عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


الرسائل - فؤاد قزانجي

صفحات: [1]
1
الاصول العريقة لمدينة الموصل
                                           
استاذ /فؤاد يوسف قزانجي

ورثت مدينة الموصل ،تراثا  رافدينيا قديما وتراثا سريانيا عراقيا اصيلا. حيث قامت على ارضها مدينة نينوى   عاصمة الامبراطورية  الاشورية التي احتلت منطقة الهلال الخصيب  ومصر بين القرن التاسع  والقرن السابع قبل الميلاد  حيث بنيت فيها عدة قصور ومباني ومعابد بالاضافة الى سور وبوابات ضخمة تحرسها الثيران المجنحة ،بدلا من دور- شاروكين او كلخو .  ثم سقطت نينوى عاصمة الشرق نهائيا ودمرت في عام612 قبل الميلاد.
في القرن الرابع ق.م. ، ذكر المؤرخ زينفون المرافق لحملة (العشرة الاف مقاتل اغريقي) انه وصل الى موضع في شمال العراق سماه (مسبيلا) Muspile او مشبيلا. ومن المعتقد ان هذا الاسم ماخوذ من الكلمة الاشورية
مشبالو التي تعني المدينة الخربة (نينوى) اذ كان قد اصلح بعض ابنيتها الاسكندر الكبير،كما سكنها الفرثيون فترة من الزمن.(1)
في العصر الفارسي-السرياني بين القرن الاول والقرن السابع للميلادى، تكونت ثلاث بلدات في محيط نينوى : منها واحدة  نشأت حول بقايا احد الحصون الاشورية القديمة (تل قليعات) واصبحت  بلدة زراعية تقع على الجانب الغربي من دجلة وسميت البلدة بالسريانية (حصنا عبرايا)  اي الحصن العبوري حيث كان يقتضي من السكان عبور نهر دجلة اليها. ويضيف  الاستاذ سمير بشير حديد :”انتقل التجمع السكاني بعد دمار نينوى الى الطرف الثاني من نهر دجلة وهو مكان اكثر تحصينا لوقوعه في منطقة مرتفعة محاطة بالنهر عرفت (عبوريا) ،، . كما قامت بلدة ثانية  باسم نينوى مجاورة الى تل النبي يونان الذي بني عليه دير يونان النبي ، وتوسعت لتشمل بيوتا حول الدير .وتذكر التواريخ ا لسريانية انه في القرن السادس اقيم ديرالنبي يونان بن متى على تلة اثرية، وفي عام 555 كانت بلدة نينوى مقر اسقف نينوى مار حنانيشوع الجاثليق  .اذ صارت بلدة نينوى اسقفية تابعة لمطرانية اثور اوحدياب.  وفي هذا القرن بنى  الساسانيون قرب قرية نينوى ابنية للحاكم الاداري وبعض البيوت  واطلقوا على البلدة الجديدة :  ( ناو-اردشير )  .
حينما استولى على العراق المسلمون  بعد عام 638 سميت بلدة ناو-اردشير  بالموصل . وصار  اسقف ناو-اردشير وهو اسحق باسم اسقف نينوى ، وكان مركزه في دير مار يونان النبي، فوق التل (2) .ولعد مجيئ المسلمين ،قاموا ببناء جامع صغير بجواره في هذه الفترة ، وبعد توسعة الجامع سنة 985، شملت بقايا الدير.  وفي عام 1349 وجدت  فيه بقايا رفاة البطريرك حنانيشوع ، وصار الجامع يعرف بمرقد النبي يونس .(الباحث المتميز الاب البير ابونا معلقا في كتاب الرؤساء).
اما البلدة المسيحية الاخرى التي كانت  قريبة من (ناو-اردشير )، فهي مدينة سريانية تدعى حداذا ، سرعان ما تصفح اسمها الى حديثا . وكان الفرس يسمونها (ناوكرد). كانت تقع على الضفة الشرقية لدجلة وتبعد اربعة كيلومترات عن نينوى. وصارت مركزا اسقفيا قبل مجيئ المسلمين وذلك في عام 570 . ضمت كنيستان : احدهما دعيت (يزدين)  والاخرى سميت بالكنيسة الكبيرة.
كان (ايشوع ياو) اسقفا  على بلدة نينوى في بداية القرن السابع ، ثم اصبح رئيسا لاساقفة اربيل وحزا حيث اقام هناك  مدرسة قبلانا. وحل محله بعد الاستيلاء على ناو اردشير،  المطران (عمة) عام 638 .(3) 
 استمرت هذه الاسقفية حتى ابطلها يشوع بر نون اسقف نينوى وذلك في سنة 820. وذكر توما المرجي وسليمان الصائغ انه حتى بداية القرن التاسع،  كان في البلدات التي اصبحت تسمى الموصل،العديد من المدارس السريانية من بينها مدرسة دير مار جبرائيل المعروف بالدير الاعلى على نهر دجلة جوار حصنا عبرايا (باشطابية) ، واخرى في دير مار ميخائيل،ومدرسة في دير يونان (يونس النبي بن متى )، ومدرسة مار ايليا الحيري في الغرب، وكانت هذه المدارس تعلم مختلف العلوم واللاهوت واللغات.
ورد في التاريخ السعردي، ان المسيحيين من الارثوذكس التجأ وا الى نينوى هربا من الملك الروماني يوليانس الجاحد(359- 363). وكان معظمهم قد قدموا من مدينة آمد (ديار بكر). وفي نهاية القرن الرابع  تم تشييد دير مار متى او دير الشيخ متى على جبل الفاف (مقلوب). وصار الديركرسيا اسقفيا للكنيسة الارثذوكسية ثم كرسيا مطرانيا في الربع الاخير من المئة الخامسة للميلاد. واول اساقفته مار بر سهدا الذي استشهد سنة 480.
اعقب ذلك اقامة كنائس واديرة اخرى مثل ديرماربهنام الشهيد الذي يعتقد انه اقيم في اواخر المئة الخامسة، وهومن اقدم القديسين العراقيين، لعله استشهد واخته سارة في الاضطهاد الاربعيني مع الاف الشهداء في الفترة (339- 379). (3)
 في عام 570 شيد الراهب النسطوري ايشوعياب بر قسري في بلدة حصنا عبرايا، كنيسة كبيرة وديرا كما ورد في التاريخ السعردي ايضا، واصبح دير ايشوعياب يعرف بكنيسة مار اشعيا .
وكانت مجموعة البلدات: حصنا عبرايا ونينوى وحديثا  قد سميت ، كما ذكرنا  مدينة (نو- اردشير) او (ناو- اردشير) من قبل الملك كسرى الثاني ابرويز(590- 628). والمعتقد ان تعبير ناو قد يحمل  في طياته اشارة الى اسم نينوى . وخلال المعارك العديدة التي دارت قرب مدينة ناو- اردشير بين الفرس والرومان خاصة في عام 627 حيث تم دحر كسرى الثاني من قبل الامبراطور هرقل، وتحولت المد ينة الى مركز روماني ، وكانت تابعة لادارة القائد انتيوخس حاكم تكريت، لبضعة سنوات ثم انسحب منها الجيش الروماني.(4).
اما استيلاء المسلمين على بلدة  ناو- اردشير التي اسماها المسلمون الموصل، فقد رواها بايجاز البلداني احمد بن يحيى البلاذري على النحو التالي:
 انه قدم عتبة بن فرقد السلمي يقود جيشا للاستيلاء على الموصل  المدينة  المسيحية في (441هجرية .” فقاتله الفرس ، فاخذ حصنها عنوة، وعبر دجلة فصالحه اهل الحصن الاخر، ووجد بالمدينة  ديارات فصالحه اهلها على الجزية ثم فتح المرج وقراه، وارض باهذرا (دهوك) ثم استولى على باعذرا والحنانة والمعلة ؟ ودامير؟ وجميع معاقل الاكراد، ثم اتى بانعاثا من حزا ففتحها. وكان فيها بيع للنصارى ومنازل عند تلك البيع، ومحلة لليهود . وربما كان الاسقف النسطوري قد قدم لجيش المسلمين الميرة والتموين ، او ساعدهم في دخول مدينة  ناو اردشير. وبعد فترة من استحواذهم ، شاع  اسم الموصل بينهم لانها كانت توصل مابين العراق والجزيرة. وهكذا اصبحت بلدة الموصل تدريجيا بلدة اسلامية خلا البلدات والقرى حول الموصل التي بقيت مسيحية معظمها من اصول ارامية او كلدية . وفي عهد الخليفة مروان بن الحكم فرشت شوارع المدينة بالحصى من قبل ابن التليد الذي كان صاحب شرطة الخليفة والذي عينه واليا على الموصل والجزيرة وارمينيا واذربيجان”(5) .
  وكانت معظم سكان مركز نينوى من مجموعة القبائل العربية التي هاجرت الى العراق منذ القرن الثالث  للميلاد حينما تكونت مملكة الحيرة او المناذرة التي زال ملكها وتشتت اهلها في بداية القرن السابع للميلاد.
ثم اتسعت المدينة  لتشمل قرى اخرى. وكان في الموصل مدارس عدة لتعليم الثقافة السريانية من بينها مدرسة دير مار جبرائيل المعروف بالدير الاعلى، ومدرسة دير مار ميخائيل، ومدرسة دير يونان بن متى ، ومدرسة دير مار ايليا الحيري. وقد اكد توما المرجي ان مدينة الموصل ونواحيها ضمت العديد من المدارس السريانية. (6)
وقد تم تعيين مارن عمة جاثليقا على كنيسة المشرق في عام 647 بالرغم من كبر سنه، اذ ادعى البعض ان اصدقاءه العرب قد عملوا على تعيينه اعترافا منهم بالخدمات التي قدمها عند استيلائهم على الموصل، اذ كان قد زودهم بالمؤن الضرورية (7). واول اسقف سمي باسقف الموصل بدلا من اسقف نينوى، كان ايشو عياب الثالث
الحديابي الذي اصبح بطريكا على  كنيسة المشرق وذلك في عام 649 . وهذا دليل واضح ان اسم الموصل لم يكن معروفا قبل  القرن السابع .
وصارت الموصل في عهد مروان الثاني اخر خلفاء بني امية، قاعدة اقليم الجزيرة وبنى فيها الجامع العتيق
وتم تسوية طرقها،  وبنى حولها سورا، كما نصب لها جسرا وشيد لها قلعة لتحميها. وصارت عاصمة دويلة الحمدانيين خلال القرنين العاشر والحادي عشر، والتي ضمت اراضي الموصل والجزيرة ومدينة حلب. وقد بنى فيها نور الدين محمود جامعا اخرا صار حوله سوق المدينة. وقد اشتهرت الموصل بمنسوجاتها المسماة بالموسلين الذي وصلت شهرته الى اوربا، كما عرفت باستخدام المعادن . وكانت الموصل وما زالت مركزا زراعيا عراقيا مهما لزراعة الحنطة والشعيروالخضر والفاكهة. وفيها افضل انواع الرقي (البطيخ) في المشرق، وكذلك عرفت بانتاج السمن والسماق  والفحم.
احتلها المغول بعد احتلال هولاكو لبغداد في عام 1258. ثم احتلها العثمانيون في عام 1514.ومن الجديربالذكران اول مطران على بابل قد اقيم، كان عمانوئيل الكرملي وذلك في سنة 1642ببغداد . ومنذ ذلك الحين دخلت المسيحية في العراق عامة وفي الموصل بخاصة في طور التلاحم عندما توحدت تحت ظل الفكر الكاثوليكي  وتخلصت من الافكار النسطورية . كانت الموصل قد دافعت الموصل عن نفسها ببسالة ضد غزوة نادر شاه لها، و كان المسيحيون قد ساهموا بدورهم ضد الغزو الفارسي، فكافئهم والي الموصل حسين باشا الجليلي، بعد فشل الغزو، باستحصال موافقة الباب العالي على تجديد كنائس الولاية !
كان لتأسيس الرهبانية الدومنيكانية في الموصل سنة 1750 اثر كبير على المسيحيين عموما والكاثوليك خصوصا، وكانت كتبهم الثقافية والدينية، لها تاثيرها وخصوصا عندما جلبوا مطبعة لهم باللغة العربية، فكانت اول الغيث الثقافي الى العراق الذي كان ينحدر ثقافيا ، وذلك منذ كتابات غريغوريوس ابن العبري في القرن الثالث عشر. ولعل اول مطرانية كاثوليكية في الموصل،قد قامت في بداية القرن الثامن عشر.واستمرالنسطوريون يتحولون الى الكاثوليكية،حتى لم يبق منهم  منذ القرن التاسع عشر الا بعض الاشوريين .
وقد عانت الموصل من ويلات المجاعة منها المجاعة التي حدثت في عام 1878 حيث اكل الناس خلالها الخيل والحميروغيرها.
يدين المثقفون المسيحيون في الموصل الى المدرسة الثانوية للباترية التي تاسست في مفتتح القرن العشرين التي درس فيها الجيل الاول من المثقفين المشرقيين ، اللذين ساهموا في نهضة العراق الحديث امثال روفائيل بطي ورزوق غنام و الدكتور(الطبيب) العراقي  الاول حنا خياط وغيرهم . وقد حدثت في الموصل  مجاعة اخرى في نهاية الحرب العالمية الاولى وذلك في 1917- 1918 حينما انسحب الجيش التركي من الموصل واخذ معه جميع ما موجود من الحنطة والشعير المخزون في الموصل.
يذكر بعض المؤرخين العرب ان الموصل كانت مدينة اسطورية تعود الى راوند بن بوراسب اجداهاك ، وبحسب رواية اخرى ان اسمها القديم خولان . ويذكر ابن الاثير ان الموصل اخذت مكان نينوى حينما ازدهرت فيها المسيحية في القرن الثاني للميلاد . وكان الربان ايشو-يهبا بر كسرا حوالي 570 قد اقام ديرا على الجانب الغربي من دجلة مقابل بلدة نينوى، و هوموقع مار-ايشعيا. اما الكاتب المشرقي ابن بهلول فقد ذكر ان  اسمها كان ( بي-هرمز-كواذ) ، وكانت تابعة الى اسقفية حدياب اي اربيل منذ عام  554. واشار الباحث كويدي انه ورد في التواريخ السريانية انها كانت تسمى حصنا عبرايا حيث تطورت الى بلدة واسعة بعد ان اقام الملك خسرو الثاني فيها ابنية جديدة. وفي منتصف القرن السادس كما تكونت في دير مار متي اسقفية ارثوذكسية ايضا  كما ذكرنا بعد مجيئ المسلمين واستيلائهم على مدينة تغريث .
 وذكر المؤرخ الاسلامي  المقدسي : ان النبي يونس الذي  اراد ان يهدي اهل نينوى ،ولذلك فقد تم بناء على الموضع جامعا وخانا لاستقبال الذين يحجون الى قبره . وكان الموضع بالحقيقة هو  بقايا دير يونان النبي ! الذي عني به المسيحيون .
  يشكل العرب حاليا غالبية السكان في هذه المدينة يتبعهم المسيحيون ثم اليزيدية . تعد الموصل احدى المواطن المشرقية المسيحية في المشرق او الهلال الخصيب  لانها تحف بالقرى والبلدات المسيحية شانها شان حلب وبيروت وبيت لحم وغيرها.
تعتبر الموصل ثالث مدينة عراقية في الاهمية بعد بغداد والبصرة، وثاني مدينة في عدد السكان . وتبعد عن بغداد حوالي 450 كم، وهي مركز محافظة نينوى، وتضم جامعة وعدة كليات ومعاهد ومراكز حضارية وبقايا مدن تاريخية مثل نينوى واشور وكلخو (نمرود) ودور- شاروكين (خورسباد) وتربيصو وشيبانيبا وبلاوات وغيرها. وهناك بلدات مسيحية عديدة تابعة للموصل، قامت منذ العصر الفارسي- المسيحي (225- 637)، وتقع في شرقها وفي شمالها بلدات عدة من اهمها بخديدا (قره قوش) والقوش وتلكيفا وبرطلى وبطنايا وبعشيقة وكرمليس، بالاضافة الى العديد من الاديرة والكنائس.
 ويذكر ان الموصل عانت من العنت  ومن الارهاب الذي طال كنائسها ورجال الدين وبيوت المسيحيين منذ عام 2003 . ومنذ عام 2014 وحتى الان يعيش اهل الموصل  في محنة ، انتهت بفاجعة مروعة لاهلها مسيحيين ومسلمين ويزيدية في ما يسمى دولة الخلافة الاسلامية (داعش ) والقصة لم تنتهي بعد !؟



المصادر
1- لسترنج ،غي. بلدان الخلافة الاسلامية، ترجمة وتحرير بشير فرنسيس وكوركيس عواد. بغداد: مطبعة الرابطة،1954
2- عواد، كوركيس وسركيس، يعقوب. اصول اسماء مدن وقرى عراقية. لندن، دار الوراق للنشر، 2009   ص(126).
3- فييه، جان. آشور المسيحية .يغداد ،منشورات مجلة الفكر المسيحي .الجزأ الاول، ص 82-83 .
4- الحموي، شهاب الدين ابي عبدالله (ت.1224م) معجم البلدان.بيروت: المجلد الرابع (ص339- 340)
 5-  البلاذري، احمد بن يحيى. فتوح البلدان. ص 352- 355 ج1 .
  6- قاشا،سهيل. مسيحو العراق. لندن:دار الوراق،2009 ص 44، 60 ويقول الباحث الاب قاشا ان مار امه من اهل ارزن وكان اصلا مطرانا على مدينة جنديسابورالتي كان فيها الكثير من السريان من ذوي الاصول الارامية.
7- موسوعة الاسلام .الجزء السادس. ص898-902 بالانكليزية
8- قزانجي ،فؤاد يوسف . تاريخ الثقافة السريانية . اربيل : مديرية الثقافة السريانية ،2013 .
9-فؤاد  قزانجي واخرون . المدن والقرى المسيحية في العراق . مقالات مجلة الفكر المسيحي . بغداد ، مجلة الفكر المسيحي ص 136-312


2

  اثيوبيا اول دولة مسيحية

أ. فؤاد يوسف قزانجي

 
  اثيوبيا او اكسوم ،مملكة قديمة يرجح ان اصولها تعود الى قبيلة يمنية تحركت جنوبا في القرن الثاني قبل الميلاد ، الى منطقة في جنوب شرقي السودان اليوم عند منابع النيل التي كانت تدعى تكرى . وكان من اهم  قبائلها تدعى قبيلة (حبشة)  ، ولذلك نجد انها  سميت ايضا بمملكة الحبشة ، ثم سميت حاليا، اثيوبيا و عاصمتها اديس ابابا ، والتي بنيت من قبل احد ملوكها المدعو منليك الثاني وذلك  قبيل وفاته .
تعد اثيوبيا اول دولة في العالم قبلت المسيحية ، كما سجلت في اعمال الرسل المقدسة على النحو التالي : “ وكلم ملاك الرب فيلبس احد تلاميذ المسيح السبعين بين33-100 للميلاد ، في الطريق المنحدرة من اورشليم الى غزة وهي مقفرة ، فقام فيلبس ومضى، وفي الطريق صادف رجلا من الحبشة ومعه احد وزراء الحبشة وكان ايضا خازنا لآموالها، ويدعى كندالة تابعا الى مملكة الحبشة ،ووجد فيلبس انه يقرأ في نص توراتي يشير الى مجيئ المسيح ، فقال له اتفهم ما تقرأه؟ فاجاب كيف افهم ولا من احد يشرح لي، ورجا من فيلبس ان يصعد الى العربة ويشرح له . فبدأ يشرح له العبارة ويبشره بيسوع المسيح ، وحينما وصلا الى عين ماء ، قال الرجل لفيلبس : ما يمنع ان اتعمد؟ .” وهي علامة قبول المسيحية .

وهناك رواية تقول ان اكسوم قبلت اليهودية قبل المسيحية بفترة ، اذ يروى ان اقدم كنيس يهودي فيها ، كان قد حفر في الجبل ثم تحولت الى كنيسة فيما بعد، وقد رممت هذه الكنيسةقديما ، ووجد فيها تابوت العهد الذي يعد احد التقاليد اليهودية، بالاضافة الى ان علم اثيوبيا يضم ما يشبه النجمة اليهودية .
 
كانت مملكة اكسوم من الممالك القديمة المهمة في التاريخ ، وكانت قد استولت في زمن ملك مصر تارقو  على  جنوب مصر القديمة، وهي بلاد النوبة  في حوالي عام 670 ق.م. ، كما  انها ذكرت في العهد القديم (التوراة) في سفر الملوك الثاني بهذا الاسم . بعد بضعة سنوات استولى  الملك الاشوري اسرحدون على مصر لمدة سنتين على الارجح ، وبعدها عاد الفرعون تارقو الى حكم مصر ، بعد ان دفع الجزية الى بلاد اشور اي العراق القديم ، كما استولى على بلاد النوبة في جنوب مصر .
وردت الحبشة في الكتاب المقدس اي العهد القديم وكذلك في كتاب التقاليد اليهودية اي التلمود ، لعلاقتها بمملكة سبأ المجاورة لها في بداية الالف الاول قبل الميلاد ؟ الا ان اهميتها  الكبيرة هي انها كدولة  عرفت المسيحية مبكرا ، كما هو مذكور في المصادر التاريخية .
 
 من المؤكد ان الحبشة قبلت  الديانة المسيحية ، قبل الملك كالب في القرن الثاني للميلاد ، وكان ملكهم الاول يدعى سميفع او سيمفايوس الذي ارسل قائده الاشرم لاحتلال اليمن والذي حاول بمساعي
 القديس فرومنس ، نشر المسيحية فيها . وقد اوفدت كنيسة الاسكندرية قسيسا اسمه كريكنتيوس لتسلم كنيسة ظفار ، وقد اشتهر هذا القس بتاليف كتابين هما (شريعة الحميريين) و كتاب (خلاف مع اليهودي هيربانوس) مما يدلل على وجود اليهودية قبل المسيحية في الحبشة ، وقد تبعت كنيستها بعد ذلك، طقس الكنيسة المصرية، ثم استقلت كنيستها الارثوذكسية منذ عام 1950 .
ويؤكد المؤرخ دي لاسي اوليري بعد الحفريات التي اجريت في جزيرة العرب :
 ان الاحباش كانوا مسيحيين يعاقبة اي ارثوذكس ، كذلك كانت المسيحية في نجران . ويمضي قائلا : كانت هناك حركة تبشيرية ممتدة من جزيرة العرب وحتى سقطرة حيث دامت المسيحية فيها حتى القرن السابع للميلاد . وكانت نجران مدينة مستقلة في شمال اليمن ملكها يدعى الحارث، شاعت فيها المسيحية بتاثير مملكة الحبشة ،كما ضمت مجموعات يهودية . وفي تلك الفترة قام أسار رئيس اليهود وليس المدعو ذو نواس ، ومجموعة يهودية مسلحة بالقاء القبض على رؤساء المسيحيين وحفر لهم حفرة او اخدود وهددهم بالحرق اذا لم يتحولوا الى اليهودية ، فلما رفضوا احرقهم واستولى على المدينة . بعد فترة قام الجيش الحبشي بحملة بقيادة النجاشي كالب ، لوضع حد لقتل المسيحيين واضطهادهم في نجران في الاعوام 316-320 م واستولى على نجران ، وهكذا بقيت الحبشة في نجران حتى القرن الخامس للميلاد .
 
ورد اسم الحبشة في التوراة  (حبشت) كما ورد اسمها ايضا في كتابات مصر القديمة اي الفرعونية .
 تقع مملكة الحبشة في شرق افريقيا بين البحرالاحمر ونهر النيل ، وسميت في الترجمة السبعينية للتوراة ( لاكوش) وعاصمتها كانت تسمى اكسوم واهم مرافئها هو ادوليس ، اما لغتها الامهرية  فهي لغة سامية ماخوذة من اللغتين الارامية والعبرية . وكان يوجد حوالي ربع سكانها من اليهود ، وتدريجيا هاجر معظمهم الى اسرائيل ، منذ منتصف القرن العشرين ، وكانوا يسمون انفسهم بالقبيلة اليهودية الضائعة .

 تذكر الحبشة في تاريخ الاسلام ، لانها رحبت بالمسلمين الاولين حينما اضطهدوا في مكة ، في بداية الدعوة ، وذلك في عام 615 للميلاد ، كما تفعل اليوم المانيا حيث قبلت اكثر من مليون لاجئ مسلم ، في حين ان الدول الاسلامية الحالية لم تستقبل نصف هذا العدد !
انتشرت المسيحية في اليمن ايضا خلال ولاية الاحباش عليها، منذ بداية عام 525 بعد هزيمة الملك اليهودي . واقامت الحبشة كنيسة كبيرة عرفت في التاريخ العربي بالقليس .
 في العصر الحديث سميت أثيوبيا و يشكل المسيحيون فيها الان حوالي 67 بالمائة وفيها من المسلمين حوالي 31 بالمائة ، وتتمتع بموقع مهم في افريقيا فهي تتوسط  منابع نهر النيل ، ولذلك تبني حاليا سدا كبيرا للاستفادة من مياه منابع النيل ، كما تقيم بالاشتراك مع دولة المغرب واحدا من اكبر المعامل في افريقيا للاسمدة الزراعية ، اذ انها دولة زراعية تشتهر بزراعة نبات القهوة بالاضافة الى ظهور النفط فيها . من اروع اثارها وجود ثلاثة كنائس محفورة في احدى الجبال عمرها اكثر من  من اربعة قرون .

اهم المصادر
1- عبودي ، هنري . معجم الحضارات السامية . طرابلس، لبنان ،1991 . ص : 114-115
2-O,Conner ,David. Ancient Nobia .Penn.1993 P.40
3 .قاشا ،الاب سهيل قاشا . صفحات من المسيحيين قبل الاسلام . بيروت،المكتبة البولسية ،2005 ، ص249 .
4- اعمال الرسل كما دونه البشير لوقا . ص 173
5-دي لاسي اوليري .جزيرة العرب قبل الاسلام (البعثة) ، ترجمة موسى على الغول. عمان، 1990 منشورات وزارة الثقافة .ص160-161               
   

3
ابرز الديانات غير السماوية

أ. فؤاد يوسف قزانجي


مدخل
سبق وان كتبنا او اشرنا الى الديانات السماوية المهمة الثلاث او بالاحرى الخمس وهي اليهودية والمسيحية والاسلام وكذلك ايضا الصابئية و الايزيدية . اما بالنسبة الى الديانات غير السماوية فهي شأن آخر .

 اهتم الانسان  منذ القديم اي قبل ظهور الحضارات القديمة، بتطوره الروحي ،خاصة في بداية اهتمام الانسان بالطبيعة ،في حوالي ظهور المدنيات  الانسانية الاولى منذ الالف الخامس قبل الميلاد في انحاء عدة في العالم والتي  نشأت قبل قيام الحضارات التاريخية  اولا في بلاد مابين النهرين اي العراق القديم في حوالي 3200 قبل الميلاد ، حينما نشأت الكتابة المسمارية التي كتبت على الرقم الطينية، وهي اساس الحضارة السومرية الاولى التي انتقلت من العراق القديم الى جميع بلاد الهلال الخصيب ، ثم تلتها الحضارة في مصر القديمة في حوالي 3000 ق.م. وبعدهما قامت حضارات اخرى .
حاول الانسان اولا السيطرة على عالمه والعناية بحياته الخاصة وبيئته بتقليد مايراه حادثا في الطبيعة ،مما ادى الى قيامه بالتفكير في الشعائر الدينية، وربما بعض الاعمال الغيبية في مجالات عدة من حياة الانسان الاولى  . وبدأ الانسان يبحث في وجوده بعد الاف السنين الى ان فكر في التجمع في قرى ثم في بلدات وبناء البيوت بعد معرفة الزراعة .
حاول الانسان اولا السيطرة على حياته ثم سعى الى حماية ارضه ومدينته وعرف الزراعة والاستقرار، واخذ يفكر فيما حوله وفوقه من روائع الطبيعة فالشمس المشرقة تمده بالدفىء والقمر يضيئ ليله الحالك والمطر يسقي زرعه ، يقابلها العواصف والثلوج ومعهما البرد . كل ذلك جعل الانسان يفكر بوجود خالق لايراه ينبغي احترامه ، وقد تصوره باشكال مختلفة ، وكان الاله الاول في بلاد بين النهرين اي العراق القديم مصنوعا من الطين . وبعد ان توجه نحوه بدا بالتقرب اليه مما ادى الى استعمال الشعائر وابتداع الدعاء ثم الصلاة والرقي وربما بعض الاعمال الغيبية .وقد يكون في بلدان اخرى صنع الهه من الحجر ، او رسمه في الكهوف، وهكذا عبد الانسان الهة تمثل الطبيعة او مظهر منها كالشمس التي عبدها البابليون ،ثم المصريون القدامى، والقمر الذي عبد في شبه الجزيرة العربية ، و العاصفة التي عبد الهها في بلاد كنعان .
الا ان الانسان تطور بعد فترة بعد ان ظهرت الحضارات في المشرق اولا ثم في اليونان وغيرها ووصل الى حد النضج الفكري و التفكير بوجود الله في القرن الثاني قبل الميلاد كما تذكر المصادر اليهودية : بظهور رجل مؤمن في اور بلاد مابين النهرين اي العراق القديم هو ابراهام ، وفي القرن الاول ق.م. ظهر النبي  موسى في مصر ، الذي قاد شعبه اليهودي الى ارض كنعان (فلسطين ) ، وبعد ذلك كتب النبي عزرا نقلا عن الوحي المقدس الذي استلهمه موسى ، خمسة اسفار كانت بداية العهد القديم والتي سميت بالتوراة ، وذلك في الاعوام440-400 قبل الميلاد . فتفتحت عقول المؤمنين واكتمل العهد القديم في حوالي 100 ق.م. على يد الانبياء اليهود الاخرين .
اما الديانات غير السماوية فقد بدأت قبل الديانات السماوية في العالم بزمن طويل وذلك على الارجح منذ الالف الخامس قبل الميلاد كما تذكر المصادر الهندية ، لكن تشابه الاديان القديمة في المفاهيم لدليل قوي على انها لم تبدأ كل واحدة بمعزل عن الديانات الاخرى في العالم . ولذلك فان رواية الطوفان في بلاد مابين النهرين وجد صداها في الديانة الهندوسية ايضا . وعموما  فان اي دين يهدف الى ان يؤمن الناس به ، ينبغي ان ينتج ثمرا طيبا بين الناس ولا يتهم المؤمنين من اصحاب الديانا ت الاخرى بالفساد  ،فاضطهاد الاخرين ضد وصايا يسوع المسيح . وقد كتب المؤرخ المعروف ارنولد توينبي قائلا :
 ( ان القصد الحقيقي للدين الاسمى هو بث النصائح والقيم الروحية التي هي جوهره في اكبر عدد من الناس يمكن ان يبلغه،لكي تتمكن كل واحدة من تلك الانفس من تادية الغاية الحقيقية للانسان وهي تمجيد الله والتمتع به الى الابد .)

ان ابرز الديانات غير السماوية مايلي :
1-الديانة الهندوسية
وهي من اقدم الديانات الروحانية في العالم ،اذ نشأت في الالف الخامس قبل الميلاد بحسب المصادر الهندية ، وانتشرت في الهند و النيبال . ان ابرز نصوصها هي الفيدا والاباثيساد ورامايانا والبهاكافا والاكاما . ويبلغ عدد اتباعها حاليا زهاء 890 مليون يعيشون في الهند وهي على الارجح اكبر ديانة غير سماوية .
تقوم ديانتها على الاهتمام بنظام اجتماعي وروحي، اعتمادا على اخبار الملائكة التي وصلهم بلغة الفيدا مع شروحها ،والتي كان يعرفها في بدايتها 18 حكيما ، وقد جاءهم الالهام بواسطة الملائكة ،الذين دونوها قبل خمسة الاف سنة تقريبا . وتقسم الى اربعة اقسام وهي ليست دينا ، بل انها طريقة او اسلوب حياة اكثر منها قيما روحية . ويرجح رجال الدين الهندوس ان نشأة الهندوسية كان  بين الالف السادس ومنتصف الالف الثالث قبل الميلاد . الا ان معتقداتها الحالية التي تسمى (الركيفيدا ) ترجع الى الاعوام 1700-1100 ق.م. وان الهتها هي اندرا و فارما واكني . وللهندوس طقوس يقدمون فيها اضحيات ، كما انهم مشهورون برياضة اليوكا وهي رياضة اشتهرت في العالم حيث تتحكم في التفكير والحواس  بحسب اعتقادهم . وتقسم الى اربعة طقوس هي الشيفية والفايشانية والاسماريتية والشيكية .

2-الديانة البوذية
 وهي حاليا اشهر الديانات غير السماوية في العالم لان معتقديها لايميلون الى العنف ابدا .ظهرت في القرن السادس ق.م. في الهند، حيث ولد فيها سيدهارتا كوتاما في عام 560 ق.م. والملقب بوذا اي المتنور . ان فلسفته ترتبط بالانسان نفسه، وهي فلسفة اكثر منها بحثا عن الروح، اذ ترتبط بالانسان المؤمن بافكارها وتقاليدها ، وترى ان النور الحقيقي ينبعث من الانسان نفسه ، حينما يعتمد في حياته على جملة قضايا: وهي التفكير السليم والحق تجاه نفسه، والقيام باعمال حسنة ، واخيرا التواضع وعدم استخدام العنف .
عرفت البوذية خارج قارة اسيا حديثا لدى الديانات غير السماوية الاخرى لانه في اعتقادهم ان بوذا او بودا يعد نبيا متنورا او منورا وقد  قال قبل وفاته : 
(اطلبوا الخلاص وحدكم في الحق ، لاتعتمدوا  على احد سواكم من اجل المساعدة ) وهكذا استنادا الى فلسفة بوذا فانه لايأتي التنور من الالهة، بل من الجهد الشخصي في استخدام الحق . كما اكد على ضرورة ان يتبع الانسان في الحياة اراءا سليما وعيشا سليما وفطنة سليمة وتاملا سليما !
انتشرت البوذية في الهند اولا في القرن الثالث ق.م. بعد حوالي 200 سنة من موت البوذا في ايام الامبراطور اشوكا ، ولكن بعد وفاة الملك عاد الاهتمام بالهندوسية في الهند . لكن البوذية انتشرت خارج الهند بعد ذلك: في سري لانكا(سيلان سابقا) وشبه جزيرة كوريا والتبت وتايلاند وماينمار (بورماسابقا) التي يجلس بها ممثل البوذية في العالم عادة ،وقد شكى ممثل بوذا عدة مرات من اضطهاد السلطات الصينية له. وبحسب الموسوعة البريطانية لسنة 1989 فان اتباع البوذية يقدرون في العالم بحوالي 300 مليون نسمة .

3- الديانتان الطاوية والكونفوشيوسية في الصين .
انتشرت الطاوية والكونفوشيوسية تدريجيا في الصين اكبر دولة في العالم من حيث السكان ( حوالي مليار وربع المليار ) .
 كانت الطاوية فلسفة دينية مؤسسها لاو-تزو  او لاودزو الذي عاش في القرن السادس ق.م. وكان موظفا مثقفا وكاتبا لحفظ الوثائق الامبراطورية في منطقة الصين الوسطى ، كتب عن حياته احد المؤرخين في البلاط يدعى زوما تشين بين القرن الثاني والاول ق.م. الذي اضاف الى انه غرض الانسان ليس ان يعيش طويلا كفاية ثم يموت، انما ليحيا  دوما بحسب المذهب الطاوي وقول المعلم جوانك ، الذي ظهر بين369-286 ق.م. :(لاشيئ في الكون دائم لان كل شيئ انما يحيا طويلا كفاية ليموت، وان  (الداو وحده يدوم الى الابد) . كما انتشرت بين رجال الدين الطاويين حكايات اسطورية عن اناس خالدين يستطيعون الطيران على الغيوم .. الخ .
اما الكونفوشيوسية فتعاليمها  جائت من السماء !
للكونفوشيوسية اربعة كتب اولها العلم الاكبر (دا شوه) ، والثاني العقيدة الوسطية اي جونك يونك ومعناه ايضا تطوير الطبيعة البشرية بالاعتدال ،والثالث  المنتخبات او لون يو ،وهو مجموعة  من اقوال كونفوشيوس،ثم  كتاب منشيس اي منك-دزو ويتضمن كتابات احد اهم تلاميذ كونفوشيوس . كما ان هنالك كتبا مهمة اخرى تسمى الكتب الادبية الخمسة ، مما يدلل على علو ثقافته ومعرفته في عصر سحيق .
ولد كونفوشيوس في بلدة دسمو في مقاطعة جيك-نيك في عام 551 ق.م. اي بعد ولادة بوذا بسنوات قليلة ،وتوفي في سنة 479 ق. م.  في بداية شبابه طاف في الصين ومارس تعليم المبادئ الاخلاقية والمعرفية ،سرعان ما صار له حوالي 3000 تلميذ ،والملفت للنظر ان يسوع المسيح في تاريخ لاحق استعمل اسلوبا مماثلا حينما قدم الى اورشليم  واختار له 12 تاميذا منهم الاربعة اللذين كتبوا الانجيل بوحي من الله . 
آمن معظم الصينيين بهذه الديانة حتى نهاية السلالات الحاكمة في الصين في سنة 1911 . فصارت الطاوية اولا موضع نقد ثم تبعتها الكونفوشيوسية التي صنفت بصفتها تؤيد الاقطاع .وبعد انحسار الشيوعية في الصين اتصل الصينيون باوربا وبدأوا يتعرفون على العالم من جديد، فمال كثيرا منهم الى قبول ديانات اخرى تدريجيا ،و اهتموا بالثقافة والعلوم الاوربية ، وهناك اكثر من3600 طالب تخرج فقط من الجامعات الامريكية والاوربية حديثا . وتدريجيا تحول كثيرا من الصينيين الى المسيحية وتذكر موسوعة ويكبيديا ان عدد الصينييون الذين تحولوا الى المسيحية حتى عام 2010 بلغوا 58 مليونا .

4- الديانة الشنتوية
دين نشأ في جميع انحاء اليابان منذ القرن السادس للميلاد ، لكن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية عام 1945 ، بدأ حوالي ربع سكان اليابان ، وهم حوالي 100 مليون نسمة ، يغيرون ديانتهم الى البوذية المسالمة او المسيحية .
انتشرت اولا البوذية في اليابان ،لكن سرعان مانافستها الشنتوية التي اعتمدت   على طقوس خاصة بالزراعة جرى تطويرها مع عبادة ارواح الاسلاف لآنه في فلسفتها ان النفس خالدة ولذلك اعتبرت الهة الطبيعة والهة الاسلاف ارواحا تطير في الفضاء ،ولكنها لاترى ، و في الاعياد يدعونها لتنزل في المواقع والمعابد المقدسة . تقول الاسطورة الشنتوية ان الاله الكبير (آزاناكي) حينما غسل عينيه ولدت الالهة (اماتراسو) الهة الشمس ،ولذلك انتشرت في جميع انحاء اليابان .
 ليس للديانة الشنتوية مؤسس معروف او كتاب شبه مقدس لها .انما اعتمدت على ماكتبه رجال الدين الشنتويين من صلوات وادعية عن الطبيعة التي تمدهم بالحياة وكن مايعتبر ذا قيمه في حياة الناس، وتجعل الانسان ينسجم مع مجتمعه . اما اذا اراد الانسان ان يتحد بالالهة فعليه ان يكون نقيا وطاهرا ، وهناك طقسان لتطهير النفس: هما اواهاري و ميسوكي. فالاول يقوم به الكاهن الشنتوي باخذ غصن من شجرة تسمى الكاكي والتي تكون عادة دائمة الخضرة مع خيوط توضع على الشخص المراد تطهيره او يستعمل الكاهن الماء لتطهيره .
 في القرن الثامن عشر للميلاد، عمد رجال الدين الشنتوي على رفض بعض التقاليد التي جاءت من الصين التي تداخلت مع ديانتهم ، وقام احد كبار رجال الدين وهو (هيراتا )بربط الشنتوية بتوقير الامبراطور، وروج لجعل الشنتوية دين الدولة الرسمي واستمر الامر كذلك حتى احتلال اليابان من قبل امريكا بعد الحرب العالمية الثانية . وتحول حوالي ثلاثة ملايين ياباني الى الديانة المسيحية ،وحوالي المليون الى البوذية .

5-الديانة السيخية
ديانة هندية، رمزها هو ثلاثة سيوف ودائرة في وسطها ، وهم طائفة كبيرة في الهند تبلغ حوالي 17 مليون نسمة ، معظمهم يعيشون في ولاية البنجاب . واهم مركز لهم المعبد الذهبي القائم في وسط بحيرة صناعية تقع في مدينة (امريستار ) وتعتبر مدينة مقدسة لديهم .تعني كلمة سيخ بلهجتهم (تلميذ) . مؤسسها ( كورنانك) واتباعه معروفون بتعاليم العشرة كورو ، وهناك تسعة خلفاء تابعين الى النبي نانك. بدأت ديانتهم بالانتشار في القرن السادس عشر للميلاد عندما ادعى كورناك بانه اخذ افضل تعاليم الهندوسية  ، ودعى الى التاخي بين الديانات في الهند قائلا :(بما ان هنالك الها واحدا فقط وهو ابونا، لذلك لابد ان نكون جميعنا اخوة). ودعى الى هدم الاصنام ، وعندهم ان النفس خالدة (ربما يقصدون الروح؟ ). وهم يفضلون لبس غطاء الرئس بصورة دائمة ،لكن للرجال فقط .

اهم المصادر
1-Mankind,s Search for God. Watch Tower Bible and Tract Society.Pennsylvania. U.S.A. 1990





4
نبذة عن الديانة المسيحية

أ. فؤاد يوسف قزانجي

تتمتع الديانات الرئيسية في العالم وهي المسيحية والاسلام واليهودية باهمية كبيرة في تاريخ الانسانية و ارى ان من الصحيح ان يعرفها معتنقيها بدلا من الاخرين . وليسمح لي القارئ ان اعرفها في هذا الموجز وادعوا من اصحاب الديانتين الاخريتين وكذلك الصابئية واليزيدية  ان يعرفونا ايضا بدياناتهم بشكل موجز .

المسيحية وليست النصرانية
ولد يسوع في بلدة بيت-لحم بقرب اورشليم اي القدس لكنعاش معظم حياته في مديمة الناصرة ،لكن عندما بلغ حوالي 29 عاما، كان يسوع (عيسى) المسيح قد بدأ رسالته من نزاريا (في القرن السابع  سميت بالناصرة) وسائرا نحو منطقة الجليل او اليهودية .
كانت دعوته الى الايمان به كمخلص وفادي للبشرية ، بعد ان اخفق كلا من ادم وحواء من احترام ما اوصاهما به الله ، فطردهما من الجنة . وانه بمجيئ المسيح يكون قد حان وقت التوبة .
 بشر يسوع المسيح بالمغفرة والرحمة للخطاة ،وبالمحبة للجميع ، وقام بعجائب لشفاء المرضى الذين طلبوا منه ان يشفيهم وهو يبشر في انحاء الجليل اي اليهودية ،لكن عندما دخل يسوع اورشليم ، لكي يشارك في عيد الفصح اليهودي ، قابله الرابايات اليهود بالعداء ، والنتيجة انهم القوا بعد ذلك القبض عليه، واتهموه امام الحاكم الروماني، بانه يجدف على ديانتهم وطالبوا بصلبه ، وكان لهم ما رادوا ، اذ كان عليه ان يفدي نفسه ، ويموت ثم يقوم في اليوم الثالث .
كان للمسيح في البداية 12 تلميذا ، كتب اربعة منهم بوحي من الله ، الاناجيل الاربعة التي تحتوي على وصايا واقوال واعمال المسيح خلال الاربعة  سنوات التي تمثل فترة دعوته ، وهم كل من متى ولوقا ومرقس ويوحنا ،و كل تلميذ  كتبه على حدة وفي مكان مختلف ومع ذلك جاءت متشابهة الى حد ما، وذلك بين الاعوام 60-98 م . وكلها تسمى الانجيل المقدس  او العهد الجديد، واضيفت اليه اعمال الرسل ورسائلهم وعددها 23 سفرا ،وخاصة جهود القديس بولس في نشر المسيحية في بعض المدن الاوربية الساحلية. اما التوراة فتعتبر بالنسبة للمسيحيين: العهد القديم ولهذا يكون الانجيل مكملا للتوراة . كما ان اعظم وصايا وافكار  المسيح الانسانية والروحية تتمثل في الموعظة على الجبل .
كان تلاميذ المسيح ال12 الاولين  كلهم من اليهود ،ولكن بعد ذلك كانوا من اقوام مختلفة ،  وعددهم 70 تلميذا انتشروا في المشرق وسواحل اوربا على البحر الابيض المتوسط ،كما ان بعظهم وصلوا في دعوتهم الى الصين والهند .كذلك فان رسالة المسيح، انتشرت خلال الامبراطورية الرومانية على الرغم من قيامها باضطهاد المسيحيين و صلبهم والقائهم للاسود في الملاعب ، حيث استمر الاضطهاد الروماني حتى عام 316 للميلاد ، عندما انتصر الامبراطور قسطنطين بعد رؤيا عجائبية تخبره بوضع علامة الصليب على دروع جنوده ,فقرر السماح للمسيحية مع بقية الديانات ،لكنه تحول الى المسيحية قبيل وفاته، بعد اكثر من عشرة سنوات .
 اما في بلاد الرافدين التي كانت محتلة من قبل الفرس المجوس ،فان المسيحية انتشرت رغم الاضطهاد الذي جرى بين القرن الاول والقرن السابع للميلاد .اذ كانت بعض المدن في العراق القديم تعتبر ذات اغلبية مسيحية مثل : اربيلا او اديابين وكشكر وكرخ_ سلوخ اي كركوك, وحيرتا فيما بعد مملكة الحيرة ، وكذلك مدن دير-قني، وسورا ،وبانقيا، واليس ثم تكريت ونينوى (الموصل فيما بعد) .
بدأت المسيحية تصوغ فلسفتها وقوانينها منذ عام 325 حين انعقد المجمع المسكوني الاول في بلدة  تسمى نيقية في بيزنطة ، حيث اقر قانون الايمان المسيحي .
يبلغ عدد معتنقي المسيحية الان حوالي ثلث سكان الارض اي حوالي مليارين و400 مليون نسمة . وان لغة المسيح كانت العبرية والارامية .

لاتزال تنظر اليهودية بريبة الى المسيحية : اذ اشار مؤرخوا اليهودية في الطبعة الاولى من الموسوعة اليهودية مايلي :
 ((ولد يسوع الناصري ، مؤسس المسيحية في الناصرة حوالي 2 ق.م.،وبحسب ماذكر في انجيل لوقا ، فآن يسوع قد حكم عليه بالموت في 14 شباط او نيسان من عام (3789) ؟ . يمثل يسوع في حياته شخصية جدلية ، كماكان له تاثيرا بسيطا وغير مباشرا على مسيرة او فكر اليهودية ...الخ  ( 1)

 تتسم اللغة السريانية ذات الاصول الارامية بشقيها الشرقية في العراق ، والغربية في سوريا باهمية 
كبيرة في تاريخ المسيحية، منذ القرن الاول للميلاد ، حيث بقي معظم  المسيحيون يتحدثون فيها ، في كل من العراق حتى الان وربما في لبنان ايضا، في حين اضطر المسيحيون في سوريا وفلسطين ان يتركوها في القرن الثالث عشر . وحاليا تدرس السريانية في العراق ولبنان ومصر وفلسطين، وفي معاهد متخصصة في امريكا وكندا .وقد تاثرت اللغة العربية كثيرا في بدأ تكوينها باللغة السريانية التي كانت لغة معظم  المسيحيين في المشرق حتى القرن السابع على الاقل .



أهم المصادر



5
الرئيس الامريكي ترانب الى اين؟

أ. فؤاد يوسف قزانجي


 من خلال تصريحات الرئيس الامريكي ترانب ، اثناء حملته الانتخابية وبعدها ، يبدو لي ان امريكا في عهده قد تخسر الجانب المضيئ في مسيرتها الحضارية : تلك التي تتضمن تعزيز الديمقراطية وحرية الراي وحل القضايا الدولية مثل قضية فلسطين وسوريا والقضاء على المنظمات الارهابية في العالم ، وربما مساعدة العراق للخروج من محنتيه الارهاب الداعشي وتدهور النظام القائم سياسيا واقتصاديا ،بعد ان ساهمت امريكا اساسا في غزوها السابق  بتدمير البنى التحتية في العراق وتمزيق جيشه الوطني ، كما اغمضت عينها عن انتشار الطائفية واحزابها التي لا تؤمن بالديمقراطية اساسا .
وقد كتبت جريدة نيويورك تايمس الامريكية ، في عددها الاسبوعي بتاريخ 20-11-2016 : انه ولآول مرة منذ الحرب العالمية الثانية يختار الشعب الامريكي ، رئيسا يعد شعبه بانه سيغير فكرة التحالف الدولي باي ثمن في سبيل استقرار العالم ،ويغيرها الى التعاون في الدفاع عن العالم الحر والاستفادة المشتركة ، اقتصاديا وتجاريا بالاضافة الى المشاركة الدفاعية ،والانفاق  العسكري المشترك . وهنا يبدوا لي ان الرئيس الامريكي ليس دبلوماسيا وحسب، بل ايضا رجلا يرى بان امريكا تستنزف اموالها في قضايا لاتعود عليها بالمقابل مثل ارسال جيشه واقامة مراكز لحماية بعض الدول ،ودعم ميزانية اسرائيل باهدائها كل عام مبلغ مليار دولار، على الرغم من ان العقيدة اليهودية لاتعترف  بالمسيحية .
وتعلق كاتبة اخرى في نفس الجريدة (اماندا تايوب) قائلة : بان الرئيس ترانب كغيره من الرؤساء الذين يمتنعون عن ذكر ارقام ثروتهم وكذلك الضرائب التي يدفعها حقا الى الدولة . وان في فترة الانتخابات حتى فوزه يبدو ان الجناح اليميني في احزاب كل من النروج وهنكاريا واوستريا اي النمسا واليونان قد انتعش، وتامل هذه الاحزاب بالفوز باغلب مقاعد البرلمان . كما تتسائل قائلة : انه يبدو ان الديمقراطية قد خف بريقها في هذه الايام في العالم وصارت اوربا وغيرها تتسائل : كيف يفكر المواطنين الذين يتسائلون الى اي مدى نتحمل الخطوات الديمقراطية تجاه من لايؤمن بها ؟
وكل ذلك يعني ان الشرق الاوسط الذي لايؤمن بالديمقراطية ولا يزال يفكر انه لايحتاجها وقيمه افضل منها ، سيسحق او سيعامل بحسب مايقدم من نفطه او غازه الى الدول المتقدمة ،وبما يشتري من اسلحة ، وخاصة بعد انهيار العراق منذ عام 2003 بسبب الاحتلال الامريكي وانتشار الفكر الطائفي ، وماتبعه من انهيارات في سوريا، وفي فلسطين بسبب تمدد اسرائيل على الاراضي الفلسطينية، وكذلك ماحدث من فوضى سياسية في لبنان بسبب حزب الله وتوسع نفوذه ، وما جرى من التدمير  الذي صاحب الاضطراب السياسي في اليمن ،وما يفعله داعش وعصاباته في المنطقة العربية، وما يقوم به الاخوان المسلمون من عبث في مصر  ، وما يحدث في ليبيا من مواجهات وتدمير وخاصة ان الجامعة العربية ماتت منذ يوم ان سكتت عن الاحتلال الامريكي للعراق وما قام به من تدمير وقتول وتخريب .   
 


