (1944). Hurrians and Subarians.

2. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia.

3. Smith, Sidney (1928). Ancient Kurdistan.

4. Herzfeld, E. (1968). The Persian Empire. Wiesbaden, page 158.

5. Oppenheim, Max von and Schmidt, Hubert (1943). Tell Halaf I.

6. Oppenheim, Max von and Naumann, R. (1950). Tell Halaf II.

mahdi_kakei@hotmail.com




150
(تركيا)  .....   الى أين؟  (43) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

5. تأسيس جيش كوردستاني موحّد

د. مهدي كاكه يي

إن خيرات و موارد الكرة الأرضية هي مُلك للبشرية جمعاء و كل إنسان له الحق في التمتع بحصته من هذه الثروة و يكون حراً و سيد نفسه و مساوياً للآخرين بِغض النظر عن لونه و قوميته و جنسه و دينه و معتقده و مهنته، إلا أن هذا لا يحصل حيث منذ العصور السحيقة تندلع الحروب بين المجتمعات البشرية على كوكبنا الأرضي، فيحاول الإنسان القوي إستغلال الإنسان الضعيف و تحاول الشعوب و الجماعات القوية فرض هيمنتها و سيطرتها على الشعوب و الجماعات الأضعف منها و التحكّم بحياة هذه الشعوب و الجماعات و نهب ثرواتها و يعود السبب في ذلك الى جشع الإنسان و تخلفه و رغبته في الحكم و السيطرة و الشهرة و الإستحواذ على الثروة. لذلك تضطر الدول و الشعوب الى إيجاد وسائل للدفاع عن نفسها و لحماية ثرواتها. الحرب تعني الموت و الدمار و الخراب، إنها الجنون و جريمة ضد الإنسانية و ضد التمدّن و التحضّر، إلا أن الإنسان قد يضطر لخوضها من أجل الحفاظ على حياته و ممتلكاته. لذلك هنا أدعو الى بناء قوةٍ دفاعية كوردستانية تدافع عن شعب كوردستان، حيث أن بلاده محتلة إستيطانياً و مجزأة و أن الظروف الإقليمية غير مستقرة و يُرى في الأفق تبلْور إنبثاق خارطة جديدة للشرق الأوسط الكبير و لذلك ينبغي على شعب كوردستان أن يُهئ نفسه و يستعد لمواجهة كافة المستجدات و التطورات التي قد تحصل في هذه المنطقة المضطربة و التي تسودها الفوضى و ضبابية المستقبل الذي ينتظر سكانها.

إن لكوردستان موقع إستراتيجي مهم، حيث أنها الجسر الموصل بين الشرق و الغرب. كما أنها تقع في قلب منطقة الشرق الأوسط التي تحتوي بواطنها على أكبر إحتياطي البترول في العالم. منطقة الشرق الأوسط هي أيضاً سوق كبيرة مربحة للمنتجات الغربية و مصدر مهم لتصدير المواد الأولية الى الغرب. كما أن كوردستان غنية بمواردها الطبيعية، حيث تقع منابع نهرَي دجلة و الفرات فيها، بالإضافة الى أنها تطفو فوق بحرٍ من البترول و تحتوي بواطن أرضها على الكثير من المعادن. إن نفوس سكان كوردستان تُقدّر بحوالي 50 مليون نسمة و أن غالبية الكوردستانيين يؤمنون بالنظام الديمقراطي و منفتحون على الحداثة و القيم و المفاهيم المعاصرة.  كل هذه العوامل توفّر فرصة عظيمة لشعب كوردستان في لعب دورٍ محوري في رسم خريطة المنطقة و في تحديد التوازنات الإقليمية و الدولية و المساهمة في بناء و تطور الحضارة الإنسانية.

إن كل شعب، بل أن كل إنسان له الحق في الدفاع عن نفسه و عن أسرته و شعبه و ممتلكاته حسب قوانين المجتمع الدولي. لذلك فأن شعب كوردستان ينبغي أن تكون له قوات عسكرية ليحمي بها نفسه و وطنه و ثرواته و مكتسباته و ليدافع عن وجوده و لغته و ثقافته و تراثه و لتحرير وطنه من الإستعمار و الإحتلال الإستيطاني ولردع المحتلين و كل الطامعين و منعهم من إبادة شعب كوردستان و إستعباده.

إن شعب كوردستان من أكثر الشعوب التي تحتاج الى إمتلاك قوة عسكرية رادعة، حيث أن بلاده مُجزأة و محتلة من قِبل عدة دول و أن هذه الدول لا تقرّ بأنها دول محتلة، بل يعتبر كل دولة من هذه الدول الجزء الذي تحتله من كوردستان هو جزء لا يتجزأ من بلادها، و الذي يعني أنها تُلغي الوجود الكوردستاني شعباً و وطناً و هويةً و لغةً و ثقافةً و تراثاً و تأريخاً.

هنا أود أن أتحدث عن واقعة تُبيّن كيف يقوم محتلو كوردستان بسرقة تأريخ و ثقافة و تراث الشعب الكوردي لإلغاء وجوده و هويته. قبل عدة سنوات قمتُ بزيارة سياحية لشمال كوردستان مع مجموعة من المواطنين الغربيين. كان من ضمن برامج هذه السفرة هو القيام بزيارة لأحد معامل صناعة السُجّاد هناك. خلال زيارتنا للمعمل، أخذ أحد الموظفين العاملين في المعمل يسرد لنا تأريخ صناعة السجاد في "تركيا" و خلال حديثه ذكرَ بأن تأريخ صناعة السجاد "التركي" عمره حوالي ثلاثة آلاف سنة. بعد الإنتهاء من حديثه، سألتُه عن تأريخ قدوم الأتراك الى المنطقة و أضفتُ بأن الوجود التركي في المنطقة لا يتجاوز 900 عاماً و أن أسلاف الكورد هم الذين قاموا في ذلك الزمن البعيد بصناعة السُجاد في هذه المنطقة، حيث كان لا وجود للأتراك في المنطقة في ذلك الوقت. أضفتُ بأن أسلاف الشعب الكوردي على هذه الأرض التي نقف عليها الآن قاموا بحياكة أقدم قطعة قماش في العالم في عام 7000 قبل الميلاد أي قبل أكثر من تسعة آلاف سنة و التي تم العثور عليها في موقع "چيانو" الذي يعني "الجبل الجديد" بالكوردية و أن إسم هذا الموقع الآثاري يدل على كورديته.

لذلك فأن تأسيس جيش مهني موحد، ينخرط في صفوفه المواطنون الكوردستانيون من كافة أنحاء كوردستان، هو حاجة مُلحّة ينبغي القيام به بسرعة لحماية شعب كوردستان و وطنه و للإستعداد الكامل لكافة التطورات السياسية و العسكرية الكبرى التي تمر بها المنطقة بشكل خاص و العالم بشكل عام و إغتنام هذه الفرصة التأريخية لتحرير كوردستان و شعبها و ترسيخ الدور الكوردستاني في توازن القوى في المنطقة و تثبيت الحضور الكوردستاني في كافة الإستراتيجيات التي يتم وضعها للمنطقة و فرض الوجود الكوردستاني القوي في كافة الإتفاقيات و المعاهدات التي يتم إبرامها بشأن مصير منطقة الشرق الأوسط الكبير لتظهر دولة كوردستان على الخارطة الجديدة للمنطقة و تبزغ شمسها في سماء المنطقة و يُبنى نظام ديمقراطي فيها يتم الإقتداء به من قِبل شعوب المنطقة و لتنتشر معالم الرخاء و الرفاهية و العدالة الإجتماعية في المجتمع الكوردستاني للتعويض عن المآسي و الإبادة و الأنفالات التي تعرض لها و ليأخذ مكانته في صفوف الشعوب المتحضرة و المتقدمة لمواصلة رفد البشرية بالإنجازات و الإبتكارات و الإختراعات و الخدمات من جديد كأسلافه الذين أوجدوا النار و الزراعة و تربية الحيوانات و الصناعة في كهوف كوردستان و كأسلافهم السومريين و الإيلاميين و غيرهم الذين خدموا الإنسانية من خلال إبتكاراتهم و إكتشافاتهم العظيمة.

يُقترح أن تقوم المرجعية السياسية الكوردستانية الموحدة المؤمّل إيجادها بالإشراف على تأسيس الجيش الكوردستاني و أن تقوم هذه المرجعية بتشكيل لجنة عسكرية مهنية للقيام بهذا المهام و تحديد أصناف الوحدات العسكرية و أعدادها و أنواع و كميات الأسلحة و برامج التدريب و أماكن تواجد القوات و ميزانية هذا الجيش و مصادر المال اللازم له و كيفية الحصول على الأسلحة التي يحتاج إليها الجيش الكوردستاني المُقترح تشكيله و القيام بعقد إتفاقيات التدريب و شراء الأسلحة و وضع الإستراتيجيات العسكرية و غيرها من الأمور العسكرية الضرورية التي يحتاجها الجيش، حيث أن العسكريين هم أكثر إدراكاً بها.

يجب أن يتم قبول المواطنين الكوردستانيين في الجيش الكوردستاني على أساس الوطنية و الكفاءة  و اللياقة البدنية، بعيداً عن الحزبية و العشائرية و المحسوبية و أن يتم من خلال تطوع المواطنين الكوردستانيين في الخدمة فيه. أقترح أن يخدم قسم قليل من أفراد هذا الجيش بصورة دائمية، بينما أفراد القسم الآخر يكونون عسكريين إحتياط، تتم دعوتهم للخدمة العسكرية عندما تكون كوردستان بحاجة الى خدماتهم، مثلاً في حالة الحروب و الطوارئ. بهذه الطريقة يتم تخفيض الإنفاق العسكري و في نفس الوقت تتم الإستفادة من قوات الإحتياط في أوقات السلم للمساهمة في بناء كوردستان و خدمة الشعب من خلال العمل، كلٌّ في مجال إختصاصه و تبعاً لخبراته و مؤهلاته و قدراته و إمكانياته، كما هو الحال بالنسبة لباقي المواطنين المدنيين. يجب أن يتم تحديد فترة زمنية لتدريب أفراد الجيش الى أن يصبحون مؤهلين للقيام بمهامهم العسكرية. بعد إتمام التدريب الأولي، يتسرح الأفراد الإحتياط، فيعودون الى أعمالهم أو دراساتهم و الى حياتهم الإعتيادية السابقة. بالنسبة لقوات الإحتياط، ينبغي إستدعاؤهم للتدريب بين فترة و أخرى، مثلاً مرة واحدة كل ثلاث أو كل ستة أشهر، ليتدربون لفترة زمنية محددة ليتواصلوا مع تدريباتهم و يقوموا بتطوير علومهم العسكرية و يحافظوا على إستعداداتهم النفسية و البدنية. يمكن أن تتم مراعاة ظروف قوات الإحتياط عند الإستدعاء لكي لا يؤثر على حياتهم الشخصية و معيشتهم و معيشة عائلاتهم، كأنْ يتم مثلاً إستدعاء الطلاب أثناء عطلهم الصيفية أو عطل نصف السنة الدراسية و بالنسبة للأفراد العاملين، يمكن أن يتم ترتيب و تنظيم إلتحاقهم بالتدريب، بحيث لا يؤثر على أعمالهم، كأنْ يتم إستدعاؤهم خلال الأوقات التي لا يعملون فيها. ينبغي تخصيص رواتب للعسكريين الدائميين بحيث تكفي لمعيشتهم. كما ينبغي تفضيل الكوردستانيين الذين كانوا جنوداً و ضباط صف و ضباطاً في جيوش الدول المحتلة لكوردستان في الإنضمام الى صفوف الجيش و مراعاة الأصناف العسكرية التي خدموا فيها و التي أتقنوها و بذلك يتم توفير الكثير من المال و الوقت و الجهد، مقارنةً بقبول أفرادٍ لا يمتلكون خبرات عسكرية. هناك نقطة مهمة جداً ينبغي الإهتمام بها وهي أنه يجب على الجهات المسئولة عن إختيار المتطوعين أن تكون حذرة جداً و دقيقة في قبول المتطوعين لمنع إختراق الجيش من قِبل حكومات الدول المحتلة لكوردستان التي ستحاول مخابراتها بكل تأكيد أن تزرع و تدّس عناصرها في الجيش الكوردستاني. لذلك ينبغي دراسة خلفيّة كل شخص يرغب بالتطوع في هذا الجيش، دراسة دقيقة لإفشال محاولات المحتلين.

بالنسبة الى مصادر تمويل الجيش الذي يتم تأسيسه، فأنه يتم تأسيس صندوق خاص يتم عن طريقه تمويل نفقات الجيش، بالإضافة الى إستخدامه في تمويل إحتياجات الكوردستانيين في كافة المجالات. في البداية ستُشكّل تبرعات المواطنين الكوردستانيين المصدر الرئيس لتمويل الصندوق و فيما بعد سيصبح التمويل بشكل رئيسي عن طريق أرباح الإستثمارات التي تُقام (لمعرفة المزيد عن الصندوق الكوردستاني، يمكن الإطلاع على الرابط الموجود في نهاية المقال). كما يمكن لحكومة جنوب كوردستان تغطية جزءٍ من النفقات العسكرية للجيش الكوردستاني.

جيوش الدول المحتلة لكوردستان ستكون إحدى المصادر الرئيسية لتعلّم الكوردستانيين للفنون العسكرية على مختلف أصناف الأسلحة و بذلك يتم الإقتصاد في الأموال و الوقت و الجهد و حل قسمٍ من مشكلة إيجاد أماكن للتدريب و توفير مختلف أنواع الأسلحة و مُدرّبين، حيث يتم تدريب المواطنين في هذه الجيوش "مجّاناً". كما أن جنوب كوردستان سيكون له دوراً محورياً في تدريب الكوردستانيين و توفير الأسلحة اللازمة لهم. يمكن إستخدام  مقرات و معسكرات حزب العمال الكوردستاني لتدريب قسم من الجيش الكوردستاني و أن تلعب هذه المعسكرات دوراً كبيراً في تدريب المواطنين على الفنون الحربية و خاصة حرب العصابات. يمكن القيام بإقامة معسكرات التدريب في المناطق الجبلية في مختلف المناطق الكوردستانية و حتى أنه يمكن تنظيم دورات تدريبية في البيوت لمجموعات صغيرة (كل مجموعة تتألف مثلاً من أربعة أو خمسة أشخاص) في مختلف مناطق كوردستان، بل في مدن و قصبات و أرياف الدول المحتلة لكوردستان.

كما يمكن تهيئة كوادر عسكرية في مختلف الصنوف، و خاصة في مجال القوة الجوية عن طريق الحصول على زمالات و بعثات عسكرية في دول محددة و لدى تنظيمات و منظمات صديقة أو من الدول و المنظمات المعادية للدول المحتلة لكوردستان، مثل بلغاريا و اليونان و أرمينيا و غيرها. قد يكون ممكناً شراء أسلحة من الدول المذكورة و من تنظيمات و منظمات عديدة.

إن كافة الثورات الكوردستانية إتخذت إستراتيجية عسكرية دفاعية و جعلت من كوردستان الساحة الوحيدة لحروبها مع المحتلين. هذه الإستراتيجية الخاطئة أدت الى دمار و خراب كوردستان و قتل مواطنيها و تشريدهم و قادت الى كارثةٍ  إجتماعية و صحية و نفسية و بيئية، يحتاج الكوردستانيون الى عشرات السنين و مئات المليارات من الدولارات لمعالجتها و محو تأثيراتها السلبية. لذلك ينبغي نقل الحروب الى داخل البلدان المحتلة لكوردستان، بدلاً من جعل كوردستان ساحة للحروب التي تؤدي الى قتل و تشريد سكان كوردستان و تدمير البنى التحتية فيها و خلق مشاكل إجتماعية و إقتصادية و نفسية و صحية و بيئية كارثية التي تمتد آثارها المدمرة لأجيال عديدة. يمكن الإستفادة من الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبيرة للبلدان المحتلة لكوردستان مثل إستانبول و أنقره و إزمير و طهران و خراسان و بغداد و دمشق و حلب و غيرها من المدن التي فيها جاليات كوردستانية كبيرة، من خلال تنظيمهم و تدريبهم لنقل الحرب الى قلب الدول المحتلة لكوردستان و جعل موازين القوى تميل لصالح شعب كوردستان. هذا يتطلب  العمل منذ الآن لتهيئة القوى البشرية و السلاح و الأوكار و وسائل النقل و الإتصالات و وضع الإستراتيجيات و الخطط و كل مستلزمات العمليات العسكرية التي ستُجرى على أرض العدو.

نظراً للإختلال في توازن القوة العسكرية بين الكوردستانيين من جهة و الدول المحتلة لكوردستان من جهة أخرى، ينبغي أن يكون معظم وحدات الجيش الكوردستاني عبارة عن قوات خاصة مدرّبة على خوض حرب العصابات و حرب المدن، حيث يمكن دراسة الحرب الأخيرة التي إندلعت بين إسرائيل و حزب الله اللبناني للإستفادة من الإستراتيجيات و التكتيكات العسكرية التي إتبعها حزب الله في الحرب المذكورة.

نتيجة هذا الخلل في ميزان القوة بين الكوردستانيين و محتليهم، فأن خوض حروباً جبهوية ضد القوات المحتلة سيكون في صالح الدول المحتلة لكوردستان. لهذا السبب فأن الإستراتيجية العسكرية الصحيحة ستكون الإعتماد على حرب العصابات في المناطق الجبلية و حرب المدن و التركيز على الأسلحة الدفاعية مثل الأسلحة المضادة للطائرات الحربية و طائرات الهليوكوبتر و الدبابات. كما ينبغي إستخدام الألغام المضادة للدبابات و العربات العسكرية و إستعمال الأسلحة الدفاعية الخفيفة التي يمكن حملها و نقلها و إستخدامها بسهولة و كذلك تأسيس مجاميع قتالية خاصة للقيام بعمليات نوعية خلف القوات المعادية و في مناطق تواجد هذه القوات لتدمير مخازن الأسلحة و مصادر التموين و قطع الإتصالات بين مختلف الوحدات العسكرية للدول المحتلة لكوردستان و الإهتمام النوعي بجهاز المخابرات لجمع المعلومات الضرورية عن أهداف العدو و خططه و عدد و عُدة قواته العسكرية و مواقع إنتشارها و تحركاتها و أماكن تواجد قياداتها و عن إمكانياتها و غيرها. ينبغي على حكومة جنوب كوردستان أيضاً إتباع إستراتيجية حرب العصابات نظراً للخلل في توازن القوة العسكرية بين جنوب كوردستان و الدول المحتلة.

من شروط النجاح في الحرب التي تخوضها كوردستان، يجب تحقيق الإكتفاء الذاتي في إنتاج المواد الغذائية و مصادر الطاقة و الألبسة و الأسلحة الدفاعية اللازمة.

ينبغي على القيادة الكوردستانية، و خاصةً حكومة جنوب كوردستان وضع خططٍ إستراتيجية للحصول على أسلحةٍ نوعية يمكن عن طريقها ردع المحتلين من الإستمرار في إحتلالهم الإستيطاني لكوردستان و إستعمارهم لشعبها. إنّ كوردستان بلاد غنية بثروتها البشرية و خبرات و كفاءات مواطنيها و بمواردها الطبيعية من مياهٍ و بترول و غازٍ و معادن و أراضي زراعية خصبة و بآثارها و مقومات السياحة فيها، لذلك تتوفر فيها كل الإمكانيات لإبتكار أسلحةٍ إستراتيجية رادعة. إستطاع الإسرائيليون أن يصنعوا قنابل نووية في عام 1959 أي بعد 11 عاماً من تأسيس دولة إسرائيل.

http://alakhbaar.org/home/2013/2/141872.html

mahdi_kakei@hotmail.com




151
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (4) – أسلاف الكورد: السومريون

د. مهدي كاكه يي


في البداية أود أن أقول بأن الهدف من نشر هذه السلسلة من المقالات هو ليس التعمّق في التاريخ الكوردي القديم، بل هو للتعريف بالتاريخ الكوردي العريق. في الحقيقة قررتُ كتابة هذه المقالات لسببَين رئيسيين: الأول هو تزويد القارئات و القراء بمعلومات بسيطة عن التاريخ الكوردي القديم، حيث أن هناك الكثير من الناس الذين لم يطّلعوا على التاريخ الكوردي القديم بسبب التعتيم و التشويه و الإلغاء الذي تعرّض له هذا التاريخ و السبب الثاني هو المحاولات البائسة لمحتلي كوردستان و جهات أخرى لتشويه التاريخ الكوردي و الإدعاء بأن الوجود الكوردي في كوردستان هو وجود حديث تم منذ قرون قليلة ولذلك فكرتُ بكتابة نبذة مختصرة عن التاريخ الكوردي العريق بصورة موضوعية و مهنية لكشف كذب ودجل هؤلاء. نظراً للإهتمام الكبير بالتاريخ الكوردي القديم من قِبل القارئات و القراء من خلال إقبالهم الواسع على متابعة وقراءة هذه السلسلة من المقالات و إستجابةً لرغبة بعض القارئات و القراء، فأنني بدءً من هذا المقال سأقوم بالتوسّع قليلاً في سرد التاريخ الكوردي القديم. 

جميع المؤرخين وعلماء الآثار و الباحثين يتفقون على أن السومريين كانوا من الأقوام غير السامية. يذكر الدكتور طه باقر في مقدمة كتاب "من ألواح سومر" للمؤرخ صمويل كريمر (Samuel Noah Kramer) الذي قام بترجمته الى اللغة العربية في صفحة 8 ما يلي: وجلّ ما يمكن قوله بهذا الصدد أن مَن نُسمّيهم بالسومريين في تاريخ وادي الرافدَين، كانوا قوماً ليسوا من الأقوام السامية (الأقوام السامية هي تلك الأقوام التي تكلمتْ بإحدى اللغات السامية كالأكدية والبابلية في العراق والأمورية والكنعانية والآرامية والعبرانية في ربوع الشام والجزيرة العربية)، بل أن لغتهم هي من اللغات غير السامية.

يستطرد المؤرخ طه باقر في حديثه بأن الباحث الإيرلندي "هنكس" يقول بأن الخط المسماري أوجده قوم غير ساميين، بل أن هذا القوم سبق البابليين الساميين في إستيطان وادي الرافدَين. نشر الباحث الإنكليزي الشهير "هنري رولنسون" بحثاً في عام 1855 في مجلة "الجمعية الآسيوية الملكية" يذكر فيه بأنه إكتشف كتابةً جديدةً بلُغةٍ غير سامية وجدها مدوّنة في الآجر وفي ألواح الطين في بعض المواقع القديمة في بلاد ما بين النهرَين مثل "نفر" و"لارسا" و"الوركاء". في عام 1856، ذكر الباحث الإيرلندي "هنكس" بأن هذه اللغة الجديدة هي من نوع اللغات الإلتصاقية وفي عام 1869 أطلق الباحث الفرنسي "أوبرت Oppert" على هذه اللغة الجديدة "اللغة السومرية" لأول مرة.

بدأ العصر الذي سبق العهد السومري على هيئة حضارة قروية زراعية أدخلها الإيرانيون الى جنوب العراق من الشرق (صمويل كريمر: من ألواح سومر، ترجمة الدكتور طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، 1970، صفحة 356). هذا القول يؤكده المؤرخ البروفيسور "سبايزر Speisere" في صفحة 99 من كتابه المعنون "شعوب ما بين النهرين"، حيث يقول بأن العناصر الگوتية (أسلاف الكورد) كانت موجودة في جنوب العراق قبل تأسيس سومر وأسسوا بلاد سومر فيما بعد وشكلوا الحكومات فيها (لاحظ المصدر باللغة الإنكليزية في نهاية المقال).

يذكر كل من الدكتور طه باقر والدكتور عامر سليمان بأنه عند هجرة الأكاديين الى شمال وادي الرافدين (جنوب كوردستان الحالي) في أواخر الألف الثالث قبل الميلاد، كان السومريون و السوباريون يعيشون هناك وكانت المنطقة تُسمى ب"سوبارتو". يضيف المؤرخان المذكوران بأنه جاء ذكر السوباريين في النصوص المسمارية منذ عصر فجر السلالات (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. الجزء الأول، الوجيز في تاريخ حضارة وادي الرافدين، الطبعة الأولى، بغداد، 1973، صفحة 120، 476؛ عامر سليمان: العراق في التاريخ القديم، الموصل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1992، صفحة 119). من هنا نرى أن الموطن الأصلي للسومريين هو كوردستان وأنهم من أقوام جبال زاگروس التي هي الموطن الأصلي للكورد و أن السومريين هاجروا من كوردستان الى جنوب بلاد ما بين النهرَين وبنوا حضارة راقية هناك.

يذكر المؤرخ الدكتور بهنام أبو الصوف في إطروحته التي نال عليها شهادة الدكتوراه من جامعة كامبرج البريطانية في عام 1966، بأن السومريين لم يأتوا من خارج بلاد ما بين النهرَين، بل كانوا في منطقة سوبارتو وأن هذا الشعب في زمنٍ ما إنتقل الى الجنوب ونقل معه حضارته. ما يدعم كلام المؤرخ بهنام أبو الصوف هو أن إنشاء حضارة زراعية متطورة و إختراع الكتابة من قِبل السومريين، يدلّان على أنهم كانوا يمتلكون أسس حضارية قبل إنتقالهم الى جنوب بلاد ما بين النهرَين. هذا يدل على أن السومريين كانوا جزءً من أسلاف الكورد الزاگروسيين الذين إنتقلوا من كوردستان الى جنوب العراق الحالي، حيث أنّ أسلاف الكورد الزاگروسيين هم أول مَن قاموا ببناء الحضارة البشرية في المنطقة وأن باكورة الحضارة ظهرت على أرض كوردستان.

يعتقد بعض المؤرخين بأن السوباريين والسومريين ينتمون الى أصل واحد وأنهم مرتبطون مع البعض بصلة القرابة أو على الأقل أنهما كانا يعيشان معاً في شمال بلاد ما بين النهرَين قبل إنتقال السومريين الى جنوب بلاد ما بين النَهرَين وإستقرارهم هناك (الدكتور نعيم فرح: معالم حضارات العالم القديم، دارالفكر، 1973، صفحة 198). يذكر الدكتور نعيم فرح في كتابه المذكور أيضاً بأن السومريين و السوباريين ينحدرون من الگوتيين (أسلاف الكورد) الذين كان موطنهم سلسلة جبال زاگروس. تعضيداً لوجود صلة القرابة بين السوباريين والسومريين هو أن أسماء كثير من المدن السومرية لم تكن أسماء سومرية، بل سوبارية، أمثال مدن: أور، أريدو، أوروك، سِپار، لارْسا، لَگَش، و كلمة "باتيس – باتيز"، التي تعني "الملِك" وغير ذلك من المفردات المشتركة بين اللغتين، حيث أن الكثير من الكلمات السومرية قد تكون كلمات سوبارية (الدكتور سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري، منشورات الجمعية التاريخية العراقية، بغداد، 1975).

إن تركيبة اللغة السومرية والكوردية متشابهة، حيث أن كلاهما لغتان إلتصاقيتان، يتم فيهما تركيب كلمات مركبة من كلمتَين أو أكثر من الكلمات البسيطة، على سبيل المثال إسم "مدينة أوروك" (الوركاء السومرية) التي تقع أطلالها على بُعد ستين كيلومتراً من مدينة السماوة، مؤلف من كلمتين هما (آور) التي تعني (نار) و (گا) تعني (محل) وبجمع الكلمتين في كلمة واحدة يصبح معناها (الموقد). في اللغة الكوردية تُعطي هذه الكلمة المركبة نفس المعنى السومري. من جانبٍ آخر فأن اللغة الكوردية لا تزال تحتفظ بكثير من الكلمات السومرية رغم مرور آلاف السنين على إنقراض اللغة السومرية، لدرجةٍ أن إسم بلاد سومر لا يزال باقياً في اللغة الكوردية و يُعطي نفس المعنى، حيث أن إسم بلاد سومر باللغة السومرية الذي تتم كتابته بالخط المسماري، هو (كي إن جي Ki -en –gi)، الذي يعني "البلاد السيدة" (عامر سليمان، وأحمد مالك الفِتْيان: محاضرات في التاريخ القديم، 1978، صفحة 25). هذا الإسم في اللغة الكوردية يعني "مكان سادة الأرض".
 
قام السومريون ببناء معابدهم على أماكن مرتفعة شبيهة بالجبل (زَقُورة) ورسموا الأشجار  والحيوانات الجبلية كالوعل والماعز على الأختام الأسطوانية التي كانوا يصنعونها (فاضل عبد الواحد علي: من سومر إلى التوراة. سينا للنشر، القاهرة، 1996، صفحة 22؛ سامي سعيد الأحمد: السومريون وتراثهم الحضاري. مطبعة الجامعة، بغداد، 1975، صفحة 42، 82). كل هذا يدلّ على الأصل الجبلي للسومريين، حيث كانت جبال زاگروس الموطن الأصلي لهم. كما أن هناك مشتركات كثيرة في العقائد بين السومريين و الكورد. أكتفي هنا بهذا القدر من الأدلة التي تُثبت بأن الكورد هم أحفاد السومريين، حيث أنني قد إنتهيتُ من كتابة مسودّة لدراسة معمّقة حول علاقة الكورد و السومريين و التي سأنشرها قريباً.
 
يقول الدكتور طه باقر في مقدمته لكتاب صمويل كريمر و الذي ترجمه الى العربية، بأن السومريين على ماهو مجمع عليه، المؤسسون الأوائل لمقومات الحضارة والعمران ومنهم إقتبس الساميون في بلاد ما بين النهرين أصول حضارتهم ولا يقتصر تراثهم الثقافي بكونه أساس حضارة وادي الرافدَين، بل أنهم أثرّوا في جميع شعوب الشرق الأدنى و يتجلى ذلك في مجالات عديدة، حيث أن السومريين كانوا أول مَن أوجد و طوّر الكتابة التي عُرفت بعدئذٍ بالخط المسماري وهو الخط الذي إقتبسه معظم شعوب الشرق الأدنى القديم (صمويل كريمر: من ألواح سومر، ترجمة الدكتور طه باقر، مكتبة المثنى، بغداد ومؤسسة الخانجي بالقاهرة، 1970، صفحة 9-13).

تميّز السومريون بالإبداع في الحضارة المادية كأسس العمارة والفنون و النظم الإجتماعية والسياسية والى غير ذلك من مقومات الحضارة التي أثرّت بشكل كبير في تقدم شعوب الشرق الأدنى. كما أن السومريين أوجدوا آراءً و تصورات و أفكاراً في الديانة و في المجالات الروحية و العقلية الأخرى، وأن الكثير منها دخلَ الى معتقدات الديانة اليهودية والمسيحية وإنتقل الكثير منها الى الحضارة الحديثة. أنتج السومريون نتاجاً أدبياَ أصيلاً الذي كان معظمه شعراً و كان تأثيره عميقاً في الأقوام القديمة وإستمر تأثيره الى الحضارة الحاضرة.

إبتكر السومريون الكتابة في جنوب بلاد ما بين النهرَين في حوالي عام 3000 قبل الميلاد وبذلك بدأ عصر التدوين الذي من خلاله إستطاع الباحثون الإطلاع على الحضارة السومرية والحضارات التي تلت هذه الحضارة.

أهم الأعمال التي قام بها السومريون هي إختراعهم للكتابة والأرقام وإبتكارهم للمدن. السومريون هم أول مَن إخترعوا الكتابة والأرقام والتي أخذتها الأقوام الأخرى منهم، حيث أننا لو تصفحنا الكتب الغربية التي تدرس تأريخ تطور اللغات والأرقام في العالم، لنرى أنها تذكر ذلك وتؤكد عليه. السومريون بنوا حضارة متقدمة، حيث طوروا الزراعة والري وإخترعوا المحراث والدولاب والعربة ومخرطة الخزف والقارب الشراعي والبرمشمة واللحام والدهان وصياغة الذهب والترصيع بالأحجار الكريمة وعمارة القرميد العادي والمشوي وإنشاء الصروح وإستعمال الذهب والفضة في تقويم السلع وإبتكروا العقود التجارية ونظام الإئتمان ووضعوا كتب القوانين، وهم أول من إبتكروا الطابوق كوحدة معمارية مصنعة بدل الحجر.

يُحدّثنا التأريخ أيضاً بأن السومريين تمسكوا بالحق والعدالة والحرية الشخصية وكرهوا الظلم والعنف، حيث وضعوا القوانين لتنظيم حياتهم على ضوء هذه المبادئ الإنسانية.

برع السومريون في علوم الموسيقى، حيث أن التنقيبات الأثرية في مدفن زوجة ملك أور، الملكة شبعاد، التي قام بها علماء الآثار البريطانيون في عام 1918، قادت الى العثور على مجموعة من العازفين مع 11 قيثارة، إضافة لقيثارة كبيرة مكونة من 30 وتراً وهي القيثارة السومرية. الحضارات اللاحقة قد أخذت معظم العلوم ومنها الموسيقى من الزقورات (أماكن العبادة)، (زقورة أور وزقورة دوركاريكالزو) الواقعة غرب بغداد وكانت زقورات وادي الرافدين قُبلة لأنظار الناس ومنها إستلهم المصريون أهراماتهم وهياكلهم الأولى (ب. ليرخ: دراسات حول الأكراد وأسلافهم الخالديين الشماليين. ترجمة الدكتور عبدي حاجي، 1992).

Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia, USA.

mahdi_kakei@hotmail.com


152
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (3) – أسلاف الكورد: الأورارتيون والنايريون والكاردوخيون والإيلاميون

د. مهدي كاكه يي

خلـــــدي – أورارتو
تأسست دولة أورارتو في بلاد النايريين (منطقة بحيرة وان) في أوائل القرن التاسع قبل الميلاد وذلك بعد إتحاد أمراء النايريين و الهوريين. إن حدود مملكة أورارتو في وقتٍ ما كانت تمتد من الشمال الى بحيرة كوكجة والكسندرپور في القوقاس ومن الجنوب الى راوندوز ومنابع نهر الزاب ومن الغرب الى نهر الفرات ومن الشرق الى بحيرة أورميه. كما أنهم حكموا أيضاً غرب كوردستان الحالي لفترة من الزمن. كانت مدينة "توسپاسي" (وان) عاصمة بلاد الخلديين ويُعتقد بأن ملك الخلديين، "ساردوريس الأول" قام ببناء هذه المدينة في سنة 840 قبل الميلاد (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 66). الملك الخلدي (إسپونيس) أحلّ اللغة الخلدية محل اللغة الآشورية التي كانت لغة التحرير والآداب الى ذلك الوقت في مملكة أورارتو. إستمرت مملكة أورارتو الى عام 625 قبل الميلاد، حيث بعد ذلك أصبحت في حماية الميديين ردحاً من الزمن الى أن تم القضاء عليها عند قيام ثورة العشائر الكوردية الگوتية في عام 585 قبل الميلاد بعد إستيلاء الأرمن عليها والذين كانوا يقطنون في غربي بلاد الخلديين (مصدر رقم 1).

كان الأورارتيون بارعين في تنظيم الشؤون الإدارية (مصدر رقم 2) وفي العمران و بناء المدن والسدود، حيث لا تزال آثار القنوات والجداول المائية التي أقامها الأورارتيون قائمة الى الآن، مثل قناة ماء شميران التي تم حفرها لجلب المياه الى السواحل الشرقية لبحيرة وان (كويندولين لايك: معجم عمارة الشرق الأدنى القديم. ترجمة غسان طه ياسين وكمال نادر، بيروت، 2003، صفحة 204).

نايـري – نيـري
ظهر الكورد بهذا الإسم كمملكة في القرن العاشر قبل الميلاد ومن المرجح أن هذه العشيرة كانت تؤلف قسماً من أقسام السوباريين والگوتيين وبعد ذلك تغلبوا على الأقسام الأخرى من هذين الشعبَين وحلّ إسم "نايري" محل الإسمَين "سوبارو" و "گوتي" وأصبح النايريين يمثلون الشعب الكوردي بأكمله (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 70، 71، 101). كانت بلاد النايري تمتد من الحوض الأوسط لنهر الزاب الكبير الى منابع هذا النهر وكانت ولايات آمد (ديار بكر) وخربوت ودرسيم و جبال بدليس و طوروس من ضمن بلاد النايريين (ميجر سون: رحلة متنكرة الى بلاد ما بين النهرين وكوردستان، لندن، 1912). يضيف الميجر سون في كتابه المذكور بأن الشعب النايري إمتزج بالشعب الميدي و تألفت منهما الأمة الكوردية، حيث عاش الشعب الكوردوئی في هذه المنطقة في عام 401 قبل الميلاد في أواخر عهد الحكومة الأخمينية التي تأسست بعد إنقراض الحكومة الميدية. إن العشائر الحالية التي تقطن في منطقة نيري (نهري) بمقاطعة شمدينان تنتمي الى الشعب النايري (فلاديمير مينورسكي: الكرد وكردستان. موسوعة الإسلام، دائرة المعارف الإسلامية، القاهرة، 1929). كما أن المستشرق تورودانجين يذكر بأن منطقة "نايري" أو "هوبشكيا" هي وادي بوتان و تم تأسيس حكومة نايرية مستقلة في القسم الشرقي من بلاد النايريين (تورودانجين: رابطة الغزوة الثامنة من غزوات الملك سرجون، باريس، 1912).

كان هذا الشعب على جانب عظيم من الشجاعة والكثرة والقوة و كان مصدر تهديد دائم لمملكة آشور، حيث أن الملك الآشوري "تيجلات پليسر" الأول حارب جيوش 23 ملكاً نايرياً (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 101).

كاردخوي
الشعب الكاردوخي هو من بقايا الشعب الگوتي القديم، فاتح بلاد سومر وأكد، حيث أن الإسم "كاردوخي" هو الإسم المُحرّف من الإسم " گوتي"، فأن هذا الإسم تغيّر مع مرور الوقت حتى أصبح "كوتي" و"كورتي" في عهد الملك الآشوري "توكولتي - نيراري". دراسات وأبحاث المستشرق "درايڤر" تُشير الى أن الإسمَين "كورتي" و"كاردا" اللذين كانا شائعَين في عهد ملك لگش "آراد - نانار" وغيرهما من الأسماء المتشابهة، هي أسماء الشعب الكوردي الحالي في مختلف العصور (ج. ر. درايڤر: الكورد في المصادر القديمة، ترجمة فؤاد حمه خورشيد، بغداد، 1986). يذكر العلامة محمد أمين زكي بأن المؤرخ "سپايزر" يشير في كتابه "التاريخ العام للمؤرخين" بأن أسماء الأعلام هي عرضة للتعديل من قِبل شعوب أخرى، حيث يذكر على سبيل المثال بأن الشعب الهوري كان له تسع أسماء مختلفة وهي: هورليلي، هورلاس، هورلو، هوري، كورهوروهي، هورووهي، هاري، موري، هوريت، وكان للشعب الميتاني إسمَين مختلفَين هما "ميتاني" و"ميتلاني" (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 74، 75).

الإيلاميـــــون
يذكر العالم (هينتز) بأن الإيلاميين ينتمون الى القبائل الگوتية الكوردية و التي هي من أقوام جبال زاگروس التي كانت الموطن الأصلي لأسلاف الكورد {والتر هينتس: دنياي گمشده‌ي ايلام. ترجمي فيروز فيروزنيا. انتشارات علمي وفرهنگي، 1376 هجري (باللغة الفارسية)}. هاجر الإيلاميون من جبال زاگروس الى منطقة الأهواز، حيث السهول الخصبة، وإستقروا هناك وإكتشفوا الزراعة وإنتاج المواد الغذائية، حيث إستطاعوا بناء إمبرطورية كبيرة وقوية ذات حضارة متقدمة قبل حوالي 5000 عام. في عام 4200 قبل الميلاد، بنى الإيلاميون مدينة سوسة على نهر كارون على ارض زراعية خصبة محاطة بعدد من القرى الزراعية وتم بناؤها على قاعدة أرضية كبيرة من الطابوق وكانت مركزاً لهم، وكذلك مركزاً لتجارة بلاد ما بين النهرين.
من خلال الحفريات التي قام بها فريق أمريكي لعلماء الآثار بقيادة الدكتور (زامبز)، إكتشف الفريق خلالها آثار مدينة "إنشان" أو "إنزان" الإيلامية والتي كانت تعد مركزاً لإحدى الأقاليم الاساسية لبلاد إيلام {پير آميه: تاريخ ايلام. ترجمه‌ي شيرين بياني، انتشارات دانشگاه تهران، 1372 هجرية (باللغة الفارسية)}. وُجد إسم إيلام لأول مرة على إحدى الرقع السومرية حيث يُذكر ان ملك السومريين (انمباركسي) قد غنم في حروبه مع الإيلاميين الكثير من الاسلحة والغنائم {جورج كمرون: ايران در سپيده‌دم تاريخ. ترجمه‌ي حسن انوشه، انتشارات علمي و فرهنگي، 1365 هجرية (باللغة الفارسية).

يمكن تقسيم الفترات الزمنية التي مرت بها الدولة الإيلامية إلى ثلاث فترات أو عصور. الفترة الأولى تبدأ قبل التاريخ (8 الآف سنة ق. م. الى سنة 2225 ق. م.). عاصرت هذه الفترة السومريين والأكديين ويُخُتتم هذا العصر بإنقراض الدولة السومرية والأكدية على يد الإيلاميين. لقد تم ذكر فتوحاتهم في التوراة في الباب الرابع من سفر بيدايش (الآيات 1، 5، 9، 17) وأن إسم ملك إيلام (كدر أومر) مذكور أيضاً في التوراة. الفترة الثانية هي فترة معاصرة الإيلاميين للبابليين التي إمتدت من سنة 2225 ق.م. الى سنة 745 ق.م. أما الفترة الثالثة فهي فترة معاصرة الإيلاميين للآشوريين التي بدأت من سنة 745 ق.م. وإنتهت في سنة 645 ق.م.، حيث تم إنقراض الدولة الإيلامية على يد آشور بانيبال سنة 645 ق.م.

عندما كانت مملكة إيلام في أوج قوتها، كانت تضم اجزاءً من بلاد ما بين النهرين وغرب إيران الحالية، حيث كانت حدود الدولة الإيلامية تمتد من أصفهان شرقاً وضفاف نهر دجلة غرباً والخليج جنوباً والطريق الموصل بين بابل وهمدان شمالاً. في زمن الملك "كوير نهونته" تمكن الإيلاميون من الإستيلاء على بلاد سومر و بابل لفترة من الزمن وإنهاء حكم الكيشيين ونصب إبن الملك "كوير نهونته" ملكاً على بابل، والذي تم في عهده نقل أجزاء من مسلة حمورابي إلى مدينة سوسه (شوش).

حضارة إيلام هي من أقدم الحضارات البشرية والتي بُنيت في خوزستان و إيلام الحاليتَين بالإضافة إلى محافظتَي واسط وميسان الحاليتَين. يذكر عالم الأثار "پوتس"، أنه نتيجة رُقي الحضارة الإيلامية، فأن جوانب عديدة من حياة الامبراطورية الأخمينية، مثل شكل الألبسة وكيفية إدارة الدولة، قد تأثرت بالحضارة الإيلامية، لدرجة أن الأخمينيين إستخدموا الأبجدية الإيلامية (مصدر رقم 3). تشير التنقيبات الأثرية التي أُجريت في إقليم خوزستان، الى أن الدولة الإيلامية كانت لها حضارة متقدمة خلال الألف الثالث قبل الميلاد.

قام ملوك إيلام ببناء معابد لآلهتهم في مدينة شوش ومن أهمها زيكورات وجغازنبيل في خوزستان وقد تم العثور على قطع أثرية كثيرة فيها، مثل الأواني الملونة والتحف اليدوية التي كانت مدفونة في القبور قرب قاعدة المدينة وأن تنوع هذه القطع الأثرية وتعدد المصادر الشخصية لصناعتها، يشير الى أن عدداً كبيراً من الفنانين كانوا يعيشون في مدينة شوش. في حوالي 3400 قبل الميلاد، تمت صناعة الخزف و السيراميك والأختام الإسطوانية والتماثيل في مدينتَي جوغاميش وسوسة، و التي هي مشابهة لتلك التي عثر عليها في جنوب العراق (محمد بيومي مهران: دراسات في تاريخ الشرق الادنى القديم. الجزء 10، 2012).   

