عرض المشاركات

هنا يمكنك مشاهدة جميع المشاركات التى كتبها هذا العضو . لاحظ انه يمكنك فقط مشاهدة المشاركات التى كتبها فى الاقسام التى يسمح لك بدخولها فقط .


مواضيع - كوركيس مردو

صفحات: [1]
1
موعظة المطران الكلداني المُتـقاعِـد مار إبراهيم ابراهيم في قداس الأحد الثالث مِن الصوم لعام 2018 في كنيسة مار ميخا الكلدانية في مدينة سان دييكَو بولاية كاليفورنيا.

نظراً لأَهـمية هذه الموعظة مِن حيث مضمونِها وتأثيرها على الشعب الكلداني المسيحي وكُلِّ الشعوب المسيحية، وهي الأولى مِن نوعِها تصدُرعـن قائدٍ كنسيٍّ عبر تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية، وهي أيضاً مِن وُجهة نظري ذاتُ توجيهٍ ايجابيٍّ نُصْحيٍّ لمراتِـب الإكليروس الكلداني مِن أصغر ما بَـينها الى أعلاه، وحتى هي مفـيـدة لإكليروس الكنائس الشقـيـقة الأخرى، وهذا ما حَثَّني ودعاني لتَرْجَمتها مِن اللغة الكلدانية السَّوادية (المَحكية) الى اللغة العربية لِيطِّلعَ عليها القراء مِن مُختلف النّحَل وفي كافة الأنحاء!
الشماس د. كوركيس مردو

في البداية أشكُر سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم على جَرأَتِه وصراحتِه بقيامَتِه بإلقاء هذه الموعظة القيِّمة وإنْ جاءَت متأخرة لكِنَّها أفضل بكثير مِمّا لم تأتِ.
نَصُّ الترجمة لِمَضموم الموعِظة
اليوم هو الأحد الثالث مِن الصوم الكبير. إنَّ هذا الإنجيل الذي قرأتُه لكم مِن بشارة القديس مرقس، هوموجودٌ ايضاً في انجيل مَتى، أما لوقا ويوحنا فلم يأتِـيا الى ذِكر قِـصّة إبْـنَي زبدي، فلماذا ذَكـره مَتى؟ على الأرجَـح أنَّ مَتى استعاره مِن مرقـس لأنَّ انجيل مرقـس هو أقـدم مِن انجيل مَتى. لكِنَّ مَتى أضافَ بأنَّ أُمَّ ابْنَي زبدي هي التي طلبت مِن يسوع لإبنيها وليس هُما اللذان طلبا كما ذَكرَ مرقس إذْ لم يأتِ الى ذِكر الأُم بل ذكرَ الإبنَين. لِماذا؟ لأنَّ مَتى كَتَبَ انجـيلَه لليهـود وأرادَ دائماً أن يُظهِرَ يسوع بأنَّه يسعى الى إكمال المكتوب في التوراة أي العَهد القديم. وكان يعلم مِمّا ورد في الإصحاح الأول مِن سِفر الملوك الأول بأنَّ الملكَ داود عندما شاخَ وطعَنَ في السِّن قَلَّتْ مَعرفَتُه بالكثير مِن الأُمور ومَردُّ ذلك الى الشيخوخة.قام أحدُ أولادِه المدعو أدونِيا  مُعلِناً رَغبتَه بأن يُصبِح ملكاً، فأقنع بعض الناس وربابِـنة الجيش وغيرهم وذهَـبَ هو ومؤيِّدوه الى الجبل ليُقَدِّمَ الضحية ويُعلن نفسَه ملكاً. أما أخوه مِن والدِه وليس مِن أُمِّه سُلـيمان لم يُعْجِـبْه الأمر، وكذلك لم يَـرُق هذا العملُ للـنبيِّ ناثان ودعا أُمَّ سُلـيمان وقال لها: ليس أمامَكِ إلاَّ طريقٌ واحِدة، وهي أن تذهبي فوراً الى الملك داود وتُذَكِّريه بما قالَه وحَلفَ عَليه، فقابلت الملك داود وقالت له: ألم تحلِف باسم الله بأنَّ إبني سُلـيمان يكون الملك مِن بعدي وهو يجلس على عرشي؟ فلماذا إذاً أعلن أَدونيا أنَّه ملكٌ؟ فقال لها: نعم قد حَلَفـتُ بأنَّ سُلـيمانَ يكون ملكاً مِن بعدي، وبالـفِعل أصبح سُلـيمانُ ملكاً. لذلك ذكر مَتى بأنَّ أُمَّ ابْنَي زبدَي هي التي لإبنَيها.

غَضِبَ التلاميذُ جداً على الأَخَوَيـن، فـقالَ يسوعُ لهم: مَنْ يُـريدُ أنْ يكونَ كبيراً بينكُم فليـَكُن خادماً، ومَنْ يُـريدُ أنْ يكون الأوَّلَ فليكن عَـبداً، لأنَّ ابنَ الإنسان جاءَ لـيَخدُمَ لا ليُخْدَم. إنَّ وصية يسوع هذه قالها على الأغلب لكُلِّ مسيحي، ولكِن بالأحرى قالها الربُّ لنا نحن مسؤولي الكـنيسة لأنَّ الله قـد أقامَنا لنَخْدُم. إلاَّ أنَّ هنالك صعوبةً في الأمر، فأنـتم المؤمِنون لكم ما تُلامون عليه لأنَّكم تجعلـونَنا أن نَشعُرَ بأنفِـسِنا على شكلٍ مُختلِف بأنَّنا لسنا خُدَّاماً بل بأنَّنا نحن المطارنة أو حتى الكهنة الصغار أي الشباب يقولون بأنَّنا لسنا خُدَّاماً وإنَّما نحن مُدَبِّرو الكنيسة. ولكِنْ وإنْ كانوا مُدَبِّري الكنيسة ورؤسائها، ولكنْ عليهم أن يَخدِموا.وإنْ لم تَسِرْ الكنيسة بهذا الطريق أي طريق خِدمة البشرية، لن تكونَ الطريقُ صائبة، ولا مسيرتُها مُستقيمة.

مثلاً، فإنَّ كنيستنا تتكلَّمُ عن البطريرك! أنا بالذات لديَّ شكوكٌ أولاً بأنَّ سفرات سيِّدنا البابا تكلفتُها المالية كبيرة، وثانياً النظرة الى البابا وكأنَّه الله، بينما البابا هو الخادِم، ويُذيِّـلُ توقيعَه بـ " خادِم خُدَّام الله" إذاً إذا كان خادِمَ خُدّام الله، فـلماذا يُجلِسونَه على كُـرسيٍّ عالٍ حتى السقـف؟ وعلى الناس جَـميعاً أن ينـتظـروا ساعاتٍ وساعاتٍ ليحضروا قُـدَّاسه وحتى الـمطارنة إذا ذهـبـوا لحضور قُدّاس البابا عليهم الحضور قبل المَوعِد بساعتَين،لماذا كُلُّ ذلك ولماذا يجري هذا؟ في زمن البابا بيوس التاسع، طلب مِن المطارين أنْ يُقَبِّلوا رِجْلَيه أي حِذأَيه، إنَّه عَملٌ غير معقول. يجِب أن نَنتَبِه بأنَّنا قَد أُقِمْنا للخِدمة، ولكنَنا نتنصَّلُ عن الخِدمة. ينبغي علينا أنْ نَخدُم، ومهما فَكَّرَ رؤساءُ الكنيسة بأنفسِهم، عليهم أنْ لا يُنكِروا بأنَّ سُلطتَهم أُعطِيَت لهم للخِدمة، وتُشبِهُ دكتوراً ذهبَ واكتسبَ عِلمَ الطُّب ليُعالجَ الناس المرضى وليس لقتلِهم. فنحن أيضاً بعد الدراسة وصيرورتنا كهنةً ومطارنة هو لِنَخدُم، ولكنَّنا كثيراً ما نَنسى ذلك. على الكنيسة أن تعودَ الى الينبوع الأول، إنَّ رسالتَها هي الخِدمة وبالأخَص رؤساءُ الكنيسة وأوَّلُهم أنا وآخرون، يجـبُ أن نُفَكِّـرَ بأنَّنا لسنا كبقـية أبناء العالم، لسنا ملوكاً ولا وزراء، إنَّنا خُدّام، وعَـلينا تقديم الخِدمة. لا نَنظر الى أنفسنا كمُتكَـبِّرين وبخاصةٍ مع الناس المساكين، فهؤلاء المساكين يُوَقِّـرونَنا ويُحِبّـُونَنا ويَرْفعـون مِن شأنِنا، فعـلينا بالمُقابِـل أنْ نُـقَـدِّرَهم ونَرفعَ مِن شأنهم. يا إخوتي الأَعِـزّاء، صَلُّوا على نِـيَّةِ الرؤساء والمطارنة وكهنةِ الكنيسة، لكي يَرجِعـوا الى أنفـسهم ويَعرفوا الحقيقة.

فقد تركنا الحقـيقة والكنيسة بأكـملِها، كنيسة الكلدان والسريان والأمريكان وحتى كنيسة ايطاليا، كُـلُّنا قد تركنا الحقـيقة، وليس هناك أيُّ أحَدٍ يتأَمَّل بتعليم يسوع، فقد تناسَيناه. أَتدرونَ لماذا أتَذَكَّرُه كثيراً، لأنَّني منذ أن رُسِمتُ مطراناً قـبل 36 سنةً، جرت رسامتي في الأحد الثالث من الصوم الكبير، فـبقيَ بذاكِرَتي، وعلى الدوام يُوَبِّخُني ضميري بأنَّني مُقصِّرٌ بتقديم الخِدمة. يجب أن نَخدُم خِدمةً حقيقـية. لا يجوز أن تُعْجِز الناسَ أو تُجبِرَهم، ولا أنْ تُحزنَهم بل عليكَ أن تُفرحَهم، وهذا هو الشيء المُهم في الكنيسة.

صَلُّوا أيُّها الإخوة الأعِزاء، على نِيّاتِنا نحن جميعاً المطارنة والبطاركة والبابا والكهنة الشباب، فإذا تَعَلَّموا منذ البداية بأنَّهم قد أُقيموا للخِدمة، فإنَّهم يسلكون في الطريق المُثلى، ولا يجب أن يَتَصَوَّروا منذ البداية بأنَّهم رؤساء الكنسة ويحـقّ لهم أن يعملوا كما يَرغـبون. هناك كهنة شباب لم يمضِ على رسامَتِهم سنة أو سنتان، إذا أتاهم أحد العقلاء حريص على الكنيسة ويقول : يا أبـونا هذا الشيء لا يجوز، فـيَرُدُّ عـليه قائلاً هذا ليس شُغلـك، لماذا أيها الكاهـن ليس ذلك شُغله؟ لآ إنَّ ذلك مطلوبٌ مِنه!  لأنّ الكُل لهم الحق في عمل الكنيسة وليس نحن فقط، الكنيسة هي للكُل. صَلّوا لأجلنا لِـنعودَ الى النَّبْع الحَي أي المسيح الرَّب، لكي نكون خُـدّاماً أُمناء لسائر الشَّعب المسيحي آمين.

الشماس د. كوركيس مردو

2

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع والخمسون
الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في القرن 20 وبداية 21
 في مُستهَل القرن العشرين وقع اختيار مجمع الأساقفة الكلدان المنعقد في كنيسة مِسكنتا بالموصل في التاسع من تموز من عام 1900م، على مطران ابرشية سعرد مار يوسف عمانوئيل توما بغالبية الأصوات نظراً لِما عُهِد فيه من التقوى والعِلم وحُسن التدبير، وجرت رسامته بطريركاً في الأحد الواقع في 24 تموز للعام ذاته، واتخذ اسم " يوسف عمانوئيل الثاني توما بطريرك بابل على الكلدان"تزامنت حبريته الرئاسية مع سنوات عِجاف تخللتها الحروب والمجاعة، فكان الأقدر على التفاعل مع ظروفها من حيث تقديم الخدمات الضرورية للمحتاجين من أبناء شعبه. < كان لدوره أهمية قصوى أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها، وكان لصوته صدىً مسموعٌ لدى عصبة الأمم حين النظر في عائدية ولاية الموصل المتنازع عليها بين العراق وتركيا، فالى المُستندات الثبوتية التي أرسلها اعتمدت العصبة في ضمِّ الولاية الى العراق! وكان عضواً في مجلس الأعيان العراقي ويحظى بإجلال من قبل الملك فيصل الأول ويستأنس برأيه ومشورته >. انتقل من هذه الفانية الى الأبدية عام 1947م بعد 47 سنة رئاسية كنسية عليا ( البطريركية).

خلف البطريرك الراحل (يوسف السابع غنيمة 1947-1958م) ومنذ بداية بطريركيته عام 1947م، نقل الكرسي البطريركي من الموصل الى العاصمة بغداد، ومنح عضوية مجلس الأعيان. وفي تموز عام 1957م دعا الى عقد مجمع في بغداد أعيد فيه تنظيم شؤون الكنيسة، فعيَّن له معاونان أحدهما في بغداد والآخر في الموصل، وما عداهما هناك أحد عشر اسقفا تحت سُلطته، خمسة منهم في العراق يُديرون أبرشيات شمال العراق: كركوك، عمادية، عقرة، زاخو، والبصرة في الجنوب، وفي ايران إثنان يُدير احدهما أبرشية سِنّا وطهران والآخر اورميا وسلامس. (وكانت للكنيسة الكلدانية رئاسة اسقفية في مدينة الأهواز، ولسوء الأوضاع السياسية في تلك الأثناء تركها مطرانها حنا زورا وقدِم الى كندا يقدم خدماته في خورنة تورنتو منتظراً تحسُّن الأوضاع السياسية في ايران ليعود الى أبرشيته) ولكن للأسف لم يجر أيُّ تحسن، فثُبِّت حنا زورا مؤخراً على رأس أبرشية استُحدِثت لمؤخراً للكلدان في كندا باسم < أبرشية مار أدَّي الكلدانية في كندا >، فأدارها حتى تقاعده في عام 2014م.

وللكنيسة الكلدانية أبرشية في بيروت العاصمة اللبنانية، وأبرشية في مدينة  حلب والجزيرة بسوريا. وفي تركيا ومصر، ونائب بطريركي في اورشليم – القدس، ووكالة بطريركية في روما لشؤون اوروبا. وفي عام 1982م تأسست أول أبرشية كلدانية في ولاية مشيكان الأمريكية باسم "أبرشية مارتوما الكلدانية في الولايات المتحدة الأمريكية" أنيطت رئاستُها بالمطران ابراهيم ابراهيم . في عام 2001م تأسَّست أبرشية ثانية في ولاية كاليفورنيا باسم أبرشية مار بطرس الكلدانية، مركزها مدينة سان دييكَو يُديرها المطران سرهد يوسب جمو، فغدت الأولى تشمل القسم الشرقي للولايات المتحدة الأمريكية ويُقدَّر عددُ نفوس أبنائها بما يزيد على 250الف نسمة. أما الثانية فتشمل القسم الغربي من الولايات المتحدة الأمريكية ويبلغ عددُ نفوسها بما يقرب من 100الف نسمة بعد الزخم الكبير الذي طرأ على الهجرة منذ منتصف عام2014م ولحد يومنا هذا. إنَّ هذه الأعداد تقديرية ومُرشحة لزيادةٍ مستمرة بسبب الهجرة، ولنا الكثير للحديث عن تقدم الأبرشيتين وازدهارهما في ربوع الولايات المتحدة، إلا أننا نترك ذلك للتاريخ ليتحدَّث عنهما بإسهابٍ في المستقبل.

إن عدد الكلدان في مختلف بلدان القارة الأوروبية يُقدَّر بحدود 100 الف نسمة بعد الهجرة الطارئة منذ منتصف عام 2014م وهو في ازدياد مستمر، وفي كُلِّ بلدٍ تأسست خورنة كنسية كلدانية أو أكثر تبعا للكثافة السكانية الكلدانية فيها، يُشرف عليها زائر بطريركي برتبة اسقف الى حين استطاعة الرئاسة العليا للكنيسة الكلدانية تعيين أكثر من اسقف للجاليات المنتشرة في أنحاء اوروبا، ونتمنى للرئاسة أن تمُنَّ عليها العناية الإلهية بالعون والمُساندة للقيام بأعبائها الثقيلة.

بعد وفاة البطريرك يوسف السابع غنيمة عام 1958م تمَّ انتخاب مطران عقرة بولس شيخو في ذات العام، وجرى انتخابُه بعد فترةٍ قصيرة من الإنقلاب العسكري الذي أطاح بالنظام الملكي في 14 تموز 1958، فتولّىَ السلطة زمرة من الضباط بقيادة الزعيم عبد الكريم قاسم، وسُرعان ما دَبَّت الخلافات بين الحكام الجُدُد، فلم تستقر الأوضاع كما كان متوقعاً ونجحت حركات انقلابية، وأخيراً نجح حزب البعث باستلام مقاليد الحكم في 17 تموزعام 1968م، وبدأت تظهر معوقات أمام البطريرك بمواجهته وضعاً جديداً، إذ في عام1972م فرض الحُكم البعثي تعليماً مسيحياً على جميع الطوائف المسيحية، ولم تمضِ على ذلك إلا ثلاثة أعوام حتى أصدرت حكومة البعث قراراً بتأميم جميع المدارس الخاصة. وفي غضون هذه الحقبة وبسبب الحرب التي اشتعل أوارُها بين الحكومة والأكراد، نزح سكان بعض قرى الشمال الى بغداد سعياً وراء الرزق وطلباً للأمان، فغدت الكنائس في بغداد تضيق بمُرتاديها لكثرة المُهجَّرين الوافدين إليها، فانبرى البطريرك ماربولس شيخو الى تشييد كنائس جديدة في مختلف مناطق بغداد لإحتواء أكثر عددٍ ممكن من المؤمنين حتى بلغ عددُها خمسة وعشرين كنيسة، كما شيَّد معهداً كهنوتياً وديراً وميتماً للصبيان. ورغم انعقاد السينودس في نيسان 1980م ومتابعة جلساته في روما بعد ستة أشهر، لكنِّه لم يُسفر عن أيِّ تجدُّدِ في حياة الكنيسة ومسيرتها. وللحقيقة القول: إنَّ البطريرك مار بولس الثاني شيخو تميَّز بصفاتٍ قلَّ أن اتصف بها رُعاة الكنيسة، فتجلَّت في حياته: البساطة والتواضع والتقوى والنزاهة والتجرُّد والغيرة على خلاص النفوس، وقد اتهم من قبل البعض بعدم التجدُّد والإكتفاء بالموجود، ولكن التاريخ هو الذي سيقول عنه كلمته الأخيرة.

وبعد وفاة ماربولس الثاني شيخو انتخب خلفاً له مطران أبرشية بيروت روفائيل بيداويذ في أيار عام 1989م، اكتسب تحصيله العِلمي من خلال دراسته في روما، فحصل على شهادة الدكتوراه، وكانت اطروحته لنيلها "عن رسائل البطريرك طيمثاوس الأول الكبير"، ونال الليسانس في الحق القانوني الكنسي،  وباطروحته عن الغزالي حصل على شهادة الدكتوراه في الفلسفة، رُسم اسقفاً لأبرشية العمادية في شمال لعراق عام 1957م، وفي أثناء اضطرابات كُردستان تعرَّضت دارأسقفيته للقصف وأصاب التدميرُ مكتبته العامرة بالمخطوطات النادرة، فنُقل عام 1966م الى ابرشية بيروت، وهنالك ايضاً تعرَّضت كاتدرائيتُه ودار اسقفيته الى التدمير أثناء الحرب الأهلية اللبنانية. حظيَ بمكانةٍ كبيرة لدى الرئيس العراقي صدام حسين على غِرار ما حظيَ به سلفه الأسبق مارطيمثاوس الأول الكبير الذي عاصر أربعة من أعظم الخلفاء العباسيين، وكان نديماً للخليفة المهدي وأبنه الخليفة هارون الرشيد، إلا أن إنجازات مار روفائيل لم ترقَ الى مستوى إنجازات مار طيمثاوس، لأنَّ صدام حسين لم يرقَ الى مستوى المهدي والرشيد! في آخر حبريته أصيب بمرض جعله طريح المُستشفى في لبنان، فوافاه الأجل في السابع من تموز عام 2003م في بيروت التي كان مُغرماً بحبِّها حيث أمضى معظم حبريته الأسقفية فيها وكثيراً ما كان يتردَّد إليها خلال فترة بطريركيته التي دامت 14 سنة.

كانت علاقات الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية متميِّزة دوماً مع الحكومات العراقية المتعاقبة منذ بداية الحكم الوطني باستثناء فترة حكم الأخوَين العارفَين، إلا أنَّ في عهد البطريرك مار روفائيل الأول بيداويذ غدت أكثرتميُّزاً واتخذت علاقات الكنيسة طابعاً رسمياً مع الحكومات العراقية إبان حكم البعث ولا سيما عندما دانت السلطة بالكامل للرئيس صدام حسين، حيث قامت الحكومة بتخصيص إعانات مالية لتشييد كنائس جديدة، وتجديد القديمة المتهدِّمة من المزارات والأديُرة في شمال العراق. وكانت اللقاءات متواصلة بين البطريرك روفائيل بيداويذ والرئيس صدام حسين، وتبثُّها كافة وسائل الأعلام المرئية منها والمسموعة والمقروءة. ولم يتوانَ البطريرك عن حَثِّ الإكليروس لإظهار الولاء للنظام ودعوة المؤمنين للتعاون بإخلاصٍ معه على عِلاته. في عام 1989م قام البطريرك بزيارة بقايا المسيحيين في لبنان يُرافقه السفير العراقي، فالتقى بالعِماد ميشيل عون واكَّد مُساندة صدام حسين له بدون قيد أو شرط في نضاله ضِدَّ النظام السوري العدو المُشترك للبنان والعراق.

في أثناء انعقاد السينودس في روما بتاريخ 4- 5 من آذار1991م، نشبت حرب الخليج الثانية، وكان البطريرك روفائيل بيداويذ أحد المُشاركين في السينودس، فهبَّ واقفاً أمام سبعة بطاركة الكنائس الكاثوليكية في الشرق، والى جانب رؤساء المؤتمر الأسقفي لأساقفة المغرب وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة، رفع صوته عالياً معلناً مُساندته لحكومة بلاده! وكان لا يتوانى ولا يتردَّد في الدفاع عن الرئيس العراقي صدام حسين كُلَّما سنحت له الفرص للحضور في المحافل والمؤتمرات، وهو يُردِّد مقولته: إنَّ الرئيس صدام حسين لا يُجسِّد الشرَّ المُطلق، كما ينظر إليه القادة الغربيون، ليُبرِّروا التدخل العسكري ضِدَّه،  وتزكية ضمائرهم في إعلان حربٍ على نظامه يعتبرونها عادلة!

كان البطريرك بيداويذ جريئاً وبعيدَ النظر، ففي المجمع الذي انعقد في آذار 1991م، تحدَّث وبتصوُّر مسبق عن الخطر والمأساة اللذين سيتعرَّض لهما الشعبُ العراقي فيما لوعَمَّت العراق "فوضى وأدَّت الى حربٍ أهلية" وعن نتائج حرب الخليج وصفها بالوخيمة، إذ لم تُفلح في حَلِّ المشاكل التي قامت من أجلها بل زادت عليها مشاكل أخرى أكبر منها. وفي تصريح له مع صحيفة الحياة في لقاء أجرته معه في كانون الثاني 1991م قال في جرأةٍ وصراحة < نحن المسيحيون مُواطنون عراقيون، وإن أحاق الخطر ببلدنا، فمِن الواجب علينا أن نُدافع عنه.

في ظروف العراق التي كانت محفوفة بالمخاطر تحدَّثَ عن مسيحيي العراق منبِّهاً عن الخطر الذي يُهدِّد هذا المكوَّن الأصيل والصغير نسبياً لدى حدوث أيِّ تغيير للنظام القائم في بغداد " إنَّه المُكون الذي عرف بحكمة أبنائه كيف يحتفظ بكيانه في بلده العراق " ولكن الدول الإسلامية وعلى إثر الحرب التي شُنَّت على العراق تأجَّج غضبُهم وزاد سُخطهم على الغرب وعلى    المُكون المسيحي بشكل عام متهمين أبناءَه بالولاء للغرب ثقافياً وسياسياً، وهذا هو الخطأ الفاضح بأن قسماً كبيراً من الشعب المسلم لا يُميِّز بين الولاء الوطني والولاء الديني! وفي تقرير آخر للبطريرك حول العلاقات المسيحية – الإسلامية يُصرِّح بأنَّ هذه العلاقات كانت جيدة قبل الحرب ولا تزال، إلا أننا نخشى المُستقبل، من أنَّ الجماعات الغوغائية ستتهيَّج ضِدَّ المسيحيين في مناطقها.

لا ينقطع المُسلمون عن التحدُّث عمّا وصفوه بالحملات الصليبية التي جرت قبل قرون ماضية ضِدَّ بلدان الشرق ذات الغالبية المُسلمة، ولكنَّ ما يغيبُ عن بالهم سهواً أو عمداً، بأن تلك الحملات لم تكن تُميِّز بين المُسلم والمسيحي في عدوانها، وها هم المُسلمون حتى اليوم ايضاً لا يُميزون بين الأمريكان والغربيين وبين مسيحيي بلدانهم. يقول البطريرك: كُنت احاول أن افهم المُسلمين بأن يُميِّزوا بين شخصٍ غربي وآخر شرقي مُواطن شريف وأصيل في هذا البلد وإن كانا ينتميان الى نفس الديانة ولكنهما يختلفان في المُواطنة. نحن لسنا بكُفّار ولا نحن بصليبيين. أما مُعاون البطريرك المطران عمانوئيل دلي الذي سيخلفه على الكُرسي البطريركي، لم يُغادر العراق وبقيَ مُقيماً في بغداد أثناء حرب الخليج الثانية. وكان يدعو الشعب الى الإطمئنان، حيث قال في إحدى مُقابلاته الصحفية: < ما مِن أحدٍ هدَّدنا، نحن شريحة من نسيج الشعب العراقي، لا أحد يشك في هذا أبداً، نحن المسيحيون في العراق نتمتع بكامل حقوقنا غير منقوصة >.

وكان لأساقفة الكلدان تحرُّكٌ وطني ضِدَّ الظلم الواقع على الشعب العراقي ولا سيما عندما غدا ضحية الحصار القاسي الذي فرضه مجلس الأمن الدولي، فكانوا أول مَن هَبوا الى جانب سائر اساقفة البلاد الذين اتحد صوتهم احتجاجاً على ذلك الوضع اللاإنساني، مُطلقين صرخة مدوية الى العالم بأسره ومعلنين: <  نحن رؤساء الأساقفة الكلدان الحاضرون الآن  في بغــداد   الموقعون أدناه، نرفع تظلُّمَنا الى مسؤولي الأمم، والى جميع المحافل الدولية، والى إخوتنا في المؤتمرات والمجامع الأسقفية والى الجماعات المسيحية، والى جميع ذوي الإرادة الصالحة، راجينهم أن يتدخَّلوا لكي تُرفع جميع العقوبات المفروضة على بلدنا كونها غير إنسانية، أوضاعنا الإقتصادية والإجتماعية باتت كارثية، هذه العقوبات تطال الجميع، وبنوع خاص الأطفال والمرضى والمُسِنين والأكثر فقراً.  إننا أمانة لروح الإنجيل، وفي خط شرعة حقوق الإنسان، ندعوكم مُجدَّداً للعمل للإخاء العالمي، كي تُرفع العقوبات المؤدية الى مأساة انسانية متفاقمة يوماً بعد يوم. < قدَّر الأطباء بلا حدود عدد الأطفال المُهدَّدين بالموت جراء نقص الغذاء ب/(118) الف طفل، مع عدم أخذنا بالحسبان انتشار وباء التيفوئيد والإسهال والكوليرا والسحايا نتيجة قصف المؤسسات الصحية/ في 6 كانون الأول 1991م / توقيع 127 طبيباً >.

 خلف البطريررك الراحل روفائيل الأول بيداويذ نائبُ سلفه بولس الثاني شيخو ونائبُه أيضاً المطران المتقاعد عمانوئيل دلّي، ولد البطريرك عمانوئيل الثالث دلّي في تلكيف في 6/10/ 1927م، وبعد إنهائه المرحلة الدراسية الأولى في بلدته تلكيف، دخل الى معهد شمعون الصفا الكهنوتي الكلداني في الموصل. توسَّمت فيه إدارة المعهد نبوغاً وميلاً نحو التوسع في نهل العِلم، فأُرسلته إلى روما عام 1946م، ليستكمل دراسته العليا في كلية "انتشار الأيمان" وعقب تخرُّجه تمَّت رسامتُه كاهناً في21/12/ 1952. وبعد مرورعشر سنوات على سيامته الكهنوتية، رُسم اسقفاً في كانون الأول عام 1962م وكان عُمرُه آنذاك 34 عاماً، عيَّنه البطريرك ماربولس الثاني شيخو معاوناً له وسكرتيراً للبطريركية عام 1963م، واستمر في منصبه هذا طوال فترة بطريركية سلفه مار روفائيل الأول بيداويذ ولغاية 18/10/2002م حيث قدَّم استقالته لبلوغه السن المسموح بها للتقاعد وقُبِلت، انتُخب بطريركاً من قبل مجمع أساقفة الكنيسة الكلدانية "السينودس" المنعقد في روما في الثالث من كانون الأول عام 2003م، عُقِدت في عهده القصير نسبياً ثلاثة سينودسات في بغداد وعنكاوا ودير السيدة حافظة الزروع، نال شهادة الدكتوراه باللاهوت عن أطروحته “مجالس إيليا برشينايا مع الوزير المغربي” عام 1954م، ولما انتهى من دراسة الحق القانوني، قدَّم فيه اطروحة بعنوان( المؤسسة البطريركية في كنيسة ألمشرق) ونال عنها شهادة الدكتوراه عام 1959م. ومن إنجازاته: تشييده مركزاً للتثقيف المسيحي، روضة للأطفال في كنيسة مار يوسف شفيع العمال، مدرسة ابتدائية في كنيسة قلب يسوع الأقدس، مدرسة ابتدائية في كنيسة مارايليا الحيري، ومركزاً شبابياً في كنيسة ماريوسف في الكرادة، وداراً كبيرة للعجزة في بغداد تتسع  لمئة عاجز. وتقديراً لخدماته الجليلة في الكنيسة الجامعة وفي العراق، وتكريماً للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والشعب ألعراقي، أعلنه قداسة البابا بنيدكتس السادس عشر كردينالاً ضمن اثنين وعشرين كردينالاً جديداً في الكنيسة الجامعة يوم 17/10/2007، وفي يوم 24/11/2007 ألبسه قداسة الحبر الأعظم القبعة الكردينالية وفي اليوم التالي سلمه الخاتم الكردينالي مع الكرادلة الجدد. فكان بذلك أول كاردينال كلداني وثاني كاردينال عراقي بعد جبرائيل تبوني (عن البطريركية الكلدانية بتصرُّف صياغي).

لقد تزامنت بطريركية مار عمانوئيل الثالث دلي مع ظروف صعبة كان يمُرُّ بها العراق بعد التغيير السياسي الذي حدث في التاسع من نيسان عام 2003م. فلم يبرح عنه القلق على الوضع الأمني في العراق. تفاءَل خيراً بالإنتخابات العراقية، وبالرغم من ذلك فقد آلمته كثيراً أعمال العنف المُستهدِفة للمسيحيين الذين نأوا بأنفسهم عن مُساندة أيِّ طرفٍ من أطراف الصراع مُلتزمين بالحياد التام، فانتقد تلك الأعمال العنفية المُمارسة ضِدَّهم بشدة، ولم يتوانى عن بذل أقصى جُهدِه من أجل تحسين وتقوية معنويات الشعب العراقي عموماً والشعب المسيحي خصوصاً، الى جانب حرصه للحفاظ على علاقات صداقة مع القادة المُسلمين ومناشدتهم لإطلاق سراح المُختطفين. توفي البطريرك عمانوئيل الثالث دلّي في يوم 9 نيسان أبريل 2014 في مدينة سان دييغو، كاليفورنيا - الولايات المتحدة الأمريكية ونُقل جثمانُه الى مدينة ديترويت في ميشيغان - الولايات المتحدة. ليُدفن فيها، حيث تُقيم فيها أكبر جالية كلدانية ليس في الولايات المتحدة فقط بل في كُلِّ بلدان المهجر التي أمَّها الكلدان، وتلي جالية مشيكان جاليةُ كاليفورنيا من حيث تواجد الكلدان وتُعتبَر مدينة سان دييغو المركز الأكبر لتجمُّعهم.

في الأول من شهر شباط 2013 أعلنت إذاعة الفاتيكان، أن سينودس أساقفة الكنيسة الكلدانية المنعقد في روما قد اختار رئيس أساقفة كركوك سيادة المطران لويس روفائيل ساكو بطريركاً جديداً للكنيسة الكلدانية، بلقب (البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو) خلفاً لغبطة البطريرك الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي الذي قدم استقالته في 19/12/2012. وقد  حظيّ الإنتخاب بموافقة قداسة البابا بندكتوس السادس عشر استناداً الى المادة 76 من قانون الكنائس الشرقية.

ولد البطريرك مارلويس ساكو في قرية اصطبلاني التابعة لقضاء زاخو في شمال العراق عام 1949م لأبوَين تقيَّين . بعد إنهائه مرحلة دراسته الإبتدائية، دخل معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي التابع للمُرسلين الدومنيكان في الموصل عام 1963. وعقب إكماله الدراسة المقرَّرة في المعهد، رُسم كاهنا لأبرشية الموصل الكلدانية في الأول مِن ايار 1974. حصل على شهادة الدكتوراه في علم آباء الكنيسة من الجامعة البابوية في روما سنة 1983، وماجستير في الفقه الإسلامي سنة 1984، كما حاز لاحقاً على شهادة الدكتوراه في تاريخ العراق القديم من جامعة السوربورن في باريس سنة 1986.


خدم في كنيسة ام المعونة في الموصل مدة 11 عاماً. وعين مديراً لمعهد شمعون الصفا الكهنوتي البطريركي في بغداد عام 1997 وحتى 2001، وعمل استاذاً في كلية بابل الحبرية. وفي 14 تشرين الثاني 2003م رُسِم مطرانا لأبرشية كركوك الميطرابوليطية.

للبطريرك لويس ساكو دورٌ استشاري في المجلس البابوي للحوار بين الاديان. وخلال خِدمته الكهنوتية في الموصل ألقى مُحاضرات عديدة ومتنوعة في الكثير من الأندية الدينية والثقافية والدورات اللاهوتية التي أشرف عليها فترة من الزمن. له اصدارات وبحوث ومقالات كثيرة منشورة في مجلات محلية وعالمية ومواقع الكترونية متعدِّدة تزيد عن 200 مقالة، فضلاً عن تأليفه ما يربو على العشرين كتاباً. اشترك في عدة محافل ومؤتمرات دولية، وكان عضوا بما تُسمّى "الهيئة السريانية في المجمع العلمي العراقي"، وعضوا في هيئة تحرير المجلتين الكلدانيتين "بين النهرين" ومجلة "نجم المشرق". وفي عام 1988م سنحت له فرصة التعليم في كلية اللاهوت بالمعادي – القاهرة. وقد حصل على العضوية في مؤسسة برو – اورينتي من اجل الشرق ومقرها النمسا.


حاز المطران لويس ساكو على عدة أوسمة منها وسام الدفاع عن الايمان من إيطاليا، ووسام باكس كريستي الدولية ووسام القديس إسطيفانوس عن حقوق الانسان من ألمانيا. يتكلم البطريرك لويس ساكو اللغة الكلدانية باعتباره كلدانيَّ القومية رغم مَيلِه الى ما تُسمّى بالسريانية الى جانب العربية، الايطالية، الفرنسية والالمانية والإنكليزية.


بالختام نتمنى للبطريرك الجديد مار لويس روفائيل الاول ساكو، كل الموفقية والنجاح في رسالته وخدمته الجديدة، كما نرنو الى أن يعدل عن فكرة مُحاربته لقوميته الكلدانية التليدة، ولا نُريد أن يُنادي بها ليل نهار، هذه الحجة التي يُرددها غبطتُه في رَدِّه على مُنتقديه، وإنما نُطالبه بعدم التنكُّر لها! وغبطته ليس الوحيد بهذه المُعاداة، وإنما مُعظم خريجي المعهد الدومنيكي ( معهد مار يوحنا الحبيب) المُعادي لتطلُّعات الكلدان قد ساروا على هذا النمط باستثناء البعض منهم ولا سيما الراحلين من دار الفناء الى دار البقاء، والخلود في الملكوت! ولكنَّني لا زلت واثقاً بأن سيدنا البطريرك ساكو لن ينجرَّ وراء ما يطرحه القابعون بجانب أجهزة الكمبيوتر ليل نهار مِمَّن استمرأوا الإرتزاق لقاء الترويج لِما يُمليه عليهم السياسيون الذين لا يهمُّهم إلا مصالحهم الخاصة حتى وإن أصاب من جرّائها المسيحيين الذين يدَّعون تمثيلهم أفدح الأضرار! وكما جاء في إعلان بطريركيتكم بتاريخ 14 نيسان 2015م ( بأنَّ مَن يبني البيت هم أهل البيت! نعم الآخرون يمكنهم المساعدة إذا كانت نياتهم صافية، ومع ذلك لن يستطيعوا الحلول محلَّ أهل البيت، وأن يبقى شعبنا شعب الرجاء يتطلع الى روح جديد وثقافة جديدة ويستخلص العِبَر من الماضي للخروج من أطره الضيِّقة ويتحرَّر من عقليته ومفاهيمه القديمة ويوصد الباب أمام انقساماته المُزمنة، وكما ذكرتم بأنَّ شعبنا أمام تحدٍّ مصيري أكثر مِن أيِّ وقتٍ مضى <يكون أو لا يكون> ) اقتباس من الإعلان. وطالما أنَّ سيدنا البطريرك مار لويس ساكو لا زال في ربيع العمر أطال الله عُمره، ومنحه القوة للصمود أمام هذا الظرف العصيب، ليس لنا الحق في الحكم على أفعاله الراهنة، لأنَّ الزمن وكما عَلَّمنا كفيل بالتغيير، فنترك ذلك للتاريخ للحكم على الصالح والطالح مِنها، نسأل المولى أن يكون صالحُها الأقوى.

إنَّ أحوال الشعب المسيحي عامة والكلداني منها خاصة في بلده الأصيل العراق ومنذ تحرُّره من الهيمنة العثمانية بعد انتهاء الحرب العالمية الأولى وقيام الحكم الوطني فيه بقيادة الملك فيصل الأول وخلفائه، كانت تتصف بالهدوء والأمن والإستقرار. ولما انقلب العسكرُ على الحكم الملكي في 14 تموز 1958م بانقلاب دموي، ظنَّ الشعب العراقي بأن أوضاعه ستنتقل الى الأفضل، ولكن الواقع خيَّب ظنَّه إذ لم تمضِ إلا فترة قصيرة حتى ثار الإنقلابيون على بعضهم البعض، فقامت حركة معادية للنظام الجديد بقيادة عبدالكريم قاسم قادها العقيد عبد الوهاب الشواف من الموصل عام 1959م، ولكنها باءَت بالفشل حيث قضي عليها في مهدها وراح ضحيتها عدد كبير من الشعب، ثمَّ أعقب ذلك انقلاب آخر في شباط عام 1963م قام به ضباط قوميون أسفر عن قتل الزعيم عبدالكريم قاسم وبطانته وعدد لا يُستهان به من الموالين له، ولم تمضِ إلا فترة قصيرة استطاع بعدها عبدالسلام محمد عارف من الإستفراد بالحكم وطرد شركائه البعثيين، فتعرَّض للإغتيال في حادث سقوط طائرته، فأنيط الحكم بأخيه عبدالرحمن محمد عارف رغم عزوفه عنه! وفي 17 تموز 1968م استطاع البعثيون بقيادة أحمد حسن البكر بإزاحة عبدالرحمن بانقلاب سلمي ونفيه الى تركيا ثم تصفية جماعته المتواطئين معهم وذوي الفضل في نجاح الإنقلاب، فصفا الجو للبعثيين ومسكوا زمام الحكم بيد من حديد، وبعد عقدٍ من الزمن، استطاع نائب رئيس الجمهورية صدام حسين من إجبار الرئيس أحمد حسن البكر على الإستقالة وإناطة الرئاسة به، فاستفرد صدام بالرئاسة وبحزب البعث منذ عام 1979م وحتى 9 نيسان عام 2003م الذي فيه احتل الأمريكان العراق بمشاركة الحلفاء الدوليين.

لم يكن المُراد من الإستعراض الوجيز الذي أشرتُ إليه بخصوص التحولات السياسية التي جرت في العراق، إلا للدخول الى ما آلت إليه أوضاع المسيحيين الكلدان أكبر المكوِّنات المسيحية الأخرى من الإنتكاس ووصولها الى الحضيض، بعد التغيير السياسي الذي حدث في العراق من جراء الإحتلال الأمريكي للعراق، وإرسائه نظام الحكم المُرتكز على المُحاصصة الطائفية والمذهبية الدينية، التي أدَّت الى بروز الصراعات الدموية بين الفئات المُنخرطة فيه. ما كان وضع المسيحيين الكلدان ينحدر الى هذا المستوى المتدهور لولا تآمر أصغر مكوِّنات المسيحيين المعروف بالمكوَّن الآثوري ( وهو في حقيقته كلداني نسطوري متمرِّد) الوافد الى العراق تحت حراب الإنكليز زمن انتدابهم على العراق في بداية عهده الوطني بصفة جماعةٍ لاجئة وقتية مطرودة من موطنها في منطقة هيكاري الجبلية العائدة الى تركيا ومنطقة اورميا في ايران، وستُعاد إليها بعد استقرار الأوضاع في تركيا الحديثة وريثة الإمبراطورية العثمانية المُندحرة. إن هذا التبرير الإنكليزي كان خدعة انطلت على الحكومة العراقية الفتية وعلى الشعب العراقي عامة، ولم تنكشف إلا بعد فترةٍ عندما ضغط الإنكليز من موقعهم القوي آنذاك على الحكومة العراقية بوجوب إفساح المجال لإقامة هؤلاء بصورة دائمة في العراق، فلم يكن هناك خيار أمام الحكومة العراقية إلا الرضوخ لأوامر الإنكليز! وهكذا أصبح هؤلاء الغرباء مُقيمين دائمين في العراق.

إنَّ هؤلاء الأغراب الوافدين الى العراق عن طريق الإحتيال الإنكليزي المُرتكز على الخداع والدجل، والمعروف من قبل كافة الشعوب ذات الحظ العاثر بوقوعها تحت سطوة الإنكليز، لم يرضوا بالعيش في العراق بهدوءٍ واستقرار، لكنهم أبوا وأرادوأ تعويض الخسارة التي مُنيوا بها بالأرواح والممتلكات في موطنهم بتركيا وايران وبين مجاوريهم أبناء القبائل الكُردية، عن طريق تحدّيهم للحكومة العراقية التي وافقت على ايوائهم في العراق وإن كانت مضطرّة على ذلك، حيث طالبوها بإفراز اقليم مستقل لهم من أرض العراق يُمارسون فيه الحكم الذاتي تحت قيادة بطريركهم الذي طالب بالسلطة الزمنية الى جانب سلطته الروحية! وهذا المطلب سبَّبَ لهم الكارثة بمأساة سميل وضواحيها في السابع من آب 1933م. وبعد هذه المأساة ارتحل عددٌ منهم الى سوريا أيام الإنتداب الفرنسي واستقرّوا في منطقة الخابور، وأما مَن بقي في العراق فلم تعترض الحكومة العراقية  على عيشهم في العراق وتحت القوانين العراقية بالرغم من نفيها لزعيمهم البطريرك النسطوري وبطانته الى قبرص.

لم يبقَ أمام هؤلاء الآثوريين النساطرة (كلدان الجبال المتمردين) مَن يتحرَّشوا به، بعد اندحارهم في موطنهم بتركيا وايران والعراق إلا أن ينتقموا من إخوتهم الكلدان الكاثوليك الذين غدوا من أشدِّ أعدائهم منذ أن حرَّروا أنفسهم في منتصف القرن السادس عشر مِن المذهب النسطوري الهرطوقي، ثمَّ انعتاقهم من الإستبداد المُمارَس ضِدَّهم بل الإستعباد من قبل رئاسة كنيستهم العشائرية المتخلفة المتمثلة بالعشيرة الأبوية (آل أبونا)، وبما أنهم غير قادرين على المُجابهة القتالية أولاً لضآلة عددهم بالنسبة للكلدان، وثانياً لخوفهم من ردع الحكومة لهم واحتمال قيامها بنفيهم، فلجأوا الى التآمر على الكلدان بكُل أشكاله وألوانه ولا سيما بعد التغيير السياسي في العراق الذي تمَّ عام 2003م، حيث سنحت لهم ساحة التآمر بكُل وُسعها، فقاموا بإغراء حاكم العراق المدني الأمريكي بول برايمر حفيد أسيادهم الإنكليز بكُل أنواع الإغراءات غير المشروعة، فناصر ممثلهم الثعلب يونادم كنا النسطوري على غبطة البطريرك عمانوئيل دلي الكلداني الكاثوليكي وعهد إليه بتمثيل المسيحيين في مجلس الحكم الإنتقالي، ومن موقعه هذا بدأ يُغازل ممثلي الطوائف الكبيرة العرب بشقيهم الشيعة والسنة والأكراد مُستخدماً الدهاء الإنكليزي الذي تعلَّمه مِن اسلافه المُستعبَدين من قبل الإنكليز زمناً طويلاً، فراح يعقد معهم صفقات مُريبة ويروي لهم تاريخاً مزيَّفاً ضِدَّ الكلدان، ويعدهم وكُلٌّ منهم على حِدة، بأنه قادر على استمالة الأمريكان الى جانبهم، وهكذا استطاع خداعهم فوافقوه على نفاقه، فمَن هم الكلدان ومهما كان عددُهم حتى يُناصروهم.

والتآمر الأبشع الذي مارسه يونادم كنا بذكائه الإحتيالي وبمساندة أعضاء حركته اللاديمقراطية الشوفينية وأعضائها فاقدي الضمير مُحترفي التشهير بائعي ذواتهم للشرير، هو قيامهم ببَثِّ سموم دعاياتهم بين الجماهير التي لا اهتمام لها بالمصير، ولا يعنيها تأنيب الضمير، لماذا كُلُّ هذا النزوع الفاشي المتفشّي في دواخلكم يا منتسبي الأحزاب الآشورية المُزيَّفة لمُعاداة الكلدان وفي مقدمتكم المُهرِّجون الزوعاويون! هل كان الكلدان المُسبِّبين للكوارث التي حَلَّت بكم في مثواكم الإنعزالي؟ هل الكلدان هم الذين غَرَّروا بكم ودفعوكم لخوض القتال ضِدَّ مَن كنتم تسكنون بين ظهرانيهم الأتراك والإيرانيين والأكراد؟ بماذا أساء إليكم الكلدان حتى تُجابهونهم بالعِدوان؟ لماذا كُلُّ هذا الحقد المُفرط في الإستهانة بوجودنا التاريخي كأمةٍ كلدانيةٍ تليدة فاقت بمجدها وتُراثها اللذين لم تستطع أية أمةٍ في تاريخ البشرية أن تُجاريها بهما، من حيث الثقافة والمعرفة والعلوم التي نهلت منها الشعوب وعملت على تطويرها فأوصلتها على ما هي اليوم من مجدٍ وعظمة!

أليست الأساليب الملتوية التي اعتاد على استخدامها عدوُّ الأمة الكلدانية يونادم كنا لإبعاد الكلدان عن المناصب الحكومية دليلاً على نزعته العِدوانية الإنتقامية المُريبة؟ وهل ممارسة السيد كنا لأساليب الأحتيال  والمراوغة  للوصول إلى تحقيق مآربه وأهدافه الشخصية المريضة، هي بدافع الحرص على تنظيم زوعا أو جماعته الطورانية التي أسبغ عليها الإنكليز التسمية الآشورية الدخيلة. كلا، بل إن دافعه الوحيد هو نصبُ دمى يُحركها بأصابعه الروموتكونترولية إشباعاً لرغباته الجامحة البعيدة عن كُلِّ المُثُل الإنسانية! والدليل على ذلك هي الشخصيات الزوعاوية التي سعى الى توظيفها في مؤسسات الدولة تُبرهن ذاتياً بأنها  فارغة ومعدومة الفاعلية، ولكنها تدين بالولاء  لوليِّ نعمتها يونادم كنا. إن عِداءَكم  للكلدان هو     متوارث يا معشر النساطرة! هو عِداءٌ مذهبي متأصل بكُلِّ نسطوري منذ الولادة وحتى الموت.

اننا لا نُبالي بتخرُّصات مَن جعلوا من أنفسهم جماعة نكرة، وتنصَّلوا عن هويتهم الأصيلة "الكلدانية النسطورية" لقاء إغراء الغرباء بوعودهم الكاذبة، جعلوا منكم زمرة منبوذة، للكذب مُحترفة وللحق نابذة. ليس الكلدان بحاجةٍ الى اعترافكم إذ لا قيمة له عندنا، وعقدة النقص المُستحكمة في أذهانكم هي الدافع الأول لإنحرافكم عن جادة الصواب فدفعتكم للسعي الى الخراب! إنَّ تاريخ الانسانية زاخر بذكرنا، فليس هناك من هاجس بهذا الشأن يؤرقنا. وإنما الذين انتحلتم تسميتهم المشؤومة هي التي جلبت عليكم النقمة، كما كانت سبباً لإنقراضهم المأساوي وزوال ذِكرهم من التاريخ لِما يزيد عن خمسةٍ وعشرين قرناً، وإذا كان التاريخ يُعيد نفسه، فإننا لا نتمنى لكم ذلك المصير ولا حقدَ لدينا نحوكم، كما هو لديكم نحونا!

الذي نستهجنه فيكم هو إدِّعاؤكم الكاذب بأنَّ القربى تجمعكم بنا، فإذا كنتم صادقين لماذا انقلبتم الى عقارب تلدغنا؟ أليس الظلمُ الآتي من ذوي القربة أشدَّ وأمَرَّ مِن ظلم أيِّ فريق آخر؟ لماذا تُراودكم أحلامُكم السوداء وأمانيكم الخبيثة ورغباتكم البائسة لسرقة تاريخنا وطمس ذِكرنا، أليس هذا دليلاً لإفتقاركم الى صفاء الفكر والوجود الإنساني السليم! إننا لسنا عقبة كأداء أمام سعيكم في استعادة مجد آشوريي التاريخ المنقرضين الذين تبنيتم تسميتهم وأنتم لا تمتُّون إليهم بأيَّة صِلةٍ ومِن أيِّ نوع. وسنكون أول المُهنئين لكم لو استطعتم رفع رايتهم فوق إحدى مناطق نينوى التي لم تعرفوها ابداً حتى أتى بكم إليها أسيادكم الإنكليز فهل تُنكرون؟ وإذا انكركتم هل سيُصدِّقكم العالَم الذي يعلم أين كنتم وكيف عانيتم ولماذا جيءَ بكم الى العراق ! ونحن أبناء الأمة الكلدانية العريقة لا نُريدكم أن تُعوِّلوا علينا أن نُجاريكم في مسعاكم الخيالي، أتركونا وشأننا متمنين لكم نجاح مشروعكم.

الشماس د. كوركيس مردو

3
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن

الجزء السادس والخمسون
مواصلة البحث عن الحل
على إثر هذه المجازر الدموية المقززة والمثيرة للشجن، التي أحدثت صدمة جديدة للرأي العام العالمي، حاولت عصبة الأمم ايجاد حَلٍّ جديد لمعضلة الكلدان النساطرة "الآثوريين" المستعصية. فاقترحت تقديم وطن قومي لهم في دولة تقبلهم مثل كولومبيا، البرازيل، الأرجنتين، أفريقيا الجنوبية، اوستراليا، بلجيكا، اسبانيا، وفرنسا التي إرتأت توطينهم في أفريقيا الغربية أو اليونان، ايطاليا، وهولاندا. ولكنَّ الأغرب في الأمر، أنَّ الولايات المتحدة لم تُدرج ضمن الدول المُضيفة، في حين أنَّ جالية لا بأس بعددها قد هاجرت إليها منذ زمن. وقد استشيرت جميع هذه الدول بشأن التوطين، إلا أنَّ جميع المُحاولات باءَت بالفشل، وأُجهِضَ المشروع نهائياً عام 1934م، وأُسدِلَ الستارُ على قضية المجزرة التي طُمِرَت في أروقة عصبة الأمم.
 
في أيار من عام 1935م لم تُمانع سلطات الإنتداب الفرنسي قدوم الكلدان النساطرة (الآثوريين) الى سوريا والإقامة في منطقة نهر الخابور مؤقتاً، على أمل أن يُستكملَ مشروع إسكانهم النهائي في وادي نهر العاصي، وقُدِّرَ عددُ اللاجئين عام 1939م بعشرة آلاف نسمة، بيدَ أنَّ المحيط الإجتماعي السوري المُتخلِّف والمُتزَمِّت عربياً وإسلامياً، لم يُبدِ ترحيباً بهم فحسب، بل أظهر عِداءً سافراً، معتبِراً إياهم جسماً غريباً غير عربيٍّ ولا مُسلِمٍ، فلم يَلقَ مشروع نهر العاصي قبولاً، وإزاء ذلك فضَّلَ عددٌ كبيرٌ من الكلدان النساطرة "الآثوريين" العودة الى العراق، أما الذين استوطنوا مخيَّم نهر الخابور، فقد استقرّوا فيه في ثلاثين قرية ونيِّف.

في عام 1940م تفكَّكت عصبة الأمم، ومعها ماتت قضية الكلدان النساطرة "الآثوريين". وبعد الحرب العالمية الثانية، تجرّأ البطريرك النسطوري شمعون الحادي والعشرون وبتشجيع من الآثوريين المتطوعين السابقين في الجيشَين الإنكليزي والفرنسي الى إحياء قضيتهم، فوجَّهَ بتاريخ السابع من أيار 1945م مِن منفاه في الولايات المتحدة الأمريكية آنذاك عريضة الى مؤتمر السلام العالمي المنعقد في سان فرانسيسكو، مُعيداً فيها مطالبتَه الإعتراف بحقوق الشعب الكلداني النسطوري "الآثوري" إلا أنَّ هذه المُحاولة كانت كالصرخة في الوادي والنفخ في الرماد. واستمرَّ تعرُّض الكلدان النساطرة "الآثوريين" الى نكبات، ففي شمال بلاد فارس وفي نهاية الحرب العالمية الثانية أُعلن عن قيام جمهورية كردية مستقلة باسم ماهاباد، تحت حماية الإتحاد السوفييتي الذي ضمَّ إليها الكلدان النساطرة "الآثوريين" المُقيمين الى جوار بحيرة وان، فما لبثت هذه الجمهورية أن خُنقت في مهدِها، بعد إجبار السوفييت على الإنسحاب من قبل الإنكليز والأمريكان، فسيطرت ايران الفارسية على المنطقة، ووقع الكلدان النساطرة "الآثوريون" ضحية انتقامها ما بين عامَي 1946- 1949م، وامتنعت هيئة الأمم المتحدة عن التدخُّل متجاهلة رسالة البطريرك شمعون الحادي والعشرين الموجهة الى الأمين العام شارحاً فيها وضع أتباع كنيسته المأساوي في اورميا، وكذلك لم تُصغِ القِوى العظمى لنداءاته الإستغاثية، ولا المحافل الدولية أعطت اذناً صاغية للإحتجاجات المُلحة، إذ ظلَّت جميعُها حَرفاً مُهمَلاً لِما يزيد عن ثلاثين عاما.                                                 
التنصُّل عن الوعود

ويُضيف كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 251): انتهت الحرب وتنصَّل الحليفان الإنكليزي والفرنسي عن الوعود التي قطعاها للكلدان بشقيهم النساطرة والكاثوليك لقاء اشتراكهم الى جانبهم في الحرب ضِدَّ العثمانيين، فلدى حضور مندوبيهما الى مؤتمر السلام عام 1919م في باريس للمطالبة بتنفيذ الوعود، لم يكن وفدهما موحداً، بل حضروا مختلفين منقسمين وبأربعة وفود هم: وفد الكلدان النساطرة المُقيمين في الولايات المتحدة الأمريكية المُتسَمَّين بالآثوريين. وفد الكلدان الكاثوليك المُرسَل من قبل البطريرك مارعمانوئيل الثاني. وفد نساطرة اورميا الكلدان. وفد مُهجَّري القوقاز، وكُلٌّ منهم يُقدِّم طلبه للحصول على وطن مستقل، وبالإضافة الى الوفود الأربعة قام بطريرك الكلدان النساطرة شمعون العشرون بولس بتقديم مذكرة من مقر إقامته في بعقوبة وقتذاك وبعث بها الى مؤتمر السلام. كانت بعض مُقترحات تلك الوفود تتسم بالعقلانية والمنطق، وبعضها الآخر كانت مِن نسج الخيال الجامح، هذا إذا أُخِذ بنظر الإعتبار، أنَّ الكلدان بشقيهم النسطوري والكاثوليكي، لم يُشكِّلوا يوماً أكثر من ثلث سكان المناطق المقيمين فيها والمُطالبين بها. يبدو انَّ الإقترح الذي قدَّمَه وفد البطريرك الكلداني مارعمانوئيل الثاني حظيَ بقبول أعضاء مؤتمر باريس، حيث طالب بمناطق واسعة تشمل ولاية الموصل بالعراق وبمُقاطعة اورميا في فارس وبجنوب تركيا مع منفذٍ في خليج الإسكندرية وآخر في الخليج الفارسي.


إلا أنَّ توقيع معاهدة الصلح مع الإمبراطورية العثمانية أُجِّلَ جرّاء خلافٍ بين الفرنسيين والإنكليز حول ولاية الموصل التي اكتُشف فيها النفط مؤخراً، وإن الإنكليز لا يقبلون أن يُنافسهم أحد على احتكارهم للذهب الأسود، ولذلك فإنَّ اتفاقية النفط بين الإنكليز والفرنسيين وُقِّعت برعاية عصبة الأمم في سان ريمو ما بين 19- 26 نيسان 1920م، تضمَّنت منح منطقة الموصل للإنكليز خلافاً لمصلحة الكلدان بشقيهم ورغماً عنهم. وفي 12 تموز من نفس العام أعلن المندوب السامي الفرنسي الأعلى الجنرال غورو، بأنَّ مؤتمر سان ريمو، منح فرنسا الإنتداب على البلاد الواقعة غربيَّ نهر دجلة الحاضنة لمُدُن جزيرة بن عمر وماردين والرُّها والمناطق الواقعة الى الجنوب منها والتي ضمنها تقع الأراضي العائدة تاريخياً للكلدان بشقيهم. فإذا رغب سكان هذه المناطق في العودة الى الأماكن التي كانوا يستوطنونها سابقاً، فإنَّ فرنسا ستُشجِّع عودتهم ليسكنوها وتتعهَّد بإحلال السلام في ربوعها، وهي على استعدادٍ مُسبق لمنح الإستقلال للكلدان بشقيهم في المناطق المُقيمين فيها والخاضعة للإنتداب الفرنسي، كما تتعهَّد بحماية الأقليات المقيمة فيها والخاضعة كذلك للإنتداب الفرنسي.


بعد انهاء الحليفَين الإنكليز والفرنسيين الإتفاق بينهما، أصبحت الطريق مُمَهَّدة لوضع شروط السلام مع تركيا في سيفر، بعد سنتَين من تذليل النزاع معها، بيدَ أنَّ الأوضاع السياسية تطوَّرَت والعقليات تغيَّرت خلال هذه الفترة، فالمعاهدة الموقعة في العاشر من آب لعام 1920م، غدت غير مؤاتية لطموحات الكلدان بشقيهم، والقرارات كُلُّها اتُّخِذَت من دون الرجوع إليهم، ولم يأت ضمنها أيُّ ذِكر لدولة يتمتعون من خلالها بالإستقلال الذاتي، ومع كُلِّ الإجراءات التي أدرجت في المعاهدة حُرِم الكلدان بشقيهم من فوائدها، وتُركوا تحت رحمة الأتراك والأكراد الذين قاموا بنحرهم وتهجيرهم قبل ذلك بخمسة أعوام.
إنَّ كُلَّ تأخر زمني وعلى الأغلب يكون بغير صالح صاحبه، فتلكّؤ الحليفَين المنتصرَين على السلطنة العثمانية في إبرام مُعاهدة الصلح مع سُلطانها المدحور، خلق فرصة مؤاتية لظهور حركةٍ متطرفة قلبت الوضعَ السياسي رأساً على عَقِبٍ في منطقة مسرح أحداث الحرب العالمية الأولى، فقد هَبَّ الجيش التُركي لإنتشال بلاده من الفوضى شاعراً بالعار من النزاع الداخلي المُستحكم، حيث اعتبره سبباً في تغلغل اليونانيين الى آسيا الصغرى، فثار قادتُه بزعامة مصطفى كمال أتاتورك على السلطة العثمانية الهرمة الواهنة، وأقاموا دولة تركية حديثة، واضعين نهاية للإمبراطورية العثمانية. رأى القادة الجُدُد بأن معاهدة سيفر قد حشرت تركيا في زاوية، فنقضوها وتعهَّدوا باستعادة جميع أراضي الأناضول المُنتزعة الى الدولة التركية الحديثة. أوقفوا الزحف العسكري اليوناني وأحرقوا ازمير وأخرجوا الأرمن العائدين إليها، وأعلنوا بعدم القبول باستقطاع جزءٍ مهما كان صغيراً لصالح كائن مَن كان. لم يقف الحليفان الفرنسي والإنكليزي ضِدَّ قيام جمهوريةٍ تركية، بل ساندا قيامَها الى حدِّ قيامهما ببيع الأسلحة لها.
 
نقض معاهدة سيفر

ونتيجة عدم اعتراف القابضين على زمام الحكم في تركيا بمعاهدة سيفر، اضطرَّ الحليفان باستبدالها بمعاهدة جديدة  وُقِّعَت في لوزان في تموز عام 1923م، اعترفت المعاهدة بقيام دولة تركية حديثة وهي بذاتها خَطَّطت حدودَها في المؤتمر التحضيري. أُدرجَت قضية الكلدان بشقيهم النساطرة والكاثوليك على جدول الأعمال، ولكنَّ أثناء احتدام الجدال لم يكن أيُّ ممثل لهذا الشعب حاضراً. فأعلن وزير الخارجية البريطاني اللورد كورزو أمام حاضري المؤتمر: <ستعمل الحكومة البريطانية كُلَّ ما بوسعِها لمساعدة الكلدان بشقيهم المُقيمين في المناطق الواقعة تحت نفوذها> وبالفعل قام ببادرة نحوهم في جلسة التاسع من شباط 1924م مطالباً ممثل تركيا اسماعيل باشا بأن تحترم حكومته لغتهم ومدارسهم ودينهم، ولكنَّ الممثل التركي رفض منح الإستقلال للكلدان بشقيهم ولا للأرمن، مدَّعياً بأنَّ ذلك يطعن بالصميم وحدة تركيا، وعلى المدى البعيد يؤدي الى تقطيع اوصال البلاد. واستطرد بالقول: بأن المسيحيين المُقيمين في هذه المنطقة ويعني بها ولاية الموصل هم في غالبيتهم كلدان كاثوليك وكلدان نساطرة المُطلق عليهم اسم"الآثوريين" كان المفروض أن تُعطى ولاية الموصل لتركيا، ولكنَّ الإنكليز غيَّروا رأيهم ليتمكَّنوا من السيطرة على انتاج النفط من آبار كركوك ولذلك ضموها الى العراق. لقد اشترك الكلدان النساطرة"الآثوريون" مع الروس لدى اجتياح جحافلهم "وان" في أعمال عنف بشعة ضِدَّ مُواطنيهم المُسلمين الذين تعايشوا معهم قروناً طويلة دون أن يُزعجزهم أحد، ومن تلقاء أنفسهم فضلوا الإلتحاق بالروس عند تقهقرهم. <إن الفقرة الأخيرةغير صائبة، إذ لم يُعامَل الكلدان النساطرة"الآثوريون" ولا أيٌّ من المسيحيين الآخرين بالحسنى من قبل مسلمي الدولة العثمانية على مَرِّ القرون.>.


على أية حال، فقد استطاع المتطرفون القوميون الأتراك المستولون على حكم البلاد عنوةً ابتزاز الحلفاء بدليل قبولهم لبرنامجهم بالكامل تقريباً، حيث جرى تعديل الحدود وتوسيعها في شرق البلاد، وغدت بعض مدن الجنوب كالرُّها وماردين ونصيبين تابعة لتركيا بدلاً من سوريا، وكُلّ التدابير المتعلقة بشأن حماية الكلدان بشقيهم اختفت من المُعاهدة، واعتُبِروا ومعهم الأكراد والأرمَن أقليات تحت وصاية وبحاجةٍ الى حماية. وقد تضمَّنت معاهدة لوزان البنود 36- 45 لحماية الأقليات المُقيمة في الأراضي التركية وهي: < تتعهَّد السلطات التركية بمنح جميع سكان تركيا حماية شاملة كاملة لحياتهم وحريتهم، وأن لا تُميِّز بين القومية واللغة والعِرق أو الدين لجميع سكّان البلاد، وبمنح الحقوق التامة في ممارسة الحرية العامة والخاصة، ممارسة شعائر ايمانهم وديانتهم ومُعتَقدِهم، ويحق للأقليات غير المسلمة أن تنعم كلياً بحرية التنقل والهجرة، وأن يكون لها حقوق ثقافية وسياسية، وبنوع خاص شغل الوظائف العامة والتقلُّب فيها... وممارسة المِهَن الحرة... وكذلك الأمر بالنسبة الى حرية اللغة بحيث لا يصدر أيُّ منع أو تحديد ضِدَّ أيِّ مُواطن تركي في استعمال أية لغة يشاء حتى أمام المحاكم، ويُعطى التعليم بلغة الأم لأطفال الأقليات في مراحل التعليم الإبتدائي، وأخيراً في مجال الوضع الأسري، تُحترَم عادات وتقاليد جميع الأقليات >. لكنَّ شيئاً من هذه البنود لم يدخل طور التنفيذ مطلقاً، بالأخص حرية النطق بلغةٍ اخرى غير اللغة التركية.

مؤتمر اسطنبول
في مؤتمر اسطنبول الذي عُقِد في حزيران عام 1924م، كان المندوب السامي البريطاني على العراق بيرسي كوكس وفيّاً لمبدأ منح وطن قومي للكلدان النساطرة"الآثوريين" في هيكاري، والذي بالأصل يكون ضمن دولة العراق، ومما قاله بهذا الخصوص: < إننا نشعر أنَّه من الواجب علينا أن نضمن للكلدان النساطرة"الآثوريين" استعادة الأمتيازات التي كانت لهم في الواقع، ومن حيث الحقوق قبل الحرب، لا فرق مَن يكون الحاكم، يجب منح الكلدان النساطرة " الآثوريين" نوعاً من الحكم الذاتي المحلي، والإعتراف لهم بحقِّهم باختيار ممثلهم الخاص والإكتفاء بأخذ الجزية منهم عن طريق البطريرك >. ولكنَّ عصبة الأمم في 16 كانون الأول 1925م إتخذتْ قراراً بضم ولاية الموصل الى العراق وليس الى سوريا رغم احتجاجات مَن يُدعون بالآثوريين، فيما عادت جبال هيكاري الى تركيا وليس الى العراق، خلافاً لِما كان مقرَّراً في اتفاقية سايكس- بيكو. وقد قال عالم الإجتماع جوزيف يعقوب مُلخصاً ما جرى: < بأنَّ شعبه تعرَّض للخيانة والظلم والإهمال، وضُحيَ به عل مذبح المصالح السياسية والإقتصادية الإنكليزية، ورغبةً منهم في التوفيق بين رضا حكام تركيا الجُدُد وبين الدول العربية، وهم مستمِرّون في استغلال حقول النفط في شمالي العراق>.


وإضافة الى ما قاله جوزيف يعقوب يُعقب نفسُه قائلاً: < بالنسبة الى تركيا الكمالية، لم يبقَ هناك شيءٌ إسمُه القضية الآثورية، فإنَّ هيكاري قد أُفرغَت تماماً من سكانها الآثوريين، مِئة ألفٍ منهم نزحوا الى القوقاس أو الى اورميا ببلاد فارس. والإنكليز احتلّوا بلاد ما بين النهرَين، وحكام تركيا المتطرفون الجُدُد لم يدعوا المجال أمام الآثوريين للعودة الى بلاد جدودهم، لم يُسامحوهم لأنهم قاتلوهم في الحرب > وبهذا الصدد صرَّح القنصل العام التركي في بغداد علناً في 25/12/1928م: < إنَّ قانون العفو العام لا يشمل الآثوريين، ولن يُسمَح لهم مُطلقاً للعودة الى تركيا، وكل عنصر آثوري يُحاول اختراق الحدود التركية يُعاقَب>. وهكذا تبخَّر كُل أمل لجزءٍ من مسيحيي الكنيسة الكلدانية النسطورية الإنعزاليين، أن يروا يوماً البقعة التي كانت ملاذاً لهم طيلة قرون من الزمن.

الكنيسة النسطورية

لقد أتينا على ذِكر معظم المصائب والنكبات التي مَرَّت بها الأمة الكلدانية بشقي أبناء كنيستها الكاثوليك والنساطرة، ورغم عنفها ومرارتها، لم تدفع بقادة فرعيها الكنسيين للتقارب والإتحاد تحت راية رئاسةٍ واحدة تكفل لهم زخما بشرياً قوياً وعُمقاً روحياً مُتجدِّداً. فالفرع النسطوري الإنعزالي صرف قدرات أبنائه منذ مُنتصف القرن السادس عشر في صراعٍ عبثي مع عِدة جهات كثيراً ما انقلب الى تصادم دموي لم يجلب له غير الذل والهوان. والنفي الذي تعرَّضَ له بطريرك كنيسته النسطورية جعله يستطيب الإقامة في العالم الجديد، ولم يعبأ بإقصائه عن معرفة أوضاع الشرق الأوسط، وبسبب خلاف ليتورجي واهي نجم عنه انشقاق آخر في منتصف ستينات القرن العشرين، فانقسمت كنيستُه الى قسمَن يدين احدهما بالطاعة للبطريرك المُقيم في أميركا والثاني يدين بالولاء للبطريرك الجالس في العراق.


ومنذ أن نُصِّب الفتى اليافع ذي الستة عشر عاماً بطريركاً للكنيسة النسطورية عام 1903م بجهود البعثة التبشيرية الأنكليكانية الإنكليزية، كان توجُّهُه سياسياً أكثر منه روحياً، ففي عام 1915م، اتَّخذ قراراً بإعلان الحرب على تركيا، والإنسحاب من مدينة اورميا المحمية من قبل القوات الروسية، ونتيجة مؤامرةٍ دبَّرها ضِدَّه أطراف ثلاثة الإيرانيون والإنكليز والكُرد، استُدرج للإجتماع بعدوِّه اللدود اسماعيل أغا الشكاكي الكُردي، الهدف المُعلن منه إزالة العداء المزمن بين الزعيمَين واستبداله بالصلح، ولكنَّ المبطَّن كان الغدر الذي اقترفه الزعيم الكردي بحق البطريرك شمعون التاسع عشر بنيامين وأفراد وفده الذي جرى في عام 1918م أدّى الى استشهاده!


بعد اغتيال مارشمعون بنيامين أقيم خلفاً له شقيقُه بولس باسم "مارشمعون العشرون بولس" وهو في الرابعة والعشرين مِن عُمره، نزح الى همدان مُضطرّاً، وتعرَّضَ لشبه إقامةٍ جبرية في مُعسكر بعقوبة في العراق، ومن هناك أرسل موفدَه الى مؤتمر باريس مُحمِّلاً إياه مُداخلته التي تضمَّنت المطالبة بفرز مقاطعةٍ حُرة للكلدان بشقيهم النساطرة "الآثوريين" والكاثوليك، ولكنَّ الإنكليز قرَّروا ضمَّ المُقاطعة التي أرادها وطناً بديلاً لشعبه في العراق، وأخرجوا البطريرك شمعون بولس من الموصل، فانتابه حزن قاتل أودى به الى الموت عام 1920م.


أختير خلفاً له إبن شقيقِه داود الصبيُّ ايشاي باسم "ايشاي شمعون الحادي والعشرون" وهو في عمر لا يتجاوز الإثني عشر عاماً، ولصغر سنِّه أقيم وصياً عليه مطران الهند مارطيماثئوس للقضايا الروحية والكنسية، أما القضايا المدنية والسياسية، فعُهِدَ أمر تدبيرها الى والده داود وعمَّتِه سُرمة التي كانت لها اليد الطولى بهذا الصدد. دَبَّر له مار طيمثاثئوس مقعداً دراسياً في بريطانيا، فأرسل الى لندن في 15 نيسان عام 1925م حيث أمضى سنتين في الدراسة في كانتيربري وكامبريج. بعد عودته الى العراق عام 1927م، اعترفت به الحكومة العراقية زعيماً روحياً ومدنياً لطائفته الكلدانية النسطورية المعروفة بـ"الآثورية" وبسبب تعاطفِه مع المذهب الأنكليكاني خلق استياءً وعدم القبول لدى بطانته، كما أوجد توتُّراً في أوساط الكنيسة النسطورية.

وما إن طالب شمعون الحادي والعشرون بالإستقلال لشعبه حتى قامت الحكومة العراقية بإسقاط الجنسية العراقية عنه عام 1933م وسيق عنوةً منفياً الى قبرص، وعقبَ سبع سنين غادرها عام 1940م الى الولايات المتحدة الأمريكية واستقرَّ في شيكاغو في ولاية الينويس، وبعد مرور عقدين من الزمن انتقل الى سان فرنسيسكو عام 1960م المقرالأخير لإقامته وفيها تمَّ اغتياله عام 1975م من قبل أحد اتباع كنيسه المُعادين لتوجُّهاته.


في شهر تشرين الثاني لعام 1961م حضرالبطريرك النسطوري ايشاي شمعون الحادي والعشرون الى مجمع الكنائس المسكوني المنعقد في نيودلهي، فانتهزها فرصة مؤاتية لزيارة أتباعه في جنوبيِّ الهند، ثمَّ توجَّهَ الى ايران وحظيَ باستقبال رسمي من قبل الشاه، وأمضى زمناً غير قصير بين أتباعه من الكلدان النساطرة "الآثوريين" المُقيمين في ايران، ثمَّ غادر ايران قاصداً بيروت ومنها توجَّه الى دمشق، وبالرغم من تلقّيه الإحتفاء من قبل الرئيس السوري حافظ الأسد، إلا أنَّ الرئيس لم يسمح له بزيارة أتباعه النساطرة المُقيمين في منطقة الخابور المُحاذية للحدود العراقية. كما رفض تزويده بسمة دخول لزيارة العراق، وكانت حجة للحكومة العراقية في منعه، بأنَّه قد شارك الأكراد في التآمرعليها أثناء وجوده بايران.


في عام 1870م وُجِّهت دعوة للكنيسة النسطورية لحضور ممثلين عنها الى المجمع الفاتيكاني الأول، لم يُلبِّ الدعوة بطريركُها آنذاك شمعون روبين الثامن عشر تجنُّباً لعدم جرح شعور الإنكليز الأنكليكان، إذ كان بحاجة ماسة إليهم. أما لدى دعوة البابا يوحنا الثالث والعشرين جميع الكنائس غير الكاثوليكية لحضور المجمع الفاتيكاني الثاني كمُراقبين، استجاب البطريرك ايشاي شمعون الحادي والعشرون للدعوة بترحابٍ، حيث أوفد الى ايطاليا مُواطنَين امريكيَين من أتباعه أحدهما كاهن والآخر استاذ علماني حضرا الجلسة الثالثة كمُراقبين عام 1964م. تجلَّت اهمية هذا الحَدَث لكونها غير مسبوقة بأن يحضر مسيحيون نساطرة مجمعاً مسكونياً منذ مجمع افسس الأول عام 431م الذي فيه تمَّ حرم نسطور وتعاليمه وكُل مَن يتبنّاها. لقد استُقبل موفدا البطريرك النسطوري ايشاي الحادي والعشرين بحفاوة كبيرة في روما، ولا سيما من قبل الأساقفة الكلدان المُشاركين في المجمع، وقد أشار الى ذلك الموفدان في تقريرهما الذي قدَّماه بلغة السورث وورد فيه إطراء بالحفاوة التي تلقياها.


بعد نكبة 1933 المشؤومة بقي اسم الكنيسة واحدا ولكن في الحقيقة كانت هناك على أرض الواقع كنيستان مستقلتان من ناحية الولاء، فالمُوالون لمار شمعون بشخص وكيله في العراق المطران ماريوسف خنانيشو، استمروا على ولائهم والإئتمار بأوامره، أما المناهضون لمارشمعون والرافضون للهجرة فكانوا يُعارضون طروحات البطريرك ويدينون بالولاء لمار ياوآلاها ولمار سركيس، ولدى وفاة مار ياوآلاها استمرَّ الولاء لمار سركيس.

                 
وكانت هناك شبه قطيعة بين الكنيسة النسطورية وفرعها في الهند في عهد المطران مار طيماثاوس حيث دَبَّ الخلاف بين مطرانية فرع الهند والسدة البطريركية ولم تلبث أن تطوَّرت الى الأسوأ في عهد المطران مار توما درمو خلف سلفه مارطيمثاوس بسبب رغبة مارشمعون الاستحواذ على واردات الكنيسة في الهند، فلم يرضخ المطران مار توما درمو لهذا الطلب نظراً لحاجة ابرشيته الى بناء الكنائس والمدارس والمطبعة التي كانت تجهز الكتب المقدسة لكل فروع الكنيسة في العالم .... لقد كان وضع الكنيسة النسطورية بجناحيها المؤيد والمعارض لمارشمعون في حالة يرثى لها، حيث كانت الكنائس تفتقر لابسط الامور من ناحية البناء والكهنة الشبه اميين والشباب والشابات الذين لا يعرفون ارتياد الكنيسة إلا في ايام المناسبات، حيث يذهبون الى الكنائس ليسمعوا ما يردده القسيس من عبارات طقسية لا يفهمون منها شيئا وينتظرون بفارغ الصبر انتهاء هذه الطقوس حتى يتناولون القربان المقدس ومعظمهم لا يعرفون معناه.


في الحقيقة كانت الكنائس النسطورية سياسية اكثر من ان تكون دينية، فكل كنيسة بقسيسها كان محسوبا على طرف من اطراف النزاع، وفي بعض المدن كانت هنالك كنيستان واحدة لمؤيدي مار شمعون والاخرى لمناهضيه ... استمرت هذه الحالة حتى عام 1964 عندما وصلت رسالة من مارشمعون والتي يامر فيها كل الابرشيات بان يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي. فكانت هذه الرسالة الرعوية الصادرة في 28/3/ 1964م بمثابة قنبلةٍ انفجرت فاهتز لهولها أركان الكنيسة النسطورية، أسفرت عن حدوث انشقاق بين أتباعها في العراق والهند. أصدر البطريرك رسالته هذه بناءً الى ضغطٍ وإلحاح من عددٍ كبير من أتباع مار شمعون الذين أعربوا عن رغبتهم في الإحتفال بالأعياد الكبرى على غِرار الكاثوليك والبروتستانت.


عارض قرار البطريرك المُناوئون له بزعامة كاهن واحد بدعمٍ من عشيرة الزعيم ملك خوشابا الخصم الأبرز للبطريرك ايشاي شمعون، وحظي موقف المعارضة بتأييد حكومة عبدالسلام عارف وأخيه عبد الرحمن، كما أيَّدها رئيس أساقفة تريجور الهندية مار توما درمو الذي كان غير موافق على اسلوب إناطة المنصب البطريركي بالصبي ايشاي بحكم قانون الوراثة. أعلن المطران توما درمو انشقاقه وبادر الى رسم ثلاثة أساقفة الواحد لبغداد والثاني للهند والثالث للولايات المتحدة الأمريكية، وأعقب ذلك رسم اسقفين واحدهما للموصل والآخر لكركوك. وفي عام 1968م عقد مار توما درمو مجمعاً اسقفياً برئاسته وأصدر المجمع قراراً بتنحية ايشاي شمعون عن الكرسي البطريركي وانتخاب بطريرك بديل عنه، فاختير مار توما درمو، ولكن الأجلَ وافاه بعد فترةٍ قصيرة حيث توفي في ايلول عام 1969م، وخلفه مار أدّي الثاني المُعيَّن رئيساً لأساقفة بغداد.


اعترف رئيس جمهورية العراق احمد حسن البكر بالكنيسة الجديدة البالغ عدد أتباعها بحدود الخمسين ألف مؤمن بما فيهم هنود من ملابار وكيرالا، وجرَّد أتباع مار شمعون الواحد والعشرين من كنائسهم وأهداها لأتباع الكنيسة الجديدة بموجب مرسوم رئاسي مُبرِّراً هذا الإجراء تحت ذريعة: < إنَّ حركة مار شمعون الواحد والعشرين وأتباعه، حركة سياسية، تُشكِّل خطراً على سلامة الدولة والمُواطنين، ولهذه الحركة علاقة بالأجنبي >.


ولكنَّ المُفاجأة غير المُتوقعة كانت تغيُّر الوضع رأساً على عقبٍ، عندما أصدر البطريرك مارشمعون الواحد والعشرون بعد مرور سنة وبالتحديد في 17/1/1970م رسالة بل وثيقة يُعلن فيها البطريرك خضوعه التام للسلطات الحاكمة في بغداد، مِمّا حدا بالحكومة الى دعوته لزيارة العراق، فنزل ضيفاً مكرَّماً عليها. وفي غضون إقامته في بغداد القى خطاباً شَدَّدَ فيه على الطاعة للسلطات العراقية، فقامت الحكومة بدورها بإعادة الجنسية العراقية إليه، كما أعادت لأتباعه الكنائس التي كانت قد أهدتها لخصومه، وتمَّ سحب الإعتراف بمار أدّي الثاني بمرسوم جمهوري صدر بتاريخ 21/5/1970م والإعتراف بمار شمعون21 زعيماً أعلى للكلدان النساطرة "الآثوريين" بمرسوم آخر.


وفي عام 1973م اجتاحت الكنيسة النسطورية عاصفة قوية هَدَّت كيانها، إذ في هذه السنة التي وصل العُمر بمارشمعون الى السابعة والستين سنة، أعلن زواجَه واستقالته معاً! تُرى كيف يُفسَّر هذا القرار الذي اتخذه البطريرك بهذا العُمر المتقدِّم ودون مُراعاةٍ لمركزه الديني العالي؟ وهنا علينا الرجوع الى خلفيته والتعمُّق فيها، فإن هذا البطريرك أرسل للدراسة في بريطانيا وهو بعمرٍ يُناهز الثالث عشر عاماً، درس في كانتيربري وكامبريج في مُحيطٍ انكليزي سكسوني، فتشبَّع بالثقافة المذهبية الأنكليكانية لكنيسة كانتيربري التي تُتيح لأعضاء إيكليروسها بالزواج بما فيهم رئيسها الأعلى. والكنائس المشيخية التي تأسَّست بعد الإصلاح اللوثري المشؤوم والذي كان في الواقع "إفساداً وليس إصلاحاً" المنتشرة في الولايات المتحدة الأمريكية حيث يُقيم، كانت تسير على نفس المنوال تقليدياً. وقد عَنَّ على فكره بأنَّ مجمع لاباط الأسقفي برئاسة برصوما مطران نصيبين المنعقد في نيسان عام484م ونكاية بجاثاليق كنيسة المشرق بابوي، اتخذ قراراً بالسماح للرهبان والكهنة والأساقفة بالزواج في حالة عدم قدرتهم على ضبط أنفسهم، وكان برصوما أول مَن تزوج براهبة. ولئن أيد هذا القرار مجمع ساليق الخامس عام 486م إلا أنَّ الجاثاليق "مارآبا الكبير 540 551م" فرض نذر البتولية مُجدداً على الأساقفة. لقد انتابت الطائفة النسطورية صدمة كبرى بزواج البطريرك، مُعتبرة إياه عملاً مُشيناً واستنكرته بشدة، كما شجبه والدُه داود وعمَّته سُرمة اللذان قاما بتدبير شؤون الكنيسة أثناء مرحلة دراسته في لندن ونشرا هذا الشجب في رسالة نُشرت علناً.


بعد هذا الحدث التأم شمل الأساقفة النساطرة في لبنان وعقدوا مجمعاً في دير يسوع الملك، واتخذ المُجتمعون قراراً بتنحية البطريرك عن منصبه وتجريده من درجته الدينية وإحالته الى حالة العِلمانية. وحدَّدوا موعداً لعقد مجمع آخر بعد 6 أشهر لإنتخاب بطريرك جديد. تملَّك البطريرك مارشمعون غضبٌ شديد من جرَّاء قرار الأساقفة الذي اتَّخذوه ضِدَّه، وذكَّرهم بأنَّ البطريرك لا يُحاكم إلا أمام مذبح المسيح (مُشيراً الى القرار الذي اتَّخذه مجمع ساليق الرابع المعروف بمجمع داديشوع المنعقد عام424م) واعتمادا على ذلك القرار تراجع مار ايشاي شمعون عن استقالته من الكرسي البطريركي، ولكي يتجنَّب الأساقفة الذين اتخذوا قرار عزله وحرمِه حصولَ انشقاقٍ آخر، أجروا مباحثاتٍ فيما بينهم، فلم يجدوا سبيلاً سوى التراجع وطلب الإعتذار من البطريرك فسامحهم، وخصَّصوا لعائلته راتباً للعيش بكرامة. في عام 1975م تنكَّر مار ايشاي شمعون رسمياً لكُل علاقة تربط كنيسته بالنسطورية. في السادس من تشرين الثاني 1975م تعرَّضَ مار شمعون21 للإغتيال من قبل أحد أقاربه البعيدين بالمصاهرة هو داود ياقو مالك اسماعيل، ولا يُستَبعَد أن دافع مُنفِّذ الإغتيال كان الإنتقام لشرف العائلة، لإعتقاده بأن البطريرك لوَّث سمعتها بزواجه الذي لم يرضَ عنه  الكثيرون من أتباع كنيسته، ولعدم وجود إبن أخ للبطريرك المغدور، فلم يكن هناك أيُّ أحد مِن أتباعه قد فكَّر في توريث منصبه لإبنه وهو طفل صغير. وقد وضع هذا الإغتيال نهاية لرئاسةٍ سُلالية وراثية احتلَّت السدة البطريركية للكنيسة النسطورية لِما يقرب من خمسة قرون ونصف القرن.


بعد اغتيال شمعون ايشاي الواحد والعشرين، قرَّر أساقفة الكنيسة النسطورية عقد مجمع في لندن عند عَرّافيهم الأنكليكان منذ أن وطئوا ديارهم في منطقة هيكاري الجبلية في تركيا. فانعقد في 14 / 11/ 1976م مجمع لإنتخاب بطريرك جديد بحضور أساقفةٍ من الهند وايران ولبنان وسوريا وكندا والولايات المتحدة الأمريكية، وتخلَّف عن الحضور أربعة من أساقفة العراق لعدم منحهم تأشيرة الخروج من البلاد. وقد لوحظ اشتراك اسقفين ايطاليين رُسما من قبل البطريرك شمعون ايشاي 21، شُكِّكَ في أمر رسامتهما بالمُقابل، بخلاف ما كان قد خطط له بعض الأساقفة بهدف توحيد شقّي الكنيسة النسطورية، فلم يُدعَ اساقفة الكنيسة الشرقية القديمة المدعوَّة بالمنشقة للإشتراك في المجمع . يُعتبر هذا المجمع أول مجمع انتخابي منذ أكثر من خمسة قرون أسفر عن انتخاب بطريرك بالتصويت، ففاز مطران طهران الإيراني الجنسية بالمنصب البطريركي واتخذ اسم دنخا الرابع خننيا. وقد عُقِد مجمع لاحق عام 1978م وغاب أيضاً عن حضوره أساقفة العراق. وفي عام 1985م تقدَّم البطريرك الجديد بطلبٍ الى مجمع كنائس الشرق الأوسط لقبول كنيسته عضواً فيه. قام مار دنخا الرابع بعد وضع الحرب العراقية الإيرانية أوزارها، بنقل كُرسيِّه الى بغداد، ولكنَّ إقامته لم تَطل فيها لأسباب غير معروفة، فانتقل للإقامة بشيكاغو في ولاية إيلينوي الأمريكية، ليكون حُرّاً في تدبير شؤون كنيسته كما قيل.


 نبذة قصيرة عن حياة ماردِنخا الرابع خننيا

ولد البطريرك دنخا الرابع خننيا في 15 أيلول عام 1935م في قرية "دربندوكيه"الواقعة بمنطقة حرير قرب اربيل في شمال العراق، ينتمي عِرقياً الى عائلة دِنخا اسقف الكنيسة النسطورية في اورميا الذي استشهد عام 1915م وهي عائلة نسطورية متدينة، أنجبت 17 اسقفاً للكنيسة النسطورية.

في عام 1957م وفي ذكرى انتقال العذراء مريم، رُسم أسقفا لأبرشية طهران في ايران، ليجلس على كُرسيِّها الشاغر لمدة 43 سنة، وهناك شَيَّد كنيسة على اسم مار كيوركيس الشهيد، ثم افتتح مدرسة دينية خاصة، بهدف تثقيف أبناء الرعية لتدب الحياة الروحية الغائبة عنهم زمناً طويلاً.

وعلى إثر اغتيال البطريرك شمعون الواحد والعشرين في السادس من تشرين الثاني 1975 في سان خوسيه، كاليفورنيا، وإذ لم يكن له إبن اخ أو إبن عمٍّ، اجتمع أساقفة الكنيسة النسطورية في لندن تحت رعاية كنيسة كانتيربري الأنكليكانية، وانتخبوا  دنخا مطران إيران ليكون جاثليقا وبطريركا للكنيسة، وتمت مراسيم التنصيب في السابع عشر من تشرين الأول عام 1976، ليصبح بذلك البطريرك الثاني والعشرين، وأول بطريرك منتخب بعد مرور أكثر من خمسة قرون على قانون توريث المنصب البطريركي من أبناء العائلة الواحدة المعروفة بـ(آل أبونا).

اتخذ دنخا من ولاية إلينوي الأمريكية للإقامة فيها فأنشأ له مقراً بطريركياً في مدينة شيكاغو عاصمتها بسبب احتوائها لأكبر جالية نسطورية، وكان من المفترض أن يكون المقرُّ مؤقتا. ولكن بالنظر لإستمرار الصراع الايراني العراقي، وعدم وضوح السياسات الداخلية في العراق، إضافة الى حرب الخليج والعقوبات التي فُرضت على العراق. أدَّت هذه الاحداث المتسارعة الى زيادة هجرة النساطرة، بحيث ارتفع عددُهم في الولايات المتحدة الاميريكية من ثلاثة آلاف الى خمسةٍ وثلاثين ألفاً عام 2008م حسب التقديرات، فيما تشير تقارير أخرى الى هروب عددٍ لا يتجاوز العشرين ألفاً بين عامي ألفين وثلاثة وألفين وتسعة. أمّا خلال السنوات الأربع الاخيرة، ونتيجة الأحداث في سوريا والعراق، وبخاصة ما تعرّضت له قرى الخابور في الشمال السوري فإنّ نسبة النساطرة المهاجرين الى الولايات المتحدة الاميريكية والدول الاوروبية واستراليا خفَّضت من وجود بقيتهم في هذين البلدين.
 
بالرغم من قيام البطريرك النسطوري في عام 2005م بإجراء محادثات مع الرئيس الكردستاني مسعود البرزاني حول عودة المقرّ البطريركي الى شمال العراق وبناء مقرّ جديد في عنكاوا، إلا أن تلك المُحادثات لم تُسفر عن واقع ملموس على الأرض وقد قيل بصدد ذلك بأن البطريرك عَدِل عن الفكرة مُفضِّلاً أن يكون مقرُّه في الخارج ليكون حراً في تدبير شؤون كنيسته.

ومن بين مهام البطريرك دِنخا الثانوية لذر الرماد في العيون تحرّك نحو توثيق العلاقات مع مختلف الكنائس، ولا سيما مع الكنيستين: كنيسة روما الكاثوليكية الأم والكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، فقام بزيارة الفاتيكان عام الف وتسعمائة وأربعة وتسعين  والتقى بالبابا يوحنا بولس الثاني،  ووقع الطرفان البيان الكريستولوجي المشترك الذي شكل حجرًا أساسيًّا في المسيرة نحو الشركة الكاملة، ولكنه بقي حبراً على ورق لعدم تطبيقه من قبل الكنيسة النسطورية والسبب لم يُعلن ...

في عام ألف وتسعمئة وستة وتسعين وقّع البطريركان مارروفائيل الأول بيداويذ بطريرك بابل على الكلدان ومار دنخا الرابع البطريرك النسطوري اتفاقية تعاون نصّت على الشركة الافخارستية بين الكنيستين.

وفي خطوة إضافيّة في مسيرة القرب والشركة الروحية بين الكنيستين الكاثوليكية والنسطورية، زار دنخا الرابع الفاتيكان في تشرين الاول من العام المنصرم والتقى بالبابا فرنسيس، ولم تُعرف النتيجة؟

ورغم أنّ ماردِنخا عاش لعقود أربعة في الولايات المتحدة الاميريكية إلا أنّه لم يتوانَ يوما عن الدفاع عن حقوق الكلدان النساطرة المنقلبين اعتباطاً الى "الآشوريين"في أواخر القرن التاسع عشر بهمة وجهود بعثة التبشير الأنكليكانية الإنكليزية التي حرَّضتهم لتبني التسمية الآثورية في باديء الأمر بدلاً عن تسميتهم الأصيلة"الكلدان النساطرة"وبمرورالوقت وقبل نهاية العقود الأخيرة من القرن العشرين استبدلوا الآثورية بالآشورية، وكان المرحوم دِنخا الرابع أشدَّ المُغرمين بها الى حدِّ التزمُّت رغم زيفها، ويضعها في المقدمة عن مسيحيته! حيث لم يدع فرصة أو مناسبة ليتغنَّى بها ويشمل الكلدان والسريان ضمنها بجسارةٍ لا مثيل لها.

وفي السادس والعشرين من آذار 2015م تُوفي البطريرك النسطوري ماردنخا الرابع خننيا، بعد بطريركية طويلة دامت 39 سنة، وتميّز كزعيم عشائري وقائدٍ للجماعات النسطورية الوافدة الى العراق عقب الحرب العالمية الأولى التي خسرت قبلها وخلالها ما قُدِّر بنصف عددِها، فاضطرَّ خادعوها الإنكليز ومُسَبِّبو خسائرها ترحيل بقاياها الى العراق المُنتدب من قبلها، وفي العراق تعرَّضت لمأساة نتيجة للكارثة التي حلَّت بها في بلدة سِمّيل وضواحيها عام 1933م. وفي الثامن من نيسان 2015م تَمَّت مراسيم دفنه من كاتدرائية القديس مار كيوركيس للنساطرة في شيكاغو – إلينوي، ليتقبَّله الله برحمته الواسعة.
الشماس د. كوركيس مردو

4


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخامس والخمسون
« في: 08:19 20/03/2013  » مذكرات اغا بطرس .. الجزء الخامس

اعزائي : ساكون انا في مقدمتكم كاحد رعايا بريطانيا العظمى، ولكن هي نفسها لم تقبلنا من رعاياها . لتقبلنا من رعاياها ونحن في ديارنا!  فهذا ما يسرنا ونرنو اليه لان بقاءنا تحت سيطرة الاتراك والاكراد والايرانيين سيعرضنا للمذابح في المستقبل وانا متاكد من ذلك، لان جماجم المسيحيين تبيَضُّ ( جعل اللون ابيض ) في كافة الاصقاع في آسيا، فنحن اصحاب النكبات والشهداء . والآن المذابح في صفوف المسيحيين ليست كالسابق لان القتلة سيطروا على كل شيء من الاراضي والممتلكات وغيرها واصبحوا هم الاصحاب الشرعيين لها بدلا من انزال القصاص بهم على افعالهم وجرائمهم . وهناك مسلمون لا زالوا يتأسفون على نجاة ما تبقى من المسيحيين من مذابحهم لان شعارهم دائما هو "اقتل المسيحي واستحوذ على كل ممتلكاته" . فقيسوا على ذلك، هل نستطيع العيش كرعايا بينهم  في نفس الوقت الذي تنسحب فيه القوات الاوربية وتدعنا لوحدنا ؟؟

والان ناتي الى ما قيل باني كاثوليكي... اجل هو انا كذلك وساكون على ما تربيت عليه وليس هنالك حرج ولا خطيئة في رسم اشارة الصليب من اليمين الى الشمال كما يفعل النساطرة ومن الشمال الى اليمين كما يفعل الكاثوليك. انني اؤمن بالثالوث المقدس وفي حالة الشدة والضيق التمس من المسيح فيستجيب لي. وفي الاخرة واذا كانت هناك حياة ثانية فقط هناك جنة ولا وجود لجهنم لان الانسان ينال قصاصه على هذه الارض. والله يعلم ما يحدث على الارض قبل حدوثه وما سيكون باستطاعته منع الشيء قبل وقوعه وصيرورته.

وكل شيء خارج ارادته لا يكون، وحتى ورقة من شجرة لا تسقط  الا بارادته . وطقوس الآباء والمواعض تقول التراب للتراب والروح لمن وهبها. والمسيح يقول عن الجسد بانه هيكل الروح المقدسة والروح التي كانت على طريق الخلاص لا خوف عليها، ونحن كذلك تتهادى اليه ارواحنا بعد الموت بعد تقبلها القصاص على هذه الارض جزاء خطايانا الكثيرة . واذا اثواني الله في الجحيم ان وجد ساقول له يا مولاي: اذن لماذا خلقتني لبعض السنين وتركتني افعل ما فعلت وانت قادر على منعي وكل شيء كان بعلمك والان تجعلني اصطلي بالنار في الجهنم . والان اترككم انتم وايمانكم !

يلومني البعض بانه كان في نيتي القيام بالسيطرة على اورميا قبل الوصول الى موطن عشائرنا ومن هناك الانحدار الى الموصل. اجل لقد كانت خطتي السيطرة على اورميا اولا وللاسباب التالية:

1)   كنت اعلم بانه في حالة العودة الى الى ديارنا في هيكاري ستجعل جميع ابنائنا ينهمكون في الاعمار والبناء وفي مشاغل اخرى يصعب علي في مثل تلك الحالة تشكيل قوة قتالية منهم لايصال ابناء اورميا الى ديارهم .

2)   كنت اراقب تحركات سمكو وهو يستعيد قوته وافكر بسحقه قبل فوات الاوان وبغير ذلك سنلاقي صعوبة في دحره .

3)   اورميا هي المكان الوحيد الذي استطيع جمع الذخيرة منه ومن الاماكن المحيطة به لحماية قواتنا وعشائرنا.

4)   لوقوع اورميا في زاوية مملكة ضعيفة في قواها العسكرية عكس الاماكن الاخرى الواقعة في قلب العرب والاكراد الذين يتمتعون بقوة اكبر واشد .
5)   من خلال رصدي لاحوال ابناء اورميا اكتشفت بانهم سيتشتتون مكرهين في اقطار اسلامية اذا لم يتم اعادتهم الى موطنهم.
6)   ممكن السيطرة على اورميا وايران لا تستطيع تحريك ساكن، وخاصة اذا عاملت اهاليها الاسلام معاملة طيبة. وكان بامكاني دخولها قبل سمكو لو لبت اميركا طلبي بسرية من المقاتلين.

7)   لعدم تقرير مصير اورميا وعائديتها بين ايران وتركيا وكنت على اطلاع واسع دائما على ما يجري بخصوصها في الخفاء والعلن لفصل اورميا والحاقها بالموصل.

في كثير من الاحيان كنتم تتخوفون من ان اورميا تابعة لايران ولا فائدة من الكفاح من اجلها ولكن ليس معلوماً لمن هي للاتراك ام للايرانيين :

اليكم ما كتبه الممثل البريطاني بهذا الصدد لحكومة لندن:

1)   ان شمال غرب ايران لم يكن تحت سيطرة الايرانيين .
2)   لقد كان يدار من قبل السلطات التركية وكان للاتراك قائمقام في كل من ( سولدوز وعوشنو وبرادوست وماوانا ) ولو سيطرنا نحن على تلك الاماكن لم يكن في مقدور الايرانيين عمل ايِّ شيء تجاه المسيحيين آنذاك.

3)   والآن سمكو هوالذي يسيطر على اورميا في الوقت الذي كنا اقوى منه. وكونوا على ثقة لولا خيانة ابناء اورميا انفسهم باشاعتهم البلبلة والاضطرابات والتاثير على خطتي والانحياز الى جانب العدو لكنت الآن في اورميا منذ زمن وايران نفسها لم تكن تتكبد الخسائر التي وقعت والدماء التي اريقت وفي حالة سيطرتي على المدينة ما كان بمستطاع ايران اخراجي من هناك. وفي النهاية بنو اورميا اسقطوني وهكذا اورميا سقطت. وبالرغم من كل ما حصل سيكون امل العودة الى هناك يعيش معي ما حييت وثقتي بالله، بانه سياتي يومٌ اوجه لكم رسائلي ودعواتي من هناك ، وان الذين عملوا على احباط مخططنا واصبحوا سببا لموت بني قومي وتشتتهم سوف لن نعفيهم من المساءلة. ومهما حصل ايها الاخوة فليكن ما اردتم وما دعوتم انتم اليه وهو الذهاب الى هيكاري قبل اورميا اليس كذلك؟ وقد قبلنا ذلك ادعوكم للوحدة في هذا الظرف الدقيق. هلموا للعمل الموحد اذا كنتم قوميين حقيقيين وليس مخادعين.

يا الهي كيف كنتم تدرجون اسمي في صفحة الذين سببوا الموت لامتهم .. كيف كنتم تلقبونني بالمخادع .. الله يدين كل من يستطيع تقديم الخدمة لامته ولم يفعل .. ولعنته على كل من يتعاطى اساليب الخداع والمكر .. وقلتم عن استصحابي لعائلتي معي الى اوربا بانه عمل خياني . طيب ماذا كان علي ان افعل وانا منفي في فرنسا ؟

هل من الانصاف ترك عائلتي في ميدان المعارك ؟ وهل ترون في ترك زوجتي واطفالي بينكم شيئا محببا اليكم ؟ لقد فعلت هذا لما كنت مشغولا في القتال بفتح الطريق الى ساين قلعة حيث تركت العائلة لوحدها بلا معين فكان الحل بقيام والدتي وزريفة خانم بحرق بيتنا لئلا يقع بيد الاعداء. كما حدث في سلامس مما جعلها تواجه معاناة كبيرة في عملية الانسحاب التي جرت في اورميا واطرافها ولم تصل الى همدان الا بصعوبة بالغة واتصور لوفعلت العكس باخذ عائلتي معي وانقاذها لوحدها من براثن العدو وافتعلت لكم بعض الاعذار والاكاذيب لصدقتموني واحببتموني اكثر وهناك من فعل ذلك. ظننتم باني تخليت عن واجباتي تجاه امتي كانني لم اكن ذلك الذي انقذ حياة اهاليكم في اورمي. وعجبي كيف تسدلون الستار على تلك المهام التي قمت بها وتبدلون الخير بالشر؟ وهكذا تفعلون بالنسبة الى القس يعقوب السيري وجودت خانم التي ضحت بحياتها لانقاذ مئات الاسرى من ابناء امتكم .

الكثير منكم قالوا بانني و( ملك خوشابا ) ذاهبان لنكونا من رعايا الايرانيين . لعمري انها من الطرائف المضحكة هل رايتم يا قوم ابناء عشائر اصبحوا رعايا ؟ هل يمكن لوي الخشبة اليابسة ؟ هل للرعايا مدافع ورشاشات واسلحة؟

« في: 06:09 26/03/2013  »  مذكرات اغا بطرس .. الجزء السادس

هناك شعار أثير مليء بالامل لامتنا وهو ( الوحدة). يتبجح به الادعياء من ( فلاسفة آتور لهذا القرن الذي يفيض علمهم
!!!!! اكتشفوا هذه الخدعة لتضليل البسطاء والاغبياء من ابناء امتنا واهمين بان دعوتهم هذه سيكون لها وقع طيب في اوساط الناس لانهم سئموا من القبلية والنقاش بها وستتوجه اليهم الانظار ويحاطون بالمحبين و(الوحدويين) وهكذا يتم الالتفاف حولهم واغداقهم بالدعم المادي والمعنوي كما يتصورون. ايها الاخوة: هناك من يقرأ ومن يصيح في اسماعكم ( الوحدة ... الوحدة) . طيب لماذا لا ينظمون شيئأ بذلك لتقام عليه اسس التوحيد..؟؟ اني ابين لكم بان الزعيق حول الوحدة وشعارها من قبل هذا النفر الضال ليس من ورائه سوى الهدم وتفريق الصفوف والدليل على ذلك هو انه لم ينظم شيئ لحد الان بهذا الخصوص. كي تفهموه وتأخذوا به ولم يكن في نواياه سوى الشهرة وجمع المال. ليس في دأبه الا الدخول في صراعات مع بني قومه. هل يصدق ما يرجفون بان جميع رؤساء الامة ووجهائها وكبار العوائل والبيوتات والاساتذة والمتعلمين خونة ؟؟؟؟ ومنهم (ملك خوشابا التياري) (ملك خمو الجيلوي) (ملك هارون الاشتيزازي) (ملك خمو البازي) (ملك خمو التخومي) (ملك بنيامين البرادوستي) (ملك حيدو التركاوري) (كابتن شمعون البوتاني) (ملك ايوت البرواري) (مرزا اليشاع الكاوري) (ابو شموئيل خان الماواني ) (كارنل اغاسي السولوزي) (الرئيس سليهان السلامسي) (القس ابراهيم مورهاج) (القس اسحاق ملك) (حاكم اسكندر خان الملقب شاموئيل) (اغا لعازر) (ايليا بيرا مرزا) (الشماس بابو) واخيرا (بطرس ايليا البازي) كلنا اعداء لامتنا والمحترمون (بنيامين ارسانس) (والقس موشي) (والاستاذ اندراوس الديكالي) (والاستاذ اونير لاجين) (وحكيم شموئيل ارمودكاجي) الذي سلم الامة للاتراك بشهادة القس يوئيل وردة، هم منقذوا الامة وابناؤها البررة ؟ كلا هم الذين اشعلوا النارفي الاكباد وتآمروا على هذه الامة واذا لم تفقهوا هذا فلا فائدة مرجوة منكم.
اتذكرون يوم قام (مار طيماثاوس)اسقف الملبار مع (سورما خانم ) بزيارة (مار عمانوئيل) بطريرك الكنيسة الكاثوليكية سنة 1919م في بغداد وعرضا عليه الاتحاد. الم يرحب هذا الحبر الجليل بهذه الفكرة..؟ ليقول لهما بالحرف الواحد (اذا اردتم توحيد الطقس الكنسي ناتي بالطقس النسطوري والكلداني ونراهما مع مراعاة الزيادة والنقصان ثم نوحدهما واما اذا قصدتم توحيد الامة فهذا من واجب العامة، فعلى الرؤساء من كلا الطرفين الاجتماع والقيام بانجاز هذه المهمة التاريخية وانها خطوة هامة جدا في هذا الظرف. واما مسؤليتنا تقتصر على القضايا الطقسية والمذهبية فقط). لم يكن لجواب البطريرك (عما نوئيل) وقع طيب عند الضيفين فغادرا خائبين. الا ليت كل البطاركة والذين باسم البطريرك يبذرون الشقاق في الامة ينحون نحو الاتحاد القومي وليس تحت رئاسة شخص واحد ولكن واقع الحال هو كل يرضى عن نفسه ويلغي ألآخر . واذا كان الامر كذلك عند وجهاء القوم فكيف بالنسبة لعامة الناس .

اكون مسرورا اذا انبرى احدهم ممن يقرأ هذا الجزء من رسالتي ويسأل من الذين لا زالوا يتبجحون بشعار الاتحاد عما اذا كان هذا الاتحاد تحت رئاسة شخص او يكون اتحادا قوميا عند ذلك سيأتيه الجواب المحير....

ليكن تحت لعنة (318 ) ألآباء على كل من يسعى لوضعنا تحت الوصاية او الحاقنا بتبعية وعلى كل من لم ولا يناضل من اجل حرية الامة وعلى كل من لا يقبل السنهادوس نقطة بنقطة وكل من لا يريد الحرية والحكم الذاتي لامتنا واللعنة على الدجالين وألآفاكين وعلى من يفتري على اخيه وعلى من حاول ابتزاز اموال هذه الامة الفقيرة وعلى الذي عمل من اجل مصالحه الخاصة وعلى الذي يقرأ الحقيقة باطلاً والباطل حقيقة وكان دائما مبعث التشتت والتفريق من اجل مصلحته الخاصة وعلى كل من لا يسخر كافة امكانياته وطاقته من اجل تحقيق وحدة الامة ونيل حقوقنا في الحكم الذاتي ....

اخواني اني ألآن اقيم في باريس وعنواني هو (جراند هوتيل ) وسأكون مستعدا دائما وبكل سرور الاجابة على كل سؤال يردني منكم ويسعدني جدا اذا اوفدتم احدا للاستيضاح عن كل الملابسات والغوامض التي ترونها والطريق يستغرق اثني عشر يوما .

كما ويسرني ان ازف لكم بشرى بوجود ثمة امل في حصولنا على الحكم الذاتي وذلك في مسعى القنصل الروسي (نيكيتين) والدكتور(كوشول) رئيس اللجنة الطبية في اورميا اللذين يعملان بجد من اجل هذا الهدف.

كل منهما كتب عن امتنا واشار الى الاهمية القصوى لمنحها حكما ذاتيا، اكتبوا لهما شاكرين جهودهما. وطلبي منكم هو أن تتجاوبوا معنا وتستجيبوا لدعوتنا في المجيء لمساعدتنا او في ايفاد من هم اهل لذلك كي ننجز هذه المهمة وهذا البناء الذي سيقوم على جماجم آلآف الضحايا من ابنائنا البررة ... عجلوا بذلك انه الاوان والظرف مناسبٌ ونحن هنا قمنا بتشكيل لجنة للعمل من خلالها للحصول على الحكم الذاتي للكلدو آشوريين يكون على خارطة تمتد من بحيرة (اورميا) شرقا الى جزيرة (بوتان) غربا ومن (باش قلعة)شمالا حتى (الزابين ودجلة )جنوبا . واما تحت وصاية اي دولة يكون هذا الكيان فذاك ليس في علمنا ولا في ايدينا. لقد علقنا الامال على (اميركا) ففاجأتنا بأنها لن تتدخل في شؤون الشرق الاوسط حسب زعمها .
 واعتمدنا على الانكليز فتخلوا عنا. واليوم املنا في فرنسا فاذا خيبت آمالنا هي الاخرى سنبحث عن دولة اخرى تقبل بهذه الوصاية. ابناؤنا اليوم لا فهم لهم ولا دراية في الامور السياسية فهم يتصورون بان زمننا لنا وزمام امورنا بايدينا ولكن واقع الحال هو ان الامور بيد الدول التي في يدها مقاليد السياسة وهي لا ترضى اليوم ان تكون وصية علينا ولم يبقَ لنا وصي الا الله وحده وكل من يستطيع اقناع دولة لتكون وصية علينا بعد انبعاث كياننا في حكمنا الذاتي .

بهذا كل من يستطيع اقناع احدى الدول سنخلد اسمه بحروف من ذهب في سفر وتاريخ امتنا وسنكون امناء له ولتلك الدولة بعملنا واخلاصنا.

هلموا ايها الاخوة فالميدان لا زال رحبا والباب مفتوحاً امامكم . لما كنت في بعقوبة طلبت مساعدة من الانكليز في همدان ولم يلبوا طلبي. وطلبتها من اميركا فتذرعت بآلآف الحجج فبقيت اعمل بمفردي واتفانى في سبيلكم وانتم تشيعون عني بانني اعمل لمصلحتي الخاصة. تركتموني لوحدي ... عملت كاتبا وسياسيا وعسكريا وتحت هذا الحمل الثقيل وانتم تتعقبون اي زلة قدم مني لكي تلومونني. اتقوا الله يا اخوتي وانصفوا في حكمكم ونواياكم وانزعوا الانانية من نفوسكم وتحلوا قليلا بنكران الذات اسوة بالقسيس الوقور (داود يوحنا التخومي) الذي يضطلع بمهام جسيمة في درب النضال مع لفيف من اقرانه النجباء من اجل الحكم الذاتي للكلدواشوريين وهم:

1 . السيد روستم نجيب مدير الجمعيات الكلد اشورية في مجلس السلام
2. السيد الدكتور خياط احد وجهاء بغداد
3 .السيد الدكتور شمعون ملك دخربوت
4 .السيد القس داود يوخنا التخومي
5 . السيد آرام ابلحد مبعوث من جمعية السريان في اميركا
6 .السيد بروفسور سركيس الجزراوي
7 . السيد يوسف قهرمان الاورمي
8 . السيد حاجي كوركيس الموصلي
ويسرني جدا رؤية أكثر من آثوري وكلداني يحتل مكانا في هذا التجمع لنسير جنبا الى جنب نحو تحقيق الهدف في الوحدة القومية والحكم الذاتي. واؤمن بان وقوفكم الى جانبنا في هذه الظروف ولمدة ثلاثة اشهر إن توقفتم عن المهاترت والدسيسة وساعدتمونا قليلا سيمكننا من تحقيق هدفنا المنشود ........ بطرس ايليا . والى الجزء السادس والخمسين قريباً
الشماس د. كوركيس مردو

5
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع والخمسون
مذكرات القائد  البطل اغا بطرس

باريس 4 : كانون الثاني : 1922 .......... كراند هوتيل
« في: 07:30 27/02/2013  »

ولأهمية رسائل القائد الشهم والبطل القومي الموقَّر أغا بطرس المُتفاني في خدمة شعبه والساعي القوي الى إسعاده والحفاظ على كرامته، ونظراً لصحة ما ورد فيها ومصداقية كاتبها في فضح خصومه الذين أكلت الغيرة قلوبهم، واستعر الحقدُ القاتل فيها نتيجة التعصُّب المذهبي المقيت، رأيت من الضرورة أن أعيد نشرها تباعاً وبتصرُّفٍ صياغي دون الإخلال بالمضمون كما اعتدتُ في نشر الأحداث في الأجزاء ااتي تقدمَ نشرُها نقلاً عن ناشرها الهُمام السيد بولص يوسف ملك خوشابا الذي يطيب أن  اوجِّه إليه أصدق تحية مؤيداً مِصداقيته ونزاهته.
الشماس د. كوركيس مردو
الجزء الاول
المحترمون والاجلاء كبارا وصغارا الفقراء والاثرياء من بني قوميتي الاشورية المشردين في كل زوايا العالم . محبتي وسلامي الحقيقيان لكم جميعا. لتكن سنتكم الجديدة مباركة وسعيدة عليكم واسأل الله ان يجعلها فاتحة خير لكم للعودة الى موطنكم الحبيب لكي ينتهي اغترابكم والعذاب الذي انتم فيه امين.
سادتي الاحبة :

الحقيقة اتأسف ان اصرفَ من وقتي هذه الدقائق في الكتابة لكم بخصوص الادانة الصارمة والصادرة منكم ضدي وبدون اي اساس. اود اعلامكم بان هناك عادة اصلية لديَّ، وهي انني لا اكترث ولا انزعج حتى اذا رُجمت ( بظم الراء ) بما هو حق . لكنني استاء جدا وانزعج من الكلام المفبرك المنطوي على التهم الباطلة والكذب الذي برجمونني به. وانا على يقين بانكم جميعا ليس هناك واحد منكم قد تعايش معي او رافق مسيرة حياتي كي يستطيع ادانتي كشاهد عيان على ما يقوله عني في هذه الايام، أليس كذلك ؟ كان يجب ان لا اكتب لكم لان امثالكم هم الذين قتلوني حقا وقد قلتم الكثيرَ من الكلام المضحك عني ومن الاباطيل العارية عن الصحة. ولكنني واثق بانه لو انكشفت الحقيقة للكثير من الذين خُدعوا او غُرِّرَ بهم سيضربون الركبتين ندما على ما جنوه علي. وثمة اصدقاء يَدَّعون باستلامهم رسالة من لندن تقول وللاسف الشديد لقد وعد اغا بطرس لجعل امتكم كاثوليكية، ومنح وساما من البابا تقديرا لذلك المسعى وهذا الذي ادى الى فقدان القوات الانكليزية ثقتهم بامتكم .

اولا : إذا وعدت بجعل امتي كاثوليك! ... لمن وعدت بذلك ؟ اني اقسم لكم بكل المقدسات بانه ليس هناك اي تعهد بهذا الشأن شفهيا كان او تحريريا . حقا انه غباء وافتراء متقن من اعدائي ومن اجل مصالحهم الشخصية .

ثانيا : اما بخصوص الوسام الذي قبلته من سيادة البابا...  اقول اللعنة علي ان كنت تقبلتُ هكذا وسام ولكن اؤكد لكم بانه في سنة 1904م سافر الراحلُ مار توما اودو الى روما ولدى عودته جلب معه ثلاثة صلبان هدايا قدم واحدا منهم الى رمزي بك سفير تركيا في تبريز، والاخر لاسكندر افندي ابن المرحوم حاجي داود، والاصغر قدمه لي وانني اعلم بانكم لا تقصدون هذا الوسام وانما تقصدون وساما اخرَ جديدا واكرر: لأقع تحت اللعنات ان قبلت وساما من قداسة البابا . غير انه في الثاني عشر من تشرين الثاني 1921م سافرت الى روما وهناك منح لي ولمن كان معي من ابنائنا الضباط وسام صليب مار كروكوريوس. واذا اعتبرتم التقرب من روما نوعا من المهانة، اني اقول لكم بأنَّ ذلك خطا جسيم يعود بالضرر على الامة، لانَّ وضعنا اليوم كالغريق الذي يتشبث بكل ما تطول اليه يده! ايهما افضل صداقتنا مع قداسة البابا ام عداؤنا ؟ الا ترون الدول كيف تقيم وزنا للعلاقات الدبلوماسية وتنفق على ذلك مبالغَ كبيرة في فتح السفارات في روما والفاتيكان؟ يا ترى كل هذه الدول على ضلال ونحن على صواب؟ وهل كان سيِّئاً ما فعله البابا عندما اوعز للكاردينال جسبري المسؤول البابوي للشؤون الخارجية بان يكتب لامريكا وانكلترا وفرنسا والى مؤتمر السلام يحثهم بوجوب اعطاء الحكم الذاتي للكلدو آشوريين ؟ ام سيئا كان لَما قلد ابناء امتكم اوسمة رفيعة تقديرا لهم؟ هل في علاقتنا مع 300 مليون مسيحي كاثوليكي في اميركا واوربا وكسب ودهم ودعمهم لنا فيه شيء من الخسران ؟ وهل يحق لنا في هذا الظرف العصيب ان ندير الظهر لكل هؤلاء ؟ الا تقولون ان بريطانيا فقدت ثقتها بالاشوريين لسيرهم وراء اغا بطرس الى الحضرة البابوية؟ فمن هذا نستنتج بان القوات البريطانية هي عدوة للبابا؟ ولكن العالم كله يعلم بانه ليس هنالك فرق في المذهب لدى بريطانيا. ولا يخامرني شك بان الرسالة المرسلة من لندن ليست من جهة عسكرية او سياسية بريطانية وانما هي من جهة واحدة عدوة . وبعض الاصدقاء يقولون بان غلطتي كانت بنفس غلطة نابليون والقصد من ذلك انني ركبت راسي مغرورا بدافع الانانية والشهرة . فيما يخص الانانية اقول اذا كنت من الانانيين كيف طالبت الروس والفرنسيين بمنح الاوسمة لكل الضباط معنا وطالبت بريطانيا والامريكان بزيادة عدد الاوسمة للاشوريين ولكنت سعيت لنفسي فقط كي اميز نفسي عن الجميع واليوم كل انسان يسعى من اجل كسب المال وانا ايضا كنت استطيع ترك الامة والسعيَ وراء المال .......
اقدم شكري للاستاذ الشماس بنخس خوشابا على اجادته في ترجمة هذه المذكرات القيِمة التي تكشف كثيرا من الامور وبخط يد قائد العصر اغا ب
« في: 10:08 03/03/2013  » حتى لاننسى : مذكرات اغا بطرس ...

الجزء الثاني
  اما عن صفة التعالي التي تقال عني اترك الرد عليها الى كل من عرفني عن كثب وعهد تواضعي في مجالسة الصغير والكبير على حد سواء، ولمس عطفي ومعاملتي لليتيم والمسكين. اما ما قيل عن الركض وراء السمعة،  مَن هو مَن لا يريد ان تكون له سمعة جيدة واسم لامع ؟  ولكنَّ هذا يتم الحصول عليه من خلال العمل. وفي شبابي في اميركا ومثلكم كان لدي اسم مميز!  والان لما مكنني الله من سحق القوات التركية الظالمة وساعدني على فتح الطريق بين نيران مدافع ورشاشات الاعداء وانقاذ بني قومي اصبح لي اسم اخر؟... سبحانك يا رب. والبعض الاخر يقول دفعت بالالاف من المقاتلين الاشوريين للموت من اجل تعليق وسام على صدري ومن اجل ان يصفقَ لي . اني اتساءل في خدمة اية دولة وضعت القوات الاشورية من اجل وسام او نجمة؟ هل قاتلت بها الى جانب اليونان ضد تركيا او بالعكس؟ هل وضعتها في خدمة الفرنسيين ضد العرب وبالعكس؟ وكم نوطا تقلدت لحد الان مكافأة لي لوضع الاشوريين في خدمة دولة معينة ؟ الى اي الأقاصي اخذت القوات الاشورية؟ كيف وان حصلت على الاوسمة بدماء الالاف منهم ؟ اجل .. اجل .. تذكرت .. لقد كان هذا في معركة نهر برندوز لما قتلت 1700 تركي واسرتُ طابورا منهم وقدمتُ لقاء ذلك 14 شهيدا ومعهم رئيسهم ( كشو كركانايا ) فهل هذا بكثير ؟ وهناك تخريجة اخرى تقول: في الحملة الاخيرة تسببتُ في قتل وفقدان وغرق الكثيرين. في الوقت الذي لم تكن خسائرنا في تلك المعارك اكثر من 17 شهيدا وجميعهم مدونة اسماؤهم وقراهم وعناوينهم . هل هذا العدد يُعَد من الضخامة امام عمليات عسكرية تقوم بها من الموصل الى اورميا ؟ واي عمل عسكري بهذا الحجم لا يقدم المئات ؟ نحن قدمنا 17 شهيدا في حرق 382 قرية وقتل 5400 فرد من العدو وطهرنا اغلب كردستان منهم. ترى هل هناك قتال دون سفك الدماء ؟ وهل تستطيع صيد السمك بدون ان تتبلل ملابسك ؟ يا الهي هل كان هناك جنرال ارحمَ مني على مقاتليه .. اسمعتم جنرالاً يبكي على فقدان جندي؟ الم ادفع من جيبي الخاص 700 تومان لاعتماد الدولة الايراني لوضع احد الدراويش في فوهة المدفع عقابا له لقتله احد الاشوريين والذي كان اسمه ابدال في موقع بكلر بكي؟ الم اكن انا الذي قدمت حياتي وحياة عائلتي ومعارفي من اجل خدمة الامة واليوم اصبحت عدو الاشوريين ؟ وانتم من بعيد تطيرون كما يحلو لكم من الكلام المنطوي على التشفي وانواع المماحكات حتى اصبحتم انتم محبيها ومنقذيها ؟ فالوجه ليس مغلفا كي لا يستحي فكل انسان يستطيع الكذب ولكن على المرء ان يستحي لما ينكشف كذبه. تقولون انني سببت ازعاجا لاهلنا لاجل ان يصفق لي او طمعا بكسب الثناء لنفسي . لاية دولة سافرت لاستقبل بالتصفيق والاهازيج ؟ الم يكن في علمي بان صورتي الشخصية تباع بليرة في اسطنبول واماكن اخرى؟ الم يكن بمقدوري الذهاب الى بعض الدول وجمع اموال كثيرة كما انتم تفعلون؟ لكن هذه ليست من شيمتي ولا يشغلني شيء غير امتي التي أعتبركل ملك الدنيا لا شيء بدونها . اجل صفق لي فعلا والتقطت لي صورٌ ونثرت فوق راسي الزهورُ وتراصف على طريقي تلاميذ المدارس ينشدون الاناشيد، واستقبلني الناس باكاليل الغار لما عدت من سحق الاتراك واقتحام قلعة جارا وألم انقذ  حياة المسيحيين يوم عدت من اخذنا بثار سيدي مار بنيامين شمعون ويوم فككت الحصار عن عائلته وعن اخرين من الاشوريين وانقذتهم من الابادة في سلامس حيث كانوا قاب قوسين او ادنى من الموت وكذلك فعلت في خوي. اروني اذا في اي مكان زججت بالقوات جزافا؟

كفاكم خداعَ انفسكم وخداع امتنا بالاكاذيب! فلقد الحقتم بنا الدمارَ باشاعة الشغب واليأس في صفوف ابنائنا وتاليبهم على كل من يعمل باخلاص لهم ويفتديهم.  لياخذكم الله بجريرتكم ويلقي الصدع والاقتتال بينكم لتكون لكم اخبارٌ جديدة تُفرح السماسرة والاغبياء.  ومن الاخوة من يسالني عن صحة محاولتي لاخذ بني قومي الى سوريا... رغم اني لا اجد ضرورة للاجابة على مثل هذه التقولات الباطلة والاراجيف المفضوحة، ولكن لنرى الى من صرحت او كتبت بذلك ؟ وماذا لي في سوريا ؟ دار ؟ بستان ؟ قرية ؟ حقل ؟ او اقارب ؟ هل هي كلفورنيا ام كندا ؟ اليس هذا البلد الذي يعيش فيه الحفاة والاعداء؟. ..... اعزائي اقسم بالله الحي القيوم، باني في هذا البلد الاوربي فرنسا اغالب التفكير الممض في مصير امتي ولازلت احيا في امل الرجوع الى الوطن وقد عكست هذا على المسؤولين الفرنسيين اما الذهاب الى سوريا ليس الا غلطة سخيفة ومن الاكاذيب المتفنن بها . تلومونني على هواكم وتسمونني بالمتقلب .. اجل اقر بهذا التقلب حيث كنت بالامس قنصلا تركيا وفي الغداة اصبحت روسيا وانقذت امتي من سيف الخونة الكرد والتُرك والايرانيين، وبعدها انكليزيا عند وصولنا  الى بيت نهرين ,, كنت ولازلت اتطلع للتقرب من اية دولة لها الاستعداد لتقديم العون لامتي وانقاذها من مازقها فقد اصبحتُ تركيًا وانقذت القرى المسيحية في منطقة اورميا وسلامس ومِلتُ الى جانب الروس لما وقفوا الى جانبنا ومدوا لنا يد الحماية وامدونا بالسلاح وبمختلف انواعه ثم اصبحت انكليزيا لما نزحنا الى العراق وتولى الانكليز حمايتنا ...
« في: 09:32 07/03/2013  »
حتى لا ننسى : مذكرات اغا بطرس ..
الجزء الثالث
ملاحضة : الى القراء الاعزاء سوف تجدون بعض الركاكة في بعض الجمل والتعابير نتيجة الترجمة الحرفية من السريانية الى العربية وهذا ما توخيته للامانة التاريخية ولكنني ساوضح ما يصعب فهمه بتوضيحات محصورة بين قوسين بدون التعرض للنص الاصلي ...

اقتباس : اقولها من باب الافتراض . حتى لو تقدمت الصينُ او اليابانُ بعرض المساعدة لبني قومي لقبلتها واصبحت منهم . ترى ماذا بوسع المرء ان يعمل في مثل تلك الظروف... كفاكم قذفاً وطعناً بالبازيين ايها الاخوة. البازيون ليسوا ممن يسعون الى الشهرة ولا هم يطوفون في الدول الاوربية من اجل المتعة والاستجمام لكنهم كانوا رجالا دائما ومن العشائر الشجاعة في تصديهم للعدو وخاصة الاتراك والايرانيين.

