عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - Nabil Daman

صفحات: [1]
1
مار بولص أرْيــَه ، مْأرْخِحْ لگدَأرِخْ



گيبـِدْ مَنْ قارِخْ وتَـَماني أَمْـــــــرِخْ                     لأينـَنْ ما شْتيلا ولموثـَه دِكسَپْـرِخْ
ساذنْ خـَرايه يا ماري مْبْـــــــارِخْ                     مار بولِص أرْيَه مْأرْخِحْ لَه گدأرِخْ
بْگو موثِحْ أرْخه تساذوثه بْهيــرَه                     أيدْ كِمْشاريلـَه كُلْ گورَه مْهيـــــرَه
مار بولص شْتيلِه كأسَه مَريـــــرَه                     وطالِح كُل دُني گو حِشّه زمْيــــرَه
گو حِشّه دْنِنوِه وْدَقلـَتْ أو نيــــرَه                     وگو عُمْقِد ليلِه خْشِكْلِه أو صْيــرَه
مار بولص مپْيلـَه ودِمّحْ هـْديـــرَه                     وگيانِحْ پَرپْورِه تـَه َشْمَيّه فيـــــرَه
رُِشو مِن شِنْثـَه مار بولص سْپيرَه                    رِسَقتِحْ بْيذِحْ وقيمَه رِشْ شــورَه
لـْمَدِنْخـَه خّايِـِرْ وگو لـِبِّحْ نــــــورَه                    هَـَرْ باثِه زونـَه وبدهاوه شيــــرَه
يا كـُل دْولاثه بْأرْبي پـِنـْياثـَــــــــــه                     صَپَرا بِه تـْخاذي دِمَّنْ لپَقراثَـَـــه
بْيد پشْلَـَنْ مْپْيلِـِه وْلَـَتّن ْ مَرواثَــــه                     بگو أپَرَه گويلِه ودْلَـَه مْعَدَّنياثَــه
وأختو قاطولِه دْحُبّه وطيبوثَـــــــه                      وناشِه دِشلامَه وكُمْرِه دْحيروثَـَه
مُنِعلَـَه بْيشَه خورْ گو تـَشْعيثَـَــــــه                      تِمََّلْ شُلطانَـَه قْـْليلِه بْقَـَليْثَـَــــــــه
أوساذن مْشـَمْهَ گيبَن بـِقرايَـــــــــه                     عْمْيقـَه پتوديثَـَه وْگبََّرْ سورايَـــه
هادَخ تنيثِحْ بلـِبَّنْ بـِشرايـَــــــــــــه                     دْمُعليلِه شِمَّنْ نِشرَه نِنوايَـــــــــه
  وَعْدوثـَه هويَه مَحري بْكثوِنـّــــــه                     وْبْرشْمَه دِصْليوَه قالِحَ بْشَمِنــِّـــه
شمِّحْ مار بولص لـَزين ناشِنـّــــه                      كـُل ما تـَدْ فيتي يُماثـَه وْشِنـِّـــــه

 
* ألقيت القصيدة في الحفل التأبيني المقام على روح الشهيد مار بولص فرج رحو في كالفورنيا 18- 3- 2008
نبيل يونس دمان
nabeeldamman@hotmail.com




