عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - Abdullah Hirmiz JAJO

صفحات: [1]
1
حقيقة أنها فاجعة وخبر محزن آلمني كثيرا، خاصة وكنت قد عرفت الفقيد عن قرب في السنوات الأخيرة.
وما بيدنا سوى أن نطلب له الرحمة من رب المجد وأن يكون سعيدا في جنات الخلد
ولأهله وذوية الصبر والسلوان
ليشرق نور الرب عليه

مع تعزينا القلبية لأخوتنا أمير وسامي المالح
عبدالله النوفلي

2
الأخ العزيز نزار
نقدم لكم تعازينا القلبية وكلنا أسف لما حصل طالبين للفقيدة الرحمة والسكن في جنات النعيم ولكم الصبر على المصاب فهذا هو حال العراق نأمل ان تصبح الأحوال أحسن في ظل وجود قيادات مخلصة تعمل من أجل شعبها. ثانية نقدم عزاءنا .

3
أستمارة المشاركة بالموسوعة
الغرض من هذه الموسوعة هو توثيق لتاريخ الشمامسة الكلدان ماضيا وحاضرا اينما كانوا في العالم والتعريف بمؤهلاتهم ونشاطاتهم


بيانات الشمامسة


اولا: العامة


الدولة


المدينة


اسم الابرشية


اسم الكنيسة


اسم الشماس


الرتبة الحالية


ثانيا: التفصيلية


سنة التولد


بلد الولادة


التحصيل الدراسي


ثالثا: الدرجات الشماسية


الدرجة


سنة نيل الدرجة


الكنيسة


الراسم


رابعا: الامكانيات


اللغات التي تجيدها


مقترحاتك لتطوير الموقع


اية افكار ومقترحات وملاحظات اخرى

ادخل معلوماتك أعلاه اذا اردت المشاركة في الموسوعة وأرسلها إلى عنونننا في عينكاوا أو الموقع الخاص بالشمامسة المذكور في الرد قبل هذا

4
أعزائي شمامسة الكنيسة الكلدانية أينما كنتم وفي أية أبرشية في العالم، في نيتي أعداد موسوعة أليكترونية حاليا بشمامسة الكنيسة الكلدانية كافة وحتى المنتقلون منهم إلى الأخدار السماوية وفق أستمارة تجدونها على الرابط التالي
والغرض من هذه الموسوعة هو أرشفة المعلومات عن الشمامسة لتكون بيد الباحثين ولحفظ حق كافة الشمامسة كي يذكرهم التاريخ وسوف نضع العمل أولا بأول على المواقع الأليكترونية ومنها موقع عينكاوا كوم المحترم، وللمتوفين منهم أرجو ممن يعرف عنهم أية معلومات كي يزودني بها سواء من أصدقائهم أو من أهلهم وسوف نذكر مصدر تزويدنا بالمعلومات عنهم.
وعن الألحان الطقسية فقد بدأت بترتيب الألحان حسب السنة الطقسية في الرابط أعلاه الذي دشناه مؤخرا، آملا أن يكون عملنا في الموسوعة والموقع مفيدا لأخوتي الشمامسة ولكنيستنا المقدسة
أخوكم الشماس عبدالله النوفلي

5
عزيزي الأخ برديصان
سأنقل رأيك حول ما كتب أخي مسعود كونه الآن مشغول وفي زيارة للعراق ووصلت تحياتك ونطلب من الرب أن تزدهر خدمة الشماسية سواء بما نقوم به أو ما يقوم به أخوة آخرون. تقبل خالص التحية

 

6
والشكر لك أخي عزيز يوسف متضرعا من الرب أن يبارككم آملا أن يكون عملي مفيدا لأخوتي المهتمين قبل أن اتطلع لتخليد أسمي لأن هذا ليس من أهتماماتي أصلا
تقبل فائق التقدير

7
أعزائي الشمامسة
قريبا وبعد الانتهاء من تحميل قانونا دموتوا وشوباحا دقالى دشهرا
سيتم أظافة عونيثا دقنكى لكل السنة الطقسية
فتابعونا مع المحبة والتقدير
[/color]

8
معرض رسوم أطفال أبنا شعبنا عن حرائق الغابات في سدني


بقلم : عبد الله النوفلي
نظمت (ܬܦܩܬܐ) التي تعرف باسم ملتقى سيدني الثقافي، معرضا لرسوم الأطفال يوم الثلاثاء 12 تشرين الثاني 2013 وعلى قاعة لانتانا – أيدنسور رود. شارك فيه اربعة وخمسين طفلا من أطفال عوائل شعبنا برسومهم البديعة التي عبرت من خلال أنامل هذه البراعم المباركة مدى أحساسهم بالخطر الذي أحدثته حرائق هائلة في غابات وأحراش وحدائق وبيوت وممتلكات الكثيرين في مناطق مختلفة من أستراليا وكانت الحرائق الاخيرة في ولاية نيو ساوث ويلز، هو الموضوع ذو الحصة الأكبر في هذا المعرض التظاهرة. فالولاية هذه التي مركزها سيدني أحتبست فيها الأمطار وبدأ موسم الصيف بدرجات حرارة مرتفعة.
لقد شارك الأباء والأمهات وجمع من مثقفي شعبنا في هذه المدينة الأطفال بهجتهم وهم يرون لوحاتهم تحتل مواقع مميزة في صالة العرض، احدى قاعات مجمع لانتانا للمناسبات الذي وفر بدوره  تسهيلات رائعة مثلما هو دأبه اذ يوفر كل المستلزمات لاقامة نشاطات (تفقتا) الثقافية والفنية كل ثاني ثلاثاء من كل شهر . وقام بعض الاطفال بتقديم فقرات مسلية والعاب تابعها الجمهور صغارا وكبارا بمتعة وفرح.
وكان إعلام شعبنا قد سجل حضورا متميزا ليقوم كل من مندوب تلفزيون عشتار غازي ميخائيل ومندوب ومدير تلفزيون نينوى الالكتروني ريدمون زومايا وقاما بتغطية شاملة للفعالية  الاحتفالية، وقد اجريا لقاءات مع بعض منظمي معرض رسوم الاطفال اعضاء تفقتا ولقاءات مع الاطفال الذين قدموا خلاصة لافكارهم في اللوحات التي عرضوها في المعرض. لقد كانت هذه الفعالية مهرجانا للطفولة التي تستحق الاحتفاء بها وسند المواهب الفنية التي تظهر في اعمار مبكرة.
لقد كان بحق هذا المهرجان بأوقاته لحظات سعادة لا تنسى وقد تمنى الجميع تكرارها في المستقبل.
وهذه مجموعة من صور المعرض.
                  
 







































9
شكرا لك عزيزي الشماس سامي
ونطلب بركة الرب كي تعيننا لأكمال ما بذهننا من أفكار خدمة للغتنا الأم والحفاظ عليها خصوصا في دول المهجر
وكنت أتمنى لو كان لي معرفة بالموسيقى كي أضع الألحان لمرافقة هذه المقاطع،
وهذه دعوة لمن يمتلك هذه الموهبة.
تقبل خالص محبتي

10
أعزائي المهتمين بتعليم أبناءكم لغة الآباء وخصوصا من هم في المهجر لقد باشرت بأضافة بعض المقاطع البسيطة لتعليم حروف اللغة وكيفية نطقها آملا أن يكون هذا مفيدا لهم ولاستمرارية وجود اللغة مع شعبنا في المهجر

11
أعزائي
حول أضافة الألحان بطريقة Mp3 فهي موجودة كرؤوس الألحان والمذاريش فقط في مواقع عدة ومنها مار نرساي في السويد، لكنني أتبعت الطريقة الجديدة كي أساعد من ليس له كتاب الحوذرا كي يتعلم وبدون الحاجة للكتاب، أما عن التنزيل فهي مشكلة سرعة الانترنيت، وأنا مستعد لأرسال الديفيدي لك فقط أكتب لي عنوانك برسالة خاصة وحاليا عددها ستة والسابع في طور الانتهاء، لأن ما أقوم به ومعي بعض الأخوة الشمامسة هو عمل ضخم جدا وغير مسبوق وغايتنا تعليمية بحتة وليس جمال الصوت أو نقاوة التسجيل أو حتى القراءة التي يشوبها بعض الأخطاء، كما أن ملاحظة أخي الآخر حول أسلوب كتابة كلمة باعوثة كونها بالباء وليس واوا لكن عندما نضع حرف الدال قبل الباء فإن الباء يتم تركيخها لتتحول واوا، وأيضا ليس هذا هدفنا بل كما ذكرت هدفنا توفير طريقة لتعليم الشمامسة المبتدئين لطقسنا الغني حدا وكما تلاحظون فإن الألحان وصل عددها الألف والرقم مستمر بالزيادة، تقبلوا شكري الجزيل لملاحظاتكم ومحبتي الخالصة لكم

12
قصة جميلة ومؤثرة، عاشت أيدك أخي سلام ولتكن بركة الرب معك في كل حين

13
أعزائي الشمامسة والمهتمين بطقس كنيستنا الكلدانية
بعد أكمال أضافة عونيثا درمشا لكل السنة الطقسية سنباشر بأضافة قانونا دموتوا لكل احادات السنة الطقسية وأيضا الشوباحا لقالا دشهرا بصوت الشماس الدكتور توما كيوركيس هرمز، فانتضرونا

14
أخوتي الأعزاء : أبو سنحاريب
                   الشماس سالم
                    شكر من القلب لمداخلاتكم متمنيا أن نكون جميعا رسلا للمسيح
                    تقبلوا تحياتي

15
أعزائي المباركين الأخ عدنان خمو
                    والشماس رعد دكالي
                    ܘܩܫܘ ܑܒܪܗܡ ܢܘܪܘ
جزيل الشكر لكلمات الاطراء التي تفضلتم بها، للأسف ما يجري من سجالات بين بعض الأقلام المعروفة في الموقع يخرج أحيانا عن الحدود ويخرج أيضا عن الموضوعية، المهم لدى البعض هو أن ينتقد دون أن يعطي الحلول، ولكوني شماسا فيجب أن أكتب منطلقا من الايمان الذي أحمله وأحاول أن يكون ما أكتبه موافقا لما يريده المسيح منا وما أراه ملائما لأخوتي المسيحيين، ومن يقرأ المقال سيجد الكثير من المعاني المحشوة ما بين السطور، كي يفهم من يسير وراء قيصر فقط ويترك الله لأننا بحاجة لموازنة مواقفنا وننحاز إلى الله إن أقتضت الضرورة، فلا يوجد من لا يحب أصله ويريد لأصله أن يكون قويا ومزدهرا، لكن حقوقي تنتهي عندما تبدأ بالتأثير على حقوق غيري.
تقبلوا محبتي الفائقة

16
ما أحلى أن نجتمع معا
الآن وبعد أن أنقضت الزيارة المباركة لغبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو والسادة الأجلاء أساقفة العراق المباركين لأبرشيتنا (أبرشية أستراليا ونيوزيلندة) المباركة والعزيزة، جعلتني أتذكر الترنيمة الجميلة والتي جعلتُ مطلعها عنوانا لمقالي هذا لأننا عشنا فترة الزيارة وكأن الروح قد أعد لها بعناية كون الزيارة جمعت نصف السينودس المقدس لكنيستنا الكلدانية مع شعب الله المؤمن والذي عانى الأمرين جراء الاغتراب وثمِل من مرارة الافتراق عن أرض آبائه وأجداده ليؤسس لهذه الأبرشية العزيزة، خصوصا عندما كانت كنيسة مار توما المحطة الأولى لآبائنا الأجلاء وكأني بتوما مُبشر المشرق مستمراً برحلته منذ ألفي عام وبرحلاته التبشيرية ماضيا قدما نحو أقاصي مشرق الأرض وذلك من خلال الآباء الذين حلّو بيننا مكملين ما بدأه رب المجد في فلسطين والذي سلمه لتلاميذه المباركين قائلا لهم: "اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." (متى 19:28)، وكان توما من الذين استلموا الرسالة وقصد بلدان مشرق الشمس، وهكذا كان خلفائه اليوم مستمرين ربما من دون قصد أو قد يكون بتخطيط من الروح حينما شرعوا بأول رحلة إيمانية راعوية للبطريرك المنتخب حديثا قاصدين بلدان مشرق الشمس وكأنه نفسه توما منطلقا ومتسلحا بالروح المعزي والمعين، وشتان ما بين الأمس واليوم لأن توما أنطلق ومعه مار أدي ومار ماري، ولكن مار لويس اليوم أنطلق ومعه مار شليمون ومار ميخا ومار ربان ومار أميل ومار بشار وانظم إليهم مار جبرائيل ليكون عددهم ثلاثة أضعاف مرافقي مار توما، ومعهم كان معاونوهم من الكهنة وكل هذا أشارة لأهمية المهمة التي أوكلها الروح لهذه الأبرشية الفتية.
فبعد أن فعلت الأحداث فعلتها بشعب المسيح في أرض ما بين النهرين وما يجاورها دافعة أياهم للهجرة بعيدا ... الأمر الذي بسببه أستقر عشرات الآلاف منهم في أقاصي الشرق من الكرة الأرضية ويؤسسوا لرحلة تبشيرية إيمانية لرسول المشرق توما واتباعه وخلفائه. فقد كنا في الأيام الماضية نعيش أياما كالتي عاشتها كنيسة كوخي الأولى ويحق لنا أطلاق تسمية كوخى على كنيسة مار توما الرسول بسدني لتكون كوخي الثانية، فقد كان منظرا سارا للناظرين إليه ولكل من يراقب تلك اللحظات المباركة التي التقى بها شعب المسيح وهو رغم برودة الجو والرياح القوية وقطرات المطر المنهمر، رغم كل هذا تحمل تأخر موكب غبطته المبارك والوقت ليلا لأن هذا الشعب كان يريد التعبير عن حبه لرسل المشرق؛ آباء الكنيسة وهم الذين قدموا كي يضرموا ويزيدوا حرارة الإيمان في قلوب وصدور وأفكار أبناء الكنيسة في أرض أستراليا، هذه الزيارة التي وضعت لمشروع البطريرك الجديد موضع التنفيذ مبتدئا بالخطوة الأولى في طريق الوحدة التي صلى من أجلها ربنا له المجد وخصوصا لتلاميذه "ولست انا بعد في العالم واما هؤلاء فهم في العالم وانا آتي اليك.ايها الآب القدوس احفظهم في اسمك الذين اعطيتني ليكونوا واحدا كما نحن." (يوحنا 11:17) الذين لم يتركهم يتامى  بعد صعوده لأنه أرسل لهم المعزي "واما المعزي الروح القدس الذي سيرسله الاب باسمي فهو يعلمكم كل شيء ويذكركم بكل ما قلته لكم" (يوحنا 11:26)، الروح الذي رتب لزيارة اليوم وجعلها لتكون في شهر العذراء مريم ووجهها أقاصي الأرض من جهة الشرق وكأن ألسنة النار قد وقفت على رؤوس جميع أخوتنا الذين استقبلوا الوفد المبارك وجلسوا معه واحتضنوهم واحدا واحدا وتبادلوا وأياهم القبل المقدسة.
إنه الروح الذي يعمل؛ فعلينا الاستمرار بالشعار البطريركي والتشبث بالأصالة والوحدة ولا ننسى التجدد، لأن الجمود يقودنا نحو الموت بينما التجدد يخلق حركة ويدفع بالحياة نحو الازدهار، لذلك علينا أن لا نتشبه بغيرنا الذي يتحدث ويُشغل نفسه بالأسلاف ولا شيء غير السلف، لأن أبناء اليوم فيهم من يضاهي ذلك السلف وفيهم القديسين وممن يستحقون لقب الرسول والتلميذ الصالح ليسوع المسيح.
إذا لتكن رسالة المسيح هي هدفنا الأول والأسمى قبل أي شيء والباقي يُعطى لنا ويزاد، وأقصد هنا الشؤون الزمنية البحتة، وكما انطلق أبينا أبراهيم من أور الكلدانيين "فخرجوا معا من اور الكلدانيين ليذهبوا الى ارض كنعان.فأتوا الى حاران واقاموا هناك." (تك 31:11)، ولم يتشبث ما أصبحنا نناديه بأبو الأنبياء بأصله وأرضه تلك أمام دعوة الله له لكنه أختار زوجة لأبنه أسحق من تلك الربوع حيث آبائه وأجداده كون الأصل يبقى ولن يستطع أحدا محوه، لكن المهم أن لا يكون الأصل حجر عثرة لدى أبناء اليوم لأننا يجب أن نعيش التجدد والأصالة وليكن عملنا بهدف أعلاء مجد الآب وبقوة خصوصا عندما نتحد مع كنائس المسيح الأخرى، لأن كنيسة المسيح ليست محصورة بشعب أو قومية أو طائفة لأنه قال تلمذو جميع الأمم وعمدوهم ...
ومن يهتم بالأمور الزمنية أيا كانت قومية أو مادية؛ عليه أن يترك الكنيسة كي تحمل ثقل التبشير بإنجيل المخلص لجميع الأمم وعلينا جميعا صون الكنيسة كي لا تهتم بالأرضيات كونه مرضا من أمراض العصر ولكي لا يكون سببا للخلاف والفرقة، بل على العكس يجب أن يكون توجهنا الزمني في خدمة الكنيسة وعملها ورسالتها كي نزداد قوة كشعب بأي أنتماء نكون وكي تزداد حرارة الايمان لدينا لأننا لا نريد لأخوتنا أن يغربلهم الشيطان "وقال الرب سمعان سمعان هوذا الشيطان طلبكم لكي يغربلكم كالحنطة." (لو 23:22)،لأن الشرير دائما يسعى كي يُفشل ما يبنيه أتباع يسوع، وأيضا يجب أن نكون حاملين لبشرى الايمان قبل أي شيء وفوق أي شيء "حاملين فوق الكل ترس الايمان الذي به تقدرون ان تطفئوا جميع سهام الشرير الملتهبة." (أف 16:6)، فأمور الدنيا مغرية جدا مع أنني على ثقة بأن يوم الدين سوف لن يسأل الله أولئك الذين سيكونوا عن يمينه أو عن يساره عن انتمائهم المذهبي أو الطائفي أو القومي، لأنه يكون على أساس الصالحين و الطالحين "ثم يقول الملك للذين عن يمينه تعالوا يا مباركي ابي رثوا الملكوت المعد لكم منذ تأسيس العالم." (متى34:25)، وهكذا سيكون الخراف عن يمينه والجداء عن يساره (متى 33:25) أشارة لمن يرث المُلك المعد من أبد الدهور، وأيضا لمن سيكون السماء مصيره فإنه بكل تأكيد سوف لن يجد منازل لهذه القومية أو لتلك لأن الجميع سيكونوا معا لا فرق بين أبيض أو أسود ولا تفرقهم القومية أو الطائفية.
ونعود للمرنم الذي قال: ما أحلى أن نجتمع معا بالروح يقول الرب لنا، ما اجتمع باسمي اثنان معا، إلا وهناك أكون أنا... وبفحصنا لكلمات الترنيمة لن نجد أي فوارق تذكر لأن هذه هي رسالة الروح وعلينا السمو على كل ما من شانه ان يفرقنا من الاجتماع، ولهذا كان لاجتماع أيار من 2013 شكل عنصرة جديدة، ونحن نكتب ذلك لأن المهتمين بالزمنيات كثر ونخاف أن يفعل بنا الرب كما فعل ببناة برج بابل "هلم ننزل ونبلبل هناك لسانهم حتى لا يسمع بعضهم لسان بعض. فبددهم الرب من هناك على وجه كل الارض.فكفوا عن بنيان المدينة. لذلك دعي اسمها بابل. لان الرب هناك بلبل لسان كل الارض.ومن هناك بددهم الرب على وجه كل الارض" (تك 7:11-9)، فأولئك الأسلاف كانوا ينشدون المجد الزمني، وذلك المصير لا نريده لنا بل نريد من الروح أن يمنحنا القوة كي نفهم ألسنة الآخرين ونعيش معا ونترك الماضي الذي فرقنا إلى كنائس وفرق ومسميات جميعها تقودنا نحو الضعف والانحلال وأصبحنا من جراء ذلك فرقا صغيرة لا يحترمها أحد، فاقدة للإرادة وتبكي على أطلال الماضي.
لنعمل اليوم كي نستثمر ثمار هذه الزيارة ومعانيها وعلينا عقد الحلقات النقاشية والدراسية بغية أستلهام كل معطيات الزيارة ووضعها في خدمة كنيستنا المباركة والتي كانت قد بوركت من قبل من قبل رب المجد عندما أصبح أحد تلاميذه الاثني عشر مبشرا لها وأيضا كونها تحمل أرث أبي الأنبياء أبراهيم وتحمل اسم عائلته وأرضه وأجداده. فهنا وقبل كل شيء علينا شكر الله على ما أفرزته العناية الإلهية لكنيستنا من فرصة كبيرة ورمزية وتاريخية، كانت فرصة لتبادل الخبرات ولتبادل المشاعر وللشحن بمعنويات جديدة لما تختزنه الذكريات مع غبطة أبينا البطريرك والسادة الأساقفة الأجلاء، فكانت المشاعر هي التي تتكلم قبل أن تنطلق الشفاه جعلت منا نتشبث أكثر بجذور كنيستنا وأصالتها، فالمحبة الخالصة هي التي كانت حاضرة وعاملة بين كنيسة أستراليا ونيوزيلندا وأسقفها الجليل وكهنتها والمؤمنين وما بين رعاتنا الزائرين الأجلاء. ليحفظ الله الجميع ويجعل روحه القدوس محركا ومنيرا ومقويا ومعزيا لجميعنا كي نجتمع معا دائما ويكون الاجتماع مفرحا ومثمرا.

الشماس عبدالله النوفلي
17 أيار 2013

17
عزيزي الأستاذ خوشابا سولاقا المحترم
من القلب أشكر مداخلتك المفعمة بمشاعرك الجياشة
حسب رأيي المهم أن نكون عناصر إيجابية في حاضر شعبنا وكنائسنا
باتجاه بناء مستقبل أكثر إشراقا
وذلك من خلال إستلهام إرث الأجداد
والمحافظة على ما تم تناقله شفهيا إلى اليوم
والقليل الذي سُجل منه فيما مضى
وأمام هذا يبقى الوقت والجهد أمرا ثانويا
تقبل محبتي وتقديري

18
أخوتي الشمامسة
سوف يتم تحميل أبيات قوم شبير للجمعة العظيمة قريبا
إلى ذلك أسترعي انتباهكم
لقرب هذه المناسبة الكبيرة

19
ديوان الوقف
بين المسؤولية القانونية والمسؤولية الأدبية

لمعلومات القاريء العزيز، قبل عام 2003 لم يكن هناك للمسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين دائرة تعني بشؤونهم الدينية وأوقافهم، بل كان هناك قسما صغيرا في وزارة الأوقاف المنحلة يرعى شؤون الطوائف غير المسلمة في العراق وكان تحت تسمية: قسم رعاية الطوائف الدينية، أي أن وزارة الأوقاف السابقة كانت لا تعترف بغير المسلمين كديانات بل كان المُشرع حينها قد جزأ الديانات إلى طوائف، وكان هناك قانونا تحت تسمية نظام رعاية الطوائف الدينية رقم 32 لسنة 1981، ويجد القاريء العزيز تفاصيله على الرابط التالي:
http://wiki.dorar-aliraq.net/iraqilaws/law/4635.html
هكذا كان حال أبناء الديانة المسيحية مثلا حيث كان النظام المشار إليه يقسم المسيحيين في العراق إلى 14 طائفة دينية. حيث وردت تسمياتها في ملحق هذا النظام والذي كانت السلطات حينها قد صادقت عليه.
وبعد ألغاء مجلس الحكم لوزارة الأوقاف بقراره ذو الرقم 28 لسنة 2003 وأحلال ثلاث دواوين محلها أحدهما للوقف السني والثاني للوقف الشيعي والثالث للطوائف غير المسلمة، كان للهيئة الاستشارية للديوان الثالث والذي نحن بصدده وبعد عدد من الاجتماعات التي كنا نعقدها كل مرة عند طائفة معينة أتفقت على نبذ تسمية مجلس الحكم وأبدالها باسم آخر وأتفق عليه حينها: "ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى" وعدم ذكر أسم الإيزيديين والصابئة المندائيين حينها بسبب عدم وجود أوقاف رسمية لدى الديانتين لأن الأوقاف موجودة فعلا وبحجج رسمية لدى المسيحيين وليس انتقاصا من تلك الديانتين، فالايزيديين والصابئة المنادئيين لم يكونوا يملكون أملاكا موثقة بحجة من المحاكم كونها موقوفة للديانة وتحت تصرف الرئيس الأعلى للديانة أو من ينوب عنه في الموقع، ورغم ذلك ولدى الشروع بأعداد مسودة قانون الديوان تم الاتفاق لإدراج أسم الديانات الثلاث وأصبح الأسم بموجب القانون الجديد هو: ديوان أوقاف المسيحيين والايزيديين والصابئة المندائيين، ويجد القاريء العزيز نص هذا القانون على الرابط التالي:
http://parliament.iq/Iraqi_Council_of_Representatives.php?name=articles_ajsdyawqwqdjasdba46s7a98das6dasda7das4da6sd8asdsawewqeqw465e4qweq4wq6e4qw8eqwe4qw6eqwe4sadkj&file=showdetails&sid=7534
وقد شرعه البرلمان العراقي مؤخرا خلال عام 2012 وكانت التسمية تحقق العدالة بين الديانات الثلاث ولو من حيث الاسم، ولمعلومات القاريء أيضا أن هذا القانون وكما كان نظام رعاية الطوائف قد حدد أهداف معينة على الديوان الالتزام بها ومنها: بحسب المادة (2) من القانون: 
يعمل الديوان على تحقيق الاهداف الاتية  :ـ
اولا : توثيق الروابط الدينية مع العالم الاسلامي بوجه خاص والعالم بوجه عام .
ثانيا : رعاية شؤون العبادة واماكنها ورجال الدين والمعاهد والمؤسسات الدينية بما يساعد على تقديم افضل الخدمات لابنائها .
ثالثا : دعــم ورعاية متولي الوقف لغرض ادارة واستثمار اموال الاوقاف المشمولة باحكام هذا القانون   .
رابعا : التشجيع والاسهام في فتح المدارس ودور الايتام والعجزة والمستشفيات .
خامسا : تأسيس مكتبات عامة لتكون مرجعا للباحثين .
وهذه المادة بالفقرة ثالثا، حددت بوضوح مسؤولية الديوان وهي دعم ورعاية متولي الوقف لأن الأوقاف المسيحية هي تحت تولية مسؤول الكنيسة المعنية؛ فمتولي الكلدان هو غبطة البطريرك ومتولي اللاتين هو مطرانها وهكذا لأن رئيس الطائفة كان من المفروض عليه هو الحصول على حجة تولية من المحاكم المختصة وكان في السابق يتم أستصدار مرسوم جمهوري بتعيينه رئيسا للطائفة ومتوليا لأوقافها، وبعد عام 2003 تغير الامر إلى أصدار أمر ديواني من مجلس الوزراء، وزمن مجلس الحكم صدر قرار من مجلس الحكم بخصوص البطريرك دلي، ولو أن مجلس الوزراء لاحقا وممثلا بدائرته القانونية وربما لقلة الدراية بوضع الطوائف كان يضع العراقيل أمام أصدار الأوامر الديوانية لمتولي أوقاف الطوائف كما حدث من معوقات أمام أصدار الأمر لرئيس طائفة الأرمن الأرثذوكس وطائفة الأرمن الكاثوليك لحدوث هذه المتغيرات حينها.
ومتولي الوقف له حرية التصرف فيما هو متولي عليه من أوقاف وقد أعفى القانون الجديد للديوان الأوقاف من أية رسوم او ضرائب بموجب المادة ( 12 ) التي تنص: تعفى الاموال الموقوفة للديانات المشمولة بأحكام هذا القانون من الضرائب والرســوم المنصوص عليها قـانـونا، ورب سائل بسأل هنا: ما هو دور الديوان إذا إذا كانت الاوقاف بعهدة السادة المتولين؟ وعن ذلك نود التوضيح لأن الديوان حاله هنا هو الرقيب على حسن التصرف وعدم التفريط بالأوقاف من سوء أدارة وغيرها من التصرفات أو الواردات الناتجة عن أستغلال أملاك الوقف، شريطة تقديم شكاوي بذلك، وحينها فقط يستطيع الديوان تشكيل لجنة لمحاسبة المتولي وذلك عملا بأحكام قانون أدارة الأوقاف ذو الرقم 64 لسنة 1966 بمادته الثالثة الفقرة (4) ويمكن القاريء مطالعة نص القانو على الرابط التالب:
http://www.iraq-lg-law.org/ar/content/%D9%82%D8%A7%D9%86%D9%88%D9%86-%D8%A7%D8%AF%D8%A7%D8%B1%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%82%D8%A7%D9%81-%D8%B1%D9%82%D9%85-64-%D9%84%D8%B3%D9%86%D8%A9-1966-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B9%D8%AF%D9%84
وهذا القانون مُشرع منذ ما يقرب نصف قرن وليس اليوم وحدثت حالة خلال رئاستي للديوان حيث أساء أحد متولي الوقف الذري لطائفة الأرمن الذي كان يديره مناصفة مع الجمعية الخيرية ولكونه كان سليل العائلة التي أوقفت الوقف لفقراء ملة الأرمن ولظروف العراق بعد 2003 هاجر إلى أحدى دول الجوار وحاول بيع أملاك الوقف من هناك فاعترضت الجمعية الخيرية الأرمنية وقدمت شكوى بذلك، وعلى الفور تحرك الديوان عملا بالمادة المشار إليها أعلاه وتم تنحية المتولي وأناطة التولية الكلية بالجمعية الخيرية الأرمنية.
وللمعلومات أيضا فإن متولي الوقف لا يستطيع بيع الوقف أو أبداله إلا إذا تحققت مصلحة الوقف عملا بالمادة (6) الفقرة (1) من القانون أعلاه، وهذا يكون مثلا ببيع أملاك وشراء أخرى أحسن وأغلى، والديوان هنا هو من يتحقق من ذلك ويسمح بالاجراء، كما حصل لطائفة اللاتين وأملاكها في مدينة العمارة كون المؤجرين الذين كانوا يشغلون تلك الأملاك لم يكونوا يسددون أمولا تكون ذات مردود إيجابي وأيضا استغلالا لظروف العراق بعد 2003 وأمور أخرى حدت بمتولي وقف اللاتين بطلب الموافقة على استبدال الوقف في تلك المدينة بآخر وفي مكان آخر يكون ذا فائدة أكبر للطائفة وقيمة ما سيشتريه ستكون أكبر مما يبيعه الأمر الذي أزعج شاغلي تلك العقارات وأثاروا الموضوع وكأنه سوء تصرف للمتولي بالوقف الموكل لحجة ولايته.
إذا هنا يكون دور الديوان دورا ذو مسؤولية أدبية تجاه تلك الأملاك والأموال التي أودعها أصحابها بعهدة المتولين من أجل غايات روحية وغالبها من أجل الصلاة والحياة الأبدية للواقفين الأمر الذي لا يمكن للدولة القيام به، فأدبيا هنا تكون الدولة ممثلة بالديوان مسؤولة وحريصة لكي يأخذ كل ذي حق حقه وتتحقق العدالة. والديوان منذ تأسيسه في 3 تشرين الثاني 2003 قام باعمال أعمار وتأهيل للمباني وبناء أخرى جديدة وتأثيث للمباني بأحسن الأثاث فإنه كان يتم بناءا لطلب المتولي من الديوان، والأخير كان يلبي حسب خططه الموضوعة وحسب ما متاح أمامه من أموال رصدتها وزارة المالية لذلك، أي أن الديوان هنا ليس مسؤولا قانونيا عن الوقف مسؤولية مباشرة بل المسؤول المباشر هو متولي الوقف، وعند حدوث أنتهاكات محددة كالاهمال مثلا، ومثال ذلك الفديو الذي انتشر مؤخرا لكنيسة اللاتين في الشورجة وللاطلاع يمكن متابعة الرابط التالي:
https://www.youtube.com/watch?featur...v=I3A40_Mie4I
وكان لورود مثل هذه الحالة المنتجة في 8 شباط 2013، كان على الديوان اتخاذ الاجراءات لمحاسبة المتولي وتشكيل لجنة من أجل ذلك عملا بأحكام قانون أدارة الأوقاف رقم 64 لسنة 1964 الذي أشرنا إليه سلفا بغية أثبات تقصير المتولي وأنذاره أو محاسبته لا أن يلجأ الديوان بألصاق تهم التقصير جزافا بموضفين سواء من لازال منهم في الديوان وهم لا ذنب لهم أو من ترك منهم المسؤولية منذ زمن، لأن تلك الكنيسة ولغاية عام 2010 كانت مشغولة من قبل طائفة الأقباط الأرثذوكس وكانت بحالة جيدة وتقام فيها الصلوات وفي تلك السنة انتقلت تلك الكنيسة لاستخدام أحدى طبقات مبنى الخدمات التي قام الديوان بتأهيله وتهيئة أحدى طبقاته ككنيسة للطائفة في منطقة بغداد الجديدة، وحينها فقط تركت كنيسة الأقباط تلك الكنيسة وأعادتها لطائفة اللاتين كونها مالكة لها، فكان من باب أولى أو من الواجب على متولي وقف اللاتين حرصا على الممتلكات التي هي تحت توليته أن يتقدم بطلب صيانة لتلك الكنيسة إن لم يتمكن هو من صيانتها ولم يكن الديوان قطعا سيهمل ذلك الطلب وذلك بغية بقاء ذلك الموقع معلما بارزا يضم على الأقل رفات أحد أعلام العراق وهو الأب ماري أنستاس الكرملي. والديوان أيضا ولمعرفته بالتقارير عبر شبكة الانترنيت بما هو حال الكنيسة من تردي وأهمال التحقق وأتخاذ القرار لأن ذلك قد حدث بعد 2010 حيث كان رئيس الديوان السابق قد طلب من رئاسة الوزراء حينها الاحالة على التقاعد وحصلت الموافقة وترك منصبه في كانون الثاني 2011، وبعدها لم يعد مسؤولا عما يحدث، فأين هو التقصير من كل هذا؟ أترك الحكم لمن يقرأ ويحلل ويكتشف...
فالمسؤولية ليست بالجلوس على الكراسي والاستفادة من أمتيازات المنصب بل هي بأعطاء المنصب حقه والإلمام بكافة جوانب المسؤولية وصيانتها وتحقيق الفائدة المرجوة كي يتقدم عمل الديوان ويتم أكمال مسيرة التقدم التي بدأت من الصفر في تشرين الثاني 2003 لتصل اليوم يتعامل الديوان بالمليارات وتحت تصرفه مبانٍ ضخمة كل ذلك في أقل من عقد من الزمان، لذلك المسؤولية كبيرة لإدامة زخم العمل فيقول المثل بلوغ القمة ليس بالأمر الصعب لكن المحافظة على البقاء في القمة في غاية الصعوبة، إذا أدارة الديوان اليوم أمام أمتحان صعب وعليها أثبات وجود بذلك.

عبدالله النوفلي
2013

20
أعزائي المتابعين
أود أعلامكم
بأنني سأضيف بعد عونياثا دواساليقي
عونيثا درمشا لجميع أيام السنة الطقسية تباعا
أتمنى لكم الفائدة

21
عام مضى وعام جديد يأتي
أستراحة العام الجديد
أتقدم من قارئي العزيز وأستميحه عذرا كي أتمتع باستراحة قصيرة من الحلقات المتسلسلة عن ذكريات العراق التي جعلته يعيش معي فيها والحلقات التي سبقتها لأكثر من عام مضى كي أستغل قدوم عام ميلادي جديد بالرقم 2013 وأكتب شيئا عن هذا الحدث الذي يتكرر علينا كل سنة في مثل هذه الأيام؛ منا من يحتفل ويفرح وآخرين يعيشون في همومهم وتطول عليهم الساعات ولا يعرفون كيف يُمضون وقتهم لأسباب شتى، فهذا الوضع كان أيضا في العراق وعشنا خلاله أياما كنا نخرج للشوارع بعد منتصف الليل كي نزور اهلنا ونهنئهم بالعام الميلادي الجديد، أو كي نشارك الآخرين أحتفالاتهم من خلال مزامير السيارات والرقص في الشوارع حتى الصباح، وفي بعض مناطق بغداد كان السير في شوارعها صباح اليوم الأول من العام الجديد محفوفا بالمخاطر لكثرة القناني الزجاجية المكسورة فيها وهي من مخلفات الاحتفال في الليلة الأخيرة من العام الذي مضى.
إن غاية ما تتمناه الشعوب هو حصولها على لقمة العيش من أجل أستمرار الحياة والأمن لكي يهدأ البال ويستقر وينطلق الأنسان نحو العمل والأجتهاد بغية تحقيق الأهداف التي يخططها لعائلته ولمستقبله عملاً بالقول المأثور "لكل مجتهد نصيب". نتكلم عن هذا ونحن على أعتاب توديع عام عشناه بكل تفاصيله الحلوة والمرة والى أن تدق الساعة وعقاربها تنطبق على الرقم (12) ليلاً معلنة ميلاد عام جديد الذي هو يكتب التاريخ في كل سنة.
 بلا شك أن عام واحد في عمر السنين لا يعتبر بالرقم الكبير الذي يقلقنا لكن الذي يقلق الجميع هو مضي ايام هذا العام دون أن نترك بصماتنا عليها أو تترك ايامه أثراً في ذاكرتنا او التاريخ لنجد أنفسنا وقد خسرنا هذه الفترة الزمنية المحددة، والطامة الكبرى عندما نلحق سنة بسنة أخرى لتصبح عقداً أو عقود من السنوات وعندما نقف في محطة معينة وننظر خلفنا عندها نجد أنفسنا أننا ما كنا سوى مراوحين في ذات المكان وعندما ننظر الى الأمام نجد الآخرين قد سبقونا في فترات زمانية ومكانية كبيرة .... !!! عندها لا يفيد الندم ولا تنفع كل الجهود لأن عجلة الزمن لا يمكن أعادتها الى الوراء مطلقاً.
فمن له أذنان ليسمع فليسمع، ومن له عينان تبصران ليرى ويفهم حكمة الله جلت قدرته عندما خلق كل شيء في ستة أيام ورأى أن كل شيء كان حسناً وكان القمة في هذا الخلق هو خلق الأنسان لأنه كان على صورة الله ومثاله، وزينه بالعقل الذي لا يوجد نظيره لدى كافة الخلائق الأخرى، فهذا العمل الالهي يستوجب منا نحن البشر ترجمته على أرض الواقع بأحسن وأبهى صورة لكي نكون أهلاً أن ندعوه (أبانا) ونكون له أبناء من خلال عدم أضاعة الوقت والأجتهاد لكي نستثمره خير أستثمار وان نختصر الخطوات بالأستفادة مما وصلت أليه الشعوب وما توصل اليه الأخرون في مجال العلم والثقافة والفن والرياضة وكافة ميادين الحياة.
ولا بأس أزاء ذلك ان نقف هنيهة لمراجعة الذات وتقويم المسيرة حتى نكمل القادم من العمل بأكثر همة وأحسن حال. فحياتنا وحياة أي واحد في المجتمع يجب أن تكون موضع مراجعة وتقييم مستمر كي يتم تشخيص الخلل والنجاح أيضا؛ الخلل كي يتم تجاوزه والنجاح كي يتم تقويته باتجاه النجاحات الباهرة الكثيرة، وعندها لا نكون قد طمرنا الوزنة التي وهبها الله لنا عندما خلقنا في هذه الدنيا ولا نكون نتحجج في الظروف القاهرة والمشاكل والسلبيات التي هي سلاح الضعفاء نحو أقناع الآخرين في حالة وصولهم لنقطة الفشل، لأننا دائما ما نردد أن الله قد قال لنا: "منك حركة ومني بركة" ولا أدري مصدر هذه الجملة لكنها فعلا تنطبق على واقعنا، فلو بقينا قابعين في ذات المكان ولا نبارحه سنبقى هكذا إلى ما شاء الله لا نبارحهه لو لم نحاول نحن تركه والانتقال إلى مكان آخر، وهكذا كان حال المريض الذي كان ينتظر لحظة تحريك مياه البرُكة (بركة شيلوحا) كي ينزل إليها في تلك اللحطة وينال الشفاء، كما يروي لنا كتاب الحياة، ولأنه كان مُقعدا لم يكن باستطاعته أستغلال اللحظة ليسبقه إليه غيره.
وهكذا نحن (سورايي) العراق الذين ممكن أن نعتبر أنفسنا سكنة أرض ما بين النهرين الأصليين إن لم نلتفت في كل عام إلى حالنا ونعمل إلى أصلاح الخلل الذي وصلنا بموجبه لواقع اليوم الذي نعيش فيه في الشتات ومن بقي على أديم الرافدين إلى اليوم يتطلع قدما للهجرة حاله حال من سبقوه، فبقاء الوضع هكذا سيكون من شانه اندثار كل الرموز التي شدتنا إلى تلك الأرض ومحوها كي تبقى آثارا يزورها المهتمون فمنهم من يلتقط صورا أو منهم من يبكي على أنهار بابل التي تركها بنيها، أو يزور نينوى حيث بقيت أسوارها مهدمة لا يوجد من يرممها ويقويها...  وسيعيث الغرباء فيها فسادا ويلوثوها بثقافات غريبة وربما الأرض أيضا ستتكلم بلغة غير مفهومة أيضا ونحتاج حين زيارتها إلى من يترجم لنا كي نتفاهم.
. أننا ننظر للعام الجديد 2013 بنظرة تفاؤليه بان الديمقراطية سوف تترسخ في بلدنا وان الخير سيعم بأذن الله وسوف ينال الجميع من خيرات هذا البلد وتعود أرض السواد تدر لبنا وعسلا، ويقف الجميع على خط واحد ومستوى واحد مع جميع سكان الأرض لا فرق بين الأبيض والاسود او عربي على كردي او المسلم على مسيحي ... ايزيدي ... صابئي  إلا من خلال العمل والأخلاص وكما يقول الكتاب إن الأكرم عند الله هو الأكثر تقوى وأيماناً هكذا نتطلع الى ان يكون أبناء كل الديانات السماوية والمؤمنين منهم؛ الأخلص للوطن والأكثر تضحية لننال في النهاية بالتكريم الذي يليق بالمجتهدين.
تهنئة قلبية مفعمة بالأمل لجميع المحتفلين بالعام الجديد وخصوصا سورايي العراق ومواقعنا الاليكترونية بكوادرها النشيطة وقراءها المخلصون وجميع الأخوة الآخرين في بلدنا العراق  خاصة وان السنة الميلادية هي مناسبة للتوقف ولإعادة الحسابات ومراجعة الذات. اَملين من رب المجد أن ينعم بخيراته على الجميع وعلى وطننا الغالي (العراق) باليمن والبركة والأمان .
عبدالله النوفلي
2013

22
ليبارك الرب بأعمال جوقتكم أيها الأخ العزيز، ولا أستطيع القول سوى أن أدعوا لكم منه تعالى أن يمدكم بالصحة والعافية كي تستمروا على ذات النهج كي يتجدد طقسنا ويحيا ويستمر، ونحن في الوقت الذي نطلب هذا نتمنى لكم ولمن معكم كل التوفيق وكل عام وانتم بألف خير

23
أخي أخيقار
شكرا لتعقيبكم الجميل
ولمناسبة الميلاد المجيد
أتقدم بأحر التهاني لكم ولكافة أخوتي الشمامسة
والمهتمين بأحياء طقس كنيسة المشرق
متمنيا للجميع الصحة والسلامة
وكل عام والجميع بخير

24
أخي بالرب أبو سنحاريب
لتكن بركة الله ونعمة الابن القدير معك دوما
شكرا لما جاء بتعليقك، وبحق نحن شعب واحد نتكلم لغة واحدة وإن أختلفت اللهجات، لكنني بعملي هذا أقوم بتوثيق ألحان أحدى فروع كنيسة المشرق التي هي الكنيسة الكلدانية وهو عمل كبير ويستغرق وقتا طويلا وكما تلاحظ لحد اليوم تم أضافة أكثر من 490 لحنا وهناك الكثير بالانتظار لأن ترتيبها كي تظهر لمن يتابع يحتاج إلى وقت وجهد، أما من حيث طباعة هذا العمل على ملفات وورد فإنه يعني طباعة كل الحوذرا التي تتألف من أكثر من 3000 صفحة وأعتقد أنه عمل صعب حاليا، لكنني بالفعل قد طبعت رؤوس الألحان ومذاريش السنة الطقسية وإن أحببت أرسل لي أيميلك الخاص كي أرسلها لك مع الفونت كي تتمكن من فتحها في كومبيوتر الخاص بك أو أرسلها ك بي دي أف ويمكنك عندها فتحها دون الفونت، وسأعمل بعد الانتهاء من العمل على طبعها على شكل أقراص دي في دي كي تكون في أيدي المهتمين ولحد الآن طبعت جزئين كل واحد بحدود أربعة كيكا بايت. تقبل محبتي
الشماس عبدالله

25
لجميع الأخوة المهتمين:
لقد بدأت بأضافة عونيثا دواساليقي لجميع أحدات السنة

بصوت الشماس

أسحق مرقس المنكيشي

أتمنى لكم طيب الاستماع والاستفادة

26
ذكريات من الماضي العراقي القريب (23)
الفساد مستمر والدمار مستمر والشعب يأنُ وما من أحد يخفف عنه معاناته، وهذه أجهزة الأعلام تكتب وتشرح كل شيء، وجريدة الواشنطن بوست الأمريكية ليست الوحيدة ولا الأخيرة كما هو حال الفاينينشيال تايمز البريطانية وغيرها كثير ، فقد نقلت تلك الجريدة عن عراقيين كثيرين قولهم وللأسف بأن حياتهم كانت أكثر أمانا وكانوا أكثر رخاء قبل عام 2003، ومهما كانت هذه المعلومات غير دقيقة او بعيدة في جوانب معينة كونها صادرة من قصص لأناس يطلبون اللجوء في الدول المانحة لحق اللجوء لكن يبقى جانب منها صحيحا أو قريبا من الصحة، لأن ما دفعه العراقيين من ثمن كان باهضا جدا ناهيك عما دفعته قوات التحالف في العراق من خسائر رغم أن جنود الاحتلال رسميا لم يعودوا موجودين على أرض العراق وأن وجد بعض منهم فوجودهم لمهمات معينة يحددها الاتفاق بين العراق والولايات المتحدة، فكاتب تقرير هذه الجريدة (Kevin Sullivan) ، يتحدث عن البناء الجديد ومحلات لم تكن مألوفة للعراقيين كما لم ينسى أن حافلات نقل الركاب ذات الطابقين والتي اشتهرت بها بغداد كما هو حال عاصمة بلاد الضباب (لندن) قد عادت كي تنتقل بين أحياء بغداد وتقطع شوارعها جيئة وذهابا، لكن هذا الكاتب يستذكر بأن خطوة معينة ومثقلة إلى الأمام، تقابلها خطوات فيها سفك للدماء وبوحشية وكذلك الفساد المستشري في كل مكان.
ولكن يجب الانصاف أن عنف اليوم ليس كما كان في الأعوام 2005 – 2008، لكن مع ذلك تنقل التقارير دائما عن مفخخات تنفجر وعبوات هنا وهناك وقتل باللاصقات والخطف والكثير من أشكال العنف والدمار ، وما تفجيرات يوم 23 تموز 2012 التي حصدت أكثر من مائة شخص وأضعاف هذا الرقم من المصابين بجروح مختلفة سوى مثال بسيط لما يحدث على الأرض، حيث كان ذلك اليوم الأكثر دموية منذ عامين مضت.
وفي المقابل نجد تصدير النفط تتحسن معدلاته وأسعار النفط عالميا منتعشة الأمر الذي يعني أن واردات العراق هي كذلك أيضا، لكن السؤال هو أين الأساسيات التي يحتاجها الانسان العراقي؟ من كل هذه العائدات، فلازالت التقارير تكتب عن مدارس من الطين وأخرى تفتقر لأبسط مستلزمات الراحة أو أبنيتها متهرئة، والمياه المخصصة للشرب تفتقر للشروط الصحية الدولية، والكهرباء مازال شبه مفقود، وحرّ العراق وصل إلى معدلات غير مسبوقة حتى ان الحكومة اضطرت لأعلان عطلة رسمية ولعدد من الأيام حفاظا على صحة الانسان من آثار الحر الجمة، ونجد الكثير من سهام النقد توجه باتجاه الحكومة كونها مقصرة في هذا الجانب!!!
ونجد بين الصحفيين من يصف بغداد بمدينة الدمار والقوات المسلحة المنتشرة في كل زاوية وشارع وكذلك بكثرة الانقاض الموجودة في كل مكان ولا تجد فيها شارعا نظيفا خاليا من الحفر، وقد يكون الانتعاش الاقتصادي الذي نقرأ ونسمع عنه غير منظور للعامة غالبا لأن الوجه المشرق غالبا ما لا تتطرق إليه أجهزة الاعلام، لأن هناك الكثير من المحلات التجارية الحديثة ومراكز التسوق التي تسير وفق النهج الموجود في الدول المتطورة، وأيضا نجد وكالات لبيع السيارت الحديثة وتصاميم حديثة للبيوت والعمارات ونوادٍ اجتماعية وصحية وكذلك يشهد منتزه الزوراء تطورا ملفتا للنظر حيث تم وضع ألعاب حديثة لزوار هذا المرفق المهم في العاصمة، ويتزايد في العراق استخدام الهواتف النقالة على نطاق واسع وتجد في المحال التجارية في العراق أحدث موديلات هذه الهواتف المنتجة في العالم ومن بينها أجهزة الآي فون الشهيرة، كما تجد شركات كثيرة توفر خدمة الانترنيت السريعة لزبائنها وهكذا تم خلق منافسة بين هذا الكم الكبير من الشركات وكان الرابح هو الانسان العراقي الذي يلمس رخص الأسعار قياسا لما موجود في دول العالم حيث تعتبر الاتصالات في العراق وخصوصا الدولية منها من أرخص الأسعار مقارنة بدول العالم الأخرى.
لكن الرشوة منتشرة أيضا وبشكل ملفت للنظر حيث تعتبر الوسيلة الوحيدة للحصول على عمل أو رخصة بناء أو عقد حكومي، بحيث أن منظمة الشفافية الدولية أدرجت العراق في المرتبة 175 من أسوأ 183 بلد في المسح السنوي الذي أجرته للفساد عام 2011، وبجانب آخر فإن صندوق النقد الدولي يتوقع ارتفاع الناتج المحلي الاجمالي من 9ر9% في عام 2011 إلى 1ر11% عام 2012 ويتوقع هذا الصندوق لعام 2013 أن يرتفع هذا المعدل إلى 5ر13% وهذه الأرقام تؤشر بأن العراق هو أحد البلدان التي ينتظرها مستقبل واعد وربما أسرع من نمو الصين التي تحضى بنسبة نموها الاقتصادي 2ر9% لعام 2011. وكل ذلك يعود لارتفاع الوارد من الصادرات النفطية إلى ما يعادل المائة مليار دولار في السنة الأمر الذي يدفع بالكثيرين للتساؤل أين تذهب كل هذه العائدات؟ لعدم لمس معظمهم لفوائد هذا الكم الكبير من العوائد.
وفي المدن العراقية تجد بسهولة سحابة من الدخان المتصاعد من عوادم السيارات جنبا إلى جنب مع الغبار المشبع برائحة كريهة، أحيانا رائحة البنزين وأحيانا أخرى حرق النفايات بشكل عشوائي، ينضم إليها الماء الملوث فذلك يشكل ثلاثيا قاتلا للعراقيين في هذا الصيف اللاهب. وكذلك تجد قناني المياه من المفترض أنها معدنية لكنها معبأة من  صنابير مياه الإسالة ومغلفة بليبلات ملونة ومطبوعة في أزقة مطابع منطقة البتاوين وما لا نعرفه في هذا الجانب، حكايات  عجيبة غريبة تحدث أمام كل مسؤول ومواطن ، ولا نعلم أسباب السكوت ،هل هي عملا  بالمثل القائل "السكوت من ذهب"؟ وهذه الأسباب تقودنا للسؤال عن سبب تلوث الماء في العراق؟
وعن هذا السبب يمكننا القول أن تلوث الماء بسبب قدم شبكة توزيع المياه (الاسالة) وعن هذا يقول سلام منصور دكتوراه في التلوث  البيئي - الجامعة المستنصرية لـ("المدى" صحيفة في العراق): قِدَم الشبكات الناقلة لمياه الشرب في العراق، التي تحتاج الى ثورة تغيير من الاساس وبشكل كامل لان  التصميم الأساسي يعتمد نظام التصميم الجانبي،  في حين انه يجب أن يكون شبكيا والذي لا توجد فيه أي نهايات، وإذا استسلمنا لهذا الأمر الواقع نجد بان شبكات نقل المياه الصالحة للشرب (إن كانت صالحة) والمنقولة، من مشاريع التصفية الى المناطق المختلفة قد تعرضت إما للتلف أو التكسر بسبب نفاد عمرها التصميمي الذي تجاوز في بعض مناطق بغداد الخمسين عاما أو انها تعرضت للتلف بسبب الأعمال الإنشائية الأخرى كمد كيبلات الهاتف والكهرباء والاتصالات وأنابيب مياه الصرف الصحي (المجاري)، التي أصبحت رفيقا دائميا لمياه الشرب المستخدمة من قبل المواطن، لذلك نجد بان التكسرات الناجمة عن الأسباب التي ذكرناها أعلاه تسببت في تلوث مياه الشرب المنقولة بواسطة الأنابيب المخصصة لهذا الغرض، ونجد أن الكثير من مناطق بغداد وخاصة أطرافها تأخذ مياهاً ملوثة.
وعن الماء الصافي والصرف الصحي فإن المواطنون في العراق يعبرون عن رأيهم بخصوص استخدام مياه القناني بالقول  بأنه استنزاف مبطن لأموالهم، ويعتبروا أن مشكلة تلوث مياه الشرب عولجت بواسطة قنانٍ مختلفة الأشكال والأنواع، لكنهم مضطرون إلى اللجوء إليها لسد عطش أفواههم وإرواء أجسادهم . فقد أشار أحد المواطنين وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائية  بقوله: أنه ينفق يومياً ما مقداره خمسة آلاف دينار (بحدود خمسة دولارات) لشراء علب المياه المعقمة لأطفاله فقط ،فلا يمكن الاطمئنان وتسليمهم إلى المرض بسهولة لكون الامراض منتشرة بشكل مخيف. ويستمر بالقول بأن عائلته وقبل شهر قد اصيبت، واحدا تلو الاخر، بمرض التيفوئيد والاطباء اكدوا ان اصابتهم كانت بسبب شرب مياه الاسالة فما العمل وانا ليس بمقدروي توفير المال الكافي لشراء الماء لعائلة متكونة من 8 افراد لكن ما باليد حيلة، واضاف هذا:  أن منطقة حي الشهداء في بغداد لا تختلف عن بقية مناطقها الأخرى بقدم أنابيب توصل مياه الإسالة.
فحي الإعلام يعاني ذلك أيضا وقبل مدة قصيرة امتزج الماء الصافي (إن كان صافيا) مع مياه الصرف الصحي وبعد إخبار بلدية قاطع الرشيد التي عالجت الموضوع بمدة زمنية قياسية، أسبوع تقريبا، فهل يمكن الان الاطمئنان على صحتنا؟ البكتريا والطفيليات يبدو أنها منتشرة وبكثرة في مياه الشرب المفترض أنها صحية ويتم فحصها باستمرار من قبل الجهات الرقابية، بينما علقت موظفة وتسكن منطقة علاوي الحلة قائلة :لا يملك جميع المواطنين  المال الذي يمكنهم من  شراء قناني المياه المعدنية او شراء فلاتر لتصفية مياه الإسالة لذا فان الذي لا يملك الاثنين فلا طريق له  بكل الأحوال إلا شرب  المياه غير المعقمة فالبكتيريا والطفيليات تبقى ضيفا عزيزا على صحة المواطن المغلوب على أمره. 
ومواطن آخر من سكنة منطقة البتاوين يقول: لماذا نستغرب من  انتشار معامل بيع المياه المعدنية في جميع أنحاء العاصمة ولا يكاد شارع او محلة يخلو أو تخلو من محل صغير علقت على واجهته يافطة معمل ملأ وبيع قناني المياه المعدنية، والحقيقة ان البعض منها غير خاضع للشروط الصحية و نحن واثقون ان القناني تملأ بالمياه العادية من دون غسلها او تعقيمها والمتضرر هو المواطن العراقي.
غلق المعامل مؤقتا  تجارة ازدهرت ببيع هذا النوع من القناني  خاصة في تقاطعات المرور والمحال التجارية، غير أن هذا لم يحل مشكلة تلوث المياه ما دام بإمكان أي شخص أن يفتح معملاً لإنتاج وبيع المياه، بعيداً عن الضوابط والمواصفات الصحية وخاصة في المناطق البعيدة والتي تكون غير خاضعة لأي نوع من الرقابة من اي جهة حكومية، وإغلاق معامل في منطقة الحسينية والعبيدي ومدينة الصدر والأمين الثانية وحي الرشاد  والمشتل والمنصور من قبل الأجهزة الأمنية خير دليل على أن البعض من المعامل تنتج الماء الملوث وليس النقي ،لكن هذه المعامل تفتح بعد إغلاقها بأيام! ومصادر في الجريمة الاقتصادية على علم بكل هذا وتقول: أن هناك معامل أهلية غير خاضعة للضوابط الصحية تقوم بملء القناني بمياه الحنفية وإعادة بيعها من دون غسلها وتعقيمها، فضلا عما تفرزه الآلات المستخدمة من مواد تترسب مع المياه، وتضيف هذه المصادر انه نتيجة لغياب الرقابة الصحية، استغل البعض من ضعاف النفوس والحالمين بالربح السريع على حساب حياة المواطنين الفرصة فانشأوا معامل خاصة بتنقية مياه الشرب، لا تحمل أي إجازة صحية، وهذا ما شجعهم على الاستمرار في العمل خاصة وإن هناك إقبالا واسعا على شراء قناني المياه خلال فصل الصيف بسبب ارتفاع درجات الحرارة

وهذا وغيره ما سنستمر في الكتابة عنه في القادم من المقالات.
... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012

27
الاخ العزيز شمس الدين كوركيس،

بفرح وسعادة كبيرين تلقيت الخبر المفرح مقدما لكم  ارق التهاني واحلى التبريكات ... بمناسبة نيلكم شهادة الماجستير ،بدرجة امتياز، والمعنونة : حقوق (الكلدان السريان الاشوريين )، في المعاهدات والمواثيق الدولية والدساتير العراقية.
متمنين لكم دوام الخير والتقدم ...
أخوكم عبدالله النوفلي

28
ذكريات من الماضي العراقي القريب (22)
كلما يستبشر العراقيون خيرا حول الأمن والأمان يظهر أمرا جديدا يعيدهم إلى نقطة الصفر لتبدأ سلسلة المآسي والأحزان المصاحب معها القلق الذي يجعل من الحياة جحيما حقيقيا، وكأن التنعم بالحرية مثل باقي شعوب الأرض لم يعد أمره ممكنا في العراق، لأن الارهاب قد تجذر وتنوعت أساليبه وأشكاله، فها هي التقارير تتحدث عن الخطف ولصنف الفتيات تحديدا الأمر الذي لم يكن شائعا قبل عام 2007 على أقل تقدير لأن الاحصائيات تشير لوجود 68 فتاة مخطوفة وبمختلف الأعمار لتلك السنة، ولو أن الأرقام ربما هي أكبر لأن عوائل كثيرة لا تخبر السلطات المختصة عن ذلك لأسباب عدة ومن أحدها خوفهم من العار الذي قد يصيبهم لو تعرضت ابنتهم للاغتصاب وما شابه ذلك، لكن الأمر واقع وحالات كثيرة موثقة خصوصا في تقارير منظمات حقوق الإنسان الكثيرة والمنتشرة في أرجاء العراق، فالمخطوفات بأعمار مختلفة منهن في سن الطفولة وأخريات في سن الشباب، وقد تنشط اليوم في بغداد لتختفي بعد ذلك وتنشط في محافظة أخرى، وكم من عائلة تمنت الموت ولا تمر بهكذا موقف وخصوصا أمنيتهم هذه لمن يطالها الخطف ويتمنون عودتها جثة هامدة لأن ذلك أفضل من عودتها وهي ملفوفة بالعار رغم ما يدفعه الأهل من فدية لحرية مخطوفتهم.
وجاء في التقارير أسماء بحد ذاتها مثل (حنين 16 عاما) وهي طالبة في الصف الثالث المتوسط وكذلك (مروة 13 عاما) والمختفية منذ ثلاثة أشهر، والأسماء كثيرة وفقط الأمر المختلف هو عُمر المختطفة الذي وحسب تحليلات الشرطة أن هناك عصابات مختصة لا تخطف من أجل الفدية بل هناك مسألة المتاجرة بالأعضاء البشرية أو للاتجار بالفتيات وتحويلهن لسوق الدعارة وتسويقهن إلى الدول المجاورة. وكذلك من بين الأهداف لاستخدام المخطوفات للحمل والولادة وبيع المولود لمن يدفع أكثر ومن العوائل التي لا تنجب، وحسب مصدر الشرطة فإن مثل هذه العصابات موجودة منذ زمن بعيد لكن لم تكن لها مرتعا خصبا في العراق، لكن على ما يبدو أن ذلك قد حصل ونشط سوقه في العراق حيث هناك من يتعاون مع هذه العصابات ويسهل أمرها من العراقيين.
ويحدث كل هذا بينما الجهات الأمنية همها الأكبر هو مكافحة الجريمة وتقليل الارهاب وحوادث التفجيرات والمفخخات ومحاولة أيقاف هذا النوع من الدمار، لكن علينا القول أن ما يحدث ليس فقط من مسؤوليات رجال الأمن، لأن المسؤولية هي عامة ومشتركة مع الجميع كي تكون عيون الجميع ساهرة وحريصة على سلامة الجار والقريب، لأن على ما يبدو أن جهود الشرطة ليست كافية لردع هؤلاء المجرمين، وهناك أيضا منضمات المجتمع المدني التي يجب أن يكون لها دورا مهما ونشيطا في المجتمع الذي تحمل اسمه. وأن الأمر يحدث في الشوارع العامة وأمام منظر المارة ومرأى نقاط السيطرات المنتشرة بكثافة أحيانا، وهنا أتذكر يوما كيف كنت مارا في شارع الغدير ببغداد عندما شاهدت أحدى العصابات التي دخلت على أحد المحال وقامت بسحب أحدهم ووضعته في صندوق السيارة دون أن ينجده أحد ولا حتى أنا لأننا كنا عُزل من أية قطعة من السلاح، وأفراد العصابة مسلحة ويتطاير الشر من عيون أفرادها!!! ودائما تقود ضحاياها إلى جهات مجهولة ولا من يتابعها ويلقي عليها القبض ويحاسبها.
وكأن الأمر لا قانون ليحاسبه في القانون العراقي رغم وجود مواد قانونية للمحاسبة فيه لكن لم ينص على عقوبة محددة لمثل هذه الجرائم الأمر الذي يعتبر نقص تشريعي خطير، ففي القانون العراقي نجد أن عقوبة من يختطف طفلا بغرض التجارة أو غيره فإن عقوبته لا تزيد عن السجن لمدة 15 سنة، وخصوصا إذا كان الخطف بالاكراه او الحيلة، (وأي خطفٍ يكون بدون أكراه؟!!!!!!!!!!!)، وهناك عقوبات محددة ومشددة لجريمة الاغتصاب واللواط وهتك الأعراض قد تصل عقوبتها للاعدام ومصادرة الأموال المنقولة وغير المنقولة، وكل هذا والعراق قد وقع على الاتفاقيات الدولية التي تنظم حقوق الأطفال ودرء الأخطار التي يتعرضون إليها.
وإذا خرجنا من العاصمة جنوبا باتجاه الحلة مدينة الآثار الشهيرة وكما ذكرنا في حلقة سابقة عن مستشفى بوسط بغداد فإننا نرى ذات الشيء يتم عمله في مستشفى في قضاء الحلة ومن يدري ربما مدير تلك المستشفى التي في بغداد قد تم نقله إلى مستشفى في الحلة ، وكتب أحدهم في أحد المواقع أن واقع هذه المستشفى ينطبق عليه المثل القائل (من بره هلّه هلّه، ومن جوه يِعلَم الله)، وللمعلومات فإن نفوس هذه المحافظة يربو على المليون وثمانمائة ألف إنسان منتشرين في مركز الحلة وأقضية المحافظة ونواحيها وقراها، وتشير الاحصائيات بأن مركز الحلة وحده ربما فيه مليون إنسان، وشيء مؤكد أن هذا الكم الهائل من البشر بحاجة للخدمات الإنسانية المتواصلة، والجانب الصحي واحد من هذه الخدمات وربما أهمها.
فشهود عيان يتحدثون بأن صالة العمليات في هذه المستشفى صغيرة وإذا تم أشغالها بعملية ما فما على المرضى الآخرين سوى الانتظار، يعني إن كان لمريض زائدة دودية ملتهبة سيقضي نحبه وتنفجر الزائدة خصوصا إذا كان في الصالة مريضا يتم أجراء عملية جراحية طويلة الأمد له!!!! وزائر ردهة الطواريء يشاهد حالات كثيرة مكتضة هناك منها بسبب الحوادث الأمنية ومنها جراء الاختناق او التسمم أو حوادث السير، وتعددت الأسباب لكن المرض موجود ومنتشر ويزداد مع كل الأسف.
ولو انتهت معاناة المريض من تلك الصالة الوحيدة فإن معاناته لن تنتهي فالمصعد عاطل او معطل؟ فقط الله يدري، وإن أحتاج المريض لدواء يسكن له الألم فإن الصيدلية الأهلية هي الملجأ الوحيد لشراء الدواء، وقبل عدد من السنين تذكرت أحدهم رحمه الله الذي رقد في المستشفى لإجراء عملية ما وكان الوقت ليلا ومنع التجوال موجود والحالة الأمنية وقتها لم تكن تسمح بالخروج أو لكون الصيدليات مفتوحة لوقت متأخر فإن ذلك المريض قضى نحبه وهو في مستشفى بالعاصمة لعدم حصوله على الدواء المطلوب بعد العملية!!! ووقتها كانت هذه المستشفى من المستشفيات الخاصة في جانب الكرخ من بغداد.
وهذه مستشفى الحلة أيضا وبعد كل هذه السنوات تستعين بالصيدليات الأهلية من خارجها كي يحصل المريض على حاجته منها، فلماذا لا توفر المستشفى الدواء ويطالبون المريض وذويه لاحقا بأجرة الدواء إن كان ذلك يعسر توفيره على نفقة المستشفى او الدولة؟ ولو خرَجت خارج المستشفى ستجد أرصفتها جديدة ومنسقة ونظيفة وبنظرة بسيطة لمكاتب الإداريين فيها ستجدها جديدة وانيقة وكذلك حال الأسيجة ويتم الصرف حسب أقوال المتطلعين ببذخ على المباني والمكاتب بينما عندما يأتي دور التدريب على الأجهزة أو شراء الجديدة فإن الصرف متعثر هنا، فمن المسؤول؟ فما يريح المريض مهمل والمصاعد معطلة وصالة العمليات ضيقة وربما صالات الولادة هي كذلك أيضا، أليس الإنسان أهم من الحجارة؟
كل هذا وأرض العراق غنية بكل شيء، ليس بالنفط وحده لكن بالثروة المعدنية وكذلك الزراعية وبالنهرين الخالدين دجلة والفرات، هذه الأرض يأتيها الحجاج من كل جهات الأرض مِنهم من يريد التبرك وأداء واجب ديني ومنهم كي يستكشف أمرا معينا ومنهم لزيادة في المعرفة، وشهد العراق الكثير ممن نسميهم المستشرقين كونهم مهتمين بالعلوم الشرقية ويعملون للتنقيب عن آثاره وسبر غور الحضارة التي كانت يوما معلما للدنيا كلها.
وتجد الكثير من الزوار يذرفون الدموع الحارة وهم بجوار قبر الإمام الفلاني أو الصحابي أو الولي أو رجل الله الصالح او طلبا لشفاعتهم وعونهم في الشدائد راجيا مرور أزمته بسلام، لكن اليوم كل تلك الأماكن المباركة أصبحت هدفا للأشرار دون تمييز لمن تعود سواء للمسلمين؛ سنة او شيعة، أم للمسيحيين، والهدف كما يبدو هو، محو وأزالة هذا الأرث الخاص برجالات العراق والسلف الصالح ويجردوا بلدنا من هذه الميزة، لأنهم يروننا نزداد أيمانا كلما تقربنا منها ونزداد قوة كلما تذكرنا أسلافنا، فهذه الأرض وسامراء قبل سنوات كانت هي الضحية التي تحملت كثيرا من وزر الشر الذي اقترب من ضريح أو مقام الإمامين العسكريين وهدفهم هو  دراس هذا المقام والعمل على أزالته من الوجود، فقد وجه له الأشرار ضربتين موجعتين في عامين متتالين، ولم يكتفوا بتفجير القبة بل ألحقوها بالمئذنتين أيضا، إنهم يخافون حتى من حجارة أطلال هذه المراقد ويريدون سلبنا رموزنا، إنهم يريدون لنا الاقتتال وأن تُزرع الفتنة البغيضة بيننا حتى نذهب في الطريق الذي لا رجعة فيه!!! لقد بانت المخططات وكلنا تتذكر أبو ناجي هذه التسمية التي أطلقها شعبنا على المستعمر الإنكليزي في بدايات القرن الماضي حيث كان يستخدم سياسة فرق تسد ويخلق المشكلات ليخرج منها سالما، هكذا يأتي أيضا محتل اليوم بذات الأسلوب ويريد تفريق اللحمة وأبعاد الأهل عن بعضهم البعض، فمن كان يرتبط بسنية وهو شيعي أو بالعكس هذا الأمر بالنسبة لهذه السياسة غير مقبول لأنه يقرّب أبناء البلد الواحد ويوحدهم من خلال عوائل وزيجات مختلطة تختلط بواسطتها الدماء مع المذاهب وتتوحد بالإيمان وحب الله والوطن، ونتيجة لذلك يصبح العراق قويا متماسكا!!! 
وكيف للصهيونية أن ترضى بذلك ؟ إنهم يحاولون أقصى جهدهم لكي يتقاتل أخوة الماضي وأهل الحاضر بغية أضعاف العراق وانزوائه بعيدا لا يقوى حتى لمداواة جروحه، فضربوا مرقد الشيخ عبدالقادر حتى يثيروا أهل السنة على الشيعة وضربوا مرقدي سامراء لإثارة أهل الشيعة على أهل السنة كما ضربوا الكنائس حتى يثيروا المسيحيين على المسلمين، واليوم كما الأمس القريب أيضا فما الفلم المسيء الذي أنتجته الصهيونية على الأرض الأمريكية إلا صفحة جديدة تريد بها قوى الشر أن يتقاتل المسلم مع المسيحي وأن تسود الفوضى الدول الاسلامية كي يلهونها بهذه الأمور ولا تنظر هذه الدول بفاعلية إلى المستقبل كي يكون أكثر أشراقا بواسطة الالتفات للعمل الجاد والمفيد للبناء والتطور، إنهم يعملون جاهدين لتفتيت هذا البلد وجعله دويلات صغيرة .. ضعيفة .. وذلك من خلال خلق العداوات بين القوميات؛ عرب .. أكراد، تركمان .. كلدان .. آشوريون .. وغيرهم وما مشكلة كركوك وسهل نينوى إلا قنابل موقوتة قابلة للتفجير ساعة فشل الورقة الطائفية، فإنهم إن فشلوا هنا فسيستخدمون الورقة الأخرى.
إن الفساد ماضٍ ومستمر بالاستشراء وكلنا أمل ان الله سيحفظ بلدنا ويبعد عنه الشر والأشرار كي ينعم بالمحبة وبالسلام والأمن وسيخيب ضن الدخلاء والأشرار وستعود خفافيش الضلام كي تعتشعش في الظلام لأنها لا تقوى النور ولا تستطيع الظهور.
وعن ذلك وغيره سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة وللذكريات بقية.

عبدالله النوفلي

29
جزيل الشكر للأخوة: مناهل وعزيز، متمنيا لهما التوفيق والصحة الدائمة

30
شكرا لك أخي الشماس سرهد
وما قمت وما زلت مستمرا بالعمل فيه
أتمنى أن تلحقه خطوات أخرى من أخوتي الشمامسة الآخرين
لكي نجعل من هكذا أعمال أثراءا لطقسنا الجميل
كما وسأستضيف أخوة لي من الشمامسة
كي يؤدوا بعض الألحان الطقسية بصوتهم
وسأضيفها أيضا للمجموعة التي بدأت بها
تقبل محبتي
أخوك الشماس عبدالله

31
أخوتي المتابعين
لقد تم أضافة قلثا لجميع أحادات السنة الطقسية
وكذلك تشبوحتا دموتوا لكل السنة الطقسية
والجديد قادم باستمرار فتابعونا

32
ذكريات من الماضي العراقي القريب (21)
لم يكن التغيير المناخي الذي يشهده العراق وبقية دول المنطقة وربما مناطق أخرى من العالم أمرا عابرا ويحدث بمحض الطبعية؛ وحسب أجتهاد البعض وتحليلاتهم، فقد أشار خبير في دائرة الانواء والرصد الزلزالي التابعة لوزارة النقل العراقية لموقع قراءات ان الدائرة تمتلك ادلة تثبت ان ارتفاع درجات الحرارة في البلاد هو بفعل فاعل وليس امرا مناخيا طبيعيا، متوقعا ان تصل درجات الحرارة الى (70) درجة مئوية خلال السنوات الثلاثة القادمة. وأضاف المتحدث قائلا: ان الدائرة ومن خلال مختصين في هذا المجال استطاعوا بعد جهود مضنية وعلى مدى اكثر من خمس سنوات، الحصول على الادلة الدامغة التي تبثت تورط دولا بعينها بالتحكم بالمناخ العراقي، مضيفا ان خبراء المناخ يرجعون ارتفاع درجة الحرارة بهذا الشكل الغريب الى وجود طاقة صناعية تم توجيهها عبر مركز "الأبحاث في مجال الترددات العليا للشفق القطبي الشمالي" واختصاره (HAARP) باعتباره المركز الوحيد القادر على افتعال زلازل وفيضانات وأعاصير ورفع وخفض درجات الحرارة التي تبدو طبيعية.
واكد المصدر ان مناخ العراق بدأ بالتغير نحو حار جاف صيفا ولمدة تتجاوز الثمانية اشهر وشتاء يكاد يخلو من الامطار في اغلب مناطق العراق عدا اقليم كردستان نوعا ما بعد ان كان في ثمانينيات القرن الماضي عبارة عن اربعة فصول، صيف حار رطب وربيع معتدل وخريف تنخفض فيه درجات الحرارة لتمهد دخول الشتاء البارد الممطر، متوقعا ان تصل درجات الحرارة في مناطق البلاد الى سبعون درجة مئوية خلال الثلاث سنوات القادمة. ومتوقعا أن تكون النتائج كارثية لهذا التغيير في المناخ العراقي الأمر الذي سينعكس على أمن غذاء المواطن وصحته، وهكذا نجد الكثير من مناطق العراق بدأت تميل للتصحر والزراعة الديمية شبه ميته والأنهار الرئيسية بدأت تركيا وأيران وسوريا بالتحكم بما يدخل إلى العراق منها، وكنت حول هذا المصير قد قرأت تحليلا قبل عقد من السنين بأن الحرب القادمة في المنطقة ستكون حربا بسبب المياه !!!
وهكذا تزداد قسوة الطبيعة على العراقي وربما هذه تجعله يفقد بعضا من المزايا التي كان يتحلى بها وبدأ يميل للقسوة المفرطة أحيانا بينما نجد الغرباء والأجانب طيبون ورحماء  ويتعاملون مع الجميع برفق وحنان ونتعجب كثيرا عندما نختلط بهم لأننا قد افتقدنا لهذا التعامل حتى في بيوتنا ومع أهلنا  لكننا نجد في المقابل حتى من بين المؤمنين من يدعو بالشر على غيره حتى لو كان مؤمنا بما يخالف إيمانه لكن الاثنين يؤمنون بالإله الواحد الأحد، نعم هذا يحدث اليوم في العراق، والدعاوي مختلفة فقد يكون النعت بالكفر أو الدعوة بالموت والترملـ أو ان يزلزل الله الأرض تحت الأقدام .... ومن أمثال هذه الدعوات الكثير وحدث ولا حرج، ونسي هؤلاء المؤمنين بأن بدل هذه الدعوات لو تم الدعاء باتجاه ان ينصرنا الله على الأمراض المعدية كالسرطان والإيدز وغيرها الأمر الذي يجعل البشرية تعيش حال أفضل مما هو عليه اليوم، فربما لكان الله يستجيب لمثل هكذا دعوات لأنه سبحانه وتعالى يقبل توبة التائبين ولا يرضى بأن تهلك نفس من عباده الصالحين كما أننا لا يمكننا أن ندين البشر الآخرين لأن الله هو الديان الأوحد وهو الذي يعلم بكل خفايا الأمور.
نعم نحن نملك أرقى المباديء السماوية لكن السؤال هو من يعمل بها ويطبقها على أرض الواقع؟ فلو كان ذلك مطبقا فلماذا هذا القتل والدمار والتخلف والدعاء نحو الهلاك والدمار؟ ونحن نكتب الكثير من اللافتات التي تقول ممنوع ... لكن تبقى بدون تطبيق بينما لا نجد مثل هذه في الدول المتقدمة لكن الجميع يطبقها دون رقيب وحتى في البيوت، ففي استراليا مثلا يُمنع التدخين تحت سقف، فنجد حتى في البيوت الخاصة عندما يدخن أحدهم نجده يخرج إلى الحديقة أو أمام المنزل كي يدخن هناك !!! وهنا لا من رقيب يحاسبه لكنه يطبق القانون لأن في ذلك حفاظا على صحة أهل بيته، فالمسألة هي مسألة وعي ليس إلا. وفي العراق نجد التدخين في كل مكان وحتى في المستشفيات وغرف المرضى، فالجميع يدخنون؛ زوارا وممرضين وأطباء بل قد تجد أيضا الأطفال الصغار يدخنون!!! وهذه طامة كبرى فهؤلاء هم أمل المستقبل، فكيف سيكون هذا المستقبل؟
ويوما كنت في زيارة لأحدى مستشفيات العاصمة بغداد ورأيت الجهود الحثيثة لتجميل مدخل تلك المستشفى فقلت في نفسي إن كان الأمر في المدخل هكذا فكيف سيكون الداخل؟ لكن شتان ما بين تفكيري وما بين الأمر الواقع، حيث الحدائق الداخلية مهملة وبدل التراب النظيف لحدائق المستشفى فقد كانت مليئة بالحصى وكل ما من شأنه أن تموت النباتات ولا تنمو فيها مطلقا، كما أن القاذورات منتشرة بشكل لافت، فليكن الله بعون المرضى الذين يقصدون تلك المستشفى التي لا تبعد عن مركز بغداد كثيرا. 
فإن كانت المصادر المسؤولة عن الصحة بهذا الشكل؛ فكيف تكون صحة الإنسان في العراق إذا؟ بينما نجد العالم يتسارع وبخطوات كبيرة نحو اكتشاف العلل والأدوية لأصعب الأمراض ويقدم الخدمات المجانية للمرضى رغم تكاليفها الباهضة في تلك البلدان لا بل يتابعون المريض حتى في بيته، فهذا مريض مسن في فرنسا وبعد أن يأس حتى أهله من شفائه لكن المستشفى لم تيأس وبقيت تتابعه حتى استفاق وتكلم رغم أن قلبه توقف مرة لبرهة من الوقت، وبعد أن تحسن وضعه وملّ البقاء في المستشفى جهزوا غرفته في بيته كما أن تكون في المستشفى وخرج وكانت الممرضة تزوره يوميا كي تتابع حالته، بينما نحن وفي مستشفياتنا الحال غير هذا والمريض يواجه الموت في كل لحظة.
ومرة كنا في زيارة لمريض في دار التمريض الخاص وقبل عقد من الزمان فوجدته قد جلب معه مبردة كي تكيف له غرفته، وهذا في العاصمة أما في أحد الأقضية البعيدة وكان الوضع شتاءا فقد شاهدت مريضا يدخل المستشفى هناك ومعه الصوبة والبطانية لأن الوضع كان هذه المرة شتاءا!!! فكيف لنا بهكذا أوضاع أن نلحق بركب الدول المتقدمة وعلى قول المثل الشعبي (ويصير براسنا خير؟).
وما تكلمنا عنه حول المستشفيات والواقع الصحي في العراق ما هو إلا النزر اليسير جدا عن الحالة الحاصلة فعلا على الأرض، ورغم أن التطبيب في العراق هو من أرخص الطب في العالم ويمكنك مراجعة الأخصائي مباشرة وينعدم ما يسمى بطبيب العائلة ونظام الرعاية الصحية رغم وجود الكثير من العيادات الشعبية وصرف الأدوية للأمراض المزمنة بشبه المجان لكن مسألة تداول الأدوية أيضا مسألة جديرة بأن نطرحها هنا، فزيارة لأرصفة بغداد الجديدة فستجد بسهولة من يجلس على الرصيف فارشا بضاعته وبينها أدوية مختلفة، منها المسكنات ومنها مضادات الإلتهابات والأبر المختلفة وحتى أدوية مقوية للجنس تجدها هناك حيث حر الشمس وأتربة الجو وكل ما يجعل من الأدوية تفسد بأسرع وقت هذا إن لم تكن فاقدة الصلاحية أصلا!!!
فأين صحة المواطن من كلما يجري على الأرض، وإن تركنا الرصيف ودخلنا الصيدليات فسنجد هناك تجارة من نوع خاص، لأن الصيدلي أخذ يجزأ علبة الحبوب إلى عدد الأشرطة الموجودة فيها ويبيعها على أساس الشريط، وعندما تسأله عن العلبة الكاملة فإنه يضرب عدد الأشرطة بسعر الشريط الواحد كي يعرض عليك سعرها، والمريض لا حول له ولا قوة لأن الدواء لا يستطيع التمهل بشرائه، وما يقوله الصيدلي لا يمكن التعامل عليه، وتجد في صيدلياتنا أدوية من مناشيء كثيرة وعندما تنشد السعر المنخفض فعليك بالدواء الهندي، أما إذا كنت متمكنا فقل له أريد من المناشيء الأوربية عندها سيكون سعر الدواء بالدولار ...
أما إذا نزلنا إلى الشارع وأردنا تأجير سيارة تكسي فيجب أن يكون لدينا الصبر وقوة التحمل والقدرة على التعامل والمناورة في الكلام لأن الحالة سائبة وبيد أصحاب التكسي ولا يوجد العداد كما هو الحال في دول كثيرة وليس أيضا من الدول المتقدمة فهذه موجودة في الأردن وفي سوريا أيضا رغم أن السائق في تلك البلدان يحاول أن يعاملك كي لا يسير على العداد أو يقول لك مباشرة بأنه لا يسير على العداد خصوصا عندما يكون مطمئنا بأن مراقبة شرطة المرور معدومة في ذلك الوقت، لكن عندنا هي مسألة مساومة بينك وبين السائق وعليك أن تجلس بجانب السائق لأن لو فعلتها وفتحت الباب الخلفي لثار عليك السائق وأعتبرك تهينه و(تستنكف) الجلوس إلى جانبه، هذا أصلا إن كانت سيارته نظيفة وتحافظ على ملابسك التي تريد الوصول بها إلى مبتغاك بصورة لائقة لوجود موعد مهم أو زيارة أو ما شابه.
وشوارع العراق في كل مدنه تفتقر للإشارات الضرورية كي تقودك إلى مبتغاك كما ينعدم وجود جهاز الدلالة (أو ما يسمى في الغرب Navigator) الذي يقودك إلى هدفك بسهولة ويسر وعندما تصل يقول لك لقد وصلت إلى هدفك، حتى لو كانت هذه المرة الأولى التي تزور تلك المنطقة، لكن في العراق حتى لو كان مثل هذا الجهاز موجودا لانفجر من الحالة الموجودة على الأرض حيث سيكون من المحتم على منتجيه أن يحدثوا معلوماته في كل يوم على الأقل لأن شوارعا تغلق وأخرى يتم فتحها بصورة فجائية، فمتى نصل نحن بحيث نفتح الانترنيت على الخارطة ونبحث عن العنوان ونطلب له أن يستخرج لنا دليل رحلتنا من مكاننا إلى الهدف؟ هذا ماهو العالم واصل إليه اليوم، بل أيضا هناك مواقع أليكترونية عديدة تعين المواطن بالوصول إلى هدفه حيث تعطيه الخيارات وما على المواطن سوى أن يضع وقت وصوله إلى هدفه كي يجد قائمة من الخيارات سواء أن يركب باصا عاما أو قطارا أو مشيا على الأقدام ومحسوب ذلك بالدقائق حتى يتم تأمين الوصول حسبما يريده الإنسان.
فالانسان هو الثروة الكبرى وجميع الدول تفعل ما بوسعها كي تحافظ عليه وتجعله سعيدا غير مهموم كي يبدع في علمه بل نجد دولا كثيرة تهرع لنجدة الإنسان أينما حلت الكوارث والزلازل وترسل الفرق الطبية والمعونات الإنسانية والمتطوعين وتبحث بين الأنقاظ فربما تجد ناجيا يكون يوما ما معينا للإنسانية، بينما نجد العراق أو دول المنطقة بعيدين عن ذلك وإن فعلوا فهم يكتفون بإرسال الخيام والمعونات الطبية، لكن نسوا هؤلاء بأن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان، فوجود الأيدي الماهرة بهذه الظروف مهم جدا كي يتم أزالة آثار الدمار ومحوها والعودة للحالة الطبيعية، لأن الحال هو واحد فاليوم إن حصل زلزال في الجزائر سيكون غدا في هاييتي أو أمريكا أو المكسيك أو أيران، وعلى الجميع أن يعملوا وكأن المصاب هو مصابهم. وكيف يتم ذلك ونقرأ اليوم في التقرير السنوي لمنظمة الشفافية الدولية لعام 2011، أن ثلاثة بلدان عربية بين البلدان العشرة "الأكثر فساداً" في العالم وهي الصومال والعراق والسودان،  كما أظهر أن الصومال احتلت المركز الأول في الدول الأكثر فساداً في العالم تلته أفغانستان ثم العراق وميانمار والسودان وتركمانيا وأوزبكستان وتشاد وبوروندي وأنغولا.

كل هذا وغيره ما سنستمر بالكتابة حوله ... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012

33
ذكريات من الماضي العراقي القريب (20)
إن الفوضى في الرياضة لا تختلف عنها في التعليم ولا في مفاصل الحياة العامة كلها في العراق، حيث كان القبول في الجامعات قبل عقد من الزمان ولازال هو وفق المعدل الذي يحصل عليه الطالب في امتحان البكلوريا للدراسة الاعدادية، لكن في أي بلد من البلدان لا يصبح المعدل أكثر من 100%؟ فأي متابع علمي لا يوافق على هذا لأنه أمر غير ممكن لكن العراق قد شهده. وحتى في الصناعة لا يمكن أن تكون الكفاءة حتى 100% لوجود خسائر في العملية الانتاجية ويقاس النجاح كلما أقتربنا من الرقم الكامل 100%.
لكن شهدت العقود الماضية مزايدات بين القيادات الصناعية للحصول على مكتسبات وهو تحقيقهم أرقاما تفوق الرقم الكامل!!! نفس الشيء الذي حصل لطلاب الدراسة الاعدادية حيث نال منهم أكثر من الرقم الكامل نتيجة مكتسبات ليست من حقهم ومنها: إذا كان أبوه مدرسا أو معلما فله 5% أضافية وإذا كان خريج المناطق الفلاحية فله 5% أخرى وإذا كان صديقا للريس فله ... وهكذا يوجد في سنوات من حصل على معدل 85% ارتفع معدله بقدرة تلك القرارات إلى 105%!!!
ونتيجة ذلك كنا نلمس بأن المستوى الدراسي في المدارس الابتدائية وصعودا نحو الجامعة بدأ يتدهور وبدأ المعلمون والمدرسون يبحثون عن التدريس الخصوصي لأن رواتب الموظفين أصبحت لا تساوي شيئا فقد حدثني أحدهم الذي ترك العمل عام 1994 وقد كان مهندسا، فقال أنه عند تركه للعمل بعد خبرة 18 سنة من العمل كان يتقاضى 800 دينار عراقي وقتها، وقال محدثي بأن وكيل الوزارة التي كان ينتمي إليها قد أرسل بطلبه عند معرفته انه قد ترك العمل وكان موعد لقائهما في الدوام المسائي. وقد مرّ محدثي بأحد الأسواق القريبة من الوزارة التي كان يقصدها ولمح وقتها أسعار المواد المثبتة على المواد المعروضة وبقت قسما من تلك الأسعار عالقة بذهنه، وبعد أن أستقبله الوكيل الذي على ما يبدو كان على معرفة تامة بمستوى ذلك المهندس وقد حاول جهده كي يثنيه عن قصده بترك الوظيفة وكان قد قدم له (حامض) ضيافة له، وبعد أن أكمل الوكيل حديثه، كان جواب محدثي له: أستاذ آخر راتب تقاضيته كان (800) دينار وقبل وصولي لمقابلتكم شاهدت في محل للمواد الغذائية قطعة السعر المثبتة على طبقة البيض (30 بيضة) حيث كان السعر هو (800) دينار مما يعني أن عائلتي (والحديث لصديقي) حصتها من الراتب بيضة واحدة في اليوم وأردف صديقي بقوله ماذا نفعل بالبيضة الواحدة هل نقدمها للفطور أم في الغداء أم في العشاء؟؟!!!
وبعد ذلك لم يستطع وكيل الوزير أن يقول لمحدثي سوى أشرب الحامض وروح الله وياك فإن الموظف وقتها كان ممن تحلُّ عليهم الرحمة ونتيجة ذلك ازدادت الرشاوي وبحث المعلمون والمدرسون عن الدروس الخصوصية. وكي ينالوا مبتغاهم فإنهم لم يكونوا يقدمون لطلبتهم العلم الكافي كي يبحث أولياء أمور الطلبة عن المدرسين الخصوصيين وهكذا كان لكل مدرس عددا من الطلبة وصل بعضهم ليفتح الصفوف في بيوتهم أو في بيت أحد الطلبة المتمكنين، ثم وصل الأمر لاحقا بأساتذة الجامعات ليلجأوا هم لذلك عندها أصبحت الشهادة لا تساوي شيئا ولم تعد حتى الدول المجاورة للعراق تعترف بشهادة العراقيين. واليوم نجد في المهجر من يحمل شهادة الاختصاص في حقل الطب وهو لا يجد من يعمل لديه ولا حتى العيادات الطبية لأن شهادتهم غير معترف بها وإن أرادوا تعديلها عليهم العمل بصورة مضنية ويؤدوا الامتحانات المرهقة والمكلفة ماديا كي يجتازوا الامتحان ويبدأوا مرحلة البحث المضني عن العمل الذي أصبح صعبا هو الآخر نتيجة وجود خريجين كثر في دول المهجر مما قلل فرص العمل كثيرا لخريجي ما وراء البحار.
ومما يزيد الطين بلة في الجامعات هو القبول الخاص الذي كان من حصة أعضاء القيادة والمسؤولين الكبار والذين لم يكن مستواهم العلمي يؤهلهم لدخول كليات علمية مهمة كالطب والهندسة لكن سلطة آبائهم جعلت من الأساتذة يخشون أفشال هؤلاء الطبة بل علمت من أحد الأساتذة الذي كان يحمل الدكتوراه في الجغرافية وكان مشرفا على أطاريح الدكتوراه لعديد من الطلبة بأنه في أحيان معينة يقوم بنفسه بأعداد الاطروحة وأعطائها للطالب كي يدرسها ثم يقدمها أثناء المناقشة!!! ( وما لم يقل صديقي ذاك هو أن من يعد له الاطروحة هو بنفسه كان ابن مسؤولا مهما ولا يستطيع بأي حال من الأحوال أن يضع له درجة الفشل في أطروحته)، كما أن شاشة أحدى القنوات العراقية سابقا عرضت مناقشة أطروحة لشهادة عليا لأحد أبناء الذوات حينها الطالب الباحث وجه كلامه للأساتذة المشرفين بالحرف الواحد وكان موضوع الاطروحة سياسيا على ما يبدو: أخواني أريد ألفت نظركم لموضوع جدا مهم وعليكم الانتباه إليه والتمسك به ... !!! وكان كمن يبدو أنه يُصدر الأوامر لأساتذته، فكيف بهم يجعلونه فاشلا؟
وهذا الأمر مازال على ما يبدو إلى اليوم موجودا رغم أن جامعة بغداد وصل تسلسلها الى الرقم 601 عالميا حيث يوجد نظام القبول على النفقة الخاصة وأغلب من يبحث عن القبول الخاص يكون من هؤلاء الخريجين وخاصة من يتخرج من الكليات الأهلية التي غالبا مستواها ضعيف، فنجد لهؤلاء العديد ممن يتوسط لهم كي يتم إنجاحهم بل وصل الأمر في بعض الأحيان بجعلهم يؤدون الامتحان أدوارا عدة ليس فقط الدور الثاني بل الثالث والرابع و و و  إن ذلك الأسلوب ما هو إلا حلقة مفرغة وأضاعة للوقت وللجهد والمال مما أدى ليكون المستوى العلمي ينحدر سريعا نحو الحضيض!!! وأزاء ذلك لم يتبقى سوى أن يتم تبليغ الأساتذة بأن لا رسوب لطلبتهم كي يتم أعفائهم كما حدث للبعض في الجامعات العراقية.
وعندها لا سامح الله لو حدث ذلك سيتساوى الطالب المجد والجاهل بينما كنا نجد سابقا بأن من يُرقن قيده وخصوصا في الدراسات العليا لن يتم قبوله مجددا لأنه أخذ فرصته فيها وعليه الانتظار لخمس سنوات أخرى كي يتمكن من أعادة المنافسة للقبول. وعندها أيضا كان للشهادة العراقية قيمة وتقبلها حتى أرقى الجامعات العالمية. بل كان المتخرج من جامعات غير عراقية وفي أحيان كثيرة عند الموافقة لإكمال دراسته في العراق هو ان يتم قبوله في مستوى أدنى وبصف أو صفين أقل مما كان عليه في تلك الدول، لكن بعد الحصار الذي فُرض على العراق ومنذ عام 1991 لم يعد أحد يعترف بالشهادة الصادرة من الجهات العراقية إلا بعد خوض امتحانات مريرة لإثبات المستوى العلمي والحصول على التعديل.
ولكون جامعاتنا تعتمد الأسلوب العلمي الرصين فقد كان لنا علماء ومفكرين بارزين وأطباء كان يقصدهم الكثيرين من دول الجوار للاستشفاء لديهم كسعد الوتري مثلا وأمثال هذا كثيرين جدا لم يعد لدينا أمثالهم اليوم نستطيع تشخيصهم او الكتابة عنهم، فالكثير من العيادات والمستشفيات تُدار من أطباء ذوي خبرة قليلة ومقيمين أما الأختصاصيين فقد ابتعدوا إما بسبب الخوف أوالقتل أو الهجرة!!!
ونتيجة ما مرّ به العراق فقد تم تطبيق نظام الاستضافة لدى الكليات الموجودة في المناطق الأكثر أمنا، ولم يكن سبب الأمن هو دائما ما ينشده الطلبة عند طلبهم الاستضافة إنما أحيانا يبحث عن كلية تسهّل عملية أعطاء الدرجات فيقصدها الطالب كي ينال معدلا عاليا عند التخرج!!!، كما أن شائعة موجودة بين أوساط الطلبة عن كلية معينة بأن لا رسوب فيها مطلقا فيقصدها أولياء أمور الطلبة كي يتوسطوا لقبول أبنائهم فيها!!! أليس هذا أسلوب للنيل من شرف المهنة والأمانة العلمية، ونحن نحمل المباديء التي تقول: (من غشنا ليس منا)، أليس هذا سرقة لجهد الطلبة المجدين والمجتهدين، أليست مبادئنا السماوية تقول: ( اما السارق والسارقة فاقطعوا أيديهما)، كما أن أساتذة معينين بدأوا اللجوء لإنجاح الطلبة من أمثال هؤلاء أبناء الذوات كي ينالوا حضوة ويتم تنسيب طلبة آخرين كي يشرفوا عليهم ويحصلوا على المال الوفير!!! وما هو حاصل فعلا أن أمثال هؤلاء هم الذين يتبوأون رئاسة الأقسام في الجمعات!!!
وكما كان سوق مريدي سابقا يمنح من يشاء ما يشاء من الشهادات والوثائق؛ فاليوم على ما تنقله لنا الأخبار توجد كليات ومعاهد تعمل ذلك لكن بطريقة منظمة ومرتبة وبالأوراق الرسمية لكن كل شيء مقابل ثمن، وكأني بهؤلاء ينادون على بضاعتهم اللي يريد شهادة للبيع فليأتِ!!! لكن من تربى على المباديء الصحيحة عليه أن يرفض هذه الأساليب ويبتعد عنها لأنها سبب تدهور العملية العلمية وانهيار التعليم في العراق، ففي المجال العلمي ليست الكمية هي الهدف بل النوعية، ومجالات الابداع كثيرة وفي كافة الميادين فليس بالطب والهندسة وحدهما يتقدم الانسان بل ممكن لرسام أن ينال الدكتوراه ويصبح علما يشار إليه بالبنان.
والغش كان منتشرا بكل شيء أيضا، وكان علينا الشك بكل من نتعامل معه، فربما نشتري علبة ما ولزيت الطبخ الصلب مثلا لنجد الزيت هو فقط الطبقة العليا وتحته شيء آخر لا يمت للزيت بصلة!!! أو أن تشتري عبوة من وقود السيارات من باعة الأرصفة لتجده ممزوجا بكمية من الماء ويحرمك من نعمة استخدام السيارة لحين تصليح ما يخلفه الماء من الأضرار الجسيمة فيها.  كل ذلك يحدث وبلدنا يعتبر مهد أبينا أبراهيم أبو الأنبياء أو أنه خليل الله  ومدينة أور شاهدة على أول الخطوات التي حباها هذا الأب المبارك في طفولته وهو بالفعل قد قدّس هذه التربة الخالدة ونأمل ان تكون كذلك ويتخلص بلدنا من كل هذا الكم الهائل من الشر لأن بين حناياه الكثير من المزارات والأضرحة فأينما تذهب شمالا وجنوبا شرقا أو غربا ستجدها مما يدل أن العراق قد أكرمه الله بهؤلاء كي يكون حجة صالحة لذوي البشر.
أرض العراق غنية بالكثير من الأمور المادية والمعنوية، وما علينا سوى استغلال هذا الإرث الجبار لصنع مستقبل زاخر ومشرف لأبناء العراق.... وهذا ما سنستمر بالكتابة عنه لاحقا.

وللذكريات بقية.
عبدالله النوفلي
2012

34
ألف مبروك أخي أبو ستيفن لقد فرحت كثيرا للخبر وأتمنى لك التوفيق دائما تقبل محبتي

35
ذكريات من الماضي العراقي القريب (19)
إن الفوضى التي عاشها العراق ومازال في بعض من مفاصله لم نكن نحلم حتى بحدوثها بهذا الكم الهائل لما خلفته في جميع مرافق الخدمات والدوائر وما رافقه من عمليات القتل والغدر، وكما معروف لدينا عند حدوث جريمة معينة كنا نستغرب وقوعها وكان واحدنا يقول للآخر (قابل أحنا بتكساس) أشارة للمدينة الأمريكية التي على ما يبدو كانت مشهورة بتفشي الجريمة ووجود العصابات فيها، ولكن تلك الأيام التي كنا نستغرب وقوع جريمة ما في مجتمعنا فيها، قد وصلنا إليها ولم يعد الاستغراب حاصلا مما يحدث، أي أن المحتلين قد أدخلوا معهم عاداتهم وتقاليدهم. وكم من مرة سمعنا بأن لقوات الاحتلال قوات بذاتها يسمونها بالوحدات القذرة أي التي تقوم بواجبات محددة تعتبر (قذرة) تخدم سياسات معينة للمحتلين رغم أن ما سمعناه لم يكن مؤكدا لكن من كان يروي لنا القصص كان يدعمها ببعض المشاهد لما حدث كي تبقى القصص مقنعة؛
فكثر الحديث أن قوات من المحتلين في الساعة الفلانية كانت موجودة في رأس الزقاق وبعد رحيلها من هناك حدث انفجار، أو انهم فجرا كانوا على طريق معين يبحثون أو يعملون كي يتفاجئ الناس بحدوث أنفجار لعبوة ناسفة أو ما شابه من القصص التي لا نعرف مدى صحتها، لأن الحديث قد كثر وتشعب وحتى ذهب بعض الذين يتحدثون إلى أن لا يوجد سيارة مفخخة بل أن صواريخ تطلقها طائرات عن بعد كي تفجر سيارة متوقفة في مكان ما ويعتقد الناس بأنه أنفجارا لسيارة مفخخة، ولكن الأيام أظهرت أن السيارات الملغمة موجودة بل ازدادت الأعمال القذرة وكان فاعلوها ليسوا من الاحتلال بل من العراقيين ومن العرب الذين أعتقدوا أنهم يحاربون الكفر والكفار على أرض العراق، لكن هؤلاء الوافدين معتقدين أنهم يجاهدون في سبيل الله قد نسوا بأن ذات المحتل موجود على أرضهم وإن كان بأشكال مختلفة وكان عليهم أولا محاربته على أرضهم قبل تكبدهم عناء الرحيل، ولكن دماء العراقيين جراء ما كانوا يفعلون كانت تنزف دون رحمة ومن يذهب ضحية لأفعال من يعتقد أنه يجاهد في سبيل الله كان الجواب بأنه سيكون في الجنة وأن أفعال أولئك قد سرّعت من أيصاله للجنة فلم يخسر بل ربح!!!
وهذه الأعمال جعل من السلطات ان تعمل على البحث عن مخرج للإرهاب ومنعه من تحقيق أهدافه وكلما كان يتفنن الإرهابيون بخططهم كان رجال الأمن يتفنون بردهم كي يمنعوا الجريمة ويحدوا من أثرها على الناس وكانت فكرة الجدران الكونكريتية أحدى أفكار الحد من الارهاب، ولكي لا تكون هذه الجدران صمّاء فقد أصبحت واحة خصبة للرسامين المبتدئين أو لطلبة كلية الفنون الجميلة كي يرسموا عليها ما يحلوا لهم، أضافة إلى أنها أصبحت مكانا للأعلان عليها أو حتى للتندر أحيانا كما ذكرنا مرة عن الاعلان الذي انتشر كثيرا عبر الايميلات الشخصية وكان مكتوبا على أحد هذه الجدران مفاده (حلاقة هاني أطفر وتلگاني)، فقد كانت هذه الجدران بمثر أو مترين أو حتى بثلاثة أمتار ارتفاعا وهي مكونة من الكونكريت المسلح فقد أحاطت أحياءا بكاملها أو شوارعا عدة فشارع محمد القاسم عبر منطقة الدورة أحيط بها وكنا عندما نستخدم هذا الشارع وكأننا نسير عبر نفق لا نرى شيئا مما هو خلف تلك الجدران، كل ذلك كان بسبب انتشار أعمال العنف والاطلاقات النارية وأعمال الاغتيال والقنص الذي أجبر السلطات الأمنية بأحاطة سيطراتها المنتشرة بكثافة في شوارع المدن بالجدران أيضا لأن قنص أفراد السيطرة حدث في أحيانا كثيرة.
ولم تعد هناك فرحة يعيشها ابن العراق أو مكانا آمنا يمضي فيه يوم عطلته فقد أغلقت المتنزهات حتى بدون أمر رسمي لعدم ارتيادها من قبل الناس وكذلك جزيرة بغداد وجزيرة الأعراس أما برج المأمون فقد بقي معطلا وشبه مقفرا لسنوات عديدة بعد 2003 دون أن تلتفت أيادي من يهتم بالاعمار أو تجميل بغداد له وكنا نرى قمة البرج حيث المطعم الدوار وقد تكسر زجاج نوافذه وتم تغطيتها بألواح الخشب، الطريقة القديمة التي كان يلجأ إليها أهلنا عند حدوث تحطم لزجاج النوافذ وبصورة وقتية ريثما يتم شراء الجديد وتركيبه!!!
لكن أمانة بغداد عملت جاهدة لتنظيف المدينة وجعلها لائقة بالعراق الذي هو مهد حضارة سومر وأكد وبابل... فتم تنظيف الكثير من المساحات الفارغة وحتى الجزرات الوسطية للشوارع العريضة تم تحويلها لأماكن خضراء ومتنزهات محلية يلجأ إليها أبناء المنطقة لتمضية أمسيات بل أوقات من السمر والضحك يلهو خلالها الأطفال بالألعاب البسيطة التي تم نصبها هناك، كما اهتمت الامانة بمتنزه الزوراء ببغداد وأصبح ملجأً مهما لعوائل بغداد خصوصا أيام عطل الأعياد بحيث من شدة الازدحام عليه كانت الشوارع القريبة منه تُغلق، لكن رغم هذا كان التخلف كثيرا ويصعب وصفه.
فقد أفادت التقارير ومنها ما نشرته مجلة "فورين بوليسي" الامريكية في تقرير لها، عن بقاء العراق ضمن البلدان التي تحتل المراتب العشر الأولى من بين الدول الأكثر فشلا ضمن 177 دولة في العالم. وذلك في عددها لشهر حزيران 2012 وقالت المجلة أن من بين مجموع الدول الأكثر فشلا هناك 37 دولة في مرحلة الخطر، وكان أبرزها 10 دول مرتبة عدديا من 1 إلى 10 هي: الصومال وتشاد والسودان وزيمبابوي وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأفغانستان والعراق وجمهورية أفريقيا الوسطى وغينيا وباكستان. واعتمد التقرير على مجموعة من المعايير العالمية من أبرزها الديمقراطية السائدة في البلد، وتماسكه العرقي والثقافي، والمستوى الاقتصادي والتعليمي، ومدى حرية وسائل الإعلام، وحقوق الإنسان، والاحتجاجات وشكاوى المواطنين من أوضاعهم المعيشية، إلى غيرها من المؤشرات. وقد وضع مقاييس التصنيف خبراء اعتمدوا فيه على الأخبار الواردة من 90 ألف مصدر خاصة من وسائل الإعلام حكومية وغير حكومية، أو المنظمات الإنسانية من 177 دولة.
ولا يهمنا مدى مصداقية خبر هذه المجلة لأننا نرى الأمور على أرض الواقع وما تكلمنا عنه فيما مضى وما سنتكلم لاحقا كله يشير إلى صحة هذا التقرير، والعالم كان يتابع مع نهاية تموز 2012 أحداث دورة لندن الأولمبية الذي خرج منها العراق خالي الوفاض ولم يكن مع المشاركين بخروجهم حتى خفي حنين!!! والأمر من ذلك ما نشرته أحدى الصحف البريطانية (التيلگراف) من ترتيب الدول الأسوأ في نشيدها الوطني حيث كان نصيب العراق هو السابع فيها وشملت القائمة الدول التالية:
1.   كوريا الشمالية
2.   أورجواي
3.   اليونان
4.   اسبانيا
5.   الجزائر
6.   كولمبيا
7.   العراق
8.   بوركينا فاسو
9.   كازخستان
10.   الكونغو الديمقراطية.
فقد كان العراق حتى بنشيده الوطني متخلفا حسب رأي الجريدة رغم أنه يحمل بمعانيه الكلمات الجميلة وله لحن جميل جدا لكن ربما مسألة أذواق من أعد التقرير لم تعجبه مضامين النشيد أو موسيقاه لأنه لم ينشر مع التقرير أسباب اختيار هذه الدول كأسوأ بنظرهم!!!
وللرياضة كلام كثير خاصة وإن العالم للتو قد انتهى من متابعة حصاد آلاف الرياضيين في دورة لندن الأولمبية ففيه من الشجون ما لا يمكن حصره في مقال مقتضب، فحالها ليس بعيدا عن كل ما يحل بحال العراق ويجري على أرض الواقع، فلم يكن يعني حصول العراق على كأس أسيا عام 2007 أي تطور قد حصل في البنية التحتية للرياضة ولا تطورا في عقول المسؤولين عنها أيضا، وأيضا وصول العراق إلى المركز الرابع في أولمبياد أثينا لا يخرج من هذا الاطار أبدا، لأن من يتابع برامج القنوات الرياضية العراقية والتقارير الخارجة من العراق يستطيع الحكم بأن البنية التحتية لرياضة العراق هي بحال سيء جدا، وأول استنتاج لما حصل عليه العراق من بطولات مؤخرا ماهو إلا لوجود نخبة موهوبة من اللاعبين هي التي حققت كل شيء ولم يكن لا لفيرا ولا لمن أتى بعده أو ربما من قبله دور فيما حصل، فملاعبنا مازال في عدد من محافظات العراق ترابية وإن كانت مزروعة بالنجيل الأخضر فهو غير منتظم وبذلك يصبح عائقا أمام أبداع اللاعب في الملعب، فملعب الشعب الذي بقياس الزمن أصبح عجوزا وقد تجاوز عمره الستين عاما لازال الملعب الوحيد الدولي لكن ليس بمواصفات الدولي هذه الأيام بل أيام زمان لأن لولا الترميمات الأخيرة التي تم أدخالها إليه لكان قد تحول إلى أنقاض وربما هجره اللاعبون إلى الساحات العامة، ونظرة أوسع من ذلك نجد ملعب الكشافة الهرم لا يصلح لشيء وملعب ميسان (الدولي) الذي تم تشييده وربما لم يشهد أجراء مباراة دولية واحدة عليه لكي يتم هجره هو الآخر والملاعب الأخرى في البصرة وكركوك والنجف والموصل ليست بحال أفضل من ملاعب بغداد!!!
فكل عمل ينطلق بقوة إن كان أساسه قوي ولديه من الجذور ما تمكنه من الصمود والازدهار والإتيان بثمار جديدة دائما، لكن ماذا يحصل اليوم، فدولا عدة كانت لا تفكر حتى بالتعادل مع العراق نجدها اليوم بعبعا أمام الفريق العراقي: فلم تكن مبارة العراق مع الاردن أو عُمان تنتهي بأقل من ثلاثة أهداف كفارق نجد اليوم العراق يحلم ويفرح لو خرج معهما متعادلا!!! فلماذا تقدم الآخرون ونحن نتأخر؟
المسألة واضحة جدا فهناك تخبط كبير في العمل الرياضي، وهناك ربما قيادات في الرياضة تعمل من أجل مصالحها الشخصية أكثر من عملها لمصلحة العراق الوطنية وجميعنا تابع ما آل إليه حال اتحاد كرة القدم وتدخلات الاتحاد الدولي وتمديد رئاسة الاتحاد السابق وقيادته لعمل الكرة من خارج الحدود وتشبث تلك القيادة بمواقعها مستندة لمساندة الاتحاد الدولي أكثر من استنادها لدعم الشارع العراقي ومساندته، وربما كان لتلك القيادة شيئا من العذر نجهله، لكن الحصاد كان واضحا وهو تدهور حال كرة القدم، ولازال الوضع مستمر إلى اليوم وقد مضت عقود كثيرة من الزمن وفرقنا الرياضية تلعب خارج أرضها دون وجود تدخل رسمي أو إتحادي لحلة الموضوع وأعادة الوضع إلى طبيعته، ونجد كوادر العراق تعمل وتتفوق على الكثير من مثيلاتها في دول الجوار والعالم والعراق لا يستفيد منها بل يهملها دون مبرر والملايين من الدولارات تذهب لمدرب ليس بجعبته سوى اسمه الكبير وفي المقابل لم يقدم شيئا للرياضة العراقية، في الوقت الذي يقدم فيه مدربون عراقيون لفرقهم النجاحات تلو النجاحات!!! فلا فرق فيما تعانيه الرياضة عما يعانيه العراق ككل.
والمجتمعات وتطورها يُقاس بالتقدم العلمي في معظم ميادين الحياة ومنها الرياضة والجامعة وكثرة الجامعات أو كبر قاعدة الرياضة لا يعني التطور بل ربما يأتي بنتائج عكسية إذا كان الأمر غير مدروس ومهيأ له كل المستلزمات، فليست الكمية هي الهدف بل النوعية، وفي رواية لأحدهم أن وزارة الخارجية العراقية في عقد التسعينات اجرت امتحانا شاملا بسيطا للمتقدمين للعمل فيها فكانت اجابات كثير منهم مخزية ومنها على سبيل المثال (من هو حمورابي)؟ فكانت الاجابة انه احد الخلفاء الراشدين !!! فكيف سيمثل هذا عراق الحضارات إن كان بهذا الجهل الذي من المفترض أن طالبا في الدراسة الابتدائية هو الذي يتمكن من أجابة هذا السؤال؟
   وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في حلقاتنا القادمة
وللذكريات بقية.
عبدالله النوفلي
2012

36
ذكريات من الماضي العراقي القريب (18)
نقوم بتوثيق ما تسعفنا به الذاكرة رغم أن كم هائل من المعلومات موجود أصلا في الشبكة الدولية للمعلومات عما حصل ويحصل باستمرار في عراقنا الجريح، لكن ليس كل ما يتم كتابته صحيحا أو ذو مصداقية كافية كي نستفيد منه في كتاباتنا، أو ربما كتب للإيقاع بهذا الطرف أو ذاك، هو ربما هو من نسج خيال كاتبه أو استنتاجات شخصية، لكن ما نكتبه في كثير منه هو معلومات شخصية أو نقلا عن أناس مقربين نثق بهم أو ما مررنا به خلال فترات الكتابة نكتبه كي يكون عبرة للأجيال القادمة، كي لا تقع في ذات الأخطاء التي وقع فيها جيلنا الحاضر، وفي هذا السياق يكون التوثيق ضروري جدا آملين أن تكون الأجيال التي تعقبنا أكثر حكمة وفطنة  وتنأى عن نفسها وتجنب بلدها الأهوال والمصائب وتنتقل من الحرب إلى الحب، وبدل سماعها دوي الانفجارات تسمع زقزقة العصافير، ويعود العراقي يستمع للأغاني الأصيلة وينتج الفن الراقي، وتعود المقاهي العريقة ليست لتضييع الوقت بل للحديث ولتبادل الآراء ولامتصاص تعب يوم طويل، أو لكي نجد طلابا يدرسون في زاوية منها يتابعون بذلك تحصيلهم العلمي حينا ويتسامرون حينا آخر، فكم من تلك المقاهي كان موجودا وكنا نقصده كي نمارس هوايتنا المفضلة في لعبة الشطرنج وغيرها.
لكن أيامنا جعلت الأمور تحدث بصورة عكسية، فالطالب يعيش هموما لا يمكن تحملها، فمدرسه في المدرسة يحاول بكل وسيلة كي يدفعه لأخذه مدرسا خصوصيا، هذا الأمر أثقل كاهل العوائل العراقية، فقد تفشت هذه الظاهرة؛ وأعرف طالبا مُجدا ومجتهدا وكان له موقفا مع أحد أساتذته وهو في الصف السادس الاعدادي، حيث جلب نتيجة الفصل الأول وهو في الكاد قد أخذ درجة (50) في احد الدروس، الأمر الذي أثار عائلته كونهم يعرفون مدى حرص ولدهم وذكائه، ورغم تأكيدات الولد لعائلته بأن ذلك بسبب موقف المدرس ونياته المبيتة، فقد ذهب والده للمدرسة كي يستفسر عن أحوال ابنه من ذات المدرس، فوجد ذلك الأستاذ الذي نتحدث عنه وقال له أنه متأكد بأن ولده شاطر لكنه يشعر وكأنه يشرد ذهنه في الصف وقد أعاد احتساب الدرجات من أجله عدة مرات كي يوصل درجته إلى الخمسين ولا يصدمه ونصح والده بأن ولدهم بحاجة لمدرس خصوصي إن كانوا ينتضرون منه معدلا جيدا في الامتحانات العامة!!!
لكن ذلك الولد أقنع والديه بأن ما قاله المدرس ليس صحيحا، وكان أن انتظرت العائلة حصاد ابنها ونتيجته الامتحانية حيث حصل على معدل عالٍ أهله ليدخل كلية مرموقة وكانت درجة البكلوريا بذلك الدرس هي (99) وأصبح ذلك المدرس مشهورا بين أساتذة الخصوصي كونه كان مدرسا لذلك الطالب رغم أنه مارس كل تلك الألاعيب مع طالبه لكنه كان يذكر بفخر طالبه الذكي لاحقا أمام الطلبة الآخرين الذين صدّقوا ألاعيبه !!! وما هذا المدرس إلا نموذجا واحدا من الآلاف الذين أفسدوا العملية التعليمية في العراق وخربوها وأثقلوا كاهل أولياء أمور الطلبة بمبالغ كان من الأجدى بها لو ذهبت لانجاز مهام ضرورية للعائلة وللمجتمع، من ذلك نجد الطالب مهموما باستمرار، لأنه قد لا يصل إلى مدرسته بسبب قطع الطرقات أو بسبب أعمال تخريبية أو يصلها وهو مهموم حزين لفقدان صديق أو لأمر حدث لأسرته، ورغم كل تلك المصائب أضيف إليها مسألة الدروس الخصوصية التي جعلت من المدرس لا يعطي مهمته السامية كمربي للأجيال في مدرسته الرسمية بقدر ما يوليها في مدرسته الخاصة في البيت.
ووصل أمر هذه الدروس حتى لطلبة الجامعات!!! ومن ذلك نجد اليوم بأن شهادات العراق لا يعترف بها دوليا ويتم أخضاع الطالب لامتحانات معقدة بغية التأكد من مؤهله لأن كل شيء اليوم مكشوف ويعرفه العالم أجمع، ناهيك عن عمليات التزوير التي اشتهر بها (سوق مريدي) ببغداد، فقد روى لي صديقا عن أحد معارفه الذي كان خريجا في أحد المعاهد المهنية، وقد نوى ذلك الخريج السفر بعيدا فقصد ذلك السوق حيث حصل منهم على وثيقة تؤكد كونه خريجا من أحدى الكليات الهندسية!!! وفعلا وثق ذلك بترجمة وثيقته من مترجم قانوني وسافر بعيدا حيث أنه كما روى لي صديقي يعمل على حسابه الخاص وكمهندس!!! في بلدان الاغتراب لأن هذا الامر حدث منذ زمن ولم يكن أمر التزوير قد افتضح بعد بهذه الكثافة أو أن ما يحدث للحقل العلمي والأكاديمي لم يكن قد افتضح أمره، وما هذا سوى مثالا من الآلاف التي جعلت من المستوى العلمي ينحدر للحضيض.
وإن نتحدث اليوم عن الجانب العلمي والثقافي فحري بنا أن نتحدث عن بنايات السينما في العراق التي تحولت إلى بنايات مهجورة لا يرتادها سوى المراهقين والعاطلين والذين في نفوسهم غايات معينة أو ربما تجد الكثير منها قد أغلق بعد أن طغى الستلايت وأفلام السي دي على هذا السوق من جانب وما يحدث أيضا من أعمال التفجير والزمن المحفوف بالمخاطر من جانب آخر، وكلنا يتذكر تلفزيون الشباب الذي كان يعرض الأفلام المشهورة في العالم فور انتاجها ومنها على سبيل المثال لا الحصر (فلم تايتانك) الذي تم عرضه عددا من المرات رغم أن دولا لم تعرضه السينمات فيها بعد لأن الزمن وقتها كان العراق يرزح فيه تحت الحصار وكان البث أرضيا، وكان يتم البث لفقرات البرامج دون ضوابط فقد شاهدنا من خلال تلك الشاشة لأبرز نتاج السينما العالمية وهكذا ساهمت هذه الأحوال في وأد السينما العراقية الأمر الذي حدا بأصحاب تلك البنايات لتحويلها وجعلها مسارح، وأية مسارح ؟ وما نوع المسرحيات التي كان يتم عرضها؟ لقد كانت عبارة عن تهريج في تهريج ويغلب العرض الأصوات العالية، ومن كان يعتقد في نفسه أنه ممثل كوميدي ويحاول أضحاك الناس كما كان يفعل الفنان المعروف (عادل أمام) مثلا، فكنا نجد فنانينا يحاولون أضحاك الناس بافتعالهم بعض المشاهد  مما أصبحنا نعتقد بأن المتفرج يضحك على الفنان رغم احترامنا للكثير من الأسماء التي لم تركب تلك الموجة واحتفظت لنفسها بالرصيد الفني الراقي لأن العديد ممن أصبح فنانا في ليلة وضحاها كان فنانا في التهريج والصراخ وعندما كنا نشاهدهم في اللقاءات التي يتم أجرائها لهم تلفزيونيا نجدهم يتعثرون في الكلام ويتلعثمون ولا يستطيعون نطق جملة واحدة صحيحة، لأننا كنا نتعجب من ثقافة الفنان المصري أو اللبناني، بينما كنا نتحسر من ثقافة فناني التسعينات مثلا.
وحال الفنانين هذا ليس مستغربا في بلد شهد حربا من العالم ضده؛ حربا كانت تسميتها في العراق حرب ال (33) دولة، فقد أجتمعت كل هذه الدول لتقف بالضد من العراق وومن بين تلك الدول دولا عربية لطالما كان العراق مصدر عيش للكثير من أبنائها حيث كانوا يتواجدون على أرضه ربما بالملايين منهم لكن حينها أصبح الجميع ضد العراق وكان العراق يعتقد أنه على صح في موقفه!!! وبعد التدمير للبنى التحتية والاقتصادية الهائل الذي نتج منها تبعه حصار دولي خانق دفع بالعراقيين لجر الحسرات دون أمل منظور بتحسن الأمور وهكذا عاد العراقيون لممارسات أجدادهم حيث كانت التكنولوجيا معدومة وكنا نعيش حياة البداوة بل أن مشاريع شهدها العراق أبان الخمسينات أصبحنا نتمنى لو يتم إيجاد مثيلاتها في الصناعة، فتم تدمير كل شيء وكل ما يتم انتاجه يكون الغش أحد مكوناته فحتى الشوارع لم تسلم من الغش في مكونات التبليط، والماء الذي كنا نستلمه عبر أنابيب الاسالة كان مخلوطا بالأطيان ناهيك عن التلوث الذي لا أعرف مقداره ولا أستطيع التحدث عنه لعدم التأكد منه، لذلك لجأنا إلى التصفية البيتية بمواد معروفة والتعقيم ومن ضمنها حبوبا كنا نشتريها من الصيدليات كي نكون في مأمن في العواقب وتكون الخطورة في شرب مياه الاسالة بأقل ما يمكن.
وحديثنا عن الماء يجرنا للحديث عن الحصة التموينية التي كان العراق يفتخر أنه وفرها لأبنائه واستمر على توفيرها رغم الحصار الدولي!!! لكن الكلام عن مفردات تلك الحصة ونوعية ما فيها من مواد وحده يحتاج لكتابة صفحات كثيرة عنها، لأنها كانت رديئة فعلا فمادة الطحين مثلا كنا نستلمه وهو مملوء بشوائب لا نعرف ما هي ولا أحد كان يخمن ماهي الخلطة المستخدمة في انتاج ذلك الطحين، ناهيك عن الكثير من المرات التي كنا نحس بطعم العفونة الذي ينبعث من الخبز المنتج منه حيث ازدهر سوق الخبازات وكانت العوائل تأخذ الطحين لهن مع الخُمرة اللازمة كي تقوم تلك المرأة المجتهدة بعجنه وخبزه مقابل ثمن لمن لا يعرفون هذه المهنة، وبعد أن ازداد الطلب على تلك الخبازات بدأن يستخدمن المواعيد في الاستلام والتسليم وبعده تطور الأمر أن يكون العجن من قبل العوائل وتستلم الخبازة العجين بدل الطحين كي توفر الوقت، وفي ذلك أيضا دخل الغش حيث كم من مرة نستلم أعداد الخبزات التي نشك بعددها لأن في نفس كمية المرة السابقة قد استلمنا عددا مغايرا مما كان يجعلنا نشك بأن الخبازة بدأت توفر لنفسها عددا من الأرغفة كي ربما تبيعها للناس وتوفر لنفسها مبالغ مالية، وبعد أن تفاقم الوضع بدأت المخابز تستلم طحين الحصة وتعوضه بالخبز الأبيض الذي جعل من تلك المرحلة تبشر بخير للعوائل لكن كان ما نستلمه عن الكيلو الواحد من الطحين هو أربعة أرغفة وبالحجم الصغير الذي لا يمت بالرغيف العراقي بصلة!!!
فقد دخل الغش في كل شيء وتطور الأمر لاستلام الصمون بدل الرغيف وخصوصا بعد أن تم تطبيق مبدأ النفط مقابل الغذاء حيث حنَّ المجتمع الدولي على العراقيين وسمح بذلك الاجراء حيث ظهر ذلك جليا على الحصة التموينية وبدأنا نستلم الطحين المسمى (صفر) لكن العوائل عبرت مرحلة الخبز في البيوت إلى تبديل طحين الحصة بالصمون أو الخبز حيث كنا نضع كيس الطحين لدى الأفران ونستلم حصتنا منه صمونا أو خبزا يوميا وهو يفتح لديه سجلا بذلك كي يخبرنا بعد حين أن حصتنا من طحين الحصة قد انتهت وعلينا الشراء، ولتعقيد ذلك بدأنا ببيع كيس الطحين للأفران كليا وقمنا بالشراء ما نحتاجه بدلا عنه وفي هذا لجأ أصحاب الأفران لجعل سعر كيس طحين الحصة رغم جودته أخيرا في الحضيض كي يزيدوا من أرباحهم!!!
وكل ذلك كان لسان العراقي مكمما بالكامل ولا يقوى للتصريح بأي شيء خوفا من العواقب، وليس اليوم أفضل من البارحة، فقد ذكرت منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير أصدرته يوم  12 تموز 2012 إن مشروع قانون جرائم المعلوماتية العراقي من شأنه تقييد حرية التعبير وسيكون في حالة تشريعه خرقا للقانون الدولي، وتهديد كل من الصحفيين والأفراد الذين يكشفون عن وقائع فساد والنشطاء السلميين. لأنه يشتمل (القانون الذي لم يصدر بعد) على أحكام فضفاضة مبهمة تسمح للسلطات العراقية بأن تُنزل عقوبات قاسية بمن يعبرون عن آراء تراها الحكومة تهدد المصالح الحكومية أو الاجتماعية أو الدينية. وقالت هذه المنظمة إن على مجلس النواب العراقي ألا يوافق على هذا القانون دون أن يراجع القيود الواردة فيه على حقوق الفرد العراقي أو أن يلغيها. ويفيد التقرير بأن "قانون جرائم المعلوماتية العراقي: قانون سيئ الصياغة ويشتمل على عقوبات وحشية تنتهك حقوق إجراءات التقاضي السليمة وحرية التعبير" ويتكون التقرير من 16 صفحة. وخلص التقرير إلى أن مشروع القانون جزء من جهد أوسع تبذله السلطات لقمع المعارضة السلمية من خلال تجريم المشاركة المشروعة للمعلومات من قبل النشطاء. وقد ناقش مجلس النواب القانون المقترح للمرة الأولى في 27 يوليو/تموز 2011، ومن المقرر أن يناقشه مرة أخرى في يوليو/تموز 2012.
وقال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "مشروع القانون هذا يعطي السلطات العراقية أداة جديدة لقمع المعارضة، لا سيما على الإنترنت، التي يلجأ إليها الصحفيون والنشطاء العراقيون بشكل متزايد التماساً للمعلومات ولفتح ساحة النقاش. وقال: على مجلس النواب في العراق رفض القوانين التي تقوض الحريات المكفولة بموجب دستور العراق الصادر عام 2005".
وقالت المنظمة إن قيود مشروع القانون الشاملة على المحتوى تشمل عقوبات جنائية وحشية متطرفة من شأنها إسكات أصوات المعارضة. فإن المادة 3 من مشروع القانون تُنزل عقوبة السجن المؤبد وغرامة مالية ضخمة على من يستخدم "عمداً" أجهزة الحاسوب وشبكة المعلومات في "المساس" بمصالح البلاد "الاقتصادية أو السياسية أو العسكرية أو الأمنية العليا" دون تعريف لهذه المصالح.
كما تخرق المادة 3 حرية العراقيين في تكوين الجمعيات، إذ تنص على عقوبة السجن المؤبد على التعامل مع "جهة معادية بقصد زعزعة الأمن والنظام العام أو تعريض البلاد للخطر". هذه المادة قد تكون سنداً لمقاضاة أي شخص يتعامل مع منظمة أو حركة أو حزب سياسي تراه الحكومة "معادٍ" بسبب انتقاد هذه الجماعة للحكومة أو سياساتها، على حد قول هيومن رايتس ووتش.
القانون على صياغته الحالية يقوض ضمانات الدستور العراقي الخاصة بحرية التعبير وحرية التجمع، ويخرق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعراق دولة طرف فيه. فإن العهد الدولي ينص على أن "لكل إنسان حق في حرية التعبير... في التماس مختلف ضروب المعلومات والأفكار وتلقيها ونقلها إلى آخرين". المعايير الدولية لا تسمح بالقيود على المحتوى إلا في ظروف جداً ضيقة، مثل حالات السب والقذف والتشهير ضد أفراد أو الخطاب الذي يهدد الأمن الوطني. القيود لابد أن تكون واضحة التعريف ومحددة وضرورية ومتناسبة مع التهديد. ولكون العراق دولة طرف في العهد الدولي، فلابد أن تضمن السلطات العراقية "الحق في حرية تكوين الجمعيات مع الآخرين، بما في ذلك حق إنشاء النقابات والانضمام إليها من أجل حماية مصالح [الفرد]". يسمح العهد الدولي بقيود على هذه الحريات، لكن على أن تكون بموجب نص قانوني وتكون ضرورية "في مجتمع ديمقراطي لصيانة الأمن القومي أو السلامة العامة أو النظام العام أو لحماية الصحة العامة أو الآداب العامة أو حماية حقوق الآخرين وحرياتهم".
تبين التقرير أن مشروع القانون المذكور جزء من نمط من القيود المتزايدة على حرية التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع. ففي مايو/أيار 2011 وافق مجلس الوزراء العراقي على مشروع قانون حرية التعبير عن الرأي والتجمع والتظاهر السلمي الذي يشتمل على أحكام تجرم الخطاب السلمي بعقوبات تصل إلى السجن خمس سنوات. ومنذ فبراير/شباط 2011 وثقت هيومن رايتس ووتش هجمات عنيفة عديدة ارتكبتها قوات الأمن العراقية وعصابات مجهولة، ضد متظاهرين سلميين يطالبون بحقوق الإنسان وتحسين الخدمات وإنهاء الفساد.
فاليوم نريد التعامل كما في الأمس وبدلا من استخلاص العبر من الماضي المقيت والنظر إلى مجتمع أفضل وأزهى وأحسن للعراقيين نرى البعض يحاول تمرير مثل هذا القانون الذي ذكرنا بعض من أحتاجاج منظمة حقوق الانسان الدولية عليه، فمتى نستخلص العبر من كلما حدث ويحدث؟

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012

37
ذكريات من الماضي العراقي القريب (17)
إن العراقيين اليوم يفتقدون كثيرا لأيام كانت المودة والرحمة هي السائدة لأنهم كانوا يتذكرون ويطبقون قول القرآن الكريم: "فَمَن كَانَ يَرْجُو لِقَاء رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلَا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً، الكهف/110"، وكان الجميع يبحث عن عمل الصالحات وكنا نجد أيام معينة في السنة وحسب المناسبات في معظم شوارع المدن العراقية من يقوم بالطبخ وتقديم طبخه للمحيطين به من الجوارين مبتغين الحصول على لقاء ربهم بنفوس راضية مرضية وبغية إطعام الفقير والمحتاج رغم أن المناسبات التي بسببها كان يتم الطبخ كانت تخص فئة دون أخرى من الشعب العراقي، لكن كانت الغاية نبيلة وكان الجميع يشتركون بغية أثبات أن (القوم التعاونت ما ذلت)، لكن رغم ذلك كان هناك من يتربص لهذه الممارسة النبيلة ويحاول أحداث البلبلة أو التأثير عليها لمنعها، لكن هيهات لقوى الأرض أن تستطيع أيقاف ما هو مصدره من الله، لأن لو كان ذلك مصدره من الناس لكان قد توقف وزال تأثيره منذ زمن بعيد.
إن واقعنا العراقي يتطلب منا القول الصحيح والسديد وعدم لبس القناع والتمويه أو الكلام بأوجه عدة لأننا فعلا مبتلون اليوم بأمثال هؤلاء الموجودون في كل زمان ومكان ويدّعون الحق وهم بالوقت عينه يعملون الباطل وهم بأفعالهم يبتغوم ما للدنيا ويخدعوا من يستطيعون خداعه وخاصة السذج، ونجد الكثير من سياسيي اليوم يمارسون هذا النهج لكنهم يتناسون قول الله في سورة النساءء9 " فَلْيَتَّقُوا اللّهَ وَلْيَقُولُواْ قَوْلاً سَدِيداً "، لكن الأمر وصل بحيث سفارة الولايات المتحدة تحاول اليوم فضح ما يقوم به السياسيين وكشفت جانبا مما يقومون به حيث تم الكشف عن تقرير منسوب لمصادر مطلعة في السفارة الأمريكية في العراق أن أجمالي الثروة المالية من الساسة العراقيين وقواهم النافذة تبلغ (700) سبعمائة مليار دولار!!! وذكرت أسماء بعضهم وأرقام ثروتهم، وببساطة ممكن أن يسأل المواطن العراقي من أين جمع هؤلاء هذه الأرقام الخيالية خاصة ولم تمضي بعد عشر سنوات على التغيير الذي جلب هؤلاء إلى السلطة في العراق، والمصادر كانت مادة كتبت بموجبه وكالة (أور نيوز) حيث أوردت أن المال ليس وحده ما يمتلكونه الساسة بل هناك أموال غير منقولة مثل العقارات والسندات والحصص في الشركات ولم يترك التقرير جهة دون ذكرها.
وفي المقابل نجد أن البرلمان يقف عاجزا عن أقرار وتشريع قانونا للأحزاب لأن في فقرات مثل هكذا قانون هو الكشف عن مصادر تمويل الحزب بحيث تكون الشفافية هي التي تحدد أطار التعامل في هذا المجال، لكن البرلمانيين بعجزهم هذا والأحزاب بثرواتهم التي ذكر التقرير جانبا منه رغم عدم التأكد من مصداقيته، يشكل كل هذا خرقا فاضحا للدستور، وعلينا التساؤل أيضا أين الجهات الرقابية العاملة من كل هذا؟ وما هو دور هيأة النزاهة  وديوان الرقابة المالية؟ أم أن وجود هاتين المؤسستين هو للاقتصاص من الموظفين الصغار الذين لا سند لظهورهم  أم أن للأقوياء كل شيء حلال والضعفاء معرضون للمساءلة دائما وهنا تنطبق مقولة غوار الطوشي في أحدى تمثيلياته عندما ذكر أنه بلع قرشا فظهر بالأشعة وهناك الذين يبلعون الملايين من القروش ولا تظهر بأشعتهم أية أدلة على فعلتهم تلك!!!
وفي نفس السياق تدور اليوم في بريطانيا عملية الكشف عن حقيقة الذراع السحرية التي كلفت العراق 85 مليون دولار ومئات الضحايا حيث اتهمت الشرطة البريطانية ستة اشخاص ببيع معدات يزعم انها وهمية للكشف عن المتفجرات الى العراق. وقد وجهت ست تهم الى جيمس ماكورميك (55 عاما) تتصل بالاحتيال وهو مدير شركة أعمال الحراسة (ايه.تي.اس.سي) ومقرها بريطانيا التي باعت أجهزة للكشف عن متفجرات لدول من بينها العراق. وقال أندرو بنهال نائب رئيس شعبة الاحتيال بالنيابة العامة البريطانية إن ماكورميك مثل امام المحكمة اليوم لينفي الاتهامات ووضع رهن الحبس الاحتياطي لمدة أسبوع بينما يمثل الخمسة المشتبه بهم الآخرون امام قضاة التحقيق الاربعاء المقبل. وأشار إلى أنّ هذه التهم ترتبط بصنع وترويج وبيع مجموعة أجهزة الكشف عن المواد يعتقد انها وهمية إلى بلدان بينها العراق في الفترة بين 15 من كانون الثاني (يناير) عام 2007 و12 تموز (يوليو) عام 2012.
وفي الوقت نفسه لم نجد تحركا حقيقيا في العراق للتأكد من تلك الأجهزة التي مازال أفراد نقاط التفتيش يحملونها بأيديهم رغم أن الكثير من التقارير الإعلامية تحدثت عنها، ورغم أن المفتش العام في وزارة الداخلية العراقية عقيل الطريحي حققق في شراء هذه الاجهزة التي باعتها شركة ايه تي اس سي قبل سنتين وتبين له أنها أجهزة "لا تعمل" وأنها بيعت بثمن مبالغ فيه. واقترح ألا يشتري العراق هذه الأجهزة مبيناً ان الفساد يكتنف هذه الصفقة وأنه أشار الى ذلك ورفع تقريره الى وزير الداخلية ولكن الصفقة تمَّت. ونتائج ذلك نجد الكثير من التفجيرات تحصل في المدن العراقية رغما عن أنف هذه الأجهزة ولم تحد من أنشطة الارهابيين كما لم تكن سببا في حقن دماء العراقيين وأبعاد المآسي عنهم. والبريطانيين تحركوا لكون شركة بريطانية هي التي باعت وكبير خبراء المتفجرات في الجيش البريطاني يقول عن بيع هذه الأجهزة أنه عمل "لا أخلاقي قطعا" فاستخدامها سيؤدي إلى شعور زائف بالأمان قبيل مقتل المئات. ولكن تصريحا مشابها وحادا من أي مسؤول عراقي باتجاه كشف الحقائق وحقن الدماء لم نلمس وجوده رغم بحثنا الطويل في وسائل الأعلام وفي الشبكة الدولية للمعلومات.
هذا بعض من حال العراق خلال السنوات الماضية في جانب أمني مهم المفروض أن يكون لحقن دماء أبنائه لكن النتائج كانت عكسية وملايين الدولارات ذهبت لجيوب اناس هم رهن الاعتقال في بريطانيا والتحقيق معهم، ولكن في العراق خبرات كبيرة وعقول لو تم استغلالها بالشكل الأمثل لكان من الممكن تطوير مثل هكذا أجهزة ذاتيا دون الحاجة لاستيرادها من الخارج، لكن دائما وحسب قول المثل: مغنية الحي لا تطرب، أو أن النبي إلا وهو مرذول في مدينته أو بين شعبه، لأن التقارير الاعلامية أفادت مؤخرا بأن هناك 100 ألف عالم وأكاديمي ودبلوماسي وطبيب وعسكري عراقي محرومون من حقوقهم المدنية، بسبب قرارات بريمر الذي ألغى وزارات بكاملها ولم تكن هجرة العقول على هذا النطاق الواسع قد عرفها العراق منذ تأسيس الدولة العراقية عام 1921، لكن السياسات الخاطئة في الفترات المتعاقبة هي التي دفعت بهذا الكم الهائل من العراقيين لمغادرة العراق إما بحثا عن فرصة عمل أو تفاديا للقتل أو الخطف أو الاعتقال. فقد بدأت موجات هجرة العقول العراقية بشتى اختصاصاتها بشكل محدودة خلال ستينيات وسبعينيات القرن الماضي حتى اتسعت خلال الحرب العراقية الايرانية 1988/1980 مرورا بحرب الخليج الثانية 1991 . غير ان اعداد المهجّرين من نخب العراق وكفاءاته تصاعدت بشكل لافت حتى بلغ ذروته بعد احتلال العراق عام 2003 . وسجلت الاعوام التي تلت الغزو- تحديدا خلال فترة العنف الطائفي في الاعوام 2006/2005 /2007 ومازالت رغم انخفاض منسوبها - هجرة الآلاف من نخب العراق تفاديا لاستهدافها ما دفعها للبحث عن مكان آمن لتفادي الوقوع بالمحظور .
وشهدت سنوات العنف الطائفي مقتل واختطاف نحو عشرة آلاف من نخب العراق في تخصصات الطب بكل فروعه واساتذة الجامعات والعسكريين والدبلوماسيين والاعلاميين ورجال الدين. وادى هذا الى استهداف هذه الشرائح التي كانت عمود هيكل الدولة العراقية وديمومة استمرارها الى مغادرة العراق الى دول الجوار العربي واوروبا وامريكا وكندا وبريطانيا بحثا عن ملاذ آمن ومستقر. وطبقا لاحصائيات متطابقة فقد بلغ عدد العراقيين ومن ضمنهم النخب والكفاءات والعلماء الذين هاجروا الى دول الشتات بعد غزو العراق نحو اربعة ملايين توزعوا على قارات العالم . في الوقت الذي كان من المفروض  على الدولة أن توفر الرعايا والاحتضان للكفاءات العراقية والاستفادة من خبراتهم ولاسيما ان العراق بحاجة الى خبرة هؤلاء في شتى الميادين. وتفيد تقارير غير مؤكدة بأن عدد الاطباء في تخصصاتهم بالشتات يبلغ نحو "30" الفا يعانون من محنة الغربة وان المئات من الكفاءات الطبية سقطوا شهداء على أيدي جهات مجهولة كانت تستهدف افراغ العراق من ابنائه الذين كان لهم الدور في بنائه وتقديم افضل الخدمات الطبية للعراقيين .
وتعد هجرة العراقيين إلى الخارج، بأعداد كبيرة، ظاهرة حديثة إذ لم يعرف تاريخ العراق المعاصر مثيلاً لها باستثناء هجرة اليهود العراقيين إلى إسرائيل بعد قيامها في 1948- 1951 حيث كانت أعداد قليلة تهاجر إلى الخارج. فقد بلغ عدد العراقيين في الخارج 40984 وذلك في تعداد 1957، وانخفض قليلاً في تعداد 1965 حيث بلغ 40818 منهم 29892 في الكويت، أي بنسبة 73,3%. وهاجرت أعداد قليلة من الكفاءات العلمية في العقود التي تلت تأسيس الدولة العراقية عام 1921 بسبب ضعف دوافع الهجرة إضافة إلى قلة أعداد الطلبة الدارسين في الخارج. فقد بلغ مجموع البعثات العلمية العراقية في الخارج 9 فقط في السنة الدراسية 1922-1923 وهي أول سنة تظهر فيها إحصاءات رسمية تخص هذا الجانب. وأعلى عدد سجل في الأربعينيات كان 258 في سنة 1946-1947 وفي الخمسينيات 234 في سنة 1951-1952.
وتزايدت أعداد الطلبة الذين درسوا في الخارج ولم يعودوا بعد 8 شباط 1963. فبلغت أعداد الذين درسوا في الخارج 6954 في كانون الثاني 1965، وتخرج 367 من معاهد التعليم العالي خارج العراق سنة 1964-1965. ويشير تعداد 1965 إلى وجود 3145 شخصاً يحملون الشهادات العالية في الخارج منهم 503 يحملون شهادة أعلى من البكالوريوس أو الدبلوم، و269 يحملون شهادة الدكتوراة في مختلف التخصصات. ويتضح أن النسب الأعلى للخريجين العراقيين غير العائدين للفترة 1958-1970 تركزت في الدول الغربية 83% من المجموع بالأخص الولايات المتحدة وألمانيا الغربية سابقاً وبريطانيا. وتراوحت نسبة التخصصات العلمية من المجموع لغير العائدين بين 66,7% في دول أوربا الشرقية  و92,1% في ألمانيا الغربية. وطبقا للمؤسسة المذكورة التي استندت اليها الدراسة فان اليونسكو اكدت أن العراق من ضمن سبعة بلدان عربية يهاجر منها كل عام 10,000 من المتخصصين كالمهندسين والأطباء والعلماء والخبراء وأن 50% من حملة الشهادات الجامعية الأولى "البكالوريوس" في العلوم الهندسية و90% من حملة الدكتوراة هم خارج العراق .
وفي الثمانينيات ازدادت هجرة الكفاءات بسبب الحرب العراقية- الإيرانية. وقد امتنع الكثير من الطلبة الذين أكملوا دراستهم في الخارج من العودة إلى العراق في هذا العقد بسبب عدم رغبتهم في التجنيد في ساحات القتال رغم من أن الكثير منهم قد أرسل لإكمال دراسته في الخارج على نفقة الدولة. وقد تصاعدت أعداد طالبي اللجوء العراقيين في الدول الصناعية بعد السماح بالسفر أثر توقف الحرب العراقية- الإيرانية في عام 1988. ففي عام 1989 بلغت 3901 شخص وهذا الرقم مرتفع مقارنة بالسنوات السابقة. أما في أوروبا فقد بلغت 24750 وذلك خلال الفترة 1980- 1989 موزعين في 15 دولة.
وفي التسعينيات من القرن العشرين شهد العراق هجرة كثيفة غير مسبوقة شملت الكثير من الكفاءات بسبب اجتياح الكويت عام 1990 وما نتج عنه من اندلاع حرب الخليج الثانية وفرض العقوبات الاقتصادية الصارمة على العراق، وتوجه الكثير من الكفاءات بالأخص أساتذة الجامعات إلى الدول العربية بالأخص ليبيا حيث كانت نسبة العراقيين مرتفعة بشكل لافت للنظر في جامعاتها وكذلك إلى اليمن والأردن ودول أخرى.
ويذكر التقرير انه غادر العراق بين 1991-1998 أكثر من 7350 عالماً تلقفتهم دول أوروبية وكندا والولايات المتحدة وغيرها، ومنهم 67% أساتذة جامعات و23% يعملون في مراكز أبحاث علمية. ومن هذا العدد الضخم هناك 83% درسوا في جامعات أوروبية وأمريكية أما الباقون فقد درسوا في جامعات عربية أو في أوروبا الشرقية ويعمل 85% من هؤلاء في تخصصاتهم. وهذا النزوح لعدد كبير من الكفاءات عالية المهارة في فترة زمنية قصيرة قلما شهدته بلدان أخرى.
و يقدر عدد أفراد الجالية العراقية في بريطانيا والولايات المتحدة بأكثر من نصف مليون. فطبقا لتصريح رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير في آذار 2003 بلغ عدد العراقيين في بريطانيا 350 ألفا. وعلى افتراض أن 5% من هؤلاء من الكفاءات والكوادر، فإن عدد الكفاءات العراقية في الحقول العلمية المختلفة يبلغ على أقل تقدير 25 ألف شخص. ويعمل عدد كبير من الكفاءات العراقية في الحقول العلمية المختلفة في بريطانيا والولايات المتحدة. وطبقا للسجلات الطبية البريطانية فإن عدد الأطباء العراقيين العاملين في المستشفيات البريطانية يقدر بحوالي 3000 طبيب في جميع التخصصات. و مازال عدد كبير من الكفاءات يعملون في مجالات أخرى غير مجالات تخصصاتهم.
وتشير بعض الإحصاءات إلى إن أكثر من 4000-4800 طبيب عراقي هاجروا إلى دول غربية بعد 1990. وقد أقرت الحكومة العراقية عام 1999 بأن عدد الأكاديميين وأصحاب الكفاءات العلمية الذين تركوا العراق وأقاموا في الخارج زاد على 23,000. وبسبب الهجرات الجماعية للعراقيين، وبضمنهم الكفاءات العلمية.
ويلاحظ أن سبب الهجرة لغالبية العراقيين حسب مسح اجرته المؤسسة المذكورة عام 2009 كان العنف الطائفي او البحث عن عمل فيما قدرت عدد الضحايا من الاساتذة الجامعيين بنحو 230 استاذا جامعيا عراقيا اغتيلوا منذ دخول القوات الأجنبية إلى العراق وحتى ذلك التاريخ، وتشير التقارير إلى أن هناك كارثة حقيقية يعاني منها قطاع التعليم في العراق بسب عمليات الاستهداف المتكررة ،التي طالت 230 أستاذا جامعيا اغتيلوا حتى الآن نتيجة عمليات العنف التي تشهدها البلاد فيما راح 820 طبيباً بين قتيل وجريح ضحايا عمليات العنف خلال تلك الفترة ما أثر بشكل سلبي ليس على عمل الوزارة فحسب بل حتى على سير الدراسة في الكليات الطبية علما أن المؤسسات الطبية التي كان يشغلها هؤلاء الأطباء أغلقت تماما بسبب الهجرة. و تراجع الخدمات الصحية في العراق.

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

38
ذكريات من الماضي العراقي القريب (16)
نعم فإن المواقف الصحيحة والنبيلة للشعب العراقي وتكاتفهم مع بعض كانت هي الضمانة الأكيدة لهذا الوطن الذي كان مهدا للحضارات ومنه بدأ أبراهيم أبو الانبياء رحلته بالخطوة الأولى من أور الكلدانيين كي يعلن بدأ مخطط الله لخلاص البشر من العبودية وقيود الخطيئة وكي يعرف الناس أنه هو الإله الصمد خالق السماوات والأرض وخالق الناس شعوبا وقبائل كي يتعارفوا ويتعاونوا ويَصِلوا الأرحام مع بعضها ويعلموا فيما بينهم بأن أكرمهم عند ربهم هو أتقاهم لا الأكثر أثارة للمشاكل. وكذلك بين الأكرمين من يعمل بجد وأخلاص من أجل أخوته وبالتالي من أجل وطنه.
فقد تكلمنا كثيرا عن الكهرباء ومشاكله والانقطاعات المتكررة والتجهيز الشحيح به للمواطنين، ومؤخرا نشرت شبكة أصوات العراق نقلا عن البرلمانية (سوزان السعد) والتي هي عضوة في لجنة النفط والطاقة في البرلمان العراقي قولها وهي تتهم وزارة الكهرباء بالفساد المفضوح في استخدامها للمحطات الغازية، مبينة أن هذا الفساد مثبت بالأرقام، مؤكدة ان استخدام هذه المحطات يمثل هدرا للمال العام. وقالت ان "استخدام المحطات الغازية لا يتلاءم مع البيئة الصحراوية السائدة في العراق وحتى في أوربا فهي محطات ساندة للمحطات النووية والكهرومائية ولا توجد دولة في العالم تعتمد على المحطات الغازية كمحطات أساسية باستثناء العراق".
وقالت أيضا ان "هناك محددات للمحطات الغازية فهي لا تصمد امام العواصف الترابية الامر الذي يتطلب اضافة منظومات وهذه المنظومات ترفع كلفة المحطة، كما ان المحطات الغازية مصممة حسب المواصفة الحرارية الاوربية فهي مصممة للعمل على درجة حرارة مثلى تتراوح مابين 15-25 درجة مئوية وهي تنطفيء كليا بدرجة حرارة 45 مئوي (وصلت الحرارة هذا الصيف لسنة 2012 أكثر من 50 درجة حتى أعلن أحد الأيام عطلة رسمية في العراق بسبب ارتفاع الحرارة) وهذا يعني انها لا تعمل في اجواء العراق في اشهر الصيف ولتجاوز ذلك نحتاج الى اضافة منظومات تبريد و هذه تكلف مبالغ طائلة و ترفع سعر الكلفة الكلية لانتاج المحطة الى اكثر من 6ر1 مليون دولار للميغاواط". واضافت ان "عدم توفر الغاز في العراق في الوقت الحاضر وعدم توفر شبكة انابيب لنقل الغاز لهذه المحطات يجبر وزارة الكهرباء على تشغيل هذه المحطات بالنفط الخام او الوقود الثقيل (النفط الاسود) مع اضافة مواد كيمياوية للوقود كمحسنات وهذه تكلف مبالغ طائلة، ويرفع كلفة انتاج الميغاواط الى اسعار خيالية رغم ان العراق دولة نفطية، ناهيك عن ان تشغيل هذه المحطات بوقود النفط الخام او الوقود الثقيل سيؤثر على العمر التصميمي للمحطات ويخفضه الى النصف فضلا عن خفض الطاقة الانتاجية الى النصف، وإلى الهدر بالوقود".
وأشارت الى انه "بحساب جدوى العملية الانتاجية للطاقة الكهربائية في مثل هذه المحطات نجد ان محطة بطاقة 750 ميغاواط تستهلك 33 الف برميل وقود في اليوم: وهذا يعني بالأرقام 33000 برميل. والسنة فيها 365 يوم. فعملية حسابية بسيطة وكما يلي: 100 دولار للبرميل = يكون الناتج بالكلفة هو 204ر1 مليار دولار اي ان كلفة انتاج الكيلواط/ ساعة = 3ر18 سنتا في حين ان الكلفة الحقيقية للكيلواط يجب ان لا تتجاوز 4 سنتات". وذكرت النائبة ان كلفة انتاج الكيلواط /ساعة والتي هي 3ر18 سنت، يضاف لها كلفة محسنات الوقود وأيضا كلف تشغيلية من رواتب المشغلين و ادوات احتياطية وعمليات ادامة، ويجب ان تضاف كلفة انشاء المحطة وانبوب الوقود الناقل فضلا عن انخفاض الطاقة الانتاجية الى النصف ويضاف الى ذلك انخفاض العمر التصميمي للمحطة الى ما دون النصف لتصل الكلفة الى حوالي 0.5 سنت اضافية للكيلو واط و هو رقم خيالي لا يوجد مثيل له في العام.
واشارت الى انه وفق حسابات الهدر فان محطة انتاجها 750 ميغاواط تستهلك يوميا 33 الف برميل اي ما يعادل 44 برميلا في اليوم للميغاواط الواحد والمحطات التي تعاقدت عليها وزارة الكهراء مع شركة (جنرال الكترك الامريكية ) 7000 ميغاواط و محطات شركة (سيمنس الالمانية ) 3500 ميغاواط أي ما مجموعه 10500 ميغاواط والواحد من هذه يستهلك 44 برميلا مما يعني أن الاستهلاك الكلي لهاتين المحطتين سيكون 10500 ميغاواط = 462000 برميل /يوم = 2ر46 مليون دولار /يوم = 86ر16 مليار دولار في العام وهذه كلفة الوقود فقط و ليست الكلفة التشغيلية.
وخلصت النائبة في البرلمان إلى القول: لذلك ينبغي ان تعتمد وزارة الكهرباء بدلا من ذلك محطات تعمل بوقود ارخص مثل الوقود الثقيل ( النفط الاسود) اذ ان سعر الطن 70 دولارا (وهو سعر شراء وزارة الكهرباء من وزارة النفط) .
ومن تصريحات هذه النائبة نجد العلة الرئيسية في مسألة الكهرباء التي عانينا منها كثيرا ولا زلنا وأهلنا إلى اليوم، والأمر المثير للاستغراب أن لدى العراق مبالغ من عائداته النفطية تفوق كثيرا ما لدى دول أقل غنى من العراق وتلك الدول لديها الكهرباء على مدار الساعة وربما فائض تقوم بتصديره عبر ربط شبكتها بالدول التي تجاورها، والكهرباء هو واحد من المجالات التي تسلب العراقي مدخراته وتجعله يعيش على اللالة والمهفة ويعاني من الحر والبرد ولا يتحرك جفن لمسؤولي هذه الوزارة رغم تبديل وزيرها وتعاقب وزراء آخرين لكن الواقع لم يتغير كثيرا وكان في الأيام الأولى ما بعد السقوط عمل المجاميع المسلحة عذرا لهذه الوزارة بالتلكوء كون الأبراج الناقلة للطاقة يتم تدميرها بشكل مستمر، ولازال هذا العذر مستمر إلى اليوم.
وأليكم هذا الخبر الذي نُشر مؤخرا حول الموضوع في يوم 12 حزيران 2012 حيث أفاد مصدر في شرطة محافظة ديالى، الأربعاء، بأن سبعة أبراج لنقل الطاقة الكهربائية شمال بعقوبة دمرت بتفجيرها بعدد من العبوات الناسفة، فيما اعترفت وزارة الكهرباء باستهداف ثلاثة. وقال المصدر في حديث لـ"السومرية نيوز"، إن "مسلحين مجهولين فجروا، صباح اليوم، عدداً من العبوات الناسفة استهدفت سبعة أبراج لنقل الطاقة في أطراف ناحية العظيم (60 كم شمال بعقوبة)، مما أسفر عن تدميرها بالكامل". وأضاف المصدر الذي طلب عدم الكشف عن اسمه، أن "قوات من الشرطة طوقت أماكن التفجيرات وفتحت تحقيقاً لمعرفة الجهة التي تقف وراءه".
في المقابل، أكد المتحدث باسم وزارة الكهرباء مصعب المدرس لـ"السومرية نيوز" أن "التفجيرات أسفرت عن استهداف ثلاثة أبراج فقط في منطقة انجانة بناحية العظيم في ديالى"، مبيناً أنها "أبراج للضغط الفائق 400 كي في وتنقل الطاقة الكهربائية من بيجي إلى بغداد". وأضاف المدرس أن "برجين دمرا بشكل كامل ويحملان الأرقام 198 و204، أما الثالث فقد تضرر بشكل جزئي ويحمل الرقم 197"، مؤكداً أن "الملاكات الفنية للمديرية العامة لنقل الفرات الأعلى التابعة لوزارة الكهرباء باشرت بأعمال التصليح وتحويل الخطوط إلى أبراج الطوارئ". وأشار المدرس إلى أن "أعمال التصليح ستستغرق يومين، كما سيتم نصب أبراج دائمية خلال أكثر من أسبوع"، مشدداً على أن "هذه التفجيرات لن تؤثر على الطاقة الكهربائية في بغداد أو باقي المحافظات، خصوصاً أنه يمكننا المناورة بنقل الطاقة عبر خطوط بديلة".وتشير مصادر أمنية في ديالى ومركزها مدينة بعقوبة، 55 كم شمال شرق بغداد، إلى أن العام الجاري شهد خمسة هجمات استهدفت أبراج الطاقة الكهربائية في المحافظة. وهذا مسلسل لا ينتهي إذا جمعناه مع ما صرحت به النائبة نستطيع القول بأن في ظل هذا الوضع وهذه التصرفات سيبقى العراق يعاني لسنوات طويلة من مشكلة الكهرباء فهنيئا لأصحاب المولدات الأهلية كون رزقهم سيستمر إلى حين طويل فلا تخافوا، وشؤما لنا نحن العراقيين لأن استنزاف جيوبنا وجهدنا وعيشنا في ظروف صعبة مستمر ولا أمل في الأفق.
وهكذا أوضاع سببت الكثير للنفسية العراقية وكانت السبب في زيادة التوتر والعصبية لدى الأفراد وهذه جعلت أمر الإلفة والمحبة والتسامح في قلق خاصة وإن المشاكل محيطة بنا من كل صوب وقد لا تعرف جارك ومن هو ومن أين ولماذا أتى وسكن بجوارك خاصة وإن التحولات في المنازل تحدث بكثرة بيعا أو إيجارا، فالمبالغ التي تم الاستيلاء عليها أبان أعمال السلب والنهب بدأت تظهر، وأزدهر سوق الشراء والبناء لوجود سيولة رهيبة لدى الناس وطبعا ليسوا كلهم بل اناس معينين.
فبيت كان بجوار البيت الذي كنت أسكن به وفي منطقة مهمة من بغداد، هذا البيت كان قد بناه صاحبه الذي كان مهندسا معماريا مرموقا، بناه لنفسه، وللقاريء التصور كيف سيكون البناء خصوصا إذا تذكرنا المثل القائل (طبلجي والعرس لإبنه)، هذا المهندس اضطر لبيع بيته بعد أن جعلته الأوضاع يعيش في الاغتراب ومن أشتراه قام (بتفليشه) إلى الأرض وحوله إلى أنقاض رمى بها بعيدا لكي يعيد البناء مجددا والبناء الذي بناه لم يكن طبيعيا كونه لم يقم بحفر الأسس للبيت وإنما أتى بالسبيس وحدل طبقة بحدود نصف متر فوق سطح الأرض ثم وضع قالبا من الخشب وسلحه بالحديد وصب الأسس ومن ثم دفن الأسس وهكذا فالعملية يعرفها الكبار جيدا لأننا جميعا مررنا بها أيام العز فأصبحت البتلو بارتفاع متر أعلى من البيوت التي بجوار ذلك البيت وهكذا كان صب الطابق الأرضي مع ستارة البيوت المجاورة!!! أي أن خلاصة القول أنه قام فقط بالتبذير لوجود مال كثير لديه، لأن حتى العاملين في عملية بناء ذلك البيت الذين كنت اتحدث معهم أثناء عملية البناء كانوا مستغربين ذلك لأن البناء القديم لم يكن بحاجة أصلا للتفليش!!!
ومبادئنا السماوية توصينا باحترام الجار لأنه فعلا يكون في بعض الأحيان أقرب من الأخ لأنني هنا أيضا أتذكر جاري في منطقة الدورة الذي دخل لصا إلى بيته يوما وجميع من في البيت كانوا نياما ولكنهم أحسوا به فضرب بسلاحه صاحب البيت طلقة جاءت بمعدته وأمعائه وكنت انا وولدي الذين نقلناه إلى مستشفى اليرموك فجر أحد الأيام وعملنا له اللازم وأدخلناه غرفة العمليات قبل أن يصل أخوته ويكملوا المهمة، هكذا يكون الجار أقرب من الأخ في مثل هكذا حالات فيجب على الإنسان أن لا يستغني أبدا عن جاره ويتواصل معه لكن ضروفنا في العراق جعلتنا نقطع الصلة مع الجار أو نجعلها أقل ما يمكن خوفا من حدوث ما لا يحمد عقباه، أقول ذلك لأنني أتذكر عادات أهلنا في السابق الذي إذا جاء ضيفا عندهم لا يعرفونه فإنهم يقومون بواجب الضيافة ولا يسألونه عن حاجته إلا بعد مضي ثلاثة أيام على ضيافته كي يكون الضيف مرتاحا ولا يشعر بالضيق وكأنهم يقولون له يا ضيفنا إن زرتنا فأنت رب البيت ونحن الضيوف!!! فأين أصبح بنا الدهر وأين وكيف أضعنا هذا الموروث العظيم وبدلا من تلك الرحمة والمودة أدخلنا أنفسنا وأهلنا أنفاقا مظلمة ومن سأم هذه الأوضاع لملم أوراقه ورحل بعيدا وأصبح يجر الحسرات باستمرار وهو يراقب الأحداث التي تمر يوميا على العراق وتحمّل من أجل الوصول لهدفه الكثير من الأزمات والمعاناة لأن الكثيرين الذين يستقلون القوارب للوصول إلى دولة ما يكون مصيرهم الغرق وتبتلعهم مياه البحار ويكونوا ضحية للمهربين فهم كانوا يبحثون عن حلم والحلم الذي بان لهم لم يكن سوى سراب بعينه لم يصلوا إليه وهلكوا عوضا عن الحرية التي كانوا يأملون الحصول عليها.
إن العراقيين اليوم يخافون حتى التزاور فيما بينهم لأن هذا يتطلب منهم التحرك والخروج إلى الشارع والأماكن العامة و و و ، وهذه كلها تحمل الكثير من المخاطر وقد يصاب الانسان بأذى شخصي من عبوة أو طلق ناري أو إنفجار أو حتى من الأشرار الذين يتربصون بالأناس الطيبين، فكم من سيارة تم سرقتها وأحيانا امام اعين أصحابها ودوائر المرور لا تستطيع فعل شيء ورغم التبليغ وتأشير السرقة في كومبيوتر المرور لكن لم نسمع في أحيانا كثيرة أن الشرطة استطاعت أعادة السيارة المسروقة إلا إذا كانت قديمة وسارقها هو الذي يقضي بها حاجته ثم يتركها مركونة في مكان ما فيتم التبليغ عن سيارة متروكة وتاتي الشرطة كي تجدها، وهذا موضوع به الكثير من الذكريات والشجون الأمر الذي سنستمر بالكتابة عنه في الحلقة القادمة.

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

39
سلامات لأبونا ميسر وللدائرة المالية لأوقاف الكلدان ولجميع من كان في الكنيسة وخصوصا من الحراس، متضرعا إلى الله القدير أن يحفظ الجميع من كل سوء وأن يضع حدا لهذه الأحزان التي مازال بسببها الشارع العراق والمسيحيين خاصة يعطون من دمائهم أنهارا

40
ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى
بعض مما في الذاكرة

قرأت مؤخرا في موقع عينكاوا دوت كوم كلاما أحزنني كثيرا لأنه جاء بصيغة عامة وغير موثق ولا يعتمد على معلومات صحيحة لابل يجافي الحقيقة ويخالفها تماما، لأننا عندما نتكلم عن فترة سابقة فذلك يعني بأن كل الأرقام والبيانات موجودة ونستطيع وضعها أمام القاريء لا أن نتكلم جزافا وبالعموميات، ولكي يكون القاريء العزيز في الصورة الكاملة أحيله إلى اللنك التالي لكي يعود للبدايات معي ويعلم كيف تم أنشاء الديوان
http://www.ankawa.com/cgi-bin/ikonboard/topic.cgi?forum=48&topic=32162
لأن قبل عام 2003 وبالتحديد قبل 3 تشرين الثاني 2003 لم يكن هناك ديوانا بأسم(ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى) وبعد ذلك التاريخ ولفترة قصيرة كنت أنا الموظف الوحيد المعين بلا غرفة ولا كرسي او طاولة ولا موظفين وفي ظرف العراق آنذاك حيث أقرب المقربين لي لم يهنئونني بسبب تردي الأوضاع الأمنية وخوفهم أن أكون ضحية لذلك حالي حال الكثيرين ممن شغلوا مثل تلك المناصب، وفعلا كانت أحدى الجهات قد وضعت كل من عينهم مجلس الحكم على قائمة الاغتيالات، ولولا عناية الله وزيارتنا لجهة بعينها أدى لرفع أسمنا من تلك القائمة وبمحض الصدقة لكون أحد ممثلي الكنائس الذين تم تعيينهم لاحقا معي كان على علاقة صداقة مع أحد مسؤولي تلك الجهة فرتب زيارة لنا لهم وكانت الصدفة خير من ألف ميعاد!!!
ولمعلومات القاريء حتى حزيران 2004 لم يكن لنا موازنة بل كنا نستلم رواتبنا من الوقف الشيعي حيث على ما يبدو أن ذلك الوقف كان يصرف من موازنة وزارة الأوقاف السابقة المنحلة، وكنا نداوم حينها في غرفة المنظفات التي استلفناها من المقر الوقتي للوقف الشيعي في منطقة الشواكة، وكان حينها من أصبحنا موظفين في الديوان نُعدُّ على عدد الأصابع، وبعد هذا التاريخ تمكنا من أيجار دار للوقف في منطقة 52 تتألف من 13 غرفة، وقمنا بتأثيثها وتشكيل نواة صغيرة من الحمايات والبدأ بتعيين الموظفين وهذا أخذ منا السنة الأولى من عمر الديوان وبعد سنتين تمكنا من شراء بناية من أربعة طوابق وسرداب هو عبارة عن طابق كامل هو الآخر وبها قرابة المائة غرفة والتي يشغلها مقر الديوان حاليا وقمنا بخدمة كل الطوائف والأديان دون تمييز وكنائس بغداد قاطبة تشهد للتأثيث والاعمار والبناء وكذلك أبرشية ألقوش بكنائسها والأديرة هناك وقره قوش وبرطلة وكرمليس وبعشيقة وبحزاني والشيخان وكركوك والبصرة والناصرية والديوانية وغيرها من مناطق تواجد المسيحيين والإيزيديين والصابئة المندائيين وخصوصا أرض التعميد ببغداد والشيخ عادي في الشيخان.
فقد قمنا قربه بأنشاء دار ضيافة فخم من طابقين كلفة بناء هيكله بحدود المليار عراقي والتأثيث بمبالغ أضافية وتركته بعد أن أكتمل البناء والتشطيب في نهاية 2010، كما كان لنا مشروعا لتسييج المقابر الايزيدية أكتمل قبل تقاعدي وهذا أيضا للأخوة الأيزيديين وتم أعمار دار المجلس الروحاني في الشيخان بأكثر من 120 مليون دينار عراقي وتأثيثه وتزويده بالمولد الكهربائي الحديث، أضافة إلى تطوير قاعة مزار الشيخ عادي بحال فخم يليق بالزائرين وراحتهم، ومن قام بالعمل هم مهندسون أيزيديون أنفسهم، وعندما شهدت منطقة سنجار لعمليات تخريب ساعدنا عوائل شهداء 311 شهيدا بمواد عينية، هذا بالاضافة لما كنا نمدهم به من آثاث وهدايا للمزارات الدينية بين حين وآخر وافتتاحنا لأول مكتبة عامة في بحزاني ومدها بالكتب بالملايين وتعيين موظف خاص لها وتم افتتاحها حينها بحضور مستشار رئيس الجمهورية السيد عيدو بابا شيخ باحتفال بهيج. هذا بعد أن كنا قد افتتحنا أول ممثلية للديوان تحولت بعد ذلك إلى شعبة خارج مركز الديوان في مدينة بعشيقة وكان فيها آنذاك أكبر عدد لموظفين في شعبة خارج الديوان وبعد أن تم استحداث تلك الشعب لاحقا ولفترة طويلة.
أما ما عملناه للصابئة المندائيين فهو كثير أيضا ولو أنه لا يلبي كل الطموحات لكن العمل وفي ضل الأوضاع المتردية كان يسير حثيثا إلى أمام فقد بنينا دارا حديثة للمركز الثقافي المندائي في القادسية من بغداد مع التأثيث وتزويده بالانترنيت، وأيضا تحديث أرض التعميد بصورة شاملة وتزويدها بالمنشئات الحديثة والمضلات الملونة والكابينات كي تكون لائقة بالمناسبات الدينية للأخوة الصابئة المندائيين وتم عمل ما يشبه شلالا في الموقع وزرع الحدائق كي تكون خضراء جميلة. كما كنا نقدم المساعدة الممكنة لمجلة آفاق مندائية كي تستمر بالصدور وأيضا طبعنا كتاب الكنزا ربّا المبجل بأعداد كبيرة وقدمانه مجانا لرئاسة الطائفة. ولم يكن العمل في بغداد بل عملنا مع الصابئة امتد للبصرة حيث كانت لنا فيها شعبة برئاسة موظف صابئي وكان في الوقت نفسه شيخا من شيوخ الصابئة وأيضا في الناصرية والديوانية وغيرها من أماكن تواجد هؤلاء الأخوة.
وعن المسيحيين فقد كان لنا شعبة للديوان في ألقوش ابتدأت بغرفة أجرناها من المطرانية ومن ثم أجرنا بيتا مستقلا وقمنا بتأثيثه بأحسن الآثاث ومده بعدد من الموظفين وقد بسط خدمات الديوان في مدينة ألقوش نفسها بجميع كنائسها والأديرة وبوابة الربان هرمز شاهدة اليوم لعمل الديوان هناك وكذلك تأثيثنا للدير الجديد (دير مار يوسف) الذي فيه حاليا راهبات يخدمن الطالبات اليتيمات، وكذلك عملنا انتقل من ألقوش إلى تلسقف وباقوفة وباطنايا وتلكيف عبر هذه الشعبة وأديرة الراهبات في تللسقف وباطنيا شاهدة لما قدمناه لهم إلى اليوم وقاعة المناسبات في كنيسة باقوفة أيضا ومشغل راهبات القلب الأقدس بتلكيف.
وفي قرةقوش كان لنا شعبة أخرى وبيت مؤجر آخر وأعمال تقدم من خلالها لكنائس قرة قوش وكرمليس وبرطلة وكنا نسعى لتكوين شعبة أخرى في برطلة لتكثيف جهودنا في تلك البلدة لكننا لم ننجح إلى حين تركي الديوان وكذلك الأوضاع المتردية في الموصل المركز ولم تشجع أحدا من المسيحيين أن يكون ممثلا لنا هناك وسيادة مطران الموصل أميل نونا شاهد على ذلك لأنني طلبت منه عدة مرات أن يبحث عن موظفين مسيحيين من أبرشيته كي يكونوا ممثلين لنا هناك ولم تنجح المساعي لحين تركي الديوان أيضا، وأعمالنا في قرةقوش ومن خلال دار الكهنة وكنيسة مار كوركيس وغيرها لازالت شاهدة لعمل الديوان وأيضا تأثيث كلية مار أفرام والمولدات الكهربائية الحديثة وغيرها تبقى شواهد لا يمكن أزالتها كما تم أزالة معظم أخبار الديوان عن الفترة التي رأست فيها الديوان من موقعه الأليكتروني على الرابط التالي:
http://cese.iq/akhbar/arch_akhbar/ar_akhbar_t.htm
وخصوصا للأعوام 2010 نزولا، هذا الموقع الذي كنا ننشر من خلاله كل شيء حتى أرقام الصرفيات على المشاريع أولا بأول تعزيزا للشفافية قد تم رفعها منه وأزالة ومحو تلك الصور المشرقة التي كنا نوثق بها عملنا للأسف تم رفعا تزويرا للتاريخ كي يأتي يوم ويتم أتهام الرئاسة السابقة بالتقصير وعدم تنفيذ الموزانة ونحن في أحدى السنوات حصلنا على كتاب شكر بتوقيع وزير التخطيط لإنجازنا كامل الموازنة وزحفنا على الموازنة التكميلية وكنا أحدى ثلاث داوئر في الحكومة العراقية التي تنجز ذلك، وكل ذلك ولم يكن عدد موظفي الديوان على الملاك الدائم قد ارتقى للرقم (100) ونخدم هذه الرقعة الواسعة لتواجد مؤمنينا في مساحة العراق، وفي كركوك أيضا لدينا أعمال لا يمكن ازالتها كما حدث في الموقع الأليكتروني كمندى كركوك وتأثيث شعبة ببيت مستقل للديوان هناك ومدنا الكنائس بحاجاتها من المولدات الكهربائية والتأثيث أو الاعمار.
أما بغداد وحدها فقد حولناها إلى ورشة كبيرة دخلت بها جميع الكنائس للتنافس نحو الاعمار وجددنا بصورة شاملة عدد منها وتبقى هي أيضا شواهد للعمل المخلص والشفاف وكذلك بنائنا لمدرسة ابتائية حديثة وأكمالنا لمركز الخدمات لطائفة أخرى (الأقباط) وهو متعدد الطبقات وأيضا التفاتنا للعمل في دار العجزة في كمب سارة للأرمن الأرثذوكس وشمل التحديث حتى الحدائق وبنائنا لدار ملحق بالمطرانية هناك وأيضا كنيسة ساحة الطيران التي شهدت أعمالا من صبغ وتجديد الأرضيات والساحات والثريات، ودارا للبطريكية في كمب سارة وتجديد كنيسة مريم العذراء لكنيسة المشرق القديمة، ومركزا للتعليم المسيحي لكنيسة سيدة النجاة ومار يوسف للكلدان في الكرادة وللسريان في المنصور.
ويستطيع زائر واحد يقوم بزيارة لكنيسة مار بهنام وتحديدا للقاعة الكبيرة أسفل بناء الكنيسة ليجد هناك مرور الديوان وعمله الرائع في كل شيء، وأيضا تجديدنا لدير للآباء المخلصين في الكرادة وأعمالنا في مطرانية الأرمن الكاثوليك، ولم يكن هذا فقط بل كنيسة زيونة للسريان الأرثذوكس ودار الرعية في الغدير أيضا شهدت عمل مكثف للديوان، وكنيسة المشرق الآشورية كان لها نصيب كبير أيضا من أعمالنا وكنا مهندسنا لمشاريعها هو أحد كهنتها الذي كان يحمل في الوقت نفسه شهادة في الهندسة المدنية،
والديوان رغم كل هذا استمر بإنماء قوة الحماية فيه بحيث أضطررنا لتأجير مقر منفصل لهم وأيضا تم تأجير بناية مستقلة لمديرية المسيحيين وأخرى لمفتشية الديوان، وكل هذا حدث في بضع سنوات وتكلمنا عما قمنا به باختصار شديد وكنا محاطين بجميع أمراض الشعب العراقي وعيننا يجب أن تكون مفتوحة كي لا يتم غشنا من هذا المقاول أو ذاك المهندس وكي يصل ما تخصصه الدولة بأمانة لهدفه وهذا من جهة أم من جهة أخرى فإن الأوضاع الأمنية كانت تعوق العمل بأحيان كثيرة وخصوصا في المناطق الساخنة كالبياع مثلا والذي أخر أعمال الاعمار لكنيسة حافظة الزروع فترة من الوقت، وأيضا كنا نطبع عددا من الكتب سنويا لمؤلفي شعبنا ونقدمها مجانا للمؤلف ولمن يتابع اعمالنا وكنا نصدر مجلة نصف سنوية (صدى النهرين) يبدو انها توقفت منذ تركي الديوان مطلع عام 2011، وأيضا كنا قد نصبنا أذاعة FM كاملة مع نصب برج البث وتهيئة كل المستلزمات في مقر الديوان في الكرادة وكنا فقط بحاجة لتردد رسمي ننطلق من خلاله كي نغطي بغداد بالبث الديني للأديان التي نمثلها لكن تلك الاذاعة لم ترى النور رغم مضي سنتين لتركي الديوان إلى اليوم.
وأي منصف يجب أن يرى الصرح الذي وصل إليه الديوان من لاشيء وخلال سنوات قصيرة ويقارن ما وصل إليه بحال الدولة العراقية ومن ثم يتكلم لأن الكثيرين ممن كانوا يزورون الديوان كانوا يتعجبون من التنظيم والنظافة والعمل الشفاف إلى درجة كانوا ينقلون ملاحظاتهم لكتلهم السياسية كي تحذو حذو الديوان وتحسن من حال الوزارات التي تمثلها بالحكومة، وأبسط كلام كانوا ينقلونه لنا بأنهم حال دخولهم الديوان وكأنهم دخلوا دائرة تعود لدولة أجنبية لأن النظام والترتيب لم تألفه دوائر الدولة وكان جميع المنتسبين يظهرون وجها بهيا للديوان أينما تواجدوا وكان المهندسون يعملون بجد وأخلاص وكل العاملين دون تمييز وكانت لجان الرقابة المالية متواجدة معنا على طول الخط وتقدم تقاريرها الدورية وكذلك كان دور مفتش عام الديوان ولجانه وموظفيه الذين كان لهم الحرية بالوصل إلى أي ملف أو موظف.
وبهذه المناسبة أقدم شكري لجميع من عمل معي خلال تلك الفترة وخصوصا لمن كان منذ التأسيس والفترة التي تلته ومنهم من أصبح اليوم متقاعدا أو تعرض للخطف والتهديد وأضطر لترك الديوان والذهاب بعيدا وأخص بالذكر منهم الأخ العزيز ميشائيل أول من تم أختطافه بسبب عمله بالديوان وكذلك شهداء الديوان من قوة الحماية الذين أعطوا حياتهم وهم يعملون في أداء واجبهم في ظروف صعبة أو من تعوَّق منهم وأيضا شهداء الديوان في كنيسة سيدة النجاة فلتكن الراحة الأبدية لهم وكلنا امل أن يكون رب المجد قد أشرق بنوره عليهم اليوم وهم ينعمون في السماوات.
وفي يوم خروجي متقاعدا من الديوان وجهت رسالة لجميع المنتسبين كي يتعاونوا ويعملوا بجد كما كانوا معي ولكي يستمر الديوان بعمله ويتقدم إلى أمام وهكذا هو أملي إلى اليوم لأنني انظر إلى الديوان كونه بيتي الثاني وثمرة من ثمرات عملي خلال عمري الذي شارف على انتهاء العقد السادس منه، وأنتظر أن يُفرحني الديوان بانجازاته اللاحقة ويكمل النشاطات التي ساهمنا بوضع حجر الاساس لها ومنها مقر بطريركية بابل الكلدانية وغيرها وكذلك المشاريع التي كان القسم الهندسي قد أكمل دراستها ووضع كل الوثائق اللازمة لأعلانها والبدء بتنفيذها. وأوجه التحية لكل من عمل معي طالبا من رب المجد لهم السلامة والصحة والنجاح في حياتهم وأعمالهم وأيضا أوجه التحية لكل رجالات الدين الذين آزروني في عملي ومدوني بملاحظاتهم القيمة ساعدتني كثيرا لدفع العمل بهمة أقوى إلى امام.
.

عبدالله النوفلي
2012

41
لجميع أخوتي المتابعين والمهتمين فإنني أقوم حاليا بأضافة المذاريش لجميع السنة الطقسية في ذات الموقع وسيكون دوما فيه كلما هو جديد تقبلوا محبتي

42
ذكريات من الماضي العراقي القريب (15)

المال الذي كان ولايزال بيد العراقيين أصبح مصدراً للكثير من المشاكل، وفي بعض أوقات الحصار الدولي على العراق في التسعينات من القرن الماضي أصبحت قيمة العملة العراقية دوليا صفرا ولا تتعامل معها بورصات أو محلات الصيرفة أو البنوك الرسمية في الخارج ولا تضع أمامها أية قيمة أزاء العملات الأخرى، بل أن أسم العملة العراقية تم رفعه تماما من قائمة العملات، فقد كان العمل عند التجار العراقيين وحسب العملة العراقية يتم بوزن العملة لمعرفة كميتها لأن العد كان مضيعة للوقت فقد كان التاجر يحتاج إلى (گواني ) كي ينقل العملة ويشتري بضاعته، وبسبب ضخ العملة المزورة للسوق العراقية فقد اختلط الأمر على الجميع لأن التزوير كان يتم حتى من العراقيين أنفسهم، لكون العملة ورقية وبمواصفات أمنية ضعيفة ولدخول الكومبيوتر الحديث وأجهزة التصوير والطباعة الملونة فقد سهلت كل هذه للكثيرين مسألة التزوير، وسمعت مرة من أحدهم بأن مزورا ما طلب منه ألف دينار صحيح ويعطيه مليونا من المزور مقابله!!!
ولقد تعامل مع ذلك حتى الموظفون في المصارف بسبب قلة المرتبات والنفوس الضعيفة بحيث كان يتم دس بعض الوريقات من المزورة في رزم المبالغ التي يتم تسليمها لمن يريد سحبها من المصارف، كما أزدهرت مسألة أعطاء أكرامية لأمين الصندوق بغية أن يعطي للساحب عملة صحيحة أو من الحجم الكبير ولا يعطي له الخردة!!! لقد كانت محفظات العراقيين منفوخة من المال لكنه بدون قيمة، حتى أصبحنا نضعه هكذا في الجيب دون محفظة لأن لا توجد محافظ تستطيع حفظ رزم بكاملها (الرزمة من مائة ورقة) فكنا نضع الرزمة في الجيب كي نخرج للتسوق أو لشراء حاجة ما.
ورغم المحاولات الكثيرة لتطويق هذه المسألة فقد فشلت جميعها رغم أن السلطات المصرفية عملت مع بدايات الألف الثالث بضخ عملة بمواصفات أمنية أفضل لكن المشكلة كانت كبيرة ولا يمكن التخلص منها بسهولة وإثر تغيير هذه العملة بعد الاحتلال ارتاح العراقيون قليلا لأن العملة الجديدة فيها من المواصفات الأمنية الجيدة الكثيرة بحيث يصعب تزويرها أو يكون المزور منها واضحا ولا يصعب التعرف عليه، لكن أين العملة العراقية وتزويرها من تزوير الدولار الأمريكي مثلا الذي هو الآخر شهد هذه الحوادث وكنا نسمع بأن هذه الطبعة أسرائيلية أو أيرانية أو ... وكانت الكوارث التي تحدث للعوائل عند تمرير ورقة المائة دولار المزورة إليها كبيرة لأن الدولار وصل سعره إلى حدود الثلاثة آلاف دينار عراقي!!! (كان الدولار يوميا يساوي ثلث الدينار العراقي الواحد)!!! بحيث لم يعد الدينار الواحد ينفع بشيء وحتى وصلت قيمته إلى (جكليتة) واحدة!!! وأيضا الفاخر من الجكليت طبعا كان يقال بأن ورقة الدينار لا تنفع إلى لف الجكليتة به أي حتى ورق تغليف الجكليتة كان أغلى من الدينار الواحد!!! هكذا خسر الكثير من العراقيين أموالهم وبات ما يملكونه لا يساوى شيئا لأن العملة كانت تتدهور داخليا سريعا والدولار الذي كان في مطلع التسعينات يساوي رسميا وحسبما يبيعه البنك المركزي بثلاثة دنانير سياحيا ارتفع رويدا رويدا حتى وصل بعد ثلاث سنوات إلى المائة دينار وعندها بدأ الصعود للدولار بقفزات مخيفة إذ لم يعد الصعود دينارا دينار واحدا بل بالمئات وكم من تاجر أصبحت تجارته بين ليلة وضحاها تساوي الملايين بسبب سعر صرف الدولار الذي كان يحقق قفزات غير متوازنة، لكن عام 1995 شهد تدهورا بسبب مخاوف التجار ولم يتم كشف الحقائق حينها حيث كان إلى ذلك الوقت التاجر يحسب ثمن بضاعته بالدينار العراقي، ولكن بعد الهزة المالية التي تعرض لها الدولار وهبوط قيمته بصورة فجائية من 3000 دينار للدولار وصل في باديء الأمر إلى 500 دينار الأمر الذي أضاع الكثير من الأموال والجهود خاصة وإن الكثيرين كانوا يخزنون الدولار لأن فيه عملة عراقية كثيرة.
لكن أيام معدودة جعلت الكثيرين يتراكضون لبيع ما لديهم من الدولارات لأنهم ضنوا وقتها بأن الدينار قد يستعيد قوته ويعود إلى سابق عهده، لكن كل ذلك كان مجرد فقاعة في الهواء إذ سرعان ما بدأ الدولار يرتفع ويستعيد ما فقده الأمر الذي دفع بالتجار إلى اعتماد الدولار أساسا لأسعار المواد وقبل أن يبدأ البيع في ذلك اليوم يستفهم عن سعر الدولار في البورصة (مقابل معرض بغداد او في سوق السيكاير في شارع الكفاح) فقد كانت مناطق معينة ومعروفة للتداول ومعرفة سعر الصرف قبل أن يلجأ البنك المركزي في السنوات الأخيرة لعملية المزاد اليومي بغية السيطرة على سعر الصرف والمحافظة على قيمة الدينار العراقي وجعله مستقرا يتراوح بين 1150 و1250 وهكذا استقرت أحدى مآسي الشعب العراقي بعد معاناة سنين كثيرة.
ورغم كل تلك المآسي وعندما كان العراقيون يجتمعون في مجالسهم المعتادة كان يبادر الجالس بتحية ضيفه بعبارة (الله بالخير)، هذه العبارة الجميلة التي تميز بها شعبنا عن باقي الشعوب العربية ونحن صغارا لم نكن نعرف المعنى الكامل لها إلا بعد أن كبرنا وعرفنا أنها في الصباح تعني (صبحكم الله بالخير) وفي المساء تعني (مساكم الله بالخير)، وكان بموجب ذلك محور حديث العراقين وفاتحته يبدأ بالسلام هذه الكلمة التي افتقدها أهلنا كثيرا في عقود كثيرة من الزمن رغم أن الظاهر كان أن الجميع يتكلم عن السلام والمفروض أن يكون العمل أيضا نحو تحقيقه لأن الكلمة تعني عدم الاقتتال وهي أيضا تأتي معاكسة عن كلمة ومعنى الحرب واليوم أصبح السلام هو شغل العراقيين الشاغل ولكنه على الأقل ليست مشكلة لدى الناس المؤمنين الصابرين الذين إن سألتهم عن حالهم يقولون مباشرة (زينين)، ونشكر الله أو الحمد لله فهؤلاء قد عاهدوا الله كونهم يقولون الحق ولا تأخذهم في قوله لومة لائم أو هجمة حاقد أو سهام الأشرار والمتربصين بغية وأد الابتسامة عن وجوه العراقيين .
لكن ما نحن عليه اليوم وقبل عقد من الزمان ربما أثر في نفوس كثيرين وبدّل من طباعهم وتغير ديدن حياتهم فقد أصاب القلوب والضمائر ضررا كبيرا والناس قد تبدلت وأصبح الإنسان الصادق والمؤمن يحسّ وكأنه غريب في زقاقه أو محلته وبين الناس المحيطين به وكأن المخلص والأمين يتم أعتباره غريبا أو من كوكب آخر لأن ببساطة يقال له (يمعود أنت بيا زمان)!!! لأن الباطل أصبح حقا والحق تحول إلى باطل وهذه طامة كبرى، فمن هول ما عاشه العراقيون انعدمت حتى مبادرات الرحمة ومساعدة المحتاج في الشارع أو في الطرقات والأماكن النائية، فكم من حالة من هذه توقف الإنسان كي يقدم العون لمن يسأل منه ليكتشف أنها عصابة تسلب منه سيارته أو ما يحمله من مقتنيات ثمينة، فتكرار هذه الحوادث جعلنا لا نتوقف لأحد في الطريق خوفا من أن يصيبنا أذى من مثل الحوادث التي كان معارفنا وأصدقائنا يروونها لنا.
وهذه الأفعال لم تكن من شيمة العراقي كونه كان يقدم العون والمساعدة لمن يصادفه في الطريق وكم من مرة تعرضتُ لنفاذ البنزين في سيارتي الخاصة لكونها قديمة ومقياس الوقود فيها عاطل ولا يوجد أدوات أحتياطية لكي أصلحه وكان يقف لي أناس طيبون كي يعطوني من الوقود ما يكفيني للوصول إلى محطة الوقود وملأ خزان سيارتي، وعند محاولتي تسديد ثمن ذلك الوقود لمن قدم لي المساعدة كان يرفض قبولها وهو يقول أريد الثواب عن ذلك فقط ولا شيء غير ذلك، كانت تصرفات أناس يؤمنون بربهم ويعملون من أجل الثواب ويشكرونه على إنعاماته معهم وهو القائل (لإن شكرتم لأزيدنكم) لكن بعد ما حل بأهلنا في العراق تغلبت هموم الدنيا على كل شيء وغابت الكثير من التصرفات الجميلة واختفت كما تضيع الموسيقى الهادئة مع ضجيج الموسيقى الصاخبة أو ضجيج الأسواقات الشعبية ومناداة الباعة للإعلان عما بحوزتهم من بضاعة.
وهكذا بالفعل كانت ساحة الباب الشرقي (ساحة التحرير) حيث أصبحت فيها الأرصفة والفراغات أسواقا لبضائع مختلفة منها الجديد ومنها المستعمل، وفي بعض الأحيان كان يُطلق عليها سوق الحرامية لأن ما كان يتم سرقته كان من الممكن أن تراه معروضا على تلك الأرصفة وفي أيام ما بعد السقوط أصبح هذا المكان مرتعا خصبا لبيع كل شيء من الأسلحة والأعتدة وأجهزة الكومبيوتر والمواد الاحتياطية والألبسة وكذلك الأقراص المدمجة التي تحتوي على أفلام كانت ممنوعة سابقا ومسرحيات كانت قد مُثلت في دول الجوار وأيضا كان هناك أقراصا مدمجة أباحية وصورا، أي كان لزائر ذلك السوق أن يجد ضالته من كل شيء كما أن النشالين كانوا متواجدين هناك وما يُطلق عليهم بالقفاصة وعندما كنت تدخل في تلك (المعمعة) الموجودة كان من المفترض أن تكون حريصا على ما في جيبك من مال ومستمسكات، كما ازدهرت حينها وفي نفس السوق أصدارات أجازات السوق وهويات الأحوال المدنية للنماذج الرسمية منها وبأختام الدوائر الرسمية ذاتها حيث كان من مارس السلب والنهب قد استولى على ضالته وما كان لطالبها سوى صرف بعض الآلاف من الدنانير والتي لم تكن تتجاوز الخمسة دولارات حينها كي تحصل على وثيقة رسمية، وربما أصبح هذا السوق فرعا لسوق (مريدي) المشهور الذي كان موقعه في مدينة الصدر (الثورة سابقا) وهذا الأخير كان في فروعه الخلفية متخصصون بأصدار كتب رسمية تؤيد ممارسة الخدمة أو أنهاء الخدمة العسكرية أو وثائق دراسية و ... لكن كانت الفوضى سيدة للموقف آنذاك في كل مدن العراق وليس بغداد لوحدها.
ونتيجة تلك الأوضاع وما تلاها لم نعد نشعر بنفس المودة التي كانت تجمع العراقيين كما أننا لم نعد نلمس ألفة في التعامل إذ سادت الخشونة محلها وأزدهرت سوق الشقاوات والذين يدّعون انتمائهم لهذه الحركة أو تلك وكل بيده العصا لمن عصا أمرهم، ويوما أردت أن أضع سيارتي في مكان عام قرب سوق بغداد الجديدة وكان هناك سيارات كثيرة متوقفة في ذلك المكان ففوجئت بشباب يمنعون وقوفي وعند استفساري عن السبب ضحكوا وقد بينوا لي أن المسألة مزاجية ولو لم ألبي أمرهم حينها لربما حصل ما لا يمكن أن يُحمد عقباه!!!
فأصبح الجار غريبا عن جاره ويخافه ويتحسب منه كثيرا وطبعا لم يكن الجميع كذلك لأن يوما وعندما اشتدت الهجمة على المسيحيين وكان جاري مسلما مؤمنا جاء إلى باب بيتي قائلا لي بالحرف الواحد إن هذا البيت هو بيت أخوك (وكان يقصد بيته) ومتى ما أحسست بأي خطر مهما كان قليلا ما عليك سوى أن تأتي وتدفع الباب وتدخل!!! إنه موقف من أبا أوس العزيز لا يمكن أن أنساه أبدا ما حييت. وتصرف جاري لم يكن الوحيد بين تصرفات أخوتنا العراقيين المسلمين الآخرين، فبعدما شهدته الساحة العراقية الكثير من أعمال التهجير والاضطهاد شملت المسيحيين خصوصا كان للشرفاء والعراقيين الأصلاء الدور الريادي في تضميد جراح أخوتهم، فبعد أن تم تهجير أكثر من 1300 عائلة مسيحية من الموصل وذلك في شهر تشرين الاول من عام 2008 وتم قتل ما لا يقل عن 15 شخصا منهم، حينها برزت دعوات من الكثير من الجهات لدعم موقف المسيحيين وتثبيتهم في أماكنهم وعدم اضطهادهم أو تهجيرهم فقد زار الوقف المسيحي والديانات الأخرى حينها وفدا كبيرا يمثل عشائر الأنبار داعما ومطالبا بأن يحضر المسيحيين للأنبار كي يوفروا هم للمستهدفين الحماية، وذهب الأمر بأحد الشيوخ حدا أبعد عندما قال إذا جاؤوا عندنا سنجعل من المحافظ في الأنبار أن يكون مسيحيا!!! وهذه الكلمات وإن كانت للتشجيع والدعم المعنوي لكنها كلمات تجعلنا نقتنع بأن ما حدث وسيحدث لاحقا ماهو إلا حدثا طارئا سرعان ما يزول.
وبعد حادثة كنيسة سيدة النجاة يوم 31 تشرين الأول من عام 2010 والذي كان مجزرة حقيقية بحق المسيحيين، جاءنا الأمل من محافظة النجف هذه المرة حيث دعا مجلس المحافظة فيها المسيحيين الخائفين والذين يفكرون بالملاذ الآمن لهم بالمجيء إلى النجف حيث عبر المجلس عن استعداده لتوفير العون والسكن والعمل والدراسة للطلبة بغية طمأنة المسيحيين بأن لهم أهل في تلك المحافظة يحرصون على حياتهم ومستقبلهم، وإذا ذكرنا الموقفين في الحادثتين لا نستطيع نسيان موقف حكومة كردستان أبدا لأنها في جميع الأوقات كانت تفتح أبواب منطقة الحكم الذاتي وتستقبل المسيحيين على أراضيها وتوفر لهم المعونات وتوفر الدعم الذي يمكنها تقديمه لهم وحسب أمكانياتها المتوفرة. ووجدنا بأن المسلمين يشاركون المسيحيين في مراسم العزاء وكأنهم قد فقدوا أعزاء لهم وكان للكلمة التي ألقاها سماحة السيد عمار الحكيم في يوم تشييع جثامين ضحايا سيدة النجاة الأثر البالغ في نفوس المسيحيين فقد بكا معهم وشاطرهم الحزن.
هذه هي المواقف الصحيحة والنبيلة للعراقيين نأمل أن تبقى وتتعزز وتستمر كي يعود العراق قوة واحدة مترابطة وقوية ويعمل من أجل البناء والتطور والازدهار.