أبناء الامة كلها من كافة العشائر واورميا قرروا، وانتخبوني انا اغا بطرس مع الموقرة سورما خانم . الم يختارني جميعُ الاثوريين للسفر الى باريس لتمثيل الامة ترافقني بذلك سورما خانم كممثلة للرئاسة الدينية البطريركية؟ ولاجل هذا جمعت العشائر المبالغ المطلوبة لذلك، ولكن تم رفض الفكرة، وسافرت سورما خانم لوحدها الى لندن دون اذن، واقامت في دار الرهبنة عازفة حتى عن حضور مؤتمر السلام في جنيف.
وفي حينها تساءل الجميعُ، ترى ما شأن هذه الراهبة في مؤتمر السلام ..؟ لربما كان سفرُها لقضاء حاجاتها الخاصة . اجل هذا هوالواقع فعلا. إنها سلمت زمام امورنا بيد الانكليز وبصمت ( اي وقعت بالابهام) على دخول الامة في خدمة مصالحهم في العراق عكس ما كان من تطلعات ذلك الشعب المشرَّد الذي سفك الدماء من اجل العيش بحرية وكرامة على ارض محررة تمتد من اورميا شرقا وجزيرة بوتان غربا.
( هنا سيتكلم اغا بطرس عن المعارك التي خاضها الجيشُ الاثوري لتطهير الطريق للعودة الى اورميا وهيكاري وعن التقرير التي كتبته سورما خانم للانكليز عن اغا بطرس ) اقتباس:
واثناء وجود سورمة خاتم في لندن كانت القوات الاثورية تصنع النصرَ المؤزر في كردستان حيث تم لنا السيطرة على جميع المناطق في ذلك الاقليم، ووقع في ايدينا 12 مدفعا و60 رشاشة ثقيلة وعشرة الاف بندقية وانهينا الخطوة الاولى بعد رضوخ كل تلك المناطق لنا، وكانت الخطة المرسومة لنا على الخارطة هي النفوذ الى اورميا ومنها الى تياري وكاور وتخوما وعلى هذا الاساس كان تحرك القوات الاثورية من مندان بمرافقة اثنين من الضباط الانكليز. وفي غمرة انتصاراتنا كانت قواتنا تتهيأ لانجاز المرحلة الثانية وهي التحرك نحو اورميا والى تياري وتخوما وكاور... وصلت سورما خانم قادمة من لندن الى الموصل وبرفقتها ضابط انكليزي يدعى مستر "جارج" ومعهما توصيات سرية الى المسؤولين الانكليز في بيت نهرين. واليكم تقرير سرمة خانم موَجَّهٌ للانكليز رسميا تقول فيه: ان اغا بطرس يجب ان تكون له اسئلة واجوبة مع الشيوعيين وكما يبدو في النية التحالف معهم ( ويقصد بالاسئلة والاجوبة ..المحادثات) وهكذا كان الاتفاق الرسمي الموقع من قبل المسؤولين الانكليز، ان يصل الجيش الاثوري الى اورميا وبعد السيطرة على تلك الاماكن يعود قسمٌ من الجيش لاجلاء العوائل الى هناك.  إطلع الانكليزُ على هذه الورقة (التقرير)  وكانواهم انفسهم قد وقعوا على خطتنا في تنفيذ ما تم رسمُه على الخارطة العسكرية التي بحوزتنا، وهي حول زحفنا الى اورميا وبعد النجاح تقوم مجموعة من مقاتلينا بالعودة الى مندان لنقل العوائل في اثرنا. واذ نحن في غمرة الانتصارات وقدعبرنا نهر الزاب الى الجانب الاخر بكفاح وتضحيات عجيبة من قبل الاشاوس الاثوريين الابطال وإذا بسورمة خانم قد وصلت فجأةً الى الموصل، وبجعبتها سياسة جديدة  تتضمن نكث العهود واحباط المساعي وتدبيراً سياسياً لقلب الخطة. وأدَّ ذلك الى تاجيل اجلاء العوائل الى كانون الثاني بدلا من الصيف بامر مُوقَّع من المستر "جارج" نفسه،  وتم إبلاغ الرجال المكلفين بنقل العوائل بهذا التبدل، كما أخبرت العوائل بذلك أيضاً. إنَّ إرجاء نقل العوائل الى موسم الشتاء البارد كان بمثابة وضع العراقيل امامها، إذ كما هو معلوم بأنَّ السير في الجبال يتعذَّر ايام الثلوج والامطار الغزيرة. انعكاسا على هذا التاخير كتبت النساء رسائلأ الى ازواجهن المقاتلين وتكفلت بايصالها احدى السيدات المسمات ( تورز خانم ) زوجة ( اوراهام البرواري ) والتي تتصل بالقرابة مع سيادة ( مار ياوالاها ) اسقف العمادية كما قامت تورز خانم هي الاخرى بتوجيه رسالة الى قيادات المقاتلين في الجناح الايسر من الحملة وسلمتها لهم في قرية ( اتروش ) وهذا نصها:
 
السادة المحترمون امراء قواتنا الاشتنايي وبني كبة وبني ماثا وغيرهم
اني مكلفة ان اخبركم بخصوص تحريك العوائل من مندان في اعقابكم، وهذا ما تحدثنا به سابقا اثناء تحرك القوات وانني اتمم واجبي هذا حفظا على عوائلكم وخوفا عليها من الضياع والامر متروك لكم . وبعدها تواجهون نتائج ضياع الالاف من العوائل كما حصل لنا في جلائنا من اورميا .
                                                 المخلصة
                                  تورز اوراهام البرواري
وهذه رسالة تورز خانم موجهة لي تطلب فيها الاعتذار
الموصل في 5 ك2 1921
الى الموقر الجنرال اغا بطرس
اولا : تقبلوا تحياتي
ثانيا : طي رسالتي هذه نسخة  نُسخ من كتب ثلاثة ارسلتها الى امراء المقاتلين وارجو ان لايزعجك هذا لان ما قمت به كان بدافع حبي واخلاصي لمنع عوائلنا من الارتحال، وفضلت بقاءهم حيث هم الان وسوف لا اندم على ما قمت به حتى وان ازعجك ذلك.

المخلصة : تورز اوراهام
ومن الواضح جدا بان الرسائل المحمولة بيد تورز وغيرها الى المقاتلين وهم في حالة ارهاق من ثقل البرد والثلوج اصبحت ذريعة لهم للعودة الى عوائلهم. وفجأة بلغنا خبرُعودة قوات الجناح الايسر من الحملة الى مندان،  وتركنا انا والسيد ملك خوشابا مع مالك خمو الجيلو والقس داؤد التخومي والاستاذ شاهين البازي مع المقاتلين الاورميين وبحوزتنا ست رشاشات ومدفعان، كما تركت القوات المنسحبة الكثير من عدتها في ( كلي اسطانكي ) ومن ضمنها المدافع والرشاشات . اغا مرزا وفوج اورمي بصعوبة كبيرة ذهبوا مع مجموعتهم والقسم الاخر نحن حملناهم على اكتافنا.
« في: 08:31 13/03/2013  حتى لا ننسى : مذكرات اغا بطرس .. الجزء الرابع

بعد تطهيرنا للمناطق الكردية والاتيان بالنصر الكبير على العدو وفتح الطريق بين الموصل واورميا اضطررنا للعودة الى مخيم الامة مسرورين ومفعمين بالكبرياء آملين ان نستريح قليلا ثم نعود الى اورميا.
الآن نحن في مخيم الامة وقد وصلت الينا منذ الصباح الباكر الموقرة ( سرمة خانم ) بمعية اثنين من الانكليزهما الكرنل ( اوين ) والمستر ( جارج ) وتم دعوة جميع الوجهاء للاجتماع والاستماع الى ما تلقيه عليهم ( سرمة خانم ) . لبينا الدعوة بكل سرور ومثلنا في حضرتها ووقفنا كلنا آذانا صاغية وفي تصورنا بانها ستزف لنا اخبارا سارة كونها قادمة من لندن ومعها بشرى الحرية . دعانا الكرنل الانكليزي للاستماع لما تقوله ( سرمة خانم ) التي تقدمت بكلمة مقتضبة وجافة فيها الامر والنهي لتقطع آخر خيط من امل هذه الامة في العودة الى ديارها واقامة وطن محرر والذي كلنا نحلم به وكل ما قالته ( سرمة خانم ) اقتصر على النقاط التالية :

1 ) لا عودة الى الديار السابقة التي تركناها
2 ) تسلمون سلاحكم للسلطات البريطانية
3 ) يجب ان تبقى جميع الامة في ولاية الموصل
4 ) سيحاسب كل من يتخلف عن الالتزام
اثار هذا الكلام الذي نزل على شكل اوامر ردود فعل عند الرؤساء ولكن سرعان ما تحول رد الفعل هذا الى زوبعة في فنجان، حيث انتهى كل شيء وتم ابعادي انا والجنرال (ملك خوشابا) من بني قومنا، واعتُبرنا خونة، ثم تمَّ القاء القبض على بقية الرؤساء وزج بهم في السجن، ولم يتوانَ الانكليز في اهانة رجال الدين من القساوسة وضربهم بالعصي. اخيرا تمت السيطرة على سلاحنا ومعداتنا العسكرية وجند المستر ( ويكرام ) والاسقف طيماثاوس انفسهما لحث الناس واقناعِهم بالبقاء والعيش في ولاية الموصل.

قبل قسم قليل من ابناء امتنا هذه الدعوة وهم ( بنو ماربيشو وبنو قوجانس) مع الموقرين مالك اسماعيل ومالك شمزدين هؤلاء هم اطاعوا وقد تم توزيعهم جميعا على القرى ما بين الموصل وعقرة ليعيش المسيحيون منزوعي السلاح مع الاكراد المسلحين. ويؤسفني ان اذكر موت عددٍ كبيرمنهم بسبب تغير الماء والمناخ عليهم. اما اقسم الباقي من ابناء عشائرنا من البرواريين والبوتانيين وابناء اورميا وسلامس) فقد أصروا على العودة الى ديارهم بعد الكل. وفعلا شرعوا بتنفيذ عملية الرجوع حسبما جرى التخطيط لها مسبقا من قبل الامة رغم كل المصاعب والمشقات. وبدأت محاولة ابناء اورميا وسلامس النفوذ الى موطنهم من خلال كرمنشاه وهمدان. ولما راى ( مالك شمزدين ) ومن معه ظاهرة جلاء ابناء الامة من ولاية الموصل والعودة الى وطنهم طلب مساعدة الانكليز في اللحاق بهم واقناعهم بالرجوع واستطاع بذلك قطع الطريق امام بني اورميا وسلامس وبنفس الوقت جند الانكليز بعض الاشخاص للعمل على نزع نوايا العودة من ابنائنا وحملهم على البقاء في ولاية الموصل. اولئك الاشاص هم ( القس موشي وبنيامين ارسانس واندراوس ) وجميعهم من قرية ديكلة ويؤسفني ان اكشف هناعن صورة لكتاب باللغة الانكليزية يبين موقف هؤلاء الرؤساء من حرية ابناء امتهم وتؤكد مطالبتهم بالوصاية البريطانية. الترجمة ( لايريد ان يحكم نفسه بنفسه : نحن لسنا اقوياء بما يكفينا الوقوف لوحدنا لكننا تحت وصاية وحماية بريطانيا نتمكن من التماسك ونصبح اقوياء) .
كتب لي احد المعارف مذكرا بالنقاط الاربعة المدونة ادناه واعتبرها السبب الكامن وراء الموقف السلبي لبعض رؤسائنا :

1 ) لعلمه في حالة تمتع الامة بحكم ذاتي او جمهوري سوف لايكون له مكان بين اولئك المتعلمين الذين سوف يتبواون المراكز المهمة لانهم لا يستطيعون حل مثال بسيط في الرياضيات.
2 ) قبل الوصاية الانكليزية طمعا بالمراكز والرواتب والتمتع بالراحة التامة في احضان بريطانيا .
3 ) اليكم ما كتبه احد الانكليز بهذا الخصوص (انهم هنا في راحة تامة لا يفكرون في بديلها)
4 ) كان يتصور بانه من خلال الوصاية الانكليزية سيعتبر من الرعايا البريطانيين. ليتذكر مثل هذا المسكين بان الملك فيصل الاول اعرب عن استعداده لدفع الف ليرة لقاء قبوله من رعايا بريطانيا العظمى.
5) ظن في استقلال الامة وتجريدها من الحماية الانكليزية المباشرة فرصة مؤاتية للعشائر المعادية لاخذ الثار من الاثوريين على الدماء التي اريقت في الاحداث الماضية .
6 ) وجد صعوبة في توفير اسباب العيش والحياة في هذه الايام وانس الى الحالة المريحة التي هو فيها الان مع الراتب فلماذا يخطو خطوة اخرى في سبيل الامة ؟
7 ) لعلمه بان ابناء اورميا سيخرجون من سيطرته وسيطرة رفاقه فور وصولهم الى ديارهم، ويحضرني بهذا الخصوص قول احد رؤسائنا ( اثوريان اثنان تحت سيطرتنا ولا مليون منهم كل باتجاهه) .......

تمعنوا في هذا القول ومعانيه واما اذا تكلمنا نحن، فإننا سنُرجم بمختلف المطاعن ويقولون عنا باننا لا نقبل رئاسة مار شمعون وهذه احدى المآخذ التي اثيرت ضدنا ولكن اسمعوها مني انا يا اخوتي. الله يصب الغضب على كل من لا يُجلهم اولايحبهم اولا يكن لهم كل الاحترام. انا لا اريد ضياع هذه العائلة وتضيع معها الامة ولكنها ستضيع حتما لما اصبحت من الرعاع في وسط العرب والاكراد ومصاصي دماء المسيحية ....
ابنائي: اليهود بلحاهم وزلوفهم اصبحوا دولة والاكراد ب والعرب ب فاين تكمن المعضلة في عدم انجاز استقلالنا ونيل حريتنا ونحن لا سبيل لنا الا في ذلك؟ لان المسلمين وحدوا الصفوف لاجتثاث شافة المسيحيين من وسطهم. لذا يتطلب منا تفويت هذه الفرصة عليهم قبل ان يتمكنوا من افنائنا، من اجل ان تكون امتنا حرة يجب الاسراع في تقوية انفسنا والا فان بني الاسلام سوف يتحدون، وقد بيَّتوا النية ان لا يبقى مسيحيٌّ بينهم، فقبل ان يبيدوننا يجب ان نتهيا لانه سيقترب موتنا، ويا له من موت موت المذلة . اتمنى ان ياتي قريبا ذلك اليوم الذي تقف فيه عائلة مار شمعون على الفرق بين اولئك الذين زينوا لها المسألة بالوعود الكاذبة وهم يسعون وراء مصالحهم وبيننا نحن الذين تفانينا في سبيل امتنا وفي سبيل حريتنا ويا ليته ياتي اليوم القريب وارى فيه قيام الدولة الاثورية يراسها احد المعتبرين من ابنائنا والذي لا يريد هذا فلتفقا كلتا عينيه .....

حياتي وعيوني ..... من الظلم ان تصبح هذه الامة كالرعاع بين العرب والاكراد وعند انسحاب الانكليز عليها ان تعي تماماً مستقبلها الذي تتطلع اليه وهو الحرية واقامة الكيان! ونحن كما قلنا نرحب برئاسة مار شمعون وبتسليم مقاليدنا بيد هذه العائلة وكل ما نطلبه منها الان هو العمل من اجل حريتنا والوصول الى ديارنا للخلاص من الابادة والفناء وتبعية السلطات الاسلامية، ولانكم بعيدون فاني ارى التحديات وروح العنصرية ......

ادعوكم القيام بذلك لاني ارى الامور هنا اوضح منكم حيث بدات القوات الانكليزية بالانسحاب من ولاية الموصل وسوف تترك المسيحيين ممزقين ومشتتين بين القرى الكردية .
واذا لم تموتوا بسبب الظروف المناخية ستموتون مذبوحين بيد الاعداء بدون شك وبهذا المعنى كتبت ايضا للانكليز موضحا لهم، بان هدف امتنا وخلاصها يكمن في منحها حكما ذاتيا على رقعة من الارض وهذا ما تتطلع اليه وهناك تمارس ادارة نفسها بنفسها بعيدا عن المخاطر التي تهدد مستقبلها وهل نحن بهذاعلى خطا ؟ والى الجزء الخامس والخمسين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو

6




الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثالث والخمسون
إضراب الليفي ومؤتمر سرعمادية ومن سبَّبَ فشله
« في: 09:05 27/08/2013  »
بعد نقل مقر قوات الليفي من الموصل الى معسكر الهنيدي (معسكر الرشيد لاحقا ) في بغداد تم أيضاً نقل داؤد والد قداسة البطريرك، فسكن في احدى دور المعسكر. جاءت سرمة خانم الى بغداد ونزلت في دار اخيها داؤد وطلبت من دانيال مالك اسماعيل زوج خالة البطريرك الذي كان الضابط الاقدم للفوج الليفي الثالث المنقول الى بغداد ان يجمع كافة ضباط الفوج لتلتقي بهم سرا في اجتماع مغلق. ولما اجتمعت بهم في غرفة طعام الفوج في معسكرهم قالت لهم بانها ارادت الاجتماع بهم لتُعلمهم بان الانكليز قد خانوا الاثوريين ونكثوا بالوعود التي كانوا قد قطعوها لهم . لذا وجب عليهم تقديمُ طلب الى السلطات الانكليزية بترك الخدمة في قوات الليفي ليتسنى للاثوريين ايجاد مخرج اخر لهم. فاجابها اكبر الضباط سنا ورتبة وهو الاستاذ شاهين كوركيس (ايتها المحترمة سرمة خانم حتى الآن كنتم تقولون لنا بان الانكليز سوف يعطوننا كل شيء واليوم تقولون بان الانكليز قد نكثوا بوعودهم لنا. لقد اصبحنا في حيرة من امرنا لانه لم يبقَ امامنا ايُّ امل او طريق آخر نسلكه اذ ان كل شيء قد انتهى بالنسبة لنا) فاسكتته سرمة خانم ولم يستطِع معارضتها لان اكثرية الضباط كانوا من اقربائها واتباعها..... (وعلى إثر هذه المُحادثة تم تسريح الأستاذ شاهين، فانضم الى الجبهة المعارضة لقداسة البطريرك). 
فطلبت سرمة خانم من اولئك الضباط تقديم مذكرةٍ سرية الى السلطات البريطانية تحمل تواقيع جميع ضباط الليفي في بغداد وخارجها. بحيث لا يعلم بها الانكليز قبل تقديمها. وبعد ان اقسموا اليمين على ذلك استُدعيَ الشماس بصلئيل مرخائيل من عشيرة جيلو الذي كان ملما باللغة الانكليزية والضرب على الآلة الطابعة لإعداد تلك المذكرة، لأنه كان قد اكتسب خبرة من خلال عمله كاتبا في مقر القوة الجوية البريطانية في معسكر الهنيدي. وبعد الفراغ من طبعها تم توقيعها من قبل كافة الضباط في بغداد ثم ارسلت الى ديانا بيد "رَب إمّا" مقصود تيخو أحد أشد أنصار عائلة مار شمعون،  حيث مقر الفوج الليفي الثاني الذي كان ضابطه الاقدم ياقو مالك اسماعيل. ا لا انه اصبح بعد تسفير الاثوريين الى سوريا من الد معارضيهم . وبعد ان تم التوقيع على المذكرة من قبل ضباط الفوج الثاني ايضا عاد بها السيد مقصود الى بغداد وقدمت الى العميد براون آمر قوة الليفي بواسطة داؤد (رب خيلا) والد البطريرك. فصعق الانكليز من هذه المفاجئة غير المنتظرة من اصدقائهم المخلصين واخبر العميد براون المندوب السامي البريطاني بموضوع المذكرة فطلب المندوب السامي احضار جميع الضباط عنده في بناية السفارة البريطانية الحالية واثناء مقابلته لهم انذرهم بانهم كعسكريين ليس من حقهم التدخل في الشؤون السياسية،  ثم صرفهم الى وحداتهم بعد ان اخبرهم بانه سوف يتباحث مع البطريرك بخصوص الموضوع. ولما كان اولئك الضباط قد حددوا مدة شهر واحد كحد اقصى لبقائهم في الخدمة اذا لم تنفذ شروط مارشمعون، اسرع المندوب السامي وارسل سكرتيره الكابتن (هولت) بطائرة عسكرية لحل تلك المشكلة. وحطت الطائرة في قرية بيباد التي كان فيها مطار صغير للطائرات العسكرية شيده الانكليز للطواريء ثم صعد الكابتن ليلا من بيباد الى سرعمادية وهنالك اجتمع بكل من قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو (دون ان يعلم بذلك الرؤساء الاثوريون الباقون والموجودون حينها في سرعمادية كهيئة دائمية منبثقة عن المؤتمر الاثوري العام مخولين كل الصلاحيات التي تتعلق بالقضية الاثورية : وكان هذا اللقاء نقضاً للاتفاق الذي ابرم في مؤتمر سر عمادية والذي كان ينص على عدم اجراء ايِّ  لقاء منفرد مع اية جهة دون حضور اعضاء الهيئة) ... تمكن الكابتن هولت من اقناع هؤلاء الثلاثة بالرجوع عن قرارهم ضاربين عرض الحائط قسمَ عدم الاتفاق سرا مع اي جهة كانت دون علم الهيئة المنبثقة من مؤتمر سر عمادية،  وكذلك الاحراج الذي كانوا قد تسببوا به لضباط الليفي الذين اقسموا ان لا يتراجعوا عن قرارهم الا بتحقيق مطالبهم وها هي القيادة الدينية (السياسية) تتخذ القرار الذي يخص شؤون الامة دون علم احد...... فارسل قداسته رسالة مع الكابتن هولت الى الضباط والجنود الاثوريين يُناشدهم فيها العودة الى الخدمة اذ انهم كانوا قد رفضوا الاستمرار في خدمة الانكليز نظرا لكون مدة الانذار البالغة شهراً واحداً قد انتهت آنذاك دون تنفيذ شروط قداسته ..... وكانت القيادة البريطانية قد قامت بنقل دور ثمبتون شاير الاول البريطاني من مصر الى العراق جوا حيث وضعت سريتين منه في بغداد وارسلت القسم الباقي منه الى الموصل ونقاط اخرى كانت قوات الليفي تقوم بحراستها في الشمال. وفي معسكر الهنيدي في بغداد قام ضباط الصف والجنود الاثوريون باعمال عدوانية قاسية ضد ضباطهم الانكليز بعد انتهاء مدة الانذار وذلك لعدم اتخاذ هؤلاء الضباط اجراءات رسمية لتسريحهم لانهم كانوا لا يزالون ينتظرون الجواب من البطريرك لعلمهم بالاتصالات التي كانت جارية سرا معه حول الموضوع، بينما كان ضباط الصف والجنود يجهلون ذلك ... ودامت حالة الفوضى لمدة اسبوع الى ان وصلت رسالة قداسة البطريرك المرسلة مع الكابتن هولت الذي عاد الى بغداد بنفس الطائرة ونزل في مطارالهنيدي العسكري. ولما تم تبليغ مضمون الرسالة الى منتسبي الليفي بلزوم عودتهم الى الخدمة ثانية حصلت ضجة كبيرة وانقسام خطير بينهم بعد ان كانوا جميعا قد اقسموا اغلظ الايمان على عدم الاستمرار في خدمة الانكليز فشعر قسم منهم بان العائلة البطريركية تستغلهم من اجل مصالحها الخاصة فمرة يامرونهم ان يتركوا خدمة الانكليز ثم يتراجعون ويطلبون منهم الاستمرار في الخدمة بعد ان وعد الكابتن هولت قداسته اثناء اجتماعه باقطاب العائلة في سرعمادية بابقاء داؤد والد البطريرك في منصبه. (وكأن مصلحة الامة تقتصر في ابقاء داؤد في منصبه)
ومع ذلك رفض قسم كبير من الضباط وضباط الصف والجنود من الاستمرار في خدمة الانكليز لانهم كانوا قد اقسموا اليمين وقطعوا عهدا على انفسهم بذلك . اما القسم الاخر الذين كانوا يعتبرون قسمهم مرتبطا برضاء البطريرك عادوا الى  الخدمة في جيش الليفي حتى انهائه من قبل الحكومة العراقية سنة 1954م حيث انظم عدد كبير من الضباط وضباط الصف الى صفوف الجيش العراقي بنفس رتبهم السابقة بالرغم من ان غالبية ضباط الليفي لم يكونوا يجيدون القراءة والكتابة باللغة العربية المستخدمة في الجيش العراقي ولكنَّ معاملتهم رُتِّبَت بطريقةٍ  خاصة حتى تقلدهم رتبة رواد حيث احيلوا على التقاعد لكبر سنهم ومنحوا كافة امتيازات ضباط الجيش العراقي الدائميين في التقاعد .....
مؤتمر سر عمادية في 16 حزيران 1932:
كان قداسة البطريرك وسرمة خانم يمضيان فصل الصيف في سرعمادية بالقرب من معسكر القوات البريطانية الصيفي الذي كان يحرسه جنود الليفي الاثوريون. وبالقرب منه وعلى منبع (جربية ) كانت تنصب خيمة كبيرة لقداسة البطريرك وسرمة خانم يحرسها جنود الليفي وفي هذا المكان قام قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو بدعوة رؤساء الاثوريين من الروحانيين والعلمانيين للاجتماع لغرض مناقشة اوضاع الاثوريين وتقرير مصيرهم بعد ان غدا من الواضح لهم بان الانتداب البريطاني في العراق سينتهي قريباً والى الابد، وبانتهائه دون شروط لا يمكن للجماعة المتعاونة مع الانكليز والمعتمدة عليهم العيش في العراق كما كانت تحلم! فحضر هذا المؤتمر كل ممثلي الاثوريين مثل الاسقف مار زيا سركيس والاسقف مار ياوآلاها والمطران مار يوسف خنانيشو وكافة رؤساء العشائر اما ملك خوشابا الذي كان في مصيفه (عين خلاوة) في سرعمادية والذي لم يكن يبعد عن اكثر من نصف ساعة مشيا على الاقدام عن مكان المؤتمر فلم تكن له الرغبة في حضور المؤتمر لانه كان قد ابتعد عن التدخل في شؤون الاثوريين العامة بعد أن وُضع في الاقامة الجبرية في الموصل ونفي اغا بطرس سنة 1921 الا ان الالحاح الشديد من قبل قداسة البطريرك وسرمة خانم والرؤساء الاثوريين جميعاً، اضطر للحضور الى المؤتمر تجنبا من اتهامه بالامتناع من تقديم خدمة للاثوريين وقت الحاجة من ناحية ومن ناحية اخرى اراد ان يتاكد هل ان العائلة البطريركية تركت خدمة مصالح الانكليز وعادت الى جادة الصواب لتقديم خدمة حقيقية لمصلحة وخير الاثوريين، لأنَّ الاثوريين الطيبين ومن مختلف العشائر كانوا يؤمنون ويثقون بحكمة وصراحة ملك خوشابا وبعد نظره وشجاعته، وقد اختبروه بانَّه لا يعرف التملق او المراوغة او الخضوع لما يراه خطأ ....
لقد اشترط ملك خوشابا لحضوره المؤتمر ما يلي:
1 ) ان يتعهد المؤتمرون بما فيهم قداسة البطريرك بعدم الاجتماع على انفراد او بالسر باي شخص او جهة اجنبية او غير اجنبية في شؤون تخص القضية الاثورية الا بحضور الجميع وان لا يتخذ اي قرار فيما يخص هذه القضية الا باتفاق جميع المؤتمرين (اي انه طالب بتشكيل هيئة آثورية دائمية تمثلهم جميعا وتدير شؤونهم) ..
2) ان يقطع ألآثوريون حالا علاقاتهم مع الجهات والحكومات الاجنبية لان تلك العلاقات هي التي اوصلت الاثوريين الى هذه الحالة واصبحت تهدد مصيرهم ألآن اكثر من السابق، غيرأنَّ ملك خوشابا علم بأنَّ قداسة البطريرك وعمَّته سرمة خانم قد اجتمعا سرا بعد المؤتمر مع الكابتن هولت المرسل من قبل المندوب السامي البريطاني دون علم المؤتمرين.
قداسة البطريرك وسرمة خانم ومار يوسف خنانيشو (التفرد بالقرار)
« في: 07:26 07/09/2013  » لقد ذكرنا في الجزء الاول بان ملك خوشابا وضع شرطين للموافقة على حضوره المؤتمر (نوجزها بألآتي : عدم الاجتماع سرا باي شخص او جهة اجنبية ... ان يقطع الاثوريون حالا علاقاتهم مع الجهات والحكومات الاجنبية ) ولقد وافق كافة المؤتمرين على ذلك وبعد ان انفض الاجتماع على هذا الاتفاق اجتمع كل من قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران مار يوسف خنانيشو سرا بالكابتن (هولت) المرسل من قبل المندوب السامي البريطاني بدون علم اللجنة المنتخبة من قبل المؤتمر والتي تالفت من:
1)   قداسة البطريرك مار ايشا شمعون
2)   المطران مار يوسف خنانيشو
3)   الاسقف مار زيا سركيس
4)   الاسقف مار يوآلا
5)   ملك خوشابا مالك يوسف
6)   مالك زيا مالك شمزدين
7)   مالك ياقو مالك اسماعيل
    مالك خنانو التخومي
9)   صادق الشمعوني
واما مطالبهم فلقد كانت كما يلي:
1)   الاعتراف بألآثوريين كقومية ساكنة في العراق وليس كطائفة دينية
2)   وجوب اعادة مناطق سكنى الاثوريين التي نزحوا منها اليهم
3)   اذا كان المطلب الثاني غير ممكن التحقيق يجب ايجاد سكن مفتوح لجميع الاثوريين داخل وخارج العراق يكون مركزه في دهوك على ان يكون تحت ادارة متصرف عربي يساعده مستشار بريطاني مع تشكيل لجنة لايجاد اراضي اميرية خصبة لتسجيلها باسم الاثوريين وتخصيص المبالغ اللازمة لاستثمارها على شرط عدم المس بالاراضي العائدة للاكراد لوجود اراضي كافية غيرها واعطاء الاسبقية في التوظيف للاثوريين في تلك المناطق
4)   منح المار شمعون وساما رفيعا من قبل الحكومة العراقية والاعتراف له بالسلطتين الزمنية والدينية على الاثوريين
5)   تعيين مندوب عن الاثوريين في مجلس النواب العراقي
6)   تخصيص اوقاف لرؤساء الدين
7)   فتح مدارس باللغة الاثورية في تلك المناطق مع تدريس اللغة العربية فيها
    انشاء مستشفى في دهوك ومستوصفات في القرى الاخرى
9)   عدم مصادرة بنادق الاثوريين
وختموا مطالبَهم هذه بانه فيما اذا تم قبولها سيقوم افراد جيش الليفي بسحب استقالتهم التي سبق وان قدموها الى السلطات البريطانية. الا ان الذي حدث هو نقض قداسة البطريرك وسرمة خانم والمطران مار يوسف خنانيشو الشروط التي اجمع المؤتمرون عليها وقاموا بالاجتماع بالكابتن هولت سرا لذا اجتمع ملك خوشابا بممثلي عشيرته وهم كل من خيو اوديشو الاشوتي وعوديشو لواندو بني كبة وشمعون بريخيشو بني ماثا الذين كانوا حاضرين في سرعمادية وقال لهم بان قداسة البطريرك قد نقض عهده بعدم الاجتماع على انفراد مع اي شخص كان في الامور التي 0الخاصة بالاثوريين دون إعلام المؤتمرين وموافقتهم وانه (اي ملك خوشابا) منسحبٌ من المؤتمر وعليهم ان ينتخبوا شخصا آخرا ليحل محله . الا ان هؤلاء الممثلين رفضوا انتخاب غيره واعربوا له عن موافقتهم على قراره بالانسحاب من المؤتمر وعدم تعيين شخص آخر محله. وفي الجلسة الثانية للمؤتمر نهض ملك خوشابا وقال لقداسة البطريرك وعمته سرمة خانم بحضور كافة المؤتمرين بانه قد انسحبَ من المؤتمر وابرز لهما رسالة عشيرته بالموافقة على ذلك . فاظهر قداسة البطريرك وسرمة خانم وجميع المؤتمرين عدم الرضا على قراره وحاولوا بجميع الطرق حمله على العدول عنه ولكن دون جدوى . فرجوه ان يبقى في المؤتمر ولو اسميا دون ان يكلف باي شيء او يتحمل اي مسؤولية ضد رغبته الا انه رفض طلبهم معلنا بانه غير قادر على التعاون مع قداسة البطريرك وسرمة خاتون في امور غامضة لانه لا يمكنه ان يوليهما ثقته بعد ان خرقا شروط المؤتمر منذ البداية . وعلى اثر ذلك اعترف كل من قداسة البطريرك وسرمة خانم عن اتصالاتهما السرية مع الضابط الانكليزي موضحين بعض الاعذار لعدم تمكنهم من اطلاع المؤتمرين على ذلك في حينه . فاجابهما ملك خوشابا بانه مع شديد الاسف لم يقتنع بتلك الاعذار وانه يراهما يحركان الاثوريين في غير صالحهم بل من اجل مصالحهما الخاصة مما قد يسبب لهم كارثة خطيرة اسوأ من كل الكوارث التي المت بهم في السابق لذا فانه لن يتدخل في امور تجلب الخراب والدمار للاثوريين وانه يحذر الاثوريين من تلك النتائج منذ الان .
لقد اثبتت نتائج ذلك الاجتماع السري الذي جرى مع الضابط الانكليزي صحة ما قاله ملك خوشابا للمؤتمرين وايده فيه ستة من الاعضاء حيث قام قداسته بارسال رسالة مع الضابط الانكليزي الى ضباط الليفي وعلى راسهم والده داؤد يطلب فيها منهم انهاء الاضراب دون انتظار رد المندوب السامي البريطاني على المطاليب المقدمة من قبل المؤتمرين . وهكذا تم اسقاط ورقة الضغط المتبقية للاثوريين على الانكليز ..... وكان قد ايد موقف ملك خوشابا اكثر من نصف المؤتمرين وعلى راسهم كل من الاسقف مار زيا سركيس والاسقف مار يوآلا ومالك زيا شمزدين .. ولقاء هذا التنازل الذي قدمه قداسته للمندوب السامي البريطاني برسالته التي ارسلها الى ضباط الليفي بانهاء اضرابهم كانت ثمراته ابقاء داؤد والد البطريرك في منصب (رب خيلا) ووضع شروط مهينة على المضربين والتي ادرجها كألآتي :
1)   ان يستمروا بالخدمة باخلاص حتى وقت تسريحهم
2)   ان لا يقدموا استقالاتهم مجتمعين
3)   يوافقون على تسريحهم على وجبات في فترات متتالية
4)   ان يتعهدوا بعدم التدخل في الشؤون السياسية لامتهم
5)   كما اشترطوا على قداسته وبقية الرؤساء ان يتعهدوا بعدم التدخل في شؤون الليفي
 جواب المندوب السامي البريطاني على مطاليب قداسة البطريرك والرؤساء
ارسل المندوب السامي البريطاني جوابه على مطاليب قداسته ورؤساء الاثوريين بواسطة سكرتيره الكابتن هولت الذي جاء الى سرعمادية واجتمع بقداسته ورؤساء الاثوريين الذين كانوا معه حاملا جواب المندوب السامي البريطاني اليهم .. رفض المندوب السامي تحمل مسؤلية تلك المطاليب وادعى بانها من اختصاص عصبة الامم وليست من اختصاصه ولا من اختصاص حكومته . ومع ذلك وعد بانه سيحاول استخدام نفوذه لدى الحكومة العراقية لحملها على الموافقة على تنفيذ المطاليب المعقولة منها بقدر ما تسمح به القوانين العراقية مثل اسكان الاثوريين في الاراضي الاميرية الخالية وفتح المدارس لهم ومنحهم الجنسية العراقية ... اما مسالة ضم مناطق سكناهم الاصلية في منطقة حكاري بتركية الى العراق ومنح السلطة الزمنية للبطريرك فتلك امور تخص عصبة الامم .....
ايها القراء الاعزاء لو قرانا هذه الرسالة بامعان والتي تمثل سياسة الحكومة البريطانية اتجاه العراق والاثوريين لوجدنا ان بريطانيا العظمى المهيمنة على السياسة الدولية آنذاك وكذلك المهيمنة على توجيه قرارات عصبة الامم لم تكن مستعدة لمنح او السماح بمنح قداسة البطريرك السلطة الزمنية وان ما وافق عليه المندوب السامي البريطاني وافق على اكثر منه الملك فيصل الاول في مؤتمر سولاف وان كل ما قيل ويقال على عدم صلاحية الاراضي التي منحت للاثورين لم تكن سوى حجج واهية لانصيب لها من الصحة والواقع،  فالآثوريون وقبل قبول العراق في عصبة الامم قد تم توزيعهم على اقضية دهوك وزاخو والعمادية وعقرة وكلها متاخمة لبعضها ولم يعترض قداسته على ذلك التوزيع والامر من كل ذلك ان غبطة المطران يوسف خنانيشو لم يعترض على اسكان رعيته (نوجيا ) في منطقة راوندوز البعيدة لان هذا التوزيع كان بارادة الانكليز ومن الامور التي يجب ان تذكر ان منطقة نهلة التي سكنتها عشيرة تياري السفلى في التقسيم الذي كان بارادة الانكليز لم يعترض عليه قداسته لا بل قام بزيارة المنطقة ولكن عندما اخفق في نيل مطلبه في منحه السلطة الزمنية من قبل عصبة الامم اصبحت المناطق التي يسكنها الاثوريين غير ملائمة وانها تخالف توصيات عصبة الامم ؟؟؟؟؟؟ علما ان منطقة نهلة التي ادرجت في قاموسهم كمنطقة موبوءة بالملاريا لا تزال اكثر المناطق الاثورية كثافة بسكانها وقراها العامرة وارضها المعطاة وسعادة اهلها وجمال طبيعتها التي يؤمُّها الآلاف من ابناء اهلنا من سهل نينوى صيفا ... والى الجزء الرابع والخمسين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو

7


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثاني والخمسون
وثيقتان مهمتان تُظهران مدى استغلال قداسة مار شمعون لمأساة آثوريي الخابور

« في: 10:34 01/10/2013  »
وفي كُلّ مقالة ينشرها السيد بولص يوسف ملك خوشابا يُلقي الضوءَ على تاريخ شعبنا المُعتَّم عليه بظلمة التحريف وعتمة التزييف، لطمس الحقائق وخدع أبناء الشعب بنقيضها، وهذا ما دعاني الى إعادة نشرها لتنوير هؤلاء الأبناء بصحة ودقة مضمونها! وإليكم تفاصيل الوثيقتين كما نشرهما في موقع عنكاوا.كوم/المنبر الحر ونقلتهما بتصرُّف صياغي دون المساس بالمضمون.
الشماس د. كوركيس مردو
انشر لكم هاتين الرسالتين المهمتين اللتين ارسلهما قداسة البطريرك مار شمعون الى اهالي الخابورالاولى يُعلمهم فيها عن محاولاته في عصبة الامم لايجاد مأوى آخر لهم بديلا عن سوريا التي كان قد صورها لهم كالجنة عندما كانوا في العراق وهم ساكنين في قراهم الجميلة ألآمنة ... والرسالة الثانية ارسلها عام 1948 مُناقضة للرسالة الاولى في طرحها حيث يحاول فيها اقناعهم بعدم ترك منطقة الخابور، وتخويفهم باسلوب ساذج من الهجرة الى الدول الكبرى تجنُّباً مِن تعرضهم للهجوم النووي ... انظر اخي القاريء كيف كان يتعامل مع اتباعه باستخفاف عقولهم والإزدراء بمعيشة عوائلهم وكانهم سلعة لديه يبيعها ويشتريها كما تقتضي مصلحته الشخصية:
الا ان من تبعوه باخلاص الى سوريا كشفوا هذه الامور وندموا على ثقتهم به وانتفض من بينهم قادة ومفكرون شجعان امثال مالك لوكو شليمون بداوي ومالك دانيال ابن مالك اسماعيل ويوسف مالك التلكيفي خاصة بعد الاستحواذ على 450 الف دولار المساعدات المرسلة من محسني اميركا الى اهالي الخابور التي لم تصلهم منها سوى 1500 دولار. والرسالتين نقلتهما نصا من كتاب (النضال ألآشوري من اجل البقاء لمؤلفه مالك لوكو شليمون)...

اقتباس :
الرسالة البطريركية الأولى: حملت الاخبارالطيبة لآثوريي الخابور حول البرازيل في 1934م
بينما كنا ما نزال في دمشق، بانتظار ان يتم نقلنا الى ميناء بيروت من اجل رحلة ابعد الى مكان في ما وراء البحار، للوصول الوشيك الى وجهتنا النهائية، وصلت الرسالة الاولى للأخبار الطيبة بتوقيع وختم البطريرك مار ايشاي شمعون مؤرخة في الثامن عشر من اذار 1934.

وخلاصة ما كتبه في تلك الرسالة هو الآتي (لرؤية النص الكامل للرسالة انظر الملحق رقم 6):
يمكن ايجاز نتيجة عملنا ( في عصبة الامم المتحدة) فيما يتعلق بنقل شعبنا الى بلد مناسب من اجل التوطين كالأتي:
1-   كتب مجلس (عصبة الامم) رسمياً الى حكومات الدول التي تمتلك مستعمرات او تلك التي تستطيع توفير مستوطنة للمهاجرين في بلدانها، لكي ترى فيما اذا كان ممكناً نقل الاشوريين الى هناك. لم تُبدِ اية دولة من الدول التي تمت مفاتحتها ايَّ اهتمام بالموضوع باستثناء البرازيل.
2-   كانت حكومة البرازيل راغبة بقبول جميع الاشوريين.
3-   كان برنامج نقل شعبنا مبنياً على نقل 500 عائلة/اسرة شهرياً.
4-   نوعية المناخ والأمور الاخرى الخاصة بهذه المنطقة من البرازيل التي تم اختيارها للتوطين، هي كما يلي:

أ‌-   تقع هذه المنطقة في جنوب البرازيل وتسمى پارانا ويمر بها نهر بنفس الاسم.
ب‌-   يبلغ ارتفاع هذه المنطقة (2000) قدم فوق مستوى سطح البحر ودرجة الحرارة القصوى في الصيف تصل الى 100 درجة (حوالي 37.7 مئوية)
ج‌-   تتوفر في المنطقة مياه غزيرة من الانهار والينابيع وليس هناك ملاريا.
د‌-   كل عائلة/اسرة مكونة من خمسة افراد سيتم تزويدها بأرض بمساحة عشرة (10000) آلاف متر مربع.
ه‌-   المنطقة عبارة عن غابة، لذلك فأن الارض المخصصة لكل عائلة/اسرة سيتم تنظيفها مسبقاً.
و‌-   بعض المحاصيل التي يمكن زراعتها في هذه المنطقة تتضمن: الرز (مزروع بطريقة زراعة الارض اليابسة) والقطن والقهوة وحنطة دمشق او مكة ومحاصيل وفواكه حقلية متنوعة اخرى. الارض صالحة ايضاً لتربية الماشية.

كتب مار شمعون في الصفحة الثامنة من رسالته/خطابه: نحن نشعر بالحزن عندما نفكر في ترك وطننا الام حيث التاريخ الرائع لأجدادنا العظام روحياً وزمنياً، ولكننا في ذات الوقت ننظر الى ماضٍ مليء بالذكريات المريرة لأبناء شعبنا، والذين يوماً بعد يوم، وفي كل منعطف وتطور، يتفرقون في كل بقاع العالم. نحن في تساؤل حول إدراك مشيئة الخالق، لذا فقد توصلنا الى هذا الاستنتاج: فإن كانت مشيئته لنا هي الموت او العيش بمرارة في وطننا الأم، فلن تستطيع اية قوة بشرية ان تخرجنا من هناك، اما اذا كانت مشيئته لنا هي الرحيل فإن ذلك ما سيتم حتماً.

وهذا ما كتبه في الصفحة التاسعة من رسالته/خطابه: من الواضح لكل من له بعد نظر بأن بلاد النهرين (ميسوبوتاميا/ العراق) اصبحت وستستمر بكونها على وجه الخصوص مركزاً للسياسات الشريرة، وبسبب الموقع الذي يشغله شعبنا في مثل هذه التركيبة، فأنه سيتم التضحية به، كما حدث له في العام المنصرم (1933) طالما كان ذلك نافعاً من الناحية السياسية.
مرة اخرى في الصفحة التاسعة من نفس الرسالة/الخطاب،استرسل البطريرك في القول: ان هولاء الاشخاص الذين يخونون شعبهم من اجل الكسب الشخصي، هولاء الخونة سيطلق عليهم اسم (اليهوذيون) (نسبة الى يهوذا الاسخريوطي). (في هذا الوقت، هذه النعوت "الخونة" و "اليهوذيون" قد اطلقت على المناوئين من بينهم مالك خوشابا من تياري السفلى والأسقف مارسركيس من جيلو والاسقف مار ياوالاها من برور والقس يوسف قليتا، لكن فيما بعد تم نعت اشخاص اخرين بها كما سنرى) وإذا كان في قلبهم خوف الله، فان كل واحد منهم سيفكر في الفقرات اعلاه وسيتذكرعظة يوحنا المعمذان وهو يقول: "ها إن الفأس أيضًا قد وضعت على أصل الشجر: فكل شجرة لا تثمر ثمرًا جيدًا تقطع وتطرح في النار" (لوقا 3:9)  للإطلاع على رسالة مار شمعون المشار اليها انظر الملحق رقم 6، الفقرة الاخيرة.

في عام 1941، نحن، القادة الاشوريون العلمانيون والدينيون في منطقة الخابور، قدمنا عريضة الى الكولونيل ديشبورن، المسئوول السياسي البريطاني في ديرزور، نسأله السماح لمار شمعون، بناء على نصيحته، بالقدوم الى سوريا لأداء اعماله الدينية الضرورية (انظر الملحق رقم 12)، وقبل ذلك فعلنا الامر ذاته مع والد مار شمعون، داوود الشمعوني، وتم رفض كلتا العريضتين.

الرسالة الثانية لمار شمعون الى آثوريي الخابور يعارض فيها موقفه حول البرازيل سنة 1948م
شيكاغو، الينوي

12 تشرين الثاني 1948
إن البطريرك مار شمعون في هذه الرسالة/الخطاب يصف البرازيل بكونها مكاناً مريعاً للعيش. حيث يقول: وأنا هنا اقتبس بعض المقاطع: منذ سنوات، ذهبت بعض العوائل الاثورية من اورميا الى البرازيل بهدف التوطين في ذلك البلد ولكنهم لم يستطيعوا البقاء في المنطقة التي سكنوا فيها بسبب البعوض والحمى والأفاعي والمخلوقات السامة الاخرى الموجودة بكثرة في ذلك البلد. يخبرنا وينصحنا ايضاً في رسالته/خطابه قائلا: ان تطوير القنبلة النووية قد غير تاريخ العالم جذرياً وبشكل كامل. الدول الخطرة على حياة الانسان هي تلك الكبيرة والناجحة اقتصادياً مثل امريكا. ليس هناك من شك بأن القنابل سيتم اسقاطها عليها وليس على الصحاري العربية او جبال كردستان، ومن المعروف ان قنبلتين من هذه القنابل الجديدة ستدمران هذا البلد. (من اجل السجل التاريخي، هناك نسخة مصورة من رسالة مار شمعون المؤرخة في 12 تشرين الثاني 1948 (بالتقويم الغربي) موجودة في الملحق رقم 50).

ان القارئ المدقق للتاريخ سيلاحظ بدون شك وجود تناقضات مهمة في هاتين الرسالتين/الخطابين لمار شمعون، بضمنها النصيحة الشفوقة التي قدمها لشعبه لما يجب ان يفعلوه تجنباً للتدمير الذاتي. يا له من تصريح غريب !! فعندما كتب حول احتمالية الهجرة الى البرازيل، كما في رسالته/خطابه المؤرخة في 18 آذار 1934، كانت البرازيل تعتبر جنة، ولا يوجد اي ذكر للأمراض او الآفات الحشرية او الزواحف السامة، كما لو كانت في ذلك الوقت مسجونة في اقفاص ولم تكن تشكل أي تهديد على حياة الانسان. ولكن حينما اشترك اشخاص اخرون في جهود تنظيم هجرة شعبهم الى البرازيل، انفتحت ابواب الجحيم وأطُلقت جميع الزواحف السامة من اقفاصها لأفتراس الاثوريين المساكين الذين لم يحاولوا إلا انقاذ أنفسهم، ومنذ البداية، من اضطهاد اعدائهم ومن الجوع والفقر.

ثانياً، انه يخبرنا بعدم الرحيل عن صحاري عربستان (المنطقة العربية) وجبال كردستان والذهاب الى امريكا لأن القنابل النووية سيتم إسقاطها، بحسب ما قاله على البلدان الكبيرة والناجحة. لقد دُعي الاثوريون الى التصديق بأن قلبه كان ينزف من اجلنا وخوفاً من هلاكنا بالقنابل النووية في البرازيل. من جهة أخرى وبموجب هذا ألافتراض ابدى عدم اهتمام كامل تجاه عائلته الخاصة، لأنه في الوقت الذي كان ينصح بعدم الذهاب الى أمريكا كان يعمل بكل حماس للذهاب بعائلته جميعها الى امريكا (للإطلاع على رسالة مارشمعون التي تتضمن ذكره للقنابل النووية، انظر الملحق رقم 50)

ماذا كان المتوقع منا ان نصدق؟ هل كان مار شمعون سادياً وقاسي القلب لكي يُحضِرعائلته الى الولايات المتحدة، لتتعرَّض الى الإبادة بالقنابل النووية التي قال انها سيتم اسقاطها على الدول الكبيرة والناجحة؟ ام انه كان يلمح الى انه كان مكتوباً علينا الهلاك في عربستان؟ لأيٍّ من الرسالتين كان علينا ان نصدق؟ لِما جاء في رسالته/خطابه لعام 1934م حيث كان ينصح الشعب بمغادرة العراق لكونه جحيماً لا يُعاش فيه، والرحيل الى البرازيل التي هي جنة على الارض. أم لرسالته/خطابه لعام 1948م، التي يُخبر (الاثوريين في الخابور ولبنان) بالعودة الى العراق للالتحاق بأشقائهم- نفس الاشقاء الذين أشار إليهم في رسالته لعام 1934، كان قد وصفهم بأنهم يهوذيون وخونه لأبناء شعبهم- لأنه هناك، في العراق، سنكون في مأمن عن تهديد القنابل النووية، طبقاً لما قاله. (انتهى الاقتباس) .......

ايها القراء الاعزاء منذ ان قررت كتابة التاريخ الحديث لشعبنا لازالة غبار التحريف الذي غمره لفترة طويلة، كنت على علم بانني ساواجه شلة من المنحرفين فكريا واخلاقيا وسلوكيا اضافة الى المرتزقة الغرباء المدفوعي الثمن وهذا لم ولن يثنيني عن اظهار الحقائق التي تم طمسُها لعدة عقود وان لجوء البعض من هؤلاء المنحرفين الى خلق قصص تسيء الى سمعة عائلة ملك خوشابا ما هي الا محاولة بائسة يرتكبها المفلسون، ومن حسن حظ الحقيقة ان اعداءَها هم من هذه النوعيات المنحطة وكما يقول المثل (اذا اتتك المذمة من ناقص فهي الشهادة بانَّك كامل) ... وبما ان اخلاقي التي تربيت عليها تمنعني من ذكر كثير من الحقائق الموثقة من قبل مصادر معروفة والتي تخص المسائل الاخلاقية اللاإنسانية للبعض فانني اكتفي بتقديم النصيحة الى من يريد الاطلاع على مثل تلك المواضيع مراجعة ارشيف كنيسة الكانتربري الأنكليكانية ليقرأ الرسائل المتبادلة بين المستر براون ورئاسة الكنيسة حول موضوع سرمة خانم ؟؟؟

دور ملك خوشابا في انقاذ الاثوريين في حركة 1933 المشؤومة
« في: 09:01 20/09/2013  »
 
وفي هذه المقالة يروي السيد بولص يوسف دور جَدِّه البطل المِقدام ملك خوشابا في إنقاذ الآثوريين في نكبة 1933م المشؤومة، وإننا نُعيد نشرها كباقي المقالات السابقة وبتصرُّفٍ صياغي لا يُخِلُّ بكنهِ المضمون.
لقد علمنا من رواية مالك لوكو شليمون التخومي في كتابه (النضال ألآشوري من أجل البقاء) كيف ان سرمة خانم وبعد اجتماعهما هي والمطران يوسف خنانيشو بمالك ياقو لمدة نصف ساعة فقط،  حتى أتخِذَ قرار بضرورة توجه مالك ياقو ومالك لوكوالى قمم الجبال مع رجالهم المسلحين وتتمة القصة سبق وان ذكرتها مُفصَّلاً. في أثناء تواجد ملك خوشابا في مصيف سرعمادية لقضاء فترة الصيف كعادته، وقعت احداث معركة ديربون ومن ثم مذبحة سميل وتوسعت لتشمل القرى التي ذهب بعض افرادها للمشاركة في معركة ديربون كل هذه الامور جرت وملك خوشابا لم يكن له اي علم بها وذلك لبعد سرعمادية عن اقرب مركز للحصول على المعلومات لاكثر من ثلاث ساعات مشيا على الاقدام، ولان الأحداث جرت بسرعة وبتهور في اتخاذ قرار غير مدروس من قبل سرمة خانم وبتعمدٍ مقصود لكي لا يعلم ملك خوشابا بالموقف لانه كان حتما سيمنع حدوثه حتى ولو اضطر الى استخدام القوة (كما جاء في مذكراته: لو كنت اعلم بانهم سيقومون بهذه الحماقة لكنت قتلتُ حتى خمسة عشر من هؤلاء المسؤولين عنها من اجل انقاذ ألآلاف من ابناء شعبي ) ....

إنَّ ملك خوشابا كان يتوقع حصول هذه النتائج ولذلك زار سرمة خانم في مصيفها بسرعمادية وقدَّم لها نصائحه قبل يوم من مغادرتها الى الموصل، وحَمَّلها رسالة شفوية لتنقلها الى قداسة البطريرك، فتجاهلتها ولم توصلها اليه لانها كانت تتناقض مع افكارها.... بعد ثلاثة ايام من الاحداث وقع حادثُ قتل عددٍ من رجال عشيرة تياري العليا في جبل كارا حيث كانت عشيرة تياري السفلى متواجدة هناك لرعي اغنامها برئاسة الرئيس صليوو من ابناء عمومة ملك خوشابا وكذلك كانت قرية سيدر القريبة منهم تسكنها مجموعة من عشيرة باز يرأسها عزيز اغا شوو البازي، فقرر الاثنان الرئيس صليوو وعزيز اغا ان يرسلا اربعة من رجالهما الى ملك خوشابا ليخبراه بما حدث وليستشيراه في الاجراءات الواجب اتخاذها. وبالفعل تم ارسال كل من اسحاق ودرياوش ولدي صليوو ومعهما وليم وخامس إبنا عمومة عزيز اغا البازي، والاربعة كانوا اولاد واقرباء الرئيس صليوو وعزيزاغا.  ولخطورة الواجب المكلفين به كان عليهم ان يقطعوا مسافات طويلة مشيا على الاقدام  رغم مخاطر المرور بقرى العشائر الكردية المُتحَيِّنين لأيَّة فرصةٍ سانحة لقتل اي آثوري يتمكنون من قتله طمعاً بالسلب والانتقام بخاصةٍ في تلك الظروف السائبة. وبعد مسيرة يوم كامل وصل الاربعة الى سرعمادية حيث يقيم ملك خوشابا، فرووا له كل ما يحدث من قتل ونهب لبعض القرى الاثورية التي شارك رجالُها في معركة ديربون ... وفي نفس الوقت وصل الى المصيف مختارُ قرية سميل المدعو وردة اوشانا من عشيرة تياري العليا طالبا حماية ملك خوشابا ومُردِفاً بانه فيما كان يحاول العودة مع جماعته من سوريا لتسليم اسلحتهم للسلطات العراقية والرجوع الى قراهم، تفاجأوا بقيام مالك ياقو وبعض أقربائه بإطلاق النارعلى القوات العراقية المتواجدة على الضفة الثانية من نهر دجلة وفي اثناء عبورنا للنهر، فنشبت معركة دموية بين الطرفين أسفرت عن ضحايا كثيرة متبادلة، فتفرق شمل الاثوريين حيث عاد قسم منهم الى سوريا والآخرون تشتتوا في الجبال يرومون الوصول الى قراهم وعوائلهم، وكانت تلك الحماقة مفسدة لعودتنا الى أهلنا بسلام. ... فتحرك ملك خوشابا بسرعة لتدارك الموقف وانقاذ ما يمكن انقاذه، فاخذ بعض المقاتلين معه وتوجه الى العمادية وحاصرمقر القائمقام ماجد مصطفى بك،  ثمَّ دخل عليه بصحبة مقاتليه وناداه قائلا له (انظر يا ماجد بك ان لم توقف الحكومة هذه المذابح فسوف اقود رجالي الى الجبال وستكون انت اول من اقتله بالرغم من صداقتنا) فاجابه القائمقام بان حكمت سليمان موجود الان في سولاف فاذهب اليه واطرح ما تريده وبدوري سوف اتصل انا به من هنا،  فتوجه ملك خوشابا ومعه بعض الرؤساء الى وزير الداخلية واخبره بان هنالك امورا خطيرة تجري على القرى الاثورية التي عادوا اهلها من سوريا نادمين فان لم تتوقف هذه الاعمال فورا فسيكون لي موقف آخر منها، فاجابه وزير الداخلية ان كل ما استطيع ان اعمله هو باعطاء ترخيص لرجالك بان يحموا القرى من الاعتداء عليها باسم سلطة الحكومة... فقام ملك خوشابا بتوزيع مقاتليه على القرى التي كانت مناوئة له قبل ايام من ذلك من اجل حمايتها ولم يكتفِ بذلك فاخذ الرؤساء معه وتوجه الى الموصل وفي آلوكة توقف لمقابلة بكر صدقي، ويقول اللواء الركن مزهر الشاوي الذي كان آنذاك ضابط استخبارات برتبة ملازم (جاء ملك خوشابا وطلب مني ان اخبر العميد الركن بكر صدقي بانه يريد مقابلته فدخلت على بكر صدقي واخبرته بان ملك خوشابا رئيس اكبر عشيرة تيارية يريد لقاءك فاجابني بكر صقي ليتفضل، فدخل ملك خوشابا وقال لبكر صدقي ما الذي تريدونه من الاثوريين العائدين الى قراهم بغية العيش بسلام؟ فاجابه بكر صدقي بانه يريد منهم ان ياتوا الى المقر ويسلموا سلاحهم ثم يعودوا الى قراهم آمنين فاجابه ملك خوشابا بانه مستعد ان يجلبهم باسلحتهم على ان تتوقف كافة الاجراآت بحقهم فورا فاجابه بكر صدقي بانه سيوقف كل الاجراءآت على مسؤليته على ان لا تتجاوز فترة جلبهم 72 ساعة، فخرج ملك خوشابا واتجه مع مرافقيه الى الموصل ) انتهى الاقتباس .....

اتجه ملك خوشابا الى الموصل مع مرافقيه وفور وصوله الى المتصرفية طلب من المتصرف الاتصال ببغداد ليتكلم مع المسؤولين حول الموضوع وبعد ان تم تامين الاتصال مع المسؤولين في بغداد اخبرهم ملك خوشابا بمجريات الامور وخطورتها وقال لهم بالحرف الواحد ان لم يصدر قرارٌ من الحكومة بايقاف كافة العمليات العسكرية بحق الآثوريين  العائدين الى قراهم وعوائلهم فسوف يضطر الى اللجوء الى القوة للدفاع عن ابناء شعبه اللذين عادوا طالبين حمايته... وبعد نقاشات مشحونة مع المسؤولين في بغداد والتي كانت تتخللها مواقف عصبية من ملك خوشابا كما رواها مرافقوه، وافقت بغداد على اصدار بلاغ الى كل القطعات والعشائر التي تطارد الاثوريين العائدين الى قراهم بايقاف العمليات فورا على ان تلقى هذه البرقية على شكل مناشير بالطائرات على القطعات المسلحة والنواحي لتبليغ العشائر بمضمونها لايقاف كل الاعمال العدائية ضد الاثوريين العائدين من سوريا ....
اخذ ملك خوشابا نسخة من البرقية وتوجه فورا مع مرافقيه الى آلوكة حيث مقر بكر صدقي الذي خرج مسرعا من غرفته حال سماعه نبا وصول ملك خوشابا معتقدا بأنه قد جلب معه كافة المسلحين كما وعده وساله قائلا اين هم المسلحون الذين وعدتني بجلبهم فاجابه ملك خوشابا انا لم اجلب اي مسلح وهذه رقبتي وهذا سيفك وما وعدتك به كان من اجل حماية شعبي ولكنني جلبت لك هذه البرقية التي ربما ستصلك من مراجعك بعد قليل ويقول اللواء الركن مزهر الشاوي بان بكر صدقي قال لملك خوشابا كيف قمت بهذا العمل لانقاذ الذين كانو بالامس يعادونك يا ليت شعبك يذكر لك موقفك هذا وبالفعل توقفت كافة العمليات العسكرية بعد ان خسر الاثوريون اعدادا هائلة من ابنائهم في مذبحة سميل ومعركة ديربون والقرى الاخرى نتيجة التهور واللاابالية بحياة المساكين من ابناء الاثوريين الذين اصبحت دماؤهم قربانا من اجل طموحات قداسة البطريرك في نيل السلطة الزمنية ... اما الذين عادوا الى سوريا فلقد تم اسكانهم على ضفاف نهر الخابور على شكل مخيمات ويروي مالك لوكو شليمون كم كانت اوضاعهم مزرية حيث بدا التذمر ينتشر بينهم بخاصة بعد اكتشافهم ان الوعود التي كانت قد اعطيت لهم لم تكن سوى سرابا وفي عام 1934م  تشكلت لجنة من اثوريي الخابور تحوي مالك لوكو ومالك دانيال وآخرين ليجدوا لاهالي الخابور منفذا آخر يقبلهم كمهاجرين افضل من سوريا.

ان مفهوم الخيانة في كل شعوب العالم هوان يتفق شخصان او جهتان او مجموعتان او دولتان على تنفيذ موضوع معين ويقوم احدهما بتنفيذ ذلك الامر في الوقت الذي يمتنع الطرف ألآخر من تنفيذه فمن حق الطرف الاول ان يطلق على الطرف الثاني صفة الخائن ولكن عندما لا يكون هناك اي اتفاق بين الطرفين لا بل هناك تناقض مطلق بين الافكار، ويقوم أحدهم بتنفيذ امر خطير بدون علم الطرف ألآخر المختلف عنه اصلا بتنفيذ هذا الامر فهل يحق للطرف المنفذ ان يطلق على الطرف الذي لم يُشارك في التنفيذ عبارة خائن خاصة وان ثمانين بالمائة من ابناء الشعب فضلوا البقاء في ارض آبائهم واجدادهم ولم يكونوا على استعداد للتضحية بخيرة رجالهم من اجل حصول البطريرك على مكسب (السلطة الزمنية) ... والذين يقولون بان المذبحة كانت مقررة بحق ألآثوريين مسبقا فالسؤال هو لماذا لم يتحارش احد بالقرى الاثورية التي لم يشارك احد من افرادها بمعركة ديربون باستثناء ابناء ألبازيين في سميل الذين كانوا ضحية ذهاب بعض ابناء عشيرة تياري العليا من سكنة سميل مع مالك ياقو؟ ولا ننسى كم كان تفكير العشائر الكردية والعربية قبل ثمانين عاما متخلفا حاقدا على كل من هو غير مسلم ونحن هنا لا نبريء الجيش العراقي من اشتراكه في مذبحة سميل ولكن يجب ان لاننسى ان ذلك الجيش كان من نفس الشعب المملوء احقادا وكرها، اضافة الى ما مني به من خسائر في معركة ديربون مما جعله ينفث سمومه على الناس الابرياء في سميل. وهنا نتساءل هل الذين كانوا السبب في اشعال هذه الفتنة الدموية جاهلين بما سيحدث ام انهم كانوا يتوقعون ذلك وفضلوا التضحية بهذه الارواح البريئة من اجل حصول قداسته على السلطة الزمنية .... اذا المسالة كانت ان كل من لم يؤيد البطريرك وسرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو حتى وان كانوا على خطا فهو خائن ... فاغا بطرس خائن وملك خوشابا خائن ومارسركيس خائن ومار ياوالاها خائن ومالك زيا خائن ومالك خمو البازي خائن ومالك نمرود جيلو خائن ومالك مروكي جيلو خائن والقس يوسف قليتا خائن والقس خندو التخومي خائن والقس كينا البازي خائن وكل اتباع هؤلاء  خونة ومالك جكو تياري العليا زوج شقيقة مالك ياقو خائن وعشيرة تياري السفلى والتي تمثل بتعدادها الأكبر بين كل العشائر مجتمعة خائنة اضافة الى عشيرة باز. ثم اضاف قداسته الى قائمة المتهمين بالخيانة مالك دانيال زوج خالته ومالك لوكو شليمون الذي قاتل من اجله مضحيا برجاله ومن ثم ادرج (يوسف مالك التلكيفي الذي التحق به ورافقه حتى اكتشف حقيقة ما يجري فتركه) فاصبح خائنا نعم في نظر هذه العائلة كل من خالف رايهم في الامور المصيرية هو خائن وقد استثنى من الخيانة المطران مار يوسف خنانيشو وبعض المقربين منه، لان الانكليز ارادوه ان يبقى في العراق لانهم لم يريدوا ان تكون الساحة العراقية خالية من اصدقائهم المخلصين لهم ...

ولنعود الى قوات الليفي بقيادة والد البطريرك اين كانت هذه القوات؟ ولماذا لم تهب لنجدة ومعاونة مالك ياقو ومالك لوكو وانقاذ ألآثوريين من المذابح خاصة وان مسؤولهم الانكليزي طلب منهم ذلك ؟ اسئلة محيرة حقا .... سيظل التاريخ يذكر كل هذه الاحداث مهما طال الزمن. وإنَّ كتب وكتيبات مالك لوكو شليمون التخومي ومالك يوسف التلكيفي قد فضحت كثيرا من الامور التي كانت مدفونة في قمقم مشوهي الحقائق السابقين وألآنيين، وإنَّ مخاطبة ضمائر هؤلاء امرٌ لا فائدة مرجوة منه لان الذي يسترخص دماء آبائه واجداده وعشيرته وامته ويتملق لهذا او ذاك من اجل (شيء في نفس يعقوب) لا يُعطي أيَّة قيمة للضمير! ومن الامور الفردية التي قام بها ملك خوشابا انه كان هناك شخص اسمه زادوق الاشوتي وكان الوحيد مع مجموعة صغيرة صغيرة معه يرومون الالتحاق بجماعة مالك ياقو وتم القاء القبض عليهم من قبل القطعات العراقية فادعوا بانهم من رجال ملك خوشابا ولما جلبوا امام ملك خوشابا ايد ذلك مدعيا بانه ارسلهم بواجب حماية القرى بالرغم من ان هذا الشخص وجماعته كانوا من اشد المعارضين لملك خوشابا فتم اطلاق سراحهم مع اسلحتهم كما انه كان قد اصدر اوامره الى كافة القرى بعدم تسليم سلاحهم لكائن من كان ......

لقد دأب البعض على ترديد وكتابة بعض العبارات مثل عبارة (المتعاونين مع الحكومة من اجل المصالح الشخصية) وقصدهم بذلك ملك خوشابا ومؤيديه من رؤساء العشائر والرؤساء الروحانيين ..... الجميع يعلم ان ملك خوشابا عاش حياة (خبزنا كفافنا اليوم) ومات وهو لايملك حتى دارا سكنية وحتى ولده يوسف ملك خوشابا لم يملك دارا خاصة به  الا بعد ان منح قطعة ارض من قبل جمعية بناء مساكن الضباط وكذلك حال مالك خمو البازي ومالك نمرود جيلو الذي كان يسكن احدى القرى ومالك مروكي الذي كان موظفا في شركة النفط اما مارسركيس المسكين كان سنويا يقطع مئات الاميال مشيا على الاقدام في قسم منها ليصل الى نيروا وريكان حيث يقدمون له (هديتهم بما تجود بها ايديهم) وكذلك مرياوالاها .. فاين اصبحت المكاسب الشخصية ... والاخوة الذين يريدون ان يعلموا اين كانت تذهب الاموال فليراجعوا ويطلعوا على  كتاب قوات الليفي العراقية وكتيب الله والحق ليوسف مالك الذي يشرح فيه كيف ان ما مجموعه 450 الف دولار تم جمعها من مُحسني الشعب الامريكي عام 1948م باسم حاجة انسانية لآثوريي الخابور الذين لم يحصلوا منها الا على 1500 دولار (20 بنس) لكل شخص فقط ... اما مسالة التعاون مع الحكومة فمن الذي كان متعاونا مع الحكومة منذ تاسيسها حتى سنة 1932؟ الم تكن العائلة الشمعونية هي التي تامر وتنهي بقوة الانكليز؟ الم تجرد سرمة خانم قوات اغا بطرس وملك خوشابا من اسلحتهم بقوة الانكليز لمنعهم من العودة الى اوطانهم؟ الم تقُم بنفي اغا بطرس ووضع ملك خوشابا في الاقامة الجبرية والرؤساء في السجون؟ الم تجرد القس يوسف قليتا من المطبعة التي جلبها من الهند لخدمة اللغة والدين؟ ومن الذي طرد المطران مارطيماثيوس من العراق وبقوة من؟ فليكن لدينا قليل من الإنصاف ونضع الاصبع على الجرح، وكفى تملقا واستخفافا بدماء عشرات ألآلاف من ابناء شعبنا .... لقد اختلطت الاوراق وبتنا لا نفرق بين مصلحة ألآثوريين كشعب وبين مصلحة العائلة البطريركية فاصبحت الامور تجري هكذا اي كما يقول المثل العراقي اصبحا (جيب واحد) ... اما ما يردده البعضُ عن خيانة الانكليز للآثوريين (اي العائلة البطريركية لاننا جيب واحد) فالمسالة تحتاج الى محللين سياسيين خبراء من الدرجة الاولى ليتمكنوا من ان يجدوا مخرجا مناسبا للعلاقة التي كانت تربط العائلة البطريركية بالانكليز منذ ان وطئَت قدما مستر براون ارض قوجانس .. هذه العلاقة التي جلبت الويلات على شعبنا منذ اغتيال قداسة الشهيد مار بنيامين حتى نكبة سميل التي كانت بمثابة القشة التي قصمت ظهر البعير .... هل ننسى كيف تم ابعادُ اغا بطرس عن القوات التي شكلت في همدان لانه اراد ان يقودها عائدا الى اورميا لانقاذ اكثر من خمسة عشر الف اسير قبل ان يتم ذبحهم ؟ وهل نسينا كيف تمت عملية خداع الشعب بعدم ارسال اغا بطرس المنتخب من غالبية الشعب الى مؤتمر السلام وارسال سرمة خانم بدلا عنه الى انكلترا لتقضي ثمانية اشهر في احد  الاديرة التي لا علاقة لها بمؤتمر السلام ؟ وهل وهل وهل ؟؟؟؟؟ كل هذه الامور حدثت وغالبية الشعب كان يعلم ان الانكليز يسيُّرون الاثوريين وفق ما تقتضيه مصلحة بريطانيا العظمى وليس وفق مصالح ألآثوريين ولكن سرمة خانم كانت تردد دائما على مسامع المشككين (لا تزعجوا اصدقاءَنا الانكليز بمطاليبكم فهم ادرى منا بحقوقنا) ... نعم كانت حقوقنا نتيجة هذه الصداقة هي القتل والذبح والتمزيق! ولكن المهم ان سرمة خانم منحت وسام القديس اوغسطين وهذا نص ما جاء في جريدة (ديلي تلغراف) والذي سبق ان نشرته في الاعداد السابقة:

منحت الليدي سرمة خاتون (عمة مارشمعون) وسام القديس اوغسطين تثمينا لعلاقاتها القوية بالكنيسة الانكليزية وتقديرا لخدماتها للانكليز في الحرب العالمية الاولى ... ديلي تلغراف / الاثنين 24 ك2 / 1966 ...والى الجزء الثالث والخمسين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو

8
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الواحد والخمسون
دور العائلة الشمعونية في محاولات اغتيال مناوئيها
« في: 12:19 25/09/2013  »

 ايها القراء الاعزاء لو استثنينا جريمة القتل التي ارتكبت في القوش بحق البطريرك حنانيشوع من قبل عمه بسبب الصراع على الكرسي البطريركي، ولو صرفنا النظر عن جريمة ابادة عائلة نمرود من قبل ابناء عمومتهم في قوجانس،علينا التوقف قليلا عند  جريمة اغتيال الشهيد مارشمعون بنيامين ومن كان وراءها ؟ فلقد كتب بعضُ المدافعين عن سرمة خانم قبل مدة بانه بعد الاستيلاء على قلعة اسماعيل أغا الشكاكي "سمكو" وجدوا فيها رسالة موجهة من الانكليز الى سمكو يطلبون فيها منه ان يغتال قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين وكما يقول المثل (من فمك ادينك ) فهل من المنطقي والمعقول ان سُرمة خانم لم تعلم بهذه الرسالة المزعومة أو لم تصل الى يدها خاصة بعد ان اصبحت هي المسؤولة عن ادارة الامور بعد مقتل شقيقها مار بنيامين ؟ وماذا كانت اجراءآتُها بخصوص هذا الموضوع الخطير ؟ كل الادلة اثبتت انها اخذت عائلتها وعائلة مالك اسماعيل والمقربين اليها والقوة التي بامرة العائلة والتي كان من المفروض ان تكون القوة الاحتياطية لتعزيز جبهة الدفاع عن اورميا واتجهت صوب همدان في نفس الليلة التي ترك فيها اغا بطرس اورميا متوجها نحو ساين قلعة لتلتقي باصدقائها الانكليز في همدان وتبدأ معهم لعبَ دور جديد خال من ضغوطات قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين والتي كانت تصب افكارُه في خدمة الامة وليس في خدمة الانكليز ومن تتبُّعنا للاحداث نجد ان هذه العلاقة القوية لم تُصِبها اية شائبة خلال حياتها والى يوم وفاتها رحمها الله ... لست انا الذي كتب عن الرسالة الانكليزية ولكنني كتبت استنادا على مصادري بانهم وجدوا في القلعة رسالة موجهة من قبل الايرانيين الى سمكو لاغتيال قداسة البطريرك وليس الانكليز ولكن الاخوان في محاولاتهم التبريرية بابعاد التبعية للانكليز اوقعوا انفسهم في فخ اكبر ويمكن للقراء الاعزاء ان يعودوا الى ارشيف المنبر الحر ويقرأوا ما كتبه احدهم عن جريمة اغتيال مار بنيامين.

محاولات الاغتيال في العراق:
1)   لم تكن سبب وفاة اغا مرزا شقيق اغا بطرس وفاةً طبيعية،  حيث إنَّ حرصه على مجابهة اعدائه بروحية المقاتل القائد كان يتوقع اغتياله من قبل عملاء الانكليز وبدفع منهم في اية لحظة! ولهذا السبب كان اثناء عودته من تلكيف ليلا بالسيارة قد حمل مسدسه بيده واضعا اصبعه على الزناد لمواجهة ايِّ موقف طاريءٍ مما ادى الى انطلاق اطلاقة من مسدسه على فخذه نتيجة ارتطام السيارة باحدى الحفر الكبيرة في الطريق، فنتج عنه نزيف شديد تسبب في وفاته... مُنع اغا بطرس من حضور مراسيم دفنه في الموصل فقام ملك خوشابا ومالك خمو البازي وبقية الرؤساء بهذا الواجب لهذا القائد الذي قضى حياته في ساحات المعارك دفاعا عن امته...
2)   محاولة اغتيال ملك خوشابا الاولى سنة 1920:
هذه رسالة الاسقف مارياوآلاها ادرج ترجمتها نصا ( سبق ان نشرت نص الرسالة الاصلية مكتوبة بخط يد سيادته من شيكاغو)
شيكاغو الينويس 19 تشرين الثاني
سيادة ملك خوشابا المحترم
اقدم اشواقي واحتراماتي. وبعد التحية ارجو من الله ان تكونوا وعائلتكم الكريمة بصحة جيدة ..
منذ مدة لم استلم منكم رسالة ولكني اعلم بان سيادتكم مشغول جدا بقضايا الملة.
صديقي العزيز الله يبارك اعمالكم المجيدة لامتكم. حقيقة، ان خدمات عائلتكم الجليلة ومنذ القدم للامة الآثورية لا يمكن ان ينساها اي فرد من هذه الامة. ولكن ماذا اقول لسيدي مارشمعون والشمعونيين الذين لا يحترمون انفسهم ولا ألآخرين أيضاً! وانهم بهذه الطريقة لا يمكنهم ان يحافظوا لا على انفسهم ولا على غيرهم. ومع ذلك فلا تعتقد ايها العزيز بانهم قادرون على اذلالك واذلالي او إذلال الغير، بل انهم يُذلون انفسهم  ويصبحون مسخرة امام الطائفة والعالم. نحن متالمون جدا لما صدر منهم من اعمال عدوانية ضدكم وفي كل قضية، الا ان الله لا يترك الحق ويتمسك بالباطل ابدا. لقد وضعنا انفسنا أمام فوهة المدافع من اجلهم الا انهم مع ذلك تعمى عيونُهم عندما يرون تقديم اقل تقدير او احترام من الملة لنا دون ان يفكروا بان التقدير والاحترام لا يقدم الا لمن يستحقه.  فسيروا أنتم للامام على بركة الله ونحن صامدون معكم حتى الموت وسوف لا نترككم حتى المعول والمجرف (القبر) فلتعمل سرمة خاتون ما تشاء دون تقصير، اذ اننا واعون ولسنا من الاموات. وفي الحقيقة كنا نحب عائلة مارشمعون الا انهم لا يرغبون بذلك. فليفعلوا ما يشاؤون وليبقوا رؤساء ما استطاعوا الى ذلك سبيلا . ان اهالي ماربيشو قد كتبوا ضدكم وضد اغا بطرس كثيراً، وقد جاء لطرفكم شاب اسمُه منصور من هنا لاغتيالكم واغتيال اغا بطرس فعليكم تدبر امره. ان هذه الاعمال التخريبية كلها صادرة من ماريوسف خنانيشو الذي يمثل دور المعارض ضدكم وضد اغا بطرس هناك .
عزيزي ارجو ان تكتبوا بعض الرسائل الى الملة الآثورية الموجودة هنا لانها باجمعها تؤيدكم وتؤيد اغا بطرس ما عدا اهل ماربيشو الذين هم وحدهم يقفون ضدكم، الا اننا سنكسر رقبتهم هنا بعد برهة باذن الله وانتم بدوركم هناك . تحياتي لاغا بطرس .... خادمكم المخلص يوآلاها .....

مؤامرة اغتيال ملك خوشابا الثانية:
مما يجدر ذكره بعد انقلاب مايس 1941 وعودة الانكليز للقبض بيد من حديد على مقاليد الامور في العراق وفرض سيطرتهم التامة على شؤونه الداخلية والخارجية. قاموا برد اعتبار لاصدقائهم والمرتبطين بهم من العرب والاكراد وألآثوريين واعادوا تعيين هؤلاء في المراكز والمناصب الحساسة في الدولة مثل وزارة الداخلية وفي ادارات الالوية خاصة الشمالية منها لتنفيذ سياسة تستهدف ضرب العناصر الوطنية وتفتيت الجبهة الداخلية وبث الفرقة فيها . اما بخصوص اصدقائهم الاثوريين فقد قاموا بنقل مار يوسف خنانيشو بطائرة عسكرية خاصة الى (قبرص) للاجتماع بابن اخته مارشمعون وسرمة خاتون واعادته . بعدها باشر مار يوسف نشاطا ملحوظا في التحرك بعد سبات منذ 1933 مستخدما سيارات الانكليز العسكرية وحمايتهم من الحبانية التي اتخذها مقرا شتويا له متنقلا بين الوية الموصل وكركوك واربيل. وفي موسم الصيف يصعد الى مصيف سر عمادية حيث يعسكر الليفي. وتم تعيين اقاربه في وظائف خاصة في السفارة البريطانية وقنصلياتها. اما الخطوة الثانية فهي دعوة مالك ياقو مالك اسماعيل للعودة من سوريا والتطوع ثانية في قوة الليفي الموضوعة في خدمة الانكليز .  والخطوة الثالثة كانت اتفاق الزعامة الدينية الاثورية في الحبانية مع قيادة وضباط الليفي على اعداد محاولة لاغتيال ملك خوشابا وتصفية رفاقه! فرسموا الخطة وامروا بجمع الاموال من اتباعهم في الحبانية من منتسبي الليفي واختاروا الزمرة المنفذة بزعامة (اسطيفانوس شمعون) الملقب بجورج ابو ماركريت من عشيرة جيلو الصغرى الذي تظاهر بقبول المهمة ووعد بتنفيذها .. وفي دارمارزيا سركيس في بغداد حيث صادف وجود ملك خوشابا الذي جاء من الموصل للعلاج توافد جمع كبير من المواطنين الاثوريين على مقر الاسقف لتهنئته بمناسبة عيد الفصح، وقف جورج في المجلس امام الحاضرين وطلب الاذن بالكلام وقال (اعترف امام الله وامام سيادة الاسقف وامام ملك خوشابا وامامكم بانني مكلفٌ من قبل الزعامة الاثورية في الحبانية باغتيال ملك خوشابا مقابل مبلغ كبير من المال) ثم كشف عن تفاصيل الخطة الموضوعة لذلك واردف قائلاً: (ولكنني بعد الامعان والتفكير في الامر تساءلتُ مع نفسي لماذا اقترف مثل هذا العمل وكيف لي ان اقتل انسانا بارا وصالحا لم نرَ منه الا العمل المخلص والخدمة الصادقة لكل الاثوريين وذا نوايا طيبة اتجاهنا جميعا! وإن فعلت ذلك كيف لي التخلص من غضب التياريين وانتقامهم؟) يقينا ان دماء غزيرة كانت ستراق، وان فتنة اثورية ضارية كانت ستنشب يستحيل التكهن بمداها لو قدر للامر ان يقع. ولكن رد ملك خوشابا لم يكن انفعالبا فلم يقم بشكوى قانونية ضدهم في المحاكم ولو ان اركان الدعوى القضائية متوفرة، ولكنه حاول بهدوء وتعقل متميز اعطاء درس لا ينسى للمسيئين اصحاب النوايا الخبيثة. فكتب لتلك الزمرة المتآمرة رسالة مطولة ذكرهم فيها بكل اعمالهم المخزية التي سببت المآسي والكوارث للاثوريين المساكين والتي يستحقون عليها القتل والموت مرات عديدة لا ان يقتل من كان سببا في خلاص هذه الامة والمحافظةعلى ما تبقى منها . وسالهم هل حقا تجرأون على قتلي الان وعهدي بكم انكم جبناءُ رعاديد في ساحات الوغى تفزعون من النظر الى وجهي وتخافون المرور من على جثتي! فمن اين يا ترى حصلتم على هذه الشجاعة ألآن ؟؟؟؟؟؟


محاولات الاغتيال في سوريا:
من كتاب (النضال الاشوري من اجل البقاء) تاليف مالك لوكوشليمون بداوي التخومي ...
بعد ان استقر الاثوريون الذين هاجروا الى سوريا في منطقة الخابور وجدوا ان الوعود التي كانوا قد سمعوها من العائلة الشمعونية  التي صورت لهم هذه المنطقة كجنة عدن، بدت كجحيم قياسا الى المناطق والقرى الجميلة التي كانوا يسكنونها في العراق والموارد التي كانوا يجنوها من اعمالهم الزراعية وتربية الحيوانات تكفيهم للعيش بكرامة حالهم حال سكنة المنطقة من العرب والاكراد لا بل كانوا افضل حالا منهم، ومن ناحية التسليح ايضا كانوا يشكلون ثقلا دفاعيا لا باس به إذ  في الفترة بين عام 1920 – 1933م لم تجرأ ايٌّ من العشائر الكردية او العربية التحرش بهم. ولهذه الاسباب مجتمعة حاول البعضُ منهم العودة الى قراهم في العراق اما الذين لم يتمكنوا من ذلك، فاصبحت اعينهم مُحدقةً بعصبة الامم التي ربما قد تجد لهم دولة اخرى تقبلهم لينتقلوا الى حال افضل.  وفي هذه الفترة اي منذ 1934 برز خمسة اشخاص ينشطون في هذا الاتجاه وهم (مالك لوكو شليمون التخومي، مالك دانيال، مالك اسماعيل، ليون دنخا الشمعوني، مقصود نيخو، والرئيس شليمون زومايا) وكان نشاطهم هذا مدعوما في البداية من قبل قداسة البطريرك المُقيم في قبرص . الا ان قداسته عاد بعد عدة سنوات ليغير رأيه ويضع العراقيل امام ايِّ توجه للهجرة من الخابور، بعد ان لمس بوجود فائدة مادية كبيرة له في بقائهم غير مُبال بماساتهم (هذا ما سنراه في الرسالتين اللتين ارسلهما قداسته الى اهالي خابور، سانشرهما في الاجزاء المقبلة) .
تهديد مالك لوكو شليمون التخومي بالاغتيال من قبل مجهولين:
في هذا الجو المشحون تلقيت رسالة التهديد بالاغتيال وقد ترجمتها حرفيا مع اخطائها الاملائية والنحوية .....
(مضمون الرسالة) الى لوكو شليمون بداوي التخومي:
قبل اتخاذ ايِّ اجراءٍ، نرغب في تبليغك وعليك الاذعان،  وإلا فإن حياتك ستكون في خطر.
نحن كاتبو هذا الانذار، مجموعة من الشباب الاشوري (الفدائي) الذين لا يهتمون لحياتهم. وبعد دراسة لنشاطاتك لمدة طويلة قد توصلنا الى كونك اول من أثار المشاكل بين الاشوريين، وسيتم اعتبارك المسؤول الاكبر عما سيحدث في المستقبل. عليك تنفيذ الاوامر المحددة التالية:
1)   انت لستَ مالك (رئيس) تخوما كما تُطلق على نفسك حاليا. الرئيس المناسب يجب ان يكون قد حصل على  شهادة بذلك موقعة ومختومة من قبل البطريرك مارشمعون.
2)   عليك مستقبلا طاعة كل الاوامر الصادرة من البطريرك مارشمعون وان تكون مخلصا لاتباعه.
3)   عليك حالا ايقاف جميع نشاطاتك ضد قائدك المعترف به بين جميع الامم والشعب الاشوري.
4)   عليك حالا انهاء كل علاقاتك مع يوسف مالك لكونه خائنا لشعبنا (ويُقصد به يوسف مالك التلكيفي الكاتب المشهور وسكرتير مار شمعون سابقا) .
5)   اذا تجاهلت كلَّ ما ذكر آنفا، فان حياتك ستنتهي في القريب العاجل، لاننا لا نريد ان يكون هناك بطريرك وخوشابا آخر.
(مرسلة من الجمعية السرية).....
هذا بالطبع لم يكن التهديد الاول بالإغتيال ، ولا ان المؤلف وحده قد تعرض لذلك، فالناس في مواقع القيادة الذين اتخذوا قرارات تؤثرعلى حياة وحسن حال الاخرين عليهم توقع بعض ردود الفعل من الناس المتاثرين من ذلك ... ولكنهم حين يلجأون الى الاغتيال فذلك مؤشر على ذوي الشخصية المنحطة والافلاس الاخلاقي ... ولقد تعرض آخرون للاغتيال في العراق سابقا امثال اغا بطرس وملك خوشابا ...
محاولة الاغتيال الثانية:
(يومو قاسم) شخص مصاب بجنون الاضطهاد، تم استخدامه كقاتل لتصفية المناوئين:
ان يومو قاسم المذكور كان يعاني من مشكلة عقلية (جنون الاضطهاد) منذ طفولته، وكان يمتلك مسدسا، فقام النقيب الفرنسي (فيليود) المسؤول العام عن المخيمات الاشورية في الخابور بسحب المسدس منه كاجراء احترازي وسلمه الى (رومي) زوجة شليمون شقيق مالك دانيال ومالك ياقو اولاد مالك اسماعيل لكي لا يتمكن من استخدامه في اوهامه الجنونة. وعندما عادت (رومي) من قبرص بعد زيارتها لشقيقتها سرمة خانم وابن شقيقها مارشمعون اعادت المسدس الى يومو، وتبين انها قد زودته بالتعليمات لما يجب ان يفعل به... الخطر الكامن في وضع سلاح في يد شخص مضطرب عقليا شيء واضح تماما... والاسوا من ذلك، ان الامر لا يتطلب جُهداً في اقناع مثل هذا الشخص للقيام بعمل يفكر به الشخص السوي اكثر من مرة قبل الاقدام عليه او يرفضه مباشرة. اما السيد ليون دنخا الشمعوني كان يعيش لوحده ومن اجل تمضية الوقت تعود على اصطحاب يومو والذهاب في زيارات اجتماعية للجيران، ثمَّ كانا يعودان الى دار ليون في منتصف الليل تقريبا لشرب الشاي معا، ويعود يومو بعد ذلك الى داره...
في يوم من ايام 1937 رافق ليون يومو كعادته وذهبا لزيارة الجيران، ثم عادا الى بيت ليون في الساعة 11:30ليلا وبينما كان ليون متقدما عن يومو وهو مطأطأ الرأس ليتمكن من الدخول من الباب الرئيسي الصغير اطلق يومو النارعلى ليون من الخلف فجأة وبشكل غير متوقع، واخطأت الرصاصة باصابة قلبه بسنتمتر واحد طبقا لتقرير الدكتور (فريشو) الطبيب الذي عالجه في بيروت. ثم هرب يومو من مسرح الجريمة مباشرة بعد ارتكابها وحاول دون جدوى مغادرة سوريا الى العراق ... وبالنسبة الى ليون فقد تم تبليغ النقيب"فيليود"من قبل سكان القرى المحليين فذهب مباشرة لرؤية ليون وحين ادرك خطورة حالته وان حياته معلقة بخيط رفيع طلب النقيب فيليود طائرة بشكل عاجل مرسلة من حلب لنقله الى مستشفى في بيروت من اجل علاجه واجريت له عملية جراحية وتم انقاذ حياته.... وكان ليون يتكلم الفرنسية وقد عمل مترجما لدى النقيب فيليود... وفي نفس ليلة الحادث ذهب النقيب فيليود من تل تمر الى الحسكة وابلغ السلطات في المحافظة عن الجريمة . وطلب اخطار كل البلدات في الجزيرة ليبذلوا الجهد في عدم السماح ليومو للهروب من سوريا... وشوهد يومو بالقرب من احدى القرى في المنطقة، وتمت مطاردته وطُلب منه التوقف لكنه شرع باطلاق النارعلى ملاحقيه فحدث تبادل لاطلاق النار اصيب يومو فيها في فخذه بعد ان استنفذ اطلاقاته فلم يستطيع الهروب بفخذ مكسورة. فتم القاء القبض عليه وتسليمه للسلطات الحكومية... وعندما اخذت افادته عن طريق ترجمة الدكتور يادكار افاد يومو(انه تم تلقينه من قبل رومي قائلة له: هناك خمسة اشخاص يعارضون مارشمعون ويجب القضاءُ عليهم وهؤلاء الاشخاص هم: مالك لوكو ومالك دانيال وليون دنخا الشمعوني ومقصود نيخو والرئيس شليمون زومايا) وثبت في التحقيق، انه كان ليومو شركاء في هذا العمل وقد جاء احدهم واعترف وطلب المغفرة من ضحيته المحددة والذي كان (مالك دانيال ابن مالك اسماعيل شقيق زوج رومي) والذي كان من المفترض اغتياله في تلك الليلة. ولا نريد هنا ذكر اسم القاتل ولا السبب الذي من اجله اراد قتل مالك دانيال الا ان اسمه ليس سرا على ابناء تياري في تل تمر... الله هو القاضي وسيجازي كلَّ واحدٍ حسب اعماله ونواياه وقد اعترف القاتلُ بانه قد وضع مالك دانيال مرتين في مرمى سلاحه ولكنه اصيب بالرعب قبل الضغط على الزناد واضاف بانه شعر وكأنَّ صوتاً ما قد اخبره بعدم فعل ذلك .....انتهى الاقتباس .....

ايها القراء الاعزاء، هنا لنا وقفة اخرى: من خلال قراءة هذه الاحداث المأساوية نجد ان عمة البطريرك رومي شقيقة سرمة خانم ومن العائلة الدينية (المقدسة) والتي من المفروض ان تكون ابعد الناس عن التورط في امور التآمر على القتل، تتآمر على قتل شقيق زوجها واربعةٍ آخرين والسبب الوحيد كان لان هؤلاء الخمسة ارادوا ان يجدوا مخرجا آخر لاهلهم لمُغادرة الخابور، وهذا المخرج كان سيسبب خسارة مادية لهذه العائلة التي كانت تستغل مأساتهم في جني الاموال من اميركا (485 الف دولار) استلمها البطريرك ولم يسلم لاهل خابور منها سوى 1500 دولار اي ان حصة كل فرد لم تتجاوز (20 بنس )... هذا ما ورد في كتيب يوسف مالك التلكيفي السكرتير السابق لقداسة البطريرك واسم الكتيب (الله والحق) الصادر في ايار 1948 الحسكة / سوريا.... وتمر السنون حتى عام 1975 حيث يعود المشهد المأساوي للظهور في هذه العائلة من جديد فيقوم داود بن مالك ياقو شقيق زوج رومي بعملية اغتيال قداسة البطريرك مار ايشاي شمعون ابن شقيق رومي ..... وهكذا بدأت مآسي العائلة الشمعونية بمأساة القوش وانتهت بمأساة كاليفورنيا مرورا بمآسي قوجانس واورميا. وكمسيحيين نقول رحمة الله على كل من قتل وكل ومن توفاه الله. ان كلمة القداسة لها معناها الروحي الخاص بها والذي لاجله تم تقديس تلك الشخصية، ومن الصفات التي تتوفر في القديسين هي المنجزات الانسانية المتميزة والتضحية بالنفس من اجل المعتقد الروحاني والنسك والابتعاد عن الامور التي تدعو الى سفك الدماء والصدق مع الجميع حتى مع الاعداء والتعفف عن جمع الاموال وعدم الاستيلاء على اموال الآخرين (فكيف اذا كانت هذه الاموال هي اموال الفقراء واليتامى والارامل!) إنَّ هذا الامر يسري على كل شعوب العالم باستثناء شعبنا الذي انفرد البعضُ منه الى تقديس من هو ابعد ما يكون عن القداسة ...... فهل الذي يتسبب في مقتل ألآلاف من ابناء شعبه من اجل حصوله على مركز دنيوي يعتبر قديسا؟ وهل مَن يتآمر لاغتيال مناوئيه حتى من اقربائه لا لشيء سوى لانهم حاولوا ان يجدوا مأوى لهم أفضل من سوريا، ولأنَّ ذلك يؤدي الى خسارة مصدر رزق هذا القديس في حالة مُغادرتهم، لذلك حاول منعهم وبقاءَهم في حالة الفقر والعوز ليستطيع عن طريقهم استجداء مبالغ كبيرة  من دولارات المحسنين في اميركا فهل يعتبر هذا قديسا ؟ وهل الذي يتبوأ اكبر مركز ديني في كنيسته يمنعه من الزواج والانجاب يخرق قانون الكنيسة الذي من المفروض عليه حماية هذا القانون فيقوم بالزواج والانجاب وإصدار اوامره لكافة المطارنة والاساقفة للاقتداء به يعتبر قديسا ؟ إنَّها اسئلة تتطلَّب الإجابة فهل ذلك باستطاعة المُرتزقة؟ والى الجزء الثاني والخمسين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو

9
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخمسون
علاقة السلطة الزمنية لمارشمعون بمذابح بدرخان بك
« في: 07:58 04/11/2013  »

اعزائي القراء لم يكن من ضمن المسلسل التلريخي الذي دابت على كتابته ادراج هذا الموضوع ولكنني وجدت ضرورة ماسة في إدراجه لكي يطلع هذا الجيل على الحقائق التي حاول ويحاول مشوهو التاريخ لتحريفها في الاتجاه الذي يصب في خانة الصورة المحرفة التي ما فتئَت العائلة الشمعونية من ترديدها سواء في الرسائل التي ارسلها مارشمعون الى السلطات العراقية او الى المحافل الدولية ألا وهي تاريخ حصول العائلة الشمعونية على السلطة الزمنية والتي ادعى فيها مارشمعون بانه ورثها من اجداده منذ عهد القاجاريين والخانات المغول ووووو ... والحقيقة ان هذا الادعاء كغيره من الادعاءات لا علاقة له بالواقع، فهو محض سيناريو من تاليف واخراج هذه العائلة، وسوف تثبت الوقائع التي سادرجها مدى مصداقية هذا الادعاء، وأنا الدكتور كوركيس مردو بدوري كباحث ومؤرخ قومي وكنسي أعتبر إدِّعاء المرحوم البطريرك ايشاي شمعون بوراثة السلطة الزمنية من أجداده إدِّعاءً لا صحة له إطلاقاً...
منذ حوالي ثلاثمائة سنة اخذ المبشرون الكاثوليك القادمون من روما وبترخيص من الباب العالي يؤمون الموصل ونواحيها بكثرة وبامكانيات مادية كبيرة مما ادى الى إحداث تحوُّل عن المذهب النسطوري السائد في منطقة الموصل / العمادية لصالح المذهب الكاثوليكي...
الا ان احد ابناء قرية القوش من العائلة الأبوية "بيت ابونا" المدعو دنخا اقدم على قتل حنانيشوع ابن اخيه اثناء الصلاة في الكنيسة انتقاما لإختياره من قبل أبناء عشيرته الأبوية بطريركا، مُفضلينه على إبنه  ايشوعياب، حيث كان حنانيشوع أكثر ثقافةً وعِلماً مِن ايشوعياب. وبعد ارتكابه لجريمة القتل، هرب مع عائلته وأقاربه الى اورميا وهناك رسم بكريركاً على المذهب الكاثوليكي، وبعد ارتداده الى النسطرة نقل كرسيه الى قوجانس سنة 1621م  بأمر من أمير جولمرك الكردي الذي كان يحكم منطقة هيكاري آنذاك، إذ لم يسمح له ان يكون مقامه مع عائلته في منطقة عشائر الكلدان النساطرة "الآثوريين" خشية أن يؤثِّر مقامُه بينهم على أفكارهم وتقاليدهم التي لا تتعدّى غير معرفة لغة السيف والقسم باسم الأمير.  وفي قوجانس حمل لقب مارشمعون الثالث عشر دون منافس او معارض وكانت الاسرة الأبوية التي تحوَّل إسمها الى الشمعونية نسبة الى اسم بطاركتها الذين اتخذوا من اسم شمعون لقباً لهم، والنازحة من القوش تضم ثلاثة اخوة هم بنيامين،  واسحاق،  وناثان. وقد جرى الإتفاق بينهم على تناوب أبنائهم السدة البطريركية التي غلب عليها "السدة الشمعونية". لكن بعد وفاة مارشمعون اوراهم رسم أخوه روئيل أو"روبين" بن بنيامين خلفا له خلافا للاتفاق سنة 1860م.
 في عهد روئيل "روبين" باشر المبشرون الانكليز وبالاتفاق معه سرا بالتدريس في المدارس النسطورية في اورميا ووان وبيباد ضمن الدولة العثمانية الى سنة 1914م، ولم يفصح مارشمعون لاحد عن غايته من هذا الاتفاق الذي تم بين الكنيستين الانكليزية والنسطورية بل بقي مضمون الاتفاق سرا غامضا الى يومنا هذا.  وكان المستر براون ممثل الكنيسة الأنكليكانية (الانكليزية) قد جاء الى قوجانس وبنى لنفسه فيها بيتا بجوار دار مارشمعون روئيل وكانت سرمة خانم بنت اخ مارشمعون روئيل قد تتلمذت على يده، وكان المستر براون يساعد عائلة مارشمعون مادي ولدى وفاته سنة 1910م، دفن في قوجانس. عندئذٍ نشب الخلاف بين الإخوة الثلاثة واشتد النزاع بينهم حول حق العائلة الشمعونية المؤلفة من ثلاثتهم بالتركة المالية للمستر براون وبالأرباح المتاتية من العشائر والكنائس النسطورية التي جلبت لهم الغنى والثراء. وعند وفاة مارشمعون روئيل سنة 1903م، اضطرَّ البطريرك روئيل قبل وفاته وبضغطٍ من المُرسلين الأنكليكان الإنكليز ورؤساء بعض العشائر النسطورية المتنفذة لرسم بنيامين ابن شقيقه بدلاً من أخيه ناطر كُرسيِّه المطران ابراهيم، وجرى ذلك بغياب ابراهيم الذي أرسله أخوه البطريرك روئيل الى الموصل للتفاوض مع البطريرك الكلداني الكاثوليكي حول وحدة الكنيستين الكاثوليكية والنسطورية. وهكذا أُنيط المنصب البطريركي بالفتى اليافع البالغ من العمر السادس عشر عاماً عام 1903م. وقد تعرَّض هذا البطريرك للإغتيال عام 1918م على يد الأغا اسماعيل الشكاكي الكردي. وكان لكل من عائلة اسحاق وناثان اسقف منذور يأمل كُلٌّ منهما ان تؤول اليه البطريركية الشمعونية بعد وفاة المارشمعون روئيل، الا ان آمالهم خابت لان عائلة بنيامين كانت الأقوى وتحظى بتاييد معظم الناس طالما كانت موائدها منصوبة لكل طارق سواء كان كرديا او آثوريا او موظفاً حكومياً وكان نمرود (عميد اسرتي اسحاق وناثان واحد المطالبين بالبطريركية الشمعونية لعائلته) قد سافر الى الموصل بمعية الأسقف ابراهيم وأسقف آخر للاتصال بالكنيسة الكاثوليكية بغية الاتفاق معها على غرار اتفاق مارشمعون روئيل مع المستر براون والكنيسة الانكليزية. ومنذ مجيء البطاركة الشمعونيين الى منطقة هكاري مارسوا نفس النهج الذي كان سبب الخلاف والانشقاق في الكنيسة الكلدانية النسطورية في القوش. تخلوا عن قوانين الكنيسة الإنتخابية التقليدية التي كانت تجري قبل عهد البطريرك شمعون الرابع الباصيدي الذي سنَّ قانون وراثة المنصب البطريركي وحصره بأبناء عشيرته الأبوية "آل ابونا" وتعدى ذلك الى رسم المطارنة والاساقفة بالطريقة نفسها فجُعل انتقال هذه الرتب الدينية العليا وراثياً بعد ان كانت تنتقل عن طريق الانتخاب فانحصرت في عوائل معينة فقط، ولكن من أجل وضع حدٍّ لسلطتها في هذا الشان اشترطت العشائر النسطورية عدم جواز رسم البطريرك الا بعد الحصول على موافقة جميع الملوك (جمع مالك) ورؤساء وكهنة أبناء العشائر ألآثورية النسكورية، وبقي هذا الشرط معمولا به الى سنة 1920 م حيث اهمله المطران يوسف خنانيشو عندما قام برسم ابن اخته ايشاي بن داؤود البالغ من العمر 12 سنة فقط بطريركاً باسم مارشمعون الواحد والعشرين، بتاييد قلة ضئيلة جداً من ألآثوريين وبحماية الانكليز ...
كان مارشمعون يزور العشائر ألآثورية مرة كل ثلاث سنوات بترخيص من الاميرالكردي للتداول مع رجال الدين في امور تتعلق بادارة الكنيسة وتنظيمها وكان على كل فرد من ابناء هذه العشائر ان يتبرع له بمناسبة تلك الزيارة مبلغا قدره 50 بارة على اساس 17 بارة لكل سنة كمساعدة مالية له واستمر هذا التقليد حتى سنة 1842م ...

تدمير العشائر النسطورية
لقد تم تدمير العشائر ألآثورية ما عدا عشيرة جيلو التي دفعت فدية وعشيرة باز التي عُفيَ عنها، لان افرادها كانوا بنائي كردستان على يد بدر خان بك امير بوطان ونوري بك امير هيكاري وزينل بك امير البروار... اذ كانت الكنائس والاديرة النسطورية في منطقة هيكاري تملك اراضي زراعية وكان امير هيكاري يستغلها لمصلحته حيث كان يؤجرها عن طريق المزايدة لمدة ثلاث سنوات لافراد العشائر النسكورية لقاء مبلغ من المال وكمية من محاصيلها الزراعية من الرز والسمسم يدفعها له هؤلاء الافراد حتى سنة 1842م حين شعرت هذه العشائر بانه ليس من الحق والعدالة ان يتصرف الاميرُ باملاك كنائسها واديرتها التي هي ملكها وهي الاولى بالتصرف بها، لذا امتنعت كلٌّ من عشائر ديز وتياري العليا وتياري السفلى وتخوما من تسليم املاك كنائسها الى الامير الذي غضب جدا لذلك واعتبر الامر تمرداً عليه وتحديا لسلطته ومكانته وعزم على معاقبتها والانتقام منها. وبما ان عدد رجال العشائر النسطورية في امارة هيكاري كان مقاربا لعدد رجال الاكراد فيها وقوة الكلدان النساطرة "الآثوريين" القتالية افضل، لذلك لم يتجرأ اميرُ هيكاري (نوري بك) على التحرش بها، فاستنجد بكلٍّ من امير البوطان بدرخان بك وزينل بك امير البروار لتدمير العشائر النسطورية، فصادف هذا الطلب رغبة في نفس الاميرين المذكورين للانتقام من هذه العشائر التي اوقعت بهما خسائر كبيرة في معارك سابقة اضافة الى ان بدرخان بك كان يسعى لتوحيد الامارات الكردية تحت نفوذه وقيادته، لذلك كان يطمح لازالة كل العراقيل عن طريقه فقبل العرض بسرور لقاء حصولهما ظاهريا على غنائم وقسم من املاك ألآثوريين وعليه قام الامراء الثلاثة (المتحالفون) بجمع جيش جرار من اتباعهم قوامه عشرات ألآلاف من المقاتلين كما تذكر اغلب المصادر (كان لعامل الدين اثر كبير في تحشيدهم) وكان هذا الجيش احسن تسليحا واكثر تنظيما مقارنة بالمقاتلين ألآثوريين اضافة الى ان عددهم يفوق المقاتلين ألآثوريين بعدة اضعاف وكانت استراتيجية الامراء المتحالفين تقضي بتطويق كل العشائر المراد تدميرُها في آن واحد من كل الجهات ومن ثم الانفراد بالهجوم عليها الواحدة تلو ألآخرى مع الاستعداد لتغيير الخطة وضرب اية عشيرة تتحرك لنجدة العشيرة المهاجمة، لذلك اضطرت كلُّ عشيرة آثورية لمقاتلة المهاجمين على انفراد وضمن جبهتها المواجهة للاكراد او البقاء على الاستعداد لمواجهة الهجوم الذي يتوقع حدوثه في اي لحظة.
لهذه الاسباب كان من المستحيل وضمن تلك الظروف اتحادُهم او توحيدُ قواتهم او تبادلُ النجدات وتوجيهُها لصد الهجوم في نقطة معينة من الجبهة لان ذلك سيكون على حساب اخلاء (افراغ) نقاط اخرى من جبهتهم التي يسهل حينئذ خرقُها لذلك كان (حكم الاضطرار) ان تقاتل كلُّ عشيرة بامكانياتها الذاتية وعلى ارضها دون ان تتمكن من التحرك لمساعدة شقيقتها المجاورة او ان تتوقع العون منها ....
الهجوم على عشيرة ديز:
بدا الهجوم الكردي على قرية قوجانس مقر الكرسي البطريركي التي تركها مار شمعون اوراهم والتجا مع عائلته واهل القرية الى جبال وقلاع عشيرة ديز القريبة دون قتال. استمر زحف القوات الكردية نحوعشيرة ديز واخذت تدمر وتحرق القرى ألآثورية وتقتل من فيها فتحصن الرجال المقاتلون الشجعان من هذه العشيرة في قلاعهم المنيعة وقاتلوا الاكراد المهاجمين قتالا مريرا وخاصة في قلعة ديز الشهيرة التي كان مارشمعون واخوته قد اعتصموا فيها . الا انه بعد قتال شديد ودفاع مستميت اضطر مارشمعون للهروب ليلا متجها نحو الموصل لرفع الشكوى ضد الاكراد امام الوالي التركي. اما اخواه دنخا وبنيامين فبقيا مع بعض المقاتلين في القلعة يقاتلون ببسالة لا نظير لها  حتى نفذت ذخيرتهم وتعطلت مقاومتهم للمهاجمين الذين كانوا يتفوقون عليهم عددا وعدة، فدخل الاكراد القلعة وقتلوا واسروا الكثيرَ من ابناء هذه العشيرة الباسلة ومن ضمنهم القس صادق شقيق مارشمعون ووالدته وهكذا تم تدمير هذه العشيرة الصغيرة بعد ان قاتلت القوات الغازية المتفوقة عليها بعشرات المرات قتالا مريرا تُضربُ به الامثال .
الهجوم على عشيرة تياري العليا:
في شهر تموز سنة 1843 م بعد ان تم تدمير عشيرة ديز، توجهت قوات بدرخان بك نحو عشيرة تياري العليا بغية تدميرها فطوقتها من جميع الجهات وكان مقاتلو هذه العشيرة قد اتخذوا لهم مواقع دفاعية في جبالها المنيعة لمواجهة هجمات القوات الكردية المتفوقة على مُقاتليها عددا وعدة فوقع قتالٌ مريرٌ بين الطرفين في تلك الجبال والوديان وسقط في ارض المعركة مئاتُ القتلى من الجانبين. لم يكن لمقاتلي هذه العشيرة الباسلة ايُّ امل في النجاة، لذا استماتوا في القتال حتى انهار صُمودُهم بعد ان ادى كل مقاتل واجبه بشرفٍ وامانة الى ان سقط شهيدا في ميدان القتال دفاعا عن كرامته وارض اجداده، وبقي مالك اسماعيل (مالك اسماعيل هذا ليس مالك اسماعيل والد مالك ياقو بل هو جده) رئيس العشيرة محاصرا مع ثلاثة من رجاله في احدى المواقع الحصينة وقاتل ببسالة حتى نفذت آخرُ اطلاقة له وجرح . وعليه اضطر للاستسلام على شرف بدر خان بك فاقتيد الى مقره بمنطقة عينا كومتا (العين السوداء) الواقعة على حدود عشيرة تياري العليا مع عشيرة تياري السفلى حيث كان بدرخان بك مجتمعا برؤساء الاكراد. احضر مالك اسماعيل امام المجتمعين وبعد جدال حام وموقف شجاع من مالك اسماعيل نهض بدرخان بك وشهر سيفه فضرب عنق مالك اسماعيل وقتله غدرا ضاربا عرض الحائط كُلَّ الاخلاق والقيم العشائرية السائدة ...
 المصادر :
الدكتوركراندالمبشر الامريكي الذي كان شاهدا على هذه المعارك
تاريخ ألآثوريين لمؤلفه بنيامين ارسانس
تاريخ آشور في زمن المسيحية لمؤلفه يوناثان بيت سليمان

علاقة السلطة الزمنية للعائلة الشمعونية بمذابح بدرخان بك (الجزء الثاني)
« في: 15:23 13/11/2013  »

ايها الاخوة القراء اقرأ بين الحين وألآخر بعضَ الردود للذين يدعون الحيادية طالبين مني الكف عن الاستمرار في كتابة التاريخ! متهمينني بشتى انواع التهم الشخصية ومن خلال قراءتي لهذه الردود البائسة استنتجتُ بان هؤلاء القوم يدورون في دائرة مغلقة اساسها الخداع والتلفيق وتحريف الحقائق متخذين من الشعارات البراقة (المصلحة القومية كمثال) ذريعة لاسكات صوت الحقيقة التي حاول اسيادُهم ( متنفذو العائلة الشمعونية) إسكاتها لعدة عقود، ولكن دماء عشرات ألآلاف من ألابرياء الذين قضوا نتيجة اكاذيب ووعود وهمجية الاجنبي والعمالة المُطلقة له، لن تذهب سدى وستظل تلاحقهم حتى يوم القيامة، واقول لادعياء الحيادية بان قراء هذا المنبر ليسوا سذجاً الى درجة لا يفرقون بين من هو حيادي ومن هو غارق في تحيزه حتى اذنيه ...
اما الردود التي تفتقر الى الموضوعية وحسن الاخلاق فانني اترك امر تقييمها من قبل القراء ...
الهجوم على تياري السفلى :
هجوم بدر خان بك امير البوطان ونوري بك امير حكاري وزينل بك امير البروار على عشيرة تياري الكبرى (السفلى) .... في صيف عام 1843م حتى تشرين الاول تم تدميرُ كل من عشيرتي ديز وتياري العليا، ثمَّ جاء الدور على عشيرة تياري السفلى حيث اخذ امراء الاكراد الثلاثة يتحرشون بعشيرة تياري السفلى عن طريق زينل بك امير البروار الذي كان قد اسكنه بدرخان بك مؤقتا في بناية المدرسة التي كان المبشر الامريكي (كراند) قد شيدها في قرية اشيتا . فحاول زينل بك ان يجبي الضرائب من عشيرة تياري السفلى وذلك عن طريق بعض الاكراد الذين كان قد عينهم وكلاء له لهذا الغرض. الا ان ابناء هذه العشيرة قتلوا هؤلاء الوكلاء عندما حاولوا القيام بمهمتهم، كما حاولوا قتل زينل بك ايضا الا انه هرب ودخل قلعة كانت فيها قوة مخصصة لحمايته. وبعد هذا الحادث اجتمع رؤساء عشيرة تياري السفلى في دير ماركوركيس الكائن في ليزان وقرروا الدفاع عن حقوقهم وكرامتهم مهما كلف ذلك من ثمن واطلعوا العشائر الاخرى على الموقف طالبين العون منها. وعليه حمل كل فرد قادرعلى حمل السلاح سلاحه، فقدر عددهم بعشرة آلآف مقاتل تحت قيادة كل من مالك بتو (بطرس) وأخيه الشماس ننو ومالك جولو. أرسِلَ الشماس ننو على رأس قوة لمحاصرة زينل بك المحصن في قلعة اشيتا واجباره على الاستسلام قبل ان يطلب النجدة ويهدد مؤخرة قوات مالك بتو ومالك جولو المتمركزة في شمال قرية اشيتا لمواجهة قوات بدرخان بك المهاجمة والمتخندقة في وادي ليزان. فقام مالك بتو على راس القوة الرئيسية من مقاتلي تياري السفلى بالتصدي للقوات الكردية لمنع زحفها، واشتبكت قواتُه معها في تلك الوديان السحيقة والجبال الشاهقة في قتال ضاري لم يسبق له مثيل في تاريخ معارك العشائر، حيث جرى الإشتبك مع العدو بالسلاح الابيض والخناجر والايادي. ويقول الدكتور (كراند) الامريكي الذي شاهد تلك المعركة بانه سقط في ساحة القتال ما لا يقل عن عشرة آلآف كردي وحوالي خمسة آلآف وخمسمائة مقاتل آثوري. ولما اصيب مالك بتو بجرح بليغ في فخذه الايمن تمكن الاكراد من خرق صفوف رجاله حيث اشتبك الطرفان بالخناجر والسيوف وتمكن مالك بتو من النجاة مع رجاله المقاتلين من الانسحاب الى قرية اشيتا في وادي ليزان والالتجاء مع عوائلهم الى الكهوف الحصينة فتم حرقُ جميع قرى تياري السفلى، وضرب الاكرادُ الحصارَ على تلك الكهوف ولكنَّ المُقاتلين الأبطال فضلوا الموت على الاستسلام بالرغم من نفاذ مائهم. الا ان الاكراد حين علموا بذلك نادوا قائلين: قسما بشرف بدرخان بك بانهم سوف لا يصيبونهم بمكروه اذا تركوا سلاحهم في الكهوف وخرجوا مع عوائلهم ذاهبين الى الزاب لشرب الماء. ولما راى المحاصرون بانه لا سبيل لهم للنجاة فاما الموت من الجوع والعطش او قبول عرض الاكراد. لذا قرروا ترك بنادقهم في الكهوف واخفوا خناجرهم داخل ملابسهم لكي يدافعوا عن انفسهم وياخذوا بثارهم على الاقل فيما اذا غدر بهم. فخرج الجميع من تلك الكهوف على شكل رتل كبير طويل من النساء والاطفال يتقدمهم الرجال وعند بلوغ راس الرتل ضفة نهر الزاب وقبل ان يروي المقاتلون عطشهم بدا الاكراد بهجومهم الغادر على هذا الرتل الاسير المغلوب على امره وعليه شهر اولائك الرجال الشجعان خناجرهم المخفية واشتبكوا مع الاكراد في معركة خناجر بقلوب فولاذية واخذوا يروون عطشهم بالدماء عوضا عن الماء وارتفعت صرخات النساء وبكاء الاطفال وانين الجرحى الى عنان السماء في ذلك الوادي السحيق وطغى على صوت امواج مياه الزاب المرتطمة بالصخور ومن هول تلك المعركة الضارية التي لم ينج منها لاشيخ بدون اسنان ولا طفل لم تظهر له اسنان (على حد وصف الدكتور كراند الامريكي) ورواية من نجا من الموت ممن بقوا تحت اكوام الجثث من رجال هذه العشيرة. اما مالك بتو فبعد ان جرح وتمزقت قواته المقاتلة انسحب عبر الجبال بمساعدة احد رجاله الابطال الذي عبره الى الضفة اليسرى من الزاب واخذه الى قرية بعدري الكردية القريبة من قرية جال والتي كان اهلها مخلصون لعائلته لما كانوا قد لاقوه منها من الاحسان والمساعدة والرعاية والاحترام عبر القرون بالرغم من كونهم اكرادا. وفي تلك الظروف الحرجة اثبت سكان تلك القرية اصالتهم وعدم نكرانهم للجميل. اذ قاموا باخفائه ومعالجة جرحه لمدة اسبوعين حيث استعاد قوته قليلا ثم انتقل الى قرية (سرزر) الكردية الموالية لعائلة مالك بتو ايضا والواقعة على الحدود الفاصلة بين تياري وبرواري بالا الواقعة حاليا داخل الحدود العراقية لكونها بعيدة عن انظار الاعداء، وبقي مدة قصيرة تحت المعالجة من قبل اكراد قريتي دشتاني وسرزر في احد كهوف جبل سرزر الا انه نظرا لحلول فصل الخريف بجوه البارد تم نقله الى دار السيد عبدالله في القرية نفسها. وكان رجال بدرخان بك يفتشون عنه في كل ناحية ولما وصلوا الى تلك القرية واقتربوا من الدار التي كان مالك بتو فيها صرخ بهم صاحب الدار قائلا الستم مسلمين ؟ لماذا تدخلون بيوتنا عنوة ؟ فانصرف رجال بدرخان بك دون ان يعثروا على مالك بتو الذي بقي في قرية سرزر لمدة شهرين وبعد ان التام جرحه سافر الى الموصل حيث التقى بمارشمعون اوراهم هناك وقاما بمراجعة والي الموصل التركي محمد باشا لتقديم شكوى ضد المعتدين على العشائر ألآثورية النسطورية في منطقة هيكاري وبعد ان ملَّ مارشمعون من تلك المراجعات غير المجدية غادر الموصل الى اورميا في ايران عن طريق عين كاوة وشقلاوة.
وبعد وفاة الوالي محمد باشا جاء الى الموصل خلفه كوزلك باشا في الوقت الذي كان نوري بك امير هيكاري يحاول استعادة سيطرته ثانية على ألآثوريين في منطقة هيكاري، ونتيجة لجهود المستر هرمز رسام قنصل بريطانيا في الموصل وتشبثات ومساعي مالك بتو في الموصل ووان (لان منطقة هيكاري كانت من اعمال ولاية وان) جاءت الى جولمرك لجنة تركية برئاسة رئيس المفتشين اسماعيل باشا الملقب (قورط باشا) لتستفتي ألآثوريين فيما اذا كانوا يقبلون حكم الامير ثانية. وكان مالك بتو يمثل عشيرتي تياري السفلى والعليا معا، لان مالك اسماعيل رئيس عشيرة تياري العليا كان قد قتل من قبل بدرخان بك. حاول الاميرُ اقناع رؤساء ألآثوريين لقبول سيطرته ثانية باعطائهم وعوداً شخصية براقة الا ان مالك بتو وبقية الرؤساء كانوا له بالمرصاد، فاحبطوا كل محاولاته وقال مالك بتو لإسماعيل باشا (نحن لا نقبل ان نحكم من قبل شخص فعل فينا القتل والحرق والسلب دون ايِّ سبب مبرر لذلك، بل نريد حكم الدولة العادل الذي يحفظ لنا حياتنا واموالنا وحقوقنا وكرامتنا) ثم حاول الاميرُ ان يدافع عن نفسه الا ان اسماعيل باشا صرخ به واخرجه من مقره رافضا ادعاءاته الباطلة. وفي تلك الليلة هرب الاميرُ ومعه المديرُ وابنُ عمه وعوائلهم الى منطقة برد صور التابعة لموسى بك نوجيائي. عاد اسماعيل باشا الى وان واخبرَ السلطات التركية بهروب الامير نوري بك، فامرت الحكومة التركية قائد منطقة باشقلعة والباق الجنرال مشور بالتوجه مع قواته النظامية الى نوجيا حيث الامير الهارب. وهكذا القي القبض على نوري بك والمدبر وابن عمه وتم احضارُهم الى مقر الجنرال مشور في الباق حيث كان مالك بتو حاضرا مع القائد التركي المذكور ثم أُرسلوا مخفورين الى وان. الا ان المدبر مات في الطريق. وسال المشور مالك بتو عن مطاليبهم (العشائر ألآثورية) من الدولة العثمانية فاجاب قائلا : ان بطريركنا مارشمعون موجود ألآن في ايران، لذا نرجو ان تسمحوا لنا بالذهاب لاحضاره امامكم . فوافق المشور على ذلك بكل سرور وعلى اثر ذلك بلغ مالك بتو جميع رؤساء ألآثوريين بالحضورالى باشقلعة تهيئا للذهاب الى اورميا. وفي اليوم المحدد سافر الوفد الى اورميا عن طريق خان صور، ولما وصل سلامس اخبر مارشمعون الذي كان في اورميا بالتوجه لملاقاته فيها وعند وصول مارشمعون الى سلامس عاد الوفد معه الى باشقلعة وحضروا امام المشور حيث طلب مالك بتو من مشور بصفته ممثل الحكومة التركية ان يُنَصِّبَ مارشمعون اوراهم رئيسا للاثوريين وكان ذلك في عام 1850م . وعليه تم تسليم ادارة الكنائس الى مارشمعون عوضا عن الامير... (سوف يحتج بعض الحاقدين على تكرار اسم مالك بتو في كل المفاوضات وعدم ذكر اسماء الرؤساء ألآخرين ولقطع دابر هذا الحقد اقول لهم لان مالك بتو كان الوحيد بين الرؤساء الذي يتقن التكلم باللغة التركية ولهذا كان جميعُ الرؤساء يوكلونه للتكلم نيابة عنهم ) .....
قتل في هذه المعارك اثنان من اخوة مالك بتو واثنان من ابنائه اضافة الى زوجته
المصادر :
اولا : المبشر الامريكي الدكتور كراند
ثانيا : كتاب تاريخ اشور في زمن المسيحية / لمؤلفه يوناتان بيت سليمان
ثالثا: تاريخ الاثوريين / لمؤلفه بنيامين ارسانس

ألآثوريون النساطرة في العراق ما بين مشوهي التاريخ والكوبلزيين الجدد
« في: 14:55 29/10/2013  »
قبل ان ندخل في صلب الموضوع اود ان اذكر القراء الاعزاء بان عام 1933 وقبل مذبحة سميل حسم موقف كل طرف من اطراف القضية الاثورية فمارشمعون مصر على منحه السلطة الزمنية خلافا لتاييد الحكومة العراقية والبريطانية وعصبة الامم وتركيا وايران والعرب والاكراد العراقيين اي ان ذلك اصبح من المستحيل تحقيقه. ومن جهة اخرى راى الطرف ألآخر الاغلبية بقيادة ملك خوشابا بما ان تحقيق ذلك اصبح من المستحيلات بالطرق السلمية والقيام بعمل عسكري ضد كل هؤلاء المعارضين يكون عملا جنونيا متهورا يلحق افدح الاضرار ليس بالآثوريين فقط ولكن بكل المسيحيين العراقيين لان التخلف الذي كان مستشرياً بين المجتمع العراقي بعربه واكراده والتعصب الديني العدائي لن يفرق بين مسيحي ومسيحي وان قبضة الحكومة على الاوضاع لن تكون قوية الى الدرجة التي تتمكن فيها من حماية المسيحيين الذين لا علاقة لهم بالقضية... وان قيام سرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو بتحريض مالك ياقو ومالك لوكو بالالتجاء الى الجبال مع رجالهم المسلحين ومن ثم العبور الى سوريا وعودتهم من سوريا بعد انكشاف الخدعة التي مُرِّرَت عليهم ومن ثم تعرض الابرياء في سميل والقرى الاخرى الى ابشع مذبحة ... كل هذه المآسي التي حدثت والتي راح ضحيتها ألآلاف من ألآثوريين من اجل ان يحصل مار شمعون على السلطة الزمنية على بني قومه ألآثوريين. اما ما بردده الكوبلزيون ألآثوريون الجدد من الاعتراض على خطة الاسكان فلم يكن الا حجة واهية لان نفس المعترضين لم يعترضوا على الاسكان الذي تبنوه الانكليز في 1928م وكان أول المنفذين له مار يوسف خنانيشو حين اسكن اتباعه في قضاء راوندوز، فأيَّدوه لأنَّ ذلك الاسكان كان مرغوبا لهم لانه جاء بمبادرةٍ من اصدقائهم الانكليز ولم يعترض احدٌ عليه ما دام الانتدابُ موجوداً وقوات الليفي باقية تحت قيادة وما داؤود ....   إن الاسطوانة المشروخة التي ظل يرددها هؤلاء الكوبلزيون باتهام ملك خوشابا ومؤيديه بالخيانة لانه لم يشارك في الحماقة المتهورة غير المسؤولة، اضافة الى انه لم يعلم بها الا بعد حدوث المذبحة وحاول جاهدا بانقاذ ما يمكن انقاذه وعندما ارسل مقاتليه لحماية القرى الاثورية بعد مذبحة سميل من العشائر الكردية والعربية، قال الكوبلزيون الجدد بان ملك خوشابا شكل شرطة من اتباعه لمساعدة الجيش العراقي في ذبح الاثوريين، فتصور عزيزي القاريء كم ان هؤلاء القوم عديمو الضمير والصدق .... وخير دليل على مصداقية ملك خوشابا ومؤيديه مع شعبه هي ما جرى في سوريا بعد كشف الحقيقة من قبل اقرب المقربين من مار شمعون امثال (مالك لوكو التخومي ومالك دانيال بن مالك اسماعيل زوج خالة مارشمعون ويوسف مالك التلكيفي سكرتير مارشمعون وليون بيت شمعون واتباعهم) نعم بعد ان عرفوا الحقيقة لم تاخذهم العزة بالاثم ولا لومة اللئام بل اعترفوا بها بكل رجولة! ووثقوا اعترافهم بالكتب التي كتبوها (الله الحق ليوسف مالك التلكيفي/ والنضال ألآشوري من اجل البقاء لمالك لوكو التخومي) وكانت هذه الوثائق اكبر صفعة توجه لمشوهي الحقائق القدامى والكوبلزيين الجدد .... وبالنسبة لملك خوشابا و مؤيديه الذين فضلوا البقاء في العراق وطنهم القديم الحديث، فلقد ناضلوا بشدة لكي يزيلوا آثار نكبة 1933 وانعكاساتها السلبية على ألآثوريين فلقد بنوا افضل العلاقات مع كافة مسيحيي العراق من كلدان وسريان كما كانت لملك خوشابا حظوة ممتازة بين كافة رؤساء العشائر العربية والكردية ولم يتنازل يوما عن حق اي آثوري معتدى عليه ومثال على ذالك: ان احد الاشخاص من عائلة شيخ بامرني كان قد قتل غدرا احدَ الآثوريين من عشيرة تياري السفلى من قبيلة منيانش فارسل ملك خوشابا رسالة الى سعيد قزاز الذي كان آنذاك متصرف لواء الموصل (محافظ) قائلا فيها يا سعادة المتصرف انت تعلم جيدا بانه بامكاني الاخذ بثار احد اتباعي الذي قتل غدرا بعشرة اضعاف ولكنني لم افعل ذلك احتراما للقانون وهيبة الدولة، ولي الامل ان تاخذ الدولة حق هذا المغدور بما تنص عليه القوانين. ولكن رد سعيد قزاز لملك خوشابا كان (هل يريد ملك خوشابا ان يساوي بين دماء واحد من عائلة الشيخ بدماء مسيحي) وعلى اثر وصول الخبر الى ملك خوشابا توجه الى المتصرفية ومعه مرافقوه كل من البطل كندو البيلاتي ومرزا البيلاتي ودخل الى غرفة المتصرف بدون استئذان ولكزه بعصاه في صدره قائلا له اسمع يا سعيد قزاز لا تعتقد بان جلوسك على هذا الكرسي يبيح لك ان تخرق القانون فانت لا تستطيع ان تُعدم عصفورا واحدا بدون ارادة ملكية اما انا فكان لي الصلاحية في الماضي ان اعدم كل مسيء دون الرجوع لاحدٍ! وسوف نرى هل سيضيع حق هذا المسيحي .. وبعد هذه الحادثة اتصل سعيد قزاز بوزير الداخلية موضحا له بكل ما جرى له مع ملك خوشابا وعند وصول الخبر الى نوري السعيد رئيس الوزراء آنذاك امر بنقل سعيد قزاز فورا من الموصل الى الكوت .... وفي منتصف الخمسينيات وبينما كان ملك خوشابا قد سافر الى لبنان للعلاج كانت هناك عائلة من عشيرة تياري السفلى تسكن في منطقة نهلة وبما ان هذه العائلة لم يكن لها من يرعى لها اغنامها التي كانت المورد الاساسي لابناء هذه العشيرة اضطرت الى استخدام احد الرعاة الاكراد ليقوم بذلك العمل، وبما ان العادة كانت ان الراعي يبقى مع الاغنام في المرعى وقت الظهيرة فكان من واجب العائلة ان ترسل طعام الغذاء للراعي بيد احد افرادها ولم يكن لهذه العائلة من الرجال من يوصل الغذاء الى الراعي مما اضطرهم الى ارسالها بيد الفتاة الوحيدة الموجودة في الدار وكانت هذه الفتاة بعمر المراهقة مما مكن الراعي من اقناعها للفرار معه، وعندما وصل الخبر الى العشيرة وعرفوا الوجهة التي هربا اليها، توجه رؤساء العشيرة الى الموصل حيث كان والدي يقيم وكان آنذاك يخدم في الجيش برتبة مقدم واخبراه بما جرى وقالا له بان الفتاة قد اخذت عنوة فكتب والدي (يوسف ملك خوشابا) رسالة الى كل وجهاء العشيرة ان يتوجه كل القادرين على حمل السلاح الى العمادية ومحاصرتها واخذ الفتاة بالقوة ان اقتضى الامر ذلك وطلب منهم حرق رسالته حال استلامها وقراءتها وبالفعل تحرك اكثر من اربعمائة مقاتل تياري عابرين جبل كارا حتى وصولهم الى قضاء العمادية، ثم تم تطويق القضاء وقطع الطريق بين العمادية ودهوك، فاتصل القئم مقام بالموصل طالبا ارسال القوة السيارة الا ان القوة السيارة لم تتمكن من الوصول لانها لم تُرد الاشتباك مع اربعمائة تياري معروفة نتائجه مسبقا فتدخل حجي شعبان احد وجهاء العمادية المعروفين ومن اصدقاء ملك خوشابا المقربين، وخرج من العمادية باتجاه المقاتلين التياريين وهنالك جرى الاتفاق معهم ان يتم نقل الفتاة الى دهوك ويتم التاكد من انها اخذت بالقوة رغما عنها ام برضائها وبحضور حجي شعبان ووجهاء العشيرة الثلاثة وهم كل من اسحاق صليوة ورئيس ممي (شبي) وخرو، وعند الحضور الى المحكمة اقرت الفتاة بانها لم تؤخذ عنوة انما هربت بكامل ارادتها ولكن الذي حدث ان الثلاثة عند دخولهم الى المحكمة تم تفتيشهم كما هي العادة المتبعة في مثل هذه الظروف فعثروا على الرسالة التي كان قد ارسلها يوسف ملك خوشابا الى وجهاء العشيرة التي يطلب فيها منهم ان يحاصروا العمادية وياخذوا الفتاة بالقوة ان اقتضى الامر ذلك ، فنقل الثلاثة الى سجن الموصل وتم استدعاء يوسف ملك خوشابا الى بغداد حيث عاتبه نوري السعيد على هذا العمل خاصة لكونه ضابطاً في الجيش ولكن بعودة ملك خوشابا من لبنان بعد ايام امر نوري السعيد باطلاق سراح الموقوفين وغلق القضية ...
نعم هكذا كان التعامل مع كل المسائل التي كانت تعتبر تجاوزاً على حقوق ألآثوريين وليس كما يصورها الكوبلزيون الجدد لهذا الجيل ويشبهها بفترة خنوع وخضوع واضطهاد .... لقد عاش الآثوريون في العراق متمتعين بكامل حقوقهم كعراقيين حالهم حال العرب والاكراد فلم يكن هنالك اي تفريق لا بالتعليم الذي كان يعتمد القبول في الجامعات على اساس المعدل ولا في الوظائف الحكومية وحتى في الجيش فقد كان هنالك عدد لا باس به من الضباط في الطيران امثال عمانوئيل شليمون وخالد سارة وبنويل وكوركيس هرمز الذي وصل الى رتبة لواء ركن طيار وزهير نعيم كما كان هنالك عدد كبير من الضباط المسيحيين في الجيش وصلوا الى رتب عالية امثال الزعيم الركن انيس وزير والمقدم شليمون والعقيد يوسف ملك خوشابا والعقيد جرجيس والعقيد متي خلف واللواء داؤود سرسم الذي اصبح وزيرا للبلديات والمقدم اسماعيل هرمز والعميد يونس شليمون والعميد ايشا خوشابا والعميد بولص يوسف ملك خوشابا اضافة الى عدد كبير من الرتب الصغيرة والى ضباط الليفي الذين تم قبولهم في الجيش العراقي بنفس رتبهم .... وبالرغم من تغير الحكومات في العراق الا ان وضع ألآثوريين لم يتاثر الا بعد قيام الثورة الكردية في ايلول 1961 حيث نزحت اعداد كبيرة من القرى ألآثورية التي اصبحت في ميدان المعركة ولجات الى المدن مما اثر على وضعها المادي والاجتماعي والدراسي ولكن سرعان ما تجاوز ألآثوريون اللاجئون الحالة بما معروف عنهم بالتاقلم مع الاوضاع الصعبة، ورتبوا امورهم مع الواقع الجديد ودرس ابناؤهم واكملوا دراساتهم العليا وتخرج ألآلاف منهم من الجامعات وتمكن الكثيرُ منهم من امتلاك الدور الخاصة بهم ...... ولكن وصول حزب البعث الى الحكم وتدخله في خصوصيات كافة شرائح المجتمع العراقي ومحاولته تسخيرَها لمصلحة الحزب وبدون التمييز بين السنة والشيعة والكُرد  والمسيحيين، وكلٌّ حسب اهميته المؤثرة على مسيرته المبنية على العنف المنقطع التظير .. والى الجزء الواحد والخمسين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو


10


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء التاسع والأربعون
الفرص الاخيرة لشعبنا كيف ضاعت ومن كان السبب ؟ (الجزء الثاني)
« في: 07:54 10/12/2013  »
ايها القراء الاعزاء هنالك معلومة سوف ادرجها في هذه المقالة لاهميتها وهي:

لقد داب المدافعون عن اخطاء وآثام العائلة الشمعونية الى استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتبرير هذه الاخطاء وألآثام ومنها سرقة مارشمعون لما يقارب اربعمائة وخمسون الف دولار من الاموال التي تبرع بها الشعب الامريكي لمحتاجي الآثوريين في الخابور ووردت هذه المعلومة على لسان المرحوم يوسف مالك التلكيفي سكرتير مارشمعون آنذاك في كتابه (الله والحق ) كما وردت على لسان المرحوم مالك لوكو في كتابه (الكفاح الاثوري من اجل البقاء) ولكن حجة المدافعين عن العائلة المارشمعونية كانت بان هذه العائلة كان موردها لا يتجاوز الخمسون باوند (اي خمسون دينار عراقي آنذاك) واحد المطارنة قال بانها كانت تقبض خمسة وستون باوند وان الخونة الذين بقوا في العراق كانت الحكومة العراقية تعطيهم آلاف الدنانير .... ايها الاخوة الاعزاء ان آباء واجداد هؤلاء كانوا من الذين بقوا في العراق اي انهم كانوا مشاركين او مؤيدين لقبض ألآلاف التي يدعونها (اي كانوا مشاركين في الخيانة )ولكنني هنا ساقارن لكم بين ما كانت تقبض هذه العائلة من الاموال وبين رواتب العائلة المالكة العراقية وفق وثيقة المركز الوطني لحفظ الوثائق في الاضبارة التي تضمنت الاسرة المالكة:
اولا : كان راتب الملكة :476 روبية ويساوي 28 دينار اي 28 باوند
ثانيا : راتب الامير غازي يعادل 9 دنانير
ثالثا : راتب كل من الاميرتان خمسة دنانير
رابعا : رفضت وزارة المالية الصرف على الامير غازي عندما كان يدرس في لندن وقالت انها مسؤولة فقط عن مصاريف تدريسه وان الملك فيصل الاول كان يطلب سلفة عندما يسافر ويسددها باقساط شهرية من راتبه .....
اضافة الى ما كان يستقطع من رواتب ضباط ومراتب الليفي للعائلة الشمعونية فاين اصبح العوز الذي يبرر السرقة؟ لا بل ينكرها بالرغم من انها ذكرت على لسان اقرب المقربين الى العائلة والتي كانت السبب المباشر للابتعاد عنها بعد كشفهم لها ......
ايها القراء الاعزاء سوف ابدا بتكملة المسرحية الانكليزية الشمعونية للايقاع بقادة الامة المخلصين:
كما وكان الانكليز يخشون ايضا من قيام الاثوريين بالتعاون مع العناصر العراقية الوطنية ضدهم لان بعض الشخصيات العراقية كانت تحاول الاتصال بزعماء الاثوريين غير الموالين للانكليز بهذا الصدد.
3 / مطالبة جميع الاثوريين الموجودين في مخيمات بعقوبة والساكنين في مناطق اخرى باعادتهم الى مناطق سكناهم الاصلية .
4 / وجود اتفاق سري بين مارشمعون بعدم اشتراك الموالين له في تلك الحملة لابقائهم بعيدين عن الاخطاراستعدادا للجولة الثانية ....
بعد ان نجحت القوات الاثورية بسحق كل المقاومات التي جابهتها في تقدمها نحو اهدافها واصبح الطريق مفتوحا امامها للعودة الى موطنها في هيكاري واورميا بالرغم من كل العراقيل اللوجستية التي زرعها البريطانيون امامها لجا الانكليز وبالتعاون مع سرمة خانم بتنفيذ مخططهم الثاني بافشال الحملة وذلك ما قاله اغا بطرس في مذكراته والذي كان : اقتباس
بينما كنا في غمرة انتصاراتنا عندما اصبح طريق اورميا مفتوحا امامنا بعد ان عبرنا نهر الزاب الى ضفته الاخرى بجهود المقاتلين الممتازة وصلت سرمة خانم الى الموصل عائدة من لندن وفجاة بدات ظاهرة سياسية غير متوقعة اذ الصقت اعلانات على مساكن عوائل المقاتلين توعز اليها بترك مخيم مندان في 1 كانون الثاني سنة 1921 للالتحاق بازواجها وكانت تلك الاعلانات موقعة من قبل المستر جارج الانكليزي الذي جاء مع سرمة خانم من لندن ولما كان ذلك في فصل الشتاء القارص حيث كانت الجبال مغطات بالثلوج كان من المستحيل على تلك العوائل السير عبرها في تلك الظروف الجوية دون توفر البغال لها ولعدم تواجد الرجال معها لمساعدتها .. فلذا اسرعت تلك العوائل باخبار رجالها المقاتلين عن طريق رسائل ارسلتها بواسطة احدى السيدات المحترمات المسماة توريز خاتون زرجة السيد اوراهم البرواري ومن اقرباء المطران مار يوآلاها، وعند وصول هذه الرسائل الى الجناح الايسر من قطعاتنا اخذت هذه القطعات العودة من الجبهة لمساعدة عوائلهم وفجاة علمنا انا وسيادة ملك خوشابا بعودة الجناح الايسر من قطعاتنا لنجدة عوائلهم تاركيننا لوحدنا مع مالك خمو من عشيرة جيلو والقس داؤود من عشيرة تخوما والاستاذ شاهين من عشيرة باز وفوج آثوري من اورميا مع ستة رشاشات والمدفعية وان القوة التي رجعت تركت المدافع والرشاشات في تلك الوديان الضيقة . ومع ما فيه تمكن اغا مرزا ووحدة آثوريي اورميا بصعوبة كبيرة من سحب اسلحتها الثقيلة واما السلاح الباقي فنحن جنرالات القوات الاثورية كنا ننقله على اكتافنا وهكذا بعد ان هزمنا الاكراد نهائيا، ومهدنا طريقنا من الموصل الى اورميا عدنا الى مخيم مندان فرحين فخورين معتقدين بانه بعد استراحة قصيرة سوف نواصل تقدمنا الى اورميا عن طريق راوندوز .. وبينما نحن في المخيم شاهدنا سيارة قادمة من الموصل وخرج منها كل من سرمة خانم والكولونيل (اون) والمستر (جارج) الذين طلبوا حضور رؤساء الملة الاثورية عندهم للاستماع الى كلمة تلقيها عليهم سرمة خانم وبناءً الى ذلك  حضرنا بكل سرور وقبلنا اياديها الطاهرة ثم طلب منا الكولونيل اون ان نصغي الى كلمة الليدي (خاتون) سرمة !!!!!ّ فاصغينا الى كلمة سرمة خانم القادمة من لندن بكل شوق آملين منها انها قد حملت لنا معها بشرى التحرير. الا انه يا لسوء حظ امتنا فهذه هي الكلمات التي سمعناها منها:
1/ لا يوجد بعد الان ريبارتيشن (العودة الى الاوطان)
2 / ينزع سلاحكم من قبل الحكومة البريطانية
3 / يجب ان يسكن جميع الاثوريين في لواء الموصل
4 / المخالف سوف يعاقب
ومنذ ذلك اليوم اصبح كل من سيادة الجنرال ملك خوشابا وانا معزولا عن الاثوريين واعتُبرنا خائنين حيث تم سجن الرؤساء التابعين لنا، وتعرَّضَ قساوستنا للضرب بالعصي، وجُردنا من سلاحنا وبيعت بغالنا. وكان كل من المستر ويكرام والمطران مارطيماثيوس يخطب في الحشود المجتمعة محاولين ترغيب الاثوريين في السكن بلواء الموصل. وعليه فسكن قسم صغير جدا منهم اي ما تحويه ثلاثة مخيمات غير كاملة من مجموع سبعة عشر مخيما وكلهم كانوا من اتباع مارشمعون من اهالي ماربيشو وقوجانس ومعهم كل من مالك اسماعيل ومالك شمزدين الذين انضما اليهم مع اتباعهما في لواء الموصل دون سلاح موزعين بين عقرة ومدينة الموصل وضمن العشائر الكردية المسلحة... ويؤسفني ان اقول بان عددا كثيرا منهم مات بسبب مياه الشرب غير الصالحة للشرب والمناخ الغير صحي... واما القسم الاخر والاكبر من العشائر مع آثوريي برواري بالا والبوطانيين رفضوا السكن في لواء الموصل وطلبوا العودة الى اوطانهم مع آثوريي اورميا... وبعد تحمل مصائب كثيرة عادت هذه العشائر الى اوطانها الاصلية حسب خطتنا الاولى المبنية على رغبة غالبية الاثوريين، ثم اعلن بعد ذلك مالك شمزدين واتباعه الذين سكنوا في ولاية الموصل بانهم سيلتحقون ايضا باخوانهم الذين سافروا الى اوطانهم الاصلية. وحيث أن الطريق كان مفتوحا فصَعُب منعهم من الالتحاق باخوانهم لذا لم يرَ الانكليز بدا من الموافقة فورا على عودة مالك شمزدين وجماعته الى وطنهم... وكذلك شرع آثوريو اورميا بالهروب الى ايران تحت ظلروف صعبة جدا، الا انه سرعان ما اغلق طريق هروبهم، ومع ذلك فقد قام البعض منهم بالعودة الى الموصل امثال القس موشي وبنيامين ارسانس والاستاذ اندراوس من قرية ديكلة. ويؤسفني ان اقول بانه وقعت في حوزتي رسائلُ لبعض المسؤولين الانكليز التي لا ازال محتفظا بها حتى الان بخصوص البعض من رؤسائنا (العائلة الشمعونية) الذين كانوا يعملون ضد مصلحتنا القومية! فقد ورد في احدى تلك الرسائل بان مارشمعون لا يرغب ان يكون الاثوريون احرارا بل يريدُهم ان يكونوا تحت السلطة البريطانية للاسباب التالية:
1 / اذا تمكنت الامة من الحصول على حريتها ستكون المراكز القياادية لذوي الكفاءة من المثقفين، بينما هم لا يستطيعون حل مسالة حسابية بسيطة.
2 / يعتقدون ان بقاء الاثوريين تحت سيطرة الانكليز سيضمن لهم دائما المراكز القيادية العليا ذات الرواتب الضخمة التي يحتلونها الان، فضلاً عن يميلهم الى حياة اللهو والترف.
3 / يعتقدون بان بوجودهم تحت سيطرة الانكليز وببقاء الاثوريين معهم ظاهرياً سيكسبون الجنسية الانكليزية ناسين او متناسين ما كان نصيب الامير فيصل والعرب من هذا الإعتقاد..
4 / يعتقدون ان عاقبة قيامهم باعمال الغدر والخيانة وقتل الكثير من المسيحيين الابرياء فيما مضى، ستكون قاسية في حالة نيل الأمة استقلالها، لأنَّ اقارب هؤلاء القتلى سيُقدمون على الانتقام منهم، الا انهم سيكونون في مأمن ما داموا تحت السيطرة الانكليزية...
5 / لا يريدون ان يجعلوا انفسهم غير مرغوب بهم لدى الانكليز بتحركهم خطوة الى الامام من اجل مصلحة الاثوريين لكي لا يخسروا الرواتب العالية التي يدفعها لهم الانكليز في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة...
6 / يعلمون جيدا اذا عاد آثوريو اورميا الى وطنهم سوف يخرجون عن سيطرتهم. ولقد قال احدهم في احدى المناسبات (انني اريد ان يبقى آثوريان فقط تحت سيطرتنا افضل من ان يكون الملايين منهم احرارا) فبالله عليك ايها الفاريء الكريم هل يتفق هذا المنطق وروح العصر؟ فاذا قلنا الحقائق للناس يتهموننا بالخروج على رئاسة مارشمعون .. وها انا اقولها لكم بصراحة ايها الاخوان فاذا كنت اكره مارشمعون فليكرهني الله، وإن لم اكن صديقهم الصدوق دوماً، فالله لا يكون في عوني، وجل ما اقصده هو انني لا اريد الهلاك لهم ولا لابناء امتي ... انتهى الاقتباس من مذكرات اغا بطرس.