2
انتهاك حرمة الكنائس

نبيل يونس دمان

     متى يفهم المتعصبون والسادرون في غيهم ، ان في التعدد ازدهار، وفي التنوع افتخار، فشجرة الحياة في بلاد الرافدين مزدانة بكل الاثمار، من اديان وملل ، من اقوام ونحل ، هكذا كانت منذ بدء الخليقة ومرورا بعشرات القرون .
ماذا دهاكم ايها العراقيون المعروفون بعلمكم ونبلكم وشهامتكم ، ماذا دهاكم ومن بين صفوفكم يخرج من يلحق الاذى بقوم آمن ، طيب خدم البلاد على مر العصور ، بل هو صاحب البلاد ، اقول ذلك لا للتقليل من شان الاقوام والاديان الاخرى التي استوعبها وطن النهرين ، فساهمت ايضا في بنائه وتطوره ووصوله الى عتبة القرن الحادي والعشرين .
وبالرغم مما الحق بالوطن من اذى وتخريب ، فلا زال يحمل الامل نحو مستقبل افضل . وانتم ايها الشرفاء من اية فئة او دين تنتمون ، ومن تملكون ناصية الفكر السليم والنظر البعيد ، ادعوكم بل اناشدكم ان توقفوا هؤلاء ، ان تنبذوهم من بينكم ، وتحرضوا العباد ضدهم ، وتفتوا في مساجدكم  بحرمانهم.
اتبعوا الطرق التي تجبر هؤلاء الاشرار ليغيروا طريقهم ، ويكفوا ايلام هذا القوم المسالم ، الذي لا يملك القوة للمقاومة او الرد ، سوى الهرب وترك البلاد ، ليس فرحا لما هو مقبل عليه ، بل ملتفتا بحسرة والدموع تملأ عينيه ، لارض ابائه واجداده ، وبالاساس لا تسمح تعاليمه الدينية واعرافه الاجتماعية بالانتقام ، ويكرر على الدوام بطريركنا الجليل والسامي الاحترام عمانوئيل الثالث دلـّي : ان سامحوا مبغضيكم وصلـّوا من اجلهم ، لقد قال المسيح عن امثال هؤلاء ( انهم لا يعلمون ما يفعلون ).
      ماذا يظن المتعصبون ومن يشجعهم ويوجههم ، في القضاء على المسيحيين او طردهم بالكامل من بلادهم الاصلية ، هل يوفق من يبقى في البلاد ، بل هل سيعيش المسلمون اذا تحققت تلك الغاية ، بالراحة والعافية فتستريح البلاد وتتقدم ، انا في شك كما يقول الشاعر مظفر النواب " انا في شك من بغداد حتى جدة "  ، بل اعتقد جازما بان ذلك لو حصل لا سامح الله ، فتكون نهاية العراق من الخارطة ، ليس من الخارج بل التآكل والفناء من الداخل ، اذا لم ينصب ايضا غضب السماء التي شاءت ان تولد من مشيئتها الاديان الثلاثة ، في تلك الاراضي الجميلة من بلدان الشرق الاوسط .
     المسيحية لم تولد في اوربا او اميركا ، ولم تات من بلاد فارس او تركيا او افريقيا ، المسيح ابن ارضنا تجسد واكتسب لون جلدنا الشرق اوسطي ، وسرت في عروقه دماء هذه الارض الطاهرة المقدسة التي تمتد ، من اعالي النيل الى الفراتين ، فكيف بامكان المخلوق ان يعارض ارادة الخالق ، وماذا ينتظره من مصير في الدنيا والآخرة ، من سلك ما يغاير تلك الارادة السماوية . البلد والارض اذا خلت من اتباع احد انبيائها فسيلحقها الرب بارض ( سادوم وعامور) ، فهل تريدون هذا المصير ايها الحريصون على مستقبلكم ومستقبل اولادكم ؟
     الطامعون بارضنا وخيراتنا ، والمتدخلون في شؤوننا ، من الغرباء ومن اي بلد او قارة يأتون ، لا يتبعون تعاليم المسيح ، بل هي السياسة والاقتصاد والمصالح التي تحركهم ، المرأة مثلا في اميركا واوربا لم يغيرها التعليم المسيحي ابدا ، بل غيرتها الثورة الصناعية ومتطلبات الاستثمار والاحتكار .
كل الاثام والسقوط والانحرافات وبالتالي الجرائم ، تاتي من الاحتكار والمضاربة ، ومن الجشع والانانية . التعاليم المسيحية سمحاء والمرأة الملتزمة بها بتولية ، احتذاءا ً بمريم العذراء التي يرفع شأنها  الاسلام الى الذرى ، ويجلها القران الكريم .
المرأة ايها الاخوة لم تغيرها التعاليم الدينية ، المراة خرجت من ظلام القرون الوسطى الى العمل والى الواجهة ، فتحررت كما تحرر الرجل ، وازالت غبار العصور المتراكم ، لكي تستطيع اطعام اطفالها ، وذلك بالعمل الشاق ، وفي ظروف تعيسة تحت ظل تنامي راس المال وجشع الراسماليين ، واي انحراف خلقي على هذا الطريق لم يات من النظريات والتعاليم بل من الازمات الاقتصادية .
     الديانة المسيحية وتعاليمها لم تغير النساء ، انظروا الى المسيحيات في كنائس الشرق والى الراهبات ، انظروا الى احتشامهم ، ان عادات المسيحيين في الشرق من عادات المسلمين ، والجميع من ذرية ابينا ابراهيم الخليل ( ع ) .
في السبعينات من القرن الماضي وفي محيط الجامعة ، لم يكن بامكان احد ان يميز الفتاة السافرة من اية ملـّة او دين تكون ، فالاكثرية يشتركن في ذلك . اذا اراد احد التاكد من حشمة النساء المسيحيات ، ليقم بزيارة الى قرى المسيحيين وبلداتهم في محيط نينوى ، فجيل امي لا يضاهيه في احتشامه ، ولا يستطيع احد المزايدة فيه ( لا زالت امي تعيش في اطراف نينوى ، ولا زال زيها هو هو لم تغيره السنون ) ، المسالة قديمة قدم الدهر، فزي النساء الاشوريات ، او الكلدانيات ، او الأيزيديات لم يتغير تقريبا من عهود ما قبل الاسلام ، وصولا ً الى الامبراطوريات الساطعة في التاريخ .
      ضعوا ايها الاخوة وازع الايمان وخوف الله في صدوركم ، فوطننا شراكة للاجناس والاديان منذ بناه اجدادنا السومريين ، فلا تفرطوا به ، لقد استلمناه لنطوره ونرفعه ، لا لنخربه ونذله . الدنيا لا تدوم لاحد ، فامامكم صدام حسين الذي عاث فسادا ولفترة طويلة ، فعاقبته السماء قبل الارض واذل وايما اذلال ، عندما اخرج متسخا من حفرته في كانون اول 2003 ، هكذا هو مصير الطغاة في اي زمان او مكان.
الان صدام حسين يحاول الاستأساد في محكمة تعامله كانسان ، وارادت ان تظهر للعالم تمدن شعب العراق ، وقد يتصور الطاغية بفكره الشرير، بان محاججاته تنقذه من حبل المشنقة المتدلي او تحفظ له ماء الوجه ، لكن شانه شان غيره من رموز الشر، ينسون مصير الطغاة عبر التاريخ ، ويفوته الان التذكر بانه ميت وان بقي على سطح الارض يتنفس وينطق ، لقد توفي صدام ، رقن قيده ، وانتهى مسلسله المرعب الذي طحن العراقيين بالملايين ، يوم اخرج من القبو ، وان بقي سنيناً اخرى يقتات ويلسِّن .
     الاديان السماوية الثلاث اليهودية والمسيحية والاسلام متسلسلة في التاريخ ومترابطة ، واستقت كل منها تعاليمها من الاخرى ، هي في الحصيلة موروث البشرية ، وبالتالي لا يمكن الغاء او تهميش احداها ، بل جعلها متكاملة متفاعلة ، تواكب العصر ، تلتقي باستمرار للمشورة وايجاد افضل السبل لاصلاح البشر، والابتعاد عن اغراءات الدولة وعن الحكومات ، لصالح الانصراف الى الارشاد والخلوة ، وتقديم الصلاة والذبائح ، كما كان يفعل اجدادنا .
اما مسالك التحزب ، والتسيس والدولة وتقلباتها كل يوم ، فتترك تلك المهمة الى قطاع واسع من البشر، ويبقى قطاع اخر، حراً في حفظ تعاليم الاديان ونشرها باساليب الاقناع ، دون استخدام القوة ، او الارغام في فرضها ، وبين القطاعين تداخل ووشائج لا تحصى .
ان لم تدرك تلك المجاميع التي انخرطت في السياسة او الاحزاب او الجيوش او المنظمات بهدف تكريس العنف ، وفرض السيطرة ، واستعباد الاخرين ، ان لم تدرك تلك الامور، فانها تقامر وتغامر، حتى تنتهي كل امكاناتها ، وتستنفذ كل وسائلها ، انذاك يحترق الاخضر واليابس ، وتكون  نهايتها الزوال كأية دكتاتورية ، قومية او دينية ، ومن الرماد ينهض مجددا طائر العنقاء .
       اثر تفجير كنائسنا في بغداد وكركوك يوم الاحد 29- 1- 2006 سقط ضحايا ابرياء ، مثلهم مثل من يسقط من اخوانهم المسلمين في المساجد او الحسينيات او العراقيين عامة في الشوارع اوالساحات ، وبالامس في انفجار كنيسة كركوك ، سبح في دمه الطفل ( عصفور الجنة ) فادي رعد الياس ، لا لذنب اقترفه بل ضحية تصرف همجي غير مسؤول .
ان التاريخ يعيد نفسه كما يقول احد الفلاسفة ففي دورته الاولى مأساة وفي الثانية ملهاة ، فالعائلة التي فقدت طفلها ، هي نفسها التي فقدت الشهيد الياس ( بدالة ) جد الضحية فادي امام دكانه ومصدر رزقه ، في شوارع كركوك قبل قرابة الاربعين عاما ، في ازمان شبيهة ، كانت تضخ حقدا وكراهية ، وعلى ايدي سلالة ارهابيو اليوم .
     متى يتذكر ويعي الجميع بان المسيحيين في العراق اخوة لهم وشركاء معهم ، يحبون خير العراق ويحرصون على تقدمه ورفاهه بكل ما امتلكوا من قوة وامكانات ، وهل  نسي الاخوان كيف تصرف المسيحيون ايام حصار الفلوجة ، فجمعوا المساعدات والاغذية في شاحنات توجهت من قراهم وبلداتهم لنجدة اخوانهم . 
وفي الامس كان يتوجه مطراننا الجليل مار ابراهيم ابراهيم الى الوطن الحبيب ، ايام الحصار الظالم في التسعينات ، وهو محمل باطنان الادوية والاغذية والهبات النقدية ، لتوزع على المسلمين والمسيحيين معا ، في تلكيف والموصل وبغداد .
وفي الامس الابعد اليكم هذه الحادثة من زمان الخليفة عمر بن الخطاب ( رض) ونقلا من كتاب ( اثر قديم في العراق ) تاليف كوركيس حنا عواد : " مرض شيبين بن عقبة حاكم الموصل ، ولم يعد بمقدور الاطباء ابراءه ، فاشاروا عليه ان يحمله الى الراهب هرمزد فانه سوف يشفيه ، وكان عقبة قد سمع بامر هذا الراهب وما يتاتى على يده من الاعمال العجيبة ، فذهب بابنه الى جبل بيث عذري مقر الربان هرمزد ، ولدى وصوله الى القوش مات الصبي فتالم والده من اجله الشيء الكثير ، فاجتمع بين يديه اهالي القوش واقنعوه ان يذهب بابنه الى الربان هرمزد فقد يتمكن من اعادة الحياة اليه كما فعل ذلك مع البعض من قبله .
وكانت النتيجة كما توقعوا ، فان الربان هرمزد احيى الميت وصار فرح عظيم لجميع المسلمين هناك والالقوشيين وشكروا الرب على نعمته هذه بواسطة القديس هرمزد ، فاصبح للربان هرمزد مكانة رفيعة في عيني الامير ، واصبح الامير من اكبر المساعدين والمعاضدين للربان هرمزد  "  ، فهل يفتح الاخوان آذانهم ليسمعوا ، يقول المسيح ( من له اذنان فليسمع ) .
ليتذكروا دوما تصريحات رجال ديننا بالدعوة الى التكاتف والتآخي ، ولم يدعوا مناسبة دينية اسلامية ، الا وبعثوا فيها بتمنياتهم والتاكيد على تلك الحقائق والمسلمات التي في الاساس نادى بها المسيح ، واعطى حياته على الصليب ثمنا لها .
     رغم عوادي الدهر ، فكل ما يحدث اليوم ان شاء الله ، طارئ وزائل لا محالة ، وستصفى القلوب وتعود الطمأنينة الى النفوس ، ويتعافى عراقنا الجميل ، وتبقى الاديان السماوية الثلاثة ، مترابطة متآصرة مثلها مثل ايام الجمعة والسبت والاحد ، وهل بامكان كتلة بشرية مهما بلغت من الجبروت والقوة ، في اي مكان او زمان ، ان تفرط عقداً  تلألأ من ايام الاسبوع ؟