... وللذكريات بقية   
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

43
ذكريات من الماضي العراقي القريب (14)
وفي خضم كل هذا الكم الهائل من المآسي التي لا يمكن حصرها بسهولة وتذكّر التفاصيل الدقيقة حولها، تمر علينا خلال شهر آب ذكرى تفجير مبنى وزارة الخارجية الذي شهده الأربعاء الدامي يوم 19 آب 2009 حيث راح ضحيته أكثر من خمسين شهيدا وما يقارب من الخمسمائة جريحا والعديد منهم بجروح خطرة.
لقد هز ذلك الانفجار الذي حدث قبل ظهر ذلك اليوم ورصدته كامرات المراقبة التي كانت محافظة بغداد قد نصبتها في بعض الأماكن المهمة من بغداد وتم بث شريط أوضح نوع السيارة وحمولتها التي كان قد تم التمويه عليها بخزانات الماء البلاستيكية التي انتشر استعمالها في بغداد في السنوات الأخيرة، وحسب قول السيد وزير الخارجية هوشيار زيباري فإن حمولة تلك الشاحنة كانت بحدود طنين من المواد المتفجرة التي جعلت مبنى الوزارة ذو الهيكل الكونكريتي الثقيل والتصميم الجميل يترنح وكأن هزة أرضية حدثت وكان ترنح الطبقات العليا بحدود 14 سنتيمترا حسب قول السيد مسؤول الاعمار في الوزارة.
لقد كان ذلك الانفجار فاجعة لعشرات العوائل وقد تم وضع أسماء الضحايا على جدار في الوزارة كي تبقى تلك الأسماء شاخصة في الذاكرة لأن كل منها بكل تأكيد كان ممتلئا بالأفكار والآمال، وبسهولة يمكن للسائل أن يسأل أي من منتسبي هذه الوزارة عن قصص تلك الأسماء وما كانت تخطط له لمستقبلها حيث كان من بينها من ستتزوج خلال أيام، وآخر كان يحلم بأن يصبح سفيرا أو قنصلا ويدرس وقتها في معهد الخدمة الخارجية بجد ونشاط، كذلك قنصلا مهما وخبيرا في شؤون الدولة التي يعمل فيها  و و و ... القصص كثيرة لكن الأحلام تم وأدها.
أي أن الانفجار الذي نفذه الأشرار كان يستهدف وأد العلامات المضيئة التي كان العراق قد بدأ بإيقادها وخصوصا كانت النية تتجه حينها لفتح أكثر من أربعين سفارة جديدة للعراق في اربعين بلدا من العالم، تلك الخطوة التي كانت تُدخل الأمل في قلوبنا بعودة العراق إلى أخذ مكانته الدولية الصحيحة.
ويومها لم يكن هذا الانفجار هو الوحيد الذي شهدته بغداد فقد كانت هنالك سلسلة منها بدءا من العاشرة صباحا وخلفت بمجملها 96 شهيدا ومئات الجرحى وأصابت مبانٍ حكومية عديدة وخلق الرعب في قلوب الناس خاصة وأنه كان وقتها يشير إلى الفراغ الذي تركه أنسحاب القوات الأمريكية يوم 26 حزيران من نفس العام وفق المخطط المتفق عليه مع الحكومة العراقية في تلك السنة، وكالعادة تلت تلك السلسلة التي شهدها الاربعاء الدامي موجة من توجيه الاتهامات لهذه الجهة أو تلك وتم الاشارة إلى دول بعينها بأصابع الاتهام كون المنفذين أو معداتهم مرت عبر تلك الدول، كما ان مواقع أليكترونية نشرت بيانات تتبنى جهات معينة تلك العمليات وتعدها غزوة من غزواتها وكأن في العراق شعب من الكفار يحل قتلهم أو غزوهم أو أراقة دمائهم!!! وكانت الضحية الرئيسية في ذلك اليوم هما مبنيا وزارتي المالية والخارجية أضافة لاستهداف منطقة الصالحية وشارع حيفا ومناطق أخرى متفرقة، وهكذا شاهدنا كما شاهد العالم كله كيف يتم الاعتداء على العراقيين بدم بارد ودون وازع من ضمير، فما ذنب الموظف والكاسب من كل هذا؟ ولماذا يتم حرمان هؤلاء الضحايا من فرصة الحياة والاستمرار بالعطاء من أجل بناء الذات الشخصية والبلد؟
هكذا كانت بغداد في صبيحة ذلك اليوم وهي تعاني من مشهد مأساوي وتودع قافلة من الضحايا الأبرياء رغم كل المعاناة المختلفة التي كنا نعيشها حينها فقد كان الحصول على وقود السيارة يتطلب منا الوقوف لساعات كثيرة في الطابور؛ فمحطة وقود ملعب الشعب كان طابورها يمتد مرورا بطريق محمد القاسم السريع ودخولا باتجاه زيونة وحتى جسر الربيعي حيث كان يستمر ويعبر الجسر باتجاه ساحة الواثق في أحيان كثيرة، ومحطة الباب الشرقي ساحة الطيران كان طابورها يصل إلى المنطقة المقابلة لمعلب الشعب ويدخل هناك فيما بين الأفرع الضيقة للمنطقة.
وعلى القاريء تصور كم من الوقت يقضيه السائق كي يحصل على الوقود اللازم لسيارته، واستنادا على هذه الحالة فقد ازدهرت السوق السوداء لمادة البنزين وكنا نرى باعته واقفين على الأرصفة وبيدهم ما يتعرف السواق عليه (محگان) كونهم يملكون البنزين ومستعدين لتعبئته في السيارة مقابل مبالغ وصلت لأكثر من 250% من السعر الرسمي له والذي وصل حينها إلى 450 دينار للتر الواحد رسميا. وكان السائق محضوضا إذا حصل على الوقود السليم الغير مغشوش، ومما زاد الطلب على هذه المادة عدم وجود كهرباء وطنية مما يُجبر البيوت إلى تشغيل مولدات منزلية بغية إنارة ضلمة الليل ومن أجل التواصل مع العالم عبر معرفة ما تبثه الفضائيات أو لتشغيل الحاسبات الشخصية وتصفح شبكات الانترنيت العالمية.
وهكذا وبلدنا منتج رئيس للبترول في العالم ولكن المواطن يعاني من شحة البنزين والمشتقات النفطية، الأمر الذي كان له الأثر بتخفيف زحام الشوارع لأن ببساطة لم يكن للسيارات وقود كافٍ كي تسير وفق ما يشتهي سائقها، ورغم كل ما مر بنا كان جواب العراقي ومازال عندما تسأله عن حاله يجيبك (زين) والحمد لله، وماشية، وكأن الأمور تسير بصورة طبيعية، فالعراقي لم يتعود التذمر ويقتنع بحاله ويشكر الله على إنعاماته كونه صبورا جدا، وكان يتبادل الطرائف مع أصدقائه كي ينسى همومه منطبقا علينا المثل القائل (شر البلية ما يضحك)، فقد عدنا عقودا من السنين إلى الوراء، وخصوصا باستخدام (المهفة) التي كان العراقيون يتندرون فيما بينهم أو من يبيعها بتسميتها (السبلت اليدوي)، تيمنا بالوسيلة الحضارية الموجودة وهي split unit فماذا تنفع هذه المهفة اليدوية أزاء جو تصل فيه الحرارة أكثر من (50)درجة مئوية تحت شمس صيفه اللاهب.
وقد قرءنا في القوانين الدولية بأن الإنسان غير مسموح له للعمل إذا وصلت الحرارة (50) مئوي فكيف إذا كانت الدرجة أعلى من ذلك وفي ظل ضروف عدم توفر الكهرباء، والغبار الخانق فمهما كان تبليط الشوارع مبنيا على الأسس العلمية والصحيحة كنا نجده يغلي عند الظهيرة ويتموج أزاء ثقل عجلات الشاحنات الكبيرة خصوصا، بحيث يصبح الشارع متموجا وغير صالحا لسير العجلات بعد فترة وجيزة من تجديد تبليطه، الأمر الذي كنا نعاني منه قرب السيطرات وخصوصا لسيطرات الطرق الخارجية، فلو لا تسير السيارة ببطيء شديد في تلك المنطقة لحدث ما لا يمكن حمد عقباه، لأن الحادث واقع لا محالة، ولو تأملنا طريق بغداد كركوك مثلا وكان هنالك تقريبا سيطرة كل 15 – 20 كلم عليه، وهنا علينا تصور كم من الوقت يحتاجه الإنسان ليقطع هذا الطريق الذي كنا نستغرق في قطعه قبل 2003 ساعتين وربع، في تلك الأيام أصبح هذا الطريق لا ينتهي بأربع ساعات إلا بشق الأنفس.
ومما زاد مشاكل الطرق الخارجية هو مرور أرتال قوات الإحتلال عليها وقطعها للطريق وقتما تشاء حتى لو كان من أجل أن تتحدث دورية مع أخرى مارة بعكس الاتجاه وكان على السيارت المدنية أن تقف مسافة بعيدة عن الرتل وتنتظر رحمة الله وأحيانا عندما تلحق بالسيارة رتلا سائرا بذات الاتجاه فينبغي على السيارات المدنية أن تخرج إلى كتف الطريق وتفسح المجال للرتل العسكري بالمرور!!!
ورغم كل ذلك كنا نعمل ونكتب ونذكر العالم بما يحصل وكان المهاجرين يسطرون القصص لمنظمات الأمم المتحدة عما حدث لهم وعن الأمور التي تهدد حياتهم، وكان بعض المسؤولين في تلك المنظمة ربما يصدقون القصص أو لا يصدقونها فيبقى العراقيون ينتظرون لسنوات عالقين في دول الجوار العراقي ولا أمل يلوح في الأفق وكم من أخوتنا قضى نحبه وهو في طريقه لدول المهجر؛ فمنهم من دُفن في سوريا وغيرهم في الأردن أو لبنان أو تركيا، ومن كان حظه سيئا التهمته أسماك البحر وهو راكب مركبا متهرئا يوفره له المهربون فينتهي به الأمر للتحطم من قوة الأمواج لتكون نهاية مأساوية للكثيرين الذين تفتقدهم عوائلهم إلى اليوم وضاع أي أثر لهم.
والعراق بتصديره النفط رغم عدم بلوغه الأرقام التي يجب أن يصدرها حسب ما يمتلكه من احتياط النفط العالمي، لكن حكومتنا هذه السنة 2012 رصدت نحو 11 ترليون من الدنانير العراقية متضمنة تخصيص تريليوني دينار لمشاريع وزارة الكهرباء، ونحو تريليون ونصف للبطاقة التموينية، وتريليون لوزارة الدفاع، إضافة إلى 830 مليار دينار لتعويضات الكويت. وأشار علي الدباغ المتحدث الرسمي باسم حكومة العراق إلى تخصيص 40 ألف درجة وظيفية، تضمنت 24 ألف درجة لوزارتي الدفاع والداخلية، فيما توزعت الدرجات الأخرى على وزارات وهيئات الدولة لتثبيت ذوي العقود الذين تم تعيينهم سابقا. في حين كان مجلس النواب العراقي قد صوت فى شهر شباط على موازنة عامة للعام الجاري 2012 بلغت مبالغها ما يعادل 100 مليار دولار.
ورغم كل ذلك يعيش نحو ربع سكان العراق تحت خط الفقر نتيجة الحروب والأزمات السياسية وسوء توزيع ثروات البلاد حيث أشارت أرقام بعثة الأمم المتحدة في العراق إلى معاناة 23% من العراقيين البالغ تعدادهم بحدود الثلاثين مليونا من آثار الفقر، وتحاول الحكومة وحسب التقارير الإخبارية تخفيض هذه النسبة إلى 16% حتى عام 2014، وهذه النسبة في ضوء أمكانيات العراق تعتبر مرتفعة كثيرا.
فمحافظات العراق عدا كردستان بأجمعها تحصل بحدود 5% من الموازنة السنوية والباقي يتم توزيعه حسب معايير الحكومة المركزية، وفي ضل غياب الاستثمار الصحيح للأموال العراقية وعدم وجود عدالة في توزيع الموارد حسب النسب السكانية للمحافظات سيبقى العراقيون يعانون بسبب سوء الادارة وعدم وضع الشخص المناسب في المكان المناسب ووجود فساد مالي كبير جعلت من العراق في ذيل القائمة الدولية من حيث الشفافية والنزاهة، ومن جراء ذلك أصبح العراق عبارة عن طبقتين؛ ثرية والتي تعتاش على أموال الدولة من ذوي النفوذ والسلطة وأصحاب القرار، وطبقة معدمة أو فقيرة تعيش على هامش الحياة في بلد يعتبر من أغلى بلدان العالم من حيث موارده النفطية وما تضمه أرضه من كنوز لم يتم استخراجها إلى اليوم.
وبالرغم من كل هذا نجد أن مزادا يجري بصورة منتظمة في البنك المركزي العراقي لبيع الدولار الامريكي وسوق هذه العملة رائجة بكثرة في عموم العراق وقيمة الدولار مرتفعة تصل في صيف 2012 إلى 1250 دينار للدولار الواحد، ولكثرة الطلب على هذه العملة نجد أن البنك المركزي قد حدد مبلغا قدره عشرة ملايين دولار يوميا لكل مصرف له رأس مال قدره 250 مليار دينار عراقي، وهذه العملة مخصصة لمن يرغب بالتحويل الخارجي للتجارة أو للأموال الخاصة.
والبنك يحاول جاهدا مكافحة عملية غسيل الأموال إذ أنه قد أعد استمارة خاصة يدون فيها الراغب بالتحويل مصدر عملته وسبب التحويل و معلومات أخرى، والبنك في طريقه لصرف نحو 200 مليون دولار يوميا ورغم ذلك يحاول منع أية محاولة لتهريب العملة خارج البلاد حيث حدد البنك المركزي مبلغ عشرة آلاف دولار يُسمح للشخص الواحد أخارجها معه عند سفره، والبنك الذي نجح بعد عملية التغيير من أخفاض قيمة الدولار وأيصالها لحدود 1150 دينار نجده اليوم عاجزا رغم كل الاجراءات لأن قيمة هذه العملة في السوق ترتفع إلى الرقم الذي ذكرناه آنفا.
وقد يكون لما تعانيه دول الجوار العراقي من حصار دولي السبب في ذلك كونهم ربما يلجئون للسوق العراقية لتوفير العملة الصعبة بشتى الطرق حتى إن كان ذلك يتطلب ضخ عملة مزورة ليكون المواطن العراقي هو الضحية الذي كان يوما ينظر بورقة العملة باتجاه الشمس كي يحدد صحتها من زيفها أو لجأ يوما إلى أجهزة تم توفيرها في الأسواق كي يتأكد من النخلة والفسفورة والخط، التي كانت كل هذه يوما علامات مخفية تحمي تزوير العملة، لكن العراقي دائما كان الضحية لأن الكثير من التعاملات تتم بسرعة ولا يتمكن الانسان حمل ذلك الجهاز معه أينما ذهب فكانت العملة المزيفة تنتشر ومن كان يزور المصارف لإيداع ما بحوزته كان يتفاجأ بوجود الكثير من تلك العملة بين رزمات ما يحمله من مال، والأكثر غرابة كان في بعض الأحيان يقول البعض أنه مصدر ما بيده من مال هو المصارف ذاتها، وأيضا هذه المصارف كان فيها الكثير من القصص التي ربما سأنتي لذكرها في القادم من كتاباتنا في الحلقات القادمة.

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com


44
أخي مؤيد
تقبل محبتي، وبكل تأكيد أيام الدورة - ميكانيك لن تنسى من ذاكرتي كوني أصبحت شماسا محترفا هناك وكان إلى جانبي شمامسة كبار أكن لهم كل أحترام وأنا مدين لهم أيضا بما أعرفه. تقبل خالص التحية

45
ذكريات من الماضي العراقي القريب (13)
تكلمنا في الحلقة الماضية نتفا عما حصلت عليه جامعة بغداد من تقدم ولو انه ليس بمستوى الطموح أن تحتل أعرق جامعة في العراق المرتبة 601 على مستوى العالم، ومن المخجل أيضا أن لا يكون هناك بين خريجيها من حصل على جائزة علمية معروفة كجائزة نوبل طوال سنين عمرها المديد، لأنني سبق وأن زرت جامعة كيوتو في اليابان وكانت تلك الجامعة تفتخر بخريجيها الذين حصلوا على جوائز نوبل عدة، وتضع صورهم وسيرهم الشخصية في أماكن بارزة، عكس ما يحدث في العراق حيث العلماء عندنا يُضطهدون ويخطفون او يتم ابتزازهم هذا إذا لا يتم تصفيتهم وعلى أضعف الإيمان كي يضطروا الهجرة بعيدا. وغالبا ما ترحب الدول القابلة للهجرة بهؤلاء كونهم يأتون إليها جاهزين ولا تصرف تلك الدول شيئا عليهم.
لكن الغريب بأن سنة 2012 قد خلت من العلماء العراقيين الذين لجأوا لتلك الدول فما هو السبب؟ هل لم يعد هناك علماء كي يهاجروا؟ أم تحسنت الظروف واقتنع علمائنا بواقعهم وقرروا البقاء كي يستفاد وطنهم من خبرتهم، أم أن منعا مبطنا قد تم وضعه لسفر هؤلاء؟ الأمر الأخير أستبعده لأن لا قيود موضوعة على سفر أي أحد في العراق اليوم إلا لو كان مطلوبا للقضاء والقضاء يقرر عدم سفره لحين حسم قضيته، على عكس ما كان في السابق، حيث كان يُكتب في جواز سفر الموظف أنه موظف حكومي، لذلك فعندما يرغب ذلك الموظف السفر كان يستوجب عليه أبراز أمر موافقة دائرته أو أمرا بالايفاد كي يتم السماح له في السفر، أما إذا كان من أفراد القوات المسلحة فقد كان الأمر مختلفا فعليه حصول موافقة مراجعه العسكرية، ومن كان برتبة عقيد فما فوق كان ممنوع من السفر كليا إلا بعد أحالته على التقاعد ومضي فترة طويلة على ذلك بغية التأكد أنه لم يعد يتذكر شيئا من أسرار خدمته العسكرية وتنظيماتها!!! هذا كان حال العراقي في تلك الأيام.
لكن بالأمس القريب احتفلت الصحافة العراقية لمضي أكثر من 140 سنة لتأسيسها والدستور العراقي فيه مادة واضحة تكفل حرية الصحافة والاعلام (المادة 36 ثانيا)، لكن التقارير تفيد بوضع القيود دائما أمام الصحفيين كي لا يتمكنوا من نقل الحقائق، والأخبار تنقل لنا باستمرار نتفا من هذه الأخبار.
ومؤخرا نقلت إلينا التقارير بأن استخبارات الحلة اعترضت سبيل مراسلة صحفية وتم اقتيادها لمبنى دائرتهم والتحقيق معها واحتجازها لساعات دون مبرر قانوني والصحفية التي تحمل اسم (التفات حسن) وهي مراسلة لوكالة أنباء بغداد الدولية!! ورغم أن تلك الوكالة يقع موقعها في بغداد لكن ذلك لم يشفع للمراسلة، وبقيت ثلاث ساعات محتجزة لحين التعرف على هويتها!!! تصوروا ثلاث ساعات استغرقت عملية التعرف على هوية الصحفية، وفي الدول المتقدمة لا يستغرق ذلك سوى ثوانٍ معدودات.
والسيد رئيس الوزراء كان صريحا في احتفالية نقابة الصحفيين لذكرى تأسيسها بأن للصحافة الحرية المطلقة ولا يقبل بسجن أو معاقبة صحفي بناءا على عمله الصحفي، لكن مع كل ذلك كان للعمل الصحفي في العراق شهداء اعتلى بهم العراق القمة في عدد الضحايا في هذه المهنة بين دول العالم والأمثلة كثيرة ورغم أن الأرقام المنشورة لم تصل للحقيقة بذلك  كون المأساة أكبر مما تم نشره، فقد أعدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان على موقعها في الشبكة الدولية للمعلومات وعبر الرابط التالي:
http://anhri.net/iraq/makal/2006/pr0501.shtml
بأن عدد الذين تم قتلهم على أيدي مسلحين مجهولين او ميليشيات في العراق من الصحفيين كان 69 صحفيا و21 صحفيا لقوا حتفهم اثناء تواجدهم في اماكن حدثت فيها انفجارات نفذها مجهولون
و17صحفيا قتلوا بنيران القوات الأمريكية  وصحفيان قتلا بنيران القوات العراقية وخلصت هذه الشبكة القول بأن الصحفي العراقي مستهدف من كل الأطراف المتنازعة دون استثناء ونشرت تلك الوكالة أسماء وأماكن حدوث هذه الحوادث يمكن التعرف عليها من خلال الرابط أعلاه، لكن نقيب الصحفيين العراقيين الاستاذ مؤيد اللامي في حديثه لموقع http://arabic.rt.com/prg/telecast/49768/ قال أن أكثر من 250 صحفيا عراقيا تم قتلهم لحد الآن ولازال رغم ذلك البرلمان يماطل بسن قانون حماية الصحفيين وهو بذلك يتحمل مسؤولية أراقة دماء الصحفيين. فواقع واحد لما يسمونه بالسلطة الرابعة هو أيضا واقع مزرٍ كذلك شأنه شأن قطاعات كثيرة في العراق الجريح والمستمر جرحه بالنزف إلى ما لا يمكن تحديد أمده بعد.
والأمثلة على هذا الجرح ونزفه كثيرة فالشاب حيدر بعمر 17 عاما فقد ذراعه وهو جالس بشقته نتيجة مناوشات عسكرية قريبه من شقته أضافة لفقدانه الرؤيا بعينه اليمنى وصرف الكثير من المبالغ دون جدوى تذكر، ومعاذ عمره 26 عاما يتحدث بأن روحه وعقله وتفكيره قد ماتا ويذكر بأنه كان سيتزوج لكنه أصبح عاجزا وبعدت المسافة بينه وبين عذراء الفتاة التي كان سيتزوج بها لأنه أصبح عاجزا عن المشي وبذلك ليس أهلا للزواج. ورزاق ذو ال 54 عاما فقد ساقه بانفجار وبقيت ذكرى ذلك الحادث حاضرة أمامه وكأنها تحدث الآن كما يقول لأنه يتذكر وجود الكثير من الجرحى في الحادث الذي فقد فيه رجله، وفلاح ذو ال31 عاما ذهب ضحية للمجرمين وهو يهم بفتح محله وكانت ساقه أيضا عرضة لعدد من الاصابات، وسيف 18 عاما كان هدفا للأمريكان وهو في طريقه للمستشفى كي يتعالج من الحمى لكنه اليوم يكره أخوته الذين لديهم رجلين وهو بواحدة، وهذه ليست سوى أمثلة قليلة من آلاف مثلها بل أكثر قسوة منها جعلت من الجرح دائم النزف، وحتى أصبح للعراق منتخبات للمعوقين كثيرة ومنها ما يحصل على بطولات عالمية؛ فمن أين أصبح لدينا هذا الجيش من المعوقين؟ أليست كلها نتاج هذه الأحداث المؤلمة ونتائج عن الحروب الكثيرة التي خاضها العراق بناءا على رغبة قادته!!!؟
جميع هذه الحالات أصبحت عالة اولا على نفسها وثانيا على غيرها هذا عدا مَن فقد حياته وترك عائلة يتيمة وأطفلا بلا أب يرعاهم وهم يشعرون بفقدان حنان أبيهم لهم، هذا الحنان الذي لا يمكن تعويضه أبدا الأمر الذي سيترك آثارا خطيرة على بناء شخصيتهم في المستقبل، والعراق رغم كل هذا يعوم على بحيرة من النفط، ومعظمنا يتذكر كيف كان لتر البنزين يُباع ب (20) فلسا ويومها كنأ نملأ خزان البنزين في سياراتنا بأقل من دينار واحد.
وأتذكر أيضا كيف كان الين الياباني قيمته أقل من فلس واحد واليوم نقرأ في النشرة الاقتصادية العراقية قيمته أكثر من 13 دينار عراقي!!! (الدينار يساوي 1000فلس)، ويوما وهذا كان في بداية الثمانينات من القرن الماضي أرسل لي أخي الذي كان يدرس في المملكة المتحدة مبالغ مالية كي يساعدني بها وكانت بعملة كويتية، فقمت بأبدالها دينارا كويتيا بدينار عراقي لكن نشرات الاخبار بالأمس ذكرت بأن الدينار الكويتي يعادل أكثر من 4000 دينار عراقي!!! وإن عرجنا إلى الدولار الأمريكي الذي كان الدينار قبل عقود يعادل أكثر من ثلاثة دولارات أمريكية، نجده اليوم الدولار الأمريكي يعادل 1250 دينار عراقي، فإلى متى يبقى الاقتصاد العراقي وعملته بهذا المستوى؟ وأين جهابذة الاقتصاد في العراق ولماذا يُستنزف العراقي عندما يسافر خارجا وهو يرى بأن ما يحمله من مبالغ لا تنفع شيئا ولا يمكنه المطاولة في السياحة كثيرا لأن سرعان ما تنفذ المبالغ التي يحملها خصوصا وان بطاقات الائتمان الآلية التي يحملها أفراد شعوب الكثير من الدول ليتمكنوا من سحب المبالغ الموجودة في  أرصدتهم وهم بعيدين عن بلدانهم الأمر الذي لم يطبق بهذه الآلية بعد في العراق!!!
لقد كان العراق أرخص دول المنطقة وربما العالم وكان السوق العراقي يشهد بيع الخضروات بأسعار زهيدة جدا وكان ربما أرخصها ما نسميه وحش الطاوة (الباذنجان) الذي كان يباع الكيلو الواحد بخمسة فلوس وسمي بهذا الاسم لكونه يغزو وجبات الطعام العراقية بسبب رخص ثمنه وخصوصا في أيام الصيف المرتفع بدرجات الحرارة وكان حينها يعتبر قوت الفقراء لأن ربما لو ذهبت للسوق قبل الغلق لكنت تشتريه بأرخص من ذلك بكثير، لكن واقع اليوم يشير للأسعار بآلاف الدنانير وكأن الباذنجان يتم استيراده بالعملة الصعبة وهكذا غيره من الخضروات والفواكه رغم وجود الكثير من المستورد لدى الباعة لكن يبقى المنتج العراقي له طعمه الخاص التي يفتقدها غالبية العراقيين العائشين بدول المهجر وهم يذهبون بعيدا كثيرا عندما يقولون بأن مذاق اللحم العراقي لا يمكن إيجاده في أي بلد آخر!!!
لقد كنا في السابق وخصوصا أيام الحصار الدولي على العراق وما قبله نتحسر على كل شيء وكان كل شيء يتم الحصول عليه بعد وقوف طويل في الطابور وإذا كانت فرصتنا جيدة ووصل لنا الدور فحتى بيض المائدة كنا نحصل عليه بشق الأنفس ناهيك عن الأمور الضرورية الأخرى لقد علمتنا ظروف العراق كي نعمل كل شيء في البيت حتى معجون الطماطة وخصوصا في موسم انتاجها المزدهر صيفا وهبوط أسعارها أضطرتنا الظروف كي نزور علاوي البيع بالجملة ونختار مجموعة من صناديقها بأسعار الجملة ونعود ونحن فرحين لبيوتنا وكأننا حصلنا على غنيمة قيّمة لأننا سوف نعمل المعجون للسنة كلها خصوصا وكانت الشمس كفيلة بتكثيفه ومن كان له الخبرة في خزنه كان ذلك يعتبر من المونة للسنة كلها، وليس هذا فقط بل تم عمل كل شيء منزليا حتى الصابون والجكليت والجبن بأنواعه المختلفة أضافة لتربية الدجاج وحفر آبار المياه في حديقة المنزل وغيرها من التصرفات التي أضطر العراقي للقيام بها لأننا كنا نجهل ما سيحدث في الغد خاصة وأن بلدنا كان كثير الحروب ودائم الحذر لأن التهديدات كانت كثيرة.
ويوما وفي ظل انعدام البنزين في محطات الوقود أضطر أهلنا لاستخدام ما يتوفر منه في قناني الغاز حيث كانوا يفرغونها قبل تبديلها وأعادة ما كانوا يحصلون عليه لتعبئته في خزان السيارة كي يتمكنوا التنقل بها الأمر الذي سبب الكثير من الحوادث التي ذهب ضحيتها الكثير من أهلنا، كما ان ضروف العراق وما كان يحدث في الشمال جعل من الحكومة المركزية أيام ذاك بفرض حالة من الحصار الاقتصادي على تلك المنطقة وكأن أهلها ليسوا بعراقيين ولهم من الحقوق وعليهم من الواجبات ما تفرضه القوانين والمواطنة، وهذا الأمر خلق حالة مزدهرة من التهريب وخصوصا لمشتقات البترول والغاز التي كان يُمارس نشاطها ليلا بين المناطق الحدودية لكردستان خاصة وكان الدفع حينها بالدينار الذي كان يُسمى (السويسري) العملة الأصلية للعراق قبل أعادة طبعها محليا وكان يقال حينها أن العملة المطبوعة محليا لم تكن تمتلك غطاءا لها بالعملة الصعبة كما كان حال العملة الأصلية أي المسماة بالسويسرية، ولا أعلم إن كان أمرا مضحكا أم مبكيا حيث أشيع حينها أن مسؤولا كبيرا سأل المسؤول عن تشييد جسر الطابقين في بغداد كم كانت كلفة الانشاء حيث كان جوابه لذلك المسؤول: سيدي صرفنا طنين من الورق وطن من الأصباغ!!! وكان يقصد الورق والأحبار التي صرفت لطبع العملة المحلية !!! وهو طبعا لم يكن ربما يعلم بالمساويء الاقتصادية لضخ تلك العملة على الاقتصاد العراقي الذي جعل عملته في الحضيض وسبب ذلك رُفعت عملة العراق من سوق الأوراق المالية والعملات التي تتعامل بها البنوك المهمة وأصبح العراقي معزولا لا حول له ولا قوة لأنه لا يستطيع الخروج من العراق لأن جيبه نظيف وفارغ وعندما يقرر الهرب عليه أن يتحسب لأنه سيكون لاجئا يعيش على ما تدر عليه المنظمات الانسانية، زد على ذلك الرسوم التي كانت الدولة تفرضها على العراقي عندما كان يرغب بالحصول على تأشيرة سفر وكانت حينها 400 ألف دينار عراقي ولم يكن أمر توفيرها سهلا للجميع وأيضا كان موظف الجواز ينظر لمن يريد الحصول على تأشيرة السفر نظرة من الصعب وصفها وكأنه عميل أو يريد الهرب أو أي شيء آخر فكانت المعاملة مزرية رغم دفع الكثير من الرشاوي في سبيل انجازها بسرعة.

وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة
... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

46
أشكر أخوتي الأعزاء
الشماس بطرس آدم
الأخ سلام مروكي
الأستاذ نعمت يوشوع الشابي
أخي العزيز مسعود هرمز النوفلي
لمداخلته التي أغنت الموضوع
أشكركم أخوتي وأشكر جميع الأخوة الذين مازالوا مستمرين بالدخول والاستفادة من الألحان راجيا من روحانيات هذه الصلوات أن تعين كنيستنا في هذا الزمن الصعب وأن نكون جميعا معاونين لها كي تبقى مبنية على الصخرة وأبواب الجحيم لن تقوى عليها، فنحن الكنيسة وجميعنا مسؤولون عن ديمومتها واستمراريتها ولا نضن أبدا أن الكنيسة محصورة بشخص إنسان ما مهما كانت درجته، لأننا جميعا الحجارة الحية التي نكون ونكمل بنائها، فلنعمل بهذا الطريق ونطلب بركة الرب القدير لجميعنا.
عبدالله النوفلي

47
وصلني عبر البريد من الأخ مسعود هرمز النوفلي هذا التوضيح لمساعدة المهتمين في متابعة الألحان ومرادفاتها أنشره أدناه:


الحان الطقس في كتاب الحوذرا

ܩܠ̈ܐ ܕܫܘܚܠܦ̈ܐ

هذه الحان الطقس الكنسي لمجموعة الشوحلابات الموجودة في كتاب الحوذرا من صفحة 2 الى صفحة 209 ، يُنصح القُراء الذين يشكون ضُعفاً في اللغة السريانية ( السورث) ان يقوموا بدراسة المجموعة في الكتاب من البداية حتى النهاية ومُطابقة الألحان مع اشرطة الكاسيت المتوفرة للآباء الكرام. انها مصدراً للفائدة والمُتعة معاً، ولا ننسى ان هناك الحان طقسية اخرى عدا ما هو مذكور ادناه
الأعداد والطبع: ܡܣܥܘܕ ܗܘܪܡܙܕ


48
الشكر الجزيل ومن القلب لأخوتي:
رعد دكالي
الشماس أفرام أسكندر الهوزي
قشو ابراهيم نيرو
برديصان

إن ردودكم تذكرني بالأيام الجميلة التي كنا نقضيها معا لخدمة مذبح الرب، نتمنى ان يكون كل منا شمعة يساهم بأضاءة المذبح حيث يكون وأن يأخذ هذا الطقس الرواج الذي يليق به وكل منا مسؤول عن ذلك وإن لم يكن بفضائية كقول العزيز برديصان فالانترنيت مكان خصب ومؤثر حيث ينتشر باللحظة في كل أرجاء المعمورة، ولمعلومات أخوتي فإن قناتي على اليوتيوب الموجودة على الرابط أدناه
http://www.youtube.com/channel/UCRMU1Rj_nv-y58fave1DFuw?feature=mhee
ثالث عدد من المشاهدين لها هم من السعودية، لكم مني كل الحب
أخوكم الشماس عبدالله النوفلي

49
من أعماق القلب أشكر أخوتي الذين سبقوا هذا الرد:
أمل أزريا
الشماس موفق هرمز يوحنا
ليون برخو
ألياس متي منصور
يوحنا بيداويد
مسعود هرمز النوفلي
الشماس الدكتور وليد القس اسطيفان
أشكركم أخوتي الأحبة على كلامكم المشجع، وأتمنى أن يبقى طقس كنيستنا ويزدهر وأن تظهر مبادرات أخرى لأحيائه خاصة ونحن في زمن التكنولوجيا الحديثة التي يجب أن يكون لطقس كنيستنا حصة منه، وأطلب من رب المجد أن يحفظكم بأمن وأمان وسلام وأن يشملنا برحمته الواسعة. كما وأشكر موقع عينكاوا وأدارته المخلصة التي ساهمت بظهور واسع لهذا العمل من خلال الأخ أمير المالح والأخ الشماس سامي القس شمعون الذي كان المبادر الأول لوضع هذا العمل في صدارة الموقع كي يطلع عليه كل المهتمين، وللمعلومات فإن العمل ما زال قفي بداياته وسيكون هناك جديد كثير يوميا. كما ولدي قناة على اليوتيوب بأسم (Shamas Abdullah) وهناك أيضا مستمر بضخ المزيد من النتاجات في هذا الاتجاه.
أخوكم الشماس عبدالله النوفلي

50
عبد الله النوفلي يوثق الالحان الطقسية للكنيسة الكلدانية بالطريقة التعليمية



تتميز كنيسة المشرق بكافة أشكالها الكلدانية .. السريانية .. الآشورية بطقس فريد يحج إليه المستشرقون كي يزدادوا روحانية مما فيه من ألحان شجية حفظتها لنا الكنيسة طوال عمرها منذ مجيء الإله الرب؛ المسيح له المجد إلى أرضنا وتأنسه مثلنا بعد أن أخذ جسدا من البتول مريم.
وقد برز عبر تاريخ الكنيسة آباء عظام ومعلمين خلدهم التاريخ الكنسي بدورهم الكبير في ترتيب ووضع هذا الكم الهائل من الأشعار والكتابات وجعله طقسا كنسيا يملئون به ساعات النهار وأناء الليل بعد أن جعلوا سفر مزامير داود حلقة مركزية معها ليخرج لنا مميزا ورائعا خصوصا للرهبان والكهنة والشمامسة والمستمعين من المؤمنين، وحينها كانت لغة هذه الألحان مفهومة للجميع وكانوا يمضون الوقت الطويل دون تعب أو ملل، وكم من الغربيين بحثوا ووضعوا الأطاريح حول روحانيات آبائنا الأوائل ومنهم يوحنا الدلياثي وغيرهم ونجد إلى اليوم منهم موجودين بقرب كنيسة المشرق كي يستمروا بالاستماع والبحث.
وأعمدة هذه الأشعار التي لُحنت كي تكون سهلة للحفظ وللترتيل كان معلم الكنيسة مار أفرام السرياني ومار نرساي ويعقوب السروجي وغيرهم كما أن بعض هذا الألحان وضعها آبائنا الأوائل وهم في طريقهم للذبح دون خوف حفاظا على مسيحيتهم ومنهم البطريرك الشهيد مار شمعون بر صباعي الذي لديه الترتيلة المشهورة (ܐܦܢ ܫܠܚܝܬܘܢ) حيث كان يشجع رفاقه في الايمان الماضون للذبح، بأن ملابسهم الخارجية وحياتهم الأرضية لا تعني شيء أمام المجد الأبدي الذي ينتظرهم بعد ظفرهم بأكليل الشهادة.
وتخليدا لهذا الإرث الخالد وأكمالا لما سبقني فيه من المرتلين العظام أمثال المطران أفرام بدي وبابكا ويوحنا جولاغ وغيرهم كثير فقد قمت بتسجيل الألحان الطقسية ومازلت مستمرا في محاولة لتسجيل كافة الطقس الموجود في كتبنا الكنسية تباعا، واليوم أقوم بتحويله ليكون تعليميا لا يحتاج فيه المتعلم للكتب التي أصبحت نادرة وصعُب الحصول عليها خصوصا بعد تشتت أخوتنا المشرقيين في بقاع الأرض، آملا أن أكون قريبا من الطريقة الصحيحة في الأداء وأن يكون عملي مفيدا للمهتمين، وفي الوقت ذاته أرجو أن تكون هذه الألحان ذات فائدة روحية في الحياة الأبدية لمن كان يوما سببا في تعلمي أياها بدأ من جدي وأبي رحمهما الله والشمامسة الذين عملت برفقتهم طوال السنين التي مضت من عمري.
ولتكن بركة الله القدير مع جميع المهتمين والمتتبعين وليتمجد اسم الرب يسوع في كل زمان ومكان.

للمشاهدة والاستماع للالحان الطقسية للكنيسة الكلدانية انقر هنا :






سيرة حياة الشماس عبدالله النوفلي

الاستاذ عبد الله النوفلي  من مواليد عام 1953، شماس في الكنيسة الكلدانية، رسم شماسا رسائليا عام 1989
مهندس خريج  من الجامعة التكنولوجية عام 1976 قسم الميكانيك
عمل مهندسا في وزارة الري لغاية 1994
عمل في كلية بابل للفلسفة واللاهوت
وكان مسؤولا لشؤون الطلبة فيها منذ عام 1999 وحتى انتقال الكلية إلى مدينة عينكاوا عام 2006
شغل منصب رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى منذ تأسيسه عام 2003 ولغاية طلبه الاحالة على التقاعد مطلع عام 2011
عمل في دائرة اللغة السريانية في المجمع العلمي العراقي بعد عام 2003
لديه العديد من الكتب منها المطبوعة ومنها ما تحت الطبع
وله المئات من المقالات في الصحف والمواقع الالكترونية.
حاليا مدير تحرير مجلة نوهرا دمذنحا الصادرة من أبرشية أستراليا ونيوزيلندا الكلدانية
وكاتب في الجريدة العراقية الصادرة في سيدني.


51
ذكريات من الماضي العراقي القريب (12)

نعم لا نريد للعراق أن يعيش على كف عفريت ولا للعراقيين العيش بقلق لأنهم لا يعلمون متى يأتيهم الخبر المفجع فمن قضى نحبه منهم كثير جدا والذين ينتظرون منهم هم البقية أي جميع الشعب العراقي وهذه مأساة ما بعدها مأساة وتراجيديا مؤلمة وفاجعة لم تحدث حتى لبلد المليون شهيد كما كنا نسميه (الجزائر) ابان ثورة ذلك البلد ضد المستعمر الفرنسي.
لكن أرقام العراق خلال العقود الماضية فاقت كل أرقام دول الجوار بل دول المنطقة ككل، فقد استبشر العراقيون بقدوم الديمقراطية وممارستهم لها وكانت فاتحة ذلك انتخابات محدودة لانتخاب الجمعية الوطنية الأولى المكونة من 100 عضو ولم تكن انتخابات بمعنى الكلمة بل ممثلين لكيانات ومثقفين وجمعيات والتي انبثق منها برلمان مصغر كان له أهداف محددة وهي كتابة الدستور والتصويت عليه والتمهيد لانتخابات الدورة الأولى للبرلمان وهذه التي قاطعها بعض من مكونات الشعب العراقي وجرت في 30 كانون الثاني 2005 وفعلا أكملت هذه الدورة مسودة الدستور العراقي وعرضته للاستفتاء الشعبي بتاريخ 15 حزيران 2005 الذي مهد بعد قبوله من الشعب لانتخابات عامة والتي جرت في 15 كانون الأول 2005 وخرج منها برلمان ب 275 مقعد.
وشاب هذه العملية الكثير من ألأقاويل كونها جرت وفق القائمة المغلقة ولم يكن للناخب سوى اختيار قائمة معينة من مجموعة اسماء موجودة له في ورقة الانتخاب، فكيف لبرلمان يتم انتخابه بهذه الطريقة أن يمثل الشعب خاصة وأن الناخب لا يعلم من الذي ينتخب سوى اسم القائمة التي ينتمي لها أو التي يؤمن بأنها ستخدم مصالحه أو تمثل جهة معينة يحترمها أكثر من غيرها أو ... والكثير من الأسباب التي تكون سببا باختيار النائب لمن يمثله، فمرة كنت حاضرا في أحد المراكز الانتخابية التي جرت في الثمانينات من القرن الماضي وكانت امرأة لا تجيد القراءة أو الكتابة تريد الادلاء بصوتها واختيار من يمثلها فسمعتها حينها تقول لمن يساعدها بالاختيار أن يكتب أولا المرشحين الذين ينتمون للعشيرة التي تنتمي إليها وهنا اتحفظ على ذكر الاسم وبعدهم طلبت منه أن يكتب الأسماء التي يرغب هو بكتابتها!!!
فأي ديمقراطية هذه وكيف يكون حال مجلس النواب الذي تم اختياره على هذا الأسلوب، وفي حالنا الحالي سمعت أحدهم وهو يروي قصة لأحد كبار السن وهو يقوم بألقاء قصيدة وهو يبكي بأن الجهة الفلانية (قشمرتهم) وانتخبوا على شرفها نوابا لا أخلاق لهم، طبعا لم أسرد هنا البيت الشعري كما رواه ذلك العجوز، وهذا دليل مباشر عن التأثير العشائري والمذهبي والأثني وحتى الديني بالناخبين لذلك نجد في برلمان اليوم أمراض كثيرة يعجز السياسيون لايجاد الحلول لها لأنه ابتدأ أولا بحالة مرضية فكيف له أن يكون مشافى وبصحة جديدة؟!!!
فحالة الديمقراطية في العراق لا يمكن أن تكون بحال أحسن من حالة المجتمع عموما، فأفراد المجتمع العراقي عموما مصابون بأمراض نفسية وعصبية وتوترات مختلفة لا يمكن لأي باحث أو مختص أحصائها هي أو الآثار المترتبة عنها، فكيف يكون مسيحيي الموصل مثلا يوم الثالث من حزيران عام 2007 عند سماعهم مقتل الأب الشهيد رغيد كني وثلاثة من شمامسة كنيسته (كنيسة الروح القدس) في الموصل، وكان الأب الشهيد مع الشمامسة؛ بسمان يوسف داود و وحيد حنا أيشوع و غسان عصام بيداود وبعد أن أنهوا للتو صلوات ذلك الأحد وأثناء خروجهم من الكنيسة ممنين النفس أنهم سيستمرون بتقديم الخدمات الإيمانية للمؤمنين خاصة والأب الشهيد كان قد انهى قبل فترة قليلة دراساته الدينية وقفل عائدا لبلدته العزيزة الموصل ولم يكن الأربعة عارفين بأن نهاية حزينة تنتظرهم بعد أكمال الصلوات وعلى بعد مئات الأمتار عن الكنيسة ولم يجرؤ أحد بنجدتهم لأن الأشرار حينها أحاطوهم بالعبوات الناسفة آملين ألحاق أكبر الأذى بالمسعفين والذين يهرعون لتقديم النجدة للضحايا.
كان هذا الحادث حلقة من الحلقات التي استمرت بعد ذلك، لكن لابد لنا من ذكر شهيد آخر كان فاتحة شهداء الإيمان في الموصل ألا وهو الأب الشهيد بولص اسكندر الذي خطف يوم 9 تشرين الأول من عام 2006 ووجد مذبوحا يوم 11 من الشهر نفسه ليكون عميد شهداء الموصل والذي لحقته بعد ذلك كوكبة أخرى منهم من خطف وتم الافراج عنه ومنهم من قضى نحبه أيضا وكان المطران الشهيد بولس فرج رحو وباقة من أبناء الكنيسة النجباء حيث تم اختطافه بتاريخ 29 شباط 2008 وهو للتو قد انهى مراسيم درب الصليب في الكنيسة التي كان يقدم الخدمة فيها ووجد جثة هامدة يوم 13 آذار من العام نفسه، وكل هذه الحالات لم تجد أذنا صاغية من المسؤولين الأمنيين للبحث والتقصي عن المسببين وتقديمهم للعدالة كي تهدأ النفوس وترتاح لأن هذا المسلسل استمر وبأشكال عدة حتى تم أجبار الآلاف لترك الموصل طلبا للنجاة بعد تهديدات علنية للجميع وبمكبرات صوت كانت تجوب الشوارع، وكأن الموصل أيامها كانت كلها بأيدي الأشرار والضحايا يستنجدون ولا من مجيب.
لذلك قلنا أن العراقيين جميعا لم يسلموا من مختلف الأمراض وخصوصا النفسية منها فكل من يستمع ويعيش هذه الأخبار لا يمكنه إلا أن يقلق ويحتسب للطواريء لأن قادم الأيام كان مجهولا فالشعب كله أصبح ضحية وكشاة يساق للذبح ولا يعرف ساعة نحره أو ساعة خطفه أو تعرضه للأذى فالنار كانت مستعرة وتلتهم كل من يصاف طريقها دون تمييز، فمن يقرأ مقالتي هذه ربما ينعتني بالمتشائم الذي يحاول تذكير العالم بتلك المآسي التي حدثت لكن الحقيقة يجب أن يعرفها حتى أجيالنا القادمة كي يتعلم منها الجميع الدروس ولا يقعون بذات المصير الذي عاشه جيلنا على أقل تقدير، فكان من الأمور الطبيعية مشاهدة سيارة للشرطة (بيكب) وهي تحمل الضحايا مسرعة باتجاه مبردات الموتى في المستشفيات كي يتم حفظهم هناك ريثما يعلم أهالي الضحايا بما حصل لذويهم ويتعرفوا على الجثة ويستلموا قريبهم، وكانت قلوبنا تمتليء بالحسرات لهذه المناظر المؤلمة ونحن نعلم بأن المغدورين الموجودين بتلك السيارات ليسوا سوى أهلنا وأقاربنا، وحتما لهم الأب والأم التي ستذرف دموعا كثيرة وأولاد ربما أصبحو في غقلة من الزمان يتامى بدون معيل!!!
بتنا نتحسر لسماع الأخبار الحسنة والمفرحة لانعدامها ويجب علينا أن نصبر كما يقولون لأن عملية التغيير لا تأتي بسرعة ولا يمكن محو جراحات الماضي بسهولة فعملية الهدم سهلة وسريعة لكن عملية البناء صعبة ومعقدة وبطيئة، هكذا فقد حملت لنا الأخبار في شهر حزيران 2012 بأن جامعة بغداد العريقة قد دخلت ضمن قائمة الأفضل 700 جامعة في العالم حيث حصلت على التسلسل 601 على جامعات العالم ضمن التنصنيف لسنة 2011 ولمن يريد التأكد من هذا الخبر عليه الرجوع للرابط التالي:
http://www.topuniversities.com/institution/university-baghdad
وهذا خبر يدخل الأمل في قلوبنا لأن أساس المجتمعات الرصين يبدأ من التعليم وكلما كان التعليم يسير وفق أسس علمية رصينة ولا يقبل تدخلات الطارئين على العملية التدريسية ولا تقبل الغش والمحاباة وتعتمد على العلم ومدى البحث في مضماره والغوص في تفاصيله هو الأساس للتقييم فإننا بهذه الحالة سوف نحصل على المراتب الأكثر تقدما على مستوى العالم، وقديما وعودة لزمن الحجاج بن يوسف الثقفي(ان الحجاج كان دائم السب لأهل العراق في خطبه، فكثيرة خطبه التي يذكر فيها أهل العراق بشكل سيئ، والتي يرى فيها العراقيون إساءة إلى اليوم. فدائماً كان يذكرهم: "يا أهل العراق، يا أهل الشقاق والنفاق...." إلى آخر خطبه، والتي يمعن فيها في ذكر صفاتهم: "فإنكم قد اضجعتم في ... الضلالة..."، وغير ذلك من الخطب الكثيرة فيهم، كراهة منه لهم، (وستجد عزيزي القاريء في نهاية هذه المقالة رابطا يوصلك بنص أحدى خطب الحجاج في أهل العراق).
 فهذا عندما كان يريد أيذاء أحدى الطوائف وقتها قال لمن معه: أبنو دور عبادتهم وأهدموا مدارسهم لأنه قد شخص العلة تماما حيث أن المدارس هي الي تبني وتثقف وتدفع بالمجتمعات إلى أمام وإلى الرقي والرفعة، فجامعة بغداد التي يزيد عمرها على نصف قرن كان لها الدور الريادي في تأسيس النهج العلمي الرصين وتخريج العلماء والاختصاصيين بمختلف المجالات وخصوصا في مجال الطب الذي كان فيه للأطباء العراقيين الباع الطويل حتى أن بعض الإمتحانات للقبول في الجامعات البريطانية كانت تجرى في العراق، لكن حماقات الماضي وأهماله دفعت بواقع هذه الجامعة للانتكاس والتقهقر إلى الوراء بحيث أصبحت الشهادات التي تمنحها غير معترف بها حتى في دول الجوار العراقي والخريج عليه أن يخضع للامتحانات المعقدة كي يحصل على اعتراف بشهادته إن أراد أكمال تحصيله العلمي خارج العراق.
وكم من الخريجين اليوم في دول المهاجر يحلمون أن يمارسوا اختصاصتهم العلمية لكن هذه المسألة تقف حجر عثرة أمامهم، ولا تفعل جامعاتنا إلى اليوم أي شيء ينفع خريجيها لأن هذه أيضا من مسؤولياتها الوظيفية تجاه من أعطتهم الشهادة، لأن جامعة أخرى في العراق لا تفعل شيئا يذكر وخصوصا لكلية الطب فيها كي يتم أدرجها ضمن قائمة الكليات التي يعترف بها المجلس الطبي العالمي ولذلك نجد أن الأردن لا تعترف بخريجي الطب من تلك الجامعة ورغم محاولة البعض لتذكير من بيدهم المسؤولية بذلك أن المسألة ليست بذات التعقيد ولا تتطلب جهدا كبيرا من أجل أدراج أسم الجامعة في قائمة ذلك المجلس لكن أسمعت إن ناديت حيا ولا حياة لمن تنادي.
وهكذا يتم غبن حقوق الطلبة وتذهب جهودهم العلمية والتي بذلوها خلال الدراسة أدراج الرياح، فكم من مهندس اليوم في المهجر يعمل في مهن بعيدة جدا عن اختصاصه، وحتى في العراق فإن جميع الاختصاصات عملت في مهن كثيرة ومنها المتعبة كالبنجرجي وبائع السيكاير أو بائعا في البسطيات، ويوما شاهدت طيارا مدنيا أصبح بائعا للقماش في سوق الكرادة ببغداد والأمثلة لا تعد ولا تحصى بحيث أصبحت الشهادة للكشخة فقط وربما يتم اعتبار الخريج بالمسكين لأن شوارع الشيخ عمر وغيرها من مواقع العمل والصناعية منها تشهد رجالا بلا تحصيل علمي ويعملون وهذا جيد لكن الخريج يتحسر أحيانا على مورد عيش يليق بمكانته.
لذلك نريد لكل مفاصل الحياة في العراق أن تبدأ بالعمل وفق سياق مدروس وعلمي كي تجني يوما النتائج وكي نستعيد على الأقل المكانة التي كنا فيها يوما وتعود بغداد عاصمة للثقافة وليس للقراءة فقط بل للانتاج وللبحث والتطوير وقديما عندما كانوا يقولون إن القاهرة تؤلف وبيروت تطبع وبغداد تقرأ!!! لا نريد لبغدادنا أن تكون مهمتها اليوم القراءة فحسب بل للبحث وللتأليف وللنشر كي يكون لنا شخصينتنا المتميزة وتبدأ بغداد وباقي مدن العراق بكتابة حضارة جديدة، حضارة يكون لها تأثير وفعالية في كل محيطها لا أن تكون هامشية لا يلتفت إليها أحد ولا يهتم بها أحد خصوصا الوضع الذي أصبح عليه العراق منذ أربع عقود مضت.
 ففي السبعينات حيث كنت أدرس الجامعة حينها كانت منهجنا مصادق عليها من اليونسكو، وكان لنا مدرسين من أوربا ودول أسيا كالهند والباكستان ومن مصر وكان كل هؤلاء يحملون درجات علمية عالية جدا باختصاصهم، كما أن أساتذة كانوا يدرسون في جامعات انكلترا عادوا كي يعطونا آخر المبتكرات العلمية وكانت مكتبة جامعتي التكنولوجية تزخر بآخر الإصدارات العلمية التي تنتج عن دور النشر المعروفة كما كان دار الكتب بجامعة بغداد يوفر للطلبة الكتب العلمية الحديثة كي يتابعوا تعليمهم والتطور الحاصل في مجال اختصاصهم لأن حينها لم يكن الإنترنيت قد انتشر عندنا، وكان يتم تعويضنا بالمجلات العلمية حيث كنت أتابع أحداها وأشتري جميع الأعداد التي تصل المكتبة التي كنت اتابع الشراء منها، كان وقتنا حينذاك مكرسا للعلم والبحث والدراسة كما كان أولياء أمورنا لا يكلفونا بشيء سوى أن ندرس ونجتهد، لا كما يحدث اليوم فإن الأب يبعث بأولاده كي يعملوا وهم صغار وعلينا التمعن كم مرض اجتماعي خطير موجود في الشارع وعندما يدخله هذا الصبي الصغير الغير محصن فماذا تكون النتائج؟
النتائج تكون ما وصلنا إليه اليوم من فوضى وقتل ودمار واستهتار بأعراض وأموال الناس وممتلكاتهم وحتى فوضى في السياسة، فحتى ما يتفق عليه سياسيونا لا ينفذونه بحجة أن الاتفاق ليس دستوريا!!!، وإن كان كذلك فلماذا الاتفاق من البداية ولماذا يتم أشغال الشارع به وبمضمونه أم أن الأمر أنفذ منه ما أستفيد منه وما لا أريده أتحجج بعدم دستوريته، هل هذا هو العراق الذي نريده؟ والذي نبحث ونكتب ونجهد أنفسنا كي يرتقي وينهض ويكون له مكانته اللائقة تحت الشمس!!!
خطبة الحجاج في العراق
ولمن يريد التعرف وقراءة خطبة الحجاج كاملة أدعوه لزيارة الموقع التالي
http://ar.wikisource.org/wiki/%D8%AE%D8%B7%D8%A8%D8%A9_%D8%A7%D9%84%D8%AD%D8%AC%D8%A7%D8%AC_%D9%81%D9%8A_%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82
وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة
... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

52
ذكريات من الماضي العراقي القريب (11)

إن جموع العراق اليوم بحاجة كي تقوم بترتيب أوراقها مجددا وتستفيد مما توفر لها من مناخ تحلم به شعوب كثيرة، فيجب أن يتوقف العنف والقتل والارهاب، وعلى كل فرد عراقي أن يسأل نفسه سؤالا محددا: لماذا كل هذا؟ وما ذنب جاري وأخي وأهلي؟ أليس من المفيد أن نلتفت إلى أحوالنا ونبني بلدنا؟ ألم نستفد من دروس عشر من السنين العجاف التي عشناها بمرارة معا، فلابد اليوم أن تكون قد تبلورت لدينا رؤية لعراق أفضل مما ننحن عليه، فهل يعقل أن لا يتم الاتفاق على وزيري الدفاع والداخلية في الحكومة لحد اليوم رغم مضي سنوات على الانتخابات، بل من المفروض أن نكون اليوم في مرحلة ترتيب أوراقنا لانتخابات جديدة؟!!!، هل يُعقل أن يتم منع العراقي من دخول بعضا من أراضيه تحت أية ذريعة كما كان العمل عليه في السابق بعدم التمكن من الملكية في بغداد مثلا إلا لمن كان مسجلا في أحصاء 1957، وكان هذا مثار سخرية من الجميع فولدي مثلا كان قد ولد في بغداد ودرس وتخرج من جامعاتها وعمل في أحدى مستشفياتها، ولكون والده مسجل في ذلك الاحصاء في محافظة نينوى فليس له حق التملك في بغداد!!!
فقد كان بلدي يمر بحالة فريدة لا مثيل لها في العالم والجميع يشعر بحالات من اليأس وعدم قدرتهم لإحداث التغيير لأن سلطة قمعية كانت ترصد الجميع وتعرف تحركات الجميع بحيث كان الأخ يخاف الكلام والبوح بما في صدره لأخيه او زوجته أو حتى أبيه، وعرض تلفزيون العراق كيف أن أبا قتل ابنه حتى يرضي حاكمه!!!، فكانت الحياة لا طعم لها وحتى مواكب الأعراس لم تكن لتُدخل البهجة في نفوس من يراقبها بل على العكس كان الخوف هو المسيطر لأن الطلقات النارية التي كانت تصدر من المحتفلين كانت تسبب في أحيان كثيرة أصابات وقتل تقلب العرس إلى مأتم!!!.
وشهد بلدي ارتفاع بمعدلات الطلاقات بين المتزوجين الذين يفشلون بصون العش الزوجية ويقدمون الإخلاص والأمانة والعهود لشريكهم كي يستمر زواجهم ويبقى إلى الأبد وهنا أتذكر كم من الوقت تبذل عصافير السماء لبناء أعشاشها وتبقى الأم أمينة على فراخها حتى تعلمهم الطيران، لكن الآباء اليوم يتركون أطفالهم يلعبون في الشوارع ويلهون بالقاذورات وهم شبه حفاة وتحيط بهم أكوام من القمامة التي لا يفوح منها سوى رائحة المرض ونتوقع ممن يعبث بها الإصابة بمختلف الأمراض المعدية فقد شاهدت يوما شتائيا باردا طفل بمعر الورد في بلدة السدة يسحب عربة قد ثبتها على عنقه فقد كان صغيرا جدا ورجليه حافية!!! فأي بشر نحن الذين نسمح بطفل يسير بهذه الطرقات وفي ظل البرد القارس وحافٍ!!!؟. فالحيوانات تحتضن صغارها مدفوعة بالغريزة التي وضعها الخالق فيهم، الم يضع الله في البشر ذات الغريزة مضافا إليها الحب والحنان الذين نفتقدهم اليوم ونرى كيف تتفكك الأسر، ذات المرض الذي نقلناه معنا إلى دول المهجر وهنا بدعم من الأنظمة التي تدفع مالا أكثر للمفصولين عن الزواج مما تدفعه للزوجين الذين يعيشون معا!!! فقد دخلنا زمنا جديدا نفتقد به للأواصر الحقيقية التي تربط الزوجين وتصون بيتهما كي يكون عشا سعيدا يلهوا به الأطفال ويملؤونه سعادة ومحبة.
فعراقنا ومنذ زمن ليس بالقصير يعيش حالة حياة الغابة حيث القوي يأكل الضعيف، وكما كان السركال يُخضع الفلاح لخدمة الأقطاعي يوما، هكذا اليوم يوجد الكثيرين الذين وتحت مسميات غيرها يسخرون البشر لخدمة أهداف وأغراض أخرى ليبقى الإنسان العراقي يخدم ويخدم وحتى أنه لا يحلم بقوانين الغابة لأن الأسد هناك عندما يشبع فإنه يترك جميع الحيوانات تعيش بسلام، لكن الانسان الشرير اليوم في العراق يبحث عن ضحية جديدة باستمرار ليُرضي غروره ونزواته، وربما يشعر بالفرح والسعادة عندما يرى الجميع تتراكض خوفا وهلعا وتغلق على أنفسها أبواب بيوتها محاولة أبعاد الأذى عنها.
فقد وصلنا إلى صيف 2012 والعراق بلا كهرباء تذكر وحتى اليوم الوعود مستمرة وأعلان البشارة بتشغيل هذه الوحدة أو تلك المحطة وبأن طاقتها سوف تغطي تشغيل كذا ساعة لتلك المحافظة لكي نتفاجىء في اليوم التالي بأن المنظومة كلها قد توقفت والعذر جاهز...  والمليارات تذهب والمحصلة أن العراقي يصرف الآلاف من  الدنانير شهريا كي يستطيع الحصول على خمسة أمبيرات يشغل بها مروحة هوائية أو ثلاجة يشرب من خلالها الماء البارد في صيف العراق اللاهب.
وقديما كان الإنسان يستعمل أسطح المنازل كي يهرب إليها ليلا ويحصل على بعض من الهواء العليل بعد عناء يوم حار لكن اليوم حتى هذه السطوح محرمة على العراقيين لأن الأشرار قد يتسلقون الأسوار ويقبضون على من هم في السطوح ويقودونهم نحو الداخل مرغمين كي يعطونهم كل غالٍ ونفيس بالقوة!! لذلك نجد العراقيون اليوم أسيري الغرف ويحكمون أغلاق الأبواب ليس بالأقفال فقط وإنما مدعومة أيضا بالسلاسل الحديدية الضخمة. وهناك سببا آخر أيضا هو الموجات المتتابعة من الأتربة التي تضرب طول البلاد وعرضه وتحيل النهار ليلا ولساعات كثيرة تتعب فيها ربات البيوت التي ترى بين لحظة وأخرى أن البيوت قد امتلأت من الغبار والحدائق المنزلية والممرات قد غطتها طبقات من الرمال، وعليها أن تنظف كل هذا لأن بقائها سيعني أدخالها إلى داخل البيوت نتيجة التنقل والحركة، فالطبيعة قد أضافت جهدا ليس بسيطا على ربات البيوت العراقيات.
لقد عاش العراقيون وتعايش مع أرقاما مثل 3×3 أو 2×4 أو 1×6 أو 1×12 وهلم جرا وهذه أرقاما للبرمجة الكهربائية وكان أحسنها عندما يتساوى الرقمين لأن الرقم الصغير كان يشير دائما لفترة تجهيز الناس بالكهرباء مقابل الإنقطاع الذي كان يمثله دائما الرقم الأكبر هذا إذا لا تنقطع الكهرباء عن البيوت لأيام متتالية عند حدوث خلل أو تخريب في الشبكة، التي أصبحت هذه معينا للمسؤولين بأعطاء الأعذار عن تلك الانقطاعات، ومما زاد الطيب بلة في هذا المجال تحكم حكومات المحافظات بالكهرباء المنتجة في محافظاتها ومحاولة السيطرة على الحصة الأكبر ضاربين بعرض الحائط ما يسمى بالسيطرة المركزية (السيطرة المركزية: وُجدت كي تسيطر على عموم الشبكة الكهربائية وتتابع المنتج مع الأحمال الحاصلة وتقوم بتوزيع الجهد على المحطات بحيث لا تحصل انقطاعات أو انطفاء تام للشبكة الوطنية) وتوزيعها العادل للكهرباء على الجميع ولو أن هذه العدالة غير موجودة فهناك الكثير من المسؤولين والمناطق والمرافق الخدمية التي تنعم بالكهرباء المستمرة ومعها طبعا ما يحيط بها من المنازل التي (تُجطل) بطريقة غير قانونية على الشبكة وتسحب من الكهرباء التي تغذي تلك المناطق!!! ونتيجة غياب أو تغييب السيطرة المركزية نشهد ما يسمى بالانطفاء العام للشبكة وعند حصوله تنقطع الطاقة الكهربائية كليا وهذه تحتاج إلى ساعات طوال كي يتم اعادة تشغيل المحطات وأدخالها ميدان العمل والتجهيز.
واليوم ليس مختلفا كثيرا عن البارحة فقد أبشرت وزارة الكهرباء منتصف حزيران 2012 المواطنين بعودة الأستقرار للمنظومة الكهربائية بعد الخلل الذي أصابها خلال الساعات الماضية حسب قول الناطق الرسمي لوزارة الكهرباء (مصعب المدرس) مبشرا الناس بأن الاستقرار سيحدث في عمل المنظومة الكهربائية في عموم المحافظات بعد تمكن ملاكات وزارته من تجاوز حالة الاطفاء التام!!! الأمر الذي حدث نهاية الاسبوع، لكن من يستطيع أن يثبت للعراقيين أن هذه الحالة طارئة ولا تحدث مجددا؟ ولم ينسى هذا الناطق بزرع الأمل في النفوس كونه أعلن عن تشغيل منظومات جديدة معلنا في الوقت نفسه أن مجمل الإنتاج بلغ 6950 ميغاواط وأنه سيصل بعد أيام إلى ثمانية آلاف ولم ينسى هذا الناطق أيضا أن يتحدث عن المستقبل لأنه وعد بأن يصل الانتاج من الطاقة إلى رقم تسعة آلاف لكن في تموز المقبل ولم يذكر تموز أية سنة لكون كل سنة بها شهر تموز رغم أنه كان يقصد تموز 2013.
إن العالم يتطور بسرعة جنونية لكن العراق إن لم يكن واقفا في محله فإنه يتراجع إلى الوراء، فنجد العالم حتى مسألة جمع القمامة مرتبة ويستفادون منها ويزودون المنازل بأنواع من براميلها مرتبة حسب الألوان كي تفصل البيوت مهملاتها حسب نوعية الحاوية لأن ذلك وبعد جمعه يكون مؤهلا بعضه لأعادة التدوير والتصنيع كي يستفاد منه المجتمع مجددا، لكن العراق لازال فيه حاويات جمع القمامة التي تكبس كل شيء وتنقله إلى ذات المكان الذي له رواده الدائميون والذين يبحثون فيه عما يستطيعون نقله لكي يتم أعادة تصنيعه مجددا كعلب المشروبات الغازية والنايلون والأخشاب وغيرها وهناك أحياء في بغداد مختصة بهذه التجارة التي تدر على أصحابها الربح الوفير لكن من أين ؟ لأنه يأتي من جهد أطفال صغار يعملون تاركين دراستهم ويعرضون أنفسهم للإصابة بالأمراض كي يجمعون مالا قليلا لهم ولأسرهم!!!
من يرى العراق اليوم يعتقد بأنه ماضٍ بقوة نحو التخلف فلازالت الحيوانات تجوب الشوارع المهمة منها لنقل المحروقات ومنها للنقل العام ومنها حتى كي ترعى على القمامة التي أصبح في كل زقاق وشارع مجمعا لها!!! لأن العراقيين تم توجيههم يوما لتربية الدجاج في المنازل وشهدت الحصة التموينية توزيع عدد منها لكل أسرة وهكذا أصبحنا نعيش مع الدجاج في ذات البيت آملين كل صباح أن نرى بعض البيضات العزيزات وقد جادت بها دجاجاتنا علينا ونُقيت أنفسنا بها أو نزين مائدة الإفطار ببيض العيون الذي يعشقه العراقي!!!، وهذه التجربة كان لها قصص بحد ذاتها فكم من بيت صحا يوما ليجد أن دجاجاته قد تم الاستيلاء عليها وسرقتها وقد ضاع كل جهده وأمله ببيض جديد مع الصباحات المشرقة!!!
نحن في العراق بحاجة لتنمية الشعور بالحاجة إلى التعاطف الموجود غريزيا في الإنسان كي يمكننا من قهر العذاب والمعاناة والعزلة، فحسنا كان يعمل أهلنا في حالة المصائب والوفيات عندما كانوا يجتمعون عند أهل المتوفي ويجلسون ويتكلمون كي يسلونهم، والمسيحيون يطلقون إلى هذا المجلس اسم (التعزية) ويُطلق عليه المسلمون مجلس العزاء الذي أخذ اسم (الفاتحة) تيمنا بالسورة القرآنية التي يتلونها عن روح المتوفى، فهذه تعبر عن التعاطف مع ذوي المتوفي كي يعبرون وأياهم تلك الحالة ويعودون إلى حياتهم الطبيعية، فالإنسان عندما يُعزل عن أهله وأصدقائه يصبح معزولا وكأنه يدور ككوب منفصل في فلك خاص به وأن الكون كله لا يبالي به، لكن الإنسان ليس هكذا ففلكه ليس له وحده لأنه كائن أجتماعي وقديما قال حكماؤنا (الجنة بدون أوادم ما تنراد)، وعندما يشعر أحدنا بالآخر فإن الآخر يشعر بقيمته ويحس بوجوده وتحدث حالة من التجاذب بين البشر وهكذا يصبح المجتمع أكثر قوة وتماسكا، لا كما نحن عليه اليوم في العراق، فقد غاب عنا هذا التماسك وقد أضعنا اللحمة التي تربطنا كون الشك قد دخل انفسنا وفقدنا الثقة؛ أحدنا بالآخر فنشك بكل شيء حتى بالطارق الذي يسأل حاجة ما منا ولقد نسينا كل القيم والعادات الاجتماعية التي كانت تزين أفعالنا، وقد أحللنا العنف محلها فقد شهد الأسبوع الثاني من حزيران 2012 في العراق ربما أسوأ ما شهده العراق من أعمال عنف فالانفجارات بالعشرات والضحايا بالمئات وبشرٍ كانوا يمنّون النفس برضى الله من خلال زيارة إيمانية أصبحوا ضحايا برمشة عين حصدت أرواحهم سيارات مفخخة وتفجيرات هنا وهناك!!!
فهل نتعلم من المحن التي مررنا بها الدروس ونستنتج الصحيح الذي يجب أن ننهجه بعد كل هذا الدمار الذي حصل وهل ستلوح في الأفق نهاية واضحة لكل هذا؟ يجب أولا أن لا نيأس ولا يتعب بحثنا عن قوة العطاء الدائم هذا العطاء الذي تصحبه العاطفة والشعور الإنساني الصميمي الذي غايته الانسان ورفعته وهذه الغايات التي لو سلكنها ستفيض علينا بالكرامات كبيرة كانت ام صغيرة ستكون كل هذه سيلا يجرفنا ويغير حالنا نحو حال مغاير لما نحن عليه اليوم لا بل سنشع للشعوب والدول المحيطة بنا وسيشعر أحدنا بدفيء الآخر وعطفه وحنانه، وسنحدد بدقة حاجتنا الواحد للآخر وعدم أستطاعتنا بالتفريط بحياة أي منا لقيمته الكبيرة لنا، وبذلك سيضيء الأمل مجددا وسيكون لحياتنا معنى مختلفا عما نحن عليه اليوم.
لا نريد للعراق أن يعيش على كف عفريت كونه لا يعلم في أي لحظة أو دقيقة يأتيه نبأ مفجعا ولا نريد لأخوتنا في العراق بأن منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر،
وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

53
ذكريات من الماضي العراقي القريب (10)
إن قلمي ليرتجف ما بين أصابعي وليس أحيانا وإنما غالبا وأنا أعصر فكري لأتذكر أمورا في غاية الألم عشتها بنفسي واطلعت على تفاصيلها شخصيا وأحاول اليوم ترتيبها كي يطلع غيري عليها ونمسك برأس الخيط بغية أن نعمل سوية مع المخلصين العراقيين لصون بلدنا وحمايته من تكرار تلك المآسي. فالعراق بحاجة إلى حركة تُغير كل شيء وتحول حالة السراب لديمقراطية اليوم إلى ديمقراطية حقيقية، ومن حالة تبديد ثرواته إلى استثمارها وتقوية البنى التحيتية كي تأتي الأجيال القادمة وتجد أرضا صلبة تستند عليها، تغييرا من تقتيل لأبناء العراق إلى صون دمائهم وتحصين أبدانهم ضد كل أنواع الألم، فنحن بحاجة للجميع شيبا وشبابا، طلابا وفلاحين، عمالا ومهندسن، أطباءا ومحامين، الجميع يجب أن يعملوا نحو التغيير، كي تصب كفاءاتهم باتجاه واحد هو أعمار العراق ورفعته بين الأمم.
فقد طال صبرنا ولا أريد لأخوتي العراقيين التعود للحال السيء بل أريد أن تكون تلك الحالات أمرا طارئا يزول كي تنجلي شمس ساطعة تطرد خفافيش الظلام وتجعلهم يعودون إلى اوكارهم خائفين هلعين آملين عودة الأمن والنظام لبلدي وأن يعيش أبناء أغنى بلد في العالم كما يجب وتعود بغداد إلى تسميتها السابقة؛ بغداد دار السلام، وينتهي الرعب الذي أدخلناه لقلوب شعوب كثيرة وخصوصا عند سماعهم باسم بلدنا كونهم يتذكرون كل القصص والأفلام التي سجلتها كامرات عديدة منها الصحيح ومنها المزيف والمفبرك، فقد مررتُ بذات التجربة قبل أكثر من عقدين من الزمان وأنا كنت حينها دارسا في أحد البلدان البعيدة عندما لاحظ فريق تلفزيوني كان موجودا حيث كنت بأنني غريب عن بلدهم لأن الملامح بسهولة يتم تمييزها في ذلك البلد وعندما تقربوا مني ولديهم مايكروفون مربوط لاسلكيا بمكبرات الصوت مستفسرين عن أسمي واسم بلدي بلدي؟، وعندما نطقت باسم العراق ابتعدوا فورا عني امتارا عدة خوفا من هذا الاسم المرعب!!!
فمسلسل الرعب استهدف الجميع كما أسلفنا في الحلقة الماضية فلم يسلم : السني .. الشيعي .. الكردي .. العربي .. الكلداني .. السرياني .. الآشوري .. التركماني .. الصابئي ولا الإيزيدي وكل أطياف العراق الآخرين، فقد كانت مغارة العذراء في كنائس العراق تشهد زيارات عدة من جميع أهلنا ومن مختلف أطيافهم كي يتضرعوا لها ويطلبوا منها غاياتهم وقلوبهم يملأها الإيمان بأن سيدة نساء العالمين ستستجيب لهم ويعودون وقلوبهم مطمئنة ويستبشرون خيرا وغالبا ما كنا نسمع القصص التي تتكلم عن نيل المراد بعد تلك الزيارة والكثير كان يتكلم بحماس عن أمثال تلك القصص، وكنا نتحدث مع أصدقائنا عن سبب ذلك وكان هؤلاء يشرحون لي عن مكانة العذراء في الإسلام وكيف أن القرآن الكريم قد أفرد سورة باسمها وهي الوحيدة باسم امرأة فيه (سورة مريم) وقد لا تجد مكانا يضاهيه لأية امرأة أخرى غيرها كون الاسلام أعتبرها خير نساء العالمين وأحسن أربع نساء الجنة وهناك الكثير في هذا المجال لا مجال لسرده كونه ليس في صلب موضوعنا، وهناك الكثير من المراجع يمكننا بسهولة الرجوع إليها وخصوصا في زمن العولمة الذي نحن فيه.
فتاريخ العراق يشهد بأن التآخي كان عنوان لعيش مشترك ما بين المسيحية والإسلام فهم قاتلوا الغزاة بصورة مشتركة وبنوا الحضارة معا ولم يسجل التاريخ واقعة واحدة اضطهد مسلموا العراق مسيحييه إلا في حالات كان الأجنبي طرفا فيها، ووجدنا في التاريخ أن خليفة المسلمين كان يحرص لحضور احتفالات النصارى وخاصة في عيد الشعانين التي كانت تجرى في البيع والأديرة أي أنه كان يشاركهم في الأفراح والمسرات تماما كما كان يواسيهم في الأحزان التي كانت تلم بهم. وكان المسيحيون أفراد كثيرين في جيش صلاح الدين الأيوبي عندما قاتل الغزوات الأفرنجية التي أخذت اسم (الحروب الصليبية) مدافعين بذلك عن بلدهم ووطنهم أمام غزو المعتدين حيث معا استطاعوا قهر الأعداء وتلقينهم درسا لن ينسوه هم وأحفادهم مدى التاريخ.
واليوم نجد المسيحيين في العراق مع أخوتهم يقفون معا لصون العراق وضد الاحتلال أيضا رغم أن هناك نفرا يحسبهم إلى جانب المحتل كونهم وحسب اعتقاد البعض يشاركونه بذات الديانة؛ هذا الاعتقاد الخاطيء الذي دفع المسيحيون الكثير من المال والضحايا والاضطهاد ثمنا له، لأن المحتل وإن كان أمريكيا فإن أمريكا ليس في دستور بلدها أن: ديانة الولايات المتحدة هو الدين المسيحي، كما هو الحال في معظم الدول الإسلامية حيث نجد فقرة ثابتة في معظم دساتير هذه الدول بأن الدين الرسمي للدولة هو الاسلام!!! وجميع الدول الغربية علمانية ونجد ما بين أفراد جيوشها من الأديان المختلفة؛ فما بين أفراد قوات الاحتلال كان أيضا الجنود المسلمين ومع هذا الجيش كان مرافقين من أئمة وخطباء كي يأموا الصلاة بالجنود المسلمين على عادة هذا الجيش أينما يذهب فإنه يأخذ معه رجال دين حسب الأديان التي يدين بها أفراده.
وعانى مؤمنوا المحبة كثيرا من هذه المحبة التي يأمرهم بها المسيح له المجد ويشهد جميع المنصفين العراقيين من المسلمين بأن المسيحي يمكن ان تأمن جانبه ولا يلحق أذى بجاره مطلقا وكم من محلة معظم سكانها كان مسيحيون كنا نجد من أخوتنا المسلمين الذين يبحثون ويلحون بالشراء فيها لطيب أهلها وأخلاصهم و و و. ولكننا لا يمكننا بهذا تبرئة أعداء الشعب العراقي والعربي والمسلم من بث هذه الثقافة  اليوم كي يُحارب المسيحيون من قبل المسلمين ويتم استنزاف الطرفين بغية أن تنتصر الصهيونية وتبقى هي القوية في الساحة.
وتم أجبار المسيحيين في مناطق كثيرة على خيارين لا ثالث لهما: إما الجزية أو الاسلام، وفي حالة الرفض هناك خيارين، إما القتل أو ترك المنازل بما فيها وكانت الدورة المنطقة الأشد في تطبيقها هذا من بعض الأنفار الذين كان يطلق عليهم  (الأفغانيون العرب)، وهذه المنطقة كانت معقلا مسيحيا ففيها سوقا لازال إلى اليوم اسمه (سوق الآثوريين) وحيا بذات الاسم ونحن متيقنين بأن الاسلام براء مما حدث لأن المسلمين يتحدثون عن مقولة (لا أكراه في الدين) وبأن : لا خوف عليهم ولا هم يحزنون ... عندما يرد ذكر النصارى في آية من آيات القرآن الكريم، وقول نبي الإسلام: كل من آذى ذميا فقد آذاني ... فهذه وغيرها من أعمال القتل والخطف والابتزاز دفعت بالآلاف إلى الهجرة باتجاهات مختلفة منها داخلية ومنها خارجية فبسهولة اليوم تجد المسيحيين (السورايى) في بلدان كثيرة ويتحدثون بلغتهم (السورث) وتكونت مناطق في بلدان المهجر منهم تحديدا ليس في فيرفيلد بسدني باستراليا وحدها بل هناك في كاليفورنيا بالولايات المتحدة وفي سودرتاليا بالسويد وليون بفرنسا وفي ألمانيا أو هولندا وبلدان كثيرة غيرها.
إن العراق ينزف من أبنائه الكثير وهو خسارة للعراق حتما قبل أن يكون خسارة لأهله من المسيحيين، فقد تعرض بلدنا للنهب من قوى مخابراتية عديدة وها هي الأخبار تتحدث عن وجود (1000) قطعة من الآثار العراقية معروضة في متحف بتل أبيب باسرائيل، حيث سمعنا من قبل كما سمع كل العالم بأن قوات الاحتلال الأمريكي نقلت الأرشيف اليهودي من العراق إلى أمريكا بغية صيانته وعن هذا الأمر كشفت تقارير معلوماتية عن انتقال هذا الارشيف إلى إسرائيل كما كشف وزير السياحة والآثار (لواء سمسم) حيث قامت هذه الوزارة بإيقاف عمل بعثات التنقيب الأمريكية في العراق وأجراءات أخرى ريثما يقدم الأمريكان جردا عما تم تهريبه من قبلهم حيث للعراق معلومات تفيد بوجود أكثر من (80) ألف قطعة أثرية قد تم تهريبها إلى أمريكا وقد اعترف الجانب الأمريكي حسب قول الوزير بعشرة آلاف منها لديهم.
إن متحف الأرض بإسرائيل يشهد اليوم وجود هذه الآثار العراقية وهذه دولة واحدة من دول عديدة استولت متاحفها على الكنوز العراقية والكلام دائما صادر من وزير في الحكومة العراقية وعبر جريدة الصباح شبه الرسمية، وإذا تحدثنا عن تنقيبات في مناطق أخرى في العراق ومنها بعيدة عن أنظار الحكومة رغم أن الدستور يعتبر الأرث الوطني هو أرث مركزي (أي تحت تصرف الحكومة المركزية) فهناك مناطق أثرية كانت تسيطر عليها قوات أجنبية أو تقيم فيها معسكرات وقواعد لها كما في أور .. الناصرية أو كبابل في الحلة ومواقع كهذه تُسهل لهم تهريب الآثار من خلال وجودهم فيها ولا أحد يعلم ماذا يفعلون هناك!!!
وعن ذات الموضوع ففي منطقة قريبة من بغداد يوجد موقع أثري مسيحي يعود للمائة الأولى للمسيح هو موقع (كنيسة كوخى) الذي بناه أحد التلاميذ الاثنين والسبعين الذين جمعهم ربنا له المجد في حياته الأرضية وتلميذ هذا وهما (مار أدي ومار ماري) ومن شيدها توفي قبل انقضاء المائة الأولى للمسيح فلنا تصور كم هذا الأثر مهما وكونه أصبح ليس مسيحيا فحسب بل عراقيا وأرثا وطنيا وقد زرت يوما هذه الأطلال وتبركت بها وأنا أتأمل أولئك الرجال الذين حملوا راية الإيمان نحو الشرق دون عوائق تمنعهم من الشهادة لإيمانهم حتى الموت لم يقف عائقا أمامهم إزاء هذا، وتركوا لنا اسما خالدا لكن لا أحد يلتفت إليه ويعيده كي يكون موضعا يزوره المؤمنون قبل السياح ويكون موقعا عراقيا يتم الاهتمام به بعناية لكنه اليوم أرض جرداء وإن وُضع سياج له في الماضي لكن اليوم يعاني الموقع من أهمال شديد والكنيسة التي أخذت اسما هو كنيسة ساليق وقطيسفون هي أرض جرداء تبكي وتستنجد بمن يعيد الحياة لها!!! بعد موجات تترية وهمجية أدت إلى تدميرها عدد من المرات ومنها في سنة 341 ميلادية ابان الاضطهاد الأربعيني.
فهذا الموقع وغيره ينتظر من يمد يديه إليه كي تتم صيانته وأظهاره للعالم ويبرز دور العراق وابنائه الغيارى في بناء الحضارة والتاريخ فلا نجد في هذه المواقع أية اهتمام يُذكر فحتى ملوية سامراء هذا الصرح الشامخ يعاني الاهمال ولا تجد فيه أية مستلزمات تفيد السائح وتعرفه وتشرح له شيئا عنها، وإن تحدثنا عن الملوية فالحضر تشكو أيضا لنكتشف بأن العراق قد أَهمل بصورة شبه كلية الجانب السياحي مع وجود وزارة في الحكومة باسم وزارة السياحة والآثار لكن الآثاء تعاني حالها حال الشعب، فقط السياحة الدينية هي التي تم الالتفات إليها وتشهد ازدهارا كبيرا وخصوصا بالمدن المقدسة كالنجف وكربلاء والكاظمية، نأمل ونتمنى أن تكون السياحة في العراق موردا جيدا يدعم ميزانية هذا البلد بعد النفط لأنه مؤهل لأخذ مكانة لائقة كون العراق معروف بأنه موطن الحضارات ومنه انطلق أبراهيم أبو الأنبياء وأعلن بدأ المخطط الإلهي لإنقاذ البشر وأرشادهم للسير في طريق الهدى والنور.
فكل شيء في بلدي يعاني من الاهمال وحتى الهواء أصبح ملوثا وغالبا ما يكون الجو مغبرا وبكثافة قوية تؤدي إلى انعدام الرؤية وأصابة المرضى بالربو بحالات حادة من الاختناق فلم يعد هواء بلدي نقيا كما عهدناه عندما كنا صغارا ونذهب لصفوف الدراسة صباحا وفي الشتاء لنجد بأن المياه قد تجمدت في السواقي من شدة البرد وكم شهدت مناطق كثيرة من الوسط والشمال خصوصا سقوط الثلوج التي كانت تجعل من الأرض ترتدي حلة بيضاء، لكن اليوم لم يعد الشتاء شتاءاً في بلدي بالمعنى الذي عشناه ولم تعد بغداد بحاجة للنفط الأبيض للمدافيء لانعدام الحاجة لها فالشتاء أصبح معتدلا فاليوم وخصوصا وسط وجنوب العراق يوجد ربيع قصير وصيف طويل مليء بالغبار والأتربة والشمس الحارقة التي ترتفع فيها درجات الحرارة لأكثر من خمسين درجة على المقياس المتري، فماذا يفعل العراقي بعد اليوم لأن الطبيعة أيضا تقف بالضد منه؟
وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

54
ذكريات من الماضي العراقي القريب (9)

واستمرت مأساة الشعب العراقي طويلا وكتب الكثير عنها كما كتبت يوما رسائل سميتها (رسائل من تحت الأنقاض)، وحينها ذكرت لصاحبي أنه لم يخطر ببالي أبدا أن أقوم بترقيم رسائلي حيث كنت قد وصلت حينها للرسالة الرابعة، لأن الأحداث كانت ومازالت جسام، وبحاجة كي نوثق ما نتمكن منه للتاريخ كي يعرف أبناؤنا وأحفادنا حجم الدمار الذي اجتاح العراق في قرن الحضارة والتكنولوجيا؛ القرن الحادي والعشرين.
وعن استمرارية هذه الأحداث فقد تعرضت دائرتان تهتمان بالشان الديني ومزاراته وأوقافه هما الوقف الشيعي والوقف السني مطلع حزيران 2012 لأعمال من أمثال تلك التي نذكرها في كتاباتنا يندى لها الجبين فرجل يسوق سيارة مملوءة على ما يبدو بالحقد والكراهية ووسائل الموت يقتحم الحواجز كي يوصل الموت إلى داخل مبنى ليس فيه سوى موظفين بسطاء يعملون من أجل اعالة عوائلهم وكذلك كان الوقف السني هدفا لهاونات الأشرار كي تكتمل الرسالة ويكون عنوانها إلى كافة الأطياف في العراق مفادها أنكم جميعا أهداف للقتل لأنكم شعب مؤمن وكي ينطبق قول المؤمنين عن أنفسهم (أن المؤمن مبتلى) وقد تمت هذه المقولة بهذين الحادثين الذين ما كانا سوى امتداد لما حدث في فترات سابقة.
فحادثة جسر الأئمة لا يمكن أن تنمحي من الذاكرة مطلقا فقد كان ذلك اليوم علامة سوداء كبيرة في تاريخ الأشرار الذي استهدفوا زوارا بسطاء يسيرون على أقدامهم كي يؤدوا مراسيم دينية يعتقدون بصحتها ووجوبها نحو مدينة الكاظمية المقدسة ومرقد الإمام موسى الكاظم وكان حينها الجسر هو المكان الذي بث فيه الأشرار سمومهم ولم يكن على طوله موطيء قدم فارغ فالكل يدفعه الإيمان بسيره حثيثا وهو يرى مآذن الحضرة الكاظمية تلوح في الأفق لكن العشرات كان نصيبهم السقوط والغرق في مياه دجلة وغيرهم وقعوا تحت الأقدام وقضوا نحبهم وكانت الفاجعة المؤلمة جدا!!!!؟ فماذا يريد الأشرار لهذا الشعب؟ هل يريدونه ملحدا وغير مؤمن؟ أم يريدونه يمارس الرذيلة ويسعى نحو الحرام؟ فقد جاء في الإنجيل الشريف قولا مفاده: زمرنا لكم فلم ترقصوا ونحنا لكم فلم تبكوا!!!؟ (لوقا 32:7) أي الأن الأمر محير فعلا لأننا فشلنا في معرفة قصد الأشرار من كل هذا، فقطعا لم يكن على الجسر فردا واحدا من جنود الإحتلال، وحتى لو كان هذا فكيف يضحي من يدعي الوطنية بالآلاف من أبناء شعبه كي يقضي على ذلك الفرد الواحد من الأعداء؟
لكن العراقيون أثبتوا أنهم أخوة ومتماسكين ورغم أن جسرا يفصل بين الأعظمية التي يعتبرونها معقلا سنيا وبين الكاظمية المعروفة بشيعتها، لكن مرور المواكب عبر الأعظمية كان موقع ترحيب من أهلها ويقدمون لهم كل العون والمساعدة، وعند وقوع المجزرة على الجسر كان هناك من يرمي بنفسه في مياه النهر ويجيد السباحة كي ينقذ ما يمكنه من أعداد الذين رموا بأنفسهم في النهر وكان البطل في تلك الملحمة فتى سنيا لم يتوقف من الإنقاذ حتى خارت قواه وأبى إلا أن يموت مع أخوته الشيعة كي يكون رمزا للأخوة وللمحبة المطلقة التي يضحي الإنسان بنفسه في سبيل أحبائه.
والمرجعيات تستنكر وتشجب وتوجه فها هو معتمد المرجعية في كربلاء المقدسة ينتقد استمرار الصراعات السياسية لأن الشعب هو الذي يدفع الثمن لأن هذه التصرفات بعيدة عن منطق العقل والدين وهي بلا شك ولاريب غير مرضية بالنسبة للمرجعيات، ألا وهي الاعتداءات على المساجد". وأضاف أن "ذلك حصل في بعض المناطق سواء كان المسجد لهذه الطائفة أو تلك والمسجد من المقدسات التي لا يجوز الاعتداء عليها أو المساس بها إطلاقا ومن حق كل طائفة أن تبني المساجد ولا يحق للآخرين الاعتراض عليها"، مؤكدا أن "هذا موقف المرجعية الدينية". وطالب في الوقت عينه المسؤولين لتوفير الحماية لدور العبادة رغم أن الشعب اليوم يعيش حالة من الارتباك كونه لا يعلم أين ستتوجه البوصلة في العملية السياسية كون البعض يطبلون بسحب الثقة وغيرهم واثق بعدم سحبها وأصبحت بموجب هذا تواقيع نواب حسب قول البعض أنها مزورة فللعراقي التصور عن حالة التردي التي وصل عليها العراق سياسيا عندما تبرز ورقة بتواقيع نواب في البرلمان العراقي وتقدم لرئيس الجمهورية ليتضح بعدها عن كم منها مزور وغير حقيقي؟؟!!!
فلا أحد غير الشعب العراقي يكون الضحية دائما ويبدو ذلك جليا في كل زمان ونظام وسلطة لأن الحلول دائما تضيع مع حالة من التشتت الاعلامي غير الموجه حيث نعيش حالة من التيه والضياع والخسارة المؤلمة لأن ما يتفوه به سياسيينا أحيانا هو الذي يصعد مسألة التوتر ويصبح الجو العام متشنج ومتوتر، أما من عليه أن يبعث الأمل في صدور العراقيين وطمأنتهم فهذا بعيد عن صدور وعقول سياسيي اليوم الأمر الذي يدفع بالعراقيين لحزم أمتعتهم والبحث عن ملاذ آمن في أرض الله الواسعة.
والعراقي أول ما يصل لحدود دولة جارة أيا كانت يشعر بالاختلاف الكبير؛ فدولة منتجة ومصدرة للنفط يعيش أبنائها الأزمات الوقودية باستمرار، ودولة تعادل موزانتها موازنة عدة دول مجاورة في المنطقة تجد العراقيين في التقاطعات يشحتون ومعوقون يطلبون الشفقة ويزداد عديدهم باستمرار ولا تجد عراقي لم تدخل الحسرة في قلبه لسبب أو لآخر فحتى الانترنيت الذي أصبح وسيلة اجتماعية للتواصل في جميع أقطار العالم يعاني منها العراقيون كونها بطيئة ولا يمكن تحميل ملف حجمه بعض من الميكا بايتات، بينما في معظم أقطار الدنيا يتم تحميل هذا الحجم بلحظات محدودة ويتواصل الإنسان مع معارفه وأصدقائه بتوانٍ معدودات رغم بعد المسافات الشاسعة التي طولها وعرضها المحيطات والبحار والصحارى الشاسعة. كنا نأمل من السياسيين التنافس على تقديم الأفضل لأهلهم لا أن يتصارعوا من أجل كرسي غير دائم، خاصة وأن أجدادنا الحكماء قالوا في هذا الصدد: لو دامت لغيرك ما وصلت ألك!!! لكننا نجد الكثير من التهكمات على سياسيينا اليوم بحيث البعض يصف الحالة بأن المسؤول يُلصق نفسه على الكرسي إلى درجة لا يمكن أزاحته عنه !!!
ونحن في العراق مازلنا في ذيل الدول بحيث أصبحنا مثار سخرية الدول كوننا الدولة الأكثر فسادا وأخبار الفساد نجدها دوما في صحافة العراق بحيث محافظة واحدة وهي الديوانية مثلا أتلفت ما مقداره (360) طنا من المواد الغذائية كونها منتهية الصلاحية!!! فعلى القاريء العزيز تأمل الرقم كونه بالأطنان وكم من المبالغ ذهبت هدرا لتوفير هذه الكمية والناتج أنها تالفة، لكن الأخبار لم تذكر من تم محاسبته أو تم تقديمه للنزاهة كي تتم محاسبته وهكذا يجد الموظفون الآخرون الموضوع في غاية البساطة كي يسلكوا ذات المسلك ويبحثون عن ثغرة كي يملأوا جيوبهم من مال حرام هو ملك العراقيين أجمع، هذا جانب وجانب انتشار أبراج الاتصالات في كل محلة وزقاق وعلى رقعة العراق وما تلحقه هذه في أيذاء صحة العراقيين فالكلام عنه كثير ومتشعب والشركات المسؤولة على ما يبدو انها تنصب هذه الأبراج بعشوائية وغير قانونية فذات المحافظة أقامت سبعة دعاوى على شركتين للاتصالات فقط كونها لم تحصل مسبقا على الموافقات اللازمة، وإذا عرفنا أن في العراق شركات أخرى غيرها كثيرة فعلينا تقدير حجم الدمار البيئي والصحي الذي تلحقه هذه بصحة المواطن العراقي كونها باشعاعاتها سبب من أسباب انتشار الأمراض السرطانية وغيرها.
أما إذا تحدثنا عن حال المعامل الأهلية فهذا لوحده حديث ذو شجون لأن العشوائية الحقيقية تكمن هناك وزيارة واحدة للأحياء التي تنتشر فيها هذه الورش والمصانع إن صحت تسميتها كذلك سنجد عالما مستقلا من العمل الارتجالي الذي يغيب عنه التخطيط المبرمج والتصاميم والقاعدة العلمية التي تحسب لكل شيء حسابه وحتى المخلفات الصناعية وأمر التخلص منها محسوب وبعناية كي نحافظ على أرض العراق نقية وأجواءه سليمه وهواءه نقي وترتبته صالحة للزراعة، لكن شيئا من هذا لا يحصل أبدا وكم من رواية سمعنا بأن أوراق تطبع بعناية وفي دول الجوار ويتم استيراد عبوات جاهزة شبيهة بالأصلية كي يتم تعبئتها في هذه المعامل وكأنها مستوردة وأصلية والضحية هنا أيضا كما هو حال السياسيين وفي الحالات الارهابية هو المواطن العراقي!!!
إن مجمل الصورة العامة في العراق مشوشة وغير واضحة المعالم حتى للسياسيين ولا تحتاج للتطبيل والتزمير؛ نسحب الثقة أم لا نسحبها، لأن ذلك أمر دستوري وله قواعد وشروط وتتبعها يتيح للكتل السياسية تجميع أصواتها كي تنال ما تريد، والكويت الدولة الجارة للعراق شهدت ذلك مرارا وكم من مرة تم سحب الثقة من وزير في الحكومة لديهم أو من الحكومة ككل ليعودوا ويشكلون حكومة ترضى بقبول البرلمان لكن عندما يصل الأمر لنا في العراق فكل شيء يصبح معضلة وعلى الحكماء ومنهم المرجعيات التدخل كي تفض النزاع وكأننا ازاء أشخاص لا يفقهون من السياسة شيء، فهنا نتساءل كيف تم كتابة الدستور أذا؟ إن كان من يمتهن السياسة اليوم يتخبط ويعمل المستحيل بوسائله الخاصة كي يسيطر على سلطة هي بيد غيره أو من بيده السلطة كي يصونها ويمنع تدخل غيره بقراراته؟
وانا وغيري نسمع عن وجود محكمة اتحادية ودستور صَوت عليه غالبية الشعب العراقي، لكن الصراع موجود وكأنه أمر مستعصي يصعب حله، ونسى الجميع أن هناك شعبا يجب العودة إليه فهو من صوت لهم وهو الذي أيضا خضب اصبع يده باللون البنفسجي كي يكون ممثليه اليوم حيثما هم لكن خيبة أمله كبيرة حتما وهو يرى ويسمع ما يجري وكأن من طالب يوما ناخبيه بانتخابه قد وقع ناخبيه بورطة وضحك على عقولهم (وبالعراقي: قشمرهم) وهو اليوم يفعل ما يريد!!! إن هذه الخلاصة قاسية حقا لكن علينا انتظار الجواب من سياسيين بأمر غير هذا وعليهم اتباع الأصول الدستورية كي نبرهن للعالم بأننا شعب ديمقراطي وحكومتنا ديمقراطية ولا نحتاج للربيع المنتشر اليوم في العديد من البلدان العربية كي نغير هذا أو ذاك لأن الجميع يعرفون ما عليهم وما لهم والدستور هو الفيصل والضامن والكفيل.
والعراقي مع سياسييه يعيش حالة من الفوضى في كل شيء، ففي كل العالم هناك تنظيم وترتيب لكل صغيرة وكبيرة وهم يستفادون من الكومبيوتر بكامل طاقاته ومواصفاته ويرتبون بموجبه أمورهم ومنها حتى فواتير الماء والكهرباء وهناك حل للمشكلات (أون لاين) أو القيام بالتأمين (أون لاين) أو الاشتراك بخدمة أو أي أمور ومنها التسوق الأليكتروني وغيرها من صفات حضرية تعود بالمنفعة للإنسان ولرجال الأعمال والشركات، لكن ما مدى استفادة العراقيين من هذه الميزات الموجودة في أجهزة الكومبيوتر والتي لا يخلوا بيتا عراقيا منها وربما أكثر من جهاز واحد، لكن عندما عملت محافظة بغداد استعلامات أليكترونية حديثة خففت بموجبه العناء من المراجعين أعتبر كل من شاهد هذا المنجز أنه متقدم جدا للحالة التي هو عليها العراق، فما بال غيره من الوزارات والدوائر بحيث لا نجدها تلجأ إلى هذه المكننة الحديثة وتخفف العناء عن المواطنين كي ينتظروا كثيرا من أجل معاملة ما أو كي يحصلوا على وثيقة أو تأييدا، لكن الأمر برمته أصبح في غاية السهولة لدى الدول المتقدمة كونها تعمل وفق منهج علمي وكل مسؤول فيها يبحث عن الوسيلة كي يكسب الزبائن وهي منافسة شريفة والأفضلية فيه للأحسن.
 وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة

... وللذكريات بقية

عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

55
ذكريات من الماضي العراقي القريب ( 8 )
كانت بغداد كما هو حال مدن كثيرة من العراق وخصوصا الموصل والبصرة معروفة بوجود شوارع واسعة وجسور وأنفاق وتقاطعات وخصوصا الحديثة منها والسريعة التي كانت تربط المدينة مع قطاعاتها وحاراتها ومعها ومع المدن الأخرى وتخدم الناس بتسهيل عملية وصولهم لأعمالهم بيسر وسهولة وتوفر لهم الخيارات الكثيرة فيما لو تعرض طريق ما للغلق نتيجة حادث معين.
لكن بعد 2003 كل هذه أصبحت دون فائدة كونها قد تعرضت إما للتدمير نتيجة قصف الفاتحين!!!! أو للإغلاق نتيجة حاجة أجهزة الأمن والمؤسسات الحكومية أو تلك التي تعود لقوات الاحتلال كي يصبح المواطن العراقي الوحيد هو الخاسر كونه يمضي ساعات كثيرة ليس كي يحصل على وقودا لسيارته بل لكي يصل إلى عمله بالوقت المحدد وحتى لا يغضب منه رئيسه ويخسر مصدر عيشه  وعيش وأسرته.
ودون سابق أنذار كنا نفاجأ بغلق الطريق وعندها إما علينا انتظار رحمة الله كي يتم فتحه ولا نعلم متى؟ أو الاستدارة والرجوع عكس السير كي ندخل في متاهة من الشوارع الفرعية لربما تعيننا كي نهرب من ذلك الغلق ونحصل على فرصتنا بالنجاة أو بالوصول إلى هدفنا، ولكن مرت الشهور والسنين وأصبحت الخيارات أقل يوما بعد آخر فإن مناطق كثيرة تم أحاطتها بالحواجز الكونكريتية وأصبحت كل المناطق معزولة بعضها عن بعض ومعها أصبح أبن المنطقة وحده من يعرف كيف يدخل إلى منطقته ويخرج ومنها وكم من مرة كنا نحتاج إلى الدليل لكي يرشدنا عبر منطقته لطريق الخروج، وحدث مرة وكنت بزيارة لمدينة برطلة في منطقة الموصل عندما طلبت من أحدهم أن يسير أمام سيارتي ويرشدني إلى سبيل الخروج منها فهي كانت أيضا محاطة بالحواجز ومنافذ الخروج محددة وقليلة جدا!!!
ونتيجة هذا أصبحنا نمضي وقتا طويلا بالانتظار داخل سياراتنا ونحن نترقب لحظة الفرج، وحدث مرة وكنا بطريق الموصل – بغداد حيث وقفت مفرزة لقوات الاحتلال كانت تسير أمامنا وقطعت الطريق ولا يوجد مجال كي نخرج منه للطرق الفرعية يمينا أو شمالا كي نبتعد عنها ونواصل السير وبقينا نتفرج على جنود المفرزة وهم يتكلمون مع بعضهم ولم نلحظ وجود شيئا غريبا حينها وحسب مزاجهم إلى أن انتهى حديثهم تحركوا واعطوا لنا المجال أيضا كي نواصل سيرنا، وكان من غير المسوح اجتياز سياراتهم أو حتى الاقتراب منها لمسافة خمسين مترا لأن تجاوز ذلك كان سيعرض من في السيارة للقتل.
وحدث فعلا لأحدهم الذي كما يبدو كان يتكلم بتلفونه النقال ولم ينتبه لوجود سيارات قوات الاحتلال أمامه ونال جزاءه رصاصة أنهت حياته في الحال قرب منطقة بيجي ولم يرف جفن للقتلة واستمروا بسيرهم إلى مقصدهم!!!، وليس هذا وإنما رجلا آخر كان يقود سيارته القديمة في منطقة حي آسيا ببغداد ومعه ولده الصغير وهذا أيضا لقي حتفه أمام طفله لكن القتلة هنا كانوا أكثر رأفة فبعد تنفيذ عمليتهم عادو كي يتفحصوا السيارة ومن بداخلها ليجدو الطفل يصرخ وهو يرى والده قد تم قتله شر قتلة فكان أن أخذوه مع والده للبيت ونطقو بكلمة (سوري) لعائلته المفجوعة!!! التي لم تجد سوى البكاء وسيلة كي تنفس عن غضبها في ذلك الوقت وبعد أن أخذت هذه العائلة ضحيتها كي يتم مواراته الثرى كان الأشرار قد أكملوا ما بدأه المحتلون وسطوا على ماهو غالٍ وثمين في بيت الضحية!!! لكي تكمل مأساة هذه العائلة ويكون لها خاتمة مؤلمة جدا.
ومرة كان رجل دين يسوق سيارته الخاصة رغم تقدمه بالعمر وربما كان نظره ليس على ما يرام وكانت في ذات الطريق (طريق قناة الجيش ببغداد) سيارات الشركات الأمنية على ما يبدو تسير أيضا وهي مسرعة بسرعة جنونية ورغم ان هذا الانسان الورع كان يسير على جانب الطريق لكن رشقات من الرصاص تم توجيهها صوبه ممن كان في تلك السيارات لكن نصيب هذا الرجل كان أفضل من غيره لإن حقد الأشرار قد أصاب هيكل السيارة وخرج هو منها سالما معافى لكن بحالة نفسية سيئة جدا، وعن هذا فقد علم العالم كله ما جرى في ساحة النسور ببغداد من اطلاق للنار عشوائيا حصد الكثيرين حينها ومن جنود ذات الشركات أيضا وكأن العالم لا يرى ولا يسمع، وكان مصير القتل أيضا ينتظر سيدتين في ساحة المسبح والفعلة دائما كان سيارات الشركات الأمنية، وأنا متيقن بأن أمثال هذه الحوادث كثيرة جدا. حيث تم رواية العديد منها ومنها أن دبابة للمحتل كانت تسير في أحد الطرقات وصادف وجود سيارة أجرة متوقفة في طريقها، ولم يتوانى من في الدبابة بالانحراف قليلا عن تلك السيارة بل استمروا وصعدت الدبابة فوق تلك السيارة كي تجعلها هشيما منثورا دون وازع من ضمير تجاه صاحب تلك السيارة ولربما كان أحدهم فيها؛ طفلا أو رجلا مسنا؟!!!
والحواجز الكونكريتية أصبحت مكانا ملائما للرسامين كي يبدعوا بفنونهم على تلك الحواجز الصّماء أو موقعا لكتابات الفضوليين ومنها ما انتشر عبر الانترنيت الشيء الكثير وهنا على سبيل المثال الاعلان التالي الذي كتب دعاية لمحل حلاقة: (حلاقة هاني ... أطفر وتلكَاني)، ولا نعرف هل كانت نكتة أو تهكما من حالة الحواجز فبقي سر هذه الكتابة مع صاحبها. وكانت تلك الحواجز متعددة الأشكال والارتفاعات فقد وصل بعضها لارتفاع الثلاثة امتار وغيرها متران أو متر أو أقل من ذلك وحسب الغاية من وضعها، ولم تكن هذه سوى معرقلات حسب ضن واضعيها كي لا يفلت الأشرار عند تنفيذ أعمالهم الإجرامية لكن بقيت تلك الأفعال تنفذ رغم وجود الآلاف من السيطرات ونقاط التفتيش والعصي الحساسة بوجود تلك المواد لكن العبوات كانت تنفجر باستمرار وكم من وكر تم أكتشافه داخل المناطق السكنية لمواد متفجرة ولم يكن جيرانه يعرفون بما موجود في ذلك الدار وأمثاله، لقد كانت أدوات الشر موجودة قريبا منا وملاصقة لبيوتنا أحيانا ولا نعلم أننا نسكن بجوار قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة ولجأت قوات الاحتلال إلى طريقة تدمير البيت عند اكتشاف محتوياته هذه وليس صعبا معرفة ما يحصل في البيوت المجاورة عند تدمير ذلك البيت.
وعن اللاصقة والمتلاصقة فقد انتشرت في فترة من الفترات العبوات اللاصقة التي كانت توضع أسفل السيارة وتحت الهدف الذي يراد تصفيته وحدثت الكثير من هذه الحوادث وكان ضحيتها مسؤولين مهمين في الأجهزة المختلفة أو أناس أبرياء لا دخل لهم بكل ما يجري وغالبا هذه ما كنت تلحق ضررا كبيرا بالسيارة وكذلك بالضحية فإن لا تقضي عليه كان يصاب ببتر او عوق أو أضرار جسيمة في جسمه، وعن تفادي هذه الحالات لجأ الكثيرين لشراء مرايا بذراع طويلة كي يفحص أسفل سيارته قبل تحركه بها من أي مكان يكون بدءا من مرآب بيته وحتى في الكراجات العامة أو عندما يتركها في أي من الشوارع لقضاء حاجة ما، فكنا نعيش القلق بمعنى الكلمة من هذا الرعب الجديد والمحتمل.
وكان نصيب صاغة الذهب كبيرا في مخططات الأشرار لأن واجهات محلاتهم كانت مغرية بما تعرضه من ذهب يأخذ بريقه الأبصار ويسيل لعاب الأشرار كونه سيدر لهم مبالغ طائلة فكم من عملية تم تنفيذها صوب هذه المحلات وفي كافة المدن العراقية ولم تسلم منطقة منها، وكانت الضحايا كثيرة في حي الشعب والوشاش وحي العامل وبغداد الجديدة ببغداد ومناطق أخرى لا مجال لذكرها ولجأ أصحاب هذه المحلات لوضع جرس أنذار في متناول يد صاحب المحل عند شعوره بالخطر وكانت القيصريات التي يتواجد مثل هذه المحلات فيها عادة قد اتفقت فيما بينها كي يكون لهم حراسات موحدة ولكي لا يكونوا فريسة سهلة أمام من يريد لهم الشر لكن من يريد الإيقاع بالفريسة ليس بالضرورة أن يصطادها في مكان عملها لأن الخطف هو أيضا وسيلة مورست مع أصحاب هذه المحلات حيث كان الأشرار ينتظرون أصحاب هذه المحلات ويبدو أنهم كانوا يراقبون تحركات الضحية ويعرفون مكان الانطلاق والوصول كي يصطادونه في أثناء ذلك ولكن هؤلاء الأشرار كانت تذهب المبالغ التي يحصلون عليها صرفا على ملذاتهم وشعوذاتهم كون المال الحرام الذي كانوا يحصلون عليه من أصحابه لم يكن ليستمر في جيوبهم طويلا فالذي يأتي سهلا يذهب سهلا ليعود هؤلاء إلى أفعالهم التي أبتلي بها الشعب العراقي كله.
وضحايا هؤلاء الكثير منهم أضطر لإيقاف تعليم أبنائه خوفا من خطفهم ولجأوا إلى حبسهم في بيوتهم ولا ذنب للأطفال سوى أن أبائهم ميسوري الحال وكانوا إن لم يستطيعوا خطف الأب فيأخذون ولده كي يساومون عليه ومورست بعض الأعمال حتى داخل الحرم الجامعي حيث صناديق الطلبة التي حصدت يوما في كلية طب الأسنان ضحية شابة كان يأمل وصوله إلى التخرج وان يصبح مؤهلا لمعالجة أسنان الناس ويفيد نفسه وعائلته والمجتمع، فتلك الصناديق التي يستخدمها الطلبة (لوكرات) لخزن الكتب ولوازم الدراسة لم تسلم من الأشرار وكانت وسيلة كي يفقد طلبة تلك الكلية عددا من زملائهم يوما وفي وضح النهار عندما همّوا بفتح تلك الصناديق لأخذ حاجياتهم منها!!! ولا أريد هنا من ذكر للإسماء كي لا أثير شجون أهاليهم بعد مضي سنوات على تلك الفعلة الجبانة فقد ثملوا من البكاء والعويل الذي انتشر في كل الأزقة والحارات وكل يبكي على ضحيته ولا يوجد من يسلي أو يؤملنا بالبشارة بقرب انتهاء تلك المأساة التي كانت بحق اما لكل المآسي التي عاشها العراقيون جميعا على مدار تاريخهم المشبع بالبكاء والعويل ومنها نجد أن الغناء والمواويل العراقية غالبها يؤشر حالة الحزن والألم فمن ظلم المستعمر والإقطاع والحروب إلى ظلم ياجوج وماجوج القرن الحادي والعشرون الذين عاثوا في أرض العراق فسادا.
والموت كان هو النتيجة التي يحصدها الالاف منذ زمن بعيد وخلال الحروب التي خاضها العراق لأن حينها من لم يمت في الجبهات كانت تنتظره فرق الإعدام في الخلف كي توقفه عند محاولة هربه وتعدمه على الفور حيث كانت ما تسمى حينها المفارز الخاصة تنفذ أوامر أسيادها وتحصد من يعترض على الحروب ويرفض الإستمرار بتنفيذ الأوامر وفيما بعد 2003 عاد ذات الموت بشكل أبشع لأن فرق الموت أصبحت كثيرة والإبادة الجماعية أخذت طريقها للقضاء على الشعب العراقي تارة باسم الدين وأخرى باسم الطائفة وثالثة باسم القومية ورابعة وخامسة ... تعددت الأسباب والموت واحد ولا يوجد من يعطي تفسيرا مقنعا عن سبب لذوي الضحايا رغم استبشارنا خيرا بعد ذلك التاريخ بأننا سوف ندخل منعطفا جديدا وحياة جديدة لكن النتيجة كانت نحو الأسوأ والكثيرين علت وجوههم علامات الاستفهام دون نتائج أو إجابات قاطعة لأننا نخرج من مأساة لندخل أخرى أكثر مأساوية منها!!!
ورغم أن العراق أصبح نظريا حرا فإن عدد الجرائد لا يعد ولا يحصى فكل من شاء أصدر صحيفة أو مجلة وأصبحت الأرصفة تعج بالمئات منها ورغم أن مقص الرقيب قد اختفى وأصبحنا نرى في ساحة الباب الشرقي كل شيء حتى الأفلام السيئة الصيت والصور مقززة للنظر فحتى الأسلحة وذخيرتها أصبحت مألوفة لمن يتبضع من تلك الساحة وكذلك أختام الدوائر ونماذج رسمية للعديد من الوثائق تجدها على الرصيف فيمكنك الحصول على إجازة السوق بمبلغ بسيط وبنموذج رسمي وأختام رسمية، وكذلك هوية الأحوال المدنية وغيرها من الوثائق العراقية، وعندها الكثيرين حمدوا الله لأن الخدمة الإلزامية في الجيش قد ذهبت دون رجعة لأن الخدمة في هذا السلك كانت تحصد اللوف من الضحايا لكن هذه الألوف في الواقع الجديد يتم حصدها في الشوارع والساحات وحتى داخل البيوت. وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

56
ذكريات من الماضي العراقي القريب ( 8 ) 

كانت بغداد كما هو حال مدن كثيرة من العراق وخصوصا الموصل والبصرة معروفة بوجود شوارع واسعة وجسور وأنفاق وتقاطعات وخصوصا الحديثة منها والسريعة التي كانت تربط المدينة مع قطاعاتها وحاراتها ومعها ومع المدن الأخرى وتخدم الناس بتسهيل عملية وصولهم لأعمالهم بيسر وسهولة وتوفر لهم الخيارات الكثيرة فيما لو تعرض طريق ما للغلق نتيجة حادث معين.
لكن بعد 2003 كل هذه أصبحت دون فائدة كونها قد تعرضت إما للتدمير نتيجة قصف الفاتحين!!!! أو للإغلاق نتيجة حاجة أجهزة الأمن والمؤسسات الحكومية أو تلك التي تعود لقوات الاحتلال كي يصبح المواطن العراقي الوحيد هو الخاسر كونه يمضي ساعات كثيرة ليس كي يحصل على وقودا لسيارته بل لكي يصل إلى عمله بالوقت المحدد وحتى لا يغضب منه رئيسه ويخسر مصدر عيشه  وعيش وأسرته.
ودون سابق أنذار كنا نفاجأ بغلق الطريق وعندها إما علينا انتظار رحمة الله كي يتم فتحه ولا نعلم متى؟ أو الاستدارة والرجوع عكس السير كي ندخل في متاهة من الشوارع الفرعية لربما تعيننا كي نهرب من ذلك الغلق ونحصل على فرصتنا بالنجاة أو بالوصول إلى هدفنا، ولكن مرت الشهور والسنين وأصبحت الخيارات أقل يوما بعد آخر فإن مناطق كثيرة تم أحاطتها بالحواجز الكونكريتية وأصبحت كل المناطق معزولة بعضها عن بعض ومعها أصبح أبن المنطقة وحده من يعرف كيف يدخل إلى منطقته ويخرج ومنها وكم من مرة كنا نحتاج إلى الدليل لكي يرشدنا عبر منطقته لطريق الخروج، وحدث مرة وكنت بزيارة لمدينة برطلة في منطقة الموصل عندما طلبت من أحدهم أن يسير أمام سيارتي ويرشدني إلى سبيل الخروج منها فهي كانت أيضا محاطة بالحواجز ومنافذ الخروج محددة وقليلة جدا!!!
ونتيجة هذا أصبحنا نمضي وقتا طويلا بالانتظار داخل سياراتنا ونحن نترقب لحظة الفرج، وحدث مرة وكنا بطريق الموصل – بغداد حيث وقفت مفرزة لقوات الاحتلال كانت تسير أمامنا وقطعت الطريق ولا يوجد مجال كي نخرج منه للطرق الفرعية يمينا أو شمالا كي نبتعد عنها ونواصل السير وبقينا نتفرج على جنود المفرزة وهم يتكلمون مع بعضهم ولم نلحظ وجود شيئا غريبا حينها وحسب مزاجهم إلى أن انتهى حديثهم تحركوا واعطوا لنا المجال أيضا كي نواصل سيرنا، وكان من غير المسوح اجتياز سياراتهم أو حتى الاقتراب منها لمسافة خمسين مترا لأن تجاوز ذلك كان سيعرض من في السيارة للقتل.
وحدث فعلا لأحدهم الذي كما يبدو كان يتكلم بتلفونه النقال ولم ينتبه لوجود سيارات قوات الاحتلال أمامه ونال جزاءه رصاصة أنهت حياته في الحال قرب منطقة بيجي ولم يرف جفن للقتلة واستمروا بسيرهم إلى مقصدهم!!!، وليس هذا وإنما رجلا آخر كان يقود سيارته القديمة في منطقة حي آسيا ببغداد ومعه ولده الصغير وهذا أيضا لقي حتفه أمام طفله لكن القتلة هنا كانوا أكثر رأفة فبعد تنفيذ عمليتهم عادو كي يتفحصوا السيارة ومن بداخلها ليجدو الطفل يصرخ وهو يرى والده قد تم قتله شر قتلة فكان أن أخذوه مع والده للبيت ونطقو بكلمة (سوري) لعائلته المفجوعة!!! التي لم تجد سوى البكاء وسيلة كي تنفس عن غضبها في ذلك الوقت وبعد أن أخذت هذه العائلة ضحيتها كي يتم مواراته الثرى كان الأشرار قد أكملوا ما بدأه المحتلون وسطوا على ماهو غالٍ وثمين في بيت الضحية!!! لكي تكمل مأساة هذه العائلة ويكون لها خاتمة مؤلمة جدا.
ومرة كان رجل دين يسوق سيارته الخاصة رغم تقدمه بالعمر وربما كان نظره ليس على ما يرام وكانت في ذات الطريق (طريق قناة الجيش ببغداد) سيارات الشركات الأمنية على ما يبدو تسير أيضا وهي مسرعة بسرعة جنونية ورغم ان هذا الانسان الورع كان يسير على جانب الطريق لكن رشقات من الرصاص تم توجيهها صوبه ممن كان في تلك السيارات لكن نصيب هذا الرجل كان أفضل من غيره لإن حقد الأشرار قد أصاب هيكل السيارة وخرج هو منها سالما معافى لكن بحالة نفسية سيئة جدا، وعن هذا فقد علم العالم كله ما جرى في ساحة النسور ببغداد من اطلاق للنار عشوائيا حصد الكثيرين حينها ومن جنود ذات الشركات أيضا وكأن العالم لا يرى ولا يسمع، وكان مصير القتل أيضا ينتظر سيدتين في ساحة المسبح والفعلة دائما كان سيارات الشركات الأمنية، وأنا متيقن بأن أمثال هذه الحوادث كثيرة جدا. حيث تم رواية العديد منها ومنها أن دبابة للمحتل كانت تسير في أحد الطرقات وصادف وجود سيارة أجرة متوقفة في طريقها، ولم يتوانى من في الدبابة بالانحراف قليلا عن تلك السيارة بل استمروا وصعدت الدبابة فوق تلك السيارة كي تجعلها هشيما منثورا دون وازع من ضمير تجاه صاحب تلك السيارة ولربما كان أحدهم فيها؛ طفلا أو رجلا مسنا؟!!!
والحواجز الكونكريتية أصبحت مكانا ملائما للرسامين كي يبدعوا بفنونهم على تلك الحواجز الصّماء أو موقعا لكتابات الفضوليين ومنها ما انتشر عبر الانترنيت الشيء الكثير وهنا على سبيل المثال الاعلان التالي الذي كتب دعاية لمحل حلاقة: (حلاقة هاني ... أطفر وتلكَاني)، ولا نعرف هل كانت نكتة أو تهكما من حالة الحواجز فبقي سر هذه الكتابة مع صاحبها. وكانت تلك الحواجز متعددة الأشكال والارتفاعات فقد وصل بعضها لارتفاع الثلاثة امتار وغيرها متران أو متر أو أقل من ذلك وحسب الغاية من وضعها، ولم تكن هذه سوى معرقلات حسب ضن واضعيها كي لا يفلت الأشرار عند تنفيذ أعمالهم الإجرامية لكن بقيت تلك الأفعال تنفذ رغم وجود الآلاف من السيطرات ونقاط التفتيش والعصي الحساسة بوجود تلك المواد لكن العبوات كانت تنفجر باستمرار وكم من وكر تم أكتشافه داخل المناطق السكنية لمواد متفجرة ولم يكن جيرانه يعرفون بما موجود في ذلك الدار وأمثاله، لقد كانت أدوات الشر موجودة قريبا منا وملاصقة لبيوتنا أحيانا ولا نعلم أننا نسكن بجوار قنابل موقوتة قد تنفجر في أية لحظة ولجأت قوات الاحتلال إلى طريقة تدمير البيت عند اكتشاف محتوياته هذه وليس صعبا معرفة ما يحصل في البيوت المجاورة عند تدمير ذلك البيت.
وعن اللاصقة والمتلاصقة فقد انتشرت في فترة من الفترات العبوات اللاصقة التي كانت توضع أسفل السيارة وتحت الهدف الذي يراد تصفيته وحدثت الكثير من هذه الحوادث وكان ضحيتها مسؤولين مهمين في الأجهزة المختلفة أو أناس أبرياء لا دخل لهم بكل ما يجري وغالبا هذه ما كنت تلحق ضررا كبيرا بالسيارة وكذلك بالضحية فإن لا تقضي عليه كان يصاب ببتر او عوق أو أضرار جسيمة في جسمه، وعن تفادي هذه الحالات لجأ الكثيرين لشراء مرايا بذراع طويلة كي يفحص أسفل سيارته قبل تحركه بها من أي مكان يكون بدءا من مرآب بيته وحتى في الكراجات العامة أو عندما يتركها في أي من الشوارع لقضاء حاجة ما، فكنا نعيش القلق بمعنى الكلمة من هذا الرعب الجديد والمحتمل.
وكان نصيب صاغة الذهب كبيرا في مخططات الأشرار لأن واجهات محلاتهم كانت مغرية بما تعرضه من ذهب يأخذ بريقه الأبصار ويسيل لعاب الأشرار كونه سيدر لهم مبالغ طائلة فكم من عملية تم تنفيذها صوب هذه المحلات وفي كافة المدن العراقية ولم تسلم منطقة منها، وكانت الضحايا كثيرة في حي الشعب والوشاش وحي العامل وبغداد الجديدة ببغداد ومناطق أخرى لا مجال لذكرها ولجأ أصحاب هذه المحلات لوضع جرس أنذار في متناول يد صاحب المحل عند شعوره بالخطر وكانت القيصريات التي يتواجد مثل هذه المحلات فيها عادة قد اتفقت فيما بينها كي يكون لهم حراسات موحدة ولكي لا يكونوا فريسة سهلة أمام من يريد لهم الشر لكن من يريد الإيقاع بالفريسة ليس بالضرورة أن يصطادها في مكان عملها لأن الخطف هو أيضا وسيلة مورست مع أصحاب هذه المحلات حيث كان الأشرار ينتظرون أصحاب هذه المحلات ويبدو أنهم كانوا يراقبون تحركات الضحية ويعرفون مكان الانطلاق والوصول كي يصطادونه في أثناء ذلك ولكن هؤلاء الأشرار كانت تذهب المبالغ التي يحصلون عليها صرفا على ملذاتهم وشعوذاتهم كون المال الحرام الذي كانوا يحصلون عليه من أصحابه لم يكن ليستمر في جيوبهم طويلا فالذي يأتي سهلا يذهب سهلا ليعود هؤلاء إلى أفعالهم التي أبتلي بها الشعب العراقي كله.
وضحايا هؤلاء الكثير منهم أضطر لإيقاف تعليم أبنائه خوفا من خطفهم ولجأوا إلى حبسهم في بيوتهم ولا ذنب للأطفال سوى أن أبائهم ميسوري الحال وكانوا إن لم يستطيعوا خطف الأب فيأخذون ولده كي يساومون عليه ومورست بعض الأعمال حتى داخل الحرم الجامعي حيث صناديق الطلبة التي حصدت يوما في كلية طب الأسنان ضحية شابة كان يأمل وصوله إلى التخرج وان يصبح مؤهلا لمعالجة أسنان الناس ويفيد نفسه وعائلته والمجتمع، فتلك الصناديق التي يستخدمها الطلبة (لوكرات) لخزن الكتب ولوازم الدراسة لم تسلم من الأشرار وكانت وسيلة كي يفقد طلبة تلك الكلية عددا من زملائهم يوما وفي وضح النهار عندما همّوا بفتح تلك الصناديق لأخذ حاجياتهم منها!!! ولا أريد هنا من ذكر للإسماء كي لا أثير شجون أهاليهم بعد مضي سنوات على تلك الفعلة الجبانة فقد ثملوا من البكاء والعويل الذي انتشر في كل الأزقة والحارات وكل يبكي على ضحيته ولا يوجد من يسلي أو يؤملنا بالبشارة بقرب انتهاء تلك المأساة التي كانت بحق اما لكل المآسي التي عاشها العراقيون جميعا على مدار تاريخهم المشبع بالبكاء والعويل ومنها نجد أن الغناء والمواويل العراقية غالبها يؤشر حالة الحزن والألم فمن ظلم المستعمر والإقطاع والحروب إلى ظلم ياجوج وماجوج القرن الحادي والعشرون الذين عاثوا في أرض العراق فسادا.
والموت كان هو النتيجة التي يحصدها الالاف منذ زمن بعيد وخلال الحروب التي خاضها العراق لأن حينها من لم يمت في الجبهات كانت تنتظره فرق الإعدام في الخلف كي توقفه عند محاولة هربه وتعدمه على الفور حيث كانت ما تسمى حينها المفارز الخاصة تنفذ أوامر أسيادها وتحصد من يعترض على الحروب ويرفض الإستمرار بتنفيذ الأوامر وفيما بعد 2003 عاد ذات الموت بشكل أبشع لأن فرق الموت أصبحت كثيرة والإبادة الجماعية أخذت طريقها للقضاء على الشعب العراقي تارة باسم الدين وأخرى باسم الطائفة وثالثة باسم القومية ورابعة وخامسة ... تعددت الأسباب والموت واحد ولا يوجد من يعطي تفسيرا مقنعا عن سبب لذوي الضحايا رغم استبشارنا خيرا بعد ذلك التاريخ بأننا سوف ندخل منعطفا جديدا وحياة جديدة لكن النتيجة كانت نحو الأسوأ والكثيرين علت وجوههم علامات الاستفهام دون نتائج أو إجابات قاطعة لأننا نخرج من مأساة لندخل أخرى أكثر مأساوية منها!!!
ورغم أن العراق أصبح نظريا حرا فإن عدد الجرائد لا يعد ولا يحصى فكل من شاء أصدر صحيفة أو مجلة وأصبحت الأرصفة تعج بالمئات منها ورغم أن مقص الرقيب قد اختفى وأصبحنا نرى في ساحة الباب الشرقي كل شيء حتى الأفلام السيئة الصيت والصور مقززة للنظر فحتى الأسلحة وذخيرتها أصبحت مألوفة لمن يتبضع من تلك الساحة وكذلك أختام الدوائر ونماذج رسمية للعديد من الوثائق تجدها على الرصيف فيمكنك الحصول على إجازة السوق بمبلغ بسيط وبنموذج رسمي وأختام رسمية، وكذلك هوية الأحوال المدنية وغيرها من الوثائق العراقية، وعندها الكثيرين حمدوا الله لأن الخدمة الإلزامية في الجيش قد ذهبت دون رجعة لأن الخدمة في هذا السلك كانت تحصد اللوف من الضحايا لكن هذه الألوف في الواقع الجديد يتم حصدها في الشوارع والساحات وحتى داخل البيوت. وهذا وغيره ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقات القادمة

... وللذكريات بقية

عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

57
ذكريات من الماضي العراقي القريب (7)

كان في كل زاوية وشارع احتمال لوجود رائحة الموت فقد نفث الأشرار سمومهم في كل مكان وبتنا لا نعرف مصدر الشر فأصبح من العسير تحديد هوية صانعي الشر وناشري ثقافة الموت للعراقيين أجمع فمنهم من يقول إنها المقاومة ومنهم من يلقي باللوم على الكتل السياسية وصراعها معا من أجل الحصول على أكبر قدر ممكن من السيطرة على السلطة وهناك فريق ثالث يتهم المحتل وفرقه القذرة التي يدعي الكثيرين أن هؤلاء كانوا يزرعون العبوات الناسفة لخلق حالة من الفوضى كي يبقى استمرار وجودهم في العراق مشروعا ولا تطالبهم أية جهة بمغادرة العراق لأن الأمن لم يستقر بعد، وكل من تحدث وحدد هوية مصدر الشر كان يضرب لنا أمثلة تدعم أقواله ويسرد لنا العديد من الحكايات ... لقد كان كل هذا محاولات لطمس الحقيقة وأضاعة رأس الخيط في القضية لأن الشر كان يطال الأبرياء أكثر مما يطال قوات الاحتلال فلو كانت كما يسمونها المقاومة تقوم بذلك فهل يعقل للمقاومة الوطنية أن تقتل أبناء شعبها؟
لقد كانت جميع الأوراق مفروشة على طاولة النقاش وكان الكثير من الجهات وخصوصا الدينية منها تحاول حث الناس على أن الدم العراقي خط أحمر ويجب حفظ الدم وجعله من المحرمات وكم من المواثيق تم توقيعها لكن جميعها تقريبا ذهبت أدراج الرياح وبقيت حبرا على ورق ومحفوظة هذه داخل ملفات كثيرة عفا عليها الزمن لأن الدم العراقي كان يجري وبغزارة وكانت التفجيرات تتم ليس بالعشرات بل بالمئات لو أخذنا كامل رقعة التراب العراقي ويوميا، وطال الزمان والعراق ينزف من أهله الكثير الكثير إن لم يكن بالموت فبالهجرة وعجزت حتى برادات الطب العدلي من أستيعاب كل جثث الضحايا.
وأزاء هذا الواقع لم نلحظ جدية من قبل الأطراف الدولية وحتى المحلية لوضع حد لهذه الهموم القاسية لأن القانون كان قد أصبح شيئا من الماضي ومرت سنوات كثيرة عجاف ومؤلمة جدا كان أي منا عندما يخرج من بيته لم يكن متيقنا أنه سيعود سالما وكان وجود التلفوات النقالة بعد 2003 شيئا مفيدا من جهة تخفيف قلق الأهل وتوترهم كوننا كنا نتصل بعوائلنا بعد كل مرحلة نقطعها ونحن في طريقنا للعمل!!! ولم ينتبه أحد من الداخل أو من الخارج لأنين الثكالى وذوي الضحايا فحتى من فرح بحصول العراق على بطولة كأس آسيا بكرة القدم عام 2007 وأحتفل بالشوارع طالته التفجيرات!!! فهل أن احتفاله هذا كان احتفال بالمحتل ومن أجل استمرارية بقائه كي ندّعي بأن المقاومة الوطنية تقوم بمثل هذا العمل؟ وكان لدينا شماعة نعلق الأفعال عليها؛ الا وهي القاعدة وأعوانها!!! أي أننا لا بل الأعلام في العراق وفي خارجه قد ضخم كثيرا هذا الاسم وأصبح بعبعا ومخيفا حتى للدول ذات السيادة وربما تلك المنظمة التي أجمعت دول كثيرة من العالم بنعتها بالإرهابية وخصوصا بعد أحداث نيويورك وغيرها من المدن الأمريكية في يوم 11 أيلول، الحدث الذي دفع حكومة الولايات المتحدة على أثره غزو أفغانستان وتبعته بالعراق وكان لها دولا تسميها بمحور الشر ... ولكن أحداث العراق الساخنة باستمرار ربما أجلت كثيرا من المخططات اللاحقة التي كانت الولايات المتحدة قد قررت المضي بها لاجتثاث محور الشر!!!
لقد كانت كل المعطيات تدفع بالإنسان العراقي بالركود والانزواء جانبا والتحوط للشر القادم والعمل كي يعيش الإنسان بالملاجيء الحصينة حماية لنفسه من السيارات الملغمة والعبوات الناسفة والقنابل المزروعة على حافة الطريق بالاضافة لمن يرتد حزاما ناسفا ويعتبر قنبلة موقوتة ومتنقلة بكل مكان، فحتى الباصات العامة لم تعد سالمة منها فكم من باص تم تفجيره بترك كيسا يحوي مادة متفجرة يتركها الشرير عند نزوله ليفجرها بالريموت بعد نزوله منه بلحظات!!! دون النظر لركابه البسطاء والمحرومين!!! فمن يركب الباص؟ سوى الفقير والذي لا يملك وسيلة خاصة للنقل؟ لكن الأشرار جعلوا من هؤلاء أهداف لهم وكأنهم جزء من قوات الاحتلال!!!
لكن الغيرة على العراق جعلت من أهله الأخيار كل يعمل بمجاله المناسب وربما من خلف الكواليس كي يخفف معاناة أهله ويوقف كل هذا الشر المحدق بهم، ومن هؤلاء من كان يكتب ويرسل الرسائل للعالم ولوسائل الإعلام شارحا لهم قوة الألم الذي يعيشه هو وأخوته ويسلط حزما من الضوء على مشاهد الحزن والألم التي أصبحت ديدن يومي لنا ولم نكن بحاجة كي نستمع من هذا أو ذاك عن الحوادث فقلما خلت منطقة من حادث أو تفجير او خطف لأن أصوات هذه الأعمال المشؤومة كانت تُسمع في كل مكان وكان الناس يهرعون لآنقاذ ما يمكن أنقاذه وهؤلاء أيضا كانوا أحيانا يلقون حتفهم لأن الأشرار كانوا قد وقتوا قنبلة ثانية كي تنفجر عند تجمع الناس فور وقوع الحادث الأول لتكون المصيبة التالية أكبر من سابقتها.
وكانت التفجيرات الأولى التي طالت الكنائس في الأول من آب 2004 مصدر هلع للكثير من المؤمنين لأن العراقيين لم يكونوا قد اعتادوا وجود رجال الأمن على أبواب دور العبادة كي يقوموا بتفتيش الداخلين لإداء الصلوات فوقعت الحوادث ذلك اليوم وقعا حادا على نفوس المؤمنين كونها قد طالت مجموعة من دور العبادة في وقت الذروة حيث تقام الصلوات عصر الأحد بصورة معتادة ويؤمها أغلب المصلين كون الصلوات الصباحية يحضرها القليلين لأن الغالبية تكون في أعمالها وعند المساء تحضر لإكمال الفروض فشهدت أكثر من كنيسة مجزرة حقيقية فكنيسة الرسولين بمنطقة الدورة – الميكانيك تحطمت واحترقت أكثر من عشرين سيارة للمصلين ومثلها وربما أكثر من الضحايا بين جريح وقتيل ومن الضحايا شاب وخطيبته حضروا لحظة التفجير وهدفهم توزيع بطاقات عرسهم المزمع حدوثه يوم الخميس التالي لكن القدر كان لهم بالمرصاد وحصد روحيهما معا القصة التي عشنا الكثير من تفاصيلها يومها حيث كان مسكني قريب من الحادث وكان ثلاثة من اولادي يحضرون الصلاة داخل الكنيسة وكان القدر وحده من أخرجهم من هناك سالمين دون أذى، ولكن ساحة الكنيسة التي كانت عبارة عن موقف للسيارات أصبحت وكأنها ساحة للمعركة تتناثر فيها الأشلاء وأجزاء السيارات المحطمة وكم من معجزة نستطيع الجزم بحدوثها ورواها لنا أصحابها حينها، فصديق لي كان لديه سيارة من نوع أولدز موبيل وخرج قبل نهاية الصلاة بقليل ولكون الجو حار جدا وقف مع ابنه الصغير قرب السيارة بعد أن قام بتشغيلها وتشغيل جهاز التبريد فيها ووقع الانفجار قريب جدا منهم لكنهم خرجو سالمين ولم يصب هو بأذى سوى تمزق بنطال ابنه بشظية دون ان تمس جسده!!! حقا لقد اعتبرنا ذلك معجزة حقيقية لأن أحدى الضحايا تم انتشال أجزاء من جسدها من فوق بناية الدير الكهنوتي المجاور للكنيسة!!!
وحال كنيسة سيدة النجاة لم يكن بحال أحسن من كنيسة الرسولين وكذلك كنيسة مار أيليا الحيري او سيدة الزهور وغيرها من الكنائس التي كانت ليس في بغداد بل في الموصل وكركوك هدفا لحقد الأشرار الذي وضع خطة لتهجير المسيحيين بتعرضهم لكنائسهم ومحاولة ابعادهم عن بيوت عبادتهم تلك الرئة التي يتنفسون منها الإيمان بالله الواحد الأحد. وكان هذا اليوم هو الأول في سلسلة من الأيام الدامية التي شهدتها رقعة العراق لاحقا، وليس فقط الكنائس بل حتى الجوامع والحسينيات فلم تسلم مدينة من حوادثها فحتى كربلاء والنجف المقدستين تعرضت لسلاسل كثيرة من مثل هذه الحوادث كان ضحية أحداها من أصبح يعرف (بشهيد المحراب) كونه قد أصبح وقودا لحقد الأشرار وهو عند بوابة الحضرة العلوية في النجف الأشرف وغيرها من الأحداث الشيء الكثير ربما يتسع المجال لاحقا لسرد الكثير منها كي يعرف العراقيين والعالم أجمع حجم وهول المأساة التي عاشها العراقيون في ضل الديمقراطية النموذج التي أرادها لهم بوش الأبن!!!
وإن تحدثنا عن دور العبادة فيجب أن لا ننسى بسطات العمال في الباب الشرقي وبغداد الجديدة وحي العامل والبياع من بغداد لأنها كانت هدفا للكثير من الأعمال الجبانة التي حصدت أرواح هؤلاء الذي يمضون يومهم بعمل شاق لإعالة عوائلهم وينتظر الكثير حر اليوم دون أن يستأجره أحد ليعود مكسورا ومهموما إلى بيته فمن يقصد هولاء لإرواعهم؟ لا يكون هناك سبب لفعلتهم سوى لدفع هؤلاء كي يتعاونوا مع الأشرار ويقومون بأفعال يريد الأشرار تنفيذها كي يحصلوا على مبالغ تافهة نتيجة ذلك، فلقد أصبحنا في زمن موت الضمائر وتقبل مبدأ الغاية تبرر الوسيلة وكم من شرير اعترف في مقابلات متلفزة انه قتل شخصا ما مقابل خمسين دولارا !!! لقد أصبح الشر مصدرا لإعالة الناس ويالها من وسيلة شريرة للعيش، وليس هذا فقط لأن بريمر دفع عشرات الألوف كي تعيش في الفاقة والعوز عندما شطب بجرة قلم وبقرار مستعجل على وزراة الدفاع وسرح كل الجنود والضباط وكذلك على منتسبي وزارة الاعلام بجيشها الجرار من الاعلاميين والموظفين بالإضافة إلى الدوائر الخاصة ومنتسبيها وجل هؤلاء أصبحوا بقرار خاطيء بلا مصدر للعيش وبينهم من كان يتنعم كثيرا أيام النظام السابق وخصوصا منهم ضباط الجيش، فكم من هؤلاء انحرف وأصبح معينا للأشرار؟ لأن من صعاب الأمور أن لا يجد رب الأسرة مصدرا لإعالة عائلته عندها سيفعل أي شيء كي لا يسمع أطفاله يبكون من الجوع وألمه.
وشوارع كثيرة أصبحت مقفرة بعد ان كانت تعج بالمتسوقين وكانت محلاتها عامرة بالبضائع ... الموضوع الذي سنستمر بالكتابة عنه وغيره في الحلقة القادمة.


... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

58
ذكريات من الماضي العراقي القريب (6)
لقد أصبح الخطف والابتزاز أمرا مألوفا ولا تتعجب من أن تستمع لقصة من الخطف او الابتزاز في أية لحظة وأينما تذهب، الأمر الذي جعل من الناس حبيسي بيوتهم ويشكّون بكل ظاهرة أو حركة تحدث في الزقاق أو عابر سبيل ربما يمر لحاجة له فمروره يكون مثار شك لكل أهل الزقاق، وكم من زقاق شكل مجموعات من أبناء الحارات يكونون متيقضين وساهرين كي ينام أهلهم ويمضون اوقاتهم بامان وسلام.
فكل ما كان يحدث وفي كل مكان لم يكن سوى جهنم فاتحة فاها كي تبتلع المزيد من الضحايا وكان هناك نيران تزداد استعارا والأخبار تشتد باتجاه القتل والدمار، فلم نتفاجأ عندما وصلنا خبر اختطاف ابن جاري الطفل الذي لم يكمل الخامسة من عمره وكان ذلك في بدايات اعمال الخطف حيث لم نكن نعرف بعد الكثير من أدبيات التفاوض والأساليب التي يمكن اتباعها، حيث بدأ الجيران يتهافتون إلى بيت جارهم ووجدت من يقول لهم اكتبوا رقم تلفونكم على الحائط حتى يتصل بكم الخاطفين لأن المخطوف طفل ولا يستطيع أعطاء الرقم للخاطفين، وكنت شاهدا لإحدى اتصالاتهم بجاري حيث يبدو أن الخاطف أو من يلقنه يشرف على بيت جاري ويتحكم به كونه كان يقول له أن السيارة الفلانية يجب ان تتحرك من أمام بيتكم وغيرها من الأقوال التي أيقنا حينها أن أحد أفراد المجموعة التي خطفت الطفل هو أحد جيراننا ويعلم بكل حركة يقوم بها جاري.
أليست هذه أحدى غرائب ما حدثت في مجتمعنا العراقي الذي كان مشهورا بالطيبة والنخوة والكرم!!! ومن ذلك اليوم أصبحت كلمة (علاس) معروفة لكلنا والمقصود بها الشخص الذي يعرف الضحية ويكون دليل للإرهابيين وينقل لهم المعلومات التي تقودهم للامساك بضحيتهم مقابل مبلغ بسيط من المال!!! ولم تمضي فترة على تحرير هذا الطفل التي تمت تفاصيل دفع فديتها واعادة الطفل في أحدى الطرقات الفرعية لشارع فلسطين كي يبعد الأشرار الشبهات عن منطقة وجودهم كون أصل العملية قد تمت في الدورة – ميكانيك، وحتى عندما تعرف الطفل على أحد شبان شارعهم خاف أهله تبليغ الشرطة لأن القادم عندها سيكون أسوأ لأن ذلك الشاب كان أحد أفراد العصابة ومن غرائب القدر أن هذه العائلة عندما أضطرت للهجرة إلى بلد مجاور كي تنجو بنفسها بجميع أفرادها قابلت أيضا ذلك الشاب وهو يبحث أيضا عن دولة يهاجر إليها وربما يعيد أفعاله تلك في دولة أخرى آمنة لأن من تطبع على حال لايمكنه ترك طباعه!!!
وليست هذه الحالة الوحيد التي أطلعت على تفاصيل حدوثها، وفي كل الأحوال لم يكن خيار أخبار الشرطة هو الحل بل أنه كان يزيد الطين بِلة كون من لجأ للشرطة تعرض للابتزاز من أطراف عدة وربما يخسر المخطوف كونه لن يعود إليه سالما إذا عرف الخاطفين بأخبار أهل الضحية للشرطة.
وبالاضافة لذلك فقد طور الأشرار أعمالهم وبدأت عصابة تبيع الضحية لأخرى وعلى أهل الضحية أن يوفروا الفلوس دائما ضنا منهم أن قريبهم سيعود سالما بعد تسليم الفدية، وهذا كان حال أحد رجال الدين الذي تم دفع الفدية لتحريره لكن الأشرار استمروا بالمساومة لفترة امتدت لشهر من الزمان وكان ستر من الله الذي جعل رجل الدين هذا يعود سالما لدار عبادته بعد أن تم ربطه ليالٍ عديدة وفي ظل ظروف البرد القارس إلى إحدى الأشجار. وغيرها من الأمور التي لا أريد أن أوجع قلب قارئي العزيز بذكرها.
وعن الضحايا أيضا فقد خسرت منطقة الميكانيك بالدورة شابين وحيدين لأهلهما وكانا قد أفتتحا لهما متجرا يقيتهما وأهلهما وكان قريب ثالث لهم ذات مساء عائدا وأياهم عندما اعترضت طريقهم عصابة التقطت الثلاثة ويبدو أن تلك العصابة لم تكن قد حسبت أن يكون ضحاياهم ثلاثة فأمر مسؤولهم أن يتم أنزال قريب الشابين الذي كان أكبر من الاثنين سنا بحجة أنه كبير في السن ولا يفيدهم بشيء، ويبدو أن هذا كان حظه أوفر من الاثنين الذين أضطر والدهما أن يشحت مبلغ الفدية من أهله وأصدقائه وجيرانه لكن أولاده لم يعودوا لبيتهم لغاية اليوم رغم تسليمه لمبلغ الفدية كاملا!!!.
وبكل تأكيد إن الحديث عن مثل هذه الأعمال هو امر محزن للكثير بل الآلاف من الضحايا وأسرهم الذين بقي ملاذ الهجرة هو الحل الوحيد للابتعاد والهرب نحو النجاة بالنفس والوسيلة المتاحة لمحو تلك الآثار، فقد أصبحت الثروة بعد 2003 أحد الأسباب كي تلاحق العصابات من تعتقد وجود الثروة لديه كي تعمل على ترهيبه وأخضاعه بغية حلب أكبر ما يمكن من ثروته، فأحد من كنت أعرفه وهو يملك فندقا ببغداد تم أختطافه ومساومته الشخصية على الفدية كونه لم يكن لديه شخصا ممكن مساومته!!! فعلينا تصور حجم المأساة لشخص في الأسر ولا يعلم مصيره وآسروه يساومونه بماله كي يطلقون سراحه!!! وكان لهم ما أرادو لكن بشرط أن يُحضر ولده الصغير مبلغ الفدية لهم!!! وكانت النتيجة أن أخذو المال واحتجزوا الولد وأطلقو الأب ليبدأو من جديد مساومة أخرى على أطلاق الولد!!! لكن مع كل ذلك كان المال هو الحل الذي به أشترى هذا الصديق نفسه ونفس وحياة ابنه ليستقر أخيرا بعد رحلة العناء النفسي والنزيف المادي هذا الصديق بعيدا في كندا حيث لا يخاف هناك من فرق الشر والابتزاز.
وآخر كان يمتهن مهنة حرة في شارع الشيخ عمر ببغداد وعندما كنا نلاقيه كانت ملابسه في غاية الوساخة ووجه ويديه أيضا لأنه كان بحق يحصل على قوته من عرق جبينه والأشرار لاحقوه أيضا كي يقاسموه هذا المكسب ويحتجزوه لديهم حتى يفديه أهله ويكسبون حريته الأمر الذي حصل لكن العائلة بأجمعها حزمت الغال من أمتعتها ورحلت بعيدا كي تستقر في دول الاغتراب!!! إنها كلها قصص محزنة جدا خسر العراق بواسطتها ناسه المخلصون والذين كانوا يعملون بجد وأخلاص كي يعيلوا عوائلهم ويقدمون خدماتهم لمن يحتاج وهكذا كان بلدهم العراق هو المستفيد الأكبر من هذه الجهود لكن الأشرار حرموا العراق من كل هذه الجهود كي يستفيد منها دول الأغتراب!!!.
وقصص مثل هذه كثيرة، لكن  الأصدقاء لهم دور في سلوك أصدقائهم، وقد يمضي قدما الصديق نحو الأحسن إذا كان أصدقائه جيدون أو نحو الأسوأ إذا صادق أصدقاء السوء الأمر الذي حصل مع أحدى العوائل في حي الدورة ببغداد حيث كان للعائلة ابنا ذكرا وحيدا ونتيجة الضروف المأساوية التي شهدتها المنطقة بعد الاحتلال اضطر رب العائلة لنقل عائلته بعيدا إلى محافظة في الشمال ضانا أنها ستكون الملاذ الأكثر أمنا له ولأفراد أسرته لكن ولدهم الوحيد لم يلتحق معهم بحجة أو بأخرى ليبقى في بيت الوالد وكان ذلك بسبب أصدقائه الذين كان لهم رأي آخر حيث اتفقوا مع الولد كي يدبروا للوالد خطة ويحصلوا منه على مبالغ أكبر ما يستطيعون متصلين به هاتفيا بأن ولده مخطوفا لديهم لكن الحقيقة كانت أن هذا الولد قد أتفق معهم على الخطة بحيث بعد ذلك ارتمى بأحضانهم وانجرف معهم وابتعد عن ذويه وانحرف باتجاه الشر!!! إنه لأمر محزن أن يحدث لعائلة ما مثل هذا الأمر وعلينا تصور مدى حزن أهله؛ أمه وأبيه وأفراد الأسرة الآخرين وربما الأقرباء أيضا، وسمعنا بعدها أن هذا الولد قد استمر بأفعاله مهددا الناس الآمنين مع العصابة التي انتمى إليها خاصة مع غياب السلطات الأمنية في بعض الأوقات من السنين الماضية وكان التهديد للعوائل بأن تترك بيوتها كي تضمن سلامتها وتترك ممتلكاتها كي تكون غنائم للأشرار!!!
وممارسات كثيرة يحس قلمي بالخجل من تسجيلها حيث كان أخا قد اضطرته ضروفه للهجرة تاركا أخاه جالسا في بيته دون مقابل وعندما اضطر هذا الأخ المهاجر من أن يبيع منزله كي يشتري له منزلا في الغربة ينقذه من مسألة الإيجارات المرتفعة في بلد الأغتراب الذي وصل إليه طالبا من أخاه أن يبيع منزله ببغداد، تمرد هذا الأخير وعمل ما بوسعه كي لا يتم بيع البيت ومما لجأ إليه هو كتابة عبارة (البيت مطلوب دم لا يتم بيعه أو شرائه ومن يفعل سيكون عرضة للانتقام!!!)، وعندما انكشفت حيلته وأخوه في الغربة لا يعرف تفاصبل الأمر كلف الأخ المهاجر أحد معارفه أن يستقصي له الأمر ولكي يعرف قيمة داره الحقيقية وعندما أيقن الأخ العاق بأنه لابد له أن يترك المنزل كونه سيتم بيعه رغم كل ألاعيبه، قال بأنه لن يترك البيت قبل أن يحصل على نصيبه من مبلغ البيع وكان له ما أراد حيث حصل على ما يقارب الأربعين مليونا من الدنانير ولم يكن ذلك سوى ظلما لأخيه ليس إلا.
هكذا أصبح العراقيين بعد 2003؛ الأخ يبيع أخاه وربما منهم من عمل علاسا كي يتم سلب بيت جاره أو قريبه أو صديقه لتصبح العوائل العراقية تعيش حلات نفسية غريبة ونادرة ويصعب وصف ردود أفعالها، كون الجميع كان ممكنا أن يكون الضحية في أي وقت وفي أي مكان.
فصديق روى لي بأنه كان يقود سيارته ببطيء شديد في أحدى الأماكن الشعبية حيث اكتشف حينها وجود عصابات من نوع جديد وهي أن تختار العصابة سيارة تسير بطيئة وترمي أحدهم  عليها كي يصطدم بها وهي تعلم أنه لن يصاب بأذى لتبدأ بعدها فصول المساومة على الفدية كون المصاب المفترض قد تأذى ووصل الأمر للاتفاق مع اعوانهم في بعض المستشفيات كي يستخرجو أشعة تظهر وجود كسور للضحية وربما مثل هذه الأشعة موجودة في الأرشيف لدى هؤلاء المتعاونين كي يحصلوا هم على نصيبهم وتنتهي المسألة بجلسة فصل عشائرية للاتفاق على مبلغ التعويض والمسألة بأكملها مفبركة، ولم تكن هذه الحالة الوحيدة بل حدثت للعديدين؛ منهم من علم بنتائجها وحلها بالاتفاق مع العصابة مباشرة دون اللجوء إلى إجراءاتهم المفبركة دافعا المال مباشرة حيث قالوا له أدفع لنا المال ولا علاقة لك بالصبي حتى لو مات!!! وقضية ثالثة حدثت لإحدى المربيات الفاضلات في ساحة الواثق ببغداد وكانت الأمور دائما تسير مثلما يريد الأشرار كيف لا وأن القانون غائب  وأحيانا هم المجرمون من يلبسون ملابس حماة القانون المنتشر بيعها في الكثير من المحال وخصوصا في أسواق علاوي الحلة.
لكن رغم كل هذه المآسي التي ذكرت منها النزر اليسير لكن كان هناك من يعمل ويستغل وجود مساحات فارغة في مدن العراق كي يقيم منتزها أو فسحة خضراء أو ملعبا أو نافورة لتكون هذه متنفسا للعوائل لكن الخوف من التفجيرات كان هاجس الجميع وهذا ما سنستمر بالكتابة عنه في الحلقة القادمة.

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

59
ذكريات من الماضي العراقي القريب (5)

ذكرنا في الحلقة الماضية كيف تفتق تفكير المسؤولين في الحكم أيام ذاك بمسألة الفردي والزوجي حلا لمشاكل السير حيث اكتضت الشوارع بالسيارات وطابور الانتظار على محطات الوقود امتد لكيلومترات عدة وحتى هذه المحطات بدأت بتطبيق مسألة الفردي والزوجي بتزويد الناس بما تحتاجه سياراتهم من الوقود وليس هذا فقط ولكن لكميات محدودة وغالبا ما كان عامل محطة الوقود يستلم مبالغ أضافية تذهب إلى جيبه الخاص كي يملأ الخزان بالوقود هذا الأمر الذي جعل من تجارة الوقود على الأرصفة تنشط وبقوة وبأسعار مضاعفة لتلك الموجودة لدى المحطات ويكون حظ الإنسان جيدا لو استلم من هؤلاء وقودا نظيفا غير مغشوش بالماء الذي يتلف المحركات عند تشغيل السيارة به أو يحتاج الإنسان كي يذهب للمصلحين وينظف خزان وقود سيارته من بقايا الماء حتى تعود السيارة تعمل مجددا بدون مشاكل مع أن الوقود المجهز من المحطات لم يكن أصلا بالمواصفات التي تعمل بموجبها المحركات الحديثة للسيارات التي غزت الشارع العراقي وكانت تسمى بسيارت المانفيست او البالة، ومنها بمقود يمين ومنها بمقود على جهة الشمال كما هو الحال في العراق أضافة لأن الكثير منها كان يتجول بدون لوحات تعريفية وكم من السيارات آنذاك تم تهريبها من العراق إلى دول الجوار وكم غيرها تم أدخاله من تلك الدول إلى العراق حتى سمعنا بأن عصابات محترفة في العديد من دول العالم بدأت بتجميع السيارات المسروقة او التي هي نصف عمر في بلدانها وتشحنها باتجاه العراق، لقد كان سوق السيارات فوضى عارمة في ضل غياب سلطة المرور.
لقد وصف الكثيرين من قبل أن أكتب أنا مجمل ما جرى من أحداث كل بطريقته الخاصة، لكنني كنت هناك حيث الأحداث تتسارع والمشاكل تحدث والضحايا يزداد عديدهم واللافتات السوداء تملأ كل زوايا ومنعطفات الشوارع وكلها تتحدث عن المغدورين والشهداء والمأسوف على شباباهم وضحايا الأعمال الإرهابية ... التي نعلم من خلالها أن أحلام كل من ورد اسمه فيها قد تم اغتيالها وأيقافها وربما هذا كان سيصبح يوما مهندسا أو طبيبا أو قائدا ما وقد حرمنا الإرهاب من خدماته!!!
ومن يتمعن لأبعد من قطعة القماش هذه السوداء سيجد قصصا يندى لها الجبين ومآسي يصعب على القلم تسطير كل جوانبها لأن ما كان يحدث وبعض منه لازال إلى اليوم يحدث كان صعبا جدا أن يصدقه العقل كونه قد صدر من العراقي الذي كان يقول عن نفسه (أنا أخو خيته)، فحتى جثث الضحايا لم تسلم من الأشرار فكم من المغدورين الذين كانوا يقضون نحبهم صدفة خلال التفجيرات التي كانت تحدث في الشوارع العامة، كان يسطو على هواتفهم المحمولة ضعاف النفوس كي يتصلوا بأهلهم كونهم مخطوفين وهم بحاجة لفدية، وبعد مفاوضات مستعجلة  واستلام الفدية كان يرشدهم عبر تلفون الضحية أن يأخذوا جثته من الطب العدلي!!! ويجد أهل الضحية أن خسارتهم كانت خسارتان!!!، هذه جملة من الأعمال السيئة التي أوجدتها الحروب التي خاضها العراق خلال العقود الأربعة الماضية.
فبلدنا الذي يحوي كنوزا كثيرة وآثارا تفتخر بها متاحف مهمة في العالم كمتحف اللوفر بباريس ومتحف برلين وغيرها أصبح العراق خلال العقد الماضي مليئا بالمتفجرات وشوارعه تمزقها السيارات الملغمة وتكثر فيها السيطرات التي توهم السائقين أن أحد أفرادها يمكنه اكتشاف المتفجرات التي بداخلها عبر عصا يمسكها بيده وتسير السيارات بحذر إلى جانب ذلك الحارس والسائق ينظر للحارس فربما يشير له بالذهاب جانبا للتفتيش، وإن حدث هذا ففي العادة غالبا ما كان يتم سؤال السائق كونه إن كان يحمل سلاحا من عدمه، وإن أنكر يقولون له وهل تحمل عطورا أو مواد تنظيف من الكيماويات المنتشرة في السوق وعند جوابه بالإيجاب كان يسمح للسيارة بمتابعة السير دون تفتيش.
ومسألة هذه السيطرات وكثرتها كانت سببا بأرباك السير وتأخير الناس عن أعمالهم، وياريت لو كانت تمسك بالعصابات التي كانت تقوم بالجريمة المنظمة وأمام أنظار الجميع والأمثلة بسيطة فكم من حادث جرى في مناطق مهمة وفي مسافة قريبة من السيطرات دون أن يقوموا بعمل ما، وما اختطاف رئيس اللجنة الأولمبية من اجتماع عام وفي منطقة بوسط بغداد سوى مثل واحد، وسبق أن سمعت عن أحد المغدورين قوله أنه عند اختطافه تم وضعه في صندوق السيارة ومر موكب الخاطفين من سيطرات كثيرة وكان الخاطفين يسلمون على السيطرة بقولهم (شلونكم شباب) وترد السيطرة التحية لهم ويستمرون بالمسير ومرة فتح أحد أفراد السيطرة صندوق السيارة التي كان المغدور بداخله وابتسم بوجهه حارس السيطرة وأغلق الصندوق وأشار للسيارة بمتابعة السير، وأيضا كان من الطبيعي وأنت تمر بهذه السيطرات أن تشاهد أفرادها ملتهين بالتكلم بجوالاتهم ولأوقات طويلة غير آبهين بحالة السير والسيارات المارة وطبيعي كان مشاهدة الحارس المتكيء على سلاحه أو واضع سلاحه بعيدا عنه وهي نقاط من البديهيات على الحارس المجتهد ان لا يقوم بها إذا أراد تنفيذ واجبه على اكمل وجه وبالحقيقة عندما يطبق التعليمات فهو يحافظ على روحه قبل أن ينقذ أرواح غيره. وإن تحدثنا عن مثل هذه القصص فسنجد الكثير ولا مكان لسرد جميع ما كنا نسمعه من هذا أو ذاك لأن ربما تكون المبالغة تدخل ضمن التفاصيل ولا نستطيع نقل الحقيقة كما نريد في مقالاتنا هذه.
وكما نتكلم عن هؤلاء الذين أصبح الأمان حلما لهم فماذا نتكلم عن الكهرباء واستمرارية تزويدنا بها التي أصبحت هي الأخرى حلما صعب المنال بحيث أصبح لها تجارها الأختصاصيين وأصبح في كل شارع أو زقاق مولدة كبيرة تزعج الجميع بصوتها وبسهولة تجد شبكة عنكبوتية من الأسلاك الممتدة بمحاذات البيوت وتستطيع تتبعها حتى توصلك إلى حيث يتحقق الحلم وتجد المولدة التي يشغلها أحدهم ويراقب قواطع التزويد للبيوت بدقة كي لا يجد بينها من يسحب كهرباء أكثر مما قد تعاقد على تزويده بها كأن يكون خمسة او عشرة أمبيرات وغالبا ما كان هؤلاء يحمّلون مولداتهم حملا أكبر من طاقتها، ودائما نسمع الكثير من الوعود من مسؤولي وزارة الكهرباء في الصيف عندما يزداد الطلب على الطاقة الكهربائية ويتكلمون عن الأحسن في الصيف القادم ويأتي الصيف الآخر لتعود حليمة لذات العادة القديمة وكأني بهم كمن يقول لأخيه غدا سأحقق لك ما تريد وكل يوم له غد وهكذا القصة أصبحت مستمرة وبلا نهاية ومنذ عقود من الزمن أصبح العراقيون يعيشون تحت نظام البرمجة، فيوما كان أبناء بغداد أحسن من غيرهم في المحافظات لأن حصولهم كان أكثر من 50% من ساعات اليوم لكن بعد 2003 أصبحت بغداد ضحية ليقية المحافظات لأن المحطات التوليدية موجودة خارجها وأصبحت المحافظات تتحكم بكمية الطاقة التي تخرج منها لغيرها وكانت بغداد هي الضحية بحيث لم تكن تستلم البيوت فيها سوى ساعتين أو ثلاث أو أربع ساعات كأحسن تقدير يوميا، ومن جراء هذا الوضع ازدهر سوق المولدات وتجارتها.
وهذا أيضا ولّد تجارا منتفعين ومستغلين يبحثون في الأسواق العالمية عن أرخص ما موجود من بضاعة ولا يهم لديهم السيطرة النوعية بحيث عندما كنا نشتري مولدة من السوق وكان شارع الكرادة خارج ببغداد هو الموقع الرئيسي لهذه التجارة لم تكن لتستمر بعملها المنتظم سوى موسم واحد وبعدها تبدأ المشاكل بحيث أن الواحد يمكن أن يصرف أضعاف سعرها لدى المُصلحين مما يجعله مضطرا وبعد كل هذا للبحث عن مولدة أخرى جديدة بحيث أصبحت البيوت غالبا ما نجد بها العديد من المولدات الصغيرة؛ منها العاطلة ومنها التي تعمل جزئيا أو التي لازالت حالتها جيدة هذا إضافة للاشتراك بمولدة الشارع المتعددة الخطوط منها العادي ومنها الذهبي. الأمر الذي أصبحت البيوت بحاجة لقاطع دورة متعدد الأغراض وكأن الحاجة أصبحت حسب المثل أم الاختراع فأصبح لدينا مثل هذا القاطع الذي به ثلاث أو أربع خطوط وكما يلي: الوطنية .. مولدة الشارع .. مولدة البيت .. والسحب من منطقة أخرى قريبة، لأن البيوت التي تقع بالقرب من منطقة قريبة كان يتم تغذيها بالكهرباء في وقت مختلف عن المنطقة التي يسكنون بها لجأت إلى حيلة السحب من تلك البيوت كي تزداد عندها ساعات التجهيز من الكهرباء الوطنية.
وعشنا أياما وليالٍ كثيرة ونحن منشغلون بتحضير اللالات عصرا كي نستخدمها في الليالي الظلماء واخترعنا حينها قناني الدواء التي حولناها إلى لالات محلية الصنع باستخدام السيلوفين والخيط السميك مع النفط الأبيض وبعض العجين وأصبحنا مختصين بصنعها بحيث لم تعد تُصدر دخانا ولكن بعد أن أسودت جدران البيوت الداخلية منها لكننا توصلنا أخيرا لحل هذه المشكلة.
ولم يصبح لون الجدران الداخلية أسودا فحسب وإنما خلال انتهاء حرب احتلال الكويت وخروج القوات العراقية منها وتعرض أبار النفط فيها للحرق وكانت أيامها ممطرة والرياح قوية بحيث أوصلت سحب الدخان إلى بغداد ومن جراء انهمار الأمطار فقد أسقطت معها ذلك الدخان الذي جعل جدران البيوت من الخارج تتشح باللون الرمادي المائل إلى السواد، لقد كانت أياما قلقة ومحزنة بكل شيء عاشها العراقيون بألم وحسرة ومرارة ليس من جراء كل هذا بل من قوافل الشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل مخططات قادتهم الرعناء والذي قال عن رعونته يوما لأحدى الدول الجارة التي حارب ضدها طويلا: لكم ما أردتم !!! ... أو الحرب التي كانت فتنة ... وغيرها وكأن الحروب كان يتم فرضها على العراق فرضا، فإن كانت مخطاطات استعمارية فلماذا ننفذها نحن كوننا دولة مستقلة ولدينا الرأي المستقل والقرار المستقل؟؟؟
كل هذا وبسهولة كنا نجد المعوقين والجرحى ممن يسكنون حولنا وأقامة مراسيم العزاء في كل شارع وزاوية وكانت مكبرات الصوت تنقل لنا أصوات التراتيل والقراءات التي نعلم من خلالها ان شهيدا جديدا قد تم أضافته لقافلة ضحايا العراق وليس الشهداء فقط لكننا دخلنا منعطف جديد من الخطف والابتزاز ...

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

60
ألف مبروك لسيدنا بشار المباشرة بالمشروع ونتمنى له الصحة المديدة ونتضرع إلى الله أن يوفقه كي تحذو كافة الأيبارشيات حذوه نحو توفير فرص عيش لائقة لشعبنا المسيحي في قراه وبلداته وللعاملين بالمشروع كل التوفيق وفقكم الله

61
ذكريات من الماضي العراقي القريب (4)
كنا في العراق نصرخ ونستغيث وبصوت عالٍ غالبا بوسائل عدة كما فعلتها في مواضيعي المتسلسلة والتي أخذت عنونا هو: (رسائل من تحت الأنقاض) والتي يجد متابع كتاباتي هذه في الرابط التالي:
http://naufali.bidaro.com/f13-montada
كما كنت أطالب أصدقائي من خلالها بالصراخ وبأعالي الصوت حتى نُسمع من به صمم كون شعبنا العراقي يموت يوميا حينها قلت بالعشرات لكنني كنت مخطئا لأن الرقم كان أكبر من ذلك، فالوطن عاش أزمة حقيقية لأن العلماء أصبحوا هدفا للأغبياء والأميين ويتم تصفيتهم بدماء باردة، والصادقين يتم تكذيبهم حتى يكرههم الناس وأصبح كل شيء مباح ومتاح لأيدي الخارجين عن القانون، فلم تسلم حتى بسطات العمال ومساطرهم التي تشهد الألم والانتظار حتى يتم تأجير أحدهم من قبل رب عمل وغاليا ما يكون تأجيره لإداء اعمال شاقة ومرهقة وطويلة يتحمل خلالها العامل حر الصيف اللاهب وبرد الشتاء القارص، فهؤلاء المساكين والباحثين عن لقمة العيش بهذه الوسيلة الشاقة أصبحوا ولمرات كثيرة ولحد اليوم أهدافا للأشرار فلم يسلم مسطر بغداد الجديدة ولا الباب الشرقي ولا البياع أو حي العامل من هذه الهجمات وكأنهم بعملهم  هذا كانوا يخدمون المحتل ويرسخون من أحتلاله فحصدت السيارات المفخخة الكثير من أجسادهم البريئة والمثقلة بالتعب والأجساد التي كان العرق يتصبب منها كل يوم ألتارا كثيرة تم قتلها بدماء باردة في ساحات وشوارع عاصمة العراق، مدينة السلام التي كانت يوما عاصمة للثقافة والدنيا وأراد من أسسها وبناها أن تكون مدينة للسلام!!! هي قد افتقدت السلام وتصرخ ولا من يجيب لإستغاثاتها.
وكنت أنا بقلمي من بين الذين أرادوا أيصال صوت المستغيثين وتدوين ما يصل لي من أحداث كي أجعل من العالم يطلع عليها ويتحرك الشرفاء وينقذوا وطني ويضعوا حدا لبكاء وعويل النساء والرجال والأطفال والذي انتشر في كل زقاق وشارع وكنت أريد وما زلت أن يسمع كلامي هذا ويقرأه كل من يشارك بمؤتمر أو ندوة أو موضوع حواري كي لا نسمح للفرحة أن تختنق في صدور الأطفال ولا يتم اغتيال أحلامهم البريئة ويعود لهم الحق بدخول رياض للأطفال عامرة بكل ما هو مُسلٍ وجديد ويغذي عقولهم بالمعرفة والعلوم، وبلد شهد أول قانون يُشرع ويوضع في مسلة شاخصة للعيان (مسلة حمورابي) يعيش لفترة ليست قصيرة من دون غطاء قانوني يحمي أهله ويحفظ لهم حقوقهم وينتصر للمظلومين ويقتص من الظالمين، وضع كهذا جعل من أهل العراق ضحايا للعواصف القوية التي شردت الملايين منهم في دول الجوار ولو توفر لنا أحصاء دقيق عن مواطن اللجوء في العالم فربما لا نجد بلدا في الدنيا لم يشهد قدوم العراقيين كي يلجؤا فيه ويبحثوا عن فسحة آمنة وموضعا يقيهم الشر والجوع والتشرد، فبلد كأفغانستان الذي يعرف الجميع أحواله شهد يوما موجة من اللاجئين العراقيين وكان بعض منهم من شعبنا المسيحي!!! فللقاريء الحرية بالتفكير عن أسماء أخرى ربما يجدها بعيدة عن تفكيره وتفكير أي إنسان يبحث عن موطن آمن كي يلجأ إليه.
لقد أصبح الكثير من أبناء شعبنا في العراق قطعا من اللحم المتبعثر في الطرقات أو الملتصق بالجدران أو قذفته التفجيرات فوق أسطح المباني القريبة وما شاهدته من مثل هذه الحالات كان بأبشع صورة جليا للعيان في كنيسة سيدة النجاة بعد ليلة ليلاء عام 2010 أصبحت فيها الكنيسة ساحة معركة حقيقية وكان اللحم البشري ملتصقا حتى بسقفها العالي!!! وكذلك كان الحال في أول تفجير للكنائس عام 2004 وخصوصا في كنيسة الرسولين في الدورة – ميكانيك حيث كانت الأشلاء الممزقة قد جعل منها الانفجار تستقر فوق بناية الدير الكهنوتي المجاورة لباحة الكنيسة، والأمثلة على ذلك كثيرة ولا يمكن حصر جميعها مهما حاولت أو حاول غيري من الكتاب الكتابة عنه وأنني أأمل أن نلجأ جميعا لتسجيل هذه الحقائق رغم كونها مؤلمة ومحزنة لكن كي يتعض منها الجيل القادم بل كل الأجيال القادمة كي لا يسيروا بذات النهج الخاطيء يوما ويقون أنفسهم وبلدهم من مثل هذه الشرور العظيمة.
ولم يكن هذا الدمار يخص شريحة دون أخرى فلم تسلم منه حتى المنطقة التي يسمونها بالخضراء ولا مبنى البرلمان المحاط بجدران أسمنتية عالية وقوية وضن النواب الذين انتخبهم الشعب أنهم يعيشون بأمان داخلها لكنهم كانوا مخطئين رغم كل الإجراءات الأمنية والتفتيش الأليكتروني الذي كان يخضع كل الداخلين إليها لكن العنف وصل إلى حيث كانوا يشعرون فيه بالأمان أو بالقرب منه وليس لمرة واحدة بل لمرات عدة منها داخل البرلمان ومنها في محيطه والمناطق القريبة منه الأمر الذي جعلنا نفكر جديا حول ذلك فإن كانت المنطقة المحصنة جدا هذا حالها فكيف يكون حالنا نحن الذين لا نملك حتى واقيا بسيطا يحمينا من الشظايا والمتفجرات والمفخخات وأعمال العنف والإرهاب!!!
وحتى يزداد الأمر سوءا ويضع المُشرع حدا لتطلعات العراقيين وتحركاتهم من أجل كسب قوت يومهم عشنا أياما بل سنوات طويلة متضررين من مسألة تحرك السيارت وفق نظام الفردي والزوجي العجيب والذي زاد من الطين بِلة!!! فرغم كل شيء مما ذكرنا بعض منه في كتاباتنا فإن التجوال في الشوارع كان مقيدا بحضر للتجوال ليلا وكذلك نهارا بالسير وفق نظام الفردي والزوجي هذا إن عرف القاريء العزيز أن وسائل النقل العامة في العراق شبه معدومة أو بطيئة او غير معروفة التواقيت لمجيئها ومغادرتها فكيف لمن كان مرتبطا بعمله الوظيفي أو لديه ارتباطات عمل تستوجب حضوره في الوقت والزمان المطلوبين لذلك، وإن كانت الحجة بقلة وقود السيارت التي هي الأخرى شهد طابور الحصول على وقودها أرقاما خيالية فقد تجاوز الكيلومترات، فمحطة وقود الكرادة – ساحة الحرية كان طابور الانتظار يعبر جسر الطابقين ليصل الدورة قرب بوابة المصافي ويستمر داخل المنطقة حتى يصل إلى طريق محمد القاسم السريع!!! وإذا أردتَ الحصول على وقود لسيارتك كان يستوجب أن تمكث في الطابور لساعات طوال وربما لا يصلك الدور في ذلك اليوم وتمكث في محلك منتظرا حتى اليوم التالي أو تترك مكانك وتعود من حيث اتيت وتبدأ يوما جديدا ومعاناة أخرى، والمحضوض كان من يدخل المحطة ويملأ خزان وقود سيارته وحينها لابد له أن يكرم عامل المحطة بمبلغ أضافي كأكرامية له، وهذه الأخرى أصبح يتنافس عليها الكثيرين ويدفعون لصاحب المحطة مبالغ كبيرة كي يقف ويمارس عملية أملاء الوقود في الخزانات لأنها تدر عليه مبالغ كبيرة ومهمة والتي ربما سأنتي عليها في الكتابات القادمة.
لكن مسألة الفردي والزوجي لسير السيارات كانت بحد ذاتها عقبة كبيرة أمام الناس والتي استثنت منها سيارات الأجرة والحمل وتلك التي تحمل سبعة ركاب فأكثر وهذا الأمر بحد ذاته أرهق جيوب العراقيين كثيرا وفرض أمرا يأتي على مدخولاتهم شاؤا أم ابوا!!!

... وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

62
ذكريات من الماضي العراقي القريب (3)

ولم تكن حال الجسور بأفضل حال من غيرها فهي الأخرى كانت هدفا إن لم يكن لغارات من أحتل العراق فإنها تعرضت لإكمال نصيبها من التدمير على أيدي من يريد أيذاء العراق وألحاق أكبر الأذى به، فجسور كثيرة قد تم تدميرها خدمة لخطة غزو العراق وتقطعت أوصال الكثير من الطرق البرية بسبب تحطيم الجسور وكان طريق بغداد – عمان أو دمشق شاهدا على ذلك بحيث كان يضطر المسافرون سلوك تحويلة خطرة كون الجسر المقام على أحد الوديان قد دمرته طائرات محرري العراق!!! ولا أدري كيف نسمي هذا تحريرا وهم يعودون به إلى عصر ما قبل التكنولوجيا، وإن كان الهدف هو تخليص العراق من الديكتاتورية وصنع ديمقراطية تكون نموذجا لدول المنطقة ما بال الجسور من ذلك، وهل تحطيم هذا الجسر وغيره الكثير كان ضمن خطة أسقاط الدكتاتورية وصنع ديمقراطية تقتدي بها كل دول المنطقة!!!!؟
وقديما كان الشاعر يتغنى بعيون المها ويذكر معها الرصافة والجسر لذلك الأشرار أرادو أن يجعلو من الرصافة بعيدة عن الكرخ كي يرسخوا من مبدأ الطائفية وتبقى جهة لطائفة وجهة أخرى لغيرها وتسهيل عملية المناوشة لأن كل خندق قد تم تحديد هويته!!! أليس هذا مخططا رهيبا بين مخططات كثيرة عايشناها دون أن نستطيع حتى التذمر منها ونحن نعيش الديمقراطية!!! فماذا كان ذنب جسر الصرافية الحديدي الذي شهد أول قطار لنقل الركاب داخل مدينة بغداد في زمن لم تكن دول كثيرة في المنطقة تستخدم هذه الوسيلة للنقل، كان هذا الجسر وسيلة لعبور هذا القطار من الرصافة إلى الكرخ وبالعكس كي يسهل عملية تنقل الموظفين والناس ويجعل من حياتهم أسهل، هذا المشروع حتى بعد أن أصبحت ميزانية العراق مئات الأضعاف للميزانية التي كان عليها العراق زمن أنشاء هذا الجسر وتشغيل هذا القطار لكن لم يتم استحداث مشروع حتى بأقل من مواصفات هذا المشروع لحد اليوم.



نعم لقد قطع الأشرار أوصال هذا الجسر وبتنا نشعر ونحن في الرصافة بأن الكرخ بعيدا وأن مياه النهر تسير مسرعة وتجعل من المراكب التي تقل الناس بين الضفتين تتمايل ذات اليمين وذات الشمال كي تخيف ركابها وتمنعهم من ارتياد هذه الوسيلة وتحكم الحصار على الناس الطيبين من زيارة بعضهم البعض أو مزاولة نشاطاتهم في هذا الجانب او ذاك.
وإن قطع الأشرار هذا الجسر أو ذاك فإن سلطات أخرى قطعت الجسور لقضايا أمنها، فهذا الجسر المعلق الذي وضعت أساساته الجمهورية الأولى وسهل الأمر لأهالي الكرادة من الوصول إلى العلاوي والمنصور وغيرها من المناطق فقد وضع عليه المحتلون سيطرات كثيرة وجدران من الكونكريت بارتفاع ثلاثة أمتار كي يمنعون رؤية ما بعد الجدار وما يجري هناك، وتم فتح الجسر لفترة وجيزة ولكن يبدو أن تسهيل مهمة العراقيين ليس من مهام المحتلين فقد أعادو قطعه وجعله ممرا لهم دون غيرهم بحيث لا تستطيع استخدامه إلى إذا حصلت على هوية خاصة منهم ولم يكن ليستخرجونها لأي أحد إلا بعد تحقيقات كثيرة وصور من مختلف الجوانب وكفيل مضمون لديهم ويأخذون بصمات الأصابع وبصمة للعين والأسنان وكأنك تعبر بعد عبورك الجسر إلى جنة الخلد، فحتى رب العالمين لا يضع هكذا شروط تعجيزية أمام عباده ويدعو ربنا عباده للدخول إلى جناته آمنين مطمأنين لا يخافون شيئا.
وإن حصلت على جواز مرورك عبر الجسر فهناك سيطرات كثيرة في المنطقة التي يسمونها بالخضراء وهناك تجد المتاريس والجدران داخل الجدران كي يعيش المحتل ومن معه آمنا مطمئنا وشبابيكه يحميها أكياس الرمل والذعر باديا على جنود الاحتلال وحتى السفارات التي اتخذت من تلك المنطقة ملاذا لها، فكان الانسان يواجه الكثير من العقبات كي يصل إلى بواباتها وإن لم يكن لك موعد مسبق ومعروف الهوية لهم لم يكن ليسمحوا لك حتى بالتقرب من محرماتها!!!



هذا كله ومسألة السيطرات الوهمية التي كانت تظهر في كل شارع وحارة ولا تعرف من هم وما هية هويتهم ولمن ينتمون ومن هي الجهة التي تقف ورائهم؟ وكانت تحقق في هويات المارة لغاية لا يعرفها فقط هم دون غيرهم ومن كلفهم بالمهمة، حتى لقد بتنا نخاف من أبراز هويتنا الشخصية لهؤلاء لأننا كنا نجهل فيما إذا كانت هذه سيطرة حقيقية تابعة للدولة أم أنها وهمية. ومرة سأل أحد أفراد هذه السيطرات عن هويتي فكنت حينها شجاعا لأسأله ولمن تعمل وهل انت سيطرة حكومية أو تنتمي لجهة غيرها، فكان سؤالي قد أثاره وضحك وتركني أعبر دون أن ينظر إلى هويتي، لأن الجميع في تلك الأيام كانوا مستهدفون ولو أن البعض معروف أنتمائه الطائفي من اسمه لكن هذه السيطرات لم تكن تعرف أنها تؤيد عمرا أو عليا أو حنا أو خوشناو أو خديدة!!! لأن الجميع مطلوبون وكل من هؤلاء هناك جهة متربصة كي تنتقم منه وتجعله في لحظة عمياء وكأنه لم يولد من امه وكانت له أحلام بمستقبل له ولأسرته.
وهذه ذكريات نكتبها كي تكون وثيقة لمن سيأتي كي لا يقع بذات الخطأ الذي وقع به أخوتهم من العراقيين قبل وبعد 2003 ويحافظ الجيل اللاحق على شيء من ماضي وتاريخ أجداده كي يكون منارا للأمم ويعيد شيئا من الهيبة للعراقي وللكرم الذي كان يتكلم عنه لذلك رأيت من مسؤوليتي ان أقوم بتسليط الضوء على حقبة من الزمن كانت قصيرة بوقتها لكن كبيرة جدا بتأثيراتها وعواقبها لأن الكامرة نقلت لنا لقطات تأبى النفس العراقية القيام بها أو أن يقبل العراقي القيام بها ولا أدري مدى صحة ما كانت تنقله تلك الكامرة خصوصا مع الجنود المكسورين والعائدين من واقعة الكويت عام 1991 وما تلاها من زمن أسود جعل الجندي العراقي يقع فريسة سهلة بيد الأعداء ويتجرد حتى من ملابسه كي ينقذ نفسه ولا أحد يعلم لحد اليوم أين رفات العديدين وفي أي بلد انتقل كثيرين وكم من العوائل قد أغلقت أبوابها بسبب الدمار الذي رافق تلك العمليات او لم يبقى أثرا منها وما سبقها من وقت وما تلاه جعل جميع العوائل العراقية تتشتت وتنتشر في جميع أقطار المسكونة، حتى أن أفغانستان شهدت لجوء عوائل عراقية إليها وبينها كانت عوائل مسيحية!!!



فلابد أذا أن نوصل الصوت كي لا تتكرر المأساة ولابد لنا ان نوقف نزيف الدم ونوقف الهجرة المدمرة التي ستغير من ديمغرافية العراق وبلداته ولا أحد يستطيع أن يتكهن كيف سيكون المستقبل لبس البعيد بل حتى القريب منه، فبلد تغيب منه المحبة وتحل محلها لغة الدم والتدمير والقتل يكون بلدا قاسيا ولا يرغب الطيبون العيش فيه وعندما تحل في بقعة لغة الغابة والقوي والضعيف عندها تكون شريعة الغاب ويكون هناك القوي الذي يأكل الضعيف ويكون البكاء والعويل ويزداد الندم ويختفي الأمل ليحل محلها اليأس الذي يرافقه الموت دائما، فلشعبي العراقي أكتب وله أريد أن يتحرر ويعيش حياة فضلى ويتخلص من رواسب السنين العجاف ولمن منهم أصبح في بلد يمكنه رفع صوته أن يفعل لا بلغة الانتقام بل كي يحل النظام وتنتهي الفوضى وننقل تجربة الغربة بما فيها من ومضات لامعة إلى بلدنا ونضع أيدينا بأيدي بعض ويعيش الجميع تحت الخيمة الواحدة ونشرب من دجلة والفرات ونغني مع الشاعر أشعار الحب مجددا ونسمع تغريد العصافير وتختفي الأصوات النشاز والأخبار النشاز كي تعود القيثارة تعزف مجددا تراتيل الأمل وتكون بيوتنا آمنة والأطفال يمرحون بحرية في المنتزهات.

... وللذكريات بقية

عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

63
ذكريات من الماضي العراقي القريب (2)

نكتب كما يكتب غيرنا وكما كتب الأقدمين؛ منهم من قام بأرشفة معلوماته وكتب عن ذكرياته الشخصية، ومنهم من كتب عن البلدان والسفرات التي قام بها، لكن سلسلة مقالاتي هذه لن تكون ذكريات شخصية ولا خبرة شخصية بقدر ما هي واقع حال عشته كغيري من العراقيين على أرض الواقع في زمن كانت الأجواء ملتهبة والدخان يتصاعد من كل مكان خصوصا عندما أدرك من كان بيده السلطة آنذاك أن الأمور تزداد سوءا وأن الأعداء سيعملون كل شيء من أجل تحقيق أهدافهم فقد أحاط المدن بدخان كثيف وكانت ألسنة اللهب المصاحبة للدخان تتصاعد وبكثافة وخصوصا في المناطق الحيوية؛ كونهم كانوا يضنون أن طيران (الأعداء) سوف لن يرى الهدف ولن يستطيع أصابته، متناسين أن الطيران الحديث لا يعتمد على رؤية الطيار كثيرا فإن أشعة الليزر هي التي تحدد كل شيء وقد لا يرى الطيار الهدف، رغم ذلك فقد عشنا في العراق أجواء ملوثة وبشدة كبيرة .. الكهرباء شبه معدومة ... الخراب يحدث أينما وجهت نظرك ... الناس خائفون ... وليس من يستطيع القول أنه سيعود إلى بيته سالما بعد أن خرج من منزله قاصدا أي شيء أو مكان لان الزمن كان صعبا ومليئا بالمتغيرات وكذلك بالأحداث الجسام.
وكغيري ممن تستهويهم الكتابة أردت ان أسجل بعض مما حدث وعايشته أو قرات عنه او سمعت أحاديثا عنه أو في بعض الأحيان عايشت الأشخاص الذين يكونون شخوصا لمقالاتي، وكذلك أردت مما سأكتبه تبليغ الرسالة عما حدث للذين كانوا بعيدين خصوصا من هم في أقاصي الأرض عن العراق وبعيدين عن الحقيقة وعما تشهده أرض العراق من قصص قد توصف بأنها من نسج الخيال، فكم من الآهات قد غصت في صدري وعلامات التعجب تظهر على وجهي ولا أجد مبررا يقنعني عن أسباب ما يحدث وما هو الهدف المقصود من كل ما جرى في الماضي القريب الذي يشمل عقدا من الزمان أو أقل من ذلك بقليل.



لقد سال دم كثير وأستبيحت الأعراض وعمت الفوضى كل شيء، ولم نكن نرى ولا نسمع من يستجيب للاستغاثة التي كانت تنطلق من المغدورين والضحايا ولا يوجد من يرفع صوته مدافعا عن المظلومين ولدرء الظلم عن الآخرين كما أن روح المساعدة قد اختفت ولا نجد من يقدم العون (فكلمن يحود النار لكرصته) كما يقول المثل العراقي وكذلك (حارة كل من أيدو ألو) على قول غوار الطوشي في أحدى مسلسلاته.
هكذا أصبح الحال عليه ليس بعيدا بعدد السنين لكن كله حدث في الماضي القريب ووطننا الذي تغلي الدماء في عروقنا وقلبنا يأخذ بالنبض السريع كلما تذكرناه او شاهدنا ما يربطنا به من وفود أو منتخبات أو مسلسلات أو أعمال التي تجعلنا نعود ونتحلى بالأمل بأن الغد سيكون أحسن ولابد لليل أن ينجلي ولابد للظلم أن ينحسر ولابد للقانون أن يسري على الجميع؛ يحاسب الجميع على أخطائهم ويقف إلى جانب المظلومين كي يستردوا حقوقهم.
فما عاشه العراقيون هو زمن مختلف ولا يشبه وقت أي بلد آخر من الدنيا بالأحداث التي جرت وبتفاصيل يلفها الغم والحزن في كل لحظة ودقيقة ويعجز القلم وكذلك المراقب أن ينقل الحقائق لكل ما حدث فقد تضيع الحقيقة وسط كم هائل من الغبار وأجهزة الإعلام التي تحركها أصابع مختلفة؛ أحيانا تكون أجهزة مخابرات دولية متمرسة ورائها وتحاول أظهار ما يجري وفق ما تشاء من أجندات كي تحقق أهداف لا يعرفها المواطن البسيط وتضيع وسط كل هذا الحقيقة ولا يرى الكاتب ولا المواطن الحقيقة كما هي بل يراها بعد عمليات أضافة رتوش عليها كي تخدم مخططات من يريد للأحداث أن تسير وفق ذلك المخطط.
فلم تسلم مما جرى حتى براءة الأطفال التي أصبحت هدفا من الأهداف وكأن الطفل أصبح مرعبا للأشرار ويريدون من خلاله اغتيال الطفولة لأنها تعني بوجودها أن هناك مستقبلا للعراق وقد يكون بشكل لا يريده الأشرار فعملوا جاهدين على أرعاب الأطفال وقتلهم إن تطلب الأمر، ألم تكن مدرسة ابتدائية هدفا لصواريخ أيرانية يوما راح ضحيتها العشرات والتي أصبح اسمها بعد ذلك بلاط الشهداء!!!.