مهمة ملك خوشابا للاتصال بالحلفاء وطلب المساعدة منهم: الجزء الثاني
« في: 07:39 26/11/2013  »

كانت نهاية الجزء الاول بارسال ملك خوشابا اثنين من رفاقه للحصول على المعلومات عن مصير الاثوريين في اورميا من اكراد المنطقة الذين رافقوا القوات التركية في اورميا وعادوا الى بيوتهم والتي استغرقت رحلتهما اثني عشر يوما وعند وصولهما الى برواري بالا وجال علما بان جميع العشائر في اورميا كانت قد رحلت الى جهة مجهولة ولم يبقَ فيها الا بعض الاسرى من اثوريي اورميا فقط . وبعد الإطلاع على هذه المعلومات قرر ملك خوشابا العودة مع رفاقه الى اورميا ليقفوا على المعلومات الحقيقية عن مصير الاثوريين بانفسهم وكان ذلك في شهر ايلول. وعند وصولهم قرب الحدود الايرانية شاهدوا قوافل كردية كثيرة فاختفوا في احد الكهوف ثم قرروا الذهاب الى قرية تازة التي كانت قريبة من مدينة اورميا والتي كان الاستاذ شموئيل يلدا وبعض العوائل الاثورية من عشيرة ملك خوشابا يسكنون فيها قبل سفرتهم هذه . كان اغا القرية صديقا لهم لانهم كانوا قد قاموا بانقاذه من الموت والمحافظة على امواله عدة مرات فكانت ثقتهم به عالية جدا . ولما وصلوا الى القرية المذكورة التقوا لزوجة الاغا في دارها وسالوها عن مصير الاثوريين فاخبرتهم بوجود شخص امريكي وبعض الاسرى من الاثوريين في دور الامريكان التي كانت تحتوي على بناية الكلية ومستشفى ومدرسة متوسطة واخرى ابتدائية مع المرافق الاخرى . ولما كانت هذه المباني قد وضعت تحت حراسة القوات التركية المشددة قرر ملك خوشابا ارسال بعض رفاقه الى هذه المباني التي كانت تسمى بالقلعة لتزويده بالمعلومات المتوفرة عن مصير الاثوريين . فذهب كل من الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان تلميذا في هذه القلعة في صغره ويعرف جميع مسالكها وابوابها ومعه لازار اوشانا بكوكا (البطل الذي احرق جسر جيماني في احد المعارك لمنع الاكراد من العبور الى الجهة الاخرى وجرح في تلك المعركة حيث وقفت والدته على راسه وقالت له مباركة جروحك يا ولدي) والاخر برجم خوشابا وساروا ليلا حتى وصلوا قرب القلعة حيث شاهدوا خراس من جنود الاتراك واقفين على ابوابها وكذلك كانت معسكرات الاتراك منتشرة في كل مكان الا انهم تمكنوا من الدخول عبر ثغرة في سياج بستان القلعة حتى وصلوا الى سياج القلعة الرئيسي . كانت كافة الثغرات مسدودة في هذا السياج حتى السواقي المارة تحته لذاى اضطر السيد شموئيل يلدا على تسلقه من على اكتاف برجم خوشابا ولازار اوشانا ثم عبروا السياج الثاني الذي كان اقل من الاول ارتفاعا حتى وصلوا باب القلعة فوجدوه موصودا . وبينما كانوا يعبرون السياج الاخير شاهدوا الجنود الاتراك منتشرين في ساحة القلعة لذا اضطروا الى المبيت تلك الليلة في البستان المحيط بالقلعة . وفي اليوم التالي شاهدوا باب القلعة مفتوحا وامامه حارس تركي حاملا سيفه . فتقدم السيد شموئيل يلدا نحو الباب بعد ان ترك رفاقه في وضع المراقبة ودخل القلعة بسرعة خاطفة ملقيا نفسه في احدى السواقي القريبة من الباب وزاحفا على بطنه حتى وصل امام باب دار المعلمين فيها . وراى امراة عجوز تخرج من من الدار وتطلب ماء من احد الاشخاص فمسك بطرف ثوبها مما جعلها تصرخ وتركض من فرط خوفها . الا انه بادرها قائلا باللغة الاثورية (لا تخافي ايتها العجوز لانني آثوري مثلك) وردت عليه بقولها بانه من رجال اسماعيل اغا الشيكاكي الذين قتلوا قبل بضعة ايام الاستاذ يوخنا مدير المدرسة . نفى ذلك الاستاذ شموئيل واخذ يصلي لها الصلات الربانية حتى هدات وصارت تعرفه . ولما علم منها بوجود كل من الدكتور باكرات وزوجته السيدة جيني داخل تلك الدار سلم لها رسالة ملك خوشابا راجيا تسليمها الى الدكتور باكرات الامريكي الذي كان موجودا معهم في الاسر . فسلمتها بدورها الى السيدة جيني التي حملتها حالا الى الدكتور باكرات . كان ملك خوشابا قد ذكر في رسالته بانه اغرسل الاستاذ شموئيل ورفاقه اليه كفدائيين لاستقصاء المعلومات المتوفرة لديه عن مصير الاثوريين . فاستغرب الدكتور باكرات من تمكنهم من دخول القلعة ثم اخبرهم بعد قراءة الرسالة بانه سيزودهم بالمعلومات المطلوبة بعد اربعة ايام .وبعد ان تم تزويدهم ببعض الملابس والمواد الغذائية التي كانوا بامس الحاجة اليها عاد الاستاذ شموئيل يلدا وحملها حتى الباب حيث كا رفيقاه في انتظاره فحملوها ودخلوا البستان مسرعين حيث بقوا هناك حتى حلول الظلام ثم تحركوا ليلا متسللينى بين الاتراك والاكراد حتى وصلوا مخبا ملك خوشابا في قرية قوانة . وبعد انتهاء مدة الاربعة ايام التي طلبها الدكتور باكرات عاد كل من الاستاذ شموئيل يلدا والشماس طليا يوناذم واسخريا شمعون وتوما كوركيس لاستلام جواب رسالة ملك خوشابا . وعند وصولهم قرب القلعة دخل شخصان منهم الى بستانها وبقي الاخران خارج البستان ثم تسلق الشماس طليا حائط القلعة المقابل للمنطقة التي يسكنها الاسرى الاثوريين فنزل من باب السطح . وعلم ىمن الاسرى بانه قد تم تسفير الدكتور باكرات وجميع الاجانب من قبل القوات التركية الى تبريز كاسرى حرب عاد حاملا معه قليلا من الخبز والزبيب واخبر رفاقه بذلك فعادوا جميعا الى مخبئهم في سياوش . ولما وصل ملك خوشاباوحمايته الى ذلك المخبا ارسل الشماس كندلو بثيون لدخول القلعة والتي دخلها بسهولة لان جنود الاتراك كانوا قد غادروها ولم يبقى فيها الا بعض الحرس من الايرانيين فقط وتاخر كثيرا داخل القلعة منتظرا تجهيزهم بتلاتة اكياس من الخبز وبعض علب الحليب وهرب معه ثلاثة من الاسرى كما وارادت عدة نساء للهرب معهم الا ان ملك خوشابا رفض ذلك لاعتقاده بعدم تمكنهم من تحمل السفر في فصل الشتاء القارص والسير ليلا في تلك الجبال الوعرة . وغادروا المخبا ليلا الى جبل سيري ومنه الى قلعة دمدمة حيث مكثوا يومين في تلك الوديان ثم تابعوا سفرهم الى ميناء خان تخت على بحيرة اورميا التي كانت القوات التركية لا تزال موجودة فيها . وهنالك التقوا بشخص يدعى احمد ومعه اربعة نساء واطفالهن الذين كانوا في حالة يرثى لها من الجوع الشديد فقدموا لهم ما عندهم من الخبز والزبيب واعطوهم بعض النقود ولما راى احمد نبلهم وشهامتهم واحسانهم له ولعائلته بالرغم من انهم كانوا من اعدائه تبرع ان يقوم بدور الدليل لهم في تلك المناطق والطرق غير المعروفة لهم ايفاء منه لمعروفهم له . وكان يقوم بشراء الخبز لهم وهم بعيدون عن انظار الايرانيين فتحمل المشقات والمتاعب من اجلهم بكل اخلاص وامانة . ولما وصلوا قمة الجبل الواقع بالقرب من مدينة (مراغا) التي كانت تسكنها جالية ارمنية ارسل ملك خوشابا رسالة مع احمد مبينا فيها بعض المعلومات عن مصير الاثوريين فسلمها احمد الى شخص ارمني والذي سلمها بدوره الى الدكتور يوئيل البازي( شقيق القس دانيال ومن عمومة اغا بطرس ) والذي كان يسكن مع عائلته في هذه المدينة حيث يمارس الطب فيها . ولما قرا الدكتور يوئيل رسالة ملك خوشابا دعاه ورفاقه الى داره حالا وقبلوا دعوته ودخلوا الدار من البستان . رحب بهم كثيرا فانشرحوا وارتاحوا جدا لانهم لاول مرة يدخلون دارا مريحة وياكلون طعاما مطبوخا منذ اشهر . وزودهم الدكتور يوئيل بمعلومات وافية عن الاثوريين وقال لالهم انه من الصعب عليهم السير في المناطق الجبلية في فصل الشتاء من جراء البرد والثلوج لذا يتوجب عليهم السير في الطرق الاعتيادية في السهول وبدون سلاح على ان يرسل معهم شخصا ارمنيا كدليل لهم حتى زنكان حيث ان مقدمة القوات الانكليزية قد وصلتها . فتحركوا على طريق زنكان / قزوين بعد تركهم لسلاحهم في ماراغا لدى الدكتور يوئيل وابقوا معهم بعض المسدسات والخناجر مخفية تحت ملابسهم . وعند وصولهم الى زنكان اتصل ملك خوشابا بقائد القوات الانكليزية معرفا نفسه به فاستقبله بترحاب كبير وامر بتقديم كل ما يحتاجونه من الطعام والملابس ثم اتصل بالقنصل الانكليزي مبينا له وضعهم بالتفصيل . اعطى ملك خوشابا لاحمد بعد ان انتهت مهمته معهم مبلغا من المال وكتاب توصية الى الاثوريين والمبشرين وتم تكريمه من قبلهم اكراما للمساعدة التي قدمها لملك خوشابا ورفاقه . وعندما عرف احمد بان الشخص الذي كانوا يسمونه الشماس اوديشو كان ملك خوشابانفسه قال ( انني كنت اشعر بان هذه الشخصية لم تكن شخصية عادية لما كنت المسه من تصرفاته الراقية واطاعة رفاقه لاوامره في اصعب الظروف) وبعد مكوثهم يومين في زنكان . وردت برقية من القائد العام للقوات البريطانية في قزوين يطلب فيها حضور ملك خوشابا الى قزوين . وعليه سافر اليها مستصحبا معه ابنه داؤود وابن خاله باكوس عوديشو ثم تبعه بقية رفاقهم فالتحقوا بهم في همدان . وكان في همدان عدد كبير من اثوريي اورميا الذين اجتمعوا في احدى الكنائس فالقى عليهم ملك خوشابا كلمة مبينا فيها تفاصيل لاسفرته . ثم اقيم احتفال كبير لملك خوشاباورفاقه من قبل قائد القوات الانكليزية والارساليات الامريكية والاثوريين الموجودين في همدان احتفاء بهم ثم سافروا الى كرمنشاه ومنها ىالى بايتخت فخانقين واخيرا الى بعقوبة في العراق حيث وصلوا اليها في 1 كانون الاول سنة 1918 وكتب الجنرال اوستن المسؤول عن المخيمات التي كان يسكنها الاثوريين في بعقوبة في كتابه (المدينة البيضاء) عن سفرة ملك خوشاباورفاقه بانها من اخطر المجازفات في ذلك العصر لما انطوت عليه من المخاطر وتميزت به الشجاعة الخارقة وتحمل الصعاب والفطنة المذهلة والدراية الفائقة .......
لقد بدات رحلة ملك خوشابا المكلف بها في 14 حزيران 1918  اي قبل وصول الطائرة البريطانية الى اورميا بعدة ايام ولو كان وصول الطائرة قد تم قبل سفر ملك خوشابا لكان الموقف قد تغير ولكان ملك خوشابا يقود القوات الاثورية في حالة غياب اغا بطرس بذهابه الى ساين قلعة ولكن مشيئة الرب ارادت ان تكون الامور هكذا فليس لنا سوى الرضوخ لمشيئته الرحمة للشهداء الذين ذبحوا في اورميا والذين يقدر عددهم باكثر من خمسة عشر الف شهيد... 
المصادر :
مذكرات الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان مشاركا في هذه المهمة
من كتاب القس يوئيل وردة / الامة الاثورية لن تموت
مذكرات الشماس داود الاشوتي
تاريخ اشور كلدو / للقس شموئيل داود
والى الجزء الخمسين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو




11
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن والأربعون

الوثائق التي تؤكد محاولة مؤيدي مارشمعون للتخلص من استغلاله لمأساتهم
« في: 13:09 23/12/2013

عندما كانت العائلة المارشمعونية في العراق ابان الانتداب البريطاني استغلت علاقاتها التبعية للانكليز بالاستحواذ على كافة المواقع التي من خلالها احكمت سيطرتها على الشعب المسكين الذي كان يناضل من اجل الحياة الكريمة وتامين لقمة العيش فبعد ان عملت هذه العائلة  بكل طاقتها لاقناع الانكليز بنفي اغا بطرس وسجن الرؤساء ووضع ملك خوشابا في الاقامة الاجبارية في مار ايشايا توجهت اخيرا الى تعيين افرادها ومؤيديها في المراكز الحساسة التي بواسطتها تتمكن من السيطرة الكلية على كافة  منافذ الحياة المعروفة آنذاك فتم تعيين شقيق سرمة خانم الاصغر (زيا) مفتش المدارس الاثورية (طبعا كانت هناك مدرسة واحدة والمهم كان هو الراتب ) وتم تعيين داود شقيق سرمة خانم ووالد مارشمعون قائدا لقوات الليفي وتعيين اولاد مالك اسماعيل ضباطا في الليفي بدرجة (رب تْرَمّا ) وهكذا تم توزيع المناصب على اقربائهم ومؤيديهم وكان يقبض مارشمعون (2000)روبية كمخصصات اما سرمة خانم فقد قبضت في شهر تموز مع المستحقات مبلغا قدره (7850) روبية حسب ما جاء في كتاب قوات الليفي العراقية تاليف (العميد جي كلبرت براون ) منح المطران الاثوري القائم باعمال مارشمعون (مئة روبية لكل شهر) اعتبارا من 1/5 / 1919 (نفس المصدر )... وحتى المطبعة التي اشتراها القس يوسف قليتا من الهند لخدمة الكنيسة والتعليم الاثوري تم تجريده منها لانه لم يكن يتفق معهم حول كافة الامور الكنسية والسياسية . هكذا كانت اوضاعهم في العراق بفضل حراب الانكليز والليفي المسلطة على رقاب ابناء كل معارضيهم وبعد نكبة 1933 وعبور المخلصين لهم الى سوريا ثم اعقبهم هجرة مؤيديهم الطوعية الذين تركوا اهلهم واحبتهم وضحوا بكل ما كانوا يملكونه من اجلهم قابل مار شمعون احسانهم كالاتي :

بعد ان تكامل وصول الاثوريين (القسم المؤيد لمارشمعون والذي لا تزيد اعداده عن ربع الاثوريين ) وبعد استقرارهم على ضفاف نهر الخابور اصيبوا باحباط كبير بعد ان اكتشفوا الاكاذيب والاشاعات التي كانت تصور لهم رحلتهم الى سوريا ستكون بمثابة الذهاب الى الجنة ولكنهم تحملوا ماساتهم على مضض حتى جاء اليوم الذي طفح فيه الكيل بعد اكتشاف قادتهم للخدعة التي سقطوا فيها على يد العائلة المارشمعونية (وبالذات على يد مارشمعون نفسه) حيث استغل ماساتهم وذلك بجمع التبرعات من الشعوب المتمدنة الرحومة باسمهم لمصلحته الشخصية فحاولوا التخلص من هذا الاستغلال بكشف كل ادعاءاته الكاذبة وتحايله وخداعاته وكان على راس هؤلاء القادة كل من :

1/ مالك دانيال مالك اسماعيل الشقيق الاكبر لمالك ياقو والرئيس الشرعي لعشيرة تياري العليا زوج خالة مارشمعون
2 / مالك لوكو شليمون بيداوي رئيس عشيرة تخوما والذي قاتل من اجل مارشمعون في معركة ديربون وجرح فيها وقضى حياته مخلصا لهذه العائلة حتى يوم اكتشافه لحقيقتها
3 / ليون دنخا الشمعوني وهو من وجهاء رعية فوجانس (نفس رعية مارشمعون) والذي تعرض لمحاولة الاغتيال بتدبير من سرمة خاتون وشقيقتها رومي زوجة شليمون مالك اسماعيل
4 / يوسف مالك التلكيفي والذي التحق بمارشمعون وعمل كسكرتيرا له بدافع ايمانه بقدسية ومصداقية هذه العائلة حتى اكتشف زيفها وادعاءاتها الكاذبة ومعروف عن هذه الشخصية ككاتب ومفكر وسياسي بارع ....
( هذا ما كتبه كل من يوسف مالك التلكيفي ومالك لوكو التخومي عن تحايل مارشمعون على المانحين لجمع الاموال على حساب بؤس الذين خدعهم ورحلهم الى سوريا وتم اسكانهم على ضفاف الخابور ) ....(كتيب الله والحق تاليف يوسف مالك سنة 1949 الصفحة 5 )
اقتباس : we are now authorized to give pyblicity to 3 appeals made by mar Eashai s Shimon for fund raising, the first calls for one hundred thousand dollars which is lilted (an opportunity for christianservice) and was supposedly intended for maintaining (schools) such schools and churches etc , do not exist, funds collected under this heading never reached their destination, we propose publishing in due course, names of persons who formed, commercial corporation, sat idly at their homes, received salaries at the end of each month and naturally signed the pay rolls, the second appeal is dated august 30 1940, titled (friends of the church of the east) which his beatitude the Mar Shimun launched in the U.S.A. soon upon his arrival ther from I England ,he begged an annual sum varying between fifteen thousand and twenty thousand dollars, in his third appeal dated april 16 1948, addressed (to the Christian people of America) he only asked for two hundred and fifty thousand dollars, it will be seen that these three appeals cover the following sums only  not much for any god of riches ?
 100000 / 1st aqppeal) , 135000 ( 2nd appeal for period 1940 , 1948 at the lower rate of the fifteen thousand dollars a year ) 250000 ( 3rd appeal ) total / 485000 …….. who received these sums ? was any statement at all issued ? this will remain a mystery under the ( feudal ) system as practiced by mar shimun underwhich no Assyrian has the right to ask for an account ………………………………………………………………………………………………
(رسالة الزعماء الاثوريين في الخابور الى من يهمهم الامر بقطع علاقتهم بالمارشمعون وعدم مصداقيته في مسؤوليته عنهم )
                                                                                                                                                                TO whom it concern : acting on the outhority vested in us vide attestation dated , 22nd February 1948 , by the foreign ministry at Damascus , Syria , we have the honour to transmit herewith a letter of repudiation , duly signed by representative members of the Assyrians living on river khabur ,northern Syria , for favour of your in formation and that of any other quarter or institution you deem lit ,
This document refers to a certain mar eshai shimun who does not possess the nationality of the Assyrians of any of the near or middle Eastern countries whom he falsely alleges to represent , his residence is at (6316 north Sheridan Road ,Chicago 40 illinois ,U S A .. he has no authority to speak in our names or on our behalf , for his sole ambition in life is to collect , illegally , as much money and as quickly as he can , at the expense of the miserable masses in order to gratity his greed which knows no limits , and play his comedy on the international scene , he can raise funds in his name and for himself , but we solemnly protest against his begriming our names ………
We would be very grateful if you would be good enough to take note of this letter of repudiation and make it known to any authority or institution that are likely to be misted by mar Eshai Shimun whose fictitious , yet harmful feudal authority the Assyrians refuse to acknowledge or admit ………
Mar Eshai Shimun is an irresponsible person , an anarchist and opportunist and no declarations ,appeals and utterances of is of whatevernature they may be , are in any way binding on the Assyrians ……….
Daniel  D  malik Ismail ( chief of upper Tiyari )
Loco Shlimon Badawi (chief of Tkhuma )
Leon Dinkha Shimunaya ( chief of Qochanis and others )……….

ماساتنا بدات بمسرحية مستر براون وانتهت بمسرحية كولونيل ستافورد (الفرصة الاخيرة)
« في: 19:30 13/12/2013  »

ربما يجدُ البعضُ غرابة في هذا العنوان وقد يذهب البعض الى اتهامي بالاستهانة بارواح عشرات ألآلاف من الشهداء الذين تم تقديمُهم على طبق من ذهب لعمومتنا الانكليز ابناء ضيفنا الكريم المدلل المستر براون , ولِما لا، فنحن مشهود لنا بتكريم الضيوف حتى ولو كان يكلفنا ذلك خيرة رجالنا وعوائلهم .... وهل كانت كل هذه السنين من 1914 الى 1933 مسرحية ؟؟؟؟ اقرأؤا كلمة الكولونيل ستافورد بامعان (المستشلر السياسي والاداري للواء الموصل) وستعلمون كيف بدات المسرحية بالآمال والوعود الشفهية الانكليزية لتنتهي بالواقع الذي صنعه نفس الانكليز ليضعوا اصدقاءَهم المنفذين للمسرحية في عنق الزجاجة ويكون الضحية طبعا كالمعتاد ابناءُ العشائر ومعهم بقية ابناء الشعب .... لقد قالها المستر ستافورد في خطابه بصورة غير مباشرة يا ايها القوم (ان اللعبة انتهت) وما عليكم الا التفاهم مع الحكومة العراقية وانقاذ ما تستطيعون انقاذه ولكن البعض الذين اخذتهم العزة بالاثم لم يرضخوا للواقع واستمروا في غيهم وعنجيتهم الفارغة على حساب دماء الابرياء والتي تكللت بمذبحة سميل وما تبعها عام 1933 ثم عادوا في عام 1948 يتوسلون بالحكومة العراقية للسماح لهم بالعودة للعراق وفق شروطها التي تفرضها هي ....

بتاريخ 10 تموز 1933 عقد اجتماع في دار الحكومة في الموصل حضره كافة الرؤساء الاثوريين المدعوين وتمَّ فيه القاء الكلمات التوضيحية لموقف الحكومة من الاثوريين في ادارتهم وحقوقهم واسكانهم ولكنني هنا سوف انقل لكم كلمة الكولونيل ستافورد وكلمة الميجر تومسون:

كلمة الكولونيل ستافورد :
ثبت لي ان ما بينه وكيل المتصرف كان وافيا عن قضية الاثوريين ولم يبقَ لي الا اعطاء بعض ملاحظاتي الشخصية . اني اتيت الى هذا اللواء قبل شهرين لانني كنت اعمل في جنوب العراق حيث يسمع صوت ضئيل عن الاثوريين . وفي خلال وجودي في الموصل انشغلت دائما بهذه القضية والشيء المهم الذي شعرت به هو عدم وجود تقارب بين الاثوريين وبين موظفي الحكومة وحدث بسبب ذلك التباعد ووقوع سوء تفاهم بينهما، وشكَّ البعضُ بالبعض واني لا اقدرُ ان لا اتفق مع وكيل المتصرف بان سبب هذا التباعد كان من قبل قسم من الاثوريين انفسهم ويظهر انهم حتى لفترة قصيرة كانوا يعتبرون انفسهم غرباءَ في هذا البلد ويعيشون في مكان غريب معتقدين ان هذه الفكرة كانت افضل لهم، بان يبقوا بعيدين عن الحكومة وطبعا تالم موظفو الحكومة من هذا الوضع . واني اريد منكم أنتم زعماء الاثوريين جميعا المجتمعين هنا اليوم ان تفهموا جيدا وبطريقة قطعية بان هذه الحالة لا يمكن تحملها اكثر ويجب ان تنتهي فوراً، والان على الاثوريين ان يرضخوا لجميع قوانين البلاد ويحصلوا على كافة حقوقهم دون تمييز كالاكراد والعرب مسلمين كانوا او مسيحيين او يهود او يهيئون انفسهم لترك هذا البلد او الهجرة الى بلاد اخرى ولا يوجد طريق ثالث . والامر الثاني فان الميجر تومسون سيشرح لكم بصراحة وتفصيل عن السكن في الاراضي المفترحة . لهذا لا يوجد اكثر من ان اضيف الى ما قلته سوى ان اشدد بقوة على هذه الفرصة التي هي ممنوحة للاثوريين الذين لم يتم اسكانهم لحد الان ليصبحوا اصحاب اراضي زراعية في هذا البلد . وكل من يعطي رايا للاثوريين غير الساكنين بالامتناع عن المجيء وتقديم طلب الى الحكومة بخصوص السكن فهذا لا يعطيهم رايا صائبا من اجل مصلحتهم وبالنسبة الى الطريقة الثانية التي ذكرتها عن هجرة الاثوريين من العراق الى اماكن اخرى فاني اعتقد بان جميع الاثوريين لا يفهمون حقيقة الوضع بعد . ان الجملة المذكورة بان الحكومة العراقية ستمهد طريق هجرتهم من العراق الى بلاد اخرى معناه ان كل آثوري يرغب الخروج من العراق فالحكومة لا تمنعه ولكن الحكومة لا تتحمل مسؤولية ايجاد مكان للاثوريين الراغبين في الهجرة الى بلاد اخرى . ان هذه واضحة الفهم جدا لان العراق لا يتمكن من تنفيذ هذا العمل وليس العراق فقط غير قادر على ذلك ولكن حتى عصبة الامم غير قادرة على تنفيذه . هنا يتوقف الامر على الاثوريين انفسهم فعليهم ان يدبروا ذلك مع حكومات البلدان التي يرغبون الذهاب اليها وكذلك فيما يخص مصاريف السفر وغيرها وحتى الان لم يظهر علنا عن ترتيبات خاصة بهذا الخصوص مع الدول المجاورة حول قبول الاثوريين في اي جزء يمكن ان يكفي لسكناهم .
اولا / تركيا : لا يوجد اي امل مهما كان ضئيلا في تغيير فكرة تركيا الحاضرة عن الاثوريين اذ انها لا تقبلهم باي طريقة كانت . طبعا ان الاثوريين يتمنون العودة الى وطنهم الاول ولكن يجب ان يفهموا بان هذه القضية هي خارج موضوعنا في الوقت الحاضر .
ثانيا / ايران : اظهرت الحكومة الايرانية انها مستعدة لقبول عدد قليل من الاثوريين ولكن شروط قبولهم كانت صعبة جدا :

الشرط الاول : يجب ان يسلموا اسلحتهم
الشرط الثاني : لا يمكن اسكانهم في منطقة واحدة بل في مناطق متعددة بعيدة عن بعضها
الشرط الثالث : لا يحق لهم امتلاك الاراضي التي يسكنوها
الشرط الرابع : الحكومة الايرانية لن تمنحهم اية مساعدات مالية
ثالثا / سوريا : لا يخفى عليكم بان السلطات الفرنسية هناك مشغولة الان بتهجير الارمن ولا توجد لهذا البلد اراضي زائدة ليقدمها للاثوريين . انه صحيح يمكن ان يكون للشبان الاثوريين بعض الاشغال في جيش حكومة سوريا تحت ادارة سلطة الاحتلال الفرنسي الا انه دعوني اقول لكم بصراحة بان مثل هذه الاشغال ستكون صعبة جدا وبدون مستقبل مضمون ثم انه من الواضح بان الحكومة العراقية سوف لا تقبل عودة من يذهب الى هذه الدول المجاورة للعراق ثانية . واذا شئتم للحصول على معلومات اكثر عن هذه الدول فما عليكم الا الاستفسار من قنصليتي فرنسا وايران في الموصل. ولو نظرنا الى الحالة التالية لكافة الدول في هذا الوقت لا يمكننا ان نامل من اي دولة انها ترغب في هجرة الاثوريين اليها. وهكذا يتضح لكم مما قلته بانه افضل بلد ملائم للاثوريين في هذا الوقت ولمستقبلهم هو العراق. واني اعلم بان الحكومة العراقية مهتمة جدا باسكان الاثوريين وذلك من اجل الفائدة المشتركة واني متاكد من ان جميع العراقيين مثل الوزراء والموظفين الاخرين يرغبون كثيرا بان يعيش الاثوريون كرعايا عراقيين مخلصين . فمن الواجب على الاثوريين ايضا ان يشاركوا الشعب العراقي في هذا الشعور السامي .

وان فعلتم ذلك ففي استطاعتي الناكيد لكم بانكم ستنالون كل عطف ومساعدة ولكن قبل كل شيء يجب ان تنزعوا عنكم الروح الانعزالية. فلو كان اولادكم قد اهتموا في الماضي بتعلم اللغتين العربية والكردية الى جانب لغتهم الاثورية لكانوا اليوم يشغلون وظائف كبيرة وعديدة في الدوائر الحكومية وكما ذكر قبلي وكيل المتصرف فكل شخص يطلع على مشاكل الاثوريين يتاسف على ضياع فرصهم ويجب ان تعلموا بان الحكومة العراقية ليست مسؤولة عن هذه المشاكل ولكنها مع ذلك فهي مستعدة لتقديم كل مساعدة ممكنة للاثوريين . وكما يجب ان لا يغرب عن بالكم بان تاسيس الحكومة العراقية لم يكن منذ مدة طويلة وانها ليست غنية ايضا فلِذا لا تستطيع مساعدة الاثوريين اكثر مما تعمله للعرب والاكراد واذا كنتم ترغبون ان تنجحوا يجب ان تهيئوا انفسكم للقيام باعمال شاقة وكلي امل بانكم ستعملون ذلك من اجل مصلحتكم ومصلحة اولادكم . ولقد قال لكم وكيل المتصرف مفصلا ما يخص مكانة المارشمعون، واني اود ان اؤكد لكم بانه لا يوجد في جميع انحاء العالم شخص يملك السلطتين الروحية والزمنية في آن واحد . ولذا لا يمكن ان يكون ذلك الشيء في العراق ايضا. وفي الختام اذكركم بان الوقت فد ادركنا وعليكم ان تفكروا جيدا وان تصمموا في قرارة انفسكم هل انتم باقون في العراق ام لا . انني قد بذلت اقصى جهودي من اجل مصلحتكم ورأيي الصريح لكم هو ان تبقوا في العراق لانه لا يوجد مكان آخر افضل منه تستطيعون العيش فيه ......

كلمة الميجور تومس في الاجتماع :
قال الميجر تومس( اني وصلت الى هذا البلد قبل شهرين للقيام بالترتيبات اللازمة لاسكان الاثوريين واتصلت بالمارشمعون مرتين وحاولت الوصول معه الى التفاهم والاتفاق حول قضية اسكان الاثوريين ووعدني بانه سيقوم بذلك تحريريا ولكنه كذب ومنذ شهرين وانا انتظره بدون نتيجة ) .....

ايها القراء الاعزاء من خلال كلمة ستافورد تتوضح جليا سياسة حكومة بريطانية في تلك المرحلة اي انها تكاد تقول صراحة يا ايها الاثوريين لقد ضحكنا عليكم كل هذه السنين ومررنا مصالحنا من خلال دماء ابنائكم والان لا علاقة لنا بكم فتدبروا اموركم ... ففي هذه المرحلة المصيرية التي كانت تتطلب استخدام الحكمة والعقل ولملمت الجراحات والاهتمام بتربية الجيل الجديد بعيدا عن افكار التعلق بالاجنبي وخدمته والابتعاد عن كل ما يسيء الى الروابط والعلاقات التي تجمعنا مع كل الشرائح التي تسكن هذا الوطن شراكة معنا ولكن الذي حدث كان عكس هذا المفهوم، فلقد استمرَّالبعضُ في خدمة الانكليز ورعاية مصالحهم سواء بالخدمة في قوات الليفي او العمل في سفارة بريطانيا وقنصلياتها ..... ولقد توضحت مواقف الذين كانوا يتبجحون بشعارات براقة يطلقونها للتمويه عن مصالحهم الشخصية التي من اجلها سالت دماءُ الابرياء في سميل وغيرها من القرى وكيف عادوا في عام 1948 يتوسلون بالحكومة العراقية لكي تقبل عودتهم موافقين على كل شروطها ومن ثم جاءوا مهرولين الى العراق في عام  1970 . وآخرون في عام 1973 من اجل الحصول على الدنانير العراقية وهنالك مثلا عراقيا يفول (مكدي كركوك خنجره بحزامه ) اي انه حتى في الإستجداء يضع الخنجرَ في حزامه وهكذا هي حال الاخوة الذين جاءوا عارضين خدماتهم (اللااخلاقية) من اجل حفنة من الدنانير مؤطرين هذه الخدمات بشعارات قومية .... فعلى ذقون من تضحكون ؟؟؟؟؟ ان الله يمهل ولا يهمل وان دماء الابرياء ستظل تلاحقكم الى يوم القيامة ....

الفرص الاخيرة لشعبنا كيف ضاعت ومن كان السبب ؟
« في: 14:36 04/12/2013  »

ايها الاخوة القراء كثيرا ما تردني اسئلة من بعض القراء حول الدافع الذي يقودني الى كتابة هذه الاحداث التي مرَّ عليها زمن طويل وحجتهم في ذلك انها تجدد جراحات ماضية وتخلق جوا من التوتر والتشرذم والانشقاق. واجابتي لهؤلاء هي: (انتم لستم خائفين على هذا الشعب من التوتر والتشرذم والانشقاق ولكنكم خائفون من ظهور الحقائق على السطح فان ابناءنا لم يسمعوا او يقرأوا من تاريخهم سوى الاكاذيب والتلفيقات وتبرير الاخطاء والصاق التهم والخيانة بالذين كانوا اوفياء لشعبهم والذين ضحوا وقاتلوا على جبهتين العسكرية والسياسية ) وللاسف الشديد ان البعض جابهوا كتاباتي بردود مملوءة بالحقد الشخصي متمثلا باستخدام عبارات لا تطلق الا في الاماكن المعروفة ولم اقرأ اواسمع منهم ردا منطقيا موثقا يَدحض اقوالي وهذا الامر اصبح واضحا للقراء الذين ينظرون الى الامور بعينين بريئتين خاليتين من الحقد والانحياز لهذا الطرف او ذاك .....

الفرصة الاولى :
بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بشعبنا واستقراره اخيرا في مخيم بعقوبة حيث كان العراق تحت الانتداب البريطاني تقرر عقد مؤتمر في فرنسا سمي (بمؤتمر السلام) والحقيقة ان هذا المؤتمر لم يكن مؤتمر سلام بقدر ما كان مؤتمرا لتقاسم غنائم الحرب بين الدول المنتصرة (الحلفاء) وكانت سيدة هذا المؤتمر بدون منازع هي (بريطانيا العظمى) وبما ان الاثوريين كان لهم النصيب الاكبر من التضحيات البشرية والمادية في تحالفهم (الشفهي) مع الحلفاء ارادوا ان يجنوا ثمار هذه التضحيات وذلك بتقديم طلب الى الحكومة البريطانية بارسال احد رؤسائهم الى مؤتمر السلام خاصة وان العائلة المارشمعونية لها صلات وثيقة بالفيادة البريطانية في العراق الا ان طلبهم رفض من قبل الحكومة البريطانة لاسباب سياسية ... ولقد كان الاثوريين قد انتخبوا اغا بطرس ليكون ممثلا لهم في مؤتمر السلام لثقتهم باخلاصه وجراته وثقافته والمامه بالامور السياسية ..... يقول اغا بطرس في مذكراته بهذا الشان ما يلي (الامة كلها من كافة العشائر واورميا انتخبوني انا اغا بطرس . الم يختارني جميعُ الاشوريين للسفر الى باريس لتمثيل الامة ترافقني بذلك سرمة خانم كممثلة للرئاسة الدينية البطريركية ؟ ولاجل هذا جمعت العشائرُ المبالغ المطلوبة لذلك ولكن تم رفضُ الفكرة وسافرت سرمة خانم لوحدها الى لندن دون اذن واقامتْ في دار الرهبنة عازفة عن حضور حتى مؤتمر السلام .. وفي حينها تساءل الجميع , ترى ما شانُ هذه الراهبة في مؤتمر السلام ؟ لربما كان سفرها لقضاء حاجاتها الخاصة، أَجَلْ، هذا هو الواقع فعلا ... انها سلمتْ زمامَ امورنا بيد الانكليز وبصمتْ على دخول الامة في خدمة مصالحهم في العراق عكس ما كان في تطلعات ذلك الشعب المشرد الذي سفك الدماءَ من اجل العيش بحرية وكرامة على ارض محررة تمتد من اورميا شرقا حتى جزيرة بوتان غربا)  انتهى الاقتباس . لقد تمَّ ابعادُ اغا بطرس من مخيم بعقوبة وتم تسفيرُه الى بغداد لغرض ابعادِه عن الامة لقوة شعبيتِه والتفاف الشعب حوله والحاحِه في المطالبة بحقوق الاثوريين مما احرج الانكليزَ واصدقاءَهم وبعد ذلك قام البطريرك مار بولس بارسال رسالة الاستنجاد بالحاكم الانكليزي لينقذه من الاحراج الذي اوقعوه الانكليز فيه .....

رسالة البطريرك مار بولس الى المندوب السامي البريطاني نشرت في نشرة رسمية في بغداد وهذا نصها :
الى صاحب السيادة الافخم (كولونيل ا ت ولسون الحاكم العام / بغداد)

تحيات وتبريكات من المارشمعون بولس بطريرك الكنيسة الاثورية الشرقية باذن الله ... وبصفتي رئيسا للملة الاثورية اعلمكم بانكم قد ارتكبتم خطا عندما اوعزتم لي بانه لم يكن من المصلحة (سؤالي هو لمصلحة من ؟) ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام .. الا انه بامكان الحكومة البريطانية ايجاد حل لهذه القضية فكما انها قد سمحت للاكراد والعرب والارمن بارسال ممثليهم الى هذا المؤتمر يمكنها كذلك السماح للاثوريين ايضا لارسال ممثلهم . وعند ذلك سيعم علينا الفرح الكبير جميعا واذا ما كنتم تعتقدون بان هذا الطلب مصيره الرفض فاني اطلب تحقيق احد هذين المطلبين 1 / مما لا يخفى عليكم بان هناك تذمراً بين الاثوريين من جراء عدم موافقتي على ارسال اي ممثل الى مؤتمرالسلام تنفيذا لاوامركم . وعليه طلبَ رؤساء الاثوريين ان ارسل احدهم سرا فرفضت ذلك . لذا اخذ القسم الاكبرُ منهم بالتذمر مدعين بانني لا اهتم بمصلحة الاثوريين وانما تهمني مصلحتي الشخصية الخاصة فقط . وعليه ارجو ان تكتبَ لي رسالة مبينا فيها بان طلبي حول ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام قد رفض من قبل الحكومة البريطانية لاسباب سياسية لكي يتسنى لي ابراز هذه الرسالة للاثوريين لتبرئة ساحتي .
2 / او السماح بارسال برقية الى اسقف كانتربري ليقوم هو بعرض مطاليب ملتنا على مؤتمر السلام والتي هي :
اولا / عدم اشتراك الارمن مع الاثوريين في اي حل يُعطى للقضية الاثورية .
ثانيا / ضرورة وضع جميع الاثوريين بصورة دائمية تحت حكم بريطانيا العظمى على ان يتم اسكانهم في مناطقهم الاصلية التي كانت مسكنهم منذ القدم والواقعة في غرب كردستان اي من منطقة باشقلعة الى جزيرة بن عمر بالاضافة الى سولدز واورميا وسلامس حتى الجبال الممتدة على الحدود التركية .
ثالثا / الطلب من الحكومة البريطانية وليس من مؤتمر السلام ان تنصبني رئيسا للاثوريين الجبليين لانهم قد اعتادوا على هذه الرئاسة .انتهى الاقتباس.

وفي شهر آذار ارسلت برقية الى لندن بخصوص ارسال ممثل للاثوريين الى مؤتمر السلام فجاء الجواب بعدم الموافقة وباخبارالاثوريين بان الحكومة البريطانية هي التي سوف تحفظ لهم حقوقهم في مناطقهم . وفي شهر ايار ازداد التذمرُ في صفوف الاثوريين لذا وردت برقية اخرى من لندن بالموافقة على ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام في باريس . وفي 21 تموز سنة 1919 ارسلت سرمة خانم على اساس انها منتخبة من دون ان ينتخبها احد ولم تذهب الى مؤتمر السلام بل انها ذهبت الى لندن (وفق مذكرات اغا بطرس) فسافرت بباخرة انكليزية ونزلت في دير للراهبات الانكليكان وبقيت فيه ثمانية اشهر . وهكذا استمتعت هذه الملكة الاثورية بسفرتها التي كحل بها الانكليز عيون الاثوريين واسكتوا صوتهم من اجل حريتهم وكرامتهم . وبعد ذلك عادت سرمة خانم الى الموصل باوامر جديدة من الانكليز ..وهكذا ضاع امل الامة بالحصول على حقوقها القومية لقاء التضحيات التي قدمتها من اجل نصرة الحلفاء .....

الفرصة الثانية :
في شهر شباط سنة 1920 عاد اغا بطرس فجاة الى مخيمات بعقوبة من بغداد ومعه عقيدان انكليزيان لنصب تمثال تخليدا لذكرى خمسة عشر الف اثوري ماتوا في تلك المخيمات من جراء الامراض الفتاكة وويلات الحرب علما بان اغا بطرس كان مبعدا من تلك المخيمات من قبل الانكليز بطلب من العائلة المارشمعونية واتباعها . وعند وصوله اجتمع بممثلي العشائر الاثورية واثوريي اورميا وعرض عليهم خطة الانكليز لاعادتهم الى مناطقهم الاصلية الممتدة من اورميا في ايران حتى جبال حكاري في شمال العراق وتركيا فيما اذا تمكنوا من الاستيلاء عليها بقوتهم بعد تسليحهم من قبل الانكليز . فوافقت الاغلبية الساحقة منهم على تلك الخطة ما عدا عائلة المارشمعون وبعض العشائر الموالية لها والتي لم تتجاوز نسبتهم الخمسة بالمائة من مجموع الاثوريين . وهنالك سؤالان يطرحان نفسيهما حول موقف الانكليز الغامض والمتناقض من هذا المشروع: اولهما هو: كيف ولماذا حدث هذا التبدل الفجائي في السياسة المعادية لاغا بطرس الذي كان يهدف الى انشاء وطن قومي للاثوريين؟ وبعد ان ابعدته السلطات الانكليزية ومنعته من التدخل في شؤون الاثوريين بناءً على رغبة المارشمعون واتباعه. ولماذا جاءت به ليتبنى قضية الاثوريين مجددا ويتفق مع العشائر التي لم تكن على وفاق مع المارشمعون لاستعادة مناطقهم الاصلية ؟ وثانيهما هو: لماذا وكيف آمن كل من اغا بطرس وملك خوشابا واتباعهما بصدق نوايا الانكليز نحوهم ونحو هذا المشروع الكبير , ولماذا اناط الانكليزُ هذه المسؤولية بهما ولم يعطوها لاصدقائهم ؟ وبعد مراجعة عدة مصادر ومذكرات الذين عاصروا هذه الاحداث ندرج ادناه بعض الحقائق حول هذه المسرحية الانكليزية المارشمعونية التي لم يغفل عنها كل من اغا بطرس وملك خوشابا لتجاربهم السابقة مع غدر الانكليز الا ان ثقتهم العمياء وايمانهم المطلق بمقدرة مقاتليهم الابطال من تحقيق هدفهم بالرغم من كل العراقيل والمؤامرات التي يخططها الانكليز في افشالها ....

كان المخطط الانكليزي كالاتي :
1 / اراد الانكليز التخلص من هذا العدد الهائل من البشر الموجود في مخيمات بعقوبة الذي كان يكلفهم مئات الالاف من الباونات سنويا ولا سيما ان ميزانيتهم كانت قد ارهقتها الحرب مما حدا بهم الى اعتماد سياسة التقشف .
2 / قصد الانكليز من وراء تجهيزهم لتلك الحملة ثم العمل على افشالها هدفين :

اولهما هو الايقاع بالشخصيات الاثورية الوطنية التي لا ترتاح اليها السياسة البريطانية مثل اغا بطرس وملك خوشابا وذلك بتحميلهما مسؤولية فشل تلك الحملة واتخاذها ذريعة للقضاء عليهما سياسيا ليخلو الميدان امام اصدقائهم الحقيقيين ليسيروا الاثوريين وفق مصالحهم ومصالح بريطانيا العظمى .اما الهدف الثاني فهو اشغال الاثوريين بهذا المشروع الذي كانوا قد خططوا لافشاله مسبقا وذلك لالهائهم به وعدم فسح المجال لهم للاتصال بجهات اخرى كي تتبنى قضيتهم .وكان ممثل تركيا في مؤتمر القسطنطينية قد عرض رغبة تركيا لقبولهم في اوطانهم الاصلية ومنحهم الحكم الذاتي بشرط ان لا يسمحوا للاجانب بالتدخل في شؤونهم وعلى ان تلحق ولاية الموصل بتركيا . والى الجزء التاسع والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو

12

إغلاق عقل المسلم
الجزء الثاني

ويُمكن القول بأنَّ مذهب المُعتزلة شكَّلَ منعطفاً مُهِماً في تاريخ الفكر الإسلامي إذْ ساعدَ على بروز الكثير من التيارات ذات النزعة الإنسانية، ولولم يَقُم ألوُعّاظ والفقهاء المتحجِّرو العقول بالتأثير على عقول الناس من خلال تكريس إفهامهم بأنَّ الإسلامَ قائمٌ على منطِق القسر والجبر والتبعية ورفضِ منطِق التفكير العقلي، لكانت مساهمة المُعتزلة والتيارات الإنسانية الأخرى كبيرة وفعالة في استعادة الحضارة الإسلامية وتقدمها عن طريق عرض أفكارها ونشر طروحاتها ولكانت عاملاً في تغيير المُجتمع الإسلامي الى مجتمع أفضل كثيراً مِما هو عليه الآن وبشكلٍ كبير.

تصدَّي المشايُخُ والوُعّاظ السنةُ المتزمِّتون لأفكار وطروحات المُعتزلة التنويرية، وفي مقدمتهم الإمام أحمد بن حنبل مؤسس المذهب الحنبلي، كان أبرز مَن عارض نظرية خَلق القران وبسبب هذه المعارضة زُجَّ في السجن وأُهينَ، ولكنَّه لم يتراجع فنال تأييداً من قبل جماعة السنَّة في بغداد، وقد لُقِّبَ أتباعُ مذهبِه بالحنابل، وعُرفوا بالجنوح الى استخدام العنف ضِدَّ المختلفين معهم، وإنَّ المذهب الوهابي المُعاصِر هو امتداد للمذهب الحنبلي، لأنَّهم يحملون نفس الأفكار التخلُّفية البالية في تبنّيهم للعنف البغيض الذي يقود الى الأعمال الإرهابية.

ومن المؤسفِ جداً أن يلقى اولئك التقليديون المتزمِّتون الدعمَ والتأييد من الحكّام المسلمين في ذلك العصر. والأبرز والأشرس بينهم كان الخليفة المتوكِّل، حيث أظهر شِدَّة بأسِه وقسوتِه وتزمُّته اللاعقلاني التخلُّفي بمواجهة تيارالمُعتزلة بعُنفٍ كبير حيث قتل وعَذَّبَ الكثيرين منهم، فقضى على تلك الفرقة المنطقية العقلانية، وكانت حجته في هذا التصرُّف البربري بأنَّ المُعتزلة ضلوا عن طريق الحق الذي يفهمُه هو ومشايُخُه الأشعريون (أتباع أبو الحسن الأشعري الذي سنأتي اليه لاحقاً) .

إذاً إنّ قيام المتوكِّل الخليفة الأحمق ومشايخِه بالتصدّي العنيف ضِدَّ المعتزلة كان ضرباً مِن الجنون وردَّةً خاسرة وتخلُّفية في تاريخ الفكر العربي الإسلامي، أدَّت الى إغلاق عقل المُسلم، فعاد أسيراً للمنقول من السلف في التفسير الحرفي للنصوص الدينية بدون مُبالاةٍ بتعارضِه مع العقل، بل تمادوا جداً باعتماد ما تَمَّ نقلُه إليهم مِن أحاديث نُسبت الى نثيِّهم محمد رغم أنَّ الغالبية منها مشكوك بصحتِها برأي الكثير مِن فقهاء المسلِمين، ومن بينهم الإمام "أبو حنفية" مؤسِّس المذهب الحنفي، حيث لم يقبل منها إلاّ 17 حديثاً ورفض البقية.

ونتيجة تفاقم الصراع بين المعتزلة ومناوئيهم أهل الحديث <السنة> أدّى الى انشقاق أحد المعتزلة هو " ابو الحسن الأشعري" على إثر خلافٍ جرى بينه وبين شيخِه "أبو هذيِّل العلاف" وبحسب ما رُوي عن الخليفة المأمون بأنَّ مَيلَه الى العقلانية واعتناقَه لها دفعه إليه آرسطو الذي ظهر له في المنام ونصحه بأنَّ العقل هو المصدر الأهم لمعرفة الحقيقة، كذلك رُوي عن الأشعري، بأنَّ تغيير موقفِه من المُعتزلة كان نزولاً عند رغبة النبي الذي ترآى له في المنام ثلاث مرّات، فسمع منه في المرتين الأولى والثانية عتاباً بتخليه عن أحاديثه، ولما انصاع الأشعري لأمر النبي، ترآى له للمرة الثالثة وأمره بالدفاع عن أحاديثِه ضمن الإلتزام بالعقلانية. ونتيجة لذلك اضطرَّ الأشعري بإقامة مذهبٍ وسط يجمع بين فكر المعتزلة والفكر السني مع نبذ مذهب المعتزلة. تُرى ما رأيكم أيها القراء الأعزاء بهذه الروايات الغريبة والعجيبة، أليست صادرة عن عقول محكوم عليها بالجهل والخرافات؟!!!

لقد ذكرنا بأنَّ المتوكِّل  اضطهد المعتزلة بقسوة، ولاذَ بالفرار مَن نجى منهم مُختفين عن قبضته في مناطق نائية، والكثرون منهم انصهروا في المذهب الشيعي. تعرَّضت مؤلفاتُهم للحرق، ولم تسلم منها إلا مقتبسات قليلة احتفظ بها المعادون لهم رغبة منهم في تفنيد آرائهم. وبذلك استطاعوا خنق صوت المعتزلة العقلي الإرادي الحر منذ زمن طويل، إذ كانت مواجهة السلطات الإسلامية المتزمِّتة لإسكاته عنيفة جداً، ولا تزال على هذا المنوال برفضها لقِيَم الحرية والتجدُّد وإسكات كُلِّ صوتٍ يُنادي بها.

لقد آن الأوان للعودة الى الأخذ بمعالم فكرية وطروحات منطقية تتصف بمفاهيم نيرة يُشكِّل العقلُ عمودها الرئيسي، لعلَّها تُساهِم ايجابياً في إثارة وتحريض العقل العربي والإسلامي للإنفتاح والتحرُّر مِن هيمنة عصور التخلُّف والإستبداد على واقعِنا الراهن، والتأكيد على سلطة العقل وليس سلطة النصل والنقل، فهي العامل الأساس في بناء نهضة عملية تقدمية والمعيار الحقيقي لتطوُّر وازدهار وتقدم أيَّة أُمةٍ من الأمَم.

كانت الحملة التي شُنَّت على المعتزلة بداية الإنحطاط الفكري والحضاري، سبَّبَ ضعفاً كبيراً للدولة العباسية، بل هيَّأ فرصة مؤاتية للغازي المغولي هولاكو ليُسقِطها عام 1258م سقطة أبدية. ولا زال تأثير ذلك الإنحطاط متسلطاً على العقل العربي والإسلامي، يُثمر ثماراً سامة يُعاني منها العالَم المتحضِّر.

إنَّ الإسلام السياسي يُشكِّل خطراً، ولكي يُحقِّق مستخدموه أغراضهم يعمدون الى سلوك وسائل عِدّة والتظاهر بأشكال شتّى منها: تبنّي اسلوب الإرهاب المتمثِّل < بالقاعدة وفروعها > والأسلوب السلمي تحت ذريعة الإعتدال المتمثِّل <بحزب الإخوان المسلمين> الخبير بإفراز تفرُّعات تحت أسماء وواجهات مُختلفة، مستغلاً ديمقراطية دول الغرب في توفير الحقوق الإنسانية بجميع أشكالها فيوظفونها بكُلِّ ما يتوفَّر لديهم من دهاءٍ وذكاء لتنفيذ مشروعهم الأوحد الهادف الى أسلمة العالَم وفرض حكم الشريعة وبخاصةٍ على  ابناء الغرب الغافلين عن غايتهم الدنيئة هذه.

الصراع الثقافي
أليس الدافع لهجرة العرب والمسلمين الى دول الغرب هو الفرار من ظلم الحكام في بلدانهم والتخلُّص من بؤس أوضاعهم الإقتصادية والإجتماعية، والذي هو نتاج ثقافتهم الموروثة التي يفرضها الدين والمذهب، فالثقافة العربية الإسلامية تُطالب المواطنين بالطاعة العمياء للحاكم مهما كان ظالماً ومستبِدّاً، ولذلك يعمد العرب والمُسلمون الى الهجرة الى الدول الغربية صاحبة الثقافة ذات القيَم الحضارية الإنسانية النبيلة كالديمقراطية والحرية وحكم القانون والمساواة. . .

والسؤال المُحيِّرهو: لماذا يسعى بعض المسلمين المهاجرين بعد استقرارهم في الدولة الغربية المُضيفة وقد وفَّرتْ لهم الحرية وكرامة العيش، الى محاربة الثقافة الغربية ومخالفة قوانينَ تلك الدولة والعمل على فرض ثقافتهم المتخلفة عليها، تلك الثقافة التي كانت سبباً لهجرتهم، أليست غايتهم أسلمة اوروبا وفرض خكم الشريعة عليها!

 أليس الغربيون مُغفَّلين بل أغبياء عندما  يتعرَّضون  لإعتداء الإسلاميين الذين قبلوهم في مجتمعاتهم ووفَّروا لهم الرعاية والكرامة، وعوضَ أن يُقابلوا ذلك بالعرفان والوفاء لحسن نواياهم وإذا بهم يُبيتون لهم الشرَّ بعد كسبهم خبرة في تسخير قِيَم حضارتِهم كالديمقراطية وحرية التعبير وحقوق الإنسان وحرية العبادة وتغيير الدين والمُعتقد والإعتراف بتعددية الثقافات وغير ذلك من التسهيلات، فيستخدِمون هذه المزايا لحبك مُخططات تخريبية ضِدَّ أبناء البلد الذي آواهم وقدَّم لهم المعونة والحماية.

أسلمة الغرب
لا زال أصحاب الإسلام السياسي وبالتحديد " جماعة الإخوان المُسلمين" بتفرعاتهم المتعددة الأسماء والواجهات، تسعى بمنتهى الجهد لتغيير الثقافة الغربية المتطورة وفرض الثقافة الإسلامية المتخلِّفة أي "حكم الشريعة" مستغلة مجموعة من العوامل المضادة للمجتمعات الغربية كما أشرنا إليها فيما سبق.

استخدام الإسلاميين الكذب

الكذبُ عامل يُساعد أصحاب الإسلام السياسي على غِشِّ وخَدع الغربيين ويُعرف بازدواجية الكلام، ولديهم خبرة مكتسبة في فهم عقلية الغربيين ومخاطبتهم بما يُسرُّهم وكسب رضاهم لتحقيق نواياهم السيِّئة، وذلك عن طريق ايصال أساتذة مُسلمين الى جامعات غربية عريقة لديهم قدرة كلامية بخدعَهم موهمين إياهم أنَّهم مع الديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان، والمساواة بين المرأة والرجل في كُلِّ شيء، وهذه كُلُّها تتغيَّر عندما يتحدثون مع شعوبهم في بلادهم.

دول الخليج تُغري الجامعات الغربية بالمال

ليس خافياً بأنَّ الجامعات الغربية تُعيقها دوماً مشاكل مالية لكثرة مشاريعِها العِلمية، فانتبهت الدول الخليجية النفطية الغنية باستغلال هذه المشاكل، وعرضت على الجامعات تبرعات بملايين الدولارات، طالبة منها عدم السماح بنقد الإسلام في الحرم الجامعي والمُخالف يتعرَّض  لفقدان الوظيفة. وبالإضافة الى ذلك أعطت الجامعات مجالاً للطلاب الإسلاميين بالتطاول على الآخرين بالكلام اللفظي الخشن وحتى الإعتداء البدني لترهيب المعارضين لهم.

التخويف
تفتقت أذهان الإسلاميين بشراء ضمائر مُحامين جشعين لإقامة دعاوى قضائية على الليبراليين الذين قد يقومون بنقد الإسلام، وجعلهم يتحمَّلون مصاريف الدفاع عن أنفسهم، حتى لا يجرأون ثانية على نقد الإسلام.

تحقير الثقافة الغربية
يقوم أصحاب الإسلام السياسي بتحقير الثقافة الغربية، وبنفس النظرة التحقيرية ينظرون الى غير المسلمين وحتى الى المُسلمين الذين لا يؤيدون نهجهم، وبخاصةٍ الذين لديهم توجه ليبرالي حيث تصل بهم الحالة الى إباحة تغييبهم جسدياً، إذا لم يُجاروهم بإسلامهم وتحقيرهم للثقافة الغربية.

مُعاداة الديمقراطية
يكره أصحاب الإسلام السياسي الديمقراطية، وفي حالة اضطرار قادتهم تبنيهم لها ولحقوق الإنسان، فيكون ذلك قبولاً مرحلياً لحاجتهم الى كسب ثقة الغرب، وما إن يتسلَّموا السلطة لا يلبثون أن يتنكَّروا لكُلِّ ما وعدوا به سابقاً.

الغاية تُبرِّر الواسطة

لا يستبعد الإسلاميون السياسيون  القيام بالعدوان لتحقيق نواياهم وأغراضهم، وليس بعيدً اختطافهم الثورة في تونس ومصر، حيث عرفوا كيف يفوزوا بالإنتخابات عن طريق الإغراء والخداع والرشوة. وما إن وضعوا أيديهم على السلطة حتى تصاعد الإعتداء على النساء السافرات، ومن ضمنه التحرش الجنسي، إرهاباً لهنَّ على ارتداء الحجاب وكذلك الزيّ التخلفي الإسلامي.

غفلة الغرب
لا تزال الشعوب الغربية ورجال ُحكوماتِها في غفلةٍ عن الحذر من الإسلام السياسي، ولا يُدركون حِيَل معتنقيه وأحابيلهم، كما لا ينتبهون الى استغلالهم لكُلِّ القوانين والوسائل والأنظمة والمُثُل الحضارية الغربية بما فيها الديمقراطية ومنظمات حقوق الإنسان وحرية التعبير والنشر... يُسخِّرونها لصالح منظماتهم الساعية الى نشر التطرف الإسلامي والإرهاب! حتى متى يستيقظون من غفوتهم ونرجو أن لا يفوت الأوان وحينها لا يُفيد الندم.

الباحث والمؤرخ
الدكتور كوركيس مردو




13
إغلاق عقل المُسلِم
الجزء الأول


The Closing of The Muslim Mind

How Intellectual Suicide Created the Modern Islamist Crisis
By Robert R. Reilly, Paperback edition, February 2011
Wilmington, Delaware


بالعنوان أعلاه أصدر الباحث الأمريكي الدكتور" Robert R. Reilly " كتابَه القيِم في شهر شباط لعام 2011 وقد عثرتُ به منذ منذ زمن قصير. ما كان للغربيين اهتمام بالإسلام إلا نادراً وكان محصوراً ببعض المستشرقين الأكاديميين الذين يأتون الى ذِكره في مؤلفاتِهم البحثية. ولكنَّ قيام المنظمات السلفية الإسلامية كالقاعدة والإخوان المُسلمين والمنادين بالخلافة الإسلامية وغيرها التي ارتكبت أعمالاً إجرامية بحق السكان غير المسلمين المواطنين في البلدان التي تقطنها الغالبية الإسلامية، وكذلك في البلدان الأُروبية وأميركا وكندا واستراليا التي وافقت على قبول المهاجرين والمُهجَّرين المسلمين، حصل لدى شعوب هذه البلدان ردُّ فعل واهتمام بالغ للتعرّف على الإسلام كدين وفهم تعاليمه ليس من قبل الطبقات المثقفة فحسب بل من قبل العامة ايضاً ولا سيما بعد جريمة 11 ايلول النكراء التي نفَّذها 19 شاباً من العرب المُسلمين حاملي الشهادات العليا من جامعات الغرب وينتمون الى عائلاتٍ ميسورة، وسبب هذا الإهتمام هو الوقوف على الدواعي والأسباب التي دفعتهم الى ارتكاب هذه الجريمة الشنعاء مُضحين بأنفسهم ومسببين الموت لنحو ثلاثة آلاف نفس بريئة ما عدا ما خلَّفته من الجرحى والمعوَّقين، تُرى، كيف يستطيع الإنسان السوي هضم هذه الظاهرة المُرعبة، وبالأحرى الإنسان الغربي الذي يُعطي اعتباراً مطلقاً لحياة البشر!

ولدراسة ظاهرة الإرهاب هذه اضطرَّت حكومات الغرب لتكليف مسؤولي جامعاتها ومراكز البحث التابعة لها طالبة من مُنتسبيها بذل أقصى ما بوسعهم من طاقات لتحليل أسبابها هادفة من ذلك ايجاد وسائل لصدِّ وقوعِها مستقبلاً حماية لحياة شعوبها وصونا للحضارة البشرية مِن مساويء الإرهاب الإسلامي الذي يُرتكب باسم إله الإسلام.

والهدف الآخرهو تقييم الإسلام كدين، ولماذا يدعو الى القتل والإرهاب؟ ولماذا يدفعُ معتنقيه للإستهانة بالحياة وتفضيل الموت؟ ولماذا يُروِّجُ شيوخ الإسلام ويُشجِّعون الشباب المُسلمين للتضحية بأنفسهم وقتل المختلف عنهم بالدين او المذهب؟ بينما يمنعون أولادهم عن القيام بمثل أعمال التضحية هذه، ألا يتمنون لهم الجنّة مُقابل التضحية التي يخدعون بها الشباب الذين لا صِلة لهم بهم؟ إذاً هم كاذبون ومخادعون وعن الحَقِّ ضالون!

هذه الظاهرة اللاإنسانية المُرعبة دفعتْ عدداً لا يُحصى من الكتاب والباحثين لكتابة المقالات والقيام بالدراسات وإصدار الكتب التي تُحلِّل المسار السيء الذي يسلكُه الإرهابيون المُسلِمون وما يدفعهم الى ذلك آياتُ السيف والقتل التي يحتويها قرآنُهم وإليكم بعضاً منها وأهمّها:
 
< وقاتلوا في سبيل الله (سورة البقرة2: 190) وقاتلوهم حيث ثقِفتموهم (سورة البقرة2: 191) كُتِبَ عليكم القتال (سورة البقرة2: 216) وقاتِلوا في سبيل الله (سورة البقرة2: 244).

فاضربوا فوق الأعناق واضربوا منهم كُلَّ بنانٍ ذلك بأنَّهم شاقّوا الله ورسوله (سورة الأنفال8: 12-13) وقاتلوهمْ حتى لا تكونَ فِتنة ويكونُ الدينُ كُلُّه لله (سورة الأنفال8: 39) أعِدّوا لهم ما استطعتُم مِن قوَّةٍ ورباط الخيل تُرهِبون به عَدوَّ اللهِ وعَدوَّكم (سورة الأنفال8: 60) يا أيها النبيُّ حَرِّض المؤمنينَ الى القتال (سورة الأنفال8: 65).
 
فليُقاتِل في سبيل الله الذين يَشرون الحياة الدنيا (سورة النساء4: 74) فقاتِلوا أولياء الشيطان (سورة النساء4: 76) فقاتِل في سبيل الله... وحَرِّض المؤمنين (سورة النساء4: 84) وقاتلوهم حيث وجدتموهم (سورة النساء4: 89). >

ولم يَكتفِ القرآن على التحريض بقتال الكافرين فحسب، بل تَعَدّأه الى قتال المؤمنين مِن أهل الكتاب اليهود والمسيحيين بموجب الآيات التالية:
قاتِلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الآخر ولا يُحَرِّمون ما حَرَّمَ الله ورسول، ولا يدينون دين الحَقِّ من الذين أوتوا الكتاب حتى يُعطوا الجزية عن يدٍ وهم صاغِرون (سورة التوبة9: 29) وليس قتالهم فحسب، بل نهب ممتلكاتهم وسلب اراضيهم وسبي نسائهم وأولادهم حيث يقول: وأنزَلَ الذين ظاهَروهم مِن أهل الكتاب مِن صياصيهم وقذفَ في قلوبِهم الرعبَ فريقاً تقتلون وتأسرون فريقاً وأورثَكم أرضَهم وديارَهم وأموالَهم (سورة الأحزاب33: 26-27).

أقتلوا المُشركين حيث وجدتموهم (سورة التوبة): 5) فقاتِلوا أئمة الكفر إنَّهم لا ايمانَ لهم (سورة الفوبة9: 12) قاتلوهم يُعذِّبوهم الله بأيديكم ويُخْزِهم... ويشْفِ صدور قومٍ مؤمنين (سورة التوبة9: 13) ألا تُقاتِلوا قوماً نكثوا ايمانَهم (سورة التوبة9: 14) وقاتِلوا المُشركين كافة (سورة التوبة9: 36).

وجزاء الذين يُحاربون الله ورسولَ ويسعون في الأرض فساداً أنْ يُقتَلوا أو يُصلبوا أو تُقطع أيديهم وأرجلهم (سورة المائدة5: 33)

بالإضافة الى ما تحويه كُتبُ ما يُسمّى بصحيح مسلم والبخاري وغيرها الكثير، وكُلُّها تدعو الشبابَ المُسلِم الى القتل والإرهاب، فيسلكون هذا الدربَ الشائكَ دون وعيٍ مُضحِّين بأنفسهم تشبُّثاً بوعودٍ سرابية حشوها بأذهانِهم عُتاة شيوخ الإسلام.
وبعد كُلِّ ما تقدَّم ذِكرُه كيف يقبل عقلُ وضميرُ المُسلِم أن تكون أوامر القتل والإعتداءات الوحشية وأعمال السلب والنهب والسبي تعاليم دينية مِن الله؟ وكيف يجرأ ويدَّعي المُسلمون بأنَّ الإسلامَ لا يأمر بالإعتداء ولا بالسلب والنهب ولا بسفك الدماء ولا بسبي النساء والغلمان! وكيف يتفق هذا الإدِّعاء مع واقع القرآن والسِّيَر والأحاديث الزاخرة بمثل هذه الأوامر الجُرمية الخطيرة بحق أبناء البشرية لا لشيءٍ إلا لعدم ايمانهم بهذا الدين الذي يعتمِد هذه الأوامر المُجحفة والظالمة!!!

ولنأتي الآن الى الكتاب المعنون " إغلاق عقل المُسلِم " لمؤلِّفه الباحث الأكاديمي الدكتور روبرت رايلي، فإن مَن يقرأ هذا الكتاب، يكتشف في مؤلفِه اطلاعَه الواسعَ على تاريخ الإسلام وسعةِ فهمِه وبعُمقٍ للعقل العربي والإسلامي المُغلق، ولذلك فلا بُدَّ مِن عرض محتوى كتابِه لكي يستفيدَ منه كُلُّ مَن ابتلى بظاهرةِ الإرهاب مِن المُسلمين أولاً وأبناءِ العالَم الآخرين ثانياً.

مِما تبيَّنَ للمؤلف بأن الإرهابَ الإسلاميَّ في أيامِنا الراهنة ليس بجديد، ولا تُمليه عواملُ اجتماعية كالفقر والبطالة والعوز... بل هو نتيجة خللٍ أصابَ عقل الشباب المُسلِم مِن جرّاء التطورات التي انتابت الفكرَ الإسلامي منذ القرن التاسع الميلادي فأوصلتْه هذه العقلية الى الواقع الحتمي المُعلن والمَرير. ويسعى المؤلفُ الى متابعة أسُسِ هذه الظاهرة التي تعرَّضت لمنعطفاتٍ تاريخيةٍ منذ ظهور الإسلام ولا سيما تلك التطوراتُ الفكرية التي حصلتْ في العصر العباسي.

وفي مُقَدمة كتابِه يقول روبِرت رايلي بأنَّه يخوضُ في تفاصيل أعقدِ وأعظمِ دراما في تاريخ البشرية " مسرحُها عقل المُسلِم " متتبعاً الطُرُق التي استخدمَها فقهاءُ المسلمين وبالتحديد السنَّة بتعامُلِهم مع العقل، وبخاصةٍ بعد تأثُّره بالأفكار الفلسفية اليونانية على عهد الخليفةِ المأمون العباسي. والأبرز بينها الفكرُ الفلسفي لآرسطو الذي تغلغلَ في الثقافة الإسلامية على غِرار ما جرى للمسيحية في أُوروبا. ولدى مقارنتِه بين الحضارةِ الغربية والحضارة الإسلامية، يؤكِّدُ مؤلف الكتاب بأنَّ الحضارة الغربية اعتمَدتْ في نَشأتِها على أربعة مصادرهي:< الديانة المسيحية والديانة اليهودية والفلسفة اليونانية والقوانين الرومانية > وتمَّ لها الإزدهارُ ولكنَّها اضمحلَّت في العصورالوسطى، وفي عصرالنهضة والتنوُّر نهضت من جديد واستمرَّت بالتطورحتى بلغتْ مستوى متقدِّما من حيث التفوُّق العلمي والفلسفي والتقني والفني واحترام حقوق الإنسان ومُمارسة الحرية والديمقراطية، ويُضيفُ بأن هذا التطوُّرما كان له أن يحصل لو لم يهتمَ فلاسفة الغرب باستخدام العقل على أوسع نطاق.

وبالرغم مِن أنَّ الإسلام برز في أوائل القرن السابع الميلادي في منطقة الجزيرة العربية، فقد حقَّق بفضل أهل الكتاب نهضة سريعة وفي غضون ثلاثة قرون انتشرت حضارتُه الإسلامية التي اكتسبها عن طريق قيام مسيحيي بلاد الشرق التي استولى عليها المسلِمون بقوة السيف، فشملت منطقة الشرق الأوسط التي حدَّد امتدادَها "الفريد تايرد" مِن ايران الى المغرب، فشيَّدوا المدن وأسَّسوا المعاهد العلمية وفتحوا المكتبات، ولم تلبث هذه الحضارة حتى انهارت كُلِّياً في القرن الثاني عشر، وانغمس العالَم الإسلامي في ظلام حالكٍ ولم تستطع النهوض كما استطاعت اوروبا استعادة حضارتها وتطويرها.

وهنا يسأل المؤلف روبرت رايلي: لماذا لم يستطع العالم الإسلامي استعادة حضارته بعد كبوتِه  كما استطاع الغرب؟ فيعزو ذلك المؤلف مُرَكِّزاً على ما طرأَ على الفكر الإسلامي من تطوُّرٍ في العهدِ العباسي، وتحديداً في فترة خلافة المأمون التي غمرتها الأحداث السياسية والإجتماعية التي تمحورت حول قضايا الصراع السياسي ولإيديولوجي المتستِّر بغطاء المسميات الدينية. حيث ظهرت على شكل مدارس الكثير من تيارات ومذاهب وآراء فكرية منطقية وفلسفية ووجدانية مُدَّعِياً كُلٌّ منها امتلاكَه للحقيقة الربانية، والأبرز بين هذه المدارس الفكرية كانت:
مدرسة أفكارحركة "المُعتزلة" العقلانية، أي أنَّهم تبنّوا إعطاء الأولوية للعقل لا للنقل، وتركَّزت فلسفتُهم على أنَّ الإنسانَ مُخيَّرٌ وذو إرادةٍ حُرّة، إذْ يمتلك العقل وبواسطته يتمكَّنُ من التمييز بين الخير والشر وهو المسؤول عن عن أعماله وتصرُّفاتِه. وبدون هذه الإرادة الحرة في الإختيار لن يكون الإنسانُ مسؤولاً عن أعمالِه، وليس من العدل معاقبتَه إذا ارتكب جُرماً!
وبخلاف مدرسة المُعتزلة العقلانية، ظهرت مدرسة اخرى مناهضة لها أُطلق عليها "الجبرية" تدَّعي أن الإنسان مُسيَّرٌ، لا يحُقُّ له أخذَ قراراتِه والقيام بأعماله، باعتبار أنَّ كُلَّ ما يعمله ويتعرَّض له، هو مكتوبٌ عليه من الله منذ الأزل وقبل مجيئه الى الحياة، وقد انتهج خلفاء بني أُمية أفكار هذه المدرسة لتبرير ظُلمهم، إذْ لو قاموا بالظلم فالمسؤول هوالله الذي سلَّطهم على حكم الشعب، فالظلم برأيهم يتِمُّ بإرادة الله!!

أما الخليفة العباسيُّ السابع عبدالله المأمون، فكان نصيراً للعقل ومُحباً للفلسفة فتبنَّى أفكار حركة المعتزلة، فازدهر عصرُه بالثقافة والحركة الفكرية الحرة، فكان اكثر خلفاء العباسيين تشجيعاً لترجمة الكُتُب مِن مُختلف الثقافات اليونانية والفارسية والهِندية. إنَّ سَبَبَ ميل المأمون الى المُعتزلة هو تيقُّنُه بأنَّ العقل هو أهَمِّ المصادر بل المصدر  الأمثل للوقوف على الحقيقة، وما يُفرِّق الإنسان عن الحيوان هو العقل، ومن هذا المنطلق أيَّد المُعتزلة ودعمَ حركتهم، وأسند إليهم أهمَّ المناصِب وبخاصةٍ في القضاء.

وباعتبار أنَّ أفكار وآراء مدرسة حركة المُعتزلة تُمثِّل الفعل التنويري في تاريخ الإسلام والمُسلمين، وهم الذين رَوَّجوا لنظرية "خلق القرآن" وآمن المأمون بها بقوة بحيث فرضها كعقيدةٍ رسمية للدولة، وسمح للمُعتزلة بامتحان الناس، فمَن كان لا يُقِرُّ بفرضية خلق القرآن كان يتعرَّض للعقاب. لذلك نود أن نُلقي نظرة سريعة على أفكار واعتقادات المعتزلة فهي:

تعتمِد العقل في شرح وتفسير العقائد الإسلامية، وتتمحْوَر أفكارُهم حول خمسة أُسُس هي: التوحيد، العدل، المنزلة بين المنزلتين، الوعد، والوعيد، والأمر بالمعروف والنهي عن المُنكر. ويبدو أنَّ جماعة المعتزلة في اتِّجاههم العقلاني برزوا في فهم نصوص" الكتاب والسنّة وتعني الأحاديث النبوية " ووصلوا  في ذلك الى الذروة في عهد الخليفة المأمون بحيث غدا المذهب الإعتزالي المذهب الرسمي للدولة، ورُفِضَت كُلُّ الإتجاهات الأخرى القائمة على منطِق"الجبرية" الذي يعني أنَّ الإنسانَ مُسَيَّرٌ وليس مُخَيَّراً. وبسبب الخلاف بين نظرية خلق القرآن التي جاهر بها المُعتزلة، وبين نظرية الوعاظ والمشايخ بأنَّ الله هو مُنزل القرآن سُمِّيَ ذلك العصر "عصر المِحنة" وعُرفَ ما دار بين الفريقين جدالاً سفسطائياً، وقد أثار فتنة كبيرة آنذاك. وما يجدر ذِكرُه بهذا الصدد بأنَّ الشيعة يُقِرون بخلق القرآن، فالمعتزلة إذاً لم يكونوا من مذهبٍ واحدٍ بل من السنة والشيعة. والى الجزء الثاني مِن إغلاق عقل المسلم قريباً.

الباحث والمؤرخ
الدكتور كوركيس مردو

14
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع والأربعون

سرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو ودماء سميل (مذكرات مالك لوكو شليمون التخومي)

يقول السيد بولص يوسف ملك خوشابا: قبل البدء برواية تسلسل الاحداث ارى من الضروري توضيح موقف العشائر الاشورية من وجهتي نظر الطرفين :
الطرف الاول : مؤيدوا وجهة نظر مالك خوشابا كانوا (4200 ) عائلة بحسب ما مثبت في ارشيف وزارة الداخلية العراقية ووزارة المستعمرات البريطانية. والرؤساء المؤيدون لهذا الطرف كانوا كل من: الاسقف مار سركيس: الاسقف مار ياوآلاها: مالك خمو البازي: مالك نمرود جيلو: مالك يونان جيلو: مالك مروكي جيلو: الدكتور بابا فرهاد: الرئيس خيو عوديشو الاشوتي: الرئيس شليمون مطلوب كاور: القس يوسف قليتا: مالك زيا شمزدين: القس كينا كورييل البازي: السيد اسماعيل شوو البازي: الرئيس شمعون برخيشو: الرئيس كورييل شمعون البازي: مالك جكو كيو تياري العليا زوج شقيقة مالك ياقو: اوديشو داديشو تياري العليا: الرئيس عوديشو انويا الاشوتي: الرئيس دانيال بارس جيلو: الرئيس اسماعيل موشي ......
الطرف الثاني : مؤيدوا وجهة نظر مار ايشاي شمعون كانوا(1650) عائلة والرؤساء المؤيدين لهذا الطرف: المطران يوسف خنانيشو: مالك ياقو تياري العليا: مالك لوكو شليمون تخوما: القس كوركيس تخوما: مالك اندريوس جيلو: مالك داود تخوما: زادوق انويا الاشوتي: الرئيس بكو اوشانا الاشوتي: الرئيس يوخنا هلمون: الرئيس وردة اوشانا تياري العليا: الرئيس هرمز يونان تخوما: شليمون زومايا تخوما: توما مخمورا البازي: تيلو داود البازي: الشماس كنو جيلو: الشماس يوسف تياري العليا: الرئيس يوسف صورة تياري العليا: الرئيس عوديشو خوشابا تياري العليا: هرمز طليا البازي: داود والد مارايشاي شمعون .........
بعد ان نال العفوَ مالك ياقو عن الاعمال المسلحة التي قام بها والتي سبق ذكرُها بضغط من الانكليز،عُقد اجتماع في متصرفية الموصل، اصر فيها مؤيدو مارشمعون على عدم موافقتهم على مشروع الاسكان مالم ياتهم ايعازٌ من قداسة مار ايشاي شمعون الممنوع عليه مغادرة بغداد دون الموافقة على تخليه عن فكرة السلطة الزمنية التي كان يطالب بها ... فطلب كل من المتصرف خليل عزمي والمفتش الاداري العقيد ستافورد والميجر تومسون خبير الاسكان من المطران يوسف خنانيشو ومالك اندريوس ومالك ياقو ومالك لوكو الذهاب الى بغداد لمقابلة مارشمعون واقناعه للموافقة على خطة الاسكان والتنازل عن فكرة مطالبته بالسلطة الزمنية، فامتنع المطران يوسف خنانيشو من الذهاب بحجة انه رجل دين ولا يتدخل في الامور الدنيوية ولكنه في الحقيقة كان المسؤول الاول في تحريك تلك الاحداث كما ثبت لاحقا، كذلك رفض مالك اندريوس قائلا ان ياقو ولوكو يكفيان لتلك المهمة ...... وعليه وافق الاثنان على السفر الى بغداد لاقناع مارشمعون بعدوله عن فكرة السلطة الزمنية، فمنحهما الميجر تومسون 9 دنانير اجورسفر وحجز لهما غرفة في فندق مود، الا انهما طلبا السفر بواسطة السيارة عن طريق كركوك.. فقال لهما الميجر تومسون بانه سيلحق بهما الى بغداد للاشتراك معهما في اقناع قداسته بقبوله خطة الحكومة بما يخصُّه ويخص الشعب الاثوري...
وألآن نأتي الى ما ذكره المرحوم مالك لوكو شليمون التخومي في مذكراته :
يقول مالك لوكو : في يوم 11 تموز سنة 1933 وفي الساعة الثانية بعد الظهر عندما انصرفنا من الاجتماع في المتصرفية واتفقنا على السفر الى بغداد لاقناع مارشمعون بالعدول عن فكرة مطالبته بالسلطة الزمنية ذهبنا انا وياقو الى منزل مارشمعون في الدواسة بالموصل. وعند دخولنا غرفة الاستقبال وجدنا سرمة خاتون والمطران يوسف خنانيشو جالسين فيها، وقبل ان نسلم عليهما صرخا في وجهنا قائلين لنا (من الذي وكلكما ان تسافرا الى بغداد لاقناع مار شمعون بقبول التنازل عن سلطته الزمنية؟ اذا كنتما حقا من المخلصين لمارشمعون فعليكما الإتجاه فورا مع رجالكما المسلحين الى قمم الجبال). وبقينا صامتين ثم دخلت سورمة خاتون ومعها كل من المطران يوسف خنانيشو وملك ياقو الى غرفتها، حيث اختلوا مدة نصف ساعة، ثم خرج مالك ياقو واخبرني بانهم قد قرروا عدم سفرنا الى بغداد وإنما الى قرية سميل عوضا عن ذلك لاتخاذ الترتيبات اللازمة مع اتباعنا، ولما استفسرت منه عن موقفنا بخصوص وعدنا لكل من المتصرف والميجر تومسن بالسفر الى بغداد، اجابني بان الحكومة تريد ان تخدعنا بان ترسلنا الى بغداد كي تلقي القبض علينا هناك وترسلنا الى سجن الناصرية ... وكان هذا الاتفاقُ قد تم سرا بين سرمة خاتون والمطران يوسف خنانيشو ومالك ياقو، ولما كنت صغير السن وقليل التجارب ولم تكن لي المعلومات الكافية عن نوايا العائلة الشمعونية لذا كنت اصدق كلَّ اقوالها مما ادى الامر بي الى اطاعة اوامرها طاعة عمياء حتى اليوم الذي انكشف لي (عدم مصداقيتها) حيث تاكدتْ لي كل الحقائق التي كان يرويها المرحوم ملك خوشابا عن هذه العائلة في عام 1932 والتي مع الاسف الشديد لم اصدقها في حينه لانني كما قلت كنت اجهل آنذاك نوايا هذه العائلة. فخرجنا انا وياقو من الموصل ليلا مستقلين سيارة ومتجهين نحو قرية سميل حيث كان مسكن ياقو فيها ومن هناك ذهبنا الى قرية بوسرية التي كان يسكنها اتباعي ابناء عشيرة تخوما. واجتمعنا فيها مع القس كوركيس (ججي) التخومي وبعض رؤساء العشيرة وشرحنا لهم الموقف وما تم الاستنتاج منه، وعليه قررنا انا وياقو عبور الحدود العراقية الى سوريا والاتصال بالسلطات الفرنسية لتمهيد الطريق للآثوريين الذين لا يرغبون البقاء في العراق للدخول الى الاراضي السورية وقلت للقس كوركيس بانه اذا نجحنا في مسعانا ساكتب له رسالة وارسلها مع احد الاشخاص المرافقين لنا واذكر فيها بان تجارتنا كانت ناجحة اي ان الاتفاق قد حصل مع السلطات الفرنسية وفي حالة فشلنا في مسعانا سأذكر في رسالتي بان تجارتنا خاسرة، وسأطلب منهم التحرك فورا الى الحدود السورية في حالة نجاح مهمتنا وفي حالة فشلنا فعليهم البقاء في العراق واطاعة جميع اوامر الحكومة العراقية اسوة بغيرهم من الاثوريين الباقين، اما انا وياقو كنا سنبقى في سوريا كلاجئين سياسيين لدى السلطات الفرنسية في سوريا لعدم تمكننا من العودة الى العراق ثانية .. وفي الساعة الثامنة مساء تحركنا ومعنا ثلاثة اشخاص وهم كل من: بنيامين مروكل من عشيرة تياري العليا ومكو وموشي من عشيرة تخوما، وسرنا ليلا حتى وصلنا عند الفجر قرب قرية ديربون حيث قضينا فترة استراحة على عين ماء كائنة على جبل بيخير منتظرين حلول الظلام لنتمكن من عبور نهر دجلة الى داخل الاراضي السورية .. وتمكنا من العبور اثناء الليل من نقطة تقع جنوب فيشخابور بواسطة كلك صغير مصنوع من القراب .. وفي الصباح وصلنا الى معسكر قوة فرنسية في قرية خانك القريبة من الحدود العراقية واتصلنا بآمرها بغية عرض قضيتنا عليه، فاخذنا حالا بسيارة الى قرية ديرك حيث كان مقر المستشار الفرنسي (كابيتان لارست). ولما سمع قضيتنا مفصلا نقلها بدوره برقيا الى المندوب السامي الفرنسي في بيروت قائلا لنا بانه سيخبرنا بالنتيجة عند ورود الجواب من المندوب السامي ... وبينما كنا ننتظر الجواب ارسلت رسالة الى القس كوركيس في العراق مع احد مرافقينا مبينا له فيها باننا سنخبرهم بالنتيجة حال حصولنا عليها طالبا منهم البقاء والمحافظة على الهدوء والسكينة .. الا انه قبل حصولنا على النتيجة وبينما كنا مدعوين لتناول طعام الغذاء في مكان اثري على نهر دجلة من قبل توما البازي الذي كان يسكن هناك جاءنا خيالان من الجندرمة السورية واخبرونا بان حوالي 500 رجل من اتباعنا قد وصلوا مع اسلحتهم من العراق الى قرية خانك ... فهرعنا الى هناك على الفور والتقيت بالقس كوركيس وسالته فيما اذا كان قد استلم رساتلتي اليه. فاجابني بانه قد استلمها الا انهم لم يتمكنوا من الانتظار لان مارشمعون كان قد اخبرهم بواسطة شليمون بن مالك اسماعيل، بان الجيش العراقي سوف يتحرك نحو قراهم ويقوم بقتلهم جميعا لذا امرهم بالالتحاق بنا مع سلاحهم فورا قبل ان يتمكن الجيش العراقي من الوصول الى قراهم وسد الطرق بوجههم. ولما اكد كل من سرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو هذا الخبر اضطروا الى التحرك والالتحاق بهم ... ثم توافدت جماعات اخرى وعبرت النهر حتى بلغ عددها حوالي (900) شخص، منهم (600) شخص يحملون السلاح والبقية بدون سلاح، تم تعسكرهم في تلك الاراضي الخالية من اي ظل او شجرة تحت اشعة الشمس المحرقة وبدون طعام، وبينما نحن في هذه الحالة المزرية اصدر ياقو اوامره الى بعض من رجاله لمنع اي شخص من الاتصال باحد او الاستفسار من اي شخص اخر سواه حول الموضوع ولذا حصل بعضُ التذمر بين الوافدين، ولما قلتُ له باننا كنا بامس الحاجة الى مخرج من ورطتنا وليس الى مظاهر فارغة، اجابني ان الوضع يتطلب الكتمان وعدم الاتصال بالآخرين، واخذ يتحجج ببعض الحجج ... يتبع
سرمة والمطران يوسف خنانيشو ودماء سميل (مذكرات مالك لوكو) الجزء الثاني                  كُتب يوم 12 أغسطس 2013       بولص يوسف ملك خوشابا  /   اقتباس من كلام مالك لوكو :
يقول مالك لوكو: واخيرا وصلنا جوابُ المندوب السامي الفرنسي من بيروت بان مارشمعون لم يكن لديه اي اتصال مع الفرنسيين وانه صديق الانكليز لذا فانه لا يعلم اي شيء عن قضيتنا وعلينا ان نسلم اسلحتنا الى السلطات الفرنسية . وهكذا تم تجريدنا من بنادقنا وبقينا في ذلك الوادي نعاني من الجوع والعطش وحر الشمس بينما كانت المفاوضات جارية بين السلطات الفرنسية والحكومة العراقية بصددنا . وعلى اثر ذلك حدثت بلبلة شديدة وتذمر بين صفوف الوافدين متهميننا باننا قد خدعناهم واخذوا يستفسرون عن الارزاق والمساعدات المالية التي كنا ومارشمعون قد وعدناهم بها عندما كانوا في العراق. ثم ازداد هياجُهم وعلت صيحاتهم وصرخاتهم ضدنا وخاصة من عشيرة تياري العليا التابعين لمالك ياقو والذين قالوا له بانهم سيعودون الى قراهم وعوائلهم في العراق لان لهم امل كبير من ان ملك خوشابا ذلك الرجل المخلص والعاقل سوف يستحصل موافقة الحكومة العراقية على السماح لهم بالعيش بسلام في العراق كما كانوا سابقا . لذا جاءني مالك ياقو مع اخوته وبعض اقربائه وهو في حالة ياس شديد طالبا مني القيام بتهدئة اتباعه وعدم السماح لهم في العودة الى العراق . فاجبته بصعوبة تلبية طلبه لانهم اذا كانوا لا يطيعونه وهو رئيسهم فكيف يطيعوني وانا غريب عنهم . ولما اخبر هؤلاء الراغبون في العودة المسؤولَ الفرنسي بذلك قام الفرنسيون باعادة بنادقهم اليهم بينما كان ياقو مع بعض من الرجال من اقربائه يطلقون بعض عيارات التنديد بهم قائلين بانهم سيلونون ماء نهر دجلة بدم كل من يحاول عبوره للعودة الى العراق . الا انه لم يمضِ سوى وقت قصيرحتى طلب الاشخاص الذين كانوا مع ياقو يطلقون التهديدات ببنادقهم ايضا والبالغ عددهم حوالي اثنا عشر شخصا بعبور النهر مع العائدين وكانت الساعة تقترب من الثانية من بعد الظهر من يوم 5 آب سنة 1933م. وقبل وصول مقدمة العابرين الى شاطيء النهر الايسر داخل الحدود العراقية حيث كانت بعض القوات العراقية قد اتخذت مواضع لها فيها، فقام مالك ياقو وبعض من اقربائه بفتح النار على القوات العراقية التي كانت تنتظرعبور الاثوريين بسلام حسبما كان قد تم الاتفاق عليه فيما بينها وبين السلطات الفرنسية، وعلى اثر ذلك بدا الجيش العراقي بالرد بالمثل وهكذا بدا القتال بين الطرفين دون ان يعلم اي طرف من هو الباديء بالرغم من ان الجيش العراقي كان قد أُبلِغ من قبل مكي بك الشربتي قائمقام دهوك والمستشار السياسي المفاوض مع السلطات الفرنسية بهذا الخصوص بان الاثوريين سيعودون ويسلمون سلاحهم كما كان الاثوريون على علم بذلك . الا ان مالك ياقو لم يَرُق له ذلك فاشعل نار الفتنة ولو كان ذلك على حساب ابناء عشيرته الذين كانوا قد وثقوا به بانه كان يعمل من اجل مصلحتهم فتبعوه الى سوريا. ولما بدات المعركة اضطررنا نحن ابناء عشيرة تخوما الباقون في المؤخرة على استلام بنادقنا من الفرنسيين وقمنا بعبور النهر لمساعدة هؤلاء المساكين الذين اوقعهم ياقو في ورطة وكان الظلام قد بدا يخيم والقتال مستمر بين الطرفين على ربايا الجيش العراقي المحيطة بالمعسكر في ديربون حتى الفجر. وبعد ان اصبتُ بجراح في يدي نتيجة لقصف الطائرات العراقية وبعد ان تكبدنا بعضَ الخسائر من القتلى والجرحى انسحبنا ثانية عبر نهر دجلة الى الاراضي السورية. اما ملك ياقو فبعد ان اشعل نار الفتنة لجا مع بعض اقربائه المقربين الى داخل نهر الهيزل داخل الحدود التركية واختبأوا في غابة من القصب. ومن ثم التحقوا بنا حيث صرخ به الضابط الفرنسي الموجود هناك قائلا له (اين كنت ؟ انت الذي اشعلت نار الفتنة ثم هربت واختفيت. فانت المسؤول عن كل هذه المصائب التي حلت بهؤلاء المساكين) فلم يجب ملك ياقو ولو بكلمة بل ظل صامتا مطأطأ الراس … انتهى الاقتباس …
ايها القراء الاعزاء هذه افادة مالك لوكو شليمون التخومي الذي قضى جزءاً مهماً من حياته في تنفيذ كل ما كان يطلب منه تنفيذه من قبل العائلة الشمعونية ايمانا منه بان هذه العائلة تعمل لخدمة الامة الى ان اكتشف وبالتعامل المباشر معها بانه كان على خطا ولكونه رجلا وقائدا مخلصا لقومه ولديانته ولشجاعته التي يشهد له بها كل صاحب ضمير حي، بان شجاعته ما كان يجب ان تقتصر على ساحات القتال فحسب، بل يجب ان يثبتها في ساحات قول الحقيقة لارضاء الضمير وانا شخصيا سمعت منه الكثير الكثير حول كثير من المواقف التي مرت به حين كنت متواجدا في لبنان عام 1968م. ومن مآثره الشجاعة انه حين اوعز كل من سرمة خانم والمرحوم المطران يوسف خنانيشو إليه والى مالك ياقو بان يقودا رجالهما المسلحين الى قمم الجبال لم يجازف بالقاء قومه في التهلكة بل دعاهم الى البقاء في اماكنهم لحين ذهابه الى سوريا والتاكد من السلطات الفرنسية حول قضية قبولهم ومن ثم يقوم بارسال بلاغ لجماعته بالعبور الى سوريا وكذلك اثبت شجاعته ووفاءَه لامته حين عبر النهر لنجدة الذين عبروا، ولم ينسحب من المعركة الا بعد أن أُصيبَ بجرح، ولو تتبعنا ما ورد في اعترافات هذا القائد الشجاع لوجدنا كيف كانت تسيرُالامور بتوريط الابرياء وخداعهم بوعودٍ لا تمت للحقيقة بصلة! فلقد نقل ملك ياقو لملك لوكو الوعود الوهمية التي سمعها من سرمة خانم، بان الفرنسيين سوف يرحبون بهم وفق اتفاق معقود بين قداسة البطريرك والسلطات الفرنسية وتبين من رسالة المندوب السامي الفرنسي بان هذا الكلام لم يكن سوى اوهام لتوريط هاتين العشيرتين اللتين ضحيتا بخيرة شبابها من اجل تنفيذ رغبات هذه العائلة … رب سائل يفول لماذا تقوم هذه العائلة بتوريطهما في الوقت الذي هما من المخلصين لها؟ ان اهداف هذه العائلة ومنذ اغتيال قداسة الشهيد مار شمعون بنيامين تبدَّلت الى حب التسلط والحفاظ على العلاقات المتميزة مع الانكليز حتى اخر لحظة ولو على حساب دماء الابرياء …. من هم غالبية من استشهدوا في سميل؟ ان غالبيتهم كانوا من اللذين رفضوا فكرة ترك ارض آبائهم واجدادهم فاصبحوا ضحية تهور ولاأبالية القائمين بهذا العمل بدماء من سيقعون تحت رحمة اناس متوحشين قساة سواء كانوا من الجيش او من العشائر المحيطة بهم …. وهنالك سؤال اخر يطرح نفسه: هل كان قداسة البطريرك وهو في بغداد على علم بهذا الاجراء او القرار (نصف ساعة فقط) الذي اتخذاه كل من سرمة خانم والمطران مار يوسف خنانيشو؟ لا اعتقد ذلك ولكن قداسته كان مسيَّراً غير مخيَّر من قبل عمته سرمة خانم ….. عندما علمت سرمة خانم بخطة مالك لوكو خافت ان يكتشف امر الوعود الوهمية بعد اتصاله بالفرنسيين فتفشل خطتها في عبور العشيرتين الى الجانب السوري والتي اعتقدت بانها ستكون ورقة ضغط على الانكليز والحكومة العراقية لتنفيذ مطلب قداسة البطريك في السلطة الزمنية فارسلت شليمون مالك اسماعيل لينشر خبراً، بان الجيش العراقي قادم اليهم لابادتهم وعندما عبر هؤلاء المساكين الى الجانب الفرنسي خلافا للتعليمات التي اوصى بها مالك لوكو جماعته بها، فوجئوا بان كل ما سمعوه كان اوهاما في اوهام …. لماذا لم تُصدر سرمة خانم اوامرها التي اصدرتها الى مالك لوكو ومالك ياقو لشقيقها داؤد قائد قوات الليفي، علما ان قوات الليفي كانت آنذاك معسكرة في سرعمادية كما جرت العادة في تعسكرها الصيفي هناك لاغراض التدريب، رغم أنَّ المسؤول الانكليزي عن هذه القوات طلب منهم ان يستولوا على السلاح ويذهبوا لمساعدة اخوانهم في القتال متحملا مسؤولية كبيرة في ذلك، ولكن ضباط الليفي رفضوا ذلك مدعين بانهم لن يتحركوا الا بعد ان ياتيهم الامر من قداسة البطريرك؟ هذا الامر الذي لم ياتِ لان سرمة خانم لم تكن تريد قطع الجسور مع الانكليز، وكذلك عدم تعريض شقيقها داؤد للمسؤولية التي تترتب على ذالك …..اما الدماء التي اريقت في سميل وديربون والقرى الاخرى فهي هدية بسيطة يقدمها هذا الشعب المسكين للعائلة التي اعتبرها مقدسة وان هذا الشعب متعود على تقديم الاضاحي كما حدث في خوي وفي اورميا وفي الطريق الى همدان ….. عدا عن وفيات صخرة بهستون ومخيم بعقوبة وغيرها الكثير من الدماء المنسية …. والى اللذين يلقون اللوم على الانكليز اسالهم: هل هناك وثيقة او اثبات بان الانكليز قد قطعوا وعدا لهم بان يمنحوننا كيانا مستقلا باي صيغة كانت؟ الجواب طبعا هو لا، لان الانكليز وقفوا ضد هذا المشروع صراحة في مؤتمر السلام، وقالها المندوب السامي البريطاني صراحة لقداسة البطريرك. فاين يكمن وجه الخيانة؟ هل كان بالتشبث بذيل الانكليز وخدمة مصالحهم وجعل شعبنا مكروها من العرب والاكراد حيث تقرر فيه مصيرنا بالعيش معهم لان العراق اصبح مذوانا الاخير! ..اما ما يردده البعض من جماعة (تبرير الاخطاء) بان النقيب الفلاني قال كذا والملازم الفلاني قال كذا، وكأن هؤلاء كانوا هم اللذين يديرون دفة سياسة بريطانيا العظمى.
الصراع الانكليزي التركي العراقي على منطقةالعشائر والهجوم التركي عليها
« في: 09:51 24/04/2013  »
الرسالة الثانية التي ارسلها السيد ميرلاي خليل باشا والي ولاية حيكاري التركية ا الى ملك خوشابا : الترجمة الحرفية للرسالة:
الى رئيس تيار السفلى ملك خوشابا يوسف المحترم
قرات رسالتك الى رئيس الارتوشيين اسماعيل اغا . وكما اكدت لك قبل افتراقنا بان الصداقة والمحبة التي تربطنا
ستبقى وتدوم، اما بخصوص قضية الاعتداء العسكري علينا فسيصار الى حلها بطريقة خاصة ورسمية. معلوماتي ان الحكومة لن تعفو عن التخوميين مرتكبي الاعتداء وسوف ترسل قوة عسكرية الى منطقتهم لتاديبهم وتخويفهم ووضع حدٍّ لهم .
اطمئنك بان القوة العسكرية سوف لن تعتدي او تتحرش بالاشوريين الآخرين ولن يتضرر انسان منهم . فليبقى كل واحد في مكانه ويستمر بممارسة اعماله. اذا سلم هؤلاء التخوميين انفسهم فسيصار الى محاسبتهم امام محكمة قانونية وحسب الاصول . اكرر القول اذا اراد هؤلاء التخوميون احترام شرف الدولة وكرامتها فعليهم تسليم البنادق والعتاد الذي استولوا عليه والا فلن يعفى عنهم. اما كل الاشوريين الآخرين الذين ليس لهم غرض آخر سوى الخير فلن يمسوا بسوء.
امنيتي ان تهتموا بكلامي هذا واذا لم يكن لديكم مانع ارجو تعيين مكان مناسب لاحضر للتداول معك ونعطي حينئذ القرارات المناسبة في القضية .
الخلاصة : انا لست لحد الان طرفا في هذا الموضوع ولم اكن ناكرا للجميل كي انسى الانسانية التي رايتها منك. انا انتظر جوابا سريعا منك. لا احد هنا يعرف الكتابة بالعربية. سلامي الكثير الكثير اليك والى مالك صليو وجاوشينو.
                            التوقيع
                     والي ولاية حكاري
                          ميرلاي / 13 ايلول / 340

نص رسالة قائمقام العمادية الجوابية الى ملك خوشابا في 24 / 8 / 1924
الى ملك خوشابا المحترم
اخذت كتابكم المؤرخ 17 / اب / 1924 وفهمت فحواه حسبما ترجموه لي وعليه اقول ان عملكم باعادة سعادة الوالي لم يكن خارج منهجنا، وزد عليه انكم كنتم عملتم هذا بحسن النية وخدمة للحكومة العراقية،  ولي الامل ان ازور دياركم بعد مدة والسلام.
                               التوقيع
                          قائمقام العمادية

الى جميع رؤساء بني ماثا المحترمين :
اخذت كتابكم المؤرخ 5 / اب / 1924 المعنون الى مدير برواري بالا، وصار معلوما لدي مجيءُ الوالي الى جال انني كنت قد ارسلت اوادم (يقصد اناس ) من طرفي سابقا بغير طريق والذين وصلوا لعندي قبل وصول كتابكم بنهار وقد اخبروني عن عزم والي جولمرك للذهاب بدورية عن طريق جلي ومنيانش وارتوش واورامر ودزة ثم يرجع الى جولمرك،  لذلك اظن أولاً انه والي جولمرك وليس كما ذكرتم بانه والي وان. ثانيا اظن ان فكره هو الدورية ولا تتجاوزون ابدا اذا لم يحصل تجاوز عليكم واني مستعد للحركة الى طرفكم في اول حادث يطرأ وأؤكد عليكم بلزوم اقتفاء الاخبار الصحيحة وارسالها بوقتها ليتسنى لي ابداء الراي الى امرائي بصورة مؤكدة والسلام .
                                   التوقيع
                              قائمقام العمادية
                            عبد الحميد مجيد

ويمكننا من هذه المخابرات الرسمية بين قائمقام العمادية وملك خوشابا الإستدلال على سياسة الحكومة العراقية المتبعة نحو الاثوريين القاطنين في مناطقهم الاصلية والتي كانت تعتبر منطقة حرام للطرفين التركي والعراقي انذاك، وإنَّ اي حركة تصدر من اي منهما فيها قد تعني نقضا للحالة الراهنة في تلك المنطقة التي كان كل جانب منهما يحاول ضمها الى حدوده ( ص 57 من كتاب مشكلة الموصل لمؤلفه الدكتور فاضل حسين) .....
الا ان الانكليز كانوا يلعبون لعبتهم في الخفاء لاجبار الاثوريين على النزوح من اراضيهم لاسيما عن اراضي عشيرة تياري السفلى المجاورة والملاصقة لمنطقة برواري بالا في قضاء العمادية والتي ينحدر سكانُها من اصل عشيرة تياري السفلى . فكانت غاية ملك خوشابا المحافظة على الهدوء والسكينة في تلك المنطقة لخلق جو مطمئن للطرفين العراقي والتركي خاصة في تلك الظروف الدقيقة الى ان يتم تقريرُ مصير المنطقة من قبل عصبة الامم والاثوريون لا يزالون باقين على اراضيهم ليسهل امرُ ضمها الى العراق بالاستفتاء. غير ان الانكليز ارادوا سلخ اراضي العشائر الاثورية وضمها الى تركيا لاجبار الاثوريين للنزوح منها والبقاء تحت رحمتهم ليستغلوهم ابشع استغلال خاصة وانهم سوف يصبحون مهجرين بلا ماوى مما يسهل امر تجنيدهم في الليفي .....

هجوم القوات التركية والعشائر الكردية على منطقة حكاري في 14 ايلول 1924
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد انقاذ الوالي التركي واطلاق سراحه واعادته الى مقره ولعدم تسليم القائمين بالعمل للحكومة التركية لمحاكمتهم اخذت القوات التركية تتحشد في المنطقة الشمالية من محل سكنى عشائر تياري بالقرب من مراعيها الواقعة في منطقة (ميدان) وكانت تلك القوات تربو على الفرقتين احداها من المشاة والاخرى من الخيالة مع مدفعية جبلية وكانت تؤازرها العشائر الكردية في تركيا مع رشيد بك امير البرواري بالا. طلبت الحكومة التركية من عشيرتي تياري العليا وتياري السفلى السماح لتقدم قواتها عبر اراضيها لتاديب عشيرة تخوما على قيامها بالاعتداء على الوالي التركي وحاشيته ومؤكدة عدم وجود اي نوايا سيئة نحو العشيرتين . الا ان التياريين لم يطمئنوا على دخول قوات مسلحة الى مناطقهم ولاسيما العشائر الكردية التي كان لها ثار معهم . فاستغل الآثوريون انصارُ الانكليز هذا الظرف المواتي لنشر الاشاعات عن قيام  سلاح الجو البريطاني بتظليل سماء المنطقة بالطائرات لحماية الاثوريين وعن تقدم قوات انكليزية ضخمة في طريقها لمقاتلة الجيش التركي بهدف اثارة الاثوريين ودفعهم للصدام مع الجيش التركي حتى لا يكون لهم خط رجعة للعودة الى مناطقهم، وفعلا تم للانكليز مأربهم حيث قامت بعض المجموعات من المقاتلين بالتصدي للقوات التركية في نهاية شهر اب سنة 1924 الا انهم لم يتمكنوا من الصمود امام قصف المدفعية التركية وهجمات القوات النظامية التركية والعشائر الكردية، فانسحبوا الى قراهم ومنها الى منطقة برواري بالا حيث كانت العوائل قد اخلت تلك القرى بمساعدة سرية من قوات الليفي التي أرسلها لهم الإنكليز لهذا الغرض. الا انها هربت وتركت خيمَها ومطابخَها في جبل ميدنوك بالقرب من قرية بيدو قبل أن تُدركها القوات التركية ومعها العشائر الكردية التي احتلت قرية كاني ماسي مقر مدير الناحية العراقي والقرى الاخرى مما اجبر الاثوريين النزوح الى وادي صبنة عبر منطقة سر عمادية. وفيما كان المقاتلون يعبرون وادي (كلي شريفة) قبالة قرية بيباد الى صبنة منسحبين امام القوات التركية التي احتلت برواري بالا، كان قداسة البطريرك وسرمة خانم في بيباد بحراسة قوة من الليفي، فارسلت سرمة خانم ثلة من جنود الليفي لاحتلال فتحة مضيق شريفة وإجبار كل اثوري مسلح للعودة لمقاتلة الاتراك وتجريد كل مُمتنع عن القتال من سلاحه.
وكانت العوائل والرجال المنسحبون في حالة يرثى لها من التعب الشديد والارتباك، وما أن علِمَ هؤلاء المُقاتلون بان الانكليز كانوا وراء تدبيرهذه المكيدة لهم، تخندقوا خلف الصخور متخذين وضع القتال مُوجِّهين أسلحتهم نحو ثلة الليفي التي ارسلت لتجريدهم من السلاح منادين فليأتِ الانكليزُ ويقاتلوا الاتراك! حينها شعر جنود الليفي بخطورة وضعهم ففروا الى قرية بيباد حيث كان قداسة البطريرك وعمَّتُه سرمة خانم، وعبر الرجال وعوائلهم من مضيق شريفة الى ضفاف وادي صبنة ولبثوا هناك مدة من الزمن. زار قائمقام العمادية عبد الحميد عبد المجيد ومعه بعض المسؤولين ملك خوشابا في سرعمادية عندما كان على راس قوة من رجاله في حماية مؤخرة العوائل المنسحبة. وقال له القائمقام بان الحكومتين الانكليزية والعراقية توعدان الاثوريين بضم اراضيهم الى العراق اذا ما قاموا باخراج الاتراك من برواري بالا حتى ما وراء اراضيهم في تركيا ورجاه ان يقوم بجمع المقاتلين الاثوريين لهذا الغرض لان الانكليز قد فشلوا في مسعاهم لحمل الاثوريين لمقاتلة الاتراك .