nabeeldamman@hotmail.com
February  2006
USA[/b][/size][/font]

3
حول ندوة الاستاذ يوناذم كنا في سان دييغو
      نبيل يونس دمان

     اعجبتني الندوة التي إلتأمت في مدينة سان دييغو الساحرة ، بولاية البرتقال والشمس كالفورنيا ، يوم الاثنين المصادف 6 /2 / 2006  ، وبحضور المئات من ابناء وبنات شعبنا البيث نهريني ، الذين ينظرون بعيون مترقبة وقلوب تقطر دماً ،  لما آل اليه الوطن العظيم ، الذي فارقوه ضد رغباتهم ، وفي ظروف متغيرة عصيبة مر بها ، طوال عقود متتالية من السنين ، فهذا الحب الكبير والحرص الشديد دفعهم للقاء الزائر يوناذم كنا ، القادم من اجواء النخيل ، وشوامخ الجبال ، والنهرين دجلة والفرات ، الذي يسرح فوقهم المساء ، فتسبح الاقمار، وتسطع الانجم .
     كنت واحدا من الحضور قضيت عدة ساعات مفيدة ، وفيها تأملت بوجه الرجل المحاضر ، الذي يطفح سرورا ، وبمحياه المتفائل ، وبعيونه التي ترنوا نحو الافق البعيد ، حيث الحرية والسعادة تحتضن بلاد النهرين ، وحتى يرث الرب مملكته ومن عليها . كانت الندوة بمبادرة من المجلس الكلدواشوري السرياني والنادي الكلداني – الامريكي ، وفرع الحركة الديمقراطية الاشورية ، تحدث فيها الضيف باللغتين : الانكليزية وبلغة شعبنا الاثيرة السريانية ، بعدها دارت المناقشات والمداخلات.
وكانت الكلمات التي تفوه بها القس يوسف حبش القادم من مدينة لوس انجلس ، قد اثارت الجميع ، فكانت نابعة من القلب وتدعو الى التكاتف والوحدة ، وكذلك النقاش الهادئ الذي دار بين المحاضر والسيناتور العراقي – الامريكي المعروف وديع ددة . ولعل الحوار البناء والمسؤول الذي تم على هامش الندوة مع الاخوين : وسام كاكو من اتحاد القوى الكلدانية ، والدكتور نوري بركة رئيس المؤسسة الكلدانية ، يشكل حجر الزاوية لتقريب وجهات النظر ، نحو العمل المشترك الذي ينتظره الجميع .
     كان بودي طرح عدد من الاسئلة في الندوة ، ولكن ضيق الوقت لم يساعدني في ذلك ، فحزمت امري على طرحها مفتوحة في الانترنيت او اية وسيلة اعلامية اخرى ، لغرض مناقشتها والاجابة عليها ، وساسهب بعض الشيء في اعادة كتابتها بعد ان كانت مختصرة ، معدة للطرح على الهواء مباشرة معه وامام جمهور الحضور. باعتبار المهندس يوناذم كنا يعيش في ارض الوطن ، فوق ذلك التراب الغالي ، لا لمصلحة او أمنية شخصية ، بل لخدمة ذلك الشعب المقهور على مر القرون ، معرضا حياته للاخطار ، منذ ان برز وطنيا وقوميا ، قبل اكثر من عقدين من الزمن ، اطلب منه مشكورا ً ، الاجابة على الاسئلة التالية :             
س1
 كانت علاقتكم كحركة قومية ، قوية مع الكنيسة الكلدانية عندما كنتم في مجلس الحكم ، وكانت القلوب تهفو في كل لقاء او مشورة مع رجالاتها . ما هو السبب في فتور العلاقة في السنتين الاخيرتين ؟ وهل هناك امل في عودتها الى سابق عهدها ؟.
س2
 الا تعتقدون بان توطيد العلاقة مع الاحزاب الكردية ضروري في المرحلة الحاضرة ، فنحن بحاجة اليهم كقوة علمانية ، وكشعب جار تاريخي لقرى وبلدات قومنا ، وهم بحاجة الينا كاداة وصل مع الغرب ، عبر تركيا التي تسعى وستنضم يوما الى السوق الاوربية المشتركة ؟.
س3
 لماذا لا يتبع تكتيك مهم في الوقت الحاضر ، في تشجيع ومساعدة انتقال المسيحيين من وسط وجنوب العراق الى شماله الآمن ، حتى تمر الايام الصعبة وتتجاوز الدورة الدموية الحالية ؟ .
س4
 الظروف الان غير مهياة ولا تسمح بتقديري ، لوحدة االتسميات وحتى الكنائس، اؤكد اننا شعب واحد باسماء مختلفة ، ومن هنا يجب التركيز على الجهود الرامية الى حماية المسيحيين بشكل عام ، ووقف اضطهادهم الذي يشكل الاولوية ، ويرتبط بعامل الاستقرار في البلد ككل ، وانهاء دورة العنف السارية ، فما هو رايكم ؟.
Nabeeldamman@hotmail.com