كشفت أعمال التنقيب في مدينة "سوسة" عن مساكن لمجتمعات زراعية وأواني وأدوات مصنوعة من الفخار المستخدمة لأغراض عديدة. بعض هذه الأواني كانت ملونة وبعضها الآخر مُحلّى بأعمال الزخرفة. كما تم إكتشاف لوحات طينية في مدينة "سوسة" تحمل سجلات مكتوبة بكتابة تصويرية {والتر هينتس: دنياي گمشده‌ي ايلام. ترجمه‌ي فيروز فيروزنيا. انتشارات علمي و فرهنگي، 1376 هجري (باللغة الفارسية)}.

كانت اللغة الإيلامية تُسمى لغة (اليافتي) وكانت لغة التحادث، الا انه مع ظهور الأبجدية، اصبحت اللغة والأبجدية الإيلامية أكثر تطوراً. تعلًم الإيلاميون الكتابة من السومريين الذين هم من أسلاف الكورد أيضاً. كان الإيلاميون من عبدة الطبيعة، وخاصة الشمس، بينما كان الآشوريون والبابليون من عبدة الأصنام.

كان نظام الحكم في الإمبرطورية الإيلامية نظاماً فيدرالياً ومراكز المدن الكبرى كانت تُدار من قِبل حكومات مستقلة، إلا أن الحكومة المركزية كانت تقوم بإخضاع الحكومات المحلية لسيطرتها عندما تكون قوية.

المصادر الأجنبية
 
1. Bury, J.B (1925). The Cambridge ancient history. The Assyrian Empire, S.A. Cooke. Volume: 111, London.

2. Saggs, H.W.F. (1975). The Assyrian,The people of Old Testment,Oxford, p.160.

3. Potts, D.T. (2012) A Companion to the Archaeology of the Ancient Near - Elam: Iran's First Empire, Volume 2, Part 6, Chapter thirty-nine, Blackwell Reference Online.

mahdi_kakei@hotmail.com




153
(تركيا)  .....   الى أين؟  (33) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

4. ترسيخ الديمقراطية و تطبيق مبدأ المواطنة في كوردستان



د. مهدي كاكه يي

ترسيخ الديمقراطية
إن تبنّي الديمقراطية و التعددية و العلمانية و قبول الآخر يُعتبر الحجر الأساس لضمان تحقيق أهداف النضال الكوردستاني، حيث لا يمكن للكوردستانيين تحقيق تحررهم و إستقلال بلدهم بإتباع النهج الشمولي و الدكتاتوري و خلط الدين بالسياسة. ينبغي أن يكون المواطن الكوردستاني حراً في خياراته و تفكيره و قراراته ليكون قادراً على الإبداع و الخلق و التطور و التطوير و المساهمة في خلق مجتمع متحضر منتج، تسوده العدالة الإجتماعية و المساواة. الإنسان المُقيّد و مقهور الإرادة لا يمكنه أن يكون عضواً نافعاً في المجتمع، حيث يكون عاجزاً عن الإبداع و الإنتاج.

ينبغي أن تسود الديمقراطية و الحرية في إقليم جنوب كوردستان لتكون قدوةً للأجزاء الأخرى من كوردستان و لضمان نجاح التجربة الكوردستانية في هذا الجزء و الذي بدوره يُمهّد الطريق لتحقيق تحرر كوردستان بأكملها و بنائها بكل عزم و سرعة للحاق بالدول المتحضرة و المتقدمة. ينطبق هذا الأمر أيضاً على التنظيمات السياسية الكوردستانية لخلق أحزاب سياسية ناجحة، قادرة على العطاء و تقديم المنجزات و تجديد نفسها بإستمرار لمجاراة التطورات المحلية و الإقليمية و الدولية و التفاعل مع المستجدات من الأفكار و المبادئ و المفاهيم و القيم، ليضمن بقاءها و إستمرارها و لكسب ثقة الشعب و القدرة على تحمل أعباء النضال الصعب الذي تتطلبه القضية الكوردستانية و لتتحرر المواهب و الطاقات الفكرية و الإبداعية الكامنة في أعضاء هذه الأحزاب لخدمة شعبهم و بلادهم. ينبغي أن تسود الديمقراطية و الحرية في منظمات المجتمع المدني و المحافظة على إستقلالية هذه المنظمات عن السلطة التنفيذية في جنوب كوردستان و عن الأحزاب السياسية في كافة أرجاء كوردستان، لخلق ظروف جيدة لهذه المنظمات لأداء مهامها و و دورها في المجتمع الكوردستاني.

سيادة الجو الديمقراطي في داخل الأحزاب الكوردستانية، تعمل على خلق قيادات جماعية منسجمة في هذه الأحزاب و بذلك يوفّر فرصاً أوسع و أفضل لإتخاذ قرارات صائبة و تجنّب الأخطاء. كما أن القيادة الجماعية تسد الطريق أمام ظهور الدكتاتورية الفردية و بروز ظاهرة "الزعيم الأوحد" أو سيطرة العائلة و القبيلة على مقدّرات و قرارات الحزب. القيادة الجماعية تمنع أيضاً حدوث فساد مالي و إداري في الحزب أو تحدّ منه. الديمقراطية الحزبية تعمل كذلك على خلق و تنمية و تشجيع الكفاءات و المواهب الفردية التي تكون ثروة بشرية خلّاقة للحزب و للشعب على السواء. من الجوانب الإيجابية الأخرى للديمقراطية الحزبية هي أنها تعمل على الحد من النزاعات و الخلافات بين الأحزاب الكوردستانية و ذلك من خلال إسهامها في الحدّ من دور الخلافات الشخصية أو العشائرية في علاقة الأحزاب السياسية مع بعضها و وضع المصالح الوطنية فوق المصالح الشخصية و الفئوية و الحزبية.

إن سيادة الديمقراطية في تنظيم سياسي ما أو نظامٍ ما، تقود الى تبؤ الأشخاص للمواقع الحزبية أو الإدارية بالإستناد الى الكفاءة و الخبرة و المقدرة و وضع المصلحة الوطنية فوق كل المصالح الأخرى، حيث يتم إختيار المسئولين بطريقة ديمقراطية و بقرارات جماعية التي تضع الشخص المناسب في المكان المناسب. بالنسبة الى الديمقراطية في النظام السياسي، التي تنطبق على جنوب كوردستان و الى حد ما على غرب كوردستان، فأنه ينبغي إناطة المسئوليات و المهام و فتح أبواب التعيينات أمام الكوردستانيين على أساس المواطنة و الكفاءة، بعيداً عن أسس الإنتماء الحزبي.

المواطنة
إن بناء أنظمة سياسية على مبدأ المواطنة، بعيداً عن التمييز الإثني و القومي و الديني و المذهبي و الجنسي، يخلق مجتمعاً متجانساً، يشعر المواطنون في ظلها بروح الإنتماء الى الوطن و الدفاع عنه و يشترك أفراد الشعب في الثقافة و المصالح و الأهداف و المصير و هذا بدوره يقود الى التقدم و الإزدهار و الرفاهية. من هذا المنطلق، ينبغي أن تؤمن الأحزاب الكوردستانية بمبدأ المواطنة و تطبيقه عملياً في التعامل مع مختلف مكوّنات شعب كوردستان. إن الإنتماء الحزبي هو عمل تطوّعي يقوم به المواطن لخدمة شعبه و لذلك فأن هدف الإنتماء الحزبي هو ليس الحصول على الإمتيازات على حساب الشعب، بل هو خلق الرفاهية للشعب و تنمية البلاد و تطويرها.

حرصاً على التجربة الكوردستانية في الجنوب و على نجاح النضال الكوردستاني، أود هنا أن أشير الى ثلاث حالات لخرق مبدأ المواطنة و الكفاءة في جنوب كوردستان. هناك أعداد كبيرة تُقدّر بعشرات الآلاف من أعضاء الحزب الديمقراطي الكوردستاني و الإتحاد الوطني الكوردستاني قد تمت إحالتهم على التقاعد و يحصلون على رواتب تقاعدية من أموال الشعب. أغلب هؤلاء المتقاعدين لم يخدموا في صفوف البيشمەرگه و أنهم من الشباب القادرين على العمل. تمت إحالة هؤلاء على التقاعد فقط لكونهم ينتمون الى الحزبَين المذكورَين. هؤلاء الآن يؤدون مهام حزبية مقابل الرواتب التقاعدية التي يحصلون عليها، حيث يداومون ك"موظفين" في المقرات الحزبية. هذا الإجراء يخرق مبدأ المواطنة، حيث يتم تفضيل الحزبيين على المواطنيين الكوردستانيين الآخرين، كما تعمل الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية. كما أن دفع أموالٍ طائلة كرواتب تقاعدية لهذا العدد الهائل من أعضاء الحزبَين الذين معظمهم قادرين على العمل، يستنزف خزينة الإقليم و يؤثر سلباً على تنمية الإقليم و تطويره و بناء البُنية التحتيه له و تقديم الخدمات للمواطنين و يؤدي الى إنخفاض مستوى المعيشة لسكان الإقليم. إحالة هؤلاء على التقاعد، خلقت جيشاً من العاطلين عن العمل الذين يتم إبعادهم عن المساهمة في بناء الإقليم و خدمته و زيادة الإنتاج و الإنتاجية. ينبغي وضع المصلحة الوطنية قبل كل شئ و التفكير ببناء و تنمية و إزدهار كوردستان بدلاً من المصالح الحزبية. يمكن تشريع قوانين عامة للتقاعد و الضمان الإجتماعي و البطالة في الإقليم ليحصل جميع المواطنين الذين أعمارهم ضمن سن التقاعد على رواتب تقاعدية طبقاً لخدماتهم الوظيفية. بالنسبة للذين لم يكن لهم عمل، أي لم يخدموا كموظفين أو عمال، ينبغي منحهم رواتب تقاعدية مقدارها يُعادل المبلغ المخصص للضمان الإجتماعي الذي مقداره يُعادل الحد الأدنى من مستوى المعيشة لضمان حياة معيشية كريمة للمواطنين. مبلغ الحد الأدنى لمستوى المعيشة يتغير بإستمرار تبعاً لتغيّر مستوى المعيشة في الإقليم. بالنسبة للعاطلين عن العمل، ينبغي إقرار قانون لتعويض العاطلين عن العمل بنسبة معقولة من رواتبهم ليكونوا قادرين على العيش بها.

الحالة الثانية هي عدم إستفادة الإقليم من خبرات و معلومات عشرات الآلاف من الأكاديميين و المهنيين الكوردستانيين المغتربين في الدول الغربية و الذين يحملون شهادات دراسية في مجال إختصاصاتهم و عدم إتاحة الفرصة أمامهم للمساهمة في بناء الإقليم و دمقرطة المجتمع، بسبب عدم إنتمائهم الى أحد الحزبَين الحاكمَين في الإقليم. إن هؤلاء ثروة بشرية نادرة لا يمكن الإستغناء عنهم، حيث أن العلماء و الباحثين هم الركيزة الأساسية في بناء و تطور و تقدم البلدان.

الحالة الثالثة هي مطالبة حكومة إقليم جنوب كوردستان للحكومات الغربية بعدم إعادة طالبي اللجوء من مواطني الإقليم الى وطنهم و بمنحهم اللجوء في البلدان الغربية. إن حياة هؤلاء لا تتعرض للتهديد و المخاطر في كوردستان و هذا يعني بأنهم غير مستحقين للحصول على اللجوء في بلدان أخرى حسب بنود الإتفاقيات و المعاهدات الدولية. كما أن مطالبة حكومة الإقليم بمنح اللجوء الى هؤلاء، تُسئ لحكومة الإقليم لأن منحهم اللجوء يعني أن النظام السياسي في الإقليم هو نظام مستبد، يضطهد مواطنيه. غالبية طالبي اللجوء من سكان الإقليم هم من الشباب و أن كوردستان بحاجة كبيرة لهم لبنائها و تطويرها، لذلك ينبغي إيجاد فرص الدراسة و العمل للشباب في الإقليم و إشباع إهتماماتهم و هواياتهم ليعيشوا في كوردستان و يخدموا شعبهم و بلدهم.

خلق مجتمع كوردستاني متجانس
يجب إستخلاص الدروس من التجارب الفاشلة لحكومات كثير من دول العالم، خاصة دول منطقة الشرق الأوسط و التي تتألف شعوبها من مجموعات إثنية و قومية و دينية و مذهبية متعددة، حيث حاولت الحكومات العنصرية و الدينية و الطائفية أن تُذيب القوميات و الأديان و المذاهب الأخرى في قوميتها و دينها و طائفتها، إلا أن هذه المحاولات باءت بالفشل و خلقت مجتمعات متنافرة، عبارة عن خليط من المجاميع الإثنية و الدينية و المذهبية التي لا تربطها ثقافة و أهداف و مصالح مشتركة أو مصير مشترك، و بذلك عاشت هذه الشعوب و القوميات و الأديان و الطوائف ضمن كيانات سياسية واحدة لفترة زمنية طويلة دون أن تتمكن أن تصبح مجتمعات متجانسة، كما في حالة العراق و سوريا و "تركيا" و إيران و البحرين و السعودية و غيرها من الدول.

إن كافة القوميات و الديانات و المذاهب يجب أن تتساوى في كوردستان و أن تتمتع هذه القوميات و الإثنيات و الأديان و المذاهب الكوردستانية بحريتها و كافة حقوقها. لذلك يجب الإهتمام بثقافات و لغات و تأريخ و تراث و شعائر و طقوس و مناسبات القوميات في كوردستان و تطويرها و فتح مدارس و معاهد لتعليم أطفال القوميات غير الكوردية لغاتهم و تعريفهم بتأريخهم و تراثهم و أن يكون جميع مواطني كوردستان متساوين في الحقوق و الواجبات. كذلك ينبغي أن تتمتع الأديان و المذاهب و المعتقدات في كوردستان بكافة حقوقها و حريتها في ممارسة طقوسها و شعائرها و الإحتفاء بمقدساتها و مناسباتها الدينية و المذهبية و تعريف أطفالها في المدارس بأديانهم و تأريخ هذه الأديان و الإهتمام بمزاراتهم و تكاياهم و كنائسهم و حسينياتهم.

مبدأ المساواة بين المكونات الكوردستانية ينبغي أن يتم التمسك به من قِبل الأحزاب الكوردستانية و حكومة إقليم جنوب كوردستان لخلق مجتمع كوردستاني متجانس، تتمتع فيه كافة مكوناته الإثنية و القومية و الدينية و المذهبية و العقائدية بحقوق متساوية دون أي تمييز. إن هذا الأمر مهم جداً و ينبغي الإهتمام الكبير به لنشر ثقافة الديمقراطية و حقوق المواطنة و حرية التعبير و الإعتقاد و إنفتاح المكونات الكوردستانية على بعضها و التآلف بينها لخلق مجتمع ذي ثقافة و مصالح و أهداف مشتركة و مصير مشترك و ليشعر الجميع بالإنتماء الى وطنهم، كوردستان.

تأسيس أحزاب سياسية عصرية و منظمات للمجتمع المدني
إن معظم الأحزاب الكوردستانية هي أحزاب تقليدية "تعبانة" و لا تزال تعيش في زمن الحرب الباردة التي كانت سائدة في القرن السابق و أن قيادات هذه الأحزاب متأثرة بالأفكار الشمولية و الدكتاتورية و الشعور بالدونية و أن قسماً كبيراً من الأحزاب الكوردستانية  قائمة على أسس شخصية و عائلية و عشائرية و مناطقية. لهذه الأسباب فأن هذه الأحزاب عاجزة عن الإنفتاح على الأفكار و المبادئ و المفاهيم و القيم المعاصرة و قاصرة عن مواكبة التطور و المستجدات السياسية و الإقتصادية و الفكرية في كوردستان و في الدول المحتلة لكوردستان و في مراكز القرار الدولية. إن قيادات هذه الأحزاب قد ترسّخ فيها التعصب الحزبي و الفكر التقسيمي (الفكر الذي يُقسّم كوردستان الى أقاليم مستقلة و يعزلها عن بعضها، حيث يربط كل جزء من أجزاء كوردستان المحتلة بالدولة المحتلة له و بذلك يعمل هذا الفكر التقسيمي على تقسيم القضية الكوردستانية و تشتيت النضال الكوردستاني) اللذان يهددان النضال الكوردستاني و وحدة كوردستان. لذلك فأن هذه الأحزاب تعيش في عصر غير عصرها، تفتقد الى القدرة على قيادة شعب كوردستان و تحقيق إستقلال كوردستان و أنها في طريقها الى الزوال.

نتيجة عجز غالبية الأحزاب الكوردستانية الحالية في قيادة شعب كوردستان نحو التحرر و الإستقلال، فأن شعب كوردستان ، بحاجة الى تأسيس أحزاب سياسية عصرية، يُشكّل الشباب العمود الفقري لها، ليتسلم جيل الشباب المسئولية الوطنية و ليصبح جيلاً للإدارة و البناء و الدبلوماسية و تنظيم الجماهير و قيادة النضال الجماهيري الحضاري بدلاً من الكفاح المسلح الذي قاده الجيل القديم و تحمّل أعباءه. مثل هذه الأحزاب السياسية العصرية ستكون قادرة على التفاعل مع الأفكار و المبادئ و القيم الجديدة و مواكبة التطورات العالمية و الإقليمية الكبرى التي حدثت و تحدث في العالم و المنطقة و مؤهلةً لوضع إستراتيجية صائبة للنضال الكوردستاني و بالتالي تحقيق إستقلال كوردستان و تأسيس نظام سياسي ديمقراطي يُلبّي طموحات الشعب في الحرية و المساواة و العدالة الإجتماعية و الرفاهية و التقدم. ينبغي أن يعمل كل حزب سياسي على نطاق كوردستان كلها، في كل أجزاء كوردستان، و بذلك يتوحد النضال الكوردستاني على مستوى كوردستان كلها و يتم إنهاء الفكر التقسيمي الخطير الذي لا يزال عملياً يسود في كوردستان. من الأفضل أن يكون لكل حزب فرع رئيسي في كل إقليم كوردستاني، إضافةً الى قيادة عليا يتمثل فيها كل أجزاء كوردستان و كوردستانيو المهجر.

كما ينبغي إنشاء منظمات المجتمع المدني من نقابات و جمعيات و إتحادات مختلفة تقوم بنشاطاتها لتحقيق الأهداف الكوردستانية. يجب أن تكون هذه المنظمات مستقلة عن السلطة التنفيذية في حالة جنوب كوردستان و غير مرتبطة بأحزاب سياسية بالنسبة الى بقية أجزاء كوردستان التي تفتقد الى حكومات. تستطيع هذه المنظمات عقد لقاءاتها و إجتماعاتها و تواصلها مع البعض عن طريق اللقاء المباشر و الإنترنت و الفضائيات. كما ينبغي تأسيس جمعية لحقوق الإنسان للدفاع عن حقوق الكوردستانيين. ينبغي أن تكون هذه المنظمات موحدة تضم النقابات و الإتحادات و الجمعيات الكوردستانية في مختلف أنحاء كوردستان كما هو الحال بالنسبة للأحزاب السياسية.

mahdi_kakei@hotmail.com



154
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (2) – أسلاف الكورد: أقوام لولو و گوتي و كاساي

د. مهدي كاكه يي

تذكر دراسات تاريخية كثيرة بأن أصل الكورد هو شعب زاگروس القديم الذي عاش في وطنه، كوردستان منذ عشرات الآلاف من السنين. خلال الحُقب التأريخية التي مرت على شعب زاگروس، قامت الكثير من القبائل و الفروع التابعة للشعب الزاگروسي بتأسيس ممالك وإمبراطوريات وحضارات في المنطقة. من القبائل الزاگروسية التي أقامت الممالك و الإمبراطوريات في كوردستان، هي السوباريون والسومريون والإيلاميون واللولويون والكاشيون والخوريون - الميتانيون والأورارتيون والميديون والكاردوخيون.

إن طبيعة كوردستان الجبلية وكثرة الأنهار فيها لابد أن تكون قد لعبت دوراً كبيراً في ظهور ممالك كوردية عديدة أُقيمت من قِبل قبائل زاگروسية مختلفة و بشكل مستقل عن بعضها نتيجة وجود الجبال الشاهقة و الأنهار الكثيرة في كوردستان التي عزلت هذه القبائل عن بعضها بحيث تقوم في كثير من الأحيان بتأسيس ممالك مستقلة خاصة بها بدلاً من مملكة موحدة. هكذا يمكن للمرء أن يكتشف بأن أصل الكورد يرجع الى هذه القبائل الزاگروسية التي سكنت كوردستان منذ زمن سحيق في القِدم (إرشاك سافراستيان: الكرد وكردستان. ترجمة الدكتور أحمد خليل، بيروت،2007 ،صفحة 23؛ محمد أمين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 74-80).

المصادر الآشورية في الألفَين الثاني والأول قبل الميلاد تشير الى مدى التقارب اللغوي والإجتماعي والحضاري بين هذه القبائل والأقوام الزاگروسية التي هي الأصول القديمة للشعب الكوردي ((دياكونوڤ: ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، 1998)

سأركز هنا على جغرافية و تأريخ الممالك الزاگروسية لتبيان كون بلاد آشور كانت موطناً لأسلاف الكورد قبل تأسيس مملكة آشور ولإلقاء الضوء على العلاقة بين الآشوريين وأسلاف الكورد وخاصة السوباريين، حيث أن غالبية سكان بلاد آشور كانوا من الأقوام الزاگروسية الكوردية.

شعب لولو
يُسمّى أيضاً شعب لولوبوم وكان يقطن في القسم الشمالي من جبال زاگروس في منطقة زهاو وشهرزور والسليمانية خلال الالف الثالث قبل الميلاد. خلال الألف الثالث قبل الميلاد، قام شعب لولو بتأسيس مملكة "خمازي" في منطقة السليمانية الحالية في جنوب كوردستان. نصوص رسالة مسمارية تشير الى وجود تحالف بين مملكتَي خمازي وإيبلا الكورديتَين للتعاون معاً في  حماية المملكتَين من التهديدات الخارجية (الدكتور فوزي رشيد: مملكة خمازي، مجلة كاروان، عدد 21، دهوك، 1984، صفحة 144)، وفيما بعد إندمج شعب لولو مع الشعب الگوتي (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 60)، بينما يذكر توفيق سليمان بأن بلاد اللولو إمتدت الى بحيرة أورميا (توفيق سليمان: دراسات في حضارات غرب آسية القديمة. الطبعة الأولى، دار دمشق للطباعة والصحافة والنشر، 1985، صفحة 132) وكان قسم من اللوليين يقطنون في غرب كوردستان الحالي (مصدر رقم 1).

في عام 3700 قبل الميلاد، تمّ أقدم ذكر لشعب لولو في الكتابات المسمارية في لوحة مكتوبة في عهد الملك الأكدي "نارام سين" التي عثر عليها الميجر ادموندز في مضيق گاور الواقع في جبال قرداغ في جنوب كوردستان الحالي، حيث كتب الميجر ادموندز مقالة حول هذا الموضوع بعنوان "أثران قديمان في كوردستان" في مجلة "جيوگرافيك جورنال". كما أنه في زهاو الواقعة في شرق كوردستان الحالي، تم العثور على حجر منقوش يعود لعهد ملك اللولو (آننو بانيني) و تأريخ الحجر المذكور يرجع الى عام 2800 قبل الميلاد (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التاريخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، هامش صفحة 60). يشير العلامة محمد أمين زكي أيضاً بأن المستشرق هوزينگ يقول بأن لغة شعب لولو كانت من نوع اللغات الإيلامية (نفس المصدر السابق، صفحة 61) و كما يرى المؤرخ سپايزر بأن هناك أيضاً تشابه لفظي بين لغة شعب لولو و الشعب الهوري (الخوري) و أن اللولويين هم أسلاف الشريحة اللورية الكوردية (مصدر رقم 1).

الوثائق الآشورية تشير الى أن بلاد اللولو كانت متقدمة جداً في مجالات الصناعة والعمارة والفنون بحيث أن الملك الآشوري (آشور ناصرپال) قام بنقل الكثير من أرباب الفنون والصناعات من سكان بلاد لولو الى بلاد آشور (مصدر رقم 2؛ جمال رشيد أحمد وفوزي رشيد: تاريخ الكرد القديم، أربيل، 1990،صفحة 27- 28).

يقول البروفيسور كمال مظهر بأن هناك صلة وثيقة بين اللولويين والهوريين (الخوريين)، حيث أن الشعب الكوردي هم أحفاد هذين القومَين وأن اللوليين قاموا ببناء مدينة كركوك ويومذاك كانت كركوك تُعرف بإسمَين، أرابخا واليلاني والتي تعني مدينة الآلهة، بينما الهوريون أطلقوا إسم "نوزي" على مدينة كركوك (الدكتور كمال مظهر: كركوك و توابعها - حكم التاريخ والضمير - دراسة وثائقية عن القضية الكردية في العراق، وزارة الثقافة، كوردستان، 2004، صفحة 5).

الگوتيون
 ينتمي الگوتيون الى شعب زاگروس و كان موطنهم الأصلي هو القسم الأوسط من جبال زاگروس وأنهم الأصل الأول للشعب الكوردي (مصدر رقم 1، صفحة 117). ظهر إسم گوتي  في الألف الثالث والثاني قبل الميلاد. يشير العلامة محمد أمين زكي بأن حدود بلاد الگوتيين كانت تمتد من أرمينية الى كيموخي (طور عابدين) (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 61، 62). كما يذكر المستشرق الروسي دياكونوڤ بأن الشعب الگوتي كان يقطن في شرق وشمال غرب بلاد لولو، في كل من كوردستان وأذربيجان و كانت أرّابخا (كركوك) عاصمةً لمملكة الگوتيين وفيما بعد تم إطلاق إسم ال"گوتيين" على جميع الأقوام التي كانت تعيش في شمال شرقي بابل (دياكونوڤ: ميديا. ترجمة وهيبة شوكت، دمشق، الناشر محمود أيوب، 1998، صفحة 109، 110). كما يقول الدكتور جمال رشيد بأن الگوتيين عاشوا في المناطق المنحصرة بين نهر الزاب الأسفل ونهر ديالى، حيث شكّلت كركوك وتوابعها مركز بلادهم (جمال رشيد: ظهور الكرد في التاريخ، الجزء الأول، صفحة 547). يقول المؤرخ سپايزر أن الگوتيين كانوا موجودين في بلاد سومر قبل تأسيس الحكومات فيها بزمن غير قصير (مصدر رقم 1، صفحة 99). حكم الگوتيون لمدة حوالي 200 عاماً وحكموا وسط وجنوب العراق لمدة 125 عاماً (جورج رو: العراق القديم، ترجمة حسين علوان حسين، بغداد، 1984،صفحة 215). إستولى ملك أور السومري (أتو - هيگال) على بلاد الگوتيين الذين إضطروا الى العودة الى موطنهم الأصلي في جبال زاگروس (مصدر رقم 3). فيما بعد إندمج الگوتيون مع اللوليين و أصبحت بلادهم جزءً من بلاد اللولو (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 90).

شعب كاساي (الكيشيون ،الكاسيون)
إن شعب كاساي (كاششو) المذكور في زمن الأكاديين أو (كوش) الذي تم ذكره في الكتاب المقدس وفي الروايات البابلية، هو من شعوب زاگروس. إستوطنوا بادئ الامر منطقة كرماشان (كرمانشا ، قرمسين ) وكانوا يعملون كفلاحين ومزارعين ويقومون بتربية الخيول وكانوا متقدمين في العمران والفنون والصناعة وفن الكتابة والخط (طه باقر: مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة . الجزء الأول، بغداد، 1973، صفحة 454 - 456).

في سنة 1746 قبل الميلاد، قام الكاسيون، بمشاركة الگوتيين واللوليين، بقيادة الزعيم (غانديش) بالإستيلاء على بلاد سومر وأكد، حيث أسسوا حكومة قوية بإسم "كادونياش" ودام حكمهم هناك لحوالي ستة قرون (1746 – 1171 قبل الميلاد) (مصدر رقم 1). عند الإستيلاء على بابل، لم يتدخل  الكاسيون في أمور الحكومة الجنوبية لبابل (سومر) لفترة من الزمن، حيث حافظت الحكومة السومرية على كيانها السياسي لمدة ثلاثة قرون (2068 -  1710 قبل الميلاد)  (محمد امين زكي: خلاصة تاريخ الكرد وكردستان من أقدم العصور التارخية حتى الآن. ترجمة محمد علي عوني، الجزء الأول، الطبعة الثانية، 1961، صفحة 93، 94؛ مصدر رقم 1). بعد إسقاط الحكومة الكاسية من قِبل الإيلاميين، عاد الكاسيون الى جبال زاگروس (لورستان).

إستمر الكاسيون في الوجود حتى القرن الأول الميلادي بهذا الإسم في لورستان الواقعة في شرق كوردستان الحالي، ثم إختفى إسمهم وحلّ محله إسم (اللور). ليس من المُستبعد أنه كان يُطلَق في بادئ الأمر إسم  (لور) على فرعٍ من الشعب الكاسي و ثم صار إسماً للشعب الكاسي بجميع فروعه (مصدر رقم 1).

كان الكاسيون وثنيين وكبير ألهتهم يُدعى "سرياش" أي آلهة الشمس وأن لغة الكاسيين كانت فصيلة من اللغات الآرية (مصدر رقم 1). كما أن العلاّمة محمد أمين زكي يذكر بأن المستشرق هوزينگ يشير الى أن اللهجة الكاشية مشابهة تماماً للغة شمالي إيلام وأن هناك بعض الأسماء والأعلام الكاسية تُشبه الأسماء الهورية.

المصادر الأجنبية

 
1. Speisere, Ephraim A. (1930). Mesopotamian Origins. The basic population of the Near East. Philadelphia.

2. Olmstead, A. T. (1923). History of Assyria. Chicago, USA.

3. Hall, H.R. (1919) The Ancient History near east. London, fourth Edition, page 186.

mahdi_kakei@hotmail.com

155
نبذة تأريخية عن الكورد والآشوريين و العلاقة بينهم (1) − كوردستان مهد السُلالات البشرية الأولى

د. مهدي كاكه يي

إن العولمة والتقدم الهائل في وسائل الإتصالات والمعلومات وبروز معالم نظام عالمي جديد، زادت من وعي الفرد والشعوب على السواء والذي بدوره أدى الى بدء الشعوب المقهورة والمسلوبة الإرادة بالإنتفاضة والثورة على المحتلين وعلى الحكومات العنصرية والشمولية البدائية المتخلفة وقاد الى التغييرات التي حصلت وتحصل في منطقة الشرق الأوسط وفي جنوب غرب آسيا وخاصة في الدول المحتلة لكوردستان وإنهيار صرح هذه الحكومات العنصرية المتخلفة وتأسيس إقليم شبه مستقل في جنوب كوردستان. كل هذه التطورات الإيجابية التي هي لصالح شعب كوردستان، خلقت ظروفاً ممتازة للقيام بدراسات وأبحاث علمية موضوعية حول التأريخ الكوردي لإكتشاف المعالم الحقيقية لحضارة الشعب الكوردي وتأريخه وعراقته وإمتداد جذور وجوده في وطنه الى عُمق التأريخ. هكذا بدأت الدراسات التأريخية الموضوعية تُجرى عن التأريخ العريق للشعب الكوردي وتنكشف محاولات المحتلين العنصريين في تزييف الحقائق حول التأريخ الكوردي وعراقة حضارته ولغته. لذلك إرتأيتُ أن أكتب نبذة مختصرة جداً عن إمتداد الوجود الكوردي في كوردستان في عمق التأريخ، حيث أن كوردستان هي مهد السلالة البشرية الأولى والثانية، لتعريف قُرّاء العربية بتأريخ وحضارة الكورد للمساهمة في خلق شخصية كوردية ذات الإعتداد بالنفس والبعيد عن الشعور بالدونية والتبعية الناتجة عن إحتلال كوردستان لفترة زمنية طويلة وفرض ثقافات ولغات وحُكم محتلّي كوردستان على الشعب الكوردي. كما أن الهدف من هذه الدراسة هو كتابة تأريخ الشعب الكوردي بصورة علمية موضوعية مبنية على الحقائق ومستندة على مصادر موثوقة ودحض أكاذيب ودجل محتلي كوردستان حول تأريخ الشعب الكوردي وقيامهم بإلغاء وتعتيم وتشويه التأريخ الكوردي العريق وإدعائهم بحداثة الوجود الكوردي في المنطقة وكشف تزويرهم لتأريخ هذا الشعب العريق وفضح تضليلهم لشعوبهم، حيث أن كوردستان هي مهد الحضارة البشرية.

إن كوردستان هي مهد الحضارة البشرية إستناداً الى الآثار القديمة التي تم إكتشافها فيها، حيث يذكر العالم الأمريكي البروفيسور روبرت جون بريدوود بأن الإنتقال من حياة الصيد الى حياة الزراعة حدث في شمال كوردستان في حوالي عام 6000 - 10000 قبل الميلاد. كما أنه يضيف بأن الشعب الكوردي كان من أوائل الشعوب التي طوّرت الزراعة والصناعة ومن أوائل الشعوب التي تركت الكهوف لتعيش في منازل بها أدوات منزلية متطورة للإستعمال اليومي وأن الزراعة وتطوير المحاصيل قد وجدتا في كوردستان منذ (12) ألف سنة، إنتشرت منها إلى ميزوبوتاميا السفلى، ثم إلى غرب الأناضول ثم إلى الهضبة الإيرانية ثم وصلت منذ ثمانية آلاف سنة إلى شمال أفريقيا ثم أوروبا و الهند. يضيف هذا العالم الأمريكي بأن الكثير من المحاصيل التي نعرفها الآن، كالقمح والذرة والشعير قد إنطلقت من كوردستان. حول الصناعة، يؤكد البروفيسور المذكور بأن الموقع الآثاري "چيانو" الواقع في شمال كوردستان يمكن أن يُطلق عليه إسم أقدم مدينة صناعية في العالم، حيث يُستخرج منه النحاس إلى يومنا هذا، كما عُثر فيه على صلصال دُوّن عليه التبادل التجاري.

في شمال كوردستان، في موقع "چيانو" و الذي يعني بالكوردية "الجبل الجديد"، الذي يقع في شمال غرب مدينة آمد (ديار بكر)، تم إكتشاف آثار تعود الى أكثر من سبعة آلاف سنة قبل الميلاد و كان عدد المساكن فيه يتراوح ما بين 25 و50 بناية وكان فيه أيضاً مخزناً لحفظ المواد. تم العثور في هذا الموقع أيضاً من قِبل عالم الآثار "روبرت بريدوود" وفريقه التنقيبي على أقدم قطعة قماش في العالم والتي تمت حياكتها في حوالي عام 7000 قبل الميلاد. كما يُعتبر موقع "چيانو" مهد تصنيع النحاس، حيث تم فيه إكتشاف بعض الأدوات النحاسية التي يرجع تأريخها الى عام 7200 قبل الميلاد (مشاهدات بريطاني عن العراق سنة 1797، ترجمة  الدكتور خالد فاروق عمر، الدار العربية للموسوعات، بيروت، الطبعة الأولى، 2000).

في جنوب كوردستان، في كهف "زرزي" الواقع قرب منابع نهر الزاب الأسفل وعلى سفوح الجبال المقابلة لسورداش، تم العثور على آثار تعود الى أواخر العصر الحجري القديم، من قِبل عالم الآثار دوروثي گارود وهذه الآثار عمرها أكثر من 12 ألف سنة (الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 27). عثر هذا العالِم في كهف "هزارميرد" الواقع قرب مدينة السليمانية على صناعة صوانٍ أولية و دلّت إكتشافاته على أنه كان هناك إتجاهاً متزايداً نحو الإعتماد على المنتوجات النباتية وأن أهل الكهف كانوا يعرفون الزراعة و تدجين الحيوانات (سيتون لوريد: بلاد الرافدين. ترجمة الدكتور سامي سعيد الأحمد، بغداد، دارالرشيد، وزارة الثقافة والإعلام العراقية، 1980، صفحة 22). لقد وجِدت في الكهفَين المذكورَين ملتقطات تعود للعصر الحجري القديم.

كما أن عالم الآثار روبرت بريدود من جامعة شيكاغو إكتشف في عام 1928 أدوات من الحجر في كهف "هزارميرد" تعود إلى العصر الحجري القديم الأوسط (مائة ألف عام قبل الميلاد) وهي مجموعة آثار حجرية من صنع الإنسان المسمى "نياندرتال" (الدكتور تقي الدين الدباغ و الدكتور وليد الجادر: عصور ما قبل التاريخ، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1983).

يعد كهف (شانيدر) من أشهر الكهوف الأثرية في عصور ما قبل التأريخ في الشرق الأدنى ومنطقة غربي آسيا، حيث يُعتبر هذا الكهف من أقدم المستوطنات الزراعية في العالم (الدكتور تقي الدين الدباغ والدكتور وليد الجادر: عصور ما قبل التاريخ، بغداد، مطبعة جامعة بغداد، 1983، صفحة 136-140) ، حيث عُثر في كهف "شانيدر" على أول هيكل عظمي لإنسان النياندرتال يرجع تأريخه إلى العصر الحجري القديم (المستيري) والذي يرقى إلى ما قبل حوالي خمسين ألف سنة (الدكتور أحمد سوسة، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين، بغداد، دار الرشيد، 1980، صفحة 377). قام الأستاذ رالف. س. سوليكي بإكتشاف أربعة هياكل بشرية ذات مزايا إنسان النياندرتال في كهف شانيدر وذلك بين السنوات 1953 و1957 (أ.و.ل فيلجيفكسي: الأكراد: البداية والتاريخ الأثنوغرافي في الشعب الكردي، ترجمة الدكتور أحمد عثمان أبو بكر، مجلة شمس كردستان، العدد 86، بغداد، 1984). يقع هذا الكهف في جبال زاگروس عند الحافة الشمالية الغربية لسلسلة برادوست في جنوب كوردستان. إن الاختبارات التي أجراها المختصون تشير إلى أن الإستيطان الأول لإنسان النياندرتال في كهف شانيدر تم 100 ألف عام قبل الميلاد.

تم العثور في موقع (برده بلكه) الواقع في شمال شرق چمچمال الواقعة في جنوب كوردستان، على أدوات كثيرة من الحجر معظمها بهيئة فؤوس يدوية، يرجع تأريخها إلى العصر الحجري القديم، أي ما قبل نحو (مائة ألف سنة) (الدكتور أحمد سوسة، حضارة وادي الرافدين بين الساميين والسومريين، بغداد، دار الرشيد، 1980، صفحة 352؛ الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دار الحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 62).

قامت بعثة آثارية من جامعة شيكاغو برئاسة عالم الآثار روبرت بريدوود بالتنقيب في قرية جرمو الأثرية التي تقع أسفل جبال زاگروس في شرقي مدينة كركوك. توصلت االبعثة الآثارية الى أن الإنسان القديم بنى قرية زراعية مستقرة في جرمو قبل أكثر من 9000 عام (الدكتور جمال رشيد والدكتور فوزي رشيد أحمد: تأريخ الكرد القديم، أربيل، دارالحكمة للطباعة والنشر، 1990، صفحة 28) وكان يعيش في هذه القرية ما بين 100 الى 150 شخصاً. كما وجدت فيها آثار تدل على قيام سكان القرية القدماء بتدجين بعض الحيوانات مثل الماعز والأغنام والكلاب وأنهم كانوا يزرعون الحنطة والشعير والبازلاء لإطعام أنفسهم وحيواناتهم (عبدالفتاح علي يحيى: كردستان مهد حضارة العصر الحديث، مجلة كاروان، العددان 96 و70، أربيل، 1988).

في غرب كوردستان، في كهف (الدودرية) الواقع بالقرب من قرية "برج عبدالو"، عثرت بعثة أثرية يابانية في عام 1992 على عظام طفل في الخامسة من عمره والذي يعود تأريخه إلى مائة ألف عام وقد أثبتت الإكتشافات الأخيرة هذه بأن المنطقة تعد بمثابة موطن السلالة البشرية الأولى، وعثر فيها أيضاً على بقايا صوانية وعظمة تعود إلى إنسان ما قبل التاريخ، الذي يعود إلى الدور النياندرتالي (بابي ريبەر: نظرة على ماضي وحاضر جبل ‏الكرد، مجلة متين، عدد 29، صفحة 111-114).

في شرق كوردستان، في كهف "بيستون" الواقع قرب كرمانشاه وكذلك في كهف "تامتاما" الواقع قرب بحيرة أورمية، تم العثور على أدوات مصنوعة من الصوان من قِبل عالم دراسات الإنسان (الأنثروبولوجيا) الأمريكي كاريلتون كوون سنة 1949 وهذه الأدوات تشبه تلك التي إكتشفته دوروثي جارود في كهف (هزارميرد) وهذا يدل على أن الذين سكنوا في هذه الكهوف كانوا من نفس النوع من البشر أي أنه كانت هناك علاقة مشتركة بين الأقوام التي أنتجت تلك الاثار الحضارية {الدكتور سامي الأحمد ورضا جواد الهاشمي: تأريخ الشرق الأدنى القديم (إيران والأناضول)، بغداد، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي صفحة 39 (تأريخ إصدار الكتاب غير مذكور)}.

يقول المستشرق الإنكليزي البروفيسور إدوارد براون بأن الآثار التي تم إكتشافها في شوش (سوسه) في إيلام، تُقدّر أعمارها بحوالي 20 ألف سنة. يضيف هذا البروفيسور بأنه فيما لو تستمر التنقيبات في شوش، فأنها ستقود بلا شك الى العثور على أدوات وأشياء أقدم من تلك التي تم إكتشافها (إدوارد براون، تأريخ الادب في ايران. ترجمة أحمد كمال الدين حلمي، الجزء الأول، الكويت، 1984، صفحة 185).

ملاحظة: المصدر الرئيس الذي تم الإعتماد عليه في كتابة هذا القسم هو مقال المؤرخ عثمان يوسفي، الباحث في جامعة طهران، المعنون {تاريخ كُردستان (على ضوء المكتشفات الاثرية)}.

لمعرفة الآثار المكتشفة في كوردستان بالتفصيل، يمكن الإطلاع على المقال المذكور في الرابط أدناه:

http://www.hawzah.net/fa/article/articleview/90794

mahdi_kakei@hotmail.com


156
(تركيا)  .....   الى أين؟  (32) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

3. رفع شعار إستقلال كوردستان


د. مهدي كاكه يي

من خلال التمعن في الواقع الكوردستاني، يظهر بعض الحقائق المهمة المتعلقة بالقضية الكوردستانية. هذه الحقائق هي عوامل مؤثرة جداً على القضية الكوردستانية، بل أنها تُحدد الخيارات الكوردستانية الهادفة الى تحقيق حرية شعب كوردستان و تحرير وطنه. لذلك ينبغي أن تؤخَذ هذه الحقائق بنظر الإعتبار عندما يتم البحث عن حل القضية الكوردستانية و إختيار الشعار الذي ستتبنّاه القيادة الكوردستانية لمثل هذا الحل و لوضع إستراتيجية متكاملة و ناجحة للنضال الكوردستاني.

الحقيقة الأولى: إن كوردستان بلد محتل من قِبل عدة دول و لذلك فهي مجزأة، كل جزء يتبع سياسياً و ثقافياً و لغوياً و إقتصادياً و إجتماعياً للدولة المحتلة له و التي تنهب أيضاً الثروات الطبيعية الهائلة لكوردستان. نتيجة واقع التجزئة و مؤامرات الدول المحتلة لكوردستان و إنعدام قيادة وطنية كوردستانية محنّكة، أصبح النضال الكوردستاني مجزأً و مشتتاً، حيث أن كل جزء من أجزاء كوردستان يناضل بمعزل عن الأجزاء الأخرى، بل أن الأقاليم الكوردستانية في أحايين كثيرة تحارب بعضها البعض بدلاً من توحيد نضالها ضد محتلي كوردستان.