على الرغم من ان ملك خوشابا لم يصدق تلك الوعود حسب ما ورد في مذكراته الا أنه لم يجد له خياراً اخر لئلا تُلقى عليه مسؤولية التهرُّب من القتال، فقبل بالامر الواقع وامر جميع المقاتلين بالتجمع في سر عمادية. ولما تجمع المقاتلون تحشدوا في قرية هيس في برواري بالا ومن هناك تقدموا برتلين نحو كاني ماسي، ورتلٍ توجَّهَ نحو قرية رشيد بك امير برواري بالا (درشيرش) حيث كانت عشيرته وبعضُ العشائر الاخرى تحارب الى جانب الاتراك. وبعد قتال دام اكثر من ثلاثة ايام تمكن المقاتلون الاثوريون بقيادة ملك خوشابا من التغلب على القوات التركية فاستسلمَ رشيد بك وجميعُ عشائر برواري بالا  لهم . وبينما كانت العشائر الاثورية تتقدم نحو اراضيها جاءت عدة طائرات انكليزية والقت عددا من القنابل خلف القوات التركية في اشوت. وتلقى الكابتن (النقيب) بدلي الانكليزي الذي كان على رأس بعض سرايا الليفي الباقية في برواري بالا برقية من المسؤولين الانكليز يطلبون ايقاف التقدم الاثوري خارج حدود برواري بالا، فحصلت مشادة كلامية بين ملك خوشابا وعقيدٍ انكليزي حول هذا الموضوع، فتدخل بعض الرؤساء الاثوريين وابعدوا العقيدَ الانكليزي عن ملك خوشابا الذي قال له ( إني كنتُ اعلم بخداعكم لنا، ولكن لم يكن لي مفرٌّ من عدم الانصياع لاوامركم  بعدما ربطتم رقاب الاثوريين بانطقة الليفي واصبح شبانُهم مشلولين لانخراطهم في تلك القوات التابعة لسيطرتكم) وهكذا اضطر المُقاتلون الاثوريون على ايقاف تقدمهم بعد ان تخلى الانكليز عن مسؤولية اسنادهم مُدَّعين بانهم لا يريدون الدخول في حرب ثانية مع الاتراك من اجلهم في الوقت الذي لم يكن للاثوريين تلك القوة التي تمكنهم من الوقوف امام قوات تركية كبيرة دون ان تساعدهم دولة قوية كبريطانيا ..... والى الجزء الثامن والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في  30/4/2016

15





الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السادس والأربعون
سرمة خانم وملك خوشابا . المقابلة الاخيرة التي حددت مصير الامة
من اقوال ملك خوشابا:
( عندما يتعلق الامر بمصير امة لا يصح ان نسير بطريق لا نعرف نهايته )
( حذاري من السير بايعازات الجهات الاجنبية اوالانصياع لتوجيهات خاطئة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

« في: 08:25 05/05/2013  »  من مذكرات يوسف ملك خوشابا :
اقتباس : في 8/9/1932 كنت مع والدي ملك خوشابا في مصيف خلاوة في سر عمادية متهيئا للعودة الى الكلية العسكرية في بغداد عندما اخبرني والدي بانه عازم على الذهاب الى مصيف (جربية ) لزيارة سرمة خانم لانها ستعود الى الموصل صباح اليوم التالي وذلك ليقول لها كلمته ويقدم لها نصيحته الاخيرة فطلب مني مرافقته وذهبنا الى مصيف جربية الذي يبعد عن مصيف خلاوة حوالي عشرين دقيقة مشيا على الاقدام وكانت الساعة الرابعة عصرا وعند وصولنا شاهدنا سرمة خاتون جالسة على كرسي سفري امام خيمتها وبجانبها كان واقفا الشرطي روهان حارسها الخاص وهو من اهالي قريتها قوجانس فامرته بان يجلب لنا كرسيين فجلسنا عندها بينما اخذت الشمس تختفي خلف الجبال. وبعد تناول الشاي سالها ملك خوشابا فيما اذا كانت ناوية السفر الى الموصل في اليوم التالي فردت بالايجاب ثم اردف قائلا ( واظن ان قداسة مار شمعون لا يزال في بغداد ولم يسافر بعد) فاكدت له ذلك وعليه قال لها ما يلي: يا سرمة خانم طالما انت مسافرة غدا الى الموصل ارجو ان تنقلي طلبي الى قداسته بان يؤجل سفره الى جنيف ليراجع اولا المسؤولين في بغداد ابتداء بوزير الداخلية فرئيس الوزراء وصولا الى جلالة الملك فيصل الاول لربما يتوفق في الوصول الى اتفاق بشان المطالب فيكون في ذلك خيرٌ لعائلتكم خاصة وللملة الاثورية عامة وان اراد فليؤلف وفدا من ممثلي الشعب الاثوري ليرافقه في مقابلاته.
في رايي هذه هي الخطوة الضرورية التي علينا البدء بها وهي الخطوة الصحيحة لتسبق كل الخطوات الاخرى، لاني لاارى في ظل الظروف المحلية والدولية الراهنة جدوى من ذهابه الى جنيف بل بالعكس ان سفرته هذه الى جنيف ستغير الامور نحو الاسوا. لان عودته فاشلا ستؤدي حتما الى سقوط اعتبارنا في نظر الحكومة العراقية، وسيدفعها ذلك الى اتخاذ موقف متصلب أشدّا بصدد مطالبنا لاننا نكون قد قدمنا الشكوى ضدها. وحتى الحقوق التي وعدنا بها الملك فيصل الاول وحكومته ستحجب عنا فيما بعد. كما وان المندوب السامي البريطاني الذي كان قد وعد مار شمعون بانه وحكومته سيستخدمون نفوذهم لدى الحكومة العراقية لمنحنا الحقوق المعقولة سيتراجعون عن وعدهم بسبب تصرفنا هذا وتقديمنا الشكوى الى عصبة الامم. في الوقت الذي نعرف جميعا بان كل الامور في العصبة معقودة برغبة بريطانيا وبيدها الحل والربط وعندئذ سنكون قد فقدنا كل شيء لاسيما انه لم يبقَ لنا مكان اخر نعيش فيه سوى العراق! وعليه يجب علينا ان نلتفت الى الحكومة العراقية ونحاول جاهدين التفاهم والاتفاق معها وان نقطع صِلاتنا بالاجنبي حرصا على مصير هذه الامة وضمانا لمستقبل آمن وسعيد لاجيالنا القادمة! أليس الأنفع لناان نبدا السير بتاني وحذر خطوة فخطوة وناخذ المعروض علينا ونطالب بالمزيد مُستغلّين الفرص الممنوحة لنا الان والتي لا اظنها ستتكرر ابداً.  فقبل ان نبني بيتنا يا سرمة خانم يجب ان نفكر باساس متين له، لان ما يحتاجه شعبنا الان هو الاستقرار والعمل والتعليم، فقد أخذ التعب منه مأخذاً من كثرة الكر والفر وتعبَ من طول الترحال والاغتراب وعان من كثرة الخسائر والتضحيات والنتيجة كما ترين. اما وقد عدنا الى الوطن فقد آن الاوان لنمنح رجالنا فرصة لالتقاط الانفاس ورعاية عوائلهم وتربية ابنائهم ولنجنب نساءَنا وشيوخنا الخوفَ والرعبَ والقلق، ولنعطي اطفالنا الفرصة اللازمة للنمو والتربية والتعليم، لنلم شمل عوائلنا ونلتفت الى المشردين والمغتربين من ابنائنا ونركز جهودنا على موضوع الاستقرار والاسكان ليكون بالشكل الذي نريده بتوفير اكبر فائدة ممكنة لابنائنا، فالاجدر بنا ان نفكر بعموم الامة قبل التفكير بانفسنا.
الا ان سرمة خانم لم تقبل رجاءَه ونصيحته ورفضت طلبَه بل اصرت على رأيها واكدت قائلة (بان مار شمعون سيذهب الى جنيف مهما كلف الامر وكيفما كانت النتائج فاذا رفضت عصبة الامم مطالب الاثوريين فانهم سيحصلون عليها بالقوة والقتال او سيغادرون العراق) وبعد هذا الجواب القاطع قال لها ملك خوشابا (يا سرمة خانم عندما يتعلق الامر بمصير امة لا يصح ان نسير في طريق لا نعرف نهايته) واستفسر منها فيما لو كان لهم اي وعدا بالمساعدة من اصدقائها الانكليز في حالة نشوب القتال مع الحكومة العراقية؟ فاجابت بالنفي. فسألها هل لها اي خبر او اشارة بالمساعدة من الفرنسيين في سوريا فنفت ذلك ايضا وعليه مد ملك خوشابا بدَه بالم وغضب باتجاه الحدود التركية قائلا (اذن اني متأكد بان هؤلاء الاتراك وكذلك الايرانيين سوف لا يساعدونك في محنتك واما الروس فهم شيوعيون وبعيدون والطيرلا يصلهم ونحن لا نملك الا بضع قطع من الحديد القديم (يقصد بها البنادق) ولكل منها بين 100 و 150 اطلاقة فقط لنحارب بهم الشعب العراقي كله بعربه واكراده بجيشه وعشائره وغيرهم، ومِن الممكن ان نطقطق بهذه البنادق لعشرة او عشرين يوما في هذه الوديان والاحراش الا ان النتيجة الحتمية ستكون الفناءُ التام لنا قتلا او جوعا او عطشا الا ترين انكم متوهمون جدا ؟؟ فان كنتم مصرين على ابادة هذه الامة والقضاء عليها فمن الشرف ابادتها بايدينا بجمع الاثوريين وحرقهم وننتحر معهم فنحفظ بذلك سمعتنا ونصون كرامتنا وهذا افضل من ارتكاب حماقة الدخول في قتال مع الحكومة العراقية، وإذا اقترفناها فأول مَن سينعتوننا بالعصاة المتمردين سيكونون أصدقاؤكم الإنكليز، وكذلك ستصفنا دول العالم الاخرى! لان عملنا هذا سيكون مخالفة صريحة لكل القوانين المعترف بها،  فاجابته سرمة خانم قائلة (انهم ليسوا عصاة بل ابناء عوائل) وقصدت بذلك ملك ياقو وملك لوكو اللذين كانا مرشحين لقيادة الحركة عسكريا.
فردَّ عليها ملك خوشابا (يا سرمة خانم انت تفهمين قصدي جيدا ولا داعي للمغالطة فاني لا اقصد بكلامي شخصا معينا بل اعني الجميع لقد مضى اليوم الذي كنا فيه نفرض ارادتنا فقد اجبرنا في عام 1914 على خوض غمار الحرب العظمى الاولى ونحن لا ناقة لنا فيها ولا جمل فكانت النتيجة اننا فقدنا وطننا الاصلي في تركيا بعد خسائر بشرية تقدر بنصف نفوس هذه الامة وخسائر مادية لا تقدر ولا تحصى! وماذا قدم لنا حلفاؤكم واصدقاؤكم الانكليز الذين حرضونا على محاربة الاتراك عن طريقكم سوى مياه ملوثة وقطع من الخبز اليابس عندما كنا نموت من الجوع والعطش؟ ان كل ما اصابنا من الويلات والمصائب كانت نتيجة لغدرهم بنا وخيانتهم لنا لذا وجب علينا ان نستفيد من اخطائنا السابقة وان لا نكررها مرة اخرى، وان لا نتورط من جديد في مشاكل تكون نتائجُها وبالا وكوارث علينا فيُقتل ويُشتت الباقون من أبناء هذا الشعب، فحذاري يا سرمة خانم من الانصياع لتوجيهات خاطئة او السير بايعازات الجهات الاجنبية التي تحاول التصيد في المياه العكرة فلا يصح ان تثقوا بهؤلاء الانكليز مرة اخرى . واليوم الذي كان فيه مجالا امام الاثوريين للاختيار قد غاب الى الابد وانتم الذين ضيعتم علينا تلك الفرصة لانكم كنتم مع الانكليز عندما كانوا حكاما في العراق واجبرتم الاثوريين على البقاء والسكن فيه ومنعتموهم من العودة والاستقرار في اراضيهم السابقة واليوم قد سدت كل الطرق فالى اين ستمضون ؟ بعدما لم يبقَ لنا مكان آخر في العالم ما عدا العراق وهو موطن اجدادنا : فاجابته سرمة خانم بقولها اني اعرف يا ملك خوشابا بانك وعشائرك لا ترغبون بالمساهمة في تكاليف سفر مارشمعون الى جنيف ولذلك تعارضون سفره : فردَّ عليها ملك خوشابا ( انت تعرفين يا سرمة خانم بان الحقيقة ليست كما تدعين الا انك تحاولين التملص منها عمدا متذرعة بحجج واهية لا اساس لها من الصحة وعلى كل حال فاني قد قلت لك كلمتي الاخيرة ارضاء لضميري واستودعك الله : ثم سالتني سرمة خانم عن موعد عودتي الى الكلية فاجبتها باني ساعود مع شقيقتي في اليوم التالي. فاخبرتني بان هناك سيارة قادمة لاخذها الى الموصل في نفس اليوم وطلبت مني ان نسافر معها لان وجود السيارات في العمادية في ذلك الوقت كان نادرا وفي صباح يوم 9/9/1932 سافرنا انا وشقيقتي مع سرمة خانم ومرافقها الشرطي روهان الى الموصل وكان هذا اخر لقاء بين ملك خوشابا ومتنفذةٍ من العائلة الشمعونية...
العشائر الاثورية تعود الى موطنها في هكاري رغم انف الانكليز في عام 1921
« في: 10:49 18/04/2013  »  بعد ضرب الجبهة الاثورية المناهضة للانكليز والتي كانت بقيادة كل من اغا بطرس وملك خوشابا من قبل السلطات الانكليزية قام القس الجاسوس (ويكرام) المبشر الأنكليكاني التابع لكنيسة الكانتيربري الانكليزية والذي كان قد عاش فترة طويلة في هكاري قبل الحرب العالمية الاولى بالقاء الخطابات على الاثوريين بايعاز من حكومته لحثهم على الانخراط في قوة الليفي الاثورية ظاهريا والانكليزية فعلياً لانها شكلت لخدمة المصالح البريطانية. وكان يخدع الاثوريين بخطبه الرنانة مدعيا لهم بانهم إذا ما قدموا تلك الخدمة للتاج البريطاني فان بريطانيا العظمى ستمنحهم حقوقهم في الحرية والاستقلال وما الى ذلك من وعود كاذبة دأب الانكليز من ورائها لخداع بعض البسطاء وتخديرهم . وكانت سرمة خانم ومن يؤيدها من رؤساء العشائر الاثورية أشدَّ مَن يؤيدون كلام الثعلب ويكرام ويحثون الشباب على التطوع في هذه القوة التي كان يعارضها بشدة كل من اغا بطرس وملك خوشابا ومؤيديهم لانهم كانوا يعلمون بان نتائجها ستصب في مصلحة الانكليز وتُلحقُ الضرر بمصلحة الامة. وقد تمكن الانكليز ومؤيدوهم من الاثوريين من جمع عدد من الشباب الاثوريين عن طريق تلك الوعود البراقة وبمنح الالقاب والرتب الى رؤساء بعض العشائر مقابل تجنيد اقربائهم والموالين لهم. فتم تعيين داود افندي والد قداسة البطريرك ضابطا اقدم لقوة الليفي وسمي (رب خيلا) اي قائد القوات، ووزعت بقية الرُّتب على رؤساء العشائر وابنائهم واقربائهم حسب اهميتهم في اقناع ابناء عشائرهم للتطوع، وكانت المناصبُ والرتبُ تتسلسل من (رب ترَمّا) الى (رب إما) الى (رب خمشي) ومن ثم ضباط الصف. وكان هؤلاء الضباط يعملون كضباط ارتباط بين الجنود الاثوريين، أما الضباط الانكليز فكانوا هم قادة القوة الفعليين. وكان عددٌ كبيرٌ من الذين انخرطوا في هذه القوة يسعون وراء معيشتهم لعدم وجود مورد رزق اخر. ولم تكن لهؤلاء الضباط اية صلاحية او سلطة! بل كانوا يؤدون التحية لضابط الصف الانكليزي. واستخدم الانكليز هذه القوة لحماية قواعدهم ومطاراتهم العسكرية في العراق كما استخدموها لحماية المصالح الانكليزية في المناطق الشمالية من العراق عن طريق فرض الامن والولاء للحكم البريطاني ...
اما غالبية العشائر التي لم تصدق اكاذيبَ الانكليز، وبعد غلق مخيم مندان بدأت بالزحف الى مناطقها الاصلية في هكاري حتى وصلت منطقتي تياري وتخوما وكانت آنذاك مشكلة ولاية الموصل لم تحسم بعد. ويقول ملك خوشابا في مذكراته، ومنها  اقتبس <كنت اعلم من خلال تجربتي مع الانكليز بانهم غير مهتمين بالارض التي سيحصلون عليها لانتدابهم بقدر اهتمامهم بابناء عشائرنا لاستغلالهم في مصلحة بريطانيا وانهم اي الانكليز مستعدون للتنازل عن اراضينا لتركيا من اجل صفقة ما ولهذا السبب كنا نناضل للعودة الى اراضينا حتى نفرض على الانكليز امراً واقعاً وخاصة كنت اعلم بان امر ولاية الموصل سوف يحسم بالاستفتاء) انتهى الاقتباس .... وكان كل من الانكليز والاتراك يحاول ضمَّ ولاية الموصل اليه، وكان الاثوريون يأملون ان يتم ضم مناطقهم الى العراق، وفي بداية المفاوضات بين هاتين الدولتين طلب الانكليز تثبيتَ خط الحدود العراقية التركية بحيث يمتدُ من باش قلعة الواقعة بالقرب من الحدود الايرانية شرقا حتى قرية بيجو الواقعة على بُعد حوالي الثلاثين كيلو مترا شمال زاخو غربا، وذلك لجعل جميع الاراضي الاثورية ضمن الاراضي العراقية في الوقت الذي كان الاثوريون قد عادوا اليها كما ذكرنا سابقا منتظرين تقرير مصيرهم وهم على ارض آبائهم واجدادهم. الا أن الانكليز اخذوا يساومون مع الاتراك على حساب مصلحة الاثوريين، فتنازلوا عن اراضيهم لتركيا .  واراد الانكليز اجبارَ الاثوريين على ترك اراضيهم والعودة الى العراق خوفا من بقائهم فيها بعد ان اصبحت ضمن الحدود التركية واظهرت الحكومة التركية رغبتها في قبولهم كرعايا لها فيما اذا ارادوا ذلك. وقبل ان يتمكن الاثوريون من تقرير مصيرهم،  قام الانكليز بتدبير خطة لخلق مشكلة كبيرة بين الاثوريين والحكومة التركية بحيث تقوم الاخيرة بطرد الاثوريين من مناطقهم واعادتهم الى العراق حتى يتمكنوا من استغلالهم ابشع استغلال.

الإعتداء على والي هيكاري التركي وإنقاذه بتدبير انكليزي
مُقتبسٌ بتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون، من مقالةٍ للسيد بولص يوسف ملك خوشابا منشورة في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بتاريخ 18/4/2013. لقد قام الانكليز بالاتفاق مع احد انصارهم المدعو (مالك كليانا) وهو احد رؤساء عشيرة تخوما للقيام بالاعتداء على والي هكاري التركي عند قيامه بجولة تفقدية في تلك المنطقة. حيث قام مالك كليانا بنصب كمين على طريق الوالي التركي في كلي (وادي خاني) بمنطقة عشيرة تخوما وذلك مقابل ان يُمنح من قبل الانكليز رتبة ضابط في جيش الليفي. وبتاريخ 7 آب 1924 فتح ذلك الكمين النار على الوالي وحاشيته مما ادى الى قتل امر حرسه العقيد شكيب بك وثلاثة من الجنود وجرح ستة آخرين،  وتم اسر الوالي ونائبه وطبيبه وبقية حرسه الذين جُردوا من سلاحهم. ثم ربط المهاجمون يدَي رجلي كُلٍّ من الوالي ومُرافقيه ووضعوهم على ظهور البغال، وساروا بهم نحو العمادية لغرض تسليمهم الى الانكليز. ولكي يصل خاطفو الوالي ومرافقيه الى العمادية كان لا بُدَّ لهم العبور من جسر ليزان على نهر الزاب بالقرب من قرية ملك خوشابا. وقبل وصول القافلة الى ليزان أرسل الخاطفون وفداً يُمثلهم لمقابلة ملك خوشابا والاستئذان منه للسير بأسراهم الوالي ومُرافقيه عبر منطقة عشيرته. وعندما وصل الوفد بعد منتصف الليل واخبرَ حرسَ ملك خوشابا بمهمته، ايقظ الحرسُ زعيمَهم ملك خوشابا حالاً فامر باحضار الوفد لمقابلته. ولدى إبلاغ الوفد ملك خوشابا بما قاموا به تجاه الوالي التركي، غضب جدا واخذ يصرخ بهم ويؤنبهم على عملهم الطائش والمنافي للقانون موضحا لهم مدى خطورة هذا العمل على مصير الاثوريين ككل، وفي الحال أمر رجاله بجمع رؤساء العشيرة للتشاور، ثمَّ ارسل قوة من رجاله المسلحين بقيادة كل من (صليو بيت موشي) و(عوديشو ادم الملقب جاوشينو) لانقاذ الوالي وجلبه الى ليزان بالقوة اذا اقتضى الامر ذلك . فتحرَّكت تلك القوة مُتخذة الطريق المؤدي الى تخوما وكان الوقت ليلا، وما أن  وصلت الى مكان تواجد قافلة الوالي الاسير لدى الرجال المسلحين من عشيرة تخوما حتى احاطت بالقافلة وامر صليو التخوميين بتسليم الوالي وجماعته اليه فورا بامر من ملك خوشابا، والا سيضطر الى استخدام القوة . حاول التخوميون الامتناع عن تسليم الوالي قائلين بانهم يريدون تسليمه الى الانكليز وقداسة البطريرك في قرية بيباد قرب العمادية، الا ان صليو رد عليهم بكلام قاسي وامر رجاله بالهجوم عليهم فتمكنوا من تجريدهم من سلاحهم دون ان يقووا على المقاومة.  وعندها تقدم صليو وأمسك بالبغل الذي كان الوالي مشدودا على ظهره ثم قال له باللغة الكردية لانه لم يكن يجيد اللغة التركية بانه مرسل من قبل ملك خوشابا لانقاذه. خاف الوالي في بداية الامر ظنا منه بانهم اتوا لقتله، الا ان نائبه طمأنه بانهم قد جاءوا لانقاذهم إذ شاهدهم يجردون المعتدين من سلاحهم ويحلون وثاق المشدودين. ولما تم حل وثاق جميع الاسرى فرح الوالي كثيرا وقبل كلا من صليو وجوشينو اللذين قاما بانقاذه. عندما وصل ركبُ الوالي قرية كيمان القريبة من ليزان والواقعة على الضفة اليسرى من نهر الزاب الكبير حيث توجه ملك خوشابا ومعه رؤساء عشيرته لملاقاته هناك. ولدى وصول ملك خوشابا استقبله الوالي استقبالا حارا شاكرا له احسانه اليه ومظهرا له اعجابه بشخصيته. وبعد استراحة ليلة في قرية كيمان اعاد ملك خوشابا الوالي الى مقره تحت حراسة مشددة من رجاله وذهب معه لتوديعه حتى منتصف الطريق ما بين ليزان ومقر الناحية في جال وبعد هذا الحادث جاء من بغداد بعض المسؤلين الانكليز من المدنيين والعسكريين لزيارة الوالي في مقره مظهرين له اسفهم لما حدث له وعارضين عليه مساعدتهم في كل ما هو بحاجة اليه. إلا ان الوالي اجابهم بانه واثق من ان ما قام به هؤلاء التخوميون لم يكن الا من تدبير الانكليز ولهذا فهو ليس بحاجةٍ الى مساعدة منهم لانه قد تلقى المساعدة التي كان يحتاجها في حينها من اشرف وانبل شخص عرفه وهو ملك خوشابا الذي هرع لنجدته في الوقت المناسب. فانكر الانكليز ان يكون لهم اي ضلع فيما حدث له مدعين بانهم ليسوا مسؤولين عن هؤلاء المعتدين وان بامكانه ان يفعل بهم ما يشاء. وعن هذا الحادث اخذ انصار الانكليز من الاثوريين يروجون الاشاعات ضد ملك خوشابا مدعين بان قوة انكليزية ستقوم بالقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة حيث سيحكم عليه بالاعدام . الا ان ملك خوشابا لم يهتم لتلك الدعايات وكتب الوالي الاميرلاي خليل رفعت باشا (اصبح فيما بعد وزيرا للداخلية) رسالة شكر الى ملك خوشابا لِما قام به نحوه وطيا ترجمة الرسالة، التي ربما ستعقبها رسالة ثانية.
 ذو الصداقة والرفعة جناب ملك خوشابا المحترم سلمه الله من البلايا :
بعد السلام واظهار فرط المحبة والاستفسار عن احوالكم الشريفة ليكن معلوما لدى جنابكم قد وصلنا الى جال بالامن والسلامة ونحن نشكر لكم خدمتكم وصداقتكم ولا ننسى اصلا وقطعا هذه الانسانية وهذا يكون منقوشا في قلبي وفؤادي ابدا . يلزم عليكم اذا اخذت خبرا من الحكومة الانكليزية او وقع سؤالا وترتب عليكم استجوابا او ضيقا تخبروني عاجلا وارجو منكم ان تكتبوا لنا المكتوب ونحن على مخابرتكم باق ودمتم سالمين . اسلم بالخاصة على صليو وعلى جاوشينو.
في 10 / ايلول / 1932 سافر قداسة البطريرك من الموصل الى بغداد في طريقه الى جنيف لتعقيب مطالبه التي كان قد رفعها الى عصبة الامم ورافقه في سفرته هذه الشماس عمانوئيل شمعون بصفته سكرتيرا له . وكانت مطاليبه تشمل على منحه السلطة الزمنية اضافة الى السلطة الدينية على الاثوريين والحكم الذاتي في شمال العراق او نقل الاثوريين الى محمية بريطانيا في حالة عدم الموافقة على ذلك . رفضت عصبة الامم مطاليب مارشمعون الا انها قررت في شهر كانون الاول سنة 1932 اسكان جميع العراقيين الذين لا يملكون اراضي بما فيهم الاثوريين في الاراضي الاميرية الخالية في العراق . كما واعلن ممثل الحكومة العراقية في عصبة الامم بانه عازم على اختيار خبير اجنبي لمساعدة الحكومة العراقية على اسكان الاثوريين في العراق بصورة مجتمعة بقدر الامكان وعليه تم تعيين الميجر تومسن الخبير البريطاني في السودان من قبل الحكومة العراقية لتلك الغاية ووصل الى الموصل في بداية شهر مايس سنة 1933 . واما قداسة البطريرك فعاد الى بغداد قادما من جنيف في 4 كانون الثاني سنة 1933.                                        .
وجهت كتب رسمية من قبل رئيس اللجنة الرسمية للاسكان الى كل من قداسة البطريرك في الموصل وسيادة المطران سركيس في دهوك وسيادة المطران يوآلاها في العمادية وسيادة المطران يوسف خنانيشو في حرير وملك خوشابا في دهوك والرئيس خيو عوديشو في الشيخان ومالك خمو في الموصل والرئيس جكو في كوركفان ومالك اسماعيل في ديانا ومالك نمرود في الجراحية ومالك لوكو في العمادية ومالك مروكل في عقرة وطلب منهم ارسال مقترحاتهم خلال خمسة عشر يوما حول تعيين ستة اشخاص ليكونوا في اللجنة الاستشارية ممن لهم خبرة في الشؤون الزراعية والعشائرية كمرشحين لعضوية هيئة الاسكان الاهلية المؤلفة بموجب قرار لجنة الاسكان الرسمية المؤلفة بتاريخ 25 شباط سنة 1933 ...
رفض قداسة البطريرك واعوانه الاشتراك في الهيئة المذكورة بعد ان رفضت الحكومة العراقية منحه السلطة الزمنية ووافق ملك خوشابا واتباعه على مشروع اسكان الاثوريين وعليه تم تشكيل لجنة من الاثوريين الذين قبلوا بمشروع الاسكان بعد ان تقرر تشكيلها برئاسة ملك خوشابا . وقد قام انصار قداسة البطريرك بنشر دعايات ضد الاسكان مدعين بان لجنة اخرى من عصبة الامم ستحضر للقيام بالتحقيق في اوضاع الاقليات في العراق وسياتي خبير اخر ليس انكليزيا ولا عراقيا بدل الميجر تومسن الذي كان موفدا لذلك الغرض . كما اشاعوا اخبارا اخرى بانهم سيرحلون اما الى ايران او سورية او روسيا ....
على اثر هذا الموقف السلبي من قبل قداسة البطريك واعوانه طلب وزير الداخلية من متصرف لواء الموصل تبليغ قداسة البطريرك بالحضور الى بغداد. 
(وثيقة رقم 29 من الكتاب الازرق)                                                                                                        )                                             
في 10 من شهر ايار سنة 1933 طلب وزير الداخلية من متصرف الموصل تبليغ المارشمعون بالحضور الى بغداد للتداول معه في امور تتعلق بقضية اسكان الاثوريين وذلك لقرب وصول خبير الاسكان الميجر تومسن الى العراق . وفي 22 ايار سنة 1933 سافر المار شمعون الى بغداد ونزل في بناية دار الشبان المسيحيين الكائنة في شارع السعدون وبعد ستة ايام من وصوله سلم اليه وزير الداخلية حكمت سليمان الرسالة التالية :
وزارة الداخلية الرقم س / 1104 التاريخ 28 / 5 / 1933
سبق وان اوضحت لكم ابان زيارتي الاخيرة للموصل موقف الحكومة فيما يتعلق بوضعكم الشخصي وارغب الان ان اؤيد تحريريا ما سبق ان سمعتموه شفهيا . ان الحكومة راغبة في الاعتراف بكم رسميا كرئيس روحي للطائفة الاثورية ونعدكم بانكم ستنالون الاحترام اللائق بكم بصفتكم المذكورة في كل وقت وكما سبق للمتصرف ان اخبركم ان الحكومة ترغب في الحصول على مساعدتكم في امر تنظيم لائحة قانون الطائفة على نفس اسس القوانين النافذة الان على الطوائف الاخرى ولادامة مقامكم الروحاني على الوجه المناسب تبحث الحكومة في الوقت الحاضر في كيفية ايجاد مورد لمساعدتكم بصورة مستديمة وليس في نيتها تقليل المخصصات الشهرية التي تدفع لكم الان الى ان يحين الوقت الذي تقتنع فيه بان لكم ايرادا كافيا من منابع اخرى . على انه لابد لي ان اوضح بان الحكومة لا يسعها المولفقة على تخويلكم اي سلطة زمنية وسيكون وضعكم كوضع رؤساء الطوائف الاخرى الروحانيين في العراق ويتحتم على ابناء الطائفة الاثورية في كافة شؤون الادارة مراعات القوانين والانظمة والاحوال التي تطبق على جميع العراقيين الاخرين . لا حاجة للتاكيد لحضرتكم مبلغ رغبة الحكومة الصادقة للقيام بما يمكن عمله لترى الطائفة الاثورية كسائر العراقيين سعيدة وراضية ومن الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم وقد صرحت بسياستها مفصلا امام عصبة الامم والتي اقترنت بموافقتها . ومما ينبغي بيانه ان الحكومة حسب الاتفاق الذي تم في الخريف المنصرم ساعية للحصول على خدمات خبير اجنبي لابداء المشورة في مسالة الاسكان المهمة ويتوقع وصول هذا الخبير الميجر تومسن الى الموصل في نهاية هذا الشهر وستكون اعماله ذات اهمية عظيمة للطائفة الاثورية ولي وطيد الامل بانه سيلقى المساعدة التامة من جميع من يضمر خيرا للطائفة . لقد لاحظت ويا للاسف ان حضرتكم قد اتخذتم حتى الان موقف غير مساعد بل معرقل حسب منطوق بعض التقارير لهذه المسالة المهمة جدا وعليه اراني مضطرا لان اطلب منكم اعطاء ضمان تحريري بانكم سوف لا تاتون عملا من شانه ان يجعل مهمةالميجر تومسن والحكومة صعبة . فاذا كانت هناك اي نقطة لم اوضحها في هذا الكتاب فيسرني ان تكتبوا ملفتين انظاري اليها . ان الاعتراف بوضعكم المبين آنفا منوط بقبولكم اياه واعطائكم عهدا قاطعا بانكم ستكونون على الدوام وبكل الوسائل كاحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم ويسني ان احصل على جوابكم التحريري على هذا الكتاب حسبما جاء في المرفق :
اني مارشمعون قد اطلعت على كتاب معاليكم المرقم س / 1104 المؤرخ 28 / 5 / 1933 وقبلت بجميع ما ورد فيه وها انا اتعه بانني سوف لا اقوم باي عمل من شانه ان يعرقل مهمة الميجر تومسن والحكومة العراقية وذلك فيما يتعلق بمشروع الاسكان وان اكون على الدوام وبكل الوسائل كاحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم ... والى الجزء السابع والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في  30 / 3 / 2016

16

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخامس والأربعون
توريط الآثوريين بحربٍ اخرى
إنَّ قيام الإنكليز بإنشاء دولة عراقية ذات أغلبيةٍ عربية، كان حدثاً ثانياً غيَّرَ مصير الكلدان بشقيهم ولا سيما النساطرة مِنهم المُسَمّون "بالآثوريين"، إذ في غضون عام 1920م قامت قبائل عربية في جنوب بلاد ما بين النهرين بثورةٍ ضِدَّ الإحتلال الإنكليزي، إلا أنَّ الحركة الثورية أُخمِدَت بوحشية بحسب قول ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران   وتركيا ج2 ص 258) بمعاونة عملاء نابوا عن الإنكليز عُرفوا بقوات الليفي المُنخرط في صفوفها الآثوريون والكثيرُ من فئات الشعب الأخرى، ولكنَّ العرب اعتبروا غالبيتها وقياداتها من الآثوريين. كادت الثورة أن تنجح مؤقتاً، ولكنَّ رغم فشلها فقد اسفرت في صيف عام 1921م عن إقامة مملكةٍ في العراق المؤلف آنذاك من ولايتَين عثمانيتَين هما البصرة وبغداد قبل أن تُقِرَّ عصبة الأمم بأحقية العراق بولاية الموصل عام 1925م، إلا أنَّ الإنكليز لم يتنازلوا عن سيطرتهم على حكم البلاد، فجاءوا بالملك فيصل بعد أن طرده الفرنسيون من سوريا طبقاً لإتفاقية سايكس- بيكو، ونصبوه ملكاً على العراق لتحالفه معهم أثناء قيام الثورة العربية ضِدَّ الأتراك.
استقلال العراق                                                                                                    ولدى قيام رئيس الوزراء نوري سعيد عام 1930 بالتفاوض مع الإنكليز بشأن استقلال المملكة العراقية، عِندذاك أرسلت الأقليات المسيحية عريضة الى عصبة الأمم مناشدة إياها إصدار ما يحفظ حقوقها قبل انسحاب الإنكليز. ( وقبل ذلك كان بعض المسيحيين من أتباع الكنيسة النسطورية قد انخرطوا بالجيش الفرنسي ودُعي بالفوج الثامن) فلما أصبح استقلال العراق ناجزاً عام 1932م، تملَّك الخوفُ ممثلي الشعب الكلداني النسطوري مِن نقمة العرب جرّاء ما قام به ضِدَّهم جنود الليفي عام 1920م، ولئلاَّ يُتَّهموا بتعاونهم مع قوات الإحتلال، وجَّهوا مطاليب جديدة الى عصبة الأمم مناشدينها أن يُعتَرَف بهم بالقليل كطائفة، وأن يُمنح بطريركُهم بالإضافة الى مهامه الروحية سلطةً زمنية كزعيم أعلى للطائفة. ولا سيما أنَّ الحكومة العراقية رفضت منحهم اقليماً وطنياً، وفي الثالث من ايلول 1932م وجَّهَ البطريرك النسطوري شمعون الحادي والعشرن نداءً ورد فيه ما نصُّه: < لو ينتهي الإنتداب دون اتخاذ ضمانات فعالة لحمايتنا مُستقبلاً، فسنُبادُ تماماً عن وجه الأرض>.                                                                                                                                ولدى إصدار الحكومة العراقية في شهر أيار 1932م إعلاناً خجولاً عن حقوق الأقليتَين الكردية والكلدانية النسطورية أي ما تُسمَّى "بالآثورية" رفضت بإصرار وضع الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة"الآثوريين" في خانةٍ موحدة متجانسة، وذلك لإحساسهم بالخطر المداهم للجماعة النسطورية. أما الهيئة الإنكليزية العامة للإنتداب أعلنت عن تأييدها لمبدأ بقعة أرضٍ وطنية، بيد أنَّ عصبة الأمم رفضت المشروع، عندئذٍ تشتَّتَ الكلدان النساطرة "الآثوريون" شذر مذر، وتبعثروا بين العرب والأكراد. في العاشر من تموز 1933م بادر مفتش الإدارة البريطانية الجنرال ستافورد واستدعى ما يقرب من مائة زعيم من زعماء الكلدان النساطرة"الآثوريين" التقليديين، وأوضح لهم: < بأنَّ عليهم إمّا القبول بمشاطرة قسمة ونصيب سائر الأقليات، أو مُغادرة البلاد >.  وفي مبادرةٍ من الحكومة العراقية لتصفية الأجواء، إستدعت البطريرك النسطوري الى بغداد في ايارعام 1933م ليتفاوض مع السلطات حول مستقبل شعبه، فطالبَه وزير الداخلية بالتخلّي عن مطالبته بسلطةٍ زمنية، إلا أنَّه رفض أمر الوزير، فحُجِز عليه بالإقامة الجبرية لمدة خمسة أشهر، وفي 15 آب من ذات السنة، جُرِّدَ من الجنسية    العراقية ونُفي الى قبرص. ومن قبرص انتقل الى شيكاغو وأرسى كُرسيَّ بطريركيته فيها عام 1940م.                     
الكمين
بعد شعور الكلدان النساطرة "الآثوريين" بالخيبة وفقدان كُلِّ أمل في الحصول على وطن قومي، الى جانب عدم إحساسهم بالأمان، فإنَّ 550 مُقاتلاً  من المدعوين بالآثوريين، وربما كانوا من ضمن المنتمين الى الجيش الليفي الإستعماري الذين شاركوا في قمع ثورة العشرين، حزموا أمرهم وعبروا نهر دجلة في تموز عام 1933م مُتجهين الى سوريا طالبين اللجوءَ فيها وهي لا تزال تحت الإنتداب الفرنسي، واضعين آمالهم على الإعلان الذي جاهرت به سلطات الإنتداب الفرنسي تأييداً لقضيتهم. بعد وصولهم والقبول بهم كلاجئين، قفلوا راجعين مِن حيث أتوا عن طريق النهر لكي يجلبوا عوائلهم في ليلة الرابع والخامس من شهر آب،، وما إن وصلوا فيشخابور حتى كان لهم الجيشُ العراقي في المرصاد، ففتح عليهم النار بكثافة وأردى عدداً كبيراً منهم قتلى.                                                                                             
مجزرة سمِّيل
كان هذا الحادث الدموي بمثابة شرارة الهبت النار ليكتوي بها الآثوريون المُقيمون في المنطقة، ولا سيما في قرية سمِّيل وقصبة دهوك، فبعد مجزرة سمِّيل وضواحيها التي بدأت في الثامن من آب 1933م وراح ضحيتها الآلاف من الرجال والنساء والأطفال، وقد نقل مُراسل صحيفة ديلي ميل، بأنه قد شاهد بام عينه في كنيسة سمِّيل جُثث أطفال مُحترقة جرّاء سكب النفط عليها. وأوردت صحيفة جنيف بأنَّ عدد القتلى الآثوريين ما بين السابع والخامس عشر من ايلول بلغ ألفَي شخص. أما جريدة التايمس فقد نقلت: بأن بعض القرى في مُحيط دهوك أُحرِقَت بكاملها، كما جرى ذلك في مناطق شمالي الموصل، ويصف مُراسلُها بدقة: < بأنَّ وضع النساء والأطفال الآثوريين المتواجدين في دهوك كان مثيراً للشفقة حقاً>. الصور التي التقطها طيّارو السلاح الجوي الملكي وثَّقت تلك الحرائق، وتحدَّثت عن هدم ثمان وثلاثين قرية. حدث هيجان عام ضِدَّ الآثوريين وأظهر الشعبُ كُرهَه لهم وحقدَه عليهم نتيجة التأجيج الصحفي الذي ساهم في خلق جوٍّ من الرعب عَمَّ المنطقة بأسرها.
الحقائق الموثقة حول اسقاط الجنسية عن العائلة الشمعونبة والهجرة الطوعية لمؤيديه
« في: 04:39 18/12/2013  »
أما السيد بولص يوسف ملك خوشابا فيتحدَّث بهذه المقالة عن حزنه واستيائه من التشويه والتحوير لتاريخ قومه، وإننا ننقل بتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون ما كتبه في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بالتاريخ المذكور أعلاه:
< وللاسف الشديد ان تاريخ آبائنا واجدادنا وتاريخ الدماء التي سالت في الجبال والوديان والمدن والقرى قد اصبحت عرضة للتزوير والتحوير وفق مصالح البعض الذين همهم الوحيد هو تمرير اجنداتهم واشباع غريزة الانتقام المتاصلة في قلوبهم والتملق لاصحاب النفوذ الدينيين والعلمانيين من اجل الوصول الى مبتغاهم الدنيوي الزائل غير آبهين بما يقال ويكتب عنهم في المستقبل، ولذا اقدم للقراء الاعزاء هذه الحقائق الموثقة التي حدثت بعد مذابح 1933 ليكونوا على اطلاع بمجريات الامور الحقيقية وليكتشفوا بانفسهم مدى التزوير الذي جرى عليها ...>
اسقاط الجنسية العرقية عن مارشمعون:
لقد صدر مرسوم في 15 آب 1933م، خولت المادة الاولى منه مجلس الوزراء ان يقرر اسقاط الجنسية العراقية عن كل عراقي لم ينتمِ الى اسرة ساكنة في العراق قبل الحرب العامة، اذا اتى او حاول ان ياتي عملا يعد خطرا على امن الدولة وسلامتها ... وخولت المادة الثانية منه لوزير الداخلية ان يامر بإبعاد من اسقطت عنه الجنسية العراقية بموجب المادة الاولى خارج العراق اذا رأى ان ابعاده يوفر الامن والراحة العامة. واستنادا الى هذا النص اتخذ مجلس الوزراء في جلسته المنعقدة في يوم 16 آب 1933 القرار التالي:
اطلع مجلس الوزراء على كتاب وزارة الداخلية المرقم 6788 والمؤرخ 16 آب 1933 وقرر اسقاط الجنسية العراقية عن كل من ايشاي مارشمعون وداود مارشمعون وتيادور مارشمعون وسرمة خاتون نظرا الى اتيانهم اعمالا تعد خطرا على امن الدولة وسلامتها وذلك وفق المادة الاولى من مرسوم اسقاط الجنسية العراقية الرقم 62 لسنة 1933م . ولما كان المذكورون  يسكنون دار جمعية الشبان المسيحييين في الباب الشرقي من بغداد طوقت الشرطة هذه الدار ريثما يتم تنفيذ القرار الوزاري . واعدت القوة الجوية البريطانية طائرة لنقل مارشمعون واتباعه المسقطة عنهم الجنسية العراقية الى خارج العراق. فتم نقلهم الى محطة الطيران في صباح يوم الجمعة 18 آب 1933 ومكثوا هناك الى ان اقلتهم الطائرة المذكورة الى جزيرة قبرص، وكان الراي العام يميل الى تقديم الذين اسقطت عنهم الجنسية العراقية الى المحاكمة ليأخذ فيهم العدلُ مجراه ولكن الحكومة اصرت على الاكتفاء بهذا القرار ....
نص النداء الذي وجهه الميجر دي بي تومسن رئيس لجنة اسكان وتهجير الاثوريين:
الى الاثوريين:
1 / علم مجلس عصبة الامم بان عدداً من الاثوريين العراقيين بما فيهم العثمانيين سابقا لا يرغبون في البقاء في العراق لذلك الفت لجنة لتدقيق ما اذا كان في الامكان ايجاد محل خارج العراق ليسكن فيه كُلُّ من يُعرب عن رغبته في مغادرة العراق من الاثوريين.
2 / ليكن معلوما لدى الجميع بان اللجنة التي الفها مجلس عصبة الامم لم تجد حتى الان محلا مناسباً،  وحالما تجد المحل المناسب سوف تُبَلَّغون بذلك، وعندئذ تقوم اللجنة المؤلفة برئاستي بمعاونة ممثل مؤسسة نانسي للملتجئين بالتجوال في القرى التي يسكنها الاثوريون والتحقق من كل عائلة من العوائل التي تقيم في تلك القرى عما اذا كانت ترغب في البقاء في العراق او الذهاب الى محل الاسكان الجديد. وستكون لرب كل عائلة الحرية التامة في الاعراب عما اذا كان برغب في مغادرة العراق او البقاء فيه. وبعد ذلك سوف تجري الترتيبات اللازمة بالتعاون مع ممثل مؤسسة نانسي لنقل العائلات التي ترغب في الذهاب الى المحل المذكور.
3 / نود ان نكرر ان محل الاسكان الجديد غير موجود بعد، ومن المحتمل مرور زمن غير قصير قبل ان تتم ترتيبات النقل كما انه لا يحتمل ان ينقل اي فرد قبل شهر تموز المقبل. وعدا ذلك فمن المحتمل ان لا يسكن في بداية الامر في محل الاسكان الجديد سوى الزراعيين، لذلك من المهم جدا ان يبقى الاثوريون في القرى المقيمين فيها، وان يستمروا على الزراعة وما يتعلق بها من الشؤون الاخرى ليكونوا بهذه الصورة بإمكانهم اعالة انفسهم وليتمكن الذين يرغبون بمغادرة العراق عندما يحين الوقت من البدء في حياتهم الجديدة بمجال اوسع للتقدم والنجاح.
4 / اما الاثوريون الذين يرغبون في البقاء في العراق فلهم الحرية التامة في ذلك،  كما ان لهم ان يثقوا من انهم سوف يتمتعون بنفس الحماية على النفس والمال التي يتمتع بها سائر العراقيين وانهم سوف يطبق بحقهم ما تعهَّدت به الحكومة العراقية الى مجلس عصبة الامم من الضمانات المتعلقة بالاقليات. ولكن يجب عليهم ان يعلموا بانهم رعايا عراقيين لا غير وانهم ملزمون باطاعة القوانين وبالاخلاص للحكومة العراقية ...
تشكيل هيئة اسكان وتهجير الاثوريين:
تم تشكيل لجنة برئاسة الميجر تومسن وعضوية المسيو كوتو البلجيكي والسنيور بارسيناس الاسباني ومتصرف لواء الموصل والمفتش الاداري الانكليزي لتسجيل اسماء عوائل الاثوريين الراغبين في الهجرة من العراق واسماء الراغبين في البقاء فيه. وقامت هذه اللجنة بالتجوال في كافة القرى والمدن التي يتواجد فيها الاثوريون لاخذ راي كل فرد بحرية تامة حول الموضوع بترجمة السيد يوئيل القس كينا البازي بصفته مسجل اللجنة المذكورة وكانت العناصر المؤيدة لمارشمعون برئاسة خاله المطران ماريوسف خنانيشو تقوم بدعاية واسعة لحمل الاثوريين على طلب الهجرة من العراق تاييدا لمارشمعون. وكان اول المسجلين للبقاء في العراق هو ملك خوشابا الذي قال ( انني سابقى في العراق حتى لو بقيت وحدي وخرج الجميع لانني اعلم بانه ليس للاثوريين مكان افضل من وطنهم العراق) واما المطران ماريوسف خنانيشو واتباعه وغيرهم من المؤيدين لمارشمعون فقد سجلوا اسماءَهم في قوائم الهجرة. وبوشر في ترحيل من اراد الهجرة حسب رغبته الى سوريا عام 1934م وتصدَّرت القوائم أسماء عوائل الاشخاص الذين عبروا الحدود العراقية السورية سنة 1933 وتلتهم قوافل البقية سنة 1936 . ( راي الكاتب: ان هذا يدحض اقوال محرفي التاريخ الذين يروجون بانه تم تهجير الاثوريين الى سوريا رغم ارادتهم ) .... لقد جرى نقل المهاجرين على نفقة الحكومة العراقية بكلفة تقدر بحوالي المليون دينار وتم اسكانهم على ضفاف نهر الخابور في محافظة الحسكة بشمال سوريا، الا ان المطران يوسف خنانيشو وجماعته والبعضَ من انصاره الموجودين في الليفي على الرغم من تسجيل اسمائهم للهجرة بقوا في العراق ولم يغادروه وذلك بايعاز من اصدفائهم الذين فشلوا في اقناع جميع الاثوريين على ترك العراق .(علما ان الذين رغبوا بالهجرة كانت نسبتهم الى نسبة الراغبين بالبقاء في العراق هي الربع ) وبعد مدة قصيرة من اسكانهم في منطقة الخابورهرب الكثيرُ منهم خفية وعادوا الى العراق! كما هاجر البعض الاخر الى لبنان وذلك لتردي احوالهم المعيشية، ولذا حاول قسم منهم الهجرة الى البرازيل وقد وافقت الحكومة البرازيلية على قبولهم بصفة مهاجرين فعارضهم مارشمعون وكتب تقارير ضدهم اتهمهم بها بانهم شيوعيون مخربون (وفق ما جاء في كتابات يوسف مالك التلكيفي ومالك لوكو) وكان مارشمعون يتوخى من منعهم من الهجرة لاسباب شخصية تتعلق بجمع الاموال باسمهم لمصلحته (وكما جاء في كتاب يوسف مالك التلكيفي سكرتير مار شمعون في كتاب الله والحق ) ...وقد وجه مار شمعون كتاب استغاثة الى الشعب الامريكي لجمع الاموال باسم اثوريي خابور ....
نداء الى الشعب المسيحي في اميركا 16 نيسان 1948 :
انني ايشا شمعون الواحد والعشرون بنعمة الله بطريرك الكنيسة الشرقية، نيابة عن شعبي من الاثوريين اوجه ندائي الى الشعب الامريكي المسيحي طالبا المساعدة لشعبي المظطهد نظرا لحاجته الملحة. لقد تم طردُ شعبي من اراضيه الخاصة التي عاش فيها منذ قبل بداية التاريخ وسيق الى الصحاري حيث لا طعام ولا ماء ولا دواء ولا تمتد اليه يد المساعدة فبقي كجزيرة من الايمان المسيحي في وسط بحر من الاسلام .الخ الخ الخ
(تعليق الكاتب :ان مار شمعون في ندائه يقول لقد تم طرد شعبي بينما اللجنة المتشكلة من قبل عصبة الامم وفي النداء الموجه الى الاثوريين من قبل رئيسها يقول : ستكون لرب كل عائلة الحرية التامة في الاعراب عما اذا كان يرغب في مغادرة العراق اوالبقاء فيه فايهما نصدق ؟؟؟؟ ) ....
ان رسالة مار شمعون هذه طويلة وكلها تصب في هذا المعنى ولذا اكتفي بهذا القدر من السرد ....
يقول الكاتب الكبير يوسف مالك التلكيفي ( لقد سبق هذا النداء وتلاه بنداءات اخرى وتجمع لدى مارشمعون حوالي 485 الف دولار وان كل ما جادت به نفس مارشمعون لهؤلاء المحتاجين المشرفين على الهلاك حسب ادعائه هو (1500) دولار فقط لاغيرها من كل ذلك المبلغ ليوزع على ثمانية آلاف آثوري في منطقة الخابور بحيث اصبحت حصة كل فرد اقل من عشرين بنساً،  اما مبلغ 485 الف دولار لا احد يعلم اين ذهب سوى مار شمعون نفسه الذي دعبله في جيبه ) ......
ايها القراء الاعزاء قارنوا بين الحقيقة المثبتة بالوثائق الرسمية والمحفوظة في الاراشيف وبين ادعاءات محرفي التاريخ وليكن ضميركم هو الحكم الذي سيرشدكم الى طريق الصواب .... يا ابناء هذا الجيل من امتنا انا اخاطبكم انتم ولا اخاطب من هم بجيلنا، لانكم عماد هذه الامة ومستقبلها وقبل ان تغزو الافكار المشبوهة عقولكم ويصبح من الصعب عليكم التخلص منها ونصيحتي المخلصة اليكم هي ان لا تصدقوا كل ما اكتبه انا او مايكتبه ألآخرون دون ان تتاكدوا من مصداقيته عن طريق الوثائق الرسمية او عن طريق المصادر الحيادية التي ليس لها اي مصلحة في تحريف تاريخنا، وليكن في علمكم ان هدف كتاباتي عن تاريخ امتنا الحديث القديم هو انتم لانكم الجيل الصافي المنقى من كل الشوائب التي بذرتها في نفوس الاجيال التي سبقتكم المآسي التي مرت باجدادنا ولتكن هذه الاحداث التي ذكرتها وساذكرها في المستقبل دروسا تسفيدون منها  في خدمة شعبكم فاياكم اياكم أن يتملككم الغرور والعنجهية الفارغة، إعملوا بالممكن وليس بالخيال وان رفع الشعارات البراقة الخيالية ستجعلكم اسرى تنفيذها وستسقطون في مطبات مؤلمة لكم ولشعبكم ... ثقوا وتاكدوا من ان هذه الامور مجتمعة كانت السبب الذي اوصلنا الى ما هو نحن فيه، ولو كان بعض قادة الجيل الذي سبقنا قد تجردوا من كل هذه الشوائب وتعاملوا في ادارة مصالح الشعب مع الواقع الذي كان مفروضا عليهم واستمعوا للآخرين من القادة الذين نصحوهم مرارا وتكرارا ان لا يجازفوا بمصير الشعب ويعرضوه للفناء من اجل قضية ميؤوس منها، لوكانوا قد عملوا بهذه النصائح لما كان شعبنا يتعرض لهذه المذابح ولما كنا نستجدي الحقوق كما نفعل ألآن، لان كثافتنا السكانية وتجمعنا في ثلاثة اقضية من محافظة واحدة كما جرى في خطة الاسكان (وليس كما يشوه البعض خطة الاسكان كذريعة لتبرير المغامرة القاتلة ) لو كان هذا قد حدث لكان وضعنا غير ما هو عليه بالتاكيد .. لا تعطوا آذانا صاغية للمزايدين والمنتفعين من التصيد في المياه العكرة وانظروا بتمعن الى الواقع الذي يمر به شعبنا هذا اليوم وتعاملوا مع هذا الواقع وكما يقول المثل (رحم الله امريء عرف قدر نفسه).
نكبة 1933 : اسبابها / سير عملياتها / نتائجها
« في: 10:12 17/05/2013  » تمكَّنت بعض العشائر من التسلل الى موطنهم في حكاري ولم يكن للحكومة التركية اعتراضٌ على عودتهم ما داموا يعيشون بسلام! الا ان هذا الموقف اثار حفيظة الانكليز والعائلة الشمعونية، فدبروا مؤامرة الاعتداء على الوالي التركي مع مجموعةٍ من التخوميين موالية لهم بغية دفع الاتراك على الانتقام من تلك العشائر ومهاجمتها وطردها من الاراضي التركية. وفعلا سارت الامور كما كان مخططا لها فتوزعت هذه العشائر في مناطق صبنة وبرواري بالا ومنطقة نهلة وفي سميل والقرى المحيطة بها، وكلها كانت ضمن قضاء دهوك آنذاك. واستمر الوضع على هذه الشاكلة وقامت هذه العشائر بتعمير قراها الجديدة واهتمت بالزراعة وتربية الحيوانات وتحسين امورهم العائلية والمعيشية وقد استغل الانكليز بعض ابناء العشائر لاستخدامهم في قوة الليفي لحماية قواعدهم ولاغراض اخرى تخدم مصالحهم اما بالنسبة الى العائلة الشمعونية فلقد تم تعيين داؤود والد البطريرك قائدا لهذه القوة كما تم تعيين اولاد مالك اسماعيل دانيال وشليمون وياقو، ومن تياري السفلى زيا مالك شمزدين ومالك لوكو التخومي(بدرجة رب ترَمّا اي قائد مئتين)                               ......
وكانت دوافع العائلة الشمعونية في تشكيل قوة الليفي هي تحقيق مصلحة معنوية بسيطرتها على قيادة هذه القوة عن طريق قائدها داؤد وابناء رؤساء العشائر المؤيدين لها، وفائدة مادية وفق ما ذكره كثير من الكتاب ومنهم مؤلف كتاب (الاشوريون والمسالة الاشورية) بقلم (ق ب ماتفييف بار متي ) وما يلي اقتباس منه: < لقد كان الزعماء الاشوريون كسورما خانم شقيقة البطريركين شمعون بنيامين شمعون بولس  وعمة البطريرك ايشاي شمعون الدور الكبير في تاسيس هذه الكتائب. إذ كان لها كما للملوك والكهنة مصلحة مادية في توسيع تشكيلات الكتائب العسكرية حيث كانت العائلة البطريركية وكبار القادة والكهنة يتقاضون وفق الاتفاق مع القيادة الانكليزية حصة نقدية من راتب كل ضابط ومجند آشوري.... انتهى الاقتباس ...
بمرور الزمن بدا الجيش العراقي بالتطور كما ونوعا بمساندة بريطانيا التي اصبحت تخطط لخلق عراق قوي يخدم مصالحها ويحررها من ثقل مسؤلية الانتداب، وكان المفتشون الانكليز الاداريون والعسكريون يعملون بهذا الاتجاه، واستكمالا لهذا الوضع، بدات بتقليص اعداد قوات الليفي فلقد تم تقليص درجة (رب ترَمّا قائد مئتين ) حيث تم انزال رتبة زيا مالك شمزدين من درجة رب ترَمّا الى درجة رب إما وهو من عشيرة تياري السفلى في الوقت الذي تم تثبيت اولاد مالك اسماعيل بدرجة رب ترَمّا حيث كان كل من شليمون ودانيال احدهما متزوجاً من عمة البطريرك والاخر متزوجاً من خالة البطريرك، فاغاض هذا التمييز زيا مالك شمزدين، وأعلن رفضه لهذه التفرقة ومن ثم قدَّم استقالته من الليفي.                                                                     
لقد احست العائلة الشمعونية بان نفوذها وسيطرتها سوف تتقلص بتقلص دور اعتماد الانكليز على الليفي فقامت سرمة خانم بالاجتماع بضباط الليفي سرا في معسكر ( الهنيدي ) معسكر الرشيد لاحقا،  وامرتهم بان يقدموا استقالة جماعية لاحراج الانكليز ولكن هذه الاستقالة تم افشالُها من قبل الانكليز وذلك باقناع قداسة البطريرك باصدار امرٍ للضباط المستقيلين بالغاء استقالاتهم .... وبقبول العراق عضوا في عصبة الامم وتقلص دور بريطانيا في ادارةمسار العراق ارتات سرمة خانم وقداسة البطريرك بان الذهاب الى جنيف هو الحل الامثل بعد استحالة موافقة العراق والانكليز على منح قداسة البطريرك السلطة الزمنية وبالرغم من كل النصائح التي قدمت لهما وأهمُّها نصائح ملك خوشابا عبر اللقاء الذي تَمَّ بينه وبين سُرمة خانم في 8/9/1932م في مصيف جربية. والى الجزء الرابع والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 15 / 3 / 2016


17

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع والأربعون
القادة والوجهاء يحاولون توحيد الشعب وازالة الخلافات والقيادة الدينية (السابقة) تُفشلها

« في: 06:32 28/12/2013  »
نعم اقولها بصراحة لانها الحقبقة التي يراها المبصرون والتي يغفل عنها الذين غشت كساوة الحقد والغيرة والتخلف اعينهم .. انها الحقيقة المرة التي نعيشها بكل تفاصيلها فبعضنا لا يزالون في قمة التخلف هذا التخلف الذي لم ينافسهم عليه الا عبدة الاصنام وان هذا البعض قد تفوقوا حتى على عبدة الاصنام في تخلفهم لانهم تعايشوا مع الذين يعبدونهم وشاهدوا بام اعينهم سيئاتهم كلها ولكنهم اغمضوا اعينهم وصموا آذانهم واغلقوا افواههم مخافة ان يقولوا كلمة الحق التي اوصى بها ربنا يسوع المسيح ونادى بها الرسل وثقف عليها المشرعون الشرفاء....... هذه المقدمة هي لتعريف القراء الاعزاء كيف ان العلمانيون الاثوريون (كما يطلق على كل من لا يحمل درجة كهنوتية خطئا) يحاولون بكل ما منحهم الرب من قوة لاحلال السلام بين شعبهم وازالة كل عوامل الفرقة ومن جهة اخرى نرى كيف ان قياداتنا الدينية (السابقة) استماتت من اجل ابقاء الوضع المتردي كما هو تلبية لرغبة الانكليز هذه الرغبة التي اتفقت مع تطلعاتهم الاستعلائية والعنجهية الفارغة التي لا تمت للفكر المسيحي بصلة ....سوف اقسم محاولات المصالحة الى مراحل كالاتي :
المحاولة الاولى  : (من كتاب مار ابرم الهندي حول سيرة مار طيماثيوس ) في 21 / تشرين الاول / 1923 بينما كان مار طيماثيوس (الوصي على مارشمعون الطفل آنذاك) في لندن تلقى رسالة من اغا بطرس الذي كان كذلك موجودا في لندن وهذا مضمون الرسالة :
ابانا المحترم مارطيماثيوس الممثل البطريركي ومطران عام الهند . ليحل السلام باسم ربنا مع تقبيلي اياديكم راجيا صلواتكم . علمت بوجود غبطتكم في لندن كممثل للبطريرك للسعي لدى الامة البريطانية من اجل مصلحة وكيان امتنا الاثورية . واني لست فقط بمسرور جدا فحسب بل اود ان اعلمكم بان تلك هي رغبتي القلبية ايضا . وانطلاقا من ذلك اطلب من كل قلبي ان ننسى جميع الاحداث الماضية . وبقلب صاف ملؤه المحبة والسلام امد يد المصافحة بواسطة ابوتكم طالبا السلام والعفو من العائلة البطريركية وبكل تقدير واجلال . وعليه اعترف بالبطريرك المحبوب الشريف كرئيس عام لامتنا الاثورية ومنذ هذه اللحظة انني اضع كل امكانياتي في خدمة ابوتكم كممثل للبطريرك لبلوغ هذا الهدف النبيل الذي يرمي الى ايجاد وطن قومي لامتنا تحت حماية ووصاية بريطانيا العظمى وفق الخارطة التي تجدوها ملائمة . واني اعاهدكم باني ساوفي بكل ما كتبت لاكون اخلص خادم لعائلة بطريركنا المحبوب المقدسة كما كنت في عهد سيدي المرحوم المارشمعون بنيامين واكثر . هذا ولي الشرف ان اكون خادمكم وتحت امركم في جميع الخدمات الوطنية ......(راي الكاتب : ان هذا التنازل الكبير الذي قدمه القائد العظيم اغا بطرس من اجل انقاذ امته ليقطع دابر كل حجة تلجا اليها هذه العائلة في افشال هذا المشروع لم يقدمه قائدا بمستوى اغا بطرس على مدى التاريخ ولكن يبدو ان العمالة للانكليز عند هذه العائلة كانت اهم  من مصلحة الامة ).
وفي 8 / تشرين الثاني / 1923 اجاب المارطيماثيوس على رسالة اغا بطرس بقبوله المصالحة آملا ان يقبل البطريرك عرضه . ثم قام على الفور بارسال نسخ من رسالة اغا بطرس الى الشخصيات الانكليزية التالية :
1 / اسقف كانتربري
2 / مالركوس كورزن (وزير الخارجية )
3 / دوق ديونشاير (وزير المستعمرات)
4 / السير جون شكبوري (نائب الوزير الدائم لدائرة المستعمرات)
5 / فخامة المستر اورمبسي كور (وكيل الوزارة)
لقد كان لمحاولة الصلح هذه صدى خطير في الشرق الاوسط لان (دكتور ويكرام) الانكليزي الذي كان يعرف اغا بطرس ... فكتب الى سكرتير اسقف كنتربري ضد تلك المصالحة وندرج ادناه بعض العبارات التي وردت في رسالته :
(يظهر ان اغا بطرس موجود الان في لندن . انا واثق بان لدى لندن المعلومات الكافية التي تجعلها لا تصدق هذا المخادع المتمرس . لقد كانت هنالك خطة لذهابه الى العراق ثانية لتحريك الاحداث ليجعل من نفسه ذات فائدة . ان ذلك بالنسبة له هي بمثابة تبديل مهنة , لقد احتج الناس هنا على مجيئه ولقد اعتقدوا بانه قد بدا برحلة العودة لذا تجمهروا على رصيف ميناء البصرة منتظرين وصوله وبحوزتهم تذكرة لاعادته فورا من حيث اتى الا انهم لم يجدوه على تلك الباخرة . لان السلطات في العراق (يقصد سلطة الانتداب) تعرف من هو اغا بطرس وعليها ان تعلم بوجود هذا المحتال هناك في لندن ) ....... وفي 7 / كانون الاول / 1924 كتب الدكتور ويكرام الى المارطيماثيوس ما يلي :
( املي ان تكون قد عرفت حقيقة اغا بطرس لعلمي بان نواياكم صادقة ومقاصدكم مسيحية . وان هدفكم الوحيد هو خدمتكم لامتكم الاثورية دون شك ... ان للرجل قوة وقابلية حقيقية وبامكانه ان يقدم الكثير لامته اذا رغب بذلك واني واثق بانه يحب ذلك مثلما يحب نفسه لكن على المرء ان يسال احد الساسة في انكلترا , هل يمكن لهذا الرجل ان يستقيم ؟ اني اؤمن بان الارادة الربانية قادرة على كل شيء حتى تبديل جلد الهندي او مسح التنقيط من جلد النمر . المطلوب من الاثوريين سواء عملت بريطانيا لصالحهم ام لم تعمل ان يوحدوا صفوفهم وعلى بطرس ان يفهم هذين الامرين :
1 / ان الكرسي البطريركي هو محور هذا الاتحاد .
2 / كل الوعود التي تقطعها فرنسا للاثوريين لا يمكن الاتكال عليها او الثقة بها ويبقى املها الاخير والوحيد في الايمان بالله والاعتماد على نفسها ووحدتها التي يضحي رجالها من اجلها . هذه كلماتي الاخيرة لبطرس ولكم ) ... (راي الكاتب : ايها القاريء العزيز ان راي الشخصي بهذا الموضوع هو ان استماتة دكتور ويكرام لعدم عودة اغا بطرس لم يكن من اجل ارضاء العائلة المارشمعونية بقدر ما كان من اجل مصلحة بريطانيا لانه كان يعلم جيدا ان اغا بطرس هذا القائد العظيم لا يمكن ان يفكر او يعمل مطلقا  ضد مصلحة شعبه حتى ولو اعطى آلاف الوعود للعائلة المارشمعونية وللانكليز ولقد اعترف دكتور ويكرام بذلك حين قال في رسالته لسكرتير رئيس اساقفة كنتربري بما معناه ان الله القادر على كل شيء قد يعجز في تغيير اغا بطرس ويقصد هنا بالتغيير هو تفضيل مصلحة الامة على مصلحة بريطانيا ) ......
وبالرغم من استمرار مارطيماثيوس باتصالاته باغا بطرس الذي عاد الى فرنسا الا ان مارشمعون وسرمة خانم رفضا مصالحته وامرا مارطيماثيوس بقطع كل اتصال معه ......
المحاولة الثانية :في عام 1954 توفي ملك خوشابا اثرمرض عضال في داره في مدينة الموصل واقيمت مراسيم الوفاة في كنيسة ام المعونة الكلدانية في الدواسة وحضرها كافة رؤساء العشائر والوجهاء ورجال الدين الاثوريين والعرب والاكراد وقد حضر ايضا المطران ماريوسف خنانيشو بعد قطيعة استمرت منذ 1933 وبقي لمدة ثلاثة ايام حتى نهاية المراسيم وفي عام 1955 قام يوسف ملك خوشابا بزيارة المطران مار يوسف خنانيشو في مقره في بلدة ديانا ردا لمشاركته في جنازة والده (ملك خوشابا) وبعد اشهر من ذلك قدم وفد من مدينة كركوك يمثل وجهاء الطرفين من (مؤيدي ملك خوشابا ومؤيدي مارشمعون ) وطلبوا من يوسف ملك خوشابا ان يوافق على سعيهم من اجل اقامة مصالحة عامة كنسية وسياسية تشمل كافة الاثوريين في العالم فلم يعترض يوسف ملك خوشابا على مقترحهم ولم يفرض اي شروط تعجيزية على مسعاهم سوى انه طلب منهم ان يكون موقع الاجتماع الاول في مكان محايد يحدده الوفد وان يشترك في المفاوضات عدد محدد من رجال الدين ورؤساء العشائر والوجهاء بصورة متوازنة من الطرفين لانها يجب ان تكون مصالحة شعب باكمله ومصالحة مبدئية تدرج فيها كافة التفاصيل لكي لا يحدث اي خلاف حول اي نقطة في المستقبل (اي يكون بمثابة دستور لا يحيد عنه احد) ويكون الاساس في المفاوضات هو نسيان الماضي وعدم ذكره في المفاوضات والبدء من الصفر للعمل بجد من اجل مصلحة الامة .... لقد ارتاح الوفد بطرفيه بهذه المقترحات والتي اعتبرها افضل ما يمكن تقديمه للامة وتوجه بعد ذلك الى ديانا حيث مقر اقامة ماريوسف خنانيشو وطرحوا له الافكار التي جلبوها معهم واقترحوا ان يكون الاجتماع في مدينة كركوك كمنطقة محايدة ... في البدء وافق المطران مار يوسف خنانيشو على المقترحات ولكنه طلب منهم ان يمهلوه فترة اسبوعين للتشاور مع جماعته ... وبعد اسبوعين توجه الوفد الى ديانا للاتفاق مع غبطة المطران على موعد الاجتماع لانهم سبق وان اتفقوا مع يوسف ملك خوشابا على هذه الامور ولكنهم تفاجئوا باجابة غبطة المطران لهم حيث قال (انا لا استطيع الذهاب الى كركوك لانها بعيدة بالنسبة لي وكذلك ليس هنالك من حاجة لجمع عدد كبير في الاجتماع واقترح ان يكون الاجتماع هنا في ديانا بيني وبين يوسف ملك خوشابا ) ... بعد ان سمع الوفد هذا الكلام من غبطته علم بان غبطة المطران قد تلقى توجيهات من جهات معينة بافشال المحاولة خاصة وان العلاقات العراقية البريطانيىة كانت تمر باوقات حرجة بسبب تسليم القواعد البريطانية في العراق الى الجيش العراقي .. وعاد اعضاء الوفد الى دورهم بعد فشل محاولتهم النبيلة التي كانت تصب في خدمة شعبهم ..........
وسنأتي الى ذكر محاولات اخرى جرت بهذا الخصوص واهمها محاولة مالك لوكو شليمون رئيس عشيرة التخوميين .....
رسالة مالك لوكو شليمون الى المطران ماريوسف خنانيشو عام (1966 )
« في: 08:13 03/01/2014  »
بيروت / تشرين الثاني / 1966 ...
معالي الاب وسيادة ماريوسف خنانيشو مطران الكنيسة الشرقية والوكيل البطريركي... صلواتكم وبركاتكم نطلبها منكم ...  يا صاحب السيادة: لقد مضى زمن طويل على انقطاع اتصالنا بكم : بسبب التناقض الذي حدث في الافكار منذ مجيئكم الى سوريا في المرة الثانية عام 1956م . ولكننا الان نرى بان الموقف قد اصبح حرجاً جدا ويتطلب ان نترك الماضي وننسى كل العقد الصغيرة والمشاكل التي بيننا، ويلتزم احدُنا الاخر كالاخوة بقلب صافي، حتى نتمكن من انقاذ انفسنا وملتنا من الصعوبات التي تقف في طريقنا. وهدف هذه الرسالة هو: الصراع مع نفسي ومع الاخرين ايضا، ولكن هنالك املاً كبيراً بعون الله بان يكون  هنالك مخرج جيد ومفرح اذا توفَّرت لدينا نوايا صافية ومحبة الله في قلبنا.
سيدي المطران ماريوسف: لا اعلم ما الذي سيُخامرك بهذه الرسالة غير المتوقعة! ولكن تاكد بان فكرتي هذه ليست جديدة، و لفترة طويلة كنت افكر في ايجاد طريقة مناسبة التي بواسطتها نستطيع التقرب من بعضنا: ونعدل اخطاءنا التي تسبب الفتنة والخراب والإضرار بكنيستنا وامتنا. وسالت اشخاصا كثيرين قائلاً: يا رب من هو الشخص الذي له تاثير اكبر والذي يستطيع ان يعمل من اجل السلام ووحدة هذه الامة المنكوبة والمظلومة والمتقطعة الاوصال، والتي اصبحت اطرافها تعمل ضد بعضها .. ولحد ألآن لم اتمكن من ان اجد واختار احداً آخرَ غير سيادتكم . اذا كنتم موافقين للعمل معاً. وبلا شك هذه هي مقترحاتي الشخصية: وبموجب الامور التي نمر بها في هذا الزمان اني ارى،  وبالرغم من ان سيادتكم قد اصبحتم محسوبين كطرفٍ إلا أنَّ نسبة المؤيدين والمُطيعين من أبناء مِلَّتِنا لسيادتكم ستتعدّى الثمانين بالمِئة في حالة تبنيكم موضوع المُصالحة والعمل على وحدة الأمة ليحلَّ السلام فيها، وسنكون مدينين لكم بهذا الجهد! ولا تُعيروا اهتماماً لأقوال مَن لا يتحملون المسؤولية ولا يُبالون بالنتائج...

يا صاحب السيادة ماريوسف: يجب ان ننظر الى الأمم الأخرى البعيدة والقريبة ونتعلم الدروس منها، حيث مارست مُختلف الفضائع والقتل فيما بينها، وكانت خسائرها باهضة جداً بالمادة والأرواح، ولكنها في الآخر جلس أبناؤها الذين عاد إليهم رُشدُهم حول مائدة المُفاوضات واضعين المصلحة العامة في المقدمة نادمين ونابذين الأخطاء التي وقعوا فيها، فتلافوها فيما بينهم.  ومن المؤكد ان مثل هذا الأمر لا يتم إلا بفضل جهود مضنية وتضحيات من قبل الاشخاص الاكثر مقدرة وتاثيرا وحكمة مثل سيادتكم ...
لناخذ عبرة من لبنان (في سنة 1958) تقاتلوا مع بعضهم وقتلوا ألآلاف والحقوا اضرارا كبيرة بوطنهم ولكنهم احسوا على خطئهم وتاسفوا على كل ما حصل وجلس الطرفان المتحاربان على مائدة واحدة (في الوقت الذي كان الطرفان احدهما مسلماً والآخر مسيحياً) وعدلوا عن اخطائهم كاخوة وتصالحوا تحت شعار (لا غالب ولا مغلوب) .... نشكر الرب لاننا بعيدون جدا عن هذا النوع من العداوات التي حدثت بين اللبنانيين والتي كانت قد تكون سببا لعدم تمكننا من الجلوس مع بعضنا ونتباحث ونعدل عن اخطائنا حتى لا نلام في تاريخ امتنا ...
اني شاهدت ولا زلتُ اشهد الإنشقاق  الذي حدث في صفوف أبناء امتنا منذ عام 1932م قسمها الى قِسمين مُعاديَين احدُهما للآخر، وألآن أراها منقسمة الى اربعة اقسام ومن المُحتمل ان تنقسم الى ثمانية!... والخ ...
كما ارى أعداءنا يتحينون بحقدٍ الفرصة ليضربوا ضربتهم القوية والقاتلة لكنيستنا وامتنا، وهذا معروف لدينا جميعاً... وهم أقوياء سلبونا ولا زالوا يسلبوننا وعيوننا مفتوحة، ونحن منشغلون بضرب رؤوس بعضنا بدون رحمة، مُلقين اللومَ احدُنا على الآخر بقولنا (إنه خطا فلان من الاشخاص) ولكننا بهذا المنطق لا نستطيع ان نبرئة انفسنا من اللوم ... لقد مَرَّت على الإنقسام الواقع بيننا 34 سنة ، تُرى، ما هي الفائدة التي جنيناها؟ من المؤكد ان الاجابة اواقعية يجب ان تكون هكذا: إنَّ ما
جنيناه كان خسارة كبيرة بفقدان آلآف الابرياء، وتاخرنا عن اللحاق بالتقدم لسنين عديدة، وعرَّضنا اتحادنا القومي للخراب وفقدنا حقوقنا كامةٍ قدمت الكثير من التضحيات من اجل السلام العالمي (بالرغم من قلة نفوسنا) وازدَدنا حِقداً وكُرهاً واحدُنا  للآخر ووسمنا بعضنا البعض بالخيانة، والمُستفيد الوحيد من ذلك  كان اعداؤنا الذين سعدوا بتناحُرنا، وكان ذلك الأكثر سوءاً في تاريخنا... واليوم لم نَسلَم حتى على ديننا وايماننا وكنيستنا ومسيحنا حيث سلمناهم لأعدائنا الغير مؤمنين نتيجة إصرارنا على عنادنا.. ماذا ينتظر الآخرون ليحُل بنا أكثر مِمّا أصابنا من مرارة نتائج تلك الأعمال الخاطئة الظاهرة علينا؟ ؟ من هو القادر على تبرئة نفسه من هذه الملامات عندما تاتي ساعة المحاكمة للجميع ؟ أو الأخطاء التي كانت سببا لتخريب الامة ؟ لا اعتقد بان احداً منا يستطيع ان يبريءَ نفسه ...
اذاً، الى متى سنبقى نركض خلف هذه الاعمال التخريبية وجلب الاضرار الكبيرة لأنفسنا ؟ متى نرعوي؟ ومَن لنا أن ننتظره لياتي ويشفي جراحنا العميقة وامراضنا القاتلة ؟ اين هو هذا النبي الذي سيرسله الله ليصالحنا مع بعضنا لكي نوقف هذه الاعمال المخربة، ونستبدلها بأعمال الخير لنزيد المحبة القومية لبعضنا البعض؟ وانني متاكد بانه لا يوجد لنا اي صديق مخلص في العالم يكن لنا المحبة ليعمل على مصالحتنا اذا لم نستيقظ من غفوتنا ونتبادل الصلحَ بانفسنا  .. قد تكون اليوم امامنا فرصة ثمينة وامل بالنجاح، ولكننا لا نعلم ما الذي سيحث في الايام القادمة، لان خرابنا يسير بسرعة كبيرة للامام . ابانا ماريوسف: اكتب لك شخصيا بقلب مخلص وبسيط وبدون غموض: وبسبب معرفتي بسيادتكم. إذا كنتم تنظرون إليَّ بنظرةٍ اخرى تحملونها عني بعيدا عن واقعي فهذا غير صحيح .. وفي الآخر فإنَّ تاريخ الامة سيقيم كل واحد حسب اعماله. ولكن علينا تأجيل ذلك هذه  في الوقت الحاضر لان طرحها الان ليس بالوقت المناسب ...
من الممكن ان تتساءل لماذا أقدمت على الكتابة عن خراب الامة ... وهل انا الوحيد المسؤول والمهتم بالخلافات التي حدثت وتحدث في الامة ؟ ولعلَّك ستعتقد بانني اتباهى بشهرتي القومية أوبفلسفتي او بايماني .. كلا، ثمَّ كلا  وللمرة المِئة كلا ... واشعر بنفسي بأنني بسيط  أكثر من أيِّ احد آخر .. ولكنني ارى أن الخراب يزداد من وقتٍ لآخر ومن سنة لاخرى، واخاف كثيرا من  خراب كهذا قد يكون السبب في ضياع امتنا وكنيستنا! والخراب كله ينبع من رئاسات الامة، إذ لو أرادت الرئاسة قيام الوحدة، لتوحَّدت الامة كلها بدون اي شك!  وانا اعتقد ولي امل كبير، اذا حاول سيادتكم للعمل على المصالحة والوحدة بارسالكم رسالة تدعو للسلام الصافي وبصدق لكل ألآثوريين الذين يعيشون في كل بقاع العالم، سوف يتقبلونها بمُختلف  درجاتهم وقبائلهم (طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون) لهذا لنا الامل بعدم التفكير وذكر كل ما حدث في الماضي بين هذا وذاك ويجب ان يترك وينسى .
حاول ان تجد طرقا مقبولة لتقريب أبناء امتنا من بعضهم، ونحن بكل مقدرتنا سنكون مساندين لكم اذا احتجت الينا، ولديَّ وطيد الإيمان بانَّ مُحاولتك ستنجح بعون الله .. يا ليتكم يكون تمنحون لنا فرصة للالتقاء بسيادتكم: لنتكلم معكم شخصيا بكل ما كتبنا. ولعدم حصولنا على هذه الفرصة لذلك اضطررنا للكتابة اليكم ...
وفي الختام نأمل بانَّكم ستفكرون ملياً بطلبنا هذا، وتدرسونه بعمق وروية، عسى أن تجدوا من خلاله طرقاً مناسبة ومقبولة لسلام شامل .. وننتظر ان نسمع من سيادتكم ...
الخادم المؤمن للكرسي الرسولي لكنيسة المشرق :
لوكو شليمون بيداوي ...

الرسالة الثانية من مالك لوكو شليمون الى المطران ماريوسف خنانيشو:
آذار / 1967
لغبطة ابانا المعالي ماريوسف خنانيشو مطرابوليط كنيسة المشرق : والقائم البطريركي نطلب صلواتكم وبركاتكم ...
ارسلنا لكم رسالة بيد احد المؤمنين في تشرين الثاني 1966. ومنذ ذلك الوقت ننتظر الاجابة من سيادتكم ....
الخادم المؤمن للكرسي الرسولي لكنيسة المشرق...
لوكو شليمون بداوي

(هذه كانت الرسائل التي ارسلها المرحوم مالك لوكو شليمون لسيادة المطران ماريوسف خنانيشو بهدف مصالحة كافة الاطراف من اجل وحدة الامة والكنيسة، ولكنه لم يتلقَّ اية اجابة لا على رسائله ولا على مبادرته)... والى الجزء الخامس والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 27 / 2 / 2016


18
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثالث والأربعون
الانشقاق في الكنيسة النسطورية الاثورية / عام 1964 / (الجزء الاول)
 « في: 05:53 12/01/2014  »
ننقل وبتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون ما دوَّنه السيد بولص يوسف ملك خوشابا بصدد الإنشقاق في الكنيسة النسطورية الإنعزالية التي أضيفت إليها لاحقاً صفة الآثورية، في مقالته بالتاريخ اعلاه. حيث يقول: قبل ان نبدا التكلم عن الانشقاق الذي حدث في الكنيسة علينا معرفة كيف كان وضع كنيستنا منذ ان تسلم البطريرك مار اوراها اوقاف الكنائس سنة 1850 بعد نفي الامراء الاكراد على اثر المذابح التي قاموا بها ومنح البطريرك مار اوراها حق تمثيل الاثوريين امام السلطة العثمانية بفضل آلاف الدماء التي قدموها ابناء عشائر تياري العليا وتياري السفلى وديز ومن ثم تخوما وبالجهود التي بذلها رؤساء هذه العشائر لدى ممثلي الدول امثال القنصل البريطاني وقداسة البابا (الذي ارسل مبلغا كبيرا من المال الى البطريرك الكلداني الذي سلمها الى مالك بتو وتم توزيعها على العشائر المتضررة التي ساعدتهم على العودة الى اراضيهم واعادة تنظيم حياتهم ) ولكن البطريرك مار اوراها لم يستغل تلك الواردات التي كانت تاتي من املاك الكنائس لاجل تهياة طلاب لدراسة العلوم الدينية لكي ينهضوا بالكنيسة التي كانت قد عانت الكثير من الحرمان بسبب سيطرة الامراء على املاكها ...والاسباب الرئيسية كانت في ابقاء كهنة الكنيسة غارقين في تخلفهم  الذي يقودهم الى الطاعة العمياء للقيادة الدينية وعدم الاعتراض على كل ما يبدر من اخطاء من قبل القيادات الدينية ولنفس السبب نجد ان القيادة الدينية كيف حاربت وحرضت الشعب ضد الارساليات الغربية بحجة المحافظة على المذهب وبعملها هذا وبتشجيع ملموس من قبل الإنكليز الجواسيس الذين قدموا من انكلترا بصفة قساوسة وحلوا ضيوفا مكرمين في دار البطريرك وقد على حُرمان ابناء العشائر من ارتياد المدارس والتعلم والانفتاح على العالم الجديد آنذاك نتيجة هذا الفكر التخريبي للامة.
والسبب الثاني كان الصراع الذي كانت بوادره قد بدات تظهر للعيان في داخل العائلة الشمعونية على كرسي البطريركية حيث كان كل طرف يحاول كسب تاييد العشائر ورجالات الدولة العثمانية والمتنفذين الاكراد الى جانبه وهذه كانت تتطلب البذخ في الصرف على الديوان المفتوح للضيوف مما حدا بذهاب اموال وواردات الكنيسة الى هذه الدواوين في الوقت الذي نرى فيه كيف ان ابناء اورميا استفادوا من هذه  الارساليات التي كان لها الفضل الكبير في تنوير عقول ابناءئها الذين تلقوا تعليمهم في هذه المدارس والتي بلغ تعدادها ما يقارب المئة مدرسة موزعة على كل مناطق تواجد شعبنا (المصدر: كتاب التاريخ ألآثوري لمؤلفه الاستاذ كورش يعقوب شليمون : الصفحة 89 ) واكملوا دراساتهم العليا في كلية اورميا وتخرج منهم اطباء وقادة ومدرسين ورجال دين ذوو عقلية متطورة وان اتهام البعض لهذه البعثات التي اطلق عليها تسمية البعثات التبشيرية مؤسف جدا واننا نقرا ونسمع هذه الايام التهجم على هذه البعثات واتهامها بان هدفها كان تغيير معتقداتنا , وكانت هذه البعثات تتبع الكنائس البروتستانية والكاثوليكية والارثدوكسية الروسية.
اما الكنيسة الانكليكانية الانكليزية فلم تقم باي دور سوى انشاء مدرستين في بيباد ووان  لانها كانت منشغلة بتطبيق سياسة بريطانيا في توريط ألآثوريين ....نعم لقد كان هناك آنذاك تنافس مذهبي ولكن هذا لا يعني ان نترك كل الايجابيات من اجل ان يستمر ابنائنا وبناتنا بالقاء انفسهم امام اقدام البطريرك او المطران لكي يضع اقدامه المقدسة على ظهورهم من اجل شفائهم من الامراض او ان يتزاحموا في صفوف  من اجل الحصول على قليل من الماء الذي اغتسل به البطريرك او المطران ليشربوه لاطفالهم لكي ينالوا البركة ولا يصابون بالامراض .... لا اعتقد بان من هم من جيلنا لم يسمع بهذا التخلف الذي كان يشجع من قبل رجال الدين الكبار لاستمرارية عبادتهم.....وللاسف الشديد ان هذا الوضع استمر العمل به والذي تجسد في قيام غبطة المطران مار يوسف خنانيشو برسامة ابن شقيقته الطفل مار ايشاي شمعون بطريركا للكنيسة بالرغم من معارضة غالبية ابناء الشعب على ذلك .لقد حاول بعض رجال الدين الحريصين على رفع شان الكنيسة امثال الشماس يوسف قليتا (القس يوسف قليتا لاحقا) فطرح موضوع شراء مطبعة من الهند لاستخدامها في طبع الكتب باللغتين الانكليزية والاثورية الحديثة والقديمة فتبرعت جميع الفئات الاثورية في مخيمات بعقوبة لجمع المبلغ الذي يكفي لذلك وقد سلم المبلغ الى الشماس يوسف ايليا قليتا الذي كان ذا المام كبير باللغة الاثورية الحديثة والقديمة واللغة الانكليزية وكان من المتحمسين للحفاظ على تراث اللغة الاثورية وطقوس الكنيسة الشرقية . وبعد شرائه لهذه المطبعة من الهند جاء بها الى الموصل لان الاثوريين كانوا قد تركوا بعقوبة آنذاك وكان يديرها الشماس المعروف داؤود بيت بنيامين وبقيت هذه المطبعة بحوزة الشماس يوسف قليتا حيث كانت المورد الوحيدالذي يغذي الطلاب الاثوريين ومحبي التعلم باللغتين الاثورية والانكليزية وكذلك كان له الفضل الاكبر في تاسيس وادارة المدرسة الاثورية التي تخرج منها غالبية المثقفين الاثوريين وبقيت المطبعة تحت ادارته حتى عام 1928 . ثم اخذت منه من قبل المار شمعون الذي اتهمه بانه يستغلها لمصلحته الخاصة بينما كان رد الشماس يوسف قليتا هو ان العائلة المارشمعونية قد خانوا الكنيسة الشرقية وربطوها بعجلة كنيسة الكنتربري الانكليزية وهكذا حصل نزاع بين الطرفين بشان تلك المطبعة ولجئوا الى القضاء وفي عام 1927 جاء مطران الهند المارطيماثيوس الى الموصل وكان المارشمعون على خلاف معه فقام هذا المطران برسم الشماس ايليا قسيسا . الا ان المارشمعون لم يعترف بتلك الرسامة لذا حرمه ولكن القس يوسف استمر في اعماله الدينية والتدريسية وسلمت المطبعة بعد ذلك الى القس يوخنا التخومي الذي اخذها معه الى سوريا بعد احداث سنة 1933 حيث بقيت دون استعمال لعدم وجود من يجيد استعمالها فاصابها الصدا والتلف كما تلفت الكتب التي كان قد طبعها القس يوسف ايليا قليتا لاهمال القس يوخنا العناية بها او استغلالها .....
بعد نكبة 1933 المشؤومة بقي اسم الكنيسة واحدا ولكن في الحقيقة كانت هناك من الناحية العملية كنيستان مستقلتان من ناحية الولاء فالطرف الذي كان يؤيد مارشمعون والذي اصبح وكيله في العراق غبطة المطران مار يوسف خنانيشو استمر ولائهم للمارشمعون وياتمرون بامره اما الطرف الاخر الذي رفض الهجرة ووقف ضد طروحات المارشمعون فكان يدين بالولاء الديني لماريوآلا ومار سركيس وبعد وفاة ماريوآلاها استمر الولاء الديني لمار سركيس ..

ولقد كانت هناك شبه قطيعة بين كنيستنا في الهند في عهد المطران مار طيماثاوس وبين مقر البطركية ومن ثم تطورت هذه القطيعة الى الاسوا في عهد المطران مار توما درمو بسبب رغبة المارشمعون الاستحواذ على واردات الكنيسة في الهند وامتناع غبطة المطران مار توما درموا الرضوخ لهذا الطلب لحاجة ابرشيته الى بناء الكنائس والمدارس والمطبعة التي كانت تجهز الكتب المقدسة لكل فروع الكنيسة في العالم .... لقد كان وضع الكنيسة بجناحيها المؤيد والمعارض لمارشمعون في حالة يرثى لها وان الذين عاصروا فترة الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي لابد وان يتذكروا كيف كانت كنائسنا تفتقر لابسط الامور التي بمكن ان نسميها كنيسة الرب من ناحية البناء والكهنة الشبه اميين والشباب والشابات الذين لا يعرفون من المسيحية سوى ايام المناسبات التي يذهبون فيها الى الكنائس ليسمعوا ما يردده القسيس من عبارات طقسية لا يفهمون منها شيئا وينتظرون بفارغ الصبر متى تنتهي هذه الطقوس حتى يتناولون القربان المقدس الذي كان غالبيتهم لا يعرفون معناه ........
في الحقيقة كانت كنائسنا سياسية اكثر من ان تكون دينية فكل كنيسة بقسيسها كان محسوبا على طرف من الاطراف وفي بعض المدن كانت هنالك كنيستان واحدة لمؤيدي مار شمعون والاخرى لمناهضيه ... استمرت هذه الحالة حتى عام 1964 عندما وصلت رسالة من مارشمعون والتي يامر فيها كل الابرشيات بان يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي ( وارجو ان لايفهم تعبيري باستخدامي كلمة امر فهما خاطئا ولكن الحقيقة كانت هكذا لان الارثدوكس عندما ارادوا التغيير الى التقويم الغربي اخذوا راي رعيتهم فوافق الاغلبية على ذلك والذين لم يوافقوا لم يغلقوا ابواب الكنائس في وجوههم وانما قام كهنتهم بتقديم الخدمة الالاهية لهم وفق التقويم الشرقي حسب رغبتهم واستمروا على هذه الحالة حتى تغيرت آراء هذا البعض ووافقوا على التقويم الغربي بملء ارادتهم )وتمت قراءة رسالة مار شمعون في كافة الكنائس (اي كنائس الطرفين ) ....

وبعد يومين او ثلاثة من قراءة رسالة البطريرك في الكنائس جاء الى دارنا مجموعة من وجهاء اشيتا يتقدمهم المرحوم القس اسحاق ألآشوتي قسيس كنيسة الدورة وبعد فترة قصيرة وجه القس اسحاق كلامه الى يوسف ملك خوشابا قائلا (هل سمعت بالتعليمات التي تامر بتغيير الاحتفال بالاعياد الى التقويم الغربي , فاجابه يوسف ملك خوشابا نعم سمعت بذلك فقال القس اسحاق ان اغلبية بني اشيتا يعترضون على هذا الشيء ولقد تلقيت رسائل من غالبية ابناء اشيتا في كل العراق يبدون فيها اعتراضهم وان المرحوم والدكم لم يكن ليقبل ان يفرض علينا هكذا امر خارج ارادتنا ونحن نعتبر هذا الامر اعتداء على ايماننا وتقاليدنا التي توارثناها عن آبائنا واجدادنا فايده في ذلك كل من الرائد خوشابا والرائد انويا شليمون والرائد شليمون بكو الذين كانوا معه فاجابهم يوسف وما الذي تريدونه فقال القس اسحاق ان كل ما نريده هو ان يسمحوا لنا ان نقوم باقامة قداس عيد الميلاد بتاريخنا الشرقي وهم احرار في اي يوم يريدونه فاجابهم يوسف ملك خوشابا هذه القضية بسيطة ويمكن حلها مع الاسقف مارسركيس وسوف اذهب هذا اليوم عصرا لعنده واتفاهم معه وغدا تستلمون مني النتيجة).
 
وفي عصر نفس اليوم  ذهبت مع والدي واثنان من ابناء عمومتنا الى كمب الجيلو الذي كان يقع خلف موقع الاذاعة الحالي   حيث كان مقر اقامة  الاسقف مارسركيس وبعد التحية والمجاملات الاعتيادية قال والدي للاسقف مارسركيس (كسي لقد جاءني صباح هذا اليوم مجموعة من اهلنا بني اشيتا وقالوا لي بانهم ومجموعة كبيرة من اهلنا يجدون صعوبة في تغيير العيد من التقويم الشرقي الى التقويم الغربي حيث انهم تعودوا على هذا التقويم الذي ورثوه من آبائهم واجدادهم وانهم يريدون ان تفتحوا لهم الكنائس حسب التقويم الشرقي لكي يؤدوا مراسيمهم وانا اعتقد انه من الافضل حتى لا يكون هنالك خلافات حول هذا الموضوع ان تفعلوا مثل ما فعل الارثدوكس حيث سمحوا للذين لم يرغبوا في التغيير بان يحتفلوا باعيادهم حسب التقويم الشرقي وفتحوا لهم ابواب الكنائس لاداء مراسيم المناسبات الدينية  وبمرور الزمن اصبح الجميع موحدين في اعيادهم وفق التقويم الغربي ولكن الاسقف مارسركيس اجاب بحدية قائلا : مالك لا تسمع الى اقوال هؤلاء وان قرارنا واحد ولن نغيره وسوف اقفل ابواب الكنائس وساستدعي الشرطة للقبض على كل من يحاول الدخول الى الكنائس في هذا التاريخ ,لقد استغرب والدي من هذه الاقوال وقال لنيافة الاسقف (كسي ان الذين سيدخلون الى الكنائس ما الذي سيفعلونه هل سيكفرون ام سيرقصون ويغنون وانت تعلم مثلما انااعلم بانهم سيؤدون صلاة العيد ويهنؤون بعضهم فهل في هذا العمل ضرر يصيب الايمان ؟ ) فاجابه مارسركيس قائلا مالك ان قراري هذا لن اتنازل عنه فنهض والدي ونهضنا معه وكان غاضبا اشد الغضب وقال لمارسركيس ان كلمتي الاخيرة لكم هي انكم ستندمون على هذا العمل وستكونون السبب في تقسيم هذه الكنيسة واشعال نار الفتنة في ملتنا وخرج غاضبا دون ان يودع نيافة الاسقف وخرجنا جميعا معه ...

توضيح : (في عام 2007 واثناء استقبالنا لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الاشورية في منطقة نهلة معقل ابناء عمومة ملك خوشابا ومعقل اتباع الكنيسة الشرقية القديمة اتباع قداسة البطريرك مار ادي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة والذي في اتصال هاتفي معه طلب مني ان نقوم بواجب استقبال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع على احسن ما يرام وفعلا تم ذلك ...وفي هذا اللقاء وامام جمهرة كبيرة من المؤمنين وفي الكلمة التي القيتها في استقباله اعلنت فيها ىان ننسى كل احداث الماضي الذي كان سببا في القطيعة التي دامت اكثر من سبعون عاما ولقد التزمنا من جانبنا بهذا القرار بالرغم من ما لاقيناه من تهميش وتحريض غير مسؤول من قبل البعض المحسوبين على كنيسة المشرق الاشورية وفي الفترة الاخيرة قام بعض الذين لا تجمعهم بكنيسة المشرق الاشورية سوى صفة التملق وبتوجيه من جهات معينة بنشر مقالات تمجد ببعض الرموز وتحوير سير بعض الاحداث الذي يعتبر من وجهة نظرنا اساءة لرموزنا وكذلك قيام البعض الاخر باستخدام العبارات المسيئة لنا كاستخدامهم كلمة الخونة والمنشقين والخ .. ولاجل توضيح وجهة نظرنا لهذا الجيل حول الاحداث السابقة وجدنا انه لزاما علينا ان نرد على هذه الاساءات بالاسلوب الذي نراه مناسبا وان كتاباتنا موجهة في انتقاد عهد قيادة العائلة المارشمعونية للكنيسة والتي انتهت بوفات المرحوم مار ايشاي شمعون ولا علاقة لكنيسة المشرق الاشورية بكل ما نكتبه من نقد وان احترامنا وتقديرنا لهذه الكنيسة لا يقل عن ما نكنه لكنيستنا الكنيسة الشرقية القديمة)

مصالحة البطريرك مار شمعون مع مالك لوكو شليمون عام (1966) لماذا فشلت ؟
« في: 07:32 07/01/2014  »
لجنة وشخصيات متنوعة التقوا بمالك لوكو شليمون في بيروت من 9 الى 18 /تموز / 1966 في نفس الوقت الذي كان فيه البطريرك مارشمعون متواجدا في بيروت ايضا وكانت غاية هذه اللجان والشخصيات مصالحة البطريرك مارشمعون ومالك لوكو شليمون من اجل الاتحاد والسلام ...
(اقتبس من كلام مالك لوكو شليمون رئيس عشيرة تخوما ألآتي ) :
لجان المصالحة بين البطريرك وبيننا ...
اللجان الاكثر رسمية التي التقت بنا في دارنا منذ وصول البطريرك الى بيروت من :9 تموز 1966 وحتى مغادرته في 18 تموز 1966 هي كألآتي:

1 / القس الخوري مندوبإسم كافة قساوسة لبنان .
2 / القس الخوري مندو وإبنه ايشوع في دار اندريوس برجم .
3/ القس اثنيال باسم رعية الاشرفية .
4 / روئيل القس اسحاق مع جماعته .
5 / ايشوع كنو / يوسف عوديشو / ارسلوا من قبل القس بطرس ورعية الاشرفية .
6 / القس خوشابا مع (50) رجل من قبائل متفرقة .
7 / رئيس هرمز وروئيل القس اسحاق .
8 / القس خوشابا وشينو عوديشو : وقد قالوا بان البطريرك ينتظر .
9 / الاستاذ زاوزو وولسن متي وآدم كولو ويوسف عوديشو .
10 / مالك سوتو (جيلو) ورئيس هرمز التخومي .

القائمون بالمصالحة بيني وبين البطريرك كثيرون ولكن لاجل التوثيق نذكر اسماء اعضاء اللجنة الاخيرة والرسمية التي تم ارسالها لعندنا من قبل قداسة البطريرك بتاريخ 16 تموز 1966 وهؤلاء طلبوا مني ان اعلن لهم عن مطلبي وعن اساس رغبتنا في اللقاء والمصالحة مع البطريرك .
وكان الوفد المفاوض يتكون من :
1 / مالك سوتو بيت مالك وردة (جيلو).
2 / رئيس هرمز زومايا يونان التخومي .
لقد كانت اجابتي لهم كألآتي :
اللقاء المنفرد لن يكون له نتائج ذات فائدة للامة ونتيجتها تكون القلاقل والخراب والفتن لفائدة بعض الاشخاص فقط وهدفنا هو وحدة كل ألآثوريين الذين يعيشون في كل بقاع العالم وفي البدء يجب ان يتصالح رؤساء الكنيسة ....
الافكار التي طرحها مالك لوكو للمصالحة كانت :
1 / من الضروري جدا لاجل ايقاف التخريب والبلبلة والانقسامات في امتنا ولاجل اقامة وحدة داخلية للاثوريين يجب علينا جميعا وبقلب صاف وبمحبة الله ان نغلق كافة ملفات الجدل والمهاترات السابقة ونذهب الى طريق الاخوَة ونحاول ان نجدد انفسنا وامتنا بكافة الطرق الممكنة التي يمنحنا ارب بها .
2 / اذا اراد البطريرك يستطيع ان يجد المفاتيح لحلحلة كافة العقد المستعصية التي كانت السبب في خرابنا والتي تجعلنا نذهب الى الضياع بسرعة .
3 / اذا كان البطريك يعتقد ان هذا العمل من الصعب عليه تنفيذه يستطيع ان يختار مجموعة متمكنة يخولها للقيام بهذا الواجب ويضعون شروطا وقوانين للوحدة تكون مقبولة للبطريرك وللرؤساء المعروفين للامة والجميع يكونون راضين على هذه القوانين .
4 / هذه الافكار اذا قبل بها البطريرك رسميا فمنذ ألآن سوف نبدأ بالعمل بكل جدية .
5 / سوف نفرح ان نكون على علم براي قداسته قبل تركه للبنان متوجها الى اميركا .
هذه النقاط الخمسة طلبتها لفتح الطريق للمصالحة والسلام والوحدة لامتنا ولحد ألآن لم نتلقَّ جوابا عليها ....(انتهى الاقتباس)
اعزائي القراء ان هدفي من كتابة محاولات المصالحة الكثيرة والرسائل المرسلة من قبل الشخصيات الاثورية والتدخلات الخيرة التي كانت تتم من قبل كافة الخيرين من ابناء هذه الامة ومن كِلا طرفي النزاع هو لتوضيح الحقائق لهذا الجيل الذي ابتلى بقراءة وسماع تشويهات للاحداث التي سُطرت باقلام من لم يكن لهم يوما علاقة لا بالدين ولا بالامة وانما تبرعوا للقيام بهذا العمل غير المسؤول لاسباب عديدة، لا اريد ذكرها لانها معلومة لغالبية القراء من خلال معرفة خلفياتهم السياسية والاجتماعية ... ان اكبر المشاكل التي تعاني منها امتنا والتي ستبقى تعاني منها هي تمسك البعض بمفاهيم القرون السابقة هذه المفاهيم التي كانت سببا في دمارنا،  حيث ان سيطرة القيادة الكنسية على مقاليد الامور السياسية مستغلة" الطاعة العمياء لابناء الامة لكل ما يصدر من القيادة الدينية (حتى ولو كانت قراراتها خاطئة) جعلت من امتنا تسير في طريق مظلم لا يعرف نهايته الا اصحاب القرار ولو تمعنا بالنظر في كل المحاولات المخلصة والمبادرات المسؤولة لوجدنا كيف كان أبناء امتنا العلمانيون اكثر التزاما بتعاليم المسيحية من حيث حرصهم على مصلحة الكنيسة والامة بالجنوح للسلام والوحدة وقد حاولوا بكل الطرق والوسائل المتاحة اطفاء هذا الحريق الذي لم يكن له اي مبرر ولكن اصرار القيادة الدينية السابقة بتنفيذ ما كان مقبولا قبل مائة عام وهو فرض آرائها بالقوة على ابناء هذه الكنيسة ولم تعترف بأنَّ ذلك اصبح مرفوضا في عصر الانفتاح والتطور بالنسبة لمن يؤمنون بالتطور... ان مسالة تلافي الانشقاق الذي حصل في الكنيسة عام 1964 كان من الممكن تلافيها بكل يُسر وسهولة لو ان القيادة الدينية آنذاك جنحت للحكمة والواقعية وابتعدت عن اسلوب التكبر والتعالي والاستهانة بمشاعر وطلبات جزءٍ مهم من أبناء هذه الامة! ولو كانت القيادة الدينية الحالية لكنيسة المشرق الاشورية برئاسة قداسة البطريرك مار دنخا هي صاحبة القرار آنذاك لما حدث ما حدث والدليل على ذلك ان جزءاً كبيراً من اتباع كنيسة المشرق الاشورية يتبعون في طقوس عيد الميلاد التقويم الشرقي مثلما يجري في الكنيسة الشرقية القديمة حيث هنالك من يتبع التقويم الشرقي ومن يتبع التقويم الغربي وانا شخصيا اتبع الان التقويم الغربي تماشيا مع ابناء عشيرتي في العراق بعد قرار قداسة البطريرك استنادا الى الاستفتاء الذي اجراه في الوقت الذي تتبع عائلتي في شيكاغو التقويم الشرقي تماشيا مع ابناء عشيرتنا هناك ... ان التمسك بالتقويم الشرقي او الغربي لا علاقة له بالايمان المسيحي وانا شخصيا سمعت هذا الكلام من قداسة مار دنخا وانا مؤمن به ... ان مشكلة القيادة الدينية السابقة لم تكن في التقويم ولكنها كانت في حب فرض آرائها والتعالي على ابناء رعيتها .... هنالك من يحاولون خلط الاوراق محاولين بشتى الوسائل الايقاع بيني وبين قداسة البطريرك مار دنخا الرابع ... وانا اقول لهم انا لا اتملق لاحد لانني انبذ المتملقين والانتهازيين والوصوليين واللاهثين خلف المناصب والمادة! ولكن علاقتي واحترامي وثقتي بقداسة البطريرك مار دنخا هي بنفس المستوى التي اكنها لقداسة البطريرك مار ادي وان كنيستي المشرق الاشورية والكنيسة الشرقية القديمة لا بد وان ياتي اليوم الذي تتوحدان فيه وان ما اكتبه وما كتبته من انتقادات على ممارسات تاريخية سابقة لا علاقة لكنيسة المشرق الاشورية بها لانني مؤمن انه لو كانت القيادة الحالية لكنيسة المشرق الاشورية بديلا للقيادة الدينية السابقة لما وصلنا الى ما نحن عليه ...

قبل عدة ايام اتصل بي قداسة البطريرك مار دنخا مشكورا لتهنئتي بعيد الميلاد المجيد ولقد جرت العادة منذ عام 2007 ان نتبادل التهاني بالمناسبات ولن انسى موقف قداسته عندما ارسل غبطة المطران مار كوركيس للاطمئنان عن صحتي في عمان لدخولي المستشفى هناك . ان هذا النهج الذي يطبقه قداسته في تواضعه ومحبته لابناء امته هو الذي سيجعله الامل مع قداسة البطريرك مار ادي لاعادة اللحمة الى الكنيسة وزرع المحبة بدل الكره ونبذ وابعاد الوصوليين الذين يحاولون التقرب الى القيادات الدينية لغايات شخصية فموقع قداستهما لدى اتباعهما المخلصين سيكون الجسر الذي يمر من فوقه كل مؤمن بديانته المسيحية وكل نابذ للتفرقة المذهبية حتى نتمكن نحن مسيحيو الشرق وخاصة مسيحيو العراق من ان نثبت جذورنا في ارض اجدادنا... والى الجزء الرابع والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في  15 / 2 / 2016
                                   

19

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثاني والأربعون
قتل مقاتلي وادي ليزان وأشيثا
ويكتب بولص يوسف ملك خوشابا سردا تفصيلياً، كيف تمَّ قتل مقاتلي وادي ليزان وأشيثا على الطريقة الإنكليزية في مقالته بتاريخ 17/2/2013م بموقع عنكاوا.كوم. وإننا ننقله بتصرُّفٍ صياغي لا يُخِلُّ بمحتواه:
في الايام الاولى من وصول الاثوريين الى همدان بعد تلك الرحلة المروعة القاسية وهم في حالة ضعف ومرض وتعب شديد . فالعوائل لم تلم شملها بعد ولم تعلم شيئا عن افرادها الغائبين والقسم الاعظم منها لم تنشف دموعُها بعد على فقدان اعزائها في الطريق والذين اصبحوا طعاما للحيوانات والطيور. وإذا بهم يُفاجأوا باوامرمن الانكليز بواسطة مارشمعون العشرين بولص وسرمة خانم بوجوب التحاق كل شخص قادر على حمل السلاح بالجيش الذي تشكل تحت ادارة الانكليز وبقيادة داود شقيق مار شمعون بولص وعلى الفور . فامتنع ابناء عشائر تياري السفلى الموالية لملك خوشابا عن اطاعة الاوامر في الوقت الذي كان ملك خوشابا لا يزال غائبا وكان مصيره ومصير رفاقه مجهولا . وفي أثناء خلودعوائل هذه العشائر الى النوم، وما إن استيقظت صباحاً حتى رأت أنَّها مُحاطة بجنود من الهنود والانكليز وقد صوَّبَت رشاشاتها نحوها منذرةً إياها طالبة منها تسليم اسلحتها والا سيكون مصيرها الموت. وبهذه الطريقة الدنيئة تمَّ تجريد أبناء تلك العوائل من سلاحها بين عشية وضحاها، بينما عجزت القوات التركية والايرانية والكردية من القيام بذلك بالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل الدفاع عن حياتهم وكرامتهم. فخاب أمل هؤلاء البسطاء الذين اعتقدوا بان حياتهم وكرامتهم ستكونان في مامن من الخطر بعد دخولهم تحت حماية الانكليز.
كان عددُ الخارجين من اورميا المتوجهين الى همدان يقرب من السبعين الفاً، لحقت بهم خسائر بشرية كبيرة بحيث لم يصل الى همدان سالمين سوى خمسين الفاً، ومع كل هذه الخسائر الفادحة التي لحقت بهم لم يتحرك ضميرُ الانكليز لينصف أبناء هذا الشعب الذي قدم اكثر من نصف تعداده من اجل ان ينتصر الحلفاء آملاً بذلك أن يتمكن من العيش بكرامة وحرية على ارض ابائه واجداده، ولكنه بدلا من ذلك وجد نفسه واقعاً بين فكي مفترس اشرس من الاتراك والايرانيين ألا وهم الانكليز الذين تفننوا في خداع قيادات هذا الشعب المسكين ليصبح مرة اخرى ضحية لمصالح الاجنبي عن طريق بعض اصدقائه بل عملائه من أبناء هذا الشعب نفسه ..........
1: اقتبس ممّا ذكره كورش شليمون: <انه بعد يومين من وصولنا الى همدان في اب 1918 جاء الجنود الانكليز، وباشروا بجمع الرجال ونقل مَن قبل الإلتحاق بالجيش الليفي الى موقع افشينة جنوب همدان  لتدريبهم على النظام العسكري من قبل العسكريين البريطانيين، وكان اغا بطرس هناك معهم. بينما جرى في هذه الاثناء نقل العوائل على شكل دفعات الى مخيم بعقوبة في حين أفرِز المعترضون على الانضمام الى الليفي لسوقهم الى موقع العمل تحت صخرة بهستون. وبعد ان امضينا ثلاثة اشهر في التدريب في افشينة تقرر نقلنا الى مخيم بعقوبة في العراق وفي الطريق عندما وصلنا الى كرمنشاه عثرت على اهلي بين الجموع الاشورية الكبيرة تحت بهستون> انتهى الاقتباس ..
 إن هذه الجموع كانت تعمل تحت صخرة بهستون منذ ثلاثة اشهر خلت وانها استمرت بالعمل هناك بعد ان غادر الليفي تلك المنطقة. ماذا جرى تحت صخرة بهستون؟ ان بهستون جبل صخري منتصب عموديا في ارض قاحلة(انا شخصيا شاهدته اثناء عودتي من الاسر) حيث قيدَ المعارضون للخدمة في الليفي الى هذه الصخرة وأجبروا تحت التهديد والضرب وتعريضهم لشتى انواع التعذيب كحرمانهم من الطعام والماء والنوم، وإلزامهم للقيام باشغال شاقة مضنية آناء الليل واطراف النهار مثل كسر الصخور وتسوية الارض وحمل الاحجار والقضبان الحديدية لسكة القطار بقصد انهاكهم وايقاع أكبر الاذى بهم للتخلص منهم حتى يكونوا عبرة لكل من يفكر بالتمرد على الانكليز.  وتقول المصادرُ المطلعة بانه كان الموت يخطف العشرات منهم يومياً،  ويدفنون تحت صخرة بهستون بدون ان يبلغوا عوائلهم بذلك.  وكانت عوائلهم التي استقرت في مخيم بعقوبة لا تعلم ايَّ شيء عن مصير ابنائها، وقد بلغ عددُ المتوفين منهم خلال الأشهرالثلاثة 750 فرداً من خيرة رجال وادي ليزان واشيتا، ومثلهم من القبائل الاخرى ليصل المجموع الى ما يقرب الالف وخمسمائة رجل. ولو قارنا هذا العدد باعداد القتلى الذين كان يقدمها هذا الشعب الشجاع في معاركه التي كان يخوضها مع الاتراك والايرانيين لوجدنا الفرق الهائل، حيث لم تصل خسائره في اكبر المعارك التي خاضها ضِدَّ فيالق وفرق نظامية تركية وايرانية الى نسبة مائة مقاتل لكل معركة وهذه خسارة كبيرة لشعب كان يُعَوِّض دائما التفوق العددي للعدو بالتفوق النوعي لمقاتليه! ولم تنتهِ هذه المأساة إلا بعد وصول ملك خوشابا الى همدان واعتراضه الشديد على هذا العمل المُجحف واللاإنساني. وتضامناً مع هؤلاء المظلومين تحرَّك إخوتُهم ابناء اثوريي اورميا الذين فضلوا البقاء في ايران، وأبلغوا قنصليات دول الحلفاء بما يجري من أعمال مُشينة، فمارس الحلفاء ضغطاً كبيراً على الحكومة البريطانية، فقامت بترحيل المتبقين منهم الى مخيم بعقوبة .......
المصادر :
1 : نينوس نيراري ( اغا بطرس سنحاريب القرن العشرين )
2: يوسف ملك خوشابا( حقيقة الاحداث الاثورية المعاصرة )
3 : تيودورس بيت مار شمعون ( تاريخ الوراثة المارشمعونية )
4: كورش ياقو شليمون ( تاريخ الاثوريين في القرن العشرين )
5 : اوديشو ملكو كوركيس اشيثا ( سفر اشيثا )
6 : قسطنطين بر متي ( الاشوريين والمسألة الاشورية )
7 : هرمز م ابونا ( الاشوريون بعد سقوط نينوى ) المجلد السادس
8 : المذكرة البريطانية عن شؤون اللاجئين في مخيم بعقوبة والتي كتبها ا ج ل جارج ورفعها "ا ت ولسون" الى وزير الدولة لشؤون الهند
واخيرا اقدم خالص شكري وتقديري للاخ الدكتور ايوب بطرس للجهد الذي بذله في تتبع هذا الحدث المهم باقتفائه المصادر ومن يريد التعرف على تفاصيل اكثر عليه قراءة الكراس الذي نشره الدكتور ايوب بعنوان (الموت تحت صخرة بهشتون) ووزعه مجانا رحمة بارواح الذين قتلوا بايادي اصدقاء بعض قادتنا العملاء!

مَن هو مار طيمثاؤس؟ كيف ولماذا فشلت المصالحة بين مارايشاي شمعون وأغا بطرس؟ الجزء الاول

في: 08:33 30/03/2013  »
كان المطران مار طيماثيوس قد رسم مطرانا لابرشية الهند في 15 كانون الاول 1907 من قبل البطريرك مار شمعون بنيامين، وارسل الى الهند عن طريق البصرة حيث وصلها في شباط 1908 وكانت له صلة قرابة بالعائلة البطريركية لان شقيقه الشماس اسخريا كان متزوجا من خالة مار شمعون المسماة خنة، كما كان شقيق مار شمعون المدعو زيا قد تزوج من ابنة شقيق المطران المسماة إلِشوة وهي ابنة خالته،استمرَّ مار طيمثاؤس في خدمة أبرشية الهند النسطورية حتى وفاته عام 1945م تاركاً اثرا وذكرى طيبة في نفوس الهنود التابعين لابرشيته والذين هم من بقايا هذه الكنيسة التي تم تاسيسها على يد رسلها في القرون الاولى. كان الشخص الوحيد الذي لم يصل الى هذه الدرجة الكهنوتية عن طريق الوراثة، وخلفه بعد وفاته في رئاسة هذه الابرشية المطران مار توما درمو الذي خدمها حتى عام 1968 حيث تم استقدامه الى بغداد ورسامته بطريركا للكنيسة الشرقية القديمة، وبدوره قام برسم المطران مار ابرم والاسقف مار بولس الهنديين ليتوليا ادارة ابرشية الهند، وعلى غِرار المرحوم مارطيمثاؤس الذي اعاد الحياة الى ابرشية الهند وذلك ببنائه كنائس ومدارس وميتما ونصب ومطبعة لطبع الكتب الكنسية باللغتين الآرامية القديمة والحديثة والمجلات باللغتين الانكليزية والآثورية. كذلك حذا حذوه خلفه من مار توما درمو الى يوم مجيئه الى العراق بعد ان كان البطريرك مارايشاي شمعون قد جمده بسبب بعض الخلاافات بينهما.
كان مار طيماثيوس قد اغتاض جدا عندما رُسم مارايشاي شمعون بطريركا للكنيسة في بعقوبة عام 1920 من قبل خاله المرحوم مار يوسف خنانيشو بسبب صغر سنه الذي لم يكن يتجاوز الثانية عشر من عمره خلافا لقوانين الكنيسة وعُرف العشائر الكلدانية النسطورية المعروفة "بالآثورية.  وعند وصول مارطيماثيوس الى بعقوبة قادما من الهند كان قد حصل انشقاق كبيرٌ بين الكلدان النساطرة الآثوريين، حيث ان أغلبية الآثوريين لم تؤيِّد هذه الرسامة وعلى راسهم اغا بطرس وملك خوشابا، وطلبوا من مارطيماثاوس ان يصبح بطريركا لهم، إلا انه رفض ذلك مدعيا بانه لايرغب في توسيع شقة الخلاف بين الآثوريين ويزيد الطين بلة. ولما شعر انصارهذه الرسامة بتفاقم الوضع حاولوا ترضية مار طيماثيوس وذلك بتنصيبه وصيا على مارايشاي شمعون وذلك في شهر تشرين الاول عام 1920 حيث تم التوقيع على حجة الوصاية من قبل كل من المطران مار يوسف خنانيشو والاسقف مار زيا سركيس والاسقف ايليا وسرمة خانم وداود والد مار شمعون وزيا عم مار شمعون وفي ما يلي نصها:
< ليكن معلوما لكل من يطالع هذه الحجة التي حررناها باننا في اجتماعاتنا المتعددة التي عقدناها باسم ربنا يسوع المسيح درسنا وضع سيادة مارطيماثيوس مطران ملابار الهند وبعد مناقشة كل الامور اتفقنا جميعا على فكرة واحدة فقررنا انتخاب وصيٍّ على مار شمعون ايشا كاثوليك بطريرك الشرق. وتم في 8 تشرين الاول سنة 1920 وباتفاق الجميع انتخاب المطران مار طيماثيوس ليكون وصيا على البطريرك في كافة الامور .....>
وفي عام 1922 عاد مارطيماثيوس الى الهند ليسافر من هناك الى كل من انكلترا واميركا بصفته وصيا على مار شمعون ليحاول حل مشاكل الآثوريين ومتابعة قضيتهم مع السلطات البريطانية. وفي شهر آب من عام 1923 سافر الى لندن حيث مكث فيها ثمانية اشهر ثم سافر الى اميركا لجمع التبرعات باسم الآثوريين . وفي لندن قام باتصالات عديدة مع المسؤولين البريطانيين حول مصير الآثوريين الا انه لم يتمكن من الحصول على اية وعود منهم لذا نفذ صبره. ويقول المطران ابرم الهندي في كتابه بانه وجد هنالك اغا بطرس الذي كان قد ترك العائلة الشمعونية ومد يده اليمنى لمصالحته ويسترسل مار ابرم في قوله بان الجنرال اغا بطرس كان كلدانيا (يقصد كاثوليكيا) وكان قد انعم عليه بوسام الشرف من قبل البابا ليو الثالث عشر وكذلك من الروس. وكان يعيش في فرنسا في ذلك الوقت الا انه جاء الى لندن لمصالحة مار طيماثيوس ولوضع خطة موحدة لقضية الآثوريين. وفي 21 تشرين الاول سنة 1923 كتب اغا بطرس الى مار طيماثيوس من فندق سيسل في لندن ما يلي :
ابانا المحترم مار طيماثيوس الممثل البطريركي ومطران عام الهند. ليحل السلام باسم ربنا مع تقبيلي اياديكم راجيا صلواتكم. علمت بوجود سيادتكم في لندن كممثل للبطريرك للسعي لدى الامة البريطانية من اجل مصلحة وكيان امتنا الآثورية. وانني لست فقط بمسرور جدا فحسب بل اود ان اعلمكم بان تلك هي رغبتي القلبية ايضا. وانطلاقا من ذلك اطلب من كل قلبي ان ننسى جميع الاحداث الماضية. وبقلب صاف ملؤه المحبة والسلام امد يد المصافحة بواسطة ابوتكم طالبا السلام والعفو من العائلة البطريركية وبكل تقدير واجلال. وعليه اعترف بالبطريرك المحبوب الشريف كرئيس عام لامتنا الآثورية ومنذ هذه اللحظة اني اضع جميع امكانياتي في خدمة ابوتكم كممثل للبطريرك لبلوغ هذا الهدف النبيل الذي يرمي الى ايجاد وطن قومي لامتنا تحت حماية ووصاية بريطانيا العظمى وفق الخارطة التي تجدونها ملائمة. واني اعاهدكم بانني ساوفي بكل ما كتبت لاكون اخلص خادم لعائلة بطريركنا المحبوبة المقدسة كما كنت في عهد سيدي المرحوم مار شمعمن بنيامين واكثر. هذا ولي الشرف ان اكون خادمكم وتحت امركم في جميع الخدمات الوطنية .... انتهى الاقتباس
وفي 8 تشرين الثاني سنة 1923 اجاب مارطيماثيوس على رسالة اغا بطرس بقبوله المصالحة آملا ان يقبل البطريرك عرضه. ثم قام على الفور بارسال نسخ من رسالة اغا بطرس الى الشخصيات الانكليزية التالية:
1.   اسقف كانتربري
2.   ماركوس كورزن (وزير الخارجية )
3.   دوق ديونشاير (وزير المستعمرات )
4.   السر جون شكبوري (نائب الوزير الدائم لدائرة المستعمرات )
5.   فخامة المستر اورمبسي كور (وكيل الوزارة )
وكان لمحاولة الصلح هذه صدى خطيرٌ في الشرق الاوسط لان القس الدكتور ويكرام الانكليزي الذي كان يعرف اغا بطرس كتب الى سكرتير اسقف كنتربري ضد تلك المصالحة وادناه بعض العبارات التي وردت في رسالته:
(اقتباس) < يظهر ان اغا بطرس موجود الآن في لندن. انا واثق بان لدى لندن معلومات بما تكفي ان لا تصدق مثل هذا المخادع المتمرس. لقد كانت هناك خطة لارساله الى العراق ثانية لتحريك الاحداث وليجعل من نفسه ذا فائدة. ان ذلك بمثابة تبديل مهنة بالنسبة اليه. احتج الناسُ هنا لمجيئه. ساد اعتقاد خاطيء بانه قد بدا رحلة العودة لذا كان على رصيف ميناء البصرة عدد من المسؤولين منتظرين وصوله وبحوزتهم بطاقة لاعادته فورا من حيث اتى الا انهم لم يجدوه على تلك الباخرة . ان السلطات في العراق تعرف من هو اغا بطرس ولكن عليها ان تعلم بوجود هذا المحتال هناك في لندن ... انتهى الاقتباس
وفي 7 كانون الاول عام1924 كتب الدكتور القس ويكرام الى مارطيماثيوس ما يلي :
< املي ان تكون قد عرفت حقيقة اغا بطرس لعلمي بان نواياك صادقة ومقاصدك مسيحية وان هدفك الوحيد هو خدمة امتك الآثورية دون شك. ان للرجل قوة وقابلية حقيقية وبامكانه ان يقدم الكثير لامته اذا رغب بذلك واني واثق من انه يحب ذلك مثلما يحب نفسه لكن على المرء ان يسال احد الساسة في انكلترا هل يمكن لهذا الرجل ان يستقيم ؟ اني اؤمن بان الارادة الربانية قادرة على كل شيء حتى تبديل جلد الهندي او مسح التنقيط من جلد النمر. المطلوب من الآثوريين سواء عملت بريطانيا لصالحهم ام لم تعمل ان يوحدوا صفوفهم وعلى بطرس ان يفهم هذين الامرين :
1.   ان الكرسي البطريركي القديم هو محور هذا الاتحاد .
2.   كل الوعود التي تقطعها فرنسا للآثوريين لا يمكن الاتكال عليها او الثقة بها ويبقى املها الاخير والوحيد في الايمان بالله والاعتماد على النفس ووحدتها التي ضحى رجالها لاجلها. هذه كلماتي الاخيرة لبطرس ولكم ...>  انتهى الاقتباس ..
ومع ذلك استمر مارطيماثيوس على اتصالاته باغا بطرس الذي عاد الى فرنسا، الا ان البطريرك مار ايشاي شمعون وعمته سرما خانم رفضا مصالحة اغا بطرس، لذا امرا مار طيماثيوس بقطع كل اتصال معه. وعليه اتصل مار طيماثيوس في 14 كانون الثاني عام 1925 بجميع الجهات ذات العلاقة معلنا بانه استلم تعليمات من السلطة الشمعونية بعدم الموافقة على المصالحة المذكورة لذا فانه غير قادرعلى ان يكون طرفا في اية اتصالات من المحتمل ان يجريها اغا بطرس مع الحكومة الفرنسية ولاسباب اخرى فانه قد قرر ان يكون اتصاله فقط بحكومة صاحب الجلالة البريطانية في المستقبل باعتباره ممثلاً لمارشمعون.
تنحية مار طيماثئوس عن وصايته على قداسة مار ايشاي شمعون / الجزء الثاني
في: 08:13 11/04/2013  »

قدِمَ المطران طيماثيوس راعي أبرشية تريشور الهندية النسطورية الى لندن لمقابلة وكيل وزير خارجية بريطانيا في دائرة المستعمرات في كانون الثاني سنة 1924م.  بعد وصول مار طيماثيوس الى لندن ابرقت له سرمة خاتون طالبة منه ايجاد مدرسة ليدرس فيها قداسة مار ايشاي شمعون . فاتصل مارطيماثيوس بالمسؤولين في كنيسة كانتربري وأمَّن للبطريرك مقعداً دراسياً في كانتيربري وكامبرج، ثمَّ غادر الى أمريكا عام 1924م . فأُرسل مار ايشاي شمعون الى لندن عام 1925م حيث أمضى سنتين دراسيتين في كانتربري وكامبرج.  وفي امريكا اتصل مار طيماثيوس برجال الدين لجمع التبرعات للاثوريين. وهو في أمريكا تلقى رسالة في 15 نيسان 1924م من القس ج. أ. دوكلس صديقا للكنائس الشرقية عامة والكنيسة النسطورية الاثورية بصورة خاصة، ذكر فيها بان قضية الاثوريين قد طرحت على بساط البحث في مؤتمر لوزان مرتين وانه لم يكن في الامكان حمل الحكومة البريطانية على اعطاء اي وعدٍ، الا ان السير صاموئيل هور كان مقتنعا بعدم وجود اي خوف من التخلي عن الموصل. ويسترسل في قوله بانه قد اتخذ الخطوات اللازمة ضد بطرس (اغا بطرس) وانه متأكد بان السير برسي كوكس لن يقابله ولا رئيس الوزراء، وانه مُستمرٌّ بمراقبته كي لا يتمكن من عمل اي شيء . وفي اب 1925 ترك مار طيماثيوس نيويورك الى ستوكهولم عاصمة السويد لحضور بعض المؤتمرات المسيحية ثم سافر الى المانيا ثم الى جنيف . وفي عام 1926 عاد الى تريشور في الهند حيث مقر كرسيه . وفي عام 1927 قام مار طيماثيوس بزيارة ثانية للعراق انتهت في عام 1928.
كان قداسة مارايشاي شمعون الشاب قد عاد من انكلترا. وفي تلك السنة قامت سورمة خاتون وسيادة المطران مار يوسف خنانيشو بحملة ضد مارطيماثيوس طالبين عزله من وصايته على البطريرك. حاول القس بامبل رئيس بعثة كنيسة كانتربري المرسلة لمساعدة الاثوريين والمشرف على الكنيسة الاثورية مصالحتهم، الا ان جميع المحاولات باءت بالفشل وعلى اثر ذلك قام مارطيماثيوس برسامة الشماس يوسف ايليا قليتا قسيسا في الموصل خلافا لرغبة البطريرك الذي جمد تلك الرسامة . بيدَ أنَّ القس يوسف قليتا استمر بمزاولة المراسيم الدينية كقس متجاهلا اوامر البطريرك. حاول مار طيماثيوس كسب الاثوريين الى جانبه وخاصةالعناصرالمناهضة للبطريرك في السابق . فكان جوابهُم بانه قد فوت الفرصة على نفسه لانهم عندما ارادوا تنصيبه بطريركا رفض في حينه، فليس بمقدورهم مساعدته الان لخلوِّ الميدان من الرجال القادرين على ذلك وان الميدان غدا بأيدي أنصار البطريرك بمساندة الانكليز. ولما شعر قداسة البطريرك وانصارُه بتحركات مار طيماثيوس وخاصة عندما حاول زيارة جنود الليفي في الموصل، لم يسمح له الضابط الانكليزي المسؤول (الميجر هورن) بذلك ما لم يحصل على موافقة (رب خيلا) داود والد البطريرك الذي كان قائدا لتلك الوحدات، وعلى إثر ذلك طلب البطريرك من من وزير داخلية العراق بوساطة الانكليز ابعاد مارطيماثيوس من العراق . بصدر امرٌ بابعاده وأُبلغ به رسميا، الا انه اعترض تحريريا على ذلك الامر وهدد برفع شكوى الى عصبة الامم والعالم اذا لم يُلغى ذلك الامرعلى اساس انه رجل دين ولم يقم باي عمل يخالف القانون الذي يستوجب ابعاده.
فتمَّ الغاء امر ابعاده بايعاز من المندوب السامي البريطاني الى وزير داخلية العراق. بعد ذلك قام بعض الضباط الاثوريين من قوات الليفي ومن انصار البطريرك بتهديده بالقتل اذا لم يغادر العراق ويعود الى الهند، وتحاشيا لمشاكل اخرى عاد المطران مارطيماثيوس الى الهند دون ان يتمكن من ايجاد اي حل لقضيته مع قداسة البطريرك وانصاره وبقيت علاقتهما مقطوعة حتى وفاته. وقد كتب مار طيماثيوس ردا على إدانة البطريرك له بعد ان قام برسامة الشماس يوسف قليتا قسيسا ... أقتباس
< باركني سيدي ثانية باوامرك، راجيا ان تتحمل من تأمركَ (يقصد سرمة خانم) نتائج الاعمال الشريرة والشيطانية الصادرة من مقامكم. وعليك ان تعلم بانك اصبحت بطريركا خلافا لقانون الكنيسة التي تحرم الوراثة فكيف يمكنك ان تتحدث عن قوانين الكنيسة المقدسة التي لم تترك حتى قانونا واحدا لم تطأه تحت قدميك ؟ وحقا اقول لك لو كنت تملك ذرة من ضمير حي كرجل محترم، لَما اقدمتَ على ذلك! اما تبجُّحك عن مراعاة واحترام القوانين والانظمة الكنسية المقدسة فغير وارد مطلقا بعد ان دنَّستَ جميع القوانين عن قصد وبرضاك، وجردت الكنيسة المقدسة من جميع قوانينها من اجل مصالحك الخاصة دون رحمةٍ او إلتفات الى رجال الكنيسة والقادة في حينه. وبالرغم من انك جالس الان على كرسي فارغ وخالٍ من الإنصاف والعدل ومخافة الله فانك تدينُ كذبا وزورا اولئك الذين نذروا انفسهم من اجل الكنيسة والعقيدة، فلا اراني بحاجة للسؤال منك عن اي قانون قد احترمته بل الافضل ان اسالك عن أي قانون قد ابقيته دون ان تُلحق به العار ودون ان تَطأه تحت اقدامك او ترميه في سلة المهملات! هل يمكن ان تشير على الاقل على قانون واحد فقط لم تدنسه ؟ لا بحقٍّ لا. فاذا استطعت ذلك فانه سيُعتبر امرا عجيبا. ففي الوقت الذي انت غارق حتى الرقبة تحت وطأة مخالفة قوانين الكنيسة وفي قبضة عقاب الحق والضمير تتجاسر على ادانة ابرياء مخلصين راعوا قوانين الكنيسة وقدسوها من المؤمنين الصادقين لكنيستنا الرسولية أسالك بالله على اي من قوانين الكنيسة قد استند تنصيبك بطريركا ؟ الا تشعر بوخزة الضمير؟
انتهى الاقتباس .....
كان مارطيماثيوس قد قبل رسامة البطريرك في بعقوبة في حينه من اجل الحفاظ على كيان الكنيسة من الانشقاف والتمزق وذلك عندما كان بعيدا في المهجر، واعترف بالبطريرك عندما تم تعيينه وصيا عليه. وبالرغم من انه استاء جدا عندما تم عزله عن الوصاية عام 1927 من قبل انصار البطريرك الا انه بقي ضمن الكنيسة من اجل الحفاظ على وحدتها.
ماذا كان سبب الخلاف بين قداسة البطريرك وغبطة المطران يوسف خنانيشو من جهة والقس يوسف قليتا من جهة اخرى ؟
بالرغم من صلة القرابة التي كانت تربط غبطة المطران مار يوسف خنانيشو بالقسيس يوسف قليتا حيث ان شقيقة المطران كانت متزوجة من ابن القس يوسف قليتا المدعو (ابرم) الا ان عدم الاتفاق بين سيادة المطران والقس يوسف قليتا كان نتيجة لأسباب عديدة ومنها :
تبرعت جميع الفئات الاثورية في مخيم بعقوبة لجمع مبلغ من المال لشراء مطبعة من الهند لاستخدامها في طبع الكتب باللغتين الانكليزية والآثورية الجديدة والقديمة لسد احتياجات الكنيسة من الكتب الدينية واحتياجات المدارس الاثورية من الكتب المدرسية. وسلم هذا المبلغ الى الشماس يوسف ايليا قليتا الذي كان ذا المام كبير باللغة الاثورية الحديثة والقديمة وباللغة الانكليزية وكان من المتحمسين للحفاظ على تراث اللغة الاثورية وطقوس الكنيسة الشرقية. وبعد شراء هذه المطبعة من الهند جلبها معه الى الموصل لان الاثوريين كانوا قد تركوا بعقوبة آنذاك وبقيت في حوزته حتى عام 1928م. ثم اخذت منه من قبل البطريرك الذي قال بان الشماس يوسف كان يستغلها لمصلحته الخاصة بينما صرح الشماس يوسف بان عائلة البطريرك قد خانوا الكنيسة الشرقية وربطوها بعجلة كنيسة كانتربري الانكليزية، فسبَّبَ ذلك حصول نزاع بين الطرفين بشان تلك المطبعة، وتمَّ اللجوء بشأنها  الى القضاء، فتمَّ تسليم المطبعة بعد ذلك الى القس يوخنا التخومي الذي اخذها معه الى سوريا بعد احداث 1933م حيث بفيت دون استعمال لعدم وجود من يحسن استعمالها كما تلفت الكتب التي كان قد طبعها القس يوسف قليتا لاهمال القس يوخنا العناية بها او استغلالها وفق شهادة المرحوم مالك لوكو بداوي .......
المصادر: (كتاب سيرة مار طيماثيوس ص 759 / لمؤلفه مار ابرم الهندي رئيس ابرشية الهند لكنيسة الشرق الاشورية
من مذكرات سليم خان البازي). والى الجزء الثالث والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في   15 /  12/  2015




20
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الواحد والأربعون
كيف وفد الكلدان النساطرة الى العراق ومن جَلبَهم ومِن أين؟

في هذا المجال، لسنا بصدد انقراض آشوريي التاريخ القدماء بعد القضاء عليهم عام 612 ق.م  بسقوط نينوى وتدميرها على أيدي الكلدان ومُشاركة حلفائهم الميديين، ثمَّ مُلاحقة فلولهم التي لم تطلها ألسنة السيوف والنيران فلاذت بالفرار الى مدينة حرّان الغربية، وهنالك حاصرتهم القوات الكلدانية والميدية الحليفة بعد ثلاث سنوات من تدمير نينوى أي في عام 609 ق.م وتمَّ القضاء عليهم عن بكرة أبيهم. انظر التفاصيل في (الكلدان والآشوريون عبر القرون ج1 ص  194 وما يليها / الدكتور كوركيس مردو) مِمّا يدل بأن منتحلي تسميتهم المُعاصرين هم مُزيَّفون وعملاءُ أغبياء لأسيادهم الإنكليز الملعونين.

