1
أخبار شعبنا / المطران لويس ساكو يدعو الدول العربية الى أعتماد مبدأ المواطنة كأساس للعيش المشترك
« في: 16:46 27/06/2011 »المطران لويس ساكو يدعو الدول العربية الى أعتماد مبدأ المواطنة كأساس للعيش المشترك
عنكاوة كوم - وائل التون
دعا رئيس أساقفة كركوك للكنيسة الكلدانية المطران لويس ساكو، الدول العربية الى أعتماد المواطنة كأساس للعيش المشترك بين الاديان والقوميات المتآخية فيها.
وطالب الحكومات بتغير دساتيرها وبرامج التعليم، بما يضمن نشر قيم السلام والعدالة والديمقراطية.
كما طالب الكنيسة بتعزيز الحوار مع المسلمين المعتدلين الذين قال إنهم يشكلون الأغلبية في المجتمعات العربية.
جاء ذلك في ندوة عقدت برومانا بلبنان في الفترة من 22 الى 26 حزيران الجاري، تحت عنوان: " تعزيز العيش المشتركفي اطار الاعلام ودوره في تنمية الحوار الاسلامي – المسيحي"، نظمها منتدى التنمية والثقافة والحوار التابع الى فريق الحوار الاسلامي- المسيحي.
حضر الندوة وفود من لبنان والعراق وسوريا ومصر والكويت والسعودية والجزائر وتونس.
والقى ساكو في الندوة محاضرة اليكم ما جاء فيها:
البلدان العربية خليطٌ من شعوبٍ وقومياتٍ وثقافاتٍ ولغاتٍ ودياناتٍ ومذاهبٍ. وبالرغم من ان العالم قد تغيّر بفضل وسائل الاتصال والسفر، الا ان نظام العيش والتفكير في بلداننا بقي عموماً أبويًّا – قبليّاً وطائفيًّا، واسلوب التعليم استمر تلقينيًّا وفوقيًّا وكأنه معصوم، من دون اتاحة المجال للتفكير والتحليل لقبول معارف اخرى واساليب اخرى . وهذا يشكل بحد ذاته عائقا امام الحوار والتغيير والتقدم.
كما ان الدول العربية لم تقم حتى اليوم بدمج مواطنيها في مشروع المواطنة الواحدة، قادر ان يحفظ حرية وخصوصيات كل فرد وجماعة و ان يحافظ على التعددية والتنوع، وهما ظاهرة انسانية طبيعية وحضارية، غنية جدا للتقدم والتعاون والابداع. فالناس تختلف في الجنس واللون واللغة والثقافة والطبع والدين والمذهب. وهذا التنوع يجب قبوله واحترامه، وهو واقع بمشيئة الله.
في مطلع القرن العشرين والى الستينيات كان موضوع " الامة العربية" هو القضية الوحيدة التي وحدت الغالبية العربية والأقليات امام الامبريالية والاستعمار. وحثّ الشعراء الناس على هذا الاندماج، لكن بقي انتماء " الاقليات" الفكرية والعددية والقومية مزدوجًا.. ومن المؤسف حقًا ان تكون القوى الاستعمارية قد رسمت حدود هذه البلدان من دون مراعات الخريطة العرقيةن لذلك بقي خطر التقسيم قائمًا وكأنه مرسومُ أصلاً!
في النصف الثاني من القرن العشرين: ظهرت نظم احادية الحكم، أي من العائلة الواحدة او القبيلة الواحدة، دعمها التعليم المبرج والاعلام الموجه والداعم لها وجعلت الناس قطيعا، وويل لمن يخرج عن الحظيرة واعتمدت التعايش القسري. وهذا النمط افرز مشاكل عديدة ولم يتحسن الوضع ولم نحصل على دولة المواطن ودولة الانسان.
القرن الحادي والعشرون: خصوصا بعد غزو العراق وافغانستان، وقفزت على السطح حزمةُ من طوائف وقوميات وديانات ومذاهب، وفي معظم الاحيان بعقليةعدائية وغير ودودة، وبرز التطرف الديني والاتني وخصوصا الاسلام السياسي برفض الاخر لتفريغ المنطقة من التنوع والتعدد من اجل الديانة الواحدة والمذهب الواحد، وتعقدّ الوضع أكثر. وخير دليل هو ما حصل في العراق ومرشح للحصول في دول اخرى: طوائف منفصلة عن بعضها تعمد الى تصفية العقول والاجساد للانفراد بالسلطة والقرار والمال، ونحن المسيحيين العراقيين دفعنا ولا نزال ثمنا باهضًا ونحمل همَا وهاجسا عن استمرار بقائنا وعن مستقبل حضورنا ومشاركتنا!
ثم كان الربيع العربي، والربيع عندنا قصير، وكما يقول اسقف دمشق للموارنة سمير نصار: " إن التغييرات التي تطرأ على العالم العربي سواء أكانت سلمية أم عنيفة، تضعه على طريق خلق ديمقراطية جديدة وظهور منطقة شرق أوسط جديدة، لكن يمكن لهذه التغييرات أن تؤدي إلى زعزعة مؤلمة للاستقرار ونشر الفوضى، أو عودة حتمية للإسلام التقليدي" هذا يعني ان طريق الحرية والديمقراطية والعيش المشترك طويل وشاق وإن لم ندرس التاريخ ليس ينبغي بموضوعية علمية لاستخلاص العبر والبناء عليها، سوف نكرر الأخطاء القاتلة.