4
الى مجلة شراغا الجميلة .

جمال الاشعة المنبعثة من سراجها المنير.

تحياتي واشواقي ابعثها عبر الفضاء الواسع الذي يفصلنا.
     بين يدي العدد السابع والقديم نسبيا من المجلة التي تصدرها جمعية القوش الثقافية الفنية والاجتماعية ، فيها من المواضيع التي استمتعت بها ، والتي هي  نتاج جهود طيبة بذلها الكتاب والمحررون ، ولعل ما اوقفني طويلا امامه ، كان موضوع الزراعة في القوش والذي كتبه السيد منذر كولا . اود التعبير عن ابتهاجي وبالغ اعجابي بالخارطة المساحية الرائعة التي صممها بابداع ، اشد على يده مهنئا ً. انا على يقين بان المنجز، يوطد ويعزز فهمنا لتاريخ بلدتنا من خلال اسماء اراضيها ، وبالتالي يضيف لبنة جديدة الى تراث بين النهرين الخالدين ، ارجو ان كان ممكناً تعميم الخارطة على مواقع شعبنا في الانترنيت لتتوسع فائدتها .
     هناك كلمات اقل من عدد اصابع اليد ، تراود مخيلتي التي اتعبتها سُني الغربة الطوال ، ألا لعنة الله على الاغتراب ومسببيه والآثار التي يخلفها على مدار الزمن ، لا ادري ان كانت تلك المفردات ستسهم في اغناء الموضوع الذي نفذه بابداع الاخ منذر والذي ظل مشروعه يشغلني ، ويستطيع والدي التاكيد على إلحاحي قبل اكثر من خمسة سنوات ، بان يتلو ما يعرفه من اسماء الاراضي المنبسطة امام البلدة الحبيبة ، على كل حال لقد نفذ ما كنت اعجز عن التوصل اليه الحبيب منذر ، والان الى تلك الكلمات التي لست متاكدا ً ان كانت ذات فائدة من عدمها :
* يرخته : وهي ارض كانت طائرات الاصلاح الزراعي تتخذها مدرجا لهبوطها في الستينات . وتقع قرب مفارق عين سفني- الترباسبي- القوش- الموصل .
* مكرثه : ربما هي مفردة لمجموع مكرياثا التي ثبتها منذر ، كانت ارض صغيرة تقع قرب بيكلبا .
* گيسو : تقع جنوب غرب تل الرهبان ( گره د رباني ) .
* بيرد توثا : وتقع ايضا الى الغرب من تل الرهبان ، وبالقرب من اراضي القرية العزيزة بيبان ( عقاره د بيبانو ) .
* بنيـّة  : الملاصقة للجبل غرب القوش ، وتكثر فيها الاحجار وبالتالي كان يصعب حصادها بالالة الحاصدة ( الدراسة ) .
 كان من الضروري تثبيت اراضي الدير (عقاره د ديرا ) ومشارف اراضي القرية العزيزة بوزان ( عقاره د بوزايه ) والتي فيها عدد من اراضي البلدة.
     ارجو ان اكون قد اسهمت بقسط متواضع ، والذي لن يمس متانة وجودة الموضوع الذي ابدع به منذر كَولا . تحياتي للجميع : اسرة تحرير، كتاب أحبة ، اهالي البلدة ، ومحيطها من القرى العامرة بالاخوة العرب والاكراد والايزيدية ، والتي تدور كالنجوم الزاهية حولها ، حيث تتبادل معهم المصالح والصداقة والعلاقات الجيدة ، على الرغم من تقلب الظروف الذي لم يتوقت على مدار قرن او اكثر . يكفي العراق  فخرا ً ، بانتساب تلك المنطقة التاريخية الآمنة والجميلة اليه .

نبيل يونس دمان
كالفورنيا في 20-1- 2006

5
القس يوسف هرمز عبيا
١٩٦٥-١٨٨٠
[/b][/size][/color]



نبيل يونس دمان

    ▼ اشتهرت القوش برجال دينها المسيحيين ، سواء في عددهم او في تميزهم ، ورسوخ اقدامهم في المذهب ، وفي ادارة شؤون الرعية ، اضافة الى تبوأ أعلى الدرجات الكهنوتية.



 ▼  ربما يرجع ذلك الى قدم بلدتهم ، موقعها الحصين ، تاريخها ، مناخها المعتدل في كل الفصول ، واجملها الربيع الذي فيه تتحول أطرافها وسهلها وجبلها ، الى لون سندسي اخضر ، تتماوج فيه كالطيف الشمسي ، الوان تلك الورود البرية الجميلة ، ولا ننسى ايضا قربها من نينوى ( قم انطلق الى نينوى تلك المدينة العظيمة وناد عليها المناداة التي انا مكلمك بها . نبوة يونان 3 : 2 ) .