في الأجزاء المرقمة من التاسع والعشرين وحتى السادس والثلاثين تطرقنا بالتفصيل الى اصول منتحلي التسمية الآشورية بأنَّها كلدانية صِرفة، وأنَّهم الجزء العزيز من أبناء الأمة الكلدانية وكنيستها التي تبنَّت البِدعة النسطورية مذهباً لها خلال نهايات القرن الخامس لا حباً بهذا المذهب بل رغماً عن إرادتها حيث فرضته سياسة المملكة الفارسية نكايةً بغريمتها المملكة الرومانية التي نبذت الوثنية واعتنقت المسيحية. ولدى قيام نخبة مثقفة من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية وبهدايةٍ من الروح القدس في منتصف القرن السادس عشر للعودة الى ايمانهم الكاثوليكي القويم الذي تبنّاه آباؤهم وأجدادُهم منذ نشأة كنيستهم التي أطلقوا عليها اسم "كنيسة المشرق" والذي اعتمده فيما بعد وثبَّته مجمعُ ساليق الثاني المعروف بمجمع مار اسحق المعقود عام 410م، الى جانب تصحيح مسار كنيستهم من الإستبداد العشائري الذي مارسته الرئاسة الأبوية لقرون عديدة، ناهض هذا الجزء من أبناء الكنيسة توَجُّهَ هذه الحركة التصحيحية المباركة، وأصرَّ على الإستمرار بتبني المذهب النسطوري والبقاء تحت عبودية الرئاسة الأبوية، مُفضلاً الإنعزال في منطقة هيكاري الجبلية في تركيا وفي جبال اورمية في ايران، فانعدم الوجود الفعلي للنساطرة في العراق، حيث تجاوروا العيش مع الأكراد في جنوب شرق تركيا الحالية و في أطراف أورْميا في إيران كفئةٍ دينية مُتمرِّدة ضئيلة منسية ومقطوعة الصِّلة بالعالَم المسيحي بسبب مُعتقدها النسطوري ذي التعاليم المناقضة لكل العقائد المسيحية الكبرى وفي مقدمتها الكاثوليكية ثم الأرثودوكسية واللوثرية. وبعد مرور زمن فاجأهم في عرينهم الإنعزالي الإنكليزُ الأنكليكان وعرَّضوهم للكثير من المآسي لم تكن في الحسبان!

بعد الغزو الأسلامي لبلاد الشرق في بدايات القرن السابع والذي تحوَّل الى فتحٍ واستيطان، تعرَّضَ المسيحيون  لأشكالٍ شتى من الإضطهادات القاسية، ولدى زوال سُلطان العرب بسقوط الخلافة العباسية ووقوعه بأيدي أقوام مسلمة من غير العرب كالمغول التتار والمتفرعين منهم كالجلائريين والتركمان والتيموريين والفرس واخيراً الأتراك العثمانيين، تضاعفت موجات الإضطهاد ضِدَّ المسيحيين وزادت حِدَّة، ولا سيما عندما باشرت دول أوروبية (مسيحية؟) بالتدخل بشؤون الدولة الإسلامية بأشكال مختلفة لتأمين مصالحِها في المنطقة.
لم يقتصر اضطهاد الدولة العثمانية في بداية تأسيسها للمكونات الصغيرة الخاضعة لحكمها بسبب دينها المخالف للإسلام دين الدولة كالمسيحيين فحسب، بل شمل اضطهادُها جميعَ الأقوام غير المنتمية الى القومية التركية مسلمة كانت او مسيحية مثل العرب والأكراد والكلدان فكان ذلك اضطهاداً قومياً، لذلك لدى بدء النضال الشعبي التحرُّري من ثقل النير العثماني الكبير، تحالف الأكراد المسلمون مع الأقوام المسيحية ضِدَّ الحكم العثماني الإستبدادي الجائر.

حرب القرم 1853 – 1856م
في سنة 1853 قرَّرَت روسيا القيصرية إرسال وحدات عسكرية "لحماية المسيحين" المُضطهدين في السلطنة  العثمانية، فاستطاعت هذه القوات وخلال مدة قياسية لم تتعدَّ بضعة أشهر تحقيقَ انتصاراتٍ ملحوظة على العثمانيين مما أثار مخاوف بريطانيا وفرنسا من انفراد روسيا بالسيطرة على منطقة القرم التي كانت طريقاً بريا مهماً يوصل أوروبا وبالدرجة الأساس (بريطانيا العظمى) بمستعمراتها في الهند وجنوب شرق أسيا. فتحالفت بريطانيا وفرنسا لمجابهة روسيا عسكرياً وقرَّرَتا في أذار 1854م إعلان الحرب عليها بدعم من النمسا بهدف ايجاد موقع لهما داخل ربوع السلطنة العثمانية وليس كما أشاعتا لحماية المسيحيين بديلاً عن روسيا. فلو كان هدف بريطانيا هو حماية المسيحيين كما زعمت، لماذا لم تتحالف مع روسيا التي كان لها هي الأخرى ذات الهدف؟ فلا بدَّ إذاً كان هناك لبريطانيا أسبابُها لإتخاذ موقف ضِدَّ روسيا، حيث كانت على عِلم، بأنَّ الكلدان الكاثوليك سيكون انحيازُهم الى فرنسا الكاثوليكية حتماً، والسريان المونوفيزيين سيكون ولاؤهم لروسيا المونوفيزية، فلم يبق أمامها إلا التحرُّك نحو الكلدان النساطرة المسيحيين  المتواجدين في بعض مدن السلطنة العثمانية،  لذلك بدأت بريطانيا توَجُّهها السياسي نحو الكلدان النساطرة في المنطقة تحت غطاء التبشير المُمارَس بأمرها بحجة التمويه من قبل الكنيسة البريطانية الأنكليكانية، ولا سيما أنَّ النساطرة كانوا أقلية مسيحية صغيرة ومُنغَلِقة على ذاتها، فرأت فيها صيداً ثميناً من السهل اقتناصُه.                                                                             
موقف السلطان عبدالحميد الثاني
منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى نهاياته كان عدد كبير من المسيحيين الكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان بفرعيهم الكاثوليك والمونوفيزيين ومعهم الأرمن يعيشون في منطقة شرق الأناضول في مقاطعات وان، هيكاري، أرضروم، دياربكر، بيطليس، خاربرد، سيفاس. وكانت تعتبر مدنَ ارمينيا الغربية. وفي بلاد فارس كان الكلدان النساطرة يعيشون حول بُحَيرة أورْميا.
بعد اتهاء حرب القرم بعشرين عام، تولّى عرش السلطنة العثمانية "السلطان عبد الحميد الثاني1842 – 1918م" وذلك في عام 1876م . انتهج اسلوباً ديكتاتورياً في حكم البلاد وطال عهدُه مدة ثلاثةٍ وثلاثين سنة، حاول أن يُخضع العالَم الإسلامي بأسره لسُلطانه. مارس اسلوب التصفية الجسدية الفردية ضِدَّ معارضيه، أما بحق أعدائه الذين يصفهم بالكفار"المسيحيين" فقد استخدم بحقِّهم أساليب جائرة لإبادتهم جماعياً، كما حرَّضَ الأكراد الحميديين لإرتكاب المجازر بحق الكلدان النساطرة الذين تحالفوا مع بريطانيا في حرب القرم.
في أكتوبر 1895 بدأت المجازر ضد المسيحيين في دياربكر وبعدها إنتشرت المذابح لِتَشْمل كل المدن حيث تم إبادة مئات الألاف من الأرمن وعشرات الألاف من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة، وتم إجبار ما يُقارب مائة ألف مسيحي لإعتناق الإسلام. بدأت أولى عمليات الإبادة على نطاق واسع في السنة  الآنفة الذكر والتي عُرفت بالمجازر الحميدية عندما قتل مئات الآلاف من الأرمن والكلدان الكاثوليك والنساطرة في مدن جنوب تركيا وخاصة بأدنة وآمد "دياربكر" بحجة افترائية أتهامية  للأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. غير أن السبب الرئيسي من وراء المجازر التي حلت بالكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان هي خشية العثمانيين من انضمامهم الى الروس والثوار الأرمن. يعتقد المؤرخون أن السبب الرئيسي وراء التورط الكردي في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذي حاول المُخادعون من أعضائه إقناع الأكراد بأن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم. وبالرغم من قيام الجيش العثماني بارتكاب المجازر ضد مدنيين أكراد في بايازيد وألاشكرت، إلا أن سياسة الترحيب والترغيب والتحريض للدفاع عن الإسلام دفعت معظم أفراد العشائر الكردية إلى التحالف مع الأتراك. كما استغلت ميليشيات كردية شبه نظامية فرصة احتدام الفوضى في المنطقة  لكي تفرض هيمنتها، فهاجمت قرى سريانية وكلدانية كاثوليكية ونسطورية من أجل الحصول على الغنائم.
يذكر توفيق السويدي في (مذكراته ص243) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة لهؤلاء النساطرة، إبتدأ معهم الدورُ الإنكليزي، حيث تلقفتهم المملكة المتحدة، وأرسلت إليهم وفداً عسكرياً للتفاوض. إجتمع بقادتهم ودعاهم للثأر من الأتراك وتَمَّ الإتفاق بين الجانبين، وبحسب ذلك الإتفاق، بادرت بريطانيا بشحن كمية كبيرة من الأسلحة الى هؤلاء النساطرة في تموز 1918، ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على تجمعاتهم في اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة، مما أدّى الى قتل عدد كبير من هؤلاء النساطرة، فاضطرَّ الإنكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقـوبة العراقية، وكان عددهم التقديري خمسين ألف نسمة بضمنهم عشرة آلاف من نسطـوريي ايران عادوا الى ايران بعد انتهاء الحرب العالميلة الأولى وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تركيا لم تقبل تركيا بعودتهم إليها متهمةً إياهم بالوقوف ضِدَّها ومحاربتها الى جانب الإنكليز، فوسمتهم بخيانة الوطن. فكان لزاماً على الإنكليز مساعدتهم على العيش في العراق، لأنهم كانوا السبب في إغـوائهم لخيانة بلدهم والتي جلبت لهم القـتـلَ والمآسي، فأقـاموا لهم مُخـيَّمات لسكناهم، واستخـدموا رجالهم بأعـمال الطرق.
« في: 06:41 21/11/2013  »
ننقل بتصرُّفٍ صياغي وبالمحافظة على المضمون كما ورد تماماً في مقالة للسيد بولص يوسف ملك خوشابا نشرها في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بالتاريخ المذكور أعلاه.
< بعد اغتيال قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين غدراً، تمت رسامة شقيقه مار بولس بطريركا بدلا عنه ولقد كان اغا بطرس وملك خوشابا اكثر المتحمسين والمؤيدين لهذه الرسامة لسبب عدم ترك الفراغ في هذا الموقع لكي تتفرغ العشائر للعمل من اجل الدفاع عن الشعب بدلا من الانشغال بتنصيب البطريرك الجديد ... لم يكن لمار بولس البطريرك الجديد ايَّة رغبة في اشغال هذا الكرسي بل كان يريد ان يعيش حياة اعتيادية، ولكنَّ حِدَّة الضغوطات التي مورست عليه من قبل عائلته، والتاييد الذي تلقاه من قبل العشائر جعله يرضخ للامر الواقع، كان قداسته ضعيفا الى درجة انه كان يأتمر باوامر شقيقته سرمة خانم وقد لاحظ قناصلُ دول الحلفاء هذه الصفة فيه، ولذا قرروا تشكيل مجلس يضم ممثلين عن آثوريي اورميا وآثوريي هيكاري برئاسة الدكتور شيت القنصل الامريكي ويتكون المجلس من:
(آثوريي اورميا : القس (ي و ايشو) (الاستاذ بيرة امريخس) (بطرس خان وكيل اللجنة في الحكومة) (القس اسحاق م يونان) (الاستاذ بنيامين موشاباد) (دكتور دانيال ابراهيم) (الاستاذ ابرم اوشان) (الدكتور بابا فرهاد) .....
آثوريي حكاري : (ملك خوشابا يوسف) (مالك اسماعيل ياقو) (اغا بطرس ايليا) (الدكتور مرزا خامس) (القس كورييل) (الكسندروس) (الاستاذ منصور)...)
ولكن بحسب ما يذكره ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ص 285-286) وكان رئيسُ الكلدان النساطرة "الآثوريين" الروحي والسياسي في هذه الأثناء البطريرك شمعون بولس العشرون ذو الرابع والعشرين ربيعاً الذي اعتلى المنصب وراثياً بعد اغتيال شقيقه شمعون التاسع عشر بنيامين من قبل الزعيم الكُردي اسماعيل أغا الشكاكي عام 1918م، نزح الى همدان مُضطراً ومن ثمَّ وُضع في شبه إقامةٍ جبرية في معسكر بعقوبة آخر موقع لنزوح الكلدان النساطرة "الآثوريين" من موطنهم الأصلي في جبال تركيا وهضبة ايران، ومن بعقوبة أرسل موفده الى مؤتمر باريس مُحَمِّلاً إياه نَصَّ مُداخلته بشأن فرز مقاطعةٍ مستقلة للكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة. بعدها انتقل للإقامة في الموصل وأبدى نوعاً من التعاطف نحو الكلدان الكاثوليك، إلا أن الإنكليز حين نووا ضمَّ الإقليم الذي أراده وطناً للكلدان بشقيهم الى العراق، أبعده الإنكليز عن الموصل، فمات كمداً في بعقوبة عام 1920م.

وبناءً الى قانون توريث المنصب البطريركي النسطوري الذي سنَّه البطريرك شمعون الرابع الباصيدي، اختير الصبيُّ اليافع إبنُ داود شقيق البطريركين الراحلين شمعون بنيامين وشمعون بولس ليُمنح رتبة البطريرك باسم "شمعون ايشاي الواحد والعشرون" وهو في الثاني عشر ربيعاً من العمر، فرسمه خالُه المطران يوسف خنانيشو في بعقوبة حيث تواجد الكلدان النساطرة "الآثوريين" الذين أتى بهم الإنكليز من همدان في ايران بحسب الرواية التالية:

مهمة ملك خوشابا للاتصال بالحلفاء ودور الكنيسة الكلدانية في مساعدته
« في: 06:41 21/11/2013  »

ايها القراء الاعزاء كنت قد تعمدت عدم كتابة هذا الموضوع المهم حتى لا اتهم بانني اتوخى من كتاباتي سرد الاحداث التي تمجد بملك خوشابا دون غيره من الرؤساء وبالرغم من انني سبق وان نشرت مقتطفات من جريدة (كخوا) اي النجم الصادرة في اورميا سنة 1917 والتي تمجد فيها باغا بطرس وملك خوشابا وتصفهما بصفات قل ما وصف بها قادة. الا ان الاخوان الكوبلزيين الذين حاولوا ويحاولون جاهدين بتشويه أحداث التاريخ ومنها تشويه هذا الحدث من البطولات النادرة لكي يبرروا هزيمة العائلة الشمعونية من اورميا وترك المقاتلين بدون قيادة مما ادى الى مقتل اكثر من خمسة عشر الف آثوري مدعين بان غياب ملك خوشابا واغا بطرس عن المعركة كان السبب في هذه النكبة وهذا اعتراف صريح منهم بان الامة والقوات ألآثورية لم يكن هنالك من يستطيع حمايتها وقيادتها بجرأة وحكمة في حال غياب هذين القائدين البطلين .....

بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بالقوات الاثورية في معركة سيري وقرب نفاذ عتادها، فكان لا بد من ايجاد مخرج من هذا المأزق، فاجتمع المجلس المذكور برئاسة الدكتور شيت لمناقشة هذا الموقف المتازم، فتوصل المجتمعون بضرورة الاتصال بالحلفاء وطلب النجدة منهم باسرع وقت ممكن.  والمنفذ الوحيد كان الوصول الى القوات الانكليزية المتقدمة من بغداد الى الموصل ووقع الاختيارعلى اغا بطرس للقيام بهذه المهمة، ولكن اغا بطرس اعتذر لإنعدام معرفته يطبيعة المنطقة حيث انه تركها منذ ان طردته عشيرتُه مع عائلته بسبب قضية مقتل ابن عمه على يد شقيقه سهواً، وكذلك لعدم معرفته بالعشائر الكردية المتواجدة في المنطقة، ولذلك اقترح اغا بطرس على المؤتمرين ان يكلف ملك خوشابا بهذه المهمة لتوفر كل ما سبق فيه، فقرر المؤتمرون بان يقوم ملك خوشابا بتنفيذ هذه المهمة على ان يصطحب معه قوة صغيرة لاجل حمايته لانَّ واجبه يتطلب منه شق طريقه بين صفوف الاعداء للوصول الى القوات الانكليزية وتم تزويده بالكتاب التالي:

يسر اللجنة المركزية الاثورية ان تُعرِّف المحترم ملك خوشابا يوسف بأنَّه قائد قوات لفرقتين نظامية ومتطوعين من ابناء عشيرته ومن ابناء امته، وبانه الشخص الذي قدم خدمات كبيرة لمصلحة الحلفاء وانه حقق انتصارات باهرة على الاعداء وهو شخص شريف وشجاع وصادق وموضع ثقة.
ونحن كلجنة وكامة لنا مطلق الثقة بهذه الشخصية المحترمة لذا نوصي كافة الضباط والمراتب الانكليز المحترمين الذين سيلتقون بحامل هذه المذكرة ان يعطوا له كل ما يسهل مهمته وهو في طريقه الى بغداد علما انه عضو بارز في هذه اللجنة .....
                                                                                                                        عن اللجنة 
                                                                                                                     القس ي و ايشو
                                                                                                                    اورميا / ايران
اسماء المشتركين في هذه المهمة: (ملك خوشابا / داود ملك خوشابا / يلدا سلمو / الاستاذ شموئيل يلدا / لازار اوشانا / ماما خوشابا / برجم خوشابا / باكوس اوديشو منيانش /شماس طليا / اسخريا شمعون / شماس كندلو بثيو / توما كوركيس / كينا كوركيس ...)
تحرك ملك خوشابا ورفاقه المذكورون ليلة 14 حزيران 1918 مسلحين وسالكين طريقا وعرا عبر جبال كردستان التركية الشرقية، متجهين نحو الموصل للاتصال بالقوات الانكليزية المتقدمة نحوها طلبا للنجدة الممكن تقديمها ضرورياً للاثوريين المحاصرين في اورميا. وفي اليوم الاول وصلوا قلعة قاشا اونر ومكثوا في احد كهوفها لان القوات التركية كانت تتحرك بكثرة على جميع الطرق متجهة نحو اورميا. ومن هنالك ارسل ملك خوشابا اربعة اشخاص الى اورميا لياتوا بالمعلومات اللازمة عن الموقف فيها ليؤجل على ضوئها سفره ويعود اليها اذا دعت الحاجة الى ذلك. ولم يَعُد من هؤلاء الاشخاص الا شماس اسرائيل تورخان الذي ظل الطريق ولم يتمكن من العثورعليهم الا انهم شاهدوا الاشارة المتفق عليها والتي كان قد وضعها في ماربيشو. وفي اليوم الرابع وصلوا الحدود الايرانية التركية وكانوا يسيرون ليلا ويختفون نهارا وهكذا واصلوا سيرهم في جبال حكاري الوعرة والوديان العميقة حيث جابهتهم مشقات عديدة ومصائب جمة شديدة خاصة من جرّاء ندرة المواد الغذائية في تلك المناطق، فاتخذوا من لحم الوعل غذاء لهم والذي كانوا يصطادونه بصعوبة خوفا من كشف امرهم من قبل الاعداء بسبب اصوات بنادقهم حتى وصلوا أخيراً منطقة برواري بالا  حيث اخذوا يقطفون سنابل الحنطة من حقول بعض القرى الكردية ويجرشون حباتها بين الاحجار ثم يعجنون طحينها ويخبزونه على الصخور. وعبروا نهر الزاب من جسر بلبل في برواري بالا ثم صعدوا جبل سر عمادية  وكان فيه الكثير من الاكراد المهاجرين من الشمال، ونزلوا من هذا الجبل حتى وصلوا قرية اينشكي حيث اتصلوا باهلها المسيحيين سرا حيث زودوهم بقليل من الطعام المتيسر،  ومن هناك توجهوا الى القوش عن طريق سوارة توكا / زاويتة / اينوت / جبل كمكة / دوستكة / القوش. واثناء السير في هذا الطريق تنبه لسيرهم الاكراد الا انهم لم يتمكنوا من التعرف على هويتهم الى ان وصلوا القوش وفيها تعرفوا على المطران فرنسيس الذي كان مبعدا من ارادن من قبل السلطات التركية،  فقسمهم المطران الى قسمين بحيث تسكن جماعة منهم في دير ربان هرمز والجماعة الاخرى في احد الكهوف والجماعة الثالثة ارسلها ملك خوشابا الى تلكيف لتستطلع الاخبارعن القوات الانكليزية المتقدمة نحو الموصل، وكان ملك خوشابا ضمن الجماعة التي اختبات في الكهف لكي لا يتعرف احد عليه اذ كان قد اخفى هويته وسمى نفسه بالشماس اوديشو لان اسمه الحقيقي كان معروفا في كل مكان ولما علموا من المطران فرنسيس بان قوات تركية كبيرة قد توجهت نحو اورميا غير ملك خوشابا رايه في الانتظار للاتصال بالقوات الانكليزية خوفا من ان ذلك قد يتطلب وقتا طويلا فاراد العودة الى اورميا باسرع وقت ممكن ليكون مع القوات الاثورية لمقابلة القوات التركية المهاجمة لذا قرر الذهاب الى تلكيف بنفسه ومعه الاستاذ شموئيل يلدا ليعيد الاشخاص اللذين ارسلهم اليها ليتاكد بنفسه من المعلومات المتوفرة عن موقف القوات البريطانية في الشرقاط. فسافرا ليلا الى تلكيف متنكرَين بالملابس الكردية وكان الموسم صيفا ...
ووصلا في الصباح الباكر الى منزل السيد منصور سيسي الشخصية المعروفة في تلكيف ورئيسها والذي كان صديقا لوالد ملك خوشابا وكان يعرف ملك خوشابا جيدا فاستقبله السيد منصور سيسي بحرارة قائلا يا للقدر كيف يدخل ملك خوشابا بيتي وانا عاجز عن نحر الذبيحة امام قدميه، ثم جمع رؤساء تلكيف بصورة سرية لان مدير الناحية التركي وعائلته كانوا يسكنون في الطابق الثاني من داره. ومع ذلك جلب خروفا وذبحه امام رجلَي ملك خوشابا في الطابق الاسفل من داره حيث كان رفاقه الاربعة الذين ارسل معهم رسالته الى بطريرك الكلدان مارعمانوئيل في الموصل وجاءه رد البطريرك بان الانكليز لا يزالون في الشرقاط وان القوات التركية لا تزال تقاوم تقدمهم وان نهر دجلة ملغوم في اكثر من محل وان الكثير من الارمن قد حاولوا الوصول الى القوات الانكليزية الا ان القوات التركية قد القت القبض عليهم ... عاد ملك خوشابا مع رفاقه الى القوش بعد ان مكث ليلة واحدة في دار السيد منصور سيسي في تلكيف ثم سافر مع رفاقه من القوش الى اورميا سالكين طريق القوش / كورة كافان / سوارة توكا / بيناثا / اينشكي / سرعمادية / هييز / بيت طنورة / سرزر / زرني في تياري السفلى / ماثا دقصرى في تياري السفلى / بيت زيزو / جبل سيف / جبل بارشنا / ابرك / جبال ديز / بحيرة ماربيشو / قلعة قاشا اونر / اورميا، وكانوا يشترون طعامهم اثناء عودتهم من بعض القرى المسيحية في منطقة العمادية او بقطفون سنابل الحنطة من الحقول او بالسطو على اغنام الرعاة الاكراد من المراعي حتى وصولهم الى اورميا، وعند وصولهم الى جبال هيكاري ارسل ملك خوشابا شخصين من جماعته للحصول على المعلومات عن مصير الاثوريين في اورميا من اكراد المنطقة الذين رافقوا القوات التركية الى اورميا وعادوا الى بيوتهم فاستغرقت رحلتهما اثني عشر يوما وعند وصولهما الى برواري بالا وجال علما بان جميع العشائر في اورميا قد رحلت الى جهة مجهولة ولم يبقَ  فيها الا بعض الاسرى من اثوريي اورميا فقط .
المصادر :
مذكرات الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان مشاركا في هذه المهمة
من كتاب القس يوئيل وردة الامة الاثورية لن تموت
مذكرات الشماس داود الاشوتي
تاريخ اشور كلدو للقس شموئيل داود

مُغادرة الكلدان النساطرة "الآثوريين" اورميا
ننقل بتصرُّفٍ صياغي عن مقالةٍ للسيد بولص يوسف ملك خوشابا منشورة بتاريخ 22/1/2013 في موقع عنكاوا.كوم  يصف فيها ترك الآثوريين لمدينة اورميا في رحلةٍ مأساوية حيث يقول: إنَّ الاثوريين المُقيمين في مدينة اورميا تركوها بصورة مفاجئة وتخلَّف فيها الكثيرُ منهم لعدم علمهم باخلائها الا بعد فوات الاوان. وعندما عزموا اللحاق بإخوانهم وجدوا انفسهم مُحاصرين من قبل القوات التركية والإيرانية والكردية التي أغلقت بوجههم كافة الطرق، فاضطر قسم منهم للجوء الى دور بعض اصدقائهم وجيرانهم الايرانيين، بينما توزَّع القسم الأكبر منهم الى دور الارساليات الأمريكية البروتستانتية والفرنسية الكاثوليكية وقد بلغ عددُ هؤلاء اللاجئين الى هذه الدور حوالي ستة عشر الف نسمة. احتوت الدور الفرنسية التي كان يديرها المونسنيور سونتاك الفرنسي ستة آلاف لاجيء، اما الدور الأمريكية فاتسعت لإيواء العشرة آلاف التي كان يُديرها الدكتور ياكرت الذي كان معروفاً ومحبوباً من مختلف الأوساط الإيرانية لخدماته الإنسانية الجليلة التي كان يُقدمها لهم بصفته طبيباً بدون تمييز، ولبث ملازماً لهؤلاء المستجيرين به حتى عودة ملك خوشابا ورفاقه الى اورميا بعد استكمال المهمة التي أنيطت به للإتصال بالإنكليز في الموصل. وبعد اربعة ايام من ذلك التاريخ اخذ الدكتور باكرت اسيرا الى تبريز من قبل القوات التركية، اما المونسنيور سونتاك الذي كان رئيساً للإرساليات الفرنسية الى جانب كونه ممثلاً للحكومة الفرنسية، وبالرغم مِن قيامه في الماضي بحماية الكثير من الشخصيات الإيرانية منقذاً إياها من الموت ومن جملتهم أرشد هميون الإيراني حاكم اورميا الذي كان قد أنقذ حياته وحياة زوجته من الموت المحتم عندما أراد الآثوريون المنتصرون في أحداث اورميا قتله لدوره في تحريك تلك الأحداث، فكان جزاؤه من قبل هذا الخائن ناكر الجميل القيام بتعذيبه وقتله، يوم اقتحم دور الإرسالية الكاثوليكية الفرنسية في 31 تموز 1918م. ثم استولى ارشد همايون على صندوق كان يحتوي على مبلغ كبير من المال والحلى المؤتمنة عند الارسالية والعائدة للاثوريين. وبعد ان اختار لنفسه عشرة نساء جميلات من الاثوريات الاسيرات، أمر رجاله المُسلحين بقتل كُلَّ مَن في الدور مِن الرجال والنساء والأطفال باساليب وحشية يندى لها الجبين مستخدمين ابشع انواع التعذيب في قتلهم. كما قتلوا المطران توما اودو والخوري يوسف، وسعوا في إثر الاثوريين المختبئين عند اصدقائهم الايرانيين حيث أخرجوهم وبضمنهم اربعة قساوسة والمطران بطرس وبعض الشخصيات الاثورية وبعد تعذيبهم قتلوهم في شوارع المدينة.
ولم يكن مصير الاثوريين الموجودين في دور الارساليات الامريكية أفضل من مصير اولئك الذين قُضيَ عليهم في دور الإرساليات الفرنسية، اذ انهم اخرجوا من قبل الاتراك والايرانيين والاكراد وبوقاحةٍ قاموا بنزع  النساء مِن ملابسهنَّ وساروا بهن عاريات في شوارع المدينة، وانتزعوا الاطفال من امهاتهم وسحقوهم تحت حوافر خيولهم والقوا بجثثهم في ابار متروكة. اما الرجال والشبان فكان مصيرهم القتل الجماعي. ولم ينجُ من هؤلاء اللاجئين سوى ستمائة نسمة فقط. بهذا الشكل الوحشي المُخجل ورد وصفُ تفاصيل هذه الجريمة النكراء في كتاب (تاريخ اشور _ كلدو/ تاليف القس شموئيل داود الذي كان شاهد عيان للحدث) وكذلك في كتاب (الامة الاثورية والكنيسة/  تاليف القس يوئيل وردة) وكان شاهد عيان للحدث ايضاً.
اما الاثوريون الذين تمكنوا من الافلات من اورميا والذين يقدرون بعشرات الالاف فلقد شقوا طريقهم باتجاه همدان، تحت حماية  قادة الالوية المقاتلة الابطال الذين أبلوا بلاءً نادراً في الذود عنهم بالمقدمة والميمنة والميسرة والمؤخرة مؤمِّنين الحماية لشعبهم وكانوا يصُدون الهجمات التي كانت تشن عليهم من كافة الجهات بهجمات مقابلة لابعاد الاعداء عن الشعب حتى وصولهم الى ساين قلعة، حيث التقوا باغا بطرس وقواته، فقام بتنظيم عمل القطعات وشقوا طريقهم الى همدان بمعجزة بعد رحلة دامت ستة عشر يوما هلك الكثيرُ منهم في الطريق وتُرك العديدُ منهم لعدم تمكنهم من مسايرة البقية ليلقوا مصيرهم المحزن. عند وصولهم همدان التقاهم المستر( ت  ت) ماكارثي المسؤول الانكليزي في همدان، وفور وصولهم، امر مكارثي بتجريدهم من سلاحهم وكل ما كانوا يملكون من المواشي والحيوانات بالاضافة الى المئات من الاسرى من ضباط وجنود اتراك تم تسليمهم الى الانكليز في همدان . وكذلك استلم الانكليز من الاثوريين اثني عشر الف بندقية وستة وثمانين رشاشة وثلاث بطاريات مدفعية جبلية وخمسمائة وعشرين عربة مُحملة بكمية كبيرة جداً من الذخيرة، وصادر الإنكليز مقتنياتهم البالغة خمسة وعشرين الف راس من الخيول والبغال والثيران. وفي همدان تفرق الاثوريون حيث جرى ارسال قسم منهم الى مدينة كرمنشاه. وقسم من اثوريي ايران توجَّهوا الى قزوين وطهران وتبريز واما القسم الاكبر من الاثوريين النازحين من منطقتي هيكاري والعمادية في تركيا وبمعيتهم الارمن وقسم كبير من اثوريي ايران فتم ارسالهم الى خانقين ومنها الى بعقوبة في العراق. والى الجزء الثاني والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 30/11/2015

21
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء التاسع والأربعون
الفرص الاخيرة لشعبنا كيف ضاعت ومن كان السبب ؟ (الجزء الثاني)
« في: 07:54 10/12/2013  »
ايها القراء الاعزاء هنالك معلومة سوف ادرجها في هذه المقالة لاهميتها وهي:

لقد داب المدافعون عن اخطاء وآثام العائلة الشمعونية الى استخدام كل الوسائل المشروعة وغير المشروعة لتبرير هذه الاخطاء وألآثام ومنها سرقة مارشمعون لما يقارب اربعمائة وخمسون الف دولار من الاموال التي تبرع بها الشعب الامريكي لمحتاجي الآثوريين في الخابور ووردت هذه المعلومة على لسان المرحوم يوسف مالك التلكيفي سكرتير مارشمعون آنذاك في كتابه (الله والحق ) كما وردت على لسان المرحوم مالك لوكو في كتابه (الكفاح الاثوري من اجل البقاء) ولكن حجة المدافعين عن العائلة المارشمعونية كانت بان هذه العائلة كان موردها لا يتجاوز الخمسون باوند (اي خمسون دينار عراقي آنذاك) واحد المطارنة قال بانها كانت تقبض خمسة وستون باوند وان الخونة الذين بقوا في العراق كانت الحكومة العراقية تعطيهم آلاف الدنانير .... ايها الاخوة الاعزاء ان آباء واجداد هؤلاء كانوا من الذين بقوا في العراق اي انهم كانوا مشاركين او مؤيدين لقبض ألآلاف التي يدعونها (اي كانوا مشاركين في الخيانة )ولكنني هنا ساقارن لكم بين ما كانت تقبض هذه العائلة من الاموال وبين رواتب العائلة المالكة العراقية وفق وثيقة المركز الوطني لحفظ الوثائق في الاضبارة التي تضمنت الاسرة المالكة:
اولا : كان راتب الملكة :476 روبية ويساوي 28 دينار اي 28 باوند
ثانيا : راتب الامير غازي يعادل 9 دنانير
ثالثا : راتب كل من الاميرتان خمسة دنانير
رابعا : رفضت وزارة المالية الصرف على الامير غازي عندما كان يدرس في لندن وقالت انها مسؤولة فقط عن مصاريف تدريسه وان الملك فيصل الاول كان يطلب سلفة عندما يسافر ويسددها باقساط شهرية من راتبه .....
اضافة الى ما كان يستقطع من رواتب ضباط ومراتب الليفي للعائلة الشمعونية فاين اصبح العوز الذي يبرر السرقة؟ لا بل ينكرها بالرغم من انها ذكرت على لسان اقرب المقربين الى العائلة والتي كانت السبب المباشر للابتعاد عنها بعد كشفهم لها ......
ايها القراء الاعزاء سوف ابدا بتكملة المسرحية الانكليزية الشمعونية للايقاع بقادة الامة المخلصين:
كما وكان الانكليز يخشون ايضا من قيام الاثوريين بالتعاون مع العناصر العراقية الوطنية ضدهم لان بعض الشخصيات العراقية كانت تحاول الاتصال بزعماء الاثوريين غير الموالين للانكليز بهذا الصدد.
3 / مطالبة جميع الاثوريين الموجودين في مخيمات بعقوبة والساكنين في مناطق اخرى باعادتهم الى مناطق سكناهم الاصلية .
4 / وجود اتفاق سري بين مارشمعون بعدم اشتراك الموالين له في تلك الحملة لابقائهم بعيدين عن الاخطاراستعدادا للجولة الثانية ....
بعد ان نجحت القوات الاثورية بسحق كل المقاومات التي جابهتها في تقدمها نحو اهدافها واصبح الطريق مفتوحا امامها للعودة الى موطنها في هيكاري واورميا بالرغم من كل العراقيل اللوجستية التي زرعها البريطانيون امامها لجا الانكليز وبالتعاون مع سرمة خانم بتنفيذ مخططهم الثاني بافشال الحملة وذلك ما قاله اغا بطرس في مذكراته والذي كان : اقتباس
بينما كنا في غمرة انتصاراتنا عندما اصبح طريق اورميا مفتوحا امامنا بعد ان عبرنا نهر الزاب الى ضفته الاخرى بجهود المقاتلين الممتازة وصلت سرمة خانم الى الموصل عائدة من لندن وفجاة بدات ظاهرة سياسية غير متوقعة اذ الصقت اعلانات على مساكن عوائل المقاتلين توعز اليها بترك مخيم مندان في 1 كانون الثاني سنة 1921 للالتحاق بازواجها وكانت تلك الاعلانات موقعة من قبل المستر جارج الانكليزي الذي جاء مع سرمة خانم من لندن ولما كان ذلك في فصل الشتاء القارص حيث كانت الجبال مغطات بالثلوج كان من المستحيل على تلك العوائل السير عبرها في تلك الظروف الجوية دون توفر البغال لها ولعدم تواجد الرجال معها لمساعدتها .. فلذا اسرعت تلك العوائل باخبار رجالها المقاتلين عن طريق رسائل ارسلتها بواسطة احدى السيدات المحترمات المسماة توريز خاتون زرجة السيد اوراهم البرواري ومن اقرباء المطران مار يوآلاها، وعند وصول هذه الرسائل الى الجناح الايسر من قطعاتنا اخذت هذه القطعات العودة من الجبهة لمساعدة عوائلهم وفجاة علمنا انا وسيادة ملك خوشابا بعودة الجناح الايسر من قطعاتنا لنجدة عوائلهم تاركيننا لوحدنا مع مالك خمو من عشيرة جيلو والقس داؤود من عشيرة تخوما والاستاذ شاهين من عشيرة باز وفوج آثوري من اورميا مع ستة رشاشات والمدفعية وان القوة التي رجعت تركت المدافع والرشاشات في تلك الوديان الضيقة . ومع ما فيه تمكن اغا مرزا ووحدة آثوريي اورميا بصعوبة كبيرة من سحب اسلحتها الثقيلة واما السلاح الباقي فنحن جنرالات القوات الاثورية كنا ننقله على اكتافنا وهكذا بعد ان هزمنا الاكراد نهائيا، ومهدنا طريقنا من الموصل الى اورميا عدنا الى مخيم مندان فرحين فخورين معتقدين بانه بعد استراحة قصيرة سوف نواصل تقدمنا الى اورميا عن طريق راوندوز .. وبينما نحن في المخيم شاهدنا سيارة قادمة من الموصل وخرج منها كل من سرمة خانم والكولونيل (اون) والمستر (جارج) الذين طلبوا حضور رؤساء الملة الاثورية عندهم للاستماع الى كلمة تلقيها عليهم سرمة خانم وبناءً الى ذلك  حضرنا بكل سرور وقبلنا اياديها الطاهرة ثم طلب منا الكولونيل اون ان نصغي الى كلمة الليدي (خاتون) سرمة !!!!!ّ فاصغينا الى كلمة سرمة خانم القادمة من لندن بكل شوق آملين منها انها قد حملت لنا معها بشرى التحرير. الا انه يا لسوء حظ امتنا فهذه هي الكلمات التي سمعناها منها:
1/ لا يوجد بعد الان ريبارتيشن (العودة الى الاوطان)
2 / ينزع سلاحكم من قبل الحكومة البريطانية
3 / يجب ان يسكن جميع الاثوريين في لواء الموصل
4 / المخالف سوف يعاقب
ومنذ ذلك اليوم اصبح كل من سيادة الجنرال ملك خوشابا وانا معزولا عن الاثوريين واعتُبرنا خائنين حيث تم سجن الرؤساء التابعين لنا، وتعرَّضَ قساوستنا للضرب بالعصي، وجُردنا من سلاحنا وبيعت بغالنا. وكان كل من المستر ويكرام والمطران مارطيماثيوس يخطب في الحشود المجتمعة محاولين ترغيب الاثوريين في السكن بلواء الموصل. وعليه فسكن قسم صغير جدا منهم اي ما تحويه ثلاثة مخيمات غير كاملة من مجموع سبعة عشر مخيما وكلهم كانوا من اتباع مارشمعون من اهالي ماربيشو وقوجانس ومعهم كل من مالك اسماعيل ومالك شمزدين الذين انضما اليهم مع اتباعهما في لواء الموصل دون سلاح موزعين بين عقرة ومدينة الموصل وضمن العشائر الكردية المسلحة... ويؤسفني ان اقول بان عددا كثيرا منهم مات بسبب مياه الشرب غير الصالحة للشرب والمناخ الغير صحي... واما القسم الاخر والاكبر من العشائر مع آثوريي برواري بالا والبوطانيين رفضوا السكن في لواء الموصل وطلبوا العودة الى اوطانهم مع آثوريي اورميا... وبعد تحمل مصائب كثيرة عادت هذه العشائر الى اوطانها الاصلية حسب خطتنا الاولى المبنية على رغبة غالبية الاثوريين، ثم اعلن بعد ذلك مالك شمزدين واتباعه الذين سكنوا في ولاية الموصل بانهم سيلتحقون ايضا باخوانهم الذين سافروا الى اوطانهم الاصلية. وحيث أن الطريق كان مفتوحا فصَعُب منعهم من الالتحاق باخوانهم لذا لم يرَ الانكليز بدا من الموافقة فورا على عودة مالك شمزدين وجماعته الى وطنهم... وكذلك شرع آثوريو اورميا بالهروب الى ايران تحت ظلروف صعبة جدا، الا انه سرعان ما اغلق طريق هروبهم، ومع ذلك فقد قام البعض منهم بالعودة الى الموصل امثال القس موشي وبنيامين ارسانس والاستاذ اندراوس من قرية ديكلة. ويؤسفني ان اقول بانه وقعت في حوزتي رسائلُ لبعض المسؤولين الانكليز التي لا ازال محتفظا بها حتى الان بخصوص البعض من رؤسائنا (العائلة الشمعونية) الذين كانوا يعملون ضد مصلحتنا القومية! فقد ورد في احدى تلك الرسائل بان مارشمعون لا يرغب ان يكون الاثوريون احرارا بل يريدُهم ان يكونوا تحت السلطة البريطانية للاسباب التالية:
1 / اذا تمكنت الامة من الحصول على حريتها ستكون المراكز القياادية لذوي الكفاءة من المثقفين، بينما هم لا يستطيعون حل مسالة حسابية بسيطة.
2 / يعتقدون ان بقاء الاثوريين تحت سيطرة الانكليز سيضمن لهم دائما المراكز القيادية العليا ذات الرواتب الضخمة التي يحتلونها الان، فضلاً عن يميلهم الى حياة اللهو والترف.
3 / يعتقدون بان بوجودهم تحت سيطرة الانكليز وببقاء الاثوريين معهم ظاهرياً سيكسبون الجنسية الانكليزية ناسين او متناسين ما كان نصيب الامير فيصل والعرب من هذا الإعتقاد..
4 / يعتقدون ان عاقبة قيامهم باعمال الغدر والخيانة وقتل الكثير من المسيحيين الابرياء فيما مضى، ستكون قاسية في حالة نيل الأمة استقلالها، لأنَّ اقارب هؤلاء القتلى سيُقدمون على الانتقام منهم، الا انهم سيكونون في مأمن ما داموا تحت السيطرة الانكليزية...
5 / لا يريدون ان يجعلوا انفسهم غير مرغوب بهم لدى الانكليز بتحركهم خطوة الى الامام من اجل مصلحة الاثوريين لكي لا يخسروا الرواتب العالية التي يدفعها لهم الانكليز في هذه الظروف الاقتصادية الصعبة...
6 / يعلمون جيدا اذا عاد آثوريو اورميا الى وطنهم سوف يخرجون عن سيطرتهم. ولقد قال احدهم في احدى المناسبات (انني اريد ان يبقى آثوريان فقط تحت سيطرتنا افضل من ان يكون الملايين منهم احرارا) فبالله عليك ايها الفاريء الكريم هل يتفق هذا المنطق وروح العصر؟ فاذا قلنا الحقائق للناس يتهموننا بالخروج على رئاسة مارشمعون .. وها انا اقولها لكم بصراحة ايها الاخوان فاذا كنت اكره مارشمعون فليكرهني الله، وإن لم اكن صديقهم الصدوق دوماً، فالله لا يكون في عوني، وجل ما اقصده هو انني لا اريد الهلاك لهم ولا لابناء امتي ... انتهى الاقتباس من مذكرات اغا بطرس.

مهمة ملك خوشابا للاتصال بالحلفاء وطلب المساعدة منهم: الجزء الثاني
« في: 07:39 26/11/2013  »

كانت نهاية الجزء الاول بارسال ملك خوشابا اثنين من رفاقه للحصول على المعلومات عن مصير الاثوريين في اورميا من اكراد المنطقة الذين رافقوا القوات التركية في اورميا وعادوا الى بيوتهم والتي استغرقت رحلتهما اثني عشر يوما وعند وصولهما الى برواري بالا وجال علما بان جميع العشائر في اورميا كانت قد رحلت الى جهة مجهولة ولم يبقَ فيها الا بعض الاسرى من اثوريي اورميا فقط . وبعد الإطلاع على هذه المعلومات قرر ملك خوشابا العودة مع رفاقه الى اورميا ليقفوا على المعلومات الحقيقية عن مصير الاثوريين بانفسهم وكان ذلك في شهر ايلول. وعند وصولهم قرب الحدود الايرانية شاهدوا قوافل كردية كثيرة فاختفوا في احد الكهوف ثم قرروا الذهاب الى قرية تازة التي كانت قريبة من مدينة اورميا والتي كان الاستاذ شموئيل يلدا وبعض العوائل الاثورية من عشيرة ملك خوشابا يسكنون فيها قبل سفرتهم هذه . كان اغا القرية صديقا لهم لانهم كانوا قد قاموا بانقاذه من الموت والمحافظة على امواله عدة مرات فكانت ثقتهم به عالية جدا . ولما وصلوا الى القرية المذكورة التقوا لزوجة الاغا في دارها وسالوها عن مصير الاثوريين فاخبرتهم بوجود شخص امريكي وبعض الاسرى من الاثوريين في دور الامريكان التي كانت تحتوي على بناية الكلية ومستشفى ومدرسة متوسطة واخرى ابتدائية مع المرافق الاخرى . ولما كانت هذه المباني قد وضعت تحت حراسة القوات التركية المشددة قرر ملك خوشابا ارسال بعض رفاقه الى هذه المباني التي كانت تسمى بالقلعة لتزويده بالمعلومات المتوفرة عن مصير الاثوريين . فذهب كل من الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان تلميذا في هذه القلعة في صغره ويعرف جميع مسالكها وابوابها ومعه لازار اوشانا بكوكا (البطل الذي احرق جسر جيماني في احد المعارك لمنع الاكراد من العبور الى الجهة الاخرى وجرح في تلك المعركة حيث وقفت والدته على راسه وقالت له مباركة جروحك يا ولدي) والاخر برجم خوشابا وساروا ليلا حتى وصلوا قرب القلعة حيث شاهدوا خراس من جنود الاتراك واقفين على ابوابها وكذلك كانت معسكرات الاتراك منتشرة في كل مكان الا انهم تمكنوا من الدخول عبر ثغرة في سياج بستان القلعة حتى وصلوا الى سياج القلعة الرئيسي . كانت كافة الثغرات مسدودة في هذا السياج حتى السواقي المارة تحته لذاى اضطر السيد شموئيل يلدا على تسلقه من على اكتاف برجم خوشابا ولازار اوشانا ثم عبروا السياج الثاني الذي كان اقل من الاول ارتفاعا حتى وصلوا باب القلعة فوجدوه موصودا . وبينما كانوا يعبرون السياج الاخير شاهدوا الجنود الاتراك منتشرين في ساحة القلعة لذا اضطروا الى المبيت تلك الليلة في البستان المحيط بالقلعة . وفي اليوم التالي شاهدوا باب القلعة مفتوحا وامامه حارس تركي حاملا سيفه . فتقدم السيد شموئيل يلدا نحو الباب بعد ان ترك رفاقه في وضع المراقبة ودخل القلعة بسرعة خاطفة ملقيا نفسه في احدى السواقي القريبة من الباب وزاحفا على بطنه حتى وصل امام باب دار المعلمين فيها . وراى امراة عجوز تخرج من من الدار وتطلب ماء من احد الاشخاص فمسك بطرف ثوبها مما جعلها تصرخ وتركض من فرط خوفها . الا انه بادرها قائلا باللغة الاثورية (لا تخافي ايتها العجوز لانني آثوري مثلك) وردت عليه بقولها بانه من رجال اسماعيل اغا الشيكاكي الذين قتلوا قبل بضعة ايام الاستاذ يوخنا مدير المدرسة . نفى ذلك الاستاذ شموئيل واخذ يصلي لها الصلات الربانية حتى هدات وصارت تعرفه . ولما علم منها بوجود كل من الدكتور باكرات وزوجته السيدة جيني داخل تلك الدار سلم لها رسالة ملك خوشابا راجيا تسليمها الى الدكتور باكرات الامريكي الذي كان موجودا معهم في الاسر . فسلمتها بدورها الى السيدة جيني التي حملتها حالا الى الدكتور باكرات . كان ملك خوشابا قد ذكر في رسالته بانه اغرسل الاستاذ شموئيل ورفاقه اليه كفدائيين لاستقصاء المعلومات المتوفرة لديه عن مصير الاثوريين . فاستغرب الدكتور باكرات من تمكنهم من دخول القلعة ثم اخبرهم بعد قراءة الرسالة بانه سيزودهم بالمعلومات المطلوبة بعد اربعة ايام .وبعد ان تم تزويدهم ببعض الملابس والمواد الغذائية التي كانوا بامس الحاجة اليها عاد الاستاذ شموئيل يلدا وحملها حتى الباب حيث كا رفيقاه في انتظاره فحملوها ودخلوا البستان مسرعين حيث بقوا هناك حتى حلول الظلام ثم تحركوا ليلا متسللينى بين الاتراك والاكراد حتى وصلوا مخبا ملك خوشابا في قرية قوانة . وبعد انتهاء مدة الاربعة ايام التي طلبها الدكتور باكرات عاد كل من الاستاذ شموئيل يلدا والشماس طليا يوناذم واسخريا شمعون وتوما كوركيس لاستلام جواب رسالة ملك خوشابا . وعند وصولهم قرب القلعة دخل شخصان منهم الى بستانها وبقي الاخران خارج البستان ثم تسلق الشماس طليا حائط القلعة المقابل للمنطقة التي يسكنها الاسرى الاثوريين فنزل من باب السطح . وعلم ىمن الاسرى بانه قد تم تسفير الدكتور باكرات وجميع الاجانب من قبل القوات التركية الى تبريز كاسرى حرب عاد حاملا معه قليلا من الخبز والزبيب واخبر رفاقه بذلك فعادوا جميعا الى مخبئهم في سياوش . ولما وصل ملك خوشاباوحمايته الى ذلك المخبا ارسل الشماس كندلو بثيون لدخول القلعة والتي دخلها بسهولة لان جنود الاتراك كانوا قد غادروها ولم يبقى فيها الا بعض الحرس من الايرانيين فقط وتاخر كثيرا داخل القلعة منتظرا تجهيزهم بتلاتة اكياس من الخبز وبعض علب الحليب وهرب معه ثلاثة من الاسرى كما وارادت عدة نساء للهرب معهم الا ان ملك خوشابا رفض ذلك لاعتقاده بعدم تمكنهم من تحمل السفر في فصل الشتاء القارص والسير ليلا في تلك الجبال الوعرة . وغادروا المخبا ليلا الى جبل سيري ومنه الى قلعة دمدمة حيث مكثوا يومين في تلك الوديان ثم تابعوا سفرهم الى ميناء خان تخت على بحيرة اورميا التي كانت القوات التركية لا تزال موجودة فيها . وهنالك التقوا بشخص يدعى احمد ومعه اربعة نساء واطفالهن الذين كانوا في حالة يرثى لها من الجوع الشديد فقدموا لهم ما عندهم من الخبز والزبيب واعطوهم بعض النقود ولما راى احمد نبلهم وشهامتهم واحسانهم له ولعائلته بالرغم من انهم كانوا من اعدائه تبرع ان يقوم بدور الدليل لهم في تلك المناطق والطرق غير المعروفة لهم ايفاء منه لمعروفهم له . وكان يقوم بشراء الخبز لهم وهم بعيدون عن انظار الايرانيين فتحمل المشقات والمتاعب من اجلهم بكل اخلاص وامانة . ولما وصلوا قمة الجبل الواقع بالقرب من مدينة (مراغا) التي كانت تسكنها جالية ارمنية ارسل ملك خوشابا رسالة مع احمد مبينا فيها بعض المعلومات عن مصير الاثوريين فسلمها احمد الى شخص ارمني والذي سلمها بدوره الى الدكتور يوئيل البازي( شقيق القس دانيال ومن عمومة اغا بطرس ) والذي كان يسكن مع عائلته في هذه المدينة حيث يمارس الطب فيها . ولما قرا الدكتور يوئيل رسالة ملك خوشابا دعاه ورفاقه الى داره حالا وقبلوا دعوته ودخلوا الدار من البستان . رحب بهم كثيرا فانشرحوا وارتاحوا جدا لانهم لاول مرة يدخلون دارا مريحة وياكلون طعاما مطبوخا منذ اشهر . وزودهم الدكتور يوئيل بمعلومات وافية عن الاثوريين وقال لالهم انه من الصعب عليهم السير في المناطق الجبلية في فصل الشتاء من جراء البرد والثلوج لذا يتوجب عليهم السير في الطرق الاعتيادية في السهول وبدون سلاح على ان يرسل معهم شخصا ارمنيا كدليل لهم حتى زنكان حيث ان مقدمة القوات الانكليزية قد وصلتها . فتحركوا على طريق زنكان / قزوين بعد تركهم لسلاحهم في ماراغا لدى الدكتور يوئيل وابقوا معهم بعض المسدسات والخناجر مخفية تحت ملابسهم . وعند وصولهم الى زنكان اتصل ملك خوشابا بقائد القوات الانكليزية معرفا نفسه به فاستقبله بترحاب كبير وامر بتقديم كل ما يحتاجونه من الطعام والملابس ثم اتصل بالقنصل الانكليزي مبينا له وضعهم بالتفصيل . اعطى ملك خوشابا لاحمد بعد ان انتهت مهمته معهم مبلغا من المال وكتاب توصية الى الاثوريين والمبشرين وتم تكريمه من قبلهم اكراما للمساعدة التي قدمها لملك خوشابا ورفاقه . وعندما عرف احمد بان الشخص الذي كانوا يسمونه الشماس اوديشو كان ملك خوشابانفسه قال ( انني كنت اشعر بان هذه الشخصية لم تكن شخصية عادية لما ىكنت المسه من تصرفاته الراقية واطاعة رفاقه لاوامره في اصعب الظروف) وبعد مكوثهم يومين في زنكان . وردت برقية من القائد العام للقوات البريطانية في قزوين يطلب فيها حضور ملك خوشابا الى قزوين . وعليه سافر اليها مستصحبا معه ابنه داؤود وابن خاله باكوس عوديشو ثم تبعه بقية رفاقهم فالتحقوا بهم في همدان . وكان في همدان عدد كبير من اثوريي اورميا الذين اجتمعوا في احدى الكنائس فالقى عليهم ملك خوشابا كلمة مبينا فيها تفاصيل لاسفرته . ثم اقيم احتفال كبير لملك خوشاباورفاقه من قبل قائد القوات الانكليزية والارساليات الامريكية والاثوريين الموجودين في همدان احتفاء بهم ثم سافروا الى كرمنشاه ومنها ىالى بايتخت فخانقين واخيرا الى بعقوبة في العراق حيث وصلوا اليها في 1 كانون الاول سنة 1918 وكتب الجنرال اوستن المسؤول عن المخيمات التي كان يسكنها الاثوريين في بعقوبة في كتابه (المدينة البيضاء) عن سفرة ملك خوشاباورفاقه بانها من اخطر المجازفات في ذلك العصر لما انطوت عليه من المخاطر وتميزت به الشجاعة الخارقة وتحمل الصعاب والفطنة المذهلة والدراية الفائقة .......
لقد بدات رحلة ملك خوشابا المكلف بها في 14 حزيران 1918  اي قبل وصول الطائرة البريطانية الى اورميا بعدة ايام ولو كان وصول الطائرة قد تم قبل سفر ملك خوشابا لكان الموقف قد تغير ولكان ملك خوشابا يقود القوات الاثورية في حالة غياب اغا بطرس بذهابه الى ساين قلعة ولكن مشيئة الرب ارادت ان تكون الامور هكذا فليس لنا سوى الرضوخ لمشيئته الرحمة للشهداء الذين ذبحوا في اورميا والذين يقدر عددهم باكثر من خمسة عشر الف شهيد... 
المصادر :
مذكرات الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان مشاركا في هذه المهمة
من كتاب القس يوئيل وردة / الامة الاثورية لن تموت
مذكرات الشماس داود الاشوتي
تاريخ اشور كلدو / للقس شموئيل داود
والى الجزء الخمسين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 30 / 5 / 2016

22

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن والأربعون
الوثائق التي تؤكد محاولة مؤيدي مارشمعون للتخلص من استغلاله لمأساتهم
« في: 13:09 23/12/2013
عندما كانت العائلة المارشمعونية في العراق ابان الانتداب البريطاني استغلت علاقاتها التبعية للانكليز بالاستحواذ على كافة المواقع التي من خلالها احكمت سيطرتها على الشعب المسكين الذي كان يناضل من اجل الحياة الكريمة وتامين لقمة العيش فبعد ان عملت هذه العائلة  بكل طاقتها لاقناع الانكليز بنفي اغا بطرس وسجن الرؤساء ووضع ملك خوشابا في الاقامة الاجبارية في مار ايشايا توجهت اخيرا الى تعيين افرادها ومؤيديها في المراكز الحساسة التي بواسطتها تتمكن من السيطرة الكلية على كافة  منافذ الحياة المعروفة آنذاك فتم تعيين شقيق سرمة خانم الاصغر (زيا) مفتش المدارس الاثورية (طبعا كانت هناك مدرسة واحدة والمهم كان هو الراتب ) وتم تعيين داود شقيق سرمة خانم ووالد مارشمعون قائدا لقوات الليفي وتعيين اولاد مالك اسماعيل ضباطا في الليفي بدرجة (رب ترما ) وهكذا تم توزيع المناصب على اقربائهم ومؤيديهم وكان يقبض مارشمعون (2000)روبية كمخصصات اما سرمة خانم فقد قبضت في شهر تموز مع المستحقات مبلغا قدره (7850) روبية حسب ما جاء في كتاب قوات الليفي العراقية تاليف (العميد جي كلبرت براون ) منح المطران الاثوري القائم باعمال مارشمعون (مئة روبية لكل شهر) اعتبارا من 1/5 / 1919 (نفس المصدر )... وحتى المطبعة التي اشتراها القس يوسف قليتا من الهند لخدمة الكنيسة والتعليم الاثوري تم تجريده منها لانه لم يكن يتفق معهم حول كافة الامور الكنسية والسياسية . هكذا كانت اوضاعهم في العراق بفضل حراب الانكليز والليفي المسلطة على رقاب ابناء كل معارضيهم وبعد نكبة 1933 وعبور المخلصين لهم الى سوريا ثم اعقبهم هجرة مؤيديهم الطوعية الذين تركوا اهلهم واحبتهم وضحوا بكل ما كانوا يملكونه من اجلهم قابل مار شمعون احسانهم كالاتي :
بعد ان تكامل وصول الاثوريين (القسم المؤيد لمارشمعون والذي لا تزيد اعداده عن ربع الاثوريين ) وبعد استقرارهم على ضفاف نهر الخابور اصيبوا باحباط كبير بعد ان اكتشفوا الاكاذيب والاشاعات التي كانت تصور لهم رحلتهم الى سوريا ستكون بمثابة الذهاب الى الجنة ولكنهم تحملوا ماساتهم على مضض حتى جاء اليوم الذي طفح فيه الكيل بعد اكتشاف قادتهم للخدعة التي سقطوا فيها على يد العائلة المارشمعونية (وبالذات على يد مارشمعون نفسه) حيث استغل ماساتهم وذلك بجمع التبرعات من الشعوب المتمدنة الرحومة باسمهم لمصلحته الشخصية فحاولوا التخلص من هذا الاستغلال بكشف كل ادعاءاته الكاذبة وتحايله وخداعاته وكان على راس هؤلاء القادة كل من :
1/ مالك دانيال مالك اسماعيل الشقيق الاكبر لمالك ياقو والرئيس الشرعي لعشيرة تياري العليا زوج خالة مارشمعون
2 / مالك لوكو شليمون بيداوي رئيس عشيرة تخوما والذي قاتل من اجل مارشمعون في معركة ديربون وجرح فيها وقضى حياته مخلصا لهذه العائلة حتى يوم اكتشافه لحقيقتها
3 / ليون دنخا الشمعوني وهو من وجهاء رعية فوجانس (نفس رعية مارشمعون) والذي تعرض لمحاولة الاغتيال بتدبير من سرمة خاتون وشقيقتها رومي زوجة شليمون مالك اسماعيل
4 / يوسف مالك التلكيفي والذي التحق بمارشمعون وعمل كسكرتيرا له بدافع ايمانه بقدسية ومصداقية هذه العائلة حتى اكتشف زيفها وادعاءاتها الكاذبة ومعروف عن هذه الشخصية ككاتب ومفكر وسياسي بارع ....
( هذا ما كتبه كل من يوسف مالك التلكيفي ومالك لوكو التخومي عن تحايل مارشمعون على المانحين لجمع الاموال على حساب بؤس الذين خدعهم ورحلهم الى سوريا وتم اسكانهم على ضفاف الخابور ) ....(كتيب الله والحق تاليف يوسف مالك سنة 1949 الصفحة 5 )
اقتباس : we are now authorized to give pyblicity to 3 appeals made by mar Eashai s Shimon for fund raising, the first calls for one hundred thousand dollars which is lilted (an opportunity for christianservice) and was supposedly intended for maintaining (schools) such schools and churches etc , do not exist, funds collected under this heading never reached their destination, we propose publishing in due course, names of persons who formed, commercial corporation, sat idly at their homes, received salaries at the end of each month and naturally signed the pay rolls, the second appeal is dated august 30 1940, titled (friends of the church of the east) which his beatitude the Mar Shimun launched in the U.S.A. soon upon his arrival ther from I England ,he begged an annual sum varying between fifteen thousand and twenty thousand dollars, in his third appeal dated april 16 1948, addressed (to the Christian people of America) he only asked for two hundred and fifty thousand dollars, it will be seen that these three appeals cover the following sums only  not much for any god of riches ?
 100000 / 1st aqppeal) , 135000 ( 2nd appeal for period 1940 , 1948 at the lower rate of the fifteen thousand dollars a year ) 250000 ( 3rd appeal ) total / 485000 …….. who received these sums ? was any statement at all issued ? this will remain a mystery under the ( feudal ) system as practiced by mar shimun underwhich no Assyrian has the right to ask for an account ………………………………………………………………………………………………
(رسالة الزعماء الاثوريين في الخابور الى من يهمهم الامر بقطع علاقتهم بالمارشمعون وعدم مصداقيته في مسؤوليته عنهم )
                                                                                                                                                                TO whom it concern : acting on the outhority vested in us vide attestation dated , 22nd February 1948 , by the foreign ministry at Damascus , Syria , we have the honour to transmit herewith a letter of repudiation , duly signed by representative members of the Assyrians living on river khabur ,northern Syria , for favour of your in formation and that of any other quarter or institution you deem lit ,
This document refers to a certain mar eshai shimun who does not possess the nationality of the Assyrians of any of the near or middle Eastern countries whom he falsely alleges to represent , his residence is at (6316 north Sheridan Road ,Chicago 40 illinois ,U S A .. he has no authority to speak in our names or on our behalf , for his sole ambition in life is to collect , illegally , as much money and as quickly as he can , at the expense of the miserable masses in order to gratity his greed which knows no limits , and play his comedy on the international scene , he can raise funds in his name and for himself , but we solemnly protest against his begriming our names ………
We would be very grateful if you would be good enough to take note of this letter of repudiation and make it known to any authority or institution that are likely to be misted by mar Eshai Shimun whose fictitious , yet harmful feudal authority the Assyrians refuse to acknowledge or admit ………
Mar Eshai Shimun is an irresponsible person , an anarchist and opportunist and no declarations ,appeals and utterances of is of whatevernature they may be , are in any way binding on the Assyrians ……….
Daniel  D  malik Ismail ( chief of upper Tiyari )
Loco Shlimon Badawi (chief of Tkhuma )
Leon Dinkha Shimunaya ( chief of Qochanis and others )……….

ماساتنا بدات بمسرحية مستر براون وانتهت بمسرحية كولونيل ستافورد (الفرصة الاخيرة)
« في: 19:30 13/12/2013  »

ربما يجد البعض غرابة في هذا العنوان وقد يذهب البعض الى اتهامي بالاستهانة بارواح عشرات ألآلاف من الشهداء الذين تم تقديمهم على طبق من ذهب لعمومتنا الانكليز ابناء ضيفنا الكريم المدلل المستر براون , ولما لا فنحن مشهود لنا بتكريم الضيوف حتى ولو كان يكلفنا ذلك خيرة رجالنا وعوائلهم .... وهل كانت كل هذه السنين من 1914 الى 1933 مسرحية ؟؟؟؟ اقرؤا كلمة الكولونيل ستافورد بامعان (المستشلر السياسي والاداري للواء الموصل) وستعلمون كيف بدات المسرحية بالآمال والوعود الشفهية الانكليزية لتنتهي بالواقع الذي صنعه نفس الانكليز ليضعوا اصدقائهم المنفذين للمسرحية في عنق الزجاجة ويكون الضحية طبعا كالمعتاد ابناء العشائر ومعهم بقية ابناء الشعب .... لقد قالها المستر ستافور في خطابه بصورة غير مباشرة يا ايها القوم (ان اللعبة انتهت) وما عليكم الا التفاهم مع الحكومة العراقية وانقاذ ما تستطيعون انقاذه ولكن البعض الذين اخذتهم العزة بالاثم لم يرضخوا للواقع واستمروا في غيهم وعنجيتهم الفارغة على حساب دماء الابرياء والتي تكللت بمذبحة سميل وما تبعها عام 1933 ثم عادوا في عام 1948 يتوسلون بالحكومة العراقية للسماح لهم بالعودة للعراق وفق شروطها التي تفرضها هي ....
بتاريخ 10 تموز 1933 عقد اجتماع في دار الحكومة في الموصل حضره كافة الرؤساء الاثوريين المدعوين وتمت فيه القاء الكلمات التوضيحية لموقف الحكومة من الاثوريين في ادارتهم وحقوقهم واسكانهم ولكنني هنا سوف انقل لكم كلمة الكولونيل ستافورد وكلمة الميجر تومسون :
كلمة الكولونيل ستافورد :
ثبت لي ان ما بينه وكيل المتصرف كان وافيا عن قضية الاثوريين ولم يبقى لي الا اعطاء بعض ملاحظاتي الشخصية . اني اتيت الى هذا اللواء قبل شهرين لانني كنت اعمل في جنوب العراق حيث يسمع صوت ضئيل عن الاثوريين . وفي خلال وجودي في الموصل انشغلت دائما بهذه القضية والشيء المهم الذي شعرت به هو عدم وجود تقارب بين الاثوريين وبين موظفي الحكومة وحدث بسبب ذلك التباعد وقوع سوء تفاهم بينهما وشك البعض بالبعض واني لا اقدر ان لا اتفق مع وكيل المتصرف بان سبب هذا التباعد كان من قبل قسم من الاثوريين انفسهم ويظهر انهم حتى لفترة قصيرة كانوا يعتبرون انفسهم غرباء في هذا البلد ويعيشون في مكان غريب معتقدين ان هذه الفكرة كانت افضل لهم بان يبقوا بعيدين عن الحكومة وطبعا تالم موظفوا الحكومة من هذا الوضع . واني اريد منكم زعماء الاثوريين جميعا المجتمعين هنا اليوم ان تفهموا جيدا وبطريقة قطعية بان هذه الحالة لا يمكن تحملها اكثر ويجب ان تنتهي فورا والان على الاثوريين ان يرضخوا لجميع قوانين ابلاد ويحصلوا على كافة حقوقهم دون تمييز كالاكراد والعرب مسلمين كانوا او مسيحيين او يهود او يهيئون انفسهم لترك هذا البلد او الهجرة الى بلاد اخرى ولا يوجد طريق ثالث . والاملر الثاني فان الميجر تومسون سيشرح لكم بصراحة وتفصيل عن السكن في الاراضي المفترحة . لهذا لا يوجد اكثر من ان اضيف الى ما قلته سوى ان اشدد بقوة على هذه الفرصة التي هي ممنوحة للاثوريين الذين لم يتم اسكانهم لحد الان ليصبحوا اصحاب اراضي زراعية في هذا البلد . وكل من يعطي رايا للاثوريين غير الساكنين بالامتناع عن المجيء وتقديم طلب الى الحكومة بخصوص السكن فهذا لا يعطيهم رايا صائبا من اجل مصلحتهم وبالنسبة الى الطريقة الثانية التي ذكرتها عن هجرة الاثوريين من العراق الى اماكن اخرى فاني اعتقد بان جميع الاثوريين لا يفهمون حقيقة الوضع بعد . ان الجملة المذكورة بان الحكومة العراقية ستمهد طريق هجرتهم من العراق الى بلاد اخرى معناه ان كل آثوري يرغب الخروج من العراق فالحكومة لا تمنعه ولكن الحكومة لا تتحمل مسؤولية ايجاد مكان للاثوريين الراغبين في الهجرة الى بلاد اخرى . ان هذه واضحة الفهم جدا لان العراق لا يتمكن من تنفيذ هذا العمل وليس العراق فقط غير قادر على ذلك ولكن حتى عصبة الامم غير قادرة على تنفيذه . هنا يتوقف الامر على الاثوريين انفسهم فعليهم ان يدبروا ذلك مع حكومات البلدان التي يرغبون الذهاب اليها وكذلك فيما يخص مصاريف السفر وغيرها وحتى الان لم يظهر علنا عن ترتيبات خاصة بهذا الخصوص مع الدول المجاورة حول قبول الاثوريين في اي جزء يمكن ان يكفي لسكناهم .
اولا / تركيا : لا يوجد اي امل مهما كان ضئيلا في تغيير فكرة تركيا الحاضرة عن الاثوريين اذ انها لا تقبلهم باي طريقة كانت . طبعا ان الاثوريين يتمنون العودة الى وطنهم الاول ولكن يجب ان يفهموا بان هذه القضية هي خارج موضوعنا في الوقت الحاضر .
ثانيا / ايران : اظهرت الحكومة الايرانية انها مستعدة لقبول عدد قليل من الاثوريين ولكن شروط قبولهم كانت صعبة جدا :
الشرط الاول : يجب ان يسلموا اسلحتهم
الشرط الثاني : لا يمكن اسكانهم في منطقة واحدة بل في مناطق متعددة بعيدة عن بعضها
الشرط الثالث : لا يحق لهم امتلاك الاراضي التي يسكنوها
الشرط الرابع : الحكومة الايرانية لن تمنحهم اي مساعدات مالية
ثالثا / سوريا : لا يخفى عليكم بان السلطات الفرنسية هناك مشغولة الان بتهجير الارمن ولا توجد لهذا البلد اراضي زائدة ليقدمها للاثوريين . انه صحيح يمكن ان يكون للشبان الاثوريين بعض الاشغال في جيش حكومة سوريا تحت ادارة سلطة الاحتلال الفرنسي الا انه دعوني اقول لكم بصراحة بان مثل هذه الاشغال ستكون صعبة جدا وبدون مستقبل مضمون ثم انه من الواضح بان الحكومة العراقية سوف لا تقبل عودة من يذهب الى هذه الدول المجاورة للعراق ثانية . واذا شئتم للحصول على معلومات اكثر عن هذه الدول فما عليكم الا الاستفسار من قنصليتي فرنسا وايران في الموصل .ولو نظرنا الى الحالة التالية لكافة الدول في هذا الوقت لا يمكننا ان نامل من اي دولة انها ترغب في هجرة الاثوريين اليها . وهكذا يتضح لكم مما قلته بانه افضل بلد ملائم للاثوريين في هذا الوقت ولمستقبلهم هو العراق . واني اعلم بان الحكومة العراقية مهتمة جدا باسكان الاثوريين وذلك من اجل الفائدة المشتركة واني متاكد من ان جميع العراقيين مثل الوزراء والموظفين الاخرين يرغبون كثيرا بان يعيش الاثوريين كرعايا عراقيين مخلصين . فمن الواجب على الاثوريين ايضا ان يشاركوا الشعب العراقي في هذا الشعور السامي .
وان فعلتم ذلك ففي استطاعتي الناكيد لكم بانكم ستنالون كل عطف ومساعدة ولكن قبل كل شيء يجب ان تنزعوا عنكم الروح الانعزالية . فلوا كان اولادكم قد اهتموا في الماضي بتعلم اللغتين العربية والكردية الى جانب لغتهم الاثورية لكانوا اليوم يشغلون وظائف كبيرة وعديدة في الدوائر الحكومية وكما ذكر قبلي وكيل المتصرف فكل شخص يطلع على مشاكل الاثوريين يتاسف على ضياع فرصهم ويجب ان تعلموا بان الحكومة العراقية ليست مسؤولة عن هذه المشاكل ولكنها مع ذلك فهي مستعدة لتقديم كل مساعدة ممكنة للاثوريين . وكما يجب ان لا يغرب عن بالكم بان تاسيس الحكومة العراقية لم يكن منذ مدة طويلة وانها ليست غنية ايضا فلذا لا تستطيع مساعدة الاثوريين اكثر مما تعمله للعرب والاكراد واذا كنتم ترغبون ان تنجحوا يجب ان تهيئوا انفسكم للقيام باعمال شاقة وكلي امل بانكم ستعملون ذلك من اجل مصلحتكم ومصلحة اولادكم . ولقد قال لكم وكيل المتصرف مفصلا ما يخص مكانة المارشمعون واني اود ان اؤاكد لكم بانه لا يوجد في جميع انحاء العالم شخص يملك السلطتين الروحية والزمنية في آن واحد . ولذا لا يمكن ان يكون ذلك الشيء في العراق ايضا . وفي الختام اذكركم بان الوقت فد ادركنا وعليكم ان تفكروا جيدا وان تصمموا في قرارة انفسكم هل انتم باقون في العراق ام لا . انني قد بذلت اقصى جهودي من اجل مصلحتكم وراي الصريح لكم هو ان تبقوا في العراق لانه لا يوجد مكان آخر افضل منه تستطيعون العيش فيه ......
كلمة الميجور تومس في الاجتماع :
قال الميجر تومس( اني وصلت الى هذا البلد قبل شهرين للقيام بالترتيبات اللازمة لاسكان الاثوريين واتصلت بالمارشمعون مرتين وحاولت الوصول معه الى التفاهم والاتفاق حول قضية اسكان الاثوريين ووعدني بانه سيقوم بذلك تحريرياولكنه كذب ومنذ شهرين وانا انتظره بدون نتيجة ) .....
ايها القراء الاعزاء من خلال كلمة ستافورد تتوضح جليا سياسة الحكومة البريطانية في تلك المرحلة اي انها تكاد تقول صراحة يا ايها الاثوريين لقد ضحكنا عليكم كل هذه السنين ومررنا مصالحنا من خلال دماء ابنائكم والان لا علاقة لنا بكم فتدبروا اموركم ... ففي هذه المرحلة المصيرية التي كانت تتطلب استخدام الحكمة والعقل ولملمت الجراحات والاهتمام بتربية الجيل الجديد بعيدا عن افكار التعلق بالاجنبي وخدمته والابتعاد عن كل ما يسيء الى الروابط والعلاقات التي تجمعنا مع كل الشرائح التي تسكن هذا الوطن شراكة معنا ولكن الذي حدث كان عكس هذا المفهوم فلقد استمرالبعص في خدمة الانكليز ورعاية مصالحهم سواء بالخدمة في قوات الليفي او العمل في سفارة بريطانيا وقنصلياتها ..... ولقد توضحت مواقف الذين كانوا يتبجحون بشعارات براقة يطلقونها للتمويه عن مصالحهم الشخصية التي من اجلها سالت دماء الابرياء في سميل وغيرها من القرى وكيف عادوا في عام 1948 يتوسلون بالحكومة العراقية لكي تقبل عودتهم موافقين على كل شروطها ومن ثم جاءوا مهرولين الى العراق في عام 1970 وآخرين في عام 1973 من اجل الحصول على الدنانير العراقية وهنالك مثلا عراقيا يفول (مكدي كركوك خنجره بحزامه ) اي انه حتى في الإستجداء يضع الخنجر في حزامه وهكذا هي حال الاخوة الذين جأوا عارضين خدماتهم (اللااخلاقية) من اجل حفنة من الدنانير مؤطرين هذه الخدمات بشعارات قومية .... فعلى ذقون من تضحكون ؟؟؟؟؟ ان الله يمهل ولا يهمل وان دماء الابرياء ستظل تلاحقكم الى يوم القيامة ....

الفرص الاخيرة لشعبنا كيف ضاعت ومن كان السبب ؟
« في: 14:36 04/12/2013  »

ايها الاخوة القراء كثيرا ما تردني اسئلة من بعض القراء حول الدافع الذي يقودني الى كتابة هذه الاحداث التي مر عليها زمن طويل وحجتهم في ذلك انها تجدد جراحات ماضية وتخلق جوا من التوتر والتشرذم والانشقاق واجابتي لهؤلاء هي (انتم لستم خائفين على هذا الشعب من التوتر والتشرذم والانشقاق ولكنكم خائفين من ظهور الحقائق على السطح فان ابناءنا لم يسمعوا او يقرؤوا من تاريخهم سوى الاكاذيب والتلفيقات وتبرير الاخطاء والصاق التهم والخيانة بالذين كانوا اوفياء لشعبهم والذين ضحوا وقاتلوا على جبهتين العسكرية والسياسية ) وللاسف الشديد ان البعض جابهوا كتاباتي بردود مملوءة بالحقد الشخصي متمثلا باستخدام عبارات لا تطلق الا في الاماكن المعروفة ولم اقرا اواسمع منهم ردا منطقيا موثقا يدحض اقوالي وهذا الامر اصبح واضحا للقراء الذين ينظرون الى الامور بعينين بريئتين خاليتان من الحقد والانحياز لهذا الطرف او ذاك .....
الفرصة الاولى :
بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بشعبنا واستقراره اخيرا في مخيم بعقوبة حيث كان العراق تحت الانتداب البريطاني تقرر عقد مؤتمر في فرنسا سمي (بمؤتمر السلام) والحقيقة ان هذا المؤتمر لم يكن مؤتمر سلام بقدر ما كان مؤتمرا لتقاسم غنائم الحرب بين الدول المنتصرة (الحلفاء) وكانت سيدة هذا المؤتمر بدون منازع هي (بريطانيا العظمى) وبما ان الاثوريين كان لهم النصيب الاكبر من التضحيات البشرية والمادية في تحالفهم (الشفهي) مع الحلفاء ارادوا ان يجنوا ثمار هذه التضحيات وذلك بتقديم طلب الى الحكومة البريطانية بارسال احد رؤسائهم الى مؤتمر السلام خاصة وان العائلة المارشمعونية لها صلات وثيقة بالفيادة البريطانية في العراق الا ان طلبهم رفض من قبل الحكومة البريطانة لاسباب سياسية ... ولقد كان الاثوريين قد انتخبوا اغا بطرس ليكون ممثلا لهم في مؤتمر السلام لثقتهم باخلاصه وجراته وثقافته والمامه بالامور السياسية ..... يقول اغا بطرس في مذكراته بهذا الشان ما يلي (الامة كلها من كافة العشائر واورميا انتخبوني انا اغا بطرس . الم يختارني جميع الاشوريين للسفر الى باريس لتمثيل الامة ترافقني بذلك سرمة خانم كممثلة للرئاسة الدينية البطريركية ؟ ولاجل هذا جمعت العشائر المبالغ المطلوبة لذلك ولكن تم رفض الفكرة وسافرت سرمة خانم لوحدها الى لندن دون اذن واقامت في دار الرهبنة عازفة عن حضور حتى مؤتمر السلام .. وفي حينها تساءل الجميع , ترى ما شان هذه الراهبة في مؤتمر السلام ؟ لربما كان سفرها لقضاء حاجاتها الخاصة اجل هذا هو الواقع فعلا ... انها سلمت زمام امورنا بيد الانكليز وبصمت على دخول الامة في خدمة مصالحهم في العراق عكس ما كان في تطلعات ذلك الشعب المشرد الذي سفك الدماء من اجل العيش بحرية وكرامة على ارض محررة تمتد من اورميا شرقا حتى جزيرة بوتان غربا )  انتهى الاقتباس / لقد تم ابعاد اغا بطرس من مخيم بعقوبة وتم تسفيره الى بغداد لغرض ابعاده عن الامة لقوة شعبيته والتفاف الشعب حوله والحاحه في المطالبة بحقوق الاثوريين مما احرج الانكليز واصدقاؤهم وبعد ذلك قام البطريرك مار بولس بارسال رسالة الاستنجاد بالحاكم الانكليزي لينقذه من الاحراج الذي اوقعوه الانكليز فيه .....
رسالة البطريرك مار بولس الى المندوب السامي البريطاني نشرت في نشرة رسمية في بغداد وهذا نصها :
الى صاحب السيادة الافخم (كولونيل ا ت ولسون الحاكم العام / بغداد)
تحيات وتبريكات من المارشمعون بولس بطريرك الكنيسة الاثورية الشرقية باذن الله ... وبصفتي رئيسا للملة الاثورية اعلمكم بانكم قد ارتكبتم خطا عندما اوعزتم لي بانه لم يكن من المصلحة (سؤالي هو مصلحة من ؟) ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام .. الا انه بامكان الحكومة البريطانية ايجاد حل لهذه القضية فكما انها قد سمحت للاكراد والعرب والارمن بارسال ممثليهم الى هذا المؤتمر يمكنها كذلك السماح للاثوريين ايضا لارسال ممثلهم . وعند ذلك سيعم علينا الفرح الكبير جميعا واذا ما كنتم تعتقدون بان هذا الطلب مصيره الرفض فاني اطلب تحقيق احد هذين المطلبين 1 / مما لا يخفى عليكم بان هناك تذمرا بين الاثوريين من جراء عدم موافقتي على ارسال اي ممثل الى مؤتمر السلام تنفيذا لاوامركم . وعليه طلب رؤساء الاثوريين ان ارسل احدهم سرا فرفضت ذلك . لذا اخذ القسم الاكبر منهم بالتذمر مدعين بانني لا اهتم بمصلحة الاثوريين وانما تهمني مصلحتي الشخصية الخاصة فقط . وعليه ارجو ان تكتب لي رسالة مبينا فيها بان طلبي حول ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام قد رفض من قبل الحكومة البريطانية لاسباب سياسية لكي يتسنى لي ابراز هذه الرسالة للاثوريين لتبرئة ساحتي .
2 / او السماح بارسال برقية الى اسقف الكانتربري ليقوم هو بعرض مطاليب ملتنا على مؤتمر السلام والتي هي :
اولا / عدم اشتراك الارمن مع الاثوريين في اي حل يعطى للقضية الاثورية .
ثانيا / ضرورة وضع جميع الاثوريين بصورة دائمية تحت حكم بريطانيا العظمى على ان يتم اسكانهم في مناطقهم الاصلية التي كانت مسكنهم منذ القدم والواقعة في غرب كردستان اي من منطقة باشقلعة الى جزيرة بن عمر بالاضافة الى سولدز واورميا وسلامس حتى الجبال الممتدة على الحدود التركية .
ثالثا / الطلب من الحكومة البريطانية وليس من مؤتمر السلام ان تنصبني رئيسا للاثوريين الجبليين لانهم قد اعتادوا على هذه الرئاسة .انتهى الاقتباس/
وفي شهر آذار ارسلت برقية الى لندن بخصوص ارسال ممثل للاثوريين الى مؤتمر السلام فجاء الجواب بعدم الموافقة وباخبار الاثوريين بان الحكومة البريطانية هي التي سوف تحفظ لهم حقوقهم في مناطقهم . وفي شهر ايار ازداد التذمر في صفوف الاثوريين لذا وردت برقية اخرى من لندن بالموافقة على ارسال ممثل عن الاثوريين الى مؤتمر السلام في باريس . وفي 21 تموز سنة 1919 ارسلت سرمة خانم على اساس انها منتخبة من دون ان ينتخبها احد ولم تذهب الى مؤتمر السلام بل انها ذهبت الى لندن (وفق مذكرات اغا بطرس) فسافرت بباخرة انكليزية ونزلت في دير للراهبات الانكليكان وبقيت فيه ثمانية اشهر . وهكذا استمتعت هذه الملكة الاثورية بسفرتها التي كحل بها الانكليز عيون الاثوريين واسكتوا صوتهم من اجل حريتهم وكرامتهم . وبعد ذلك عادت سرمة خانم الى الموصل باوامر جديدة من الانكليز ..وهكذا ضاع امل الامة بالحصول على حقوقها القومية لقاء التضحيات التي قدمتها من اجل نصرة الحلفاء .....
الفرصة الثانية :
في شهر شباط سنة 1920 عاد اغا بطرس فجاة الى مخيمات بعقوبة من بغداد ومعه عقيدان انكليزيان لنصب تمثال تخليدا لذكرى خمسة عشر الف اثوري ماتوا في تلك المخيمات من جراء الامراض الفتاكة وويلات الحرب علما بان اغا بطرس كان مبعدا من تلك المخيمات من قبل الانكليز بطلب من العائلة المارشمعونية واتباعها . وعند وصوله اجتمع بممثلي العشائر الاثورية واثوريي اورميا وعرض عليهم خطة الانكليز لاعادتهم الى مناطقهم الاصلية الممتدة من اورميا في ايران حتى جبال حكاري في شمال العراق وتركيا فيما اذا تمكنوا من الاستيلاء عليها بقوتهم بعد تسليحهم من قبل الانكليز . فوافقت الاغلبية الساحقة منهم على تلك الخطة ما عدا عائلة المارشمعون وبعض العشائر الموالية لها والتي لم تتجاوز نسبتهم الخمسة بالمائة من مجموع الاثوريين . وهنالك سؤالين يطرحان انفسهما حول موقف الانكليز الغامض والمتناقض من هذا المشروع : اولهما هو كيف ولماذا حدث هذا التبدل الفجائي في السياسة المعادية لاغا بطرس الذي كان يهدف الى انشاء وطن قومي للاثوريين؟ وبعد ان ابعدته السلطات الانكليزية ومنعته من التدخل في شؤون الاثوريين بناء على رغبة المارشمعون واتباعه . ولماذا جاءت به ليتبنى قضية الاثوريين مجددا ويتفق مع العشائر التي لم تكن على وفاق مع المارشمعون لاستعادة مناطقهم الاصلية ؟ وثانيهما هو لماذا وكيف آمن كل من اغا بطرس وملك خوشابا واتباعهما بصدق نوايا الانكليز نحوهم ونحو هذا المشروع الكبير , ولماذا اناط الانكليز هذه المسؤولية بهما ولم يعطوها لاصدقائهم ؟ وبعد مراجعة عدة مصادر ومذكرات الذين عاصروا هذه الاحداث ندرج ادناه بعض الحقائق حول هذه المسرحية الانكليزية المارشمعونية التي لم يغفل عنها كل من اغا بطرس وملك خوشابا لتجاربهم السابقة مع غدر الانكليز الا ان ثقتهم العمياء وايمانهم المطلق بمقدرة مقاتليهم الابطال من تحقيق هدفهم بالرغم من كل العراقيل والمؤامرات التي يخططها الانكليز في افشالها ....
كان المخطط الانكليزي كالاتي :
1 / اراد الانكليز التخلص من هذا العدد الهائل من البشر الموجود في مخيمات بعقوبة الذي كان يكلفهم مئات الالاف من الباونات سنويا ولا سيما ان ميزانيتهم كانت قد ارهقتها الحرب مما حدا بهم الى اعتماد سياسة التقشف .
2 / قصد الانكليز من وراء تجهيزهم لتلك الحملة ثم العمل على افشالها هدفين :
اولهما هو الايقاع بالشخصيات الاثورية الوطنية التي لا ترتاح اليها السياسة البريطانية مثل اغا بطرس وملك خوشابا وذلك بتحميلهما مسؤولية فشل تلك الحملة واتخاذها ذريعة للقضاء عليهما سياسيا ليخلو الميدان امام اصدقائهم الحقيقيين ليسيروا الاثوريين وفق مصالحهم ومصالح بريطانيا العظمى .اما الهدف الثاني فهو اشغال الاثوريين بهذا المشروع الذي كانوا قد خططوا لافشاله مسبقا وذلك لالهائهم به وعدم فسح المجال لهم للاتصال بجهات اخرى كي تتبنى قضيتهم .وكان ممثل تركيا في مؤتمر القسطنطينية قد عرض رغبة تركيا لقبولهم في اوطانهم الاصلية ومنحهم الحكم الذاتي بشرط ان لا يسمحوا للاجانب بالتدخل في شؤنهم وعلى ان تلحق ولاية الموصل بتركيا . والى الجزء التاسع والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في15/5/2016

23
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع والأربعون

سرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو ودماء سميل (مذكرات مالك لوكو شليمون التخومي)

يقول السيد بولص يوسف ملك خوشابا: قبل البدء برواية تسلسل الاحداث ارى من الضروري توضيح موقف العشائر الاشورية من وجهتي نظر الطرفين :
الطرف الاول : مؤيدوا وجهة نظر مالك خوشابا كانوا (4200 ) عائلة بحسب ما مثبت في ارشيف وزارة الداخلية العراقية ووزارة المستعمرات البريطانية. والرؤساء المؤيدون لهذا الطرف كانوا كل من: الاسقف مار سركيس: الاسقف مار ياوآلاها: مالك خمو البازي: مالك نمرود جيلو: مالك يونان جيلو: مالك مروكي جيلو: الدكتور بابا فرهاد: الرئيس خيو عوديشو الاشوتي: الرئيس شليمون مطلوب كاور: القس يوسف قليتا: مالك زيا شمزدين: القس كينا كورييل البازي: السيد اسماعيل شوو البازي: الرئيس شمعون برخيشو: الرئيس كورييل شمعون البازي: مالك جكو كيو تياري العليا زوج شقيقة مالك ياقو: اوديشو داديشو تياري العليا: الرئيس عوديشو انويا الاشوتي: الرئيس دانيال بارس جيلو: الرئيس اسماعيل موشي ......
الطرف الثاني : مؤيدوا وجهة نظر مار ايشاي شمعون كانوا(1650) عائلة والرؤساء المؤيدين لهذا الطرف: المطران يوسف خنانيشو: مالك ياقو تياري العليا: مالك لوكو شليمون تخوما: القس كوركيس تخوما: مالك اندريوس جيلو: مالك داود تخوما: زادوق انويا الاشوتي: الرئيس بكو اوشانا الاشوتي: الرئيس يوخنا هلمون: الرئيس وردة اوشانا تياري العليا: الرئيس هرمز يونان تخوما: شليمون زومايا تخوما: توما مخمورا البازي: تيلو داود البازي: الشماس كنو جيلو: الشماس يوسف تياري العليا: الرئيس يوسف صورة تياري العليا: الرئيس عوديشو خوشابا تياري العليا: هرمز طليا البازي: داود والد مارايشاي شمعون .........
بعد ان نال العفوَ مالك ياقو عن الاعمال المسلحة التي قام بها والتي سبق ذكرُها بضغط من الانكليز،عُقد اجتماع في متصرفية الموصل، اصر فيها مؤيدو مارشمعون على عدم موافقتهم على مشروع الاسكان مالم ياتهم ايعازٌ من قداسة مار ايشاي شمعون الممنوع عليه مغادرة بغداد دون الموافقة على تخليه عن فكرة السلطة الزمنية التي كان يطالب بها ... فطلب كل من المتصرف خليل عزمي والمفتش الاداري العقيد ستافورد والميجر تومسون خبير الاسكان من المطران يوسف خنانيشو ومالك اندريوس ومالك ياقو ومالك لوكو الذهاب الى بغداد لمقابلة مارشمعون واقناعه للموافقة على خطة الاسكان والتنازل عن فكرة مطالبته بالسلطة الزمنية، فامتنع المطران يوسف خنانيشو من الذهاب بحجة انه رجل دين ولا يتدخل في الامور الدنيوية ولكنه في الحقيقة كان المسؤول الاول في تحريك تلك الاحداث كما ثبت لاحقا، كذلك رفض مالك اندريوس قائلا ان ياقو ولوكو يكفيان لتلك المهمة ...... وعليه وافق الاثنان على السفر الى بغداد لاقناع مارشمعون بعدوله عن فكرة السلطة الزمنية، فمنحهما الميجر تومسون 9 دنانير اجورسفر وحجز لهما غرفة في فندق مود، الا انهما طلبا السفر بواسطة السيارة عن طريق كركوك.. فقال لهما الميجر تومسون بانه سيلحق بهما الى بغداد للاشتراك معهما في اقناع قداسته بقبوله خطة الحكومة بما يخصُّه ويخص الشعب الاثوري...
وألآن نأتي الى ما ذكره المرحوم مالك لوكو شليمون التخومي في مذكراته :
يقول مالك لوكو : في يوم 11 تموز سنة 1933 وفي الساعة الثانية بعد الظهر عندما انصرفنا من الاجتماع في المتصرفية واتفقنا على السفر الى بغداد لاقناع مارشمعون بالعدول عن فكرة مطالبته بالسلطة الزمنية ذهبنا انا وياقو الى منزل مارشمعون في الدواسة بالموصل. وعند دخولنا غرفة الاستقبال وجدنا سرمة خاتون والمطران يوسف خنانيشو جالسين فيها، وقبل ان نسلم عليهما صرخا في وجهنا قائلين لنا (من الذي وكلكما ان تسافرا الى بغداد لاقناع مار شمعون بقبول التنازل عن سلطته الزمنية؟ اذا كنتما حقا من المخلصين لمارشمعون فعليكما الإتجاه فورا مع رجالكما المسلحين الى قمم الجبال). وبقينا صامتين ثم دخلت سورمة خاتون ومعها كل من المطران يوسف خنانيشو وملك ياقو الى غرفتها، حيث اختلوا مدة نصف ساعة، ثم خرج مالك ياقو واخبرني بانهم قد قرروا عدم سفرنا الى بغداد وإنما الى قرية سميل عوضا عن ذلك لاتخاذ الترتيبات اللازمة مع اتباعنا، ولما استفسرت منه عن موقفنا بخصوص وعدنا لكل من المتصرف والميجر تومسن بالسفر الى بغداد، اجابني بان الحكومة تريد ان تخدعنا بان ترسلنا الى بغداد كي تلقي القبض علينا هناك وترسلنا الى سجن الناصرية ... وكان هذا الاتفاقُ قد تم سرا بين سرمة خاتون والمطران يوسف خنانيشو ومالك ياقو، ولما كنت صغير السن وقليل التجارب ولم تكن لي المعلومات الكافية عن نوايا العائلة الشمعونية لذا كنت اصدق كلَّ اقوالها مما ادى الامر بي الى اطاعة اوامرها طاعة عمياء حتى اليوم الذي انكشف لي (عدم مصداقيتها) حيث تاكدتْ لي كل الحقائق التي كان يرويها المرحوم ملك خوشابا عن هذه العائلة في عام 1932 والتي مع الاسف الشديد لم اصدقها في حينه لانني كما قلت كنت اجهل آنذاك نوايا هذه العائلة. فخرجنا انا وياقو من الموصل ليلا مستقلين سيارة ومتجهين نحو قرية سميل حيث كان مسكن ياقو فيها ومن هناك ذهبنا الى قرية بوسرية التي كان يسكنها اتباعي ابناء عشيرة تخوما. واجتمعنا فيها مع القس كوركيس (ججي) التخومي وبعض رؤساء العشيرة وشرحنا لهم الموقف وما تم الاستنتاج منه، وعليه قررنا انا وياقو عبور الحدود العراقية الى سوريا والاتصال بالسلطات الفرنسية لتمهيد الطريق للآثوريين الذين لا يرغبون البقاء في العراق للدخول الى الاراضي السورية وقلت للقس كوركيس بانه اذا نجحنا في مسعانا ساكتب له رسالة وارسلها مع احد الاشخاص المرافقين لنا واذكر فيها بان تجارتنا كانت ناجحة اي ان الاتفاق قد حصل مع السلطات الفرنسية وفي حالة فشلنا في مسعانا سأذكر في رسالتي بان تجارتنا خاسرة، وسأطلب منهم التحرك فورا الى الحدود السورية في حالة نجاح مهمتنا وفي حالة فشلنا فعليهم البقاء في العراق واطاعة جميع اوامر الحكومة العراقية اسوة بغيرهم من الاثوريين الباقين، اما انا وياقو كنا سنبقى في سوريا كلاجئين سياسيين لدى السلطات الفرنسية في سوريا لعدم تمكننا من العودة الى العراق ثانية .. وفي الساعة الثامنة مساء تحركنا ومعنا ثلاثة اشخاص وهم كل من: بنيامين مروكل من عشيرة تياري العليا ومكو وموشي من عشيرة تخوما، وسرنا ليلا حتى وصلنا عند الفجر قرب قرية ديربون حيث قضينا فترة استراحة على عين ماء كائنة على جبل بيخير منتظرين حلول الظلام لنتمكن من عبور نهر دجلة الى داخل الاراضي السورية .. وتمكنا من العبور اثناء الليل من نقطة تقع جنوب فيشخابور بواسطة كلك صغير مصنوع من القراب .. وفي الصباح وصلنا الى معسكر قوة فرنسية في قرية خانك القريبة من الحدود العراقية واتصلنا بآمرها بغية عرض قضيتنا عليه، فاخذنا حالا بسيارة الى قرية ديرك حيث كان مقر المستشار الفرنسي (كابيتان لارست). ولما سمع قضيتنا مفصلا نقلها بدوره برقيا الى المندوب السامي الفرنسي في بيروت قائلا لنا بانه سيخبرنا بالنتيجة عند ورود الجواب من المندوب السامي ... وبينما كنا ننتظر الجواب ارسلت رسالة الى القس كوركيس في العراق مع احد مرافقينا مبينا له فيها باننا سنخبرهم بالنتيجة حال حصولنا عليها طالبا منهم البقاء والمحافظة على الهدوء والسكينة .. الا انه قبل حصولنا على النتيجة وبينما كنا مدعوين لتناول طعام الغذاء في مكان اثري على نهر دجلة من قبل توما البازي الذي كان يسكن هناك جاءنا خيالان من الجندرمة السورية واخبرونا بان حوالي 500 رجل من اتباعنا قد وصلوا مع اسلحتهم من العراق الى قرية خانك ... فهرعنا الى هناك على الفور والتقيت بالقس كوركيس وسالته فيما اذا كان قد استلم رساتلتي اليه. فاجابني بانه قد استلمها الا انهم لم يتمكنوا من الانتظار لان مارشمعون كان قد اخبرهم بواسطة شليمون بن مالك اسماعيل، بان الجيش العراقي سوف يتحرك نحو قراهم ويقوم بقتلهم جميعا لذا امرهم بالالتحاق بنا مع سلاحهم فورا قبل ان يتمكن الجيش العراقي من الوصول الى قراهم وسد الطرق بوجههم. ولما اكد كل من سرمة خانم والمطران يوسف خنانيشو هذا الخبر اضطروا الى التحرك والالتحاق بهم ... ثم توافدت جماعات اخرى وعبرت النهر حتى بلغ عددها حوالي (900) شخص، منهم (600) شخص يحملون السلاح والبقية بدون سلاح، تم تعسكرهم في تلك الاراضي الخالية من اي ظل او شجرة تحت اشعة الشمس المحرقة وبدون طعام، وبينما نحن في هذه الحالة المزرية اصدر ياقو اوامره الى بعض من رجاله لمنع اي شخص من الاتصال باحد او الاستفسار من اي شخص اخر سواه حول الموضوع ولذا حصل بعضُ التذمر بين الوافدين، ولما قلتُ له باننا كنا بامس الحاجة الى مخرج من ورطتنا وليس الى مظاهر فارغة، اجابني ان الوضع يتطلب الكتمان وعدم الاتصال بالآخرين، واخذ يتحجج ببعض الحجج ... يتبع
سرمة والمطران يوسف خنانيشو ودماء سميل (مذكرات مالك لوكو) الجزء الثاني                  كُتب يوم 12 أغسطس 2013       بولص يوسف ملك خوشابا  /   اقتباس من كلام مالك لوكو :
يقول مالك لوكو: واخيرا وصلنا جوابُ المندوب السامي الفرنسي من بيروت بان مارشمعون لم يكن لديه اي اتصال مع الفرنسيين وانه صديق الانكليز لذا فانه لا يعلم اي شيء عن قضيتنا وعلينا ان نسلم اسلحتنا الى السلطات الفرنسية . وهكذا تم تجريدنا من بنادقنا وبقينا في ذلك الوادي نعاني من الجوع والعطش وحر الشمس بينما كانت المفاوضات جارية بين السلطات الفرنسية والحكومة العراقية بصددنا . وعلى اثر ذلك حدثت بلبلة شديدة وتذمر بين صفوف الوافدين متهميننا باننا قد خدعناهم واخذوا يستفسرون عن الارزاق والمساعدات المالية التي كنا ومارشمعون قد وعدناهم بها عندما كانوا في العراق. ثم ازداد هياجُهم وعلت صيحاتهم وصرخاتهم ضدنا وخاصة من عشيرة تياري العليا التابعين لمالك ياقو والذين قالوا له بانهم سيعودون الى قراهم وعوائلهم في العراق لان لهم امل كبير من ان ملك خوشابا ذلك الرجل المخلص والعاقل سوف يستحصل موافقة الحكومة العراقية على السماح لهم بالعيش بسلام في العراق كما كانوا سابقا . لذا جاءني مالك ياقو مع اخوته وبعض اقربائه وهو في حالة ياس شديد طالبا مني القيام بتهدئة اتباعه وعدم السماح لهم في العودة الى العراق . فاجبته بصعوبة تلبية طلبه لانهم اذا كانوا لا يطيعونه وهو رئيسهم فكيف يطيعوني وانا غريب عنهم . ولما اخبر هؤلاء الراغبون في العودة المسؤولَ الفرنسي بذلك قام الفرنسيون باعادة بنادقهم اليهم بينما كان ياقو مع بعض من الرجال من اقربائه يطلقون بعض عيارات التنديد بهم قائلين بانهم سيلونون ماء نهر دجلة بدم كل من يحاول عبوره للعودة الى العراق . الا انه لم يمضِ سوى وقت قصيرحتى طلب الاشخاص الذين كانوا مع ياقو يطلقون التهديدات ببنادقهم ايضا والبالغ عددهم حوالي اثنا عشر شخصا بعبور النهر مع العائدين وكانت الساعة تقترب من الثانية من بعد الظهر من يوم 5 آب سنة 1933م. وقبل وصول مقدمة العابرين الى شاطيء النهر الايسر داخل الحدود العراقية حيث كانت بعض القوات العراقية قد اتخذت مواضع لها فيها، فقام مالك ياقو وبعض من اقربائه بفتح النار على القوات العراقية التي كانت تنتظرعبور الاثوريين بسلام حسبما كان قد تم الاتفاق عليه فيما بينها وبين السلطات الفرنسية، وعلى اثر ذلك بدا الجيش العراقي بالرد بالمثل وهكذا بدا القتال بين الطرفين دون ان يعلم اي طرف من هو الباديء بالرغم من ان الجيش العراقي كان قد أُبلِغ من قبل مكي بك الشربتي قائمقام دهوك والمستشار السياسي المفاوض مع السلطات الفرنسية بهذا الخصوص بان الاثوريين سيعودون ويسلمون سلاحهم كما كان الاثوريون على علم بذلك . الا ان مالك ياقو لم يَرُق له ذلك فاشعل نار الفتنة ولو كان ذلك على حساب ابناء عشيرته الذين كانوا قد وثقوا به بانه كان يعمل من اجل مصلحتهم فتبعوه الى سوريا. ولما بدات المعركة اضطررنا نحن ابناء عشيرة تخوما الباقون في المؤخرة على استلام بنادقنا من الفرنسيين وقمنا بعبور النهر لمساعدة هؤلاء المساكين الذين اوقعهم ياقو في ورطة وكان الظلام قد بدا يخيم والقتال مستمر بين الطرفين على ربايا الجيش العراقي المحيطة بالمعسكر في ديربون حتى الفجر. وبعد ان اصبتُ بجراح في يدي نتيجة لقصف الطائرات العراقية وبعد ان تكبدنا بعضَ الخسائر من القتلى والجرحى انسحبنا ثانية عبر نهر دجلة الى الاراضي السورية. اما ملك ياقو فبعد ان اشعل نار الفتنة لجا مع بعض اقربائه المقربين الى داخل نهر الهيزل داخل الحدود التركية واختبأوا في غابة من القصب. ومن ثم التحقوا بنا حيث صرخ به الضابط الفرنسي الموجود هناك قائلا له (اين كنت ؟ انت الذي اشعلت نار الفتنة ثم هربت واختفيت. فانت المسؤول عن كل هذه المصائب التي حلت بهؤلاء المساكين) فلم يجب ملك ياقو ولو بكلمة بل ظل صامتا مطأطأ الراس … انتهى الاقتباس …
ايها القراء الاعزاء هذه افادة مالك لوكو شليمون التخومي الذي قضى جزءاً مهماً من حياته في تنفيذ كل ما كان يطلب منه تنفيذه من قبل العائلة الشمعونية ايمانا منه بان هذه العائلة تعمل لخدمة الامة الى ان اكتشف وبالتعامل المباشر معها بانه كان على خطا ولكونه رجلا وقائدا مخلصا لقومه ولديانته ولشجاعته التي يشهد له بها كل صاحب ضمير حي، بان شجاعته ما كان يجب ان تقتصر على ساحات القتال فحسب، بل يجب ان يثبتها في ساحات قول الحقيقة لارضاء الضمير وانا شخصيا سمعت منه الكثير الكثير حول كثير من المواقف التي مرت به حين كنت متواجدا في لبنان عام 1968م. ومن مآثره الشجاعة انه حين اوعز كل من سرمة خانم والمرحوم المطران يوسف خنانيشو إليه والى مالك ياقو بان يقودا رجالهما المسلحين الى قمم الجبال لم يجازف بالقاء قومه في التهلكة بل دعاهم الى البقاء في اماكنهم لحين ذهابه الى سوريا والتاكد من السلطات الفرنسية حول قضية قبولهم ومن ثم يقوم بارسال بلاغ لجماعته بالعبور الى سوريا وكذلك اثبت شجاعته ووفاءَه لامته حين عبر النهر لنجدة الذين عبروا، ولم ينسحب من المعركة الا بعد أن أُصيبَ بجرح، ولو تتبعنا ما ورد في اعترافات هذا القائد الشجاع لوجدنا كيف كانت تسيرُالامور بتوريط الابرياء وخداعهم بوعودٍ لا تمت للحقيقة بصلة! فلقد نقل ملك ياقو لملك لوكو الوعود الوهمية التي سمعها من سرمة خانم، بان الفرنسيين سوف يرحبون بهم وفق اتفاق معقود بين قداسة البطريرك والسلطات الفرنسية وتبين من رسالة المندوب السامي الفرنسي بان هذا الكلام لم يكن سوى اوهام لتوريط هاتين العشيرتين اللتين ضحيتا بخيرة شبابها من اجل تنفيذ رغبات هذه العائلة … رب سائل يفول لماذا تقوم هذه العائلة بتوريطهما في الوقت الذي هما من المخلصين لها؟ ان اهداف هذه العائلة ومنذ اغتيال قداسة الشهيد مار شمعون بنيامين تبدَّلت الى حب التسلط والحفاظ على العلاقات المتميزة مع الانكليز حتى اخر لحظة ولو على حساب دماء الابرياء …. من هم غالبية من استشهدوا في سميل؟ ان غالبيتهم كانوا من اللذين رفضوا فكرة ترك ارض آبائهم واجدادهم فاصبحوا ضحية تهور ولاأبالية القائمين بهذا العمل بدماء من سيقعون تحت رحمة اناس متوحشين قساة سواء كانوا من الجيش او من العشائر المحيطة بهم …. وهنالك سؤال اخر يطرح نفسه: هل كان قداسة البطريرك وهو في بغداد على علم بهذا الاجراء او القرار (نصف ساعة فقط) الذي اتخذاه كل من سرمة خانم والمطران مار يوسف خنانيشو؟ لا اعتقد ذلك ولكن قداسته كان مسيَّراً غير مخيَّر من قبل عمته سرمة خانم ….. عندما علمت سرمة خانم بخطة مالك لوكو خافت ان يكتشف امر الوعود الوهمية بعد اتصاله بالفرنسيين فتفشل خطتها في عبور العشيرتين الى الجانب السوري والتي اعتقدت بانها ستكون ورقة ضغط على الانكليز والحكومة العراقية لتنفيذ مطلب قداسة البطريك في السلطة الزمنية فارسلت شليمون مالك اسماعيل لينشر خبراً، بان الجيش العراقي قادم اليهم لابادتهم وعندما عبر هؤلاء المساكين الى الجانب الفرنسي خلافا للتعليمات التي اوصى بها مالك لوكو جماعته بها، فوجئوا بان كل ما سمعوه كان اوهاما في اوهام …. لماذا لم تُصدر سرمة خانم اوامرها التي اصدرتها الى مالك لوكو ومالك ياقو لشقيقها داؤد قائد قوات الليفي، علما ان قوات الليفي كانت آنذاك معسكرة في سرعمادية كما جرت العادة في تعسكرها الصيفي هناك لاغراض التدريب، رغم أنَّ المسؤول الانكليزي عن هذه القوات طلب منهم ان يستولوا على السلاح ويذهبوا لمساعدة اخوانهم في القتال متحملا مسؤولية كبيرة في ذلك، ولكن ضباط الليفي رفضوا ذلك مدعين بانهم لن يتحركوا الا بعد ان ياتيهم الامر من قداسة البطريرك؟ هذا الامر الذي لم ياتِ لان سرمة خانم لم تكن تريد قطع الجسور مع الانكليز، وكذلك عدم تعريض شقيقها داؤد للمسؤولية التي تترتب على ذالك …..اما الدماء التي اريقت في سميل وديربون والقرى الاخرى فهي هدية بسيطة يقدمها هذا الشعب المسكين للعائلة التي اعتبرها مقدسة وان هذا الشعب متعود على تقديم الاضاحي كما حدث في خوي وفي اورميا وفي الطريق الى همدان ….. عدا عن وفيات صخرة بهستون ومخيم بعقوبة وغيرها الكثير من الدماء المنسية …. والى اللذين يلقون اللوم على الانكليز اسالهم: هل هناك وثيقة او اثبات بان الانكليز قد قطعوا وعدا لهم بان يمنحوننا كيانا مستقلا باي صيغة كانت؟ الجواب طبعا هو لا، لان الانكليز وقفوا ضد هذا المشروع صراحة في مؤتمر السلام، وقالها المندوب السامي البريطاني صراحة لقداسة البطريرك. فاين يكمن وجه الخيانة؟ هل كان بالتشبث بذيل الانكليز وخدمة مصالحهم وجعل شعبنا مكروها من العرب والاكراد حيث تقرر فيه مصيرنا بالعيش معهم لان العراق اصبح مذوانا الاخير! ..اما ما يردده البعض من جماعة (تبرير الاخطاء) بان النقيب الفلاني قال كذا والملازم الفلاني قال كذا، وكأن هؤلاء كانوا هم اللذين يديرون دفة سياسة بريطانيا العظمى.
الصراع الانكليزي التركي العراقي على منطقةالعشائر والهجوم التركي عليها
« في: 09:51 24/04/2013  »
الرسالة الثانية التي ارسلها السيد ميرلاي خليل باشا والي ولاية حيكاري التركية ا الى ملك خوشابا : الترجمة الحرفية للرسالة:
الى رئيس تيار السفلى ملك خوشابا يوسف المحترم
قرات رسالتك الى رئيس الارتوشيين اسماعيل اغا . وكما اكدت لك قبل افتراقنا بان الصداقة والمحبة التي تربطنا
ستبقى وتدوم، اما بخصوص قضية الاعتداء العسكري علينا فسيصار الى حلها بطريقة خاصة ورسمية. معلوماتي ان الحكومة لن تعفو عن التخوميين مرتكبي الاعتداء وسوف ترسل قوة عسكرية الى منطقتهم لتاديبهم وتخويفهم ووضع حدٍّ لهم .
اطمئنك بان القوة العسكرية سوف لن تعتدي او تتحرش بالاشوريين الآخرين ولن يتضرر انسان منهم . فليبقى كل واحد في مكانه ويستمر بممارسة اعماله. اذا سلم هؤلاء التخوميين انفسهم فسيصار الى محاسبتهم امام محكمة قانونية وحسب الاصول . اكرر القول اذا اراد هؤلاء التخوميون احترام شرف الدولة وكرامتها فعليهم تسليم البنادق والعتاد الذي استولوا عليه والا فلن يعفى عنهم. اما كل الاشوريين الآخرين الذين ليس لهم غرض آخر سوى الخير فلن يمسوا بسوء.
امنيتي ان تهتموا بكلامي هذا واذا لم يكن لديكم مانع ارجو تعيين مكان مناسب لاحضر للتداول معك ونعطي حينئذ القرارات المناسبة في القضية .
الخلاصة : انا لست لحد الان طرفا في هذا الموضوع ولم اكن ناكرا للجميل كي انسى الانسانية التي رايتها منك. انا انتظر جوابا سريعا منك. لا احد هنا يعرف الكتابة بالعربية. سلامي الكثير الكثير اليك والى مالك صليو وجاوشينو.
                            التوقيع
                     والي ولاية حكاري
                          ميرلاي / 13 ايلول / 340

نص رسالة قائمقام العمادية الجوابية الى ملك خوشابا في 24 / 8 / 1924
الى ملك خوشابا المحترم
اخذت كتابكم المؤرخ 17 / اب / 1924 وفهمت فحواه حسبما ترجموه لي وعليه اقول ان عملكم باعادة سعادة الوالي لم يكن خارج منهجنا، وزد عليه انكم كنتم عملتم هذا بحسن النية وخدمة للحكومة العراقية،  ولي الامل ان ازور دياركم بعد مدة والسلام.
                               التوقيع
                          قائمقام العمادية

الى جميع رؤساء بني ماثا المحترمين :
اخذت كتابكم المؤرخ 5 / اب / 1924 المعنون الى مدير برواري بالا، وصار معلوما لدي مجيءُ الوالي الى جال انني كنت قد ارسلت اوادم (يقصد اناس ) من طرفي سابقا بغير طريق والذين وصلوا لعندي قبل وصول كتابكم بنهار وقد اخبروني عن عزم والي جولمرك للذهاب بدورية عن طريق جلي ومنيانش وارتوش واورامر ودزة ثم يرجع الى جولمرك،  لذلك اظن أولاً انه والي جولمرك وليس كما ذكرتم بانه والي وان. ثانيا اظن ان فكره هو الدورية ولا تتجاوزون ابدا اذا لم يحصل تجاوز عليكم واني مستعد للحركة الى طرفكم في اول حادث يطرأ وأؤكد عليكم بلزوم اقتفاء الاخبار الصحيحة وارسالها بوقتها ليتسنى لي ابداء الراي الى امرائي بصورة مؤكدة والسلام .
                                   التوقيع
                              قائمقام العمادية
                            عبد الحميد مجيد

ويمكننا من هذه المخابرات الرسمية بين قائمقام العمادية وملك خوشابا الإستدلال على سياسة الحكومة العراقية المتبعة نحو الاثوريين القاطنين في مناطقهم الاصلية والتي كانت تعتبر منطقة حرام للطرفين التركي والعراقي انذاك، وإنَّ اي حركة تصدر من اي منهما فيها قد تعني نقضا للحالة الراهنة في تلك المنطقة التي كان كل جانب منهما يحاول ضمها الى حدوده ( ص 57 من كتاب مشكلة الموصل لمؤلفه الدكتور فاضل حسين) .....
الا ان الانكليز كانوا يلعبون لعبتهم في الخفاء لاجبار الاثوريين على النزوح من اراضيهم لاسيما عن اراضي عشيرة تياري السفلى المجاورة والملاصقة لمنطقة برواري بالا في قضاء العمادية والتي ينحدر سكانُها من اصل عشيرة تياري السفلى . فكانت غاية ملك خوشابا المحافظة على الهدوء والسكينة في تلك المنطقة لخلق جو مطمئن للطرفين العراقي والتركي خاصة في تلك الظروف الدقيقة الى ان يتم تقريرُ مصير المنطقة من قبل عصبة الامم والاثوريون لا يزالون باقين على اراضيهم ليسهل امرُ ضمها الى العراق بالاستفتاء. غير ان الانكليز ارادوا سلخ اراضي العشائر الاثورية وضمها الى تركيا لاجبار الاثوريين للنزوح منها والبقاء تحت رحمتهم ليستغلوهم ابشع استغلال خاصة وانهم سوف يصبحون مهجرين بلا ماوى مما يسهل امر تجنيدهم في الليفي .....

هجوم القوات التركية والعشائر الكردية على منطقة حكاري في 14 ايلول 1924
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
بعد انقاذ الوالي التركي واطلاق سراحه واعادته الى مقره ولعدم تسليم القائمين بالعمل للحكومة التركية لمحاكمتهم اخذت القوات التركية تتحشد في المنطقة الشمالية من محل سكنى عشائر تياري بالقرب من مراعيها الواقعة في منطقة (ميدان) وكانت تلك القوات تربو على الفرقتين احداها من المشاة والاخرى من الخيالة مع مدفعية جبلية وكانت تؤازرها العشائر الكردية في تركيا مع رشيد بك امير البرواري بالا. طلبت الحكومة التركية من عشيرتي تياري العليا وتياري السفلى السماح لتقدم قواتها عبر اراضيها لتاديب عشيرة تخوما على قيامها بالاعتداء على الوالي التركي وحاشيته ومؤكدة عدم وجود اي نوايا سيئة نحو العشيرتين . الا ان التياريين لم يطمئنوا على دخول قوات مسلحة الى مناطقهم ولاسيما العشائر الكردية التي كان لها ثار معهم . فاستغل الآثوريون انصارُ الانكليز هذا الظرف المواتي لنشر الاشاعات عن قيام  سلاح الجو البريطاني بتظليل سماء المنطقة بالطائرات لحماية الاثوريين وعن تقدم قوات انكليزية ضخمة في طريقها لمقاتلة الجيش التركي بهدف اثارة الاثوريين ودفعهم للصدام مع الجيش التركي حتى لا يكون لهم خط رجعة للعودة الى مناطقهم، وفعلا تم للانكليز مأربهم حيث قامت بعض المجموعات من المقاتلين بالتصدي للقوات التركية في نهاية شهر اب سنة 1924 الا انهم لم يتمكنوا من الصمود امام قصف المدفعية التركية وهجمات القوات النظامية التركية والعشائر الكردية، فانسحبوا الى قراهم ومنها الى منطقة برواري بالا حيث كانت العوائل قد اخلت تلك القرى بمساعدة سرية من قوات الليفي التي أرسلها لهم الإنكليز لهذا الغرض. الا انها هربت وتركت خيمَها ومطابخَها في جبل ميدنوك بالقرب من قرية بيدو قبل أن تُدركها القوات التركية ومعها العشائر الكردية التي احتلت قرية كاني ماسي مقر مدير الناحية العراقي والقرى الاخرى مما اجبر الاثوريين النزوح الى وادي صبنة عبر منطقة سر عمادية. وفيما كان المقاتلون يعبرون وادي (كلي شريفة) قبالة قرية بيباد الى صبنة منسحبين امام القوات التركية التي احتلت برواري بالا، كان قداسة البطريرك وسرمة خانم في بيباد بحراسة قوة من الليفي، فارسلت سرمة خانم ثلة من جنود الليفي لاحتلال فتحة مضيق شريفة وإجبار كل اثوري مسلح للعودة لمقاتلة الاتراك وتجريد كل مُمتنع عن القتال من سلاحه.
وكانت العوائل والرجال المنسحبون في حالة يرثى لها من التعب الشديد والارتباك، وما أن علِمَ هؤلاء المُقاتلون بان الانكليز كانوا وراء تدبيرهذه المكيدة لهم، تخندقوا خلف الصخور متخذين وضع القتال مُوجِّهين أسلحتهم نحو ثلة الليفي التي ارسلت لتجريدهم من السلاح منادين فليأتِ الانكليزُ ويقاتلوا الاتراك! حينها شعر جنود الليفي بخطورة وضعهم ففروا الى قرية بيباد حيث كان قداسة البطريرك وعمَّتُه سرمة خانم، وعبر الرجال وعوائلهم من مضيق شريفة الى ضفاف وادي صبنة ولبثوا هناك مدة من الزمن. زار قائمقام العمادية عبد الحميد عبد المجيد ومعه بعض المسؤولين ملك خوشابا في سرعمادية عندما كان على راس قوة من رجاله في حماية مؤخرة العوائل المنسحبة. وقال له القائمقام بان الحكومتين الانكليزية والعراقية توعدان الاثوريين بضم اراضيهم الى العراق اذا ما قاموا باخراج الاتراك من برواري بالا حتى ما وراء اراضيهم في تركيا ورجاه ان يقوم بجمع المقاتلين الاثوريين لهذا الغرض لان الانكليز قد فشلوا في مسعاهم لحمل الاثوريين لمقاتلة الاتراك .