6
نبذة عن الديانة المسيحية

 أ. فؤاد يوسف قزانجي

تتمتع الديانات الرئيسية في العالم وهي المسيحية والاسلام واليهودية باهمية كبيرة في تاريخ الانسانية و ارى ان من الصحيح ان يعرفها معتنقيها بدلا من الاخرين . وليسمح لي القارئ ان اعرفها في هذا الموجز وادعوا من اصحاب الديانتين الاخريتين وكذلك الصابئية واليزيدية  ان يعرفونا ايضا بدياناتهم بشكل موجز .

المسيحية وليست النصرانية

ولد يسوع في بلدة بيت-لحم بقرب اورشليم اي القدس لكنعاش معظم حياته في مديمة الناصرة ،لكن عندما بلغ حوالي 29 عاما، كان يسوع (عيسى) المسيح قد بدأ رسالته من نزاريا (في القرن السابع  سميت بالناصرة) وسائرا نحو منطقة الجليل او اليهودية .
كانت دعوته الى الايمان به كمخلص وفادي للبشرية ، بعد ان اخفق كلا من ادم وحواء من احترام ما اوصاهما به الله ، فطردهما من الجنة . وانه بمجيئ المسيح يكون قد حان وقت التوبة .
 بشر يسوع المسيح بالمغفرة والرحمة للخطاة ،وبالمحبة للجميع ، وقام بعجائب لشفاء المرضى الذين طلبوا منه ان يشفيهم وهو يبشر في انحاء الجليل اي اليهودية ،لكن عندما دخل يسوع اورشليم ، لكي يشارك في عيد الفصح اليهودي ، قابله الرابايات اليهود بالعداء ، والنتيجة انهم القوا بعد ذلك القبض عليه، واتهموه امام الحاكم الروماني، بانه يجدف على ديانتهم وطالبوا بصلبه ، وكان لهم ما رادوا ، اذ كان عليه ان يفدي نفسه ، ويموت ثم يقوم في اليوم الثالث .
كان للمسيح في البداية 12 تلميذا ، كتب اربعة منهم بوحي من الله ، الاناجيل الاربعة التي تحتوي على وصايا واقوال واعمال المسيح خلال الاربعة  سنوات التي تمثل فترة دعوته ، وهم كل من متى ولوقا ومرقس ويوحنا ،و كل تلميذ  كتبه على حدة وفي مكان مختلف ومع ذلك جاءت متشابهة الى حد ما، وذلك بين الاعوام 60-98 م . وكلها تسمى الانجيل المقدس  او العهد الجديد، واضيفت اليه اعمال الرسل ورسائلهم وعددها 23 سفرا ،وخاصة جهود القديس بولس في نشر المسيحية في بعض المدن الاوربية الساحلية. اما التوراة فتعتبر بالنسبة للمسيحيين: العهد القديم ولهذا يكون الانجيل مكملا للتوراة . كما ان اعظم وصايا وافكار  المسيح الانسانية والروحية تتمثل في الموعظة على الجبل .
كان تلاميذ المسيح ال12 الاولين  كلهم من اليهود ،ولكن بعد ذلك كانوا من اقوام مختلفة ،  وعددهم 70 تلميذا انتشروا في المشرق وسواحل اوربا على البحر الابيض المتوسط ،كما ان بعظهم وصلوا في دعوتهم الى الصين والهند .كذلك فان رسالة المسيح، انتشرت خلال الامبراطورية الرومانية على الرغم من قيامها باضطهاد المسيحيين و صلبهم والقائهم للاسود في الملاعب ، حيث استمر الاضطهاد الروماني حتى عام 316 للميلاد ، عندما انتصر الامبراطور قسطنطين بعد رؤيا عجائبية تخبره بوضع علامة الصليب على دروع جنوده ,فقرر السماح للمسيحية مع بقية الديانات ،لكنه تحول الى المسيحية قبيل وفاته، بعد اكثر من عشرة سنوات .
 اما في بلاد الرافدين التي كانت محتلة من قبل الفرس المجوس ،فان المسيحية انتشرت رغم الاضطهاد الذي جرى بين القرن الاول والقرن السابع للميلاد .اذ كانت بعض المدن في العراق القديم تعتبر ذات اغلبية مسيحية مثل : اربيلا او اديابين وكشكر وكرخ_ سلوخ اي كركوك, وحيرتا فيما بعد مملكة الحيرة ، وكذلك مدن دير-قني، وسورا ،وبانقيا، واليس ثم تكريت ونينوى (الموصل فيما بعد) .
بدأت المسيحية تصوغ فلسفتها وقوانينها منذ عام 325 حين انعقد المجمع المسكوني الاول في بلدة  تسمى نيقية في بيزنطة ، حيث اقر قانون الايمان المسيحي .
يبلغ عدد معتنقي المسيحية الان حوالي ثلث سكان الارض اي حوالي مليارين و400 مليون نسمة . وان لغة المسيح كانت العبرية والارامية .

لاتزال تنظر اليهودية بريبة الى المسيحية : اذ اشار مؤرخوا اليهودية في الطبعة الاولى من الموسوعة اليهودية مايلي :
 ((ولد يسوع الناصري ، مؤسس المسيحية في الناصرة حوالي 2 ق.م.،وبحسب ماذكر في انجيل لوقا ، فآن يسوع قد حكم عليه بالموت في 14 شباط او نيسان من عام (3789) ؟ . يمثل يسوع في حياته شخصية جدلية ، كماكان له تاثيرا بسيطا وغير مباشرا على مسيرة او فكر اليهودية ...الخ  ( 1)

 تتسم اللغة السريانية ذات الاصول الارامية بشقيها الشرقية في العراق ، والغربية في سوريا باهمية 
كبيرة في تاريخ المسيحية، منذ القرن الاول للميلاد ، حيث بقي معظم  المسيحيون يتحدثون فيها ، في كل من العراق حتى الان وربما في لبنان ايضا، في حين اضطر المسيحيون في سوريا وفلسطين ان يتركوها في القرن الثالث عشر . وحاليا تدرس السريانية في العراق ولبنان ومصر وفلسطين، وفي معاهد متخصصة في امريكا وكندا .وقد تاثرت اللغة العربية كثيرا في بدأ تكوينها باللغة السريانية التي كانت لغة معظم  المسيحيين في المشرق حتى القرن السابع على الاقل .



أهم المصادر



7
نبذة عن العهد القديم او التوراة
ترجمة : فؤاد يوسف قزانجي

كتبت ناشنال جيوكرافك الامريكية، لمحة عن التوراة او العهد القديم ، في احدى سلسلاتها وتحت عنوان ( مائة من االاحداث التي غيرت العالم ) (1) مايلي :

ان اساس الايمان اليهودي ، موجود اولا في القوانين الموحى بها من الله ، الى النبي موسى من على جبل سيناء .
 ان الايمان باله واحد ، الذي يسيطر على كل شيئ ويضمن للملتزم بالفضيلة انه سيجازى بالخير، وان فاعل الشر سينال العقاب، هو اساس اليهودية ، باعتبارها دينا موحدا ،بعيدا عن الديانات الوثتية في التاريخ القديم .
هناك خلاف بين الباحثين والمتدينين ، فيما اذا كان موسى نفسه او كتاب مقدسون اخرون ، قد سجلوا القوانين  والتعاليم الدينية اليهودية الاولى والموحى بها ، واالمسماة التوراة (اي الاسفار الخمسة الاولى) . لكن بعد ستة قرون من اضافة اسفار اخرى ، وعدة تقاليد يهودية شفاهية ، قد قام بتدوينها كنصوص دينية النبي عزرا في عام 444 ق.م. معلنا بان آيات التوراة تمثل القوانين الاساسية  في الدولة اليهودية ، التي كانت تابعة الى الامبراطورية الاخمينية الاولى . اذ ان قرون من الزمن مرت قبل ان يعلن النبي عزرا عن جمع  التوراة ، كان الاسرائيليون ، باعتبارهم اليهود الذين كانوا يسمون بالعبرانيين، قد عانوا هزائم عسكرية ، كما فرض عليهم الشتات او السبي ، وخلال تلك الفترة ، الهمت  انبيائهم عددا من الاسفار ، اضيفت الى ذلك الكتاب العبري او اليهودي (العهد القديم) الذي بلغ  39 سفرا مقدسا .
ان العهد القديم  برز ككتاب مقدس وملهم في الشرق الادنى، منذ ان ترجم الى اللغة اليونانية في عام 280 ق.م. في اكاديمية الاسكندرية . وكان العهد القديم  قد اصبح كتابا دينيا وثقافيا واخلاقيا اذ علم الاخلاق والفضيلة والقيم الدينية لعدد كبير من اليهود والمسيحيين وكذلك المسلمين ، بالاضافة الى بعديه  التاريخي والانساني .

 اهم المصادر
1- National Geographic : 100 Events that Changed the

8
تيماء وما جاورها: بين التراثين البابلي والعربي
                                                                       
استاذ/ فؤاد يوسف قزانجي

 يعتقد كثير من الباحثين في تاريخ الشرق الادنى القديم، انه لم يجر تحريات كافية في مدينة تيما، او تيماء العربية التي جاءت شهرتها بعد خمود شهرة مملكة سبأ اليمنية . اشتهر اهلوها في التجارة بين القرن الثامن والقرن الثالث قبل الميلاد ، حتى تسلم الراية منهم النبطيون والتدمريون في سوريا وفلسطين والجزيرة العربية، والميشانيون والحطريون في العراق والخليج. وتيما او تيماء معناها  (الارض القفر )  وهي في جنوب (دومة الجندل ) بالقرب منها كان يقع حصن السمؤل ويدعى الابلق، ولكن لا اثر له.كذلك هي التي عاش فيها نابونائيد ملك الامبراطورية البابلية الاخيرة (555-539)، لفترة قد تتجاوز السبعة سنوات، حينما جعلها احد المراكز الهامة لتجارة القوافل القادمة من اليمن وماكان(عمان) وربما الهند وتلك الذاهبة الى سلع (بترا) وتدمورتا وكركميش وبابل وغيرها وذلك في الاعوام (549 – 540 ق.م.) التي قضاها نابونائيد في حران وتيما . قام البابليون ببناء المدينة وسورها، واهم الابنية كان قصر نابونائيد والمعبد الكبير الذي كان يضم الهة بابلية وخاصة الاله سين والهة عربية والهة آرامية مثل عشترت وداكان وهدد.
 بالاضافة الى ذلك فقد كان الاشوريون قبل اكثر من قرن  قد استولوا على تيما  وجعلوها مركزا عسكريا وتجاريا لهم.وقد احتلها الملك الاشوري تكلات بليسر الثالث، اذ وردت في نصوص تعود له وكذلك سرجون الثاني وذلك في عام 715 ق.م.، كما احتل بلدة ثمود . وقد ذكرت تيماء في التوراة وفي نبوءات النبي اشعيا (21:13،14) وكذلك في سفر ارميا (25:15) الذي ذكر فيه ان اهل تيماء سيتجرعون المر من غضب اليهود، ولايعرف السبب في ذلك؟ وقد اعتبرت في العهد القديم من مدن القوافل المهمة في الهلال الخصيب. ويذكر ان اشمايل ( اسماعيل) عندما اخلف ولدا دعاه تيما (سفر التكوين25:13).وكانت القوافل التي تاتي من نجران اليمنية وكذلك من الجرعاء قرب الخليج تلتقي في تيما قبل ان تتوجه الى سلع او بطرى(بترا) ثم بصرى وغيرها.(1). والحقيقة ان طريق التجارة وخاصة التوابل والعطور في القرن السابع والقرن السادس قبل الميلاد كانت بضاعته تاتي من الهند عبر مضيق ماكان(عمان) ثم ينحدر الى المدن الرئيسة في الجزيرة العربية مثل سبأ في اليمن وكذلك صنعاء ثم شمالا الى نجران واياثريبو (يثرب بعد ذلك) ثم تيما التي يبدو انها صارت في العصرين الاشوري والبابلي-الكلدي   مركزا  تجاريا تابعا لللاشوريين ومن ثم للبابليين في الجزيرة العربية بين الاعوام  750-539 ق.م. ، ومن هناك تذهب البضائع الى بلاد ارام(سوريا بعد ذلك) والى فلسطين ثم الى بلاد الرافدين ومنها شمالا الى فارس وارمينية.وفي العصر الاغريقي ذكرت تيما وصنفت بين مدن البادية في الجزيرة العربية.
تقع مدينة تيما في الجزء  الشمالي الغربي من جزيرة العرب، حيث استوطنت فيها قبائل مختلفة منذ العصور القديمة وتقول الروايات العربية انهم كانوا من الثموديين او العماليق. وتيماء حاليا احدى مدن المملكة العربية السعودية، وتقع بين مدينة يثرب (اياثريبو) ومدينة تبوك، وهي تابعة لمحافظة تبوك. وتبعد عن تبوك زهاء 265كم وعن يثرب حوالي 400كم. وتعد تيماء من المدن التاربخية المهمة مثل اياثريبو ونجران وغيرهما،وهي غنية بالاثار العربية والاشورية والبابلية، ومن اشهر المعالم العربية بحسب المصادر السعودية حصن الابلق والحمراء والرخم من اثار العصر ما قبل الاسلام، وبئر هداج وكذلك قصر ابي رمان المعروف في المذرعية وهو تحفة معمارية؟ . ان كثيرا  من ارض المدينة صالحة للزراعة، حيث تعتبر من ابرز الواحات في الجزيرة العربية، لان فيها عين ماء جارية منذ العصور القديمة، كمايوجد في آثارها نقوش وكتابات كنعانية وسبأية ولحيانية وآرامية - ونبطية، وقد عثر المنقبون الاجانب فيها على آثار آشورية وكذلك بابلية وآرامية تعود الى الفترة البابلية الاخيرة .(2)
كان الملك البابلي الاخير نابونائيد او نابونائيدس قد توجه في السنة الثالثة من حكمه  بحملة عسكرية من العاصمة بابل الى بلاد حاتي اي شمال سوريا، مخلفا في عرش بابل ،ابنه وولي عهده الامير بيل -شار- اوتسور لكن المصادر اليهودية تسميه بلشزار. واحتل معظم المدن على طريقه الى حاران التي تعني بالاكدية-البابلية (الطريق). وهناك بقي فترة تقدر بسنتين اوثلاث  بنى فبها معبدا للاله سين،ولعل امه كانت هناك اذ كان والداه من البابليين النبلاء في حران . فجعلها رئيسة الكهنة في المعبد( وقد بقيت في المعبد حتى سقوط الدولة البابلية)، كما قام قبل ذلك ايضا بتقديم ابنته وتكريسها الى معبد سين في اور جنوب العراق. ثم سار جنوبا حتى وصل الى منطقة ادومو اي الادوميين وهي منطقة الجوف التي تبعد 430 كم شرقي العقبة،فاحتلها ثم استولى على احد مراكزها وهو (مدينة تيما) بعد ان قتل اميرها ،وكان جل سكانها من البدوالانباط ، ويذكر انها كانت قبل فترة مستوطنة اشورية محصنة. واشارت الرقم البابلية ان نابونائيد قضى في تيما فترة لاتقل عن 7 سنوات وربما اكثر من ذلك، من فترة حكمه للامبراطورية البابلية التي دامت حوالي 16 عاما. قبل ان تغزو بلاد الرافدين القبائل الميدية- الفارسية وتستولي عليها. وكان نابونائيد شخصية  دينية بارزة ربما لان امه كانت اجدى الكاهنات  البابليات البارزات في حران  ،ولذلك اختير لاهتماماته الدينية. وقد ترك نابونائيد بابل  في فترة حرجة حيث اندلعت في بعض المدن الحرب الاهلية على اثر تفشي المجاعة،كما وصلت انباء غزو الميديين لجبال العراق الشمالية اللذين انظم اليهم بقايا الكوتيين. وكان غرض نابونائيد ان يحصل على الضرائب والحبوب من المدن التي استولى عليها ومن سيطرته على طريق التجارة في بلدان الهلال الخصيب، وخاصة مايسمى طريق( التوابل والبخور)، حيث كانت البخور تستعمل في المعابد الدينية وتعتبر من انفس البضائع.(3)
وبعد ان استقر في تيما، استعد الى غزو بقية المدن والقرى في الجزيرة العربية، وارسل جيشه  نحو مدينة ايا ثريبو (يثرب) فاستولى عليها، والتي تبعد عن تيماء حوالي 400 كم. وعاد حيشه بعد ان اطمأن على طريق القوافل القادمة من اليمن ومدنها العامرة. ثم  شرع في بناء قصر ومعبد له، وكذلك اهتم بتحصين المدينة، وزراعة ارضها التي كانت على جانبي عين الماء الجارية فيها. وخلال السنوات السبع  التي بقي فيها ، جعل من تيما مركزا لتجمع القوافل القادمة من ماكان والهند واليمن وتلك الذاهبة الى سوريا وفلسطين اوبلاد بابل. كما اصبحت مؤلا للتسوق من قبل القبائل العربية ومنهم اقوام من ديدان ومن دوما اي من دومة الجندل او ميدان التي كانت مدينة مزدهرة في الالف الاول قبل الميلاد والتي كانت لها علاقات تجارية كبيرة مع مصر واليمن قبل ازدهار مدينة تيماء في زمن الملك اشور بانيبال الاشوري وكذلك في عهد نابونائيد . وتتحدث الرقم البابلية عن بلاد العرب وقبائلها التي كانت علاقتها جيدة مع البابليين وانهم كانوا قد قاتلوا مع البابليين ضد الاشوريين. وعثر على رقيم في احدى المستوطنات الاشورية في شمال شرقي سوريا ان الحاكم الاشوري لتلك المنطقة في نهاية القرن الثامن ،كان قد اوقع قافلة في شرك قادمة من تيماء وهي تتسلل الى العراق دون ان تدفع ما عليها. مما شجع نابونائيد للتوجه الى تيما وعموم بلاد العرب. واشار احد الرقم الى ان اله القمر والالهة (عتر- سين) كانت تعبد في بلدة (دوما) التي كانت قد ازيلت في زمن السيطرة الاشورية منها المعابد.(4)
ديدان
 ديدان او خربت الخريبة التي تبعد عن تيماء ثلاثة كيلومترات، فقد كانت ايضا احدى الواحات المهمة مثل تيماء ومدان. وكانت ديدان تمر منها قوافل مملكة سبأ ، اما مدان او مديان فلم يعثر فيها على اثار تشير الى حقيقتها، بينما عثر في تيما على اواني وجرار خزفية تشير الى تاريخها في القرن السادس قبل الميلاد. كما عثر على اثار لقصر نابونائيد والمعبد الرئيسي في المدينة، وكذلك على صورة منحوتة  له وبيده عصا تشبه الصولجان. وقد وجدت ايضا رقم طينية تعود الى الالف الثاني والالف الاول قبل الميلاد. واول من تحدث  عن كونها مركزا محصنا في القرن الثامن قبل الميلاد، الملك الاشوري تكلات بليسر الثالث (727- 744 ق.م.)،وقد انتهت سيطرته عندما قامت ملكة العرب بثورة ضد الحكم الاشوري(لم يذكر اسمها). كان اهلها يتكلمون اللغة العربية الشمالية ولكن معظم الكتابات التي وجدت نبطية- ارامية. كانت ثقافة تيماء وماحولها متاثرة بثقافات عصرها التي تمثل مزيجا من ثقاليد العرب وثقافة بلاد الرافدين والانباط  ،وكان الخط الارامي مستعملا في تجارة القوافل في الهلال الخصيب حتى القرن الاول الميلادي كما هو واضح في اثار ميشان وحطرا وبصرى  والجابية وتدمر.(5)
 ثمود
وجد نصا باللغتين اليونانية والسريانية منقوش على حجر  يعود الى القرن الثاني ، في موقع ( روافا ) شمال الحجاز يشير الى ان قبيلة ثموديني  كانت قد دخلت في حماية الرومان اجتماعيا وسياسيا ولها صلة قوية بهم. وعين مكانها في بلدة حجر او ما يسمى (مدائن صالح) الا ان هذا ليس بثابت ، ولقد عثر على حجارة محفور عليها كتابة قديمة تعود الى القرون الميلادية الاولى، نسبت الى ثمود . ويعتقد الباحث (كليزر) ان لحيان من بقايا قبيلة ثمود. (6) .   وقد اقيم فيها معبدان باسم الامبراطورين ماركوس اورليوس و الاخر باسم لوسيوس فيروس. وهناك وثيقة رومانية تعود الى القرن الخامس تذكر وجود وحدتين تحت امرة الجيش الروماني  موجودتان في فلسطين ومصر ، ولايذكر شيىء عن ثمود او تيماء. وقد تحدث التراث الاسلامي عن ثمود وذكر بانهم وثنيون وقد دعاهم الى الايمان بالله النبي صالح ولما لم بستجيبوا ، اخذوا بصيحة او رجفة او هزة ارضية دمرت مدينتهم التي سميت بعد ذلك بمدائن صالح، واصبحت بقعة ملعونة وموضعا مشؤوما . وعندما حدثت غزوة تبوك في سنة (9ه) منع المسلمون من استعمال ابيارها، وظهرت اشعارا وروايات عربية عن ثمود في القرن الثامن عندما يدآ العرب يكتبون اشعارهم وتاريخهم. وفد اعطي هذا الاسم  بعد ذلك الى امماكن فيها احجار ظاهرة في شمال ووسط الحجاز. لكن اخر نقش عربي قديم وجد كان  مكتوب عليه:” ان هذه القبائل العربية مسؤولة عن الدفاع عن الحدود الرومانية” والنص قرأه الباحث في تاريخ المشرق (كراف) ونشر تفاصيله في مجلة ( بي أي اس او آر) 1978 .
وفي الروايات العربية القديمة،ذكرت قصة مدينة ارم ومدينة  ثمود الى جانب مدينة تيماء، وكان محور الروايات (النبي هود و اخنوخ والنبي صالح)،علما ان اخنوخ كان نبيا من انبياء اليهود بحسب الكتاب المقدس.  وتجري تلك الروايات  على النحو التالي:
 كان هود قد عاش بعد الطوفان،وقد ارسله الله الى قوم يدعون بالعمالقة الذين سكنوا في ايدوم والذين كان يحكمهم  شداد بن عاد،الذي ابى ان يهتدي ويؤمن بالرب الواحد الذي كان يبشر به (النبي هود)وقد قال  انني لن استمع الى اقوال (النبي) هود،وسابني جنتي بنفسي ولن احتاج الى احد، لان كل شيىء عندي. فقام شداد ببناء مدينة ارم التي سميت ارض الاعمدة، حيث ان قصورها مبنية على اعمدة من الحجر تغلفها الاحجار الكريمة مثل الزمرد والياقوت والجواهر. كما حفر قنوات الري وبسط الاراضي بقربها وزرع الاشجار والاثمار والفواكه وحولها انبت اجمل الازهار، حتى غدت كالفردوس. وهكذا فانه لن يحتاج دعوات النبي هود ولا لصلواته الى الرب . وبعد اكتمال مدينة ارم ذات العماد ذهب ليدعوا قومه الى مدينته الرائعة، لكن الرب اخفاها عنه وعن اتباعه، ولذلك راح الملك شداد  واتباعه وصحبه يطوفون البرية وقراها بحثا عن مدينتهم التي تحدوا فيها النبي هود، وكانت العواصف الرملية تهب حولهم اينما توجهوا حتى وصلوا الى كهوف فالتجأوا اليها،ولكنهم بعد ذلك ماتوا جوعا وعطشا، وبقي النبي هود وحده.
ان هلاك  قوم شداد بن عاد، قد جعلت اقربائهم من قوم ثمود يهربون بعيدا، ويختارون ارضا بين الحجاز وجنوب سوريا،لانهم خافوا ان يهلكوا كما حصل لبني هود،وكان لديهم سبعون الف مقاتل، ورغم ذلك خشوا ان ينزل عليهم ايضا غضب الله، ولذلك بنوا ايضا مدينتهم من الحجر، وربما كانت مدينة سلع التي سماها اليونان بترا. وبنى ملكهم اخنوخ قصرا كبيرا محصنا وبنى كذلك معبدا وزينه بالذهب والجواهر. وعندما صلى اخنوخ طويلا في المعبد نام لفرط حماسته والجهد الذي بذله. وفي نومته تلك سمع صوتا اتيا من السماء يقول:(سوف تظهر الحقيقة وسوف تمحقون!). ونهض على قدميه مرتعبا، واتجه الى تمثال الهه الذهبي ليستنجد به،فوجده قد تدحرج وهوى،وجاء اصحابه اليه ليهدأوا من روعه،ولكنه بدأ يفكر كيف عصى الله ، وان عليه ان يترك عبادة الاصنام ، وشعر ان رجال المعبد بدأوا يتامرون عليه،فقرر هو واصحابه ترك المدينة والرحيل عنها في مكان بعيد عن عبادة الاصنام. ولذلك سكن واصحابه في قرية اخرى يعبدون الله، في تواضع وخشوع، وانجب اخنوخ ولدا سماه صالح . وبعد وفاة اخنوخ ،جعل الله صالح لتقواه نبيا . وبعد فترة قام ملك ثمود بالهجوم على مدينة صالح وفيما كان الجيشان يتقاتلون ظهر النبي صالح في ساحة المعركة وصار يقاتل مع جماعته حتى انتصر . وكان ملك ثمود وقومه من عبدة الاصنام الذين آمنوا بالله ،ودعوا صالحا اليهم ،فجاء وبنى لهم( جامعا) لكن الملك المهزوم ارسل رجالا ليقتلوا صالح، لكن القاتل تردد امام النبي صالح وارتجفت يداه واصيبتا بالشلل، فقام صالح بمسامحته واعادة العافية له،فزاد حب الناس لصالح وصحبه. وبينما كان صالحا يصلي في (الجامع) ،ا\ جاء الملك ومعه مقاتليه واحاطوا بصالح وقالوا له اذا لم تظهر لنا اعجوبة من الله فلن نتركك حيا. فصلى صالح، واذا بالشجرة التي امام الجامع تتحول الى عقارب ضخمة،وتتوجه نحو ملك ثمود،عندئذ صاح الحمام الذي كان فوق سطح الجامع:(عليك ان تؤمن بالنبي صالح لانه رسول من الله) وكانت هذه هي الاعجوبة الثانية،اما الاعجوبة الثالثة فقد كانت اعادت الشجرة الى مكانها. وذكر في رواية عربية قديمة اخرى ان اعجوبة صالح الحقيقية هي اخراج الناقة من الحجر.(7)


المصادر
(1)   عبودي، هنري. معجم الحضارات السامية. طرابلس، جروس برس،ط2/1991 ص291
(2)   موسوعة وكبيديا(تيماء).
(3)   باقر،طه. تاريخ الحضارات القديمة.عمان: دار دجلة،ص579 .
)4)Van De Mieroop,Marc. A History of Ancient Near East. Blackwell.2007.P 270-1
)5(Dictionary of Ancient Near East , Edited By P. Bienkowski and A. Millard. Univ. of Penn. Press. 2000. P. 284-5
6---عبودي، هنري. معجم الحضارات السامية. ص 279                                                                                                  p 436 (Ency. Of Islam. Vol. 6 (Noah,Hud and Salih7-)



9

القدس او اورشليم :  اكثر المدن قداسة بين الاديان السماوية

أ.فؤاد يوسف قزانجي
           
ترنو عيون الملايين من البشر من اليهود والمسيحيين والمسلمين نحو مدينة بيت المقدس او القدس او اورشليم موطن هيكل سليمان،ومؤل عيسى المسيح ،حيث ولد في بلدة مجاورة لها تسمى بيت لحم، كما تعد ثاني القبلتين عند المسلمين.
تعد هذه المدينة المحج الاول بالنسبة لليهود والمسيحيين، وينتظركثيرا من المسيحيين الشرقيين حلول السلام الذي يتيح لهم الحج الى تلك الاماكن المقدسة بحرية ،والتي عاش في ربوعها يسوع المسيح، حوالي خمسة سنوات، وهي سنوات دعوته المقدسة بعد ان بلغ الثلاثين وذلك قبل حوالي 2016 سنة.
 تعد بيت المقدس من اقدم مدن العالم التي مازالت مسكونة الى جانب اربائيلو او حذياب التي سميت بعد ذلك اربيل .
 كانت القدس مبنية على اربعة جبا ل هي صهيون ومريا واكرا وبرثيا، وفي شرق المدينة مرتفع يسمى جبل الزيتون الذي صعد منه المسيح الى السماء،بعد صلبه و موته على الصليب.
ان اسم المدينة الحقيقي هو اورسالم كما تبين ذلك من النصوص  الاكدية لان اللغة الاكدية كانت سائدة انذاك . ان اسمها اكدي او ارامي ، ومن المرجح انها وجدت في اواخر الالف الثالث قبل الميلاد ولعل  اسمها ( ساليم  ) الذي يعني السلام . وكان ملكها  اثناء مجيئ العبرانيين من مصر يسمى (ملكي صادق) وهو ملك صالح ورد اسمه في التوراة، اعطاه ابو الانبياء ابراهام عشرا من كل شيىء ، وبارك ملكي صادق ابراهيم (تك14) . ويبدوا ان اول من سكنها هم الاراميون والراجح ان ملكي صادق آرامي بدليل ان اسمه ارامي، وكان من المؤمنين بالله بدليل استقباله لابي الانبياء : ابراهيم .
حل في اورساليم اليبوسيون وذلك في  الالف الثاني قيل الميلاد، وهم من الاقوام الكنعانية فاطلقوا على المدينة يبوس . وظهرت في التنقيبات الاثرية في بيت المقدس بقايا مدينة اورسالم التي تعود الى القرن الحادي عشر قبل الميلاد. ثم تلى ذلك زحف القبائل العبرية المهاجرة من مصر ومن ثمة صحراء سيناء ،وليس لدينا دليل تاريخي  على زمن مجيئهم. وكانوا قد وصلوا الى مملكة اور-سالم . فسكنوا في اطرافها لكنهم لم يستطيعوا الاستيلاء عليها الا في عام 960 ق.م.  وذلك في زمن النبي داود ملك اليهود.
ورد في التوراة وفي سفر قضاة 1/8 عنها مايلي: “وحارب بنو يهوذا اورسالم وضربوها بحد السيف، واشعلوا المدينة بالنار”. وسميت حينذاك باورشليم وهو نفس التعبير والمعنى السامي للكلمة، لكن بالنسبة للعبرية فان معناها السلام المضاعف. وكان اليهود يسمونها ايضا مدينة الصلاح واحيانا مدينة الايمان ، كما سميت ارئيل. الا ان اليهود المحدثين يكتبوتها الان بشكل مختلف وهو يوروشالاليم كي يخفوا اصولها الكنعانية المعروفة لدى المؤرخين .
تقع القدس او بيت المقدس او اورشليم على هضبة عوفل وترتفع ارضها 2400 قدم فوق  سطح البحر،  ويطل عليها جبل الزيتون، وتبعد اكثر من 50 كم عن البحر الابيض المتوسط و25 كم عن البحر الميت. صارت  في العصور القديمة مركزا للقوافل التجارية القادمة من دمشق او بصطرى شمالا وبطرى (بترا) غربا ورفحو وثيبة جنوبا. وكانت البلاد تدعى ارض كنعان، كما ورد في رسائل تل العمارنة، المكتوبة على الرقم الطينية وباللغة الاكدية، اللغة الدبلوماسية لبلدان الهلال الخصيب حتى القرن السابع ق.م .
كان ملك اور- سالم  في القرن الحادي عشر ق.م.قد ارسل سبعة رسائل الى حلفائه المصريين ، قائلا : “ الى فرعون مصر مولاي ،هكذا يقول خادمك (عبدي هبة؟) انظر الى مافعله ملكو-ايلو وكذلك شو-ارداتا بارض الملك . ارجو ان تصغي الى خادمك (عبدي هبة) وترسل قوات لتعيد الاراضي لنا، والا اصبحت تحت رحمة العابيرو. ”
.وبحسب ماذكره النبي يوشع ان الكنعانيين كانوا يدافعون عن جبعون بقيادة ملك مدينة الصلاح (اورسالم) وهو ادوني صادق علما ان اخبار بيت المقدس مضطربة في التوراة. وظلت يبوس عصية على اليهود حتى استحوذ عليها  الملك داود . وقام  النبي سليمان  بن داود بالثورة مع اخرين ضد ابيه، واستطاعوا الاستيلاء على اورشاليم  .

كانت اورشليم عرضة لاحتلالات عديدة منها تلك التي قام بها ملك مصر شيشناك الذي استولى عليها وعلى كنوزها وذلك في عام 971 ق.م. كما استولى عليها الفلستينيون اللذين جاؤا عبر البحر المتوسط في الاعوام 913-907  ق م ، ومنذ ذلك الحين بدأ ت تسمى بلاد كنعان بفلسطين .
 تعرضت اورشليم  الى التدمير عدة مرات في عهد يهورام ،كما نهبها من بعده يهواش احد زعماء اليهود. وفي عام 734ق م استولى سنحاريب على اورشليم وحاول ملك مصر انقاذها ولكن بدون جدوى . كما لم تذكر المصادر التاريخية ولا البايبلية (الكتابية) عما حل باورشليم اثناء استيلاء الملك اسرحدون على سوريا وفلسطين ومصر في عام679 ق م ،وكذلك الحال في عهد الملك اشوربانيبال الذي احتل ايضا الهلال الخصيب في عام 670 ق م واستولى على مصر لمدة 15 سنة.
في عام 610 ، وبعد سقوط الامبراطورية الاشورية التي كانت تصول وتجول في بلاد الهلال الخصيب لقرن من الزمن على الاقل، زحف فرعون مصر نخو نحو اراضي فلسطين وسوريا، فلاقاه جيش المملكة البابلية- الكلدية الفتية وهزمه في موقعة كركميش.  قام الملك البابلي نبوخذنصر ايضا باحتلال اورشليم مرتين بسبب تايدها الى فراعنة مصر واخذ من اهلها اسرى قدر عددهم بنحو 40000 اسير وذلك في عام 586 ق م وهو ما سمي بالسبي البابلي.
 اعاد النبي نحميا بناء هيكل سليمان بعد فترة من سقوط بابل على يد الفرس الذين احتلوا تدريجيا بلدان الهلال الخصيب حتى عام 332 ق م. ومن الجديربالذكر ان سقوط اورسالم مسجل في الوثائق الرافدينية وعلى النحو التالي:
1-حولية الملك سنحاريب (704- 681 ق م ) التي عثرعليها في قصره بنينوى حيث يتحدث في بدايتها عن نفسه قائلا:
سنحاريب الملك العظيم،الملك الشجاع، ملك اشور.
ملك الكون ، ملك الجهات الاربعة، الراعي الكفوء.
محبوب الالهة، ناصر الحق، محب العدالة، ومؤسس التعاون.
المتفقد لرفاهية المقعدين الذين ارجع اليهم السعادة.
الاله اشورالطود الشامخ، الذي اعطاني ملوكية لامثيل لها.
ساكن العرش في العلى (الذي) جعل سلاحي رهيبا.
من البحر الاسفل (الخليج) مشرق الشمس حتى البحر الاعلى (المتوسط) مغرب الشمس.
وهو الذي جعل جميع ذوي الرؤوس السود ينحنوا  لي، وتخشى الملوك الاقوياء قتالي. فتركوا قصورهم مثل السودينو (الخفاش) عصفور الكهوف وفروا بانفسهم الى مكان قصي.
ثم تبدا اخبار حملته على فلسطين حيث بدأ بالاستيلاء على مدينة عكرون (عكا) ثم اتجه نحو اورسالمو قائلا :
وبالنسبة الى حزقيا اليهودي الذي لم يخضع لسيطرتي (في الحملة السابقة) ومعه 46 مدينة من مدنه القوية المحصنة ، وكذلك القرى الصغيرة المجاورة لها والتي لا حصرلها،فقد حاصرتها وفتحتها بمركبات حربية (شوكيوس ارامي) والات الحصار وكذلك بالمشاة وبسلالم تسلق الحصون حتى فتحتها واخذت الافا كبارا وصغارا رجالا ونساءا. اخذت خيولا وبغالا وحميرا وجمالا وابقارا واغناما بدون حصر . جلبتها منهم ومعهم حزقيا نفسه الذي اسرته كطير سجين في عاصمة ملكه اورسالمو Ursalmu  )).
 اما النصوص البابلية في عهد نبوخذنصر فتتحدث عن احتلالها اليهودية ومصير يهواقيم. وان ما يجلب الانتباه هو اجراء انساني قام به البابليون تجاه الاسرى اليهود وغيرهم مسجل على رقيم في المتحف البريطاني عثر عليه في بابل يستخلص منه انه هناك كميات من الزيوت سلمت الى اسرى الحرب اعتمادا على مسؤول الميرة في القصر الملكي مسجلة في قائمة معرفة باسماء الاسرى ومهنتهم  وكذلك بلادهم التى جاءوا منها. وتشيرالمعلومات المدونة لآشخاص تسلموا حصتهم من الطعام لايعودون الى مدن اليهودية وحسب بل الى مدن اخرى مثل  اشكلون وصور وصيدا، كما وزعت الاغذية الى بعض المصريين والفرس والليديين فضلا عن اليونانيين!
 
بعد ذلك جاءت الموجة الاوربية الاولى على بلدان المشرق بقيادة الاسكندر الكبير الذي استولى على سوريا وفلسطين ومصر اولا .
وفي عام 280 امر العاهل بطليموس الذي كان يحتل مصر وفلسطين بترجمة العهد القديم الى اليونانية لكي يضمه الى مكتبة الاسكندرية اليونانية العظيمة والتي بقيت تشع علما لمايقرب من عشرة قرون.
وفي عصر الاحتلال الروماني في القرن الاول ق. م ، تقاتل في اورشليم الرؤساء الدينيين اليهود ومعهم جمع غفير من المناصرين للفئات المتقاتلة، مما حمل الجيش الروماني في عام 63 ق. م على التدخل بالقوة لايقاف اعمال القتل، ووجد ان اثني عشرة الف يهودي قد قتل بايدي بعضهم البعض.
عين الرومان حكاما يهود على اورشليم ابرزهم هيرودتس الذ ي اعاد ما تهدم من الهيكل،وكان ذلك في عصر ولادة يسوع المسيح .
 ولد يسوع المسيح في بيت لحم احدى قرى اورشليم  في عام 5 او4 ق.م. والذي دعي بملك اليهود، وعلى هذا الاساس امر هيرودتس بقتل جميع اطفال قرية بيت لحم من الذين ولدوا حديثا، لكن العائلة المقدسة هربت من بيت لحم الى ارض مصر، وعادت بعد ان توفي هيرودتس في العام التالي ، وكان العام الاول قبل الميلاد.
بعد موت السيد المسيح وقيامته وانتشار المسيحية اصبحت  اورشليم  معادية للمسيحيين وخاصة تلاميذ المسيح الذين كانوا في بداية الدعوة 12 تلميذا او رسولا،لكنهم بعد اربع او خمس سنوات اصبحوا سبعين تلميذا قبيل صعود المسيح الى السماء . وقد تعرضوا الى الاضطهاد واحيا نا الى القتل ،من بينهم  يعقوب بن زبدي اول كاهن لاول كنيسة مسيحية، حيث تم القاء القبض عليه بتهمة التجديف وبعد محاكمة سريعة، حمله اليهود الى سطح الهيكل والقوا به على الارض، وذلك في عام34 ،كما  قام اليهود بهدم الكنيسة المسيحية  المتواضعة. بعد فترة قصيرة القوا القبض على  استيفانوس او اسطيفان وحكم بتهمة التجديف ،فأخرجوه من اورشليم، ورجموه بالحجارة  حتى الموت . وسعوا للبحث عن المسيحيين المبشرين الاخرين، فسار معظم المسيحيين الى جهة شرق الاردن. وهكذا تشتت تلاميذ المسيح وعوائلهم ، فذهبوا قي معظمهم الى دامشقي او دمشق و انطاكيا وافسس حيث بشروا في تلك المدن ايضا .
لما عاد الراباي شاؤول بعد ان اهتدى الى المسيحية، هجم عليه اليهود وارادوا قتله،ولكن الحاكم الروماني ارسله الى روما لمحاكمته هناك.
كان المسيح قد قال عن اورشليم “بانها قاتلة الانبياء وراجمة المرسلين اللذين بعثوا من اجلها” ، كما تنبأ بخراب الهيكل ، وفعلا حينما ثار اليهود ضد المحتلين الرومان، قام الرومان بالاستيلاء على بيت المقدس وتدمير هيكل سليمان  وحرقه في عام 70م. كما اخذ الرومان اسرى من رجالات اورشليم عددا هائلا حوالي (79000) اسير ورحلوهم الى مصر كعبيد ومات العديد منهم في الطريق . ويذكر ان المصادر اليهودية تحجم عن ذكر السبي الروماني لليهود الذي زاد فيه عدد الاسرى عن السبي البابلي ! وفي عام 130 قام الامبراطور هادريان ببناء مدينة جديدة بجوار اورشليم ، بدلا من اورشليم  القديمة ودعاها ايليا- كابيتوليتا.
بعد ان اصبحت روما مسيحية وذلك بعد اكثر من ثلاثة قرون ،حينها تخلص المسيحيون  من الاضطهاد الروماني البشع .(1) . فعاد بعضهم الى مدينة ايليا ،التي سميت منذ منتصف القرن الرابع بيت المقدس ، وبنوا فيها  الكنائس والاديرة وانتشرت المسيحية فيها حتى غدت تشكل غالبية سكانها حتى النهاية القرن السابع . في عام 326 جاءت الملكة هيلانا والدة الامبراطور  الروماني قسطنطين الذي يعد اهتداءه بالمسيحية من اهم احداث القرن الرابع للميلاد ، واخذت تبحث عن صليب المسيح حتى وجدته ،وبنت على مكان صلبه كنيسة القيامة . واصبحت مدينة بيت المقدس مركزا مسيحيا مهما مثل حدياب و نصيبين في العراق، والرها وانطاكيا في سوريا.(2)

ذكرت دائرة المعارف الاسلامية (مج13 ص80) ان بيت المقدس لم تستسلم صلحا للمسلمين  سنة634 الا بعد  حصاردام اربعة اشهر، بانتظار نجدة من الرومان بدون جدوى . وبعد ان فتحت ابواب مدينة بيت المقدس، تسلم المطران صفرانيوس لفافة من الرق فيها شروط الصلح من الخليفة عمر بن الخطاب والتي نصها على النحو التالي:
(( من عمر الى سكان ايليا، امرنا ان تكون لهم من قبلنا الحماية والعناية لانفسهم واموالهم.  ولا تنقض كنائسهم  ولهم وحدهم قضاء عباداتهم فيها ،ولكن ليس ان يمنعوا المسلمين من الدخول اليها نهارا او ليلا ولهم ان يفتحوا ابوابها للمارة والمسافرين ، وليس لهم ان يقيموا فوقها صلبانا او ان يقرعوا اجراصا، او ان يبنوا كنائس جديدة في المدينة او خارجا عنها.  ولا يجبرون على ان يعلموا ابنائهم القرآن. ولا يسوغ لهم ان يغروا المسلمين باتباع دينهم ، ولايمنعوا اهلهم من تركه لاتباع دين المسلمين. وعليهم حرمة المسلمين . وان لا يرتدوا ازيائهم ولا ان يلبسوا غطاء للراس مثلهم او عمامتهم. ولا يفرقوا شعورهم كما يفرقها المؤمنون . ولايستعملوا اللغة العربية . ولا يركبوا الخيل مسرجة. ولايحملوا سلاحا. ولايبيعوا الخمر. ولايستخدموا من الخدم مسلما. ويؤدوا الجزية دون هضم شيىء. ويكونوا امناء للخليفة امانتهم لحبرهم ، ولاشيئا مخلا بخدمته تعمدا اوبوسيلة ما))(3)

بعد التوقيع على هذا العهد وهم مجبرين ،دخل الخليفة بعد التوقيع على هذا العهد، الى بيت المقدس وبجانبه البطريرك صفرونيوس وطافا في الكنائس، وحان وقت الصلاة وهو في كنيسة بيت المقدس او (القيامة)، فخرج الخليفة من الكنيسة وصلى في موضع  قريب من الارض التي ربما كان فيها بقايا هيكل سليمان . وبنى المسلمون لهم مسجدا في ذلك الموضع ، وقام باعادة تشييده بالحجر الخليفة عبد الملك بن مروان وهو اصل الجامع الاقصى اليوم. ثم زاد عدد المسلمين على مر القرون  في المدينة التي اختصر من اسمها (بيت المقدس) الى القدس، واصبح اغلبية السكان فيها مسلمون ،ربما منذ القرن الثالث عشر وحتى زمن قريب . ويمثل الاسلام في القدس الصفحة الاخيرة من تطور القيم الروحية في الشرق ونمو وانتشار الديانات السماوية في واحدة من اقدم واشهر مدن العالم. 
تعد القدس عند المسلمين ثاني القبلتين ومؤل الاسراء والمعراج . وفي عام 1078 في زمن الدولة الفاطمية احرقت كنيسة القيامة اكثر من مرة والتي تعد هي وكنيسة المهد اقدس مكانين عند المسيحيين . وعلى اثر ذلك قامت الحروب الصليبية التي استمرت خلال الفترة1099- 1187.
في عام 1948 قسمت القدس الى غربية اعطيت الى اليهود والى شرقية سلمت الى العرب الذين لم يستطيعوا الحفاظ عليها. ويقوم اليهود منذ عام 1967 بتغيير ديموغرافية القدس الشرقية بسياسة منظمة بالاستحواذ على اراضيها بمختلف الاساليب القانونية الملتوية التي تفرضها الاغلبية على الاقلية عادة في الدول الدينية ، وغير القانونية مثل عدم نقل الملكية الى الورثة، وكذلك الاستحواذ على الاراضي العامة والشوارع والطرق والساحات وجرف حقول ومزروعات اهالي القدس الشرقية، وفرض جدار عازل وبناءه على ماتبقى من اراضي القدس الشرقية.
اما ابرز الاماكن المقدسة المسيحية في بيت المقدس فهي:
1- كنيسة القيامة التي بنتها الامبراطورة هيلانة على الارض التي وجد فيها  قبر المسيح في الاعوام326- 335 كما بني بجانبها ديرا كبيرا لكن هذا الدير خرب على ايدي الفرس، وفي عام 350  اعيد بناؤه ،لكن في عام 1009 اعترض الخليفة الحاكم بامر الله على ضخامته ، فامر بهدمه وتسويته بالارض . وكانت كنيسة القيامة قد بدات تتداعى ،ولما دخل الصليبيون بيت المقدس اعادوا ترميمها وزخرفتها في عام 1149 وبقيت شامخة حتى عام 1808 عندما شب فيها حريقا دمر جزءا منها
.2- كنيسة جشيماني، او كنيسة الالام، ففي هذا المكان التقى المسيح وتلاميذه اللقاء الاخير، حيث بنيت في هذا الموضع كنيسة على الطراز الايطالي- الروماني من قبل الايطالي بارلوتسي في الاعوام 1919- 1924 .
3- كنيسة الصعود وقد بنيت في الموضع الذي ظهر فيه المسيح بعد موته. وقد استولى عليها المسلمون في القرن الثالث عشر،وحولوها الى جامع.
4- كنيستان صغيرتان بنيتا على تلة الجلجثة وهي الموضع الذي صلب فيه المسيح.
5- بلدة الناصرة: وهي المدينة المقدسة التي عاش فيها المسيح منذ طفولته حتى بلغ الثلاثين من العمر حينما بدأ رسالته ،حينما انطلق الى اورشليم ومنها الى جميع جهات فلسطين داعيا الى الهداية والخلاص . ومنها سمى المسلمون المسيحيين بالنصارى .
تقع الناصرة على مرتفع جبلي مفتوح على وادي عزرلون. بني فيها العديد من الكنائس والاديرة، وفي عام 1263 كانت لاتزال بلدة ذات اغلبية مسيحية حينما قرر الاتراك العثمانيين تدمير كنائسها واديرتها.
في القرن السابع عشر . بعد فترة وصل الى المدينة الرهبان الفرنسسكان فبدأوا يرممون بعض كنائسها واديرتها، وكانت كنيسة البشارة قد بنيت على انقاض البيت الذي كانت مريم العذراء قد ظهر لها فيه  الملاك جبرائيل وبشرها بولادة المسيح،وكانت قد بنيت في عام 356 وآلت الى خراب وفي الاعوام 1955- 1969 بنيت الكنيسة من جديد ، وهناك كنيسة اخرى بقيت تسمى (السالزان). ويذكر ان الناصرة التي يعيش فيها المسيحيون حاليا معظم ابنيتها قديمة ،واما اليهود فيسكنون في البلدة الجديدة.(4)
اهم المصادر
 
1-- .Insight on Scriptures. International Bible Student Association. 1988.Vol.2 P.39- 49.
2- عبودي، هنري. معجم الحضارات السامية . طرابلس: جروس برس، 1991 ص154
3- الدبس، المطران يوسف. تاريخ سوريا الدنيوي والديني.بيروت: دار نظير عبود، 1899.الفصل 674 ص 556.
4- سركيس، خليل خطار. تاريخ القدس ، المعروف بتاريخ اورشليم

10
 
كتاب : مسيحيو العراق ومؤلفه سهيل قاشا

مراجعة  أ. فؤاد يوسف قزانجي

يعد كتاب مسيحيو العراق للباحث الاب سهيل بطرس قاشا من افضل معاجم سير حياة المسيحيين في العراق . وتمتد تغطيته منذ العصر العباسي وحتى الوقت الحاضر (2003) .وهذا الكتاب يكمل معاجم السير الصادرة في العراق مثل معجم المؤلفين العراقيين للباحث كوركيس عواد الذي صدر في عام 1966 ، وبعده كتب الباحث حميد المطبعي عن الشخصيات العراقية تحت عنوان (اعلام العراق) بثلاثة اجزاء اخرها في عام 1998 واخيرا الدكتور صباح نوري المرزوك في معجم المؤلفين العراقيين ايضا ، والذي صدر من بيت الحكمة عام 2002 .
ولد المؤلف في بلدة بخديدا اي قرقوش في عام 1942،درس في دار المعلمين وصار فترة معلما ، ثم عاد الى الدراسة في جامعة الموصل واختار قسم التاريخ الاسلامي ! وكان ترتيبه الاول ، وان جعل الثاني ، لان القسم في حينه صعب عليه ان يكون مسيحيا هو الاول . ثم دعاه المسيح الى خدمة كنيسته ، فاستجاب ودرس اللاهوت المسيحي والانجيل المقدس في عام 1993 .ثم سافر الى لبنان ليكمل دراسته الدينية . وبعد دراسته لمدة سنة ، آثر البقاء في لبنان ، حينما انتمى اولا الى احد الاديرة اللبنانية ثم بعد بضعة سنوات الى دير آخر وهو( يسوع الملك) والذي بقي فيه حتى الان .
ويتاح له فرصة للدراسة في جامعة الحضارة الاسلامية المفتوحة، في لبنان للحصول على الماجستير او الدكتوراه ؟ اذ انه لم يضع امام اسمه في الكتب العديدة التي الفها سوى في البداية لقب الاب اي انه قس ، و كانت اطروحته بعنوان (المسيحيون في الدولة الاسلامية) ويبدو لي ان نصف هذا الكتاب الذي نحن بصدده مجتزأا من تلك الاطروحة .
الف الباحث القس او الراهب سهيل بطرس قاشا اكثر من خمسين كتابا كما نشر عشرات المقالات في مجلات مختلفة، كنا قد قرأنا له في مجلة عشتروت المتوقفة حاليا .
اما كتابه مسيحيو العراق ، فهو متميز في قسمه الاول عن المسيحيين في العصر العباسي ، وارجح انه مستل جزأا من اطروحته حول المسيحيين في زمن بني العباس .ولابد انه اعتمد في جزأ ه الثاني حول الشخصيات المسيحية التي ساهمت في بناء العراق الجديد المستقل على معاجم السير التي ذكرناها .