وليس هذا فقط بل حتى معالم بارزة للحياة في العراق أصبحت أهدافا معلنة لمن يريد الدمار لأرض الرافدين الخالدة التي انطلق منها أبراهيم أبو الأنبياء وتحوي أرضه نهرين خالدين كانا من أنهار الجنة، فشارع مثل شارع المتنبي كان يوما هدفا للعمل الإجرامي الذي أغتال من خلاله المثقفين كلهم وحاول أبعاد رواده ودفعهم للابتعاد عن شراء الكتب باتجاه أضاعة الوقت سدى كي يتحول عقل العراقي من النباهة والذكاء إلى البلادة والغباء وبهذا العمل يكونوا قد أصابو أساس بناء الإنسان في العراق، فهذا الشارع كان يعج بالمثقفين وكانت الأرصفة على جانبيه تشهد الآلاف من الكتب الحديثة والمستعملة وبأسعار يستطيع الإنسان البسيط شرائها وكان هذا الشارع سببا في دخول الثقافة والمعرفة بيوت أغلب العراقيين وكان رواده من مختلف الأذواق منهم الشاب المراهق الذي يبحث عن قصائد للغزل وأخرى لقصص من الخيال عن الرومانسيات وغيرها وأيضا كنا نجد الطلبة والذين يقومون بأعداد بحوثهم الدراسية لأن زمن الكومبيوتر لم يكن قد أخذ مداه وتأثيره في واقع هؤلاء بسبب ندرة الكهرباء وكذلك التخلف الذي عاشه لسنوات عجاف استمر لعقد ونيف من السنين وهو تحت وطأة الحصار الدولي وممنوع دخول أية تكنولوجيا حديثة إليه، وأتذكر أن بداية دخول الشبكة العنكبوتية للعراق كانت مع نهايات القرن العشرين حيث استطعنا الاشتراك بها وللفترة من منتصف الليل وحتى السادسة صباحا وعبر التلفون الأرضي وبأسعار مرتفعة تثقل كاهل أي أحد حينها فما بالك لو أخترت زمنا آخر كأن يكون في النهار مثلا؟ وأيضا لم يكن بمقدورنا التصفح بحرية فقد كانت هناك فلاتر مسيطر عليها تقف بينك وبين المواقع التي لا يريد لك المسؤول حينها الاطلاع عليها... .
إذا كتب وأوراق هذا الشارع كانت هدفا شنيعا للأشرار وكم من فكر للمفكرين قد احترق أو أتلفته مياه الإطفاء التي في النهاية أعلنت ضياع الكثير الكثير من الكتب والجهود الفكرية ونتاجات سنين للمبدعين حُرم منها أبناء العراق بقرار خائب لمن خطط ونفذ لمجزرة اغتيال شارع المتنبي وكأني بهولاكو قد عاد مجددا والجميع قد قرروا ان تلُفَّ الأمية عموم العراقيين، والأشرار قد انتقموا من جامعة المستنصرية العريقة في القدم وكذلك من أشعار أبي نؤاس وأبي تمام وحتى عصا عبد المحسن الكاظمي قد سرقت وحرم حتى تمثاله من نعمة الاتكاء عليها، لأننا في زمن العبث الذي كنا نصحو في كل يوم على أحداث وممارسات أقل ما يقال عنها أنها غريبة وغير مفهومة وكما قلنا أن تمثال عبد المحسن الكاظمي لم يسلم وكذلك تمثال أبي جعفر المنصور وغيره من التماثيل التي كانت تزين الساحات والتقاطعات وحُرمت منها بغداد وافتقدت بذلك جانب من جماليتها المتميزة. فكأن ما جرى لهذه الرموز يمكن ان نقول عنه حربا على الثقافة والعلم، أليس العلماء والأطباء والمهندسين قد أصبحوا أهدافا لقوى الشر بغية أفراغ العراق منهم بتصفيهم أو أرهابهم كي يذهبوا بعيدا ويخدموا دولا أجنبية ويكون خير العراق من حصة الغرباء!!!



ألم نشهد ما جرى في أول أيام حرب تحرير العراق!!!! على قولهم أو حرب غزو العراق على قول غيرهم وإن تعددت التسميات فالنتيجة واحدة، لقد عادت كهرمانة لتجد ليس أربعين حراميا بل ربما أربعة ملايين من اللصوص، فقد خرج الجراد من شرنقته كي يغزو جميع الحقول الخضراء ويأكل كل شيء ويدمر ما لا يستطيع أكله أو الاستحواذ عليه، وكل العالم شاهد عبر الفضائيات التي كنت تلك الأيام أول أيام غزوها أيضا لبيوت العراقيين، لقد شاهد الجميع ذلك الشاب الذي أتى مسرعا وهو يأمل بنصيبه من الغنائم من بناية اللجنة الأولمبية العراقية آنذاك ومن فرحته بوصوله للبناية اول فعل قام به هو تقبيله للكاميرا التي كانت تنقل الحدث أول بأول لجميع أنحاء العالم ودخل مسرعا ويبدو أنه وجد كل شيء قد تم الاستيلاء عليه وكان هناك باقة من الورد لم ينتبه إليها أحد أو لم يجد أحدا فائدة من أخذها لعدم الاهتمام بها في ذلك الوقت من أحد فخرج حاملا تلك الباقة، والكامرة التي قبلها وهو يدخل هي التي صورته خارجا بباقته أضعف الإيمان من الغنائم في تلك البناية التي كانت نتيجتها الحرق كي تتحول إلى كومة من الأنقاض ومازالت كذلك إلى يومنا هذا.
ولم تكن حال الجسور بأفضل من غيرها...
وللذكريات بقية
عبدالله النوفلي
2012
Abdullah_naufali@yahoo.com

64
ذكريات من الماضي العراقي القريب
(1)
المقدمة
لكل منا وطن وُلِدَ بين حناياه؛ يحنُّ إليه ويبكي لفراقه او الابتعاد عنه ويُصاب بالمرض أحيانا وهو ما يُسمى (Home sick)، أي أن الوطن شيء كبير ومهم لكل واحد منا خصوصا للذي تربطه بوطنه ذكريات وأعمال ومساهمات تبقى عالقة بالذهن ولا يمكن محوها بسهولة، فكيف للإنسان أن يزيل من ذاكرته سنوات كثيرة من العمر الذي أصبح عليه بكل ما فيها من حلوِ ومر ... ومن لحظات كان يشعر بها بالفخر لانتمائه لوطنه وأخرى شعر بها أن وطنه قد ألحق به مرارة عميقة وسبب له الألم الكثير والمبَرّح والتي تركت له آثارا في نفسه ليس من السهولة بمكان نسيانها أو محوها أو تجاوزها والابتعاد عن ذكرياتها، لأن كل شيء يبقى أثره واضحا ويطبع بصمته في هذا الكون المترامي الأطراف، وقديما كنت قد سمعت من جدي (ججو) رحمه الله والذي لم يكن قد درس الفيزياء أبدا ولا يعرف كنهها كان يقول: حتى هذا الدخان المنبعث من السيكارة التي كان يدخنها وقد أصفرت أصابعه من كثرة الامساك بها، كان يقول أنه يأخذ مكانا له في هذا الفضاء الواسع من الكون، فكيف لا تترك أثرا كل هذه الأفراح والأتراح وما يرافقها من انفعالات التي في مجملها لابد أن تترك لها أثرا في الذات الإنسانية حسب المكان والزمان.
والوطن هذه البقعة من الكرة الأرضية والتي لها الأهمية القصوى لدى الذات الإنسانية فكيف تكون أهمية الله خالق الكون كله ببشره وحيواناته ونباتاته وكل ما تحويه الأرض والسماء وهو أيضا ملهم كل الأنبياء والرسل ويسكن شئنا أم أبينا في ذاتنا ويصعب على الإنسان أن يميز أو يفضل ما بين الله أو الوطن.


فالوطن الذي يكون سببا في تخليد الإنسان وهو الذي يعطيه الحقوق ويكون على أديمه حرا ويمارس كامل حقوقه بحرية يكفلها له القانون، فكذلك فإن الله يخلّد الإنسان عندما يسير وفق الشرائع السماوية ويكون محبا للخير ويتحلى بالتقوى والإيمان ويتعارف مع الشعوب والقبائل ويعرف بصورة جيدة بل انه متيقن من أن الأكرم عنده تعالى هو الأكثر تقوى من غيره وأن الإيمان بالإله الواحد الأحد ليس فقط صوما أو صلاتا أو ترديدا للشعارات والأقوال بل هو أكثر من ذلك كونه ممارسات وأفعال حقيقية مع أخينا الإنسان الآخر، لأنني عندما أصوم لله فما هو نفع هذا للإنسان الآخر الجائع ولا يمتلك لقمة للعيش أو يضع رأسه وهو مهموم ومنهك من الجوع والعطش كونه لا يملك مالا يشتري به ما يقوت به نفسه أو كي يقوت أهل بيته وليس لهذا ليوم أو جزء منه فقط بل ربما يستمر لأيام وشهور أو قد يطول العمر كله، وهكذا من هو عارٍ وليس له ما يكسو به جسمه كي يقيه حر الصيف وبرد الشتاء، وأيضا ما فائدة الصلوات وأنا لا أزور مريضا كي أواسيه ولا سجينا أقوي من عزيمته ولا آخذ بيد مشردا كي أجد له مأوى وأمنع عنه عوادي الزمان.
ولكن يبقى الوطن هو تلك البقعة من الأرض التي اعيش عليها في حياتي الزمنية والأرضية المحدودة جدا إذا ما جعلنا بينها وبين الحياة الأبدية الغير زمنية مقارنة لأن هذه الأخير لا نهاية لها، هذا بالرغم من أنني قد لا أعيش طويلا كما هو حال الكثيرين على الأرض وأديمها خاصة تلك التي نولد عليها ونترعرع على أرضها، لأن للرحيل عن حياتنا هذه أسباب كثيرة تجعله لا يستمر بالحياة زمنا طويلا كغيره من البشر، وأيضا حياتنا على الأرض قد لا تستمر على بقعة دون غيرها لأن ظروف وأسباب كثيرة تدفع بالإنسان كي يهاجر ويجد موطنا آخر يحترم إنسانيته ويشعر على أديم أرضه بالأمان  الذي افتقده في موطنه الأصلي، وهذه وغيرها تجعل كفة ارتباط الإنسان بخالقه أقوى من ارتباط الإنسان بأرضه وموطنه لأن الله يكون معنا حيثما نسافر وإلى أية بقعة نكون ونستقر فالكثيرين يحملون أعز ما يملكون معهم وأغلاه ثمنا حسب تفكيرهم وغاليا ما يكون  وهو كتاب الله من ضمن ما يحملونه كونه يُشعرهم بالراحة النفسية ويكون لهم تعزية كبيرة وهم ينتقلون بين آياته وهم في أرض الغربة.


لكن الوطن لا يمكن محو ذكراه من أفكارنا بسهولة كما نقوم بمحو ذاكرة الكومبيوتر ويصبح هذا فارغا وجاهزا كي نخزن فيه معلومات جديدة وكأنه أصبح جديدا لم يُخزن به أية معلومات سابقة، فالإنسان العراقي نجده يتابع أخبار العراق بالرغم من كل قصص المآسي والأحزان التي عاشها على أديمه، ونجد الدماء تغلي في عروقه عندما يجد أية مناسبة يكون العراق طرفا فيها كالمنتخب العراقي مثلا حيث وبتلقائية يكون من أكثر مشجعيه حماسة حتى لو لعب ضد البلد الذي احتضنه ويصرف عليه أمولا كثيرة من أجل رعايته وحياته، فهل سألنا أنفسنا في مثل هه الحلات... لماذا؟
لا تفسير لذلك سوى أن الإنسان يبقى يحن للبقعة من الأرض التي وُلد على أديمها ويشعر شاء أم أبى أنه جزء منها ولا يستطيع أن ينفصل عنها مهما تحمل من عذابات أو شدائد أو ظروف اضطر بسببها للهجرة بعيدا عن وطنه باحثا عن ملجأ أمينا يساعده في الاستقرار والعيش الكريم واللائق حاله حال كل أبناء المعمورة بألوانهم وأعراقهم وأجناسهم.
ولكي لا نكون بعيدين عن العراق وطننا الذي شهد ولادتنا وترعرعنا بين حناياه وعشنا المُرة الشيء الكثير وقليل من الحلوة فسوف نقوم في القادم من هذه السلسلة من المقالات لتوضيح جانب من حالات عاشها العراقيون أجمع وسأركز على المُرة منها والتي أردت لها العنوان الذي وضعته في مستهل هذه المقدمة وكلي أمل أن أكون بهذا أؤرخ لفترات محددة ومعروفة للجميع خصوصا لمن كان راشدا حين حدوثها.


وربما سيشعر البعض أنه كان موجود في الحدث ولديه الذكريات عن بعض مما سأكتبه وقد تصلني من أحبتي القراء ملاحظات وأضافات كي يتم أغناء هذا التأريخ بالمعلومة الأكيدة والصحيحة بشخوصها الحقيقيين وذلك كي نكون امينين فيما نكتبه وسيجد القاريء الكريم أيميلي الشخصي في نهاية كل حلقة وسأكون مسرورا جدا لو كتب لي من كان شاهد عيان لما سيرد من أحداث في هذه السلسلة وقد يكون هؤلاء في العراق أو استراليا أو أي بقعة من العالم متمنيا للكل أن يبقى أمينا ولكل من يقرأ السلامة والصحة وأن لا يذوق أبدا مرارة الأحداث التي مرت قبل عقد من الزمان وما تلاه على عراقنا العزيز، وأطلب من جميع أخوتي الذين كانوا ضحية ما جرى ويجري أن يتفاعلوا إيجابيا مع الأحداث ويعيش حياته اليوم ويحاول جاهدا التغلب على الألم وينسى كل قصص المآسي التي مرت عليه وعلى أخوته العراقيين بعد ربيع 2003 رغم أن بعضا منها مازال يسبب المعاناة للبعض.
 لذلك نصلي ونتضرع إلى الله القدير وبهمة المخلصين من أبنائه أن يحفظ الله العراق وأهله وكذلك كل بقاع المسكونة ويجعلها تعيش بأمان وسلام كي يلتفت الإنسان إلى إدامة الحياة حيث يعيش ويجعل من الأرض التي حواليه جنة كتلك التي وضع الله فيها أبوينا الأولين آدم وحواء وكي نصل إلى هذا الحال، علينا الانتقال من التمني إلى العمل الجاد والمخلص مهما كان شاقا كي يتحقق حلمنا كلنا بعراق أحسن ويعود عراق السواد ... عراقا يُعتبر سلة غذاء للمنطقة ... غنيا بأهله الطيبين الكرماء الذين إن قالوا فعلوا وإن أقسموا بشاربهم فإنهم يعملون المستحيل كي لا يضيع قسمهم هذا هدرا، ولن تكون هذه السلسلة سردا تاريخيا حسب الأزمنة سنة بعد أخرى إنما ستكون انتخابا لأحداث حسب حاجة الكتابة لورود الحدث فيها.


وكلي أمل أن تكون هذه المقالات مفيدة كما تابعت صدى نجاح سلسلتي الماضية عن المسيحيون العراقيون وأدعو من الله العون والتوفيق لي ولكل من يهتم بالأمر كي نحقق بعضا من تخفيف للمعاناة التي عشناها معا آملا أن يأتي اليوم الذي ينتهي نفق عراقنا المظلم ونخرج معا للنور البهي ونحن نجد السلام والأمان والأعمار قد وجد طريقه وقد أصبحت بغداد من عواصم الدنيا الأكثر نضافة والعراق من أكثر الدول في العالم شفافية وأقلها فسادا ويتم صرف موارده في المكان الصحيح ولا تمتليء بعد اليوم تقاطعات الشوارع والإشارات الضوئية بالمشردين والشحاتين ولا تكون هناك حفرة في شوارعنا وتكون الكهرباء مجهزة لبيوتنا على مدار الساعة ويستطيع العراقي التنقل بين أقطار الدنيا بحرية ويأخذ تأشيرة الدخول من المطارات حاله حال أبناء دول كثيرة تطبق هذا الحال، وأن تخلوا أرضه من الإرهابيين وينمحي الشر ويعم السلام، إن أمنياتنا موجهة إلى الله وهو القدير والسميع العليم وكلنا أمل أنه سيستجيب لبكاء الثكالى وطلبات المحرومين وسيضع حدا لكل ما يجري كي بعون منه ينتقل العراقيون من حال إلى حال ... إنه سميع مجيب.

عبدالله النوفلي
2012
abdullah_naufali@yahoo.com

65
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (20) الأخيرة
ة
تكلمنا على مدى الحلقات ال (19) الماضية بالاضافة إلى حلقتين خاصتين عن مسلسل المآسي التي عانى منها شعبنا ومازال يعاني وسيستمر إلى حين... آملين أن تستقر الاوضاع وتهدأ النفوس والأحوال وتنجلي الغيوم كي نعيد حساباتنا لدى من تبقى صامدا إلى الأخير بغية أن يفوز بالخلاص في عراق آمن ومستقر.
لكن طالما ان المأساة مستمرة فإن حديثنا عن شعبنا سيستمر وسنقوم بتسليط الأضواء على كم المعاناة الهائل ونوعه الذي أخذ أشكالا ومسميات شتى بحيث حتى السماء تدخلت لتقف يالضد من طموحات السورايى بالعيش الكريم والرغيد لحبسها الأمطار مما أدى إلى شحة المياه وتضرر زراعة شعبنا التي تعتمد في مجملها على الأمطار (الديم) تماما.



فكم من السنين مرت لحد الآن وفلاحنا يزرع ويحصد ما زرعته يداه وكنت قد استمعت من جدي ججو رحمه الله قبل عقود من الزمان بأن الفلاح يبقى قلقا على الدوام بسبب عدم انتظام سقوط المطر، لكنه كان يستدرك قائلا بأنه لا يتذكر مرور سنة لم يحصد الفلاح غلاته، لكن في العقد الأخير جاءت السنة التي لم يحصد فيها الفلاح ما بذر حبوبه في الأرض وخسر حتى ثمن بذوره مضافا إليها أجرة فلاحة الأرض وتعبه لموسم كامل.
كما ان السنوات التي تلت تلك المأساة لم تكن بأفضل منها كثيرا؛ فسنة أسترجع الفلاح من أرضه ثمن البذور وأخرى مع ثمنها مع ثمن السماد وثالثة ربحٍ قليلٍ لا يغني ولا يُسمن مما أدى بالمنطقة إلى أن تكون في شبه قحط وعازة والأرض تبكي وتستصرخ ملائكة السماء وقديسيها كي يتشفعوا عند الخالق سبحانه وتعالى ليرحم شعبه ويعيد افتتاح أبواب السماء كي تنهمر الأمطار كما كانت في السابق وتعيد الأرض لبس حلتها الخضراء المعتادة ونعود نرى زهور متعددة في شهر نيسان وأشهر الربيع عادة.


ولكن هل لنا ان نصدق بأن إلهنا ظالم وهو الذي يعاقب شعبه؟ حاشى له ذلك كونه يمطر مطره على الأشرار والأخيار معا لكن يبقى الإنسان شريرا ووصلنا لهذه القناعة لأننا قرءنا مؤخرا عن التجارب العلمية التي تقوم بها دولاً كبرى لتغيير المناخ في مناطق محددة بغية استخدام ذلك لاخضاعها دون اللجوء لاسلوب الحروب والدمار والقتل والخسائر بالأرواح والأموال، وقد يكون ما نوهنا عنه بسبب أحوال السماء في مناطق شعبنا هو نوعا من هذه الحرب الجديدة.
وهكذا يشهد العالم في السنين الأخيرة تغيرات مناخية غير مسبوقة وفي أوقات غير اعتيادية، أحيانا تمطر السماء ثلجا وبكثافة أو حالوبا بحجم غير طبيعي أو تحدث الفيضانات والكوارث وموجات التسونامي والزلازل والهزات أو أن تشرق الشمس ويكون سطوعها قويا يحرق كل شيء وتحبس السماء أنفاسها ويتعرض الجلد الإنساني لأمراض متنوعة ومنها سرطان الجلد إذا ما تعرض لهذه الأشعة فترة طويلة وربما هناك عوارض وأصابات أخرى لم يكتشفها العلم، وليس هذا فقط لكن شحة الأمطار قادت إلى هبوط مستوى المياه في نهري الجنة الخالدين دجلة والفرات وموقف الدول المتشاطئة قبل العراق للاستفادة القصوى من مياههما قبل وصولها للعراق الأمر الذي زاد الطين بلة وزاد معها آلام ومأسي شعبنا الرافديني.


هذا نزر يسير مما يمكن شرحه عن حال الفلاحة لدى أبناء شعبنا المعتمدين كليا عليها والتي أدت أيضا إلى صعوبة تربية الماشية لعدم وجود مرعى ومياه للانسان والحيوان معا مما فاقم الأوضاع إذا ربطنا ذلك مع انعدام الخدمات في مناطق سهل نينوى خصوصا منه مناطق تواجد شعبنا السورايى في بلداته وقراه، حيث لم يتم أنشاء مشاريع صناعية أو إنتاجية كي تستوعب الأيدي العاملة العاطلة فيها، ورغم هجرة المسيحيين من أجزاء كثيرة من العراق إلى هذه المنطقة لكنها بقت مستهلكة غير منتجة ومهملة لا تلتفت إليها عيون وأنظار المسؤولين في المحافظة أو الدولة، فبعض ما موجود فيها من منشآت يعود إلى العهد الملكي أو بدايات الحكم الجمهوري بحيث جعلنا نضن بأن كل الحكومات المتعاقبة متفقة بالرأي كي تبقى المنطقة مهملة ويكون الاهمال المتعمد هو السائد في عموم أرضنا الخصبة!!!

وتكلما جانبا بصورة عرضية في أحدى الحلقات الماضية عن مسلسل الخطف الذي طال رجال الدين المسيحيين والذي كان في أحدى غاياته إرهابهم وإرغامهم على ترك الرعية والهروب بعيدا أو جعلهم يخلدون إلى السكينة وعدم الفعالية كي لا يتابعون إيمان رعيتهم وبالنتيجة هي محاولة مقصودة لمحاربة إيمان المسيحيين لأنه إذا ضُرب الراعي تتبدد الرعية (متى 31:26).
ولكن ليس كل من كان ضحية لعمليات الخطف ترك وهرب بعيدا، لأن القضية تخبرنا بأن رجل الدين عندما يكون مؤمنا برسالته ويعمل من أجل قداسة نفسه والشعب المسؤول عنه فهذا يكون مستعدا للتضحية حد الشهادة، ونجد بين الكهنة من أصرَّ على البقاء رغم كل شيء وقد تحدى كل العراقيل والعقبات دون خوف ويتابع إيمان رعيته ويقويه كما انه يجمع الشبيبة ويتابع فعالياته ويقوي من الأواصر بينه وبينهم بغية زيادة حرارة الايمان لدى هؤلاء بالمسيح الرب ويرون أعمالهم ويمجدون الله خالقهم (1بط 2: 12).
ومن هؤلاء من انزوى ليس بالانغلاق الكلي لكن بتحديد نشاطه وتقليل تحركاته متخذا أسلوبا رهبانيا كالمتوحدون أو الحبيسون الذين لا يختلطون بالبشر كثيرا ويعملون من أجل خلاص نفوسهم.



ونجد غيرهم يعمل بنشاط ولا تفارق محياه الابتسامة ويجعل الحياة سهلة وغير معقدة أمام رعاياه وتنوعت الأساليب لكن الغاية واحدة وهي خلاص النفوس، وهذه النماذج إيجابية كونها تغلبت بشكل أو بآخر على الخوف والقلق كي تبقى وتستمر بمواصلة مسيرتها ، لكن نماذج أخرى هربت بعيدا كي تجد لنفسها ملاذا آمنا تاركة الشعب المؤمن حائرا لا يعرف ما يفعله وحجتها ان العمل الرعوي لخدمة النفوس هو واحد أينما يتواجد الحصاد وهي وجهة نظر يجب أحترامها، لكن بين هؤلاء وأولئك من نال أكليل الشهادة بثبات وحصل على العلامة الكاملة من سيده السماوي (مائة) وكان لبلدة الموصل ورجال الدين فيها الحصة الكبيرة من التضحيات، وهكذا أيضا بغداد وخصوصا في عدد الكهنة الذين تم اختطافهم.
ولكن الملفت للنظر أن الكنائس الوطنية العريقة التي عايشت الجميع ولقرون طويلة على أرض ما بين النهرين هي التي دفعت الثمن بعد الاحتلال من رجالها وأموالها؛ فكنائسها فجرت، ولأكثر من سبعين مرة ورجالها خطفوا ومنهم من قتل لكن دون المساس بمن تحمل أسم كنائس وجاءت مع دخول قوات الاحتلال وعملت تحت مظلته بشكل أو بآخر، ولست هنا بموقف المحرض على هؤلاء ولا الحاكم على صحة إيمانهم من عدمه لأن الله هو فاحص القلوب والكلى (مز 9:7)، وهو الذي يحكم ويعرف كل شيء مما يرى ومما لا يرى (قولسي 16:1)، لكننا ننظر إلى النتائج خصوصا على الأرض والمادية منها ونكتب ونستنتج ونستفسر ونحاول معرفة الاسباب.



ومن علامات الاستفهام المطروحة: هل هناك من يريد لكنيسة العراق العريقة أن تتفتت وتضعف كي تضمحل وتنتهي، كما انتهت كنائس زاخرة في سواحل الخليج العربي كقطر وعمان وغيرها التي كان فيها كراسٍ للأبرشيات وكانت تعج يوما بالمؤمنين شأنها شأن تكريت وبغداد وغيرها. فيمكن الجزم أن أيادٍ خفية موجودة تعمل على هدم عراقة الكنيسة في العراق وتفتيتها إلى بيوت صغيرة كي تصبح هزيلة وضعيفة ويمكن هزيمتها بسهولة، لكن ثقتنا بما يقوله الكتاب: بأن أبواب الجحيم لن تقوى عليها (متى 18:16) كبيرة وهذا هو عزاؤنا ورجاؤنا في هذا الزمن الصعب الذي نعيشه.
فاليوم نحن بحاجة ماسة لترتيب أوراقنا وتحديد أولوياتنا والعمل على مستقبل أولادنا وشعبنا وأمتنا لأن ثروتنا هي أن يكون نشئنا الجديد متعلما ومتسلحا بالإيمان والعلم والعزيمة على بناء ما تهدم وصيانته من كل أذية، كي تبقى الأجراس تدق وهي بها تدعو المؤمنين إلى بيوت الله وكي يبقى الرجاء يملأ صدور وقلوب الناس وتزداد المحبة التي باستطاعتها هزيمة كل شر معروف مهما ازداد جبروته.



نحن اليوم بحاجة كي ننتبه لأساساتنا ونقويها لتكون كالصخر قوية وتصمد أمام الرياح مهما هبت بقوة وعنف وتبقى ثابتة لا تتزعزع.
علينا الإيمان بأقوال ربنا يسوع المسيح له المجد الذي يقول: ثقوا أني قد غلبت العالم (يو 33:16)، ونحن اليوم من يتابع خطاه على الأرض وعلينا ترديد ذات العبارة ونفكر جيدا ونعمل مع التفكير كي نحن أيضا نستطيع أن نغلب العالم؛ لا من أجل أخضاعه سياسيا بالمفوهم السياسي ليومنا هذا بل كي نعيش والآخرين بأمان وسلام ونساهم معا في أظهار صورة الله فينا ونعمل ويرى العالم أجمع ما نفعله من أعمال حسنة ويمجدون الله خالقنا (1بط 12:2).



وهذا ما نتمناه للجميع قبل ما نتمناه للمسيحيين وكلي أمل أنني قد سلطت حزم كثيرة من الضوء على مشاكل شعبنا وواقعه الذي لا يُسر أبدا خصوصا في بلدنا العراق على أمل أن يكون السورايى بأفضل حال مما هم عليه اليوم وكلي أمل من الرب أنني قد وفقت فيما بحثت فيه وكتبته طوال هذه الحلقات المتسلسلة، على أمل ان نعود لمثلها إذا استجد فكر جديد وواقع مغاير أو دعت الحاجة كي نكتب بذات الموضوع، وأسأل العُذر من القراء الأكارم الذين تابعوني طوال هذه الفترة ولم ينفذ صبرهم من قراءة ما كتبته راجيا من الله أن تشملهم بركاته السماوية ويعم الأمن والسلام في القلوب قبل أن يعم في أرض الواقع.

عبدالله النوفلي

66
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (19)
إن ما يعاني منه سورايى العراق يعود في أحد أسبابه وربما يكون هذا سببا رئيسيا هو بسبب إيمانهم بالرب يسوع وبمادئه التي تسودها المحبة المطلقة، والمعاناة هي بسبب اختلاف هذه عن مباديء بقية العراقيين الذين استلموا في أحدى السنين تقويما لجمعية الكتاب المقدس ناقصا ورقة شهر شباط وبسبب أن آية من الكتاب المقدس كانت قد كتبت في ورقة ذلك الشهر مفادها: "واما انا فاقول لكم احبوا اعداءكم.باركوا لاعنيكم.احسنوا الى مبغضيكم.وصلّوا لاجل الذين يسيئون اليكم ويطردونكم." (متى 44:5)، وهذه لم ترق المسؤول عن الرقابة في ذلك الزمان فكان قراره رفع ورقة شهر شباط وليذهب المسيحيين إلى حيثما أرادو ولا حول ولا قوة لهم كي يفعلوا شيئا، ولتكن سنتهم تلك أحد عشر شهرا بالقوة والإرغام لذلك قلنا أن مباديء المسيحيين تختلف عن غيرهم كونهم يتمادون بالمحبة ويحبون أعدائهم ويباركون اللاعنين ويحسنوا للمبغضين ويصلوا من أجل من يسيء إليهم ويطردهم من ديارهم، ولنا في ذلك أمثلة كثيرة وليس فقط غفران سيدنا على الصليب لصالبيه بل أيضا ما قام به سعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني عندما زار من حاول قتله في السجن وغفر له والأمثلة كثيرة.
والعراقيون الآخرون لهم مبادئهم الخاصة ونقول هذا لأن وثائق كثيرة ومتنوعة وقع عليها أطراف متعددة يقال عنها تارة مواثيق شرف وأخرى وثيقة عهد وثالثة ... وكلها تحرم سفك الدم العراقي ورابعة تعتبر الدم العراقي خط أحمر ... ألخ، ولنا في وثيقة مكة نموذجا لذلك وما يجري في هذه الأيام للتوقيع على وثيقة مشابهة، ولا أعتقد أن تكون هذه أحسن من سابقاتها كونها جميعا حبرا على ورق ولا نتائج لها على أرض الواقع، وسبب ذلك هو لخلو قلوب موقعيها من المحبة!! تجاه الأطراف الأخرى، أو أنهم يوقعون كي يظهروا أنهم مسالمين وأمام عدسات المصورين يكونوا ودعاء ولكن في الخفاء ربما نجد نمورا أو ذئاب داخل لباس الحملان الذي تضاهروا به أمام الاعلاميين والعراقيين البسطاء...



إنه واقع مؤلم حقا .. وربما هو مضحك ومبكي في آن واحد معا، وكم نسمع من العبارات الطنانة الكثير، وعلى سببيل المثال الذي ذكرناه أعلاه وهو أن الدم العراقي خط أحمر!!! لكن في ذات الوقت يتم نشر غسيل أطراف مهمة في العملية السياسية للواحد تجاه الآخر وكلها تعمل من أجل ديمومة واستمرارية نزف الدم العراقي وبغزارة، وفي حوادث عدة كان شعبنا هو الضحية كُنا نسمع ونقرأ تصريحات لمسؤول في محافظة أو وزارة هنا وهناك بأنهم قد مسكوا بعض الخيوط وحصلوا على اعترافات ستقودهم لمعرفة الفاعلين عن الجرائم وسيكشفون الحقائق لاحقا وتسمر مدة هذه (لاحقا) إلى ما لا نهاية كي يتم تسجيل الجرائم المرتكبة ضد شعبنا باسم (مجهول) ويتم أغلاق الملف!! أي أن ما كان يتم التصريح به لم يكن سوى امتصاصا للنقمة الشعبية أو تخدير لشعبنا ولايقاف موجة الاستنكار العالمي تمهيدا كي تعود حليمة إلى عادتها القديمة ويستمر النزيف.
إنها حالة اللا استقرار، بل حالة من التخبط السياسي والصراع من أجل الحصول على المكاسب في عراق مابعد 2003، ويبدو أن السنوات التسع التي مضت (نحن الآن في عام 2012) لم تكن كافية كي يستقر ميزان القوى وكي يستقر معه العراق على نهج الديمقراطية التي بشرنا بها بوش الابن قبل عقد من الزمان. وأي طعم سيكون لهذه الديمقراطية التي أصبحت كلقمة مغموسة بالدم!! وكيف سيتعامل معها العراقيين لأن وضعهم النفسي فقط بحاجة لعقود من الزمان كي يتم نسيان الرعب الذي أحدثته الانفجارات وأصوات الاطلاقات النارية بحيث إذا أغلق تيار الهواء بابا في منزل ارتجف كل من في البيت خوفا من انفجار أو زائر ثقيل يريد الشر بأهل البيت.



وسيبقى المسيحيون يتذكرون مطرانهم: بولس فرج رحو الذي مات غدرا وفي الاسر لدى خاطفيه، وسيبقى المصلين داخل الكنائس خائفين من تكرار فاجعة سيدة النجاة التي قضى خلالها (52) إنسانا بريئا نحبهم على مذبح الشهادة كشهود للايمان ومن أجل المحبة، وليس هذا الرقم فقط بل العشرات الآخرين الذين أصيبوا بجروح أو لحق بهم تشوها أو عاهة ما أو مرضا نفسيا ... فكم تحتاج هذه وغيرها من زمن كي يتم نسيانها وطي صفحتها وفتح آفاق جديدة من التفاؤل، وأيضا كيف يستطيع الكهنة نسيان رفاقهم الكهنة الذين تم اختطافهم وأرعابهم لمدد ليست بالقليلة و و  والمصائب كثيرة لا تعد ولا تحصى.
والمصيبة الأشد أن من يمارس العمل السياسي اليوم في العراق في العموم يسوده الطابع الديني الذي يستوجب عليه تطبيق مباديء السماء السمحاء التي مفادها: "مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْسًا بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الْأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعًا وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعًا وَلَقَدْ جَاءَتْهُمْ رُسُلُنَا بِالْبَيِّنَاتِ ثُمَّ إِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ بَعْدَ ذَلِكَ فِي الْأَرْضِ لَمُسْرِفُونَ" المائدة  {32 ، ولو عدنا لما شهده العراق ونتأمل كم نفسا بريئة وبغير ذنب قد تم قتلها لو وجدنا المأساة مذهلة فكم من تفجير بعمال المسطر قد حدث وفي الأماكن العامة والأمثلة كثيرة أيضا وسأورد هنا مثلا لأحد أبناء شعبنا الذي كان اسمه (بطرس) وكان قد اضطر للنزوح شمالا مع عائلته كي يحافظ على لنفسه وأهله، لكن راتبه بقي في بغداد وكان هذا كافيا كي يعود يوما ويلاقي مصيره المحتوم في انفجار قرب الجامعة المستنصرية ولم يتم التعرف عليه إلا من بنطاله!!! فماذا كان ذنب هذا؟



فكيف لعائلة هذا أو غيره أن تنسى أو تستمر بالعيش الكريم وهي التي كانت تنتظره ليجلب مبلغا من المال يسدون به رمقهم رغم أنه لم يكن ليسد كامل احتياجاتهم وهذا كان نموذجا لآلاف، جميعا لسان حالها يقول: بأي ذنب قُتلنا؟
إن مباديء المسيحيين أزاء هذا تضيع وتختنق فالمأساة مهولة وكأن موسيقى هادئة يتم عزفها في سوق الهرج ببغداد فمن يسمعها او ينتبه إليها؟ لأنها ستصبح نشازا في المكان النشاز، فالسؤال إذا: هل نستمر على مبادئنا؟ أم نَركِبْ الموجة ونفعل أفعال الشعوب المحيطة بنا؟ سؤال يجب أن نفكر به مليا لأن كِتاب الحياة يُخبرنا: " ... ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص." (متى22:10)، بينما أدبيات من هم حولنا تقول "للصبر حدود" وكذلك قالت المطربة الخالدة (أم كلثوم) أيضا، لكن صبر المسيحيين يجب وحسب مبادئهم أن يكون بلا حدود، فصبرهم اليوم يجب أن يستمدوه من صبر أيوب ويضعون أعينهم وقلوبهم وأفكارهم كلها صوب مخلصهم وتأملون معاناته من أجل رفع خطيئة العالم.



ولكن رب سائل يسأل: وما دخلنا نحن كي نصبر ونتحمل ونعاني بينما غيرنا يقسو ويُكابِر ويعبث؟!!! بلا شك أنه سؤال في مكانه ووقته وهو بحاجة للاجابة عليه من قبل قيادات هذا الشعب، ولكن أي من القيادات معنية بالجواب؛ هل هي القيادات الدينية أو القيادات الدنيوية أي السياسية؟ فلو قلنا الدينية منها، فلن نكون قد أصبنا الجواب لأن هذه تتحكم بها المباديء ولا يمكنها المساومة عليها مطلقا كونها تحكمنا بالثبات إلى المنتهى طلبا للخلاص حتى وإن تطلب الأمر الشهادة من أجلها وصليب مخلصنا شاخص أمامنا، وستقول لنا: هل نحن أحسن من مخلصنا الذي تألم وتحمل ومات موت الصليب؟ أي أن قياداتنا الدينية ستقول لنا بأن الخلاص يأتي من خلال الصليب ولا نجاة إلا من خلال الألم وكذلك يقول المزمر في سفر المزامير(6:12) "كلام الرب كلام نقي كفضة مصفاه في بوطة في الارض ممحوصة سبع مرات. " هكذا فإن الرب ينقينا ليس مرة واحدة بل مرات كثيرة وما الرقم سبعة هنا سوى لكمال التنقية وخلال التنقية يجب أن نتجرع الألم أي أننا لا نحصل على الخلاص الأرضي والراحة إن تبعنا قياداتنا الدينية كون هذه تهتم بالخلاص الأبدي وتعمل من أجله بكامل طاقاتها.

يبقى أمامنا القادة السياسيين الذين تستوجب مسؤولياتهم صيانة الشعب وتخليصه من الألم والتشرذم والهجرة، وعليهم العمل وبقوة من أجل أن ينال حقوقه ويخلصوه من مخالب الأشرار كونهم يعملون في السياسة التي هي لفن الممكن.
إذا نحن بحاجة إلى سياسيين ماهرين يعرفون فنون اللعبة، سياسيين متكاتفين مع بعض غير متصارعين يعملون من أجل مصالح شعبهم ويعتبرون هذه المصالح خطاً أحمراً كحال الوثائق التي نوهنا عنها سابقا ويوقع عليها العراقيون باستمرار وجميعها بقيت حبرا على ورق، لكن حتى هذه الوثائق لم نحصل عليها من سياسيين الذين يص رون على ألا يتفقوا. ففي الاعلام الكثير من الاخبار التي لا تجعلنا نثق حتى بأقوال من يقود السياسة داخل شعبنا خاصة عندما نجد نشر الغسيل الوسخ بين أحزابنا وقاداتهم مستمرا، وعلينا أحيانا قراءة ما بين السطور في الخطابات الصادرة منهم التي نجدهم الواحد مكذبا لحديث الآخر ليس هذا وإنما ينعته بأقسى العبارات وأحيانا يتصرفون عكس طروحاتهم السياسية.



نحن كسورايى خاصة وعراقيين بعامة بحاجة لمواثيق حقيقية وصحيحة وخطوط عريضة لخطة عمل حول أنقاذ شعبنا يتفق عليها جميع السياسيين على ان يكون القادة الدينيين على استعداد لإجبار السياسيين على تطبيق بنودها التي يجب أن تضع مصالح شعبنا في الدرجة الأولى من سلم أولوياتها على أن تترك للأحزاب حرية التطبيق، عندها ليست المشكلة هل شعبنا قومية واحدة او عدد من القوميات لأننا طالما نتحدث لغة السورث ونفهم أحدنا الآخر ونعيش في منطقة واحدة فنحن شعب واحد رغم أنف كل من يحاول تجزءتنا، وما علينا إلا أن نضع مصالح شعبنا أمامنا ونعتبرها مقدسة ونقاتل من أجلها وذلك ليس بالأمر الصعب إذا صدقت النوايا.
ولنا بقية فيما نكتبه هذا ....
عبدالله النوفلي
[/b]

67
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (18)
كتب الكثير من الكتاب؛ منهم من أبناء شعبنا المسيحي (سورايا) ومنهم من الغرباء عن هذا الامور التي تخص شأن سورايى العراق، ومن هؤلاء من أنصف فيما كتب ومنهم من كان طابع كتابته العموميات، ومنهم القليل من كتب بصراحة وعالج الأمور بشكل واضح ووضع النقاط على الحروف.
فسورايي العراق باتو خاضعين لمشيئة شركائهم في الوطن بحيث أصبح من المألوف أن سفينتهم تتقاذفها الامواج وتُسيرها أهواء من تعتبرهم الأحداث متواجدون على الأرض العراقية بعد المسيحيين الذين تضرب جذورهم بعيدا وعميقا في أرض ما بين النهرين الخالدة.
وبدلا من أن يكون سكان هذه الأرض سادة على أرضهم كونهم من سكانها الأصليين نجد وعلى العكس اليوم حيث يعيشون في شبه مذلة؛ مسلوبةٌ حقوقهم .. خائفين .. مرتعبين .. عيونهم شاخصة دوما نحو المجهول الذي يهدد وجودهم وكيانهم وكافة مفاصل حياتهم، وبدلا من كونهم عمود الأرض وسادتها فإننا نجد من يحاول كسر هذا العمود وتتجمع قوى الشر كلها كي تقتلعهم من جذورهم وتدفعهم بقوة مفرطة نحو المصير المجهول وكبت حرياتهم وإسكاتهم عن الاحتجاج
.


وفي عدد من اللقاءات التي كُنت طرفا فيها في الماضي القريب، قلت أن مسيحيي العراق يعانون من الأحداث الراهنة أي أحداث ما بعد ربيع 2003 معاناة مضاعفة عن أقرانهم في العراق، وللتوضيح كنت أقول أن معاناتهم الأولى هي بسبب كونهم عراقيين ويصيبهم ما يصيب اخوتهم في العراق، والمعاناة المضاعفة هي لكونهم مسيحيين والأقوام الأخرى في العراق في الغالبية العظمى لهم يعتبرون بأن قوات الاحتلال دينها مسيحي!! ويقومون بالافتراض جدلا بأن مسيحيي العراق يتحالفون أو يتضامنون أو يساندون قوات التحالف التي تناضرها في الدين وبذلك يقررون بوجوب محاربتهم من قبل أتباع تلك الأقوام والذين غابت عن أذهانهم بأن قوات التحالف كان بينها من ديانات مختلفة وبضمنها الاسلام وكان وحسب النضام الامريكي أن يتواجد رجال دين مع الجنود كل حسب دينه الأمر الذي يعني بوجود رجال دين مسلمين أيضا مع قوات الاحتلال.
بالإضافة إلى أن الدول الغربية ليست دول مسيحية حسب مفهوم دين الدولة الموجود في غالبية الدول العربية والاسلامية الذين يضعون فقرة شبه دائمة في كافة الدساتير بأن دين الدولة هو الاسلام. لأن الدول الغربية تسيرها مصالحها بحيث تركت ما لله لله وما لقيصر لقيصر (متى 21:22)، ولا يهمها أن يقتل المسيحي أو المسلم أو اليهودي أو البوذي من أي بلد كان طالما أن مصالحها تتحقق بمقتل هؤلاء!!!



وقبل سنوات كتبت حول هذا الشأن مقالة تحت عنوان (هل الغرب مسيحي؟) والتي أخذت اهتماما كبيرا في المواقع الأليكترونية لأنها أوضحت بأن ليس كل من في الغرب يدين بالمسيحية وأن تلك الدول هي علمانية بحتة. وأيضا نجد أخوتنا المسلمين يقيمون الدنيا ولا يقعدونها إذا بادر أحدهم ورسم رسما مسيئا لرسول الاسلام، أو كاتبا أو مخرجا قدم عملا مسيئا .. لكن ينسى هؤلاء بأن هذا الكاتب أو المخرج أو الرسام يقوم بذات الاعمال حول المسيح أو أمه مريم ونجد الكنيسة لا تعير هؤلاء أية أهمية، وكلنا قرأنا أو تابعنا كتاب (شيفرة دافنشي) التي بنى كاتبه مجمل كتابه على فكرة صورة رسمها أحد الرسامين وافترض افتراضات مسيئة لحياة المسيح على الأرض.
والمسيحيون العراقيون كانوا بناة حضارة في أرض ما بين النهرين وهناك أسماء لامعة كثيرة ساهمت في تدوين تاريخ العراق قبل دخول الاسلام لأرض ما بين النهرين العزيزة، وخلال حكم تلك الدول الاسلامية المختلفة ووصولا إلى وقتنا هذا. كما أن المسيحيون ينطلقون من إيمانهم بأن فضيلة المحبة هي العظمى بين الفضائل الإلهية لابل أنها تسمو وترتفع حتى عن الايمان والرجاء، فكانوا بحكم ذلك يحبون الآخرين ويقبلونهم كماهم ولم يكن في نيتهم يوما أن يؤثروا أو يحاولوا أن يغيروا معتقد الآخرين وديانتهم أو مواقفهم، كونهم يرون فيهم الإنسان المخلوق على صورة الله ومثاله، لذلك نجدهم يعملون بكامل طاقاتهم وباخلاص من أجل أخيهم الانسان في العراق، لابل ضحى سورايى العراق بحياتهم في كافة الأزمات والحروب التي عاشها العراق قديما وحديثا.



وفي القديم شارك المسيحيون في معارك المسلمين ومنها معركة القادسية التي كانت بقيادة القائد سعد بن أبي وقاص ضد الفرس آنذاك وكانت هذه في صدر الاسلام وهناك خبرا مفاده أن من قتل المزربان الفارسي في تلك المعركة كان (مسيحيا) وهذا دليل على مشاركة المسيحين لأخوتهم الآخرين في كل شيء، رغم أننا كمسيحيين لا نوافق أبدا على شريعة القتل ولا نفتخر بالقتلة مطلقا حتى لو كان من يتم قتله من الأعداء.
لكن سياسات الحكام كانت أحيانا تقضي باعدام من لا يطيع الأوامر ويبذل جهده في ساحات القتال، ونجد في ذلك أن المسيحيين كان لهم نصيبا كبيرا من التضحيات على أرض العراق تماما كما هو عليه الحال في أيامنا هذه التي تسيل فيها دماء لسورايى العراق وبأيادي عراقية، الأمر الذي يعتبر خارجا عن القاعدة التي ألفها مسيحيوا العراق والتي مفادها بأن التاريخ لم يشهد بأن مسلمي العراق اضطهدوا مسيحييه، أخوتهم في الوطن إلا في حالات نادرة كانت بتدخل قوى أجنبية كالفرس والعثمانيين والتتار والاستعمار!!!.



وسورايى العراق يُعتبرون حمامة السلام بين كل الأطراف والامر الذي يستوجب على الاخرين حماية هذه الحمامة والمحافظة عليها؛ لأن اقتلاع من يحملون في قلوبهم وفكرهم وتصرفهم المحبة من بين العراقيين فإن هذا يعني الكثير ويجعلنا نضع علامات تعجب واستفهام كثيرة لما سيؤول عليه حال العراقيين والعراق!!! في حالة غيابهم عن هذا البلد.
وما (الربيع العربي) الذي تشهده العديد من الدول العربية إلا وجها واحدا لتفشي ثقافة القتل والعنف باسم التحولات الديمقراطية سواء جاء هذا من الحكومات الديكتاتورية أو حتى من تسميهم الحكومات الغربية ومن يلف لفها (بالثوار)، فالأمر المستغرب الذي لا يقف الكثير أزاءه ويحللونه أو يستنكرونه أو حتى يسألون عن سببه؛ وهو عندما يمارس (الثوار) القتل أزاء الفريق الآخر فإن عليهم ولهم يكون الأمر شرعيا، بينما نجد من يمارس ذات الاسلوب من الجانب الحكومي التي تدافع عن أمن مواطنيها وتطبيق القوانين في دولها فتكون تسميتها بالدول القمعية أو بالسلطات القمعية.



ونجد في الانجيل المقولة القائلة: "لانكم بالدينونة التي بها تدينون تدانون.وبالكيل الذي به تكيلون يكال لكم." (متى 2:7) وأيضا نجد مقولة لدى طرف آخر تقول: "بشر القاتل بالقتل"، وأيضا "....لان كل الذين يأخذون السيف بالسيف يهلكون."(متى 52:26)، ومن هذه وغيرها نستنتج بأن الفوضى لا تجني سوى الفوضى والقتل يجرنا إلى القتل واستمرار نزيف الدم الزكي، ولا يوجد حل أزاء هذا كله سوى شريعة المحبة كحل أمثل لتجاوز الازمات والمشاكل في ظل ظروف دولية ضامنة وحامية كمراقب دون تدخل كي تعيش شعوب المنطقة وبضمنها المسيحيين بحال أحسن من حالهم اليوم.
ومن لم تسنح الفرصة ليستمع ما كان يرويه له أجداده وأقله لما كان له الوضع في مطلع القرن العشرين حيث أوصلت الحكومة العثمانية العراق إلى حافة الافلاس وجعلته يعيش في قحط كبير عمّ كل شيء وأصبح الخبز شحيحا بحيث لجأ الناس لأكل خبز الشعير ليس من أجل الريجيم أو تفاديا لمرض السكر كما هو الحال في أيامنا هذه، لكن لانعدام الحنطة وعدم استطاعة الناس شرائها لارتفاع أثمانها ومن جراء ذلك كان الفلاح يأكل خبز الشعير والبصل ويكضم حسرات كبيرة في قلبه لأن الجوع كان هو الذي يجعله في قلق دوما.



ولكون المسيحيين وخصوصا في منطقة الموصل المشهورة بأراضيها الزراعية وأهلها يعلمون جيدا كيف يرتبون أمورهم ويخلقون من لا شيء شيئا مفيدا، بحيث اشتهرت مناطقهم بما نسميه (المونة) التي كانوا ينتجونها من الحنطة وأيضا أسلوبهم بتربية أحد الحيوانات الداجنة (ربيطة) كي يأكلون من لحمها طوال الشتاء لسهولة حفظ اللحم في ذلك الموسم في ظل انعدام الكهرباء والثلاجات و ... ومن جراء هذه وغيرها من الممارسات كان مسيحيوا قرى الموصل يعيشون ليالٍ مرعبة وهم بانتظار اللصوص مما يحيط بهم من القرى الغريبة التي كانت تمارس اللصوصية وتعيث في قرى السورايى الفساد ليلا وسرقة ما يمكنهم سرقته من المحاصيل والماشية والمقتنيات، وإن دافع المسيحي عن عِرضه وماله وذهب أحد الغرباء اللصوص ضحية ذلك فإنه بذلك كان عرضة للمساءلة العشائرية بحيث يجعلونه بالترهيب غالبا لدفع أموال مضاعفة ليفدي القتيل بغية تمكنه الاستمرار بالحياة في بيته والعمل بأرضه في سلام، وبخلاف ذلك كان عليه أن يحزم أمتعته وما خف منها فقط ويرحل إلى المجهول ويعيش بخوف في منطقة لا يعرفه فيها أحد.
هذا كان حال أهلنا قبل قرن من الزمان، وحالنا هذه الأيام ليس بالأفضل لأن لكل زمان ومكان حاله وأحواله.

ولنا في ذلك بقية ....
عبدالله النوفلي

68
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (17)
شمس واقعنا المسيحي وفق ما يحصل على الأرض يبدو أنها ستبقى زمنا طويلا مغطاة بالغيوم التي لا تريد إلا ان تتلبد وتزداد تلبدا ونهارنا يزداد عتمة يوما بعد آخر، وإن لم يكن السبب بتأثير الغرباء علينا فنحن حاضرون كي نعذب بعضنا البعض وكي نلتهي بالأمور الجانبية ونترك الهدف الرئيسي ونتشبث بقوة بالفرعيات التي يبدو أنها أصبحت منهجا لنا نتمسك به ولا نفارقه البتة.
ألا تلفتنا بوما إلى حالنا وإلى تصرفاتنا ووعينا كم نحن موغلون بالسير في الطريق الخطأ خاصة عندما نساير هذا وذاك بما يخططوه لنا وبما يريدوننا أن نسير وننتهج، ودائما فإن الغاية هي إلهائنا عن الهدف الرئيسي كي يتسنى لهم ترتيب أوراقنا كما يروق لهم وعندما نصحو إن صحونا يوما؟؟!!! من حالة التخدير هذه تكون جميع أوراق العراق قد تم ترتيبها وعندها سنعضُّ لساننا وأصابعنا لأن الوقت قد يكون قد مضى وسيكون العراق الذي شهد ولادة آبائنا وأجدادنا وكان المكان الذي أنتج كل هذا الإرث الثقافي والحضاري الذي امتلأت به جميع المتاحف المهمة في العالم



سنجد عند صحوتنا بأن ارض ما بين النهرين لا يوجد فيها مكانا لنا يليق بأحفاد آشور وبابل، وعندها سيكون لنا خيارين لا ثالث لهما وكلاهما مر وشديد المرارة وهما إما القبول والخضوع لأمر قد وقع بالفعل ولا مفر منه وهو مذل ومخزي ودون حقوق متميزة في أرض أجدادنا، أو نغادر هذه الأرض مكرهين إلى بلدان اللجوء لنجد هناك نتيجة لا تختلف كثيرا عن الصورة السابقة مع أنها ستكون ربما لجيل أو جيلين إلى أن يحدث الاندماج ونسيان الوطن وتعوّد أولادنا وأحفادنا على تحدث لغات تلك البلدان ونسيان لغة أمهم وموطنهم وتعلم تقاليد تلك الدول وممارستها كما يمارس أبناء البلدان الجديدة بحيث يصبح أبناؤنا وأحفادنا يرتفعون رويدا رويدا من حول خط الصفر كي يصعدوا ويعيشوا الحياة المستقرة كما يعيشها ابناء تلك البلدان وهذا إن كان قد بقي لمن يعيش تلك الأوقات طموح كي يرتقي صعودا وتكون لديه القدرة والمعنويات ليبدأ ويتفاعل مع الحياة والعلم والسياسة والمال كما كنا وآبائنا وأجدادنا في العراق ونكون قد تخلصنا من العقد والآلام التي سببها وطننا لنا وسببها قادتنا من أبناء جلدتنا لنا.

ولو أردنا تعداد كم من الخلافات الجانبية التي تم افتعالها لشعبنا من السورايى (وعندما نطلق على شعبنا سورايى لا نقصد فصيلا دون آخر بل كل المسيحيين العراقيين من الكلدان والسريان والآشوريين والأرمن وأي مسيحي آخر) وليس منذ قديم الزمان إنما فقط منذ سنة السقوط وتبديل النظام في العراق عام 2003 إلى اليوم أي ما يقارب التسع من السنوات العجاف سنجدها كثيرة وهي السبب لكي يكون واقعنا بهذا الشكل؛ ومنها على سبيل المثال وليس الحصر مسألة التسمية القومية وهل نحن واحد أم ثلاثة أو أربعة لأن إن تكلمنا عن الكلدان .. السريان .. الآشوريين، سنكون ننسى مكونا رابعا ألا وهو أرمن العراق فهم أيضا مسيحيون، وكلنا يقرأ ويتعايش مع هذا الصراع القوي في هذا الخلاف وكم هو سببا في أحداث الفرقة والكراهية بين الأخوة من سورايى العراق، ولو كنا في مجلسا وأردنا تعكير صفوه وإحداث البلبلة فيه فلنبدأ بطرح هذا الموضوع عندها سنجد كم هي متعددة الآراء وكم ستتشعب الأحاديث لتصل حتما إلى حد التقاطع ويفترق الأخوة من ذلك المجلس حزينين كونهم لم يتوصلوا إلى نتيجة!!!

أليس بالحقيقة هذا أمر من أمور كثيرة وهو تحصيل حاصل لمن يفكر ويجتهد ويهمه أمر هذا الشعب، فماذا يتكلم السرياني أم الكلداني أم الآشوري؟ وكيف يتفاهمون لو لم يكونوا يعرفون العربية أو الانكليزية؟ ألم يكن حديثهم يتم بلغة (السورث) التي حروفها يعرفها الجميع وأبجديتها غنى بها المطرب العربي قبل أن يغني بها مطرب من أبناء شعبنا ألا وهي (أبجد هوز حطي كلمن ...) لأن الأبجدية العربية هي غير هذه ( أ ب ت ث ....) فطالما نتحدث ذات اللغة وتاريخنا مشترك ولنا أرض ولدنا وكبرنا وتربينا عليها وحضارتنا مشتركة تملأ متاحف الدنيا بآثارها فما بالنا نختلف على وحدتنا؟ فببساطة من منا يستطيع أرجاع نسبه للآشوريين القدماء أو للكلدانيين الذين أنجبوا ابراهيم أبو الأنبياء أو من غيره من الأصول التي بدأ تتفرع لأن الآراميين على رأي البعض أيضا هم من يجب أن نُسمى باسمهم، أليس هذا أمر مضحك مبكي في آن معا؟ ولماذا نصرف الوقت والمال باتجاه فرض اسم على مجموعة لا تريد الانتساب له وبالعكس أيضا لماذا نقف بالضد من كل من يكون له رأي مضاد لرأيه ونقوِمَ الدنيا ولا نقعدها إن اختار طرفا اسما يختلف عن اسمٍ اختاره طرف آخر ربما كان الأشطر سياسيا في زمن ما، ولماذا يريد الأخوة أن يكون الحكم فيما بينهم لا يسير وفق القواعد الطبيعية التي تعيشها الحياة أو الديمقراطية، فإن تغنى الكلداني بماضيه أو اسمه نرى الكثيرين الذين يلمحون لأن الكلداني يعمل على تفرقة الأمة ويجعلونه سببا كي لا تجتمع كلمتها على القول الفصل، وهكذا إن عمل الآشوري أو السرياني يقوم الأطراف الأخرى بذات النهج والجميع ينسون بأنهم وأحيانا بكتاباتهم يوردون آمثالا او جملا بلغتنا السورث لأنهم على يقين بأن جميع الأطراف يفهمونها!!!

وإن استمعت إلى السياسيين فلا تحتاج الكثير من العناء لكي تعرف بأنهم يخدعون السامعين لأنهم مؤمنون باسم معين ويتكلمون بلغة الثلاثة وبأننا شعب واحد وعندما أصبح الطرح يوما ما بعد عملية التغيير في العراق بالتسمية الكلدوآشورية قلنا لحزب معين وهو يحمل أحد الأسماء الثلاثة التي نتداولها اليوم، قلنا لذلك الحزب بما أنكم تنادون بهذا الاسم المركب فما عليكم إذا إلا تغيير اسم حزبكم من الاسم الواحد المعين إلى الاسم المركب الجديد كي تكون طروحاتكم مقبولة لمن يراقب ويتابع الأمور، ولم يحدث شيء من هذا وبقي كل حزب من أحزاب أمتنا متشبثا باسمه القومي المنفرد وبنفس الوقت فهم يتكلمون عن الاسم الذي حلا بالبعض بتسميته الاسم القطاري!!!.

فإن كنا نريد أن يتبعنا الآخرين ويصدقوننا يجب أن تكون طروحاتنا متتطابقة مع أفعالنا خاصة ومن يعمل في الأحزاب القومية فإنه يعتبر من الصفوة بين أبناء شعبنا كونه أكثر وعيا ومسؤولية لما يعاني منه هذا الشعب، وقد ازدادت المعاناة كثيرا في عراق ما بعد 2003 لأن المآسي قد تكررت والإرهاب يضرب ضربته باستمرار، ولم يترك موقعا إلا وضربه ضربات موجعة بحيث جعل من الدم يسيل بغزارة، وكلنا يتذكر يوم الأول من آب عام 2004 اليوم الذي كان فاتحة مهاجمة الكنائس التي لم يكن رعاتها يوما يشكون بكونهم في آمان ولا يحتاجون للحماية ووضع الحراس على أبوابها فقد كانت في تاريخ العراق قديما وحديثا حرمة لهذه البيوت كونها كما يسميها العراقيون بيوت الله أو بيوت للعبادة، لكن هذه البيوت جعلها من ذلك اليوم وخصوصا المسيحية منها أهدافا للسيارات الملغمة وللقنابل الموقوتة وأتذكر في ذلك اليوم المشؤوم في كنيستي في الدورة – ميكانيك كيف أعطينا شهيدا وشهيدة كانوا على موعد الزفاف في الخميس التالي وحضروا الكنيسة ذلك المساء كي يقوموا بتوزيع بطاقات الدعوة لأهلهم وأصدقائهم، لكنهم تحولوا بلمح البصر إلى أشلاء متناثرة وأحدهم تم التعرف عليه من بنطاله فقط.

مأساة حقا ... لكنها كانت بداية المأساة لأن المآسي أخذت تتوالى والدموع تزداد أنهمارا والعوائل تتشتت والأطفال تتعوق او تصبح يتيمة من أبويها الذين قضوا نحبهم في داخل بيوت الله وكانت المأساة الكبيرة في سيدة النجاة التي يشك الكثيرين بان تكون المأساة الأخيرة، وهذه الكنيسة التي أسميتها بأحدى مقالاتي بعد الحادثة بالكنيسة الشهيدة كنت في زيارة لها قبل الحادث بقليل وصادفتني الكثير من المعرقلات حتى أصل إليها من كثرة الحواجز والسيطرات وغيرها من الاجراءات الأمنية، وكل هذه لم تكن عائقا امام الاشرار ووصلوا بسهولة وتسلقوا أسوارها رغم مجابهتهم من قبل حراس الكنيسة والموقع المجاور، لكن كل ذلك لم يكن كافيا وحصل ما حصل، ليخرج أحد مسؤولي شعبنا على أجهزة الاعلام ويقول بأن الهجمة لا تقصدنا وحدنا بل هي هجمة تقصد الخير والمحبة في العراق ولجميع العراقيين، نعم هذا صحيح لكن نحن المؤمنين بالمحبة ونعتبرها أعظم حتى من الايمان ولم نؤذي أحدا ولم يكن لنا ميليشيا ضد أحد أي نحن المسالمين الذين خدمنا ومازلنا نخدم العراق بأخلاص وأمانة كان يجب أن لا يكون هذا مصيرنا...
ولنا في مواضيع كثيرة بقية ....
عبدالله النوفلي

69
ألف مبروك للأخ والصديق جونسن بمنصبه هذا فهو أهل له وأتمنى من الله أن يلهمه الحكمة كي يمثل شعبنا خير تمثيل
ليوفقك الله وكلي أمل أن تكون خدمتك هذه مثمرة

عبدالله النوفلي

70
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (16)
الحديث عن الحكم الذاتي لشعبنا المسيحي (السورايى) في العراق كان لوحده أحيانا كنكتة مقززة لدى البعض وأحيانا أخرى كمحاولة انتحارية لدى آخرين أو أقل تقدير كانوا يعتبرونها الخطوة الأولى في طريق أبادة شعبنا المسيحي حتى اعتبره البعض فخا يتم نصبه للمسيحيين في سهل نينوى وأطلق عليه آخر بأنه قفص يتم تجميع هذا الشعب داخله ويكون صيدا سهلا لمن يتربص به كي يكيل له الضربات وإضعافه تمهيدا لإبادته عن بكرة أبيه!!!

أما البقية الباقية فقد كانت مؤمنة بأن الحكم الذاتي سيوفر مصيرا أفضلاً وضلت تكتب وتنادي بأنه يتوجب علينا ان نطالب بهكذا مطلب لشعبنا ولمن معنا متعايشا من الشعوب والأقوام الأخرى الذين تقاسمنا وأياهم الحلوة والمرة تاريخيا وتحقيقه يستوجب منا النضال بقوة ودون هوادة وباستعداد حتى لتقديم التضحيات، لأن المكاسب لا تأتي بالتمني ولا يجب أن ننتظر أن يمّن علينا الآخرين بالفتات من خيرات العراق إذا نحن مقتنعين بأننا سكان العراق الأصليين وكوننا منحدرين من آشور ومن بابل أو سومر وأكد.
لذلك يجب أن يكون لنا دور في بلاد ما بين النهرين وأن نعطي لأصلنا الدور المشرف الذي كان عليه أجدادنا فحتى في الماضي القريب فقد كان آغا بطرس علما يعرفه العالم وهكذا الكثير من المناضلين الذين في ضل انعدام التكنولوجيا ووسائط النقل والاتصال في زمانهم فإنهم كانوا يشاركون في المؤتمرات ويثبتون للعالم بأن هذا الشعب لم يمت ومازال حيا ويطالب بحقوقه في أرض أجداده. وكان بين هؤلاء رجالات سياسة وعسكر ورجالات دين بقت أسمائهم خالدة لأنهم طالبوا وبقوة بحقوقهم.


واليوم ماذا نجد؟ فرغم تطور التكنولوجيا وتعرف العالم على قضية شعبنا وأنهم متيقنون يجب ان يكون لنا حقوقا في بلدنا ولا يجب ان نعيش على الهامش أو بما يتصدق الآخرين علينا، لكننا نجد اليوم أن من يطالب بحقوقنا لا تعدو مطالبته سوى مطالبات على الورق دون متابعة فعلية، هذا إن حدثت هذه المطالبة، وفي حالات أخرى تكون المطالبة خجولة، وكأني بهم كقائد المائة الذي قال ليسوع قل كلمة فيشفى عبدي (متى 8:8)!!! كونه كان يعتقد بأنه غير مستحق أن يدخل المسيح الرب تحت سقف بيته.
ومطالبتنا اليوم وخصوصا تعاملنا مع القوى الدولية تدخل ضمن هذا القياس وكأننا بالأساس غير مقتنعين بأن يكون لنا حقوق في وطننا فكيف سنقع الآخرين بحقوقنا، والأشد مرارة عندما تتوالى التصريحات التي لا تريد هذا النوع من الحكم او تصفه بأوصاف غير دقيقة أو فيه الكثير من المغالطات أكثر مما فيه ما هو واقعي!!!


إن نضالات الشعوب لا تنجح إذا لم تكن تلك الشعوب مستعدة لجميع الاحتمالات ومنها التضحية لأن الشعوب لا يجب أن ينطبق عليها المثل القائل (تنابل السلطان) بل يجب أن تكون الارادة قوية حتى يستجيب القدر إذا أراد ذلك الشعب الحياة يوما، فشعبنا اليوم مطالب أن يحدد موقفه ويرسم خارطة لسقف مطالبه وأن لا يكون قدريا وينتظر ما يجود به القدر له أو ما تتصدق عليه بعض القوى السياسية هنا او هناك، ويجب ان نخرج من السلبية إلى الإيجابية لأن من كثرة ما كنا سلبيين أزاء الكثير من الأمور ضن البعض في أروقة الدولة الحالية باننا جالية ولسنا مواطنين أصلاء ولا اعلم أكان ذلك لجهل بأمورنا أو لتجاهل لوجودنا!!؟
فالحكم الذاتي مطلب جوهري كما أعتقد وهو يفوق الإدارة الذاتية كثيرا وعلينا التمسك به وهو لا يعني مطلقا أن نجمع أبناء شعبنا في قفص كي يتم تصفيتهم وليس هذا الأمر بوهم لأننا يجب ان نصنع التاريخ وما نجده اليوم من المستحيلات نستطيع أن نجعله ممكنا لو توفرت الإرادة والإصرار، ويجب أن نعمل ليكون لشعبنا موارد من حصته في موازنة الدولة كي يتم صرفها في مشاريع تخدم مناطق شعبنا وتطورها نحو الأحسن ولا يعيش شعبنا ينتظر ما تجود به أيادي أخوتهم في المهجر وهو قاعد بطال لا يوجد له باب للرزق أو العمل


وهكذا نجد من هم في الخارج وبنياتهم الطيبة قد أثروا سلبا على من هم في الداخل وجعلوهم قاعدين بطالين لا يعملون ولا يبحثون جديا عن فرص العمل كي يوفروا لأنفسهم قوت اليوم وغدا ويعيش أبنائهم في حال أحسن مما كان عليه آبائهم، خاصة وهم يضعون وَهم السفر والغربة في مخيلتهم وكأنه جنة يحلمون بالوصول إليها وبذلك يهملون واقعهم في أرض ما بين النهرين ويمضون الأيام والشهور والسنين دون فائدة وهذا هو بحد ذاته العيش والجري وراء سراب لا نطال منه شيئا ومن يفوز أخيرا بوطن في الغربة فإنه بعد برهة قصيرة يشعر بالندم حتى وجدت الكثيرين الذين عانوا في سوريا أو الأردن أو تركيا كثيرا يفضلون لو أنهم بقوا في تلك البلدان على وصولهم إلى بلد الاستقرار!!!

وفي هذا نجد أبناء شعبنا وقواه السياسية والدينية متفرقة ولا تتفق على حال وهنا ينطبق علينا قول الانجيل عندما يقول:" يشبهون اولادا جالسين في السوق ينادون بعضهم بعضا ويقولون زمرنا لكم فلم ترقصوا. نحنا لكم فلم تبكوا." (لو 32:7)، فماذ نريد إذا؟
هل يعجبنا حال شعبنا مثلا عندما كانت التمثيليات في تلفزيون العراق في السابق تظهر (ميخا أو ججو أو حنا) وهم ندلاء في حانات للخمور ويصيح هذا (تعال لك ... وروح لك ... )!!!  ويذكر بعدها أسما من أسماء شعبنا الذي ذكرت بعضا منهم. هل ذلك الحال كان أفضل لنا أم نحاول ان نكون أسيادا على أرضنا نحن نقرر مصيرنا ونحن نخطط ونعمل ونبني وثروات بلدنا تكون بيد أبنائنا كما هو الحال في أقليم كردستان حاليا حيث لدى الأقليم نسبة معينة  من ميزانية العراق يتصرفون فيها كيفما يجدونه مناسبا وجيدا في تطوير ألأقليم وتعليم أبنائه وفائدة الشعب الكردي والذين يعيشون معهم.



والإدارة الذاتية لا تتضمن كل هذا لأنه تكون بعض القيادات نعم تكون بيد أبناء شعبنا في مناطق سكناهم لكن القرار الأخير والمهم ليس بيدهم كما أن مسؤوليات كثيرة لن تكون بأيديهم ومن يعيش اليوم في تلكيف أو برطلة أو بغديدا أو ألقوش وغيرها يجد من حوله الكثير من المسؤولين في تلك البلدات وهم ليسوا من أخوته او أبناء جلدته، كما ان حال الادارة الذاتية يبقى مرتهنا بقرار من المركز وتوزيع ثروات المركز وبالنتيجة عندما نطالب بمصنع هنا او مشروع هناك كي نخدم به أبناء شعبنا في بلداته وقراه نجابه بالقول ان لا يوجد ضمن الخطة مشاريع كهذه وعلينا الانتظار وهذا الانتظار ربما يأخذ سنوات وتبقى بلداتنا مهملة ويبقى شعبنا عاطلا عن العمل.

وحتى السماء التي كانت تجود عليه بالأمطار لكي يستفاد من زراعة أرضه نجدها اليوم قد حبست عن أرضه أمطارها ويجد نفسه أحيانا يبذر وينتظر ليترك الأرض بعد موسم من القلق لأن الأمطار لم تكن كافية وذهب هدرا البذار الذي تم بذره في الأرض وبقي قوتا لعصافير السماء التي تأكل من حيث لا تزرع، ولكن الكتاب يقول لنا: لا تخافوا لأنكم أفضل من عصافير كثيرة (متى31:10)، وأيضا وبالرغم من كل هذا يجب علينا ان نتحرك ولا ننتظر أن تعطينا السماء مَنّا كما كانت تفعل مع بني اسرائيل لأن المثل يقول: منك حركة ومني بركة!!! والبركة لا يحصل عليها إلا من يسعى إليها ويجتهد ويتعب كي يرى رب العمل ذلك ويبارك، أما من لا يفعل هكذا ويجتهد ويتعب، فحتى الذي له يؤخذ منه ويعطى للغرباء وهذا مصير مؤلم نتمنى أن لا يصل إليه يوما شعب السورايى في العراق.ولنا في مواضيع كثيرة بقية ....
عبدالله النوفلي

71
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (15)
كل العالم احتفل بدخوله عاما جديدا 2012، والكل تمنى أن يكون عامه الجديد عاما للخير والامن والسلام، وحتى شعبنا المسيحي في العراق شارك شعوب العالم بهذه المناسبة.
لكن من يتذكر الماضي القريب لهذه المناسبة ويقارن احتفال اليوم في العراق بما مضى، سيجد احتفالات خجولة .. لا ترتقي ان نسميها احتفالا، لأن الخوف مسيطر على النفوس والجميع حذر ولا يعرف من أين ستنبعث رائحة الموت وفي أي زقاق أو شارع ستضرب قوى الشر، وكما هو الشائع في العالم شخصية سانتا كلوز (بابا نوئيل) وتوزيعه للهدايا وخصوصا للأطفال ليلة الميلاد ورأس السنة، فإن بابا نوئيل العراق مختلف تماما وبكل شيء؛ فمن اللون الأحمر والأبيض الشائع عالميا، ففي العراق يرتدي ثيابا مرعبة، وبدل القبعة الجميلة لهذه الشخصية فإن في العراق يرتدي قناعا أو (كليتة) كي لا يتعرف عليه الآخرون وشتان ما بين تنكر الأول وتنكر الثاني، فالأول يتنكر كي يُدخل البهجة للقلوب والثاني يتنكر كي يسلبها أياهم.


فشعبنا في العراق محروم من أبسط مقومات الفرح لأنه محاط بأفكار وشرائع تقيده وتجعله يقبع وحيدا خائفا بحيث لم يعد يعرف طعم الفرح، وليس هذا فقط فحتى الطبيعة في العراق غاضبة أيضا وخصوصا من الموصل نزولا نحو الجنوب بحيث باتت الزراعة في خطر لأن الامطار انحسرت وموجات الجفاف تزداد قوة وبات شتاء العراق دافئا أقرب إلى الربيع منه إلى الشتاء ولا يحتاج الانسان أن يوقد المدافيء لفترات طويلة أو إلى ارتداء ملابس سميكة وأصبح في العراق فصلين فقط هما ربيع قصير وصيف قائض طويل وليس هذا فقط وإنما موجات من التراب التي تلوث أجوائه باتت لا تحتمل وكم من مريض بالربو يقضي نحبه من جرائها لأن المستشفيات لم تعد تحتمل وتستوعب كل الذين يعانون من هذا، فمن أين يجد المفر الانسان في العراق، فهو يتلقى الضربات من كل حدب وصوب من جهة ومن الطبيعة الغاضبة من جهة أخرى.
وفي الماضي القريب كتبنا مجموعة من المقالات تحت عنوان (رسائل من تحت الأنقاض) نشرنا منها بحدود (18) رسالة ويمكن للمتتابع أن يتابعها على الشبكة العنكبوتية ببحث بسيط عنها، كذلك نحن اليوم بحاجة كي نكتب عن الواقع وحقيقة ما يحدث خصوصا للذين هم بعيدين عن هذا الواقع أو لمن قطعت السبل بهم خارج وطنهم الأم أو أن أخبار العراق شحيحة لديهم.


فكما وصفنا أحوال ساسة شعبنا بغير السارة بتاتا والتي لا تبشر بخير نجد ما يعصف اليوم بالسياسيين الآخرين في العراق الذي بدلا أن يحتفل بخروج القوات الأمريكية التي نفذت أحتلالا دام لما يقارب التسع سنوات والذي كان لوجودهم وجوه عدة؛ فمن جهة خلّصوا العراق مما أسموه ديكتاتورا قاسيا ونظاما شموليا وأحلوا محله نظاما فيه دكتاتوريات متعددة، وبتنا نجد أن ساسة العراق يتراشقون الاتهامات فيما بينهم، وبدءنا نرى ونسمع غسيل السياسيين الوسخ الذي ينشر للملأ ومن هؤلاء من هو في الحكم ومؤثر فيه، ونجد باستمرار هذه القوة تدين تلك ودائما يوجد غاية في نفس يعقوب وأحينا تضيع صحة الأخبار بين الكم الهائل من الاتهامات الكيدية، ولكن المراقب والانسان العادي في العراق بات لا يثق بما يتم الحديث عنه ولسان حاله يقول: من كان يقودنا وحاله هذا؟ فكيف سيكون مستقبلنا أزاء ذلك؟، لأن السيئ لا يمكن أن يأتي بأمر جيد بل أن النفايات القذرة تأتي بريح نتنة وقذره، ولكن أيضا أحيانا كثيرة نجد وجود جواهر وأمور جيدة لكنها مطمورة تحت هذه النفايات بحيث يصعب التعرف على الجيد ما بين أنقاض الواقع!!!

إنه حقا لأمر مؤسف خصوصا وأن شعبنا المسيحي غير متعود للعيش في ضل هكذا ضروف، وإن الكنائس اعتادت بهذه المناسبات من خلال طقوسها أن تدعو الناس للفرح وللتصفيق وللدعاء حتى للقادة الزمنيين كون شعبنا المسيحي يؤمن بأن السلطة هي من الله والكثير يعتقد بصورة جازمة بأننا عندما نكون تحت سلطة قيادتها ظالمة فذلك يعني بأننا أشرار وأن الله غاضب علينا، وعندما نبتعد عن الخطيئة كما ذكرنا في الحلقة الثامنة فإن حنان الله يشملنا كي نعيش بهدوء وأمان.
وبصورة عامة نستطيع الجزم بأن غضب الله ليس الغضب الوحيد لأنه هناك غضب البشر الذي له حدود لصبره، وعندها ممكن أن تكون ثورته كالصاعقة على قادته خصوصا وهو ينظر بأن العراق أصبح في ذيل قائمة الدول من حيث النزاهة أي أنه فاسدا جدا وهذا يعني بأن قادته لا يعملون من أجل رفاهية العراقيين بل من أجل رفاهيتهم ومكاسب شخصية لهم وحزبية أيضا.



وعندما نحتفل بمناسبات خاصة بشعبنا ومنه ذكرى يوم الشهيد في السابع من آب من كل سنة فإننا نجد من يسيس ذلك بحث جعلنا من تضحية الشهيد سلعة للمتاجرة وهذا أبسط ما يقال عنه أنه متاجرة بدم الشهداء حتى أن عامتنا أصبحوا متيقنين بأن الشهيد لم نخسره نحن بل هو الذي خسر نفسه أو ربما خسرته عائلته أيضا وكأن الشهيد الذي ضحى بحياته من أجل أخوته ووطنه أصبحت قضيته سلعة بيد الساسيين يذكرونها لساعة من الزمن سنويا وبحساب بسيط فإن ذكرى الشهيد تدوم فقط 1 من 24 ساعة من يوم واحد على 365 يوما في السنة وهذه البرهة القصيرة يجعلها البعض آشورية وغيرهم بابلية كلدانية وحتى لا يحتفلون بها بصورة موحدة بل يلجأون للاحتفال بأماكن متفرقة أي أن تضحية الشهداء أصبحت تثير الفرقة بين أبناء شعبنا وبكل تأكيد فإن شهدائنا براء من ذلك لكن الأحياء من شعبنا هم الذين يوصلون الأمور إلى هذا الحال.

وليس ذلك فقط فحتى رأس السنة الخاصة بشعبنا منهم من جعلها آشورية ومنهم من يععتبرها بابلية أو كلدانية وأصبحنا حيارى نحن الذين لا يهمنا إن كانت آشورية أو بابلية لأننا نريد لشعبنا أن يحتفل معا ويرفع بقوة الرايات التي يتضح من خلالها أنه سعيد ، ومن يحتفل بهذه المناسبة أيضا نجده مختلف حتى بعدد السنين التي أصبحت عليها سنوات هذا الشعب فاحتار السياسيون وحيرونا معهم، وربما أكيتو لو كان يعلم ماذا سيحل بذكراه لأمرنا منذ آلاف السنين أن لا نحتفل أبدا بذكراه خاصة ونحن نجعلها فرصة لتكريس التفرقة حيث إن عمل فصيل معين احتفاله في قرية أو مدينة معينة فإن فصيلا أو فصائل أخرى تختار عن عمد مناطق أخرى وإن ذهب شخص محسوب على هذا الفصيل لحفل فصيل آخر نجد أن جماعته تحاسبه وتعاقبه او تطرده أو توبخه!!! وهنا لسان حالنا يقول: بأي حال عدت يا عيد؟

فيا أهلي ويا شعبي: ألم يأتِ بعد الوقت الذي تجتمعون به على رأي واحد وقرار واحد كي نحتفل جميعنا معا ونرفع أعلامنا المتعددة الألوان معا كي ينظر إلينا الآخرون ويفرحون معنا، إننا سورايى العراق؛ الشعب الذي يتحدث لغة السورث وببساطة يمكننا اتخاذ القرار بجعل سورايا اسما موحدا يجمعنا ونقرر بأن هذا لا يخضع للترجمة ويبقى هكذا بجميع اللغات وتكون لغة السورث بكافة لهجاتها الجميلة توحدنا وتقودنا لمستقبل أفضل مما نحن عليه بحيث هي ذات اللغة التي يسميها البعض كلدانية والبعض الآخر آشورية أو سريانية وبالنتيجة الحاصلة فعلا أن لا هذا ولا هذاك يتنازل رغم من يتحدث بها من أي طرف كان فإن حديثه مفهوم من قبل الآخرين ...وللحديث صلة
عبدالله النوفلي

72
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (14)

شعبنا توزع في جميع أصقاع الأرض، ونتيجة ذلك تعلم عادات الشعوب الذي يعيش معها سواء الموجب منها أو السلبي، فنجد أو نقرأ باستمرار أخبارا طيبة أحيانا تفرحنا وأخرى سيئة تزعجنا.
ومؤخرا نُشرت تفاصيل لعصابات منظمة في الولايات المتحدة الأمريكية كان فيها لأبناء شعبنا حصة الأسد، وكذلك في ضاحية فيرفيلد بسدني باستراليا، ونقرأ في الأمثال: مَن عاشر قوما أربعين يوما صار واحداً منهم، وهكذا في دولة مثل الولايات المتحدة حيث يمكنك شراء السلاح بأبسط الطرق ولا يحتاج ذلك إلى تعقيدات أدارية أو أمنية محددة، وحيث تنتشر العصابات فقد تعلم أبناء شعبنا منهم هذه الخصلة السيئة، فلم نعد نتكلم بأن شعبنا يتميز بالطيبة والاخلاص والأمانة بصورة عامة على الأقل لمن أصبحوا خارج موطنهم (العراق) حيث لا تنطبق هناك قوانين وعادات العراق ونظام العائلة ورب البيت الذي يسيطر على كل شيء وبقوة خصوصا على بيته.


وعن ذلك كتبنا يوما ما مفاده: أن شعبنا خرج من موطنه كي ينجو بنفسه ويحافظ عليها من الارهاب ويلجأ إلى أرض أمينة، وقلنا لهؤلاء أنكم حصلتم على الأمان لكنكم في بعض الحالات خسرتم أولادكم، وهذا ليس فقط في أمريكا لأن ذلك يحصل أيضا في دول أخرى وأيضا من أبناء شعبنا حيث نجد الشباب يقلدون قشور المدنية في دول المهجر فتجدهم يضعون الأقراط في آذانهم وهناك من يلون شعره بألوان غير طبيعية كالأصفر والبنفسجي والأحمر أو الأخضر ...  وأيضا بسهولة تجد من يرسم على جسده رسوما (تاتو) وليس فقط في أماكن متفرقة من الجسم كاليدين أو البطن أو الظهر، حيث صادفت أحد شباب شعبنا حيث كان في رحلة بحرية للصيد ويبدو أن الشمس قد أحرقت ظهره وبطنه ويديه، فلم يعد قادرا على لبس الملابس عليها وجدته وقد غطت (التاتو) جميع أجزاء جسده من الظهر والبطن!!!!
هذا وغيره واقع في دول المهجر، وعندما نتناقش عن العادات والتقاليد يميل أبناء شعبنا في المهجر إلى أن يختلط أولادهم مع أقرانهم في تلك الدول ويندمجوا في البلاد الجديدة ولا يرون مشكلة لو انتهج أولادهم نهج أولاد تلك الدول حيث تحدُّ القوانين المحلية من سلطة الأب والأم وتعطي الحرية المطلقة والتي حدودها فقط هي عندما تبدأ التأثير سلبا على حرية الآخرين .


ونجد مما ينضح من أقلام كتابنا الأعزاء حيث أنهم يتناولون كل صغيرة وكبيرة خصوصا في الشأن القومي أي لشعبنا في موطنه، الذي يشبعوه بالكثير من الكتابات والجدالات والتي تكون في جانب منها باتجاه تهجم الواحد على الآخر ومحاولة النيل من هذا أو ذاك وأحيانا يتم نعت كاتب معين بألقاب وكلمات جارحة وصلت مؤخرا لاتهام البعض من الكتاب بالإرهاب أو الكفر!!! والكلميتن كبيرتين في المعنى والتي لا يمكن ألصاقهما بأي أحد هكذا جزافا دون دليل قاطع يثبت صحتها، ومن جهة الكفر فإن إيماننا المسيحي يعلمنا الكثير وليس سهلا أن نقول لأخينا الآخر أنه غير مؤمن، فنجد في الانجيل "واما انا فاقول لكم ان كل من يغضب على اخيه باطلا يكون مستوجب الحكم. ومن قال لاخيه رقا يكون مستوجب المجمع.ومن قال يا احمق يكون مستوجب نار جهنم."(منى 22:5)، ومنهم من يتهم كاتبا معينا بأنه ينتمي لإيمان غريب على إيمان شعبنا وعن هذا نقرأ في الانجيل: "واقول لكم ان كثيرين سيأتون من المشارق والمغارب ويتكئون مع ابراهيم واسحق ويعقوب في ملكوت السموات" (متى 11:8)، ويُكمل بأنكم تًطرحون خارجا حيث البكاء وصرير الأسنان، وهنا نستطيع التأكيد بأن المسيح كان يقصد (بأنتم) من كان بمعيته حيث ينعتهم بلقب بنو الملكوت؛ " واما بنو الملكوت فيطرحون الى الظلمة الخارجية.هناك يكون البكاء وصرير الاسنان. " (متى12:9)، وأيضا نجد مثل الوزنات الخمسة والاثنتين والواحدة وكل من حملها وتاجر بها حاسبه رب العمل حسب وزناته، وبكل تأكيد لو كان من كان نصيبه وزنة واحدة قد تاجر بها وربح واحدة لكان أيضا قد باركه.

ومؤكدا ليس فيما نكتبه التساهل في موضوع الإيمان بالمخلّص يسوع المسيح ورسالته، لكن لا يعني هذا من يحاول دراسة فكر الآخرين وإيجاد نقاط التي نلتقي معهم فيها وتسليط الأنوار على تلك النقاط وإنارة العقول لأتباع ذلك الفكر فإنه بذلك يكون يؤدي عملا إيجابيا في الرسالة التي أوكل مضمونها المسيح لأتباعه عندما قال لهم: "فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس." (متى 19:28)، وعمله هذا لا يعني أنه أصبح تابعا لفكر الغرباء أو جزءا من إيمانهم.
ولي في هذا تجربة شخصية استمرت لسنوات حيث شاركت في ندوات ومؤتمرات ولقاءات تلفزيونية وكذلك نقاشات جانبية كلها كانت تنصب باتجاه إيجاد أرضية مشتركة بيننا وبين المسلمين للتفاهم والعيش الآمن وفهم كل واحد الآخر أي إيجاد نقاط الالتقاء كي نتمكن من الحوار، واندفاعي باتجاه ذلك كان لأنني وجدت أبناء شعبي يتخوفون من النقاش بل يتهربون منه وهم يحملون كنزا ثمينا هو الكتاب المقدس، ولديهم فيه كلمة الحياة التي تستطيع أعطاء الجواب الشافي لكل سؤال محير، ونقرأ في الانجيل المقدس: "من آمن بي كما قال الكتاب تجري من بطنه انهار ماء حيّ." (يوحنا 38:7)، وهكذا فإن غيرة بيت الرب يجب أن تأكل كل المؤمنين بالرب ويعملوا كي تجري من بطونهم أنهار ماء حي يروي ضمأ كل العطشى أينما كانوا ومن أي لون أو فكر أو إيمان، لأن هذا هو من صلب الرسالة الموكلة إلينا من رب المجد (يسوع المسيح).
وسأروي نتفا هنا من تفاصيل محاولاتي لشرح هاديء مع أخوتي المسلمين في العراق لا من أجل أن أزعزع إيمانهم لأنه لم يكن هذا هدفي مطلقا بل من أجل إيجاد النقاط التي أشرت إليها سابقا كي يكون عيشنا في العراق واضحا وسلسا وآمنا؛ فمرة في صيف 2010 جمعتنا الفرصة مع مجموعة خيرة من أبناء شعبنا العراقي من محافظة النجف وكانت بحدود (50) شخصا ذكورا وأناث طلاب جامعات ومسؤولين من مختلف الثقافات والمستويات العلمية وبضمنهم رجال دين وأعضاء في مجلس المحافظة، وكانت قاعة دير الشيخ متي مكانا لذلك وكان سيادة مطران الرعية حاضرا مع عدد من الرهبان والآباء الكهنة مع عدد من العلمانيين المسيحيين، وكان محور محاضرتي حينها أيضاح موقع المسيحية حسب القرآن وما موجود من أحاديث وسنن لدى الطرفين وكذلك العهد الذي أخرجه نبي المسلمين تجاه أهل الذمة ومضمونه، ولمتعة الحديث وما تلاه من نقاش استمرت المحاضرة زهاء الثلاث ساعات ولم يشعر أي منا بالملل وقال بعضهم بأنهم لأول مرة يلتقون بمسيحي يتحدث هكذا من القرآن وبآياته ويشرحها ويبدي رأيه بوضوح في الشأن الديني هذا.

ووجدت مدى فرحهم عندما زرت محافظة النجف لعدد من المرات بعدها وكيف كان استقبالهم لي وكنت أقرأ سمات الفرح على وجوههم وكأنهم يستقبلون أخا لهم، وأيضا عندما ساهمت ببحث في المؤتمر الأول للتمهيد لعام اختيار النجف عاصمة للثقافة الاسلامية وكان بحثي فيه تحت عنوان: مفهوم السلام في المسيحية والاسلام، فقد اختارت اللجنة المنظمة هذا البحث كي يتم طرحه مباشرة بعد الجلسة الافتتاحية الرسمية حيث لقي اهتماما جيدا ممن كان حاضرا حينها وكان ذلك في كانون الثاني 2011. وأيضا كان من نتائج ذلك موقف مجلس محافظة النجف الرائع بعد حادثة كنيسة سيدة النجاة حيث رحب بقدوم المسيحيين للمحافظة والدراسة فيها والعمل بأمان ومحبة.
وعندما أتحدث عن هذا الموضوع لأنني امتلك تجربة غنية ومهمة فيه وأفرح كثيرا عندما أجد أحدا من أبناء شعبنا يسير في ذات النهج لأن بحثنا عن نقاط الالتقاء أمر في غاية الأهمية وترسيخ هذا في ذهن المقابل يبعد كثيرا شعبنا من المشاكل المحيطة به من كل جانب وخصوصا في بلدنا العراق، فمرة كنت حاضرا مؤتمرا للحوار في رئاسة الوقف السني أواخر عام 2010 وحينها كان الحضور ما يقارب (2000) شخصا امتلأت بهم القاعة الكبرى في رئاسة الوقف وكان جلهم من أئمة وخطباء الجوامع وأوضحت في كلمتي في ذلك المؤتمر جوانب مهمة من الصفات التي يذكرها القرآن حول النصارى كونهم أقرب مودة للذين آمنوا؛ " وَلَتَجِدَنَّ أَقۡرَبَهُمۡ مَّوَدَّةً لِّلَّذِينَ آمَنُوا۟ الَّذِينَ قَالُوَا۟ إِنَّا نَصَارَىٰ ذَٰلِكَ بِأَنَّ مِنۡهُمۡ قِسِّيسِينَ وَرُهۡبَانًا وَأَنَّهُمۡ لاَ يَسۡتَكۡبِرُونَ" (المائدة 82)، والآية "فَإِن كُنتَ فِى شَكٍّ مِّمَّا أَنزَلۡنَا إِلَيكَ فَاسأۡلِ الَّذِينَ يَقرَؤُونَ الكِتَابَ مِن قَبلِكَ .... "(يونس 94)، وصفات كثيرة لا يسمح المجال لذكرها، وفي نهاية الكلمة تساءلت فيها قائلاً: ألمثل من يحمل هذه الصفات تصح أن نطلق عليه لقب (كافر)؟ وعندما تركت المنصة نازلا صفق الجميع واستقبلت أسفل المنصة بالقبل والأحضان.

إن أرض الحوار موجودة وعلينا جعلها خصبة والمجمع الفاتيكاني الثاني يركز على ذلك، وسعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني عندما أُهدي له نسخة من القرآن في سوريا قبله باحترام، فما بالنا نحن نرشق هذا أو ذاك بالكفر، فإن كان رأس الكنيسة آنذاك نهج هذا النهج، فلماذا نحاول ان ننتهج نهجا مغايرا؟ فعلينا الإقرار بأن أعلاما مضادا موجود لدى الطرفين وهو الذي يقف حجر عثرة لمنع الحوار ويحاول دائما الوصول بالنتيجة إلى الصدام وهذا بكل تأكيد ليس منهج المسيح ويجب أن لا يكون منهج أتباعه.وللحديث صلة
عبدالله النوفلي

73
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (13)

تكلمنا في الحلقة السابقة عن الدستور وظلمه لشعبنا في العراق في جوانب عدة، وهذا الدستور أفرغه البرلمان من مضمونه؛ إذ هو شبه معطل، لأن مواد كثيرة منه كي يتم تفعيلها يجب تشريع قوانين تنظم العمل بها ويستطيع المواطن الاستفادة من تلك المواد، لكن كما نعلم فإن تجاذبات كثيرة وصراعات مختلفة تُشتت عمل البرلمان وتعطل دوره ليبقى شكليا، لذلك فإن مئات القوانين بقيت بجرارات الحفظ لأعضاء البرلمان رغم هذه السنوات الكثيرة التي مضت على أقراره فبقيت فائدته محدودة للأسف.

وهناك دوائر ووزارات دون قوانين تنظم أعمالها، وهذا أحد الأسباب التي جعل العراق يحتل مرتبة دُنيا بل في مؤخرة الدول الأكثر فسادا في العالم، لأن أية دولة لا ينظم عملها القانون وتطبق القوانين بصرامة يستشري فيها الفساد ويصبح عرضة للاجتهادات والتصرفات الفردية، كما ويصعب محاسبة أي مسؤول لعدم وجود مواد قانونية ملزمة التطبيق، وبلا شك أنها فرصة للبعض كي يستمر الوضع على ماهو عليه لحين استطاعتهم نهب أكبر قدر ممكن من ثروات العراق وضرب ضربتهم كما تقول العامية العراقية ... والنتيجة أن الشعب العراقي هو الخاسر وشعبنا المسيحي يبقى الخاسر الأكبر ضمن هكذا وضع؛ لأن الآخرين ينظرون إليه (أنه في الجيب) ولا يمكنه الحاق الأذى بالآخرين ، مسالم ، مطيع، يعمل بصمت ...

هذه نظرة عموم الشعب العراقي من غير المسيحيين للمسيحيين، وأحد أسباب استمرار الظلم علينا هو ترسيخ هذه النظرة في عقول الآخرين واقتناعنا نحن أيضا بأننا لا نستطيع فعل شيء سوى الهرب بعيدا، ولو كانت مبادئنا المسيحية هي التي وضعتنا في هذه الزاوية الضيقة، فما بال مسيحيي مصر رغم ما يعانونه من اضطهاد تزايد كثيرا مؤخرا، لكن لديهم كلمة جريئة في مقاومة ما يحدث ويعطون تضحيات من جراء مواقفهم ونراهم صامدين أمام ما يحدث أو على الأقل أن هجرتهم ليست كما هي عليه لأخوتهم من المسيحيين العراقيين.

إن المسيحيين في العراق يمارسون أعمالا ليس المسموح للآخرين القيام بها وهي عرضة للغلق في أية لحظة نتيجة المحرمات الدينية، وقبل 2003 بدأ بتطبيق الحملة الإيمانية وتقريبا منذ بدأ الحصار الدولي على العراق عام 1990 والتي كان من اول الضحايا فيها هم المسيحيون وحتى من كان منهم في السجون؛ فمن لم يكن مسلما لن يستفد من الحملة الإيمانية لأن المسلم الذي يحفظ القرآن في السجن كان يحصل على مكافأة تخفيض فترة محكوميته نتيجة حفظه للقرآن أما الآخرين من غير المسلمين فإنهم يبقون قابعين في السجن لحين انتهاء آخر يوم لهم من الحكم الصادر بحقهم، ناهيك عن الآخرين الأحرار حيث قطعت أرزاقهم وأغلقت محلاتهم كونها محلات بيع الخمور وهي محرمة شرعا، ورغم كل ذلك كانت الإحصائيات الدولية تشير بأن العراق هو من أكثر الدول في العالم استيرادا لهذه المواد، وروى أحد الذين اقتحموا القصور الرئاسية عن وجود آلاف الصناديق من المخزون فيها من مادة الويسكي الذي كان تحت تصرف عبدالله المؤمن قائد العراق آنذاك والذي قاد الحملة الإيمانية، أي أنهم كانوا يقولون ما لا يفعلون ويضعون القيود والأحمال على غيرهم وهم لا يحملون شيئا أو يعانون من أي من تلك القيود.

وكلنا يتابع كيف يزداد بيع المخدرات بأنواعها في المناطق التي يُمنع فيها بيع الخمور؛ فعند تطبيق الحملة الإيمانية وغلق تلك المحلات التي كانت تقدم المشروب للزبائن (البارات) أصبح الشرب لها على الأرصفة وأمام المارة وفي الحدائق العامة وكنا نرى باعة (المازة) ومنها اللبلبي والباقلاء منتشرين عند المخازن التي تبيع تلك المادة وكان الشارب يقتني قنينة واحدة ثم يباشر على الفور بشربها أمام المحل، وهكذا كانت الحملة الإيمانية آنذاك سببا في انتشار احتساء الخمور في الشوارع.

واليوم نجد انتشار المخدرات كنتيجة للتضييق الحاصل على تلك المحلات أيضا ويُمنع بموجبها بيع الخمور وبسهولة يمكن للمتابع او المراقب أن يحدد كيف ازداد عدد (المكبسلين) بالمخدرات في مناطق كثيرة من العراق، فكل هذا ناتج عن العمل العشوائي والقرارات غير المدروسة، وعندما سألني أحد المسؤولين عن رأيي بغلق محلات بيع الخمور، فكان جوابي له: نحن لا يهمنا غلق تلك المحلات لأننا ببساطة لسنا من يستهلك بصورة رئيسية تلك المادة لكن الذي نهتم له عندما تغلقون تلك المحلات لتلك الشريحة من المواطنين فعليكم أن توفروا لهم مصدرا آخر للرزق مكانه من جهة وبالأولى عليكم ان تمنعوا أتباعكم من شراء هذه المادة وعندها بصورة طبيعية سيصيب تجارة هذه المادة الكساد وتتقلص محلاتها تدريجيا ثم يضطر اصحابها إلى هجرها والبحث عن مصدر بديل لأن التاجر لا يمارس تجارة كاسدة والتي لا تدر عليه ربحا جيدا.

إنه أمر تربوي فلو خلقنا جوا تربويا وتعليميا إيجابيا لأجيالنا الصاعدة عندها لن نكون بحاجة لوضع قيود ظالمة، ويقول الحكماء (كل ممنوع متبوع) وبلادنا مشهورة كثيرا بوضع يافطات تبدأ بكلمة (ممنوع) أو (لا) وهكذا نجد في بلدنا الكثير الكثير من الذين يسيرون عكس الاتجاه ويعملون عكس ما يؤمرون به لذلك تكون نتائجنا دائما سلبية ونرى العالم يتقدم ونحن نتراجع لأننا دوما نتبع قشور المدنية ونترك الجوهر، ونتيجة لذلك حصلنا على مرتبة الحضيض بين الدول الفاسدة كوننا نمارس الحيلة ونتعامل بالرشوة ونتحايل على القوانين ونتهرب من الضرائب ونستخدم كل الوسائل غير المشروعة والمتاحة أمامنا كي نكسب أكثر ما يمكننا ونستولي على الأموال التي ليست من حقنا الحصول عليها.

ويوما قال لي رجلا مسنا من طائفة ليست من شعبنا المسيحي وكانت تبدو على ملامحه التقوى والوقار عندما سألني عن حالي وأوضاعي وكان يعرف بأنني مهندس ومتخرج منذ عام 1976، وكان هذا الحديث في بداية التسعينات من القرن الماضي وعندما شرحت له حالي الغير مستقر والذي كانت العسكرية تدعوني لخدمة الاحتياط بأستمرار ولا أستطيع الاعتماد على عملا مربحا لعدم استقرار الحالة بالإضافة لقلة الراتب الذي كانت وظيفتي تدره لي، فقال بالحرف الواحد: (أبني بوك) أي أسرق!!! فهالني جوابه وقلت له كيف تقول لي ذلك وأنت إنسان مؤمن ونحن لنا وصايا الله التي تقول أحداها (لا تسرق) وهي وصية قاطعة، وكذلك في إيمانكم السارق تقطع يده، قال لي: ابني، ما أنت عليه من هو السبب أو المسبب به ؟ أليست الحكومة؟ قلت له: بلى، فقال لي: بما انك موظف حكومي والحكومة هي السبب بما أنت عليه من حال، فسرقة الحكومة بهذه الحالة حلال!!!

هكذا إذا يوجد بين العراقيين من يُشرع لنفسه وينسى شرع الله والقوانين الوضعية، ووضع كهذا هو الذي قادنا إلى ما نحن عليه، وكلنا شاهد كما شاهد العالم أجمع كيف تم نهب وسلب الدولة بأكملها بعد أحداث 2003، وهنا انطبق علينا حلم فرعون الذي قصه على يوسف عن البقرات السمينات ومثلها الضعيفات وكيف أكلت الضعيفات السمينات ولم يظهر عليها شيء وكأنها لم تأكل شيئا، تماما انطبق ذلك على العراقيون حيث ابتلعوا الدولة بأكملها وبقي حالهم البؤس والشقاء ويعانون من القهر والقتل والتهجير.

ويوما قرأت في احدى الصحف العراقية بعد أحداث 2003 عن موقف حصل في أحد دور عبادة الكرادة ببغداد حيث أراد رجل الدين في ذلك الدار أن لا يصلي مع مؤمنين تلوثت أيديهم بالمال الحرام من المال الذي تم سرقته من الدولة وأقسم أمامهم أنه لن يصلي إن كان بمعيته من سرق ونهب الدولة وحينها كان بيت الصلاة يعج بالمئات من المصلين وكان عديدهم يصل حتى خارج دار العبادة، ونتيجة قوله خرج البعض، وعندما لم يخرج الكثير أعاد قسمه ثانية وثالثة وفي كل مرة كان يخرج البعض إلى أن بقي بحدود (25) مصليا فقط، وعندها طلب منهم القسم على كتاب الله بأنهم صادقين كي يبدأ الصلاة، ونتيجة هذا بقي معه فقط (9) صلوا معا ذلك اليوم.

هذا ما كتبته أحدى الصحف في بغداد في تلك السنة، فعلينا تصور حجم الكم الهائل من العراقيين الذين خانوا ضمائرهم وسرقوا ونهبوا وحللوا لأنفسهم ماهو حرام عليهم وكنا نحن المسيحيين نضيع ونُداس تحت الأقدام حتى أن من لم يرافق السُراق والحرامية في تلك الفوضى أصبح شاذا أو نشازا يعزف خارج الجوقة، وكأننا في زمن يزحف فيها قوم جوج وماجوج لتدمير وتبديد كل شيء وكانت النتائج ما نحن عليه اليوم فكيف يمكن تقويم كل هذا؟
وللحديث صلة
عبدالله النوفلي

74
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (12)
إن المسيحيين العراقيين عانوا الحرمان والاقصاء والتغييب في كافة فترات الحكم السابقة واستمر هذا الوضع حتى بعد التغيير الكبير الذي حدث عام 2003، فرغم كفاءتهم التي تكلمنا عن بعض جوانبها في الحلقات السابقة بحيث فرضوا أنفسهم على العراق إذ لا بديل عنهم، كما كانت حالة عمو بابا حيث أن المسؤولين عن كرة القدم كانوا يعودون للاستعانة به كلما أخفق مدرب ما في قيادة المنتخب العراقي كي يقوم هو بتصحيح مسار الفريق ويحصل على نتائج طيبة، وهكذا في حقول كثيرة، وهنا جدير بالذكر أن نذكر موقف البطريرك سعيد الذكر عمانوئيل الثاني ودوره المؤثر والمهم في ألحاق ولاية الموصل بالعراق نهائيا أبان عهد عصبة الأمم المتحدة في الثلث الاول من القرن العشرين، وكان شعبنا مشهور له بالأمانة والاخلاص لذلك كان المسؤولين يختارونهم كي يعملوا بمعيتهم أو لديهم لأن التاريخ لم يسجل حالات من الخيانة لديهم.

واليوم نتحدث عن الظلم الذي لحق بشعبنا بعد عام 2003، حيث تم استلاب حقوقه وطمسها رغم كل الحديث عن الديمقراطية وحقوق المواطنة وجبروت أمريكا التي تحدثت عن جعل العراق نموذجا للديمقراطية في المنطقة والتي من أجلها جيشت الجيوش وهاجمت العراق وحطمت كل بنيته التحتية وفتحت كافة أبوابه لكل من هبّ ودب بحيث أصبح دولة بلا قانون أو سلطة وباستطاعة من يشاء دخول أراضيه ومغادرتها دون أية ضوابط، لقد صحا العراقيون على فوضى عارمة وكأن ما أقدمت عليه الولايات المتحدة الامريكية كان تخبطا دون تخطيط مسبق رغم ما كنا نسمع من اجتماعات للمعارضة العراقية في الخارج!!! لكن يبدو ان هذه الاجتماعات لم تكن تناقش لمرحلة ما بعد السقوط، بل فقط أنهم كانوا يناقشون كيف سيقسمون السلطة بينهم ومن سيعتلي الكرسي هنا او هناك ومن يحتل هذا المبنى او ذاك بحيث وجدنا عند قدوم قوات الاحتلال دخل بمعيتها ممثلوا الأحزاب وكان لكل حزب هدف معين فقام باحتلاله كي يصبح مقرا أو مقرات له من أبنية الدولة السابقة ومنها أحد أحزاب شعبنا أيضا. وهكذا أصبحت هذه البنايات التي كانت ملكا عاما للدولة، مستخدمة من قبل أحزاب وتيارات وتنظيمات أو حركات التي أصبح عددها بالمئات بعد أن كان العراق يُحكم من قبل سلطة الحزب الواحد!!!.
وأبان السقوط وخلاله كنت حاضرا لما يسمى بعملية تحرير قرى شعبنا حيث كانت عملية صوَرية بحتة لأن بالأساس لم تكن هناك سلطة خلال حرب احتلال العراق في تلك القرى بحيث دخلت هذه القرى قوى حزبية تابعة لهذا أو ذاك وكلٌ يحاول أن يحجز موضع قدم له فيها، وصادف أن حضرت تجمعا كان أحد قادة تنظيمات شعبنا يتحدث به، وخلاله تم توزيع مطبوعات حزبه تلك التي كانت تُطبع في كردستان العراق، ويبدو لي من خلال حديثه أنه كان قد زار أحد المطارين المسؤولين عن تلك المنطقة التي كان على ما يبدو بعض سكان تلك القرية او القرى المجاورة قد اشتكوا عما يحدث من تصرفات لحزب ذاك المسؤول للمطران، فقال عندها بالحرف الواحد لولا العيب من المطران لتصرفت بعنف مع أولئك الأهالي، فضحكت بداخلي وقلت اين هذا من الديمقراطية المزعومة؟ إذ هو منذ البداية يتكلم عن القهر والبطش والعين الحمراء من جهة ومن جهة أخرى يتكلم عن أسقاط الطاغية وعن الحرية والديمقراطية المنتظرة!!!
حقا لقد ضحكت حينها كثيرا وأنا أراقب هذا المشهد في تلك الواقعة التي جرت أحداثها أوائل نيسان 2003 في أحدى قرى شعبنا وحينها أدركت أن القادم أسوأ، وإذا كان قبل نيسان 2003 في العراق صداما واحدا فإنه سيكون الكثير من امثاله بعد ذلك.
وحادثة أخرى حدثت في قرية أخرى حيث أن القوى التي زعمت أنها حررت القرية سكنت في مدرستها الابتدائية لفترة من الزمن، وعند مغادرتها لتلك القرية أكتشف أهالي القرية بأن تلك القوة انتزعت مراوح المدرسة وأخذتها معها كغنائم الأمر الذي ينطبق عليها المثل القائل (حاميها حراميها).


ولنعد إلى الظلم اللاحق الذي عانى منه شعبي ومازال، وأذكر هنا الدستور الذي تمت كتابته على عجالة على أمل أن يتم تعديل المواد التي بها مشاكل في فترة محددة لاحقا وهذه الفترة تم تمديدها وأصبحت تأخذ مطاطية لا يعرف نهايتها أحد، فهذا الدستور قد ظلم حقوق شعبنا بالكامل وسلبهم كل حقهم بالعيش بحرية لأنه أعطاهم الحقوق كمواطنين كما هي لكافة مواطني العراق عامة وسلبها منهم بيد أخرى لأنهم غير مسلمين؛ ففي ديباجة الدستور وعن عمد وسبق أصرار أو عن جهل مقيت لم يتم ذكر شعبنا وتضحياته حتى ولول بكلمة واحدة أو بأشارة غير مباشرة وكأن مذبحة سميل كانت لذبح أغراب عن العراق ... وكأن صورية وما تم من ذبح لأهاليها وكأنها ليست من قرى العراق وليس هذا فقط ولو أحصينا القرى التي دمرت أبان عمليات الأنفال والتي يعرفها أبناء شمال العراق كثيرا لوجدناها بأرقام كبيرة.

هذا نزر يسير من المعاناة التي عانى منها مسيحيوا العراق وتضحياتهم الجسام التي أغفلها كاتبوا الدستور عن عمد ورغم وجود ممثلين لشعبنا في لجنة صياغة الدستور والذي أنتقل بعض منهم إلى الأخدار السماوية ولا يمكننا سؤالهم عن مدى محاولتهم لفعل شيء وتم منعهم أو لم يستمع إلى ملاحظاتهم أحد أو لم يتم أعارتها أية أهمية فربما كانوا مجرد أرقام بلجنة ولذر الرماد في العيون وكي يتم أكتمال العدد وكي لا نقول لا يوجد من يمثل شعبنا في هذه اللجنة!!!
والأدهى من ذلك فإن الدستور في فقرة منه حرم غير المسلمين تماما من اتخاذ القرارات التي تخصهم أو سن قوانين خاصة بهم وتلك الفقرة تنصُّ: لا يجوز سن أو تشريع أي قانون يتعارض مع الثوابت الاسلامية المتفق عليها!!! هذه العبارة الفضفاضة التي أصبحت سلاحا لمحاربة غير المسلمين في مجمل أمورهم وحتى في تجارتهم لأن رد السلطات الحاكمة بأن هذا ضد الثوابت الاسلامية فيتم رفض المشروع أو ركنه جانبا أو تعطيله.


وأسوق هنا مسألة تجارة المشروبات الكحولية وأجازة هذه التجارة التي تنظمها دائرة السياحة في العراق وهي المسؤولة عن تنظيمها وتجديد أجازة ممارسة المهنة لها... فإن من بيده الصلاحية لتجديد الاجازات وتم وضعه في هذا المفصل يعتبر هذه المهنة حرام فلا يقوم بالموافقة على تجديد الاجازة، هذا من جانب ومن جانب آخر هناك سلطة أخرى تلاحق من لم يقم بتجديد أجازته وتغلق له تجارته وتدعي بأنها لا تلاحق من له أجازة وهو حر بممارسة تجارته!!! إنه حقا لأمر مضحك تماما وعلينا تصور الحالة بحيث أصبح من يمتهن هذه التجارة بين فكي كماشة وصيدا سهلا للارهابيين؛ منهم من يُفجر تلك المحلات ويقوم بنهبها كي يبيعها في الخفاء وبالسوق السوداء، ومنهم من يبتز أصحابها بفرض الأتاوات ... وبعد أن كان الأمر منظما أصبح عشوائيا، وأنا شاهدت وأشتريت البيرة المبردة من صاحب عربانة متجول وكان واقفا كما كان يفعل كل يوم أمام سينما بغداد في علاوي الحلة ببغداد وعلى مرأى الجميع، وكان ذلك البائع من الذين يستحرمون التعامل بهذه المادة، فماذا نستطيع القول أو كيف نحلل هذا الأمر، فمن جهة يحرمونه ويحاربون من يتاجر به رسميا وبموافقة السلطات، ومن جهة أخرى يمارسون التجارة بها وأمام منظر الجميع.وللحديث صلة

عبدالله النوفلي

75
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (11)
سؤال دائما يتكرر على أفواه أبناء شعبنا المسيحي أينما أقابلهم مفاده: هل هناك أمل؟ أم هل هناك مستقبل لنا في العراق؟ بكل تأكيد أنه تساؤل مشروع وملح وهذا دليل على أن شعبنا المسيحي مهتم لمصيره في وطنه الأم ومقتنع بأن الحياة لا يمكن لها الاستمرار بصورة طبيعية مع وجود اليأس. والحكيم سبق وأن قال: لا يأس مع الحياة، وتكرار مثل هذا التساؤل والإلحاح عليه يدل على أن اليأس بدأ يدخل إلى قلوب وعقول أبناء شعبنا، أقله للذين هم في المهاجر والبعيدين عن نبض الحياة في أرض ما بين النهرين الخالدة، لأن معايشة الحياة الحقيقية بحلوها ومرها حتى وإن كانت مغلفة بالمآسي تكون مفيدة أحيانا كي نبحث عن أمل بغدٍ أفضل، لأن من يعيش الحدث يعرف أبعاده ويعرف ما يحدث بصورة حقيقية وواضحة ولا يحتاج كي يبحث أو يستقصي عنه ومن ثم تكون النتائج التي يتوصل إليها وهو بعيد عن الوطن مبنية على استنتاجات ربما تكون بعيدة عن الحقيقة أو أقله لا يصل إلى الحقيقة كاملة.

لذلك نجد من هو في دول المهجر قلق دائما كما هو الحال عليه مع المسيحيين العراقيين كونهم حريصين على مستقبل المسيحية في العراق خاصة وهم بعيدين عنه، وهذا القلق يشير أيضا إلى انهم مازالوا في العراق روحيا ولم تنقطع جذورهم عنه والعراق يعني لهم الشيء الكثير؛ فهم يتابعون أخباره ويتفاعلون مع كل ما يحدث على أرضه، فالعراق هو جزء من حياتهم بل هو حياتهم كلها، وهنا يكمن الأمل الذي يجب أن نتحلى به جميعنا، فعراق الحضارة العريقة ... بلاد آشور وبابل وسومر وأكد، لن يموت أبدا حتى وإن مرض وعانى ونزف، لأن شعبه الذي بنى وسجل كل هذا الارث من التاريخ يريد الحياة، وشاعرنا العربي قال فيما قال:

إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أي يستجيب القدر

وشعبنا في العراق كان يريد الحياة وبقوة وقد ساهم على مرّ التاريخ ببناء حضارة هذا البلد وبصماته ما تزال واضحة ولن يستطع التاريخ أن يزيلها أو يمحي آثارها على أقل تقدير من ذاكرته حتى وإن بدا للبعض وكأن العراق بدأ يفقد الذاكرة، لكن أبرز مثل على ذلك ما أكتشف وتم أعلانه مؤخرا من آثار لكنيسة في مطار النجف وغيرها من الآثار التي تزخر بها منطقة الحيرة خصوصا، فذاكرة العراق لا يمكن لقوة في الأرض أن تمحيها فآثار النجف وكوخي ونينوى والأديرة المنتشرة في كل مكان ستبقى شاخصة رغما عن أنف كل هجمات الشر التي تضرب هنا وهناك، فما فعله المسيحيين العراقيين لم يكن قليلا.


والعراق سيبقى يتذكر أبنائه المسيحيين بأحرف من نور حتى وإن خلت أرض العراق من مسيحييه، وآخر من بقي على لسان جميع العراقيين ولحد اليوم وسيبقى إلى حين ليس بالقليل هو شيخ المدربين (عمو بابا) الذي كان عنوانا لكتابات كثيرة وحزن الجميع على فقدانه، وكما كان عمو كان الكثير غيره الذين وضعوا انفسهم رهن أشارة العراق وخدموه بتفاني وأمانة وأخلاص وصدق وإن أردنا تسطير أسماء الجميع فلا شك أننا سوف لن نلم بأجمعهم فكما كان الماضي مشعا هكذا كان الحاضر أيضا وكلنا أمل أن يستمر كذلك في المستقبل فهذه جامعة بغداد العريقة شاهدة على أول رئيس لها (الدكتور متي عقراوي) عند تأسيسها في أواسط القرن العشرين، وأيضا سجلات وزارة الصحة لابد أن تذكر أسم أول وزير في عهد الحكومة العراقية الحديثة (الدكتور حنا خياط) والذي شغل أيضا عمادة كلية الطب عند تأسيسها، وأيضا وزارة الاعلام كان أول وزير لها مسيحيا (روفائيل بطي) والأباء الدومنيكان بمطبعتهم في الموصل ومجلة (أكليل الورد) المجلة الرائدة لمجلات العراق الحديث كل هذه وغيرها من ومضات ساطعة في تاريخ العراق لا يمكن محوه أبدا.

أليست هذه النتف القليلة من التاريخ القريب تجعلنا نقول بقوة أن الحياة مازال فيها أمل!!! أليست هذه أجابات على تساؤلات الكثيرين التي يجب أن يقتنعوا مع الحكمة القائلة بأن لا يأس مع الحياة؟!! وما وصل إليه هؤلاء وما فعلوه لم يكن نتاج واقع مفروش بالورود أو نتيجة حياة مرفهة، بل كان هو عينه العراق الذي يعاني دائما من المشاكل ويتعرض اهله للنكبات الواحدة تلو الأخرى، وما سماعنا للأغاني العراقية القديمة حتى نعرف مدى القهر والظلم الذي عانى منه هذا الشعب بحيث جعل من كل تراثه الغنائي ميالا للبكاء والحزن.

فهنا حيث العراق اليوم والذي يتعشش الظلم والكراهية في الكثير من مفاصل الحياة فيه، أي ان الخطيئة موجودة هنا وبكثرة، وبهذا علينا الاستماع لكلام مار بولس القائل: "... ولكن حيث كثرت الخطيئة ازدادت النعمة جدا"(رومية 20:5) لكن مار بولس يتساءل: "فماذا نقول. انبقى في الخطية لكي تكثر النعمة"(رومية1:6) فنجده يجيب بنفسه بكلمة قاطعة (حاشا)، وهكذا يجب أن تكون أجابتنا عن واقع الشعب المسيحي في العراق، فرغم كل الغيوم السوداء التي تتلبد بها سماء المنطقة ككل وحالة فقدان الأمل الموجودة، لكن الحياة ستستمر والمتغيرات ستحدث والأحوال تتغير دائما وليست ثابتة، ومن الطبيعي أن يجيبك العراقي بعد كل ما يحدث ويقول: "الحمد لله" أو "إنشاء الله" وغيرها من العبارات التي يضع صاحبها كل شيء بيد الله كونه هو الراعي الصالح وهو الذي جبل جبلته وهو القادر أن يصونها ويحميها ويجعلها تستمر في الحياة ولا تباد أو تُفنى أبدا.فهذا هو حال الإنسان في العراق دائما، فعندما دخل العراق حربا استمرت ثماني سنوات ضنّ البعض أنها لن تنتهي أبداً لكن فقد أتى اليوم الذي انتهت فيه الثمان سنوات العجاف ورقص العراقيون أياما كثيرة بلياليها والحكماء يقولون بأن لكل بداية نهاية ولا يدوم سوى وجه الله العلي القدير، إذا هناك دائما حدا للمآسي لأن الله لم يخلقنا كي نباد أو نفنى، فإن كنا مؤمنين يجب أن نكون متيقنين بأن الله خلق كل شيء وكان هذا الكل حسنا وجميلا كما يورد الكتاب المقدس، والحياة علمتنا أن الشيء العظيم يولد ولادة عسيرة لكي يكون الفرح به كبيرا، نعم فلابد أن تاتي المشاكل لكن الويل لمن يكون سببا لهذه المشاكل (لو1:17)، وكمسيحيين مؤمنين علينا العودة دائما إلى كتابنا المقدس الذي هو دستور الحياة وكلمته ويذكر لنا بأن مسيحنا وجه كلامه لنا وقال بأننا سنكون مبغوضين "وتكونون مبغضين من الجميع من اجل اسمي.ولكن الذي يصبر الى المنتهى فهذا يخلص."(متى 22:10)، كل ذلك من أجل اسمه المبارك لكنه يقول من يصبر إلى المنتهى فإنه يخلص وهذا سيرافقه الظلم، والجوع والتقديم إلى المحاكم  و و و ... ولم يعطِنا أملا بحياة مترفة ومليئة بالأفراح والمسرات، وهذا هو تماما الأمر الذي يحدث اليوم والذي لا يختلف كثيرا عما حدث البارحة عندما كان الرسل مع معلمهم في قارب وسط بحيرة وضنّ وقتها الرسل أنهم غارقون لا محالة كما نضن نحن اليوم بأن الأمل أصبح مفقودا وإن المسيحية في العراق في طريقها للانقراض لا محالة!!!.

إننا اليوم بحاجة لحبة خردلٍ كي نتقوى، وهذه الحبة موجودة أصلا وما علينا سوى أزالة الغبار المتراكم عليها كوننا متكلين على ذواتنا وقوتنا الخاصة ونسينا أن لنا ربا كبيرا هو المسيح الله يقف معنا دائما ويتفقدنا وإن كانت الأمواج متلاطمة اليوم والجو ملبد بالغيوم فإنه حتما سينتهي كل ذلك كي يعود الهدوء وتعود عجلة الحياة تدور بصورة طبيعية.

إن ما يعيشه مسيحيوا العراق اليوم هو الحالة الشاذة رغم تشتت معظمهم في دول العالم المختلفة، لكن من يدري فربما لله الحكمة في كل هذا، وربما يريد أن نحمل رسالة الإيمان إلى أقاصي الأرض وكما كان منذ القديم؛ الشرق منبعا للأنبياء وللرسالات السماوية فربما اليوم أبناء هذا الشرق (السورايى) سيحملون رسالة السماء إلى العالم أجمع، إنه أمل علينا أن نتشبث به كي تبقى الحياة ممتعة وذات طعم.
وللحديث صلة

عبدالله النوفلي

76
المسيحيون العراقيون (10)
قد يعتقد القاريء بأنني أو غيري من الذين يكتبون عن شعبنا المسيحي، كوننا نبحث عن المشاكل التي يعاني منها هذا الشعب ونستغل آلامه ونبحث عن إثارة عواطف المواطن أو القراء كي يصبح الموضوع الذي نكتب حوله مشوقا، وقد يلجأ الكاتب أيا كان إلى بعض الاضافات المشوقة حسب وجهة نظره، وأحيانا أخرى يلجأ الكاتب إلى النقد المباشر والموجه لجهة أو أسم معين سواء حزب أو تنظيم أو منظمة أو اتحاد أو مشابه ذلك، فأساليب وفنون الكتابة كثيرة، ولكن من يتابع ما أكتبه سيجد أنني لست ممن يحاول خداع القاريء أو أكتب عما لا ناقة لي به أو أنني لا أحاول المساس بأي من أبناء شعبنا سواء كان حزبا او أفراد أو رجالات دين، وجلّ ما أفعله هو الإشارة لما أريد أن أوصله للقاريء وعليه الاستنتاج، لأن غايتي هي البناء وليس الهدم وما فات شخصا او حزبا معينا اليوم ممكن أن يعود ويتم أصلاحه غدا ونستفاد كلنا كشعب من خبرات من كان اليوم منا مثار انتقاد وتجريح و ...
فما نجده في الكتابة التي ألجأ إليها كي أقدم ما أراه للقاريء هو تحليلا هادئا ومحاولا كسب كل ألوان شعبي من الكلدان والآثوريين والسريان والأرمن، وكشماس في الكنيسة أحاول البحث فيما قاله آباء الكنيسة وتراثها الديني كي أستند إليه في بعض كتاباتي وحول هذه النقطة نجد مار بولس يقول: " فاني اذ كنت حرا من الجميع استعبدت نفسي للجميع لاربح الاكثرين.  فصرت لليهود كيهودي لاربح اليهود. وللذين تحت الناموس كاني تحت الناموس لاربح الذين تحت الناموس.  وللذين بلا ناموس كاني بلا ناموس.مع اني لست بلا ناموس الله بل تحت ناموس للمسيح.لاربح الذين بلا ناموس. صرت للضعفاء كضعيف لاربح


الضعفاء .صرت للكل كل شيء لاخلص على كل حال قوما." (1 قور 20:9-22).
وبهذا لا أحاول الاصطناع كي أكسب رضا هذا أو ذاك لأنني أولا وأخيرا جزء من هذا الشعب ويشهد عليّ أبي وجدي وهكذا وبذلك أزداد فخرا لأن ما أنا عليه هو نتاج فعل أبائي وأجدادي وما ورثته من شعبي من عادات وتقاليد، كما أنني ابن منطقة الموصل وسهلها الخصب وعلى تماس معها إلى اليوم ونتيجة ذلك فقد عايشت العديد من الأحداث التي عانى منها شعبي وأهلي المقربين، ونتيجة ذلك عندما أكتب اتناول أحداثا حدثت بالفعل محاولا أستقراء ما حدث كي نستطيع تلمس طريق المستقبل الأفضل لي ولشعبي. وكلي أمل أننا سنتجاوز الإخفاقات ونعمل على إيجاد الحلول الملائمة كي نرتقي بشعبنا إلى أفضل مرتبات الشرف بين الأمم الأخرى ويكون للسورايي مكانا محترما تحت الشمس ونعيش كغيرنا من الشعوب بصورة طبيعية وبكرامة.
فقد عاش أهلي أوقاتا صعبة في هذا السهل الخصب من نينوى وكانت أمواله عرضة للسرقة والنهب  ايام الفقر والجوع الذي كان عليه حال كل العراقيين خاصة مع بداية القرن العشرين والحربين العالميتين ومعانتهم مع سياسات العثمانيين التي عملت على تجنيد الشباب من المنطقة كمقاتلين لإدامة عجلة الحرب، وممن كان شاهدا على هذا الظلم هو جدي رحمه الله الذي روى لي بعضا من فصول تلك الأيام السوداء عندما تم أسره من قبل جندرمة العثمانيين وتم وضعه في قفص الاسر الذي كان نقطة تجمع المقاتلين قبل أرسالهم للحرب وكان في بلدة تلكيف الحالية آنذاك، وتحدث رحمه الله عن فضاضة تعاملهم مع أسراهم الأمر الذي جعلني متيقنا مما حدث لشعبنا المسيحي بعد ذلك في مذابح يندى لها الجبين في تركيا الحالية.


وحينها كان الخبز الذي يتناوله أهلنا وأهل المنطقة عموما هو خبز الشعير !!! وكانت الجيوب خاوية حالها حال بطون الناس آنذاك لأن الزراعة التي كانوا يعتمدون عليها لم تكن تدر لهم شيء يذكر، ورغم كل هذا فإن الروح التي كان يحملها جدي دفعته كي لا يستسلم لآسريه حيث لم يترك لحظة تضيع بل فكر بجدية بخطة يستطيع من خلالها فك أسره وكان له ذلك في ليلة ظلماء حيث نفذ خطته وفلح في تنفيذها وقضى ذلك الليل طريد آسريه الذين يأسوا أخيرا وساعده في ذلك الظلام الذي كان ستارا له كي يتوارى عن الأنظار حتى أنه روى لي أنه في أحدى اللحظات كان الجندرمة واقفين فوق رأسه وهو في حفرة أسفلهم يحبس الأنفاس ولم ينتبهوا له، وبعد عودتهم خائبين تلمس طريق عودته إلى قريته الذي لم ينفعه سوى خيوط الفجر الأولى التي عرف بواسطته أين هو وصحح مساره كي يصل قريته وهو يحسّ حينها أنه انتصر على الظلم وأعاد الأمل لعائلته التي كانت ستعاني كثيرا لغيابه خاصة وهو كان معيلها الوحيد.
إنها واحدة من الحكايات القصيرة التي لا يسمح المجال لكتابة تفاصيل أحداثها لأنها لم تنته هكذا بل كانت هناك متابعات وأختفاء كلعبة القط والفار وكان المهم في الأمر أن نجح أخيرا وفشلت كل الجهود الرامية لإيجاده وأعادته للأسر.



ذكرت هذا كي أبرهن لشعبي وللقاريء أننا كشعب نستطيع فعل أشياء كثيرة وليس فقط الهرب ونحو المجهول أحيانا لأن المواجهة قد تكون أحيانا أكثر ذي فائدة وهذه لا تعني بالضرورة القتال بل أن نحكم عقلنا كي لا تكون الخسائر كبيرة ونربح أنفسنا ومالنا وشعبنا، ووضعنا اليوم لا يختلف كثيرا عما تحدثنا عن نتف منه الذي حصل مع البدايات الأولى للقرن العشرين رغم ان العالم يسير بسرعة البرق نحو التقدم ولدينا في حساب السنين قرنا كاملا حتى أن السيارة يومها لم يكن استخدامها شائعا بعد واليوم يستخدم العالم الصواريخ في النقل الفضائي، والتكنولوجيا جعلت من العالم قرية صغيرة، لكن شعبنا بقي رهن جلاديه منتظرا ساعة رفع الجلاد لسوطه ضدهم كي يمارس التعذيب، أي أن شعبنا دائما يتلقى الضربات دون ان يكون هو المبادر على الأقل كي يخطط لتفادي هذه الضربات على أضعف الإيمان، فالوضع اللحالي يطلب منا ان نقوم بضربات أستباقية كي نوقف الشر وزحفه نحونا، أسوق هذا لأن بعد أحداث زاخو ودهوك اوائل كانون الاول 2011 حيث شهدت زحف الأشرار نحو قرى وبلدات كي يضربوا مصالح للمسيحيين والأيزيديين فيها و (شيوز) القرية الآمنة مثال على ذلك ومعها سميل وغيرها، فلو كان لنا رصد جيد للأشرار لاستطعنا أيقافهم قبل دخول القرى والبلدات وجعلنا أبناء هذه القرى في مأمن خصوصا الأطفال والنساء والشيوخ، لأن درع حماية أهلنا يجب أن يتقدم كي تبقى البلدات آمنة داخليا فكما شاهدنا إن المعركة ستقع ولا محالة.
إذا أبسط شيء يفتقر له شعبنا هو التنظيم والادارة لأنهما غائبتان عن عمله وحياته اليومية حيث غالبما ما يتم ألهائهم بأمور قد تبدو كبيرة لكنها تافهة ولا تساوي شيئا وربما لها دلالات للمهتمين بها أكثر مما تهم الشعب المسيحي سورايى العراق وهذا بالفعل ما حدث في الأيام الأخيرة والزوبعة التي حاك لها من أراد أن تصبح هكذا في الظلام وبعيدا عن الأنظار ورتبها لغاية في نفسه لا نعرفها، لأن ديوان الوقف هو دائرة حكومية وتقدم الدعم والاستاد للوقف؛ سواء المسيحي أو الايزيدي أو الصابئي وليس من أهدافه عمل أي شيء تجاه المهجرين أو الذين يعانون ظلما ما، لوجود وزارات أخرى في الحكومة العراقية تهتم بهذا، ودائرة الوقف ممكن أن تصرف المليارات على الأبنية لكنها لا تستطيع صرف فلسا واحدا في باب للصرف غير موجود في ميزانيته.
ورئاسة الوقف تعمل وفق القوانين الحكومية ومسألة تمثيلها لهذه القومية أو تلك هي استحقاق وطني حسب المخطط الذي يسير عليه العراق ككل، وأنا شخصيا الذي قمت بتأسيس هذا الديوان منذ تأسيسه في 3 تشرين الثاني 2003 مع أخوة أعزاء قليلون حينها، عملنا كي يكون عمل الديوان مهنيا غير سياسيا وأن يكون الديوان على مسافة واحدة من الجميع وليس الكنائس المسيحية فقط بل معنا الإيزيديين والصابئة المندائيين وعندما كانت تحدث مناسبة لأي طائفة أو دين كنا نسخر كل أمكانات الديوان كي نستطيع تقديم الدعم اللائق لتلك الكنيسة او الديانة، وسبق أن أبلغت لجنة الأوقاف في البرلمان بأن رئيس الوقف يجب أن تختاره المرجعيات ولا دخل للسياسيين فيه وضربت لهم مثلا عن الوقف الشيعي وقلت له حينها هل تستطيعون رفض من ترشحه المرجعية لهذا المنصب؟
وتقرير من سيكون الرئيس كان قد تم منذ طلبي الاحالة على التقاعد وكانت في كتاب رؤساء الطوائف ثلاثة أسماء وهي نفسها إلى اليوم وحينها كان طلب رؤساء الطوائف أن يتم البحث بها حسب تسلسل ورودها لكن على الحكومة عندما ترفض أحدهم أن تقدم الأسباب حتى لا تحدث مشكلة ويضن المرجع الديني بأنه تم تهميشه أو عدم الرجوع لرأيه في هذا المجال، وللمعلومات أيضا فإن الوقف لا يوزع الأموال على الكنائس بل يقوم بأعمال البناء والترميم والتجهيز لما تحتاجه هذه الكنائس وكل ذلك موثق في سجلات ويتم جردها سنويا، وتشرف على هذه الأعمال لجان الرقابة المالية واللجنة الخاصة بالوقف موجودة فيه طوال السنة تراقب وترى ما يتم فعله، وصحيح أن السياسيين يحاولون أيضا كي يتم تويع المناصب لمن يرونهم ملائمين من وجهة نظرهم أكثر من غيرهم تماما كما هو صحيح لرجال الدين والمفروض أن تقدم الدولة الايضاح كي تهدأ النفوس وتكون أموالها تصرف بصورة نزيهة ولما هو مخصص له.

والكل عندما ينفعل فذلك عملا بما قيل في الكتاب (غيرة بيتك أكلتني) لأن النتيجة لا أحد يضع شيئا في جيبه ولكي يدخل المؤمن إلى الكنيسة ويجدها بأبهى حلة ويسكن الإيزيدي دار الضيافة الذي أنشأه الديوان في منطقة الشيخ عادي وهو يفتخر ببناء حديث وفخم ويسكن يوما أو يومين ليجد مسكنا لائقا ومطعما فاخرا وأرضا خضراء يلعب على أديمها أولاده، كذلك كي يفرح الصابئي وهو يمارس طقوسه الدينية في أرض التعميد في منطقة القادسية ببغداد وهي قد ارتدت حلة جديدة لم يألفها أبدا من ترك العراق منذ سنوات، كل هذه الأمور وغيرها وعلى عموم رقعة العراق فللديوان مشاريع كثيرة من الشمال إلى الجنوب ولكافة الأديان الرسمية غير المسلمة علينا جميعا ان نقف معها لأنها بالنتيجة لخير الشعب المؤمن وأتباع الديانات: المسيحية .. الأيزيدية .. الصابئة المندائية.

ولحلقاتنا تتمة

عبدالله النوفلي

77
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (9)

يبدو أن العنف تجاه مسيحيي العراق لن يتوقف أو ربما تخف حدته في المستقبل المنظور، فقد شاهدنا كما شاهد العالم أجمع ما حصل في أقليم كردستان ومحافظة دهوك على وجه التحديد وبلدة زاخو العزيزة التي كانت إلى الماضي القريب ذات كثافة مهمة من المسيحيين، لقد عاث بها الغوغاء فسادا في شهر لدى أخوتنا المسلمين محرم به القتال ولم نجد فيه أثرا للشرطة أو قوات حفظ النظام تتدخل أو تحاول أن تمنع او تفعل شيئا، إنه حقا لأمر غريب أن يحدث هذا في ظل سلطة كانت إلى هذا الحادث تنبدو نزيهة وتعمل جاهدة كي يعم الأمن والسلام والاستقرار في ربوع كردستان العزيزة التي هي عزيزة على قلوبنا ونحزن كثيرا لما حدث بنفس حزننا تماما على ما عانى منه المواطنون هناك ونسبة مهمة منهم كانو من الأخوة الايزيديين وفيهم أيضا من شعبنا الذين يعملون جاهدين كي يكسبو عيشهم بتعبهم وبالطرق والوسائل الشريفة دون المساس بحقوق الآخرين.

فأين بعد كردستان سيلجأ المسيحيون بعد هذا الانفلات الغير مسبوق؟ إن الأصولية المتنامية ليس في وسط وجنوب العراق وحدهما يبدو اليوم أنها تزحف وبانتظام نحو الشمال، والنار التي أكلت الأخضر مع اليابس ستأتي لا سامح الله على الأجزاء الأخرى من العراق الأمر الذي نصلي كي لا يحدث مطلقا ونطالب كي تبقى كردستان آمنة ونعمل ونكتب كي يقتدي بها كافة أجزاء العراق كي نصل يوما ويكون كامل بلدنا آمنا ومحميا من قوى الشر، لأ أن تمتد يد الأشرار كي تفتح لها آفاقا جديدة متذرعين بضعف السلطات بعد الانسحاب الأمريكي من العراق ومتوهمين أن الساحة ستكون خالية كي ينفذوا مخططاتهم الدنيئة كي يكونوا أحرار بأن يفعلوا ما يشاؤون دون رادع، لكننا وحسب خبرتنا فإن حكومة الإقليم لا تنطلي عليها هذه الخطط وستضرب بيد من حديد لكل من تسول له نفسه العبث بأمن المواطن ومدن كردستان وممتلكات الأشخاص فيها.
وهكذا نجد عزيزي القاريء أننا ونحن نسلط الضوء على الأحداث وبالتحديد الأحداث التي عانى منها شعبنا فنجد أن المزيد يحدث كل يوم والضحايا مازالت غير قليلة والدم الزكي يهرق ويهان والضمير العالمي شيطان أخرس لا يفعل شيئا، أليس هذا دليلا أن شياطين السياسة العالمية لهم يد فيما يحصل ليس في تونس او مصر أو ليبيا وغيرها من دول المنطقة كونهم يرتبون المنطقة لأمر خطير لكن يبدو أنهم لم يتركوا بقعة في هذا الشرق الأوسط إلا وسيجعلونه يتأوه بقوة حتى لو كان من فيها من دول أو أقاليم تعتبر حليفة للدول المخططة لما يحدث أو ما سيحدث لأن كما يبدو فإن القادم أخطر، نطلب من الله أن يحفظ شعبه ويلهم قادة العالم الحكمة كي لا يجعلوا من دماء الشعوب تسيل أنهارا من أجل أن يتم تحقيق مصالحهم، ونطالبهم كي يأخذوا حقوق ومصالح هذه الشعوب المغلوبة على أمرها بالحسبان.
إن شعبنا المسيحي وبعد ما كتبناه بتحليل هاديء ودون تشنج أو ذكر اسم أحد بصورة مباشرة نجد وللأسف من يحاول أن يُحرف هذه المقالات ويجعلها تُفهم كونها تهاجم هذا القسم من الشعب أو هذه الكنيسة، الأمر الذي ليس هدفا لكتابة هذه المقالات وليس هو أسلوب لكتابة الكاتب الذي يعتبر كل مسيحي في العراق هو أخا له وهو من عائلته وأهله، ويحرص على سلامته وينبه للمخاطر التي ربما ستلحق به في القادم من الأيام، لأننا يجب أن لا تلدغنا الأفعى مرات ومرات وان ننتبه لما حدث أو ما سيحدث، فيبدو أن هناك من هو محسوب على شعبنا لا يريد مثل هذا الاسلوب في الكتابة ولا تعجبه النقاشات الهادئة والتي تطلب بالجلوس المباشر والابتعاد عن المهاترات وألغاء الآخر، فحتى الديمقراطيات الغربية لا تلغي أحدا مهما قل حجمه وهو يستطيع أن يحتفظ برأيه ويتكلم علانية عنه وينصتون إليه بأهتمام في البرلمانات الغربية، لكننا يبدو للوهلة الأولى أننا نحاول أن نمسك بالهراوة لردع كل من يحاول وضع النقاط على الحروف.
فالذي كتبته لحد الآن هو أن نُخرج جميعا القذى الموجود في عيوننا وأن نعرف سبب تدهور أمورنا كي نتمكن من تشخيص الدواء، لكن وللأسف نجد من يسبح عكس التيار، ولكن في النهاية لا يصح إلا الصحيح ويبقى ما أكتبه اليوم رأيا شخصيا وتحليلا يتم من قبل الكاتب ليس ملزم به أحد ولمن يراه جيدا ومفيدا أن يتشجع ويلتقط الأفق الأكثر أشراقا ولمن يراه لا يسير وفق ذلك أن يكتب رؤيته هو أيضا وبالحوار الهاديء نسير نحو الأمام، أما أن أضع العصي في العجلات كي أوقفها عنوة فهذا ليس بالأسلوب الذي نتمناه لأي من أبناء شعبنا ولا للكتابة فيه خصوصا، وإن صفحات الجرائد والمواقع الأليكترونية مليئة بالأفكار وعلى العطشان ان يبحث عن مصدر نقي كي يروي بما فيه ضمأه، وعلينا أخوتي القراء أن نكشف كل قلم يعمل بجر شعبنا إلى المهاترات والكلام الذي لا يليق هنا وهناك أيا كان؛ كلدانيا أو آثوريا أو سريانيا، فاليوم نحن بحاجة للبناء فقد تم تدمير الكثير ولقد نزف شعبنا من وجوده التاريخي في العراق نسبة كبيرة من وجوده، ولا يحتمل هذا الشعب المزيد من النزف، وإلا يجب أن نعد تنازليا للموجودين منهم على أرض ما بين النهرين الخالدة لنصل يوما لا سامح الله ونجدها خالية من شعب كان من أهلها وسكانها الأصليين، وغالبية ما موجود من متاحف وقاعات العرض للمتاحف المهمة في العالم نجدها ملأى بما نضحت منه حضاراتهم المتوارثة منذ آلاف السنين.
يجب أن نفرح عندما نجد ضوءا عند الآثوري بنفس المقدار بفرحنا بتقدم مهم لدى الكلداني فبالنتيجة هي مهمة وتدفع أبناء شعبنا للأمام، وما تقوم به كنيسة المشرق في سدني عبر مدرستي مار نرسي والربان هرمزد هو عمل يجب أن نفتخر به ونؤيده ونعمل كي ينجح ويستمر فنحن بحاجة لمثل هكذا نشاطات كي تحتضن أبناءنا وتعلمهم ليس العلم فقط ومناهج الدروس وإنما اللغة الأم ومبادئ الايمان ومختلف فنون الحياة الأفضل.

إن مثل هذه الأعمال هي التي تقوي جذورنا وأسسنا لغد فيه أمل أفضل، فلنصلِ لربنا كي يأخذ بيد الخيرين أينما كانوا  فليس بالسياسة وحدها تتقدم الحياة، بل بكل عمل مخلص يقوم به أي من أفراد شعبنا مهما كان حجمه صغيرا، فإن ربنا أراد بمثل الإنجيل أن نتاجر بالوزنة التي نحملها وبمحصلة عمل كل منا سنتقدم حتما وسنكون عونا بعضنا لبعض وإن كانت الكنيسة تقوم بدور ما فأين دورنا نحن العلمانيين والأحزاب والقوى والتنظيمات، هل مقراتنا هي للكشخة والنفخة وللمزايدات أم أنها مقرات للبحث والتحليل واكتشاف الخلل أينما يكون والعمل المضني لإيجاد الحلول.
إننا بحاجة ماسة لمثل هؤلاء وما ملتقى سدني الثقافي إلا بودقة صغيرة بالعدد الذي يجتمع فيه ويناقش من خلال حضوره مختلف القضايا التي يراها من يطرحها انها مفيدة لغيره، ويتكلم الجميع بلا قيود ولا تلاحظ على الكلداني تذمره من الآثوري عندما يتكلم ويبدي رأيه وذات الشيء نلاحظه بجلاء لدى الآثوري فهذا الملتقى هو بقعة ضوء صغيرة في عالم اليوم الذي تزداد ظلمته ظلاما أكثر ويبدو ملتقى سدني الثقافي الشمعة الصغيرة التي نأمل انها تنير ظلاما كثيرا.

وللحديث صلة

عبدالله النوفلي


78
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق ( 8 )  ...  
تحدثنا في الحلقة الماضية عن واقع مسيحيي العراق وكنائسهم وما يُرتب في الخفاء للمنطقة ككل، وفي ديننا نعرف أن أصل كل الشرور هي الخطيئة وإن الشهوة يقول مار يعقوب الرسول برسالته (15:1) إن حبلت تلد خطية والخطية إذا كملت تنتج موتا، وقديما كان شعب اسرائيل كلما حدثت له هزائم مع أعدائه يعزو ذلك لتفشي الخطيئة فكان يتوب كي يعفو الله عنه، وهكذا عمل أجدادنا في نينوى عندما تابوا لله ولبسوا المسوح وتمرغوا في التراب فعفا الله عنهم.


فعندما نعمل الخطيئة نكون عبيدا لها (يو 8 :34 )، ولذلك وبعد أن خلق الله الانسان في اليوم السادس وخطأ أبوينا الأولين وطردهما من الفردوس ومن ثم محبة الله التي أرسل ابنه الوحيد كي يصحح المسار وولدنا من جديد وجب علينا عدم العودة للخطيئة من بعد،  كي نعطي معنى لما قام به رب المجد على الصليب، والخطيئة التي نتكلم بها وعنها في حلقتنا هذه ليس بالضرورة أن تكون كسرا للناموس، فعدم الوقوف مع الحق هو خطيئة أيضا والسكوت عن الشر وصفه الحكماء بأن من يقوم به هو شيطان أخرس، فعدم الوقوف مع الحق ومسايرة الباطل هو بلا شك شكلا من أشكال الخطيئة، ولأن حلقتنا هذه كغيرها ليست دينية بحتة بل أكتبها مستلهما تراثنا الديني مما جعلني أستلهم بعض الأمور العقائدية كي أوضح الصورة لقارئي العزيز.
فلنتسائل نحن بشأن ذلك: هل نحتاج اليوم يونانا آخر كي ينذرنا أننا نسير بالطريق الأعوج سياسيا خاصة لأننا متقاطعين ونخدم الغرباء أكثر مما نخدم شعبنا المسيحي، وفي شأن الكنيسة وجدنا أن هذا الشعب تخدمه أربعة عشر كنيسة وهذا الرقم مرشح للزيادة ونجد كل سنة الكنيسة الكاثوليكية قد خصصت أسبوعا للصلاة من أجل الوحدة وكان يُحتفل به في العراق بحضور عدد من مسؤولي كنائس المسيح، فيه يصلون لساعة ويذهب كل إلى حال سبيله متمسكا بما هو عليه دون أن تنفعه الصلاة المشتركة، وهنا لا أقلل من شأن الصلاة مطلقا، لأنها هي وصية يسوع المسيح لنا لكن أن تتحول هذه الصلاة إلى خطيئة فهذا أمر يجب الوقوف عنده بجدية لأن الكتاب يقول هذا الشعب يقدسني بشفاهه أما قلبه فهو بعيد عني (مت 8:15).

كما نرتل معا في سابوع تقديس الكنيسة كل سنة بأن الكنيسة تريد أن تبنى على الصخر كي تبقى ثابتة ولا تريد أن تبنى على الشمس او القمر أو النجوم أو الجبال، لأن كل هذه فانية لا تنفع شيئا، لكن في المقابل نجد أن الشرير يعمل ويزرع الزوان في حقل الرب وكنائس المسيح تعاني ليس فقط من الارهاب والأشرار، بل من عزوف أبنائها من المشاركة في فعالياتها ونشاطاتها ولو لمدة ساعة في الاسبوع وعن هذا الموضوع كتبت ومازلت أكتب سلسلة مواضيع تحت عنوان (نحن والكنيسة) نشرت منها اثنتي عشرة حلقة لغاية كتابة هذه الحلقة وممكن للمتابع قراءتها على الرابط التالي من الشبكة العنكبوتية    
http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/f57-montada


والكنيسة ليست الحجارة التي بني منها البيت الذي نقول عنه كنيسة بل هي شعب الله، وهي العائلة وهي المجتمع المؤمن بذات العقيدة التي بشر بها المسيح وقدم ذاته تضحية على عود الصليب عن أحبائه، لذلك فمن المؤلم حقا عندما ننظر إلى أرض الواقع ونجد كنائس من كل لون وشكل؛ ففي الولايات المتحدة وحدها يوجد ما يقارب النصف مليون كنيسة وهنا لا أقصد المبنى بل كما هو حال الكنائس في العراق (14) كنيسة، ودائما نردد أن المسيح صلى من أجل تلاميذه أن يكونوا واحدا، وبلا أدنى شك أنه كان يعرف ماسيحدث وأي انقسام ستنقسم الكنيسة من بعده، وهكذا نراه يقول لأتباعه بأنهم سيضطهدونكم ويقدمونكم للمحاكم أي أنهم سيواجهون المصاعب كما هو الحال اليوم ويقول الحكيم (أن المؤمن مبتلى) وأشك أن نكون نعطي للإيمان اليوم معناه الذي كان يقول عنه المسيح للذي يشفيه من مرضه (إيمانك قد خلصك...)، وواقعنا يقول اليوم أن القتل متفشٍ والخراب في كل مكان والإنسان يبتعد رويدا رويدا عن خالقه ويسير على منهج يرسمه هو لنفسه، فهم يعملون حسب أرادة سيد هذا العالم.
فكيف نبحث عن خلاص إن كنا نحن نسير وفق هذا النهج المنحرف، ولو كنا أصحاء فلا نحتاج إلى دواء أو إلى زيارة طبيب، والمسؤولية الكبيرة في واقع كنيسة العراق تقع على رجالات الدين والعلمانيين معهم دون شك وهنا علينا التأكيد بأن هذا الحال ليس في العراق فقط فهو شأن الكنيسة في العالم أجمع فربما الكنيسة أيضا أخطأت في الماضي ووجدنا سعيد الذكر البابا يوحنا بولس الثاني يعتذر عن أخطاء الكنيسة بكل شجاعة لذلك نراه ارتفع سريعا إلى مصاف القديسين الذين تذكرهم الكنيسة على مذابحها في كل صلاة، لأن في هذا الشأن على من لا يلتزم بتعاليم المسيح عليه الاعتراف بخطأه والتراجع عنه كي يكون مستحقا للمغفرة، ففي وقت المسيح لم تكن موجودة الكاثوليكية ولا الأرثذوكسية ولا البروتستانتية ولا غيرها لأن جميع الأخوة كانوا يعيشون معا ويقاسمون الخبز معا ويعيشون كوحدة واحدة وكان الرسل يرجعون إلى أورشليم كي يحلّوا ما تصادفهم من مشاكل او معوقات ويخرجون بقرار يحترمه الجميع.
واليوم كنيسة العراق إن صرح أحدهم باسم المسيحيين يعترض عليه الآخر ويقول له عليك التصريح باسم جماعتك لأننا من طائفة أخرى، وعندما أستحدثت مناهج للتعليم المسيحي في المدارس الرسمية حدث نزاع لم ينته إلى اليوم حول المفردات لأن فقرة واحدة أو اثنتين لا تروق للمذهب الفلاني فوقف بوجه كل التعليم وليتعلم أبنائنا تعليما غريبا أفضل عنده من تعليم مسيحي لكن ربما وحسب اعتقاده يميل لمذهب غير مذهبه، ونجد الخُطب الدينية تكثر بها الكلمات الرنانة التي تتكلم عن التضحية والفداء و ...لكن في التطبيق لا يوجد شيء على أرض الواقع، فمجموعة من كنائس العراق غير مسموح لها أن تنتظم في مجلس كنائس الشرق الأوسط لأن كنيسة أخرى شرق اوسطية تعترض على وجودهم، ونفس هذه الكنيسة المعترضة تجلس مع الغرباء وتناقش وتتفاهم لكن مع أخوة لهم مسيحيين يحرّمون ذلك فقط لوجود خلافات عقائدية!!!
وكتبنا الدينية لم تبشرنا بالهلاك إن لم نؤمن بالاسم الفلاني وآمنا بغيره كما جاء في مقال لأخي الاستاذ مسعود هرمز النوفلي على الرابط التالي:
http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/t3484-topic#4425
وبالمسيح يجب أن نكون متيقنين بأننا سنكون أفضل فقط إن آمنا وفعلنا وفق ما نؤمن به وطبقنا الكتب وما جاء بالأنبياء وأحببنا قريبنا كنفسنا فسيكون حالنا أفضل لا في العراق وإنما في كل مكان. الأمر الذي نتمناه ويجب أن نعمل من أجله فالمستقبل الأفضل هو غاية وأمل كل إنسان سوي محب للخير ليس لنفسه فقط بل لغيره بنفس المستور الذي يحبه لنفسه.


وللحديث صلة ...

عبدالله النوفلي

79
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (7)

استكمالا لما ذكرناه في الحلقة الماضية، فكنت أجد من أخوتي كُتاب شعبنا من يحسبني تارة على هذا الحزب ، وتارة أخرى على حزب آخر، لأنني كنت دوما أمسك العصا من المنتصف وكان ديوان الوقف يعمل جاهدا أن يكون في منأى من الصراعات الحزبية لأبناء شعبنا، وكنت أحاول قدر الإمكان أن يكون منتسبيه يهتمون بالشأن الديني أكثر من اهتمامهم في الشأن السياسي، وعندما كنت أجد صعوبة في إيجاد موظف في اختصاص معين كنت ألجأ لأخوتي في التنظيمات الحزبية كي يعينوني، وكذلك حدث أيضا عندما ساءت الأحوال الأمنية ولم أستطع إيجاد حراسات من أبناء شعبنا كي يحموا الكنائس وغيرها من الأمور التي لا يجب أن أذكر تفاصيلها.

وكان الديوان مفتوحا على الجميع ويحضر في مناسبات الجميع ويتفاعل معها بصدق نية وأخلاص حتى عندما كنت عضوا في المجلس الشعبي عن بغداد في دورة المجلس الأولى، فإن ما كان يردني من مطبوعات من أي من الأحزاب كان يتم توزيعه دون تمييز لموظفي الديوان، كما حاولت وبالتعاون مع أخواني الذين عملوا معي أن نكون مظلة لتجميع قوى شعبنا ومعنا الأخوة من الإيزيديين والصابئة المندائيين وعقدنا اجتماعا في مقر الديوان بغية المضي قدما بهذا الاتجاه ومن حضره مازال حيا ويستطيع هو الكتابة عن ذلك، كما أردت في بدايات عملي أن أعمل مظلة للجمعيات الخيرية العاملة ضمن كنائس شعبنا ومعنا شركاؤنا في الوقف، وفي هذا أيضا كانت المعوقات دائما تظهر وكنا ننسحب كي لا نكون سببا لحدوث المشاكل بين أبناء شعبنا، لأن في جميع الجهود كان يبرز من هو المعارض أو من يحاول اعتلاء الصدارة وتحقيق المكاسب على حساب غيره، ومرة كانت نصيحة أحد قياديي أحزاب شعبنا لي أن أكف عن هذا التجميع لأن من يعارض حينها فيما أقترحه عليه فيجب أن أقاطعه، الأمر الذي ليس من أهدافي أبدا.

إذا العمل مع واقع شعبنا ليس بالأمر الهين بكل تأكيد ليس لي لابل أيضا للحركات والتنظيمات السياسية لأن ما ذكرت جانبا منه هو تجربة شخصية وكنت أجد بين الفينة والأخرى من يكتب ويحسبني على هذه الجهة أو تلك أو من كتب بعد خروجي من الوقف عن الصراع على زعامة الوقف بين هذا التنظيم أو ذاك وكنت أقرأ وأضحك لأن من يكتب يرى فقط ماهو في الظاهر وهو بعيد عن التفاصيل التي يجب أن تكون محصورة بالمهتمين فيها.
فواقع شعبنا يشير أنه منقسم دينيا بين 14 كنيسة مختلفة موزعة على المذاهب الثلاثة في العالم والمعروفة وهي: الكاثوليكية والأرثذوكسية والبروتستانتية، وفي العراق يوجد مذهب رابع إن صحت التسمية هو مذهب كنائس المشرق الآشورية والتي علمتُ من بعض مصادرها أنها قريبة من المذهب الأرثذوكسي، وهذه الكنائس الأربعة عشر لديها مجلس رؤساء الطوائف في بغداد وكانوا في الماضي القريب يعملون لكي يكون هناك مجلسا لكنائس العراق، وأزاء هذا العدد من الكنائس التي كان النظام فيما مضى يعدها طوائف دينية وهي بالحقيقة ليست هكذا، يجب على إدارة الوقف أن تعمل وتخلق توازنا كي لا يستطيع أحد ومن أي كنيسة أن يتهم الوقف بالتحيز.


والطامة الكبرى أزاء هذا كان بعد الاحتلال حيث وفدت مجاميع كثيرة أخذت تسمي نفسها كنائس وهي تفتقر للكثير من المقومات كي تكون كنيسة مستقلة وتخدم شعبا مؤمنا. ففي السنة الأولى للسقوط وردتني ملفات ما يقارب العشرين من هذه الجماعات ومنها كان يرأسها أشخاص طُردوا من كنائسهم الأصلية لسبب أو لآخر، أو من أنقسم على كنيسته الأصلية وبدأت تظهر بيوت توضع عليها لافتات كونها كنيسة وعندما أردنا المناقشة وأياهم وطلبنا ملفات للمنتسبين إليها وجدناهم من عائلة القسيس أي زوجته وعمه وخاله ووالد زوجته وهكذا... ووجدنا في بعض الملفات أسماء لأناس متوفين ومُدرجين في القوائم أنهم من أتباع هذه الكنائس، وعند سؤالنا أياهم عن مصدر تمويل هذه الكنائس كان جوابهم موحدا وهو من العشور التي تردهم من أتباعهم!!!

وهنا علينا التوقف لأن بعض هذه الجماعات كانت توزع المعونات بآلاف الدولارات فكيف لنا التصديق أن كل هذا هو من العشور وعند معرفتهم أن شرط وجود 500 من الأتباع هو أحد الشروط للحصول على أجازة العمل الرسمي فقد قامت القيامة واعتبروا ذلك رقما تعجيزيا ووصل الأمر بأحدهم أن اشتكى لدى الرئيس الأمريكي (جورج بوش الأبن) على الوقف كونه لا يمارس الديمقراطية ويقف حجر عثرة أمامهم من العمل!!! وكلنا يعرف المسيحيين العراقيين فهم منقسمون على الكنائس التي ذكرنا عددها آنفا ولا يوجد مسيحي في العراق لا ينتمي إلى كنيسة، وهذه الكنائس الجديدة من أين ستأتي بالأتباع إن لم تكن تعمل بالإغراء المادي وسحب المؤمنين من كنائسهم ومحاولة تفتيت كنيسة العراق إلى كنائس صغيرة . ولذلك وبغية عدم حصول الازدواج بالانتماء بحيث أن يسجل المؤمن بأكثر من كنيسة طلبنا ممن ينتمون لهذه الجماعات تأييد خروجهم من طائفتهم أو كنيستهم السابقة كي يصح انتمائهم للكنيسة الجديدة، ومرة حصل حادث في ساحة المسبح لسيدة ذهبت ضحية رمي الشركات الأمنية وكانت تنتمي السيدة الضحية لأحدى هذه الجماعات وهي بالأساس من كنيسة الأرمن الأرثذوكس، لم تجد هذه الجماعة مكانا لتدفن الضحية حيث طلب ذويها من كنيستهم الأم أن تقوم بمهام الدفن.
هذا نزر بسيط من واقع المسيحيين دينيا بعد الاحتلال والمؤمنون يتحدثون كون المسيح وكما جاء في إنجيله الطاهر أنه صلى ليكونوا واحدا!!! وخلال ألفي سنة الأولى للمسيح كان لدينا في العراق 14 كنيسة مختلفة معترف بها قانونيا وفي سنة 2003 وحدها أراد مَن هدفه تفتيت المسيحية أن يضيف العشرات من الكنائس في العراق هذا ناهيك عما موجود منها في كردستان ويعمل هناك، كون القوانين مختلفة بين حكومة المركز وحكومة الإقليم.
فهل هذا هو الذي أراده المسيح؟ وهل نحن نسير وفق خطاه؟ وكم من مار بطرس لدينا اليوم الذي يُسيّر كنيسته ويكون قائدا لأخوته اتماما لطلب السيد الرب أن أرعَ غنامي .. كباشي .. وأزاء هذا نحن لسنا ضد ازدهار كنيسة الرب لكننا أيضا حريصون على أن لا يتم تفتيتها تحت أية شعارات أو ممارسات، لأننا نقرأ في الإنجيل المقدس أنه: يأتونكم بثياب حملان وهم من الداخل ذئاب خاطفة.


ونعلم جيدا ان لدى القوى الكبرى من المخططين الذين يعملون لعشرات من السنين القادمة مسبقا، وما أدرانا ماذ قد خططوا لنا، ألا نسمع اليوم من يقول أنهم يرتبون الشرق الأوسط لحرب إسلامية إسلامية، وقول هؤلاء أن ما نشهده من ربيع عربي ماهو إلا تمهيد لصعود حكومات إسلامية متشددة كي تقوم هذه مقام الدول الكبرى بتصفية بعضها البعض وهكذا يحصلون على النتيجة التي أعطىوا من أجلها آلاف القتلى بالقضاء على الإرهاب، وعندما دخلوا العراق أو أفغانستان كان تحت ذلك الغطاء ونجدهم فتحو حدود العراق لكل من هب ودب بحيث أجتمع ارهاب العالم كله على أرض العراق لأن أمريكا وحلفائها أرادوا أن يدمروا الارهاب في أرض النهرين الخالدة. لكن يبدو أن حساباتهم لم تتطابق مع حسابات البيدر فتم اللجوء إلى الخطة البديلة التي لا سامح الله لو تم تطبيقها فإنه ستكون نهاية للوجود المسيحي في عموم المنطقة أولا ومن ثم تسيل أنهار من الدم الذي سيغرق المنطقة كلها ولا أحد يعلم كيف ستنتهي سوى الله سبحانه وتعالى.
فنرجو من ذوي العقول الرشيدة في منطقتنا أن يكونوا واعين وحذرين كي لا ننقاد لمخططات من يريد الشر للمنطقة ويُرينا عسلا بيد وهو يخفي آلات الدمار خلفه، فعلينا ان نصلي ونتضرع كي يُحل الله سلامه بين البشر وخاصة نحن في زمن الميلاد الذي أخبرتنا الملائكة من خلاله بأن ولادة الطفل سوف تكون سببا كي يحل الأمن والسلام لبني البشر ويكون لهم رجاءا صالحا. نتمنى أن يحدث ذلك.

وللحديث صلة ...

عبدالله النوفلي


80

المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (6)

الزمن يمضي والأقلام تكتب ومواقع الانترنيت تشهد ٌأقلاما تكتب بمواضيع مختلفة، والقراء والذين يطالعون يقفون تارة إلى جانب هذا وأخرى إلى جانب ذاك، وكشعب شرقي دائمأ ما نلجأ إلى تضخيم الأمور، فلو تواعدنا مع صديق وتأخر عن موعده بضع دقائق، فأول ما نبادره بالكلام نقول له: (هاي وينك يمعود صارلي ساعة دأنتضرك!!!)، وكحال العراقيين عندما يبنون شيء ويعملون أن يكون مرتفعا يقولون أنه أعلى برج في المنطقة!!! كما كان الحال أثناء بناء برج الاتصالات في المأمون ببغداد، وهكذا ونحن شعبا في العراق اليوم لا نتجاوز 1.5% أو ربما أكثر بقليل، وإذا أجرينا معادلة حسابية سنجد من هم في الخارج ربما خمسة أضعاف من هم في الداخل، وعندما ننشيء تنظيما معينا أو منظمة أو حزبا أو اتحاد، نحاول أن نُظهره لمن يقرأ أو يسمع عنه أنه عالمي وأنه ... ونسينا نحن في بلدنا الأصلي لم نكن شيئا حتى قبل سقوط النظام حتى لو كنا آنذاك 5% من الشعب، فعندما نتصرف أو نكتب يجب أن تكون كتاباتنا عقلانية ونابعة عن دراية ولا نلجأ للتخمين والاستنتاجات التي ربما تكون بعيدة عن الواقع الفعلي، كما أن كتابنا غالبا ما ينالون الواحد من الآخر وبكلام جارح أحيانا، فالعقلانية شبه معدومة وكأننا فقدنا الثقة الواحد في الآخر، ومواقعنا الأليكترونية أكبر شاهد على هذه الصراعات، وتشهد أننا لا نقبل بالرأي والرأي الآخر، ونحاول تكميم الأفواه والنيل من أي قلم يحاول أن يكتب خاصة إذا كانت كتاباته لا تتوافق كليا معنا، ولو تكون الكتابة بمعلومات صحيحة ومبنية على مصادر موثوقة لكان لنا عذر أن نعذر هذا أو ذاك لأن من يتهجم عليهم، فهؤلاء يكتبون بلا معلومات أو أن كتاباتهم ليس لها مصداقية، ولكن لمحة بسيطة على التاريخ القريب وليس البعيد جدا نجد لكل الأقلام جانبا من المصداقية، ولو كنا حريصين على مستقبل شعبنا لتعاونا معا وعملنا كي نصحح الواحد للأخر بحسن نية ودون تجريح ونكسب أدباء وأقلام مهمة لشعبنا ونكون بذلك نبني حاضر الأمة ونضع أساسا متينا لمستقبلها، وأزاء ذلك سأذكر حالة كنت في جانب منها طرفا والكُتاب الذين سألمح لكتاباتهم يعرفون أنفسهم ودون أن أذكر الأسماء لأن هذا ليس من أسلوبي في الكتابة ليس لشيء أو لخوف بل لأنني أكتب وأعبر عن رأيي بصراحة ودون أن أجرح أي من أخوتي الآخرين، وأحيانا ألجأ لكتابة أسطر قليلة مصححا لبعض معلومات الكتاب بيني وبينهم خاصة عندما أجدها تبتعد عن الحقيقة وخاصة عندما يتم بناء بعض الاستنتاجات عليها.

فعندما طلبت من السيد رئيس الحكومة الاحالة على التقاعد وفق الآلية الرسمية لذلك، وقمت بالتشاور مع المرجعيات الدينية المسيحية بترشيح البديل بل البدلاء، لأن رئيس الحكومة كان مطلبه أن يتم ترشيح ثلاثة أسماء للمنصب كي يستطيع هو الاختيار، وفعلا وقّع جميع رؤساء الطوائف الأجلاء على الأسماء الثلاثة المرشحة طالبين أن يتم البحث بها حسب تسلسل ورودها بموافقتهم، واتخذ السيد رئيس الوزراء السيد نوري المالكي قراره باختيار المرشح الأول في القائمة (السيد رعد عمانوئيل الشماع)، على أن يكون موقفه من النزاهة واجتثاث البعث سليما، وإلى هنا كانت الأمور تسير بالسياق الرسمي الذي تسير عليه سياسة الحكومة، لكن بعض من سياسيي شعبنا لم يرق لهم اختيار هذا الاسم وبدأ يحوك المؤامرات كي يزيحه من المنصب بالاتفاق مع من كان له من المؤيدين في ديوان الوقف حتى أصبحنا مهزلة أمام الغرباء، لأن أحدى المرات حينها التقيت مستشارا قانونيا للسيد رئيس الوزراء وأعرب لي شخصيا عن استغرابه لحالنا، وشرح لي حينها أن بعض السياسيين من شعبنا حاولوا التلاعب ببعض القيادات الدينية المسيحية كي يعترضوا على أسم معين وقال لي ذلك المستشار بالحرف الواحد (كل شوية تجيني ورقة من واحد تگول آني وقعت على الأسم الفلاني بس آني ما أريده!!!) ورغم أن هيأة النزاهة واجتثاث البعث لم تجدا شيئا على الأستاذ رعد عمانوئيل الرئيس الحالي للوقف لكنه بقي يعاني من تصرفات بعض سياسيي شعبنا، وقال لي في حينها أحد مستشاري رئيس الوزراء أن شخصا اتصل به قائلا له أنا (فلان) المرشح الوحيد للقائمة (؟) لمنصب رئيس الوقف، وكأن رئاسة الوقف أصبحت بيد السياسيين وتناسى هؤلاء أن الوقف ورئاسته يهتمان بالشأن الديني أولا ولا دخل للسياسيين به، وعندما كنت حينها رئيسا لهذا الوقف وأُبدي رأيي ببعض المسائل التي يعاني منها شعبي فكان هذا رأيي الشخصي لأننا عندما كنا نعبر عن رأي الوقف كنا نصدر بيانا رسميا من رئاسة الوقف بهذا الشأن.

أليست هذه الأفعال مخزية خاصة عندما نكشف مستورنا أمام الغرباء ونصبح مجردين من كل المبادئ والقيم التي تربينا عليها سواء في عوائلنا أو من خلال تربيتنا الدينية التي توصينا بالمحبة التي جعلها الرسول بولس أعظم من الايمان والرجاء!!! ألا تقودنا مثل هذه الأفعال إلى التخلف والتقهقر والتراجع كثيرا أمام غيرنا الذين لديهم قوى كثيرة سندا لهم.
فيجب أن نعرف أننا كشعب مسيحي في العراق نختلف عن العرب أو الاكراد، وعن المسلمين؛ سنة أو شيعة، فالمعادلة الطائفية في المنطقة نستشف منها أن شيعة العراق تساندهم أيران وسنته تساندهم السعودية وتركيا وربما دول أخرى وأكرد العراق لديهم أخوة لهم في أيران وتركيا وسوريا إلى جانب مساندة قوى دولية مهمة لقضيتهم وهكذا التركمان، ولكن في المقابل من يكون سنداً لشعبنا المسيحي؟ بدون تردد نستطيع الجزم بلا أحد!!! فحتى الدول التي نسميها بالمسيحية أي الدول الأوربية أو أميركا، فإنها دول علمانية ولا تضع وزنا للوازع الديني والذي يحركها هو مصالحها فقط. فعلينا أن نتيقن بأن لايوجد سند لنا في دول العالم أقله على المستقبل المنظور، متأملين أن يكون لنا بقعة أرض نعيش عليها وتصبح لنا مصالح متبادلة مع هذا الطرف أو ذاك وعندها ربما سيكون لنا تحالفات ويصبح لنا سند نستطيع الاعتماد عليه.

وللموضوع صلة ...

عبدالله النوفلي
[/color]

81
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (5)
نوهنا في أربع حلقات سبقت هذه بالكثير من المشاكل والسلبيات التي يعيشها أو يعاني منها شعبنا المسيحي، منها ما هو كشعب السبب فيها ومنها ماهو بتأثير قوى خارجية سواء من الكتل السياسية أو الأحزاب او التنظيمات وحتى منها المجاميع الإرهابية التي تعيث في أرض العراق فسادا، وجعلت من شعبنا ينطوي على نفسه وأحيانا لا يعرف ما يريد وإن حدد سقف مطالبه مثلا كما حدث في مؤتمر عينكاوا 2007 نجد الكثير من أبناء شعبنا من وقف بالضد ونعت هذا المؤتمر بالعمالة لهذه الجهة أو تلك ولسان قوله أن مقررات المؤتمر لم تكن للذين حضروا وناقشوا وقرروا بل أنها كانت معدة سلفا وما على الحاضرين سوى أقرارها.
إذا شعبنا لم يقف مكتوف الأيدي وكانت هناك قوى تعمل وتفكر بغية إيجاد الحلول، فقد عشنا بعدما حدث للعراق في 2003 في دوامة لا نعرف ماذا نريد، وأصبحنا نذهب عند هذا المسؤول أو ذاك كل على حدة وكل منا له مطاليب تختلف عن غيره، بحيث احتار المسؤولين بنا وحيرناهم على أمرنا وكم من مرة قالوا لمن زارهم اذهبوا ووحدوا مطاليبكم وعودوا الينا كي نرى شأن ما تريدون، وسياسيونا بقوا في وادٍ ومرجعيات دينية وعلمانية بقيت كل في وادٍ يخصها ولا يوجد من ينسق أعمالها أو يعمل بأخلاص نية كي يوحد مطاليبها ويقرب في وجهات نظرها كي نبدو على الأقل أمة متحضرة أمام غيرنا من العراقيين على الأقل وأمام الأجانب من جهة أخرى، وأزاء ذلك كان بعض رجالات الدين ينادي باسم دون غيره، وأنا حضرت مراسيم دينية لأحدهم في بغداد في ظل ضروف أمنية مشددة آنذاك وخلال كرازته ذكر أسم أمته ربما أكثر مما ذكر أسم ربنا يسوع المسيح له المجد؟ وليس هذا فقط وإنما يوما كنت في جلسة في حديقة داري وكانت أحداث 2003 طرية بعد، وفي تلك الجلسة جمعتني مع أحد رجالات الدين الذي بعد ذلك عرفت أنه يقدس أسم أمته أكثر من أي شيء رغم كونه رجل دين من كثرة ما ردد الأسم الذي يحبه على مسامعي، اضطررت حينها وقلت له: رابي أنك رجل دين وعليك أن تتكلم عن المسيح أكثر مما تتكلم عن الأسم الذي تذكره دوما رغم أعتزازنا به، وبدلا من يوافقني القول قال لي بالحرف الواحد: لا يا شماس، أومتا أومتا ...!!!
فإن كان رجالات الدين يقدمون الأمة على المعتقد الذي ضحى من أجله المسيح بنفسه على عود الصليب، فما بالنا بالناس البسطاء أو بالسياسيين الذين تحركهم المصالح المادية البحتة!!! إنها حقيقة مأساة ربما نحتاج لعمل دؤوب ومتعب كثيرا كي نعيد الأمور لمسارها ويبقى المسيح لرجالات الدين كي يقدموه بأبهى صورة للمؤمنين به ولغيرهم وتبقى الأمة للعلمانيين والسياسيين كي يعيدوا أمجاد من سبقوهم وجعلوا للأمة أسما شغل العالم يوما وبنى حضارة عظيمة على أرض ما بين النهرين الخالدة.

وعلى كل منا أن لا يخلط الأمور على هواه فليس المسيح حكرا على شعب دون غيره وليست العذراء هي الأخرى حكرا على شعب دون غيره لأن المسيح قال للتلميذ الذي يحبه هذه أمك، ولها قال هذا ابنك ولم يقول لها هذا يوحنا ابنك، كي نقول جميعا أنه أعطانا كلنا أياها، وعندها ستكون العذراء سيدة على الكلدان وسيدة على الآثوريين وعلى جميع البشر لأنها سيدة نساء العالمين وبدلا من يُسيس رجال الدين اسمها كونها مختصة بأمة دون أخرى لنجعل منها أمة لجميعنا ونقدسها ونحترمها ونطلب شفاعتها كي ينجّي الله شعبنا المسيحي من كل هذه الويلات التي عانى وما زال يعاني.
كما وسبق أن نوهت في مقالة سابقة لي عن خطأ تسمية كنيسة بشعب معين كما هو حال كنائس العراق حاليا، بقولنا: كنيسة الكلدان .. كنيسة المشرق الآشورية ... وغيرها من التسميات التي تحصر المسيح وكنيسته بشعب صغير نسبيا قياسا بالسبعة مليارات من البشر الرقم الذي وصل إليه سكان الأرض مؤخرا، لأن المسيح لم يأتي للكلدان دون غيرهم ولا للآشوريين بل قال لتلاميذه اذهبوا وتلمذوا كل البشر وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس.
واليوم أيضا نجد من أبناء شعبنا من ينحاز لجهة دون أخرى وهذه خسارة ما بعدها خسارة خاصة إذا كان الانحياز إلى قوى خارجية متوهمين أنهم يقدمون لشعبنا المسيحي الحماية !!!!، لكن لو لجأنا إلى أبناء بيتنا وتفاهمنا معهم بعقلانية ومحاورة حكيمة وبمطالب وطنية واضحة، وربما نحتاج للأصدقاء من هنا او هناك كي يكونوا الضامنين لحقنا وأبداء المشورة كي نصل إلى الرأي السديد وننجح في بناء بيتنا المسيحي الآمن ونوقف كل أشكال النزيف من شعبنا رغم ما يوجد على الأرض من دلائل وممارسات كلها لا تبشر بخير، لكن حماية الأجنبي لا تدوم إلى ما لا نهاية كما أن الأجنبي لا يقدم شيئا لغيره دون وجود مصالح أو مكاسب من ذلك، وإن كنا اليوم نشعر في بلدنا كوننا مواطنين من الدرجات الدنيا فمع سلطة الأجنبي سنصبح مواطنين لكن بدون كيان لأن الأجنبي متى ما قدم لنا الدعم فإنه سيوفر لنفسه الضمانات التي أقل ما يقال عنها أذلال الشعب الخاضع تحت حمايته، وعلينا التفكير أن هذه الحماية أو الوصاية سوف لن تدوم إلى الأبد وعلينا ترتيب أوراقنا مع من هم حولنا لكي نستمر بالعيش، وإلا سنقول يوما مع الحكيم العربي: لات ساعة مندمٍ.
وللحديث صلة

عبدالله النوفلي

82
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (4)

ونحن نتابع هذه السلسلة من المقالات قد يدور في أذهاننا أسئلة كثيرة لماذا نحن هكذا وهل حقا ما نؤمن به هو السبب؟ فإننا قد تَعوَّدنا أن نُلقي باللوم على غيرنا عندما تحدث المشاكل، ولابد أن نجد شماعة نعلق عليها أخطاءنا لأنه بكل تأكيد ليس للإيمان بما جاء به السيد المسيح له المجد السبب في بلوتنا بمثل هذه الأحداث، لأننا نجد اليوم من يحاول جاهدا أن لا يكون هكذا لكن أخوة له يقومون بأحباط محاولاته لسبب في نفس يعقوب وعلى قول المثل : إن أبي لا يقدر فقط على أمي!! ونتصرف كالأسود مع أخوتنا وكالأرانب مع غيرنا.
للأسف هذا ما نستشفه من مواقف وتصرفات أطراف كثيرة في شعبنا المسيحي، فلم نلاحظ مطلقا أنهم توحدوا بصفاء نية واتفقوا على تصرف أو رأي أو ذهبوا كمجموعة واحدة أمام الغرباء يتكلمون بذات النفس، وكان لي الشرف أن أحضر العديد من اللقاءات مع  الغرباء ومع أطراف من ممثلي شعبي لا أحب أن أذكر اسم أحد لكنهم ودون تفرقة كانوا جميعا يتصيدون الفرص كي يُظهروا للغريب أن أخاهم هذا هو على الموقف الخطأ وأنهم فقط على صواب وحتى لو تتطلب الأمر التجريح أو التشهير، خاصة عندما لا تكون لدى الطرف الآخر ذات النية أو ذات الأسلوب لكي يقابل بالمثل أخاه الآخر.

فهل هذا نابع من الايمان، ونحن نرى شعوبا مختلفة تردد عبارة : أنصر أخاك ظالما كان أو مظلوما!!! ولكننا لسنا مثلهم، وربما هذه حسنة، لأن الانسان يجب ان يقف مع أخيه في الحق ويرشده إليه إن كان ظالما كي يعود إلى جادة الصواب ويكسب أخاه ويكون الاثنين يسيران في طريق الحق والعدل، لأن الله خلق الانسان كعنصر اجتماعي ولا يمكنه العيش وحيدا، بل متعاونا مع أخوته الآخرين وهكذا نجد من يقول: (أن الجنة بدون أوادم ما تنراد)، وجنتنا هي بطرد أخوتنا من أمامنا وتحجيمهم وخنقهم في زاوية ضيقة كي تبقى الفئة القليلة هي المتنفذة، فحتى في صناديق الاقتراع التي كانت الفيصل في صعود البعض من أهلنا إلى مواقع برلمانية وجدت بنفسي أحد مرشحي شعبي وقد ألصق ملصقه الانتخابي فوق ملصق أحدى المرشحات المسيحيات!!! وهنا أتساءل: هل لو كانت هذه من شعب غريب كان يستطيع هذا المرشح المسيحي أن يقوم بفعلته هذه؟ ولقد وثقت ذلك بصورة بكامرتي حينها، هل هذا هو عمل أخلاقي؟ وهل هذا المرشح حاليا يهنأ بموقعه في البرلمان، وربما يزايد بالأخلاقيات على غيره ممن كان ملتزما بقواعد الدعاية الانتخابية، وليس كل هذه التصرفات هي التي حدثت في الانتخابات الأخيرة بل أن أشخاص محسوبون على أحدهم قاموا بتمزيق ملصقات آخر وبشكل يتضح أنه تم عمله عنوة كونه من أبناء شعبنا المسيحي، لأن ملصقات غيره كانت موجودة في ذات المكان لم يمسسها أذى وبقيت سليمة!!!
هذا في حقل واحد وبسيط تصرف من أراد أن يكون ممثلا لنا، فكيف في غيرها، والمصيبة أن من نتحدث عنهم هم الآن في مواقع مهمة ويتصرفون وكأن شيئا لم يكن، ونحن مازلنا نلقي باللوم على صدام وسياسته وعلى الأرهاب وأفعاله المشينة، وعلى وعلى ... أما أن نبحث عن أصل المشكلة فغالبا ما نلجأ إلى تجنبها، وأن ذلك عيب ومايصير وخطية، وحقوقنا دائما على قول أخوتنا العرب (مهضومة)، لأننا أيضا عاشرنا الأشرار وصرنا نتصرف كما يتصرفون، وهنا سأورد مثلا آخر عن البرلمانيين، فقد تحدث أحدهم وللدقة ليس هو بل حماية له عن تصرفه معهم وعن استقطاع جزء ليس بالقليل من مرتباتهم التي قالوا أنه يأخذها هو من مالية البرلمان ليوزعها عليهم، وحسب قولهم أن البرلمان كان يخصص آنذاك 750 ألف دينار للحارس الواحد بينما كان أخينا البرلماني وأعتقد أنه كان رجل دين إن لم تخني الذاكرة يُسلم لحمايته 400 ألف فقط!!! وفي وقتها قال هؤلاء أن برلمانيين من شعبنا يقومون بذات العمل، ولم أستطع التحقق من ذلك في حينها.
ولكن المصيبة إن صحت هذه الأفعال فماذا تركنا من الأفعال المشينة ولم نرتكبه مع أخوتنا ونحن في نفس الوقت نتباكى أنهم يتعرضون للأذى وأنهم يهاجرون أو تُسلب حقوقهم ونحن بالأول لم نعطِ لهم حقوقهم فكيف نطلبها من الأغراب؟ وليس هذا فقط بل أن بلدات شعبنا يتم التعرض لها بغية أحداث تغيير ديمغرافي فيها وأمام مرأى ومسمع ممثلي أهلنا أو المسؤولين في تلك البلدات دون أن نتعاون معا لإيقاف ذلك وحتى من يتبوأ المسؤولية هنا وهناك في تلك البلدات وأحيانا يتم الأعلان عن توزيع أراضي فيها ويتم ذلك على مستوى ضيق ... وهذا لا يُخبِر أبنا شعبنا كي يبقى الأمر في نطاقه الضيق ويستفاد منه من يريد له المشرع أن يستفاد.
ونحن أزاء هذا أو غيره نتحدث أن هناك أجندات لإحداث هذا التغيير ونحاول تغطية ما يقوم به أفراد من شعبنا كي يساعدوا من يريد أحداث التغيير بتصرفاتهم وربما ليست الأجندة مع هؤلاء متطابقة لكن النتيجة هي واحدة، وبرطلة ليست بعيدة عن الأذهان بما عانته قبل سنتين في احتفال معين وصل الأمر به لنشوب اقتتال طائفي!!!



وهكذا سنجد ربما ذات الشيء سيحدث في بغديدة أو تلكيف وغيرها من البلدات ونُصلي إلى الله أن لا يسمح كي يحدث مثل هذا الشيء وأن نصون دماء وأراضي وأملاك من تبقى هناك متشبئا في بلدته، لأن الإنسان مهما كان متغربا ويعيش سعيدا في غربته لكنه يشعر بأنه ليس بين أهله وأخوته، وإن كل ما هو من حوله غريب عنه في العادات والتقاليد والممارسات.

وللموضوع صلة...

عبدالله النوفلي


83
المسيحيون العراقيون (حلقة خاصة)
المحنة المتجددة

ونحن نكتب سلسلة من المقالات عن المسيحيون العراقيون نستقريء بها ما نعتقد أنه سبب لكل ما يعانيه أبناء شعبنا من مشاكل واضطهادات وأعمال عنف منظمة بغية أن نستطيع من خلال ذلك الوصول إلى نتائج ربما تكون مفيدة للجميع، ... حدث ما لم يكن نتوقعه من أحداث في أقليم كردستان وتجاه شعبنا المظلوم والمضطهد دوما وكأنها هذه هي باستمرار النتيجة التي يصل إليها شعبنا في العراق، والذي كان هو من بناه؛ أقله منذ ألفي سنة ونيف، أي منذ اعتناقه المسيحية إن لم نقل قبل ذلك بآلاف السنين، ومتاحف العالم شاهدة على ذلك حتى قبل متاحف العراق حيث حاولت العهود المختلفة التي تعاقبت على حكم العراق تغييب تاريخ هذا الشعب بغية تحريف الحقائق، لكن هل نستطيع تغطية الشمس بغربال؟

وأنا أتابع ما يرد من المعلومات أولا بأول وأُقلب مواقع الانترنيت عن تفاعل ذلك مع ما يجري على الأرض لم اجد أهتماما يُذكر في المواقع الإخبارية الرئيسية المعروفة سوى خبر مقتضب في BBC وهي أيضا ركزت بخبرها على اعتقالات للإسلاميين وكأن ما جرى كله حسبما أوحت هي به بأنه عملية للإيقاع بالأحزاب الإسلامية والانتقام منها، وخلت بقية المواقع: كالعربية ورويتر والجزيرة عن أية تلميحات لما جرى ويجري وكأن شعبنا أصبح ألعوبة يتم تحطيمها متى ما شاء اللاعب ومصيره غير مهم وليذهب إلى المجهول ولتبقى السياسة الدولية تبحث عن مصالحها وشعب يتدمر ويتم أضطهاده علانية ليس بالأمر ذو أهمية.

كما وجدتُ من خلال متابعة ما بثته مواقع شعبنا .... التركيز وبث الصور التي تردهم من مراسليهم حيث ترينا حرق مخازن بيع المشروبات الكحولية فقط !!! وهذا أيضا هو النظر لزاوية ضيقة لما جرى ومازال يجري، وجعلوا منا عندما نكتب عن شعب يتعرض للظلم وكأننا ندافع عن بائعي المشروبات الكحولية لا غير، أما الولوج إلى الحقيقة والرعب الذي يعيشه شعبنا في هذه اللحظات وهو يفكر أن ملاذه الذي اعتقده آمنا في كردستان يتبخر أمامه، وأنه يفكر بأن بقائه في بلدات عربية قبل حزم أمتعته نحو كردستان ربما كان الأهون رغم أن أهون الأمرين هو مرٌّ ومر لاذع، ولم نلحظ من يفكر بنتائج ما جرى وما سينعكس على المستقبل المظلوم لشعبنا.

ربما الكثير منا ولأول وهلة قد أصابتنا الصدمة ولم نستفق منها بعد لأننا عشنا في كل المناطق التي تعرضت للأذية وعايشنا أخوتنا من الكرد ورأينا مدى طيبتهم وحبهم للحياة والعمل نحو تحقيق العدالة والسلام في ربوع كردستان ولن أميل بأفكاري للتصديق أن الشعب الكردي وحتى القيادات الكردية التي تقود كردستان لها يد فيما يجري!!! لكنه يجري ... وأمام مرأى ومسمع أجهزة الأمن والأسايش والحكومة وبشكل منظم وكأن موجة التدمير تتحرك وتضرب هنا وهناك بحرية ولا تشعر بوجود للسيطرات الأمنية ولا للشرطة المحلية ونحن نعرف المنطقة جيدا ونعرف كيف أن سيطرات الأمن منتشرة والأجهزة الأمنية بكل مكان، فكيف لجموع بالمئات تتحرك بالعصي والهراوات وتقوم بالإحراق والتدمير والأجهزة الأمنية لا علم لها؟ إذا أين أصبح أمن كردستان ؟ وكردستان الآمنة؟ وغيرها من العبارات التي كان الجميع يرددها ومنهم كاتب هذه السطور؟
إذا الأمر بضاهره هو محلات بيع المشروبات والمساج، لكن في الجانب الآخر هو أيصال رسالة لأطراف عدة، مفادها:




•   أن خروج الأمريكان سيؤدي بالعراق إلى مزيد من الدمار،
•   وأن على المسيحيين أن يمضوا قدما بطلب الحماية الدولية،
•   وأن الأقليات لا مكان لها بين الأقوياء فلا نتحدث هنا فقط عن المسيحيين بل عن الايزيديين أيضا،
•   ومفاد هذه الرسالة أيضا أن الربيع العربي لا يشمل العرب فقط فإن كردستان هي في طريقها إلى ربيع كردي
•   وإن المخطاطات الرهيبة التي تخطط للمنطقة لم يغب عن بالها ترتيب الأوضاع في كردستان العراق أيضا،
لأن مخططي مستقبل السياسة في المنطقة يعرفون جيدا أن لكردستان أمتدادت جغرافية في تركيا وفي أيران وسوريا وغيرها، وأي تنسيق سيحدث بين كل هؤلاء سيؤدي إلى أعادة ترتيب أوراق المنطقة ككل ورسم خارطة جديدة وستظهر دولة جديدة ربما ستغير موازين القوى الحالية والتحالفات الموجودة.


فهذه وغيرها حركت ما جرى وربما ستحرك لاحقا موجات أخرى إن وقفت السلطات المعنية موقفها الذي وقفته وستحترق أصابع اللاعبين بمصير الشعوب حتما ومعها سيحترق كثيرين فإن كان اليوم أضعف حلقات مجتمع كردستان قد تعرض للأذية فغدا ربما يتم تطوير ذلك كي يتم التعرض لمن هم أقوى منهم وهكذا ستكبر المشكلة وتصبح أكبر من أن يتم السيطرة عليها من الحكومة المحلية، وكلنا نرى حزبا صغيرا ما فعل وما يفعل بتركيا المتحالفة مع الحلف الأطلسي وتعمل جاهدة للقضاء عليه، دون جدوى وتجيش جيوشا وحملات وتقصف وتعتدي ولا تحصل على النتائج، فكيف إذا اشتعلت الشرارة في المنطقة ؟ لأنها وقبل أن نتكلم عن مصير المسيحيين والأيزيديين، سنتحدث عن المناطق الخلفية للحزب التركي ومدى استفادته من تردي الأوضاع في دهوك المحافظة الكردستانية المجاورة لتركيا، وإذا افترضنا أن موجة الشر هذه ستكبر إذا بقيت أمور ملاحقة القائمين عليها كما هي اليوم، فإن كردستان كلها ستشتعل لا سامح الله وعندها ستنتقل الشرارة للدول المجاورة، وقد ربما صحّت أخبار أن شرارة أشعال المنطقة ستبدأ من العراق، ونسأل الله أن يخيب ضنّ الأشرار، وأن تعمل حكومة كردستان بما عهدناه منها بحكمة لتعويض المتضررين واتخاذ الاجراءات الكفيلة بحماية ممتلكاتهم مستقبلا ودرء الخطر عنهم، لأن مسيحيي كردستان وأيزيدييها هما الشعبان الصغيران المسالمان اللذان لا يمكن أن نفكر يوما أنهم سيكونون مصدر قلق لكردستان ولا لغيرها.