على الرغم من ان ملك خوشابا لم يصدق تلك الوعود حسب ما ورد في مذكراته الا أنه لم يجد له خياراً اخر لئلا تُلقى عليه مسؤولية التهرُّب من القتال، فقبل بالامر الواقع وامر جميع المقاتلين بالتجمع في سر عمادية. ولما تجمع المقاتلون تحشدوا في قرية هيس في برواري بالا ومن هناك تقدموا برتلين نحو كاني ماسي، ورتلٍ توجَّهَ نحو قرية رشيد بك امير برواري بالا (درشيرش) حيث كانت عشيرته وبعضُ العشائر الاخرى تحارب الى جانب الاتراك. وبعد قتال دام اكثر من ثلاثة ايام تمكن المقاتلون الاثوريون بقيادة ملك خوشابا من التغلب على القوات التركية فاستسلمَ رشيد بك وجميعُ عشائر برواري بالا  لهم . وبينما كانت العشائر الاثورية تتقدم نحو اراضيها جاءت عدة طائرات انكليزية والقت عددا من القنابل خلف القوات التركية في اشوت. وتلقى الكابتن (النقيب) بدلي الانكليزي الذي كان على رأس بعض سرايا الليفي الباقية في برواري بالا برقية من المسؤولين الانكليز يطلبون ايقاف التقدم الاثوري خارج حدود برواري بالا، فحصلت مشادة كلامية بين ملك خوشابا وعقيدٍ انكليزي حول هذا الموضوع، فتدخل بعض الرؤساء الاثوريين وابعدوا العقيدَ الانكليزي عن ملك خوشابا الذي قال له ( إني كنتُ اعلم بخداعكم لنا، ولكن لم يكن لي مفرٌّ من عدم الانصياع لاوامركم  بعدما ربطتم رقاب الاثوريين بانطقة الليفي واصبح شبانُهم مشلولين لانخراطهم في تلك القوات التابعة لسيطرتكم) وهكذا اضطر المُقاتلون الاثوريون على ايقاف تقدمهم بعد ان تخلى الانكليز عن مسؤولية اسنادهم مُدَّعين بانهم لا يريدون الدخول في حرب ثانية مع الاتراك من اجلهم في الوقت الذي لم يكن للاثوريين تلك القوة التي تمكنهم من الوقوف امام قوات تركية كبيرة دون ان تساعدهم دولة قوية كبريطانيا ..... والى الجزء الثامن والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في  30/4/2016


24
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ
الزمَن
الجزء السادس والأربعون
سرمة خانم وملك خوشابا . المقابلة الاخيرة التي حددت مصير الامة
من اقوال ملك خوشابا:
( عندما يتعلق الامر بمصير امة لا يصح ان نسير بطريق لا نعرف نهايته )
( حذاري من السير بايعازات الجهات الاجنبية اوالانصياع لتوجيهات خاطئة)
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

« في: 08:25 05/05/2013  »  من مذكرات يوسف ملك خوشابا :
اقتباس : في 8/9/1932 كنت مع والدي ملك خوشابا في مصيف خلاوة في سر عمادية متهيئا للعودة الى الكلية العسكرية في بغداد عندما اخبرني والدي بانه عازم على الذهاب الى مصيف (جربية ) لزيارة سرمة خانم لانها ستعود الى الموصل صباح اليوم التالي وذلك ليقول لها كلمته ويقدم لها نصيحته الاخيرة فطلب مني مرافقته وذهبنا الى مصيف جربية الذي يبعد عن مصيف خلاوة حوالي عشرين دقيقة مشيا على الاقدام وكانت الساعة الرابعة عصرا وعند وصولنا شاهدنا سرمة خاتون جالسة على كرسي سفري امام خيمتها وبجانبها كان واقفا الشرطي روهان حارسها الخاص وهو من اهالي قريتها قوجانس فامرته بان يجلب لنا كرسيين فجلسنا عندها بينما اخذت الشمس تختفي خلف الجبال. وبعد تناول الشاي سالها ملك خوشابا فيما اذا كانت ناوية السفر الى الموصل في اليوم التالي فردت بالايجاب ثم اردف قائلا ( واظن ان قداسة مار شمعون لا يزال في بغداد ولم يسافر بعد) فاكدت له ذلك وعليه قال لها ما يلي: يا سرمة خانم طالما انت مسافرة غدا الى الموصل ارجو ان تنقلي طلبي الى قداسته بان يؤجل سفره الى جنيف ليراجع اولا المسؤولين في بغداد ابتداء بوزير الداخلية فرئيس الوزراء وصولا الى جلالة الملك فيصل الاول لربما يتوفق في الوصول الى اتفاق بشان المطالب فيكون في ذلك خيرٌ لعائلتكم خاصة وللملة الاثورية عامة وان اراد فليؤلف وفدا من ممثلي الشعب الاثوري ليرافقه في مقابلاته.
في رايي هذه هي الخطوة الضرورية التي علينا البدء بها وهي الخطوة الصحيحة لتسبق كل الخطوات الاخرى، لاني لاارى في ظل الظروف المحلية والدولية الراهنة جدوى من ذهابه الى جنيف بل بالعكس ان سفرته هذه الى جنيف ستغير الامور نحو الاسوا. لان عودته فاشلا ستؤدي حتما الى سقوط اعتبارنا في نظر الحكومة العراقية، وسيدفعها ذلك الى اتخاذ موقف متصلب أشدّا بصدد مطالبنا لاننا نكون قد قدمنا الشكوى ضدها. وحتى الحقوق التي وعدنا بها الملك فيصل الاول وحكومته ستحجب عنا فيما بعد. كما وان المندوب السامي البريطاني الذي كان قد وعد مار شمعون بانه وحكومته سيستخدمون نفوذهم لدى الحكومة العراقية لمنحنا الحقوق المعقولة سيتراجعون عن وعدهم بسبب تصرفنا هذا وتقديمنا الشكوى الى عصبة الامم. في الوقت الذي نعرف جميعا بان كل الامور في العصبة معقودة برغبة بريطانيا وبيدها الحل والربط وعندئذ سنكون قد فقدنا كل شيء لاسيما انه لم يبقَ لنا مكان اخر نعيش فيه سوى العراق! وعليه يجب علينا ان نلتفت الى الحكومة العراقية ونحاول جاهدين التفاهم والاتفاق معها وان نقطع صِلاتنا بالاجنبي حرصا على مصير هذه الامة وضمانا لمستقبل آمن وسعيد لاجيالنا القادمة! أليس الأنفع لناان نبدا السير بتاني وحذر خطوة فخطوة وناخذ المعروض علينا ونطالب بالمزيد مُستغلّين الفرص الممنوحة لنا الان والتي لا اظنها ستتكرر ابداً.  فقبل ان نبني بيتنا يا سرمة خانم يجب ان نفكر باساس متين له، لان ما يحتاجه شعبنا الان هو الاستقرار والعمل والتعليم، فقد أخذ التعب منه مأخذاً من كثرة الكر والفر وتعبَ من طول الترحال والاغتراب وعان من كثرة الخسائر والتضحيات والنتيجة كما ترين. اما وقد عدنا الى الوطن فقد آن الاوان لنمنح رجالنا فرصة لالتقاط الانفاس ورعاية عوائلهم وتربية ابنائهم ولنجنب نساءَنا وشيوخنا الخوفَ والرعبَ والقلق، ولنعطي اطفالنا الفرصة اللازمة للنمو والتربية والتعليم، لنلم شمل عوائلنا ونلتفت الى المشردين والمغتربين من ابنائنا ونركز جهودنا على موضوع الاستقرار والاسكان ليكون بالشكل الذي نريده بتوفير اكبر فائدة ممكنة لابنائنا، فالاجدر بنا ان نفكر بعموم الامة قبل التفكير بانفسنا.
الا ان سرمة خانم لم تقبل رجاءَه ونصيحته ورفضت طلبَه بل اصرت على رأيها واكدت قائلة (بان مار شمعون سيذهب الى جنيف مهما كلف الامر وكيفما كانت النتائج فاذا رفضت عصبة الامم مطالب الاثوريين فانهم سيحصلون عليها بالقوة والقتال او سيغادرون العراق) وبعد هذا الجواب القاطع قال لها ملك خوشابا (يا سرمة خانم عندما يتعلق الامر بمصير امة لا يصح ان نسير في طريق لا نعرف نهايته) واستفسر منها فيما لو كان لهم اي وعدا بالمساعدة من اصدقائها الانكليز في حالة نشوب القتال مع الحكومة العراقية؟ فاجابت بالنفي. فسألها هل لها اي خبر او اشارة بالمساعدة من الفرنسيين في سوريا فنفت ذلك ايضا وعليه مد ملك خوشابا بدَه بالم وغضب باتجاه الحدود التركية قائلا (اذن اني متأكد بان هؤلاء الاتراك وكذلك الايرانيين سوف لا يساعدونك في محنتك واما الروس فهم شيوعيون وبعيدون والطيرلا يصلهم ونحن لا نملك الا بضع قطع من الحديد القديم (يقصد بها البنادق) ولكل منها بين 100 و 150 اطلاقة فقط لنحارب بهم الشعب العراقي كله بعربه واكراده بجيشه وعشائره وغيرهم، ومِن الممكن ان نطقطق بهذه البنادق لعشرة او عشرين يوما في هذه الوديان والاحراش الا ان النتيجة الحتمية ستكون الفناءُ التام لنا قتلا او جوعا او عطشا الا ترين انكم متوهمون جدا ؟؟ فان كنتم مصرين على ابادة هذه الامة والقضاء عليها فمن الشرف ابادتها بايدينا بجمع الاثوريين وحرقهم وننتحر معهم فنحفظ بذلك سمعتنا ونصون كرامتنا وهذا افضل من ارتكاب حماقة الدخول في قتال مع الحكومة العراقية، وإذا اقترفناها فأول مَن سينعتوننا بالعصاة المتمردين سيكونون أصدقاؤكم الإنكليز، وكذلك ستصفنا دول العالم الاخرى! لان عملنا هذا سيكون مخالفة صريحة لكل القوانين المعترف بها،  فاجابته سرمة خانم قائلة (انهم ليسوا عصاة بل ابناء عوائل) وقصدت بذلك ملك ياقو وملك لوكو اللذين كانا مرشحين لقيادة الحركة عسكريا.
فردَّ عليها ملك خوشابا (يا سرمة خانم انت تفهمين قصدي جيدا ولا داعي للمغالطة فاني لا اقصد بكلامي شخصا معينا بل اعني الجميع لقد مضى اليوم الذي كنا فيه نفرض ارادتنا فقد اجبرنا في عام 1914 على خوض غمار الحرب العظمى الاولى ونحن لا ناقة لنا فيها ولا جمل فكانت النتيجة اننا فقدنا وطننا الاصلي في تركيا بعد خسائر بشرية تقدر بنصف نفوس هذه الامة وخسائر مادية لا تقدر ولا تحصى! وماذا قدم لنا حلفاؤكم واصدقاؤكم الانكليز الذين حرضونا على محاربة الاتراك عن طريقكم سوى مياه ملوثة وقطع من الخبز اليابس عندما كنا نموت من الجوع والعطش؟ ان كل ما اصابنا من الويلات والمصائب كانت نتيجة لغدرهم بنا وخيانتهم لنا لذا وجب علينا ان نستفيد من اخطائنا السابقة وان لا نكررها مرة اخرى، وان لا نتورط من جديد في مشاكل تكون نتائجُها وبالا وكوارث علينا فيُقتل ويُشتت الباقون من أبناء هذا الشعب، فحذاري يا سرمة خانم من الانصياع لتوجيهات خاطئة او السير بايعازات الجهات الاجنبية التي تحاول التصيد في المياه العكرة فلا يصح ان تثقوا بهؤلاء الانكليز مرة اخرى . واليوم الذي كان فيه مجالا امام الاثوريين للاختيار قد غاب الى الابد وانتم الذين ضيعتم علينا تلك الفرصة لانكم كنتم مع الانكليز عندما كانوا حكاما في العراق واجبرتم الاثوريين على البقاء والسكن فيه ومنعتموهم من العودة والاستقرار في اراضيهم السابقة واليوم قد سدت كل الطرق فالى اين ستمضون ؟ بعدما لم يبقَ لنا مكان آخر في العالم ما عدا العراق وهو موطن اجدادنا : فاجابته سرمة خانم بقولها اني اعرف يا ملك خوشابا بانك وعشائرك لا ترغبون بالمساهمة في تكاليف سفر مارشمعون الى جنيف ولذلك تعارضون سفره : فردَّ عليها ملك خوشابا ( انت تعرفين يا سرمة خانم بان الحقيقة ليست كما تدعين الا انك تحاولين التملص منها عمدا متذرعة بحجج واهية لا اساس لها من الصحة وعلى كل حال فاني قد قلت لك كلمتي الاخيرة ارضاء لضميري واستودعك الله : ثم سالتني سرمة خانم عن موعد عودتي الى الكلية فاجبتها باني ساعود مع شقيقتي في اليوم التالي. فاخبرتني بان هناك سيارة قادمة لاخذها الى الموصل في نفس اليوم وطلبت مني ان نسافر معها لان وجود السيارات في العمادية في ذلك الوقت كان نادرا وفي صباح يوم 9/9/1932 سافرنا انا وشقيقتي مع سرمة خانم ومرافقها الشرطي روهان الى الموصل وكان هذا اخر لقاء بين ملك خوشابا ومتنفذةٍ من العائلة الشمعونية...
العشائر الاثورية تعود الى موطنها في هكاري رغم انف الانكليز في عام 1921
« في: 10:49 18/04/2013  »  بعد ضرب الجبهة الاثورية المناهضة للانكليز والتي كانت بقيادة كل من اغا بطرس وملك خوشابا من قبل السلطات الانكليزية قام القس الجاسوس (ويكرام) المبشر الأنكليكاني التابع لكنيسة الكانتيربري الانكليزية والذي كان قد عاش فترة طويلة في هكاري قبل الحرب العالمية الاولى بالقاء الخطابات على الاثوريين بايعاز من حكومته لحثهم على الانخراط في قوة الليفي الاثورية ظاهريا والانكليزية فعلياً لانها شكلت لخدمة المصالح البريطانية. وكان يخدع الاثوريين بخطبه الرنانة مدعيا لهم بانهم إذا ما قدموا تلك الخدمة للتاج البريطاني فان بريطانيا العظمى ستمنحهم حقوقهم في الحرية والاستقلال وما الى ذلك من وعود كاذبة دأب الانكليز من ورائها لخداع بعض البسطاء وتخديرهم . وكانت سرمة خانم ومن يؤيدها من رؤساء العشائر الاثورية أشدَّ مَن يؤيدون كلام الثعلب ويكرام ويحثون الشباب على التطوع في هذه القوة التي كان يعارضها بشدة كل من اغا بطرس وملك خوشابا ومؤيديهم لانهم كانوا يعلمون بان نتائجها ستصب في مصلحة الانكليز وتُلحقُ الضرر بمصلحة الامة. وقد تمكن الانكليز ومؤيدوهم من الاثوريين من جمع عدد من الشباب الاثوريين عن طريق تلك الوعود البراقة وبمنح الالقاب والرتب الى رؤساء بعض العشائر مقابل تجنيد اقربائهم والموالين لهم. فتم تعيين داود افندي والد قداسة البطريرك ضابطا اقدم لقوة الليفي وسمي (رب خيلا) اي قائد القوات، ووزعت بقية الرُّتب على رؤساء العشائر وابنائهم واقربائهم حسب اهميتهم في اقناع ابناء عشائرهم للتطوع، وكانت المناصبُ والرتبُ تتسلسل من (رب ترَمّا) الى (رب إما) الى (رب خمشي) ومن ثم ضباط الصف. وكان هؤلاء الضباط يعملون كضباط ارتباط بين الجنود الاثوريين، أما الضباط الانكليز فكانوا هم قادة القوة الفعليين. وكان عددٌ كبيرٌ من الذين انخرطوا في هذه القوة يسعون وراء معيشتهم لعدم وجود مورد رزق اخر. ولم تكن لهؤلاء الضباط اية صلاحية او سلطة! بل كانوا يؤدون التحية لضابط الصف الانكليزي. واستخدم الانكليز هذه القوة لحماية قواعدهم ومطاراتهم العسكرية في العراق كما استخدموها لحماية المصالح الانكليزية في المناطق الشمالية من العراق عن طريق فرض الامن والولاء للحكم البريطاني ...
اما غالبية العشائر التي لم تصدق اكاذيبَ الانكليز، وبعد غلق مخيم مندان بدأت بالزحف الى مناطقها الاصلية في هكاري حتى وصلت منطقتي تياري وتخوما وكانت آنذاك مشكلة ولاية الموصل لم تحسم بعد. ويقول ملك خوشابا في مذكراته، ومنها  اقتبس <كنت اعلم من خلال تجربتي مع الانكليز بانهم غير مهتمين بالارض التي سيحصلون عليها لانتدابهم بقدر اهتمامهم بابناء عشائرنا لاستغلالهم في مصلحة بريطانيا وانهم اي الانكليز مستعدون للتنازل عن اراضينا لتركيا من اجل صفقة ما ولهذا السبب كنا نناضل للعودة الى اراضينا حتى نفرض على الانكليز امراً واقعاً وخاصة كنت اعلم بان امر ولاية الموصل سوف يحسم بالاستفتاء) انتهى الاقتباس .... وكان كل من الانكليز والاتراك يحاول ضمَّ ولاية الموصل اليه، وكان الاثوريون يأملون ان يتم ضم مناطقهم الى العراق، وفي بداية المفاوضات بين هاتين الدولتين طلب الانكليز تثبيتَ خط الحدود العراقية التركية بحيث يمتدُ من باش قلعة الواقعة بالقرب من الحدود الايرانية شرقا حتى قرية بيجو الواقعة على بُعد حوالي الثلاثين كيلو مترا شمال زاخو غربا، وذلك لجعل جميع الاراضي الاثورية ضمن الاراضي العراقية في الوقت الذي كان الاثوريون قد عادوا اليها كما ذكرنا سابقا منتظرين تقرير مصيرهم وهم على ارض آبائهم واجدادهم. الا أن الانكليز اخذوا يساومون مع الاتراك على حساب مصلحة الاثوريين، فتنازلوا عن اراضيهم لتركيا .  واراد الانكليز اجبارَ الاثوريين على ترك اراضيهم والعودة الى العراق خوفا من بقائهم فيها بعد ان اصبحت ضمن الحدود التركية واظهرت الحكومة التركية رغبتها في قبولهم كرعايا لها فيما اذا ارادوا ذلك. وقبل ان يتمكن الاثوريون من تقرير مصيرهم،  قام الانكليز بتدبير خطة لخلق مشكلة كبيرة بين الاثوريين والحكومة التركية بحيث تقوم الاخيرة بطرد الاثوريين من مناطقهم واعادتهم الى العراق حتى يتمكنوا من استغلالهم ابشع استغلال.

الإعتداء على والي هيكاري التركي وإنقاذه بتدبير انكليزي
مُقتبسٌ بتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون، من مقالةٍ للسيد بولص يوسف ملك خوشابا منشورة في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بتاريخ 18/4/2013. لقد قام الانكليز بالاتفاق مع احد انصارهم المدعو (مالك كليانا) وهو احد رؤساء عشيرة تخوما للقيام بالاعتداء على والي هكاري التركي عند قيامه بجولة تفقدية في تلك المنطقة. حيث قام مالك كليانا بنصب كمين على طريق الوالي التركي في كلي (وادي خاني) بمنطقة عشيرة تخوما وذلك مقابل ان يُمنح من قبل الانكليز رتبة ضابط في جيش الليفي. وبتاريخ 7 آب 1924 فتح ذلك الكمين النار على الوالي وحاشيته مما ادى الى قتل امر حرسه العقيد شكيب بك وثلاثة من الجنود وجرح ستة آخرين،  وتم اسر الوالي ونائبه وطبيبه وبقية حرسه الذين جُردوا من سلاحهم. ثم ربط المهاجمون يدَي رجلي كُلٍّ من الوالي ومُرافقيه ووضعوهم على ظهور البغال، وساروا بهم نحو العمادية لغرض تسليمهم الى الانكليز. ولكي يصل خاطفو الوالي ومرافقيه الى العمادية كان لا بُدَّ لهم العبور من جسر ليزان على نهر الزاب بالقرب من قرية ملك خوشابا. وقبل وصول القافلة الى ليزان أرسل الخاطفون وفداً يُمثلهم لمقابلة ملك خوشابا والاستئذان منه للسير بأسراهم الوالي ومُرافقيه عبر منطقة عشيرته. وعندما وصل الوفد بعد منتصف الليل واخبرَ حرسَ ملك خوشابا بمهمته، ايقظ الحرسُ زعيمَهم ملك خوشابا حالاً فامر باحضار الوفد لمقابلته. ولدى إبلاغ الوفد ملك خوشابا بما قاموا به تجاه الوالي التركي، غضب جدا واخذ يصرخ بهم ويؤنبهم على عملهم الطائش والمنافي للقانون موضحا لهم مدى خطورة هذا العمل على مصير الاثوريين ككل، وفي الحال أمر رجاله بجمع رؤساء العشيرة للتشاور، ثمَّ ارسل قوة من رجاله المسلحين بقيادة كل من (صليو بيت موشي) و(عوديشو ادم الملقب جاوشينو) لانقاذ الوالي وجلبه الى ليزان بالقوة اذا اقتضى الامر ذلك . فتحرَّكت تلك القوة مُتخذة الطريق المؤدي الى تخوما وكان الوقت ليلا، وما أن  وصلت الى مكان تواجد قافلة الوالي الاسير لدى الرجال المسلحين من عشيرة تخوما حتى احاطت بالقافلة وامر صليو التخوميين بتسليم الوالي وجماعته اليه فورا بامر من ملك خوشابا، والا سيضطر الى استخدام القوة . حاول التخوميون الامتناع عن تسليم الوالي قائلين بانهم يريدون تسليمه الى الانكليز وقداسة البطريرك في قرية بيباد قرب العمادية، الا ان صليو رد عليهم بكلام قاسي وامر رجاله بالهجوم عليهم فتمكنوا من تجريدهم من سلاحهم دون ان يقووا على المقاومة.  وعندها تقدم صليو وأمسك بالبغل الذي كان الوالي مشدودا على ظهره ثم قال له باللغة الكردية لانه لم يكن يجيد اللغة التركية بانه مرسل من قبل ملك خوشابا لانقاذه. خاف الوالي في بداية الامر ظنا منه بانهم اتوا لقتله، الا ان نائبه طمأنه بانهم قد جاءوا لانقاذهم إذ شاهدهم يجردون المعتدين من سلاحهم ويحلون وثاق المشدودين. ولما تم حل وثاق جميع الاسرى فرح الوالي كثيرا وقبل كلا من صليو وجوشينو اللذين قاما بانقاذه. عندما وصل ركبُ الوالي قرية كيمان القريبة من ليزان والواقعة على الضفة اليسرى من نهر الزاب الكبير حيث توجه ملك خوشابا ومعه رؤساء عشيرته لملاقاته هناك. ولدى وصول ملك خوشابا استقبله الوالي استقبالا حارا شاكرا له احسانه اليه ومظهرا له اعجابه بشخصيته. وبعد استراحة ليلة في قرية كيمان اعاد ملك خوشابا الوالي الى مقره تحت حراسة مشددة من رجاله وذهب معه لتوديعه حتى منتصف الطريق ما بين ليزان ومقر الناحية في جال وبعد هذا الحادث جاء من بغداد بعض المسؤلين الانكليز من المدنيين والعسكريين لزيارة الوالي في مقره مظهرين له اسفهم لما حدث له وعارضين عليه مساعدتهم في كل ما هو بحاجة اليه. إلا ان الوالي اجابهم بانه واثق من ان ما قام به هؤلاء التخوميون لم يكن الا من تدبير الانكليز ولهذا فهو ليس بحاجةٍ الى مساعدة منهم لانه قد تلقى المساعدة التي كان يحتاجها في حينها من اشرف وانبل شخص عرفه وهو ملك خوشابا الذي هرع لنجدته في الوقت المناسب. فانكر الانكليز ان يكون لهم اي ضلع فيما حدث له مدعين بانهم ليسوا مسؤولين عن هؤلاء المعتدين وان بامكانه ان يفعل بهم ما يشاء. وعن هذا الحادث اخذ انصار الانكليز من الاثوريين يروجون الاشاعات ضد ملك خوشابا مدعين بان قوة انكليزية ستقوم بالقاء القبض عليه وتقديمه للمحاكمة حيث سيحكم عليه بالاعدام . الا ان ملك خوشابا لم يهتم لتلك الدعايات وكتب الوالي الاميرلاي خليل رفعت باشا (اصبح فيما بعد وزيرا للداخلية) رسالة شكر الى ملك خوشابا لِما قام به نحوه وطيا ترجمة الرسالة، التي ربما ستعقبها رسالة ثانية.
 ذو الصداقة والرفعة جناب ملك خوشابا المحترم سلمه الله من البلايا :
بعد السلام واظهار فرط المحبة والاستفسار عن احوالكم الشريفة ليكن معلوما لدى جنابكم قد وصلنا الى جال بالامن والسلامة ونحن نشكر لكم خدمتكم وصداقتكم ولا ننسى اصلا وقطعا هذه الانسانية وهذا يكون منقوشا في قلبي وفؤادي ابدا . يلزم عليكم اذا اخذت خبرا من الحكومة الانكليزية او وقع سؤالا وترتب عليكم استجوابا او ضيقا تخبروني عاجلا وارجو منكم ان تكتبوا لنا المكتوب ونحن على مخابرتكم باق ودمتم سالمين . اسلم بالخاصة على صليو وعلى جاوشينو.
في 10 / ايلول / 1932 سافر قداسة البطريرك من الموصل الى بغداد في طريقه الى جنيف لتعقيب مطالبه التي كان قد رفعها الى عصبة الامم ورافقه في سفرته هذه الشماس عمانوئيل شمعون بصفته سكرتيرا له . وكانت مطاليبه تشمل على منحه السلطة الزمنية اضافة الى السلطة الدينية على الاثوريين والحكم الذاتي في شمال العراق او نقل الاثوريين الى محمية بريطانيا في حالة عدم الموافقة على ذلك . رفضت عصبة الامم مطاليب مارشمعون الا انها قررت في شهر كانون الاول سنة 1932 اسكان جميع العراقيين الذين لا يملكون اراضي بما فيهم الاثوريين في الاراضي الاميرية الخالية في العراق . كما واعلن ممثل الحكومة العراقية في عصبة الامم بانه عازم على اختيار خبير اجنبي لمساعدة الحكومة العراقية على اسكان الاثوريين في العراق بصورة مجتمعة بقدر الامكان وعليه تم تعيين الميجر تومسن الخبير البريطاني في السودان من قبل الحكومة العراقية لتلك الغاية ووصل الى الموصل في بداية شهر مايس سنة 1933 . واما قداسة البطريرك فعاد الى بغداد قادما من جنيف في 4 كانون الثاني سنة 1933.                                        .
وجهت كتب رسمية من قبل رئيس اللجنة الرسمية للاسكان الى كل من قداسة البطريرك في الموصل وسيادة المطران سركيس في دهوك وسيادة المطران يوآلاها في العمادية وسيادة المطران يوسف خنانيشو في حرير وملك خوشابا في دهوك والرئيس خيو عوديشو في الشيخان ومالك خمو في الموصل والرئيس جكو في كوركفان ومالك اسماعيل في ديانا ومالك نمرود في الجراحية ومالك لوكو في العمادية ومالك مروكل في عقرة وطلب منهم ارسال مقترحاتهم خلال خمسة عشر يوما حول تعيين ستة اشخاص ليكونوا في اللجنة الاستشارية ممن لهم خبرة في الشؤون الزراعية والعشائرية كمرشحين لعضوية هيئة الاسكان الاهلية المؤلفة بموجب قرار لجنة الاسكان الرسمية المؤلفة بتاريخ 25 شباط سنة 1933 ...
رفض قداسة البطريرك واعوانه الاشتراك في الهيئة المذكورة بعد ان رفضت الحكومة العراقية منحه السلطة الزمنية ووافق ملك خوشابا واتباعه على مشروع اسكان الاثوريين وعليه تم تشكيل لجنة من الاثوريين الذين قبلوا بمشروع الاسكان بعد ان تقرر تشكيلها برئاسة ملك خوشابا . وقد قام انصار قداسة البطريرك بنشر دعايات ضد الاسكان مدعين بان لجنة اخرى من عصبة الامم ستحضر للقيام بالتحقيق في اوضاع الاقليات في العراق وسياتي خبير اخر ليس انكليزيا ولا عراقيا بدل الميجر تومسن الذي كان موفدا لذلك الغرض . كما اشاعوا اخبارا اخرى بانهم سيرحلون اما الى ايران او سورية او روسيا ....
على اثر هذا الموقف السلبي من قبل قداسة البطريك واعوانه طلب وزير الداخلية من متصرف لواء الموصل تبليغ قداسة البطريرك بالحضور الى بغداد. 
(وثيقة رقم 29 من الكتاب الازرق)                                                                                                        )                                             
في 10 من شهر ايار سنة 1933 طلب وزير الداخلية من متصرف الموصل تبليغ المارشمعون بالحضور الى بغداد للتداول معه في امور تتعلق بقضية اسكان الاثوريين وذلك لقرب وصول خبير الاسكان الميجر تومسن الى العراق . وفي 22 ايار سنة 1933 سافر المار شمعون الى بغداد ونزل في بناية دار الشبان المسيحيين الكائنة في شارع السعدون وبعد ستة ايام من وصوله سلم اليه وزير الداخلية حكمت سليمان الرسالة التالية :
وزارة الداخلية الرقم س / 1104 التاريخ 28 / 5 / 1933
سبق وان اوضحت لكم ابان زيارتي الاخيرة للموصل موقف الحكومة فيما يتعلق بوضعكم الشخصي وارغب الان ان اؤيد تحريريا ما سبق ان سمعتموه شفهيا . ان الحكومة راغبة في الاعتراف بكم رسميا كرئيس روحي للطائفة الاثورية ونعدكم بانكم ستنالون الاحترام اللائق بكم بصفتكم المذكورة في كل وقت وكما سبق للمتصرف ان اخبركم ان الحكومة ترغب في الحصول على مساعدتكم في امر تنظيم لائحة قانون الطائفة على نفس اسس القوانين النافذة الان على الطوائف الاخرى ولادامة مقامكم الروحاني على الوجه المناسب تبحث الحكومة في الوقت الحاضر في كيفية ايجاد مورد لمساعدتكم بصورة مستديمة وليس في نيتها تقليل المخصصات الشهرية التي تدفع لكم الان الى ان يحين الوقت الذي تقتنع فيه بان لكم ايرادا كافيا من منابع اخرى . على انه لابد لي ان اوضح بان الحكومة لا يسعها المولفقة على تخويلكم اي سلطة زمنية وسيكون وضعكم كوضع رؤساء الطوائف الاخرى الروحانيين في العراق ويتحتم على ابناء الطائفة الاثورية في كافة شؤون الادارة مراعات القوانين والانظمة والاحوال التي تطبق على جميع العراقيين الاخرين . لا حاجة للتاكيد لحضرتكم مبلغ رغبة الحكومة الصادقة للقيام بما يمكن عمله لترى الطائفة الاثورية كسائر العراقيين سعيدة وراضية ومن الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم وقد صرحت بسياستها مفصلا امام عصبة الامم والتي اقترنت بموافقتها . ومما ينبغي بيانه ان الحكومة حسب الاتفاق الذي تم في الخريف المنصرم ساعية للحصول على خدمات خبير اجنبي لابداء المشورة في مسالة الاسكان المهمة ويتوقع وصول هذا الخبير الميجر تومسن الى الموصل في نهاية هذا الشهر وستكون اعماله ذات اهمية عظيمة للطائفة الاثورية ولي وطيد الامل بانه سيلقى المساعدة التامة من جميع من يضمر خيرا للطائفة . لقد لاحظت ويا للاسف ان حضرتكم قد اتخذتم حتى الان موقف غير مساعد بل معرقل حسب منطوق بعض التقارير لهذه المسالة المهمة جدا وعليه اراني مضطرا لان اطلب منكم اعطاء ضمان تحريري بانكم سوف لا تاتون عملا من شانه ان يجعل مهمةالميجر تومسن والحكومة صعبة . فاذا كانت هناك اي نقطة لم اوضحها في هذا الكتاب فيسرني ان تكتبوا ملفتين انظاري اليها . ان الاعتراف بوضعكم المبين آنفا منوط بقبولكم اياه واعطائكم عهدا قاطعا بانكم ستكونون على الدوام وبكل الوسائل كاحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم ويسني ان احصل على جوابكم التحريري على هذا الكتاب حسبما جاء في المرفق :
اني مارشمعون قد اطلعت على كتاب معاليكم المرقم س / 1104 المؤرخ 28 / 5 / 1933 وقبلت بجميع ما ورد فيه وها انا اتعه بانني سوف لا اقوم باي عمل من شانه ان يعرقل مهمة الميجر تومسن والحكومة العراقية وذلك فيما يتعلق بمشروع الاسكان وان اكون على الدوام وبكل الوسائل كاحد الرعايا المخلصين لصاحب الجلالة الملك المعظم ... والى الجزء السابع والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في  30 / 3 / 2016

25
السريان والسريانية
الحلقة الثانية
التجني الصارخ على التراث الكلداني

وهنالك الغموض والإرتباك في بعض طروحات أو تصريحات آباء الكنيسة الكبار، وأحدث مثال على ذلك،  ما ورد في كلمة البطريرك الراحل روفائيل بيداويذ أمام البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في 14 /10 / 1994م عبارة "الكنيسة الكلدانية" لأكثر مِن أربع مرات مؤكداً بذلك قومية أبنائها، وفي حديثه التلفزيوني لمحطة لبنانية يُصرِّح " الكلدان مذهب والشعب الكلداني آشوري" لا أريد أن أقول كلمة نابية بحقِّه تقديراً لدرجته الكنسية أولاً ولأنَّه كان مُدَرِّسي في السيمنير الكلداني ثانياً. وقد أنكر هذا التصريح لدى قدومه بعد فترةٍ الى ولاية مشيكان/أمريكا. فهل مثل هذا الموقف المتذبذب يليق بصاحب مبدأ تقلَّد أعلى سلطةٍ في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية؟ ولو صدَّقنا جدلاً ما قاله فهل كان ذلك عدم تمييزه بين المذهب والقومية؟ أم ماذا؟ لا أظن ذلك، قد يكون قد عبَّرَ عن رأيه الشخصي الخاص، وهذا لا يُمثل رأي الباحثين والمفكِّرين والمؤرخين، ثمَّ إنَّه لم يَدعم قولَه بأية نظرية أو فرضية علمية أو بيِّنة تاريخية، ولم يستند الى أيِّ نصٍّ تاريخي. وبرهانه الوحيد الذي استشهد به هـو قوله: < كان جدي قساً نسطورياً ونحن طائفة > إنه نطق بالواقع فقد كان النساطرة في زمن جَدِّه طائفة فضَّلت الإنعزال في المنطقة الجبلية. أما إذا قـصد بكلامه بأن الكلدان كانوا نساطرة قبل اهتدائهم ثانية الى مذهب آبائهم وأجدادهم الذي كانوا عليه منذ تأسيس كنيسة الشرق وحتى القرن الخامس، وإنَّ النسطرة هي رديف الآثورية أو التسمية المُنتحلة في العقود المتأخرة مِن قبل سكان منطقة آثورالكلدان أعني" الآشورية" فذلك خطأٌ فادح ونهج سياسي شوفيني أشاعته الزمَرالنسطورية الحزبية لأغـراض سياسية. كان المرحوم البطريرك مارروفائيل الأول بيداويذ مدرِّساً في معهد شمعون الصفا الكلداني الكهنوتي منذ عودته من روما في العقد الرابع من القرن العشرين وحتى أواخر الستينات، درستُ على يديه الكتاب المقدس والتاريخ الكنسي والفلسفة، وكان مغرماً باللغة الكلدانية ويتباهى بها، وإني لفي عجبٍ كيف تغيَّر في الفترة الأخيرة من حياته وأنكر قوميته! وإني لأعجب أيضاً كيف لم يُحاول تبديل عنوان قاموس المرحوم المطران يعقوب اوجين منا لدى قيامه بتجديد طبعه مِن( قاموس كلداني-عربي ) الى قاموس آشوري – عربي! إنها التخبطات التي يقع فيها بعض رجال الإكليروس الكلدان جهلاً أو تَعمُّداً!

                                                                                                                                              فالحقائق التاريخية تُفيد بأنَّ كنيسة المشرق الكلدانية برُمتها اعتنقت البدعة النسطورية مُجبرةً منذ أواخر القرن الخامس باستثناء جزءٍ مِن أبنائها الذين اعتنقوا البِدعة "الأوطاخية المونوفيزية" التي تغلَّبت عليها التسمية اليعقوبية نسبة ًالى يعقوب البراذعي الكلداني الأصل والزعيم المونوفيزي البارز. وكانت هذه البدعة مِن الأسباب الرئيسية لقيام مطارنة وأساقفة كنيسة المشرق الى استبدال مذهب كنيستهم القويم مذهب الكنيسة الجامعة بمذهب البِدعة النسطورية. ويعقوب البراذعي هو أحد مؤسسي الكنيسة المونوفيزية الى جانب كلدانيَين آخرَين هما:اخسنايا الذي عُرف باسم"فيليكسينوس"وسمعان الأرشامي. ومنذ ذلك الوقت عُرفت كنيسة المشرق الكلدانية باسم ((الكنيسة الكلدانية النسطورية أو الكنيسة النسطورية اختصاراً)) وهنالك دلائل مؤثقة تشيرالى اضطرارالكثير مِن أبناء الكنيسة النسطورية مِن منطقة كلدو والجزيرة للهجرة الى منطقة آثورالجبلية هرباً مِن قساوة الإضطهادات عبر العصور.                                                                                                               

ثمَّ إن كنيسة المشرق الكلدانية ومنذ تأسيسها، لم يقبل أبناؤُها ومؤسسوها الكلدان أن تبقى حكراً عليهم بل فتحوا بابها على مصراعيه أمام مُختلف الأقوام الاخرى للدخول والإنتساب إليها، فانضمَّ إليها العرب والفرس والتركمان والهنود والمغول وغيرهم، فليس بالأمرالغريب أن يرأس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة المشرق التليدة، البطريرك روفائيل بيداويذ الذي إدَّعى في آخر عهده بالآثورية أو الآشورية المُنتحَلة قومية له، طالما إتسم بسماتٍ تؤَهِّله لرئاسة هذه الكنيسة، أوحتى لو فرضته جهة سياسية متنفذة كما جرى بالفعل. وهوليس أول بطريرك من غير القومية الكلدانية بحسب إدِّعائه، فقد سبقه الى هذا المنصب مِن غير الكلدان، بطريركٌ عظيم مغولي الأصل مار يهبلاها الثالث 1283 - 1318م. وهذا لا يعني أن الكلدان في عهد مار يهبلاها أصبحوا مغولاً ولا في عهد بيداويذ أصبحوا آثوريين أو تحوَّلوا الى انتحال الآشورية كما فعلها أبناؤُهم وإخوتُهم الكلدان الإنعزاليون سكان منطقة هيكاري الجبلية في نحو الربع الأول مِن القرن التاسع عشر.

وعندما سألتُ صديقي وزميلي في السيمنير(فاروق) الأب الدكتور يوسف حَبي عن مغزى وضعه عنواناً لأحد كُتُبه (كنيسة المشرق الكلدانية - الآثورية) وكان الكتاب لا زال قيد الطبع ولم يُمهله الموت ليراه مطبوعاً. رأيت في تفسيره لمغزى العنوان، إعطاء بعض الزخم للوحدة الكنسية، التي كانت المُحاولات تجري بشأنها على قدم وساق آنذاك، فمما قاله لي: ليس مِن شكٍّ على الإطلاق بأن الكلدان هم مؤسسو كنيسة المشرق، وكوخي كانت أول كنيسة بُنيت في منطقة كلدو وأصبحت مقراً للرئاسة الكنسية ومِنها تفرَّعت الرئاسات المناطقية في كُلِّ أنحاء بلاد ما بين النهرين التي تدخل ضمنها بلاد الكلدان الأصلية (كلدو وآثور والجزيرة) وعلى هذا الأساس فإن أبناء كلدو وأبناء آثور وأبناء الجزيرة هـم كلدان وإن أختلفت مناطق سكناهم، فرأيت أن لا ضير في عنونة كتابي بهذا الاسم إرضاءً للجزء المُعاند مِن أبناء شعبنا الكلداني والمتشبَّث بالتسمية الآثورية.

الإسم السرياني
إنَّ اسم (السريان) لا عُمقَ له في التاريخ ولا يتمتع بصفةٍ قومية، لأنه فُرضَ على آراميي الديار السورية القاطنين في المناطق الواقعة غَرب الفرات مِن قبل الغزاة المصريين بداية ً وسار على مِنوالهم مِن بعدهم الغـزاة اليونانيون، تلك المناطق التي تباينت الآراءُ في تسميتها بـ (سوريا) ومِن ثم أُطلقَ على مسيحييهـا الآراميين، ويبدو أن الآراميين لم يعملوا شيئاً لإستعادة إسمهم الآرامي لاحقاً بل إستمرأوا الإسم السرياني الغريب. ولأنَّ المسيحية دخلت الى سُكّان بلاد ما بين النهرين الأصليين الكلدان عن طريق المُبشِّرين القادمين مِن فلسطين التي كانت يومها ضمن هذه الديار، أُطلق عليهم الى جانب أسمائهم العديدة التي لُقِّبوا بها اسمَ السريان الشرقيين تيمناً بهم كما يقول العلامة أدّي شير(مُقدمة تاريخ كلدو وآثور/ ج2 ص . ܕ - ܗ 4 - 5 )" وتمييزاً لهم عن الذين سُمّوا بالسريان الغربيين وهم اليعاقبة، ولكنَّ إسمهم الأصلي كلدان آثوريون جِنساً ووطناً، لأن مَنشأ كنيستهم ومَركزَها كلدو وآثور، ولغتهم الجِنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقالُ لها أيضاً الآرامية، وغلطاً سُمِّيَت سريانية كما أنه غلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سِرياناً، ويستطردُ أدّي شير: واعلم أنَّ السِريان الغربيين أعني بهم اليعاقبة أحَسّوا هم أيضاً بهذا الخطأ وأقرّوا علناً بأنَّ اسمهم الحقيقي الأصلي ليس السِرياني بل الكلداني الآثوري، فإنَّه على عهد ديونوسيوس التلمحري الذي عاش في النصف الأول مِن الجيل التاسع، كان اليونان يستهزئون بالسريان اليعاقبة ويقولون لهم: إن طائفتكم السِريانية لا شرف لها ولا أهمِيَّة، فإنه ليس لكم مملكة ولا قام في سالف الأزمان فيما بينكم ملك جليل، فاضطرَّ السِريان اليعاقبة أن يُقِرّوا ويُثبِتوا، أنَّه: ولوأُطلقَ عليهم اسم السريان إلاّ أنَّ أصلهم كلدان آثوريون، وقد صار لهم عِدة ملوك جبابرة ( تاريخ ميخائيل بطريرك اليعاقبة / ط . شابو ص . 750) .
                                                                                                                                                   وفي (الصفحة 748 من تاريخ ميخائيل) يقول البطريرك الـيعـقوبي ميخائيل< إنَّ العيلاميين والآثوريين والآراميين، وهم الذين سَمّاهم اليونان سِرياناً سُمّوا قاطبة كلداناً بإسمِهم القديم، ويُضيف نقلاً عن ديونوسيوس التـلمحري ما نَصُّه :< إنَّ سوريا هي في غـربيِّ الـفرات، فالذين يتكلمون بلساننا الآرامي، إنما على سبيل الإستعارة سُمّوا سِرياناً، لأنَّهم ليسوا إلاّ جزءاً (مِن الكُل) وأما الأُخَر فسكنوا كُلُّهم في شَرقيِّ الفرات وامتَدّوا مِن سواحل الفرات الى بلاد فارس، وقام ملوكٌ كثيرون في هذا القسم أي في بابل وآثور واورهاي أي"الرُّها" >. ويُعَقِّب أدّي شير على ما تَقَدَّم أعلاه قائلاً :" فقد تَحَقَّق أنَّ السِريان اليعاقبة أيضاً أقَرّوا بأنَّ أصلَهم كلدان آثوريون جِنساً ولغة وإنَّ الاسم السِرياني هو يوناني خارجي أُطلقَ غلطاً وزوراً علينا وعليهم، ويا ليتهم يجوزون مِثلنا عَن الاسم السِرياني ويسترجعـون الاسم الكلداني الآثوري فنُصبِح كُلُّنا شعباً واحداً إسماً وجسماً ويداً واحدة لنُنهِضَ امتنا هذه القديمة القوية، التي كَسَبَت في سالف الأزمان ذِكراً جميلاً ومَجداً عظيماً في الزمنيات وفي الروحيات "(مقدمة تاريخ كلدو وآثورج2 ص ܗ 5)

أبعدَ كُلِّ ما تقدم ذكرُه من البيِّنات والأسانيد عن أعجمية لفظة أواسم السريان يقول:المونوفيزي المتكثلك غريغوريوس يعقوب حلياني أول ميطرابوليط للسريان الكاثوليك في دمشق بكتابه< اللغة العظيمة> (إن القول بأن لفظة السريان أعجمية زعمٌ باطل دون أن يُسند قوله ببينات تؤيده! أليس ذلك طمساً لجناية نبذِه وشعبُه لإسمهم الأصيل الآرامي؟ يظهر أنَّ انتماءَه للكثلكة لم يُثنِه عن اتّباع عادات المونوفيزيين اليعاقبة بتشويه الحقائق التاريخية. ولكن الحقيقة أقوى من أن تُشوَّه، وها هو الميطرابوليط غريغوريوس حلياني يرضخ لها ويؤكد اتفاقه بالرأي مع القس يعقوب اوجين منا الكلداني حيث يقول في كتابه المشار إليه أعلاه < ومهما كان من أمر اشتقاق لفظ "السريان" فإنَّ أصحابه لم يُعرَفوا به قبل أربعمائة أو خمسمائة سنة قبل التاريخ المسيحي > أما الآراميون الشرقيون وهم الكلدان والآثوريون (وهي تسمية غير صائبة ومجحفة بحق الكلدان، لأن الآراميين أصلاً يعودون بجذورهم الى الكلدان منبع الهجرات الرئيس في بلاد وادي الرافدين) المعروف بـ " القطر البحري " لم يُعرفوا بها إلا بعد اعتناقهم المسيحية على أيدي الرسل القادمين من فلسطين الكائنة ضمن ديار ما كانت تُسمّى بسوريا الكبرى آنذاك، ولشدة تمسكهم بمسيحيتهم حتى التزمُّت، فضَّلوا إهمال إسمهم القومي الكلداني بحجة رمزيته الى الوثنية ويا لبئس تلك الحجة الواهية التي جنوا بها على أجيالهم اللاحقة! وطلبوا أن يُسَمّوا باسم مبشريهم المشرقيين"مسيحيين مشارقة" تَيَمُّناً باسمهم وليس"آراميين شرقيين" كما يدَّعي البعض عن جهل أو تَعَمُد لغايات عنصرية منافية للتاريخ والواقع. والى الحلقة الثالثة قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
23 / 11 / 2012 -  21 / 4 / 2016



26

السريان والسريانية

توطئة

في الآونة الأخيرة نلاحظ بأنَّ الكثير من أبناء شعبنا المسيحي الجاهل بالتاريخ والبعض منهم للأسف الشديد من ابناء الأمة الكلدانية الذين تراصفوا مع أبناء الطائفتين المسيحيتين النسطورية، والسريانية بشقَّيها المذهبيَين: الكاثوليكي، والأرثوذكسي(المونوفيزي اليعقوبي سابقاً) قد استطابوا بقبولهم أن يُمضوا قُدماً بتمجيد وإعلاء شأن التسمية السريانية الغريبة على لغتنا "الآرامية الكلدانية" العريقة. هذه التسمية الدينية التي فرضها ما سُمِّي بمجلس قيادة الثورة لحزب البعث الحاكم، على مسيحيي العراق عام 1972م المعادي لكُلِّ ذوي القوميات الأخرى والمقصود بها خاصةً وعمداً "القومية الكلدانية" الشاملة لكُلِّ مسيحيي العراق ما عدا الأرمَن عندما أصدر القرارَ الخاص بـ" منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية" وبذلك جَرَّد المسيحيين من قوميتهم الكلدانية الأصيلة عن سابق عِلم ومعرفة، لوثوقه الأكيد بأن السريانية لا تمت بأية صلةٍ الى القومية لا من قريب ولا من بعيد، بل هي مرادفة " للمسيحيين والمسيحية" .

وبدلاً مِن أن يعترض هؤلاء المخدوعون بذلك القرار الجائر، بعد زوال أصحابه ويُطالبوا بتغيير التسمية الغريبة وإعادة الحق للتسمية الكلدانية الحقيقية الصائبة في عهد التغيير والديمقراطية، نراهم مستمرين بتسمية ليس لغتهم فقط  بالسريانية بل حتى أنفسهم وهم غافلون لا يدرون. عفواً، إنهم يدرون كُلَّ الحقيقة، ولكن كُرها بالكلدان يُنكرونها! ألم يكن النساطرة ولا زالوا يُنادون باللغة الآثورية، لماذا أجبنوا وقبلوا باللغة السريانية؟ الجواب حاضر وبديهيٌّ: كُرهاً ونكايةً بالكلدان لأنهم يكنّون لهم بغضاً وعداءً خفياً وسافراً لا يمكن وصفُه! لقد كتبت هذه المقدمة الوجيزة والواضحة التعبير للواقع الثقافي المسيحي في عراق اليوم السنة الثانية عشرة من بدء الألفية الثالثة، سأعيد سرد المسلسل الذي كتبته بأربعة أجزاء بعنوان "السريان والسريانية " على شكل حلقات عن مدى التجني على التراث الكلداني ولغته في الماضي والحاضر.

لأنَّ شخصين نكرَين ظهرا الواحد منهما قبل فترة ليست بطويلة، والشخص الثاني هي آنسة أو سيدة لا أدري، ظهرت فجأةً إسمُها سميرة فادي وللمرة الأولى أسمع بها، وتدَّعي أنَّها كلدانية وأنا أشك في صُدقِها، لأنَّ الكلدانية المخلصة لا تخون أمتها ولا تشوِّه تاريخها، تلك الأمة الأعرق في التاريخ والأكثر فضلاً في تطوير الحضارة العالمية في عصرها، الذي يعتبره العالَم أزهى وأروع العصور التي مَرَّ على بلاد وادي الرافدَين وهو مدين لتلك الحضارة التي على أُسِسِها شيَّدَ حضارتَه الشامخة ، ولأنَّها طارئة ومتطفلة في مجال التاريخ  أشارت الى أسماء المصادر التي تدَّعي استقاءَها لمعلوماتها منها، دون ذِكر ما قالته بالفعل تأييداً لموضوها. أما الشخص فهو مِن عتاة المونوفيزين يعطي لذاته صفة كاتب للتاريخ مع أنَّ لغته العربية ركيكة وفجة تدُل على الإنتهازية والإنتقامية المشوبة بعقدة الشعور بالنقص، يُنكر وجود أكبر وأشدَّ قوَّتين بشريتين ظهرتا على مسرح التاريخ القديم في الشرق الأوسط وفي بلاد ما بين النهرَين تحديداً، هما الكلدان والآشوريون، وبكُلِّ ما أوتي من القوة الإفترائية والدجل المهلهل والجهل الفاضح، وابسط دليل على ذلك جَهلُه حتى في القاب المقامات، فيُلقِّب المطران بصاحب النيافة الخاص بالكاردينال في حين أنَّ لقب المطران هو السيادة، فهل له أن يُعلِن عن تحصيله العِلمي؟  ومَن هي الجامعة التي منحته الشهادة في عِلم التاريخ؟ وكيف يخوض ميداناً عِلمياً هو ليس أهلاً له، فيا ليتك أيها العزيز موفق نسكو تُطلعنا على مؤهلاتك في عِلم التاريخ او حتى في أيِّ علم آخر!
وليس مستَبعَداً أن الموضوع الواضح العنوان " المسيحية العراقية " الذي وضعته الكاتبة سميرة فادي، وفشلت في ايفائه حقَّه، لقصر باعِها في مجال عِلم التاريخ، ولأنَّ غرضها من العنوان كان مدخلاً لإطفاء ما كان يتقِد في داخلها من نار حِقدٍ دفين وكُرهٍ للكلدان لم تُفصِح عن سببِه ولكنَّه سينكشف يوماً " أعداء الإنسان هم أهلُ بيته "، فكلا الشخصين كان السكوت قد لفَّهما دهراً ولما تكلَّما نطقا كفراً ! وهنا أود أن أسجِّل شكري لسيدي المطران ابراهيم ابراهيم على رَدِّه المتَّزن والسديد على الكاتبة الطارئة والمتطفِّلة سميرة فادي، وإني أستميحَه عذراً لأُذَكِّرها بإغفالها المُتعَمَّد لبعض الحقائق البديهية والمعروفة لدى كُلِّ مِن له أقلَّ إلمام بالتاريخ: 
في مُستهلِّ مقالها تقول: < في أوائل القرن السادس قبل الميلاد سقطت "بابل" وهي آخرعاصمة لدولة عراقية مستقلة > والأصح " لدولةٍ رافيدينية مستقلة " لأنَّ العراق لم يكن معروفاً آنذاك. ولكنَّ السؤال: لِمَن كانت هذه الدولة يا حضرة الكاتبة؟ ولماذا أغفلتِ ذِكرَها؟ ألم تكن المملكة الكلدانية بشهادة كُلِّ المؤرخين بدون استثناء؟. إن تجاهلَكِ لذِكرها كانت لغاية سيِّئة في نفسك شرحها مشكوراً سيادة المطران ابراهيم، ولست أريد فضح نياتك العديمة الصفاء وهي انعكاس على مسيحيتِك الهشة، وأكتفي بما أشار إليه المطران عن معلوماتك التاريخية الخاطئة.

وانتهز السيد موفق نسكو هذا الموضوع مُورَّطاً نفسَه  بطرحِه أموراً لا دراية له بها ولا طاقة عليها،< فماذا تعرف عن ملفان الكنيسة الكلدانية النسطورية نرساي وميامره حتى تجعله سِريانياً > وهل أنَّ الكتاب الذي قد ألَّفه البطريرك الكلداني الحالي مار لويس ساكو بعنوان < آباؤنا السريان > في مستهلِّ اسقفيته تحت ظروفٍ خاصة تتخِذه حجة لتقول لا وجود للكلدان؟ فماذا تقول عن تصريحات البطريرك الراهنة واعترافه الصريح بقوميته الكلدانية علنا وعلى رؤوس الملأ. ثمَّ تسترسل في تخبُّطِكَ في قولك < لا وجود للآشوريين والكلدان في التاريخ المسيحي، بل إنهم سريان إذا اعتمدنا التاريخ > ألستَ بهذا الكلام تُثبتُ عدم وجود السريان قبل المسيحية، لأنَّ الإسم السرياني ليساه مرتبطاً بالمسيحية فحسب بل هو مرادف للمسيحي. وإذا مَرَّ ذِكرُه فرضاً في الكتاب المقدَّس، فنسبته لا تُعادل نقطة من بحر ذِكر البابليين الكلدان والآشوريين. وتعود لتقول بأنَّ < الدولة الكلدانية القديمة عُمرها 73 سنة " 612 – 539 ق. م > بينما الحقيقة هي (87 سنة " 626 – 539ق.م) ألستَ تناقض نفسك باعترافك بوجود دولةٍ كلدانية، وقد سبق وأنكرتَ وجود الكلدان! ثم تستمِر بمناقضة ذاتك  بقولك < وما قبلها هو بابلي وليس كلدانياً > فكيف تستطرد وتقول: < وتقسيم السلالات البابلية الدقيق هو 11 سُلالة، آخرها الكلدانية، وللإختصار هناك مَن يُقسِّمَها الى اربعة ومَن يُسقِّمها الى إثنتَين البابلية الأولى / حمورابي الأمورية والثانية الكلدانية التي تُسمّى الحديثة > أيها الإخوة القرّاء، هل هناك أنَّ بين كتبة التاريخ مزوراً للتاريخ على مثال السيد موفق نسكو بكتاباته الهزيلة؟ ألم تحكم يا سيد نسكو بكلامِكَ على نفسك وسريانك بأنكم طائفة مسيحية بمذهبين ارثوذكسي وكاثوليكي لا علاقة لها بالقومية؟ ولم يسبق لها أن كانت يوماً ما دولة؟ بخلاف البابليين الكلدان والآشوريين الذين حكموا كدول وامبراطوريات! ومادمت قد أتخذتَ من كتاب غبطة البطريرك الكلداني مار لويس ساكو الكليّ الطوبى " آباؤنا السريان " كمصدر لإنكارك وجود الكلدان أُعيد أدناه إدراج ما كتبته عام 2012 عن " التجنّي الصارخ على التُراث الكلداني " بالعنوان نفسه :

السريان والسريانية

الحلقة الأولى



التجنّي الصارخ على التُراث الكلداني

إنه تَجَنٍ كبيرٌعلى الكلدان وكنيستِهم (كنيسة المشرق) أن يُطلقَ على تُراثِها الرائع والخالد اسم (السرياني) فهو تشويهٌ صارخ ٌ للحقِّ والتاريخ! فللغة الآرامية الفصحة لهجتان شرقية وغربية واللغة الكلدانية هي ذات اللهجة الأنقى والأفصح، ومنها تولَّدت اللهجة الغربية المبتورة، كانت اللغة الكلدانية لغة التدوين والأدب قبل المسيحية، تَعَلَّمَها اليهودُ أثناء السبي البابلي وظلَّوا يتداولونَها أكثر مِن تداولهم للغتِهم العِبرية، وقد تَحَدَّثَ بها المسيحُ الرب ووالدُتُه ورُسُلُه وتلاميذه، وبعد المسيحية تَبَنَّتها كنيسة المشرق الكلدانية ام الكنائس العِملاقة ولها يعودُ الفضلُ بانتشارها في كُلِّ البقاع التي أمتذَّت إليها رقعة الكنيسة مِن العراق والى أجزاء مِن ايران وتُركيا فالديار الشامية، أليس مِن المُعيبِ والمُخجل على بعض الآباء الكلدان مِن أساقفةٍ وقُسُس ذوي مكانة في الكنيسة الكلدانية مِن تبنّيهم للإسم السرياني الغريب الذي أطلقه الأغرابُ اليونانيون على آراميي غرب الفرات، والتنَكُّر لإسمهم الكلداني القومي العَذب والفريد! إنها لَمِحنة كبيرة أن يكون الشعورُ القومي عند هؤلاء ضعيفاً الى هذه الدرجة المخجلة.

إنَّه دورٌ سلبيٌّ خطير يقوم به رجالُ دين كلدان مِن خلال كتاباتهم وبعض طروحاتهم وحتى خُطبهم يؤَدّي الى تشويه هوية الكلدان القومية، لأن معظم كتاباتهم يشوبُها عدم وضوح المفهوم القومي فيها، وفي الغالب إن لم نقل كلياً يجنحون الى المزج بين المفاهيم الدينية والقومية. ومع احترامي الكبير لآباء كنيستنا الكلدانية مِن أساقفةٍ وكهنة، فهذا لا يمنعني أن أتصدّى بانتقادٍ عِلمي وتاريخي للنصوص والجُمل والعناوين التي يعتمدونها ويوردونها في كتاباتهم عمداً أو جهلاً. وسأسرد بعضاً مِن هذه العناوين والنصوص على سبيل المثال لا الحصر:

هل مِن الإنصاف أن يُعنون الأب (المطران) جاك اسحق أحد كُتُبه حول المخطوطات الكلدانية بـ (المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد)؟ عندما تعترف بأنها رهبانية كلدانية فكيف تكون مخطوطاتها سريانية؟ أليس هذا تنكُّرٌ لإسم لغتنا الكلدانية الأجمل بين اللغات، وكيف تستسيغون استخدام اسم اللُّغة المبتورة العوجاء المتولدة من تحريف اللغة الكلدانية متجاهلين اسم الكلدانية العذب؟

وماذا نقول عن الكاتب الكلداني الكبير الأب البير ابونا، فعناوين كُتُبِه تُدهشُ بغرابتِها القاريء الكلداني، ويتهَلَّل لها مَن يُسمى بالسرياني العِدائي!
                                                                                                                                                                                                                                                     الكنيسة الكلدانية السريانية الشرقية الكاثوليكية: فأضاف بذلك صفتين للكنيسة إحداهما مقبولة هي الشرقية لأنها في المشرق تأسست، والأخرى غريبة ومكروهة هي السريانية، فشوَّهت الكلدانية الحقيقية النبيلة، هذه التسمية التي أطلقها المصريون أولاً ثم البيزنطيون اليونان على نابذي تسميتهم الآرامية وهم ذاتهم الذين   تجنوا على التسمية الكلدانية في غفلةٍ من الزمن الرديء وسلبوا تُراثها ومنجزاتها!
                                                                                                                         
 تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية:أهو إبداعٌ شخصيٌّ! أبانا الفاضل أم فـذلكة لغوية؟ أم تعمُّد في طمس الكلدانية، إتَّق الله وكن أميناً مع التاريخ يا عاشق الاسم الغريب.!     

                                                                                                         تطوُّرالفكراللاهوتي في كنيسة المشرق: وردت جملة (كانت لغة التعبيرعن الديانة المسيحية هي الآرامية في مُعظم مناطق بين النهرين ...) لا بأس فإن اللغة الكلدانية يُطلق عليها الآرامية أيضاً كما قال العالِم الشهيرالمطران يعقوب منا في قاموسه (الكلداني – العربي ص 338) ولكننا نقول: إذا كان مَن تبقَّى مِن الآراميين قد نبذوا الآرامية واستبدلوا إسمها بالسريانية التي فرضها عليهم الغرباء، فكيف تجني على علماء كنيسة المشرق الكلدانية وتعزو إليهم التعبيرعن مسيحيتهم بالآرامية وأنت واحد من علماء كنيسة المشرق الكلدانية؟ ألم يكن الواجبُ يقتضي منكم مناهضة العلماء الذين خدعهم المُسمَّون بالسريان زوراً لكي يعتمدوا لغتهم العوجاء، وتُعيدوا الحقَّ الى أهله ليخزى الساطون؟ ما الذي أغراك بعدم ذكر الكلدانية وما هو سِرُّ غرامكِ المفرط بالآرامية التي نبذها الذين كانوا أصحابها؟ وأنت تعلم أنَّ الآرامية هي تسمية تُغطي عِدة لهجات، وأنَّ الكلدانية هي اللهجة الأفصح والأنقى بين اللهجات الآرامية!

كتاب الرؤساء/ توما المرجي/ترجمة الأب ألبير أبونا:
                                                                                                                          هل كان هذا الكتاب بالآرامية ام بالسريانية؟ ألم تُترجمه مِن الكلدانية أيها الأب الفاضل؟ والدليل على ذلك الهوامش التي تذكرها في الكتاب نفسه ومِنها مثلاً: والأب بولس بيجان الذي أعاد طبع النص الكلداني وغيره ممن كتبوا في الآداب السريانية. وذكرتَ فيه: (في سنة 1893 م قام العلامة المُستشرق الإنجليزي السير ي. أبدج بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية، وأيضاً حتى المرء ليعجب مِن سعة إطلاع هذا العالِم على دقائق اللغة الكلدانية) إذا كان الأجنبي يعرف بأنها الآداب الكلدانية وأنت تُسميها (الآداب السريانية) أليس هذا عجباً بين أصيل يُنكرأصالته ودخيل يؤَكِّدها!!

أدب اللغة الآرامية:
 
وبهذا العنوان يُظهر الأب ألبير أبونا أوج استخفافه بالاسم الكلداني الحقيقي لها، ويُحاول إحياء الاسم الميِّت والمنبوذ. وإذا أردنا أن نسرد خلط َالأب البير أبونا الحابل بالنابل في استخدام المفاهيم، فعلينا أن نضع فـيها مصنفاً كبيراً ولذلك نكتفي بهذه الأمثلة كنماذج لإطلاع القاريء الكلداني، ليتأكد مِن مدى استخفاف بعض خريجي المعهـد الدومنيكي في الموصل مِن أبناء الكلدان الذين استجابوا لغسل أدمغـتهم من الإعـتزاز بقـوميتهم الكلدانية وتُراثها العظيم! ولا ندري لماذا إتصف المُرسَلون الدومنيكان بالغيرة من الكلدان والحقد عليهم الى حَدِّ إفراغ عقول الطلبة الكلدان الدارسين في معهدهم من الشعورالقومي الكلداني، وحشوها باستخدام الإسم السرياني الغريب نكاية ً بالكلدان ما دام الكلدان قد دخلوا الى حلبة المنافسة الدينية والثقافية معهم ولهذا اقتضت محاربتُهم من خلال أبنائهم.

وفي مقاله (أرشيف البطريركية الكلدانية) يقول المرحوم الأب بطرس حداد وهو يُطري اللغة الكلدانية (إنَّ السلف الصالح كان يعتز باللغة الكلدانية، فالمُراسلات بين البطريركية والإكليروس كانت تتم بهذه اللغة الشريفة، وتراجعـت تدريجياً في عهد البطريرك عمانوئيل) بينما في مقال آخر له يُعنونُه (الكتابات السريانية في ديارات المشارقة) تُرى، ماذا نُسمّي هذا التناقض؟ كيف يُعقل، ديارات مشرقية وكتابات سريانية؟ ولماذا يا أبانا سمَّيتَ الكتابات الكلدانية بالسريانية وأنت متأكد من حروفها الكلدانية؟ هل هو سهو أم تَعَمُّد  الغاية منه التعتيم على الكلدانية؟

أما الأب لويس ساكو(المطران) مع احترامي لثقافته وعِلمه، فقد وضع عنوان أحد كُتُبه (آباؤُنا السريان) وكأنه مطران سرياني وليس كلدانياً، ويجعل مِن الآباء العلماء العباقرة الكلدان سرياناً، وفي الحقيقة  لم تسنح لي شخـصياً الفـرصة للإطلاع عليه، ولكنني أحكم عليه مِن عـنوانه(ومِن سيمائهم تعرفونهم). وقد سبقَ لي أن إنتقدتُ مـقالاً نشِرَ في موقـع إلكـتروني (نيركال كَيت) وكذلك نُشرَ في موقع بَحزاني بعنوان "  السريان ... الإطار التاريخي والجغرافي" باسم المطران لويس ساكو، وكان عنوان مقالي" ضمور الشعور القومي لدى الكلدان" نـشِر في موقع عنكاوا .كوم في 24 / 5 / 2007 م فَنَدتُ فيه المغالطات التي وردت في المقال . والى الحلقة الثانية قريباً
الشماس د. كوركيس مردو
في 7 / 11 /   2012 / - 14 / 4 / 2016 

27
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع والأربعون
القادة والوجهاء يحاولون توحيد الشعب وازالة الخلافات والقيادة الدينية (السابقة) تُفشلها

« في: 06:32 28/12/2013  »
نعم اقولها بصراحة لانها الحقبقة التي يراها المبصرون والتي يغفل عنها الذين غشت كساوة الحقد والغيرة والتخلف اعينهم .. انها الحقيقة المرة التي نعيشها بكل تفاصيلها فبعضنا لا يزالون في قمة التخلف هذا التخلف الذي لم ينافسهم عليه الا عبدة الاصنام وان هذا البعض قد تفوقوا حتى على عبدة الاصنام في تخلفهم لانهم تعايشوا مع الذين يعبدونهم وشاهدوا بام اعينهم سيئاتهم كلها ولكنهم اغمضوا اعينهم وصموا آذانهم واغلقوا افواههم مخافة ان يقولوا كلمة الحق التي اوصى بها ربنا يسوع المسيح ونادى بها الرسل وثقف عليها المشرعون الشرفاء....... هذه المقدمة هي لتعريف القراء الاعزاء كيف ان العلمانيون الاثوريون (كما يطلق على كل من لا يحمل درجة كهنوتية خطئا) يحاولون بكل ما منحهم الرب من قوة لاحلال السلام بين شعبهم وازالة كل عوامل الفرقة ومن جهة اخرى نرى كيف ان قياداتنا الدينية (السابقة) استماتت من اجل ابقاء الوضع المتردي كما هو تلبية لرغبة الانكليز هذه الرغبة التي اتفقت مع تطلعاتهم الاستعلائية والعنجهية الفارغة التي لا تمت للفكر المسيحي بصلة ....سوف اقسم محاولات المصالحة الى مراحل كالاتي :
المحاولة الاولى  : (من كتاب مار ابرم الهندي حول سيرة مار طيماثيوس ) في 21 / تشرين الاول / 1923 بينما كان مار طيماثيوس (الوصي على مارشمعون الطفل آنذاك) في لندن تلقى رسالة من اغا بطرس الذي كان كذلك موجودا في لندن وهذا مضمون الرسالة :
ابانا المحترم مارطيماثيوس الممثل البطريركي ومطران عام الهند . ليحل السلام باسم ربنا مع تقبيلي اياديكم راجيا صلواتكم . علمت بوجود غبطتكم في لندن كممثل للبطريرك للسعي لدى الامة البريطانية من اجل مصلحة وكيان امتنا الاثورية . واني لست فقط بمسرور جدا فحسب بل اود ان اعلمكم بان تلك هي رغبتي القلبية ايضا . وانطلاقا من ذلك اطلب من كل قلبي ان ننسى جميع الاحداث الماضية . وبقلب صاف ملؤه المحبة والسلام امد يد المصافحة بواسطة ابوتكم طالبا السلام والعفو من العائلة البطريركية وبكل تقدير واجلال . وعليه اعترف بالبطريرك المحبوب الشريف كرئيس عام لامتنا الاثورية ومنذ هذه اللحظة انني اضع كل امكانياتي في خدمة ابوتكم كممثل للبطريرك لبلوغ هذا الهدف النبيل الذي يرمي الى ايجاد وطن قومي لامتنا تحت حماية ووصاية بريطانيا العظمى وفق الخارطة التي تجدوها ملائمة . واني اعاهدكم باني ساوفي بكل ما كتبت لاكون اخلص خادم لعائلة بطريركنا المحبوب المقدسة كما كنت في عهد سيدي المرحوم المارشمعون بنيامين واكثر . هذا ولي الشرف ان اكون خادمكم وتحت امركم في جميع الخدمات الوطنية ......(راي الكاتب : ان هذا التنازل الكبير الذي قدمه القائد العظيم اغا بطرس من اجل انقاذ امته ليقطع دابر كل حجة تلجا اليها هذه العائلة في افشال هذا المشروع لم يقدمه قائدا بمستوى اغا بطرس على مدى التاريخ ولكن يبدو ان العمالة للانكليز عند هذه العائلة كانت اهم  من مصلحة الامة ).
وفي 8 / تشرين الثاني / 1923 اجاب المارطيماثيوس على رسالة اغا بطرس بقبوله المصالحة آملا ان يقبل البطريرك عرضه . ثم قام على الفور بارسال نسخ من رسالة اغا بطرس الى الشخصيات الانكليزية التالية :
1 / اسقف كانتربري
2 / مالركوس كورزن (وزير الخارجية )
3 / دوق ديونشاير (وزير المستعمرات)
4 / السير جون شكبوري (نائب الوزير الدائم لدائرة المستعمرات)
5 / فخامة المستر اورمبسي كور (وكيل الوزارة)
لقد كان لمحاولة الصلح هذه صدى خطير في الشرق الاوسط لان (دكتور ويكرام) الانكليزي الذي كان يعرف اغا بطرس ... فكتب الى سكرتير اسقف كنتربري ضد تلك المصالحة وندرج ادناه بعض العبارات التي وردت في رسالته :
(يظهر ان اغا بطرس موجود الان في لندن . انا واثق بان لدى لندن المعلومات الكافية التي تجعلها لا تصدق هذا المخادع المتمرس . لقد كانت هنالك خطة لذهابه الى العراق ثانية لتحريك الاحداث ليجعل من نفسه ذات فائدة . ان ذلك بالنسبة له هي بمثابة تبديل مهنة , لقد احتج الناس هنا على مجيئه ولقد اعتقدوا بانه قد بدا برحلة العودة لذا تجمهروا على رصيف ميناء البصرة منتظرين وصوله وبحوزتهم تذكرة لاعادته فورا من حيث اتى الا انهم لم يجدوه على تلك الباخرة . لان السلطات في العراق (يقصد سلطة الانتداب) تعرف من هو اغا بطرس وعليها ان تعلم بوجود هذا المحتال هناك في لندن ) ....... وفي 7 / كانون الاول / 1924 كتب الدكتور ويكرام الى المارطيماثيوس ما يلي :
( املي ان تكون قد عرفت حقيقة اغا بطرس لعلمي بان نواياكم صادقة ومقاصدكم مسيحية . وان هدفكم الوحيد هو خدمتكم لامتكم الاثورية دون شك ... ان للرجل قوة وقابلية حقيقية وبامكانه ان يقدم الكثير لامته اذا رغب بذلك واني واثق بانه يحب ذلك مثلما يحب نفسه لكن على المرء ان يسال احد الساسة في انكلترا , هل يمكن لهذا الرجل ان يستقيم ؟ اني اؤمن بان الارادة الربانية قادرة على كل شيء حتى تبديل جلد الهندي او مسح التنقيط من جلد النمر . المطلوب من الاثوريين سواء عملت بريطانيا لصالحهم ام لم تعمل ان يوحدوا صفوفهم وعلى بطرس ان يفهم هذين الامرين :
1 / ان الكرسي البطريركي هو محور هذا الاتحاد .
2 / كل الوعود التي تقطعها فرنسا للاثوريين لا يمكن الاتكال عليها او الثقة بها ويبقى املها الاخير والوحيد في الايمان بالله والاعتماد على نفسها ووحدتها التي يضحي رجالها من اجلها . هذه كلماتي الاخيرة لبطرس ولكم ) ... (راي الكاتب : ايها القاريء العزيز ان راي الشخصي بهذا الموضوع هو ان استماتة دكتور ويكرام لعدم عودة اغا بطرس لم يكن من اجل ارضاء العائلة المارشمعونية بقدر ما كان من اجل مصلحة بريطانيا لانه كان يعلم جيدا ان اغا بطرس هذا القائد العظيم لا يمكن ان يفكر او يعمل مطلقا  ضد مصلحة شعبه حتى ولو اعطى آلاف الوعود للعائلة المارشمعونية وللانكليز ولقد اعترف دكتور ويكرام بذلك حين قال في رسالته لسكرتير رئيس اساقفة كنتربري بما معناه ان الله القادر على كل شيء قد يعجز في تغيير اغا بطرس ويقصد هنا بالتغيير هو تفضيل مصلحة الامة على مصلحة بريطانيا ) ......
وبالرغم من استمرار مارطيماثيوس باتصالاته باغا بطرس الذي عاد الى فرنسا الا ان مارشمعون وسرمة خانم رفضا مصالحته وامرا مارطيماثيوس بقطع كل اتصال معه ......
المحاولة الثانية :في عام 1954 توفي ملك خوشابا اثرمرض عضال في داره في مدينة الموصل واقيمت مراسيم الوفاة في كنيسة ام المعونة الكلدانية في الدواسة وحضرها كافة رؤساء العشائر والوجهاء ورجال الدين الاثوريين والعرب والاكراد وقد حضر ايضا المطران ماريوسف خنانيشو بعد قطيعة استمرت منذ 1933 وبقي لمدة ثلاثة ايام حتى نهاية المراسيم وفي عام 1955 قام يوسف ملك خوشابا بزيارة المطران مار يوسف خنانيشو في مقره في بلدة ديانا ردا لمشاركته في جنازة والده (ملك خوشابا) وبعد اشهر من ذلك قدم وفد من مدينة كركوك يمثل وجهاء الطرفين من (مؤيدي ملك خوشابا ومؤيدي مارشمعون ) وطلبوا من يوسف ملك خوشابا ان يوافق على سعيهم من اجل اقامة مصالحة عامة كنسية وسياسية تشمل كافة الاثوريين في العالم فلم يعترض يوسف ملك خوشابا على مقترحهم ولم يفرض اي شروط تعجيزية على مسعاهم سوى انه طلب منهم ان يكون موقع الاجتماع الاول في مكان محايد يحدده الوفد وان يشترك في المفاوضات عدد محدد من رجال الدين ورؤساء العشائر والوجهاء بصورة متوازنة من الطرفين لانها يجب ان تكون مصالحة شعب باكمله ومصالحة مبدئية تدرج فيها كافة التفاصيل لكي لا يحدث اي خلاف حول اي نقطة في المستقبل (اي يكون بمثابة دستور لا يحيد عنه احد) ويكون الاساس في المفاوضات هو نسيان الماضي وعدم ذكره في المفاوضات والبدء من الصفر للعمل بجد من اجل مصلحة الامة .... لقد ارتاح الوفد بطرفيه بهذه المقترحات والتي اعتبرها افضل ما يمكن تقديمه للامة وتوجه بعد ذلك الى ديانا حيث مقر اقامة ماريوسف خنانيشو وطرحوا له الافكار التي جلبوها معهم واقترحوا ان يكون الاجتماع في مدينة كركوك كمنطقة محايدة ... في البدء وافق المطران مار يوسف خنانيشو على المقترحات ولكنه طلب منهم ان يمهلوه فترة اسبوعين للتشاور مع جماعته ... وبعد اسبوعين توجه الوفد الى ديانا للاتفاق مع غبطة المطران على موعد الاجتماع لانهم سبق وان اتفقوا مع يوسف ملك خوشابا على هذه الامور ولكنهم تفاجئوا باجابة غبطة المطران لهم حيث قال (انا لا استطيع الذهاب الى كركوك لانها بعيدة بالنسبة لي وكذلك ليس هنالك من حاجة لجمع عدد كبير في الاجتماع واقترح ان يكون الاجتماع هنا في ديانا بيني وبين يوسف ملك خوشابا ) ... بعد ان سمع الوفد هذا الكلام من غبطته علم بان غبطة المطران قد تلقى توجيهات من جهات معينة بافشال المحاولة خاصة وان العلاقات العراقية البريطانيىة كانت تمر باوقات حرجة بسبب تسليم القواعد البريطانية في العراق الى الجيش العراقي .. وعاد اعضاء الوفد الى دورهم بعد فشل محاولتهم النبيلة التي كانت تصب في خدمة شعبهم ..........
وسنأتي الى ذكر محاولات اخرى جرت بهذا الخصوص واهمها محاولة مالك لوكو شليمون رئيس عشيرة التخوميين .....
رسالة مالك لوكو شليمون الى المطران ماريوسف خنانيشو عام (1966 )
« في: 08:13 03/01/2014  »
بيروت / تشرين الثاني / 1966 ...
معالي الاب وسيادة ماريوسف خنانيشو مطران الكنيسة الشرقية والوكيل البطريركي... صلواتكم وبركاتكم نطلبها منكم ...  يا صاحب السيادة: لقد مضى زمن طويل على انقطاع اتصالنا بكم : بسبب التناقض الذي حدث في الافكار منذ مجيئكم الى سوريا في المرة الثانية عام 1956م . ولكننا الان نرى بان الموقف قد اصبح حرجاً جدا ويتطلب ان نترك الماضي وننسى كل العقد الصغيرة والمشاكل التي بيننا، ويلتزم احدُنا الاخر كالاخوة بقلب صافي، حتى نتمكن من انقاذ انفسنا وملتنا من الصعوبات التي تقف في طريقنا. وهدف هذه الرسالة هو: الصراع مع نفسي ومع الاخرين ايضا، ولكن هنالك املاً كبيراً بعون الله بان يكون  هنالك مخرج جيد ومفرح اذا توفَّرت لدينا نوايا صافية ومحبة الله في قلبنا.
سيدي المطران ماريوسف: لا اعلم ما الذي سيُخامرك بهذه الرسالة غير المتوقعة! ولكن تاكد بان فكرتي هذه ليست جديدة، و لفترة طويلة كنت افكر في ايجاد طريقة مناسبة التي بواسطتها نستطيع التقرب من بعضنا: ونعدل اخطاءنا التي تسبب الفتنة والخراب والإضرار بكنيستنا وامتنا. وسالت اشخاصا كثيرين قائلاً: يا رب من هو الشخص الذي له تاثير اكبر والذي يستطيع ان يعمل من اجل السلام ووحدة هذه الامة المنكوبة والمظلومة والمتقطعة الاوصال، والتي اصبحت اطرافها تعمل ضد بعضها .. ولحد ألآن لم اتمكن من ان اجد واختار احداً آخرَ غير سيادتكم . اذا كنتم موافقين للعمل معاً. وبلا شك هذه هي مقترحاتي الشخصية: وبموجب الامور التي نمر بها في هذا الزمان اني ارى،  وبالرغم من ان سيادتكم قد اصبحتم محسوبين كطرفٍ إلا أنَّ نسبة المؤيدين والمُطيعين من أبناء مِلَّتِنا لسيادتكم ستتعدّى الثمانين بالمِئة في حالة تبنيكم موضوع المُصالحة والعمل على وحدة الأمة ليحلَّ السلام فيها، وسنكون مدينين لكم بهذا الجهد! ولا تُعيروا اهتماماً لأقوال مَن لا يتحملون المسؤولية ولا يُبالون بالنتائج...

يا صاحب السيادة ماريوسف: يجب ان ننظر الى الأمم الأخرى البعيدة والقريبة ونتعلم الدروس منها، حيث مارست مُختلف الفضائع والقتل فيما بينها، وكانت خسائرها باهضة جداً بالمادة والأرواح، ولكنها في الآخر جلس أبناؤها الذين عاد إليهم رُشدُهم حول مائدة المُفاوضات واضعين المصلحة العامة في المقدمة نادمين ونابذين الأخطاء التي وقعوا فيها، فتلافوها فيما بينهم.  ومن المؤكد ان مثل هذا الأمر لا يتم إلا بفضل جهود مضنية وتضحيات من قبل الاشخاص الاكثر مقدرة وتاثيرا وحكمة مثل سيادتكم ...
لناخذ عبرة من لبنان (في سنة 1958) تقاتلوا مع بعضهم وقتلوا ألآلاف والحقوا اضرارا كبيرة بوطنهم ولكنهم احسوا على خطئهم وتاسفوا على كل ما حصل وجلس الطرفان المتحاربان على مائدة واحدة (في الوقت الذي كان الطرفان احدهما مسلماً والآخر مسيحياً) وعدلوا عن اخطائهم كاخوة وتصالحوا تحت شعار (لا غالب ولا مغلوب) .... نشكر الرب لاننا بعيدون جدا عن هذا النوع من العداوات التي حدثت بين اللبنانيين والتي كانت قد تكون سببا لعدم تمكننا من الجلوس مع بعضنا ونتباحث ونعدل عن اخطائنا حتى لا نلام في تاريخ امتنا ...
اني شاهدت ولا زلتُ اشهد الإنشقاق  الذي حدث في صفوف أبناء امتنا منذ عام 1932م قسمها الى قِسمين مُعاديَين احدُهما للآخر، وألآن أراها منقسمة الى اربعة اقسام ومن المُحتمل ان تنقسم الى ثمانية!... والخ ...
كما ارى أعداءنا يتحينون بحقدٍ الفرصة ليضربوا ضربتهم القوية والقاتلة لكنيستنا وامتنا، وهذا معروف لدينا جميعاً... وهم أقوياء سلبونا ولا زالوا يسلبوننا وعيوننا مفتوحة، ونحن منشغلون بضرب رؤوس بعضنا بدون رحمة، مُلقين اللومَ احدُنا على الآخر بقولنا (إنه خطا فلان من الاشخاص) ولكننا بهذا المنطق لا نستطيع ان نبرئة انفسنا من اللوم ... لقد مَرَّت على الإنقسام الواقع بيننا 34 سنة ، تُرى، ما هي الفائدة التي جنيناها؟ من المؤكد ان الاجابة اواقعية يجب ان تكون هكذا: إنَّ ما
جنيناه كان خسارة كبيرة بفقدان آلآف الابرياء، وتاخرنا عن اللحاق بالتقدم لسنين عديدة، وعرَّضنا اتحادنا القومي للخراب وفقدنا حقوقنا كامةٍ قدمت الكثير من التضحيات من اجل السلام العالمي (بالرغم من قلة نفوسنا) وازدَدنا حِقداً وكُرهاً واحدُنا  للآخر ووسمنا بعضنا البعض بالخيانة، والمُستفيد الوحيد من ذلك  كان اعداؤنا الذين سعدوا بتناحُرنا، وكان ذلك الأكثر سوءاً في تاريخنا... واليوم لم نَسلَم حتى على ديننا وايماننا وكنيستنا ومسيحنا حيث سلمناهم لأعدائنا الغير مؤمنين نتيجة إصرارنا على عنادنا.. ماذا ينتظر الآخرون ليحُل بنا أكثر مِمّا أصابنا من مرارة نتائج تلك الأعمال الخاطئة الظاهرة علينا؟ ؟ من هو القادر على تبرئة نفسه من هذه الملامات عندما تاتي ساعة المحاكمة للجميع ؟ أو الأخطاء التي كانت سببا لتخريب الامة ؟ لا اعتقد بان احداً منا يستطيع ان يبريءَ نفسه ...
اذاً، الى متى سنبقى نركض خلف هذه الاعمال التخريبية وجلب الاضرار الكبيرة لأنفسنا ؟ متى نرعوي؟ ومَن لنا أن ننتظره لياتي ويشفي جراحنا العميقة وامراضنا القاتلة ؟ اين هو هذا النبي الذي سيرسله الله ليصالحنا مع بعضنا لكي نوقف هذه الاعمال المخربة، ونستبدلها بأعمال الخير لنزيد المحبة القومية لبعضنا البعض؟ وانني متاكد بانه لا يوجد لنا اي صديق مخلص في العالم يكن لنا المحبة ليعمل على مصالحتنا اذا لم نستيقظ من غفوتنا ونتبادل الصلحَ بانفسنا  .. قد تكون اليوم امامنا فرصة ثمينة وامل بالنجاح، ولكننا لا نعلم ما الذي سيحث في الايام القادمة، لان خرابنا يسير بسرعة كبيرة للامام . ابانا ماريوسف: اكتب لك شخصيا بقلب مخلص وبسيط وبدون غموض: وبسبب معرفتي بسيادتكم. إذا كنتم تنظرون إليَّ بنظرةٍ اخرى تحملونها عني بعيدا عن واقعي فهذا غير صحيح .. وفي الآخر فإنَّ تاريخ الامة سيقيم كل واحد حسب اعماله. ولكن علينا تأجيل ذلك هذه  في الوقت الحاضر لان طرحها الان ليس بالوقت المناسب ...
من الممكن ان تتساءل لماذا أقدمت على الكتابة عن خراب الامة ... وهل انا الوحيد المسؤول والمهتم بالخلافات التي حدثت وتحدث في الامة ؟ ولعلَّك ستعتقد بانني اتباهى بشهرتي القومية أوبفلسفتي او بايماني .. كلا، ثمَّ كلا  وللمرة المِئة كلا ... واشعر بنفسي بأنني بسيط  أكثر من أيِّ احد آخر .. ولكنني ارى أن الخراب يزداد من وقتٍ لآخر ومن سنة لاخرى، واخاف كثيرا من  خراب كهذا قد يكون السبب في ضياع امتنا وكنيستنا! والخراب كله ينبع من رئاسات الامة، إذ لو أرادت الرئاسة قيام الوحدة، لتوحَّدت الامة كلها بدون اي شك!  وانا اعتقد ولي امل كبير، اذا حاول سيادتكم للعمل على المصالحة والوحدة بارسالكم رسالة تدعو للسلام الصافي وبصدق لكل ألآثوريين الذين يعيشون في كل بقاع العالم، سوف يتقبلونها بمُختلف  درجاتهم وقبائلهم (طوبى لصانعي السلام لانهم ابناء الله يدعون) لهذا لنا الامل بعدم التفكير وذكر كل ما حدث في الماضي بين هذا وذاك ويجب ان يترك وينسى .
حاول ان تجد طرقا مقبولة لتقريب أبناء امتنا من بعضهم، ونحن بكل مقدرتنا سنكون مساندين لكم اذا احتجت الينا، ولديَّ وطيد الإيمان بانَّ مُحاولتك ستنجح بعون الله .. يا ليتكم يكون تمنحون لنا فرصة للالتقاء بسيادتكم: لنتكلم معكم شخصيا بكل ما كتبنا. ولعدم حصولنا على هذه الفرصة لذلك اضطررنا للكتابة اليكم ...
وفي الختام نأمل بانَّكم ستفكرون ملياً بطلبنا هذا، وتدرسونه بعمق وروية، عسى أن تجدوا من خلاله طرقاً مناسبة ومقبولة لسلام شامل .. وننتظر ان نسمع من سيادتكم ...
الخادم المؤمن للكرسي الرسولي لكنيسة المشرق :
لوكو شليمون بيداوي ...

الرسالة الثانية من مالك لوكو شليمون الى المطران ماريوسف خنانيشو:
آذار / 1967
لغبطة ابانا المعالي ماريوسف خنانيشو مطرابوليط كنيسة المشرق : والقائم البطريركي نطلب صلواتكم وبركاتكم ...
ارسلنا لكم رسالة بيد احد المؤمنين في تشرين الثاني 1966. ومنذ ذلك الوقت ننتظر الاجابة من سيادتكم ....
الخادم المؤمن للكرسي الرسولي لكنيسة المشرق...
لوكو شليمون بداوي

(هذه كانت الرسائل التي ارسلها المرحوم مالك لوكو شليمون لسيادة المطران ماريوسف خنانيشو بهدف مصالحة كافة الاطراف من اجل وحدة الامة والكنيسة، ولكنه لم يتلقَّ اية اجابة لا على رسائله ولا على مبادرته)... والى الجزء الخامس والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 27 / 2 / 2016

28




الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثالث والأربعون
الانشقاق في الكنيسة النسطورية الاثورية / عام 1964 / (الجزء الاول)
 « في: 05:53 12/01/2014  »
ننقل وبتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون ما دوَّنه السيد بولص يوسف ملك خوشابا بصدد الإنشقاق في الكنيسة النسطورية الإنعزالية التي أضيفت إليها لاحقاً صفة الآثورية، في مقالته بالتاريخ اعلاه. حيث يقول: قبل ان نبدا التكلم عن الانشقاق الذي حدث في الكنيسة علينا معرفة كيف كان وضع كنيستنا منذ ان تسلم البطريرك مار اوراها اوقاف الكنائس سنة 1850 بعد نفي الامراء الاكراد على اثر المذابح التي قاموا بها ومنح البطريرك مار اوراها حق تمثيل الاثوريين امام السلطة العثمانية بفضل آلاف الدماء التي قدموها ابناء عشائر تياري العليا وتياري السفلى وديز ومن ثم تخوما وبالجهود التي بذلها رؤساء هذه العشائر لدى ممثلي الدول امثال القنصل البريطاني وقداسة البابا (الذي ارسل مبلغا كبيرا من المال الى البطريرك الكلداني الذي سلمها الى مالك بتو وتم توزيعها على العشائر المتضررة التي ساعدتهم على العودة الى اراضيهم واعادة تنظيم حياتهم ) ولكن البطريرك مار اوراها لم يستغل تلك الواردات التي كانت تاتي من املاك الكنائس لاجل تهيئة طلاب لدراسة العلوم الدينية لكي ينهضوا بالكنيسة التي كانت قد عانت الكثير من الحرمان بسبب سيطرة الامراء على املاكها ...والاسباب الرئيسية كانت في ابقاء كهنة الكنيسة غارقين في تخلفهم  الذي يقودهم الى الطاعة العمياء للقيادة الدينية وعدم الاعتراض على كل ما يبدر من اخطاء من قبل القيادات الدينية ولنفس السبب نجد ان القيادة الدينية كيف حاربت وحرضت الشعب ضد الارساليات الغربية بحجة المحافظة على المذهب وبعملها هذا وبتشجيع ملموس من قبل الإنكليز الجواسيس الذين قدموا من انكلترا بصفة قساوسة وحلوا ضيوفا مكرمين في دار البطريرك وقد عملت على حُرمان ابناء العشائر من ارتياد المدارس والتعلم والانفتاح على العالم الجديد آنذاك نتيجة هذا الفكر التخريبي للامة.
والسبب الثاني كان الصراع الذي كانت بوادره قد بدات تظهر للعيان في داخل العائلة الشمعونية على كرسي البطريركية حيث كان كل طرف يحاول كسب تاييد العشائر ورجالات الدولة العثمانية والمتنفذين الاكراد الى جانبه وهذه كانت تتطلب البذخ في الصرف على الديوان المفتوح للضيوف مما حدا بذهاب اموال وواردات الكنيسة الى هذه الدواوين في الوقت الذي نرى فيه كيف ان ابناء اورميا استفادوا من هذه  الارساليات التي كان لها الفضل الكبير في تنوير عقول ابناءئها الذين تلقوا تعليمهم في هذه المدارس والتي بلغ تعدادها ما يقارب المئة مدرسة موزعة على كل مناطق تواجد شعبنا (المصدر: كتاب التاريخ ألآثوري لمؤلفه الاستاذ كورش يعقوب شليمون : الصفحة 89 ) واكملوا دراساتهم العليا في كلية اورميا وتخرج منهم اطباء وقادة ومدرسون ورجال دين ذوو عقلية متطورة وان اتهام البعض لهذه البعثات التي اطلق عليها تسمية البعثات التبشيرية مؤسف جدا واننا نقرا ونسمع هذه الايام التهجم على هذه البعثات واتهامها بان هدفها كان تغيير معتقداتنا , وكانت هذه البعثات تتبع الكنائس البروتستانية والكاثوليكية والارثدوكسية الروسية.
اما الكنيسة الانكليكانية الانكليزية فلم تقم باي دور سوى انشاء مدرستين في بيباد ووان  لانها كانت منشغلة بتطبيق سياسة بريطانيا في توريط ألآثوريين ....نعم لقد كان هناك آنذاك تنافس مذهبي ولكن هذا لا يعني ان نترك كل الايجابيات من اجل ان يستمر ابناؤنا وبناتنا بالقاء انفسهم امام اقدام البطريرك او المطران لكي يضع اقدامه المقدسة على ظهورهم من اجل شفائهم من الامراض او ان يتزاحموا في صفوف  من اجل الحصول على قليل من الماء الذي اغتسل به البطريرك او المطران ليشربوه لاطفالهم لكي ينالوا البركة ولا يصابون بالامراض .... لا اعتقد بان من هم من جيلنا لم يسمع بهذا التخلف الذي كان يشجع من قبل رجال الدين الكبار لاستمرارية عبادتهم.....وللاسف الشديد ان هذا الوضع استمر العمل به والذي تجسد في قيام غبطة المطران مار يوسف خنانيشو برسامة ابن شقيقته الطفل مار ايشاي شمعون بطريركا للكنيسة بالرغم من معارضة غالبية ابناء الشعب على ذلك .لقد حاول بعض رجال الدين الحريصين على رفع شان الكنيسة امثال الشماس يوسف قليتا (القس يوسف قليتا لاحقا) فطرح موضوع شراء مطبعة من الهند لاستخدامها في طبع الكتب باللغتين الانكليزية والاثورية الحديثة والقديمة فتبرعت جميع الفئات الاثورية في مخيمات بعقوبة لجمع المبلغ الذي يكفي لذلك وقد سلم المبلغ الى الشماس يوسف ايليا قليتا الذي كان ذا المام كبير باللغة الاثورية الحديثة والقديمة واللغة الانكليزية وكان من المتحمسين للحفاظ على تراث اللغة الاثورية وطقوس الكنيسة الشرقية . وبعد شرائه لهذه المطبعة من الهند جاء بها الى الموصل لان الاثوريين كانوا قد تركوا بعقوبة آنذاك وكان يديرها الشماس المعروف داؤود بيت بنيامين وبقيت هذه المطبعة بحوزة الشماس يوسف قليتا حيث كانت المورد الوحيدالذي يغذي الطلاب الاثوريين ومحبي التعلم باللغتين الاثورية والانكليزية وكذلك كان له الفضل الاكبر في تاسيس وادارة المدرسة الاثورية التي تخرج منها غالبية المثقفين الاثوريين وبقيت المطبعة تحت ادارته حتى عام 1928 . ثم اخذت منه من قبل المار شمعون الذي اتهمه بانه يستغلها لمصلحته الخاصة بينما كان رد الشماس يوسف قليتا هو ان العائلة المارشمعونية قد خانوا الكنيسة الشرقية وربطوها بعجلة كنيسة الكنتربري الانكليزية وهكذا حصل نزاع بين الطرفين بشان تلك المطبعة ولجأوا الى القضاء وفي عام 1927 جاء مطران الهند المارطيماثيوس الى الموصل وكان المارشمعون على خلاف معه فقام هذا المطران برسم الشماس يوسف ايليا قسيسا . الا ان المارشمعون لم يعترف بتلك الرسامة لذا حرمه ولكن القس يوسف استمر في اعماله الدينية والتدريسية وسلمت المطبعة بعد ذلك الى القس يوخنا التخومي الذي اخذها معه الى سوريا بعد احداث سنة 1933 حيث بقيت دون استعمال لعدم وجود من يجيد استعمالها فاصابها الصدأ والتلف كما تلفت الكتب التي كان قد طبعها القس يوسف ايليا قليتا لاهمال القس يوخنا العناية بها او استغلالها .....
بعد نكبة 1933 المشؤومة بقي اسم الكنيسة واحدا ولكن في الحقيقة كانت هناك من الناحية العملية كنيستان مستقلتان من ناحية الولاء فالطرف الذي كان يؤيد مارشمعون والذي اصبح وكيله في العراق غبطة المطران مار يوسف خنانيشو استمر ولاؤهم للمارشمعون وياتمرون بامره اما الطرف الاخر الذي رفض الهجرة ووقف ضد طروحات المارشمعون فكان يدين بالولاء الديني لمار يوآلا ومار سركيس وبعد وفاة مار يوآلاها استمر الولاء الديني لمار سركيس ..

ولقد كانت هناك شبه قطيعة بين كنيستنا في الهند في عهد المطران مار طيماثاوس وبين مقر البطركية ومن ثم تطورت هذه القطيعة الى الاسوأ في عهد المطران مار توما درمو بسبب رغبة المارشمعون الاستحواذ على واردات الكنيسة في الهند وامتناع سيادة المطران مار توما درموا الرضوخ لهذا الطلب لحاجة ابرشيته الى بناء الكنائس والمدارس والمطبعة التي كانت تجهز الكتب المقدسة لكل فروع الكنيسة في العالم .... لقد كان وضع الكنيسة بجناحيها المؤيد والمعارض لمار شمعون في حالة يرثى لها وان الذين عاصروا فترة الاربعينات والخمسينات من القرن الماضي لابد وان يتذكروا كيف كانت كنائسنا تفتقر لابسط الامور التي يمكن ان نسميها كنيسة الرب من ناحية البناء والكهنة الشبه اميين والشباب والشابات الذين لا يعرفون من المسيحية سوى ايام المناسبات التي يذهبون فيها الى الكنائس ليسمعوا ما يردده القسيس من عبارات طقسية لا يفهمون منها شيئا وينتظرون بفارغ الصبر متى تنتهي هذه الطقوس حتى يتناولون القربان المقدس الذي كان غالبيتهم لا يعرفون معناه ........
في الحقيقة كانت كنائسنا سياسية اكثر من ان تكون دينية فكل كنيسة بقسيسها كان محسوبا على طرف من الاطراف وفي بعض المدن كانت هنالك كنيستان واحدة لمؤيدي مار شمعون والاخرى لمناهضيه ... استمرت هذه الحالة حتى عام 1964 عندما وصلت رسالة من مارشمعون والتي يامر فيها كل الابرشيات بان يكون الاحتفال بعيد الميلاد المجيد حسب التقويم الغربي ( وارجو ان لايفهم تعبيري باستخدامي كلمة امر فهما خاطئا ولكن الحقيقة كانت هكذا لان الارثدوكس عندما ارادوا التغيير الى التقويم الغربي اخذوا راي رعيتهم فوافق الاغلبية على ذلك والذين لم يوافقوا لم يغلقوا ابواب الكنائس في وجوههم وانما قام كهنتهم بتقديم الخدمة الإلهية لهم وفق التقويم الشرقي حسب رغبتهم واستمروا على هذه الحالة حتى تغيرت آراء هذا البعض ووافقوا على التقويم الغربي بملء ارادتهم )وتمت قراءة رسالة مار شمعون في كافة الكنائس (اي كنائس الطرفين ) ....

وبعد يومين او ثلاثة من قراءة رسالة البطريرك في الكنائس جاء الى دارنا مجموعة من وجهاء اشيتا يتقدمهم المرحوم القس اسحاق ألآشوتي قسيس كنيسة الدورة وبعد فترة قصيرة وجه القس اسحاق كلامه الى يوسف ملك خوشابا قائلا (هل سمعت بالتعليمات التي تأمر بتغيير الاحتفال بالاعياد الى التقويم الغربي , فاجابه يوسف ملك خوشابا نعم سمعت بذلك فقال القس اسحاق ان اغلبية بني اشيتا يعترضون على هذا الشيء ولقد تلقيت رسائل من غالبية ابناء اشيتا في كل العراق يبدون فيها اعتراضهم وان المرحوم والدكم لم يكن ليقبل ان يفرض علينا هكذا امر خارج ارادتنا ونحن نعتبر هذا الامر اعتداء على ايماننا وتقاليدنا التي توارثناها عن آبائنا واجدادنا فايده في ذلك كل من الرائد خوشابا والرائد انويا شليمون والرائد شليمون بكو الذين كانوا معه فاجابهم يوسف وما الذي تريدونه فقال القس اسحاق ان كل ما نريده هو ان يسمحوا لنا ان نقوم باقامة قداس عيد الميلاد بتاريخنا الشرقي وهم احرار في اي يوم يريدونه فاجابهم يوسف ملك خوشابا هذه القضية بسيطة ويمكن حلها مع الاسقف مارسركيس وسوف اذهب هذا اليوم عصرا لعنده واتفاهم معه وغدا تستلمون مني النتيجة).
 
وفي عصر نفس اليوم  ذهبت مع والدي واثنين من ابناء عمومتنا الى كمب الجيلو الذي كان يقع خلف موقع الاذاعة الحالي   حيث كان مقر اقامة  الاسقف مار سركيس وبعد التحية والمجاملات الاعتيادية قال والدي للاسقف مارسركيس (كَسِّي لقد جاءني صباح هذا اليوم مجموعة من اهلنا بني اشيتا وقالوا لي بانهم ومجموعة كبيرة من اهلنا يجدون صعوبة في تغيير العيد من التقويم الشرقي الى التقويم الغربي حيث انهم تعودوا على هذا التقويم الذي ورثوه من آبائهم واجدادهم وانهم يريدون ان تفتحوا لهم الكنائس حسب التقويم الشرقي لكي يؤدوا مراسيمهم وانا اعتقد انه من الافضل حتى لا يكون هنالك خلافات حول هذا الموضوع ان تفعلوا مثل ما فعل الارثدوكس حيث سمحوا للذين لم يرغبوا في التغيير بان يحتفلوا باعيادهم حسب التقويم الشرقي وفتحوا لهم ابواب الكنائس لاداء مراسيم المناسبات الدينية  وبمرور الزمن اصبح الجميع موحدين في اعيادهم وفق التقويم الغربي ولكن الاسقف مارسركيس اجاب بحدية قائلا : مالك لا تسمع الى اقوال هؤلاء وان قرارنا واحد ولن نغيره وسوف اقفل ابواب الكنائس وساستدعي الشرطة للقبض على كل من يحاول الدخول الى الكنائس في هذا التاريخ ,لقد استغرب والدي من هذه الاقوال وقال لنيافة الاسقف (كَسِّي ان الذين سيدخلون الى الكنائس ما الذي سيفعلونه هل سيكفرون ام سيرقصون ويغنون وانت تعلم مثلما انااعلم بانهم سيؤدون صلاة العيد ويهنؤون بعضهم فهل في هذا العمل ضرر يصيب الايمان ؟ ) فاجابه مارسركيس قائلا مالك ان قراري هذا لن اتنازل عنه فنهض والدي ونهضنا معه وكان غاضبا اشد الغضب وقال لمار سركيس ان كلمتي الاخيرة لكم هي انكم ستندمون على هذا العمل وستكونون السبب في تقسيم هذه الكنيسة واشعال نار الفتنة في ملتنا وخرج غاضبا دون ان يودع سيادة الاسقف وخرجنا جميعا معه ...

توضيح : (في عام 2007 واثناء استقبالنا لقداسة البطريرك مار دنخا الرابع بطريرك كنيسة المشرق الاشورية في منطقة نهلة معقل ابناء عمومة ملك خوشابا ومعقل اتباع الكنيسة الشرقية القديمة اتباع قداسة البطريرك مار ادي الثاني بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة والذي في اتصال هاتفي معه طلب مني ان نقوم بواجب استقبال قداسة البطريرك مار دنخا الرابع على احسن ما يرام وفعلا تم ذلك ...وفي هذا اللقاء وامام جمهرة كبيرة من المؤمنين وفي الكلمة التي القيتها في استقباله اعلنت فيها بان ننسى كل احداث الماضي الذي كان سببا في القطيعة التي دامت اكثر من سبعين عاما ولقد التزمنا من جانبنا بهذا القرار بالرغم من ما لاقيناه من تهميش وتحريض غير مسؤول من قبل البعض المحسوبين على كنيسة المشرق الاشورية وفي الفترة الاخيرة قام بعض الذين لا تجمعهم بكنيسة المشرق الاشورية سوى صفة التملق وبتوجيه من جهات معينة بنشر مقالات تمجد ببعض الرموز وتحوِّر سير بعض الاحداث الذي يعتبر من وجهة نظرنا اساءة لرموزنا وكذلك قيام البعض الاخر باستخدام العبارات المسيئة لنا كاستخدامهم كلمة الخونة والمنشقين والخ .. ولاجل توضيح وجهة نظرنا لهذا الجيل حول الاحداث السابقة وجدنا انه لزاما علينا ان نرد على هذه الاساءات بالاسلوب الذي نراه مناسبا وان كتاباتنا موجهة في انتقاد عهد قيادة العائلة المارشمعونية للكنيسة والتي انتهت بوفات المرحوم مار ايشاي شمعون ولا علاقة لكنيسة المشرق الاشورية بكل ما نكتبه من نقد وان احترامنا وتقديرنا لهذه الكنيسة لا يقل عن ما نكنه لكنيستنا الكنيسة الشرقية القديمة)

مصالحة البطريرك مار شمعون مع مالك لوكو شليمون عام (1966) لماذا فشلت ؟
« في: 07:32 07/01/2014  »
لجنة وشخصيات متنوعة التقوا بمالك لوكو شليمون في بيروت من 9 الى 18 /تموز / 1966 في نفس الوقت الذي كان فيه البطريرك مارشمعون متواجدا في بيروت ايضا وكانت غاية هذه اللجان والشخصيات مصالحة البطريرك مار شمعون ومالك لوكو شليمون من اجل الاتحاد والسلام ...
(اقتبس من كلام مالك لوكو شليمون رئيس عشيرة تخوما ألآتي ) :
لجان المصالحة بين البطريرك وبيننا ...
اللجان الاكثر رسمية التي التقت بنا في دارنا منذ وصول البطريرك الى بيروت من :9 تموز 1966 وحتى مغادرته في 18 تموز 1966 هي كألآتي:

1 / القس الخوري مندو بإسم كافة قساوسة لبنان .
2 / القس الخوري مندو وإبنه ايشوع في دار اندريوس برجم .
3/ القس اثنيال باسم رعية الاشرفية .
4 / روئيل القس اسحاق مع جماعته .
5 / ايشوع كنو / يوسف عوديشو / ارسلوا من قبل القس بطرس ورعية الاشرفية .
6 / القس خوشابا مع (50) رجل من قبائل متفرقة .
7 / رئيس هرمز وروئيل القس اسحاق .
8 / القس خوشابا وشينو عوديشو : وقد قالوا بان البطريرك ينتظر .
9 / الاستاذ زاوزو وولسن متي وآدم كولو ويوسف عوديشو .
10 / مالك سوتو (جيلو) ورئيس هرمز التخومي .

القائمون بالمصالحة بيني وبين البطريرك كثيرون ولكن لاجل التوثيق نذكر اسماء اعضاء اللجنة الاخيرة والرسمية التي تم ارسالها لعندنا من قبل قداسة البطريرك بتاريخ 16 تموز 1966 وهؤلاء طلبوا مني ان اعلن لهم عن مطلبي وعن اساس رغبتنا في اللقاء والمصالحة مع البطريرك .
وكان الوفد المفاوض يتكون من :
1 / مالك سوتو بيت مالك وردة (جيلو).
2 / رئيس هرمز زومايا يونان التخومي .
لقد كانت اجابتي لهم كألآتي :
اللقاء المنفرد لن يكون له نتائج ذات فائدة للامة ونتيجتها تكون القلاقل والخراب والفتن لفائدة بعض الاشخاص فقط وهدفنا هو وحدة كل ألآثوريين الذين يعيشون في كل بقاع العالم وفي البدء يجب ان يتصالح رؤساء الكنيسة ....
الافكار التي طرحها مالك لوكو للمصالحة كانت :
1 / من الضروري جدا لاجل ايقاف التخريب والبلبلة والانقسامات في امتنا ولاجل اقامة وحدة داخلية للاثوريين يجب علينا جميعا وبقلب صاف وبمحبة الله ان نغلق كافة ملفات الجدل والمهاترات السابقة ونذهب الى طريق الاخوَة ونحاول ان نجدد انفسنا وامتنا بكافة الطرق الممكنة التي يمنحنا الرب إياها.
2 / اذا اراد البطريرك يستطيع ان يجد المفاتيح لحلحلة كافة العقد المستعصية التي كانت السبب في خرابنا والتي تجعلنا نذهب الى الضياع بسرعة .
3 / اذا كان البطريك يعتقد ان هذا العمل من الصعب عليه تنفيذه يستطيع ان يختار مجموعة متمكنة يخولها للقيام بهذا الواجب. ويضعون شروطا وقوانين للوحدة تكون مقبولة للبطريرك وللرؤساء المعروفين للامة والجميع يكونون راضين على هذه القوانين .
4 / هذه الافكار اذا قبل بها البطريرك رسميا فمنذ ألآن سوف نبدأ بالعمل بكل جدية .
5 / سوف نفرح ان نكون على علم براي قداسته قبل تركه للبنان متوجها الى اميركا .
هذه النقاط الخمسة طلبتها لفتح الطريق للمصالحة والسلام والوحدة لامتنا ولحد ألآن لم نتلقَّ جوابا عليها ....(انتهى الاقتباس)
اعزائي القراء ان هدفي من كتابة محاولات المصالحة الكثيرة والرسائل المرسلة من قبل الشخصيات الاثورية والتدخلات الخيرة التي كانت تتم من قبل كافة الخيرين من ابناء هذه الامة ومن كِلا طرفي النزاع هو لتوضيح الحقائق لهذا الجيل الذي ابتلى بقراءة وسماع تشويهات للاحداث التي سُطرت باقلام من لم يكن لهم يوما علاقة لا بالدين ولا بالامة وانما تبرعوا للقيام بهذا العمل غير المسؤول لاسباب عديدة، لا اريد ذكرها لانها معلومة لغالبية القراء من خلال معرفة خلفياتهم السياسية والاجتماعية ... ان اكبر المشاكل التي تعاني منها امتنا والتي ستبقى تعاني منها هي تمسك البعض بمفاهيم القرون السابقة هذه المفاهيم التي كانت سببا في دمارنا،  حيث ان سيطرة القيادة الكنسية على مقاليد الامور السياسية مستغلة" الطاعة العمياء لابناء الامة لكل ما يصدر من القيادة الدينية (حتى ولو كانت قراراتها خاطئة) جعلت من امتنا تسير في طريق مظلم لا يعرف نهايته الا اصحاب القرار ولو تمعنا بالنظر في كل المحاولات المخلصة والمبادرات المسؤولة لوجدنا كيف كان أبناء امتنا العلمانيون اكثر التزاما بتعاليم المسيحية من حيث حرصهم على مصلحة الكنيسة والامة بالجنوح للسلام والوحدة وقد حاولوا بكل الطرق والوسائل المتاحة اطفاء هذا الحريق الذي لم يكن له اي مبرر ولكن اصرار القيادة الدينية السابقة بتنفيذ ما كان مقبولا قبل مائة عام وهو فرض آرائها بالقوة على ابناء هذه الكنيسة ولم تعترف بأنَّ ذلك اصبح مرفوضا في عصر الانفتاح والتطور بالنسبة لمن يؤمنون بالتطور... ان مسالة تلافي الانشقاق الذي حصل في الكنيسة عام 1964 كان من الممكن تلافيها بكل يُسر وسهولة لو ان القيادة الدينية آنذاك جنحت للحكمة والواقعية وابتعدت عن اسلوب التكبر والتعالي والاستهانة بمشاعر وطلبات جزءٍ مهم من أبناء هذه الامة! ولو كانت القيادة الدينية الحالية لكنيسة المشرق الاشورية برئاسة قداسة البطريرك مار دنخا هي صاحبة القرار آنذاك لما حدث ما حدث والدليل على ذلك ان جزءاً كبيراً من اتباع كنيسة المشرق الاشورية يتبعون في طقوس عيد الميلاد التقويم الشرقي مثلما يجري في الكنيسة الشرقية القديمة حيث هنالك من يتبع التقويم الشرقي ومن يتبع التقويم الغربي وانا شخصيا اتبع الان التقويم الغربي تماشيا مع ابناء عشيرتي في العراق بعد قرار قداسة البطريرك استنادا الى الاستفتاء الذي اجراه في الوقت الذي تتبع عائلتي في شيكاغو التقويم الشرقي تماشيا مع ابناء عشيرتنا هناك ... ان التمسك بالتقويم الشرقي او الغربي لا علاقة له بالايمان المسيحي وانا شخصيا سمعت هذا الكلام من قداسة مار دنخا وانا مؤمن به ... ان مشكلة القيادة الدينية السابقة لم تكن في التقويم ولكنها كانت في حب فرض آرائها والتعالي على ابناء رعيتها .... هنالك من يحاولون خلط الاوراق محاولين بشتى الوسائل الايقاع بيني وبين قداسة البطريرك مار دنخا الرابع ... وانا اقول لهم انا لا اتملق لاحد لانني انبذ المتملقين والانتهازيين والوصوليين واللاهثين خلف المناصب والمادة! ولكن علاقتي واحترامي وثقتي بقداسة البطريرك مار دنخا هي بنفس المستوى التي اكنها لقداسة البطريرك مار ادي وان كنيستي المشرق الاشورية والكنيسة الشرقية القديمة لا بد وان ياتي اليوم الذي تتوحدان فيه وان ما اكتبه وما كتبته من انتقادات على ممارسات تاريخية سابقة لا علاقة لكنيسة المشرق الاشورية بها لانني مؤمن انه لو كانت القيادة الحالية لكنيسة المشرق الاشورية بديلا للقيادة الدينية السابقة لما وصلنا الى ما نحن عليه ...

قبل عدة ايام اتصل بي قداسة البطريرك مار دنخا مشكورا لتهنئتي بعيد الميلاد المجيد ولقد جرت العادة منذ عام 2007 ان نتبادل التهاني بالمناسبات ولن انسى موقف قداسته عندما ارسل سيادة المطران مار كوركيس للاطمئنان عن صحتي في عمان لدخولي المستشفى هناك . ان هذا النهج الذي يطبقه قداسته في تواضعه ومحبته لابناء امته هو الذي سيجعله الامل مع قداسة البطريرك مار ادي لاعادة اللحمة الى الكنيسة وزرع المحبة بدل الكره والنبذ وابعاد الوصوليين الذين يحاولون التقرب الى القيادات الدينية لغايات شخصية فموقع قداستهما لدى اتباعهما المخلصين سيكون الجسر الذي يمر من فوقه كل مؤمن بديانته المسيحية وكل نابذ للتفرقة المذهبية حتى نتمكن نحن مسيحيو الشرق وخاصة مسيحيو العراق من ان نثبت جذورنا في ارض اجدادنا... والى الجزء الرابع والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في  15 / 2 / 2016
                                   

29

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثاني والأربعون
قتل مقاتلي وادي ليزان وأشيثا
ويكتب بولص يوسف ملك خوشابا سردا تفصيلياً، كيف تمَّ قتل مقاتلي وادي ليزان وأشيثا على الطريقة الإنكليزية في مقالته بتاريخ 17/2/2013م بموقع عنكاوا.كوم. وإننا ننقله بتصرُّفٍ صياغي لا يُخِلُّ بمحتواه:
في الايام الاولى من وصول الاثوريين الى همدان بعد تلك الرحلة المروعة القاسية وهم في حالة ضعف ومرض وتعب شديد . فالعوائل لم تلم شملها بعد ولم تعلم شيئا عن افرادها الغائبين والقسم الاعظم منها لم تنشف دموعُها بعد على فقدان اعزائها في الطريق والذين اصبحوا طعاما للحيوانات والطيور. وإذا بهم يُفاجأوا باوامرمن الانكليز بواسطة مارشمعون العشرين بولص وسرمة خانم بوجوب التحاق كل شخص قادر على حمل السلاح بالجيش الذي تشكل تحت ادارة الانكليز وبقيادة داود شقيق مار شمعون بولص وعلى الفور . فامتنع ابناء عشائر تياري السفلى الموالية لملك خوشابا عن اطاعة الاوامر في الوقت الذي كان ملك خوشابا لا يزال غائبا وكان مصيره ومصير رفاقه مجهولا . وفي أثناء خلودعوائل هذه العشائر الى النوم، وما إن استيقظت صباحاً حتى رأت أنَّها مُحاطة بجنود من الهنود والانكليز وقد صوَّبَت رشاشاتها نحوها منذرةً إياها طالبة منها تسليم اسلحتها والا سيكون مصيرها الموت. وبهذه الطريقة الدنيئة تمَّ تجريد أبناء تلك العوائل من سلاحها بين عشية وضحاها، بينما عجزت القوات التركية والايرانية والكردية من القيام بذلك بالرغم من التضحيات الجسيمة التي قدموها في سبيل الدفاع عن حياتهم وكرامتهم. فخاب أمل هؤلاء البسطاء الذين اعتقدوا بان حياتهم وكرامتهم ستكونان في مامن من الخطر بعد دخولهم تحت حماية الانكليز.
كان عددُ الخارجين من اورميا المتوجهين الى همدان يقرب من السبعين الفاً، لحقت بهم خسائر بشرية كبيرة بحيث لم يصل الى همدان سالمين سوى خمسين الفاً، ومع كل هذه الخسائر الفادحة التي لحقت بهم لم يتحرك ضميرُ الانكليز لينصف أبناء هذا الشعب الذي قدم اكثر من نصف تعداده من اجل ان ينتصر الحلفاء آملاً بذلك أن يتمكن من العيش بكرامة وحرية على ارض ابائه واجداده، ولكنه بدلا من ذلك وجد نفسه واقعاً بين فكي مفترس اشرس من الاتراك والايرانيين ألا وهم الانكليز الذين تفننوا في خداع قيادات هذا الشعب المسكين ليصبح مرة اخرى ضحية لمصالح الاجنبي عن طريق بعض اصدقائه بل عملائه من أبناء هذا الشعب نفسه ..........
1: اقتبس ممّا ذكره كورش شليمون: <انه بعد يومين من وصولنا الى همدان في اب 1918 جاء الجنود الانكليز، وباشروا بجمع الرجال ونقل مَن قبل الإلتحاق بالجيش الليفي الى موقع افشينة جنوب همدان  لتدريبهم على النظام العسكري من قبل العسكريين البريطانيين، وكان اغا بطرس هناك معهم. بينما جرى في هذه الاثناء نقل العوائل على شكل دفعات الى مخيم بعقوبة في حين أفرِز المعترضون على الانضمام الى الليفي لسوقهم الى موقع العمل تحت صخرة بهستون. وبعد ان امضينا ثلاثة اشهر في التدريب في افشينة تقرر نقلنا الى مخيم بعقوبة في العراق وفي الطريق عندما وصلنا الى كرمنشاه عثرت على اهلي بين الجموع الاشورية الكبيرة تحت بهستون> انتهى الاقتباس ..
 إن هذه الجموع كانت تعمل تحت صخرة بهستون منذ ثلاثة اشهر خلت وانها استمرت بالعمل هناك بعد ان غادر الليفي تلك المنطقة. ماذا جرى تحت صخرة بهستون؟ ان بهستون جبل صخري منتصب عموديا في ارض قاحلة(انا شخصيا شاهدته اثناء عودتي من الاسر) حيث قيدَ المعارضون للخدمة في الليفي الى هذه الصخرة وأجبروا تحت التهديد والضرب وتعريضهم لشتى انواع التعذيب كحرمانهم من الطعام والماء والنوم، وإلزامهم للقيام باشغال شاقة مضنية آناء الليل واطراف النهار مثل كسر الصخور وتسوية الارض وحمل الاحجار والقضبان الحديدية لسكة القطار بقصد انهاكهم وايقاع أكبر الاذى بهم للتخلص منهم حتى يكونوا عبرة لكل من يفكر بالتمرد على الانكليز.  وتقول المصادرُ المطلعة بانه كان الموت يخطف العشرات منهم يومياً،  ويدفنون تحت صخرة بهستون بدون ان يبلغوا عوائلهم بذلك.  وكانت عوائلهم التي استقرت في مخيم بعقوبة لا تعلم ايَّ شيء عن مصير ابنائها، وقد بلغ عددُ المتوفين منهم خلال الأشهرالثلاثة 750 فرداً من خيرة رجال وادي ليزان واشيتا، ومثلهم من القبائل الاخرى ليصل المجموع الى ما يقرب الالف وخمسمائة رجل. ولو قارنا هذا العدد باعداد القتلى الذين كان يقدمها هذا الشعب الشجاع في معاركه التي كان يخوضها مع الاتراك والايرانيين لوجدنا الفرق الهائل، حيث لم تصل خسائره في اكبر المعارك التي خاضها ضِدَّ فيالق وفرق نظامية تركية وايرانية الى نسبة مائة مقاتل لكل معركة وهذه خسارة كبيرة لشعب كان يُعَوِّض دائما التفوق العددي للعدو بالتفوق النوعي لمقاتليه! ولم تنتهِ هذه المأساة إلا بعد وصول ملك خوشابا الى همدان واعتراضه الشديد على هذا العمل المُجحف واللاإنساني. وتضامناً مع هؤلاء المظلومين تحرَّك إخوتُهم ابناء اثوريي اورميا الذين فضلوا البقاء في ايران، وأبلغوا قنصليات دول الحلفاء بما يجري من أعمال مُشينة، فمارس الحلفاء ضغطاً كبيراً على الحكومة البريطانية، فقامت بترحيل المتبقين منهم الى مخيم بعقوبة .......
المصادر :
1 : نينوس نيراري ( اغا بطرس سنحاريب القرن العشرين )
2: يوسف ملك خوشابا( حقيقة الاحداث الاثورية المعاصرة )
3 : تيودورس بيت مار شمعون ( تاريخ الوراثة المارشمعونية )
4: كورش ياقو شليمون ( تاريخ الاثوريين في القرن العشرين )
5 : اوديشو ملكو كوركيس اشيثا ( سفر اشيثا )
6 : قسطنطين بر متي ( الاشوريين والمسألة الاشورية )
7 : هرمز م ابونا ( الاشوريون بعد سقوط نينوى ) المجلد السادس
8 : المذكرة البريطانية عن شؤون اللاجئين في مخيم بعقوبة والتي كتبها ا ج ل جارج ورفعها "ا ت ولسون" الى وزير الدولة لشؤون الهند
واخيرا اقدم خالص شكري وتقديري للاخ الدكتور ايوب بطرس للجهد الذي بذله في تتبع هذا الحدث المهم باقتفائه المصادر ومن يريد التعرف على تفاصيل اكثر عليه قراءة الكراس الذي نشره الدكتور ايوب بعنوان (الموت تحت صخرة بهشتون) ووزعه مجانا رحمة بارواح الذين قتلوا بايادي اصدقاء بعض قادتنا العملاء!

مَن هو مار طيمثاؤس؟ كيف ولماذا فشلت المصالحة بين مارايشاي شمعون وأغا بطرس؟ الجزء الاول

في: 08:33 30/03/2013  »
كان المطران مار طيماثيوس قد رسم مطرانا لابرشية الهند في 15 كانون الاول 1907 من قبل البطريرك مار شمعون بنيامين، وارسل الى الهند عن طريق البصرة حيث وصلها في شباط 1908 وكانت له صلة قرابة بالعائلة البطريركية لان شقيقه الشماس اسخريا كان متزوجا من خالة مار شمعون المسماة خنة، كما كان شقيق مار شمعون المدعو زيا قد تزوج من ابنة شقيق المطران المسماة إلِشوة وهي ابنة خالته،استمرَّ مار طيمثاؤس في خدمة أبرشية الهند النسطورية حتى وفاته عام 1945م تاركاً اثرا وذكرى طيبة في نفوس الهنود التابعين لابرشيته والذين هم من بقايا هذه الكنيسة التي تم تاسيسها على يد رسلها في القرون الاولى. كان الشخص الوحيد الذي لم يصل الى هذه الدرجة الكهنوتية عن طريق الوراثة، وخلفه بعد وفاته في رئاسة هذه الابرشية المطران مار توما درمو الذي خدمها حتى عام 1968 حيث تم استقدامه الى بغداد ورسامته بطريركا للكنيسة الشرقية القديمة، وبدوره قام برسم المطران مار ابرم والاسقف مار بولس الهنديين ليتوليا ادارة ابرشية الهند، وعلى غِرار المرحوم مارطيمثاؤس الذي اعاد الحياة الى ابرشية الهند وذلك ببنائه كنائس ومدارس وميتما ونصب ومطبعة لطبع الكتب الكنسية باللغتين الآرامية القديمة والحديثة والمجلات باللغتين الانكليزية والآثورية. كذلك حذا حذوه خلفه من مار توما درمو الى يوم مجيئه الى العراق بعد ان كان البطريرك مارايشاي شمعون قد جمده بسبب بعض الخلاافات بينهما.
كان مار طيماثيوس قد اغتاض جدا عندما رُسم مارايشاي شمعون بطريركا للكنيسة في بعقوبة عام 1920 من قبل خاله المرحوم مار يوسف خنانيشو بسبب صغر سنه الذي لم يكن يتجاوز الثانية عشر من عمره خلافا لقوانين الكنيسة وعُرف العشائر الكلدانية النسطورية المعروفة "بالآثورية.  وعند وصول مارطيماثيوس الى بعقوبة قادما من الهند كان قد حصل انشقاق كبيرٌ بين الكلدان النساطرة الآثوريين، حيث ان أغلبية الآثوريين لم تؤيِّد هذه الرسامة وعلى راسهم اغا بطرس وملك خوشابا، وطلبوا من مارطيماثاوس ان يصبح بطريركا لهم، إلا انه رفض ذلك مدعيا بانه لايرغب في توسيع شقة الخلاف بين الآثوريين ويزيد الطين بلة. ولما شعر انصارهذه الرسامة بتفاقم الوضع حاولوا ترضية مار طيماثيوس وذلك بتنصيبه وصيا على مارايشاي شمعون وذلك في شهر تشرين الاول عام 1920 حيث تم التوقيع على حجة الوصاية من قبل كل من المطران مار يوسف خنانيشو والاسقف مار زيا سركيس والاسقف ايليا وسرمة خانم وداود والد مار شمعون وزيا عم مار شمعون وفي ما يلي نصها:
< ليكن معلوما لكل من يطالع هذه الحجة التي حررناها باننا في اجتماعاتنا المتعددة التي عقدناها باسم ربنا يسوع المسيح درسنا وضع سيادة مارطيماثيوس مطران ملابار الهند وبعد مناقشة كل الامور اتفقنا جميعا على فكرة واحدة فقررنا انتخاب وصيٍّ على مار شمعون ايشا كاثوليك بطريرك الشرق. وتم في 8 تشرين الاول سنة 1920 وباتفاق الجميع انتخاب المطران مار طيماثيوس ليكون وصيا على البطريرك في كافة الامور .....>
وفي عام 1922 عاد مارطيماثيوس الى الهند ليسافر من هناك الى كل من انكلترا واميركا بصفته وصيا على مار شمعون ليحاول حل مشاكل الآثوريين ومتابعة قضيتهم مع السلطات البريطانية. وفي شهر آب من عام 1923 سافر الى لندن حيث مكث فيها ثمانية اشهر ثم سافر الى اميركا لجمع التبرعات باسم الآثوريين . وفي لندن قام باتصالات عديدة مع المسؤولين البريطانيين حول مصير الآثوريين الا انه لم يتمكن من الحصول على اية وعود منهم لذا نفذ صبره. ويقول المطران ابرم الهندي في كتابه بانه وجد هنالك اغا بطرس الذي كان قد ترك العائلة الشمعونية ومد يده اليمنى لمصالحته ويسترسل مار ابرم في قوله بان الجنرال اغا بطرس كان كلدانيا (يقصد كاثوليكيا) وكان قد انعم عليه بوسام الشرف من قبل البابا ليو الثالث عشر وكذلك من الروس. وكان يعيش في فرنسا في ذلك الوقت الا انه جاء الى لندن لمصالحة مار طيماثيوس ولوضع خطة موحدة لقضية الآثوريين. وفي 21 تشرين الاول سنة 1923 كتب اغا بطرس الى مار طيماثيوس من فندق سيسل في لندن ما يلي :
ابانا المحترم مار طيماثيوس الممثل البطريركي ومطران عام الهند. ليحل السلام باسم ربنا مع تقبيلي اياديكم راجيا صلواتكم. علمت بوجود سيادتكم في لندن كممثل للبطريرك للسعي لدى الامة البريطانية من اجل مصلحة وكيان امتنا الآثورية. وانني لست فقط بمسرور جدا فحسب بل اود ان اعلمكم بان تلك هي رغبتي القلبية ايضا. وانطلاقا من ذلك اطلب من كل قلبي ان ننسى جميع الاحداث الماضية. وبقلب صاف ملؤه المحبة والسلام امد يد المصافحة بواسطة ابوتكم طالبا السلام والعفو من العائلة البطريركية وبكل تقدير واجلال. وعليه اعترف بالبطريرك المحبوب الشريف كرئيس عام لامتنا الآثورية ومنذ هذه اللحظة اني اضع جميع امكانياتي في خدمة ابوتكم كممثل للبطريرك لبلوغ هذا الهدف النبيل الذي يرمي الى ايجاد وطن قومي لامتنا تحت حماية ووصاية بريطانيا العظمى وفق الخارطة التي تجدونها ملائمة. واني اعاهدكم بانني ساوفي بكل ما كتبت لاكون اخلص خادم لعائلة بطريركنا المحبوبة المقدسة كما كنت في عهد سيدي المرحوم مار شمعمن بنيامين واكثر. هذا ولي الشرف ان اكون خادمكم وتحت امركم في جميع الخدمات الوطنية .... انتهى الاقتباس
وفي 8 تشرين الثاني سنة 1923 اجاب مارطيماثيوس على رسالة اغا بطرس بقبوله المصالحة آملا ان يقبل البطريرك عرضه. ثم قام على الفور بارسال نسخ من رسالة اغا بطرس الى الشخصيات الانكليزية التالية:
1.   اسقف كانتربري
2.   ماركوس كورزن (وزير الخارجية )
3.   دوق ديونشاير (وزير المستعمرات )
4.   السر جون شكبوري (نائب الوزير الدائم لدائرة المستعمرات )
5.   فخامة المستر اورمبسي كور (وكيل الوزارة )
وكان لمحاولة الصلح هذه صدى خطيرٌ في الشرق الاوسط لان القس الدكتور ويكرام الانكليزي الذي كان يعرف اغا بطرس كتب الى سكرتير اسقف كنتربري ضد تلك المصالحة وادناه بعض العبارات التي وردت في رسالته:
(اقتباس) < يظهر ان اغا بطرس موجود الآن في لندن. انا واثق بان لدى لندن معلومات بما تكفي ان لا تصدق مثل هذا المخادع المتمرس. لقد كانت هناك خطة لارساله الى العراق ثانية لتحريك الاحداث وليجعل من نفسه ذا فائدة. ان ذلك بمثابة تبديل مهنة بالنسبة اليه. احتج الناسُ هنا لمجيئه. ساد اعتقاد خاطيء بانه قد بدا رحلة العودة لذا كان على رصيف ميناء البصرة عدد من المسؤولين منتظرين وصوله وبحوزتهم بطاقة لاعادته فورا من حيث اتى الا انهم لم يجدوه على تلك الباخرة . ان السلطات في العراق تعرف من هو اغا بطرس ولكن عليها ان تعلم بوجود هذا المحتال هناك في لندن ... انتهى الاقتباس
وفي 7 كانون الاول عام1924 كتب الدكتور القس ويكرام الى مارطيماثيوس ما يلي :
< املي ان تكون قد عرفت حقيقة اغا بطرس لعلمي بان نواياك صادقة ومقاصدك مسيحية وان هدفك الوحيد هو خدمة امتك الآثورية دون شك. ان للرجل قوة وقابلية حقيقية وبامكانه ان يقدم الكثير لامته اذا رغب بذلك واني واثق من انه يحب ذلك مثلما يحب نفسه لكن على المرء ان يسال احد الساسة في انكلترا هل يمكن لهذا الرجل ان يستقيم ؟ اني اؤمن بان الارادة الربانية قادرة على كل شيء حتى تبديل جلد الهندي او مسح التنقيط من جلد النمر. المطلوب من الآثوريين سواء عملت بريطانيا لصالحهم ام لم تعمل ان يوحدوا صفوفهم وعلى بطرس ان يفهم هذين الامرين :
1.   ان الكرسي البطريركي القديم هو محور هذا الاتحاد .
2.   كل الوعود التي تقطعها فرنسا للآثوريين لا يمكن الاتكال عليها او الثقة بها ويبقى املها الاخير والوحيد في الايمان بالله والاعتماد على النفس ووحدتها التي ضحى رجالها لاجلها. هذه كلماتي الاخيرة لبطرس ولكم ...>  انتهى الاقتباس ..
ومع ذلك استمر مارطيماثيوس على اتصالاته باغا بطرس الذي عاد الى فرنسا، الا ان البطريرك مار ايشاي شمعون وعمته سرما خانم رفضا مصالحة اغا بطرس، لذا امرا مار طيماثيوس بقطع كل اتصال معه. وعليه اتصل مار طيماثيوس في 14 كانون الثاني عام 1925 بجميع الجهات ذات العلاقة معلنا بانه استلم تعليمات من السلطة الشمعونية بعدم الموافقة على المصالحة المذكورة لذا فانه غير قادرعلى ان يكون طرفا في اية اتصالات من المحتمل ان يجريها اغا بطرس مع الحكومة الفرنسية ولاسباب اخرى فانه قد قرر ان يكون اتصاله فقط بحكومة صاحب الجلالة البريطانية في المستقبل باعتباره ممثلاً لمارشمعون.
تنحية مار طيماثئوس عن وصايته على قداسة مار ايشاي شمعون / الجزء الثاني
في: 08:13 11/04/2013  »

قدِمَ المطران طيماثيوس راعي أبرشية تريشور الهندية النسطورية الى لندن لمقابلة وكيل وزير خارجية بريطانيا في دائرة المستعمرات في كانون الثاني سنة 1924م.  بعد وصول مار طيماثيوس الى لندن ابرقت له سرمة خاتون طالبة منه ايجاد مدرسة ليدرس فيها قداسة مار ايشاي شمعون . فاتصل مارطيماثيوس بالمسؤولين في كنيسة كانتربري وأمَّن للبطريرك مقعداً دراسياً في كانتيربري وكامبرج، ثمَّ غادر الى أمريكا عام 1924م . فأُرسل مار ايشاي شمعون الى لندن عام 1925م حيث أمضى سنتين دراسيتين في كانتربري وكامبرج.  وفي امريكا اتصل مار طيماثيوس برجال الدين لجمع التبرعات للاثوريين. وهو في أمريكا تلقى رسالة في 15 نيسان 1924م من القس ج. أ. دوكلس صديقا للكنائس الشرقية عامة والكنيسة النسطورية الاثورية بصورة خاصة، ذكر فيها بان قضية الاثوريين قد طرحت على بساط البحث في مؤتمر لوزان مرتين وانه لم يكن في الامكان حمل الحكومة البريطانية على اعطاء اي وعدٍ، الا ان السير صاموئيل هور كان مقتنعا بعدم وجود اي خوف من التخلي عن الموصل. ويسترسل في قوله بانه قد اتخذ الخطوات اللازمة ضد بطرس (اغا بطرس) وانه متأكد بان السير برسي كوكس لن يقابله ولا رئيس الوزراء، وانه مُستمرٌّ بمراقبته كي لا يتمكن من عمل اي شيء . وفي اب 1925 ترك مار طيماثيوس نيويورك الى ستوكهولم عاصمة السويد لحضور بعض المؤتمرات المسيحية ثم سافر الى المانيا ثم الى جنيف . وفي عام 1926 عاد الى تريشور في الهند حيث مقر كرسيه . وفي عام 1927 قام مار طيماثيوس بزيارة ثانية للعراق انتهت في عام 1928.
كان قداسة مارايشاي شمعون الشاب قد عاد من انكلترا. وفي تلك السنة قامت سورمة خاتون وسيادة المطران مار يوسف خنانيشو بحملة ضد مارطيماثيوس طالبين عزله من وصايته على البطريرك. حاول القس بامبل رئيس بعثة كنيسة كانتربري المرسلة لمساعدة الاثوريين والمشرف على الكنيسة الاثورية مصالحتهم، الا ان جميع المحاولات باءت بالفشل وعلى اثر ذلك قام مارطيماثيوس برسامة الشماس يوسف ايليا قليتا قسيسا في الموصل خلافا لرغبة البطريرك الذي جمد تلك الرسامة . بيدَ أنَّ القس يوسف قليتا استمر بمزاولة المراسيم الدينية كقس متجاهلا اوامر البطريرك. حاول مار طيماثيوس كسب الاثوريين الى جانبه وخاصةالعناصرالمناهضة للبطريرك في السابق . فكان جوابهُم بانه قد فوت الفرصة على نفسه لانهم عندما ارادوا تنصيبه بطريركا رفض في حينه، فليس بمقدورهم مساعدته الان لخلوِّ الميدان من الرجال القادرين على ذلك وان الميدان غدا بأيدي أنصار البطريرك بمساندة الانكليز. ولما شعر قداسة البطريرك وانصارُه بتحركات مار طيماثيوس وخاصة عندما حاول زيارة جنود الليفي في الموصل، لم يسمح له الضابط الانكليزي المسؤول (الميجر هورن) بذلك ما لم يحصل على موافقة (رب خيلا) داود والد البطريرك الذي كان قائدا لتلك الوحدات، وعلى إثر ذلك طلب البطريرك من من وزير داخلية العراق بوساطة الانكليز ابعاد مارطيماثيوس من العراق . بصدر امرٌ بابعاده وأُبلغ به رسميا، الا انه اعترض تحريريا على ذلك الامر وهدد برفع شكوى الى عصبة الامم والعالم اذا لم يُلغى ذلك الامرعلى اساس انه رجل دين ولم يقم باي عمل يخالف القانون الذي يستوجب ابعاده.
فتمَّ الغاء امر ابعاده بايعاز من المندوب السامي البريطاني الى وزير داخلية العراق. بعد ذلك قام بعض الضباط الاثوريين من قوات الليفي ومن انصار البطريرك بتهديده بالقتل اذا لم يغادر العراق ويعود الى الهند، وتحاشيا لمشاكل اخرى عاد المطران مارطيماثيوس الى الهند دون ان يتمكن من ايجاد اي حل لقضيته مع قداسة البطريرك وانصاره وبقيت علاقتهما مقطوعة حتى وفاته. وقد كتب مار طيماثيوس ردا على إدانة البطريرك له بعد ان قام برسامة الشماس يوسف قليتا قسيسا ... أقتباس
< باركني سيدي ثانية باوامرك، راجيا ان تتحمل من تأمركَ (يقصد سرمة خانم) نتائج الاعمال الشريرة والشيطانية الصادرة من مقامكم. وعليك ان تعلم بانك اصبحت بطريركا خلافا لقانون الكنيسة التي تحرم الوراثة فكيف يمكنك ان تتحدث عن قوانين الكنيسة المقدسة التي لم تترك حتى قانونا واحدا لم تطأه تحت قدميك ؟ وحقا اقول لك لو كنت تملك ذرة من ضمير حي كرجل محترم، لَما اقدمتَ على ذلك! اما تبجُّحك عن مراعاة واحترام القوانين والانظمة الكنسية المقدسة فغير وارد مطلقا بعد ان دنَّستَ جميع القوانين عن قصد وبرضاك، وجردت الكنيسة المقدسة من جميع قوانينها من اجل مصالحك الخاصة دون رحمةٍ او إلتفات الى رجال الكنيسة والقادة في حينه. وبالرغم من انك جالس الان على كرسي فارغ وخالٍ من الإنصاف والعدل ومخافة الله فانك تدينُ كذبا وزورا اولئك الذين نذروا انفسهم من اجل الكنيسة والعقيدة، فلا اراني بحاجة للسؤال منك عن اي قانون قد احترمته بل الافضل ان اسالك عن أي قانون قد ابقيته دون ان تُلحق به العار ودون ان تَطأه تحت اقدامك او ترميه في سلة المهملات! هل يمكن ان تشير على الاقل على قانون واحد فقط لم تدنسه ؟ لا بحقٍّ لا. فاذا استطعت ذلك فانه سيُعتبر امرا عجيبا. ففي الوقت الذي انت غارق حتى الرقبة تحت وطأة مخالفة قوانين الكنيسة وفي قبضة عقاب الحق والضمير تتجاسر على ادانة ابرياء مخلصين راعوا قوانين الكنيسة وقدسوها من المؤمنين الصادقين لكنيستنا الرسولية أسالك بالله على اي من قوانين الكنيسة قد استند تنصيبك بطريركا ؟ الا تشعر بوخزة الضمير؟
انتهى الاقتباس .....
كان مارطيماثيوس قد قبل رسامة البطريرك في بعقوبة في حينه من اجل الحفاظ على كيان الكنيسة من الانشقاف والتمزق وذلك عندما كان بعيدا في المهجر، واعترف بالبطريرك عندما تم تعيينه وصيا عليه. وبالرغم من انه استاء جدا عندما تم عزله عن الوصاية عام 1927 من قبل انصار البطريرك الا انه بقي ضمن الكنيسة من اجل الحفاظ على وحدتها.
ماذا كان سبب الخلاف بين قداسة البطريرك وغبطة المطران يوسف خنانيشو من جهة والقس يوسف قليتا من جهة اخرى ؟
بالرغم من صلة القرابة التي كانت تربط غبطة المطران مار يوسف خنانيشو بالقسيس يوسف قليتا حيث ان شقيقة المطران كانت متزوجة من ابن القس يوسف قليتا المدعو (ابرم) الا ان عدم الاتفاق بين سيادة المطران والقس يوسف قليتا كان نتيجة لأسباب عديدة ومنها :
تبرعت جميع الفئات الاثورية في مخيم بعقوبة لجمع مبلغ من المال لشراء مطبعة من الهند لاستخدامها في طبع الكتب باللغتين الانكليزية والآثورية الجديدة والقديمة لسد احتياجات الكنيسة من الكتب الدينية واحتياجات المدارس الاثورية من الكتب المدرسية. وسلم هذا المبلغ الى الشماس يوسف ايليا قليتا الذي كان ذا المام كبير باللغة الاثورية الحديثة والقديمة وباللغة الانكليزية وكان من المتحمسين للحفاظ على تراث اللغة الاثورية وطقوس الكنيسة الشرقية. وبعد شراء هذه المطبعة من الهند جلبها معه الى الموصل لان الاثوريين كانوا قد تركوا بعقوبة آنذاك وبقيت في حوزته حتى عام 1928م. ثم اخذت منه من قبل البطريرك الذي قال بان الشماس يوسف كان يستغلها لمصلحته الخاصة بينما صرح الشماس يوسف بان عائلة البطريرك قد خانوا الكنيسة الشرقية وربطوها بعجلة كنيسة كانتربري الانكليزية، فسبَّبَ ذلك حصول نزاع بين الطرفين بشان تلك المطبعة، وتمَّ اللجوء بشأنها  الى القضاء، فتمَّ تسليم المطبعة بعد ذلك الى القس يوخنا التخومي الذي اخذها معه الى سوريا بعد احداث 1933م حيث بفيت دون استعمال لعدم وجود من يحسن استعمالها كما تلفت الكتب التي كان قد طبعها القس يوسف قليتا لاهمال القس يوخنا العناية بها او استغلالها وفق شهادة المرحوم مالك لوكو بداوي .......
المصادر: (كتاب سيرة مار طيماثيوس ص 759 / لمؤلفه مار ابرم الهندي رئيس ابرشية الهند لكنيسة الشرق الاشورية
من مذكرات سليم خان البازي). والى الجزء الثالث والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في   15 /  12/  2015

30
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الواحد والأربعون
كيف وفد الكلدان النساطرة الى العراق ومن جَلبَهم ومِن أين؟

في هذا المجال، لسنا بصدد انقراض آشوريي التاريخ القدماء بعد القضاء عليهم عام 612 ق.م  بسقوط نينوى وتدميرها على أيدي الكلدان ومُشاركة حلفائهم الميديين، ثمَّ مُلاحقة فلولهم التي لم تطلها ألسنة السيوف والنيران فلاذت بالفرار الى مدينة حرّان الغربية، وهنالك حاصرتهم القوات الكلدانية والميدية الحليفة بعد ثلاث سنوات من تدمير نينوى أي في عام 609 ق.م وتمَّ القضاء عليهم عن بكرة أبيهم. انظر التفاصيل في (الكلدان والآشوريون عبر القرون ج1 ص  194 وما يليها / الدكتور كوركيس مردو) مِمّا يدل بأن منتحلي تسميتهم المُعاصرين هم مُزيَّفون وعملاءُ أغبياء لأسيادهم الإنكليز الملعونين.