وارى ان لا يكون استقرار للبلدان العربية ولا ديمقراطية ولا عيش مشترك من دون اعتماد المواطنة الواحدة ودمج المواطنين فيها. وان الوسيلة الفضلى لتصحيح وضعنا الحالي بطريقة اصيلة وصادقة هو تربية الناس على الاعتراف بالاخر وقبوله والعيش المتسالم معه. وهذا المشروع الحيوي والضروري حتى يتحقق يحتاج الى خطوات عملية على الكل ان يعيها ويفعلها في التطبيق والتغيير وعمليا اقترح ما يأتي:
1 - تغيير الدستور واعطاء الحق للعقل وليس للعاطفة، ولا مانع من ان تكون له خلفية حضارية عربية اسلامية بالمعنى الواسع وليس المعنى التشريعي التفصيلي الضيّق ( واذكر هنا على سبيل المثال الاحوال الشخصية وجبر الاولاد على اتباع ديانة الوالد في حال اشهاره الاسلام). على الدستور ان يؤسس المواطنة العادلة، أي المساواة في الحقوق والواجبات ولا يوجد احد فوق واخر دون ولا مواطن واحد يشعر بسلب حقوقه. كما ينبغي فك الدين عن السياسة والسياسة عن الدين وهما مستويان مختلفان تماما!
2 - التربية في الاسرة. على الاسرة تربية أطفالها الذين يقضون أقله ست سنوات من عمرهم فيها بشكل منفتح، تعددي باحترام التنوع والخصوصيات وتنشئتهم على التحاور والقبول المتبادل وهنا أؤكد على دورة المرأة في تعزيز المحبة عوض الكراهية والتفرقة وايضا التنوع والعيش المشترك.
3 - تغيير برامج التعليم خصوصا الدينية منها والاجتماعية بعيدا عن المفردات الفيئوية وعبارات التكفير والتخوين والاقصاء والتهميش، وتعريف الديانات الاخرى باحترام وبايجابية كونها من تصميم الباري الذي خلقنا مختلفين، مستندين الى قول القرىن الكريم: " لي ديني ولكم دينكم .. والهنا والهكم واحد". كما يجب في الجانب الاجتماعي تعريف التنوع والتعدد، واحترام الفروقات وانماء العيش المشترك والتعاون عوضا عن التشكي منها واقصائها. التنوع المنفتح المتكامل والسليم دافع للخلق والتقدم وليس للعداء والانقسام. وعلى المؤسسات العلمية والتربوية: من المدارس و المعاهد الجامعات احترام الخصوصيات المحلية الثقافية والاجتماعية والدينية والقومية وتنميتها كتراث وطني واحد.
4 - الحكومات هي بالدرجة الاولى مسؤولة عن ما يحدث.. مسؤوليتها تقوم على صيانة الوحدة من خلال دولة مدنية وبمؤسسات تدفع ابناءها للاندماج في مشروع المواطنة الواحدة والشراكة وتقاسم السلطة. لكل مواطن الحق في المواطنة والعيش الكريم والمشاركة من دون اعتبار الغالبية والاقلية ، انما النظر الى الاقتدار.
5 - على المرجعيات الدينية الاسلامية تقديم فكر ديني وسطي معتدل باسلوب يُلائم انسان اليوم في ظروفه الراهنة وسياقها، وحبذا ان يكون هناك مرجعية دينية واحدة تفتيء وتوجه الخطاب الديني و تعمل على التوعية الدينية السليمة حتى تحافط على اصالة الدين الاسلامي وروحه من التشويه واذكر هنا على سبيل المثال القول الماثور والجميل: المسلم من سلم الناس من بسانه ويده. كثيرا ما نراه مكتوبا على لافتات كبيرة بصيغة من سلم المسلمون، بينما الاول هو الصحيح!
6 - القيام بحملة تعبوئبة من اجل التوعية والاستفادة من الاعلام بكل وسائله : الصحف، والراديو والتلفزيون لخلق وعي عند مؤمنينا ومواطنينا للعبور نحو الأفضل وتقوية الهيكليات الموجودة لتصبح اكثر فاعلية وشمولية وخلق هيكليات جديدة فيها نور وابداع. ونشر قيم الخبرات الفكرية والاجتماعية والروحية المتنوعة، بعيدا عن التطرف. ويحبذ ان يصار الى لقاءات صلاة مشتركة تعرف الاخر وتعمق الصلة ولنا في كركوك عدة خبرات.
7 - ومن جانب المسيحيين الشرقيين يجب الاعتراف باننا عموما تُعاني من التشرذم و مواقف الإسلاموفوبيا، ومن عدم الاندماج في مجتمعنا العربي ومن اللجوء الى الهجرة ومن ندرة القيادة السياسية و الدينية الشجاعة مما سبب ضرراً لنا. يجب على االمسيحيين وهنا اشير الى الكنيسة تكثيف الحوار مع المسلمين المعتدلين الذين يشكلون الأغلبية، وتشجيع فرص اللقاء والتعاون في مجالات عديدة انسانية وثقافية واجتماعية وصحية وفنية، كما ينبغي الا تربط المسيحية بـ"السياسات الغربية" وهي سياسة دول علمانية غير مسيحية والتي تخلق صراعا ت مع الإسلام في أماكن عديدة.
على الكنيسة الشرقية ان تصدر بيانا صريحا وواضحا بهذه الصدد يزيل أي لبس.