فنسأل الله أن يحفظ الشعب العراقي عموما وشعبنا المسيحي والإيزيديين من كل أذى ويكون ما جرى يوم الجمعة الثاني من ديسمبر 2011 درسا للقيادات الكردية كي تعيد ترتيب أوراقها، وأن لا تسمح بأن يطال الظلم أي من مواطنيها، فخسارة أي إنسان وممتلكاته هو خسارة كبيرة للجميع، فمعا نكون أقوياء ونحقق المستقبل الزاهر لمنطقتنا وأهلنا.


عبدالله النوفلي


84

المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (3)
كما كتبنا في ما مضى فإن واقعنا المسيحي في العراق وما تلاه للمسيحيين في المهجر ليس واقعا يُسِرُّ الصديق أبدا، ويبدو مما جرى ومازال يجري بأن ما يحدث ليس بالأمر الطاريء ومن شبّه الذي يحدث بالصدفة، من دون شك هو واهم، فعلينا أن نبحث عن السبب كي يتسنى لنا المعلاجة، أو إيجاد الوسائل التي من شأنها أن تعيد الأمور إلى مسارها الصحيح والطبيعي. فلماذا شعبنا دائما يأخذ جانب الدفاع وتلقي الضربات ولا يُقاوم؛ وأحيانا حتى للدفاع عن نفسه وكأنه كشاة سيق للذبح لا ينبس ببنت شفة، وأينما حدث الاضطراب نراه يبحث عن ملاذ آمن كي يبتعد عن بؤرة المشاكل وينتقل، لكن أن نجده يبحث عن المشكلة وأسبابها ويجهد نفسه بحلها فهذا نادرا ما يحدث ولا يتم ذلك إلا بحالات شخصية بحتة أما إذا تعلق الأمر بشعب برمته فلا نجد من يوحد قراره أو من يحاول لملمة شتاته كي يعمل ككيان واحد ويدافع عن الشعب تجاه من يستهدفه كشعب أو أمة.

وربما تعود جذور هذه التصرفات للايمان الذي يعتنقه هذا الشعب الذي لا يؤمن بالعنف بل بالعكس يؤمن بأن المحبة تحل كل شيء عملا بما تعلمه من معلمه الالهي يسوع المسيح الذي قال مرة لتلاميذه حيثما اضطهدونكم أو لم يقبلونكم فاتركوا ذلك المكان وانفضوا حتى الغبار العالق بأرجلكم من تلك المدينة واذهبوا إلى أخرى!!! لكن نجد أنه له المجد لم يسكت أزاء من ضربه وهو في طريقه لمحكمة الصلب مستفسرا عن السبب، وشعبنا اليوم لا يحاول حتى الاستفسار!! فنجده في العراق وبأبسط ورقة مكتوبة بخط لا يُقرأ أو يستطيع فهمه يلملم الغالي والخفيف كي يترك ويمضي، حتى مقتنياته التي أفنى من أجلها زهرة شبابه وعرق جبينه يتركها أو يبيعها بأبخس الأثمان كي ينجو بنفسه من خطر مزعوم، وتعددت أشكال التهديد الحديث؛ من مظروف يحتوي على إطلاقة ؛كرسالة أن من يتلقاها ولم يغادر فإن مصيره القتل، ووصل الأمر للكتابة على الجدران بشعارات تهديديه للتخويف أو صريحة تطالب بخروج المسيحيين من العراق لأن هذا البلد ليس بلدهم!!! ولم يكن هذا كل الأمر فقد تم الاعتداء على الكنائس دون رحمة وقتل الكهنة بدم بارد، وخطف آخرون وحتى المطران (بولس فرج رحو مطران الموصل على الكلدان) الأعزل من أي سلاح لم يأمن من شر الأشرار وخطف ومن ثم وُجد ميتا!!!.
وأزاء كل هذا ماذا فعل هذا الشعب وماهي ردة فعله؟ ونحن بما سردناه لم نتطرق إلى الماضي القريب ولا البعيد بل تكلمنا فقط عن الواقع المؤلم، كي نسأل أنفسنا لماذا حدث ومازال كل هذا ولا نجد من يقاوم فحتى ممثلوا شعبنا في مختلف السلطات الحاكمة في العراق أرادو الايحاء بأن ما يحدث لا يًقصد به المسيحيين وإنما هو جزء من أمر أكثر شمولية يخص عموم العراقيين، ومع الأسف نجد من يتحدث عن هذا علنا وفي أجهزة الاعلام، أليس ذلك مشاركة في المؤامرة ضد شعب أعزل؟ ألم يسأل هؤلاء أنفسهم إن المسيحيين العراقيين ليسوا كباقي العراقيين لأنهم لم يهددوا أحدا ولم يخطفوا أحد ولم يعملوا كمرتزقة أو كميليشيات وعاش جيرانهم بأمان كل الأوقات والأزمان بل نجد مسلموا العراق يبحثون عن جار مسيحي لأنهم يأمنونه وأنهم متيقنون بأنه لا يلحق بهم أي أذى، من ذلك فإن الجميع يعترف بأن المسيحيين في العراق شعب مسالم، وعلينا أن نعلي صوتنا بقوة بأن ما يحدث لهذا الشعب ليس كما يحدث للآخرين في العراق وعلينا وعلى من يتحدث بإسمنا أن لا يحاول أقناع الآخرين بأن الهجمة هي لعموم العراق، وإن كانت بجانب معين تشبه ذلك لكننا علينا التصريح علانية بأن هذا العمل وأزاء المسيحيين لا مبرر له لأن العنف أزاء الآخرين له ما يبرره لوجود ميليشيات متعددة الأهداف والألوان لدى هذا الطرف أو ذاك وهذه تلحق الأذى بالآخرين وكل حسب أجندتها لذلك يكون من الطبيعي أن يحدث العنف بسبب تصرفات الأطراف، لكن أن يحدث العنف أزاء شعب مسالم لا حول له ولا قوة فإنه أمر غير مبرر ولا نجد له تفسير، وعلينا دراسته بعناية كي نجد مبررا لما يواجهه شعبنا في العقد الحالي.
وعندما نبدأ بهكذا دراسة تتشعب الأفكار إلى الحد الذي يحير الباحث ويصل حد اليأس ويترك ما بدأ به، لماذا؟ بكل تأكيد ليس هذا الشعب لغزا محيرا، وهو يعيش على أرض آبائه وأجداده وانقسم بين كنائس ومذاهب مختلفة ونتيجة الظروف السياسية والسلطات الغاشمة والديكتاتورية فإن شعبنا فضل عدم الخوض في السياسة والتوجه كليا نحو العمل والابداع فيه وكذلك الدراسة والتقدم في مراتب العلم إلى الحد الذي أصبح في فترة معينة ما يربو على منتصف مثقفي الشعب العراقي ككل هم من أبناء شعبنا وهم من حملة الشهادات العلمية والثقافية وفي مختلف مجالات الحياة، لكن دائما كنا نجد تهميش هذا الكم الكبير منهم ووضعه في موقع غير قيادي كي يتم تحجيمه وكي لا يبرز ويطغي على غيره من أبناء العراق، وكان جلَّ ما يصل إليه هو منصب وزير أو مدير عام وبأعداد ضئيلة كذر للرماد في العيون وكي لا يقول شعبنا أننا محرومون من ذلك، وهذا قاد الكثير ومنذ زمن بعيد كي يلملم أمتعته ويقرر الهجرة إلى البلدان التي تقدر عاليا موهبته وعلمه وأبداعه، ونجد اليوم العديد من أبناء شعبنا في كل اتجاهات المغارب والمشارق وهم يتبوأون مناصب ومواقع سياسية أو تنفيذية أو علمية في مختلف البلدان التي تواجدوا عليها وبلدهم كان قد أهملهم وتركهم بل عمل جاهدا كي يبعدهم عن أرضه!!!
وللموضوع صلة
عبدالله النوفلي
نشرت جريدة العراقية الصادرة في سدني المقالة بعددها الصادر يوم 23 تشرين الثاني


85

المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (2)
[/b]
تكلمنا في الحلقة الأولى عن نتف من واقعٍ أقل ما يقال عنه أنه واقع مزرٍ لشعب يدّعي أنه ينحدر من صلب الآشوريون القدماء والكلدانيون العظماء الذين تابعوا ولادة السيد المسيح في المذود وتبعوا النجمة حيث يوجد الصبي لأنهم كانوا يعملون بالفلك والآشوريون الذين كان لهم مملكة زاهرة منذ آلاف السنين في نينوى العظيمة وفي آخر أيامها اكتسحتها مملكة الكلدانيين واحتلتها!!!
لسنا هنا بصدد سرد تاريخي لما تم قبل آلاف السنين ولا يهمني تاريخي بقدر ما تهمني نفسي ومن أكون وماذ أفعل أو أدرس أو أقدم للإنسانية أو لعائلتي على أقل تقدير، وقال بهذا الصدد الحكيم العربي قولا مازال يردده الناس مفاده؛ ليس الفتى من قال كان أبي بل الفتى من قال ها أنذا!!! فكيف لأصحابنا من السياسيين لا يقولون كان أبوهم فقط بل أن أجدادهم منذ آلاف السنين!!! أليست هذه مفارقة يجب التوقف عندها؟ ألا نجد الدول المتقدمة تهتم أكثر بالواقع والمستقبل لأنها قد وضعت الماضي خلف ظهرها ولا تهتم له إلا في حالة استفادتها من خبراته ولكن ليس للتبجح بما كانت عليه، ألسنا كلنا قرأنا عن الامبراطورية العجوز، وعن تلك التي لم تكن تغيب عنها الشمس؟ أين أصبح كل هؤلاء؟ هل بقوا متشبثين بذلك الماضي؟ أم أنهم تجاوزوه كي يستطيعوا بناء أنفسهم من جديد وتجديد شبابهم ولبس ثوب الحاضر والاعداد بقوة لمستقبل أفضل، ومن هذا نجد هذه الدول تتقدم بسرعة ولقد أصبحت الفجوة بينها وبين الآخرين كبيرة وطالما الآخرون مهتمون بالماضي؛ وكنا وكنا وكان أهلنا وأجدادنا، فإننا سوف نبقى أسرى لن تقوم لنا قائمة وسيبقى الآخرون يتقدمون ونحن نراوح إن لم نتراجع. ونجد هذه الدول المتقدمة اليوم تقدم يد العون لجميع الشعوب ومنها أهلنا الذين انتشروا في أمريكا وأوربا واستراليا وبقاع كثيرة في العالم... وفي أوطانهم الجديدة يحاولون ما استطاعو الاندماج للاستفادة من تقدم هذه الدول ومن تجاربها السياسية لكن دون شك فإن الانصهار في بودقة المجتمعات الجديدة يبقى هاجسا يقلقهم خاصة وهم يرون أولادهم يبتعدون رويدا رويدا عن اللغة والعادات والتقاليد التي وُلدوا عليها وبدأت أمورها وتعابيرها تذهب صوب النسيان!!!
إنه واقع آخر في دول المهاجر لكننا يجب ان نقرّ بأن لغة التفاهم لمن أصبح في السويد ومن أصبح في فرنسا او ألمانيا أو أمريكا ستبقى السورث؛ خاصة بين الأجيال الجديدة. ومن هنا وجب على جميع الآباء أن يتابعوا تعليم أبنائهم مخافة أن نصل يوما حيث سيتفاهم أبناء العمومة بواسطة مترجم وهذه طامة كبرى جديدة أضيفت لما خسره هذا الشعب عندما حزم أمتعته متوجها نحو بلاد أكثر استقرارا وأمنا مما واجهه في بلده وأرض مولده مع أبائه وأجداده.

إنه واقع صحا عليه الكثيرون؛ فبعد أن ذهب عنهم الخوف الذي كانوا عليه في بلدهم وبعد تحملهم أعباء السنين العجاف وهم ينتظرون الوصول إلى بلد الأمان والاستقرار، نجدهم اليوم وقد بدأت لديهم هموما جديدة لم يكن يعرفونها في بلدهم من أمثال المخدرات والجرائم والطلاقات والزواج المدني وعدم القدرة على السيطرة أو المضي قدما في تربية الأبناء على الأخلاق التي تربينا كلنا عليها في العراق، فالقوانين تختلف وعجلة الحياة في المهجر تدور بسرعة فائقة والانسان عليه أن يدور بسرعتها وإلا يجد نفسه يعيش على الفُتات الذي ترميه له دوائر المنفعة الاجتماعية، وإن عمل وحصل على مرتب فإنه يجد نسبة مهمة من مرتبه تبتلعها الضرائب، ولذلك نجدهم يلجأون للتحايل على القوانين كي يخفون مداخيلهم ولكي يخففوا عنهم الضرائب، فضلا عمن يعمل في الخفاء ويدعي أنه عاطل عن العمل كي يحصل على المرتب الذي تقدمه دوائر الاعانة بالاضافة لما يحصل عليه من عمله في الخفية!!!
لقد خرج شعبنا كي يحافظ على نفسه وعائلته وتحمل المشاق الكثيرة كي يصل إلى مبتغاه لكنه فقد السيطرة على عائلته وأصبح الاولاد يعملون ويتصرفون وفق ما تمليه عليه قوانين البلدان الجديدة لا بل نجد من يتمادى كي يتصرف أكثر من أهل البلد الذي لجأوا إليه بتقليدهم أو حذو حذوهم وغالبا وهذا محصور في فئة الشباب ما يتم تقليد القشور التي تضر ولا تنفع، فأوضاع أهلنا في المهاجر لا تسير بصورة جيدة ونحن نواجه واقعا غير ما كان في أحلامنا، فشعبنا من مسيحيي العراق مطالبون الانتباه كي لا تغرق مراكبنا ونضيع بل ننصهر في المجتمعات الجديدة وعندها نكون قد وصلنا إلى الخسارة مرتين والخسارة الأخيرة هي بلا شك أكبر بكثير مما خسرناه في بلدنا الأصلي....

وللموضع صلة
عبدالله النوفلي
نشرت جريدة العراقية الصادرة في سدني المقالة بعددها الصادر يوم 16 تشرين الثاني 2011

86
المسيحيون العراقيون
الواقع وآفاق المستقبل في العراق (1)


أعلم أن هذه المفردة قد لا تروق لأخوتي الناشطين في المجال القومي وأنا معهم بأن هذه التسمية غير صحيحة في خضم المعترك السياسي كون لا يجتمع حتى علميا شيئان متناقضان وحتى لا يكونان سبيكة لأن المفروض عندما نناقش سياسيا علينا أن نناقش من يشابهنا في الصفات، فعندما نتكلم عن السياسة القومية يجب أن نمثل الجانب القومي كي تكون لنا المصداقية في المناقشة ونتمكن من أقناع الجانب الآخر ونحاول الحصول على المكتسبات لأبناء قوميتنا، وعندما يجلس طرفان ؛ كل منهما يمثل جانبا دينيا مختلفا فهنا يصح أن يتم الحوار بينهما للوصول إلى مشتركات وتفاهمات حتى يكون ذلك مفيدا لأبناء الديانات التي يمثلهما المتحاوران.

من هذه المقدمة البسيطة أردت أن أوضح أن العنوان ليس بالضرورة أن يكون يشير للجانب الديني البحت، لكنني لجأت إليه كي لا أدخل في نقاشات وصلت إلى مرحلة شبه عقيمة بين أطراف المسيحيين العراقيين الذين كل منهما يعتبر كونه هو الأصل وهو صاحب القدح المعلى بين أخوته وعليهم رفع القبعة له كي يقود أخوته ويمثلهم بين الأمم، وهذا طموح مشروع لكل الأخوة مهما تلونوا بألوان مختلفة لو كان هذا الطموح لا يلغي الآخر ولا يحاول مسحه من الخارطة السياسية للواقع العراقي بطرق مشروعة أو غير مشروعة، وعلى جميع أخوتنا من السياسيين المسيحيين أن لا يضيق صدرهم أزاء ما سيرد من سطور ربما يجدونها لا تنفع أجنداتهم أو ما يمثلونه من تيارات أو حركات أو أحزاب، لأن كاتب هذه السطور لا يطمح أن يكون قائدا لهم ولا أن يكون الحكم ليحكم بصحة طروحات هذا الجانب أو ذاك، بقدر ما يهمه أن يطرح أفكارا ربما تقود أخوته كي يجدون السبل التي يرون أن جلوسهم معا وتفكيرهم المشترك سيكون أكثر نفعا بآلاف المرات من جلوسهم فرادى والتصيد لأخطاء هذا الطرف أو ذاك والوقوف بالضد من طروحات أخوته لا لشيء سوى كونها تصدر من طرف لا يوافقه في الرؤى السياسية.
وللأسف هذا هو واقعنا فأي طرح يوحدنا وجد طروحات هائلة من المعرقلات التي لا تجعله يحرك واقع شعبنا قيد أنملة نحو مستقبل أفضل وضل التخبط هو الصورة السائدة وضل شعبنا مهمشا وحيدا ومتروكا لا يجد أملا معينا في أرض أجداده أرض ما بين النهرين التي شهدت أرقى الحضارت وولد على أديمها من يدعي الآشورية أو الكلدانية مع بعض التحفظ على هذه التسميات التي حق مشروع لمن يدعيها لكن يجب أن نكون متمسكين ببعض الثوابت التي تجعلني بحق أن أدعي أي منها أو أن أكون بصدق أتكلم، لأن في البحوث الرصينة يجب أن أدعم طروحاتي بالمصادر الموثوقة لا أن أتكلم هكذا جزافا، فجميل جدا أن أصل يوما لما يربطني بالكلدان القدماء لأكون فردا من أمة كلدانية عظيمة تنشد النهوض اليوم وتعقد مؤتمرات للنهضة هنا وهناك، وكذلك جميل أيضا أن أكون متأكدا بأنني منحدر من الآشوريون الذين دوخوا العالم قديما وسبوا الشعوب وجلبوهم أسرى لبلاد ما بين النهرين!!

لكن الأمور لا تسير بالتمني، فالمصادر التاريخية وهذا متروك لأخوتي المهتمين بهذا الشأن وحسب اطلاعي المتواضع تقف بجانب من يقولون بأن الآثوريون اليوم هم كلدان الجبال!!! بنفس المقدار الذي تقف به إلى جانب من يدعي بأن الكلدان السابقون لا علاقة بهم بكلدان اليوم كون التسمية أعيدت دينيا لمجموعة من كنيسة المشرق الذين دخلوا الكثلكة، وهنا يجب أن أنوه بأن مصطلح كنيسة المشرق لا يعني كنيسة المشرق الآشورية الحالية بل أن هذه الكنيسة قد لا تكون وارثة لكنيسة المشرق السابقة لأن الكتب الطقسية للكنيسة الكلدانية أو كنيسة المشرق الآثورية تقول في ديباجة كتبها بأنها كنيسة المشرق (الذين هم كلدان أو الذين هم آثوريون) من هنا نقول بأن مصطلح كنيسة المشرق كان يشمل جميع من يقول أنه (سورايا) اليوم وكانوا قبل الكثلكة يسمونهم النساطرة.
وأي نهضة ننشدها يجب أن تبنى على الصخر كي تكون نهضة قوية لا يهزها ريح وتكون مقنعة للجميع فمن يقرأ كتاب سرمى خاتون الذي أصدره الآباء الدومنيكان مؤخرا ببغداد يجد بأن الآثوريون الذين غدرهم القدر ونقلهم من جبال هكاري وطور عابدين في تركيا نحو جبال العمادية ومن ثم إلى أيران فبعقوبة فالموصل كانوا يعتبرون أنهم غرباء في العراق وليس هذا موطنهم، وكذلك من يدعي لغويا بأن الثاء تنقلب شين كي يبرر تحول الآثوري إلى آشوري فأعتقد بأن هذا الطرح فقير لغويا وعلى المطلعين أن يفتوا بذلك ويقدمون لنا الأمثلة فلا يجب أن يتم طرح الكلام جزافا لأن التلاعب بالكلمات يفقد المصداقية.

وكما يرى من يقرأ هذه الكلمات إننا أمام موضوع شائك ومعقد ليس الهدف من الخوض به النيل من أي طرف من أطراف المسيحيين السياسية بل بالعكس أنني فخور بأي منهما إن كان مقنعا ويقنع الآخرين دون تشنج وانفعالات أقل ما يقال عنها أنها تنقص من فرص المنفعل ولا تجعله في الموقف الصحيح أمام أبناء شعبنا من كل الأطرف، فهذا الكم الكبير من المؤتمرات والأحزاب والصرف لو أستغل بالاسلوب الصحيح لما كان قد آل موقفنا لما هو عليه اليوم من هجرة مستمرة وواقع حزين وتغيير ديمغرافي لبلداتنا التي أصبحت عرضة للنهش والتقطيع من جميع الأطراف على الساحة السياسية، لا بل أحيان هناك من يتحدث عن أجندات خارجية بدعم هذا الطرف أو ذاك كي يشتري الأراضي والأملاك لأجندة لا يعلم ماهيتها إلا من يخطط لها، والضحية هي نحن فها قد انتشرنا في أربع بقاع الدنيا وها بلداتنا تتناقص ويتم تغيير أسمائها وكل تغيير هو لمخطط سياسي مستقبلي؛ فها أن نوهدرا أصبحت دهوك وبخديدا أصبحت الحمدانية أو قره قوش ولا نستغرب أن يتغير اسم تلكيف أو كرمليس أو برطلة أو حتى عينكاوا وغيرها من البلدات التي كانت ذات أسماء مسيحية.

فهل هذا واقع يرضى له سياسوا أمتي أو شعبي المسيحي مهما كان لونهم. إنها بداية أتمنى أن استمر بها كي نوضح كل هذه الأمور وكي يرى المسيحيون العراقيون أن موطنهم جميل وأن العيش فيه يجب أن يكون آمنا لهم كما هو لغيرهم وأن حقوقهم محفوظة كغيرهم ويرى في السياسيون الذين يمثلونه في كل مفاصل الدولة العراقية المصداقية والاخلاص والتفاني، فعلينا أن لا ندع أن تتكرر مآسي هذا الشعب ويزداد تشردا وأن نرى مآساة جديدة كمأساة سيدة النجاة تحصد أرواح شعبنا ونحن نأمل بأن شهداء تلك المجزرة كغيرهم من الشهداء الذين قدمهم شعبنا على مذبح أـرض ما بين النهرين قديما وحديثا يطالبوننا أن نكون صادقين مع أنفسنا قبل كل شيء وأن لا نخدع شعبنا بالشعارات، وعندها نستطيع القول أننا نسير في الخطوة الأولى من الألف ميل.
عبدالله النوفلي
2011
نشرت جريدة العراقية الصادرة في سدني يوم 9 تشرين الثاني هذه المقالة فشكرا لها

87
الفعل الجبان أزاء
كنيسة العائلة المقدسة

هدف جديد كان على موعد فجر يوم دامٍ آخر من الأيام التي اعتاد عليها العراقيون عامة والمسيحيون خاصة، ونشكر الله أن الأمور سارت بالجرحى فقط ولم تكن هناك ضحايا بالأرواح فالبناء ممكن ترميمه أو اعادة بناءه بسرعة ويتم تعويض ذلك وربما أحسن منه لاحقا لكن الأرواح فمن المستحيل تعويضها إضافة للضرر المعنوي الذي يُلحق بالرعية وهي تشاهد أن عجلة العنف مستمرة ولم تتوقف رغم كل جهود الأجهزة الأمنية والسياسيين وغيرهم، والملفت للنظر أن ما حدث كان مع صلاة فجر أول أيام شهر رمضان المبارك!!! وهنا لست بصدد أن أوجه أصابع الاتهام للمسلمين كونهم أو من يتخذ اسمهم قد قام بهذا العمل فلا علم لي بالجهة الفاعلة فقد تكون بلا دين أو من هذه القومية أو تلك أو لديها أجندة سياسية معينة... وتعددت الأسباب والعمل الوحشي هو واحد.
فجميع الأديان التي تتدعي أنها تحمل مباديء سماوية لا تقبل بالفعل هذا فلو أخذنا المسيحية فسنجدها لا تؤمن بالعنف مطلقا بل تؤمن بأنه من ضربك على خدك الأيسر فاعطِ له الآخر وأحبب قريبك كنفسك و و و ويمكننا الإتيان بالكثير من الآيات الواردة في الكتاب المقدس التي تساند هذا الموقف، وأيضا نجد أخوتنا المسلمين يلقبون شهر رمضان بشهر الرحمة والغفران ويمارسون الصلوات فيه بشكل أكثر تركيزا من بقية أشهر السنة ولا يقبلون بقتل نفس بغير ذنب والكثير من الآيات التي نجدها في القرآن الكريم وأيضا الأحاديث والسنة النبوية كلها لا تقبل بمثل هذه الأفعال التي أقل ما يقال عنها أنها نكراء وبعيدة كل البعد عن الإيمان بالله وباليوم الآخر، وكركوك معظم أهلها يدينون بالمسيحية أو الاسلام، فمن إذا قام بهذا العمل؟
بكل تأكيد إنه الشرير الذي يعادي الخير وأبناء الخير ولا يريد للخير أن ينتصر وهو ويفرح لمشهد الدماء وهي تسيل من أجساد أبناء العراق الذين ينزفون أنهارا منها وليس منذ الأمس بل إن الزمن قد طال بهذا ولا أمل في الأفق كي يتوقف المشهد أو أن يتم إسدال الستار لبداية فصل جديد من المسرحية التراجيدية المؤلمة. أليس من الأصح أن تتكاتف أيدي كل المؤمنين معا لدرء الخطر عن كل المؤمنين؟ ولم تجف الأحبار التي سطرت مأثرة جديدة للكنيسة في كركوك بمبادرتها التبرع بالأموال لصالح المستشفيات على شرف الشهر الفضيل كي تثبت الكنيسة أنها لجميع الأمم ولا فرق لديها بين مسيحي أو مسلم .. يهودي أو أعجمي .. فالجميع لديها هم من خلقة الله وعلى صورته ومثاله وعليها أن ترعى الفقير والعريان والمريض والمسجون أو من هو في الأسر، لأن مؤسس الكنيسة هو الذي يريد منها ذلك، فهل يقابل هذا الموقف بمثل هذه الخسة والنذالة؟

من كان وراء هذا العمل بدون شك لا يريد الخير للعراق ولا لكركوك ولا للمسلمين قبل المسيحيين إنه يكره الجميع من عرب أو أكرد أو كلدان أو تركمان أو سريان أو إيزيديين أو آثوريين أو صايئة أو أرمن فإن هذه المدينة تحوي بين حناياها كل هؤلاء وتعايشو منذ الزمان البعيد وإنني على ثقة أنهم راغبون للإستمرار بهذا التعايش، إن ما حصل هو دعوة للجميع كي تتكاتف أياديهم وتتحد كلمتهم لأن بذلك يستطيعون هزيمة الشر وأفعاله. والحكومة المركزية وحكومة المحافظة يجب أن يكونوا بالطليعة كي يستأصلوا هذا الشر من واقع العراق وعليهم العمل بقوة إعادة البسمة على شفاه الأطفال أولا ولعموم العراقيين لأن بسمة طفل واحد تعني مستقبل أفضل للعراق.
عبدالله النوفلي

88
المنبر الحر / القِس الأرعن
« في: 11:35 06/04/2011  »
القِس الأرعن


مرة أخرى يعود القِسْ الأمريكي لفعلته التي أفصح عنها سابقا وتراجع حينها واستبشرنا خيرا كونه رجع إلى لغة العقل وإلى تطبيق إيمانه إن كان مسيحيا؟ لكن وكما نقلت لنا الأنباء فقد فعل فعلته الشنيعة وبأصرار لمخالفة تعاليم المسيحية السمحاء التي لا تعرف للضغينة والحقد والعنف والكره مكانا، بل على العكس فإننا نؤمن بأن للمحبة قوة لا يمكن لأية قوة أن تحل مكانها وأننا نحب لقريبنا ما نحبه لأنفسنا، وما فتئ مار بولس يوصي بالمحبة حتى انه جعل فضيلة المحبة أعظم من فضيلة الايمان أو الرجاء، وقال إن فعلتُ كل اعمال البر ولم تكن فيَّ المحبة ما انا سوى نحاس يطن أو صنجا يعطي صوتا، وكأني به يقول أنكم بلا محبة تكونون آنية تعطي صوتا وأنتم بداخلكم فارغين تماما كالطبل فصوته عظيم لكن داخله فارغ.
إذاً ما قام به هذا القِسْ ما هو إلا تصرف فردي بعيد كل البعد عن تعاليم المسيحية وهو كقِس قطعا لا يمثل كنيسة المسيح سوى كونه يحمل لقبه هذا فقال وعنهم قال الكتاب أن نحذر من هؤلاء لأنهم يأتون بثياب حِملان وهم من الداخل ذئاب خاطفة!!؟، لذلك نحن مسيحيي العراق نستنكره بل نستهجنه لسببين مهمين أولهما كوننا نؤمن بمبادئ المسيح وثانيهما كوننا نتعايش مع المسلمين منذ ما يقارب الأربعة عشر قرنا استطعنا خلال هذه المدة من مدّ الجسور المشتركة بمناخ إيماني واجتماعي قل نضيره، ونأمل أن مثل هذه الأفعال التي تمارس في أي مكان خارج منطقتنا أن لا تؤثر مطلقا على علاقاتنا مع أخوتنا المسلمين الذين يجمعنا وأياهم الإيمان بالله الواحد الأحد، وباعتقادي أن من يمارس هذه الأفعال ليس برجل دين بل هو رجل سياسة ويخفي أهداف سياسية شريرة وراء فعلته فما علينا سوى التكاتف والحذر لأنه حتما يريد بنا أن نختلف ونتقاتل بعضنا مع البعض كي نصل إلى الضعف الذي ينشدونه وكلي أمل ان العراقيين مسلمين ومسيحيين من الوعي بحيث يفوتون على أمثال هؤلاء ما يخططون إليه ولا ينالون مبتغاهم، نبتهل إلى الله ان يحفظ العراق وأهله ويصونهم من كل أذية خفية وظاهرة ويحقق في ربوع وطننا السلام الدائم.



عبدالله النوفلي
6 آذار 2011
[/color]

89
مَن يُنصِفُكَ يا شَعبْ؟

عانى الشعب؛ الكلداني السرياني الآشوري الأمرين على مدى عقود كثيرة من السنين، وتعرض إلى مذابح جماعية على مرأى ومسمَع القوى العُظمى ومنها بريطانيا التي كانت حينها تحمل لقب (العظمى)، حيث دُمرت قراه وبلداته، وتعرض للتهجير والسبي والذبح والابادة، دون أن يرف جفن للعالم أجمع وفي حينها كانت عصبة الأمم حديثة التشكيل، وكان شعبنا كشاة سيق للذبح وهو لا يقوى حتى على فتح فاه والاعتراض، وعندما فعل لم يسمعه أحد ومضوا قدما بتكريس واقع الحال لابعاد الشعب عن تحقيق أحلامه حاله حال الشعوب التي تريد الحياة، لكن عندما يأتي دور شعبنا كي يطالب بالحياة فإن القدر يقف معاندا ولا يستجيب أبدا!!!
وما أشبه اليوم بالبارحة، فرغم رياح الديمقراطية التي هبّت على العراق واستبشار الجميع بالخير بأن عهد الظلم قد ولى وراح وإن القادم من الأيام سيكون منصفا للجميع، لأن الدستور قد تم أقراره وصوت له الجميع ومنهم كاتب هذه السطور رغم ما كانت عليه من مآخذ قد تم ثبيتها في حينها والكتابة عنها في عام 2005، لأن كانت هناك ملاحظات واجبة التصحيح كي يتحلى الدستور بالعدالة لجميع العراقيين، لكننا قلنا طالما أن ديدن العراقيين الجديد هو الديمقراطية ونبذ الماضي ومحاكمة التاريخ الأسود وإحلال أوراق بيضاء محل تلك التي أسودت من دماء الشعب التي أهرقت على مذبح الحرية في العراق الجريح وفي بلدات مختلفة منه.
لكن أزلام اليوم لا يختلفون كثيرا عن أزلام الماضي!! فها إننا نجد بلدات شعبنا محاصرة بإجراءات بغيتها تغيير ديمغرافيتها رغم أنف الدستور وبمادته (23) الفقرة (ثالثا) و (ب) منها ولمن لا يعرف ما تقول هذه الفقرة سأوردها في نهاية مقالي للاطلاع كي يعرف الجميع أن محاولات تحقيق ما يجري اليوم حول برطلة وبغديدا هو مخالف لأحكام الدستور وأن ما يحاولون القيام به هو عمل حق يراد به باطل بعد أن طالبنا بالالتفات لهذه المنطقة كونها مهملة وتعاني من النسيان وعدم إنشاء أية مشاريع مهمة فيها ويجري ذلك على أيدي من أنتخبهم الشعب كي يسّيروا أموره في محافظتهم!!!
لكن حليمة دائما تعود لعادتها القديمة ولا تريد أن تترك ذلك وما عجز أجدادهم من تحقيقه بالأمس، والسيطرة على أملاك شعبنا واقتطاع أجزاء من قراه وبلداته، فإنه يحاول اليوم تحقيقه، وإن كانت بريطانيا العظمى شاهدة خرساء على مذبحة سميل في القرن الماضي، فاليوم أعظم قوة في العالم ألا وهي الولايات المتحدة ستكون هي أيضا شاهدة لكننا نتمنى أن لا تكون خرساء لأن التهديد لن يكون لبرطلة وقره قوش فقط إنما لوجود شعبنا كله.
فهل سيسكت شعبنا اليوم وينتظر الجزار لكي يؤدي عمله؟ أم ينتفض لكي يكسر السكين المسلطة على رقابه ويقول كلمة حق ويثأر لنفسه ولأبناء شعبه طوال سنين طوال لم تكون جبال حكاري الأولى ولا سميل المذبحة الأخيرة ولا صوريا !!! أعتقد ليس بعد في القوس منزع والأمر لا يتحمل الانتظار.
نص الفقرة المشار إليها:
المادة ( 23):
 أولاً :ـ الملكية الخاصة مصونةٌ، ويحق للمالك الانتفاع بها واستغلالها والتصرف بها، في حدود القانون.
ثانياً :ـ لا يجوز نزع الملكية إلا لأغراض المنفعة العامة مقابل تعويضٍ عادل، وينظم ذلك بقانون.
ثالثاً :ـ
 أ ـ للعراقي الحق في التملك في أي مكانٍ في العراق، ولا يجوز لغيره تملك غير المنقول، الا ما استثني بقانون.
ب ـ يحظر التملك لاغراض التغيير السكاني.
 
عبدالله النوفلي
6 آذار 2011


90
الصحوة..
لماذا غاب التيار الاسلامي؟


عبدالمنعم الاعسم

قبل ان نبحث عمن قاد ويقود الشبيبة الغاضبة في تونس، ثم في مصر، ثم في دول عربية اخرى ينبغي اثارة الملاحظة الاتية: لماذا غابت تنظيمات الاسلام السياسي عن الشارع؟ ويمكن تخفيف الطابع المباشر للسؤال الى صيغة اخرى: من، وما الذي يحرّك ملايين الشباب في دول عربية كانت الى اسابيع تنتسب الى الجمهوريات المحكومة بملوك في واقع الامر؟.
كان المحللون الغربيون قد ملأوا صفحات كثيرة عن فرضية سقوط انظمة الاستبداد القومية، لدى اية هزة او هبة محلية، بيد قوى الاسلام السياسي وطلائعه الجهادية المتطرفة بكل مسمياتها الشائعة، من الاخوان حتى القاعدة،  وهذا ما ذهب اليه بيير بلان مدير تحرير مجلة “  كونفلينس ميدتيرانية” الفرنسية المتخصصة بدراسات حوض البحر المتوسط والشرق الأوسط، بل ان باولا كونسالي استاذة العلوم السياسية في جامعة نابولي الايطالية دعت الغرب الى تقديم المزيد من الدعم لهذه الانظمة حتى لا تقع بيد الجماعات الارهابية المسلحة.
وطبعا، هرع الكثير من كتاب الصحافة القومية العربية الى تبشيع اي تحرك شعبي عفوي وتدنيسه بشبهات “العمالة” وبخاصة حين يتخذ هذا التحرك شكل رد فعل على انتهاكات الحقوق المدنية، واتحد كتاب السلطة وكتاب التيار القومي في الدفاع عن حكومات “مدى الحياة” والنفخ في خطر الجماعات الاسلامية المتطرفة والصمت حيال تجويع الملايين وإلقاء جيال متزايدة من الشباب الى دوامة البطالة وحرمانها من فرص العمل، وفي النتيجة، تعمقت الهوة بين الشعب والحكم قدر ما تعمقت مشاعر المهانة والهامشية في صفوف الفئات الشعبية وانضمت لها شرائح من الطبقات المتوسطة التي تصطدم يوميا باستئثار النخب الحاكمة بالامتيازات والفرص.
والحق، ان القليل من المحللين سلطوا الضوء على الحقيقة التالية: ان الاسلام السياسي باحزابه التقليدية ومجموعاته الجهادية، لم يتصدر الحركة الشعبية المطالبة بالخبز والحرية، في تونس، والآن في مصر، على الرغم من انه تقدم حركة المعارضة السياسية في هذين البلدين وفي بلدان كثيرة لثلاثة عقود ماضية.
وفي تفاصيل هذه الحقيقة لابد من تأشير ناحيتين مهمتين، الاولى، تتعلق بضعف التنظيمات الاسلامية الجهادية بعد الضربات المنهجية والملاحقات التي وجهتها السلطات لها في العقدين الاخيرين، وتجفيف مصادر تمويلها الايديولوجي والبشرية، والثانية، ان هذه الجماعات اخفقت في تقديم برنامج اجتماعي للتغيير، وبقيت تتخبط في سلسلة من الاعمال الانتقامية والتآمرية والاستعراضية المسلحة تحت شعارات دينية وفتاوى مقعـّرة  اغتربت عن معاناة الشبيبة والفئات المكتوية بنار الاستبداد والمجاعة.
*
 “لو كانت الحرية ثلجا لنمت في العراء”
                        الماغوط



91
المنبر الحر / السياسة والدين
« في: 20:44 24/01/2011  »
السياسة والدين

كلمتين مهمتين في قاموس حياتنا اليومية، ويكاد لا يستطيع أي إنسان أن يتخلص من أي منهما في حياته، وربما اللادينيين قد ابتعدوا نوعا ما عن الكلمة الثانية لكن ما يعلنوه هم أيضا هو شكل من أشكال الدين، لأن الدين ليس فقط أن نؤمن بالله أو نتبع أي من الأنبياء أو الرسالات السماوية أو غيرها، إنما الدين هو أخلاق قبل كل شيء وهو شريعة للحياة كي تعطي هذه معنى أبهى وأسمى للعلاقات الاجتماعية بعيدا عن الغش والخداع والغاية تبرر الوسيلة.
وفي الجانب الآخر من الموضوع نجد أن السياسة هي حقل شائك لا تحدده قيم معينة بل أنها مجرد فن الممكن وكذلك فن تحقيق المصالح؛ وعَدُوي اليوم قد يكون صديقي غدا إن تحققت مصلحتي معه وقد ألجأ إلى أقذر الوسائل لتدمير المقابل أو تحطيمه سياسيا حتى وإن كانت الوسائل غير مشروعة من خلال اللجوء إلى الكذب والتزوير وفبركة الأحداث وأعادة تشكيل الصورة لكي يتم جعلها مقبولة للآخرين وأيهامهم في أنها الحقيقة!!!
ومن هنا نرى شتّان ما بين السياسة والدين، ففي السياسة لا نجد مكانا للأخلاق والمواقف الثابتة إنما جميع الأمور خاضعة للتغيير حسب المصلحة، والأمثلة كثيرة في تاريخنا القريب وواقعنا المعاصر، لكن الغريب أن نرى من يلبسون رداء الدين ويَلجون ميدان السياسة بل يصرّون على العمل فيها!!!؟ فربما هذا يريد أن يضع للسياسة دينا ولا أدري كيف له أن يفعل ذلك؟، فكم من الوقائع والأحداث السياسية تستوجب قرارات تتعارض مع الأخلاق الدينية فكيف للمتدين أن يمضي قدما عند ذلك في السياسة، أم أن دينه يتكيف مع المصالح السياسية!!! أيصح هذا؟
بكل تأكيد نحن ننشد أن يكون للسياسة مبادئ شأنها شأن الدين وأن يكون جميع البشر يؤمنون بالله وبالقيم السماوية والدينية وأن يعم العالم شريعة المحبة والتسامح والفضيلة والاخلاق الحسنة وأن يقف الاقتتال ويحلّ السلام في الأرض وتتوقف الاعمال الإرهابية ويحلّ محلها الامن والطمأنينة وأن يعلم كل إنسان حدوده ويحددها بنفسه ولا يتعدى على حق غيره ويحب قريبه كنفسه و و و ... من المبادئ الدينية التي ننشدها جميعا وتعمل من أجل أحقاقها جميع الأديان، لكن هل هذا ممكن في السياسة؟
فبالسياسة تتحارب الشعوب وبواسطتها يتم غزو بلدان آمنة ومحاصرتها وإبادتها، وبها تُستعمَر شعوب وتُسلب حقوقها وتُنهب خيرات بلدانها، وتستباح كرامتها وبالسياسة تُلقى آلاف الأطنان من القنابل على الشعوب وبها أيضا يتم تشكيل فرق لإنقاذ الضحايا ومداوة الجرحى ومعالجة مشاكل اللاجئين الهاربين من المعارك. فهل يسأل أصحاب الديانات الذين يمتهنون السياسة كيف سيمتهنون مثل هذه السياسة؟ أم أنهم سيضعون قواعد جديدة للسياسة؟ لا شك أننا سنكون أمام أناس مراؤون يقولون ما لا يفعلون ويفعلون ما يناقض أقوالهم.
عبدالله النوفلي
23 كانون الثاني 2011

My Web Sites
http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/forum
and
http://abdullah1954.maktoobblog.com/



92
هل للمكون المسيحي في العراق متحدث رسمي؟

كثيرة هي الهموم التي نعيشها في عراق ما بعد 2003 كمسيحيين (كلدان .. سريان .. آشوريين)، جعلت منا في مناسبات كثيرة وقودا وحطبا يتم احراقه حسب مشيئة الاشرار الذين يختارون الزمان والمكان دون الاكتراث بالامور الانسانية ودون اعتبار أن هذا المكون يختلف عن غيره في العراق كونه لا يؤمن بالعنف ولا يمارسه بل عكس ذلك فإنه يؤمن بالمحبة والتسامح والمغفرة حتى مع الاعداء، ولم يقم أي من أفراد هذا المكون بعمل إرهابي أو التعدي على حقوق الاخرين بل كان الجميع يضعون أيديهم بأيدي أخوتهم الذين يشاركونهم بعراقيتهم لخدمة أنفسهم وأخوتهم والعراق كمحصلة نهائية.
لكن المشكلة الاهم باعتقادي هو افتقار هذا المكون لقيادة سياسية فاعلة أو لتنسيق مشترك بين الاحزاب التي تعمل ضمن هذا المكون بحيث اصبح لدينا اجندات كثيرة ومتقاطعة أحيانا مما جعلنا مثار سخرية من قبل الكتل السياسية والمسؤولين الاعلاميين، بحيث كل من يتحدث وكأنه هو فقط المتحدث الرسمي باسم مكوننا المسيحي وكل ما عداه ما هو إلا محرض أو انتهت ولايته أو لا حق له بالتحدث وإن تحدث فهو يعبر عن رأي شخصي بحت والادهى من ذلك من يتصرف هكذا ربما لا يحمل حتى الجنسية العراقية وإن حملها فتوجد أخرى إلى جانبها يتنقل بها بحرية بين دول العالم وتكون جاهزة للفرار عندما تضيق الحلقة من حوله وبنفس الوقت هو يطالب بل يطلب من الاخرين أن لا يُطالبوا حتى بمنطقة آمنة يلجئون إليها عندما يهددهم أحدهم بحياتهم أو أموالهم أو معتقدهم وليس هذا فقط فإن أمثال هؤلاء كثيرون ومنهم من هو مستقر في الخارج ويطالبون أبنا شعبنا بالبقاء والصمود وتحمل العواقب ويقدمو لهم بالمشورة أو ربما إملاءات ويطالبونهم بالبقاء والصمود وعدم ترك أرض الآباء والأجداد، فأين كل هؤلاء مما يكتبون عندما حزموا هم حقائبهم للاستقرار بعيدا عن أرض بابل وآشور؟
هنا أتساءل: هل يوجد شخص واحد مخول بالتحدث باسم هذا المكون  حتى وإن كان له مقاعد بالبرلمان؟ أليس ما يتحدث به هذا هو رأيه الشخصي، وربما رأي حزبه هذا إن كان كل من في حزبه يوافقونه الرأي؟ فلهذا أقول أنه عليه أن يعرف أن ما يصرح هو به أيضا هو رأيه الشخصي لأن الامة لم تخول أحدا للتحدث باسمها، ومن مجموع آرائنا الشخصية ممكن بلورة رأيا محددا للأمة نجتمع عليه، فالامة لا لسان لها تتحدث به وما يجمع عليه ابنائها هو الذي يمكننا أن نقول عليه أنه رأي الامة وبعد اجماع مختلف الافكار لخط معين يعمل لمصلحتها وحاضرها ومستقبلها.
وواقع حال مسيحيوا العراق اليوم وخاصة بعد تكرار أعمال الشر ومنها ما حدث ليلة 30-31 من كانون الاول لسنة 2010 وبكل تأكيد سوف لن يكون الاخير يدعونا بالحاح للبحث والعمل على درء المخاطر عنه وبأية وسيلة ممكنة سواء أكانت سياسية أو دينية بالتعاون مع أخوتنا العراقيين بمختلف مكوناتهم وأيضا العمل مع الدول الاخرى شرقية كانت ام غربية لان ما سنصل اليه قريبا ان شعبنا يتحول إلى مجموعات من اللاجئين هنا أو هناك تعيش على الفتات وتذوب تدريجيا في ثقافات أجنبية تمهيدا لتلاشي ذكر بابل أو آشور إلى الأبد وتبقى بابل وآشور موجودة في متحف اللوفر أو برلين أو غيرها من المتاحف فقط خاصة وأن متاحف العراق قد غيبتهم أصلا من الوجود على قاعاتها منذ زمن ليس بالقصير، وكل من يساهم بالوصول إلى هذا الحال المأساوي فإنه يساهم بأحداث تغييرات ديموغرافية حت في التاريخ وليس في واقع بلداتنا وقصباتنا الحالية التي تعمل اجندات مختلفة لاحداث هذه التغييرات فيها وربما ستتغير حتى تسمياتها لمحو كامل الارث الذي عمل آبائنا وأجدادنا لترسيخه في ارض ما بين النهرين.
إنه ربما واقع حال سنصل إليه حتما طالما بقي لدينا ساسة لا همَّ لهم سوى تحقيق مصالحهم الشخصية الضيقة أو ربما مصالح أحزابهم على أكبر تقدير ويصادرون حقوق الاخرين نتيجة ما فرضه واقع العراق بعد حلول ديمقراطية بوش في اراضيه ونحن نعمل مع الاسف مع الآخرين الذين يتقاطعون مع آرائنا بأنهم أعداء لنا ونحاول النيل منهم ومن مواقعهم حت لو كانت بتشويه الحقائق (ذُكرَ أنني انتهت ولايتي... وللحقيقة أني قد طلبت الاحالة على التقاعد وحصلت على موافقة دولة السيد رئيس الوزراء لكن البديل لم يتم تعيينه بعد ومازلت أمارس عملي، أي أنني صاحب الطلب ولم يُنهي أحدا ولايتي)، ولمن يريد توضيح الحقائق التي ربما وردت كرموز في هذه المقاة فإيميلي الشخصي يعرفه الكثير وأنا مستعد لتوضيح أي شيء يرونه مبهما في مقالتي.
أمنياتي لعام 2011 أن يكون عاما آمنا يحلّ فيه السلام ويعيش شعبنا بأحسن حال وأن تتوضح ملامح مستقبله وتزول عن سياسييه وكافة مفاصل القيادة وانواعها فيه الغشاوة ونستطيع أن نرى بوضوح مجمل صورته حتى نختار قرارنا الصائب. وكل عام وجميع العراقيين بألف خير.


عبدالله النوفلي
31 كانون الاول 2010




--
 

93
سيدة النجاة... ماذا بعد؟

 ها نحن الآن قد طوينا سبعة ايام على مذبحة الكنيسة الشهيدة وقد أصبحت الارقام فيها واضحة 52 شهيد و73 جريح الارقام التي تعتبر فاجعة اذا قارناها باعداد المسيحيين المتبقين في العراق، وأزاء هذه الفاجعة علينا استقراء الاحداث والمعطيات لكي نقرر او نستنتج ماذا بعد هذه الكارثة واين سيصل مستقبل المسيحية في العراق؟.
*الكارثة بما افرزته كبيرة جداً ولا يختلف عليها اثنان.
*ردود الافعال العامة في العراق من كل اطيافه كانت متضامنة ومساندة للمسيحيين وما كتبه الكتاب من المسلمين كان الاكثر وضوحاً وحِدّة لحماية المسيحيين وضمان بقاءهم في بلدهم العراق كذلك وجدنا المتحدثين من رجال الدين المسلمين والمواطنين الذين استنكروا بشدة هذه الاعمال وموضحين بشئ لا يقبل اللبس ان أعتماد الاشرار في بياناتهم على الآيات القرآنية هو استناد باطل ويلحق الضرر ويشوه صورة الاسلام منطلقين من ان الله سبحانه تعالى لا يقبل قتل نفس خلقها كي تعبده وتمجده وايضاً من كون القرآن ينعت المؤمنين بأنهم اخوة وان ربنا يهمه التقوى من امور عباده فكلما زاد الانسان بتقواه كلما زادت كرامته لدى رب العباد.
*دور المسيحيين بعد الحادثة تميز عن سابقاته من الاحداث حيث كان الدور المسيحي شجاعاً في مواجهة الحادث وحضروا بالآلاف الى التشييع الذي ضاقت بهم اروقة كنيسة مار يوسف الكلدانية في بغداد رغم سعتها بحيث لم يبقى مكان حتى على المذبح الاصلي للكنيسة وكان الحضور خارج الكنيسة ربما اكبر مما في داخلها، ومسيرة التشييع التي امتدت لعدة كيلو مترات كانت نموذجاً للتعاون والتكاتف بين ابناء المنطقة والمشيعين وامتزجت فيها دموع كافة العراقيين، كذلك فان الكنائس لم تتوقف ولا حتى يوماً واحداً من تقديم خدماتها لابنائها وكان لطلبة الاخويات دوراً بارزاً عندما اختارت مجموعة منهم لتنظيف الكنيسة بغية اعادتها بسرعة كي تحتضن رعاياها مجدداً لان هذا بحد ذاته افشال لمخطط الاشرار.
*تعاون المستشفيات وكادر وزارة الصحة ومدراء المستشفيات والوزير شخصياً لتوفير اقصى الخدمات واحسنها بحيث غادر العديد من الجرحى بعد ان تماثلوا للشفاء كما ان العناية التي قامت بها مستشفى ابن النفيس مثلا ومتمثلة بالدكتور عبد الباسط مديرها للخوري روفائيل قطيمي كان لها الدور البارز لتماثل هذا الاب العزيز بسرعة للشفاء وتحسن صحته وهو محاط بأحبائه ومعالجيه يسهرون عليه ليل نهار وهذا رد واضح للاشرار ان رسالتهم لم تكتمل وان العمل مستمر دون كلل لازالة آثار الحادث الاجرامي رغم ان من فقدناهم لا يمكن تعويضهم ابداً، لكن لابد للحياة ان تستمر وان الليل لابد ان ينجلي.
*دور الحكومة رغم كل ماقيل عن تقصير في الجانب الامني الامر الذي ادى لاقتحام الاشرار الكنيسة واحداث ما حدث لكن ما لحقته من احداث وتحرير الرهائن كان من الحكمة والجرأة بمكان ادى الى خروج العديد من الحاضرين في الكنيسة ناجين لله الحمد وهذه فقط تعتبر معجزة الهية لمن عاين الكنيسة بعد انتهاء العملية كونها قد اصبحت ساحة للحرب والدمار لايمكن مطلقاً تصور هناك ناجين وغير مصابين، اضافة الى دور مجلس الوزراء بالقرار والايعاز بأعادة الاعمار الفوري بغية عودة الكنيسة لتقديم خدماتها للمؤمنين يعتبر قراراً يجب ان يدخل الامل في قلوبنا رغم ملاحظاتنا حول بعض من فقرات التصرف الحكومي ازاء حادث الكنيسة والحوادث الاخرى.
*القيادات الدينية والمرجعيات كانت واضحة وضوح الشمس بمواقفها المعلنة من المرجعيات في النجف الاشرف الى التيار الصدري الى الوقفين السني والشيعي التي عبرت عن مواقفها بشجاعة شاجبة ومستنكرة ورافعة من معنويات المسيحيين في العراق وحثهم بعدم الخوف والبقاء والصمود.
*موقف طائفة الصابئة المندائيين كان ايضاً بارزاً بألغاء الاحتفالات للعيد الصغير الذي صادف الخميس بعد الحادث وافتصاره على الشعائر الدينية اضافة لحضور فضيلة الشيخ رئيس الطائفة والمسؤولين فيها مراسيم التشييع ومؤازرتهم للمسيحيين كل ذلك كان موقعه التقدير والاحترام.
*ايضاً جميع رؤساء الطوائف المسيحية بأتحادهم في مراسيم التشييع ووقوفهم على مذبح واحد كان علامة مضيئة بمستقبل افضل لنا وتجعلنا نأمل بأن دماء شهدائنا اصبحت فعلاً بذارة لحياة جيدة ولأمل جديد ولمستقبل افضل.
وماذا بعد؟ علينا كمسيحيين ان نتخذ قرارنا الصائب وان تكون حسابات هذا القرار مدروسة ومبنية على المعطيات العقلية لا العاطفية، فأن مغريات الهجرة كثيرة والحلم بالامن والامان يستحق المجازفة، لكن يجب ان نعترف بأن هذا الخيار ليس مفروشاً بالورود بل بالعكس هناك العقبات والصعوبات والمشاكل والمعاناة اضافة الى تبديد ما قد تعب لبنائه المسيحيون في حياتهم السابقة في العراق على امل البدء من الصفر في المهجر !! وان قلنا ان لنا اهل سيعينوننا كي نصل ونبدأ من جديد فهذا امر غير موثوق دائماً وربما لحالات محدودة. لذلك سيكون البقاء والصمود  والتصرف بحكمة لتجنب الاخطار ربما يكون هذا الفعل الافضل فيما لو اتخذناه ولكن تبقى لكل عائلة قرارها الخاص.
  نأمل ونتضرع الى الله ان يحمي المسيحيين القلقين على مستقبلهم ويأخذ بيدهم لكي يختاروا طريق واسلوب مستقبلهم بصواب ونطلب من الله ان يوقف نزيف الدم كي ننعم بسلامة في الارض ويعود الرجاء الى قلوبنا.
                                                     عبد الله النوفلي
                                                      7/11/2010



94
الكنيـسة الشهيـــدة

 
لم يكن ما حدث عصر يوم 31/10/2010 حادثاً ارهابياً عادياً كغيره من الحوادث كونه احدث نقلة نوعية في الهجمات وافرز من خلاله شهداء لم تعطها كنيسة العراق طوال سنوات سادت فيها الفوضى والدمار والقتل والتفجيرات كان فيها المسيحيون طرفاً مستهدفاً من قبل الاشرار، والكنيسة التي تحمل اسم (سيدة النجاة) لم تحقق النجاة لمن لاذ فيها قاصداً الصلاة والتضرع الى الله سبحانه وتعالى ان يعم الخير والسلام للجميع وللوطن ايضاً وخصوصاً ان القداسات التي تقام يقال في الصلاة الاستهلالية فيها انشودة الملائكة للرعاة عندما بشروهم بولادة المخلص يسوع المسيح حيث قالوا: (المجد لله في العلا وعلى الارض السلام والرجاء الصالح لبني البشر) فما ينشده المصلون المسيحيون اياً كان مذهبهم او طائفتهم هو تحقيق السلام في الارض والعمل الجاد في روحية متقدة بالامل بأن يكون بني البشر في القادم من حياتهم احسن مما هم عليهم في لحظتهم الحاضرة.
 
ولم نجد في كل الكتب السماوية ما يشير الى شرعية استباحة بيوت الله وجعل فنائها ساحة للحرب ينتشر فيها الموت والقتل والدمار وتتناثر فيها الاشلاء ويغطي الدم كل الارجاء وحتى الحيوانات عندما تقع الضحية امامها ولا تقاوم فأنها تقف عن الاعتداء وتبتعد عن الفريسة، لكن الاشرار امعنوا في القتل والتدمير ليس لكون المغدورين يستحقون العقاب بل لان روحهم تريد الحاق اكبر اذى بالضحايا واصبح الاشرار يمتازون بالسادية المفرطة من اي تفكير عقلاني ايجابي وحتى التفكير بالكلمات التي يطلقونها ومدى مطابقتها مع الشريعة التي يدّعون الانتماء اليها، ان الله سيبقى الاكبر وهذا ماتقره كل الشرائع ومنها المسيحية فكيف يكون من آمن بالله ورسوله (المسيح) وفي اليوم الآخر ويصوم ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر... كيف يكون هذا كافراً ومكانه النار كما روى بعض من نجا من الحادث نقلاً عن قول القتلة؟، ان الفقهاء يقولون ان المسلم كل من سلم الناس من يده ولسانه فأين هؤلاء من هذا وهل حققوا هدف الرسالة التي يدعون انهم ينتمون اليها؟ والمسلم ايضاً كل من اسلم نفسه الى الله وهذا ما كان عليه الضحايا وقت الحادث لانهم كانوا في حضرة الله مسلّمين انفسهم كلياً له مرددين مع مريم العذراء: (ها أنذا أمة الرب فليكن لي كقولك)، فهل مثل هؤلاء يستحقون القتل؟ ويضيف الفقهاء ايضاً: ان من يطبق تعاليم عيسى فهو مسلم على طريقه عيسى وهكذا لموسى وغيرهم من الانبياء الذين يعترف بهم القرآن الكريم.
ألم يسمع الاشرار ان قتل نفس بغير ذنب يعتبرها الله انه كمن يقتل الناس اجمعين، فهل من قام بهذا العمل يتوقع مكافأة الله لفعله؟ هل اصبح الدم البرئ مستباحاً هكذا والشيطان يسرح ويمرح في كل مكان وملائكة السماء قد انزوت جانباً ولا تتدخل ربما لاننا ابتعدنا عن الشرائع السماوية واصبحنا نهتم بمصالحنا الشخصية اكثر من اهتمامنا بما لله تعالى.
من كل هذا علينا ايضاً ان نسأل اين حامي العراقيين مما يحدث اليس الدستور يلزم الحكومة ان توفر الحماية والامن وتطبيق القانون بعدالة للجميع، لكن بكل تأكيد لابد ان تحدث الاختراقات لكن تبقى التساؤلات مشروعة: كيف وصل كل هذا الكم الكبير من ادوات الدمار رغم السيطرات واجهزة كشف المتفجرات وغيرها من التدابير الامنية. وبالمقابل نجد ان الجهاز والموجود سلاح بسيط في السيارة يؤشر ويتم ايقاف العجلة والتحقق من مصدر السلاح والغاية من وجوده!! وايضاً نجد تدابير امنية استثنائية عند اقامة صلاة الجمعة في الجوامع والحسينيات لكن عند دور عبادة المسيحيين نجد اجراءات بسيطة وحتى الحراسات المتيسرة لها ليست بالمستوى المطلوب من التدريب والعدد والكفاءة.
 
والمراقب يتساءل اليوم كيف سيكون عليه مستقبل المسيحيين في بلدهم بعد هذا خاصةً وانهم كانوا يرحلون قبلهُ بكثافة وحتى الحضور لممارسة الشعائر الدينية لم يكن بالمستوى المطلوب نتيجة الخوف من المجهول الذي حصل في الكنيسة الشهيدة يوم 31/10/2010 فلو كانت الامور طبيعية لكان الحضور بالمئآت وربما يصل اكثر من 500 شخص عندها علينا ان نتصور كم كانت المأساة كبيرة لو حدثت لا قدر الله بهذا الجمع الكبير، اليوم نستطيع الجزم ان المسيحية اصبحت في خطر حقيقي والحادث سيعجل من افراغ العراق من مسيحييه والذي لو حدث سيكون خسارة كبيرة ليس للمسيحيين فقط وانما للعراق ايضاً.
 
فهل سنلمس اجراءات عملية كي لا يتحقق هذا السيناريو؟
الامر متروك لمن بيده القرار.
 
 
 
 
 
 
عبد الله النوفلي
2/11/2010




--

95
الكنيسة بين الأنغلاق والتحرر


راودتني فكرة هذا الموضوع عندما طالعت مقالة كتبها أخي العزيز مسعود هرمز النوفلي وذكر فيها رأي مثلث الرحمات البطريرك مار روفائيل الاول بيداويد حول القومية الذي لم يكن فيه يحبذ ان تنغلق الكنيسة على قومية بعينها لأن ذلك يعني الحكم عليها بالموت. فهذا الرأي حفزني للكتابة رغم توقفي عنها لشهور كثيرة ولجوئي لألقاء المحاضرات في مواضيع متعددة في بغداد وغيرها من المدن اضافة الى مشاغلي الرسمية في متابعة هموم أبناء شعبنا الدينية والسياسية والأحداث المستجدة لاحاطة الأخطار ودرئها عنهم، كي نعيد الأمل لشعبنا في وطنهم ويتجذروا فيه مجددا ليعودوا للتكاثر والعمل المجد والمخلص كما كان عليه ابائهم واجدادهم منذ قديم الزمان.
نعود الى موضوعنا ولو قلّبنا الكتاب المقدس لعثرنا على مقولة المسيح له المجد لتلاميذه حين قال: ((اذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الاب والابن والروح القدس)) متى 19:28، ومن هذا الكلام نحاول الاجابة لما يُطرح من تسميات على كنائس شعبنا ومنها: الكنيسة الكلدانية .. كنيسة المشرق الاشورية... وغيرها ونضع خطا تحت الاسمين لان الخطورة بمكان عندما نحصر رسالة المسيح في قومية معينة الأمر الذي يعني ان الهندي ليس معنيا بهذه الكنيسة وهكذا الصيني أو الفرنسي وغيرهم، وتماما كما كان يُطلق الأسم القومي على حزب معين حيث كان لنا في العراق تجربة مع حزب البعث العربي الاشتراكي عندها كان يقول الاكراد نحن غير معينين بهذا الحزب لانه حزب عربي ونحن أكراد.
ونحن نتكلم عن هذا الموضوع علينا ان نتذكر ان آباء الكنيسة في الماضي اطلقوا عليها اسم كنيسة المشرق رغم انه أكثر شمولية من الأسماء الحالية لكنه ايضاً يحصر الكنيسة في المشرق فأين الغربي من هذه الكنيسة وهل وجود كنائسنا في الغرب حاليا يعني انها ليست كنيسة المشرق أم على اتباعها ان يطلقوا عليها تسمية كنيسة أحفاد كنيسة المشرق!! وعلينا من تجربة أجدادنا كونهم تولوا تبشير المشرق كله ووصلوا حتى الصين ولم يتقيدوا بأبناء آشور او كلدو فهل كان أبناء الصين مثلاً آشوريين أم كلدان؟
أعتقد ان الكنيسة عليها لكي تكون امينة لرسالة الرب يسوع المسيح أن تبتعد عن كل ما يجعلها محصورة بشعب أو قومية أو طائفة وان صحت التسمية لتكون الكنيسة أممية لأن المسيح قال "جميع الأمم" وبذلك نضع الكنيسة في الطريق السليم للتبشير برسالة المسيح وتعمل بكل قوتها لكي يكون السلام في الأرض وليكون لأتباعها الرجاء الصالح ولنقل يارب أنر عقلنا لكي نرى ونفهم تعاليمك المقدسة.
                                                    عبد الله النوفلي
                                                   12/10/2010
     

96
المنبر الحر / هل ينفع التخدير؟
« في: 17:36 06/07/2010  »
هل ينفع التخدير؟

        أعتدنا في العراق أن نعيش احياناً بطريقة التخدير لتجاوز حالات كثيرة بحيث نسمع عن اشاعات واخبار واشباه اخبار وقد لا تكون  حقيقية بل هي مجرد اقاويل للتخدير ولغش المستمع ولفت انضاره الى الحالات التي يريد بها مروجيها ويشغلونه بها عن لب الموضوع وهكذا تمضي الايام وتبقى على ماهي ان  لم تكن تنحدر نحو الاسوأ.
        وأمثلة ذلك كثيرة في واقعنا العراقي مع الاسف الشديد لأننا يبدو نختلف عن دول العالم الأُخرى وهنا اتناول موضوعة الانتخابات وما افرزته من ردود أفعال وممارسات احياناً لا تمت للديمقراطية بصلة!!   فقد امتلأت شوارع وساحات مدن العراق كافة بصور وشعارات الناخبين واستبشرنا خيراً بل تعجبنا او اعجبنا ببعضها خاصة عندما كان المرشح يظهر على شاشات التلفاز وبيده كتيب ويوهمنا بأن فيه أكسير النجاح الذي سيحطم كل الماضي الاسود وسيجد فيه الناخبون الحل الناجح لمشاكلهم !!  كما لفت نظري صورة أُخرى لمرشح مع رئيس قائمته وكليهما يرفعان قبضتيهما وكأنهما في حالة عراك مع أحد او تحدي!!  فلم افهم ما المقصود من تلك الصورة او مثيلاتها، كما وجدنا لافتات لمرشحات بأسم ام فلان .... او زوجة فلان،!!؟  أليس ذلك مدعاة للسخرية وكل ذلك بكفة وما آلت اليه الاحوال بعد النتائج التي اغضبت البعض ولم يبدي البعض رضاه لأننا لم نجد من يتكلم كونه قانعاً بها وبما كان حصاده منها ووجدناه من طعن وقدم طعونه وشكواه للجهات المعنية بذلك.
كل ذلك لكي لا يظهر بمظهر المهزوم بالنتائج وهو على يقين ان اعتراضاته ماهي الا عملية تخدير حتى لا يظهر بمظهر الذي خسر الانتخابات!!  إننا نشاهد كل هذا ونتحسر على الحالة التي نراها في امريكا او بريطانيا وكيف يتصافح الجميع بعد أعلان النتائج ويقر المهزوم بهزيمته ويبدأ الفائز بالعمل نحو تشكيل الحكومة لأن ذلك امر بديهي في الديمقراطية ولم نجد في احدى الديمقراطيات المهمة في العالم من يختلف بتسمية الفائز هل هو من يكون فور اعلان النتائج أم من يتحالف مع غيره لتجاوز حليفة تحت قبة البرلمان!! 
ولو فكر ساستنا قليلاً لوجدوا بأن الامر طبيعي ولا يحتاج لهذا الكم الهائل من الجهود والتي غطت الاف الصفحات من الجرائد وشغلت ساعات طوال من البث القضائي الى الحد الذي اصبحنا نعيش حالة مهزلة سياسية قل نضيرها عالمياً.
فالكتلة الفائزة ولو بمقعد واحد عن غيرها يجب ان تكلف بمهمة تشكيل الوزارة ولا ينتهي الامر لأن لهذا التكليف مهلة دستورية فلو لم يستطيع رئيس تلك الكتلة من جمع الاصوات الكافية لنيل الثقة بحكومته سيؤول التكليف للذي يليه بالاصوات وهكذا نسير وفق خطط وقواعد ديمقراطية ولا نلهي انفسنا ولا شعبنا بل نلتفت الى البناء ونعمل لتقدم البلد، فكم  سنهدر بعد من الوقت لنرى الحكومة مشكلة وتقوم بإدارة البلاد فها هي بريطانيا انتخبت بعدنا بأشهر ولم يستغرق تشكيل حكومتها سوى أيام قليلة يمكن عدها بالساعات فلماذا لا نستفيد من تجارب غيرنا ونعني تجربتنا ولا نلجأ الى اسلوب المماطلة والتخدير واطالة الوقت لأن ذلك هو ديدن أما من لا يحترم الديمقراطية او الذين لا يعرفون ماذا يفعلون.
نأمل أن نفهم الديمقراطية ونسير على القواعد والاسس الصحيحة ونعلم شعبنا ذلك لكي لا نغشه او نخدره ونسلب له من عمره اشهراً وربما ستصبح المدة بالسنوات!!


عبد الله النوفلي
29/6/2010

97
هل نجحنا في الانتخابات؟

الان وقد اتضح كل شيء وانجلت الارقام وأصبح لكل مرشح من مرشحي شعبنا في قوائمه الانتخابية القومية المخصصة للكوتا نصيبه من الاصوات التي منحها له أبناء شعبه، هنا علينا التوقف ودراسة الموقف والأرقام والنتائج لنرى أين أصبح شعبنا من اللعبة الديمقراطية؟ وهل نجح فيها؟ أم أنه مستمر في طريق الفهم الخاطيء لها؟
دون تردد يمكننا الجزم بأن ما حصدناه في هذه الجولة من الانتخابات كان مقبولا ومتقدما بصورة جلّية على ما كان عليه حصادنا في انتخابات 2005؛ لأن شعبنا أثبت حرصه على المشاركة ليس في الترشيح فقط وإنما في الانتخاب أيضا، أي أنه أستوعب الدرس إلى حد ما، فقوائم شعبنا نالت أكثر من سبعين ألف صوت (73315 صوتا بالتحديد) رغم تشتت هذا الشعب وهجرته وتهجيره أو إرهابه وجعله غير مستقرا على حال، ورغم عزوف نسبة كبيرة منه عن المشاركة نتيجة اليأس بعدم وجود أمل أو ليس هناك جدوى من كل ما يجري، أو احتجاجا لحالة الامة السياسية التي تشهد صراعات مختلفة جلّها على التسمية بحيث نجد المتعصبين من كل حدب وصوب، والذين ينحازون لعرقٍ معين دون آخر أو الذين يحاولون أقصاء بعض من ألوان شعبنا على حساب ألوان معينة حتى أصبح اللون أحيانا مقدسا عند البعض وعلى غرار مقولة الانجيل: "من ثمارهم تعرفونهم" فإن في تنظيمات شعبنا مَنْ مِنْ ألوانهم تعرفونهم.
وبرأيي الخاص كانت نتائج شعبنا تبشر بمستقبل أفضل؛ فهناك أكثر من سبعين ألف راشد (أي بلغ الثامنة عشرة من عمره أو أكثر) توجهوا إلى صناديق الاقتراع ولونوا أصبعهم باللون البنفسجي وقرروا أن أشخاصا معينين من شعبنا سيكونوا ممثليهم في برلمان العراق لدورته الجديدة بدءا من 2010، وليس هذا فقط، فقد كان لشعبنا دورا في فوز قائمة أو قوائم عراقية أخرى وكان لنا أيضا مرشحين كثر في تلك القوائم، بحيث أصبح تفكير الكلداني السرياني الآشوري تفكيرا وطنيا لا دينيا، أو قوميا أو طائفيا بحتا بل كان لنا مرشحون في قوائم كثيرة حملت طابعا مميزا منها؛ الكردي أو العربي، أو ذات الصبغة السنية أو الشيعية، وكذلك القوائم ذات الصبغة العلمانية، بحيث كان لنا وردة كلدانية سريانية آشورية بين زهور باقة بقية المكونات العراقية، وهذا كان يميز انتخابات هذه السنة، ولو افترضنا أن بحدود عشرة آلاف صوت من أصوات شعبنا ذهبت لمرشيحين خارج الكوتا، فهذا يعني أن أكثر من ثمانين ألف من أبناء شعبنا صوتوا في الانتخابات، ولا أعتقد أن نسبة المشاركة الكلدانية السريانية الآشورية في الانتخابات العامة تجاوزت 25 – 30% من العدد الكلي فهذا يشير بوجود أكثر من ربع مليون ناخب لدينا أي أن شعبنا يربو على النصف مليون في العدد والذي مازال على أرض ما بين النهرين الخالدة وهذا رقم يثير التفاؤل لدينا.
وبالرغم من حصاد قائمتين من قوائم شعبنا لمعظم الاصوات وحصولهما على درجة النجاح، لكن هذا لا يعني أن الآخرين قد فشلوا، لأن الفشل هنا يعني عدم الوصول إلى عتبة القاسم الانتخابي أو بسبب نظام احتساب الاصوات، لكن هذه أيضا وبما وصلت أو حصلت عليه من أصوات تعتبر ناجحة قياسا بانتخابات 2005، ويمكننا القول للناجحين أن مهمتكم لن تكون سهلة في عام 2014 لأن ميدان اللعب لم يعد مقتصرا على لاعب واحد حصري كما كان في عام 2005، فاليوم نجد هناك العديد وعلى الأقل لاعبا ثانيا دخل المنافسة وبقوة وجدية ونال نصيبا من النجاح، وبكل تأكيد أن الجولة الثالثة عام 2014 سوف لن تقتصر على هذين اللاعبين، لأن المنافسة ستشتد وسنرى آخرين يدخلون بقوة لبروز قوى سياسية وقومية جديدة بالاضافة لأشخاص تمكنوا بقوتهم الذاتية مزاحمة من يقف خلفهم حزب بقوته وتنظيماته؛ وما تجربة السيد يوحنا في بلدة قره قوش سوى مثالا جليا حيث حصل بمفرده على أكثر من أربعة آلاف صوت لم يحصل عليها أشخاص كثيرون تقف أحزابا عريقة خلفها بقوة تنظيماتها داخل العراق وخارجه.
إن تجربة السيد يوحنا جديرة بالوقوف عندها واستثمارها في المستقبل، فهذا لم يتم تسخير ماكنة أعلامية إلى جانبه وربما لم تبث الأجهزة المرئية أية أعلانات له أو تبث ندواته أو أحاديثه، كما ليس له تنظيم يروج له، أو مؤسسة حكومية أو دينية تشهد لأعماله، لكنه رغم كل هذا فقد برز بقوة!! فماذا لو كان هذا الشخص ضمن تنظيم حزبي يسانده؟ بكل تأكيد كان سيكتسح الآخرين وكان سيكون لنا رمزا جديدا من بين رموز أهلنا كنا سنفتخر به مع العراقيين الآخرين.
إن تجربة 2010 الانتخابية جديرة بالدراسة والتمعن لكل من يريد النجاح في تجربة 2014 القادمة كي لا يبدأ حينها من فراغ، لأن علينا أن نعرف تدابيرنا لكي نزيد من نسبة نجاحنا، ولكي نوسع فسحة الأمل في صدور شعبنا، ولكي يكون دورنا بارزا في مسيرة العراق الديمقراطية وحتما سيذكر التاريخ أنه في عام 2010 دخل مرشحوا الشعب الكلداني السرياني الآشوري (المسيحيون) إلى البرلمان وبجعبتهم صك تأييد من عشرات الألوف من أنصارهم !! ولم يكن دخولهم بالتزكية أو بواسطة القاسم الوطني، وهذا موقع متقدم نأمل أن نحافظ عليه ونديمه لتحقيق نجاحات أكبر في المستقبل.
فعلى تنظيمات شعبنا التمعن مليا بذلك لأن المعركة الانتخابية المقبلة سوف لن تكون سهلة بل ستزداد شدة وضراوة، ولن يكون الكرسي آمنا أو مؤمنا لأحد، فعليكم لملمة أوراقكم ووضعها على طاولة مشتركة مع أخوانكم والبحث عن سبل الالتقاء والتحالف مع بعضكم البعض إن كنتم تأملون في الحصول على الكراسي في انتخابات 2014، وإن الأربع سنوات القادمة سوف تمضي مسرعة ومن يستثمر الوقت بالعمل فهو الذي سيكون النجاح من نصيبه.

عبدالله النوفلي
بغداد 28 آذار 2010

98
شعبنا وما بعد الانتخابات

الآن وقد أقفلت صناديق الاقتراع وارتاحت الصحف والشوارع من الحملات الدعائية وربما ستخف الحوادث المرورية التي ازدادت بسبب جمال المرشحات!!! وأصبحت الأصوات بأيدي المفوضية العليا للانتخابات ومنها الأصوات التي أدلى بها شعبنا في كافة ربوع العراق ودول المهجر، وقبل ظهور النتائج، ماذا علينا أن نفعل؟
دون أدنى شك إن شعبنا: الكلداني السرياني الآشوري أي (الشعب المسيحي) معروف عنه حبه للديمقراطية والسعي الحثيث إليها وهو يحب السلام ويسعى في سبيل تحقيقه وينشط من خلال توفر الأمن والاستقرار، لذلك فإنه وهو بهذه المواصفات سيكون فرحا جدا لنجاح الانتخابات وسيحترم ويفرح لنتائجها لأنها ستعبر بوضوح عن توجهات جميع أطياف شعبنا ولو ربما ليس بمقدار 100% لكنها ستعبر بشكل أو بآخر عن توجه شعبنا ونظرته لمستقبله والآفاق التي يرنو إليها.
إذا علينا جميعا أن نهنيء بعضنا البعض بالنجاح ونمد يد المصافحة لمن يرشح ناجحا فيها كونه سيكون مختارا من قبلنا وعلينا أن نقول له ألف مبروك لأنك اليوم قد وضعت قدمك في أول الطريق ونذكرك بأن لديك صليبا يستوجب حمله وسيقف شعبك ليراقبك ونطالبك أن لا تنسى ما وعدت به قبل الانتخابات، لأن معاناة أهلك منذ مذابح 1915 وما بعدها في سميل وصوريا والأنفال وصولا لتفجير الكنائس وقتل المطران والكهنة والشمامسة والتهجير وانتهاءا بأهلنا في الموصل كل هذه ستكون أمانة في عنقك وعنق من سيجلس معك على كرسي البرلمان، فلن يكون جلوسكم للراحة بل للعمل، ومن اليوم ولمدة أربع سنوات لن تكونوا لذواتكم ولا لأحزابكم ولا لطوائفكم بل ستكونوا لجميع أطياف شعبكم المسيحي... شدّوا أحقائكم وشمّروا عن سواعدكم لكي تكونوا في المقدمة .. لكي تدافعوا عن مصالح شعبكم .. لكي توقفوا نزيف الهجرة والدم وتدخلون الفرحة لقلوب الثكالى، كفانا ذلا .. كفانا خنوعا .. ونريد أن تشاركوا بقوة .. وعليكم ابداء الرأي في البرلمان دون خوف، فمن يخاف لا يحق له الجلوس هناك، فربَّ قلة فاعلة خير من كثرة لا نشاط لها.
مبروك ثانية لمن سينجح في الامتحان، ونقول أن نجاحك المفروض أنه قد أتى دون تأثير على انتخابات الأخرين بتمزيق دعاياتهم أو ألصاق صورك فوق صورهم لأن هذه السبل ليست من شيم وأخلاق شعبنا وإننا سنقدم التهاني من الآن وسنبقى ننتظر الحصاد لأنه الأهم والغد الذي ستظهر به الأسماء ليس ببعيد وسنرى أين ستصبح الوعود وعندها نتمنى أن لا يندم من أختاركم بل نريد لمن اختار غيركم وأعطى صوته للغريب أن يندم لأنه فضل الغريب على أبناء شعبه، ونطلب من الله أن يرعاكم ويحفظكم ويهبكم الحكمة.

عبدالله النوفلي
7 آذار 2010

99
المنبر الحر / التغيير
« في: 19:36 18/02/2010  »
التغيير

   كلمة نقرأ الكثير منها في ملصقات الدعاية الانتخابية للبرلمان العراقي القادم في اذار 2010 وكأنها كلمة مشتركة للكثير من القوائم، لكن لم يوضح اي واحد ماذا يقصد من كلمته (التغيير)؟ ام انها مجرد ترديد للكلمة ونقلها عن مشروع الدعاية الانتخابية للرئيس الامريكي اوباما عندما كان يضع في مقدمة اعلاناته الدعائية كلمة CHANGE والتي هي نفسها تغيير بالعربية؟
والملفت للنظر ان هذه الكلمة وجدناها في ملصقات قائمة دولة القانون التي كانت تقود الحكومة ولا زالت فهذه ماذا ستغير؟ ربما ان الحكومة كانت مفروضة على رئيسها ويريد السيد رئيس الوزراء اذ كان بالفترة القادمة ان لا يسير في ذات النهج وانتقاء الوزراء بنفسه ليغير سياسة الحكومة، قد يكون من هذا الجانب الرأي مقبول.
وقد يذهب آخرون من حبهم للكلمة انهم سينبذون الطائفية والمحاصصة والتوافق في العملية السياسية الى حكم الاغلبية والوصول الى برلمان فيه معارضة حقيقية ومحاسبة قانونية للحكومة اولاً بأول وان لايكون الانتماء الطائفي هو الفيصل في قرار النائب انما معطيات القرار الوطني وتماشيه مع الدستور ومصلحة الشعب هي التي سيقرر النائب على ضوئها تصويته بالتأييد او النقض.
وانا من جانبي ادعو ايضاً للتغيير ولما لا؟ هل لكوني غير مشاركاً في الانتخابات لا يحق لي اطلاق كلمة (تغيير) شعاراً لمقالتي على اقل تقدير؟
وقد تسألوني لماذا؟
•  انني ادعو للتغيير في معاملة المواطن اينما ذهب ولأي دائرة حكومية بأن يقدم له الاحترام والتقدير ويطبق بحقه الدستور لكي ينال لأول مرة حقوقه ويامل كإنسان ولا يتحمل أي عناء لكي يطالب بواجباته.
•       أدعو للتغيير في القائمين على اصلاح البنى التحتية لمدننا جميعاً لأن بغداد تستغيث فما بال باقي المدن، وبغداد بحاجة لتغيير شمولي وفي كافة المفاصل لكي نستطيع ان نفتخر بها امام مدن العالم.
•  أدعو للتغيير في معاملة مكونات الشعب العراقي الصغيرة ومعاملتها بصورة تليق بهم كسكان العراق الاصلاء انطلاقاً من اخلاصهم في اعمالهم ولكونهم ينبذون العنف ولم تسجل لهم مشاركة تذكر بأحداث العنف.
•  أدعو للتغيير في المحافضات التي تشهد موجة من العنف مستمرة ضد المسيحيين وعدم جعلهم لعبة بيد هذا وذاك واعطائهم الحرية بإتخاذ القرار لكي يشاركوا الآخرين به ويساهمون في بناء المحافظة والعراق.
•  أدعو لتغيير كل شئ في عراق 2010 لأن معظم مافيه قد صدأ وينخر فيه الفساد بحيث ربما في هذا المجال نحن قد اخذنا كأس العام في الفساد لذلك أدعو الجميع للعمل على نبذ هذه البطولة ولا نريد لمثل هذا الكأس في خزائن ملة العراق.
•  أدعو للتغيير في مجال الرياضة وأطلب ان تبتعد عن ميدان السياسة لأنها الميدان الوحيد الذي يتحول جسم الانسان بواسطتها ليصبح صحيحا وسليما ومنه ينبثق العقل السليم.
•       أدعو للتغيير في مجال التجارة لكي يصبح لدينا اسواقاً تجارية حديثة حالنا حال العالم.
•       ادعو للتغييروأعتماد نظام الانفاق وقطارات المترو لكي لا يضيع وقتنا في الوصول الى اماكن عملنا.
•  أدعو للتغيير في مناهج التعليم وحذف كل مفردة تسحبنا الى الوراء لكي يتربى الجيل الجديد سالماً معافى من أدران الماضي.
•  أدعو للتغيير ووضع مفردة الثقافة الدستورية في المناهج الدراسية لكي يتعلم ابناؤنا هذا القانون الاساسي ويعرفون مالهم وما عليهم.
•  أدعو للتغيير وابدال مادة التربية الدينية في جميع المدارس والمراحل الى مادة الثقافة الدينية بحيث يدرسها كافة الطلاب ومن كافة الاديان.
•       أدعو للتغيير وتخليصنا من قطع الكهرباء المبرمج لكي نعيش كغيرنا من سكان الارض.
•       أدعو للتغيير في كل الانظمة والقوانين لتكون عراقية وابعادها من الولاءات والمحسوبية.
أدعو وادعو وان اردت تغييراً كثيراً فربما احتاج لتدوين مجلداً ضخماً لأننا بحاجة لتغيير كل شئ تقريباً. ولكون الانسان العراقي يستاهل التضحية والخدمة والتغيير.
فهل مَن وضع هذه الكلمة في اعلاناته قصد كل هذا وغيره؟ ربما علينا الانتظار لكي توضح القوائم ما تقصده اومن سيفوز بكرسي في البرلمان وعمله لكي نراقب ونرى ومن ثم نحكم، لكن خوفي ان نخسر أربع سنوات جديدة من عمرنا.
   


                                                                عبد الله النوفلي
                                                                        17/2/2010



100
شعبنا ... الله لا يحير عبده
لا اعتقد بوجود شعب في الأرض حائر بنفسه وفيما يسمي نفسه مثل شعبنا الكلداني السرياني الآشوري، فإن راقبنا هذا الشعب سنجده بمكوناته هذه :
*** يتكلم لغة واحدة
*** جذورهم ممتدة بعيدا في أرض وتاريخ ما بين النهرين
*** هم أحفاد بابل وآشور وسومر وأكد ...

*** أنهم يدينون بدين المسيح له المجد وإن اختلفت مذاهب بعضهم عن البعض.
إذا لماذا هذه الحيرة؟ ولماذا نجد أنفسنا متفرقين غير متفقين كلما طرح أحدهم موضوع الاسم؟
هل يستطيع أحد إنكار وجود الكلدان؟
هل يستطيع أحد إنكار وجود السريان؟
هل يستطيع أحد إنكار وجود الآشوريين؟

وطالما أن وجود هؤلاء هو أمر واقع ويمكننا اعتباره ثلاث مكونات لشعب واحد بناءا لما أوردناه في مدخل مقالنا هذا، إذا تبقى مسألة واحدة أمامنا ألا وهي إيجاد الروابط المشتركة التي تجمع هذه المكونات الثلاثة لكي تصبح شعبا منسجما واحدا لا فرق فيه بين الكلداني أو السرياني أو الآشوري، وكتمهيد لذلك: على كل مكون احترام تأريخ وحضارة المكون الآخر ليكون الأرث الكلداني أرثا للآشوري والسرياني والأرث السرياني أرثا للكلداني والآشوري والأرث الآشوري إرثا للكلداني والسرياني، عندها سنصل إلى مشارف الاعتراف المتبادل بين الجميع لكي تتحد الآراء أو تتقارب وتتجه صوب البحث عن الاسم المشترك وترك الاسم المركب الذي يزعج البعض أو أقله يعتبر اسما غير مطروقا من قبل شعوب العالم سابقا.
إن الأمر بحاجة إلى الجلوس على طاولة واحدة مستديرة كي لا نرى أحدهم يتصدر المجلس ويحاول أغاضة أخوته الآخرين ليكونوا جميعا واحدا انطلاقا من مبادئهم الدينية، ويبدأون بدراسة الماضي والحاضر ووضع الخطط للمستقبل الأفضل دون شروط من هذا أو من ذاك وعدم طمس هوية أي من الأطراف.
لكن السؤال هو من سيجلس على هذه الطاولة؟ ومن يخوله التمثيل؟ طالما نجد أن القيادات الدينية والسياسية غير متفقة مع بعضها البعض، فهل سنلجأ إلى تسمية خاصة لهذه الطاولة؟ ولما لا؟ ولنبدأ باختيار الشخصيات المختلفة من جميع المكونات؛ متعصبون ... متشددون .. معتدلون.. ليجلسوا معا كمرحلة أولى لتضع هذه النخبة خارطة طريق مستقبلية لاجتماعات أكثر ديمقراطية وتمثيلا للشعب بحيث نعود إلى القرى والبلدات وننتخب من هناك الممثلون ليكون التمثيل حقيقيا والقرارات ملزمة لأنها ستقرر المصير.
في كل الأحوال نحن بحاجة لورشة مصغرة، بتمثيل محدد من جميع الأطراف بحدود العشرة أشخاص لكي تدرس وتضع الخطوط العريضة دون التفاصيل والضوابط التي تحدد أفق مستقبل العمل، إن هذه ستكون البداية النهاية لحيرة شعبنا وتشرذمه بل تقاطعه في أحيان كثيرة، ربما سياسيا أكثر مما هو دينيا، وهنا نسأل أيضا :

من هو الذي ينذر نفسه من أجل شعبه وينكر ذاته ويبادر لمثل هكذا مبادرة؟
عبدالله النوفلي
15 شباط 2010


101
الموصل ووضع المسيحيين فيها

               وردتني عبر البريد الالكتروني الخاص رسالة من مواطن عراقي مخلص؛ هكذا اطلق على نفسه مناشداً إنقاذ ما تبقى من الارواح البريئة من اخوته المسيحيين الطيبين حسب وصفه والمنتجين في العراق وخاصة في الموصل. كما ناشدني لكي انقل رسالته لغبطة الكاردينال عمانوئيل دلي.
نعم ان الخيرين في العراق يبحثون عن الخيرين الآخرين, لأن المثل يقول ان الطيور على اشكالها تقع, ونتيجة ذلك نجد إن الرابط الانساني يلغي فوارق الدين والمذهب واللون والقومية لينتج بديلاً عنها علاقات انسانية رائعة؛ فنجد حينها المسلم يدافع حتى الموت عن المسيحي, وكذلك يهرع المسيحي لنجدة اخيه الآخر مهما كان دينه, لننال في المحصلة مجهوداً انسانياً متماسكاً يكون الرابح منها هو المجتمع بذاته.
               والموصل اليوم ومنذ فترة ليست بالقصيرة تعيش حالة من الاحتقان ويسودها مظاهر العنف والتوتر والقلق، ينتج عنها ضحايا كقتلى أو معوقين تثير القلق على مستقبل هذه المدينة الطيبة والتاريخية... وكل ذلك يحدث وفي الموصل حكومة منتخبة وتمارس نشاطاتها بحرية وتبسط سيطرتها وتحت امرتها الآلآف من قوى الامن والشرطة والجيش ومئات السيطرات والمخبرين. وكل هؤلاء من المفترض ان وجودهم هو لحماية المواطن.
وخلال كل الحوادث الماضية كانت قيادات الكنيسة لا تطالب بحماية المسيحيين وحدهم انما تتحدث عن العراقيين عموماً كونها تشعر بمسؤولياتها الانسانية وواجبها الديني الذي يدفعها لكي تدافع عن الانسان كإنسان مجرد, رغم إن كل تلك الدعوات لم تجد آذاناً صاغية في معضمها، ومخطط المجرمين واجنداتهم مستمر بالتطبيق.
وليس عام 2008 بعيدا عندما حدث هروب جماعي من الموصل لأكثر من 2000 عائلة وبفترة قياسية، وحينها لم نجد رد فعل رسمي سوى ما قام به الخيرون من المنظمات الانسانية والشخصيات التي وضعت حداً مؤقتاً للمعاناة. لكن بؤر التوتر لم تتوقف وفقدان اعداداً جديدة من ابناء شعبنا كنزيف الدم مستمر دون توقف ودائماً يكون الجاني مجهولاً وكان الجناة يسرحون ويمرحون بحرية، ويتهيأ للمراقب لأول وهلة ان لا حكومة ولا قانون في نينوى وكأن الحكومة المركزية غائبة او لا تسمع او تعلم بما يحدث. والمراقب يستغرب عن ازدواجية القرارات, فعندما حدثت احداثاً مؤلمة في البصرة هرعت الدولة بعملية عسكرية امنية لم تتوقف الى ان ساد الامان هناك, لكن ازاء الموصل لم نجد ذات شئ سوى حدوث عملية ابسط ما يمكن ان يقال عنها انها خجولة وكنا نسمع اقوال للتخدير تفيد بأن المعركة الاخيرة مع الارهاب ستكون في الموصل لكن الى متى؟
-       يتجول الارهابيون بحرية في الموصل...
-       يستخدمون مكبرات الصوت في نشر واعلان ما يعتزمون فعله....
-       خطفوا وقتلوا.. نساء.. رجال ولم يسلم من اذاهم حتى رجال الدين الذين ينشرون ثقافة التسامح والمحبة.
-       تم اتهام الاكراد تارة والعرب أُخرى وكل ذلك لتمييع القضية تمهيداً لتسجيلها ضد مجهول.
-   استخدموا الترهيب الجماعي وحدثت هجرة جماعية ولم ينجحوا فاليوم يقتلون البشر فرادى علَّ ذلك يدفع الجميع للهرب.
-   الم يعلم الجميع ويقتنع بأن مسيحيي الموصل اليوم هم يتعرضون لخطر الابادة الجماعية والاجتثاث من ارض آبائهم واجدادهم؟ وهم بأمس الحاجة للحماية اليوم من اي وقت مضى.
-   لماذا لا يتم محاسبة حكومة المدينة ومجلس المحافظة إن هم ليسوا قادرين على حماية اهلها؟ فلماذا لا يتركون ذلك لمن يقدر؟
-       اين دور الحكومة المركزية من كل ذلك؟
كتبنا ذلك لكي نضع الحقائق كما هي امام الجميع لأن هناك خطر حقيقي وان طال اليوم المسيحيين في الموصل فغداً سيطال الاكراد والعرب الشيعة او السنة او التركمان او الايزيديين. فمتى تتحرك السلطات لوضع حد لهذا المسلسل الدامي الذي يستهدف العراق؟
عبدالله النوفلي .. الموصل

102
العراق .. اليوم وغداً

            كثر الحديث وتشعب حول ما يدور في العراق هذه الايام وحول حجب الثقة عن بعض الاسماء وابعادهم من العملية الديمقراطية بحجج معلنة للجميع الامر الذي اثار البعض سلباً وهلل له الآخر فرحاً لأنه ازاح غريماً من المنافسة إلا ما قد يكون في الصدور من رغبات وتمنيات منها ما تكون مشروعة من وجهة نظر معينة وغير مشروعة بنظر آخرين، وهذا كله امر طبيعي في الممارسات الديمقراطية فللجميع الحق في التعبير عن الرأي ولا قيود على ذلك شريطة عدم تقاطع الآراء بقوة والاعتداء على حرية الآخرين والحاق الأذى الفكري او الجسدي مما يطرحه البعض الذي يعتبر ضد الثوابت الوطنية المعترف بها من قبل جميع الكتل السياسية الذي يعتبر الدستور هو الثابت الوطني وقد صوت عليه الشعب واقره. إن هذه الوثيقة هي الفيصل القانوني بين الجميع، تنصف الجميع وتعطي كل ذي حق حقه.
            لكن حتى نضمن للدستور الولاية على جميع العراقيين وان يشعر جميعهم بأن الدستور يظللهم ويقودهم بالاتجاه الصحيح وينصفهم عند حدوث التقاطع او الخلاف، فإن الدستور كأوراق يكون ميتاً إن لم يجد الايدي الامينة التي تحرص على تطبيقه بشفافية بحيث يكون الساهرون على تطبيق بنوده يتمتعون بالاستقلالية والحيادية ولا همَّ لهم سوى إحقاق الحق ورفع الغبن والحيف الذي يتشكى منه هذا او هذاك، كما هو حال مفوضية الانتخابات التي تعتبر المفتاح الاول لأنجاح الانتخابات واعتبارها نزيهة عندما تقوم بعملها بحيادية وتقف على مسافة واحدة من الجميع وتطبق المعايير المهنية البحتة لاظهار النتائج التي ترشح من عملية التصويت وهذا ايضاً ينطبق على هيئة المساءلة والعدالة التي يجب ان لا تكون منحازة لأي طرف وتتحلى بالمهنية البحتة، لاننا بعمل مجموعة من الهيئات والمؤسسات المهنية نطبق الدستور والقوانين ونضمن عدم انحيازها.
            عراق اليوم يعيش حالة من الضبابية لأن ما يمكن القول هو إن قنابل موقوتة يتم تفجيرها بأوقات محرجة لكي تقضي على هذا او ذاك وكإنها فعلاً مقصودة لاجتثاث اشخاص معينين لأهداف معينة، والمراقب يتساءل: اين كانت هذه المؤسسات عندما كان هؤلاء الاشخاص الذين اقصتهم من العملية الديمقراطية يتواجدون في برلمان اليوم ويساهمون في النقاشات وإصدار وتشريع القوانين؟ وكيف سمحت لهم العمل في اعلى سلطة تشريعية كل هذا الزمن ولم يتم اكتشاف ميولهم لجهة ممنوعة؟ أليس إثارة الموضوع اليوم هو لخلق ثغرة في الممارسة الديمقراطية التي ترسي لمستقبل آمن ومستقر وجعله لسنوات اربعة قادمة غير مستقراً ولا آمناً؟
            إن عراق الغد بحاجة الى الاستقرار، فكفانا وضع الحجر امام الآخرين، الم تكفنا ست سنوت مضت ولم تكن مستقرة ان نرتب بيتنا من الداخل ونبدأ الخطوة الاولى نحو الاستقرار؟ فالى متى يبقى ابناء العراق يتحسرون لضوء بسيط من الامل يرتبون على نوره اوراق المستقبل الذي يضمن الحياة الكريمة لهم وللاجيال القدامة؟
            كفانا ممارسات ارتجالية وعلينا الالتفات نحو خطوات وثقى لكي تأتي نتائج وثمار اعمالنا ناضجة وتتقدم بالعراق خطوات كثيرة وكبيرة نحو الغد الافضل الذي يصبح به هذا البلد الجريح بلداً آمناً حاله حال بلدان الدنيا ونلتفت للبناء.
عبدالله النوفلي
بغداد 14 كانون الثاني 2010



103
شعبنا والمؤتمر الثاني وآفاق العمل المستقبلي

استبشرنا خيرا بانعقاد المؤتمر الشعبي الثاني مؤخرا في أربيل، ولو أننا كنا نميل لكي لا يكون المؤتمر كسابقه شعبيا لكن اللجنة التحضيرية ربما ارتأت أن يكون هكذا لربما لوجود ضروريات آنية فرضت نفسها لكي يسير المؤتمر بهذا الاتجاه، حيث كنا قد اقترحنا قبل انعقاد المؤتمر بشهور عدة أن يصار لاجراء انتخابات تمهيدية بدءا من القرى مرورا بالنواحي ومن ثم الأقضية فالمحافظة تكون غايتها اختيار المندوبين الذين يحضرون المؤتمر، وبذلك كنا سنسكت كل الأبواق التي تقول الآن أن المؤتمر لا يمثل سوى من حضر من المؤتمرين الذين لبوا دعوة اللجنة التحضيرية فحضروا وبالنتيجة لا يمثلون سوى أنفسهم!!.
وقد يكون لهذا الطرح جزء من الحقيقة خاصة من جهة الذين يقفون بالضد من المؤتمر وطروحاته ويريدون بكل وسيلة ألصاقه بالتوجه الكردي بغية تشويه الحقائق والنيل من شعبية المجلس الشعبي وكل لغرض في نفسه، والعجيب أن هؤلاء لا يفرحون أبدا لأية خطوة متقدمة باتجاه العمل المنظم الشعبي والقومي لشعبنا إن لم تكن المبادرة صادرة منهم. وهؤلاء ينطبق عليهم قول الانجيل: نحنا لكم فبم تبكوا ورقصنا لكم ولم تفرحوا!!!
وإنني ولو لم أكن من الذين حضروا في المؤتمر لضروف خارجة عن أرادتي، لكنني كنت معهم بالروح والقلب لأن من يريد الخير لشعبه وأمته يستوجب عليه أن يشارك بأي عمل من شأنه دراسة مستقبل الشعب وآفاقه التي ترفع من مكانته وتنتقل به نقلة نوعية نحو الأفضل، لذلك أجد لزاما على محبي الشعب (السورايا) أن يكتبوا ويناقشوا بإخلاص وتكون كل كتاباتهم باتجاه البنيان لا الهدم، فكل من يعمل في شأننا القومي والشعبي من البديهي أن يكون له تصورا معينا علينا جميعا مناقشته وتقويم ما يمكن تقويمه باتجاه البناء  وتحسين الاداء وليس الهدم وانتقاص من قيمة الطروحات والأفكار مهما كانت بسيطة ومهما كان الطرح نابعا من حزب أو تنظيم صغير أو كبير، لأن المثل يقول: خذوا الحكمة من أفواه المجانين!!! فكيف إذا كانت الحكمة تصدر عن العقلاء والفهماء ومفكري شعبنا؟
لاحظت أن المؤتمر لم يخرج بشيء جديد لنقل المسيرة نحو الأفضل قياسا بمؤتمر عينكاوا الاول، سوى باخياره ممثلي شعبنا داخل المؤتمر وبنسبة توزيع للمحافظات لم تكن عادلة برأيي، خصوصا فيما يخص بغداد لأن تمثيلها بعضوين يعتبر غبن لها كما يعتبر خسارة لمسيرة المجلس الشعبي المستقبلية، ففي بغداد شعب السورايا ربما هو أكبر في العدد من الكثير من المحافظات والبلدات التي أصبح لها ممثلون أكثر في تشكلية المجلس الجديدة، كما أن من ترشح لعضوية المجلس ربما ليس من سكنة المنطقة التي ترشح عنها ولا أدري بالتفاصيل لكن لكي يكون المجلس ممثلا بأناس مخلصين ويعملون من أجل تحقيق مكاسب شعبية لمن يمثلهم فيجب على الممثل أن يكون متواجدا مع شعبه لكي يستطيع توصيل مطالبهم ويتمكن من أختيار ممثليهم في الاستحقاقات القادمة، كما أن لبغداد مركز الثقل السياسي في جميع التنضيمات والكتل العراقية عدا مجلسنا الشعبي، ففي الدورة السابقة طالبنا بأن يتم أيلاء بغداد حجمها الحقيقي من الاتصالات والزيارات والاتصالات من قبل رئاسة المجلس، لكن للأسف بقيت بغداد غائبة عن توجهات رئاسة المجلس معتمدة على ممثلي بغداد فقط الذين لم يكونوا في رئاسة المجلس وأينما يذهبوا لا يكون لاتصالاتهم أهمية كونها صادرة من عضو في المجلس وليس من هيئة الرئاسة، لذلك في رئاسة المجلس الجديدة التي أصبحت دورية بين ثلاثة وهذه نقطة يجب التوقف عليها كثيرا لبيان أسبابها لأننا يبدو سنعمل وفق أسلوب التوافق الأمر الذي بدأت قوى وأحزاب كثيرة تعمل من أجل التخلص منه، لكننا نبدأ العمل به لكي ندخل في دوامة عفا عليها الزمن. هل نخاف من دكتاتورية الرئيس؟ ألي للمجلس نظام داخلي ينظم عمل كل مفصل من مفاصل القيادة فيه؟ فلماذا اللجوء للرئاسة الثلاثية والدورية؟ ألا يوجد شخص بين المنتخبين يكون أهلا لقيادة المجلس في دورته الجديدة؟ وإن كان الأستاذ جميل زيتو أصبح خارج تشكيلة المجلس، ألا يمكن الاعتماد على خبرته كمستشار للمجلس كي لا نبدأ من جديد ونسلك ذات الطريق في الدورة السابقة.
إن امام المجلس عمل كثير، وأهم شيء هو العمل على إيجاد فرص عمل لشعبنا كي يبقى ولا يلجأ إلى الهجرة، وبغداد أيضا لتصبح ثلاث أمور مهمة جدا على المجلس بدورته الجديدة أن يجعلها أهدافا مقدسة عليه العمل من أجل تحقيقها ويتحدى نفسه بها لكي يعمل مع نفسه أحصائية فصلية على أقل تقدير عما تحقق فيها؛ لأن فرص  العمل المجزي هي التي يجب ان تكون من الأولويات ويتم الصرف عليها ربما أحسن من العيادة الشعبية المتنقلة، فهذه الفرص تجعل من الشعب يبقى ويعمل، وبسهولة يتمكن المجلس حاليا من عمل أحصائيات بالبطالة وحاجته من الفرص الجديدة لكي ينخرط أبناء شعبنا في سوح العمل وتبدأ الهمة تنطلق مجددا للبناء وفي بدئها ستتوقف أو تنحسر موجة اللجوء إلى الهجرة كأبسط الحلول لبناء مستقبل الانسان، كذلك بغداد هي المفتاح لكي يصبح المجلس معروفا على مستوى العراق ككل والضهور فيها والمشاركة في الندوات التلفزيونية والكتابة في صحفها واللقاء بمسؤولي الأحزاب والكتل السياسية يكون المفتاح لإثبات المكانة في عموم العراق، لأن لا يكفي أن يشتهر المجلس وتوجهاته في كردستان فقط وإنما يجب ان يعرف جميع العراقيون ماهو المجلس وما هي توجهاته وأهدافه، فهناك الكثيرين ممن يحاولون تشويه سمعة المجلس سواء في بغداد او نينوى أو غيرها من الأماكن.
وإنني إذ أطرح هذا كلي أمل ان يبتعد المجلس الجديد عن الارتجالية في العمل السياسي، لأن الاستحقاقات المقبلة معروفة ومنذ أمد لا يكون قصيرا، لذلك على المجلس أن يضع استراتيجة لجميع الاستحقاقات خلال دورته الحالية قبل مدة لا تكون قصيرة من حدوثها لكي نتمكن من اختيار العناصر الكفوءة وذات الخبرة الكافية لإسعاد شعب السورايا، ونجد الآن أن المجلس  قد استهلك وقتا قبل الانتخابات المقبلة وترك ربما مسألة خوض  الانتخابات والاستعداد بصورة كافية لها وكلي خوف ان يكون الاختيار للانتخابات وخوضها يتم على عجل وبأشخاص ربما لا تكون الصورة واضحة عنهم للمجلس ولا للشعب. أتمنى أن يكون النجاح حليف أعمال المجلس بدورته الجديدة وأقدم التهنئة لكافة اعضائه والهيئة التنفيذية المنتخبة، كما واوجه التقدير والاحترام لرئيس المجلس بدورته الأولى التي تعتبر خطوة البداية الأكثر صعوبة لما بذله وسهره الطويل في مقر المجلس والوقت الذي كان يستهلكه في الاجتماعات والحوارات، نطلب له الصحة والتوفيق الدائم.


عبدالله النوفلي
سدني 13 كانون الاول 2009

104
كتّابنا وأسلوب المُماحَكاتْ اللغوية
نحمد الله أن في أمتنا كتاب كثيرون، وهذه علامة صحة وعافية تُحسب لها لأن هؤلاء الذين يمارسون مهنة الكتابة فإنهم على الأرجح يكونون مُفكرين وغيورين على مستقبل شعبهم وأمتهم، وفي المحصلة يعني أننا نملك كما كبيرا من الغيورين والمفكرين الذين يهتمون بمستقبل الأمة، ومن وجهة نظري لا يهم هذا المفكر إن كان يهتم بالشأن القومي الكلداني أو السرياني او الآشوري فكل اهتمام هو اهتمام بمستقبل الأمة ككل لأن كل الأفكار تصب في الأخير في ينبوع واحد هو أمة السورايىْ.
والذي لفت نظري ودفعني لأكتب هذه المقالة هو أن بعضهم يحاول تصيد أخطاء غيره والبحث عن المفردات اللغوية التي استخدمها في مقالته كي يجد زلة ما فيذهب في التحليل والتفكير والاستنتاجات والتأويل لهذه الكلمة أو تلك ويعطيها معانٍ ربما الكاتب الذي استخدمها لم يكن يقصدها أصلا، فعندما أكتب أنا مثلا وكوني لست من المهتمين بقواعد اللغة، فإنها ليست مهمة بدرجة أهمية أيصال الفكرة للقاريء مستفيدا مما ألمُّ به من أمور بسيطة في اللغة لكي تخرج مقالتي مقبولة لغويا ومعتذرا في الوقت ذاته من المختصين بشأن اللغة لأننا قد نقدم أو نؤخر ونجعل من المبتدأ خبر أو من المضارع شيئا آخر.
والذي دفعني أيضا لكتابة هذه المقالة هو أنني بين فترة وأخرى أبحث عن كتاباتي في المواقع الأليكتروتية كوني أكتب في شؤون كثيرة وليس فقط في شأن مستقبل أمتنا القومي، وأجد أحيانا بعضها منشور في مواقع لم أتعامل معها مسبقا أو تنشر بدون الاشارة إلى اسمي ككاتب للمقال أو أن بعضهم قد نوه عني وتم النشر باسم آخر، وعلى سبيل المثال لازالت سلسلة مقالاتي الموسومة (رسائل من تحت الأنقاض) تنشر في مواقع عدة دون علمي وهذا لا ضير فيه طالما يراها الآخرون أنها مفيدة لكي يطلع عليها أكبر قدر ممكن من القراء.
واكتشفت مؤخرا أن أحد كتابنا الأعزاء والذي يتصف بغيرته الكلدانية وأنا أحييه على ذلك وكونه قد علّق منذ شهور عدة على مقالة كنت قد كتبتها على ما أظن في الشهر الخامس أو ربما قبله بقليل وكانت بعنوان (المجلس القومي الكلداني ... شلاما)، والتي أوردت فيها كلمة (انضوى) حينها والتي كنت أقصد أن المجلس المذكور كان قد دخل في المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، وفي حينها تم أعلان ذلك ولم يكن الأمر سريا، وأخي الكاتب استنكر عليّ استخدام هذه الكلمة واستقصى عن معناها بالبحث اللغوي وقام بالاتصال بمسؤول ذلك المجلس في العراق الذي استنكر بدوره استخدامي لهذه الكلمة وطالب بأن يتم الاستنكار وبشدة لذلك قائلا أنه أي المجلس القومي لم ينضوي بل تحالف مع المجلس الشعبي!!! وبعد ذلك خرج من هذا التحالف وانتهى كل شيء.
أخوتي القراء أضع الأمور امامكم لتحكموا فيها، ماذا يعني التحالف؟ ألا يعني أن كلا المتحالفين قد اتفقوا على صيغة مشتركة من العمل المستقبلي لكليهما وعلى ضوء ذلك أصبح ممثل المجلس القومي عضوا في المجلس الشعبي، فلو لم ينضوي الأول تحت خيمة الثاني فلماذا أصبح عضوا وليس في رئاسته لأنه في حالة التحالف فقط يعني أنهما مشتركان في القيادة ويكونا كليهما صنوان متماثلان.
أنني وجدت أن ما ذهب إليه الأخ الكاتب ومسؤول المجلس القومي هو مجرد كلام لتغطية التصرفات غير المفهومة والمبررة على الأرض، وهنا أوضح أن الذي أكتبه لا أضع فيه أية دلالات لغوية غير موجودة فيما أكتبه كي لا يتعب هو أو غيره بالبحث لأنني أكتب فكرتي بوضوح ولا لف فيها ولا دوران وأنني لا أريد أن أضع قارئي العزيز في متاهات لأنني بعملي هذا لا أحترم قرائي وأكون أضعهم في متاهات، وبغية عدم رغبتي بعرض الأسماء كما هي أقوم أحيانا بالاشارة للبعض ودون ذكر الأسماء لأنني أحترم الجميع ولا أتقاطع مع أي أحد حتى لو تقاطع معي في الفكر، لأنني أومن بأن الاختلاف الفكري يقودنا لأثراء واقعنا والبحث عن مستقبل أفضل لنا.

عبدالله النوفلي
سدني 30 تشرين الثاني 2009

105
المجلس الشعبي بين مؤتمرين
استبشرت جماهير أمتنا؛ أمة السورايى، بتشكيل المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بعد عقد مؤتمر عينكاوا 2007، والذي كان شعبيا بمعنى الكلمة، حيث التأم أكثر من 1200 شخصية من مختلف أبناء شعبنا سواء من الداخل أو الخارج والمهتمين بالشأن القومي والباحثين فيه وناقشو بإسهاب وبجلسات صباحية ومسائية مسائل عديدة كان من بينها تشكيل المجلس الشعبي، والذي رأى النور وعمل طوال الفترة الماضية وحتى يومنا هذا.
وشهدت مسيرة هذا المجلس تطورات عدة مثل دخول عدد من أحزاب أمتنا وتعثر دخول أخرى، وكذلك تم استقطاب عدد من التنظيمات الثقافية لشعبنا وتوسع المجلس بنظر البعض بعد دخول هذه الأحزاب حتى ذهب الاعتقاد عندهم بأن المجلس سيكون مظلة لهم، وهم سيتولون القيادة حسب اعتقاد البعض الآخر، أي أن اعتقاد البعض كان يسير باتجاه أن دور المجلس قد انتهى بدخول الأحزاب وعلى هذه أن تتولى القيادة كونها أحزابا سياسية ومجمل العمل هو سياسي بحت.
لكن الذي لا يعلمه البعض أن دخول هذه الأحزاب إلى المجلس والذي حضي بمباركة البعض، فإنه كان قد مضى بمعارضة البعض الآخر لأنه لم يكن يرغب أن تأخذ الأحزاب قصب السبق وتزيح المجلس من الواجهة وكأن دور المجلس قد انتهى، لكن أهداف المجلس أعمّ وأشمل وعليه أكمال المشوار لانضاج الواقع السياسي والقومي للأمة، واعتبر هؤلاء على مضض أن الحكمة من استقطاب الأحزاب في المجلس هي لتوحيد العمل والطاقات وصولا لإحداث زخم كبير على الساحة العراقية سواء في الجانب الكردي أو العربي.
ولكن اتضح فيما بعد أن للكثير من التنظيمات أجندات قد تصل إلى حد التقاطع ولا ترغب سوى باستثمار النجاح الجماهيري للمجلس باتجاه تقوية مصالحها وزيادة مكاسبها على الأرض ومنها في الانتخابات المتعددة. وشهدنا التأثيرات الخارجية التي حدثت وأدت إلى انسحاب التنظيمات الكلدانية وبعده الانسحابات الأخيرة قبل انعقاد المؤتمر الثاني، الأمر الذي أدى إلى اعتقاد البعض أن انتكاسة قد حلّت بعمل المجلس وكأن الأمة ستدخل نفقا مظلما جديدا، وكأن الجهود التي تم بذلها خلال السنوات المنصرمة قد ذهبت أدراج الرياح وهدرا وتراجع العمل القومي إلى الوراء.
إن الأمر أخوتي في أمة السورايى ليس هكذا، فالأمة بفضل الجميع؛ مجلسا ومسانديه وأحزابا ومؤيديها ستبقى تعيش المخاض لرسم معالم المستقبل الأفضل، فيبدو أن البعض لم تتحدد لديه معالم المستقبل الأفضل بعد وكذلك لم تتحدد لديه معالم العمل القومي أو الغاية من وجود المجلس الشعبي وكيفية استثمار هذا المجلس لتحقيق الأمور الايجابية للأمة.
وللمهتمين فقط أذكر: بأنني سبق وأن كتبت مقالات سابقا عن برلمان الأمة قبل انعقاد مؤتمر عينكاوا بسنتين، ونُشرت في مواقع الكترونية عديدة أضافة إلى صحف شعبنا وأحزابها، ورحب بالفكرة حينها المجلس القومي الكلدوآشوري في بغداد وتمت استضافتي في أحد الاجتماعات لأنني لم أكن عضوا فيه لمناقشة الموضوع، لكن المسألة كانت بحاجة لدعم ورعاية وخصوصا من قبل الجانب المادي للفكرة لأن الجانب السياسي مختلف تماما.
وكما يعرف أبناء أمة السورايى فإن أمتنا بها من الأحزاب الكلدانية .. السريانية .. الآشورية الشيء الكثير ومعظمها تؤمن بأننا أمة واحدة تضم: الكلدان .. السريان .. الآشوريين، ومؤتمر عينكاوا 2007 جمعها بكلمة ثلاثية مركبة ووضع معها بين قوسين اسم (سورايا)، فاستبشرنا خيرا وكان عمل المجلس تحقيقا لحلمي الذي ذكرته وسبق انعقاد مؤتمر عينكاوا بسنتين من الزمن ساهمتُ خلالها بالأفكار وبعمل المجلس والنقاشات وأغنائها بما يجول في فكري وخاطري من مسائل أراها مهمة للعمل القومي، وفي نفس الوقت كُنت أشارك في لقاءات مع أحزاب شعبنا وأتبادل وأياهم الأفكار والآراء لزيادة الخبرة واستكشاف أفكارها وتوجهاتها وصولا إلى إيجاد قنوات مشتركة تُمكننا من توحيد العمل القومي للقادم من الأيام.
وربما كانت الانعطافة بدخول المجلس دون الأحزاب في انتخابات برلمان كردستان الذي كان السبب فيه هو انسحاب التنظيمات الكلدانية، فلو استمر المجلس داعما لقائمة عشتار كما حدث في انتخابات مجالس المحافظات، لكانت قائمته تحوي التنظيمات الآشورية فقط لأن تواجد السريان في منطقة كردستان ليس بالكثاقة المطلوبة، ولو حدث هذا لكان أول المصوبين للسهام المضادة لعمل المجلس تكون التنظيمات الكلدانية وكانت ستقول حينها بأن المجلس ذهب نحو الآشورية ويبدأون بنسج الخيوط وبكون المخطط قديم وهكذا فإن المجلس قد حقق الحلم الآشوري وشكل قائمته من الآشوريين وإلى غير ذلك من الأقاويل التي لو مضى المجلس كما فعل أولا لكانت تحصيل حاصل نتيجة بقاء الأحزاب الآشورية وحزب تجمع السريان فقط بين التنظيمات المنضوية تحت لوائه، سيكون المشاركين والفائزين من الآشوريين. الأمر الذي قرر بموجبه المجلس أن يدخل كمجلس وليس باسم الأحزاب، وشاهد وسمِعَ شعبنا النجاحات التي حققها المجلس في انتخابات كردستان وحصوله على ثلاثة مقاعد من خمسة.
واليوم تتكرر المشكلة ويبدو الخلل جليا باستمرار وجود التنظيمات الكلدانية خارج المجلس فكان لابد للمجلس أن يسير بذات الاتجاه، واعتقدَ باقي التنظيمات أن وجودهم في المجلس سوف لن يجلب لهم أي مكاسب  دخلوا فيه من أجلها معتقدين بأنهم الأولى في الترشيح والحصول على المقاعد والدعم كونهم منضوين تحت لواء المجلس الشعبي.
لكن من ينظر إلى تشكيلة اللجنة التحضيرية للمؤتمر الثاني يجد سياسيين من مختلف الشرائح أعضاءا فاعلين فيها وعملو لفترة من الاعداد ليست بالقليلة كما وُجهت الدعوة من قبل هذه اللجنة للجميع دون استثناء، فمَن لازالت لديه أفكار غير واضحة عن عمل المجلس ودوره أو يريد أن يُجيّر إنجازات المجلس لجانبه فإن المجلس لا يستطيع التوقف في منتصف الطريق لأن التوقف بذاته يعتبر فشلاً.
ومسألة دخول أو خروج الأحزاب ومن يعتبرها ضربة للمجلس فهو مخطيء، وإن المجلس ليس واجهة سياسية بل تنظيم قومي بدأ شعبيا ولا ضير مطلقا أن يستمر هكذا بدوره لدورة ثانية من مؤتمره القومي لأن جذوره أصبحت ممتدة على كامل رقعة تواجدنا القومي، ومن استفاد من عمل المجلس عليه أن لا ينكر ذلك ويتذكر دائما فضله عليه ومقدار الدعم الذي حصل عليه خلال المسيرة الماضية.
إن المستقبل سيكون أفضل حتما وإن مسألة المخاض لا تنتهي بسنة أو اثنتين بل هي بحاجة لوقت أطول وأعتقد بأن المؤتمر الثاني سيكون له الفضل بتأطير الصورة لتكون أكثر وضوحا للسنوات القادمة وسيعي المُنسحبون بأن فعلهم لم يكن صائباً، ونحن لا نعتبر هؤلاء كالابن الضال!! المَثل الذي يورده الانجيل، بل الأبناء الذين اختلفوا بوجهات نظرٍ مع أخوتهم الآخرين وإن أبناء الشعب الذي يمثلهم المجلس هم أيضا من هذه الأمة وجميعهم مهتمون بالسياسة ولهم الخبرة في تسيير الأمور لأن القيادة لا تكون فقط بالمنتمين للأحزاب بل لذوي الأفكار والذين يحملون أجندة واضحة لرسم مستقبل الأمة.
وسيبقى المجلس مفتوحا لمناقشة جميع الأفكار لأن الأحزاب هي جزء من هذه الأمة وإن كانت تعمل بعضا: كلدانيا أو آشورياً أو سريانياً، لكن المجلس يعمل لجميعها: كلدانيا .. سريانيا .. آشورياً. إنه يعمل لأمة السورايى، وسيبقى بيت الأب مفتوحا لأبنائه ومتى ما عادوا سيفرح الأب وسيذبح العجل المُسمَّن لكي يفرح بالقادمين لأن مصير العمل المشترك هو هذه البودقة، ومن يريد العمل المشترك عليه الاستعانة بالمجلس لأنه بودقة الأمة ومن خلاله تنصهر كافة الخلافات الكلدانية .. السريانية .. الآشورية  لنخرج بأمة واحدة تتكلم السورث وتحمل أرث الكلدانيين والسريان والآشوريين معا ويفرح آشور وسنحاريب قي قبرهما وننال البركة من الله والثناء من شعبنا، وإذا جمعنا العصي كحزمة واحدة لا يمكن كسرها، لكن لو كانت فرادى لسهل كسرها ومن له أذنان سامعتان ليسمع، وسيبقى المجلس شامخا ولا يهزه ريح لأنه بُني على أرض صلبة وكان انبثاقه من رحم الأمة.

عبدالله النوفلي
سدني 21 تشرين الثاني 2009



106
المنبر الحر / السورايى والسياسة
« في: 18:58 29/10/2009  »
السورايى والسياسة
أية أمة في الأرض تزخر بطاقات كثيرة؛ منها علمية أو ثقافية أو سياسية أو ... ولديها نقاط مضيئة في مجالات كثيرة لكي تكون أمة ذات نفع للأمم الأخرى ولنفسها على المستوى العام، وبخلافه ستكون أمة عاقرة .. عقيمة .. غير منتجة .. اتكالية .. تنتظر العون والدعم من الآخرين ولا تقوى حتى المجاهرة بآرائها.. يصيبها الخوف من أشباه الأزمات وتنكفيء جانبا لكي تقلل الخسائر!!!
فأية أمة نحن؟
إنها دعوة للجميع لدراسة الواقع وتحليله وصولا لنوعية أمتنا وهل هي متميزة على مختلف الأصعدة أم أنها بارزة في البعض ومتأخرة في أخرى؟
والمراقب البسيط  لأبناء الأمة في الماضي القريب وخصوصا في العراق كان يلاحظ أن السورايى بارزون في العمل.. مخلصين .. مجدّين حد التألق، مصحوبا هذا العمل بالأمانة والدقة، كذلك نلاحظ بأن أبناء السورايى في مجتمعاتهم كانوا مطلوبين لجيرتهم الحسنة بحيث يتمنى الجار أيا كانت قوميته أو دينه أن يكون جاره منهم لأنه لا يلحق الأذى بجاره، بل يحافظ عليه ويحرص لكي تكون الأواصر وديه ومتينة على المستوى الانساني، كذلك برز الاطباء والصيادلة والمهندسون وحتى الفلاحين كانوا متميزين في رعايتهم للأرض وحرثها، كما ان الحرفيين في قرى شعبنا كان لهم الدور البارز في بعض الصناعات الشعبية التي كان لها صيت واسع ومنها: صناعة المونة (جريش .. برغل .. حبية)، وأيضا الراشي أو الحصران أو تربية الحيوانات أو منتوجات الألبان ومنها الجبن ، والتي كانت تتصدر الأسواق ومحلات الباعة على مستوى العراق، كما كنا نجد البنائين والنجارين وغيرهم ومعضمهم بارين في مهنهم.
إذا ليست أمتنا أمة خاملة أو عاقرة لا تنتج ولا تبدع، لكننا لم نتطرق لحد الآن إلى الواقع السياسي لهذه الأمة لنرى هل أنه يشبه القطاعات الأخرى أم أنه يلهث دون جدوى في تلمّس الطريق الصائب لكي يكون القطاع السياسي أيضا بارزا ليس على مستوى الأمة فقط بل على مستوى العراق.
لذلك يستوجب علينا جميع تشخيص الخلل وأبداء الرأي والمقترحات التي تدفع بالسياسة والسياسيين نحو الابداع وهي دعوة مفتوحة لكي يساهم كتّابنا بإخلاص من خلال ابداء آرائهم وتقديم المشورة للسياسيين كي يعملوا بجد وتضحية بغية أن يقود السياسيين دفة الأمة في بحر سياسة هذا العالم وفي هذا الزمان المتلاطم نحو شاطيء الأمان.
وبغية الوصول إلى هذه الغاية علينا تشخيص نقاط الخلل في هذا الواقع والتي تعيق الابداع والتطور ومنها:
تدخل المرجعيات الدينية:
إنه أحد الأسباب التي تؤخر عمل السياسيين، لأن شتّان ما بين السياسة والدين والوسائل التي يستخدمها رجل الدين تختلف كليا عن الوسائل التي يستخدمها رجل السياسة، وعلى رجل الدين الاقتداء بمقولة المسيح له المجد: فقال لهم اعطوا اذا ما لقيصر لقيصر وما للّه للّه. (متى 22: 21)، فإن كانت الكنيسة يهمها مستقبل شعبها وتجذره في هذا البلد؛ عليها الاهتمام بالجانب الديني البحت لأن الكنيسة هي أم ومعلمة وهي التي تنقل لمؤمنيها تعاليم المسيح وما يريده الله من الانسان؛ فالكنيسة ليست لفئة دون أخرى ولا يقف الانتماء القومي حائلا دون انتماء المؤمن لكنيسة بذاتها، وجميع الكنائس العاملة بين أبناء شعبنا عليها الاهتمام بالشأن الديني وإتمام رسالتها التي تتلخص: فاذهبوا وتلمذوا جميع الامم وعمدوهم باسم الآب والابن والروح القدس. (متى 19:28) .. ومن هذا لا نجد بين مهام رجال الدين أن يختاروا الانتماء القومي لرعاياهم كما لا يحق لرجال السياسة أن يعملوا على أقحام رجال الدين في ميدانهم، فالكنيسة يجب أن تقف على مسافة واحدة من الجميع، وعليها أن تتلمس الحصاد الحاصل والذي عليه أن يكون وفيرا فيما لو أهتم كل واحد بشأنه واهتمامه.

استقلالية القرا السياسي:
ينقص أحزابنا هذا المبدأ لأننا ومن خلال المراقبة نشك بوجود تدخل فعلي في قرارات هذا الحزب أو ذاك ومن جهات لا يروق لها القرار القومي المحدد والموحد لأن ذلك قد يضرّ بمصالح معينة لدى جهات ذات المصلحة في العراق، فإنها تعمل على بذر بذور الفرقة داخل أحزابنا كي لا تلتقي، وهذا العمل قد لا نجده من الغرباء فقط بل قد يكون من أهل البيت الذين يعتبرون نجاح حزب معين هو بما يعني أنه سيلتهم الأحزاب الأخرى ويقضي عليها، وهذا بكل تأكيد نابع من نظرة قاصرة للأمور فنجد من يكثف جهوده ودعمه المالي والمعنوي باتجاه تقوية جانب ضعيف وبهدف أضعاف جانب القوي لكي تبقى تلك الجهات هي الأقوى وتتحكم بمصائر أحزابنا في الداخل حتى وصل الأمر لفصل قيادات سياسية وبأوامر خارجية ليس لشيء سوى لاختلاف في وجهات النظر أو الرأي أو ربما لغاية في نفس يعقوب!!!، أي أن الأمر وصل إلى المحاولات العملية لوأد طموح أبناء شعبنا رغم حداثة العمل السياسي في أمتنا قياسا لما موجود لدى الأمم الأخرى.
الأحزاب الساسية في الأمة:
إنها بحاجة لكي تعيد لملمة أوراقها وتعمل بنكران ذات ولا تعتمد على الدعم الخارجي بل تتكل على قدراتها الذاتية مهما كانت بسيطة لأنها تسير بذلك في خطوة الألف ميل وإذا كان البناء محكما فإن النتائج ستكون مثمرة لأننا نجد من ينظر للمكاسب المادية بالدرجة الأولى من قبل البعض حتى ولو على حساب حزبه أو أمته وهذه أحدى نقاط الخلل الرئيسية في العمل الحزبي لأننا كنا نلاحظ أفرادا في أحزاب في السابق والحاضر كانوا فقراء ماديا لكنهم كانوا قياديين على مستوى الفكر والنضال على عكس اليوم حيث نجد من يتخذ العمل الحزبي كواسطة للعيش وقد نجد من يبحث بين الأحزاب أيهما يدفع أكثر.
نقاط كتبتها على عجالة أتمنى أن تكون بداية لكتابات أوسع من قبل أخوتي كتاب الأمة ومن يهمهم مصيرها ووقف نزيف الهجرة وتجذر شعبنا في أرض آبائه وأجداده على أمل أن نضع أفكارنا على طاولة السياسيين لكي يبدأوا بخطوة الألف ميل وتكون خطوة وثقى سيرا نحو المستقبل الأفضل.


عبدالله النوفلي
29 تشرين الأول 2009

107
المنبر الحر / واقعنا .. هل من أمل؟
« في: 10:06 25/10/2009  »
واقعنا... هل من أمل؟[/cen/size]

إن الأمل هو الأمر الذي يجعل للحياة طعم وبه يتطلع الانسان للمستقبل الأفضل، ونسميه نحن في المسيحية (الرجاء)، وبدونه يلجأ بعض الأفراد إلى الانتحار لوضع حد للحياة كونهم لا يشعرون بوجود ما يشير في الأفق على تحسن الأمور نحو الأحسن ليجد الانسان نفسه مصابا بالكآبة والاحباط وصولا إلى اليأس ومن ثم الانتحار. لكن المؤمنين يقولون: لا حياة مع اليأس، كما أن الحكماء يرددون بأن لا مستحيل في الحياة، والانسان دائما قادرا لايجاد الحلول وقهر المستحيل وإيجاد الطرق والوسائل البديلة لغد أفضل.
هذه المقدمة سقتها لكي نفهم أن واقعنا القومي لابد له أن يعيش في ظل أملٍ ورجاء بوجود فجرٍ يلوح في الأفق يُحلحل التشدد الموجود عند هذا الطرف أو ذاك، وحالات التعصب عند أطراف الأمة الثلاث من : الكلدان .. السريان .. الآشوريين الذين يتجاذبون أطراف اللعبة كلٌ باتجاه مختلف حتى يخال للمراقب بأن الشبكة ستتمزق وأن الأمة ستسقط.
ولهؤلاء مبررات واقعية لكي يتصوروا بأن لا مستقبل مشرق للأمة أزاء هذا الواقع وهذه التجاوزات، فالكلداني يدعو للكلدانية والآشوري للآشورية والسرياني للسريانيه وكأن الآخرين لا ينتمون لهذا أو ذاك بصلة وقد لا نجد ذات الشيء عند السريان الذين يمكن اعتبارهم الشريحة الوسط التي تريد أن ترسو التجاذبات إلى بر الأمان لكي تجد لها سبيلا نحو المستقبل، لكن كل هؤلاء نسوا أو تناسوا بأن جميعهم يتحدثون بذات اللغة (السورث) التي يتكلم بها الكلداني والسرياني والآشوري، مع فارق اللهجات فقط، وإن القاسم المشترك بينهم هو هذه اللغة التي هي أيضا يسمونها حسب تعددهم؛ فالكلداني يسمسها الكلدانية والآشوري يسميها الآشورية والسرياني سريانية مع خصوصية الكتابة بالسريانية الغربية لاختلاف صوت وشكل الحرف وبعض القواعد لكن اللغة الدارجة هي هي أينما ذهبت في ديار السريان أو الكلدان أو الآشوريين، وبما أنها هي كذلك فما بالنا نبحث عن الفرقة والتمزق ولا نبحث عن الوحدة والتكامل؟ أليس الأمر تنقصه الحكمة والدراية؟ ألسنا بعملنا هذا نحاول أن نحجب الشمس بغربال؟ ففي النهاية لا يصح إلا الصحيح. لكن يجب علينا استخدام المنطق والعقل لتخفيف آلام الأمة وأبنائها وأن ندفع بالأمل إلى واقع الحياة كي يتشبث أبناء الأمة بالأرض يحامونها ويحرثونها وينهلون منها الحياة.
فالأمل موجود وقريب منا لكن ما ينقصنا هو تجاوز حالة التشرذم وحب الذات والعمل من أجل المجموع بقوة أكثر من عملنا باتجاه الأنا الشخصية الخاصة، وعندما نعمل هكذا فإننا نضع أصبعنا على الجرح ونشخص الداء وسيكون حب الأرض هو الذي سيشد أبنائنا في أرض آبائهم وأجدادهم وستعود نينوى لأهلها وتتذكر بابل كل الباكين والمتألمين على ضفاف الأنهر فيها، عندها سيغسل الفجر الجديد كل الجراحات ونكون أمة قوية متحدة تتحدى عوادي الزمن وتنتصر على اليأس وتحل محله الأمل في حياة (السورايى) وسيفتخر هؤلاء بكونهم؛ سورايا كلداايا، أو سورايا سوريايا، أو سورايا آشورايا، ليكون الجميع سورايا يرفعون هاماتهم وهامات أخوتهم ويحيي الجميع ذكرى أسلافهم لنكون بذلك أهلا لكي ندعى أحفادا لأولئك الأجداد العظام ولسان حال يقول يا أجدادنا لقد عثرنا على أول الطريق وسننطلق بقوة نحو الغد الأفضل، وربما ستعود الطيور المهاجرة إلى أعشاشها لتعود الخضرة داخل أسوار نينوى وكذلك على ضفاف الأنهر والسهول.
أليس هذا أفضل مما نسلكه في واقع اليوم؟ وهذا ليس حلما لأن بقليل من الخطوات العملية سنصل إليه وبسرعة فهل عقولنا وأرجلنا ستقودنا لكي نبدأ بالخطوة الأولى؟ أأمل بذلك.


عبدالله النوفلي
25 تشرين الأول 2009
[/color]

108
المنبر الحر / هموم قلمي
« في: 22:30 21/10/2009  »
هموم قلمي
وضعت قلمي جانبا لفترة ليست طويلة في قياسات الزمن، لكنها بالنسبة لي تُعتبر طويلة لعدم خوضي غمار النِقاشات السياسية والانسانية في العراق أولا وشأننا القومي ثانيا، حيث أن الابتعاد أحيانا هو فرصة للمراقبة والتحليل لانضاج الأفكار، فليس الأمر فقط مرهون بتواصل الكتابة وللبقاء المستمر على الساحة، إنما العِبرة هي في الكتابة الرصينة والدسمة التي تنفع القاريء وتجعله متابعا للكاتب الذي يفضله.
فالساحة تزخر بالمئات من الكتاب كما أنها تفقد بعضهم أحيانا لأسباب مختلفة ويكون أقساها وأكثرها حزنا عندما يغيبه القدر رغما عنه كما حدث للفقيد الراحل الزميل جميل روفائيل الذي خسره واقعنا القومي في الوقت الذي كُنا بأمس الحاجة لأفكاره ولقلمه الجريء والمُحلل والصريح للواقع دون مجاملة هذا أو ذاك.
وبريق القلم يكون عندما يتخلص من تمجيدِ حاكمٍ أو سلطانٍ أو من قذفِ هذا أو التشهير بذاك بما ليس من شأنه ليكون قلما حرا يُسطر أفكارا بناءة حتى في حالات النقد، لأن هذا الانتقاد وعندما ينتقل إلى أن يصبح مشروعا للهدم يُفقد القلم مصداقيته كما يُفقد صاحبه مبادئه ليتحول إلى جانب آخر غير إنساني، والذي يصادر حق غيره في أبداء الرأي أو في قول الحقيقة.
هذه إذا جانبا من الحقيقة ومن الأسباب التي جعلتني أضع القلم جانبا لاعادة التنظيم وفي جانب آخر كان للوظيفة السبب الرئيسي الذي أشغلت قلمي به كيف لا وهو مصدر رزقي وأنتظر النجاح فيه وثماره ينتظرها قطاع واسع من أبناء شعبنا الكلداني السرياني الآشوري وكذلك من أبناء الديانتين الأيزيدية والصابئة المندائية، فمن الأولى بمكان أن أركز جهودي وجلّ وقتي لكي يكون عملي مثمرا ومفيدا ويُدخل الأمل في صدور أبناء جلدتي كمحاولة لكي يُفكر هؤلاء على الأقل بأن الأمل لازال موجودا وأن الحل ليس فقط بالهجرة والذهاب بعيدا.
وفي هذا الجانب كان لي فرصة خلال هذه الفترة أن ألتقي مُهاجري بلدي في بلدان أخرى والذين كانوا معززين مكرمين في العراق، لكنني وجدتهم تائهين وضايعين لا حول لهم ولا قوة ولا عمل في بلدان المهجر وكل همهم هو البحث عن بلد في المهجر يقدم المساعدات للمهاجرين دون تحديد ولزمن غير محدد!!! إنها حقا مهزلة يضع المهاجر نفسه في أطارها فكل همه هو الحصول على المساعدات بينما كان في بلده هو الذي يمنح المعونات لهذا أو ذاك!!!
وشأننا القومي له الحق علينا أن نُعرج عليه في هذه المقالة التي هي عبارة عن كشكول من الأفكار خاصة وأن الأنظار تتجه لعقد مؤتمر قومي ثانٍ بعد مؤتمر عينكاوا التاريخي عام 2007 ونجد الهمة والتخطيط موجود، واللجنة التحضيرية تعمل بجد وتطلب الأفكار من الجميع وتلتقي وتناقش كل من تستطيع الوصول إليه أو يفتح لها قلبه وصدره، فهل بعد كل هذا توجد حجة لدى الطرف أيا كان لكي يقاطع ويعزل نفسه، فعلى هؤلاء أيضا تقع المسؤولية للتحرك وللوصول إلى اللجنة وأيصال أفكارهم إن لم تستطع اللجنة الوصول إليهم، فقد عمل المجلس الشعبي حسنا بفتح كافة القنوات للجميع ولتشكيله اللجنة التحضيرية من أشخاص من داخل المجلس وآخرين من خارجه ومن ذوي الباع الطويل في الشأن القومي.
إن الساحة اليوم وقبل أسابيع من عقد مؤتمر ثانٍ بحاجة للهدوء وللتحليل الواقعي وصولا إلى الأفكار التي تخدم المستقبل وإن كافة الأوراق مطروحة على طاولة البحث وجميع المقاعد متيسرة لمن لديه القدرة والجرأة للجلوس والتحاور وعندما نتحلى بذلك جميعنا سنصل إلى حلول لكل مشاكلنا ومشاكل أمتنا بيسر وسهولة ومنها أشكالية التسمية...
أمنيتي أن نكون يدا وقلبا وأرادة واحدة.
عبدالله النوفلي
21 تشرين الأول 2009


109
المنبر الحر / بين محبة ومحبة
« في: 20:34 28/08/2009  »

لا تستطيع الحصول على كل ما تحبه
إنما عليك محبة كل ما تحصل عليه

كلام يعتبر من الحِكَم العميقة، لأن الانسان يتمنى الحصول على الكثير الكثير وله أحلام واسعة جدا قد لا يكون لها حدود، لكن بحساب بسيط يمكننا تحديد النسبة التي نحصل عليها من أحلامنا لتكون نسبة متواضعة جدا، فلو صرفنا حبا كبيرا على أحلامنا وعلى ما نحبه ونتمنى أن يتحقق نكون قد أضعنا العمر بلا فائدة ترتجى، بينما لو حددنا تركيزنا على ما نحصل عليه ونحبه بقوة لكان شكل وطعم الحياة التي نعيشها مغايرا كليا.
ذات الكلام ينطبق على شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) فلكل منا أحلامه الخاصة التي يتمنى حصولها، فمنا من أحلامه كلدانية خالصة، وآخر آشورية وثالث سريانية ورابع يحلم مع الكلداني والسرياني والآشوري أي أنه يحلم بأحلام جميع أخوته ولكل هذه الأحلام مشروعية وأحقية لأصحابها أن يحلموا وأن يحبوا وأن تتحق هذه الأحلام، لكن العبرة تكمن في محبة ما هو حاصل فعلا، والمثل يقول: إننا نكره شيئا وربما هو خير لنا وربما نحب شيئا وهو شرٌّ لنا (معذرة للتحوير في المثل)، لذلك علينا أن نعيش اللحظة الحاضرة بكل تفاصيلها، نحبها بشدة وكأن لا لحظة أخرى غيرها قادمة فهي التي قد حصلنا عليها، وهذا الأمر لا يلغي الطموح أبدا أو الحلم بلحظة قادمة خير منها أو مستقبل أفضل مما نحن عليه.
وهكذا نجد اليوم من يحب حلمه الكلداني وثاني الحلم السرياني وثالث الحلم الآشوري بينما هناك من يحب ويحلم أحلام كل هؤلاء ليكون حلمه وحبه أقوى وأشد لأنه حب الأمر الواقع الذي نعيشه في أيامنا هذه من صيف 2009، حيث بدأ الحلم يكبر ولاح في الأفق شيئا من معالم المستقبل الذي ستدير به هذه الأمة نفسها بنفسها، لذلك محبتنا يجب أن تكون بلا غشٍ لكي نحصل على بركة الله ومساندة أخوتنا في الأمة، هذه المحبة التي تقتضي التضحية وبلا حدود لأنها الأمر الوحيد في هذه الحياة الذي يجب علينا أن نضحي قبل الحصول عليها أو عندما نقدمها للآخرين، فالمحبة لا تُشترى أبدا... وإنها لا تُفرض مطلقا... إنما المحبة تُعطى وبمجانية وفيها يذوب الإنسان خاصة عندما يوجه محبته لأخيه الآخر وصولا ليكون الاثنين واحدا، والمحبة تجعلنا نتألم لكي يفرح الآخرون... تجعلنا نتعب ونشقى لكي يرتاح غيرنا... تجعلنا نناضل بغية أن يستقر الآخرون في واقع أفضل مما هم عليه، فعندما نحب كلدانيتنا فنحن نحب السريانية أو الآشورية، وهكذا بمحبتنا للسريانية فإن محبتنا تتوجه للكلدانية أو الآشورية، وبهذا نصل أن الثلاثة يصبحون واحدا، شعبنا يتكلم لغة السورث ولديه الأرض التي نما وترعرع وعاش هو وأجداده عليها وكتب تاريخا مضيئا وقدم التضحيات الجسام ولم تكن سميل أو صوريا آخرها.
فكم من الحب علينا زرعه في أرض واقعنا لأمر حاصل فعلا لأمتنا ونتحرر من الأحلام لأنها أصبحت حقيقة، وما علينا إلا التفكير في هذا الاتجاه.



عبدالله النوفلي
24 تموز 2009


110
الذي يجمع والذي يفرق

كثيرون هذه الأيام يتحدثون ويكتبون في الشأن القومي؛ ومنهم من يهتم بالكلدانية دون غيرها أو قد يعطي هذه قدراً أكبر من اهتمامه بغيرها، بينما يعتبر الآخرون أندادا له بل قومية مشابهة لقوميته ولها الحق بالعمل والنضال لتحقيق هويتها، ومنهم من يتعصب لقوميته وينكر حق الآخرين، وهكذا نجد وكأن الحابل قد اختلط بالنابل ويصاب بالدوار كل من يقرأ ما يتم كتابته، لأن الخيط الأبيض يضيع ولا يمكن تمييزه مطلقا من خلال خيوط سوداء كثيرة وظلام حالك!!!
لكننا يجب أن ننتبه بأن السلاسل الغليضة ليست هي التي تقوّي العلاقة بين أبناء الأمة الكلدانية السريانية الآشورية، إنما خيوط من حرير رفيعة صغيرة في الحجم وناعمة تلك التي تربط الكلداني مع أخيه السرياني وهؤلاء مع أخيهم الثالث الآشوري، تلك الخيوط التي حاكها الزمن كالنبات المتسلق الذي يتشبث بما يصادفه لكي يمتد ويتسلق، هذه الخيوط نحوكها نحن بمحبتنا وبقبولنا للآخر ومسامحته، وكلما زادت مساحة المحبة والقبول والتسامح أصبحت هذه الخيوط أكثر متانة ويصعب قطعها وبعثرة ما تربطه لنجد الأمة في حال غير الذي يكتبه الكثير من كتابنا الأعزاء ومن ينشد الفرقة يجد أمامه مساحة واسعة للحركة وكذلك من ينشد الجمع يجد الأرض خصبة وتقبل وتتقبل لآنها تنشد الحال الأفضل وبلا شك الجمع خير من الفرقة.
ومن ذلك نجد اليوم حديثا حول تأسيس اتحاد عالمي للكتاب والمفكرين الآراميين أو للكلدان أو للآشوريين وكأنه يحقق بذلك نصرا مبينا وكأن ما يكتبه الآشوري لا يفهمه الكلداني أو ما يكتبه السرياني لا يفقهه الآشوري، وكما قلنا من ينشد الفرقة فإن المساحة أمامه شاسعة وواسعة لكن من يجمع ويفكر بعقل الجماعة سيجد أن اتحادا واحدا قوميا يكفي ليجمع الكتاب السريان الكلدان الآشوريين، لأنهم يتكلمون ويكتبون بذات اللغة وذات الأبجدية وبقواعد لغوية واحدة، هذا إن استخدموا اللغة الأم، أما إذا مارسوا الكتابة بلغة غيرها كما أنا الآن أكتب هذه المقالة فسأكون ويكونون لا يحملون من الانتماء سوى الاسم الذي ننتمي إليه فأنا الآن أستخدم العربية وغيري ربما الانكليزية أو الفرنسية....
علينا إن أردنا الجمع أن نقوّي خيوط الحرير الناصعة الناعمة التي تربطنا ولا نلجأ إلى السلاسل لكي نجمع وثاق الأمة قسرا حتى لو كانت بين طيف من أطيافها كالآشورية أو الكلدانية أو السريانية، فما يأتي بالقوة يذهب بالقوة وما يُبنى على الرمل يكون انهياره سريعا وعظيما. لنعمل إذا على أرضية صلبة لكي نحصل على بنيان قوي يصمد أزاء عواتي الزمن.


عبدالله النوفلي
22 تموز 2009



111
إن لم يبنِ الرب البيت فباطلا يبني البناؤون

كلداني سرياني آشوري... ثلاث كلمات تشغل بال شعبنا بأكمله بسياسييه ومثقفيه ورجالات الدين فيه، ونجد هناك فورات من الغضب اذا مالت الكفة الى جانب معين او الاحتجاج اذا ذكرت الاسماء معاً وهنا نطرح سؤالآ: اذا ذكرت الاسماء هكذا او وضعنا حرف الواو بينهما ماذا سيكون الاختلاف؟ والجواب ليس بالامر الصعب لانه ستظهر وكأن كل اسم مستقل بذاته، بينما اذا رفعنا حرف الواو كما جاء بمسودة دستور اقليم كردستان فإن الثلاثة سيظهرون كواحد بل واحداً وان كان الاسم ثلاثياً هكذا يبدو غريباً.
   والواقع يشير بوجود ثلاث كنائس مختلفة الطقوس لدى هذا الشعب وإن يوجد تداخلاً كأن يوجد من الآشوريين من يتبع الكنيسة الكلدانية او من ينتقل من الكنيسة الكلدانية الى الاشورية، وكذلك في الواقع السياسي فإننا نجد احزابأ آشورية صرفة او كلدانية صرفة وهناك من ينفتح على جميع الاطراف ليخرج من النطاق الضيق الى الواقع الاشمل، والاشكالات كلها او بمعضمها نجدها عند الكلدان والآشوريين بينما يبدوا ان السريان متواجدين  في الاسم او يتفرجون وعليهم الصافي فالمهم ان اسمهم موجود وحقوقهم مصانة.
   وإن فرضنا وجود حرف الواو بين الاسماء الثلاثة فهذا يقتضي بموجبه وجود ثلاث قيادات؛ واحد للكلدان وثانية للسريان وثالثة للآشوريين وعلى هذه القيادات ان تبدأ بالعمل من القاعدة لكي تأخذ الشرعية وصولاً الى قمة الهرم الكلداني او السرياني او الآشوري وقد نجد ان الصورة هنا واضحة كلٌ يأخذ حقوقه حسب اسمه لنصل الى ثلاث قيادات يمكننا جمعها بطريقة او بأُخرى لتكون قيادة موحدة تعمل من اجل الخطوة اللاحقة في جمع الاسماء الثلاثة وانصهارها بأسم واحد ربما يختلف عن الاسماء الثلاثة وكما كان المقترح (سوراي) او قد لا تجتمع لتبقى تعمل بمفردها وعلى الاقل وجود الاواصر بدرجة مقبولة للتشاور والعمل المشترك معتمدين على اللغة المشتركة والتاريخ والدين والحضارة و ...
   لتصبح على واقع شبيه بواقع الدول العربية التي توصلت الى تشكيل مجلس الجامعة العربية، وهنا علينا الوصول الى (جامعة شعوب السوراي) اذا كنا حقاً شعوب متعددة وليس شعباً واحداً وهذا الاسم اخترته من لغة هذا الشعب الثلاثي المحكية التي هي (السورث).
   لكن اذا اخذنا الاختيار الثاني برفع الواو فإننا علينا ان نعمل كوحدة واحدة بمظلة واحدة تجمع الاحزاب السياسية لتصل الى قيادة موحدة، وهذه لا يجب مطلقاً ان يكون تشكيلها من فوق وانما من القاعدة ايضاً لكي تستمد الشرعية وهنا سنظهر للآخرين اننا شعب متحضر يجد الحلول لكل المعضلات ويتجاوز الخلافات الى سبل التفاهم ونزيد من اواصر التلاحم بين المكونات الثلاث وينتقل الكلداني بين قرى وبلدات السريان والآشوريين او اي من هؤلاء في قرى وبلدات الكلدان دون ان يجد حداً أو حرجا او مشكلة تحدد تحركه وسينظر الينا العالم بأننا موحدون او متحدون ولا يمكن لأي امور ان تفرقنا او تضعف صوتنا لان الكلداني سيدافع عن الآشوري عندما يتعرض الى الظلم وهكذا الآشوري لو تعرض السرياني لنصل الى واقع متقدم حضاري.
   لكن قد يبدو هذا الحل الثاني في الوقت الحاضر جزءا من الاحلام لكن المهم يوجد من يحلم والحلم هو الاساس لكثير من الامور وكثير من الاحلام تتحول الى خطط واعمال ترى النور وتتحقق وها اننا نجد ان الاسم الثلاثي تم اعتماده ولا يمكن للآشوري ان يشعر بالظلم او الكلداني او السرياني لان الاسماء ذكرت معأ فالاسم مذكور وهو أو هم شعب اصيل في كردستان كما هم في عموم رقعة العراق. ومن الغرابة ان نجد من يطالب بذكر الكلدان او الاشوريين كل على حدة لان هؤلاء يختارون الاختيار الاضعف فالعمل الجماعي هو العمل المطلوب مستقبلاً.
وإننا نرى لو لم نتمكن من إيجاد قيادة موحدة لهذا الشعب كي تقود نضاله السياسي والقومي وتعمل من أجل تحقيق أحلامه في حكم ذاتيٍ ومستقبل آمن وإيجاد فرص العمل وأعادة الحقوق المغتصبة ووضع حد للهجرة و و و فإننا يجب أن لا نغيّب التنسيق أبدا لأن عملنا المفرد سيقودنا إلى التشتت وربما الضياع ونتحول إلى دول المهجر، كأن نقول: كلدان أمريكا أو كلدان أستراليا أو آشوريوا السويد وهكذا وربما لن نجد من يُسمون كلدان العراق بعد حين من الزمن إذا استمر الوضع على ما هو عليه والوضع الذي اختاره البعض ويعمل من أجل تحديده أو ترسيخه، وهذا البعض أو معضمه يعيش خارج أرض الرافدين أصلا ويبدو انه يريد أن يُفرّغ أرض الآباء والأجداد من أبنائه لنعيش بعد حين على أطلال الماضي.
بينما الحل اليوم موجود والمضلة موجودة وإن كان عليها تساؤلات أو ملاحظات لأن ما من عمل متكامل خاصة إذا كان العمل جديدا غير مسبوق، والملاحظات قد نجدها عند هذا أو ذاك لكن ما علينا هو أن نعمل على تطوير العمل وتكبير خطوة التقدم إلى امام وتعزيزها ووضع الأفكار موضع التنفيذ والمجلس الشعبي ممكن تطويره ليصبح برلمانا لهذا الشعب خاصة وإن المجلس مقبل على عقد مؤتمره الثاني في الفترة الزمنية القليلة المقبلة ليضم بين حناياه الكلدان والسريان والآشوريين ويتناقشوا معا ويحلوا مشاكلهم ويبحثون في أمور مستقبلهم ويقرروا ما يرونه صالحا لهم جميعا وعندها سيهرع ابن قره قوش لآلام ابن ألقوش وكذلك من هو في نهلة أو زاخو أو سميل أو عينكاوا و و و لأن الجميع واحد وعليها أن تعمل بإرادة واحدة لرسم معالم مستقبلها.
فأي الحالين أحسن أيها السادة من السياسيين أو رجالات الدين الأجلاء المحترمين؟ أفلا تفرح الكنيسة عندما تجد أبنائها يجتمعون تحت خيمة واحدة كما تجمع الدجاجة أفراخها تحت جناحيها؟ أليست هذه أفكار الإنجيل؟ وأفكار الواقع تدعونا أن نكون واحدا... إذاً ما علينا سوى أن نلتقي ونترك الماضي وآلامه خلف ظهورنا لنبدأ اليوم بنفس جديدة ونعمل بيد موحدة وعقل واحد وفكر نير لكي تكون مثل هذه الخطوات الصخرة التي نبني عليها بيت (السورايى) وسننال حتما بركة ربنا لأنه إن لم يبنِ الرب البيت فباطلا يبني البناؤون، فلنتوكل على بركته وننتظر نعمه الوافرة.


عبدالله النوفلي
9 تموز 2009



112
المنبر الحر / التعامل بعقلانية
« في: 09:30 27/06/2009  »
التعامل بعقلانية
النضال ذو الأهداف والتوجهات النبيلة لابد يوما أن يحقق رسالته مهما طال الزمن أو بعدت المسافات، فلابد أي يستجيب القدر ويُذعن أمام إرادة الشعب الذي يصبو إلى الحياة؛ خاصة عندما تكون أهدافه نبيلة.
اليوم نجد البعض مما حلمنا به في الماضي تم الشروع لوضعه على الورق بوثائق مُصوَّتٌ عليها من قبل مجموعة من الشعب العراقي الذين يمثلون كردستان حيث صوَت برلمان الإقليم في اليوم التاريخي 24 حزيران 2009 باعتماد تسمية واحدة لشعبنا (الكلداني السرياني الآشوري)؛ أقرارا بوحدته كيف لا وهو يتكلم بلغة واحدة ويحمل تاريخا مشتركا وأرثا حضاريا واحدا، كما أقرَّ الدستور بحقنا في الحكم الذاتي وهذا بعض من مطالبنا التي طالبنا بها من خلال مؤتمر عينكاوا 2007، الحكم الذاتي لن ولا يكون قفصا لنا ولا يبعدنا عن العراق الواحد الموحد، فسيبقى العرب والكُرد وباقي المكونات أخوة لنا نتفاعل وأياهم ونعمل ونضحي من أجل العراق هذا الاسم الذي عشنا تحت ظله وشربنا من مائه وكبرنا من خيراته.
ولذلك نقول لأخوتنا الذين يعملون لتشتيت قرار الأمة إن عرفوا أو لم يعرفوا، أنكم يَجب أن تُراجعوا ذواتكم لكي تلتحقوا بركب الأمة لكي تضعوا أيديكم مع أيدي أخوتكم، وكم هو غريب أن نجد الصوت الوحيد الذي كان ضد هذه المكتسبات هو صوت من أبناء شعبنا الذي لابد أن يقتنع يوما أن الغناء خارج السرب لا يفيد شيئا وإن المجموعة عندما تغني معا وبنظام نخرج بمقطوعة موسيقة جميلة، لأن ليس من المعقول أن يكون الواحد على صواب أمام ما يقارب المائة غيره متفقين على أمر ما آخر.
على شعبنا أن يقتنع بأنه يجب أن يُدار بأفكار من داخل العراق لأن في الداخل هو الشعب، وفي العراق يناضل هذا الشعب وهو أدرى بواقعه لأنه يراه ويعيشه على أرض الواقع وهنا يتعايش: الكلداني مع السرياني والآشوري ولا يجد حرجا بذلك ويتبادلون الزيجات والمناسبات دون أي حرج ويغني هذا في حفلة ذاك وبالعكس دون استغراب إننا جميعا فروع لشجرة واحدة وحتى كنسيا نحن متداخلين؛ أليس بطريركنا الجليل الكردينال مار عمانوئيل الثالث دلي بطريركا للكلدان والآشوريين الكاثوليك في العراق والعالم ؟ أليس العديد من الكلدان ومنهم قساوسة وشمامسة ينتمون إلى الكنيسة الآثورية ولا يجدون أي اختلاف عندما يعيشون في حالتهم الجديدة؟ أليس المطران الآثوري مار باواي سوريشو انضم بمحض إرادته متحدا بشكل أو بآخر مع الكنيسة الكلدانية في أمريكا؟ فالحالات كثيرة لكن لمن له عينان تبصران لينظر ويتمعن!!! إن القنوات بيننا في الداخل مفتوحة ولم تنقطع أبدا وما تلاحظونه من تقاطعات أحيانا في الداخل فهو من تأثيرات خارجية ومن الداعمين بالذات الذين يريدون تنفيذ أجنداتهم الخاصة وللأسف يجدون دائما من يرحب بدعمهم ويلبس الثوب الذي يريدونه وهذا ليس أمرا صحيحا وقال يوما أحد الحكماء: لا خير في ود امريء متلونٍ إذا مالت الريح مالَ حيثُ تميل!!!
أخوتي الأحباء إن قضية شعبنا ليست معروضة في المزاد لكي تُباع لمن يدفع أكثر ولا يمكن لهذا الشعب أن يغير لونه حسب رغبة الداعمين فهناك من يكون اليوم آشوريا ويصبح مرة أخرى كلدوآشوريا وفي الثالثة كلداني أصيل وربما سنجد يوما أنه أصبح كرديا أو عربيا من العرب الأقحاح فلابد أن تكتمل ملامح اللاعبين على الحبال.
لكن المخلصون يتعاملون دائما بواقعية ويحللون الواقع ويضعون الخطط حسب الظرف الذي يعيشونه، لذلك نتعامل بحرص لكي يكون الكل معنا لأننا من العراق وفي العراق وسنخدم بتضحية ونزاهة لإعلاء كلمة العراق وكذلك سيخدم أبناء شعبنا الموجودين في كل مناطقه كأبناء بررة سواء في أربيل أو دهوك أو الموصل أو بغداد أو البصرة بتفانٍ لكي يبرهنوا للعالم بأن الشعب (الكلداني السرياني الآشوري) هم من سكان العراق الأصليين الذي بُني العراق على أكتافهم وهم ورثة آشور وبابل وسومر وهم أهلٌ للثقة في تحمل المسؤولية عن أنفسهم بحكمٍ ذاتيٍ ينظم أمورهم.
فبوركت كل المساعي الخيرة التي زرعت الأمل في قلوبنا وبدءنا نلمس النور في آخر النفق الذي نأمل أن لا يكون طويلا ويأخذ وقتا غير محدد لتجاوزه ونأمل أن يكون الجميع معا أثناء العبور إلى الضفة الأخرى؛ ضفة الحكم الذاتي ليكونوا معا شعبا واحدا حرا هو شعب (السورايىْ).


عبدالله النوفلي
27 حزيران 2009

113
المنبر الحر / العائدون
« في: 09:16 23/06/2009  »
العائدون
في حياتنا نشهد الكثير ممن يشدون الرحال ويعشقون الترحال تارةً من اجل السياحة وأُخرى طلباً للرزق او هروباً من واقع مؤلم او حلماً ببقعةٍ اكثر إستقراراً وارضاً تدر لبناً وعسلاً فإنها ارض الميعاد حيث يفوز بها الحالمون ليصنعوا حداً لرحلة الحياة الشاقة، وهذا حق إنساني طبيعي، بل من غير الطبيعي ان لا تكون للانسان احلاماً بغدٍ افضل لان ذلك هو النشاز بعينه.
   لكن الحياة العامة سواءاً في العراق او غيره من دول المهجر تتطلب من الانسان ان يعمل لنفسه ميزاناً للحسنات والسيئات لمسألة البقاء ام الهجرة مستفيدة من الحالات التي سبقته من مجاميع البشر الذين لديهم روح المغامرة ويلجأون بإستمرار لسبر غور المجهول ويتلذذون بذلك ومنهم من ينجح ويثبت اقدامه في الارض الجديدة ومنهم من يندب حظه ويلعن الساعة التي خرج بها من عشه ليعلق بعيداً حيث الغربة والبعد عن الاهل وانعدام العواطف والعمل الشاق والمُضني والتعب والانفلات الاخلاقي والبعد عن الله والقريب.
ومنهم من ينجح في موقعه الجديد ومنهم من يبقى متشبثاً بالهامش يعيش على المعونات ويعمل بطرق ملتوية لكي يتلاعب على القوانين في بلده الجديد لكي يأخذ المعونات ويعمل في الخفاء وينجو من الضرائب ...
ومنهم من ينقل امراضه في وطنه الى الموطن الجديد فيمتهنون القمار والاحتيال والمشاركة في عصابات الشر وغيرها من العادات والممارسات السيئة التي ينطلق البعض في ممارستها خاصة عندما يبتعد عن رصد الآخرين من الاقارب الذين كان يتحسب لهم من منطلق المبادئ والعيب والسمعة ليفقد في بلده الجديد كل المثل والقيم ويتمرس في العنف والجريمة والغش والخداع ...
ويبقى الانسان هو رقيب نفسه قبل ان تكون السلطة او يكون القانون هو الرقيب عليه وكذلك المبادئ التي يحملها والتي من المفترض انها ليست مبادئ مرحلية بل هي قناعات عليه الالتزام بها مهما تغير الزمان والمكان ...
لكن الجميع يجب ان يفكر لماذا لا يعمل المواطن في وطنه الاصلي في الاعمال التي يمارسها في المهجر؟ وهل غسل الصحون في المطاعم في المهجر حلال وذات المهمة في الوطن عيب ولا يصح القيام بها، ونحن ورثة شيوخنا الذين مافتئوا يقولون ان الشغل مو عيب والعيب هو ان تمد يدك وتستعطي من الآخرين وتثير مشاعرهم لكي تعيش على هامش حياتهم!! أليست المعونة التي تدفعها الدول الغربية للعاطلين كمن يستعطي في الطرقات لكن بإسلوب غربي متطور ليجمعوا الشحاذين ببطاقةٍ ذكية ويعطوا لهم المقسوم حتى لا يسيئوا للذوق العام ويقفون في التقاطعات كما يحدث لدينا في العراق الذي تفاقم الوضع فيه الى الحد لو أُعطيت لكل من تصادفه لفرغت جيوبك قبل مسافة كبيرة من وصولك لمنزلك!!
    وفي الانجيل نتذكر مثل الابن الضال الذي وصل به الحال ان يأكل من اكل الخنازير التي كان يرعاها بعد ان بدد مال ابيه لكنه تحلى بالحكمة اخيراً ليعود ويعترف بالخطأ ويبدأ من جديد،
وهكذا نجد من اهلنا في الوطن من توطن في دول المهجر تاركاً خلفه املاكه لتدار بواسطة آخرين هنا في العراق ويعيش هو من مالها او يتاجر بها حتى الازمة المالية الاخيرة التي دفعت الكثيرين لخسارة الكثير ودخولهم تحت نير الديون واعباء القروض الامر الذي دفعهم لتصفية المورد المالي الذي كان معيناً لهم لينقذهم من المأزق!! وبعد ذلك ماذا سيفعلون؟
أليس من الاجدر ان نفكر مثل الابن الضال ونعود لنبني الوطن معاً ولا نخاف من الموت او التعب او التراب او الحر او ... الكثير مما نعتبرها منغصات الحياة في العراق لكن كل ذلك تبقى فقاعات امام الكرامة والاحساس بها وانت على ارضك وبين اهلك واصدقائك حيث المشاعر والكرم والاواصر الاجتماعية والتضحية من اجل الآخر وهذه مقابل شر الاشرار في العراق لا يمكن مقارنتها مطلقاً لان الشر موجود في كل مكان وكم من المهاجرين قُتلوا في امريكا او تعرضوا للابتزاز فيها او في غيرها.
انها دعوة للتفكير وربما في العودة مجدداً.


                                             عبد الله النوفلي
                                 9/ حزيران / 2009

114
المنبر الحر / نحن والجذور
« في: 10:10 09/06/2009  »
نحن والجذور
   بكل تأكيد عندما نتكلم عن (نحن) فإننا نقصد المسيحيون من الشعب الكلداني السرياني الآشوري الذي تمتد جذوره عميقاً في ارض العراق لآلاف من السنين حتى قبل اعتناقهم المسيحية الامر الذي لو وضعنا الدِين جانباً في هذا البلد لوجدنا نسبة كبيرة من العراقيين تعود بجذورها الى بابل وآشور ... الى سومر وأكد ... حضارات وادي الرافدين الخالدة التي الهمت العالم أجمع العلم والمعرفة والقوانين وغيرها من الامور التي تفتخر بها الشعوب وتفرد لها المتاحف وتخصص لها المهرجانات التي تجذب السواح لتدر مورداً مالياً مضافأ للبلد وبذات الوقت تسلط الاضواء على ارث البلد وثقافته وتطور شعوبه وصولاً الى الواقع الراهن.
    وفي حال العراق؛ ماذا سيكون عليه حال ابناء العراق الأُصلاء بعد حين اذا استمرت الحالة كما هي عليها اليوم بل تزداد سوءاً من جراء تعرض ابناء شعبنا الى افلاونزا الهجرة الذي ما زال الفايروس الذي يصيبنا به غير معروف لدى المختصين ليحصد كل يوم اعداد مهمة من أبناء شعبنا وخواص هذا الفايروس هو القضاء على الجذور والاصابة بمرض التلهف للوصول الى اي بقعة أُخرى من الدنيا؛ (المهم خارج ارض العراق!!) ومن الامور المدهشة ان الذين يصابون بهذا المرض ليسوا فقط من سكان المناطق الساخنة التي تعاني من غزو العصابات ودمار الحروب والسلب والنهب والاختطاف والابتزاز بل انتقل ايضاً الى مناطق مستقرة أمنياً متوفر فيها السكن المريح والتجمعات السكانية المتجانسة من الاعمام والخوال والاهل والاقارب وارض الآباء والاجداد في نوهدرا او العمادية او شقلاوة او زاخو وغيرها من البلدات والقرى والفصبات التي يتركها اليوم شعبنا بعد طول الحنين من الابتعاد عنها في الازمنة الماضية التي يبدوا انها كانت فترة حضانة لهذا الفايروس بأن يخف الاحساس بالوطن والارض لكي يصل الانسان بعد ذلك الى جميع البقع الارضية في ارض الله الواسعة هي بنفس المقدار من الاهتمام. عندما يتمكن الفايروس ان يوسوس في صدور الناس ليقنعهم بأن النعيم موجود في ما بعد البحار الكبيرة!
   للاسف إن تفكير شعبنا هو بهذا الاسلوب خاصة بعد أن اصبحت نسبة مهمة منه في استراليا أو أمريكا أو نيوزيلندة أو كندا أو اوربا وابناء المهاجر يحاولون جذب الآخرين اليهم حتى بعدم نقل صورة الغربة الحقيقية لمن لازال متعلقاً بجذوره لكي يجذبهم اليهم ويحضى بالاهل والاقارب من حوله وتخف وحدته ويتنفه قليلاً على امل اندماج الاجيال الجديدة في الارض الجديدة. لنصل يوماً ربما ان السيناتور الفلاني من أصل كلداني أو رئيس حزب من اصول سريانية ولا نجد لهذه الشريحة من اندفاع كافٍ لكي تبقى وتتجذر في وطن الآباء والاجداد؛ المكان الطبيعي لوجودها ...
وجميعنا ساهون عن واقع الحال، نتصارع من أجل كرسي في البرلمان أو في مجلس المحافظة ... نتصارع على الاسم ونثور إن مالت الكفة للكلدان أو للسريان أو للآشوريين؛
صراع بين السياسيين،
صراع بين المثقفين ..
صراع في الساحة الدينية،
حتى إن ساحة الصراع تبدو مغبرة جداً وكأنها ساحة معركة حقيقية كل يحاول سلب إرادة الآخر ورأيه وحريته في التعبير .. كل يحاول إطفاء ومضات النور التي تشع هنا وهناك .. وجميعنا نصل بتحليلاتنا الى حالة اليأس وفقدان الامل حتى نوصل أبناء شعبنا الى حالة اليأس ونركز بشدة على أخبار القتل والدمار والخطف ولا نذكر مطلقاً حالات الأمل التي تنتشر هنا وهناك كأعمال التعمير والبناء وغيرها التي تجري في الوطن، بينما أجهزة إعلامنا تُركز على الحفلات التي تجري في دول المهجر وتعرض تفصيلاتا لكي يرى من في الداخل أن الجنة هي في الهجرة!! بينما في العراق تجري حفلات كثيرة ومناسبات دينية ودنيوية مختلفة .. لا أحد يبرزها، فإذا رقي كاهن في كندا الى درجة الخور اسقف مثلاً تعرض الفلم كاملاً بينما ذات المناسبة في بغداد لا يلتفت اليها أحد وبغداد واهلها مضلومون فعلاً فعشرات الكنائس ترمم وبناء منشآت جديدة أُخرى تجري بمليارات الدنانير لكن لا أحد يسلط الضوء عليها لتبقى الفكرة لمن هم في الخارج إن الوطن عرضةً للخراب والدمار وبالمحصلة نجد الاجانب يتهافتون للاستثمار في العراق وأهل العراق يتهافتون للفوز بالفتات المتساقط من موائد الاغنياء في دول المهجر!!
   هل نرضى بهكذا حالة؟
        علينا تقع مسؤولية الاجابة..


عبدالله النوفلي
8 حزيران 2009

115
المنبر الحر / لنتعلم من عمو بابا
« في: 11:45 05/06/2009  »
لنتعلم من عمو بابا

فرد واحد من أبناء شعبنا شغل كل العراق وآخرين من خارجه بصورة ملفتة جدا للمتابع!!! أليس هذا درس علينا استيعابه؟ إن الفقيد لم يتباكى أبدا ولم يتملق لأحد وعمل بكل طاقته حتى الرمق الأخير بأخلاص وبوجه بشوش ضاحك وكلمات مؤثرة حتى عندما كان يتلفضها بلغة عربية ركيكة، لكن المُصغين إليه كانوا يطلبون منه المزيد في كل شيء لأنه كان مدرسة بأمور كثيرة...
مدرسة في الوطنية
مدرسة في الاخلاص
مدرسة في الرياضة
مدرسة في الاخلاق
مدرسة في المثال ...
واحتضن كل العراق مضحيا بكل شيء حتى عائلته وأخيرا صحته التي قاوم بها أمراضا مختلفة لكي يبقى شامخا معطاءا يفيد الآخرين دون أن ينتظر كلمة مجاملة أو وفاء من الآخرين.
وهكذا كان الوطن؛ فإنه أبدى بوادر الوفاء الكثير، فلم ينظر إليه كونه مسيحيا أو كلدانيا أو عربيا أو كرديا أو ... بل نظر إليه كعراقيا صميما مخلصا. أليس ذلك درس لنا لكي ننطلق من الأفكار الضيقة لنعتبر هذا أو ذاك أقلية أو أكثرية، لأن عمو كان كل العراق رغم كونه أبناً لمجموعة بشرية بالحسابات الرقمية تعتبر أقلية ولا ينتمي لدين الدولة الرسمي حسب الدستور، فلم يُنظر إليه من أي أحد كذلك بل وجدنا مجالس العزاء في كل مكان عند المسلمين قبل المسيحيين، وعند الكرد قبل العرب وكل مؤمن صلّى على روحه بطريقته الخاصة لتتوحد الصلوات عند الله سبحانه وتعالى.
 ففي الوقت الذي نوحد صلواتنا من أجل روح الفقيد تصعد معا إلى الله عزّ وجل، نأمل أن يكون كل واحد منا مثل عمو بابا عندها سنجد الأقلية العددية هي الأكثرية في النوعية وسنرتفع عاليا فوق الاختلافات القومية والطائفية والدينية لننظر إلى العراق الواحد الموحد الذي يفتخر بأبنائه البررة.
فكم سيكون جميلا أن يقول كل منا أنه عراقي قبل أن نتعرف على دينه أو قوميته أو... أليس ذلك دعوة لجميعنا لننتمي للعراق أولا ونفتخر ونعتزّ به قبل أية تفاصيل أخرى؟
إنها أمنية نأمل أن تتحق بعد فقداننا لعمو بابا.


عبدالله النوفلي
3 حزيران 2009

116
المنبر الحر / بناء بيت الأمة
« في: 09:13 10/05/2009  »
بناء بيت الامة
   من
الطبيعي ان بناء اي بيت بحاجة الى عدد كبير من الحجارة التي ترصُّ بشكل هندسي منظم ليظهر لنا البيت في النهاية جميلاً مرتباً، امناً لكي نسكن فيه ونستظل بظله ويقينا شر الاشرار المتربصين. ويطالعنا الكتاب بالمقولة المشهورة "ان لم يبني الله البيت فباطلاً يبني البناؤون"!! هكذا ايضاً بخصوص بيت امة السورايي التي لم تتبلور لديها الصورة الواضحة لشكل البيت التي تطمح لتأسيسه او لوضعه موضع التنفيذ بين بيوتات العراق بعد احداث ربيع 2003 .
   وقيل في الامثال ان كثُرَ عدد الربابنة في السفينة فإنها تغرق، وهكذا شأن بيتنا الذي كثر فيه المُصَممون ومن يعطون رأيهم ويتدخلون في شكل التصميم ونوعية البناء والمادة التي تربط حجارته حتى اصبحنا نخاف ان يضعونه على الرمل ليكون سقوطه عظيماً من اول هزة يتعرض لها.
   ونجد من يسمي هذا البيت بالآشوري المنفرد وكأنه يلغي الآخرين وهذه التسمية من قيادات دينية والتي من المفترض ان ترتب بيتها الديني وتستقر لكي يمكنها ان تنطلق لترتيب البيت السياسي، واليوم نجد من يريد ترتيب بيتاً كلدانياً خالصاً على غرار البيت الآشوري ونجد ذات السيناريو يتكرر حيث تدخل القيادات الدينية الكلدانية ايضاً وكأنها انجزت مهام الكنيسة لكي تنطلق نحو المهام السياسية الاخرى!! انه واقع للاسف لم نستفد من تجربة الدول الاوربية عندما كانت القيادات الدينية تتدخل في كل شىء حتى في الدوائر الرسمية التي لا ترتبط مع القيادات الدينية بأي شكل من الاشكال حيث نجد اليوم من يحاول التدخل في الدوائر الرسمية وتقييم الموظف الفلاني ووضعه في القائمة السوداء أوعدم ابعاد فلان حتى لو كانت هناك مؤشرات فساد في بقائه، الامر الذي يضع هذه القيادات امام تساؤلات مشروعة عن دورها الحقيقي في الحياة؟ هل هو نشر الايمان وصونه من الانحراف؟ ام التدخل في الشأن السياسي وتوجيه مساراته؟ او التدخل في الشأن الوظيفي الرسمي؟
   نعم ان بيت امتنا بحاجة الى تراصّ في حجارته التي هي مختلفة ومتنوعة ومنها حجارة كلدانية ومنها اشورية ومنها سريانية والبيت لا يكتمل الا بتواجد هذه معاً، ونعم ان البيت بحاجة الى حجارة قوية لا تشوبها شائبة حتى تصمد وتقاوم ولذلك على الجميع ترتيب البيت لأنه سيجمعنا معاً ومؤخراً رتب الكلدان الاعزاء بعضاً من الملامح التي وجدوها ضرورية لكي تكون مساهمتهم في هذا البيت مؤثرة وقوية، لكن هذه المساهمة لا يمكن لها مطلقاً ان تكون مرحلية كما اختاروا للاسم الثلاثي كتسمية مرحلية!! لان البيت لا يمكن بعد بناؤه ان يتم هدمه وكل يأخذ حجارته بعد انتهاء المرحلة لكي يبني كل منا بيته فيأخذ الكلداني حجارته ليبني بيتاً متواضعاً كلدانياً وياخذ الآشوري حجارته ويبني بيتاً آخر متواضعاً آشورياً وهكذا يعمل السرياني .
   ايها السادة الذين يهمهم مستقبل امة السورايىْ ان بيت امتكم بحاجة اليكم جميعاً لكي تجتمعون وتساهمون برأس مال البناء وليس بإسلوب الشركة التي تنفضُّ بعد زوال المصالح ويتم تصفية المشروع، بل بإسلوب الاندماج الكلي ونكران الذات الصغيرة والشخصية امام الذات الكبيرة التي هي أُمةٌ بحالها !! فهل سيكون لله دوراً في بناء هذا البيت؟ وبكل تأكيد ليس دور الله من خلال هذا او ذاك، قيادات دينية او سياسية بل من خلال الجميع فلكل منا دوره، بالارشاد والأفكار وبالعمل والنضال.
   نحن نتطلع الى اليوم الذي نشاهد بيت السورايىْ يرتفع عالياً وتتشابك الايدي الكلدانية مع السريانية والآشورية لكي نوصل الليل بالنهار، عندها سنفرح ونزدهر ويكون لنا مكانةً تحت شمس العراق.


                                                                                         
عبد الله النوفلي
                                                                                           10/5/2009

117
المنبر الحر / العنف لماذا؟
« في: 08:53 30/04/2009  »
العنف لماذا؟

   
عودة للعنف عشناها وشهدناها ونحياها بإستمرار ومنذ فترات طويلة كما تشهده بلدان اخرى في عالم يسير شئنا ام ابينا نحو الحدة في ممارس العنف والمغالاة في القتل والترهيب، السنا اليوم نسمع بأسماء منظمات كبيرة وكثيرة تمارس الارهاب والقتل لم نكن نسمع بها في السابق، وعندما كانت قبل عقود قريبة منظمة سرية بالقيام بعمل تخريبياً، كان العالم كله ينشغل بها ويحللها بغية محو آثارها من الذين اثرت عليهم بصورة مباشرة او ممن اطلعوا على الخبر او شاهدوا الصور لصيانة الحالة النفسية للبشر لان الانسان هو القيمة العظمى في الوجود وهو اسمى ما خلقه الخالق وابدع في خلقه.
   لكن رغم كل ما تصرفه الدول والانظمة في مجال الامن ومكافحة الارهاب نجد في المقابل ان الشر يتنامى وتزداد فنونه ليبقى معلناً وجوده وفي ارجاء كثيرة من المعمورة وكأننا نعيش ازاء نقيضين يسيران بخطين متوازيين لا نهاية لهما، لكن المعروف للجميع ان الخير يجب ان ينتصر في النهاية لان الشر لو دام دمر. وللوقوف عن سبب كل هذا علينا دراسة المسألة وحيثياتها والدواعي التي تدفع للانسان بالحاق الاذى بأخيه الانسان.
   فنجد في عالم اليوم ممارسة الشر بسبب المال او بسبب الحصول على مكاسب سياسية او لدفع ظلم او لمن يعتقد انه يطبق شريعة السماء وكأن ما يقوم به هو الجهاد في سبيل الله، وجميع هذه الامور وغيرها تكون معتمدة بصورة اساسية على تفكير القائمين بها؛ فمن هو بنظري ظالم يعتبر بنظر الاخر حاكم عادل ومن هو بنظري سارق؟ فإن هذا يعتقد بأنه يقوم بإعادة ما سرق منه وهكذا ما يتعارض مع التعاليم السماوية وغيرها مثل قتلى الحروب حيث يدّعي كل طرف ان قتلاه هم شهداء وقتلى الجانب الاخر مصيرهم الجحيم!! حقاً انها معادلة تقود الى الحيرة لدينا نحن البشر عندما نجد العذر دائماً للمخطىء او للمسيء ولا جرأة لدينا لقول كلمة الحق بوجه الظالم بل بالعكس نُجمل صورته ونغطي عيوبه لنكون نحن ايضاً مشاركين بفعلته بشكل او بآخر، وتبقى الضحايا هي اخر من نتذكرها او نلتفت اليها او بأبسط حالة سرعان ما ننساها لنعود الى حياتنا الطبيعية وربما ننطق ببعض العبارات لماساة اهل الضحية لنقول (خطية ما كان يستاهل) لنعود الى حياتنا الطبيعية وتتكرر الحوادث حتى اصبح الامر شبه طبيعياً وتنامى واصبح ذو صيغة عالمية حتى لا تخلو نشرة للاخبار اليوم من امثال هذه الحوادث ووصل الامر اننا لا نستسيغ نشرة الاخبار ان لم يكن بها حوادث مثيرة وصوراً للقتل والدمار!! اليس الامر مثيراً للغرابة؟
   والذي يهمنا من مقالنا هذا الظلم الذي يتعرض له الناس الابرياء المفترض ان يلتفت اليهم الجميع، يواسيهم، يرد الظلم عنهم، يدافع عنهم، يصون حقوقهم لان امثال هؤلاء لا حول ولا قوة لهم، ومثلهم كمثل الذين يقعون في الارض الحرام بين المتقاتلين، فأين الضمير الانساني عندما يلحق الاذى بإنسان برىء لا ذنب له سوى انتمائه لدين معين او طائفة دون اخرى او قومية تختلف عن قومية الفاعلين، او يكون ضحية الاطماع السياسية بين الكتل السياسية المتصارعة، وكيف لهؤلاء ان يهنأوا بما حققوه من مكاسب على حساب آلام الابرياء؟
   ونعود الى الجريمة البشعة التي حدثت في كركوك 26 نيسان 2009 لنتساءل ما ذنب من كان أمناً في داره، لا علاقة له بالسياسة ولا بالمحاصصة ولا بالصراع المذهبي او الصراع على السلطة او تقاسم النفط او غيرها من امور تعيشها كركوك حالياً وربما تنتظر الاسخن منها في المستقبل القريب بحيث ان اهل الدار عجزوا عن اتخاذ القرار بشأنها ووكلوا الامم المتحدة لدراسة المشكلة وتجد لنا الحلول او تقدمة المقترحات!! تصوروا ليس لدينا ثقة الواحد بالآخر وكأن العربي غريب عن التركماني او الكردي او الكلداني السرياني الآشوري ليأتي الغريب ويفرش بساطه لعقد جلسة الفصل بين الاطراف التي يبدوا انها متخاصمة وليست من عائلة واحدة اسمها عائلة ما بين النهرين؛ العراق الذي كان يوماً هو المعلم الذي يشار له بالبنان في كل الدنيا، فهل لنا ان نحسّ بالخسارة والحسرة والالم لاننا تنكرنا لحمورابي وشريعته ونكرم الاسد لاننا نسير وفق شريعة القوي يأكل الضعيف وبدل ان نؤسس للديمقراطية وحقوق الانسان وللعدالة الاجتماعية، نحن نضع اسساً للقتل والاغتصاب وابتلاع الضعيف والتلذذ بدمائه وكأننا نعود الى عصر القراصنة وآكلة لحوم البشر، فيا خسارة البشرية من هكذا مصير تؤول اليه ما بعد التغيير في نيسان 2003، ستبقى الدماء تستصرخ الضمائر وتغلي ولا تجف ابداً وليس لهذه الدماء ديناً او مذهباً او قومية لان الدم ينقسم الى فصائل علمية متشابهة وإلا كنا بحاجة لمعرفة دين المحتاج لكي نوفر له الدم حسب دينه او نتعرف على قوميته لنزوده بالدم حسب قوميته!! ألا نحس كم نغوص بالمهازل من جراء هذا الواقع المؤلم .. المضحك .. المبكي!! فأين العقول؟ واين اصبحت التعاليم السماوية السمحاء التي توصي بالانسان والمحافظة عليه اقله انه مخلوق على صورة الله ومثاله حسب الشريعة المسيحية او على الذكر والانثى ان يتعارفا وان الاكرم عند الله هو الاكثر تقوى حسب الشريعة الاسلامية فما الذي ينقصنا او يلهينا ان لا نسير وفق الشرائع السماوية؟ فقد احتار الله بنا وربما احدثنا فوضى في الحسابات الالهية من جراء اجتهاداتنا ومحاولة خطف الحق بالقوة شاء المقابل ام ابى لنكون نحن اصحاب الحق دون غيرنا وكأن المقولة التي تفيد: بأن الاعتراف بالخطأ فضيلة اصبحت قديمة ولا تنفع لزماننا هذا، اليس الابناء يعتبرون آبائهم دوماً انهم من جيل غير جيلهم؟ اهكذا تسير الامور وتصان الكرامات والاعراض وتحقن الدماء؟ فكم صرخة تنتظر الفاعلين يوم القيامة عندما يكون الجميع امام الحضرة الالهية ولا يكون هناك مجال للغش والخداع والتسلط، بكل تأكيد ستكون صرخات الابرياء الضحايا مدوية ستكون هي التي ستحدث الزلزلة العظيمة حيث يحضر الله ويحقق العدل في الارض والى ان تحين الساعة فإن عنابر الضحايا ستستقبل المزيد حيث لا امل يلوح في الافق ويزداد البشر تغطرساً وشراسة لكي نعلن بمليء افواهنا ان الانسانية بخطر وان البشر يفقدون انسانيتهم شيئاً فشيئاً وعلى الجميع اتخاذ الحيطة والحذر لحماية انفسهم ازاء الخطر الذي لا يعرف مصدره دائماً ويترصد الغافلين غير الحذرين والآمنين غير اليقضين وهذه هي المأساة التي ليس لنا الحق بموجبها ان نسأل: العنف: لماذا؟

                                                
عبد الله النوفلي
                                                  29/4/2009

118
اضرب الضعيف حتى يخاف القوي!!

   
مقولة نتداولها في مجتمعنا العراقي للاسف عندما نعيش في عالم الغاب الذي لا تتحكم به القوانين ولا يسير وفق الضوابط الانسانية والايمانية التي تؤطر لكل شيء ومنها الاحترام المتبادل، وصون الحقوق للجميع. وما القوانين النافذة التي يتوجها القانون الاساسي (الدستور) الذي تُبشر الجميع بالامن والامان والحقوق والواجبات والامتيازات التي كلها وعلى ما يبدو انها مجرد حبر على ورق عندما يكون الامر متعلقاً بصراع القوى السياسية الكبرى!! إن صحت تسميتها لغرض تركيب البيت الداخلي ورسم خارطة النفوذ في عراق ما بعد التغيير في عام 2003 الذي ما زال يخوض صراعاً عسيراً من اجل اثبات ذاته وتثبيت حقوق جميع ابنائه ولمختلف الطوائف والمذاهب والقوميات.
   ولابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري (المسيحيين) ومعهم الارمن ومن خلال تركيبتهم الاجتماعية وفكرهم النابع من ايمانهم المسيحي لهؤلاء يتكلم الجميع بأنهم الحلقة الاضعف كونهم مقتنعون ايضاً؛ بأنهم ضعفاء ولا نصيرَ لهم ويستسهلون الانتقال من مدينة الى اخرى اذا تم اضطهادهم او تهجيرهم ولا يقفون بوجه الظالم ليقولوا امامه كلمة حق بغية ايقاف ظلمه كي يلتفت ويعترف بالحقوق الكاملة لهذا الشعب المسالم، وانطلاقاً من ذلك نجد الكثيرين الذين يحاولون ابعاد ابناء هذا الشعب من مضمار السياسة لانه محفوف بالمخاطر ولان ابناء شعبنا غير مستعدين لتقديم التضحيات راضين بالمقسوم تاركين الساحة مفتوحة للآخرين كي يلعبوا بها كيفما شاءوا وشعبنا لا يمارس حتى دور المتفرج فيها بل نجد الكثيرين يضعون الحواجز بالكلام والافعال امام من يتجرأ من ابناء شعبنا ويطالب بحقوقه.
   ورأينا كيف ان الحوادث توالت علينا ودمرت كنائسنا وشُرد اهلنا وقُتل رموزنا ونحن نحاول الابتعاد وعدم المواجهة مخافة العواقب وكانت الموصل الضحية الاخيرة قبل حوادث كركوك في 26/4/2009 لكي تدق جرس الانذار للمُطبلين بأن سبب المشاكل هو مطالبة شعبنا بالحكم الذاتي!! فهل الذين هوجموا في مقر دارهم وقتلوا كانوا من المطالبين بذلك؟ وهل ان كركوك كانت من ضمن المَطالب بالحكم الذاتي او كجزء منه؟ كلام اظهر الواقع ان المتحدثين بالضد منه انهم واهمون فعلاً ويحاولون احباط العزائم وادخال الخوف والرعب في قلوب السوراي كي يبعدوهم عن حقوقهم المشروعة كمواطنين اصلاء في هذا البلد. فما الذي سيقوله هؤلاء اليوم؟ وهل سنبقى ننتظر المزيد من الضربات؟ لكن حتى الان اعطينا الخد الايمن والايسر فماذا بقي؟ الا نعود الى رشدنا ونُنظيم واقعنا السياسي الذي يبشر بأزدياده سوءاً عندما ينفرد الكلدان وحدهم والسريان والآشوريين بأنفسهم ككيان منفصل عن الآخرين لتزداد شرذمتنا ويزداد تهميشنا وتُسلب حقوقنا وتُنتهك اعراضنا ونبقى فقط ننظر وبحسرة الى الشعوب التي تضحي وتعطي الدماء من اجل الحرية لأن الدماء من أجل الحرية هي من اغلى الدماء وضرورية لكي تعيش الاجيال بكرامة وعز، لكن الدماء التي تنزف بغير ذلك تذهب هدراً تبكي الظلم والاهمال الذي كان سببه السياسيون ورجال الدين وكل من يهمهم الامر الذين كانوا السبب بإضعاف شعبنا وجعله ذليلاً.
   فمتى نفكر ان نكون اقوياء وندخل الرهبة في القلوب التي تترصدنا وتحاول إيذاءنا؟ سؤال بحاجة الى الاجابة.