 ▼ من هؤلاء القس يوسف عبيا ( رابي أيسف ) الذي يرجع نسبه الى بيت شكوانا العريق ، وقد ولد في بيئة ترعى وتشجع العلم . في مقتبل حياته درس في مدرسة مار ميخا النوهدري الذي كان يديرها خاله المعلم منصور( رابي مجو ) * ، وعندما برزت قابلياته ، اشتد ميله الى الكهنوت ، فالتحق بالمعهد الكهنوتي في الموصل ، وأمضى فيه خمس سنوات ، مجدا في تعليمه. كان البطريرك مارعمانوئيل تومكا معجبا بذكائه كثيراً الى درجة كان يلقبه (( بالبطرك الصغير )) ، فعندما ألحّت عائلته وخصوصا والدته ، على البطريرك ان يحول دون بلوغه درجة الكهنوت ، فيحرم فيها من الزواج ، وينقطع نسله بوصفه الولد الوحيد لعائلته ، وعند اشتداد الطلب الى حد البكاء ، أعطى الضوء الاخضر له بترك المعهد .كان متفوقاً في دراسته ، ومنذ صغره دفعته رغبة بلوغ الدرجة الكهنوتية ، ولكن الظروف لم تسعفه ان ينالها اثناء دراسته في المعهد الكهنوتي بالموصل في مطلع شبابه. في عام 1908 تحققت له الفرصة التاريخية ليكون في قوجانس بمنطقة حكاري ( في تركيا حاليا ) وليرسمه البطريرك الشهيد مار شمعون بنيامين كاهنا مع اخوانه القس سخريا گوكي والقس گوريال ججو دمان وغيرهم .

     ▼ في يوم الاحد المصادف 19- نيسان- 1908 تم وضع يد مار شمعون بنيامين على الشماس يوسف عبيا ، ففي ذلك اليوم اجتمع المؤمنون في كنيسة مار شلـّيطا في قوجانس ، وبحضور ناطر الكرسي البطريركي مار بولس ايشي ، ومار اسحق حنانيشوع اسقف شمدين ، ومار ايليا ابونا اسقف وان ، ومار زيا سركيس اسقف اورميا . وبعد ارتسامته القى كلمة بليغة نالت استحسان الحاضرين ، وقوطعت مرارا بالتصفيق ، وبعد انتهاء المراسم خرج عبيا من كنيسة مار شليطا ، في موكب كبير ،  والمزامير تختلط مع اصوات تغاريد النساء ، وضربات الناقوس مع اصوات البنادق ، ويردد اصداء ذلك جبلي ، كوكي والأيل . والقسيس يوسف يشق طريقه وسط الشباب بزيهم الجميل المطرز بالأوراد ، وعلى رؤوسهم الغطاء المخروطي ،  الذي ينتصب فوقه ريش الطاووس والكورته ( اسم طائر ) .

     ▼ لم يرق لسلطة كنيستنا الكلدانية ، تلك الحركة التي تزعمها المطران مار أيليا أبونا ، الحديث عنها يطول ، ونبقى في موضوعنا عن القس عبيا ، الذي نحيي ذكرى وفاته ، ونعيد لذاكرة الاجيال ، مكانته وغزارة معارفه ، وكذلك مقدرته في ايصال افكاره ، سواء الى بني جلدته في كل الاماكن التي رعى فيها شؤونها الكنسية ، او الى العشائر الكردية والايزيدية التي عاش ردحا ً من الزمن قريبا ً منها ، فاستحق احترامها ، وارتبط معها بافضل الصلات.

     ▼ كان عبيا يفرض احترامه على الجميع اينما حل وذلك لجاذبية  مجلسه ، وسلاسة منطقه ، وقوة حجته . كانت اولوياته اينما حل ، ان يقوي علاقته مع رؤساء المنطقة والمتنفذين فيها ، مستفيدا من تلك العلاقة في خدمة جماعته ، التي كانت اقلية وضعيفة ، حتى ان احد اصدقاءه من الأغوات ، صرح يوما وامام مجموعة من اتباعه وهو حسين أغا ( من منطقة اتروش ) "  لولا كثرة القوم الذي يأتمرني لأتبعتك يا عمي القس " ( وبالكردية مام قاشا ) ويعقب محدثي ( حبيب يوسف ابونا ) البالغ من العمر اليوم اكثر من تسعين عاماً ، هاتفا بان عبيا كان ( ملا ّلا ) وهي كناية عن علو مقامه ، وفصاحته ، ورجاحة فكره ، ويضيف ان الأغا كان يضيق ذرعا ً بأحد ملالي المنطقة لضحالة معارفه ، وباستمرار يدعو القس عبيا الى مجلسه ، ليفند مزاعمه ويجعل مكانته في المجلس مهزوزة.

     ▼ في عام 1980 كنت في زيارة الى منطقة آزخ وهرماش و بيبوزي ، هناك قادتني امرأة مسنـّة الى غرفة صغيرة ، لتقول : هنا كان يقدس عبيا - مما جعلني ارسم في ذهني مكانته ، وقدرته على العيش وتحمل صعوبة ومخاطر تلك المناطق النائية خدمة لشعبه ، والتي ابقت ذكراه الطيبة حية الى يومنا هذا .

     ▼ لعل مأثرته البارزة كانت في اقباله على الدرجة الكهنوتية وهو متزوج ، فلم يحرم  الوطن والبلدة بخاصة من اولاده واحفاده . كان من القلة الذين انجبتهم القوش في امكانياته الخطابية ، وقد كان يحضر قداسه المئات ، مخاطبا اياهم بصوته الجهوري المعروف وبقابليته في اقناع الناس ، وفي اثارتهم الى اعلى المديات ، خصوصا يوم الجمعة العظيمة  ( جمعة الاحزان ) ، فيجعل صراخ الناس ونحيبها مسموعا ً، مضفيا ً على المناسبة الحزينة جلالها وهيبتها.

     ▼ كتب العديد من القصائد باللغة السريانية العريقة ، واهمها تلك التي القاها امام دير السيدة ، في الذكرى المئوية لحملة امير راوندوز محمد باشا ( الملقب ميري كور ) على القوش وذلك في عام 1832 ، والتي حصدت اكثر ابناء البلدة ، وقتل فيها رئيس دير الربان هرمزد الأنبا جبرائيل دنبو ورئيس القوش عوديشانا شمينا ، كما عذب بشدة البطريرك مار يوحنان هرمز والمطران ( بطريرك فيما بعد ) مار يوسف اودو .