كما أن كل جزء محتل من كوردستان قام بتأسيس تنظيمات سياسية خاصة به، بدلاً من تنظيمات سياسية موحدة تضم كافة أجزاء كوردستان و بذلك يقرّ القادة السياسيون الكورد عملياً بتجزئة كوردستان و الإعتراف بالواقع الكوردستاني الحالي و بحدود الدول المحتلة لكوردستان التي رسمتها الدول الإستعمارية و عمل هؤلاء القادة و لا يزالون يعملون على تجزئة النضال الكوردستاني و تفريق و إضعاف قوة الكوردستانيين.

الحقيقة الثانية: إن الخطورة الكبرى التي يواجهها شعب كوردستان تكمن في أن إستعمار كوردستان هو إستعمارٌ إستيطاني، حيث تدّعي الدول المحتلة لكوردستان بأن شعب كوردستان هو جزء من الشعب التركي في "تركيا" و من الشعب العراقي في العراق و أنه جزء من الشعب العربي في سوريا و جزء من الشعب الإيراني في إيران و أن كوردستان هي جزء لا يتجزأ من أراضي هذه البلدان المحتلة لكوردستان. أي بكلامٍ آخر فأن الدول المحتلة تعتبر كوردستان مُلكاً لها و بذلك تُجرّد شعب كوردستان من هويته و تُلغي وجود كوردستان كوطن للكوردستانيين.

هذا الإستعمار الإستيطاني يُشكّل خطراً جدّياً على وجود الشعب الكوردستاني كشعبٍ مستقل له حضارته و ثقافته و تأريخه العريق. لِكي يدوم إستمرار الإستعمار الإستيطاني لكوردستان، يعمل المحتلون على إزالة آثار وجود الشعب الكوردستاني، حيث عملت حكومات الدول المحتلة لكوردستان و لا تزال تعمل على تعريب و تتريك و تفريس كوردستان و شعبها، حيث قامت بتشريد ملايين الكوردستانيين من أماكن سكناهم في كوردستان و ترحيلهم قسراً الى المناطق العربية و التركية و الفارسية في كل من (العراق و سوريا) و "تركيا" و إيران على التوالي و تم إحلال العرب و الترك و الفرس محلهم و تم إغتصاب ممتلكاتهم. كما تم تغيير عشرات الآلاف من الأسماء الكوردية للشوارع و الأماكن و القرى و المناطق و المدن الكوردستانية لإلغاء الوجود الكوردي في وطنه و على أرضه التأريخية. نتيجة هذه السياسة الإستعمارية الإستيطانية، تم تتريك و تعريب و تفريس الملايين من الكوردستانيين و تقلصت و إنكمشت حدود كوردستان.

الحقيقة الثالثة: قامت الحكومات العنصرية الحاكمة للدول المحتلة لكوردستان، بترسيخ الفكر القومي العنصري و الإستعلائي في نفوس شعوبها و تلقينها بمعلومات كاذبة مشوهة عن الشعب الكوردي و أصله و تأريخه و حضارته ضمن مخطط مبرمج لخلق عداءٍ قومي بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة أخرى لكسب هذه الشعوب الى جانبها للمساهمة في إنجاح مخططاتها العنصرية بِمحو شعب كوردستان كشعب و تتريك و تفريس و تعريب كوردستان لسرقتها و نهب ثرواتها.

هذا المخطط العنصري لغسل أدمغة الشعوب التركية و الفارسية و العربية تمّ و يتم عن طريق وسائل الإعلام و مناهج التعليم و عن طريق زج هذه الشعوب في حروب كارثية و تجويعها و تجهيلها و نشر الأمية في صفوفها لتسهيل عملية غسل أدمغتها و إنقيادها الى القبول و الإيمان بالفكر العنصري لحكوماتها و خلق مواقف عنصرية و عدائية من حق الشعب الكوردستاني في الحرية و الإستقلال كأي شعب آخر من شعوب العالم.

هذه الحكومات نجحت الى حد كبير في إقناع شعوبها بأن كوردستان هي أرض تركية (القسم المحتل من قِبل "تركيا") و عربية (القسم المحتل من قِبل العراق و سوريا) و إيرانية (القسم المحتل من قِبل إيران). هذا النجاح للحكومات المحتلة لكوردستان خلق شرخاً كبيراً في العلاقة بين شعب كوردستان من جهة و الشعوب التركية و الفارسية و العربية من جهة ثانية و الذي عمل على جعل تمتع كوردستان بإستقلالها من الأمور الصعبة من خلال الوسائل السلمية و من خلال الحوار و التفاهم و الإتفاق و في نفس الوقت قاد الى جعل النضال الكوردستاني أكثر صعوبةً.

لو أُعطيت الشعوب التركية و الفارسية و العربية فرصةً جيدة لتكون واعية و مُدرِكةً لمصالحها، لَكانت هذه الشعوب تتحالف مع شعب كوردستان لتحريرهذا الشعب من الإحتلال و تحرير هذه الشعوب نفسها من حكوماتها الدكتاتورية و العنصرية لتحقيق الحرية و العيش الكريم لنفسها و لشعب كوردستان و لَقامت ببناء أنظمة ديمقراطية في بلدانها، تنعم بالحرية و السلم و الأمان و الإزدهار. إن مصالح شعب كوردستان تلتقي مع مصالح شعوب الدول المحتلة لكوردستان للقضاء على الأفكار الشمولية و العنصرية المتخلفة و بناء دول ديموقراطية تعمل حثيثاً للإلتحاق بالدول المتقدمة المتحضرة و المساهمة في خدمة الإنسانية و تعمير و تطوير كوكبنا الأرضي.

الحقيقة الرابعة: إن الدول المحتلة لكوردستان يتم حكمها من قِبل حكومات شمولية عنصرية متخلفة، حاولت و تحاول إلغاء وجود الشعب الكوردي و إلغاء هويته و لغته و تأريخه و ثقافته و تراثه. إن هذه الحكومات العنصرية تستخدم العنف و كل الوسائل الأخرى للقضاء على شعب كوردستان و إعاقة نضاله من أجل التحرر و إستقلال بلاده، بما فيها القيام بالإبادة الجماعية و إستخدام الأسلحة الكيميائية و فرض الحصار الإقتصادي و إتباع سياسة الأرض المحروقة و هدم عشرات الآلاف من القرى و المدن الكوردستانية و تشريد سكانها و حرق غابات كوردستان و تدمير بيئتها و العمل على إلغاء الهوية و اللغة الكوردية و التأريخ الكوردي العريق و محو و إزالة ثقافة و تراث شعب كوردستان.

الحقيقة الخامسة: إن شعوب الدول المحتلة لكوردستان هي شعوب متخلفة نتيجة أسباب عديدة لا مجال هنا في الخوض فيها و لذلك فهي غير مؤهلةٍ لبناء أنظمة حُكمٍ ديمقراطية و قبول التعددية و الرأي المختلف و الإعتراف بحق الشعوب في تقرير مصيرها بنفسها، بما فيها تحرر شعب كوردستان.

نظراً لتأخر شعوب الدول المحتلة لكوردستان و عدم أهليتها لبناء أنظمة سياسية ديمقراطية في بلدانها في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور و قد يستغرق تأهيل هذه الشعوب و تطورها أجيالاً عديدة و لهذا السبب على الكوردستانيين أن يعرفوا هذه الحقيقة و على ضوئها يضعوا أهدافهم و إستراتيجياتهم و وسائل نضالهم.

الحقيقة السادسة: تتعاون و تُنسّق الدول المحتلة لكوردستان فيما بينها للوقوف بوجه تطلعات شعب كوردستان و منعه من أن يتحرر من الإستعمار الإستيطاني و الإحتلال و العبودية. رغم الخلافات السياسية و الثقافية و المذهبية و الإقتصادية و التأريخية القائمة بين الدول المحتلة لكوردستان، فأنها تتعاون معاً للإستمرار في إستعباد شعب كوردستان و الإستمرار في إحتلال بلاده و نهب ثروات كوردستان.

هذه الحقائق السالفة الذكر تؤكد على إستحالة بناء أنظمة سياسية ديمقراطية في الدول المحتلة لكوردستان على الأقل خلال المستقبل المنظور، بحيث تعترف أنظمة الدول المحتلة لكوردستان بحق الشعب الكوردستاني في تقرير مصيره بنفسه و أن يكون ندّاً متكافئاً لهذه الشعوب.

لا تزال القضية القومية تلعب دوراً كبيراً في دول ديمقراطية متقدمة و متطورة، حيث أنه من المتوقع أن تنال شعوبٍ كثيرة في الدول الغربية المتقدمة التي تعيش ضمن كيانات سياسية مشتركة، حريتها و إستقلال بلدانها. سيتوجه الاسكتلنديون الى صناديق الإستفتاء في العام القادم (1914) ليعلنوا عن إرادتهم في الإستقلال عن بريطانيا، علماً بأن السيد ألكس سايمون رئيس الحزب القومي الاسكتلندي، الذي يرفع شعار إستقلال اسكتلندا، هو الآن رئيس حكومة اسكتلندا، حيث يتمتع حزبه هناك بالأكثرية البرلمانية. الشعب الكتالوني و الباسك في إسبانيا يعملان بدورهما من أجل إستقلال بلدَيهما عن إسبانيا. في بلجيكا، شعب الفلامان (الفلامنج) الناطق باللغة الهولندية و شعب الوالون (الوالس) الناطق باللغة الفرنسية، لا ينسجمان معاً في العيش المشترك في بلجيكا و من المحتمل جداً أن يستقل هذان الشعبان في المستقبل المنظور و يؤسسان دولتَين مستقلتَين على أنقاض مملكة بلجيكا الحالية. شعب كيوبك الناطق بالفرنسية يناضل من أجل الإستقلال عن بقية سكان كندا الناطقين باللغة الإنكليزية. إذا كانت الدول الغربية الديمقراطية التي قد تسبق الشعوب المتأخرة، مثل الشعوب التركية و الفارسية و العربية، في التقدم و التطور بمئات السنين، لا تستطيع حل التعدد الإثني في بلدانها فكيف يستطيع شعب كوردستان العيش مع الشعوب المتأخرة للدول المحتلة لكوردستان ضمن كياناتها السياسية الحالية؟!

نقطة مهمة أخرى لابد الإشارة إليها وهي أن القضية الكوردستانية غير معنية بجزء مُعيّن من كوردستان و علاقة ذلك الجزء بالحكومة المحتلة له، بمعزل عن الأجزاء الأخرى، و بكلام آخر فأن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لشعب واحد، محتل وطنه من قِبل عدة دول، لذلك لا يمكن حل القضية الكوردستانية بتجزئة هذه القضية الى عدة قضايا مستقلة و كل قضية تكون مرتبطة بإحدى الدول المحتلة لكوردستان بحيث يتم عزل الأقاليم الكوردستانية عن بعضها البعض، بل أن القضية هي قضية شعب كوردستان بأسره و حل القضية الكوردستانية يتم فقط على نطاق كوردستان بأكملها لأن القضية الكوردستانية هي قضية الكوردستانيين جميعاً و لا يمكن حلها ضمن نطاق كل دولة محتلة لجزء من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى.

مما سبق، يتوصل المرء الى حقيقتَين مهمتَين، الأولى هي إستحالة تمتع الشعب الكوردستاني بحقوقه في المستقبل المنظور في ظل الدول المحتلة لكوردستان، حيث لا تعترف حكومات و شعوب الدول المحتلة لكوردستان بحق تقرير المصير لشعب كوردستان.

إن التطور الإجتماعي للمجتمعات البشرية عبارة عن عملية بطيئة جداً، لذلك فأن تطور شعوب البلدان المحتلة لكوردستان يستغرق أجيالاً عديدة، عندئذٍ قد يرتفع المستوى الفكري و وعي هذه الشعوب بحيث تتبنى النظام الديمقراطي و تتفاعل مع المفاهيم و الأفكار الإنسانية المعاصرة و تعترف بحق شعب كوردستان في تقرير مصيره و التعبير عن إرادته. الحقيقة الثانية هي أنه لا يمكن حل القضية الكوردستانية في كل جزء محتل من كوردستان بمعزل عن الأجزاء الأخرى، حيث أن تجزئة القضية الكوردستانية تعني تجزئة كوردستان وتشتت شعبها و نضاله. 

للأسباب السابقة الذكر، فأن رفع شعار الحكم اللامركزي أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو الكونفيدرالية من قٍبل شعب كوردستان للعيش تحت حكم الإحتلال، هو خطأ تأريخي فادح، حيث لا يمكن تحقيق تمتع الكوردستانيين بحقوقهم في ظل حكم عنصري شمولي و العيش مع شعوب متخلفة لا تقرّ بحقوق شعب كوردستان. كما أن رفع مثل هذه الشعارات للقبول بالعيش في ظل الدول المحتلة لكوردستان، هو إقرار صريح بقبول إحتلال كوردستان و تجزئة شعبها. إن تجزئة القضية الكوردستانية تعني أيضاً تجزئة النضال الكوردستاني و التي بدورها تؤدي الى إضعاف هذا النضال وتقليل فرص تحقيق طموحات شعب كوردستان، بينما تقوم الدول المحتلة لكوردستان بالتنسيق فيما بينها سراً و علناً لتتمكن من الإستمرار في إحتلال كوردستان و إستعمار شعبها و الوقوف بوجه تطلعات الكوردستانيين في التمتع بالحرية و الإستقلال و من أجل الإستمرار في نهب ثروات كوردستان.

إن عدم ثبات الشعارات التي ترفعها الثورات و التنظيمات السياسية الكوردستانية و ضبابيتها تؤديان الى عدم تحقيق الأهداف الكوردستانية و إرباك شعب كوردستان و نضاله، حيث أن الثورات و الأحزاب الكوردستانية تقوم بتغيير هدف نضالها بإستمرار كأنْ تناضل من أجل الإدارة اللامركزية أو الحكم الذاتي أو الفيدرالية أو حق تقرير المصير أو الإستقلال.

إن عدم رفع شعار إستقلال كوردستان تجعل القضية الكوردستانية شأن من الشئون الداخلية للدول المحتلة لكوردستان و بذلك تتقوقع القضية الكوردستانية داخل حدود الدول المحتلة و المستعمرة و تمنعها أن تصبح قضية عالمية لشعب مستعمَر و بلاد محتلة تحتاج الى تدخّل الأمم المتحدة و الدول الكبرى و تلقّي الدعم و المساعدة منها ليتحرر شعب كوردستان من العبودية و الإحتلال.

فيما يتعلق بهذا الموضوع، يجب التأكيد على أنه لا يحق لفرد أو حزب أو مجموعة ما أن تقرر مصير شعب كوردستان، بل يجب رفع شعار إستقلال كوردستان ليتحرر من الإحتلال الإستيطاني و يعيش بكرامة و عزة في وطنه، حيث أنه ليس هناك شعب على كوكبنا الأرضي يرضى أن يكون عبداً في وطنه و أن تكون بلاده محتلة و ثرواته الطبيعية يتم نهبها من قِبل المحتلين.

mahdi_kakei@hotmail.com


157
(تركيا)  .....   الى أين؟  (31) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

2. إختيار برلمان كوردستاني و تأسيس مجلسٍ للأمن الوطني الكوردستاني


د. مهدي كاكه يي

البرلمان
في الحلقة السابقة تحدثنا عن إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية و التي ستُمثّل السلطة التنفيذية لكوردستان (الحكومة الكوردستانية) التي ستقوم بإدارة العمل لتحقيق أهداف النضال الكوردستاني. عدد أعضاء السلطة التنفيذية سيكون محدوداً و موزعاً على مختلف الإختصاصات و المجالات. الشعب الكوردستاني بحاجة أيضاً الى برلمان يقوم بسَنّ القوانين و الإشراف على عمل الهيئة التنفيذية و مراقبة أعمالها و تقييم أدائها و النظر في المقترحات المُقدّمة من قِبل هذه الهيئة و تصديق القرارات الصادرة منها، بالإضافة الى تمثيل الشعب الكوردستاني. يتم تحديد عدد أعضاء البرلمان الذين يمثلون كل إقليم كوردستاني تبعاً للنسبة المئوية لنفوس كل إقليم في كوردستان مع مراعاة تمثيل القوميات و الديانات و الطوائف الكوردستانية و النساء و الشباب في البرلمان. قد تُثير هذه المراعاة لتمثيل مكونات شعب كوردستان في البرلمان التساؤل عند البعض، إلا أن أخذ مثل هذا التمثيل في الإعتبار يكون ضرورياً في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور، حيث أن المجتمع الكوردستاني لا يزال مجتمعاً زراعياً متخلفاً بشكل عام و أن العائلة و العشيرة و القومية و الدين و المذهب تلعب دوراً كبيراً في حياته، كما أن هذا المجتمع هو مجتمع أبوي ذكوري، لا يزال الآباء يتحكمون بحياة بناتهم و أبنائهم الى حدٍ كبير و أن الرجل لا يزال متسيّداً على المرأة التي محرومة من حقها في المساواة بالرجل. بعد أن يتحضر و يتقدم المجتمع الكوردستاني، بحيث يصل الى مستوى الشعوب الغربية، حينذاك سوف يختفي دور القومية و الدين و المذهب و الجنس و العُمر في إدارة شئون البلاد، حيث يسود القانون و النظام و العدالة و مبدأ المواطنة و يتم بناء مؤسسات الدولة المدنية و التي يختفي فيها التمايز القومي و الديني و الطائفي و الجنسي و العُمري.

يمكن أن يكون عدد أعضاء البرلمان ما بين 500 الى 600 عضو. جنوب كوردستان له برلمان مُنتخَب من قِبل السكان، لذلك فأن أعضاءه هم ممثلون شرعيون للجنوب الكوردستاني و يمثلونه في البرلمان الجامع للكوردستانيين. قد تسمح ظروف غرب كوردستان الآن لإنتخاب برلمان له و أن يصبح أعضاؤه ممثلين لسكان هذا الجزء من كوردستان في البرلمان الكوردستاني العام. بالنسبة الى شمال و شرق كوردستان، يمكن إختيار ممثلين لسكانهما في البرلمان من ممثلي الأحزاب السياسية و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية و الأكاديميين الوطنيين، مع مراعاة الطبقات الإجتماعية و التوزيع الجغرافي للسكان و المكونات الكوردستانية القومية و الدينية و المذهبية و المرأة و الشباب.

إذا سمحت الظروف، من الأفضل أن يكون مقر البرلمان في جنوب كوردستان، حيث أنه لا يخفى أن موقف الحكومة التركية و الإيرانية هو موقف  سلبيّ جداً بل عدائيّ من إنبثاق برلمان يجمع شمل كافة الكوردستانيين و حتى لو أنهما قبِلا بوجود مقر البرلمان في أربيل، فأنهما ستحاولان و تسعيان الى إيجاد نفوذ في البرلمان المذكور و التحكّم في قراراته. أما إذا لم تسمح الظروف بذلك، فأنه يمكن أن يكون مقر البرلمان في دولة أوروبية.

ينبغي وضع دستور عصري لشعب كوردستان من قِبل لجنة قانونية مختصة يتم تكليفها من قِبل البرلمان الكوردستاني لهذا الغرض. إذا سمحت ظروف كوردستان بإجراء إستفتاءٍ شعبي عليه، فأن الدستور سيكون دستوراً دائمياً يتم الإلتزام بمواده من قِبل الهيئات القضائية و الشرعية و التنفيذية. فيما لو لم تسمح ظروف كوردستان بذلك، حيث تقف الحكومات المحتلة لكوردستان عقبةً في إجراء الإستفتاء، حينئذٍ يمكن لبرلمان كوردستان قبول أو رفض أو تعديل الدستور المقترح و في حالة قبوله من قِبل البرلمان، فأنه ينبغي أن يكون الدستور مؤقتاً، يسري مفعوله الى أن يكون ممكناً إجراء إستفتاء شعبي على الدستور في كافة أرجاء كوردستان. 

مجلس الأمن الوطني الكوردستاني
يحتاج شعب كوردستان الى تأسيس مجلس للأمن الوطني الكوردستاني الذي سيكون مجلساً إستشارياً يقوم بالأبحاث و الدراسات و التحليلات في مختلف المجالات و يقدّم نتائج دراساته بشكل توصيات و مقترحات و برامج و خطط، الى القيادة الكوردستانية لإدارة كوردستان و تطويرها و خدمة شعبها. ينبغي أن يتألف أعضاء هذا المجلس من علماء و خبراء و باحثين و أكاديميين في مختلف المجالات و أن يتشكل هذا المجلس من لجان عديدة تشمل مختلف الإختصاصات، مثل اللجنة القانونية و الإقتصادية و الصناعية و الزراعية و التعليمية و الثقافية و الإجتماعية و البيئية و الإعلامية و السياسية و العسكرية و لجنة العلاقات الخارجية و لجنة الجاليات الكوردستانية في المهجر ولجنة البحث العلمي و لجنة الأقليات القومية و لجنة الأقليات الدينية و المذهبية و غيرها، بحيث تتكامل في هذا المجلس كافة مجالات الحياة ليتكامل بدوره العمل الكوردستاني. يجب أن يتم إختيار أعضاء المجلس على أساس الكفاءة و الخبرة و الإختصاص، بعيداً عن تسييس المجلس و بعيداً عن الإعتبارات الحزبية و الشخصية، حيث يكون هذا المجلس مجلساً إستشارياً يقوم بشكل علمي برسم و تخطيط الإستراتيجية الكودستانية في مختلف مجالات الحياة و لذلك فأن المجلس سيكون له دوراً محورياً في وضع الإستراتيجية الإقتصادية و السياسية و الدفاعية و الأمنية و البيئية و البرامج و الخطط القصيرة و البعيدة المدى للسياسات المختلفة لكوردستان و تحقيق الإكتفاء الذاتي في مختلف المجالات، بما فيها الأمن الغذائي و الطاقة و المستلزمات المعيشية الأخرى و إنتاج السلاح قدر الإمكان.
 
بتأسيس هذا المجلس سيتم وضع خطط مدروسة، تصبح برامجاً تهتدي بها الجهات التنفيذية، و بذلك يُنهي المجلس الفوضى السائدة في برامج عمل الكوردستانيين و يحدّ من القرارات الفردية و الحزبية و الحكومية الآنية و الإرتجالية و سيقود شعب كوردستان الى حيث مجتمع المؤسسات و القانون و النظام و يُقدم برامج عملٍ و خطط متكاملة و متوازنة للقيادة الكوردستانية لتحديد آليات نضالها و تحالفاتها و لبناء و إدارة كوردستان و حماية أمنها الوطني و الغذائي و يضمن تحرر كوردستان و بناء دولة ديمقراطية تكفل الحرية و الكرامة و الرفاهية و العدالة الإجتماعية لمواطني كوردستان.

سيكون المجلس الوطني الكوردستاني بحاجة الى الحصول على معلومات كاملة و مفصلة عن كوردستان في مختلف المجالات للنجاح في دراساته و أبحاثه و تحليلاته ليتمكن من وضع توصيات صائبة و دقيقة و رفعها الى البرلمان الكوردستاني و الهيئة التنفيذية لكوردستان. يتم الحصول على هذه المعلومات الضرورية للمجلس عن طريق إجراء مسح عام في كوردستان لمعرفة العناصر المختلفة فيها، كمّاً و نوعاً، لرسم الخطط و البرامج على ضوئها. هذا المسح العام في كوردستان يمكن أن يشتمل على إجراء إحصائية في المجتمع الكوردستاني لمعرفة أعداد نفوس القوميات و الديانات و المذاهب الكوردستانية المختلفة، أعداد الرجال و النساء، المتعلمين و غير المتعلمين، درجة التحصيل الدراسي، عمر المواطنين، عدد المدارس و المعاهد و الجامعات، دخل الفرد، إنتاجية الفرد، الناتج الوطني، عدد العاطلين عن العمل، مساحة الأراضي الزراعية المزروعة و غير المزروعة، أساليب الإنتاج الزراعي، مساحة الأراضي الديمية و السيحية، مساحة الغابات، نوعية المحاصيل الزراعية و أشجار الفواكه و أشجار الغابات و كميتها، عدد الفلاحين و العمال و الموظفين والأكاديميين و الإختصاصات، أعداد القرى و طبيعة بناء مساكنها و مدى توفر الماء و الكهرباء فيها، عدد التلاميذ و الطلاب في المدارس الإبتدائية و المتوسطة و الإعدادية و المعاهد و الكليات و الإختصاصات فيها، الموارد الطبيعية، عدد أفراد قوات الشرطة و الأمن و العسكريين و عدد المراتب و الصنوف و الأسلحة و أنواعها و كمياتها، عدد المعامل و الشركات و نوعياتها، أنواع و كميات المنتوجات الصناعية ، عدد البنوك، أعداد الثروة الحيوانية الداجنة و الثروة الحيوانية البرية و نوعياتها، عدد السدود و الطاقة التخزينية لها و إنتاجها للطاقة، عدد وسائل المواصلات و نوعياتها و موديلاتها، صلاحية طرق المواصلات، أنواع الجرائم المرتكبة و أعدادها و مناطقها، أعداد المساجين و البرامج المتبعة لتأهيلهم، المناطق السياحية و الفنادق و المطاعم فيها، المناطق الأثرية في كوردستان و مواقعها، مصادر المياه و صلاحيتها للإستعمال البشري، عدد المدخنين و أعمارهم، عدد المدمنين على الكحول من رجال و نساء، عدد الأرامل، عدد المطلقين و المطلقات، عدد المعوّقين، عدد أفراد العائلة، عدد الحدائق العامة و المنتزهات و الى آخره من الأمور الضرورية لرسم خطة تنموية ناجحة و حفظ أمن الكوردستانيين و كوردستان. ينبغي أن تكون المعلومات مفصلة و مرسومة جغرافياً و نوعياً و كمياً للتمكن من تحقيق أهداف تنموية ناجحة. في الحقيقة أن الأمور المذكورة هنا هي مجرد أمثلة لنماذج و عيّنات المعلومات المطلوبة، حيث أن كل لجنة من لجان مجلس الأمن الوطني الكوردستاني ستكون مؤهلةً لوضع دراسة مسحٍ شامل في مجال إختصاصها و تحديد كافة المعلومات المطلوبة لعمل كل لجنة من لجان البرلمان لتتمكن من القيام بمهامها بنجاح و بشكل جيد. هذه المعلومات ضرورية بالدرجة الرئيسية لوضع برامج التنمية، بينما هناك معلومات أخرى تحتاج بعض لجان المجلس الوطني لدراساتها، مثل معلومات إقتصادية و سياسية و عسكرية و أمنية عن الدول المحتلة لكوردستان و الدول الإقليمية الأخرى بصورة خاصة و معلومات عن السياسة العالمية بصورة عامة، و خاصة سياسات الدول الكبرى تجاه إستقلال كوردستان و تجاه الدول الإقليمية الأخرى و إستراتيجياتها في منطقة الشرق الأوسط الكبير و العلاقات التي تربط الدول المحتلة لكوردستان مع بعضها من جهة و علاقات هذه الدول مع دول العالم، خاصة مع الدول الكبرى من جهة ثانية.

mahdi_kakei@hotmail.com


158
(تركيا)  .....   الى أين؟  (30) – إستراتيجية النضال التحرري الكوردستاني

1. إيجاد مرجعية سياسية كوردستانية

د. مهدي كاكه يي

إن القضية الكوردستانية هي قضية واحدة لا يمكن تجزئتها، لذلك فأن المواضيع المتعلقة بالشعب الكوردستاني في هذه السلسلة من المقالات، تخاطب المواطنين الكوردستانيين في كل مكان، حيث أنها تخص شعب كوردستان بأجمعه، فأنها تخص شمال كوردستان كما أنها تخص الأجزاء الأخرى من كوردستان، حيث أن الدور الذي تلعبه "تركيا" في معاداة النضال التحرري الكوردستاني، يؤثر بالدرجة الأولى على النضال التحرري للكوردستانيين الشماليين، إلا أن هذا الدور يؤثر أيضاً و بشكل كبير على النضال الذي يخوضه الكوردستانيون في الأجزاء الأخرى من كوردستان.

تمر منطقة الشرق الأوسط الكبير في الوقت الحاضر بتغييرات كبيرة و إتفاقية سايكس – پيكو الإستعمارية التي تم إبرامها في عام 1916 في طريقها الى الإنهيار و بدأت تلوح في الأفق ملامح خارطة جديدة للمنطقة و التي سيتم رسمها على أسس مبدأ حق شعوب المنطقة في تقرير مصائرها بنفسها دون وصايات أو فرض إرادات أجنبية. لقد قامت كل من بريطانيا و فرنسا بموجب الإتفاقية المذكورة بتقسيم المنطقة بشكل قسري، خدمةً لمصالحهما و خلقتا كيانات سياسية فضفاضة على أنقاض الدولة العثمانية، دون إحترام إرادة شعوب المنطقة و دون مراعاة الخصوصيات القومية و التأريخية و الثقافية و اللغوية لهذه الشعوب، و دون التفكير بإستحالة مزج شعوب متخلفة متنافرة و إجبارها على العيش المشترك ضمن كيانات سياسية مشتركة، و التي نتجت عنها ولادة كيانات سياسية مشوّهة، تعيش في كل منها خليط من شعوب متنافرة لا تربطها ثقافة مشتركة و تأريخ مشترك و لا تجمعها مصالح و أهداف مشتركة و كانت نتائج هذا الجمع القسري كارثية لشعوب المنطقة، حيث تعيش هذه الشعوب منذ ذلك الوقت في حروب و دمار و إراقة بحارٍ من الدماء و العيش في تخلّف في كافة مجالات الحياة و إستنزاف موارد بلدان المنطقة الغنية بمواردها البشرية و الطبيعية.

هكذا رغم مرور أكثر من تسعين عاماً على عقد إتفاقية سايكس – پيكو و التي بموجبها تم حشر شعوب المنطقة في كيانات سياسية مصطنعة دون إرادتها، فأن هذه الشعوب المتنافرة فيما بينها في كل كيان سياسي من الكيانات التي خلقها الإستعمار، لم تستطع خلق شعوب متجانسة و موحدة تجمعها ثقافة و مصالح و أهداف مشتركة و يربطها مصير واحد لتستطيع الإستمرار في العيش المشترك الذي تم فرضه عليها، بل أصبح هذا العيش القسري مصدراً للخلافات و المآسي و الحروب الطائفية و الإثنية و الدينية بين الشعوب و القوميات و الطوائف و الأديان المختلفة التي تم حشرها في هذه الكيانات السياسية المصطنعة و التي أدت بدورها الى فرض حالة التخلف و الجوع و الفقر و المرض و الفساد على هذه الشعوب المسلوبة الإرادة و خلقت أنظمة حُكمٍ دكتاتورية شمولية عنصرية طائفية متخلفة في هذه الكيانات السياسية المصطنعة و التي أرغمت شعوب كل كيان سياسي على العيش المشترك بإستخدام القوة و البطش و الإكراه و الإرهاب و القتل و السجن و التعذيب.

بناءً على ما تقدم، فأن تمتع شعب كوردستان بحقوقه السياسية و الإجتماعية و الثقافية و الإقتصادية من خلال التمتع بالحقوق الثقافية  أو الحكم الذاتي أو النظام الفيدرالي في ظل الدول المحتلة لكوردستان، هو أمرٌ مستحيل في الوقت الحاضر و في المستقبل المنظور، حيث ينجح هذا الأمر عندما تتحضر شعوب الدول المحتلة لكوردستان و تصبح هذه الدول دولاً ديمقراطية و هذه العملية تحتاج الى فترة زمنية طويلة جداً، تمتد لأجيالٍ عديدة و التي خلالها ينبغي على شعب كوردستان أن يناضل مع القوى "الديمقراطية" العربية و التركية و الفارسية و أن وجود مثل هذه القوى تكاد تكون معدومة بين العرب و الأتراك و الفرس في الوقت الحاضر. لذلك يجب النضال من أجل حرية الشعب الكوردستاني و إستقلال كوردستان و وضع مصلحة شعب كوردستان فوق المصالح الشخصية و العائلية و الحزبية و العشائرية و المناطقية و الإبتعاد عن الروح الأنانية و الرغبة الذاتية و تعريف الشعب الكوردستاني بذاته و حضارته و تأريخه و تراثه.

بعد تحرر شعوب المنطقة و إستقلال أوطانها و حصولها على هوياتها و حريتها، بضمنها إستقلال كوردستان و بناء دولتها المستقلة، و إقامة علاقات متكافئة بين شعوب المنطقة و من ثم بعد تحضّر شعوب المنطقة و تقدمها و الذي يستغرق أجيالاً عديدة، حينئذٍ قد تتطلب مصالح شعوب المنطقة الإقتصادية و السياسية و الأمنية أن تبادر دول المنطقة الى بناء إتحاد كونفيدرالي فيما بينها، على غرار الإتحاد الأوربي الذي يخطو خطوات حثيثة لتحويل الإتحاد الإقتصادي الذي يربط دولها الى إتحاد كونفيدرالي.

إيجاد مرجعية سياسية
إن شعب كوردستان يفتقر الى مرجعية سياسية موحدة تقود النضال التحرري الكوردستاني منذ إحتلال كوردستان.، في الوقت الحاضر، فأن شعب كوردستان بحاجة ماسة و مُلحة الى قيادة سياسية جامعة تُمثّل شعب كوردستان بأكمله و تُنهي بذلك حالة التشتت و التجزئة التي تُعاني منها شعب كوردستان و تزرع الوهن في جسده و اليأس في نفوسه، حيث يمر العالم بشكل عام و الشرق الأوسط الكبير بشكل خاص بتطورات و أحداثٍ تأريخية تُطيح بإتفاقية سايكس- پيكو الإستعمارية و تقود الى رسم خارطة سياسية جديدة للمنطقة التي تُراعى فيها إرادة الشعوب و حقها في تقرير المصير. لذلك على شعب كوردستان أن يبادر فوراً الى إيجاد مرجعية سياسية جامعة لكافة أجزاء كوردستان للنضال الدؤوب في خضم هذه التطورات الكبرى الحاصلة في المنطقة لجعل الشعب الكوردستاني قوة إقليمية متميزة في المنطقة، لا يمكن الإستهانة بها و إستبعادها و إهمالها في المعادلات و التوازنات الإقليمية في المنطقة و في الخارطة السياسية الجديدة للشرق الأوسط الكبير و بذلك يقوم شعب كوردستان بضمان إستقلال وطنه و التمتع بحريته و القيام بعلاقات متكافئة مع شعوب المنطقة و دول العالم أجمع و يكون حينئذٍ قادراً على المساهمة الفعالة من جديد في بناء صرح الحضارات الإنسانية و تقديم خدماته في تطوير حياة و معيشة الإنسان على كوكبنا الأرضي، كما فعل أسلافه الإيلاميين و السومريين و الميديين و غيرهم.

من أجل إيجاد مرجعية كوردستانية سياسية جامعة، ينبغي أن يتم عقد مؤتمر كوردستاني عام تشترك فيه الأحزاب الكوردستانية و الخبراء و المثقفون و الأكاديميون الوطنيون لتحديد هدف النضال الكوردستاني و إختيار وسائل هذا النضال و طرقه و أدواته لإنجاح النضال الكوردستاني و الوصول الى أهدافه المرسومة.

في الوقت الحاضر هناك مبادرة لإقإمة مؤتمر كوردستاني لجمع شمل كافة الكوردستانيين و من المؤمل أن يكون هدف إنعقاده هو تنظيم البيت الكوردستاني و الدفاع عن حق شعب كوردستان في تقرير مصيره و التمتع بحريته و بناء دولته المستقلة.

أود هنا أن أسجل بعض الملاحظات و المقترحات بصدد المؤتمر المذكور. إسم المؤتمر الذي من المؤمل إنعقاده في شهر تشرين الثاني 2013 هو "المؤتمر القومي الكوردي" و هذه تسمية خاطئة و خطيرة، حيث أنه يهمل القوميات الكوردستانية غير الكوردية، و أن القضية الكوردستانية لا تخص القومية الكوردية لوحدها، بل تخص كافة القوميات و الطوائف و الأديان الكوردستانية. أقول أن التسمية هي تسمية "خطيرة" لأنها تعزل الكورد عن الكوردستانيين من غير الكورد و تُمهّد الطريق عملياً لإنتهاج القادة السياسيين الكورد لنفس المسار العنصري للحكومات و التنظيمات العنصرية التركية و العربية و الفارسية و الوقوع في نفس الخطأ بل الجريمة الكبرى التي إقترفتها هذه الحكومات و التنظيمات بحق الشعوب التي هي ليست تركية أو عربية أو فارسية. إن كوردستان هي وطن جميع الكوردستانيين، بغض النظر عن قومياتهم و أديانهم و مذاهبهم و معتقداتهم، لذلك ينبغي إعادة النظر في إسم المؤتمر المزمع إنعقاده و تغيير إسمه الى "المؤتمر الوطني الكوردستاني"، حيث أن المؤتمر هو مؤتمر الكوردستانيين جميعاً و قراراته تؤثر على حياة الجميع بغض النظر عن القومية و أن كلمة "الوطني" تعني الأرض و الحدود و الهوية، إنها تعني وطن الكوردستانيين "كوردستان"، بينما كلمة "القومي" تعني "القومية الكوردية" التي قد لا تكون مرتبطة بالأرض و الوطن لأن هناك قوميات كثيرة في العالم ليس لها وطن خاص بها و هكذا فأن كلمة "القومي" تُلغي كافة القوميات و الأقليات الإثنية في كوردستان. كما أن كلمة "الكوردي" تعني أيضاً "الكورد" لوحدهم دون القوميات الكوردستانية الأخرى و في نفس الوقت فأن هذه الكلمة لا تدل و لا تشير الى وجود أرض محددة إسمها كوردستان و التي هي وطن جميع الكوردستانيين.

ينبغي توجيه دعوة لحضور المؤتمر المذكور الى الممثليين الحقيقيين للقوميات الكوردستانية غير الكوردية. كما أنه من الضروري أن تتم دعوة ممثلي أصحاب الديانات غير الإسلامية و الطوائف الإسلامية المختلفة، بحيث يتم تمثيل سكان الأقاليم الكوردستانية و الأحزاب و التنظيمات السياسية و تنظيمات المجتمع المدني و أصحاب الأديان و المذاهب المختلفة و الشباب و النساء و الشخصيات الكوردستانية الوطنية من مفكرين و أكاديميين و ناشطين، تمثيلاً متوازناً.  

إن إختيار مدينة أربيل ليكون مكاناً لإنعقاد المؤتمر الوطني الكوردستني له جوانب إيجابية عديدة مثل سهولة وصول المشاركين الى أربيل نتيجة قُربها من مناطق سكن غالبية المشتركين في المؤتمر، حيث أنهم يعيشون في كوردستان و عدم حاجة المدعويين الى الحصول على تأشيرة سفر (ڤيزا) و تحمّل حكومة جنوب كوردستان مصاريف المؤتمر بالإضافة الى إنعقاد المؤتمر على أرض الوطن و بين المواطنين الكوردستانيين الذي له دلالة كبيرة. من ناحية أخرى، فأن إختيار جنوب كوردستان مكاناً لإنعقاد المؤتمر يُعرّض حكومة جنوب كوردستان الى ضغوط دولية و إقليمية و خاصة من قِبل كل من "تركيا" و إيران، حيث ستؤثر على نتائج و قرارات المؤتمر المذكور و التي لا تكون في مصلحة شعب كوردستان و لا تُلبّي إرادة الكوردستانيين في التحرر و في إستقلال بلادهم. لذلك أقترح أن يتم إنعقاد المؤتمر في دولة أوروبية، بعيداً عن النفوذ التركي و الإيراني و تحديد موعد إنعقاده قبل فترة زمنية مناسبة ليتمكن المدعوون من الحصول على تأشيرة سفر و بالتالي يتم ضمان حضورهم للمؤتمر.

على ذكر مدينة أربيل، يذكر الدكتور زهدي الداوودي في مقال قيّم له بعنوان "لمحة عن تطور الكــورد منذ أقدم العصور حتى الآن" بأن إسم مدينة أربيل هو إسم سومري، حيث أن السومريين (أسلاف الكورد) قاموا ببناء هذه المدينة في حوالي عام 3000 قبل الميلاد، أي قبل ظهور الآشوريين و أن التسمية السومرية لهذه المدينة هي "أربيلوم" (للمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع و حول التأريخ الكوردي القديم، يمكن الإطلاع على المقال المذكور في الرابط الموجود في نهاية هذا المقال). تغيًر الإسم السومري لمدينة أربيل بمرور الوقت من "أربيلوم" الى "أربيل" ربما لتسهيل تلفظها. الإسم الكوردي لمدينة أربيل "هەولێر" هو إسمٌ محوّر ل"أربيلوم"، حيث أنه بمرور الوقت تم تحوير "أربيلوم" من قِبل الكورد الى "هەولێر". كلمة "أربيل" مؤلفة من كلمتَين سومريتَين هما "أر" التي تعني "الأرض" و "بيل" التي تعني "إله" و بذلك تعني "أربيل" أرض الإله" باللغة السومرية. لا تزال كلمة "أر" السومرية باقية في اللغة الكوردية، حيثُ تحولت الى "أرد".

إنطلاقاً من مصلحة شعب كوردستان، من الحكمة و الوطنية أن يكون على الأقل نصف المدعويين للمؤتمر الوطني الكوردستاني المزمع عقده في شهر تشرين الثاني 2013، من الوطنيين الكوردستانيين المستقلين الذين لا ينتمون الى التنظيمات الكوردستانية و ذلك لسد الطريق أمام المنافسات و الخلافات و التناحرات الحزبية بين التنظيمات السياسية الكوردستانية. في هذه الحالة سيتم تجاوز النظرة الحزبية الضيقة و الآيديولوجيا و يسود الفكر الوطني الكوردستاني في المؤتمر و يتم كذلك وضع المصلحة الوطنية الكوردستانية فوق المصالح الحزبية و الشخصية.

بعد تأسيس مرجعية سياسية كوردستانية، يمكنها تقديم طلب العضوية الى منظمة الأمم المتحدة لتصبح على الأقل عضوة مراقِبة في المنظمة الدولية الى أن يتم إستقلال كوردستان، حينئذٍ ستتمتع كوردستان بالعضوية الكاملة في المنظمة المذكورة. كما أنه ينبغي أن تقوم المرجعية السياسية الكوردستانية بعد ولادتها بفتح مكاتب و ممثليات في مختلف عواصم و مدن العالم لتعريف شعوب العالم بالشعب الكوردستاني عن طريق إقامة العلاقات مع مختلف حكومات العالم و مختلف المنظمات الدولية و التنظيمات السياسية و المؤسسات الإعلامية في العالم و القيام بمختلف النشاطات السياسية و الثقافية و العلمية و الفنية و الرياضية و إقامة الندوات و المحاضرات و المؤتمرات الصحفية و اللقاءات التلفزيونية و تنظيم الجاليات الكوردستانية في دول العالم و خلق لوبي كوردستاني في هذه الدول للمساهمة في تحقيق تحرر شعب كوردستان من الإحتلال و الإستعمار.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=238569

mahdi_kakei@hotmail.com

159
(تركيا)  .....   الى أين؟  (29)


الكفاح المسلح الكوردستاني في الميزان

د. مهدي كاكه يي

يتم إتباع حرب العصابات في كثير من دول العالم كوسيلة لتحرير بلدانٍ محتلة أو مستعمرَة أو لإسقاط سلطاتٍ حاكمة و إستلام الحكم كما حصل في روسيا القيصرية والصين وكوبا وفيتنام و كوردستان وغيرها. حرب العصابات المرتكزة على عمليات الكرٍّ و الفرّ وعنصر المباغتة و إجبار الجهة المعادية على نشر قواتها على رقعة جغرافية واسعة، تعمل على تشتيت هذه القوات و صعوبة السيطرة على هذه المنطقة الجغرافية الكبيرة. تتم حرب العصابات بين جبهتَين غير متكافئتَين في القوة، حيث يستعمل الجانب الضعيف هذا الأسلوب من الحرب لتجنب المواجهة الجبهوية للإستعاضة عن ضعفه و خلق توازن في القوة مع خصمه الأقوى لتكبيد الجبهة المقابلة خسائر بشرية ومادية كبيرة مقابل خسائر قليلة في صفوفه و ذلك بتجميع قواتٍ للتفوّق على الخصم في العدد والعُدّة و بعد تحقيق الهدف تتفرق القوات المجتمعة لتفادي مواجهة جبهوية مباشرة مع الفريق الآخر الأقوى. من خلال هذا الأسلوب من الحروب قد تتمكن قوة صغيرة أن تُكبّد قوة كبيرة خسائر بشرية ومادية كبيرة مقابل خسائر قليلة و بهذا يتمكن الجانب الضعيف المحافظة على قواته المعدودة العدد و العُدة و الحفاظ على موارده المالية المحدودة.