          
عبد الله النوفلي
                  28/4/2009

119
المجلس القومي الكلداني ... شلاما

بهذه الكلمة المباركة التي بشرت بها الملائكة الرعاة بعد ولادة المخلص، أفتتح بها خطابي لكم أيها الأحبة وأنتم تجتمعون في أرض ما بين النهرين .. أرض الخير والعطاء، ومعكم الخيرين من السورايىْ الذين يعقدون عليكم الأمل لكي تضعون جميع الأمور بمسارها الصحيح على أمل أن نتعلم جميعا الدرس مما خلفته لنا التجارب السابقة من ظلم وقهر وسلب للإرادة وتهجير وتهميش، لأننا كنا نعمل فرادى في الحقل القومي لهذا الشعب وننتظر العون المادي من الخارج؛ من أخوتنا في المهجر حتى ننطلق بعملنا على أرض آبائنا وأجدادنا، ولم يكن هذا العون دائما من أجل العمل، وإنما أحيانا من أجل تنفيذ أرادات أصحاب الدعم وأجنداتهم الأمر الذي كان في الغالب يقود إلى نتائج مخيبة للآمال ولا نحصد شيئا، وعانى شعبنا ومجلسكم الموقر من ذلك خلال السنوات الماضية حتى وصل إلى نقطة الاستقرار أخيرا وأصبح له فروع ومقرات في القرى والبلدات التي تعود لشعبنا واستبشرنا خيرا بعد أن انضوى أو تفاهم مجلسكم مع المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري بأجندة محددة مختصرها هو توحيد الخطاب وتأييد المطلب بالحكم الذاتي وبأننا شعب واحد وإن اختلفت تسمياتنا.
واليوم وصلتم إلى نقطة مهمة علينا استثمارها لكي ننطلق نحو الأمام بثبات ونرفع من أزر بعضنا البعض ونضع أيدينا بأيدي باقي أخوتنا لكي نكون معا أقوى حتى لو كنا ككلدان الأكثر كثافة سكانية بين أخوتنا الآخرين !!! لكن يجب أن ننظر إلى الجميع بذات النظرة ونرفض تهميش بعض القوى السياسية لنا وبنفس الوقت علينا ان لا نرد الأساءة بالإساءة ونقوم نحن بتهميش الآثوريين أو السريان لكي تتمثل بنا مباديء المسيح ونكون الشعب الأكثر ثقافة وإيماننا بمباديء الديمقراطية ونختار طريق الحوار مع الآخر ولا نكون سببا في القطيعة أبدا لأن الأخ الأكبر عليه أن يجمع أخوته ويرعاهم ويأخذ بيدهم، وعندما يقوم بذلك الأخ الكبير قإن أخوه الأصغر سيحترمه حتما ولا محالة وسنفرح معا ونبتهج لأننا مسكنا رأس الخيط الصحيح الذي قد يجمع حتى كنائس المسيح العاملة في ما بين هذا الشعب، فنحن العلمانيين لدينا رسالة مهمة جدا، وإن عرفنا كيفية أيصالها فإن الشعب ينتظر منا الكثير وهو بحاجة للقيادة، وهذه القيادة متمثلة فيكم أيها الأحبة المجتمعون لأن لكم عقولا كبيرة ولديكم من الحكمة ما يجعلنا عاجزين عن وصفها ونرجوا منكم الكثير لخدمة هذه الأمة.
أيها الأعزاء: إن الحكمة ليست بالابتعاد عن أخوتنا وترسيخ الكلدان كقومية مستقلة لا علاقة لها بالآثوريين أو السريان، لأن هؤلاء الثلاثة هم كالأقانيم في جسد شعبنا شعب (السورايىْ) لأن كل منا يقول: آنا سورايا كلدايا، أو سورايا آثورايا أو سورايا سوريايا، إذا نحن نجتمع بكلمة (سورايا) المشتقة من لغة (السورث)التي نتكلم بها جميعنا ولا أحد يحاول تغييب الكلدان أزاء الآثوريين أو السريان وهكذا وسنقف بشدة ضد من يحاول هذا، لكن بنفس الوقت لا نريد منكم اليوم أن تقوموا بترسيخ التباعد بين أبناء الشعب الواحد، فهل نجد فاصلا بين ألقوش والشرفية؟ هاتين المدينتين التي أحداهما كلدانية والأخرى آثورية، إنه واقع حال ما علينا سوى أن نربط اللحمة بالأخرى كي تظهر شمس الوحدة ونمجد الله جميعنا ويذكركم التاريخ بأحرف من نور، نريدكم أن تنطلقوا من حيث توقف مؤتمر عينكاوا 2007 وتجربة المجلس الشعبي فيما بعده لأن ذلك هو الطريق الأسلم ولا تتركوا مجالا للمتلون أن يدخل فيما بينكم الذي يميل حيث تميل الريح ويبحث ربما عن الصيد الثمين أو المنصب أو الجاه، فعملكم بحاجة إلى نكران ذات وإلى تضحية.
ونحن كنا نتمنى لو كنا معكم، نشارككم الرأي ونُغني النقاشات بالدفع إلى أمام نحو طريق الخير والسلام والوحدة، لكن عزاؤنا أنكم أحبة لنا وموجودون ولا تنقصكم الحكمة، فقط أذكركم بأن شعبكم ينتظر منكم الفرح ونحن معه نصلي إلى الله أن يسدد خطاكم ويُنجح مساعيكم لما فيه الخير والسؤدد.

محبكم
عبدالله النوفلي
24 نيسان 2009
عيد مار كوركيس الشهيد

120
المنبر الحر / الطاولة المستديرة
« في: 13:28 20/04/2009  »
الطاولة المستديرة

   تعبير يبدو اننا بحاجة اليه في واقعنا الكلداني السرياني الآشوري الذي يشهد تجاوزات كثيرة وشديدة في الغالب من هذا الطرف او ذاك دون النظر الى المصلحة العامة التي تذوب امامها كل الاختلافات لتبرز المصلحة العليا للامة (امة السوراي) التي ابتلت كثيراً بنا نحن المهتمين بالسياسة او بالممتهنين السياسة حيث نكتب او نصرح او نعمل احياناً باتجاهات متقاطعة ويحاول احدنا الغاء الاخر او خنق صوته او تحوير عباراته التي يتفوه بها حتى يفهمها الآخرون ويقللون من شأنه او يكرهونه بغية الوصول الى اقصاء الآخر للاستئثار بالساحة منفردين عن غيرنا وكأننا لسنا في القرن (21) وفي زمن الديمقراطية والعولمة الذي جعل من العالم قرية صغيرة ينتشر به الخبر انتشار النار في الهشيم.
   ولا عجب ابداً عندما نجد من ينتصر للكلدانية او للآشورية او للسريانية لان هذا امر واقع فعلاً بسبب او بآخر ومنها دينية او عشائرية او سياسية وقد تكون بدوافع من هذا الطرف او ذاك الذين لديهم مصلحة بتمييع قرارات الامة وتهميشها بغية اضعافها وانزوائها جانباً؛ مرة بالتخويف واخرى بالترهيب وثالثة بتسخير هذا الكاتب او ذاك مستغلين سمعته بين الكتاب لكي يعبر عن رأي يميل نحو كفة هذه الجهة اوتلك لكي يُسكت كتاب الامة وخاصة ان جلتهم من الناهضين تواً من السبات ويحاولون اثبات ذواتهم والخروج من خانة المغمورين .. الغير معروفين .. الذين لا يتم اعارة اية اهمية لآرائهم، وهذا هو الاجحاف بعينه لاننا نجد كاتباً من غير امتنا يدلي بدلوه في قضية مصيرية تخصنا ويقوم بتشويه الحقائق وخلط الاوراق خصوصاً ازاء القضية المحورية ألا وهي الحكم الذاتي بحيث يؤلب اطرافاً معينة على اخرى بشرحه المضلل عن مفهوم الحكم الذاتي، وان المسيحيين لا يريدون ان يعيشوا بقفص يسمى الحكم الذاتي وان كان الكاتب هذا بمعلوماته التي كتب عنها يعلم ان الحكم الذاتي هذا هو مفهومه فخسارة على الصحف والمجلات التي تنشر له المقالات وتلك مصيبة وان كان يغالط بغية خلط الاوراق على شعبنا وتضليله فان المصيبة اعظم، ورغم ان الموضوع ليس من قبيل ان اهل مكة ادرى بشعابها لان مسألة الحكم الذاتي مطروقة منذ زمن بعيد وليس لشعبنا فقط ومفهومه واضح واستخدمته شعوب غيرنا وتمتعت بأمتيازاته ولم تعش في قفص وانما عاشت في ربوع كل الوطن الذي تنتمي اليه، وفي حاله العراق ان الدستور كفل مثل هذه الحقوق لأبنائه ولا يعني ابداً ان من يطالب بالحكم الذاتي انه يطالب بالانفصال. لكن المفاهيم الضيقة عند المطالبة بالحقوق هي التي تجعل الآخرين وكأن المطالبة تعني الانفصال كما يحدث مع القضية الكردية، لكننا يجب ان نعلم ان كانت الموصل قوية وعزيزة يعود ذلك بالخير للعراق وان كانت اربيل او البصرة قوية فان ذلك يعود لعموم العراق وليس بالضرورة ان يكون النفع للاكراد او العرب او السوراي. اما التفكير فقط لتحاشي العواقب التي هي في افكار الضعفاء فإنه يقودنا الى الانزواء والانكفاء والخنوع التي تقودنا الى عواقب اكثر وخامةً من الصمود والاصرار والمطالبة بقوة.
   لذلك فنحن بحاجة لطاولة مستديرة نجلس حولها كلنا الذين يحملون الاسماء الكبيرة: الكلدان .. السريان .. الآشوريين لكي لا يبدوا لمن يجلس حولها ان هناك قائد لها بل يكون الجميع بذات المستوى لكن بشرط ان تكون عقولهم مع الهدف المركزي الذي هو اعلاء شأن امة السوراي ككل وليس للكلداني ضد السرياني او هذا ضد الآشوري، وعندها سنضع اول خطوة على الطريق الصحيح لنُسكت كل الاصوات النشاز التي تنطلق هنا وهناك وتتكلم بكلام ظاهره حق لكن يراد به باطل، وعلينا ان نضع الامة بكل مكوناتها نصب اعيننا لكي نطمح ان تنصفنا الامة وتضعنا في الخط الامامي لننطلق في عملية ارجاع هيبتها وما ضاع منها نتيجة السياسات الظالمة والخاطئة بل المجحفة والشاعر قال: ما ضاع حق وراءه مطالب !! فيا ابناء الامة كونوا من المطالبين بحقوقكم لكي لا تضيع وتضيعون انتم ايضاً ونكون من الخاسرين.



                                                                 
عبد الله النوفلي
                                                                    20/4/2009

121
ألف ميروك ونحن بانتظارك في حقل الرب

122
شعب واحد ... لغة واحدة ... تسمية واحدة


مع كل الاحترام الواجب أن نلتزم به في كتاباتنا وعلى الدوام ومع جميع من موجود على الساحة الأدبية والثاقفية والقومية لشعبنا السورايا منهم الكلداني أو السرياني او الآشوري، لكن لجميعنا نوجه الكلام أننا نتكلم لغة (السورث) التي نفهمها جميعا وهي الواسطة التي لو انعدمت اللغات الأخرى أو غابت كالعربية أو الانكليزية أو ... نتفاهم بها فيما بيننا ولا ينقصنا شيء ولا يوجد أي فارق فيها عند هذا المكون أو ذاك فلها نفس الأبجدية مع اختلاف اللهجات الذي هو ديدن كل اللغات في العالم والذي لا يمكن اعتبار اللهجة فيها لغة متفرقة عن غيرها.
واللغة عنصر ضروري وأساسي لتوحيد مجموعة من البشر وتفاعلها مع بعضها البعض، وعند القوميين تعتبر اللغة المشتركة أحد أساسيات الواجب توفرها لمجموعة من البشر ليصبحوا قومية مستقلة عن غيرهم، ونحن الناطقين بلغة السورث ولنتفق أن نسميها هكذا ونبتعد عن التسمية المفردة، لأن الآشورية يسميها (آشورية) والكلدانية (كلدانية) والسرياني (سريانية)، لكن بالحقيقة هي لغة واحدة كما ذكرنا آنفا وتملك خطا واحدا إذا كُتبت بالحرف الكبير (الإسطرنجيلي)، وعندها لا يوجد شكل مختلف حتى بين الخط الغربي أو الشرقي، فبنظرة سريعة على شعبنا نجده متحدا أولا من حيث اللغة قبل أن نغوص في التاريخ والحضارة والدين وغيرها التي عند اجتماعها يكون شعبنا ذو قومية منفصلة عن غيره من الشعوب وهو فعلا كذلك، لكن ينقصه شيء واحد هو الولاء للاسم الكبير الذي يجمعنا والذي أفضله ويُنسب إلى لغة السورث ليكون (السورايىْ) بصيغة الجمع أو (سورايا) عندما نطلقه على المفرد، كما وأحبذ هنا أن لا نترجم الاسم إلى أية لغة ثانية ليكتب هكذا في جميع اللغات (Soraya) ونترفع فوق مسألة الترجمة التي يراها البعض تميل لقسم من مكونات شعبنا دون غيره.
فيا أخوتي من: الكلدان .. السريان .. الآشوريين، نحن شعب واحد، فلماذا نضيع الوقت ونحن متشرذمون ونحاول أن نبتعد أحدنا عن الآخر، ألا يقول العامة (كُلَّن سورايىْ مشيحايىْ) أي كلنا سورايىْ مسيحيين، فلو كانت كلمة السورايىْ تعني المسيحيين فلماذا نلحقها بكلمة المسيحيين بلغتنا العامية؟ فهل يصلح أن يقال: كلنا مسيحيين مسيحيين؟ وهل يوجد مسيحيين هم غير مسيحيين؟
إذا لنترك المماحكات الكلامية جانبا وكذلك التعصبات الحزبية والتعصب للجزء، ولنلتزم الكل، ونعمل من أجل الكل ولنبدأ من حيث انتهى مؤتمر عينكاوا 2007 عندما وضع كلمة سورايا بين قوسين، لتصبح المرحلة القادمة أن نضع الكلداني السرياني الآشوري بين قوسين ونحرر اسم السورايا تمهيدا لحذف الأقواس ونبقي على اسم واحد هو سورايا وكم سيكون جميلا لو نتفق عليها ونطالب بها من اليوم في كتاباتنا السياسية حتى ننجح في استخدامها في التعداد السكاني القادم وربما في دستور المركز أو الاقليم !!! إنه قرار بحاجة إلى شجاعة ليس إلا..
عبدالله النوفلي
9 نيسان 2009

123
المنبر الحر / أسلوب الحوار
« في: 13:21 03/04/2009  »
أسلوب الحوار

دون شك لا يمتلك أي إنسان الكمال لأن الكمال هو لله وحده، وجميع الكتاب يكتبون انطلاقا من تجربتهم في الكتابة وعن اهتمامهم الخاص منهم في السياسة أو الدين أو الفلسفة او التاريخ ... ويجب على الكتّاب أن لا يختلفوا فيما بينهم على تفاصيل الموضوع لأننا نمتلك حرية الرأي ويجب أن نحترم حرية الآخر في أبداء رأيه، وهذا أيضا لا يمنع أن أبدي رأيي فيما يقال هنا وهناك لكي نصل إلى قناعة شبه متفقة إن لم نكن متفقين كليا، كما أن اختلافنا لا يفسد بالود قضية لأن هذا الاختلاف هو الذي يغني الفكر ويُثريه ويرفع من شأنه وشأن الأمة إن كنا نتجادل في الأمور القومية، الجدال النابع من الغيرة على الأمة ومن صونها ومن بنيانها وبنيان مجدها في الحاضر والمستقبل.
ولذلك نجد من يوافق رأي هذا أو من يتقاطع مع رأي آخر ويستمر النقاش ويتم استخدام الكلمات غير اللائقة ربما هنا او هناك ويعتبر ذلك البعض أن الكاتب يسلب حقه في التعبير ويبدأ هو بالانتقاد وبدون أن يدري هو أيضا يصادر حق غيره في المناقشة وكما استخدم الأول عبارات لم تعجب الثاني نجد الثاني يستخدم ذات العبارات وهو يتشكى مما كتبه الأول لنصل في النهاية لما نسميه نقاش بيزنطي لا يُغني ولا يُسمن، ومؤخرا قرأت مثل هذا في سطر من كتابات أحد الأخوة الذي يصف ما كتبه غير بالصبيانية أو كلمات أطفال، وهنا نتوصل إلى أن الكتابة بهذا الأسلوب لن تكون كتابات مفيدة لنضالنا القومي ولا حتى لاثبات ذواتنا بين الآخرين لأننا سنكون مثار تندر واستخفاف على أقل تقدير.
الكثيرون كتبوا بعد تعليق سيادة المطران لويس ساكو منهم المؤيد ومنهم المستنكر وأنا كنت بينهم بمقالة استعرت في عنوانها كلمتي المطران التي أثارت الجدل كله (وهم وفخ) ، لكنني ام أنتقص من مكانة مطراننا الجليل بل حاولت أن أعليها بأن أطالبه بأن يبتعد عن الجو السياسي الذي هو شائك جدا وربما تكون غايته تبرر الوسيلة وقد تصل إلى تقاطعها مع فكر المؤمن الذي يريد الخير دائما ومن ضربك على خدك فاعطِ له الآخر وغيرها من أقوال المَحبة التي تريد منا ان نحب القريب كأنفسنا وحتى العدو و و و .
إننا يجب أن نكتب للبنيان ولا نقصد بذلك أية جهة سياسية في شعبنا لأنهم جميعا أخوة لنا نفرح لفرحهم ونحزن لحزنهم، ويجب علينا أن لا يفرقنا أكيتو لأن المسيح أهم منه رغم أهمية أكيتو القومية لأننا يجب أن نستند على أكيتو لكي نتقدم ونتقوى في كل المجالات السياسية والقومية والدينية وغيرها.
فليس صحيحا أسلوب الحوار هذا لأننا نطمح أن نتحاور كأخوة وأن نحب بعضنا البعض وأن ننطلق من الاختلاف لمناقشة السبب الذي نختلف عليه ولا يحق لي أن أتكلم باسم المجلس الشعبي أو باسم زوعا او غيره من الأحزاب لأننا نجد كتابنا ينحازون لهذه الجهة او تلك دون أن يكونوا منتمين حتى لهذه الجهة أو تلك لكن غيرتهم هي التي تدفعهم لذلك لأننا في النهاية إن كنا مخلصين يهمنا أن يكون المجلس الشعبي قويا وكذلك زوعا وغيره من الأحزاب لأن بقوتهم سنكون كشعب أقوياء ونطمح أن نساعدهم لكي يجدوا طريقا للحوار الانساني البناء وعيب علينا أن نكون سببا لزيادة الفرقة فيما بينهم، لأن عمل كهذا هو من عمل الشرير الذي يريدنا متفرقين متشرذمين غير عمليين ولا واقعيين، فطموحي أن نصل بالحوار ونرتقي به لكي يخدم مصالح السورايى ويجعلهم أمة راقية بين أمم العراق والعالم، فهذه دعوة لكي يكون حوارنا بناءا إنسانيا فاعلا.


عبدالله النوفلي
3 نيسان 2009

124
المنبر الحر / مع الهجرة أم ضدها؟
« في: 20:42 30/03/2009  »
مع الهجرة أم ضدها ولماذا؟

ليس العنوان سؤالا فقط، إنما هو استقراء لحالة من الفلتان التي نشهدها لدى شعبنا في الهروب من أرض آبائه وأجداه وكأنه كالأسير الهارب من القفص وينشد الحرية في أرض الله الواسعة، وهذا حق مشروع من حقوق الإنسان ولا غبار عليه فالإنسان حر بكثير من أمور حياته ومنها اختياره لمكان عيشه وحياته !!!
لكن دائما الحقوق ليست هي نهاية المطاف فهناك ثوابت دينية وقومية ووطنية وأخلاقية و و و، ويجب على الإنسان أن يتقيد بها كي يكون موقفه منسجما مع الآخرين ويحترم حقوق الآخرين كيما الآخرون يحترمون حقوقه، ومقالتنا هو وقفة تحليلية لما نشهده من شبه الهروب الجماعي ليس لأبناء السورايى فقط وإنما للكثيرين الذين ضاقوا ذرعا بما شهده ويشهده العراق ومنذ عشرات السنين، لكن شدة الهروب وزخمه لم تكن هكذا حتى بعد سنوات من السقوط أو لنقل عملية التغيير في العراق ربيع 2003، بل حتى في قمة الصراع الدموي الذي عشنا احداثه وعانينا الأمرين منه وكتبنا بشأنه الكثير، وتهجرنا من بيوتنا وسكنا أخرى في مناطق أكثر أمنا، ربما كان ينطبق علينا قول الإنجيل: "ومتى طردوكم في هذه المدينة فاهربوا الى الاخرى. فاني الحق اقول لكم لا تكملون مدن اسرائيل حتى يأتي ابن الانسان" (متى 23:10)، ولكن اليوم نجد من يهرب بعيدا وكأنه يركض وراء سراب في صحراء يضنه ماءا لكنه ليس سوى وهم فقط خاصة في ضل الأزمة المالية التي يعيشها العالم حاليا وبهذا الشأن أشيركم لمقالة الأستاذ كامل زومايا في الرابط التالي: http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,285379.0.html الذي يحاول الشرح وبأرقام عن معاناة ألمانيا أحدى الدول التي تستقبل اللاجئين العراقيين خصوصا ومعاناتها من الناحية المادية، وقد يكون حال ألمانيا أحسن بكثير من حال أمريكا، التي بدأت تبحث عن الدماء الشابة النشطة لكي ترفد بها قوتها العسكرية ولم تجد أمامها سوى طلاب الهجرة أو من كان يعمل بمعية قواتها أبان تواجدها في العراق بحجة توفير الحماية لهم ولعائلاتهم وملجأ أمينا يتخلصون في ربوعه من أشكال الضلم والقهر والقتل والتشريد، لكن هذا كله يكون كلاما معسولا ومغلفا بالطعم الحلو ما يلبث طالب اللجوء إلا ويكتشف أنه هرب من واقع مرّ ليقع في واقع أسوأ منه، فليس بالأمن وحده يحيا الإنسان، فكل ما توفره أمريكا لهؤلاء هو معونة تدوم لبضعة شهور ليجد هذا بعد انقضائها نفسه عاريا .. فقيرا .. يبحث عن لقمة العيش ولا يجدها ولا يكون أمامه سوى التطوع في الجيش لكي يعيل أسرته وهذا هو هدف أمريكا من العملية على أمل حصوله على الجنسية الأمريكية بعد مدة قليلة من السنوات!! إذا بقي على قيد الحياة.
وننسى من كل هذا أن آبائنا وأجدادنا الذين رووا تربة بين النهرين بدمائهم عاشوا فيها ولم يتركوها وضحوا وتم تقديمهم للقتل والذبح رغم عدم وجود الفيزا في ذلك الزمان ولم يغادروا أرضهم وتشبثوا فيها واستمر أبنائهم لحد اليوم الذي نحن فيه الذي يشهد تنكرنا لأرث أجدادنا وتفريطنا بحقوقنا والهرب بعيدا متشردين ننشد المعونة (لله يا محسنين)، بينما أرضنا تدر لبنا وعسلا ويمكننا العيش بها وعليها بأقل الخسائر والجهود ونكون مكرمين معززين لأن الظلم الحاصل والواقع على أبناء العراق لا يطال السورايى فقط وإنما كل شرائح المجتمع بأديانه ومذاهبه وطوائفه وقومياته، والأنكى من ذلك هو فقدان مستقبل الجيل الصاعد تلك الجريمة التي يرتكبها الآباء بحق أبنائهم حيث يحرمونهم من مستقبلهم الدراسي على أمل التكميل في دول المهجر لكن لا يعلمون كم أن الدراسة مكلفة هناك.
وإن كان أبناء بغداد أو البصرة والموصل شهدوا هجمة شرسة دفعتهم للبحث عن ملجأ آمن، فما بال من بُنيت لهم المساكن في قرى حديثة في ربوع نوهدرا وغيرها من محافظات العراق ووزعت البيوت بالمجان لهم والأخيار يوفرون المعونات الطبية والدراسية وغيرها من الأمور التي لن يجد لها مثيلا في دول المهجر؟ ونحن دائما نركض وراء الفتات المتساقط من موائد الدول التي تقبل اللجوء، وننسى أن موائد العراق مازالت عامرة فليس بعيدا ما قامت به الدولة من توزيع المعونات السخية لمن عاد من أهلنا إلى منطقة الدورة التي تشهد استقرارا أمنيا حيث فتحت الكنائس أبوابها وتم تنظيف الأخرى لكي تستقبل المؤمنين قريبا وهناك تعليم مسيحي وأخويات فاعلة، فهل يجد طالب اللجوء هكذا أجواء في دول المهجر أم أن أولاده يسيرون وراء قوانين الحرية والانفلات ويكون للولد صديقة وللبنت صديق دون أن يستطيع الأب أو الأم أن يتدخلوا !!!
فمن ينشد الكرامة والعزة والشرف أعتقد ما عليه سوى أن يبقى في أرضه وبلده ويتجذر فيها لكي يعيد عملية البنيان لأن حياتنا في الشرق تختلف كثيرا عن الحياة في الغرب، وهذا الكلام موجه للعوائل التي لم تباشر في الهرب بعد لكن من أصبح أفراد من عائلتهم في الخارج وخصوصا الآباء هم في الداخل وأبنائهم في الخارج فهؤلاء أعتقد مصيرهم سيكون الالتحاق بأولادهم من أجل أن تكون خاتمتهم سعيدة أو مريحة ولا يتعذبون بل يلتقون بربهم وهم مطمئنون البال لأن كل عائلتهم حواليهم.
إذا يجب علينا أن نفكر مليا قبل أن ننطلق نحو المجهول لأنه أشبه بالمقامرة غير المحسوبة النتائج. مع أمنياتي للجميع بمصير زاهر وحسن على أرض سعيدة مليئة بالحب والسلام.

عبدالله النوفلي
30 آذار 2009

125
المنبر الحر / وهم وفخ
« في: 23:59 27/03/2009  »
وهم وفخ
قد يكون العنوان غريبا عما أكتب بشأنه خصوصا عندما يتعلق الأمر بالشأن القومي لشعب السورايى "الكلداني السرياني الآشوري" الذي يبحث عن خارطة للطريق الذي يوصله إلى أهدافه وتحقق له حقه شأنه شأن أهل العراق الآخرين.
ومن الغريب عندما يكون الحديث عن الحكم الذاتي لشعب السورايى أن يصبح هذا الحديث لدى البعض وهما وفخا، وأنه سيسبب أو يأتي لشعبنا المشاكل التي ربما حسب رأي البعض لا آخر لها!!!
أليس هذا هو العجب العجاب بحد ذاته؟
أليس نيل المطالب لا يكون بالتمني؟ إنما تؤخذ الدنيا غلابا!!!
كما حلا للشاعر أن يرتب كلماته هذه، وهنا أود أن أوضح أن المطالبة بالحقوق لم ولن تكون مضيعة للوقت أو أنها تجلب مشكلة ما اليوم، فإن الغد لناضره لقريب، وسيكون نضِرا وواضحا وستصطع شمس الحرية لينعم بها المطالبون والمشككون معا.
وأن من يدّعي هذا ربما تنبع دعوته أيضا من حرصه على حقن دماء شعبه ويحاول مخلصا تجنيبه المشاكل والمآسي، لكن هذا يجب أن لا يكون سببا لكي نبقى خانعين ذليلين نتلقى الضربات دون أن يكون لنا الجرأة لكي ننطق بالحق في وجه الظالم، أليس لدينا الشجاعة مثل يسوع الذي في خضم مسلسل تعذيبه وهو في طريقه إلى جلجلته عندما لطمه أحد الجند استفسر مستفهما عن السبب، ونحن اليوم نستكثر على شعبنا حتى المطالبة بنيل الحقوق.
وهذه مأساة سيجني ثمارها شعبنا بل هو اليوم يجنيها بالهجرة والتشتت وإن كانت جدلا المقولة صحيحة بأن ما حدث لأهلنا في الموصل كان بسبب المطالبة بالحكم الذاتي، فهل يستطيع أصحاب هذا الرأي أن يجيبوا عن سبب تشريد شعبنا من الدورة وحي العامل والبياع وغيرها من مناطق بغداد؟ أو انحسار عديدهم من البصرة أو غيرها من المدن؟ أليست المأساة مستمرة وانطلقت قبل حتى مؤتمر عينكاوا الذي حدد المطلب بالحكم الذاتي!!!
كما أن الادارة الذاتية أليست متحققة فعلا اليوم؟ فلماذا نطالب بها؟ أليس قائمقام تلكيف مسيحيا ومدير ناحية ألقوش وغيرها مسيحيون ومن السورايى بالذات؟ وهناك مسؤولون كثيرون في المدارس والادارات المدنية هنا وهناك من أبناء شعبنا، أم فقط لأن المجلس الشعبي هو من نادى بالحكم الذاتي فيجب أن تُعلق المشاكل بسبب هذا ويصبح الشماعة التي نعلق عليها كل أخطاء الساسة منذ حدوث التغيير في العراق عام 2003.
ألم يكن في العراق سياسيون وأحزاب لشعبنا منذ ذلك التاريخ وحتى عام 2007؟
 ألم ينعقد مؤتمر قومي في بغداد؟ فماذا كانت النتائج؟
ثم هل يحق للعلماني أن يتدخل في الشأن الديني ويعطي رأيا قاطعا؟ ألا يقف بوجهه أولا رجال الدين بكل قوة لمنعه بحجة صيانة المعتقد؟ وبحكم كونه غير مختصا بذلك، وربما ينطقون بالحرم على من تجرأ وأعطى رأيه، وهل يصحّ لرجال الدين التدخل في الشأن السياسي؟ وهو حلال عليهم وحرام على الآخرين في غيره.
نريد للجميع أن يعطي رأيا ويخدم المسيرة التي تدفع بالأمة إلى أمام لتحقيق آمالها وتوقف نزيف الهجرة ويستقر الشعب في أرضه ويعيش كريما حاله حال الآخرين ويبدأ باستثمار طاقاته في خدمة العراق أولا والأمة ثانية لأن الإنسان لا يكون مكرما إلا في بيته ووطنه أم أن المقولة التي تقول أنه مرذول أولا من أهل بيته هي التي تنطبق علينا؟
إنها المأساة المضحكة المبكية على حال شعبنا وأحوال أبنائه الذي يتطلع للغد المشرق ولكي يكون صنوا للآخرين ليعمل الجميع يدا بيد: العربي مع الكردي، السورايى مع الآخرين وهكذا لكي نعلي عاليا اسم العراق ويعيش جميع أبنائه متساوون في الحقوق والواجبات والمثل يقول أعطِ الخبز لخبازه لكي نأكل الخبز وهو مستويا جيدا لأنه لو أصبح بيد غيره ربما يكون نيا أو محروقا وبذلك يصبح العلماني رجل دين ورجل دين سياسيا والقصاب تربويا والفلاح أستاذا للجامعة!!! فهل يعقل هذا؟

نترك الجواب لمن يقرأ هذا المقال.
عبدالله النوفلي
25 آذار 2008

126
وبعد انتخاب مجالس المحافظات
ماذا بعد؟
[/color][/size]

    
نستطيع ان نقول قد انتهت المعركة وتجلت لدينا بصورة اولية وبرتوش قد تكون باهتة عن ما جنيناه في انتخابات مجالس المحافظات، والذي يهمنا منها الموصل وبغداد والبصرة، وكمسيحيين اولاً يجب ان نتحلى بمبادىء المسيح قبل ان نلتزم بقواعد اللياقة والروح الرياضية التي تلزم جميعنا فائزين او خاسرين ان نهنىء بعضنا البعض كوننا مارسنا حقنا الديمقراطي واحتكمنا الى صناديق الاقتراع التي حضيت بمراقبة دولية، المفروض ان تكون هذه الانتخابات على قدر معقول من الشفافية وهذا املنا الذي يمتد وصولا الى الكمال في دورات انتخابية لاحقة لاننا في العراق لازلنا في مرحلة الطفولة الديمقراطية وهي ناشئة بل تحبو فيجب علينا الصبر الطويل لكي نصل الى مرحلة متقدمة فيها.
   وعلى ضوء ماتم اعلانه اعجبني حقيقة تهنئة بعض المرشحين لزملائهم الآخرين الذين فازوا لان ذلك هو الطريق السليم للوصول الى النتائج الصحيحة والعمل المثمر الذي نتطلع اليه والى تحقيقه لشعبنا من خلال عمل مرشحينا في المجالس التي اصبحوا اعضاء فيها. فعلينا جميعاً الوقوف صفاً واحداً وراء الفائزين لكي نقدم لهم الدعم والعون حتى يصلون الى الابداع في عملهم ومسؤوليتهم الجديدة.
   وكذلك لا ارى من اللائق بنا ان نتراشق بالتهم على صفحات الانترنيت واجهزة الاعلام لان الآخر فاز، لان فوز أي من المرشحين هو كسب لنا خاصة وهناك طريق رسمي للطعن تتكفل به المفوضية او المحاكم وتنصف المغبون والمثل يقول لا يضيع حق وراءه مُطالب.
   وايضاً الكنيسة ورموزها الدينية علينا جعلهم بعيداً عن هذه اللعبة السياسية والمحافظة على مكانتها التي يجب ان تكون محفوظة ومتميزة فيما بيننا لأن الطعن في الكنيسة هو طعن في من اسس الكنيسة وأرسى قواعدها وهو المسيح له المجد وان كان لنا مآخذ على بعض الامور من رجالاتها فيمكن الجلوس معهم ومحاورتهم وصولا إلى الاقناع بالبراهين العقلية الأمر الذي هو وسيلة حضارية للنقاش تمهيدا للوصول إلى الحلول الملائمة لكل الأطراف.
   والآن نعود لما بعد كل هذا ونطرح تساؤلنا الشهير هل تعلمنا الدرس مما جرى؟ وهل سنستعد منذ الان لانتخابات مجالس الاقضية والنواحي؟ وهل سنعد العدة للدخول بقوة لانتخابات مجلس النواب ولا نقول ان الوقت لازال امامنا طويلاً، لأن الزمن يمضي بسرعة ونصحى يوماً لنجد ان الآخرين قد سبقونا سواء بتشكيل التحالفات والقوائم وبرامج الانتخاب للمرشحين ونحن موجودون لكن ارجلنا في الشمس وياريت لو نتعلم الدرس
[/color]
عبدالله النوفلي
11 شباط 2009
[/color]

127
الكوتا والصراع على المقاعد



كثيرا هو الذي كتب عن الموضوع (الكوتا) وكلنا عاش مرحلة الصراع حول تثبيت المقاعد المخصصة للمكونات الصغيرة وصولا إلى الفأرة التي تمخض عنها الجبل (العراق) الكبير والعَظْمَة الصغيرة الهزيلة والجرداء التي خص بها العراق أبنائه الأصلاء من المكونات التي أجبرتها الظروف وليس بأيامنا الحالية فقط أو منذ زمن التغيير في ربيع 2003 بل سبق ذلك بسنوات كثيرة عندما كان العراق بؤرة للتوتر، تارة داخلية وأخرى بينه وبين جيرانه وثالثة بسبب الأجنبي كونه محتل أو مستعمر، ولفترات طويلة من السنين.
وشعبنا الذي أصبح صغيرا بحجمه وعديده تم أجباره لكي يكون مهمشا والوقوف مجبرا على الجانب وبحيرة، ولا حول له ولا قوة .. ينظر للآخرين فقط ويتحسر!! فأمور كثيرة أجبرته على هذا الواقع من بينها ثقافته وعدم إيمانه بجدوى العنف وعدم ممارسته له في حياته العامة والخاصة انطلاقا من ثقافته النابعة من مبادئه الدينية التي توصيه بأن يحب أعدائه ويحسن ويصلي من أجل مبغضيه الأمر الذي جعلهم لقمة سائغة أمام قوة الآخرين وثقافتهم التي لا تستبعد العنف تجاه الآخر لترويضه وأخافته وابعاده عن طريق الحصول على المكاسب السياسية والوطنية وغيرها.
أزاء هذا عملنا كثيرا من أجل تثبيت أضعف الايمان لشعبنا ألا وهو مقاعد ثابتة رغم علمنا أن في ذلك إجحاف أولا بحقنا وضرر يلحق بنا ويحجمنا وقد نخسر الكثير خاصة إذا اتخذت هذه الكوتا كقاعدة لجميع الأمور والمجالات لأن شعبنا متخم بالكفاءات والقدرات التي لو طبقت بحقها الكوتا وبجميع المجالات لجلس الآلاف من أبناء شعبنا على الرصيف وهم يعانون البطالة ويصبحون مجبرين على شد الرحال سريعا خارج أرض الوطن بحثا عن لقمة العيش التي ستصبح بعيدة المنال بل صعبة جدا ويكون مضطرا لعيش حياة الذلة والهوان لا لشيء سوى لكونه كلدانيا أو سريانيا أو آشوريا الشعب الذي يتكلم لغة السورث وهو واحد رغم مسمياته أو طوائفه المختلفة.
وبعد أن حصل الذي حصل وترشح أخوتنا في انتخابات مجالس المحافظات، وجدناهم يزاحمون بعضهم بعضا على المقعد اليتيم المخصص لبغداد أو الموصل أو البصرة، دون أي تنسيق فيما بينهم للمنافسة على مقاعد أخرى أضافية خارج الكوتا ونسوا او تناسوا بأن المقعد هذا مضمون حتى لو لم يحصل المرشح على أي من أصوات الناخبين!!!
فلو كان لدينا جهة تنسيقية تعمل لصالح العمل القومي المجرد من الأنانية الضيقة والحزبية؟ لكنا بالقليل قد وزعنا المقاعد الثلاثة في المحافظات الثلاثة بين مكونات شعبنا ولا ننافس عليها ونثقف أبناء شعبنا للتصويت لأسماء أخرى خارج الكوتا وبكل تأكيد حينها كانت ستزداد مقاعد شعبنا في مجالس المحافظات. لكن الواقع الحالي لم يشهد أي تنسيق من المشار إليه وكانوا كالأخوة الأعداء يتنافسون على المقعد الوحيد دون حنكة أو دراية ربما أو أي حسابات علمية للموضوع.
وهنا نعيد سؤالنا الذي طرحناه عبر مقالات عديدة بعيد انتخابات 2005 ونقول: متى نتعلم الدرس؟ لأن شعبنا يبدو أنه يجب أن يُلدغ من جحر مرات كثيرة ولا يتعظ ولا يكتفي بالمرة الوحيدة أو أن يلدغ مرتين!!!


عبدالله النوفلي
22 كانون الثاني 2009

128
الكوتا والصراع على المقاعد

كثيرا هو الذي كتب عن الموضوع (الكوتا) وكلنا عاش مرحلة الصراع حول تثبيت المقاعد المخصصة للمكونات الصغيرة وصولا إلى الفأرة التي تمخض عنها الجبل (العراق) الكبير والعَظْمَة الصغيرة الهزيلة والجرداء التي خص بها العراق أبنائه الأصلاء من المكونات التي أجبرتها الظروف وليس بأيامنا الحالية فقط أو منذ زمن التغيير في ربيع 2003 بل سبق ذلك بسنوات كثيرة عندما كان العراق بؤرة للتوتر، تارة داخلية وأخرى بينه وبين جيرانه وثالثة بسبب الأجنبي كونه محتل أو مستعمر، ولفترات طويلة من السنين.
 وشعبنا الذي أصبح صغيرا بحجمه وعديده تم أجباره لكي يكون مهمشا والوقوف مجبرا على الجانب وبحيرة، ولا حول له ولا قوة .. ينظر للآخرين فقط ويتحسر!! فأمور كثيرة أجبرته على هذا الواقع من بينها ثقافته وعدم إيمانه بجدوى العنف وعدم ممارسته له في حياته العامة والخاصة انطلاقا من ثقافته النابعة من مبادئه الدينية التي توصيه بأن يحب أعدائه ويحسن ويصلي من أجل مبغضيه الأمر الذي جعلهم لقمة سائغة أمام قوة الآخرين وثقافتهم التي لا تستبعد العنف تجاه الآخر لترويضه وأخافته وابعاده عن طريق الحصول على المكاسب السياسية والوطنية وغيرها.
أزاء هذا عملنا كثيرا من أجل تثبيت أضعف الايمان لشعبنا ألا وهو مقاعد ثابتة رغم علمنا أن في ذلك إجحاف أولا بحقنا وضرر يلحق بنا ويحجمنا وقد نخسر الكثير خاصة إذا اتخذت هذه الكوتا كقاعدة لجميع الأمور والمجالات لأن شعبنا متخم بالكفاءات والقدرات التي لو طبقت بحقها الكوتا وبجميع المجالات لجلس الآلاف من أبناء شعبنا على الرصيف وهم يعانون البطالة ويصبحون مجبرين على شد الرحال سريعا خارج أرض الوطن بحثا عن لقمة العيش التي ستصبح بعيدة المنال بل صعبة جدا ويكون مضطرا لعيش حياة الذلة والهوان لا لشيء سوى لكونه كلدانيا أو سريانيا أو آشوريا الشعب الذي يتكلم لغة السورث وهو واحد رغم مسمياته أو طوائفه المختلفة.
وبعد أن حصل الذي حصل وترشح أخوتنا في انتخابات مجالس المحافظات، وجدناهم يزاحمون بعضهم بعضا على المقعد اليتيم المخصص لبغداد أو الموصل أو البصرة، دون أي تنسيق فيما بينهم للمنافسة على مقاعد أخرى أضافية خارج الكوتا ونسوا او تناسوا بأن المقعد هذا مضمون حتى لو لم يحصل المرشح على أي من أصوات الناخبين!!!
فلو كان لدينا جهة تنسيقية تعمل لصالح العمل القومي المجرد من الأنانية الضيقة والحزبية؟ لكنا بالقليل قد وزعنا المقاعد الثلاثة في المحافظات الثلاثة بين مكونات شعبنا ولا ننافس عليها ونثقف أبناء شعبنا للتصويت لأسماء أخرى خارج الكوتا وبكل تأكيد حينها كانت ستزداد مقاعد شعبنا في مجالس المحافظات. لكن الواقع الحالي لم يشهد أي تنسيق من المشار إليه وكانوا كالأخوة الأعداء يتنافسون على المقعد الوحيد دون حنكة أو دراية ربما أو أي حسابات علمية للموضوع.
وهنا نعيد سؤالنا الذي طرحناه عبر مقالات عديدة بعيد انتخابات 2005 ونقول: متى نتعلم الدرس؟ لأن شعبنا يبدو أنه يجب أن يُلدغ من جحر مرات كثيرة ولا يتعظ ولا يكتفي بالمرة الوحيدة أو أن يلدغ مرتين!!!

عبدالله النوفلي
22 كانون الثاني 2009


129
واقع شعبنا ... ما العمل؟

ما تشهده الخارطة السياسية لأمتنا الكلدانية السريانية الآشورية يعتبر أمرا في غاية الغرابة وأقل ما يقال عنه أنه واقع حال مخجل لا ينم سوى عن الجهل السياسي والقصور في النظرة المتعلقة بقراءة المستقبل وتفضيل المصالح الحزبية الضيقة على المصالح القومية العامة، للأسف هذا الواقع يُدخل اليأس في قلوب أبناء شعبنا ويكون سببه كارثيا على مستقبل وجودنا فوق أرض العراق، وقد يكون أكثر تأثيرا من الاضطهادات العنصرية والعرقية والارهابية على أبناء شعبنا في أماكن تواجدهم التاريخية سواء في الموصل أو بغداد أو في مدن أخرى كثيرة .

إن شعبنا يعاني من مرض الهجرة والبحث عن الأفق الأوسع الأكثر أمنا حتى لو كان في الموقع الجديد ممارسة بعض الأمور التي تعتبر مهينة للشخصية الانسانية؛ كاللجوء الانساني والعيش في الملاجيء وقبول العمل في الأعمال الشاقة أو الوضيعة والاتكال بشكل كامل على المعونات التي تقدمها الدول لأمثال هؤلاء، بالاظافة إلى عمليات الاحتيال على القوانين في تلك الدول لكسب المزيد الذي في النهاية يصرفونه على أجهزة القمار وغيرها من أماكن اللهو التي توفرها تلك الدول لامتصاص الفائض النقدي من رعاياه!!!

وواقعنا القومي يشير مع الاسف إلى الفرقة رغم كل فسحة الأمل الموجودة أصلا من خلال انضمام فصائل كثيرة من سياسيوا أمتنا تحت مظلة المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، وتوحيد خطابها والاتفاق على التسمية المركبة لشعبنا وقيادته للمظاهرات المُطالبة بحصول شعبنا على حقوقه، لكن تشرذمنا رغم كل ذلك يعود إلى فقدان الثقة والأمل بمستقبل أفضل، لأن بعضنا يستكثر علينا حتى مسألة المطالبة بالحقوق ويعتبرون أن الأمر غير دستوريا ويتناسى هذا البعض ان الأمور الدستورية تكون مقرة ومحسومة وليس بحاجة لأحد أن يطالب بها!!!، وإن المطالبات تكون حول الأمور غير المحسومة ومازالت مثار جدال وأخذ ورد، وكل ذلك بغية إيجاد قنوات من الضغط على مصادر القرار لأحداث تغيير منشود، وأيضا من أجل تركيز أنظار العالم حول قضيتنا ومعاناتنا والتي بها نحصل على وسيلة ضغط دولية وتعريف العالم بالمعاناة التي عشناها وما زلنا على أرض وادي الرافدين العزيزة.

فهل نقول مذبحة سميل أو صورية أصبحت من الماضي ولن تتوفر أرضية محتملة لتكرارها في المستقبل، هل نعتبر موجات الهجرة التي قللت حجم وجودنا إلى ربما 2% أو ربما إلى الأقل من ذلك مقارنة بسكان العراق، هل نقول أن هذه ستتوقف لكي نعمل على تجذير هذا الشعب ونموه مجددا لكي يتماسك ويتمسك بالقرى والبلدات ولا يتركها مجددا؟ ولو نظرنا إلى الواقع فإننا نجده يشير إلى غير ذلك، فها هي القرى والبلدات التي عاد إليها أهلها وبُنيت لهم مساكن جميلة فيها يتركها أهلها لأول بصيص أمل في الوصول إلى أرض بعيدة أكثر أمناً!!!

أيها القادة والأخوة السياسيون:

* ألا تنتبهون لما يجري على الأرض؟

* ألا تجدون أن شعبكم قد ملَّ منكم وأخذ يهرب بعيدا وبأعداد كبيرة وبفترات زمنية قصيرة؟ ماذا تنتظرون؟

* وهل ستنقلون نشاطكم إلى دول المهجر لملاحقة شعبكم هناك والبدء بالنضال السياسي هناك؟

* فما قيمتكم إذا فقدتم الشعب الذي تمثلونه؟

اسئلة كثيرة بحاجة لكي تجيبون عليها وليس أنتم فقط بل جميع القيادات التي تعمل في مواقع صنع القرار الذي يخص شعبنا، فقد مللنا الكلام وعليكم أن تتحولوا إلى الفعل وتجلسوا معا حتى لو كنتم مختلفين بكافة الأمور، شاركوا الكنيسة أيضا لأن موقفها جدا مؤثر مع شعبنا ولا يصح أن تجلس الكنيسة على التل وتراقب ما يجري بدم بارد، لأنها كانت السبب الذي شجع على بقاء شعبنا على هذه الأرض ويستمر وحفظت له اللغة والوجود أبان العهود الديكتاتورية القمعية، واليوم ليس صحيحا أن تقول أن الأمر سياسي لا دخل لي به، جميعكم مدعوون للعمل الجدي لأن العاقبة ستكون خطيرة وربما نحن مقبلون لإفراغ ما بين النهرين من ورثة الحضارة السومرية والأكدية والبابلية والآشورية، لنغرد في بلدانا أخرى ونبدأ ببناء حضارة أجدادنا هناك!!!

فإلى متى الانتظار؟؟؟

عبدالله النوفلي

18 تشرين الثاني 2008
 
 
 

130
المنبر الحر / نقاطع أم نمضي قدما
« في: 19:15 07/11/2008  »
نقاطع أم نمضي قدما

بعد ما آلت إليه أوضاع مصيرنا في كوتة انتخابات مجالس المحافظات، وبعد كل هذا الكم الهائل من الكتابات التي كتبها أبناء شعبنا والخيرين من أصدقائنا الآخرين، وبعد كل التعب الذي تعبه ديمستورا والمسؤولين الدوليين والعرب الآخرين، وبعد الزيارات المكوكية التي تمت بين المرجعيات المسيحية الدينية والكتل السياسية بحيث لم تترك بابا إلا وطرقته، لكن لم نقبض سوى بعض الريح ذو الرائحة الكريهة المهينة التي توَصّل جبلنا وتمخض عن أصغر من فأرة صغيرة حقيرة تلك هي الحقوق التي توصلنا إليها بعد كل ما ذكرناه...
ولكن رغم كل هذا وبقراءة متأنية للواقع المُزري الذي أصبحنا عليه تحت ضل الديمقراطية المزيفة التي يتشدق بها سياسيوا الكتل البرلمانية والتي كانت ولا زالت تتحدث عن الظلم الفادح الذي لحق بها أبان العهود السابقة، وها هي اليوم تظلم غيرها وتلحق الأذى بالآخرين ممن كانوا معها يوما يرزحون تحت ذات الظلم ولكن لأنهم كانوا بمبادئهم يحترمون القانون ويعملون تحت مظلته فإنهم كانوا يعيشون من جد وكد همتهم لكي تستمر حياتهم وتصل إلى ما هي عليه اليوم...
والمشكلة نحن في العراق من الكلدان السريان الآشوريين نواجه أناسا مزدوجي الفكر ولا يستحون مما يتحدثون به ويواجهوننا بكلام كله عسل ومحبة وفي المقابل يطعنوننا في الظهر ويمارسون أبشع وسائل الظلم والقهر ويسلبوننا حقا أقل ما نقول عنه فهو حق السكان الأصليين الذي تعترف به كل الأمم في أرض الله الواسعة، وإن لا نقل هذا حق هذه الأمة التي مرغمة أصبحت مكونا صغيرا في موطنها الأصلي، لكننا نقول إنه حقها لأنه مكون أصلي في أرض الرافدين، هذه الأرض الذي كون حضاراتها أجدادنا السومريين والأكديين والآشوريين والبابليين و ... ولم يذكر التاريخ غيرهم من بناة حضارة هذا الوطن العزيز الذي روت أرضه دماء شهداء اضطهاد الملك الفارسي شابور الذي استمر لأربعين سنة وغيره من الحكام الظلمة الذين لا تشبعهم سوى الدماء ورؤية أشلاء ضحاياهم.
والمشكلة أيضا أننا أمة متفرقة ونصرُّ على تفرقتها وأضعافها بفكرنا وقولنا وممارساتنا وكل ما أوتينا من قوة كي نبقى ضعفاء خانعين لا حول لنا ولا قوة ونسعى لكي يتصدق علينا الأقوياء بفتات موائدهم القذرة ويعطوننا أصواتا أو مقاعد لا تغني ولا تسمن ولا يلتفت إليها أحد وربما مهما صرخت وأعلت صوتها لا يسمعها أحد، وعندما أراد أحد ممثلي شعبنا في البرلمان أن يتكلم ويُسمع صوته لم يُعطى له المجال حتى لمسك الميكروفون ويتحدث لأن صاحب السيادة المبجل رئيس كل هذه الكتل كان هو المتكلم وإن تحدث يجب على الآخرين السكوت!!!!
إذا هذا هو حالنا ولن نتعلم الدرس الذي كتبنا عنه حلقات عدة وليس اليوم ولكن منذ سنوات ومنذ وضعت الانتخابات الأخيرة أوزارها وخرجنا منها بالقاسم الوطني بمرشح واحد والآخرين عن طريق قوائم مؤتلفة ليصفى لأبناء شعبنا مقعدين!!! لا غير.
لكننا نستطيع الاتيان بأكثر من هذه لو مارسنا مبدأ نكران الذات والنظر لمصلحة الأمة دون المصلحة الحزبية الضيقة، فهذه النظرة الضيقة تجعل؛ إذا دعى طرف ضمن مظاهرة إلى حقنا في الحكم الذاتي يعتبره طرفا آخر أن هذه الدعوة هي السبب بما حصل لأهلنا في نينوى وأدى ذلك إلى تهجيرهم!!!!؟ وكأنه يقول يجب أن نكمم أفواهنا ولا نطالب بحقوقنا وكأن الآخرين الذين يطالبون بحقهم هم مواطنوا الدرجة الأولى ونحن من المراتب الدنيا!!!.
ومنهم من يقول أن البرلمانيون حجبوا عنا كوتة شبه منصفة خوفا من تغيير ديموغرافية الموصل لأن المسيحيون كانوا سيميلون إلى جانب الأخوة الكرد أثناء المناقشات والتصويتات لكي إذا ما تم أجراء استفتاء سيصوت المسيحيون أجمع إلى جانب ضم سهل نينوى إلى أقليم كردستا!!!؟
حقا إنه لتحليل مضحك مبكي، وليس هو سوى تحليل مفترض لأمر لا يمكن تحقيقه مطلقا إلا إذا كانت هناك أجندة مسيحية معدة مسبقا وجميع أبناء شعبنا متحدون خلفها وبعد ذلك نستطيع أن نصل إلى مثل هكذا فرضية، هذا إذا كانن الكلام عن الموصل فقط، لكن ما بال بغداد وهل كان للثلاثة مقاعد في بغداد أثر في تغيير ديموغرافية المحافظة؟ ولو كان السادة الأجلاء أعضاء الكتل البرلمانية محقون لطروحاتهم ومع أشد الأسف يعتقد بعض ممثلوا شعبنا بصحتها، لكانوا قد عوضونا عنها في بغداد لكي تثبت مصداقيتهم، هل تعرفون أيها الأخوة القراء الأحبة أن شيوخ الأنبار طرحو فكرة أن يعوضوننا في محافظتهم وأعربوا عن استعدادهم لجعل منصب المحافظ لأحد من أبناء شعبنا عندما أيقنوا أن ظلما قد لحق بنا وأنهم مستعدون لاستظافة المسيحيين في محافظتهم والدفاع عنهم حتى وإن اقتضى الأمر التضحية بالغالي والنفيس!!!
وعند الشدائد تمتحن الرجال وها إن رجال العراق قد ضهرت على حقيتها وأشرقت الشمس لكي تبرز عورات المتشدقين بالديمقراطية والحق والعدل والرحمة و و وإلى ما غير ذلك من الألفاظ التي ما هي إلا عبارات جاهزة لتخدير هذا الطرف أو ذاك من المكونات الصغيرة التي عند الحقوق هي أقلية وعند الواجبات تكون عراقية خالصة وعليها التضحية!!!، أليس هذا ضحك على الذقون؟
وبعد التي واللتيا، يسأل سائل ويقول لنقاطع ونريح أنفسنا ونحفظ كرامتنا ونرفض حتى المقعد الهزيل الذي خصص لنا هنا أو هناك؟ ولمثل هؤلاء أقول أهذا هو الذي وصلتم إليه أيها المفكرون الجهابذة الذين يبحثون عن مصير أمتهم ومستقبلها؟ ولم تخطر في بالكم أن تفكرون بحل آخر كتوحيد جهودكم أزاء هذا الظلم والاستهزاء؟ فهؤلاء القوم لا يعرفون سوى اللغة التي يتصرفون ويتعاملون بموجبها.
فما بالنا نعطي لهم خدنا الآخر لكل مرة يوجهون لنا لطمة على خدنا الأول؟ ونلتقي اللطمة ونركن جانبا بحجة المقاطعة !!! أليس هذا أمرا مضحكا ومبكيا لأبناء شعبنا كي نكون المتلقين للضربات دائما ولا نفكر أن نخرج قبضتنا للرد يوما؟ ونسينا أن لكل فعل رد فعل وعلينا أن نسير وفق قوانين الطبيعة لكي نكون جزءا من هذه الطبيعة، فيجب أن نكيل للآخرين بالكيل الذي يكيلون به لنا.
يجب أن نعمل من أجل أن نتحد ولو من أجل الوصول بمقاعد محترمة حتى لو كان مقعدا واحدا لكن بأرادتنا وبتخطيطنا إلى مجالس المحافظات، على السادة السياسيون أن يفكروا بأن الأمة ستلفظهم إلى مزبلة التاريخ إن بقوا على حالهم ووضعهم الذي لا يسر الصديق بل يسر له الأعداء، كفانا ذلا وهوانا ولنعمل من أجل الضهور المشرّف في الانتخابات القادمة ونحن متحدون، لنجرب ولو مرة واحدة وسنرى كيف تصوت تلكيـف وقره قوش وبرطلة وألقوش وغيرها من البلدات لنا.
فكما رأيتهم عدد أهلنا في الموصل والامكانيات الضخمة التي كنا لو نستثمرها لكان لنا مقاعد وثيرة وليست جرداء في مجلس محافظة نينوى رغم أنف الكارهين وهكذا في بغداد وغيرها، إن الغد المشرق يدعوكم أن تستمروا بهذا الطريق وتشتركوا في الانتخابات لأن بهذه الطريقة فقط سنثبت أن الظلم لا يمكن أن يدوم لأن بدوامه سيدمر كل شيء، وكذلك مقولة الشاعر الذي قال: إذا الشعب يوما أراد الحياة فلا بد أي يستجيب القدر، والكنيسة هنا مدعوة لكي تكون مظلة للسياسيين وتكون سببا لجمع لحمتهم وأعادتهم إلى رشدهم كي يتوقفوا من الاستهتار بمصير هذا الشعب المظلوم، وإن غدا لناظره قريب. ولنمضي قدما وبكثافة لندلي بأصواتنا لممثلي شعبنا فبيدهم سيكون الخلاص ويكون الظفر بإذته تعالى.

عبدالله النوفلي
7 تشرين الثاني 2008

131
محنة اهلنا في الموصل 


يعجز القلم من الكتابة عما يعانيه اهلنا في الموصل في هذه الايام، تماماً كما عجز القلم عن وصف حال أهلنا من قبل عندما هُجّروا من الدورة واماكن اخرى في بغداد ومدن اخرى، انها المأساة التي لا يستطيع التعبير عنها الا من عاشها وعانى الامرين منها، انه وللاسف واقع حال العراق بعد ربيع 2003 لم يطال المسيحيون وحدهم انما ترك بصماته على السُنة والشيعة والتركمانيين والشبك والآيزيديين والصابئة المندائيين وعلى الاكراد ولو بشكل اقل من الآخرين بحكم عيش الغالبية العظمى منهم ضمن اراضي منطقة كردستان العزيزة.
لكن ورغم كل هذا هل يُعقل ان نبقى عاجزين عن التعبير ومدّ يد العون والمساعدة لمن اصبح بلا مأوى مشرداً، فاقداً لكل ما يملك، خرج من بيته بملابسه فقط !!! اليس هذا الحال دافعاً لكي تتحرك الضمائر والناس الاصلاء من العراق العزيز لكي يرفعوا اكفهم والسنتهم للوقوف بوجه الظلم اياً كان مصدره، فشعب العراق شبع من الظلم وشرب من كأسه حتى الثمالة ومللنا من الشماعة، بل الاسطوانة المشروخة التي نعلق عليها ونردد بواسطتها المصائب التي تطالنا وهي الحلول الجاهزة دائماً، كالقاعدة .. التنظيمات والعصابات الارهابية .. وتدخّل دول الجوار والمتعصبون من هذا الطرف او ذاك وكأن الجميع ينشدون الخير ويرون القذى الذي في عيون الآخرين اما الخشبة التي في عيونهم فإنها ليست بالامر المهم.
الا تنقصنا الشجاعة لكي نعترف بما تقترفه ايادينا اولاً قبل ان نلتفت لما يفعله الآخرون، اليست ادياننا غنية بالآيات التي كلها تدعوا الى الرحمة والاحسان والبر وعدم قتل أي نفس بغير ذنب لان ذلك نكون كمن نقتل العالم اجمعين، السنا جميعاً اخوة في الانسانية ان لم نكن في الدين ، اليس جميع من في العراق او معظمهم من اهل الكتاب والمطلوب منهم ان يجلسوا ويتحاوروا لكلمة سواء فيما بينهم؟
لاشك اننا نملك عيوناً لكننا لانرى بها مطلقاً لاننا فقدنا اثر الحقيقة الساطع ونركض وراء السراب الذي يجعلنا نلهث دون جدوى، كما ان آذاننا اصبحت صماء ولاتسمع مطلقاً لان صوت الحقيقة يجعلنا عراة وكأننا لا نلبس شيئأً لاننا اعجبنا بالاصوات النشاز التي تتعالى تملقاً لهذا او ذاك وخوفاً ووو.
شعبنا بحاجة الى حماية حله حال أي فرد او مجموعة من شعب العراق فقد كفل له الدستور هذا الحق والحكومة هي الجهة التنفيذية لتوفير الحماية، وشعبنا لا ؤمن بالعنف بل يصلي من اجل اعدائه ومن اجل من يضطهده او يبغضه، شعبنا يؤمن بالصفح والغفران سبعين مرة سبع مرات، ويحب الآخرين بلا حدود وحتى أعدائه، شعب بهذه المواصفات هل يستحق هكذا عناء أيها السادة المتنفذون الذين يتحكمون في مصير العراق وأبنائه، إنكم تُغيبون شعبا كفوءاً متخما بالكفاءات مخلصا يعمل بجد ولا يضيع دقيقة واحدة من وقت العمل، أيا كان عمله، فشعبنا يقدس العمل ويخلص له، يقدس تراب الوطن ويضحي من أجله، دمه امتزج بتراب العراق، عانى هذا الشعب الأمرين منذ قرون كثيرة وليس اليوم فقط، اضطهده الملك شابور الفارسي أربعين عاما وقافلة الشهداء مستمرة وصولا إلى مذبحة سميل وصورية وصولا إلى مذبحة الموصل التي تصبح وصمة عار في جبين العولمة والانسانية المتحضرة التي تتشدق بالديمقراطية لأن على مرأى ومسمع رجال الاحتلال والقانون هُجّر هذا الشعب وقتل العشرات ولم يسلم أي أحد، خلال أيام هاجر عشرة آلاف إنسان من مدينة تسيطر عليها قوات أمن ضخمة وتقطع شوارعها الحواجز الكثيرة، لكن المجرمون يمرحون ويسرحون وربما لهم وسائط نقل جوية لا تمر بهذه الحواجز وربما لديهم من المساحيق السحرية التي يشربونها أو يضعونها على أجسادهم لكي لا تراهم أجهزة الأمن، ربما وربما وأسمعت إن ناديت حيا لكن لا حياة لمن تنادي!!!!
والمحنة مستمرة والوزراء المكلفون بالمتابعة أخذوا مواقعهم وانتشروا في عموم المدينة بل انتقلوا إلى المدن والقصبات التي لجأ إليها أهلنا ليسمعوا منهم وتحدث إليهم المهجرون لكن السادة المسؤولون وضمن ندواتهم كانوا مشغولون بالحديث فيما بينهم بينما الضحايا يتحدثون لكن أعتقد لم يكن أحد يسمع لهم سوى الضحايا الآخرون من أمثالهم، متى نصل إلى احترام الآخر وننتبه إلى كلامه ونهمشه وهو يتكلم أو يستغيث؟
أملنا أن يوصلنا الخيط الذي تحدثت عنه الحكومة إلى معرفة الجناة لكي يرتاح الضحايا ال (13) الذين قُدموا قربانا على مذبح حرية العراق ومشكلتنا ليس بهذا الرقم البسيط من الضحايا لأنه بأي انفجار هنا أو هناك يذهب مثل هذا الرقم أو أكثر، لكن المشكلة تكمن بأن هؤلاء تم قتلهم على هويتهم المسيحية وبعد سبق وإصرار من الجناة فما هو الهدف نرجو أن نسمعه ونطلع عليه في القريب العاجل وإذا عرف السبب بطل العجب وإن غدا لناضره لقريب.
عبدالله النوفلي
21 تشرين الأول 2008

133
رد على مقالة السيد وسام كاكو

طالعت الخبر الذي أقحم السيد وسام كاكو اسمي واسم دائرتي به من خلال مقاله ذو العنوان (تصريحات جارحة ومشوهة للحقائق من سكرتير الحركة الديمقراطية الأشورية!!
القســم الخامس
ولكي لا تلتبس الأمور على أي من أبناء شعبنا أود أن أوضح الأمور التالية:
1 . أنني كنت عضوا في مؤتمر عينكاوا آذار 2007
2 . وعضوا في المجلس الشعبي المنبثق منه ممثلا عن بغداد
3 . ورئيسا لديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى
4 . الديوان يهتم بالأمور الدينية والأوقاف
من ذلك لا نجد مفردة السياسة ضمن أختصاص الديوان، ولا يحق لأي أحد أن يقحم عملنا بالأمور السياسية، لأننا نقف إلى جانب الجميع بنفس القوة، فقد عملنا في مؤتمر عينكاوا بقوة ونشاط من خلال تقديم المقترحات وصياغة البيان الختامي وقراءته في الجلسة الختامية. كما تم اختياري ممثلا عن بغداد في تشكيلة المجلس الشعبي المنبثق عن المؤتمر.
 وكوننا مسيحيون ونؤمن بمباديء المسيح له المجد يجب علينا أن نتحلى بالمحبة والصبر والاستعداد للغفران للآخرين عما يقترفوه تجاهنا، ويهمنا في الديوان أن نكسب الجميع كما يهم المجلس الشعبي أن يجمع جميع أحزاب شعبنا تحت مظلة المجلس، ولكوني عضوا فيه وأتواجد في مقر الحركة في بغداد ربما لها دلالات معينة رغم أن الزيارة لم تتطرق لأمور سياسية، بل مهنية وقدمنا شروحات عما توصل إليه الديوان من أعمال وسنته الخامسة من العمر قد شارفت على الانتهاء.
ويجب أن يتذكر الجميع أن وفدا من الديوان قد زار مقر المجلس الشعبي في دهوك أولا وفي شباط الماضي، فلماذا لم تقم الحركة الحرب الكلامية على الديوان نتيجة تلك الزيارة، يجب أن يعلم الجميع أن تحركات الديوان كلها مهنية وغير سياسية.
والديوان أقام ندوات لمسودة قانون الأحوال الشخصية للمسيحيين وأول ندوة بعد بغداد عقدها في دهوك وفي مقر المجلس الشعبي، لأننا نكن الاحترام نفسه لجميع أطراف شعبنا وقد تركنا مسألة الرصد السياسي وخطأ هذا وذاك على غيرنا.
ويجب أن نتذكر قول السيد المسيح له المجد (من كان منكم بلا خطيئة فليرمها بحجر) وقول مار بولس الآخر (أصبحت يهوديا كاليهود لأكسب اليهود) وهذه أمثلة لنا لكي نأخذها عبرة في تصرفاتنا، وكلي أمل أن أجد كافة ممثلي شعبنا يتفقون ويدخلون المجلس الشعبي، ويطالبون بالحكم الذاتي لشعبنا ويتوحد خطابهم السياسي.
وقبل أيام معدودة نشرت مقالا عن الورقة المقدسة لمطالب شعبنا لو كنت أيها السيد وسام كاكو قرأتها لما كنت قد أقحمت اسمي واسم دائرتي في مقالتك التي قد أؤيدك ببعض مما جاء بها وقد لا أؤيدك بأمور أخرى، نتمنى للجميع التوفيق خدمة لأمتنا (الكلدانية السريانية الآشورية).
عبدالله النوفلي
16 أيلول 2008

134
دعوة لايجاد ورقة مطالب مقدسة

شهد واقعنا القومي "الكلداني السرياني الآشوري" تواجد عددا من التنظيمات الحزبية بأشكال ومسميات مختلفة؛ منها ما أخذ تسمية صريحة "حزب" ومنه "حركة" ومنها "منبر" أو جمعية أو ... بحيث أصبحنا نحن المراقبون حيرى أزاء هذه المسميات وما سببها وإن كانت كل هذه تنظيمات سياسية ، فلماذا لا تختار مسمى "حزب" لها لكي وكخطوة اولى نتوحد بنوع ومسمى التنظيم لكافة تشكيلات شعبنا الحزبية، وبخلافه سأكون شاكرا وبانتظار من يوضح لي الفرق بين هذه التسميات المختلفة ومغزاها من الناحية اللغوية والتنظيمية.
ونحن كأمة أصيلة في هذا الوطن العريق، ينقصنا موضوع مهم هو (التنسيق) فيما بين كل التنظيمات الحزبية أزاء مطالبنا القومية ونضالنا القومي، إذ يستوجب أن يكون المطلب والهدف القومي مقدسا عند كل هذه التنظيمات التي تعمل على الساحة القومية وتناضل جميعها من أجل تحقيق مصالح الأمة وأهدافها، أي ما اعنيه هنا أن تتوحد هذه التنظيمات في المطالب من خلال عمل تنسيقي واضح وإن اختلفت بالأسلوب والطريق الذي تسلكه لتحقيق هذه الأهداف، لأننا جميعا يجب أن نضع مصلحة الأمة فوق كل اعتبار وفوق مصلحة الحزب الضيقة، وعلينا أن نعلم بأن تناحر أحزابنا يؤدي إلى نتيجة واحدة هي أضعاف حجم تأثير الأمة في الواقع العراقي العام، لأن كل عمل لا يأتي باتجاه التقدم إلى امام ويتفق مع عمل الآخرين، فإنه يؤدي إلى إضعاف جهود الآخرين وتقليل تأثيرهم لدى هذه الجهة أو تلك، وعندما يكون لنا ورقة؛ وأسميها هنا ب "الورقة المقدسة" تحتوي على كل الأهداف التي تنشدها الأمة ومصالحها التي لا يجب التساوم حولها مطلقا ونعتبرها (خط أحمر) يجب عدم تجاوزه أو التفريط بأي من مكوناتها، لكي نحقق خصوصيات أمتنا ونحافظ على كيانها ووجودها على أرض ما بين النهرين الخالدة، وهذه الورقة المقدسة علينا أقرارها والتوقيع عليها بدمائنا كي نتعاهد وتمتزج دمائنا رمزيا أزاء ما ينتظره منا أبناؤنا وعوائلنا، ونعيد لهم الأمل ونقلل من نزيف الهجرة القاتل الذي استشرى بين أهلنا دون حراك من أحد.
علينا التحرك قبل فوات الأوان وهذه دعوة لكي نصدر مثل هكذا وثيقة ونتغلب على أنانيتنا الضيقة كأحزاب ونجتمع تحت مظلة توحدنا على الأقل في الاطار العام ونطلق العنان للخصوصيات الحزبية كي تعمل وتحقق المكاسب التي تغني هذه الوثيقة لنصل يوما إلى تحقيق كامل حقوقنا وأهدافنا وعندها سيكون المجد هو العنوان الذي سيحظى به المخلصون وسيطرز التاريخ أسمائهم إلى جانب جهودهم كما هو حال أسم أغا بطرس وغيره من المناظلين الشرفاء الأصلاء، وليكن المجلس الشعبي "الكلداني السرياني الآشوري" البوتقة التي تنطلق منها هذه الدعوة الخيرة.


عبدالله النوفلي
8 أيلول 2008

135
ماذا يريد السورايى؟



سؤال مطروح بشدة ومنذ فترة سابقة، ربما بدأ قبل التغيير الذي شهده العراق في ربيع 2003، لكن أصبح طرحه امرا ملحا بكل تأكيد بعد هذا التغيير، لكن ليس الأمر فقط محصور بماذا نريد، بل يَلحقه مُجملٌ من الأمور والمعطيات والفرضيات والتداخلات تجعل من الحصول عليه أمر يشوبه الشك ويصاحبه الخوف خاصة عندما وصل سقف مطالبنا إلى المطالبة بالحكم الذاتي، وعلى الأخص منذ مؤتمر عينكاوا (آذار 2007) وما بعده، لأن أطرافا عدة وقفت أزائه في الموقف المعارض سواء من أبناء جلدتنا أو من الغرباء عنا الذين هم أيضا شركاء لنا في الوطن العزيز، وبعض الذين وقفوا حجر عثرة أيضا في توحيد الصفوف للمطالبة بهذا الحكم الذاتي يشيعون ويطبلون لهذا الحكم الذاتي وربطه بأقليم كردستان كون الملاذ هناك آمنا وسيقوم الأخوة الأكراد بحماية السورايى من نقمة المنتقمين دون ان يكلّف هؤلاء أنفسهم بالدراسة والتمحيص في قوانين الاقليم التي لا تجيز تجزئته إلى أقاليم اخرى!!! كما انهم بمطلبهم هذا يُسلمون كل ممتلكاتهم وأوراقهم مستندين على وعود شفهية غير مكتوبة متناسين أن للمصالح قوانين ومواثيق يجب أن تكون مكتوبة وبشروط الاتفاق بحيث تكون واضحة لجميع الأطراف حتى يمكن الاحتكام عليها عند حصول الاختلاف.
إذا ماذا نريد نحن "الكلدان السريان الآثوريين"؟ بلا شك أن هذا الموضوع قد حسمه مؤتمر عينكاوا آنف الذكر وهو مطلب الحكم الذاتي ضمن عراق موحد وفي مناطق تواجد شعبنا التاريخية وهذه عبارة واضحة لا لبس بها ولا يجوز إضافة حرف واحد أو كلمة عليها طالما أقرها المؤتمر لأن أي تغيير بهذا المطلب يستوجب انعقاد المؤتمر مجددا لكي يعيد الصياغة والانتقال إلى صيغة جديدة والعمل من أجل ما سيستجد.
ولا ضير أبدا أن يرتبط الحكم الذاتي بكردستان كما أنه ليس خطأ أيضا أن يرتبط بحكومة المركز، ولكن أن يرتبط حكم ذاتي بحكم ذاتي فكيف نفسر هذا؟ هل أن حكومتنا الذاتية ستأخذ أوامرها من حكومة أقايم كردستان؟ ولكن إن ارتبط الحكم بحكومة المركز سيكون الأمر طبيعي، لأن حكومة المركز ترتبط بها كافة حكومات الأقاليم، وأي كان القرار فإنه يجب أن نحصل على المواثيق المُصادق عليه وطنيا ودوليا تضمن لنا حقوقنا حيث مناطق سكنانا التي من المفترض قد ضمنها الدستور كعراقيين أصلاء؛ نعيش ونتقاسم الحياة مع أبنائه الآخرين، لكن الانتقال إلى صيغة الحكم الذاتي يتولد عنها أمور جديدة يجب أقرارها سواء من حكومة المركز أو الاقليم.
وهنا يتضح من الطرفين وتتبين لنا الصورة عما نريده أو نتمناه فقط علينا مع هذا الوضوح أن نتخلى عن الخوف لأن وجوده في أفكارنا سيجعلنا نتردد أو نتأخر أو نتقاعس أو نتجمد في أماكننا دون حراك وعلينا أن نتذكر أن الحقوق لا تُعطى دوما إلا أننا يجب أن نضحي من أجلها وفي سبيلها، وهذه التضحية يجب أن تكون أمام أنظارنا عندما نضع قائمة مطالبنا ونكون مستعدين لتقبل ذلك ونتذكر القول الحكيم الذي يقول: "ما ضاع حق وراءه مُطالب".
ونحن في أمة السورايى ينقصنا التصميم ويعترينا الخوف ونلملم متاعنا عند أول تهديد لنهرب بعيدا حتى لو كان بأيدينا سلاحا يحمينا ونستطيع الدفاع عن أنفسنا، لنجد أنفسنا بين ليلة وضحاها خارج أسوار الوطن؛ عراة لا نملك شيئا، ننتظر الدعم والعون من الأهل ولا نمانع أن يكون حتى من الغرباء وإن اقتضى الأمر التضحية ببعض المباديء!!!
يا للخطأ الذي نحن عليه، كوننا نُفرغ مناطقنا من سكانها ونجعلها تذهب على طبق من ذهب للآخرين وأحيان بالمجان أو بأبخس الأثمان، ونعيش بعد أن كنا أحرارا بضوابط معينة في مناطقنا، أذلاء خانعين خارجها ونقبل هذا الاذلال وهذا الخنوع ونبدأ بالبكاء على الأطلال، ومن يتمكن من التنضير والكتابة تنفتح قريحته وهو في الخارج ليبدأ بتقديم الحِكَم والنصائح للقلة الباقية الصابرة في هذا الوطن!!!
للأسف هذا واقعنا وعلينا نحن الباقين على تربة آبائنا وأجدادنا أن نلتمس خارطة طريق البقاء والتجذر والحصول على المطالب ومن دون شك العدد ليس هو المهم كثيرا طالما كانت الكثرة خاملة غير متحركة لأن القلة الفاعلة والواعية تنتج أفعالا مفيدة ومثمرة كثيرة.
إذا لنفهم أننا نريد هذا الحكم وعلينا توثيق الباقي من الخطوات لكي نضمن الحقوق وأعتقد أن المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري هو الجهة الأكثر إمكانية للمطالبة والقادر على التفاوض للحصول على هذا المطلب والمحافظة عليه، وعلينا المشاركة في العملية الديمقراطية لكي ننتخب ممثلي شعبنا أيا كان انتمائهم وعندها سنكون مُحترمين مُقدّرين من كل الأطراف وسينتهي الخوف إلى غير رجعة ولا يكون أمامنا سوى قطف الثمار بإذن الله.




عبدالله النوفلي
2 آب 2008

http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f7/topic-t638.htm

136
المنبر الحر / سميل
« في: 12:13 16/08/2008  »
سميل




تضيع الكلمات وتتبعثر الأفكار،

ونقف مبهوتين إزاءك يا سميل،

نقف على أرضك الطاهرة حيث صُفَّ أبنائك لكي يتم تقديمهم كقرابين على مذبح الحرية في مثل هذا اليوم،

لا لشيء سوى لإطفاء ضمأ العتاة المستبدون،

لكنكِ لم تكوني كالخروف الذي يُكتف لكي يتم ذبحه،

بل كنتِ عظيمة وستبقين كذلك،

رغم أن جلَّ أبنائكِ أصبحوا اليوم تحت التراب، لكنكِ كنتِ منبعا لأمور كثيرة ...

كنتِ ملهمة لشعبٍ كبير ...

كنتِ البذرة التي طُمرت في التراب وماتت لتهب الحياة وتثمر عن حياة أوفر ...

كنتِ العزّ والإباء وأصبحتِ تاريخا خالدا لنا نحن أبناء اليوم،

نستلهم منكِ العِبَر كي نستطيع إكمال المسيرة؛ فأرواح أبنائكِ تستصرخ الضمائر اليوم وتقول:

لتنكسر القيود ...

وليذهب الطغاة إلى مزابل التاريخ ...

وليتم أنصاف أحفادك برد الحقوق إلى أصحابها،

وقيود الأمس والأغلال والسيوف تظهر مجددا ،

وأبناء اليوم نالوا وما يزالون من الأذى ما لا يمكن وصفه أبدا، لقد تم تهجيرنا ...

قُتلنا ...

سُلبت حقوقنا وكل ممتلكاتنا،

وإن كنتِ أنتِ يا سميل تعيشين في ظل أمن وأمان هذا اليوم ...

فإن أخواتكِ المنتشرات خارج هذه الأرض وخصوصا في سهلِ نينوى؛ في القرى والبلدات يبحثون اليوم:

عن سبل الحرية ...

وعن أحقاق الحق ...

وعن رسم خارطة طريق للوصول إلى الحكم الذاتي ...

لكي تكوني أنتِ وهم وغيرهم من البلدات الجسم الجديد للأمة: "الكلدانية السريانية الآشورية"

فاطلبي يا سميل البركة من الله بشفاعة دماء أبناؤكِ الزكية كي نصل نحن أبناء اليوم إلى الهدف الذي يجعل من شهداؤك ينامون قريري العيون ولكي يعمل أخوتك وأخواتكِ يدا بيد ولا يكن الكلداني بعيدا عن السرياني والآشوري إنما يكون الكل واحدا وينهض شامخا عزيزا ليعلن للملأ نحن هنا (سورايي) نريد حقنا كغيرنا لكي نتواصل مع الإنسانية؛

بالعمل والبناء ...

بالعلم والمعرفة ...

بالثقافة والرياضة والفنون ...

وفي كل ميادين الحياة ...

إننا معكِ يا سميل وعلى نفس الطريق سائرون ويوم تحقيق الأهداف لن يكن بعيدا بإذنه تعالى.
عبدالله النوفلي
سميل 7 آب 2008

137

138
للعلم فقط أن عدد العوائل المسيحية المهجرة في بغداد فقط وبين محلاتها وأحيائها وليس إلى خارجها هو اليوم 2041 عائلة!!!

139
الأخوة جميعا، أود أن أشكركم على ملاحظاتكم الواردة أعلاه، وأود أيضا أن أطمئنكم بأننا عرضنا مسودة هذا المشروع على رجالات الكنيسة كما عرضنا مسودة اولى أعدت في نينوى ودهوك على رجالات الكنيسة أيضا، ولا ولن نعمل بعيدا عن أساتذة القانون الكنسي، كما أن هذه المسودة ليست نهائية ولا يوجد منفعة أو كسب شخصي من ورائها إنما هي محاولة من بعض المخلصين في المسيحية لايجاد قانون يخصهم ينظم أحوالهم الشخصية كما أقرها الدستور لهم، ولمن يشكك أقول أين كنت ولم تبادر، والفضل بالمبادرة لا يعود لنا إنما لأخوة في سهل نينوى أعدوا للمسودة الأولى وقريبا سنقيم ندوة في بغداد يحضرها المحامون ورجالات الكنيسة ومن الأخوة معدي المسودة الأولى لكي نصل إلى مسودة جديدة من المسودتين تليق بنا كمسيحيين، وعلينا أن نعمل هكذا ولا فضل لعبدالله النوفلي على أحد بتقديم هذه المسودة إنما نحن نهيب بكل من يهمه الأمر أن نعمل معا لاخراج قانون يليق بنا بدل أن نحبط همم أحدنا الآخر وكلكم مدعوون لحضور الندوة التي سنعقدها في بغداد وسنعلن عنها في مواقعنا الليكترونية.

140
أيها الأخوة الأحباء
شكرا لملاحظاتكم وهي الآن امام اللجنة وفي غضون شهر سيتم تنظيم ندوة نجمع بها رجال الدين من كل الطوائف مع رجال القانون لكي نصل إلى الصيغة الأكثر قبولا من الجميع وفي حينها سنعرض عليكم أيضا الصيغة المنقحة كما أود أن أبين هنا أن مجموعة المحامين هي من طوائف مختلفة كما أن أخوة آخرين لنا في منطقة نينوى ودهوك سبق أن أعدوا لمسودة لمثل هذا القانون وستكون كلا المسودتين موضع نقاش ريثما يتم إما دمج أو أقرار ما نراه ملائما للمسيحيين من كلا المسودتين وبعون الله سنصل لمسودة موحدة تكون فخرا لنا في العراق.

141
الأخوة الأعزاء: تيريز ... سمير
شكرا لتحاياكم، وسأنقلها إلى اللجنة، مع الملاحظات التي وردت في ردكم
تقبلوا تحياتي
عبدالله النوفلي

142
المنبر الحر / حاجات الأمة
« في: 16:41 24/05/2008  »
حاجات الأمة

الكثير من كتابنا الأعزاء يحاولون الكتابة عن الأمة ومستقبلها وواقعها الذي هو مؤلم في بعض الجوانب ويحاول النهوض في جوانب أخرى، وكلي ثقة أنهم يحاولون وبإخلاص من أجل مستقبل أفضل وأن ترتقي أمة (السورايى) نحو الأحسن، ولا أشك مطلقا في أي أحد منهم كونه يعمل في الضد من تطلعاتها، بل كما يقولون (لكل مجتهد نصيب)، ومن هنا تختلف الآراء ونصل أحيان إلى التراشق بالكلام، لا لشيء سوى للوصول لحال الأمة الأفضل.
وحول هذا نجد من يفكر بأن الأفضل هو ان يكون لها حكم ذاتي مرتبط بالحكم المركزي ضمن العراق الموحد، وآخرون يرون ربطه بحكومة الاقليم وهم ينظرون إلى الأمان الذي تعيشه تلك المنطقة ويؤملون أنفسهم أن تعيش مناطق امة السورايى ذات الأمان كي نبدأ بصفحة جديدة من العمل المثابر لتقدم الأمة، ومجموعة ثالثة تفكر بأن الإدارة الذاتية في مناطق نشكل فيها الأكثرية هو الأفضل كون الدستور يتحدث عن هذا ولا يذكر الحكم الذاتي ولسان حالهم يقول إن أقمنا أدارة ذاتية لأنفسنا نكون قد وصلنا إلى مرحلة متقدمة من الحياة الخاصة بنا كأمة.
وربما نجد طرقا أخرى، وبكل تأكيد لو وضعنا آلة لتحليل كل الآراء والأفكار التي نجدها يوميا على مواقعنا الأليكترونية، وبصراحة أقول لأبناء أمتي أنني أجد كل هذا علامة صحة كون الأمة بدأت تفكر وتكتب وتتطلع إلى المستقبل الذي يكون أفضل من واقع الحال، ولن نكتفي بعد الآن بما يخططه الآخرون لنا بل نحن الذين نخطط، ولن نكتفي بما يقرره لنا الآخرون بل نشاركهم الرأي حول القرار الأفضل تمهيدا لوصولنا لمرحلة أن نخطط لقراراتنا بأنفسنا وهكذا...
وحال كهذا لا يمكن أن يستمر إلى ما لا نهاية إذ يجب العمل من اجل وقفة مراجعة للذات القومية لاعادة الحسابات والانتقال إلى مرحلة جديدة للكتابة الأوضح والمرتكزة على الثوابت القومية والتي تعمل من أجل أنقاذ مصير الأمة المهدد بأمور كثيرة وأخطرها نزيف الهجرة والعمل على التجذر مجددا في أرض الآباء والأجداد، وانطلاقا من هذا تم عقد اجتماع تشاوري في 15 من أيار 2008 في ديوان اوقاف المسيحيين والديانات الأخرى الذي كان هدفه جمع مجموعة خيرة من أبناء الأمة ومعهم الإيزيديين والصابئة المندائيين بغية التشاور حول سبل النهوض بواقع الأمة واستقراء المستقبل والعمل من اجل أن يكون لنا أفكارا واضحة نطرحها في لقاءاتنا مع المسؤولين أيا كنا؛ سياسيين أم قادة دينيين، لأن واقعنا يشير إلى النقص الكبير في هذا الجانب وإلى ذهابنا فرادى مشتتين عند هذا المسؤول أو ذاك في حكومة المركز أو الاقليم وحتى لدى الدول الأخرى والمنظامت الدولية، بحيث ضاع أو كاد يضيع حقنا نتيجة عدم وضوح القضية التي نطرحها، وعدم وضوح الخطاب الذي نتبعه في عملية المطالبة بحقوقنا ومنها ما يجري اليوم من طرح غربي لحماية المسيحيين أو لمنحهم اللجوء في هذه الدولة أو ذاك ولكن هذا ما هو إلا لعبة سياسية لأن لو كانت هذه الدول صادقة في طروحاتها لمنحت المسيحي الراغب بزيارة أهله فيها فيزا للزيارة، لأننا نجدهم في سفارات هذه الدول يتعاملون مع المسيحيين ربما بجفاء أكبر مما لو عاملوا المسلمين العراقيين على سبيل المثال.
إن الأمة بحاجة إلى تحديد ثوابتها ومطاليبها في ورقة محددة بعيدة عن الصراعات الحزبية أو الكراسي الدينية، أي أننا بحاجة إلى ما يسمى لدى البعض (بمجلس الأمن القومي) الذي يفكر للأمة وليس لحزب أو كنيسة، نحن بحاجة لاعداد لورقة مطاليب نتفق عليها جميعا بصورة أولية ونترك الأبداع بالوصول إلى الأهداف متروكا لكل كنيسة أو حزب على حدة لكي نجني أفضل الثمار من هذه الورقة، ويمكننا أن نوضح لنقطة واحدة من المطاليب الموحدة التي يمكننا العمل لكل منا انطلاقا من فكر حزبه أو فكر كنيسته وصولا لهدف أسمى وهي المناطق الادارية لتواجد شعبنا ونشرحها ونحدد الهدف وكأن يكون الوصول إلى الحكم الذاتي ونترك تفاصيل الطريق للسياسيين كل حسب حزبه حتى نترك لهم حرية التحرك والعمل للوصول إلى الهدف وعندها سنجد من يقسم الهدف إلى مراحل أحدهم يفكر أولا يبدأ بالادارة الذاتية ويطورها لاحقا بالحكم الذاتي وآخر يفكر أن يعمل مباشرة لتحقيق الحكم الذاتي وهكذا سنجد كل طرف يحاول أن يخلق علاقات ويجد السبل لتحقيق أهدافه لأنه سيكون في تنافس مع أشقائه في الأمة هذا التنافس الذي سيخدم الأمة بكل تأكيد لأنه ستتوضح صورة الطرف الأكثر شطارة وأدراكا وتحليلا لكي يحقق الهدف وهنا سينال هذا حتما دعم وتأييد الأمة.
ووجود المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري، والذي هو بمثابة برلمان لهذه الأمة رغم كونه في بداياته الأولى وتوا عبر السنة الأولى من عمله فوجوده هو فرصة لكي نجتمع تحت مظلته ونطرح أفكارنا ونناقشها ونغنيها لكي ننطلق نحو الأفق الأوسع، ويجب علينا أن لا نعتبر دخولنا تحت مظلة هذا المجلس أننا دخلنا تحت مظلة سياسية تختلف عن أهدافنا ومنطلقاتنا الحزبية لأن هذا المجلس ليس حزبا سياسيا ولا يمثل جهة سياسية بل أنه يحاول جاهدا لكي يجمع جميع ممثلي الأمة ويخرج بخطاب قومي موحد ولا يضع شرطا للابداع بل يعتبر نفسه البوتقة التي تنصهر فيها الأفكار وتتبلور لكي تصل إلى الغايات السامية التي تخدم الأمة وتدفع نضالها إلى أمام.
والفرصة أصبحت واضحة لكل من يريد الخير لأمته، فعليه أن يضع يده بيد أخوته الآخرين، وأعتقد المستقبل أهم من الخلافات الجانبية كما طرح بعض الأخوة مؤخرا لمذا انسحب العزيز سامي المالح ورفاقه من المجلس، لأن أي أحد منا عندما يضع النظرة القومية والهدف الأسمى أمام نظره سوف يترك المجال للأكثرية أن تعمل حتى لو لم يكن مقتنعا بآرائها لأن هذه هي الديمقراطية وأنا بهذه السطور أحيي أخي العزيز سامي المالح على مواقفه وليس هو فقط بل كافة أخوته الذين وضعوا لمؤتمر عينكاوا سبل النجاح وقادوه لتكوين مقررات موحدة للأمة بغض النظر عن الانتماء الضيق للكلدانية أو السريانية او الآشورية بل للجميع كأمة السورايى العظيمة، وسلموا الراية لمن يكمل بعدهم المسيرة وربما نجد يوما عودة هذا الأخ العزيز ورفاقه للقيادة فلكل زمان ضروفه ومقتضياته، ويبقى المهم أن نضع أيدينا بأيدي بعض ولا ندع مجالا لأحد أن يفرقنا ويتقول علينا بكلمة حق يراد بها باطل، وحتى أكيتو يجب ان لا يفرقنا وكيفية الاحتفال به رغم كل مدلولاته القومية لأن المسيح أكبر من أكيتو ويمكننا ان نقتدي بأفكار المسيح لكي نحقق الهدف وصولا إلى أعادة أمجاد السومرين والبابليين والأكدين والآشوريين وبوسائل شريفة وتجذب لنا التأييد من كل موزائيك العراق والخيرين من العالم محبي السلم والسلام.
عبدالله النوفلي
24 أيار 2008

http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f7/topic-t373.htm#534

143
إلى جميع الأخوة أرجو أن تتأكدوا بأن كل ملاحظاتكم ستكون امام اللجنة أولا بأول ولا داعي للنقاش فيما بينكم بل نرجو تزويدنا بالمقترحات التي تتلاءم وبلدنا ومجتمعنا والمحيط الذي نعيش بينه وخذوا بنظر الاعتبار ليس من الممكن أن نخرج بقانون متحرر جدا كما تدعو أحدى الأخوات بالأم العزباء، لأن هذا يتعارض مع الدستور العراقي كوننا لا يمكننا أن نسن أو نشرع قانوا يتعارض مع الثوابت الاسلامية فعلينا مرعاة أمور كثيرة حتى نجعل الآخرين يوافقون على قانون يخصنا كمسيحيين وشكرا لكم ونتمنى أن يكتب بهذا الخصوص أبناء شعبنا مع التقدير للجميع

144
أخوتي الأحباء
نحن معكم في كلما ذهبتم إليه وموضوعه معروف لدى الأخوة المحامين لأننا نعيش ذات الواقع والمقترحات والملاحظات أصبحت بين أيدي اللجنة وستدخل ضمن الحلقة النقاشية التي سنعقدها بعد فترة في بغداد على هذه المسودة وكل أملنا أن نحضى بملاحظات أكبر قدر ممكن من شعبنا علما توجد مسودة ثانية لذات المشروع معدة من قبل أخوة أعزاء في سهل نينوى ودهوك وبالنتيجة سنحاول توحيد الصيغتين بصيغة واحدة مقبولة من الأطراف الكنسية والعلمانية علما أن هذا القانون سيكون بيد قاضي من شعبنا يحكم به وليس بقاضيا من ديانة أخرى لكن انتظروا فكل شيء يأتي بأوانه مع الشكر والتقدير لملاخظاتكم

145
أخي العزيز تم استلام ملاحظاتك وسيتم عرضها على اللجنة المختصة مع الشكر لك

146
أخي المبارك: وصلت ملاحظاتك وستعرض على مجموعة المحامين ... شكرا لك وننتظر المزيد من الملاحظات

147
شكرا لموقع عينكاوا العزيز لنشره المسودة ونطلب من جميع الأخوة والأخوات تسجيل مقترحاتهم على هذه المسودة لكي نستفاد منها خلال مناقشتها ووضعها في شكلها النهائي، مع قبول فائق الشكر والتقدير مقدما

148
أمة السواريى
وآفاقها المستقبلية
أوضاع العراق وهذه ليست بخافية على أحد كأنها تتحرك على صفيح ساخن بتجاذبات سياسية تارة، وبالعنف والقوة تارة أخرى، ونجد أن جلَّ من يهمه أمر العراق يتحرك وفق السياقين الذين أشرنا إليهما وكل ذلك بغية تحقيق مكاسب حزبية وأحيانا تكون مكاسب ضيقة جدا وتخص شريعة محدودة دون أن تكون المكاسب عامة تخص أبناء الشعب العراقي كافة، فنجد الكردي يناضل من أجل قضيته وأحيانا بين الأكراد من يبحث عن القضية الأضيق كأن تخص حزبا دون آخر ... وبين العرب أيضا تجاذبات عديدة ومتشعبة وللأسف انقسمت بصورة الانشطار نحو الأصغر فالأصغر نتيجة إدخال القالب الديني والمذهبي فيها، لنجد من يمثل السنة ومن يمثل الشيعة بين أطراف المعادلة العربية وتدريجيا أصبحنا كما يقول المثل الشعبي (شليلة وضايع راسها). أو (ما تعرف راسها من ساسها).
ومقالنا يدور عن أبناء شعبنا (الكلداني السرياني الآشوري) وموقعهم داخل هذه (المعمعة) التي قد تصبح شركا يعلق به كل من ليس له من يعينه لعبور هذه المعوقات التي قد تتطور لتصبح ألغاما مدمرة تقضي على كل ما يأتي أو يقف في طريقها لأن الاخطبوط مستمر بالحركة وما لا يتوافق مع حركته لا بد أن يُلحق به الأذية.
وواقعنا الذي ظاهره السير في طريق الديمقراطية وانتخابات مجالس المحافظات والتحضير للإنتخابات العامة وتنفيذ بعض من بنود الدستور التي تخص اجراء الاستفتاءات حول مناطق معينة وأصدار قوانين محددة حول مواضيع عدة ... كل ذلك يقتضي وجود قوة من أبناء شعبنا ترتب الأوراق لصالح هذا الشعب الذي كان مهملا وهضمت حقوقه ومؤشرات المستقبل تشير على ضوء هذا الواقع أنه سيبقى مهملا وسيتم القفز فوق حقوقه لتُبتلع من قبل آخرين ونكون نحن المكونين من الشعب (الكلداني السرياني الآشوري) الخاسر الأوحد في عراق ما بعد التغيير لعدم وجود المطالب الموحدة ولعدم وجود النصير والحامي لأن أمورا كثيرة تطلب منا أن نعمل كمجموعة واحدة لكي ننتقل إلى مركز القرار بإرادة وهدف واحد لكن (أسمعت إن ناديت حيا ...)
فلا زلنا نبحث عما يفرقنا وبقوة أكثر من بحثنا عما يوحدنا ولازال البعض يعمل لكي يكون هو القائد الأوحد لهذا الشعب ويلغي الآخرين وكأننا لا زلنا في أطار أفكار وممارسات أكل عليها الدهر وشرب، وأصبح لدى البعض الاحتفال برأس السنة البابلية الآشورية من عدمه أو نقل الاحتفال بهذه الشبكة وعدم نقله هو الهدف الأسمى وهو دليل الأخلاص والانتساب إلى الأمة الذي يقيم الدنيا على طرف دون آخر ويلجأ الطرف الآخر لكي يمارس أمورا قد لا يكون مقتنعا بها لكنه وبسبب أقحامه في هذا الاطار فيستوجب عليه اتخاذ القرار الذي يزيد من الطيبن بلة.
فإن كنا قد اختلفنا حول هذه الأمور البسيطة فكيف لنا أن نتحد في أمور جوهرية ومصيرية؟ كيف لنا أن نتحد بقرار حول سهل نينوى طالما يوجد من بين أبنائنا من يعمل ضد أخيه الآخر وحول نفس المنطقة، فجهة تطالب بالحكم الذاتي وتحاول تحشيد الجهود وشرح الفكرة لإيصالها لأذهان الآخرين حد القناعة كونه ليس للانفصال من العراق أو من العرب وليس الهدف منه ألحاق المنطقة بكردستان، بينما تعمل أطراف أخرى للمطالبة بأدارة المنطقة ذاتيا وتحاول بشتى السبل أفشال طروحات المعسكر الآخر، إن صحت التسمية وجعلناها معسكر الحكم الذاتي ومعسكر الإدارة الذاتية،
حقا إنها أمور مضحكة مبكية في آن واحد فنحن لا نرقص مع الفرحين ولا نحزن مع الحزانى!!! لأننا دائما اخترنا الطريق النشاز للمسيرة بحيث نُلهي أنفسنا وكتاباتنا بأمور جانبية ونترك الأمور الجوهرية التي هي المهمة وليس هنالك مجال للشك أن الأمر مقصود وربما من هذه الفئة او تلك.
لأن التجاذبات والتحالفات تُعتمد في النظم الديمقراطية، ومهما كتبت الأقلام ومهما تم نشر من المقالات فإن لم يتم ترتيب البيت من الداخل تكون كمن يحاول تغطية الشمس بغربال!!! ولم يبقى سوى أشهر عدة وانتخابات مجالس المحافظات على الأبواب وشعبنا لم يقدم مطاليبه ... هل يكون له تمثيل نسبي محدد أم يعتمد لما تترشح من نسبة تخرج من صناديق الاقتراع المشكوك في أمرها لنخرج خالين الوفاظ وعلى قول الأخوة المصريين (نخرج من المولد بلا حمص)!!!.
لحد الآن لا أحصائيات لدينا عن شعبنا لكي نتحجج بها أمام السلطات المختصة ولا من يمثلنا ليدافع عن حقوقنا وحتى اللجان الرسمية في البرلمان أيضا ومنها لجنة الأوقاف تخلوا من شخص يمثل شعبنا وعندما يحضر سادتنا الأجلاء رؤوساء الطوائف لدى مقابلة المسؤولين... جل همهم هو الوقود لمولدات الكهرباء والمطاليب المادية التي بالأساس يمكن تجاوزها للوصول إلى الجوهر!!!
فمتى نجلس مع الآخرين لكي نقدم لهم مطاليب سياسية محددة؟؟؟؟
عبدالله النوفلي
29 نيسان 2008
http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f7/topic-t298.htm#409

149
بسم الله الرحمن الرحيم
جملة جميلة يفتتح المسلمون بها معظم مواقفهم، سواء كانت في القراءة أم الكتابة، بأمور دينية أو دنيوية، وهذا يعتبر نقطة إلى جانبهم، ومن حُسن الخِصال والتصرف، لكن موضوعنا عن التامل أو التمعن بمعاني هذه الجملة الجميلة وأين نحن من تطبيقها؟ سواء كانت أفرازاتنا إلى جانب الخير أو الشرّ، فالأمور نسبية وتعتمد على الآخرين وقياساتهم، لكننا رغم كل ذلك علينا أن نقرأ ونفهم ونشرح على الأقل من وجهة النظر الشخصية.
فالله هو الخالق، وهو الأعظم وهو الأكبر وهو القمة في كافة المقاسات والمواصفات التي تضعها البشرية لأمورنا الدنيوية، فإن تكلمنا عن العظمة وإن تكلمنا عن القدرة فهو الأقدر، وإن كان كلامنا عن الحب فهو المُحب الأكبر كونه عجَن من التربة البسيطة عجينا وجعل منه إنساننا الحالي بمواصفاته المعقدة وهو الكامل وهو المطلق و و ... حتى وصلت صفاته إلى أل (99) إسما أو صفة ولازال الإنسان يبحث عن الاسم المائة لكي يكون مستحقا دخول الجنة!!!.
لذلك فالإنسان يلجأ إلى هذه القدرة الهائلة التي لا حدود لها لكي يبتديء عمله .. قوله .. مشواره .. صلاته وأي فعل آخر يصدر من إنسان مؤمن يلجأ إليه تعالى ليتبارك به ولينتظر منه العون والدعم لخطواته اللاحقة.
وهذه الجملة تقرن به تعالى صفتين لا غير؛ وهي (الرحمن) و (الرحيم) وهاتين الصفتين مهمتان لأنهما تجمعان جلَّ صفات الرب لأن لولاها لتجردت كل الصفات الأخرى من معانيها ولأصبح إلهنا: متعجرفا .. قاسيا .. يعمل لذاته .. وحاشى له تعالى أن يكون هكذا كونه أحب الإنسان وتعب (إن صحّ تعبيرنا البشري) في تصويره وخلقه على صورته ومثاله، فالبشر بالنسبة إليه ليسوا سوى بمثابة الأولاد لأبٍ، والأب يضحّي ولا يمل أو يتعب من عمل ما يستطيع فعله من أجل أولاده، يجوع ويعطش لكنه يريد لأولاده الشبع والارتواء، يعمل بجهد كبير كي يوفر لقمة العيش .. يتشقق جلد أرجله ويأوي إلى فراشه وجسمه يئن من التعب، لكنه بملاحظة بسيطة عن أحد أولاده فرحا مسرورا ينسى كل شيء وكأنه لم يفعل شيئا ولم يتعرض للتعب أو الارهاق.
هكذا ربنا لم يبخل بشيء من أجل الانسان، وعمل كل شيء في هذه الأرض من أجله، خمسة أيام من عمر الخليقة أمضاها في تهيئة الأرض لقدوم الإنسان، وصنع فيها اليابسة والبحر والشمس والنجوم وطيور السماء وأسماك البحر، حيوانات البرية وأشجارها، لكنه وجد في الآخر أن كل هذا ناقص لأن المركز غير موجود الذي هو الإنسان، فكان اليوم السادس الذي شهد ولادة آدم وحواء الذين عملوا واجتهدوا... تناسلوا إلى الدرجة التي نحن عليها اليوم.
والبشر تماما كما نحن اليوم عرضة للاجتهاد والنجاح او السقوط والفشل، وهذا هو المصدر الذي يقودنا إلى الألم والحسرة، وإلى ما نسميه اليوم بلغتنا المعاصرة (الشرّ) ورغم أنه ليس وليد اليوم لأنه ابتدأ منذ أن كان البشر عائلة صغيرة لا يتجاوز أفرادها أصابع اليدين بقتل قائين لأخيه هابيل، ومن هناك وصلنا إلى ما نحن عليه اليوم.
ورغم ما فعله الله لنا من إرساله للرسل والأنبياء وإلهامِه لهم بكتابة تعاليم إلهية وإرشادات نسميها اليوم بالكتب المقدسة وبديانات أصبح لها مُسميات مختلفة وحسب المرسلين الذين اختارهم الله، لكن الإنسان دائما يعود إلى ما فعله أجداده، وكان الطبع لا يغلب التطبع كما يقولون، لنجد إنسانا يظلم أخاه الإنسان ... يعذبه ... يسلبه تعبه ... يقتله!!! وكأننا في غابة لم تؤثر فينا كل هذه الرسالات والتعاليم السماوية والكتب العظيمة!!! ولكننا رغم ذلك نجد الخير موجودا، ونجد الأولياء الصالحين والقديسين والذين هادوا والذين يفعلون الرحمة ليسوا بقليلين ومن أجل هؤلاء تستمر البشرية بالحياة، ونجد الله يكظم غيضه علينا ويغدق علينا بوافر نعمه آملا أن نرعوي ونعود إلى جادة الصواب وننبذ الشر ونختار جادة الصواب بديلا عنها، أليس هو أرحم الراحمين؟
من هذا ووصولا إلى ما اخترناه عنوانا لمقالنا؛ الجملة الأشهر في المحيط الإسلامي نصل لمرحلة تسليط الأنوار على الجانب المظلم من الحياة التي يعصف بها الشر ويحاول خنق حزم الضوء المشعة هنا وهناك بغية أحلال الظلام الدامس وكي تعبث الخفافيش في الليل كما تشاء حيث في الظلام تنطلق غالبا الوحوش والحيوانات المفترسة وغير المحبوبة على الأقل مثل (البوم) وفي الظلام تختار الذئاب كي تنهش فريستها وتوقع بها، كما يختاره أيضا أولاد الحرام كي ينجزوا فعل السرقة والقتل وإلحاق الأذى بالآخرين.
لكننا نبتديء دائما باسمه تعالى: الرحمن الرحيم ويقول الحكماء حتى السارقون يتوكلون عليه ... لنجد اليوم من يذبح أخيه الإنسان وهو متكل على الله!!! فكيف للرحمن الرحيم أن يرضى لفعل كهذا وأن يتم ممارسته تحت غطاء اسمهِ أو بالاتكال عليه؟ فهل يعطي الأب ابنه الذي يطلب منه سمكة، يعطيه (حية)؟ أو يطلب خبزا يعطيه حجارة؟ فمثلما نحن نوفر الخبز (المأكل والمشرب) لأولادنا ونحن المحدودين الضعفاء!!! فكيف به تعالى الذي هو مطلق الرحمة ورحمن دون حدود؟
تمعن بسيط بهذه المعاني يوفر لنا عناءا كبيرا ... يوفر أو يحقن ألما عظيما نعاني منه، صحيح ان هناك من قال ان الدنيا تؤخذ غلابا!! لكن بأن أحافظ على المعاني الإنسانية، أو أوفر دماء البشر، وأن احافظ على مقتنياتهم ولا أشتهيها وأن أكون عونا للآخرين ونكون معينين بعضنا لبعض، أن نعيش أخوة متكاتفين إن لم نكن بالدين فبالانسانية، وأن نضع السيف والبندقية جانبا ونجعلها الاحتياط عندما يحاول الأشرار من المَساس بنا، ونتحزم بالقلم والعلم والمعرفة لأن بها سنتقدم إلى أمام وسيكون العلم سلاحنا الذي يرفع من شأننا كأمة ونفرض احترامنا على الأمم الأخرى ويكون السيف حارسنا والبندقية محامية عنا ممن بقي يحاول العيش على جهود الآخرين ...
فهو الرحمن الرحيم الذي نتكل عليه وبه نستعين لكن على الخير وليس على الشر وسيكون معنا ولن نخزى أبدا.
بغداد
منتدى النوفلي

http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f4/topic-t291.htm#400

150
المنبر الحر / عراقنا وعراقهم
« في: 08:35 29/04/2008  »
عراقنا وعراقهم

وكما يقولون المهتمون: الكتاب يُقرأ من عنوانه، فإن عنوان مقالتي جاء ليفهم القاريء اللبيب المضمون لما أبغيه فقط من الكلمتين (عراقنا وعراقهم) وبغية عدم ألحاق الحيرة بالقاريء سنحاول تقريب وجهة النظر هذه بالشرح والتحليل وتقديم المعونة لمن يهمه الأمر بالقراءة والوصول إلى القناعات التي تخدم العراق، وموضوعنا اليوم يمكن التوسع به من خلال اتجاهات مختلفة ومتنوعة لكي نوصل للقاريء الفارق بين الحالة التي يطمح لها الانسان العراقي المخلص والمؤمن بمستقبل حر وشريف لبلده مقابل صورة للعراق تلك التي يريدها له الأشرار والذين لا هم لهم سوى الكسب غير المشروع على حساب أبنائه البررة المخلصين وعلى حساب دمائهم وأرواحهم.

وحتى لا يحير القاريء أزاء هذا فإنني أقصد بعراقنا أي العراق الذي ينشده المخلصون .. عراق الحب .. التآخي .. التسامح .. العمل والتقدم، وعراقهم المقصود به هو عراق السير في الدروب المظلمة والذي ينتشر الشر بين حنايا أزقته ورائحة الموت تنبعث من أحيائه بحيث أصبحت الجثث المجهولة وأعمال العنف والقتل والارهاب وصلت حدا لا يمكن السكوت عليه وفاحت رائحته ولم يعد بالامكان أخفاء الأمر أو التغاضي عنه.

إذا نحن نبحث عن عراقنا وتسليط الأضواء الكاشفة عليه وعلى نقاط الاشعاع الثقافي والفكري والعلمي والاجتماعي الموجودة وتسري مع دم أبنائه والتي علاها الغبار وبدأت تختنق لتنطفيء وتعيش في ظلام دامس لا قرار له وتلك تكون الخسارة :

.. فنحن نريد للعراق أن يكون حرا أبيا وهم يريدونه عراقا خنوعا ذليلا لا حول له ولا قوة.

.. نحن نريد العراق واحة غنّاء لأبنائه يعيشون على الخير والمحبة والتعاون والألفة وبقلوب متحدة وأيادي متشابكة للنهوض به وبأبنائه لكي يضعون معا القدم والخطوة الوثقى في طريق المستقبل المشرق، بينما هم يريدون عراقا متفرقا منزويا يعمل أبناؤه فرادى، تتقاطع أهدافهم .. يتربص أحدهم بالآخر لكي ]ُلحق الأذى به ولكي يسلبه حياته أو مقتنياته، يريدون لأبنائهم أن يكونوا متفرقين كي تسهل السيطرة عليهم وأخضاعهم حتى لا يعرفون لطريق المستقبل سبيلا ويقتنعون بكفاف العيش وبما يرمون لهم تجار الحروب من فتات فائض عن موائدهم.

.. نريد عراقا يسترجع لقب أرض السواد بحيث تكتسي أرضه حلّة خضراء ويكون بذلك مصدرا ثقة لأبنائه بأن مستقبلهم ومستقبل أولادهم مضمون وإن خيرات بلدهم  تكفيهم لسنين طوال بما يملكه العراق من أرضٍ خصبة ومياه عذبة وهواء عليل وصافِ وشمس أغنى بها الله سماءه ومنها ممكن أن نلحق بركب التطور واستغلال هذه الطاقة الهائلة التي منَّ بها الله لنا عوضا عن أي مصدر آخر للطاقة هو ناضب لا محالة بعد زمن، وهم يريدون لهذه الأرض أن تصبح بورا تعلوها الملوحة، قاحلة .. عطشى .. يعيش عليها العراقيون محرومين من الخيرات .. خائفين على مستقبلهم، يشكون الضمأ ولا يضمنون الغد ولا بعده ويولون أنظارهم نحو من يقدم لهم المساعدات أذلاء وينظرون إلى الأراضي البعيدة كي يجدون منفذا يهربون من عراقهم إلى البعيد لأنهم لا يجدون في عراقهم سوى الهواء (السموم) الذي يقضي بالموت على كل حياة سواء من الحيوان أو النبات، ويريدون للعراق أن يبقى تابعا للأجنبي، عليلا ينتظر من يوفر له الدواء والعون كي يساعده على النهوض .

.. يريدون أفراغ المخازن العظيمة التي امتلأت بها عقول العراقيين من علماء ومفكرين وكتّاب ومبدعين في كافة المجالات الفنية والثقافية والعلمية والرياضية وحتى الحرفية؛ فكم اسم كان من بين المتميزين بمهنته بين أقرانه من دول الجوار أو العالم، حاربوا الأطباء والمهندسين .. قتلوا الأساتذة والأطباء، والمقاولين ولم يسلم منهم لا الغني ولا الفقير، انتشرت رائحة الموت في كل مكان، هكذا يريدون لعراقهم أن يكون خاليا من الابداع .. ذليلا .. مستهلكا .. يرضى بالفتات ولا يفكر بشيء سوى أن يبقى حيا.

لكن عراقنا أزاء ذلك شيء مختلف وفي معادلات الحياة الصحيحة يجب أن ينتصر الخير على الشر ويجب أن ينتصر عراقنا على عراقهم ولابد للحياة
أن تعود بالجريان بالأسلوب الطبيعي ولابد لنا أن نسبح مع التيار وإن اقتضت الضرورة أن تكون أحيانا ضده ويستوجب علينا بذل مجهودا أكبر فيجب ان لا نتردد بغية انتصار العراق الذي هو عراق الخير والمحبة والامل ويندحر الأعداء وتختفي الهجمة الصفراء ويتم وأد العنف والقضاء عليه كي تعود السماء صافية وخالية من كل الغيوم السوداء التي تلبدت وحجبت شمس الحرية ورب المجد سيكون حليف الناس المؤمنين الذين لا يألون جهدا في سبيل أعلاء كلمة الحق ولا بد للباطل أن يكون زهوقا.

عبدالله النوفلي

17 نيسان 2008

http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f4/topic-t273.htm#382

151
الأمية في الديمقراطية
تطمح الشعوب لنيل حقوقها عبر نظام ديمقراطي يضمن لكل ذي حقٍ حقه، ولا يُغبن أحداً وكل ذلك بطريق سلمي جميل دون اللجوء إلى العنف أو التهديد به أو أرهاب الآخر بغية الحصول على المطاليب حتى وإن كانت مطاليب شرعية لا غبار عليها، لكننا في العراق لدينا الأمر مختلف فغالبا ما نلجأ إلى آخر العلاج الذي هو الكي بغية حصولنا على مبتغانا بأسرع وقت ممكن، وهذا أمر يخالف العُرف العالمي لحقوق الإنسان وللمسيرة الديمقراطية السليمة التي تلجأ إليها الدول المتحضرة .. المتقدمة التي يكون الإنسان لديها هو القيمة العضمى التي تحافظ عليه بل تطوره ليحقق الرُقي الذي تنشده هذه الدول.
وهذا الحال المختلف لدينا في العراق لم يأتِ هكذا من فراغ بل حتما يوجد في الواقع ما يجعل من العراقي سريع الغضب، عجولا ولا ينتظر أبدا ويكون السيف أو البندقية أو السكين أو الحربة أسرع ما يكون إلى يده عندما يشعر أن خطرا ما يهدد مصالحه، وتغيب عنده الحلول العقلية التي ممكن حل معظم المشاكل إن لم تكن كلها بالتراضي والتفاهم حتى يخرج الطرفين وهم أصدقاء لا يوجد ما يفرقهم. ولعل هذا الحال الذي هم عليه العراقيون جعل من العراق مرتعا لأطماع قوى خارجية منذ القِدَم، فنجد أن أرض العراق كانت مسرحا لغزوات قوى مختلفة ولم يهدأ مطلقا حيث تسيطر عليه قوات من الشرق أو الغرب لتتحكم برقاب أهله ويشربون من كأس المرارة حتى الثمالة، ومن هنا نجد أن السائد في الأغاني العراقية هي نبرة الحزن والمواويل والأبوذيات والسويحلي أو العتابة وكلها بألحان تدخل الهم إلى القلب وتجعل من الدموع تأتي مِدرار لأن الظلم موجود والحزن موجود وكذلك القهر، وعندما لا تستطيع دفعه تلجأ إلى أضعف الإيمان الذي هو ندب الحظ والبكاء على الأطلال، هذه الحال أثرت سلبا على النفس العراقية وربما أيضا للجو الحار جدا صيفا وللصيف الطويل وللحاجة المستمرة للأجهزة التي هي خارج يد الغالبية من العراقيين بغية تكييف الأجواء، فتلك وهذه وربما غيرها جعلت من العراقيين سريعي الغضب، ويعملون بأقصر الطرق للوصول إلى هدفهم للحصول على مبتغاهم، حتى غدت المقولة الشعبية (أحنا ما تصير ألنا چارة) شائعة بين الناس وكأن الأمل فُقد من العراقيين ولا يمكن أصلاح حالهم مطلقا.
هذه المقدمة سقتها كي أدخل إلى واقع عراق اليوم الذي يفترض أنه سَلك مَسلكا ديمقراطيا صحيحا منذ ما يقرب من خمس سنوات أي ما بعد ربيع 2003، لكننا نجد وبعد خمس سنوات مِن التَمامِ والكَمال من الممارسات (الديمقراطية) تلجأ هذه القوة أو تلك أو هذا التكتل أو غيره مما شاع من تسميات التي امتلأت بها الساحة من التكتلات والتيارات والأحزاب ربما لو جمعناها لتجاوز عددها ما موجود في بلدان عديدة!!! هذه وبغية أثبات وجودها ولأن المناقشات البرلمانية تأخذ وتعطي وتستمر ويتم اتخاذ القرارات وتنقضها السلطة الأعلى ومن ثم يتم أعادتها بغية تصليح سبب النقض الأمر الذي يستغرق وقتا وجهدا ويتطلب الانتظار وطول البال والخلق الذي لا تراه عند أهل العراق بسبب الظروف التي سبق وذكرناها، وهنا يُثبت العراقيون أنهم أميون في الديمقراطية ومسالكها وممكن أن يقوضونها بلحظة انفعال تماما كما فعل أحد القادة يوما ومن لحظة انفعال واحدة ماسكا بمنفضة للسكاير أراد رمي غريمه السياسي الآخر وأشعلَ حربا ما زلنا نعاني منها، ولو كان ذلك السياسي قد تمالك أعصابه واستخدم ما وفر له الله من عقل وقدرات للتفكير واللف والدوران لكنا قد تجنبنا الكارثة التي أوصلتنا إلى حال اليوم، بحيث زادت من تعقيدات حياتنا وتم تدمير كامل بنانا التحتية وأصبحنا نتحسر على أيام الجوع لأن الأمن كان وقتها موجودا!!!
واليوم ليس بأفضل من البارحة، فديمقراطيوا اليوم ليسوا بأفضل حال من ديكتاتوريوا الأمس، فهؤلاء أيضا لا يهمهم كم سيُقتل أو كم من المقابر الجماعية ستضاف إلى ما كان موجود أصلا في العراق ويحاولون الالتفاف على الديمقراطية تحت مسميات جديدة: عصيان مدني، وياريت لو كان هكذا لأننا فورا نجد القاذفات تخرج والبنادق والعناصر المدججة بأحزم من العيارات النارية لتُرعب الناس، ومن هؤلاء الناس؟ بالتأكيد هم ليسوا سوى أخوة لهم يرعبونهم وربما يقتلونهم، إن لم يطبقوا شريعتهم بأغلاق المحال وقطع الأرزاق و و و ... وهذا الشعب كيف يعيش؟ ليس المهم ، لأن المهم هو أن يطبق سياسة هذا التكتل أو ذاك الحزب او التيار، لأن طروحات هذا أو ذاك يجب أن تمشي، ولتذهب الديمقراطية إلى الجحيم، وكنا نستهزيء بدول متقدمة عندما نجد برلمانييها يستخدمون الأيدي في العراك داخل قبة البرلمان، لكن الشعب يعيش مرتاحا ومطمئنا ولا تنتقل تلك الاشتباكات خارج القبة، لكننا نجلس تحت قبة البرلمان وربما لا نستخدم اشتباكات بالأيدي لنبدو للعام كبرلمان متحضر، لكننا نستخدم الأسواء خارجه، فلم يمض يوما دون أن تعثر الشرطة على جثث مجهولة!!!
فمن أين يأتي هذا المجهول ليتحول إلى جثة؟ وفي ضل نظام ديمقراطي!! سؤال يبقى يبحث عن إجابة في هذا العراق الذي أصبح دمويا ووضعه العام يُبشر بغيومِ سوداء مقبلة في كل زمان من أزمنته الحاضرة أو المستقبلية لأن مَن يُمارسون فيه الديمقراطية بينهم من لا شهادة دراسية علمية أو أدبية ربما له إنما وصل إلى ما هو عليه عن طريق المحاصصات الطائفية أو ليكون للمرأة مثلا نسبة 25% من المقاعد أو لكون لديه شهادة في الشرع أو ... وتعددت الأسباب والحال واحد!!! لنجد الحال هو أمية كبيرة وميئوس منها بين صفوف نخبنا السياسية، ولم يستفيدوا حتى من دروس الدول التي سبقتنا والذين كانوا يقضون معظم غربتهم بين حناياها ويشاهدون تلفزيوناتها ويقرأون صحفها ويستمعون إلى تحليلات ساستها!!! لكن يبدو أنهم كانوا يُدخلون المعلومة من الأذن اليمنى لتجد مخرجا لها عبر اليسرى، وإلا ما هو التفسير لهذا الجهل؟ ولماذا نلجأ إلى السلاح ونحن نطبق ديمقراطية صناديق الاقتراع؟ وكم سننتظر لكي يكمل سياسيونا تعليمهم في هذا المجال ويشرعون بالخطوة الوثقى الأولى في هذا الاتجاه؟
اسئلة كثيرة تدور في البال لكن المقولة تقول: ناديت إن أسمعت حيا ولكن لا حياة لمن تنادي، فمن له عيون تنظران ليقرأ، ولتسمع آذانه ما يحل بنا وينشر ذلك لأصدقائه لأن في العراق شعب قد ينقرض يوما لأن المعارك مستمرة وربما نحن اليوم نخوض غمار أولاد المعارك التي ذهبت أمهم دون رجعة بذهاب نظامها ومسلسل معاركنا مستمر وكل معركة والعراقيون يتقلصون والله يستر!!!



152
العراق وصولا إلى الرقم (5) وما بعده
!!![/color]

بصورة أكيدة فإن مقالتي لا تتناول مسألة الأرقام كون الارقام عالم خاص به فيه من الأمور المضحكة والمسلية والعلمية الشيء الكثير، لكن بلدنا بأحداثه التي شهدها ماضيا وحاضرا وربما مستقبلا كانت فيها لغة الأرقام ملازمة لها.
فحرب نسميها بحرب ( 8 ) سنوات، ومدة حكم حزب نسميها (35) سنة واليوم نحن أزاء الرقم(5) الذي مضى على سقوط بغداد الحبيبة بيد محتليها وأصبحت أرضها وأرض كل العراق مستباحة تحت أقدام جنود متعددة الجنسيات، تلك الجيوش التي قدمت تحت شعارات رنانة وبراقة سال لها لعاب الكثيرين، لأن الهدف هو تحرير العراق وإسقاط الديكتاتورية والقضاء على ترسانة ضخمة من أسلحة الدمار الشامل وأيقاف سياسة تهديد الجيران و و ...
وأليست هذه مفارقة أن يأتي أجنبي ويحرر أبناء البلد من ابناء بلدهم ويسمي ذلك تحريرا!!! رغم كل الملاحظات المدونة والتي أصبحت من التاريخ حول حال البلد آنذاك، لكن يبقى الأجنبي هو أجنبي ووجوده هو احتلال لا جدال حوله، وإن كان العراقي رازح تحت حكم ابن البلد الديكتاتوري فإنه اليوم رازح تحت احتلال وممنوع عليه حتى التجوال بحرية إذا مر الأجنبي في ذات الوقت والمكان معه في الشارع!!! نسوق ذلك لأنهم وَعَدُونا بأن بلدنا سيكون مثال في الديمقراطية الأول في المنطقة بل أكثر من هذا أن دولا وأنظمة في المنطقة ستتغير بتأثير من شعوبها إن لم تحذو حذو العراق الجديد وتجربته.
كان هذا قبل أن يبدأ العد العكسي للرقم (5) الذي نتجاوزه هذه الأيام لندخل بالذي يليه (6) وربما سيزيد أكثر وإلى ما شاء الله أو إلى أن يعجز القادمون ويعترفون بفشلهم ليلملموا متاعهم ويرحلون غير مأسوف عليهم.
وبين هذا وذاك يبقى العراقي هو الذي يدفع الفاتورة من: دمه .. عمره .. أعصابه .. سكونه وهدوئه .. ماله ... ومن كافة مفاصل حياته، لأنه أصلا كان له خبرة  سابقة بالأحداث الجسام التي تُخرجه من نفق مظلم ليدخل آخر أكثر منه ظلاماً، توقف نزيف حربٍ ليدخل غيرها وهذا نصف قرن من الزمان مضى وهو شاهدَ كم من الوقت مضى هدرا في كل شيء قضاه العراقيون منهمكون في حروب أو بلعقون الجروح عندما تضع الحرب أوزارها تمهيدا لالتقاط الأنفاس والبدء من جديد، بحيث كانت الخدمة العسكرية سيفا مسلطا على رقاب الشباب حتى أن ترتيب أوراق الشاب أو عائلته وعملهم نحو تطوير المستقبل انطلاقا من اليوم نحو المستقبل أصبح أمرا صعبا لان كل الخطط تتبعثر عند حدوث دعوة لخدمةْ عسكرية لا أحد يعلم سوى الله كم ستطول!!! وحتى لو كانت مدتها شهرين كما أصبحت الحالة عليه في القترة الأخيرة، قبل دخولنا نفق ما يسمى بسقوط بغداد.
وأيضا بين هذا وذاك فقد تاه العراقي حدّ الضياع فمن وجود أمن إلى جانب الحروب بحيث تكون العائلة بمأمن على أفرادها وأموالها ومقتنياتها مع القلق المستمر على أبنائها ومصيرهم، إلى فقدان الأمن مع وجود مشاكل أشد وأقسى من الحروب حتى وصلنا إلى معادلة أصعب من سابقتها بأن ما يفتقد إليه المواطن العراقي اليوم هو أكبر وأقسى من حيث النوعية لما كان يعاني منه قبل التغيير، لأن اليوم نعيش حالة فقدان الأمن وأن الأسرة غير مطمئنة على أمنها ولقمة عيشها مع وجود رب الأسرة إلى جانبها إلى درجة أن من يتواجد في البيت لا يضمن حياته وماله و ... والشوارع ملأى بالحواجز والسيطرات تَضاعَفَ عددها داخل المدن والأسوار الكونكريتية أحاطت بالأحياء السكنية وأغلقت منافذ أحياء كثيرة ولم يبقى سوى منفذ واحد للخروج وللدخور في الكثير من الأحياء وبغداد شاهد على ذلك، أمور أصبحت عجيبة وغريبة في ذات الوقت، كل هذه السيطرات والحواجز لكننا نشهد اقتراف جرائم قتل وفي وضح النهار، تفجيرات وعبوات ناسفة وخطف وقتل وبأعداد كبيرة، أفلا يحق لنا التساؤل: لو لم يكن كل هذه الحواجز والسيطرات كيف كان حال العراقيون اليوم؟
سؤال يبقى ربما إلى حين دون جواب طالما توجد بيننا أكثر من عشرون نوعا من الميليشيات التي تربط نفسها بهذا الحزب أو ذاك التكتل لتصبح هذه في بعض الحالات عصابات للقتل والاجرام طالما أن ما يحدث أو سيحدث لا يرضيها أو حزبها أو كتلتها، وكاننا على قول غوار الطوشي (حارة كل من أيدو ألو) وهذه مصيبة ونحن نعرفها ولكن تبقى أعظم المصائب لأنني لا أعتقد يوجد من يجهلها، لنبقى أسرى أرقام لا تسرنا ونحمُل الحسرات في قلوبنا لأننا من لا نملك الميليشيات لكي تحدث التغيير بقوتها ذلك التغيير الذي نطمح إليه في عقولنا سنبقى متمسكين بأضعف الإيمان ولو أننا نكلف ألقلم الذي بين أصابعنا لكي يسطر بعضا من هذه الهموم علنا نسلط الضوء على الحالة فربما يوجد من يغيثنا فنحن إلى أن يأتي المغيث سنبقى نستنجد، وأملنا مصوب نحو رب العلا فهو ملجأنا وبه نستجير.

عبدالله النوفلي
8 نيسان 2008


153
العنف وثقافته في حياتنا

من الطبيعي أن يعيش الانسان بهدوء وسكينة مطمئنا على نفسه وعائلته ويمدّ جسور الصداقة والمودة مع أخيه الانسان الآخر كونه كائن اجتماعي لا يمكنه العيش منفردا، حتى ان المثل يقول: (الجنة بدون ناس ما تِنرادْ)، وعندما خلق الله أبينا الأول (آدم) وجد أنه بوحدته لن يكون كاملا فخلق له امرأة من ضلعه لتعيش دائما إلى جانبه، وهكذا نمت البشرية وتكاثرت منهما إلى أن وصلت إلينا اليوم بهذا الحجم الهائل من البشر الذي بدأت الأرض تضيق بهم.

لكن الحياة لا تسير دائما هكذا، لوجود جملة من المؤثرات التي تؤثر فيها إن سلبا أو إيجابا، بحيث تتطور بموجبها أو تتأخر وحسب نوع التأثير، فقد تحصل عملية الدفع إلى امام أو السحب إلى الخلف وجراء هذا نجد الانسان يجهد نفسه .. يبحث .. يسأل .. يقرأ .. يدرس .. يتعلم وقد يتقدم بحياته حسب النمط الذي خطط له، وهذا يعتمد على سلوك الانسان الذي يتكون وينمو بدءا من بيته ومن ثم أصدقائه والمجتمع، وقد تخدم الصدفة بعضهم كي يتطوروا نحو الأحسن، وقد تكون هذه الصدفة سببا للسقوط والسير باتجاهٍ معاكسٍ للتيار الطبيعي للحياة.

ومن هنا وانطلاقا من هذه المقدمة البسيطة نجد أن الخير والشر موجودين في الحياة جنبا إلى جنب، كما أن الحياة مملوءة بالمتناقضات التي لا تعد ولا تحصى؛ فمع البكاء يوجد الفرح والضحك، ومع الموت يوجد ولادات لحياة جديدة، وهكذا يمكننا كتابة الكثير الكثير من المتناقضات التي تحفل بها دنيانا هذه ... ويبقى الشر هو العدو اللدود للحياة الذي يحاول الانسان إما القضاء عليه أو تجنبه، وهذا أضعف الايمان، لأن كما نعرف أن الوسائل كثيرة ويبقى التمني في القلب لتغيير شيء ما أو القضاء عليه أضعف الوسائل، وقد نطلق عليها انها وسيلة الضعفاء او الذين لا حول لهم ولا قوة... وكما ينمو الانسان ويتقدم في حقل المعرفة نحو الامام وفي مجالات إنسانية وعلمية تخدم البشرية، يكون دائما في المقابل اناس آخرون يتقدمون ويتفننون في الاتجاه الآخر الذي يُلحق الأذى بالآخرين، ومثلما تعمل الشرطة بطرق شتى للحد من الجريمة، هكذا يلجأ المجرمون لتغيير سلوكهم والتفنن بوسائلهم وسلوكهم حتى يموهون على الشرطة ويجعلونها تضلّ السبيل عن الهدف في المسك بالمجرمين، كما ان بيوت المعرفة أخذت تُدّرس هذه الحالات وتم استحداث كليات ومعاهد بل جامعات للتقصي عن الأسباب التي تجعل من الإنسان يجنح نحو الشر ولا يسير دائما في طريق الخير، فكان ما يُسمى بالطب النفسي لتحليل شخصية الانسان سواء الوديعة أو الشريرة بغية تسليط حزم من الضوء عليها ويزداد غنى الناس الأسوياء وينتبهون إلى نقاط الخلل ووأسباب حدوثها ربما في حياتهم ودون علمهم أو على الأقل دون إرادة منهم أي يكونوا مرغمين لممارسة أدوارهم الشريرة نتيجة ضغوط خارجية أو خوف أو طمع بالمال أو لمصلحة شخصية انانية، لكن الأسباب تعددت والشر هو واحد وإن تعددت أشكاله...

ومن هنا نستطيع القول، كما ان للخير ثقافة فكذلك للشر ثقافته وللعنف أيضا، وقد نجد لدى الأشرار ما يتكلمون عنه مبررين أفعالهم؛ فمنهم من بررها بالمقاومة وخاصة عندما يوجد احتلال ويعتبر نفسه وطنيا ومقاوما غايته تحرير وطنه من الاحتلال ... لكن هذا لا يفكر بالجوانب السلبية لأفعاله كونها تفتك بأناس أبرياء لا ذنب لهم وأحيانا يكون هؤلاء فقط الضحايا وليس الاجنبي. ومنهم من يبررها كون الحكومة غير عادلة وتتصف بالظلم والديكتاتورية، وهذا يحاول مقاومتها بغية أرجاعها إلى صوابها كي تكف عن الظلم، لكنه أيضا يتناسى أن من يعمل في الدولة والغالبية الساحقة منهم هي لكسب عيشهم ومن أجل الرزق الذي يعيل به عائلته ويربي أولاده بشرف وفضيلة، فما ذنب هؤلاء ليكونوا ضحية عمل عنف لمن يعمله ضد الدولة؟

وإلى جانب هؤلاء نجد ويمكننا الكتابة عن عشرات الحالات والأمثلة التي يكون فيها الضحايا هم فقط من الأبرياء لا غير، ولكن يبقى من يقوم بهذه الأفعال ويُقنع نفسه بأنه سائر في طريق الخير قائلا أن العملية الجراحية تحدث ألما في الجسم لكن النتائج تكون تخليص الجسم من ورمٍ ما أو من عضو ميت يكون بقاؤه خطرا على الانسان، ويعتبر هذا الانسان أن أفعاله هي مثل هذه الجراحة.

وهنا على المجتمعات أن تتقدم في الدرس والشرح والتوضيح كي لا يبقى حجة لمن يتعكز على أسباب واهية ولا نترك لأمثال هؤلاء الحجة ليستمروا ونفضح أعمالهم الشريرة، فهؤلاء أيضا يستخدمون في حياتهم العامة تعابير وأساليب موجودة عند الناس الأسوياء، فمثلا جماعة الذبح والقتل يستخدمون قرارات يسمونها شرعية صادرة من مفتي الجماعة، هذا الانسان الذي يفهم بالشريعة ويعرف قصاص الاساءة حسب الشرع وذلك كي يضهروا وكانهم يطبقون حكما ربانيا وهم أبرياء من دم يوسف تماما كما كان الذئب بريئا في القصة الحقيقية!!! لكن قصاص الله لن يكون بسيطا لمن يتخذ من كلامه أساس لسفك دماء إنسان آخر هو أخ لنا إن لم يكن في الدين فبالإنسانية.

والزمن يتغير وهذه الثقافة تتغير معه ويكون المجتمع البسيط الذي ليس له ضلعا في السلطة دائما هو المتلقي لما تضخه له السلطات أو الاذاعات أو أجهزة التلفزيون أو الصحف والمجلات، لأن وسائل المجتمع البسيط تبقى بسيطة هي الأخرى ليكون تأثيرها لا يذكر أزاء تأثير أعلام الدولة مثلا، والدولة غالبا ما تسيّر الثقافة باتجاه سياساتها وأهدافها حتى تفرض سيطرتها على الآخرين وما كنا نقوله ونستخدمه قبل عشرين سنة تغير بعد عشر سنين واليوم تماما أصبح الأمر معكوسا فقبل عشر سنوات مثلا كانت كل الأجهزة المرئية والمقروءة والمسموعة تردد الحزب الفلاني عميل، بينما نجد اليوم ذلك الحزب الذي كان قائدا أصبح هو في هدف أجهزة الاعلام ليصبح محذورا ويأتي بدله غيره وهكذا فإن الثقافة وليدة امور كثيرة ومعطيات ... ومجتمعنا لم يصل إلى القرار الحر الخالي من تأثيرات مختلفة منها حزبية أو دينية أو قومية، وغيرها من التأثيرات التي تخدم مصلحة دون أخرى، وطالما أن الإرادة مرهونة بما يكبلها من أمور فإن العنف سيكون له ملجأً يأويه ويوفر له المكان الآمن والدعم المادي اللازم.

وإلى أن يصبح مجتمعنا حرا بكل ما تعنيه الكلمة بحيث لا يوجد أثر للميليشيات أو لفرق الموت وللعصابات وللسلب والخطف وكبت للحريات وتدخل الأطراف المختلفة في القرار السياسي، عندها سنجد بسهولة ان ثقافة العنف سوف تنحصر بحيز ضيق وتجف منابع الارهاب ويكون القضاء عليه بسهولة لأن صناديق الاقتراع ستكون هي الفيصل بدل الرشاشات، والبرلمان هو يحسم النقاشات وبالتصويت وتكون الأكثرية هي المتنفذة دون أن تغبن حق الأقلية باحترام آرائها، ويكون للجميع هدف واحد هو الوطن كله وليس أقليما دون آخر أو محافظة دون أخرى، عندها سنحضى بالأمن والأمان ونعيش بقية العمر دون خوف أو هلع، نطلب من الله أن يجعلنا نصل إلى ذلك اليوم وتلك الساعة لأن عندها فقط ستبدأ الحياة بالنبض.


عبدالله النوفلي

http://abdullahnaufali.ahlamontada.com/montada-f18/topic-t191.htm#260



154
المنبر الحر / هل الغرب مسيحي ؟
« في: 18:22 22/03/2008  »
هل الغرب مسيحي؟

نطالع بين الفينة والأخرى كتابات  بعض الأخوة الكتاب من هنا وهناك وخاصة من الأخوة المسلمين وكأنهم يعتبرون في كتاباتهم كلما هو نابع من الدول الغربية (أوربا وأمريكا) كونه مسيحيا !! وهذا جعلني أعود للمسك بالقلم وأكتب عددا من الجمل لكي أجعل من الأمر جليا لهؤلاء الأخوة ولمن ليس له الأمر هكذا أو لكي يكف عن أطلاق الأحكام جزافا دون التحقق منها وعلى الأقل يجب أن يضع الأمور في نصابها الصحيح.
هل كل من هو في المجتمع الإسلامي، مسلم؟
سؤال يجب أن نضع له الإجابة كي نستطيع فهم غاية هذه المقالة بوضوح، فنحن في الشرق العربي عشنا سياسات لحكام منها دكتاتورية ومنها رجعية ومنها تقدمية وكل هذه المسميات لا أخفيكم سرا لم أفهم معناها بوضوح تام وكنا نسمع من يقول أو ينعت غيره من الحكام بأنهم عرب في الجنسية!! وعلى هذا الأساس ممكن يكون الإنسان مسلما في الجنسية أو مسيحيا، لأنه قيل ليس كل من يقول لي يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات بل كل من يعمل بكلام الله ومشيئته!! وهنا يصبح الجواب أن من يسكن في المجتمع الإسلامي ليس بالضرورة أن يكون مسلما حتى لو كان في دولة كامل سكانها يحملون الهوية التي تشير إلى كونهم مسلمون، بالإضافة لأن بعض الدول أو في كثيرها من التي تسمى بالإسلامية فيها من السكان الأصليون من هم ليسوا بالمسلمين، ويعتنقون ديانات مختلفة، فهذه تركيا أو العراق او لبنان أو ماليزيا أو أندونيسيا ... وغيرها من الدول فكيف نستطيع الجزم أن كلما يصدر من الدول الإسلامية هو إسلامي؟
هل أن كل من هو في المجتمع الغربي، مسيحي؟
سؤال آخر ليست الإجابة عليه صعبة، لأن دولا غربية كثيرة فيها من الجاليات المُسْلمة العدد الكبير، فهذه روما في جامعا لا مثيل له في كثير من الدول الإسلامية وهي عاصمة لإيطاليا، وهذا المرشح للرئاسة الأمريكية عن الحزب الديمقراطي، أوباما وهو من خلفيات مسلمة، كما ان بريطانيا وبلجيكا والسويد والولايات المتحدة الأمريكية فيها من المسلمين ما لا يعد ويصعب أحصاؤه، بل توجد أحياء في مدنها، هي مسلمة صرفة ناهيك عن الجوامع المنتشرة في مختلف أرجائها.
ولو أخذنا قوات التحالف في العراق نجد فيها مسلمون إلى جانب ديانات أخرى كما يوجد علماء مسلمون يرافقون الجنود المسلمين لتكملة الواجب الديني لهم وهم في خدمتهم العسكرية، فكيف نسمي الغرب كونه مسيحي؟
كما يوجد طروحات عند بعض مفكري آخر زمان من يقول أن للغرب المسيحي النية بجعل الحرب المستقبلية بين الغرب المسيحي والشرق المسلم لذلك يحاول أفراغ الشرق من المسيحيين حتى يتسنى له تنفيذ هذا المخطط تمهيدا للقضاء على الإسلام!!! إنه حقا تحليلا ساذجا لمن يذهب هذا المنحى، لأنه وبأبسط جواب لو كان هذا صحيحا كان بالحري على الغرب الذي يسمونه مسيحيا أن يُخرج المسلمين من أراضيه لأن هذا أسهل عليه وببساطة يمكنه إيجاد المبررات حتى يصبح الغرب مسيحيا قبل أن يخرج المسيحيين من الشرق الأمر الذي ليس بيده ولا يستطيع التحكم به لأنه خاضع لإرادة الأشخاص أنفسهم ولإرادة دول مستقلة ذات سيادة!!! بالإضافة إلى أن في هذا الغرب أديان لا تعد ولا تحصى وإن لم تكن الأديان بهذا الحجم فالطوائف أو الملل هي هكذا فقطعا هناك اليهودي والمسيحي والمسلم والبوذي واللاديني.
ومما أتضح أعلاه:
هل يجب أن نسمي من رسم الرسوم المسيئة لرسول الإسلام مسيحا؟
وللمعلومات إن هذه المشكلة بدأت في الدانيمارك تلك الدولة الأوربية القصية في الشمال، والتي فيها من الجالية المسلمة العدد الكبير، ويحضرني هنا موقفا حدث قبل عدة سنوات عندما رفضت الجامعات التركية (دولة مسلمة) قبول فتاة محجبة في كلياتها كونه (محجبة) أي أنها مسلمة محجبة، لتقبلها جامعة دانيماركية هذه الدولة التي يسمونها مسيحية فيها وهي محجبة ولم تفكر أنها مسلمة مثلا، أو ستسبب أي ضرر في المجتمع الدانيماركي، كما أن فرنسا عندما منعت لبس الحجاب لطلاب المدارس أقام الأخوة المسلمون الدنيا ولم يقعدوها لكن الأمر الفرنسي كان يمنع ارتداء كافة الرموز الدينية لمختلف الديانات ومنها الصليب الذي هو رمز للديانة المسيحية، فأين الغرب من تقصد الإساءة؟
وأنا هنا لا أدافع عن الغرب بل أوضح مسائل دينية يحاول الكتاب لصقها جزافا بالدين، والدين عنها براء، فالرسام ممكن أن يكون مسيحيا لكنه قطعا ليس من المؤمنين المسيحيين كونه لا يطبق تعاليمه الدينية التي توصيه أن يحب بلا حدود وحتى أعداؤه!!! وأن يصلي من أجل مبغضيه!!! ومن يحب لا يسيء مطلقا لغيره، ويجب أن نسأل أنفسنا سؤالا آخر: لماذا رسم هؤلاء ضد الإسلام؟ مع أنهم لم يرسموا ضد الإسلام فقط بل ضد رموز مسيحية وضد رموزهم السياسية ورمز أديان أخرى!!! والجواب هنا أيضا بسيطا لأن المسلمون أنفسهم جعلهوم يذهبون هذا المنحى من خلال وسائل الأعلام عندما يعرضون صورا للتفخيخ والقتل والذبح على شاشات التلفزيون وأجهزة الكومبيوتر وعبارات (بسم الله الرحمن الرحيم) أو (لا إله إلا الله محمد رسول الله) خلفهم !!! فكيف يسمح الدين وآياته المباركة التي هي كلام الله العزيز بمثل هذه الأفعال؟ دون شك هم الذين يسمحون لأنفسهم وأقصد الفئة التي جعلت من الدين ستارا لأعمالها سمحت لنفسها بتشويه صورة الدين لدى الآخرين والذين يجهلون الاسلام وآياته وكتابه الكريم.
ومن هنا أجد بعض الأخوة يسمي المسيحيين (بعُباد الصليب!!!) وهذه أيضا جناية أخرى لا يستحقها المسيحيون لأن الصليب عندهم هو رمز فقط ويتباركون به لأن على هذا المثال صلب المسيح وهذه التي كان اسمها خشبة العار قبل المسيح تباركت بدم المسيح عندما علق عليها وسال دمه الكريم وأصبحت رمزا يضعونه المسيحيون في أماكن الصدارة في بيوتهم او اعمالهم أو أي مكان يتواجدون فيه تماما كما يفعل المسلمون بالسيف حيث نجده في راية السعودية وفي رايات حركات أسلامية عديدة منها حركة حماس وطالبان والاخوان المسلمون وغيرهم... فليست البركة عبادة.
أرجو أن نأخذ الأمور بعقلانية عندما نواجَه بتحديات الغرب الذي لا دين له بقدر ما له مصالح، كما ان هناك أعداء للإسلام وللمسيحية ومصلحته أن يُحطَم هذين الدينين كي يستأثر هو في التحكم بالعالم من خلال الدين الأوحد والعرق الصافي كونهم شعب الله المختار!!! ونجد هذه الزوبعة تثار كلما طفت إلى السطح محاولات التفاهم أوالحوار الإسلامي المسيحي، كما ان في الغرب شركات رأسمالية غايتها تحقيق أكبر قدر من المكاسب ولا يهمها أي شيء آخر أزاء هذا لأن عندها الغاية تبرر الوسيلة ودولها لا تستطيع ممارسة الضغوط عليها لوجود قوانين تعطي الحرية للجميع وتعمل وفق شريعة حرية الإنسان الدولية وغيرها من التشريعات. 
إذا الغرب ليس مسيحيا.

عبدالله النوفلي
22 آذار 2008

155
صعق الشعب المسيحي في العراق، ومعه كافة محبي الحرية والسلام لما آلت إليه نتيجة اختطاف رمزا من رموز الكنيسة في الموصل الذي جلّ عمله ينصب باتجاه المحبة والسلام، لأنه بالفعل كان رجل صلاة ورجل عطاء، ورجلا أحب العراق إلى أقصى الحدود وبذل في النهاية ذاته من أجله وبقي صامدا في موقعه ولم تثنه الأوضاع المتردية والدروس السابقة التي حدثت في المدينة ومنها استشهاد أحد كهنته (الأب غدير كني) وخطف العديد من القساوسة إلى جانب استشهاد العديد منهم ومن الشمامسة، بحيث كانت للكنيسة الكلدانية النصيب الأوفر من الهجمة الشرسة.
وشهيدنا اليوم هو الأول من نوعه بهذه الدرجة الكنسية، إنه الراعي بل رئيس أساقفة، إنه رئيس طائفته على الموصل وتوابعها، هذا الراعي الصالح الذي لم يترك قطيعه أبدا بل بقي إلى جانبهم يعطي مثالا في التضحية حتى الرمق الأخير الذي لم يبخل به لكي يحتذي به أولاده من كهنة وشمامسة ومؤمنين من العلمانيين، وهو بذلك أعطى عطاءا غير محدود وأبلى بلاءا حسنا في كرم الرب بحيث استحق كامل أجر الوزنات التي تاجر بها، فإن كان ربنا قد ضرب مثلا جاء به أن الوزنات الخمس هي الأعظم بين الوزنات التي أعطاها رب العمل لمن يعمل لديه وهي الأكبر فإن بولس فرج رحو قد استحق أن يكون من المتاجرين بالكمية الأكبر لأنه أهلا لها ومستحقها كونه ضحى بكل ما يملك ليفوز برضى سيده، تماما كما الجوهرة التي يبيع الإنسان كل ما يملك لكي يشتريها وهو قد اشترى الملكوت بدمه.
وربنا في كلامه يرد أن الأجر يكون مائة وستين وثلاثين، أي إن كان القياس حسب قوة الفعل وتأثيره فإن أجر سيدنا الجليل يكون مائة لا غير أقل منها لأنه خدم بأمانة وأخلى ذاته من أجل أحبائه، وخدم شرائح متعبة ومهمشة ومهملة في مجتمعنا عندما احتضن جماعة المحبة والفرح وخصهم بجزء ثمين من وقته واهتمامه لكي يرفع من هذه الشريحة إلى مصاف شرائح المجتمع التي يكون وجودها أمرا طبيعيا وتستطيع تقديم الخدمة هي الأخرى بلا حدود كغيرها من الأناس الأسوياء الذين نالوا نعمة من الله بعدم وجود ما يعيب خلقتهم أو يكون عقلهم متكاملا أو بلا عيوب جسدية ويخدمون ويقدمون ويحصلون على الأجر.
فإنه كان في الخدمة متقدما ... وفي الكنيسة متقدما ... وفي العطاء سخيا ... وفي المحبة مبادرا ... كما كان أيضا في شهادته كاملا كسيده الذي قضى رسالته على الصليب بينما هو قضاها بين أيدي الجلادين حيث الأسر ... التعذيب ... الجوع ... الإهانة ... المرض ... وفي النهاية الموت ... موت العذاب.
فهنيئا لك أيها الأب المبجل ... أذهب فقد نلت نعمة من سيدك لتكون عن يمينه ممجدا أمام العرش الإلهي محاطا بالملائكة والقديسن، فاليوم السماء تحتفل بالقادم الجديد الذي مهد لقدومه من قبل رفاقه الثلاثة الذين سبقوه لكي يعدوا له الطريق إلى الملكوت كما مهد من أرسلهم ربنا خميس الفصح ليعدوا له العشاء الأخير قبل الفداء، رفاق الشهيد مهدوا له أيضا في السماء وربما فرشوا له من الأغطية وأغصان الزيتون بأنه كان شهيدا للسلام والمحبة. نم قرير العين يا شهيدنا لأنك أعطيت بلا حدود وحتما ستنال بركة سيدك وتسمع منه وهو يقول: تعال يا مبارك أبي رث الملك المعد لك منذ انقضاء العالم، ومن هو الأحق منك بهذا الملك؟ فنطلب منك أن تتضرع من أجلنا لكي يكون لنا شيئا من نصيبك الأوفر.
عبدالله النوفلي

156
كلام للمرأة
كل عام وفي شهر آذار مارس تتقدم المرأة كعنوان إلى واجهة المقالات في الصحف والمجلات والمواقع الأليكترونية، لا لسبب إلا لوقوع عيدها في هذا الشهر، لكن المرأة هي دائما في الواجهة وإن اختفت هذه الكلمة من قاموس الحياة اليومي، لأنها بمكانتها مثبتة في الواجهة شئنا أم أبينا لأنها بأبسط تعبير: السيدة الأولى في البيت إن كانت زوجة، وهي الحضن الدافيء كصديقة، تستمع برقة وتهتم بهدوء وتساعد دون مقابل، وهي الإنسانة الرقيقة وبأمس الحاجة لكي نمدّ لها يد المساعدة لا لكونها ضعيفة بل لتكوينها الجسدي الجسماني وموقعها الاجتماعي المُكبل والمُقيد بتقاليد وعادات اجتماعية؛ منها الحديثة ومنها الموروثة والتي لا تُعد ولا تُحصى.
فنظرة بسيطة لحياتنا نجد من خلالها أن الوردة الجميلة لا يظهر جمالها الحقيقي إلا عندما تصبح بيد المرأة، ومشاعر الحب والود والحنان لا نحصل عليها إلا عندما ترتد من حنجرة أنثى تستقبلها لتبادلنا أياها حيث تلتهب المشاعر وتحمرّ الوجنات وتتسارع ضربات القلب والنبضات .. كما ان الشعراء تصبح قصائدهم فارغة من محتواها عندما تغيب عنها كلمات الحب وكلمات عن المرأة، لأنها الملهمة وهي في حياة الرجل العنصر المُكمل وبدونها سيبقى الرجال غير كاملين مهما تقدموا في مجال العظمة خاصة عندما تغيب المرأة عن حياتهم.
فعيد المرأة هو عيد للحب، وهو عيد الحب الحقيقي (عيد الفالانتاين) لأنه عيد للصداقة .. عيد للمشاعر الجياشة .. عيد للشعراء .. للفن .. للصحافة .. عيد لنا جميعا، والمرأة هي معنا؛ أما وزوجة وأختا وابنة ... فهكذا وجود في حياتنا يتحتم علينا تسليط الأضواء وأعطائه الاهتمام اللازم لكي يكون حضورا متميزا فاعلا يأخذ كامل حجمه ولا نلتفت إلى الجانب السلبي فقط من البعض الذين لا يحترمون أنفسهم وبذلك يقل احترامهم ويتم فقدانه لتنقطع العلاقة الصحيحة والواجب الوصول إليها ما بين الرجل والمرأة. وهذه العلاقة لكي تكون وفق الأمنيات التي طرحناها يجب أن تُبنى وفق سياقات صحيحة خالية من الاستغلال وتلتزم بالواقع الاجتماعي والعرف والتعاليم الدينية والدنيوية، لأن كل القيم والتعاليم تحترم المرأة وتبجلها وتطلب منا ان نكون معا (ذكر وأنثى) لكي نتعارف.. لكي نتبادل المشاعر والأحاسيس .. لكي نعمل ونخلق المعجزات .. لكي نكوّن الأسرة التي تعطي ثمارا يانعة ولكي يعيش الحب وينمو وتصبح الحياة تمتاز بالرونق والبهاء.
إذا مرحى لك أيتها المرأة ليس فقط في هذا الشهر بل في كل أشهر السنة وأيامها لأن وجودك هو في المركز ولا يصح مطلقا دفعك عن هذا الموقع لأن الدائرة سيتغير شكلها ولا تنطبق عليها قوانين الطبيعة، وتكون الحياة متوازنة عندما تصبحين أنت مركز حياة الرجل وتكونون معا كيانا واحدا يبهر الإنسانية ويعطيها الطعم الأكثر حلاوة في المذاق.

157
المنبر الحر / بغداد والثلج
« في: 20:53 15/01/2008  »
بغداد والثلج
قد يكون الثلج غريبا على بغداد، ففي الصيف يكون نادرا لكثرة الطلب عليه نظرا لحرارة الجو المرتفعة جدا ولشحة الكهرباء التي لا تساعد على وجود ماء بارد في الثلاجات المنزلية لكي يُطفيء الإنسان ضمأه ويخفف بواسطته من درجة حرارة جسمه، ورغم إقدامنا على شراء قوالب الثلج لكننا نكون مترددين مخافة التلوث ونقل الأمراض وغيرها ليكون الهَناء الذي نشعر به ونحن نشرب ماءا باردا مصحوبا بالقلق لتختفي سعادتنا وتنحسر نشوتنا.
ولكن أن يسقط الثلج ... وفراً في بغداد!!! ثلج الله على البشر في أرض السلام ... فهذا من الأمور التي لا يحظى بها ابن بغداد إلا ما ندر وفي أيام معدودة ربما من عمره، وهذا ما كانت عليه صبيحة يوم 11 كانون الثاني 2008 حين ابيضّت السماء وتلبدت بالكامل واتشحت برداء أبيض لتعطي منظرا جديدا لبغداد لم تألفه لا يتكرر دائما، أفرحت الأطفال وهرعوا من نومهم مسرعين ليعيشو هذه اللحظة النادرة تاركين أسِرّتهم مُبكّرين ليتمتعوا بما أرسله الله لهم في هذا الصباح المبارك وكأن السماء تبشر البشر في بغداد بواسطة سقوط هذا الثلج بأن هذه علامة لكم وستجدون البياض في كل مكان وتضعون حدا للسواد ليبدأ عهدَ حللِ جديدة بدلا من تلك العتيقة التي ملّت منها الأنفس وضاقت بها ذرعا.
فقد ارتدت الحدائق حلّة بيضاء والثلج ينزل بغزارة والفرح يشع من قلوب المؤمنين بأن الله يريد أن يزيل غمة هذا الشعب... يريد ان يتوقف العنف ويعلن البراءة عن كل من يرتكب أعمال القتل والتخريب متذرعا بكلمات من كتابه العزيز، فهذا الرب العظيم قد أعطى لنا آية كما اعطاها يوما للمجوس لكي يتبعوا النجم حيث مولد طفل المغارة، فإن الآية التي أعطاها لنا اليوم ربنا هي هذا الوفر من الثلج الناصع البياض وعلينا فهم الرسالة لأنه يريد لنا قلوبا بيضاء خالية من الحقد والكراهية، مملوءة من الحب والاحترام، يريد لنا الله في آية هذا الصباح أن نترك لباسنا القديم ونلبس الملابس الجديدة، أن نبدأ صفحة بيضاء كبياض الثلج الذي أعطانا أياه لكي نلتفت إلى عراقنا الجريح ونداوي جراحاته، فالعراق باقٍ وسيستمر لنا، والمحتل راحلٌ ولن يعود إلى الأبد بإذنه تعالى ونحن المسؤولون عن بنائه وصونه والدفاع عنه، فلا تخريب للكهرباء وبناه التحتية يُخرج المحتل، ولا تدمير أنابيب النفط بُخرجه، ولا زرع العبوات الناسفة هنا وهناك يُخرج المحتل والجريمة الكبرى عندما نعتدي على حرمات بيوت الله ... بيوت الصلاة فهذه أيضا لا تُرغم المحتل على الخروج.
فالمحتل كل هذه يجدها حجة لكي يبقى ويستمر جائما على صدورنا ينهكنا ويتعبنا ويمتص مواردنا لكن إن أبطلنا حججه سنحدد بأنفسنا وقت رحيله غير مأسوفٍ عليه وما علينا سوى أن نقرأ العلامات التي أعطانا أياها الله من خلال كتبه المقدسة والتي مازال يعطينا أياها إن كان لنا آذان تسمع أو عيونا تنظران لكي نفهم ونعي حجم المسؤولية التي نضطلع بها طالما آمنا برسالات السماء.
إذا ليكن بياض الثلج الذي انهمر على بغداد بغزارة رمزا ليصبح قلبنا أبيضا شفافاً خاليا من الدنس، ومن البغض والضغينة، بعيدا عن الكراهية، محبا للأخ الذي هو الإنسان الآخر مهما كان لونه أو جنسه أو دينه فالله خلقنا شعوبا وقبائل لنتعارف لا لنتتقاتل ونصفي بعضنا البعض كما فعل أول قتلة هذا العالم (قائين) بأخيه (هابيل) أول الضحايا، وعند ذلك سنحصل على بركة الإله القدير وما علينا سوى تحديد السبيل لكي نسير وفق مشيئته وحتما أننا لن نحزن أبدا.
عبدالله النوفلي
11 كانون الثاني 2008

158
الرسالة 18 من تحت الأنقاض
عزيزي وأخي المحترم: وليس أنت فقط بل جميع الأصدقاء في العراق والعالم محبي الخير والإنسانية ودعاة السلام والمحبة، التي يمثلها الطائر الوديع (الحمامة) أكتب أليكم عبر قلم أكل الدهر عليه وشرب، وتقطعت أوصاله ورغم كل ذلك أنا أزيد بلواه بلوة جديدة وأحمّله همومي التي لا طائل لها، وأنا أعيش في قلب المأساة أبحث دوما عن سراج ينير الظلام من حولي، وعن قرطاس أسطر عليه أفكاري وأدفع بالقلم دفعا كي يسجل كل واردة وشاردة كي تصل إليكم وتتصورون وأنتم البعيدون هول المأساة بل المآسي التي نعيشها ونحن محاطون بالدم والشظايا وبالقتل وأخباره وأحيانا نتنفس الغبار وأخرى الدخان الأسود الذي تفوح منه رائحة البارود الكريهة.
أنت أيها العزيز أصبحت ملما بالكثير مما عشناه ومازلت وفيا تقرأ وتزيد عليه توضيحا وتغنيه بالمعلومات والأرقام كي نكسب لقضيتنا جموعا جديدة خاصة ونحن شعبا مظلوما؛ ظلمه القدر لكنه يحب الحياة، وكنا بصبانا نردد معا إنشودة شهيرة في أحد أبياتها:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أن يستجيب القدر"
 وهذا القدر متى سيستجيب يا ترى؟ وأنت تعلم كم نحب الحياة وكم نحن متشبثون بها ولا نهمل لحظة واحدة دون أن نستفيد منها لأنفسنا وللإنسانية.
لكن هذا الكم الهائل من المشاكل والدخان والغبار، جعل مِنا أشباحا لا حولَ لها ولا قوة، وغير قادرة على تغيير الواقع الذي أرادت كل قوى الشر في العالم أن تركزه في وطننا وعلى أهلنا وكأننا فقط من نفذ هجمات الحادي عشر من أيلول!!! وأيضا الهجمات في كل أصقاع الدنيا؛ في لندن ... مدريد ... كينيا ... وغيرها !!! نعم يا عزيزي يقفز إلى تفكيري دوما علامات من التعجب والاستفهام، لماذا نحن فقط ندفع الثمن؟
ومنذ زمن قديم كنا كذلك: حروب مستمرة ... وأحداث جسام، حتى الحرب العالمية الأولى جرت بعض من فصولها على أرضنا وعانى منها جدي ذلك الرجل الوقور الذي كان ممتلئا من الحكمة لكنه ومنذ عقود انتقل إلى جوار ربه حيث كان قد حدّثني كيف كان يحاول بكل طاقته أن يتخفى من قوات (الجندرمة) العثمانية التي كانت تجمع الشباب رغما عن أنفهم لكي يمدّوا ماكنة الحرب بوقود جديد!!! وهكذا استمر حال وطننا من اضطراب إلى آخر ومن حرب إلى أخرى؛ فحرب الشمال حصدت الآلاف ومن كلا الطرفين !!! ويا للسخرية من هم الطرفين؟ إنهم ليسوا سوى أبناء البلد الواحد يتقاتلون ويقتلون الواحد الآخر!!!
وبعدها دخلنا نفقا مظلما جديدا عندما اشتعلت الحرب مع أيران الدولة الجارة أي أصبحنا نتقاتل مع جيراننا رغم التعليمات السماوية التي توجب علينا احترام الجار وتوصي به وبالسابع أيضا ... وبعدها أخذنا منحني خطير جديد باحتلال الكويت الدولة التي كانت يوما قضاءا تابعا لمتصرفية البصرة، لكن الواقع تغير وسياسات الدول الكبرى ومصالحها رسمت مخططا جديدا فصلت هذا القضاء من العراق لكي يكون دولة ذات سيادة وكان علينا أن نحترم هذا الواقع لأن إرادة الدول الكبرى هي التي تهيمن على العالم وتقرر مصيره، ولا يمكن أن نفعل أزاءها أي شيء، فأردنا أن نقف امام العالم لكن كيف لعضو صغير في العائلة الدولية يستطيع ان يقاوم ويتحدى العالم كله؟ هكذا فعلنا نحن، وكانت النتيجة أن عاد جيشنا مكسورا محطما يمشي على الأقدام وضباطه ينزعون عنهم كل ما يشير إلى كونهم ضباطا!!! ولم نكتفي بذلك لكننا ركبنا رأسنا وتحدينا العالم رغم كل الملاحظات التي كنا نتحدث عنها في ظلم المواقف العالمية وتسيس المواقف حتى لو لم تكن الحقيقة كذلك بل من أجل ترتيب الأوضاع لكي تخدم النتائج مصالح الدول الكبرى مهما كانت الضحايا ومهما علا أنين البشر.
 فكما سمعت عما حدث في ساحة النسور حيث روت دماء زكية أرض تلك الساحة المهمة من بغداد دون أن يتحرك الضمير العالمي لتتبعها جريمة أخرى في وضح النهار وفي تقاطع المسبح لتكون هذه المرة دماء امرأتين بريئتين هي التي تخضب أرض هذه الساحة، فحتى المرأة المكافحة التي ثكلت بزوجها وعملت في نقل معارفها لكي تعيل بناتها الثلاث لم تسلم من رصاص قوات هدفها الحماية!!! حماية مَن؟ ومِنْ مَنْ؟ يحمون أشخاصا ويقتلون آخرين دون الرجوع إلى القواعد الانسانية!!!
إن هذه التصرفات أيها العزيز تؤثر في نفسيات أبناء هذا البلد سلبا لكي يمارسوا ويقوموا بأعمال لم تكن من شيَمِنا أبدا، فهذا صديق لي كان يستقل سيارته الاوتوماتيك في شارع غير مزدحم أبدا وبعد أن توقف لشراء بعض الحاجيات وعاد إلى سيارته ليتحرك نحو هدفه وجد رجلان وطفلا يهمون بعبور الشارع، ولكونه شبه متوقف طلب منهم عبور الشارع وتوقف لهما تماما مؤشرا لهم بالعبور ، لكنهم لم يفعلا وطلبوا منه تكملة سيره، وبعد عدة محاولات لصاحبي، لم يتحرك الرجلان والطفل من مكانهما مما اضطره لرفع قدمه من موقّف السيارة ليواصل سيره، وماهي سوى ثوان معدودة بحيث أصبح الرجلان والطفل عند مرآة السيارة من الجانب الأيمن ليجد أن الطفل الذي مع الرجلان يرمي بنفسه على السيارة التي لم تكن قد تحركت أكثر من مترا واحدا!!! وبدأ الطفل بالصراخ مدعيا الاصابة ويئن من الألم؛ مرة يشير إلى رأسه وأخرى لقدمه ليبدأ عندها فصلا تمثيليا  غايته ابتزاز صاحبي بغية الحصول على أكبر قدر من المال (الفدية، الفصل) لأنه صَدِم الطفل حسب التمثيلية المزعومة، وهكذا ولكون صاحبي متزنا محبا للخير لا يعرف من الشر حتى مبادئه ولذهوله مما حصل وهو يتوسل بالرجلين محاولا أقناعهم بأنه لم يباشر سيره بعد فكيف له ان يصدم الطفل، وأنه توقف لهم من المبدأ الإنساني كي يجتازوا الشارع، لكن الأشرار كانوا قد أعدوا لكل شيء وأتضح أن لهم زميلان آخران ينتظرانهما في سيارة مركونة جانبا لتستكمل فصول المسرحية ويعطي صديقي من ماله ظلما لهؤلاء الأشرار !!!
هذا يا صديقي بعض من أخلاق من سقطوا جراء الأحداث الشاذة التي عشناها لقرن كامل في بلدنا الجريح دون ان يكون لنا أمل بمستقبل مفعوم بالأمل والأمن والأمان.
فيا صديقي وأنتم يا أحرار العالم وأنصار الإنسانية، اهرعوا لنجدتنا، أعملوا المستحيل، فنحن نغوص في الأوحال وكذلك في الرمال المتحركة، اعملوا لانقاذنا مما نحن فيه ومقبلون على الأخطر منه، لا تجعلوا ما بقي من الخير يضمحل ونتحول بأجمعنا إلى جانب الشر، فذلك خسارة للإنسانية وعمل لم يسبقه سابقة في أي بلد أو في أي زمان أو مكان، إننا نطالبكم أن تساعدونا لكي نخرج من هذا الكم الهائل من الركام الذي نأمل ان لا تبخلوا علينا بهممكم وكلنا أمل ان تتحق مقولة الشاعر التي ذكرناها:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلا بد أن يستجيب القدر"
وها نحن نعلمكم أننا نحب الحياة ونبقى ننتظر استجابة القدر!!!

عبدالله النوفلي
12 تشرين الاول 2007


159
المنبر الحر / ثورة يسوع
« في: 17:53 14/12/2007  »
ثورة يسوع
قد نجد من يعارضنا ونحن نضع هذه الكلمة (ثورة) أمام أسم يسوع له المجد، أو نربط اسمه بتعبير من تعبيرات هذا الزمان، لكن يسوع قال: لم آتي لكي ألقي سلاما بل نارا!!!، وهو الذي صنع سوطا وطرد به باعة الهيكل، وكان حينها في حالة من الغضب لما رآه من انتهاك لحرمة بيت أبيه وتحويله من بيت صلاة إلى بيت تجارة!!!، كما انه غضب على التينة ولعنها ويبست للحال، هذه وغيرها تصرفات لا يمكن وصفها في زمننا الحاضر سوى ثورة على الواقع.
وليس هذا بل أن ما جاء به يسوع من تعاليم وأفكار كلها تعتبر ثورة حقيقية على المعاني والكلمات المتعارف عليها وممكن ان ندون هنا بعض من المفاهيم التي جاء بها يسوع وهي على النقيض مما نقوم ونتصرف به في يومنا، وسنتناول موضوع العدو وكيفية التصرف معه:
فالعدو جميعنا نكرهه، ونعمل جاهدين للتخلص منه أو أقله للاحتياط من شره اتقاءا لنا مما يضمره لنا، لكن يسوع أوصانا ببساطة أن نحبه!!! نعم أن نحب أعدائنا، وكيف لطبيعتنا البشرية أن تستجيب بسهولة وتحب من يُلحق الأذى بنا؛ من يخطف أهلنا ويقتل ويسرق ويضطهد ... لا نوجه له أي شيء دفاعا عن أنفسنا بل نقدم له عوضا عن كل هذه الأعمال: الحب ... الذي يجعله يعود لذاته خائبا وهو المتربص لالحاق المزيد من الأذى، نصلي من أجله  لكي ينوّر الله عقله وبصيرته ويعود عن غيه ويتوقف عن إلحاق الأذى بنفسه أولا وبالآخرين، إنها بحق ثورة على فكرنا الإنساني البسيط.
وما يصلنا من هذا العدو من ضربات، يعلمنا يسوع أن نغفر له بلا شروط مسبقة!!! أي ليس فقط أن نتحمل ونصبرعليها وإنما نغفر لمن وجهها إلينا لكي لا يحاسبه الله عليها، وبهذا يعلمنا أيضا أن نعطي الخدّ الآخر لمن ضربنا على الخدّ الأول!!! إنه تواضع غير مسبوق أن نغفر ولا نواجه الإساءة بمثلها ولكن ليس هذا أن نكون خنوعين ذليلين إلى درجة الضعف، ففي المغفرة .. القوة والشموخ، وربنا يسوع سأل من لطمه وهو في لحظاته الأخيرة قبل الصلب: لماذا؟ وقال أيضا: بالكيل الذي تكيلون يُكال لكم ويُزاد، وأيضا قال: الويل لمن تأتي على يده العثرات، فخير له لو عُلق في عنقه حجر الرحى وألقي في البحر من أن يكون سببا لعثرة أحدهم، وأيضا قال: خير لك الدخول إلى ملكوت السماوات بعين واحدة من ان تشكك عينك وتهلك أو تُلقى في النار...
أي أن ثورة يسوع ليست هكذا فقط بالخضوع والاستكانة بل معها التفاعل مع الواقع بوعي ومعرفة فحتى عندما نتعرض إلى الظلم علينا أن نعرف السبب ولكن لا نرد بنفس الطريقة التي يريدها العدو لأن من قتل بالسيف فبالسيف يُقتل، ولا يمكن لمن يزرع الحنطة أن يجني غيرها لأن ما يزرعه المرء أياه يحصد.
وما جاء به يسوع قد أثار العجب فبدل ان نستخدم العنف للدفاع عن أنفسنا علينا أن نتحمل العذاب ونستعد لتقبله وبدل أن ننادي بالبغض والانتقام يجب أن ننادي بالسلام والرحمة وأعمال الرحمة لأن يسوع قال طوبى للرحماء فإنهم يرحمون.
هذه كانت ببساطة ملامح الثورة التي أعلنها يسوع ليس كثورات هذا العالم التي منها ما يُحسب لليسار أو لليمين لكن ثورة يسوع ليس فيها التراجع أو النظر إلى الوراء والمجال لإعادة الحسابات لأن من يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء، هكذا يريدنا يسوع أن ننطلق بهمة ونشاط وأن نصلي ونكون مصدرا للرحمة وأن نبيع كل ما نملكه ونوزعه على الفقراء، فيسوع حتى أمه سلمها للتلميذ الذي كان يحبه وهو في ذروة الألم ، وبهذا تجرد من كل شيء حتى من الحضن الذي تربى فيه وهو صغير وكلمة الحنان التي كانت تقولها له وهو يافع وبقي هو وخشبة عارية مسمرا عليها علامة للعالمين.
إنه الجزاء الظالم الذي جازاه العالم، وهكذا نحن أيضا مقبلون، فيجب علينا عدم وضع علامات التعجب لما نلاقيه من اضطهاد أو عنف ونقتدي به وبالقديسين، أليس يوحنا بولس الثاني أقرب مثال لنا عندما زار من أراد قتله وهو في سجنه ليغفر له فعلته وهو بهذا لم يفعل سوى ما فعله يسوع عندما نطق بذات المعنى لمن علقوه على الصليب وأشبعوه الإهانة وألهبوا جسده العاري بالسياط؛ وقال رغم كل ذلك: أغفر لهم لأنهم لا يعلمون ماذا يفعلون، ولو علمنا ما نفعل لكنا راجعنا حساباتنا مرات كثيرة قبل أن نلحق الإساءة بالآخرين ولعل الحب هو الذي سيقودنا إلى العلم والحكمة ونعود لعمل أفعال الرحمة والرأفة وتشع كل أفعالنا خيرا وصلاح، لتكون ثورة يسوع خير مثال لنا نحذو حذوه حتى إن اقتضى الأمر أن نتسلق جبل جلجلتنا ونموت مثله على خشبة العار لأن فعل كهذا سيقود بكثيرين إلى جادة الحق ويمجدون الله.

160
الحكم الذاتي لشعبنا ... تبديد المخاوف
يدور الكلام بين سياسيينا ومثقفينا وقطاعات كثيرة من شعبنا حول مسألة جوهرية ومهمة ومصيرية لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري، ألا وهي مسألة الحكم الذاتي وما يحيط به من مخاوف جراء ردود الأفعال المحتملة من هذه الجهة أو تلك، وكنت أنا قد كتبت قبل ما يزيد على السنة من الآن موضوعات مختلفة ذات صلة بهذا الموضوع؛ منها حول سهل نينوى والتهديدات المحتملة التي تهدده ومنها حول المسيحيين ودائرة العنف، ومنها حول واقع ومستقبل أمتنا بغية تسليط الأضواء على الجوانب التي قد قد يغلفها جزء من قلة الوعي أو الادراك أو الفهم لدى أبناء شعبنا ولدى أخوتنا من الشعوب الأخرى تجاهنا وتجاه تطلعاتنا.
فمسألة الحكم الذاتي كمفردة لغوية لا تعني الانفصال مطلقا بل أن نحكم أنفسنا بأنفسنا وهذا حق مشروع للشعوب أينما كانوا خاصة في ظل حكومات ديمقراطية وغير ديكتاتورية ، والعراق بعد التغيير الذي حصل في ربيع 2003 وحسبما يشاع وما يجري من تصرفات من كافة الكتل البرلمانية والسياسية مقبل على اعطاء الحكم للشعب ولممارسة الحياة البرلمانية وتداول سلمي للسلطة عبر صناديق الاقتراع وأعطاء كل ذي حق حقه بحيث لا تبقى أية جهة تشعر بالظلم وبغبن حقوقها.
لكننا يجب أن لا نتخذ مما يجري من عنف على الأرض في هذه الفترة الانتقالية سببا يجعلنا ننزوي ونخاف ويقشعر بدننا كلما نلفظ كلمة الحكم الذاتي (كما عبّر أحد كتابنا مؤخرا)، لأننا نضع أمامنا ردود أفعال العرب والكرد وربما تكون هذه الاحتمالات واردة وربما لا تكون، وسبب ذلك قلة الوعي لدى عموم الشعب حول خطوات العمل الديمقراطي وأساليب العمل والممارسة، ولا انكر أنني كنت أحد هؤلاء الخائفين في فترة ما وأقف في صفوف غير المتحمسين لطرح الفكرة بقوة، لكن زيادة الثقافة والانفتاح على الآخرين وشرح قضيتنا وعدم انحيازنا للعرب أو للأكراد وتكوين شخصيتنا المستقلة في عراق موحد يجعل من المخاوف تنحسر وتتبدد شيئا فشيئا، لكن شريطة أن ننفتح على الجميع ونكسب الجميع أخوة لنا وأصدقاء خاصة كوننا شعبا يحب السلم والأمان ويبتعد عن العنف والمظاهر المسلحة.
ولكن كيف لنا ان نصل إلى تحقيق حلمنا؟ أعتقد أن هذا الحلم تم الشروع بتحقيقه منذ أن لملم مؤتمروا عينكاوا 12-13/3/2007 أوراقهم وغادروا هذه المدينة كلٌ إلى القصبة او المدينة التي قدم منها، فقد تبلورت أفكار لدينا كنا لا ننتبه إليها في خضم العمل والكتابة الفردية ونحن مثقفوا الأمة بعيدون بعضنا عن بعض وربما أحيانا لا نقرأ لبعضنا البعض لكي تتزاوج الأفكار وتتقدم خطوات إلى أمام، وحسنة المؤتمر وليست قطعا الحسنة الوحيدة أنه جمع بين حناياه مجموعة كبيرة من الكتاب والمثقفين تعارفوا وتحاوروا كثيرا واستمعوا إلى مداخلات وكلمات أغنت أفكارهم وغيرت ربما لدى الكثير العديد من القناعات التي كانوا مترددين في طرحها.
ولو نظر المراقب إلى مفردتي  "الحكم الذاتي والإدارة الذاتية" ربما لا يجد فيهما شيئا مغايرا لأنها تقود لواقع أن نحكم انفسنا بأنفسنا من خلال رجالنا، لكن الحكم الذاتي لا يستلم اوامره من غيره بينما أفراد الإدارة الذاتية كل حسب دائرته مستلم أوامره من الدائرة الأعلى منه والتي لن تكون مطلقا من ابناء شعبنا لهذا فضلنا كلمة الحكم الذاتي على غيرها.
 وتبقى مسألة الخوف من انتقام العرب او الكرد لأننا نبحث عن حكم ذاتنا بذاتنا والخوف أن يقوموا بتفسيره تفسيرا عن أننا نبحث عن الانفصال من حكم المركز أو المحافظة أو الاقليم ... فهذا ممكن تبديده وقد بدأ مؤتمر عينكاوا المشار إليه منذ صدور بيانه الختامي بجملة صريحة وشهيرة: أننا نريد لهذا الحكم ضمن عراق موحد أي أننا لم نقل ضمن حكومة الاقليم ولا ربطه بكردستان مطلقا، ولهذا يجب أن نكثف الجهود تجاه أخوتنا العرب وخاصة في نينوى وأيضا للكتل السياسية في البرلمان شارحين لهم بدءا من الدستور بأن الحق قد أعطي لنا حتى في وثيقة الدستور أن يكون لنا منطقة إدارية حيثما يتواجد شعبنا وبكثرة ويدركون من خلال طروحاتنا أننا لا نفكر بالانفصال لأن الأرضية غير متوفرة مطلقا خاصة أننا لم نطالب بحكم ذاتي جغرافي، فمن حيث الواقع هذه الجغرافية غير متوفرة لوجود قطوعات كثيرة فيما بين الأرض التاريخية التي سكنها أهلنا وأحدَثَ تجمعات كاملة من الشعب الكلداني السرياني الآشوري عليها.
لذلك يجب أن يعي الكردي أننا لا نرغب باقتطاع مدينة أو قصبة من أرض الاقليم بقدر ما نطالب أن تكون هذه المدينة أو القصبة تحكم ذاتها بذاتها وإن كانت تحت سلطة حكومة الاقليم تتحاور وتناقش وتتعاون مع سلطة الاقليم وإن كانت تحت سلطة أقليم آخر أو حكومة المركز يكون لها أن تتحاور مع أولئك...
وكل هذه المدن والقصبات التي نشكل فيها الأغلبية تكون مربوطة من حيث الادارة بحكم ذاتي واحد يوصل الرأي والقرار والعمل وكذلك نظام العمل لأبناء شعبنا سواء كانوا في عينكاوا أو تلكيف أو كرمليس أو ديانا وكويسنجق... فسيكون نظام الحكم في زاخو ذاته في برطلة ونكون جميعا أبناء مخلصين للعراق الواحد، نحترم الجميع ونطلب من الجميع ان يقدموا لنا الاحترام وهذا سنحصل عليه بعملنا الجاد والمخلص لجعل أماكن تواجد شعبنا مراكز مشعة للثقافة والعمل والنشاط، ولكن يجب أن لا ننسى أن التضحيات موجودة وأيضا أن الشاعر قد قال يوما ما مفاده:
"إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أي يستجيب القدر"
فهل نريد الحياة؟ وإن كان كذلك يجب ان لا نخاف لأن من يعمل يتوقع ان يُصاب بأذى نتيجة عمله سواء بجرح أو بتر أو أهانة أو أي شيء آخر، وطالما نعمل بإخلاص فإنه سيقودنا حتما إلى النجاح، إذا لنعمل ونترك الخوف جانبا وسيكون الله والتاريخ والحاضر معنا وبالتأكيد سيكون المستقبل مضمون لنا.
عبدالله النوفلي

161
الرسالة 17 من تحت الأنقاض
صديقي الوفي:
أسمح لي أن أستعير هذه الجملة من رسائلك لأنك فعلا هكذا، كونك ما زلت تشعر بآلامي وتجعلني قريبا منك دوما ولا أحسُّ بوجود هذا الكم الهائل من الكيلومترات التي تفصلنا جسديا لكن روحينا هي كما يبدو متلاصقة ونعيش بالروح كوحدة واحدة؛ نفرح .. نتألم كما لو كنا متجاورين ماديا.
أيها الأخ العزيز: إن بلدنا الذي كان منذ قديم الزمان شعلة من النشاط وبنى حضارات وصروحا مازالت بعضها شامخة إلى يومنا هذا، وأجدادنا عملوا كل شيء بوسائل بسيطة لعدم وجود انترنيت ولا موبايل ولا كومبيوتر ولا بريد أليكتروني ولا سيارات ولا .. ولا .. ورغم كل هذا تسيدوا الدنيا وكانت الجنائن المعلقة أحدى أبداعاتهم التي هي من العجائب التي أبهرت الدنيا وحاول باحثون كثر معرفة أسرار هذا الصرح العجيب ومازالوا لم يتوصلوا إلى السرّ فيه، لكننا اليوم رغم توفر كل هذا الذي انحرم منه أجدادنا ما زلنا نركض وراء الحضارة الحديثة ومهما أجهدنا انفسنا تبقى المسافات بعيدة بيننا وبينهم!! فما السبب؟ هل ترشدني إلى السرّ في هذا؟
إن بابل تبكي فقد استباحها الغرباء، ولا أدري إن كانت حجارتها الأثرية ما زالت في موقعها وهل أن أسدها الشهير مازال في مكانه شامخا يتحدى من استباحوا الأرض من حوله، أم أنه هو الآخر كان مصدر رعب لهم وتعرضوا له!!! فبلدنا أيها العزيز مليء بالكنوز وربنا أنعم عليه بالخيرات كونه بلدا مباركا خاصة وأن مخطط الله لخلاص البشر قد انطلق من هذه الأرض !! فكيف يرضى الله لنا نحن من أصبحنا ورثة لإبراهيم أن يصل الأمر بنا لهذا الحد؟ يأكلنا الألم ويحصدنا الموت الزؤام ويقضي علينا القتلة المأجورون ويعيث طلائع جوج وما جوج بنا وبأرضنا فسادا!! لم يكتب التاريخ مثيلا له!!! لكن حاشى لله أن يكون هو الذي يسمح بحدوث كل هذا، لأنه جلّت قدرته يصون عباده ويُبعد عنهم الشرّ ورجاله، ولو أن التجارب تأتي لكي تمتحن الرجال والناس الأصفياء ليبرهن هؤلاء من خلالها ومن خلال التغلب عليها أنهم ورثة للرسالات والأنبياء.
عزيزي: ليست بابل وحدها التي تبكي، لكن أور أيضا أخذت تسأل الذاهب والآتي بحثا عن أبراهيم أبنها الذي اضطرته رسالته واستجاب لرسالة السماء وتركها إلى حيث أراد له الله ان يستقر، أعمامه وأخواله مازالوا يقتفون أثره ويستنجدون طالبين الرحمة آملين من قريبهم ومن صلة الرحم التي تربطهم بإبراهيم أن تكون لهم شفيعة لكن دون جدوى، فلسان حالهم كما هو في بابل لأن من أستباح أور يقول لهم أذهبوا فإبراهيم لم يعد له وجود سوى في الكتب، وأرضه وأرض أهله أصبحت مشاعا للقادمين الجدد كي يعيثون بها كيفما شاؤوا!!!
وماذا اتحدث لك عن نينوى، هذه المدينة الخالدة التي أنجبت العضماء الذين أخضعوا الدنيا ووصلوا إلى نقاط بعيدة من الأرض كي يتسيدوها، وأصبحت مدينتهم نينوى الأعظم بين مدن العالم وأسوارها يحرسها حيوانات أسطورية من الثيران المجنحة التي يرتعب الأنسان حتى من النظر إليها!!! اليوم حتى هذه أصبحت أنقاضا مستباحة وثيرانها المجنحة باتت لا تخيف أحدا، وأسوار نينوى أصبحت أطلالا يعيث الأشرار في كل زواياها بحيث أصبح اسم مدينتها الخالدة (الموصل) مرعبا لكل من ينوي السير بين حنايا أرضها؛ فأخبار القتل والذبح والتفجيرات سرعان ما تتبادر إلى الأذهان، وحتى العبور من ساحلها الأيسر إلى الساحل الأيمن يكون مخاطرة عظيمة وكأني بالعابرين يتسلقون جدار برلين هاربين من شرقها لغربها وقت كان ذلك الجدار شامخا وشاخصا عنيدا لكل من يحاول تسلقه بحثا عن الحرية في الجانب الآخر، لكن شتان ما بين هذا وذاك فالحرية مفقودة في الجانبين، وأين المفر؟
وإن عرجت شمالا في أرض العراق ستجد تركيا تقصف الأراضي العراقية من الجهة الغربية وأيران من الجهة الشرقية وكأني بأهل العراق في موقفهم كموقف مقاتلوا القائد العربي الذي وضعهم فيه جاعلا إياهم أمام خيارين لا ثالث لهما، فالعدو من امامكم والبحر من ورائكم، فأين المفر ولا حلّ سوى القتال، فإما النصر أو الشهادة، والعبور إلى المستقبل الأفضل وحتى لو كان هذا العبور على حساب أشلاء أناسٍ كانوا تحت إمرة آخرين إن لم يواجهوا من يقاتلهم فصاحب أمرهم يقضي عليهم ويقتلهم!!!!
وهكذا أيها العزيز حال شرق العراق وغربه، حتى أصبحنا نستنجد بأبناء العشائر وكأنها كانت نائمة حيث بتنا نطلق على هذه (صحوة) الأنبار أو ديالى أو صلاح الدين و... وكأنهم كانوا إلى اليوم نائمين أو منغمسين مع الأعداء، وعشائرنا تقبل بهذه التسميات ربما دون وعي منها لدلالات التسمية، فتصور يا عزيزي إن رئيس أكبر دولة في العالم (جورج دبليو بوش) يأتي خصيصا لكي يجتمع مع رئيس مجلس أحدى هذه الصحوات الذي ذهب هو الآخر ضحية للعنف الذي حاول أخماده، احترق هو أيضا بالنار الذي كان مخلصا مع أخوته يحاول أخماد أوارها!!!
فأي زمن نحن به؟ بحيث يأتي الرئيس بوش مباشرة من واشنطن إلى الأنبار ليجتمع بالمغفور له أبو ريشة مع اعتزازنا بكل الرجال الأبطال من أبناء بلدنا الذين نفتخر بهم عندما نقرأ التاريخ ونحن طلابا وأنت تعلم كم كنا نتلذذ بقراءة تاريخ أمتنا وبطولات رجالاتها ونزداد فخرا عندما نطلّع على بطولاتهم، لكن الذي أثار استغرابي في زيارة الرئيس بوش هو جانبها السياسي، فأين دَرَسَ شيوخ العشائر المباديء السياسية كي يجلسوا ويتحاوروا فيها مع رئيس أكبر دولة في العالم الذي يحلم رؤساء دول كثير حتى لو لهم شرف التحدث بكلمة معه، وأتساءل إن كان لديهم ألمام بما دونه دانتي أ ميكيافيلي أو الفيلسوف الذي قال: إنني أفكر إذا إنني موجود!!!!
بلا شك أن السياسة فنٌ، والفن نابع من عقول أشخاص تفكر وتحلل وتقدم على إنجاز ما ينتج من أفكارهم وهكذا نفتخر بما يخرج من بين أنقاض العراق من عقول تفرض على أكبر الساسة في العالم أن تجلس معها على طاولة واحدة .
أأمل أن نصل يوما إلى أيقاف سقوط الأنقاض بل أن نصل إلى وضع سند لها وترميمها كي لا تسقط بل نبني ليرتفع البنيان إلى السماء ومعها ترتفع رؤوس العراقيين عاليا ولا يعودوا لاجئين في خارج ديارهم ولا في أرضهم، بل يكونوا أسيادا في أرضهم يتعاملون مع الآخرين ندا لند وفي قلبي أردد إن غدا لناضره قريب، لذلك أطلب منك أن تدعوا معي وتقول: آمين.
عبدالله النوفلي
28 أيلول 2007

162
الرسالة 16 من تحت الأنقاض
صديقي العزيز:
بعد التحية والسلام، أبعث لك مع هذه السطور أنيني وآهاتي المنبعثة من القلب المنكسر جراء ما يراه ويسمعه بل ما يعيشه على أرض الواقع في عراقنا الذي أحببناه وتمنينا يوما أن نعمل معا من أجل أن يكون مع دول العالم الأخرى متساويا ومتنافسا بشرف لكي يعتلي سلّم المجد، ومَنْ سيرفع من شأنه غير أبنائه البررة المخلصين؟

عزيزي: شاءت الأقدار لي أن أتحرك قليلا من الموضع الذي احتضنني طوال عمري الذي تجاوز الخمسين، لم اتزحزح منه إلا عند الضرورة القصوى لأبقى متواصلا معه بروحي وجسدي، أعمل واجتهد كي أكون عنصرا نافعا يُشار له بالبنان؛ استخدمت المعول والمطرقة والقلم والكومبيوتر وحسب مراحل عمري لكي أطاوع كل هذه من أجل لقمة العيش الشريفة لي ولعائلتي ولكي تكون النتائج مع ما يرشح من نتائج أخوتي الآخرين تكون محصلتها خدمة جليلة للبلد الذي أحببناه.

وكان تحركي هذه المرة للبلد المجاور سوريا من أجل الصحة والنقاهة ولأيام معدودة، ورغم أن هذا البلد جميل بقياسات كثيرة لكنني تألمت كثيرا لما شاهدته من أحوال من هرب من الأنقاض التي تحاصرنا في بلدنا العراق، حيث وجدت هاربين بالآلاف كل من أجل غاية في نفسه أو لسبب دفعه للهروب، فهناك وجدت هاربا من القتل وآخر من الخطف وثالث من التهديد ورابعا من السلب وهكذا تعددت الأسباب والهرب واحد!!!

وجدت أحيائا بكاملها أصبحت عراقية صرفة بحيث تجد تسميات عراقية في كل مكان؛ فالمحلات والشوارع أصبحت مألوفة من أسمها وحتى الباعة عراقيون والذين يتحدثون في الأزقة هم هكذا ولهجتهم عراقية ... كل شيء عراقي، شارع الفلوجة في دمشق وشارع بغداد أيضا وقاسم أبو الكص ومطاعم كثيرة بنفس تسمياتها العراقية، محلات للحلويات، بقلاوة عراقية وزلابية وغيرها، صالات للإنترنيت كامل من يرتادها عراقيون، جوامع وكنائس تغص بهم، عندها قلت مع نفسي الله يساعد هذا البلد وهذا الشعب على الثقل الكبير الذي يحدثه العراقيون بوجودهم على هذه الأرض الخالدة.

تصور أيها العزيز أن اعدادهم أصبحت بالملايين وربما سيصبحون رُبع سكان سوريا، هذا البلد الذي كان يعاني من قلة الموارد وفرص العمل وأمور كثيرة، أصبح بلداً كريما مع أهلنا الذي يتمزق قلب أي إنسان يحمل أبسط المعاني الإنسانية عندما يتعرف على تفاصيل المعاناة ومقدار الضغوط التي مورست ولا زالت تمارس ضده.

إنَ حرَّ هذا الصيف هو الذي دفعني لكي أهرب لأيام من بغداد هذه العاصمة الحبيبة التي شهدت تخرجي من الابتدائية والمتوسطة والثانوية وحتى الجامعة الذي كنت انا أحد خريجي دفعتها الأولى عام 1976، واعتقد أنك لم تنسى مقولة الشيوخ عن شهر آب، عندما كانوا يتحدثون بقولهم أول عشرة من الآب تموّع (تُذيب) البسمار في الباب!!! وثاني عشرة من الآب تقلل العنب وتكثر الأرطاب (التمر) وثالث عشرة من الآب تفَتّح من الشتا باب، هكذا كان آبنا (شهر آب) هذه السنة بل أكثر شراسة بحرِّه من أي شهر آخر في السنة ومما زاد الطين بلّة هو انعدام الكهرباء كليا وأصبحت تأتي حسب أغنية فيروز (زوروني بالسنة مرة!!) أصبحت الكهرباء تزورنا بالأسبوع مرة ولمدة 90 دقيقة لا غير ومتقتطعة، والأمر الذي فاقم مشكلتنا هو عطل المولدة المحلية التي تغذي زقاقنا جراء عطب أدى لتوقفها هي الأخرى ومولدة البيت الصغيرة لم تعد تحتمل التشغيل الطويل فازادت عطلاتها فضلا عن مشكلة توفير الوقود لها الذي اختفى تماما حتى من السوق السوداء مما أصاب جسدي بعدوى الحمى وانتشرت فيه بثور حمراء عزاها المختصون للحر الشديد ونصحوني بالسفر والنقاهة، وهكذا سحبت جسدي من الانقاض المتكدسة حولي لأكون مرغما بعيدا عنها وكانت لي هذه الفرصة مناسبة لأستكشف حال الهاربين الذي لا يسرُّ لا عدو ولا صديق مطلقا.

إنهم يا عزيزي مُدمني النوم!!! فماذا يفعلون لو صَحوا منه مبكرا؟ فتجدهم يستمرون في نومهم حتى ساعات الظهيرة وينامون متأخرين يسلّون أنفسهم بمراقبة برامج الفضائيات، مختصرين وجبة طعام أحيانا ضغطا للنفقات!!! ومن أين لهم توفير هذه النفقات خاصة في حالة عدم وجود المُنقذ سواء كان من داخل العراق أو من دول المهجر الذين استقروا بعيدا خلال السنين الخوالي تماما كما انت عليه اليوم، فالعمل إن وجد هناك فتعب كبير مقابل أجر زهيد، والكثير منهم تحدث معي حول أرباب العمل الذين لا يعطون لهم سوى نصف ما يعطوه لأبناء بلدهم!!!