يقول مطلع تلك القصيدة وهي على الوزن الثلاثي وبالكرشوني :

شمّد آلهه مار ِد كل زَوني             بـِد مْشارن أوده حطـّايه تـّاني                                            ما بريلي بألقـُش قـَم أمّه شِنـّي
[/color]


         ▼ منع القس عبيا من ممارسة واجباته الكهنوتية عدد من السنين ، وفرضت عليه احكام قانونية قاسية وطويلة الامد ، تحملها جميعها وواصل رسالته الكهنوتية ، واتبع ما كانت توجهه قيادة الكنيسة الكلدانية ، مواظبا ً على القراءة وتغذية ملكاته الفكرية والشعرية ، منتقلا من مكان الى آخر في ارياف المنطقة ، ومن الاماكن التي ادار كنيستها ، وشؤون رعيتها كنيسة مار عوديشو في قرية ( النصيرية ) ** ابتداءاً من عام 1911 ، وفي حدود سنة 1912 كتب ملحمته الشعرية ( مديحة الراهب ) ، ويقال انه استقى افكارها من اغنية كردية بذلك المعنى ، كان يغنيها الغجر . وقد طالعتها وانا تلميذ في الدراسة المتوسطة وسجلتها في دفتر لازال معي وذلك بتاريخ 1- 2- 1966 ، والتي مطلعها :

مصيثوا يا أخنواثــــــي            محكنوخو خذه تشعيثه
دبرد ملكا مليَه حَخّمثَـه           دويوا مبيثه دملكوثـــه
[/color]

كما والف في سني حياته الطويلة ملاحم اخرى ، منها نشيد مار ميخا شفيع البلدة الحبيبة ، الذي يحفظه ، على الدوام ، الكثيرون من ابنائها . يقول مطلعه الجميل :


مزمرخلوخ يا مرميخه            خزنته دمريَه مبُرخــــه
مدحخلخ يا مكّيخـــــــه             وردَه دألقـُش مرّيخـــه
[/color]


      ▼ من خلال مجريات الحرب العالمية الاولى وبداية سقوط الدولة العثمانية ، وتقهقرها امام جيوش الحلفاء ، بدأ تشتت جيوشها في كل مكان ، خصوصا بعد دخول الانكليز العراق عام 1916 . وصل بعض هؤلاء الجنود الى قرية النصيرية فاعملوا فيها سلباً ونهباً ، وبطبيعتهم القاسية ، وروح التعصب المتأصلة فيهم ، جعلتهم يرتكبون المآثم ،  وفي احد البيوت احتجت امرأة على سلوكهم وصرخت بوجههم وعلى برائتها قائلة ـ انها ستخبرالقس بما يقومون به - هنا جن جنونهم عند سماعهم لكلمة القس ، فاخذوا يبحثون عنه في كل مكان ، الى ان عثروا عليه مع والدته ( ساره ) في الغرفة المجاورة للكنيسة  فاعتقلوه ، واصدر رئيسهم ( الچاويش ) أمرا بقتله .

     ▼ اقتاده عدد من الجنود الى النهير الذي يمر بجانب القرية لذبحه ، وصادف في نفس الوقت ان مر بقرب المكان ، ومن الجهة الثانية للوادي أيزيديا إسمه ( حسن بسمير ) ابن عم علي حسين بك جد امير الايزيدية الحالي تحسين سعيد ، عندما راى حسن ما يحدث امامه ، صاح بأعلى صوته قائلا  " ان القس خاص بقصر الامير ، والذي يمسه بسوء يذبح " . لدى سماع الجنود ذلك اخذوا يكيلون السباب للمنادي ولأميره ، فتركوا القس لفترة وركضوا خلف حسن الذي كان يمتطي جواداً اصيلا ً. إستغل عبيا الفرصة وهرب سالكا مجرى النهر الذي كان مكتظا بالحشائش والادغال ، ومتجها ً بإتجاه قرية ( بيوس ) المسيحية ، وكان مختارها يدعى ( حنا شابو) ، فاستقبلته زوجته بالترحاب ، وطلب منها على الفور اخفائه من الجنود العثمانيين ، وهكذا اخفته في غرفة ، واوعز اليها ان تذهب لتخبر قصر الامير في ( باعذرة ) ، فتظاهرت انها ذاهبة لجلب الماء من النهر ، لكنها غذت السير بخطى سريعة الى قصر الامير لتخبرهم بالقصة وبالاخطار المحيطة بالقس عبيا ، فخرج حالاً من كان في القصر بل والقرية برمتها لنجدته ، وامسكوا بالجنود الثمانية الذين كانوا قد وصلو قرية بيوس . ارادت العشائر المسلحة ان تقضي على الجنود ولكن تدخل عبيا حال دون ذلك ، وهكذا جـُردّوا من اسلحتهم وخيولهم  وأطلق سراحهم ، وهم يرتعدون هلعا ً، ويشكرون القس على روحه السامية وتسامحه ، ومضوا في سبيلهم ، لترتاح المنطقة منهم ومن شرورهم الى الابد .

     ▼ اصبح عبيا يدير شؤون الرعية في قرى تابعة لأبرشية العمادية ، منها بيبوزي ، ميزي ، تلا ، آزخ ، وأرماشي ، وفي فترة لاحقة قرية ( ملا بروان ) ،  ولكن الظروف القائمة آنذاك جعلته يترك المنطقة لفترة ، وحين عودته وجد ان الكنائس قد تعرضت للنهب واصبحت خاوية ، مما حدا به ان يشكو مظلوميتها الى الحاكم البريطاني في دهوك ، والذي امر أغوات المنطقة بإعادة المسلوبات ، وفعلا أعيد قسم منها . ولكنهم عندما اكتشفوا ان القس عبيا ، هو الذي اوصل تلك الاخبار الى الحاكم ، قرر بعضهم قتله . وظل يتعرض لمحاولات الاغتيال ، وكانت تلك القرى تتولى حمايته في تنقلاته بينها . في احدى المرات كان الرمي مركزاً على موكب عبيا ، وكادت احدى الرصاصات ان تصيب رأسه ، وقد روى لاحقا بان شدة الاطلاقة ، ادت الى تطاير رغيف الخبز ، الذي كان يتناوله في الطريق .