وفي هذا الصدد لابد ان نتذكر بعض من اولئك الشخصيات المسيحية اللتي ساهمت في بناء العراق  :
 من بينهم مثلا الكارينال جبرائيل تبوني من الموصل وهو اول كاردينال من المشرق له صوت في روما والذي سعى مع الاخرين في نيل العراق استقلاله المبكر . كذلك المنقب الاثاري الاول في البلاد العربية هرمز رسام الذي اكتشف  مكتبة الملك اشوربانيبال في قصره في نينوى وذلك في سنة 1853 . والاثاري فؤاد سفر الذي اكمل اكتشاف اثار مملكة حطرى ومعناها الرحى ، كما قرأ  83 من الكتابات الارامية وهي لغة الحضر وكان اكثر سكانها من النبطيين .خسر فؤاد سفرحياته من قبل سائق شاحنة احمق، حينما كان عائدا من احدى زياراته الرسمية لاطراف جلولاء في السبعينات من القرن الماضي . ورفائيل بطي اول وزير للاعلام في العراق عام 1951 . والعميد عبد المسيح وزير خريج الجامعة الامريكية الذي انكب على ترجمة جميع الرتب والصنوف العسكرية التي كانت باللغة التركية في البلاد العربية، مستعينا بالعلامة في اللغة العربية الاب انستاس الكرملي . وفعلا كان الجيش العراقي اول جيش عربي رتبه وصنوفه العسكرية عربية منذ عام (1921 )،اقتبستها الاقطار العربية منها بعد ذلك . ثم الاستاذ الدكتور متي عقراوي مؤسس وعميد جامعة بغداد في عام 1951 .وكذلك الدكتور الطبيب حنا خياط كان اول وزير للصحة وكذلك قام بتاسيس اول كلية للطب في البلاد العربية وقد اعترفت بها بريطانيا وغيرها بمستواها العلمي وحتى عام 2003 . وهناك عشرات غيرهم .

يبدو لي ان سهيل قاشا شخصية جدلية ، فهو احيانا لايضع اي لقب امام اسمه وان كان ذلك تواضعا فليست الالقاب الدينية الا القابا محترمة، لانها تعني في المسيحية خدمة الكنيسة او الدير والناس بدون مقابل .
ولدينا بعض الاضافات والملاحظات لاكمال جوانب تلك الشخصيات :

1- الاستاذ الدكتور بهنام ابو الصوف الذي ولد في عام 1931، قد توفي في عام 2014 في عمان . ومؤلفاته قليلة لاتعدو العشرين كتابا وليس 50 كتابا ،اذ كان رجلا عمليا يحب التنقيب على الاثار ،وفي الموصل شارك في جميع التنقيبات الاثارية في نينوى . ترك العراق على الارجح في عام 2009  واستقر في مدينة عمان وكان له موقعا الكترونيا متميزا بالمقالات عن تاريخ بلاد الرافدين وعن اثار العراق القديم ، كان صديقا عزيزا  كنت اطلب منه قراءة بعض مقالاتي في التاريخ القديم لابداء رأيه فيها قبل نشرها . كتب لي مقدمة كتابي (بغداد : مدينة السلام )باللغة الانكليزية عام 2002 .

2-المطران الدكتور يوسف توما مرقس : ولد في عام 1949 ، كاتب وباحث متميز،رآس تحرير مجلة (الفكر المسيحي ) منذ عام 2000 بعد وفاة الاب يوسف حبي ، يكتب عادة افتتاحية المجلة التي تشير الى اهمية القيم الاخلاقية والروحية، في كل عدد تقريبا من مجلة الفكر المسيحي . يحمل المطران يوسف شهادة الدكتوراه في علم الاجناس (الانثروبولوجيا) من جامعة باريس عام 1978. له بضعة مؤلفات . شارك في تاسيس كلية بابل الدينية في اربيل . اقام سنة 2006 اكاديمية بغداد للعلوم الانسانية الرقمية بين 2006-2012 . حاليا رئيس اساقفة كركوك والسليمانية .

3-الاب الباحث المتميز البير ابونا : اول عراقي او مشرقي يلتفت الى اهمية الاراميين الذين كان معهم قبائل كلدية هاجرت الى بابل اي الى جنوب العراق القديم في القرن العاشر قبل الميلاد ، حينما ترجم كتاب الاستاذ الفرنسي اندريه دوبونت-سومر عن الاراميين، في مجلة سومر البغدادية في عام  1963 . ثم تحدث عنهم  في كتابه المتميز( من الادب الارامي) واعتبر اصول المسيحية في العراق تمتد الى الاراميين والكلديين والاشوريين .  في عام 2005 ترك العمل كرئيس تحرير مجلة (بين النهرين) احدى ابرز المجلات الثقافية العراقية . وفي عام 2013 ترك العراق ليعيش في السويد، اطال الله في عمره . كان الكاتب يزوره بين الاعوام  2000-2004 ويستمع الى اراءه في تاريخ المسيحية .

4-الدكتورة اوديت بدران هي زميلة الكاتب عندما كان استاذا في الجامعة المستنصرية ، وهي من خيرة الاساتذة الذين ساهموا في خلق جيل واع لاهمية علم المكتبات والمعلومات في العراق . توفيت في السويد هذا العام 2015 ، رحمها الله.

5- الدكتور بهنام عبو عطالله
 الاستاذ في جامعة الموصل .كان رئيس تحرير مجلة (الابداع السرياني) في بخديدا بين الاعوام2000-2010 ، اضافة الى ذلك فهو شاعر رقيق .

6-المطران ادي شير
قتل من قبل الجندرمة الاتراك اثناء السوقيات في عام  1915 ،كما قتل مئات اخرين من المسيحيين، من غير الارمن .

المصدر

قاشا، سهيل . مسيحيو العراق . بيروت : دار الوراق ،2009 ، 446ص


11
الاشوريون : تاريخهم،وابرز انشطتهم المشرقية -المسيحية

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

مدخل
كتب الباحث العراقي الاخ موفق نيسكو بموقع كاردينيا في الشهر الماضي مقالا وافيا بحث فيه عن اصول الاشوريين وخلص الى ان اختلاطهم باقوام السوبارو كان كبيرا ومؤثرا والذين كانوا من اصول ميتانية على الارجح . وهو امر يحدث في حركة الاقوام التي عاشت في بلاد الرافدين . والمشكلة التي تواجه الباحثين اليوم، هي نشاط الاشوريين المسيحيين خاصة بين القرن الاول والقرن السابع للميلاد ، اي في العصر الفارسي-المسيحي ، ثم نشاطهم بين القرن السابع والقرن الرابع عشر للميلاد. وليسمح لي الاخ موفق نيسكوا ان اعرض وجهة نظري في هذا الموضوع الذي كثر فيه الجدل .
1- نبذة تاريخية عن الامبراطورية الاشورية
يرجع تاريخ بلاد آشور الى نهاية الالف الثالث ق.م.، وكان الكاهن الاشوري (زاريقوم) في مدينة آشور (قلعةشركاط حاليا)، معاصرا للملك السومري(برسين) من سلالة اور الثالثة في نهاية الالف الثالث قبل الميلاد.
 كانت اشور في اول امرها دويلة-مدينة تقتصر على مدينة اشور وماجاورها. الا ان الاشوريين برزوا في عهد الملك اشور-اوبالت(1363-1328ق.م.) الذي قاتل قبائل السوبارو الذين كانوا في شمال شرق بلاد الرافدين ، وهاجموا اشور ،حيث استطاع ان يطردهم من شمال اشور التي كانوا قد احتلوها . كما فرض اشور- اوبالت نفوذه على الميتانيين الذين كانوا قد غزوا بلاد اشور ايضا . وعقد معاهدة تحالف مع الملك البابلي (برنبورياش) .
بدأ التوسع الاشوري الكبير مع حكم الملك تكلات بليسر الاول (1112-1074ق.م.) الذي وسع المملكة الاشورية وجعلها امبراطورية ،كما وصلت جيوشه الى الخليج جنوبا والى البحرين الاسود شمالا والابيض المتوسط غربا.
وكان الملك اشورناصربال الثاني، قد قام بجلب الخشب من جبال امانوس في شمال كنعان (سوريا)، ليبني له عاصمة جديدة بدلا من مدينة اشور، وهي كالحو او كالخو  (نمرود) ، كما شيد له فيها قصرا تميز بالرسوم المحفورة على المرمر الابيض الموجود في شمال بلاد الرافدين والتي تمثل انتصاراته .
 كما قام الملك الاشوري شلمانصر الثالث (858-824 ق.م.) باثنين وثلاثين حملة منها لجباية الاتاوات من ممالك شمال كنعان ومدن فينيقيا واسرائيل واليهودية في فلسطين ، وكذلك قام بصد كثير من غزوات القبائل الارامية والكلدية عن بلاد اشور والتي انحدرت من براري كنعان، اذ وصلت هذه القبائل الى وسط وجنوب بابل، وخاصة حوض الفرات حتى الخليج الارثري . اضطر بعده الملك شمشي ادد الخامس ، بالتوقف عن مهاجمة الاراميين في بلاده سعيا  للمحافظة على النفوذ الاشوري في بلاد بيث-آرام (سوريا) من بينها مملكة دامشقي ومملكة صوبا ، وبعد وفاته، قامت زوجته شمورامات (سميرآميس) بالوصاية على العرش لان ابنهما  كان قاصرا . يرجح ان شمورامات من اصول آرامية، ونظرا لكونها  اول امرأة تحكم في العالم القديم ، فقد تناولها الاغريق برواية اسطورية رائعة،كما كتبت عنها بعد ذلك رواية ارمنية ،وربما ايضا رواية آرامية . وقد ارخ تلك الروايات  الرائعة في كتاب للمؤرخ العراقي المتميز سامي سعيد الاحمد (ت 2010 ) . واستمرت تحكم الامبراطورية الاشورية لمدة ثلاث او اربع سنوات، قبل تنصيب ابنها ادد نيراري الثالث ملكا (810-782 ق.م.) .
 لم يكن كلا من الملوك الاشوريين الذين تولوا العرش قادرين على المحافظة على الامبراطورية الاشورية ،حتى مجيىء تكلات بليسر الثالث (745-727 ق.م.) الذي استطاع ان يقمع التمردات في بلاد بيت-ارام وفي بلاد اليهودية وغيرها. وكذلك فعل سركون الثاني عندما تولى ادارة الامبراطورية الاشورية ،و تعزيز الحكم الاشوري في الممالك التابعة لها مثل بابل والممالك الارامية-الكلدية  في جنوب بابل ،كما قام ببناء عاصمة جديدة في عام 707ق.م. سماها دور-شاروكين، وتعني باللغة الاكدية-الاشورية ( مدينة سركون) ، لكنه مات بعد سنتين من بنائها وهو يحارب من اجل بقاء الامبراطورية الاشورية ،بعد ان سحق الجيش المصري في قرقر ،وهزم جيش اوراراتو في اقصى شمال بلاد اشور.
كانت الممالك والقبائل الارامية والكلدية في جنوب بابل،تتحين الفرص للاستيلاء على بابل . واستطاعت احدى الشخصيات الكلدية او الارامية من الاستيلاء على مدينة بابل، وهو مردوخ-ابلا-ادينا، لفترة اشهر، لكن الملك الاشوري سنحاريب (705-681 ) تصدى له وارغمه على الفرار . كان سنحاريب قد قرر نقل عاصمة الامبراطورية الاشورية من دور-شاروكين الى بلدة صغيرة اختارها و التي كانت تقع على الضفة اليسرى لنهر دجلة . كانت نينوى بلدة قائمة منذ منتصف الالف الثالث قبل الميلاد. وقام سنحاريب ببناء قصر ضخم له يرجح انه يتالف من ثلاثة طوابق، واقام حول مدينة نينوى سورا عاليا من الحجر والطابوق، له ثمانية بوابات ضخمة تحرسها الثيران المجنحة التي نحتت من الحجر الصلب ، وهي تمثل لدى الاشوريين مايشابه فكرة الملاك الحارس المسيحية اليوم .
بعد حين تجددت الثورة البابلية ضد الاشوريين ، فتقدم سنحاريب بسرعة واخمد الثورة ودمر مدينة بابل، لكن ابنه أسرحدون ،قام بعد ذلك باعادة بنائها في عام 680 ق,م. ،كما اعاد النفوذ الاشوري على ممالك بيت-آرام ووالمملكة اليهودية وصيدا ، ولاحق الجيش المصري حتى بلاده،واستولى على دلتا نهر النيل الخصيب وذلك في عام 675 ق.م. ثم عاد .
خلفه الملك العظيم آشوربانيبال (668-626 ق.م. الذي اعاد احتلال بلاد الهلال الخصيب وكذلك مصر . ووقع معهم اتفاقا بدفع له اتاوة سنوية حتى تبقى العلاقة حسنة بين اشور والبلاد الاخرى.
بعد وفاة اشوربانيبال، تحالف القائد الكلدي نابوبلاصر مع الاراميين و الميديين وغيرهم واستولى على بلاد بابل. وقام الميديون بالاستيلاء على مدينة اشور ونهبها وتخريبها، ثم قام جيش نابوبلاصر بالتوجه نحو العاصمة نينوى والاستيلاء عليها بعد حصار دام اربعة اشهر،وذلك في عام 612 ق.م.(1)

2- الاشوريون والمسيحية :
كان الاشوريون، في العصر المسيحي-الفرثي بين القرن الاول وعام 224 ،قد تشتتوا في شمال بلاد الرافدين، وخاصة في ولاية حذياب (اديابينة)،ومنهم من هاجر الى ابعد من ذلك فوصل الى منطقة حكاري . بعد مرور اكثر من 621 سنة على سقوط الدولة الاشورية . وكان بعضا منهم قد أعتنق المسيحية مثل كثير من الاراميين والكلديين في بلاد الرافدين ،وكانت لغتهمم جميعا ،  اللغة الارامية المحلية ، اي السريانية بلهجة مشرقية ، كما فعل بقية المسيحيين في العراق القديم اللذين تبنوا اللغة السريانية احدى فروع اللغة الارامية: لغة يسوع المسيح .
كتب احد اشهر الباحثين في التاريخ القديم الاستاذ هاري ساكز في كتابه عظمة آشور : “انه عندما انهارت بلاد اشور في بداية القرن السابع قبل الميلاد، اخذت بابل مكانها كمركز لامبراطورية عالمية ، ومن ثم اصبحت تحت الاحتلال الفارسي بعد عام 539 ق.م.ثم جاء الاغريق بعد ذلك في عام 331 ق.م.  . اذ نجد ان المعابد والقصور الاشورية الرئيسة بفخامتها الاصلية،لم تستمر طويلا بعد بداية الاحتلال الاغريقي لبلاد الرافدين،على الرغم من ان الاسكندر الكبير  قد امر بتعمير مدينة نينوى ،حينما كان يطارد ملك الفرس في عام 331 ق.م. . وبعد 37 قرنا من سقوط المدينة العظيمة  نينوى ،حدثت تغييرات كثيرة، وتنصر معظم سكان العراق ذوي الاصول الارامية ،اما الاشوريون حول بحيرة وان ، فقد تحول كثيرا منهم الى المسيحيية ، على الارجح بتاثير المملكة الارمنية التي كانت من الدول القوية بعد عام 312 للميلاد . وهكذا فان المسيحيين ومعهم الجماعات اليهودية المنتشرة بينهم، لم يحتفظوا بذكرى مواقع اسلافهم الاشوريين  فحسب ،لكنهم ايضا ادمجوها مع التقاليدالماخوذة من الكتاب المقدس . في الواقع ان الكتاب المقدس كا ن عاملا قويا جدا في الحفاظ على ذكرى بلاد اشور وبشكل خاص نينوى ، فمثلا كانت هنالك رابية مقدسة، وقد شخص المسيحيون واليهود موقعها ،باعتباره المكان الذي كان يعظ فيه يونان النبي اهل نينوى لضلالتهم، وقد بنيت فوق ذلك المكان ديرا او كنيسة . وعندما استولى المسلمون على بلاد الرافدين في بداية القرن السابع للميلاد ، اخذوا نفس التقاليد المحلية الخاصة بالمسيحيين واليهود ، واقاموا  بدلا من الكنيسة جامعا.” (2)  وكان في  ذلك الموقع قد بنيت حول الكنيسة وفي اسفل الرابية قرية نينوى، ضمن مدينة ناو-اردشير التي انشأها الفرس،بعد ان اضافوا اليها قرية حصنا عبرايا على دجلة . (في منتصف القرن السابع سمى العرب مدينة ناو-اردشير بالموصل ) .
كان المسيحيون في العصر الفارسي-المسيحي بين القرن الاول والقرن السابع للميلاد بالتعاون مع المسيحيين في سوريا وفلسطين قد سعوا من خلال استيعابهم المنطق الارسطي واطلاعهم على مفاهيم وعلوم الحضارة الاغريقية ، استطاعوا خلال القرون الستة الاولى للميلاد ان يبنوا ملامح حضارة جديدة تختلف كليا عنما تبقى من الحضارة الفارسية في العراق القديم ، فاقاموا مدارس عدة في العراق بلغت 30 مدرسة اولية ومدرسة عالية في نصيبين، كما انهم استفادوا من مدرسة الفرس التي اقيمت في منطقة ميشان ذات الاصول واللغة الارامية ،والتي كان يدرس فيها بعض العلماء المسيحيون بالاضافة الى الفرس وغيرهم .
 وبعد سقوط نصيبين في يدي الفرس ازداد عدد المدارس في الاديرة ، كمابرزت من بينها مدرسة عالية او اكاديمية باسم مدرسة نصيبين الثانية في مدينة نصيبين بين485-550 م التي صارت جزءا من العراق القديم منذ عام 363م، التي كانت لها نظاما عمليا ونظريا يشبه كلياتنا الجامعة فيها حوالي 700 من الطلبة . وكانت تدرس الديانة  والطب واللغة السريانية وآدابها . وكان كثير من الطلاب يسكنون في قسم داخلي ويعملون في زراعة الحقل التابع لها ، في العطلة السنوية مقابل طعامهم  . وكان عميدها من اشهر الاساتذة المسيحيين وهو الباحث و الشاعر نرساي . اذ كان قد ادار مدرسة الفرس في الرها بعد وفاة العلامة افرام سويرس الملقب بالسرياني، ثم هرب نرساي خشية اضطهاده من السوريين لانه مال الى ما يسمى  بالنسطورية . وهي ابرز مشكلة كانت تواجه المسيحية في العراق : اذ ان الرومان والمونوفوزيين، اطلقوا على جميع المسيحيين بانهم من اتباع الفكر النسطوري في حين انهم لم يكونوا كذلك وهي صفة لقسم منهم لاكلهم ، ذاعت هذه الصفة في سوريا ،فادار المسيحيون هناك ظهورهم لاخوتهم،  في حين كان المسيحيون في العراق الفارسي، يعانون من اضطهاد مستمر من قبل الفرس ،التي كانت ذروتها اعدام مايقرب من 16 الف  مسيحي ومعهم روؤساء الكهنة في العراق الفارسي وذلك خلال القرن الرابع للميلاد ومعظمهم اعدموا في منطقة ميشان الارامية في جنوب غربي ايران .
اما في العصر الحديث وبناء على ذلك  فان كثير من المسيحيين رحلوا بعيدا ، وتوزعوا في قرى وبلدات سهل نينوى واقصى شمال العراق، ووصل بعضهم الى منطقة آمد (طور عابدين)، والبعض الاخر وصل الى منطقة حكاري . وفي العامين 1924- 1925 ،عاد كثيرا  من الاشوريين الى قراهم في شمال العراق مثل قوجانس التي كان فيها كرسي الابرشية الاشورية، وكذلك برواري بالا والعمادية وشرانش وغيرها . وفي عام 1933 ،طالب الاشوريين بمنطقة آمنة لهم، فهاجمهم الجيش العراقي وقتل منهم الكثيرين بما سمي (مذبحة سميل) وهاجر على اثرها كثيرا منهم الى سوريا وامريكا وغيرهما (3) .
وحديثا بعد ان اضطرب شمل العراقيين، بعد الاحتلال الامريكي للعراق ، ارى ان جميع الطوائف المسيحية  قد تخلت عن اعتبار طائفتها هي الصحيحة ، وخاصة بعض رجال الدين ،ويبدوا انهم اخيرا قد ارعووا بعد ان تشتتوا .




اهم المصادر
1- عبودي،هنري(محرر) . معجم الحضارات السامية .طرابلس،ط2، 1991 . ص91-98
2- ساكز،هاري . قوة او عظمة اشور، ترجمة عامر سليمان. بغداد: المجمع العلمي، 1999 ص 408-410
3- شبيرا،ابرم . الاشوريون في الفكر العراقي المعاصر.بيروت، دار الساقي، 2001 ص88-91



12
 
ديلمون : جنة العراق القديم

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

 ديلمون او تلمون ، اسم رافديني قديم يعود الى النصف الثاني من الالف الثالث قبل الميلاد،  تبدل في القرن العاشر ق.م.  الى تايلوس ، عندما استولى عليها الفينيقيون ، التي يرجح انها كانت ارضا متصلة بخليج بلاد الرافدين المسمى انذاك بالبحر الاسفل او البحر الكلدي . اما الارض الاخرى المتصلة بديلمون فقد سماها اهلها بعد ذلك ( اكاروا) وهي جزيرة ايكاروس التي سماها الاغريق عندما عادوا بعد استيلائهم على افغانستان والهند بالاضافة الى ايران في القرن الرابع ق.م. .(لاحظ التشابه بين اسم الجزيرة   القديم واسمها الاغريقي) ، وحاليا تسمى  فيلكة ، كما كانت تتصل بديلمون جزية تاروت في القطيف .
  ديلمون ارضا تابعة لبلاد سومر منذ القرن23 ق.م.  حينما استولى عليها سركون الاكدي (حوالي 2334-2279 ق.م.) . يبدو انها اصبحت بلدا تتجمع فيه تجارة الخليج وعمان التي كانت تسمة في العصور القديمة ملوخا ، والهند (ماكان)، تلك التجارة التي كانت تتوجه الى وسط و شمال شرقي بلاد الرافدين وحتى البحر الاعلى ،اي المتوسط .
في الاسطر الاخيرة من اسطورة الطوفان الرافدينية، والتي تشير الى ان زيوسودرا اي نوح قد انتقل الى دلمون اثناء الطوفان  والتي وصفت بالمكان الذي تشرق الشمس منه . كما ان الباحث المتميز صموئيل نوح كريمر يؤكد انها ايضا ذات صلة بملحمة انكي وننخورساك، فان ديلمون هي جنة عدن . و التي تؤكد ان سفن او قوارب دلمون كانت تلقي مراسيها قرب العاصمة  اكد في وسط العراق القديم . كذلك تذكر في افتتاحية ملحمة (اينكي و ننخورساك )،توصف ديلمون بالارض المقدسة، أو العذراء، أو النقية . ولكن دون ذكر لمدنيتها . وبطلب من نينسكالا ابنة الالهة ننخورساك ،فان الاله انكي كان يوفر الى ديلمون المياه النقية مع انتاج وفير من المحاصيل . وبعد ذلك يجري اتحادا من غير زواج بين مجموعة من الالهة والالهات،ومن بينهم يولد (رب ديلمون) ورب ماكان .
وهكذا ادرك السومريون 3500-2000 قبل الميلاد ، اصحاب الحضارة الاولى في العالم ، ماحولهم من مدن ونشاط انساني حتى وصلوا غربا الى شمال بلاد كنعان (سوريا) واقاموا لهم بلدة تابعة الى حضارة اوروك تدعى اليوم اثارها (حبوبا كبيرا) .
 وقبل الاستيلاء على ديلمون من قبل الاكديين ، كانت بالنسبة الى السومريين: الجنة . وهذا واضح في اسطورة انكي وننخرساك التي تقول :
الارض (ديلمون) هي الموطن الطاهر ،
تلك الارض هي المكان النظيف ،
تلك الارض المشرقة ،
هو ذلك (الاله) الذي اضطجع فيها مع زوجته .
ذلك المكان النظيف والمشرق ،
في ديلمون لا ينعق الغراب الاسود ،
والحدأة لاتصرخ بصيحاتها ،
والاسد لا يفتك فيها،
والذئب لايفترس الحمل ،
والامرأة العجوز لا تشكو من الشيخوخة ،
والرجل الشيخ لا يتبرم من كبر سنه . (الاساطير السومرية تاليف صموئيل نوح كريمر وترجمة يوسف داود عبد القادر ص85

ان التنقيبات الحديثة في ارض ديلمون (البحرين)  تشير الى عدد من الجزر الواطئة التي كانت في الخليج، قد تكون تدريجيا قد بدآت المياه في الخليج تنسحب عنها،فبدأت تظهر في الالف الثاني قبل الميلاد . وبحسب ملحمة كلكامش التي كتبها سين ليقي اونيني في القرن الثاني عشر ق.م. فانه ومن خلال حديث بين الالهة وبين زيوسودرا (نوح الرافديني) ،فانهم يشيرون الى زيوسودرا ان يذهب الى ديلمون ليخلص نفسه حيث ارض الامان . وكان من اهم الالهة في ديلمون هما الاله اينزاك والالهة ميسلاك ، وكذلك  نجد الالهة شاربانيتو الديلمونية .اما نين-ديلمون اي سيدة ديلمون، فمن المحتمل انها وصفا اخرا لنفس الالهة . ووجد ايضا الهة تدعى لخامون، وصفت بانها شاربانيتو الديلمونية .وهناك الهة رافدينية وجدت اسمها في احد معابد ديلمون . وقد انقطعت العلاقة بين اور التي كانت اقرب الدويلات السومرية عن ديلمون، وذلك بعد سقوط السلالة الثالثة في اور. اما اهم الهة ديلمون ،فكانت اينزاك .
 ويبدو ان العلاقات التجارية ضعفت في العصر البابلي القديم ، ولم يستعاد اسمها في التراث الرافديني الا في  مملكة ارض البحر حينما استولت على ديلمون القبائل الكلدية-الارامية التي هاجرت من بيث-ارام الى بلاد بابل بين القرن الثالث عشر ق.م. والقرن العاشر ق.م. وسكنت حول الخليج الذي سمي اولا باسمهم اي الخليج الكلدي ، وهكذا عادت التجارة والعلاقات بينهما . (1) وهناك مراسلات وجدت بالاكدية في مكتبة مدينة تشير الى استيلاء الكلديين على ديلمون عندما اقاموا لهم بلدة في ديلمون اسموها كايلوس بينما سكان ديلمون اسموهم بالجرهانيين ، وجرهاء كانت احدى المدن التي انشأها على الارجح الاراميين في شمال الجزيرة العربية ، مما يؤكد ان الكلديين سكنوا اولا في جنوب بلاد كنعان ثم هاجروا مع الاراميين الى بلاد بابل .
 توصف ديلمون في التراث السومري ، بانها تلك الارض الخصبة التي لايعرف اهلها المرض والعوز ،ولا تنعق فيها الغربان ! .
 ان اشهر من نقب في اثار حضارة ديلمون، الدينماركي جيفري بيبي في عام 1954 ، وقد نشر نتائج ابحاثه في كتاب (البحث عن ديلمون ) الذي ترجم الى العربية على قرأته في نهاية الثمانينات من القرن الماضي .
 وجد في اثار البحرين شواهد قاطعة على بقايا قرى عامرة ومعابد كبيرة مشابهة للطراز السومري  ، وكذلك اسلوب استخدام الاختام الاسطوانية السومرية عند التجار،بالاضافة الى ان سفن ديلمون تلقي مراسيها في مدينة اكد عاصمة بلاد الرافدين ، قادمة من ماكان وملوخا في اطراف الهند وذلك منذ عهد الملك سركون الاكدي ، بعد منتصف الالف الثاني قبل الميلاد، استنادا للوثائق المتبادلة بين الاكديين والالديلمونيين،التي لاتترك مجالا للشك بتاثير الحضارة السومرية التي سادت في جنوب العراق القديم ، والتي ازدهرت في عهد سلالة اور الثالثة ايضا . ويبدو ان نفوذ الملك الاشوري توكلتي ننورتا قد وصل ايضا الى ديلمون ،اذ ورد في نص عن القابه تعبير : ملك  ديلمون وملوخا ايضا .
 يضم اثار ديلمون كلا من متحف البحرين ومتحف موسكارت في الدينمارك من بينها عشرات الرقم الطينية ومئات الاختام الاسطوانية مستخدمة اللغة والكتابة السومرية وكذلك الرقم الطينية للكتابة ، كما هو الحال في بلاد الرافدين اي العراق القديم .(2)


 اهم المصادر
1- J . Black and A. Green. Gods,Demons,Symbols of Ancient Mesopotamia: London ,2008 :P.66


13
  22 -  البابا يوحنا بولس الثاني  (ت 2013)
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

 عرف البابا يوحنا بولس الثاني  الكبير،رئيس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في العالم (يتبعه اكثر من مليار و200 مليون نسمه) ،  برجاحة عقله ، ونشاطه في سبيل الوحدة المسيحية والسلام في العالم . حيث مد يد التحاور مع الاديان السماوية الاخرى (اليهودية والاسلام) ، ومنذ الستينات من الالفية السابقة، أنطلقت مؤتمرات عدة للتوافق الفكري وتوثيق العلاقات الانسانية  بينها ، كما تقدم خطوة اخرى جريئة بالدعوة الى وحدة المذاهب المسيحية الصحيحة مادامت متحدة في جوهر المسيح : وهي الكاثوليكية والبروتستانتية والارثوذكسية ،وقام البابا الذي خلفه برعاية هذه الخطوة حتى نجحت .
هو البابا الرابع والستون بعد المئتين ، ولد في بولندا في18 مايس من عام 1920، وانخرط في سلك الكهنوت عام 1946 . لعب دورا في تعزيز الايمان المسيحي ضد الفكر الشيوعي في بولندا، في نفس الوقت كان قبل وفاته يندد بوحشية الرأسمالية  . كان البابا  يوحنا قارىء متميز: يجيد الالمانية والانكليزية والاسبانية،اضافة الى اللغتين البولندية والايطالية . حصل على شهادة الدكتوراه مرتين الاولى من المعهد البابوي في روما، والثانية من الجامعة الكاثوليكية في لوبلان .
وقد اهتم بالشخصيات المسيحية التي عانت او استشهدت في سبيل المسيحية،وكذلك الذين عرفوا بتقواهم وشفائهم للمرضى باسم الله ويسوع المسيح . وادخل اصلاحات اساسية في التقاليد المتعلقة بالبابا.كانت محور نقاشاته تقوم على طلب القداسة الكاملة .
 في يوم13 مايس من عام 1981 ،بينما كان البابا يوحنا يحيي المؤمنين  في ساحة الفاتيكان، تقدم نحوه شاب  تركي وهو يحيه،ثم مد يده واخرج من جيبه مسدسا واطلق  اربع رصاصات عليه فاصابته احداها  بطنه و امعائه، واخترقت الثانية صدره وكادت ان تصل الى قلبه، فوقع مغشيا عليه وهو يتضرج بدمائه .
القي  القبض على الجاني التركي واسمه محمد علي اكجا او اغا ، وجرت محاكمته في روما وحكم عليه  بالسجن مدى الحياة . وقد أفاد اكجا حينما حوكم، بان النظام الايراني هو الذي حرضه على قتل البابا ،وانه اذا ماحكم عليه بالاعدام ومات ،فانه بذلك سيذهب الى الجنة حتما !؟، لكنه لم يكن صادقا . ويذكر ان المجرم  محمد علي  كان قاتلا محترفا من منظمة الذئاب الرمادية الفاشية التركية . وكان قد اطلق النار على صحفي يساري في اصطنبول، وحكم بالسجن لمدة عشر سنوات .
 وقد اتضح بعد حين انه قد اتصل به احد عملاء الاستخبارات السوفيتية في بلغاريايعرفه، وهو في السجن، وطلب منه ان يغتال البابا يوحنا مقابل مليون دولار ، بالاضافة الى تهريبه من السجن،بعد رشوة الشرطة التي تحرسه، كما سيحصل على جواز سفر مزور يتيح له السفر اينما يشاء ، وكانت المخابرات البلغارية قد اختارته لقتل البابا المعارض للفكر الالحادي الذي كان يدرس في الجامعات في شرق اوربا، بالاضافة الى كون الكنيسة الكاثوليكية في بولندا كانت على خلاف مع الاوساط الشيوعية الحاكمة في بولندة . وفعلا تم تهريبه ورافقه البلغاري الذي يعرفه ، كان الضحية الاولى المطلوب قتلها هو كاردينال بولندا (وبزينسكي) فتم ضربه حتى الموت في بيته في بولندا ،ثم سافر القاتل اكجا الى روما لانجاز مهمته، بعد ان تسلم الجزأ الاول من الدولارات الموعود بها من احد البنوك .
 قضى البابا مدة طويلة بعد عدة عمليات جراحية لانقاذ حياته ، وعانى طويلا حتى شفي ،ومع ذلك طلب البابا  من المحكمة الايطالية في  عام في  2010 ، ان تعفو عنه، لانه عفى عنه معتبرا انه شاب قد غرر به ولم يدرك ماذا  فعل . وذكر ان محمد اكجا بعد ان سمع  تصريح البابا بالعفو عنه،قد قال بانه ربما سيتحول الى  الديانة المسيحية، فقامت ضجة في بعض الصحف التركية ، عقب اطلاق سراحه ، لكن ذلك كان ذرا للعيون، اذ عرف عنه اثناء سجنه انه مصاب بالشيزوفرينيا ،اي بانفصام الشخصية.
ومما يذكر ان محاولة اخرى كانت قد جرت لقتل البابا يوحنا من قبل قسيس مخبول عندما كان البابا يوحنا يزور البرتغال، بعد سنة تقريبا من المحاولة الاولى . وبعد عشر سنوات جرت محاولة ثالثة لقتل البابا نفسه في الفليبين، من قبل شخص ينتمي الى منظمة القاعدة الارهابية، الذي القي القبض عليه قبل شروعه في تنفيذ الجريمة .
كان البابا يوحنا قد صلى على احدى الراهبات المريضات والمصابة بمرض في المخ و التي لايرجى شفائها،فاستجاب الله لصلاته وشفيت قبيل وفاته . وخلال سنتين كانت لجنة خاصة تتابع حادثة شفاءه العجيب لتلك الراهبة، من خلال التقارير الطبية المتوفرة ،والتي اقرت صدق الحادثة  بالاضافة الى اعماله الجليلة ، فشرعت اللجنة منذ بداية عام 2014، دراسة مسألة  تطويبه ، فتقرر اخيرا تطويب البابا باعتباره قديسا ، وخصوصا كان قبل ذلك قد شفى طفلا  مصاب بالسرطان  بعد ان صلى عليه، في الاحتفال الذي جرى قبل بضعة اشهر اي في 26-4-2014 . و ذكرت اللجنة ان  الراهبة التي كانت مريضة في المخ ،والتي شفيت ،كانت قدحضرت احتفال  تطويبه .
يعتبر القديس  البابا يوحنا بولس الثاني الكبير ،احد الشخصيات العالمية البارزة ، لجهوده في تقارب الاديان وفي تلاحم المسيحيين من المذاهب الثلاث الرئيسية الصحيحة التي اشرنا اليها، ولدعمه ازدهار المسيحية في بولندا بعد تخلصها من النظام الشيوعي ،ولجهوده في السلام العالمي : فقد كان من اشد المعارضين للتفرقة العنصرية ،وايد بقوة اتحاد اوربا ،كما عارض قصف ومحاصرة  العراق من قبل امريكا  في عام 1991  . كما عارض أيضا بوضوح احتلال وتدمير العراق في عام 2003 ، وكان في حينها قد ارسل مبعوثا خاصا لهذا الغرض. لقبته الاوساط الفكرية بالكبير، لنشاطه الانساني والفكري المتعدد . توفي البابا يوحنا بولس الثاني الكبير في 2 نيسان من عام 2005 .
 
مؤلفاته ونشاطه الفكري:
يعد البابا يوحنا بولس،اكثر البابوات ال65 حتى الان خصبا في مجال التاليف والبحث والنتاج الفكري ،وربما هو اول بابا ينظم الشعر ايضا . صدرت له 29 كتابا خلال الخمسة والعشرين سنة كرئيس للكاثوليكيين في اكثر من 15 دولة مسيحية : منها 20  مؤلفا ثقافيا دينيا، وديوانين من الشعر الديني، والبقية كتب تتضمن خطبه ورسائله وكلماته في المناسبات الكبيرة ،وصلواته الخاصة التي كتبها بنفسه . ويذكر ان مؤلفاته موجودة كلها باللغة الانكليزية، وبعضها بلغات اخرى،وقد ذكرنا انه يجيد ثمانية لغات منها الانكليزية والالمانية والروسية والاسبانية . ومن مؤلفاته المشهورة : 1- عبر خيوط الامل. 2- محبة ومسئولية . 3-  الرجل والمرأة خلقهما الله معا .4- رسالة موسوعية : حول العلاقة بين الايمان والعقل . 5- قم: دعنا نمشي في طريقنا . 6- روعة الحقيقة . 7- لاهوت الجسد، أو حب الانسان في خطة المعبود .8- ذاكرة وهوية :مناقشات في فجر الالفية الثانية ، واشهر مؤلفاته هو الكتاب الذي يضم مجموعة محاضراته وخطبه تحت عنوان (لاهوت الحياة) .
ومن ابرز اقواله :
1- ان الموهبة الفنية : هي عطاء من الله ،ومن يكتشفها في داخله، فعليه واجب معين وهو معرفة ان تلك الموهبة ينبغي الا تهمل بل ان تنموا وتتطور .
2- ان المستقبل يبدأ من اليوم لامن الغد .
3- ايها الانسان : انك في الحقيقة تبحث عن المسيح،حينما تحلم بالسعادة .
4-  قال مخاطبا العلماء : اجعلوا حياة الناس افضل، ولاتصنعوا شيئا يزيد من  الامه .
5- ابحثوا عن ثقافة تقلل الام الناس في العالم .
6- قال عن مريم العذراء :
ايتها الام المقدسة ساعدي المسيحيين ،نلتجأ اليك في شدائدنا ،باعين الحب وبايدي مبسوطة ،وبقلوب متشوقة ، نفتح قلوبنا واسعة، لاستقبال ملك السلام .

اهم المصادر

1- الموسوعة الكاثوليكية .
2-البابا جون(يوحنا) بول الثاتي: ويكبيديا بالانكليزية


14
المنبر الحر / مذبحة الارمن
« في: 15:26 25/04/2015  »
مذبحة الارمن
                           
الاستاذ  فؤاد يوسف قزانجي


في الحقيقة ان محرقة اليهود او الهولوكوست ومقتل بضعة ملايين من اليهود في المانيا وبلدان شرق اوربا، في الاعوام 1934-1944 قد احزنت العالم  واحدثت هزة في الضمير العالمي، وعلى اثرها قامت اوربا في منظمة الامم المتحدة بتحريم عمليات الابادة الجماعية ومحاسبة مرتكبيها ،ولكن ياترى اين كانت اوربا عند ارتكاب مذبحة الارمن التي جرت امام عينيها؟ حيث تم قتل  مليون ونصف المليون من الارمن وغيرهم من المسيحيين خلال الاعوام 1915-1918 الذين كانوا مواطنين  يعيشون في تركيا، من قبل الجيش والجندرمة الاتراك . كما تم طرد عبر حدود تركيا مايزيد على  نصف مليون ارمني وسرياني وآشوري الى الحدود العراقية والسورية والايرانية ،مات منهم كثيرا من الاطفال وكبار السن  في الطريق ، عدا مئات الالاف الذين هربوا الى ارمينيا .
 وقدسجلت المذبحة رسميا في تركيا ( على شكل ترحيل او ما يسمى بالسوقيات) في الجريدة الرسمية التركية (تقويم وقائع) بتاريخ 27-5-1915 .كذلك  استولت السلطات التركية على اكثر من  ربع مليون دار سكن والاف من ا لاراضي الزراعية، وكذلك اكثر من 500 كنيسة وديرا مسيحيا ،  بعد ان سلبت وخربت محتوياتها ثم استخدمتها كمخازن للجيش التركي، كما ان بعضها احرقت  والبعض الاخر استخدمت كجوامع ! منها اعظم كنيسة في العالم وهي كنيسة هاكيا صوفيا التي افرج عنها الاتراك خجلا في عام 1935 .
وتكتب موسوعة ويكبيديا في هذا الموضوع : “ ان مذبحة الارمن تشير الى القتل المتعمد والمنهجي للسكان  من اصل ارمني، وذلك خلال وبعد الحرب العالمية الاولى 1914-1918 ،وقد تم تنفيذ ذلك من خلال المجازر وعمليات الترحيل القسري ...ويقدر عدد الضحايا من الارمن خاصة وغيرهم من المسيحيين ، مابين مليون نسمة ومليون ونصف نسمة، وهي السياسة التي انتهجتها الامبراطورية العثمانية ضد الطوائف المسيحية وخاصة الارمن في تلك الفترة .”
وبعد 70 سنة على حدوث هذه المذبحة ،تحركت اخيرا الامم المتحدة، فاصدرت قرارا يعتبر مذبحة الارمن من عمليات الابادة الجماعية وذلك في 2 تموز من عام 1985 . لكن مع الاسف قامت الحكومة التركية حديثا و في عام 2005 باصدار قانون يحرم ذكر مذبحة الارمن من قبل مواطنيها، وانها مجرد طرد . بينما كان قد وصف الرئيس التركي  كمال اتاتورك تلك المجزرة “ بأنها عملا مخزيا” . وفي هذه الفترة من شهر نيسان 2015  اعترفت كلا من اوروكواي وسويسرا بالابادة الجماعية الارمنية وكذلك المانيا على لسان رئيس جمهوريتها، كما وافق جلس النواب النمساوي على اعتبارها ابادة بحق الارمن وغيرهم من المسيحيين . 
على اثر قانون الصمت عن مذبحة الارمن التركية ،تحرك البرلمان الاوربي بمساعي  من فرنسا، فجاء تقرير لجنة الشعوب الخارجية في البرلمان الاوربي في 3 ايلول من عام 2006 ، دعوة الى السلطات التركية للاعتراف بالابادة الجماعية للارمن والمسيحيين الاخرين، ان ارادت تركيا  ان تنضم الى مجموعة الدول الاوربية .
ويذكر ان هناك حوالي اربعين دولة في العالم تعترف بحدوث اول ابادة بشرية في القرن العشرين وهي مذبحة الارمن  في تركيا من بينها : فرنسا وروسيا وايطاليا وكذلك حاضرة الفاتيكان ومجلس الكنائس العالمي  اللذين اقروا حدوث مثل هذه المذبحة المريعة بشكل رسمي، وحرموا  انكارها من قبل مواطنيهم، كما اعترف بها ايضا كلا من اسبانيا وليتوانيا ولبنان وبلجيكا وقبرص وهولندا وسلوفاكيا والسويد وسويسرا  واستراليا  وبولندا. 
 يذكر الاديب التركي الارمني الاصل اورهان ياموك الفائز بجائزة نوبل للاداب عام 2006 ،انه قد القي القبض عليه لانه طالب بذكر المجزرة ، قامت الجندرمة باحراق مكتبته،ولم يخلى سبيله الا عندما طلبت منه السويد الحضور لاستلام الجائزة .
ومن الملفت للنظر ان اسرائيل  لم تعترف بالمذبحة حتى الان، ربما لعلاقتها الطيبة مع تركيا .
ومن الجدير بالذكر ان الارمن كانوا من الاقوام السباقة للاهتداء بالمسيحية،وذلك منذ الربع الاول من القرن الرابع للميلادوالارجح في عام 310 للميلاد ،وكانوا امة شجاعة وقوية، فقد وصلت جيوشهم الى شمال شرقي العراق في العصر الفرثي ،  كما احتلت شمال سوريا بين الاعوام 83-85 للميلاد.
  وهكذا يحزن المسيحيون الشرقيون اينما كانوا، وكل من له ضمير في العالم، في ذكرى الابادة الجماعية للارمن في تركيا،التي تصادف يوم 24 نيسان من كل عام  . اعقب ذلك طرد مئات من العائلات المسيحية من غير الارمن من بيوتهم في مدن جنوب  شرقي تركيا ، حيث وصل قسما منهم الى مدينة سنجار العراقية بعد ان قامت تركيا بطردهم من منازلهم قسرا وبعد قتل رب العائلة منهم بدم بارد وحسب الاوامر  ، وقد استقبلهم اليزيديون في سنجار وقدموا لهم الطعام بعد ان كانوا في الرمق الاخير، هم  ومن تبقى من اطفالهم بين الاعوام 1917 -1918 ، وبنيت بعد اعوام اول كنيسة في سنجار  لهؤلاء المسيحيين .
 وقد اعلنت  مكتبة الفاتيكان في بداية شهر كانون الثاني من هذا العام (2015 )،  بان لديها نصوص شهادات مرعبة مخطوطة، تعود الى الاعوام التي تلت مجزرة الارمن وغيرهم من المسيحيين . وسيتم نشرها في كتاب خلال معرض (لوكس أركانا) الذي سيقام في المكتبة خلال الذكرى المائة للمجزرة في 27 نيسان  القادم . وقد افاد محرر (محقق) المخطوطة الاب سيرجيو  باكوفو ، انها تتحدث بالتفصيل عما فعله الجنود الاتراك بالعائلات الارمنية وغيرهم من المسيحيين، من بينها، ذبح النساء الارمنيات وبقر بطونهم لمعرفة جنس الجنين، كرهان بين الجنود العثمانيين . (موقع الفاتيكان ) .
وقد علق الروائي التركي اورهان ياموك في مقابلة ادبية في القاهرة بتاريخ 14-2-2015  “ ان تاريخ الابداع الادبي، انما يرتبط بقيود، تمنح الكاتب فرصا للبحث عن صيغ فنية متنوعة للهروب من الرقابة “ ويقصد الرقابة التركية على كتابات المسيحيين .
وبمناسبة مرور مائة سنة على بدأ مذبحة الارمن ، قام وفد من المطارنة الارمن بزيارة البابا فرانسيس في حاضرة الفاتيكان،وطلبوا ان يتذكر العالم تلك الفاجعة المروعة، وان يصلي المؤمنون من اجل ارواح لأكثر من مليون انسان الذين قتلوا في تركيا . فصلى معهم وتذكر معهم المطارنة الايطاليين الذين قتلوا على يدي العثمانيين وعددهم 800 مطران واسقف . واخيرا وليس آخرا ايد البرلمان الاوربي، هذا الشهر، باغلبية ساحقة القرار الذي صدر حاليا في 15-4-2015 والذي يقر بالاحداث المأساوية التي وقعت في الفترة 1915_1917 ضد الارمن في اراضي تركيا العثمانية،وانها تمثل ابادة جماعية. اعقب ذلك اعتراف مجلس النواب النمساوي بالمذبحة  وكذلك اعلنت المانيا اعترافها على لسان رئيس جمهوريتها في يوم 24 الجاري . ويذكر انه قتل بالاضافة الى الارمن عددا كبيرا من المسيحيين اليونانيين والسريان والاشوريين وغيرهم .