وكل هذا والإيجارات مستمرة بالصعود والأسعار كذلك وسعر الصرف يتدنى وفُرص العودة معدومة والخروج بعيدا أيضا بالقطارة؛ فدول العالم لا تستطيع قبول لجوء في بلدانها بالملايين وهذا من بلد واحد فقط هو العراق، فما بالك ببلدان أخرى كثيرة في العالم يهرب منها سكانها نتيجة أوضاع مشابهة لما يشهده العراق، فحتى هذا البلد (سوريا) أحدثنا فيه شحة في الطاقة الكهربائية نتيجة الزيادة المفاجئة بعدد المتواجدين على أرضه من أهله والعراقيون بحيث أصبحت هذه أيضا تنقطع وينظمون لها برمجة كي لا يصيبها الخلل والعطل عند زيادة الأحمال ودون حساب.

شعرت رغم جو الحرية والأهل الكثر الذين التقيتهم هناك بالاختناق وأيقنت أن الاختناق ليس بسبب قلة الهواء دائما أو حتى انعدامه فقط، فقد يختنق الانسان في الازدحام ومن السقوط تحت الأقدام ومن مواقف كثيرة، وإنا شعرت بالضيق كله الذي يشعر به أهلي هناك خاصة عندما جلست في حلقاتهم التي تسيطر عليها الشائعات، فمن همه الإقامة وآخر أخبار اللجوء والأمم المتحدة أو السفارة الكندية أو الاسترالية أو غيرها من السفارات ويتناقلون أخبار التأشيرة الجديدة التي أصبحت سيفا يقلقهم لأنهم يخافون بأن أقامتهم ستصبح غير قانونية بعد نفاذ المدة المحددة كونهم لا يستطيعون المغادرة لأنهم سوف لن يحصلون على التأشيرة مجددا كونهم ليسوا من التجار أو أساتذة الجامعات أو من الكوادر العلمية فغالبيتهم العظمى هي من العناصر الكادحة التي لا حول لها ولا قوة .

عزيزي: إن اهلنا في سوريا انتقلوا من أجل حلم راودهم ومن ظلم طالهم وللابتعاد عن الأيادي والخناجر التي كانت تتربص بهم بحثا عن الحرية والملجأ الأكثر أمنا ليستقروا في حال فيه من المنغصات بحيث يجد بسهولة من يتحدث ان شر العراق كله أرحم من الحالة التي هم عليها لأنهم خسروا كل شيء ولم يعودوا قادرين حتى على العودة وأنهم يخافون ممن يشمت بهم ويقول لهم: بأي حال عدتم يا عراقيون؟

وكأن القدر بالمرصاد لنا أينما نذهب يلاحقنا التعب والظلم ورغم أني قطعت الطريق البري الطويل من الشام إلى ربيعة الذي لم يكن متعبا إلا من طوله، ورغم أنني انتقلت إلى الطريق البري العراقي المليء بالحُفَر والمطبات وأصبح متهرئا يشكو من قلة الصيانة بل انعدامها، لكنني شعرت بأنني عدت إلى الجنة التي انتظرها وأن الانقاض التي تحيط بي في بغداد وأنا أكتب لك أرحم من ذل الغربة وبالشكل الذي وصفته لك، لكنني عدت وجسمي متعافى وفيه من الشحنات ما يكفيني لاستمر بمقاومة الشر والظلم إلى حين آخر، وإلى ذلك الحين لك مني أجمل سلام.


163
الرسالة 15 من تحت الأنقاض
أكتب لك يا صديقي العزيز: من بيتنا الذي كان يحلو لنا تسميته هكذا، الذي هو العراق بلد الحضارات ومهد أول الأنبياء، أرض سومر وأكد، أرض نينوى وبابل، أرض كربلاء والنجف، هذه البقعة من الأرض التي تعتبر مقدسة بكل المقاييس، وقد نكون بنظر الآخرين محظوظين لأننا وُلدنا وترعرعنا عليها، وأينما نلتفت نجد أثرا من زمن ماضٍ كان يشغل الدنيا يوما ولكن ليس كما يشغله اليوم بالشر والقتل والدمار، إنما بالفن والحضارة والكتابة والمعمار والترجمة والتأليف. فقد كان في بغداد يوما دارا للحكمة، هذه المدينة التي أصبحت عاصمة الدنيا زمن الخلافة العباسية، واليوم يا عزيزي أصبحت أيضا عاصمة للدنيا لكن بشكل مغاير...
نعم أيها العزيز، فببساطة أقول لك أنها عاصمة للدنيا حاليا لأن لو فتحت أية قناة أخبارية في العالم سوف لن تخلو نشرة أخبارها عن خبر أو تقرير يخص هذه المدينة، لكن يا ترى هل هذه الأخبار هي عن أخبارها في الاعمار والبناء، أم في الاقتصاد والتجارة، أم أنها في منجزاتها العلمية أو مخترعات جامعاتها ومراكز الأبحاث ...؟ لا يا عزيزي فالأمر ليس كذلك بل أخبارٍ عن حروب وهجماتٍ وقتلٍ هنا وتدميرٍ هناك، جثث متناثرة وأخرى مجهولة، وكذلك عن سياسيون يتصارعون بدم ضحاياهم من أجل تحقيق أكبر المكاسب الدنيوية، وديدنهم غايتهم تبرر الوسيلة ...
مدينتي أيها العزيز كان فيها من المعالم ما لم تستطع رؤيته بأيام قلائل، فهذا شارع أبو النواس الذي كان عالما خاصا بذاته وخاصة لياليه الملاح وسمكه المشوي الذي كان يحلو لأهلنا تسميته (السمك المسكوف) وحدائقه التي كانت تغفو على خرير مياه دجلة الخالد، وكان الأحبة ينتهزون فرصة لكي يناجون أحبتهم على ضوء القمر وصوت المياه وزقزقة العصافير، فالحياة كانت تنساب فيه بصورة قل نظيرها ... وكم من شاعر نظم أحلى القصائد وهو جالس في حدائقه الجميلة، حتى الشاعر الخالد أبو النواس أو أبي نؤاس يحسد هؤلاء لأنهم حظوا بهذا الجو الشاعري كي يستلهموا أحلى الكلمات وينظموا أحلى القصائد بينما هو لم يكن يرى سوى الصحاري والسيوف والجواري ... فزمانه كان هكذا، لكن شارعنا كان مليئا بالزهور والأرائك الجميلة والمناظر الخلابة إضافة إلى الطبيعة البغدادية التي زادته جمالا وزادت من عدد قاصديه كل يوم.
هذا الشارع اليوم يا عزيزي أصبح شارعا مفزعا .. مقفرا .. مقطع الأوصال .. يخلوا من مرتاديه، فقد هجره العشاق، وهجره الشعراء والفنانين، وهجرته حتى أسماكه التي بحثت عن أرصفة الشوارع في أماكن أخرى لكي تعرض نفسها للزبائن وتصبح أكلا لذيذا لمن يطلبها، هذا الشارع أصبح الشاعر أبي نؤاس بريئا منه، فلو كتب لهذا الشاعر أن يُبعث حيا اليوم لطلب مسح اسمه منه، لأنه لا يمت للشعر بصلة ولا للمجون الذي كان عليه الشاعر بأي شبه ممكن، فقد ضاق المكان ولم يعد يتسع لكافة الفعاليات التي كانت تجري عليه، توقف الشعر، توقفت آهات العشاق، خيوط القمر الفضية أصبحت باهتة لا يتلذذ في الاستمتاع بها أي أحد، والخوف يتربص بكل من جعله زمانه مضطرا للمرور من خلاله، هكذا أصبح حال شارعنا المميز في الزمن الغير مميز.
إنني أذرف الدموع عليكم أنتم أيها الشعراء، وأنت كذلك يا عزيزي لأن الصور التي تلهمكم الشعر بدأت تتلاشى، فما الذي ستكتبونه لكي يثير شجون أو يدغدغ المشاعر لدى من يقرأ أو يسمع، فقد ساد الهرج بدلا عن الموسيقى الحالمة .. الهادئة التي تحتاجونها في كتاباتكم، وحتى الأغاني الرياضية التي كنا نستمتع بسماعها يوما عندما كانت المطربة تطربنا بقولها: يلعب أبو جاسم هو لواعيبه ...، أو ألعب يا حبيبي تفنن ... واليوم بدأنا نسمع المطرب وهو يحدّث اللاعب بصيغة الأمر قائلا: جيب الكاس جيبه ... وكأن الدنيا تؤخذ غلابا .. ليس هذا إلا بسبب ما نحن عليه لأننا نحيا زمنا من الغضب ... من الظلم ... من تسلط قوى الشر وفرضها قانون الظلام وقانون الغابة الذي يأكل فيه القوي، الضعيف، والحيتان الكبيرة تأكل الأسماك الوديعة التي تسبح في بحر لا قرار له.
صديقي الوفي: ليس الشعراء وحدهم من يعاني لأن من ينشد أول السلم العلمي، الطلبة، يعانون أشدّ المعاناة وهم يصعدون باتجاه تحقيق أحلامهم الطفولية الجميلة بغدٍ أجمل مما هم عليه، هؤلاء يذهبون لدور العلم بصعوبة بالغة وطريقهم محفوف بالمخاطر حتى أن أحد المربين سمعته يقول: أنني أقبل أيادي الطلبة وأقدر معاناتهم بمجرد وصولهم لدور الدراسة!!! حيث مخالب الشرير متواجدة في كل زاوية وشارع، وحتى المدارس التي يدرسون فيها أصبحت هدفا لمن يشتهي مصّ الدماء وتلذذه برؤية الأشلاء ... الروح السادية التي لا تهنأ إلا عندما ترى الضحايا وهي تتألم، فكم مدرسة تناثرت بين أنقاضها القراطيس والأقلام والأحذية الجميلة عندما يتركها الأطفال من الفزع والهلع ويلوذون بأنفسهم بعيدا وبسرعة للوصول إلى أولياء أمورهم، فما الهدف عند الأشرار من استهداف الطفولة التي ما هي إلا البراءة بعينها، ونبي النصارى قال: دعو الأطفال يأتون إليَّ... لأن في مثل هؤلاء تتواجد المعاني الحقيقية للإنسانية حيث لا حقد ولا كراهية ولا عُقدٍ تمنع في مدّ الجسور نحو الآخر الذي هو ديدن الإنسانية الصميمة التي تعرف معنى التواصل الإنساني.
وليس كل هؤلاء هم الأهداف بل أقرانهم في المراحل الدراسية المتقدمة أيضا فحتى في الامتحانات العامة التي يمارس فيها أسلوب الامتحانات الموحدة بالأسئلة في كافة أرجاء العراق وعلى ضوئها يتحدد مصير ومستقبل الآلاف من الطلبة باختيارهم للكليات التي يدرسون فيها على ضوء العلامات التي حصلوا عليها، وغالبا ما كان الأهل وربما لازالوا يختارون مستقبل أولادهم بالدخول إلى الكليات الطبية أو الهندسية؛ المجموعتين الأكثر شهرة في العراق والتي يحاول الطلبة الوصول إلى أحداها لضمان مستقبلهم، وأعتقد أننا تباحثنا يوما بهذا وتوصلنا إلى أن هذا الاسلوب خاطيء؛ فكم من موهبة تم خنقها سواء كانت في الموسيقى أو الرسم أو الفن لأن الوالدين لا يفتخرون بكون ابنهم أخذ شهادة في هذا المجال، بينما يميل الآباء ليكون أولادهم من الأطباء أو المهندسين ويصبحون رفعة رأس، هؤلاء أيضا دخل الأشرار إلى قاعات امتحانتهم وأجبروا الهيئات المشرفة على أداء الامتحانات كي تعطي غشا للطلبة لأن الامتحان يجري في المواقع التي لديهم فيها سطوة، مما أخرج دفاتر امتحانية متطابقة في جميع الأمور وأجبر الجهات المسؤولة بالغاء نتائج تلك المدارس!!!
لكن هل هذا كان الحل؟ فربما طلبة في تلك المدارس من المثابرين والمجدين ألغيت نتائجهم بجريرة غيرهم!!! ذهب الأخضر مع اليابس، تساوى الشاطر مع الكسلان... فذلك من الأمور التي تحطم الأسس والضوابط التي تفرز المواهب والامكانيات العلمية عند الطلبة لكي كل يذهب حسب مستواه وعند جلوسهم على مقاعد الكليات يكونون بخط شروع واحد يسعون لتسلق سلم العلم إلى الأعلى بكفاءة متقاربة ويكونون لبنة صلبة في بناء مستقبل البلد.
لكن كما يقول المثل: لو خليت قلبت، فالأمل مستمر وموجود والعراق سيبقى يناضل لكي لا تسيطر عليه قوانين غريبة ويبقى يبحث عن الأمل مع كل الغبار التي تحدثه هذه الكتل من الأنقاض عند تهاويها ورغم كل معاول الشر وخطط الأشرار، ويا عزيزي عندما أتكلم لك عن الشر والأشرار فليس كل من يسبب الأذى شريرا إنما فيهم من يحاول طرد الغازي والمحتل وقد يلحق الأذى بأخوانه وفيهم من يعمل بسياسة رعناء وعلى أسلوب الغاية تبرر الوسيلة وهذا أيضا يلحق الأذى بالعراق، وهنا أيضا الأجنبي الذي لا يبحث سوى عن مصلحته ولا يهمه أن يذهب الجميع كضحابا تحت عجلاته العسكرية المسَّرفة ، لكن الله لا ينسى عبادة وإن غدا لناظره قريب. ودمت لأخيك.


عبدالله النوفلي
25 آب 2007



164
      
صديقي الوفي: أكتب لك اليوم عن معاناتنا في العراق وعن الديمقراطية وتطبيقاتها الخيالية والتي لا تشبه أي تطبيق للديمقراطية في أي بلد آخر يعيش شعبه ونظامه الديمقراطية الصحيحة.
إننا في العراق نعيش الحالة الشاذة لهذا النظام المتطور للحياة والتي تعلمنا عندما بدأنا نفهم الحياة معا بأنها حكم الشعب، والأقلية تخضع لرأي الأكثرية، وأكثريتها تحترم رأي الأقلية، لتعيش جميع المكونات حياة متحضرة وبأمان وسلام ويعملون من أجل التقدم وتطوير البلد نحو درجات متقدمة لكي يواكبون ركب العالم المتقدم.
إنها الحالة الشاذة كما ذكرت لك بحيث نحن مستمرون بذات الحياة وفي كافة ميادين الحياة المضطربة أصلا، لأننا فقدنا الأمن ... فقدنا الخدمات ... فقدنا الحرية ... فقدنا كل شيء يحتاجه الإنسان في زمن القرن الحادي والعشرين، وها أنني أعيش كما أكتب لك من تحت الأنقاض لأن بلدنا قد امتلأ منها وتزداد يوميا بحيث نشهد منها أكواما لا تعد ولا تحصى وأيضا أصبح بلدنا مخزنا للكتل الكونكريتية التي تضعها السلطات تفاديا للخسائر أو لتقليلها عند حدوث ما لا يُحمد عقباه وحسب رغبة الأشرار.
أنت تعيش في بلد قد يمارس نوعا من الديمقراطية الأقرب للصواب مما نحن عليه، وتعلم أن الحكومة عندكم تحسب لرأي الشعب ألف حساب في تقديمها للخدمات وإنجازها لأعمالها وهدفها من خطتها في أداء مهامها هو أرضاء الشعب ورفع مستواه في كافة الميادين، وشعبها يترصد الاخفاقات بغية تقويمها وعدم استفحال الخلل إن حدث، ومشكلة معينة تدفع بالحكومة للاستقالة وترك المجال للآخرين كي يجربوا علّهم يحققون الأحسن وقد يصل الأمر إلى حلّ البرلمان إذا تلكأ في إداء مهامه ووصلت الأمور إلى طرق مسدودة بحيث يلجأ الرئيس إلى حله والدعوة للانتخابات بغية تطويق الاخفاق والعودة إلى الأسلوب الأصوب في تمشية الأمور.
وأيضا نسمع ونقرأ أن المسؤولين في البلدان الديمقراطية يعترفون بأخطائهم ويعتذرون من شعوبهم ويعدوهم بأنهم سيُصلحون حالهم نحو الأحسن في سياسة حزبهم المستقبلية، وهذا يخلق شفافية قلّ نظيرها في بلداننا المبتلاة بحكام يمارسون ديمقراطيتهم الخاصة ويكونوا هم مصدر السلطات ويدفعون بشعوبهم بوسائل متعددة لينتخبوهم مدى الحياة ويصبحوا قادة عظماء على الأقل بنظرهم فقط، أما شعوبهم فقد ملّوا من الحديث عن السياسات الخاطئة لأن ذلك يجعلهم يدخلون السجون والمعتقلات وتعذيب وإذلال لا يعرفه سوى من يعيش اللحظات الرهيبة في المعتقلات الخفية التي لا تعلم بها السلطات الدولية، وكنا نسمع عن فلان وعلان الذين اختفوا وانقطعت أخبارهم لأنهم توهموا أن باستطاعتهم تغيير الأمور، لكن الأمور في بلداننا تبقى رغم أنف كل الدول المتحضرة كما هي والضحايا يزدادون باستمرار لأن لعبة المصالح لهذه الدول تغطي عيوب الحكام والضحية معروفة دائما وهم نحن الشعب المغلوب على أمره.
ولكننا في العراق استبشرنا خيرا عندما كانت الولايات المتحدة تحضّر لما جرى في بلدنا وكيف كان الرئيس الأمريكي يتحدث بمليء فيه عن عراق جديد يكون أنموذجا لكافة دول المنطقة وكان يقصد الديمقراطية التي سيشهدها العراق بحيث سيحسدنا عليها أبناء الدول المجاورة حتى ذهبت بنا الأحلام كما كان يتحدث لي بعض الأصدقاء أن نية الرئيس بوش هي أن يصبح العراق الولاية 51 من الولايات الأمريكية المتحدة!!! وحلم آخرين أكثر بأن الدخول لذلك البلد سيكون بالهوية الشخصية، ولم يكن محتاجا العراقي للحصول على تأشيرة الدخول لأننا سنصبح بلدا واحدا، ولم تكن هذه الأحلام نتيجة ما يتمناه الشعب بل لأننا في العراق عشنا حصارا عالميا ومُنعنا من السفر وظلمنا بعدم منحنا تأشيرة السفر لدول العالم حتى لو كانت جيوبنا ملأى بالنقود، بسبب سياسات حكامنا وحصولهم بامتياز لكره العالم لهم وبالنتيجة لنا لأننا لم نفعل ما بوسعنا لإحداث التغيير من الداخل!!!
واليوم يا عزيزي: كما كتبت لك في رسائلي السابقة أننا نعيش أزمات كثيرة واحدة منها كانت ستطيح بالحكومة لو كنا في بلد يعيش الديمقراطية الصحيحة، فكما تقر أو تسمع حكومتنا اليوم فقدت نصف وزرائها إما بالاستقالة أو الانسحاب أو احتجاجا، ولازالت الحكومة تعمل دون أن تستقيل لكي تترك الأمر للبرلمان الذي ربما يعيد ترتيب الأمور!!!
 ونحن أيضا وخاصة في العاصمة نعيش حالة من فقدان الكهرباء التامة فبعد أن كتبت لك في السابق أن الكهرباء تقطع أربع ساعات ليعطونا ساعتين أو ساعة لكل سبع ساعات قطع أصبح الوضع اليوم أسوأ إذ نحن محظوظون إن حصلنا على ساعتين من التجهيز كل أسبوع تصور!!! ووزارة الكهرباء تعمل وتحصل على ميزانية ضخمة والتصريحات الرنانة نقرأ عنها باستمرار دون أن يخجل المسؤولون مما يعرضون للشعب من أذى ولا يكلفون أنفسهم حتى الاستقالة وأعلان الفشل!!! فمتى سيحسون أنهم فاشلون ولا يستطيعون خدمة الشعب؟ وليس هذه المشكلة فقط بل أن حال الوقود والحصول عليه يتفاقم باستمرار ونحن البلد الذي يعوم على بحيرة من النفط نتحسّر ونحسد من يملأ خزانه بالسعر الرسمي الذي تضاعف هو الآخر عشرات المرات منذ أن دخلنا في الديمقراطية التي جلبتها لنا أمريكا!!! ووزير النفط يسير متبخترا ويسافر ويعقد الاتفاقيات والشعب يعاني الأمرين عند بحثه عن حاجته للوقود وبكافة أشكاله، وأيضا هذا المسؤول لا يمتلك الشجاعة لكي يعتذر من الشعب وينسحب لكي يحل آخر محله علّه يحلّ المشاكل!!! وتسمع أيضا عن خطة فرض القانون، وكما قلت لك أن بلدنا أصبح مخزنا للكتل الكونكريتية، ورغم أنف كل الاجراءات فإن مسلحين دخلوا لدائرة مهمة في وزارة النفط ليخطفوا الوكيل الأقدم للوزارة عيني عينك وأمام كل الكتل الكونكريتية وكافة السيطرات الرسمية التي هي بالمئات وفي كل مكان من العاصمة ولازالت أجهزة الأعلام تتكلم عن النجاحات التي تحققها الخطة وتذيع أرقاما عن انخفاض نسبة الجريمة!!! إنها أمور تثير العجب!!!
ولازالت الحكومة صامدة لأن البرلمان منهمك بتحقيق أكبر المكتسبات لأعضائه فهي فرصة العمر لكي يصبح أحدهم عضوا أو رئيسا للبرلمان لأنه سيخرج براتب تقاعدي بعشرات الآلاف من الدولارات بينما خط الفقر عندنا يزداد سوءا!!! فكيف يحاسب البرلمان الحكومة وهو منهمك بأموره الجانبية وتأمين حال أعضائه؟ لكن العيب ليس بهؤلاء أيضا بل بنا لأننا من أوصل هؤلاء إلى المراكز التي هم عليها، ولازلنا نحجم عن الخروج إلى الشارع لاعلان تذمرنا مما يجري، وإن سئل أحدنا (شلونك؟ يقول كلش زين) كيف يا صديقي نكون بحال جيدة وهذا هو حالنا؟
كتبت لك عن حال ديمقراطيتنا لكي تعمل جاهدا من موقعك ومعنا كل أصدقائنا في العالم لاصلاح ما يمكن أصلاحه لأننا نسير نحو هاوية فاتحة فاها لتلتهم كل من أضناه السير ويقع مستسلما للقدر الذي لا يرحم!!! وربما تسمع أناسا لازالوا يتغنون بالسلطة ويقصدون القصائد وينظمون الأشعار لأنهم مرتزقة يعيشون على هذا الحال؛ حال التملق والعيش على آلام الآخرين، لنصرخ بأعلى صوتنا وأنت معي وجميع أحرار العالم لأن صوتي من تحت هذا الركام والتشويش الذي نعيشه في العراق قد لا يتجاوز المكان الذي أحارب فيه من أجل البقاء، علّنا نسمع صوتنا بأن لنا حق أن نحلم بحياة أفضل مما نحن عليها وأن يكون لنا حقوقا ربما مثل حيوانات الغرب، هذه الدول التي لها منظمات الرفق بالحيوان، بينما نحن لدينا منظمات ليس للرفق بالحيوان إنما لذبح الإنسان وإراقة دمائه أو أرهابه لكي يذهب بعيدا ويترك مقتنياته وأملاكه لكي يرتع بها من ماتت ضمائرهم!!!
ولكن نقول رغم كل هذا أن الأمل موجود ومن أجله نستمر بالحياة ولولاه لوضعنا حدا لحياتنا لأننا نموت يوميا، فاعمل لكي نشعل شمعة وسط هذا الظلام الحالك وليكون غدنا قريب لنا ولكي نلتفت لمداواة جروحنا، ومن هذا الواقع تقبّل تحيات صديقك الذي لن ينساك ما دام حيا.
عبدالله النوفلي
18 آب 2007

165
الأمة الكلدانية السريانية الآشورية
المصير والواقع الراهن

نطالع  بين الحين والآخر كلام من هذا أو ذاك، مقالة أو كلمات تبحث في مصير الأمة وتتوصل إلى شبه قناعات محددة بمواضيع مصيرية وكأن ما توصلوا إليه من قناعات لا يمكن الطعن فيها أو التشكيك بها خاصة عندما تصدر من قيادات معروفة أو مفكرين لهم باع طويل في الكتابة والاجتهاد.
لكن عندما يتعلق الأمر بمصير الأمة يجب علينا التأني وترك الباب مفتوحا للجميع بإدلاء بأصواتهم حول كافة ما يجول في خواطرهم والأفكار يجب أن تطرح على بساط البحث والنقاش دون أية مصلحة شخصية سواء كانت الأفكار نابعة من أشخاص نحبهم ونحترمهم أو من آخرين لا نرتاح لطروحاتهم من أفكار أو توجهات ونخاف من مغبة كونها نابعة من قوى أخرى أو تابعة لها وقد تؤدي لتنفيذ سياسات؛ صالحها للأمم الأخرى أو للأحزاب الغريبة.
والعراق المضطرب يعتبر ساحة غير ملائمة لنمو وتطور طروحات معززة بقناعات ثابتة، لأن الأرض متحركة والأوضاع غير طبيعية، تتأثر من خلالها الأفكار ومن خلال ما يجري من حول الإنسان من حوادث متنوعة؛ كالخطف .. القتل .. التهجير .. ووأد الأحلام الخيّرة في مهدها، لأن الأشواك ارتفعت وتعمل على خنق النبتة الطيبة المنظر والتي يروق للجميع شكلها وبهائها.
إذا ما نفكر فيه ونطمح إلى تحقيقه يبقى شئنا أم أبينا متأثرا وبشدة بما يجري في العراق، فعندما أتناول قلمي وأشرع بتسطير ما يجري في خاطري من أفكار لابد لهذه الأفكار ان تنقطع بسبب صوت قذيفة أو بخبر عاجل أو بورود أنباء عن كارثة حلّت بقريب أو عزيز أو حتى مواطن بريء لا يمت لنا بصلة ليأخذ القلم مجرى آخر بانفعالات مفاجئة تلقي بضلالاتها على جو المفكر العام ولما يكتبه القلم من أفكار، وبهذا يصبح ما نكتبه لا يعبر 100% عن الواقع أو لما نريده للمستقبل خاصة وأن الساحة حبلى بالمفاجآت المستمرة.
فإن قلنا ان الحكم الذاتي لأمتنا هو الحل الأسلم، نجد آخر أن قناعته الإدارة الذاتية كونها الأسلوب الأمثل لكي تأخذ الأمة مكانتها بين الأمم في هذا العراق الجريح، هذه المكانة اللائقة التي تساعدها بالنهوض وطرح كل مخلفات سنوات الماضي الأليم جانبا كي تلتفت إلى لملمة الجراحات والقفز نحو الغد الأفضل، وكلا المطلبين غايته الغد الأفضل ولا يجب أن نقلل من أهمية أي منها بل يجب على المؤمنين بهما العمل الجاد والمضني لأنه يخدم مسيرة الأمة ويصبّ في صالح مسيرتها نحو الغد الأفضل.
لكن الذي أريد أيصاله من خلال هذا المقال أن لا يعمل مؤيدوا هذا الطرح أو ذاك ضد بعضهم البعض طالما أن الأفكار تصبّ في صالح المجموع، ولا يجب علينا أن ننظر للأفكار على خلفية من يطرحها فقد نأخذ الحكمة من أفواه المجانين!!!
ولنعمل بإيجابية وصولا للمصير الأفضل واضعين بنظر الاعتبار أن مستقبل الأمة هو الهدف والأشخاص يذهبون ويأتي غيرهم لكن الأمة ستبقى وستحكم مستقبلا على كل من كان سببا في تراجعها أو ألحاق الأذى بها، كما سيتم وضع أسماء المخلصين في لوحات الشرف كقادة ومفكرين عملوا كل ما بوسعهم كي تتقدم الأمة وتنتعش آمالها بغد أفضل.
فمرحى لمن يعمل ولا يلغي الآخر ويستفيد من أفكار وخبرة الآخرين أينما كانوا ومع من كان تحالفهم، طالما ان الهدف هو الوصول إلى حال أحسن مما نحن عليه ومصير للأمة بواقع أحسن حالا من واقعها في الماضي القريب أو الحاضر المأساوي الغزير بالدماء.

                                                       عبدالله النوفلي

166
      الرسالة 13 من تحت الأنقاض
صديقي العزيز: نتواصل معا في الكتابة التي هي بالنسبة لي مجالا أُفرغ من خلاله شحنة الأحاسيس التي تملأ فكري وتقلقه لما تحمله من مآسٍ وأفراح أو أحزان أو أهوال تتوالى أمام ناضري وأنا عاجز عن فعل أي شيء من شأنه إحداث تغيير في الأحداث نحو الإيجابية وعبر ما يفعله قلمي هذا الذي هو الآخر مثقل بهموم صاحبه، لكنه يترجم أفكاري ويضعها على الورق لتصلك يوما وأنت الساكن بعيدا والذي كنت أيضا أحد الضحايا الأوائل لما وصلنا إليه اليوم حيث نزيف الفكر والعلم والمعرفة المتمثل بأناس من أمثالك وهم كثر وجلستم في ديار الغربة بعشرات الألوف وربما الملايين وكلكم من حملة الشهادات العليا التي صرف عليها البلد الشيء الكثير لكي يوصلها إلى مرحلة متقدمة في مجالات العلم والمعرفة، وكذلك من الحرفيين المهرة الذين اكتسبوا بمرور الوقت مهارات لا تعوض مطلقا، لكن أيادي الظلام امتدت كي تطفيء النور المنبعث من زوايا متعددة بغية تحويل الكل إلى الجانب المظلم والذي يزداد ديجوره ظلاما، وهذا بحق ما يتحقق لدينا في العراق.
واعتقد أيها الصديق المخلص أنك لم تنسى بعد الأسماء اللامعة التي كانت الدنيا كلها تسعى لكي تستأنس بآرائها أو الاستفادة من أفكارها أو لكي تقوم هذه بتعليم وجبة من أبنائها ليكونوا خميرة صالحة للبلد، نحن اليوم أصبحنا نرصد هؤلاء ونتعامل معهم بأشد القسوة، فالطبيب العالم بالعلوم الطبية يحاصره الشر لكي يسلب منه عصارة جهده وتعب السنين ويتحول كل هذا إلى جيوب مافيا الشر اللعين متناسين أن هذا الطبيب بعمله على إنقاذ إنسان واحد لا على التعيين وقد يكون أحد أفراد هذه المافيا يأتي بعمل لا يمكن تثمين قيمته لأن من ينقذ إنسانا واحدا كأنه ينقذ العالم أجمع ... هكذا تكلم الحكماء.
أيها العزيز: إن الأطباء يرحلون بصمت خوفا على حياتهم ولسان حالهم يبكي العراق وشعبه الذي عاد المرض ينهش بأبنائه بعد أن كان قد تقدم صحيا بمراحل متقدمة جداً، وهذه ليست الشريحة الوحيدة التي تهاجر رغم أنها في غاية الأهمية لأن ما موجود اليوم من رجالات الطب رغم اجتهادها الكبير لتجاوز فراغ العلماء منهم لكن يبقى قليل الخبرة والذي هو بحاجة لسنين طوال كي يصل إلى مرتبة من تركنا ورحل، وهؤلاء الراحلون محظوظون نوعا ما لأن غيره قد حصدته النار وأصبح في الذاكرة يندبه مرضاه الذين بقي قسما منه ناقص العلاج!!!
وهكذا المهندسون والمقاولون والمحامون والقضاة و ... والقائمة تطول لأن الهدف هو أفراغ العراق من الملاكات المهمة لتقويض أحد أركان التقدم فيه ويعود متخلفا لا يمكنه أن يؤذي جيرانه لنقص في تركيبته ألا وهو العقل السليم!!!
واعتقد أيها العزيز أنك فرحت وهللت معي عندما فاز المنتخب العراقي ببطولة أمم آسيا 2007 رغم عشرات السنين التي تفصلك عن التواصل مع العراق ومع أنني متيقن أنها لم تقطعك عنه وبقي دمك يغلي وهو في عروقك بحب بلدك مؤملا نفسك أن يأتي ما هو أحسن بعد حين!!! وهذا المنتخب حقق في هذا الزمن الصعب معجزة بحيث أفرح (11) لاعبا أكثر من (28) مليون عراقي بالإضافة لمن فرح لنا والذين يقدرون بعشرات الملايين من الأشقاء والأصدقاء، لكن يا عزيزي أن سياسيينا الذين يلهثون وراء المكاسب والموجود منهم في البرلمان (275) هؤلاء لم يستطيعوا أفراح (11) مواطنا من أبناء العراق والسبب لأنهم أنفسهم لم يفرحوا يوما !!! فكيف سيُفرحون الآخرين؟
يا عزيزي أنا متأكد لو عاد أبطال المنتخب إلى العراق وبصورة علنية لتعرضوا للخطف والابتزاز وحتى القتل!!! لأن من يمتهن مهنة الشر يمتلك روحا سادية لا يفرحه أي شيء، ولا يروي ضمأه سوى جريان دم غزير ورؤية الألم في عيون الآخرين، وهكذا رأيتَ كيف جاء البعض من أفراد المنتخب ليتحصن في المنطقة الخضراء الآمنة والآخرون الأكثر شهرة من أفراد المنتخب لم يأمن على نفسه حتى في هذه المنطقة!!! ليتعلل بهذا السبب أو ذاك ويبقى بعيدا، وأنا أشجع هؤلاء لأن رأسية يونس محمود لن تشفع له إذا وقع بيد الأشرار وربما يأخذون لأنفسهم هذه الرأس الذهبية يتمتعون بها وليذهب كل العراق والعراقيون إلى جهنم وبئس المصير!!!
إنها المأساة يا عزيزي التي جعلت من فريقا فتيا لرياضة لا أعرف تفاصيلها واسمها (التايكواندو) أن يتم خطف كامل الفريق ومن ثم يتم العثور على جثثهم في مقبرة جماعية!!! وكذلك رئيس اللجنة الأولمبية خُطف ولم يعرف مصيره إلى يومنا هذا رغم مضي أكثر من سنة على الحادث وهكذا رياضيون كثر وقيادات رياضية بالعشرات رغم كل هذا الواقع الأليم قفزت الرياضة عندنا كالعنقاء لتحطم كل عبارات المستحيل وتصرخ بأعلى أصواتها رافضة هذا الواقع المرير ولو لاحظت فم يونس محمود وفتحته غير الاعتيادية عند رفعه الكاس وكأنه يريد أن يُسمع العالم أجمع صرخة مدوية لأن المعدن الطيب مازال موجودا وأن العراقيين هم الذين صنعوا فييرا بجهودهم وليس بجهوده هو أصبح مدربا يحصد كأس آسيا، وأي متتبع للأحداث والفعاليات الرياضية يفهم أن فترة أل (60) يوما ليست بكافية لخلق فريق يخطف بطولة قارية وهو لم يدخل حتى معسكر اعداد طبيعي!!!
فمن يستطيع ترويض هذه العنقاء ؟ ومن يستطيع كبح جماح اللبوة الجريحة أو التي سُلبت أولادها عنها؟ بلا شك العلاج هو بعودة الأمور إلى نصابها الصحيح ونعود أنا وأنت ننظر إلى الخيوط الذهبية التي تنبعث رويدا رويدا من قرص الشمس الأحمر هناك في أفق الصباح ليتحول تدريجيا ذلك القرص إلى لهب لا يمكننا متابعته ينير الدنيا كلها، نحن بحاجة إلى هذا النور الساطع الذي يجفف جراحاتنا ويمدّ أجسامنا بالقوة والصحة لتصل إلى الغد الذي يملأ القلوب انشراحا وتعود الطيور التي هاجرت إلى أعشاشها وتختفي خفافيش الظلام لتموت في أوكارها العفنة وتترك للخير أبوابا مشرعة ويهدأ البال والخواطر ويعم الفرح، أدعوا معي وقل يا الله!!!
عبدالله النوفلي
8 آب 2007

167
الرسالة 12 من تحت الأنقاض

أيها الصديق الذي يهمني جدا أن أبقى وأياك على صلة إنسانية نتبادل المشاعر والأحاسيس ممنيا نفسي بمساعدة أحدنا الآخر على صعاب الدنيا لنكتشف علاج لبلوانا؛ فقد أكون قلقا وتفكيري لا يساعدني على حل المعضلة التي تصادفني لأجدك مستقرا وجاهزا للمساعدة ومدّ يد العون لي كي أتجاوز محنتي وما انا وبلدي عليه من بلوى.

فالإنسانية هي هكذا وأجدادنا قالوا: الصديق وقت الضيق، لأن معدن الصداقة لا يمكن معرفته إلا عندما نكون في شدة، لأن الكثير ممن نعتبرهم أصدقاء مقربين يهربون بعيدا تماما كما فعل عدد من حواريوا المسيح حيث تركوه وحيدا يصارع الموت وجلاديه. فوقت الضيق يُظهر الأصدقاء الحقيقيين، وهكذا فإن النار تقوم بتصفية الذهب والمعادن، والشدة ما هي إلا هذا النار التي تصفي البشر أيضا وتغربلهم وتقوم بتوضيح صورتهم للآخرين.

ولا أريد من هذه المقدمة أيها العزيز سوى أن اوضح لك كم تُدخل الفرحة في نفسي المتألمة عندما أجدك ترد على ما أكتبه، فيساعدني هذا الفرح بتجدد الأمل في داخلي وكياني المتألم، ويُبعد اليأس وشبحه عني لينزوي جانبا وأتسلح بقوة جديدة رغم كل هذا الكم الهائل من الأحزان التي تحيط بي وتجعلني أسير واقع يصعب الخروج منه، فكلما اجتمع اثنان يكون كلامهم وحديثهم ينصبّ على الحوادث وأخبار حوادثٍ وقتلٍ وخطفٍ ودمار ومشاكل الحياة التي تزداد سوءا دون أمل يلوح في الأفق.

ومشاكلنا يا عزيزي سياسية ومصالح السياسيين أكثر مما تكون طائفية أو مذهبية أو دينية، فلا تصدق أن الحرب طائفية بين السنة والشيعة وهي متأصلة هكذا، إن هذا ما هو إلا كذب وافتراء من أبواق الدعاية التي تروج لبضاعة هدفها أن نتقاتل ويذبح أحدنا الآخر!!! فلو كانت كذلك؟ فما الذي يجمع بين الكتلة الشيعية في البرلمان لتتحالف مع الكتلة الكردية؟ وكلنا يعلم أن معظم الأكراد هم من المذهب السني!!! وهل تستطيع أن توضح لي وانت العالم بالمذهبين ما فرق السني الكردي عن السني العربي؟ هذه بلوانا وأدوات البلوى موجودة بيننا والمستفيدون من هذا التناحر الذي ليس له حقيقة على أرض الواقع كمادة واقعية كثُرْ، فمثلما قرأنا عن وزير أعلام هتلر الذي كان يردد (أكذب .. أكذب حتى يصدقك الناس) واليوم أبواق الدعاية المعاصرة تطلق عبر أبواقها معلنة وجود فتنة أو قتال فيما بين السنة والشيعة حتى صدق البعض ويحاول ان يجعل منطقته سنية بأجمعها أو شيعية خالصة حتى لا يغدر به القدر ويحدث اقتتال طائفي إن تواجدت الطائفتان معا!!!

تصور أيها العزيز فإن المرأة في ظل هذا الهوَس أصبحت أيضا الضحية، فلو كانت قد تزوجت من مذهب مخالف لمذهب اهلها قد تُجبر على ترك زوجها أو يقوم زوجها بتطليقها مرغما وإلا سيتعرض للقتل والسب والإهانة!!!! إنه الشر المضحك المبكي والتراجيديا التي لم يفلح حتى هيتشكوك بتصويرها في أكثر أفلامه رعبا، يتم تقديم هذا الرعب اليوم عندنا وعلى مسرح الواقع وبالمجان ولسنا بحاجة إلى دور للعرض أو شاشات للسينما أو مسارح لأن الرعب منتشر وأدواته في كل زاوية ومكان!!!

وأمر آخر أود أن تعرفه ويكون العالم كله معنا شاهدا وهو ان مواطني البلد هم من يحملون جنسية بلدهم، وهكذا يجب ان يكون قادتهم والمسؤولين في ذلك البلد، لكن نحن في بلدنا أيها العزيز وبعد سقوط النظام أو انهياره أصبحنا نختلف عن كل العالم، أصبحنا نُحكم من قبل غير العراقيين أو مَن هُم عراقيون بالأسم بينما جنسيتهم الرئيسية هي غير العراقية، وهنا لا أود أن أكتب لك عن ألغاز أو أحجية واسرار يصعب حلها أو فهمها وادراكها، لأنني اعتدت الكتابة لك بصراحة وبأسلوب مباشر ... ففي العراق ومنذ ربيع 2003 نعيش المأساة هذه؛ فبعد أن حكمنا الأمريكي الجنسية (غارنر) وتبعه خليفته (بريمر) وهذا الأخير كان السبب في كل ما نحن عليه من مآسٍ وإن سألتني سأورد لك بعض مما اقترفته يده بحق العراق والعراقيين:

1 . فقد حلَّ الجيش وشرد عشرات الألوف من القياديين الذين كانوا ينعمون بمكاسب لا يحلم بها الإنسان العادي في العراق آنذاك، وفجأة وجد كل هؤلاء أن الأمور قد تغيرت بين ليلة وضحاها، ولا مورد لديهم وعليهم التشرد كما لم يعد لهم غطاء يحميهم من جراء ما نفذوه من أوامر من استخدمهم في حروب ليجدوا انفسهم أهدافا للتصفية لا لسبب سوى أنهم كانوا متطوعين ينفذون الأوامر، وعندما دارت دورة الزمن أصبح كل هؤلاء كمجرمين إن لم يكونوا مجرمين فعلا في نظر ولي أمر اليوم !!! فهؤلاء يا عزيزي هم اليوم أحد أسباب بل من الأسباب الرئيسية للقتل والدمار والفوضى الذي نعيشها في كل لحظة ودقيقة، والشريف من هؤلاء والذي أبى أن ينحرف وكان حب شعبه معجونا بدمه انزوى بعيدا واختار التخفي أو الغربة يندب حظه وحظ شعبه وصابر ينتظر الفرج.

2 . بعد السقوط تُرك السلاح والعتاد في الشوارع والأزقة وحتى مخازن العتاد بقيت مشاعا لمن يريد أن يأخذ ما طابت له نفسه وبآلاف القطع أو آلاف الأطنان من العتاد لأن ترسانة الجيش بكاملها أصبحت دون حارس ومشاعا لمن يريد أن يغرف منها!!! واليوم تظهر تلك الترسانة لتصبح سببا لقتلنا وأهلنا والسلاح الذي كان يُخزّن للدفاع عن البلد وشعبه أصبح موجها باتجاه العراق وأهله!!!

3 . وبريمر سيء الصيت لم يسرّح الجيش فقط بل شطب وزارة بأكملها هي وزارة الاعلام!!! ومن كان رجل الاعلام لكي يتم محاربتهم؟ وهل كلهم مؤمنون بفكر من قام بتشغيلهم في هذا المضمار؟ ربما أقول ودون خوف أن 90% منهم كانوا موظفين حرفيين مهنيين يعملون بعرق جبينهم وحسب مواهبهم !!! لنجد اليوم العشرات من الفضائيات والإذاعات والصحف والمجلات التي تدار وتتكلم وتنطلق بجهود أولئك الرجال والنساء الذين شردهم بريمر هذا!!!

فما أكتبه لك يا صديقي العزيز مادته كثيرة وكثيرة جدا ونحن في العراق أصبح لنا مادة للكتابة تعجز أقلام الدنيا من تدوينها، فلدينا من القصص الجديدة والمنوعة في كل لحظة ودقيقة، ومن أحداث تتسارع بحيث لا يمكن لأبرع مراسل أو صحفي أن يلتقط كافة الصور؛ فبالأمس فقط كان صديق لي يقود سيارته الصغيرة التي نسميها في العراق (ركَة) أي سيارة الفولكس واكن الصغيرة، وكانت سيارته قديمة وربما عمرها أكبر من عمره، وهو نصف إنسان، فيده كانت قد بُترت في حروب النظام السابق ورغم ذلك كان يعمل ويتنقل بهذه السيارة العجوز، هذا الإنسان تعرض لحادث أطلاق نار وهو على وشك الوصول إلى مكان عمله واخترقت الرصاصة يده السليمة لتدخل صدره وتستقر قرب قلبه!!! (الله ستر) فيده السليمة كانت درعا لقلبه منعت الرصاصة الغادرة من أن تصل إلى هدفها وتوأد حياته!!! وهل تعلم مصدر تلك الرصاصة؟ إنها كانت للكاوبوي الذي يجول شوارعنا ولا يجرؤ حتى الوزير وموكبه أن يتجاوزهم وأحيانا أقول مع نفسي ربما حتى رئيس الجمهورية لو صادفه رتل من عجلاتهم فعليه التوقف وبعيدا لأن مصيره سيكون كمصير صديقي إن لم يكن أسوأ، فهذا الإنسان المعوق أصلا والذي هو شبه إنسان وبشبه سيارة كان هدفا للكاوبوي الذي لا يرحم!!!

إننا نعيش بمرارة خاصة عندما نتابع الأخبار ونجد معظم نواب برلماننا يتخذون من عمان عاصمة الدولة المجاورة ملاذا آمنا لهم، بينما العراقي البسيط ممنوع من دخول هذا البلد حتى ولو كان في مهمة رسمية وعليه العودة في أول طائرة مغادرة إلى العراق!!! فهل الدول ومنها العربية التي تدّعي بالعروبة والأصالة و و و متفقة لخنقنا ومنعنا حتى من التنفس ولو لأيام معدودة هواء نقيا ونشحن أنفسنا بشحنة من الهدوء والمعنويات بعيدا عن الفوضى والقتل والدمار؟

وعذرا عن الاستمرار لأنني ساعود لاحقا وأكمل عن أمور كثيرة أرجو من الله أن يحفظك ذخرا لأخيك علّك تنتشلني يوما من تحت الأنقاض!!!

عبدالله النوفلي

17 / 7 / 2007
 
 

168
المنبر الحر / مقال واسم مستعار
« في: 10:27 24/08/2007  »
مقال واسم مستعار
أخبرني صديق لي أنه كتب موضوعا جريئا يخص الوضع السياسي الساخن في عراقنا الجريح، وموضوعا كهذا يمسّ أحد الحيتان الكبيرة في العملية السياسية التي يتصارع عليها قوى مختلفة وبممارسات يندى لها الجبين من قتل ودمار الذي أصبح واقعا روتينيا مع شديد الأسف تعيشه خاصة بغداد التي هي مركز القرار والسلطة والموقع الذي إذا تم حسمه تتم السيطرة على مقاليد الأمور للإيثار بأكبر قدر من المكتسبات في مستقبل العراق، هكذا موضوع يكون غير مسموحا له أن يرى النور!!!
وهذه التي أسماها حيتان لا يهمها مطلقا أن تأكل الأسماك الصغيرة، لأنها يجب أن تستمر بالإبحار، فأهدافها لم تُنجز بعد ولا زال أمامها أسطول من حيتان أخرى تُصارعها بغية أثبات القوي منهما مكانته وفرض هيبته على الآخرين، وجراء ذلك نرى ونسمع يوميا أنه تم العثور على العشرات من الجثث المجهولة الهوية!!! وهكذا الاسم يُطلق عليها وبسهولة وكأن الإنسان هذا المخلوق العظيم عند الفراغ منه كهدف سياسي ورميه على الطرقات جثة هامدة يصبح صفرا على الشمال مجهولا لا يعرفه أحد!!!
كما حدثني صديقي أن مقالته تطرقت لمكونات شعبنا العراقي التي لا حول لها ولا قوة والتي هي بعيدة جدا عن اللعبة السياسية ولا همّ لها سوى العيش الآمن والسعي نحو مستقبل أفضل من خلال عَرَق الجبين والعمل المضني وبشرف، وأيا كانت السلطة عندها فالمهم أن تفرض القانون وتطبقه وهي بالنتيجة تحترم هذا القانون وتعمل تحت مظلته لكي تستمر بالعيش وتخدم أفرادها وبالنتيجة تخدم العراق ككل.
ونتيجة جرأة المقال خاف أن ينشره هذا الصديق بالاسم الصريح مغبة أن يصبح هو الآخر جثة مجهولة يوما ما، فقام بالتسجيل بأحد المواقع الإليكترونية باسم مستعار لينشر الموضوع ويوصل الرسالة لأكبر قدر ممكن من الجمهور الذي اختلطت عليه الأمور ولم يعد يميز بين الأبيض والأسود ... بين الوطني الصميمي وبين السياسي اللعوب.
وإيصال رسالة كهذه لشعب العراق وكشف زيف ادعاءات هذا أو ذاك من الكتل السياسية ليس بالأمر المُتيسر في عراق ما بعد السقوط، رغم تعدد القنوات الاعلامية وتوفر الاتصال عبر الشبكة العنكبوتية والآلاف من المدونات الحرة وعشرات الجرائد، لأن من يريد إيصال رسالة، فعليه نشرها في موقع أو جريدة معروفة يقرأها الناس بكثرة، فما فائدة نشر المقال في موقع لا يزوره سوى عدد محدود وربما هؤلاء أيضا لا يقرأون المقال فيكون مصير الرسالة سلّة المهملات وحرمان العراق من حزمة الضوء الذي أجهد صديقنا هذا نفسه بالتحليل والرصد حتى وصلته فكرة مقاله وبالنتيجة تصبح هذه الفكرة لنفسه فقط.
ونعود للمقولة الحكيمة التي تقول عن من رأى منكم منكرا فليغيره... وهنا يصبح التغيير بقلبه خاصة أن صديقي كما قال لي أنه أنهى مقالته بعبارة (أللهم أشهد أني بلغت)، لكي يزيح عن كاهله الصورة الرهيبة التي طرأت على باله وهو يحلل الأحداث ويستقريء المستقبل ويكشف زيف البعض لكي لا ينخدع به المؤمنون!!!
لكن أين كان مصير المقال وما الذي آل إليه؟ يقول لي صديقي أنه في اليوم التالي لنشره مقالته في هذا الموقع الذائع الصيت أقله بين العراقيين، ذهب ليرى الاصداء التي وصلت عليها لأنه حاول فتح المقال مجددا ليعرف كم من القراء اطلّع عليها وقرأها مؤملا نفسه بأن رسالته قد وصلت لعدد منهم وهكذا يتم نشر فكرته لكي لا يُخدع العراقي ويُلدغ من جحر مرتين وربما مرات كثيرة!!! ففوجيء أن الاسم المستعار الذي سجّل بموجبه في ذلك الموقع قد تم مسحه!!!!، والمقال قد تم رفعه!!!
إذا نحن في زمن الديمقراطية!!! وهذا الذي قام به الموقع قد زاد من قناعته أن ما ذهب إليه من تحليل كان هو الصواب، وأيقن أن الديمقراطية أيضا في مواقعنا الأليكترونية هي الأخرى قد حُرمت منها وربما هذه أيضا تستلم تمويلها من الحيتان الكبيرة ولا تسمح إلا بما يُكتب ويُنشر من مقالات لا تمسها بل ربما بما يُمجدها فقط!!!
فقال لي صديقي بعد أن رأى أن المستقبل أصبح أكثر قتامة واكتشافه زيف ديمقراطية المواقع وتقييد الأقلام وتحجيم الأفكار أن واقعا كهذا مؤلم جدا وأن انخداع أعدادا كبيرة بموقع يرون فيه أنه واحة لتفاعل الأفكار هو مضيعة للوقت والجهد وأن الأموال قد تم صرفها لتمويل هذه أيضا حتى تراقب ما يُكتب ويُنشر فيها ويتم رمي ما يمسّ المُمولين إلى سلات المهملات ليبقى التحليل ناقصا ويستمر العراقي جاهلا بما يجري من حواليه وتستمر الحيتان الكبيرة بتمرير مخططاتها وتهيئة الأجواء لأنفسها في مستقبل العراق، أما الشعب المسالم والعفيف والنقي الذي يرفض الغش والخداع ويؤمن بالقانون والاخلاص فليذهب إلى الجحيم وحتى لو أصبح كتلا لحمية متناثرة هنا وهناك بتفجير أو عمل إرهابي يتم لصقه بالقاعدة الحل الجاهز أمام هذه الكتل فلا يهم، فالمهم أن يحيا الريس وأن يطول عمره.

169
أهمية المجلس الشعبي
الكلداني السرياني الآشوري
لأمة السورايي
أنبثق لأمتنا مجلسا شعبيا كان الخطوة الأولى الأكثر أهمية التي تم اتخاذها خلال العصر الحديث لأمتنا، خصوصا وأن في أمتنا أحزابا وتنظيمات متعددة؛ منها الثقافية والديمقراطية والمدنية حال أمتنا حال باقي أمم وشعوب العراق الأخرى، حيث لدينا فقط من الأحزاب ما يقارب العشرة، ومثلها أو أكثر من تنظيمات ومجالس قومية، أي أن تيارا ديمقراطيا متطلعا إلى مستقبل زاهر أخذ بالتنامي فيما بين أبناء أمتنا وألوانها الزاهية التي تحمل أرث الكلدان .. السريان .. الآشوريين، وكنا قد طالبنا ومنذ سنوات بإيجاد صيغة تشبه البرلمان لكي تجتمع كافة أطياف أمتنا فيه أو تحت سقفه الواحد بغية استثمار كافة الطاقات والإمكانيات باتجاه بناء مستقبل زاهر لشعبنا يليق بما كان أجدادنا قد بنوه وتركوه لنا لاستثماره وأعلاء شأنه.
من هنا نقول: أن مؤتمر عينكاوا 12-13/3/2007 سيبقى خالدا وسيذكره التاريخ لأنه قرر انبثاق مثل هذا المجلس وحدد سقفا للمطالب التي يتطلع إليها شعبنا في أرض آبائه وأجداده، قلنا أن هذا المؤتمر سيقى خالدا لأنه لأول مرة يلتمس شعبنا أول الطريق ويتعرف على الملامح التي ستكون عليها وشكل وطبيعة مستقبله، وليس الأمر مرهونا بالأشخاص، فأين أشور؟ وأين نبوخذنصر ؟ وأين حمورابي؟ وغيرهم من الأشخاص ... لأن الأسماء تأتي وتذهب ليظهر غيرها وهكذا نجد منذ مؤتمر عينكاوا أن الأسماء التي بدأته وتركت بصماتها عليه سيأتي اليوم الذي نجد آخرين يقودون المسيرة، وكل ذلك لتجديد وتطوير المسيرة ورفدها بالدماء الجديدة والأفكار المتطورة ومثلما نحن موجودون اليوم سيكون غيرنا غدا ونأمل بهمة المخلصين أن تستمر المسيرة وبقوة أكبر لكي يعيش السورايي مرفوعي الرأس بكرامة وعزة وأمل كبير بحياة أفضل.
وسيعرف الذين وقفوا بالضد من المؤتمر أن موقفهم لم يكن على صواب لأن أمتنا بحاجة لجمع الكلمة، وأن أيام الحزب الأوحد قد ولت وأن تكميم الأفواه ذهب دون رجعة، وفرض فهم معين وآيديولوجية دون أخرى على شعبنا لا يأتي سوى بالنتائج العكسية التي تؤخر مسيرة الشعب ولا تقدمها، ولابد أن نتحاور جميعا بغية وصولنا لقناعات مشتركة رغم أن الكل له رأيه الخاص لكن لتكن كافة الآراء باتجاه البناء وأعلاء كلمة الأمة بين مثيلاتها من الأمم.
إن المجلس قد فتح ذراعيه للجميع ولم يبخل أو يهمل أيا من مكونات شعبنا بل ترك الباب مفتوحا وما نراه في مقره الذي تحتضنه المدينة التاريخية لشعبنا (نوهذرا) دهوك العزيزة، ليس سوى البداية التي كلنا أمل أن تزداد قوة ونشاط لجمع كلمة شعبنا؛ في الحوار والرأي والبحث عن مسارات تخدم أبناء الأمة وتأوي المشرد من الظلم وتقيت الفقير وتثبت جذور الجميع في أرضهم ووطنهم لكي يلتفتوا إلى البناء فيه، لكي تتعزز شخصيتنا ونتحاور مع أخوتنا في العراق الحر .. الديمقراطي .. الفيدرالي، لكي نكون مع العرب والأكراد يدا واحدة ومصدرا إلى لم الشمل، إلى البناء والعمل الجاد والمخلص.
إن المجلس ضروري ومهم جدا لكي تتفاعل داخله الأفكار بغية أن نظهر ونحن خارجه للآخرين أمة موحدة ولا نذهب فرادى لهذا المسؤول أو ذاك وكل منا يطرح الأمور بصيغة مغايرة للآخر بل نتكلم بلسان واحد، ويجدنا الآخرون أمة موحدة وقلبها واحد وبأفكار بناءة. عندها سننال الاحترام وسيعمل الآخرون لكي يكسبوا ودنا ويكون كلامنا مسموعا، فيجب أن لا نحصر عملنا بمسميات أشخاص الأمس أو اليوم، فقد تفاعل العزيز سامي المالح ورفاقه وأخرجوا لنا مؤتمرا سيخلده التاريخ بمقرراته العظيمة، هكذا يواصل اليوم عزيزا آخر هو جميل زيتو ومن معه وأعضاء مجلسه الانتقالي الذي نأمل وخلال الفترة الانتقالية أن يتوصلوا إلى أرضية مشتركة نصل بها إلى عقد مؤتمر جديد أكثر شمولية من مؤتمر عينكاوا وأن يكون فيه الانطلاقة العظيمة بعد أن نخرج بمؤتمر لا يكون شعبيا فقط بل تشترك فيه كافة الأحزاب والتنظيمات ونضع أقدامنا على سلّم المجد، ومن أجل ذلك نتطلع ونتضرع ونأمل أن يبارك الله هذه المسيرة، وأن يبارك كل مجهول وقف إلى جانب كل هذا العمل بمد يد العون والمشورة لكي تقف أمة السورايي على قدميها، والله سيكافيء المجتهدين يوما.
عبدالله النوفلي
14 آب 2007 دهوك

170
لننتخب أهل الرياضة!!
قد يكون عنوان مقالنا هذا غريبا، خاصة إذا جعلنا منه عنوانا لانتخابات نيابية وسياسية التي تكون نتائجها الخروج بمجموعة قيادية تدير أمور البلد وتضمن حقوق الجميع سواء أكانوا مواطنين أو من كانوا في السلطة، فأين أهل الرياضة من موضوعة السياسة؟
وقيادة الوطن من الواجب عليها أن تتحلى بشروط ومزايا تفوق مما موجود منها لدى الانسان العادي، بحيث تحمل على تجميع شمل الكل نحو هدف أسمى هو رفع شأن الوطن وأبنائه وجعله في مصاف الأمم المتقدمة والمتطورة لكي تضع اسمه ضمن الدول المتميزة وتكون قيادته متميزة بين القيادات.
 والقيادة لا تعني رئاسة الجمهورية أو رئاسة الوزراء أو رئاسة مجلس النواب فقط بل تمتد إلى أوسع من هذا، فالوزير هو قائد، والحزب السياسي هو قائد، وعضو مجلس النواب هو قائد، وهكذا... وعلينا أن نعرج لكل هؤلاء لنعرف مدى انطباق شروط القيادة في هذا أو ذاك، والجملة الحكيمة تقول: " من أعمالهم تعرفونهم"!!! إذا لسنا بحاجة لكي نمثل دور القاضي لنحكم على هذا أو ذاك، بل ببساطة لننظر إلى أعمالهم كي نحدد نجاحهم وآهليتهم للمضي قدما في القيادة.
ومن المعروف ان السياسة ليست فقط آيديولوجيات وفكر مثالي تعمل الشرائح المختلفة على تحقيقها عمليا مع من تتولى قيادته أو تطمح للحصول على السلطة الإدارية والقانونية لإدارة قدر أكبر من الشعب، وهنا نجد الطموح والاجتهاد الأعلى المحدد باتجاه الخير والمنفعة العامة وتحقيق العدالة فيما بين القائد ومن يقوده لكي نصل إلى الهدف الأسمى الذي هو رفع شأن المعية ماديا ومعنويا، أمنيا وحياتيا، بحيث نحقق للشعب واقعا أحسن مما هم عليه ونزيد من كرامتهم فيما بين الشعوب.
وما توصلنا إليه في العراق وما بعد نيسان 2003 هو العكس تماما!!! وخاصة من جانب السياسيين ورجالات السياسة؛ ففقدنا الأمن ... زاد عدد المهاجرين ... زاد عدد المُهجّرين ... زاد عدد القتلى ... المشردين، السلب، النهب، التصفيات السياسية، تصفية الكوادر العلمية، أطباء، أساتذة الجامعات، محامين، مهندسين، مقاولين... زادت محاولات الابتزاز والرشاوي، وعمليات التخريب، بحيث أصبحنا نعيش في فوضى عارمة والدولة بإمكانياتها الضعيفة تحاول ضبط الأمور لكننا جميعا لا تساعدها على ذلك بحيث الأحزاب تتناحر، والكتل تتقاتل والعشائر لا تعرف ما الذي تفعله، والجيش لا سلطة له على أي من منتسبيه؛ بحيث بأبسط حالة يقدم الضابط استقالته ولا يهمه نتائج فعلته بمجمل الوضع الأمني، وهكذا نسمع عن استخدام سيارات الشرطة في ارتكاب الجرائم ونسمع عن مساومات في أطلاق سراح الأبرياء من السجون وغيرها من الأمور التي تزيد من فوضوية الواقع ومقدار زيادة الألم في الصدر والحسرات التي لا نهاية لها.
ولكن كلما ذكرناه عن السياسة التي عملت على زيادة الآهات والحسرات، ظهر في المقابل الجانب الرياضي الذي أبهرنا ومعنا أبهر العرب والعالم، وأثبت للجميع بأن الخير لا زال موجودا ولم نفقد الأمل تماما كما لم نصل إلى نقطة اللاعودة، فلا زال يوجد في العراق خميرة طيبة متوازنة لم تصل إليها عوامل التخريب التي ذكرناها،
من هذا طالبنا في صدر مقالنا وعنوانها أن ننتخب أهل الرياضة لكي يقودوا العراق طالما هم الخميرة التي أثبتت النتائج صحة عملها في المجتمع العراقي، نحن نعمل ونطالب أن نزيد فسحة الأمل علّها تشمل وتعمّ كل العراق، وما أفرزه فوز المنتخب العراقي الذي يضم بين حناياه (سني ... شيعي ... عربي ... كردي) هذا الخليط الذي أظهر أنه يعبر عن الموزاييك الجميل لواقع العراق الطبيعي، وأثبت هذا النسيج نجاحه وتجاوزه لكل العثرات والهزّات التي ألّمت بالعراق خلال السنوات الأربع الماضية،
 إذا لنسير خلف هذا النجاح ونعمل على تقويته ونجعل منه مشعلا يهدينا ويعلّمنا أن اللهاث وراء الطائفية والمذهبية والعنصرية لا يجلب لنا سوى المصائب، أما القفز فوق كل هذه فإنه ينجّينا وينجّحنا ويدفعنا إلى امام، ولنتصور على العكس من ذلك لو اقتدى أهل الرياضة بأهل السياسة، وجعلو من المنتخب واحة للتوافق كما يحدث في السياسة، ولنفرض مثلا أن موقع حامي الهدف كان للسنة والدفاع للشيعة، والهجوم للأكراد والوسط لطائفة أخرى، ولا يقبل أي من المكونات أن يتم مليء الشواغر إلا من من مذهبه!!! كيف سيكون حال المنتخب ... فقط مقارنة أردت سوقها لكي نعرف النتائج،  نأمل أن نكون قد أوصلنا الرسالة وينتخب أبناء شعبنا من لا يتكلم بلغة الطائفة أو المذهب أو غيره... بل من يكون لسانه عراقيا ويقول (أنا عراقي)، لننبذ كل من يقول أنا سنيٌ ... شيعيٌ ... عربيٌ أو كردي أو ... وبدله تحل فقط عبارة من يقول (أنا عراقي) وكفى!!!، فالعراق يجمعنا ويقوينا وغير ذلك يقودنا نحو الهاوية والدمار، وبفم واحد لنعلي الكلمة ونقول (عاش العراق)[b]
عبدالله النوفلي[color]

171
نحن الطلاب ودرس الرياضة
كنا ونحن صغارا وفي الابتدائية و حتى الثانوية، نأخذ درسا يسمونه الرياضة لا نشعر أزاءه بأية شعور بالجدية بل بالهزل والتذمر أحيانا خاصة في حالة وجود امتحان في مادة أكثر أهمية منه، أو عندما كان الجو باردا وكان علينا ان نخلع ملابسنا لنكون بملابس الرياضة، وهذا كله كان بسبب علمنا أن علامات هذا الدرس لا تؤثر على ما نأخذه من معدلات في المواد المهمة، ولا يمكن أن يقوم الأستاذ او المعلم بوضع علامة ضعيفة للطالب فيه، ولكن اليوم عندما نعود إلى تلك الأيام واللحظات ونحن نشاهد ما تفعله الرياضة في مجتمعنا من تأثير إيجابي عجز عن أحداثه السياسيون.

واليوم ونحن نعيش فترة من الفرح الغامر بما حققه منتخبنا لكرة القدم عندما اكتسح بطولة امم أسيا 2007 وتم تتويجه بطلا لها، مما برهن للعالم أن المنتخب قد وحّد العراق بجميع أطيافه، ففيه الكردي والعربي، وفيه السني والشيعي، هذه الأطياف التي يتعلل السياسيون بأن التناحر الذي يؤخر العملية السياسية هو بسبب تناحر هذه المكونات، ولكن بالحقيقة فإن ما يتخبط به الساسة لا علاقة له لا بالكرد ولا بالعرب، لا بالمذهب السني ولا بالشيعي، بل تناحر من أجل مصالح وربما شخصية أكثر منها عامة.

لكننا اليوم عندما نعيش هذه اللحظات كم نود لو كان لنا أكثر من درس للرياضة في شبابنا ودراستنا الأولية بغية تأصيل الحسّ الرياضي في نفوسنا ونتنافس كالرياضيين دون حقد ودون كراهية أو قتل أو أحداث دمار أو أي أذية لهذا أو ذاك.

حقا يحب أن يهتم القائمون على العملية التربوية بالاهتمام بدروس الرياضة في السلسلة التربوية منذ الصغر وحتى الدراسة الجامعية، فالجسم السليم الذي يوفره الرياضة يأتي بعقل سليم، وهكذا نصل بالمجتمع إلى درجات أعلى مما هو عليه.

فهذه دعوة لكي لا نهمل الرياضة ولا حصصها المقررة في الجدول الأسبوعي من الدراسة، بل لنزيد من عددها لأن الرياضة تدخل إلى قلبنا البهجة عكس السياسة، التي تدخل المآسي والهموم لا غير إلى قلوبنا لنعيش في أسفل درك الإنسانية، فليكن شعارنا بناء ملعب رياضي وهدم سجن، فتح الشبابيك لدخول الهواء النقي بدل من أدخال البشر إلى زنازين مغلقة لتدميرهم، لنزيد من أخوتنا المحتفلين بالفرح بدل من زيادة المشيعين بقتيل أو مغدور.

فهل يعي سياسيونا الدرس؟

172
أحتفل غبطة أبينا البطريرك، مار عمانوئيل الثالث دلّي، اليوم الخميس 26 تموز 2007، بالقداس الإلهي في ميتم راهبات القديسة حنة، حضره جمع غفير من المؤمنين والراهبات والآباء الكهنة. وقد تضرع غبطته خلال القداس لله الكريم أن يحفظ العراق ويُبعد عن العراقيين جميعا كل سوء وضرر، وأن يمنح السلام بشفاعة هذه القديسة للعراق المسالم ويحفظه من كل أذى فيرفرف السلام فوق ربوعه وتسود المحبة الخالصة الحقيقية بين أبناء عائلته العراقية الواحدة، فيسود الأمن والاستقرار في بلاد الرافدين.

كما أوصى غبطته، خلال كلمته أيضا، أبناءه المؤمنين بأن يقوّا أواصر الأخوة فيما بينهم وأن يزيدوا تعاونهم من أجل عراق مزدهر بالتقوى والفضيلة تُحترم فيه حقوق الإنسان كاملة، كي يبقى العراق مرفوع الرأس بين الأمم، وأن تُترك لأبنائه جميعا الحرية الدينية التي هي الطريق الصحيح والعادل للوصول إليه تعالى، وأن تسود العدالة الحقيقة بين أبناء الوطن دون استثناء، فيكون الجميع يدا واحدة وقلبا واحد من أجل تقدم ورقيّ وطننا العراق العزيز، في المجال الاجتماعي والثقافي والعلمي، وأن يبعد من بيننا الخطف والسلب والاغتيال والتهجير.

كل هذا وضعه غبطة أبينا البطريرك أمام أقدام هذه القديسة، والدة أمنا العذراء، لكي تتشفع فينا وفي وطننا العراق وأخوتنا العراقيين ويفيض الرب على الجميع؛ النعم والبركات
http://www.st-adday.com/HTML/News%20Page/Chaldean%20Church/2007-085.htm

173
الرسالة 11 من تحت الأنقاض
أيها الصديق العزيز الذي يهمني جدا أن أبقى وأياك على صِلة إنسانية حية نتبادل الأحاسيس والمشاعر مُمَنيا نفسي بأن يساعد أحدنا الآخر على صِعاب الدنيا لنكتشف عِلاج لبلوانا، فقد أكون قلقا وتفكيري لا يساعدني على حلّ المعضلة التي تصادفني لأجدك مستقرا وجاهزا للمساعدة ومد يد العون لي كي أتجاوز ما انا عليه.
فالإنسانية هي هكذا وأجدادنا قالوا: الصديق وقت الضيق، فمعدن الصداقة لا يمكن معرفته إلا عندما نكون في الشدة، لأن الكثير ممن نعتبرهم أصدقاء مقربين... يهربون بعيدا!!! تماما كما فعل عدد من حواريوا المسيح وتركوه وحيدا يصارع الموت مع جلاديه، ففي وقت الضيق يَظهر الأصدقاء الحقيقيين، وهكذا فالنار تًصفّي الذهب والمعادن من شوائبها، والشدة هي هذه النار بالنسبة للبشر التي تُصفي الناس وتغربلهم وتوضح صورتهم للآخرين.
ولا أريد من هذه المقدمة أيها العزيز سوى أن أقوم بتوضيح كم تُدخل الفرحة في نفسي المتألمة عندما أجد ردك على ما أكتبه، فساعتها أحسّ بالأمل يتجدد في كياني واليأس ينزوي جانبا وأزداد قوة رغم كل هذا الكم الهائل من الأحزان التي تحيط بي وتجعلني أسيرَ واقعٍ يصعب الخروج منه؛ فكلما اجتمع اثنان عِندنا يكون كلامهم عن الحوادث وأخبار حوادث وقتل وخطف ودمار ومشاكل الحياة التي تزداد سوءا دون امل يلوح في الأفق.
ومشاكلنا عزيزي سياسية ومصالح السياسيين، أكثر مما هي مشكلة طائفية أو مذهبية أو دينية، فلا تصدق أن الحرب هي طائفية بين السنة والشيعة أو انها قد تأصلت فيما بينهما، فهذا ما هو إلا كذب ورياء يصدر عن أجهزة الأعلام ويُروج له من يرغب لنا أن نتقاتل!!! فلو كانت كذلك فما الذي يجمع الكتلة الشيعية في البرلمان مع الكتلة الكردية ويتحالفان وكلنا نعلم أن معظم الأكراد هم من المذهب السني، أم أن السنة العرب يختلفون عن السنة الأكراد؟ وأنا الذي أعرفه أن السني أي كان هو سني بغض النظر عن قوميته، وهكذا الشيعي رغم بعض الاختلافات المذهبية المعقدة التي لا أريد الخوض فيها.
صديقي العزيز: في بلدنا تحدث اليوم ما لم يكتبه التاريخ يوما من حوادث مرعبة أو يندى لها الجبين وقد تصنف من حوادث الخسة والنذالة رغم أسفي لاستخدمي هذه التشبيهات الصعبة واللا إنسانية فهل ممكن أن تتصور من يستخدم الجثث لمن أصبحوا ضحايا الإرهاب مادة للمساومة، وهنا أروي لك بعض التفاصيل لكي تعذرني عندما أكتب لك عن شعب أبتلي بعناصر غريبة وممارسات أغرب من الخيال، فعند حدوث أنفجار ما وسقوط ضحايا أبرياء وهم هكذا غالبا!!! يوجد من يهتم بجمع أجهزة الاتصال من الضحايا (الموبايل) ليقوم لاحقا بالاتصال بذويهم بأنهم مخطوفون لديه وعليهم دفع الفدية و و و وهكذا بعد مفاوضات مقتضبة يتفق الطرفان على مبلغ من المال يوصلونه لعديم الضمير هذا ليقوم لاحقا بأخبارهم عليهم أخذ الجثة من الطب العدلي!!!! ولا تكفي مئات علامات التعجب أزاء هذا الحال المخزي والمبكي، هل كنت تتوقع أن العراقي الذي كان يفتخر بقوله (أنا أخو خيتة) يقوم بهذه الممارسات؟ هذه حقيقة وليست من أفلام الخيال، والعوائل المفجوعة رغم فاجعتهم بضحيتهم يُفجعون بمالهم.
وأروي لك حادثة أخرى لأب كان يقود سيارته برفقة ولده في منطقة الدورة حيث لم ينتبه لمفرزة من قوات الاحتلال يبدو أنها كانت راجلة وربما حذروه أو لا، المهم أطلقو عليه النار ليتفتت رأسه قطعا صغيرة داخل سيارته وامام أنظار ولده الصغير!!! وعندما توقفت السيارة ووصلت المفرزة إليها ووجدوا الحالة قالوا بالحرف الواحد (نحن آسفون) بلغتهم الأجنبية، وأخذو الضحية مع الولد وأوصلوهم إلى بيتهم مرددين ذات العبارة وعند دفن الجثة وعودة العائلة المفجوعة إلى بيتها هل تتوقع ماذا رأت هذه العائلة؟ وجدوا أن البيت قد نهب عن آخره!!!! هذا جانب من أخلاق العراقيين بعد الحروب المتسلسلة التي خاضوها وفساد الأخلاق وموت الضمائر!!!
فكم من علامات التعجب أسطرها أزاء هذه الأمور التي يندى لها الجبين، وأنت تكتب أن بلدتك قد غابت الشمس عنها، فالشمس غابت عن كل العراق وبات الجميع يعيشون في ظلام دامس لا حركة فيه سوى لقوى الظلام، ولا متنفس فيه سوى لمستغلي الفرص مهما كانت الفرصة مأساوية أو دموية، فنفس ما يحدث في بغداد يحدث في العمارة والبصرة والموصل وخانقين وكركوك، وربما ليس بهذه الحدة هنا أو هناك.
أكتب لك والحسرات تملأ هاجسي وقلبي يتفطر حزنا وألما، فكيف حدث هذا المنقلب وتغيرت أحوال أهلنا؟ وكأننا نسينا ما تعلمناه في الدراسة من الأخلاق والتضحية والإيثار وحب الآخر والتضحية في سبيله، ولازلت أتذكر القصة التي درسناها في الابتدائية عن الأعرابيان اللذان كانا يسيران في الصحراء ونفذ الماء من جعبتيهما، وسقطا ينتظران لحظة الموت، وصادف أن أعرابيا ثالثا مرّ بأحدهما ووجده على قيد الحياة وبحاجة إلى الماء وعند محاولته أن يسقيه طلب منه أن يسرع لنجدة صديقه فهو أحوج منه إلى الماء وصديقه كان قد سقط هو الآخر على بعد عشرات الأمتار منه، وعند ذهاب الأعرابي للصديق وجده قد فارق الحياة للتو، فعاد مسرعا للأول ليجده قد لفظ هو الآخر أنفاسه من العطش بينما لو أخذ رشفة من الماء قبل صديقه لكانت عادت إليه الحياة واستمر في الحياة، لكنه آثر أن ينقذ صديقه قبل أن ينقذ نفسه!!!!
أين نحن من تلك الأخلاق، وسمعنا وقرأنا ما حدث أيام السلب والنهب كيف أن عديمي الضمائر أخذو سرير المستشفى من تحت المريض وهو الذي خرج لتوه من العملية وتركوه على الأرض الصلبة لا لشيء سوى لكي يفوزوا بالسرير ويبيعوه بأبخس الأثمان ولا يهم إن تألم المريض أو زاد مرضه، فهو بالأساس كان يتألم فعليه أن يتألم أو يستمر بالألم، هكذا مارس أبناء العراق في غفلة من الزمن، ولو التفت الخالق لهذه الأفعال لقرر أن يبيد هذه الفئة من الشعب لأنه شغب وليس شعب، ولأنه الآفة التي تستوجب الإستئصال حالها حال أي ورم في الجسم أو مرض ينخر فيه.
إن استمريت في الكتابة لك أيها العزيز فقد أزداد ألما ويزداد قلمي حدة لأنه يبحث في الأمور السيئة تماما كما يبحث العامل في كومة القمامة كلما يرفع جانبا منها تنبعث الروائح الكريهة بصورة أكبر ليشمها البعيدون، هكذا فقلمي اليوم حاول ان يرفع بعض من القمامة التي خلّفها أبناء بلدي بتصرفاتهم فظهرت أشكال من الروائح المقززة التي يحق للقاصي والداني أن يتبرأ منها ويبتعد بل يحصّن نفسه من الاقتراب للعراقيين ويحجرهم كي لا تتأذى أو تصاب أخلاق الأنسانية بهذا المصاب الأليم.
ومع كل ذلك هل نترك المريض هكذا دون علاج ونتركه محجوزا بعيدا تماما كما يُحجز المصاب بداء البرص مخافة أن يعدي غيره، لا يا صديقي ليس هذا صحيحا والمرض إن لم يتم استئصاله اليوم فربما يصبح أقوى ويُعدي الكثيرين ويصبح أمر السيطرة عليه صعبا للغاية، فأدعوك أن تعمل ما في وسعك مع الخيرين لكي نستخدم الدواء وحتى لو اضطررنا إلى آخره الذي هو الكَي، لكي نوقف امتداد المرض إلى بقية الجسم السليم، فلا زال هناك الكثير من الجسم ما زال سليما، وطلابا أذكياء أدوا امتحاناتهم بكل جد ومسؤولية وحازوا على درجات عالية دليل هذا الذكاء وأنه لا زال المعدن الطيب موجود والجسم لا زال فيه مَن يفكر ويعمل بصورة صحيحة.
هذا الذي أريده منك أن تعمل ما في وسعك على وقاية الجزء السليم من الجسم وحتى يتم العناية به كي يعطي براعم للخير وتعود صباحاتنا مشرقة وأقلامنا تكتب الأشعار وتعود البلابل على أغصان الأشجار تغني أعذب الألحان ويعود الأطفال إلى أغنيتهم المعهودة التي درسناها ونحن صغار (البلبل الفتان ... يطير في البستان ... )
 
عبدالله النوفلي
6 تموز 2007

174
الأفراح والأحزان بين السياسة والرياضة
لاشك إن مسألة الأحزان والأفراح موجودة في الحياة وأينما ذهبنا وفي أي زمان ومكان، لكن الذي نعمله نحن البشر هو حصر الأحزان في زاوية ضيقة كي لا تمتد وتدمر حياتنا، والعمل على أطلاق العنان للأفراح حتى تأخذ مساحة كبيرة في حياتنا... لأنها تُشعرك بالنشوة ... وتجعلك تفكر بصورة صحيحة ... تكون مثار أمل ونقطة انطلاق نحو مستقبل أفضل.
ولكن رب سائل يسأل: ما دخل هذه بالرياضة والسياسة؟ ولكننا نقول أن أهل السياسة حاليا لا يُدخلون إلى نفوسنا سوى الأحزان، بتقاتلهم وتنازعهم وما يفرزه هذا وذاك من مأسٍ تدمي لها القلوب وتجعلنا محبطين عاجزين لا حول لنا ولا قوة ولا نعرف ماذا نعمل وإلى أين نمضي، وما الذي نخطط للمستقبل أو كيف نتصرف بما حققناه خلال حياتنا العامرة لكي نجد يوما ان كل ذلك ذهب هباءا منثورا وخسرنا كل شيء بالضبط كمن يلعب في القمار أو في سباق الخيل، لكننا لم نكن يوما من المقامرين لننال ما نلناه في العراق وكأنه عقاب سماوي جماعي، طوفان كطوفان زمن نوح عليه السلام، أو كأن نارا هائلة بدأت تأتي على كل شيء وتأكل الأخضر واليابس.
هذا هو الواقع السياسي اليوم، أي أنه مصدر للأحزان الدائمة ودائما نحن مستعدين لسماع الأخطر والأكثر فداحة وأصبحنا في حالة تقبل سماع أنباء القتل والتهجير والسلب والنهب والاستيلاء على ممتلكات الآخرين... فلا أمل يلوح في الأفق لكي تُفرحنا القوى السياسية باجتماعها مع بعض وأحداث تفاهم ومصالحة هدفها العراق.
لكن الرياضة رغم أحزانها فهي تُفرحنا، فأهل الرياضة لا يجدون ملعبا للتدريب، لكنهم يحققون الفرح والانجازات، يُقتلون، لكنهم يقدمون المزيد من العطاء، يُخطفون، وأقرانهم يتجاوزون المحنة نحو الارتقاء إلى الأعلى، يعملون المستحيل لكي يُدخلون البسمة إلى شفاه العراقيين بكافة طوائفهم، لم يعملوا كطوائف بل كعائلة واحدة، لم يجد الكردي فارقا يفصله عن أخيه العربي، كما أن السني وجد كامل العون والمساعدة من الشيعي، وكان الجميع وحدة واحدة في الملاعب، هدفهم الأسمى هو رفع راية العراق وأن تسود الفرحة أخوتهم في العراق، كسبوا العالم أجمع لاسم العراق، وحّدوا كافة الفضائيات لكي تسلط الأضواء نحو آلام العراقيين، كان كل ذلك في بطولة امم آسيا، والذي زاد كل هذا أن لاعبا مثل هوار ومنزلته، ورغم وفاة والدته في اليوم الذي سبق المباراة الأخيرة في ربع النهائي، لعب وتحامل على الحزن لكي يكون سبب فرح لجميع العراقيين.
هذا هو نكران الذات عندما يتعلق الأمر بالوطن، فمرحى لكم أيها العراقيون الأبطال الرياضيون، ولك خصوصا يا هوار المغوار، ونحن نعزيك بوالدتك التي نطلب من الله أن يسكنها فسيح جناته كونها أنجبتك أنت الذي تعمل المستحيل لجمع كلمة العراقيين وتدخل البسمة إلى قلوبنا، ودعوة إليه تعالى أن يقتدي السياسيين بالرياضيين ويعملوا كما عمل الرياضيين، علهم يصلون إلى تأسيس جبهة موحدة هدفها أدخال الفرح والقضاء نهائيا على الحزن.

175
أجانب يحكمون العراق
يبدو العنوان غريبا نوعا ما لأن المعروف حاليا ان العراق محتل ويدار من قبل قوات الاحتلال وشيء طبيعي أن يحكمه الأجانب، وبعد سقوط النظام فيه بُعيد التاسع من نيسان 2003 تم قيادة العراق من قبل حاكم مدني كان آخرهم هو السفير بريمر ومن معه من المستشارين الذين يقومون بتنفيذ تعليماته حيث كانوا منتشرين في كل دائرة مهمة أو وزارة وكان المستشار هو الحاكم الفعلي وتوقيعه هو الذي كان يحقق مصالح الوزارة او الدائرة، ولم يكن الوزير أو المدير الفعلي للدائرة من العراقيين سوى مستشارا لهذا المستشار، يقترح عليه ما يود عمله وقد يوافق هذا عليها أو يرفض، وهؤلاء المستشارين كانوا في الغالب من الأجانب الذين جاؤوا مع قوات التحالف ومنهم من يحمل الجنسية الأمريكية او الإيطالية ... وكان من بينهم من كان في الأصل عراقيا هرب من العراق لأسباب يعرفها هو فقط أو منهم المطاردين سياسيا وهذه المطاردة أجبرته لكي يستقر في الغرب لسنين طوال امتدت لعقود من الزمن.
هذه كانت البداية حيث حُكم العراق من قبل الأجانب، وكلنا تابع العملية السياسية حيث شُكل مجلس الحكم الذي شكل وزارة أيضا ولو تابعنا من كانوا في مجلس الحكم أو الوزارة المشكلة لوجدناهم مجموعة من مزدوجي الجنسية أي قد يحملون الجنسية العراقية لكنهم في الأساس من حملة جنسية غربية ثانية وهم من قرر جواز ازدواج الجنسية لأنهم في الأساس كانوا يحملون الجنسيات الغربية وقوانين العراق كانت لا تسمح بمسؤول يتولى وزارة أو دائرة مهمة وهو يحمل جنسية أجنبية أو حتى ازدواجها مع العراقية!!!
ولكن بعد الانتخابات وقيادة العراق من قبل حكومة منتخبة بقيادة علاوي أو الجعفري فلو استعرضنا من كانوا فيها سنجدهم جلّهم من حملة جنسيات أخرى ومن الذين استعادوا جنسيتهم الأصلية ولم يسقطوا الجنسية التي جاؤوا وهم حاملين لها، وهذا الأمر ينطبق إلى حدٍ ما على حكومة المالكي !!! الأمر الذي يثير استغرابنا ويجب أن ينتبه إليه العالم والرأي العام فيه وخاصة العراقي، فإن العراق قد تم أدارته من قبل أشخاص يحملون جنسيتين، وقد تكون الأضعف بين هاتين الجنسيتين هي العراقية، ولذلك نجد كل من هؤلاء عندما يضيق به المطاف في العراق يحزم حقائبه البسيطة لأنه لم يأتِ بالحقائب الثقيلة لكي يرحل وهو يستظل بظلال جنسيته التي اكتسبها من الاضطهاد السياسي أو مما أقنع به الغرب انه كان كذلك، ومن له ألمام عليه أن يبحث عن الأسماء وهي كثيرة، أذكر منهم أمثلة لأنها نشرت في وسائل الأعلام، وزير الكهرباء ... وزير الدافاع ... وزير الصحة ... والأمثلة كثيرة وعلى مستوى الوزراء، فلو انتقلنا للمستوى الأدنى سنجد العشرات إن لم يكونوا بالمئات.
أيها السادة محبوا العراق، إن بلدنا يدار ولا يزال بمن هم يحملون وحسب القَسَم الذي يرددونه عند حصولهم على جنسية ثانية أن يكون الولاء لتك الدولة الجديدة، فولاء من يدير العراق هو لدولة أخرى وليس العراق، وهنا المصيبة الكبرى، فهؤلاء عندما يضيق بهم الملاذ الذي يدرّ عليهم ذهباً أو قد تمتليء خزائنهم من ثروة العراق، سرعان ما يشترون العقارات ويؤسسون تجارة تدر عليهم بالمزيد ويؤمنون مستقبلهم وبعد هذا المستقبل ليتم قراءة السلام على العراق.
فمتى ننتبه وينتبه معنا مجلس النواب (ولو لا نسلط الأهمية لهؤلاء لأنهم أيضا متضمنون من له الجنسية المزدوجة) وتنتبه أحزابنا الأبية التي التهت بالتقاتل لكسب أكبر قدر ممكن من الكعكة وجعلوا من شعب العراق وقودا لحروبهم، وكذلك جمعيات المجتمع المدني والمنظمات الإنسانية، وكل من يهمه شأن العراق ... متى ينتبه كل هؤلاء ويهتم يمستقبل العراق ويختار لقيادته أبنائه البررة الذين تحملوا كل القهر والاضطهاد والتعذيب وشظف العيش ولم يغادروا العراق بل تمسكوا به حد الشهادة.
فهؤلاء هم الأولى بحكم العراق، وانا متأكد بصورة قطعية عندما يقود العراق من قبل مناضلين تعفر جسمهم بتراب ورمل العراق وكَوَت شمسه الملتهبة صيفا أجسامهم الهزيلة، هؤلاء سيقودون العراق نحو المستقبل الأفضل، هؤلاء سوف يحقنون دماء كل العراقيين ولا يقبلوا بأن تراق قطرة من دم (السني أو الشيعي، كردي أو عربي، مسيحي أم مسلم، صابئي أو شبكي، تركماني أو أيزيدي) وكل اطياف العراق.
فهل نعطي عصا القيادة لمن هو أهل لها؟ هل نحدد الصلاحية حسب الكفاءة والاستحقاق؟ وهل سنكف من تأثيرنا حسب ولائنا للعشيرة أو المرجعية أو القومية أو الدين؟ ونجعل ولائنا هو للعراق فقط ولا شيء غير العراق، فهذا هو الذي سيقودنا نحو عراق جديد علماني ... آمن ومزدهر.
عبدالله النوفلي


176
الرسالة العاشرة من تحت الأنقاض

أيها العزيز: عذرا إن تأخرت عنك بعض الشيء، فالوقت عندنا في العراق أصبح من الأمور التي لا نعيرها أية أهمية لأن الأوضاع التي نحياها ونعيشها سلبت منا حق الاهتمام بالوقت وألغت كافة المقولات التي تذكرنا بأن للفرصة أهمية كبيرة وإلى اللحظة التي لا تقدر بثمن، لأننا منها ننطلق إلى بناء مستقبل العمر و و و ...

وأي مستقبل نبحث عنه أيها العزيز؟ لكي نولي للزمن الأهمية التي يستحقها، فوقتنا يتم قتله رغما عنا بأمور كثيرة لا تعد ولا تحصى وممكن أن أعدّد الكثير من الأمور الحياتية التي تسلب منا ساعات وساعات وكلها تمضي من عمرنا ونخسرها شئنا أم أَبينا؛ ومن ذلك إن أردت إملاء خزان وقود سيارتك، فعليك الانتظار لنهار كامل وبعض من ساعات الليل المتاحة قبل منع التجوال، فلربما تفوز بخزان من البنزين لكي تسير به وتقضي مشاويرك المهمة، وقد لا تفلح لأن العشرات من الذين يستخدمون الرشاوي والطرق الملتوية يسلبونك حقك وأنت منتظرا في الطابور وهم ينالون مبتغاهم وأنت تعود تندب حظك العاثر ولا تفوز سوى بخفي حنين.

يا عزيزي: تتذكر كيف كُنا نسير في شوارع مدينتنا الجميلة ونتوقف عند محلات لبيع الدوندرمة صيفا أو المشروبات الساخنة شتاءا، وكم كنا نستمتع بالأغاني الجميلة التي كانت تنبعث من تسجيلات هذه المحلات ونحن نُراقب المارة الذين يذهبون كلٌ لهدفهِ آمنين مطمئنين، وكيف كُنا نشخّص المُسرعَ منهم بوجود عمل ضروري له وقد أدركه الوقت ليمضي يسابق الزمن الذي هو أثمن ما وهبنا أياه الله كي نحقق ما نصبو إليه!!!

وهنا أتذكر القصة التي رويتها لكَ عما حدث لي بعد خروجي من مطار ناريتا الياباني حيث كنت قد قطعت تذكرة لباصٍ يوصلني إلى مركز مدينة طوكيو، وكان وقت التذكرة هو (00ر7) مساءا، حيث رويتُ ذلك لك بعد عودتي من اليابان حينها، وهنا أكررها لكونها تخص أهمية الزمن، فبعد أن أصبحت في موقف الباصات حيث كانت هناك ساعة أليكترونية بارزة، وعند أشارة الزمن فيها (59ر6) وهممت بصعود الباص لأن تذكرتي كانت تشير لوقت الباص (00ر7)، فوجئت بالمسؤول يقول لي هذا ليس باصك، أنتظر وفعلا ترك ذلك الباص الموقف، وعند إشارة الساعة إلى الوقت (00ر7) جاء باص آخر وصعدناه ليتحرك ما أن همّت الساعة أن تشير إلى الوقت (01ر7) وهكذا علمت أن لكل دقيقة باص خاص بها يتحرك بالموجودين ولا يحدده شيء لتمضي الدقائق ويمضي الركاب وكلٌ يصل بوقته المحدد ولا يخسر شيئا مما خطط الله له، وحتى باصات النقل داخل المدينة القصية التي قصدتها، كان في كل موقف من مواقف خط سيرها، جدولا للوقت بحيث يعرف الراكب وقت الوصول والمغادرة ويقوم بالتخطيط بموجب ذلك، وليس هذا فقط فقد خَطّو على الرصيف محل وقوف الباص وموقع باب الصعود والنزول ليقف في الطابور بانتظام كل من يرغب بالصعود ولا يزاحم من يصعد ذلك الذي ينزل وحتى لا يستغرق توقف الباص زمنا طويلا ويواصل بعدها مسيرته نحو هدفه، فكل شيء مرتب ومحسوب حتى ازدحام الشوارع، بحيث أصبحت حياتهم تسير قدما وتحقق النجاحات التي أبهرت العالم في مجالات العلوم والتكنولوجيا.

ونحن أيها العزيز، أبهرنا العالم أيضا لكن بماذا؟ وبكل تأكيد أجيبك بالرعب والأمور التي تقضي على الإنسانية من حروب ودمار وقتل وتهجير وسلب ونهب وبالعصابات التي تسرح وتمرح وبفقدان القانون وعدم احترام أجهزة الدولة حتى أصبح العراقي مصدر رعب أينما ذهب، ففي المطارات وحتى العربية منها يتمنى المسؤولون فيها عدم وصول راكب عراقي!!! وفي مطار عمان مثلا يحجزون العراقي في غرف خاصة حتى لو كان له فيزا في دولة ثالثة ولا يريد من عمان سوى مدينة للعبور ويخافون منه إن خرج من المطار أن يسبب أذية للشعب الأردني أو ربما يكون سببا في انحراف أخلاق شخص ما أو يبقى هناك ولا يعود إلى العراق ليعيش متخفيا بعيدا عن الوضع الملتهب في العراق، وحتى لا يسمحون له أن يبقى حرا في قاعات الترانزيت بل يكون أسير غرفة وخلف باب مغلق، لحين أزوف موعد طائرته ليسلموا له الجواز ويعبر البوابة حيث منطقة الدخول إلى الطائرة!!!

يا عزيزي: أكتب لك هذا وليس من باب الخيال فقد عانى منه ولدي لمرتين وفي كلتا المرتين كان له فيزا أو أقامة مثبتة له في جوازه لدولة أوربية ثالثة الأمر الذي جعلني أقرر عدم سلوكه هذا الطريق للمرة الثالثة فإننا لُدغنا مرتين ولا يجب أن نُلدغ للمرة الثالثة، وقلت مع نفسي حتى لو أضطررنا استخدام مطار طهران أو أية دولة أخرى سوف لن أدعه يستخدم مطار عمان مجددا.

وهذا ذكّرني بحادثة أخرى، واليوم أكتب لك عن معاناة العراقيين في دول الغربة؛ ففي مرة أيضا كنت في اليابان وفي زيارة لمدينة صناعة السينما في مدينة كيوتو، حيث كان فريق التصوير يقوم بمهام تصوير أحدى الأغاني على مسرح مكشوف هناك، وأعتقد بأن فريق التصوير شاهدني ولاحظ اختلافي بالشكل عن الجنس الياباني فالتفت الفريق نحوي وتقدموا مع آلاتهم ومكبرات الصوت وسألوني من أين أكون؟ وعندما أجبتهم بكوني عراقي كانت هنا الصدمة حيث أنهم ارتبكوا وخافوا وعادوا إلى الخلف عدد من الأمتار، فقد أعتبروني بداخلهم أنني إرهابيا أو ما يُطلقونه علينا (علي بابا) أو ... أما أنا فبقيت مسمرا ومبتسما لأمتص صدمتهم ولكي أبعث في أنفسهم الأمان، ولم تمضي سوى لحظات وعادوا مطمئنين لتبادل الحديث وكان جميع الحاضرين يستمعون إليه عبر مكبرات الصوت.

أوردت هذه الحادثة أيها العزيز، لأوضح لك أننا أصبحنا شعبا منبوذا، فها أنني أكتب عن معاناتنا نحن في بغداد، وصديق لي يكتب عن بلدته التي يقول أن الشمس قد غابت عنها وآخر يتكلم عن مدينته التي ولد فيها والتي أصبحت تحت رحمة الميليشيا الفلانية، أو ان دولة غريبة قد تم أعلانها على عدد من الشوارع التي يسيطر عليها مسلحون من فئة معينة وكأننا أصبحنا في (حارة كل من أيدو ألو) !!! حسبما كان يمتعنا الممثل القدير غوار الطوشي بأعماله الفنية أيام زمان، حقا كنا نعيش لحظات من الفرح، هذا النوع أفتقدناه أيضا لأن الكوميديا هذه الأيام أيضا مبتذلة ومكررة وكلامها يثير التقزز!!! واليوم نحن حتى الكوميديا لا تدخل في أنفسنا الفرح لأننا في غمرة تراجيديا مؤلمة جدا ولا حدود للألم.

وقد تسألني لماذا فالأمل يجب أن يكون دائما في الصدور حتى نتطلع لغدِ أفضل من يومنا، وهنا أجيبك على ما حدث قبل أيام وكيف أن رجل وامرأة عجوز؛ الرجل عبر السبعين من عمره وزوجته على مشارف هذا العمر، وكانوا أسيري بيتهما الواقع في الدورة هذه المنطقة الساخنة التي كثر الحديث عنها، أخبرك يا عزيزي، أن المرأة قد أنتقلت إلى جوار ربها بعد أن أستهلكت مع زوجها ما كانا يختزنان من الطعام، ووهنت وقلت مقاومتها وذهبت عند ربها جائعة تشكيه عن الظلم الذي واجهته وهي في هذا السن المتقدم، وهل تعلم يا صديقي أن زوجها لم يبقى خلفها حتى نهار واحد حيث تبعها ليصرخا أمام خالقهما عن الذل والمهانة والقهر والدمار الذي نعيشه، إنها مأساة جديدة حدثت في مطلع تموز سنة 2007 والعالم لم يتحرك ساكنا، ومن بيدهم القرار ينعمون بكهرباء مستمرة وحراس وخدم يوفرون لهم كل شيء.

أتمنى يا صديقي أن ينجلي الليل البهيم وأن تعود الأفراح إلى القاعات وإلى مسيرات مواكب الأعراس والدبكات العفوية التي كانت تحدث في الشوارع والساحات، لكن هذه انقلبت إلى تجمعات لإنقاذ المصابين ومواكب لنقل ضحايا العنف، ولكن دائما نقول أن غدا لناظره قريب وهذا هو الذي يجعلنا نصبر ونتصابر فادعوا لنا أن نستمر في الصبر، فلا سلاح لنا غيره متمنيا لك أياما سعيدة هانئة وأنا أردد مع نفسي (عقبالي).

 

عبدالله النوفلي

6 تموز 2007
 
 

177
الرسالة التاسعة من تحت الأنقاض

أكتب لك أيها العزيز والصديق الذي ما برحتَ تستفسر عني والقلق والخوف الذي ينتابك أشعر بهما من خلال حديثك عن الأوضاع التي نمرُّ بها والأحداث التي نشاهدها بل نعيشها في كل لحظة ودقيقة، وأشعر فيكَ أنك تندهش أحيانا عندما تجدني أكتب مقالات متنوعة لا تمت لهذا الواقع المروع بصلة خاصة عندما تجدني أنشرها على الشبكة العنكبوتية العالمية التي هي متنفسٌ لنا نبتعد من خلالها عن الجو الكئيب الذي نعيشه في العراق.

فماذا نفعل؟ هل نبقى أسرى الفضائيات التي لا همَّ لها سوى نقل أخبار الحروب وصور الدمار والقتل؟ فنادرا ما نشاهد غير ذلك، لكن من خلال شبكة المعلومات أقوم أنا باختيار المواقع كي أُخرجَ نفسي من أسر الفضائيات المقيت هذا واستكشف أين قفز العالم في التطور، وبماذا يفكر؟ وكيف يخطط ويعمل؟ فلربما يأتي اليوم والساعة التي نسير نحن ومع بلدنا العراق بهذا الركب ووقتها لا نكون كالغرباء في القافلة.

وكما تعلم أيها العزيز أن بلدنا كان مهدا لأبينا أبراهيم عليه السلام؛ أبو الأنبياء .. خليل الله، ومدينة اور في ناصريتنا العزيزة شاهدة على أول الخطوات التي حباها أبراهيم في طفولته حيث قدّس تربتها وتربة هذا البلد معها بصباه وشبابه وتزوج من سارة على أرض العراق، لذلك فإن الله كرَّم هذا البلد بجعله مقرا للمئات من الأولياء الصالحين، وجرت على أديمه أحداث كانت ضمن المخطط الإلهي لتخليص البشرية من الجهل والأمية باتجاه معرفته تعالى هذا الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفوء أحد، فالمسيحية كما للإسلام مراقد ومزارات لا تُعد ولا تُحصى، وتتذكر كيف كنا نتذاكر فيما بيننا ونستقصي عن محافظاتنا من الشمال حتى الجنوب ومن الغرب حتى أقصى الشرق كي نرى أن رقعة العراق بأجمعها قد كرّمها الله بولي صالحٍ أو راهبٍ ورعٍ وإمامٍ أصبح حجة للناس أو مقرا لدير سواء في الجبل أو في السهل.

فهذه النجف مثلا وجارتها كربلاء، كما في العمارة أو تكريت، الموصل أو كركوك، كوت أو الناصرية، دهوك أو الأنبار وفي كل محافظات العراق نجد أديرة ومزارات أو أضرحة يتم تسبيح الله فيها والتضرع إليه بداخلها، يتم ترتيل المزامير بألحان شجية أو يتبارك الزائرون بما تركه لنا ألأولياء من آثار أو مقتنيات كي نبقى نحن ورثة أمناء لتلك الرسالات ويستمر الخالق معنا على ذات العهد.

فأرض العراق ليست غنية فقط بالنفط والثروة المعدنية أو الزراعية، بل أنها غنية بهذه ، وهذه يأتيها الحُجاج من جميع الجهات بل من أربع زوايا الأرض تبركاً أو استكشافا أو لزيادة المعرفة ... فكم من الغربيين أتوا لهذه الأرض وأصبحنا نسميهم مستشرقين أي أنه يستزيدون من علم الشرقيات وتراثه، يُنّقبون عن آثاره ويسبرون غور حضاراته التي علّمت الدنيا ما لم تكن تعلمه يوما!!!

فيا عزيزي لم أكتب لك كل هذا لكونك لا تعلمه، لأننا كنا معا وعشنا بين حنايا هذه الأرض وكنت أنت تتحدث لي كيف أن الزائرين يذرفون الدموع الحارة وهم بجوار قبر الإمام الفلاني أو الصحابي أو الولي أو رجل الله الصالح أو ... طلبا لشفاعتهم وعونهم في أمر ما أو صعوبة تواجه الزائر ويطلب منهم الشافعة بها ولها عند الله لكي تمر أزمته وتُحل قضيته.

هذا اليوم أيها العزيز ودون تمييز لما للمسلمين أو لما للمسيحيين أصبحت هذه الأماكن هدفا لقِوى الشر بغية طمر وأزالة هذا الأرث الخاص برجالات العراق والسلف الصالح ويجردوا بلدنا من هذه الميزة، لأنهم يروننا نزداد أيمانا كلما تقربنا منها ونزداد قوة كلما تذكرنا أسلافنا، فهذه الأرض وسامراء اليوم هي آخر الضحايا التي تئن من وطأة ضربات الشر ويقترب ضريح أو مقام الإمامين العسكريين من الاندراس بعد أن وجه له الأشرار ضربتين موجعتين في عامين متتالين، ولم يكتفوا بتفجير القبة بل ألحقوها بالمئذنتين أيضا، إنهم يخافون حتى من حجارة أطلال هذه المراقد ويريدون سلبنا رموزنا، إنهم يريدون لنا الاقتتال وأن تُزرع الفتنة البغيضة بيننا حتى نذهب في الطريق الذي لا رجعة فيه!!!

لقد بانت المخططات أيها العزيز، وأنت تتذكر أبو ناجي هذه التسمية التي أطلقها شعبنا على المستعمر الإنكليزي في بدايات القرن الماضي حيث كان يستخدم سياسة فرق تسد ويخلق المشكلات ليخرج منها سالما، هكذا يأتي أيضا محتل اليوم بذات الأسلوب ويريد تفريق اللحمة وأبعاد الأهل عن بعضهم البعض، فمن كان يرتبط بسنية وهو شيعي أو بالعكس هذا الأمر بالنسبة لهذه السياسة غير مقبول لأنه يقرّب أبناء البلد الواحد ويوحدهم من خلال عوائل وزيجات مختلطة تختلط بواسطتها الدماء مع المذاهب وتتوحد بالإيمان وحب الله والوطن، ونتيجة لذلك يصبح العراق قويا متماسكا!!!

وكيف للصهيونية أن ترضى بذلك ؟ إنهم يحاولون أقصى جهدهم لكي يتقاتل أخوة الماضي وأهل الحاضر بغية أضعاف العراق وانزوائه بعيدا لا يقوى حتى لمداواة جروحه، فضربوا مرقد الشيخ عبدالقادر حتى يثيروا أهل السنة على الشيعة وضربوا مرقدي سامراء لإثارة أهل الشيعة على أهل السنة كما ضربوا الكنائس حتى يثيروا المسيحيين على المسلمين، إنهم يعملون جاهدين لتفتيت هذا البلد وجعله دويلات صغيرة .. ضعيفة .. وذلك من خلال خلق العداوات بين القوميات؛ عرب .. أكراد، تركمان .. كلدان .. آشوريون .. وغيرهم وما مشكلة كركوك وسهل نينوى إلا قنابل موقوتة قابلة للتفجير ساعة فشل الورقة الطائفية، فإنهم إن فشلوا هنا فسيستخدمون الورقة الأخرى.

أرجو أن تنتبه أنت ومن حولك، فهذا هو المخطط وهذا هو الذي يجري على الأرض، والمرتزقة الباحثون عن المال والثراء على حساب مآسي الآخرين، تجار الحروب دائما موجودون، لذلك أطلب منك وأحرار العالم وجراحاتنا مازالت طرية ودمائنا لم تجف بعد والأنقاض تملأ دور العبادة والأضرحة أن تفضحوا هذه المخططات وتكونوا عونا لنا، لأن العراق لا يكون عزيزا إلا بتكاتف طوائفه ومذاهبه وقومياته، لأن الكردي يكون ناقصا لو لم يكن إلى جانبه العربي والكلداني، وهكذا الآخرين ومعهم التسميات الأخرى سواء السني أم الشيعي كليهما لمفرده يكون عوده واهنا وذات الشيء للمسيحي أو الإيزيدي أو الصابئي.

ناشد الدول وأعمل مع من معك بقوة كي ترفع الدول التي تعيث فسادا في العراق أن ترفع يدها من التدخل في شؤوننا من خلال أرسال قوى الشر والظلام لقتلنا وتدميرنا، فربما لا زال هناك ضميرا حيا لدى أحرار العالم، فالجزائر التي لقبت ببلد المليون شهيد من أجل التحرير، بلدنا فاق عدد شهادئه بسنوات قليلة هذا الرقم وتحرير العراق مازال لم يظهر في الأفق... مع تحيات صديقك الذي يكتب لك من بين الجراحات المثخنة جراء تراكم أنقاض هائلة في حياته. 

 

عبدالله النوفلي

14 حزيران 2007
 
 

178
يوم الأربعاء 20 حزيران أبلغني أحد الأخوة الذين أختارتهم بغداد بممثليها في مؤتمر عينكاوا الذي عقد في آذار 2007 بوجود اجتماع للمجلس في دهوك الجمعة!!! تصوروا ونحن في ظل هذه الظروف وعلى بعد ما يقارب 500 كيلو متر والطرق محفوفة بالمخاطر وقبل أقل من 48 ساعة من موعد الاجتماع أسمع وربما بطريقة غير مباشرة بوجود أجتماع وأنا الذي كنت قد طرحت فكرة المجلس في المؤتمر وسبق لي أن طرحتها بشكلها التفصيلي على صفحات عينكاوا دوت كوم ومنابر أخرى وكان لي دور على قدر ما أتاح لي المؤتمر والوقت فيه من مداخلات ومقترحات ولم تسبق دعةتي لحظور اللقاءات التي تمت فيها انتخاب الهيئة الرئاسية للمجلس ولا أعرف من هم رئيسه ومعظم اعضاؤه وأنا واحد من ثلاثة من أنتخبتهم بغداد خلال المؤتمر لأكون ممثلها، وموضوع التبليغ المفاجيء مرفوض من قبلي لوجود ارتباطات رسمية لي ثم ان الاجتماعات التي تحدث ممكن أن يتم الترتيب لها مسبقا وقبل مدة زمنية وتبليغ كافة الأعضاء قبل ما لا يقل عن أسبوع من موعد الاجتماع، وطالما أن القضية أصبحت هكذا مما يدل بوجود نيات مسبقة لإبعادي عن الحظور فإنني أود أن يعلم الجميع بهذه الحالة وأنا لست مشاركا أو مسؤولا عما حدث وسيحدث مستقبلا في مسيرة هذا المجلس، وأنا سأبقى أمينا لأمتي أعمل بقلمي وجهدي في سبيل إيجاد السبل التي ترفع من شأنها بعيدا عن القرارات الإرتجالية.
عبدالله النوفلي

179
الرسالة الثامنة من تحت الأنقاض
عزيزي أنت أيها الصديق الغالي الذي جعلتني أكون كاتبا بل مؤرخا لأحداث جسام أعيشها لحظة بلحظة في ظل حراب الظالمين وسيوف المعتدين ورصاص من هم غرباء علينا، دخلوا بلدنا يوما ونحن آمنين لم نكن حتى نحلم بما أوصلونا إليه من أشاعة الفوضى وروح التفرقة والغدر والقتل.
تتذكر عندما كنا شبابا ونتابع أفلام السينما حيث لم تكن للعولمة أثر ولا للشبكة العنكبوتية ووسائل الاتصال الحالية من فضائيات وخلويات وغيرها، وكم كنا نشاهد أفلام الحركة والمغامرة حيث عرفنا من خلالها أن مدينة تكساس هي مدينة للعصابات ويمارس فيها القوي سطوته وربما لم تكن بالقسوة التي تُظهرها عليه تلك الأفلام، لكن ما يحدث عندنا اليوم هو تطبيق عملي لما كنا نشاهده أيامها. رغم أن بنايات السينما في بلدي هذه الأيام أصبحت بنايات مهجورة لأسباب عديدة، فمن ناحية لا يوجد كهرباء، ولا يوجد جمهور يغامر بحظور تجمع جماهيري؛ فربما يوجد من يتربص بهم ليحولهم إلى أشلاء من كتل لحمية متناثرة، ومن ناحية أخرى لأن الفضائيات لم تترك فلما لم تعرضه ونستطيع ونحن قعودا في بيوتنا مشاهدة آخر ما أنتجته هذه الصناعة، فباتت صناعة عرض الأفلام السينمائية صناعة كاسدة رغم ما كان فيها من لذة بتجمهر هواة المشاهدة في قاعة واحدة حيث كان لها طقوسها المميزة.
واليوم يا عزيزي كثير مما كنا نعتاد أن نمارسه أو نستخدمه أو نشاهده في بلدنا قد تغير، فبلدي اليوم أصبح مميزا بظاهرة جديدة ألا وهي الكتل الخرسانية المتنوعة الأشكال والتصاميم، وكنا نشاهد مثلها في دول العالم ومن خلال مشاهدات ميدانية أو من خلال الأفلام لكنها كانت كتل بلاستيكية وقد تملأ ماءا لتصبح ثقيلة، لكننا في العراق اليوم نشاهد كتلا كونكريتية حقة وحتى لو أجتمع عشرات الأشخاص لكي يزحزحوا أحداها عن محلها فلن يستطيعوا!!! ومنها ما هو بارتفاع مترين أو أكثر ومنها ما يتميز بسمكه الكبير، وعندما تتجول في شارع بغداد الجديدة التجاري تنبهر لأن الأرصفة قد أحيطت بحائط من هذه الكتل حتى وأنت في نهر الشارع لن ترى ما موجود على الرصيف من جراء هذه الكتل، وتتذكر عندما كنا نمر من أمام أكاديمية الفنون الجميلة كيف كان طلابها يتدربون عمليا على سياج وجدران تلك الأكاديمية بأبداعاتهم ورسومهم الجميلة، هكذا اليوم انبرى طلبة وفنانون لتحويل هذه الكتل الصمّاء إلى حياة من خلال فرشاتهم؛ إن فن جديد على مادة جديدة ظهر للوجود، وسنرى العجب العجاب يتولد من هذا الواقع دوما.
إنني يا صديقي الطيّب أفتقد طيبتك وتفانيك الذي كان يشعر بآلامي .. بأحزاني .. بمتاعبي .. بخلجاتي .. حتى قبل ان أنطق أو أتأوه، لقد كنا كروح واحدة موزعة في جسدين، تلك الحالة التي جعلتنا نتواصل إلى اليوم رغم بعد المسافات فيما بيننا لكنني احيانا أشعر بضيق ما وأنتظر زمنا طويلا لكي أتواصل معك أو أحادثك عبر كل هذه المسافات الشاسعة، ورغم كل ذلك أراك تحسّ من موقعك القصي وتتصل بي فجأة مستفسرا عن أحوالي بسب حلم شاهدته في ليلتك أو خبرا سمعته من هنا أو هناك، وكأنك تعيش مأساتي .. كربي .. آلامي .. في هذا الزمن الصعب الذي وصلنا إليه. إن ذلك ما هو إلا تواصلا روحيا فيما بيننا ولم نكن وحدنا هكذا بل كانت حالة شبه عامة بين كثيرين لأننا كنا نصحو على صوت هديل الحمام الجميل الذي كنت تترجمه بقولك (كوكو أختي .. وين أختي ..) إلى آخر الكلام البريء الذي أعتدنا ترديده مع صباحاتنا السابقة وليس هذا فقط فقد كانت العصافير بغنائها الجميل العذب تعمل على أيقاضنا مؤذنة بولادة نهار جميل جديد وذلك لكي نهيئ أنفسنا للعمل الجدي وبنشاط.
لكن ما يوقضنا اليوم أمر مختلف؛ فأصوات الإطلاقات النارية والانفجارات البعيدة والقريبة هي التي حلّت محل هديل الحمام وزقزقة العصافير، وعوض المنتزهات الغنّاء والمملوءة بالأشجار والنباتات والزهور ونافورات المياه الجميلة فقد أصبحت أرصفتنا هي منتزهاتنا في حينا الذي تعرفه، والهواء النقي الذي كنا نبحث عنه في جزيرة بغداد أو متنزه الزوراء أو جزيرة الأعراس غاب عنا وأصبح بعيد المنال، فمن يمتلك الجرأة لكي يقصد هذه الأماكن؟ فالعصابات في كل زاوية ومكان، وإن لم يتعرضوا لك فهم يترصدون لسيارتك أو ما تقتنيه من الأشياء الثمينة والخفيفة، فالمظهر الأنيق أصبح جريمة تتوقع أن تتلقى العقاب من هؤلاء القتلة والمجرمين من جرائه، لذلك أصبح متنزهنا هو فسحة الرصيف الذي يفصل البيوت عن الشارع العام، والهواء الذي كنا نبحث عنه أصبح ممزوجا بدخان عوادم السيارات، والهدوء الذي كنا نقصده غاب وإلى الأبد عنا، فأصوات سماعات الشرطة وقوى الأمن تطغي على أصوات منبهات السيارات وما كانت تحدثه من ضوضاء رغم ما كنا قد شخصناه عن وجود هواية للسائقين في بلدنا بإطلاق العنان لمزامير سياراتهم بوجود حاجة أم بدونها!!!
وتتذكر أيها العزيز كيف كنا نشاهد ونرى بالعين المجردة وعلى الطبيعة عن الأمانة والصدق الذي كان عليه أبناء بلدنا وحرصهم أن يختفي الغش من تعاملاتهم، هذه الحالة أيضا تم شطبها من قاموس تعاملاتنا اليومية وحياتنا العامة، بحيث علينا الشك بكل من نتعامل معه، فربما نشتري علبة ما ولزيت الطبخ الصلب مثلا لنجد الزيت هو فقط الطبقة العليا وتحته شيء آخر لا يمت للزيت بصلة!!! أو أن تشتري عبوة من وقود السيارات من باعة الأرصفة لتجده ممزوجا بكمية من الماء ويحرمك من نعمة استخدام السيارة لحين تصليح ما يخلفه الماء من الأظرار الجسيمة فيها.
والأمثلة كثيرة وكلها تتكلم عن الغش الذي استشرى في بلدي ورغم قسوة هذا والألم الذي ينتجه وبالإضافة للخوف على مصير وطننا الذي يسير بهذا النهج لكن كل هذا يكون أقل وطأة مما نسمعه من قصص للخطف والابتزاز التي هي الأخرى أصبحت بألوان وأشكال شتى ربما تسنح لي فرصة قادمة لأروي لك نتفا منها، نأمل ونتضرع إلى الله أن يفرجها على شعبه المؤمن الصابر، وصلّي معي وأطلب أن يرفع العالم أجمع الصلوات لأن ما يجري في العراق ربما سينتقل حريقه إلى بلدان أخرى ويكون سببا في تدميرها لأن في العراق الأرث الخالد الذي لا يمكن للشر أن يفتته بسهولة فإن عاجلا أم آجلا سوف ييأس الإرهاب ويبحث له عن ملاذ آخر أقل صلابة لكي ينشر سمومه فيه، وبدأت العلائم تظهر، وها إننا نسمع ما يحدث في لبنان وفلسطين والجزائر والمغرب، وغيرها من الأماكن فلربما من يعمل هناك هرب من شدة الصلابة التي رآها في العراق، وبعونه تعالى ومساندتكم سوف نهزم الشر، ليعود العراق أرضا لما بين النهرين الخالدين دجلة والفرات .. أرض السواد .. تعلو أصوات المزامير على مثيري الفتن وخالقي الفوضى، وتنتشر ثقافة الحب والأمل فيما بين أهله، وإن غدا لناظره لقريب. 
 
عبدالله النوفلي
10 حزيران 2007

180
الرسالة السابعة من تحت الأنقاض
أخي العزيز:
اليوم أحدثك عن أمور بديهية كانت فيما بين البشر في عراقنا العزيز، فأينما كنا نذهب كنا نلقي بالتحايا وعند الجلوس كان جميع الجالسين يكررون كلمتي (الله بالخير) الجميلة والتي كانت تميزنا نحن في العراق عن غيرنا من الأشقاء أو الأصدقاء، وكنا ونحن صغارا نستفهم عن معنى الكلمتين وأخذنا وقتا لكي نعرف أنها مختصر لجملة صبحكم الله بالخير إن كان الوقت صباحا ومساكم الله بالخير إن كان الوقت مساءا.
وإن حوارنا كما تتذكر كان بهذ الصدد يتركز على أن سلام الله الواجب ألقاؤه على جميع خلائقه، هذا السلام ما هو إلا تحية تقربك من الآخر ومفتاحا للدخول وأياه بحوار إنساني أو علاقة طيبة أو إزالة لسوء فهم معين طرأ على العلاقة بين الإثنين، وإن كان هذا السلام يذهب لمن لا يستحقه فإنه سيعود إلى صاحبه ولا يلحق ضررا بمن ألقاه!!! على العكس إن من يلقي السلام فله أجر أما من أعاده بأحسن منه فله أجر مضاف هكذا وضعت الشرائع السماوية قواعدا لكل شيء وحقَ كل واحد حتى في هذه البادرة الجميلة فيما بين البشر.
وكما تعرف أيها العزيز أن للسلام استخدامات أخرى ككلمة، فالسلام ككلمة تدل على عدم الاقتتال وعكس كلمة الحرب غاية في الأهمية والروعة، فهي ما ينشده الجميع وتتذكر كيف عندما كنا في زيارة لحديقة الحيوان أنها  تتراكض يمينا وشمالا عندما تحسّ بوجود خطر ما، وبعكس الحالة نجدها تعيش مستقرة وتلتفت لأمورها الخاصة عندما تشعر أنها بأمان.
واليوم أصبح هذا السلام الشغل الشاغل للعراقيين لكنه ليس مشكلة للناس المؤمنين الصادقين الذين عاهدوا ربهم أنهم باقون على العهد ويقولون الحق ولا تأخذهم بقوله لومة لائم أو هجمة حاقد أو سهام شرّير، إنها مسألة مبدأ أن يتقدم الإنسان إلى أمام دون رهبة المواقف القاسية خاصة ونحن نعيش أياما صعبة فقدنا فيها هذا السلام كما لم يعُد السلام الذي يعني التحية بين الأشخاص يُعطي المعنى الحقيقي لأن القلوب أصابها ضرر والضمائر تبدلت والأشخاص الذين تعيش وأياهم كأنهم غرباء عليك، وكم أتذكر عندما كنا نلتقي مع أشخاص لا نعرفهم ولكنهم يصرّون على ضيافتنا ويتبادلون وأيانا الأحاديث وكأننا نعرف بعضنا منذ زمن بعيد.
لكن يا عزيزي إن عراقيي اليوم لا تحس وجود ألفة في تعاملاتهم معك، فجاري بدأت أتحسب منه كثيرا ولا أحاول مدّ! الجسور إليه مغبة أن يكون من العناصر التي تلحق الأذى بالآخرين خاصة وأنت لا تعرف من هو جارك لمجيئه إلى جانب بيتك حديثا، وكنا نتعلم من الأحاديث أن رسول الإسلام قد أوصى بالجار الى الحد الذي يعتقد البعض أنه أراد أن يكون لك أقرب من أخيك أو أن يكون وارثا معك، وكذلك كنا نقرأ الأقوال المأثورة أختار الجار قبل الدار، وأيضا الجار القريب أفضل من الأخ البعيد، والنبي أوصى بسابع جار إلى غيره من الكلام الذي كان كله يؤطر العلاقة فيما بين الإنسان في موقع سكناه والمحيطين به وصولا إلى العلاقة المتداخلة بحيث لا يستغني أحدهم عن الآخر.
وللسلام أصول عندنا إن كنت ما زلت تتذكر عادات أهلنا وتقاليدهم فقديما كان أهل الدار لا يسألون ضيفهم عن حاجته إلا بعد أن يستضيفونه ثلاثة أيام ويردون على سلامه بسلام أفضل منه ويحرصون جدا على أن لا يشعر بأية ضيقة من خلال حله ضيفا عليهم، وكان لسان حالهم يقول يا ضيفنا إن زرتنا أنت رب البيت ونحن الضيوف، ولكن أين نحن من كل هذا الذي وررثناه وعشناه بل طبقناه في مراحل من عمرنا وقبل أن ندخل الأنفاق المظلمة التي تم أجبارنا للدخول فيها ونحن لا حول لنا ولا قوة، ومن أبى الدخول وكان له الجرأة هرب بعيدا كما فعلت أنت أيها العزيز وبقيتَ تراقب الأحداث من موقعك وكنت محظوظا نوعا ما رغم ما عانيت وأنت في طريقك إلى الأرض التي كنت تقول عنها أرض الأحلام.
غالبية أهلنا ومعارفنا اليوم أصبحت لا تحبذ زيارة بعضها البعض بل الركون إلى مخادعها بعيدا عن التزاور وخلق علاقات أجتماعية جديدة سواء بين الأقارب أو بين الأصدقاء، فهذه العلاقات بحاجة للتحرك والخروج والسير في الطرقات والانتقال من حي إلى آخر، وكل هذه محفوفة بالمخاطر وقد يلتحق بمن يرغب القيام بها أذى شخصي جسيم، فيوم أمس ودعنا ابن صديقنا الذي قضى نحبه أثر انفجار كانت الحافلة التي يستقلها هدفا له وكان هو الوحيد الذي أصابته مباشرة، تصور أنه شاب في مقتبل العمر ولم يكن له أية علاقة لا بالمحتل ولا بالمقاومة إنما كان يمضي في سبيل لقمة العيش ولم يكن يعرف أن القدر قد وضع حدا لأحلامه وليس هو فقط بل لكي يعاني ذويه من هول المأساة بعد أن كان الحادث قد وأد هو الآخر أحلام والديه ويضع حدا لطموحاتهم وكل ما كانوا يأملون من ولدهم وهو يرتفع بالقامة!!!!
مآسٍ كثيرة وقصص مختلفة نعيشها في كل دقيقة وساعة، وجميعها مأساوية ورغم كثرتها والحزن الشديد الذي تولده لدى القاريء والسامع لكن التوثيق أمر ضروري فربما أجيالنا القادمة ستكون أكثر حكمة وفطنة منا وترعوي وتنأى بنفسها بعيدا عن الحروب والاقتتال ومخلفاتها الشنيعة وتختار خيار الحب بدل الحرب وتفكر كم أن زقزقة العصافير وهي تطير من غصن إلى آخر وهي مزهوة بحريتها مهمة لكي يحذو البشر حذوها وياليتنا اقتدينا بها كنا نعيش بأمان نحلق عاليا بأمان ونبني أعشاشنا ونصونها لكي تستمر وتيرة الحياة وننعم بصباحات جميلة هادئة وليالٍ مقمرة يناجي فيها الأحبة أحبتهم على أنغام هادئة من الموسيقى، هل تتذكر كيف كنا نقضي أول الليل بالإستماع إلى صوت أغنيات لأم كلثوم وغيرها من بعيد لأننا لم نكن نملك المذياع فهذا كان حال أغلب أهلنا.
وأصبحت المقاهي الشعبية خاوية حيث هجرها مرتادوها فالجلوس فيها مخاطرة كبرى فقد يكون بين الجالسين من يتحزم بحزام ناسف ويرغب بالإسراع لدخول الجنة ويعتبر الجالسين في المقهى من الكفار ومستحقي الموت!!! ونحن كنا نجلس في مقاهٍ سابقا ونتذاكر دروسنا حيث كان المقهى مخصص للدراسة ويحترم الجالسون الطلبة ولا يضايقونهم باللعب والثرثرة، هل تتذكر كيف كنا نلجأ إلى لعبة الشطرنج عندما كان الدرس يتعبنا ويرهقنا ويجعلنا لا نستوعب ما نراجعه، فكنا نلجأ لهذه اللعبة التي ميزتها الهدوء والتفكير كي نستعيد نشاطنا لنعود للدراسة.
اليوم يا عزيزي كل شيء تغير حتى هذه وأنني أشفق على الطلبة عندما أراهم متأبطين كراريسهم ذاهبين إلى مقاعد الدراسة، أراهم متعبون مهمومون فلا كهرباء لكي يذاكرون أو ينامون براحة، ولا أمان بحيث يسيرون في الشارع وهم مطمأنين لأنهم سيصلون إلى المدرسة بأمان ويعودون منها سالمين، كما أن الهيئات التدريسية هي أيضا تعيش ذات الظروف ولا تتمكن من شرح كل شيء للطلبة فأصيبت الدراسة بمرض الدروس الخصوصية كونها تفيد طرفي المعادلة وتحقق موردا ماليا الأساتذة بحاجة إليه والطالب بحاجة للمعدل العالي لكن الخاسر هو رب الأسرة وميزانيته التي تتحمل أعباءا أضافية ترهق كاهل العائلة ويتم صرفها على حساب أمور ضرورية أخرى.
هذا هو حال أهلنا يا عزيزي وحالي منهم طبعا ونؤمل انفسنا ان نقفز إلى غدٍ أفضل تختفي كل هذه لننال حياة كريمة ومستلزمات عيش لائقة كما هو حال كل بشر الدنيا ولسان حالنا إن غدا لناظره لقريب.
عبدالله النوفلي 10 حزيران 2007

181
أمة السورايي
والتخبط مازال مستمرا !!!

ما بكم أيها الأعزاء؟ لماذا تبحثون عما يفرقكم وتتشرذمون لتنزوون جانبا ضعفاء خانعين يأخذ الآخرون الجزية منكم وأنتم صاغرون!!! وكأنكم تبحثون عن الحي بين الأموات!!! لماذا تقبلون بالذل وترتضون لأنفسكم ما يسقط من موائدهم لكي تقتاتون وأولادكم بها!!! ألستم أبناء الحرة؟ لماذا تمارسون ممارسات عكسية وتأخذون أدوار غيركم؟ وهل ينطبق عليكم المثل القائل: "من عاشر قوماً أربعين يوما صارَ واحداً منهم"!! ألم يحن الوقت لكي تضعوا النقاط على الحروف؟ بغية كل من يقرأها، تكون القراءة بنفس معنى الكتابة لأنكم إن تركتم الحروف بدون نقاط فكلٌ يقرأها حسب هواه لنصبح كالطرشان عندما يتحدثون ولا نسمع سوى ضوضاء فارغة دون ان نفهم شيئا!!!
أليس واقع أمتنا هكذا؟ بل أكثر بأسا من هذا أيضا... فقد رقص لنا الآشوريون ولم تعجبنا الرقصة !!! وناح لنا الكلدان ولم نبكي !!! والجميع يقولون إننا أخوة !!! فما بالكم إذا؟ إذا رقصنا لا تفرحون وإذا نحنا لا تبكون !!! فما هو الذي يعجبكم؟ هل يرضيكم ما نحن عليه من تخبط؟ ألا تشاهدون أننا جميعا نضيع ونتلاشى وعدونا يزداد زأيره علينا، هل فقدتم القاسم المشتركة؟ هل أنعدمت فيما بينكم الأرضية المشتركة للتفاهم؟ أين السياسيين؟ خاصة الذين على عاتقهم تقع المسؤولية الرئيسية لهذه الأوضاع، هل نحن بحاجة لسيل من الدماء أكثر من هذه التي سُفكت لحد الآن لكي تتحرك ضمائركم وتخرجون من نفق مصالحكم المظلم إلى الآفاق الرحبة التي ينتظر شعبنا منكم أن تخرجوه إليها!!!
أين أنتم أيتها القيادات الدينية؟ ألم يدعوكم المسيح وتضرع من أجلكم أن تكونوا واحدا كما هو والآب واحد؟ وما بالكم متشبثون بالكراسي الوثيرة وتنعمون بهواء الغرب البارد والمنعش وشعبكم الذي يجلّكم يصطلي بنار العنف والذبح والخطف والقتل، أين أنتم أيها الرعاة، فقد تبدد 99 خروفا ولم يبقى سوى واحداً في الحضيرة، فكيف لكم أن تبحثون عن التسعة والتسعين وأنتم لم تعثروا سابقا على الواحد الذي كان ضائعا!!! ألم تسمعون وتشاهدون كيف يُقتل الكهنة والشمامسة ومنهم من يخطف ويهان وأنتم جلَّ ما عملتموه بعض الكلمات التي لم تؤثر حتى في أقرب المقربين إليكم!!! فهذه ثلاثة من كهنة الموصل منهم من ذُبح ومنهم قُتل بالإظافة للشمامسة وأعداد أخرى في بغداد خطفوا وأهينوا وعُذبوا!!! فكم تنتظرون ان يصل العدد لكي تجتمعون كقيادات دينية وتعلنوا الثورة على الدنيا كلها وتحافظوا على رعيتكم!!!
ألم تشاهدوا ردة فعل الآخرين لمجرد صور مسيئة!!! فقد أقام أخوتنا المُسلمون الدنيا ولم يقعدوها، لكن دم شهدائنا جف من الأرض وداست عليه الأقدام هكذا دون أية ضجة؟ ولو لم يكن تلفزيون عشتار قد نقل الحدث بشيء من القوة لكان الحدث مر مرور الكرام!!! أين مرجعياتنا ودورها العالمي وتأثيرها على السياسات الغربية كما يزعمون؟ حتى أن جملة في محاضرة خاصة هزّت العالم الإسلامي!!! أليس دم الكهنة أثمن من تلك الجملة؟
إن أمتنا يا أخوتي لا تعرف ما هي أهدافها، فحتى مؤتمر عينكاوا (12-13) آذار 2007  تم تمييعه والكلمة الموحدة التي رست المناقشات عليها لكي تجمعنا (سورايا) تم نسيانها والمجلس الذي هلّلنا لمقدمِهِ ساكتٌ مثل الأطرش بالزفة!!! إن وراء كل هذا بالتأكيد هدف مشؤوم يريدون لشعبنا أن يبقى نائما متخبطا ضعيفا هزيلا لا يفتح فاه ولا يطالب بشيء ويرضى بالفتات وينهزم من أرضه لتبقى بابل خاوية وكل من يمرّ وينظر إليها يُصفر بفمه متعجبا من الوضع الذي آلت إليه، وهذه نينوى تتبعها ونوهدرا اختفت وسهل الصلبان تم إنزال وكسر كافة صلبانه أو أخفائها.
فهل يا سادة يا كرام سنبقى ساكتين؟ وهل ستبقى الضمائر خرساء فقط لأن هذا السياسي لا يريد أن يتنازل والآخر يصرّ على موقفه، وحتى الشمامسة دخلوا حلبة السياسة وكأن خدمة المذبح أصبحت غير ضرورية واللهاث وراء الكلدانية أو الآشورية الفارغة أهم والعمل على تقاتل الأخوة وزرع بذور الفتنة أهم بكثير من الترتيل لله وجعل المذابح أكثر رونقا وزهوا بملابسهم الزاهية وأصواتهم الملائكية الجميلة.
وتبقى الأسئلة كثيرة ونبقى نتهجم على زيد ونتكلم على عبيد وحتى من يعمل ويبني ويخدم شعبنا ننعته بالعمالة وتنفيذ سياسة الأعداء وعندما اختار مؤتمر عينكاوا اسما مشتركا انتفض الكثيرين محتجين من الاسم كونه ذو دلالة دينية!!! فإن كان هذا لا يعجبكم ولا يرضيكم فما هو الحل الذي توفرونه كبديل، وما الضير إن كانت المسيحية توحدنا، ألسنا نُذبح تحت مسميات دينية أيضا وبأعذار وفتاوي، فلماذا لا نتحد تحت مسمى ديني حتى لو افتهمنا أنه ليس كذلك، لكن وما الضير أن نتوحد ونترك الاسم القومي يُنضج نفسه بنفسه حتى نقي أنفسنا حرب الإبادة والإضمحلال، فماذا يستفاد الآشوري إن بقي ميراثه ووجوده محصورا في الكتب وكذلك الكلداني، أما على أرض الواقع فصفر على الشمال!!! أليس خير لنا ان نفوز بشعبنا ووجوده وبتسمية حتى لو كانت بمدلول ديني، أليس في الغرب والشرق أحزابا بمسميات دينية؟
فإلى متى نبقى نتخبط؟ وكم تحتاجون بعد من الشهداء؟
وما هو حجم الخسارة التي ستقنعكم؟
لكي تتحركون وتصحى ضمائركم
فإن كنا ندري فتلك مصيبة
وإن كنا لا ندري
فالمصيبة
أعظم


عبدالله النوفلي
8 حزيران 2007

182
الرسالة السادسة من تحت الأنقاض
أعتدت أن أكتب أليك أيها العزيز عن حياتنا والأحداث المهمة التي يشهدها بلدنا ونحن من ضمنه كي أضعك بالصورة ولكي توثق هذه المعلومات لديك لأننا نعيش على (كف عفريت) كما يقول المثل ولا نعلم في أي لحظة أو دقيقة يأتينا الدور لأننا في العراق جميعا؛ منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر!!! فالنار مستعرة وبحاجة إلى وقود وها إنني أكتب لك في هذه اللحظات وقد أكلت النار قسا كاثوليكيا في الموصل وثلاثة من مساعديه الذين نطلق عليهم شمامسة في مدينة الموصل لا لذنب سوى كونهم للتو خرجو من الكنيسة بعد انتهاء الصلاة وكما تعلم أن الأحد عند النصارى يوما مقدسا!!! وفي هذا الوقت والنار مستعرة وبحاجة للمزيد ومزيدها ما هو إلا أنا وابن عمي أو أخي أو صديقي وبالنتيجة جميعنا، وأطلب منك أن لا تتفاجأ يوما بفقدان صديقنا الفلاني أو أي من أقاربنا لأننا جميعا سواسية وأمام عدو لا نعرفه ولا يعرفنا وماكنته تبتلع كلما يأتي أمامها دون تمييز.
للأسف أيها العزيز تقول لي أنك تبدو متشائما في رسائلك لي وكيف لا أكون كذلك؟ وأنا أعيش يوميا في بلد يحترق وإن سرتُ في الشوارع فليس أمرا غريبا أن أشاهد سيارة للشرطة وهي تحمل الجثث المجهولة الهوية وهي موضوعة بشكل عشوائي على متنها وكل من في الشارع يشاهدها ومنهم امثالي المغلوب على أمرهم، ومَنْ هؤلاء؟ أليسوا هم أبناء هذا البلد مثلي ومثلك؟ عندما كنت معنا هنا؟ ألم تفقدهم عوائلهم؟ ولم يفكر من جنى عليهم أن ورائهم أطفالا أصبحوا بلا أب أو معيل يساعدهم على قسوة الحياة، وهؤلاء حُرموا كما يُحرم أقرانهم بالعشرات كل يوم من منادات آبائهم أو من حنان الوالد الذي لا يمكن تعويضه مطلقا!!! فأي شخصية ستكون لهؤلاء وماذا سيكون مصيرهم؟ لا أستطيع التكهن لأن ذلك بعِلم الغيب.
عزيزي: تكلمت لك عن الكهرباء المشكلة المستعصية والتي أنتجت لنا مشاكل أخرى والوقود أحداها؛ هذه المادة التي عراقنا العزيز هو من الدول المتصدرة في الاحتياطي لها وكذلك في الانتاج إن أُتيحت له الفرصة لأن الله منَّ على أرض الرافدين أن تكون عائمة على بحيرة من النفط يتمنى أي بلد من الدنيا لو توفرت له 10% منها تحت أراضيه!!! هل تتذكر كيف كان لتر البنزين ب عشرون فلسا!!! يومها كنا نملأ خزان بنزين السيارة بأقل من دينار واحد وكان كل شيء رخيص الثمن قياسا على ذلك، هل تتذكر وحش الطاوة كما كان يحلو لنا نحن العراقيين أن نسميه (الباذنجان) لأنه كان يغزو وجبات الطعام صيفا كونه كان يباع بأبخس الأثمان وكان قوتا للفقراء وثمن كيلو غرام منه كان يباع بأقل من خمس فلوس!!!
لكن اليوم الصورة كلها بالمقلوب وواقع حياتنا يسير عكس الحياة العامة ولم يتبقى شيئا يذكرنا بالماضي الذي أصبحنا نتحسر عليه وعلى أيامه، فالوقود رغم وجود المئات من محطات التعبئة والعشرات منها في بغداد فقط لكن طابور الانتظار ولكي تحصل على فرصة املاء الخزان قد يستغرق ثماني ساعات أو أكثر وبطول عدد من الكيلو مترات كل ذلك حتى تحصل على فرصة أملاء الخزان وليس يوميا بل بين يوم وآخر لأن النظام عندنا هو حسب رقم السيارة سواء كان فردي أم زوجي، فما الذي يعمل سائق التكسي الذي رزقه على عمل سيارته؟ وماذا يعمل الموظف الذي يكون مشغولا  بعمله ومن أين له أن يضيّع ثماني ساعات في طابور الانتظار ويا ريت لو كان السعر كما كان في السابق لأن هذه الأيام أصبح سعر اللتر الرسمي 400 دينار!!! وحتى لا تنتظر عليك الاستنجاد في السوق السوداء وبأكثر من 250% من السعر الرسمي، وعليك أن تخمن كيف تسير الحياة ولتر البنزين في السوق السوداء بأكثر من ألف دينار!!! والكهرباء غير متوفرة ونحن بحاجة للبنزين ليس للسيارة وحدها بل لمولدة الكهرباء الصغيرة التي نستطيع تشغيل مروحة أو تلفزيون كي نتواصل مع العالم ونؤمّل أنفسنا بغدٍ أفضل من اليوم.
فيا صديقي إن بلدنا منتج للنفط وأهله بحاجة مستمرة لهذه المادة وبمعاناة مستمرة من أرتفاع أسعاره حتى أن الشوارع بدت فقيرة بالسيارات لأن هذه تحتاج إلى الوقود وهو غير متيسر ببساطة وقد قضينا بذلك على مشكلة الازدحام والذي يزور بلدنا قد يفكر لأول وهلة أنه يزور بلدا متحضرا قضى بشكل كامل على مشكلة المرور وحلَّ أزمة الازدحام!!!
إنه أيها العزيز شرُّ البلية ما يُضحك ونحن نحمد الله كوننا نستطيع تلطيف الجو أحيانا أو نعطي المجال لأنفسنا كي نبتسم أو نقصُّ بعض النكات بغية أدخال الفرح الجزئي إلى ذواتنا.
فماذا تريدني أن أكتب لك أكثر من هذا وأنت تعلم أننا هذه الأيام ولتونا بدءنا فصل الصيف ولم يصل بعد تموز أو آب الذي كنا نسميه بآب اللاهاب، وإننا أصبحنا نستخدم وسيلة التبريد الذي كان يستخدمها أجدادنا إلا وهي (المهفة) وبعضنا يُطلق عليها تسمية (السبلت) حتى لا ينسى أنه يوجد وسيلة حضارية للتبريد split unit تقوم بتلطيف الجو للبشر لكي يتمكنوا من الابداع في ظلّ ظروف الجو الحار بل الشديد الحرارة، وأعتقد يوما قلت لي أن شريعة دولية تمنع اشتغال الإنسان إذا تجاوزت الحرارة عن 50 درجة مئوية، وأنا اتمنى لو استطاعت المنظمات الإنسانية من التواجد في حرّ بغداد لتقيس درجة الحرارة فغالبا ما هي أعلى من هذه الدرجة!!! ألم تتذكر كيف كانت مادة تبليط الشوارع (الإسفلت) وقت الظهيرة تنصهر لتترك عجلات السيارات الثقيلة أثرها عليه؟ ومن جراء هذا فإن شوارعنا لم تعد صالحة لمسير المركبات أو أن تزيد من سرعتها لأن المطبات لا حد لها وقد طالها الخراب بجميع مفاصلها حالها حال جميع بقاع بلدنا الذي نسميه العراق، ومما زاد الطين بلّة في هذه الشوارع مشاركة آليات قوات الاحتلال الثقيلة ومنها الدبابات للسيارات الصغيرة (الصالون) ذات الشارع وإن لم تجد هذه طريقا لها فلا مانع لديها من السير فوق السيارات الصغيرة حتى لو كان فيها بشر!!!
تصور يا عزيزي هذا هو حالنا وأنني لم أوصف لك لحد الآن إلا النزر اليسير وإن طلبت مني الاستمرار فقد أستغرق مدة طويلة ورسائل متسلسلة عديدة ومع ذلك كتبت في جوابك الماضي لي أنني متشائم كثيرا في كتاباتي!!! فمن أين آتيك بالتفاؤل وأنا لا أملك القوة على التغيير وليس بيدي غير هذا القلم الذي يسطر ما يراه وما يعيشه، كي تعرف أنت وشرفاء العالم بأي حال نحن عملا بالقول "ذكّر فقد تنفع الذكرى!!!"
وها أنني كتبت لك للمرة السادسة مذكرا أياك والعالم أجمع بوجود بشر بحاجة إلى الرفق، ويا منظمات العالم المتحضر كفاكم رفقا بالحيوان لأن الإنسان في بلدنا بحاجة إلى الرفق به ومساعدته لكي تنتعش في مخيلته فسحة الأمل وإلى ذلك الحين هذا هو الحال وجميعنا ننتظر ألا يسوء الوضع أكثر لكن هذا هو المنكر فاعمل بقوتك من أجل اجتثاثه ولا يكفي معه "أضعف الإيمان".
عبدالله النوفلي
4 حزيران 2007

183
المنبر الحر / لماذا نُقتَلْ
« في: 23:36 07/06/2007  »
لماذا نُقْتَل؟
أينما تبحث وفي أي فكر تغوص أو لأية ديانة أنتَ منتمٍ وعضوٌ في أي مذهبٍ فلسفي أنت، ... ستجد في كل هذه أن إراقة الدماء هو من المحرمات فجميع التيارات الإنسانية تجتمع على ان النفس البشرية هي القيمة الأعلى الواجب الحفاظ عليها، كذلك الأديان السماوية منها وغير السماوية لا تقبل قتل نفس بغير حق، لكن على الدوام يوجد الشواذ واللذين ينحرفون بالمباديء والقيم، والذين يفسرون الكلمات على أهوائهم ليصبح الحبل على الغارب وتنقلب الموازين ويختلط الحابل بالنابل ويتم التشويش على كل شيء بحيث يتم فقدان الصورة الحقيقية تماما كما نفقد الاشارة الفضائية لقنوات البث (No signal)ويصبح الواقع امامنا أسوداً كالحاً مقيتاً يُنذر بالشؤم كليلٍ شتائيٍ مشوب بالعواصف الرعدية والرياح العاتية وغيوم سوداء لا يمكنك رؤية حتى نجم واحد في عنان السماء، لتكون كل الاحتمالات الكارثية واردة ونعيش في قلق دائم ومستمر ونمنّي أنفسنا بمضي الدقائق والساعات بسلام، وهكذا ردد الشاعر قائلا " لابد لليل أن ينجلي..."
ولكن مَن هم أولئك الشواذ الذين سلكوا ويسلكون هذا المسلك الغريب عن الإنسانية الصميمية؟ ولماذا يمارسون هذه الممارسات؟ وكيف انحرفوا عن مبادئهم ليمتهنوا القتل والذبح دون وازعٍ من ضمير أو خوف من تعاليم إلهية، أو حتى من مجتمع يراقب ويشاهد، وتاريخ يسجل الأحداث ولا يرحم أحد!!! وهل تتم هذه الممارسات لمجرد القتل وأشباع الذات السادية، أم ان لها هدف آخر؛ سياسي أو مادي أم لغاية في نفس يعقوب؟
والمؤكد من كل هذا أن تقييم هذا السلوك من زاوية نظر محايدة عقلانية هو تقييم سلبي ومرفوض، فكيف لأي أحد كان ان ينهي حياة إنسان آخر؟ هذه الحياة التي أصلا موهوبة له من خالقه تبارك أسمه، وكيف له أن يوقف تطلّع إنسان شقيقه في الإنسانية وخنق الوهج الذي كان يحمله في صدره ويأمل أن يُغني بنشاطه الإنسانية جمعاء؟ وكيف يسمح لنفسه أن يُحرم أما من وليدها؟ وعائلة من معيلها؟ وشيخا يحرمه حتى من الاتكاء على عصاه التي هي سنده في قسوة الزمن وتعينه على تحمّل ثقل السنوات الذي عمِلت فيه كثيرا وأحنت ظهره؟
فإن كان ذلك فكرا سياسيا بغية تثبيت مصالح الأحزاب وأعلاء شأنها أو زيادة سطوتها ونفوذها؟ فكيف لهذه القوى السياسية أو تلك أن تبني مجدها على جماجم الآخرين، وإن حاكموا صداما وأعوانه على قتل 148 شخصا فقط، وأعدموه ومجموعته، نجد اليوم أضعاف هذا الرقم يتم قتلهم ولا أحد يحاسب القتلة، حتى أن ثلاجات الطب العدلي ما عادت تستوعب كل القتلى!!! فأي ضمير يحمله السياسيون الذين يتصارعون فيما بينهم بلغة القتل؟
وما ذنب الطالب الذي يصعد السلّم نحو المعرفة درجة درجة كي يتم قتله؟
وما ذنب الطبيب الذي يستأصل المرض من الجسم ليرجعه سالما معافى أن يُقتل؟
وما ذنب العامل أو الفلاح أو المهندس أو الموظف او الكاسب و ...
وممكن أن نذكر المئات من العناوين التي هي مشاريع جاهزة وأهدافا محددة ومرصودة يتم استهدافها على مدار الساعة في العراق الذي كنا نطلق عليه سابقا (العظيم!!!) أين النخوة العربية عندما كان أحدهم يقول (فلان أخو خيته!!).
ونعود للسؤال لمذا يُقتل هؤلاء؟ القتل الذي هو سبب نزوج مكونات كبيرة من أبناء العراق من ديارهم قاصدين الشرق والغرب كي يَسلموا بذواتهم، فالسياسي الشريف انهزم بعيدا!! والطبيب الذائع الصيت والماهر مشى في ذات الطريق، والأستاذ الجامعي يبحث عن ملجأ يحصّن به علمه وحياته بحيث لم تتبقى شريحة معينة لا تحاول الهرب، حتى الكسبة؛ البشر البسطاء يبحثون لهم عن منطقة آمنة... تماما عندما يضرب الإعصار منطقة ما وقبل وصول مركزه لتلك المنطقة تشاهد الأمور كلها غير طبيعية وتبدأ الأشياء الخفيفة بالطيران والأشجار تقتلع من جذورها وأعمدة الكهرباء تتساقط والبيوت تتمائل، وعند النهاية ومرور الإعصار نصحو على كارثة ومجموعة من الأنقاض لا غير.
ومصير العراق يسير في ذات النهج فحتى القوات الرسمية التي تحمل مسؤولية الأمن والنظام مُخترَقةٌ ويتم عمل الجرائم بواسطتها، ومن خلالها فلمن يلجأ الإنسان كي ينأى بنفسه من هذا الأتون الذي يزداد استعارا، ويا ريت لو كان وقوده ماديا فقط، فالحقيقة ان أتون هذا النار يستعر ببشر مغلوبين على أمرهم لأن الحياة والتنفس أصبحا جريمة بنظر البعض؛ إِما تركب موجة العنف وتصبح ساديا مثلهم وإما أنت غير مرغوب فيك وحياتك لم تعد مسموحة لك ويجب أن تُسحب من صدركَ كي تترك المجال للقوى الشريرة العارمة بل العاتية أن تستمر بالضرب ذات اليمين وذات الشمال.
وتقول الموؤدة بأي ذنب تم قتلي وتصرخ آلاف الجثث معها بأي ذنب قتلنا؟ ولا من مجيب، فكلٌ مشغولٌ بالذبح والقتل وإرهاب الآخر ودائما الهدف سياسي أو مادي، فهل سنقرأ على الدنيا السلام؟ وهل ستضاف أقساما للمكتبات العالمية محورها بل عناوينها هي هذا الذي يحدث ويجري والإنسانية نائمة فمتى ينجلي هذا الليل ياترى؟   
عبدالله النوفلي
1 حزيران 2007

184
الرسالة الخامسة من تحت الأنقاض
صديقي الوفي:
أكتب لك اليوم وأشعر أن الهواء الملوث الذي أتنفسه قد أوشك حتى هذا على النفاذ، فما أشمّه هو روائح لا تمت للحياة بصلة بل روائح تذكّرني أن الحياة مقبلة على الانقراض أقله لما حولي وفي الموقع الذي أعيش فيه، فصوَر الموت منتشرة وتغتال كل أمل أحاول رسمه على وجهي وملامحي. كل هذا يدفعني نحو اليأس والخنوع بل الركون إلى ناصية لا تنتهي بأحسن الأحوال سوى إلى الموت ولو ببطأ، أي أن النتيجة هي ذاتها لو تحركت وسعيت وحاولت تغيير ما يمكن تغييره وصولا إلى بعض الأمل بحياة أفضل.
فيا عزيزي، لم نعد نتذوق طعم للحياة لأنني لا أجد أية مظاهر للحياة، حتى إن رأيت موكبا للعرس، فلا تشعر بطعم الفرح والانشراح وأنت ترى عروس وعريسها بثيابٍ تدعو للسعادة والحبور ومعهم الأصدقاء يفرحون حينا ويغنون حينا آخر أو يترجلون من الموكب ليُنَظِموا حلقة من الرقص البريء بغية أدخال السعادة لأحبائهم الذين للتو بدأوا ببناء العش تماما كما يفعل العصافير، حيث تذكرت هذا عندما كنا نجلس في الحديقة العامة التي كانت في حيِنا أنا وأنت وكيف راقبنا عصفورا صغيرا يرتقي الشجرة حينا وينزل إلى الأرض ليبحث عن قشٍ بسيط يضعه في فمه ليعلو مجددا وينسج من خلاله عشا صغيرا تمهيدا لكي يضع فيه بيضه لتستمر حياته، وأتذكر أننا تسلقنا تلك الشجرة وشاهدنا عمل ذلك الطائر الجميل ومجّدنا الله للغريزة التي وضعها في مخلوقاته كي تبقى الحياة مستمرة، وفعلنا هذا رغم أن طائرنا الجميل كان يراقبنا وهو خائف أن نعبث بما توصل إليه من عمل، وربما بعد أن تركناه سالما شكر الله لأن حياته لم تصب بأذى.
لكن حياتنا اليوم تصاب بأذى أيها العزيز، وكل ما نراقبه وما يحيط بنا يتربص لكي يوصل أقسى أنواع الأذية لنا، وما حاولنا أن لا نلحقه حتى بالطائر الصغير، يلحق بنا أشد منه نحن البشر، ونلحقه أحدنا بالآخر ونحاول أن نسحق المقابل لكي نحقق كسبا ما، وهنا تذكرت كيف كنت تتكلم عن الغابة وسيطرة القوي على الضعيف وتُصَور لي كيف أن الأسد يسير متبخترا ما بين الحيوانات الأخرى وجميعا تصابُ بالهلع عند رؤيته وتتحاشى أن يراها كي لا تصبح فريسة محتملة له خاصة إذا كان جائعا، ونحن كنا متفقين على انه لو شبع لترك الجميع دون تدخل في حياتها ولا يسبب أية أذية لأضعف حيوان!!! لكن اليوم في العراق أصبحنا جميعا نعيش في غابة لا يطبق فيها حتى قوانين الحيوانات!!! فبشر هذه الغابة لا يشبع أبدا وحتى لو كان متخما فإنه دائم البحث عن ضحية جديدة، لا لشيء سوى ليُرضي غروره ونزقه وتصبح روحه السادية ثملة من دماء البشر الأبرياء وليرتاح عندما يرى العالم تتراكض خوفا وتدخل مخادعها وتغلق الأبواب عليها لكي تبعد الأذى عنها، فحتى أسد الغابة لم يمارس مع الحيوانات الضعيف ذلك!!!
اليوم يا عزيزي، نحن في العراق محرومين من أبسط الحقوق الإنسانية فنعيش بلا كهرباء العصب الأساسي في المدنية الحديثة، وكلما أتذكر هذه القضية تحضرني قصة كنا نتادولها ونحن صغار أيام لم تكن لا كومبيوتر ولا اتصالات ولا كهرباء ولا وسائل اللهو ولا أي شيء وكنا في قرية صغيرة، ما أن تغيب عنها الشمس حتى يلتحق كل بمخدعه يطوي الليل نوما لينهض مع خيوط الفجر الأولى ومع أول زقزقة لعصفور أو صياح لديك فكانت الحياة هكذا وحتى نقتل وقت الفراغ كنا نروي قصة نقول عنها انها لا تنتهي وملخصها أنك تسأل صديقك أي سؤال وعند جوابه ما عليك إلا أن توجه له سؤالا مفاده لماذا قلت هذا، وتستمر القصة لتنتهي بضحك متواصل وقضاء بعض من وقت الليل الطويل، لكن هذه القصة اليوم تشبه كثيرا ما نعانيه في قطاع الكهرباء، فالحجج موجودة والأرقام أصبحت مألوفة بحيث أصبحنا نؤمّل أنفسنا أن نحصل ولو على ساعتين من الكهرباء في اليوم لكي نستطيع أحماء الماء لغسل أجسادنا المتعبة والمتربة خاصة وأنت تعرف كم أن أجوائنا متربة صيفا وشتاءا، وليس هذا فقط بل أن الجسم وما يفرزه من العَرَق الأمر الطبيعي لحرارة الصيف اللاهبة كلها تحتاج لكي نغسل أجسادنا حتى عندما نجلس ونتحدث تكون رائحة الجالسين طبيعية ويقضون أوقاتهم براحة ونقاش مفيد أو مسلي!!!
الكهرباء اليوم يا عزيزي أصبحت تقاس بالأرقا 3×3 أو 2×4 أو 1×6 أو 1×12 وهلَمَّ جرا والرقم الصغير هو دائما لوقت التجهيز يقابلها الرقم الكبير الذي هو الانقطاع علما أن الكهرباء قد تنقطع ليوم أو اثنين او حتى ثلاثة دون أن يظهر لها أثرا ولولا ما يوفره مشغلوا المولدات الأهليه من تيار ضعيف لكنا نعيش في عالم آخر لا يعرف عن العالم المتحضر أية معلومات ولما أستطعت أن أتواصل معك برسائلي ولا تمكنت من طبعها وأيصالها إليك.
وكما قلت لك أن الأعذار جاهزة دائما؛ أعمال تخريب... أو تخريب في أعمدة، أو في محطات التوليد، أو تجاوز على الحصة المقررة من قبل المحافظة الفلانية والعلّانية، وكأننا كشعب لا نعرف بوجود سيطرة مركزية تُشرف على تغذية هذه المنطقة أو تلك وتعرف الحمل الكلي ويمكنها التحويل من منطقة إلى أخرى أو أطفاء منطقة معينة كي لا يحصل الحمل الفائق الذي يصبح المصروف أكثر من المنتج وتحصل اعطالا في الشبكة، وأنا اكتب لك ذلك لأننا عندما كنا في دراستنا وأذكرك بالتحديد عندما أقامت لنا الجامعة سفرة علمية إلى غرفة السيطرة المركزية للكهرباء وكيف كانت جميلة ومرتبة بحيث يستطيع من يديرها بأزرار معينة يرتب كهرباء العراق أجمع !!!! لكن أين نحن وما كنا عليه قبل عقدين من الزمان، والعالم يتطور ولكننا يا عزيزي نسير إلى الوراء دُرْ بلغة العسكر، وتقول لي برسالتك أن لو حدث انقطاع لدقائق معينة عندكم يتم أشعار الناس بذلك قبل فترة ليرتبوا أنفسهم خلالها ومع الاعلان كلمات كثيرة من الاعتذار لكون العمل أضطراري، ونحن هنا نخاف حتى ارتياد المصاعد مخافة أن نبقى حبيسي تلك المصاعد وقد نتعرض للأذى الجسدي عند انقطاع التيار عنها ونحن معلّقين فيما بين الطوابق!!!
إنه واقعنا الحالي يا عزيزي والذي نخجل حتى من الحديث عنه لأنه لأننا ماضون بسرعة نحو العصر الحجري، وربما سنستغني عن السيارات ونعوضها بالحيوانات وكذلك عن الغاز والمحروقات اللازمة لتسخين الطعام وغيرها من اللوازم والتي سأجعلها حديثي معك في رسالتي القادمة، والذي أطلبه منك أن تكون عونا لنا تتحدث عن هذه المآسي فربما منظمة تنتبه وتترك سعيها تجاه الرفق بالحيوان لكي توجه عنايتها للرفق بالبشر الذين سيصبحون قريبا كالهِرقل الذي عاش في غابة وتعلم لغة الحيوانات ولا يعرف من الدنيا سوى ما يحيط به من مخلوقات، هكذا نحن سائرون ويبدو هكذا سيكون مصيرنا لو استمرت الحالة وكبارنا والذين يسبقونا بالعمر يتحدوثون عن الشر لو دام دمّر، وشر يومنا يبدو عليه أنه سيدوم ولا أستطيع القول سوى الله يستر. وإلى اللقاء.
صديقك الذي يأمل أن تتغير أحواله لينتقل من تحت الأنقاض إلى فوقها
عبدالله النوفلي

185
الرسالة الرابعة من تحت الأنقاض

صديقي العزيز:

لم يخطر ببالي أبدا أن أقوم بترقيم رسائلي إليك وأجعلها متسلسلة خاصة وأنت قرأت رسالتي الأولى ولم أعطها الرقم الأول لأنني لم أكن على علم بأن ما اكتبه هو مسؤولية تاريخية لأول وهلة وهو نقل لتاريخ نعيشه وعلينا توثيقه بغية اطلاع الأحرار عليه ولم هكذا خاصة لأن ما اكتبه لا يحمل معلومات تاريخية متسلسلة لكنني أردتها هكذا لكي تتذكر كم مرة كتبت لك ولكي تعتبر هذه الكتابة من الأمور الجدية والملحة وكونها تصدر من قلم تمسكه يد مرتجفة ومشاعر تتحمل بصبر وزر المعاناة الشرسة التي لا ترحم أبدا ولا تعرف أو تميز من هو أمامها!!! لأنني أطلب منك أن لا تصدق أن سنة العراق وحدهم المستهدفون دون شيعته أو ان المسيحيون في منأى والجميع يحترمهم!!! مطلقا الأمر ليس كذلك، وسيكون هذا محور رسالتي الجديدة أليك صديقي العزيز.

تتذكر كم كانت النسوة في حينا تزور مغارة العذراء المتواضعة في الكنيسة التي كانت قريبة منا، وكنت تشاهد كيف أن النسوة ومن المسلمات وهنَّ يقدمن الصلوات والطلبات أمام تمثال العذراء وبقلوب منكسرة مملوءة بالإيمان الكبير والثقة بأن العذراء تلبي طلباتهم وتستجيب لدعواهم ويخرجون من أمامها وهنَّ مملوءات من الأمل وقلوبهم قد سحنت بشحنة من الفرح، وكنا نتحاور بذلك وعن سبب قدوم هؤلاء النسوة إلى العذراء وكيف كنت تشرح لي عن مكانة مريم في الإسلام، حتى أن القرآن أفرد لها سورة باسمها وأعتقد أنك قلت لي أنها السورة الوحيدة التي تحمل أسم امرأة في القرآن!!! وأن لمريم مكانة لا تساويها أية امرأة أخرى ومنها أنها خير نساء العالمين أو من أحسن أربعة نساء الجنة إلى الكثير من الأمور والنصوص التي أنتَ أدرى مني بها كونك صديق لي ودينك هو الإسلام، هذا الدين الحنيف الذي أعتبر المسيحيين أهل كتاب وهم أهل الذمة، وفيب صدر الرسالة كانوا هم الذين أستضافوا المسلمين في بيوتهم وقدموا لهم العون والمساندة.

أيها العزيز: لا أحبذ كما تعرفني أن أطيل عليك بالأمور التاريخية والبديهية لأن هذه نعرفها جميعا ومن لم يعرفها يستطيع بسهولة أن يعود إلى المراجع التاريخية للاستزادة من الكثير الكثير الذي أصبح مادة تاريخية بحتة ولا يمكن تغييره، حيث أن بطريرك النصارى كان جليسا دائما في مجلس خليفة المسلمين، وإن طبيب الخليفة وطبيب عائلته الأمين كان من هذه الملّة، والذين نقلوا الكتب وترجموها من اليونانية والسريانية إلى العربية كانوا من النصارى أيضا، وأمور كثيرة عاش فيها النصارى جنبا إلى جنب أخوتهم من المسلمين على أرض ما بين النهرين وقاتلوا الغزاة معا وبنوا حضارة العراق ولم يكن يوما يوجد ما يعكّر هذه العلاقة كما لم يسجل التاريخ أن المسلمون في هذا البلد قد أضطهدوا المسيحيين أبدا، بل كانا يعملان معا لتقوية النسيج الاجتماعي الذي يربطهما ويتبادلان رسائل الاحترام ويعززانها على الدوان تماما كما ورثناها انا وأنت وعشناها ردحا من الزمن بأبهى صورة، وتذكر كم قرأنا من أخبار خليفة المسلمين الذي كان يحرص على حظور الاحتفالات الدينية التي تُجرى في البيَّع والأديرة وكان يشاركهم في الأفراح والمسرات تماما كما كان يواسيهم في الأحزان التي تلم بهم.

وحتما أنك أطلعت وقرأت عن الحروب التي سميت (الصليبية) والتي أختارت رمز المسيحية (الصليب) شعارا لها زورا وبهتانا حيث وقف المسيحيون في الشرق إلى جانب أخوتهم المسلمون مدافعين عن بيت المقدس والأرض العربية وغيرها من المقدسات واستطاعوا معا قهر الغرباء وتلقينهم درسا لن ينسوه على مدى التاريخ.

واليوم أيضا يقف المسيحيون المتواجدون فيما بين النهرين العظيمين دجلة والفرات، إلى جانب أخوتهم من العراقيين الآخرين ضد المحتل بكافة أشكاله حتى وإن تم حساب المحتل على دينهم ظلما لأنه ليس هكذا ولا يحمل من المسيحية سوى الاسم فقط، لكن عن مبادئه فهو بعيد جدا، والمسيحيون في العراق لم يقفوا إلى جانبه مطلقا لكن كما تعرف أن هذه الشريحة تحمل المباديء التي تفرض عليهم تطبيقها وهي المحبة والتسامح والغفران والصلاة حتى من أجل الأعداء والمبغضين، لذلك نأت هذه الملّة بنفسها عن الدخول في دائرة العنف كما لم تمارسه حتى في حالة الدفاع عن نفسها  لذلك نجد اليوم أن اعداء العراق يتفننون باستحداث وسائل لغرض أظهار العداء لأبناء العراق الذين يعتبرون هذا البلد هو الدم الذي يسري في عروقهم؛ يحزنون لحزنه ويتألمون لألمه، فتوجهوا لهذه الفئة أيضا أولا بتفجير كنائسهم ولأكثر من مرة وثانية بإرهاب رجال دينهم من خلال الخطف والقتل وإلحاق الأذى بهم دون ان تجد أي هدف واضح لهذا السلوك!!! وإن كان الهدف قوات الاحتلال والمتعاونين معه فلهذه القوات أذناب جاءوا معهم تحت مسميات كنسية لتنفيذ مآرب سياسية غايتها تخريب العلاقة التاريخية بين المسيحيين والمسلمين بهدف التبشير بالدين المسيحي الذي هو براء منهم، لأن باطن الأمور هو خدمة الصهيونية ومخططاتها لتفتيت الأديان السماوية وخاصة في شرقنا العربي الملتزم أخلاقيا ودينيا كي تبقى ديانة الصهيونية هي المنتصرة ويثأرون من الهزائم التي لحقت بهم جراء انتشار المسيحية والإسلام منذ ألفي سنة مضت، أذناب المحتل يا عزيزي يسرحون ويمرحون ولا يتعرض إليهم أحد كما تعرّض لأبناء الطوائف العريقة والضاربة جذورها في العمق العراقي!!!

واليوم أيها العزيز وصلت الحالة في بؤرة محددة من بغداد يتم بموجبها أجبار المسيحيين على خيار محدد دون سواه وهي متنوعة حسب جغرافية المكان ألا وهو تحول المسيحي إلى الاسلام أو ترك المنطقة دون أخذ تحويشة العمر على قول أخوتنا المصريون، ومسرح هذه الأحداث هي منطقة الدورة التي كانت معقلا مسيحيا منذ تأسيسها بحيث سوقها لا زال يُطلق عليه إلى اليوم سوق الآثوريين، وجزء منها مازال اسمه حي الآثوريين إلى اليوم أيضا.

ونحن على يقين أن الإسلام من ذلك براء فالإسلام يتحدث عن لا أكراه في الدين ونبي المسلمين يتحدث ويقول من آذى ذميا فقد آذاني، وآيات أخرى تذكر أهل الكتاب بلا خوف عليهم ولا هم يحزنون وترد في القرآن الكريم بصورة واضحة...

وأنا أطلب منك أن تبحث لي عن كل ما يؤيد كلامي هذا عن العلاقة بين الإسلام وأهل الكتاب وإن كان ما يناقضه أيضا ترشدني إليه لكي تتوضح عندي الصورة جيدا خاصة أن مسيحيوا هذه المنطقة بدأوا بالهجرة وليس فيها فقط بل من جنوب العراق مرورا بوسطه نحو الشمال أو دول المهجر، وهذا أمر جديد على بلدي وهو أن يتم أفراغه من سكانه الأصليين وأهله القدماء الذين كما ذكرت لك أيها العزيز كان لهم الدور المهم في بناء الصرح الذي أوصله إلى اليوم، وعندما تحدث فجوة برحيل هؤلاء من المجتمع العراقي سيحدث خلل وستكون نتائجه مفجعة للجميع لأن العبث بواقع مستقر لألاف السنين لن تكون نتائجه محسوبة وستعود ربما بالويلات على الجميع.

أأمل منك صديقي العزيز أن تكتب لكافة معارفك وتنبههم لهذه المسألة لأن كلينا يحب العراق ونتضرع إلى الله أن يرعاه ويقوده نحو التقدم وأخذ مكانته اللائقة بين شعوب وأمم العالم، خاصة وأنت قلت مرارا أنك حتما ستعود وتتمنى أن تكون آخرتك على تراب هذا الوطن، وإن لم تحاول اليوم فلن تستطيع تحقيق أمنيتك في المستقبل ولن تتمكن من المجيء لأنك إن عدت سترى عراقا آخر لم تعرفه من قبل وستجد نفسك غريبا لتهرب بأقصى ما متاح لك من سرعة وستردد حينها يا ليتني لم اعد وأشاهد ما بقي من أطلال بلادي، لأن حتى آثاره تنهب وما تركه السلف الصالح نهبه الأعداء والأغراب والأشرار، إذا لنعمل على المحافظة لما تبقى وأطلب منك أن تكون عونا لي أنت ومن تراه من الشرفاء في كل مكان أو من كل من يقرأ رسالتي هذه وتقبل آهات أخيك في العراق المتألم.

صديقك: عبدالله النوفلي

11 أيار 2007

186
الرسالة الثالثة من تحت الأنقاض

صديقي العزيز: كنت قد ذكرت لكََ في رسالتي الأخيرة أنني سأضع قلمي جانبا لأن كل ما يحيط بي يدفعني إلى الركود والسبات واللجوء إلى الملاجيء الحصينة طلبا للحماية وتخليص نفسي من الأخطار التي تسببها السيارات الملغمة والعبوات الناسفة المزروعة هنا وهناك وشرّ الانتحاريين المتحزمين بالمواد الناسفة.

كما انني بدأت أخاف ركوب الباصات العامة في تنقلاتي لأنها أيضا قد تنفجر في أية لحظة وأواجه مصيرا مظلما نتيجة كيس من المتفجرات يتركه أحدهم ويغادر الباص ليفجره عن بعد وكأن من في الباص هم من المحتلين أو الذين هتكوا الحرمات واعتدوا على العِرض والمال، هذا وغيره يجعلني مشغولا ومهموما لا يساعدني الزمن والهِمة لكي أمسك بالقلم وأكتب لكَ كما كنت في السابق.

ولكن غيرتي على بلدي وأهلي وعلى الحقيقة، جعلتني أتمالك وأسيطر على ما وهبني الخالق من أعصاب وأستجمع بنات أفكاري واستعرض صور المآسي والمشاهد المؤلمة التي تمرّ أمام عيني ولست بحاجة إلى عناء كي أبحث وأستقصي أو أن أستمع لأخبار الحوادث، لأنها تحدث في كل مكان وزمان، فلا نكاد نبدأ يومنا إلا وكأن المسّحراتي قد باشر عمله وكأننا في الأيام الرمضانية الجميلة فأصوات الإنفجارات وقنابر الهاون نسمعها؛ منها ما يطير من منطقة قريبة علينا، ومنها ما يتساقط هنا او هناك ولا نعلم أين لأننا لا يمكننا الخروج والتحري، لكن الأخبار غالبا ما تصل ونتيقن من الأضرار والأماكن وعن عدد الضحايا والعوائل التي تضررت وفقدت من أبنائها أو المعيل الوحيد لها، أو عاملا بأجور يومية كان ينتظر من يعجبه منظره وجسمه القوي القادر على تحمل الحرّ والبرد والتعب والإرهاق طوال يوم عمل مضنٍ، هؤلاء الناس البسطاء أصبحوا أيضا أهدافا لشرِّ عمَّ وناراً أتت بل أنها مستمرة بإحراق كل شيء، إنه يا عزيزي طوفان من النار، كتلة هائلة محرقة لا تعرف ما تحرقه أو ما تحطمه أو ما تتركه رمادا سواءَ كان ذلك بشرا أو ممتلكات أو معدات.

هل تتذكر شارع السعدون والمقهى البرازيلي الذي كنا نقضي فيه أوقاتا بريئة نستجمع قوانا بعد يومَ عملٍ متعب أمضيناه في هدف نافع ومنتج لأنفسنا وبلدنا والمجتمع الذي انبثقنا منه، هذا الشارع يا عزيزي أصبح مقفرا مليئا بالحواجز الكونكريتية وواجهات محلاته ليس فيها منظرا لنشتهي الوقوف امامها كما إنها مظلمة بدون إنارة لأن الكهرباء لا تأتي إلا نادرا، والأشرار يجوبون الشارع جيئة وذهابا لرصد هدف دسم وسمين؛ تاجر كبير ... رجل غني ... صاحب محل مملوء ببضاعة ثمينة ... صائغا للذهب ... وأمثال هؤلاء لأن في مثلهم يتوفر الصيد الثمين وبصيدهم والمساومة بمصيرهم يتم الحصول على أموال طائلة، ويا ليتهم يصرفونها على أولادهم وعلى التربية أو التثقيف أو لخدمة المجتمع أو حتى لطرد المحتلين. لأن هذا مالٌ حرام تم أخذه دون رضى صاحبه فلا يستمر في جيوب الذين يحصلون عليه وإنما يتم إنفاقه على الملّذات وبطريق حرام تماما بنفس الأسلوب الذي تم الحصول عليه.

فما الذي أكتبه لك عن هؤلاء وعن قصص لضحاياهم، هل تعلم ان الكثيرين أُجبروا على أيقاف تعليم اولادهم وحبسهم في البيوت لأن آبائهم ميسورين وإن لم يستطع الأشرار خطف الوالد فإنهم يبحثون عن الأبناء!!! هل تعلم أن الشر دخل حتى أروقة الجامعة وحتى صناديق الطلبة تلك التي يستخدمونها لحفظ كتب أو لوازم دراسية لم تسلم من الشر واستخدمت لنشر ثقافة القتل والدمار فطلاب كلية طب الأسنان يصرخون مستفسرين عن الذنب الذي اقترفوه ليفقدوا عدد من زملائهم في وضح النهار وهم يهمون بفتح هذه الصناديق لأخذ حاجياتهم منها!!!

وماذا بعد يا عزيزي لأنك تريدني كما حدثتني بأنك ترغب بالاطلاع على المزيد وبالتفاصيل، لكنني أرجو منك المعذرة لأنني لن أذكر لك الأسماء حتى لا أثير شجون اهلهم أو بالحقيقة ما تبقى منهم، لأن صوت العويل والبكاء تسمعه بوضوح بعد كل رشقة قوية من الرصاص الذي يحصد دون هدف وحتى لو كان الهدف محدد مسبقا فذنبه انه كان يطبق الأوامر الصادرة إليه من رئاسته التي يعمل تحت أمرتها.

فأنت كنت معي عندما كان بلدنا مبتليا بالحروب وبأشباه حروب، وكنت تعلم كيف أن المفارز الخاصة كانت تقف في طريق من يحاول الانسحاب وترتيب وضعه أبان المعارك الضارية، فمن لم يمت في القتال كان مصيره الاعدام في الساحات الخلفية، فما ذنب هؤلاء لكي يكونوا اليوم أهدافا أيضا يتم تصفيتهم لأنهم شاركوا في قتال هذه الدولة أو تلك؟ في حرب الشمال أو بعد هزيمة الكويت، إنها المأساة التي ابتلينا بها، ففي كل الأحوال الموت هو المصير المحتوم وأنت كنت تعلم أن السلطة في حينها لم تكن ترحم أحد، وكم كنا نناقش الوضع وبصوت خافت مخافة أن يسمع نقاشنا احد وكنا دائما نستنتج أن الحالة ميئوس منها لأن النتائج واحدة دائما.

وعندما كنتَ بعيدا عني واستبشرنا خيرا بحدوث التغيير وأن الثقل قد تم أزاحته عن صدور العراقيين، وكما تبادلنا الحديث بعد البركان الذي عصف بالعراق بعد ربيع 2003، ولازلتُ أذكر اللحظات التي اتصلت بك ... حينها غلبتنا الدموع لأنك لم تكن متيقنا أنك ستسمع صوتي مجددا خاصة بعد أن كنت تشاهد ما يجري عندنا ... وهل تتذكر أن الدموع والعبرات خنقت صوتينا وأجهشنا في البكاء ونحن نحمد الله أننا خرجنا بالسلامة من هول المأساة مما يعني أن مازال في العمر بقية.

هل تتذكر كم تحدثنا بعد ذلك عن الأحلام والمشاريع التي نحملها في عقولنا وذواتنا لكي نحقق الأحلام التي بقيت حبيسة في صدورنا ولكنها لم ترى النور مطلقا، حينها قلتُ لك لم يعد من سبب كي نتردد ونتقاعس ونجلس لأن العراق أصبح حراً وجيوش العالم قدِمت وأصبح كل شيء مباحا، فعدد الجرائد لا يعد ولا يحصى ولا من رقيب أو من مقص يحدد نوع الكتابة واتجاهها، وافتهمنا أنها الحرية التي دخلت معتركها ولم تعد الخدمة الإلزامية بعبعا أمامنا يقضي على مخططاتنا قبل تنفيذها.

لكن العراق يا عزيزي والأحلام فيه بقيت أحلاما مكبوتة ويصعب أخراجها من الصدور إلى عالم الحقيقة، فقد لجأت السلطات إلى بناء الجدران الفاصلة ما بين حي وآخر، سنصبح عبارة عن كنتونات صغيرة محاصرة ويسهل لمن يريد الانتقام منا أرسال عدد من القذائف لكي يحصد ما يشتهيه من عدد لأننا سنكون محاصرين بالجدران الجديدة، وإلى أن تسنح لي الفرصة سأكتب لك مجددا وأرجو أن لا تسكت لأنك تعيش في مكان يحضى بالحرية والأمان وأرجو أن ترفع صوتك عاليا لأننا هنا في طريقنا إلى الفناء وتقبل تحيات أخيك.


1  أيار 2007

صديقك عبدالله النوفلي




187
نتائج التخبط القومي
ليس بمستغرب ما نواجهه في عراق اليوم أبدا، فنحن لا نستطيع المواجهة ونهرب من أقل خطر يواجهنا مهما كان بسيطا وأحيانا حتى وهميا ولا نتشبث في المكان الذي يضمنا مع الآخرين بل سرعان ما نجمع الأثمن والضروريات بعلاليق بسيطة لنبتعد عن الشر عملا بالقول المأثور (أبتعد عن الشر وغنيلو)، لكن هذا رغم فوائده الآنية بالحصول على السلامة على حساب الأموال والممتلكات لكنه يلحق بنا خسائر جمّة لا تعد ولا تحصى على المستوى الشخصي .. المادي .. السياسي وأيضا الديني.
إن ما نقوم به هو تخبط ليس إلا، فنجد الأقوام التي نعيش معها في هذا الوطن حتى لو تعرض أحد أبنائها للقتل فإنها تبقى صامدة وتستمر بالمقاومة والتعايش مع الوضع الجديد ومن يضربهم على خدهم الأيسر يردون مقابله الصاع صاعين وزيادة بحيث يُدخلون الرهبة في قلوب من يضمر لهم الشرّ ليعيد حساباته عند محاولته ثانيةً أيذاء هذه الشريحة، واليوم بسهولة جدا يمكن أصدار التهديدات بالقتل أو بتغيير المعتقد أو بمغادرة المنازل أو ... لأن الكومبيوتر موجود والطابعات متيسرة وممكن ان نطبع التهديد وبنسخ عديدة وما علينا سوى رميه في الحديقة للدار المعني أو وضعه على بابه أو رشه بالصبغ كون صاحب البيت أرهابي إلى ما هنالك من التهديدات التي نراها بأم أعيننا يوميا هنا وهناك، والغالبية تصمد وتتحسب للطواريء ومن يحاول أيذائها تقص يده وتردعه لكي تستمر الحياة لكن طبعا دائما يوجد خسائر، أما نحن فقبل أن تشرق الشمس تجدنا قد رحلنا وحتى نخاف الوصول إلى ذات المنطقة لاحقا!!!
والطامة الكبرى بأن العديد من رجال الدين حذوا حذوَ ذات النهج وفروا بجلدهم والسبب دائما هو واحد، دون ان يفكروا أنهم رعاة وتحت مسؤوليتهم رعية بحاجة لرعاية، وأنهم نذروا أنفسهم من أجل رعيتهم كما قال ربنا أنا الراعي الصالح ... والراعي الصالح يسهر على قطيعه ويحميه ويدافع عنه شر الذئاب المفترسة، حتى لو أعطى ذاته عن احبائه فهذه هي الخدمة وهذا هو الصليب الذي يجب على رجال الدين حمله والسير في طريق الجلجلة التي هي اليوم في العراق مشرعة وتستقبل الضحايا باستمرار، وبهروب الرعاة تبقى الرعية عرضة لنهش الذئاب المفترسة، وحتما تتعرض للتبدد.
فها قد خسرنا مبنى كلية بابل للفلسفة واللاهوت، ومبنى المعهد الكهنوتي مرشح هو أيضا ومعه كنيسة الرسولين في الميكانيك فلم يبقى أثر لرجال الدين هناك فمن يحمي الديار؟ رغم وجود حاليا من يضحي ويستمر بحراسة المعهد لكن وإلى متى؟ اليوم أنهم العلمانيون من يقومون بهذه المهمة ولو سألت الرئاسات الدينية فإن العلماني دوره ثانوي في الكنيسة أمام رجال الدين لكن أين هم اليوم؟
وهذا التخبط قادنا إلى الهجرة ذات اليمين وذات الشمال، فمنهم في الأردن ومنهم في سوريا والآخرون في شمال العراق أو دول عديدة أخرى، ويرقصون هناك ويحتفلون حتى ساعات الصباح الأولى لكن ما هي النتائج بعد ذلك لا يحسبون لذلك مطلقا، فاليوم مثلا خرجت أسماء أعضاء المفوضية العليا للانتخابات من عشرة أشخاص دون وجود مسيحي فيها، وهناك من أعترض واعتبر ذلك غبنا فادحا لحق بنا دون أن يقول هذا لنفسه أن لجنة من عشرة أشخاص لا تتحمل وجود واحد مسيحي فيها لأننا لا نشكل 10% من سكان البلد، وممكن ان نطالب أن يكون لنا موظفون مسيحيون في هذه المفوظية على المستوى الأدنى، وهذا أيضا حدث بسبب تخبطنا وانهزامنا المستمر وتناحرنا العلني والسري وافتراق أهدافنا نحن مسيحيوا العراق، على الاسم القومي وعلى هويتنا القومية وعلى الإيثار بما يخصص لنا من مقاعد، وأنا على ثقة بأن لو تم تخصيص مقعد واحد لنا في هذه المفوضية لكنا قد تناحرنا مع بعض الآشوري مع الكلداني أو السرياني على من سيكون الممثل، وحسنا فعلوا بعدم وضع ممثل لنا كي لا نتقاتل!!!!
إنه التخبط والذي سنرى مثيلا له باستمرار وبمواقع وأماكن أخرى قد لا تخطر على بالنا اليوم، لكن واقعنا سيرينا ما سيحدث في المستقبل وحتى القريب منه، فمسيحيوا الدورة يهجّرون ولنا ممثلون في البرلمان ولم ينبس أحدهم ببنت شفة لكي يستنكر هذا، ومحاولات دفع آخرين لترك دينهم والتحول إلى ديانة أخرى ولا من يستنكر، وحتى الغرباء طلبوا أن يلقوا ببيانات بالنيابة عنا في البرلمان لكن ممثلونا لم يتحركوا ساكنا والطامة هنا إن كلفنا غريبا ينتمي للفئة (س) بإلقاء بيان سيقول الطرف (ص) لماذا كلفتهم هذا ولم تكلفوني وتصوروا الموقف!!!
فهنيئا لنا هذه المواقف ولنحصد هذا الحصاد البائس ولنبقى نتصارع هذا كلداني والآخر آشوري وهذا يقصيني والآخر يهمشني حتى تضيع الصاية والصرماية ونصبح هباءا منثورا فمتى نعي الدرس؟
عبدالله النوفلي

188
المنبر الحر / ويسألونك عن المرأة
« في: 13:16 30/04/2007  »
ويسألونك عن المرأة

وقل لهم أنكم تسألونني عن الجمال .. عن العفوية ... عن العذوبة ... وعن الاحساس المرهف ... فالمرأة هي ملهمة الشعراء والفنانين وهي مادة للعاشقين، وهي تبني كما تكون أيضا عاملا للهدم؛ ففيها تجتمع متناقضات كثيرة؛ فالمرأة واحة غنّاء، وهي غابة موحشة، فيها الطيبة وفيها ذات الطباع الشرسة، الحنونة والجافة، وهذا ديدن جميع الناس، لكنك عندما تتحدث عن المرأة يكون الكلام له طعم آخر.
فهي الطفلة المدللة وهي المراهقة والحبيبة المرهفة الحسّ وهي الزوجة الفاضلة والأم الحنونة ذات القلب الذي يعطي بلا حدود والتي جعل الله الجنة تحت أقدامها وهي الشيخة المسّنة التي تنضح منها الخبرة والتجربة لتكون معينا للآخرين ولا تُقدر خبرتها بثمن، وفي كل الأخاديد التي يحفرها الزمن في وجهها يكون فيها موضعا للخبرة والمعرفة.
فالمراة نصف المجتمع، وهي التي تتحمل المسؤولية مع زوجها على قدم وساق؛ في الضيق ترفع الهمم وتُقوّي العزائم وتشمر عن سواعدها وتعمل مع زوجها وأخيها في البناء أو الزراعة، في الوظيفة أيٍ كان نوعها وشكلها؛ طبيبة أو مهندسة .. محامية أو في القضاء.. في المحاسبة او الادارة .. في التعليم أو الأعمال الحرة، فهي في كل مكان ولم يعد بالامكان حصرها في زاوية ضيقة وكبت طاقاتها التي زينها الله بها، وشهد لها التاريخ مواقف كثيرة وعلى مستوى جميع الأديان؛ بدءاً من اليهودية مرورا بالمسيحية وانتهاءا بالإسلام، حيث كانت المرأة تقاتل جنبا إلى جنب الرجل وتقوم بأعمال التمريض للجرحى وتداوي جراحاتهم أي انها كانت في كل مكان حتى في ميدان الحرب.
وعندما نتحدث عن المراة لا نقصد أبراز دورها وطمس دور الرجل، كلا، بل لأن مفاهيماً كثيرة تتحدث عن المرأة كونها المخلوق الضعيف .. الجنس اللطيف .. الجنس الناعم .. وبأسلوب يجعلنا نخاف الاعتماد عليها أو نتردد على أقل تقدير خاصة ونحن نرى حتى العقلاء يتحدثون في هذا الاتجاه!!! بحيث نجد في بعض الدول الخوف حتى من ظهور المرأة على شاشات التلفاز!!! وكأن لو رأينا وجها لامرأة في الشاشة سننال من كرامة تلك المرأة ويصاب شرفها بثلمة أو يحصل ما يعيبها، وكأن الشهوة الجنسية لدى الرجل وأطفاء جذوتها لا يتم إلا من خلال اسدال الستار على المرأة وحصرها خلف الكواليس كي يستطيع الرجل كبح جماح غرائزه!!!
أليست هذه مفارقة تستوجب أن نقف عندها؟ فإن كان الخلل في الرجل فلماذا إذاً يلجأ إلى المرأة كي يتم أصلاح الخلل ولا يحاول أصلاح ذاته وتقويم الخلل بتربيته التي ورثها ربما ممن سبقوه؛ ألا وهي أن المرأة ليست سوى مستودعا للغرائز والإثارة؛ بدءا من شعر رأسها ووجهها وكل تقاطيع جسدها الذي لا يختلف كثيرا عن جسد الرجل إلا بما رأى الله فيها من ضرورات للأمومة والزوجة، فلماذا يحق للرياضي أن يظهر بملابس الرياضة التي تبرز مفاتن جسمه على الشاشات وفي الملاعب، ويكون ذات الأمر مرفوضا بالنسبة للمراة؟ خاصة وأن التلفزيون يدخل كل البيوت!!! فهل مشاهدة المرأة للرجل الرياضي بملابس الرياضة سواء بكرة القدم أو المصارعة أو غيرها من الألعاب لا يثير غرائزها؟ أم إن غرائز الرجل هي وحدها التي تتحرك عندما يرى النساء من الرياضيات وهنَّ يمارسن الرياضة؟
إن المرأة هي ذاتها: البنت .. المراهقة .. الشابة .. الزوجة .. الأم، وهي أيضا الأخت التي يستوجب علينا صونها وأبعاد الأذى عنها وأعطائها من الثقة ما يمكنها من القيام بجميع ما ينبغي على الإنسان القيام به سواء في البيت أو العمل أو أي مكان آخر.
فإن تحدثتُ عن المراة تحدثتُ عن الإنسانة المساوية للرجل والتي تحاورني وتناقشني وتقنعني أو أقنعها في العلم والعمل والحب أيضا لأن الحياة هي هكذا والله خلق العالم من ذكر وأنثى ليتكاثرا وينتشرا في الأرض لا أن يسيطر أحدهما على الآخر وقيل أن الله خلق المرأة من جنب الرجل كي تبقى إلى جنبه دوما أي لا أمامه ولا خلفه، فهل نعي هذه الحكمة ولكن يبقى الحديث عن المرأة دوما لذيذا.


عبدالله هرمز النوفلي

189
تللسقف البلدة الضحية


برز أسم هذه البلدة المسيحية مؤخرا وبالتحديد يوم 23 نيسان 2007 كونها دخلت وربما لأول مرة بهذه القوة في مسلسل العنف العراقي أو العنف الذي يعصف بالعراق لتكون بأرضها قد أضافت مساحة جديدة لتحرك الإرهابيين رغم كل الجهود المبذولة لمحاربتهم لكنهم قادرون على توسيع رقعة تحركهم واختيار الأهداف الدسمة بحرية وسهولة رغم أنف عشرات السيطرات الرسمية ومنها الكردية والمزروعة على طول الطريق من الموصل صعودا نحو الشمال.

والبلدة التي نمت وكبرت بعد الاستقرار النسبي الذي شهدته المنطقة وجنوحها نحو التطور الثقافي والاجتماعي وتوفر الخدمات النسبية فيها الأمر الذي جعل منها مركزا تجاريا جعلها تتجاوز حتى أهمية قضاء تلكيف واستقطبت مجاميع كبيرة من العوائل التي وجدت فيها ملاذا آمنا مما جعلها هدفا لمن ينشد الاستقرار وخاصة من اهالي البصرة مرورا ببغداد والموصل وليس من أبنائها بل من ذوي الأصول في القرى المجاورة لها خصوصا حيث اختاروها للسكن وجعلوا منها منطلقا للعمل والاستقرار، وكان الزائر لها يجد بلدة تنبض بالحياة وتعج بالمتبضعين؛ بينهم من ألقوش أو قرى الإيزيديين أو من باقوفة أو باطنايا وحتى تلكيف.

وزائرها كان يجد جميع ما يحتاجه بدءا من الدواء مرورا بالمأكل والمشرب وحتى الذهب والملابس الحديثة أو التقليدية، حيث أنها أصبحت بلدة متكاملة وعصرية دخلتها أنظمة الانترنيت ومقاهيها، أصبح فيها ورشٍ صناعية، ومحالٍ تجارية؛ مارس اهلها أضافة للزراعة المهنة التاريخية المتوارثة نتيجة امتلاكها أرضا زراعية خصبة، مهناً وأعملا جديدة تواكب التطور العلمي والصناعي والتجاري، خاصة بعد زيادة عدد سكانها نتيجة التوافد عليها بسبب الأوضاع المضطربة في أرجاء العراق الأخرى.

لكن كيف يرضى الأشرار عن وجود بقعة آمنة والطرق إليها سالكة والأضواء فيها متوهجة وأهلها مطمئنون ويمارسون أعمالهم ويحصلون على أرزاقهم بما يرضي الله والإنسانية، ويتبادلون المصالح والثقافات ويرفدون الإنسانية بالجهود الجبارة مساهمين في البناء والتقدم؟ فلابد للجميع أن يعطي ضريبة الدم، ولابد للبيوت أن تتصدع لأن خفافيش الظلام يجب ان تجد لها ملاذا مظلما تسكن فيه؛ هي هذه الشقوق التي تحصل نتيجة الأعمال الإجرامية، وهذه لن تحصل إذا كان البناء محكما ولن يكون مكانا لها كي تسكن وتمارس أعمالها الشريرة ويكون العراء ملاذا تبقى فيه وهي لا ترغب بذلك ولا يخدم أعمالها الشريرة فتذهب نحو الزوال والانقراض.