إن من أسباب إستخدام كوردستان كساحة لحرب العصابات من قِبل الثورات الكوردستانية هي
معرفة الثوار لتفاصيل جغرافية كوردستان و التي تُتيح لهم خوض حروب و معارك فيها بنجاح، حيث يعرفون بدقة المواقع الإستراتيجية التي يمكن التخندق فيها و الدفاع عنها و تكبيد المحتلين خسائر كبيرة و الوقوف بوجه هجمات المحتلين و شن هجمات مضادة على القوات المعادية. من خلال معرفة تضاريس كوردستان و جغرافيتها، يعرف الثوار الأماكن الصالحة للإختباء و الراحة و النوم و الإستحمام و مصادر التزود بالماء و الطعام و الملابس و الوقاية من البرد و الحر.

لِكون معظم الثوار من سكان القرى و الأرياف التي تدور الثورات المسلحة فيها، فأن الثوار يعتمدون على السكان المحليين في حصولهم على الغذاء و المأوى و أماكن آمنة للراحة و السكن و التزود بالمعلومات عن تحركات العدو و خططه و الحصول على الأسلحة و الأموال و أن السكان المحليين يكونون المصدر الرئيس للمقاتلين و تعويض الثوار للخسائر البشرية التي يتكبدونها و ذلك بإلتحاق المزيد من المزارعين و الريفيين بصفوف الثورات الكوردستانية.

تكمن وراء جعل كوردستان ساحةً وحيدة للثورات الكوردستانية، أسباب تأريخية. عبر التأريخ كان الكوردستانيون يلجأون الى جبالهم المحصنة كلما شعروا بالخطر، حيث أن كوردستان لها موقع إستراتيجي مهم و أنها بلد غني بموارده الطبيعية من زراعة و مياه و بترول و معادن و لهذا السبب تعرضت كوردستان الى الكثير من الغزوات عبر التأريخ، حيث تم إحتلالها و تقسيمها بين عدة دول. لولا التضاريس الجبلية الوعرة لكوردستان لربما كان يتم تعريب و تفريس و تتريك كوردستان بأكملها، بأرضها و سكانها، كما حصل بالنسبة لقسم كبير من المناطق السهلية من كوردستان و لسكانها الكورد.

كما أن الثوار الكوردستانيين بحاجة الى أن تُقام ثوراتهم على أرض كوردستان، حيث أنهم يستفيدون من منافذ الحدود مع الدول الأخرى للحصول على المساعدات العسكرية و اللوجستية و المعيشية و إتخاذ الأراضي الكوردستانية المحتلة من قِبل البلدان الأخرى كمناطق آمنة لهم. كما أن التواجد على الأرض الكوردستانية يرفع من معنويات الثوار و شعب كوردستان على السواء.

إن القيام بالثورات المسلحة في كوردستان و التخندق فيها و جعلها ساحةً وحيدةً للعمليات العسكرية الناشبة بين شعب كوردستان و محتليها، له آثار إجتماعية و صحية و نفسية و بيئية و إقتصادية كارثية، تؤثر على شعب كوردستان بشكل سلبي لأجيال عديدة. لذلك فأن أسلوب حرب العصابات الكلاسيكية الذي إتبعها القادة الكوردستانيون خلال الثورات التي تم القيام بها، كانت كارثةً كبرى لشعب كوردستان و كان على القادة الكوردستانيين أن يعرفوا المأساة الإنسانية و النتائج الكارثية على البنية الإجتماعية و النفسية و الإقتصادية و البيئية التي يُسببها جعل الأراضي الكوردستانية ساحةً للموت و الحروب و الدمار و التشرّد.

صحيح أنه في الأزمنة السابقة كانت حكومات الدول المحتلة لكوردستان تستعمل أساليب الإبادة الجماعية و القوة و البطش ضد النضال الكوردستاني، إلا أنه لو كانت هناك قيادات سياسية كوردستانية محنكة و كفوءة و مخلصة، لَكانت لا تتبع التقليد الأعمى لحرب العصابات التقليدية التي تم إتباعها في مناطق أخرى من العالم و لَكانت تدرس كافة الوسائل الممكنة للنضال الكوردستاني لضمان نجاح الثورات الكوردستانية من جهة و التقليل من التضحيات الجسيمة التي قدمها شعب كوردستان والمآسي التي تعرض لها بسبب إنحصار العمليات العسكرية ضمن حدود كوردستان من جهة ثانية. كما أن جميع الثورات القائمة في كوردستان إتبعت إستراتيجية دفاعية بدلاً من إستراتيجية هجومية و بذلك كانت القوات الكوردستانية تتحصن في الجبال و تسمح للقوات المحتلة أن تهاجم كوردستان و تُبيد البشر و الحيوانات و الزرع و تُدمّر كوردستان و تُشرّد مواطنيها و تقوم بأنفلتهم و إبادتهم بالأسلحة الكيميائية و التقليدية. نعم كان في وسع قيادات الثورات الكوردستانية الإنتصار على المحتلين و تحقيق إستقلال كوردستان لو كانوا يتبعون أساليب نضالية أخرى الى جانب الكفاح المسلح على الساحة الكوردستانية و كذلك كانوا يستطيعون التقليل بشكل كبير من التضحيات البشرية و المادية التي قدمها شعب كوردستان و لَكان المجتمع الكوردستاني يتفادى بشكل كبير الخراب الإجتماعي و الإقتصادي اللذين تعرض لهما و لَإنخفضت الأضرار الكارثية التي تعرضت لها بيئة كوردستان.

كانت هناك وسائل أخرى صائبة و فعالة للنضال التي كان يمكن إتباعها من قِبل قيادات الثورات الكوردستانية الى جانب الكفاح المسلح في كوردستان. تتمتع ظروف شعب كوردستان بميزة إيجابية هامة جداً، وهي عيش الملايين من الكورد في المدن الكبرى للدول المحتلة لكوردستان، مثل طهران و خراسان و إستانبول و أنقرة و إزمير و بغداد و جنوب العراق و دمشق و غيرها من المدن. لو كانت القيادات السياسية الكوردستانية تقوم بتوعية و تعبئة الجاليات الكوردية هناك و تنظيمهم و تدريبهم على حرب المدن و الشوارع و زرع الألغام و غيرها، لَكانوا يستطيعون نقل الحرب الى عقر دار المحتلين و لَكانوا يزلزلون الأرض تحت أقدامهم. كما كانوا يستطيعون تكبيد المحتلين خسائر إقتصادية كبيرة تهز عروشهم و تُنهي إحتلالهم لكوردستان من خلال ضرب المنشآت الإقتصادية الإستراتيجية و التي كانت بإستطاعة مجاميع صغيرة مؤلفة من بضع عشرات من الأشخاص القيام بمثل هذه المهمات بسهولة و كان من الممكن القيام بقسمٍ من هذه المهمات من قِبل أفراد مدنيين، دون الحاجة الى تكليف أشخاص مسلحين للقيام بها.

من ضمن بنود إتفاقية 11 آذار عام 1970 الذي تم إبرامها بين قيادة الثورة الكوردستانية في جنوب كوردستان و الحكومة العراقية البعثية، أن يتم تنفيذ ما تم الإتفاق عليه خلال أربع سنوات، حيث كان حزب البعث ضعيفاً آنذاك و فيه العديد من مراكز القوى و لم يكن مسيطراً على الحكم بشكل محكم، لذلك إحتاج البعثيون لهذه الفترة الزمنية لتثبيت حكمهم. فعلاً إستطاع هذا الحزب تصفية أعدائه و تقوية حكمه خلال الأربع سنوات التي أعقبت إبرام إتفاقية آذار. بعد إتفاقية آذار، إستغلت الحكومة البعثية فترة الأربع سنوات التي حُددت لتطبيق بنود بيان 11 آذار لصالحها، بينما القيادة الكوردستانية لم تضع إستراتيجية متكاملة تتضمن الجوانب السياسية و الإقتصادية و العسكرية و الإعلامية و التنظيمية و المخابراتية، لإفشال مخططات الحكومة العراقية و حماية شعب كوردستان و تحقيق طموحاته و أهدافه الوطنية و التصدي للقوات العراقية و العمل على هزيمتها فيما لو إندلعت الحرب بين الجانبين من جديد. كانت من نتائج هذه الأخطاء إنهيار الثورة الكوردستانية خلال أيام بعد إبرام إتفاقية الجزائر بين العراق و إيران.

كنتُ شاباً يافعاً عند صدور بيان 11 آذار و كتبتُ حينذاك في دفتر مذكراتي موضوعاً بعنوان "الإستراتيجية الكوردستانية لتحقيق أهداف الشعب" و الذي يتألف من 37 صفحة و لا زلتُ أحتفظ به. في هذه الكتابة رسمتُ إستراتيجية متكاملة لمواجهة مكائد و خطط البعثيين و من ضمن هذه الإستراتيجية كان إنشاء وحدات و خلايا مسلحة في المدن العراقية الكبرى التي تعيش أعداد كبيرة من الكورد فيها، و خاصة في بغداد و المبادرة بالهجوم على معاقل البعثيين في مدنهم فيما لو تملصوا من تنفيذ إتفاقية 11 آذار، إلا أنه بكل ألمٍ أقول بأن القيادة الكوردستانية لم تضع خططاً لمواجهة الحكم البعثي في حالة عدم تطبيق بنود الإتفاقية، بل أنه بعد ظهور ملامح إنهيار الإتفاقية المذكورة، توجّه عشرات الآلاف من الكوردستانيين الى الجبال، مصحوبين معهم عوائلهم و بذلك أصبحت هذه الحشود البشرية عالة على الثورة و كان هذا الأمر أحد أسباب إعتماد الثورة الكوردستانية على مساعدة النظام الإيراني، حيث أن حرب العصابات لا تحتاج الى قوات بشرية كبيرة و لا تنسجم حروب الكر و الفر مع وجود أُسر الپێشمەرگە معهم و هكذا كانت النتيجة مأساوية لشعب كوردستان، حيث إنهارت الثورة الكوردستانية خلال بضع أيام بعد إبرام إتفاقية الجزائر بين العراق و إيران. 

المأساة هي أن القيادات الكوردستانية تقوم دائماً بتبرئة نفسها من مسئولية فشل الثورات التي تقودها و تقوم بتحميل جهات خارجية مسئولية فشل هذه الثورات و كأنما هذه القيادات هي عبارة عن رُقع شطرنج، ليست لها أي دور في إدارة الثورات و إتخاذ القرارات و أن العوامل الخارجية هي وحدها تتحكم بمصير الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية التي يرتبط بنتائجها مصير شعبٍ تُقدر نفوسه بأكثر من 50 مليون نسمة.

نقطة مهمة أخرى هي أنه رغم فشل القيادات الكوردستانية في تحقيق أهداف الثورات الكوردستانية و تسببها في قتل و إبادة مئات الآلاف من مواطني شعب كوردستان من خلال تعرض شعب كوردستان لحملات الأنفال و إستخدام الأسلحة الكيميائية و التقليدية و تدمير كوردستان، فأنه لا تتم محاسبة أو محاكمة هذه القيادات و على الأقل إجبارها على التخلي عن القيادة لتحل محلها قيادات كفوءة و مخلصة قادرة على تحقيق أهداف الشعب في حق تقرير المصير، بل تستمر هذه القيادات في رئاسة أحزابهم السياسية و قيادة الثورات الكوردستانية و بعد موتهم يتوارث أبناؤهم و أفراد عوائلهم القيادة من بعدهم. هذه الظاهرة هي أحد الأدلة الذي يُبين بأن المجتمع الكوردستاني هو مجتمع متأخر يُضحي بحياة أفراده و بممتلكاته دون العمل على محاسبة قياداته السياسية على أخطائها و حتى على خياناتها و القيام بإجراء تقييم علمي موضوعي لتلك الثورات لإعادة النظر بالأخطاء التي تم إرتكابها خلال مسيرات تلك الثورات. رغم التضحيات البشرية و المادية الجسيمة التي يقدمها شعب كوردستان في نضاله الطويل و تدمير آلاف القرى الكوردستانية و تهجير الملايين من الكوردستانيين، فأن المجتمع الكوردستاني لا يهتم و لا يطالب بمعرفة أسباب الإنتكاسات و الهزائم التي مُنيت بها الإنتفاضات و الثورات الكوردستانية خلال مسيرة كفاحه من أجل تحقيق حريته و التمتع بحقوقه، لوضع إستراتيجية جديدة صائبة تُحقق الأهداف الكوردستانية.

إن الحروب لها آثار سلبية خطيرة على الجوانب الإجتماعية و النفسية و الإقتصادية و البيئية، بل أن جميع مرافق الحياة و عناصر التقدم تُصاب بالعطل، حيث تبرز مشاكل خطيرة في كافة مجالات الحياة و التي تستمر لعشرات و ربما لمئات السنين.

إن الحروب تؤدي الى الموت و الخراب و التشرد و الفقر و المجاعة و البطالة و الفوضى و غلق المدارس و الجامعات و التي هي آفات إجتماعية خطيرة تفتك بالمجتمع و تُدمّره. هذه النتائج السلبية للحروب تعمل على تدمير البُنية الإجتماعية و تؤدي الى إنتشار الجريمة و السرقة و الفساد الإجتماعي و خراب العلاقات الإجتماعية و تفكك الأسرة و إنتشار الأُمية و إختفاء القيم الإنسانية و إنخفاض نسبة الذكور بسبب قتلهم في الحروب و المعارك المندلعة و زيادة كبيرة في نسبة العازبات بشكل خاص و العازبين بشكل عام بسبب الخلل الناتج في نسبة الذكور و الظروف الصعبة التي تخلقها الحروب. كما أن من نتائج الحروب هي تهجير و هجرة المواطنين الى خارج كوردستان و زيادة كبيرة في نسبة الأيتام و الأرملات و المشردين و إنتشار ظاهرة الدعارة و تشغيل الأطفال، حيث يكافح الإنسان في ظل مثل هذه الظروف العصيبة من أجل البقاء و إستمرارية الحياة. هذه المشاكل التي تخلقها الحروب تؤدي الى خراب كارثي في الجانب الإجتماعي الذي يحتاج الى وقت طويل تمتد لأجيال لعلاجه و يتطلب الكثير من العمل و المال لمعافاته.

الإنسان الذي يعايش الحروب، حيث أزيز و قصف الطائرات و المدافع و الدبابات و الإنفجارات التي تحدث و أشلاء القتلى المتناثرة و بُرك الدماء المنتشرة، يُصاب بأمراض نفسية عديدة مثل الكآبة و الشعور بالخوف و الفزع و الكوابيس المرعبة التي يعيش معها و السادية و الرغبة الجامحة في العنف و غيرها من الأمراض النفسية التي تخلق مجتمعاً غير سويّ و تؤثر سلباً على جميع نواحي الحياة بما فيها الحياة الإجتماعية و القدرة على العمل و الإنتاج، بالإضافة الى التكاليف المباشرة الباهضة التي يتطلبها علاج الأشخاص المشاركين في الحروب و كذلك المدنيين الذين عايشوا هذه الحروب.

التأثير السلبي الكبير للحروب على إقتصاد البلاد واضح، حيث تعمل على تدمير البُنية التحتية لتلك البلاد و تخريب مختلف مرافق الحياة من معامل و مصانع و مشاريع و مدارس و جامعات و بيوت و جسور و حرق المدن و القرى و الغابات و المزارع، بالإضافة الى التكاليف الباهضة التي تتطلبها مستلزمات الحرب من أسلحة و ذخائر حربية و وسائل المواصلات و بناء الملاجئ و علاج المصابين و تحمّل نفقات المهجّرين و المهاجرين و توفير أماكن سكن جديدة لهم. هكذا تُصيب الحرب الجانب الإقتصادي بالشلل و تقضي على فرص التطور في كافة مجالات الحياة، حيث أن الأموال هي إحدى المقومات الأساسية لتقدم البلد و تطوره و إزدهاره، فتتوقف النشاطات في مجال الزراعة و الصناعة و التجارة و التعليم و التمريض و العلاج و تقديم الخدمات و البناء و غيرها. كما أن تهجير و هجرة المواطنين الى خارج كوردستان تعملان على إنخفاض الثروة البشرية و الأيدي العاملة و الذي بدوره يساهم في إنخفاض الإنتاج و الإنتاجية.

 إن جعل كوردستان ساحةً للحروب و المعارك، يؤدي الى تدمير بيئة كوردستان و إختلال نظامها البيئي. لقد أصبحت كوردستان ساحة للحروب التحررية لفترة طويلة و بذلك تم تلويث بيئتها و الإخلال بالتوازن البيئي فيها. لقد تم إستخدام الأسلحة الكيميائية ضد المواطنين الكوردستانيين من قِبل الدول المحتلة لكوردستان و التي لا تزال آثارها الخطيرة تؤثر على صحة و حياة المواطنين و على الإنتاج الزراعي و الحيواني و الغابات. من النتائج الوخيمة التي خلفتها الأسلحة الكيميائية المستخدمة ضد الشعب الكوردستاني من قِبل محتلي كوردستان، هي التشوّه الجنيني للولادات و تسمم التربة الذي يؤدي الى عدم صلاحيتها لنمو المزروعات و النباتات و الأشجار و تسمم مياه الأنهار و الجداول و الينابيع و الذي يجعل المياه غير صالحة للشرب و للإستعمال البشري و تسمم الهواء الذي يؤثر على المجاري التنفسية و الأعصاب و يُسبب الحروق و غيرها من الأضرار الصحية التي تعتمد على أنواع السموم المستعملة كأسلحة كيميائية. كما أن الحروب تُسبب إنبعاث الكثير من الغازات السامة و المضرة من خلال الذخائر الحربية المنفجرة و المتأتية من المركبات و السيارات و الدبابات و المصفحات و الطائرات المستخدَمة و بذلك يتم تسمم  الهواء و المياه و التربة بها. كما أن بقايا العربات و السيارات و الأسلحة المُحطمة و المدمرة، تكون مصدراً لتلوث التربة. الألغام المزروعة من قِبل الدول المحتلة لكوردسان بدورها تُشكل مأساة إنسانية و مشكلة بيئية كبيرة. تدمير الشوارع نتيجة سير العربات العسكرية الثقيلة عليها يكون مصدراً آخراً لتلوث البيئة. تدمير القرى و البيوت و المباني و الينابع و حرق المزارع و الغابات و بناء تجمعات سكنية جديدة  للمُرحلين و المهاجرين، يُضيف مشاكل إضافية خطيرة للبيئة الكوردستانية. من بين الآثار الخطيرة للملوثات المنبعثة للجو و المياه و التربة و المواد المعدنية المتروكة في العراء و تدمير الثروة الطبيعية لكوردستان نتيجة الحروب، هي إرتفاع درجات الحرارة و ظاهرة التصحّر و هبوب عواصف ترابية التي تشهدها كوردستان في الوقت الحاضر. من هنا ندرك بأن كوردستان بحاجة ماسة لإجراء مسح بيئي لها و دراسة الآثار الكارثية التي سببتها الحروب المندلعة فيها لوضع حلول لمشاكلها البيئية و الصحية من خلال إجراء بحوث ميدانية و مختبرية واسعة النطاق لمعالجة الآثار البيئية و الصحية السلبية التي خلقتها هذه الحروب.

مما تقدم، فأن الحروب تُسبب كوارث بشرية و مادية و بيئية خطيرة جداً، و عليه فأن إختيار كوردستان ساحة وحيدة للكفاح المسلح هو خطأ إستراتيجي كارثي، يتحمل القادة الكوردستانيون القائمون بهذا النوع من النضال البدائي المتخلف، تحمّل مسئولية آثارها المأساوية على شعب كوردستان. لذلك في حالة الإضطرار الى حمل السلاح، يجب إستخدام الأرض الكوردستانية بشكل محدود كساحة للعمليات العسكرية و العمل على نقل المعارك الى ساحات الدول المحتلة و توحيد القوات الكوردستانية و العمل السياسي الكوردستاني على نطاق الوطن الكوردستاني لتحقيق النصر خلال أقل مدة ممكنة و بالتالي تقليل الخسائر التي يتكبدها شعب كوردستان و خفض الدمار الذي تتعرض له كوردستان الى أقل نسبة ممكنة.

أود هنا أن أذكر بأنني شخصياً ضد الحروب، حيث القتل و إسالة الدماء و الدمار و أعتقد بأن العقل البشري لا يزال متخلفاً و عاجزاً عن فهم فلسفة الحياة. إن تطور العقل البشري الى المستوى الإنساني قد يحتاج الى مئات أو آلاف أو ملايين السنين و حينئذٍ يتحقق السلام على كوكبنا الأرضي و تسود العدالة الإجتماعية فيه و تشرق شمس الحرية في سمائه، فيما لو إستمرت الحياة على هذا الكوكب المهددة من قِبل الإنسان، سواء عن طريق خلق الحروب أو التلوث البيئي أو قد تُنهي الكوارث الطبيعية الحياة على كوكبنا.

أن تكون لدى كوردستان قوة دفاعية، ينبغي أن يكون معظمها قوات مدرّبة لخوض حرب العصابات و حرب المدن (الإستفادة من الإستراتيجية و التكتيكات العسكرية التي إتبعها حزب الله اللبناني في حربه الأخيرة مع إسرائيل) و نقل المعارك الى داخل البلدان المحتلة لكوردستان، بدلاً من جعل كوردستان ساحة للحروب التي تؤدي الى قتل و تشريد سكان كوردستان و تدمير البنى التحتية فيها و خلق مشاكل إجتماعية و إقتصادية و نفسية و صحية و بيئية كارثية، تمتد آثارها المدمرة لأجيال عديدة. الإستفادة من الملايين من الكورد الذين يعيشون في المدن الكبيرة للبلدان المحتلة لكوردستان من خلال تنظيمهم و تدريبهم لنقل الحرب الى قلب الدول المحتلة لكوردستان و جعل موازين القوى لصالح شعب كوردستان و تحرره.

من الوسائل الممكنة لتدريب الكوردستانيين على السلاح، هو تدريبهم في جنوب كوردستان و إستغلال الكورد لإداء الخدمة العسكرية في البلدان المحتلة للتدريب على مختلف صنوف الأسلحة و محاولة تكامل تعلّم كافة صنوف القتال عن طريق الخدمة في جيوش المحتلين. كما يمكن تهيئة كوادر عسكرية في مختلف الصنوف، و خاصة في مجال القوة الجوية بالحصول على زمالات و بعثات عسكرية من دول و تنظيمات و منظمات صديقة أو من الدول و المنظمات المعادية للدول المحتلة لكوردستان.

بالنسبة الى القوة الدفاعية لجنوب كوردستان، نظراً للخلل في توازن القوة بين جنوب كوردستان و الدول المحتلة لكوردستان، فأنه لا يمكن لحكومة جنوب كوردستان أن تخوض حرباً جبهوية ضد القوات المعادية. لهذا السبب فأن  الإستراتيجية العسكرية الصحيحة في الجنوب ستكون الإعتماد على حرب العصابات في المناطق الجبلية و حرب المدن و التركيز على الأسلحة الدفاعية مثل الأسلحة المضادة للطائرات الحربية و طائرات الهليوكوبتر و الدبابات و الألغام و الأسلحة الدفاعية الخفيفة التي يمكن حملها و نقلها و إستخدامها بسهولة و كذلك تأسيس مجاميع قتالية خاصة للقيام بعمليات نوعية خلف القوات المعادية و في مناطق تواجد هذه القوات لتدمير مخازن الأسلحة و مصادر التموين و قطع الإتصالات بين مختلف الوحدات العسكرية للدول المحتلة لكوردستان و الإهتمام النوعي بجهاز المخابرات لجمع المعلومات الضرورية عن أهداف العدو و خططه و عدد و عُدة القوات العسكرية و مواقع إنتشارها و تحركاتها و قياداتها و إمكانياتها و غيرها. من شروط النجاح في الحرب التي يخوضها جنوب كوردستان، يجب تحقيق الإكتفاء الذاتي في المواد الغذائية و مصادر الطاقة و الألبسة و الأسلحة الدفاعية اللازمة. كما يجب التركيز على نقل الحرب الى داخل أراضي الدول المحتلة و هذا يتطلب العمل منذ الآن لتهيئة القوى البشرية و السلاح و وضع الإستراتيجية و الخطط و كل مستلزمات مثل هذه العمليات العسكرية التي ستُجرى على أرض العدو.

لوضع إستراتيجية متكاملة لتحرر كوردستان، يجب إيجاد مرجعية سياسية تنفيذية و تشريعية لشعب كوردستان لوضع الإستراتيجيات و تحديد آليات تحقيق أهدافها. تمر كوردستان و منطقة الشرق الأوسط و جنوب غرب آسيا بصورة خاصة و العالم بصورة عامة بتطورات و تغييرات تأريخية كبرى، تُلزم شعب كوردستان و خاصة النخبة منهم من مفكرين و مثقفين و أكاديميين و سياسيين، أن يدعوا الى عقد مؤتمر عام لتشكيل قيادة سياسية عامة و برلمان كوردستاني، يقودان شعب كوردستان الى حيث الإستقلال و الحرية في ظل الظروف الكوردستانية و الإقليمية و الدولية الحالية التي هي فرصة تأريخية للكودستانيين لكسر قيود الإحتلال و الذل و الإهانة و الدونية ليكونوا أسياد أنفسهم في وطنهم.

لذلك أدعو كافة النخب الكوردستانية و عشاق كوردستان الحرة المستقلة أن يبادروا الى عقد مؤتمر كوردستاني عام يتمثل فيه ممثلو شعب كوردستان لكافة أجزائه و ممثلو الكورد في كل من أرمينيا و أذربيجان و لبنان و أوروبا و أمريكا الشمالية و أستراليا و غيرها من دول العالم، لتشكيل مرجعية تنفيذية و تشريعية لشعب كوردستان لتحمل مسئولية إدارة تحرير كوردستان و شعبها من الإستعمار و الإحتلال الإستيطاني، و خاصة فأن الظروف الكوردستانية و الإقليمية و الدولية أصبحت أكثر ملاءمة بعد الإتفاق الأخير بين حزب العمال الكوردستاني و الحكومة التركية.

mahdi_kakei@hotmail.com

160
أبجدية اللغة الكوردية الموحدة

د.  مهدي كاكه يي

ظهرت الكتابة الكوردية بثلاث أنواع من الحروف نتيجة إحتلال كوردستان و إستعمارها إستيطانياً من قِبل عدة قوميات تم إنشاء دول مصطنعة لها من قِبل الإستعمار البريطاني و الفرنسي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى تبعاً لإتفاقية سايكس – بيكو، حيث أجبرت الأنظمة المحتلة لكوردستان الشعب الكوردي على إستعمال أبجدياتها الكتابية.

اللغة العربية هي اللغة الرسمية في كل من العراق و سوريا، حيث تُستعمل الحروف الآرامية في الكتابة فيهما، مما تم إجبار الكورد في جنوب كوردستان على تبنّي الأبجدية الآرامية (العربية) في الكتابة الكوردية دون السماح للكورد بإختيار أبجدية كتابية تلائم اللغة الكوردية. أما في غرب كوردستان، فأن تبعية الأبجدية الكوردية للعربية لم تُتبع و شذت عن القاعدة، حيث أن الكورد هناك إختاروا الكتابة بالأبجدية اللاتينية نظراً لتأثرهم بالكتابة اللاتينية المستخدمة في شمال كوردستان، حيث الترابط العائلي و الإجتماعي بين كورد الغرب و الشمال و لإشتراكهم في التكلم باللهجة الكرمانجية الشمالية. تُستخدم الأبجدية اللاتينية في كتابة اللغة التركية في تركيا، لذلك تم إجبار الكورد الشماليين على إستخدام تلك الحروف في الكتابة الكوردية دون أي إعتبار لملاءمة هذه الأبجدية للغة الكوردية أو حاجتها لبعض التغييرات و التحويرات اللازمة لجعلها تتناغم مع الأصوات الموجودة في اللغة الكوردية. في أرمينيا و أذربايجان اللتين كانتا جمهوريتَين تابعتين للإتحاد السوفيتي السابق، تُستعمل الحروف السنسكريتية في كتابة اللغة الكوردية. هكذا فأن إحتلال كوردستان من قِبل شعوب مختلفة، أدى الى ظهور الكتابة الكوردية بثلاث أبجديات مختلفة و الذي أدى بدوره الى خلق مشكلة كبيرة لتوحيد اللغة الكوردية و لتواصل المواطنين الكورد مع بعضهم البعض و التي هي عقبة كبرى في طريق وحدة الشعب الكوردي و توحيد كوردستان و إستقلالها.

أود هنا أن أؤكد بأننا بصدد مناقشة إيجاد لغة جامعة للكورد في كافة أجزاء كوردستان، تجمع شمل الكورد، سواء الذين يعيشون في كوردستان أو خارجها. نحن نسعى و نعمل على تحديد لغة مشتركة للشعب الكوردي، تُراعى فيها كل اللهجات الكوردية. هذا يعني بأننا يجب أن نهتم باللهجة اللورية و الهورامية كإهتمامنا باللهجة الكرمانجية الشمالية و الجنوبية لأنه لا يمكن التفريط بأية مجموعة لهجوية كوردية أو مناطقية و لا يمكن العمل على إهمال أية شريحة كوردية و فرض واقع الإنسلاخ عن الأمة الكوردية على بعض المجاميع اللهجوية. مثل هذا الإنسلاخ يعمل على تشتيت الشعب الكوردي و تجزئته. الى جانب الأهمية القصوى للثروة البشرية التي تُشكّلها كل شريحة لهجوية للشعب الكوردي، فأن كل لهجة كوردية تُمثّل ثروة لغوية قومية و أرثاً تأريخياً للشعب الكوردي، لا يمكن التفريط بها أبداً. كما أن إحتضان اللغة الكوردية لكافة لهجاتها و تفاعلها و تلاقحها فيما بينها و جعلها لغة مشتركة، يعمل على إثراء اللغة الكوردية و يحافظ على الثروة اللغوية التأريخية لهذه اللغة و على خزينها اللغوي الذي هو نتاج التراكمات الحضارية و التطورية خلال التأريخ العريق للشعب الكوردي منذ عصور ما قبل التأريخ الى يومنا هذا.

عندما يتم تناول مسألة مهمة مثل إيجاد لغة كوردية موحدة، و التي تُشكّل إحدى أهم القضايا الرئيسة التي تؤثر على مصير و مستقبل الأمة الكوردية و وحدتها و ديمومتها، يجب أن ندرك أهمية الموضوع الذي نتناوله و أن نكون واعين و نتعامل معه بأقصى مستوى المسئولية التأريخية التي يتحملها المرء تجاه شعبه. ينبغي وضع المصلحة الوطنية و القومية فوق الأهواء الشخصية و الرغبات الذاتية و الإبتعاد عن المنطلقات الآيديولوجية و الحزبية و الدينية و نبذ الإنحياز اللهجوي و الإقليمي و المناطقي و تجنب تسييس المسائل العلمية و الثقافية و التجرد من تأثيرات الإنتماءات الحزبية الضيقة و الإحتكام الى البحث العلمي، عند العمل على دراسة مثل هذه القضية الهامة جداً لتوحيد اللغة الكوردية الذي هو إحدى ركائز شروط وحدة الأمة الكوردية و ديمومتها و إستقلال و وحدة كوردستان.

إن السير في المسار الذي تسلكه الأنظمة الشمولية و الدكتاتورية بسيادة رأي القيادات السياسية في مختلف مناحي الحياة و عدم فسح المجال أمام المختصين الذين هم المؤهلين الوحيدين لإداء المهام التي تقع ضمن إختصاصهم، كلّ في إختصاصه، سيسبب كارثة كبرى لشعب كوردستان و يقود هذا الشعب نحو الفشل و التمزق و التجزؤ، و خاصة أن الحكم و الإدارة في جنوب كوردستان هما تجربتان جديدتان للكوردستانيين، و اللتان يخوضون غمارهما في الوقت الحاضر. في نفس الوقت فأن السير بخطى الأنظمة المتخلفة في المنطقة بتسييس العلم و المعرفة و تدخّل الحكام في شئونهما، سيقود الى مزيد من التخلف و الفشل و لنأخذ الدروس من الحكومات الشمولية في منطقتنا التي قادت و تقود شعوبها نحو الكوارث و المآسي و الجهل و التخلف و التي من أحد أسبابها الرئيسة هو إتخاذ القرارات في كافة المجالات لإدارة الدولة من قِبل أناس يجهلون تلك المجالات و لا يدعون أصحاب الإختصاص من علماء و باحثين لدراسة تلك القضايا و التوصل الى نتائج علمية في دراساتهم  و إيجاد حلول صائبة لها.

يزج البعض و خاصة الإسلامويون الكورد، الدين الإسلامي و السياسة في تحديد لغة كوردية موحدة، في محاولة لفرض اللهجة الكرمانجية الجنوبية و الأبجدية الآرامية كلغة مشتركة. إنه يبدو واضحاً أنّ الإسلامويين الكورد يحاولون إستغلال الرموز الكوردية و الدين الإسلامي لفرض الأبجدية الآرامية على الشعب الكوردي و فرض الثقافة العربية عليه و ربط الكورد بالعرب ليعيشوا مثلهم في عصور القرون الوسطى، في تخلف و جهل و عزلة عن التقدم الإنساني و العجز عن المساهمة في بناء الحضارة الإنسانية، بل العمل على تخريب الحضارة الإنسانية، دون القيام بأية دراسة علمية للمقارنة بين مدى ملاءمة كل من الأبجدية الآرامية و اللاتينية  للنطق الكوردي و دون مراعاة المصلحة الوطنية الكوردستانية. إن المرء حر في إبداء آرائه و ملاحظاته و رؤاه حول أي موضوع مطروح للبحث و المناقشة أو في طرح أفكاره و مبادراته و مناقشتها، إلا أنه لا يحق له أن يقحم أسماء قيادات و رموز كوردية سياسية في محاولة للتأثير على تقرير مصير قضية مصيرية مثل اللغة الكوردية الموحدة، لفرض آرائه و رغباته الذاتية و الآيديولوجية على الشعب الكوردي و خاصة في موضوع هام جداً كإختيار لغة كوردية مشتركة، حيث أن اللغويين المختصين هم وحدهم المؤهلون لتحديدها، بعد دراسة علمية  شاملة و عميقة، و إلا فأن تدخّل الدين و السياسة في إيجاد لغة كوردية موحدة سينتج عنه الفشل و التخلف و يقودنا الى الكوارث و المآسي.

هناك أشخاص و جهات كوردية تريد الإبقاء على المفردات العربية في اللغة الكوردية لدوافع دينية بالرغم من وجود مفردات كوردية أصيلة بديلة لها. على سبيل المثال، لا الحصر، كلمات مثل، حيوان الذي تقابله بالكوردية كلمة (ئاژەڵ = Ajeł) و كلمة (حبيبة) تقابلها (دڵدار Diłdar و يار YAR  و خۆشەویست XOŞEWÎST)  و كلمة (غاردان) التي مرادفها بالكوردية هو (ڕاكردن = Ŕakirdin) و هكذا بالنسبة لبقية المفردات العربية الداخلة في اللغة الكوردية و التي يعتبرها هؤلاء كلمات مستكردة.

من المفيد الإشارة أيضاً الى أنّ دخول مفردات عربية الى اللغة الكوردية يتم من خلال قناتين إثنتين؛ هما عن طريق الإحتلال العربي المباشر لأجزاء من كوردستان و عن طريق الدين الإسلامي، لكون غالبية الكورد مسلمين. في جنوب و غرب كوردستان، يتم هذا الغزو اللغوي نتيجة إحتلال هذين الإقليمَين من قِبل العرب و نتيجة تأثير الدين الإسلامي أيضاً الذي هو الدين الرسمي في كل من سوريا و العراق، بينما في شمال و شرق كوردستان المحتلين من قِبل كل من "تركيا" و إيران على التوالي، تدخل المفردات العربية الى اللغة الكوردية، سواء كان ذلك بشكل مباشر أو غير مباشر عن طريق الدين الإسلامي، و في نفس الوقت تتعرض اللغة الكوردية في شمال و شرق كوردستان الى الغزو اللغوي التركي و الفارسي على التوالي. لهذه الأسباب، نلاحظ بوضوح آثار هذه الغزوات اللغوية على اللغة الكورية في كوردستان و أن بصمات تأثيرات اللغات العربية و الفارسية و التركية تنعكس على اللغة الكوردية و يمكن للمرء معرفة الإنتماء الإقليمي لأي مواطن كوردي من خلال الكلمات العربية أو التركية أو الفارسية الداخلة في اللغة الكوردية.

إنّ بعضاً من الكُتّاب يقترحون فرض لهجة معينة و جعلها لغة كوردية موحدة و يستشهدون بتجارب الشعوب الأخرى في هذا المجال، في محاولة لهم لإستنساخ تجارب الآخرين، دون أن يأخذوا بنظر الإعتبار الفوارق بين ظروف تلك الشعوب و الظروف التي يعيشها الكورد و الفواصل الزمنية التي تفصل التجربة الكوردية عن التجارب السابقة لشعوب عانت من مشكلة مماثلة و نجحت في خلق لغة موحدة. في مقدمة تلك الإختلافات هي أنّ تلك الشعوب كانت لها كياناتها السياسية و حكوماتها المركزية التي ساعدت على نجاح تجارب تلك الشعوب لتوحيد لغاتها، بينما نرى كوردستان محتلة من قِبل عدة دول و أنّ ثلاث لغات و ثقافات (العربية في جنوب و غرب كوردسان و التركية في شمال كوردستان و الفارسية في شرق كوردستان) مفروضة على الشعب الكوردي و يفتقد الكورد الى كيان سياسي يضع برامج طويلة الأمد لتنفيذ مثل هذا المشروع القومي المصيري. كما أن التأريخ الكوردي يختلف عن سواه و هناك ثروة لغوية كوردية غنية جداً مهملة و متروكة و معرضة للضياع، و خاصة في اللهجة اللورية التي كانت لهجة كل الحضارات الكوردية، حيث تم بناء تلك الحضارات على سواعد أحفاد الناطقين بهذه اللهجة.

بعض اللغويين الكورد يقارنون إستخدام الأبجدية الآرامية للكتابة الكوردية مع اللغات اليابانية و الصينية و الكورية، التي لها أبجدياتها الكتابية الخاصة. يذكر هؤلاء بأنه رغم إستخدام أبجديات خاصة بهذه اللغات، فأن ذلك لم يقف عائقاً أمام تقدم و تطور لغات شعوب هذه الدول، بل أصبحت االيابان و الصين و كوريا الجنوبية على سبيل المثال، دولاً متطورة و متقدمة في العالم. نحن لا نستطيع أن نقارن الكتابة الكوردية مع الكتابة اليابانية و الصينية و الكورية الجنوبية لأسباب عديدة. أولاً: الدول الثلاث هي دول مستقلة و أن نفوسها كثيرة و أن هذين العاملًين يخلقان أرضية جيدة لتطوير اللغات المذكورة و أن تتبؤ مواقع  متقدمة الى جانب اللغات العالمية المتطورة. ثانياً: إن شعوب بلدانٍ مثل اليابان و الصين و كوريا الجنوبية لا تتعرض لمخاطر الهيمنة الثقافية و اللغوية لشعوب أخرى، بينما الشعب الكوردي، بسبب إحتلال وطنه و تقسيمه و بسبب الدين الإسلامي المنتشر بين مواطنيه، قد فقد قسماً كبيراً من هويته و ثقافته و تراثه و أنه تتم كتابة لغته بثلاث أبجديات مختلفة و أن اللغة العربية قد أثرت على اللغة الكوردية بشكل كبير و أصبح التفكير الكوردي إستنساخاً للتفكير العربي. بكلام آخر، فأن اللغة و الثقافة الكوردية تواجه تحديات كبيرة بسبب هيمنة اللغة و الثقافة العربية عليهما.

يرى هؤلاء أيضاً بأن الكتابة الكوردية بالحروف الآرامية قد بدأت منذ فترة طويلة و نُشرت بها كتب و مطبوعات ضخمة و تم تطوير هذه الكتابة و تحسينها خلال تلك الفترة و لذلك يعتقد هؤلاء بأن إختيار الأبجدية اللاتينية لكتابة اللغة الكوردية الموحدة سيؤدي الى ضياع ثروة ثقافية و تراثية كوردية عظيمة المتمثلة بتلك المنشورة و المطبوعة بالحروف الآرامية. إذا كانت الأبجدية اللاتينية ملائمة بصورة أفضل للغة الكوردية و تم إختيار الحروف اللاتينية لكتابة اللغة الكوردية الموحدة، عندئذ يمكن إعادة كتابة كافة النتاجات الكوردية المكتوبة بالأبجدية الآرامية و كتابتها بالأبجدية اللاتينية و أن التقدم التكنولوجي الذي يشهده العالم اليوم سيُسهّل كثيراً من القيام بإنجاز إعادة كتابة المطبوعات الكوردية المكتوبة بالحروف الآرامية. كما أن الفترة الزمنية التي خلالها تمت الكتابة الكوردية بإستخدام الأبجدية الآرامية هي قصيرة جداً مقارنةً بالفترة الزمنية التي يتم خلالها إستخدام الأبجدية اللاتينية لكتابة لغة كوردية موحدة، حيث أن الكورد سيستمرون في إستعمال الحروف اللاتينية في الكتابة الكوردية الموحدة لملايين السنين أو لفترة سرمدية لا تنتهي.

يعتقد البعض بأن اللهجة الکوردية الكرمانجية الجنوبية المتداولة في جنوب و شرق كوردستان و التي تُستعمَل الحروف الآرامية في كتابتها، تمتاز بالسهولة و المرونة بالإضافة الى سعة و قِدم إستعمالها. إنّ الأبجدية الآرامية و الحروف المستنبطة منها تفتقد الى بعض الأصوات الكوردية و التي تتم كتابتها بحروف لا تتطابق أصواتها مع الأصوات الكوردية. على سبيل المثال: يُستعان في الكتابة الكوردية بحرفَي (و) و (ێ) لتمثيل حرف (Ö)، كما في كلمة "ڴوێ GÖ" و التي تعني "أُذن". هذان الحرفان عاجزان عن إعطاء الصوت الصحيح لحرف (Ö) اللاتيني، حيث أنهما يعطيان الصوت "WÊ" بدلاً من الصوت "Ö". القارئ الكوردي يُميّز بسهولة الفرق الكبير بين الصوتَين. الضمة العربية تُكتب في الكتابة الكوردية بالحروف الآرامية بحرف "و" و الذي يعطي صوت الواو في العربية بدلاً من صوت الضمة، كما في كلمة "كورد"، بينما في الكتابة الكوردية اللاتينية، فأنّ حرف "U" يُعطي الصوت الصحيح للضمة العربية كما في كلمة "KURD". صوت "الكسرة" العربية مفقود في الكتابة الكوردية بالحروف الآرامية، كما مثلاً في كلمة "كوردستان"، حيث أن صوت "الكسرة" الموجودة بين حرفَي "الدال" و "السين" في كلمة "كوردستان" لا يمثله أي حرف في الكتابة الكوردية بالحروف الآرامية، بينما في الكتابة الكوردية اللاتينية فأن صوت "الكسرة" يُمثّله حرف "I" كما في كلمة (KURDISTAN). كما أن الإملاء الكوردي بالحروف الآرامية يعاني من فوضى كبيرة، حيث أنه يُكتب بأشكال عديدة لا يحكمه قانون موحد.

إنّ الحروف اللاتينية فيها الأصوات الكوردية التي تفتقر إليها الكتابة الكوردية بالحروف الآرامية و أن إملاء الكوردية بالكتابة اللاتينية سهل و موحد، بعكس الكتابة بالحروف الآرامية. كما أن  اللغتين الكوردية و اللاتينية تنتميان كلتاهما الى مجموعة اللغات الهندو- أوروبية، لذلك فأنّ اللغة الكوردية هي أقرب بكثير الى اللاتينية، منها الى اللغة العربية التي تنتمي الى مجموعة اللغات السامية. يذكر الباحث التركي الدكتور إسماعيل بيشكجي في صفحة 316 في كتابه المعنون "كردستان مستعمرة دولية"، ترجمة زهير عبد الملك، دار APEC للطباعة و النشر، 1998، أنّ الخبراء اللغويين يعتقدون بأن الأبجدية اللاتينية هي الأكثر ملائمة للنطق الكوردي.