15
احياء مكتبة اشوربانيبال
                                       
أستاذ فؤاد يوسف قزانجي 
مدخل
مكتبة اشوربانيبال او مكتبة نينوى او المكتبة الملكية، تعد من اهم المكتبات في الحضارات القديمة، لكونها اصبحت المكتبة القومية للعراق القديم في القرن السابع قبل الميلاد. اقامها الملك اشوربانيبال(669-626 ق.م.) في مدينة نينوى عاصمة الامبراطورية الاشورية الاخيرة التي امتدت من شمال مصر وفلسطين وسوريا وحتى بلاد الميديين في غرب العراق القديم. ويقدر عدد محتوياتها بحوالي مائة الف رقيم طيني،بالاضافة الى عدد  من المخطوطات الاشورية و الارامية وغيرها على لفائف البردي والرق. ترجع اهميتها الى ان الاشوريين بدأوا بكتابة التاريخ على شكل حوليات تعود لعهود بعض من ملوكهم البارزين،وقد اتضح من خلال الدراسات الاثارية ان معظم ما سجل في هذه الحوليات كان صحيحا. اول دراسة عن هذه المكتبة باللغة العربية كتبها الباحث الجليل كوركيس عواد في كتابه المتميز (خزائن الكتب القديمة في العراق) الذي صدر في عام 1948 .
كان رئيس البعثة البريطانية الاولى للتنقيب في (تل قوينجق) الذي تقع فيه بقايا مركز مدينة نينوى الاشورية،  هنري اوستن لايارد ،الذي اكتشف مجموعة من الاثار من بينها قصر ومكتبة سنحاريب، وفي عام 1852 استقال ليارد من البعثة، ليلتحق بوزارة الخارجية. وكان القنصل البريطاني هنري راولسون قد اصبح مسؤولا عن البعثة البريطانية،فعهد الى المنقب العراقي الاول هرمزد رسام بالاستمرار بالحفر في عام 1853 في تل قوينجق. وبعد جهود استمرت حتى نهاية ذلك العام ،اكتشف هرمزد رسام مكتبة اشوربانيبال ،لكن مع ذلك عزا المتحف البريطاني اكتشافها الى رئيسه السابق ليارد،مما دعاه الى الاحتجاج بعد عودته،ولكن بدون جدوى ،مما اضطره ان يقطع صلته بالمتحف البريطاني وينعزل في بيته. وقد كتب الاستاذان بينكوفسكي وميلارد حول هذا الاكتشاف قائلين :” لقد نقب رسام بجهد جهيد في الجهة الشمالية من (تل قوينجق)  وفي 20 من شهر كانون اول 1853 عثر رسام على لوح من الرخام الابيض منقوش  يظهر فيها  اشور بانيبال وهو يلاحق اسد ليصيده، ثم عثر على اكوام من الرقم الطينية تبين انها تعود الى مكتبة آشوربانيبال”. (1)
 واكثر من كتب عن هذه  المكتبة باللغة العربية، هو كاتب هذا الموضوع : وكان البحث الاول ضمن كتاب (المكتبات والصناعة المكتبية في العراق)1972  ، واقترح عليه  المؤرخ العراقي الدكتور سامي سعيد الاحمد ان يكتب عن المكتبة والمكتبات القديمة في بلاد الرافدين باللغة الانكليزية،وقد نشر المقال في مجلة الجمعية التاريخية في عام 1973 . وتم نشر مقال اخر  للتعريف بالمكتبة للاخوة العرب في (المجلة العربية للمعلومات) التابعة للمنظمة العربية للتربية والثقافة في عام 1978. ثم مرة ثالثة في دراسة نشرت في مجلة اداب المستنصرية (ع4، 1978 ) ومرة رابعة في كتاب (المكتبات في العراق منذ اقدم العصور حتى الوقت الحاضر)، والذي نشر في عام 2000 .
في عام 2001  قدم رئيس قسم الاثار والدراسات المسمارية الاستاذ علي الجبوري مع بعض اساتذة القسم التابع الى  كلية الاداب بجامعة الموصل، اقتراحا لاحياء مكتبة اشوربانيبال وبنائها من جديد،وقد تالفت لجنة رسمية لهذا الغرض بالاضافة الى  مدير المتحف العراقي وذلك في عام 2001، وقد اضيف  الكاتب الى اللجنة  بعد ذلك. ومساهمة من الكاتب  في هذا المجال،فقد كتب بحثا مطولا صار كتابا صغيرا عن اهمية مكتبة آشوربانيبال ودورها ومكانتها بين مكتبات العالم القديم في عام 2003، نشرته الموسوعة الثقافية في بغداد  (2) ،وتم فيه ايضا مقارنتها بمكتبة الاسكندرية ، كما ضمنه رأيه  الذي اقترح فيه ان تبنى المكتبة الجديدة بقرب موقع مدينة نينوى القديمة ، وان يكون شكلها الخارجي مشابها الى قصر آشوربانيبال ،كما  تصوره الباحثون البريطانيون  امثال لوفتس وراولسون وغيرهما، ورسم تخطيطاته في كتاب لايارد عن حفرياته في العراق .

 وقد عملت هذه  اللجنة التي تضم في معظمها  اساتذة قسم الاثار بدعم متواصل من رئاسة جامعة الموصل، بهمة عالية وحققت حلم العراقيين  في بناء المكتبة على الطراز الاشوري  بالاضافة الى معهد للدراسات الاشورية ، وكان قد توقف المشروع خلال العامين 2003-2005 ، لكن المشروع  استمر بعد ذلك لبناء  المكتبة والمعهد. اما بالنسبة الى معهد الدراسات الاشورية الملحق بالمكتبة فقد وافقت منظمة اليونسكو على قيامها بتوفير تجهيزاته التقنية والالكترونية ليكون مركزا وطنيا وعالميا لدراسة اللغتين  السومرية والاكدية وبضمنها اللغتين الاكدية -البابلية والاكدية-الاشورية وآدابها.
وقد صرح رئيس  قسم الاثار الدكتور علي ياسين الجبوري قائلا:” انه يتوقع ان يكتمل بناء المكتبة والمعهد في العامين2014-2015 ،وسيكون بينهما طريق يشبه شارع الموكب ، وتتالف بناية المكتبة من اربعة طوابق ،ويرى ان يخصص الطابق الارضي لخزن الكتب ،وان يخصص الطابق الاخر لعرض الكتب الجديدة .(*) واردف قائلا: وان مكتبة الاسكندرية تبرعت ب1000 كتاب باللغات المختلفة والمتعلقة ببلاد الرافدين القديمة (**)، كما تبرعت مكتبة الامارات العربية المتحدة باكثر من 1000 كتاب عن حضارات وادي الرافدين، لتكون نواة لمكتبة اشوربانيبال الجديدة. كما اشار الاستاذ الجبوري الى ان معمارية المكتبة بنيت على طراز البناء الاشوري.”(2) ويذكر ان تفاصيل معمارية مبنى المكتبة قد اتخذت شكلا يشبه القصور والقلاع الاشورية التي وجدت في صور جدارية منقوشة على رخام ابيض. كما استخدمت العلامات المسمارية لتزيين نوافذ المكتبة، كونها الكتابة الاولى التي ابتدعها الانسان في العراق القديم.
وهناك مشروع رقمي في المتحف البريطاني هو في مراحله الاخيرة  بتصوير وفهرسة مجموعات الرقم الطينية الاشورية التي عثر عليها في نينوى وتضم محتويات مكتبة اشوربانيبال، بالاضافة الى مجموعة مكتبة قصر سنحاريب التي تقدر بثلاثة الاف رقيم والتي عثر عليها هنري اوستن ليارد وقد اكمل حفرياته بعد ذلك مالاوان، وربما مجموعة اخرى اصغر حجما من معبد الاله نابو، قد تزيد في مجموعها على الثلاثين الف رقيم. بالاضافة الى ذلك هناك مشروع رقمي اخر مماثل ،في جامعة بيركلي الامريكية لتصوير وفهرسة جميع الرقم والممسلات والمناشير التاريخية الاشورية ، بما فيها عدد من  اللقى التي عثرت عليها بعثة الجامعة ، في الاعوام 2005-2007 . وهناك مشروع ثالث رقمي لتصوير وفهرسة الاثار الاشورية بما فيها من الرقم الطينية في جامعة بنسلفينيا الامريكية. ان هذه المشاريع الثلاث ستساهم في معرفة تاريخ بلاد اشور وحضارتها بالتفصيل،كما سيسهل عمليات البحث والتنقيب عن اثار اخرى اشورية جديدة، وخصوصا ان قسم الاثار في جامعة الموصل قد شرع بالتنقيب بحثا عن بقايا الرقم الطينية في مكتبة نينوى.

آشوربانيبال ومكتبته الملكية
كان آشوربانيبال (668-627 ق.م.)  آخر الملوك العظام في الامبراطورية الاشورية. امتدت هذه الامبراطورية منذ بداية القرن الثامن قبل الميلاد حتى بداية القرن السابع قبل الميلاد، لتشمل فلسطين والممالك الفينيقية وسوريا بما فيها من ممالك آرامية وخاصة ممالك بيث-بخياني وارام- دامشقي و حماث ، ثم بلاد الرافدين وكذلك  اورارتو (المرجح انها موطن قدماء الاقوام الارمنية) وعيلام، واضاف اليها آشوربانيبال مملكة مصر.
 كان اشوربانيبال ملكا مثقفا، فقد اتقن اللغتين السومرية والاكدية، كما كان يقرأ باهتمام نصوص الرقم الطينية المتعلقة بحضارتي سومر وبابل،على الارجح منذ ان صار وليا للعهد، وبدأ بتكوين مكتبة شخصية له منذ ان كان يعيش مع ابيه اسرحدون في قصر جده سنحاريب. ولما صار ملكا بنى له قصرا في شمال  نينوى، وخصص جناحا من قصره كمكتبة له وعمل بدأب على الاهتمام بها ومتابعة تكوينها وتنظيمها طيلة مدة حكمه الطويلة التي بلغت حوالي 42 عاما. ويرجح ان مكتبته احتوت مالايقل عن  مائة الف رقيم طيني بالاضافة الى عدد من المخطوطات الاشورية والارامية ، والمكتوبة على ورق البردي او الرق او القطع الشمعية. وكانت اللغة الارامية الى جانب اللغة الاكدية، قد بدات  بالانتشار في الهلال الخصيب منذ القرن الثامن قبل الميلاد. وبحسب ماذكر المتحف البريطاني على مدونته ان رقم  نينوى بلغ مجموعها 25047 رقيما وجزءا من الرقيم. وتوجد مجموعة اخرى من رقم نينوى كما نستنتج من كتابات كلا من الباحثين صامويل كريمر واندرو جورج، اذ هنالك رقم من المكتبة الملكية مالايقل عن 10000 رقيم محفوظة في متحف الاثار القديمة في اسطنبول،من مجموع 75000 رقيم والتي حصل عليها العثمانيين الاتراك حينما كانوا يحتلون العراق حتى عام 1917. كما توجد مجموعة ثانية تضم جانبا من مراسلات اشوربانيبال في مكتبة بودليان في اكسفورد تقدر ب(70) رقيما. وتوجد مجموعة ثالثة صغيرة في مكتبة جامعة بنسلفينيا الامريكية، قد تكون عثرت عليها بعثة من الجامعة المذكورة في العامين 2005-2007 ، او في اعوام اخرى.
اكتشف محتويات مكتبته المنقب العراقي الاول هرمزد رسام الموصلي الذي كان مساعدا لرئيس البعثة الاثارية البريطانية،كما قلنا، وخصوصا ان هرمزد كتب عن اكتشافاته في نينوى وبابل وكلخو(نمرود) وغيرهما في كتابه الفريد (آشور وبلاد نمرود!)،الذي لم يقبل اي ناشر بريطاني ان يطبعه مما اضطره ان يبعث به الى ناشر امريكي، وتم طبعه في عام 1898 .(3)
تعود شهرة مكتبة نينوى في الحقيقة: الى اهمية محتوياتها، اذ ضمت  بالاضافة الى حولياتها ،قصصا وروايات تحاكي بعض الاحداث الدينية المقدسة في العهد القديم مثل رواية الطوفان التي وجدت  ضمن اول ملحمة في العالم وهي ملحمة كلكامش(الرقيم11 منها)،  وفكرة عن الخلق وشجرة المعرفة وكذلك قصة شخص معذب تحاكي عذاب النبي ايوب، وبعض الحكم البابلية التي قد تشبه جانبا من حكم سفر الجامعة.
تسمى المكتبة في العراق القديم ( كركيناكو) وهو اسمها السومري. وان تقليد استخدام الطين النقي في الكتابة ،وعمل الرقيم جاءنا من السومريين الذين هم اول من ابتدع الكتابة المسمارية في حدود 3200 قبل الميلاد . وكان حجم الرقيم في مكتبة نينوى يتراوح بين 9 بوصات طولا و 6  عرضا، و حتى بوصة مربعة واحدة. ومن الجدير بالذكر انه وجد في المكتبة عددا من القواميس اللغوية من بينها معجم لغوي يعود الى العصر البابلي القديم ، ولعله من اوائل المعاجم في العالم يسمى( آنا-اتيشو) ومعناه  (حين الطلب) ويتضمن مفردات لغوية وقانونيو واسماء سومرية وما يقابلها باللغة الاكدية-البابلية.
يرى الباحث جورج رو انه يمكن ان تصنف هذه المكتبة الى قسمين: اولهما  الوثائق الوطنية، مثل الرسائل والعقود والمخطوطات الاقتصادية والتاريخية  كالحوليات وسجلات الاحداث. ويتالف القسم الاخر من الاهتمامات الملكية المتضمنة للموضوعات الدينية ومنها الفأل والتنجيم وكذلك الادبية ومنها القصص والملاحم والاساطير، مثل ملحمة كلكامش وملحمة نزول عشتار الى العالم السفلي ونسخة من ملحمة ايرا واشنوم.  ومعظمها في الحقيقة، نسخا مترجمة عن اللغتين السومرية و الاكدية-البابلية بامر الملك اشوربانيبال نفسه. كما تقدم لنا الرسائل الكثيرة المحفوظة برهانا على ان الملوك الاشوريين كانوا متعطشين للثقافة،وان بعظهم اشرفوا بانفسهم على تنظيم محتويات مكتباتهم،وسعوا لجلب النصوص القديمة من البلدان ذات الحضارة الراقية كبلاد سومر واكد. ونجد اشوربانيبال يرسل نساخين وباحثين من مكتبته  الى مدن اخرى ،ويوجه احدهم يدعى شادونا، من الراجح انه الحاكم الاشوري لمدينة بارسيبا،قائلا له” عندما تتسلم رسالتي هذه، خذ رجالي الثلاثة مع رجال ضليعين من مدينة بارسيبا وابحثوا عن في الرقم الموجودة في معبد ايزيدا...وتصيد الرقم النفيسة من تلك التي تكون ذات فائدة ما لمكتبتي، فالتقطها ثم ارسلها لي”.
 كان يجري حفظ الوثائق التجارية في الجرار او السلال،الا ان النصوص المكتبية تبدو وكأنها رتبت على رفوف خاصة. وكانت الرقم يجري ترقيمها او ختمها بسطر يضاف في اعلى الرقيم يتضمن كتابة الكلمات الاولى من الرقيم التا لي المكمل له. وفي نهاية النصوص التي تشكل ملحمة او موضوعا واحدا يكتب: الرقيم رقم كذا لمجموعة كلكامش او اينوما اليش وهكذا، وفي الغالب يضاف اسم المكان: (كتبت طبق الاصل ودققت!.قصر آشوربانيبال،ملك العالم، ملك الاشوريين) . ونلاحظ لاول مرة اسلوبا واضحا في الفهرسة والتصنيف لم نجده في بقية مكتبات  العصور القديمة.(4) بما فيها مكتبة مدينة سيبار ومكتبة مدينة نيبور  ومكتبة الاسكندرية ومكتبة ايبلا ومكتبة ماري والتي كانت تحتوي  من النصوص ما لايقل عددا عن مكتبة اشوربانيبال، ولكن اقل منها اهمية وتنوعا.
تضم مكتبة اشور بانيبال الموجودة في المتحف البريطاني ثلاث مجموعات هي اولا ماوجد في قصر اشوربانيبال، ومجموعة صغيرة وجدت في معبد الاله نابو، وكذلك مجموعة اخرى عثر عليها هنري لايارد في قصر سنحاريب لاتقل عن ثلاثة الاف رقيم، ولذلك فان ادارة  المتحف البريطاني تطللق على هذه المجموعات الثلاث اسم مجموعة نينوى او قوينجق.
اما الباحث جورج بوشنل فيرى ان مجموعات مكتبة نينوى يمكن ان تقسم الى التصانيف التالية:
اولا- النصوص الطبية: وتضم 1- نصوص الطقوس  الدينية والممارسات السحرية التي تجرى من اجل شفاء المريض .2- نصوص لوصفات طبية لانواع مختلفة من الامراض التي تصيب الانسان. 3- قوائم باسماء الاعشاب والنباتات التي تدخل في علاج الامراض وبعض الوصفات الطبية، ويعتقد ان الطب البشري بدأ في العصر الاشوري الحديث واكملته الحضارة اليونانية ثم الطب السرياني والعربي. ولدينا في هذه المكتبة 120 رقيما طبيا تتعلق بالوصفات الطبية العشبية والنباتية الى حوالي 30 حالة مرضية. مما يرينا التجربة الاولية للانسان في حقل الطب واستعمال الدواء، لكنها كانت ممتزجة بالطقوس الدينية والسحرية، وان ابرز تلك الامراض التي عالجوها السعال والاسهال والصفراء وقتل القمل والسخونة.
ثانيا- النصوص الفلكية : بدأ علم الفلك في العصور البابلية الاولى1850-1400 ق.م. ووصل الى مرحلة متقدمة ، وكان يجري لاغراض دينية ودنيوية، وقد امكنهم معرفة السنة القمرية وعددها عندهم 345 واضافوا اليها شهرا كاملا كل ثلاث سنوات للتوفيق بين السنة القمرية والسنة الشمسية. وقسموا السنة الى احدى عشرة او اثني عشرة شهرا، وجعلوا الشهر اربعة اسابيع والاسبوع سبعة ايام، واكمل العلماء الاشوريون والبابليون في مدينة بابل تحديد ظاهرة الخسوف والكسوف بالاعتماد على حسابات فلكية دقيقة، وقد وجد في مكتبة نينوى انواعا كثيرة من النصوص الفلكية ورصد النجوم والقمر.
ثالثا- اهتم السومريون والبابليون والاشوريون بتدوين قواعد نحوية الى لغاتهم بالاضافة الى قواميس سومرية – اكدية، واشورية اكدية - بابلية اكدية وجدت نسخا منها في المكتبة الملكية.
رابعا- النصوص الدينية:  ضمت المكتبة عددا كبيرا من نصوص دينية  تعزيمية وسحرية  والتي كانت موضع اهتمام الملك اشوربانيبال،و يمكن تصنيفها الى ثلاثة انواع، 1- التعاويذ والسحر، وتضم اصول ممارسة الطقوس والمراسيم الدينية والسحرية لانهما احيانا كانا ممتزجان معا  ومن امثلة هذه التعاويذ السحرية الاشورية، تعويذة مقدمة الى اله النار والتي عرفت باسم (الحارق Maqlu ) حيث يقوم صاحبها بحرق تمثال صغير للتخلص من تاثير السحر او تاثير الرقيات عليه، وكانت مفصلة ويبلغ  عدد رقمها ثمانية. 2- الصلوات والتراتيل والادعية، وقد وجدت في المكتبة مدونة باللغتين السومرية والاكدية، وكانت الصلوات والدعوات تمارس احيانا للتخلص من المرض وكذلك لطرد الارواح الشريرة (الشيطان)، ومن امثلة ذلك، صلاة كان يقوم بها اشوربانيبال موجهة الى الاله (رامان) وهو اله مشترك بين الاراميين الذين كانوا يعيشون في جنوب العراق والاشوريين:
” رامان يا حاكم الارض والسماء، يا من خلق البشر، قل كلمتك ودع الالهة تاخذ مهامها منك، والتمس منك قضيتي. امنحني الحكم المناسب لي، انا اشوربانيبال خادمك، وابن الهي اشور والهتي اشوريتو،اتضرع اليك واكتب اليك ايها الممجد، لان السر الذي تلا خسوف القمر، فيه حقد قوى السماء، والنذر الشريرة في قصري وارضي، ولان الشعوذة الشريرة،...الخ.
خامسا- النصوص التاريخية : اي مايعرف  ب (الليمو)، حيث كانت السنة عند الاشوريين تسمى باسم المدون او الموظف الذي يرعى الاحتفالات الدينية في مدينة آشور. وكان يتناوب عليها كبار موظفي الدولة، وفي مقدمتهم الملك نفسه وخاصة في السنة الاولى من حكمه، مع تدوين الاحداث المهمة. وبالاستعانة بهذا التاريخ امكن تحديد الازمنة الاولى لملوك دولة-مدينة اشور قبل ان تتوسع، وذلك بعد ان تم العثور على رقيم  مقسم الى اعمدة، سطرت فيها اسماء الملوك ولكن في كثير منهم من دون تواريخ حكمهم، وعددهم كان 82 ملكا، حكموا في مدينة اشور وما حولها. بالاضافة الى ذلك وجدت في عواميد القصر مناشير اسطوانية فخارية تسمى الحوليات او حوليات الملوك تتراوح اوجهها المكتوبة بين ستة وتسعة اوجه، وتتضمن اهم اعمال الملوك ونشاطهم العسكري والاجتماعي.
سادسا- الرسائل: كانت الرسائل الملكية واجوبة الملوك والحكام الاشوريين منذ القرن العاشر قد حفظت في مكان خاص في المكتبة يضاف اليها اوامر الملك التي تكون مغلفة وعليها اسم المرسل،وموضوع الرسالة، وكذلك توجيهات الملك الى الحكام والقواد الاشوريين في مختلف انحاء الامبراطورية، وبعضها تتضمن تقارير امنية او استخباراتية.
سابعا- النصوص الارشيفية: وهي وثائق البيع والشراء وكذلك العقود الرسمية والوثائق القانونية .(5)

ويذكر ان اشهر رسم لاشوربانيبال هو ذلك الذي يطارد الاسد برمحه وهو معتلي حصانه. ويوجد في المتحف البريطاني تمثال اخر وهو يرفع باحدى يديه شبلا. وقد قام نحات امريكي يدعى فريد بيرهارد (1932- ...) بعمل تمثال مماثل له ولكن اكبر حجما في عام 1988 ، وقدوضع امام المتحف الاسيوي في مدينة سان فرانسسكو  . ان اسم اشوربانيبال مشهور في العراق حيث يسمي المسيحيون بعض ابنائهم باسمه ويسمون بناتهم باسم امه الارامية ( نقية).



اهم المصادر
(1)   Bienkowski, Pioter and Millard,Alan. Dictionary of the Ancient Near East. Penn.2000.p238
(2)   قزانجي،فؤاد يوسف.مكتبة اشوربانيبال: اعظم مكتبة في التاريخ القديم. بغداد:دار الشؤون
   الثقافية،2003 .
    (*) بشان تنظيم المكتبة نقترح الاستعانة بخبرة اساتذة قسم علم المكتبات والمعلومات في جامعة  الموصل، وخاصة الاستاذ الدكتور نزار محمد علي قاسم.
3)Rassam, Hormuzd .Assur and the Land of Nimrud .New York .1897 .P35-38
    وهرمزد رسام من عائلة موصلية مثقفة،اصدر كتابا عن حفرياته وتوفي في  بريطانيا عام(1910)
(4)   رو، جورج . العراق القديم . بغداد: دار الشؤون الثقافية،1986. ص475-478
  (5 )  (P.14. . 1975.Bushnel, George.Early Libraries in Ancient World
(**)بحسب معلوماتي ان العراق ، كان قد تبرع من اجل بناء مكتبة الاسكندرية 8 ملايين دولار، وربما اكثر.
     


16
أضطهاد العلماء والمفكرين :3- مار شمعون بر صباعي (ق4 م)

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

مدخل

عندما يذكر الجاثليق مار شمعون بر صباعي، يذكر اول اضطهاد رهيب واجهه مسيحيوا المشرق او العراق القديم في العصر الفارسي- المسيحي (50-637 م.)،اذ كان المسيحيون في بلاد الرافدين في العهد الفرثي وبداية العصر الفارسي -المسيحي اي بين نهاية القرن الاول ومنتصف القرن الرابع للميلاد ،يتألفون من الاراميين الذين كانوا يسكنون في جنوب بلاد بابل منذ القرن العاشر قبل الميلاد،ومعهم الكلديون او البابليون، وكذلك الاشوريون الذين كانوا في شمال العراق القديم . وكانوا قد  اقاموا عدة مراكز دينية اي اسقفيات ،وانتشروا في المدن الرئيسية مثل اربيلا وكرخ-سلوخ (كركوك) وكشكر وديرقنى (مقابل الكوت) وحيرتا او الحيرة وفرات-ميشان( مقابل البصرة) وحديثا(بجوار شرق الموصل) ودير(بدرة وجصان) وغيرها من المدن والبلدات ، وكانت لغتهم السريانية-الشرقية ،على الرغم من انهم كانوا تحت الاحتلال الايراني .

الاضطهاد الاربعيني
 بدأ الاضطهاد بعد فترة من اعلان الامبراطور قسطنطين الكبير في بيزنطة ( اي في ما يعرف اليوم تركيا وسوريا) مرسوم ميلانو في عام 312 ،وتحوله من الوثنية الى المسيحية قبيل وفاته في عام 334 م . ولما توفي ، جهز شابور الثاني ملك الساسانيين الذين كانوا قد احتلوا العراق منذ بداية القرن الثالث للميلاد،جيشا كبيرا للاستيلاء على شمال غربي سوريا. وقبل تحركه اعتقد ان المسيحيين في بلاد الرافدين سينتصرون لجيش الروم بعد تحريض الموباذانات ( الكهنة المجوس) له للفتك بهم . ولذلك جرى اضطهاد منظم لكافة كبار رجال الدين والشخصبات المسيحية وخاصة في منطقة ميشان في جنوب غربي فارس. وبدأ الاضطهاد في 339-340 م. الذي استمر حوالي اربعين سنة ، وجرى اسشهاد العديد من المسيحيين  وتدمير او الاستحواذ على بعض الكنائس والاديرة ، كما افادنا المؤرخ  سوزومين(تاريخ الكنيسة /ج2/ص9-14) من القرن الرابع . ثم عاد الاضطهاد على قسوته في زمن الملك بهرام الخامس(420-438) استمر لمدة سنة كاملة. واضطر الامبراطور البيزنطي ثيودوسيوس ان يوقع معاهدة ليضمن الحرية الدينية لكن ذلك كان من دون جدوى.اما يزدجرد الثاني 438-457 الذي تولى العرش بعده،فانه استمر باضطهاد المسيحية خاصة في العامين 445-446 . (*)

 كان رئيس الكنيسة المسيحية في العراق  وايران  مار شمعون بر صباعي الجاثليق، و وكذلك على منطقة آمد (الجزيرة ) بين العامين323-341 للميلاد ، بعد وفاة الامبراطور قسطنطين الكبير الذي كان قائدا متميزا وحد الامبراطورية الرومانية ،بعد   انتصاره في الحرب مع منافس له ،وكان قد أمر بوضع علامة الصليب على اتراس جنوده، وحينما انتصر،اصدر مرسوم ميلان الذي اعطى بموجبه حرية الاديان بما فيها المسيحية .
لما توفي قسطنطين ،تشجع ملك الفرس الساسانيين شاهبور (سابور) الثاني واستعد لمحاربة بلاد الروم . وقد اصدر مرسوما بموجبه فرض مضاعفة الجزية على المسيحيين . وجاء في مرسومه “ حالما تتلقون مرسومي ، طبقوه فيما يخص فرض جزية مضاعفة على المسيحيين، لأنهم ساكنون في ارضنا وموالين لمذهب القيصر ،عدونا.” فاحضروا الجاثليق شمعون بر صباعي وطلبوا منه ان يكتب رسالة الى جمبع المسيحيين في العراق وفارس ان يستجيبوا لمرسوم الملك حالا، والايموت ، فقال لهم :”ليس من حقي  ان اطلب من الشعب المسيحي ان  يدفع هذه الجزية المضاعفة، ان لي الحق ان اطالبهم بما يقتضيه الايمان والتعليم الحق فقط ، ولذلك فانني لا استطيع اجبارهم لأن معضمهم فقراء.” (1) فلما اخبروا الملك ما اجاب به الجاثليق شمعون ،امرهم ان يجلبوه الى قصره الصيفي في كرخ-ليدان (**) مع جميع رجال الدين المسيحيين الذين يعرفونهم .
فتم جلب الجاثليق شمعون ومعه من الاساقفة والقسس وغيرهم، بلغ عددهم مائة وتسعة من رجال الدين، من بينهم القي القبض على كلا من كدياب وسابينا من اساقفة بيت لافاط ،ويوحنا اسقف مدينة كرخ-ميشان (كراسين او المحمرة) ، ويوحنا اسقف هرمز اردشير ، وبوليدع اسقف مدينة فرات-ميشان ،قرب الخليج ، وسبعة وتسعون قسا وشماسا ، فقال لهم اما ان تامروا اتباعكم ان يدفعوا ضعف الجزية،او ستقتلون وستقطع رؤوسكم ، فلما رفضوا ،اخذهم حراس الملك وحزت رؤوسهم جميعا : وكان ذلك في يوم1 نيسان من عام 341  (2) ، وكان قد اعتبر يوما للشهداء . ولم تنته القتول فلقد استمرت المجزرة حوالي اربعين سنة حتى وفاة هذا الملك الجزار ،اذ استشهد خلال حكمه بين 10000-16000 من المسيحيين في العراق وفارس،كما جاء في التاريخ الكنسي لسوزمين الفلسطيني، معظمهم  من المتعلمين في المدارس المسيحية، ومنها مدرسة نصيبين العليا275-330 . كان من بينهم كوشتازاد رئيس حجاب الملك، ويوسي رأس صناع الملك ومعه ابنته المسيحية، وجهات تربو اخت الجاثليق شمعون ، وميلس اسقف مدينة السوس(سوسا ) القديمة.
وقد استمرت القتول فتبعهم في العام الذي يليه الشهيد شاهدوست ورفاقه الاكليريكين وكذلك برشيبا الذي كان رئيسا لاحد الاديرة مع رهبانه البالغين 342 راهبا، وقتل نرساي اسقف شهرقرث  في عام344، و استشهد يوحنا اسقف اربيل في عام344، وقتل ابراهيم اسقف في حدياب سنة345 ، واستشهد الجاثليق بر بعشمين ومعه افراد كنيسته في عام346 ، والقديسة تقلا ومعها اربع راهبات في عام 347 ، ومار قرداغ  حاكم ولاية حدياب في عام359 الذي آمن بالمسيحية فامر الملك الجزار برجمه بالحجارة ،وكانت من التقاليد الزرادشتية . وقد وصلتنا رواية استشهاده في القرن السادس ، وقد شيدت كنيسة في مكان استشهاده في اربيل . ويضاف الى هذه السلسلة من الشهداء مار بهنام واخته سارة،ورفاقه الاربعين في عام 359 ،حيث بني على مثواه ديرا ظل باقيا حتى الوقت الحاضر. ومقتل باسوس واخته سنة 388 ضاعت الرواية التي كتبت عنهما ،لكن البطريرك بهنام الحدلي قرأها ونظم قصيدة عن استشهادهما في عام 1404 على الارجح .
سيرته
يرجح ان شمعون بر صباعي ميشاني الاصل، ولد في مدينة سوس. كان والده قد اشتهر بصبغ الحرير ،كما يذكر ماري بن سليمان. كانت المسيحية قد انتشرت في غرب ايران اي منطقة  بيت-هوزاي ( ميشان) ، اصبح شمعون ساعورا في زمن الجاثليق (فافا) وبعد ذلك صار اسقفا ثم تقدم في منزلته الكنسية ، و لاول مرة في زمانه تتوحد المسيحية في العراق وايران تحت اشرافه ،بعد ان انتخب مطرانا وجاثليقا على الارجح في عام 323  وبقي يسوس الرعية بحرص وايمان لمدة ثمانية عشرة سنة  حتى استشهاده في عام341 . كما ذكر ابن العبري في تاريخه الكنسي  انه كان قد سافر مع بعض الاساقفة لحضور مجمع نيقية في عام 325 ،ولكن الامر مشكوك فيه لان المسيحيين في بلاد الرافدين لم يتوحدوا  مع مسيحي بلاد الروم الا في (مجمع اسحق) الذي عقد في سلوقية-طيسفون بعد موت الملك شاهبور الثاني ،والذي انعقد في مفتتح القرن الخامس اي بعد ان  مقتل مار شمعون  .
بعد مقتله ظل كرسي العراق وميشان شاغرا في ساليق. لكن بعد عام انتخب المسيحيون (بربعشمين) ،ولما سمع الملك الساساني شاهبور الجزار ،امر بقتله ايضا مع مجموعة جديدة من القسس والشمامسة فقطعت رؤوسهم ايضا . لذلك انتخب انتخب رئيسا للكنيسة سرا المطران شاهدوست الذي كان ساعورا ومساعدا الى شمعون بر صباعي.
 تتميز شخصية شمعون بصموده امام الموت مما اعطى مثالا على عدم الاستسلام الى التهديد بالموت وقطع الرؤوس، كما عرف بثقافته وقدرته على ادارة وتوحيد مئات الالاف من المسيحيين في جميع انحاء العراق وجنوب غربي ايران اي منطقة ميشان الارامية .
مؤلفاته
1- ذكر المفهرس العراقي الاول عبد يشوع الصوباوي، ان شمعون الف بضعة رسائل دينية،الا ان  تلك الرسائل لم تصل الينا .
2- رتب الصلوات في القداس .
3- كتب خمسة تراتيل دينية ظلت تتلى في الكنيسة المشرقية ،هدفها شد العزم للمسيحيين الذين اضطهدوا في القرن الرابع للميلاد . اولها (بك يارب الكل) وثانيها (يا عالم افكار البشر) وثالثها (يارب ذو القدرة ) والخامسة  (سبحانك ربي لأنك خلقتني) (3) .
4- مؤلف  بعنوان (كتاب الاباء) يناقش فيه شمعون، المراتب السماوية والارضية . اطلع عليه المستشرق الالماني ساخاو ونشره في برلين عام 1885 بعد ان ترجمه الى الالمانية ، ولم يترجم الى لغة اخرى حتى الان. (4)

اهم المصادر والهوامش

(*) الموسوعة الكاثوليكية،باللغة الانكليزية .(اضطهاد المسيحية في المشرق)
1- ساكو ،الاب د. لويس . آباؤنا السريان . بغداد : مطبعة الطيف، 1998 (ص55-60 )
(**) مدينة كرخ ليدان هي مدينة بناها الاسرى الرومان وكان بينهم مسيحيون،دعوها بيت-لافاط واقاموا بها اكثر من كنيسة ،وتقع جنوب غربي ايران اي في منطقة بيت هوزاي او الاهواز ،وتسمى اليوم اطلالها (شاه آباد) ،وكانت كرخ ليدان اسقفية .
2- كتاب  الفرض الكلداني (الحوذرة رقم 3 الصفحات 232-233 ) .
3- دوفال، روبنس . تاريخ الادب السرياني، ترجمة الاب لويس قصاب. بغداد، منشورات مطرانية السريان الكاثوليك، 1992 ،ص 144-145 .


17
أضطهاد العلماء : 2-هل قتل الاسكندر عالما بابليا؟

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

في عام 331 ق.م.،انتصر الاسكندر الكبير على الفرس وازاحهم من اليونان وامتدادها في اسيا الصغرى، ثم احتل سوريا وفلسطين ومصر ،وبعد ذلك بلاد  بلاد بابل ،وزار في طريقه مابقي من قصور وبوبات نينوى، ثم عسكر في بابل لمدة شهر واحد، قبل ان يطارد ملك الفرس .
 عدما استقر في بابل،  أشار مستشار الملك الكسندر للعلوم (كالستنيسس الاولنتي)”*”،  انه من الضروري ترجمة نواتج علم الفلك البابلي التي كانت قد وصلت الى مرحلة متقدمة . فاخذت المعلومات بعد ان جرى ترجمة الرقم الطينية البابلية الى اليونانية،  وارسلت الى اليونان، وجرى دراستها وتطبيقها فورا : فقام عالم الفلك ( كالبوس من نسكوس) وهو احد تلاميذ (ارسطو الاستاكيري) ،بحساب الشهر القمري، وانشأ تقويما جديدا يبدأ في 28 حزيران من عام 330 ق.م. ، بعد ثمانية اشهر من احتلال بابل. وكان الفضل يعود في تلك المعلومات الفلكية الى العلماء الفلكيين البابليين وعلى رأسهم كيدينو Kidinnu  الذي اطلق عليه الاغريق كديناس او سيديناس.
كان الاغريق قد اطلقوا على علماء الفلك البابليين بالكلديين. ظنا منهم انه علم نشا في زمن العصر البابلي الاخير. لكن في الحقيقة، ان علم الفلك كان قد بدأ منذ الحضارة البابلية الاولى في بلاد الرافدين (ق19 ق.م.) ، ثم تطور على الارجح لدى الكهنة الذين كان بعضهم يرصد القمر والكواكب من اعلى الزقورة التي تمثل المعبد في العراق القديم. وكان علماء الفلك يسمون في العصر البابلي الاول ( توبشار: انوما-آنو-انليل)  اي المراقبين للالهة التي تمثل السماء والارض والهواء . وكان الكهنة من الذين يعرفون الرياضيات والحسابات الفلكية،يرصدون حركات الكواكب والقمر لفترة طويلة قد تمتد سنوات، ويسجلون ملاحظاتهم في (يوميات فلكية) او في (تواريخ فلكية) او في جداول عن حركة الكواكب. ولدينا رقم طينية مسجل فيها رصدا لكوكب الزهرة (فينوس) تعود الى عهد الملك البابلي آمي-   صادوقا (1646- 1626 ق.م.) وتوجد نصوص اخرى فلكية تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد،تشير الى انواع البروج البابلية. في حين كان الاشوريون والمصريون القدماء مثلا،يعتبرون خسوف القمر فأل سيئ موجه ضد ملوكهم، بينما كان الملوك البابليون قد اطمأنوا على احوالهم عند الخسوف او الكسوف. وكان الملوك البابليون قد عينوا لهم مستشارين يفسرون لهم التغييرات الطبيعية في السماء وعلى الارض. وكان علماء الفلك البابليون قد بداوا يعرفون اشهر السنة بالتقريب ،وكذلك النظام الستيني لتقسيم الوقت.
 كان العالم كيدينو من اشهر علماء الفلك في العصور القديمة : وفي المتحف البريطاني قرأ علماء الفلك البريطانيين ،التقويم البابلي فوجدوا انه اقرب الى الصحة من جميع التقويمات التي وجدت قبله، وهذا التقويم هو من عمل العالم كيدينو الذي توصل الى طول السنة الشمسية وايام الشهر بصورة تقريبية. واشار بطليموس الاسكندري  في القرن الثاني للميلاد ان حساباته عن ايام السنة كانت مضبوطة. كما اكتشف كيدينو حركة القمر ،وقاسها بشكل تقريبي. كما قاس حركة الشمس، والكواكب السيارة الخمسة وهي نابو وعشتار ونركال ومردوخ وننورتا، معتمدا على حسابات رياضية عالية يبدو انه كان يجيدها،كما عرف الحركة البطيئة لدوران محور الارض.(1)
“ ان رقيم يعود الى عام 275 ق.م.، ويمثل تقويما تاريخيا،او مايسمى (تقويم الكسندر الكبير) ، ذكر ان رجلا يسمى كيدينو قد اعدم بالسيف بامر من الملك المقدوني الاسكندر الكبير  في اليوم 14 من شهر آب من عام 329 ق.م. ، عندما حل الاسكندر لفترة قصيرة في بابل، وان كيدينو لابد وان يكون شخصية معروفة، اذ لم يذكر القابه معه. ومن المعتقد ان العالم كيدينو وقع ضحية سياسة الكسندر  التنويرية!.”باعتبار ان افكار كيدينو غير صحيحة في نظر الملك الاغريقي ،عندما اخبره ماتؤشر النجوم عنه، بحيث اغضبه (2).  واستنادا الى هذا النص فأن كدينو قد اعدم .
لكن مما يخفف من وطأة هذا الاجراء المتسرع الذي قام به الكسندر،على اية حال : انه قد وجد نص بابلي اخر  يشير، الى ان هذا العالم  ( كيدينو ) مات في بابل قبل وصول الكسندر الكبير  الى مدينة بابل ، وهو يطارد ملك الفرس في عام 331 ق. م . حينما بقي شهرا في بابل ،وامر بتعمير مدينة بابل وكذلك مدينة نينوى .
وفي العصر الحديث ومن اجل تقدير هذا العالم البابلي المبدع ،لاكتشافاته العلمية قبل حوالي 2500 سنة، قرر علماء الفلك الاوربيين  المعاصرين، تسمية اكبر فوهة بركانية في القمر باسم (كيدينو)، وتبلغ مساحتها 56 كم مربع .

اهم المصادر
(1)   Aaboe,Asgar in Cambridge Ency. Of Ancient History(2nd ed 1991) ch. 26B (Babylonian Mathmatics,astrology and Astronomy.
(2)   Lendering,Jona ''Kindinnu,the Chaldaeans,and Babylonians .Astronom'' citation with the same title.



18

اضطهاد العلماء والمفكرين : أمثلة وعبر

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
مدخل                                                                  
منذ نشوء الحضارات الاولى السومرية والمصرية وغيرهما ، كان العلماء والفلاسفة، موضع انتقاد واحيانا يلاحقون اذا مافسروا الكون والحياة بابداع جديد يختلف عن تفسيرات مستشاروا الملوك ،وبعضهم كانوا يضطهدون لانهم قالوا الحقيقة . لكن تعقد الحياة في العصور الوسطى وبداية العصور الحديثة، وصراع الممالك والنزاع السياسي والا قتصادي، خلق عناصر جديدة ،جعل الناس يطالبون برفع ايدي رجال الدين، عن ادارة الدول والممالك، خاصة منذ القرن السابع عشر عندما حل عصر نشوء حضارة  انسانية جديدة ، اي بداية عصر العلم والعقلانية . ولم يتم ذلك الا بعد الصراع الذي نشب بين الكنيسة والدول الاوربية الذي قام فيه حرب المائة عام بين بريطانيا وفرنسا ،اعقبتها حركة الاصلاح الديني، التي كان من نتائجها فصل الدين عن السياسة او الدولة ، وخاصة بعد القرن السابع عشر ، حينما ”  اعلنت الكنيسة المسيحية بانها تؤمن ان الكون الذي نعيش فيه كون منظم، وان الله هو المنظم الاعظم . وقد اوجد قوانين وانماط يمكننا اكتشافها، وذلك باستعمال عقولنا ، واستنادا الى المنطق الفلسفي او العلمي . هذه حقيقة اساسية يعتمد عليها تفكير الانسان وجهوده في اكتشاف حقائق الحياة والعوالم والنجوم والكواكب التي حولنا وكذلك اصل تكون الكون دون تدخل رجال الدين ،بل انها تبارك العلماء الذين رفعوا من قدر الانسان الذي استطاع الوصول الى حقائق علمية جديدة عن الكون ،وان العلماء والمخترعين والمبدعين ،لهم الحق في التعبير عما يعتمل في ذهنهم وصولا الى الحقيقة .” (1)  وصارت السلطة في غالبية دول العالم تقترب من ممارسة الديمقراطية ،بعد ان صدرت قوانين تنظم حرية الافراد وتساوي بين الرجل والمرأة في حقوقها  وواجباتها ،واقيمت منظمة الامم المتحدة التي الغت نظم الرق وشراء العبيد من افريقيا الذي كان يجري سرا حتى عام 1948 .
 ومنذ القرن السابع عشر او الثامن عشر، نشأت العلوم التجريبية ، وتطورت عقلية الانسان واصبح يمتلك في معظم البلدان حريته التي انقذت الانسانية من كثير من العثرات والحروب العالمية والمجاعات،وسهلت سبل العيش . وبدأت الدول تصوغ لها قوانين وفق اسلوب حياتها ومسيرة شعوبها،تلتزم بها، مع احترام القيم الروحية التي تهدف اليها  الاديان والسعي الى ابرازها في خضم المادية .
وهذا يعني ان المفكرين  العلمانيين، بدأ صراعهم مع رجال الدين منذ زمن بعيد ، بل انهم تحدوا رجال الدين بعد  قيام الحضارة الرافدينية والحضارة اليونانية بقليل ،والدليل هو ان اول من اضطهد كان الشخصية الفكرية التي بدأت بمعرفة الفلسفة التي اساسها المنطق العقلاني : وهو سقراط ،الذي اعدم بأجباره على شرب السم ، وربما اعقبه  احد علماء الفلك البابليين  . وكانت تلك بداية التفكير بتاثير احكام جائرة تصدر عن الملوك اوالحكام او رجال الدين  . وكان آخر المبدعين المضطهدين في المشرق الدكتور حامد عبد الصمد (مصري اكتسب الجنسية الالمانية) ولد في  عام 1972 ، وهو  استاذ جامعي و روائي، انتقد تطبيق التشريع  الديني في العصر الحديث . وفي اوربا، الف اندرو وايت رئيس جامعة كورنيل البريطانية في اواخر القرن19 كتابا ،جمع فيه كل المضطهدين من العلماء والاطباء من قبل رجال الدين في اوربا خاصة بين القرن الثالث عشر والقرن السابع عشر، وسمى كتابه : النزاع القائم بين العلم و الدين  (2) .
ويذكر ان اول امرأة ثارت على معاملة الرجل غير المنصفة  للمرأة، كانت (هايباتيا) Hypatia من مدينة الاسكندرية وذلك في بداية القرن  الخامس . كانت هايباتيا شاعرة وفيلسوفة ،وقد ناقشت في اكاديمية الاسكندرية مكانة المرأة وعدم مساواتها بالرجل، وقالت ان رجال الدين يفسرون الكتب المقدسة لصالح الرجل ، فاعترض عليها رجال الدين ، وأثاروا الناس ضدها ، فقام الرعاع بمهاجمتها وقتلها. ذكر ذلك المؤرخ ترتليان،وقال ان افكارها الفلسفية لن تموت بموتها.(3)
 اما في عصرنا الحاضر هذا فقد اضطهد كثيرون في بعض البلدان العربية، كان اعنفها في العراق خاصة بين 2003-2008 عندما
قتل من  العراقيين اكثر من 150 شخصية من بينهم علماء واساتذة واطباء ومهندسين وضباط كبار ،كما هربت من جراء الفوضى وانعدام الامان شخصيات علمية وادبية اخرى يصعب تقديرها ، وما زال النزيف مستمرا .
 وكذلك الحال في بقية الدول العربية وخاصة مصر ولبنان وسوريا وغيرها . وفي مصر عانت شخصيات من  امثال الدكتور نصر حامد ابو زيد الذي اتهم بالترويج لفكر المعتزلة (ت.2010 )، والشيخ خليل عبد الكريم ،الذي اتهم بالفكر اليساري وسمي بالشيخ الاحمر ،وكان قد  الف كتابا متميزا توقف عن نشره ، وطلب من عائلته وهو مريض ان لاينشر الا بعد وفاته (ت 2002)، ونشر بعد عدة سنوات من وفاته بعنوان: (فترة التكوين في حياة الصادق الامين) . واغتيل الكاتب والسياسي العلماني فرج فودة القبطي الذي طالب بفصل الدين عن الدولة ، عام 1992 ، وقد اطلق سراح القاتل من قبل رئيس الجمهورية محمد مرسي. واضطهد المفكر الفذ سيد القمني ،وكان قد اجبر على تعهده بعدم الكتابة بعد نشره كتابه  الجدلي (الحزب الهاشمي) ، كما اضطهد مرات عدة في القرن الماضي ،عميد الادب في مصر الاستاذ الدكتور طه حسين ، وغيرهم كثيرون ممن اشارت اليهم الموسوعات والمصادر الموثوقة، ومن بينهم حاليا الروائي البريطاني ذو الاصل الهندي سلمان رشدي واخرهم استاذ وكاتب مصري في المانيا هو د. حامد عبد الصمد الذي كتب ثلاثة كتب عن الاسلام المتعصب، والذي شكك بعقل المسلم الذي يعتقد ان المسيحيين واليهود كفار، وان كتابيهما المقدسين محرفين، خاصة بعد العثور على نسخ  تعود الى القرن الاول للميلاد اي قبل الاسلام بخمسة قرون تقريبا،في كهوف قمران في فلسطين قرب مدينة القدس .
ولا بد لنا من ان نأخذ من هؤلاء المضطهدين  امثلة وعبر بعد ان راح ضحيتها كثير من العلماء والفلاسفة من الذين واجهوا الاضطهاد لاختلاف تفكيرهم  عن اولاءك الذي هم في السلطة او ان افكارهم  لاتتوافق مع  بعض رجال الدين المقريبين من السلطة الحاكمة ، من امثال كوبرنيكوس وكاليلو كاليلي و الفارابي ومحي الدين بن عربي ونجيب محفوظ  واوليمبة دي كوكس  واشهرهم حديثا: الروائي الشهير سلمان رشدي .(4)
المصادر
1-شعيب، الاستاذ د. روبير .الاناجيل .موقع زينت . اورك. ار. للفاتيكان .
2- White , Andrew. Warfare of Science with Theology. 1895
3-- Walsh , Sean Noah. Perversion and the Persecution. 2012







1- سقراط، بداية الفلسفة (ق5 ق.م.)