فكشّر مصاصوا الدماء عن انيابهم ووجدوا هدفهم الدسم الذي يعج بالطفولة البريئة وبالمدارس العديدة التي ينتظم فيها الطلبة كي ينهلوا من العلم ويزدادوا معرفة وثقافة، وشعبا آمنا ملتفتا نحو البناء والعمل الشريف، والهدف المعلن هو مقر لحزب كردي في بلدة شمال الموصل، هكذا أوردته وكالات الأنباء ولم تكلف نفسها عناءا حتى عن ذكر اسم البلدة!!! ولا أدري ضرورات وجود مثل هكذا مقر في تلك البلدة وموقعه الذي يقابل ديرا للراهبات وحتى من يزور الدير كان يجد صعوبة لركن سيارته لأن حراس المقر كانوا لا يوافقون على ركن السيارة قريبة من مدخل مقرهم!!! لكن هؤلاء نسوا ان من يذهب عند الراهبات يكون إنسانا مسالما لا يقصد شرا ولا ينوي عليه، بل من ينوي على الشر يأتي مباشرة ويقتحم الحراسات وينفذ فعلته تماما كما حصل.

فهذه البلدة حسب الجغرافيا والمتعارف عليه هي خارج منطقة كردستان المعروفة وشعبها كلداني صرف كما هو الحال عليه في باقوفة أو باطنايا أو ألقوش، ولم يدخل هذه القرى أي غريب وبقيت محافظةً على تقاليدها الموروثة ونسيجها الاجتماعي الجميل بحيث مازال الجميع يمتنع عن مزاولة عمله المعتاد أيام الأحاد والأعياد والمناسبات الدينية، وما أجمل هذا التصرف!!!

هذا هو بالضبط ما لا يريده الأشرار، وهذا هو ما دفع ثمنا له أبناء تللسقف البررة من دمائهم الزكية ودخلت بلدتهم أسما جديدا في مواقع يضرب فيها الإرهاب، وهذا أيضا ما كنا في مناسبات كثيرة نحذر من وقوعه نتيجة المحاولة التي يريد لها البعض بالانحياز إلى طرف عراقي دون آخر، فسهل نينوى له خصوصية فريدة وموقعه الجغرافي وعلاقاته الانسانية مع الأقوام الأخرى التي تسكنه بنيت وانتعشت ليس اليوم بل منذ مئات السنين، يتبادلون المصالح والمشاعر بحيث يجعل أمر تغييرها نتيجة ما يمر به العراق اليوم أمرا في غاية الصعوبة، فعندما كانت جميع العلاقات والروابط مع المحيط العربي وكانت الموصل قبلة للطلبة والتجار والفلاحين وغيرهم، لا يمكن اليوم أن تقطع كل هذه الأواصر وتحولها باتجاه دهوك أو أربيل مثلا، حتى لو كان من بين أسباب هذا التحول الاستقرار الأمني في المناطق الجديدة، لكن الأمر لا يمكن أن يحدث بين ليلة وضحاها، وعلى الجميع أن يعي سواء كانوا من العرب المحيطون بهذه البلدات أو من الأكراد الذين يرغبون بمد الجسور لروابط أنسانية مع شعب هذه المنطقة، أن التغيير المفاجيء يحدث ضررا بالغا لأن أي تغيير بحاجة إلى تهيئة أرضية ملائمة له، وإن كانت كردستان آمنة اليوم لا يعني أن الإنسان بحاجة فقط إلى أمان وليس غيره، وكما كتبنا في مقال سابق حول الأمن والخبز والحياة، فكما قال السيد المسيح له المجد أن ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان وقلنا نستطيع أن نقول ليس بالأمن وحده يحيا الإنسان لوجود ضرورات كثيرة للحياة علينا مراعاتها والعمل للحصول عليها حتى تستمر حياة الإنسان على خير ما يرام.

إن تللسقف وواقعتها تدعونا اليوم أن نقف ونفكر مليا بالخطوات اللاحقة وما علينا فعله لتقرير مصير هذه المنطقة وأين يتوجه المؤشر، وعلينا أن لا نكون وديعين مسالمين لكل زائر أو قادم أو متوطن فيها ويجب أن نسأل القادم ونعرف هدفه ولماذا اختار هذه المنطقة، كي لا نصل يوما إلى واقع يكون التغيير الديمغرافي قد حصل في المنطقة دون أن نعي الخطورة لذلك، وحتى لا نضطر يوما لكي ننأى بأنفسنا ونبحث عن الأمان خارج أرضنا وأحضان أهلنا وموقعنا التاريخي الأصيل، وكي لا تبقى تللسقف وما يجاورها يوما أطلالا يقال أنها كانت يوما قرى مسيحية، كما هو حال كنيسة كوخي ودير الأقيصر وغيرها من البلدات التي كانت تعج يوما بالعشرات من الأديرة والكنائس.

وإن خسرنا اليوم عددا محدودا من أبناء البلدة لربما تكون هذه الدماء مناسبة لكي يصحى ضمير البعض ويفهم أن سياساته خاطئة وتجر المنطقة إلى ويلات لا أحد يمكن أن يتكهن بالمآسي التي ستحدثها، فاليوم وجدنا شعبنا المسيحي الكلداني السرياني الآشوري (سورايي) قد هبوا للاستنكار ومؤاساة أبناء البلدة للمصاب سيكون المصاب بعد حين أقوى وكلٌ يلتهي بمصابه ولا نجد من يؤاسي غيره لعدم وجود المجال لأن السياسات خاطئة والأهداف مجهولة ومن يتحكم بالمقدرات في المنطقة غريب.

إنه درس رغم قساوته علينا أن نراجع النفس كي لا نلدغ من جحر مرتين ولا نعود لأخذه مجددا ونعطي قرابين جديدة على مذبح الحرية ولغرض أشباع رغبات زيد أو عبيد، ونأمل ان تكون الرسالة قد وصلت والدرس تم فهمه ورحم الله كل من طالته الأيدي الجبانة ودم الجرحى نتمنى أن يجف سريعا وتندمل جرحاتهم بسرعة لكي يعودوا سالمين معافين يخدمون مسيرتهم الحياتية المعتادة.

عبدالله هرمز النوفلي


190
المنبر الحر / لعبة الأقدار
« في: 23:46 24/04/2007  »
لعبة الأقدار
عندما يحدث أمر ما ويتسبب بسوء للإنسان، غالبا ما يتبادر إلى الأذهان أن الحادث كان قضاءا وقدرا، وبدرجة خاصة عندما يعجز الذهن واللسان عن تبرير سبب حدوث حدثٍ ما وقع له ويستسلم للحل الذي لا مفر منه ألا وهو (القضاء والقدر) أي قضاء الله وقدر الإنسان، لكن هذا القضاء في أحيان كثيرة نكون نحن من يتسبب به ونُحدثه لأنفسنا لجهل معين إما بنوعية الطريق إن كنا نسير في الطرقات ويحدث عطلا ما بالسيارة مثلا أو بما يجري خلف المنعطف ليصيبنا مكروه، أو نتيجة جهل باستخدام آلة ما أو نقص بالمعرفة إلى غير ذلك من الأسباب التي كلها تدخل مرحلة الغيب المستور أي ليس مكشوف لنا.
لكن أيضا عند وقوع هذا الحادث للإنسان فإن تفاسيره تختلف حوله من واحد لآخر؛ فالمؤمن يحسبه قضاء الله الذي لا مفر منه، أو حكمة إلهية دفعت ما كان أعظم، أو تأديب لنا لزلة صدرت عنا حتى نرعوي ولا نتمادى ونسير كما تريد الإرادة الإلهية للإنسان، بينا الإنسان الآخر والذي يفسر الأمور بواقعية مادية، فإنه يميل لتفسير ما حدث للأمور المادية، عطل ميكانيكي ... سوء تنظيم المرور ... جهل في قراءة الأحداث ... سوء في التقدير ... أهمال للصحة وعدم اتباع وسائل الوقاية ... ألخ.
مع ذلك تبقى حالات كثيرة يبقى الإنسان حائرا أمامها ولا يجد لها حلا نهائيا يرتاح باله حتى لا يقع في ذات المشكلة مرة ثانية خاصة والحكيم قال: لا يُلدغ المؤمن من جحر مرتين!!! لكننا اليوم إزاء جحور مختلفة الأشكال والألوان قد لا نستطيع تمييزها أو لديها القدرة على التخفي والتلون والتمويه لتصطاد ضحاياها، تماما كالفايروس الذي يتكيف مع الدواء وتصبح لديه المناعة ضده ولا يتأذى من أخذ الدواء حيث يجبر هذا الوضع الإنسان كي يبحث عن دواء بديل، هكذا الشر المحيط بنا يتفنن أيضا ليحصّن نفسه أمام طرق الوقاية التي يوفرها القانون للحد من الجريمة، ليبحث المجرمون طرقا وفنونا جديدة يبتعدون بواسطتها من سلطة القانون ليستمروا بعملهم الذي يُلحق الأذى لغيرهم، ونحن عندما نعجز عن تشخيص الخلل نعود للتمسك بلعبة الأقدار لكي نُقنع أنفسنا ونخرج من الموضوع ونستمر في الحياة الطبيعية.
ومن ذلك كله نترك أحداثا ووقائع لا حصر لها خلف ظهرنا دون تفسير مقنع أو محدد ونقيدها ضد مجهول تماما كما تلجأ المحاكم عندما تعجز عن إيجاد السبب، وبالحقيقة لا يوجد هذا المجهول قطعا بل يكون معروفا أقله لنفسه وجماعته ومجهول لجهة العدالة. وهي عبارة عن لعبة مع العدالة وقطعا ليس إلى ما لا نهاية بل إلى حين ويتم كشف التفاصيل واسدال الستار على فترة اللعب ليعود الجميع تحت سلطة القانون وينجلي الأمر ويتم حل كافة ألغاز القضية التي ربما كانت تحير الناس.
وهكذا نجد بما أننا نتحدث عن لعبة فمن المفترض أن يكون لها لاعبين يلعبونها، ولكل لعبة لكي تتم من المفترض وجود فريقين على الأقل ليتحدد الفائز منهما، وهنا نحن بصدد لعبة الأقدار التي ينتج عنها ضحايا وأحيانا تكون مأساوية ومؤلمة، ولكي نتجنب المجهول وننأى بأنفسنا عن الدخول في هذه اللعبة، ما علينا سوى الابتعاد عن مسألة الاحتمالات غير المحسوبة وسبر أغوار المجهول والتأني في جميع مجالات الحياة لتأتي النتائج والحسابات مطابقة مع حسابات البيدر، لكن ما كل ما يشتهيه المرء يدركه، لأننا قد نقع ضحية لخطأ غيرنا وندخل حينها في لعبة الأقدار التي نتمنى للجميع أن لا يكونوا من ضحاياها.
6 كانون الثاني 2007
عبدالله النوفلي

191
العراق والولادة المتعسرة للحياة
نجد من خلال وجودنا في هذا العالم المترامي الأطراف بلدانا كثيرة تسير الحياة فيها بيسر وسهولة وتكون مضمونة لكافة الأفراد على الأقل بالحد الأدنى الضروري للعيش وبضمان صحي ضد الأمراض وأمن مستقر وكرامة للعيش وحرية في التعبير إلى غير ذلك من الأمور وحتى بأبسطها أو بأعقدها كي تتوفر الفرصة للجميع ليقدموا أبداعاتهم وبالنتيجة يخدموا بلدهم ويزيدون من تقدمه ومن أزدهاره، الأمر الذي ينعكس على تقدم وازدهار الشعب في تلك البلدان.
والعراق كسائر بلدان الدنيا بشعبه المتعدد المذاهب والأعراق والمتميز أيضا بوجود طوائف وأديان كثيرة يجعل منه نسيجا متنوعا وممتعا للراغب في العيش واستكشاف الآخرين والتعرف على عاداتهم وتقاليدهم ومعتقداتهم ومنها ما يعود إلى ديانات ما بين النهرين القديمة التي كانت لأجدادنا قديما وعلى هذه الأرض التي باركها الله باختياره أحد أبنائها ليكون رائدا لرسالة الله على الأرض؛ أبراهيم خليله الذي أصبح بحق أبو الأنبياء ويبجله ويحترمه الكل ومن أتباع كل الأديان.
والحياة في ظل هذا الواقع يفترض أن تكون حياة ممتعة لوجود هذا النسيج المتنوع الذي يخلق حالة من التنافس فيما بين مكوناته لتتكون في المحصلة الشعلة الوهاجة من النشاط على مختلف الأصعدة الدينية والاجتماعية والعملية، أقله من أجل أثبات الذات وتحقيقها أمام هذا وذاك من المكونات الأخرى.
لكن وفي كل زمان ومكان لا تسير الأمور هكذا وبصورة طبيعية لوجود الشر إلى جانب الخير يترعرعان معا ويعملان كل باتجاه مختلف، حتى اعتقد البعض بوجود إلهين مختلفين!!! أحدهما للخير والآخر للشر، لكن في الحقيقة إن هذا الأخير موجود فينا نحن البشر لأن الله الحقيقي هو إله الخير والمحبة فقط ولا يريد للإنسان غير ذلك ويباركه ويقويه من خلال ما وفّر له من مقومات العيش والعمل والإبداع، لكن الإنسان بطموحه الجامح أحيانا يعمل على تفكيك القواعد الدينية والاجتماعية التي تنظم الحياة العامة في سبيل النفاذ نحو الأنانية والكسب غير المشروع حتى إن اقتضى الأمر ممارسة الجريمة وخنق حرية الآخرين واستغلالهم بأبشع صورة وصولا إلى القتل والإرهاب والعنف المنظم.
وهذا قد يكون ما تعانيه الحياة والولادة المتعسرة لها في العراق. خاصة بعد سقوط دولة القانون بغض النظر عن شكل وهيئة تلك الدولة ومنها انتقالنا إلى دولة تعيش فترة انتقالية تشوبها الفوضى وعدم وضوح الأهداف والصراعات المريرة بين القوى المختلفة للإيثار بأكبر قدر ممكن من المكتسبات رغم كون البعض من هذه القوى محسوبة على أسماء محترمة أو تعمل تحت مسميات يحترمها الشارع ويقدسها، الأمر الذي يفترض أنها تحمل مباديء وقيم سامية، كما نجد رجال دين بلباسهم الجميل يتواجدون بين حنايا السلطة التشريعية أي من المفترض أن تقوم هذه بتطبيق المباديء السماوية والتعاليم العظيمة التي هي في الوقت ذاته تعاليم الكتب المقدسة.
ومع كل ذلك نجد أن الحياة في العراق تُستباح والدم يسيل في كل مكان والقانون تائه بل ضائع ولا نجد من يكلف نفسه عناء البحث عنه وتطبيقه على الجميع لكي يبدأ الجانب الصحيح في الحياة بالإزدهار وينحسر الجانب الشاذ المتمثل بالعنف والقتل والإرهاب. فأي خطوة باتجاه تطبيق القانون تعني تراجع العنف خطوة إلى الوراء، وأي عمل جدّي نحو مساعدة العراقيين للعيش بكرامة تعني تقهقر الشر سريعا والعمل الجدي هذا موجود بالفعل لكن قوى الشر لا زالت تتعاظم والأعلام يلهث لنقل أخبار الشر دون أن يلتفت نحو ومضات الخير التي تلمع هنا وهناك، فنجد أن قانون الرعاية الاجتماعية الذي لا يترك محتاجا دون أعالته قد بدأ العمل به واستفادت منه الآلاف من العوائل دون أن تلتفت أجهزة الأعلام وترصد فرح تلك العوائل، فذلك أمر يؤدي إلى خنق الفرحة في الصدور لأننا ننقل أخبار العنف ونساهم في أدخال الحزن إلى قلوب الناس ونجعل من ولادة الحياة الجديدة في العراق متعسرة جدا.
فهل ننتبه إلى ذلك ونجمع حزم الضوء نحو خطوات الأمل الجديد للعراق المزدهر أم نبقى نسير بالاتجاه الخاطيء نحو وأد الحياة ومن دون أدنى شك ما علينا سوى أن نختار الخيار الأول لأنه وحده الذي يسهل الولادة والوصول إلى الحياة الحرة والكريمة.
5 كانون الثاني 2007
عبدالله النوفلي

192
رسالة من تحت الأنقاض
كثيرين مارسوا الكتابة وحاولوا أيصال الحقائق للآخرين وخاصة نحن في زمن صعب ومليء بمالتغيرات والأحداث الجسام، وهكذا فكرت أنا أيضا أيها العزيز الساكن في قلبي وإن كنت بعيدا عني ولا تسمع الأنين الذي يصدر من صدري والآهات التي تنطلق من حنجرتي ولا تشاهد علامات التعجب التي تبرز في وجهي وكيف يمتلي جبيني من الخطوط وتجحظ عيناني وأنا أشاهد وأسمع لما يجري من حولي من دم يراق ومال مباح وعرض يستباح وفوضى عارمة تعصف بكل شيء وما من مستجيب للاستغاثة التي تصدر من مغلوب ولا من يرفع الظلم عن المظلوم ولا نجد من يهرع للمساعدة وتقديم العون.
إنه يا عزيزي زمن ليس كباقي الأزمنة ووقت لا يشبهه وقت آخر، فكيف لي أن أوصل لك التفاصيل وأنا عاجز من الوصول إلى الحقيقة وسط هذا الكم الهائل من الأحداث في كل لحظة ودقيقة، لأنني أجد الموت متربصا بكل شيء ويحاول أن يخنق كل شيء وخاصة في عيون الأطفال لأن البراءة أصبحت هدفا وغير محببة في زمن العنف هذا، وأيضا أقول لك أن المعالم التي تميز عاصمتنا أصبحت هدفا آخر بغية أزالتها، وهل تتذكر كم كنا نتجول في الأزقة الضيقة لشارع المتنبي بحثا عن كتاب قديم ومؤلف نادر أو قصيدة لشاعر نستعين بها كي نغازل محبوبتنا، هذه الأزقة أصبحت هدفا هي الأخرى، والأوراق التي تتضمن لوعة العشاق وفكر المفكرين تم بعثرتها تحت الأقدام ولوثتها مياه الإطفاء وضاع كل شيء هناك وتمزقت الكتب وتبعثرت الرفوف وكأني بزمن لهولاكو جديد وعدو للعلم والمعرفة وناصر للأمية ينتقم من المستنصرية ومن المتنبي وأبي تمام، وكم من مرة سرقت عصا عبد المحسن الكاضمي، هذا العكاز الذي كان يتكيء عليه وهو يلقي بأشعاره في بغداد الثقافة والشعر.
وليس هذا كل شيء أيها العزيز فحتى الجسر الذي عبرنا عليه مرارا ونحن نراقب الغروب ونستلهم الطبيعة في غدنا الذي يفوح بالأمل ونحن نسترق النظرات من خلال مشبك حديدي مرتب بنسق جميل وفي لحظة هوجاء سقط كل هذا وأصبح الحديد المنسق الجميل عبارة عن خردة لا تفيد شيء ولا تسر أي صديق فقد تقطعت أوصال الجسر وتوقفتُ عن المرور والتمتع بالمناظر التي كنا نشاهدها معا، وأصبحت الرصافة بعيدة جدا عن الكرخ وعادت كما بناها المنصور معزولة في هذا الجانب ومن يريد العبور عليه البحث عن جسور أخرى!!!
إنها البلوة الجديد يا صديقي التي ابتلينا بها ولا أمل يلوح في الأفق، فشوارعنا أصبحت مقفرة وسلطة المرور تصرّ على السير وفق نظام الفردي والزوجي، والموت لا يفرق بين هذا أو ذاك ولا أحد يسأل من يغتالهم عن الهوية أو المذهب، فالجميع مستهدفون ولا فرق بين عمر أو علي، بين جورج أو خوشناو أو خديدة، الجميع أصبح وقودا جاهزا وضحية محتملة لحادث جديد، وما أكثرها.
عزيزي أطلب منك أن تصرخ بعالي الصوت لكي تسمع من به صمم، أن شعبك في العراق يموت يوميا بالعشرات،  والوطن يقوده الغرباء والعلماء يدارون من قبل الأغبياء، وبيوت العبادة مرتعا للصوص، والحكماء انزووا جانبا والعقلاء محاربون، والأمناء يغتالون، والصادقين يكذّبون، والمال والعرض جميعهم غير مصانون، فإلى متى تسكت يا عزيزي وأنت ساكن في السويد وصديقنا الآخر يتمتع بمناضر شلالات نياكارا، وثالثنا الذي يتمشى على أرصفة دار الأوبرا في سدني، هل تبقى ساعة بغ بن بدقاتها الرنانة تلهيكم عن سماع أنات المظلومين في الصدرية أو الشورجة أو باب الشيخ والفضل، أم أن شارع الشانزيليزيه أكثر متعة ويسلب الألباب عند مقارنته بالمتنبي أو الرشيد في بغداد المنصور، ألا تلاحظون أن دار السلام أصبحت دارا للحرب والدمار، وحتى في شوارعنا لا نسلم ولا نأخذ الحرية في السير، فرتل عسكري يجعلك تتسمر في مكانك خوفا من وابل من الرصاص يقتل الأمل في صدور أصحابها، ودبابة مسرعة عندنا لا يهمها الصعود فوق السيارات بمن فيها فالمهم أن يسلم من في الدبابة ويصبح آمناً.
أطلب منكم جميعا يا أخوتي ان ترفعوا الصوت وتعطون الحرية الكاملة لأقلامكم لكي تمتليء صفحات الجرائد والانترنيت بمعاناة أخوتكم وعذاباتهم، فالديمقراطية المستوردة بدأت تأكل الأخضر ولا تبقي حتى اليابس في طريقها، إنها تشبه بموجة الجراد الصحراوي الذي يهجم على حقول خضراء محملة بسنابل الخير. ولا تقل أيها العزيز أن صديقي لم يكتب لي بالحقيقة الكاملة لأنني مهما كتبت لن أوفي الحقيقة حقها، لكن أريد منك أن تكون شاهدا أنني قد حاولت وبلغت.     
صديقك الذي ينتظر عبدالله النوفلي
    بغداد في 17 نيسان 2007



193
المنبر الحر / أهمية الزمن
« في: 20:00 14/04/2007  »
أهمية الزمن
لنتأمل بهذا الرقم (770 ر 631 ر 192 ر 9)  ونعرف ماهيته، وقد تستغرب عزيزي القاريء من هذا الرقم الكبير الذي يُقرأ بتسعة مليارات ومائة واثنان وتسعون مليونا وستمائة وواحد وثلاثون ألفا وسبعمائة وسبعون!!!! ولكن عندما نعرف أنه لجزء من الثانية سيزداد استغرابنا عن عظمة الإنسان الذي أوصل نفسه لقياس الزمن بهكذا رقم كبير وكجزء من الثانية الواحدة!!! وقد تتساءل ما هي الآلة أو الساعة التي نقيس بها الزمن وبمثل هذه الدقة؟ ولن نطيل عليك عزيزي القاريء لنقول أنها الساعة الإشعاعية أو باسمها الإنكليزي Cesium beam clock  والتي تعمل من خلال امتصاص ذرات معينة من الاشعاع  وتصدرها مجددا لتقيس الزمن بموجبه، وبموجب هذه الآلة استطاع الإنسان قياس عدد مرات كسوف الشمس مثلا من زمن ما قبل الميلاد وحتى بداية الألفية الرابعة للمسيح.
ولكن موضوعنا ليس للتعجب عن عظمة عقل الإنسان والمراحل التي قطعها من التطور بل هو التأمل في عظمة الخالق الذي فعل كل هذا وربما بدقة أكبر مما ذكرناه وجعل من الكون منظومات لا حصر لها وكلها تدور وفق نظام دقيق ولا يحدث أي خلل من جراء ذلك؛ فنجد في أرضنا التي نعيش عليها زمن محدد للصيف وللشتاء، للمطر وللجفاف، لليل وللنهار، ... أليست كل هذه مدعاة لنا لكي نتوقف ونتامل ونسبّح الخالق الذي خلق وأبدع فيما خلق.
وعقلنا البسيط وبإنساننا البسيط نتكلم عن الزمن بلغة بسيطة ونقول "الدهر يومان: يوم لك ويوم عليك" أي أن العقل البسيط يفكر بلغة الأيام والأكثر تعقيدا يبدأ بحساب الساعات والدقائق حتى نصل إلى اللحظة وأجزائها من الثواني ثم جزء الجزء لكي نستغل هذه الومظات البسيطة من الزمن ونرتب أعمالنا وأفكارنا بالدقة المتناهية، ونطالع في سفر الجامعة ما يلي "يقول لنا أن لكل شيء أوان ولكل امر تحت الشمس وقت ... " حتى نصل إلى الدهشة لِما نتوصل إليه من تقدم في حساب الزمن وفيما نخطط له استنادا لهذا التقدم ونناله.
وكتبنا السماوية تتحدث بذات النهج لنجد الكتاب المقدس ينطلق من كلمات "في البدء ... " (تك 1:1)، و "بشارة يسوع المسيح ابن الله بدأت ... "(مر 1:1)، و "ولأن كثيرين من الناس أخذوا يدونون رؤية الأحداث التي جرت بيننا، كما نقلها إلينا الذين كانوا من البدء ..." (لو 1:1-2)، و "في البدء كان الكلمة ..." (يو 1:1)، وإشارات كثيرة نجدها لو تفحصنا جميع الكتب ولجميع الأديان لكانت غزيرة ولا يمكن حصرها لأن ذلك يحتاج إلى بحث متخصص وبمجلدات كثيرة .
وهذه الإشارات ما هي إلا لكي تثير انتباهنا بأننا موجودون ضمن زمن مهم جدا ولا يقدر جزء من الثانية منه بثمن، ويدعونا لكي نبذل قصارى جهدنا لكي نكسب ما يمكن كسبه أثناء مسيرتنا في عمرنا المحدد الذي له بداية ونهاية وخاصة نحن نعرف وقد سجل التاريخ زمن انطلاقتنا في هذه الدنيا ونحن لا نعلم زمن النهاية لكي نخطط لزمن محدد وبهذا حكمة مضافة إلهية أراد الله لنا كما يقول البعض أن نفكر كأننا نعيش أبدا... والمقولة صائبة جدا خاصة إذا لا نجعلها فرصة للتراخي أو لأمل بأن لدينا متسع من الوقت لعمل أشياء كثيرة، ولكن إن فكرنا بتكملة المقولة المذكورة بأننا قد نموت غدا، أو قد تكون هذه اللحظة النهاية وأننا لا نعلم متى يأتي السارق، الأمر الذي يتطلب منا اليقظة والانتباه وأن نصبح عاملين نشيطين بغية كسب المزيد من الثمار وجمع المزيد من الغلات لبيدرنا، فأوان الثمار محدد ولا نجد هذه الثمار دائما في أشجارها، هكذا هي حياتنا فلها زمان محدد وفيه فقط نستطيع أن نعطي الثمار لكي نسبب الفرح في ملكوت السماوات لأننا سننال النعمة من خالقنا فقط إن أدركنا أهمية الزمن وعملنا على استغلاله في النهج الصحيح.
16 شباط 2007
عبدالله النوفلي

194
بيض العيد وسورايي العراق

سورايي العراق شعب بألوان مختلفة؛ منه من يحمل الألوان الكلدانية، وآخر ألوان سريانية وثالث ألوان آشورية ... وجميعها ألوان زاهية وبراقة تماما كما هي ألوان بيض عيد القيامة عندما يبدع الفنانون في تلوينها.

إذا شعب السورايا بألوانه يشبه بيض العيد الحاضر دائما ويتم تداوله صباح العيد، وواقعنا القومي كان يشبه لأول وهلة شعبنا في السابق عندما كان يصبغ هذا البيض بقشور البصل اليابس لتنتج عنه البيض بلون يميل إلى الحمرة القاتمة، وهذا اللون حاول كل أطراف شعبنا أن يطغيه على الجميع وليكون الجميع بتسمية واحدة لأحد الأطراف أو بها مجتمعة (الكلداني السرياني الآشوري)، لكن واقع الحال وأصرار الجميع أوصلنا لنجعل من البيض متعدد الألوان، ونجعله يظهر لمن ينظر إليه ببهاء ورونق جميلين جدا.

والعيد يأتي هذه السنة لتضاف تسمية جديدة إلى التسميات الثلاثة والتي تحاول أن توحد شعبنا أمام جميع شعوب العراق وشعوب العالم الأخرى باسم واحد هو (سورايا) يمكننا ان نسمي به البيض المتعدد الألوان.

إنه مجرد تشبيه من واقع حال شعبنا أردنا به أن نلطّف أجواء القراء ونبعدهم قليلا عن هموم السياسة وتعقيداتها، إنه العيد الذي انتصر فيه المسيح له المجد على الموت وهزمه وجعل من الحجر الكبير الذي كان يسد باب القبر يتدحرج بعيدا، هكذا كلنا يحدونا ذات الأمل أن يكون عيد هذه السنة عيدا للانتصار على واقع الأمة المؤلم، وانتصارا على حالة الانهزام والضياع الذي تعيشه.

فقد حان الوقت لكي:

*** نهزم الهروب

*** نهزم الهجرة

*** نهزم التشرذم

*** نهزم الخوف

*** نهزم التفرقة

وننتصر على جميعها بالتوحد والثبات والفرح الذي ينطلق من المحبة التي يريدنا ربنا يسوع المسيح عليها ونحتفل جميعا بها خاصة وهذه السنة نحتفل بالعيد متحدين، ولنجعل من هذه المناسبة التي لا تتكرر إلا بعد عدد من السنين مناسبة لكي نتوحد نحن أيضا بتسميتنا التي برزت مؤخرا (سورايا) رغم عدم أعجاب البعض بها واعتبارها تسمية دينية وقد تفقدنا التسمية القومية!!! وهي قطعا ليست هكذا لأن المؤتمر الذي أطلقها أكد على احترام التسميات الخاصة لكل الأطراف وتقويتها، هذه المناسبة تجعلنا نطالب الجميع وخصوصا من لم تعجبه التسمية أن يهدينا إلى البديل وطالما لا يوجد البديل فنحن سنبقى نكتب عن الحل الوسط وهو (سورايا).

فمرحى لكم يا سورايي العراق وعيدكم مبارك وكل عام يا ربي تحتفلون معا وأنتم متوحدون بالاسم وبالقلب وبالضمير وبالتوجهات.

عبدالله هرمز النوفلي

بغداد 4 نيسان 2007


195
العراق لا خوف عليه

الكثير منا في هذه الظروف التي يشهدها العراق وفي ظل الأزمة الخانقة التي تعصف بسياسييه وبأبنائه، وفي ضوء عدم وجود فرص في الأفق لغرض لملمة الجراح وتهيئة الأدوية المناسبة للأمراض التي تنخر جسده، لكن مع كل هذا فإن فسحة الأمل موجودة وفرص حقيقية لإظهار معدن العراقيين تلوح في الأفق بل هي ظاهرة للعيان وجلية وتجعلنا لا نخاف على العراق بل نمضي قدما نحو أعلاء اسمه دون خوف على تقطع أوصاله.

 فإن السياسيين الذين يحاولون أظهار بأن العراق مقبل على التقسيم وإن الفدرالية توصلنا نحو تقطيع أوصال العراق، أو أن استحداث أقليم هنا أو هناك سيجعل من العراق ثلاث دول للسنة وللشيعة وللأكراد، فإن هذه الأفكار ما هي إلا وهما في عقول السياسيين فقط، لأن واقع الحال هو غير ذلك.

العراق الذي تمتد جذوره بعيدا في الحضارات، وكان معلما للعالم بأمور كثيرة، واحتضنت سهوله وبواديه بأقوامٍ تسيدوا الدنيا، كما كانت جباله منارا للعالم أجمع، هذا العراق بشعبه ذو المعدن النادر والمتلون بالأعراق والمذاهب، وبالأديان المختلفة، عاش طويلا متناغما وبنسيج نادرا ما نجده لدى دولة واحدة، فهناك لغات عديدة... قوميات مختلفة... أديان الله السماوية الثلاث اجتمعت ردحا طويلا من الزمن على أرضه، كما نجد أيضا أديان أخرى لم ولن يستطيع العالم أن يعرف كنهها إن لم يأتي إلى العراق ويبحث وينقب ويقوم بالإطلاع المباشر على أتباع هذه الديانات ويكون له صورة واضحة ويصل إلى المعرفة التي تبقى نسبية وغير شاملة.

مثل هكذا وطن، ولهذه الحقب من السنين الطويلة رغم أنف كل المتشائمين أقولها بصراحة لا يمكن الخوف عليه ولن يتمزق إنما سيزداد قوة بفضل نهر الدم الذي يجري دون توقف ولسنين طوال والذي يدفع به الآن هو ضريبة توحده وثمن بقائه واحدا موحدا وجبلا شامخا لا تهزه ريح، وقرنا واحدا من الزمان شاهد على هذا هو القرن العشرون الذي كانت فيه حرب الثمان سنوات التي لم تكن سوى دليلا واحدا لوحدة هذا الشعب وتمسكه بأرضه، وليس للعرب هذا وإنما للأكراد أيضا، فما شاهَدَته جبال كردستان من محاولات الغرض منها ترويض أسود الجبال وجعلهم يتحجمون ويصبحون مخذولين خانعين لم تنجح، وهكذا الانتفاضة في عام 1990 التي أعطت الآلاف من الشهداء على عموم رقعة العراق كانت دليلا مضافا بأن هذا الشعب متمسك بأرضه وبوحدته لأن دم الشمال امتزج مع دم الجنوب والوسط.

وبمناسبات كثيرة نرصد لمعان بريق هائل منبثق من وسط ركام العراق الذي يحاولون تحطيمه، فعندما يتغلب المنتخب العراقي تمتليء القلوب بالبهجة، وتظهر العفوية أفعال جميع أطياف أبنائه ابتهاجا وهذا إنما يدل على أننا كلنا أبناء لوطن واحد نحبه ونخاف عليه؛ نتألم لألمه ونفرح لأفراحه، وأخير ما نحن بصدده، كان فوز العراقية الأب شذى حسون وكيف أن العراقيون جميعا من زاخو ودهوك وأربيل والسليمانية وكركوك ونزولا إلى ديالى والرمادي وميسان والناصرية والبصرة ومعهم كل المدن والبلدات من خانقين وحتى الرطبة توحدت وتسارعت لمساندة هذه الشابة لكي تكون في الطليعة في مجال تطلعها، ولم نجد من يقول إن شذى شيعية وأنا سني ولا أشجعها، كما لم نجد من يقول أنها عربية وأنا كردي وأمرها لا يهمني مطلقا، بل من تعايش فرح الشارع في أربيل لحظة أعلان نتيجة فوزها يلمس بوضوح لا لبس فيه أن أبناء الشمال يتفاعلون بشدة مع فرح العراقية هذه وكأنه فرحهم رغم كونها عربية وهم أكراد!!!

إنها مناسبات يا أيها السياسيون عليكم أن تُنموا أفراحها وتستغلوها لكي يرفعوا شأن بلدكم وتتيقنوا أن لا خوف على أية قطعة من أرض العراق إن أصبحت في يد أية طائفة أو قومية لأنها باقية جزءا من أرض العراق، وكركوك أحد الأمثلة، فشعبها لم يتذكر تركمانيته أو عربيته أو كرديته أو أنه من شعب السورايا عندما أعلنت شاشة التلفزيون فوز شذى، بل الجميع عبّر عن بهجته وانطلق رغم الظروف الصعبة ناسيا ما يقوم به السياسيون من اعمال الغرض منها تغيير ديموغرافية المدينة.

ويبقى العراق واحدا عزيزا بشعبه من الأكراد والعرب والسورايا والتركمان والإيزيديين والأرمن والصابئة المندائيين لا يهزمه ريح ولا يقف أمامه أي جبل بل يتسلقه أبنائه ويصلون إلى القمم مهما كانت عالية ويطوعون الحديد بسهولة ويعطون درسا للعالم بالوطنية وحب الوطن، فمرحى لك يا شعب العراق، ولتمضي قدما في لملمة جراحك كي تتعافى سريعا والله سيكون معك فلا تخاف.

عينكاوا ..    31 آذار 2007

عبدالله النوفلي

196
إنسان سهل نينوى ومستقبله

سهل خصب يضم بين حناياه شعب عريق يمتد في الحضارة إلى أعماق التاريخ، الأرض والإنسان فيه يتفاعلان معا حيث كان الإنسان قبل مائة عام يفلح الأرض بطرق بدائية ويستخدم الحيوانات لكي يحرثها خطاً خطاً وكان يقضي الساعات الطوال في هذا العمل المضني منذ خيوط الفجر الأولى وحتى أول الظلام بغية أعداد أرضه أعدادا جيدا لينتظر منها حاصلا وفيرا يفيده باستمرار حياته إلى أن أصبحت الأرض هي كل حياته.

وتدريجيا وبعد تعقيد أوضاع البلد وحدوث المشاكل في هذه المنطقة أو تأثرها فيما يجري من أوضاع حولها وخاصة بأحداث الشمال حيث نزح من أهالي هذه البقعة الآلاف نزولا نحو الجنوب ليجدوا العمل الأسهل والوارد الأوفر.

لكن السهل لم يفرغ من أهله وبقي جزء من أهله بين حناياه وفيا وخاصة بعد تطور الزراعة وتوفر الأدوات والمكائن اللازمة ليصبح موضوع الزراعة أمرا ليس بعسير، ووفر لإنسان يمتهن الفلاحة وقتا مضافا يمكن أن يستغله بأمور مختلفة كالتجارة أو تربية الماشية أو أمور أخرى.

وكان لمنتجات هذا السهل السمعة الطيبة لدى عموم العراق؛ فمثلا (راشي تلكيف) كان علامة فارقة والجميع يبحثون عنه، والجبن المثَوَم ذو النكهة التي لا تجدها في أي جبن آخر، أما البطيخ فكان طعمه رائعا وطعم كل بطيخة يختلف عن طعم الأخرى، وكل ذلك كانت الزراعة تعتمد على مياه الأمطار فقط. وبالمطر كانت الأرض تنتج أنواع كثيرة من البقوليات؛ الحمص والعدس والباقلاء و ... أضافة إلى الحنطة والشعير المحصول الرئيسي في الزراعة، والإنسان بتربيته للحيوانات كان ينتج الصوف واللبن والحليب والجبن وكذلك اللحوم من خلال الأبقار والأغنام الكثيرة العدد التي كانوا يعتنون بها.

وإنسان سهل نينوى وفيٌّ لأرضه ولوطنه ورغم كل ما تعرض له من هجمات بربرية على مرّ التاريخ، لكنه ظلَّ صامداً وواصلَ الحياة إلى يومنا هذا حيث بدأت الهجرة العكسية بعد انقلاب الأوضاع في عموم العراق ليعود جزءاً مهما من أهل هذا السهل إلى قراهم وبلداتهم ومعهم الحِرف التي مارسوها في مناطقهم التي نزحوا منها، ولكن عودتهم واستقرارهم في المنطقة التي تشهد طبيعة شتوية قاسية وهندسة العمران فيها ليست كتلك التي في بغداد مثلا، ولوجود الحيوانات في ذات البيوت التي يسكنها البشر، تجد الأمر صعبا لتأقلم العائدون من المدن إلى الريف والحياة الجديدة المختلفة كليا عما اعتادو إليه.

إن هذا الإنسان العائد لم يعد بذات القوة التي كان عليها في المدينة بل ترك خلفه مقتنياته وترك منزله وأتى هاربا من العنف والقتل ليجد منطقة تركّز فيها شعب أكثر مما تتحمل خاصة في وضع لا توجد أية مشاريع وأعمال تجارية أو صناعية لتستوعب هذا الكم الهائل من البشر، ومع ذلك فهي ليست آمنة تماما لأنها محاطة بمنطقة ملتهبة مع حافات الموصل، حتى يمكننا القول أن شعبنا في هذا السهل هو محاصر ويعيش على ما استطاع جمعه من الغربة السابقة، لكن البعض بدأ بالعمل وخلق فرصا للحياة وللتواصل، لكن البطالة هي ديدن الغالبية والأسعار ملتهبة في كل شيء والموارد كما قلنا محدودة إن لم تكن معدومة.

هذا هو حال إنسان سهل نينوى، ولهذا الإنسان أهلٌ وأقارب قد استقروا في دولٍ عديدة مستقرة ونتيجة ذلك يفكر هؤلاء بصورة صائبة، وبدأوا يتذكرون أهلهم في هذا السهل وشرعوا بالمطالبة بحل سياسي أو جغرافي محدد لهذه المنطقة وبدأوا للأسف من الخطوة الأخيرة ألا وهي (الحكم الذاتي) أو المنطقة الآمنة إلى ما ذلك من التسميات، وتناسوا أن شعبنا لا يمكنه الاستقرار والاستمرار إن لم يكن هنالك مشاريع زراعية أو صناعية أو تجارية تثبِّت هذا الشعب على أرضه وتساعده لكي يتمسك بها لأنها توفر له المورد اللائق لحياة كريمة، فما فائدة حكم ذاتي والشعب لا يجد عملا؟

أليس من الأجدر أولا أن نبدأ بمشاريع صناعية على هذه الأرض ونستغل الإمكانيات المتوفرة وكما ذكرنا في البداية كان لهذه المنطقة منتجات يطلبها الجميع، فلماذا لا نعمل على تطويرها بإدخال أجهزة اصطناعية ونبدأ بمصانع للألبان والأجبان وتصنيع الحبوب، وتصدير الجريش والبرغل والحبية وكذلك البقوليات المعلبة والمشروبات بأنواعها والراشي وغيره كثير... من الأعمال التي لو بدأنا بها لجعلنا العيش في هذا السهل أسهل وأيسر مما هو عليه اليوم، وعملنا في ذات الوقت على استقرار الإنسان فوق أرض آبائه وأجداده. والفرص متوفرة وممكن أن نبدأ بها وبرأسمال ليس كبيرا، فقط شعب هذا السهل بحاجة لدعم ومساهمة المتمكنين كي ينطلق. وباعتقادي أن هذه الخطوة يجب أن تكون الأولى لتليها خطوات سياسية أخرى وبذلك نخلق كيانا معتمدا على ذاته ولا يكون بحاجة لغيره بل الآخرين سيحتاجون له ليتم تبادل المصالح والتعامل مع الآخرين من موقع الاقتدار لأنه سيكون لنا علامات تجارية وبضاعة نصدرها كما أننا سنستورد ما نحتاج إليه من جيراننا.

وبذلك نخلق منطقة منتجة ومفيدة لأهل السهل أنفسهم وبالنتيجة للمنطقة ككل وعندها سيكون مصير السهل أهم لأهله حيث سيفكرون بجدية بكيفية حماية أنفسهم وتجارتهم وأعمالهم ويقررون مصيرهم بحكم ذاتي مرتبط بالمركز؛ بالقوة الأكبر في العراق التي هي الضمانة الأكيدة لهذا السهل، وعندما يصل اقتصاد المنطقة إلى هذا الحد فإنه سيفرض نفسه بقوة على مركز القرار وسينال حتما المكتسبات التي يستحقها، أما إن بقينا على المعونات وكم ورقة يبعثها هذا أو ذاك لأهله هنا!!! فسنبقى تابعين ذليلين لهذه الجهة أو تلك وتكون النتيجة استمرار الهجرة وتناقص أعدادنا ويوما سيكون هذا السهل لغيرنا وسيطوينا التاريخ في بقاع العالم المختلفة فيسمون هذا تلكيفي وهو في ديترويت وذاك من تللسقف وهو في نيوزيلاند، وثالث ألقوشي لكنه في سدني، ... وعندها ستكون خسارتنا كبيرة ونهائية، النتيجة التي لا نريد الوصول إليها مطلقا، فأين من هذا العقلاء ومتى نفكر بصورة صحيحة؟

عبدالله هرمز النوفلي

باقوفة 3 كانون الثاني 2007




197
السورايي وشعب العراق
سورايي العراق شعب أصيل يمتد بجذوره لآلاف من السنين، أنطلق من حظارات عظيمة؛ من سومر ... من أكد ... نينوى ... بابل ... وامتد عبر هذه السنوات الطوال يعمل ويجتهد، يزرع ويصنع ويضع اللبنات الأولى لأمور كثيرة لازالت إلى اليوم مثار أعجاب العالم أجمع.
ولم يكن سورايي العراق يوما يمتازون بالأنانية والظلم بل يتطبعون بطباع الوقت؛ الزمان والمكان، فلما كان الجميع يمتهنون الغزو والاحتلال ويثبت مكانته بالقوة، كانوا هم أهلا لها وصولاتهم محفورة في ذاكرة التاريخ وأخضعوا شعوبا وممالك كثيرة لسلطانهم.
وبعدما اعتمدوا وحملوا مباديء المسيحية، أصبحوا يمتازون بالروح المسالمة التي لا تقبل بالأذية وتعمل من أجل المحبة والخير وتغيرت أثر ذلك حياتهم 180 درجة تماما وأصبحوا شعبا محبا يحاور ويعمل ويحب قريبه كنفسه لأن الجميع أخوة في الله ونبذوا العنف واتخذوا طريق العمل والاخلاص فيه وإتقانه شيء ضروري منطلقين من المقولة أنه سيرون أعمالكم ويمجدون الله ...
وهكذا لم يقاوم مسيحيوا العراق (السورايي) الفتح الإسلامي وتعايشوا معه وفهم المسلمون طباع هذا الشعب وأحبوهم بدورهم، وكان لبطريركهم  مكانا ثابتا في مجلس خليفة المسلمين وغالبا ما كانت تدور المجادلات والنقاشات حول الديانتين ولم تكن تحدث أية حزازيات من جرائها بل كانت تحدث هذه النقاشات لزيادة معرفة كل طرف بالآخر، وكانت دائما تبقى الحقوق محفوظة فيما بينهم ويسأل الواحد عن الآخر ويفتقده عند غيابه لأن الحقيقة هي أن كلا الطرفين هما اخوة ومؤمنون بالإله الواحد الأحد الذي لم يلد ولم يولد ولم يكن له كفء أحد...
واستمرت العلاقة هكذا حتى الألفية الثالثة إذ يعيش السورايي جنبا إلى جنب مع أخوتهم من أبناء العراق من العرب والأكراد سواء في المدن أو القرى، وكم من قرية تحتضن من كل الأطراف دون أن تقع أية مشكلة فيما بينهم لأن كل واحد يعرف الآخر وكل يحترم حقوق الآخر ويصونها وأصبحت العلاقات فيما بينهم من المتانة بمكان حتى لا تتزعزع مطلقا بل أحيانا نجد العربي أو الإيزيدي خاصة في منطقة الموصل قد أجاد لغة السورايي أجادة تامة وخاصة في مجال المحادثة.
من هذا كله ليس هنالك أمرا يستوجب الخوف أو القلق اليوم مطلقا إذا ما طالب السورايي بحقوقهم وصولا إلى الحكم الذاتي خاصة عند مطالبتهم به ضمن عراق واحد، أي أنهم لا يدعون إلى اقتطاع أي جزء من أرض العراق ولا لأخذ قطعة من أرض العرب التاريخية وربطها بالأرض التي تعتبر كردية تاريخيا، كما أن سورايي العراق لا يعنيهم ما يفكر به الأكراد وما يحاولون أدراجه في دستورهم لأن هذا ليس شأنهم بل شأن الأكراد ويجب على العربي أن يسأل الكردي: لماذا تحاول هذا وتعمل على ضم سهل نينوى إلى كردستان مثلا؟ أليست هذه تاريخيا ضمن محافظة نينوى؟ وإن كنتم أنتم الأكراد تطالبون بكركوك كونها تضم شعبا كرديا بنسب معينة وتعتبرون أنها اقتطعت من كردستان ظلما، فلماذا تصبحون انتم اليوم ظالمون وتحاولون اقتطاع أرضا لم تكن يوما من ضمن كردستان التاريخية؟
هذه المشاكل قبل سقوط النظام في 2003 لم تكن مطروقة ولم تكن يوما موضوعا للبحث لأسباب يعرفها الجميع، لكن اليوم الوضع قد تغير وأصبح الكل يبحث عن تثبيت حقوقه قانونيا، لأن الحقوق التي لا يضمنها القانون أو يتم تنظيمها بقانون لا تعتبر حقوقا لأي طرف كان، ومن ذلك نجد في دستور العراق أكثر من ثلاثين مادة تتكلم عن حقوق لهذا الطرف أو ذاك تقول في نهاية المادة... وتنظم بقانون.
بسبب هذا اجتمع سورايي العراق في عينكاوا يومي 12 و13 آذار 2007 كي يتدارسوا ويثبتوا حقوقهم بغية أفهام جميع الأطراف أن لهذه الفئة من شعب العراق حقوقا مشروعة قد ضمنها الدستور وتكون واضحة هذه المطالب بغية أن يعلم الجميع حدود حقوقهم ومطالبهم ونبتعد عن الصدامات والمهاترات التي لا تؤدي إلا إلى التخلف والتراجع بسبب سوء الفهم والجهل بالقوانين والأنظمة.
واليوم قالها المؤتمر (المؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الآشوري) بوضوح أنهم يرغبون أن يكونوا جزءا من الكل أي من العراق ولا يريدون أن يكونوا جزءا من الجزء أي من أقليم كردستان لأن شعب السورايي له وضعية خاصة ومنتشر على عموم رقعة العراق بالرغم من تركزه في سهل نينوى، لكن هناك مدن وبلدات أخرى خارج هذا السهل تعود لهذا الشعب علينا الاهتمام بها وأعطائها الإدارة الذاتية وحقوقها وعدم اقتطاعها عن أهلها أينما تكون.
وفي الوقت الذي يعترف السورايي بحقوق الجميع يجب على الجميع أن يعترفوا بحقوقهم وأن يمارسوا ذلك سلما ودون عنف، فإن غاية سورايي العراق هي العيش الآمن والكريم في أرض عراق ديمقراطي واحد وفيدرالي، حالهم حال العرب والأكراد ومعهم كافة أطياف العراق الأخرى من تركمان وشبك وأيزيديين وأرمن وصابئة مندائيين، وبهذا نعلن للعالم أن شعب العراق شعب متحضر يصون كل طرف حق الآخر ويعمل من أجل رفع الغبن عنه لكي نعيش معا بأمن وطمأنينة ونبني ما تعرض للهدم والتخريب طوال قرون عدة.
إنها أيام جديدة يجب علينا أن نعمل معا لكي يشع النور على الجميع ويتنفس الجميع هواء الحرية ويرى العالم أعمالنا ويتعجب ويجب أن يتعجب لأننا شعب حي يحب الحياة حد العشق ويعمل المستحيل لكي ينال احترام العالم.
عبدالله هرمز النوفلي
16 آذار 2007
بغداد

198
المجلس الشعبي
الكلداني السرياني الآشوري
(سورايا)
مصطلح جديد ستتداوله الشعوب، وسيأتي ذكره على ألسُن وأقلام الإعلاميين كما ستنشر أخباره ومواقفه الفضائيات، لأن اليوم 13 آذار أصبح لنا مجلسا تأسيسيا منبثقا من شرعية أكثر من ألف من النخب السياسية والقومية ومن المستقلين الذين لم يثنهم أي نوع من المعاناة ولم تقف امامهم الصعوبات بل جميعهم حزموا حقائبهم وتوجهوا صوب عينكاوا البلدة الخالدة والتاريخية التي كانت مهدا للمسيحيين ومعقلا لهم وتضم شعبا من السورايي الملتزمين بدينهم وقوميتهم.
مجلسا يكون مرجعا شرعيا لكل عناصر الأمة يعطي الرأي ويناقش الأفكار وينتصر للحق ويناضل من أجل الحقوق ويعمل لنيل المكاسب، لم يعد اليوم مجالا لكي يتكلم أي أحد باسمنا ويسلب حقوقنا ويستأثر لنفسه أو لحزبه حقوق الشعب، بل ما يحق للشعب سيكون للشعب والمجلس هو الذي يقرر وهو الذي يعطي الشرعية لمن يمثل الشعب.
بعونه تعالى سيكون هذا المجلس بمثابة برلمان للأمة وواحة للديمقراطية وتفاعل الأفكار، سنكون كغيرنا من مكونات الشعب العراقي لنا مرجعية سياسية... لنا بيت نلتقي فيه... نتبادل الآراء ونثري الأفكار والمقترحات عبر مناقشات هادفة لكي تصبح ذات فائدة تخدم الأمة وأبنائها، سيكون لنا مطالب شرعية في بلدنا ولن نكون بحاجة لنَتبع هذا أو ذاك لأن الشعب عندما يقرر ويجتمع على رأي واحد سينجح وسيتقدم إلى أمام.
هذا هو أملنا فيما تحقق في عينكاوا ونرجو أن لا يبقى حبرا على ورق وأن لا تخمد الفورة وزوبعة النشاط التي انطلقت من قاعة حدياب  ونتمنى أن يمتد شعاعها نحو مختلف أراضي العراق.
ولا يخاف أبن الموصل من أخوته العرب لأنه يطالب بحقوقه ويكون دوما إلى جنب اخوته العرب في عراق واحد. ولا يخاف أبن دهوك وأربيل من أخوته الأكراد لأن نظاله معهم سيستمر وسيزداد قوة وإيجابية لأن نجاح الأقليم هو من نجاح العراق ككل تماما كما سيكون عليه ابن بغداد أو الجنوب لأنه سيضع يده بيد الآخرين وسيكون الهدف سامٍ ومبارك خاصة بعد أن يتعافى السورايي ويشعرون أنهم أبناء أصلاء في هذا الوطن كما كان أجدادهم، وقانونا واحدا يطبق عليهم وعلى جميع أبناء العراق ولا يوجد فرق بين حنا وعلي أو بين بطرس وعمر أو توما وخشناو إلا بمدى الإخلاص والوطنية والإبداع والتنافس الشريف ... فكلما نعطي أكثر للوطن سيكون حاصلنا أكبر والفائدة الناتجة لأبناء الوطن أكبر أيضا.
فيا سورايي العراق شدّوا الهمم وشمروا عن سواعدكم واخدموا الوطن العراقي بإخلاص كما هو عهدنا بكم وعهد أخوتنا في العراق كافة بنا، كما لكم أخوة في أربع جهات الدنيا تساندكم وتدعو لكم بالموفقية والنجاح كي نعيد جميعا أمجاد العراق وتعود الأخوّة والتضحية والإيثار إلى نطاق التعامل الفعلي بين أبناء الوطن ولكي تنطلق ورش العمل وتنتعش الآمال ولا نفكر أن نفصل هذه القطعة من الأرض عن جسم العراق بل نعمل على توحيدها معا قائلين يحيا العراق حرا وديمقراطيا وواحدا إلى الأبد.
عبدالله هرمز النوفلي
14 آذار 2007
عينكاوا

199
المنبر الحر / سورايا
« في: 17:05 15/03/2007  »
سورايا
كلمة ليست غريبة على مسامعنا، بل نتداولها باستمرار وخاصة عندما نتكلم بلغة الآباء والأجداد (السورث) ونقول نحن سورايي بلفظة الجمع وأنا سورايا بلفظة المفرد، وقد يتبادر إلى الذهن لأول وهلة عندما أقول أنا سورايا أي ما معناه أنا مسيحي، ولكن ليس ذلك صحيحا لأنني عندما أتحدث وأعرف نفسي كوني مسيحي أقول أنا مشيحايا أي أنا مسيحي وبهذا نلاحظ أن سورايا ليست مشيحايا تماما بل للكلمة مدلولات أخرى.
فالمسيحي خارج أرض ما بين النهرين لا نطلق عليه لفظة (سورايا)، لأن هذه الكلمة هي مفردة خاصة بلغتنا السريانية وبالمتحدثين باللغة السواداوية أي العامية.
والمؤتمر الشعبي الكلداني السرياني الآشوري عندما اتفق على نعت هذه المسميات الثلاث بكلمة واحدة (سورايا) يكون قد أختصر الكثير من الجهد والعمل أوصد الباب أمام المتعصبين لهذا الاسم أو ذاك وفتح الآفاق رحبة أمام الكلمة الواحدة التي تجمعنا نحن أحفاد الآشوريين والبابليين لكي نكون كخلق الله الآخرين معرّفين بكلمة واحدة تشير إلينا جميعا، ولنتشبه بهم؛ فالعرب بلغتهم العربية واسمهم القومي المشتق من لغتهم أصبحوا يكنّون بالعرب وهكذا الأكراد، ونحن كنا فقط النشاز بين مختلف الأقوام.
فلغتنا الواحدة أصبحت لها مسميات عديدة، فالكلداني يسميها الكلدانية، والآشوري يسميها الآشورية مع خصوصية للسريان لوجود حرف مختلف وصوت مختلف. لكن جميعنا نتحدث بلغة السورث ونتفهم بعضنا على بعض بواسطتها وكنا بعيدين عن الوصول إلى القناعة المشتركة بأن يكون لتسمية اللغة المكان اللائق والضروري باستحداث التسمية التي تجمعنا، لكن كما يقول الشاعر: لابد لليل أن ينجلي ولا بد أن يستجيب القدر واليوم شعبنا أراد الحياة وأراد أن يكون له اسما وببساطة هو (سورايا) ليتشبه بالأقوام الآخرين، لذلك يجب أن تستجيب الدساتير والقوانين وأجهزة الأعلام والفضائيات وتُدخل في مفرداتها تسميتنا القومية القديمة الجديدة، لأن شعبنا نهض من تحت الركام وأزال الغبار عن الاسم المتداول لأنه كان منسيا وتم أعادته للذاكرة وللتداول.
فيا أمة السورايي:
اليوم وضعتِ اللبنة الأولى في طريق الوحدة،
اليوم تم سحب البريق من كل متعصب لعرق دون آخر،
اليوم أصبحنا كلنا تحت مظلة واحدة لتجتمع خبرة الكلداني مع خبرة الآشوري ويعزز نضال السرياني نضال أخوته الآخرين،
اليوم أجتمع الجبل مع السهل ونينوى عانقت بابل، وجبال صبنا وهكاري مع دشت حرير وسهل نينوى،
اليوم تتحدث تلكيف تماما كما تتحدث كويسنجق ودهوك،
اليوم عينكاوا شهدت الولادة التي طالما انتظرناها،
اليوم بزغت شمس النهار ولن يبقى بعده مكان لظلام الليل الذي تعشعش فيه قواه الظلامية...
لأن الشعب قال كلمته وأكثر من ألف من شخصيات مهمة من أبناء شعبنا أجمعوا على الكلمة الموحدة، وأصبحت التفرقة شيئا من الماضي ولتصبح الآشورية ناصرة للكلدانية ولتكون السريانية رافعة لرأسها مع أخوتها، أنهم ثلاثة في واحد أهم أبناء لعائلة واحدة هي (السورايي).
فمرحى لكم يا قوم السورايي لأنكم أثبتم للعالم أجمع أنكم أمة حية، لأنكم أجتمعتم في عينكاوا وامتزجت اللهجات الجميلة واتخذتم من لغتكم لغة رسمية للمؤتمر وكان من لا يفهم ملزم أن يأخذ له من يُفهمه ويترجم له، فها إن الدم بدأ يسري في العروق وإن الكسل والتخاذل تم شطبهما من القاموس الخاص بهذه الأمة وانبثق لها مجلس يرعى شؤونها ويدير مصالحها ... مجلس أنبثق من رحم الأمة لكي يقول للعالم أجمع ليس كل من يقول يا رب يا رب يدخل ملكوت السماوات، وهكذا ليس كل من قال انا من هذه الأمة يمثلها بل من يؤمن بها!!!! بحاضرها ومستقبلها ويحمل معه كل أرث التاريخ ويناضل لكي تتقدم الأمة إلى أمام...
فهنيئا لكل أبناء الأمة وإلى المزيد من العمل المخلص ونقول بفخر أن خطوة الألف ميل قد تم تدشينها وبد الطريق واضح المعالم وعلينا أن نحزم أمرنا ونسير ولا نخف أبدا لأن الله سيكون معنا وسيخزى كل من لا يريد لنا العيش الكريم وفي عراقنا العزيز والواحد.
عبدالله هرمز النوفلي
14 آذار 2007
عينكاوا

200
المنبر الحر / هموم قومية متشنجة
« في: 22:23 09/03/2007  »
هموم قومية متشنجة

نقرأ باهتمام ما ينضح من عقول مفكرينا وأقلام أخوتنا التي تبدع بأفكارها لايجاد مخرج يخرج شعبنا من عنق الزجاجة الذي انحشر فيه بعد سقوط نظام بغداد وكأننا أُصبنا بعمىً وقتي أفقدنا البصر وأصبحنا نتخبط دون أن نهتدي لسبيل الخروج من الأزمة التي أدخَلنا أنفسنا فيها أو أدخلونا فيها دون وعي منا أو ربما تعرضنا للتخدير بحيث كلما نحاول الصعود نرى انفسنا ننحدر وبسرعة نحو الأسفل وما من مخرج نهتدي إليه ونخرج من خلاله إلى باحة أوسع تتصف بالحرية وتوفر مناخا للتفكير السليم والتصرف الصحيح وتعطي لنا الأمل بمستقبل آمن ومستقر وأفضل مما نحن عليه بحيث نصل إلى واقع بالضد تماما لما هو عليه في أيامنا السوداء هذه والبعيدة عن كل المقاييس والقواعد الإنسانية.

وفوق كل هذه المحنة التي نعيشها ونزيف الدم الذي نخسره من أجسام أبناء الأمة والوطن ومع كل الخسارة التي نتكبدها نعاني هموم أقسى وأشد مرارة عندما نجد أخوة لنا يمارسون من العادات ويكتبون المقالات أو يلقون الخطب وكلها مملوءة كلاما غير مسؤول وناتجة عن تفكير قاصر بالإلمام بكافة الأمور بحيث يعي أن ما يتفوه به أو يكتبه قد أصبح خارج نطاق عقله وعلى الورق أو شاشات الكومبيوتر ولم يعد مطلقا ملكا له بل أصبح شأنا للآخرين، فنحن كالطبيعة تماما؛ فكما يوجد فيها الورود والأشواك ... البرد والحر ... الحب والحرب ... وغيرها من الأضداد المملوءة بها هذه الحياة، هكذا نجد في أمتنا من الأضداد الشيء الكثير؛ ففيها عقلاء وفيها من لا يهتم لما يجري من حوله وفيها من يعمل لاهباط الهمم وتقليل عزيمة من يعمل ويجتهد...

ومن يقرأ وينتبه ويهمه حال الأمة الكلدانية ... السريانية ... الآشورية، يجد في قراءته العجب العجاب ويتألم كثيرا لما موجود على الساحة، ورغم أن التناقض أو الاختلاف في الرأي هي علامة صحة بنظري طالما أن هدف المختلفين أو المتناقضين هو الاصلاح والارتقاء بالأمة نحو مستقبل أفضل مما هي عليه، لكن المشكلة هي بالمتزمتين الذين لا يقبلون برأي الآخر ولا بوجوده أو هويته، وهنا تكمن أزمة خطيرة ومسرحية أبطالها من جميع ألوان الأمة وأطيافها؛ فلدى الآشوريون عدد كثير منهم وكذلك لدى الكلدان وإن كنا نعذر الكلدان لحداثة عهدهم في السياسة وقلة خبرتهم فيها، إن صحّ التعبير، فما بال الأخوة الآشوريون الذين دخلوا هذا المعترك وناضلوا كثيرا ولعقود خلت من السنين وضمن مناخات تساعد على قبول الآخر ورأيه وعدم إقصائه مهما كان العدد ضئيلا، لأنهم مارسوا ذلك في دولٍ ديمقراطية يتحاور ويتناقش ساستها وبعد ذلك يلجأون إلى صناديق الاقتراع لتكون هي الفيصل الأخير وبعدها يعود الجميع لخدمة البلد وعدم اللجوء إلى التحزب الضيق والتناحر المستمر، بل كل من جانبه يخلق الأفكار التي من شأنها أن تكسب الشارع وتقوي الوطن لأن لعبة الانتخابات مستمرة والمدة الفاصلة فيما بينها ليست طويلة وهي مهمة لغرض تصحيح الحال وكسب الجولات القادمة.

لكن نجد أمتنا ليست هكذا ولو أن هذا لا ينطبق على الجميع ولربما لعدم وجود المؤسسات الشرعية التي ينضوي تحتها أبناء الأمة لكي يأخذ كل ذي حق حقه ولكن الحالة في العراق غير مستقرة، نقلت عدم الاستقرار هذا إلى الأمة، لنجد من ينهش بلحم أخيه ويكتب بالحدة التي تحاول تكميم الأفواه وجرح الكرامة وبتعابير قد لا يفهم كاتبها أحيانا معناها إنما قرأها في مقالات لسياسيين أو سمعها في أقوالهم.

ومفكرينا وكتّابنا عندما يتطرفون بالكتابة وبأفكارهم لربما لديهم عذرهم الخاص بهم وقد يبررون لأنفسهم ما يذهبون إليه من مواقف متشنجة إلى الحد الذي لا يعطي الحق للمقابل أن يقاطع أو يناقش أو حتى أن يستفسر!!! وهذه ديكتاتورية أيضا ولو أصبحت السلطة في أيدينا على هذا الحال لوضعنا أبناءنا وأخوتنا في غياهب السجون وتصبح دولتنا دولة الحزب الواحد أو الأوحد الذي يستولي على الكل ويغتصب حقوق الكل لأن واقع حالنا اليوم يشير إلى هذا، فلو استولى الآشوريون المتعصبين على السلطة في دولتنا المفترضة، لوضعوا نصف الكلدان في السجون وصادروا حقوقهم، وهكذا لو وقعت هذه السلطة بيد الكلدانيين المتعصبين لكان جميع الآشوريين إما مبعدين أو مسجونين أو مهانين.

وهذا مطلقا لا يجب أن يكون حالنا خاصة وأننا ندين بدين المسيح له المجد ونحمل مباديء المحبة الصافية التي هي بلا غش أو عيب، وهذه يجب أن يكون لها التأثير الحقيقي في مجمل أحوالنا وأقوالنا وأفعالنا ومن خلالها وبمنظارها نرى الأمور ونقرر ما سنقدم عليه؛ فالآشوري هو قريب للكلداني وتعاليمنا تقول أحبب قريبك كنفسك، وعندما كان أحدهم يصيح ويعربد عند مرور موكب المسيح له المجد كي يلفت أنظاره إليه لم يلجأ يسوع إلى أتباعه كي يسكتوه، بل اقترب منه وعلمَ مطلبه وشفاه!!! ألا يجب علينا ونحن نحمل بأجمعنا  هذه المباديء أن نقترب بعضنا من بعض ونستقصي عن الأحوال ونكتشف العلل كي نبحث عن الحلول والدواء الشافي، وهل هذا الدواء يأتي بتقاذف العبارات وتكميم الأفواه وسلب الإرادة والحق بالتعبير والمحاولة لايجاد الحلول وكل على طريقته...

إنها شجون وهموم قومية يعجّ بها صدري، أضعها أمام أبناء أمتي كي لا نسلك سلوك الأمم الأخرى ونعطّل إرادة أخوتنا ونخسر جهودهم وكي لا يضيعنا الهمّ القومي حتى مبادئنا وإيماننا بل نجعل منها المنار الذي يهدينا لايجاد حقنا القومي هذا والتمسك به وعندها فقط سنعي أننا جميعا أخوة لعائلة واحدة ولا ضير لأفراد هذه العائلة أن يكون لكل منا اسمه طالما نحن نمثل عائلة واحدة تماما كأبناء ثلاثة لأب واحد وحتى إن لم يكن الأب واحد فنحن عائلة واحدة لدينا الأواصر والمقومات، لدينا تاريخ ... حضارة ... تزاوجنا واختلطنا ... وأصبحنا واحداً طوال قرون عدة أمتدت لآلاف السنين وأرض ما بين النهرين تشهد لنا وتاريخ سومر وبابل وأكد ونينوى كله شواهد والآثار لازالت شاخصة وما على أبناء اليوم سوى الوقوف أمام هذه الشواهد والعودة إلى الذات ومحاسبتها ذاتيا لنجد كم نحن مقصرون بحق أنفسنا أولا وبحق أخوتنا ولكن المهم أنه لا زال هنالك متسع من الوقت علينا استغلاله وأصلاح ما يمكن أصلاحه.

عبدالله هرمز النوفلي

9 آذار 2007

201
المنبر الحر / أمتنا والمؤتمرات
« في: 15:46 07/03/2007  »
أمتنا والمؤتمرات




حالة صحية برزت مع دخولنا السنة السابعة من الألفية الثالثة بأخبار مؤتمرات مزمع عقدها تبحث عن هموم الأمة ومشاكلها ودراسة واقعها وما تعانيه من أمراض جعلت من جسمها واهنا عليلا يتعكز على الآخرين كي يقوى على السير والتقدم في جميع المجالات؛ فالسياسي بحاجة لينسق ويتحالف ويتنازل عن الكثير من الحقوق والامتيازات حتى يبقى ويستمر... والاقتصادي عليه العمل من خلال الآخرين حتى لا يكون في الواجهة ويتعرض للخطف والابتزاز أو حتى للتصفية، والديني وصل الأمر برجال الدين إلى الإختفاء أو التنكر كي لا يتم التعرف عليهم ويحافظون على حياتهم ويبتعدون من شر الخطف ودفع الفدية المالية و ... وهكذا الطلبة والشباب والنساء ... ولكل همه الثقيل الذي جعل من الحياة واستمراريتها مهددة بجميع أشكالها والأمل يتضاءل والمستقبل يلفه الغموض ويزداد اليأس وتتطور الأمور بحيث لا يجد أبن الأمة أمامه سوى الهرب وترك كل شيء خلفه نحو مجهول جديد وعلامات أستفهام جديدة لا يستطيع أن يعرف مطلقا إلى أين يتجه وما هو مصيره؟
في ظل هذا الظلام عندما يتم أشعال بصيص نور حتى لو كان لعود ثقاب ينعش بعض الآمال ويدفع بأبناء أمتنا للمضي قدما في ترتيب أوراق الحياة بأسلوب أفضل وبعيد عن اليأس بل بأملٍ بالغدِ الأفضل مهما كانت الفرصة بسيطة، هكذا ننظر إلى المؤتمرات التي تدعو لها هذه الجهة أو تلك لكي تجمع شريحة من أبناء الأمة فيما بينهم ويتبادلون الهموم بغية إيجاد الحلول والأدوية لأمراض الأمة ومحاولة أصلاح ما أفسده الدهر، إذا إنها علامة صحة من الوهلة الأولى علينا الوقوف معها وتشجيعها والارتقاء فوق الخلافات الحزبية الضيقة التي قد تجد من عقد هذه المؤتمرات تقييدا لحركتها أو تحجيم لدورها في العمل بين أبناء الأمة.

ما أحلى أن نجتمع معا، وكم هو جميل أن يجتمع عدد من المهتمين من كافة الأشكال والألوان؛ سياسيين ... مفكرين ... رجال دين ... أقتصاديين ... رجال أعمال ... نساء ورجال والجميع يضع ما يشغل باله على بساط البحث والنقاش، ويجب أن لا يبعدنا عن بعضنا ما أوصلنا إلى هذا الحال من الاحتراب حول التسمية رغم قناعة البعض أن الجميع آشوريون أو كلدانيون أو ... بل ننظر إلى الجانب الآخر من قناعة هذا أو ذاك كونهم واحدا وهذا المهم بحيث إذا تكلم الآشوري بلغته افتهم عليه الكلداني والسرياني، ونفس الشيء بالنسبة للكلداني أو السرياني، إذن نحن ثلاثة أبناء في عائلة واحدة إن صح التشبيه فلو كان لأي منا ثلاثة أبناء ألا يسميهما بثلاثة أسماء مختلفة؟ فما الضير أن يحمل كل أسمه ونلتقي معا كأخوة؟ المهم جميعنا أخوة، وهذه الحالة حدت ببعض الأقوام أن تقول (أنصر أخاك ظالما كان أم مظلوما) ونحن لا نريد لأخوتنا سوى أن ينصر أحدهم الآخر عند كونه مظلوما وضد الظلم، ونصل من خلال هذه المؤتمرات إلى أصلاح الجسم وتقليل المعاناة وبعدها سيشتغل العقل بصورة صحيحة ليقرر مصير الجسم وأملنا كبير كوننا أناس متحضرون وقادرون للتغلب على المحنة مهما عظمت والحلول هي بيدنا ولا تحتاج سوى للشروع في الحركة.

يا أبناء الأمة: إن أخوتكم وأخواتكم يدعونكم من تحت الركام وصدورهم تئن وجراحهم تنزف دما وأموالهم تسلب منهم وجهد العمر يضيع ويطالبونكم النصرة والعون وخصوصا من مِنكم مَن أسعفه حضه في العيش تحت ظلال الديمقراطية والحرية والأمان خارج أسوار الوطن ويمكنكم التفكير بصورة صحيحة لتساعدوا في إيجاد الحلول والرب يبارك جميع الجهود الخيرة وإلى أمام.
عبدالله هرمز النوفلي
7 آذار 2007[/b][/font][/size]

202
المنبر الحر / الدين والمجتمع
« في: 23:18 06/03/2007  »
الدين والمجتمع
في شرقنا العزيز غالبا ما يكون للدين ركناً أساسياً في المجتمع ويختلف موقعه وتشابكه مع أساسيات المجتمع، كما تختلط صيَغ وأساليب هذا التشابك من دينٍ إلى آخر؛ فالإسلام كما يشرحوه لنا هو دين سياسة ودولة بحيث لديه الحلول السياسية ... كما يتضمن حلولا لكافة مشكلات الحياة. من هنا نجد الدين الإسلامي في كل زاوية من المجتمع، والدولة التي يكون فيها الأغلبية. أما الدين المسيحي، فبعد القرون الوسطى ومحاكم التفتيش اقتنعت السلطة الكنسية أن للدين طريقاً لا يتوافق مع السلطة المدنية، بل في أحيان كثيرة يتعارض معها أو قد يتقاطع خاصة عندما تنجرف السلطة المدنية كثيراً نحو المدنية والعولمة .. وما نشاهده في عصرنا من قوانين كثيرة لا توافق عليها الكنيسة، لكن السلطة ليست بيدها، لذلك فإن الكثير من القوانين يتم تمريرها بالقرار المدني؛ كالإجهاض وزواج المثليين وغيرها من الأمور التي لا يقرها الدين أي دين وخاصة السماوي منها.
لكن المجتمع يبقى بحاجة للدين كقانون اجتماعي ينظم العلاقة ما بين البشر أنفسهم وبينهم وبين القوة الخفية التي هي علّة هذا الكون والذي تعجز كل العلوم والقوانين الإنسانية من الوصول إلى الحقائق الروحية البحتة والبحث عن كنهها، وبعضهم يطلق عليها علم ما وراء الطبيعة، والآخرون يعتبرون الجري وراء الدين شيء من العبث لأن الصدفة وحدها هي التي قادت إلى ما توصل أو وصل عليه الإنسان، وهناك قوانين طبيعية للتطور ونظريات أخرى إن جرينا خلفها لسلكنا طريقا مغايرا تماما لما يريد الله لنا وما خططه من علّة لوجودنا المادي في هذه الأرض.
ورغم كل هذا وذاك يكون الدين هو الملاذ الذي يجمع حوله المتعبين والثقيلي الأحمال؛ فتأمل بسيط مع موسيقى هادئة وصلاة قصيرة تنقل الإنسان من حال إلى حال، وترتاح النفس ويهدأ البال ويعود الإنسان إلى تفكيره الطبيعي. ولو كان الدين شيئا عبثيا لما أثّر هكذا في الإنسان وأصلح ما أفسده الدهر من نفسيته المتعبة، وأمثلة كثيرة في الحياة نشاهدها؛ فزوار المراقد المقدسة تنهمر دموعهم بغزارة وهم يلمسون الشبابيك والأسيجة المحيطة بالأضرحة، وهكذا أيضا نجد من يحضر اللقاءات المؤثرة من خلال خطيب بارع أو إرشاد ديني يلمس الجروح التي قد أدمت النفس الإنسانية حتى دون أن يشعر وخاصة عندما يتفاعل الإنسان مع الإرشاد لنجد النتائج الباهرة وتحرر النفس من قيودها لتعيش براحة وحرية مع خالقها.
إنه التأثير العظيم للدين في المجتمع الذي حدى بأحد المفكرين الماديين أن يصفه بأفيون الشعوب لأنه لم يفهم دور الدين فهما صحيحا بل عكَسَ سلبيات رجال الدين على الدين نفسه وحمّله أوزار أولئك الذين نسميهم العلماء والذين يكون حسابهم عند الله أعسر بكثير من البسطاء، وهكذا المؤمنين أو الناس الذين ينهجون مذهبا دينيا معينا؛ فهم أيضا يكونون سببا لجذب الناس إلى دينهم أو نفورهم منه، ويحضرنا هنا كلام غاندي حين قال لولا المسيحيين لأصبحت مسيحيا!!! حيث كان المسيحيون الذين يعرفهم في عصره سببا بإعطاء صورة عكسية لما جاء به المسيح من مباديء، وهكذا أيضا نجد اليوم من يعطي صورة سلبية عن دينه سواء كان الإسلام أو المسيحية أو أي دين آخر. وهذا ليس سببا يجعلنا ننفر من الدين ذاته لأنه براء من الأمور والتصرفات التي تصدر من أتباعه خاصة عندما يقومون هم بالإجتهاد فيما يخص النصوص وتفسيرها حسب أهوائهم.
إن المجتمع بحاجة كبيرة للدين لكي تصبح المعادلة الاجتماعية متوازنة خاصة عندما يكون للدين علماء أذكياء وأتقياء بذات الوقت يتحلّون بالنزاهة ويبتعدون عن حب السلطة والمال ويزهدون بالدنيا ويكونوا طموحين بالفوز بالآخرة حيث النعيم الإلهي وجنة تجري من تحتها الأنهار. كما لهؤلاء القادة الدينيين دوراً ليس سهلا على الإطلاق؛ فعليهم نقل التوعية إلى أتباعهم لأن شعبنا مؤمن بالفطرة ويستمع لرجال الدين بانتباه واهتمام وما يقوله رجل الدين ليس مثار نقاش عنده بل يكون من الأمور الثابتة والتي لا نقاش فيها.
من هنا فنحن بحاجة لرجال دين تكون القداسة ميزة لهم لأن بيدهم صلاح المجتمع وبيدهم ممكن قيادة المجتمع إلى الخراب الحقيقي، أو العكس، فلنعمل لكي نجعل من دور العبادة مراكز للإشعاع والنور كي ينهل منها مرتادوها الحب الإلهي والأمانة والإخلاص والتضحية والإيثار ونكران الذات أمام الذات الجماعية وإن الإنسان هو بوضع يكون أقوى من خلال الجماعة وخاصة عندما تمتد جسور علاقته بالآخرين من خلال الطيبة والصدق والأخلاق الحسنة.
إذن فالدين هو ركن مهم في المجتمع وعلينا وعلى رجال الدين يستوجب العمل أن نجعل من هذا الركن سبيلا لفائدة المجتمع وبنيانه وهذا السبيل يكون من خلال المراجع العظام ورجال الدين المخلصين وكذلك من خلال المؤمنين أتباع الديانة الذين كل من جانبه يعمل لكي يصبح إيمانه مؤثرا في الآخرين؛ ليصبح الميدان الديني والتدين ميدانا رحبا للتنافس مع الأديان الأخرى لأنها جميعا تسير نحو الإله الواحد الأحد ومن دون شك في هذا الإله الواحد الأحد سيفرح بنا وهو يشاهدنا نتكاتف ونعمل ونبشر بالمباديء السماوية السمحاء وحينها سيمنحنا بركاته ونعيش في مجتمع مزدهر مثمر ومتجانس لا فضل لواحد فيه على الآخر إلا بالتقوى، هذا هو الصراط وعلينا أن نفهم كيف نجعله مستقيما.
عبدالله هرمز النوفلي
2 كانون الثاني 2007 

203
الأمن والخبز والحياة

نقرأ من أقوال ربنا يسوع المسيح "ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان ..." وفي العراق أصبحت حياة الانسان مشكلة رئيسية وهمٌّ من هموم الحياة للجميع، فبماذا يُفكر هذا الإنسان لكي تستمر حياته ويعيش عيشة لائقة؟

فالعراقي تختلف أساليب حياته في الجنوب عنها في الوسط أو الشمال رغم وجود قواسم مشتركة فيما بينهم أينما كانوا لكن يبقى الخبز والأمن والحياة هي المطلب الملح لجميعهم، ورغم مقولة ربنا التي ذكرناها في صدر هذه المقالة لكن تكملتها تحتاج إلى أناسٌ مؤمنون ... أتقياء ... يُخلون ذواتهم لعمل الله عندها سوف ينالون الحياة بكل كلمة تخرج من فم الله !!! فأين نحن من أولئك؟

فاليوم نسعى جاهدين لتوفير لقمة العيش معتمدين على قوانا الذاتية ومتكلين أحيانا أو البعض منا على بركة الله وحفظه لنا من الأذية التي ملأت الدنيا في زمن عبرنا فيه رقم 2006 من السنين ليبقى هاجس الأمن وتوفيره المطلب البارز والأول وقبل الخبز أحيانا لأن مقولة لا يموت أحد من الجوع يتم تداولها وترديدها على الألسن باستمرار!!!

فالحياة لكي تبقى وتستمر هي بحاجة لهذين العنصرين المهمين واللازمين بغية الحصول على الإبداع والنشاط للعقول السليمة ولكي يتم تربية الأولاد على أحسن القيم دون عقد أو مشاكل، فالوالدين بحاجة إلى الاستقرار لكي ينقلوه إلى ذريتهم ولكي نحصل على الحياة الطبيعية. إننا إذا أزاء مقومات مهمة نكاد أن نفقدها بعد أن طوينا صفحة أخيرة من الاستقرار تحت حكم لم يرضى عنه الكثير واعدموا رمزه نهاية 2006 آملين أن نبدأ بداية جديدة مع عام جديد من ضمن أرقامه الرقم (7) الذي يرمز إلى دلالات تبشر بالأمل والكمال. فهل سنفتح في هذا العام بابا من الرجاء لأبناء العراق ؟ وهل سينحسر العنف ونحصل على جانب من الأمن لحياة مستقرة لا ينقصها الماء ولا الكهرباء أو الوقود والكثير من الاحتياجات الضرورية لها.

فإن أخذنا كمثال لما نقصده في الكتابة؛ كردستان: سنجد أن لتر البنزين كان مع نهاية 2006 يساوي 1350 دينار (السعر التجاري منه) وهو رقم يعادل ضعف ما موجود منه في بغداد بينما هذه المنطقة تنعم بالأمان المفقود في بغداد. والنفط الأبيض في سهل نينوى والمستخدم للتدفأة سعره كان 24 ألف دينار لعبوة ذات العشرون لترا، فأي عائلة مهما كانت غنية لا تستطيع الاستمرار بالتدفئة الطبيعية والضرورية للإنسان في ظل هذا السعر !!! خاصة وإن عوائل بالآلاف قد نزحت إلى هذه المنطقة وتركت وراءها بيوت وممتلكات ونأت بنفسها طلبا للأمان ومعظم هؤلاء لا يملكون شيئا. ومما زاد الطين بلة هجوم موجة البرد مع الأعياد بحيث تنخفض الحرارة ليلا إلى ما دون الصفر مئوي بدرجات متعددة والثلج يغطي الأرض ويقطع الطرقات في شمال العراق، إنها الطبيعة أيضا تهجم على العراقيين بقسوتها!!!

إذا أصبحت الحياة مهددة أينما نذهب، فالأمن ليس المطلب الأوحد لاستمرار الحياة بل توفير الضروريات الأخرى مهم أيضا، ففي أرقى أسواق دهوك مثلا طلبت مرة شايا من الكافتريا فاعتذروا لعدم توفر الماء اللازم في تلك اللحظة!!! أليس ذلك مثار للعجب ونحن في بلد يخترقه نهران عظيمان من الشمال حتى أقصى الجنوب وروافد عدة وخاصة في المنطقة الشمالية، فما الذي حدث ولماذا كل هذا؟ لكنني لست باحثا متخصصا وليس لي من الوقت لكي أبحث عن الأسباب، بل أنقل حالات عشتها وعايشتها ما بين نهاية 2006 و2007 حيث وجدت حياة بائسة بل مهددة أحيانا بسبب ما ذكرته أعلاه، في منطقة يعوّل عليها الكثير لتأسيس نمط للحياة فُقد في مناطق العراق الأخرى، فهنا تستطيع أن تحور الكلمات التي ذكرناها في البداية أن ليس بالأمن وحده يحيا الإنسان!!! لتبقى المشكلة قائمة أينما نذهب والحياة مهددة والخوف مستمر... نأمل أن لا يستمر الوضع هكذا.

عبدالله هرمـــز النوفلي

2 كانون الثاني 2007


204
المنبر الحر / أحفاد نينوى وبابل
« في: 08:14 07/02/2007  »
أحفاد نينوى وبابل

عندما نتكلم عن أهل العراق يجب أن نبدأ بالأقدمين وصولا إلى زمننا الحاضر، ونينوى وبابل كانتا شاهدتين على حضارات عريقة وعظيمة علّمت الإنسانية دروسا وعبر سيبقى الإنسان يتذكرها كلما تم ذكر هاتين المدينتين الخالدتين. إنه تاريخ امتد لآلاف السنين مع شخصيات طرزت أسمائها بأحرف من نور وَوَصَلنا نحن أبناء اليوم شيئا من تلك العظمة وورثنا شئنا أم أبينا نتفا من ذلك الإرث الخالد الذي علينا أغناءه وأيصاله للأجيال اللاحقة كي لا تنقطع الصلة ما بين الماضي والمستقبل بل نعمل من حاضرنا موّصلا جيدا ليصبح قناةً تعليمية لإيصال المعرفة عن الماضي إلى المستقبل وتستمر المسيرة دون توقف بغية عدم الوصول إلى طي صفحات مضيئة أنارت يوماً طريق الشعوب وتعتبر خسارة إن توقفنا وأوقفنا تلك المسيرة حتى لو أنها نامت قرونا عدة لأي سبب كان.

والعراق رغم كل الحقبات التي تعاقبت عليه بعد سقوط نينوى وبابل لكن الآثار بقيت شاهدة للعيان والدارسين ينقبون عن الماضي كي يستفيدوا من السلف الصالح كلما يمكن الاستفادة منه، وبقي الآشوري اسما لامعا كما بقي الاسم الكلداني البابلي زاهيا في ضمير الإنسانية لم يستطع أحد أن يغبن حقه أو يهمشه رغم عواتي الزمن وما عاناه أحفاد أولئك العظام بحيث انصهر بعظهم بالحكومات اللاحقة أو من خلال الغزوات والفتوحات ومن ثم بالحروب المنظمة وعمليات الإبادة والقتل والمذابح المدبرة.

لكن المعدن النقي الثمين مهما علاه الغبار أو دُفن في الأرض سيبقى هو كما هو لا يتأثر ولا يحتاج سوى لإزالة الغبار عنه ليظهر بريقه ويدهش العيون، ونجد اليوم أحفاد نينوى وبابل بدأوا بإزالة الغبار عنهم ليعيدوا شيئا من أمجاد السلف الصالح، لكن إزالة هذا الغبار ليس بالأمر السهل المنال؛ فهناك العديد من القوى التي تحاول تكبيل الأيدي والعقول لتجعلها عاجزة عن النهوض، وأول هذه القيود هو أعطائهم الحرية بوراثة أسم أجدادهم.

قد يبدو هذا التحليل غريبا نوعا ما!! إذ كيف يتم اعتبار أعطائهم حرية اختيار اسم أجدادهم هو قيد وتكبيل لأياديهم؟ لكن واقع حال ما وصلنا إليه هو واقع مؤلم وطرق مسدودة وحلول لا يرضى الواحد على الآخر والتخبط العشوائي وكل يبحث عن ليلاه بمعزل عن ليلى أخيه أو ابن عمه يجعلنا نصل إلى أن الحرية التي بدأنا نتلمس بعض من ممارساتها بعد سقوط النظام أصبحت تأتي لنا بأمور مريرة تباعدت بين الأشقاء وأبناء العمومة، فالدولة بعد سقوط النظام أوجدت هيئة نزاعات الملكية، الأمر الذي نحن بأمس الحاجة له لكي يتم حل نزاعاتنا بالحكمة والعقل ولا ندع لأحد أن يلهينا عن هدفنا الأصيل بالوصول إلى إظهار أسم الأجداد اللامع، فأين الضير إن اتخذنا اسمين طالما الطرفين على ثقة أننا كلينا واحد؟ والاسم ما هو إلا وثيقة تدل على صاحبها، أليس هذا الحل أحسن بكثير من ضياع الاسمين معا؟

ونجد الكثير من التعصب هنا وهناك ومحاولة سلب أرادة هذا وذاك للوصول إلى غبن حق هذا أو ذاك، لكن هذا ليس بالأسلوب الصائب الذي يوصلنا إلى نتائج سليمة، فطالما كلينا موجودين فما الضير أن نقف كلينا جنبا إلى جنب، إن توفرت النيات والإرادة الصالحة لأنني الكلداني أحسب نجاح الآشوري هو نجاح لي وهكذا من المفترض أن يفتخر الآشوري وأفتخر أنا معه بنجاحه ونترك للمستقبل أن يقوم بصهر ما يعيق تقدمنا نحو الاندماج ونصل إلى حل يرضي كلينا.

إننا بسلوكنا هذا الطريق سنكون بحق أحفاد نجباء لأولئك العظام وسننال البركة منهم ويسندوننا وهم في عليائهم، لنقول معا لتحيا آشور في نينوى والكلدانية في بابل ولتتضافر جهود كليهما في أيصال اللحمة التي نكاد نفقدها وتضيع هويتنا في خضم الأحداث الراهنة.

عبدالله هرمـــز النوفلي

30 كانون الأول 2006


205
المنبر الحر / واعجبي
« في: 10:45 21/01/2007  »
واعجبي!!!

فالأمور المثيرة للعجب كثيرة وكثيرة جدا ومثار العجب لا يُعدُّ ولا يحصى، والمراقب للأحداث والحوادث الذي ليس بيده أمر تغيير الأحداث فيها، وإحداث التغيير الذي يشتهيه يبقى لديه فقط التعجب والاستغراب فإنه يقول مع نفسه:

واعجبي... من هذا السياسي الذي يحاول الحصول على أكبر قدر من المكتسبات عن طريق أذكاء الصراع المسلح وتطوير عمل ميليشياته لكي تقتل وتعبث في كل شيء بغية أضاعف خصومه وإرهابهم لكي يتوقفوا ويبقى هو بارزا رغم كل حقل الدم الذي روته دماء خصومه السياسيين.

واعجبي... من السياسي أيضاً الذي يدّعي الديمقراطية وهم يكمم أفواه المحيطين به داخل حزبه ولا يقبل رأيا مخالفا لرأيه حتى إن اقتضت الضرورة؛ التصفية الجسدية ومع ذلك يتكلم عن السلطة الماضية واصفا أياها بالديكتاتورية التي قامت بتصفية الخصوم السياسيين وهو يمارس ذات النهج.

واعجبي... من الموظف رئيس الدائرة الذي رغم مرتبه العالي يحاول جمع أكبر قدر من الأموال بشتى الطرق الفاسدة والصحيحة خائنا بذلك الأمانة التي أوكلت إليه.

واعجبي... من الواعظ الذي يملأ الدنيا ضجيجا يحث الناس لكي يسيروا في طرق التقوى والصلاح وهو الأول بينهم الذي لا يطبق ما يقوله.

واعجبي... من رجل الدين الذي نسي نفسه كونه رجل دين ومشى بطريق السياسة الذي يقتضي منه أحيانا تطبيق الغاية تبرر الوسيلة ويعمل ضد مبادئه الدينية.

واعجبي... من الإنسان الذي لقاء ثمنٍ بخس يقتل أخاه الإنسان؛ معتبرا ذلك وسيلة للعيش وأعالة أسرته.

واعجبي... من الذي يحاول تكفير الآخرين الذين لا يؤمنون على طريقته وكأنه أصبح إله على الأرض ويحلل ويحرم على هواه.

واعجبي... من الطائفي الذي يُهجّر أخاه الإنسان من بيته لا لذنب سوى لكونه من طائفة مغايرة ناسيا أن العراقيين جميعهم أخوة وإن الرسالات السماوية أوصت بالجار وبالإنسان الذي هو أخا لنا إما بالدين أو بالإنسانية.

واعجبي... من اللذين يطالبون بهذه البقعة من الأرض أو تلك لكي تصبح تحت سلطتهم وكأن العراق أصبح كعكة يريد كائنا من كان أن يقضم منها أكبر قدر لكي تكبر وتزداد ممتلكاته متناسيا أن العراق كل العراق هو ملك أهله.

علامات وعلامات تعجب تظهر على وجوه المراقبين في العراق بعدما يقرب من اربع سنوات من السقوط وهم يشاهدون حال من كان يعقد الأمل عليهم بإحداث التغيير وهم يتخبطون سواء عن قصد أو عن جهالة، ويكونوا سببا للألم في جسد أخوتهم الآخرين الذين لم يكن لهم همّ سوى العيش الشريف وليسوا من هواة السياسة، هؤلاء أصبحوا الضحية التي تنزف يوميا  وكأنها كانت المجرمة التي ألحقت بهم الأذى زمن الطغيان!!!

فأين المقاومة الصحيحة من كل هذا؟ ألم تغرق في ظلّ هذه الفوضى وسُلبت حقوقها وتشوهت سمعتها عندما أصبح القتل مشاع والهوية بلية على أصحابها والمذهب جريمة، والديانة سببا للقتل والعمل الشريف والمكسب الوفير نتيجة الجهد والتعب هدفا للخطف والقتل، وللعلم أيضا رجاله والساعين له أصبحوا هدفا للتصفية؛ فالأطباء هلعون والمهندسون خائفون وحتى عمال المساطر مستهدفون، فماذا بقي بعد؟ أليس الهدف من كل هذا هو عراق متخلف.. قاصر عن أداء مهامه الوطنية والقومية والدولية!!!؟ فهل هدف كهذا هو هدف إنسان مقاوم شريف؟ أم أنها أهداف لأعداء هذا البلد الذي علّم الدنيا الكثير وكان مهدا لأبو الأنبياء (أبراهيم) وغيره من رجالات العلم والثقافة. أين أصبحت النخوة التي تسرع لنجدة محتاج أو من هو في ورطة؟ أم أصبح المحتل سببا لكي يختلط الحابل بالنابل؟ وهل أن السلطة التي جاءت يقرار من الشعب ومهما كانت الملاحظات على ذلك نجعلها مكبلة الأيدي، عاجزة حتى عن أن تداوي جروح المجروحين!!! وإلى متى نبقى نعيش في الظلام والعوَز ونحن عائشون على أرض تدر ذهبا !!! ألم نفهم أن الأعداء يمصّون جسدنا، وأموالنا تُهدر ونحن بحسرة الكهرباء والماء والنفط والبنزين وأبسط الخدمات ... إلى متى نستفيق ونفكر كعراقيين فقط وننسى كوننا سُنة أو شيعة، عرباً أو أكراد، كلداناً أو آثوريين، تركماناً أو أيزيديين، صابئة أو كاكائيين ... ألم يحن الوقت لكي نعي أننا كلنا عراقيون؛ وإن كانت كركوك لدى العرب أو الأكراد فإنها ستبقى عراقية، وإن كانت السلطة بيد هذه الكتلة أو تلك فهي سلطة عراقية، وإن أوقفنا العبث بالكهرباء سينعم بها العراقيون جميعا، وإن أوقفنا العنف سينعم بالأمن جميع العراقيين.

كلمات هي بأمس الحاجة لمن يفكر بها ويراجع نفسه ويعيد حسابته وخاصة من المقاومين الذين أغرقهم العنف الموجه الناتج عن عصابات لا همّ لها سوى جمع المكتسبات حتى وإن كانت بطرق غير شرعية، يا أيها العراقيون أوقفوا التعجب فقد تصبح هذه أيضا جريمة تدفعون عنها ثمنا، وبدل ذلك اعملوا سدا منيعا أحموا به العراق من خلال القفز فوق كلما يفرقكم ويريد تدميركم ... إنها صرخة في هذا العالم الصاخب.

عبدالله النوفلي 30/12/2006

206
المنبر الحر / المحنة الذاتية
« في: 08:07 14/01/2007  »
المحنة الذاتية

في هذا الزمان رغم ما يعانيه أهل العراق من آلام وعذابات وقتل وتهجير ودمار مستمر، لكن مقابل هذا الجانب المظلم يوجد جانب آخر فيه أشعة من الأمل وومضات هنا وهناك؛ ألا وهو الوعي الآخذ بالتزايد عند الجميع وامتلاك الكثيرين للجرأة في كتابة ما يجول بأفكارهم على الورق وصفحات الجرائد وفي مواقع الانترنيت الكثيرة، وهذه الأفكار منها ما يزيد في قتامة الصورة للواقع العراقي ومنها ما يفتح الحجاب عن عيون وأفكار كثيرين لكي يستطعيوا رؤية الواقع الذي ليس هو فقط قتل وتفجير وتدمير، إنما هناك امل وفرح قادم وحرية لا نصلها دون ثمن إلا من خلال تضحيات وآلام قد تصل حد الجسامة التي تتخللها أعمال فضيعة يندى لها الجبين.

وما نريده من هذا المقال هو محنتنا الذاتية التي لا تقبل أحيانا أن تخرج وترى النور وحتى إن كان بصيصا ... وتفضل البقاء والعيش في الظلمة وبنور اصطناعي يجلب لنا أمورا مصطنعة وغير حقيقية، وهذا الواقع مع الأسف قد سحب معه أبناء شعبنا من الكلدان والسريان والآثوريين الذين بدأوا العمل السياسي كل من خط شروع مختلف سواء قبل سقوط النظام أو بعده بالعمل والكتابة ومحاولة إنارة طريق الآخرين لكي تصل المسيرة نحو الغايات المرجوة من اعتلاء أمتنا (الكلدانية .. السريانية .. الآثورية) مكانا لائقا بها تحت شمس العراق أو في المنطقة أينما تواجد عناصر من شعبنا الذي هو أصيل ولم يأتي إليها مهاجرا أو استطون فيها، إنما له جذور ضاربة بالعمق يعمل لكي يزيل ما أحاط به من أدغال وعوامل تعرقل عملية النمو وتحديث التاريخ بتاريخ جديد لأبناء مخلصين يكونون أوفياء لما تركه السلف الصالح.

ومحنتنا الذاتية تكمن في عملنا المنفرد والمتعصب لهذا العرق أو ذاك، فكما نكتب أسماءً ثلاثة عند إشارتنا إلى الأمة، أي أن هناك ثلاثة فروع لأصل واحد، ومن ملاحظة بسيطة لما يكتبه الكتاب من هذا الفرع أو ذاك نجد الصفة الطاغية للتعصب رغم وجود بعض الاستثناءات ... إن الكتاب والمؤتمرات الآشورية تلتزم بهذا الاسم دون أي محاولة لكسب أبناء الفروع الأخرى بخطاب عقلاني متوازن ويدعو للتوحد والتقارب وآخرها كان مؤتمر استوكهولم الذي لم نجد فيه أية أشارة للكلدان أو للسريان، إنما كان آشوريا خالصا. وحتى إن كانت وجهة النظر هذه صحيحة، فلماذا أُغضب أخي الكلداني أو السرياني بإقصائه من أفكاره ومحاولة سلب هويته التي بات يعتز بها ويعمل نحو تحقيقها، إن مثل هذا التوجه سواء كان عند الكلدان أو الآثوريين أو السريان يكون عملا مضادا وضد المسيرة، أقله يضعفها في المحصلة ويظهر للعالم أننا منقسمون ولا يعيرون لنا أية أهمية، فلو ذهب آثوري لمصدر القرار في العراق يطالبه بترسيخ الآشورية مثلا، وهكذا أيضا يفعل الكلداني بالنسبة للكلدانية والسرياني... هكذا طلبات ستجعل صاحب القرار حائرا لأنه سيجد نفسه أزاء شعب منقسم لا يعلم ما يطلبه وماذا يريد، وقد يهمل الطلبات الثلاثة معا، لكن لو عدنا إلى بيتنا واجتمعنا معا وعملنا نحو تقريب وجهات النظر بأسلوب ديمقراطي حضاري متعالين فوق الخلافات الجزئية التي لا تغني ولا تسمن لأظهرنا للعالم كم أننا متحضرون ونتحلى بالوعي والحسّ الذي نكسب به احترام الآخرين.

إننا بمحنتنا هذه نتحاور حوار الطرشان؛ كل يكتب ويعقد مؤتمرات دون أن ننتبه أن هذه المؤتمرات والكتابات هي بلا نتائج فإلى متى نبقى نضيّع من وقتنا ومن جهدنا؟ وبنظرة سريعة لكتابات العقلاء سنجد الكم الكبير الذي يحاول ترميم ما يمكن ترميمه، وفي المقابل نجد من يحاول أقصاء وتحجيم الآخر ومن أي فرع كان، لكن لو اجتمعنا معا كم سيكون المؤتمر جميلا إن كان يظم بين حناياه الكلداني و السرياني والآثوري، وكم ستكون النتائج رائعة تلك التي ستنضح منه!!! ألا يعي المسألة أبناء أمتنا؟ هل نبقى ونستمر بذات المحنة التي أدخلنا انفسنا بها؟ ألا يفهم الكلداني المتعصب إن هذا التعصب يعيق تقدم الأمة؟ ألم يفهم الآشوري المتزمت أن تمسكه بموقفه يقصي أخوته الآخرين ويصبح ضعيفا ويكون سببا بإضعاف كل فروع الأمة؟ وأين هم هؤلاء المتعصبون؟ انظروا وتمعنوا جيدا، ستجدونهم في دول المهاجر!!! والذين هم في الداخل حيث النضال الحقيقي وحيث هي نينوى وبابل، نادرا ما تجد لديهم التعصب وحب الفرع دون الاشارة للآخرين، وهكذا نجد في العراق انبثقت التسمية المركبة حتى وإن كانت غير ملبية لطموح هذا أو ذاك لكنه ارتفع فوق عوامل التفرقة لأن تفكير كهذا يعطي نتائج مهمة، مهما حصل فكل فرع لوحدة إن حدث تصويت ستكون نتائجه غير ملبية للطموح كتلك التي لو كانت أصوات جميع أخوته معه، فعلى الجميع أينما كانوا أن يناضلوا بشراسة في الخارج وفي الداخل من أجل قضية المجموع، ومن خذل أمته كانوا من هم في الخارج بعدم مشاركتهم في الانتخابات والإدلاء بأصواتهم وهم المرتاحون والأمن غير مقلق بالنسبة لهم سواء كانوا في أمريكا أو أوربا أو أستراليا، بينما ورغم كل الخوف في الداخل ذهب الآثوري مع الكلداني والسرياني ولم يهابوا الخوف والرعب وأدلوا بأصواتهم نصرة لقضيتهم.

فعلينا فهم مسألة كوننا في محنة ذاتية جلبناها لأنفسنا ومازلنا ندور في ذات الحلقة المفرغة ونقاشاتنا بيزنطية عقيمة طالما بقينا هكذا، بمؤتمر آشوري هنا وكلداني هناك وسنبقى متفرقين ضعفاء بينما لو عدنا لأنفسنا سنجد أن تجاوز ذلك أمر بسيط جدا: إن قبل أحدنا الآخر على علاته ووضع يده بيده لكي يعمل الجميع بصورة مشتركة عندها سنجني الثمار التي تفرح الجميع.

فيا كتابنا ومثقفينا: ألم يحن الوقت لكي ننتبه إلى هذه المسألة ونساعد شعبنا في محنته ولا نتاجر بجراحاته خاصة ونحن مقبلون على تعديل الدستور، رغم أنني لا أجد ضوءا في آخر النفق يرشدنا لحدوث تغيير، لكن لا يمنعني ذلك من أن أرفع الدعوة علّها تكون الخطوة الأولى التي تجلب الانتباه ويبدأ التصحيح ... أتمنى أن تكون كذلك.

عبدالله النوفلي 23/12/2006


207
برلمان
كلداني آشوري سرياني
+++++++++++++++++++
منذ ما يقارب السنتين كنت قد طرحت دعوة لإنشاء مثل هذا البرلمان وعبر عدد من الصحف الناطقة باسم شعبنا وأحزابه المختلفة، كما وأعدت ذلك ضمن سلسلة المقالات التي نشرتها عبر موقع عينكاوا دوت كوم والتي كانت تحت عنوان (متى نتعلم الدرس؟)، واليوم وبغية وضع قراء الموقع وبالخصوص منهم أبناء شعبنا المنتمون لأمتنا العزيزة، أمام مسؤوليتهم التاريخية، وأعيد كتابة الموضوع بشيء من التفصيل موضحا فكرتي لأبناء أمتي وبرؤية جديدة بعد خوضنا ثلاث تجارب من الديمقراطية سواء في الانتخابات أم في الاستفتاء على الدستور، علّني أقوم بتحريك أقلام الغيارى وعقول المخلصين بالإتجاه الصحيح، ولكي نكون قد استوعبنا الدرس وفهمناه، لكي نبدأ مرحلة قطف الثمار المرجوة من العملية السياسية في ضل عراق ديمقراطي حر وآمن في المستقبل بإذنه تعالى.
أولا: إن الأمور لا يمكن أن تحصل بالتمني ولا بمحض صدفة إن لم نتحرك نحن بالاتجاه الصحيح الذي يحقق لنا هدفنا، ويرفعنا من الهامشية إلى الفعالية، بل إلى الصدارة والمواجهة السياسية التي هي في صلب العمل الديمقراطي لمستقبل العراق.
ثانيا: يجب علينا أن نشعل بصيصا مهما كان صغيرا من النور في ظلام الحاضر الذي يحاول أعادتنا إلى الخلف والتخلف معا ويخنق في صدورنا حتى نسمة التنفس الشحيحة التي بدأنا نستنشقها ولو بخوف ورعدة في العراق الذي يغلي في أمور كثيرة.
ثالثا: يجب أن نتحرك بالاتجاه الصحيح لكي نوقف النزيف الذي يعاني منه شعبنا ويؤدي جعله قليل العدد ومسلوب الإرادة ولا حول له ولا قوة ينتظر دائما القدر دون أن يكون له دورا واضحا وجريئا في تطويع هذا القدر لكي يخدم إرادته وأهدافه في الحياة الحرة والكريمة.
رابعا: في ظل البصيص الصغير نضع مشروعنا هذا لكي يساهم في تقوية الأمل والنور في صدور أبناء الأمة، آملا هذه المرة أن لا تكون الدعوة فقط للكتابة، ولكي تكون موضوعا ضمن مواضيع أحد منتديات هذا الموقع، بل تكون دعوة عالية الصوت لتبقى تتفاعل وتتبلور حتى نصل بها إلى تحقيق الغاية. وأأمل من موقع عينكاوا أن يفتح سجلا يدعو من خلاله زوار الموقع للتوقيع في حملة قوية لأمتنا لنصل من خلالها إلى البدء بالخطوات العملية لتحقيق هذه الدعوة. متمنيا لجميع أبناء الأمة السلامة أولا والتوفيق والسؤدد لمستقبل أفضل وأكثر أشراقا.

مشروع البرلمان
الكلداني الآشوري السرياني
الغاية:
لكون الشعب العراقي الناطق باللغة السريانية بلهجاتها المختلفة من الكلدان السريان والآشوريين هم شعب العراق الأصليون الذين كان لهم الدور المؤثر في صنع الحضارة ونقل العلوم والمساهمة الجدية لما وصل إليه العراق لحد الآن، فإن هذا الشعب يستحق أن يحضى بالتقدير والاحترام من قبل جميع من يسكن على أديم هذه الأرض الخيّرة، وهذا الاحترام لا نكسبه إلا إذا كُنا أهلا له وجديرين به، وهذه لا تأتي إلا من خلال التحرك السليم والجدّي نحو أهداف إنسانية بحتة تساهم في تقليل العنف، تمهيدا للقضاء عليه وكذلك في الحياة الديمقراطية التي تحترم الآخر وتجعل منه كيانا ثمينا نعمل من أجل المحافظة عليه والتفاعل معه إنسانيا بغض النظر عن الدين أو اللون أو أي شيء يكون سببا للفرقة.
ولكون شعبنا ممزقا بالمسميات الثلاثة الأمر الذي كان سببا لضياع حقوق الأمة من خلال العمليات الديمقراطية التي شهدها العراق لحد الآن، وبغية تجميع جهود الأمة للهدف الأسمى لجعلها تصب في رافد التقدم والازدهار، تأتي دعوتنا لإيجاد هذا البرلمان الذي يكون المكان الذي نناقش من خلاله، نختلف ونتفق ثم نخرج برأي واحد متفق عليه ونحترمه جميعنا.
الفكرة:
شعبنا سواء في العراق أو في دول المهجر تنقصه الخبرة للتعامل مع العملية الديمقراطية، كما ينقصنا أمر برمجة جهودنا لكي تصب بالاتجاه الصحيح، إضافة للتجاذبات التي تكون متعاكسة غالبا بين الأطراف المختلفة من أمتنا بحيث أدت وتؤدي إلى أضعاف أمتنا كثيرا، أمثال من يتعصب لكلدانيته والآخر لآشوريته والثالث لسريانيته الأمر الذي نلمس الكثير مما يؤدي إلى أضعاف الأمة وتهميشها، ولعدم وجود واحة مستقلة تستقطب كل اطياف الأمة من أحزاب ومثقفين وحتى رجال الدين نحو هدف سامٍ يعلو على الفروقات التي يحاول البعض تضخيمها، ولكي لا يُنعت من يحاول جمع الأطراف بأنه ينتمي لهذا الحزب أو تلك الحركة، وأنه ليس مستقلا بأفعاله أو آراءه، نطرح هذه الفكرة.


كيف نحقق هذه الفكرة؟:
هنا أطرح فكرتي فقط والأمر مفتوح لأغنائه بأفكار من يساهم في النجاح، خاصة ولدينا أربع سنواتٍ ممكن أن نتوصل من خلالها إلى نتائج تعيننا بأيصال عدد أكبر من أبناء شعبنا إلى البرلمان، خاصة إذا توفرت النيات الصادقة للعمل.
1 . الأسم: ممكن ان نطلق عليه كلمة برلمان الأمة ونضع بين هلالين مكوناتها.
2 . الموقع: ولكونه عراقيا، أقترح أن يكون مقره العراق، ويتفاعل ويتواصل مع أبناء الأمة في المهجر.
3 . العدد: يتم أقراره لاحقا بعد أن يتم أجراء أحصاء شامل لشعبنا تساهم به الكنائس والأحزاب والمنظمات ومن خلال استمارة يتم الاتفاق على أعمامها عبر الشبكة الدولية للمعلومات ومواقع أمتنا التي ولله الحمد أصبحت تمثل حتى قرى صغيرة من قرى أهلنا، ويتم أملائها وأعادتها إلى المركز الذي سيتم الاتفاق عليه، وأتمنى أن يكون موقع عينكاوا هو المركز لما هو عليه من واحة يتفاعل على صفحاته جميع الأطياف العراقية وحتى المسلمون. وممكن أن نحدد موعدا لأملاء الاستمارة، أو نحدد موعدا أخيرا لاحتساب العدد الكلي وما يردنا لاحقا يكون ضمن المعلومات العامة ليفيدنا في الخطوات اللاحقة. لنصل من خلال هذا إلى حصر أبناء الأمة في كافة بقاع الدنيا، وهذا بحد ذاته يكون أمرا مفيدا لجميع الأمة من خلال عرضه على صفحات الموقع ويكون واسطة لكي يتعرف الأهل على بعضهم البعض بعد أن انقطعت السبل نتيجة نزيف الهجرة ، فضلا عن حصرنا لأعداد أمتنا وانتمائهم لأي لون من ألوانها، وعندها نحصر عدد الأمة ونقرر الخطوة اللاحقة، ونتعرف أيضا على الطاقات والشهادات والخبرات وإلى الكثير من المعلومات الأحصائية المفيدة.
4 . شكل البرلمان: بعد الانتهاء من الخطوة السابقة تكون الصورة قد اتضحت عن جميع المكونات وأعدادهم وألوانهم حيث يصار إلى تشكيل لجنة مصغرة من هذه الأطياف التي تقرر الخطوات اللاحقة ومنها الدعوة لاجتماع موسع لكل لون من ألوان الأمة وكما يلي:
أ . اجتماع موسع لممثلي للكلدان
ب . أجتماع موسع لممثلي للسريان
ج . اجتماع موسع للمثلي الآشوريين
ويقوم كل من هذه الاجتماعات باختيار ممثليه لاجتماع موسع موحد يحضرونه كل ممثلي الأمة المنبثقون من الاجتماعات الموسعة الثلاثة، وهؤلاء يكون تمثيلهم حسب النسب التي تقررها اللجنة التحضيرية المستخرجة من المعلومات الواردة إليها من خلال جمع الاستمارة الإحصائية آنفة الذكر، والممثلين الذين سيحضرون الاجتماع الأول الذي سيتم تحديد موعده ومكانه في حينه، ممكن أن نطلق عليه الدورة الأولى الانتقالية للبرلمان  الأمنية، الذي سيدرس ويناقش الخطوات اللاحقة وينتخب هيئة الرئاسة واللجان المختلفة والضرورية للعمل، وعندها سيكون القرار بيد أبناء الأمة شكلا ومضمونا، وبما أن الخطوة هي نحو جمع شمل الأمة فإنني متأكد أنها ستحضى برضا ومباركة القادة الدينيين.
كما أن عدد الاجتماعات وأماكنها سيحددها المجتمعون، وممكن أن تتم دعوة طارئة عند حدوث مستجدات للأحداث على الساحة القومية أو الوطنية.
ختاما: أخوتي في الأمة، نحن الذين نرى في أنفسنا الغيرة على بعث أمتنا من جديد لواقع يكون لائقا بالتراث الماضي الذي أورثنا أياه أجدادنا العظام أننا جميعا اليوم أمام مسؤوليات لم يغفر لنا التاريخ مطلقا أي تهاون أو تقاعس منا يالاتجاه الذي ننشده جميعا، فترى المغترب في أمريكا أو استراليا أو أوربا وفي جميع بقاع الدنيا حريصا كحرص من هم في الداخل ويتحملون أخطار وأوزار ما يحدث على الساحة العراقية، ولكي لا يفوتنا الوقت ونعض أصبع الندم، أدعو بصفاء نية ومن قلب وفكر غيور على أرث أجدادي وأهلي أن نعمل معا لكي ينصفنا التاريخ يوما ولا يضعنا في خانة الملعونين أو المهملين، وطالما سنبدأ نحو التوافق بين جميع أطياف الأمة، فإن الله سيباركنا، وأنني على ثقة أن المال سوف لن يكون عقبة أمامنا، وكذلك لدينا من الغيورين الكثيرين الذي يرغبون وبصدق للاسهام في اعلاء شأن أمتنا.
ومن الله التوفيق.
عبدالله هرمز النوفلي

208
يشوع هداية وبداية العنف

كتبنا قبل سقوط هذا الشهيد البطل مقالا تم نشره في مواقع أليكترونية عديدة بعنوان (مسيحيوا العراق ودائرة العنف)، كنا قد كتبنا فيه تحليلنا عن موقع المسيحيين من العتف العاصف في العراق، وحذرنا من مغبة أنجرار المسيحيين إلى الدائرة التي يحدث فيها هذا العنف، من جراء السياسات الخاطئة للسياسات التي انزلق إليها معظم ساسة العراق الحاليين وسالت من جرائه أنهار من الدماء لم يشهد تاريخ العراق لها مثيلا؛ لا في القديم ولا الحديث، اناس أبرياء ... قادة ... سياسيون ... رجال ... نساء ... رجال دين ... أطفال ... شباب ومن كافة الشرائح ودون تمييز.

أنطلق العنف في أرجاء العراق كافة رغم هدوء نسبي في بعض أرجائه، لكن المطر الأصفر بدأت قطراته تنهمر وغيومه تتلبد وشره يتربص بنا نحن الشريحة المسالمة التي تحمل قيم المحبة والعدل والصلاة من أجل المبغضين، ومحبة الأعداء ... بدأنا نحن أيضا نسير في ذات النهج الخاطيء الذي نهجته معظم القوى السياسية في العراق، وهنا ينطبق علينا المثل القائل (من عاشر قوما أربعين يوما صار واحد منهم)، إنها مأساة يجب علينا الانتباه إليها كي لا نسمح لحنفيات الدم بالانفتاح ولا نخسر قادة وشباباً آخرين لأن شعبنا المسيحي لا يتحمل ذلك.

وهناك من لامنا عندما حذرنا لأنه لا يريد لنا أن نخاف دوما بل يريد لنا الاقدام وتحمل التضحيات لكي ما نحصل على الذي نريده بشرف وعن جدارة، ورغم أن هذا الطرح هو صحيح في مسيرة الحصول على الحقوق، لأن الحقوق لا تأتي غالبا إلا بالمطالبة والصبر والتفاني واحتمال الشدائد والاضطهادات. وأحد أهم ما يجب تحمله هو أعطاء قافلة من الشهداء لكي يلتفت العالم إلى مشكلتنا ويتدخل وبعدها نحصل على ضمانات دولية ونصل إلى مرحلة الحصول على الحقوق، خاصة والمثل القائل ما ضاع حق وراءه مطالب، وكلام الشاعر حين قال: إذا الشعب يوما أراد الحياة ... فلابد أي يستجيب القدر!!!!

لكن هل... وهنا سنسأل جملة من الأسئلة نطلب من يتمكن أن يجيبنا عليها أن يسعفنا بالجواب الواقعي غير المبطن ولا المثالي وينطبق على شعبنا:

... إن شعبنا يستطيع تحمل هذه التضحيات ويصمد؟

... إن شعبنا مستعد لإعطاء قافة من الشهداء ويبقى صامدا؟

... يبقى شعبنا في الداخل متحملا كل الشدائد ويقاوم ولا يهاجر؟

أسئلة كثيرة تطرح نفسها بإلحاح علينا ونحن نودع أول شهداء المسيحيين في العراق إن استطعنا تسميته كذلك كونه رئيس تجمع وسقط شهيدا في قصبة 100% من شعبها مسيحيين وفيها ما لا يقل عن 800 عنصر حراسة أمنية وكلهم مسيحيين ومن أبناء القصبة، وكافة مداخلها مسيطرٌ عليها بسيطرات مسيحية خالصة!!!

إذا النار وصلت إلى بيتنا، وقبل شهرين فقط كانت المنطقة التي نسميها الآن سهل نينوى من تلكيف وقره قوش وصولا إلى ألقوش وما بعدها آمنة خالية من المشاكل ولا حوادث تقع فيها، واليوم دخل الخوف والرعب ليس في قلب أبناء تلك المنطقة التي نسميها كما قلنا (سهل نينوى) فقط بل في قلب حتى القادة الدينيين الذين نعتبرهم رمزا وقادة نلجأ إليهم ونسير ورائهم ونستمد القوة منهم إلى الحد الذي استوجب حظور أحدهم إلى قضاء تلكيف للتوقيع على معاملة كانت متعثرة منذ سنوات طويلة وتم حسمها لصالحه هذه الأيام .. وأبى الحظور خوفا وهو يقول : لو سُجلت كل تلكيف باسمي فلن أذهب هناك للتوقيع!!!! تصوروا أول الردود والحال الذي بدأنا نعاني منه من أول حادث جدي تعرض له شعبنا، ولازال سهل نينوى جغرافيا محسوبا على نينوى ولم يحدث أي شيء ولم تتغير الخارطة.

فكيف سيصبح حالنا إن أصبحنا سببا في تغيير الخارطة الرسمية للعراق ونحن نخاف حتى من التنقل بين قصبات سهل نينوى!!!؟

* لماذا قبضنا الأموال إذن في حالة كوننا غير مستعدين للتضحية؟

* وهل يسكت الذين صرفوا هذه الأموال الطائلة؟

* ألم يحاسبونا بصورة جدية إن لم يحصلوا هم ما يقابل هذا الصرف؟

* أم اننا نقبل فقط بالمريح والأمين والدسم ونرفض الصعب والمر والخطر؟

* وأخيرا هل هكذا تسترد الحقوق؟

نكتب ذلك بحرقة وألم لأننا حذرنا وكتبنا ووضحنا المصير وكوننا على دراية بشعبنا وقدرته على المقاومة ومدى استعداده على تقديم التضحيات!!! وأبسط صورة على ذلك إذا وضعنا أمامنا خارطة العالم سنجد تواجد شعبنا في معظم أرجائها ولماذا؟ هربا ... نعم هربا لأننا شعب مسالم ولسنا مستعدين لتقديم التضحية فنهرب، والذين يطالبون بالصمود ونيل المطالب مع الأسف هم الهاربين الذين أمّنوا لهم أقامة مريحة ومستقبل مضمون وارتاح بالهم وبدأوا بتقديم النصائح من غربتهم لمن في الداخل ويلوموننا على خوفنا المبالغ فيه وأكثر من ذلك يعتبروننا متقاعسين وربما خائفين، ونقول: الذي يده في الماء ليست كالتي هي في النار، وقلنا في مقالنا المذكور لا نريد النصائح من هؤلاء لأن الساحة مفتوحة وإذا رغبوا ليأتوا بأنفسهم ويخوضون غمار النضال معنا جنبا إلى جنب لأن ذلك يتطلب الكثير والأصعب من هذا الكثير هو الموت في سبيل القضية.

أخوتي الأعزاء في أمتنا المغلوبة على أمرها؛ في مواضيع كثيرة:

الأول: باسمها؛ الذي جعلنا نترك الكتابة عنه لأنه أصبح من الأمور المستحيلة في الاتفاق حوله رغم وجود طروحات كثيرة ومقترحات لكن دائما نصرّ على الاختلاف والأمر أوصلنا إلى مسميات ثلاثة مجتمعة كحل مضحك وأصبحت الواو معضلة نتناقش حولها لأنها تفرقنا بوضعها بين المسميات وتوحدنا إن رفعناها، وهي ما هي غير واو العطف ليس إلا!!! أليس هذا أمر مضحك؟ إن كنتم تؤمنون بأننا واحد، فلماذا الثلاثة أسماء إذن؟ وإن كنتم متيقنين بأننا ثلاثة فلماذا تحذفون الواو من بين الأسماء؟ وهنا أعجب عنوان لمقالة رأيتها كانت لأحد الأخوة عندما قال نحن ثالوث مقدس!!! وما أبعد التشبيه عن الواقع؟ كيف نشبه الآب والابن والروح القدس بـ (الكلدان السريان الآشوريين)؟

والثاني: نحن مبتَلون بساسة ضعفاء متناحرين لا يهمهم مصير شعبهم بل فقط مصالحهم الضيقة، وإن اجتمعت مجموعة منهم على قرار تكون المجموعات الصغيرة التي لا يعرفها أحد وتريد أيضا أيصال صوتها لكي تتسلق سلّم الشهرة ليس إلا، أما الأحزاب الكبيرة ذات النضال السياسي ولها تاريخ طويل نوعا ما، فترى أنها أكبر من أن تجلس وتتحاور مع أخوتها من الأحزاب الصغيرة لأنها قد استفادت من التجربة الماضية للحزب القائد!!! فهي وحدها قائدة والباقي يجب أن يكونوا تابعين ذليلين!!!!

والثالث: هو استلامنا النقود دون سؤالنا عن مصدرها وخاصة من قبل القادة الدينيين وأعطاء الأوسمة للأغنياء دون التفكير بالنتائج التي أوصلتنا إلى ذبح كاهن وقتل رئيس تجمع ولا نعلم إلى أين سنصل بعد؟

إن العنف قد كشّر عن أنيابه وإن اندلعت النار فإنها ستأكل شعبنا مع الأسف وسيفرغ سهل نينوى من أهله وسيزداد نزيف الهجرة إلى أن يجف النبع في أرض الأجداد، كما سيزداد عدد اللاجئين الذين لا يفكرون بالوطن الأم وبأرض الأجداد، بل فقط بالأمن والأمان، وهذا لا أفق له في العراق لحد الآن، بل أن غيوم الشر مستمرة بالتجمع والمطر الثقيل لم ينهمر بعد لأن المعركة النهائية مجمدة بوجود قوات أجنبية تحذر هذا وتمنع ذاك وقد تساعد طرفا على الطرف الآخر، فإلى متى نبقى نحذر ومن سيكون الضحية اللاحقة؟ نأمل أن لا نفقد أحد غيره كما نأمل أن يتغمد الله الفقيد برحمته الواسعة.

عبدالله النوفلي


209
موضوع شائك جدا أحاول أن أكتب فيه بصراحة لكي:

أولا أنقل أفكاري للآخرين

وثانيا إذا كنت متشائما لكي أتنور من ردود أخوتي القراء

وثالثا إذا كنت على خطأ حتى أفتهم خطأي

ورابعا إن كنت على صح أكون قد أوصلت الرسالة.

هذا مجمل ما يدور في بالي وما أحب أن أوصله لكي لا أُبقي الخوف من المستقبل يقلق تفكيري وخاصة عندما أشاهد ما يجري في العراق من مجمل الأحداث.

إن دائرة العنف التي تعصف بالعراق والعراقيين ليست صغيرة وهي تلتهم الآلاف وباستمرار لأن ماكنتها تعمل وهناك من يغذيها وهم كثر.

ونسمع من الإذاعات والفضائيات ونقرأ في الجرائد ومن خلال الأحاديث الخاصة هناك قوى سياسية همها أن تكتسب أكبر قدر من المكاسب من هذا الوضع فتقوم بأعمال لإرهاب خصومها ووصل الأمر إلى الخطف والقتل ووو  وكل الذي نراه ونسمعه هناك من ينسبه لهذا أو ذاك سواء هو في السلطة أو خارجها وللمليشيات التي تحت لوائه، كما يوجد عنف آخر لكن ليس بهذه الشراسة ألا وهو العصابات التي تبحث عن المال والصيد الدسم والفدية التي تملأ الجيوب من جراء ذلك...

والسؤال أين مسيحيونا من كل هذا؟

يمكنني أن أجزم أننا خارج هذه الدائرة حتى اللحظة، وليس بين كل هؤلاء من يضعنا داخل دائرة العنف كهدف مسبق الأعداد وهدف يتم رصده وتصفيته بخطط مبرمجة مسبقا لأن المسيحيين لم يدخلوا هذا الصراع أصلا ولا يشكلون أي خطر لأي جهة بل همهم هو العراق والخدمة المخلصة وينشرون المحبة للجميع دون استثناء ولا ينظرون لهذا إن كان سنيا أو شيعيا ... كرديا كان أم عربيا، الكل عندهم متساوون طالما نحن عراقيون جميعا ونعمل من أجل الخير.

ومن أجل هذا جميع القوى التي يسمونها متصارعة قد وضعتنا خارج الحسابات لأنها أيقنت نحن لسنا خطرا على أحد سواء بالمناصب أو المكاسب أو أي ضرر آخر نحوهم أو نحو العراق.

لكن منطقة سهل نينوى قد تقلب الحسابات وتضعنا ضمن هذه الدائرة وعندها سنندم ونقول ياليت الذي كان لم يكن!!!! ونصبح ضمن دائرة الصراع لأننا ساهمنا باقتطاع جزء من أرض العراق التي تعتبر عربية أو أقله خارج أقليم كردستان وساهمنا بجعلها أرض كردية أي ساهمنا بتوسيع كردستان على حساب العرب رغم أن منطقة سهل نينوى هي أرضنا كغالبية لكن التاريخ يقول أن الظلم كان يأتي من العرب ومن الأكراد لكن كعصابات تحكمها العقول غير المتنورة والتي تبتعد عن العمل العقلي المدروس، وللمطلعين الأمر جدا سهل الرجوع إليه في المصادر.

وكيف سنجر أنفسنا للدخول في دائرة الصراع ونصبح أهدافا للقوى المتصارعة التي أشرنا إليها؟ سيحصل هذا بانحيازنا إلى طرف من أطراف النزاع، فلكل حساباته، ونجد للأكراد حسابات أيضا ضحوا من أجلها كثيرا وأعطوا الخسائر بالجملة والاضطهادات وأعتقد أنهم ليس من السهل أن يتخلون عنها، وسيواجهون العنف إن حصل بالعنف وربما بأقسى منه، وكذلك الأطراف العربية الأخرى المنقسمة عدة أقسام بينها السنة والشيعة وبين هذا وذاك أقسام كثيرة متصارعة الله يبعد شر الجميع عنا وندعوا لهم جميعا بأن ينور الله عقولهم لكي يلتفتوا إلى مصلحة العراق الكبيرة قبل أن يلتفتوا لمصلحتهم الضيقة.

فالسؤال الذي يفرض نفسه ماهي مصلحة مسيحيي العراق؟ هل بدخول دائرة الصراع أو بتجنبها؟

وكلا الموقفين به فوائد وسيئات، الأول يفرضون حقوقهم على الآخرين وبقوة ويتحملون التضحيات مهما كانت!!! والثاني يجنبون أنفسهم الخسائر ويتمسكون بالقوانين والأنظمة التي تكفل حق الكل كمواطنين عراقيين!!!

لكن ما ضاع حق وراءه مطالب... وحقنا نستطيع المطالبة به بطرق عدة ومنها أن التعديلات الدستورية في دستور العراق قد بدأ الحديث عنها ونستطيع التظاهر والمطالبة بتثبيت حقنا ضمن العراق ككل في منطقة سهل نينوى كما هو حال الأكراد في كردستان التي تعج بالآلاف من المسيحيين والذين ليسوا من القومية الكردية، تماما كما يعج العراق بالآلاف من المسيحيين والذين ليسوا من القومية العربية. كما نستطيع من خلال التأثير على اللوبي العالمي والمنظمات العالمية أن نوفر منطقة آمنة بضمانات دولية ومستقلة غير تابعة لا للعرب ولا للأكراد...

فإن كنا سببا بامتداد كردستان نحو الموصل فعلى أكبر تقدير علينا تحمل ما سيقرره الآخرون من خطط للانتقام ضدنا، ولا أرغب من هو جالس في الراحة وفي الخارج أن يكتب لي وما الضير علينا أن نتحمل النتائج لأننا نطالب بحقوقنا!!! ولهذا أقول تعال وادخل المعمعة وتكلم عندها لأنك في برجك العاجي وتطالبنا نحن في الداخل بالتضحيات وقد تنعتنا بالمتهاونين وبعدم حبنا لقضيتنا ووو وبكثير من الألقاب.

لكن وضعنا في الداخل اليوم هو أننا نخاف أن نرسل اولادنا للمدارس ونخاف الذهاب للسوق ونخاف الذهاب للكنيسة ووو لأننا بقينا في الداخل ولم تحالفنا الفرص لكي نخرج مثل ما خرج الآلاف، أو لم نقبل لأنفسنا الذل لكي نقف بالطابور ونستلم المساعدات من هذه الجهة او تلك... فهل فوق ذلك تطالبون أن نتحمل أكثر؟ ونصبح هدفا للميليشيات وغيرها؟ ألا تكفينا العصابات التي تخطف كل من تراه ميسورا؟ فحتى لبس الملابس النظيفة نخاف ان نلبسها!!! فماذا بعد، هل تريدون أن تذبحونا قربانا لكم ولاشباع رغباتكم بالتحالف مع هذا أو ذاك أو أكراما لمن يصرف لشراء أهله وبيعهم لهذه الجهة او تلك.

فكروا جيدا قبل اتخاذ القرار ونوروني إن كنت على خطأ فربما أرتاح من القلق الذي يساورني بالله عليكم أشرحوا لي غير هذا السيناريو؟

210
منطقة سهل نينوى - نقاش هاديء

قفزت اليوم هذه المنطقة إلى واجهة الأحداث لدى شريحة معينة من العراقيين، وفجأة للبعض وبتخطيط مسبق من آخرين لغايات معينة وأهداف محددة من قبلهم، وبدأت المواقع تكتب عنه ومنهم من يريده جزءا من كردستان ومنهم من يريد أن يكون منطقة آمنة لأهله والمسيحيين منهم خاصة ومنهم من يعمل ليبقى عربيا كما هو... أو إن أصبح تحت المظلة الكردية أن يكون بحكم ذاتي مسيحي... ولكل من هؤلاء أسبابه ومبرراته.

ومنطقة آمنة قد سيكون أسما جيدا يرتاح له من يسمعه لأنه يتحدث عن الأمن وعن المنطقة التي يسودها هذا الأمن، لكن السؤال من يحدد أو يحقق هذا الأمن في هذه المنطقة؟ خاصة في هذا الوضع المعقد الذي يعيشه بلدنا وفي ظل القهر وسلب الإرادة التي يعيشها شعبنا فيها وفي هذه المنطقة، فكيف لهذا الشعب أن يحقق الأمان في منطقته ويعيش آمنا دون تضحيات، أليس أولا عليه أن يكون مستعدا للتضحية في سبيل الحرية ليكون ذلك فاتحة للأمن المنشود وفي المنطقة المنشودة؟ وإن كان شعبنا يختار الهزيمة دائما أمام أي خطر يواجهه فذلك أمر لا يبشر بالخير مطلقا لأننا سنترك الأرض لمن يضطهدنا ونبحث عن ملاذ آمن يحققه لنا غيرنا، وهذا موضوع بحاجة كبيرة للدراسة والتمحيص قبل طرح الفكرة موضع التنفيذ. وفي حالة مطالبتنا بها هكذا علينا أن لا ننسى وجود جزء مهم وحيوي من أهلنا خارج هذه المنطقة؛ منهم في كردستان ومنهم في أرض العراق الأخرى وآخرون في أرض الله الواسعة!!! فهؤلاء ماذا سيكون مصيرهم وما هو محلهم عند تطبيق الفكرة؟

أما إن تكلمنا عن حكم ذاتي للمسيحيين في الأرض التي يشكلون فيها الأغلبية... فهذا يتطلب منا أمورا أخرى كثيرة أيضا، ومفهوم الحكم الذاتي وفهمه مطلوب أيضا ليكون الجميع على علم ودراية به ويساهمون في إنجاحه ويتفاعلون من خلاله مع الإنسانية والشعوب المحيطة لتحقيق الخير الأشمل ليس للمسيحيين فقط وإنما للذين يشاركونهم الأرض أولا والآخرين المحيطين بهم لكي لا يكون هذا الحكم سَلبا لحقوق الآخرين وغبنها. والحكم الذاتي يتطلب أدوات وإرادة وأحزاب متآخية تأخذ على عاتقها العمل السياسي لكي ينجح الحكم وينطلق إلى امام، وكيف لنا أن ننجح إذا لم تكن لدينا الإرادة الصلبة في مواجهة الأحداث بل تطويقها لصالح المنطقة والحكم وشعبنا نجده يسلك طرقات الهجرة ويطرق أبواب السفارات ويؤلف الكثير من القصص منها الواقعية ومنها الخيالية بغية الفوز بفرصة اللجوء لأول بلد يقتنع بقصته ويعيش آمنا حتى لو كان ذلك بعيدا عن أرض الآباء والأجداد. أما أحزابنا التي تقع عليها المسؤولية الكبرى في إدارة مثل هكذا حكم، فنجد فيها العجب العجاب، فغالبا ما نجد لديها القصور في النظرة؛ فنجد الآشوري أو الكلداني أو السرياني، هؤلاء الذين يتخذون هذه التسمية المحددة أي أنها حددت مسبقا ميدان عملها من خلال الاسم الذي اتخذته، فالحزب الكلداني مثلا اتخذ الساحة الكلدانية هدفا لتشاطه وهكذا الآشوري والسرياني اللذان حددا الآشورية والسريانية على التوالي منطقة لعملهم رغم ما ينضح من هذا وذاك أو من الجميع هدفهم الأسمى الذي هو العمل على الساحة القومية جمعاء أي تلك التي تضم (الكلدان ... السريان ... الآثوريون) وعندما يُذكر الأسم نجدهم يحاربون حرف (الواو) الذي يفصل هذه الأسماء، كونه يشير إليهم كشعوب متعددة وليس شعبا واحد!!! إنها حقا سخرية القدر أو سخرية التسميات، فإن كانت هذه الأحزاب تنشد الوحدة؟ فما بالها تتخذ أسما مفردا لجانب معين من الشعب لنفسها؟ وإن قلنا لنضع هذه الواو فيما بين الأسماء ونحل المشكلة ونجد الأرضية العملية للتسميات التي اتخذها أحزابنا، نجد من لا يرضى ويقبل لأن الواو تفرق!!! فيا أيها الأخوة الأحباء ألسنا حقا متفرقين؟  وهل هذه الواو هي التي ستفرقنا أو رفعها سيوحدنا؟ فإن توفرت النيات لدى أحزابنا ويكون لها هدفا نبيلا فحقا هذه (الواو) لا تقدم ولا تؤخر وإلا لماذا أتخذ البعض أسما آشوريا والآخر كلدانيا والثالث سريانيا؟!!! إن كانت النيات خالصة وتحب الاتحاد، وإن كنا هكذا فكيف سننجح ونُنجح الحكم الذاتي؟ ومن سيدير هذا الحكم؟ هل نضع في كل موقع ثلاث مسؤولين لكي نحقق الوحدة (الكلدانية .. الآثورية .. السريانية) أم نعمل استفتاء في كل قرية ومدينة لنرى من هم الأغلبية فيها ليتم انتخاب حاكم لها!!! فمشكلات الحكم الذاتي أيضا ليست بالسهلة وممكن تذليلها ببساطة.

وفي الجانب الآخر نجد من يفكر أن تصبح هذه المنطقة جزءا من كردستان بغية استثمار النجاح الذي تحقق في منطقة كردستان في ترسيخ الأمن والاستقرار في المنطقة وحجرها صحيا بعيدا عن أرض العراق الملتهبة بالعنف والقتل والدمار، وهذا الجانب أيضا فيه الكثير من المساويء ودائما نتكلم عن المساويء لأن المحاسن معروفة ولا تحتاج لكتابتها لأنها تحصيل حاصل، فهنا سيتركز المسيحيون وستزداد نسبتهم في الإقليم وسيحضون بحماية كردية بمقابل أن يكونوا سببا في اقتطاع جزء من أرض عراقية يعتبرها الأغلبية جزء من أرض العرب لألحاقها بأرض أقليم كردستان، فرغم أن أرض الأقليم أيضا هي عراقية لكن للخصوصيات العرقية أمور كثيرة علينا يتوجب تحديدها ودراستها حتى لا نصل يوما لنجد أنفسنا وقد خسرنا كل شيء وحتى سهل نينوى!!! لأننا في هذا الاحتمال سنكون قد سلّمنا أرضنا ومدننا وقرانا للأكراد ولم نحصل لأي مكسب مقابله، أي علينا أن نثبت كل الأمور في دستور الأقليم وبوضوح قبل أن نقدم على مثل هكذا خطوة، وأن تكون لنا ضمانات دولية كي لا يستفرد بنا هذا الطرف أو ذاك بجعلنا شعب موقعه الأرض الحرام ما بين الأكراد والعرب، وقضية كركوك شاخصة أمامنا جليا وتدعونا للاستفادة منها قبل حزم أمرنا واتخاذ قرارنا المناسب. وهذا القرار يجب أن لا يتخذه من يجلس في أمريكا أو أوربا أو أستراليا لأن جميع هؤلاء لو كانت الأرض عزيزة عليهم لما تركوها واستقروا بعيدا عنها آلاف الكيلومترات، ويقررون مصيرنا نحن الذين نعيش في أتون النار ونراقب الأحداث عن كثب، ويجب أن لا نقارن أنفسنا مع الشعب الكردي لأن هذا ضحى كثيرا وقاتل وقدم الآلاف من الضحايا في سبيل قضيته بينما نحن نركض سريعا لكي ننال ملاذ آمن في دولة لا نسمع فيها صوت النار والمشاكل.

ويبقى هنا أن نبحث عن الأسلوب الذي سنتخذ القرار فيه ويكون قرارا مناسبا، هل بالاستفتاء العام لأبناء شعبنا؟ أم بقرار من أحزابنا السياسية التي تضع قدما واحدة للأمام وتعود قدمين إلى الخلف!!! وموقفنا من صناديق الاقتراع واضح والتلاعب بها واضح وصريح أيضا حيث لا تبشر التجربة بخير ممكن أن نأمل حصوله، إنما تأتي النتائج حسبما يشتهي أولياء الأمور والطرف الأقوى سواء بالترغيب أم بالترهيب وستكون النتيجة واحدة.

فهل سيكون المسيحي مرحب به في كردستان إن جاء إليها من بغداد ؟ وهل ستفتح الأبواب له بحرية؟ الجواب على الأغلب ليس أيجابيا وهذا ما حصل فعلا معي وللكثيرين ويبقى مرهونا بمعرفة المسيحي باللغة الكردية وبالكيفية التي يقنع بها منافذ الدخول، وإلا سيكون مصيره العودة من حيث أتى خائبا حتى لو أقسم اليمين أنه أو أهله أو أصدقاءه هم في الأقليم!!!

كل ذلك يجعلني أن أوجه الدعوة لدراسة الموضوع جيدا ونضع اختلافاتنا جانبا ونصبح شعبا واحدا ولو فقط لحل هذه المسألة كونها مصيرية وتاريخية لأن الدعوات كثيرة وكلها بحاجة لمن يتحمل المسؤولية ويقود الشعب لشاطيء الأمان ولو لمرة واحدة!!! ولا أريد أن أقول أن الأيام كفيلة بأن ترينا ما سيحدث لأنني أرغب بأن يكون من يقرر نحن وليس غيرنا ونجني ثمن هذا القرار. [/b]

211
فأنا لست مع حذف الواوات ما بين التسميات المفردة، فبأبسط مقولة يتيه شعبنا ولن يستطيع إيجاد من يمثله لكي يستثمر حقوق الكلدان الآشوريون السريان الأرمن، لأن هذا التعبير يشير إلى الواحد وليس إلى الأربعة والواحد هي مشكلتنا حيث لن نستطيع أيجاد من نتوحد عليه، بينما من السهولة إيجاد ممثل لكل جزء على حدة وهذه مشكلة السياسيين الذين يصرون على التفرقة وعدم إيجاد نقاط الإلتقاء فيما بينهم ليصل حالنا إلى ما نحن عليه ومنهم من له خبرة ويدعي الوصاية على شعبنا ومنهم من يتحالف مع الغير لتحقيق أهدافه وهكذا أصبح شعبنا هو الخاسر الأكبر بعد أن خسرت أحزابنا رصيدها لدى الشعب الذي تدعي تمثيله، وحتى الكنائس المختلفة توجد اجتماعات وأرضية مشتركة تجتمع عليها إلا الأحزاب التي تكون كل منها تغني على ليلاه....

فأنا مع وضع الواوات بين الأسماء لأنها ستفيد شعبنا أقله على المستوى المنظور من الزمن.

212
إذا نمت لا ينتظرك الزمن
مقولة حكيمة استمعت إليها مؤخرا، وهي حتما حكمة نطق بها أحد الحكماء، وبديهية كغيرها من البديهيات. لكن هل ننتبه للمعنى دائما؟ أم أن الكلمات تمرّ مرور الكرام ويمر معها الكلام السمين كما يمرّ الغث أيضا وتأخذنا زحمة الحياة بل قسوتها وتجعلنا لا ننتبه لما يقال أو يجري من حولنا، لنصبح كالآلة الصمّاء لا تحسّ ولا تشعر، وهذا المستوى خطير لأنه يدمّر مستقبلنا ويجعل حياتنا ذات اتجاه واحد روتينية .. مملة بل مزعجة خالية من الأمل.
إنه الزمن الذي هو بثمن عظيم أو يمكننا القول أنه لا يقدر بثمن، ونحن نحاول تمضيته كيفما كان، وقد يقول صديق لصديقه: هل تمضي لنضيّع بعض الوقت؟ !!! بلا شك أنها مقولة تفتقر إلى التفكير، فهذا الذي نضيعه ما هو إلا جزء من عمرنا وهذا الزمن الذي نفقده، نفقد معه فرصة للتقدم ومجالا لتقديم العون والخير للآخرين بل لأنفسنا أيضا، وهنا يجب أن لا نفكر بأن الوقت الذي يذهب بالسمر والضحك والراحة يكون هكذا بدون فائدة أو ضائعا، على العكس فإن الحياة تتضمن محطات مختلفة؛ منها للجهد والعمل ومنها للراحة والتسلية، ولولا هذه الثانية لما استطعنا الصمود في الأولى، وإذا لا يرتاح الجسم لن يستطيع العودة للعمل. ويجب أن تكون كلتا الحالتين متوازنة مع الأخرى لنحصل على النتائج الإيجابية.
والنوم أيضا هو محطة للراحة إن كان نوما فبأوقاته المعتادة وحسب حاجة الجسم، وحكمة الله التي وضعت الليل والنهار بميزان هي لكي تعلّمنا أن النهار هو للعمل والجهد، والليل هو للهدوء والسكينة للجسم لإراحته من جهد النهار وتعبه، رغم أن العولمة والتقدم الصناعي قد تتغير فيه الأحوال ويضطر لعكس المعادلة ليصبح نهاره للراحة والليل للعمل، وتبقى هذه متطلبات الحياة وحسب الظروف، لكن إذا نمت لا ينتظرك الزمن، المقولة التي وضعناها عنوانا لمقالنا هذا تقال للكسالى والمتكاسلين أو المتقاعسين الذين يخال لهم أن الزمن هو رهن إشارتهم، ينامون حيثما يشاؤون ويعملون كذلك ، إن أمثال هؤلاء مجرمون بحق انفسهم أولا وبحق الآخرين لأن الإنسان ليس ملك نفسه؛ فقد وضع الله فيه من قدرات يبدع من خلالها الشيء الكثير وخسارة هذه يكون خسارة للإنسانية وتحجيم عمل وأبداع الله. فالسياسي يجب ان يستغل مواهبه لكي يبدع في السياسة ونومه يعني تجاوزه من قبل السياسيين الآخرين ويتأخر عنهم بمقدار خسارته للزمن، وهكذا العامل في الشأن القومي والمهندس والطبيب والعامل والفنان والرياضي  ورجل الدين ...
إن الزمن لا ينتظرنا أبدا بل هو مستمر بمسيرته، وهو مشاع للجميع وينتظر من يستفاد منه ويتحول إلى مرحلة متقدمة ويهزأ من الذي ينام ويتركه يمضي دون فائدة!!! إن الحياة مليئة بالحكم فمن له أذنان سامعتان ليسمع ومن له عيون تنظران لينظر ويستوعب من الحِكم التي تنمّي عقله وتزيد من قدراته وتجعله مؤثرا في الوسط الذي فيه.
عبدالله هرمز النوفلي

213
المنبر الحر / اللحظات الحرجة
« في: 09:31 27/08/2006  »
اللحظات الحرجة

يقال عند الشدائد تُعرف الرجال، وأيضا أن الرجال معادن، ولا يُختبر الإنسان إلا في وقت الشدة، وهكذا أيضا الصديق في وقت الضيق... لأن وقت الراحة والفرح يجمع الكثيرين كونه لا يكلفهم شيء، بينما الوقت الحرج يهرب منه الكثيرين، وأقله لا يحبذون التواجد فيه، لأن اللحظات الحرجة تحتاج إلى رجال أو حتى نساء من طراز خاص يكون لهم مميزات تمكنهم من الثبات والتفكير السليم ولا تزعزعهم المحن بل يتصرفون بحكمة ويستطيعون بهذه المميزات عبور الأزمات أو العبور بالأزمة إلى شاطيء الأمان وصنع الفرح بعد الألم والأمن بعد الخوف والسلام بعد الشدة.

ولمثل هكذا اناس البشرية بحاجة، لأنهم أناس الملمات والأوقات الحرجة ليست دائمة ولا هي ملائمة للجميع، لكن لابد أن تأتي الشدائد، وحتى ربنا له المجد في رسالته على الأرض كان معه الكثيرين وفي دخوله لأورشليم أجتمعت المدينة كلها لتحيته بأغصان الزيتون وبفرش الملابس أمام مسيرته، لكن بعد أسبوع وفي شدته هرب معظمهم ما خلا يوحنا الحبيب وبعض النسوة تواجدوا معه على الجلجلة. وما أشبه اليوم بالبارحة وما أكثر أوقات الضيق فإنها مزدهرة في أيامنا حتى أصبحت ظاهرة عامة لا نتفاجأ عند مصادفتها، لأن الأسباب كثيرة وأرض الشر أصبحت خصبة والضحايا بالآلاف. إذ أصبح الشر شبه أمر عادي، لكن لمن يكون هو الضحية حتما ليس الأمر هكذا. ونسمع أن من يده بالماء ليس كمن يده في النار والشبعان لا يعرف حال الجوعان، ومن لا يواجهه الموت أو الخطر لا يعرف حال من يكون في اتونها!!!!

نقول هذا ونحن في العراق نعاني من كثرة اللحظات الحرجة التي نقع فيها؛ فمن المفخخات إلى العبوات الناسفة إلى القتل والسلب والخطف و... أمورا كثيرة نصبح أحيانا في حيرة من أمرنا ويختلط علينا الأمر ولا نعرف كيف نتصرف، وقد يكون تصرفنا سليما أو نقع في هفوات هنا او هناك. وهنا اود التركيز فقط على موضوع الخطف والمساومات التي تحدث حول الضحية بين أهله وأصدقائه من جهة وبين الخاطفين من جهة أخرى، والمخطوف لا يكون دائما في حالة مادية جيدة ويصبح أهله لا حول لهم ولا قوة امام مطاليب الخاطفين. وأعرف مرة أن والد الضحية كان موظفا بسيطا لا يملك من المال سوى قوت يومه، والخاطفين يطالبون بلغة (الدفاتر!!) وهنا كيف للأعصاب أن تتحمل وتتحدث وتفاوض؟ فالأم من جهة تبكي وتولول والأب منهار ويده فارغة !!! حينها طالب أهل الضحية الخاطفين أن يرسلوا سرا أحدهم لكي يتحقق من الحال!!! تصوروا... وكانت النتيجة ولله الحمد إيجابية بقبول الخاطفين بالقليل الذي جمعه الأصدقاء للعائلة المنكوبة لقاء عودة أبنهم سالما.

فكيف لهؤلاء البشر أن يبنون حياتهم مقابل تعاسة الآخرين وقتلهم أو سلبهم لأموالهم؟ إن الأرقام بدأت تكبر وعدد الدفاتر (عشرة آلاف دور) بدأ يكبر وكأن الدفتر شيء بسيط يمكن الحصول عليه بأيام أو بأشهر قليلة؟!!! لم يسلم من هذا أي أحد في العراق؛ المسلم.. المسيحي.. الإيزيدي.. الصابئي المندائي... فالجميع سواسية وكأننا امام القانون والجميع متساوون أمامه، كما لم يسلم رجال الدين من هذا الشر ومن كل الأديان، وهذا دليل أن الإرهاب لا دين له، فرجل الدين الذي نذر نفسه للوعظ والإرشاد ونشر المحبة والإحسان والود ما بين البشر، أي أنه ينشر رسالة السماء للإنسانية جمعاء؛ أيكون مثل هذا ضحية؟!!!! أليس الإرهاب كافرا ومن غير دين؟ وعندما يتم دفع فدية لهكذا اناس أو من يطلب فدية عن مثل هؤلاء الناس، ألم يسأل نفسه من أين لمثل هؤلاء المال؟ هل مهنتهم تجارية؟ هل لديهم محلات يربحون من خلالها ؟ أم أنهم يضاربون بالعملة؟.... إن تجارة هؤلاء الناس هي جذب البشر إلى معرفة الله، ومحاربة الشيطان وأفعاله وتعرية نشاطاته الشريرة، وفضح الباطل ونصرة الحق، وفي قول الحق لا يخشون لومة لائم، فمن يخطف هؤلاء أليس حليفا للشيطان ؟ أليس ناصرا للشر؟

إنها البلية التي لا تضحك بل تقودنا إلى البكاء، إنها تراجيديا شديدة الحزن، إنه حالنا وحال أهلنا في العراق، وإن وصلنا إلى محاربة رجال الدين يعني أننا بدأنا في مرحلة الكفر والإلحاد، لأننا نحارب رجل الله على الأرض، نحارب دعاة الخير، نحارب حاملي راية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر... هذه هي اللحظات الحرجة التي تتطلب من الجميع التوحد، لأن الشر محيط بالجميع والنار لا تميز بين وقودها فهي تحرق الأخضر واليابس، وعلينا جميعا أن نخوض غوارها، لكي نقف أمام هذا الشر وننصر المظلومين ونعتبرها قضية حياة أو موت، وإن لم نفعل فستكون الضحية اللاحقة جاهزة، وهكذا لن يفلت أي أحد من الشر وسنصبح جميعا ضحايا لا سامح الله.


214
المنبر الحر / تسونامي العراق
« في: 08:17 13/08/2006  »
تسونامي العراق

العديد مناعندما يطالع الصحف ومواقع الانترنيت غالبا ما يقرأ حظه الذ كتب في برجه لذلك اليوم ومعظم الذين يقرأونها يفعلون ذلك من باب الفضول ليس إلا، ومنهم من يتأمل أو يتمنى حصول ما بُكتب في برجه خاصة إذا كان فيه فسحة من الأمل، وذات الشيء يفعله البعض في جلسات الود والمحبة مع الأصدقاء عند شرب القهوة، لتنبري إحداهن وتتبرع بقراءة الفنجان وهي على علم مسبق بأوضاع واحوال من هم حواليها أو قبل ذلك تأخذ بالحديث بما سينفعها وبما ستقدم عليه فتؤملهم بمال سيتدفق أو رسالة مهمة في الطريق أو سفر على الأبواب أو عقدة في طريقها إلى الحل أو سلم صاعد إلى مجد مفقود أو .... ولمثل هؤلاء رموز يختارونها من الأشكال التي تظهر في فنجان القهوة ويصنعون خيالات يقضون خلالها وقتا من المرح والضحك يشحن الحاضرين أنفسهم بطاقة جديدة ليوم عمل مضنٍ قادم، لينفرط عقد الجالسين ومنهم من آمن بما سمع ومنهم من ضحك مبتسما ومنهم من لم يعره أهمية وخرج مرتاحا!!!!

ومع الأبراج وفناجين القهوة يوجد الأحلام وتفسيرها وجعل هذه وسيلة مثل التي سبقتها للقفز فوق الواقع الصعب والعيش وقتا من المرح والتسلية في تفسير حلم هذه أو تلك، أو حلم هذا أو ذاك... ولهذه المهنة أيضا أبطالها الذين يقسمون الأحلام لأشكال وأنواع يتفنن مفسروها في تعدادها وتفسيرها ويقولون أن أحلام اليقظة غالبا ما تتحقق، ويسوقون الروايات حول فلان أو علّان، وحتى من لا يؤمن بها يدخل إلى قلبه الشك والتردد والخوف من مغبة تحقيق حلم عابر مر في نومه ليوم سابق أو آملا بحلم وردي جميل ينهي به نومه اللاحق بغية أن يحضى بوقت من خلاله ليدخل عالم من الحب والأمن والسلام.

لكن هل تسير الأيام هكذا؟ وهل أن الأبراج ... أو فنجان القهوة... أو الأحلام، هي التي تقرر مصير أيامنا القادمة وتجد لنا الحلول لما أصبح صعب المنال في وقتنا الحالي، هذا الوقت الذي يعصف به العنف ويدمر كل شيء وكأننا في تسونامي الفوضى والعنف، إنه حقا تسونامي العراق الذي لا ينفع معه كل تحوطات الأمان وسدود الأمل وجرعات المقوي، فإنه يجرف كلما يأتي ويصادفه في طريقه، ليحقق بل يخلف الدمار، فهذا الدمار الذي يعيشه العراق هو طوفان مدمر يجرف معه سنة العراق، وشيعته، لم يسلم منه الصابئة ولا الإيزيديين ولم يكن حظ المسيحيين أوفر بل كانوا هم أول قشة جرفها دون عناء. فقط أكراد العراق أصبحو في منأى من شره بعد أن خبروا شر طوفان سابق من نوع آخر حصنهم تجاه ما يأتي من شر جديد.

فالواجب أزاء هذا أن يمد الأكراد يد المعونة لجميع شركائهم في العراق الجريح لكي تستمر الرسالة الإنسانية في معانيها الجميلة ويستمر التاريخ بكتابة رائعة لما عاشه ويعيشه هذا الوطن الذي كان منارا للعالم أجمع. ويجب أن يفهم العالم أن ما نصارعه في العراق ما هو إلا تسونامي جديد قد لا يقف عند الفاو أو زاخو أو الرطبة أو المنذرية، بل قد يتعاظم ويعصف بالكثير من الدول التي تعتبر نفسها اليوم في منأى مما يحدث، فالعالم اليوم مدعو لكي يهب هبة واحدة لإيقاف هذا المد العارم ويعمل بجدية لإنهاء معاناة العراقيين لكي لا نصل يوما ونقول معاناة دول المنطقة وعندها لا يفيد أن نعض أصبع الندم!!!!!!!!!!

عبدالله هرمز النوفلي

215
مجددا القومية بين التعصب والغيرة

كنت قد نشرت قبل فترة قصيرة موضوعا حول عنوان القومية بين التعصب والغيرة, وذكرت في مقدمته بعض مما تعلمناه من واقعنا العراقي حول المفهوم المعروف للقومية, ولم يكن قصدنا الاثبات ان ما ذكرناه هو المقومات اللازمة لاي قومية وانها واجبة او حتمية, بل كان مقدمة للدخول في الموضوع الذي اردت الحديث عليه, كما انني اعرف بوجود آيديولوجيات مختلفة، فيها ما لا يعترف بالقومية وينطلق نحو الفضاء الارحب الذي هوالاممية ومنها الفكر الماركسي, ومن يقرأ مقالتي يعلم انني اردت تقريب وجهات النظر لدى الاخوة في الشعب الواحد الذين هم مسيحيوا العراق ولديهم مسميات ثلاثة الا وهي: الكلدان..الآثوريين..السريان.

       ومن عنوان ذلك المقال كان القصد ابعاد موضوع التعصب لدى جميع الاطراف والعمل نحو استغلال الغيرة القومية لصالح جميع الاخوة وليس شيء اخر, كما استعرضت بعضا من تاريخ المسميات الثلاث ومن يقرا المقال يجد انني حبذت السريانية على غيرها لان جذور هذه التسمية تأتي من المسيحية التي هي اهتمامي قبل كل شيء، وخرجت بالقول ان الاسم ما هو الا مظلة نحتمي تحتها ليوحدنا اقله امام الاخرين ونحفظ من خلاله حقوقنا ونصون انفسنا من الأذى أمام الأمم الاخرى. وفي المقال لم اكن غافلا عن مدى تعقيد الموضوع من خلال متابعتي للردود في مواقعنا القومية على الانترنت, فنجد المتشدد والبين بين والمتشدد من الطرف الاخر, كما انني مطلقا لم اقصد من الموضوع اننا ثلاثة ومجموعنا هو حاصل 1+1+1 ولو كان تفكيري هكذا لكنت ساذجا بالطرح ولوضعت قلمي في محله ونأيت بنفسي عن الخوض في موضوع انا متيقن منه ليس سهل المنال.

ولكن في الشان القومي يجب التفريق بين القومية والدولة ففي تركيا مثلا قوميات وليس قومية واحدة ولا نستطيع ان نطلق على جميع شعب تركيا بانهم اتراك القومية بل انهم ينتمون الى دولة تركيا وابسط مثال، يوجد فيها اكراد ولست على معرفة بباقي مكوناتها لكن وحسب علمي في الحرب العالمية الاولى كان فيها الكلدان والآثوريون والارمن… واصول المسلمين لابد انها تنتمي لقوميات لا علم لي بها. لذلك لا نستطيع ان نقول لكل من يعيش في تركيا بان قوميته تركية.

        وكذلك من في اسرائيل ليست قوميتهم اسرائيلية ولم نسمع يوما ان اسرائيل تشير الى القومية بل ان اسرائيل اتت نسبة الى يعقوب ابن اسحق الذي غير اسمه الله الى اسرائيل, اذا هذا الاسم هو كنية دينية اكثر منه قومية. واصبح لاحقا كنية لدولة ولا نستطيع مطلقا ان نعتبرها كنية قومية. واذا اردنا خلط الاوراق فهذا بسبب تفضيلنا اذابة المسالة القومية بالاممية ويصبح جميع ابناء البشرية معا دون فروق ويكون ابن القوقاز كابن بوليفيا او اليمن وهذا امر غير ممكن لوجود فروقات كثيرة تفصل ما بين الشعوب وما يطبق في امريكا الجنوبية لا يصلح تطبيقه حتى في الشمالية فكيفما اذا اردنا تطبيقه في الشرق الاوسط او اوربا؟.

ولو اخذنا الدين الذي يجمع مجوعة من البشر في بقعة معينة فكيف لا نقرّ انه يربط هذه المجموعة برباط قوي خاصة ونحن نعيش ذلك يوميا, وعندما كنا في امان كنا نلاحظ عندما نجتمع بعد القداس مثلا في باحة الكنيسة الكثير من الذين يتعارفون ويتحدثون بعضهم الى بعض وكم من الاواصر اصبحت قوية ودخلت مجالات جديدة من التطور وكل ذلك بسبب الدين، ولكن هذا لا يعني ان المسيحي في الهند يكون مرتبطا معي بذات الروابط لانه اصلا لا يشابهني بالكثير من الامور, فكيف استطيع ان اجعل من هذا المسيحي الهندي معي في ذات القومية؟ لكن في بقعة متشابهة العادات والتقاليد ولها التاريخ المشترك والدين والحضارة قلنا ان هذه صفات للقومية، وقسّمنا انفسنا نحن مسيحيي العراق حسب هذا المقياس الافتراضي, وان اخذنا مسالة العرب والاكراد والتركمان كونهم جميعا مسلمون لكنهم مختلفي القومية فان ذلك امر طبيعي لانهم ان توحدوا في الدين لكنهم مختلفين في اللغة والتاريخ والحضارة ولا يعني اتحادهم بعنصر واحد انهم يتوجب عليهم ان يكونوا بقومية واحدة!!!

اما مسالة اللغة؛ فبنفس المقياس نحكم على من يتكلم الاسبانية في اسبانيا وبين من يتكلم ذات اللغة في امريكا الجنوبية والمكسيك, لانهم يتوحدون في اللغة لكن يختلفون بالحضارة وبالتاريخ وحتى الدين ربما. فيكون الاعتراض على اللغة ساقطا من الحسابات لهذه الاعتبارات.

وعندما يعترض المعترض على مسالة مشاعر الانسان بانتمائه لقومية معينة كالذي كان في الاتحاد السوفييتي مثلا واليوم اصبح في ارمينيا او اذربيجان او… فهذه المسالة مختلفة تماما لان مواطني ذلك البلد لم تكن اولا مشاعرهم قومية للاتحاد السوفييتي لان ذلك البلد لم تكن سياسته تشجع الشعور القومي بل كانت اصلا تعمل على تفتيت القوميات بتوزيعها في ارض ليست ارضها بغية اذابة الواحدة بالاخرى وتحت ضغط وقوة السلطة الذي نراه انحسر كليا فقط بانهيار السلطة المركزية ليعود كل الى ليلاه والى قوميته الاصلية.

        وفي شاننا القومي لم اقل مطلقا بوجود خلل بانفرادنا كل باسمه ولن اقبل مطلقا ان يتم ابتلاع الواحد للاخرين ولمْ ولا اسمح لنفسي بان اهاجم هذا الطرف او الغي الاخر لانني لا احسّ بالاشوري سوى اخا لي لا يميزه عني شيء سوى بالمفاضلة الواقعية, او ان اعتبر نفسي احسن منه، وهكذا السرياني لانني كلداني، ولو طَلب الآشوريون منا ترك أسمنا فلدينا نحن أيضا عقلا وتفكيرا وحججا نتكلم بها ونجلس لطاولة واحدة كأناس متحضرين ونقدم كلٌ حججه للآخر، وهكذا فإننا سنحصل أولا على بركة ونعمة الله، لأننا جلسنا واجتمعنا وتحاورنا دون ضغينة مسبقة في قلوبنا، فالعنصرية هي كما يقولون (خراب البيت)، ولا نجني منها سوى الضياع والبهدلة والتشرذم فيما بين الأقوام الأخرى وتضيع حقوقنا.

        من ذلك أناشد كل كتّابنا ومفكرينا إذا يريدون العمل في الشأن القومي أن يبتعدو عن كافة الآيديولوجيات الغريبة عن شعبنا، وينطلقون من واقع الشعب. وفي العراق أولا قبل أن يتصارع الكلداني في ديترويت مع الآثوري في شيكاغو، والنتيجة نحن في بغداد ندفع الثمن، من يهمهم الشأن القومي ويريدون مصلحة أخوتهم المعذبين في العراق، ليأتوا ويقيموا في العراق ويعيشوا ذات العذابات التي نعيشها وعندها سنرى كيف لا يحتمي الكلداني بأخيه الآشوري والعكس بالعكس، وكيف لا يكون السرياني عونا للآخرين، فواقع السويد ليس كواقع العراق، وحتى واقع بغداد ليس كواقع دهوك، فهنا يجب أن تكون المعادلة موزونة جيدا حتى لا تختلط الأوراق ونجد ابن هولندا السرياني يكتب ويحاجج وهكذا ابن انكلترا الآشوري أو مَن هم في استراليا أو أمريكا لكن نحن الذين في الداخل عندما نكتب ننطلق من المعاناة الفعلية التي يجب أن تؤخذ بالحسبان من قبل أهلنا في كل بقاع العالم، خاصة عندما يجتمعون ويتحاججون بعضهم مع بعض في دول الغربة، فعليهم استدعاء من هم في الداخل، لأننا هنا أمام المحك الفعلي. وفي حال هزيمتنا هنا لا سامح الله، لن يبقى لا كلداني ولا آشوري ولا سرياني يُذكر أقله في وسط العراق وجنوبه، وهذا لا يعني أن الاسم سيبقى في الشمال لأنه تدريجيا سيتحول إلى المسيحي الكردي!!!!!!!!

نكتب ونؤشر وقد تعلو حدة الكتابة أحيانا، علّنا نتوصل بما نكتبه لمن هم مرتاحون بكهرباء مستمرة وتبريد وأمان وكل المقومات مضمونة، لكنهم يسببون لنا ألما فيما يكتبون وأحيانا نجدهم يمجدون من يريد ابتلاع مسيحيي العراق أو أحدهم يجرح الآخر بكلمات غير لائقة؛ والساحة مكشوفة ومن يريد المتابعة فالأمر ليس صعبا.

المهم أن نصفّي نياتنا وننظر للآخرين كأخوة لنا وليس كأضداد، والساحة مليئة بالأمثلة وحتى الأحزاب إن كان لها فكرة تعارض تفكيرنا، فهذا غنىً لنا لأن في تفكيرهم لابد من وجود صواب معين، وعند الحزب الآخر توجد إيجابية أخرى، وباجتماع هذه الأحزاب معا يتم حتما جمع الإيجابيات لدى مختلف الأطراف، خاصة إن توفرت النيات المخلصة ونكون كشعب نحن الكاسبين. اللهم اشهد أنني كتبت ما يجول في فكري، علّي أجد من يقرأ، ويتمعن، اللهم أشهد أنني قد بلغت.

عبدالله هرمز النوفلي

216
حيثما تكثر الخطيئة هناك تزداد النعمة
قول جاء على لسان رسول الأمم بولس قبل ألفي سنة وربما كان له الأسباب التي جعلته يخرج بهذا الاستنتاج، أم كان لديه روح النبوة مكنته أن يستقريء الأحداث ليصل إلى هكذا نتيجة، فالأمر متعلق بنقيضان، فحيثما تتواجد الخطيئة تهرب النعمة، هذا هو المفهوم العام، وكذلك لدينا مقولة عامية في مجتمعنا عندما نقول (إذا ما تِخرَبْ ما تِعمَرْ) وقد يكون هذا المثل على درجة كبيرة من التشابه مع مقولة بولس الرسول، ولكننا في هذا المقال نحاول مزاوجة المفهوم عن الخطيئة والنعمة مع الخراب والإعمار وعلاقة ذلك بواقعنا العراقي المؤلم!!!
فعندما نستعرض أقوال الرب يسوع عن نهاية العالم فإنه يتدرج بالقول عن حصول ضيقات وحروب وقتل وترويع، ولكنه يستطرد أن كل هذا ليس هو النهاية، بل يمكننا القول أنه بداية النهاية، فلو تمعنا جيدا لما يجري في العالم سنجد أنها تتشابه مع ما تكلم عنه يسوع له المجد، ولكنها ليست النهاية، ونقول جازمين أنها ليست النهاية لأن الأمل موجود، وأن النعمة لابد قادمة طالما أن في الوقت بقية، وفي المفهوم الإيماني تأتي الضيقات عندما تزداد المعصية، وفي الضيقات تحصل الانحرافات ويحصل تشويه للمعنى الإنساني للإنسان، لأن ثوابت الإنسان تتعرض إلى زعزعة نتيجة ما يواجهه من ضغوطات نفسية ومادية وجسدية، وهكذا قد يصبح عاجزا عن مقاومتها، فمنهم من ينحرف ومنهم من ينتظر، أو يتغير، ومنهم من يصمد ويتمسك بثوابته ولا يقبل لنفسه الإنزلاق في دروب الهاوية.
وفي العراق منذ ربيع 2003 ولا نتطرق لما قبلها لأن ما نعيشه بعد هذا التاريخ أصبح أقوى وأشد شراسة من كلما عانيناه في عمرنا السابق، إن الوضع يمكن وصفه وكأن جهنم فاتحة فاها لالتهام المزيد، والوقود دائما حاضر، ودروب الشر تعجّ بالأشرار، وكأننا في فلم كرتوني عندما يصارع البطل تنينا متعدد الرؤوس وكلما يقطع رأسا تظهر عدة رؤوس جديدة!!!! هذا هو حالنا، فرغم ضعف الحكومة وصعوبة تطبيقها للقوانين، فإنها تحقق بعض الإنجازات التي من شأنها أن تضع حدا للشر وانتشاره، ولكن في المحصلة هذا الشر ينمو ويزداد، وإن كنا بعد السقوط نشهد أعمال خطف عادية مقابل فدية مالية أصبحت اليوم رمزية لما يطلبه الأشرار؛ فنجد تطورا اليوم في هذا النهج ليصبح منظما أكثر ويختار أهدافا مهمة ودسمة، فنحن نعيش في زمن يُخطف فيه وكيل الوزير ونائب في البرلمان ورئيس اللجنة الأولمبية!!! والحبل على الجرار، الأمر الذي جعلنا نتجرأ ونقول أن المستقبل قد يشهد خطف وزيرا أو رئيس وزراء!!! ومن سيبقى سوى رئيس الجمهورية، لنقرأ على العملية الديمقراطية التي تفاخر بوش بها وتعهد بتحقيقها في العراق، نقرأ على كل هذا السلام ونلعن الحظ الذي أوصلنا إلى ما وصلنا إليه وكأننا نسير في طريق اليأس وفقدان كلي للأمل.
اليوم كل من في العراق هو في طريقه لمصير مجهول، القتل في كل مكان، والخطف طال حتى رجال الدين والمسيحيين منهم خاصة، فهؤلاء لم يسلموا مع أنهم دعاة السلام والمحبة والصلاة من أجل المبغضين ومفروض عليهم أن يحبوا اعدائهم... حتى هؤلاء الرجال وبهذه المواصفات بدأت يد الإرهاب تصل إليهم وكأن الشر يريد أن يخنق حتى هذه فسحة الرجاء التي يبثها هؤلاء الرجال فينا، فقد وصل السيل الزبى!!! أين بوش وأزلامه؟ أين الذين يتحدثون عن الديمقراطية وعن العراق الجديد؟ وإن كانوا غير مؤهلين، فلماذا ذبحوا العراق ويقدمون أهله يوميا قربانا على مذابحهم، ألم يحن الوقت لتتوقف حنفية الدم الذي ينزف من أجساد العراقيين من خلالها، الشوارع تخضبت بالدماء الزكية والرعب في كل مكان، فماذا بقي بعد؟ ألم تفرغ مناطق كثيرة في بغداد من ساكنيها؟ ألم يَهْجر الآلاف بيوتهم ومدنهم بحثا عن الملاذ الآمن ؟ فمتى تتحرك الضمائر؟ ومتى ترف القلوب وتنزعج لنزيف الدم هذا؟ ومتى يصبح للإنسان العراقي قيمة ولو حتى رمزية ليتوقف الشر من زحفه نحو حصد المزيد من البشر؟!!!!!!!
وهنا نعود لعنوان مقالنا لنقول كل هذا أليس كافيا لنقول إن الخطيئة وصلت إلى حدها الأعلى وإن الخراب قد حلَّ، فهنا لتكون المقولة صحيحة علينا أن ننتظر حلول النعمة أو حدوث الإعمار، وهذا لو نظرنا إليه من الزاوية المادية البحتة فسنجد أنها تقودنا نحو الكفر وفقدان الأمل بربنا لأنه قد نسانا وأهملنا وجعلنا وقودا للمحرقة، وحتى محارق النازية لليهود لم تكن ببشاعة ما يشاهده ويعانيه أبناء العراق. وفي المقابل إن نظرنا من زاوية إيمانية لما يحدث نجد أن الأمل والرجاء يجب أن يكون موجودا وفي صدورنا، وأن يكون لدينا الإيمان بأننا نستطيع تغيير الواقع باتجاه انحسار الشر وانتشار النعمة، فلو كان لدينا هذا الإيمان وبمقدار حبة خردل لكنا نأمر الجبال لتنتقل وتنتصب في البحر وتطيعنا، وبهذا الإيمان نستطيع أن نقف في وجه الشر كما وقف القديس أسطيفانوس أمام راجميه لينتشر بعدها الإيمان المسيحي، فصمودنا أمام الشر هو الذي يضع حدا له، ولكن لابد من التضحيات، لكنها ستكون بداية النهاية لتعيش الأجيال الأخرى بأمان وتنعم بالنعمة... وهنا لا أقصد أن نواجه الشر بالشر، بل نستمر بمواجهته بالخير إلى أن يتيقن الأشرار أنه عاجز عن أن يهزم الخير.
عندها ستزداد النعمة ويحصل الإعمار ويتقوى الأمل وينتصر الرجاء، ولكن الثمن لن يكون بسيطا، فقط ينقصنا التسلح بالإيمان وأن نصلي ولا نمل، فهذا الجنس لا يخرج إلا بالصوم والصلاة، فيا رب أنظر إلى عبادك فقد أسرهم الشرير ويحاول أبعادهم عن الحضيرة، فكيف تسمح لمن افتداهم ابنك القدوس أن يهلكوا، فهلم يا معين فعبادك يستصرخون الضمائر فليس غيرك من يسمع النداء، ألهمَّ أستجب. آمين.
عبدالله النوفلي

217
القومية بين التعصب والغيرة
كما تعلمنا من خلال معايشتنا للفكر القومي العربي بأن للقومية مقومات بدونها لا يمكن لمجموعة من البشر أن تطلق على نفسها أسما قوميا معينا، وهكذا تعلمنا بأن التاريخ المشترك، والدين والحضارة واللغة المشتركة و... هي من الضروريات لكي تصبح لأمة معينة قومية. فأصبح لدينا كما نعلم القومية العربية وكذلك الكردية في بلدنا العراق، كما يتواجد على أرض هذا الوطن قوميات أخرى أو ما يمكن أن نسميه مشروع لقوميات أخرى؛ فنجد التركمان.. الشبك.. الإيزيديين.. الصابئة المندائيين، وعمدا تركت أهلنا من الكلدان والآثوريين والسريان لأنني وجدت في أهلي هؤلاء مشروعا لقومية موجودة أصلا، لكن أهلي مصرّون على البحث عن هويتها!!! وفي مناسبة سابقة كتبت موضوعا بعنوان "أمة تبحث عن هويتها" أعجب البعض به وانتقده الآخر، كما كتبت العديد من المقالات في الشأن القومي هدفها كلها لم الشمل والعبور فوق نقاط الاختلاف بغية إيجاد أرضية مشتركة لنا جميعا كي نبلور أفكارنا ونقرب وجهات النظر باتجاه إيجاد الاسم المشترك لنا ونبتعد عن الاسم المركب الثنائي الذي أصبح ثلاثيا، وهو مرشح لكي يصبح رباعيا إذا أدخلنا الأرمن مثلا، ويا لسخرية القدر، فأمة عريقة يمتد عمرها لأكثر من ستة آلاف سنة وعلمت الإنسانية مباديء الحضارة وهي اليوم قد فقدت الكثير وحتى اسمها وأبناؤها يتخبطون كالعميان الذين يبحثون عن الطريق ولا يهتدوا إليه.
والقومية التي ينتمي لها أهلنا موجودة أصلا بمقوماتها التي ذكرنا بعضا منها، لكن النظرة الثاقبة إلى الماضي واستلهامه لحاضر أكثر إشراقا هو الذي نفتقده ونحن بحاجة إليه لكي نفكر بعقلانية ونبتعد عن التعصب الذي هو أصل كل خراب بل هو يخرب كل شيء ليس في الشأن القومي بل في كافة مجالات الحياة. وربنا قال إن اجتمع إثنان أو ثلاثة باسمي فأنا سأكون معهم، أي أن الله هو مع أن يجتمع البشر معا وليس أن يختلفوا وينأى كلٌ مع نفسه وتفكيره!! فهذا طريق خطر لأنه يقودنا نحو التشتت. كما أن الغيرة هي عنصر هام لكي يلتزم الإنسان خطا معينا ويكون ذلك سببا في تحقيق الغايات والأهداف، لأن بدونها تكون الأمور أقل من الطبيعية، ونفتقد للهمة في التقدم وقبول مبدأ التضحية من أجل المباديء والغايات. لكن هذه الغيرة تصبح قاتلة إن لم نحسن التعاطي معها، لأنها ستتحول إلى تعصب، والتعصب كما يقولون (أعمى) والأعمى كما ذكرنا لا يمكنه الاهتداء إلى الطريق الصحيح.
ومَن مِنا يقبل على نفسه أن ينهج هذا السبيل ويصبح كالأعمى؟ بلا شك لو فكرنا بالموضوع مليا لاكتشفنا الحقيقة وتجاوزنا سبيل الخطأ لكي نتوحد مع الآخرين ونكسبهم ونكون معا لصنع المستقبل المشرق لجميعنا. إذا الغيرة والتعصب لا يفصلهما سوى شعرة خفيفة كما هو الحال بين العاقل والمجنون والتي يجب أن لا تنقطع لكي تستمر الحياة بالشكل الأمثل. وواقع أمتنا يعجّ بالأمثلة التي سوف لن أذكرها متعمدا كي لا أخسر أي منها، لأنهم بأجمعهم ومن حرصهم يتنافسون ويجادلون وقد يتقاطعون أحيانا أو يتوافقون، وهذا كله أغناء للعمل القومي إذا نظرنا إليه بنظرة متفائلة، كما نجد من يسبب مقتلا لأخوته عندما يسلك طريق المهاترات والكلام البذيء الذي يصدر عن ألسنة وعقول تعطي لأنفسها ألقابا نأسف عندما نقرأها وهي صادرة من أكاديمي أو مفكر أو شماس أو .... إن سلاحنا أيها الأخوة هو القلم ولا شيء غيره، ولا أعتقد يصل الأمر يوما بأحد هؤلاء الذين يصدر عنهم الكلام غير المسؤول أن يلجأ إلى وسائل القتل والتدمير لكي يحقق غاياته القومية.
كما قلنا أنها الغيرة التي تكلم عنها يسوع بقوله "غيرة بيتك أكلتني" واضطرته أحوال الهيكل ليعمل لنفسه سوطا يطرد به باعة الحمام والذين عملوا من بيت أبيه بيت تجارة!!! ذات الغيرة هي التي تحرك مفكرينا وكتابنا في الشأن القومي وما ينضح من أفكارهم من أمور قد تؤذي القاريء أو السامع وتسبب خدشا في مشاعره، لكن كل هذا يحدث عندما تنقلب الغيرة إلى التعصب وعدم رؤية أفكار الآخرين والوقوف عند الرأي الشخصي والتشبث به ولا شيء سواه!!! وحول ذلك قرأت كتابا لأحد الأصدقاء كان قد أهداني أياه مشكورا، وهذا الصديق معنزّ بآشوريته وناقشته على أمور قرأتها في كتابه ورفض مبدأ كونه متعصبا لآشوريته إنما هو يبحث بأسلوب أكاديمي بحت، وهذه نقطة إيجابية حسبتها له لأنه يرفض مبدئيا التعصب، وهنا قلت له إذن أنك غيور جدا على قوميتك لأنك جعلتني أفكر لأول وهلة بأنك متعصب لها، والسبب كان بأنه سمّى العديد من الآباء والأجداد بالآشورية ومنهم على سبيل المثال (مار شمعون برصباعي)!!! الجاثاليق البطريرك الشهيد، الأمر الذي أثار استغرابي لأنني لم أصادف مرجعا في السابق ينعت هذا الشهيد بهذه القومية.
إنها بالتأكيد مفخرة كبيرة أن يكون بين أبناء قوميتنا شخصيات مهمة ومشهورة كهذا الشهيد، لكن كما نعلم أنه استشهد على يدي ملك فارسي غاشم، وبلاد آشور كانت مملكتها وعاصمتها نينوى، كما كان يوجد ممالك أخرى بين نينوى وجنوب العراق، فأي بحث أكاديمي هذا الذي يحاول صبغ من يشاء بالصبغة القومية التي يرغبها الباحث؟!!!! ولكي أُطاع يجب أن يكون أمري بما هو مستطاع، وأنني لست باحثا تاريخيا لكي أتحدث عن التواريخ والأحداث بزمانها ومكانها لكنني أملك من الثقافة ما يمكنني من الاهتداء لرأس الخيط المهم لأدلي بدلوي في هذا الشأن، وفيما أكتبه وكتبته في السابق وبعد كل هذه المقدمة لم أجزم على رأي في الشأن القومي المحدد ولن أقدم على ذلك لرغبتي أن يكون الجميع أخوة لي ومعي، نفكر معا .. نتناقش.. لنصل إلى ما يرضينا بأجمعنا، وهنا لابد أن أضع الواقع الحاضر على بساط البحث وأمام جميع أبناء الأمة طالبا منهم إزالة النظارات القاتمة عن العيون ووضع التعصب الأعمى جانبا بل نبذه كليا، وصون اللسان من كل كلام جارح للآخرين لكي تكون كتاباتنا مفيدة، فغالبا ما أشعر بالإشمئزاز من الكاتب الذي يُلغي فكر وعقل غيره ويحاول أن يكمَّ فمه ويغلق عقله ويكسر قلم الإنسان الآخر!!!!
أمتنا فيها من يُسمي نفسه الكلداني.. والآخر الذي يسمي نفسه الآثوري (الآشوري) والثالث الذي اسمه سرياني، وجميعنا نتكلم اللغة التي اسمها السريانية أقله على الصعيد الرسمي وفي المجمع العلمي العراقي حيث أحدى دوائره هي دائرة اللغة السريانية. ونجد أن العرب لغتهم العربية، وقد تكون تسميتهم قد جاءت لأن لغتهم هذا اسمها!!! وكذلك الكردية ولست على دراية لأجزم في هذا الأمر لأنني أجد أن الأنكليز لغتهم الإنكليزية والأسبان إسبانية ... ولكن بأبسط الحلول نستطيع لو تنكرنا لبعض من غيرتنا وتعصبنا أن نسمي أسم قوميتنا باسم لغتنا، لكن لا يتفق هذا مع تفكير جميعنا، فالكلداني يسمي لغته بالكلدانية، والآثوري يسمهيا الآثورية، وهكذا السرياني بالسريانية، ولو ألغينا شكل الحروف والحركات المختلفة لدى السريان، نجد الكلدانية والآثورية والسريانية هي لغة واحدة بمسميات ثلاث مع اختلافات بسيطة في لفظ بعض الحروف كالحيث .. خيث وهذا على سبيل المثال، وعلى أرض الواقع تجد السرياني والكلداني والآثوري يفتهم بعضهم على بعضهم عند الحديث ولا يجدون أية صعوبة في التفاهم، وهذا الذي سقته لم يكن مطلقا دعوة لكي نسمي أنفسنا بالسريان، بل كتبته لتوضيح جانبا من الحقيقة على أرض الواقع والذي يتناوله كتابنا الأعزاء.
ويبقى معلقا أمر وحدتنا تحت مسمى واحد، لكنني لا أجد مسوغا التشبث بأية تسمية معينة والتعصب لها، فلو أخذنا الآشورية سنجدها تعود إلى الإله الوثني آشور، ولقوم عبدوا هذا الإله وكان لهم الإيجابيات الشيء الكثير كما كان لهم السلبيات أيضا، وأول من أنضوى تحت هذا الاسم في عصرنا الحديث هم الأخوة الآثوريون، الذين إن صحت التسمية أن نلقبهم بالأخ الأصغر بين الكلدان والسريان، وعذرا مقدما إن كان عددهم ليس كذلك، فهو افتراض شخصي، وتسمية الكلدان التي جاءت عبر التاريخ كما يذكر الكتاب المقدس في ذكر أبينا أبراهيم أنه ولد في أور الكلدانيين، وموقعهم كان في بابل وما حولها، وأيضا هؤلاء الأقوام كانوا من المنجمين وأعتقد أن من يُسمي نفسه اليوم بهذا الاسم لا توجد له أية روابط بأولئك القوم مطلقا، وإنما هي تسمية كنسية في وقت معين واستمرت إلى اليوم وحتى إن أخذنا جدلا بهذا الاسم للقومية فعمره الكنسي حوالي الخمسمائة عام وهو تاريخ أيضا ليس هينا تجاهله!!! وأيضا السريان وتسميتهم وأصلها وكونها أطلقت على المسيحيين الذين أختاروا المسيح إلها وانطلاقا من سوريا، أي أن عمر التسمية هنا لا يتجاوز الألفي عام وهو تاريخ يمكن أن يكون مشرفا لمن يريد أن ينتمي لهذا الاسم.
وإن أخذنا موقعنا الجغرافي نجد أن المسيحية كانت مرتكزة بين بغداد وشمال العراق ونحن نتكلم عن العراق حصرا، ومنها نينوى ونوهذرا وكرخسلوخ وأربا أيلو  وغيرها من المناطق وخاصة في العصر الحديث أي أننا في غالبنا كنا نعيش في المناطق التي كانت تحت نفوذ مملكة آشور، فمن الأجدر أو الأصح إن كنا السكان الأصليين للمنطقة أن نكون منحدرين من الأجداد الأوائل وصولا إلى آشور، لكن كما أجد واقع الحال أن العمل السياسي الذي برع به أخوتنا الآثوريون قبل غيرهم من الكلدان والسريان وأصبح لهم الوعي السياسي الذي جعلهم يدركون الأهمية القومية في النضال وتوصلوا إلى أصلهم واتخذوا من التسمية الآشورية إسما لهم. الأمر الذي اكتشفه مؤخرا من ولج السياسة بعد سقوط النظام في العراق أو حتى قبله بقليل، ليكتشف هؤلاء أن الأسم الأكبر وصل إليه الأخ الأصغر قبلهم!!! ويجد الأخ الأكبر من الصعب عليه بمكان تقبل ما يمليه عليه الأخ الأصغر، وهذا استنتاج شخصي أيضا، فنجد أن ما نحن عليه من التمسك كلٌ بمواقفه، يجعلنا الشعب الخاسر الأول في العملية السياسية في العراق، ومن ينظر إلينا يرى بوضوح ما آلت إليه أوضاعنا من أمور؛ منها من فعل الآخرين الذين لا يريدون لنا أن نتوحد، لأن ما وراء الوحدة توجد أمورا كثيرة تصبح استحقاقات قومية في الأرض والخيرات والإدارة الذاتية... الأمور التي لا يرغبون حصولها فيحرصون على أن نكون متفرقين وبث ما يمكن بثه من عوامل الابتعاد بين بعضنا البعض.
أخوتي في القومية: أنظروا ما أصبح عليه حالنا ولا تفرحوا بمالٍ يأتي من هذا وذاك بحجة دعم المسيحيين... لأن الأهداف من وراء ذلك سياسية وواضحة للعيان، بحيث نصبح اليوم بائعين لأمتنا ونعمل لمحو اسمها من الحاضر ولنصبح يوما كما كنا في العهود الماضية إما عربا أو أكراد!!!! وهذه خيانة كبيرة وثمنها بخس للغاية ولا يستحق أن نأخذه لكي نتيه كلنا ويحكم علينا التاريخ بالخيانة، وخيانة يهوذا ماذا جنت له، إنها عبرة للخونة، فنحن أبناء العراق الأصلاء، ولنا حق طبيعي في خيراته ووارداته وأرضه ومياهه، ولا نقبل بمنة أحد لكي يقدمه من مالنا لنا ويبيعنا لأقوام أخرى وبالأساس الثمن هو من مالنا، إنها المهزلة التي يجب أن لا نرضى بها لكي نحافظ على ما يمكن حفظه ونكون أبناء أوفياء لأرث الأجداد.
والوصول إلى هذه المسؤولية هي من مهام المثقفين والكتاب والسياسيين فعليهم أن يوحدوا الجهود للوصول إلى الهدف، وعلى الأحزاب أن تترك خلافاتها الأيديولوجية جانبا، ونترك التعصب ونعمل بالغيرة نحو تحقيق هدفنا، عندها نجد الاسم أي أسم كان ليس سوى مظلة نجتمع بأجمعنا تحتها لكي تتحقق طموحاتنا، وهكذا سنجد القيادات الدينية ستأتي معنا وتبارك جهودنا لأنها تعمل بهدي تعاليم المسيح التي تجمع ولا تفرق. وإن كان من ناضل في صفوف العرب أو الأكراد يوما، فعليه اليوم أن يناضل كمسيحي له كيانه الخاص به لأننا قطعا لسنا عربا ولا أكراد بل أقدم منهم ونختلف عنهم باللغة والتاريخ والدين والكثير من العادات والتقاليد، ويحق لنا أن يكون لنا منطقة آمنه مثلهم تماما، وإن هم ناضلوا وحاربوا الظلم عليهم أن لا يظلموا غيرهم، إنه درس كبير علينا فهمه!!!!!!!!!
عبدالله هرمز النوفلي

218
دعوة لسدّ الآذان وفتح العيون
في الإنسان خمسة حواس مهمة وعن طريقها يعيش هذا الإنسان حياة طبيعية؛ يحسّ بطعم الأكل، ويشم روائح مختلفة ويميز بين العطر منها أو الكريه، كما أنه يسمع ما يدور من حوله، ليجنب نفسه المخاطر وليستطيع التخاطب مع من حواليه ويتبادل الحديث معهم، ويرى ما يجري من صور لأحداث وحياة عامة لكي يشترك ويتفاعل بما فيه الخير له وللإنسانية، وكذلك أنعم الله عليه بنعمة اللمس لكي من خلال أنامله يتعرف على السطوح الملساء أو الخشنة أو شكل الأشياء حتى دون النظر إليها، كما يوجد لدى بعض البشر ما يُسمى الحاسة السادسة التي تعتبر أحدى علامات الذكاء والنباهة عند الإنسان بحيث يكون له حدس حدوث الأحداث قبل وقوعها، وهذه قد تعتبر من الأمور الخيالية التي ليس لها وجود، إنما نعزوه نحن لذلك عندما تحدث أمورا لا نستطيع إيجاد تفسير لها ويتميز الإنسان بوجودها لديه عن غيره.
ومن خلال هذه الحواس يعيش الإنسان حياته ويعرف حلوها ومرها ويميز فيما بين هذا وذاك، كما أنه يستمع للآخرين ويستطيع معرفة الكلام الغث وتمييزه عن السمين، كما يستمع لوعود كثيرة ويتحقق من الصادق ومن الكاذب، إذا من خلال الحواس يسير الإنسان في حياته ويكون له معارف وصداقات ويقدم الخدمات للآخرين وبموجبها يصبح عضوا فاعلا في المجتمع ورمزا يُرمز إليه بأصابع البنان؛ إن كان يسير في طريق الخير، أو يُكنّى بعبارات الذم كونه يسير عكس ما يريده له المجتمع من التصرفات الطبيعية المرجوة من العضو النافع في المجتمع.
وفي مجتمعنا العراقي قديما وفي الظروف الحالية قد تكون هذه الحواس وبالا على صاحبها تجلب له المصاعب والويلات، وقد تكون مصدرا للعقوبات التي تجعل من صاحبها ضحية في المجتمع، فقطع صيوان الأذن، أو اللسان كان من العقوبات الشائعة التي تتخذ بحق من لا يلتحق بالخدمة العسكرية أبّان الحروب التي شهدها العراق، وقطع اللسان لمن تفوه بكلمات وأحاديث تسيء لهذا المسؤول المهم أو ذاك، كما ان المشرفين على التعذيب غالبا ما كانوا يستخدمون الوسائل التي تؤدي إلى فقدان العين لوظيفتها أو الأصابع مهارة اللمس وغيرها. وهذه بسبب أن الإنسان يخطيء أو يصيب أحيانا بترويض حواسه خدمة لنفسه وللصالح العام، كما نفعل الآن من خلال كتابة هذه الأسطر.
وكما في مختلف الميادين الحياتية يمكننا أن نسخّر كل شيء للخير أو للشر، هكذا أيضا حواسنا فقد تكون عيوننا شريرة وقد تنظر للأمور بمنظار صالح  لترى الأعمال الصالحة ولتعطي الإيعاز العصبي لباقي أجهزة الجسم بالسير في هذا المنوال، إذا حسب نظرة العين وتفسير الإشارات من الأجهزة العصبية تأتي باقي تصرفات الإنسان، كما ان للأذن أيضا أسلوبا واحدا في الاستماع لما يدور من حول الإنسان من أحاديث وأقوال وأحداث لكي بعد ذلك يقرر جهاز التحكم في الجسم عن التأثيرات المطلوب القيام بها، ولكن التأثيرات في الإنسان تختلف من واحد لآخر، لذلك قال المسيح له المجد من له عيون تنظر لينظر أو آذان تسمع ليسمع... فقد نسمع الكثير من الأقاويل والكلام الذي لا ننتبه إليه أو نميزه، وأيضا قد تمر أمام أعيننا صورا عدة دون ان نميز محتواها لتختفي دون ان تحدث أي تأثير فينا، وبذلك تكون الحواس غير فعالة أو غير حسّاسة لكي تلتقط كل شيء وتتأثر بكل شيء وتحلل كل شيء، وللعيون والآذان دور كبير في حياة الإنسان وحتى الشعراء قالوا إن الأذن تعشق قبل العين أحيانا، لأن هاتين الحاستين ذات أهمية كبيرة قياسا بالأخريات؛ فاللمس والذوق والشم حواس ذات فائدة للإنسان نفسه، فبها يتعرف على ما يأكله أو لما محيط به، ويتعرف على الروائح وغيرها من الأمور، على العكس من حاستي السمع والبصر، اللتين هما ذات علاقة بكل ما يحيط بنا لنراه ونسمعه، نحبه أو نكرهه، نتفاعل معه بالتحاور والنقاش والإقناع أو الثورة عليه بنيةِ تغييره، وهنا دورنا قد يكون إيجابيا إن كنا عناصر خير في المجتمع وقد يكون سلبيا عندما نكون باحثين عن الشر وكل هذا أمر طبيعي لما زيّن فيه خالقنا هذا الجسد الذي هو من أبداعه وصوّره أحسن تصوير.
لكن مقالنا يدور حول تقليل الاهتمام بحاسة السمع لأنها قد ملّت من كل الأحاديث التي تدور حول الإنسان في العراق ما بعد السقوط (سقوط النظام) حيث الكثير من الوعود الفارغة والتصريحات التي هي للإعلام فقط أما القبض فلا يوجد سوى الريح!!! فالجرائد موجودة وبالعشرات ومملوءة بأجمعها من أحاديث للمسؤولين الذين يوعدون الناس بالخير وهو غير موجود أصلا، وبالكهرباء وهي مفطوعة أصلا، وبالعمل وفرصهِ الحقيقية معدومة... هذا ما تأتي به للإنسان من خلال سمعه لمثل هكذا أحاديث التي رغم أهميتها نجدنا مرغمين بدعوة أخوتنا في العراق لتفعيل حاسة النظر والاعتماد عليها؛ لأننا إن لم نرى بأم أعيننا للحقيقة فلا نصدق ما نسمعه، فالسمع أصبح معظمه لأمور وهمية، لكن عندما نرى أن الشارع قد تم تبليطه فهذه حقيقة، وعندما نرى المدينة نظيفة فهذه حقيقة أيضا، وعندما نرى محطات الكهرباء تعمل وتُبنى أخرى جديدة فهذه الحقيقة بعينها، وهكذا عندما تختفي المظاهر المسلحة أو الحواجز الكونكريتية ويصبح السير منتظما فكلها عندما نراها نكون نرى الحقيقة بأعيننا، فيكون أمرا واقعا فعلا وليس خياليا، لكننا عندما نسمع في الإذاعة أو التلفزيون ونستفسر عن الحقيقة يقولون لنا استفسروا من تلك الجهات، ولا تعدوا كونها تصريحات خيالية أو أمنيات أصحابها!!
إننا اليوم بحاجة للعمل أكثر ما نحتاج إلى كلام، فالكلام المجرد هو لغة العاطلين والعمل هو لغة النشطين، والكلام أيضا نسمعه من الأذن لكن العمل نراه بالعين، وهنا ندعو لمخالة المقولة المشهورة أن الأذن تعشق قبل العين أحيانا، وندعو أن يقتصر العشق على ما تنقله لنا العين من مشاهد لأن هذا لا يمكن أن يكون سرابا بل الحقيقة بعينها، ونكتشف ما يقوم به الآخرون ونحكم عليهم بالنجاح أو الفشل ويزداد لدينا الأمل أو ننحدر نحو اليأس القاتل، وما تنقله لنا العين يوفر لنا الكثير من العناء وإضاعة الوقت بالاستماع للقيل والقال، وننهمك بتقوية حاسة النظر التي لا يمكن غشها كونها منظارا للحقيقة ولا شيء غيرها وهذا هو ما ننشده.
عبدالله النوفلي

219
يوم أمس 8 من تموز كان يوما بارزا في تاريخ الكنيسة الكلدانية حيث دشن غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلّي موقع القديس أدّي الخاص بالبطريركية على الشبكة الدولية للمعلومات حيث أفتتح الشريط وضغط على الزر ليطلع على التصاميم المعدة للموقع وشاهد الجهود التي بذلها طاقم الإدارة، وخص الموقع بكلمة قيمة ستجدونها في صدر الموقع عند أطلاقه قريبا، وسيكون موقعا كبيرا يربط جميع الأبرشيات والخورنات في الداخل والخارج بشبكة معلومات أخبارية ومعلوماتية ، روحية ولاهوتية، وحضر الحفل سيادة المطران شليمون وردوني ولفيف من الأخوة المهتمون بهذا الحدث الكبير، وسنزودكم لاحقا بالأسم الكامل للموقع يوم وضعه موضع التنفيذ على الشبكة الدولية للمعلومات، بارك الله بالجهود المتميزة ونطلب منه العون والبركة.