سبب وجيه آخر لتبني الأبجدية اللاتينية في الكتابة الكوردية هو تمكين اللغة الكوردية لمواكبة التقدم التكنولوجي و العلمي في العالم الغربي المتقدم و خلق كتابة قادرة على الإستفادة من هذا التطور العالمي، الذي تعجز الكتابة بالأبجدية الآرامية القيام بها. اللغة العربية نفسها أصبحت لغة متأخرة و مغمورة في عصر العولمة الذي نعيش فيه الآن و أن مؤتمرات و إجتماعات كثيرة يتم تنظيمها و عقدها لدراسة التحديات التي تواجهها اللغة العربية و إيجاد وسائل لتطويرها لتستطيع مواكبة متطلبات العصر.

سبب آخر مهم جداً لتفضيل الأبجدية اللاتينية على الأبجدية الآرامية هو إنقاذ اللغة و الثقافة الكوردية من التبعية للغة و الثقافة العربية، و خاصة إذا ما أخذنا بنظر الإعتبار خطورة هذه السيادة اللغوية و الثقافية على الكورد نتيجة إحتلال قسمٍ من كوردستان من قِبل العرب و لِكَون غالبية الكوردستانيين مسلمين، حيث يتم إستغلال الدين الإسلامي لتعريب اللغة و الثقافة الكوردية و الفكر الكوردي بسبب كون الدين الإسلامي هو دين عربي بفلسفته و أفكاره و ثقافته و كُتبه و طقوسه.

علماء اللغة يضعون ثلاث خيارات للعثور على أو إيجاد مفردات جديدة للغة ما. الخيار الأول الذي يبدأ اللغوي به هو البحث عن كلمات أصيلة للغة المعنية في اللهجات التابعة لتلك اللغة و في المناطق التي تنتشر فيها، للعثور على الكلمات الأصيلة التي تفتقدها تلك اللغة و تحتاج إليها. بالنسبة لهذا الإختيار، فأنّ اللغة الكوردية هي لغة ثرية جداً و مناطق مثل لورستان و إيلام و خوزستان، التي هي موطن الحضارات الكوردية القديمة، هي خزين إستراتيجي للمفردات الكوردية. أعتقد أن اللغة الكوردية تفتقر الى المصطلحات التكنولوجية و العلمية الجديدة بسبب كون كوردستان بلداً محتلاً و زراعياً متخلفا ً، تتبع الإنجازات العلمية و التقنية للدول الصناعية المتقدمة. إذا فشل المرء في العثور على كلمات لغوية أصيلة، فأنه ينتقل الى الخيار الثاني، حيث يعمل على إستنباط كلمات جديدة تتلاءم مع نطق تلك اللغة. إذا تعذر الأمر في إبتكار مفردات جديدة فأن آخر خيار للغوي يكون بالقيام بإستعارة كلمات أجنبية و تحويرها بشكل يتجاوب مع نطق اللغة المعنية.

إن كوردستان هي مهد الحضارات و اللغات و أن أسلاف الكورد السومريين هم الذين إبتكروا الكتابة و الأرقام، لذلك فأن اللغة الكوردية هي لغة ثرية جداً و كل ما يحتاجه اللغويون الكورد هو جمع مفردات اللهجات الكوردية و إجراء مسوحات ميدانية، و خاصة في المناطق النائية المحتفظة بمفرداتها الكوردية الأصيلة و الإلتجاء الى كتاب (آفيستا) الذي يحمل في طياته المفردات الكوردية العريقة و الإستعانة بكتب الديانات الكوردية القديمة الأخرى، مثل الديانة الإيزيدية و الكاكائية التي تُعتبر من المصادر الأصيلة للمفردات الكوردية و البحث في ثنايا الوثائق و الكتب الكوردية القديمة و الكتابات الكوردية في معالم الآثار التي تنتشر بشكل كبير في أرجاء كوردستان، بدلاً من محاولة تعريب اللغة الكوردية و إدخال مفردات و أصوات أجنبية غريبة على اللغة الكوردية و الذي يؤدي الى تشويه لغتنا الجميلة. يجب أن لا ننسى بأن اللغة الكوردية هي من أعرق اللغات في العالم و أن جميع اللغات الهندو- أوروبية و بدون إستثناء، متأثرة بها و إستعارت منها الآلاف من الكلمات و أنّ الباحثيين اللغويين الكورد مدعوون لإجراء دراسات و بحوث لمعرفة تأثير اللغة الكوردية على اللغات الهندو- أوروبية و لغات الشعوب الجارة للكورد من عرب و أتراك و فرس.

الكورد بحاجة الى البحث عن كلمات كوردية أصيلة في كافة اللهجات الكوردية، من لورية و كرمانجية شمالية و جنوبية و هورامية لإثراء اللغة الكوردية و تخليصها من مفردات أجنبية و أصوات غير موجودة في اللغة الكوردية مثل حروف ال(ع) و ال(غ) و ال(ح). لو نعود قليلاً الى تصفح التأريخ الكوردي القديم، لنرى أن قمم جبل جودي في شمال كوردستان كانت مهد الحضارة البشرية الثانية و أن جميع الحضارات الكوردية العريقة ظهرت في لورستان و إيلام و بلاد ما بين النهرين، بدءً من الحضارة السومرية و مروراً بالحضارات الإيلامية (العيلامية) و الميدية و إنتهاءً بالإمبراطورية الساسانية. من عراقة الحضارات الكوردية، ندرك أن أرض كوردستان، المناطق السهلية المنبسطة منها، كانت مهد اللغات و الثقافات و العلوم و الديانات و المعتقدات و أن الشعوب العربية و الفارسية و التركية و الأوروبية قد أخذوا الكثير من المفردات الكوردية و أثروا بها لغاتهم و إستعانوا بها لتطوير لغاتهم و سد نواقصها. يذكر البروفيسور الإنكليزي "واديل" في مقدمة قاموسه السومري – الآري بأن أكثر من 50% من كلمات اللغة الإنكليزية الحالية التي هي اللغة الرسمية لكوكبنا الأرضي في الوقت الحاضر، مأخوذة من اللغة السومرية، لغة أسلاف الكورد (1).

أحب هنا التطرق الى كلمة "هەفت" التي تعني بالكوردية "سبعة" و التي تم تحريفها الى "حەوت" أو "حه فت" في اللهجة الكرمانجية الجنوبية، بينما لا تزال اللهجات الكرمانجية الشمالية و اللورية و الهورامية و سكان (Germyan) الذين يتحدثون اللهجة الكرمانجية الجنوبية، تستعمل كلمة (هەفت) الأصيلة. إنه من المؤسف حقاً أن يتبنى بعض الكُتّاب و المثقفين الكورد لكلمات و أصوات أجنبية غريبة و دخيلة على اللغة الكوردية و التي إنتقلت الى اللغة الكوردية نتيجة إحتلال كوردستان و الغزو الثقافي الذي تعرض و يتعرض له الشعب الكوردي بسبب تبعيته السياسية و الثقافية و الإقتصادية للشعوب المحتلة لكوردستان، بدلاً من البحث عن كلمات كوردية أصيلة موجودة في اللهجات الكوردية الأخرى.

أود هنا أن أتحدث عن تأريخ كلمة (هه فت) لنرى معاً عراقة و أصالة هذه الكلمة الكوردية التي تتعرض للتشويه من قِبل الغزو اللغوي العربي في مناطق محدودة من كوردستان، لتتحول الى (حەوت أو حەفت). قبل أكثر من ستة آلاف سنة أشار السومريون، أسلاف الكورد، الى (هەفت) و وضعوا رقم سبعة (هەفت HEFT) كإشارة الى سبع آلهة الذين أسماؤهم هي كالآتي: إله السماء (ANUS) و إله الأرض (ENLIL) و إله المياه (EA) و إله القمر (SIN) و إله الشمس (SHAMSHA) و إله الرياح (ADAD) و إله الحكمة (MARDUK). في زمن الإمبراطورية الميدية و التي خلالها كان الكورد  يُدينون بالديانة الزردشتية، كانت لهم سبع مواقد مقدسة. رقم سبعة (هەفت) كان يرمز الى الشؤم و الشر عند آلهة الشر (أهريمن) في الديانة الزردشتية، بينما كانت (آهور مزدا) آلهة الخير عندهم. إعتقاد الزردشتيين بأن رقم سبعة هو رمز للشر، لا يزال يعيش حياً في المجتمع الكورستاني الى الوقت الحاضر. إنّ هذا الرقم يًمثل الشر في كل من الديانتين الكورديتين القديمتين، الإيزيدية و الزردشتية و أنّ شرور رقم سبعة مذكورة في كتاب زردشت، آڤێستا. كما أنه لا يزال الكورد يستعملون كلمة (هەفت) كرمز للشر حيث يُقال بالكوردية (هه فت به رد له پشتت)، أي (لتكن سبع أحجار من ورائك) و الذي يعني (الى الجحيم أو ذهاب بلا عودة). من آثار المعتقدات الزردشتية حول دلالة الرقم (سبعة) على الشر هي أنه من تقاليد الكورد الى يومنا هذا هو زراعة بذور الحنطة في سبع سنادين قبل إطلالة رأس السنة الكوردية، نوروز، و الإحتفاظ بها الى يوم نوروز و بعده يقومون بتركها في أماكن نائية لتموت هناك، لإعتقادهم بأنها تُبعد الشرور عنهم. أثناء اداء مراسيم عيد نوروز، تُحضر مائدة و توضع عليها (سبع) أنواع من المواد الغذائية التي تبدء أسماؤها بحرف ال(س)، مثل (سێو - تفاح)ُ و (سەوزى - خضروات) و (سير - الثوم) و (سماق) و غيرها. يُسمّى الإبريق بالكوردية ب(هەفتاوە) و الذي يعني (الغسل بالماء سبع مرات)، حيث لا يُخفى أن الديانة الزردشتية هي دين الطهارة، فلا يجوز في هذه الديانة تدنيس التربة و الماء و الهواء و النار لأن هذه المكونات الأربع هي مقدسة لدى الزردشتيين، لذلك يجب غسل الأشياء سبع مرات بالماء لتطهيرها من النجاسة، لإعتقادهم بأنّ النجاسة تجلب الشرور لهم. من الجدير بالذكر أنّ كلمة (إبريق) العربية مأخوذة من الكلمة الفارسية "آبريز" التي تعني بالفارسية (سكب الماء) و الكوردية "آورش" التي تعني "ساكب الماء". ما دمنا نتكلم عن الطهارة في الديانة الزردشتية، فأنّ الموتى عند الزردشتيين كان لا يتم دفنهم تجنباً لتدنيسها للتربة، لذلك فأنهم كانوا يتركون جثث الموتى على قمم الجبال لتأكلها الطيور الجارحة و الحيوانات البرية. مما يجدر ذكره أيضاً بأنّ كلمة (هَفتَق) هي كلمة معربة لكلمة (هەفته) الكوردية التي تعني (أسبوع) (راجع كتاب "لغتنامه" لمؤلفه علي أكبر دهخدا، مجلد 15، ،سنة 1377 هجرية – قمرية، صفحة 23479، الكتاب مكتوب باللغة الفارسية). إن المفردات العربية قد تُشكّل حوالي 60% من مفردات اللغة الفارسية، لذلك فلو كانت كلمة (هەفت) هي (حەفت أو حەوت)، لكان الفرس أولى من الكورد في إستعارة هذه الكلمة، إلا أنهم لا يزالون يحتفظون بكلمة (هەفت) الأصيلة. في الدين الكاكه يي، كلمة "هەفتتەن HEFTTEN" التي تعني "سبع أشخاص"، هي مجموعة من الأشخاص المؤلفة من سبعة أفراد تتجسد فيهم الذات الإلهية و هم موجودون منذ الخليقة و يستمرون في الحياة الى فناء الدنيا. تستطيع أرواح هؤلاء الأفراد الإنتقال الى أجسام بشر لإظهار الذات الإلهية. هؤلاء هم بنيامين BINYAMîN، داود DAWÛD ، پیرموسا PÎRMÛSA ، رَزبار REZBAR ، موستَفا MUSTEFA، شابرايمŞABRAYIM ، يادگار YADGAR.

ما دمنا نتحدث عن اللغة الكوردية الموحدة، أختتم هذه المقالة بطرح بعض الإقتراحات للكتابة بالأبجدية اللاتينية أمام علماء اللغة الكورد لمناقشتها و دراسة مدى تجاوبها مع النطق الكوردي. أرى أنه من الضروري العمل على التخلص من الحروف اللاتينية التى لا توجد في اللغة الإنكليزية بقدر المستطاع لتقريبها منها، حيث لا يخفى أنّ اللغة الإنكليزية أصبحت اللغة الأكثر إنتشاراً و إستعمالاً في العالم و غدت لغة العلم و الثقافة و الصحافة. بتقريب الأبجدية الكوردية الى الأبجدية الإنكليزية، تستطيع اللغة الكوردية مواكبة التطور العلمي و التكنولوجي العالمي. يمكن إلغاء بعض الحروف  اللاتينية المستعملة في اللغة الكوردية و جعلها على الشكل الآتي:
Ç →  HC

Ê   →  E

Ĥ → X

Π →  Y

Ł →  LL

Ř  →  RR

Ş  →  HS

   Û →  W

Ẍ → GH

X  →  KH

يمكن إختيار حرف (Å) ليقابل (الفتحة) العربية و بذلك تكون الأبجدية الكوردية اللاتينية تحتوي على هذا الحرف و حرف (Ö) اللذين لا يوجدان في اللغة الإنكليزية. يجب القول بأنّ هذه الإقتراحات تحتاج الى دراسة مستفيضة للتأكد من عدم إخلال الحروف الثنائية المقترحة، التي كل زوجَين منها يعطيان صوتاً واحداً في اللغة الكوردية، بالنطق الكوردي للكلمات التي تدخل فيها هذه الحروف الثنائية، مثلاً، الحرفان (KH) يعطيان صوت الحرف (خ) في اللغة العربية، يجب أن لا يعطي أي من الحرفين المذكورين صوتَين مستقلَين في أية مفردة كوردية، و بكلام آخر يجب أن لا يتصرفان كحرفين مستقليّن عندما يدخلان في تركيبة كلمة ما، بل يجب أن يشكّلان معاً صوت حرف ال(خ) في كل الكلمات التي يدخلان في تركيبها كحرفَين مزدوجَين. 

في الختام أرفق الأبجدية اللاتينية المقترحة إستعمالها في اللغة الكوردية ليطّلع القراء الكورد عليها و لتعلمها لِمَن يرغب و سيتوصلوا بأنفسهم مدى سهولة تعلم الكتابة الكوردية باللاتينية و مدى تجاوبها مع النطق الكوردي، بعكس الحروف الآرامية.


Pîtî Kurdî Latînî الحروف الكوردية اللاتينية


A   a  ا   : Nan   نان  خبز

B  b ب   : Ba  با     هواء

C c ج  : Bac   باج   ضريبة

Ç  ç چ  : Çav    چاڤ  عين

D d  د    : Dar   دار     شجرة

E  e ە  : Dem   دەم     فم

Ê êێ   : Dê  دێ     قرية أو يأتي

F f  ف    : Fêr  فێر      تعلّم 

G g گ    : Ga   گا      ثور

H hه   : Hêz  هێز      طاقة، قوة، قدرة

Ĥ ĥ ح    : Ĥez  حەز   رغبة

Mil   ---- I i  : مل   رقبة 

 Î îی   : Çî  چی     ماذا

 J  jژ   : Jin  ژن  إمرأة

 K   k ك    : Kurd  كورد

 L   lل   : Luř  لوڕ
   
 Ł ł   ڵ : Guł  گوڵ    ورد

 M m م   :  Mał = ماڵ     بيت، مسكن

 N   n ن  : Naz  ناز    دلال

 O o ۆ   : Bon  بۆن     عطر، رائحة

 Ö  ö وێ  Gö  = گوێ    أُذن

 P p پ  : Pak  پاك   نظيف

 Q qق   : Qaz   قاز     وز         

 R r  ر : Berz   بەرز   عالي، طويل القامة

Ř ř   ڕ: Řê     ڕێ      طريق

 S s   س  : Ser  سەر       رأس

 Ş şش  : Şîr  شير     حليب

 T t  ت  : Teř   تەڕ    رطِب، مبلل

 U u و  : Guĺ   گوڵ    ورد

 Û   ûوو  : Dûr   دوور     بعيد

 V vڤ  : Mirov    مرۆڤ    مرء، إنسان

 W w و : Were  وەرە     تعال، تعالي

 X xخ   : Xeĺat   خەڵات     جائزة، مكافأة

 Ẍ ẍغ   : ẍembar   غەمبار      حزين

 Y yي   : Yek  يەك      واحد

 Z  zز       Zor : زۆر  كثير، قوة
   
 (1) )Wadell, L. Austin (1927). Sumer – Aryan Dictionary. London.


mahdi_kakei@hotmail.com

161
إستنباط لغة كوردية مشتركة

د. مهدي كاكه يي

العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات لها تأثير إيجابي كبير على توحيد اللغة الكوردية، حيث أنها تعمل على إزالة الحدود و الحواجز بين الأقاليم الكوردستانية و زيادة الإتصال بين المواطنين الكوردستانيين مناطقياً و إقليمياً و التي تؤدي بدورها الى تقارب اللهجات الكوردية و تجانسها و بالتالي ظهور لغة كوردية موحدة. يحدث هذا عن طريق إنتقال الرأسمال و الإستثمارات و كثافة العلاقات التجارية و العلمية و الثقافية بين مختلف أجزاء كوردستان و كذلك نتيجة ظهور الفضائيات الكوردية و مئات المواقع الإلكترونية الكوردية. كما أن النظام العالمي الجديد و العولمة تعملان في نفس الوقت على إزالة الأنظمة الدكتاتورية و العنصرية للدول المحتلة لكوردستان و إحلال أنظمة معتدلة محلها و التي تعني تمتع الكورد بحرية نسبية و بعض الحقوق القومية و تمكينهم من توحيد لغتهم و إحياء ثقافتهم. من جهة أخرى، فأن العولمة و التطور التكنولوجي لهما آثار سلبية أيضاّ على توحيد اللغة الكوردية، حيث أنهما يعملان على هيمنة اللغة الإنكليزية و جذب إهتمام قطاع واسع من الكورد و كسبهم من قِبل الفضائيات الناطقة بالعربية و الفارسية و التركية و مواقع الإنترنت المكتوبة بهذه اللغات، و إبتعادهم عن الفضائيات و المواقع الكوردية مما يؤثر سلباً على مشروع اللغة الكوردية المشتركة.

لدراسة موضوع توحيد اللغة الكوردية بشكل علمي، ينبغي أن تتوفر في هذه الدراسة الشروط الأساسية للدراسات العلمية. بالنسبة للموضوع الذي نحن بصدده، فأن أول هذه الشروط هو أن يكون الباحث محايداً لا يميل الى فرض حل معين يعتقد بصحته، على الحلول الأخرى، و إلا ستخرج الدراسة عن المنهجية العلمية. مثلاً تفضيل الباحث إختيار لهجة معينة لتكون أساساً للغة الكوردية الموحدة دون إمتلاكه لمبررات علمية تُرجّح ذلك الإختيار. الشرط الثاني هو أن يكون الهدف من البحوث إيجاد لغة كوردية موحدة للأمة الكوردية بأسرها دون أن ينحصر على توحيد اللغة الكوردية في جزء مُعيّن من كوردستان و الذي يعني القبول بواقع تجزئة كوردستان و دعم الواقع التقسيمي لها. الشرط الثالث هو أن يتم إختيار الوسائل المستعملة لخلق لغة مشتركة و بيان مبررات هذا الإختيار. لو دققنا في الدراسات و المقالات المنشورة من قِبل بعض الكُتّاب حول هذا الموضوع و إحتكمنا الى هذه المقومات، لنرى بكل أسف أن معظمها يفتقد الى توفر هذه الشروط.

فيما يخص توحيد اللغة الكوردية، النزعة الإقليمية أواللهجوية تدل على نقص في الوعي القومي و ضحالة في المعلومات و قُصر نظر في الرؤية. بعض الطروحات الإقليمية التقسيمية تُطرح من قِبل أناس يباركون بقاء كوردستان مقسمة أو تأتي من أناس يائسين فاقدي الأمل في تحقيق وحدة كوردستان. أما أصحاب النزعة اللهجوية هم من المتعصبين للهجتهم الذين لا يجيدون التكلم باللهجات الأخرى، بل لا يريدون تعلمها أو هم من القلقين على إندثار لهجتهم و إختفائها. على هؤلاء أن يدركوا أن مصير أقاليمهم و لهجاتهم مرتبطة بشكل عضوي بمستقبل توحيد كوردستان و توحيد اللغة الكوردية لأن هذه اللهجات ليست لها مقومات البقاء و الحياة إذا لم تتوحد و إذا لم تفلح في التزاوج و التلاقح و التفاعل مع بعضها لتكوين لغة موحدة تمثل الأمة الكوردية و تصبح لساناً كوردياً واحداً يشق طريقه نحو الحياة و التقدم و التطور. كلما تبقى كوردستان محتلة و مجزأة كلما تواجه اللغة الكوردية تحديات أكبر لتصبح لغة موحدة للأمة الكوردية. في منطقة مضطربة تسودها النزعة العنصرية و العنف و إلغاء الآخر، مثل منطقة الشرق الأوسط، و في عالم التكتلات السياسية و الإقتصادية و العسكرية الكبرى، فأن وحدة الكورد و تطورهم هما الضمان الوحيد لبقائهم كشعب قادر على إيجاد هويته و الحفاظ على وجوده و ثقافته و لغته. من هنا ندرك أن النزعة الإقليمية و اللهجوية عند بعض الكورد هي نزعة غبية و لها آثار سلبية خطيرة على مستقبل و وجود الشعب الكوردي. ليعلم أصحاب هذه النزعة بأن محتلي كوردستان مستعدون لصرف مليارات الدولارات لتشجيع الفكر الإقليمي و اللهجوي و الإستسلامي بين الشعب الكوردي لتمزيقه و تقسيمه الى قبائل و طوائف متناحرة و بائسة لإنجاح مشروع تذويب الشعب الكوردي و القضاء عليه، بعد أن عجزت ماكنتهم العسكرية من طائرات و دبابات و مدافع و أسلحة كيميائية، عن تحقيق هدفهم بإبادة الشعب الكوردي و سرقة كوردستان و محو وجودها.

ينطبق نفس الشئ بالنسبة الى توحيد الكتابة الكوردية، حيث ينطلق الذين يدعون الى إستخدام الأبجدية الآرامية، من حقيقة الإنتشار الواسع لهذا النوع من الكتابة أو ينطلقون من منطلق ديني، حيث أن لغة القرآن هي العربية و يريد هؤلاء إستمرار تواصل الكورد مع الثقافة الإسلامية و العربية. هناك فريق آخر يفضل إستخدام الأبجدية اللاتينية في الكتابة الكوردية لإعتقاده بملاءمة هذا النوع من الحروف للأصوات الكوردية و لتمكين الكورد من مواكبة التطور التكنولوجي و العلمي العالمي. إن مناقشة هذه المواضيع مفيدة، إلا أنه يجب مراعاة الجانب العلمي و المصالح القومية العليا للأمة الكوردية. إن اللغويين الكورد هم الأشخاص المؤهلون لإداء هذه المهمة التأريخية في توحيد الكتابة الكوردية و إيجاد لغة كوردية مشتركة. على اللغويين و المسؤولين الكورد الشعور بالمسئولية و التفكير بمستقبل و وجود الشعب الكوردي و البدء بالعمل بكل جد و مثابرة على إنجاز هذه المهمة التأريخية الكبرى التي يتوقف عليها مستقبل و مصير الأمة الكوردية.

الى أن تظهر لغة كوردية موحدة و التي من الصعب جداً تحقيقها بدون إستقلال كوردستان، إلا أنه من الممكن إتخاذ بعض الإجراءات في الوقت الحاضر لبناء أسس صائبة لها لتسهيل عملية تقارب و دمج و تكامل اللهجات الكوردية. منذ نشوء الدولة العراقية الحالية، فأن الحكومات العراقية المتعاقبة عملت على تكريس اللهجوية في جنوب كوردستان لتعميق الإختلافات بين اللهجتين الكرمانجية الشمالية و الجنوبية، حيث تعاملت هذه الحكومات العنصرية مع هاتين اللهجتين كلغتين مستقلتين عن طريق بث الأخبار و المقابلات الإذاعية و التلفزيونية بهاتين اللهجتين بشكل مستقل و كذلك سلكت هذه الحكومات نفس الطريق بالنسبة الى نشر الكتب و المجلات و الصحف. من المؤلم جداً أنه، بعد تحرر الجنوب الكوردستاني و تشكيل مؤسسات الحكم في الإقليم، سارت حكومة كوردستان على نفس النهج، حيث تتم قراءة الأخبار باللهجتين بشكل منفصل و تُعد البرامج الإذاعية و التلفزيونية بإحدى هاتين اللهجتين بشكل مستقل. هناك الكثير من المواطنين الذين لهم إلمام في مجال الكتابة و الصحافة و اللغة و الذين يجيدون التكلم بعدة لهجات كوردية. ينبغي دعوة هؤلاء و فسح المجال أمامهم ليصبحوا مذيعين و مُعدّي برامج في الإذاعة و التلفزيون للعمل عل خلق لغة مشتركة مؤلفة من اللهجات الكوردية الهورامية و اللورية و الكرمانجية الشمالية و الجنوبية المتواجدة في الجنوب، حيث لا يخفى الدور الحيوي للإذاعة و التلفزيون في التقارب بين اللهجات الكوردية. كما يجب أن يتم إصدار صحف و مجلات و كتب باللغة الكوردية المشتركة، بإختيار مرادفات و مفردات جميع اللهجات الكوردية.

من الوسائل الأخرى للتقارب بين اللهجات الكوردية هي إنخراط المواطنين الكورد، سواء في كوردستان أو خارجها، في الجمعيات و الإتحادات و النقابات الثقافية و الإجتماعية و المهنية الكوردية و المجتمعات المدنية الأخرى وفي صفوف الأحزاب الكوردستانية و التي توفر فرصة ممتازة لإلتقاء اللهجات المختلفة و تواصلها و تقود الى التقريب بين اللهجات الكوردية و تجانس اللغة الكوردية. كما ينبغي فتح دورات تعليم اللغة الكوردية في كوردستان و في كل المناطق و الدول التى تتواجد فيها الجاليات الكوردية، لتعلم اللغة الكوردية بإشراف معلمين يجيدون التكلم بأكثر من لهجة واحدة للوصول الى تقارب و تجانس اللهجات الكوردية. مما سبق نستنتج أن مشروع إيجاد لغة كوردية موحدة هو مشروع قومي إستراتيجي، يحتاج الى كثير من العمل و التضحيات و النضال و على الكورد أن يقوموا بإنجازه إذا يُراد للشعب الكوردي أن يبقى كشعب واحد و أمة واحدة.

نتيجة التعريب و التفريس و التتريك و إرهاب الحكومات المحتلة لكوردستان و إضطهادها للكورد و بسبب تعرض كوردستان لحملات عسكرية عنصرية وحشية مستمرة و نتيجة هدم القرى و القصبات فيها و فقدان الأمن و فرص العمل هناك، إضطر الملايين من الكورد الى ترك كوردستان، حفاظاً على أرواحهم و طلباً للأمن و الإستقرار و الحصول على العمل لإعالة أنفسهم و أُسرهم. القسم الأكبر من هؤلاء هاجروا الى المدن الكبيرة مثل إستانبول و أنقرة و إزمير و طهران و بغداد و دمشق و غيرها من مدن هذه الدول و إستقروا فيها لبدء حياة جديدة لهم في هذه المناطق. قسم آخر من هؤلاء، و الذين قد تصل أعدادهم الى حوالي مليونين شخص، إضطروا الى الهجرة الى أوربا و قارة أمريكا الشمالية و أستراليا و كوّنوا حياة جديدة هناك. بالإضافة الى تشريد النظام البعثي العراقي العنصري لحوالي نصف مليون شخص من الشريحة الفيلية الى إيران و مواجهتهم حياة مزرية و صعبة هناك و إنقطاعهم عن التواصل مع لغتهم و ثقافتهم. هؤلاء المُهجّرون و المهاجرون من كورستان يواجهون خطر الإنسلاخ عن الأمة الكوردية نتيجة إنقطاعهم عن التواصل مع اللغة والثقافة الكوردية و خاصة بدءً من الجيل الثاني لهؤلاء المهاجرين و المهجرّين الذين يواجهون الإنسلاخ اللغوي و الثقافي و التشبع بثقافات و لغات البلدان التي يعيشون فيها. هذا يعني أن هؤلاء سينقطع إنتماؤهم و إرتباطهم بالشعب الكوردي بعد جيلين أو أكثر و تخسرهم الأمة الكوردية إذا لم تُتخذ إجراءات و حلول لديمومة تواصلهم مع الشعب الكوردي و إحتضان الأمة الكوردية لهذه الثروة البشرية الضخمة من المنتمين لها. هنا موضوعنا عن اللغة الكوردية، لذلك لا يسع المجال للإستطراد في بحث بعض الإجراءات الناجحة لمنع إنسلاخ هؤلاء عن أمتهم.

يجب أن يكون الأشخاص الذين يتصدون لهذا المشروع الإستراتيجي مختصين باللغة الكوردية و بأصولها و تأريخ تطورها و بلهجاتها. كذلك يتطلب ذلك منهم أن يكونوا ملمّين بالمبادئ الأساسية للبحث و الدراسة، للتمكن من النجاح في تحديد الأهداف و إختيار المواد و العناصر و الوسائل اللازمة لإستخدامها للحصول على نتائج جيدة و صائبة و من ثم أن يكونوا كفوئين في تحليل النتائج التي يتوصلون إليها و الخوض في مناقشتها لكي يصلوا الى إستنتاجات و مقترحات و توصيات تخدم توحيد اللغة الكوردية و الذي بدوره يساهم في توحيد الأمة الكوردية. عندئذ يستطيعون إغناء الموضوع و تطويره و خدمته و الوصول الى الهدف بنجاح.

إن إيجاد لغة كوردية موحدة هي عملية صعبة تحتاج الى كثير من الجهد و الوقت، إلا أن تحقيق الحلم الكوردي ممكن بكل تأكيد. كما نوهتُ، أن صعوبة إيجاد لغة مشتركة للكورد تكمن في تقسيم كوردستان الى أربع أجزاء رئيسية و كل جزء تحتله دولة ذات نظام لا يعترف بالشعب الكوردي و لا يعترف باللغة الكوردية، بل يحاول القضاء عليها عن طريق التتريك و التعريب و التفريس. هذا التقسيم الجائر خلق لغة كوردية تُكتب بثلاث أنواع من الحروف (العربية و اللاتينية و السنسكريتية) و بلهجتين رئيستين (الكرمانجية الشمالية و الجنوبية). كما أن الحدود المصطنعة التي تقسم كوردستان، تمنع التواصل و الإختلاط بين الكورد، و بذلك تعرقل تكوين لغة كوردية مشتركة. إلا أن تحرر إقليم الجنوب و تسلم السلطة فيه من قِبل حكومة كوردستانية، بعث الأمل في نفوس الكورد في توحيد لغتهم و الذي بدوره يُعتبر شرطاً أساسياً لتوحيد كوردستان و شعبها.

أود هنا أن أسلّط الضوء على جانبين مهمين من جوانب توحيد اللغة الكوردية. الجانب الأول؛ هو علمي بحت يتناول تحديد اللغة الموحدة و وضع خريطة طريق للوصول الى ذلك الهدف، و الجانب الثاني هو الجانب التنفيذي للمشروع. مسئولية الجانب الأول من المهمة، تقع على عاتق اللغويين. لتحديد الهدف بوضوح و بشكل شفاف، يجب تعريف اللغة المشتركة التي هي اللغة الرسمية للبلاد، و التي تعني أنها لغة الكتابة و التفاهم و التعليم و وسائل الإعلام، على أن تتم مراعاة الإرث اللغوي الكوردي و لهجات اللغة الكوردية. هذا التعريف يعني إيجاد لغة كوردية تكون وسيلة لتفاهم الكورد مع بعضهم، شفهياً و كتابةً. الشق الثاني من التعريف يعني الحفاظ على كل الموروثات اللغوية الكوردية السابقة، سواء كانت كتباً أو مجلات أو صحفاً أو أغانٍ أو برامج تلفزيونية و إذاعية أو أفلاماً و غيرها. كما يؤكد الجزء الثاني من التعريف على السماح لتطور اللهجات الكوردية و حمايتها من الإنقراض، لأنها هي أيضاً تُشكّل جزء من التراث و الثقافة الكوردية، بشرط أن تصبح اللهجات الكوردية لهجات محلية تتفاهم بها أصحاب هذه اللهجات فيما بينهم و ينشرون بها أشعارهم و غناءهم، إلا أنه يجب أن يكون واضحاً بأن اللغة الرسمية ستكون اللغة الكوردية الموحدة و التي تعني أن التعليم و وسائل الإعلام و المخاطبات الرسمية ستكون بهذه اللغة.

يتصور البعض أن اللغة الكوردية الموحدة ستكون عن طريق إختيار لهجة معينة و هيمنتها على اللهجات الأخرى، لتصبح لغة للكورد و منح الحياة و الديمومة لتلك اللهجة و ترك اللهجات الأخرى تتجه نحو الإنقراض. أعتقد أن اللهجات الكوردية تتكامل مع بعضها البعض و بعد تفاعلها و تلاقحها، ستصبح لغة مشتركة للكورد. أستغرب الضجيج المفتعل حول اللهجات الكوردية و كأنما الإختلاف بينها كبيراً الى درجة يصعب توحيدها. لو نتمعن في اللهجات الكوردية، نرى أن قواعدها متشابهة جداً و هناك إختلافات طفيفة جداً بينها. أما بالنسبة لكثير من مفرداتها، فأنها متشابهة أيضاً، بإستثناء بعض التحويرات البسيطة التي تعرضت لها هذه اللهجات خلال التطور التأريخي لهذه اللهجات و التي تمت بمعزل عن بعضها البعض، نتيجة فصل قسري بينها و بسبب وقوع كل لهجة تحت تأثير النظام السياسي الذي تعيش في ظله و تأثير لغة الشعوب المحتلة المهيمنة على كل منها. التباعد بين اللهجات الكوردية المتأتي من تشتيت الشعب الكوردي و تقسيم كوردستان، تتم معالجته عند توحيد الشعب الكوردي و بناء دولته الموحدة. من هنا ندرك أن التغييرات الطارئة على المفردات المختلفة بين اللهجات الكوردية هي ظاهرة طبيعية، حيث أن الكلمات في كل لغات الدنيا لها مرادفات. من الملاحظ أيضاً أن النقاش الدائر حول توحيد اللغة الكوردية يُركّز على اللهجة الكرمانجية الشمالية و الجنوبية اللتين الكتابة بهما أكثر إنتشاراً من اللهجات الأخرى، إلا أننا لا يمكن تجاهل اللهجات الأخرى التي هي غنية بالمفردات الكوردية الأصيلة. على سبيل المثال لا الحصر، اللهجة اللورية التي كانت مناطق إنتشارها مهداً للحضارة البشرية ، حيث الحضارة السومرية و الإيلامية و الميدية و الساسانية. اللغات الهندو-أوروبية أخذت من اللهجة اللورية الآلاف من مفرداتها التي تستعملها في الوقت الحاضر. على سبيل المثال، يذكر الأستاذ مسعود محمد، في كتابه القيّم المعنون ”لسان الكُرد“ الصادر في بغداد في عام 1986، بأن كلمة ”دوت“ التي تعني ”بنت“ باللهجة اللورية هي كلمة كوردية أصيلة مذكورة في ”آڤيستا“ و أن اللغات الأخرى، كاللغات الإنكليزية و السويدية و غيرهما، قد قامت بإستعارة هذه الكلمة الكوردية. لو نستمر في التدقيق في مفردات اللهجة اللورية، سنكتشف أنها تحوي على الآلاف من الكلمات الكوردية الأصيلة. كما يجب أن لا ننسى اللهجة الهورامية، حيث أن الكتب الدينية للكاكەيين مكتوبة بهذه اللهجة، و التي هي إحدى الديانات الكوردية القديمة. هكذا بالنسبة للهجات الأخرى. من هنا ندرك بأن اللغة الكوردية الموحدة بحاجة الى روافد جميع لهجاتها لإثرائها و العمل على تكاملها.

لإنجاح توحيد اللغة الكوردية، أول خطوة نحتاج للقيام بها هي توحيد كتابة اللغة الكوردية. لتنفيذ هذا العمل، ينبغي عقد مؤتمر علمي حول هذا الموضوع، يقوم بتنظيمه المجمع العلمي الكوردي  لجنوب كوردستان، بالتعاون مع الأقسام الكوردية في الجامعات الكوردستانية و المراكز الثقافية الكوردية القائمة في دول عديدة. لهذا الغرض، تتم دعوة علماء اللغة الكورد من مختلف أنحاء كوردستان، بحيث تشمل المختصين باللهجات الكوردية جميعها. كما يتطلب الأمر دعوة العلماء الأجانب المختصين باللغة الكوردية و كذلك مشاهير علماء العالم في مجال اللغات. كما أقترح أن تُنظّم هذه التظاهرة العلمية في كوردستان و أن تعضدها حكومة جنوب كوردستان، و خاصة من الناحية المادية. أقترح أيضاً دعوة اللغويين الأجانب و الكورد القاطنين خارج كوردستان و تحمّل نفقة سفرهم و إقامتهم، حيث أن ميزانية البحوث العلمية في جامعات و مراكز البحوث في الغرب، تكون عادةً محدودة، تأتي عن طريق إعانات حكومية و مساعدات مقدمة من شركات و جمعيات ذات الصلة. كما من الضروري الإعلان عن عقد المؤتمر المذكور في وقت مبكر، أقترح أن يكون ذلك قبل عام واحد من إنعقاده، لضمان توفر الوقت الكافي للباحثين لتحضير دراساتهم و بحوثهم بشكل جيد. ينبغي أن يتم إشعار الباحثين عن مكان إنعقاد المؤتمر و موعده و مدته و شعاره و لغة عرض البحوث عند إرسال الدعوات الى المختصين للمشاركة في المؤتمر المذكور. يمكن أن يكون شعار المؤتمر مثلاً (السبيل الى إيجاد كتابة كوردية موحدة). تُستعمل اللغة الإنكليزية عادة في المؤتمرات العلمية العالمية (بالنسبة للباحثين الذين لا يجيدون الإنكليزية، يمكن تقديم دراساتهم على شكل ملصقات posters، حيث أنهم في هذه الحالة لا يحتاجون الى إلقاء بحوثهم بصورة شفهية) أو يمكن إلقائها بِلُغة أخرى على أن يقوم مترجمين بترجمتها شفهياً بشكل مباشر الى اللغة الكوردية و الإنكليزية. في نهاية المؤتمر، يقوم المؤتمرون بتقديم توصيات و مقترحات حول الموضوع و يمكن لحكومة جنوب كوردستان تبنّيها لتصبح الكتابة الرسمية في الإقليم و في أجزاء أخرى من كوردستان و من قِبل الكوردستانيين في كل مكان قدر المستطاع.

إيجاد لغة كوردية موحدة يحتاج أيضاً الى تأليف قاموس (كوردي- كوردي) شامل يحتضن بين دفتيه مفردات اللهجات الكوردية لتصبح أساساً للغة كوردية مشتركة. هذا العمل الجبار يجب أن يُناط باللغويين الكورد و العلماء الأجانب المختصين باللغة الكوردية. لإنجاز هذه المهمة التأريخية، يمكن أن يتوزع هؤلاء اللغويون على شكل مجاميع لغوية، كل مجموعة تأخذ على عاتقها مسئولية جمع مفردات لهجة معينة من مصادر مختلفة، مثل الكتب و الصحف و تسجيل أحاديث الناس في القرى و الأرياف و المدن و في المهجر و غيرها من الوسائل التي يستطيع الباحثون إتباعها، و التي هم أعرَفُ مني بها، حيث أن مثل هذا العمل هو من إختصاصهم. يصبح هذا القاموس أساساً للغة مشتركة. قد يظن القارئ بأن القاموس سيحتاج الى مجلدات ضخمة و عديدة، الا أنني أعتقد بأن الكثير من مفردات اللهجات متشابهة أو متقاربة و أن فصل و عزل الكورد عن بعضهم البعض و منع إستعمال اللغة الكوردية من قِبل الحكومات المحتلة تجعلنا نتصور أن هناك بَوناً شاسعاً بين اللهجات الكوردية، حيث أن الإختلاف بين اللهجات الكوردية لا يزيد عن ذلك الموجود بين لهجات اللغات الأخرى.

يجب أن لا ننسى أيضاً أن اللغة الكوردية بحاجة لتثبيت قواعد لها. لهذا الهدف، يجب دراسة اللهجات الكوردية من قِبل اللغويين المختصين باللغة الكوردية لوضع كتاب شامل لقواعد اللغة الكوردية، ليصبح مرجعية لها، تتبعها المؤسسات التربوية و الرسمية الأخرى و وسائل الإعلام و الكُتّاب و المؤلفون. بعد إنجاز مشروع القاموس و كتاب النحو الكوردي، تبدأ الدراسة باللغة الكوردية الموحدة بالنسبة لتلاميذ الصف الأول الإبتدائي و يتم تعليم الآخرين، المعلمين و المدرّسين و الصحفيين و غيرهم، عن طريق فتح حلقات دراسية لهم. صحيح أننا في بداية تطبيق اللغة الكوردية سنواجه صعوبات كبيرة، إلا أن العملية ستنجح و تأخذ مسارها الطبيعي بعد جيل أو جيلين.

mahdi_kakei@hotmail.com



162
(تركيا)  .....   الى أين؟  (28)

تنظيم و إدارة شؤون الكوردستانيين القاطنين خارج الإقليم الشمالي

2. الكوردستانيون القاطنون في البلدان الغربية



د. مهدي كاكه يي

إن الفرص المتاحة للجالية الكوردية في البلدان الغربية هي فرص ممتازة للتواصل مع البعض و مع اللغة و الثقافة الكوردية و إستعمال لغة كوردية موحدة، بعد التوصل الى إختيار هذه اللغة من قبِل اللغويين و تبنّيها من قِبل ممثلي شعب كوردستان. في جنوب كوردستان، حيث أن الإقليم يُدار من قِبل الكوردستانيين أنفسهم، و في الدول الغربية، حيث تعيش الجاليات الكوردستانية، يستطيع الكوردستانيون فيها تطبيق إستعمال لغة كوردية موحدة مختارة قبل الكوردستانيين الذين يعيشون في الأجزاء الأخرى من كوردستان المحتلة من قِبل كل من "تركيا" و إيران و سوريا، حيث أن حكومات هذه الدول تقوم بمنع و عرقلة الكوردستانيين في شمال و شرق و غرب كوردستان من إستعمال لغة كوردية موحدة، بينما المواطنون الكوردستانيون في المهجر و جنوب كوردستان سيكونون من رواد إستعمال لغة كوردية موحدة عند إيجادها. كما أن المهجر يتفوق على جنوب كوردستان في تطبيق إستعمال لغة كوردية موحدة، حيث يُشكّل المهجر نموذجاً مثالياً للتركيبة اللهجوية الموجودة في كوردستان، تتلاقح اللهجات الكرمانجية الشمالية و الجنوبية و الهورامية (الزازا) و اللورية مع بعضها و تتفاعل اللكنات الآمدية و القامشلية و الكركوكية و الدهوكية و المهابادية و الكرماشانية و الأورميية و الإيلامية و غيرها مع البعض، مكوّنة لغة كوردية موحدة جميلة، بينما في جنوب كوردستان لا تجتمع كل هذه اللهجات و اللكنات.