اول المضطهدين الذين نعرفهم من العلماء والمبدعين ،هو سقراط او بالاحرى سوكريتس،الذي عاش حوالي 71 سنة بين (469 -399 ق.م.) .  تعد افكاره بداية لمعرفة الفلسفة وتكوينها وبضمنها  الاخلاق . نشأ في اثينا مركز الحضارة التي قامت في اليونان ، بعد أفول الحضارة البابلية الجديدة في اواخر القرن السادس قبل الميلاد . وقد تسلم اليونانيون تراثا غنيا ، جاءها من الحضارات السومرية والمصرية والبابلية والاشورية والفينيقية ، وأضافوا  اليه علوم الطب والسياسة والفيزياء ومعارف اخرى مثل التاريخ والجغرافية والفلسفة والمنطق وكذلك فن الخطابة والمسرح .
 كان لسقراط تلاميذ مبدعون، ابرزهم افلاطون وارسطو وزينفون واريستوفان :  هؤلاء الذين مهدوا لنا الطريق لنعرف كيف نفكر . وتعلمت منهم الاجيال التالية، كيف تفكر وفق منطق صحيح، حتى عصر النهضة الاوربية في القرن السابع عشر ، حينما جدت فلسفات جديدة .
بدأ سقراط في مدرسته التي افتتحها في أثينا، بشرح مفهوم الاخلاق الى تلاميذه، واليه ينسب اسلوب السخرية السقراطية التي تسعى الى الاقلال من اهمية جوهر اية قضية تعرض على النقاش ،وهذا يتطلب من المقابل دفاعا مستميتا عن قضيته باعتماد المجادلة والتفكير الحر ، وبهذا فتح سقراط طريق الفلسفة والمنطق . ولايزال المنهج السقراطي اساسا للحوار والمناقشة . من المشكلات التي جابهت المؤرخين انه لم يخلف لنا سقراط نتاجا فكريا سوى ما رواه عنه تلاميذه . والده يدعى سوفرينسكوس . تزوج سقراط فتاتا، كانت تصغره كثيرا ، انجبت له ثلاثة ابناء .عمل في بداية حياته  ،في تجارة الحجر المهندم، قبل ان يتعلم ويقرأ كثيرا .ثم خدم سقراط في جيش ولاية اثينا ، وخاض ثلاثة معارك،اشار اليكسبادس كيف انقذ سقراط حياته في احدى المعارك . صار بعد عودته عضوا في مجلس الشيوخ الحاكم في ولاية اثينا. وحينما اثيرت في مجلس الشيوخ، مسالة تلكأ بعض القادة في الجبهة، وضرورة اعدامهم ،ابى ذلك ودافع عنهم . ومنذ ذلك الحين اتهم بالتهاون،وفي اثناء مناقشة الموضوع اثنى على اسبارطة،المنافسة لاثينا، فزاد الامر من حنق اعضاء مجلس الشيوخ واتهموه اتهامات عديدة تصل الى الخيانة منها تخريب عقول الشباب في آرائه ،فسماهم بالحمقى ، كما اتهموه  بأنه لم يعد بؤمن بالالهة الوثنية الاثينية . واحيل الى المحاكمة ،حقدا عليه وللتخلص من افكاره لاباعدامه بقطع راسه،  بل بشربه السم حتى يتخلصوا منه دون ضجة من تلاميذه ومريديه .
ذكر زينون ان سقراط القى دفاعا جريئا امام هيأة المحلفين ، وكان لايهمه ان يحكموا عليه بالموت، مادام هو يشعر بانه بريىء ،وان افكاره تمثل معرفة الحقيقة  ، فحكم عليه بالموت . طلب منه تلاميذه ان يساعدوه للهرب خارج اثينا ،فرفض ذلك واعتبر هروبه يدل على الجبن وعلى التخلي عن اراءه الفلسفية . وفي حوار كتبه تلميذه افلاطون : جاء على لسان سقراط ،” بانه  لايخاف من الموت ،بل انه سيتحرر بعد موته ، فالموت هو شفاء للروح لتحررها من الجسد “ . كما اوضح تلميذه الاخر زينوفون ان اسلوب سقراط كان السبيل لتفتح عقول الاثينيين . هرب تلاميذ سقراط بعد ذلك من أثينا ، وتركوا معه في السجن،صديقه (كريتو) الذي سلم له كاس السم في السجن، فشربه كله وظل يتمشى لبضعة دقائق حتى انهار ومات بين يدي كريتو . (1)
كان سقراط قد بدأ الخطوات الاولى في الفلسفة التي سيكملها افلاطون وارسطو .
 ركز سقراط على الاخلاق، ورأى ان الخصال الحميدة هي عبارة عن عطاء مقدس، اكثر منها ان تكون تربية ابوية كيفما اتفق . ويرى ان على الانسان ان يركز في حياته على تطوير نفسه اكثر من اهتمامه بالاشياء المادية . وان الامور المثالية هي انعكاس لانسان حكيم. لم يبدأ علم السياسة الا من فكر ارسطو ، لكن سقراط نادى بحرية الانسان بقبول مايراه صحيحا في عقله. كان سقراط يدعو الى الفضيلة،فهل سبق الابرار والقديسين في سموه وفي احترام القيم الروحية ؟واشار الى الفضيلة موجودة اساسا قي النفوس النقية، قبل ان تختلط بالامور المادية .
كان سقراط فيلسوف الحقيقة التي لم يتح له اكشافها كلها بعد .
قال عنه كريفون : لم اجد من الناس من هو اعقل من سقراط واكثر منه حكمة . وقال عنه الخطيب المفوه شيشرون : لقد انزل سقراط الفلسفة من السماء الى الارض .
من ابرز اقوال الحكيم سقراط :
1- أعرف نفسك .
2- هناك شيئآ واحدا جيدآ : المعرفة .
3- التعليم هو حجر اللهيب ، وليس وعاء آ تملأه .
4- بكل استطاعتي اقول لك تزوج : فأذا وجدت المرأة الطيبة ، فستكون سعيدا ، واذا لقيت المرأة غير الطيبة ، فستكون فيلسوفآ .
5- العقول القوية تناقش الاراء ، والعقول المتوسطة تناقش ما يحدث ، والعقول الضعيفة تناقش ما يقوله الناس! (2)

اهم المصادر
1- www. Anciant Greese.com


19
اضطهاد العلماء والمفكرين: 22 -  البابا يوحنا بولس الثاني
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

 عرف البابا يوحنا بولس الثاني ،رئيس الكنيسة المسيحية الكاثوليكية في العالم (يتبعه اكثر من مليار و200 مليون نسمه) ،  برجاحة عقله  ، ونشاطه في سبيل الوحدة المسيحية والسلام العالمي . حيث مد يد التحاور مع الاديان السماوية الاخرى ، ومنذ ذلك الحين أنطلقت مؤتمرات عدة للتوافق الفكري وتوثيق العلاقات الانسانية  بينها ، كما تقدم خطوة اخرى جريئة بالدعوة الى وحدة المذاهب المسيحية الصحيحة مادامت متحدة في جوهر المسيح : وهي الكاثوليكية والبروتستانتية والارثوذكسية ،وقام البابا الذي خلفه برعاية هذه الخطوة حتى نجحت .
هو البابا الرابع والستون ،ولد في بولندا في عام 1920، وانخرط في سلك الكهنوت عام 1946 . لعب دورا في تعزيز الايمان المسيحي ضد الفكر الشيوعي في بولندا، في نفس الوقت كان يندد بوحشية الرأسمالية  . كان البابا  يوحنا قارىء متميز: يجيد الالمانبة والانكليزية والاسبانية،اضافة الى اللغتين البولندية والايطالية . حصل على شهادة الدكتوراه مرتين الاولى من المعهد البابوي في روما، والثانية من الجامعة الكاثوليكية في لوبلان .
وقد اهتم بالشخصيات المسيحية التي عانت او استشهدت في سبيل المسيحية،وكذلك الذين عرفوا بتقواهم وشفائهم للمرضى باسم الله ويسوع المسيح . وادخل اصلاحات اساسية في التقاليد المتعلقة بالبابا.كانت محور نقاشاته تقوم على طلب القداسة الكاملة .
 في يوم13 مايس من عام 1981 ،بينما كان البابا يوحنا يحيي المؤمنين  في ساحة القديس بطرس في الفاتيكان، تقدم نحوه شاب  تركي وهو يحيه،ثم مد يده واخرج من جيبه مسدسا واطلق  الرصاص عليه فاصابه في بطنه فتمزقت بعضا من امعائه .
 القي  القبض على الجاني واسمه محمد علي اكجا او اغا ، وجرت محاكمته في روما وحكم عليه  بالسجن مدى الحياة . وقد أفاد اكجا حينما حوكم، بان النظام الايراني هو الذي حرضه على قتل البابا ،وانه اذا ماحكم عليه بالاعدام ومات ،فانه بذلك سيذهب الى الجنة حتما !؟.و ذكر ايضا عن محمد علي انه كان قاتلا محترفا من منظمة الذئاب الرمادية .
 قضى البابا مدة طويلة بعد عدة عمليات جراحية لانقاذ حياته ، وعانى طويلا حتى شفي ،ومع ذلك طلب البابا  من المحكمة الايطالية في  عام في  2010 ، ان تعفو عنه، لانه عفى عنه معتبرا انه شاب قد غرر به ولم يدرك ماذا  فعل . وذكر ان محمد اكجا بعد ان سمع  تصريح البابا بالعفو عنه،قد قال بانه سيتحول الى  الديانة المسيحية، فقامت ضجة في بعض الصحف التركية ، وعقب اطلاق  سراحه وعودته الى بلاده تركيا،تم القاء القبض عليه ثانية بتهمة ما ؟!
ومما يذكر ان محاولة اخرى كانت قد جرت لقتل البابا يوحنا من قبل قسيس مخبول عندما كان البابا يوحنا يزور البرتغال، بعد سنة تقريبا من المحاولة الاولى . وبعد عشر سنوات جرت محاولة ثالثة لقتل البابا في الفليبين، من فبل شخص ينتمي الى منظمة القاعدة الارهابية.
كان البابا يوحنا قد صلى على احدى الراهبات المريضات التي لايرجى شفائها،فاستجاب الله لصلاته وشفيت . قبيل وفاته، وخلال سنتين كانت لجنة خاصة تتابع حادثة شفاءه العجيب لتلك الراهبة، من خلال التقارير المتوفرة ،والتي اقرت صدق الحادثة  بالاضافة الى اعماله الجليلة ، فتقرر في بداية عام 2014، تطويبه . لكن ونظرا لقيامه بشفاء احدى النساء التي اصيبت بمرض في دماغها فقد قررت اللجنة من الكرادلة والمختصين ان تطوب البابا باعتباره قديسا .
في الاحتفال الذي جرى قبل شهر تقريبا في 26-4-2014 ، ذكرت اللجنة ان  الامرأة التي كانت مريضة في المخ ،والتي شفيت ،كانت قدحضرت احتفال  تطويبه .
يعتبر القديس  البابا يوحنا بولس الثاني ،احد الشخصيات العالمية البارزة ، لجهوده في تقارب الاديان وفي تلاحم المسيحيين من المذاهب الثلاث الرئيسية الصحيحة التي اشرنا اليها، ولدعمه ازدهار المسيحية في بولندا، بعد تخلصها من النظام الشيوعي ،ولحهوده في السلام العالمي : فقد كان من اشد المعارضين للتفرقة العنصرية ،وايد بقوة اتحاد اوربا ،كما عارض الحرب على العراق من قبل امريكا  في عام 1991  ، وكذلك في عام 2003 وكان في حينها قد ارسل مبعوثا خاصا لهذا الغرض .
مؤلفاته ونشاطه الفكري:
يعد البابا يوحنا بولس،اكثر البابوات ال65 حتى الان خصبا في مجال التاليف والبحث والنتاج الفكري ،وربما هو اول بابا ينظم الشعر ايضا . صدرت له 29 كتابا خلال الخمسة والعشرين سنة كرئيس للكاثوليكيين في اكثر من 15 دولة مسيحية : منها 20  مؤلفا ثقافيا دينيا، وديوانين من الشعر الديني، والبقية كتب تتضمن خطبه ورسائله وكلماته في المناسبات الكبيرة ،وصلواته الخاصة التي كتبها بنفسه . ويذكر ان مؤلفاته موجودة كلها باللغة الانكليزية، وبعضها بلغات اخرى،وقد ذكرنا انه يجيد ثمانية لغات منها الانكليزية والالمانية والروسية والاسبانية . ومن مؤلفاته المشهورة : 1- عبر خيوط الامل. 2- محبة ومسئولية . 3-  الرجل والمرأة خلقهما الله معا .4- رسالة موسوعية : حول العلاقة بين الايمان والعقل . 5- قم: دعنا نمشي في طريقنا . 6- روعة الحقيقة . 7- لاهوت الجسدك حب الانسان في خطة المعبود .8- ذاكرة وهوية :مناقشات في فجر الالفية الثانية .
ومن ابرز اقواله :
1- ان الموهبة الفنية : هي عطاء من الله ،ومن يكتشفها في داخله، فعليه واجب معين وهو معرفة ان تلك الموهبة ينبغي الا تهمل بل ان تنموا وتتطور .
2- ان المستقبل يبدأ من اليوم لامن الغد .
3- ايها الانسان : انك في الحقيقة تبحث عن المسيح،حينما تحلم بالسعادة .

20

الاخ الاستاذ امير المالح
قرأت اليوم نبأا محزنا لااكاد اصدقه بوفاة الدكتور سعدي المالح، مما احزنني وحز في قلبي فقدان احد اعلام الثقافة والادب في العراق ، فلأهله الصبر والسلوان، ولنا جميعا خسارة كبيرة لمحبيه،في فقدان قلم مسيحي حر ومبدع .
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
مؤلف وباحث عراقي


21
أضطهاد العلماء:17-  كاليلو كاليلي
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

كاليلو كاليلي او غاليلو غاليلي :Galilileo Galilie  ولد في مدينة بيزا في ايطاليا عام 1564 وتوفي في عام 1642 . ارسله ابوه الى الدير ليكون راهبا ، لكنه كان يشغله الكون والشمس والارض ،فقرأ اراء ماكتبه عالم الفلك كوبرنيكوس،وراح يراقب الشمس والقمر فادرك ان ما ذكره كوبرنيكس عن خطأ نظرية ارسطو بان الارض ثابتة وان الشمس والقمر والنجوم تتحرك حولها . وقرر ان يتابع قراءاته ومراقبته الكواكب والنجوم دوما، فترك الدير . حينئذ ارسله والده الى جامعة بيزا لدراسة الطب ،لكن قراءاته وميوله كانت نحو علم الفلك، فترك الجامعة بعد ثلاث سنوات ودخل قسم الرياضيات ،وبعد تخرجه صار مدرسة للرياضيات . استمر كاليلي في مراقبة السماء بحثوما فيها،وقراءة كل مايتصل بحركة الكواكب . واول مبادراته الابداعية هي اختراعه لأول محرار طبي . وظل يبحث في الحركة النسبية وفي قوانين سقوط الاجسام .
في عام 1609 ،فكر في صنع تلسكوب صغير لمراقبة حركة الشمس والقمر ،فنجح بعد محاولات وتردد على ورش صنع العدسات حتى امكنه صنع  تلسكوب . فاشتراه منه اصحاب الورش بعد ان امدوه بالمواد الاولية ،وهكذا صار الكثيرين يعجبهم مراقبة الشمس والقمر . اما هو فبعد مراقبة دقيقة وعلمية ادرك تماما ان الشمس والقمر وكذلك الارض تدور كلا في فلكها . وكتب تجاربه ونتائج مراقبته الدقيقة في كتاب ،سرعان ما اصبح من اهم الكتب العلمية في الفيزياء او في علم الفلك في ايطاليا . لكن اراءه وتجاربه لم ترق لبعض من رجال الدين، فاستدعوه الى روما للكشف عن آرائه . وبعد مناقشات مطولة مع رجال الدين ، استطاع ان يقنعهم ولكن بصعوبة بالغة ،بان نظريته لاتعارض الكتاب المقدس ، ومع ذلك طلبوا منه ان يتوقف عن هذا الهراء .لكنه لم يبالي ،فقد استمر في بحوثه وقراءاته وتسجيلاته لحركات الشمس والقمر والارض . ولف كتابا آخرا سماه (ساكياتوري عام 1623 ومما كتب فيه :” ان فهم الكون يعتمد على معرفة حركة الاجرام السماوية ومعرفة كيف تتحرك وفق نظريات علمية كجزأ من الكون المنظم .” فاعترض عليه بعض الاساتذة في جامعة بيزا التي كان يدرس فيها كما هاجمه رجال الدين ،وطلبوا من سلطة البابا ان يستدعى للمحاكمة . وعلى الرغم من معارضة البابا ،اضطر الى استدعاء كاليلو رسميا الى محكمة دينية . اتهمته المحكمة بعد ان استمعت الى ارائه، بانه هرطوقي اي ان افكاره خارج الفكر الديني، ونظرا لحسن نيته فقد تم سجنه . كانت ايطاليا من ابرز البلدان في القرن السابع عشر التي ظهرت فيها بوادر النهضة الاوربية المعاصرة ،وقد انكفأت ايطاليا بعد محاكمة كاليلو وانتشار ارائه العلمية والرياضية في اوربا ،استوعب اراء كوبرنيكوس وكاليلي مبدعون من بريطانيا والمانيا في القرن الثامن عشر .
وبعد خروجه من السجن ، كتب كاليلي مؤلفان آخران بالاضافة الى مؤلفاته الثلاثة الاول عن حركة الغازات والثاني حول قياس صلابة المادة . وكان العلامة انيشتاين قد امتدح ذكاؤه العلمي. سمي كاليلو في اوربا (ابو العلم الحديث) . في عام 1741 اي بعد وفاته بقرن من الزمن ، اعتذر البابا بندكت الرابع عشر عن سجن العلامة كاليلو ، وايد ت الكنيسة اهمية جهوده العلمية واكتشافاته .
1- www.new world encycloedia/entry/Galilio

22
اضطهاد العلماء والمفكرين : 16- طه حسين
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

من ابرز الشخصيات الادبية العربية في منتصف القرن العشرين، هو الاديب العربي الكبير طه حسين . وكان قد عرف باسلوبه ( السهل الممتنع) ،اطلق عليه المصريون (عميد الادب العربي) .
ولد طه حسين في عام 1889 ، وفقد بصره حينما كان في الثالثة من عمره . ونشأ محبا للتعلم والتثقف في شتى المجالات مثل الدين واللغة والادب، تدرج في الدراسة حتى تخرح من الازهر ،ثم دخل كلية الاداب،بجامعة الملك فؤاد، وحصل على الدكتوراه في الادب العربي .ثم طمح ان يكمل ثقافته في اوربا فسافر الى فرنسا للدراسة في جامعة السوربون . وهناك التقى بفتاة فرنسية مسيحية ،اهتمت به، فتحولت صداقتهما الى زواج ،وكانت طيلة وجود طه في الجامعة تقرأ له وتعلمه الفرنسية . تخرج من جامعة السوربون حاصلا على شهادة الدكتوراه في الفلسفة الاجتماعية: عبد الرحمن ابن خلدون نموذجا ، وذلك في عام 1918  ولما عاد عين استاذا في كلية الاداب لجامعة فؤاد الاول .
في عام 1924 الف طه حسين كتابا جدليا ،احدث ضجة دينية وادبية في مصر والعالم العربي : وهو (في الشعر الجاهلي) . وابرز الممآخذ عليه انه اتهم الشعر العربي الجاهلي بتاثره باالاساطير العربية القديمة . كما ذكر ان بعض الاساطير دخلت في التراث الاسلامي. فقامت ضجة حينما هوجم  فكر طه حسين في كتابه هذا ، واتهمه الازهر بالاساءة الى الاسلام ،وحرك دعوى ضده ، واحيل الى محكمة امن الدولة ، وفصل من عمله وذلك في عام 1926 . ونظرا لشخصيته وثقافته سعى القاضي (محمد نور ) جهده ان يخفف من غلواء الاتهامات بان اولا يصدر قرارا يجعل اراء طه حسين مشكوكا فيها ، وانه سيتدارك الامر ويصحح هذه الاراء التي جاءت في كتابه الجدلي . ولذلك اشار القاضي البارع الى ان طه حسين “لم يكن يهدف  من آرائه هذه التشكيك في الاسلام، ولكنه لشدة تأثره بالعلماء الغربيين، اخذ بعض النصوص عنهم ، وقد تخيل مما ليس حق، بانه حق ، او مالايزال في حاجة الى اثبات انه حق” ، ثم اوصى القاضي طه حسين ان يصحح خطأه ،ففعل . وحذف من كتابه كل الاراء الجدلية ، وأعاد نشره وسماه ( في الادب الجاهلي) . كما انتقده اساتذة مسلمون من خارج مصر من بينهم الدكتور فرهاد ديوسالار الاستاذ في جامعة آزاد الاسلامية الذي كتب مقالا باللغة الانكليزية يحلل تجاوز طه حسين لما مسموح له في الدين ،اذ قام بزرع الشبهات حول العصر الاسلامي الاول ، مستخدما بعض الاساطير ، مقلدا الغربيين في الشك واتشكك، وخاصة في حياة امرىء القيس وشعره . وخلط مابين الحقيقة والخيال. (ص134)
 وبعد ان قعد طه حسين في بيته وعلى الرغم من معاناته ، وقد خسر عمله الجامعي ومكانته ، قرر تاليف كتاب عن نشأة الرسول ،ليخفف من غلواء الازهر وكذلك منتقديه وتكفيرهم له . وسعى ان يعمل محاضرا في الجامعة الامريكية . وبعد صدور كتابه الجديد ادرك المصريون المنتقدون ، ان طه حسين رجلا مؤمنا، وان كتابه كان المقصود منه ابداء رأي جدلي قابل للمناقشة والرد بصورة عقلانية . فأعيد بعد سنتين الى كلية الاداب، ثم اصبح عميدا للكلية في عام 1930 .
 في عام 1935 الف كتابه (من بعيد ) عن رحلاته بين الاعوام 1923-1930 ، فاثار جدلا وانتقادا  لاذعا من قبل رجال الدين  ،حينما تحدث عن مفهوم الدولة والدستور، ولم يكن راضيا عن  مادة (دين الدولة )  وقال ان هذا الالزام يخلق جدلا صعبا بين شعب مصر . وتساءل طه حسين : “هل كتب على الانسانية ان تشقى بالعلم اوبالدين؟ والدين هو سلاح تستخدمه السياسة حين تنتصر لطرف وتضطهد الطرف الاخر  “.
في عام 1938 اثيرت عليه ضجة أخرى على اثر صدور كتابه (مستقبل الثقافة في مصر) الذي خلاصته تذكر : ان الثقافة المصرية تعود الى حضارة البحر الابيض المتوسط ،ومنها الحضارة اليونانية التي بنيت عليها الاداب الاوربية وفلسفاتها الجديدة ،فما احرانا ان نعتمد عليها ونبني عليها مستقبل ادبنا العربي . وهاجمه العديد من الادباء والكتاب الرجعيين،واتهموه بالتعالي على  الكنوز الادبية العربية، في الماضي والحاضر . كما اتهموه ايضا بتفضيل الادب الغربي على الادب العربي وشتان بين الاثنين !؟
ألف طه حسين اكثر من خمسة كتب في الادب العربي وروايتين، وكذلك كتابين عن سيرته بعنوان (الايام )،كتبها باسلوب فصصي ممتع تصور كيف استطاع صبي ،وهو معوق ان ينموا ويكبر  علما  وادبا وخلقا واخلاقا. وقد ترجمت الى الانكلبزبة بعد سنوات قليلة ، وذاع صيته في العالم، وهو من الشخصيات العربية المعاصرة القليلة التي كتبت عنها الموسوعة البريطانية .
وفي العامين 1950-1952 عين وزيرا للتربية ، فعمل على جعل التعليم مجاني، والغى المدارس الخاصة التي كان لايدخلها الا ابناء الموسرين، كما اعطى للجامعة نوعا من الاستقلال . وفي عام 1967 نشر الجزأ الثالث من قصة حياته ، بعنوان (مذكرات) حينما صار عمره 78 عاما.يبدو ان طه حسين استمر في آراءه مستندا الى دعم الثورة المصرية ،اذ كان طه حسين في حماية الثورة ،ومن حسن حظه انه مات في نفس العام ، لان التعصب الديني كان قد عاد في حكم السادات .
قدم له الرئيس جمال عبد الناصر قبل وفاته باشهر في عام 1973 ،اعلى وسام مصري، تاركا وراءه مؤلفات تاريخية وادبية ونقدية رائعة لاتقل عن(45) كتابا متميزا وعشرات المقالات في الادب والفكر والتاريخ العربي والتربية والتعليم اضافة الى روايتين .
خلف طه حسين ولدا وبنتا هما مؤنس وامينة . وبعد وفاته كتبت زوجته بالفرنسية مذكراتها مع طه حسين ، كان من الكتب المهمة في القاء الضوء على جوانب من حياة المفكر العربي المتميز طه حسين بعنوان (معك ) . وترجمت ابنته الكتاب الى العربية مع مقدمة تتحدث فيه عن رأيها بابيها  .
بعد وفاة جمال عبد الناصر ومجيىء الرئيس انور السادات ، طفق كثير من الكتاب المصريين يهاجمون طه ويتهمونه بشتى الاتهامات ، خاصة بعد وفاة طه حسين في عام 1973 ،فالف الكاتب انور الجندي كتابان عنه هما (طه حسين وحياته في الميزان) ثم اردفه (محاكمة فكر طه حسين ) معتبرا اياه خارجا على الاسلام لانه شكك في وجود دليل تاريخي يشير الى مجيىء النبي ابراهيم الى الجزيرة العربية.
يذكر ان موسوعة ويكبيديا ، قد اشارت الى ان طه حسين قد ترك الاسلام في اواخر ايامه . ولعل ذلك كان صحيحا لانه في  تلك الفترة قعد في بيته ولم يخرج الا حينما ذهب لتسلم وسام النيل من يدي الرئيس جمال عبد الناصر .
  ويذكر ان الحكومة المصرية قد اشترت بيته وجعلته متحفا لتتذكر عميد الادب المصري، واحد المفكرين المتميزين في العالم العربي واسمت المتحف (الرامتان ) اي الواحتان . وهناك مدرسة وشارع وقاعة باسمه ،كما اقيم له تمثال ،كلها في عهد جمال عبد الناصر . اما الان فلا احد يجرأ على ذكره في العالم العربي !

 اهم المصادر
1-Taha Hussain , Ency. Britannica
2- ويكبيديا: ملحق،اشخاص دخلوا المسيحية – من الاسلام (طه حسين) .
3- www. Almuslih.org.taha hussain

23
اضطهاد العلماء والمفكربن : 15- نيكولاوس كوبرنيكوس
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

اول عالم فلك في العصر الحديث هو الاب نيكولاوس كوبرنيكوس (ت1542) البولندي المولد من مدينة (تورون) الواقعة قرب الحدود الالمانية . عاش ضمن عائلة مسيحية متدينة وكان اخوه قد رسم قسيسا قبله ، اما اختاه الاثنتين فقد تبتلا ودخلتا الى الدير كراهبات.
صاغ كوبرنيكوس نظرية مركزية الشمس، وشرحها في كتابه الشهير (في ثورات الاجواء السماوية) . ثم سعى الى تطوير نظريته التي اساسها دوران الارض والاجرام السماوية حول الشمس . وكان الناس حتى وقته يؤمنون بنظرية بطليموس التي ترى ان الارض مركز الكون وجميع الاجرام تدور حولها . وانفق كوبرنيكوس من عمره حوالي عشرين سنة حتى توصل الى نظريته تلك فاعاد صياغتها وعززها بأدلة علمية في عام 1539 ، وطبعت في عام 1543 .كما القى سلسلة من المحاظرات في روما وذلك في عام 1535 .
وقد عارض ابحاثه بعض من كبار رجال الدين، وكان المصلح الديني مارتن لوثر (1483-1546 ) قد قال ينتقد  كوبرنيكوس “ انه الاحمق الذي قلب علم الفلك راسا على عقب .”
 في نهاية حياته  كان بعض كبار رجال الدين في بلاده ، قد ضاقوا ذرعا باراءه ،فاصروا عليه ان لا يغادر بيته ، ولذلك لم تطبع مجمل نظريته العلمية الا في عام وفاته (1542)، ووصلته نسخة من كتابه الاخير، وهو على فراش الموت ، وفي نفس الوقت كان شونبيرك ،احد الكرادلة البارزين في روما،قد بعث برسالة الى كوبرنيكوس يحثه على طبع كتابه الاخير ، وان خشي ذلك ، فانه يستطيع ان يضع اسمه مع  كوبرنيكوس .
كان كوبرنيكوس شخصية متعددة المواهب ،فبجانب اهتمامه في  علم الفلك وحركة الاجرام السماوية ،درس اولا  القانون في احدى الجامعات حتى حصل على شهادة الدكتوراه ،ثم ارسله البابا لدراسة علم الفلك عام 1500 في احدى كليات روما ،وبعد تخرجه ،درس الطب في جامعة اخرى وصار يعالج الناس شبه مجانا حتى عام 1503 وبعدها عاد الى وطنه بولندا ، وكان قي معظم اوقات فراغه ، منكبا على دراسة حركة الاجرام السماوية . وقد اهتم كورنيكوس بنظرية العالم اليوناني اريستاكوس من ساموس فيما يخص آرائه عن الشمس باعتبارها المركز الذي تدور حوله الارض . وحينما بلغ الاربعين ، كان قد جمع اراءه عن الشمس والفلك في كتيب، قام بتوزيعه على معارفه من العلماء والشخصيات المثقفة ،اذ كان يقضي اياما  طويلة وهو يراقب حركة الارض والكوالب ، وكان يجري حسابات فلكية دقيقة . وكان بداية مؤلفاته الابداعية: (حول تطور حركة الاجرام الفضائية ) الذّي تضمن الادلة العلمية على صحة نظريته . وقد اشار الى ان الارض تدور على محورها في الفضاء ، وان الارض والكواكب الاخرى تدور حول الشمس. فلما انتشرت ارائه اساء  بعض رجال الدين فهمه وقصده العلمي .
بعد وفاته مباشرة تغيرت نظرة العلماء الى الكون بعد اطلاعهم على كتابات كوبرنيكوس، وكانت نظريته قد فتحت الطريق لمزبد من الابحاث في علم الفلك،واعتبر كوبرنيكوس مؤسس علم الفلك الحديث، وعرف العالم ان الارض كوكب في حالة حركة مستديمة ، محكومة بقوانين طبيعية،نستطيع من خلالها تفسير حدوث الظواهر الطبيعية .
واكمل جزءا من نظريته التي هزت العالم ، كاليلو كاليلي الايطالي . ثم جاء بعدهما بنصف قرن العالم كبلر  الذي اكمل جوانبها العلمية،بعد اختراع التلسكوب . واستعملت ابحاث هؤلاء في اول تقويم شبه دقيق وهو التقويم الغريغوري .
 اعيد دفن رفات الاب العالم كوبرنيكوس في عام 2010 في كاتدرائية (فرمبورك) البولندية التي كان كوبرنيكوس قسيسا فيها . وقد اطلق اسمه على النظام الاوربي للاقمار الاصطناعية، الخاص بنشر المعرفة ومراقبة مناخ الارض وحركة الكواكب الاخرى، واعتبرت هذه الاقمار عيونا ساهرة على سلامة الارض .


اهم المصادر
1- www.notablebiographies.com
ملاحظة:يرجى الحذر من موسوعة ويكبيديا خاصة باللغة العربية، في الموضوعات التي تخص بعض الشحصيات والقضايا الجدلية مثل كوبرنيكوس.

 .

24
اضطهاد العلماء والمفكرين : 14- ابو العلاء المعري
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

ولد ابو العلاء المعري في بلدة معرة-النعمان بسوريا في عام 970 ، وتوفي  في عام 1058 في بلدته ايضا . كان عمره خمس سنوات عندما  اصيب بالجدري ، فزالت قدرة عيناه على الرؤيا الا من بصيص ضوء ليرى ما امامه ولكن بصعوبة بالغة ، لكن ذلك لم يستمر طويلا،فلما صار شابا ،انطفأ ذلك البصيص واصيب بالعمى .
وبدلا ان من ان يسمى كما كان متوقعا: احمد بن عبدالله بن سليمان التنوخي، فقد دعي ابو العلاء (اي العالي الفهم ) لشدة ذكائه وسرعة تعلمه اللغة والشعر والادب على يدي ابيه . ثم ارسله اباه الى حلب لمتابعة دروسه في الادب والدين وكان معلمه  النحوي محمد بن عبدالله بن اسد .
كانت اولى رحلاته ان سافر الى مدينة طرابلس التي كانت تضم مكتبات عامرة ، ثم زار  اللاذقية ، وهناك مال الى احد الادبرة المسيحية التي تضم عادة الرهبان المتبتلين والذين يعيشون عيشة نسك وكفاف ، بالاضافة الى مكتبة ثقافية ، وصار  صديقا لاحد الرهبان المثقفين ، وكان يتناقش معه عن اللاهوت المسيحي وما وراء  الطبيعة، وكان في نقاشه تبرز شكوكا فلسفية لم يجد لها جواب لازمته الى نهاية حياته على الرغم من انه كان مؤمنا بالله ايمانا قويا . تاثر بحياة الرهبان فلم يتزوج واشتهر ببيته الشعري القائل :
هذا  جناه ابي علي   وما جنيت على احد
وهكذا اطلع ابو العلاء على الديانتين المسيحية واليهودية ،بالاضافة الى تفاسير الدين الاسلامي . وقرر ان يسافر الى بغداد مدينة العلم والثقافة في المشرق . وهناك التقى علماؤها ومثقفيها ، ولكنه لم يجد ردا على تساؤلاته الفكرية والفلسفية . واثناء عودته ، فقد اعز شخص لديه، امه ،التي سهرت عليه وخففت من الامه واحزانه حتى صار شابا مثقفا وشاعرا بارعا ، ولذلك زادت عليه الام الوحدة  واشتدت عليه مرارة عيشه وكثرت احزانه حتى جزع عليها ، ولزم بيته لفترة طويلة لايخرج منه ، وسمى نفسه : رهين المحبسين ويعني البيت والعمى ، اما في اعماقه فيضيف له محبسا آخرا عندما يقول :
اراني في ثلاثة في سجوني،  فلا تسأل عن الخبر النبيث   لفقدي ناظري، ولزوم بيتي ، وكون النفس في الجسم الخبيث
ومكث في بيته حوالي خمسين سنة حتى وفاته . ويستدل من بيت شعره السابق انه قد تاثر اما بالديانة المانوية او بالافكار الغنوصية .
ألف ابو العلاء اثناء قعوده الطويل في  البيت كثيرا من الاشعار والقصائد الطوال بالاضافة الى بعض الكتب القلسفية، ثبت فيها آراءه الجدلية والفلسفية ، ولم ترق لرجال الدبن آنذاك ،فاتهموه بالزندقة احيانا، ولذلك فان معظم كتبه الفكرية اهملت او احرقت ولم يبق منها الا  (رسالة الغفران) من كتبه . لكن معظم شعره بقي، وكان من الشعر الحكمي والفلسفي العالي ،الممزوج بالمرارة ،لذلك  دعي بالشاعر المتشائم . اذ كان ابو العلاء واسع الثقافة حسن المناقشة والمنطق ، ولكن فقدانه بصره ،جعله متشائما. تدل كتاباته على انه عرف واحترم الديانات الرئيسية الثلاث، يالاضافة  الى جوانب من ثقافات اخرى فارسية ويونانية . تاثر بعيش الرهبان المبني على التقشف ،وكان متقشفا و لاياكل اللحم ايضا .
ان اجمل اشعاره نظمها في ديوانه (سقط الزند) الذي يضم ثلاثة الاف بيت من الشعر الرائع الذي يتميز بالجرأة الادبية والنقد الاجتماعي والسياسي ،قلما نجد مثله في تلك الايام . وهو الشاعر العربي الوحيد الذي اعرفه،ممن كان يتجنب( المديح) الذي يعتبره عاطفة مصطنعة ،ونجده كذلك قد نأى بنفسه عن( الفخر) فاعتبره تعويضا عن نقص ،مما يدل على تحليله العميق لطبيعة الشعراء في زمانه،
واشهرقصائده (اللامية) التي يقول فيها ما يتحسسه ممن ينتقدوه :
الا في سبيل المجد ما انا فاعل       عفاف واقدام وحزم ونائل
تعد ذنوبي عند قوم كثيرة           ولا ذنب لي الا العلى والفضائل
 وفي داليته يعود الى تشائمه منشدا :
تعب كلها الحياة ،فما اعجب الا من راغب في ازدياد
وعاد الى نقده الاجتماعي وفلسفته منشدا :
ارى الملوك لاتحوطهم رعية       فعلام تؤخذ جزية ومكوس؟
يسوسون الامور بغير عقل     وينقد امرهم  فيقال ساسة
فأف من  الحياة واف مني      ومن زمن رياسته خساسة
ثم يتابع نقده للحاكمين (ما اشبه اليوم بالبارحة! ) قائلا :
مل المقام ، فكم اعاشر امة     امرت بغير صلاحها امرائها
ظلموا الرعية واستماروا كيدها  فعدوا مصالحها وهم أجرائها
وهنا يظهر فكره المضطرب،حيث ينشد :
نمسي ونضحي في ظلالنا     وما على الغبراء الا سفيه
فيسأل الواحد ، أنقاذنا      من عالم السوء الذي نحن فيه
كان ابو العلاء المعري شاعرا عربيا بارعا ومفكرا ذو اراء انتقادية لعصره وحكومته ووضع الناس الاجتماعي، وكان حر التفكير ، تجرأ فانتقد بعض الاوضاع السياسية والديتية ،معتمدا على النقاش المنطقي ،ونادى بمناقشة التراث الديني عقليا ومنطقيا. فكرهه رجال الدين واتهموه بانكاره للبعث والنشور.واحيانا بالزندقة .
يعد ابو العلاء المعري مثل لوكريتس في الدين، وفولتير في الشعر والادب، ومثل يوحنا فم الذهب الذي انتقد حكامه وادى به الى المنفى والموت، بينما فرضت على شاعرنا الرائع عزلة رهيبة زادت من تشائمه وقنوطه، اهماله من قبل الوسط الثقافي . اعظم من كتب عنه هو شبيهه في الفكر النير، الاديب الكبير طه حسين الذي انتهى كما انتهى ابو العلاء المعري  !؟

اهم المصادر
1- ويكبيديا
2- WWW.Humanistic. Org



25
اضطهاد العلماء والمفكرين :13-العلامة ادي شير
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

ولد العلامة ادي يعقوب شير في يوم 3 آذار من عام 1867 واغتاله العثمانيين في تركيا في يوم 21 حزيران من عام 1915 خلال فترة مذبحة الارمن او المسيحيين 1915-1918 . لكن اسمه بالانكليزية واللغات الاخرى هو  Ibrahim Addai Scher ، او ابراهيم ادي شير .
كان ادي شير قد ولد في بلدة شقلاوة القريبة من مدينة اربيل، وفي عام 1889 سيم قسا ، وبعد ذلك صار مطرانا ونسب الى مدينة سعرت (سعرد) الواقعة في جنوب شرقي تركيا. وعندما نشبت الحرب العالمية الاولى وبدأ  بعد عام اضطهاد المسيحيين ، سعى المطران ادي شير من اجل انقاذ رعيته من موجة الاضطهاد التي عمت البلاد العثمانية وخاصة في تركيا، فجمع اموالا تقدر بخمسة الاف قطعة ذهبية وقدمها الى حاكم سعرت العثماني، غير ان الاخير لم يف بوعده وامر باضطهاد سكان المدينة من المسيحيين،وطارد المطران ادي شير حتى القي القبض عليه وتم قتله ، وربما ايضا ذبحه وارسال رأسه الى الحاكم ليراه ويطمأن على قتله . وتروي احد المصادر ان المطران ادي شير قد عذب قبل اعدامه،كما سنرى  .
كان  اسم ادي الحقيقي هو ابراهيم يعقوب شير، فلما رسم قسيسا صار له اسما جديدا (ادي) بعد ان دخل خدمة الكنيسة . كان والده يعقوب قسيسا فاضلا توفي في عام 1903 . درس أدي شير في معهد يوحنا الحبيب الذي كان بمستوى كلية بادارة الرهبان الدومنكان في الموصل الذين تخرج من بين ايديهم عدد من الادباء والمترجمين المتميزين في العراق ومنهم كان ادي شير، اذ تعلم ايضا اللغات الفرنسية واللاتينية الى جانب السريانية والتركية والكردية وكذلك الفارسية ،اذ عرف بذكائه واجتهاده العلمي وتفوقه باللغات . فلما اختير مطرانا لمدينة سعرت ، قام بانشاء مدرسة لتعليم اللغة السريانية والثقافتين المسيحية و السريانية اضافة الى الموضوعات الاساسية . ونظرا لمؤلفاته وابحاثه التاريخية فقد قلد وساما ومنح شرف العضوية في عضوية جمعية العلماء والمستشرقين في فرنسا . وكانت بحوثه التاريخية والادبية تنشر في مجلة المشرق البيروتية التي اسسها  البحاثة لويس شيخو . وكذلك كتاباته في مجلات اخرى بالاضافة الى تحقيقه مخطوطا تاريخيا شهيرا هو تاريح كلدو وآثور لمؤلف مجهول من القرن الحادي عشر كما افادنا الاب العلامة الدكتور بطرس حداد .و الذي اصدره في جزأين بعد ان حققه، وطبع في بيروت في  عام 1910 . كانت ابرشية سعرت مترامية الاطراف اذ تشمل عشرات القرى المنتشرة في جبال بوتان وقضاء غرزان .. وعندما قامت الحرب العالمية الاولى ،اندحر الجيش العثماني امام الجيش الروسي في منطقة وان، فراح افراد من الجيش العثماني يصبون جام غضبهم على المسيحيين والارمن بحجة وقوفهم سلبا في تلك الحرب .
اما مؤلفاته واسهاماته الادبية والتاريخية والدينية، فهي عديدة وعلى النحو التالي :
ا- كتاب الصلوات باللغة السريانية-الكلدانية .
2- مقالة في الطقس الكلداني بالاشتراك مع الاب بطرس نصري .
3- كتاب المنتخبات الكلدانية ، مع معجم لشرح الكلمات . طبع في الموصل سنة 1897 .
4- سير اشهر شهداء المشرق (بالعربية ) جزءان . طبع في الموصل ج1 (1900) ج2 (1906)
5- نبذ عن بعض الرجال المشهورين الكلدان بالاشتراك مع الاب بطرس نصري . بحث نشر في مجلة المشرق (البيروتية) عام 1901 .
6- اكليل مريم العذراء باللغة السريانية-الكلدانية.
7- كتاب عن مدرسة نصيبين الشهيرة (بالعربية) نشر في بيروت في عام1905 ، ترجم الى الفرنسية .
8- فهرس المخطوطات باللغة السريانية-الكلدانية والعربية في مكتبة مطرانية سعرت .
9- كتاب : ترجمة (سيرة) داديشوع القطري ومؤلفاته ، بالفرنسية .
10- جدول (فهرس) مخطوطات دير السيدة في القوش ، بالفرنسية .
11- تحليل تاريخ سبر يشوع من بيت فوقا، بالفرنسية .
12- دراسة عن بعض الكتاب السريان ، بالفرنسية .
13- تحليل تاريخ ربان برعيتا .
14- مقالة عن حياة يوحنا بر فنكاي ،بالفرنسية .
15- نبذة عن المخطوطات بالسريانية-الكلدانية وبالعربية في مكتبة مطرانية دياربكر .
16- تاريخ سعرت، جزءان، بالفرنسية .
17- الترجمة الفرنسية لدراسة كتبها البحاثة المشرقي برحذ بشبا عربايا: (سبب تاسيس المدارس (العليا) ، ويقصد تعليمات تنظيم الدراسة في اكاديمية نصيبين الثانية (490-600 ) .
18- الكاتب السرياني يوسف حزايا من القرن  الثامن (بالفرنسية) .
19- كتاب الالفاظ الفارسية المعربة . طبعت اولا في بيروت عام 1908 وبالفارسية في طهران في عام 1965 .
20- مقالة عن الشهيدين ايشاي الملفان و حنانا الحديابي، بيروت 1909 .
21- كتاب اسكول تيودورس بر قوقي (جزءان ) طبع 1910 .
22- حوادث من تاريخ كردستان ، بالفرنسية . ترجم حديثا الى اللغة الكردية .
23-  كتاب : (تاريخ كلدو وآثور) (بالعربية) ، طبع  في جزأين 1912-1913 .
24- كتاب ( التاريخ السعردي) لمؤلف سرياني مجهول،كتب بلغة عربية ركيكة قريبة من العامية . قام ادي شير بتحقيقه ونشره .  ويرجح البحاثة الاب د.بطرس حداد (ت2011) ان عنوان الكتاب الاصلي هو (مختصر التواريخ البيعية ) وان العنوان السابق من وضع المطران ادي شير ، عندما عثر  الاب بطرس على القسم الاول من الجزأ الاول من الكتاب في احدى مكتبات الاديرة القديمة في العراق، اذ يبدأ بالحديث عن السيد يسوع المسيح . وقد نشره بعد ان حققه واصلح لغته العربية واضاف تعريفات وملاحظات متميزة وطبعه في عام 2000 ، واستطاع ان يستنتج بعد بحث طويل ان مؤلفه على الارجح يعود الى كاتب سرياني مشرقي “،عاش في الربع الاخير من القرن العاشر ومطلع القرن الحادي عشر ، وانه ادرك مار عبد يشوع الجاثليق (ت986 ) ،كما عاصر ايضا مار يوحنا نازوك (ت1016 ) “ . (2)  اما الاب البحاثة البير ابونا فيرجح ان  الكتاب من تاليف الراهب النسطوري ( آبا) الذي عاش في منتصف القرن الحادي عشر.  
واخيرا كلنا في حزن على الحياة القصيرة التي عاشها العلامة ابراهيم يعقوب شير ،اذ لم يتجاوز 42 عاما ،ولدينا شاهد عيان يروي  مأساة اغتياله وهو الاب اسحق ارملة الذي استطاع الفرار من المذبحة هاربا من مدينة سعرد، واصفا كيف عذب وقتل العلامة ادي شير :”اما المطران ادي شير ، فقد اشار عليه عثمان اغا ان يرحل عن سعرد ، وما مر اسبوع حتى وجده نقيب الاشراف ، فاخرج العساكر بحثا عنه ،فلما وجدوه ، وثبوا عليه، فقيدوه، وارادوه ان يصير مسلما فأبى، حين ذاك اوغلوا في تعذيبه ،ثم فتكوا به . وبعد قتله ، عادوا ليبحثوا عن شيىء ينهبونه من كنيسة الكلدان . وبعد ذلك جعلوا تلك الكنيسة جامعا باسم (الجامع الخليلي ) تيمنا بخليل باشا .” (3)
هم المصادر
1- www.shaqlawa.com : sevar_louis
2-حداد، الاب بطرس. مختصر الاخبار البيعية .بغداد :2000 .ص9
3- موقع بطنايا. نت

26
أضطهاد العلماء والمفكرين: 12-أبن الراوندي

الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

ابن الراوندي هو المتصوف احمد بن يحيى ابو الحسن الراوندي . وراوند بلدة قرب اصبهان(حاليا اصفهان) الفارسية . ولد في عام 827 واعدم مصلوبا في عام 911 في مدينة الرقة الواقعة في اقصى شرق سوريا، وتتضارب الاراء في نهايته في بعض الكتب الاسلامية. يعد ابن الراوندي شخصية فلسفية جدلية . كان  ابن الراوندي ناسكا اي متصوفا قد تاثر بتقاليد الرهبنة في العفة والحياة البسيطة، وتعلم المناقشة والجدل واشتهر بالمناظرات ومال الى فكر المعتزلة القائم على المنطق الارسطي في مناقشة قضايا الدين والحياة. سار الى العراق وهناك حضر مجالس المعتزلة فترة من الزمن ،والف كتابا او كتابين في فكر المعتزلة ،لكنهما لم يصلا الينا . ثم انقلب على المعتزلة، اذ يرجح انه تاثر بالافكار المانوية والغنوصية ،فألف كتابا بعنوان (فضيحة المعتزلة) لم يصل الينا ايضا وكذلك جميع ماكتب،اذ تم احراق جميع مؤلفاته بعد اتهامه بالزندقة من قبل رجال الدين . وكان الاساس في اتهامه انه ذو اصل يهودي،فقد كان ابوه يهوديا ، ثم غير اباه دينه عندما استولى المسلمون على العراق وفارس . وذكر عنه انه قد كتب رسالة في مناقضة التوراة .
سعى ابن الراوندي لمناقشة بعض الاراء الدينية وخاصة المعجزات مناقشة منطقية جلبت له غضب رجال الدين المسلمين ، كما انتقد بعض الاراء الواردة في التراث الاسلامي ، ولذلك احرقت او اتلفت مؤلفاته، ماعدا كتاب (الزمرد ) الجدلي و الذي يشير اليه،لكن لم يعرف مؤلفه في الحقيقة . قال عنه المؤرخ ابن خلكان الذي كتب عنه بعد ثلاثة قرون ان ابن الراوندي وكذلك ابو العلاء المعري : ملعونان ، لانهما يعتبران ملحدان. كما قال عنه ابن كثير : ان افكاره اقرب الى الزنادقة منها الى الاسلام . وهناك روايتان عن نهاية حياته فقد تحدث انن كثير في (البداية والنهاية) في احدى الروايات انه لما طلبه الحاكم او (السلطان) هرب الى خوزستان وأختبأ عند عشيرته اليهودية، وانه مات عند ابن لاوي اليهودي ، ولكن الراجح انه قد  القي عليه القبض في قرية قرب مدينة الرقة في شمال شرقي سوريا ،حيث تم فيها صلبه او قتله .
ألف ابن الراوندي زهاء عشرين مؤلفا من ابرزها : الابتداء والاعادة ، وكذلك الاسماء والاحكام ، وكلاهما يظهران صدق ايمان الراوندي،وعمق تعلقه بالقيم الروحية . الا ان البلخي يقول ان كتابيه الفلسفيين يتضمنان زندقة ولعل فيهما فكر نقدي للتراث . اما ابن النديم فقد ذكر ان ابن الراوندي وضع كتابافي خلق القرآن،ولكن لم يصل الينا. كما الف كتاب القضيب وقد ذكره ابن خلكان . اما كتاب البصيرة فقد ذكره ابو العباس الطبري، وقال انه الفه نزولا على رغبة اليهود .اما كتاب الدافق ،فقد ذكره البلخي . والمهم ان جميع كتبه العشرين لم يصل سوى الزمرد، وهو كتاب يقول عنه الباحثون انه بقي ،لكي يبرر نهاية ابن الراوندي المحزنة وسبب اضطهاده . وقد وصف  الشاعر الرائع المبرد، موقف ابن الراوندي وكأنه يسبر اعماقه و منشدا له :
مجن الزمان كثيرة ماتنقضي     وسرورها يأتيك كالاعياد
ملك الاكارم فاسترق رقابهم   وتراه رقا  في  يد الاوغاد
وانشد له ايضا :
أليس عجيبا بان امرءا  لطيف الخصال دقيق الكلم   يموت، وما حصلت نفسه سوى علمه انه ما علم .
                                                     