في الأجزاء المرقمة من التاسع والعشرين وحتى السادس والثلاثين تطرقنا بالتفصيل الى اصول منتحلي التسمية الآشورية بأنَّها كلدانية صِرفة، وأنَّهم الجزء العزيز من أبناء الأمة الكلدانية وكنيستها التي تبنَّت البِدعة النسطورية مذهباً لها خلال نهايات القرن الخامس لا حباً بهذا المذهب بل رغماً عن إرادتها حيث فرضته سياسة المملكة الفارسية نكايةً بغريمتها المملكة الرومانية التي نبذت الوثنية واعتنقت المسيحية. ولدى قيام نخبة مثقفة من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية وبهدايةٍ من الروح القدس في منتصف القرن السادس عشر للعودة الى ايمانهم الكاثوليكي القويم الذي تبنّاه آباؤهم وأجدادُهم منذ نشأة كنيستهم التي أطلقوا عليها اسم "كنيسة المشرق" والذي اعتمده فيما بعد وثبَّته مجمعُ ساليق الثاني المعروف بمجمع مار اسحق المعقود عام 410م، الى جانب تصحيح مسار كنيستهم من الإستبداد العشائري الذي مارسته الرئاسة الأبوية لقرون عديدة، ناهض هذا الجزء من أبناء الكنيسة توَجُّهَ هذه الحركة التصحيحية المباركة، وأصرَّ على الإستمرار بتبني المذهب النسطوري والبقاء تحت عبودية الرئاسة الأبوية، مُفضلاً الإنعزال في منطقة هيكاري الجبلية في تركيا وفي جبال اورمية في ايران، فانعدم الوجود الفعلي للنساطرة في العراق، حيث تجاوروا العيش مع الأكراد في جنوب شرق تركيا الحالية و في أطراف أورْميا في إيران كفئةٍ دينية مُتمرِّدة ضئيلة منسية ومقطوعة الصِّلة بالعالَم المسيحي بسبب مُعتقدها النسطوري ذي التعاليم المناقضة لكل العقائد المسيحية الكبرى وفي مقدمتها الكاثوليكية ثم الأرثودوكسية واللوثرية. وبعد مرور زمن فاجأهم في عرينهم الإنعزالي الإنكليزُ الأنكليكان وعرَّضوهم للكثير من المآسي لم تكن في الحسبان!

بعد الغزو الأسلامي لبلاد الشرق في بدايات القرن السابع والذي تحوَّل الى فتحٍ واستيطان، تعرَّضَ المسيحيون  لأشكالٍ شتى من الإضطهادات القاسية، ولدى زوال سُلطان العرب بسقوط الخلافة العباسية ووقوعه بأيدي أقوام مسلمة من غير العرب كالمغول التتار والمتفرعين منهم كالجلائريين والتركمان والتيموريين والفرس واخيراً الأتراك العثمانيين، تضاعفت موجات الإضطهاد ضِدَّ المسيحيين وزادت حِدَّة، ولا سيما عندما باشرت دول أوروبية (مسيحية؟) بالتدخل بشؤون الدولة الإسلامية بأشكال مختلفة لتأمين مصالحِها في المنطقة.
لم يقتصر اضطهاد الدولة العثمانية في بداية تأسيسها للمكونات الصغيرة الخاضعة لحكمها بسبب دينها المخالف للإسلام دين الدولة كالمسيحيين فحسب، بل شمل اضطهادُها جميعَ الأقوام غير المنتمية الى القومية التركية مسلمة كانت او مسيحية مثل العرب والأكراد والكلدان فكان ذلك اضطهاداً قومياً، لذلك لدى بدء النضال الشعبي التحرُّري من ثقل النير العثماني الكبير، تحالف الأكراد المسلمون مع الأقوام المسيحية ضِدَّ الحكم العثماني الإستبدادي الجائر.

حرب القرم 1853 – 1856م
في سنة 1853 قرَّرَت روسيا القيصرية إرسال وحدات عسكرية "لحماية المسيحين" المُضطهدين في السلطنة  العثمانية، فاستطاعت هذه القوات وخلال مدة قياسية لم تتعدَّ بضعة أشهر تحقيقَ انتصاراتٍ ملحوظة على العثمانيين مما أثار مخاوف بريطانيا وفرنسا من انفراد روسيا بالسيطرة على منطقة القرم التي كانت طريقاً بريا مهماً يوصل أوروبا وبالدرجة الأساس (بريطانيا العظمى) بمستعمراتها في الهند وجنوب شرق أسيا. فتحالفت بريطانيا وفرنسا لمجابهة روسيا عسكرياً وقرَّرَتا في أذار 1854م إعلان الحرب عليها بدعم من النمسا بهدف ايجاد موقع لهما داخل ربوع السلطنة العثمانية وليس كما أشاعتا لحماية المسيحيين بديلاً عن روسيا. فلو كان هدف بريطانيا هو حماية المسيحيين كما زعمت، لماذا لم تتحالف مع روسيا التي كان لها هي الأخرى ذات الهدف؟ فلا بدَّ إذاً كان هناك لبريطانيا أسبابُها لإتخاذ موقف ضِدَّ روسيا، حيث كانت على عِلم، بأنَّ الكلدان الكاثوليك سيكون انحيازُهم الى فرنسا الكاثوليكية حتماً، والسريان المونوفيزيين سيكون ولاؤهم لروسيا المونوفيزية، فلم يبق أمامها إلا التحرُّك نحو الكلدان النساطرة المسيحيين  المتواجدين في بعض مدن السلطنة العثمانية،  لذلك بدأت بريطانيا توَجُّهها السياسي نحو الكلدان النساطرة في المنطقة تحت غطاء التبشير المُمارَس بأمرها بحجة التمويه من قبل الكنيسة البريطانية الأنكليكانية، ولا سيما أنَّ النساطرة كانوا أقلية مسيحية صغيرة ومُنغَلِقة على ذاتها، فرأت فيها صيداً ثميناً من السهل اقتناصُه.                                                                             
موقف السلطان عبدالحميد الثاني
منذ بداية القرن التاسع عشر وحتى نهاياته كان عدد كبير من المسيحيين الكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان بفرعيهم الكاثوليك والمونوفيزيين ومعهم الأرمن يعيشون في منطقة شرق الأناضول في مقاطعات وان، هيكاري، أرضروم، دياربكر، بيطليس، خاربرد، سيفاس. وكانت تعتبر مدنَ ارمينيا الغربية. وفي بلاد فارس كان الكلدان النساطرة يعيشون حول بُحَيرة أورْميا.
بعد اتهاء حرب القرم بعشرين عام، تولّى عرش السلطنة العثمانية "السلطان عبد الحميد الثاني1842 – 1918م" وذلك في عام 1876م . انتهج اسلوباً ديكتاتورياً في حكم البلاد وطال عهدُه مدة ثلاثةٍ وثلاثين سنة، حاول أن يُخضع العالَم الإسلامي بأسره لسُلطانه. مارس اسلوب التصفية الجسدية الفردية ضِدَّ معارضيه، أما بحق أعدائه الذين يصفهم بالكفار"المسيحيين" فقد استخدم بحقِّهم أساليب جائرة لإبادتهم جماعياً، كما حرَّضَ الأكراد الحميديين لإرتكاب المجازر بحق الكلدان النساطرة الذين تحالفوا مع بريطانيا في حرب القرم.
في أكتوبر 1895 بدأت المجازر ضد المسيحيين في دياربكر وبعدها إنتشرت المذابح لِتَشْمل كل المدن حيث تم إبادة مئات الألاف من الأرمن وعشرات الألاف من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة، وتم إجبار ما يُقارب مائة ألف مسيحي لإعتناق الإسلام. بدأت أولى عمليات الإبادة على نطاق واسع في السنة  الآنفة الذكر والتي عُرفت بالمجازر الحميدية عندما قتل مئات الآلاف من الأرمن والكلدان الكاثوليك والنساطرة في مدن جنوب تركيا وخاصة بأدنة وآمد "دياربكر" بحجة افترائية أتهامية  للأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. غير أن السبب الرئيسي من وراء المجازر التي حلت بالكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان هي خشية العثمانيين من انضمامهم الى الروس والثوار الأرمن. يعتقد المؤرخون أن السبب الرئيسي وراء التورط الكردي في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذي حاول المُخادعون من أعضائه إقناع الأكراد بأن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم. وبالرغم من قيام الجيش العثماني بارتكاب المجازر ضد مدنيين أكراد في بايازيد وألاشكرت، إلا أن سياسة الترحيب والترغيب والتحريض للدفاع عن الإسلام دفعت معظم أفراد العشائر الكردية إلى التحالف مع الأتراك. كما استغلت ميليشيات كردية شبه نظامية فرصة احتدام الفوضى في المنطقة  لكي تفرض هيمنتها، فهاجمت قرى سريانية وكلدانية كاثوليكية ونسطورية من أجل الحصول على الغنائم.
يذكر توفيق السويدي في (مذكراته ص243) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة لهؤلاء النساطرة، إبتدأ معهم الدورُ الإنكليزي، حيث تلقفتهم المملكة المتحدة، وأرسلت إليهم وفداً عسكرياً للتفاوض. إجتمع بقادتهم ودعاهم للثأر من الأتراك وتَمَّ الإتفاق بين الجانبين، وبحسب ذلك الإتفاق، بادرت بريطانيا بشحن كمية كبيرة من الأسلحة الى هؤلاء النساطرة في تموز 1918، ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على تجمعاتهم في اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة، مما أدّى الى قتل عدد كبير من هؤلاء النساطرة، فاضطرَّ الإنكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقـوبة العراقية، وكان عددهم التقديري خمسين ألف نسمة بضمنهم عشرة آلاف من نسطـوريي ايران عادوا الى ايران بعد انتهاء الحرب العالميلة الأولى وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تركيا لم تقبل تركيا بعودتهم إليها متهمةً إياهم بالوقوف ضِدَّها ومحاربتها الى جانب الإنكليز، فوسمتهم بخيانة الوطن. فكان لزاماً على الإنكليز مساعدتهم على العيش في العراق، لأنهم كانوا السبب في إغـوائهم لخيانة بلدهم والتي جلبت لهم القـتـلَ والمآسي، فأقـاموا لهم مُخـيَّمات لسكناهم، واستخـدموا رجالهم بأعـمال الطرق.
« في: 06:41 21/11/2013  »
ننقل بتصرُّفٍ صياغي وبالمحافظة على المضمون كما ورد تماماً في مقالة للسيد بولص يوسف ملك خوشابا نشرها في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم بالتاريخ المذكور أعلاه.
< بعد اغتيال قداسة البطريرك الشهيد مار بنيامين غدراً، تمت رسامة شقيقه مار بولس بطريركا بدلا عنه ولقد كان اغا بطرس وملك خوشابا اكثر المتحمسين والمؤيدين لهذه الرسامة لسبب عدم ترك الفراغ في هذا الموقع لكي تتفرغ العشائر للعمل من اجل الدفاع عن الشعب بدلا من الانشغال بتنصيب البطريرك الجديد ... لم يكن لمار بولس البطريرك الجديد ايَّة رغبة في اشغال هذا الكرسي بل كان يريد ان يعيش حياة اعتيادية، ولكنَّ حِدَّة الضغوطات التي مورست عليه من قبل عائلته، والتاييد الذي تلقاه من قبل العشائر جعله يرضخ للامر الواقع، كان قداسته ضعيفا الى درجة انه كان يأتمر باوامر شقيقته سرمة خانم وقد لاحظ قناصلُ دول الحلفاء هذه الصفة فيه، ولذا قرروا تشكيل مجلس يضم ممثلين عن آثوريي اورميا وآثوريي هيكاري برئاسة الدكتور شيت القنصل الامريكي ويتكون المجلس من:
(آثوريي اورميا : القس (ي و ايشو) (الاستاذ بيرة امريخس) (بطرس خان وكيل اللجنة في الحكومة) (القس اسحاق م يونان) (الاستاذ بنيامين موشاباد) (دكتور دانيال ابراهيم) (الاستاذ ابرم اوشان) (الدكتور بابا فرهاد) .....
آثوريي حكاري : (ملك خوشابا يوسف) (مالك اسماعيل ياقو) (اغا بطرس ايليا) (الدكتور مرزا خامس) (القس كورييل) (الكسندروس) (الاستاذ منصور)...)
ولكن بحسب ما يذكره ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ص 285-286) وكان رئيسُ الكلدان النساطرة "الآثوريين" الروحي والسياسي في هذه الأثناء البطريرك شمعون بولس العشرون ذو الرابع والعشرين ربيعاً الذي اعتلى المنصب وراثياً بعد اغتيال شقيقه شمعون التاسع عشر بنيامين من قبل الزعيم الكُردي اسماعيل أغا الشكاكي عام 1918م، نزح الى همدان مُضطراً ومن ثمَّ وُضع في شبه إقامةٍ جبرية في معسكر بعقوبة آخر موقع لنزوح الكلدان النساطرة "الآثوريين" من موطنهم الأصلي في جبال تركيا وهضبة ايران، ومن بعقوبة أرسل موفده الى مؤتمر باريس مُحَمِّلاً إياه نَصَّ مُداخلته بشأن فرز مقاطعةٍ مستقلة للكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة. بعدها انتقل للإقامة في الموصل وأبدى نوعاً من التعاطف نحو الكلدان الكاثوليك، إلا أن الإنكليز حين نووا ضمَّ الإقليم الذي أراده وطناً للكلدان بشقيهم الى العراق، أبعده الإنكليز عن الموصل، فمات كمداً في بعقوبة عام 1920م.

وبناءً الى قانون توريث المنصب البطريركي النسطوري الذي سنَّه البطريرك شمعون الرابع الباصيدي، اختير الصبيُّ اليافع إبنُ داود شقيق البطريركين الراحلين شمعون بنيامين وشمعون بولس ليُمنح رتبة البطريرك باسم "شمعون ايشاي الواحد والعشرون" وهو في الثاني عشر ربيعاً من العمر، فرسمه خالُه المطران يوسف خنانيشو في بعقوبة حيث تواجد الكلدان النساطرة "الآثوريين" الذين أتى بهم الإنكليز من همدان في ايران بحسب الرواية التالية:

مهمة ملك خوشابا للاتصال بالحلفاء ودور الكنيسة الكلدانية في مساعدته
« في: 06:41 21/11/2013  »

ايها القراء الاعزاء كنت قد تعمدت عدم كتابة هذا الموضوع المهم حتى لا اتهم بانني اتوخى من كتاباتي سرد الاحداث التي تمجد بملك خوشابا دون غيره من الرؤساء وبالرغم من انني سبق وان نشرت مقتطفات من جريدة (كخوا) اي النجم الصادرة في اورميا سنة 1917 والتي تمجد فيها باغا بطرس وملك خوشابا وتصفهما بصفات قل ما وصف بها قادة. الا ان الاخوان الكوبلزيين الذين حاولوا ويحاولون جاهدين بتشويه أحداث التاريخ ومنها تشويه هذا الحدث من البطولات النادرة لكي يبرروا هزيمة العائلة الشمعونية من اورميا وترك المقاتلين بدون قيادة مما ادى الى مقتل اكثر من خمسة عشر الف آثوري مدعين بان غياب ملك خوشابا واغا بطرس عن المعركة كان السبب في هذه النكبة وهذا اعتراف صريح منهم بان الامة والقوات ألآثورية لم يكن هنالك من يستطيع حمايتها وقيادتها بجرأة وحكمة في حال غياب هذين القائدين البطلين .....

بعد الخسائر الفادحة التي لحقت بالقوات الاثورية في معركة سيري وقرب نفاذ عتادها، فكان لا بد من ايجاد مخرج من هذا المأزق، فاجتمع المجلس المذكور برئاسة الدكتور شيت لمناقشة هذا الموقف المتازم، فتوصل المجتمعون بضرورة الاتصال بالحلفاء وطلب النجدة منهم باسرع وقت ممكن.  والمنفذ الوحيد كان الوصول الى القوات الانكليزية المتقدمة من بغداد الى الموصل ووقع الاختيارعلى اغا بطرس للقيام بهذه المهمة، ولكن اغا بطرس اعتذر لإنعدام معرفته يطبيعة المنطقة حيث انه تركها منذ ان طردته عشيرتُه مع عائلته بسبب قضية مقتل ابن عمه على يد شقيقه سهواً، وكذلك لعدم معرفته بالعشائر الكردية المتواجدة في المنطقة، ولذلك اقترح اغا بطرس على المؤتمرين ان يكلف ملك خوشابا بهذه المهمة لتوفر كل ما سبق فيه، فقرر المؤتمرون بان يقوم ملك خوشابا بتنفيذ هذه المهمة على ان يصطحب معه قوة صغيرة لاجل حمايته لانَّ واجبه يتطلب منه شق طريقه بين صفوف الاعداء للوصول الى القوات الانكليزية وتم تزويده بالكتاب التالي:

يسر اللجنة المركزية الاثورية ان تُعرِّف المحترم ملك خوشابا يوسف بأنَّه قائد قوات لفرقتين نظامية ومتطوعين من ابناء عشيرته ومن ابناء امته، وبانه الشخص الذي قدم خدمات كبيرة لمصلحة الحلفاء وانه حقق انتصارات باهرة على الاعداء وهو شخص شريف وشجاع وصادق وموضع ثقة.
ونحن كلجنة وكامة لنا مطلق الثقة بهذه الشخصية المحترمة لذا نوصي كافة الضباط والمراتب الانكليز المحترمين الذين سيلتقون بحامل هذه المذكرة ان يعطوا له كل ما يسهل مهمته وهو في طريقه الى بغداد علما انه عضو بارز في هذه اللجنة .....
                                                                                                                        عن اللجنة 
                                                                                                                     القس ي و ايشو
                                                                                                                    اورميا / ايران
اسماء المشتركين في هذه المهمة: (ملك خوشابا / داود ملك خوشابا / يلدا سلمو / الاستاذ شموئيل يلدا / لازار اوشانا / ماما خوشابا / برجم خوشابا / باكوس اوديشو منيانش /شماس طليا / اسخريا شمعون / شماس كندلو بثيو / توما كوركيس / كينا كوركيس ...)
تحرك ملك خوشابا ورفاقه المذكورون ليلة 14 حزيران 1918 مسلحين وسالكين طريقا وعرا عبر جبال كردستان التركية الشرقية، متجهين نحو الموصل للاتصال بالقوات الانكليزية المتقدمة نحوها طلبا للنجدة الممكن تقديمها ضرورياً للاثوريين المحاصرين في اورميا. وفي اليوم الاول وصلوا قلعة قاشا اونر ومكثوا في احد كهوفها لان القوات التركية كانت تتحرك بكثرة على جميع الطرق متجهة نحو اورميا. ومن هنالك ارسل ملك خوشابا اربعة اشخاص الى اورميا لياتوا بالمعلومات اللازمة عن الموقف فيها ليؤجل على ضوئها سفره ويعود اليها اذا دعت الحاجة الى ذلك. ولم يَعُد من هؤلاء الاشخاص الا شماس اسرائيل تورخان الذي ظل الطريق ولم يتمكن من العثورعليهم الا انهم شاهدوا الاشارة المتفق عليها والتي كان قد وضعها في ماربيشو. وفي اليوم الرابع وصلوا الحدود الايرانية التركية وكانوا يسيرون ليلا ويختفون نهارا وهكذا واصلوا سيرهم في جبال حكاري الوعرة والوديان العميقة حيث جابهتهم مشقات عديدة ومصائب جمة شديدة خاصة من جرّاء ندرة المواد الغذائية في تلك المناطق، فاتخذوا من لحم الوعل غذاء لهم والذي كانوا يصطادونه بصعوبة خوفا من كشف امرهم من قبل الاعداء بسبب اصوات بنادقهم حتى وصلوا أخيراً منطقة برواري بالا  حيث اخذوا يقطفون سنابل الحنطة من حقول بعض القرى الكردية ويجرشون حباتها بين الاحجار ثم يعجنون طحينها ويخبزونه على الصخور. وعبروا نهر الزاب من جسر بلبل في برواري بالا ثم صعدوا جبل سر عمادية  وكان فيه الكثير من الاكراد المهاجرين من الشمال، ونزلوا من هذا الجبل حتى وصلوا قرية اينشكي حيث اتصلوا باهلها المسيحيين سرا حيث زودوهم بقليل من الطعام المتيسر،  ومن هناك توجهوا الى القوش عن طريق سوارة توكا / زاويتة / اينوت / جبل كمكة / دوستكة / القوش. واثناء السير في هذا الطريق تنبه لسيرهم الاكراد الا انهم لم يتمكنوا من التعرف على هويتهم الى ان وصلوا القوش وفيها تعرفوا على المطران فرنسيس الذي كان مبعدا من ارادن من قبل السلطات التركية،  فقسمهم المطران الى قسمين بحيث تسكن جماعة منهم في دير ربان هرمز والجماعة الاخرى في احد الكهوف والجماعة الثالثة ارسلها ملك خوشابا الى تلكيف لتستطلع الاخبارعن القوات الانكليزية المتقدمة نحو الموصل، وكان ملك خوشابا ضمن الجماعة التي اختبات في الكهف لكي لا يتعرف احد عليه اذ كان قد اخفى هويته وسمى نفسه بالشماس اوديشو لان اسمه الحقيقي كان معروفا في كل مكان ولما علموا من المطران فرنسيس بان قوات تركية كبيرة قد توجهت نحو اورميا غير ملك خوشابا رايه في الانتظار للاتصال بالقوات الانكليزية خوفا من ان ذلك قد يتطلب وقتا طويلا فاراد العودة الى اورميا باسرع وقت ممكن ليكون مع القوات الاثورية لمقابلة القوات التركية المهاجمة لذا قرر الذهاب الى تلكيف بنفسه ومعه الاستاذ شموئيل يلدا ليعيد الاشخاص اللذين ارسلهم اليها ليتاكد بنفسه من المعلومات المتوفرة عن موقف القوات البريطانية في الشرقاط. فسافرا ليلا الى تلكيف متنكرَين بالملابس الكردية وكان الموسم صيفا ...
ووصلا في الصباح الباكر الى منزل السيد منصور سيسي الشخصية المعروفة في تلكيف ورئيسها والذي كان صديقا لوالد ملك خوشابا وكان يعرف ملك خوشابا جيدا فاستقبله السيد منصور سيسي بحرارة قائلا يا للقدر كيف يدخل ملك خوشابا بيتي وانا عاجز عن نحر الذبيحة امام قدميه، ثم جمع رؤساء تلكيف بصورة سرية لان مدير الناحية التركي وعائلته كانوا يسكنون في الطابق الثاني من داره. ومع ذلك جلب خروفا وذبحه امام رجلَي ملك خوشابا في الطابق الاسفل من داره حيث كان رفاقه الاربعة الذين ارسل معهم رسالته الى بطريرك الكلدان مارعمانوئيل في الموصل وجاءه رد البطريرك بان الانكليز لا يزالون في الشرقاط وان القوات التركية لا تزال تقاوم تقدمهم وان نهر دجلة ملغوم في اكثر من محل وان الكثير من الارمن قد حاولوا الوصول الى القوات الانكليزية الا ان القوات التركية قد القت القبض عليهم ... عاد ملك خوشابا مع رفاقه الى القوش بعد ان مكث ليلة واحدة في دار السيد منصور سيسي في تلكيف ثم سافر مع رفاقه من القوش الى اورميا سالكين طريق القوش / كورة كافان / سوارة توكا / بيناثا / اينشكي / سرعمادية / هييز / بيت طنورة / سرزر / زرني في تياري السفلى / ماثا دقصرى في تياري السفلى / بيت زيزو / جبل سيف / جبل بارشنا / ابرك / جبال ديز / بحيرة ماربيشو / قلعة قاشا اونر / اورميا، وكانوا يشترون طعامهم اثناء عودتهم من بعض القرى المسيحية في منطقة العمادية او بقطفون سنابل الحنطة من الحقول او بالسطو على اغنام الرعاة الاكراد من المراعي حتى وصولهم الى اورميا، وعند وصولهم الى جبال هيكاري ارسل ملك خوشابا شخصين من جماعته للحصول على المعلومات عن مصير الاثوريين في اورميا من اكراد المنطقة الذين رافقوا القوات التركية الى اورميا وعادوا الى بيوتهم فاستغرقت رحلتهما اثني عشر يوما وعند وصولهما الى برواري بالا وجال علما بان جميع العشائر في اورميا قد رحلت الى جهة مجهولة ولم يبقَ  فيها الا بعض الاسرى من اثوريي اورميا فقط .
المصادر :
مذكرات الاستاذ شموئيل يلدا الذي كان مشاركا في هذه المهمة
من كتاب القس يوئيل وردة الامة الاثورية لن تموت
مذكرات الشماس داود الاشوتي
تاريخ اشور كلدو للقس شموئيل داود

مُغادرة الكلدان النساطرة "الآثوريين" اورميا
ننقل بتصرُّفٍ صياغي عن مقالةٍ للسيد بولص يوسف ملك خوشابا منشورة بتاريخ 22/1/2013 في موقع عنكاوا.كوم  يصف فيها ترك الآثوريين لمدينة اورميا في رحلةٍ مأساوية حيث يقول: إنَّ الاثوريين المُقيمين في مدينة اورميا تركوها بصورة مفاجئة وتخلَّف فيها الكثيرُ منهم لعدم علمهم باخلائها الا بعد فوات الاوان. وعندما عزموا اللحاق بإخوانهم وجدوا انفسهم مُحاصرين من قبل القوات التركية والإيرانية والكردية التي أغلقت بوجههم كافة الطرق، فاضطر قسم منهم للجوء الى دور بعض اصدقائهم وجيرانهم الايرانيين، بينما توزَّع القسم الأكبر منهم الى دور الارساليات الأمريكية البروتستانتية والفرنسية الكاثوليكية وقد بلغ عددُ هؤلاء اللاجئين الى هذه الدور حوالي ستة عشر الف نسمة. احتوت الدور الفرنسية التي كان يديرها المونسنيور سونتاك الفرنسي ستة آلاف لاجيء، اما الدور الأمريكية فاتسعت لإيواء العشرة آلاف التي كان يُديرها الدكتور ياكرت الذي كان معروفاً ومحبوباً من مختلف الأوساط الإيرانية لخدماته الإنسانية الجليلة التي كان يُقدمها لهم بصفته طبيباً بدون تمييز، ولبث ملازماً لهؤلاء المستجيرين به حتى عودة ملك خوشابا ورفاقه الى اورميا بعد استكمال المهمة التي أنيطت به للإتصال بالإنكليز في الموصل. وبعد اربعة ايام من ذلك التاريخ اخذ الدكتور باكرت اسيرا الى تبريز من قبل القوات التركية، اما المونسنيور سونتاك الذي كان رئيساً للإرساليات الفرنسية الى جانب كونه ممثلاً للحكومة الفرنسية، وبالرغم مِن قيامه في الماضي بحماية الكثير من الشخصيات الإيرانية منقذاً إياها من الموت ومن جملتهم أرشد هميون الإيراني حاكم اورميا الذي كان قد أنقذ حياته وحياة زوجته من الموت المحتم عندما أراد الآثوريون المنتصرون في أحداث اورميا قتله لدوره في تحريك تلك الأحداث، فكان جزاؤه من قبل هذا الخائن ناكر الجميل القيام بتعذيبه وقتله، يوم اقتحم دور الإرسالية الكاثوليكية الفرنسية في 31 تموز 1918م. ثم استولى ارشد همايون على صندوق كان يحتوي على مبلغ كبير من المال والحلى المؤتمنة عند الارسالية والعائدة للاثوريين. وبعد ان اختار لنفسه عشرة نساء جميلات من الاثوريات الاسيرات، أمر رجاله المُسلحين بقتل كُلَّ مَن في الدور مِن الرجال والنساء والأطفال باساليب وحشية يندى لها الجبين مستخدمين ابشع انواع التعذيب في قتلهم. كما قتلوا المطران توما اودو والخوري يوسف، وسعوا في إثر الاثوريين المختبئين عند اصدقائهم الايرانيين حيث أخرجوهم وبضمنهم اربعة قساوسة والمطران بطرس وبعض الشخصيات الاثورية وبعد تعذيبهم قتلوهم في شوارع المدينة.
ولم يكن مصير الاثوريين الموجودين في دور الارساليات الامريكية أفضل من مصير اولئك الذين قُضيَ عليهم في دور الإرساليات الفرنسية، اذ انهم اخرجوا من قبل الاتراك والايرانيين والاكراد وبوقاحةٍ قاموا بنزع  النساء مِن ملابسهنَّ وساروا بهن عاريات في شوارع المدينة، وانتزعوا الاطفال من امهاتهم وسحقوهم تحت حوافر خيولهم والقوا بجثثهم في ابار متروكة. اما الرجال والشبان فكان مصيرهم القتل الجماعي. ولم ينجُ من هؤلاء اللاجئين سوى ستمائة نسمة فقط. بهذا الشكل الوحشي المُخجل ورد وصفُ تفاصيل هذه الجريمة النكراء في كتاب (تاريخ اشور _ كلدو/ تاليف القس شموئيل داود الذي كان شاهد عيان للحدث) وكذلك في كتاب (الامة الاثورية والكنيسة/  تاليف القس يوئيل وردة) وكان شاهد عيان للحدث ايضاً.
اما الاثوريون الذين تمكنوا من الافلات من اورميا والذين يقدرون بعشرات الالاف فلقد شقوا طريقهم باتجاه همدان، تحت حماية  قادة الالوية المقاتلة الابطال الذين أبلوا بلاءً نادراً في الذود عنهم بالمقدمة والميمنة والميسرة والمؤخرة مؤمِّنين الحماية لشعبهم وكانوا يصُدون الهجمات التي كانت تشن عليهم من كافة الجهات بهجمات مقابلة لابعاد الاعداء عن الشعب حتى وصولهم الى ساين قلعة، حيث التقوا باغا بطرس وقواته، فقام بتنظيم عمل القطعات وشقوا طريقهم الى همدان بمعجزة بعد رحلة دامت ستة عشر يوما هلك الكثيرُ منهم في الطريق وتُرك العديدُ منهم لعدم تمكنهم من مسايرة البقية ليلقوا مصيرهم المحزن. عند وصولهم همدان التقاهم المستر( ت  ت) ماكارثي المسؤول الانكليزي في همدان، وفور وصولهم، امر مكارثي بتجريدهم من سلاحهم وكل ما كانوا يملكون من المواشي والحيوانات بالاضافة الى المئات من الاسرى من ضباط وجنود اتراك تم تسليمهم الى الانكليز في همدان . وكذلك استلم الانكليز من الاثوريين اثني عشر الف بندقية وستة وثمانين رشاشة وثلاث بطاريات مدفعية جبلية وخمسمائة وعشرين عربة مُحملة بكمية كبيرة جداً من الذخيرة، وصادر الإنكليز مقتنياتهم البالغة خمسة وعشرين الف راس من الخيول والبغال والثيران. وفي همدان تفرق الاثوريون حيث جرى ارسال قسم منهم الى مدينة كرمنشاه. وقسم من اثوريي ايران توجَّهوا الى قزوين وطهران وتبريز واما القسم الاكبر من الاثوريين النازحين من منطقتي هيكاري والعمادية في تركيا وبمعيتهم الارمن وقسم كبير من اثوريي ايران فتم ارسالهم الى خانقين ومنها الى بعقوبة في العراق. والى الجزء الثاني والأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 30/11/2015

31




الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الأربعون
اغتيال البطريرك شمعون بنيامين

لم يغفل أعضاء بِعثة كنيسة كانتيربيري الأنكليكانية عن حركات وسكنات مارشمعون، وبطريقةٍ وبأخرى كانوا يُراقبون ما يصدر عنه من أقوال وأحاديث، فعلموا بأنَّه مُستاءٌ من تصرُّفاتهم، وقد انتابه الشكُّ بعدم صُدق وعودهم ولا يهُمُّهم التنصُّلَ منها، فقرَّروا الخلاص منه وأبلغوا مُخابرات بلادهم بذلك، وهي بدورها أوعزت الى ضابط مخابراتها العاملة في ايران المستر كريس لتدبير لقاء مصالحة في ظاهره بين مارشمعون وبين سمكو آغا الشكاكي الكردي إذ كانت العداوة بينهما على أشدِّها. ومن جِهةٍ اخرى، فإنَّ السلطات الأيرانية وبعد الانسحاب الروسي من شمال ايران اخذت تبحث عن كل وسيلة ممكنة لضرب الاثوريين والتخلص منهم خاصة بعد معركة مدينة اورميا واندحار قواتها فيها، فاتصلت باسماعيل اغا المُلقَّب بـ (سمكو) رئيس عشائر الشيكاكي القوية بغية تدبير مؤامرة لاغتيال مار شمعون بنيامين باعتباره رئيس الاثوريين اعتقادا منها بانه سيكون من السهل القضاء على الاثوريين بعد غيابه. ومن اجل ذلك دفعت الحكومة الايرانية مبلغا قدره (مليون تومان) لاسماعيل اغا اضافة الى وعود اخرى لقاءَ تنفيذه المؤامرة، فرأى اسماعيل الأمرَ بصالحه من ثلاثِ نواحيه، أولاً: بحصوله على المال الذي كان بحاجةٍ إليه، وثانياً: سعيا منه لتحسين صورته لدى الحكومة الايرانية وثالثاً: رغبته في التخلص من الاثوريين الذين اخذ يخشى ازدياد نفوذهم وسيطرتهم في منطقة عشائره. بينما كان مارشمعون بنيامين وبناء على نصيحة الكابتن كريسي الانكليزي يريد الاستفادة من نقمة سمكو على الحكومة الايرانية لانها كانت قد اعدمت عددا من افراد اسرته لمعارضتهم سياستها ورفضهم الخضوع لها. وفي نفس الوقت كانت الحكومة الايرانية على اطلاع على الاتصالات التي يجريها مارشمعون بنيامين مع اسماعيل اغا (سمكو) اقوى الشخصيات الكردية في تلك المنطقة بصدد الاتفاق معه لتوحيد قواتهما والعمل معا لصد الهجمات التركية والايرانية. فأرادت السلطات الايرانية ضرب عصفورين بصخرةٍ واحدة اذ ان نجاحها في مؤامرتها سيوصد باب الإتفاق بين القوتين الآثورية والكردية لا بل سيدفع الطرفين الى التقاتل والتناحر فيما بينهما، ويؤدي بهما الى استنزاف ذخيرتيهما واستهلاك قوتيهما، وتكون النتيجة لصالح السلطات الايرانية.
كيفية تنفيذ الخيانة
ومن الجدير بالذكر بأنَّ ضابطي ارتباط للحلفاء هما الكابتن الإنكليزي "كريسي" والملازم الأمريكي "روبرت مكداول" قد قاما بزيارة اسماعيل اغا الشكاكي قبل موعد اجتماع الأخير بالبطريرك النسطوري مارشمعون بنيامين التاسع عشر بزمن قصير. وبعد انتهاء زيارتهما، أعرب المُلازم الأمريكي عن انطباعه عمّا  لاحظه باسماعيل أغا قائلاً: < بأنَّه غير مُطمَئن لنوايا اسماعيل أغا ويراه شخصاً مُريباً >.
وكان شموئيل خان قد عاد من لدن اسماعيل أغا، الذي حمَّله رسالة الى مارشمعون بنيامين طالباً فيها أن يتمَّ الإجتماع في مدينة "كونه شهر" التي تقطنها غالبية أرمنية وبعض العوائل اليهودية. فَطِنَ الأرمن الى نوايا اسماعيل اغا غير الودية والعدائية، فأرسلوا وفداً الى مدينة "خوسراوة" حيث كان مارشمعون بنيامين، وابلغ الوفد مارشمعون ناصحاً إياه بعدم الذهاب الى كونه شهر، لأنَّ اسماعيل أغا لا يؤتمَن جانبُه، وأيَّد  ذلك اليهود والكثير من الآثوريين. إلا أنَّ مارشمعون بنيامين لم يُعِر اهتماماً لهذا التحذير وعّدَّه شعوراً طارئاً، وصمَّم على عقد الإجتماع.

وكأنَّ مارشمعون بنيامين كان على موعِدٍ مع حتفه! إذ بتاريخ 3 آذار سنة 1918 تحرك ركبُه الى "كونه شهر" للاجتماع باسماعيل اغا، وكان الوفدُ مؤلفاً من الرائد الروسي "قوندراتو" والضباط الأربعة الروس أيضاً والذين كانوا يقودون الفوج الاثوري الذي شكله مارشمعون بنيامين من المجندين، كما رافقته قوة حراسته المؤلفة من مائة وخمسين جنديا خيالا تحت قيادة شقيقه داود ومن ضمنهم شموئيل خان وشقيقه ايشا ولدي بيجان. ولما وصل الموكب الى كونه شهر تتقدمه مركبة مار شمعون بنيامين التي تجرها الخيول وسط وابل من الثلوج المتساقطة بغزارة، فاستقبله اسماعيل اغا بترحاب كبير بين صَفَّين من رجاله، وقد تسلَّح الصف اليمين بالسلاح الروسي والصف اليسار بالسلاح التركي، وأثناء استعراض مارشمعون بنيامين حرس الشرف، أعرب عن سروره وإعجابه بمظهرهم اللائق وانضباطهم الجيِّد، فشكره اسماعيل أغا على انطباعِه عن رجاله. ثمَّ دخلا سوية الى قاعة الإجتماع ومعهما الرائد الروسي والضباط الأربعة الروس وتبعهم داود شقيق مار شمعون وشموئيل خان وأخوه ايشا ولدا بيجان. مكث حرس مار شمعون بنيامين في فناء الدار مُنتظرين انفضاض الإجتماع، فيما كان رجال اغا اسماعيل قد أخذوا أماكنهم المُسلطة عليهم جاعلينهم أهدافاً لمرماهم، ولم يخطر على بال الحرس ليأخذوا حيطة وحذراً لحماية انفسهم والحفاظ على سلامة بطريركهم، لوثوق قادتهم بالصداقة الجديدة التي فاجأتهم بتحولها الى خيانة أودت بحياتهم وحياة قادتهم وبطريركهم.

إذ بعد انتهاء الإجتماع ودَّعَ مار شمعون وحاشيته مُضيفهم الخائن اسماعيل أغا، وقبل أن يهُمَّ مارشمعون بنيامين بالدخول الى مركبته وإذا بطلقة تُصيبه صوَّبها إليه الخائن اسماعيل أغا من الغرفة المقابلة للمركبة، وفوراً بدأ رجالُه وحسب الخطة المرسومة بإطلاق الرصاص بغزارة على حرس مار شمعون وخيولهم، فاختلطت دماؤهم ببعضها، ولم ينجُ من ذلك الجمع كُلِّه إلا ستة أشخاص بما فيهم داود شقيق مارشمعون إذ كان قد خرج من الإجتماع قبل انفضاضه، أما الرائد الروسي قوندراتو وبالرغم من إصابته بجرح، إلا أنَّه استطاع أن يمتطي ظهر حصانه ونفذ بإعجوبة من تلك المعمعة، ووصل مدينة خوسراوة ونقل لأهلها الخبر، وعلى الفور تحرَّكت بعض سرايا فوج المجندين ووصلت بسرعةٍ قياسية الى كونه شهر، وما إن علم داود شقيق مارشمعون بوصول السرايا حتى خرج من مخبئه داخل كنيسة الأرمن، واستطاع التعرُّف على على جثة شقيقه البطريرك التي تعرَّضت للتمثيل بها. فنقلوها الى خوسراوة ودفنوها في كنيسة مار كوركيس الأرمنية.  لقد كانت جريمة نكراء راح ضحيتها عدد كبير من أشخاص أبرياء، وبهذا الشكل التآمري المُدبَّر من قبل الإنكليز اغتيلَ البطريرك شمعون التاسع عشر كما دبَّروا من قبل موت سلفه البطريرك مار شمعون الثامن عشر روبين، وجرى ذلك على مذبح أطماعهم الإستعمارية. نقلنا هذه الرواية المُحزنة بتصرف صياغي عن مقالة للسيد بولص يوسف ملك خوشابا، وبالمناسبة فقد وجدت في سرد هذا الرجل لتاريخ أبناء شعبه الكلدان النساطرة المعروفين بالآثوريين صُدقاً ونزاهة لم أجدهما في كتابات الذين كتبوا عن هذا التاريخ من قبل المتأشورين أو عملائهم المُرتزقين! وسأواصل وبتصرُّف صياغي دون المساس بكنه المضمون نقلَ ما سطَّره هذا الرجل في السِّفر التاريخي لأبناء قومه الكلدان النساطرة" الآثوريين" لِما فيه من مصداقية وفائدة ليطلع عليها أبناء الأجيال الصاعدة ولا سيما أحفاد اولئك الأبطال الذين لا نظير لهم اليوم!
وربَّ قاريءٍ أو أكثر من أحفاد الكلدان النساطرة مُنتحلي التسمية الآثورية والتي تحوَّلت مؤخراً الى الآشورية المُزيَّفة أو المتعاطفين معهم المتأشورين من بين  قرّاء هذه المقالات يقول: وما دخل الشماس الدكتور كوركيس مردو بإعادة نشر هذه المقالات وهو كلداني القومية وكاثوليكي المذهب؟ فجوابي لهؤلاء الجهلاء بالتاريج أسرى العنصرية المقيتة المُرتبطة بالمذهبية القاتلة هو: ومن موقعي كباحث ومؤرخ في التاريخين القومي والكنسي أقول: كان آباؤكم وأجدادُكم جزءاً عزيزاً من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية التي تولَّى رئاستها العليا أبناءُ إحدى العوائل المعروفة بالعائلة الأبوية "آل أبونا" في حقبة من حقبات التاريخ وبالتحديد منذ عهد (البطريرك طيمثاوس الثاني 1318-1332م) وخلفه خمسة بطاركة عن طريق الإنتخاب التقليدية ينتمون الى هذه العائلة وهم على التوالي (دنحا الثاني 1333-1364م) و (شمعون الثاني 1364-1392م) و (شمعون الثالث1403-1407م)، (ايليا الرابع 1409-1437م) ، (شمعون الرابع الباصيدي 1437-1477م) وإنَّ شمعون الرابع الباصيدي شَرَّع قانوناً رئاسياً يقضي بجعل الرئاسة البطريركية حكراً على أبناء عائلته "العائلة الأبوية" دون غيرها، منطلقاً من مغزى الإنتخابات العفوية التي لعبت الصدفة دورَها في اختيار الآباء المُنتَخِبين لأحد آلآباء المتحَدِّر من هذه العائلة للرئاسة الكنسية العليا، معتبراً ذلك دافعاً له لحصر الرئاسة في أبناء عائلته، ملغياً بذلك القانون الكنسي التقليدي الذي دأب أحبارُ الكنيسة من مطارنة وأساقفة على تطبيقه منذ القرن الرابع في اختيارهم لقائد روحي يجدون فيه مؤهلات القيادة ليرعى شؤون كنيستهم وشعبهم، وإن حدث أحيانا تدخُّل من السلطة العليا الحاكمة بتأثير داخلي أو خارجي لفرض مُرشَّح مُعيَّن خارج إرادة الآباء، فيرضخون لإنتخابه امتثالاً للأمر! ولكن في الغالب كان يجري انتخاب الجاثاليق أو البطريرك بحسب القانون الذي أصدره عدد من مجامع الكنيسة وأكَّدت عليه مجامع لاحقة، مُشدِّدة على أن يُراعى الإعتبار والأولوية للآباء الذين يتمتعون بروحانية مسيحانية حقيقية وتتوفَّر فيهم الكفاءة والمقدرة الإدارية للقيام بأعباء الرئاسة العليا للكنيسة، بصرف النظرعن أصلهم وفصلهم.
 ففي الرسالة السادسة للجاثاليق العظيم مارآبا الكبير كما أشار إليها في تاريخه (الأب لابور ص 187) يُبيِّن مارآبا بوضوح تام كيفية تطبيق القوانين الخاصة بانتخاب الجاثاليق بعد وفاته، حيث يَستبعِد من هذا المنصب كُلَّ مِن رُشق بالحرم، ومَن كان مذنباً أومُحباً للمال بجشع، أنانياً مَيّالاً الى اللذة. أما عملية الإنتخاب فتتم كالتالي: بعد وفاة الجاثاليق يجتمع أساقفة الأبرشية الكبرى "أبرشية الجاثاليق" ويدعون مطارنة الأبرشيات الأربع الكبرى آنذاك أو على الأقل ثلاثة منهم على أن يُرافق كُلَّ مطران ثلاثة من أساقفته، ثم يبدأون المشاورات للإتفاق على واحدٍ من بينهم يتحلّى بصفاتٍ حميدة، يكون خالياً من الخبث والأنانية، ثابتاً على الإيمان الحق، دائم السهر عليه، غيوراً متقيِّداً بالقوانين، ويجب أن ينال غالبية أصوات الآباء الناخبين.

إن شمعون الباصيدي لم يُعط أية أهمية للقوانين الكنسية، ولا فَكَّر بما سيُسفرُعنه قانون توريث المنصب البطريركي من تبعيات خطيرة لهذا الإجراء التعسُّفي، ولم يعبأ باعتراضات آباء الكنيسة من المطارنة والأساقفة الذين توقعوا مُسبقاً ما سيُلحقه بالكنيسة من تداعيات سلبية إذ سيزيدها انحساراً وتخلُّفاً، وهو بالنسبة إليهم يُمثِّل ضربة قاصمة ومصادرة لحقوقهم الشرعية. وقد تحقَّقت مخاوف الآباء، باحتلال أفرادِ للمنصب البطريركي بدون استحقاق ولا أهلية! العنصران الواجب توفُّرُهما في شخص القائد العام للكنيسة! وللأسف فقد تعَهَّدَ البطاركة خلفاء الباصيدي بتطبيق نهجه والتمسك بقانونه الوراثي، ومن أجل ضمان سريانه، أقدموا على خفض عدد الميطرابوليطين (رؤساء الأساقفة) في الكنيسة الكلدانية النسطورية بصورة تدريجية مدروسة. وفي آخر المطاف ولدى تولّي المنصب البطريركي ايشوعياب "ناطور الكرسي أي ولي العهد" باسم البطريرك (شمعون السادس بَرماما) قام بمنح درجة رئيس الأساقفة لفردٍ واحدٍ من أبناء عائلتِه لا يتجاوز عُمرُه الثماني سنوات دون أحدٍ غيره، فبقيت الدرجة حكراً عليه لكي لا يُحاول أحدٌ آخر القيام برسم بطريركٍ من خارج أبناء هذه العائلة! عِلماً بأن رسامة البطريرك لا يمكن أن يُجريها إلا رئيس أساقفة.
بعد وفاة خلف شمعون الباصيدي شمعون الخامس خلفه على الكُرسي البطريركي بموجب قانون الوراثة إبن أخيه ناطور كُرسيه ايشوعياب واتخذ لقب (البطريرك شمعون السادس برماما 1538-1558م) يتحدَّث عنه المؤرخون: حبيب حنونا في (كنيسة المشرق في سهل نينوى ص 183) والكاردينال تيسيران في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 89-90) وكوركيس عوّاد في (أثر قديم في العراق/دير الربان هرمزد ص 36) بأنَّ شمعون السادس بَرماما كان ناطور الكُرسي على عهدعَمِّه البطريرك شمعون الخامس ويُدعى آنذاك ايشوعياب، وبعد وفاته اعتلى السُّدة البطريركية تلقائياً استناداً الى قانون الوراثة الذي سنَّه البطريرك الخامس من أبناء العائلة الأبوية شمعون الرابع الباصيدي. كان أقوى شبيه له بحرصه على استمرار الرئاسة الكنسية العليا حكراً على أبناء عائلته وعشيرته، فلم يُقدِم على رسم رئيسٍ للأساقفة مِن خارج أبناء العائلة لكي يضمن عدم إمكانية قيام أيِّ طرفٍ آخر مُناويء مِن رسم بطريرك، لأن رئيس الأساقفة وحده له هذه السُلطة والصلاحية، ولذلك حصر هذه الدرجة بفردٍ واحدٍ لا يتجاوز عمرُه الثمان سنوات. أما البطريرك عبديشوع الرابع مارون خَلَفُ البطريرك الشهيد يوحنان سولاقا، فقد ذكر في إحدى قصائده، بأنَّ بَرماما رسم مطرانَين عُمر الواحد منهم 12 عاماً والثاني 15 عاماً، فلم يسع الأساقفة إلا التنديد بتصرفه اللاعقلاني المخالف للشرع الكنسي واستهجانه، وإذ لم يكترث بَرماما باستنكارالأساقفة، حينها تحرَّكوا لإيقافه عند حَدِّه.
كانت تصرفات هذا البطريرك استبدادية ومنافية للقوانين الكنسية، إذ لم يكن يأبه بمؤهلات آباء الكنيسة من الأساقفة ولا يحفل بآرائهم حول مصيرها. وإذ وصل السيلّ الزُّبى ولم يبقَ منزعٌ في صبر الأساقفة، فكَّرَ لفيف منهم مِمَّن يمتلكون ضمائر حية في البحث عن سبيل لإيقاف تدابير البطريرك المُجحفة بحقِّهم وحقِّ شعبهم المُستعبَد الواصل الى حالة الضنك من العيش. وقبل أن يتخذوا أيَّ إجراء عادوا الى القوانين الكنسية القديمة وثَبُتَ لديهم بأن القوانين التي مارسها بطاركة آل أبونا منذ عهد البطريرك شمعون الرابع الباصيدي الذي سنَّها غير شرعية وجائرة ولا سيما عندما مورست بتعسُّفٍ من قبل البطريرك شمعون السادس برماما. فقرَّروا الإمتناع عن تقديم الطاعة للبطريرك ومقاطعة عائلة آل أبونا الإستبدادية، والسعي الى إقامة بطريرك شرعي للكنيسة بموجب قانون الإنتخاب. وتَستطرد المصادرُ أعلاه مُنَدِّدةً بسوء تصرُّفاته المُنافية للشرع المسيحي، حيث أباح الطلاق وأعطى السماح بالزواج بأكثر من امرأةٍ واحدة.
 
إزاء هذه المجريات وجد الأساقفة أنفسهم أمام وضعٍ خطير ومسؤوليةٍ كبيرة تُجاه الله والكنيسة، فعقدوا العزمَ على مواصلة المُضيِّ في طريق الحقيقة التي اختاروها متحَدِّين كُلَّ العوائق والصعوبات المتوقعة بجرأةٍ وشجاعة، منتفضين على الواقع المرير المُمارَس من قبل الرئاسة العشائرية!

قاد هذه الإنتفاضة التصحيحية ثلاثة من الأساقفة ذوي الإرادة الصلبة هم: اسقف اربيل واسقف سلامس واسقف اذربيجان. دعا الأساقفة الإكليروسَ والشعبَ الى عقد مجمع عام وشامل لغرض استطلاع الآراء، فكان أن عُقِدَ اجتماع تمهيدي في الجزيرة أسفر عن قرار بعقد اجتماع موسَّع في مدينة الموصل، فتوافد إليه عددٌ كبير من منتسبي الإكليروس والعلمانيين من كافة المناطق مزوَّدين بوثائق تخويل من قبل الشعب المؤمن الذي اعتبرهم مُمثِّلين له.

بصلواتٍ وتضرُّعاتٍ نابعة من قلوبٍ مؤمنة بعدالة حركتهم افتتح الأساقفة هذا الإجتماع الكبير مُلتمسين هداية الروح القدس ليُرشدهم الى ما هو صالح في عزمهم لإنتشال كنيستهم من محنتها وعزلتها دينيا وروحياً عن المسار المسيحي العام، ثمَّ تلا ذلك إقامتهم للقداس الإلهي، وبنهاية القداس قاموا بوضع الإنجيل والصليب على طاولةٍ في وسط الإجتماع لينالوا بواسطتهما هدياً ونوراً. وبدأ المجتمعون يُصغون الى شرح من الأساقفة حول عدم شرعية توريث المنصب البطريركي وحصره بأبناء عشيرة أبونا، لأنَّه مخالف لأهمِّ قانون من قوانين الكنيسة الأصيلة، وفي ذات الوقت يُعتَبَر عادةً فرضية دخيلة وغير عادلة ولا بدَّ من نبذها والعودة الى القانون الشرعي الإنتخابي، ومن هذا المُنطلق وللوصول الى الهدف المنشود، فخير سبيل الى ذلك هو اختيار شخص ذي مُمَيَّزات جديرة تؤهله لتحمُّل أعباء الرئاسة العليا للكنيسة والقيام بها على أكمل وجه. وعند البحث عن الشخص المؤهل لينتخبوه، توجَّهت أنظارُ الأساقفة نحو دير الربّان هرمزد القريب من القوش، حيث رأوا في رئيسه الشخص الأنسب والأجدر لهذا المنصب الرفيع لِما يتمتع به من درايةٍ وحكمةٍ وعلمٍ وتقوى، وايَّدهم المجتمعون بالإجماع.
هذه كانت الأحداث التي أدَّت الى انشطار الكنيسة الكلدانية النسطورية الى شطرين في منتصف القرن السادس عشر، فكان أسلافكم يا معشر منتحلي التسمية الآشورية المُعاصرين الجزء الكلداني المتمرِّد المُخالف لإجماع إخوته في الإنضمام الى الحركة التصحيحية لإنتشال كنيستهم من ديكتاتورية العائلة الأبوية المستبدة والخلاص من الهرطقة النسطورية والعودة الى مذهبها الكاثوليكي القويم الذي أثبته مجمع ساليق الثاني المعروف بمجمع مار اسحق المنعقد عام 410م على عهد الملك الفارسي الساساني يزدجرد الأول. وعلى هذا الأساس فإنَّكم الجزء الكلداني الضال الذي آلمنا ما جرى لكم خلال مسيرتكم الإنعزالية ثم التبعية والعمالة للأجنبي الذي كان السبب في كُلِّ ما أصابكم من ويلاتٍ ومصائب وكوارث يعجز القلم عن وصفها. ومن هذا المنطلق لديَّ كُلَّ الحق في إعادة نشر تاريخكم المشوب بالمرارة والألم والإنقسام والتآمر على بعضكم البعض منذ انعزالكم وانزوائكم في مناطق جبال هيكاري في تركيا وهضاب وجبال اورميا في ايران وحتى ترحيلكم من هناك الى العراق من قبل أسيادكم الإنكليز. ونعود الآن الى ما يرويه حفيد البطل التاريخي ملك خوشابا السيد بولص بن مالك يوسف، في مقالاته المنشورة في المنبر الحر لموقع عنكاوا.كوم الأغر.
 الحوار والراي الحر / المنبر الحر / السيل الجارف . احتلال قلعة جارا وهروب اسماعيل اغا
في: 06:36 01/12/2012
عندما تمكن اسماعيل اغا من الغدر بمار بنيامين وقتله مع مائة وخمسين مقاتلا من حرسه في كونة شهر كانت عشائر تياري السفلى وتياري العليا وباز وغيرها من العشائر بالاضافة الى اثؤريي اورميا تسكن في مدن وقرى اورميا، وكانوا يُمثِّلون القوة المُحاربة الضاربة. ارسلت سرمة خانم المُتنفذة الأولى في العائلة الشمعونية رسالة الى اغا بطرس وملك خوشابا وملك اسماعيل تطلب منهم تجهيز قوة كبيرة لا تقل عن الفي مقاتل على الفور والزحف على مقرِّ قاتل اخيها اسماعيل اغا الشيكاكي، فتم تشكيل تلك القوة بقيادة اغا بطرس وملك خوشابا وشرعت بالتقدم من قرية (قرة لار) الكائنة في القسم العلوي من منطقة القرى الشيكاكية والصومائية والبرادوستية والبالغ عددها اكثر من مائتي قرية. ووقف رجال ا هذه القوة الاثورية خارج قرية من تلك القرى امام كل من اغا بطرس وملك خوشابا اللذين طلبا من الاستاذ شموئيل ان يلقي نيابة عنهما كلمة في تلك القوات وهذا نصها (ايها الاخوة المقاتلون ان اكثرية مقاتلي اسماعيل اغا هم من صنف الخيالة الذين يصعب عليهم القتال في الثلوج، وبالرغم من اننا نقدر مقدار قوته ومناعة حِصنه الا اننا نهيب بكم ان تقاتلوا
بضراوة اولا: من اجل الثار للبطريرك مار بنيامين ورفاقه الذين قتلوا غدرا وثانيا: من اجل انقاذ انفسنا طالبين منكم الاستيلاء على قلعة جارا، لانه اذا فشلنا في انجاز هذه المهمة سيكون مصيرُنا الهلاك على أيدي الأعداء الإيرانيين والأكراد الاتراك، وبعد انتهاء تلك الكلمة، هتف الجميع قاطعين العهد على انفسهم بانهم سوف يقاتلون حتى اخر قطرة من دمائهم ثم اخذوا ينشدون الاناشيد القومية والقتالية الحماسية. وتم وضع خطة لتقدم القوات بثلاثة ارتال: رتل يتقدم من اليمين، وآخر من اليسار، والرتل الاكبر من الوسط. ثم بدأ الزحف نحو قرية كونبت الشيكاكية التي كانت محاطة بالثلوج في صباح يوم 14 اذار 1918 وشرع الرتل المركزي بقصف القرية بالمدفعية، ثمَّ صدرت الاوامر بالهجوم عليها فهرب المقاتلون الاعداء ودخلنها القوات الاثورية وسقط "مقوي" بيت قاشا شمعون المنيانش ابن خال ملك خوشابا قتيلاً في هذه المعركة، ثم جرت محاولة يائسة من قبل خيالة اسماعيل اغا لايقاف القوات الاثورية، الا انهم فشلوا وتقهقروا فارين الى  قلعة جارا، فكانت قراهم تسقط تحت أقدام القوات الآثورية حيث احتلَّت اكثر من خمسين قرية من قرى الاعداء. ثم صدرت الاوامر الى القوات الاثورية بالتقدم نحو قلعة جارا للاستيلاء عليها وتدميرها وكانت هذه القلعة مشيدة على تل مخروطي الشكل تُحيط بها  وديان سحيقة يلتقي فيها نهران وعلى كل منهما قد شُيِّدَ جسر في المنطقة العميقة منهما، وتقع القلعة على جانب ذلك التل من ناحية مدينة اورميا وتمتد حولها السهول بحيث كان يصعب رؤية الوديان المحيطة بها من المسافات البعيدة.

وكان يلفُّ القلعة خندق عميق يتسع لحركة المقاتل وهو راكب حصانه، و هو مزود بذخائر حربية وفراش من اللباد وطعام لسد احتياج المقاتلين المدافعين عنها. وطلب كل من اغا بطرس وملك خوشابا من داود الذي نجا من مجزرة اغتيال شقيقه البطريرك بنيامين ان تقوم تلك القوة المُناطة قيادتها به لدى احتلال كونة شهر قبل وصول قواتهم الى جارا وذلك لحماية مؤخرتها وتامين خطوط مواصلاتها. وبعد ان تم وضع خطة الهجوم على قلعة جارا بدا الهجوم عليها في 16 اذار سنة 1918 بقصفها بالمدفعية والرشاشات والقنابل اليدوية والبنادق. وقاتل المدافعون عنها بشجاعة فائقة واستبسلوا في القتال في اليوم الاول من المعركة مستفيدين من مناعة خنادقهم كما وكانت القوات الاثورية هي الاخرى تقاتل ليلا نهارا في الثلوج الغزيرة والبرد القارص دون كلل او ملل، وفي اليوم الثاني شنت القوات الاثورية هجومها الكاسح حيث تمكنت من خرق الاستحكامات الشيكاكية ووقعت معركة دامية بين الطرفين داخل الخنادق المحيطة بالقلعة التي اجتاحتها القوات الاثورية، فدخل المقاتلون الاثوريون في الخنادق والدماء تترقرق في عيونهم مُصمِّمين على الثار من الذين خانوا كل القيم والاعراف العشائرية، وروى لي عمي المرحوم داود ملك خوشابا بانهم حين دخولهم خندق الاعداء وهو في عمر لا يتجاوز الخامسة عشر عاماً بانهم امتنعوا عن استخدام البنادق واستعاضوا بها بالحراب لكي يروَوا غليلهم من شدة الصدمة التي المت بهم بمقتل البطريرك غدرا والغدر كان امرا مستهجنا في عرف العشائر آنذاك...

      
الحوار والرأي الحر/ المنبر الحر/السيل الجارف. احتلال قلعة جارا وهروب اسماعيل أغا : في 2012/12/01  06:36

عندما وجد اسماعيل اغا نفسه في موقف ميؤوس منه على اثر اقتحام الفدائيين الاثوريين مواضعه، اخذ يفكر بطريقة ينقذ بها نفسه من الهلاك المحتَّم، فامر بنشر النقود الذهبية في ساحة القتال ليلهيَ بها المقاتلين الاثوريين فيتسنى له الافلات من الحصار المفروض عليه. الا ان مساعيه هذه ذهبت ادراج الرياح لان ملك خوشابا كان قد اصدر اوامر صارمة الى جميع المقاتلين مسبقا بانه اذا شوهد احدُهم يحاول السلب او النهب قبل انتهاء المعركة سيكون عقابه الموت رميا بالرصاص. وبعد ان قتل عددٌ كبيرٌ من المدافعين عن تلك القلعة ضاقت باسماعيل اغا السُبُل، فامر قواته الخيالة بالهجوم على احدى النقاط المُسيطر عليها من قبل قوة سلامس الاثورية التي كانت بامرة دانيال مالك اسماعيل فتمكنت من فتح ثغرة بموقع الحصار المفروض عليها، ففرَّ اسماعيل اغا والناجون معه من خلالها بسبب اهمال المدافعين عنها... سقط في معركة جارا الدموية اثنا عشر مقاتلا من اقرباء ملك خوشابا ومنهم توما بيت يوانس الذي كان من اشجع قادته واذكاهم، كما سقط  قتلى في هذه المعركة عددٌ كبيرٌ من الابطال من عشائر باز وتخوما والبروار وجيلو وتركاور وغيرهم ممن اشتركوا في تلك المعركة، فيما قتل المئاتُ من الشيكاكيين من اجل هزيمة اسماعيل اغا مما ادى الى تلون مياه النهرين بلون الدم لكثرة عدد القتلى منهم.
وفي المساء اجتمع قادة الاثوريين في قصر اسماعيل اغا في القلعة وهم داود شقيق مار بنيامين وملك خوشابا واغا بطرس ومالك اسماعيل واوو بن شموئيل خان والمطران سركيس من عشيرة جيلو حيث امر ملك خوشابا بان تجمع الغنائم لتوزع على عوائل الذين استشهدوا في تلك المعركة فتم تنفيذ ذلك. وبعد تدمير جارا تحركت القوات الاثورية نحو مدينتي ديلمان وخوسراوة في 19 /3/ 1918م . وكان في ديلمان التي كانت مركز لواء سلامس لجنة امريكية لتوزيع الارزاق والملابس على المهاجرين الاكراد الهاربين من تركيا بسبب الجوع، يُشرف عليها الدكتور دات الامريكي ويُعاونه قاشا كينا البازي ومساعداه كل من الاستاذ اسماعيل شوو البازي والقس خندو التخومي والدكتور داود حيث كانوا يسكنون في هذه المدينة . وكانت قوة الجيش الايراني الموجودة في ديلمان تراقب نتيجة معركة جارا لكي تقوم بتصفية المُقاتلين الاثوريين فيها في حالة اندحارهم في تلك المعركة، لذا قامت هذه القوة باسر أعضاء تلك اللجنة والاستيلاء على ما كان لديها من الأموال المخصصة لشراء الملابس والحنطة للاكراد اللاجئين. ولكن ما إن وصلت القوات الاثورية الظافرة في معركة جارا الى مشارف ديلمان حتى باشرت القوات الايرانية بالهروب منها، وطلبت القوات الاثورية لدى وصولها من حاكم المدينة فتح ابوابها وعدم ابداء اية مقاومة لكي لا تضطر الى قصفها بالمدفعية، ففتِحت وتدفقت القوات الاثورية الى داخل المدينة بعد ان تم القضاءُ على كل من ابدى مقاومة فهرب اهالي المدينة ودخل قسم منهم الى دار اللجنة خوفا من تعرض الاثوريين لهم اما القوات الايرانية التي غادرت المدينة فانها التحقت بالقوات الاخرى التي كانت الحكومة الايرانية قد ارسلتها الى منطقتي خوي وسلامس لتكون على استعداد لضرب ضربتها القاضية على بقية الاثوريين في حالة اندحارهم في معركة جارا. وعند وصول كل من ملك خوشابا واغا بطرس الى ديلمان نزلا في دار اللجنة المذكورة للاطمئنان على اعضائها. وبعد ان تمت السيطرة الكاملة على مدينة ديلمان ذهبا الى خوسراوة التي كانت تسكنها عائلة مار بنيامين برئاسة سورمة خانم بعد مقتل شقيقها مار بنيامين. تم عقد مؤتمر في دار سرمة خانم حضره كل من اغا بطرس وملك خوشابا والعقيدان قوندراتو وخان الروسيان وضباط روس اخرون ومالك برخو وبارونان أرمنيان هما سمسون وقسطين وداود شقيق سرمة خانم ومالك اسماعيل. وفي هذا الاجتماع أبدى كل من اغا بطرس وملك خوشابا برأي موحَّد للمؤتمرين مفاده:  بان اسماعيل اغا وبعد هزيمته في جارا سيمر حتما في طريقه بمدينة خوي للانتقام من الاثوريين الموجودين فيها، وان الحكومة الايرانية سوف تفسح له المجال حتما للتنكيل بهم، لذا اقترحا بان يحجز الاثوريون جميع رؤساء ديلمان الايرانيين كرهائن عندهم، وان يطابوا الحكومة الايرانية بالسماح لجميع الاثوريين الموجودين في خوي للالتحاق بهم مقابل اطلاق سراح الايرانيين المحجوزين وذلك لضمان المحافضة على حياة الاثوريين الموجودين في خوي...
 
 الحوار والراي الحر / المنبر الحر / حتى لا ننسى .. سرمة خانم ومقتل اكثر من خمسة الاف اثوري
   في: 07:46 05/12/2012    في: 07:46 05/12/2012
إلا ان سرمة خانم رفضت ما اقترحه القائدان أغا بطرس وملك خوشابا على المؤتمر بتاييد من شقيقها داود ومالك اسماعيل واولاده مدعين بانَّهما (اغا بطرس وملك خوشابا) قد خربا كافة المدن الاخرى التي دخلاها، ولذلك فانهم لن يسمحوا لهما بتخريب مدينة ديلمان التي كانت تحت سيطرتهم. لكنَّ الدافع الحقيقي لم يكن سوى الحسد والغيرة التي كانت تغمر قلوبهم من جراء الانتصارات الباهرة التي تم تحقيقها بقيادة هاذين البطلين! وبالرغم من ان انتصارهما الاخير كان من اجل الثار لمار بنيامين. فلما رفضت سرمة خانم واعوانها اقتراحهما نهضا وقالا للمؤتمرين بانهما سيغادران الى اورميا وليس لهما ما يقولانه لهم سوى (البقية في حياتكم) لانهما أدركا يقينا ان رفضهم لاقتراحهما سيؤدي حتما الى هلاك جميع الاثوريين الموجودين في خوي! ولم تمضِ الا فترة وجيزة على ذلك الاجتماع حتى وردت انباء بقيام اسماعيل اغا وبتاييد واسناد من الحكومة الايرانبة بذبح جميع الاثوريين الموجودين في خوي والبالغ عددهم خمسة الاف نسمة، ذهبوا ضحية غرور وانانية وحسد سرمة خانم ومن التف حولها ممن ساقوا هذه الامة الصغيرة الشجاعة الى المصير الماساوي. وفي مؤتمر خوسراوة تمت مناقشة الموقف العام للوضع الاثوري وطرحت فيه ثلاثة آراء كانت:
1 - مقترح سرمة خانم : ان يتوجه الاثوريين نحو القوات البريطانية المتقدمة من العراق .
اعترض كل من ملك خوشابا واغا بطرس على هذا الاقتراح بسبب طول المسافة حيث ان القوات البريطانية كانت لاتزال في جنوب الموصل بمسافة تزيد عن مائة كيلومتر اضافة الى ان الطريق كانت محفوفة بالمخاطر لتواجد اعداد كبيرة من الاعداء الاتراك والايرانيين والعشائر الكردية الموالية لهم...
2 - مقترح ملك خوشابا : قال ملك خوشابا ان وضع الاثوريين قد اصبح خطيرا جدا بالرغم من انتصارهم في معركة قلعة جارا لان القوات التركية تتحشد على الحدود الغربية، ونحن محاطون بالاعداء من الايرانيين وحلفائهم العشائر الكردية من كل صوب، وان جبهتنا واسعة ومفتوحة من كل الجهات لذا ارى من الاصلح ان نقوم فورا بانقاذ الاثوريين الموجودين في خوي اولا، ثم باخلاء سلامس من كافة الاثوريين ونقلهم الى لواء اورميا ثمَّ نغادر اورميا باتجاه الحدود الروسية الايرانية لاسيما ان الطريق لا يستغرق اكثر من ثلاثة ايام وبذلك تصبح جبهتنا ضيقة نتمكن من الدفاع عنها وتصبح ظهورنا مسنودة بالحدود الروسية فلن يداهمنا اي خطر من ورائنا ونبقى مُحافظين على شعبنا لان نهاية الحرب اصبحت وشيكة ..
3 - مقترح اغا بطرس : في البداية كان مقترح اغا بطرس ان يجتمع الاثوريون في اورميا والبقاء فيها الا انه بعد سماعه مقترح ملك خوشابا ايده كما ايده غالبية المؤتمرين باستثناء سرمة خانم وشقيقها وبعض القائلين ( لبيك لبيك خادم مطيع بين يديك ).
لم يرغب ملك خوشابا واغا بطرس بالدخول في مشاحنات مع المعارضين خوفا من ان يؤدي ذلك الى فقدان الانسجام في الموقف الاثوري الحرج، فانصب اهتمامهم على ايجاد وسيلة لانقاذ تلك الالوف من البشر من الفناء المؤكد.وبعد ايام قليلة من انعقاد المؤتمر المذكور وعودة كلٍّ من ملك خوشابا واغا بطرس مع قواتهما الى اورميا قامت القوات الايرانية من مدينة خوي وبمُعاونة اهالي ديلمان المسلحين بالهجوم على الاثوريين الموجودين في لواء سلامس وكذلك اخذت طلائع الجيش التركي والعشائر الكردية تتقدم من الغرب كما سبق وتوقعه ملك خوشابا في المؤتمر المذكور مما ادى الى قتل واسر عدد كبير من الاثوريين الموجودين في لواء سلامس اثناء انسحابهم الى اورمبا...

يقول ريموند كوز: بعد مقتل مار شمعون بنيامين افتقد الكلدان بشقيهم النساطرة والكاثوليك قيادتهم الشابة على صعيد المُقاومة، فلجأ قسمٌ منهم الى الأراضي الروسية، وانضمَّ إليهم عددٌ كبير من أرمني تلك المناطق، فيما استطاع الجزء الأكبر منهم شقَّ طريقهم بإحداث ثغرة في صفوف الأعداء مُستصحبين معهم أفراد عوائلهم ومعهم اليسير من ممتلكاتهم وقطعان مواشيهم، كانت هجرة مأساوية كما وردت تفاصيلها في إحدى وثائق عصبة الأمم، حيث جرت في عِزِّ حرارة الصيف وانتشار داء التيفوس والإسهال والكوليرا والجدري أدّى ذلك الى فقدان الشيوخ والأطفال لأرواحهم، وتبعثرت جثث الموتى والمُحتضرين من جرّاء التعب والإرهاق على جوانب الطريق. وإنَّ التقرير الفرنسي في وصفه للوقائع المُفجعة لتلك الحال المأساوية تهز حتى مشاعرالأعداء.
ويستطرد كوز بالقول: بأنَّ 100 الف شخص من قاطني هيكاري وسهل اورميا نزحوا قاصدين همدان، لقي نصفهم حتفهم أثناء الطريق، أما النصف الباقي على قيد الحياة فقد وصلوا في 15 ايلول عام 1915م، وعلى الفور جرَّدهم الإنكليز من سلاحهم، فانخرط البعض منهم في صفوف الجيش الإنكليزي بصفة أعوان لُقِّبوا بالليفي الآثوري، ورُحِّلَ المدنيون الى مُخيَّمات في بعقوبة شمالي بغداد كلاجئين يُبتُّ بأمر مصيرهم بعد أن تضع الحربُ أوزارَها. أما الأربعون الف المقيمون في اورميا الذين لم يتمكنوا من الإلتحاق بالركب، فقد أبادهم الأتراك عن بكرة أبيهم وبضمنهم المُرسَلون الفرنسيون والأمريكيون. والى الجزء الواحد والأربعين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 17 / 11 / 2015












32

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء التاسع والثلاثون
تبنّي السلطان العثماني سياسة العدوان

يذكر ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 231) في عهد البطريرك النسطوري مارشمعون التاسع عشر بنيامين، أبدى السلطان العثماني عبدالحميد الثاني انحيازاً الى سياسة الإسلام المتطرِّف، فأوعز بارتكاب مجازر ضِدَّ أبناء الكنائس المسيحية في تركيا مِن دون تمييز بين اليعاقبة والأرمن والكلدان بفرعَيهم الكاثوليك والنساطرة المتسمين بالآثوريين حديثاً، فتعرَّضَ للذبح خمسة آلاف مسيحي في مدينة الرُّها وحدها الى جانب سلب الممتلكات وحرق المنازل والإساءة الى النساء... ويُضيف المؤرخ كوز: لما نشبت الحرب العالمية الأولى إتَّجهَ البطريرك مارشمعون بنيامين نحو روسيا القيصرية، وكان قراراً خطيراً وثقيلاً بالتداعيات المصيرية جَرَّ على شعبه الكوارث والويلات.

منذ مستهل القرن العشرين ارتُكِبت مجازر جديدة بتحريض من جمعية تركيا الفتاة التي اعتمدت السياسة اللبرالية في بداية تأسيسها، إلا أن سياستها انقلبت الى تطرُّفٍ قومي يسعى الى استئصال عِرقي، فغدت حركةً عنصرية شوفينية لم تقتصر مُعاداتها على المسيحيين فحسب بل شملت جميع المكونات الصغيرة الغير تركية. لم يختلف مصير الكلدان بفرعيهم النساطرة  والكاثوليك المُقيمين في سهل اورميا الفارسية عن مصير إخوتهم في السلطنة العثمانية. بعد تسلُّط الروس على أذربيجان، احتلَّ جيشُهم اورميا عام 1911م ولقي ترحيباً من المسيحيين مُعتبرين قدومَه عملاً تحريرياً. علَّق الكلدان النساطرة آمالاً على نظام يُعتبَرُ مسيحياً يتعهد بحمايتهم، وتمثَّل ذلك بالأهمية التي أعطاها جاثاليقُهم للكنيسة الأرثوذكسية الروسية.
تخبُّط الكلدان النساطرة
وننقل عن ريموند كوز في كتابه المنوَّه عنه أعلاه بتصرُّف صياغي دون المساس بالفحوى: وبالرغم مِن تعليق الجاثاليق النسطوري شمعون التاسع عشر بنيامين آمالاً على روسيا وكنيستها الأرثوذكسية، فإنَّ أميركا البروتستاتية كانت الأسرع في نجدة الكلدان النساطرة، حيث أرسلت الراعي بورد الى اورمية عام 1834م وفي ذات الوقت لحق به طبيب، ففتح لهم  مدرستَين داخليتَين إحداهما للصبيان والثانية للفتيات وفي عام 1837م جلبوا لهم مطبعة بهدف طبع العهد الجديد مترجماً الى اللغة السوادية. وفي عام 1855م شيَّدوا كنيسة لهم وبعد سبع سنين أي في عام 1862م وُضِعت في عهدة رعاة من مواطنيهم، ومنذ عام 1870م تَولّى المُرسَلون المشيخيون إدارة الرسالة البروتستانتية وقد بلغ عددُ معتنقي هذه البِدعة 700 عضواً وفي عام 1907م وصل عددُهم الى 2600 عضو. ولدى قيام الحرب العالمية الأولى كانت مجموعات الإرساليات البروتستانتية تُدير 63 مدرسة ومستشفىً واحداً.
وصل المُرسَلون اللعازريون الى اورميا عام 1840م، لعبوا دوراً مُهِمّاً وبارزاً في تثقيف هذه الزُّمَر المسيحية بهدف كسب أكبر عددٍ ممكن من أعضائها الى الكنيسة الكاثوليكية. أما المُرسلون الأنكَـليكان فقد رأوا في قوجانس مقر البطريرك النسطوري عَصِيَّة على النَيل منها، لذلك ارتأوا أن يتخذوا من اورميا مركزاً لهم عام 1886م، انكبوا على تنشئة الإكليروس النسطوري وتثقيفه، وعلى غِرار أندادِهم البروتستانت الأمريكيين فتحوا لهم مدرستَين داخليتَين إحداهما للبنين والأخرى للبنات، ولم يتقاعس مُرسَلون آخرون كاللوثريين الألمان من القدوم الى اورميا عام 1881م لنشر تعاليم كنائسهم في أرضها الخصبة، ثمَّ تبعهم امريكيون ومنهم المعمذانيون عام 1905م وهم مواطنون عائدون من المهجر الأمريكي بعد إقامة فيه مدةً من الزمن.
أما الروس الأرثوذكس فكانوا آخر القادمين الى بلاد فارس، وقد أفلحوا في كسب أغلبية النساطرة، وفي عام 1861م وصل مبعوث الجاثاليق النسطوري الى سان بطرسبيرغ حاملاً مشروع الوحدة بين الكنيستَين. وبدورها قامت الكنيسة الروسية بإرسال مُراقبٍ لزيارة منطقة النساطرة، فأورد في تقريره بأن عدد الراغبين من أتباع الكنيسة النسطورية بللإنضمام الى الكنيسة الأرثوذكسية يُقَدَّر بأربعين ألف، وهو عدد مُبالغ فيه، بيد أن مجمع الكنيسة الروسية لم يُرحِّب بالمشروع، فكان نصيبُه الإهمال والنسيان. وفي عام 1883م أعاد أتباع الكنيسة النسطورية طلبهم للإنضمام الى الكنيسة الروسية، وكان الروس آنذاك قد أبدوا رغبتهم علناً في الإستيلاء على أذربيجان. تَمَّ قبول عددٍ من النساطرة بالإنضمام الى الأرثوذكسية، وقد أشرف على ذلك يونان مطران سوبورغان لدى حضوره بمعية بعض موفدي كنيسته الى سان بطرسبيرغ، وهنالك أعلن جميع المنضمين نبذهم رسمياً المُعتقد النسطوري في 28 آذار 1898م.
أعقبت هذه البادرة، قيام الكنيسة الروسية بإرسال بعثةٍ جديدة الى أورميا، برئاسة ايليا الذي رُسم مطراناً على ترغوار عام 1900م. تمَّ فتحُ ستين مدرسة وديراً واحداً، أما نصبُ مطبعةٍ وفتحُ مستشفى وإنشاءُ معهدٍ كهنوتي فقد أُدرجوا ضمن مشروع بقي حبراً على ورق، بسبب عدم توفُّر المال اللازم، وبقيام الثورة البولشفية عام 1917م توقفت كُلُّ مشاريع الكنيسة الروسية. وما كان انضمام نساطرة أذربيجان الى الأرثوذكسية إلا مُجرَّد خيار سياسي ليس إلا، إذ كان حُلمُهم اندماج اقليمهم بجارتهم روسيا، وبذلك يتحرَّرون من نير عبودية الإسلام، كان التزاماً منهم دفع بهم الى خوض الحرب الى جانب حُماتهم الجُدد أي الروس.
ولكن ما الذي تبقّى من الجزء الإنعزالي لشعب الكنيسة الكلدانية النسطورية ذات الماضي المجيد؟ ها هو جاثاليقها اليوم يتردَّدُ طويلاً بين الكاثوليكية والأرثوذكسية، بعد أن ترك الكثير من اساقفتِه كنيستَهم النسطورية وانتمى بعضهم الى الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والبعض الآخر الى الكنيسة الأرثوذكسية الروسية، وعن ذِكر تردُّد الجاثاليق مار شمعون التاسع عشر بنيامين تذكر بعض المصادر الأخرى، بأنَّ علاقة صداقةٍ حميمة نشأت بين مار شمعون وبين القس بطرس عزيز الكلداني الكاثوليكي المتواجد في اورميا آنذاك، ولم يكن يُخفي البطريرك شكواه على غِرار عَمِّه وسلفِه مار شمعون روبين من تصرُّفات المُرسَلين الأجانب ولا سيما الروس والإنكليز اللذين خذلاه وشعبه، وإنَّ ما يجب القيام به هو العمل على توحيد الكنيستَين الكلدانية النسطورية والكلدانية الكاثوليكية، وعندذاك يتوحَّد الشعب الواحد والأمة الواحدة، ويتمنّى أن تتحقَّق هذه الوحدة بعد انتهاء الحرب، كما يتمنَّى أن يلتقي بقداسة البابا، فوعده القس بطرس عزيز بتحقيق أمنيته.

إلا أنَّ البطريرك مار شمعون بنيامين غيَّر ما أعلن عنه للقس بطرس عزيز، حيث يقول ريموند كوز بأنَّ مار شمعون بنيامين وفي ربيع عام 1914م أبدى رغبتَه في التحوُّل الى الأرثوذكسية مع جميع المتبقين من أبناء شعبه وهم المقيمون في جبال هيكاري التركية التابعين لأساقفة برواري وجيلو وكاوار وشمسدين وعددُهم لا يتجاوز السبعة والتسعين ألفاً بضمنهم النساطرة المتواجدين في البلاد الفارسية البالغ عددُهم 31750 حسبما احصاه مبعوث قيصر روسيا باسيل نيكيتين، والسبب في تضاؤل الشعب النسطوري الى هذا الحد هو انتماء الكثير منه الى الإرساليات المختلفة، وبعد المجازر التي تعرضَ لها على أيدي الأتراك والأكراد  ابتداءً من عام 1915م خسر نصف عددِه هذا.

الكلدان بشقيهم النساطرة والكاثوليك تحت سيف الأتراك والأكراد
نقتبس بتصرُّفٍ صياغي دون الإخلال بالمحتوى مِمّا رواه ريموند كوز في كتابه الموسوم (تاريخ كنيسة المشرق/مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 237 وما يليها) بأنَّ معظم الكلدان النساطرة الذين سَمّاهم بالآثوريين استوطنوا مناطق جبال هيكاري ضمن مساحة تركيا الحالية، واتخذوا منها مثوىً لهم. في خِضَمِّ الحرب العالمية الأولى 1914-1918م تعرَّضَ جزء كبير من أبناء الأمة الكلدانية بشقيها النسطوري والكاثوليكي لمجازر دموية يمكن تصنيفها بإبادة عِرقية، قدَّرَ السير هنري دوبس ضحاياها بثُلثَي أبناء الأمة الكلدانية النسطورية.اضطرَّ الناجون منهم للنزوح من أرض آبائهم وأجدادهم وهم يطمحون أن يُنصفهم مؤتمر السلام بايجاد وطن مستقل لهم وعدهم به الحليفان الإنكليز والفرنسيون إلا أنَّ الواقع السياسي المُستند على المصالح ضحّى بالحقوق الشرعية لهؤلاء المنكوبين.

في بداية عام 1909م اجتاح الروس اذربيجان ايران، فاستبشر مسيحيو هذه المنطقة من الأرمن والكلدان بشقيهم النساطرة والكاثوليك خيراً ظنّاً منهم بأنَّ ذلك يُعَد بدايةً لتحرُّرِهم من نير ظلم الإسلام الثقيل، فلما أُعلِنت الحرب في الثالث من تشرين الأول عام 1914م بين روسيا وتركيا، فمِن الطبيعي أن يدخلوا الحرب الى جانب الروس، فشاركوا في حربٍ اعتبروها تحريرية. جرت اولى المناوشات القتالية في بلاد فارس، كانت الغلبة فيها للأكراد حيث تمكنوا من طرد الجنود الروس الكوزاك المتمركزين في المناطق الحدودية، فاضطرَّ مسيحيو مقاطعتَي ترغوار ومرغوار الواقعتين في الجبال النزوح الى قرى السهل في حماية الروس ليتفادوا غزوات عصابات قطاع الطرق، ولا سيما بعد أن تحصَّنَ الأكراد في تلك الجبال.

فور إعلان الحرب قام جودت باشا والي اقليم وان الأرمينية بحشد عشرين الف جندي يُساندهم عشرة آلاف متطوِّع كُردي، وشَنَّ هجوماً على القوات الروسية وكان النصرُ حليفَه في معركة "مياندوب" فانسحب الجيش الروسي. وفي 2/1/1915م غادرت اورميا القوات الروسية الموجودة فيها وفي 4/1/1915 غادرت سلامس تلك الموجودة فيها أيضاً، وخوفاً مِن بطش المسلمين بالمسيحيين الذين التجأوا الى قرى السهل، التحق بالقوات الروسية المتجهة الى القوقاز عددٌ من اولئك المسيحيين تراوحَ بين عشرة آلاف وخمسة عشر الف نسمة، وقد مات عددٌ كبير منهم في الطريق من شدَّة البرد. أما المسيحيون الذين لم يرحلوا مع القوات الروسية ولبثوا في القرى فقد تعرَّضوا في البداية للنهب والسلب من قبل السكان المحليين الفرس المُسلمين ثمَّ لمجازر رهيبة. وفي الرابع من كانون الثاني 1915م احتلَّ الأتراك اورميا ومكثوا فيها حتى العشرين من أيار 1915م. ولم يستطع الأكراد الإعتداء على اورميا لوجود المُرسَلين الأمريكان والفرنسيين الذين كانوا يحمونها بما كان متاحاً لهم من الأساليب والوسائل.                                      .                                                                                  لكنَّ الأكراد هاجموا القرى المسيحية المجاورة لأورميا وكانوا يلقون الدعمَ من السكّان المحليين المسلمين منذ الأيام الأولى لإجتياح الأتراك لأورميا، وعلى سبيل المثال وإنصافاً للحقيقة والتاريخ لا بدَّ من الإشادة بشهامة وشجاعة الفلاحين الفرس الذين تصدّوا للمهاجمين الأكراد ومنعوهم من إلحاق الأذى بمسيحيي "جيوقتبا" فلولاهم  لكان مصيرُهم الموت المحتَّم. إنَّ المسيحيين لم يقفوا مكتوفي الأيدي تجاه الخطر الداهم للقضاء عليهم بل كان دفاعُهم عن أنفسهم دِفاعا اسطورياً نادراً، من خلاله تمكَّنوا مِن الإحتماء داخل كنيستين، وأسرع المُرسلون الأمريكان بالتدخل لصالحهم فأنقذوهم. وكان استمرارُ العلاقات الدبلوماسية بين الدولة العثمانية والولايات المتحدة الأمريكية حتى نيسان من عام 1917م ذا فائدةٍ للكلدان والآثوريين حيث أتاح لحاملي الجنسية الأمريكية منهم التدفق على مدينة اورميا سعياً للنجاة والحماية وكان عددُهم الفّي نسمة. أما مستوطنو مُقاطعة "نازلو" الواقعة بعيداً الى الشمال فلم تطلهم المجازر، إذ إنَّ أعمال النهب والسلب والإغتصاب لم تشمل إلا بعض القرى فقط.
إنَّ مدينة اورميا لم تبقَ سالمة، فانقلب الوضعُ فيها سريعاً الى مأساةٍ كبيرة، حيث هاجمتها العصابات الكردية بشراسةٍ خالية من أدنى رحمة، فأبادت الرجالَ عن بكرة ابيهم، وتعرَّض عددٌ كبير من النساء للإغتصاب ثمَّ سُبينَ قسراً، أما الناجون من سيوف الناقمين الأكراد، فقد هرعوا للإحتماء في مبنيَي الإرسالية الفرنسية والمعهد الأمريكي اللذين لم يكونا مُعدَّين لإيواء أكثر من 500 شخص، بينما وصل عددُ المتكدِّسين فيهما الى عشرة آلاف نفس، انحشروا كالبهائم، يفتقرون الى أدنى وسائل الصحة ونقص كبير في الغذاء، وقد سبَّب الإزدحام الشديد في حصول وباءٍ قاتل أودى بحياة عددٍ كبير منهم. وقد نقل لنا المؤرخ البريطاني "أرنولد توينبي" تلك الإنتهاكات المُشينة والأعمال البربرية ضِدَّ الإنسانية في تلك الفترة الزمنية الحالكة السواد من التاريخ في الكتاب الأزرق البريطاني المُعنون "مصير الأرمَن في الإمبراطورية العثمانية" مُخصِّصاً فصلاً كاملاً في كتابه الرابع عمّا عاناه الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة الذين سمّاهم بالآثوريين من نكبات فظيعة في اذربيجان الفارسية وإقليم هيكاري التركي، مستقياً رواياتِه عن تلك الحقبة المأساوية من شهود عيان محليين ومن مُرسَلين انكليز وأمريكيين، حيث يقول:                                                          :                                                                                                                             
في الفترة المحصورة بين الثاني والعاشر من شهر كانون الثاني لعام 1915م، قُدِّرَ عددُ الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة المُلقبين بالآثوريين الذين ذُبِحوا  في سهل اورميا بالف فردٍ. سِتٌّ وخمسون قرية لجأ إليها الكثيرُ مِن الأرمَن تعرَّضَت لأعمال النهب والسلب المُنظَّمَين. في بعض هذه القرى تمَّ إرسال جنودٍ بحجة حماية سكانها من غير المسلمين، فقام الجنود في 23 شباط  من ذات السنة باغتصاب جميع النساء المسيحيات وحتى الأطفال البالغين الثامنة من عُمرهم. طالب القنصل التركي في مدينة اورميا بمبالغ كبيرة من المال بحجة حماية مسيحييها، وبعد أن حصل عليها، قام بتوقيف جميع اللائذين بمبنى الإرسالية الفرنسية، فقتل أربعين منهم ومن ضمنهم مار دِنحا مطران "كَوار" الكلداني، وعَلَّق على المشانق خمسين آخرين. وبعد يومَين من تنفيذه هذه الجريمة النكراء أمر بذبح جميع رجال قرية "كَولياشان" ذبحَ النعاج. أما الطبيب "سوبورغان" الذي رفض اعتناق الإسلام، فقد قضوا عليه بطريقةٍ مُرعبة حيث رَشَّ الأتراكُ النفط عليه وأشعلوا النارَ بثيابه، وفي محاولته الهروب وهو يشتعل أطلقوا عليه وابلاً من الرصاص ثمَّ قطع الجلادون رأسَه، وتركوا جثَّتَه تنهشها الكلاب.
لا يمكن اعتبارُهذه التصرُّفات العبثية المُخجلة نتيجة حوادث غير انضباطية، حيث أدلى القنصل الأمريكي في اورميا في ختام شهادته عن تلك الأحداث الوحشية الدامية بعبارات مُبطنة بالتُهم: " ما من طبقةٍ إسلامية يُمكنُنا تبرئتُها من اللوم. في الوقت الذي كان الرُّعاعُ القرويون يشتركون في اعمال النهب والسلب وفي اقتراف الجرائم، كان المتنفذون من الأوساط الفارسية الرفيعة يَغُضون الطرفَ عن تلك الأعمال البشعة، لأنَّ نصيبهم من الغنائم كان يصلهم تباعا. ووجد الأكرادُ في هذه المسألة اتفاقَها مع سجيتهم في بيئة نشأتهم الطبيعية، ولم يقتصر دور الأتراك على التشجيع فيما يجري، بل كانوا يشاركون فعلياً في اقتراف أبشع الجرائم ضِدَّ الإنسانية.
قبل ثلاثة أيام فقط من قيام الجيش الروسي بتحرير منطقة سلامس، قام الأتراك منذ الخامس من أيار عام 1915م بذبح 725 فردا من الكلدان النساطرة والكاثوليك والأرمن في سلامس وحدها، وحصد مِنجل الطاعون أربعة آلاف فردٍ جُلَّهم من اورميا المُحتلة من قبل الأتراك لمدة خمسة أشهر، فقدت خلال هذه المدة خُمس سكّانها. وقد تمَّ تحرير اورميا بعد تحرير مدينة وان الأرمنية في 22 أيار 1915م بثلاثة أيام.

الإنتقام التركي
كان للهجوم الدفاعي الروسي الذي حَرَّرَ المسيحيين في بلاد فارس ردُّ فعل عنيف جداً من قبل مُسلمي تركيا على المسيحيين، فقد حَلَّ الوبال بمسيحيي أرمينيا وسالت دماء الكلدان النساطرة والكاثوليك أنهاراً مِن جَرّاء الجَور والإضطهاد. بعد عودة والي اقليم وان جودت باشا راح يتباهى بانتصاره على الروس في حملته على أذربيجان وتنظيفها من المسيحيين. ثمَّ عاد الى اقليم ولايته فدمَّر ثمانين قرية أرمنية، أما الناجون من سكانها فقد لاذوا بالفرار الى المدينة الباقي من سكانها ثلاثين الف ارمني من مجموع الخمسين الفاً. تحرَّكت الجحافل الروسية باتجاه وان في بداية آذار 1915م، وفي الحادي عشر منه، أعلن الأرمن الثورة تأميناً لإستقلالهم أولاً، وتمهيداً للطريق امام الزحف الروسي ثانياً، ومن خلال الزحف الروسي لا بدَّ من حصول مجازر في صفوف المقاومين الأتراك، وكانت المدينة قد حاصرها الأتراك منذ 29 نيسان حتى 20 أيار. ولكن الأتراك صبّوا جام غضبهم على مسيحيي دياربكر وماردين ومديات وطورعبدين، فقد اوقِفَ مسيحيو دياربكر وسجنوا وكانوا يُجلدون مرَّتَين في النهار، وكان هذا التنكيل مدخلا لإرتكاب المجازر لاحقاً، وبالفعل لم ينجُ منها إلا عدد ضئيل استطاعوا اللواذ بالفرار الى سوريا.
استطاع الجيش الروسي تحرير وان إلا أنَّه تقهقر أمام الجيش التركي في هجومه المُعاكس، فاجتاز القائد التركي بجيشه نهر بوتان وتعرَّضَت سبعون قرية كلدانية مسيحية في تلك المنطقة للنهب من قبل جنوده، وإنَّ عدداً كبيراً من المسيحيين أُعدِموا رمياً بالرصاص. ولدى دخول العساكر التركية مدينة سعرد أُعطيت لها الأوامرُ بقتل جميع المسيحيين البالغ عددُهم ثمانية عشر الفاً، وكان أبرز ضحايا هذا الهجوم البربري سيادة مطران سعرد الكلداني الكاثوليكي العالم والمؤرخ الشهير مارأدَّي شير، وقد طال النهبُ مكتبتُه الثرية بالمخطوطات الكلدانية القديمة النادرة، ولا يسعنا في هذا المجال إلا أن نُثنيَ ونُثمِّنَ عالياً شهامة وبسالة أكراد بوتان الذين حاولوا جُهدَهم لحماية إخوتِهم المسيحيين رغم أوامر السلطات العثمانية الغاشمة.

وبعد سعرد جاء دور مدينة نصيبين الشهيرة عاصمة الكلدان الفكرية وأقدم مُدنهم، اجتاحها الجيش التُركي الهمجي فقضى على جميع مسيحييها ومن مُختلف الطوائف ولم ينجُ منهم إلا 400 مسيحي، تمَّ حصارُ الحي الذي كان يسكنه المسيحيون في الخامس عشر من حزيران 1915م وجرى ذبح الرجال والشباب ذبح النعاج أثناء الليل، والنساء اللواتي التجأن في كنيسة ماريعقوب ذُبِحن قاطبة، أما البنات والأطفال فتقاسموهم فيما بينهم، ولم تخلُ القرى المجاورة من المجازر. في السنة التالية مَرَّ بالمدينة أحد السياح فأعلمنا بأنَّه لم يجد فيها حتى مسيحياً واحداً. وفي نفس الفترة هاجمت عصابات كُردية مدينة الجزيرة مدعومة من الجيش التركي النظامي، فكانت ضحايا الهجوم الوحشي 4750 أرمنياً و250 كلدانيا و100 سريانياً، ولهذه المجازر أمثلة لا يُمكن حصرُها.

مارشمعون بنيامين في موقفٍ حَرِج
لقد أصبح وضعُ البطريرك النسطوري مارشمعون التاسع عشر بنيامين لا يُحسَدُ عليه، إذ وقع بين سندان الروس ومطرقة الأتراك، ولا أسوأ مِن الحالة الراهنة وهو يُعاينُ عَن كثب المجازر التي تُرتكب بحق أتباع كنيسته من قبل السلطنة العثمانية، فلم يجد أمامه إلا إعلان الحرب عليها مُضطرّاً. وفي ذات الوقت كانت القبائل الكردية قد عزمت على تصفية الحساب مع ثورة الكلدان النساطرة المُطلق عليهم اسم"الآثوريين" لا بل هناك حسابات بين الآثوريين أنفسهم مؤجلة التصفية ومن أهمِّها قضية مقتل نمرود وآل بيته بأمر مُباشر من البطريرك إبن عَمِّه جرّاء مُوالاته للسلطنة العثمانية وزعامته للآثوريين الكاثوليك المُوالين لروما، وقد سبق وأن تحدثنا بهذه الأمور فيما سبق.

خلال شهر حزيران لنفس العام قاد والي الموصل فرقة عسكرية لمُهاجمة الجناح الأيسر للجيش الروسي، طارد آثوريي هيكاري ففَرّوا مذعورين وتشتَّتوا بين الوديان السحيقة ومنها تسلَّقوا الى قِمَم الجبال الشاهقة للنجاة من قسوة الجُناة الماحقة، اكتسحت هذه الحملة مناطق برواري السفلى وتخوما فدمَّرتها بالكامل. وفي الآخر صدرت الأوامر الى المقاتلين الآثوريين للإلتحاق بالخطوط الروسية في اذربيجان. اضطرَّ البطريرك للهرب من مقرِّه في قوجانس يرافقه خمسة وثلاثون جبلياً متوجِّهين الى سلامس، وكانت القوات العثمانية تتعقبهم، وبصعوبةٍ نجوا منها، ولدى وصولهم بلاد فارس في شهر تشرين الأول باتوا بين الحقول في العراء تحت الخيمة الزرقاء، لم يكن لديهم ما يأكلون ولا ملابس شتائية ليتدثَّرون وهم على مُرتفعات تتعدّى الألف متر، كما لم تُسعفهم أيُّ من القِوى الخارجية. مِئة ألف كلداني نسطوري أي آثوري عانوا هذه المأساة القاسية في تلك الجبال الكردية، ماتَ نصفُهم من جرّاء الجوع والبرد، والنصف الذي لم يطله الموت كانت الهجرة مصيرهم، وهم على معرفة أكيدة بأنَّ مبارحتهم لموطنهم هي نهائية لا أمل لهم في العودة إليه. أما الكلدان الكاثوليك فكانت خسارتهم أربعة أساقفة وعدداً من الكهنة وستين ألف مؤمن.

وبطلبٍ من القائد العام للقوات الروسية وموافقة البطريرك شمعون التاسع عشر بنيامين، شكَّل الكلدان النساطرة والكاثوليك عام 1916م جيشاً تعدادُه 25 ألف مقاتل لدخول الحربِ فعلياً الى جانب الروس والأرمَن ضِدَّ الأتراك، ومنذ اللحظة الأولى تواصل القتال بضراوة أشد، وكان النصرُ لصالحهم في عِدَّة معارك خاضوها معاً، وما لم يكن في الحسبان وبمزيد الأسف، فإن قيام الثورة البولشفية في روسيا عام 1917م أدَّت الى انسحاب الجيش الروسي تاركاً الأرمن والكلدان بشقيهم يُجابهون هجمات أعدائهم المسلمين الشرسين اللاهثين الى سفك دماء المسيحيين.

تعهَّد الحليفان الإنكليز والفرنسيون بتقديم العون للكلدان بشقيهم مُشجِّعين إياهم للصمود، وتأكيدا لهذا التعهُّد أرسلوا لهم وحدة طبية فرنسية برعاية الطبيب العسكري الفرنسي بول كوجول الذي ألَّف كتاباً بعِنوان (مشقات سيارة إسعافٍ فرنسية في بلاد فارس) تحدَّث فيه عن مدة إقامته في اورميا. طلبَ الإنكليز مساعدة هؤلاء التعساء بعد أن تركهم الروس، وزوَّدوهم بعددٍ من المدافع والرشاشات الى جانب بعض المؤن، فغدوا منذ ذلك الوقت كما وصفهم الضابط الأنكليزي W.A. Wegram بـ"اصغر حلفائنا" ولموافقتهم الإشتراك في القتال ضِدَّ العثمانيين، وعدهم الإنكليز بمنحهم قطعة أرض مستقلة من أرض جدودهم، (ويقصدون بهذه العبارة الكلدان النساطرة الذين أطلقوا عليهم تسمية آشوريي التاريخ القدماء الذين وصفوهم بجدودهم) وأيَّد هذا الوعد المسؤولون الفرنسيون على أن يفوا به بعد نهاية الحرب.

واستناداً الى هذا الوعد اشترك المسمَّون بالحليف الصغير في الدفاع عن جبهة القوقاز منذ كانون الأول عام 1917م وحتى ربيع عام 1918م تحت قيادة الجنرال الكلداني أغا بطرس وقادة آخرين، قاوموا هجمات الأكراد والأتراك ببسالة رغم تخلّي حلفائهم عنهم وعدم تلقّي أية مساعدة منهم لا معنوية ولا مادية، (وهذا أكبر دليل على تآمر الإنكليز ضِدَّهم). ورغم كُلِّ ذلك لم يخذل الحليف الصغير الإنكليز، فعندما قرَّر المسؤولون الأتراك في شهر كانون الثاني عام 1918م القيام بهجوم كاسحٍ ضِدَّ جبهة الإنكليز الممتدة من كرمنشاه الىهمدان، كان لا بدَّ لجيوش الأتراك اجتياز المعبر الكائن بين بُحيرة اورميا وجبال كُردستان، فتصدّى لهم الحليف الصغير، أي الكلدان وإخوتهم المُسَمَّون من قبل الإنكليز بالآثوريين، وأوقفوا زحف تلك الجحافل في سِتِّ مُحاولات، وبذلك أتاحوا للإنكليز الوقت الضروري لتنظيم وتعزيز خطوطهم الدفاعية، إلا أنَّ تموينهم اوشك على النفاذ، وتدَفُّق الإمدادات بات صعباً ولا ضمان لوصولها، مِمَا اضطر أبطال الحليف الصغير البواسل للرجوع القهقرى، وكان لإغتيال البطريرك مار شمعون بنيامين من قبل الزعيم الكردي سمكو في 16 آذر عام 1918م صدىً بالغٌ في نفوسهم وبمثابة ضربة قاصمة أثَّرت على معنوياتهم بفقدانهم الزعامة الروحية وأصابهم الإرتباك بعد صمود بطولي دام أشهراً طويلة. والى الجزء الأربعين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 31/10/2015

33
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن والثلاثون
موقف البطريرك يوسف الثاني من السلطات المدنية
وعلاقاته بسائرالكنائس الأخرى
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         
بسبب كثرة وشايات أعداء البطريرك يوسف الثاني ضِدَّه لدى السلطات العثمانية المشفوعة بالرشاوى، ولا سيما اتِّهاماتهم له بالعمالة للغرب المسيحي الذي يدين بنفس مُعتقدِه، دفعت بهذه السلطات الى النظر إليه بعين الريبة واعتباره عدوّاً، وبفضل امتلاكه لقسطٍ وافر من العِلم والحذق والفلسفة،كان يُفحِم مُجادليه من المُسلمين، فازدادوا كُرهاً له وراحوا يتربصونه للإيقاع به، ولكنَّ الله القديرلم يكن بغافل عَمّا يُدَبَّر له من مضايقات ومِحَن في الخفاء والعلنن ولذلك وضع كامل ثقته بالله.
يجدر بالإشارة بأن سلف يوسف الثاني البطريرك يوسف الأول كان قد حصل على فرمان من السلطان العثماني في 17/ك1/ 1680م يُخوِّله السلطة على دياربكر وماردين وما جاورهما مستقلاًّ عن بطريرك الموصل النسطوري، فاعترفعت بموجبه السلطات العثمانية به رئيساً روحياً على أبناء كنيسته الكلدانية مخوَّلاً بإدارة شؤونهم الروحية والمدنية، وإن كان للبطريرك النسطوري نفس الصلاحيات، ولكنَّ الدولة العثمانية لم تكن تعترف بانشطار الكلدان الى قسمَين كاثوليك ونساطرة، بل تعتبرهم امة واحدة غير منقسمة يُدير شؤونها بطريرك واحد فقط، ولذلك انتقلت الصلاحيات الممنوحة للبطريرك النسطوري الى البطريرك يوسف الأول الكلداني الكاثوليكي، فكان صدور هذا الفرمان ضربة مؤلمة للبطريرك النسطوري ودليلاً على انخفاض شأنه لدى الباب العالي آنذاك.
والظاهر أنَّ البطريرك يوسف الثاني استفاد من ذلك الفرمان السلطاني فاستغلَّ مفعولَه لصالحه، وإن كان هو شخصياً غير حاصل على فرمان مثيل له، إلا أنّ تصرُّفَه يدلُّ وكأنَّه حاصل على مرسوم خاص يُتيح له الإستفادة من فرمان سلفه، ولا سيما عندما تكون مكانة البطريرك النسطوري قد تدنَّت لدى الحكّام، وهذا الأمر كان ينعكس بالخير على أبناء كنيسته حيث ينعمون بالحرية والطمأنينة، وهذا ما أشار إليه الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 126). ولكنَّ خصومَه لم ينفكوا يوماً عن تأليب الحكّام المحليين عليه وعلى أبناء شعبه المتكثلكين، فلم يجر تحسُّن بينه وبيهم، لأنَّه لم يكن يألو جهداً في كسب أبناء شعبه النساطرة للتحوُّل الى المُعتقد الكاثوليكي القويم، بكُلِّ السُّبُل الممكنة فأثمرت جهوده وشاهد بنفسه جموع النساطرة التي كانت تنتمي الى الكثلكة. وعن ذلك يتحدَّث تيسيران في (المصدر السابق ص 128) بقوله: إزاء كُلِّ هذه المكاسب الباهرة، كان ثقيلاً على النساطرة أن يُغزوا في عُقردارهم ويُهاجَموا على مقربة من مقرِّهم البطريركي. فما كان منهم عندما تتحسَّن علاقاتُهم بالسلطات المحلية، ويكون بإمكانهم رشوة الحُكَام الضعاف النفوس، إلا الإيقاع بالبطريرك للإقتصاص منه ومن أبناء كنيسته.
ولم تكن علاقة البطريرك يوسف الثاني الكاثوليكي الكلداني بالكنيسة المونوفيزية اليعقوبية بأفضل من التي كانت مع الكنيسة النسطورية، فقد واجه هجوماً شرساً من قبل البطريركين المونوفيزيين "اغناطيوس جرجيس الثاني 1686-1709م" و "اغناطيوس اسحق الثاني1709-1722م" لمجرَّد أنَّ البطريرك يوسف الثاني كان فاتحاً أبواب كنائسه الكلدانية أمام العابرين من المونوفيزية الى الكاثوليكية لكي يؤدوا شعائرهم الدينية فيها، حيث لم يكن لهم آنذاك كنائس خاصة بهم. فكان هذا الإحتضان من قبل البطريرك الكلداني بمثابة تشجيع للمخدوعين بالبدعة المونوفيزية لنبذها واعتناق الكاثوليكية.
البطريرك يوسف الثاني آل معروف
والتطور الليتورجي
ذكر البطريرك يوسف الثاني في كتابه (المرآة الجليَّة) بأنَّ ولعَه وشغفَه بأدب اللغة الكلدانية لم يكن لهما حدود منذ باكورة صباه! إنكبَّ على تعلُّمِها في بلدته تلكيف فأتقنها وهو لم يُناهز الرابع عشر عاماً، وكان تمكُّنُه من ناصيتها لا يدعه يرضى عن عمل لا يليق بها، ويأسف لعمل الآخرين غير المُتقن، وقبل أن يُغادر تلكيف الى دياربكرأخذ على عاتقه تعليم وتدريس أبناء جلدته مدة من الزمن. ويُضيف البطريرك قائلاً بأنَّه تعلَّمَ اللغة العربية على يد البطريرك يوسف الأول وقد بلغ منها حدّاً أهَّله للدراسة في المدرسة الفقهية الإسلامية في دياربكر، وبها درس عِلم المنطق واللاهوت. وعن المدرسة الإسماعيلية الإسلامية يقول: لولا العناية الإلهية، لهبَطتُ حيّاً الى الجحيم نتيجة ما قرأته على الغرباء. وحتى بعد ارتقائه السدة البطريركية ومع كُلِّ أعبائها ومسؤولياتها الجسيمة، لم يرَ بداً من مواصلة دراسة اللغة العربية في المدرسة الإسماعيلية إذ بدونها لم يكن قادراً على التعمق في عِلمَي المنطق واللاهوت، حيث يقول: في تلك المدرسة تعلمتُ المنطق والعلوم الطبيعية وما بعد الطبيعة والفلسفة واللاهوت الذي يُعتبر خاتمة للعلوم كُلِّها. وكنت مضطراً إذ لم يكن للمسيحيين المشرقيين معهد أو مدرسة لدراسة تلك العلوم.
وفي دياربكر واصل مار يوسف الثاني دراسته للغة الكلدانية لزيادة تعمُّقه فيها، وكلَّما سنحت له الفرصة عكف على النقل من العربية الى الكلدانية مؤلفاً الصلوات وكاتباً الأشعار وناظماً المداريش. يقول عن البطريرك يوسف الأول معلِّمِه الكبير: إنَّ هذا الأب القديس... اهتمَّ بتدريسي اللغة العربية التي كنتُ بعيداً عنها وغريباً عليها للوهلة الأولى لعدم معرفتي بها وبآدابها، وما إن تعلَّمتُها حتى بدأت اقطف ثمارها... فمنها ترجمتُ هذا الكتاب المُسمَّى "المصباح المنير" الى اللغة الكلدانية (المصباح المنير/ المجامع المقدسة ط. الأب بيجان، باريس 1888م ص 5). وهذه الثمار جعلت مار يوسف الثاني آل معروف كما يقول صاحب كتاب (تاريخ نصارى العراق/ ر. ب. اسحق ط 2 ديترويت/ اميركا 1989م ص 142) <أن يُعَدَّ في مصاف علماء زمانه المرموقين مُحقِّقاً متمكِّناً، واعتبرَه أهلُ النظر جَهبَذاً! ليس لمعاصريه فحسب بل لإجيال لاحقة. أما المطران جاك اسحق فقد تحدَّث عنه في (مجلة بين النهرين لعام 2001/السيرة الذاتية لمار يوسف الثاني العدد113-116 ص 54) قائلاً: <إنَّ ما يسترعي الإنتباه في سيرة البطريرك يوسف الثاني آل معروف، هو ذكاؤه الوقّاد، ومُثابرتُه على التعمُّق في الدروس الكنسية، بالرغم من الظروف القاسية التي أحاكت بحَبريَتِه، مع أنَّه لم يتلقَّ العِلمَ في الجامعات الأوروبية أو الشرقية الشهيرة>.

وكانت اللغة الكلدانية قد انحسرت جداً بعد الإحتلال المغولي للعراق الذي بدأ ببغداد عام 1258م، إذ قَلَّ مُريدوها وهجرها المُغرَمون بها، فعانت من الركود حتى وصلت الى أدنى درجات الإنحطاط خلال القرن الرابع عشر، وفي القرن الخامس عشر ظهر مؤلفان شهيران هما: اسحق قرداحي الشبدني وسركيس بَروَحلي الأذربيجاني، نفخا فيها روح الحياة من جديد، ولكنَّ بعد هذين الأديبَين لم يظهر من الأدباء مَن يستحق الذكر، حتى برز في القرن السابع عشر جهبذٌ في هذه اللغة الكلدانية المباركة هو البطريرك يوسف الثاني آل معروف الذي ركَّز اهتمامَه على القضايا الليتورجية، حيث أجرى تغييرات إصلاحية واسعة في الكتُب الطقسية الكلدانية، وحذف الألفاظ والتعابيرالنسطورية التي تتعارض مع المعتقد الكاثوليكي، وحتى المقاطع التي تضمَّنت تلميحاً ولو بسيطاً الى الهرطقة النسطورية، منقِّحاً العديد من صلوات الأعياد، ومستحدثاً أعياداً وتذكاراتٍ إضافية على الموجود منها في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة المشرق قبل تنسطُرِها، مقتبساً إياها من الطقس اللاتيني. انظرما كتبه بهذا الصدد الأب البير ابونا في (مجلة الإتحاد لعام 1985 بعددها 2-3 ص 37) وإن كان تحت عنوان خاطيءٍ وبتعمُّد "نظرة شاملة الى الأدب السرياني" في الوقت الذي يعلم جيداً بأنَّه أدب كلداني!.

ولكن هناك مَن وجَّهَ نقداً شديداً لإصلاحاته الليتورجية ولا سيَّما المتبجحون بالإختصاص الليتورجي آخذين عليه عدم توفقه في اختيار نصوصٍ أفضل وأجمل من النصوص التي أتى الى تغييرها في الطقس، وهذا برأيي بعيد عن الحقيقة، فهل بقاء اسم الهراطقة وتعليمُهم كان يُضيف جمالاً للنصوص؟ فقد أضاف يوسف الثاني خلال فترة بطريركيته على الطقس الكلداني ككُل، اكثر مِمّا اضافه إليه الآخرون مجتمعين منذ عهد منظمه الجاثاليق ايشوعيات الثالث الحِديابي 651-660م وحتى عهده هو! وهي فترة طويلة تُناهز العشرة قرون. قال البعض بأنَّ البطريرك يوسف الثاني آل معروف حذف الكثير من الأعياد والتذكارات من الطقس الكلداني دون أن يُشيروا إليها، وفي الحقيقة فإنَّه لم يحذف غير تذكار مار آبا الكبير مُبدِلاً إيّاه بتذكار مار اوجين الغريب عن الكلدان وكنيستهم، وأنا أعتبرُ هذا العمل خطأً فادحاً، إذ ابدل الحقيقة بالإسطورة. كما استبدل اسماء الملافنة اليونان المكرَّمين من الكنيسة النسطورية، بأسماء الذين تُكرِّمُهم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية.

تسبَّبت الفئة النسطورية بصعوبات جمة للبطريرك يوسف الثاني مُعرِّضة إيّاه للكثير من المِحن والإضطهادات، حيث يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 212) كانت المُناوئة الشرسة التي أبدتها ضِدَّه الجماعة النسطورية من الشدة بحيث اضطرَّت البابا لتوجيه رسالةٍ الى المؤمنين الكلدان الكاثوليك في دياربكر بتاريخ التاسع من ك1 عام 1702 يدعوهم الى الصبر ويُشجعهم على الصمود في اوقات المِحَن والشدائد. فصبر البطريرك وصبر معه الشعب الكلداني المؤمن على ذلك الضيم القاسي. ويُضيف (المصدر ذاتُه ص 214) وشعر البطريرك بأنَّ وطأته باتت لا تُحتمَل ففكَّر عام 1708م باللجوء الى لبنان. إلا أنَّه قبل أن ينفذ فكرته كتب رسالة الى الحبرالأعظم يطلب فيها الإذن للقدوم الى روما وقضاء بقية حياته فيها. يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 216) أجابه البابا برسالة بتاريخ 21 أيار 1712م مذكِّراً إياه، بأنَّ الأحبارالمُقيمين في البلدان غير المسيحية، بإمكانهم تحقيق زيارتهم الى العتبات المقدسة كُلٌّ عن طريق وكيله في روما، أو أن يؤدونها بنفسهم... ولكنَّ يوسف الثاني لم يتَّسع له الوقت لزيارة روما، فقد عاجله وباء الطاعون المتفشي في البلاد آنذاك، فأدركه المنونُ في الثاني من حزيران عام 1712م وله من العمر ستة واربعون عاماً.

3 - البطريرك يوسف الثالث 1713-1757م
لقد ذكرنا فيما سبق بأن البطريرك يوسف الثاني، بعد وفاة مطران ماردين شمعون الآمدي، رسم لأبرشية ماردين مطراناً جديداً هو طيمثاوس ماروكين عام 1696م. كما رسم عام 1712م القس عبدالأحد بن كره بيت المقدسي مطراناً معاوناً له باسم باسيليوس على آمد، وما إن ازداد عدد الكلدان في بلدة عين تنور حتى نقله إليها، وكانت العادة قد جرت أن تكون النيابة البطريركية لمطران عين تنور. وقبل وفاة يوسف الثاني بيومين، أبلغ رغبته الى مطارنته واساقفته بانتخاب تلميذه المفضل لديه طيمثاوس ماروكين خلفاً له. ولبّى المطارنة والأساقفة رغبة الراحل يوسف الثاني فانتخبوا طيمثاوس للمنصب البطريركي باسم يوسف الثالث. وفي الإجتماع العام لمجمع انتشارالإيمان المنعقد في الثالث عشر من تشرين2 عام 1713م اتُّخذ قرار بتثبيته بطريركاً، وفي الثامن عشر من آذار 1714م صدر قرارُ التثبيت بلقب بطريرك بابل بخلاف سلفيه اللذين كانا يُلقبان ببطريرك الكلدان. ونقل المطران باسيليوس من عين تنور الى ابرشية ماردين، ورسم إبن القس بطرس مروكي نائباً له باسم المطران طيمثاوس. ولم يكن وضع يوسف الثالث بأفضل من سلفيه من حيث مضايقات الجماعات المُناوئة للكثلكة، ولا سيما بعد انضمام معظم نساطرة دياربكر الى الوحدة الإيمانية مع روما واستيلائهم على كبرى كنائس المدينة والتحاقهم بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية. وغدا وضع البطريرك اكثرَتعرُّضاً للصعوبات وبخاصةٍ في عامَي 1721 و1725م إذ يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 339-341) بأن أنباء هذه الصعوبات بلغت الكرسي الرسولي، فكتب إليه الحبر الأعظم يؤاسيه ويشجعُه على تجاوز المِحَن.

كان وجود الآباء الرهبان الكبوشيين في دياربكر يُمثِّل دعماً مهماً للبطريرك وللشعب الكلداني، ففقدوه باضطرارهؤلاء المُرسَلين لمغادرة دياربكر، ولكنَّ العِوَض كان في تقدُّم الحركة الوحدوية وتوسُّعها في كسب النساطرة للإنتماء الى الكثلكة. ولم يتسنّى للبطريرك زيارة أبناء شعبه الكلداني في الموصل منذ عام 1722م، ولكنِّه كان يُرسل بعضاً من الكهنة لزيارتهم بين آونة وأخرى متنكِّرين. وفي عام 1728م كانت الحركة الإتحادية قد امتدَّ نفوذها وانفسح مجالُها كثيراً، والبطريرك يوسف الثالث قد حصل على فرمان سلطاني، فتوجَّه لزيارة الموصل رسمياً، وخلال فترة ستة أشهر تمكَّن من كسب نحو ثلاثة آلاف فردٍ أعلنوا انضمامَهم الى الوحدة مع روما، وبعد عودة البطريرك أبلِغَ بانضمام ثلاثة آلاف شخص آخر الى الأولين. فأحدث هذا الأمر صدمة كبري لدى النساطرة، وأقضَّ مضاجعهم معتبرينه غزواً لمعقلهم الذي لا يبعد كثيراً عن مقرِّ بطريركهم، إضافة الى نظرتهم إليه تهديداً واضحاً لزوال ما دعوه بامتهم النسطورية! فتوعَّدوا بالإنتقام من البطريرك الكلداني يوسف الثالث بأية وسيلة مهما كانت رذيلة.

وبقوة الرشاوى الكبيرة للسلطات العثمانية الجائرة تمكَّنوا من الحصول على فرمان لبطريركهم، وعن طريقه أزاحوا البطريرك الكلداني عن دياربكر واحتفظوا بكنيسته مدة من الزمن بعد استطاعتهم زَجَّه بالسجن، وكان تصرُّف السلطات قاسياً مع البطريرك باقتياده بين الموصل ودياربكر، وفي الآخر أبقوه  مُعتقلاً في الموصل لمدةٍ طويلة يُعاني من حَرِّ صيف عام 1729م. وفي هذه الأثناء كان وكيله في العاصمة العثمانية يسعى لدى الباب العالي لإيجاد وسيلة لإنهاء معاناة رئيسه، واستطاع الحصولَ على فرمان يقضي بالفصل بين الفئتين الغريمتين الكلدانية الكاثوليكية والكلدانية النسطورية، بحيث تكون بموجبه الموصل وحلب للنساطرة ودياربكر وماردين للكلدان، وبذلك ساد السلام بين المسيحيين في هتين المدينتين، ولكن بعد بذل أموال طائلة لقاء حصول كُلٍّ من الفريقين على فرمان لصالحه. ولم يكن الوضعُ سهلاً على الكلدان القاطنين في المنطقة النسطورية، بل عانوا منه جداً إذ لم يكن بوسعهم ارتياد كنائس النساطرة لأنهم يعتبرونها هرطوقية ومن ثمَّ يخشون توبيخ الضميرأولاً وثانياً كان من العسيرعليهم تنظيم شؤونهم الدينية، ويتحاشون التجمُّع والتكتُّل ليتجنَّبوا ما قد يُسببُه لهم المناوئون النساطرة من المشاكل.