لا ينحصر دور كورد المهجر على الريادة في إستعمال اللغة الكوردية الموحدة، بل سيكونون أيضاً رواداً لخلق ثقافة و شخصية كوردية أصيلة و التمسك بالتراث الكوردستاني الأصيل و الثري من خلال تلاقي كافة العناصر الثقافية و الشخصية و التراثية الكوردستانية في المهجر و العودة الى الثقافة و الشخصية الكوردستانية الأصيلة و التراث الكوردستاني الأصيل.       

الكورد الذين يختارون العيش في المهجر و لا يودّون العودة الى كوردستان و الإستقرار فيها، يستطيعون الحفاظ على هويتهم الكوردية و إكتساب حصانة ضد الذوبان في المجتمعات التي يعيشون فيها من خلال الإستمرار في التواصل مع بعضهم و مع شعبهم الكوردي. تتطلب ديمومة هذا التواصل تنظيم الجاليات الكوردية في المهجر و وضع برامج و مشاريع تساعد على تواصل هذه الجاليات فيما بينها من جهة و التواصل مع الشعب الكوردي من جهة أخرى لمنع إنسلاخهم عن أمتهم.

يجب على الجاليات الكوردستانية في الخارج التحرك لتنظيم أنفسهم و إيجاد أفكار و تقديم آراء و مقترحات للنهوض بهم و تطوير أنفسهم لصيانة شخصيتهم الوطنية و القومية و الإستفادة من الفرص المتاحة لهم في المهجر لتنظيم أنفسهم و إعادة النظر في إسترتيجياتهم و برامجهم و خططهم و إختيار آليات عملهم و فعالياتهم على ضوء التطورات العالمية الجارية و الثورة الكبرى في مجال المبادئ والأفكار و المعلومات و الإتصالات، بل في جميع مجالات الحياة، لخدمة شعب كوردستان و إحتفاظ الجاليات الكوردية بلغتهم و ثقافتهم و التعرف على تأريخهم و الإرتباط بشعبهم و التواصل مع شعب كوردستان و مع التطورات و الأحداث الجارية في كوردستان.

إن المدارس الحكومية في العديد من الدول الغربية تقوم بتعليم أطفال الجاليات الأجنبية لغاتهم الأصلية لإتاحة الفرصة لهم لتعلم لغات آبائهم و أمهاتهم و الإحتفاظ بثقافاتهم الأصلية. على الأمهات و الآباء الكورد في المهجر الإستفادة من هذه الفرصة التأريخية التي تُتيحها هذه الدول لأطفالهم من خلال تشجيعهم على تلقّي دروس تعليم اللغة الكوردية في المدارس الحكومية و تشجيع و مساعدة أطفالهم في إتقان لغتهم الكوردية. كما أن النظم الديمقراطية في الدول الغربية تسمح للجاليات الأجنبية بفتح مدارس أهلية على أسس وطنية و قومية و دينية و مذهبية خاصة بكل جالية من الجاليات التي تعيش فيها و تقوم حكومات هذه الدول بتقديم الدعم المادي و المعنوي لتلك المدارس. يجب على الجاليات الكوردية إستغلال هذه الفرصة لفتح مدارس كوردية لتعليم الأطفال الكورد لغة الأم و تعريفهم بتأريخ و حضارة شعب كوردستان و بكوردستان نفسها. كما يمكن فتح دور حضانة أهلية لهم لهذا الغرض. في المهجر، يمكن فتح دورات لتعليم اللغة الكوردية للصغار و الكبار و تبرع اللغويين الكورد للقيام بإدارة هذه الدورات التي يمكن تخصيص مقرات الجمعيات و الإتحادات الكوردستانية و إستئجار صالات خاصة أو حتى تخصيص البيوت لإقامة هذه الدورات الدراسية اللغوية فيها.

هناك وسائل عديدة أخرى يمكن إتباعها لإدامة تواصل كورد المهجر مع شعب كوردستان و تعزيز هذا التواصل. يمكن العمل على  تواصل التفاعل بين الطلاب و الباحثين و الأساتذة الكورد في المهجر و شعب كوردستان عن طريق إبرام إتفاقيات بين الجامعات الكوردستانية و جامعات الدول المتواجدة فيها الجاليات الكوردية لتبادل الأساتذة و الباحثين و الطلاب بين الجانبين، و التي يستطيع الكوردستانيون المهاجرون العاملون في الجامعات و مراكز و معاهد البحوث الأجنبية أو الطلاب الجامعيون بموجبها العمل أو الدراسة في الجامعات الكوردستانية و التواصل مع شعبهم خلال فترة إقامتهم هناك.  كما أنّ المهاجرين الكوردستانيين الذين يعملون في بلدان المهجر، من أكاديميين و مهنيين و غيرهم، يمكنهم الحصول على إجازات طويلة الأمد بدون راتب، على سبيل المثال لمدة تبلغ عدة أشهر أو سنة أو أكثر، و الإنتقال الى كوردستان و العمل هناك خلال فترات إجازاتهم لقاء رواتب يحصلون عليها في كوردستان. إضافةً الى أن هاتين الطريقتين المذكورتين تساهمان في تقوية الروابط بين كوردستانيي الداخل و الخارج و تفاعلهم مع البعض و تواصل المهاجرين مع لغتهم و ثقافتهم، فأن المهاجرين سيساهمون بدورهم في بناء و تطوير كوردستان و دفع عجلة تقدمها لما لهم من خبرات و معلومات في مجال إختصاصاتهم.

يمكن لكوردستانيي المهجر قضاء عطلهم السنوية مع أسرهم في كوردستان و مثل هذه الزيارات تكون ضرورية و مهمة جداً لأطفالهم المولودين في المهجر أو الذين كانوا أطفالاً عندما هاجرت عوائلهم من كوردستان، ليتمكنوا من التعرف على لغتهم و ثقافتهم و التواصل معهما و العيش في البيئة الكوردستانية. كما يمكن لرأسماليي الكورد المهاجرين من إستثمار أموالهم في كوردستان و العمل هناك و الذي سيؤدي الى تواصلهم مع شعبهم و مساهمتهم في بناء كوردستان.

يجب مساعدة كورد المهجر الذين يرغبون في العودة الى كوردستان بشكل عام و جنوب كوردستان بشكل خاص، و إحتضانهم من قِبل حكومة إقليم الجنوب أو المنظمات و المؤسسات الكوردستانية في الأجزاء الأخرى من كوردستان، ليستقروا و يبدأوا حياة جديدة هناك، تمنحهم الأمان و العزة و الكرامة و الرخاء و توفّر لهم بيئة جيدة، حيث يعيشون في أحضان وطنهم و يتفاعلون مع المجتمع الكوردستاني و يتخلصون من أخطار الإنسلاخ عن الأمة الكوردية.

كما أنه ينبغي خلق نظام ديمقراطي في كوردستان و رفع مستوى المعيشة للمواطنين و توفير فرص الدراسة و العمل للشباب و الأكاديميين الكوردستانيين و تسهيل فرص و شروط الإستثمار من خلال فتح المزيد من المدارس المهنية و المعاهد و الجامعات و إقامة مشاريع إقتصادية في كوردستان للحيلولة دون هجرة المزيد من الشباب و المستثمرين الكوردستانيين و الأدمغة الكوردستانية الى خارج كوردستان بحثاً عن فرص الدراسة و العمل و الإستثمار للحصول على حياة حرة كريمة.

ينبغي على الكوردستانيين في المهجر الإنضمام الى الأحزاب السياسية للدول التي تعيش فيها الجاليات الكوردستانية و الى منظمات المجتمع المدني و إمتلاك أسهم البنوك و الصحف و المجلات و أسهم الشركات و  المعامل و تخريج علماء و أكاديميين و باحثين علميين و أساتذة جامعيين و فنيين ليكون لهم صوتاً مسموعاً في البرلمان الأوروبي و برلمانات دول العالم المختلفة و في مجالس المحافظات و مجالس البلديات للدول التي يعيشون فيها و في الجامعات و المعاهد العلمية و مراكز القرار السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية ليمتلكوا نفوذاً و سلطة سياسية و إقتصادية و إعلامية و إجتماعية قوية تؤدي الى خلق لوبي كوردستاني مؤثر في العالم الذي يُسهم في  إيصال القضية الكوردستانية الى أروقة الأمم المتحدة و الى مراكز إتخاذ القرار في الدول الكبرى و إلى الرأي العام العالمي و الذي يُعتبر عامل هام جداً في تحقيق إستقلال كوردستان و توحيدها.

إن العولمة و التطورات الهائلة الحاصلة في مجال الإتصالات و نقل المعلومات، حيث نعيش في عصر الإنترنت و الفضائيات التلفزيونية و الموبايل، تُتيح التواصل بين المجتمعات البشرية و الحصول على المعلومات بسهولة و بسرعة. هذه التطورات خلقت ظروفاً ممتازة للمغتربين المتشتتين في مختلف بقاع العالم، للتمكن من التواصل مع لغاتهم و ثقافاتهم و شعوبهم، بعد أن كانوا قبل نحو عقدَين من الزمن معزولين عن مجتمعاتهم الأصلية، فأنقذتهم هذه الإنجازات الإنسانية العظيمة من عزلتهم. بالنسبة للكورد المغتربين، فأن هذه الثورة الإتصالاتية و المعلوماتية و زوال حكم البعث الشمولي و العنصري في العراق و إنتشار المبادئ و الأفكار الديمقراطية و البدء بزوال الحكومات الدكتاتورية و الشمولية في العالم، و خاصة في الدول المحتلة لكوردستان، كل هذه التطورات الإيجابية تساهم في زيادة و إدامة التواصل الكوردي مع بعضهم في المهجر و مع شعبهم في كوردستان و خارجها. ينبغي إنتهاز هذه الفرصة و ذلك بأن تقوم الفضائيات الكوردستانية بوضع برامج خاصة لجذب إهتمام المغتربين الكوردستانيين و شدهم الى متابعة تلك البرامج لتواصلهم مع لغاتهم و ثقافاتهم. يجب أن تُركّز هذه البرامج التلفزيونية على برامج خاصة بالأطفال و الشباب و الكبار و المرأة و اللغة الكوردية و التأريخ و التراث الكوردي و االمجتمع الكوردستاني و أطيافه و أديانه و مذاهبه و الطبيعة في كوردستان و مناطقها و الموسيقى و الفن و الغناء الكوردستاني و الحياة الكوردستانية و السياسة و أخبار الكورد في مختلف مناطق العالم. لتعليم أطفال المهجر لغتهم، يجب وضع برامج تلفزيونية تعليمية يومية لتعلم اللغة الكوردية و لغات الأطياف الكوردستانية الأخرى، من سريانية و أرمنية و كلدانية و آثورية و تركمانية، و كذلك يمكن أن يتم ذلك أيضاً عن طريق الإنترنت، من خلال المواقع الإلكترونية و مواقع الخدمات الإجتماعية مثل Facebook و Twitter و Skype و Paltalk وLinkedin  و غيرها. كما ينبغي أن تتضمن تلك البرامج تغطية لحياة المغتربين في مختلف دول المهجر و نشاطاتهم في مختلف المجالات.

يُعتبر القيام بتأسيس جمعيات و إتحادات و جمعيات و منظمات كوردستانية في الدول التي تتواجد فيها الجاليات الكوردية، من الوسائل المهمة للتواصل اللغوي و الثقافي بين أفراد تلك الجاليات. توجد مثل هذه المنظمات الكوردية في المهجر، إلا أنها تستند على أسس حزبية و يتم إستخدام أسس كلاسيكية بالية و متهرئة و تقوم بها أناس كلاسيكيون غير نشطين و التي تجعل هذه المنظمات عاجزة عن الإرتفاع الى مستوى المسئولية للوقوف بوجه التحديات التي يواجهها المهاجرون ليتأهلوا أن يصبحوا سفراء حقيقيين لشعبهم الكوردستاني في الخارج. كما أنّ هذه المؤسسات الكوردستانية تفتقر الى برامج عمل لخدمة المهاجرين و إيجاد وسائل يستطيع عن طريقها الكوردستانيون المغتربون الحفاظ بهويتهم الكوردستانية و تواصلهم مع شعبهم. تحتاج الجاليات الكوردية الى إعادة تنظيم نفسها على أسس عصرية تتلاءم مع التطورات العالمية الكبرى التى حدثت و مع مستجدات القضية الكوردستانية و متطلبات تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني. يتم تأسيس هذه المنظمات و الإتحادات و الجمعيات الكوردستانية في كل دولة و ترتبط مع بعضها على مستوى القارة الأوروبية و العالم تحت إدارة موحدة و تنظيم مشترك.

كما أن كورد المهجر بحاجة الى مراكز و نوادٍ ثقافية و إجتماعية و فنية و رياضية و ترفيهية و شبابية، لجمع شملهم و إلتقائهم و لإجتماعاتهم و التواصل مع لغتهم و ثقافتهم و تأريخهم. ينبغي أن تحتضن هذه المراكز الجاليات الكوردية و تنظم لهم دورات لتعلم اللغة الكوردية و محاضرات لتعريفهم بالتأريخ الكوردي و نقل المستجدات على الساحة الكوردستانية لهم. كما يمكنها تنظيم دورات لتعلم الكومبيوتر و الرسم و التصوير و السباحة و بعض الأعمال المهنية، مثل الطبخ و الخياطة و التطريز و الصناعات اليدوية البسيطة الأخرى.

ينبغي أن تبادر المنظمات و الجمعيات الكوردستانية و الأشخاص المتمكنين مادياً في المهجر الى تأسيس أسواق و مجمعات كوردستانية و مطاعم و مقاهي في المهجر، حيث نرى أنّ بعض الجاليات نجحت في بناء مدن خاصة بها في المهجر، على سبيل المثال، فأنّ كلاً من الجالية الهندية و الباكستانية في بريطانيا إستطاعت أن تستقر هناك في مدن معينة و أن تصبح الأغلبية الإثنية في تلك المدن.

المنظمات الكوردستانية في المهجر بحاجة الى تشكيل فرق موسيقية و غنائية و فنية و فرق رياضية كوردستانية في البلدان التي تعيش فيها الجاليات الكوردية و تشجيع المغنيين و الفنانين و الرسامين و النحاتين و الرياضيين و الموهوبين و تنظيم حفلات غنائية و مباراة رياضية و معارض فنية تجذب الجاليات الكوردستانية و تجلب إهتمامها و في نفس الوقت فأن مثل هذه النشاطات ستساهم بشكل كبير في نضال الكوردستانيين من أجل حريتهم و إستقلالهم و ذلك عن طريق وسائل حضارية متمدنة. كما يمكن تنظيم مسابقات رياضية و  فنية و أدبية و شعرية و إقامة سفرات جماعية منتظمة للمهاجرين الى مناطق سياحية و تأريخية و إقامة لقاءات و إجتماعات و نشاطات و فعاليات، بإقامة مخيمات و معسكرات هناك للتعارف مع بعضهم البعض و تبادل المعلومات و إجراء المناقشات و تنظيم المحاضرات و النشاطات الفنية و غيرها. يمكن إجراء مسابقة سنوية لإختيار ملكة جمال كوردستان في المهجر، حيث تتم المنافسة لإختيار ملكة جمال كوردستانيي المهجر في كل دولة و ثم المنافسة بين الفائزات في كل دولة على لقب ملكة جمال كوردستان في المهجر لإختيار ملكة جمال الجاليات الكوردستانية في العالم. بنفس الطريقة يمكن إختيار أفضل مغني أو فرقة غنائية و أفضل موسيقي و أفضل صحفي و أفضل كاتب و أفضل كتاب و رسام و نحات و رسام و مسرحية و ممثل و فلم  و غيرها.

كما يمكن تأسيس جمعيات و إتحادات مهنية للمهاجرين الكوردستانيين لتبادل الأفكار و الآراء و الخبرات و تنظيم أنفسهم و إيجاد مجالات و آليات لخدمة الجاليات الكوردستانية و شعب كوردستان. إنه من الضروري أيضاً تشكيل لجان خاصة، تكون مهمتها مساعدة اللاجئين الكوردستانيين الجدد و ذلك بتزويدهم بالمعلومات الخاصة بالبلدان التي يستقرون فيها و نظمها، للتأقلم مع مجتمعاتهم الجديدة و التزوّد بمعلومات خاصة بفرص الدراسة و العمل و الذي يقوم بتسهيل حياتهم الجديدة و النجاح فيها. 

يمكن أن تقوم المنظمات و الإتحادات و الجمعيات الكوردستانية  و الأشخاص الأثرياء بإنشاء صندوق كوردستاني الذي يتم تمويله عن طريق الإستثمارات و التبرعات الشخصية لتمويل المؤسسات الكوردستانية في المهجر و مساعدة الجاليات الكوردستانية و بناء البنى التحتية لكوردستان و إقامة مشاريع و تقديم خدمات فيها.

كما يمكن إصدار مجلات و صحف باللغة الكوردية و بِلغات الدول التي تعيش فيها الجاليات الكوردستانية و تأسيس مطابع و تأليف كتب و نشرها لتعريف الكوردستانيين في المهجر و شعوب الدول التي يعيشون فيها على القضية الكوردستانية و التأريخ الكوردي و شعب كوردستان.

mahdi_kakei@hotmail.com










163
(تركيا)  .....   الى أين؟  (27)


تنظيم و إدارة شؤون الكوردستانيين القاطنين خارج الإقليم الشمالي

1. الكوردستانيون القاطنون في "تركيا"

ج. الحياة الإجتماعية و الثقافية

د. مهدي كاكه يي


إن تنظيم و تشجيع و تقوية الروابط بين الجاليات الكوردية في "تركيا" و في الدول المحتلة الأخرى لكوردستان و تواصلها مع البعض و مع شعب كوردستان، تعمل على إحتفاظ هذه الجاليات بهويتهم و لغتهم و تقاليدهم و عاداتهم الكوردية و تراثهم الكوردي و تحول دون ذوبانهم في المجتمع التركي و العربي و الفارسي و الإنسلاخ عن أُمتهم الكوردية. كما أن التواصل الإجتماعي و الثقافي بين أفراد الجاليات يخلق حياة إجتماعية سعيدة لهؤلاء الأفراد و يرفع مستواهم الفكري و الثقافي. لذلك فأن وضع إستراتيجية ناجحة لهذا الهدف، يخدم بشكل كبير وحدة الشعب الكوردي فكرياً و ثقافياً و إجتماعياً و يحول دون إنسلاخ الكورد القاطنين خارج كوردستان، عن شعبهم.

بسبب إحتلال كوردستان و تقسيمها و حُكم الكورد من قِبل العرب و الفرس و الترك تحت أنظمة حُكم عنصرية شمولية و خضوع الكورد لثقافة الشعوب المحتلة لكوردستان لفترة زمنية طويلة، فأن الكورد متأثرون بثقافة الشعوب المحتلة لكوردستان و أن الشخصية الكوردية أصبحت ممسوخة بسبب الإحتلال. لذلك يحتاج الكورد الى ثورة ثقافية كبرى لإستعادة ثقافته الأصيلة و تراثه الثري و إعادة بناء شخصيته الكوردية. من هنا تكمن أهمية وضع برامج متكاملة لتحقيق أهداف هذه الثورة الثقافية للعودة الى الثقافة الكوردية الأصيلة.

يمكن أن يستمر تواصل الجاليات الكوردية مع اللغة و الثقافة و الحياة الإجتماعية الكوردية من خلال تأسيس جمعيات و إتحادات و منظمات لها فروعها في مختلف القصبات و المدن في كل دولة من هذه الدول التي تتواجد فيها الجاليات الكوردية. ينبغي أن يكون تأسيس هذه المنظمات مبنيّ على أساس وطني كوردستاني، بعيداً عن الإعتبارات الحزبية و المناطقية و أن لا يعتمد على أسس كلاسيكية بالية و متهرئة و أن يتحمل أناس وطنيون كفوؤون مسئولية إدارتها و تطويرها و تحقيق أهدافها لتكون هذه المنظمات بمستوى المسئولية و الطموح للوقوف بوجه التحديات التي يواجهها المهاجرون و ليصبحوا سفراء حقيقيين لشعبهم الكوردي هناك، حيث أن المؤسسات الكوردية الموجودة في الوقت الحاضر تفتقر الى برامج وطنية كوردستانية جامعة لخدمة المهاجرين و للحفاظ على هويتهم الكوردية و تواصلهم مع شعبهم. تحتاج الجاليات الكوردية الى إعادة تنظيم نفسها على أسس عصرية تتلاءم مع التطورات العالمية الكبرى التى حدثت و تحدث الآن و مع مستجدات القضية الكوردستانية و متطلبات تحقيق أهداف الشعب الكوردستاني. كما أن كورد المهجر بحاجة الى مراكز و نوادٍ ثقافية و إجتماعية و فنية و رياضية و ترفيهية لجمع شملهم و خلق فرص جيدة للتلاقي و الإجتماع معاً للتواصل مع لغتهم و ثقافتهم و تراثهم. ينبغي أن تحتضن هذه المراكز الجاليات الكوردية و تنظم لهم دورات لتعلم اللغة الكوردية و تُقيم محاضرات و ندوات لتعريفهم بالتأريخ الكوردي و المستجدات على الساحة الكوردستانية. كما يمكنها تنظيم دورات لتعلم الكومبيوتر و الرسم و التصوير و السباحة و بعض الأعمال المهنية، مثل الطبخ و الخياطة و التطريز و الصناعات اليدوية الأخرى. ينبغي تأسيس نوادي و فرق رياضية كوردية و جمعيات فنية للرسامين و النحاتين و المصورين و إتحادات مهنية مختلفة للعمال و الفلاحين و الطلبة و المعلمين و المهندسين و الأطباء و الصحفيين و الكُتّاب و السواق و الحرفيين و غيرهم من أصحاب المهن الأخرى و جمعيات للشباب و النساء و كبار السن، لجمع شمل أصحاب المهن و الطبقات الإجتماعية المختلفة و تواصلهم معاً في الملتقى الكوردستاني. كما أنه على هذه المنظمات و الأشخاص المتمكنين مادياً أن يبادروا الى فتح رياض الأطفال و المدارس و المعاهد و الجامعات الأهلية و مطابع و مكتبات و مطاعم و مقاهي في المهجر و إصدار كتب و صحف و مجلات و التركيز على تربية الأطفال و التوعية بحقوق الإنسان و الديمقراطية و البيئة. كما يمكن تأسيس أسواق و مجمعات سكنية كوردية في المهجر، حيث نرى أنّ بعض الجاليات نجحت في بناء مدن خاصة بها في المهجر، على سبيل المثال، فأنّ الجالية الهندية في بريطانيا إستطاعت أن تستقر هناك في مدن معينة و أن تصبح الأغلبية الإثنية في تلك المدن.

يجب على الجاليات الكوردية في المهجر تشكيل فرق موسيقية و غنائية و فنية و للدبكات الكوردية و الرقص الشعبي الكوردي و تشجيع المغنيين و الفنانين و الرسامين و النحاتين و الرياضيين و تنظيم حفلات غنائية و مباراة رياضية و معارض فنية و معارض تأريخية و تراثية و عرض أفلام و التعريف بالمطبخ الكوردي و الملابس الشعبية الكوردية لمختلف مناطق كوردستان و تعريف الإنسان الكوردي بالتطور التأريخي لمختلف مجالات الحياة الكوردستانية، لجذب الجاليات الكوردية و جلب إهتمامها و في نفس الوقت فأن مثل هذه النشاطات ستساهم بشكل كبير في نضال الكورد من أجل حريتهم و إستقلالهم و ذلك عن طريق وسائل حضارية متمدنة. كما يمكن تنظيم مسابقات رياضية و  فنية و أدبية و إقامة سفرات جماعية منتظمة للجاليات الكوردية الى مناطق سياحية و تأريخية و إقامة لقاءات و إجتماعات و نشاطات و فعاليات، بإقامة مخيمات و معسكرات هناك للتعارف مع بعضهم البعض و تبادل المعلومات و إجراء المناقشات و تنظيم المحاضرات و النشاطات الفنية و غيرها. يمكن أيضاً تأسيس جمعيات و إتحادات مهنية للمهاجرين الكوردستانيين لتبادل الأفكار و الآراء و الخبرات و تنظيم أنفسهم و إيجاد مجالات و آليات لخدمة الجاليات الكوردية و شعب كوردستان. من الضروري أيضاً تشكيل لجان خاصة، تكون مهمتها مساعدة الجاليات الكوردية في مختلف المجالات.

هناك وسائل عديدة أخرى يمكن إتباعها لإدامة تواصل كورد المهجر مع شعب كوردستان و تعزيز هذا التواصل. يمكن العمل على  تواصل التفاعل بين شعب كوردستان و الطلاب و الباحثين و الأساتذة و العاملين الكورد في منظمات المجتمع المدني و غيرها في المهجر عن طريق تبادل الزيارات و التعاون بين الجاليات الكوردية و الجامعات و المعاهد و المراكز العلمية و منظمات المجتمع المدني في مختلف المجالات في كافة أجزاء كوردستان و منح المراكز العلمية الكوردستانية و مختلف القُطاعات الأخرى في كوردستان زمالات دراسية لكورد المهجر القاطنين في الدول المحتلة لكوردستان و دعوتهم للمشاركة في دورات علمية و مهنية و تأهيلية ليتفاعل كورد المهجر مع كوردستانيي الداخل و يستمرون في التواصل مع اللغة و الثقافة و البيئة الكوردستانية.  كما يتم تواصل الجاليات الكوردية في الدول المحتلة لكوردستان مع شعب كوردستان من خلال عقد إتفاقات لتبادل الزيارات بين الأساتذة و الباحثين و الطلاب من الجانبين و المساهمة المشتركة في إجراء بحوث و دراسات و إعداد برامج تدريبية و تأهيلية. من خلال هذه المبادرات، يستطيع الكوردستانيون المهاجرون الذين يعملون في الجامعات و مراكز و معاهد البحوث و الطلاب الجامعيون، العمل أو الدراسة في الجامعات الكوردستانية و التواصل مع شعبهم خلال فترة إقامتهم هناك. كما أنّ المهاجرين الكوردستانيين الذين يعملون في المهجر، من أكاديميين و مهنيين و غيرهم، يمكنهم الحصول على إجازات طويلة الأمد بدون راتب، لمدة ثلاث أشهر أو سنة مثلاً، و الإنتقال الى كوردستان و العمل هناك خلال فترات إجازاتهم لقاء رواتب يحصلون عليها. إضافةً الى أن هذه البرامج تساهم في تقوية الروابط بين كوردستانيي الداخل و الخارج و تفاعلهم مع البعض و تواصل المهاجرين مع لغتهم و ثقافتهم، فأن المهاجرين سيساهمون بدورهم في بناء و تطوير كوردستان و دفع عجلة تقدمها لما لهم من خبرات و معلومات في مجال إختصاصاتهم.
 
يمكن لكوردستانيي المهجر قضاء عطلهم السنوية مع أسرهم في كوردستان و مثل هذه الزيارات تكون ضرورية و مهمة جداً لأطفالهم المولودين في المهجر أو الذين كانوا أطفالاً عندما هاجرت عوائلهم من كوردستان، ليتمكنوا من التعرف على لغتهم و ثقافتهم و التواصل معها و العيش في البيئة الكوردستانية. كما يمكن لرأسماليي الكورد المهاجرين من إستثمار أموالهم في كوردستان و العمل هناك و الذي سيؤدي الى تواصلهم مع شعبهم و مساهمتهم في بناء كوردستان.

لا شك أن العولمة و التقدم الهائل في وسائل الإتصالات و نقل المعلومات، حيث أننا دخلنا عالم العولمة و الإنترنت و الفضائيات التلفزيونية و الموبايل، قد أزالت الحدود الدولية و إخترقت الحواجز و الموانع في عقر دار الإنسان و بذلك هدمت حواجز و معوّقات التواصل بين المجتمعات البشرية و جعلت من كوكبنا الأرضي قرية كونية صغيرة. هذه التطورات خلقت ظروفاً ممتازة للمغتربين المتشتتين في مختلف بقاع العالم، للتمكن من التواصل مع لغاتهم و ثقافاتهم و شعوبهم، بعد أن كانوا قبل نحو عقدَين من الزمن معزولين عن مجتمعاتهم الأصلية، فأنقذتهم هذه الإنجازات الإنسانية العظيمة من عزلتهم. بالنسبة للكورد المغتربين، فأن هذه الثورة الإتصالاتية و تأسيس إقليم جنوب كوردستان و إنتشار الأفكار الديمقراطية في العالم و البدء بزوال الحكومات الدكتاتورية و الشمولية في المنطقة، و خاصة في الدول المحتلة لكوردستان، كل هذه التطورات الإيجابية تساهم في زيادة و إدامة التواصل الكوردي مع بعضهم في المهجر و مع شعبهم في كوردستان و خارجها. ينبغي إنتهاز هذه الفرصة و ذلك بأن تقوم الفضائيات الكوردستانية بوضع برامج خاصة لجذب إهتمام المغتربين الكوردستانيين و شدهم الى متابعة تلك البرامج ليتمكنوا من التواصل مع لغاتهم و ثقافتهم. يجب أن تشمل تلك البرامج التلفزيونية على برامج خاصة بالأطفال و الشباب و الكبار و المرأة و التأريخ الكوردي و المجتمع الكوردستاني و أطيافه و أديانه و مذاهبه و الطبيعة في كوردستان و مناطقها و الموسيقى و الفن الكوردستاني و السياسة و أخبار الكورد في مختلف مناطق العالم. لتعليم أطفال المهجر اللغة الكوردية و لغات الأطياف الكوردستانية الأخرى، من آشورية و سريانية و كلدانية و أرمنية و تركمانية غيرها،  يجب وضع برامج تعليمية يومية في الفضائيات الكوردستانية لتعلم اللغة و كذلك يمكن أن يتم ذلك أيضاً عن طريق الإنترنت. كما ينبغي أن تتضمن تلك البرامج تغطية لحياة المغتربين في مختلف دول المهجر و نشاطاتهم في مختلف المجالات.

يمكن أيضاً أن تلعب وسائل الإتصال الحديثة عن طريق الإنترنت مثل الفيسبوك و التويتر و سكايب و بالتوك و غيرها، دوراً مهماً في تواصل الجاليات الكوردية مع بعضها و مع شعب كوردستان و اللغة و الثقافة الكوردية، حيث يمكن أن تصبح هذه الملتقيات الإجتماعية مكاناً يضم الكوردستانيين في العالم و يجمعهم، يمارسون خلالها التكلم و الكتابة بالكوردية و مناقشة و إبداء الآراء في مختلف القضايا التي تخصهم و الإطلاع على الأحداث الجارية و الأخبار التي تهمهم و تتعلق بهم و بشعبهم.
 
mahdi_kakei@hotmail.com


164
أسطورة "غشاء البكارة"   


د. مهدي كاكه يي


كنتُ غير مخطِّط للكتابة حول هذا الموضوع، إلا أنه لفتت إنتباهي مقالة في الحوار المتمدن، تدافع فيه كاتبتها عن حقوق المرأة بكل شجاعة، إلا أنها في نفس الوقت تظن بأن الفتاة غير الممارِسة للجنس، لها "غشاء بكارة" و تضرب أمثلة عديدة للحيوانات التي بدورها تملك مثل هذا الغشاء (لاحظ الرابط في نهاية المقال!). إستغربتُ من عدم معرفة الكاتبة لحقيقة إنعدام شيئ إسمه "غشاء بكارة" عند الفتيات. قد يبدو بأن غالبية الناس في المجتمعات الإسلامية يعتقدون بوجود "غشاء بكارة" عند الفتيات اللواتي لم يمارسن الجنس. كان من المفروض أن أكتب حول أسطورة "غشاء البكارة" في وقت مبكر ليطّلع الناس و خاصة الشابات و الشباب على حقيقة الأمر و بالتالي المساهمة في إنقاذ حياة الملايين من الفتيات البريئات اللواتي لسوء حظهنّ لا ينزفن دماً في ليلة الزفاف و بذلك يصبحن ضحايا "غشاء البكارة" الناتجة عن الجهل. على كل حال ها أكتب هذه المقالة التي بين أيديكم و أأمل أن تصل المعلومات العلمية التي فيها و التي تؤكد على إنعدام شيئ إسمه "غشاء بكارة"، الى أكبر عدد ممكن من الناس لإثبات براءة الفتيات اللواتي يُقتلْن ظلماً عند عدم نزيفهن في ليلة الزفاف و منعاً لإنهيار ملايين الزيجات نتيجة وهم وجود "غشاء بكارة" عند الفتاة.

في البداية أود أن أنوّه بأن المرأة، كما الرجل تولَد حرةً طليقةً و يجب أن تبقى حرةً في تقرير مصيرها و مستقبلها و إختيار شريك حياتها بنفسها و أن جسمها مُلك لها، يحق لها أن تتصرف به كما تشاء دون قيود و وصاية. كما أنها هي وحدها فقط لها الحق في إختيار نمط حياتها الجنسية و كيفيتها.

 لأسباب أنانية و بايولوجية و نفسية، قام الرجل منذ العصور الغابرة ببناء مجتمع ذكوري يقوم بإستعباد المرأة  و حرمانها من حقوقها الطبيعية و يرفض مساواتها بالرجل، رغم أن المرأة هي الأم و شريكة الحياة و الأخت و البنت للرجل. نظراً لعدم إكتمال تطور العقل البشري لحد الآن و عجز الإنسان على فهم فلسفة الحياة، فأن الإنسان أو بالأحرى الرجل الذي لا يزال هو صاحب  القرارات و التحكّم بمصير البشر، يقوم بتقييد حريته بشكل عام و حرية المرأة بشكل خاص، سواء من خلال العادات و التقاليد التي هي من موروثاته أو من خلال وضع قوانين تفرض قيوداً جائرة على المجتمعات البشرية بشكل عام و على النساء بشكل خاص.

إحدى وسائل الرجل في إضطهاد المرأة و سلب حريتها و حقوقها، هي إبتكاره لأُسطورة "غشاء البكارة" الذي لا وجود له في الواقع و ذلك للسيطرة على الحياة الجنسية للمرأة. يؤكد الطب الحديث بأن "غشاء البكارة"  لا وجود له عند الفتاة. إختلاق وجود غشاء يغطي فتحة العضو الأنثوي للفتاة من قِبل الرجل، أدى الى فقدان أرواح الملايين من النساء البريئات عبر التأريخ البشري، بالإضافة الى الشباب الأبرياء الذين أُتُّهموا بإزالة "غشاء البكارة" للفتيات من خلال ممارسة الجنس معهن. لا تزال تُقترف جريمة "غشاء البكارة" بكل وحشية في المجتمعات الإسلامية و يستمر تساقط ضحاياها دون توقّف. الذنب الوحيد للضحايا هو عدم حصول نزيف دموي عند زواجهن في ليلة الزفاف خلال أول ممارسة جنسية لهن. هكذا أوجد الرجل أسطورة "غشاء البكارة" لمنع الفتاة من ممارسة الجنس قبل الزواج.

في المجتمعات الإسلامية، تكون "جريمة" فقدان نزيف الدم عند الفتاة في ليلة زفافها، هي جريمة أكبر بكثير من جرائم القتل و النهب و الإضطهاد و السرقة و غيرها من الجرائم، حيث أن هذه الجرائم الوحشية لا تلوّث شرف الرجل في هذه المجتمعات بقدر ما يلوّثه فقدان النزف الدموي عند الفتاة في ليلة الزفاف، رغم أنها بريئة و لم تمارس الجنس في السابق. هذه المجتمعات منشغلة و مهتمة ب"غشاء بكارة" الفتاة و الشرف الذي تراه في العضو الأنثوي للمرأة، تاركةً الإهتمام بحرية الإنسان و حقوقه و تقدمه و تطوره و رفاهيته من خلال تطوير الفكر الإنساني و العلوم  و المعرفة.

الآن أترك الحديث للباحثين العلميين في مجال الطب و للأطباء لينقلوا لنا الحقيقة عن "غشاء البكارة". هناك أُناس كثيرون يعتقدون بوجود "غشاء بكارة" كإسم لغشاء يُشكّل غطاءً يغطي فتحة المهبل، يتمزق عند ممارسة الجنس لأول مرة. من المهم أن نعرف بأن "غشاء البكارة" لا وجود له في الواقع. ما هو موجود في الواقع هو طيّة غشائية مخاطية تمتد حول حواف فتحة المهبل و تُدعى بإكليل المِهبل. يختلف إكليل المِهبل المُسمى خطأً في المجتمعات الإسلامية ب"غشاء البكارة"، في الشكل و الحجم و السُمك من فتاة الى أخرى. ليست هناك وظيفة معينة لإكليل المهبل، إلا أنه يُعتقد بأنه من بقايا تطور المهبل و أنه يمنع دخول الميكروبات و الأوساخ الى المهبل. 

كثير من الناس يعتقدون بأن "غشاء البكارة" موجود وأنه دليل على أن الفتاة عذراء (أي لم تمارس الجنس). أولئك الذين يعتقدون أن "غشاء البكارة" موجود عند الفتاة، يتوقعون تمزّق "غشاء البكارة" عند ممارسة الفتاة الجِماع لأول مرة في حياتها و الذي يؤدي الى حصول نزيف لهذا "الغشاء". "غشاء البكارة" ليس قطعة رقيقة من الأنسجة تغطّي المهبل وتُثقب خلال الجماع على عكس المعتقدات الشعبية. ولو كان الأمر على هذا النحو لما كان يخرج دم الحيض عند الفتيات قبل أن يخسرن عذريتهن، حيث يكون في هذه الحالة لا وجود لمنفذ يمرّ عبره الدم ليخرج الى الخارج.

هناك أسباب عديدة لعدم حدوث النزيف عند الفتاة في ليلة الزفاف. بعض الفتيات يولدنَ دون أن يكون لهن إكليل المهبل الذي يُسمى خطأً ب"غشاء البكارة". كما أن إكليل المهبل المرن قد يتمدد عند ممارسة الجنس دون أن يتمزق. عدم إستعداد الفتاة لممارسة الجنس أو شعورها بالقلق أو جفاف إكليل المهبل قد يؤدي الى النزيف و هذا ليس له علاقة بممارسة الجنس. عند ركوب الحصان و قيادة الدراجة الهوائية و وجود خلل في المهبل و حصول تغيّر في الهورمونات و حدوث العادة الشهرية و ممارسة العادة السرية و ممارسة الجنس، قد تؤدي الى زوال إكليل المهبل مع مرور الوقت. إكليل المهبل قد يتمزق بشكل طبيعي عندما تلعب الفتاة الرياضة أو تقوم بعمل عضلي. عند قسم من الفتيات، لا يكون إكليل المهبل مرناً، بل يميل الى حدوث ثقب فيه و الذي يكبر و يتمزق عند حصول العادة الشهرية عند الفتاة. الإكليل قد يتمزق عند وضع الفتيل في المهبل خلال فترة الحيض. قد يكون الإكليل صغيراً جداً و مطاطياً لا يتمزق عند ممارسة الجنس. قد لا ينزف الإكليل عند تمزقه. مع أخذ هذه العوامل بنظر الإعتبار، فأنه من المحزن جداً أن تتوقع الفتيات في مختلف بلدان العالم أن ينزفن دماً في ليلة الزفاف كدليل على أنهن باكرات و أن يتعرضن للموت و تتحطم حياتهن إن لم يحدث عندهن النزيف في ليلة الزفاف.

للأسباب الآنفة الذكر فأنّ حوالي 70٪ من الفتيات لا ينزفنَ أثناء ممارستهن للجنس لأول مرة في حياتهن. كما أنه ليس من الممكن معرفة فيما لو أن الفتاة عذراء أم لا عن طريق الفحص الطبي لمهبل الفتاة. تتم  معرفة ممارسة الفتاة للجنس فقط في حالة حصول الحمل أو إصابتها بأمراض جنسية.

رغم أن الطب يؤكد على عدم وجود شيئ إسمه "غشاء البكارة" فأن هناك أطباء دجّالون يدّعون بأنهم يقومون بعملية خياطة "غشاء البكارة" و يدّعون أيضاً بأنهم قادرون على تشخيص عُذرية الفتاة، أي فيما لو أن الفتاة لها "غشاء البكارة" أم لا. هؤلاء الأطباء الدجّالون يقومون بإستغلال العادات و التقاليد السائدة لخداع الناس و إبتزازهم مادياً بالإدعاء بتمكنهم من خياطة "غشاء البكارة" أو معرفة  عُذرية الفتاة.

مما سبق يظهر بأن المجتمعات الإسلامية بحاجة الى توعية للإطلاع على المعلومات الطبية حول "غشاء البكارة" عند الفتيات.  تتحمل وسائل الإعلام و الكُتاب مسئولية كبرى لنشر الحقائق العلمية حول هذا الموضوع، خاصة و نحن نعيش في عصر العولمة و الثورة المعلوماتية و الإتصالاتية. كما ينبغي على المؤسسات الصحية توعية الناس بنشر المعلومات عن طريق وسائل الإعلام المختلفة و إقامة الندوات و تنظيم المحاضرات و الإتصالات المباشرة مع الناس. المؤسسات التعليمية و الثقافية تتحمل مسئولية تدريس هذه الحقائق العلمية ضمن المناهج الدراسية في المدارس المتوسطة و الإعدادية  و الجامعات و تغيير المصطلح الخاطئ "غشاء البكارة" الى "إكليل المهبل" المُستعمَل عالمياً. كما أنه ينبغي على المؤسسة القضائية القيام بوضع قوانين حول هذا الموضوع، تستند على المعلومات الطبية. منظمات المجتمع المدني بشكل عام و المنظمات النسوية بشكل خاص تتحمل بدورها مسئولية تأريخية لتوعية المجتمع بكل الوسائل للإسهام في إنقاذ حياة عشرات الآلاف من الفتيات البريئات. إنه عار على الإنسانية أن تسمح بأن يستمر موت الملايين من الفتيات البريئات من ضحايا أسطورة "غشاء البكارة" و أن تنهار الزيجات بسبب إدّعاءٍ واهٍ يفنده العلم.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?t=0&userID=4752&aid=314330

mahdi_kakei@hotmail.com 


165
نبذة مختصرة عن تأريخ اللغة الكوردية و العقبات التي تواجه إيجاد لغة كوردية موحدة

د. مهدي كاكه يي

إن كوردستان كانت مهد الحضارات و إبتكار الكتابة و الأرقام. الحضارات السومرية و الإيلامية و الميدية و الساسانية التي أقامها أسلاف الكورد، تشهد على عراقة الشعب الكوردي و مساهمته الكبيرة في بناء صرح الإنسانية على كوكبنا الأرضي. اللغة التي هي وسيلة التفاهم و التواصل الإنساني، بدورها تم تطويرها منذ آلاف السنين من قِبل أسلاف الكورد و حصلت فيها تغييرات كبيرة عبر التأريخ نتيجة تطوّر حياة الإنسان و الظروف التي عاشها أسلاف الكورد و وطنهم من غزوات و حروب و إحتلال و إنتصارات و هزائم و هجرات و جوع و مرض و مدى توفر مصادر العيش من مياه و صيد و زراعة.

مع تطور اللغة، تطورت الكتابة بدورها لتواكب التطور الذي شهدته اللغة. منذ سقوط الدولة الميدية الكوردية في عام 560 قبل الميلاد، أي منذ حوالي 26 قرناً لم يتم تأسيس دولة كوردستانية تضم كافة أنحاء كوردستان، رغم أنها ظهرت خلال هذه الفترة دول و إمارات كوردية عديدة، إلا أنها لم يمتد حُكم أي منها الى كامل الرقعة الجغرافية لكوردستان. كما أنه تم إحتلال كوردستان و تقسيمها بين عدة دول التي فيها إستلم الحكم أُناس عنصريون و شموليون حاولوا بمختلف الوسائل أن يُبيدوا الشعب الكوردي و يقضوا على معالم و آثار وجود هذا الشعب الذي هو أحد أعرق شعوب العالم، لسرقة وطنه و نهب خيرات بلاده. كما هو معروف فأن اللغة هي إحدى أهم معالم شعبٍ ما، و لذلك حاول و يحاول محتلو كوردستان و السياسيون و الكُتّاب العنصريون طمس و تشويه التأريخ الكوردي و إظهار الشعب الكوردي و كأنه شعب طارئ على المنطقة و بلا تأريخ و يفتقر الى اللغة.