اهم المصادر
1- ابن كثير : البداية والنهاية.
2- White, Andrew . Warfare of Science and Theology. 1895
3- بدوي، عبد الرحمن . تاريخ الالحاد في الاسلام .القاهرة ، 1971 .(ابن الراوندي)

27
أضطهاد العلماء والمفكرين : 11- القديسة جان دارك
أ. فؤاد يوسف قزانجي

جان دارك ،فتاة فرنسية ،شديدة الايمان بدينها ووطنها،وخاصة حينما كان جزءا من الاراضي الفرنسية تحت الاحتلال البريطاني في القرن الخامس عشر . ولدت جان دارك من اسرة فلاحية في عام 1412 ،وصلبت ثم احرقت وهي حية في عام 1431 ، ولما تكمل التاسعة عشرة من عمرها القصير.
تعد جان دارك بطلة وطنية في فرنسا ،ذكرت في اقوالها ان الله قد الهمها بالنصر على بريطانيا ولذلك اعطاها الشجاعة والقوة من اجل استعادة الاراضي الفرنسية . وعدت بعد سنوات من احراقها بطلة وطنية وفتاة صالحة وبارة. ذكرت جان دارك ان المسيح اعطاها القوة والالهام لكي تقود الجيش الفرنسي الى النصر ،وتستعيد اقليم نورماندي . وقد حققت عدة انتصارات بحماسها واندفاع الجنود ورائها لمقاتلة الانكليز في حرب (المائة عام) بين 1337-1453 التي اتمرت في منتصف القرن السادس عشر،حينما تحررت فرنسا .
كان ملك فرنسا شارل السابع قد وافق على قيادة جان دارك  كتيبة عسكرية تضم 12000 جندي ،من اجل فك الحصار عن مدينة اورليانز ،فنجحت في ذلك معتمدة على شجاعتها واقدامها . كما  حصل الجيش القرنسي على عدة انتصارات ،واشاد القادة بحماسها وشجاعنها . وصلت اخبارها الى باريس والمدن الفرنسية ، واصيحت اكثر الشخصيات الفرنسية شعبية ، كما انها بهذه الانتصارات ،انقذت عرش فرنسا من تدخل بريطانيا. واستطاعت بحماسها  وايمانها من ان تقود جيشا مؤمنا بالنصر، وكانت تقول : ان صوتا من السماء يرشدني لقيادة الجيش الى النصر، وفعلا فان الجيش الفرنسي ،معنمدا على قيادة جديدة شاركت فيها جان دارك ،تحقق له الانتصار ، وقد اقر الضباط بشجاعتها في القتال مع الجنود،وخاصة بعد ان اصيبت بسهم في رقبتها، فانتزعته بيدها واستمرت تقاتل حتى انتصر الجيش الفرنسي وحرر  مدينة اورليانز .
وكاد يكون النصر في المعارك حاسما ،لولا ان بعض الفرنسيين، من هذه المنطقة تآمروا مع البريطانيين لاسرها ونقلها الى اعدائها البريطانيين . قام البريطانيين بسرعة في محاكمتها بتهمة الهرطقة والعصيان ،بدوافع الكراهية ذات منحى سياسي من دون شك . وكانت محاكمتها غير نظامية من الناحية الدينية، كما ان المحكمة لم تجد اي دليل على هرطقتها ،لان الشهود المزيفين كانوا بعيدين عنها، كما ان اقوالها الدينية التي قالتها في المحكمة لاتخالف الدين المسيحي، ولذلك حاكموها سياسيا ، لكن لم تعط حق توكيل محامي يدافع عنها ،بالاضافة الى تزوير اقوالها ،كما اضافوا افعالا اليها لم تقم بها ، فحكم عليها بالموت . فربطت على شجرة ،ثم قرروا حرقها وهي حية،وبعد ان احرقت  عرضت على الناس، ثم اعيد حرقها حتى استحالت رمادا ،وفي سبيل منع بعض المؤمنين ببراءتها من الاحتفاظ باثر من تلك الفتاة البارة والصالحة ، جمعوا كل الرماد ،ورمي في نهر السين . ويذكر ان جلادها قد ندم على مافعله بها وطلب المغفرة من الله اذ خشي ان تحل اللعنة عليه، وصار ضميره يعذبه.
قام المؤرخون والكتاب في فرنسا واوربا عامة بدراسة شخصيتها الجدلية الاستثنائية ، وقضيتها مع البريطانيين وتصرفاتهم البربرية غير  القانونية، اخرها كانت دراسة تاريخية لأقوالها واعمالها ونشاطها اثناء القتال، فاقر معظم الباحثين انها كانت تمتلك مواهب وقدرات اسثنائية منبعثة من ايمانها وحبها الشديد لبلادها ،وانها لاتستحق الحكم عليها بالموت وبهذه الطريقة  البشعة. اما الفاتيكان المسؤول عن غالبية مسيحي العالم آنذاك فقد درس ملفات قضيتها مرة اخرى في عام 1920 التي بلغت زهاء 1000 صفحة، و قرر مجلس الكرادلة في العالم بانها كانت بارة و لها قدرة روحية اسثنائية من الله ،لذلك اعتبرت قديسة  . وصارت حياتها تدرس في فرنسا وبعض اقطار العالم الكاثوليكية لفترة طويلة .
في متحف قصر الاهرام في باريس، قام المثال (عمانوئيل فيميه) بعمل تمثال من الذهب للقديسة جان دارك وهي ممتطية حصانها وعليها علامات الجرأة والاقتحام . وكان شكسبير احد اعظم شعراء العالم، قد اشار اليها في مسرحية (هنري السادس)، وقام احد ابرز الشعراء الالمان (شيلر) بكتابة مسرحية شعرية رائعة عنها بعنوان (عذراء اورليان) ،يضاف الى ذلك قصة ( عذراء اورليان) التي الفها احد اعمدة الادب الفرنسي فولتير ، كما تجرأ الاديب البريطاني الشهير جورج برناردشو  بكتابة مسرحية (حان دارك ) سخر فيها من الذين  حكموا عليها بالموت . كما رسمها العديد من فناني فرنسا وايطاليا واسبانيا . كذلك انتجت هوليود في السبعينات من القرن الماضي ،فلما يصور حياتها وحرقها بدم بارد من قبل البريطانيين في عام 1431 .
تحتفل فرنسا والكنيسة الكاثوليكية  في كل عام ، في ذكرى استشهاد جان دارك الذي جرى في يوم 30  ايار  .

 اهم المصادر
1- أبراهيم ، الدكتورة  تارا . جان دارك : الاسطورة الفرنسية . موقع المثقف. كم


28
مراجعة معجم الادب السرياني
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي

مدخل
كانت اللغة الارامبة قد انتشرت في العراق وسوريا خاصة منذ القرن السابع قبل الميلاد، وظلت قائمة حتى بداية القرن الاول للميلاد عندما تحولت الى ثلاث لهجات محلية سريانية هي اللهجة السورية او الغربية السريانية وفي العراق تحولت الى لهجتين متقاربتين هما السورث واللهجة الاثورية، واصبحت بالنسبة لهما في العراق لغة الام حتى الوقت الحاضر، في حين تغلبت عليها اللغة العربية في سوريا في القرن الثالث عشر،بينما التزم المسيحيون العراقيون في هاتين اللهجتين عموما،وظهرت لهجة ثالثة في منطقة نصيبين وآمد ، تسمى لهجة طور عابدين وخاصة في مدينة ماردين التركية .
وفي القرن الثامن عشر بدأت نهضة جديدة في العراق على اثر اهتمام المسيحيين بالثقافتين الدينية والثقافية ،وساعد في ذلك وجود عدد من الرهبان الدومنيكان في الموصل اللذين ساهموا في النهضة العلمية والثقافية والدينية في العراق بعد ان تعلموا اللغتين العربية والتركية واقاموا مطبعة تطبع الكتب وخاصة المدرسية باللغات التركية والعربية والفرنسية. واقاموا هؤلاء الرهبان مدرسة ابتدائية ومدرسة ثانوية،ومدرسة عليا دينية لتخريج رجال دين مثقفين بالتعاون مع بعض رجال الدين العراقيين الذين درسوا في اوربا من امثال المطران العلامة اقليميس يوسف رحماني ،ومن بعده العلامة المطران افرام رحماني الذي الف 42 كتاباوبحثا باللغات السريانية والعربية واربعة منها باللغة الفرنسية، تثقف في هذه المدارس طليعة العلماء والادباء العراقيين،خاصة اولئك الذين اكملوا تعليمهم الجامعي بعد ذلك في الجامعة الامريكية في تركيا او في لبنان وكليات الطب البريطانية وبذلك امكن اقامة اول كلية للطب في العالم العربي في بغداد في عام 1922 . وفد اقيمت كلية علمية في الخمسينيات من القرن الماضي من قبل رهبان اخرين ،والتي اغلقت في عام 1970 .
وفي عام 1973 وافقت الحكومة العراقية على تاسيس دائرة اللغة السريانية لأحياء وتطوير اللغة السريانية وعلومها وآدابها ضمن المجمع العلمي العراقي، فقامت نهضة جديدة اخرى اكثر اثرا في تطوير اللغة السريانية وآدابها، وعقد في عام 1974 اول مؤتمر لاداب اللغة اسريانية في العصر الحديث،حضره علماء من بعض الاقطار الاوربية والعربية ، كانت ابرز محاوره حنين بن اسحق العبادي والمعلم السرياني الاول افرام سويرس الملقب بالسرياني(306-372 ) .
في عام 1989 تولى الاب الدكتور يوسف حبي رئاسة دائرة اللغة السريانية في المجمع العلمي العراقي ، فنهض بهذه الدائرة بنشاط ملموس ، وكان المعجم قد صدر في عهده . وفي عام 2003 تاسس اول قسم لتدريس اللغة السريانية على مستوى جامعي في كلية اللغات التابعة الى جامعة بغداد ، وكان رئيسه  الدكتور يوسف قوزي ، كما نشط الفرع السرياني من اتحاد الكتاب والادباء في العراق باشراف الاديب نزار ديراني .

معجم الادب السرياني (الجزأ الاول)
صدر في عام 1990 الجزأ الاول من هذا المعجم ويتضمن الشخصيات العلمية والادبية والدينية السريانية، مبتدءا ب(حرف الالف  من تلك الشخصيات) . وقد اسهم في المعجم معظم الادباء والكتاب السريان ،فيما لم استطع من المشاركة بسبب انشغالي في التدريس في الجامعة المستنصرية في ذلك الوقت  . وحين صدر المعجم ورأيت محتواه بصورة عامةلم يكن متكاملا ، قلت للمرحوم  للاب يوسف حبي، هل انت راضي عن المعجم؟ فقال: لا ، وقد اكتفيت برده . والان لنستعرض معجمنا ، ولنتعرف على سير الشخصيات السريانية، فسنجد ان في الكثير منها معتمدة على مصادر عربية وبعض المصادر الاخرى المكررة ،وسنجد ان هنالك اكثر من 35 شخصية سريانية موجودة في مصادر انكليزية والمانية وفرنسية ، وغير موجودة في معجمنا . كما ان هنالك اكثر من 15 تعريفا وشخصية اخرى ذات الصلة بالفكر السرياني-المسيحي لم تذكر في هذا المعجم الذي بين يدينا وذلك لكي ينتبه كتابنا السريان في دائرة اللغة السريانية ويتابعوا النقص الحاصل في نسيان بعض الشخصيات السريانية التي تبتدأ بحرف الالف ،بالاضافة الى الاماكن والمدن وبعض الشخصيات غير السريانية التي لهاصلة بالثقافة السريانيةوغيرها من القضايا الاخرى المهمة التي فاتت على محرري وكتاب المنجد .
اولا : كان على اللجنة المشرفة على المنجد ان توضح لنا في المقدمة ، اهمية العلوم والاداب السريانية،واهمية اللغة السريانية، وما هي المساحة من المشرق التي اثرت عليها ولو بايجاز .
 ثانيا- ان الشخصيات السريانية التي فات ذكرها في المعجم، بلغت كما سنرى اكثر من 35 شخصية وعلى النحو التالي :
 1- اغناطيوس بهنام البطريرك، من القرن الخامس عشر . 2- ابساميا ، احد تلاميذ افرام السرياني (حوالي 400 م).3- انانيشو الاعرج البطريرك (حوالي 699 م) 4- ابراهيم بيت-سيدا (كان موجودا في 720 م) . 5- أهيبا (740 م). 6- انانيشو او حنانيشو ، مطران الحيرة (900 م). 7- اسرائيل مطران مدينة قيصرية (860م) . 8- ابو زيد الاسكولائي مدير مدرسة بغداد النصرانية (870 م). 9- ايليا، متروبوليتان دمشق (893 م). 10- اديشو السحياري (963 م) 11- ايليا البطريرك (1584 م) . 12- أشعيا حدبو الارزوني . 13- اسونا تلميذ افرام السرياني . 14- اريوس الهرطوقي(و 280 م) . 15- ابراهيم الثاني الجاثليق (ت853 م) .16- أغناطيوس جبرائيل تيوني الموصلي (اول كردينال في المشرق في عام 1935 ) . 17-افرام برصوم الموصلي،بطريرك سوريا (ت1957 م) .18- الفونس جميل شوريس (و1894 ) 19- اندراوس صبنا (و1920 ) 20- ابو انيس يوحنا (و 1730 ) . 21- ابراهيم الحديابي او القدسي (ت344 ) . 22- افتونيوس الانطاكي (عاش في اواخر ق4 ) .23- افرام الانطاكي (و460) . 23-اوسابيوس الحديابي (بطريرك 655) . 24- ابو نوح او نوخ (عاش في 810 ) .25-ايوانيس يوحنا ،المطران(و1730 ). 26- اجاي من تلاميذ توما الرسول. 27- ابرسيوس. 28- آبا الاركيدااكون اي الشماس .29- اوجين الراهب . 30- ابراهيم (القديس) اسقف اربيل،استشهد في عام 344م . 31- ايراهيم الناسك، ولد وعاش في العراق  (ت360م). 32- ابراهيم اسقف حران (ت422) .33- اوسابيوس الاماسي او الحمصي ولد في الرها (نحو 295) صار قسا ثم اسقفا على امسا (في نهاية القرن السابع سميت حمص)،لاهوتي مشهور تاثر بفلسفة اوريكين او اوريجينوس المضطربة  ،مما توجب طرده، وقد توفي في نحو 395 .34- اغناطيوس الانطاكي،قديس توفي عام 107م .35- اكاكيوس الاعور، مطران مدينة قيصرية في فلسطين عام 340 ،تاثر بالاريوسية الهرطوقية وانشأ الاريوسية-الاكاكيوسية . 36- اكاكيوس مطران مدينة البيرة في فلسطين،عرف باضطهاده للقديس يوحنا فم الذهب ،(ت432 ) . 37- اكاكيوس السلوقي،مطران بلدة سلوقية،اصبح جاثليقا على بلاد العراق الساسانية بين (498 -500 ) . 38- ايليا الاول (البطريرك) ولد في مدينة كرخا دكدان او جدان في بيث-هوزاي (الاهواز ) ، تلقى العلم في بغداد ثم في مدرسة  ساليق-طيسفون (المدائن) ، ورسم اسقفا لمدينة الطيرهان شمال بغداد ،ثم اصبح جاثليقا على العراق في عام 1208 وظل في منصبه حتى وفاته في عام 1049 . ذكر عبد يشوع في فهرسه ان ايليا كان له مؤلفات عديدة ايرزها : قوانين وقرارات كنسية ،ورسالة في النحو ترجمها المستشرق بيجان او بالاحرى بيتكان في العلاقة الصوتية المميزة في اللغة السريانية . ونكتفي بهذا القدر من الشخصيات المنسية .
ثالثا- هناك شخصيات مسيحية غير سريانية ،وكذلك تيارات وتعاريف ذات الصلة بالثقافة السريانية سواء بنشأتها او تطورها لم تذكر ابرزها :
1-آفرات القديس،ناسك من انطاكيا قاوم الاريوسية(ت400 م) .2- الكسندر الساهر، عاش بين (380-440 ) . اسس اديرة للنساك الذين سماهم بالساهرين ، عاش بين (380-440 ) . 3- اناتوليوس الاسكندري(قديس) ألف القانون الفصحي، وبحوث حسابية ،وسيم اسقفا على مدينة الاذقية بين (270-282) . 4- الاضطهاد الاربعيني بين 339-779 م في العراق الذي راح ضحيته 16000 مسيحي.5- افلوطين ،الفيلسوف صاحب الفلسفة الافلاطونية الجديدة التي تاثرت بها الفلسفة المسيحية .
6- اريوس صاحب البدعة الاريوسية .6- اباء الكنيسة الاولين .7- ارام 8- الاراميون 9- اوريكين او اوريكانوس استاذ وفيلسوف في مدرسة الاسكندرية التي حولها الى دراسة الفكر المسيحي ،فسيم اسقفا،لكنه انحرف في افكاره فحرم. 10- ابجر وبالاحرى ابكر : وهو اسم حمله ملوك مملكة اورهوينا الارامية ومركزها مدينة الرها بين 132-قبل الميلاد- 216 للميلاد ،وقد ذكرت  اخبار المملكة في التقليد المسيحي ،لكنها غير مؤكدة  تاريخيا ،ولكن اخبار الملك الاخبر وصلتنا حينما حكم تحت ظل الرومان، وفي عام 216  ضمت مملكته  للامبراطورية الرومانية الشرقية .مجمع اكاكيوس الذي عقد في مركز المسيحية في العراق القديم في قرية سلوقيا-طيسفون في عام 486 . الاسكندرية ومدرستها المسيحية في عهد استاذها اوريكين او او ركونوس.
رابعا- هناك مدن وبلدات وقرى مسيحية : قسم ضئيل منها بقي، ولكن القسم الكبير منها  لعبت دورا كبيرا في النشاط الثقافي (السرياني) خاصة خلال  القرون الميلادية الاولى،ثم اختفت وزالت لاسباب عديدة منها الاضطهاد، ونسيت حتى من بعض كتابنا ، فكان من الضروري ان تذكر تلك البلدان المنسية مثل مملكة او ولاية اديابينة (حذياب او حدياب)،ومدن: اربيل و انطاكيا و افسيس او افسوس وايمسا (التي سميت حمص في منتصف القرن السابع للميلاد) و مملكة اسرهوينة . بالاضافة الى مدن وبلدات عراقية مسيحية زالت ، ذكرها المؤرخون العراقيون مثل امغيشيا وأليس :”ان ابرز مافي بادقلي هي امغيشيا التي صارت مصرا في القرن السابع مثل الحيرة..،وكانت أليس من مسالحها” .
خامسا- ان كتابة المصادر والمراجع المذكورة في بعضها غير دقيقة ولاتلتزم بالكيفية الببلوغراقية التي يعرفها الباحثون عادة،مثل كتابة اللقب اولا ثم الاسم الاول والثاني ان وجد،ثم عنوان الكتاب ومن بعده مكان الطبع،ثم اسم المطبعة او دار الطبع،وبعده سنة الطبع واخيرا الصفحات المقتبس منها او المعتمد عليها وهكذا . وفيما اذا  كان مترجم من لغة اخرى فتذكر اللغة .
اخيرا علمنا ان الباحثين في دائرة اللغة السريانية،قد اصدروا الجزأ الثاني من المعجم وفيه ملحق يوفي مافات زملائهم ،متمنيا ان يكون قد شمل جميع الشخصيات والقضايا التي تناولتها .

اهم المصادر:
1- هنري،عبودي (محرر). معجم الحضارات السامية . طرابلس: جروس برس،1988 . ص21 و37 و58و137 الخ .
2- Rassam, Suha .Christianity in Iraq . London, Gracewing ,2006 .p.46
 

29
أضطهاد العلماء والمفكرين: 10-الصوفي الحلاج
أ. فؤاد يوسف قزانجي

هو شيخ المتصوفة ابو المغيث، الحسين بن منصور الحلاج . ولد في بلدة طور في جنوب بلاد فارس عام 858  ومات مصلوبا ومعذبا في 26 آذار من عام 922 .كاتب وشاعر ومن اعلام المتصوفة المسلمين ،الذين اخذوا تقاليدهم من تقاليد الرهبنة والتنسك المسيجية التي تقوم على التقوى والتعفف وحب الاخرين وخدمتهم . وقد طور الحلاج تلك التقاليد وجعلها سعيا ضد الظلم والطغيان أيضا . كانت حياته الدراماتيكية قد اثرت في العامة فاحبوه وحفظوا اشعاره التي كانت تناجي الله الى درجة العشق الالهي .
ذهب الحلاج في مقتبل عمره للعيش في مدينة واسط المدينة التي بنيت مقابل مدينة كشكر ، التي كانت اكبر المدن المسيحية في العراق . كانت مدينة واسط آنذاك مركزا سياسيا وتحاريا وثقافيا مهما الى جانب مدينة الكوفة . وانجذب منذ شبابه الى حياة النساك الذين كانوا يسمون بالمتصوفة . ولم يكتف بذلك بل سعى في شعره الى التحاور بينه وبين السماء ، فوقع في اشكاليات دينية لم يقبلها رجال الدين. وكان ابرز معلميه سهل التستري الذي كان يعيش متوحدا في مكان يشبه قلاية الرهبان في مدينة تستر في خوزستان .ثم تعلم ايضا على يد عامر المكي. وخلال هذه الفترة تزوج الحلاج من ابنة الصوفي  ابو يعقوب الاقطع . وبعد ذلك تعلم التقاليد الصوفية الاسلامية في بيت اشهر المتصوفة آنذاك الشيخ الجنيد البغدادي، الذي كان من المع مثقفي عصره .
وفي المرحلة الثانية من حياته بين الاعوام (895-910 ) نضج فكره وارتقى بشعره الصوفي فاصبحت موضع اهتمام مثقفي عصره ومثار غضب رجال الدين ،وكان الحلاج يذهب بعيدا في شعره النسكي الذي وصل الى معاني غامضة عن علاقة الناسك المحب بالله الى درجة  لاتحد في العشق الالهي .
تقوم فلسفته على ان كل ماتقع عليه العين من طبيعة جميلة اخاذة في الكون ،دليل على تجلي الحق في كل ما يشاهده الانسان ،ثم اضاف في قوله  (ما رأيت شيئا حميلا من الاشياء ،الا ورأيت الله فيه !) .
 وقضى معظم سنواته هذه في رحلات ،فكان يعظ ويلقي باشعاره الغامضة التي تتحدث عن روح الانسان وعلاقتها بالسماء ،فصارت اشعاره وكتاباته موضع تفسيرات دينية و سياسية وفكرية متضاربة ،فلما عاد الى بغداد عام 910 ، زاد اللغط عن افكاره الفلسفية ،فأتهم بمخالفته للشرع ، وزاد الامر تعقيدا ان الافكار القرمطية قد انتشرت في تلك السنوات وخاصة عندما قامت ثورة الزنج التي كانت ثورة العبيد ضد اسيادهم . فأطلع الخليفة العباسي المقتدر بالله من وزيره على ماذكر رجال الدين عن افكار الحلاج المخالفة للدين وانه لابد ان يكون زنديقا او قرمطيا . فتم اعتقاله وامر الخليفة بسجنه ، وظل سجينا بين 6-11 سنة.
وقد اتهم الحلاج أيضا بفكرة الحلول الغنوصية حينما قال يناجي ربه :
جبلت روحك في روحي كما يجبل العنبر بالمسك الفتق ،
فأذا مسك شيىء مسني، واذا انت انا لانفترق!
ويكتب عنه: ان الحلاج هو قتيل العشق الالهي،فلقد ملك عليه الوجد نفسه حتى اتلفها. ولأن البوح بالوجد معصية، قتلوه كأي عاشق لم ياخذ من ذوي الامر موافقة.
ويقول عنه الذهبي في كتابه (العبر في خبر من غبر) :” ان الحلاج كانت عقيدته الصوفية تقوم على (وحدة الوجود) اي ان الانسان مندمج في ذات الله .” وهي فكرة غنوصية ،اصلها فلسفة ذات اصول افلوطينية حديثة ،كانت قد انتشرت بين بعض المسيحيين بين القرن الثاني والقرن الرابع  خاصة في الاسكندرية .
 رفع امر خروجه عن التقاليد الدينية الى الخليفة (المقتدر)،فامر الخليفة ضامن خراج الاحواز (ابو الحسن علي الراسبي) ان يقبض عليه ويأتيه به ، فقبض عليه ، وحمل الى بلاط الخليفة ،فامر الخليفة ان يصلب علنا جهارا . فصلب حالا على شجرة لمدة ثلاثة ايام . ولما لم يمت،  امر الخليفة بسجنه، وظل سجينا ثمانية سنين، واخيرا ضاق الخليفة ذرعا به .فعقد له مجلسا من رجال الدين العلماء ،فشهدوا عليه اناس بان كلامه وكتاباته وافكاره بعيدة عن التراث الاسلامي،فصار الرأي ان يتخلص من هذا الجاحد . فسلم الى صاحب الشرطة الذي كان اشرس الخلقالذي يدعى (نازوك) : فصار يجلده بقسوة ووصلت الى الفي سوط حتى لفظ انفاسه ،حينذاك استل نازوك سكينته من حزامه وحز رأس الشيخ الحلاج ثم بعد ذلك قطع جسمه الى عدة اوصال، ثم امر نازوك بحرق ما تبقى من جسمه علنا ، وكان ذلك في يوم 26 آذار من سنة 922 .
كان الحجاج قد قال قبل موته متشبها باقوال المسيح الى حدما :” تهدى الاضاحي ،واهدي مهجتي ودمي  من اجل الاخرين، واخيرا قال ،”فأعف عن الخلق يارب،ولاتعفو عني! ” . وكان على قناعة ذاتية في ان صلبه  وعذابه هي من مشيئة الله ، وكان يسوع  المسيح قد قال قبل موته على الصليب: يا رب اغفر لهم لانهم لايعرفوا ما يفعلون .
قال عنه العلامة الشهير ابن تيمية: ان من يعتقد ما يعتقده الحلاج من مقالات التي قتل من اجلها ، فهو كافر مرتد باتفاق المسلمين ، فان المسلمين انما قتلوه على الحلول والاتحاد ونحو ذلك من مقالات اهل الزندقة والالحاد “ .
كتب عنه المستشرقين الفرنسيين ماسينيون وكراوس،بالفرنسية ،عام 1936 في باريس ، كتابا عن حياة الحلاج واتجاهاته الفكرية الغنوصية ،يعد من اهم الكتب عن شيخ المتصوفة المسلمين: الحلاج .
اهم المصادر
1- كتاب مجموع الفتاوي لأبن تيمية .ج3 ،ص 480-483 .
2- Wikepedia
 




30

أضطهاد العلماء والمفكرين : 9- كامل قزانجي
الاستاذ فؤاد يوسف قزانجي
المحامي كامل بطرس قزانجي،احدى الشخصيات العراقية المثقفة التي ضحت بحيايتها من اجل الحرية والديمقراطية ، وكان ينتمي فقط الى الحزب الوطني الديمقراطي . قضى حياته القصيرة (1908-1959 ) في جهاد وطني غيور،كمثقف عراقي حر، وكتاباته السياسية والفكرية نورت جيل ماقبل ثورة 14 تموز 1958 .
ولد كامل قزانجي في مدينة الموصل في عام 1907 ،وتلقى علومه الاولية في مدارس الموصل، وبعد ان انهى دراسته الثانوية ، سافر الى لبنان للدراسة في الجامعة الامريكية في بيروت، منتسبا الى قسم الاقتصاد السياسي . وبعد ان قضى اربعة سنوات بين 1928-1932  ،حصل على شهادة البكلوريوس وعاد الى العراق، وعين في وزارة الخارجية في وظيفة قنصل في السفارة العراقية في نيودلهي في الهند . ولم يمض سنة في وظيفته حتى اخرج من وزارة الخارجية لان افكاره ضد الحكومة القائمة. واضطر ان يتعين مدرسا لموضوع الاقتصاد في ثانوية النجف بين عامي 1934-1935 وربما انتقل كمدرس بعد ذلك في احدى ثانويات بغداد، لفترة لاتزيد عن سنة. وبعدها قرر ان يدخل كلية الحقوق العراقية ،وبعد اربعة سنوات ، تخرج وسجل نفسه محاميا في نقابة المحامين العراقية، كما انتمى الى الحزب الوطني الديمقراطي.
مؤلفاته
في الفترة بين السنوات 1940-1945 ،نشط في مجال التاليف والترجمة ، وكتابة بعض المقالات عن ضرورة تعزيز الاسس الديمقراطية، واصدار قوانين  تكفل للمواطنين المشاركة في اختيار ممثليهم في مجلس النواب بحرية ، وتعزيز العلاقات مع الدول الاشتراكية . وابرز كتبه التي ترجمها وكتب لها مقدمات تشير الى اتجاهاتها وتاثيرها السياسي في الصراع الدولي اللذي كان قائما في منتصف القرن العشرين:
1- حليفنا الاتحاد السوفيتي. تاليف د.ن. بريت (1945 )
2- الوراثة والعنصرية . (1944 )
3- سقوط الجمهورية الفرنسية الثالثة. (1944 )
4- كيف نربح السلم. تاليف هاري بوليت العضو اليساري في مجلس البرلمان البريطاني.
5- تضامن الديمقراطية الغربية مع الديمقراطية السوفيتية .(1945 )
6- حرية الهند والمستعمرات . تاليف هاري بوليت ايضا (1945)
7- وطننا تاليف ميخائيلوف .
حياته قبل وبعد نفيه الى تركيا
وفي عام 1948 عندما سعت بريطانيا وحكومة صالح جبر على عقد معاهدة بين العراق وبريطانيا،تبين انها مجحفة بحق العراق. وقد انتفض الشباب العراقي، وخرج متظاهرا ومحتجا على توقيع تلك المعاهدة، وكان الانتفاضة الكبرى في بغداد، واحتل المتظاهرون شارع الرشيد الذي كان الشارع الرئيسي في بغداد، على الرغم من محاولة الشرطة رد المتظاهرين بالقوة ولكن بدون جدوى. واستمر التظاهر يوما بعد اخر ، ووقف كامل قزانجي خطيبا واقفا ومعتليا حافة تمثال عبد المجسن السعدون في الباب الشرقي، يحث الجماهير العراقية على الصمود ويعدهم بان اتنفاضتهم،ستحقق مطالب الشعب العراقي في الاستقلال الناجز او الكامل، وفعلا هذا ماحصل اخيرا.
بعد ذلك لما الغيت المعاهدة، وهدأت الاحوال، بدات الحكومة بتصفية اليساريين والديمقراطيين في العراق. وقد اعتقل كامل قزانجي بتهمة الشيوعية، واحيل الى المحكمة ، ولما لم تثبت التهمة عليه، حكم بتهمة اخرى، والقي في سجن بعقوبة لمدة سنتين او ثلاثة سنوات ،ثم اطلق سراحه على الارجح في عام 1951 . وبين عامي 1952-1953 ساهم مع مجموعة من المثقفين واليساريين من الحزب الوطني الديمقراطي ،في تكوين كتلة يسارية انتقدت مشاركة الحزب في الوزارة. وبذلك ازعج كامل قزانجي وكتلته،  الجكومة العراقية ، فالقت القبض على كثير من اليساريين ومنهم كامل قزانجي وتوفيق منير رئيس منظمة انصار السلام، وللتخلص من هذين الشخصيتين، تم الاتفاق مع الجكومة التركية في نفيهمهما ليقبعا في احد السجون التركية الى الابد ،واشترطت الحكومة التركية لترتيب الامر ، ان تسحب الحكومة العراقية منهما الجنسية العراقية ، فتم ذلك . وقبعا في السجن خمسة سنوات  حتى قيام ثورة 14 تموز 1958 ،حيث اطلق سراحهما . كان كامل قبل نقله الى تركيا قد اخذ حفنة من تراب الوطن العزيز ، ووضعها في جيب قميصه قرب قلبه ، وذكر ذلك كامل بعد عودته ،ان تراب الوطن اعطاه القوة والامل في تحرر العراق وفي احتمال المعاملة السيئة له في السجن .
 أغتيال كامل قزانجي
في عام1959 ، كانت منظمة انصار السلام قد دعت الناس للذهاب الى الموصل والقيام بتظاهرة لاثبات تاييدهم الى الثورة العراقية .فذهب كامل قزانجي مع اصدقاء له في منظمة انصار السلام الى الموصل، وهناك تظاهروا . وبعد يوم او يومين قام العقيد عبد الوهاب الشواف مع مجموعة من الضباط بمحاولة انقلاب على الحكم القائم آنذاك . وفي الموصل قام الانقلابي
 ون بالقاء القبض على كل من يعتبرونه ضدهم، وكان من ضمنهم كامل قزانجي. وقد وصف شاهد عيان، وهو السيد شوكت توما عملية القاء القبض على كامل قزانجي قائلا : “دخلت زقاقنا مجموعة من الاشخاص في سيارة وكان احدهم يرتدي ملابس عسكرية ، وطرقوا بيت السيدة جارتنا التي كانت من اقارب كامل قزانجي ، ودخلوا البيت حال فتحه وطلبوا ان ياتي معهم كامل لان اصدقائه يريدون رؤيته حالا . وعلى الرغم من عدم تصديقه للامر ،لكنه اضطر ان يذهب معهم . وفي اليوم التالي سمعنا عويلا وصوت بكاء عالي ،وعويل عدد من النساء، اتيا من بيت اقارب كامل قزانجي ، فلما نظرنا وجدنا امامنا جثة كامل مرمية امام بيت اقاربه وعلى جسمه آثار عدد من الرصاصات، وعرفنا بعد ذلك ان الذي قتله هوالنقيب محمود عزيز .” ويكمل مأساة اغتياله شاهد آخر قد تحرى كيفية قتله وهو السيد فخري بطرس قائلا :” بعد الانقلاب ،وقصف مقر عبد الوهاب الشواف ، ذهب الضابط محمود عزيز مساعد الشواف الى سجن القلعة حيث سجن كل من اعتقدوا معارضا للانقلاب . وكان غرضه الانتقام لقائده الذي اصيب اثناء القصف، وعند وصول محمود الى سجن القلعة ،وقف في باحة السجن وطلب من العسكريين اخراج المعتقلين واحدا بعد الاخر، وقام الجنود باخراج كامل قزانجي اولا ، فلما وصل الى الباحة ،اصدر محمود عزيز الامر للجنود بقتل كامل ،فانها لت عليه الرصاصات ،وهكذا سقط مضرجا بدماءه . وهنا اعترض الضابط السجين عبدالله الشاوي،الذي كان من ضمن المعتقلين،  على وحشية محمود عزيز قائلا : اننا لن نخرج واحدا واحدا، فاذا اردت ان تقتلنا فتعال واقتلنا جميعا “ وهكذا لم يقتل من المعتقلين سوى كامل قزانجي، ذلك الانسان النبيل والطيب الذي احب بلاده وقدم نفسه في الصفوف الاولى للاستشهاد في سبيله .
جرى تشييع المرحوم كامل قزانجي في بغداد بعد ايام،وسار في جنازته جميع اهله واقاربه ومريديه مع حوالي نصف مليون شخص،وقد نشرت معظم  الصحف العراقية في ذلك اليوم الخبر على صفحتها الاولى .

اهم المصادر
1- اعد المحامي عزيز شريف كتيبا عن (محاكمة كامل قزانحي) طبع في حينه في اوائل الخمسينات من القرن الماضي.بغداد، مطبعة الرجاء،بدون تاريخ . نسخة منه موجودة في المكتبة الوطنية.
2- كتب عن سيرته بشكل موجز الباحث حميد المطبعي،برجاء مني، ونشرها في الجزأ الثالث من موسوعته المتميزة (اعلام العراق في القرن العشرين) بين الاعوام 1986-1991 .
3- كتب الدكتور عمر الطالب عن سيرته بايجاز ايضا، على الارجح نقلا عن الباحث حميد المطبعي.
4-كتب عنه الباحث الشماس يوسف حودي،ضمن سلسلة مقالات عن اعلام الموصل في موقع عينكاوة في اربيل عام 2012
5- كتب الاديب فخري بطرس،عن كامل قزانجي كشاهد عيان في الموصل في عام 1959 ،ونشر مقالته في موقع  عينكاوة المتميز في يوم 10/7/2010
6- كتب عنه السيد شوكت توما ،باعتباره ثاني شاهد عيان على اغتياله، في موقع زوعا اي الحركة الاشورية الديمقراطية .
7- كنب عنه ايضا الاديب المعروف مهدي شاكر العبيدي بتاريخ 20/6/ 2011 في موقع مركز النور .

31
أضطهاد العلماء والمفكرين : 8- الفيلسوف الفارابي

أستاذ فؤاد يوسف قزانجي

 يعد ابو نصر، محمد بن طرخان الفارابي، ثاني فيلسوف اسلامي بعد الكندي. ولد في عام 872 م في بلدة وسيج من ولاية فاراب في تركستان التي كانت تابعة الى الدولة الفارسية الساسانية آنذاك. وكان والده رئيس احدى المجموعات الاسلامية المقاتلة في بغداد .
بعد ان عاش الفارابي ودرس في بلاده حتى وصل عمره الى مايقرب من الخمسين،وصار متأثرا بحياة الرهبان النسكية والمتعففة، مال الى الفلسفة وخاصة فلسفة اخوان الصفا . تعلم الفلسفة على يد يوحنا المروزي، ثم سافر الى مدينة دير قنى في جنوب العراق والتحق فترة في اسكول مار ماري،التي كان يديرها استاذ المنطق فيها ابو بشر، متى بن يونان، كما افادنا بذلك ابن النديم في كتابه العتيد الفهرست. بعد ذلك انتقل الى بغداد عاصمة الدولة العباسية، حيث تعلم هناك على يد الفيلسوف السرياني يوحنا بن حيلان، كما حضر مجلس ابو سليمان محمد بن طاهر السجستاني الذي عرف آنذاك بالمناقشات الفلسفية . بعدفترة ذاع صيته كفيلسوف، فقرر السفر الى دمشق ومنها الى حلب والتحق ببلاط امير حلب سيف الدولة الحمداني .
كان الفارابي رجلا عفيفا لم يتزوج، وكان لاياخذ من اجره سوى مايكفي لمعيشته، لكن بعد فترة يبدو ان اراءه الفلسفية الجريئة ،لم تعجب رجال الدين في بلاط الامير سيف الدولة الحمداني، فطرد من بلاطه او انه شعر بموقفه المختلف عنهم، فترك عمله في البلاط، وانعزل في بيته في دمشق،وظل بعيدا عن اجواء البلاط وكتابه وشعرائه،حتى مات دون اهتمام عام 950 م.
كان الفارابي فيلسوفا متميزا،بالاضافة الى ذلك كان متضلعا بالطب والموسيقة حتى ان مؤرخ الاطباء ابن ابي اصيبعة في كتابه (طبقات الاطباءص:398-405 ) جعله احد اطباء زمانه . وذكر ابن خلكان في (وفيات الاعيان) انه عاش في اواخر عمره بعيدا عن الاخرين، وكان يقضي اوقاته في زيارة البساتين ،وكذلك السير علة ضفاف النهر. وكان تلاميذه ياتون اليه هناك فيحاورهم ويعلمهم .كما ذكر ان الفارابي لفقره وفاقته في أواخر حياته، عمل مشرفا على الحديقة العامة في دمشق!
خلف الفارابي كتابات فلسفية عديدة بقي منها 32 رسالة منها باللغة العربية ، واخرى وصلتنا بلغتين هما العبرية واللاتينية. وان ابرز مؤلفاته هي : احصاء العلوم والعقل والمعقول واهل المدينة الفاضلة .يبدو ان الفارابي اضطهد في اواخر سنوات حياته، حينما سعى الى ان يثبت ان لاخلاف بين الفلسفة وعقائد الشريعة، لكنه فشل في اقناع وسطه الفكري والديني. ولذلك قال عنه الذهبي في كتابه ، سير الاعلام(416/15): ان له تصانيف مشهورة لم يذكرها، ولكنه قال عنها “ من ابتغى الهدى بها، ضل وحار” ،ومنها تحرج ابن سينا؟. وذكر عنه ابن عماد في شذرات الذهب: ان الفارابي اكثر العلماء كفرا وزندقة. اما العلامة في الدين الغزالي، وفي كتابه المنقذ من الضلال،فقد اكد : “ان الفارابي لاشك في  كفره هو وابن سينا” !؟
قال الفيلسوف الفارابي وهو يدعو الله : اللهم انقذني من عالم الشقاء والفناء،واجعلني من اخوان الصفاء واصحاب الوفاء، وسكان السماء مع الصديقين” .
 اهم المصادر
1- موقع خارج السرب 24-5-2013
2- كتاب :فيصل التفرقة بين الاسلام والزندقة، وكتاب المنقذ من الضلال للغزالي

32
 
اضطهاد العلماء والمفكرين : 7- كريستوفر كولومبس
أ. فؤاد يوسف قزانجي

 يعد كريستوفر كولومبس الايطالي ،(1451-1506 ) ابرز المكتشفين في العالم : ليس لشجاعته في ركوب البحر والمحيط وحسب ، بل لعلمه و ممارسته وشدة تحمله في اثناء اربع رحلات في سفن شراعية من اجل اكتشاف قارة امريكا وجزر المحيط الهادي . ولد كولومبس في جمهورية جنوة في ايطاليا عام 1451 م ، ثم اكتسب الجنسية الاسبانية .
طرح افكاره في اختراق المحيط الهادي والدوران حول العالم امام ملك اسبانيا ، التي كانت من ابرز الدول البحرية في القرن الخامس عشر ، من اجل ان يمده بالمال والبحارة في رحلته التي تتطلب ثلاثة سفن وعدد من البحارة المتمرسين ، وذلك للسعي  في  الدوران حول العالم، لكن الملك الاسباني لم يقتنع برايه ، وكان مستشاريه من رجال الدين قد رفضوا الفكرة وحذروه اذا ما ذهب بعيدا ووصل حافة الارض،حينذاك سيسقط هو وبحارته ويهلك ، لان معظم الناس كانوا لايزالوا  يعتقدون ان الارض مسطحة .
كان كولومبس بحارا متمرسا وملاحا مجربا : فقد درس الملاحة وعلم الفلك والرياضيات في جامعة بافيا، وتتبع افكار ورحلات من سبقوه ،كما تعلم الاسبانية واللاتينية والبرتغالية .
وهكذا اضطر كولومبس ان يذهب الى البلاط البرتغالي ويطرح فكرته ثانية من اجل تمويل رحلته، فتمت الموافقة عليها، وكانت رحلته الاولى في عام1491 ، حيث كانت سفنه تجري بين جزر الكناري وجزر البهاما، وكذلك كولومبيا ، فظن انه وصل الهند ، وعند عودته ،ظل خمسة اشهر يسير ببطىء لشدة الرياح حتى اقترب من البرتغال،حينما قامت سفينة فرنسية باطلاق النار من مدافعها على سفينته ،فاغرقتها، وكاد يغرق بعد ان سبح لمدة طويلة لاجل ان يصل الشاطىء .
 اقتنعت اسبانيا بقدرته وامكانيته الملاحية ، فمولت رحلته الثانية في عام 1492 التي وصل فيها الى اراضي امريكا اللاتينية،حيث فتحت امام الاوربيين وخاصة اسبانيا التي استحوذت على عدد من تلك البلدان في امريكا الجنوبية مبكرا .
اما الرحلة الثالثة فقد ابحر عام 1498 فوصل الى ترينيداد ومن ثم الى جنوب امريكا، ومع ذلك لم يكن كثيرين يعتقدون بعودته سالما . يبدو انه كان فظا مع الاهالي ، فاعيد الى اسبانيا موقوفا ومقيدا بالاغلال . ولما وصل قررت اسبانيا انتزاع الميداليات والالقاب النبيلة ،بعد ان اتهمه قائد الكتيبة المرافقة بالمروق . وكانت رحلته الرابعة عام 1502 حيث جوبه عند عودته بعاصفة شديدة كاد ان يموت غيها، علما ان اسبانيا استطاعت بجهوده، ان تستحوذ على كثير من البلدان في امريكا الجنوبية ، واكتفت البرتغال بالاستيلاء على البرازيل، وهكذا اصبحتا من اغنى الدول في ذلك العصر . ومع ذلك اقامت اسبانيا دعاوى  قانونية وغير قانونية على كولومبس لامتصاص ثروته . اصيب كولومبس بالروماتزم وامراض اخرى ومات مبكرا في عام 1506 ،بعد اقل من سنتين  من عودته من رحلته الاخيرة ، لما  اصابه من نكد وهم ، وكان عمره لايتجاوز الرابعة والخمسون،ودفن في مدينة فالادوليد(بلد الوليد) الاسبانية  . ولم تلتفت اسبانيا ولا البرتغال ولا ايطاليا الى منجزاته واكتشافاته الا بعد وفاته بفترة طويلة !
تاثر بشجاعته واقدامه كثيرا من  المكتشفين والرحالة  ، وصاروا يقرأون ماكتبه في رحلاته وما وصفه من جزر وامكنة . وسار على دربه كلا من ماركو بولوالايطالي وبعده جون كابوت البريطاني وغيرهما .

اهم المصادر
1- Wikipedia
2- www.history. com

33

 اضطهاد العلماء والمفكرين : 6- ابو بكر، محمد الرازي

أستاذ فؤاد يوسف قزانجي

 ابو بكر، محمد بن يحيى الرازي ، كان طبيبا فارسيا بارعا أشتهر في القرن العاشر للميلاد ، عاش بين (864-923) ، بالاضافة الى ذلك  كان عالما في الكيمياء والتعامل مع المعادن . في الطب اشتهر بكتابه (الحاوي في الطب )  وكذلك في الجامع الكبير وكتاب الادوية المفردة الذي تضمن سردا لاعضاء الجسم، وهو اول من ابتكر خيوط الجراحة . ولد في مدينة الري قرب (طهران) .درس في بغداد،ثم عاد الى مدينته ليتولى امر المستشفى فيها .
 له اسهامات في مجال الكيمياء عندما قسم المواد الى اربعة اقسام هي : المعدنية والنباتية والحيوانية ثم المشتقة . وهو اول من عرف حامض الكبريتيك الاخضر. قال عنه الباحث جورج سارتون : “ ان الرازي كان من اعظم الاطباء المسلمين في العصور الوسطى” .
ويقول الباحث جيرار كرمانا ان افضل ماكتب كان في الكيمياء في كتابه (كتاب الاسرار) ،كما اشتهرت في اوربا، رسالته في وصفه اعراض الحصبة والجدري.
درس الفلسفة والمنطق والديانات . واكد في كتاباته :”ان العقل هو المرجع المهم الذي نرجع اليه “ . وله اكثر من مؤلف في نقد الاديان ، وفي مناقشتها، حيث اكد ( ان الله منح العقل للانسان ليفكر به ) .
 كما ناقش  في كتابه بعنوان (في النبوة ) فكرة النبوة ،وتسائل كيف يختص الله قوما بالنبوة دون قوم، ويفضلهم على الاخرين ، ويجعلهم ادلة لهم، واحوج الناس اليهم . وكيف يؤكد ان بينهم العداوات، وانه يكثر بينهم المحاربات، ويهلك بذلك الناس؟ كما ذكر الباحث عبد الرحمن بدوي ، وخرج بنتيجة ان الرازي كان يشكك في دينه، وعلى ذلك كان البيروني محقا بضلالة الرازي . واشار الى ذلك ايضا الباحث ( بي .  والكر ) ،واضاف من الواضح ان اراء الرازي قد تاثرت بالمسيحية والمانوية  المنتشران في بعض انحاء  ايران (1)
 قال الرازي يسخر : من التزم دين العجائز فهو الفائز .
وبروى عنه هذه الابيات  :
  نهاية  اقدام   العقول   بمقال           واكثر  سعي  العالمين  ضلال
وارواحنا في وحشة من جسومنا       وغاية  دنيانا  اذى    ووبال
ولم نستفد عن بحثنا طول عمرنا      سوى ان جمعنا فيه قيل وقال
اتهم  رجال الدين من الحنابلة، العلامة الرازي بالكفر تارة ، وتارة اخرى بالزندقة ، واثاروا عليه الرأي العام، فطرد من عمله في ديوان احد الوزراء في بغداد  ، وصودرت مؤلفاته ،وضرب بالكتب الموجودة في مكتبته على رأسه طويلا حتى فقد بصره ، ولم يجرأ احدا من اصدقائه وتلاميذه على زيارته ،حتى توفي معدما .