220
هل نخاف المرأة أم نخاف عليها؟
المرأة كما يُقال نصف المجتمع، وقد خلقها الله حالها حال الرجل، لكن بعده ومن ضلعه كما يقول الكتاب المقدس، وهي كيان متكامل لا فرق في تكوين جسمها عن تكوين جسم الرجل إلا ما تقتضيه الأنوثة أو الرجولة ووضائفها، إذا الله خلق أثنين متشابهين بأشياء، ومختلفين بأخرى لكنهما يُكملان بعضهما البعض، من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بأمرته، هكذا يقول العهد الجديد، أي أن الخلق كان فيما يخصهما لكي يلتصق الرجل بالمرأة لأنهما معا يكونان كاملين، وأي منهما بفرده هو غير متكامل. ويمكننا القول أن لا أحد منهما يستطيع العيش بمفرده، إنها الحكمة الإلهية التي تجعل من الحياة تستمر وللبشرية البقاء رغم كل المصائب والحروب والمآسي.
ونحن نعيش في مجتمع شرقي أقل وصف يمكن أن نوصفه به هو كونه مجتمعا رجوليا؛ فالمرأة تعيش فيه بالظل حتى وصل الأمر بالبعض أن يقول بخصوصها (تِكرَم مرأة) إنها مأساة أن نجعل من نصف المجتمع هكذا، جالسة في البيت حتى عندما يزور أصدقاء الرجل البيت تكون هي بعيدة ولا تشارك بالنقاش، وغير مسموح لها بالجلوس أو أبداء الرأي بل قد نطلب من أصدقائنا الانتظار لوقت معين لكي نرتب لهم طريق الدخول إلى البيت!!!! أي لنقوم بتنبيه الحريم!! حتى ينزوين جانبا غير منظور عندما يدخل الغرباء حتى ولو كانوا أصدقاء أو جيران مخافة أن يراهم أحدهم!!
وهنا يستوجب التساؤل لماذا كل هذا؟ هل نخاف منهن أم نخاف عليهنّ؟ فإن أدخلت صديقا إلى بيتي يعني أنني أثق به وإن كان كذلك يجب أن لا أخاف منه على شيء حتى بيتي ودون شك فإن المرأة هي الأهم مِما موجود في البيت، هي الإنسانة التي ترافق الرجل، إنها تساهم في التفكير فلديها ذات القدرات الموجودة لدى الرجل، فلماذا نخسر هذا العقل وأبداعاته، ألسنا بذلك نهمل جزءا مما أبدعه الله ؟ وكيف لنا أن ننعتها بناقصة عقل ودين؟!!! وكيف نجعل لها وليا حتى لوكان طفلا أحيانا في بعض الدول؟!!! أو ان تكون شهادَتَها لا تعادل شهادة أخيها أو زوجها في المحاكم!!! وحتى عندما تنقل تلفزيوناتنا أحداثا عالمية؛ رياضية كانت أو غيرها فإنهم يقطعون البث عندما تظهر صور لنساء أحيانا فيها وكأن ظهور هذه الصور سيشوه الذوق العام، وإن كان للغرباء تقاليدهم وأزياؤهم التي قد تبدو غريبة لنا، فلماذا نتخذ ويتخذ العديد من الذين يمارسون هذه الممارسات تلك الدول أصحاب هذه المظاهر والأزياء ملاذا آمنا لهم؟ أليس هذا مثار تساؤل!!!!!!!!
إننا قد نخاف من أبراز دور المرأة في حياتنا لكي لا تهتز شخصيتنا، وقد يرتفع نجمها فوق نجم زوجها مثلا، وهذا يعتبر خطيئة في مجتمعنا، ونحن نتفاخر بأننا نعطي للمرأة حقوق وامتيازات، لكن كيف؟ وإن تعكزّنا على خوفنا عليهنّ فهذا أيضا نقص فينا لأن ذلك يعتبر نقصا في التربية وخوفنا من أن تكون المراة غير مؤهلة للثقة بها فنضعها وراء جدران سميكة ونسلبها حقها في التمتع بالحياة والاختلاط واستغلال ما وضعه الله فيها من قدرات!!!
فيا أيها الرجال لا تخافوا على النساء ولا تخافو منهنّ، فهنًَّ السند لكم وقد تكونان كليكما عظيمين، فلماذا نخسر عظيما من خلال حبسه في البيت؟ ولا تخافوا عليهن بل أعطوهنّ الثقة لكي تتيقنوا أنهنَّ أهى للثقة واتركوا لهنّ الحرية في المظهر والكلام والتصرف وبكل تأكيد هنَّ سيأخذن تقاليد وعادات مجتمعهنَّ وسيكونوا فخرا لكم وستسير الحياة بصورة أفضل، عندها سوف لن نحتاج إلى الكثير من الممارسات التي أشرنا إليها ويعيش المجتمع بصورة أفضل.
إذا وكخلاصة للقول نقول أن كلا السؤالين الذين هما عنوانا لمقالنا هذا ليسا من الصواب بمكان لأننا كلينا (رجل وامرأة) يجب أن نعمل سوية كندّين ولهدف نبيل كل يسعى لتحقيق ذاته وأظهار أبداعاته لكي نتحول إلى خطوة مهمة ومتقدمة إلى أمام ونحن معا. وقد تكون هذه الخطوة المهمة تبرز بجهود امرأة أو قد تكون بجهود رجل وبكلا الحالتين هي مكسب للرجل وكذلك للمرأة ولجميع المجتمع، إذا ليست مسألة الخوف بل مسألة الثقة والإيمان بالآخر وعندها نكسب المجتمع كله، ونزيح أكواما من الغبار بل الطين المتراكم على صورة المرأة أو الرجل نتيجة الموروث الكبير من العادات والتقاليد، وننسى أن الرجل أو المرأة لا همّ!َ له سوى الجنس والتفكير به عندما يتواجد مع المرأة لأن الحياة هي أعظم من ذلك وإن وضعنا تفكيرنا بقالب جامد نكون قد جمّدنا جميع قدراتنا، وإن تحررنا سوف لا ننظر للمرأة لكي نشتهيها بل لكي نتعاون معا لخلق مستقبل أفضل لكلينا، وهكذا نكون أثنين سليمين ونتكامل ونبدع وسيفرح بنا الله حتما.


221
أنا وأخي على ابن عمي
تذكرت هذه المقولة عندما قرأت مقالات عديدة على الشبكة الدولية للمعلومات خاصة تلك التي تهتم بالشأن المسيحي في العراقي، إنها حقا مؤلمة أن ننهش بعضنا بلحم بعض فمنهم من يقصد هذا الحزب أو ذاك أو هذه القيادة الدينية أو تلك، فلم يبقى للكتبة سوى النيل من أخوتهم أو أبناء عمومتهم، وللمقولة التي وضعتها عنوانا لهذا المقال تتمة وهي أنا وابن عمي على الغريب، فلماذا لا نتقيد بهذه المقولة ونحن نكتب وننقد ونهتم بشأن شعبنا ودائما في العراق.......؟
فلديّ حاليا عددا من رسائل التهديد التي استلمها شعبنا المسيحي من الغرباء ودائما يكونوا مجهولين ووصلتني بحكم تحملي المسؤولية في دائرة تخص شعبنا المسيحي ومن غير مسلمي العراق، وهذا قد يكون أمر طبيعي في بلد مفقود به الأمن أن تقوم به جهات كثيرة بتهديد هذا أو ذاك إما لسبب سياسي ومقاومة المحتل أو للكسب المادي مهما كان السبب، أو من عصابات سلكت طريق الشر ولا تعرف كيف تخرج منه.
ولكن أن يصل الأمر بنا نحن الذين نحمل رسالة المحبة والسلام إلى تجريح بعضنا البعض فهذا على الأقل إيمانيا مرفوض، وحسب العرف السائد يجب أن أنصر أخي!!!  ليس كما يقول البعض ضالما كان أو مضلوما، لكن أحاول أن أقوّمه بموضوعية وليس بالتجريح ووضعه أمام الهدف دائما إننا في العراق في محنة والمطلوب من أخوتنا في الخارج أن لا يصبّوا الزيت على النار، فنحن يكفينا ما نحن فيه، وأي حزب يشتغل في العراق فبمجرد عمله العلني فهذه بطولة وخصوصا خارج منطقة كردستان، فالبطولة هنا لأن كل ما يحيط بهذه الأحزاب من نينوى إلى البصرة، لا يبشر بخير والعنف والقهر والظلم والتهديد والإرهاب محيط بكل شيء ولا تعرف عدوك أين هو؛ فإن صادفتك سيارة تعتقدها مفخخة أو فيها إرهابي، وهكذا لو صادفك كيس على الرصيف وأنت سائر في الشارع تعتقد أن فيه عبوة ناسفة، ولا تعلم متى يصادفك الشر، ويأتي من هو في منطقة آمنة ومرتاح في كل المواصفات لكي ينتقد ويكتب ويجرح هذا أو ذاك!!
هذا أمر غريب علينا كمسيحيين، فعلينا أن نقف أولا إلى جانب قياداتنا الدينية لأن الكنيسة هي التي حفضت اللغة عندما كانت الأحزاب غائبة وفي ظل الديكتاتورية، وإذا كانت المؤسسة الكنسية متحدة ينعكس ذلك على الشعب المسيحي بأجمعه، فمار باواي أو غيره نترك له الوقت والمجال لكي يفكر ويعمل ما يريده منه المسيح، وحتما عندما يفكر صح هو أو مؤسسة كنيسة المشرق الآثورية سيكون الحل مرضيا للشعب المسيحي المنتمي لهذه الكنيسة. وليس في صالح أي مسيحي وفي أي كنيسة انقساما جديدا يحدث في جسد الكنيسة، والمسيح نادى وصلى من أجل تلاميذه أن يكونوا واحدا!!! هذا في الجانب الديني أما في الجانب السياسي لنجعل من مبادئنا الدينية تنعكس على أقوالنا وتصرفاتنا لكي نظهر للآخرين أننا في وضع مختلف وإن رسالتنا الروحية هي التي تعمل فينا وترشدنا نحو الهدف الأسمى وهو خير وصالح الإنسان، فتحية لكل من يكتب ويحاول أن يجد سبلا لنا لكي نصبح آمنين في بلدنا وينتصر العراق ويذهب الظلم دون رجعة

222
ملاحظات في الحكومة العراقية الجديدة
يوم السبت 20 من أيار كان يوما طال انتظاره في العراق، فما من دولة تشكل فيها الحكومة بعد خمسة أشهر من أجراء الانتخابات، وإن عذرنا القائمين على ذلك بسبب ما يمر به العراق وكون المسألة الديمقراطية حديثة وتحتاج للمزيد من الوقت لكي تتبلور فيها المفاهيم ويتعرف الجميع على القواعد ويقتنع ما يأتيه من خلال صناديق الاقتراع فقط، هكذا إذا فإن التأخير قد يكون مفيدا ليأتينا بثمار نتمناها، والعنف مستمر بالحصاد وضحاياه بالآلاف، والعراق مستمر بالنزيف، لكن المتابع لوضع العراق وتشكيل الحكومة تتكون لديه العديد من الملاحظات والقناعات التي قد لا تدفعه نحو التفاؤل، نأمل أن نكون متفائلين بأن المستقبل سيكون أحسن ولو بشيء طفيف.
تشكيل الحكومة: يشير إلى المحاصصة الطائفية، والتوافق بين القوائم الكبيرة، ومهما كان الاختيار دقيقا سيكون قاصرا لاعتماده الطائفية والحزبية والقوائم على توزيع الحقائب وهذا قد يكون على حساب النزاهة والكفاءة الفنية والإدارية، فيبدو أن الأهم أن يكون للعرب السنة كذا عدد وللأكراد كذا عدد وللمسيحين لا يجوز أن يكون لهم أكثر من وزيرين لأن المعادلة سيعتريها عدم التوازن، لأن نسبتهم على نسبة الوزراء تصبح أكبر من حجمهم الطبيعي، وهكذا لباقي مكونات الشعب، دون النظر في المؤهلات، هكذا محاصصة قد لا تبشر بخير، لكننا نأخذ جدلا أن من تم اختيارهم هم من الأكفاء، وذوي الخبرة والدراية، لكن في المقابل هل سيعمل هؤلاء تحت ولاية الحكومة أم ولاية الحزب أو القائمة التي ينتمي إليها السيد الوزير، وهنا تصبح الطامة كبيرة جدا لأن الولاء لن يكون محسوما ونستطيع أن نرثى لرئيس الوزراء لأنه لم يكن المسؤول عن اختيار الوزراء بل تم فرضهم عليه، فكيف نستطيع محاسبته؟
العمل المنتظر: للوزارة عمل كبير وبحجم هائل بانتظارها بعد ثلاث سنوات ونيف من السقوط الذي حطم الدولة بكافة مرافقها، وألغى كافة الخبرات المتراكمة بحجة اجتثاث البعث وغيرها من الحجج، وتراكم الخبرة شيء مهم جدا في نجاح أي عمل، ونحن في السنوات الثلاثة الماضية عانينا من ثلاث حكومات قليل من وزرائها استمروا في مناصبهم أو اكتسبوا الخبرة المناسبة لكي نأمل منهم خيرا في الحكومة الدائمة، فتبدل الوجوه بفترات قصيرة له مساوئه التي لا تنقلنا إلى الأمام، كما أن الوزراء دأبوا على اتهام من سيقوهم بعدم النزاهة والعمل الجاد!!!
واليوم نحن أمام وزارة ستعمل لأكثر من ثلاث سنوات لأن مدتها الكاملة هي أربع سنوات ضاع منا خمسة أشهر بعد الانتخابات في مرحلة التشكيل وسيضيع وقتا آخر في نهاية ولايتها للتمهيد للانتخابات اللاحقة، هذا إذا لم يحدث ما ليس في الحسبان في الطريق وتحجب الثقة لنبدأ من جديد.
الملفات المهمة: دون شك فإذا سألنا أي عراقي عما ينتظره من الحكومة سيقول : الأمن .. الكهرباء.. العمل.. الوقود.. ملفات ساخنة ولا تقبل التأجيل، فإن أرادت الحكومة النجاح عليها أن تتصدى لهذه الملفات وتحدث طفرة نوعية باتجاه حل هذه الملفات لكي يشعر العراقي أن أملا بدأ بالتحقق، والعراقيون يصبرون كثيرا ولا يتذمرون بعنف أبدا إلا في أسوأ الحالات، نأمل من جميع الوزراء أن يضعوا العراق في حدقات أعينهم ويعملوا لتغيير وضع العراقيين نحو الأحسن وعندها سنفرح.
أمنية للحكومة النجاح على أمل أن نحصل الوقود بسرعة وبكهرباء أكثر من أربع ساعات في النهار والعمل الكثير الذي يسحب العمال من المساطر، وأمنا لا يجعلنا نغلق أبوابنا منذ أول الليل ونسير في الشوارع بحرية ونحظر الحفلات حتى بعد منتصف الليل، لكي تعود الحياة العامة لخط سيرها الطبيعي.
عبدالله النوفلي

223
المنبر الحر / هموم عراقية
« في: 11:24 16/05/2006  »
هموم عراقية
من يعيش في العراق لابد أن يكون مثقلا بالهموم وثقله يزداد يوما بعد آخر، فالواقع أن الإنسان في العراق يئن في بلاياه ويتحمل وزر الماضي وينظر إلى المستقبل بشكل لا يستطيع التكهن بخفاياه، فنحن لسنا كباقي دول العالم، لا في الحياة، لا في التصرف، لا في الفرح ولا في الحزن، فمن أي معدن أصبحنا؟ ألم يخلقنا مصدر واحد هو الله تعالى؟ فلماذا كل هذا التغيير؟ نعرف أن المعادن عندما تتعرض إلى الحرارة تتغير مواصفاتها، وكذلك تعريض مجموعة من البذور لأشعة نووية قد تحدث طفرات وراثية فيها قد تكون نحو الأحسن أو نحو الأسوأ وهذا ديدن العلماء يقومون بهذه التجارب لكي يستخلصوا السمين منها ويهملوا الغث وصولا لما يخدم البشرية، ويساهم الإنسان في تحقيق المستقبل الأفضل.
لكن في العراق أكيد ما حصل فيه من ظروف كانت سببا لحدوث طفرات كثيرة فيه، بدءا من الذات الفردية للشخص العراقي مرورا بالواقع والبيئة، بحيث أصبحنا مصدر رعب  لغيرنا من الأقوام، وأصبح الأعمار في بلدنا مشكلة ليس لها حل، كما أن الكهرباء أصبحت مشكلة المشاكل، فحتى أربعة ساعات من الكهرباء يوميا أصبحت حلما نتمنى أن يستمر، ونحن بلد متقدم في انتاج النفط لكن محطات الوقود تنعم برتل طويل من السيارات التي تنتظر دورها في الحصول على الوقود كما أن سعره تضاعف خمس مرات ومقبل على الزيادة أكثر، كما أن خيرات بلدنا لا تحصى ولا تعد لكننا نعيش على الفتات!!! وشعبنا مثقف ومتعلم وعلى قدر جيد من الفهم والدراية لكن وطننا ينعدم فيه الأمن ويكثر فيه الخطف والقتل والسلب والنهب، وكل ما يخطر على بال من الأفعال التي يندى لها الجبين تمارس في بلدنا.
فهمومنا أصبحت كبيرة كعراقيين، وهي أكبر إذا أخذناها ككلدان أو كآشوريين أو كسريان أو باقي الأطياف المسيحية، فأصبحنا لعبة بيد الأسماك الكبيرة إذا صح التشبيه كوننا في بحر واحد، ومنا من ينجرف لمساعدة هذه الحيتان في ابتلاع أخوته الآخرين، فيا أيها الأخوة من أي طيف كنتم، انتبهوا فاللعبة كبيرة وسيتم ابتلاعنا ويأخذون منا حتى اسمنا الصغير إن كنا كلدانا أو آشوريين أو سريانيين، فحتى هذه التسمية سنُحرم منها، إن أصبحنا مصرّين على ما نحن سائرين به، فليس أخونا في الدين أي كان ولأي انتماء هو عدونا بل مهما فعل فلن يفرط بنا ويحاول الحفاظ علينا كوننا قاعدة له يستند عليها لكي يستمر بنضاله، لنتحرر من العقد تجاه هذا الاسم أو ذاك لكي نحافظ على كياننا ونبدأ بالصعود، ومسؤوليتنا كبيرة جدا ولا أتمنى أن نندم يوما عندما نجد قسم منا أبتُلعوا في العروبة وقسم آخر أبتلع في الكرد، والمال يوزع ذات اليمين وذات الشمال والهدف واحد هو تمزيقنا، فدعوة لكتابنا لكي نعي جميعا المؤامرة فلا تزيدوا من همومنا رجاءا
عبدالله النوفلي

224
من وحي القيامة المجيدة، ومن القراءا ت الطقسية فيها نجد نسوة مسرعات إلى القبر للقيام بما هو معتاد عليه مع ميت مضى على موته ثلاثة أيام، وهنَّ مع أنفسهنَ يتساءلن مَن يا تُرى يُدَحرِج لنا الحَجَر؟ فيا ترى من هو ذلك الميت ؟ ولماذا وُضِعَ حجرٍ ثقيل على باب قبره؟
إنها حقا علامات وأسئلة يتوجب علينا الوقوف عندها والتأمل في معانيها وأسبابها!!! وفي حادثة القيامة لم يطُلْ انتظار النسوة كثيرا، بل استغرق فقط مسافة الطريق ليتفاجئن عند وصولهنَ بأن الحجر قد دُحرج وملاكاً جالساً عند باب القبر وإلى نهاية القصة الواردة في الإنجيل المقدس والتي أيدها التلاميذ بطرس ويوحنا لاحقا، لأن الميت كان قد انتصر على الموت والقبر أصبح فارغاً والمنتصر ظُنَّ أنه البستاني!!!
ما ننشده من هذه المقدمة ليس الولوج في موضوعاً دينياً وتحليل الحادثة، بل الحجر الموضوع على قلوبنا بل صدورنا في عراق ما بعد السقوط!!!! وعلينا أيضا وبمشروعية أن نتساءل كما تساءلت النسوة (مَنْ يُدَحرِجْ لنا الحَجَر؟) وهل سنحضى بملاك يحل لنا المشكلة ويريح أعصابنا؟ أما ان الحجر باقٍ في مكانه وعلينا العمل لحلحلته وإزاحته وإنهاء المعاناة، لكن انتظارنا يبدو سيكون طويلا لأن قوانا آخذة بالتناقص وجسمنا بالوهن والحجر يزداد ثقله يوما بعد يوم!!!
فالحجر الذي بُدأ بتصنيعهِ ووضعه على صدورنا كانت مادته الأولى هي القضاء على الديكتاتورية وما إلى ما ذهبت إليه حُجج الصانعين، هذه كانت النواة التي تم تصنيع الحجر منها، ثم بدأت مواد أخرى تتجمع حواليه ليصبح حجرا عملاقا وربما يصبح أكبر مما نتصوره الآن لأنه مرشح لازديادٍ في حجمهِ، فهناك مواداً طائفية؛ بحيث جعلت من الشيعي يتوجس من السني وهكذا السني أيضا وهناك موداً مذهبية وأخرى قومية وأخرى تدخل في مهام المُنكر والمعروف!! ومواداً تكفيرية وانتقامية بهدف تصفية الحسابات المتراكمة من الزمن الماضي والمترشحة من الحروب المختلفة، كل هذه وغيرها الكثير تجعل من هذا الحجر، حجراً عملاقا ومن المستحيل حتى التفكير ولو بمحاولة زحزحته قيد أنملة أو حتى التفكير بالتقدم نحوه وعمل شيئا ما أزاءه!!! لقد أصبح بحجم الفيل ونحن أصبحنا امامه كالنملة. ولا مَن يُنقذنا من هذا الحال!!!!
فمن يُدَحرِج لنا الحجر؟ إذا الانتخابات انقضت منذ شهور ولا حكومة تلوح في الأفق!!! ومن يفعل ذلك؛ إذا الأحزاب ملتهية بتقسيم غنائم الانتخابات، وكلٌ يحاول الإيثار بأكبر وأهم المناصب، لكن هنا ليس العيب فقط على الساسة الذين أصبحوا في المقدمة كنتيجة منطقية للانتخابات، بل العيب بالذي ساعدهم بالوصول إلى هذا المكان عبر صناديق الاقتراع!!! إننا لم نفكر بعقلنا لكي نوزن الأمور بميزانها الصحيح بل بعاطفتنا وانتماءاتنا القومية والمذهبية!!! وهذا ما جنيناه!!
إنه لواقع مبكي والشعب يستحق ذلك مع الأسف كونه كان أحد الأسباب المهمة لما وصلنا إليه، فلم يبقى أمامنا سوى أن نسأل من خَلقنا وجَعلنا في هذا العالم أن يُرسل لنا العون، ملاكٌ من عنده يُدحرج لنا الحَجَرَ، لكي نتنفس بصورة طبيعية ونعيش حالنا الطبيعي ونتكلم بحرية، فلنتضرع إلى ربنا من أجل هذه الغاية وبحرارة آملين مِن عدلهِ الإلهي أن يكون مُجيب الدعاء.
عبدالله النوفلي

225
وحذار من تجدد الاعتداءات



كلمات أردت أن أضع جميع المسيحيين في العراق من مغبة ما قد يحصل في المستقبل القريب، فقد نسمع كلاما عن محاولات تخريبية هنا وهناك، وتحذيرات من مغبة حصول ذلك، لكننا يجب أن نكون متيقضين لكل ما يدور من حولنا، يجب أن لا ننساق وراء الأقاويل، يجب أن نغربل الكلام ونحلله لكي نقي أنفسنا من الشر المحدق بنا كما هو محدق بكافة العراقيين، فهناك الكثير من القوى تريد تقديمنا كمحرقة لكي تحصل على مكاسب سياسية، ويجب أن لا ننساق وراء أي جهة سياسية معينة، بل ننساق وراء العراق فقط لأننا بعراقيتنا سنكون أقوياء في بلدنا، كما وأنني أرى أن من المطلوب أن نتحد ونلتصق كثيرا لبعضنا البعض، ونترك جانبا ما يفرقنا سواء بالطائفية الدينية أو بالتسمية القومية، أو بكل ما يسبب ألما في دواخلنا، فما ينتظرنا من الألم قد يكون كبير جدا، وهنا لست أدعو للتشاؤم، بل هي دعوة لجميع أخوتي من مسيحيي العراق لكي يكونوا حذرين لكل ما يحيط بهم وما قد يحاك لهم خلف الكواليس، ومحاولات اليومين الماضيين تجاه بعض من كنائس بغداد والإيحاء بأنها مستهدفة أو ستتعرض إلى تخريب لم تكن سوى محاولات خائبة من قبل عناصر تخريبية ليس إلا حاولت القيام بنفس ما قامت به في سامراء بحجة حماية الكنائس وبلياس قوات الأمن، لكننا كنا سنصحوا صباحا وبعد انسحابها بحجة زوال الخطر على أصوات انفجار الكنائس!!!! لا سامح الله والله ستر وتم أحباط المحاولة، ولدينا في الكنائس رجالا يحمونها والله معهم. إنها تحليلات شخصية ومن وجهة نظر مراقب عن كثب، فصلوا لكي لا ندخل في التجربة.
عبدالله[/b]

226
المنبر الحر / ما حدث - تساؤلات
« في: 07:47 28/02/2006  »
كل من يهمه أمر العراق تابع خلال الاسبوع الماضي الأحداث المؤلمة التي عانى منها جميع مكوناته، ففيها لم يسلم المسلم الشيعي ولا السني ولا باقي أطياف الشعب العراقي، فقد خربت الأضرحة وهوجمت المساجد، وأضهد العديد من الناس العاديين، كل ذلك حدث في بلد عربي ومسلم!!!!!!!!
نقول ذلك لأن ردود الأفعال التي لمسناه أزاء الرسوم المسيئة لرمز الاسلام والتي كانت شرارتها قد انطلقت من صحيفة دانماركية، ووصلت ردود الأفعال كافة العالم الإسلامي، ولهم بذلك حق وكنا لهم مناصرون، لكن ما حدث في العراق يجعلنا أن نسأل ماذا كانت ستكون الردود لو حدث ما حدث في أحدى الدول التي لا تسمى بالإسلامية؟ ولماذا السكوت على ما حدث في بغداد؟ وهل علينا حلال أن نخرب الأضرحة ونهاجم المساجد؟ أليست هذه بيوت الله؟ وأليست الأضرحة مثوى أوليائه الصالحين الأطهار؟ هل لنا نحن أهل العراق الحرية بقتل هذا وذاك وتخريب كل ما تم تخريبه؟ أين مبادؤنا من كل ما حدث، ألسنا نقول أننا أحفاد حملة الرسالة وساهمنا بإيصال الدعوة إلى أقاصي الأرض من الصين شرقا وحتى الأندلس غربا، هل من المعقول أن نخرب ما بنيناه بأيدينا وما قام به السلف الصالح.
أيها العراقيون لا تنقادوا إلى أفكار الشرير، فهو يفرح عندما يراكم تتقاتلون، عندما يضرب السني الشيعي، وعندما يجد الشيعي يلاحق السني لكي يضطهده، هذا لم يكن ديدن شعبنا أبدا، فما يالنا اليوم، هل كل هذا من أجل السلطة، أم نحن ننقاد دون وعي لما يريد لنا أعدائنا؟
إنها تساؤلات أضعها أمام أخوتي في العراق، آمل أن تكون بداية لمراجعة النفس، ونعود كما كنا أصفياء القلوب والنية، ونلتفت إلى بناء ما تم تخريبه، سواء ما خربه الاحتلال أو ما قمنا نحن بتدميره!!!!
مع الأمنية والتلويح بغصن زيتون لكافة أبناء العراق.
عبدالله النوفلي

227
متى نتعلم الدرس ؟ / الحلقة الأخيرة
فهل سنتعلم الدرس جيدا ونحفظ أصوله ونتعلم قوانينه لكي نؤدي الامتحان القادم وننجح؟ كلمات نريد لها أن تُنقش في ذاكرتنا ونحن نختم هذه المقالات، لأن أن لا نعلم فليس عيبا، لكن أن لا نتعلم فذلك مرارة ما بعدها مرارة، خاصة وإن العراق ككل ماضٍ بحداثة في هذا النهج، فيتوجب علينا أن نسأل بكل ما نجهله، وكان الأقدمين يقولون (أبشر بالطفل الذي يسأل عن كل شيء يجهله)، وهكذا كنا في الانتخابات الأولى حيث كنا نجهل طبيعتها وكيف ستحصل وعملية احتساب الاصوات وقد لا أكون مغاليا أننا كنا نجهل العملية كاملة، إلى أيام قريبة من الانتخابات، لكن في المرة الثانية لم نحتاج إلى من يوضح لنا العملية لأننا أصبحنا على دراية بها وهكذا فالمفروض بالمرة الثالثة، لن يبقى عراقي إلا وتعلم هذه العملية، وندخل التجربة ونحن متسلحون بسلاح المعرفة بقواعدها وأسلوب أجرائها، وطريق تحقيق النصر والمزاحمة الشريفة مع بقية أخوتنا على الساحة العراقية.
نقول هذا لأن خسارة جولة قد لا يعني شيئا أمام النتائج الكاملة، والعراق ومستقبله كله مشاع لأبنائه، وهم الذين عليهم تقرير مصيره، والأجنبي زائل لا محالة، ويبقى العراق لنا ونحن نعمل معا يدا بيد، في البناء والتعليم والصناعة والسياسة وفي كل ميادين الحياة، وعلينا أن نكون متهيئين دائما ولا نلتفت إلى الوراء لأن الفلاح لا يجب أن يضع يده على المحراث ويلتفت إلى الوراء، لأن ما يقوم به سيسير بطريق غير مستقيم، ويخسر كل جهوده ويترك قسما من الأرض بورا، ويخسر مرتين؛ مرة جهده وعرق جبينه، وأخرى أرضه التي تهاون في فلاحتها.
هكذا هو العراق، فنحن هم الفلاحون الذين على عاتقهم تقع مسؤولية الاعتناء به، وأتقان العملية السياسية هو أحد الوسائل التي بها سنرفع هامته عاليا، وسيحترمنا العالم خاصة عندما نحترم أنفسنا وأخوتنا، وعندما نسير بالطريق الصحيح، سينظر لنا العالم بأعجاب. ولا أعتقد من يوجد على أرض هذا العراق الطيب ومن ارتوى من ماء دجلة والفرات من لا يريد لوطنه العلياء، لذلك ومن باب أولى أن نكون مجتهدين ومتقنين لعملنا ومخلصين بعضنا لبعض، ونترك العنف جانبا، لأن العنف هو سلاح الضعفاء، فالله الذي أنعم علينا بالعقل، هو يدعونا لكي نستخدم عقولنا في التعلم وكسب الآخرين كأخوة وأصدقاء وأهل، ولكي نكون عائلة واحدة لا يفرقها عدو جاهل.
فمن يريدون لنا الضعف والهوان هم القلة والأكثرية تبتغي الخير وتسير في هداه، والشمس عندما تشرق لا يمكن أن يحجب أشعتها غربال، لذلك فإن كنا لم نكتسب الخبرة لمرتين فمن باب أولى أن نجتهد في القادم من الممارسات، علينا التفكير مرتين؛ مرة كوننا عراقيون، وأخرى كوننا أبناء وأحفاد أمة ملأت الدنيا وعلمتها الحضارة يوم كان العالم كله نائما بالجهل والتخلف، نحن أحفاد آشور وبابل، نحن ورثة الثقافة السريانية، التي كانت على لسان أطهر الناس أجمعين، وكانت لغة العلم والدولة، وأبناءها كانوا نقلة العلوم، وكان منهم الأطباء المهرة، يوم كان الطب سلعة نادرة، فما بالنا اليوم، وترانا نبحث عما يفرقنا ويضعفنا من خلال تجزئتنا إلى ألوان بمسميات علينا تجاوزها لصالح الأمة التي تنتظر الكثير من أبنائها، وأمام أخوتنا الذين يعقدون الأمل بنا لصنع الغد الأفضل.
أخوتنا الذين قست عليهم الأيام وتشردوا في دول العالم ينتظرون منا الكثير كما ان عليهم أيضا الكثير لكي يعملوه، فالأصوات يتم جمعها من جميع أرجاء العالم، فعدم مشاركة أخوتنا في أمريكا أو أستراليا أو أوربا أوحتى الدول العربية التي أصبحت ملاذا آمنا لأهلنا يعني خسارة لأهلهم ولأنفسهم، لذلك يجب أن نعتبر التصويت ولقوائم شعبنا أمرا مقدسا، وواجبا وطنيا وقوميا، وأبسط شيء نسند به أمتنا ونضعها على الطريق الصحيح لرسم المستقبل المشرق هو المشاركة في العملية الديمقراطية، وقطعا هذه العملية لا تتقاطع مع أبناء العراق الآخرون، فالمنافسة الشريفة، والوصول بكل أطياف العراق إلى البرلمان يعني حصولنا على برلمان صحيح يضم جميع أبناء العراق.
نأمل في سلسلة المقالات هذه أن نكون قد رسمنا بعضا من ملامح الصورة لأخوتنا من أمتنا (الكلدانية الآشورية السريانية) ونأمل أن تكون نتائجنا المستقبلية أحسن مما حصلنا عليه، ومن الله التوفيق.
عبدالله النوفلي

228
متى نتعلم الدرس ؟ / 6
قلنا أن العراق معروف، والمرجعيات الدينية محترمة ومقدرة لديهم، والتأثيرات القبلية والطائفية جميعا يُعمل بها، والانتماء القومي مهم جدا لدى الأكراد خاصة، وكذلك العرب وتأثيرات شراء الذمم مؤثر أيضا!!! وغيرها من الأمور التي يعرفها السياسيون أكثر مني. فأين نحن من كل هذا، فنحن عراقيون دما ولحما أبا عن جد، والعراق هو بلدنا قبل أن يكون بلد غيرنا، والواجب علينا أن نفهم تركيبته السكانية وطريقة تفكير كافة مكوناته، والعمل على تمتين أواصر المحبة والأخُوة مع الجميع خدمة لقضيتنا، وأن ندع جانبا كل ما من شأنه خلق بؤر للتوتر التي تبعد الأخوة بعضهم عن بعض، حد القطيعة أحيانا.
ونحن عندما نتكلم عن واقع ومستقبل أمتنا (الكلدانية السريانية الآشورية)؛ مطلقا ليس هدفنا التقليل من شأن أي من مكونات بلدنا، بل أننا جميعا أخوة في بلد واحد، يربطنا المصير الواحد؛ نتألم لألمه ونفرح لأفراحه، وينتظرنا المصير ذاته، لذلك نعمل لكي تكون أمتنا فاعلة في هذا البلد، ومنتجة ونشيطة، وأن تكون جهودها تصب في مصلحة هذا البلد، الذي عاش على أديمه أهلنا وأجدادنا، وأعطت المسيحية التي تنتمي لها جلَّ مكونات أمتنا؛ الشهداء الذين رووا تربة هذا الوطن بدمائهم تارة من أجل أيمانهم وتارة أخرى للدفاع عنه، ضد أي خطر يتحدق به، وغايتنا من هذه المقالات المتسلسلة أن نجعل أهلنا في المكان المناسب لهم من العملية الجارية في العراق، لأن تخلف أي من مكونات العراق هو تخلف للآخرين.
لذلك يتوجب أن نَفهم الآخرين لكي نستطيع التفاعل معهم، وبدأنا نسمع تعابير وكلمات قد لم تكن تخطر على بالنا أو كانت من الممنوعات في الأحاديث، فبدأنا نسمع ونقرأ عن السِنة والشيعة، وعن العشائر الفلانية، وعن المرجعية، وعن هيئة علماء المسلمين، وعن ... العديد من المسميات لم تكن واردة في قاموس أحاديث العراقيين ولا في أعلامهم أبان السنوات الماضية، فحتى نكون في الصورة وفي قلب الحدث كما يحلو للأعلاميين أن يقولوا: علينا دراسة الواقع الجديد ومعطياته ونعتبرها من النظريات الهندسية التي تتوفر فيها المعطيات المعينة والمطلوب برهنة شيء معين، هذا بالضبط المطلوب منا برهنة كيف نتعايش ونتفاعل مع واقع فيه هذه المعطيات التي ذكرناها في عراق اليوم. بالإضافة لذلك فمن مسؤولياتنا تصحيح نظرة الآخرين لنا وتفكيرهم عنا فمثلا هناك من يطلق علينا بدلا من المسيحيين كلمة المسيح!!! علينا أفهام هؤلاء أن هذه التسمية غير صحيحة وإن كنتم تقصدون أننا من أتباع المسيح، فنحن نكنى بالمسيحيين.
وهذا ينطبق أيضا على أمور كثيرة قد يفهمونها بغير الاسم أو الشكل الصحيح، ونحن مسؤولون لإيصال الصورة النقية والشفافة عن أمتنا لمن حوالينا من الأخوة في هذا العراق المتألم والمجروح طوال عقود كثيرة، وينتقل من جرح إلى آخر ومعاناته مستمرة لزمن طويل، دون أن يلوح في الأفق بصيص من الأمل نتعلق به لرسم خطوط الغد الأفضل الخالي من هذه البؤر التي تكون سببا لبعثرة أوراق جميع المخلصين، سواء في السياسة أو في الاقتصاد أو في السلم ... هذا هو العراق وهذا هو شعبه ونحن جزء من هذا الشعب وإن كنا لا نعرف كيف يفكر المسلم السني أو يتصرف المسلم الشيعي أو التركماني أو الصابئي أو الكردي يعني أننا غريبون عن هذا الشعب، بل يوجد ثغرة في معلوماتنا وهي التي تجعلنا لا نرسم الخطة للمستقبل تحقق لنا النجاح.
فهل يا ترى أن شعبنا فيه من الألغاز والأمور غير المنظورة ما جعلنا طوال المدة الماضية من الزلزال الذي عصف بالحياة في العراق نكون عاجزين من بلورة ولو صورة تقريبية للأمة (الكلدانية الآشورية السريانية) كأمة حية وأصيلة من مكونات الشعب العراقي، والتي من المفترض أن يكون لها مكانتها الصحيحة بين أمم وأقوام شعب العراق، وهل لهذا الزلزال دور فيما نحن عليه، أم أن المشكلة فينا منذ القدم، ومباشرة ممكن أن نقول أن شعبنا هو هو في الماضي واليوم وسيكون كما هو في المستقبل القريب على أقل تقدير، وإنه وإن كان يعيش تحت ضغط وكبت وحرمان للحقوق الأساسية وخنق لحرية الكلام والتعبير، لكن كنا نتفاعل مع من حوالينا ونناقش ولو على المستوى الضيق مع من نثق بأمور شتى، ونعلم بأن للشيعة مرجعية وهي ذات موقع مرموق لدى عامة المسلمين الشيعة وغالبا تكون هذه المرجعية ذات مكانة محترمة في تقدير الأمور وإصدار الفتاوى وجمع لم شمل أتباعها في الأمور ذات الخصوصية أو ذات الوطنية، وهذه المعرفة يجب أن تقودنا إلى تقدير مدى رجحان كفة الكيان الذي يحضى بتأييدها أو الذي يعرف كيف يُقحم اسم المرجعية سواء بالصور أو بالأحاديث أو بالانتماء ولو من بعيد ليكسب رأي الأكثرية من هذا الشعب الذي يمثله الشيعة في الواقع الراهن. وإن لم يكن بسبب مكانة المرجعية الذي هو السبب الأرجح، لكن هناك سبب آخر هو لشعور هذه الفئة بالظلم لحرمانها من السلطة طوال قرون عديدة، ولو نظريا أو على أقل تقدير هذا كان المتعارف عليه، هذا الشعور الذي يجعلها تتكاتف لكي تحصل على التأييد الكبير ويكون لها فجرا جديدا في عراق جديد.
هذا لفئة واحدة، ولو عرجنا لفئة أخرى من العرب السنة، فنجد أن أخوتنا هؤلاء وبعد أن لمسوا الخلل الذي أحدثه ابتعادهم عن العملية السياسية في الانتخابات الأولى، فإن عودتهم في المرة الثانية وبعد تنظيم امورهم وانبثاق هيئة علماء المسلمين كمرجعية لهم، ودخولهم في كيان متوافق وبعد ظهور المد الشيعي إن صح التعبير، وإن قلنا لشعورهم بالغبن بعد أن ذهب الحكم من يدهم (ولو علينا تحفظات على ذلك) لأن في السابق لم يكن الحكم هكذا مائة بالمائة، كان من البديهي أن يخطف هذا التحالف ذو الصبغة السنية أصوات المحافضات التي انبثق من خلالها ويكون تواجد أبناء شعبنا بالمنافسة في ظل هذا الواقع لا يبشر كثيرا بالخير وكسب الأصوات رغم وجود من تحالف مع هؤلاء من أبناء شعبنا لكن أين كان تسلسله في الترتيب، هذا كان من المفترض الوقوف عنده في مثل هكذا تحالف لكي لا نجعل من أنفسنا مكملين للقائمة أو هامشيين فيها، وبالتالي ما يذهب من أصوات شعبنا في مثل هذه القوائم على أمل صعود أحد أبناء شعبنا من خلالها خاصة وموقعه متأخر جدا يكون مثار شك كبير ويؤدي بالنتيجة لخسارة جزء من أصوات شعبنا.
ونفس الشيء ينطبق على القوائم الكردية والتي تصدرت في محافظات أقليم كردستان، ومن البديهي أيضا أن نتوقع أنها ستحصد حصة الأسد فيها كونها محافظات نالت الكثير من القهر وناضلت طويلا وتشعر بالمرارة من الحرمان الطويل، وعاشت لأكثر من عقد شبه مستقلة وتنعم بنوع من الاستقرار، هؤلاء لا يفرطون بأصواتهم سوى لمن يحقق لهم ذات الحياة التي عاشوها في العقد الأخير، هذا في الاستنتاج الواقعي، وحتى لو قلنا بأن لشعبنا ثقلا مميزا فيها خاصة في دهوك وأربيل، لكن تشتت شعبنا هناك بقوائم ثلاث جعل الأصوات تتشتت أيضا ويخرج ممثلونا من هناك بخفي حنين.
هذا هو الواقع في العراق غداة الانتخابات وهذا كان واقعنا كأمة بين هذا الكم المختلف التكوين والتلوين، فدخولنا العملية الانتخابية دون علم أو دراية ودرس يكون المصير كما آلت إليه النتائج وإن كان بعض الأحزاب التي دخلت الانتخابات درست هذا الواقع وحاولت لم شمل بعض من أجزاء أمتنا بقوائم يبدو عليها أنها اختارت من جميع أطياف الأمة لكي تكسب أصوات أبناء الأمة على أقل تقدير، لكن نجد بعض من هذه التحالفات لم يكن أي رابط يربطها سوى إضعاف أطراف أخرى أو كونها مبتدئة تحاول كسب الخبرة للزمن القادم، أو لأهداف وغايات لا يعرفها سوى أصحابها!!
لكن هل بهذه الحالة نحاول أن ننجح؟ وغيرنا عمل جاهدا لرصّ الصفوف وجمع شمل من يتوافق معه بالرأي وتم انبثاق جبهات عريضة ومن شخصيات تملأ جو العراق بالأحديث ويبدو أنها تملك من الخبرة بحيث لا يشك المراقب قط أنها ستكتسح الساحة وتحقق أعلى النسب في الانتخابات، وحتى ملصقاتها كانت ملأت كل زاوية وصوب في شوارع العراق، ورغم من حاول تمزيق بعض منها لكنها لكثرتها لم تتأثر بهذا العمل الذي مارسته بعض القوى للتقليل من المد الإعلامي للقوائم الأخرى، وصور وإعلانات قوائم شعبنا أين كان موقعها، بحيث قامت بعضها بلصق الصور على صور الأخرى كما جاء ببعض وكالات الأنباء وكأن ساحة الإعلان ضاقت بأبناء شعبنا بحيث يغبنون حق بعضهم البعض، وهل كان من مارس ذلك يجروء للعمل ذاته مع قوائم معروفة كالتحالف الكردستاني أو العراقية الوطنية أو الإئتلاف أو التوافق؟ (أم أن أبي لا يستطع شيئا سوى باتجاه أمي !!!).
أليس هذا هو واقع الحال؟ وفي هذه (الخربطة)، ماذا نتوقع من شعبنا؟ لأننا لاحظنا الكثير ممن يذهب للتصويت لقوائم أخرى يراها قوية وهي التي تحقق له الحلم بالأمن والأمان والحياة الكريمة، لأنه بصراحة يعتبر أن قوائم شعبه مهما حققت من أصوات لا تستطيع ممارسة السلطة من موقع قيادي!! وهذه استنتاجات خاطئة نبهنا عليها قبل الانتخابات، فأصوات قليلة بالمعادلة الانتخابية يكون لها وزن كبير خاصة عند حاجة القائمة الكبيرة لتحالف بسيط يمكنها من تحقيق الأكثرية في البرلمان، لذلك شحذنا الهمم باتجاه قوائم شعبنا لأننا لمسنا هذه النبرة غير الصحيحة لدى الكثير، وقلنا ما أحلى أن يجتمع الأخوة معنا، وهذه نظرتنا لازلنا عندها ونحث جميع أخوتنا باتجاهها ونطالبهم بالتكاتف والعمل الجماعي، لأن ربنا قال متى ما اجتمع اثنان باسمي فأنا أكون ثالثهم، ورغم أن العملية الانتخابية لا علاقة لها بالعمل الايماني بالله، لكن مسؤوليتنا تجاه شعبنا أيضا مسؤولية مهمة، ومقدسة، وإن كانت هكذا فإن الله يباركها.
فلا نريد لشعبنا أن يتخلى عن قوائم شعبه، ولا نريد لهذه القوائم أن تكون كثيرة، لأنها مهما قلت وتوحدت كانت الفائدة أكبر، حتى لا نخسر أصواتنا القليلة، ونجعلها جميعا تصبّ باتجاه واحد، هذا الاتجاه الذي يخدم الجميع، (الكلدان والسريان والآشوريون) وليس جزءا دون آخر، وهذه الدعامات الثلاث هي التي يجب أن تكون دعامات نسند بها أمتنا ومن واجبنا جميعا أن نتحمل مسؤولية تقويتها وليس من المصلحة أضعاف الواحد على حساب الآخر، وهذا العمل لا نجني منه الثمار إلا بالإخلاص والعمل المثابر.
عبدالله النوفلي

229
صورة نشرتها جريدة الصباح البغدادية بعددها يوم 7/2/2006 على الصفحة الرابعة لا تحتاج إلى تعليق سوى أن نقول هل من الصحيح أن نقابل الإساءة بالإساءة، وأود أن أقول أن من رسم في الدانمارك قطعا لم يكن مسيحيا، لأن المسيحيين الأصلاء لا يقبلون الأساءة حتى على أعدائهم، لأن كتبنا السماوية تقول أن علينا أن نحب اعدائنا وأن نصلي من أجل مبغضينا، هذا من جهة ومسيحيوا العراق دفعوا لحد الآن ثمن ذلك مرات عديدة، أولا بتفجير كنائس عدد 7 وسفارة دولة الفاتيكان، وثانيا هذه الصورة التي لا تحتاج إلى تعليق فقط أمعنوا النظر في أسفلها لتجدوا ما يستوجب الاستنكار، وإن علينا أن لا نعتب لمن ثقافته محدودة، لكن عتبنا على الصحيفة التي نشرت مثل هذه الصورة التي لا تسبب سوى الألم لمن ينظر إليها خاصة من المسيحيين وأترك القرار للقراء.
عبدالله

[الملحق حذف بواسطة المشرف]

230
المنبر الحر / نحن واحد
« في: 08:20 05/02/2006  »
نحن واحد.........نحن عراقيون                                                بغداد 2-2-2006+
نتعرض كل يوم  الى تحديات جديدة ,قد تكون صعبة جدا لا نتحملها وقد تكون زوبعة في فنجان تمر علينا ولا توثر  وبما اننا في ظل عالم التحديات فنحن على استعداد دائم لقبول التحدي الذي نعيشه ومن معنا  من اخواننا مكونات الشعب العراقي من مسلمين وصابئة وايزيدية  عرب واكراد و تركمان .
         
         عالم متغير ومتلون عالم سريع الاحداث صاخب  عالم يغلي من التعصب الذي يعمي البصر والبصيرة
احداث تجعلنا دائما في المحك .كل واحد يسال نفسه هل انا منهم ؟هل انا انسان متعصب ؟
وسرعان ما ياتي الجواب ,انا عراقي ,انا احب ارضي  وبالتالي احب شعبي انا لست متعصبا  هذا الجواب نابع من عمق روحه الطيبة روح بسيطة متواضعة ونفس صبور,........هذا العراقي
         
          ان المسيحيين في العراق على اختلاف طوائفهم هناك خصائص ومميزات تجمعهم معا وهي وطنيتهم
وحبهم لارضهم وانصهارهم مع اخوانهم المسلمين في الخير والشر عدوهم واحد وصديقهم واحد  ,لايمكن ان يكونوا غير ذلك . ومع هذا يتعرضون بين الحين والاخر الى حدث يؤثر عليهم ويصدمون به ولا يتوقعون طبعا ان اخوانهم المشتركين بصفة (انا عراقي ) هم الفاعلين بل الخوف كل الخوف من اتفاق بين الجميع لايرضي النفوس المريضة التى باعت  نفسها بابخس ثمن  لزرع وترويج الفتن وهم اول المتضررين.
نحن المسيحيين ندين بالديانة المسيحية ,شرقيون  نحن شرقيون افكارنا شرقية ولكن غير متعصبة عاداتنا شرقية لسنا من بلاد الغرب  ولا نريد ان نكون منهم
الكلدان  والسريان والاشوريين ابناء الارض الاصليين  لسنا دخلاء  او جدد او غير معروفين  نحن امناء مع انفسنا ومع الاخرين
نحتكم الى الراى الصائب نعمل بحكمة الحكماء ونستعين بعقول المفكرين نريد قانونا ننظم حياتنا عليه لا نستطيع العيش في غابة  .... القانون يحمي  الفرد ......... القانون لايظلم    .....نحن   نعرف لغة القانون.
في المسيحية عندما يتزوج الرجل يصبح وزوجته واحد .ونحن نقول عندما يختلط دم المسلم مع دم المسيحي عبر العصور اذن هم واحد (عراقي )  (  ما احلى الوحدة في التنوع )  تغني .. تفتح افاق واسعة للطرف الاخر ......تبني وتعمر  يقال ان الحديقة المزروعة بانواع من الزهور تفوح منها رائحة زكية اقوى واغنى الف مرة من  الحديقة المزروعة بنوع واحد من الزهور لانها ذو عطر واحد ونحن في العراق حديقتنا مزروعة بامل الزهور وتفوح منها اطيب العطور( العرب .... الاكراد ......المسيحيين ....التركمان ...الصابئة ...الايزيدية ) وهذه الانواع تضيف غنا لشعب ولدولة طالما عاشت منذ القدم وطالما كانت بتنوع ابنائها.الكل يميز ما يمتلكه الاخر من صفات وخصائص رائعة تعبر عن روحه وافكاره وطقوسه  والكل يحترم مشاعر وافكار وطقوس الاخرين وهم واحد في السراء والضراء
ما هو المطلوب الان ؟
المطلوب من كل واحد منا هو ::
---لاننسلخ من جلدنا ونصبح كالغرب (نحن شرقيون ..والكل يعرف جمال الشرق وغناه الروحي والحضاري )
--لانقبل بصراع الحضارات والعولمة (نعتمد حوار الحضارات وحوار الاديان لاغناء الافكار وتوسيع المدارك)
---نعتمد المبادىء الاساسية الثابتة الخاصة بالشرق (مع الاستفادة من التكنولوجيا الحديثةوتطوير اقتصاد البلد ومستوى الفرد القتصادي)
_نحن شعب ملكت عقولنا وافكارنا وسلوكنا خصوصيات جميلة ممكن ان نعلمها لللاخرين ونصبح نحن  معين لاينضب (منبع الحياة )و  (منبع النور ) و(منبع السلام)
نحن لايهمنا من يريد زرع الفتن   لايزعزع حبنا لارضنا ولشعبنا كل الوسائل الملتوية للتفريق والتشتت
                                   نحن واحد   .......... نحن عراقيون

 
بقلم :مي يونان توفيق
ممثلة السريان الكاثوليك في ديوان
المسيحيين والصابئة المندائيين والايزيدية
                                                                E:mail – maytui2003@yahoo,com



231
كم من الوقت سنبقى نتميز بالسلبية، ونتلقى الضربات دون أن نرد بشيء حتى ولو بالكلام!!! فمسلسل ضرب الكنائس متواصل، ونحن نراقب ونستمع لما جرى ونشاهد معه الدمار الذي حصل وندفن قتلانا، ونذرف بعض من الدموع عليهم وبعد زمن قصير نبدأ بنسيان ما حدث لكي نعلق هذا العنف على صليب المسيح ونطلب منه أن يحمينا وأن يساعدنا على تجاوز هذه المحنة، وينتهي الكلام بعد حين، لكي تبدأ حلقة جديدة من المسلسل، وندور بنفس الحلقة المفرغة!!!
هل يتحمل شعبنا المسيحي في العراق نزيفا جديدا؟
هل نقوى على رحيل مجموعة أخرى من شعبنا؟
وهل سنفعل شيئا مغايرا لما فعلناه سابقا؟
كما أعتقد فإن الأمور ستجري بنفس الوتيرة، وسوف لن نشهد موقفا شديدا من هذا المسؤول أو ذاك، والجواب يكون أننا جزء من العراق ونتحمل ما يتحمل أهله من الويلات التي تحدث يوميا، لكن هل هذا هو كل ما يحدث؟ وما سبب ما حدث؟
والجواب للسبب هو أن صحيفة دانماركية أساءت لرمز ديني، وقد يكون ما حدث رد فعل على ذلك!!! ولكن علينا التساؤل وما ذنبنا نحن مسيحيوا العراق؟ هل أن العالم الغربي هو عالم مسيحي حقا؟ أو أن الصحيفة الدانماركية هي تابعة للكنيسة مثلا؟ وما ذنبنا نحن في العراق أن ندفع ثمن لمن أساء وهو في غير بلدنا.
فهل نعمل لإيقاف هذا المسلسل، أم سنكتفي بالكلمات الرنانة والمنطلقة من المباديء ومن الخوف للتعرض لموضوع شائك، ونكون سلبيين، ويبقى شعبنا يهرب هنا وهناك، منهم من يقتل ومنهم من يخطف ومنهم من يتشرد ويفقد أمواله في تشرده ومنهم من يعيش في دوامة القلق ويصاب بأمراض شتى. ولو لم يكن لحراس الكنائس موقفا متيقظا لكنت المصيبة أكبر، نحمد الله لكل ماحدث، ونتمنى أن نشهد موقفا متشددا من قادتنا السياسيين والكنسيين، فلم يعد هناك مجالا للماطلة.
نتأمل أن نسمع تحركا عمليا وليس نظريا فقط.
عبدالله النوفلي

232
متى نتعلم الدرس ؟ / 5
علينا ترتيب بيتنا استعدادا للزمن الآتي وإلا سيهرب أخوتكم في الأمة منكم وتقل أصواتكم وتصبحون سياسيين تمثلون أنفسكم، هكذا كتبنا في مقدمة هذه السلسلة موجهين كلامنا لأبناء الأمة: السريانية الكلدانية الآشورية، هذه الأمة التي يبدو أن الأيام لم تجعلها تعي استخلاص الدرس من التجارب خلال الثلاثين شهرا الماضية، ويبدو أنها بحاجة لأكثر من هذا الزمن ولمعاناة أكبر ولنزيف أقوى من شعبها لكي تعي ما يحدث ما عليها من مسؤوليات لكي تبدأ المسيرة بانتظام وتبدأ بحصد النتائج التي تعيد الأمور إلى نصابها.
كلنا نرى ونشاهد ونسمع ما يحدث لأخوتنا في هذه الأمة الحائرة أولا باتخاذ اسم محدد، وعندما يُطرح هذا المشروع على بساط البحث تقوم الدنيا ولا تقعد بسبب تعنت هذا وتعصب ذاك، ونكون بحالة يُرثى لها أمام الآخرين وكأننا نتكلم لغات مختلفة وكأن أحدنا جاء من القوقاز والآخر من الجزيرة العربية والثالث من شمال أفريقيا، وكأننا أيضا أبناء مختلفين لأجداد غير معروفين، وألواننا مختلفة وشكلنا غير متشابه، وكذا عاداتنا وممارساتنا، وأخيرا ديننا.!!!! فما بالنا نبحث عما يفرقنا دون تعب أو ملل؟ وما بال المعنيين أنانيون إلى هذا الحد الذي به يشاهدون النتائج دون حراك.
ألا يكفي أن أبناء أمتنا أصبحو موزعين على خارطة العالم كله، فإن ذهبت إلى أمريكا ستجدنا وكذا في استراليا، وأوروبا وحتى جنوب أفريقيا، وقد نسمع بوجود شعبنا في ناميبيا أو سيراليون، أو حتى في جزر البهاما!!! فماذا ننتظر بعد؟ وحتى قيادة كنيستنا أصبحت في حيرة من أمرها كيف توفر رجال الدين لكل هذا الشعب المشتت، وكيف تستطيع نشر إيمانها لكل هذه البقاع من الدنيا، إلسنا مدعاة للسخرية، فلو أي شعب واجه أي شكل من العنف تشتت هكذا لأصبحت كل بلاد الأرض عبارة عن أمم متحدة بحد ذاتها!!!
وليست الهجرة فقط لكن تعب الأيام وسهر الليالي كله يتبدد ويضيع ليبدأ شعبنا من الصفر عند وصوله إلى هدفه الذي اختاره مرة قسرا بسبب الظروف ومرة أخرى بإرادته بعد أن أصبح التشتت واقعا، عليه أن يلتئم مع أبنائه وأحفاده في ديار الله الواسعة!!! فكم خسرنا من الجهد الذي كنا ندخره كما يقول المثل: القرش الأبيض لليوم الأسود، فكم قرشا أبيضا خسرناه واليوم الأسود لازال موجودا ولا يقبل الليل أن ينجلي، ولا نجد أن القدر يحاول أن يستجيب، فحتى كلام الشعراء هذا نحن لم نحصل على فائدة من ترديده، لأن المسألة ليست قدرا، بل أنها بيدنا نحن نرسم يومنا وغدنا والمستقبل الذي ينتظرنا.
فخسائرنا هائلة ولا تقدر بثمن؛ المادية منها والبشرية وحتى المعنوية، والطامة الكبرى التي نعيشها هي تشتت أبناء الأمة من السياسيين كل حسب تصوره للأحداث وأصبح المخلصون منهم في حيرة لأن الطريق المعوَج يبدو للعامة كأنه الطريق الصحيح، وحتى مسك العصا من المنتصف أصبح حلما لا نمني أنفسنا بالحصول عليه، ألا يكفي كل هذا؟ وفي السياسة أيضا وكما أضهرت النتائج في عملية الإنتخابات الأخيرة لم ندرك مصلحتنا ولا كيف نتعامل بحرص وطني وقومي بحيث يتحد فيه أبناء (الأبجد هوّز...) هذه الأبجدية التي ملأت الدنيا وليس ببعيد عندما كانت المطربة المصرية تتغنى بها وكانت تنسب للعربية زورا، بينما هي أبجديتنا وللعربية أبجديتها التي هي (أ ب ت ث ...)!!!
فماذا نفعل لمن بيدهم قرار الأمة؟ لقد أصبحنا كما يقول الكتاب نحنا لكم ولم تبكو وصفقنا لكم ولم ترقصو!!! فمالذي هو بيد أبناء الأمة؟ كل المفاتيح هي بيد ساستها وقيادييها من رجالات الأحزاب ومن رجالات الكنيسة، فكيف لهؤلاء أن يجتمعوا على مائدة واحدة وينقذوا أمتنا من الضياع؟ أليست هذه من مسؤولياتهم الرئيسية التي تستوجب منهم السهر الكثير والتفكير العالي لكي يكون شعبهم مرفوع الرأس وحاضرا في كل أمور بلده مساهما بإيجابية بكل ما من شأنه أن يتقدم بلدنا العراق ويزدهر، ونقدم التضحيات مع أبنائه في سبيل هذا الهدف.
ألا تلاحظون بأن أبناء الأمة بدأو يذهبون بعيدا عنكم؟ والكثير من الغرباء بدأو يهتمون بهم ويوفرون لهم سبلا فَقدوها معكم، وهل نحن ناقصون لكي يتبدد الأخوة مع هذا الكيان أو ذاك؟ وبدلا كوننا (سريان .. كلدان .. آشوريون) نصبح ربما بعد وقت ما (الأكراد السريان أو الأكراد الكلدان أو الكلدوآشورين العراقيون، أو العرب السريان ...) وإلى ما موجود من كيانات وتحالفات.. ملأت سماء الواقع العراقي الذي نعيشه!!! وليس فقط بأيديهم من يذهب مع هذا او مع ذاك، بل هناك المغريات؛ السياسية منها والمادية، وتنطلق من واقع لا يمكن أحيانا تجاهله، لكي ينجرف أخوتنا مع هذا وذاك ونبقى في الأمة تصفق يدنا اليمين بالشمال دون قبض ما هو ذو فائدة لنا!!!
سيهرب كثيرون لأن الهجرات متنوعة؛ مرة من الريف إلى المدينة وأخرى من المدينة إلى الريف، وثالثة إلى العالم كله، وهنا الكلداني في أمريكا أو الآشوري إلى كم من السنين سيبقى متشبثا بأصله؟ ربما جيلا أو اثنين أو ثلاثة على أكثر تقدير مهما وجدنا له من متنفس لكي يشم من خلاله عبيق أجداده ووطنه الأصلي، لأنه طوعا أو مرغما سينتقل إلى الواقع الجديد الذي هو يعيش فيه، بحيث يصبح من هو في أمريكا ينتمي إن كان له اهتماما سياسيا إلى الأحزاب المعروفة: الديمقراطي أو الجمهوري أو غيرها، وبالتالي يقوم بخدمة مصالح هذه الأحزاب، ومن كان في كردستان أيضا سيجد نفسه في واقع عليه الاندماج به لكي يكون إنسانا سويا، بالإظافة لما موجود من مغريات المادة وأعطاء الأرض التي كانت ملكا لهم واليوم أصبحت تعطى إليهم بأسلوب الهدية أو المنحة أو المكرمة أو ... وبالنتيجة خسارة جزء من الشعب.
هكذا إذا سيهرب أبناء الأمة ذات اليمين وذات الشمال وراء بناء ما ضاع منهم نتيجة السنوات العجاف، ويبقى المتحزبون يتقاتلون للمصالح الحزبية ولأمور يعرفونها هم أكثر مما نعرفها نحن العامة، ويصحون يوما ليجدو أن الأمة أصبحت مرهونة مع أمم أخرى ولا نحصل لأي جزء منها سواء : الكلداني ام الآشوري أم السرياني، ونصل بعدها إلى أحزاب علمانية كغيرنا من الأحزاب التي تكون لعامة الناس ونفقد هويتنا وشعبنا.
  هل هذا هو الذي نريد الوصول إليه، أم نبذل جهدا صادقا ومخلصا باتجاه رأب الصدع، وأن يأخذ الحزب الآشوري بيد أخيه الحزب الكلداني، وهكذا تجمُع السريان أيضا، علينا إيجاد أرضية مشتركة للتفاهم حتى لو كان فيها الخسارة الحزبية الخاصة، لكنها ستكون ذات فائدة كبيرة لأننا سنربح أمتنا.
تنقصنا الوسائل، تنقصنا الدراسة، تنقصنا المعرفة، تنقصنا الخبرة، لكن المهم تنقصنا النية الصادقة، لكي نتحالف معا، لكي نتفاهم معا، لكي نتدارس واقعنا معا، المهم أن ننقي ذواتنا ونجلس على طاولة مشتركة، المهم أن يكون لنا تجمع مثل برلمان للأمة، كما طرحنا في حلقة سابقة، نتحاور، نجادل، نتخاصم، لكن بالنهاية تحترم أقليته رأي الأكثرية الذي سيصب في صالح الأمة، وبهذا العمل ستبقى أمتنا تتنفس تحت الشمس، وسيبقى اسمنا ولغتنا تتعزز بالأبناء الذين يحملون لواءها.
فما هذه السطور إلا دعوة مخلصة لست فقط أنا الذي أتحدث بها لكنه لسان حال جميع أخوتي من" الآشوريون والكلدان والسريان" نأمل أن تجد آذانا صاغية وعيونا تقرأ وقلوبا وأذهانا تفكر وتحلل وتتخذ القرار الصائب، وأمنية من الله أن ينير عقولنا لكي نفهم ونسمع وصايا شعبنا وأمته، وعندها سنجد الحقيقة، ونأمل أن لا تكون مرة!!!
عبدالله النوفلي

233
متى نتعلم الدرس؟ / 4
لماذا دائما نختار طريق التفرقة ؟ أليست التفرقة ضعف ؟ سؤال جاء في مقدمة هذه السلسة يتوجب علينا أن نسأل أنفسنا دائما ونكون مخلصين مع ذاتنا وشعبنا بالإجابة وندع اللعبة السياسية جانبا والتي تقتضي كثيرا من الأساليب التي تكون فيها الغاية تبرر الوسيلة!!! وهو المبدأ الذي يتعارض غالبا مع المباديء الإنسانية في رسالة المسيح له المجد، خاصة ونحن نحمل هذه الرسالة والتي بحكمها يتوجب علينا أن نذهب ونتلمذ جميع الأمم. فكيف لنا أن نكون تلاميذ أمناء للرسالة إذا لمن نكن مع ذواتنا منسجمين وعندما أذكر مع ذواتنا أعني مع أبناء جلدتنا الذين يشاطرونا الانتماء لذات الجسد ويحملون معنا ذات التاريخ وأيضا ذات المعتقد، أي رسالة المحبة والتسامح.
والمتتبع للطريق الذي يسير عليه أبناء الأمة من السياسيين، يلاحظ وبوضوح مدى المتاهة المعدة التي يحاولون السير فيها بدراية منهم أم بغيرها، وهذه البلية تكون أعظم، دون سبب مقنع سوى الكسب السياسي للمجد الشخصي أو لغاية في نفس يعقوب، وخاصة عندما نجد أن هذه المتاهة تُرسم بالتعاون مع جهات خارجية لها من المصالح الشيء الكثير لكي تكون أمتنا ممزقة وضعيفة!!! شيء يستوجب البكاء عندما نجد من يحاول هدم بيته وخلع أحدى ركائزه وأعطائها للغرباء، وقد يكون عن جهل ودون ثمن شخصي أو عام وعلى المستوى الضيق!!!
إن أمتنا كما قلنا تتكون من ألوان ثلاثة (الكلدانية السريانية والآشورية) والتي احترنا بوضع مسمى واحد يجمعها، وعلى هذه المكونات الألوان تتركز هويتها وبهم جميعا تكون معززة ومكرمة، فيخطيء أحدهم عندما يجد أن العون من هذه القومية أو تلك يأتيه دون ثمن، ويخطيء من يفهم أن عون أهله مهما كان بسيطا هو ليس ذي قيمة، ويخطيء أيضا من يتحالف مع غير أهله دون أبراز هذا التحالف علنا وأمام الأمة لكي تكون أمته على بينة من مشروعه الانتخابي، وأين كان دوره في مشروعها الانتخابي؟ قبل أن يبث المواد الدعائية لهذه القائمة الغريبة بين أهله لكي يقومون بدعمها.
فكثير من القوائم عندما تحالفت في كيانات مختلفة لم يكن أسم الكيان منحاز لأحدها، وهذه القائمة العراقية الوطنية مثلا لها؛ فإن كان الوفاق الوطني هو قائدها لم يضع أسم حزبه اسماً للقائمة بل جعله أسما عاما لكي ينضوي تحت لوائه العديد من الألوان من الكيانات والأحزاب ولا يشعر أي منهم أن هذه القائمة تنحاز للوفاق!!! وهكذا قائمة الإتلاف، وكذلك قائمة التوافق... لا نستطيع أن نجزم من الاسم أن هذه القائمة منحازة لهذا الطرف أو ذاك.
لكن بالمقابل هناك كيانات دخلت في قوائم انتخابية معروفة سلفا بأنها لجهة معينة ومنها ما دخل من ضمنها أبناء شعبنا، المطلوب من أبناء شعبنا عندما يتحالفون أن لا يرضو لأنفسهم أن يكونوا تابعين ومكملين بل هامشيين في القوائم التي ينتمون إليها!!! لكي يكون التحالف تحالفا مثمرا لشعبنا وأمتنا، وحتى لا يدع هذا التحالف مجالا لنا لكي نقول أنه تحالف يهدف إلى خلق الفرقة بين أبناء الأمة ومحاولة لتشتيت أصواتها وضياعها.
إن ما جعلنا نكتب هذه الحلقة من كتاباتنا حول تعلم الدرس في العملية الانتخابية هو رصدنا لمن يحاول التفرقة لا الجمع، ومن يحاول الاضعاف لا التقوية، لأننا شعرنا أن ساحة أمتنا يسودها الفوضى وقلة الخبرة في تسيير الأمور السياسية التي يكون لها هدف قومي قبل أن يكون لها الهدف الشخصي، وقبل ما يقارب السنتين كنا قد طرحنا مشروعا لأبناء أمتنا لو كنا قد عملنا جهدنا من أجل رؤيته النور لكان حالنا غير ما نحن عليه، ألا وهو تكوين برلمان (كلداني آشوري سرياني) لكي يكون واحة للتنافس الشريف بين أحزاب الأمة ومن خلاله ينبثق من يكون مؤيدا من الأمة ككل ليمثلها.
ونجد كم خسرنا خلال الفترة الماضية نتيجة عدم وجود عمل منظم مدروس، وهكذا أيضا يكون البارزين من أبناء الأمة وخاصة الذين لا تنظيمات تسندهم حائرين ومشتتين تتلاقفهم الكيانات ويكونو غالبا عناصر هامشية فيها، بينما أمتنا تعيش الاهمال وموقفا من النكران من أبنائها عندما يعطون قرارهم لغير من يمثلها من الكيانات السياسية. ودعوتنا هذه ليست أبدا ضد هذه التحالفات، بل لكي يكون التحالف المحدد الذي نختاره أن يأخذنا بنظر الاعتبار ونترك بصمتنا على برنامجه الانتخابي وعلى اسم الكيان، وإن كنا لم نستطع فعل شيء من هذا القبيل، فمن المؤكد أن هذا التحالف هو الذي يستغل أسمئنا القومية لصالحه وليس بالعكس.
كلنا نعرف أن وحدتنا هي التي تقوينا، ولو وُجد في بقعة معينة مجموعة تنتمي إلى مكونات الأمة سنجدهم يتحدثون بلهجات مختلفة لكنهم يفهمون على بعضهم البعض، فإن وجد الكلداني فإنه يفهم لهجة الآشوري وهكذا السرياني أيضا وهذا الفهم نابع من كوننا أخوة بعضنا لبعض في التاريخ والثقافة واللغة والدين ووو. ونجد رموز تاريخنا واحدة أيضا ومار أفرام أحدهم الذي هو علما لدى السريان وكذلك الكلدان والآشوريون. فلماذا دائما نختار مفردات التفرقة، ونصبح كل من (يجلب النار لكَرُصته) كما يقول المثل، وإن كنا أخوة أو أبناء عمومة فيجب نكون معا في الامتحانات لكي نؤدي جيدا ويحترمنا غرمائنا في العملية السياسية، ونكسب احترامهم، لكن عندما يجدونا كل يغني إلى ليلاه فهذا سيجلب لنا الخزي وعدم الاحترام، ونتائجنا الماضية تأتي في هذا الإطار.
فلكي لا نبقى ندور في هذات الفلك الخاطيء، أدعو مجددا لكي يكون لنا كيانا ديمقراطيا نجتمع خلاله ويكون المرجعية السياسية لأبناء أمتنا وأحزابنا، ونعتبر الفترة الماضية فترة تجربة جلبت لنا قدرا من الدراية في عالم السياسة، وكل من أحزابها أصبح له خبرته التي تعينه في ما سيأتي من استحقاقات، ولنتفق معا ونعمل مع بعض لتكوين نواة لبرلمان من السورايي ولناخذ شرعيتنا من هذا البرلمان وننطلق إلى الساحة العراقية، ويكفي لنا التراشق بالاتهامات بعضنا لبعض؛ تارة كوننا نعمل لصالح هذه الجهة وأخرى كوننا نعمل لمصلحتنا الحزبية قبل مصلحة الأمة العليا، ولكي يكون أبناء شعبنا من خلال هذا البرلمان على دراية كاملة بما يجري على الساحة الكلدنية الآشورية السريانية من تطورات، وكيف يتحالف هذا وكيف يتحزب ذاك، وممكن أيضا أن ننفتح على غيرنا من أطياف العراق ذوي العدد القليل لكي نعمل معا ونحقق ذواتنا.
إنها دعوة مجددة لمثقفينا أن نبدأ الخطوة الصحيحة في الطريق الصحيح، وسنرى أن الثمار ستنضج مع مرور الوقت ونحقق ما أراده لنا أجدادنا الذين سيفرحون لنا من عليائهم وبهذا نحقق وحدتنا ونترك التفرقة إلى غير رجعة. 
عبدالله النوفلي

234
متى نتعلم الدرس؟ / 3
نحتاج إلى جهد كبير لكي نفهم جميعا درس الانتخابات وقواعده والأساليب المستخدمة في كسب الأصوات، والجهد الكبير هو لأن العملية الانتخابية جديدة علينا وبهذا الاسلوب، فالجميع أحرار وهم يقررون بأنفسهم ما يريدون، أليس من المفروض أن تكون مادة الانتخابات إحدى المواد التي يتوجب وضعها ضمن مفردات المناهج الدراسية لكي يتم إفهام الطلبة منذ الصغر بهذه الممارسة الخلاقة لأن هذا الصغير عندما يكبر ينمو معه الوعي الانتخابي ويكون مستعدا لها عند بلوغه سن التصويت.
وكلنا نعرف أن الساحة ليست أمينة والخوف متسلط على الجميع والموت في كل مكان، بل على الأبواب وكأن الجحيم فاتحة فاها لتلتهم المزيد من أبناء العراق، والارهاب يتربص بالجميع وكأنه لو عمّت الديمقراطية في العراق ستقوم القيامة!!! وكل هذا مصحوبا بالعنف، فأين يكون موقعنا من هذه الخارطة العجيبة ؟ فإن قلنا تخلصنا من عنف السلطة، نجد أن أنواعا وأشكالا شتى من العنف قد حلّ بديلا عنها، وإن قلنا نحن أحرارا بقرارنا فجميع ما يحيط بنا يكبّل أيادينا ويكمُّ أفواهنا ويدفعنا للانزواء وعدم الظهور والتصريح علنا بكل ما يجول في خاطرنا وما نتمناه لأنفسنا ولبلدنا، فأين أصبحت الحرية ؟ وكيف نستطيع التمتع بمزاياها إن كنا لا نعلم ما يحلُّ بعد لحظات، وإن كان العنف والقتل والموت والدمار يلف حوالينا، فماذا نستطيع أن نفعل ؟ وكلنا شاهدنا ماذا كانت هدية الإرهاب لنا في أول يوم من عام 2006 حيث طاب لمن يصرح بأنه حتى الارهابيون احتفلوا برأس السنة ولكن على طريقتهم الخاصة!!!!
لكن الحياة علمتنا أن لا نيأس، وطموح الانسان يجب أن يبقى قائما ونشطا لكي يكون لنا هدف في الحياة وإلا تصبح هذه الحياة موتا حقيقيا، لا بل أن الموت يكون أرحما منها أحيانا، لأنه يضع حدا نهائيا لكل شيء، عكس حياتنا اليوم لأننا نموت في كل لحظة ونتألم باستمرار عندما نرى ما يجري من حولنا وأحبائنا يبتعدون عنا وآخرون يقضون نحبهم بعبوة أم في انفجار أم بقصف عشوائي، لكن الأمل الذي تحدثنا عنه هو الذي يُبقي للحياة طعم يدفعنا لكي نجتهد ونستمر فيها خاصة ونحن ورثة رسالة عظيمة، فربنا بعث لنا برسالة على لسان الملائكة بأن يكون السلام على الأرض والرجاء الصالح لبني البشر، هذا هو الذي ننتظره ونستمر بالعمل دوما على أمل أحلاله بيننا وفي أيامنا.
ففي ظل هذا الواقع نطالب أخوتنا ببذل أقصى جهدهم واستخدام ذكائهم وحنكتهم بالاسلوب الذي يخدم قضيتنا ويدفعها لتكون في الموقع الأمامي من الاهتمام، لأن اللاأبالية أمر يجب أن نبتعد عنه ونفكر بمسؤوليتنا التاريخية، فالأمر ليس فقط أكل وشرب، وتستمر الحياة، بل هناك روابط أخرى تربطنا بالآخرين شئنا أم أبينا، علينا الالتزام بها لكي نعطي معنى للحياة الحقيقية، فهل ينكر الأخ أخاه، أو الابن أباه أو أبناء عمومته، أو الذين ينحدرون من أصل واحد أو حتى المحيطون به فقط لعدم وجود مصلحة مادية له معهم ؟ وإن أصبحت هكذا، فبكل تأكيد لا نستطيع أن نطبق تسمية الحياة الانسانية على حياتنا لأن جميع مخلوقات الله غير المُدركة والتي لا تحمل عقلا هي هكذا، فما هو فارق الانسان هذا الكائن العاقل عنها، لذلك علينا التعايش مع هذا الواقع الذي نحن نعيش فيه، ولن بعذرنا الزمن إذا اخترنا السبات سبيلا للنجاة، بل العكس فإن نشاطنا هو الذي سيقهر هذه الظروف ويقوم بتصحيح المسار، والانتخابات هي أحدى هذه النشاطات التي تقود سفينة العراق نحو شاطيء الاستقرار، فمنها تنبثق حكومة قوية، التي تكون قادرة على تصفية العراق من كل الشوائب التي لحقت به من جراء الانتقال من واقع إلى واقع، ومن نظام إلى آخر، وهذا ما نطالب به أبناء شعبنا، لأننا الآن مقبلون على انتقال السلطة بالأسلوب السلمي، والمفروض أن الخوف من سلطة غاشمة ومتسلطة يصبح في خبر كان، علينا الانطلاق بقوة نحو الحرية، وما الذي يجري من حولنا من عنف وجريمة إلا محاولات لقوى الظلام في منع قدوم رياح الحرية، إنها تريد لنا العيش بخنوع وذل.
ورغم أن مبادئنا الدينية تدعونا إلى المحبة والتسامح ، لكن عندما يتعلق الأمر بذاتنا وتغيير معتقداتنا فعندها ليس صحيحا أن نستخدم أضعف الإيمان سبيلا لنا في العيش، فإن كنا جميعنا ننبذ العنف وندعو إلى السلام، فكيف نصل إلى هذا السلام دون أن نتكلم ونتحدث ونطالب بحقوقنا ونعمل على أكثر من جهة في سبيل تحقيق أهدافنا، والبرلمان هو المكان المناسب الذي من خلاله نتحدث ونطالب وبدون خوف، لذلك فالجميع يتحملون المسؤولية، علينا التكاتف والتآزر ورصّ الصفوف، لا بعثرتها، وكما حدث في أكثر من مناسبة إن نزولنا بقوائم عديدة أمر يشتت الأصوات، وعلى من يرغب النزول إلى الساحة ومحاولته تمثيل شعبنا أن يحسب النتائج ولو التقريبية منها لكي يتوقع النجاح بشيء يسير قبل أن يدخل حلبة المنافسة، وإلا فإنه يعمل ضد إرادة شعبه، بل أنه يساهم في سحب شعبه وأمته إلى الخلف، والتخلف والضياع. ليس المهم أن يكون هذا اللون أو ذاك الحزب أو التنظيم الذي يمثله، بل المهم هو أن يكون هذا التنظيم عند وجوده منبثقا من قاعدة متينة، تكون سندا له عند ساعات الامتحان التي هي الانتخابات، وقد يقول قائل من التنظيمات الحديثة؛ من أين لنا هذه القاعدة المتينة ونحن حديثين على الساحة؟ ولهؤلاء نقول لا ضير أن ينهمكوا في بناء القاعدة وعدم النزول إلى حلبة المنافسة لحين أن يقوى عودهم ويستطيعون منافسة غيرهم، لأن دخول الحلبة بدون استعداد يضر الآخرين على أقل تقدير ولا يعود بالمنفعة لهم إن لم يؤدي إلى تقويض قاعدتهم الفتية التي قد يدخل اليأس إلى صفوفها نتيجة الفشل المستمر.
فإن كنا نُعَدُ بالمليون فعلينا حساب نصفهم أطفالا أو دون سن الانتخاب القانوني، كما علينا حساب نسبة كبيرة من هؤلاء قد لا تستطيع الانتخاب لسبب أو لآخر، لذلك فإن من سينتخب من شعبنا قد لا يتجاوز 250 ألفاً!!! فإن عملنا على تجزئة هذا الرقم المتواضع بين الكيانات السياسية لشعبنا فمن دون شك سيكون الجميع خاسرين، ونتائج الانتخابات لكانون الأول 2005 يجب أن تكون درسا لنا، فماذا كان جواب المرشح من مدينة معينة لشعبنا عندما لا يحصل حتى في مدينته على مائة صوت وتعداد المصوتين فيها هو بالآلاف؟!!!!!! أليست هذه النتائج مدعاة لمراجعة الذات دون أن نقول مدعاة للخجل!!! فعندما تتجاهلني مدينتي فكيف أنتظر الانصاف من المدن الأخرى لشعبنا؟ وهذا لا ينطبق عليه قول الكتاب أن النبي مرذول في بيته أو مدينته، لأن مرشحينا لم يصلوا لكي يكونوا بهذه المنزلة، بل هم حديثي التكوين، تنقصهم الخبرة السياسية والحنكة الإدارية لإدارة مثل هذه الأمور.
إن ما حدث يتوجب علينا قراءة الدرس مجددا لكي لا نُلدَغ بنفس الطريقة مرة أو اثنتين وربما أكثر، وهذه دعوة للكيانات السياسية أو التي تحاول أن تكون سياسية لكي تعي الدرس جيدا وتعمل من الآن لتقريب اللحمة فيما بينها لكي نحقق ما نصبو إليه في الانتخابات المقبلة!!! وإن أربعة سنوات ليست طويلة لأننا بحاجة للعمل وبنشاط مع شعبنا لكي نحصل على ثقته ويدلي بصوته لكم على أقل تقدير ومحاولة إفهامه أن لا يعطي هذا الصوت لقوائم غريبة على شعبنا.
إنه درس معقد وعلى جميع الأطراف أن تدرسه جيدا لكي تكون اللعبة متوازنة ونحقق النتائج المتوازنة والإيجابية. لنحاول ونطلب البركة من ربنا وعندما تكون النيات خالصة وشريفة سننال البركة حتما.
عبدالله النوفلي

235
الأخ العزيز الشماس يوسف
تحية طيبة وكل عام وأنت بخير
أولا شكرا على تواصلك في ذات الموضوع، وأود أن أعلمك أن عدد من الحلقات الماضية قد نشرناها في مجلة صدى النهرين العدد الثاني ووكم أتمنى لو أستطيع أيصالها لك، وأرجو أن تستمر خدمة لأبناء هذه المدينة التي تعتبر مركز مهم خاصة لنا المسيحيين. تقبل تحياتي وباركك الله
أخوك عبدالله النوفلي

236
متى نتعلم الدرس؟/2
كتبنا في الحلقة الماضية عن اللعبة الانتخابية وكذلك عن الوعي ومتطلبات موازنة الأمور وجعلها تصب في صالح الأمة وهذا أمر ضروري جدا لاتخاذ القرار الصائب الذي من شأنه تحقيق ما نصبو إليه كأمة حية تبحث عن موقع لها بين أهل العراق وتنشد التفاعل معهم نحو تحقيق خير وصالح هذا الوطن الذي كنا مساهمين في بناءه وتحقيق هويته من خلال أجدادنا ونعمل اليوم أيضا على أعلاء شأنه بين أمم الأرض قاطبة.
الإدراك:
ومن متطلبات تعلم الدرس هو توفر الادراك لدى أبناء الأمة بكل ما يدور من حولها لكي تستثمره لصالحها وتجني ثماراً من هذه اللعبة تلك التي تحدد مستقبل العراق لسنوات إن لم يكن تأثيرها يمتد إلى أمد بعيد وكما حدث في السنة الماضية من خلال أقرار الدستور الذي أصبح قاعدة للحياة في العراق لوقت طويل وتغييره ليس من السهولة بمكان لكي نعود ونكتبه من جديد خاصة ونحن أمة قليلة العدد، فمهما نجحنا في هذه اللعبة سيكون عددنا غير مؤثرا في البرلمان إلا إذا قرَنا هذا العدد القليل بالفاعلية؛ أي قلةٍ نشطة وفاعلة تستطيع عمل المستحيل أينما وجدت، من هنا فالإدراك العالي لجميع متطلبات العملية الانتخابية شيء ضروري جدا.
أخوتي في الأمة: إن الغرباء عن الأمة مهما كانوا حريصين على مستقبل جميع أبناء العراق ومن ضمنهم أمتنا فلن يكون حرصهم كافيا لتحقيق حلمنا وما نصبو إليه سواء في القومية أو في الدين؛ فهناك أمورا خاصة جداً لدى كل أمة تختلف فيها عن غيرها، لذلك قال الحكماء: (ما حكَّ ظهركَ سوى أضفركَ)، فيجب أن ندرك هذا ونؤازر بعضنا بعضا ونعطي صوتنا لمن يمثلنا كأمة واحدة بألوانها الثلاثة، لا كما حدث في انتخابات كانون الأول 2005 حيث سمعنا من الكثير أنهم أعطو صوتهم إلى (س) من القوائم اعتقادا منهم أن تلك القائمة ستنجح وتحقق الاستقرار للعراق والامن لأهله، دون أدراك منهم أنه لو كان صوتهم لأبناء جلدتهم لأصبح أكثر أهمية والفائزون من أمتنا هم الذين كانوا سيرسمون مستقبل التحالف مع هذا أو ذاك لأنه حتما يتوفر لديهم وعياً عاليا وقراءة مستقبلية أفضل إضافة إلى العمل السياسي والخبرة التي تنقص عامة الناس.
ولو عدنا لمن أعطى صوته لخارج أبناء أمته، فما الذي جنى منه؟ وكيف كان يتوقع من تلك القائمة أن تدافع عنه وعن أهله وتحقق طموحاته للحاضر وللمستقبل؟:
.. هل كانت ستُعلم لغتنا الأم؟
.. هل كانت ستنصف الاولاد القاصرين الذين يتحول أحد آبائهم إلى ديانة أخرى من أن يتم تغيير دينهم دون الرجوع إلى رأيهم؟
.. هل كانت ستبني لنا الكنائس؟
.. هل كانت ستمنح لنا الحرية لكي نعلم أولادنا التعليم الديني في المدارس أينما وُجدوا ومهما كان عددهم؟
.. هل كانت ستدعم وجود منطقة أدارية لأهلنا في المناطق التي يتواجدون فيها بكثافة أباً عن جد؟
.. وهل كانت ستعطي المناصب لأبناء أمتنا وفي مفاصل الدولة المختلفة؟
.. وهل كانت ستمنع الارهاب من قيامه بقطع أرزاق الناس وغلق محلاتهم أو خطف أولادهم، أو تهجيرهم دون سبب، أو العطف عليهم ببضع دنانير تعويضا عن القرى والأراضي التي هُجّروا منها أبان عهود ماضية وذلك من خلال أعادتهم إليها وكأن فضلا يتم وضعه في اعناقهم ...
.. وهل .. وهل.. وهل أسئلة كثيرة وممكن أن نكتب الكثير منها، والتي تعتبر خصوصية لنا، لا يعرفها غيرنا أو أقله لا يفهما أو يدركها كما نحن نفهما ونعاني منها، إن حقوقا كثيرة تضيع إن لم يكن صاحب العلاقة هو المدافع عنها فكيف لي أن أعرف أنا المسيحي بمعاناة الصابئي مثلا؛ هذه الديانة الصغيرة العدد أيضا والتي كان لها عدد من المناصب في السابق، واليوم هي شبه خالية اليدين لا أحد يحسّ بحالها لعدم وجود من يمثلها في مركز صنع القرار في العراق!!!!
وهذا الأمر ينطبق علينا أيضا؛ كم نفرح نحن أبناء الأمة عندما نجد حتى ولو موظفا بسيطا من أمتنا في دائرة ما عندما نراجعها لأننا نتوقع أن هذا سينصفنا حتما ولا يجعلنا نقع في فلك الروتين القاتل على أقل تقدير. فكيف إذ كان هذا الموظف هو رئيس دائرة؟ ألا نفتخر به ؟ وكيف أيضا إذا أصبح في منصب أعلى أو في موقع صنع القرار!!! حتما وهذا مؤكد جدا أنه سيضع هموم شعبه في مفكرته وسيكون المدافع الأول عنها في جميع المناسبات التي يتم الحديث عنها.
أخوتي: إن هموم بيتي تكون من أولياتي يجب أن ندرك هذا، والجار مهما كان حريصا على جاره فإنه لن يستطيع الالمام بكافة هموم جاره ليدافع عنه، لذلك نقول أن أصواتنا يجب أن تنحصر بأهلنا لكي يكونوا هم في المقدمة وهذا مؤكد عند الدفاع عن مشاكلنا، لأن الغرباء لديهم مشاكلهم وعند الضرورة تكون مشكلتي وحلّها أهم من مشكلة جاري، وسابقا كان أبناء الموصل يرددون المقولة التالية (ثِمْي أقرب من إِمْي) هذا فيما يخص القريب، الأمر الذي يعني أن ذات الإنسان أقرب إليه من أقرب الناس وهي أمه، فكيف إذا صار هذا غريبا عني؟ والمصيبة أن نفضله على القريب بقرارنا وبمحض إرادتنا!!! ألا تستحق هذه علامات تعجب كثيرة؟ إن أهلنا عندما نساعدهم على الفوز بالانتخابات لا يتطلب منا أن نذهب ونشرح لهم ما نريد وما نشتهي لأنهم معنا في الصورة، وعلى علم بكافة تفاصيل الحياة الخاصة لأبناء الأمة ودون عناء منا سنجد أن قضايانا ستكون حاضرة في كافة حلقات النقاش والمؤتمرات والندوات والتشريعات وغيرها، التي من شأنها أن تنصفنا كما أن هؤلاء سيأتون باخوتهم ليشغلوا المناصب هنا أو هناك، عندما يتم الحديث عن توزيع المناصب لأنهم سيكونون حاضرين، وعند غيابهم من سيتذكر ججو أو بطرس أو آشور أو توما أو ... من الأسماء ذات الخصوصية الدينية أو القومية ؟
لذلك أقول علينا أن ندرك جميع جوانب اللعبة الانتخابية وأن نعي المسؤولية الجسيمة التي يترتب عليها أو تفرزها عملية التصويت، وعند أدراكنا الصائب للأمور سيكون تصرفنا صائبا، ويصبُّ في الجانب الصحبح لكي يأتي بنتائج صحيحة ويرسم المستقبل المتين لأمتنا (الكلدانية السريانية الآشورية)  فكم ستفتخر يا ابن الامة عندما تجد من اسمه بهنام وزيرا وأيشو مديرا عاما وبطرس مسؤولا كبيرا؟ إنه يكون فقط من اسمه فخرا كبيرا عندما تنقل وكالات الانباء اسمه وكعراقي ووزير ممثلا، فقط هذا سيدعو الكثيرين لتقصي الكثير عن هذا الاسم غير المعتاد في التسمية العربية، ليعرفوا مصيره وليعلموا أنه منك أيها الشعب المبارك، وبهذا الجانب الاعلامي سيسلط الضوء على الأمة ويدفع المهتمين للبحث عن أمتنا وتاريخها للتحري عن الرحم الذي أنجب هذا المسؤول الكبير، وعندها كم من الابواب ستنفتح لأبناء الأمة للعمل والكسب المشروع ؟
إن ذلك ليس أنانية منا لكنه طموح مشروع لجميعنا وحافزا لنا لكي نتعلم أكثر ونتسلق سلّم المجد الذي هو مشاع للجميع خاصة في النظم الديمقراطية.
فعلينا إذن تحديد خياراتنا المستقبلية بدقة لكي تكون أهدافنا دقيقة وواضحة ونحصل على النتائج الصحيحة التي تضع أمتنا في المسار الصحح.

عبدالله النوفلي

237
متى نتعلم الدرس؟ / 1
طرحنا في المقال السابق وبنفس العنوان بعض التساؤلات التي غايتنا من خلالها أيصال المعلومة الصحيحة الخالية من الهدف، والمصلحة؛ خاصة لكي يكون السياسيون الذين يمثلون شعبنا، أكثر مسؤولية وحرص على مستقبل الأمة (السريانية الكلدانية الآشورية) وتأخذ طريقا مرسوما ومحسوبا نوعا ما بدقة بين باقي أمم العراق لكي نستفيد من أفرازات الواقع السياسي الجديد والأسلوب الديمقراطي الذي بدأنا نمارسه وهو بأن تكون لصناديق الاقتراع الفيصل بين الفائز والخاسر فيها وليس البندقية أو سلاح جارح، هذه العملية ومن المفروض أن نكون فيها من المتميزين بحكم النسبة العالية من الثقافة التي يحملها أبناء الأمة بغض النضر عن كل الاعتبارات الأخرى.
لذلك أردت من هذه السلسلة من المقالات أن أشرح للقارئ ما قد يكون غير واضحا لديه في اللعبة السياسية لكي تتضح عنده الصورة ويحدد ملامح قراره المستقل والذي يصبّ في صالح أمتنا المغلوبة على أمرها والباحثة عن المستقبل الأكثر بهاءً وتألقاً!!
اللعبة والدرس:
مما يتوضح من العنوان أن هناك درسا ينبغي علينا تعلمه في زمن غير محدد، ومما سبق الحديث عنه وجود لعبة سياسية، فإذاً درسُنا هو المطلوب الاجتهاد فيه حول هذه اللعبة لكي نتقن قواعدها ونلعبها كلاعب أساسي وليس لاعباً مكَمِلاً وأحيانا كما يحلو لأهل الرياضة يقولون أنك (لاعب وراء الكول) أي خلف الهدف لجلب الكرات الخارجة من الساحة!!!
فهل نرضى لأنفسنا أن نكون لاعبين في هذه اللعبة وفي مثل هذا الموقع الهامشي، بل أمنيتنا أن نكون من اللاعبين الأساسيين الذين يطبقون خطة المدرب ويحققون الأهداف وبالتالي كسب المباراة. وهنا لا أريد تشتيتفكر القارئ ليذهب في التفكير وكأننا نقصد الحديث عن مباراة لكرة القدم، إنما جاء هذا التشبيه لأننا تطرقنا إلى اللعبة؛ وبالتأكيد نقصد بها اللعبة السياسية. وكذلك الانتخابات وغيرها .
قارئي العزيز مع الاختلاف بالأهداف فقد تصحّ عملية التشابه التي سقتها في المثل السابق؛ فالمدربون هنا في لعبتنا السياسية هم أحزابنا السياسية، وكابتن الفريق أيضا، لكن معظم اللاعبين هم من الشعب الذين عليهم تطبيق خطة المدرب، وليس الفشل دائما في أي لعبة يعود إلى اللاعبين، بل أيضا اخطة المدرب تارة وجهله بالتطورات والحديثة منها في جانب الخطط والتكتيك. وهنا ممكن أن نجزم أن المسؤولية مشتركة بل جماعية، فكم من لاعب مجتهد ينقذ الفريق كله بنشاطه الدؤوب وحرصه العالي والمتفاني، وكم من مدرب بخطته المحكمة وبتطبيق لاعبيه لها وحتى لو كانوا مغمورين يكسبون نتيجة المباراة ويحققون غايتهم.
لا تجعز عزيزي القارئ كوننا في بداية السلسلة من المقالات والتي تأتي من وحي الانتخابات التي بدأ الشعب العراقي يمارسها، والتساؤلات التي جاءت في مقدمة هذه المقالات ينبغي الاجابة عليها وتوضيحها لأبناء الأمة لكي يتجلى لديهم أهمية دورهم وقرارهم في دعم ممثلي شعبهم في هذه العملية، وغايتنا أن ينتقل شعبنا خطوات إلى أمام ومع كل خطوة ديمقراطية، لذلك فإن كتبنا بدون هدف مرسوم فنكون من دون شك نقوم بإضاعة وقت القارئ.
الوعي:
ولكي ندخل في صميم الدرس والبدء في الشرح والتوضيح لهدف وغاية الكاتب مما ابتغيت أيصاله للقراء الأعزاء، فالمقصود ولأول وهلة من شعبنا أن يكون واعيا ودركا لنفسه وأهميتها ولما حوله في كل الأمور والمتغيرات ولما يسعى الوصول إليه باقي شركاء الواقع العراقي، وكما شاهدنا من مشهد الانتخابات في كانون الأول 2005 وجود كم هائل من الكيانات والتآلفات السياسية منها: الدينية السياسية، ومنها العلمانية السياسية، أو القومية السياسية.... أي أن القاسم المشترك لكل هؤلاء هو السياسة، الجميع في خططهم وأهدافهم تأتي السياسة أولا، لذلك دخلوا هذا المعترك، وطبعا إلى جانب هذا الحرص والنضال وغير ذلك من المصطلحات لدى أهل السياسة التي من خلالها يتم تحقيق الأهداف ولكل كيان حسب برنامجه الخاص به.
وهنا يجب أن نكون على درجة عالية من الوعي وتحقيق مصالح أمتنا في هذا المعترك المزدحم من السياسيين في الكيانات العديدة، وقد نجد من يلوم هذا الحزب أو ذاك في أمتنا؛ مرة كونه لم يأتلف مع تلك القائمة القوية أو غيرها، وأخرى كان اللوم لأنه قام بالتحالف مع غيره من الأحزاب في كيان انتخابي محدد.!!! فأين هو الصواب وأين يتوجب علينا تركيز وعينا في كل هذا؟ بل أين هي مصلحة أمتنا الواحدة بألوانها الثلاثة؟ هل هي بالتحالف مع الأقوياء أم بخوض المعركة الانتخابية مستقلين ومعتمدين على أنفسنا ودعم شعبنا؟ بلا شك أنهما موقفان معقدان وهما بحاجة للحكمة العالية من السياسيين العاملين بين أبناء شعبنا لتحديد ورسم ملامح المستقبل الذي يتطلب هنا القراءة الصحيحة للمستقبل لأن في كلتا الحالتين يجب أن نتوقع الخسارة للأمة وقد تكون فادحة!!! وكيف لنا أن نجتاز هذه المعركة ونصل إلى الفوز ونحقق أهداف الأمة؟
والوعي هنا ليس فقط لأحزابنا السياسية بل لشعبنا أيضا، فعليه أن يعي بأن يكون له قرار شجاع ويصب في صالح أمته، ويأخذ في الحساب أن أمته كانت يوما عظيمة جدا وشغلت الدنيا بل تحكمت بها وكان العالم كله يحترمها تارة لقوتها وأخرى لحكمتها وتطورها الحضاري، وهي التي وضعت الأسس التي لا زال العراق يفخر بها، ومن هذا الأرث المبارك يتوجب على أبناء اليوم العمل المضني لاستعادة تلك الصورة البهية وإزالة ما علق بها من ركام الأيام وتشوهات الزمن، وهذا يبدأ أولا بالوعي لهذه الحقيقة والانطلاق نحو البناء وعلى كافة الأصعدة ومنها موضوعنا الذي نحن بصدده.
فمصلحة الأمة يجب أن تكون نصب أعيننا في حملتنا الانتخابية سواء كنا فرادى أم متحالفين مع غيرنا، لأن القرار المستقل الذي يخدم مصالح الأمة هو المهم في القضية، فبالتأكيد عندما نخوض الانتخابات بمفردنا ومتكلين على أبناء أمتنا وأصدقائنا لِمَنحنا ثقتهم وأصواتهم سيكون هذا قراراً مستقلا وباتجاه الأمة بشكل كلي ودون خوف من تدخل أي طرف من القوى الأخرى في تحديد شكل ونوع القرار. وبعد حسم النتائج مهما كانت بسيطة قياسا بالرقم الكلي سيكون كسبا لأمتنا حتى لو كان صوتا واحدا؛ لأن هذا الصوت نتفاخر به كونه بأصوات أبناء الأمة ومن دون شك من يفوز بأصوات أمته سيكون صوته جهورا ومتميزا عندما يتحدث باسمها لأنه انبثق من رحمها ومن عقلها وقرارها، وبعد وضوح الرؤيا تأتي التحالفات لاحقا لكسب ما يمكن كسبه من الكيانات الأخرى لمصلحة الأمة.
أما إذا أخذنا الجانب الآخر وحسم أمرنا منذ البداية وقبل دخول المعركة الانتخابية بالتحالف مع قوى معينة دون غيرها، فهنا قد نخسر كل شيء عند انجلاء غبار المعركة الانتخابية، وقد نكسب صوتا هنا أو هناك، لكن هذا الصوت هل سيكون مستقلا عن قرار التحالف الذي ساعده للفوز أم يكون مرتهنا به؟ هنا يكمن الوعي لكي يكون تحالفنا مع غيرنا مبنيا على قرارنا المستقل الذي تمليه عليه مصلحة الأمة، لكي يتفاخر من صعد بهذا الشكل بأنه مُلكا لأمته وأمينا لها ولأبنائها.
هذه إذن جانبا من قواعد اللعبة التي تقتضي وعيا عاليا لموازنة الأمور والمصالح ذات الغاية الأسمى لإعلاء شأن الأمة في هذا المعترك الحاسم الذي يرسم ملامح المرحلة المقبلة من عمر العراق الذي يمتد إلى أربع سنوات قادمة وإن كنا مبتدئين في هذا المجال فلنا مستقبل ممكن أن نعمل لكي نتقن هذا الفن وننطلق نحو الغد الأفضل الذي سيكون ربما بعد أربعة سنوات وهي جدا كافية لتعلم الدرس والانتقال إلى مرحلة التطبيق.

عبدالله النوفلي

238
المنبر الحر / متى نتعلم الدرس؟
« في: 09:27 29/12/2005  »
كل طالب، وكل مجتهد عليه أن يتعلم ما يقوم به وما يجتهد في سبيله، وإن لم يتعلم من تجاربه السابقة يعتبر كسولا أو مهملا أو أي شيء آخر غير الاجتهاد!!! كلمات أردت أن تكون مدخلا لهذه المقالة، بعد أن هدأت الأمور وأصبحت الأمور بيد المفوضية العليا والمستقلة!!!! للانتخابات، وشعبنا يبدو أن قوائمه لم تجني سوى النزر اليسير بل أقل منه، إنه لأمر مخجل !!! لا أقول أقسى من هذا الكلام لأن النتائج كانت مخجلة حقا وأصبحنا في ذيل الجميع ونحن الذين ندعي بأننا مثقفون ولدينا الكفاءات و و و من الكلمات الرنانة وبدأنا نزعل عندما يتم دعوتنا بالأقلية لأننا أكثرية قياسا بالكفاءة ولكن!!!؟ المهم في كل لعبة هي النتائج مهما لعب اللواعيب بفن وقوة ونشاط وكانت النتيجة سلبية، يعني ذلك الفشل، والتاريخ يسجل النتائج فقط، وما فائدة النشاط إن لم يترجم إلى نتائج؟ وحصادنا في الانتخابات كان فاشلا فأين هو درسنا وماذا تعلمنا من التجارب التي سبقته، وماذا أيضا علمتنا هذه التجربة؟ وهل سيكون القادم أحسن؟ أم سنبقى على نفس الخيبة؟ للأسف يبدو أننا لن ولم نتعلم الدرس.!!!!
لماذا دائما نختار طريق التفرقة؟ أليس التفرقة هي ضعف، وكلنا نعلم أسلوب الانتخابات وتقسيم الاصوات، وأي تفرقة والنزول بقوائم كثيرة يعني الضعف ويعني الخسارة، ليفهم أبناء الأمة: الكلدانية الآشورية السريانية أننا يهذا الأسلوب نسير بالطريق الخطأ وعلينا ترتيب بيتنا استعدادا للزمن الآتي وإلا سيهرب أخوتكم في الأمة منكم وتقل أصواتكم وتصبحون سياسيين تمثلون أنفسكم، فالعراق معروف والمرجعيات الدينية محترمة ومقدرة لديهم والتأثيرات القبلية والطائفية جميعا يُعمل بها، والانتماء القومي مهم جدا لدى الأكراد خاصة، وتأثيرات شراء الذمم مؤثر أيضا!!! وغيرها من الأمور التي يعرفها السياسيون أكثر مني.
فهل سنتعلم الدرس جيدا ونحفظ أصوله ونتعلم قوانينه لكي نؤدي الامتحان القادم وننجح؟ يبدو أن هذا العنوان سيكون سلسلة من المقالات أعد القراء بأنني سأخوض غمارها في المستقبل علّني أجعل الآخرين يقرأون وأساهم في تبسيط الأمور لكي نقود الطريق نحو النجاح بإذنه تعالى.
عبدالله النوفلي

239
صدر في بغداد العدد الثاني من مجلة صدى النهرين: لسان حال ديوان أوقاف المسيحيين والأديان الأخرى، والعدد الجديد يضم مقالات عديدة تهتم بطوائفنا وأديان العراق من غير المسلمين، كما يضم بعض المقالات من كتاب عينكاوا كوم كنا قد أخذنا موافقتهم على نشرها، من بينهم الشماس يوسف حودي هو كنائس نينوى. نرجو من كتاب موقعنا العزيز أن يرفدونا بالمواضيع التي تخدم طوائفنا والتقارب والتحاور الديني والتاريخي حضاريا بما يترجم مباديء سيدنا المسيح وعلى عنوان كاتب هذه السطور مع الشكر سلفا.
عبدالله النوفلي


[الملحق حذف بواسطة المشرف]

240
المنبر الحر / وهل سنفرح حقا؟
« في: 10:07 22/12/2005  »
وهل سنفرح حقا؟
 سؤال يحق لكل إنسان أن يطرحه بعد كل المواقف والأحداث التي يمرّ بها هو أو من حوله من البشر محبيه أو أصدقاءه أو البقعة من الأرض التي ينتمي إليها ويتفاعل مع ساكنيها، وإسئلة كثيرة ممكن أن نطرحها عن الفرح:
هل سنفرح بعد إداء الامتحان؟
هل سنفرح بعد الزواج؟
أم بعد استلامنا للعمل؟
أم بعد مشاركتنا للحياة العامة والسياسية؟
أم بعد قرارات تتخذها السلطة؟
أم و أم...
والمواقف كثيرة يتساءل المرء بعدها هل انه سيعيش اللحظة الحاضرة ويفرح ملء قلبه، أم أنه يحزن ويعيش حالات الخوف والقهر والظلم وغيرها من اللحظات المؤلمة. واليوم في عراقنا الذي نحبه جميعا نعيش الكثير من هذه الحالات ذات النتائج غير المحسوبة، تُبقي تساؤلنا مشروعا ودون إجابة مقنعة وقاطعة. إذا نحن ضمن واقع شاذ غير منطقي ولا يمكن توقع نتائجه!!! وليس هذا الواقع وليد اليوم، بل امتد لسنوات بل لعقود من السنين، وكلنا على علم ودراية بما كان له وضع العراق خلال الأربعين سنة الماضية، وأي خبير اقتصادي أو مالي لا يمكنه التكهن بمستقبل مشاريعه فيه، قد يخطط لكن تخيطه يتبخر بين لحظة وأخرى، حتى وصلنا إلى ألغاء أهم وزارة في بلد يدّعي الحضارة ومناشدة العلم، ألا وهي وزارة التخطيط!!!!!!!!
فالعملية السياسية في العراق والناتجة من الواقع الذي نحن عليه بعد التغييرات الدراماتيكية التي حصلت منذ ما يناهز الثلاثين شهرا، ونحن أصلا كنا نعيش على أرض هذا الوطن كما قلنا واقعا قلقا يتعلق بمزاجية هذا وذاك ولزام علينا أن نجامل هذا و (نصبغ) ذاك لكي نستطيع العيش بأمان ويكون لنا مجالا ضيقا من الفرح .
وهل هذه هي الحياة التي ننشدها؟ لكي نبقى مرتهنين بغيرنا ولكي نقرر ما نحن عليه، هذا إذا كان بيدنا القرار!!! لأنه غالبا ما نجني ما يقرره الآخرون لنا.
وهل سنفرح بعد الانتخابات؟ وهل سنقتنع بما ستؤول عليه النتائج وبواقع الأحداث الجديد والخارطة السياسية التي سيكون عليها واقع عراقنا؟ و واوات كثيرة ممكن أن نوردها وكلها تستوجب الوقوف عندها وأخذها على محمل الجد والتمعن بها لكي تكون قاعدة متينة لفرحنا القادم. لكن السؤال هو هل سنفرح حقا أم سنجد حقولا من الألغام التي تنفجر هنا وهناك وتطيح بهذا أو ذاك وتخنق الفرحة في الصدور قبل أن تخرج لكي تملأ الجو بهجة وسرورا، يبدو أننا مازلنا في حيرة من أمرنا والتفاؤل الذي نحاول أن نبدو عليه هو مجرد فقاعة سرعان ما تنفجر وتتلاشى عندما تصبح حرة في الجو!!!
فكيف نتساوى بالفرح ونحن متيقنين بأن اللحظة القادمة غير محسوبة؟ فعندما ننعم بالطاقة الكهربائية وينبغي علينا أن نتمتع بها ونستغلها أتم استغلال لمصلحتنا، نرى أنفسنا نتحدث أنه ستنقطع فيالساعة الفلانية  ويسود تفكيرنا الآثار التي سيسببها الانقطاع القادم!!! وبهذا نشبه من يبكي في قمة الضحك!!!
وهكذا عندما نشارك في الاحتفالات المختلفة سواء الزواج أو التناول أو أي مناسبة أخرى ونجريها في الأوقات غير الملائمة، فكيف يكون فرحنا ملائما في الوقت غير الملائم، ففي الليل يسهر الساهرون لا في أوقات الظهيرة، والعشاء يكون في الليل لا كما يُقدم حاليا في حفلاتنا في نهاية وقت الغروب، إنها مأساة مضحكة ومبكية، إنها تراجيديا غير مفهومة لا اعتقد يستطيع فك رموزها الباحثون، لكي ينصفوا يوما أبناء العراق ووصف معاناتهم وصفا عادلا.
وهل سنفرح حقا عندما يأتي العيد؟
وهل سنفرح حقا عندما ننجح في الامتحانات؟
وعندما نستقبل عزيز لنا؟
وعندما نحقق نقلة نوعية في حياتنا؟
وعندما.... وعندما... و و
ولكن هل كل هذا دعوة للتشاؤم؟ الجواب كلا، بل هو محاولة لسبر غور حياتنا التي شابها التعقيد الكبير، في ظل ظروف خارجة عن إرادتنا

241
صدر مؤخرا كتاب (صليب العراقيين)، عن ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى، للكاتب عبدالله النوفلي، وهو عبارة عن مقالات تم أصدارها على صفحات موقع عينكاوا كوم خلال السنة الماضية، كما نشرت على صفحات جريدة بهرا، يتحدث الكتاب عن معاناة العراقيين خلال القرن الماضي وصولا إلى الوضع الراهن.


[الملحق حذف بواسطة المشرف]

242
ويتكلمون عن الديمقراطية!!!



عجبا هو ما عليه أحوال بعض من سياسيي العراق على خارطة الوطن العزيز، فإنهم يتكلمون كثيرا عن الديمقراطية والحرية في كافة مجالات الحياة، وعندما يشعرون أن أحدا مارسها وقد يسبب ضررا لهم وبالأسلوب الديمقراطي الحر يبدأون باللوم والعتب ووو... هل هكذا هي الديمقراطية المنشودة؟

الأمر الذي دفعني لكتابة هذه السطور هو تصريح لمسؤول في أحدى القوائم ينتقد بها أحدى مدن شعبنا العزيزة لأن تصويتها في الانتخابات السابقة لم يكن كما يطمح هو!!! وهنا علينا التساؤل: ماذا كان طموحه؟ وماذا كان يرغب من شعبنا؟ هل إذا مالت هذه المدينة العزيزة لرغباته كانت هذه ستكون الديمقراطية؟ إم أذا مارست حقها المشروع بإبداء الرأي بهذه القائمة أو تلك وحسب قرارها ستكون لا تمارس الديمقراطية!!!!

حقا إنه لأمر مضحك ومبكي في آن معا، فقد يقومون باتخاذ أجراءات غير مسؤولة تجاه هذه المدينة لأنها لم تساند قائمتهم!!!
فللمسؤول أقول أن المسألة الديمقراطية كبيرة جدا ويجب دراستها بتأني وفهم معانيها جيدا والتصرف بأصولها المتبعة دوليا، لكي يتم تسميتك بالمسؤول والقيادي الناجح، نحن نحاول أن نسير بنهج غير الذي أرادونا السير عليه طوال حقب كثيرة، وأذاقونا مر الهوان في سنوات الظلم والقهر ، واليوم نفس الذين كانوا يملأون الدنيا صريخا من الظلم يطالبون شعبنا بمطالب شبيهة لما كان يُفعل معهم !!! لمذا أليس المنطق اليوم أننا أصبحنا أحرارا؟ وهل استخدام حقنا بالقرار المستقل هو جريمة ؟ هل يجب لشعبنا في عينكاوا أن يبقى تابعا؟

فامضي يا شعبنا بقرارك المستقل واعطِ رأيك دون تدخل هذا وذاك، مهما كان، سيكون نصرا لنا حتى لو أعطيته بإرادتك للأكراد أو العرب فسيكون نصرا لنا لأنه بإرادتنا ودون أملاءات من أحد، فإلى مزيد من استقلالية القرار، وكلمة أخيرة أقولها للساسة احترموا شعبكم واحترموا قراره واعملوا بأخلاص وتفاني لكي يختاركم شعبكم وانتصروا للديمقراطية والرب سيكون معكم

عبدالله النوفلي[/b][/font][/size]

243
كلمات ترتيلة ترددها حناجر ذهبية لأبنائنا وبناتنا في كنائسنا كلما كان لقاءا يجمع أطرافا متنوعة؛ إجتماعية.. دينية، سياسية!!.... وتكون مسك ختام اللقاء بحيث تبقى في آذان المجتمعين أن لقاءا مثل هذا مهم جدا وحلو يجب تكراره، لأن في مثل هذا التجمع الأمل في المستقبل الأفضل، والذي دفعني لكتابة هذا الموضوع هو الانتخابات القادمة، الشغل الشاغل في الشارع العراقي حتى أنه طغى على أصوات القذائف والانفجارات وملأت شوارع بغداد الملصقات تدعو لهذا الطرف وذاك، وكنت فيما مضى قد كتبت موضوعا حول ما إن كنا قد خططنا لهذا اليوم وماذا سنفعل له في أمتنا التي بألوانها الثلاثة: الآثوري .. السرياني والكلداني، تشكل قوس قزحا خاصا ومتميزا نفرح عندما تلتقي فيه هذه اللوان لأن بالتقاء الالوان سيكتمل رسم الصورة للأمة التي نرجو أنها لا تبقى تتخبط في مكانها وترجع دائما إلى نقطة الصفر إن لم يكن إلى ما تحت هذا الصفر اللعين!!!
وقلت أن ما دفعني لأكتب هذا الموضوع لبروز نقاط من الضوء والأمل في مسيرة الأمة في هذه الانتخابات وخاصة بتلاقي أطرافا متعددة من الطيف الذي تطرقنا إليه معا وما أحلاه، وهنا لا أريد أن أكون فردا في الحملة الانتخابية لهذه القائمة أو تلك التي انبثقت من أمتنا، فهناك حسب علمي قائمتين فيها شخوصا تنتمي لأطياف الأمة كافة، وهي الرافدين والنهرين إنها جميلة جدا عندما نجد بين حناياها السرياني والآثوري والكلداني يمسكون بأيدي بعضهم البعض ومنتظرين أن تكون لهم الفرصة لكي يساهموا في أعلاء شأن الأمة، وأيضا القائمة الثالثة الأخرى التي لها الخصوصية، لكنني أدعوها لكي تتشبه بالأخريات لكي تكون صورة أمتنا واحدة لدى من ينظر إليها، علينا أن لا ندع مجالا للشك لدى من يترقبنا بأننا متفرقين، بأننا ثلاثة بل ينظروا إلينا ليجدوا واحدا لا تمييز بين الكلداني وبين الآثوري وبين السرياني، جميعهم أبناء أمة واحدة، ولنأخذ التراتيل الكنسية .. لنأخذ كلام الكتاب المقدس .. لنأخذ كلام أجدادنا.. فجميع هؤلاء يدعونا وصلوا لكي نكون واحدا.
يا أخوتي ما أحلى أن نجتمع معا، فبالروح يقول الرب لنا .. ما اجتمع باسمي اثنان معا إلا وهناك أكون أنا. كلمات معبرة أرجو أن تكون عبرة لنا أبناء الأمة اليوم. ويعون الله سنفرح قريبا بخطوات أكثر. فهنيئا لكل من حاول أن يجتمع بأخوته ليكون باقة ورد قدمها للناخبين من أبناء أمته لكي يكون باقة من ورد عطر ستفوح رائحته يوم الانتخابات بإذن الله، فصناديق الاقتراع بانتظاركم يا أبناء أمتي لكي تنصفو أخوتكم .. فلا تعطوا صوتكم خارج هذه القوائم الجميلة، لأنها انبثقت منكم وهي التي تعرف همومكم وستدافع عنه، ليكون لنا قرارنا الخاص ولا نتشتت بين قوائم العراق الأخرى، فمهما كنا مخلصين لأمتنا سيكون قرارنا يلبي طموحات القائمة التي انتمينا لها، لكن إذا كان انتماؤنا لقائمة شعبنا سيكون قرارنا لنا ونحن سنكون أحرارا لرسم المستقبل.
عبدالله النوفلي

244
حان الآن موعد مؤتمر القاهرة للمسيحيين



كثيرا كتبنا وكثيرا كتب غيرنا في الشأن القومي المسيحي في العراق، وحدثت مساجلات بالرد والرد الآخر وعلى صفحات عينكاوا كوم، قبل أيقاف الردود، وكأن شعبنا أو الأصح سياسيوه في وادي آخر يصمون آذانهم ويسدون عيونهم لكي لا يسمعوا ولا ينظروا ما يحدث ويجري من فرقة وتشتت لأبناء الأمة الواحدة بأطيافها الثلاثة : الكلدان .. الآثوريون ... السريان. وبعد مرور أكثر من سنتين ونصف لتغير الأوضاع في العراق تبدو الحالة هي هي لم تتغير الأمر الذي وصلنا فيه إلى هذا الواقع الذي ينفرد به شخص إلى الأمس القريب كان مغمورا أقله بالنسبة للشعب المسيحي في العراق لتخرج علينا وسائل الاعلام بأنه ألقى كلمة الوفد المسيحي، وأحدث زلزلة في قاعة مؤتمر القاهرة أجبرت أطرافا رئيسية في المؤتمر بالخروج احتجاجا.

وهنا لست أبدا مع منع طرح الأفكار مهما كان شكلها ونوعها، لكن الطرح يكون بأسلوب علمي ومتفهم لأحوال العراق، وجلب الأصوات المؤيدة للقضية وليس بخلق أعداء جدد على الساحة العراقية، وهل ينقص المسيحيين على أرض العراق أعداءا أو أقله من يتربص بهم لكي نوجد آخرين بالآلاف إن لم يكن بالملايين!!! فأيها السادة عندما تتحدثون تحدثوا لكي تكسبوا لكم الأصدقاء وحتى لا يجلب لكم الموقف لحظة للاعتذار ولاعادة الأمور لقبل الحديث وهي حتما لا تعود لأن الأمر حتما قد ترك أثرا في النفوس وحسب هذا الموقف على صاحبة.

وهنا يجب أن ننادي بصوت عالٍ أيها الشعب المسيحي في العراق وأخوتهم في المهاجر إننا بحاجة إلى مؤتمر القاهرة خاص بنا، لكي نوقف نزيف الفرقة .. لكي نعود إلى رشدنا.. لكي نعيد هيبة أمتنا.. لكي نجلب الاحترام لمواقفنا.. لكي نكسب ود واحترام قوى العراقيين الأخرى. كفى مزايدات كلامية فارغة، لننتقل الى الحرص ونكران الذات الشخصية والحزبية من أجل هدف أسمى هو الأمة، لنصل إلى حد أدنى مشترك نتفق عليه في أحاديثنا مع الآخرين، وإلى أعتقد سنكون أبناءا جاحدين لأمة عظيمة، بل كانت عظيمة ونحن أرجعنا هذه العظمة إلى أقل المستويات ولا أريد أن أكر كلمة جاحة (الحضيض).

فهذه دعوة لكي لا يتكرر الماضي، ولكي أقله نحترم أنفسنا، فإن كنا نحترم أنفسنا ونتحمل المسؤولية، لنعمل بالاتجاه الإيجابي أو نترك العمل السياسي ونجنب أنفسنا ما تلحقه بنا أخطاءنا السياسية، وما نلحقه بشعبنا من آثار قد لا يمحوها الزمن بسهولة!!! ونترك الخبز لخبازه ويكون عندها خبزا شهيا، فهذه دعوة أرجو أن يسمعها أو يقرأها سياسيونا والمهتمون بمستقبل شعبنا، وقال الحكماء (ذكّر فقد تنفع الذكرى).
عبدالله النوفلي[/b]

245
المنبر الحر / المسؤولية الأبوية
« في: 08:24 20/11/2005  »
المسؤولية الأبوية
ليس سهلا أن يصبح الإنسان أبا أو أما، بل أن ذلك أمراً في غاية التعقيد؛ لكي يكون الأب أو الأم قولاً وفعلاً، لكي يتحمل مسؤوليته الأبوية تجاه من يصبحون أبناءه وتربطهم بهم علاقة الدم، ونتيجتها المسؤولية لتربيتهم بالأسلوب الصحيح، وبالمال الحلال والأخلاق الحسنة وبالتالي بالإيمان الصحيح الذي يجب أن يرافق مراحل نموهم منذ اللفة كما يقولون حتى آخر لحظة من عمر الآباء، بحيث تزداد مسؤوليتهم مع نمو أولادهم بالعمر والقامة ولا تنتهي المسؤولية بتزويجهم كما يحلو للبعض في القول "زوجنا وخلصنا منا" بل أن هذه المسؤولية تبقى وتستمر طالما الوالدين هم على قيد الحياة ويمارسون أبوتهم بمعناها المتعارف عليه.
ليست الأبوة أن "نخلّف ونرمي بالشارع" وهذا الشارع كفيل بتربية الأولاد!!! وكيف ستكون التربية؟!!! لا شك ستكون مخيبة للآمال وبعيدة كل البعد عن الأهداف التربوية المتعارف عليها لدى المربين وعقلاء القوم.
كما أن الأبوة ليست بترك الأولاد يتخبطون بمصيرهم وهم ناقصي الخبرة، لا يعلمون كيف يتصرفون وهم على أعتاب البدء بالمسؤولية الجسيمة التي هي المستقبل الذي يتمنونه والمفروض أيضا آبائهم ليكون زاهراً.
والأبوة أيضا يجب أن لا تكون على حساب غيرهم من أبناء العوائل الأخرى؛ كأن نعتني بأولادنا حتى لو ظلمنا أولاد غيرنا، بحيث نبني مستقبلهم على مستقبل أقرانهم وبذلك نحقق ظلما كبيرا وقد تكون نتائجه سلبية لأننا بنينا شخصية متسلطة.. منتفعة.. جشعة.. غير متوازنة..... وهنا نكون قد حطمنا مسقبل أولادنا بيدنا ووضعنا لهم سبيلا يقود نحو المجهول!!!!
وأيضا فالأبوة ليست بأن نسلب أولادنا شخصيتهم ونجردهم من القرار، فقط لأنهم ليسو قادرين على تحمل أعباء الحياة سواء الدراسية أو الزوجية أو غيرها من مجالات الحياة، لأن إمكانية الآباء يجب بل من الصحيح أن توظف لصالح أبنائهم. وإلا لماذا هذا التعب ولماذا  يدّخر الآباء أموالهم إن لم تكن لاسعاد أولادهم وإعدادهم إعدادا سليما يكونون قادرين بموجبه لخوض غمار الحياة بشخصية قوية ومستقلة قادرة لاتخاذ القرار.
وهنا للآباء دور في غاية الأهمية وليس من السهولة بمكان تجاه أبنائهم، فأين ستولون أيها الآباء وجوهكم عندما تسألون عن دوركم في تربية أولادكم خاصة عندما تكونو قد أهملتموها؟ وماذا سيكون جوابكم عندما تكونوا قد تدخلتم في قراراتهم؟ وكيف تواجهون العالم عندما تفرضون آرائكم عليهم؟ وفي مجالات كثيرة أذكر منها:
نوع الدراسة ... الأصدقاء... شكل وعائلة الزوجة... العلاقة مع الزوجة وأهلها بعد الزواج... ومجالات كثيرة نستطيع أن نوردها لكي ندين بها الآباء ولكي ننصف في مقالنا الأبناء.
فالأبناء لهم الحق بمستقبل واعد؛ بدراسة جيدة، بمعيشة لائقة، بزوجة فاضلة، بإيمان بالله يكون هو الاطار لحياة اجتماعية هانئة. والأبناء أيضا لهم الحق باتخاذ القرار في كل ما يخص مستقبلهم، أقله أن نترك لهم الحرية في المناقشة والمشاركة في اتخاذ القرار وإبداء الرأي، وبذلك نضع اللبنات الأولى في تجربتهم الحديثة في الحياة.
فهل يصح للآباء أن يتلاعبوا بمصير أولادهم بدءا من الرضاعة مرورا بالدراسة وسنيها المتعبة، وصولا للرجولة والزواج ...؟ هل يجوز مثلا أن نجعل من أبنائنا ضحية وليس هم بل زوجاتهم أيضا، فقط لوجود غاية في نفس يعقوب، من أجل تصفية الحسابات بين الوالد مثلا وبين والد الزوجة، ويتم نصب الفخاخ للإيقاع بالعائلة الفلانية باقتران ابنهم بابنتهم ومن ثم تركها نكاية بهم أو لتبقى على قلوبهم يشبعون بها!!! يا للخجل !!!! هذا مثال بسيط ليس من نسج الخيال بل من واقع الحياة، أردت أن أورده هنا لكي أسّلط الضوء على مستقبل أولادنا ومسؤوليات الآباء. وفي مقالتي لا أنحاز إلى طرف الآباء أو الأبناء، لكنني أحاول أن أمسك العصا من الوسط، ويجب على الآباء ترك العصبية جانبا في مثل هذه الأمور، يجب أن يجسدوا دورهم تجاه من تحملوا المسؤولية لانجابه، وأخيرا وافقوا أمام الله والناس عندما وقفوا ليبدأوا ببناء أسرة مؤمنة وأيلاد خليفة صالحة.
إنها دعوة للآباء ليكونوا المثال الصالح أمام أبنائهم ويطلبون منهم ما يعملوه هم، لكي لا يرى الأبناء التناقض بأقوال آبائهم وأملي أن يقرأ الآباء هذا الموضوع لكي يكون أبنائهم من ذوو القاعدة المتينة والقوية من خلال اتباع الأسلوب السليم. أن يجعلوا أبنائهم ومباشرة عندما يصبحون قادرين على اتخاذ قرارمتوازن أحرار باتخاذ القرار ويكون دورهم فقط في تقديم المشورة، ولا نأخذ أولاد الآخرين بجريرة آبائهم، بل نحاسب كل حالة بخصوصيتها، ونترك لأبنائنا أيضا الحرية لكي يكون لهم القرار المستقل، وفرحة الآباء تكون كبيرة عندما يلاحظون أن لأولادهم القدرة على تسيير الأمور بنجاح، وهذا النجاح يكون لنا نحن الآباء. وعودة أخرى لدور الأبناء تجاه والديهم في مقالة أخرى والله الموفق.
عبدالله النوفلي

246
أخوتي من الكلدان والآثوريين والسريان


أود ونحن على أبواب انتخابات جديدة في وطننا الأم العراق أن أدعوكم للمشاركة بها وبكثافة لكي يكون لنا تأثير مهما كان بسيطا في القرار القادم لبلدنا، ولشعبنا قوائم انتخابية معلنة ومن واجنا أن ننصر أهلنا مهما كان لنا ملاحظات على هذه القائمة أو تلك، وصوتنا مهم يجب أن لا نفرط به ونعطيه لأطراف أخرى نتوقع أنها ستلبي طموحنا في الأمن والاستقرار والتطور لبلدنا ولشعبنا.

نعم هذا مهم جدا لكن لنعطي الفرصة لأبناء جلدتنا لكي يكون لهم فرصة الاحتكاك بين هذا الكم الهائل من القوائم الانتخابية،
لنساعد أهلنا بأصواتنا فالقوائم الرئيسية ستنجح لأن لها الوزن الكبير وسيكون لها القرار لأن حجم تحالفاتها ليس قليلا على الساحة العراقية، خاصة وبعد أن سحبت المرجعيات الدينية تأييدها من القوائم. الأمر الذي كان له الوقع الكبير لدى عراقيي الأمس وتبلور النجاحات السابقة لقائمة دون أخرى.
اليوم الجميع  سيتبارون وفق عطائهم، ووفق نشاطهم ووفق ما يعلنون عنه لخدمة العراق والعراقيين، لذلك يجب علينا أن ننصر أخوتنا لأننا فقط سند لهم والكثيرين يحاولون تمييع قرارنا بإفهامنا أن هذا الطرف أو ذاك هو الذي سيكون سندا لنا، ولكن يجب أن نفهم أن صاحب القضية سيكون الأكثر دفاعا عنها مهما كان الغرباء مخلصون، لذلك أوجه هذا النداء لأخوتي جميعا أينما كنتم، هبّوا لصناديق الاقتراع وصوتوا لأبناء شعبنا بقوائمهم المعلنة، فهؤلاء سيكونوا المدافعون الحقيقيون عن قضيتنا، وهم وعليهم تقع المسؤولية بعد ذلك للتحالف مع القائمة التي ستحقق الأمن والاستقرار لبلدنا، أعطوا صوتكم لهم لكي نحتفل بالفوز ولو بمقاعد قليلة لكنها ستكون مقاعد من ذهب لأنها جاءت بقرارنا وليس بقرار هذه الجبهة أو تلك. لا ضير أن نفوز بمقاعد على الجبهة الكردية أو التحالفات في القوائم الأخرى، لكن يبقى الصوت الذي نفوز به عبر صوتنا هو الأغلى، إننا أمام مسؤولية كبيرة اليوم فلا تخيبوا ظن أهلكم وصوتوا لهم وسيكون الله معنا.
عبدالله النوفلي[/b][/font][/size]

247
المنبر الحر / عراق الغد
« في: 07:53 09/11/2005  »
عراق الغد




يهمنا كثيرا كعراقيين أن نفكر كما يفكر غيرنا من أبناء العالم بمستقبلهم، والغد يكون أكثر أهمية لنا من ماضينا وحاضرنا، لأن الماضي عشناه، واللحظة التي نحن فيها نعرف تفاصيلها، أما اللحظة القادمة فهي المجهولة التي تتطلب منا التفكير بها بجدية والتخطيط لها بحكمة وصبر إنها التي ستقدم لنا وللأجيال التي ستلينا سبل العيش الحر الآمن والكريم إذا خططنا لها بجدية وبمسؤولية، والغد لناظره قريب، هكذا تكلم الحكماء من قبلنا، فإن كنا له ناظرين سنناله مكرمين وإن وصلناه عابثين سنعيش طول العمر نادمين خاسرين.
عراق الغد كيف نتمنى أن يكون؟ وكيف يتمنى معنا كل المخلصين الذين يكون جلَّ اهتمامهم وتفكيرهم بوطنهم وبأهلهم، المخلصين الذين يملأ قلبهم الحسرة لما يقرأون في حاضرهم عن ممسبات الويلات والمآسي ويملأ أرجاءه أصوات القنابل والانفجارات، وأشلاء الضحايا متناثرة في كل مكان؛ فلم يسلم الجامع والكنيسة، الشارع أو المدرسة، المستشفى أو الكلية، ... في كل حدب وصوب؛ الكل خائفون.. مرعوبون من المجهول؛ الموت الذي يتربص بالجميع وبجميع السبل: ذبحا أم برصاصة، بتفجير أم بالغدر... وكل الطرق تؤدي إلى روما ويكون الموت هو مصير الضحية ولا يميز بين دين وآخر أو طائفة ومذهب، الجميع مستهدفون.
فمن هو الذي يتربص بكل هؤلاء؟ فإذا كان الجميع ينبذون العنف وينشدون السلام؛ فمن ذا الذي ينشر ممارسات الظلام، ويستخدمها بهذا العنف القاسي؟ ونحن نخطط لغدنا من خلال هذا الركام الهائل من المآسي والأحزان، فكيف يكون هذا التخطيط؟ وهل نضمن أن يكون سليما يضع الأسس ويكون البناء صحيحا متراصا لكي لا نكون كمن يبني البنيان على الرمل!!! فإذا أتت الرياح وهبت العواصف وضربت هذا البناء حطمته وويكون سقوطه هائلا وتكون المأساة الجديدة أشد من سابقتها، بناء عراق الغد يجب أن يكون على أسسس سليمة؛ على أرض صلبة (صخر) لكي لا يتأثر بما يحيط به من التقلبات ولا يتأثر بقلةٍ تريد نشر ثقافة الدمار والقتل ، قلة تريد تدمير كل شيء والعودة إلى قرون الجهل والظلام، قلة تريدنا أن نشرب الماء ساخنا في عزّ الصيف لكون الأسلاف لا ثلج لهم!!!! تريدنا أن نستخدم الحيوانات للتنقل كون الأسلاف لم يكن لهم سيارة أو طائرة!!!! وهكذا في جميع المفاصل من هذه الحياة التي أصبحت مشكلة لمن يعيشها.
عراق الغد نتمنى أن يكون خاليا من هؤلاء، عراقا يكون مركز استقطاب العالم؛ يعيش فيه العلماء بأمان وينعقد بين حناياه المؤتمرات والندوات التي تأتي بثمار جمة للإنسانية جمعاء، نريد عراقا يدرس فيه الطالب بطمأنينة ويصل مدرسته بهدوء ويكمل واجباته وسط الأنوار والمصابيح المضيئة، وينهل من العلم على يد أساتذة غيورين، يعود فيه المعلم شمعة تحترق لتنير للأخرين سبلهم، عراقا تعيش فيه المرأة آمنة؛ لا يتعرض لها أحد، بل تحضى بالعون أينما تحتاجه ويكون الجميع أخوة لها لكي يستعيد نصف المجتمع عافيته وتمارس أعمالها وتفكر بعقل سليم وتعمل وتربي الأجيال تربية يرضى عليها الله والقريب، نريد عراقا سليما معافى ينهض النائمون فيه على زقزقات العصافير، التي تبشر بولادة يوم جديد وأمل جديد، نريد لعراق الغد أن يسير مع التقدم العلمي والحضاري، يتفاعل مع العالم كأصدقاء وتكون أرضه خالية من الغزاة والمحتلين، بلا أرتال ودبابات، بلا حواجز ونقاط تفتيش، بحيث يكون العراقي رقيب نفسه!!!!
وفي مثل هذا العراق الآمن والحر والمستقل لن يبقى فيه بعد من يتعكز على الطائفية أو على القومية بمعزل عن الآخرين، يكون فيه جميع أبناءه عراقيون أولا وأخيرا، قبل أن يكونوا من هذه الطائفة أو تلك، أو من هذه القومية او تلك، ولا حتى من هذا الدين أو ذاك، عندها سيكون الوطن للجميع.. ستعود الأزهار تزدهر في الحدائق، والأمان في الشوارع، والحياة في المصانع، وتبدأ عجلة الحياة بالدوران الصحيح، ويأخذ كل ذي حقٍ حقه، دون أن ينال من حقوق غيره. إلى ذلك نتطلع ولهكذا أمل ننشد ولولا فسحة الأمل هذه لأصبح حاضرنا عقيما لا يمكن العيش فيه، آملين أن تتضافر جهود المخلصين للبدء في الخطوة الأولى والصحيحة لبناء عراق الغد.. عراق الأمل والتفاؤل.
عبدالله النوفلي [/b]

248
الدستور العراقي
وأخيرا وبعد كل ما كتب وما قيل هنا وهناك أصبح لنا دستورا ينظم حياتنا.. حقوقنا؛ في بلدنا ويحدد الاستحقاقات للجميع على أمل أن يكون التطبيق بمستوى المسؤولية، أي أن يأخذ هذا الدستور دوره في التطبيق، بمعنى آخر أن تبدأ الدولة العراقية الخطوات العملية بالسير قدما مطبقة لبنوده وإعطاء كل ذي حق حقه بموجب ما تم إقراره وبمشاركة أكثر من 60% من مالكي الحق في التصويت وهي نسبة جيدة على المستوى العالمي، الأمر الذي يدل على الحماسة التي لجأ إليها أبناء العراق لممارسة حقهم؛ مهما كان شكله: سواء بنعم أم بلا، وهنا يتجلى المبدأ الديمقراطي بأعطاء الحرية في اتخاذ القرار.
وعندما نستعرض الأرقام اللاحقة نتوقف أمام أكثر من 70% من هؤلاء الذين قالوا (نعم) أي ان الدستور يلبي طموحات ثلاثة أرباع الذي مارسوا حقهم في التصويت، بمعنى آخر أن الدستور نال الرضى كونه أرضى أكثر من ثلثي الناخبين. لكن هل هذا الدستور هو الغاية والهدف الأسمى الذي ينشده العراقيون؟ وهو الذي نال درجة الكمال، أم به عيوب أو ثغرات قد تؤدي نحو مشاكل مستقبلية، أم أنه سيكون جامعا لكلمة العراقيين، يوحدهم ويرفع من شأنهم بين بلدان العالم، كبلد حضاري متقدم يحكمه قانون ويحترم شعبه هذا القانون!!!
للوهلة الأولى ومن الرؤية المجردة للأرقام نجد أنه يلبي الطموح بالأرقام العالية التي قبلت به، لكن وهنا مكن تساؤلنا؛ هناك محافظيتن رفضت الدستور بنسب عالية أكثر من ثلثي عدد الناخبين، ومحافظة ثالثة حبست الأنفاس وجعلت من الموافقة عليه على شفى حفرة وكانت على أبواب الرفض، فيا ترى لماذا؟ هل السبب ساسي أم طائفي أم خلل في النص!!!؟ إنها أسئلة علينا الإجابة عليها، والمراقب لوثيقة الدستور بسهولة يجد نقاطا لا ترضي هذا الطرف أو ذاك، فمثلا نحن المسيحيين لا يرضينا أن يضم الدستور فقرة تحدد أو تمنع سن القوانين التي تتعارض مع الثوابت الإسلامية!!! فماشأننا نحن بمثل هذا الشرط؟ نحن لا نأتمر بهذه الشريعة ولنا شريعتنا الخاصة، وترك الأمر بهكذا عمومية يجعلنا نتخوف من دستور يتضمن هكذا فقرة لا نها ستبقى حسب اعتقادنا سيفا مسلطا على المشرعين الذين يريدون تشريع قانون يخصنا أو يخص قضايانا التي وربما قد تتعارض مع الثوابت الاسلامية، وأزاء مثل هذه الفقرة أن تطيح بكافة حقوقنا في الدستور وتفرغها من محتواها وتبقيها حبرا على ورق ودون فائدة !!! وكان المُشرع يستطيع أن يحل هذا الموضع وتبديد مخاوفنا بحصر الثوابت الاسلامية بالمسلمين، ويضيف جملة من ثلاث كلمات (فيما يخص المسلمين) ليتحرر غيرهم من أحكام هذه الفقرة.
كذلك نشعر بالغبن كما شعرنا بالمرارة عند أهمال غير (العرب والأكراد والتركمان) من الذكر في الديباجة وكأن معاناة هؤلاء فقط هي المهمة لكي يتم ذكرها في ديباجة الدستور ، أما المسيحيين وغيرهم الذين كانوا الضحية في مذابح سميل وقرية صورية وشُردوا من مئات القرى في حرب الشمال وجُرفت آلاف الدونمات من أراضيهم وبساتينهم الخصبة والمثمرة؛ كل كأنها لم تكن كافية لكي يتم ذكرهم في ديباجة الدستور!!!
لكن ومع نقاط أخرى نراها غير متوانة لا يسع المجال للتطرق على كامل مواد الدستور نجد وبعد أن جرى ما جرى، أن ننتظر البرلمان القادم عله يستطيع تصليح شيء ما وإنصاف من لم يتم إنصافه، لكن ورغم كل ذلك وعملا بمدأ الديمقراطية يجب أن نحترم رأي الأكثرية ونحاول أن نصحح ما نستطيع عليه ولا نيأس وبالوسائل السلمية لأننا مع العراق الواحد الحر والديمقراطي، ومع أن يكون الدستور فعالا وليس حبرا على ورق، فدعوة للجميع أن يعملوا لكي يكون دستورنا هو المتميز بين دساتير المنطقة، ونعمل على إنجاح المسيرة الديمقراطية وهو انتصار لنا قبل كل شيء، رغم كل ما قلناه، وهنيئا للعراق لوضع خطوة في المسيرة الصحيحة، على أمل أن تتظافر الجهود في المسيرة المقبلة.
عبدالله النوفلي

249
ملاحظات أولية في الدستور
لست من رجال القانون، ولا خبرة لي في سن القوانين، وأعلم أن العراق كان مهدا لأول قانون عرفته البشرية، لذلك فإن هذه مسؤولية كبيرة في أعناق العراقيين لكي يقوموا بتشريع القانون المتكامل؛ ليكون مفخرة ليس للعراق بل للإنسانية جمعاء.
بتاريخ 29/8/2005 صدر في بعض الصحف العراقية مسودة لآخر ما أقرته لجنة كتابة الدستور، كما طالعناها في الشبكة الدولية للمعلومات، ومن المفترض أن تكون لجنة كتابة الدستور قد صادقت عليه، وسمعنا أن المغيبين عن الانتخابات هذا المصطلح الذي بدأ التداول به إشارة إلى العرب السنة لم يوقعوا على هذه المسودة.
ومن قراءتي الأولى لهذه المسودة، شخصت بعض النقاط واضعا تحتها خطوطا لاعتقادي أنها تهم فئات من الشعب العراقي وخصوصا غير المسلمون منهم، والخطوط التي وضعتها ليست فقط لما وجدته غير منصف بل للمنصف منها وهنا سأحاول الإشارة لما ألحق حيفا بالبعض منهم وكما يلي:
الديباجة: ورد فيها: "... فجائع شهداء العراق شيعة وسنة، عربا وكوردا وتركمانا، ومعهم بقية أخوانهم من المكونات جميعا..." أسأل هنا من وضع هذه الديباجة؟ ولماذا حدد العرب والمورد والتركمان، ووضع الآخرين دون ذكر مسمياتهم في خانة (ومعهم...)أليس هذا تمييزا لفئة دون أخرى؟ ألم يعطِ الكلدان أو الآشوريون أو السريان أو اللإيزيديين أو الصابئة شهداء أو لم يُفجعوا حالهم حال الكرد والعرب والتركمان، وهل لجنة كتابة الدستور بحاجة لأن نذكرها بما لحق من قرى أهلنا في الشمال من خراب وتدمير وقتل جماعي، ولعل مذبحة صورية هي إحدى الشواهد على ذلك التي لم يسلم منها حتى رجل الدين كاهن القرية وكافة المساكين من أبناء تلك القرية. وتدمير مئات القرى، وتجريف آلاف الهكتارات من البساتين والأراضي، وتهجير الشعب من موطن آبائه وأجداده ألا يُعدّ دليلا لنا أبناء اليوم يساعدنا لكي ننصف هذا الشعب ونذكره بالاسم بدلا من تهميشه وعدم ذكر اسمه أسوة بباقي مكونات الشعب الذين تحملوا معا ثقل المعاناة سواء في الحروب أو في الممارسات القمعية وغيرها.
فحري هنا أن تعود اللجنة الموقرة إلى إصلاح الخلل ورفع الظلم أو الحيف الذي ألحقته بمكونات الشعب العراقي الأخرى في هذه الديباجة.
المادة (2) : رغم ما ورد في الفقرة أولا (أ) منها، نجد لو تبحرنا في (ب ، ج) منها سنجد أن تناقضات كثيرة ستظهر لو طبقت حرفيا؛ فأحيانا سنجد قانوا يتعارض مع (أ) وآخر مع (ب) أو (ج) وسيكون المشرعون في حيرة فالقانون الذي يتلائم مع ثوابت الإسلام قد يتعارض مع مبادئ الديمقراطية أو مع الحقوق والحريات فيتم أيقاف تشريعه، وبالعكس الذي يتوافق مع الحقوق والحريات قد يتعارض مع الثوابت ويتم أيقاف تشريعه، أليست هذه الضوابط شروط تعجيزية أمام المُشرعيقف أمامها حائرا لا يعلم ماذا يعمل وكيف يقوم بالتوفيق.
أما في الفقرة ثانيا من نفس المادة فهو يضمن الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي، أما هوية باقي الأديان يبدو أنها غير مضمونة، فقط المضمون منها هي كامل الحقوق الدينية. فإن كان هذا يعوض ذلك فلماذا التمييز، أم المقصود هو فقط ضمانة حرية العقيدة أو الممارسة الدينية، وهل هاتين النقطتين وحدهما بحاجة لهما أبناء الشعب المسيحي – الإيزيدي – الصابئي، ألم يكن من الأجدر أن يتم مساواتهم وهم أبناء أصلاء لهذا الوطن مع أخوتهم من المسلمين، كأن يتم صياغة ثانيا كما يلي: يضمن هذا الدستور الحفاظ على الهوية الإسلامية لغالبية الشعب العراقي والهوية المسيحية والإيزيدية والصابئية المكونات الأخرى لهذا الشعب حافظا لهم الحرية في ممارساتهم الدينية والعقائدية.
المادة (4): كانت منصفة للمسيحيين ولكن أين اللغة المندائية؟ أليست هي لغة أبناء الصابئة المذكورين في المادة (2) ثانيا؟ أما في الفقرة (خامسا) من المادة ذاتها؛ فما الحكمة من أدراجها أصلا؟ وهل نتوقع أن لغات جديدة مستقبلا ستظهر لتعمّ محافظة معينة مثلا بحيث يطلب شعب تلك المحافظة أن تعتبر لغة رسمية أخرى فيها !!! أليست هذه مفارقة؟ فالقاصي والداني يعرف لغات العراق، فلماذا نترك الموضع هكذا شديد المطاطية؟ إن هذا باعتقادي يفتح أبوابا لدخول لغات أجنبية كثيرة، خاصة عند عودة الأمان والبدأ في الحياة الطبيعية، عندها ستفد إلى العراق عمالة أجنبية هائلة، فمثلا لو كان ثقل هذه العمالة من الهند أو الفلبين هل سنضطر لكي نقر بلغة تلك الدول في محافظاتنا؟ أم نجعل من الوافدين يتعلمون لغتنا أقله لنحاول نشر لغاتنا المحلية بينهم، أي نؤثر نحن بهم ونستفيد من خبراتهم ونعلمهم لغتنا وهذا ما هو متبع في العالم كله.
المادة (122): يضمن الدستور الحقوق الإدارية والسياسية والثقافية للقوميات المختلفة كالتركمان والكلدان والآشوريين وسائر المكونات الأخرى ... وهنا يجب أن نتساءل من هم سائر المكونات الأخرى؟ أليست مكونات الشعب العراقي معروفة؟ ومالذي كان سيزيد من حجم الدستور لو يتم أدراجها بالأسماء، ألم تلاحظ لجنة كتابة الدستور المظاهرات التي تخرج مطالبة بحقوقها في الدستور؟ وما هي الحقوق الإدارية؟! أو السياسية والثقافية؟ ومن يكون ذلك المُشرع الذي يسّن القانون الجريء الذي ينصف هذه الشرائح إن لم يستطع أعضاء لجنة كتابة الدستور إنصافها، هل نعتبر أن هذا الأقرار يعني أن يكون سهل نينوى منطقة أدارية للكلدانعلى أقل تقدير مع أن هؤلاء موجودين في دهوك وأربيل وبغداد !!!! ألا يسود الغموض هذه المادة بحيث تدفعنا للاعتقاد أن هذه المادة ستبقى مادة في الدستور دون تطبيق عملي!!!!
ملاحظات أولية وسريعة وجدت نفسي مضطرا لكتابتها منبها عما اعتبرته أمورا مهمة تنصف مكونات مهمة وفاعلة من أبناء الشعب العراقي، في عراق الغد المشرق الزاهر بإذن الله، داعيا من المولى أن يوفق الجميع.
عبدالله النوفلي 

250
الأستاذ أدور ميرزا
مقال جميل أتمنى أن تستمر بنفس الاتجاه لأن الوضع الراهن في العراق مشوش إلى درجة كبيرة إلى حد بدأت الحقائق تختلط والصورة للواقع غير واضحة للعامة، إن كتابات من هذا النوع ستعطي درجة من الوضوح للآخرين لكي يفكرو صح، أرجو لك دوام الموفقية مع تحياتي
أخوك عبدالله النوفلي

251
المنبر الحر / أمة تبحث عن هويتها
« في: 11:57 18/08/2005  »
أمة تبحث عن هويتها
لست هنا لأملي أفكاري على الأخوة في الأمة" الكلدانية – الآشورية – السريانية" هذا الشعب المسيحي الذي وَجدَ نفسه تائها بين قياداته الدينية والقيادات السياسية؛ خاصة بعد أن زال ضغط السلطة بعد 9 نيسان 2003، التاريخ الذي بدأ به جميع شعوب العراق بتصحيح المسارات التي كانت الدكتاتورية قد وجهتها لمصالحها وجعلت من كل من يسكن المنطقة العربية عربيا، والمنطقة الكردية كرديا، إلا باستثناءات قليلة لو نظرنا إلى الأخوة التركمان؛ ربما لوجود دولة تركيا الجارة للعراق ولحسابات سياسية معينة لدى السلطة آنذاك لم يتم التلاعب بقومية هذا الشعب مثلما حصل للآخرين، هذا رغم ما حصل لأبناء كركوك المعروفة لدى الجميع.
إذن جميع أبناء العراق وحتى العرب والأكراد كانوا يمارسون نشاطاتهم اليومية تحت سلطة غاشمة تتحكم برقاب ومصير الجميع وتريد منهم السير وفق النهج الذي تراه هي نفسها. فكنا نجد مرة العشيرةالعربية الفلانية تتعرض للضغوط وتارة المنطقة الكردية أو الكلدانية أو التركمانية وهكذا جميع شعب العراقكان مظلومل يئن دون أن يكون له فرصة للتنفس أو التعبير بحرية عن آرائه وتطلعاته، وإن كانت تظهر هنا أو هناك ومضات من الضوء، كان رد الفعل سريعا وبقوة وبدون رحمة؛ لأن محاكم الثورة والمحاكم الوقتية لحادث معين كانت كفيلة لحسم وإطفاء هذه الومضات وردع كل من في نفسه شيء معين لا يرضي السلطة. هذه كانت العدالة في ذلك الزمان، واليوم نجد المحاكمات الأصولية والنفس الطويل في التحقيق والمحامي يكون مع المتهم، ونجد نفس الأشخاص الذين كنوا يمارسون الظلم يدّعون أنهم مظلومين ولا توجد عدالة؟!!!! بلا شك أنها مهزلة يعاني منها شعبنا العراقي المضهد.
كل ذلك سقته في مقدمة المقال لأبين نزرا يسيرا مما كان العراقيون عليه منذ ما يقارب النصف قرنمن الزمان، أي أن رجال اليوم وُلدوا وعاشوا في ظل هذا القمع والحرمان، وتفكيرهم مهما كان نقيا لابد أنه قد تلوث بالحصار الفكري والثقافي والحجر على كل المطيوعات والنشرات والفضائيات التي كانت الأنظمة السابقة تخشاها وتخشى أن تفتح عيون العراقيين ويتنفسون من خلالها بعضا من الهواء النقي، ويبدأوا التعرف على الحركات والتنظيمات الموجودة في العالم والتي تأخذ حقوقها بأسلوب ديمقراطي سلمي بعيدا عن كل مظاهر العنف والقوة.
من ذلك نجد أن شعبنا أيضا أصبح حائرا في تحديد مصيره وهويته، والتي كانت موجودة أصلا في التاريخ، هذا التاريخ لو تصفحنا صفحاته لنجد أن الآشوريين والكلدانيين صنعوا جانبا مهما من حضارة هذا البلد الذي نُنسب نحن إليه، وتشتتنا منه إلى معظم بلدان العام. فنجد أصوات أبناء الأمة تتعالى من جميع أرجاء الدنيا تطالب بتوضيح هوية حقيقية لهذه الأمة تتفق عليها جميع الأطراف.
ومن العلامات البارزة التي أعتبرها الخطوة الأولى في الاتجاه الصحيح كانت مبادرة رؤساء الطوائف بعقد اجتماعات متتالية لمجموعة خيّرة من أبناء الأمة القريبين من الكنائس بدئا من أيار 2003 أي بعد شهر من السقوط للعمل من أجل إيجاد مخرج لهذه الحالة، وكان من نتائج تلك اللقائات انبثاق المجلس القومي الكلدوآشوري، وحسنا كان ذلك أي أن الصورة بدأت تتبلور بوجود شقين مهمين للأمة هم الكلدان والآشوريين، واستمراراً لهذا النهج عُقد مؤتمر في نهاية تشرين الأول 2003 في بغداد شاركت فيه شخصيات قومية ودينية مهمة لأبناء شعبنا وكان من نتائجه إقرار التسمية المركبة "الكلدوآشورية" كاسم قومي لأمتنا، ويبدو أن ذلك لم يرق لمن يشاهدون توحد هذا الشعب تحت تسمية متفق عليها، وبدأت القوى الخيرة بالتحرك باتجاه الحصول على حقوق هذه الأمة في الأرض والخيرات. إلى هنا كانت الأمور تسير بصورة جيدة، وكان هناك تناغم بين القيادات الدينية والدنيوية لهذا الشعب.
وكما نعرف من خلال مسيرة حياتنا كانت القيادات الدينية تنأى بنفسها بعيدا عن المشاركة في الحياة السياسية وكان دورها هو المبارك لكل عمل خيّر يجمع شمل الشعب المسيحي وحسنا كانت تفعل.
ولكن وبعدما شهد الشعب المسيحي نوعا من الاستقرار على التسمية المركبة رغم المعارضة من المتشددين هنا وهناك سواء في الجانب الكلداني أو الجانب الآشوري، يبدو أن هذا الاستقرار النسبي لم يرق للآخرين لأن أمتنا بدأت بالتحرك لإحقاق الحق فيما يخص الكلدوآشوريين، وظهرت المطالبات بمنطقة لأبناء هذه الأمة؛ ونجد من طالب بسهل نينوى وما يحيطه من قرى وبلدات يعيش عليها منذ القدم أبناء هذه الأمة. وهنا ظهر من شعر بأنه سيخسر من جراء توحد هذه الأمة، لأننا نجد الأخوة الأكراد مثلا قد وضعوا حدودا لإقليمهم وحسب تصورهم وحقوقهم التاريخية، لو تم تلبية مطالب الأمة الكلدوآشورية، وهذه الخارطة ستتغير، وذلك ليس من صالحهم (وهذا افتراضي الشخصي) وهكذا قد يبدو نفس الشيء عند الأخوة العرب، لأن قد يبدر إلى أذهان البعض أن مطالب الأمة الجديدة!!! الكلدوآشورية بسهل نينوى هي خطوة جديدة نحو تجزئة العراق وما إلى ذلك من الطروحات السياسية التي ترتأي تأويل الأقاويل حسبما تشاء.
فنجد افتراضا لهذا السناريو أن من لم يرق لهم هذا المخطط بدأوا العمل على تمزيق هذا التطلع ووأده في مهده لكي تبقى هذه الأمة ضائعة، تائهة، بدون قيادة لا دينية ولا سياسية.
وللتاريخ قرار لا يمكن أن ننكره، لأن في العراق كان فيه حضارة آشورية وأخرى كلدانية رغم الانتماء المشترك للحضارتين لأصل واحد، هذا بالرغم أن كل من يدّعي أنه سليل تلك الحضارات لا يستطيع الجزم أنه منحدر منها ويثبت نسبه إليها، سوى أنه عاش في منطقة نينوى فإنه آشوري، أو من الحضارة الكلدانية التي أسقطت مملكة آشور وحولت سلطة القرار من نينوى إلى بابل، رغم ما أثير وقتها من كلام حول التحالفات مع أعداء الأمة الأمر الذي حقق سقوط نينوى وتحول هذه السلطة إلى بابل!!!! فطالما أن لأمر لا يمكن الجزم به، فلماذا التعصب نحو هذا الإسم أو ذاك طالما أن الهدف هو الأمة الحاظرة والعمل نحو خلاصها وتحديد مساراتها المستقبلية.
فنجد التشتت الذي برز بعد المؤتمر الذي أشرنا إليه وبدأنا نجد تنظيمات شتى وطروحات سياسية مختلفة؛ فمن المجالس القومية ظهرت العديد من المسميات، وبرزت تسمية قومية سريانية، وغيرها متعصبة آشورية وأخرى متعصبة كلدانية أو سريانية، وهنا برزت الطامة الكبرى؛ فبعد حصولنا على مكتسب التسمية المركبة وإدراجها في قانون إدارة الدولة المؤقت ضمن مكونات الشعب العراق، من هنا وبعده بدأت الهجمة الشرسة نحو تمييع دور هذه الأمة وبدأت القوى تتجاذب وبالنتيجة كانت إضعاف لها والتقليل من شأنها، وبرز من يرفع صوته عاليا يرفض هذه التسمية المركبة سواء بالاتجاه الآشوري أو بالاتجاه الكلداني وكأن هذا الاسم المركب لو تحقق سيلحق الظلم والهوان بأبناء الأمة، وكأن جدنا آشور أو كلدو سيغضبان علينا من عليائهم ويصبان جام غضبهما على الأحفاد؛ إن كنا اليوم أحفاد أولئك؟!!!!!!!
ولما كنا قد ألفنا من القيادات الدينية ابتعادها عن الأمور السياسية، بدأنا نجد من يقول أن قداسة مار دنخا الرابع قد ذهب إلى القيادة الإيرانية لكي يطلب منها تدخلها في إقرار الاسم الآشوري في دستور العراق المنتظر، وبدأتن الأقاويل الكثيرة تسير في ذات الاتجاه رغم أن جميعنا لا يعلم علم اليقين هل حصل هذا الشيء أم لاء؟ لأنني لم أطلع على تصريح رسمي بهذا الخصوص!!!! وجراء كثرة الأقاويل بهذا الاتجاه وجدت رئاسة الطائفة الكلدانية نفسها ملزمة بنصرة أتباعها وتثبيت الاسم الكلداني!!! وهكذا طائفة أخرى لتثبيت الاسم السرياني، ونجد الاتصالات مع كبار المسؤولين ومن رسائل إلى لجنة كتابة الدستور بدأت تتوالى لادراج هذا الاسم أو ذاك واختلط الحابل بالنابل ووجدنا المسودة التي نشرتها جريدة الصباح اليومية البغدادية مؤخرا قد أدرجت المسميات الثلاثة لشعبنا القليل العدد أصلا، أصبح متشرذما بثلاث مسميات بدلا من اسم واحد مركب وهنا كانت البلية كبيرة؛ فإن كنا بأجمعنا نشكل 3% سنكون الآن إما 1% لكل واحد منا أو 2% لقسم من الأمة و05ر0% لهذا أو ذاك!!!! فلاحظوا التائج يا أيها المتضلعين بالعلم والثقافة، لاحظوا على أي نسبة نتقاتل وعلى ماذا سنحصل!!!!!
وإن كنا نؤمن بالديمقراطية، أليس من المفروض أن نسمع للجميع ونسمح للجميع كل أن يعبر عن رأيه، ونحترم رأيه قبل أن نحاول خنق هذا الرأي أو ذاك؟ فأين كان الجمع الذي ينادي ضد هذا الرأي أو ذاك؟ ولماذا لم يرفع صوته وطالب المسؤولين بحقوقه حسب ما يراه صحيحا؟ وكم كتبنا من مقالات تنادي بالعمل الوحدوي وكنا كمن يتكلم مع الجو أو مع الصم الذين لا يسمعون. وكم حذرنا من الواقع الذي نحن عليه لأن نتائجه سيئة حتما دون أن يتحرك أحد؟ وبالتأكيد إن كلاما يصدر من إنسان بسيط من أبناء الأمة لا وزن له!!!!! أمام كلام يصدر من رئيس حزب أو طائفة!!!! وعندما يتكلم أحد هؤلاء الكبار!!! نجد من يقيم الدنيا ولا يقعدها، فلو عدنا إلى التسمية المركبة، فكم تعرضت هذه التسمية إلى هجوم شرس، وتعرض الأستاذ يونادم كنا ممثل شعبنا في مجلس الحكم أو في الجمعية الوطنية إلى هجوم عنيف وخاصة على الشبكة الدولية للمعلومات دون سبب سوى أنه يطالب بحقوق وبتسمية مركبة لأنها الأقرب إلى الشمولية.
واليوم نجد من يهاجم غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل دلّي كونه طالب بحق الكلدان، وغدا سنجد من يهاجم قداسة مار دنخا الرابع كونه طالب بحق الآشوريين، وهكذا لمن يطالب بحق السريان، أليست هذه مفارقة!!! حيث نجد الهجوم دائما، ألا ينطبق القول "زمرنا لكم فلم ترقصوا، ونحنا لكم ولم تبكو" علينا لأننا لا نعرف ماذا نريد، وهذه مصيبة كبرى.
أخوتي في الأمة، لنعمل على جمع شتات الأمة، ونعمل على تأييد الحلول الوسط التي من شأنها أن تجمع شملنا ويتقوى من خلالها مستقبلنا، ليس هذا فقط بل نحاول تقوية وجودنا بعمل تحالفات مع هذا أو ذاك خاصة في العراق قوى بكر لم يلتفت إليهم أحد فيستطيع أبناء الأمة التحالف مع الإيزيديين والصابئة وجمعهم إلى تحالف الأمة الكلدوآشورية ليزداد وزن هذا التحالف أمام ما موجود على الساحة وهنا نصبح قوة ذات وزن أكبر أمام ما موجود في الساحة.
وقد رأينا من خلال هذا البحث صعوبة التأكد من صحة نسب كل منا إلى العرق الذي يتعصب إليه؛ فآشوريو اليوم لا يستطيعون إثبات آشوريتهم أبا عن جد، وكذلك الكلدان، لان الاسم رغم أن له عراقة واضحة، لكنه أطلق حديثا منذ ما يقارب 500 عام لطائفة دينية، وبالرغم من ذلك لا يستطيع كلدانيوا اليوم إرجاع نسبهم إلى كلدان الأمس أبا عن جد وكذلك السريان.
جراء هذا الواقع أليس من الأحسن أن نسأل أنفسنا سؤال مصيري إن كنا مخلصين لمصيرنا هل نحب أمتنا ونحرص على مستقبلها وحاضرها؟ فإن كنا كذلك لنعمل نحو تحقيق الوحدة القومية حتى لو بمسميات حديثة ونربح شعبنا، وبخلاف ذلك سنزداد ضعفا وسنشهد انقسامات جديدة وتشرذما أكبر وعندها سنذكر المثل القائل (لات ساعة مندم).
إنها دعوة مخلصة لكي ننقذ أمتنا سريعا ونحدد هويتها، فيا مخلصي الأمة اتحدو!!!!!!
عبدالله هرمز النوفلي

252
الأخ العزيز أدور ميرزا
تحية طيبة
إنها حقا مأساة أن يكون شبابنا وقودا للدمار الذي يلف كل أرجاء العراق، أملي من الرب أن يكون عونا لكم في مثل هذه الظروف، وأن تكون المأساة مناسبة لتسليط حزما من الضوء على أوضاعنا في العراق، حقا إن الكلمات هنا تكون ضعيفة للتعبير عن المشاعر أو لمحاولتي التخفيف عنك، لكن الإيمان بالله يخفف عنا ولنتأمل بصليب يسوع ومدى ما عاناه، وأرجو منه تعالى أن يمدكم بالصبر ولعائلة الفقيد، كما وأرجو أن تتقبل تعازيّ الشخصية.
أخيك عبدالله النوفلي

253
الأخ رامز
تحية بالرب يسوع
ليكن ما حدث لأخيك درسا يعينك على التغلب على الشدائد التي ما هي إلا صلباناوُضعت في طريقنا، ونطلب من الله عونا لوالديك ولجميع أفراد العائلة، تقبل مواساتي، فهنا كل لغة الكلام تتوقف أمام المصاب الجلل، وكم من شاب وشاب لا يقدر بثمن ذهب قربانا لرياح التغيير التي شهدها العراق، والسؤال إلى متى يتوقف النزيف، نتضرع إلى الله أن لا يطيل المدة. وتحياتي لك وأرجو أن تكون بخير.
أخيك عبدالله النوفلي

254
عزيزي الأخ موشي داود
أشكرك على ردك الجميل، وثق أنني أتألم كثيرا لواقع أمتي، وما عانته في السابق ومما هي عليه حاليا، والمقالة هي دعوة للتذكير لمن يركضون وراء المال وينسون ما كانت الحال عليه في السابق ولا يفكرون كيف سنصبح غدا. شكرا مرة ثانية

255
أمة ممزقة وتتمزق أكثر فمتى الخلاص؟
أتمنى لو أدخل كل بيت آشوري
أتمنى لو يسمعني كل أبناء الطائفة الكلدانية
أتمنى لو ينصت إليّ أخوتي السريان
كلمات ترد في الخاطر لكي أستطيع إيصال الرسالة لكل أبناء الأمة في أيام نعيشها بصعوبة، نشهد في كل لحظة الموت أمامنا، نسمع في كل لحظة أصوات الانفجارات وإطلاق النار هنا وهناك، نعيش بين السيارات المفخخة، وبين العبوات الناسفة، بين القتلة، وبين العصابات، بين السلب والنهب، بين غياب الأمن وانقطاع الكهرباء، بين الجو الملوث وانقطاع الماء!!!! في كل هذا الجو، نرى أخوتنا من الآثوريين والكلدان والسريان يتناقشون بحدة تصل أحيانا في بعض المواقع الأليكترونية حد الشتم، والسب، والقذف ... نقاش يندى له الجبين، يوضح عند غيرنا من الأمم مدى عدم فهمنا للديمقراطية، ومدى تعصبنا، وعدم قدرتنا للانفتاح نحو الآخر، كل هذا ونجد انقساما خطيرا في كل الصفوف، دينية كانت أو قومية، حزبية كانت أو مدنية!!!
الآخرون يتدخلون في شؤوننا،
الآخرون يمولون المال لكي ينتقل الوضع من سيء إلى أسوأ،
الآخرون يجندون أشخاصا من بني جنسنا لكي نبقى متفرقين،
والآخرون شكلوا حتى الأحزاب بأسمائنا لكي يسيروا قضيتنا كما يشاءون،
والآخرون يفعلون كل شيء فقط لتبقى كلمة الأمة متفرقة!!!!!!!!!!!
لكن السؤال أين نحن من الآخرون؟
أليس من الواجب علينا أن نكشف الدخلاء؟
أليس من الأولى بنا أن نحاصر الجرثومة التي يريدون زرعها في جسم الأمة؟ تمهيدا لمعالجتها،
أليس وأليس ...
وإزاء كل هذا نجد القادرون من أبناء الأمة مشتتوا الأفكار، كمن لا يعرف ماذا يفعل، كمن انعدمت أمامه الرؤية، كيف لا وهو يجد أنه محاصر من جميع الجهات؛ قوى أقوى منه تحاول بكل ما أوتيت من قوة لتدمر الأمة سواء بالمال أو الأعمال، وكذلك القيادات الدينية، تناظر في الأمور القومية أيضا، ليس فقط الدينية، كمن جعل من أبناء جلدته عربا!!! والعرب كما نعرف جاؤا العراق هجرة من الجزيرة العربية، وكل عشيرة عربية ليست أصيلة إن لا يعود تاريخها إلى الجزيرة وأحيانا إلى جنوب الجزيرة حصرا أو اليمن، فمن أين جاء أبنا أمتنا من العرب، هل جاؤا مع الفتوحات الإسلامية وسكنوا أرض العراق؟ !!! حقا إنه لأمر مضحك مبكي من يفكر بعروبة مسيحيي العراق، رغم أننا أبناء العراق قبل الفتوحات الإسلامية، ورغم أن مسيحيي سهل نينوى، عانوا الأمرين أبان حركة الشمال كما كانوا يطلقون عليها، لأنهم كانوا في الأرض الحرام، نهارا تضطهدم الدولة، وليلا يغزوهم الأكراد، يهاجمون قراهم، يسلبونهم المال، يضربون الشباب والرجال، يعيثون الفساد طوال الليل، ألم يكن ذلك إرهابا؟ أليس من حق هؤلاء أن يقيموا الدعوات القضائية ضد تلك الحركات، فكم من شخص تعرض إلى الأذى؟ وكم منهم توفي بعدئذ بسبب إصابته بالأمراض نتيجة ما تعرض له من الأذى، وأنا أحد الشهود على تلك الوقائع حيث كنت صغيرا، كنت أرى الرجال تتراكض لتختفي من القادمين ليلا، كما كانت تسكن عدة عوائل في بيت واحد لتستطيع أن تحمي نفسها أمام من يدعي الآن أنه كان مضطهدا!!! يتكلمون على أرهاب صدام وكانوا هم يمارسونه مع من لا حول له ولا قوة. وكبار السن أو من هو من متوسط العمر من أبناء سهل نينوى وقرى أخرى هنا وهناك يستطيعون رواية المئات بل الآلاف من القصص من هذا الشكل.
كل هذا ونجد قيادات دينية وحزبية تنحاز لهذه الجهة وتلك بسبب الأموال التي يضخونها كسبا للتأييد، أليس ذلك بيعا لقضية أمتنا؟ أين مصلحة أبناء آشور أحفاد نينوى الجبارة، ألم يكن الكلدان يسكنون تلك المناطق، أم جاؤا من أور حيث مولد أبينا أبراهيم؟ هل نزح كلدانيوا بابل شمالا نحو نينوى؟ وسكنوها؟ أفتونا رحمكم الله لكي لا نبقى ومعنا أخوتنا الآخرون تائهين بين مشكلة التسميات. ندعوكم باسم المسيح أن تكونوا واحدا وأن تنقذوا أمتكم لكي يبقى اسمها زاهيا ولامعا بين الأمم الأخرى، أرجوكم أن لا تبيعوا قضيتنا بأبخس الأثمان فالمال ذاهب ولا قيمه له أمام قضية مصيرية، علموا أبنائكم لغة أجدادهم ولا يدخل الخجل قلوبكم عندما تتكلموا بلغتكم أمام الآخرين، فالحملة ليست جديدة ضدنا ؛ أم يكم المصالوى يسمونها الفليحي!!! حتى لم يكن يقولون أنها لغة الفلاح بل أصغر منه (فليحي) واليوم نجد ونسمع من هم حتى في كندا يصلون بالعربية، أليست هذه بلوة يبدو أنها مستعصية!!!
ستزول الأمة طالما هناك مثل هؤلاء، ولا سامح الله أن ينجح هؤلاء بمسعاهم.
نقاطا مؤلمة أردت أن أقولها لكل بيت آشوري ولكل أخ كلداني أو سرياني، علها تحرك بعض من ذرات الضمير ونعيد رسم الخطوات لمستقبل أحسن، صلوا معي واعملوا لكي ننجح في مسعانا ونضع لأمتنا وجودا مؤثرا بين الأمم.
عبدالله هرمز النوفلي

256
أعزائي المناقشين:
نقرأ في الكتاب المقدس عندما أرادو منه (يسوع) الجزية أعطوه دينارا فقال لمن هذه الصورة فقالوا له لقيصر، فقال أعطو ما لقيصر لقيصر وما لله لله،
لذلك يجب أن يترك المناقشون أو المتدخلون في الأمر القومي أو الديني، أن كل واحد يعمل باختصاصه، رجل الدين له الدين والأحزاب والمجموعات القومية لها المسألة القومية حتى لا تختلط الأوراق. مع حبي للجميع وهذا نابع بحد ذاته من حرصكم على أمتكم، بارك الله بكم

257
أخي العزيز الشماس كوركيس
أرجو أن تقلل من حدتك في الرد، لأن هذا لا يخدم قضية شعبنا، فإن التروي والمناقشة الهادئة هي التي توصلنا للنتائج الجيدة، وأعتقد أنت أيضا حريص جدا على وحدة شعبنا، وهذا نابع من إيمانك كونك شماس، أتمنى لك الموفقية، ولنكون بأجمعنا أخوة في المسيح، ولنطلب منه العون لكي نصبح واحدا، ومن الروح القدس النور والهداية، وشكرا
أخوك الشماس عبدالله النوفلي

258
دستور العراق .. بين الأقلية والأكثرية
[/b]

في العراق اليوم تُعقد المؤتمرات والندوات؛ هنا وهناك، منها في وزارت الدولة ومنها في الفنادق الراقية، والهدف دائما هو الدستور، الكل يريد إغناء التجربة، يحاول إيصال صوته، كما يحاول تثبيت مطالبه، لكي يضمن له موقعا في دستور الغد العراقي. وكل ذلك من الأمور المطلوبة والمهمة بل والضرورية التي من شأنها الوصول إلى الدستور المتكامل والشامل الذي يذكر الجميع، ويقرُّ بحقوق الجميع.
لكن من كل ذلك يجب أن يكون واضحا للجميع أنهم عراقيون، لا سيد بينهم، متساوون بالحقوق وعليهم نفس الواجبات، والأفضلية بهم للأكفأ والأكثر نشاطا وهمة، الأفضلية لمن يُعطي الأكثر، لا لمن يحتل المنصب الأعلى، ليفهم الجميع أن المنصب هو للخدمة، وكل ما زاد علوه يتوجب على شاغله أن يقدم الأكثر في الخدمة لأخوته.
والدستور هو دستور العراق، أي أنه ليس دستورا للمسلمين دون سواهم، ولا للمسيحيين أو غيرهم من أديان العراق، بل هو دستور جميعهم معا، كما أن الدستور ليس للعرب دون الأكراد ولا للأكراد دون التركمان أو غيرهم من قوميات العراق، بل هو دستور كل القوميات في العراق.
إذا ليكون هدف هذا الدستور التركيز على المواطنة؛ ( على العراقية) أي عراقية أبناء العراق، دستور كل العراقيين، ليس فيهم الأكثرية ولا الأقلية، فيجب أن يُراعى الجميع ولا يظلم أي واحد؛ لأنهم جميعا أخوة وبهم معا يتكون كيان العراق وهم وحدهم يسندون بعضهم البعض في السراء والضراء، الأجنبي مهما طال مقامه، ذاهب لا محالة، والوطن يبقى لأبنائه، يبقى العراق للعراقيين، لذلك يجب أن نتكاتف ونشدّ من أزر بعضنا البعض لكي نكون أقوياء في بلد قوي، لكي نكون متحابين في بلد المحبة، لكي نكون عادلين في بلد العدالة الأول في التاريخ. خاصة أنه بلد حمورابي؛ المشرع الأول في العالم، فكم يُحملنا هذا المسؤولية لكي ننجز تشريعا نموذجيا ومتميزا، يليق بأحفاد ذلك المُشرع الأول.
من هذه الأفكار يزداد عجبي واستغرابي عندما أجد بين المؤتمرات والمؤتمرين من يطالب بضمان حقوق الأقليات!! فهل نحن في برلمان لكي يكون لنا أقلية وأكثرية؟ إننا نتكلم عن وطن!! والوطن هو واحد لجميع أبناءه، إنه العائلة الكبيرة التي تضم أبناءه؛ فهل في العائلة من هو أكثرية أو أقلية؟ وهل يحتاج مسلموا العراق أن نثبت لهم حقوقا في الدستور؛ كأن نذكر أن العراق فيه أكثرية مسلمة أو بلد من البلدان الإسلامية؟ أليس هذا أمر بديهي؟ ومن لا يعرف ذلك ويقر بها؟ فهذا أمر بديهي لا يحتاج إلى تأكيد أحد وحتى لو كان الدستور. وحتما المشرعين الذين سيكتبونه ستكون معظمهم من أبناء هذه الديانة، والأمر البديهي لا يحتاج إلى تأكيد. كما أن الإشارة إلى هذه القطعة من الأرض أو تلك دون باقي أرض العراق، أمر يثير الاستغراب، فهل إذا أصبحت هذه البقعة لدى الأكراد أم لدى العرب أصبحت خارج أرض العراق؟ طالما أن الجميع متفقين أن العراق وطن واحد لا يسعى أحد لتجزأته. أما إذا كانت النيات غير صافية، وكل يسعى لغاية في نفس يعقوب، فإن هذا الدستور سيكون مليئا بالقنابل الموقوته التي لا يعرف أحد متى ستنفجر وما هو حجم الدمار الذي ستخلفه.
لذلك يجب أن نفكر كعراقيين قبل تفكيرنا بانتمائنا الديني، فهذا أمر بديهي. كما نفكر كعراقيين قبل أن نفكر بانتمائنا القومي( عربي .. كردي .. كلدوآشوري .. تركماني و ...) وعندما نفكر هكذا سنفوز جميعا بالعراق. وسنكون حقا أبناء بررة لهذا البلد، وسنستطيع أعلاء شأنه ولا يكون هذا أكثرية أو ذاك أقلية!!! لأن كلنا سنكون معا، وسننتصر أحدنا للآخر، وسنكون نحن الضمانة لهذا البلد وتلقائيا سيتم فرز المسيء، لأنه سيعزف لحنا مختلفا (نشاز) وسيكون خارج الجوقة، وكذلك سيكون كالزوان الذي يجب أن يُقلع ويُلقى في النار.
بذلك سنؤسس العراق الجديد؛ عراق ما بعد الظلم، عراق ما بعد الدمار ، عراقاً ينتقل من النزف المستمر إلى حقن الدماء، ومن الدمار إلى الازدهار، والبناء، ومن اللا أمن إلى الطمأنينة، يعيش العربي إلى جانب الكردي ومعهم الكلدوآشوري أو التركماني وجميع فئات المجتمع؛ يعيشون كمجموعة واحدة متراصة. كما يعيش المسلم مع المسيحي والإيزيدي والصابئي أخوة أحباء في الله الواحد الأحد.
إنها دعوة وأفكار كلي أمل أن تجد آذانا صاغية وقلوب متفتحة كبيرة، إنها دعوة لكل العراقيين لكي ينصروا عراقهم ويبدأون وضع اللبنة الرئيسية في مسارها الصحيح.

                                   عبدالله هرمز النوفلي
رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى

259
سيدي الكريم
إن القومية لها مميزات وصفات لا يمكن لأي كان أن يدّعي بأنه هو وجماعته يمثلون قومية معينة
وفيما يخص الآثوريون والكلدان والسريان
لو لاحظت أن لهم لغة مشتركة، تاريخ مشترك، دين مشترك رغم تعدد المذاهب، ولهم حضارة وعمق تاريخي مشترك كل ذلك ذلك فمن الغبن أن نقوم أبناء اليوم بتجزأة هذا الكيان إلى كيانات هزيلة، نحن ندعو إلى الوحدة لا إلى الفرقة، لذلك أرجوك أن تدعو معنا لكي نصل إلى الوحدة المنشودة، وإن الله سيكون معنا، وشكرا
عبدالله النوفلي

260
بوركت خطوتكم، إنها في الاتجاه الصحيح على أمل إن اجتمع الأخوة معا أن تكون الثمار جيدة، بارككم الله وإلى خطوات مماثلة في بقاع الدنيا كافة حيث يتواجد شعبنا

261
تحية للأب أميل، وألف مبروك حصوله على شهادة الدكتراه ، آملين من الرب أن تكون هذه الشهادة ذات فائدة لرعيته ومسيحيي العراق، لأن الحقل هنا في العراق بحاجة كبيرة للفعلة، فنحن بانتظار عمله الفعلي في أرض الواقع، فألف مبروك لأبرشية ألقوش، ولكنيسة العراق.
الشماس عبدالله هرمز ججو النوفلي

262
الانتخابات القادمة وشعبنا المسيحي



قد نكون نقرع الجرس مبكرا لحدث سيقع نهاية العام 2005 إن لم يحصل تأخير في كتابة الدستور يقوم بنقل موعد الانتخابات إلى موعد آخر، حسب قانون إدارة الدولة المعمول به حاليا، وقد نكون نسبق الأحداث بتسلسلها الزمني، لأن الدستور هو صاحب الأولوية الآن بالكتابة ثم الاستفتاء عليه، وفي حالة الانجاز للمرحلتين وبنجاح من خلال موافقة الشعب وعدم نقض ذلك من ثلاث محافظات، سنجد أنفسنا امام مرحلة جديدة وانتخابات جديدة لجمعية وطنية ليست مؤقتة ولا انتقالية بل جمعية وطنية كباقي جمعيات العالم؛ برلمانا ذو سلطات؛ يُحاسب الحكومة التي تنبثق منه، يناقش مستقبل العراق، ويُجري حوارات في جميع المسائل التي تهم العراق وشعبه، وسيكون على الأرجح هو الذي سيطلب من القوى متعددة الجنسيات أن تخرج خارج الحدود أو على الأقل تنظيم تواجدها في قواعد معينة تتقوقع فيها بعيدة عن الشارع وتجنبنا حساسيات تواجدها، وهذا أضعف الإيمان.
ووصولا إلى هذا الهدف علينا كشعب مسيحي بالطوائف التي تمثله من كلدانية أم آثورية أم سريانية، وبالأحزاب القومية التي نشأت وتعمل بين أبناء شعبنا وعلى الساحة العراقية، وبالقيادات الدينية التي هي راعية إيمانيا لهذا الشعب، وبالسادة المثقفون وجميع شرائح المجتمع من مسيحيي العراق، جميع هؤلاء عليهم أخذ العبر من الاخفاقة السابقة وتشتت أصوات المسيحيين وضياع حقوق أبناء شعبنا.
علينا دراسة ما حصل والبدء بخطوات عملية قبل فوات الأوان، وهكذا نجد أطياف عراقية تحاول من الآن توحيد جهودها وعقد تحالفات استراتيجية لمواجهة الانتخابات المقبلة بحال أحسن مما حصلت عليه، إنها مرحلة ليست طويلة في حساب الأيام، لكنها مهمة جدا في حسابات النتائج التي نحن مزمعين أن نلمسها وأن نراها بعد انقضاء هذه الفترة وعندها لا نريد أن نرى جمعنا المسيحي يعضّ أصبع الندم ويقول لات ساعة مندمٍ!!! ويبدأ الكلداني يلعن الآثوري وهكذا السرياني والجميع يلعنون الفرصة التي ضاعت منهمولم يستغلوها، وخاصة نحن نعلم أن الزمن لا يمكن أعادته إلى الوراء، وقال الحكماء إن الزمن كالسيف إن لم تقطعه يقطعك.
فأيها المحترمون: هل نريد أن نصل إلى ذلك اليوم الذي لا نجني منه شيئا، أم يكون في جعبتنا الكثير الذي يجعل لأمتنا مكانا تحت الشمس!! إن ذلك ليس بالأمر الصعب، إن ذلك أمر سهل جدا فقط لو حاول كل من جهته في صالح المجموع.
إن تحالفاتنا مع غيرنا لا تنفع أمتنا كأفراد أو جماعات؛ لأن أي تحالف مع كردي أو عربي يجعلنا ملزمون بالانقياد خلف موجة ذلك التحالف الذي حتما سيكون أقوى منا وبالتالي سنكون أسرى ذلك التحالف، ويكون ممثلونا أشخاصا بأسماء مسيحية أو قومية كلدوآشورية لكن توجهاتهم ستكون لذلك التحالف، ولا نجني من فوزهم سوى أسمائهم!!! وما نفع ذلك؟؟!! وكما حصل في الانتخابات الأخيرة فمنهم بسوء نية أو بحسنها نجد حتى الاسم أصبح به تلاعب، فهل يوجد اسم مسيحي أو قومي مسيحي يُسمى (أبا حمد) إنني أستغرب فهل هذا هو الاسم الحقيقي أم هي خطأ مطبعي ؟!!!!!! وأرجو ان تكون كذلك وتصورا أبا حمد!!! ممثلا للمسيحيين الكلدوآشوريين وبتوجهات كردية كونه من ضمن التحالف الكردي!!!! ولو كان الاسم خطأ لم أسمع من قام بالتصحيح.
أيها السادة: كفى شعبنا من التلاعب باسمه ، اعملوا بالنيات الحسنة، إن شعبنا ليس بالحجم الكبير لكي نستطيع التضحية بنسبة معينة منه نتيجة الاختلاف بالرأي أو لمصال شخصية، إن عددنا أو تعدادنا القليل لا يسمح لنا خسارة أي رقم، لذلك نطالب الجميع لنكون كلنا واحدا، ووحدتنا هي التي ستميز شخصيتنا وتجعلنا محترمون في اعين الآخرين.
لنفكر الآن وفي هذه الظروف لا بالآشورية ولا بالكلدانية أو السريانية؛ بل بهويتنا المسيحية المهددة من التطرف الديني وموجة العنف والإرهاب الذي يطحن بمكونات الشعب ومنها شعبنا المسيحي الذي لا يتحمل أي خسارة فنجده يحمل كيسه وعصاه فور أبسط تهديد، ليبحث عن ملاذ آمن إما انتظارا لانفراج الأزمة ويعود ، وإما ذهابا بلا عودة ، وفي كلتا الحالتين هي خسارة ، الأولى شخصية للهارب، والثانية لمجموع الأمة التي تنزف من اعدادها بالآلاف؛ قسما في سوريا وآخر في الأردن أو تركيا وبلدان العالم المختلفة.
لذلك ولكي نبقى نراقب هذا النزيف دون عمل علينا معالجة الجراح بالمستطاع، علينا توحيد الجهود باتجاه توحيد الكلمة، علينا وضع الخلافات القومية جانبا رغم اهميتها القصوى، لكن أمام الهدف الأسمى سيكون وضع هدنة أمام سجالات المناقشة لاسم الأمة أمرا محبذا لكي نحافظ على الأمة وعلى وجودها في العراق، ولكي نضع حدا للخسارة في الأشخاص والأموال وفي الجهود.
لنفكر مليا ونعمل بإيمان، ولا ننسى أن الهدف سامٍ ويحتاج إلى التضحيات.

عبدالله هرمز ججو النوفلي

صفحات: [1]