إن ظهور العولمة و التقدم الهائل في وسائل الإتصالات و المعلومات عن طريق الإنترنت و الفضائيات و الموبايل و غيرها و بروز معالم نظام عالمي جديد و بدء الشعوب المقهورة و المسلوبة الإرادة بالإنتفاضة و الثورة على المحتلين و على الحكومات العنصرية و الشمولية البدائية المتخلفة و التغييرات التي حصلت و تحصل في منطقة الشرق الأوسط و في جنوب غرب آسيا و خاصة في الدول المحتلة لكوردستان و إنهيار صرح هذه الحكومات العنصرية المتخلفة و تأسيس إقليم شبه مستقل في جنوب كوردستان، كل هذه التطورات الإيجابية لشعب كوردستان ساعدت و تساعد على إكتشاف معالم حضارة الشعب الكوردي و عراقته و إمتداد جذور وجوده في وطنه منذ بدء الخليقة. هكذا بدأ يظهر التأريخ العريق للشعب الكوردي و تنكشف محاولات العنصريين في تزييف حقائق التأريخ الكوردي و عراقة حضارته و لغته. لذلك إرتأيتُ أن أكتب نبذة مختصرة عن تأريخ اللغة الكوردية بعد ظهور معلومات جديدة في هذا المجال لتبيان دجل و أكاذيب العنصريين الذين يتناولون الحضارة و اللغة الكوردية و لوضع هذه المعلومات التأريخية في متناول الكورد الذين يجهلونها و يتساءلون عن تأريخ لغة شعبهم و عُمق جذورها التأريخية.

إستعمل أسلاف الكورد، السومريون (صور رقم 1-3) و الإيلاميون (صور رقم 4-5) و الميديون (صورة رقم 6) الكتابة المسمارية التي هي نوع من الكتابة التي كانت يتم نقشها على ألواح الطين و الحجر و الشمع و المعادن و غيرها و التي كانت مُستعملةً من قِبل الشعوب القديمة في جنوب غرب آسيا. اللغة الكوردية هي أيضاً إمتداد للغة الميتانية، حيث أن تدوين لوحات ملوك الأشوريين تم باللغة الكوردية القديمة التي معظم مفرداتها لا تزال باقية في اللغة الكوردية الحالية. كما أن الكورد هم أصحاب التراث اللغوي والتأريخي لسكان المنطقة.

المفكر الكوردستاني مسعود محمد يتوصل في بحثه المنشور في كتابه المعنون "لسان الكُرد" الصادر في عام 1987، الى أن الكتاب المقدس للديانة الزردشتية، الآڤێستا، مكتوبة بِلغة كوردية قديمة، حيث أن اللهجة الموكريانية هي نفسها لغة الآڤێستا و لا يزال الموكريانيون في شرق كوردستان محافظين على لُغة الآڤێستا و يتكلمون بها. كان الميديون يستعملون الخط المسماري في الكتابة و أحياناً الخط الهيروغليفي الذي تغيّر شكله نسبياً بعد أن أصبحت الزردشتية الدين الرسمي للبلاد، إذ تم إستخدام حروف مشابهة للمسمارية في كتابة " الآڤێستا"، و التي تُسمّى "اللغة والكتابة الآڤێستية" (صورة رقم 6). اللغة الپهلوية كانت اللغة الرسمية للدولة الساسانية و التي كتابتها عبارة عن كتابة مقطعية مأخوذة من الأبجدية الآرامية (صورة رقم 7)، حيث أن اللغة الكوردية هي وريثة اللغة الپهلوية.

كان للكورد قبل الإحتلال العربي الإسلامي لكوردستان، أبجدية خاصة بهم للكتابة (صورة رقم 8)، حيث نشر الباحث في الدراسات التأريخية واللغوية الشرقية الأستاذ محمد روني المراني مقالاً مهماً عن الأبجدية الكوردية المستعملة قبل الإحتلال العربي الإسلامي لكوردستان، معززاً بالحروف الكوردية التي كانت تُستعمَل في الكتابة آنذاك (يمكن ملاحظة الرابط رقم 1). يذكر في مقاله بأن إبن وحشية قبل أكثر من ألف و مائة سنة، نشر كتابه المعنون "شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام" (أحتفظ بنسخة إلكترونية من هذا الكتاب)، حيث يذكر إبن وحشية في كتابه المذكور الحروف الكوردية القديمة المستعملة من قِبل الكورد. الكتاب مطبوع في أوربا قبل قرنين من الزمن وأن نسخة المخطوطة ترجع إلى أكثر من عشرة قرون.

إبن وحشية هو أبو بكر أحمد بن علي بن قيس بن المختار بن عبد الكريم بن حرثيا و المعروف بالصوفي وهو كلدانيّ الأصل، عالمٌ بالكيمياء و اللغة و الزراعة، لا يُعرف له تأريخ ميلاد و يرجّح أنه توفي في أواخر القرن الثالث الهجري – العاشر الميلادي. كان يعيش في "قسين" التي كانت كورة من مدينة الكوفة الحالية. أورد إبن النديم أسماء كثير من مؤلفاته. من كُتبه الأخرى وترجماته: غاية الأمل في علوم الرياضيات، الفوائد العشرون في الكيمياء، الإشارات في السحر، الأصنام، الحياة و الموت في علاج الأمراض، كتاب الطبيعة، كتاب الفلاحة النبطية (مخطوط) ترجمه عن الكلدانية في سنة 291هـ، و كتاب في إصلاح الكروم والنخيل (مخطوط) ترجمه عن الكوردية في دمشق.

في هذا الكتاب يعنون إبن وحشية الباب السابع من كتابه في صفحة 67 كالآتي: "الباب السابع من شوق المستهام في معرفة رموز الأقلام في ذكر أقلام الملوك التي تقدمت من ملوك السريان والهرامسة والفراعنة والكنعانيين والكلدانيين والنبط والأكراد والكسدانيين والفرس والقبط" (يستعمل إبن وحشية عبارة "رموز القلم" للدلالة على "حروف الكتابة"). كما أنه يكتب في صفحة 131 ما يلي: "و أما الكلدانيين فكانوا أعلم الناس في زمانهم بالعلوم و المعارف و الحُكم و الصنايع، و كان الأكراد يريدون مناظرتهم و مماثلتهم". يستنتج المرء من هذا القول بأن الكورد كانوا أهل العلم و المعرفة، حيث أنهم كانوا ينافسون الكلدانيين في هذا المجال. يستطرد إبن وحشية في حديثه في نفس الصفحة  قائلاً: "و إنما كانت براعة الأكراد الأول في صناعة الفلاحة وخواص النبات ويدعون أنهم من أولاد بينوشاد، وقد وصل إليهم سفر الفلاحة لآدم عليه السلام". يقول إبن وحشية في كتابه عن الكتابة الكوردية ما يلي: "وهو من الأقلام العجيبة والرسوم الغريبة، وقد رأيت في بغداد في ناووسٍ من هذا الخط نحو ثلاثين كتاباً، وكان عندي منها بالشام كتابَين: كتاب في إفلاح الكرم والنخيل، و كتاب في علل المياه و كيفية استخراجها من الأراضي المجهولة، فترجمتُها من لسان الأكراد إلى اللسان العربي لينتفع به أبناء البشر". يقول ابن وحشية في نهاية كتابه المذكور ما يلي: "صفة قلم آخر من الأقلام القديمة وفيه حروف زائدة عن القواعد الحرفية، تدّعي الأكراد وتزعم أنه القلم الذي كتب به بينوشاد وماسي التوراتي جميع علومهما وفنونهما وكُتُبهما".

هكذا نرى بأن القراءة و الكتابة والصحافة كانت منتشرة في كوردستان منذ القدم، نظراً لكون الكورد أحد أعرق شعوب الأرض و لكون كوردستان مهد الحضارة البشرية الثانية. كانت اللغة الكوردية هي اللغة المستعملة من قِبل سكان المنطقة المحصورة بين منابع نهري دجلة و الفرات و الخليج، (كوردستان)، حيث كانوا يتكلمون و يكتبون بها. اللغة الكوردية كانت اللغة الرسمية الوحيدة في بلاد ما بين النهرين و كانت دفاتر ودواوين دار بكاملها تُدار من قِبل الكورد في هذه البلاد. العملة النقدية كانت أيضاً مسكوكة باللغة الكوردية في كوردستان، وفي كل المناطق الناطقة بالكوردية. إن جميع الكتب الفارسية التي ظهرت في العصر الإسلامي قد تمت ترجمتها من الكتب الكوردية التي تعود الى العهد الساساني، حيث أنّ اللغة الپهلویة (الكوردية) كانت اللغة الرسمية للدولة الساسانية.

الخليفة الاموي عبدالملك بن مروان کان من أکثر الخلفاء الأمويين تمسکاً بالتعصب العربي العنصري، حيث طبّق سياسة التعريب في مجالات عديدة. لقد منع بن مروان التعامل بالعملة الرومية التي کانت متداولة آنذاك و إستعاض عنها بسکة عربية. کما منع إستعمال اللغة الپهلوية في الدواوين و الشؤون الرسمية الادارية فقام بتعريب الجهاز الحکومي الإسلامي في زمن أبو محمد الحجاج بن يوسف الثقفي (660 - 714 م)، وهو كان سياسياً و قائداً عسكرياً أموياً. حينذاك كان العراق يشتمل على عراقَين، عراق العرب وعراق العجم. كانت جميع الدواوين الرسمية بإدارة رجل كوردي إسمه (زادان مه رروخ). تمت ترجمة جميع الدفاتر وأمور الدولة من اللغة الكوردية إلى اللغة العربية في زمن الحجاج الثقفي و بأمر منه. كانت اللغة الكوردية وأبجديتها متداولة حتى زمن الحجاج بن يوسف الثقفي دون إنقطاع و كانت الأبجدية الكوردية تُستعمل حتى أواخر عصر الخلفاء العباسيين. بعد أن ألغى الحجاج اللغة الكوردية كلغة رسمية لبلاد ما بين النهرين و إستبدلها باللغة العربية، بقيت اللغة الكوردية وأبجديتها مستعملة على نطاق ضيق وبشكل سري (لمزيد من المعلومات حول تأريخ اللغة الكوردية يمكن مراجعة كتاب الأستاذ كێو موكريانی المعنون " فەرهەنگي مەهاباد"، چاپي يەكەمين – هەولێر- چابخانەى كوردستان، 1961 و كتاب "مێژووی كورد و كوردستان" للكاتب محمد مەردوخي كوردستانی، ترجمة السيد عبدالكريم محمد سعيد، مطبعة أسعد، بغداد، 1991).

رغم الظلم التأريخي الذي تعرضت له الأمة الكوردية على مدى حوالي 26 قرناً، أي منذ سقوط الإمبراطورية الميدية في عام 560 قبل الميلاد، حيث لم تستطع هذه الأمة أن تؤسس دولة خاصة بها، فأنها صمدت بوجه الغزوات و الإحتلال و الإبادة و التعريب و التفريس و التتريك و لم تستسلم لإرادة المحتلين و بذلك إستطاعت أن تحافظ على وجودها كأمة نظراً لعراقتها و إمتداد جذورها التأريخية في أعماق كوردستان. هكذا بالنسبة للغة الكوردية، فأنها واصلت تطورها و تقدمها رغم إفتقاد الشعب الكوردي لكيان سياسي يقوم بتطوير هذه اللغة و الحفاظ على ديمومتها. إختارت المجلة الفرنسية (Le Françaıs dans le mond) المختصة باللغات في عام 2008 في عددها 355، اللغة الكوردية كلُغةٍ حيّة من ضمن 88 لغة في العالم، حيث جاءت اللغة الكوردية في هذا التقييم في المرتبة 31 من بين اللغات العالمية الحيّة، بينما جاءت لغات شعوب لها كيانات سياسية مستقلة مثل اللغة البيلاروسية و الرومانية و الهندية و البلغارية و الفارسية و الصربية و الآذرية و اللغة الفيتنامية و الأزبكية و الپشتو الأفغانية بعد اللغة الكوردية في المرتبة 32 و 34 و 37 و 39 و 40 و 41 و 47 و 54 و 56 و 58 على التوالي (لاحظْ الرابط رقم 2 ).

كانت كوردستان مهد الحضارات و الكتابة و اللغات، لذلك فأن اللغة الكوردية هي لغة ثرية جداً و كل ما يحتاجه اللغويون الكورد هو جمع شتات اللهجات الكوردية و إجراء مسوحات ميدانية، و خاصة في المناطق النائية المحتفظة بمفرداتها الكوردية الأصيلة و الإستفادة من (آفيستا) التي تحمل في طياتها مفردات كوردية عريقة و الإستعانة بكتب الديانات الكوردية القديمة الأخرى، مثل الديانة الإيزيدية و الكاكائية التي تُعتبر من المصادر الأصيلة للمفردات الكوردية و البحث في ثنايا الوثائق و الكتب الكوردية القديمة و الكتابات الكوردية في معالم الآثار التي تنتشر بشكل كبير في أرجاء كوردستان، بدلاً من محاولة تعريب و تتريك و تفريس اللغة الكوردية و إدخال مفردات و أصوات أجنبية غريبة على اللغة الكوردية و الذي يؤدي الى تشويه لغتنا الجميلة. يجب أن لا ننسى بأن اللغة الكوردية هي من أعرق اللغات في العالم و أن جميع اللغات الهندو- أوروبية و بدون إستثناء، متأثرة بها و إستعارت منها الآلاف من الكلمات و أنّ الباحثيين اللغويين الكورد مدعوون لإجراء دراسات و بحوث لمعرفة تأثير اللغة الكوردية على اللغات الهندو- أوروبية و لغات الشعوب الجارة للكورد من عرب و أتراك و فرس.

الكورد بحاجة الى البحث عن كلمات كوردية أصيلة في كافة اللهجات الكوردية، من لورية و كرمانجية شمالية و جنوبية و هورامية لإثراء اللغة الكوردية و تخليصها من مفردات أجنبية و أصوات غير موجودة في اللغة الكوردية مثل حروف ال(ع) و ال(غ) و ال(ح). لو نعود قليلاً الى تصفح التأريخ الكوردي القديم، لنرى أن قمم جبل جودي في شمال كوردستان كانت مهد الحضارة البشرية الثانية و أن جميع الحضارات الكوردية العريقة ظهرت في لورستان و إيلام و بلاد ما بين النهرين، بدءً من الحضارة السومرية و مروراً بالحضارات الإيلامية (العيلامية) و  الميدية و إنتهاءً بالإمبراطورية الساسانية. من عراقة الحضارات الكوردية، ندرك أن أرض كوردستان، المناطق السهلية المنبسطة منها، كانت مهد اللغات و الثقافات و الأديان و العلوم و أن الشعوب العربية و الفارسية و التركية و الأوروبية قد أخذوا الكثير من المفردات الكوردية و أثروا بها لغاتهم و إستعانوا بها لتطوير لغاتهم و سد نواقصها. ينقل الدكتور مؤيد عبد الستار في مقاله القيّم المعنون "السومرية والعلاقة اللغوية مع الانجليزية والكردية (الرابط 3) بأن البروفيسور الإنكليزي "واديل" يذكر في مقدمة قاموسه السومري – الآري بأن أكثر من 50% من كلمات اللغة الإنكليزية الحالية التي هي اللغة الرسمية لكوكبنا الأرضي في الوقت الحاضر، مأخوذة من اللغة السومرية، لغة أسلاف الكورد (Wadell, L. Austin (1927). Sumer – Aryan Dictionary,  London).

في محاضرة قيّمة للغوي الكوردستاني، البروفيسور جمال نەبەز الذي ألقاها في المؤتمر الاسلامي الثاني لحل القضية الكوردية و الذي تم إنعقاده في مدينة كولن الألمانية في عام 1994 و تم نشرها ككتاب بعنوان "المستضعفون الکورد و إخوانهم المسلمون"، يذكر الدكتور نبز بأنه نظراً لِكون اللغة العربية لغة البداوة، عاجزة عن سد متطلبات وحاجات المعاملات الرسمية في إمبراطورية مترامية الأطراف، فقد إضطر العرب أن يدخلوا الی اللغة العربية آلافاً من الکلمات الکوردية الاصيلة. يذكر الدكتور نبز على سبيل المثال، بعض الكلمات الكوردية الأصيلة التي تم أخذها من قِبل العرب، مثل کلمات الدستور و الجمهور و الجزية و الهندسة و النموذج و الساذج و الدست و الحرف و البريد و العسکر و القلم و الدفتر و التاريخ و الوزير و کذلك کلمات الفردوس و جهنم و السراط و المسجد و الجولق و الديزج و الديوان و البيادة و الجمع و الشمع و البرق و الأستاذ و الفولاذ و البابوج و الخانة و الخزانة و الدولاب و الورق و الکهرباء و الفن و الخندق و البيمارستان. كلمة "بيمارستان" دخلت الی اللغة العربية في عهد صلاح الدين الأيوبي عندما أسس أول مستشفی في مصر. يذكر البروفيسور جمال نەبەز أيضاً بأنّ الكلمة العربية "ثورة" مأخوذة من الكلمة الكوردية "شۆرە" التي تعني "العنف و الإنفجار و الإنتفاضة" (جەمال نەبەز. ناسنامە و كێشەی ناسیۆنالی كورد لە چەند سەمینارو كۆڕێكی زانستیدا. بڵاوكراوەی بنكەی كوردنامە - لەندەن 2002، لاپەڕە 232). كما يذكر الأستاذ نبز في صفحة 233 من كتابه المذكور بأن "ئاسمان ASMAN" الكوردية التي تعني "السماء"، هي متكونة من كلمتين، هما "ئاسۆASO " التي تعني "الأُفق" و "مانMAN " التي تعني بالكوردية "مكان"، و بذلك فأنّ "ئاسمان" تعني "مكان الأُفق أي السماء"، أخذها اليهود من الكورد و غيّروها الى كلمة "شما" العبرية و العرب بدورهم  إقتبسوها و جعلوها "سماء" في اللغة العربية. يذكر الباحث المصري الدكتور لويس عوض في كتابه "مقدمة في فقه اللغة العربية" بأن الگوتيين، أسلاف الكورد كانوا يطلقون إسم "گبل" على "الجبل" و أن العرب أخذوا هذه الكلمة الگوتية و أدخلوها الى اللغة العربية بعد أن غيّروا حرف ال"گ" الى حرف ال"ج" بسبب إنعدام هذا الحرف في اللغة العربية (رابط رقم 4)  . مفردات (صابون، طهي، برنامج) العربية مأخوذة أيضاً من اللغة الكوردية، حيث أن كلمة "الصابون" مأخوذة من الكلمة الكوردية "ساوين" و التي تعني "الدلك" و أن الإنكليز بدورهم قد إقتبسوا هذه الكلمة الكوردية و حوروها الى "soap". كلمة "الطهي" مأخوذة من الكلمة الكوردية "تاوين" التي تعني "الذوبان" أي ذوبان زيت الطعام المستعمل في الطبخ. كلمة "برنامج" إقتبسها العرب من الكلمة الكوردية المركبة "بەرنامه" المؤلفة من كلمتَي "بەر" التي تعني "قبل أو أمام" و "نامه" التي تعني "رسالة أو خبر" و هكذا تعني الكلمة المركبة "بەرنامه" "الإجراءات التي يتم القيام بها قبل تنفيذ عملٍ ما أي البرنامج". مفردات (شِعر، أرض، دين) هي مفردات سومرية - كوردية مأخوذة من قِبل العرب. كلمة "الشِعر" العربية مأخوذة من الكلمة السومرية "شرو أو سرو"، حيث أن كلمة "سرود" المتحورة من هذه الكلمة السومرية، لا تزال باقية في اللغة الكوردية و التي تعني "نشيد". كلمة "ئه‌رد" الكوردية التي تعني (أرض) هي كلمة سومرية و مذكورة أيضاً في الكتب الدينية الإيزيدية القديمة، فهي مفردة كوردية أصيلة إقتسبها العرب من الكورد، كما أنّ الإنكليز قاموا بأخذ كلمة (ئه‌رد) الكوردية و أصبحت هذه الكلمة في اللغة الإنكليزية (Earth)، التي  تُعطي نفس المعنى، و كما نلاحظ أنّها حافظت على نطقها الكوردي الى حدٍ كبير. كلمة "دين" أصلها سومري و لا يزال الكورد يستعملونها، حيث أنّ هذه الكلمة مذكورة في الكتاب الزرادشتي المقدس "ئاڤێستا" أيضاً و الذي ظهر قبل الإنجيل و القرآن في زمن الإمبراطورية الميدية الكوردية و أنّ العرب أخذوا كلمة "دين" من الكورد. الأتراك بدورهم كانوا شعباً بدوياً فقير المفردات اللغوية و إنهم هاجروا من توران الى منطقتنا قبل 800 سنة، أي أنهم حديثو العهد في المنطقة، و لهذا السبب أدخل الأتراك آلاف المفردات الكوردية الى اللغة التركية، حتى أنهم أخذوا الكلمات الكوردية المركبة مثل "سَردار" و "سَربَست" و غيرهما الى لغتهم.

تحظى مسألة توحيد اللغة الكوردية بالإهتمام الكبير من قَبل المختصين و الكُتّاب و المثقفين الكورد من خلال نشر آرائهم و وجهات نظرهم و إقتراحاتهم حول هذا الموضوع المهم. هذا الإهتمام يدعو الى التفاؤل و الأمل في أن يؤدي مثل هذه الكتابات و المناقشات الى بلورة أفكار بناءة تخدم الموضوع و يثير جلب إهتمام المسئولين الكورد و تذكيرهم بالأهمية القصوى لإستنباط أو إيجاد لغة مشتركة للكورد و دفعهم الى التحرك و العمل على إنجاز هذا العمل، نظراً لأهميته و حاجة الأمة الكوردية الملحة له، لولادة لغة مشتركة تجمع شمل لهجاتها و مناطقها و أقاليمها، و لتصبح لغة التفاهم و التخاطب و الكتابة للشعب الكوردي. إن وحدة اللغة الكوردية هي من أهم العوامل المؤدية الى توحيد هذه الأمة العريقة المشتة و إستقلال و توحيد كوردستانها المقسمة.

لا أدعّي بأنني من المختصين باللغة الكوردية، إلا أن إهتماماتي باللغات بدأت في فترة مبكرة من حياتي. بالرغم من بُعد إختصاصي عن اللغات، إلا أنه لا يكاد أن يمر يوم دون أن أدخل في مناقشات و تبادل الآراء مع الأصدقاء حول كيفية تحقيق إيجاد لغة كوردية موحدة، لأن مستقبل الشعب الكوردي و وحدته تتوقفان على نجاح هذه المهمة التأريخية الكبرى. كما أنه كلما يطيل إنتظارنا لبلوغ هذا الهدف، كلما تزداد مخاطر أن تصبح حالة تشتت و تقسيم الكورد واقعاً مستديماً يصعب علاجه و كلما يساهم في ترسيخ و تثبيت الحدود المصطنعة بين أجزاء كوردستان، بل قد تُرسَم حدود جديدة تفصل بين لهجاتها و مناطقها، حيث أن اللغة المشتركة هي إحدى المقومات الأساسية لبناء صرح أمة حية قادرة على الديمومة و التطور. هنا لا أسمح لنفسي أن أتصدى لموضوع مهم و شائك، كموضوع توحيد اللغة الكوردية، الذي يقع خارج إختصاصي، حيث أتركه لأهل الإختصاص للبت فيه و معالجته، إلا أنني هنا أطرح أفكاراً و آراء قد تكون مفيدة و تكون موضع إهتمام اللغويين و المسئوليين الكورد لجمع شمل الكورد حول لغة مشتركة توحدّهم و توحّد بلادهم.

لو ألقينا نظرة على الواقع الكوردستاني، نرى أن هناك العديد من المعوقات التي تقف في طريق وحدة اللغة الكوردية. أهم و أخطر هذه التحديات هي إفتقار الشعب الكوردي الى كيان سياسي يجمعهم و يوحد لغتهم. كما أن كوردستان بلد محتل من قِبل أربع دول (تركيا و إيران و العراق و سوريا)، بالإضافة الى تشتت الكورد في بلدان أخرى مثل أرمينيا و أذربيجان و جورجيا و لبنان. هذه الحالة من الإنقطاع و الإنفصال المفروضة على الكورد بسبب هذا الإحتلال، حيث تُقسّم حدوداً مصطنعة الشعب الكوردي و بلده و تُشكّل حاجزاً سياسياً و جغرافياً يمنع التواصل اللغوي و الثقافي و الإجتماعي بين سكان الأقاليم الكوردستانية و تفرض على اللغة الكوردية التطور في كل إقليم بمعزل عن الأقاليم الأخرى و التي تُشكّل العقبة الرئيسة في طريق ظهور لغة كوردية موحدة وتعمل على خلق تباعد بين اللهجات الكوردية. كما أن كل جزء محتل من كوردستان يتبع الدولة المحتلة له سياسياً و ثقافياً و إقتصادياً و بذلك فأن المحتلين يقررون السياسة الثقافية و اللغوية و يفرضونها على الشعب الكوردي.

إختلاف حروف الكتابة في كل دولة محتلة لجزء من كوردستان عن تلك المستعملة في الدول الأخرى المحتلة لأجزاء من كوردستان، خلق كتابة كوردية بثلاث أنواع من الحروف، حيث أجبرت الأنظمة المحتلة الكورد على إستعمال أبجديتها. في كل من العراق و سوريا، اللغة العربية هي اللغة الرسمية فيه، حيث تُستعمل الحروف الآرامية في الكتابة، مما إضطر الكورد في جنوب كوردستان الى تبنّي الأبجدية الآرامية (العربية) في الكتابة الكوردية دون توفر حق إختيار أبجدية تلائم الأصوات الموجودة في اللغة الكوردية. أما في غرب كوردستان، فأن تبعية الأبجدية الكوردية للعربية لم تُتبع و شذت عن القاعدة، حيث أن الكورد هناك إختاروا الكتابة بالأبجدية اللاتينية نظراً لتأثرهم بالكتابة اللاتينية المستخدمة في شمال كوردستان، حيث الترابط العائلي و الإجتماعي بين كورد الغرب و الشمال و لإشتراكهم في التكلم باللهجة الكرمانجية الشمالية. في تركيا، حيث تُستخدم الأبجدية اللاتينية، يستعمل الكورد الشماليون تلك الحروف في الكتابة الكوردية دون أي إعتبار لملاءمة هذه الأبجدية للغة الكوردية أو حاجتها لبعض التغييرات و التحويرات اللازمة لجعلها تتناغم مع الأصوات الموجودة في اللغة الكوردية. هكذا في الإتحاد السوفيتي السابق، أصبحت اللغة الكوردية تستعمل الحروف السنسكريتية التي كانت متبعة هناك. نرى أن إحتلال كوردستان من قِبل شعوب عرقية مختلفة، أدى الى ظهور الكتابة الكوردية بثلاث أبجديات مختلفة و الذي أدى بدوره الى خلق مشكلة كبيرة لتوحيد اللغة الكوردية و التي أصبحت عقبة في طريق وحدة الشعب الكوردي.

إيجاد لغة كوردية مشتركة تواجه عقبة أخرى هي وقوع الكورد تحت إحتلال دول عنصرية و دكتاتورية متخلفة تحاول إلغاء اللغة الكوردية بكل الوسائل المتوفرة لديها، بل تعمل على إلغاء الشعب الكوردي عن طريق التتريك و التعريب و التفريس. في مثل هذه الظروف، تكون اللغة الكوردية مهددة بالتأخر أو التقوقع و تصبح مسألة توحيدها و تفاعل لهجاتها أمراً صعباً. في تركيا، لا تسمح الحكومة العنصرية للكورد أن يتعلموا لغتهم الأُم و تمنع إستعمالها في وسائل الإعلام و في المدارس و المعاهد و الجامعات و تفرض اللغة التركية عليهم. نتيجة إفتقار الكورد لكيان سياسي خاص بهم و فقر اللغة التركية، يقوم الترك بسرقة و نهب المفردات الكوردية و يجعلونها ملكاً لهم، حتى أن الثقافة الكوردية من أدب و شعر و فن، لم تنجُ من سرقة الأتراك لها (راجع كتاب الباحث التركي الدكتور إسماعيل بيشيكجي المعنون (”كوردستان مستعمرة دولية “، ترجمة زهير عبد الملك، 1998، صفحة 257-261 )، حيث يقومون بسرقة ثقافات الشعوب الأصلية في المنطقة. معاناة اللغة الكوردية في غرب كوردستان تتشابه مع تلك في تركيا، حيث أن اللغة العربية هي اللغة الرسمية في سوريا التي تحتل هذا الجزء من كوردستان، و أن الكورد هناك محرومون من تعلم لغتهم و تطويرثقافتهم، بل أن حوالي 250 ألف شخص من المواطنين الكورد هناك محرومون من المواطنة السورية. هكذا بالنسبة للنظام الإيراني الذي يُحرّم الكورد من تعلم لغتهم و الحفاظ عليها و تطويرها و توحيدها. في العراق، منذ تكوين الكيان السياسي العراقي، سُمِح للكورد في جنوب كوردستان بتعلم اللغة الكوردية، إلا أنه إقتصر على مناطق محدودة كمحافظة السليمانية، بينما حُرّم المواطنون الكورد من تعلم اللغة الكوردية في مناطق بهدينان و كَرميان مثل دهوك و كركوك و خانقين و مندلي و بدرة و غيرها من المناطق و المدن و القصبات الكوردستانية، الى أن تم إنشاء المنطقة الآمنة في جزء من جنوب كوردستان و من ثم سقوط النظام البعثي في العراق، حيث أصبحت الكوردية اللغة الرسمية في الجنوب، إلا أنه مما يؤسف له أن حكومة جنوب كوردستان، بعد مرور أكثر من عشرين عاماً على إدارتها لجنوب كوردستان لم تعمل على توحيد اللغة الكوردية في الجنوب، حيث في مناطق سوران و گرميان، لا تزال تُستعمل اللهجة الكرمانجية الجنوبية و تتم الكتابة بالحروف العربية، بينما في منطقة بهدينان، تُستخدم اللهجة الكرمانجية الشمالية و تتم الكتابة بالحروف اللاتينية.

تأخًر كوردستان و إستمرارية هيمنة نظام المجتمع الزراعي فيها، تُعتبر سبب مهم آخر لتخلف اللغة الكوردية عن التوحد و تجانس لهجاتها. لو كان كل إقليم من أقاليم كوردستان أو الدول المحتلة لها، متطورة إقتصادياً و صناعياً كالدول الغربية على سبيل المثال، لإستطاعت أن تخدم وحدة اللغة الكوردية و لتقاربت لهجاتها و تمكنت اللغة الكوردية من الإزدهار نتيجة ظهور سوق مشتركة بين المناطق و الأقاليم الكوردستانية و تواصل إقتصادي بينها.

تعدد الكتابة الكوردية يُعتبر من العوامل التي ساهمت أيضاً في عدم ظهور لغة كوردية موحدة، حيث أن كتابة لغوية موحدة تعمل على التقريب بين اللهجات من خلال التواصل الكتابي بين المجاميع اللهجوية لشعب ما. كما أن الطبيعة الجبلية لكوردستان خلقت لهجات كوردية عديدة و جعلت اللهجات تتقوقع على نفسها و تنعزل نتيجة إنعزال المجموعات اللهجوية و المناطقية عن بعضها و التي ساهمت الى حد ما في عرقلة تواصل اللهجات الكوردية و تفاعلها لخلق لغة كوردية مشتركة.


صورة رقم 1: كتابة سومرية



صورة رقم 2: كتابة سومرية



صورة رقم 3: كتابة سومرية


صورة رقم 4: كتابة إيلامية


صورة رقم 5: كتابة إيلامية



صورة رقم 6: كتابة الآفيستا في زمن الإمبراطورية الميدية


صورة رقم 7: الكتابة الپهلوية التي كانت اللغة الرسمية للدولة الساسانية


صورة رقم 8. حروف الكتابة الكوردية التي كانت مستخدمة قبل الإسلام

الروابط
 
1.   http://www.atinternational.org/forums/showthread.php?t=5763

2.   http://pulpit.alwatanvoice.com/content/print/237299.html

3.   http://www.gilgamish.org/viewarticle.php?id=language-20061006-202

4.    http://www.doxata.com/aara_meqalat/9962.html

mahdi_kakei@hotmail.com


166
ملاحظات حول إستخدام بعض المصطلحات العنصرية و الخاطئة

د. مهدي كاكه يي


هناك مصطلحات تُستعمل بشكل خاطئ من قِبل بعض الكُتاب و المثقفين و السياسيين. قسم من هذه المصطلحات يتضمن مصطلحات تقرّ بوصاية الحكام و الشعوب الحاكمة على الجماهير و الشعوب المحكومة. قسم آخر من هذه المصطلحات هو عبارة عن مصطلحات عنصرية تُلغي الشعوب و القوميات غير العربية التي تعيش في المنطقة و التي تم إبتكار معظمها خلال ذروة إنتشار الفكر العروبي العنصري في المنطقة. القسم الثالث من هذه المصطلحات التي نحن بصددها هي مصطلحات خاطئة تُستعمل من قِبل بعض المثقفين و الكُتّاب و السياسيين الكورد و أعتقد بأن غالبية هؤلاء الكورد يستخدمون مثل هذه المصطلحات عن جهل، حيث يُقلّدون السياسيين الكورد التقسيميين الذين إبتكروا هذه المصطلحات تماشياً مع إستراتيجياتهم و أهداف تنظيماتهم و حركاتهم و في بعض الأحيان تم إبتكار بعض المصطلحات الخاطئة نتيجة جهل السياسيين الكورد أو كلاسيكية عقليتهم و تفكيرهم.

نتيجة التطور الهائل الذي حدث في حياة البشرية و في الفكر الإنساني في العقود الأخيرة، حيث العولمة و الثورة التكنولوجية الفريدة في التأريخ، أصبحت المصطلحات العنصرية و المسيئة للشعوب و الأفراد عاجزةً عن الإستمرار و الملاءمة مع العصر الذي نعيش فيه الآن، حيث يناضل الإنسان و الشعوب من أجل تحقيق حريتها و تثبيت مبادئ المساواة و العدالة الإجتماعية بين البشر بِغض النظر عن العنصر و اللغة و الدين و المُعتقد و الجنس و اللون و الجنسية و القُدرة البدنية و النفسية و العقلية. إن الزمن الذي يعاصره الإنسان اليوم بدأ يخلق ثورة كبرى في الفكر الإنساني و يجعله أن يترك الكثير من المعتقدات و الأفكار و المبادئ البالية التي إجتازها الزمن و لا تُجاري واقع الحياة في عصرنا الحاضر و بدلاً منها تترسخ في الإنسان معتقدات و أفكار و مبادئ و مفاهيم معاصرة و بذلك يبتكر الإنسان مصطلحات جديدة تُلائم الزمن الذي نحن فيه ليتمكن الإنسان التواصل مع الحياة المعاصرة و التكيّف مع شروط الإنتماء الى المجتمع الإنساني الذي يواصل نضاله من أجل تحقيق حياة إنسانية خالية من العنصرية و التمييز و التفرقة و الإستعباد و الإضطهاد و الجشع و الظلم الثقافي و الإجتماعي و الإقتصادي و أن يكون الإنسان حراً عزيزاً و مُرفهاً.

هنا أود أن أشير الى بعض المصطلحات العنصرية و الخاطئة التي يتم إستخدامها:

إعطاء أو منح أو أخذ الحرية أو الحقوق
يتم إستعمال المصطلحات "إعطاء أو منح أو أخذ الحرية  أو الحقوق" و أصبحت هذه المصطلحات مألوفة و مقبولة من قِبل الكثيرين دون الإلتفات الى إقرارها للعبودية. تم إبتكار هذا المصطلح من قِبل الحُكام الطغاة لترسيخ فكرة إستعباد الأفراد و الشعوب على السواء من قِبل الحُكام و أصحاب السلطة، حيث أنهم "يتكرمون" على الشعوب و الأفراد "العبيد" بمنحهم حرياتهم و حقوقهم و هذه الشعوب و الأفراد "ممتنّين" ل"سادتهم" "بأخذهم" حريتهم و حقوقهم منهم. الحرية و الحقوق لا تُمنَح و لا تؤخَذ، حيث الجميع ولدتهم أمهاتهم أحراراً و عليه هم متساوون في الحقوق و الواجبات و يجب أن يتمتعون بالحرية و الحقوق و ليست هناك مَن "يمنح" الحقوق أو "يأخذ" الحقوق، بل يجب أن "يتمتع" الإنسان بحريته و حقوقه التي يناضل من أجلها.

الشعب
الشعب هو مجموعة بشرية لها خصوصيات لغوية و ثقافية و تأريخية مشتركة خاصة بها بالإضافة الى وجوب إمتلاكها لأرض ذات حدود محددة تجمع أفرادها و يكون لها الحق في تقرير مصيرها، بما فيه حق تأسيس دولة مستقلة خاصة بها كما ينص ميثاق الأمم المتحدة على ذلك. هناك العديد من القوميات و الأقليات العرقية في العراق على سبيل المثال، مثل السريان و الكلدان و التركمان و غيرهم، تطلق على نفسها "شعوباً" رغم أنها ليست بشعوب. في حالة القوميات و الأقليات العرقية التي لا تمتلك أرضاً مترابطة معيّنة تجمعها، كما في حالة القوميات و الأقليات العرقية الآنفة الذكر التي تفتقر الى منطقة جغرافية محددة تضمها، فأنها تفتقد الى الشروط و المقومات المطلوبة لتكون شعوباً.

الوطن العربي
إبتكر العروبيون المصطلح العنصري "الوطن العربي" الذي لا وجود له على أرض الواقع و يطلقونه على المنطقة المحصورة بين الخليج الفارسي و المحيط الأطلسي و بذلك يعتبرون هذه المنطقة هي أرض عربية و أن الشعوب الأصلية صاحبة الأرض مجرد مهاجرين غرباء فيها، بل يعتبرون الشعوب و القوميات القاطنة في "وطنهم العربي" جزءً من العرب. هكذا يلغي العروبيون جميع الشعوب و القوميات و الأقليات التي تعيش في هذه المنطقة. في هذه المنطقة التي تُسمّى ب"الوطن العربي" يعيش أكثر من 11 ملايين كوردي (3 و 8 ملايين نسمة في الإقليم الغربي و الجنوبي الكوردستاني على التوالي) و الأمازيغ الذين يُشكلون الأكثرية المطلقة لسكان شمال أفريقيا و يصل تعدادهم الى حوالي 40 مليون نسمة و النوبيون الذين هم السكان الأصليون لبلاد "نوبيا" التي تم تقسيمها بين كل من السودان و مصر و تُقدّر نفوس النوبيين بحوالي 17 مليون نسمة (14 مليون في السودان و 2-4 مليون في مصر) و الأقباط الذين هم السكان الأصليون لمصر و تبلغ نفوسهم أكثر من 15 مليون نسمة (حوالي 13 مليون في مصر و أكثر من 2 مليون في خارج مصر) و السريان و الكلدان و الآشوريين و الأرمن و اليهود و التركمان و غيرهم الذين يمكن تقدير نفوسهم بحوالي  7 ملايين نسمة. من خلال هذه الإحصائية، فأن نفوس القوميات و الشعوب غير العربية في المنطقة المسماة عنصرياً ب"الوطن العربي"، تبلغ حوالي 90 مليون نسمة الذين يحاول العروبيون العنصريون إلغاء وجودهم كشعوب و قوميات.  إن هذه المنطقة هي الموطن الأصلي لمعظم الشعوب و القوميات غير العربية التي تقطن فيها و التي تم إحتلال أوطانهم من قِبل العرب بعد ظهور الدين الإسلامي. هنا لا أريد العودة الى التأريخ للتحري عن أصل العرب، بل كل ما أريد ذكره هو أن العرب كانوا يتواجدون فقط في اليمن، حيث كان القحطانيون يسكنون هناك و الذين هم عرب أقحاح. كان العدنانيون المستعربون يسكنون في الحجاز. من بين القبائل العدنانية المستعرَبة هي قبيلة قريش التي ينتمي إليها النبي محمد.

الدول العربية
هكذا بالنسبة الى مصطلح "الدول العربية"، حيث بإستخدام هذا المصطلح يتم تعريب كافة الشعوب و القوميات التي تعيش على أراضيها التأريخية في المنطقة و التي تم إحتلالها من قِبل العرب. هذه الكيانات السياسية خلقها الإستعمار البريطاني و الفرنسي بعد إنتهاء الحرب العالمية الأولى و قاما بجمع مزيج من الشعوب و القوميات المتنافرة في كيانات سياسية لتكون مصدر حروب و نزاعات و إضطرابات مستمرة بين مكونات هذه الكيانات لتبقى دولاً مصطنعة متأخرة و متخلفة لتستطيع الدول الإستعمارية مواصلة الإستحواذ على خيرات المنطقة و جعلها سوقاً رائجة لمنتوجاتها.

قد يقول المرء بأن إطلاق إسم "كوردستان" على بلاد الكوردستانيين هو تسمية عنصرية أيضاً، حيث يتم بموجبها إلغاء القوميات الكوردستانية غير الكوردية. للإجابة على هذا التساؤل المشروع هو أن المنطقة التى تُسمى "كوردستان" اليوم عُرِفت ب"بلاد الكورد" منذ آلاف السنين، حيث كان السومريون يسمّون المنطقة (كورا قوتيوم) و التي تعني "أرض كاردا" و الأشوريون كانوا يسمونها (كورتي) و البابليون كانوا يطلقون عليها إسم " قاردو" و الإغريق سموها "قاردوتشوي" و الرومان أطلقوا عليها إسم (كوردرين). أول من أطلق إسم "كوردستان" على موطن الكورد هو السلطان السلجوقى سنجر و ذلك فى أواسط القرن السادس للهجرة (القرن الثاني عشر الميلادي) أي قبل أكثر من 800 سنة ( راجع كتاب "الأراضي فى شرق عصر الخلافات" للباحث لى سترينج الصادر في عام 1930). من هنا يُدرَك بأن "كوردستان" هي تسمية تأريخية ليست لها أية صلة بالعنصرية، حيث أن الفكر القومي لم يكن له وجود في تلك العهود القديمة، بينما المصطلحات العنصرية التي نحن بصددها تم إبتكارها على أسس قومية عنصرية في السنين الأخيرة بعد ظهور الفكر القومي العروبي في المنطقة.

الدول الإسلامية
إن إطلاق إسم "الدول الإسلامية" على الدول التي يشكّل المسلمون الأغلبية فيها، يلغي عشرات الملايين من السكان غير المسلمين مثل الأقباط و الكلدانيين و السريان و الآشوريين و اليهود و الإيزيديين و العلويين و الشبك و المندائيين و الدروز و الزردشتيين و الكاكائيين و غيرهم الذين يعيشون في هذه الدول. إن معتنقي الأديان غير الإسلامية يعيشون في أوطانهم منذ زمن سحيق، قبل ظهور هذه الدول المصطنعة و قبل ظهور الإسلام و أسلمة المنطقة.

المغرب العربي و المشرق العربي

يطلق العروبيون إسم "المغرب العربي" على دول شمال أفريقيا التي يُشكّل الشعب الأمازيغي أغلبية سكانها، بينما يطلقون إسم "المشرق العربي" على الدول الآسيوية التي تحكمها حكومات عربية، و بذلك يلغون الشعوب و القوميات التي تقطن في هذه الكيانات السياسية المصطنعة.

الأكراد
يستعمل العروبيون كلمة "الأكراد" بدلاً من كلمة "الكورد" التي تعكس نظرة دونية للشعب الكوردي، حيث أن مصطلح "الأكراد" يعني الكورد الريفيين، منطلقين من نظرتهم لسكان الأرياف على أنهم متخلفون و جهلة و ساذجون و قذرون كما في حالة إستخدام مصطلح "الأعراب".