 اهم المصادر

1- Walker, P. The Political Implications of Al-Razis Political Aspecs of Islamic Philosophy> Cambridge 1992 . P80-85


34
 

 أضطهاد العلماء والمفكرين : 5- الفيلسوفة هيباتيا

 ألاستاذ فؤاد يوسف قزانجي


ولدت هيباتيا (الفيلسوفة الاولى في العالم) في عام370 للميلاد ،والدها ثيون الاسكندري ، كان استاذا وثنيا في اكاديمية الاسكندرية  . درست هيباتيا الفلسفة والرياضيات والفلك في اكاديمية أثينا، التي كانت ماتزال في بداية انتشار المسيحية في اليونان، وذلك  في عام 400م  . اصبحت هيباثيا استاذة للفلسفة  والرياضيات في اكاديمية الاسكندرية، وكان طلبتها مسيحيون ويهود ووثنيين ،كما كان ايضا اساتذتها . ينسب اليها جهاز لقياس الكثافة النسبية للسوائل، وصناعة افضل اسطرلاب لقياس الافلاك في زمانها . كانت امرأة عفيفة ولم تتزوج ، وعرفت بجرأتها وبلاغتها في المحافل التي كانت كلها تقتصر على الرجال . وربما اصبحت عميدة لأكاديمية الاسكندرية ،لكنها استمرت في التدريس . تبادلت هيباتا رسائل مع تلميذها سينوسيوس القورينائي الذي اصبح عام 410 اسقفا على ليبيا ، وتعتبر هذه الرسائل مع بعض النصوص التي سجلها عنها داماسكيوس من المصادر الوحيدة عنها . وهذا يدلل على انها لم تكن تبالي بالفكر الوثني . كانت نتيجة اهتمامها بفلسفة افلوطين والتي تسمى الافلاطونية الجديدة ، ان قبلت بالحياة النسكية والبتولية المسيحية . 
هناك ذكر  لمؤلفاتها عند المؤرخ الروماني سقراط وابرزها :
1-تعليقات على كتاب الرياضيات الى ديبوفانتوس . 2- تعليق على كتابات كوينكوس من ابولنيوس 3- مراجعة وتحرير كناب بطليموس (المجسطي) في الفلك . 4- تعليق على كتاب اقليدس المسمى (العناصر) . 6- كتاب قانون الفلك .
 في صراع بين حاكم الاسكندرية الوثني وبطريرك الاسكندرية ، عن مكانة هيباتيا ،التي اتهمت بفلسفتها الفاسدة ،لانها ناقشت في محافل الاسكندرية،مكانة المرأة وعدم مساواتها مع الرجل، مع العلم ان المسيحية تقر بذلك . 
 وفي احتفال في احد اعياد اليهود جرى فيه الرقص،وكانت حاضرة، هجم عليها حفنة من الغوغاء وسحبوها من الاحتفال، وقتلوها بعد ان اتهموها بالوثنية ، وكان ذلك في عام 415 م  .
 ذكرها المؤرخ ترتليان ايضا قائلا: “ ان افكارها وفلسفتها لن تموت بموتها .”
منذ القرن التاسع عشر كتب عن حياتها وشخصيتها القوية وعن عمق فكرها العلمي اكثر من عشرين مؤلفا، بالاضافة الى مئات المقالات وكذلك العشرات من اللوحات الفنية باعتبار هايباتيا ، اول امرأة راحت ضحية مجتمع منغلق،لم يتحمل وجودها ونشاطها من اجل ان تكون متكافئة مع  الرجل . 


اهم المصادر
1- Colombia Ency. (Hypathia Cituation ) Alexandrian Neoplatonic Philosophers in
2- Ency. Britt.
3- Socrates the Scholaschos . Hypatia

35
اضطهاد العلماء : 4- حنين بن اسحق العبادي

أ. فؤاد يوسف قزانجي

هو أبو زيد، حنين بن اسحق العبادي ، والعبّاد قبائل من بطون العرب اجتمعوا على المسيحية بالحيرة، وكانوا قد هاجروا  اليها، مع قبائل عربية اخرى مثل بنو شيبان واياد واسد ،راحلين من اليمن ، في القرن الثالث للميلاد خاصة بعد خراب سد مأرب وامسى العيش صعبا في بعض انحاء اليمن .
ولد حنين في الحيرة عام "810م" وكان والده صيدلانيا له حانوت لطب الأعشاب والنباتات، فنشأ حنين محبا لمهنة الطب تواقا لها. وكان انسانا مؤمنا بدينه مواضبا للذهاب الى الكنيسة حتى صار يخدم فيها كساعور (مساعد القس) ، وينسب اليه عبديشوع الصوباي تأليف كتاب "مخافة الله" خلال فترة شبابه. ويبدو انه تعلم في شبابه كتابة السريانية وربما الفارسية اضافة الى اللغة العربية .
 يذكر ابن أبي أصيبعة عن بداية شبابه قائلا: "ان اول ما حصل لحنين من الاجتهاد والعناية في صناعة الطب، سافر الى بغداد ملتحقا بمجلس الطبيب يوحنا بن ماسويه" الذي كان مشرفا على اطباء البلاط العباسي. وكان حنين إذ ذاك يلحّ في السؤال بمجلس ابن ماسويه، وهذا ما كان يصعب على يوحنا، وكان يباعده في قلبه، اذ ان حنين من اهل الحيرة الذين يشتهرون بالتجارة والصيرفة . فسأل حنين عن بعض ما كان يقرأ عليه من مسائل في الطب، فغضب أستاذه يوحنا وقال له: "ما لأهل الحيرة وتعلّم صناعة الطب!، صر الى فلان قرابتك حتى يهب اليك مالا تتعامل به في الصيرفة". ثم أمر به فأخرج من مجلسه، فخرج حنين حزينا مكسور الجناح. وعوّل بالاعتماد على نفسه في تعلم الطب.
 غاب عن اهله سنتين سافر فيها الى بلاد الروم قضاها في إحكام تعلّم اللغة اليونانية التي كانت مصدرا رئيسا لتعلم الطب، وتوصل هناك في تحصيل بعض كتب الحكمة والطب وقراءتها. وكان حنين قبل ان يلتحق ببيت الحكمة شعث الشعر وينشد شعرا باليونانية لعله لهوميروس، كما يقول ابن القفطي. ثم سافر الى بغداد وعمل مترجما في بيت الحكمة وذلك في نهاية عهد الخليفة هارون الرشيد تحت اشراف الحكيم جبرائيل بختيشوع. وقد ترجم الى جبرائيل أقساما قسّمها بعض الروم من كتب (كالان )او جالينوس أشهر طبيب يوناني. وكان جبرائيل يخاطب حنين بكل احترام وتبجيل. وحدث ان اطّلع كبير الأطباء يوحنا بن ماسويه على ما ترجمه حنين من تلك الفصول من كتب جالينوس التي تسمى بالفاعلات، فأعجب بها وانبهر بحسن الترجمة والتعبير فسأل الطبيب قائلا: "أترى المسيح قد اوحى في دهرنا الى أحد؟!". فقيل ليوحنا ان هذه الترجمة المتقنة هي لحنين بن اسحق من اهل الحيرة الذي طردته من مجلسك وأمرته ان يصبح صرّافا (1). وهكذا اعترف يوحنا انه لم يقدّر حنين حق قدره. ولازم حنين يوحنا بن ماسويه الذي كان مشرفا على الترجمة في بيت الحكمة، وكان حنين انذاك أي في عام "225هـ" شابا يبلغ الحادية والثلاثين من العمر وقد تمكن على قدر كبير من المعرفة.
 كان الخليفة عبد الله المأمون " 813-833م" محبا للثقافة ميالا الى الفلسفة والحكمة وكان بينه وبين امبراطور الروم مراسلات، فكتب الى امبرطور الروم يسأله في انقاذ ما يختار من العلوم القديمة المحفوظة في خزائن الكتب في القسطنطينية من المؤلفات اليونانية. وقد ارسل الخليفة سلما الذي كان صاحب مكتبة بيت الحكمة في البلاط كما بعث معه الحجاج بن مطر ويحيى بن البطريق الى بلاد الروم . وبعد ان جلبت الكتب القديمة وغالبيتها في الطب والفلسفة ، ساهم حنين في ترجمة هذه المؤلفات الى العربية وإصلاح ما ينقله غيره من المترجمين .

نشاط حنين في بيت الحكمة
كان من بين الذين أشرفوا على حركة الترجمة في بيت الحكمة بنو موسى بن شاكر وهم ثلاثة اخوة عرفوا بخبرتهم في علم الحساب والهيئة والآلات، وكانوا يعطون الى جماعة من النقلة ومنهم حنين بن اسحق وحبيش بن الحسن وثابت بن قرّه وغيرهم في الشهر نحو خمسمائة دينار للنقل والملازمة. وكانت الترجمة الحرفية سائدة بين النقلة قبل حنين، ولعل أشهر هؤلاء المترجمين الذين اتبعوا هذه الطريقة يوحنا بن البطريق وعبد المسيح بن ناعمه الحمصي وكانوا يترجمون عادة من اللغة اليونانية، ولكن عندما حلّ حنين في بيت الحكمة، استن طريقة في الترجمة اعتمدت على نقل المعنى الصحيح نقلا دقيقا محكما استنادا الى المعاني الشاملة لكل جملة ترد في النص ومن ربط المعنى الكلي للجمل بعضها مع البعض الآخر. وحسب هذا الأسلوب يتكون مضمون الكتاب او النص المترجم (2).
وكان التراجمة السريان قد استنوا تقليدا في نقل علوم ومعارف اليونان الى اللغة السريانية في وقت مبكر ربما من القرن السادس الميلادي لدعم مدرسة جنديشابور الطبية ومدرسة نصيبين التي كانت تهتم بالفلك وحركة النجوم . وقد بني أول بيمارستان "مستشفى" في الشرق قرب مدرسة الطب في جنديشابور في بداية القرن السابع للميلاد وكان من اوائل المشرفين على هذه البيمارستان احد اجداد جرجس بن جبرائيل بن بختيشوع وهي الأسرة التي انجبت اجيالا من الأطباء استفادت منهم بلاطات بني العباس وكذلك  بيت الحكمة في بغداد.
كان حنين كما ذكرنا في ترجمته حريصا كل الحرص على اداء النص اليوناني اداءا صادقا، واعانه على ذلك انه لم يكن مترجما او ناقلا ، كما يستهين به البعض وحسب، بل كان طبيبا بارعا وذو ثقافة ومنطق قد درس الفلسفة اضافة الى اجادته للغة العربية. وقد استحكم في الترجمة من خلال وجوده الطويل في بيت الحكمة، وربما تسلّم رئاسة بيت الحكمة في اواخر عهد  الخليفة المأمون، بعد وفاة أستاذه يوحنا بن ماسويه، ومع ذلك فقد كان حنين  هو المسؤول عن الترجمة في بيت الحكمة ، واننا بذلك نؤيد الذين ذكروا توليه لرئاسة بيت الحكمة من بينهم الباحث ماهر عبد القادر(3)، والباحث رشيد الجميلي (4). وفي الحقيقة لقد امكن   للاطباء السريان لا ان يترجموا المؤلفات اليونانية في الطب ومعارف اليونان الى اللغة العربية، لكن من خلال ممارستهم الطب ، استطاعوا ان يضيفوا في القرنين الثامن والتاسع ، الى الطب السرياني -العربي كثير من التجارب والملاحظات السريرية الى الطب اليوناني ، ولذلك فانهم لم يكونوا نقلة ،بل يكتبون بوعي وابداع لتاسيس طب سرياني-عربي جديد. كان حنين لكي يضبط دقة المصطلحات الطبية الجديدة على العربية ،يترجم من اليونانية الى السريانية ليتولى ابنه اسحق أو ابن اخته حبيش وبقية تلامذته تتمة الترجمة الى العربية، ويعود حنيبن اخيرا ليدقق في النص العربي النهائي ويحرره أي يصححه.
ويعلّل الباحث رشيد الجميلي في أطروحته المتميزة قائلا: "أنني  ارى وراء ذلك رغبة حنين وجماعته في نشر لغتهم السريانية، حيث يضطر الشخص الذي يرغب بالإطلاع على علوم ومعارف اليونان الى ان يتكلم اللغة السريانية:  1- لكي يسهل عليه قراءة هذه الترجمات على الرغم من معرفتنا بأن الكتب السريانية كانت تترجم بدورها الى اللغة العربية، 2- العمل على إغناء التراث السرياني بعلوم ومعارف التراث اليوناني الأمر الذي يكسبه اهمية فوق اهميته الأصلية، 3- رغبة حنين في اشراك الآخرين من المترجمين الأمر الذي تطلب التوسع في دائرة المترجمين السريان" (5).
كان حنين بالاضافة الى كفائته في النقل شديد التمحيص والدقة في ترجماته، حيث كان يستعين بنصين او ثلاثة ويقوّمها ثم يكتبها حتى تبدو كالأصل عناية واهتماما، وهذه الأمانة في النقل جعلت الخليفة المأمون يجزل له العطاء. في الحقيقة ان حنين سلّم بالأخذ والعطاء بين اللغتين العربية والسريانية، وكان أسلوبه سهلا واضحا، وفي سبيل الوضوح لا يرى غضاضة في استعمال بعض التعابير السريانية او اليونانية المتداولة، كما كان  يتخيّر اللفظ الملائم والتعبير الدقيق الذي كان من مستلزمات التأليف والترجمة لا سيما اذا ما أراد انشاء مصطلحات سريانية أو عربية جديدة.
ألّف وترجم حنين في مجالات علمية متعددة أبرزها طب الجسم  وطب العيون أو الكحالة وكذلك الصيدلة ، أي امتحان الأدوية والعقاقير العشبية . كما الم  بالطبيعيات والدين والاخلاق، وقد  ألف فيها ثلاثة كتب بالاضافة الى ترجمته على الارجح التوراة ،حسب النقل السبعيني إلا ان هذه الترجمة لم تصل الينا (6). وهكذا خلّف حنين في الترجمة مدرسة علمية او جيلا من المترجمين في العلوم المختلفة ، أفادوا الثقافة العربية سواء اولئك الذين عملوا معه في بيت الحكمة أو الذين تفرقوا ليستمروا في ترجمة ما تبقى من التراثين اليوناني والسرياني.
ان اولئك المترجمين على اختلاف اثنياتهم، كانوا يستخدمون طريقة المقابلة بين النسخ، وكانوا قد استفادوا كثيرا من ترجمات حنين التي زخرت بالمصطلحات العربية الجديدة في الطب (7).

الطبيب اللامع حنين
خلّف حنين وراءه ثروة فكرية هائلة تمثلت في مؤلفاته في طب البدن وطب العيون والأدوية بالاضافة الى ما ترجمه من كتب جالينوس وابقراط وغيرهما في الطب، يساعده عدد من التلامذة في النقل والمعرفة الذين عملوا في بيت الحكمة وقد بلغ عددهم اكثر من عشرة مساعدين بينهم ابنه اسحق الذي كان على اطلاع بالطب ومهتما بالفلسفة. ويعد من افضل مترجمي الفلسفة وابنه الآخر داود الذي لا نعرف شيئا عن نشاطه، وابن اخته حبيش بن الحسن الاعسم واصله من سريان انطاكيا وعيسى بن يحيى بن ابراهيم ومنصور بن باناس واصطيفان "اصطفى" بسيل "باسيل" وموسى بن ابي خالد ويحيى بن هارون وابو عثمان بن علي وغيرهم. وقد ترجم حنين معظم كتب جالينوس التي وصلت بيت الحكمة، واورد الباحث ماهر عبد القادر "112" كتابا مترجما لحنين منها "16" كتابا من تأليف جالينوس (8).
بعض المؤرخين  أو الكتّاب وصفوا حنين بن اسحق بأنه ناقل او مترجم جيد وحسب، ولكن الحقيقة ان حنين يعد واحدا من أبرع الأطباء في تاريخ الطب السرياني- العربي، كما انه يعد عالما في الصيدلة فقد عرف الأدوية المركّبة والأدوية المفردة أي البسيطة التركيب والتي كان أصلها من النباتات والأعشاب أو من بعض أوراق الشجيرات أو قشور اللبان والزهر وغيرها. اما المركّبة فقد كانت خليطا نباتيا وحيوانيا، واحيانا يضاف اليها بعض المركبات الموجودة في الاحجار والطبيعة، لذلك الف كتبا في الطب والادوية والاحجار الكريمة والطبيعة .و في حقل الأدوية المركبة برز حنين في كتابه "المنهج المنير في معرفة اسماء العقاقير" وفي ايجاد مصطلحات للمعاجين والمراهم والمضمضة والترياق والأشربة و الدهان وغيرها. وقد ذكر ابن القفطي بأن حنين، "كان بارعا في اللسان العربي شاعرا خطيبا فصيحا لسنا"، وإن لم يصلنا من شعره شيئا.
ألّف حنين بالاضافة الى ما تقدم معجما في الطب يتضمن العبارات والمصطلحات الطبية الجديدة التي ابتدعهاحنين.ويذكر بههلول في مقدمة معجمه انه استعان بمجموعة من المصطلحات السريانية لكنه لم يشرْ الى مصدرها، ويعتقد المؤرخون بأنها منقولة من معجم حنين. وكان حنين قد ألّف معجما آخرا للمترادفات السريانية سمّاه "المترادفات" الذي ينسب خطأ الى جبرائيل بن بختيشوع. وقد قام زكريا المروزي في نهاية القرن التاسع للميلاد بتكملة معجم حنين حيث اضاف اليه زيادات عديدة.
 ومن المؤسف ان معجم اللغة اليونانية والمعجم الآخر لحنين مفقودان، وقيل ان يشوع بن علي الطبيب ،واحد تلامذة حنين قد اضافه الى معجم اللغة السريانية الذي اعده . (9)
الفترة الأخيرة من حياته
كان  الخليفة الواثق (ت864) فقد عني بترجمة العلوم النقلية اكثر منه بترجمة العلوم العقلية واعتمد بذلك على الطبيب يوحنا بن ماسويه في هذا المجال (10).
كان حنين باحثا يسعى الى طلب العلم طوال حياته حيث يقول انه في سبيل الحصول على كتاب "البرهان" لجالينوس الذي كان وجوده نادرا في زمانه "انني بحثت عنه بحثا دقيقا وجبْت في طلبه ارجاء العراق وسوريا وفلسطين ومصر الى ان وصلت الى الأسكندرية، ولكن لم أظفر إلا بما يقرب من نصفه في مدينة دمشق" (11).

محنة حنبن
في هذه الفترة (القرن الرابع الهجري) كانت حركة الترجمة اقل نشاطا من ذي قبل. اذ كان  الخليفة المتوكل (846 -861 ) حنبليا متعصبا ،قضى معظم فترة خلافته بمحاربة  الزنادقة ، ومطاردة جماعة المعتزلة الذين اهتموا بالعقل وفضلوه على النقل،ولاحقهم وقتل عددا منهم وفر الباقون الى بلاد بعيدة ، واعدم شيخ المعتزلة آنذاك احمد بن نصر  ومعه ابنه في عام 273ه . وكان قد عذب المفكر ابن الزيات حتى الموت ،بعد ان وضعه في تنور ،واشعل فيه النيران . وصادر امواله ومايملك ، وجواريه وغلمانه واضافهم الى جواريه وغلمانه ، الذي زادوا على الالف في قصره . (احمد صبحي منصور في موقع الحوار المتحد 2013 ) .
 كان المتوكل  ييتوجس ايضا من المسيحيين ، حيث الزمهم بلبس ملابس تختلف عن ملابس المسلمين ، ودفع العشر بما يكسبون ،وشروط اخرى لامجال لذكرها . وقد ارسل الى  الطبيب حنين الذي كان على الارجح رئيسا لبيت الحكمة في بغداد ، وطلب منه ان يصنع له سما قاتلا لان  له فيه شأنا، فرفض الطبيب حنين ،ولما توعده وهدده المتوكل قال له حنين : ان ديننا لايسمح بذلك، فامر المتوكل بحبسه ،فحبس لمدة سنة كاملة ذاق فيها الامرين ، حتى فك اسره .
وبعد فترة وجيزة من عودته الى العمل ، اشتكى عليه طبيب المتوكل ، بختيشوع بن جبرائيل الذي كان يحسد حنين على مكانته وعلمه ، حيث  تعمد ان يدخل معه في نقاش حول تكريم الايقونات في المسيحية، والذي اثير في تلك الايام، فانتقدها حنين . فذهب الى الخليفة وقال له ان حنين  اهان صورة مريم العذراء . تحمس المتوكل  للشكوى  ، فامر بحبس حنين ،ورمي كتب مكتبته ، والقاء المياه في بيته . وقد بقي في السجن لمدة سنتين حتى مرض ، فاطلق سراحه . وقد ذهب بعض المؤرخين ان حنينا ،مات فجأة من شدة الغم ، وذلك في 1/12/873 م . (12)

كتب سيرة حياة حنين بن اسحق كثيرون ،من الشرق والغرب ومن ابرزهم الاستاذ ماهر عبد القادر ،و الباحث  جورج قنواتي ، ذاكر ا ان له حوالي ثلاثين كتابا مؤلفا ، واكثر  من 60  كتابا  مترجما عن اليونانية والسريانية في الطب. وكانت مؤلفاته لا تشمل طب البدن والادوية وحسب ، بل انه تناول لاول مرة طب العيون ، كما ان له مؤلفات في  الدين والاخلاق وواحدا عن الاحجار الكريمة بالاضافة الى   قاموسه الذي نوهنا عنه ، وقد ترجمت اهم كتبه الى اللاتينية في العصور الوسطى ،ويسميه الاوربيون يوهانس اي يوحنا . وصفه المؤرخ الفرنسي ليكرك : “ كان حنين ابرز شخصية في القرن التاسع، وكان من اكبر العقول التي تحلت باسمى الاخلاق التي يعثر عليها التاريخ، وهو من اكثر العلماء الذين ساهموا في حركة النهضة الفكرية في ذلك القرن “. (13)

االمصادر
(1) ابن ابي أصيبعة، موفق الدين "600-668هـ" عيون الانباء في طبقات الأطباء، تحقيق نزار رضا. بيروت: دار مكتبة الحياة "ص261".
(2) الجميلي، رشيد حميد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي في القرنين الثالث والرابع للهجرة. طرابلس: الكتاب للتوزيع والطبع، ط1/ 182 "أطروحة دكتوراه في التاريخ الاسلامي، جامعة القاهرة، 1960" ص36.
(3) ماهر عبد القادر محمد. حنين بن اسحق: العصر الذهبي للترجمة. بيروت دار اليقظة العربية، 1988، 174 ص "48".
(4) الجميلي، رشيد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي.. المصدر السابق "ص236".
(5) الجميلي، رشيد. حركة الترجمة في المشرق الاسلامي.. المصدر السابق "ص39".
(6) أبونا، "الأب" البير "حنين بن اسحق" في كتاب، أدب اللغة الآرامية. بيروت: دار المشرق، ط2/ 1996 "الصفحات 318-320".
(7)   ماهر عبد القادر. حنين بن اسحق. المصدر السابق "ص158".
(8)   التكريتي، سليم طه "التعريب في الاسلام" سومر/ بغداد/ بغداد: مديرية الآثار العامة جـ1-2 مجلد32/ 1976 "ص371"
(9)   دوفال، روبنس. تاريخ الأدب السرياني ترجمة لويس قصاب. بغداد: مطرانية السريان الكاثوليك، 1992 "ص317-318".
10) ابن القفطي، جمال الدين ابي الحسن "ت 646هـ" تاريخ الحكماء وهو مختصر ابن الزوزني المسمى في المنتخبات من كتاب اخبار العلماء بأخبار الحكماء. بغداد: مكتبة المثنى، د.ت "ص68"
 11-الجميلي، رشيد. حركة الترجمة.. المصدر السابق "ص92"
12- (محنة حنين ) في كتاب عيون الانباء في طبقات الاطباء . لابن ابي اصيبعة، ص 42-45
13- بابواسحق ، رفائيل .احوال نصارى بغداد في الخلافة العباسية . بغداد : ص 192



36

أضطهاد العلماء : 2-هل قتل الاسكندر عالما بابليا؟

                                                                                                                        أ. فؤاد يوسف قزانجي

في عام 331 ق.م.،انتصر الاسكندر الكبير على الفرس وازاحهم من اليونان وامتدادها في اسيا الصغرى، ثم احتل سوريا وفلسطين ومصر ،وبعد ذلك بلاد  بلاد بابل ،وزار في طريقه مابقي من قصور وبوبات نينوى، ثم عسكر في بابل لمدة شهر واحد، قبل ان يطارد ملك الفرس .
 عدما استقر في بابل،  أشار مستشار الملك الكسندر للعلوم (كالستنيسس الاولنتي)”*”،  انه من الضروري ترجمة نواتج علم الفلك البابلي التي كانت قد وصلت الى مرحلة متقدمة . فاخذت المعلومات بعد ان جرى ترجمة الرقم الطينية البابلية الى اليونانية،  وارسلت الى اليونان، وجرى دراستها وتطبيقها فورا : فقام عالم الفلك ( كالبوس من نسكوس) وهو احد تلاميذ (ارسطو الاستاكيري) ،بحساب الشهر القمري، وانشأ تقويما جديدا يبدأ في 28 حزيران من عام 330 ق.م. ، بعد ثمانية اشهر من احتلال بابل. وكان الفضل يعود في تلك المعلومات الفلكية الى العلماء الفلكيين البابليين وعلى رأسهم كيدينو Kidinnu  الذي اطلق عليه الاغريق كديناس او سيديناس.
كان الاغريق قد اطلقوا على علماء الفلك البابليين بالكلديين. ظنا منهم انه علم نشا في زمن العصر البابلي الاخير. لكن في الحقيقة، ان علم الفلك كان قد بدأ منذ الحضارة البابلية الاولى في بلاد الرافدين (ق19 ق.م.) ، ثم تطور على الارجح لدى الكهنة الذين كان بعضهم يرصد القمر والكواكب من اعلى الزقورة التي تمثل المعبد في العراق القديم. وكان علماء الفلك يسمون في العصر البابلي الاول ( توبشار: انوما-آنو-انليل)  اي المراقبين للالهة التي تمثل السماء والارض والهواء . وكان الكهنة من الذين يعرفون الرياضيات والحسابات الفلكية،يرصدون حركات الكواكب والقمر لفترة طويلة قد تمتد سنوات، ويسجلون ملاحظاتهم في (يوميات فلكية) او في (تواريخ فلكية) او في جداول عن حركة الكواكب. ولدينا رقم طينية مسجل فيها رصدا لكوكب الزهرة (فينوس) تعود الى عهد الملك البابلي آمي-   صادوقا (1646- 1626 ق.م.) وتوجد نصوص اخرى فلكية تعود الى القرن الثامن قبل الميلاد،تشير الى انواع البروج البابلية. في حين كان الاشوريون والمصريون القدماء مثلا،يعتبرون خسوف القمر فأل سيئ موجه ضد ملوكهم، بينما كان الملوك البابليون قد اطمأنوا على احوالهم عند الخسوف او الكسوف. وكان الملوك البابليون قد عينوا لهم مستشارين يفسرون لهم التغييرات الطبيعية في السماء وعلى الارض. وكان علماء الفلك البابليون قد بداوا يعرفون اشهر السنة بالتقريب ،وكذلك النظام الستيني لتقسيم الوقت.
 كان العالم كيدينو من اشهر علماء الفلك في العصور القديمة : وفي المتحف البريطاني قرأ علماء الفلك البريطانيين ،التقويم البابلي فوجدوا انه اقرب الى الصحة من جميع التقويمات التي وجدت قبله، وهذا التقويم هو من عمل العالم كيدينو الذي توصل الى طول السنة الشمسية وايام الشهر بصورة تقريبية. واشار بطليموس الاسكندري  في القرن الثاني للميلاد ان حساباته عن ايام السنة كانت مضبوطة. كما اكتشف كيدينو حركة القمر ،وقاسها بشكل تقريبي. كما قاس حركة الشمس، والكواكب السيارة الخمسة وهي نابو وعشتار ونركال ومردوخ وننورتا، معتمدا على حسابات رياضية عالية يبدو انه كان يجيدها،كما عرف الحركة البطيئة لدوران محور الارض.(1)
“ ان رقيم يعود الى عام 275 ق.م.، ويمثل تقويما تاريخيا،او مايسمى (تقويم الكسندر الكبير) ، ذكر ان رجلا يسمى كيدينو قد اعدم بالسيف بامر من الملك المقدوني الاسكندر الكبير  في اليوم 14 من شهر آب من عام 329 ق.م. اي قبل وفاة الملك الكسندر بعدة سنوات، عندما اصيب بالملاريا في بابل ومات في عام 323 ق.م. وان كيدينو لابد وان يكون شخصية معروفة، اذ لم يذكر القابه معه. ومن المعتقد ان العالم كيدينو وقع ضحية سياسة الكسندر  التنويرية!.”باعتبار ان افكار كيدينو غير صحيحة في نظر الملك الاغريقي ،عندما اخبره ماتؤشر النجوم عنه، بحيث اغضبه (2).  واستنادا الى هذا النص فأن كدينو قد اعدم .
لكن مما يخفف من وطأة هذا الاجراء السيىء الذي قام به الكسندر،على اية حال : انه قد وجد نص بابلي اخر  يشير، الى ان هذا العالم  ( كيدينو ) مات في بابل قبل وصول الكسندر الكبير  الى مدينة بابل ، وهو يطارد ملك الفرس في عام 331 ق. م . حينما بقي شهرا في بابل ،وامر بتعمير مدينة بابل وكذلك مدينة نينوى .
وفي العصر الحديث ومن اجل تقدير هذا العالم البابلي المبدع ،لاكتشافاته العلمية قبل حوالي 2500 سنة، قرر علماء الفلك الاوربيين  المعاصرين، تسمية اكبر فوهة بركانية في القمر باسم (كيدينو)، وتبلغ مساحتها 56 كم مربع .

اهم المصادر
(1)   Aaboe,Asgar in Cambridge Ency. Of Ancient History(2nd ed 1991) ch. 26B (Babylonian Mathmatics,astrology and Astronomy.
(2)   Lendering,Jona ''Kindinnu,the Chaldaeans,and Babylonians .Astronom'' citation with the same title.



37
 
اضطهاد العلماء والمفكرين : الفيلسوف يعقوب الكندي
أ. فؤاد يوسف قزانجي

 كان ابو يوسف ،يعقوب اسحاق الكندي (805-873 ) فيلسوفا وعالما في الرياضيات وعارفا في الموسيقى والمنطق الذي كان يعرف سابقا بعلم الكلام ،كما عد من من جملة العلماء العاملين  في  بيت الحكمة منذ عهد الخليفة محمد المأمون .ويعتبر الفيلسوف العربي الاول .
ولد في الكوفة،من قبيلة كندة العربية التي انتشرت فيها المسيحية . اشتهر في تعريف الفلسفة الاغريقية الى العرب، اللذين كانوا يسمونها انذاك (العلوم القديمة) . عندما تولى الخلافة المعتصم بعد وفاة الخليفة المتميز محمد المأمون ،عينه المعتصم مؤدبا لاولاده . وقد عده مؤرخ الاطباء (ابن ابي اصيبعة ) مع حنين بن اسحاق العبادي وثابت بن قره الحراني من اشهر علماء القرن التاسع  للميلاد ومن حذاق الترجمة من اليونانية الى العربية .
كتب في الاخلاقيات وماوراء الطبيعة والرياضيات والموسيقى. قال عنه ابن النديم في الفهرست “ فاضل دهره وواحد عصره في معرفة العلوم القديمة ،ضمت مؤلفاته مختلف العلوم  كالمنطق واللغة والحساب والفلك، وهو من الفلاسفة الطبيعيين .” وكان اول من اكتشف ان الموسيقى تعين المريض وتهدأه .(1)
كان هدفه هو التعمق في الفلسفةلايجاد توافق عقلاني بين الفلسفة وبين الدين الاسلامي . قد تناول الكندي من المسائل الفلسفية الدينية ابرزها وهي طبيعة الله والروح والوحي . اما نظريته فتتركز على” ان الله خلق العقل (اللوكوس) اولا، ومن خلاله خلق الله جميع الاشياء. “ (2) وهو تفكير عميق يدل على فهمه العالي للفلسفة . لايبلغنا المؤرخون العرب عن تعلمه ودراسته ، سوى انه تأثر بجماعة بنو موسى ، والفلكي ايو معشر . والراجح انه لم تكن في العراق في مستهل القرن التاسع ،  سوى سكول مار ماري في بلدة دير-قني التي تدرس المنطق، وقد ذكرها ابن النديم واشار انه تعلم فيها  متى بن يونان(يونس)  وفيما بعد ابو نصر الفارابي .
عندما تولى الخلافة المتوكل في عام 864 ، مال الى الاشاعرة والحنابلة ،بينما كان الخلفاء قبله قد سمحوا للمعتزلة بفكرهم الجديد  وغيرها من المدارس والمجموعات الفكرية غير التقليدية، التي ظهرت في عصر التنوير العربي الذي برز في عهد الخليفة محمد المأمون، وصار المتوكل يضطهد المعتزلة والمتصوفة واعتبربعضهم من الزنادقة ، ولما علم من رجال الدين، ان يعقوب الكندي يؤلف كتبا فلسفية، تناقش الدين ،بشكل لم يرض عنها رجال الدين الحنابلة ، قام الخليفة المتوكل بطرده من البلاط ،كما امر بالاستحواذ على  مكتبته ، بما فيها  مؤلفاته . وهكذا لايعرف ما حل بالمكتبة ولا بمؤلفاته العديدة .
 اعتبر الكندي ان مصادرة مكتبته ومؤلفاته ، اكبر مصيبة حلت به في حياته، فقعد في بيته محسورا مهموما حتى وفاته .(3)


اهم المصادر
1- يعقوب بن اسحاق الكندي : ويكبيديا بالعربية وبالانكليزية .
2- Klein-Frank , F. Al-Kindi: in Leaman, O &Nasr ,History of Islamic Philosophy .Routledge P. 165
3- Peter J. King (2004) One Hundred Philosophers. New york, Barons (see it on  its site) also

38
كتاب المدن والقرى المسيحية في العراق : معجم جديد للبلدان.

أ. فؤاد يوسف قزانجي

في طريق النهضة السريانية القائمة في العراق وخاصة في  كردستان ،بدأت تتضح معالم الحضارة السريانية ،بعد ان كشف الغطاء عنها نتيجة الخوف من ذكر الحقائق التاريخية العريقة لاقوام ارامية واشورية وبابلية-كلدية التي صهرتها العقيدة المسيحية منذ نهاية القرن الاول للميلاد، حتى اذا نضجت في القرن الرابع ،بدأت تعطي ثمارا من الاداب والعلوم  والمعارف مماجعلت الاقوام الاخرى تنعم بعلومها ومعرفتها.وفي القرن العشرين، ومنذ عام 1972 ،حينما تاسست الدائرة السريانية في المجمع العلمي العراقي ، وهو حدث تاريخي للثقافة السريانية  لم تشهد مثله في اي دولة عربية حتى في سوريا. وبدأ المثقفون العراقيون يدركون اهمية العودة الى الجذور، ويتعاونون باخلاص بهدف واحد للكشف عن معالم تلك الحضارة التي اهملت ،نتيجة فرزها والتغطية عليها لاسباب تنحصر في عدم احترام رأي الاخر او التقليل من شأنه لقرون عدة فقد وصف العلماء السريان آبان صعود الثقافة العربية، في القرنين التاسع و العاشر مثلا انهم (مجرد نقلة حضارات)، وهكذا الامر مرورا بسقوط بغداد  وم ثم العصر العثماني المظلم وحتى نهضة العراق الجديد  في بداية القرن العشرين والتي توجت باستقلال العراق في عام 1921.
ومن حسن الحظ ،ان المسيحيين ،في العراق الذي يعرف بثقافة اهله وتاريخه الحضاري العريق، قد استمروا في المحافظة على لغتهم  السريانية بشقيها الكلدية والاثورية حتى الوقت الحاضر، بل كانت عند اغلبيتهم تعد (لغة الام) ، بينما زالت في سوريا وفلسطين.
 كما اننا ممتنون الى طلائع المعرفة الحديثة التي جاءت الى الموصل بمشعل الاباء الدومنيكان الذين ثقفوا اجدادنا وآبائنا، فعرف منهم الاثاري الاول هرمزد رسام(ت 1910) والباحث الاول الفونس منكنا (ت 1930) “ثلاثة كتب تحمل تراثنا  السرياني وحوالي عشرة بحوث تاريخية باللغتين الفرنسية والانكليزية”، والطبيب الاول الدكتور سامي خياط  اول وزير للصحة و عميد لكلية الطب العراقية في عام 1930، واللغوي الاول الاب  انستاس الكرملي الذي انشأ اول مجلة ادبية راقية (لغة العرب) بين 1911-1913 ، والباحث البلداني الاول يعقوب سركيس(كتابان في البلدان العراقية وتسمياتها) ،والمترجم الاول انيس وزير الذي ترجم اصناف ورتب الجيش  لاول مرة باللغة العربية في العالم العربي. والمؤرخ الذي عرف العالم الغربي بواسطته تاريخ العراق الحديث البروفسور مجيد خدوري6مؤلفات عن تاريخ العراق الحديث). ورئيس جامعة بغداد الاول (1959 )الدكتور متي عقراوي. وهكذا كان معظم الصحفيين الاوائل من المسيحيين، وان اول مجلة نسائية من اصدار صحفية مسيحية.
وبعد نشاط الدائرة السريانية في المجمع العلمي العراقي، نبغ مؤلفين و مبدعين من السريان امثال  الاب البير ابونا حيث الف وترجم اكثر من ثلاثين كتابا ، وكذلك تحقيقات وترجمات الاب الدكتور بطرس حداد الذي عرف بتحقيقاته وترجماته البارعة عن الفرنسية ، والاب الدكتور يوسف حبي حوالي ثلاثة كتب وثلاثين دراسة ومقالة وغيرهم كثيرون، وقد استمرت المسيرة حتى الوقت الحاضر.

وبين ايدينا كتاب جديد عن المدن والبلدات  والقرى المسيحية بالاضافة الى بعض المواقع والكنائس ،تلك التي نشرت في احدى المجلات المسيحية المرموقة في العراق، وهي مجلة (الفكر المسيحي) ، التي تعد اقدم مجلة مسيحية كتب لها الحياة في العراق منذ عام 1964 وهي مستمرة بالصدور. ويعود ذلك الى اهتمام رئيس تحريرها الاب الدكتور يوسف توما باختيار موضوعات دينية وثقافية وتاريخية جديدة فيها، وقد حازت على جائزة عالمية لمستواها الفكري العصري.
والمطالع لهذا الكتاب الذي يضم تاريخا واسعا واصيلا لحوالي35 مدينة عراقية واكثر من 20 بلدة  ومايقرب من30 قرية واكثر من20 موقعا دينيا ،سيعتقد انه امام معجم البلدان للذائع الصيت ياقوت الحموي ، لكن هنا الامر اكثر اهمية اذ ان التحقق من اصول المدن القديمة وخاصة الزائلة، تعد مهمة اصعب من المدن القائمة ، اذ يحتاج الباحث الى التنقيب  عن مصادر تاريخية من زمان وجود تلك المدن والبلدات الزائلة مثل كشكر و دير قنى  وعاقولا ونجرانة قرب الكوفة ودير في العراق و راسابا الاشورية والجابية وبصطرى في سوريا .
في الحقيقة ،ما تزال بعض المدن والبلدات والقرى الزائلة لم يكتب عنها بشكل علمي دقيق ،تنتظر من بستعيد ماضيها، مثل بلدة (حزا)  اليهودية التي كانت تبعد بضعة كيلومترات عن اربيل في القرن الاول ،وكذلك باسمايا وبازبدي ، ثم العقر والسن قريتان بين تغريث وحديثا، وقردو وترجلا، وحديثا قرب الموصل وبيت-ارشم قرب طيسفون ،وكذلك ماحوزا قرب طيسفون التي صار معظم سكانها من المسيحيين واليهود في القرن الخامس للميلاد، وكذلك كرخ -ليدان او جدان  جنوب غربي ايران (منطقة ميشان) ثم بيث-قطرايي (قطر) التي ولد وعاش فيها اسحق النينوي ومدينة فرات-ميشان او براث-ميشان قرب العشار حاليا،ومدينة بلد او بلات الاشورية-المسيحية، وقرية بغداد المسيحية او سوق بغداد، وتلعفر ،وبقايا بلدة ابقي الاشورية،وباعقوبا وبا جسرا، وبلاوات او امكر-بيل الاشورية وبانقيا ومعلثايا وباكسايا وحلوان في ايران وغيرها.
لقد اتيح لي ان اشارك مع بقية المؤلفين الاخرين في هذا الكتاب بالغور في اعماق (حوالي 30) مدينة، ومن بينهم احد اساتذتي في الثقافة السريانية الاب البير ابونا اطال الله في عمره، وبحثه عن  قرية كوخي لايبارى،تلك القرية التي ظلت تشع منذ القرن الثاني وحتى عام 635 التي كانت مركز ا  للاشعاع المسيحي في العراق ، ومن المرجح ان اول كنيسة مسيحية ، كانت قد بنيت فيها ،وذلك في نهاية القرن الاول للميلاد.
 ما اراه غريبا عند قرائتي لمعظم مقالات المؤلفين الافاضل،انني  لا اجد في نهاية مقالاتهم المصادر التي استقوا منها ،فهل جميع المعلومات وصفية لما موجود ولا تحتاج الى مصادر، ام حذفت في زحمة الطبع كما حدث في بعض المقالات مثل (هل القوش..الخ)  و (البصرة وفرات ميشان) ومدينة( نصيبين) وكذلك (تيماء) ،ام هو مجرد تقاعس من المؤلف يدل على عدم اهتمامه بالمصادر الاولية؟ اذ ان الكتابة اليوم لم تعد انشاءا جميلا او وصفا طريفا وحسب . ولذا اجد نفسي مضطرا الى الاشارة الى بعض المصادر والمراجع في مجال البلدان وعلى سبيل المثال:1- موسوعة الاسلام باللغة الانكليزية موجودة على (سيديات) والتي ترجم منها عشرة اجزاء قبل اكثر من 50 سنة.2- معجم البلدان للحموي 3-المرشد الى مواطن الاثار والحضارة: طه باقر وفؤاد سفر.4-اصول اسماء مدن وقرى عراقية: كوركيس عواد و يعقوب سركيس. 5- اصول اسماء المدن:جمال بابان. 6- مدن العراق القديمة تاليف دوروثي مكاي وترجمة يوسف يعقوب مسكوني.7-ميزوبوتاميا (موسوعة المدن العراقية). 8-مدن عراقية ،اربيل 2010 للكاتب. وكتاب جان فييه: اشور المسيحية الذي ترجم الجزأ الاول منه. اما باللغة الانكليزية والفرنسية فهناك الكثير من المصادر.
ان هذا الكتاب هو واحد من سلسلة كتب ثقافية وتاريخية وفلسفية ودينية، تصدرها مجلة الفكر المسيحي، بالتعاون مع مؤسسات ثقافية اخرى، تقوم بالنشر منذ عام 1982 ، واغلب هذه الكتب تتعلق بتاريخنا وتراثنا، مساهمة منها في رفع درجة الوعي البلداني والتاريخي بالاضافة الى اغناء النتاج الفكري السرياني او المشرقي.
لابد ان نتذكر الجيل الاول الذي رسم لنا الطريق الذي يمثل بداية الكشف عن حضارة مسيحية-عراقية ،غطيت معالمها ولابد من رفع الغطاء عنها والكشف عن تراثها باعتماد البحث العلمي ، والمصادر الاصلية التي كتبت بين القرن الثالث والقرن الثالث عشر. وقد كتب قبلنا مؤلفون متميزون في حقل التاريخ والبلدان امثال المطران سليمان الصائغ ويوسف غنيمة ورفائيل بابو اسحق ويعقوب سركيس وكوركيس عواد،وكذلك الاب الباحث البير ابونا.

39
المنبر الحر / آشور المسيحية
« في: 01:34 06/12/2011  »
آشور المسيحية

مراجعة : أ.  فؤاد يوسف قزانجي

صدر حديثا من منشورات مجلة (الفكر المسيحي) في بغداد كتاب تاريخي متميز للاب الدكتور جان موريس فييه،Jean Morris Fiey تحت عنوان (آشور المسيحية)،Assyrie Chretienne الذي ترجمه  عن الفرنسية  الاستاذ نافع تو سا، وراجعه الاب الدكتور يوسف توما.
 يعد هذا الكتاب من الدراسات  التوثيقية النادرة التي تتناول تاريخ المسيحيية في العراق بدقة،اعتمادا على مصادر موثوقة والتي بحث فيها جان فييه عن اهم المصادر السريانية والفرنسية وغيرها متابعا ماجرى في قرى و مدن وبلدات شمال العراق،والاحداث المتعلقة بمسيرة المشرقيين المسيحيين في هذا الجزأ من العراق، والتي تكشف عن حقائق تاريخية عن انتشار المسيحية المبكر ومعاناتها منذ القرون الميلادية الاولى وحتى القرن العشرين عندما استقل  العراق. كما يوضح حركة المجتمعات في مدن اربيلا وحزا ونوهذرا ومعلثايا  ومناطق بانوهذرا وكذلك مركا و داسن ونهلا وبلدات حصنا عبرايا  وحديثا والموصل وبخديدا وبرطلة و والقوش وكرمليش وغيرها. وهو يتردد في استخدام مصادر جدلية مثل مشيحا زخا او تاريخ اربيلا، وما ادعاه فلافيوس جوزيفوس عن وجود ملكة وملك او اكثر من اليهود في امارة حدياب الفرثية في القرن الاول للميلاد.
 وقد بذل المترجم والمراجع جهدا كبيرا في توضيح موضوع صعب المنال ومعقد وقليل المصادر حيث جرى متابعة المجتمعات المسيحية منذ القرون الميلادية الاولى، تلك الموجودة في شمال العراق وخاصة المدن والبلدات الممتدة من نوهذرا اي منطقة دهوك وحتى الموصل بما حولها من بلدات وقرى عديدة، وقد سميت  حقا بمنطقة آشور، لكن في الفترة بين القرن الاول والقرن الثالث اطلق عليها ايضا حدياب او اديابينة. ويذكر المؤرخ الفلسطيني سوزمين من القرن الخامس وهو يصف شمال العراق قائلا :” كانت حدياب بلادا  فارسية غالبية سكانها من المسيحيين”.  لكن المؤلف لم يتحدث عن كون منطقة حدياب قد امست مملكة او امارة مستقلة تحت حكم الفرثيين في القرن الاول الميلادي ، ولم يتحدث عن وجود ملك تحول الى اليهودية في منتصف القرن الاول عند زيارته الى مملكة ميشان او(سباسينو-خاركس) ؟ وهذا يعني انه  لم ياخذ بما ذكره المؤرخ فلافيوس جوزيفوس حول الموضوع، كما المحنا.
سعى المؤلف الذي عاش طويلا في العراق راهبا في احد الاديرة، الى دراسة شمال العراق منذ القرون الميلادية الاولى وحتى القرن العشرين. وراجع معظم المصادر الاولية بعناية وموضوعية متابعا  الاديرة التي كانت منتشرة في العراق   من شماله الى جنوبه، متابعة دقيقة ومفصلة مع التعريف بالاساقفة والمطارنة وبعض الرهبان من روؤساء الاديرة في شمال العراق. كما راح يلاحق بعض التطورات السياسية والاجتماعية الرئيسة،ويقارنها بمصادره ويناقشها الى درجة اصبح فيها كتابه اشبه باطروحة جامعية لاغنى عنها لمعرفة حقيقة التطورات التي جرت في شمال العراق خاصة في القرون الماضية.
 يعد المستشرق فييه (1914-1995 ) من ابرز الباحثين الفرنسيين الذين تناولوا اصول تاريخ شمال العراق وكذلك جغرافيته وحركة مجتمعاته. ويعتبر هذا الكتاب المفصل من اهم المصادر عن حركة نشاط القرى والبلدات والمدن في فترة انتشار المسيحية في القرون الميلادية الاولى وما بعدها، واهم الاحداث في ظل شعب عراقي عريق كافح في سبيل تمسكه بارضه ومعتقداته امام  التحديات والاحتلالات الفارسية والعثمانية وتغير الحكام واهمالهم الى شمال العراق.
ويذكر المؤلف ان حياة العراقيين عموما والمسيحيين خصوصا، كانت حافلة بالاحداث الصعبة والتقلبات، فقد عانوا  في القرن الرابع اضطهادا لاكثر من اربعين عاما،راح ضحيتها الاف العراقيين المسيحيين اثناء الحكم الساساني، وكذلك في العصر العثماني. وسعى المستشرق فييه الى نقد جوانب من حركة المجتمعات، كما تحفظ على بعض التواريخ والمصادر،يضاف الى ذلك ازدحام سرده بالمعلومات التاريخية والجغرافية والاجتماعية الثرة، بحيث بدا ان القارىء  احيانا لن يستطيع ملاحقتها  تماما. فمثلا لم نعرف مالمقصود بيونس اليهودي، ومن هم الملوك الفرثيون الذين حكموا في حطرى،كما لانعرف ملكا ساسانيا باسم خسروي. كذلك جاءت هذه العبارة غامضة”...المناطق الجبلية الشمالية الشرقية اي باطاس وحرير وشقلاوة وكويسنجق وغيرها تقع جميعها  في سالاخ؟ فاين تقع  منطقة  سالاخ؟  هذا بالاضافة الى ان دراسته التاريخية تاخذ مدى واسعا من الصعب تغطيته، اذ كان اهتماماته منصبة على الاحوال البلدانية،لذلك اعطى اهتماما  ثانويا لتطور اللغة  والثقافة السريانية في تلك المنطقة الحيوية: منطقة آشور او حدياب.
كما يذكر (ص40) ان اسم ملكة يهودية في حدياب تسمى( نورشيركان) في القرن الاول للميلاد، وكانت يهودية بدلا من  هيلين كما ذكر المؤرخ اليهودي فلافيوس جوزيفوس، وهناك نص آخر اكتشف حديثا في مدينة الرها او اديسا، وهو شاهد قبري حجري مكتوب عليه:(شدان ملكة حدياب) . كما يذكر الباحث كيفن بروك ان الملك الاخير في مملكة حدياب المستقلة كان (ميهاسبس اوميبارسبس) الذي حكم حتى عام 115،اذ احتلها الرومان بقيادة تراجان في عام 116 واصبحت ولاية تابعة لهم (1)

وهناك بعض الاضافات اود تقديمها الى القارىء :
1- اميدا مدينة آرامية كانت تابعة الى مملكة بخياني ، ثم استولى علبها الاشوريين في القرن العاشر ،وصارت مستعمرة او منطقة عليها حاكم اشوري. وفي القرون الميلادية الاولى سميت آمد وفي القرن السابع سميت دياربكر وهي مدينة في منطقة الجزيرة، وتعني بالسريانية (الخلاص او النجاة). 2- نحلا منطقة تقعفي الشمال الغربي من اربيلا، وكان يطلق عليها نحلا دي ملكا اي وادي الملوك، ويقع الوادي وراء سلسلة جبال عقرة وجبل الخير،وتمتد شمالا حتى سفوح جبل كارا مقابل العمادية ويروي ارضه الخازر احد روافد الزاب الكبير .3- سعرت او سعرد بلدة مسيحية بين الجزيرة ونصيبين، معناها (الزيادة). شقلاباذ او شقلاباذا (شقلاوة) قرية تابعة الى اربيلا ذات اسم فارسي.4- نصيبين  او بالاحرى نسيبيس  مدينة آرامية من اهم المدن المشرقية في منطقة الجزيرة ،معناها (الغرس) لكثرة اشجارها. 5- شيدت مدينة جاهوك في العصر الفرثي على انقاض مدينة (اديان) الاشورية،وجاء اسمها احيانا حليات ، وهي اليوم دهوك.6-  معلثايا مدينة مشرقية مهمة قبل ان تبنى بقربها بلدة زاخو(على بعد7كم) وذلك في القرن السابع او بعده.7- لاسترانج او بالاحرى لاسترانك، مؤلف كتاب (بلدان الخلافة الاسلامية) والمطبوع في بغداد في الخمسينيات ومن ترجمة فؤاد سفر وكوركيس عواد على الارجح.8- يقرأ الاسم الصحيح للسر واليس بج وليس بدج، وكذلك الحال بالنسبة الى اسم باجر وليس بادجر9-  معركة اربيلا سميت كذلك، وهي بالاحرى معركة كوكميلا التي دارت فيها  المعركة  الفاصلة بين الفرس والاغريق التي انتهت بانتصار الاسكندر الكبير،حيث كانت محطة لاستراحة الجمال قرب كرمليش،وهي بعيدة عن اربيلا حوالي (50) كم.  10- تاريخ اربيلا او مشيحا زخا حققه الباحث العراقي الكبير الفونس منكانا في عام 1907: وهو تاريخ لابد من  ذكره، على الرغم من النقد الذي وجه اليه، اذ اكتشفت الباحثة روث شتيل الالمانية حديثا، ان كثيرا من المعلومات فيه وخاصة عن بداية وصول الرسل او القديسين الى اربيلا وغيرها وذلك في اواخر القرن الاول للميلاد ماخوذة من الروايات والتقاليد المسيحية الاولى مثل حياة وبشارة اداي، ورواية اكا وتلميذه مار ماري،وكذلك مايتعلق بملوك  الفرثيين التي جاءت مطابقة للنقش المدون في بشابور بايران. 11- كتاب (العفة) لايشودناح البصري(ت760) يعد من المؤلفات التاريخية الرئيسية في العراق وله عنوان آخر هو (الاديرة في العراق وفارس) طبع في عام 1939، ويحتاج الى تحقيق واعادة طبع.12-- تعبير دكتور معاصر انمايقابله تعبير ملفان13- سمعان السمعاني او بالاحرى يوسف سمعان السمعاني  (القرن الثامن عشر) هو اول مشرقي معاصر (لبناني) اهتم بالادب السرياني، وبعد ان جمع  و استنسخ العديد من المخطوطات، اعد دراسة لها سميت (المكتبة الشرقية) باللغة اللاتينية، فمنذ ذلك الحين عرفت  اوربا اهمية الادب المشرقي السرياني .15- يرجح ان كفرعوزيل كانت مركزا لمدينة حزا التي سكن بها اليهود في القرن الاول للميلاد وتبعد حوالي 18كم عن اربيلا .
وبعد، فان هذه المعلومات جاءت في الجزأ الاول من الكتاب، ونامل ان يجيب عن تساؤلاتنا في الجزأ الثاني من هذا الكتاب الفرد ،ويكشف لنا اسرار نشأة مدينة الموصل  وكذلك ماضمته البلدات المسيحية الزائلة في شمال العراق من تراث سرياني مثل حصنا عبرايا وقرية نينوى وبلدة حديثا(دجلة) وحزا ومنطقة سالاخ ومدينة معلثايا ومنطقة او مدينة نوهذرا وغيرها. وكذلك نشاط البلدات المسيحية الباقية مثل بخديدا والقوش وبرطلة وتلكيفا وكرمليش  من نشاط ديني وادبي لان اشاراته في الحقيقة تكمل ما كتبه كلا من مشيحا زخا و ايشوعدناح البصري وايليا بر شينايا وماري بن سليمان ورفائيل بابو اسحق و وغيرهم.وعلى اية حال فانه كتاب لايمكن لاي باحث يدرس تاريخ شمال العراق القديم ان يستغني عليه وخصوصا في  الفترة الفارسية-السريانية التي امتدت بين القرن الاول والقرن السابع للميلاد.