    ▼  كان القس يوسف هرمز عبيا قد تولى شؤون كنيسة مار عوديشو في قرية النصيرية للفترة من ( 1911- 1916 )، في احد الايام وصل عدد كبير من طلبة المعهد الكهنوتي في الموصل برئاسة القس ( بطريرك لاحقا ً ) يوسف غنيمة ، الى محل اقامة القس عبيا ليحلوا ضيوفا عنده في المساء ، وفي اليوم التالي يبكرون  قاصدين وادي ( لالش ) ، الذي يبعد عن النصيرية بضعة كيلومترات . كان القس عبيا فقير الحال يعيش هناك مع والدته في غرفة صغيرة ملاصقة للكنيسة ، وبين حيرته في توفير الطعام لهذا العدد الكبير ، كان في الجانب المقابل في قرية ( الجراحية ) من يتابع الموقف ، فدفعت شيمة وكرم اهلها ، بتوفير الطعام لضيوف القس ، وكانت مفاجأتة سارة عندما راى قدور الطعام تملأ المكان ، فاقبل ضيوفه على الطعام اللذيذ ، وكذلك وفرت لهم افرشة النوم فباتوا ليلتهم منتظرين الضياء الاول للصباح التالي ، ليرتقوا صعودا الى كلي لالش .
     في فجر اليوم التالي ، كان الجميع يمرون من امام قرية ( باعذرا ) ، فطلب القس عبيا من زميله القس غنيمة ، ان يعرجوا عليها للسلام على أميرها ، لكن غنيمة لم يوافق متذرعا بالوقت ، فمضوا الى الوادي الساحر باشجاره وصخوره ومياهه العذبة ، وبحيواناته البرية وطيوره المغردة ، اضافة الى المقيمين فيه والساهرين على مقام الشيخ عادي ( شيخادي ) الرفيع ، وقضوا نهارهم بالمرح والسرور حتى كان العصر ، فقفلوا راجعين الى النصيرية مرورا بمحاذات باعذرا مرة اخرى . كرر القس عبيا الطلب بزيارة قصر الامارة ، فامتنع القس غنيمة ثانية بحجة الوقت ايضا ، هنا شرع عبيا بالتطرق الى عمق العلاقة التي تربطه بأمير الايزيدية علي بك ( جد الامير الحالي تحسين ) وبضرورة الذهاب اليه وتحيته ، اذ دون ذلك سيؤثر على العلاقة الضرورية بينهما ، وعلى هذا المنوال اقنعه ، فدخلوا القرية وجلسوا في ديوان الامارة . كان ترحيب الامير بهم فاتراً وعلى وجهه علامات الاستياء ، فبادره عبيا بالسؤال عن سبب تكدره ، فاجاب بانفعال انت السبب ، فكيف تطاوعك نفسك بالمرور مع ضيوفك في الصباح ، على مقربة خطوات دون ان تكلف نفسك عناء تحيتنا ، فاجابه القس عبيا بان الاعراف تفرض ان يكون السلام على الكبير اولا ً ، فرد الامير بغضب ومن هو اكبر واعظم مني حتى تفضلونه يا حضرة القس المحترم ، فاجابه بنبرة عالية ، نعم هناك من هو اكبر منك واكثر اهمية ، انه الشيخ عادي الذي سلمنا عليه اولا ً ، وها نحن نسلم عليك ثانيا . هنا انفتحت اسارير الأمير وفرح كثيرا ً بالجواب القاطع للقس يوسف عبيا ، وطلب من الخدم توفير افضل انواع الطعام له ولضيوفه.

          ▼ ومن الجدير بالذكر ان أيسف عبيا عندما عاد الى بلدته ، بعد تركه المعهد الكهنوتي ، اخذ يدرس في المدرسة الدينية في البلدة ، وسيم شماسا ، ثم تزوج من السيدة كتي بنت ياقو( طاهو) هومو في عام 1905 ، رزق منها اربعة بنين وهم : المرحوم رؤوف ( 1910- 1988 ) ، المرحوم حنا ( 1917- 1993 ) ، حبيب ( 1924 ) ، وابراهيم ( 1931 ) ، ومن البنات : المرحومة مريم ( 1922- 1996 ) ، استير ( 1928 ) ، ساره ( فرمان 1933 ) . بلغ عدد اولاد واحفاد القس عبيا : واحد واربعون ولدا وحفيدا ، منهم الاطباء والدكاترة والمهندسين ، و خريجي مختلف الجامعات والمعاهد . وله ايضا اربعة وثمانون اولاد أحفاد ، فتصور عزيزي القارئ انقطاع كل تلك السلسلة لو واصل دراسته في المعهد الكهنوتي التي يحرم من يبلغ درجة الكهنوت بالزواج وحرمان المجتمع من خدمات هذه الكفاءات.

▼عندما نشر الشاعر الشعبي متي ابونا ( 1903- 2001 ) قصيدته الرائعة عين السقـّا ( ايند سقّا )  في مطلع الثلاثينات من القرن الماضي ، ورد فيها البيت التالي : بساحَة قِملي تري مَلـِّه            كِمْ جَغشيلـة مَحلــّي
قاشَه جُكّا كـَثـــــــاوة            أمّح بحّو بـِرد دَلــّي
 ادى ذلك الى امتعاظ الكهنة ومنهم  رابي أيسف عبيا ، جرت بينه وبين الشاعر متي ابونا ( الملقب كبسون ) مشادة كلامية ، وعلى اثرها ذهب في الصباح الباكر الى فناء بيت ابونا في محلة قاشا ، صاح باعلى صوته على والد الشاعر قائلا ً " يا جدّوح !! علــّم اولادك الآدب " ومضى منزعجا . في المساء اقبل ثانية الى الدار مخاطبا نفس الشخص بالقول " يا سليمان ! اعذرني عن ما بدر مني في الصباح فانا لا استطيع النوم او التقديس غدا وقد ازعجتك بكلامي " ، فتامل عزيزي القارئ في شدة تواضع الرجل وعمق أيمانه .

      ▼ عندما اصدر النظام في عهد الملك غازي سنة 1933 ، امراً ( بالتركية فرمان ) بابادة الاشوريين ، احتمى الالاف منهم وجلهم من العوائل ، في القوش ، وحدثت ازمة خطيرة ، وصلت حد نصب المدافح حول البلدة لاجبارها على اخراج الآثوريين ، لتتم تصفيتهم ، وحدث حماس لا سابق له بافتداء هؤلاء المدنيون العزل ، وبالقتال حتى النهاية دفاعا عنهم . كان القس يوسف عبيا في مقدمة من نزل الى ساحات وشوارع البلدة متحدثا ً وخطيبا ً ، للحيلولة دون اخراج الاخوة الاثوريين ، وبالتالي تعريضهم للابادة على يد الجيش العراقي والعشائر الحاقدة ، وقد أرّخ تلك الحوادث في تسمية ابنته المولودة في تلك الايام ( فرمان ) .