الشعب الكوردي
عند التحدث عن الكورد كقومية أو إثنية، فأن إستخدام مصطلح "الشعب الكوردي" يكون صحيحاً. تسمية الشعب الذي يعيش على أرض كوردستان ب"الشعب الكوردي" هي تسمية خاطئة. المصطلح الصحيح هو "شعب كوردستان أو الشعب الكوردستاني"، حيث أن إسم البلاد هو كوردستان و لذلك فأن الشعب الذي يعيش في كوردستان هو الشعب الكوردستاني و أن المواطن فيها يُسمى "كوردستاني". كما أن الشعب الكوردي هو جزء من شعب كوردستان، حيث أن هناك قوميات أخرى تعيش على أرض كوردستان و التي أفرادها هم مواطنون كوردستانيون. أعتقد بأن الكورد الذين يستخدمون مصطلح "الشعب الكوردي" للدلالة على "شعب كوردستان" لا يقومون بهذا الأمر من منطلق عنصري، بل ناتج عن عدم المعرفة، حيث أن الكورد أنفسهم عانوا و لا يزالون يعانون من العنصرية. هكذا بالنسبة الى حكومة و برلمان إقليم جنوب كوردستان فأنها "حكومة كوردستانية" و "برلمان كوردستاني" و ليستا "حكومة كوردية" و "برلمان كوردي"، حيث أنهما يمثلان كل القوميات التي يتألف منها شعب كوردستان و أن القوميات غير الكوردية لها ممثلون في كل من الحكومة الكوردستانية و البرلمان الكوردستاني. كما أن تسمية الأحزاب الكوردستانية ب"الأحزاب الكوردية"، هي تسمية خاطئة، حيث يجب أن تُمثل الأحزاب جميع مواطني كوردستان بمختلف قومياتهم. ظاهرة إنتشار هذه التسمية الخاطئة سائدة في إقليم غرب كوردستان، حيث حسب علمي فأن جميع الأحزاب هناك تسميتها هي "الأحزاب الكوردية" بدلاً من "الأحزاب الكوردستانية" و بذلك يتم حصر الإنتماء الحزبي بالكورد و عزل الشعب الكوردي عن مواطني القوميات و الأقليات الكوردستانية الأخرى و هذا الأمر له عواقب خطيرة على وحدة الكوردستانيين و جعلهم مجتمعاً متجانساً، تربطهم أهداف و مصالح و ثقافة مشتركة و يربطهم مصير واحد. 

المنطقة الكوردية
قسم من الكُتّاب و السياسيين و المثقفين يستخدمون مصطلح "المنطقة الكوردية" بدلاً من مصطلح "كوردستان"، التي تعني "الوطن و الأرض، بل الدولة". من المؤسف أن هناك كورداً يستعملون مصطلح "المنطقة الكوردية"، حيث أنهم التقسيميون الكورد الذين عملياً يوافقون على إحتلال كوردستان و تقسيمها و يعتبرون كل جزء محتل من كوردستان جزءً  من الدولة التي تحتله. إن هؤلاء يترسخ فيهم الشعور الدوني و التبعية الفكرية و الثقافية لمحتلي كوردستان.

كوردستان الشمالية و الغربية و الشرقية و الجنوبية
بعض الكورد يطلقون مصطلحات "كوردستان الشمالية و الغربية و الشرقية و الجنوبية" على أجزاء كوردستان و كأن هناك أربع "كوردستانات" و ليست كوردستان واحدة! لجعل هذه المصطلحات مفهومة لدى القارئ العربي، يمكن إستعمال مصطلح "إقليم شمال كوردستان" أو "شمال كوردستان" و هكذا بالنسبة للأجزاء الأخرى من كوردستان.

إنفصال كوردستان

هناك الكثير من الكُتّاب و السياسيين يخلطون بين مصطلح "الإنفصال" و "الإستقلال"، حيث يتم غالباً إستخدام "إنفصال كوردستان" بدلاً من "إستقلال كوردستان". مصطلح "الإنفصال" يتم إستخدامه عندما هناك شراكة طوعية بين جهتَين أو أكثر التي لسبب ما أو لأسباب معينة تنفصل تلك الجهات عن بعضها، كما في حالة الطلاق بين الزوجة و الزوج اللذين زواجهما يكون زواجاً طوعياً بمحض إرادة الجانبَين أو إنفصال شركاء في شركة ما أو فسخ إتحاد كونفيدرالي بين دولتَين أو أكثر. مصطلح "الإستقلال" يُستعمل عندما تكون "الشراكة" مفروضة على أحد أو عدد من الشركاء بالضد من إرادته أو إرادتهم. في حالة كوردستان، فأنها وطن مُحتّل من قِبل عدة دول و لم يصبح شعب كوردستان جزءً من الشعوب المحتلة لكوردستان بمحض إرادته و ليس شريكاً ندّاً للآخرين، لذلك فأن الصواب هو إستخدام مصطلح "إستقلال كوردستان". نرى أن مصطلح "الإستقلال" يُستعمل بالنسبة للبنات و الأبناء الذين يتركون العيش مع الوالدَين، حيث أنهم مضطرون في البداية للعيش مع أمهاتهم و آبائهم لكونهم قاصرين أو غير قادرين على إعالة أنفسهم و يكونون معتمدين على أهلهم، لذلك عند إعتمادهم على أنفسهم في معيشتهم و إنتقالهم من بيوت الوالدَين، يُستخدَم مصطلح "الإستقلال" في هذه الحالة.

mahdi_kakei@hotmail.com


167
(تركيا)  .....   الى أين؟  (26)


تنظيم و إدارة شؤون الكوردستانيين القاطنين خارج الإقليم الشمالي

1. الكوردستانيون القاطنون في "تركيا"

ب. الإقتصاد

د. مهدي كاكه يي


إن الإقتصاد يلعب الدور الأساس في حياة الأمم و الشعوب، حيث يعتمد الإنسان في حياته و معيشته عليه و يتحدد نمط حياته به. إن السياسة ترتكز على الإقتصاد، الذي يُحدد معالمها و صورها و أساليبها و أهدافها. لذلك فأن الجانب الإقتصادي هو أهم عنصر في حياة الإنسان و الشعوب للتواصل مع الحياة و خلق عالم مُرفّه يُحقق طموحات و أماني الإنسان ويُشبّع رغباته. شعب كوردستان كشعبٍ مُستَعمَر بحاجة قصوى الى تنظيم حياته الإقتصادية التي هي العامل الرئيس و الحاسم في تحرره و رفاهيته و تقدمه.

هناك أسباب عديدة لعدم قيام شعب كوردستان بتنظيم حياته في المجال الإقتصادي لحد الآن، منها أن وطنه مُحتَل و مُقسّم و يفتقد الى كيان سياسي يضمه ليقوم بإدارته و رسم سياسة إقتصادية مستقلة لنفسه و أن حكومات دكتاتورية و عنصرية تتحكم بمصيره التي تحاول بكل الوسائل أن يُلغيه و يُزيل معالم وجوده كأمة و شعب، لذلك فهو يناضل من أجل البقاء و عدم الذوبان في الشعوب المحتلة لوطنه. كما أن تأخر المجتمع الكوردستاني هو أحد العوامل الأساسية في عدم قيامه بتطوير بلاده إقتصادياً لبناء صرح إقتصادي قوي يرتكز عليه تحرره و رفاهيته. من المؤسف أن النخبة الكوردستانية، بما فيهم المثقفين و السياسيين لم يفكروا في السابق ببناء قاعدة إقتصادية متينة لوطنهم بما كانت الظروف السياسية تسمح به. لقد تغيّر العالم اليوم و بدأ وعي الإنسان يتطور و يناضل، مستخدماً وسائل حضارية لتحقيق حريته و التمتع بحقوقه و نشر العدالة الإجتماعية و قبول التعددية السياسية و القومية و الإثنية و الدينية و المذهبية و خلق عالم تعيش فيه الشعوب و الأمم في تآلف و تعاون و مساواة، دون إستغلال و إضطهاد، لتطوير الحياة الإنسانية و إسعاد الإنسان و إشباع حاجاته و رغباته المادية و الروحية على السواء. بالنسبة للكوردستانيين، هناك فرصة تأريخية سانحة لهم للبدء بإرساء دعائم إقتصاد وطنهم و التي ستوحّدهم كشعب و تضع أسس بناء دولتهم المنتظرة، و عليه يجب التحرك لتنظيم حياتهم الإقتصادية التي لم يتم الإهتمام بها لحد الآن.

هنا أحاول طرح بعض الأفكار و الخطط الإقتصادية التي قد تكون مفيدة و إستراتيجية للكورد المغتربين في "تركيا"، و يمكن كذلك تطبيقها في كافة أجزاء كوردستان و في المهجر. ينبغي إقامة مشاريع و إستثمارات إقتصادية في المناطق التركية ذات الكثافة الكوردية، مثل إستانبول و إزمير و أنقرة و غيرها من المناطق و المدن، حيث يتم تشغيل الكورد فيها لتمكينهم من إعالة أنفسهم و أُسرهم و الذي يؤدي بدوره الى التواصل بينهم لغوياً و ثقافياً و إجتماعياً. أمثلة على مثل هذه المشاريع و الإستثمارات كثيرة منها بناء مصانع و معامل إنتاجية مختلفة تعتمد في إنتاجها على المواد الخام المتوفرة محلياً و الذي بالإضافة الى تشغيل عاملين فيها، سيوفر فرص عمل في مجال إستخراج تلك المواد الأولية و نقلها و تسويقها، مثل معامل الطابوق و الزجاج و الكاشي و و غيرها. كما يمكن إنشاء مصانع و معامل لتصنيع الإنتاج الزراعي و الحيواني، مثل معامل و مصانع الحليب و اللبن و الزبدة و القشطة و الجبن و معجون الطماطة و الزيت و السكر و السجاد و الصابون و الفاكهة المجففة و اللحوم و الدواجن و غيرها، التي بدورها تقوم بإنعاش القطاع الزراعي و الحيواني و يُحسّن المستوى المعاشي للفلاحين و المزارعين و العمال الزراعيين. يمكن التركيز أيضاً على قطاع الفنادق و المطاعم و المحلات التجارية و الحوانيت الغذائية و محلات بيع الملابس و الأدوات المنزلية و غيرها، خاصة في المدن الكبيرة و في المناطق السياحية التي تفتح آفاقاً كبيرة لأسواق العمل للكوردستانيين، بالإضافة الى كونه مجالاً مُربِحاً. تأسيس البنوك و مكاتب الصيرفة و العمل في قطاع المقاولات الإنشائية و تجميع السيارات و تأسيس شركات في مختلف المجالات، و غيرها، تكون إجراء مهم آخر للتغلب على مشاكل البطالة في صفوف الكوردستانيين و رفع القدرة الشرائية لهم و الحصول على موارد مالية كبيرة. فتح دور الروضة و المدارس و المعاهد و الجامعات الأهلية و المكتبات و المطابع و المستشفيات و العيادات الطبية الأهلية، يساهم في توظيف الكوردستانيين و في الوقت نفسه يعمل على تطوير المستوى العلمي و المعرفي و المهني للسكان، بالإضافة الى تعليمهم اللغة الكوردية و تعريفهم بالتأريخ الكوردي الذي تم تشويهه و سرقته و حجبه عنهم و كما أنها مجالات عمل مربحة.

ينبغي الإهتمام بالريف و الفلاحين و العاملين الزراعيين من خلال مساعدتهم عن طريق توعيتهم و تأهيلهم و حصولهم على الأراضي الزراعية و الثروة الحيوانية و تحسين وسائل الري و تسويق منتجاتهم الزراعية و الحيوانية و إصلاح التربة و مكافحة الآفات الزراعية و فتح المحلات التجارية و الحوانيت و المعامل و المصانع في المناطق الريفية لتزدهر الزراعة و تربية الحيوانات و حركة الأسواق، و التي بدورها توفر لهم فرص العمل و تؤدي الى تحسين ظروفهم الإقتصادية و رفع مستواهم المعاشي.

إن نجاح هذا المشروع الإقتصادي الوطني الإستراتيجي الكبير الذي يتم تنفيذه في كوردستان و في مناطق الجاليات الكوردية في الدول المحتلة لكوردستان و في المهجر في الدول الأوروبية و أمريكا الشمالية، يؤدي الى خلق نفوذ إقتصادي و سياسي كبير لشعب كوردستان على النطاق الإقليمي و العالمي و يضمن إستقلال كوردستان. المشروع بحاجة الى مؤسسة مركزية عليا لإدارته و وضع البرامج و الخطط و الإشراف و التنفيذ له، بالإضافة الى فروع محلية لهذه المؤسسة، تنتشر في كافة المدن و القصبات و القرى التي تكون ضمن عمل هذا المشروع الإستراتيجي. كما أن إقامة هذا المشروع العملاق تحتاج الى مبالغ كبيرة من المال لتمويله و إنجاحه.

نظراً لأهمية المشروع و إقامته في كافة أجزاء كوردستان و في مناطق تواجد الجاليات الكوردية في البلدان المحتلة لكوردستان و في المهجر، سأتحدث عن المشروع بشمولية و الذي سيغطي في نفس الوقت الموضوع الذي نحن بصدده، ألا وهو الجالية الكوردستانية القاطنة في "تركيا". بالنسبة الى المؤسسة المركزية العليا التي تُدير المشروع، يمكن أن يتم عقد مؤتمر كوردستاني عام، يُدعى إليه ممثلو التنظيمات السياسية و منظمات المجتمع المدني و الشخصيات الوطنية و العلماء و الخبراء و الباحثين في مختلف الإختصاصات. خلال المؤتمر يتم تأسيس برلمان كوردستاني موسع يُمثل، بشكل متوازن، كافة أجزاء كوردستان و كذلك الطبقات الإجتماعية و المجموعات العُمرية و الجنسية بطريقة ديمقراطية. البرلمان سيكون له مهام سياسية و تشريعية و دبلوماسية و إقتصادية و إجتماعية و غيرها و الذي سيُشكل بدوره حكومة كوردستانية جامعة تقوم بالمهام التنفيذية و هنا لا أود الدخول في تفاصيل البرلمان و الحكومة، حيث أن الحديث عن الموضوع يتطلب كتابة مقالات مستقلة عديدة.  إذا تعذر إنعقاد مؤتمر كوردستاني عام و عدم التمكن من تأسيس برلمان كوردستاني، يمكن أن تقوم منظمات المجتمع المدني الكوردستانية و الشخصيات الوطنية و الأكاديميين و المثقفين بتأسيس تجمع كوردستاني جامع، يقوم بتنفيذ المشروع. بعد ذلك يختار البرلمان أو التجمع الكوردستاني، أعضاء المؤسسة الإقتصادية العليا و الذين يجب أن يكونوا علماء و أكاديميين و خبراء وطنيين و نزيهين و نشطين في مختلف الإختصاصات، مع التركيز على الإختصاصات الإقتصادية و المالية. المؤسسة الإقتصادية العليا ستُؤسس أربع هيئات أو مجالس إقتصادية ليكون كل منها مسئولاً عن إحدى الأقاليم الكوردستانية. هكذا يتم نشوء مجالس محلية في كل إقليم و في كل مقاطعة و منطقة و مدينة و بلدة و قرية، تتوزع على أساس وحدات جغرافية محددة في كوردستان و خارجها. يتم العمل في هذه الوحدات بشكل طوعي، على أن يتم أخذ الكفاءة و النزاهة و الجدّية بنظر الإعتبار في إختيار العاملين في الهيئات. 

بالنسبة الى رأسمال المشروع، في البداية سيكون المصدر المالي لتنفيذ المشروع، عبارة عن تبرع المواطنين الكوردستانيين، لذلك فأن الفترة اللازمة لإعتماد المشروع الإقتصادي على نفسه مالياً، تكون طويلة، حيث خلالها يكون المواطنون الكوردستانيون المموّلين الوحيدين للمشروع الى أن ينمو المشروع و تبدأ وحداته الإنتاجية بالعمل و كسب الأرباح، حيث يتحول مصدر تمويل المشروع تدريجياً من الأموال التي يتبرع بها الكوردستانيون الى الواردات التي يحصل عليها المشروع من خلال إستثماراته. بعد إكتمال المشروع، ستصبح الإستثمارات المصدر الرئيس لتمويل و تطوير المشروع الإقتصادي و يصبح تبرع المواطنين مصدراً ثانوياً. ما يقترحه الدكتور فقي كوردان في مقالتَيه القيّمتين المعنونتَين "أليس تأسيس (الصندوق الكردستاني) ضرورة إستراتيجية؟" و "الصندوق الكردستاني قوة عظمى بلا حدود!" بإنشاء صندوق كوردستاني يتم تمويله من خلال تبرع المواطنين (يمكن للقارئ الإطلاع عليهما من خلال الرابطَين الموجودَين في نهاية هذه المقالة)، يتم تطبيق فكرته في المرحلة البدائية من المشروع الإقتصادي الذي نحن بصدده في هذه المقالة و بعد إعتماد المشروع على نفسه مادياً من خلال أرباح الإنتاج، ينتقل المشروع الى مرحلة التمويل الذاتي و حينئذ قد يتم الإستغناء عن تلقّي التبرعات من المواطنين الذين سيساهمون في المشروع الإنتاجي و يصبحون القوة البشرية المنتجة للمشروع الوطني الإقتصادي.

للعمل من أجل منع الفساد المالي فيما يتعلق بالأموال التي يتبرع بها المواطنون، يمكن أن يتم تقديم التبرعات من قِبل المواطنين عن طريق حسابات مصرفية خاصة بالمشروع سواءً بإستخدام الإنترنت أو الإيداع في البنوك أو تقديمها نقداً الى اللجان المعنية لقاء وصولات إستلام. لتفادي تجميد جميع الأموال أو المؤسسات الإنتاجية التابعة للمشروع أو قسم كبير منها أو حجزها أو الإستيلاء عليها من قِبل دولٍ أو جهات أخرى، يجب إيداع أموال المشروع في بنوك عديدة و في بلدان كثيرة و نفس الشئ بالنسبة الى المؤسسات الإنتاجية و التجارية، حيث يجب إقامتها في مختلف البلدان و عدم حصرها في بلدان معدودة. للغرض نفسه، يجب أن تكون الأموال و المؤسسات الإنتاجية و غيرها التابعة للمشروع، مسجلة بأسماء مجاميع و شركات و مؤسسات كثيرة و أشخاص كثيرين. عندما يتم إستقلال كوردستان، يمكن أن تعود ملكية قسم من المؤسسات الإنتاجية و التجارية التابعة للمشروع الى الدولة و القسم الآخر من هذه المؤسسات يمكن أن يصبح مؤسسات مساهمة، يمتلك أسهمها العمال و الموظفون العاملون فيها.

http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=21933:feqî-kurdan-dr-e-xelîlأليس-تأسيس-الصندوق-الكردستاني-ضرورة-إستراتيجية؟&Itemid=273


http://www.sotkurdistan.net/index.php?option=com_k2&view=item&id=22088:الصندوق-الكردستاني-قوة-عظمى-بلا-حدود-feqî-kurdan-dr-e-xelîl&Itemid=201


mahdi_kakei@hotmail.com


168
(تركيا)  .....   الى أين؟  (25)


تنظيم و إدارة شؤون الكوردستانيين القاطنين خارج الإقليم الشمالي

1. الكوردستانيون القاطنون في "تركيا"

أ. اللغة

د. مهدي كاكه يي


في الحقيقة أن الإستراتيجيات التي أقترحها هنا و آليات و وسائل تحقيقها، لتمكين الكورد الشماليين القاطنين في "تركيا"، خارج إقليم شمال كوردستان للتواصل مع الشعب الكوردستاني و الحيلولة دون إنسلاخهم عن شعبهم الكوردستاني و ذوبانهم في المجتمع التركي، يمكن تطبيقها بالنسبة الى سكان إقليم الشمال أنفسهم و كذلك لكافة بنات و أبناء كوردستان، سواء الذين يعيشون داخل كوردستان أو خارجها. إن هذه الدراسة مخصصة ل"تركيا" و كذلك شمال كوردستان التي محتلة من قِبل "تركيا" و بذلك تفرض مسألة شمال كوردستان نفسها على هذه الدراسة و وضع خارطة طريق لتحرير هذا الجزء من الإحتلال، و إلا فأن هذه الإستراتيجيات موضوعة لشعب كوردستان في كافة أرجائها و يجب أن تُشرف عليها و تنفذها مؤسسة واحدة على نطاق كوردستان كلها.

 يعيش في استانبول وحدها حوالي 7,5 مليون كوردي و يعيش عدة ملايين من الكورد في كل من أنقره و إزمير و قونية و مناطق و مدن أخرى في "تركيا". من هنا يتبين بأن أعداد الكورد القاطنين خارج إقليم شمال كوردستان في "تركيا" قد تبلغ حوالي 12 مليون نسمة، أي ما يعادل حوالي نصف سكان  الإقليم. قسم من هؤلاء الكورد الذين يعيشون في "تركيا" يعيشون هناك قبل مجئ الأتراك الى المنطقة، بينما القسم الأكبر منهم تركوا كوردستان بسبب التهجير القسري الذي قام به النظام التركي أو هاجروا بسبب ظروفهم المعيشية الصعبة في كوردستان، طلباً للحصول على العمل لإعالة أنفسهم و عوائلهم أو أنهم تركوا كوردستان نتيجة الظروف السياسية الصعبة، حيث أن حالة الطوارئ تسري في شمال كوردستان و يتعرض المواطنون الى الإعتقال و التعذيب و المضايقات و الإهانة و يعانون من مشكلة الفقر و البطالة.

مما سبق فأن حوالي نصف سكان إقليم شمال كوردستان يعيشون خارج الإقليم و من هنا لا يمكن أبداً إهمال هذا العدد الهائل من الكورد، بل يجب الإهتمام الكبير بهم للحيلولة دون إنسلاخهم عن شعبهم الكوردي و دعمهم بكل الوسائل ليستمروا في تواصلهم و تفاعلهم مع الكوردستانيين في الإقليم الشمالي و ذلك من خلال برنامج تنظيمي و إقتصادي و تربوي و تعليمي و ثقافي و إجتماعي متكامل.

الشعور القومي لا يكفي لوحده لمنع إنسلاخ الإنسان الكوردي عن شعبه و قوميته أو أن يكون عضواً فعالاً في خدمة الشعب الكوردستاني، بل يحتاج هذا الأمر الى ترسيخ الوعي الوطني فيه و تشبعه بالثقافة الوطنية الكوردستانية و إمتلاكه لمقومات الإنتماء القومي و الوطني و أن يتم    تأمين الجانب الإقتصادي له ليتمكن من إعالة نفسه و عائلته و بذلك يكون في وضع يؤهله أن يكون مستعداً للمساهمة في تحرير وطنه و خدمة شعبه.

هناك وسائل عديدة يمكن عن طريقها أن يتمكن الكورد القاطنين في "تركيا" من تعليم اللغة الكوردية و ذلك عن طريق  تأسيس مراكز تعليمية أهلية من رياض أطفال و مدارس و معاهد و جامعات في مختلف المناطق و المدن و القرى، حيث أن القوانين التركية الحالية تُجيز ذلك. كما يمكن للأحزاب الكوردستانية و كذلك منظمات المجتمع المدني من نقابات و جمعيات و إتحادات و غيرها بتنظيم دورات متواصلة لتعليم اللغة الكوردية. على مستوى الأفراد يمكن القيام بهذا العمل الوطني المهم في البيوت و أماكن أخرى.  في ستينيات القرن الماضي أي قبل حوالي ستين عاماً عمل الدكتور جمال نبز بشكل فردي على تعليم الطلبة الكورد اللغة الكوردية في بيته، عندما كان يعمل مُدرساً لمادة الرياضيات و الفيزياء في إحدى مدارس مدينة كركوك، حيث كان طلابه الكورد يجتمعون في بيته و يتلقون الدروس في اللغة الكوردية. هذا ما أخبرني به صديقي الراحل الأستاذ جوامير كاكه يي الذي كان آنذاك أحد تلامذة الدكتور جمال نبز في كركوك، حيث أنه كان يعرف الأهمية القصوى لإلمام الإنسان الكوردي بِلُغته و خاصةً أن الشعب الكوردي يفتقد الى كيان سياسي و لذلك فأن لغته هي هويته التي تحافظ على خصوصيته القومية و يتميّز بها عن الشعوب الأخرى.

إن العولمة و ثورة الإتصالات و المعلومات، الإنترنيت و الفضائيات التلفزيونية و الموبايل، أزالت الحدود الدولية و إخترقت الحواجز و الموانع في عقر دار الإنسان و هدمت حواجز و معوّقات التواصل بين المجتمعات البشرية. هذه التطورات التكنولوجية خلقت ظروفاً ممتازة للمغتربين المتشتتين في مختلف بقاع العالم، للتمكن من التواصل مع لغاتهم و ثقافاتهم و شعوبهم، بعد أن كانوا قبل نحو عقدَين من الزمن معزولين عن مجتمعاتهم الأصلية، فأنقذتهم هذه الإنجازات الإنسانية العظيمة من عزلتهم. يمكن إستخدام هذه الوسائل المتطورة لتعليم المواطنين الكورد القاطنين في "تركيا"، لغتهم و ذلك من خلال مواقع شبكات التواصل الإجتماعي مثل الفيسبوك و تويتر و غيرهما و كذلك عن طريق وسائل إتصال الإنترنت مثل إسكايب و بالتوك و غيرهما، حيث يمكن تنظيم دورات تعليمية منتظمة و متواصلة لتعليم اللغة الكوردية و كذلك الإطلاع على التأريخ الكوردي العريق الذي حجبه المحتلون عن الشعب الكوردي و قاموا بسرقته و تشويهه. هذه الوسائل المتطورة تساهم الى جانب تعليم اللغة و الإلمام بالتأريخ الكوردي، في التواصل الثقافي و الإجتماعي بين أفراد الشعب الكوردي. إفتتاح قناة تلفزيونية فضائية خاصة لهذا الهدف سيساهم مساهمة كبيرة في إنجاح هذه المهمة القومية و الوطنية الإستراتيجية في تعليم الكورد لغتهم الأم و تعريفهم بتأريخهم و تراثهم. الى جانب برامج تعليم اللغة الكوردية، ينبغي أن تقوم هذه الفضائية بوضع برامج خاصة لجذب إهتمام المغتربين الكوردستانيين و شدهم الى متابعة تلك البرامج لتواصلهم مع لغتهم و ثقافتهم. يجب أن تشمل  تلك البرامج التلفزيونية على برامج خاصة بالأطفال و الشباب و الكبار و المرأة و المجتمع الكوردستاني و أطيافه و أديانه و مذاهبه و الطبيعة في كوردستان و مناطقها و الموسيقى و الفن الكوردستاني و السياسة و أخبار الكورد في مختلف مناطق العالم و تغطية لحياة المغتربين في "تركيا". يجب إفتتاح قناة تلفزيونية ثانية خاصة بالأطفال، حيث يكون تعليم اللغة الكوردية من ضمن البرامج الأخرى من أفلام و أغانٍ و برامج أخرى متعددة خاصة بالأطفال، موضوعة بشكل علمي و تربوي من قِبل خبراء و مختصين في هذا المجال، لتطوير الطفل و تنمية مواهبه و قابلياته و معلوماته، حيث حسب علمي ليست هناك لحد الآن فضائية كوردية خاصة بالأطفال فيضطر الأطفال الى مشاهدة برامج الأطفال في االقنوات التلفزيونية التابعة لمحتلي كوردستان التي تبث برامجها باللغة التركية أو الفارسية أو العربية أو لغة الدولة الأجنبية التي يعيش فيها الطفل الكوردي في الدول الغربية. إن العمل على تعليم الأطفال الكورد لغتهم و إحتفاظهم بثقافتهم يتطلب وجود قناة تلفزيونية فضائية خاصة بهم بالإضافة الى إهتمام الأمهات و الآباء و العاملين في المجالات التعليمية و التربوية بغرس الشعور الوطني الكوردستاني في نفوس أطفالهم و مساعدتهم في تعليم لغتهم و تعريفهم بوطنهم و شعبهم و تأريخهم و تراثهم.

إن تنفيذ تلك الأعمال المذكورة أعلاه، يحتاج الى جهة تقوم بها و الى مصدر مالي يموًل مثل هذه المشاريع الإستراتيجية الكبرى. يمكن تحديد الجهة المشرفة و التنفيذية للقيام بهذه الأعمال بأن يتم تشكيلها من التنظيمات السياسية الكوردستانية و منظمات المجتمع المدني الكوردستاني. بالنسبة الى جهة التمويل المالي، يمكن أن يتم من خلال مساعدات منظمة الأمم المتحدة و خاصةً منظمة اليونسكو، على أساس أن اللغة و الثقافة الكوردية و التراث الكوردي معرّضة للإنقراض و الزوال و كذلك من خلال تلقي الدعم و المساعدة من الإتحاد الأوروبي و منظمات المجتمع المدني في مختلف بقاع العالم، و خاصة في البلدان الديمقراطية. التمويل الأساس يجب أن يتم عن طريق تأسيس صندوق مالي يمكن تسميته مثلاً "صندوق التنمية الكوردستانية" الذي تكون مصادر أمواله من الإستثمارات الكوردستانية و المساعدات الفردية المتأتية من الكورد الأثرياء و من تبرعات مواطني كوردستان و مساعدات مادية من الأمم المتحدة و منظمات المجتمع المدني في العالم و كافة الجهات العالمية المعنية بتقديم العون و المساعدة للشعوب و القوميات و الأقليات التي تتعرض لغاتها و ثقافاتها و تراثها لخطر الزوال و الإضمحلال. في الحلقات القادمة سأتناول الجانب الإقتصادي بالتفصيل لإنجاح عملية تواصل الكوردستانيين الشماليين القاطنين في "تركيا" مع مجتمعهم الكوردستاني و مع لغته و ثقافته و تراثه و ترسيخ الروح القومية الكوردية المنفتحة و الوطنية الكوردستانية في نفوسهم و عقولهم و منع إنسلاخهم عن أمتهم.

mahdi_kakei@hotmail.com




169
(تركيا) ..... الى أين؟ (24)

إقليم شمال كوردستان بحاجة الى إستراتيجيات تنظيمية و تثقيفية كبرى

د. مهدي كاكه يي

في البداية أود أن أعتذر من القراء الأعزاء لإنقطاعي الطويل عن كتابة الجزء المتبقي من مقالات هذه السلسلة التي خططتُ لها بسبب توالي الأحداث السياسية الجديرة بالإهتمام و الكتابة حولها من جهة و بسبب إنشغالي الكثير من جهة أخرى.

تصل نفوس "تركيا" الى حوالي 70 مليون نسمة (من ضمنها سكان إقليم شمال كوردستان الذين تبلغ نفوسهم حوالي 25 مليون نسمة أي بنسبة حوالي 36% من المجموع الكلي للسكان)، بينما تبلغ نفوس العلويين (الكورد و الأتراك) في تركيا حوالي 20 مليون نسمة أي نسبتهم هي حوالي 30% من المجموع الكلي لسكان تركيا. لو نقوم بتحديد نفوس العلويين الأتراك فقط إستناداً الى نسبة نفوس الكورد في "تركيا"، فأن نفوسهم تبلغ حوالي 13 مليون نسمة. أعداد الشيعة في "تركيا" تصل الى حوالي ثلاثة ملايين نسمة. إستناداً الى هذه الأرقام و مع أخذ نفوس القوميات الأخرى غير المذكورة هنا بنظر الإعتبار المقدرة بحوالي 3 ملايين نسمة، نتوصل الى أن نفوس الأتراك السُنة الذين يحكمون "تركيا" تبلغ حوالي 26 مليون نسمة أي حوالي 37% من المجموع الكلي لسكان "تركيا" و بذلك فأن نفوس الأتراك السُنة هي أقل بكثير من نفوس الكورد و العلويين معاً الذين يبلغ تعدادهم حوالي 38 مليون نسمة أي أكثر من 54% من المجموع الكلي للسكان. كما أنّ هناك دراسات تشير الى أن نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و "تركيا" ستصبح أكثر من نفوس الأتراك بحلول عام 2020.

يبلغ مجموع أعضاء البرلمان التركي 550 عضواً. في الإنتخابات التشريعية الماضية، حصل حزب السلام و الديمقراطية، الحزب الوحيد الذي يُمثّل الكوردستانيين الشماليين، على 36 مقعداً في البرلمان التركي، أي بنسبة 6.5% فقط من مجموع أعضاء البرلمان! من المفروض أن يحصل الكوردستانيون على حوالي 192 مقعداً في البرلمان التركي إذا أخذنا بنظر الإعتبار نفوس الكورد في إقليم شمال كوردستان و في (تركيا) التي تبلغ نسبتها حوالي 36% من نفوس (تركيا) أي حوالي 25 مليون نسمة. لذلك فأن ممثلي شعب كوردستان قد فازوا بعدد محدود جداً من مقاعد البرلمان التركي في الإنتخابات البرلمانية السابقة، قياساً الى نفوسهم في كل من إقليم شمال كوردستان و (تركيا) و هذه النتائج المتواضعة جداً تُبين بأن الكوردستانيين بحاجة الى تنظيم أنفسهم و توحيد صفوفهم و وضع إستراتيجية صائبة لهم للعب دور رئيس في الحُكم و سياسة الدولة .

لو يقوم الكورد و العلويون بتنظيم أنفسهم و التحالف مع البعض سيستطيعون حكم "تركيا" من خلال الوسائل الديمقراطية المتمثلة بالإنتخابات التشريعية و الرئاسية، حيث أنّ الكورد و العلويين يتعرضون للإلغاء و الإضطهاد من قِبل الحكم التركي السُنّي. هذا بالإضافة الى المكونات القومية و الدينية و المذهبية المضطَهدة الأخرى مثل الشيعة و الآشوريين و العرب و الأرمن و اليونانيين و الشركس و السريان و اليهود الذين يجدون حريتهم و خلاصهم من الإضطهاد القومي و الديني و الطائفي من خلال تحالفهم مع الكورد و العلويين.

إن الديانة العلوية هي إحدى الديانات الكوردية القديمة و أن قسماً كبيراً من معتنقي هذا الدين من غير الكورد، هم كورد مستتركون أو مستعربون أو مستفرسون، بينما القسم الآخر ينتمون لقوميات أخرى، غير القومية الكوردية و يكونون قد إعتنقوا هذا الدين الكوردي و جعلوه ديناً لهم. الدين العلوي يكاد لا يختلف عن الدين اليارساني (الدين الكاكه يي) في شئ، حيث أنهما متماثلان في كل شئ و أن الجغرافية فقط هي التي فرّقت بين معتنقي الديانات الكوردية القديمة و خلقت بعض الإختلافات البسيطة بين الديانات الكوردية الإيزيدية و العلوية و اليارسانية و الدروزية و الشبكية، إلا أن الأسس الفلسفية لهذه الأديان لا تزال متشابهة.

يذكر المفكر الكوردستاني البروفيسور جمال نبز في كتابه المعنون "المستضعفون الکورد وإخوانهم المسلمون، طُبع سنة 1994" بأن أصل كلمة "علوي" يعود الى الكلمة الكوردية "هالاڤ" التي تعني بالكوردية بخار الماء المغلي المشبه بالنار المستعرة وكذلك لظى النار نفسها. إقتبست اللغة التركية هذه الكلمة من الكوردية وحورّتها الى "ألڤي" التي تعني "لظى النار". تُستعمل هذه الكلمة في اللغة التركية كمصطلح للإنتماء الى الديانة العلوية. هذه الحقيقة تجعل العلاقة بين الكورد و العلويين من غير الكورد علاقة روحية صميمية، يجب الإهتمام بها و تنظيم و تقوية العلاقة بينهم ليتلاحم الشعب الكوردي، ليس فقط مع علويي (تركيا)، بل مع جميع العلويين في المنطقة، بغض النظر عن قومياتهم و مع جميع أصحاب الديانات الكوردية القديمة، من إيزيدية و شبك و دروز و زردشتية و يارسانية، حيث أن الأصل الواحد و العقيدة المشتركة و التأريخ المشترك يجمعهم و يوحّدهم و يوفر أرضية مناسبة للتحالف و التعاون و التنسيق فيما بينهم.

مما تقدم نرى بأن هناك قصور خطير في برامج و خطط و أعمال و نشاطات القوى الكوردستانية الشمالية. النسبة القليلة جداً للتمثيل الكوردي في البرلمان هي إشارة واضحة الى فشل القوى و الأحزاب الكوردستانية في إقليم شمال كوردستان في كسب الناخبين الكوردستانيين. إن هذه النتيجة تشير أيضاً الى ضعف نشاطات الأحزاب السياسية و المنظمات الكوردستانية بين الجماهير الكوردستانية في كل من الإقليم الشمالي الكوردستاني و "تركيا" و تحتاج هذه النتيجة الى تقييم و ذلك بالقيام بإجراء دراسات و تحليلات موضوعية لإصلاح هذا الخلل الخطير. المشكلة تكمن في أنّ الأحزاب و القوى الكوردستانية في كافة أرجاء كوردستان تكاد تقتصر في نضالها على الجانب العسكري و الإعلامي فقط، مهملةّ الجوانب التنظيمية و الإقتصادية و الثقافية و الإجتماعية و التربوية و البيئية في هذا النضال و التي لها أهمية لا تقل عن أهمية الكفاح المسلح، إن لم تكن أهم منها.

تعتمد الحكومة التركية، بل حكومات جميع الدول المحتلة لكوردستان بالدرجة الرئيسة على العامل الديني و الإقتصادي الى جانب الخيار العسكري في محاولاتها الوقوف في طريق تطلعات شعب كوردستان نحو الحرية و التحرر و التقدم. يستغل محتلو كوردستان الدين الإسلامي للإستمرار في إحتلال كوردستان و إستعباد شعبها و نهب خيراتها. أبو مسلم الخراساني و صلاح الدين الأيوبي هما مثالان بارزان على إستغلال الدين الإسلامي لخداع الكوردستانيين للإبقاء على سيطرة المحتلين على كوردستان. قام أبو مسلم الخراساني بإسقاط الدولة الأموية و تسليم الحكم الى العباسيين، غير أنه بدلاً من تكريمه، تآمر عليه الخليفة العباسي الثاني، أبو جعفر المنصور، فقتله.  لولا صلاح الدين الأيوبي لربما كان الدين الإسلامي اليوم لا وجود له على كوكبنا الأرضي، أو في أحسن الأحوال لَكان اليوم عبارة عن دين يعتنقه عدد محدود من الناس و لَكان العرب اليوم عبارة عن شعب صغير معزول يعيش في شبه الجزيرة العربية. هذا يعني بأنه لولا صلاح الدين الأيوبي لّكانت خارطة الشرق الأوسط السياسية مختلفة تماماً عما نراها اليوم و لَكانت غالبية سكان المنطقة يدينون بالديانة المسيحية و لَإزدهرت و إنتشرت الأديان القديمة الأخرى في المنطقة و بذلك كانت الشعوب غير العربية في المنطقة تحتفظ بثقافاتها و لغاتها و معتقداتها و أديانها و تمارس طقوسها و شعائرها الدينية بحرية. بدون صلاح الدين الأيوبي لَكان أحفاده اليوم لهم دولتهم المستقلة و كانوا لا يتعرضون الى الإبادة الجماعية و الأنفالات و التعريب و التتريك و التفريس و لا يكونون أهدافاً للأسلحة الكيميائية. هكذا تم إستغلال الدين الإسلامي من قِبل محتلي كوردستان، منذ ظهور هذا الدين مروراً بالأمويين و العباسيين و العثمانيين و الصفويين و إنتهاءً بالمحتلين الإسلامويين من أمثال أردوغان و الإخوان المسلمين و الإسلامويين الشيعة. من هنا نرى أن المسلمين مُدينون للأمة الكوردية و كان من المفترض أن يدافعوا عن شعب عريق مظلوم و مضطهَد مثل الشعب الكوردي الذي يتعرض وجوده و لغته و ثقافته الى الإلغاء، إلا أن الكثيرين منهم يقفون ضد تطلعات الشعب الكوردستاني.

من هنا ينبغي على التنظيمات الكوردستانية السياسية و الإجتماعية و الثقافية و منظمات المجتمع المدني أن تتبنى الفكر العلماني و تقوم بنشر هذا الفكر ليكون سائداً في المجتمع الكوردستاني، لترسيخ مبدأ فصل الدين عن السياسة و كون الدين هو إلتزام طوعي فردي لِمَن يؤمن به و يرغب في إداء فرائضه وأنه عبارة عن رابطة روحية تربط الفرد بالإله و لا يحق لأية سلطة أو أي فرد فرض دين معيّن على شخص آخر أو مجموعة أشخاص بالقوة و الإرهاب و التهديد.

في محاولة بائسة لتكريس إحتلالها لشمال كوردستان، تريد "تركيا" إستخدام العامل الإقتصادي، حيث أنها تعتقد بأن القضية الكوردستانية هي قضية إقتصادية بحتة. لذلك تحاول إيهام نفسها و إيهام الرأي العام العالمي بأن القضية الكوردستانية هي قضية إقتصادية بحتة و أن أسباب الثورات و الإنتفاضات الكوردستانية تعود لأسباب إقتصادية، حيث يعاني الكوردستانيون من الفقر و البطالة و الأمية و نقص الخدمات. إن الحكومة التركية حاولت ربط حل المسألة الكوردستانية بالإزدهار الإقتصادي، حيث قامت بالفعل بتخصيص 12 مليار دولار لتعمير إقليم شمال كوردستان خلال خمس سنوات. كما أنها أقامت مشروع "GAP" الذي  تبلغ كلفة بنائه أكثر من 35 مليار دولار. يتكون مشروع (GAP) من 22 سداً ضخماً و من أهم هذه السدود هي سد أتاتورك و كيبان و قارقيا و براجيل و قوم قايا و يتضمن المشروع كذلك عملية كبيرة لخزن المياه و نصب محطات الطاقة الكهربائية و شبكة إروائية كبيرة. تُقدر مساحة الأرض التي يرويها المشروع بحوالي 1,7 مليون هكتار من الأراضي الزراعية المشتهرة بزراعة الفواكه والمحاصيل الزراعية و تبلغ طاقة المحطات الهيدروكهربائية حوالي 23 مليار ميغاواط/ ساعة و تصل القدرة التخزينية للمشروع الى حوالي 100 مليار متر مكعب. عند إكتمال المشروع المذكور، ستتمكن "تركيا" من التحكّم بحوالي 80% من مياه نهر الفرات. رغم الكلفة الباهظة لتحسين أوضاع الكوردستانيين في شمال كوردستان، فأن "تركيا" راغبة في التركيز على العامل الإقتصادي في محاولة منها للحد من الفكر القومي و الوطني التحرري الكوردستاني، إلا أن تحسّن الحياة المعيشية للكوردستانيين و تخلصهم من الفقر و المرض و الأمية و البطالة ستُزيد من وعيهم الوطني و الفكري و الذي بدوره سيساهم في التعجيل من تخلص الكوردستانيين من الإحتلال و الإستعمار الإستيطاني و بذلك سيكون للبرنامج الإقتصادي مردود عكسي لا يخدم مخططات النظام التركي.

الإستراتيجية الإقتصادية التركية باءت بالفشل، حيث أن المسألة الكوردستانية هي ليست "مسألة إرهاب" أو مسألة إقتصادية بحتة، كما يدّعي النظام التركي، بل أنها مسألة لها أبعادها القومية و الوطنية و الثقافية و الإجتماعية و الإقتصادية. المسألة الكوردستانية كانت موجودة في "تركيا" منذ تأسيس هذه الدولة و هكذا فأن هذه المسألة كانت موجودة قبل ولادة حزب العمال الكوردستاني و ستبقى هذه القضية قائمة الى أن تتحرر كوردستان، لأنها قضية شعب مُستعمَر و وطن محتَل.

بالنسبة الى التخطيط التركي المبرمج لتضليل الرأي العام العالمي حول القضية الكوردستانية، كنتُ بنفسي شاهداً على مثل هذه الأكاذيب التي يطلقها النظام التركي أثناء زيارةٍ لي ل"تركيا". كنتُ ضمن مجموعة من السواح التي كانت مؤلفة من السويديين و النرويجيين و الفنلنديين، حيث إدعى الدليل السياحي التركي المرافق لمجموعتنا بأن مشكلة "جنوب شرق تركيا" وهو كان يقصد إقليم شمال كوردستان، هي مشكلة إقتصادية بحتة. إذن "تركيا" لها برنامج مرسوم لإيهام الرأي العام الغربي بأنه ليست هناك قضية كوردستانية تخص شعب تحتل "تركيا" بلاده و تحاول إلغاء وجوده و هويته و ثقافته و لغته و تأريخه و تراثه، في محاولة منها للإستمرار في إحتلال شمال كوردستان و إستعباد الكوردستانيين و نهب ثروات وطنهم.

mahdi_kakei@hotmail.com

صفحات: [1]