هامش
Brook, A . Kevin. The Jews of Kazaria.p125.
قزانجي، فؤاد يوسف. اصول الثقافة السريانية: عمان، دار دجلة،2010
 

40
الكلد يون chaldaeans :  لمحة موجزة من تاريخهم العريق.

  أ.فؤاد يوسف قزانجي

الكلديون قبيلة  من اكبر القبائل التي هاجرت  مع القبائل الارامية من سوريا  وانتقلت الى جنوب العراق القديم  وذلك في القرن الحادي عشر  قبل الميلاد، ولذلك يرجح اكثر الباحثين ان الكلديين هم من اصول ارامية ايضا بدليل انهم عاشوا جميعا سوية وكانت لغتهم هي الارامية، ومن ثم فان تجاورهم واتحادهم سوية للحفاظ على ممالكهم ومدنهم التي اقاموها في العراق القديم امام هجمات الاشوريين المتتالية، زادهم ارتباطا واضيف اليهم    البابليون الذين كانو لايزالون موجودين حول الخليج في مملكة ارض البحر. وكانت هذه القبيلة قد عاشت في منطقة الاهوار (الايبارو) وكان مركزها بيت -ياقين  قرب الخليج. اما بقية عشائرهم و تجمعاتهم فكانت في بلدات بيت- اموكاني  وبيت- داكوري.وقد تحالفوا مع ملوك سلالة ارض البحر الثانية التي كانت تنتشر حول البحر الاسفل الذي اصبح يسمى الخليج الكلدي (1). وتبعها قبائل آرامية اخرى استقرت في جنوب شرقي العراق اي في منطقة ميشان التي كانت تمتد من جنوب شرقي فارس وحتى ارض البصرة والعمارة الحاليتين، لذا اطلق على هذه المقاطعة بعد ذلك اسم بلاد ارومو. وقد تزعم هذه القبيلة  امير بابلي ينحدر منه احد الملوك البابليين يدعى (مردوخ- ابال- ادينا) وقد ورد في التوراة باسم (مردوخ بلادن). وبعد فترة من السيطرة الآشورية عليهم، نادى الامير مردوخ بالثورة على الآشوريين ودعا الى الاستقلال وتنفيذ حرب عصابات في الاهوار لاخراج الجيش الآشوري، وتم له ما اراد بسرعة وتقدم مع مقاتليه الى مدن جنوب العراق حتى وصل الى المدن القريبة من بابل مثل كيش ونيبور وسيبار، حينذاك  جهز الملك الآشوري تكلات بلاصر الثالث (745-727 ق.م) جيشا حيث سرعان ما اجتاح المدن والبلدات الكلدية والارامية، كما استولى على مملكة ارض البحر. وكان مردوخ قد سعى للأتصال بملك يهوذا في فلسطين لمساعدته ولكن بدون جدوى .وسرعان ما وصل تكلات بلاصر الى قلب الممالك الكلدية و الارامية، واضطر مرودخ ان يقدم له الجزية والطاعة مع اواني وقلائد من الذهب واحجار كريمة والتي كانت تجلب من ماكان او الهند. وهكذا كان تكلات بلاصر قد كتب في حوليته كيف استطاع ان يخضع 35 قبيلة ارامية . كما هجر بعض القبائل الى اشور مثل قبيلة  لبابيدو. وبالرغم من ادعائه انه قضى على جميع القبائل الارامية والكلدية ، فاننا نراه يعود الى مقاتلة هذه القبائل بعد مرور سبع سنين مرة اخرى وذلك في عام738ق.م.  ، حيث اعاد تدمير مدنهم، واخذ اسرى اخرين من مدينة (دير) الارامية . وعاد مرة ثالثة في عام 731ق.م. واستمر يقاتلهم ولفترة طويلة تزبد عن السنة .
اما حولية الملك سرجون الثاني (722-705 ق.م.) ،فتوضح ان القائد الكلدي مردوخ ابلا ادينا،  كان قد استولى على عرش مملكة ارض البحر في اقصى جنوب العراق القديم، ثم استولى على بابل عام 721 ق.م.، وكون جيشا مؤلفا من القبائل الكلدية والارامية بالتعاون مع العيلاميين. ودعاه سرجون”ابن ياقيني و ملك الكلديين وملك كارديناش ، اي ملك بابل. وقابل مردوخ وجيشه الاشوريين قرب مدينة دير في عام 720 ق.م.، وكان الاشوريين بعد قتال متكافئ ، قد ارادوا الانتقام من قبيلة (تعمانو ) فتحولوا نحوها واستطاعوا  تطويقها وقتل الكثير من مقاتليها ، وهرب البقية الى بابل المحصنة. ولم يجرأ سرجون على احتلال مدينة بابل . لكنه عاد بعد عشر سنوات من الاستقرار في مملكة بابل وجنوب العراق بجيش جرار، فهزم الجيش الكلدي-الارامي قرب نهر (اوقنو) لعله نهر العظيم ، واستلم منهم الجزية، وواصل زحفه نحو جنوب العراق وسيطر بسهولة على بيث- ياقيني وحرر من سجونها سجناء من مدن سيبارونيبور وبورسيبا، كان مردوخ قد احتجزهم ربما اثناء استيلائه من تلك المدن في غياب الجيش الآشوري. وفي عام 705 ق.م. قتل الملك سرجون وهو يقاتل الحثيين في شمال سوريا، فثار اهالي مدينة بابل وطردوا الحامية الاشورية، وعاد مردوخ بلادن الى عرش بابل. لكن واثناء حكم الملك سنحاريب وحسبما جاء في اخبار المؤرخ البابلي برحوشا (بيروسيس) بأنه بعد اغتيال حاكم بابل (اكيسيسي) تقدم مردوخ ابال ادينا واحتل بابل وما جاورها واصبح ملكا على جنوب العراق لمدة ستة اشهر. وبدأ يتصل مردوخ بأصدقاءه العيلاميين فأضطر سنحاريب ان يجهز جيشا ويتقدم من نينوى جنوبا على طول نهر (ثرثارا) حتى دور كوريكالزو وارسل مردوخ فرقة مسلحة بأسلحة ثقيلة لمواجهة سنحاريب بقيادة (تانابو) ولكن كانت النتيجة خسارة جيش مردوخ الذي هرب  الى حلفاءه بلاد ارض البحر  (2). عندئذ   استمر سنحاريب مندفعا بجيشه اللجب مسيطرا على معظم المدن الارامية و التي تضم (88) مدينة و(820) بلدة وقرية كما سجلها سنحاريب،وكذلك  استولى على مملكة ارض البحر .
وعندما صعد الملك سرجون على العرش بعد والده سنحاريب (618- 669 ق.م) تصدى الى  اخر ابناء الملك مردوخ، واسمه (نابو- زير- كيتي- لشر) الذي جعل نفسه ملكا على بلاد بابل وعندما وصل الجيش الاشوري لم يستطع الملك البابلي مواجهته ففر الى عيلام .
وقام في هذا الوقت رجال من قبيلته (بيت داكوري) الكلدية-الارامية، بمهاجمة بابل وبورسيبا فما كان من اسرحدون الا ان ساق جيشه الى وسط بلاد الكلدانيين وقبض على شيخهم (شماش –ابني) واعدمه في بلاد اشور.
وفي عام 648 ق.م ثارت كلا من بابل والممالك الكلدية والارامية وكذلك حليفتهم بلاد ارض البحر مرة اخرى بقيادة شمش شموكين على حكم الآشوريين، لكن اشور- بانيبال استطاع ان يهزم تلك الجيوش. وعين على ارض البحر حاكما هو (نابو- بيل- شوماتو). وبعد فترة من الزمن تحالف نابو بيل الارامي مع ملك بابل  شمش شموكين ضد اخيه اشور- بانيبال ، وثار معظم اهل بابل مع الكلدانيين والاراميين ، وعلى نفس الوتيرة هرب الجيش البابلي الى ارض البحر عندما هاجمه الجيش الأشوري  وذلك عام (650 ق.م) .
بعد وفاة الملك القوي اشور بانيبال جاء بعده ابناء ضعفاء، حينذاك  عادت القبائل الكلدية وغيرها واستولت على جنوب العراق وطردت الحاميات الاشورية و حكم بلاد ارض البحر (نابو- بلاصر الكلداني) الذي تقدم واجتاح بابل، وأسس فيما بعد السلالة الكلدانية- البابلية وقد استقلت بلاده عن الامبراطورية الآشورية التي بدأت بالتفكك منذ عام 626 ق.م.
وقد تحالف نابو بلاصر مع الميدين عام 612 وتقدم لمهاجمة عاصمة الآشوريين نينوى.وكان الميديون قد سبقوا (نابو بلاصر) بالهجوم على مدينة اشور، لكن حدث ان تراجع الميدين لعل  ذلك بسبب وجود خطر آخر يهدد بلادهم، حيث بقي جزء من جيشهم ينتظر الجيش الكلدي- البابلي مع قبيلة اخرى تدعى (الأومانمندا)؟ وحاصروا نينوى لمدة ثلاثة اشهر (3) ويعتقد المؤرخون ان احد اسباب انهيار سورها يعود الى فيضان نهر الخوصر في ذلك الوقت ، مما ساعد على فتح ثغرة فيه وتم بعد ذلك فتح احد الأبواب للغزاة. وقد نهبت المدينة العظيمة نينوى وسلبت منها كنوزها وآلهتها واحرقت قصورها ومات الملك سين –شارا- اوشكين خلال ذلك الحريق وكان احد امراء الآشوريين وهو آشور- او بالت قد هرب بجيش صغير متجهاً لجهة الشمال الشرقي نحو عشيرته في حران بينما كان الجيش الميدي مايزال ينهب المدينة المفجوعة ، سارع نبو بلاصر بالتقدم شمالا لاحتلال بلاد اشور حتى نصيبين مكتسحاً جيوب المقاومة الآشورية .
وعند وفاة الملك نبوبلاصر تسلم العرش  والجيش ابنه نبوخذنصر الذي كان ملكاً متميزا وقائدا ذا قابليات فائقة (4) واستطاع نبوخذنصر ان يواجه بعد عبوره نهر الفرات الجيش المصري القوي في كركميش والذي كان قد  جاء لنجدة اخر امراء اشور، ويحيق الهزيمة فيه.
وبعد القضاءعلى فلول الجيش الاشوري وهزيمة الجيش المصري، كانت نهاية الامبراطورية الآشورية حيث اندفع نبوخذنصر الى حران ليقضي على البقية الباقية من المقاومة الآشورية. وحينما عاد الى بابل عام 609 كانت مراسيم التتويج بداية لامبراطورية كلدية- بابلية جديدة يهابها الاعداء ويحترمها الاصدقاء، لكن ملوك العصر البابلي الحديث لم يتخذوا بعد تأسيس مملكتهم لقب ملك ارض البحر بل اتخذوا جميعهم لقب ملك بلاد بابل وظلت العلاقات قوية بين بابل ومنطقة ارض البحر التي كانت على الخليج الكلدي  ، ذلك ولا ريب لأن جميع تلك الاقوام قد اتحدت وشكلت شعبا  من اصول واحدة آرامية- بابلية-آشورية في العراق القديم.
كانت الدولة البابلية الاخيرة مقسمة اداريا الى ثلاث وعشرين مقاطعة ادارية في كل مقاطعة حاكم يعينه الملك، وفيها حاكم ارض البحر واسمه  (ايا- دايان). والمعروف ان السلالة الملكية الكلدية او الكلدانية لم تدم طويلا اذا ان حكم ملوكها لم يتجاوز 72 سنة اي  بين 625 -539 ق.م وهم نابو بلاصر ونبوخذنصر ونبوخذنصر الثاني (أميل- مردوخ) ثم نركال- شار- اوصور ولباشي- مردوخ ثم اخيرا  نابونائيد الذي ترك عرشه بيد ابنه وغاب عن البلاد زهاء تسع سنوات، مما اعطى للفرس الطامعين بثروة العراق الفرصة  لغزوه والاستيلاء على مقدراته ومنافع حضارته. 
في الحقيقة كانت السلالة البابلية الكلدية الاخيرة قد اكملت مظاهر الحضارة البابلية التي كانت من اعظم الحضارات الانسانية اذ فيها اكتملت العلوم والآداب والمدنية في بلاد الرافدين وهم الذين نشروا الكتابة  الى الهلال الخصيب  وعرفتها  مصر الفرعونية ايضا  خاصة في التجارة والدبلوماسية ،كما عرفت بين الاقوام الفارسية :الاخمينية والفرثية والساسانية.
ومن بابل عرفنا الرياضيات ومبادئ الهندسة وتقسيم اليوم والاسبوع والشهر والسنة، وهم في علم الفلك والجغرافيا كانوا السباقين الى معرفة حركة النجوم وحركة الارض ورصد الكواكب ومراقبة سقوط النيازك وكان البابليون قد عبدوا لأول مرة الها واحدا وهو مرودخ ودعوه اله البلاد اي الاله الوطني، وتعد خطوة متقدمة في معرفة الاله الواحد  . كما تطورت لدى البابليين الشرائع والقوانين والتي استفادت منها شعوب الشرق وانتقلت الى الاقوام الاخرى مما ادى الى استقرار البلاد ونضوج العلم والادب والفن والعمارة .
وفي عهد ملكهم العظيم نبوخذنصر الثاني (605- 562 ق.م) اتسعت الامبراطورية البابلية حتى احتلت الهلال الخصيب ووصلت الى اطراف مصر وفي استيلائهم على مملكة اليهود في فلسطين قاموا بتهجير العديد من اهلها الذي سمي بالسبي البابلي .
وعلى الرغم من قساوة التهجير الذي كان امرا معتادا في العصور القديمة الا ان المعتقد ان اليهود اطلعوا على كثير من الافكار والاراء التي احتوتها الكتابات والملاحم البابلية المتعلقة بالتكوين وبداية الخلق والطوفان ووظفوا هذه الافكار (فكرة تأسيس الكون) في سفر التكوين الذي يعد من اهم الاسفار اليهودية المقدسة  (5)
 وبعد غيلب الملك نابونائيد عن بابل،قام الملك كورش الكبير الفارسي بغزو بلاد ارض البحر، قبل ان يحتل بابل في تشرين الاول من عام (539 ق.م)  ويظهر ان الاخمينين قد اتبعوا سياسة الآشوريين في تعيين حكام لبلاد ارض البحر من اهلها، فكان                                                                                                                        حاكمها هو (دايان- شار- اوصور) وهو اسم اكدي -بابلي.
وظلت مناطق الاهوار وميشان وفرات – ميشان وبيت هوزاي محتفظة بمكوناتها الارامية-الكلدانية ، لكنها كانت قد فقدت استقلالها. وهذا يعني ان هذه البلاد وقعت تحت النفوذ الفارسي فترة من الزمن حتى مجيء اليونانيين بقيادة الاسكندر المقدوني للعراق سنة 330 ق .م الذي مر بمنطقة ميشان الارامية ،وهو عائد من انتصاراته على الفرس والهنود.حينما بعث الاسكندر الحياة في تلك المنطقة وامر بتشييد مدينة خارسين CHARASSEN  كما بني ميناءا باسم بيلا PELLA  وميناءا اخرا في جزيرة ايكاروس (فيلكا) ، واختار السلوقيون بعد وفاة الاسكندر، شيخا من شيوخ المنطقة من المعتقد انه ارامي او كلداني الأصل حاكما على المنطقة وكانت هذه الخطوة بداية لتأسيس مملكة ميشان في منتصف القرن الثالث قبل الميلاد. وقد ورد ذكرها في المصادر الارامية والعبرانية بهيئة ميشان وفي الفارسية ميشون وفي المصادر الكلاسيكية ميسين messem وذكر الاستاذ طه باقر عنها قائلاً: "ان جل سكانها كانوا من الاراميين". وخلال حكم الملك السلوقي انتيوخس الثالث سنة 221 ق.م كان حاكم منطقة ميشان او بيت-هوزاي بما فيها المدينة الرئيسة خاراكس يدعى (بايكادس PYKADES).
عندما ضعف السلوقيون وتعاظمت قوة الفرثيين اقتنع الامير سبا وسينس باعلان استقلال امارة ميشان تحت حكم الفرثيين وضرب  له نقودا فيها صورته على وجه من العملة وصورة ملك الفرثيين على الوجه الآخر.
ويظهر ان سبا وسينس كانت له شعبية في بلاد بابل ومؤيدون كثر فيها بدليل الرقيم المدون باللغة الاكدية من سنة 127 ق.م الذي اعترف بوجود ملكين في بابل .وحينما هاجمه الملك الفرثي  (متريديتس الثاني) في تلك السنة ،استمر الملك الميشاني محافظا على امارته على الرغم من ابعاده عن بابل.
 ظلت امارة ميشان قائمة حتى اكتساحها من قبل الملك (متر يدتيس) الرابع في عام 120ق.م. تقريبا، فاحتل عاصمتها  خراسين والتي سميت بعد ذلك   (كرخا) ونقل اهاليها الى مدينة فرات – ميشان التي كانت واقعة على نهر الفرات القديم جنوب المحمرة بحوالي (18 كم) ،قبل فترة وجيزة من التحامه مع دجلة وتكوينهم نهرا عريضا هو شط العرب في القرن الاول قبل الميلاد.وفي القرن الثاني للميلاد دخلت المسيحية الى ميشان ،  ولعل الكلدانيين والاراميين قد اختلطوا معا في مدن كشكر وفرات ميشان ودور قني وجنديشابور وغيرها منذ القرن الثاني للميلاد، واصبحت لغتهم هي اللغة السريانية الشرقية والتي استمر المسيحيون العراقيون منذ القرن الثالث الميلادي وحتى الوقت الحاضر يتحدثون بها . (7) .




المصادر
(1)   دانيال، كلين: موسوعة علم الآثار، ترجمة ليون يوسف برخو. بغداد: دار المأمون ، 1991 (جـ2 / ص 473).
(2)   الأحمد، سامي سعيد.. تاريخ الخليج العربي من اقدم الأزمنة حتى التحرير. بغداد: جامعة البصرة/ مركز دراسات الخليج العربي ، 1985 (ص، 28).
(3)    Libinski,E. The Arameans:their Ancient History ..2000P.487-8
(4)   شيلدن، نورلمان "ميشان : دراسة تاريخية اولية  ، ترجمة فؤاد جميل.. مجلة الاستاذ مجلد 12 (63 – 1964) ص 434- 463.
(5)   قاشا، سهيل. التوراة البابلية. بيروت: الفرات ، 2003 (37 -40).
(6)   عبودي، هنري.. معجم الحضارات السامية طرابلس: جروس برس، 1991 (ص 258).
(7)   قزانجي، فؤاد يوسف: "خلفية تاريخية للعصر الفارسي – السرياني في الفترة 100- 637 م"مجلة  بين النهرين عدد 131 (2005) ص 263 -280.
             

41
نحو احترام تاريخنا العام وتاريخنا الخاص

                                                                                                       استاذ فؤاد يوسف قزانجي*   
مدخل
تشير الموسوعات بان التاريخ يسجل كل ما يمكن تذكره من الماضي او تم الحفاظ عليه من وثائق وسجلات بمختلف الاشكال. ويدرس التاريخ من اجل معرفة المسيرة البشرية ومدى تقدمها اوتاخرها يسبب الحروب والكوارث والصراعات الداخلية.  وقد تميزت الالفية الثالثة من الناحية التاريخية بثلاث مؤشرات هي قيام امريكا
بدور عسكري من اجل توسيع نفوذها الاقتصادي والسياسي على حساب الشعوب مثل ماحدث في العراق وافغانستان ، وكذلك ظهور بعض الدعوات الدينية المتعصبة مثل القاعدة والمحاكم الصومالية وامثالها. كما تميزت ايضا بحدوث حروب محلية مثل منها قيام اسرائيل بماهجمة لبنان  وكذلك الحرب الدائرة بين العناصر المتنافرة في الصومال وحروب داخلية اخرى.
هناك آراء ونظريات في تحليل التاريخ ابرزها ماجاء به المؤرخ الشهير ارنولد جوزيف توينبي بمفهوم التحدي والاستجابة في التاريخ والتي تعني مدى استجابة الاقوام البدوية في التاريخ  لتحديات الطبيعة والقوى البشرية التي تجابهها . وهي تفيد في دراسة العصور السابقة وما اصبح عليه العصر الحالي، ولا بد للباحث ان يتامل بها. ولعل اول خطوة لتوضيح ظاهرة ما ، هو وجود قرينة مرتبطة بفكرة اوفلسفة معقولة وواضحة مبنية على تساؤلات مثلا:كيف استطاعت تلك الحضارة اوالثقافة او المدنية ان تبني مجتمعا ارقى من سابقاتها؟  بحيث كانت ديانتها او معارفها :(لغة،كتابة،ادب، قوانين، تنظيم) مفيدة لاهدافها التي تحمل في طياتها اشارات مهمة لتقدم الانسان من خلال تحسن احواله وتعزيز استقلاله ونشا طه في بناء القنوات والسدود والمدن. وتعطينا الحضارات السومرية والبابلية والاشورية في بعض ادورها وكذلك الحضارتين الحثية و اليونانية امثلة حية، بينما تقدم لنا الاقوام الكوتية والميتانية والكشية مثالا مخالفا.
وتعترف اوربا مثلا في مقدمة تاريخ كمبرج للعالم القديم ان حضارة اوربا تدين الى حضارات الشرق الادنى بكثير من بدايات العلوم والثقافة وانه من الضرورة اعادة دراسة صلة جزر البحر الابيض المتوسط ودورها الاساسي في نقل الثقا فات الموجودة في العراق و سوريا وفلسطين ومصر واهمية دراسة نشوء المسيحية ودور العناصر الشرقية من ارامية ونبطية (اي خليط من اقوام متعددة) وسريانية في قيام ثقافة اصيلة محلية خا صة في مملكة الرها ونشاطات الاقوام الغسانية والمناذرة  والممالك الصغيرالاخرى في العراق مثل ميشان وحدياب. ويشير الى ذلك ايضا توينبي حين يؤكد ان الثقافات الشرقية ( التي يسميها بالسورية) وجذورها الحضارية الراقية قد لعبت دورا في نمو الثقافة المسيحية الشرقية التي تختلف عن الثقافة المسيحية البيزنطية .وان المشرقيين المسيحيين في سوريا وفلسطين وكذلك في العراق و مصر لم يتعاونوا معا لدراسة واقعهم الجديد للبحث عن ثقافة شرقية مستقلة.(1)

التاريخ العام

لا اريد ان اقدم شرحا عن اصول البحث العلمي التاريخي، وقد عرفه كل باحث موضوعي منذ الكتابات الاولى بعد استقلال الاقطار العربية،ونجد بداياتها  في العراق عند الاب ماري الكرملي وكوركيس عواد وعبد الرزاق الحسني ورفائيل بابو اسحاق وعباس العزاوي وغيرهم. وكذلك عند الباحثين والمؤرخين العرب الذين حصلوا على شهادة عالية تعلموا خلالها اسلوب البحث العلمي.ولكن لعلي اقدم بعض الاراء والافكار التي تجمعت في ذهني من خلال تجربتي في البحث التاريخي و الكتابة التاريخية. ان التا ريخ ،كما اراه،مراحل متتابعة تسجل او توضح مدى تطور الانسان في بلد ما او في زمن ما،  ومعارفه وجهوده ونشاطه المادي والمعنوي والروحي، وكذلك تبيان مدى تجاوبه او تحدياته للمحيط والطبيعة التي كانت تؤثر كثيرا في حياة الانسان .  وحتى لانخوض في اصول تطور الانسان الاول (آدم) قبل اكثر من مليوني سنة ،فانه من الافضل ان نتناول ما بعد التاريخ اوالكتابة.  وعلى الارجح فان الكتابة ابتدعها السومريون في نهاية الالف الرابع قبل الميلاد في جنوب العراق،اذ لعلها ظهرت في اوروك في حوالي 3100 ق م .
كانت المجتمعات الاولى  تتا لف من مئات القرى الزراعية، مثل تلك التي كانت على ضفاف الفرات. وقد خلق التطورالمادي بعد الزراعة واستقرار الانسان، مجتمعا مدنيا وقرية تتعاون في الحصول على  طعامها وتنظم اسلوب عيشها ومن ثم الدفاع عن نفسها. كما اوجد التطور المعنوي والروحي عند الانسان ثقافة دينية بسيطة تعتمد مظاهر الخوف او الخشية او الانبهار من الطبيعة، فعبد الانسان الشمس والقمر اوالسماء والنجوم او الرعد والبرق وغيرها وقدس الولادة واعتبر الام من اهم مصادر الحياة .
 وقد ظهر من خلال تعلم الانسان الكتابة ، القدرة على التعبير عن مشاعره الدينية البسيطة فنشأ النثر الممتلئ حيوية وحبا الذي تحول الى الشعر المرسل الذي تميز به الشعر السومري، وهوالاسلوب الادبي الذي كتبت فيه معظم الاساطير والملاحم  السومرية والبابلية والاوكاريتية وغيرها. وكان الكهنة والنساخين في القصو ر الملكية والمدارس والمراكز التجارية والزراعية يمثلون الطبقة المتعلمة في المجتمع المتحضر. ولعل من اوائل الادباء  والشعراء في العالم هو تيكي الذي نظم قصيدة في مدح الملك شولكي وكذلك سين- ليقي- اونيني الذي وقع ملحمة كلكامش، والاميرة  انخيدوانا الاكدية  التي اوردت ابياتا من الشعرفي مرثيتها لسقوط مدينة اور في القرن الثاني والعشرين قبل الميلاد.

 وقد اوجد الاهتمام بحركة الشمس والقمر ورصد النجوم ومعرفة الابراج معرفة علمية واسعة نتج عنها ان توصل البابليون الى معرفة ساعات اليوم وعدد ايام السنة لاول مرة وقسموا السنة الى عشرة اشهر اولها شهر نيسانو واخذت الاقوام السامية التوقيت اليومي والشهري والسنوي عنهم . وكان من نتائج تقدم الحضارة في بلاد الرافدين ان انتشرت في الهلال الخصيب وانتشرت معها المعرفة الانسانية وابرزها اللغة الاكدية والتجارة المنظمة وكذلك القوانين واضاف عليها البابليون اساطير الخلق والتكوين واساطيرالعالم السفلي (الموت- ومابعد الموت) . وهناك ملاحم قديمة اعادوا كتابتها مثل ملحمة كلكامش وملحمة اترحاسس التي تصف بدقة وبالتفصيل احداث الطوفان باسلوب شعري رائع وحاكاهم الاوكاريتيون في ملحمة اللالئ، كما الف المصريون اساطير عديدة تدخل ضمن اسلوب عبادتهم وحياتهم. وقد منحت هذه المعارف المتقدمة في زمانها اليهود بعد هحرتهم المضطربة،فرصة لللاستفادة من مظاهر الحضارة البابلية ومعارفها وتوظيفها من اجل الاقتراب من الاله الواحد خالق السماء والارض. وجرى توظيف روايات الطوفان والخلق وشجرة الحياة البابلية ،بالاضافة الى الاستفادة من اشعار الحب التي قيلت الى عشتار حيث وظفت الى مدح وتسبيح للرب في المزاميروغيرها من القصص والروايات السومرية والبابلية (للمزيد راجع التوراة البابلية لللاب سهيل قاشا).  وجاءت بعد اليهودية المسيحية ،واعتمد كثير من المؤرخين المسيحيين على ماجاء في التوراة ،الى ان اكتشفوا بان ما اظهرته التحريات الاثرية منذ القرن التاسع عشرلا يتطابق مع بعض مما روته التوراة. وعند جميع الاقوام والامم توجد روايات لايصدقها الا اصحابها. وعليه ارى ان المتعصبين لايمكنهم ان يكتبوا تاريخا حقيقيا. واجد ذلك واضحا في بعض التعليقا ت الهزيلة التي اوردها بعض من هؤلاء على دائرة المعارف الاسلامية ..  Encyclopedia of Isla mالتي تعد من اهم المصادر التاريخية. ولذلك فان مشروع ترجمتها اصابه الشلل عدة مرات حتى توقف .  ومن المشكلات التي تواجه مؤرخي العراق القديم هي تسميته بمسوبتامية اي بلاد بين النهرين فلدى بعض المؤرخين انها تشمل العراق والجزيرة وشمال سورية ،ولدى بعض المؤرخين السوريين تشمل العراق وسوريا وغير ذلك من الاراء وعلى سبيل المثال كان في القرن 19 ق م ثلاثة ممالك بابلية هي ماري وبابل واشنونا، فهل مملكة ماري سورية ام عراقية؟  ومن المشكلات التي تواجه التاريخ السرياني العام في القرون الميلادية الاولى هي عدم وجودها في تسلسل التاريخ العام لللامة العربية ولافي تاريخ سوريا العام ولاكذلك في تاريخ العراق العام ولا في تاريخ فلسطين العام. واقصد بالتاريخ العام الكتب  الجامعية  والبحثية التي  تدرس في الكليات والجامعات  ولنضرب على ذلك مثلا واضحا: فالموسوعة التاريخية العراقية المسماة (حضارة العراق) وهي في 14 جزءا انجزت بين السنوات 1980- 1984 نجد ان المؤرخ الذي كتب عن العراق في فترة القرون الميلادية الاولى اي بين القرن الاول وبين منتصف القرن السابع قد اعتبرها الفترة الفارسية، ولاتوجد اشارة الى التاريخ الخاص بنشاط العراقيين  السريان او المشرقيين المسيحيين ولا عن ثقافتهم ولا عن علمائهم ولا عن مدارسهم العد يدة التي وثقها(رفائيل بابو اسحاق) والتي زادت عن 35 مدرسة كانت مقامة في اديرة العراق. وكذلك المدارس العليا او  الجامعات مثل جامعتي الرها و نصيبين واسكول مار ماري في المنطق ومدرسة جند يشابور في الطب، وانما يوجد كل شيئ عن مملكة الحيرة وملوكها الحقيقيين والمحتملين وصراعهم مع الغساسنة  وقصص ورويات حقيقية وخيالية. وعليه ارى ان المؤرخ ياخذ في تصوره لاحداث الماضي بشكل بانورامي شامل لا من زاوية خاصة منحازة سواء اكانت قومية او دينية او طائفية. والمشكلة الاخرى  التي تواجه كتابة تاريخنا المشرقي هي الخلط بين الروايات الدينية وبين النصوص الاثارية المختلفة التي تمثل وقائع حقيقية للأحداث التاريخية. ان تاريخ الهلال الخصيب هو اغنى التواريخ لان هذه المنطقة وخاصة العراق وسوريا وفلسطين هي مهد الحضارة الانسانية والارض الطيبة التي نشات فيها اليهودية والمسيحية وازدهرت فيها الحضارتين السريانية والعربية حيث ينبغي عدم تجاوز اي منهما. والمهم ان بداية تكون التاريخ ونضوجه تمت في الشرق الادنى. وقبل ان يكتب التاريخ على حقيقته ،قدمت حضارات الشرق الادنى  الصفحات الاولى من اعمال الانسان وابداعته الفكرية والادبية والعلمية التي اعطت الارضية الخصبة لنمو القيم الروحية وظهور الانبياء الذين عرفوا الله فاهتدت الانسانية بهم .كما وصلت كثيرا من معارف الحضارات البابلية والمصرية والفينيقية الى جزر اليونان فساعدت على قيام الحضارة اليونانية التي مهدت لنمو الحضارة الاوربية .  






تاريخنا المشرقي الخاص من يعيد له اعتباره؟

ان نمو المسيحية وتطورها في القرون الميلادية الاولى وخاصة في الهلال الخصيب ،وبروزمظاهرحضارية سريانية اومشرقية ،قد جوبهت هذه المظاهر باختلافات تاريخية كثيرة ومتعددة. وابرز هذه الاختلافات ما ياتي:

1-   ان معظم الباحثين في التاريخ من الغربيين المعنيين بدراسة المسيحية في الشرق الاوسط وخاصة خلال القرون الميلادية الاولى،يتنا ولونها من زاويتين هما الدولة الرومانية والدولة الفارسية بمافيها بلاد الرافدين (ميسوبوتيميا)،لا من ارضية مشرقية ذات جذور حضارية قديمة . وهم في غالب الاحيان يتجاهلون معاناة المسيحيين من اهل البلاد وكذلك الاضطهادات والمصاعب التي جابهوها في فلسطين من اليهود وفي سوريا من الرومان وفي العراق من الفرس.
2-   ان معظم الباحثين والمؤرخين الاجانب و العرب لم يدرسوا بعمق سبب نشاة المسيحية في العراق في وسط المجتمعات الارامية الباقية في كشكر وميشان وفرات- ميشان  وحدياب ونيبور حيث عثر على اواني  ارامية تعود الى القرن الاول للميلاد،وكذلك نشأة المسيحية في مدينة كشكر الارامية التي كانت حتى القرن السابع ثاني اكبر مدينة في العراق بعد طيسفون، بالاضافة الى البلدات المسيحية في سهل نينوى وفيما حول اربيلا والذين كانوا من اصول اشورية وارامية وغير ذلك من بقايا مملكة اديابينة . ونذكر من اسباب تقارب الاراميين والمسيحيين، ان الديانة الارامية في نهايتها كانت شبه توحيدية او كانت تتجه نحو التوحيد في عبادة الاله الواحد. كما انه من خلال وسط اللغة الارامية انبثقت اللغة السريانية،بلهجاتها المختلفة
3-   ان كثير من المؤرخين العرب وبعض المشرقيين نجدهم غير معنيين بدراسة تاثير النتاج العلمي والادبي والفلسفي السرياني وتطبيقاتها في نشأة الحضارة العربية وخصوصا في مجال نمو وتطور الطب العربي و الفلسفة العربية، وكذلك في مجالات الادارة والمالية وفي فن العمارة حينما ظهرت مثلا العمارة الحيرية  التي نشات فيها مظاهرالعمارة البابلية ،والتي توضحت في عمارة اكثر من عشرة قصور اقيمت في الحيرة وغيرها قبل الاسلام من بينها الخورنق والسدير والقصر الابيض الذي سكن فيه  صاحب الحيرة عبد المسيح بن بقلة كذلك في الكنائس العراقية التي بنيت على طراز حيري- عراقي يختلف عن طراز العمارة البيزنطية التي سادت في عمارة الكنائس في سوريا،بالاضافة الى الخشية من دراسة اصول الكتابة والخط العربي والخجل من القول انهما ولدا من رحم اللغة السريانية كما هو واضح في احجار او الوح القبور في سوريا وشمال الجزيرة العربية بين القرنين الخامس والسابع للميلاد، وبعضهم يشير الى السريان اوالمشرقيين انهم ماهم الا (نقلة ) (خدموا) الثقافة العباسية والانكى من ذلك ان البعض يسكت عن ذلك.
4-   ومن المسائل التي نواجهها في تاريخنا المشرقي المعاصر هي عدم ذكر حقيقة ان معظم المسيحيين في العراق مازالوا يتكلمون اللغة السريانية وان معظم المسيحيين في سوريا لا يتحدثون بها فقد تخلوا عنها ولاسباب مختلفة منذ القرن الثالث عشر وبقيت مقصورة على رجال الدين، وكذلك الحال في لبنان وفلسطين، وان كان هناك عودة جديدة لدراسة الاصول المسيحية واللغة السريانية. اما القبطيين في مصر فقد انكفأوا على انفسهم وعلى لغتهم القبطية وانتهوا بان لغتهم اصبحت في نطاق الجيل القديم من الاساقفة والرهبان، وتخلوا عن تدريس اللغتين الارامية  و السريانية حتى في جامعة القاهرة،(2)وتركوها لللاخرين الذين يعلمون الجيل الجديد ان اللغة السريانية والادب السرياني قد زالا في القرن الثالث عشر.

وهكذا  نجد في تاريخنا المشرقي المسيحي مشكلات اكبر تواجه المؤرخ الموضوعي،  فهناك من يقبل من علماؤنا ومن كتا ب التاريخ عندنا الاراء غير العلمية  من بينها مثلا ان الاراميين هم عرب، وان الكلديين موجودين منذ العصر الاكدي، وان التاريخ الاشوري يبدا من قبل 6757 سنة. (وبهذه المناسبة اذا ما اردنا ان نضع  للعراق الحضاري  تاريخا او تقويما فليكن من بداية ظهور الكتابة وهي على الارجح في 3100 ق م . وبحساب السنوات المنصرمة حتى الان، فتكون سنتنا الحالية(2010) في التقويم الحضاري للعراق هو (5010)  وهناك من يجعل تاريخ المسيحية يقتصرعلى الاشوريين واخر يقتصره على الكلديين وثالث يجعلهم سريان عرب كما هو الحال في الادبيات السورية ورابع يريد ان يتهرب من هذه النظرة الضيقة فسمى ادبهم (ادب اللغة الارامية )،  كما فعل البحاثة الاب البير ابونا. فياترى لم الاختلاف؟ وهنا يجب ان نذكر حقيقة هي ان المسيحيين في العراق يعودون الى اصول اشورية وبابلية- كلدية وارامية وان بعظهم  عرب من ال- عباد التنوخيين  الذين سكنوا مدينة حيرتا(الحيرة) .وان من رأي الشخصي التوافق مع راي الاب البير ابونا في البحث عن اصولنا الارامية  التي تعود اليها السريانية. وللدلالة على الاصول الارامية  ساسعى لاعطاء بعض الادلة على ذلك:ان القبائل الارامية-  الكلدية التي هاجرت الى جنوب العراق في القرن العاشرقبل الميلاد كانت تتكلم اللغة الارامية.  وبعد ان اتصلت بالقبائل والممالك الارامية المتعددة في جنوب العراق وحالفت ا لبابليين الذين كانوا من بقايا  مملكة القطر البحري البابلية الذين كانوا منتشرين في بيت هوزاي وجزر الخليج بالاضافة الى القبائل البابلية المسا ندة لامرائهم الذين كانوا  يكافحون لاستعا دة العرش البابلي وبين هؤلاء حدث اول التحام قبائلي ولغوي.  وبعد سقوط بابل ،تجمع كثيرا  من الكلديين الاراميين والبابليين في بيت هوزاي.وفي القرن الثالث ق. م .اعطى السلوقيون فرصة لتكوين اول مملكة رافدينية بعد احتلال بابل وهي دولة ميشان ويقول الباحث الاثاري المعروف طه باقر عنها مايلي: (وهي التي ورد اسمها كاراسين وفي المصادر الارامية والسريانية والعبرية بهيئة ميشان والعربية ميسان وفي الفارسية ميشون،وقد نالت استقلالها وانفصلت عن تبعيتها للدولة السلوقية في السنوات (187ق م- 224م)  وكان جل سكانها من الاراميين).(3)  وعندما سقطت ميشان في منتصف القرن الثالث للميلاد كانت قد انتشرت فيها المسيحية. اما منطقة حدياب التي كانت تشمل اربيل واشور وقرية نينوى فان معظم سكانها كانوا من الاراميين وبقايا الاشوريين واليهود،و يرجح ان لغتهم هي الارامية.(4) وبحسب رواية مار مشيحا زخا فان المسيحية بدات مبكرا هناك لعله في مفتتح القرن الثاني للميلاد.  كماتحولت اللغة الارامية الى اللغة السريانية، بدليل نبوغ الكاتب تتيانس الاشوري في اعداد الاناجيل الاربعة باللغتين اليونانية والسريانية اللذي ولد في عام 120م.  اما في سوريا فالامر اكثر وضوحا اذ ان المسيحية والسريانية نشأكلاهما في احضان مملكة اورهوي الارامية حيث كان كل ارامي  يهتدي الى المسيحية يسمي نفسه سريانيا بعد ان يكون قد ترك الوثنية.  وهناك مسالة انتبهت اليها حين قرائتي لكتاب المؤرخ الشهير ارنولد توينبي  Study of History  حبث كانت بعض الصفحات تتحدث عن الحضارة السورية ووجدت توينبي يشير بذلك الى ملامح نشوء حضارة سورية مسيحية في القرون الميلادية الاولى  وعرفت حينذاك انه يقصد الحضارة السريانية ووجدت السبب هو ان كلتي الكلمتين (السورية والسريانية) تكتبان بنفس الحروف باللغة الانكليزية وربمافي اللغات االلاتينية الاخرى. ومن هنا نقول ان الحضارة المشرقية المسيحية اوالسريانية في الهلال الخصيب ليست سورية آرامية وحسب بل ساهم فيها العراقيون والنبطيون في منطقة حدياب واشور ونينوى والمرج (دهوك وما حولها) وكشكر، وكذلك الميشانيون اجداد العاملين في مدرسة جنديشابورالطبية وكذلك اهل مملكة الحيرة وتكريت  باصولهم المختلفة وعليه من الافضل ان نسمى السريان بالانكليزية (Syriac People)، او Syriacists التي كتبها احد الباحثين في احدى المدونات في الانترنيت قبل فترة.
وهناك مشكلة اخرى تواجه الكاتب المشرقي هي قلة المصادر المناسبة باللغات السريانية و العربية والاتكليزية اوتناثرها في المكتبات الشخصية. وهنا لابد ان اشير الى جهود بعض العلماء اللذين اعرفهم : واولهم الاستاذ (البروفسور) سباستيان بروك  رئيس قسم الدراسات الارامية والسريانية في جامعة اوكسفورد، وقد حصلت الدكتورة سها رسام العراقية المقيمة في انكلترا على شهادة اخرى من هذا القسم عن اطروحتها Christianity in Iraq 2005  وهو مصدر لاغنى عنه. اما مقالات بروك فهي موجودة في المجلات العربية المحكمة.و اشير الى عالم اخرمتميز في كتاباته الموضوعية وهو الاستاذ امير حراق المقيم في كندا. كما اذكر البروفسور وليم رايت وكتابه الفريد بالانكليزية(موجز تاريخ الادب السرياني). ولابد لي ان احي العلامة الاب البيرابونا الذي الف وترجم اكثر من 60 كتابا لكن يكفي ان نذكرله مصدرين لاثالث لهما:تاريخ الكنيسة الشرقية، ومعجمه ادب اللغة الارامية ،الذي بزكتاب اللؤلؤ المنثورمن ناحية شموليته وتوسعه في الشخصيات المشرقية . ولابد لي ان اذكر هذا الكتاب المتميزالى نينا بيكوليفسكايا (ثقافة السريا ن في القرون الوسطى) دمشق 1991. واخيرا اسمحوا لي ان اشير الى كتابي الذي صدر حديثا من دار دجلة في عمان (اصول الثقافة السريانية في بلاد مابين النهرين)، والى المقالات المنشورة في مجلتي بين النهرين والفكرالمسيحي . و كلي امل ان يتوحد الكتاب المشرقيون فيما بينهم ان لم يكن في اصولهم ففي لغتهم السريانية وثقافتها  وتاريخها  الذي يجمعنا معا منذ القرن الاول الميلادي، وان لاينسوا العمق الحضاري لبلدان الهلال الخصيب وكذلك الدويلات التي قامت فيه مثل اورهوي(الرها) وميشان وحاطرا وحدياب وسنجارا وحيرتا وغسان ومدنها العامرة باسباب الحضارة ، وان يبحثوا عنها في المصادر الاولية السريانية ثم في موسوعة الاسلام باللغة الاتكليزية التي كتبها باحثون موثوقون ،واخيرا نتمنى من المثقفين المصريين القبطيين العودة الى احضان اللغة السريانية والتوحد مع الثقافة المشرقية الجديدة في العراق وسوريا ولبنان بعد ان نهضتفي معاهد وادبيات رصينة باللغتين السريانية والعربية، ومتابعة النتاج التاريخي والثقافي والادبي السرياني ، والعودة الى تدريس اللغة السريانية ،وعلى الاقل في قسم اللغات الشرقية في جامعة القاهرة، كما نتمنى ان تدرس السريانية في احدى الجامعات السورية والفلسطينية كما هو الحال في جامعة القاهرة وجامعة بغداد وبعض الكليات في لبنان. وان تكون لها مكانا في المجمع العلمي السوري  واللبناني وغيرهما اسوة بالمجمع العلمي العراقي.

                                                                                         * الباحث استاذ عراقي مقيم في المانيا

Ffouadkazanchi2005@yahoo.com

اهم المصادر
    (1)Toynbee,Arnold  J. A Study of History.Vol.12. Oxford Univ. 1961 pp.60- 70

(2)   فؤاد يوسف قزانجي.اصول الثقافة السريانية في بلاد مابين النهرين. عمان: دار دجلة، 2010،الصفحات:7-10،144- 145.
(3)   باقر، طه. مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة. عمان:دار دجلة،2009.ص600


(4)   Wright, William. A Short History of Syriac Literature London:Adam&Charles
1884p271

صفحات: [1]