      ▼ انتقل القس يوسف الى رحمته تعالى في الثاني من تموز سنة 1965 ، وبموته فقدت اسرة عبيا عميدها ومرشدها، وبموته ايضا فقدته بلدته والطائفة عموما ً . توقف قلب ذلك الخطيب الذي كان صوته يجلجل لاكثر من نصف قرن تحت قباب الكنائس بمواعظه العميقة ، وفي يوم وفاته ايضا توقف نبض ابداعه فيما كتبه ونظمه . خلف ديوان شعر لم يطبع للاسف ، ولكن الكثير من اشعاره حفظها المعجبون به ، وقسم غير قليل ترددها اصوات على أشرطة التسجيل .
     ▼ وورِي الفقيد الثرى في كنيسة مار يوسف ببغداد ، و كان موكب التشييع مهيبا ً ، شارك فيه رؤساء الطوائف المسيحية ، وانهالت العشرات من برقيات المواساة ، وفي المقدمة من اهالي بلدته . لم تشأ الصدفة الاليمة ان يكون البطريرك المرحوم مار بولص شيخو حاضرا الجنازة ، لوجوده في الديار المقدسة ، ولكنه اقام قداسا تذكاريا خاصاً حال عودته الى العاصمة بغداد .
     ▼ كما تناقلت الصحف في اليوم التالي خبر وفاته ، ولعل ما كتبه مؤرخ القوش الراحل المطران يوسف بابانا الى جانب صورة الفقيد كان ابرزها. في مقر البطريركية استقبل البطريرك مار بولص شيخو والى جانبه اولاد الفقيد المعزين ، وقد حضر ممثل رئيس الجمهورية لتقديم التعازي ، فقال :
     ▼ بينما كنا في الدوام الرسمي ، دخل غرفتنا السيد رئيس الجمهورية انذاك عبد السلام عارف ، وبيده مجموعة من الصحف الصادرة في ذلك اليوم وسألنا ، ان كنتم طالعتم الصحف الصباحية ؟ فاجبناه بالايجاب ، والقول لا زال للكيلاني – ممثل الرئيس  ، ثم سأل : هل جلب انتباهكم خبر مهم هو من صلب واجباتكم ، واخذ كل من زملائي ينظرالى صاحبه ، لاننا لم نفهم ما يعنيه سيادته ، ثم اردف قائلا ً : عالم دين فاضل مثل هذا الرجل يتوفى ، واشار الى الصورة المثبتة في الصحيفة ، وانتم لم تقوموا بالواجب ، لماذا عندما يموت احد الجهلة ، تهرعون لحضور مراسم تقديم التعازي لذويه ، بينما مثل هذه الشخصية العلمية تغضون النظر عنها ، وامرنا بوجوب الذهاب وتقديم التعازي لاسرة الفقيد وللطائفة ككل ، وهكذا ترونا الان هنا .
     ▼ لا يفوتني القول انني شاهدته مراراً ، في كنيسة مار كوركيس ، او في الطريق اليها من بيته المبني فوق صخور الجبل ، في موقع اسمه ( قرزي ) ، يرجح ان يكون اقدم موضع استيطاني لانسان القوش . رأيته طويلا ً ، مهيب الطلعة ، واسع العينين ، ذو لحية بيضاء كثيفة  ، كث الشاربين ، عريض المنكبين ، تكاد الارض تهتز تحت وقع اقدامه .
     ▼ بهذا القدر أتوقف عن السرد الذي املاه واجبي ، بمناسبة الذكرى الاربعين لوفاة القس يوسف عبيا ( 1865- 2005 ) ، تقديراً لمكانتة . واثقٌ بان العديد من الصفحات المطوية من حياته سيجليها الباحثون والكتاب ، المتجددون ابداً في بلدتنا ، التي انجبت ذلك الانسان ، المسكون بالموعظة ، والادب ، والمعرفة .
الهوامش :
 * رابي مجو ( 1846- 1929 ) هو الشماس منصور سمعان كادو والد الخوري يوسف ، والشماس ميخا ، معلم ومدير مدرسة لتعليم التلاميذ ، يعتبر بحق مؤسس المدرسة الحديثة في البلدة . اشتهر بشدته وقسوته مع الطلبة ، وادخل عقوبة الفلقة في حياتهم . مارس ايضا مهنة ساعور الكنيسة حتى عام 1908.
**  النصيرية : قرية صغيرة تقع بين القوش وعين سفني ، فيها كنيسة مار عوديشو ، كان يسكنها المسيحيون منذ القدم ، ومن العوائل التي سكنتها حتى الفترات الاخيرة نذكر : حنا سيبا ، يوسف زروكا ، منصور نصرنايا ، حنا توما عوديشو ، ياقو شيخو ، يوسف سلقا ، بطرس كمونا ، وغيرهم . و ابتداءا من 1936 عاشت بشكل مشترك وبمحبة وبافضل العلاقة عدة عوائل أيزيدية  منها : حجي الياس ، مرزا جندو ، حجيكو ، صالح نرمو واخوانه ، وغيرهم . ونتيجة للظروف التي مرت بها المنطقة ، هجرها المسيحيون ولم يبقَ اليوم فيها الا سادن الكنيسة المدعوهرمز حنا عوديشو. في عام 1986 اصبحت القرية مجمع يسمى ( مجمع التحرير ) يشمل اكثر من 500 عائلة ايزيدية رحلت من القرى القريبة قسرا ً .
المصادر :
 ◄ القوش عبر التاريخ - المطران يوسف بابانا -  بغداد 1979.
 ◄ سفر القوش الثقافي –  بنيامين حداد -  بغداد 2001 .
 ◄ الرئاسة في بلدة القوش – نبيل يونس دمان – اميركا 2001 .
 ◄ مار عوديشو وقرية نصيرية – حياة يلدا حنا - الموصل 2001 .
 ◄ دراسة بعنوان - تاريخ التعليم في القوش - بقلم السيدين نوئيل قيا بلو وايليا عيسى  سكماني . مجلة قالا سريايا - بغداد 1978.
 ◄ من اوراق ولده حبيب القس يوسف عبيا .
 ◄ كراسة مخطوطة ( القس يوسف عبيا الالقوشي ) جمع نوئيل قيا بلو- 1998.
  ◄ كراسة مخطوطة عن القس عبيا ، من مذكرات الشماس يلدا ابونا .

[/font][/size]

صفحات: [1]