إنَّ الصراع المذهبي الذي فرضه النساطرة على الكلدان الكاثوليك وبطريركهم يوسف الثالث، كان تآمُرياً عنيفا خالياً من الوازع الضميري والديني، تكبَّد البطريرك من جرّائه العذاب والضيقات، الى جانب تراكم الديون عليه بسبب اضطراره لتقديم مبالغ كبيرة من المال للسلطات العثمانية في سبيل حصوله على فرامين بصالحه. ففكَّر بعد خروجه من السجن بالسفر الى العاصمة العثمانية ظنّاً منه وعملاً بنصيحة وكيله الذي كان يؤمِّلُه بإمكانية استرداد جزءٍ من الأموال التي دفعها. فطلب من باسيليوس مطران ماردين وشمعون مطران سعرد الإهتمام بشؤون رعيته خلال غيابه، وتوجَّه الى العاصمة العثمانية فحلَّ فيها عام 1731م، إلا أنَّ ظنَّه لم يكن في محلِّه، فاضطرَّ بعد صرفه ستة أشهر بدون جدوى للسفر الى اوروبا وكانت محطته الأولى بولونيا آملاً الحصول منها على مبلغ لتسديد ديونه، إلا أن المبلغ لم يكن وافياً، فعرَّج الى روما ووصلها في 1/ ك1/ 1731م على الرغم من رفض طلبه من قبل مجمع انتشار الإيمان للقدوم إليها والإعتزال فيها بحسب ما أورده الأنبا ش. جميل في (كتاب العلاقات ص 341-343). وبالرغم من قيام مجمع انتشار الإيمان تزويد يوسف الثالث برسائل توصية الى المسؤولين في الدول الأوروبية، إلا أنَّ البطريرك في جولته الأوروبية لم يُفلح في الحصول إلا على مبلغ ضئيل من المال الذي كان بمسيس الحاجة إليه، فعاد بالخيبة الى العاصمة العثماننية، واضطرَّ للمكوث فيها تسعة أشهر لإستحالة مواصلته السفر الى مقرِّه في دياربكر بسبب الحرب الناشبة بين العثمانيين والفرس الصفويين، وأخيراً عاد الى روما ثانية في ربيع عام 1735م وبقي فيها حتى عام 1741م. وكانت طلبات مؤمني بلاد بين النهرين تصله باستمرار، سائلينه العودة إليهم، لأنَّ عددَهم كان بازديادٍ مطَّرِد، وراعيهم في غيبةٍ عنهم، ويقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 413-933، 370) بأنَّ هذا الكلام صرَّح به البطريرك يوسف الثالث نفسُه في تقريرقدمه لمجمع انتشارالإيمان أثناء الأشهر الأخيرة من مكوثه في روما.

لا ريبَ بأنَّ غياب البطريرك الطويل عن أبناء رعيته كان له مردود سلبي عليهم، حيث فَتُرَ شعورُهم نحوه وإن قابلَه تزايُدٌ في عددِهم، وبدلاً من الإعتذار لهم واسترضائهم، حاول البطريرك إثارتهم وبثِّ الخلاف فيما بينهم، حين تجاهل رأيَ الإكليروس والمؤمنين وأراد الإنفراد بفرض خلفٍ له على تولّي السلطة البطريركية، حيث هَبَّ مسرعاً ورسم الشخص المدعو انطون مطراناً في ماردين في العشرين من تشرين2 عام 1754م، فانتفض الكلدان ضِدَّه وقدَّموا شكواهم الى روما، فكان أن أعلن مجمع انتشار الإيمان في 21 ايار 1756م بطلان انتخاب المطران انطون. ولكنَّ انطون هذا وافاه الأجلُ فجأةً في 11/ ك2/ 1757م، وبعد 12 يوماً لحقه الى اللحد البطريرك الشيخ يوسف الثالث والغريب أن موته كان فجائياً ايضاً. ولم يكن قد بقي للكلدان غير مطران واحد بالغٍ من العمر 95 عاماً هو مطران ماردين.

4 - البطريرك يوسف الرابع 1759-1781م
أربكت وفاة البطريرك يوسف الثالث المفاجئة وفي تلك الظروف الحرجة الكلدان، فكان عليهم التحرُّك السريع تاركين خلافاتهم جانباً وساعين الى إقامة رئاسة جديدة لهم. وبالفعل فقد اختيرالتلميذ في كلية انتشار الإيمان لعازر هندي ورسم بطريركاً باسم يوسف الرابع في الثامن من شباط لعام 1757م، وفي ذات الوقت رسم مطران لأبرشية سعرد. يقول الأنبا ش. جميل في (كتاب العلاقات ص 383-385) وبالرغم من إبلاغ مجمع انتشار الإيمان برسامة البطريرك في ايلول لذات العام، إلا أنَّ براءتَي التثبيت والباليوم لم يُرسلا الى البطريرك الجديد إلا في 24/آذار/1759م. وخلال تلك المدة قام نزاع على ممارسة السلطة على الكلدان في الموصل وبغداد بين البطريرع يوسف الرابع ومطران اللاتين في بغداد عمانوئيل، وبتدخل روما على الخط سُوِّيَ الخلاف بإعطائها الحقَّ لبطريرك الكلدان صاحبه الشرعي، وبإقرارها بامتداد سلطة بطاركة الكلدان الى جميع رعاياهم وفي كُلِّ مكان. ومهِمَّة المُرسَلين الغربيين لم تكن إلا في إطار مساعدة الرئاسة الكلدانية وأحبارها، ثمَّ الإنصراف الى الوعظ وتثقيف الجماهير المسيحية.
وبحسب قول الأب بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 354) بأنَّ البطريرك يوسف الرابع سافر الى القسطنطينية العاصمة العثمانيةعام 1763م ومكث فيها عاماً واحداً، ومنها سافر الى روما عام 1764م. وأمضى فيها عامَين، تمكَّن خلالهما طبع الكتاب الطقسي للقداس الكلداني "قداس الرُّسُل الليتورجي" والأناجيل والرسائل الطقسية، وفي الوقت الذي زاد إضافاتٍ لاتينية على ليتورجية الرُّسُل، رفع منها بعض صلواتٍ أصيلة، لم تَرُق للموارنة الذين أبدوا له المُساعدة في هذا العمل. وبعد رجوعِه الى الشرق استقال عام 1781م، وعهد أمر إدارة الشؤون البطريركية الى إبن شقيقه اوغسطين هندي وهو ما زال كاهناً. وقبلت روما استقالته عام 1783م وبقي فيها حتى أدركه الموت عام 1791م. ويُلخِّص بطرس نصري أسباب استقالته بما يلي: (ذخيرة الأذهان ج2 ص 375) الخلاف الناشب بينه وبين عمانوئيل مطران اللاتين. عجزه عن ترميم كنيسة مار فثيون في دياربكر بسبب الديون المتراكمة عليه وعدم موافقة السلطات العثمانية. قيام الكرسي الرسولي بمنح المطران يوحنا هرمزد من آل ابونا النيابة الرسولية على البطريركية البابلية.

الكاهن اوغسطين هندي
استمرَّ اوغسطين هندي بعد موت عَمِّه البطريرك يوسف الرابع المستقيل بإدارة شؤون بطريركية الكلدان في دياربكر بصفته كاهنا مُخوَّلاً، ثمَّ بصفته مطراناً منذ عام 1804م، وراح يلقِّب ذاتَه بطريركاً باسم يوسف الخامس، لكنَّ مجمع انتشار الإيمان لم يمنحه رسمياً هذا اللقب ولم يتعامل معه كبطريرك ابداً. والأسباب الموجبة لذلك نُلخصها بما يلي: إن الكرادلة الذين يتشكَّل منهم مجمع انتشارالإيمان ومنذ عهد البطريرك يوسف الأول الذي طلب من الكرسي الرسولي الإعتراف به بطريركاً، امتنعوا عن الموافقة على طلبه بحجة أنَّه من غيرالمُستحسَن إنشاء بطريركية جديدة ستعتبرها البطريركيتان النسطوريتان اللتان تتقاسمان السلطة على النساطرة في تركيا وايران منافسة لهما بل ربما عِدائية. ولكنَّ هذه الحجة لم تثبت روما على تبنيها، وإنما عادت ودرست مطلب يوسف الأول المُجدَّد عام 1781م، فرأت فيه، بأنَّ الضرورة تقضي بأن يُعطى للكاثوليك وجود لطقسهم الكلداني ونظامٌ خاصٌّ بهم، آخذةَ العبرة بأنَّ الفرامين الباهضة الثمن التي تُبيدلت بين الخصوم خلال قرن من الزمن كانت عاجزة عن إحقاق السلام بينهم. وكان وجود بطريرك كاثوليكي في دياربكر لا يُساعد على توفُّر فرصٍ لإنضمام أيٍّ من البطريركين الجالسَين أحدُهما في قوجانُس والآخر في دير الربّان هرمزد الى الوحدة مع روما.
فلم تشأ روما تكرار ذلك مع المطران اوغسطين هندي، ولا سيَّما أنها تلقَّت من كُلٍّ من البطريركَين النسطوريَين عام 1770 و1771م صورة ايمان وصفتها بالمُرضية كما يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 386-391). بيدَ أنَّ البطريرك ايليا الحادي عشر دنحا أدركه الموت عام 1778م فخلفه وراثياً إبنُ اخيه ايشوعياب ناطور كُرسيِّه باسم ايليا الثاني عشر، وما إن جلس على الكُرسي البطريركي حتى ابتعد عن مسألة الوحدة التي كان هو وعمُّه الراحل قد اتفقا عليها. لكنَّ إبنَ عَمِّه يوحنا هرمزد كان ذا تعلُّقٍ شديد بالمذهب الكاثوليكي، ويؤيده عددٌ كبيرٌ من مناصريه داخل ما اصطلحوا على تسميتها "الأمة النسطورية".
ولكنَّ روما سرعان ما شعرت بأنَّ النوايا الحقيقية ليوحنا هرمزد انطلت عليها واعتبرت ذاتها مخدوعة، سارعت عام 1817م بايفاد اوغسطين هندي الى كُلِّ مناطق بطريركية بابل الكلدانية بصفة قاصدٍ رسولي لها، وامتنعت كالسابق عن منحه لقب البطريرك الذي كان يتمنّاه بشوق. وكان الخلاف يتفاقم بين أنصار يوحنا هرمزد ميترابوليط الموصل ومؤيدي اوغسطين هندي ميترابوليط دياربكر وكلٌّ منهما يُطالب بلقب البطريرك دون جدوى، وظلَّ الصراع الشخصي قائماً بينهما دون أن يمُسَّ المُعتقد حتى وافى الأجلُ اوغسطين هندي في السادس من نيسان 1828م، ولم تَدُر بخلدِ خلفه على كُرسيِّ دياربكر الميترابوليطي فكرة المطالبة بلقب البطريرك. وفي الخامس من تموز لعام 1830م، مَنحت روما الميترابوليط يوحنا هرمزد لقب بطريرك بابل على الكلدان، والإقامة في الموصل. وبه ابتدأت سلسلة جديدة للبطاركة الكلدان الذين اتخذوا من الموصل مقراً لإقامتهم، وتواصلت هذه السلسلة دون انقطاع الى يومنا الحاضر، وحظوتها لدى ابناء كنيستها الكلدانية الكاثوليكية تتزايد باطراد ... والى الجزء التاسع والثلاثين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 14/10/2015

34
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع والثلاثون
بطاركة الكلدان في دياربكر

وكما سبق أن ذكرنا بأن البطاركة النساطرة من آل أبونا قد إتخذوا من دير الربّان هرمزد مقرّاً لهم، وكانت ابرشية دياربكر ترتبط إدارياً بالبطريرك النسطوري المقيم في هذا الدير منذ عام 1650م، ورغم كُلِّ ما قيل عن مسيحيي دياربكر الكلدان حول تمسكهم بالنسطرة هو مخالف للحقيقة، لأنَّ الشعب الكلداني في دياربكر كان الأشدَّ ميلاً الى الإتحاد الإيماني مع روما من شعب أيَّة منطقة اخرى، ويُشيرُالى ذلك الراهب الكبوشي يوحنا باتيست دي سانت اينيان في رسالته المؤرخة في 20 تموز عام 1667م المُوجَّهة الى مجمع انتشار الإيمان مؤكِّداً فيها ما لاحظه لدى مروره في دياربكرعام 1667م وتوقُّفه فيها فترة قادماً من الموصل قاصداً حلب، بأنَّه من الضروري أن يقوم بفتح مركز إرسالي لفائدة الشعب الكلداني النسطوري هناك (الرسالة 6 للإخوة الأصاغر الكبوشيين ص 108/ روما، 1920). وحيث لم يكن يمتلك المُرسَلون الكبوشيون وقتذاك كنيسة خاصة بهم، فكانوا يضطرّون حصراً الى إقامة الصلوات وإلقاء الوعظ والإرشاد في كنائس النساطرة على غِرار ما كان يفعله الدومنيكان والفرنسيسكان في القرنين 13 و 14، وقد أفلحوا في كسب عددٍ كبير من النساطرة الى الوحدة الإيمانية مع روما، وتكلَّل نجاحهم بكسبهم لمطرانهم يوسف (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 124).

1 - البطريرك يوسف عبدالأحد الأول1681-1691م
ويُضيف المصدر السابق أعلاه، بأنَّ الحكومة العثمانية كانت قد منحت رؤساء الطوائف الدينيين للشعوب المسيحية الشرقية القاطنة ضمن جغرافية الدولة، قد منحتهم الى جانب صلاحياتهم الدينية التي يتمتعون فيها تلقائياً صلاحيات ومهام الرؤساء المدنيين أيضاً، ولكنَّ موافقتها على ظهور جماعات جديدة لم تكن سهلة المنال. وكان لهؤلاء الرؤساء سلطة محاسبة أتباعهم إدارياً وقضائياً في حالة تركهم لمذهبهم النسطوري او المونوفيزي واعتناقهم المذهب الكاثوليكي، وبإمكانهم إلحاق الأذى بهم عبر وسائل وطُرق شتّى. وإذا رغب بطريرك طائفة ما الإنضمام الى الإتحاد الإيماني مع روما، لم تكن الإدارة العثمانية لتهتم بالموضوع، بل تصرف النظر عنه. أما إذا خرج مرؤوسُه عن طاعته، فبإمكان الرئيس اللجوء الى آغا منطقته، ويُطالب ان يقوم الآغا بردعه او تأديبه استناداً الى الصلاحية الممنوحة له.

 ويستطرد نفس المصدر، فإنَّ هذه الحالة طبَّقها البطريرك النسطوري"ايليا التاسع 1660-1700م" مع مرؤوسه يوسف الكركوكلي الذي رسمه عام 1668م مطراناً على دياربكر، فما إن عَلِم بانضمام المطران يوسف الى المُعتقد الكاثوليكي، حتى ثار ثائرُه واستدعاه للحضور الى المقرِّ البطريركي الذي كان آنذاك في بلدة تللسقف القريبة من الموصل، بيدَ أنَّ المطران يوسف ارتاب بالأمر وامتنع عن الذهاب، فقرَّرَ البطريرك الذهاب شخصياً الى ماردين ودياربكر مُصمِّماً على الإقتصاص من المطران يوسف. وفور وصوله الى دياربكر استولى عن طريق الرشوة على كنيسة مارفثيون التي كان المطران يوسف قد غادرها، ولكنَّ ايليا التاسع، تمكَّن بطريقةٍ أو باخرى بإقناع السلطة للقبض على يوسف وزجِّه بالسجن، وبعد مثوله عدة مرات أمام محكمة"المتسلِّم" العثماني، أقرَّ له المتسلم بسلطته على دياربكر وماردين واعترف به رئيساً للمنطقة ومستقلاً عن سلطة البطريرك النسطوري، وما دفع المتسلم بإصدار هذا القرار كان تقديراً منه لهيبة المطران يوسف وتميُّزه بالفضيلة والثقافة الأمر الذي أثَّر في نفسه تأثيراً عميقاً. رُوِيت هذه الأخبار من قبل "عبدالأحد مطران دياربكر 1714-1727م" بالعربية، ونُقلت الى الفرنسية من قبل الأب شابو ونشرها في (مجلة الشرق المسيحي1 لعام 1896م العدد2 ص 66-90). ولكنَّ البطريرك النسطوري ايليا التاسع لم ييأس بل واصل مسعاه لإيذاء البطريرك الكاثوليكي يوسف الأول. ولا شكَّ بضلوعه في استبدال مُتسلِّم المنطقة، فما إن تسلَّم الموقع شخص جديد حتى استطاع النساطرة من إلقاء البطريرك يوسف في السجن ثانية (المصدر اعلاه ذاته) وقد فعلت الرشوة فعلَها، حيث تعرَّض البطريرك يوسف لأشدِّ أنواع العذاب ليس بوسع القلم وصفها، حتى لقَّبَه البعض بالبطريرك الشهيد (شهيد الإتحاد مع روما، بطريرك الكلدان يوسف الأول/ البير لامبار، بالألمانية، لوزون 1966).

خرج البطريرك يوسف الأول من السجن مُنهكَ القوى من جرّاء التعذيب الذي لقيه، وكان أول المُهنئين بسلامته قداسة الحبر الأعظم البابا اقليميس العاشر، من خلال رسالة بعث بها إليه في 25 كانون الثاني عام 1673م. توفَّر لديه الشوق لزيارة روما، فقرَّر زيارتها، وصادف وصولُه موسم الإحتفالات بيوبيل عام 1675م، وطالت زيارته حتى عام 1677م، وللأسف فإن تحفُّظ روما الذي أملاه عليها رَدُّ فعلها من أشخاص أعلنوا انضمامهم إليها، فحصلوا منها على مساعدات مالية طائلة، وبعد عودتهم الى بلدانهم، أخلفوا بوعودهم التي تعهَّدوا بها، شمل هذا التحفُّظ البطريرك الكلداني يوسف الأول، فعاد الى بلاده فارغ اليدَين. وكأنَّه كان على موعدٍ مع النائب الرسولي الجديد لبابل الأب فرنسوا بيكيت، فنفحه بمبلغ من المال كبير جداً، استطاع من خلاله تنظيم اموره، واستعادة كنيسته منتصراً على خصم دخيل نسطوري معارض إسمُه داود، كان البطريرك النسطوري ايليا التاسع قد أقامه مطراناً على دياربكر. وعمل البطريرك يوسف بنصيحة الراهب الكبوشي يوحنا باتيست دي سانت اينيان الذي دفعه الى القيام بمفاتحة الباب العالي العثماني للحصول على فرمان منه، يعترف به بطريركاً على دياربكر وماردين ومناطق اخرى، مستقلاً عن بطريرك الموصل النسطوري. ففعل وأفلح في مسعاه.
ونظراً لدرايته بأن السلطان غير قادر على منحه لقب البطريرك رسمياً، لذلك بعث بالتماس الى مجمع انتشار الإيمان لغرض تثبيته بلقب البطريرك وتزويده بالدرع المقدس "الباليوم"، إلا أنَّ المجمع لم يُلبِّ الإلتماس حيث بعث بجوابه في شهر آب عام 1678م يقول فيه: < إنَّ الكرسيَّ الرسوليَّ لا يُمكنُه إقامة بطريركيةٍ جديدة مُناوئة للبطريركية النسطورية في الأراضي العثمانية، دون أن يجري انتخاب شرعي للبطريركية الجديدة > وبناءً الى طلب النائب الرسولي فرنسوا بيكيت المعزَّز باتفاق مع المُرسَلين الكبوشيين في دياربكر، أُعيدَ تقديم الإلتماس عام 1680م وبدون أيَّة إشارة الى موضوع انتخاب يوسف بطريركا، يبدو أنَّ المجمع المقدس اكتفى بهتاف الشعب المسيحي الذي تعالى بعد قراءة فرمان السلطان، فأصدر قراراً في 17 كانون الأول عام 1680م، وحظي القرار بتأييد الحبر الأعظم في 8 كانون الثاني 1681م. وقد تجنَّب القرار ذِكر اسم بابل ولا اللقب المُعطى لسولاقا في حينه، متوخياً عدم المساس بشعور البطريركين النسطوريين. غيرَ أنَّ البراءة الصادرة في 25 تشرين الأول عام 1683م تذكر بأنَّ إقرار الإيمان المطلوب كان قد أرسل قبل استخدام الباليوم، وقد استُهِلَّت: < الى الأخ الأجلّ يوسف بطريرك الكلدان... انظر (كتاب العلاقات، ش. جميل ص 206). وبيوسف الأول ابتدأت سلسلة جديدة لبطاركة الكلدان في أواخر القرن السابع عشر، وكانت دياربكر مقرَّهم وتبنّوا اسم يوسف جميعُهم.

2 - البطريرك يوسف الثاني آل معروف 1696-1712م
 وُلِد يوسف الثاني عام 1667م لعائلة كلدانية من آل معروف عُرفت بالورعِ والفضيلة من بلدة تلكيف أقرب بلدات وقرى الكلدان التابعة للموصل، وقد دعاه والداه جمعة وشموني في العماذ باسم "صليبا او صليوو" وقد اختلفت آراء المؤرخين  والمُجتهدين الإستنتاجيين فيما إذا كانت ولادته لوالدَين كاثوليكيين أم نسطوريَين، بالتأكيد كانا نسطوريين، ويعني ذلك أنَّه ولد نسطورياً. ولكنَّ نشاط المُرسَلين الغربيين كان قد تصاعد جداً في بلدة تلكيف في مطلع النصف الثاني من القرن السابع عشر، وقبل انصرامه شهدت البلدة تحوُّلَ عددٍ كبيرٍ من أبنائها الى الكثلكة وكان صليوو معروف الأبرزَ بينهم والمتفوق الأوحد في إدراك عمق الثقافة الكاثوليكية التي تلقّاها على ايدي هؤلاء المُرسَلين! وهذا يؤكِّد بأن صليبا لم يكن كاثوليكياً بالولادة، والدليل على ذلك إحدى مناجاته للعذراء مريم الواردة في كتاب (المصباح المنير/ طبعة الأب بيجان/ باريس 1888م ص3) يقول فيها:< هؤلاء المعلمون الأطهار، هم الذين هَدوني الى الإيمان القويم الذي تعتمدُه كنيسة روما المُشيَّدة على الصخرة البطرسية... وأرشدوني الى عِظَم قداستِكِ حيث قالوا لي: يجب أن أدعوكِ والدة الله وليس والدة المسيح كما يدَّعي أبناء امتي. فلم أتجرَّأ أن اقول لهم: دعوني اليوم وحَدِّثوني بالأمر في الغدِ! بل إنَّ نار حُبِّكِ استعر في قلبي، أنا الصغير والوضيع بين المُحِبين عبيدِكِ... ثمَّ أعلنتُ مقامَكِ السامي لكُلِّ معارفي> فلو كان صليبا كاثوليكياً بالولادة لَما احتاج للقول: هؤلاء هَدَوني... وما كان معلِّموه ليطلبوا منه مناداة مريم بأم الله وليس أم المسيح، ذلك أن عقيدة مناداة مريم بام الله هي إحدى الخلافات الجوهرية بين المعتقدَين الكاثوليكي والنسطوري. ولذلك فصليبا ولد وتربّى نسطورياً وقد تمَّت رسامته شماساً انجيلياً بوضع يد البطريرك النسطوري ايليا العاشر أو واحدٍ من مطارنته وله من العمر أربعة عشر عاماً، وأرجح أن البطريرك هو الذي رسمًه. ويُعتقد بأن اعتناقه الكثلكة تمَّ وهو في العشرين من عمره، وكان لا يزال في تلكيف.
ترك بلدته تلكيف وتوجَّه الى مدينة دياربكر مقرِّ البطريركية الكلدانية الكاثوليكية، فالتحق بالبطريرك يوسف الأول، هرباً من تلك الأوضاع الملتهبة والصراعات المريرة الدائرة بين الكاثوليك والنساطرة على امتداد سهل الموصل حيث كانت الفئة النسطورية تستهدفه، لكنَّ العناية الإلهية تدخَّلت وانقذته في الوقت المناسب، فأذعن لصوت العذراء مريم شفيعته، فغادر بلدته الحبيبة على قلبه، مفارقاً أهله ومُحبيه. وأعرب عن حسرته بهجره لمعلميه الآباء الكبوشيين حيث قال: (المصباح المُنير/ ط. الأب بيجان/باريس 1888م ص 4) <لقد هجرتُ مُعلِّميَّ الذين بفضلهم وعن طريقهم اهتديتُ وانتمَيتُ الى الكنيسة الرومانية، وعلى يدهم تلقيتُ العلوم الإلهية>. ولمغادرة صليبا تلكيف روايات عِدة والأكثر قبولاً بينها: بأنَّ قافلة تتألف من الرهبان الغربيين كانوا في طريقهم الى دياربكر ومنها يواصلوا سفرهم الى اوروبا، ولدى وصولهم بلدة تلكيف توقَّفوا في بيادرها للإستراحة، وصادف في تلك الأثناء وجود الفتي صليبا"صليوو" هناك، وكما تجري العادة لدى الغرباء، فقد طرحوا عليه بعض الأسئلة، ومن خلال جوابه قيَّموا فيه الذكاء، فبادرَواحدٌ منهم وعرض عليه مُرافقتهم، ولم يتردَّد في قبول هذا العرض الذي لم يكن يتوَّقعه، وللحال أرسل مَن يُطلع والدَه بأنه قد التحق بقافلة الرهبان الكبوشيين المتوجهين الى دياربكر. ولكن هل يا تُرى كان هذا العرض تلقائياً وبدون مقدَّمات كان قد أجراها الشماس صليبا مع الرهبان الكبوشيين الذين كانوا يتبادلون الزيارات فيما بين رسالتيهما في آمد والموصل؟ بالتأكيد كان ذلك قد جرى، وهم الذين شجَّعوه للإلتحاق بالبطريرك يوسف الأول. وجاء في كتاب (المرآة الجليّة) بأن البطريرك يوسف الثاني نفسه ينفي تلقيه الدراسة في مدرسة لاتينية في آمد كما يدَّعي البعض، بل إنما درس في مدارس الإسماعيليين لعدم وجود مدرسة للمسيحيين في الشرق آنذاك.

ويُردف المصدر السابق وفي ذات الموضع، بأنَّ الشماس صليبا كان قد وضع ثقته بشفاعة البتول مريم وحمايتها حيث يقول: <لقد اصغيت الى صوت ضميري وهو يقول لي: <إذا كنتَ تنشدُ النجاة والخلاص وإكمال مشوار حياتك، إستنجِد بصلوات البتول امِّ ربِّكَ، فهي القادرة على إرشادِكَ للوصول الى ميناء السلام والأمان والإطمئنان. فالتمستُ حنانَكِ الفيّاض... فناداني صوتُكِ السار المُريح قائلاً: قُم وشُدَّ الرِّحال كالطير الى قِمَم الجبال. اترك مسكنك ووالديكَ وإخوتكَ، ورفرف بجناحَيكَ كالنسر، واستقر في أبعد نقطة من بحر العالَم، فأنتَ مُزمع على التحَرُّر! وكعبدٍ مُطيع وبدون تَرَدُّدٍ، نفذتُ ما نطقتْ وأمرتْ به شفتاكِ>
ولما مَثُل بين يدي البطريرك يوسف الأول في مطلع عام 1690م اعتزَّبه وتفرَّس فيه عن طريق الروح، وسرعان ما توسَّم فيه الفطنة والذكاء والفضيلة، فمنحه الدرجة الكهنوتية خلال عام وصوله، بعد أن قام بإعدادِه لها شخصياً باسم القس يوسف صليبا اوصليوو. وليس بعيداً اتخاذه اسم يوسف أن يكون تيمُّنا باسم راعيه ومحتضنه البطريرك يوسف الأول الذي نظر إليه كمثله الأعلى. وبالرغم من ملازمته الكنيسة واهتمامه بحفلاتها الطقسية، كان القس يوسف الجديد يلتقي بالآباء الكبوشيين للإستزادة من التعمُّق بالإيمان والتقوى. وبعد مضيِّ فترةٍ رسمه اسقفاً في عام 1692م وله من العمر أربعة وعشرون عاماً ليكون معاوناً له حيث كان يشعر بخَوَرٍ في قواه البدنية. وهنا شعر المطران يوسف بأن مهامه ازدادت، فشمَّر عن ساعِد الجِد بنشاطٍ لا يعرف الملَلَ، متلهِّفاً الى كسب أكبر عددٍ ممكن من أبناء عمومته الباقين على النسطرة جهلاً وعناداً ليس إلا، وإدخالهم الى حظيرة الكنيسة الأم الجامعة، فكانت لا تفصل ليلَه عن نهاره إلا بضع ساعات ضرورية لتجديد قواه ومواصلة نشاطه، حيث كان لا ينفك من القراءة والكتابة والترجمة والتأليف، وكان اهتمامُه الكتابي ينصب على تنوير إخوته الكلدان النساطرة للإسراع في الإنتماء الى كنيسته الكلدانية الكاثوليكية الفتية.

يوسف صليوو بطريركاً
ولما أحسَّ البطريرك يوسف الأول بأن ما تكبَّده من العذاب وهَولِ المِحَن التي ألَمَّت به، قد أوصلته الى حالة العجز عن مواصلة مشواره، حتى أنَّ بصره كاد لا يُسعفه، قرَّر اعتزال منصبه والإقامة في روما بعد أن أقامَ معاونه "صليبا- صليوو" بطريركاً خلفاً له على كرسي بطريركية دياربكرعام 1694م باسم يوسف الثاني، حيث ركن الى رزانته وخبر مقدرته وأهليته لإدارة شؤون كنيسته. ويقول الأنبا ش.جميل (كتاب العلاقات ص 207 ح1 الواردة في ص 206) بأنَّ البطريرك يوسف الأول توجَّهَ الى روما في شهرآب 1694م بعد رسامته ليوسف الثاني ووصلها في شهر ايار عام 1695م . وعند قيام البطريرك الجديد يوسف الثاني بإبلاغ روما بما جرى، اعترض مجمع انتشار الإيمان على هذا الإجراء واعتبره غير قانوني، وأبلغ المجمع البطريرك الشيخ يوسف الأول بذلك، فتقدم باستقالته في الثاني من شباط 1696م كشرط لتثبيت خلفه ووضعها بتصرُّف البابا، وبناءً الى اقتراح قدَّمه المجمع المقدس، ثبَّت البابا انوشنسيوس الثاني عشر يوسف الثاني بطريركاً بموجب البراءة الصادرة في 18 حزيران عام 1696م، بيد أنَّ الأنبا ش.جميل يقول بأن تاريخ البراءة هو 21 أيار 1696م. (كتاب العلاقات ص 207 ح1). مانحاً إياه لقب بطريرك بابل على الكلدان. ولكنَّ كتاب "المرآة الجلية" لمؤلفه البطريرك يوسف الثاني وفي "فصل رئاسة الكنيسة/ سلسلة باباوات روما" يُلغي التواريخ التي أشار إليها الأنبا شموئيل جميل والمؤرخون الآخرون حيث يقول ما تعريبه: < كان البابا انوشنسيوس الثاني عشر من مواليد روما، امتدَّت حبريته ستة أعوام ولدى وفاته انصرم القرن السابع عشر. وفي العام الخامس من رئاسته وهو عام 1699م ثبَّتني في السدَّة البطريركية>. لذلك فإنَّ اعتماد هذا التاريخ هو المُعوَّل عليه لسببَين أولهما: إقرارُصاحبِ الشأن به، وثانيهما: إصدار البابا رسالتين بهذا الشأن في نيسان عام 1698م موجهتين الى يوسف الثاني، تتضمَّن الأولى تثبيته بطريركاً على الكلدان الكاثوليك، والثانية منحه الدرع المقدس "الباليوم"، إلا أنَّهما لم تصلا إليه إلا في خلال شهر شباط لعام 1699م. وقيل بأنَّ سبب تأخير التثبيت ومنح الدرع المقدس ليوسف الثاني، كان لعدم انتخابه عن طريق السينودس بحسب القانون الكنسي، ورغم ذلك فقد حصل عليهما وإن كان في وقتٍ متأخِّر.
بعد اعتناق الشماس الشاب صليبا معروف أو صليوو الكثلكة وتوجُّهِه الى مدينة دياربكر، تضاعفت غيرتُه على المُعتقد المسيحي القويم، قادته الى منحِه الرُّتب والمسؤوليات الكنسية التي دفعته الى إبداء نشاطٍ منقطع النظيرعلى الصعيدَين العِلمي والإداري، ولما جلس على السدة البطريركية، دأب على العمل باسلوب فطِن ومقنع على نشر الكثلكة رغم كُلِّ المضايقات والإضطهادات التي تعرَّضَ لها، ففي عهده وبفضل جهوده انتمت قرى ومدن عديدة بكامل سكّانها الى الكثلكة، فاتسعت رقعة كنيسته الكلدانية الكاثوليكية بشكل كبير، مِمّا أغاض خصومَه بشقيهم الكلدان النساطرة والمونوفيزيين اليعاقبة، فشنّوا عليه وعلى شعبه الكلداني الكاثوليكي اضطهاداً قاسياً، لأنَّ النساطرة وجدوا عددَ اتباعهم يتناقص يوماً بعد يوم بنوع مخيف بسبب تحوُّل الكثير منهم الى الكثلكة، أما المونوفيزيون اليعاقبة، فلأنَّ البطريرك الكلداني يوسف الثاني فتح كنائسه امام اليعاقبة المتحوِّلين الى الكثلكة وسمح لهم باداء طقوسهم الدينية فيها إذ لم يكن لهم كنائس خاصة بهم في بدايات نبذهم للمونوفيزية، فثارَعليه البطريرك اليعقوبي جرجيس الثاني المتزمِّت جداً. واستمرَّ هذا العِداء الشرس وإن مرَّت في خلاله فترات ساد فيها شيءٌ من الهدوء والسلام،ولكنه لم يتوقف بوفاة يوسف الثاني، حيث لم ينجُ منه خلفُه "البطريرك يوسف الثالث 1712-1757م" إذ هو الآخر عانى منه كثيراً.

أعمال يوسف الثاني البطريرك
كانت جهود البطريرك يوسف الثاني معروف تنصبُّ بالدرجة الأولى على هداية أبناء شعبه الكلداني النسطوري الى المعتقد القويم "الكثلكة" عن طريق ما ينشره من تعاليمِه ومواعظِه وكتاباتِه تآليفَ وترجماتٍ. حيث فعلت فعلَها بانتماء جماعات كبيرة الى كنيسته الكاثوليكية. وبسبب هذا الإقبال الواسع على الكثلكة أصبحت الحاجة مُلِحَّة الى رُعاةٍ وأبرشيات وكنائس جديدة. وليس من شَكٍّ بأن البطريرك يوسف الثاني قد رسم عدداً كبيراً من شمامسة وكهنة وأساقفة ليقومو بالعمل الرعوي والخدمي لهذا الشعب المؤمِن. ونظراً لكثرتهم لم يُسعفنا المؤرخون بذكر أسمائهم واعدادهم إلا للقليل منهم وهم:
1 – المطران طيمثاوس ماروكين: يقول الأب يوسف تفنكه جي (الكنيسة الكلدانية بالأمس واليوم، بريس 1914 ص 60) بأنَّ المطران طيمثاوس ماروكين، كان كركوكيَّ الأصل، رسم مطراناً على ماردين عام 1696م خلفاً لمطرانها شمعون الذي وافاه الأجَل عام 1695م، وهو الذي سيخلف البطريرك يوسف الثاني على كُرسي بطريركية الكلدان في دياربكرباسم يوسف الثالث. كانت ابرشية ماردين تفخر بقراها المأهولة بسكانها، تتمتع بشأن لا بأس به في الكنيسة الكلدانية في ذلك الحين وحتى اندلاع الحرب العالمية الأولى، حيث تكالبت عليها قوى الشر المتمثلة بعصابات العشائر الكردية بتحريض ودعم من قبل السلطة العثمانية الباغية. كان اسرائيل اودو آخر مطارنتها الكلدان المتوفى في 25 شباط 1941م.
2 – المطران باسيليوس: من مواليد عين تنور، تاريخ رسامته مطراناً غير معروف وكذلك تاريخ وفاته فمجهول، إلا أنَّ هناك مدراشَين رتَّلهما البطريرك يوسف الثاني لدى وفاة هذا المطران، ويعني ذلك بأنَّ وفاته جرت في عهد يوسف الثاني. وقد جاء في (فهرس مخطوطات الرهبانية الكلدانية/ المخطوطة رقم 813/3) بأنَّ باسيليوس هذا كان قد أصبح أرملاً عند رسامته اسقفاً، حيث تذكر (المخطوطة 813/4)، بأنَّ إبنه رتَّل مدراشاً في رثاء والده المطران باسيليوس استهلَّه: ابونا الطوباوي امضي بسلام.
3 – المطران شمعون: يقول الأب يوسف تفنكه جي (الكنيسة الكلدانية بالأمس واليوم/باريس 1914 ص47) بأنَّ البطريرك يوسف الثاني آل معروف رسمَه مطراناً لسعرد عام 1701م، وهو اول مطران كلداني لها في عهدِها الكاثوليكي، أوفده البطريرك يوسف الثالث الى روما عام 1731م للدراسة في روما وكوكيل له هناك، وبعد عودته الى سعرد أدركه المنون عام 1742م.
4 – المطران طيمثاوس: رسم مطراناً في الثامن من آب عام 1708م في كنيسة مار فثيون الشهيد بآمد "دياربكر". وأكَّد ذلك هو نفسه في رسالة وجَّهَها الى مجمع انتشار الإيمان المقدس في روما في الأول من ايارعام 1710م باعتباره وكيلاً للبطريرك. لم يستمر طيمثاوس في منصب الوكالة البطريركية طويلاً، بدليل قيام البطريرك يوسف الثاني في غرة عام 1712م برسم القس عبد الأحد بن كره بيت المقدسي مطراناً معاوناً له في آمد باسم باسيليوس. أما طيمثاوس فلم يُعلم مصيره فيما إذا كان قد نُقل الى أبرشية اخرى اوقد قضى نحبه بعد عام 1710م بفترةٍ قصيرة.
5 – المطران يوسف: في عام 1711م رَسَمَه البطريرك يوسف الثاني آل معروف اسقفاً على الجزيرة، وظلَّ في خدمة أبرشيته حتى أدركه الموت عام 1747م. يقول الأب يوسف تفنكه جي (الكنيسة الكلدانية بالأمس واليوم ص 47) بأنَّ إسم المطران يوسف ورد في متن رسالة البطريرك يوسف الثالث المؤرخة عام 1746م والموجَّهة الى مجمع انتشار الإيمان. وكانت الجزيرة تتأرجح بين الكثلكة والنسطرة، إذ بعد مقتل شهيد الإتحاد البطريرك يوحنان سولاقا، انتخب خلفاً له على كرسي بطريركية بابل عام 1557م مطران الجزيرة الكلداني الكاثوليكي مارعبديشوع مارون، ثمَّ خلف مار عبديشوع عام 1578م مار يهبَلاها وكان أيضاً مطراناً كلدانياً على الجزيرة.
6 – المطران باسيليوس: هو القس عبد الأحد بن كره بيت المقدسي من مواليد قرية عين تنور، رَسَمَه البطريرك يوسف الثاني آل معروف في مستهلِّ عام 1712م مطراناً معاوناً له على آمد، ولكنَّه بعد بضعة أشهر نقل كرسيَّه الى قرية عين تنور نظراً لزيادة عدد المنتمين الى الكثلكة فيها، ومن الجدير بالذكر بأنَّ العادة كانت قد جرت بتولية اسقف عين تنور مهام النيابة البطريركية. يقول الأب يوسف تفنكه جي (الكنيسة الكلدانية بالأمس واليوم ص 60) بأن بقاء باسيليوس في عين تنور لم يَدُم طويلاً، حيث انيطت به ابرشية ماردين بعد انتخاب مطرانها طيمثاوس ماروكين بطريركاً عام 1712م باسم يوسف الثالث خلفاً للبطريرك يوسف الثاني، فانتقل الى ابرشية ماردين عام 1714م، وقام في خدمتها حتى وافى أجَلُه في 25 /9 / 1738م.
7 – المطران شمعون بن ابلحد: آمديُّ الأصل جنساً وولادة، رُسِم مطراناً لمدينة "عادا" التي يقول عنها الأب سمير خليل اليسوعي في أحد مقالاته بأنَّها مدينة هندية. أما وليم رايت فيقول: بأنَّ للمطران شمعون هذا مخطوطة بعنوان "طقس قداس الرُّسُل وطقس تكريس المذبح بالزيت" يقول المطران بأنه قد كتبها في روما تحت ظلال كنيسة القديس بطرس على عهد البابا إنوشنسيوس الثاني عشر جاء فيها ما يلي وبصياغة عربية ركيكة وبحروفٍ كلدانية وهو ما يُعرف بالكرشوني، ولكنني ٍساصيغها بعربية فصحى مُحافظاً على المعنى <اكتمل هذا الكتاب المقدس بمدة سبعة عشر يوماً في شهر تشرين الأول لعام 1691م، كُتِبَ هذا الكتاب في المدينة المقدسة العظيمة روما الكبرى تحت كنف كنيسة مار بطرس وبولس الحنونة... في أيام الحبر الأعظم أبي الآباء... البابا إنوشنسيوس الثاني عشر. كُتِب بيد الحقير الضعيف... المطران شمعون بن المرحوم ابلحد، ينتمي نسلاً وجنساً الى مدينة آمد، الجالس على كرسيِّ مطرانية مدينة عادا... ويقوم بادارة شؤون كنيسة الكلدان في اورشليم  واسمُها كنيسة سيدتنا مريم> (مخطوطات جامعة كمبرج/المخطوطة رقم "15.1. “Oo الملحق ص 1061-1063). كان شمعون مطراناً نسطورياً التحق بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في عهد البطريرك يوسف الأول حيث عَيَّنه مطراناً على ماردين، تُوفي عام 1695م. ومن دواعي وجوده في روما، اولاً لرغبته الكبيرة بمقابلة قداسة البابا، وللأسف فإنَّه لم يحظ بها. وثانياً لإيصال رسالة البطريرك النسطوري ايليا بشأن الوحدة مع الكرسي الرسولي مشفوعة برسالة حارس الأماكن المقدسة. والى الجزء الثامن والثلاثين قريبا.
الشماس د. كوركيس مردو
في 1 / 9 / 2015

35
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السادس والثلاثون

87 - البطريرك ايليا التاسع 1660-1700م
وبعد وفاة ايليا الثامن خلفه كما ذكرنا أعلاه ايليا التاسع، يظهرأنَّ هذا البطريرك أبدى رغبة في مفاتحة روما، فبعث برسالة الى الحبر الأعظم اقليمس التاسع بتاريخ 22/ت2/ 1669 ضمَّنها صورة ايمانه حملت توقيعه وتواقيع ناطور كُرسيِّه شمعون وثلاثة مطارين هم: يوسف مطران آمد"دياربكر" وعبديشوع مطران الجزيرة ويوحنا مطران سعرد بحسب بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 234) وأورد في رسالته ما تمَّت الإشارة إليه لدى الحديث عن سلفه ايليا الثامن في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب، حيث اكتشف المسؤولون في روما بأنَّ ايليا التاسع غير صادقٍ بما جاء برسالته، فلم تنطلي عليهم حيلته. وبالفعل كان حدسُهم صحيحاً وثَبُت لديهم عند قيامه باتخاذ إجراءات تعسُّفية ضِدَّ الذين أعلنوا انضمامهم الى الوحدة من أتباعه النساطرة ولا سيما في دياربكرالداخلة ضمن الوحدة منذ عهد شهيد الإتحاد يوحنان سولاقا وحتى عهد مطرانها طيمثاوس.
لعب يوحنا مطران دياربكر النسطوري دوراً قذِراً، عنيفاً وغير مُشَرِّفٍ ضِدَّ الكلدان المتحدين مع روما هادفاً تقوية موقف النساطرة فيها، وبدوره ايليا التاسع لم يذَّخِر وسعاً ولا بخل بجهدٍ من أجل القضاء على الكثلكة في دياربكر مركزها القوي، حيث جُنَّ جنونه عندما انضمّ المطرانُ يوسفُ النسطوري خلفُ يوحنا الى الوحدة، نابذاً النسطرة عام 1672م بتأثير من المُرسَلين الكبوشيين، فناصبَه العِداء وأثار عليه اضطهاداً قاسياً، مؤلباً عليه السلطات العثمانية الحاكمة في آمد عن طريق الرشاوى، والإيقاع بالكاثوليك متهماً إياهم بالولاء لأوروبا الغربية المسيحية، وكانت في هذه الغضون قد اندحرت الجيوش العثمانية امام قوات التحاف الأوروبية الغربية على أبواب فيينا في المعركة الحاسمة بتاريخ 13/9/1683م فتقهقرت جارة أذيال الخيبة والفشل، وبذلك انتهى الزحف الإسلامي العثماني لغزو اوروبا الوسطى. إن هذه النكسة التي مُنيت فيها الدولة العثمانية العاتية والشديدة التزمُّت بالإسلام، انقلبت الى نقمةٍ كبرى على المكونات الصغيرة العائشة تحت حُكمها وبخاصةٍ المُكوَّن المسيحي منها.
ولم يزل ايليا التاسع مروكي مُنهمكاً بإصرار وبسعيٍ دائم على اضطهاد الكاثوليك في دياربكر وغيرها من مناطق تواجدهم، حتى إنَّه أهمل تماماً الإهتمام بشؤون رعاياه الآخرين المتواجدين في اورشليم والهند، لم يُسعفهم بتلبية طلباتهم المتكررة والمُلحة بإرسال اساقفة ليتولون تسيير امورهم الدينية، وإذ أخذ منهم اليأس اضطرَّ قسم من النساطرة في ملَّبار للوقوع في أحضان المونوفيزيين، والقسم الآخر انضمَّ الى اللاتين، أما الذين في اورشليم فقد تحوَّلوا الى الطقس اللاتيني وحتى ممتلكاتهم انتقلت الى اللاتين.

88 – البطريرك ايليا العاشر 1700-1722م
بحسب ما ورد في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 314-315) بأن ايليا العاشرهو إبن شقيق ايليا التاسع، وتسلَّم الكرسيَّ البطريركي عن طريق قانون الوراثة، وعلى غِرارعَمِّه كان شديد التعصُّب للمذهب النسطوري، وبالرغم من الإضطهاد الذي كان يتهدَّد الكلدان المتحدين مع روما، فإنَّ عددَهم كان مستمرّاً في الإزدياد في الموصل وضواحيها خلال عهده. ومن بين أشهر الذين انضموا الى الوحدة كان القس دانيال بن آدم الألقوشي، وتمَّ ذلك حين توجَّهَ الى زيارة الأماكن المقدسة وفي طريقه إليها مَرَّ بمدينة دياربكر، وشاهد عن كثب ما يبذلُه الكلدان من النشاط الدؤوب والغيرة المتقدة في نشر المُعتقد الكاثوليكي، فانبهر وانضمَّ إليهم. وعلى إثر ذلك أثارايليا العاشر اضطهاداً عليه، فما كان منه إلا تركَ بلدته والهجرة الى دياربكر، وبعد وفاته خلفه إبنُه حكيم الذي كان يُتقن مهنة الطب، فتبرَّع بعمل الخير في دياربكر وأطرافها، الى جانب الدفاع عن المعتقد الكاثوليكي.
وفي السنة الأخيرة من عهد ايليا العاشر، قام بعض الأشرار بالسطو ليلاً على دير الآباء الكبوشيين في الموصل بموقعه الجديد القريب من دجلة حيث كان قد انتقل من موقعه القديم في محلة ماراشعيا، فنهبوه وقتلوا رئيسَه الأب بطرس الكبوشي وذلك في عام 1722م. فتولّى أمرَ دفنه أبناء آل الجليلي في مقبرتهم في فناء كنيسة شمعون الصفا في محلة الميّاسة بالموصل. ونتيجة لهذا الحادث الإرهابي، أنهى الكبوشيون نشاطهم الرسولي في الموصل (مجلة بين النهرين العدد 91-92 لعام1995م ص 277). وفي عهد ايليا العاشر أيضاً انتشر وباء الطاعون في البلاد وأهلك عدداً كبيراً من الناس. أما وفاتُه فتمَّت في 4/ ك1 /عام 1722م، ودُفِن في دير الربّان هرمزد.

89 – البطريرك ايليا الحادي عشر 1722-1778م
كان البطريرك ايليا الحادي عشر قد أقيمَ ناطوراً لكُرسيِّ سلفه ايليا العاشر، وكان يُدعى ايشوعياب، وبحسب قول الأب بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 367-370 و394-395) بأَّنَّه بعد موت ايليا العاشر تولَى ايشوعياب الرئاسة البطريركية خلفاً له في 25/ ك1/ 1722م وهو في ربيعه الثاني والعشرين، وقد حظيَ ذلك بتأييد وجوه الطائفة النسطورية في الموصل والقوش، واتخذ اسم البطريرك ايليا الحادي عشر، تميَّز عهدُ بطريركيته بكونه أطول العهود في تاريخ الكنيسة حيث امتدَّ الى 56 عاماً، إتَّصف بالعنف تُجاه الكلدان في باكورة عهده، وبدعم من السلطات المدنية الحاكمة شَنَّ عليهم اضطهاداً ظالماً وقاسياً ولا سيما في الموصل، وكان مردودُ هذا الإضطهاد ايجابياً بالنسبة للكلدان، حيث كان عددُ المُنتمين من النساطرة الى الوحدة يزداد بشكل غزير ومُطَّرِد، فتنبَّه له البطريرك ودفع به الى إعادة النظر في خِططِه وممارساته.

ومن أجل ضمان بقاء الشعب تحت كنفه وطاعته يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 390-391) قام ايليا الحادي عشر يسلك طريقاً من شأنه أن يقوده الى الإتحاد مع روما، ففتح باب التفاوض مع المُرسلين اللاتين المتواجدين في بغداد وحلب، وأتبعه بمراسلة مجمع انتشار الإيمان، وقيل بأنَّ المُفاوضات كانت مُعقَّدة وطويلة. وفي الأخيرانتهى البطريرك في عام 1771م الى صياغة صورة ايمانه، وقام بتوقيعها هو وابن أخيه ايشوعياب المُقام ناطوراً لكُرسيِّه. ويبدو أن ايشوعياب كان ذا طموحات انتبهَ إليها عَمُّه البطريرك فأعفاه من منصب ناطور الكرسي، مستبدلاً إياه بابن أخيه الآخر يُدعى يوحنا هرمزد حيث رسمه كاهناً عام 1772م في دير الربّان هرمزد وهو فتىً يافعاً لم يتجاوز الإثني عشر عاماً. وبعد مرور أربعة أعوام، منحه الدرجة الأسقفية في 22/ أيار/ 1776م وأقامه مطراناً وعيَّنه ناطوراً للكُرسيِّ البطريركي الى جانب الأحقية بالخلافة!
ومن الذين اهتدوا الى الكثلكة في الموصل وأشهرهم في عهد البطريرك ايليا الحادي عشر كان القس خدِر بن هرمز المقدسي الموصلي بتأثير من اندراوس اسكندر القبرصي الماروني المُرسَل الى المشرق لغرض شراء الكتب القديمة ونقلِها الى الفاتيكان. كان القس خِدِر يسكن في محلة ايشوعياب، ولها رُسِم قسيساً وعُهِدَت إليه إدارة مدرستها وأدارها لمدة ثلاثين عاماً تقريباً، وتخرَّج على يده الكثير من التلاميذ الذين كانوا يأتونه من القرى التابعة للموصل وكركوك وبغداد وصاروا كهنة وشمامسة خدموا الكنيسة النسطورية. وكان من بين التلاميذ المتردِّدين الى مدرسته واحدٌ من أبناء شقيق البطريرك. وإنَّ قراءة القس خِدِر لكتاب "المرآة الجلية" تأليف البطريرك الكلداني يوسف الثاني آل معروف زوَّدته باستنارة كبيرة، وكذلك تأثّره الكبير بالمُرسَل الماروني الأب اسكندر المُشار إليه، فقد حثَّه للجَّهر بالمُعتقد الكاثوليكي، فباشر بتعليم تلاميذه حقائقَ ذلك الكتاب، فصَبَّ البطريرك ايليا الحادي عشر غضبه على خِدِر في البداية، وإذ لم ينفع الغضبُ معه، سعى الى ملاطفته، ولكنَّه فشل معه أيضاً، فعمد الى تخويفه والتهديد بسجنه، عندها دبَّرَ القس خِدِرأمرَه وفَرَّ الى روما عام 1725م، وهناك انكبَّ على الدراسة والتأليف. ومن نتاجاته "كتاب الترجمان" الذي أخرجه باللغتين الكلدانية والعربية، ونظم قصائد بالكلدانية والعربية امتدح فيها العذراء مريم والكنيسة الكاثوليكية والحبر الأعظم، كما وضع العديد من التعازي والمداريش. ترجم الى العربية كتاب"مدخل العبادة" تأليف القديس فرنسيس دي سالس، وأدركه المنونُ في روما عام 1755م. والى الجزء السادس والثلاثين قريباً.

90 – البطريرك ايليا الثاني عشر 1778-1804م
وفورَ وفاة البطريرك ايليا الحادي عشر برزَعلى ساحة الخلافة البطريركية خلافٌ حادٌّ بين إبنَي أخويه الطامحَين الى الرئاسة الكنسية العليا هما: ايشوعياب دِنحا والشاب يوحنا هرمزد البالغ آنذاك الثامن عشر عاماً. ولم يدع ايشوعياب أن تفوته الفرصة، فأسرع وأعلن عن انضمامِه الى الإتحاد الإيماني مع روما، وتبوّأ الكُرسيَّ البطريركي، ولاذ المُرسَلون الغربيون بالصمت غير مُبدين أيَّ نوع من الإعتراض، ومن جانبه يوحنا هرمزد أخلى ذاته من المنصب الذي كان من حقِّه شرعاً متنازلاً عنه لإبن عَمِّه ايشوعياب. فغدا ايشوعياب بطريركاً بلقب ايليا الثاني عشر ايشوعياب. ويظهرأن ايشوعياب هذا لم يكن صادقاً بإعلان انضمامِه الى الوحدة الإيمانية مع روما، بل كانت خدعة لإحتلال المنصب البطريركي، والدليل على ذلك تراجعه عن قراره وعودته الى مذهبه النسطوري القديم حال حصوله على الفرمان من السلطان العثماني.

وإزاء هذا الموقف الخياني لم يسكت وجهاء الموصل المسيحيون، فاجتمعوا وبدعم من الآباء المُرسَلين ومباركتهم، أقالوا ايشوعياب المُحتال من منصبه، وأجمعوا على انتخاب شمعون مطران ماردين للمنصب البطريركي، إلا أن شمعون اعتذر عن قبول المنصب بحجة عدم استعداده للقيام بأعبائه الخطيرة ومسؤولياته الضخمة في ظِلِّ تلك الظروف غير المؤاتية. فوقع اختيرُهم إذ ذاك على مطران الموصل الشاب يوحنا هرمزد. كان ليوحنا هرمزد ميلٌ مُبكِّرٌ نحو الكاثوليكية لم يستطع الإفصاح عنه في حياة عَمِّه البطريرك، وفي اليوم الثاني لوفاة عَمِّه وفيما كان إبن عَمِّه ايشوعياب يستعِدُّ للجلوس على الكُرسيِّ البطريركي، كان يوحنا هرمزد يُعلِن عن نبذه للنسطورية مع جمع غفير من مؤيديه وانضمامِه الى الوحدة الإيمانية مع روما. وهنا بدأ الآباء المُرسلون الذين كان لهم باع طويل في تبلور هذه المسألة، يحثُّونه ليُرسل صورة ايمانه الى مجمع انتشارالإيمان، وقد فعلَ مُرفِقاً معها رسالة مُضمِّناً إيّاها خضوعه للكُرسي الرسولي بشخص الحبرالأعظم. بيدَأنَّ الكُرسي الرسولي لم يعترف بعملية انتخابه بطريركاً جرت بدون معرفته بها، قام بها وجهاء الموصل مدعومين من السلطة المدنية الحاكمة. وبهذا الصدد بعث برسالة الى الأب رفائيل تركونسكي رئيس إرسالية الموصل مُعلِماً إياه فيها، بأنَّ صورة ايمان يوحنا هرمزد مُرضية، ومُعلناً بطلان انتخابه للمنصب البطريركي. ولكنَّ أعضاء مجمع انتشارالإيمان في اجتماعهم العام الذي عقدوه في 18/2/ 1783م التمسوا من الحبرالأعظم بيوس السادس تعيين يوحنا هرمزد رئيسَ اساقفة للموصل ومُدبِّراً لبطريركية بابل، فوافق الأب الأقدس، فمنح مجمع انتشارالإيمان يوحنا هرمزد جميع السلطات المطلوبة، باستثناء لقب البطريرك وما يترتب له من شارات.

في هذه الفترة شهدت حركة الإتحاد الإيماني مع روما زخماً من الإنتشارواسعاً في بغداد وفي الموصل والقرى التابعة لها، وظهر في ذات الوقت تياراران فكريان في الكنيسة الكلدانية ولا سيما في الموصل، يَختلفان في توجِّههما الليتورجي هما: التقدميون الذين ينشدون التغيير، حيث كانوا يسعون ليس الى إجراء التحديث على الطقوس والرُتب القديمة السائدة بل الى استئصالها، والإستعاضَةِ عنها بطقوس ورُتبٍ وعادات لاتينية غريبة، أما المحافظون فلم يكن يرغبون بتغيير طقوس ورُتب آبائهم وأجدادهم بل تحديثها بحيث لا تتعارض مع المعتقد القويم والإيمان الحق. وكان يتزعم التيار التقدُّمي آلُ بيت الحلبي والتيار المحافظ يتزعَّمُه الشماس كيوركيس الصائغ وأفراد عائلته. إن الشماس المذكوركان من مواليد الموصل في منتصف القرن الثامن عشر، ذا ثقافةٍ جيدة وتهذيبٍ حسنٍ، لم يبخل في بذل جهدٍ كبير لإستمالة البطريرك النسطوري ايليا الثاني عشر ودفعِه الى عقد الوحدة مع روما من خلال عمانوئيل مطران اللاتين في بغداد. وقيل بأنَّ للشماس كيوركيس هذا رسالة طريفة حرَّرَها عام 1783م ضمَّنها تنديداً شديداً بتيّار التقدُّميين، مُنحياً عليهم باللائمة بسبب ميلهم غيرالمُنظم الى الطقوس الغربية نابذين بعضاً من طقوس أسلافهم الأصلية القديمة، مُخالفين بذلك تشديد الكنيسة للحِفاظ عليها حِرصاً على ما يتوفر فيها من غِنىً روحيٍّ وفكر لاهوتيٍّ سامي. وقد سبَّبَت هذه الخلافات تأخيراً في مسار الإتحاد وحدَّت من سرعة انتشاره.

أزمة بين يوحنا هرمزد والمُرسَلين
وبالتنسيق مع المُرسَلين أبدى يوحنا هرمزد نشاطاً رسولياً كبيراً وباندفاع وغيرة، ناشراً الكثلكة عن طريق الوعظ والإرشاد، وكان مجمع انتشار الإيمان يُتابع جهوده من خلال ما يُزوِّدَه به المُرسَلون، حتى أنَّه فكَّر بمنحه بطريركية آمد "دياربكر" بعد استقالة البطريرك يوسف الرابع، رغبةً منه في توحيد كافة المنضمين الى الإتحاد الإيماني مع روما تحت سلطةٍ رئاسية واحدة. لكنَّ هذا الإجراء أفشلته الجماعة الكلدانية الكبرى في دياربكر، رافضة الخضوع لواحد من أبناء العائلة الأبوية، متهمة يوحنا هرمزد بأنَّ النسطورية معشعشة في داخله. وبعد مرورعقدٍ من الزمن طافت على السطح ازمة عكَّرت العلاقات بين المُرسَلين وبين يوحنا هرمزد، حيث راح المُرسَلون يتذمَّرون منه وينسبون إليه شتى التُهم، مثل قبوله الرشاوى حيث قالوا عنه بأنَّه حَلَّ راهباً من نذوره مقابل مبلغ من المال، وبعدم سماحه باختيار الحياة الرهبانية، وبمرافقته الباشا قبّاذ الى الحرب، وبمشاركته بوليمة العرس بعد احتفاله بمراسيم الزواج، وبزيارة العوائل منفرداً والكثيرمن المعايب الأخرى التافهة... وكان هو أيضاً بدوره يُوجِّه للمُرسَلين اللوم على تصرُّفاتهم الإستعلائية التسلُّطية، وبمنحِهم انواعاً مِن السماح الذي لا يُقِرُّه، ويحثّون البعض على تقديم اتهامات ضِدَّه الى مجمع انتشارالإيمان لقاء وعدِهم إياهم بالغفرانات الكاملة، وقد قام بدحض اتهامات المُرسَلين وطلب من مجمع انتشارالإيمان إرسال شخص نزيه لتقصّي الحقائق بهذا الشأن. وإزاء هذا التوتُّر القائم بين الجانبين، اضطرَّ المجمع الى إرسال الأب اولجانس الكرملي للقديسة مريم النائب الرسولي في بغداد زائراً رسولياً للكلدان. فتحرّى عن تلك الأمور في بطريركيتي بابل وآمد، وبعد انتهائه من مُهمته، أرسل الأب فولجانس تقريراً وافياً الى مجمع انتشار الإيمان، تضمَّن إشارة الى الروح الإستعلائية التي كانت تُساورالمُرسَلين لدى تعاملهم مع الأساقفة الشرقيين، كما أشار ايضاً الى وجود أخطاء في تصرّفات يوحنا هرمزد من النوع الذي نَوَّه إليه المُرسَلون في شكاواهم.

ولنأتي الآن الى رد فعل البطريرك ايليا الثاني عشرالمعزول "ايشوعياب بن دِنحا"، فإنَّه لم يستسلم للأمر الواقع ولم يُفرِّط بطموحه في العودة الى الرئاسة، فما إن سُحب البساط من تحت قدميه، حتى هرع واستجار باسماعيل باشا العمادية، ومن الجديربالذِكر بأن أبناء الأسرة الأبوية كانت تربطها علاقات وطيدة بباشاوات العمادية منذ زمن بعيد يستجيرون بهم عند المُلِمّات. فاحتضن اسماعيل باشا ايشوعياب المُستجير به، وعهد إليه إدارة الأبرشيات النسطورية الواقعة في المناطق الجبلية. ولكي يضمن ايشوعياب استمرار بقاء البطريركية بأبناء عشيرته، بادر الى رسم أحد أبناء أخيه يُدعى حنانيشوع مطراناً. ثمَّ بدأ وبدعم من الباشا اسماعيل بمناوئة إبن عَمِّه يوحنا هرمزد عن طريق التآمر والإيقاع به حتى تمكَّن من إلقائه بالسجن، وهناك تعرَّض للجلد عِدة مرات. ولكي تنجح محاولته لإستعادة ثقة المُرسَلين به ونيل تعاطفهم معه، أعلن عن نبذه للمذهب النسطوري، إلا أنَّ الآباء المُرسَلين يثقوا به. وحذا حذوه إبنُ اخيه حنانيشوع فنبذ النسطرة وأعلن انضمامَه الى المُعتقد الكاثوليكي عام 1795م بين يَدي النائب الرسولي الأب فولجانُس. بيدَ أنَّ حنانيشوع كان ذا طبع عنيف ومُشاغباً، مِمّا أفقداه ثقة الشعب به، وكذلك كان رأي الآباء المُرسَلين فأبلغوا مجمع انتشار الإيمان بانعدام وثوقهم بهذا المطران، فجاءَهم جواب روما برسالة في 22/ايلول/ 1801م تُعلِن فيها بأنها ليست على استعدادٍ لقبول هذا المطران في الكنيسة، إلا بعد أن يُبرهن بوضوح وبدلائل ملموسة عن توبته. ولكنَّ حنانيشوع لم يبالِ بما فرضه عليه المجمع المقدس بالرغم من تعهُّده بالخضوع للكرسي الرسولي، إذ قام في ذات السنة برسم القس بطرس شوريز مطراناً لسعرد. (بطرس شوريز كان إبنَ شقيق ميخائيل شوريز مطران ماردين، تمَّ استدعاؤه الى روما بعد الرسامة، ولم يُعترف بشرعية رسامته رغم البحث بها حتى عام 1810م. فعاد الى البلاد وأبدى نشاطاً ملحوظاً في نشر الكثلكة) أدرك الموتُ ايشوعياب عام 1804م، ودفن في مقبرة بدير الربان هرمزد (اثرٌقديم في العراق/ كوركيس عواد ج1 ص 41) وبعد تسع سنوات لحقه الى اللحد إبنُ اخيه حنانيشوع في عام 1813م.

وبعد كُلِّ ما جرى من أحدثٍ وصعوبات جاهد يوحنا هرمزد للحفاظ على علاقات جيدة مع الكُرسي الرسولي، إلا أنَّ أمراً طارئاً جَدَّ عام 1796م، كاد يعصف بتلك العلاقات معكِّراً صفاءَها، حيث قَدِم وفدٌ من ملَّبار الهند الى الموصل، وقدَّمَ التماساً الى يوحنا هرمزد ليُرسلَ لهم أساقفة كلداناً. فاستضاف يوحنا هرمزد القادمين الملّباريين، وطلب منهم انتظار التعليمات التي سأل روما بشأنها. ويبدو أنَّ التعليمات لم ترِده، فعزا سبباً لذلك احتلال الفرنسيين لإيطاليا وما يتعرَّض له الكُرسي الرسولي من اضطهادهم. وإذ طال انتظاره دون الوقوف على حقيقة الأمر، قرَّر اخيراً تلبية طلب الوفد الملَّباري، فرسم بولس بنداري الهندي مطراناً وأرسله بمعية كاهنين كلدانيين هما يوسف وهرمزد، فانضموا الى الوفد وسافروا الى بلادهم. وبعد وصولهم تمَّ إخبار روما في 17/ ك2/1797م بوصول مطران جديد إليهم، ويُحتمل بأنَّ روما رأت في ذلك عملاً مُخالفاً للقانون، بيدَأنَّ التبريرَالذي قدَّمه لها يوحنا هرمزد أقنعها وقبلت به، وعلى إثر ذلك عقد مجمع انتشار الإيمان اجتماعاً عاماً 23/9/1801 وقرَّر تلقيب يوحنا هرمزد "بطريرك بابل" كما يذكر الأنبا اسطيفان بلو (رهبانية القديس هرمزد والكنيسة الكلدانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر/ روما، 1939م ص 10... وعلى هذا الكتاب سنعتمد بمعلوماتنا في سردنا لأحداث هذه الفترة)
وإذ انتشرَالخبر، ثارت ثائرة خصوم يوحنا هرمزد، فقاموا ليس بتجديد الشكاوى المُقدَّمة ضِدَّه عام 1793م فحسب، بل تعدَّتها الى التشكيك في صدق ايمانه، مطالبين بعزله عن منصبه، ويلقون بذلك تأييداً من الآباء المُرسَلين لمطلبهم. ولتحقيق ما عزموا عليه انتدبوا عام 1802م كاهناً من تللسقف يُدعى يوحنا موشي للسفر الى روما ومتابعة موضوع عزله وعزل إبن شقيقِه المطران شمعون الذي نال الدرجة الأسقفية على يده في الخامس من ايار عام 1790م. (قتلت المطران شمعون عصابة كُردية قرب الزاب الكبير) ومن بين الإتهامات التي نُسبت الى يوحنا هرمزد: استيلاؤه على أموال الأديُرة، وايقافه الدعوات الرهبانية، وذلك قبل قيام الأب جبرائيل دنبو بتجديد الرهبانية الكلدانية الهرمزدية. إن القس يوحنا موشي توقَّف في صيدا ولم يستطع مواصلة السفر الى روما بسبب نفاذ المبلغ الذي كان بحوزته، فسلَّم رسائل مُنتَدِبيه المُوجَّهة الى مجمع انتشار الإيمان الى المُرسَل ليوبولد سبستيان الذي كان في طريقه الى روما، لقد أحدثت تلك الرسائل ردَّ فعل سلبي عنيف تُجاه يوحنا هرمزد الى الحد الذي أخذ مجمع انتشار الإيمان يتدارس مسألة رشقه بالحرم الكنسي منذ عام 1809م.
ولكنَّ أنصار يوحنا هرمزد لم يبقوا مُتفرجين دون حراك، فقد وجَّهوا رسالة الى مجمع انتشار الإيمان في 15/ ت1/1811م أظهروا فيها استياءَهم من تصرُّف المُرسَلين لنشرهم خبراً بأن راعيهم يوحنا قد عُزِل ورُشق بالحرم. وهكذا بدأت المُجابهة بين خصوم يوحنا ومؤيديه، وكُلٌّ من الفريقين يُدافع عن رأيه ومصالحه، وكانت مُرتبطة باعتبارات عِدة بعضها دينية واخرى مادية. ويبدو أن مُعارضي يوحنا سبقوا مؤيديه في استمالة باشا الموصل الى جانبهم، فالقى الباشا يوحنا في السجن مع عزمه على نفيه. ولدى اطلاع روما على الحدث تزعزعت ثقتُها بيوحنا، وحانت لها الفرصة لعزله وتعيين شخص آخر بدلاً منه. وبالفعل فقد أصدرت روما أمر تعيين المطران اوغسطين هندي في 4/ ت1/1812م قاصداً رسولياً لمنطقة كلدو، والقس كيوركيس يوحنا الألقوشي نائباً رسولياً للموصل. وقد لعب المُرسَلون دوراً مُسانداً للفئة الكاثوليكية المتضامنة مع إخوتها كلدان دياربكر المناوئين لعائلة آل ابونا. ولما كان مُعارضو يوحنا قد عزموا على استبداله حتى قبل صدور قرارات روما، عادوا الى تنفيذ عزمهم، وكان المُبادر والمؤثِّر لإتخاذ هذا الإجراء المُرسَل الأب رفائيل كمبانيل وبدعم من واليَي الموصل ودياربكر اللذين مارسا ضغطاً على المطران اوغسطين هندي، فقام هذا الأخير برسم الكاهن شمعون الصائغ الموصلي مطراناً لكُرسيِّ الموصل. إلا أنَّ هذه الخطوة وجدها مجمع انتشار الإيمان غير قانونية فشجبها وأنحى باللائمة على الأب رفائيل، كما أصدر أمراً الى اوغسطين هندي بإعادة القس شمعون الى الموصل بصفته كاهناً، وبعد عودة شمعون فاشلاً أدركه الموت عاجلاً عام 1816م.

يقول الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 133) وظلَّ يوحنا هرمزد في نظر مجمع انتشار الإيمان مطراناً بسيطاً على الموصل، مُعرَّضاً لمُناوئة واضطهاد إثنين من خصومه اللذين يعملان على إحباط جهوده للوصول الى البطريركية: هما إبن عمِّه بطريرك الجزء الكنسي النسطوري ايليا الثاني عشر، واوغسطين هندي مطران الجزء الكلداني الكاثوليكي في دياربكر الطامح الى جعل جميع الكلدان الكاثوليك تحت إدارته. ويُضيف المصدر أعلاه: وكان هذان الخصمان يقودان حملاتهما التشهيرية ضِدَّه بحذقٍ ومهارة، حتى وصل الأمرُ بالكُرسي الرسولي الى إصدار أمر يقضي بايقاف استخدام سلطته على أبرشية الموصل. ولكنَّ يوحنا هرمزد لم يقف مكتوف اليدين بل عاد الى ساحة المبارزة بقوة استمالة الباشاوات الى جانبه، وتمكَّن من الإنتقام من بعض مُساندي خصمَيه وزجِّهم في السجن، دون أن يُقلِّل من طاعته لروما. وهنا تعالت أصوات مُناوئي يوحنا هرمزد وأضافوا تهماً اخرى ضِدَّه وبعثوا بها الى المجمع المقدس مُلتمسينه لوضع حَدٍّ لتصرُّفات المطران يوحنا وإعادة السلام والنظام الى الكنيسة الكلدانية، عندذاك عقد مجمع انتشار الإيمان اجتماعاً عاماً في 15/2/1812م وقرَّرَ رشق يوحنا هرمزد بالحظر الكنسي، وبعث في اليوم التالي برسائل بهذا الصدد الى كُلٍّ من اوغسطين هندي والأب كمبانيل تتضمن تعيين المطران شمعون الصائغ نائباً رسولياً على الموصل والقس كيوركيس يوحنا الألقوشي لبطريركية بابل بدون لقب رسمي، على أن يخضعا لسلطة اوغسطين هندي الحامل لمهمة القاصد الرسولي لشؤون بطريركية بابل بكُلِّ مناطقها، ونُظِر الى هذه القرارات بأنها تحمل طابع التسرُّع ونوعاً من الإنحياز، وربما كانت إشارة الى رغبة المجمع المقدس بتسليم السلطة لبطريركيةٍ واحدة برئاسة ميترابوليط دياربكر.

وعندما قام القس كيوركيس الألقوشي بإبلاغ يوحنا هرمزد بهذا القرار، منع هذا الأخير إعلانهَ مُهدِّداً كُلَّ مَن يُخالف أمره باتخاذ إجراء صارم بحقِّه. غير أنَّ الأب رفائيل كمبائيل سرَّبَ الخبرَسِرّاً الى الكهنة ووجهاء الأمة الكلدانية، فانتشر بسرعة وأحدث ازمة جديدة بين الفريقين الغريمين وتفاقم خلافهما المُزمن، وما رجَّح كفة الفريق المناويء ليوحنا هو انضمام رهبان الأنبا جبرائيل دنبو إليه، فكان لذلك تأثير نفسي على يوحنا أشعره بالمهانة، فعدل عن المُجابهة ودعا خصومه الى القيام بالتفاوض عن طريق الحوار، فاستجابوا لندائه لأنَّ الجميع قد نالهم الملَل من استمرار تلك الإضطرابات والمشاحنات. وتمَّ الإتفاق بين الفريقين للإجماع في القوش في 20/2/1818 وكان عدد المشاركين بحدود المئة شخص من الكهنة ووجهاء الشعب. فأخذوا يتداولون بأمر المنع ويتحرون عن أسبابه، وبعد مراجعة وتحليل توصَّلوا الى نتيجة مفادُها بأنَّ مجمع انتشار الإيمان لم يكن قد حظر على يوحنا هرمزد رسامة أساقفةٍ لكراسي الأبرشيات الشاغرة، على أن يكونوا ذوي نزاهة ويُشهد لهم بالسلوك الحسن ولا يمتّون بصِلة قربى بعشيرة آل ابونا، وبسبب عدم خضوع يوحنا لهذه الأوامر تعرَّض لعقاب المجمع. ولذلك يترتَّب عليه أن يبادرالى تقديم خضوعه تحريرياً مصحوباً باستنكار كُلِّ ما بَدُر منه من تصرُّفات غير شرعية. وتعهَّد المُستشارون في الإجتماع بالتماس الحل ليوحنا من روما عن طريق تقديم طلب بهذا الصدد الى الحبر الأعظم والى المجمع المقدس. وتبنى المُجتمعون هذا القرار بالإجماع، وأرسلوا الوثائق الخاصة به الى اوغسطين هندي ليتولّى إرسالها الى روما، ولكنَّ ما لم يكن في الحسبان حدث للمُكلَّف المغولي بنقل هذه المستندات حيث تعرَّض للإغتيال في الطريق، ففقِدَ كُلُّ البريد الذي كان بحوزته.

إنَّ فقدان تلك الوثائق مَهَّد الطريق لتقريرالأب رفائيل كمبانيل المطوَّل حول الوضع الديني في بلاد الكلدان ليحظى بالتصديق من قبل مجمع انتشارالإيمان، وإذ كان التقريرُ يُلقي الكثير من اللوم على يوحنا هرمزد، ساهم في تأكيد ظن المجمع بأن يوحنا هرمزد لم يعبأ بقرار الحظر الصادر ضِدَّه، فبادر في 3/7/1818م الى تجديد ذلك القرار مُطالباً بتنفيذه الفوري. وفي الرسالة المُوجهة الى يوحنا هرمزد بتاريخ 10 تموز 1818م، تبيَّن بوضوح ما دفع المجمع الى تجديد القرار. إذ لو أنَّ تعهُّد الخضوع الموقع من يوحنا وطلب المؤمنين المقدم لطلب الحَلِّ له وصلا الى الكرسي الرسولي، ما كان لقرار المنع أن يصدر. وما إن أرسل اوغسطين هندي تلك الوثائق ثانية في 19/ ت1/1819م حتى تغيَّر رأيُ المجمع المقدَّس بيوحنا هرمزد، فكتب له يُخبره، بأن فرحاً عظيماً غمرَالمجمع بكافة أعضائه بوثيقة خضوعه الصادرة عن إرادته الصادقة، ويُسعِده استمرارُه ومثابرتُه على ذلك الإستعداد الطيِّب والمفرح، لحين استلامه الحل بشكل رسمي.

في تلك الفترة وبالتحديد في 2/ايار/1820م عُيِّنَ مطران لاتيني جديد لبغداد هو بطرس اسكندر كوبري من رهبانية الروح القدس، حاول هذا المطران جُهدَه ليحصل على حَلٍّ للمنع الذي رُشِق به يوحنا هرمزد، ووجَّه رسالة الى روما في 3/ ت1/1824م حول هذا الموضوع، مُطلعاً مجمع انتشار الإيمان، بأنَّ باشا الموصل والقس كيوركيس الألقوشي يرغبان بهذا الحل ويرجوانه، وإن صبر يوحنا قد نفذ من طول الإنتظار، وقد يعمد الى عدم التقيُّد بأوامر روما، وإن الباشا لن يتردد في دفع يوحنا الى الإستقالة بسبب تقدُّمِه في العُمر. فكان جواب المجمع بأنَّ موضوع حَلِّ يوحنا ذو أهمية لديه، وهو مقبل الى تسويته حال الإنتهاء من فحص صحة تعاليم يوحنا واستقامة نواياه وتصرُّفاته. فكان رَدُّ مطران اللاتين كوبري، بأن التُهم التي وُجِّهت الى يوحنا أمست قديمة لا يمكن أن تحول دون استعداده الحسن في الوقت الراهن والخضوع التام للبابا، ويظهر أن أقوال المطران اللاتيني لم تكن جِدِّية، بل فيها تُلاحَظ الإزدواجية حين يذكر برسالته بأن يوحنا إذا لم يحصل على الحل يُهدِّد بالتجاوز على اوامر البابا ويرسم كهنة واساقفة. أما اوغسطين هندي ففي رسالته يتهم يوحنا بأنه أجبر القس كيوركيس الألقوشي على حَلِّه، وإنَّه قد هدَّد رهبان دير الربّان هرمزد بالطرد ونهب الدير.

5 - البطريرك يوحنا هرمزد 1830-1838م
وقد قيل بأنَّ المطران اللاتيني كوبري إتخذ موقفه هذا من يوحنا بتأثيرمِن المُرسَلين الدومنيكان المناهضين ليوحنا، ولكنَّ هناك مَن كان موقفه بجانب يوحنا، هو المطران السرياني بشارة والآباء الكرمليون الذين اقتنع المطران اللاتيني بوجهة نظرهم، ووجد بأنَّ السبيل الأمثل لإحلال السلام واستتباب النظام في الكنيسة الكلدانية يكمن في إعادة الإعتبار الى يوحنا ورفع المنع عنه. ولكننا نرى الأنبا جبرائيل دنبو ورهبانَه يُعلنون عن معارضتهم لهذا الإجراء، ويدعمُهم في موقفهم هذا التاجر الكبير عبود في بغداد، وما إن توفيَ التاجر عبود عام 1827م حتى برز الخلاف ثانية. وبالنسبة الى الكُرسي الرسولي فقد إتَّصف تصرُّفُه بفيضٍ من الحكمة والرَوِية، وبميلٍ الى إعادة الإعتبارالى يوحنا هرمزد وحتى منحه لقب البطريرك، ولكنَّه كان يسعى الى ترويضه لئلا يُفكِّر مستقبلاً بالقيام بأيِّ عمل مؤذٍ، فاشترط عليه التنازل طوعاً عن مُهِمَّتيه كرئيس اساقفة الموصل والمدبِّر العام لبطريركية بابل. ولكنَّ المطران اللاتيني كوبري اهمل شرطي الكُرسي الرسولي وتصرَّف بحسب رؤيته الخاصة، حيث قدِم الى الموصل ودعا الى عقد اجتماع في 15/ ت2/ 1828م حضره الإكليروس والمؤمنون في كنيسة مسكنته، فمنح الحلّة رسمياً ليوحنا هرمزد ولم يُطالبه بتطبيق شرط الكُرسي الرسولي المنوَّه عنه أعلاه، بل ثبَّتَه مطراناً على الموصل بكامل الصلاحيات، وأعلنه بطريركاً أيضاً، وعلاوة على هذه المهام، عهد إليه إدارة أبرشية العمادية بصفة نائبٍ له! الأمر الذي لم يكن من صلاحيات المطران اللاتيني وإنَّما تدخُّلاً سافراً بما ليس له حَقٌّ فيه.

وكان يوحنا ينتظرعودة المطران بطرس كوبري الى بغداد، حتى يُبادر الى تصفية حسابه مع خصومِه، حيث بدأ يُعامل الأساقفة والرهبان بطريقةٍ تعسُّفية فعَمَّت المنطقة حالة من الإضطراب والفوضى، وإذ اطَّلع المطران كوبري على ما يجري أقرَّ بخيبة مسعاه. والغريب في الأمر أنَّه تجاهل كُلَّ ذلك، وسأل الكُرسي الرسولي أن يبعث الباليوم ليوحنا والأمر بتنصيبه رسمياً. وفي هذه الأثناء كان قد حلَّ في روما مُجدِّد الرهبانية الهرمزدية الكلدانية الأنبا جبرائيل دنبو لغرض الدفاع عن رهبانيته خوفاً من تعرُّضِها للخطر من قبل يوحنا، ومن المُحتمَل أنَّ المجمع المُقدس بتأثير مِنه، كتب الى المطران كوبري قائلاً له: وإن كنتَ قد حلَّيتَ يوحنا من الموانع التي كانت مفروضة عليه، إلا أنَّ المجمع المقدس غيرُ راغبٍ بتنصيبه بطريركاً، ما لم يُبرهن بدلائل واضحة مؤيدة بالأفعال على توبته، وبشرط أن يُعيد دير الربّان هرمزد الذي قد استولى عليه الى رهبانه. ولكنَّ الموت عاجل المطران كوبري عام 1829م بسبب الطاعون المتفشي في بغداد والذي اودى بحياة نصف سكانها، فلم يَرَ تحقيق شروط المجمع من قبل يوحنا. أما الأنبا جبرائيل دنبو فقد تعرَّض للإغتيال من قبل الأكراد عام 1830م.
ولما كان مطران دياربكراوغسطين هندي قد أدركه الموت عام 1827م، فلم يبقَ هناك منافس ليوحنا هرمزد على المنصب البطريركي. فكان الجوُّ ملائماً لأمين سرِّ المطران كوبري المتوفى الأب لوران تريوش ليواصل نَهجَه، فأتمَّ ما كان مزمعاً أن يفعله رئيسُه المطران كوبري، حيث تسلَّم الباليوم المُرسَل ليوحنا هرمزد وجري تنصيبه في بغداد في 5 تموز 1830م وهو في سِنِّ السبعين من عمره وقد أدركته الشيخوخة ودبَّ الوهنُ في قواه. فاستغلَّ لوران تريوش حالة البطريرك هذه وطلب منه أن يرسم صديقه كيوركيس بَرطليا الملقَّب دي ناتالي مطراناً ويُقيمه ناطور كُرسيِّه البطريركي، بينما يقول الأب يوسف تفنكجي (الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بالأمس واليوم ص 55 و 72) بأنَّ دي ناتالي اصبح رئيس اساقفة سعرد عام 1833م باسم بطرس وقد رُسم في روما عام 1830م. ولم يزل الأب تريوش ولا سيما بعد ترقيته الى رتبة المطران يُلِحُّ في إقناع البطريرك يوحنا هرمزد الذي كانت الشيخوخة قد هدَّته، بإسناد إدارة البطريركية الى المطران بطرس دي ناتالي ويتخلّى عن مهامها المتعبة. بيد أنَّ روما لم ترضَ عن هذا الطرح، فبادرت الى تعيين مطران سلاماس نيقولاوس زيعا المرسوم من قبل يوحنا هرمزد عام 1836م معاوناً بطريركياً مع حقِّه في الخلافة. وكما نوَّهنا فإن ما تعرَّضَ له البطريرك يوحنا هرمزد من صعوبات ومصائب وما عاناه من ضغط الإضطرابات والإنشقاقات، أنهك كيانه فأدركه الموت في 13 آب عام 1838م ببغداد في دار مطرانية اللاتين، وبموته اسدِل الستار على الرئاسة الأبوية، حيث كان آخر فردٍ من عائلة آل ابونا  تبوَّأ كرسيَّ الكنيسة الكلدانية بالتقليد الوراثي. دُفِن كاثوليكياً في الكنيسة الكبرى المشيَّدة في بغداد كنيسة ام الأحزان الكلدانية، اشترك في مراسيم دفنه إكليروس بغداد برُمَّته. والى الجزء السابع والثلاثين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 12/ 8 / 2015

36
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخامس والثلاثون
العودة لمواصلة الحديث عن البطاركة النساطرة من آل أبونا

84 - البطريرك ايليا السادس 1558-1591م
يقول عنه الكاردينال تيسيران في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص148-150) بأنه تولّى المنصب البطريركي تلقائياً بموجب قانون الوراثة حيث كان ناطور الكرسي على عهد عَمِّه شمعون السادس بَرماما ويُدعى يهبَلاها. عندما غُدِر بالشهيد يوحنان سولاقا عام 1555م شكَّلت الجماعات الكلدانية في دياربكر من نفسها دِرعاً قوياً للدفاع عن كُلِّ المناصرين للإتحاد الإيماني مع روما. وما إن انتقل البطريرك شمعون الثامن دِنحا "مطران جيلو وسلامس السابق المتكثلك" الى مقرِّه الجديد في سلامس/ايران، حتى تحرَّك كلدان دياربكر ورموا بكُلِّ ثقلهم على البطريرك النسطوري ايليا السادس بَرماما الجالس في ديرالربان هرمزد تحريضاً وتشجيعاً لإبرام الإتحاد الإيماني مع روما، فكان لهذا الجهد ردَّ فعل ايجابي لدى البطريرك، فبادر عام 1586م الى إرسال صورة ايمانه موقعة ومختومة بالختم البطريركي الى البابا بواسطة القس عبدالمسيح. بيد أنَّ البابا سكستس الخامس لم يعترف بذلك الإقرار الإيماني بسبب صُبغته النسطورية. والمخطوط الفاتيكاني العربي المرقم 141، ص 1- 14 يحتفظ بنسخة من ذلك الإقرار (شموئيل جميل ص 34 المقدمة ح 1). ومنذ اعتناق مطران جيلو وسعرد وسلامس المذهب الكاثوليكي وإقامته بطريركاً باسم شمعون التاسع دِنحا، استبدل بطاركة السلالة الأبوية تسمية شمعون بتسمية ايليا. والذي اشتهر في عهده من المؤلفين كان اسقف الجزيرة يوسف بقصيدته الطويلة حول حياة الرب يسوع المسيح الأرضية. توفي البطريرك ايليا السادس عام 1571م ودُفن في دير الربان هرمزد.

85 – البطريرك ايليا السابع 1591-1617م
تتحدَّث عنه المصادر التالية: الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 176 و178، 179-180 و235) وكوركيس عوّاد (أثر قديم في العراق/ ديرالربان هرمزد 1 ص 36) بأنه ايشوعياب بن فرج بن كوريال ناطور كرسي عَمِّه ايليا السادس، ارتقى السدة البطريركية بعد وفاة عمِّه عام 1571م تلقائياً بفضل قانون الوراثة الخاص بالعائلة الأبوية، وتُضيف المصادر بالقول بأنه كان يتَّصف بمناقب وخصال حميدة ويسعى الى الحقيقة، وعلى غِرار عَمِّه رغب بتوقيع عقد الإتحاد الإيماني مع كنيسة روما، وفي ذلك الوقت كان عدد كبير من الكلدان الباقين على النسطرة ينضمون الى الكثلكة حين يُغادرون بيئتهم القديمة. وقد ذكر حارس الأماكن المقدسة الأب مانيربا عام 1604م بأنَّ رهطاً كبيراً من الكلدان النساطرة نبذوا مذهبهم النسطوري بواسطته خلال الأعوام الثلاثة من تسلُّمه منصبه، ويُضيف مانيربا بأنَّ عدداً كبيراً منهم تعهَّدوا بأنهم سيسعون الى حَثِّ بطريركهم ليكتب في هذه السنة الى الحبر الأعظم بصدد قبوله في حظيرة الكنيسة الأم الجامعة. ومن أجل ذلك حَمَّل الربان آدم رئيس ديرالربان هرمزد المتأهِّب للسفر الى روما، رسالة بهذا الصدد لينقلها الى البابا بولس الخامس، وإذ طال مكوث آدم في روما جرى تبادل الرسائل بين البطريرك ايليا السابع والبابا بولس الخامس تناولت المعتقدات اللاهوتية وتفسيراتها، وكانت تُناقش في اجتماعات البطريرك وأساقفته ويطول النقاش بين المؤيدين والمناوئين، وأخيراً أسفر عنها اعتراف البطريرك بأن البابا هو الرئيس الأعلى للكنيسة الجامعة. وكان للكنيسة الكلدانية النسطورية معبد في كنيسة القيامة بمدينة القدس، أهداه البطريرك ايليا السابع للرهبان الفرنسيسكان. كانت مدة جلوس ايليا السابع على الكُرسي البطريركي ستة وعشرين عاماً حيث توفيَ في 26 ايار عام1617م على المذهب الكاثوليكي، ودُفِن في مقبرة البطاركة بدير الربّان هرمزد.

 ويذكر الأنبا ش. جميل في(كتاب العلاقات ص 100-108) بأنَّ رجلَين شرقيَين علمانيَين حَلاّ في روما عام 1606م، أحدُهما يُدعى كيوركيس والآخر يوحنا، إدَّعيا بأنهما مبعوثا الجاثاليق ايليا، وفي الطريق تعرَّضا لمضايقةٍ من اللصوص انتزعوا منهما الرسائل الموجَّهة الى البابا. لم تُساور البابا بولس الخامس الشكوكُ بادِّعائهما، بل رحَّب بهما وأنصت باهتمام بالغ الى حديثهما المُفصَّل عن أحوال الفئات النسطورية في المشرق. وما لبثا أن عادا الى المشرق مُحَمَّلَين بالهدايا للجاثاليق ومُزوَّدَين برسالة توجيه وإرشاد كتبها "مَرسِلّو فيستري" وترجمها الى الكلدانية واحدٌ من المارونيين في روما. يقول بطرس نصري عن هذين الرجلين (ذخيرة الأذهان ج2 ص 176-177) بأنهما كانا قادمَين من التيبت لزيارة ضريحَي مار بطرس ومار بولس، وكانا من ضمن الذين غسل البابا بولس الخامس أرجلهما في خميس الفصح، واستُعلِما عن أحوال الكلدان. وفي طريق العودة عَرَّجا نحو بلاد النهرين، والتقيا البطريرك ايليا السابع ورَوَيا له ما لقياه من إكرام وتقدير في روما، وسلَّماه هدايا البابا بولس الخامس وصورة ايمان لكي يُعمِّمَها على أبناء شعبه.

الربّان آدم مبعوث ايليا السابع
إن هذه المعطيات والوقائع زادت البطريرك ايليا السابع تشجيعاً، وبتأثيركبيرمن ايليا مطران دياربكرالكلداني الرائد في مجال إرشاد النساطرة للتحول الى المذهب الكاثوليكي، بادرالبطريرك في ربيع عام 1611م الى تكليف الربّان آدم رئيس كهنته ورئيس ديرالربان هرمزد بذات الوقت بالتأهِّب للسفر الى روما، وحمَّله ثمانِ وثائق بالكلدانية والعربية لينقلها الى البابا بولس الخامس، وقد نشر هوفمان مضمونها بلائحة واحدة في (الشؤون الشرقية المسيحية/ المجلد8 ص 298-303) ولا زالت محفوظة ضمن اضابير مجمع التفتيش في روما. وإذ طال مكوث آدم في روما جرى تبادل الرسائل بين البطريرك ايليا السابع والبابا بولس الخامس تناولت المعتقدات اللاهوتية وتفسيراتها، وكانت تُناقش في اجتماعات البطريرك وأساقفته ويطول النقاش بين المؤيدين والمناوئين، وأخيراً أسفر عنها اعتراف البطريرك والأساقفة بأن البابا هو الرئيس الأعلى للكنيسة الجامعة كُلِّها، وإنهم على استعداد للخضوع له، وعلى عَرض ايمانهم بشأن الثالوث والتجسُّد، وتقديم تفسير لتسميتهم مريم امَّ المسيح وليس ام الله. ومن ضمن ما رواه العلمانيان القادمان عام 1606م الى روما كموفَدَين من قبل البطريرك ايليا السابع، بأنَّ الرهبان الفرنسيسكان كانوا لا يمنعون الكلدان عن مشاركتهم الإعتراف والتناول ولكنهم كانوا في الأول يستجوبونهم عن ايمانهم، وقد صرَّح بذلك الأب مانيربا. وحتى آدم عند مروره باورشليم، قبله الرهبان الفرنسيسكان أن يُشاركهم التناول.
وُضعَ إقرار ايمان آدم عل المحّك من حيث الفحص والتدقيق، والوثائق تسلَّمها نائب مجمع التفتيش، وهو بدوره طلب الى بطرس ستروزي الإهتمام بتأمين كافة احتياجات الربّان آدم، فأحاط ستروزي آدم بعنايته وشمله بعطفٍ وتفهُّمٍ بالرغم من إطِّلاعِه على كُلِّ ما كان يجري من مناقشاتٍ بشأنه، وكتب تقريراً مُسهباً حول مهمته بعنوان "أعمال الوفد البابلي" وزُوِّدَ البابا بولس الخامس بنسخة منه، لا زالت محفوظة في المكتبة الفاتيكانية (مخطوط باربريني اللاتيني رقم 2690).

يقول القس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 177) طالت إقامة آدم في روما أكثر من المعتاد بكثير، لذلك لم تخلُ من متاعب ومنغصات، إذ لم يكن وحده في أداء المُهمة، حيث كان يُرافقه عِلمانيٌّ وراهبان. وهذا الوفد تمَّ إرسالُه الى روما عام 1607م، والراهبان هما هرمز واوشعنا والعِلماني خوشابا. تحدَّث الوفد عن حالة الكلدان بشيء من التفصيل حيث بَيَّن بأنَّ الكلدان يملكون 35 ديراً و25 أبرشية... ومن جملة المتاعب وقوع خلاف بين آدم وعضوَين من الوفد، حيث أنكرا عليه حصولَه لأيِّ تفويض من البطريرك، وإن الرسائل التي قدَّمها الى روما هي من تدبيره. وشهادات هذين المُتَّهِمَين لا زالت محفوظة في خزانة الفاتيكان، وقد كُتِبَت بخط يد أحد الشرقيين يُحتمل أن يكون مارونياً سبق أن قام بترجمة الوثائق الكلدانية. (مخطوط بربريني اللاتيني رقم 893 ص 226-233) ويبدو أنَّ هذا الكاتب يحمل كراهية عميقة لآدم خاصةً وللنساطرة عامةً. ولم يجد آدم تعاطفاً من قبل أيِّ عضو من أعضاء مجمع التفتيش، بل كادوا يطبقون عليه العقوبات التي تُفرض على المُرتدّين.
وفي 12 آذار عام 1614م أي قبل أربعة أيام من موعِد التوقيع على الرسائل التي كان سيأخذها آدم معه لدى رجوعه الى الشرق، وجد مفوض ديوان مجمع التفتيش في التقرير المُقدَّم من قبل آدم الأخطاء التالية:
أ – إنَّ نفوس القديسين قبل القيامة لا تُقبَل في السماء ولا ترى الله.
ب - إنَّ الإيمان والرجاء يبقيان عند الطوباويين.
ت – إنَّ القيامة لن تكون بجسدٍ ودم حقيقيَين، بل بجسدٍ هوائيٍّ.
ث – إنَّ حرية القديسين لن تستمرَّ بعد القيامة.
ج – إنَّ الملائكة القديسين لم يعرفوا سِرَّ الثالوث إلا بعد تجسُّد الكلمة.
ح – إنَّ سِرَّ ملكوت الله، المعروض في الإيمان، مطبوعٌ فينا مع تكوين الطبيعة.

ليس من السهل التمييز مدى الصحة في موقف آدم، ولا تبرئة ساحته من ممارسة الخداع، فقد دَلَّت الأمورُ التي جرت بعد رجوعه الى بلاد بين النهرين بأنَّ متَّهِميه كانوا على حَق. وبصرف النظر عمّأ جرى، فإن حسابات آدم كانت بغيرمحلِّها حيث اضطرَّ للإقامة بروما لأكثر من سنتين تطلَّبتها التدقيقات في مسائل الإيمان وكتابة مذكَّراتٍ بشأنها، الى جانب تلقّي دروس تثقيفية، فخاب أملُه بالرجوع الى بلاده بنهاية صيف 1613م، وكان تأثير ذلك ثقيلاً عليه جداً ألزمه الفراش لمدة ثلاثة أشهر يُعاني من المرض.(مخطوط باربيني اللاتيني رقم2690 ص 44). ولدى عودة آدم عُيِّن لمرافقته الى البطريرك راهبان يسوعيان هما: جيوفاني انطونيو مارييتي وبطرس ميتوشيتا  القبرصي من أصل ماروني، فوقع خلاف بينه وبينهما حول اختيارطريق العودة. المرافقان فضَّلا الإبحار الى مسينا، أما هو فكعادة الكلدان فضَّل السفر عن طريق البواخر البندقية، فتركاه في روما لإنجاز ما فرضه عليه مجمع التفتيش. وكان للكنيسة الكلدانية النسطورية معبد في الجزء الشمالي من كنيسة القيامة بمدينة القدس بالقرب من مُصلّى الفرنسيسكان، أهداه البطريرك ايليا للرهبان الفرنسيسكان. فتلبية لرغبة الجاثاليق الكلداني قام البابا بولس الخامس بإصدار براءة في 10 حزيران 1613م وأعيد تنقيحُها في 15 آذار 1614م، وأبلِغَ حارس الأراضي المقدَّسة بأن يُعيد المعبد الى الكلدان. أما البراءة الخاصة بالجاثاليق وبعد أن عُرضت نسختها الأصلية في 23 ايار1613م على الكاردينالين بلاّرمان وفرنسيسكو بوربون، فقد أرسلت الى الجاثاليق مع رسائل اخرى.

عودة آدم الى الوطن
وفي الثاني من حزيران عام 1614م غادر آدم روما يُرافقه المُرسَلان اليسوعيان في طريق العودة الى الشرق، ولم تُعرف تفاصيل هذه العودة سوى ما رواه المبعوثان. وجاء في (مخطوط بربريني اللاتيني رقم 5157 ص127-148) بأن نسخة من روايتهما عن تفاصيل سفر العودة محفوظة في مخطوط الخزانة الفاتيكانية. أما التي نشرها الأب "تورنبيز" فاعتمد على النسخة المحفوظة لدى جمعية الآباء اليسوعيين. انظر في (وثائق غير منشورة لمعرفة تاريخ المسيحية في الشرق 2/ انطوان رباط، 1921م، بيروت ص 421-428).
لم يكن آدم مُرتاحاً من المُرسَلَين اللذين كُلِّفا بمُرافقته، بل كان منزعجاً منهما، وما زاد من انزعاجه وتبرُّمِه هو طول السفر وكثرة مراحل التوقُّف في مسينا ومالطة وقبرص. تَمَّ وصولُهم الى قبرص في 21 كانون الثاني لعام 1615م، وإذ أراد آدم الذهاب الى لبنان واورشليم بموجب الإتفاق في روما، رفض المُرسَلان مرافقته، فاضطرَّ للسفر منفرداً، وفي حلب تلاقى ثلاثتُهم، واستأنفوا سفرهم في 8 حزيران 1615م قاصدين دياربكر، ولما لم يجد المُرسلان مطرانَها ايليا استاءا جداً حيث كانا يحملان إليه رسالة من الحبرالأعظم. وهناك سنحت الفرصة لآدم للإنتقام منهما، فاحتجزهما في غرفة ولم يُبالِ باحتجاجهما، وأخيراً قرأ على مسمعيهما رسالة إدَّعى أنها مُرسلة من الجاثاليق يأمرهما فيها بالعودة الى بلادهما. ولكنَّ المُرسَلين غافلا آدم وهربا ليلاً من دياربكر ووصلا الموصل والتقيا الجاثاليق ايليا السابع الذي فاجأهما بقوله بأنه لا يجد شيئاً يدعوه لتغيير ايمانه، وما إرسالُه لآدم الى روما إلا للتفاوض بشأن المعبد في اورشليم لا غير.

لم يَرُق للمُرسَلين اليسوعيَين كلام الجاثاليق المفاجيء لهما، فغادراه في 24 آب 1615م عائدَين الى دياربكر وهما يُعانيان مرارة الفشل، في حين كانا يحلُمان بحلاوة النجاح وهما يحملان رسالة الى الحبر الأعظم مع بعض الهدايا. ثمَّ انتقلا الى حلب وهناك علما بأن البطريرك موجود في المنطقة الغربية ويود الإلتقاء بهما، فعاد أحدُهما والتقاه في 17 تشرين الثاني لنفس العام بديرمارفثيون بين ماردين ودياربكر، وكان يرافقه آدم كمشارك في المفاوضات، فكانت النتيجة إصرار البطريرك على موقفه العقائدي النسطوري التزمتي، كما أنكر آدم أيَّ تغيير أجراه على ايمانه بروما ولم يَحرُم نسطوريوس دون قيد أوشرط. فعندما عاد مُرسَلا البابا بولس الخامس الى روما في 16 تشرين الثاني 1616م، أعلنا بأنَّهما لم يجدا عند ايليا الإستعداد اللازم لإتحادٍ حقيقي مع الكنيسة الرومانية كما لم يجدا بين كلدان دياربكر كاثوليكياً واحداً حقّاً (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ الترجمة العربية ص 120) إنَّ هذه الإنطباعات جاءت انعكاساً للظروف الصعبة التي خبراها في دياربكر، وانعدام الفهم الحقيقي لديهما لِما كان الكلدان المسيحيون يستعِدُّون له فيها. ثمَّ إنَّ انفتاح المسيحيين الشرقيين على المُرسلين الغربيين إبتدأ بالرهبان اللاتين، ولا سيما الفرنسيسكان منهم، وكانوا يُفضلون مجيئَهم الى بلادهم لإرشادهم وتثقيفهم، وربما كان الميل إليهم السبب في عدم تعاونهم مع الرهبان اليسوعيين.

نتائج السينودس
لقد ذكر تيسيران في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ الترجمة العربية ص 121) بأن مُرافقي آدم الشرقيين الذين تركوه وحده يُسافر الى اورشليم، مكثوا هم في حلب وبعد انقضاء الشتاء استعدوا للحج الى الأراضي المقدسة، وفي تلك الأثناء شَدَّ الرحال توما اوبيسيني دي نوفاري رئيس دير الفرنسيسكان قاصداً دياربكر. أما البطريرك ايليا السابع فما إن غادره المبعوث البابوي الذي أراد اللقاء به فالتقاه في دير مار فثيون، حتى استدعى أساقفته وعقد سينودساً برئاسته خلال أيام عيد الميلاد، وطلب بإلحاح الى توما دي نوفاري أن يحضر الى السينودس، لكنَّ توما أبى التدخل في شأن معهود به الى غيره وكان ينتظر إشارة من الحبر الأعظم. غيرأنَّ الأساقفة نفذ صبرُهم وانتابهم التذمُّر فهدَّدوا بالإنصراف والعودة الى مراكزهم الأبرشية. وإزاء هذا الموقف، لم يُجازف توما بإضاعة هذه الفرصة، فقرَّر حضور السينودس الذي انعقد من 1 – 26 آذار عام 1616م. وقُرئَت رسائل البابا والتعليمات التي جلبها الموفدان اليسوعيان، وقُريءَ أيضاً البحث اللاهوتي الذي كتبه آدم في روما، ونُشِرَت خلاصتُه في ستروزي بعنوان "عقائد الكلدان للأب آدم اركِذياقون القِلاّية البطريركية البابلية" روما 1617م. وفي تلك الفترة رُسم آدم اسقفاً على دياربكر باسم طيمثاوس. وقبل آباء هذا السينودس جميع الإجراءات التي تَمَّ إقرارُها في روما فيما يتعلَّق بالإيمان، وكتبوا رسالة الى البابا ووقَّعوها بأجمعهم وسلَّموها الى توما دي نوفاري لإيصالها بنفسه إليه. وحال وصول هذه الوثائق الى روما عام 1617م، قام بنشرها ستروزي المُهتم الكبير بشؤون الكلدان، وأعاد نشرَها الأنبا شموئيل جميل في (كتاب العلاقات ص 142-159 و 536).  ويقول الأنبا ش. جميل أيضاً في الموضع السابق (ص 144) ولم يفتأ الأساقفة من الإحتجاج المُلِح على المضايقات التي تُمارَس بحق طائفتهم في الهند من قبل محاكم التفتيش البرتغالية، مُطالبين البابا بالتدخل للحد منها. وفي (ص 150) يقول ش. جميل: بأن الكلدان كانوا مرتاحين جداً بمُفاوضاتهم مع توما دي نوفاري، وهو بدوره صَرَّح بأن الكلدان قبلوا كُلَّ ما تُعلِّمُه الكنيسة الرومانية بدون قيدٍ أوشرط.

ويُضيف تيسيران في (خلاصة تاريخية...ص122) لما عاد اليسوعيان مُرافقا آدم الى روما صوّبا سهام الطعن الى السينودس وأبديا بأنَّ الإقرار الإيماني الذي أعلن فيه ناقص. فبادر البابا بولس الخامس بتاريخ 29 حزيران 1617م الى إرسال رسالة جديدة الى البطريرك ايليا مُرفقة بها صورة الإيمان طالباً إعادتَها موقَّعة، واوعز الى توما دي نوفاري بحمل هذه الرسائل البابوية الى الشرق بدون تأخير، وحيث كان توما آنذاك في مصر، ولا بدَّ له من المرور بسوريا، فتعطَّل في حلب ولم يتسنَّ له السفر قبل 19 نيسان عام 1619م. وكان توما يحمل رسائل لجبرائيل مطران حصن كيفا ولإيليا مطران دياربكر السابق المنقول الى سعرد ولطيمثاوس آدم خلفِه على دياربكر. وقد تجنَّب توما المرور بدياربكر تحاشياً للإلتقاء بطيمثاوس هذا لأنَّه صار موضع ارتيابٍ والمجمع الذي ساهم فيه عام1616م، فضلاً عن معاملته الإنتقامية السيئة لمرافقَيه اليسوعيين، لكونه موغلاً بالتزمُّت للنسطرة. فكان وصول توما الى الموصل في 19 أيار، ثمَّ حَلَّ في دير الربّان هرمزد في 22 أيار 1619م . ولكنَّ الجالس على الكُرسي كان ايليا الثامن خلفاً لعمَّه ايليا السابع الذي توفيَ في 26 ايار عام1617م كما أسلفنا.

86 - البطريرك ايليا الثامن 1617-1660م
تذكر المصادر التالية: الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 190-191 و 192-193) وكوركيس عوّاد (أثر قديم في العراق/ دير مار هرمزد 1 ص 37)  بأن ايليا الثامن هو ايشوعياب ناطور كُرسي عَمِّه البطريرك ايليا السابع، وبعد وفاة عمِّه اعتلى الكُرسيَّ البطريركيَّ باسم البطريرك ايليا الثامن تلقائياً اعتماداً على القانون الوراثي. كان فاتراً في مُعتقدِه غيرَ ثابتٍ ولا متأكِّدٍ من كثوليكيته ولا نسطوريته. لم يجد فيه توما دي نوفاري ما كان يتوفَّر في عمِّه ايليا السابع من استعداداتٍ روحية وإرادية لقبول الحقيقة. استقبل ايليا الثامن المبعوث البابوي توما استقبالاً جيداً، وأخذه العجب لعدم سلوكه طريق دياربكر في المجيء لأنَّه الأسهل ولا سيما في الصيف. لم يتطرَّق توما دي نوفاري الى محادثاته في دير الربّان هرمزد ضمن ما دوَّنه عن مواصلاته. ولكنَّ صورة الإيمان التي ارسلها بولس الخامس أعيدَت إليه مُوَقَّعةً (كتاب العلاقات ص 164-187) وعلى الصفحة الثانية لختم البطريرك ايليا المثلَّث الأضلاع تظهر صورتان بالحبر الأحمر، أما ختم طيمثاوس باالكلدانية واللاتينية فيحمل في وسطه صليباً في أسفله مفتاحان مع كتابة لاتينية"مارطيمثاوس" وكلدانية"طيمثاوس مطران اورشليم". وتصدَّرَت التواقيع ملاحظة كتبها البطريرك بخط يده هي: "أما إسما تيودورس ونسطوريوس فلا يمكن رفعُهما أو إلغاؤهما من كُتُبِنا الشرقية" وقد تُرجمَت الملاحظة الى اللاتينية ووضعت على الصفحة الثانية. أما الأمور الأخرى فنقبلُها ونوَّقِّع عليها. (كتاب العلاقات ص186). ما أعظم الفرق بين مطارنةٍ متزمتين يقبلون كُلَّ الأمور الإيمانية القويمة ويرفضون حذف أسمي تيودورس ونسطوريوس من كُتُبهم الطقسية وقد نبذتهما كافة المجامع المسكونية، وبين المُهتدين على عهدي طيمثاوس مطران قبرص عام 1445م ويوحنا سولاقا عام 1552م الذين طالبوا بعدم تسميتهم نساطرة لأنهم كلدانيو الأصل، فنزلت الدوائر الفاتيكانية الرومانية من أعلى مستوياتها عند رغبتهم وأمرت بتسميتهم بإسمهم القومي الأصلي"كلداناً، فيا للمفارقة بين الفئتين. يقبلون كُلَّ مُعتقدات الكنيسة الرومانية الجامعة، ولكنهم يرفضون التخلِّيَ عن اسم نسطور الذي أصبح بمثابة إسمهم القومي "النساطرة".

يقول الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية الترجمة العربية...ص 123) في تموز عام 1629 زار البطريرك ايليا إثنان من الرهبان الفرنسيسكان فرانسيسكو كوارسمينو وتوما الميلاني وجرى الحديث عن المُعتقد والإيمان، وباسلوبٍ تزمُّتي وفكر تخلُّفي أدلى ايليا الثامن بتصريحات مناهضة للمعتقد الكاثوليكي دَلَّت على مدى بعده عنه، وما لبث أن ناقض نفسَه بنفسه حين قال: إنَّ ايمانه لا يختلف عن ايمان الرومانيين بل هو ذاته، وقد أرسِلَت صورة هذا الإيمان مراراً عِدة الى روما وكانت روما بدورها تؤيدها. وأبدى إصراراً أمام الراهبَين المذكورَين بقوله: إنَّ مريم ليست ام الله، بل هي مُجرَّد ام إنسان، وإنَّ هذا الإيمان الذي تشبَّثَ به أسلافُه البطاركة هو ايمان شعبه وسيظل كذلك، وهو على بساطته مستعِدٌّ للتضحية بكُلِّ شيءِ في سبيله، وأضاف ايليا: وإن كان البعضُ قد تحوَّلوا عنه فلم يكن ذلك إلا ظاهرياً، والذين نبذوه في روما إنما فعلوا ذلك شفهيا وليس قلبياً، حفاظاً على مصالحهم الشخصية، ولما عادوا الى بلادهم، عاشوا ايمانهم النسطوري مجدَّداً وماتوا عليه. فلا صحة لمزاعم البعض بأن هذا البطريرك المتلوِّن الوجوه والمتخلِّف بثقافته قد عاش ومات كاثوليكياً، وفشل مهمة الراهبَين الفرنسيسيَين معه عام 1629م تشهد على تخبُّطه الإيماني، بالرغم من أنَّ يوسف السمعاني يؤكِّد بأن ايليا الثامن بعث برسائل عديدة الى روما عن طريق الرهبان الكبوشيين الذين كانوا في دياربكر.
يقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 194) قضى البطريرك ايليا الثامن نَحبَه في 8 حزيران 1660م في الأحد الثاني من سابوع الرسل، مات نسطورياً والدليل على ذلك صورة ايمانه المنقوشة على قبره في دير الربّان هرمزد. فخلِفَه وراثياً إبنُ أخيه يوحنا مروكي وله من العمر خمسة عشر عاماً، واتَّخذ اسم ايليا التاسع. يذكر تيسيران (خلاصة تاريخية الترجمة العربية...ص 123) في 22/ ت2 1669م كتب رسالة الى البابا اقليميس التاسع حملت توقيعه وتواقيع ثلاثة من اساقفته، يُكرِّر فيها مطاليب سابقة منها: إنشاء مدرسةٍ في روما لتهذيب وتثقيف المُرشَّحين من الشباب الكلداني للكهنوت، وتخصيص مُصلَّى لطقسه في اورشليم. يقول الأنبا (ش.جميل ص 538-540) بأنَّ الكاهنَين بطرس ومرقس اللذين أوفدهما الى روما لمتابعة هذا المسعى، وقعا بأيدي القراصنة، فالتمس البطريرك ايليا التاسع من البابا مدَّ يد المساعدة لهما في مِحنتهما. فكانت مثل هذه الأحداث غير مشجِّعة لتثبيت علاقات ضرورية ومتواصلة لديمومة الوحدة.

وبعد مرور بضع سنواتٍ على هذه الرسالة، حدث أنَّ مطران دياربكر النسطوري ينبذ مذهبَه النسطوري رسمياً عام 1672م بتأثير من المُرسَلين الكبوشيين، فجُنَّ جنون البطريرك ايليا التاسع واتَّخذ منه موقفاً عدائياً صلباً وشَنَّ عليه اضطهاداً شديداً، وفي ذات الوقت تخلّى كلِّياً عن مسألة الإتحاد مع روما. وهكذا نرى بأن البطاركة الذين استقروا في دير الربّان هرمزد عادوا الى النسطرة ثانية واستمرّوا فيها حتى بداية القرن التاسع عشر.

من أسباب انسحاب البطاركة الشمعونيين من الإتحاد الإيماني مع روما: قوة الضغوط التي تعرَّضوا لها من داخل الطائفة النسطورية، الى جانب الظروف السياسية غير المؤاتية. ولشدَّة تزمُّت النساطرة بمذهبهم الذي تتمثَّل فيه القومية والدين معاً، كانوا يتوجسون خوفاً شديداً من أن اتحادهم مع كنيسة روما الكنيسة الجامعة سيكون خطراً على مُعتقدِهم المشرقي قد يصهر كيانهم ويُغيِّب قومية "امتهم النسطورية" التي كما قلنا تُختزل فيها بالنسبة إليهم القومية والمذهب، إذ لم يكن الإنكليز قد عثروا عليهم بعد، ليُنعموا عليهم بالقومية الآثورية التي لم تخطر في بالهم يوماً قبل مجيء الإنكليز الى ديارهم في المنطقة الجبلية التي تُدعى "هيكاري".
 
فبعد قطع شمعون الثالث عشر العلاقة مع روما وإقامته في قوجانُس، أصبح للطائفة النسطورية بطريركان الجالس منهم في قوجانُس والجالس في الموصل. والأمر الذي يدعو للإستغراب بأن البطاركة الشمعونيين أتباع يوحنان سولاقا المُرتدّين الى النسطرة هم الذين أعادوا العمل بقانون توريث المنصب البطريركي، بينما بطاركة الموصل الإيلاويين نبذوا ذلك القانون واتبعوا نظام الإنتخاب. وظلَّ البطريركان النسطوريان يتنافسان للتقرُّب من روما، وأجريا العديد من المُحاولات في هذا السبيل وكُلٌّ منهما على انفراد. لا نستطيع الجزم بعدم نزاهة المُحاولات، ولكنَّ جهل الإكليروس النسطوري عموماً من أعلى مستوياته الى أدناها بالعلوم الدينية وخاصة اللاهوتية منها والعقائدية، الى جانب العصبية القبلية المتحكِّمة بالشعب الإنعزالي، احبطت هذه المُحاولات. فكان الذين ثبتوا على المذهب الكاثوليكي من الإكليروس والعلمانيين هم الذين تثقَّفوا دينياً على المُرسَلين الغربيين. وعلى العكس فإنَّ النساطرة الإنعزاليين المُنزوين في المناطق الجبلية الوعرة العاصية المعدومة من السلطة الفعلية، فضلاً عن أنَّ الوصول إليها يتطلَّب إمكانيات مادية كبيرة، ظلَّت متقوقعة في نسطرتها تدور في دائرة الإنعزال والجهل تحت الحكم العشائري الذي يُمثِّلُه البطاركة الشمعونيون المُرتدون عن الخط السولاقي. ولذلك كان المدُّ الوحدوي يجد طريقه بسهولة في المناطق السهلية، كسهل الموصل، وادي دجلة، منطقة سلماس وسواحل بحيرة اورميا. وبدأ البطاركة الإيلاويين بالإنضمام الى الوحدة مع روما بتأثير احتكاكهم بالمُرسَلين الغربيين في دياربكر والموصل.

وفي معرض الحديث عن البطريرك ايليا التاسع مروكي، قلنا بأنه كان من عائلة البطريرك ايليا الثامن والأقرب إليه، ولذلك أقيم ناطوراً لكُرسيِّه، فلدى وفاة الأخيرعام 1660م خلفه وراثياً في ذات السنة وهو في الخامسة عشر من عُمره باسم البطريرك ايليا التاسع. ولما كانت العلاقات بين روما وخلفاء البطريرك سولاقا الشمعونيين تمُرُّ في مرحلة البرود بعد شمعون التاسع دنحا تحرَّكت روما نحو مُنافسيهم البطاركة الإيلاويين لكسبهم، حيث جاء في سجل (تاريخ أحداث الكرمليين في بلاد فارس ، لندن، 1939 المجلد 1 ص 391) بأنَّ روما أوعزت الى الأب دينِس الكرملي والقس يوسف الملفان عام 1653م ليُقابلا ايليا الثامن ويحُثّانه للإنضمام الى الكنيسة الكاثوليكية الجامعة، فكان موقفه عنادياً بعيداً جداً عن الإتحاد مع الكرسي الرسولي، ولم يختلف عن موقفه الذي أبداه للراهبين الفرنسيسكانيين فرانسيسكو كوارسمينو وتوما الميلاني عام 1629م، ولكنَّ ارجديل كنك في (طقوس المسيحية الشرقية المجلد2 ص 284) يقول بأنه في عام 1657م أبدى ايليا الثامن رغبته في الإتحاد مع الكنيسة الجامعة مُقابل حصوله على كنيسةٍ في روما، وإعادة صورة ايمانه بدون أيِّ تعديل. والى الجزء السادس والثلاثين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 5 / 8 / 2015

37
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الثانية عشرة والأخيرة
ونُواصلُ نقل ما سطَّرَه مار اسرائيل اودو مطران ماردين الكلداني أيام الإضطهاد العثماني عام 1915م في كتابه المنوَّه عنه في اولى هذه الحلقات وبتصرُّفٍ صياغي كالعادة بدون المساس بالمضمون، فقد روى في (الصفحات 140 – 150) ما يلي:
مُصادرة مراكز اسقفيات الطواف المسيحية وكنائسها ومدارسها
باستثناء ما لليعاقبة منها.
بعد مرور ثلاثة أشهر على وفاة السعيد الذكر مار سليمان صبّاغ مطران آمد، قامت السلطات التركية الغاشمة في شهر شباط لعام 1924م بوضع اليد على كنائس ومدارس ومقرّات الأسقفيات العائدة للأرمن الكاثوليك والأرثوذكس والكلدان والسريان الكاثوليك والبروتستانت وقد اُستُثنِيَت تلك العائدة للمونوفيزيين اليعاقبة. وبعد الإستيلاء طُردَ الكهنة من الكنائس والأطفال من المدارس. فاضطرَّ أبناء كُلِّ طائفة من الطوائف المار ذِكرُها الإجتماع لدى كاهنهم أيام الآحاد والأعياد للتعلم وتأدية الصلوات والإشتراك في القداس في بيت الكاهن. وفي هذا الزمن ذاته طرَدَت السلطات التركية جميع مسيحيي الرُّها من دورهم وأُبعِدوا الى خارج الحدود وكذلك فعلت مع مسيحيي آمد حيث أُجبِروا لترك مدينتهم  وكُلِّ مقتنياتهم من مال وذهب، وبسبب هذا الطرد القسري تقلَّصَ عددُ مسيحيي آمد ولم يبقَ منهم إلا بحدود 30 بيتاً من الكلدان و12 بيتاً من الأرمن الكاثوليك و150 بيتاً من الأرمن الأرثوذكس و13بيتاً من السريان الكثوليك، أما المونوفيزيين اليعاقبة فبقي عددُهم على حاله 120 بيتاً. وللتاريخ فإنَّ السلطات التركية في عام 1948م اعادت للكلدان كنيستهم في آمد والأوقاف التابعة لهم.
الإنتقام الإلهي من أهالي ماردين الظالمين
لِشِدَّة قساوتِهم في اضطهاد المسيحيين.
في شهر شباط لعام 1925م حدثت فوضى في مدينة أرغاني التابعة لمقاطعة تبليس نتيجة قيام أحدِ أغـوات الأكراد المدعـو سعيد بقيادة حركةٍ تمرُّدية ضِدَّ السلطات التركية الحاكمة في أنقرة جامعاً الى جانبه العديد من الأغوات ورجالهم. حاول قادة التمَرُّد السيطرة على مدينة دياربكر "آمد" في البداية لجعلها عاصمة لدولتهم الكردية ثمَّ السيطرة على المدن والقرى التي تسكنها الغالبية الكردية. أزعجت هذه الحركة الحكّام في انقرة، فأسرعوا بتجهيز جيش كبير لقمعِها، فلاحق الجيش ما سُمّوا بالمتمردين واستطاع بعد شهرين من القتال أن يعتقل سعيد والأغوات المُوالين له وتمَّ ايداعهم بسجن آمد، ثمَّ قُدِّموا ليُحاكموا أمام محكمةٍ عرفية، وأخذت مرافعات المحكمة مدة شهرين حيث صدر أخيراً الحُكم بالإعدام شنقاً في حقِّ سعيد ورفاقه البالغ عددُهم 47 فرداً الغالبية منهم رجال دين. في صباح يوم الأحد 28 / 6 / 1925م أُخرِجوا الى خارج المدينة مربوطي الرقاب بالحبال وقد أُعِدَّت لهم سبعاً وأربعين مشنقة في ساحةٍ عامة، وجرى إعدامُهم واحداً مواجهاً للآخر، وكان جمهور المتفرجين كبيراً وفرحاً بمُشاهدة هؤلاء المُجرمين ينالون جزاءَهم ، ومن الجدير بالـذِكر بأنَّ أكراداً كـثيرين من المُوالين لسعيد أغا كانوا يُعدَمون كُلَّ يوم قبل إعدام زعماء التمرُّد السبعة والأربعين. ومن الذين وقفنا على أسمائهم كانوا كُلاًّ من: سيِّد عبد القادر كيلاني وابنه، اعتُقلا في اسطنبوا وجُلبا الى دياربكر حيث حُكِم عليهما بالإعدام شنقاً وأثعدِما. كان سيد عبد القادر كيلاني رجلاً مشهوراً حيث كان يشغل رئاسة مجلس السلطان في عهد الدولة العثمانية قبيل تأسيس الجمهورية. لقد تَمَّ القضاءُ على التمَرُّد الكردي في فترة قصيرة، فاستتبَّ الأمن للجميع وبخاصةٍ للمسيحيين، إذ لو نجح سعيد وزبانيته في إقامة دولة كُردية فإن استئصال البقية الباقية من المسيحيين من جذورهم لكان في مُقدِّمة مهامهمكما صرَّح الكثيرون بذلك.
القس بنيامين المُرجي
في 8/8/1925م جيءَ بكاهنٍ كلدانيٍّ الى ماردين يُدعى بنيامين من قرية مركَا التابعة لأبرشية زاخو ونوهدرا بعد تمضيتِه في سِجن مدينة الجزيرة شهرين ونصف الشهر، وقـبَعَ في سجن ماردين 12 يوماً. تلقَّى خِـلالها اهـتماماً منا بتـزويده بالـطعام والكِسوة. وبعد ثلاثة أسابيع من وصوله الى ماردين أُرسِلَ الى آمد. فزوَّدناه بمبلغٍ من المال ليستعين به  في شِدَّته. وفي فترة مكوثه في سجن آمد التي امتدَّت أربعة أشهر، كان وكيلُنا في آمد القس سليمان كوجك اوسطا يُرسِل له الطعام يومياً، وبعد قضائه هذه المدة نُقل الى خرفوط وسُجن فيها أيضاً، وبين كُلِّ حين وآخركان يؤخذ للإستجواب في المحكمة، واستمرَّ بقاؤه على هذه الحال لمدة ثلاثة أشهر، حيث أُطلِقَ سراحُه لعدم إثبات شيءٍ ضِدَّه، فقدِمَ إلينا مسروراً متعافياً. وبعد مكوثه عندنا لمدة 19 يوماً، قرَّرَ العودة الى قريته "مركَا" وفي طريق العودة اعترضه قطاع الطرق من الأعراب في موقع ما بين نصيبين وجزيرة ابن عمر فقتلوه وذلك في 4/4/1926م. فلتغمره رحمة الله . كان هذا الكاهن المغدور متزوجاً، ورغم إلحاحنا عليه بالبقاء عندنا مدة أطول حتى يستتِبَّ الأمن عند التنقل على الطرق، لكنَّه  لم يرغب بالبقاء، وكأنَّه كان على موعِد مع الموت، فبعد نجاته من بطش الأسود لم يسلم من فتك الذئاب.
أرمن آمد وضواحيها
في بداية الحرب العالمية الأولى كان عددُ الأرمن الأرثوذكس في آمد يبلغ  حوالي عشرين الف نفس ينتسبون الى ما يقرب من 3500 عائلة، لهم كنيستان داخل المدينة، إحداهما كبيرة وواسعة مُشيَّدة على اسم الشهيد مار قرياقوس، وفيها مقرُّ كُرسيِّ مطرانهم، ينتصب على أحد أجنحتها برجٌ شاهق للناقوس مبنيٌّ من الحجارة السوداء. تعرَّضَ للهدم أثناء المجزرة التي أرتُكِبَت بحقِّ الأرمن عام 1895م. ولكنّ البرجَ أُعيد بناؤه بارتفاع أعلى من الأول وبتصميم رائع الجمال يحتوي على ناقوسَين كبيرَين، ويُتوِّج البُرجَ صليبٌ كبيرٌ مطليٌّ بالذهب، وتعرَّضَ هو الثاني للهدم في عام الإضطهاد العام 1915م ولم يُكتب له التجديد، إذ استولى الجيش العثماني على الكنيسة ومقر الأسقفية وحوَّلهما الى مقرٍّ له. أما الكنيسة الثانية التي تحمل اسم ماركوركيس هُدِمَت هي الأخرى وسُوِّيَت بالأرض، واستوليَ على مدارسهم بنوعيها الخاصة بالبنين والخاصة بالبنات.
في أوائل أيار عام 1915م تمَّ إلقاء القبض على مطرانهم المدعو "مار مكرذايج" ارضرومِيِّ الأصل، وكهنتهم السبعة الآمديين ووجهائهم واُلقوا جميعاً في السجن وأُلحق بهم عددٌ من وجهاء الطوائف المسيحية الأخرى من الكلدان والروم والأرمن الكاثوليك  والسريان. بلغ عددُ السجناء الإجمالي  650 شخصاً غالبيتهم من الأرمن.  بدأوا بقتل مطران الأرمن مارمكرذايج حيث أوقفوه في وسط باحة السجن وصَبّوا عليه زيت النفط  وأُحرقَ وهو حيٌّ وأمام مرأى السجناء جميعاً. أما السجناء الآخرون  فأخرجوهم ليلاً واقتادوهم نحو نهر دجلة وحشروهم داخل الأكلاك واتجهوا بهم نحو الموصل. ولكن بعد مخرهم بهم زهاء ساعةٍ وصلوا بهم الى مكان من ضفاف دجلة تكثر فيه كهوف كثيرة وكبيرة، فأنزلوهم الى البر حيث كان بانتظارهم حشدٌ كبير من الأكراد المدجَّجين بالسلاح حسب امر تلقوه مسبقاً. فقاموا بتجريدهم من ملابسهم وأجهزوا عليهم جميعاً، وكَوَّموا جثثهم أكداساً في تلك الكهوف وعاد الرعاع منتشين بالفعل الإجرامي الذي ارتكبوه بحقِّ اولئك الأبرياء. ولم تقف هذه المجازر حيث كان السفاحون يجمعون الرجال افواجاً ويفتادونهم الى القفر ويقضون عليهم حتى لم يبقَ منهم إلا بعض مَن أخبأهم أصدقاؤهم المسلمون.  لقد أُذيقَ السجناء الأرمن أبشع أصناف العذاب قبل قتلهم، فمنهم من فقأوا عيونهم ومن قلعوا اسنانهم وغير ذلك من أشكال التعـذيب المقزز . وعن طريق الصدفة  شاهد كاهن فاضل سلالاً عديدة مليئة  من الأسنان والأضراس والعيون فكان يرتعد فزعا من هول ما رأى وهو يروي لنا ذلك.
في  شهر حزيران لعام الإضطهاد العام 1915م وبعد قضاء المُضطَهِدون القتلة على الأغلبية الساحقة من الرجال المسيحيين بادروا باعتقال النساء المسيحيات مُخرجينهنَّ من بيوتهنَّ مع أبنائهنَّ وبناتهنَّ وحَشرهِنَّ في عربات نقل، توجَّهت بغالبيتهنَّ نحو ماردين. وفي الطريق بدأ الأكرادُ المتوحشون بانتزاع أمتعة تلك النساء المنكودات وخطف أطفالهن وفتياتهنَّ الجميلات. وما إن وصِلَت القافـلة على مقربة من ماردين حتى خرج  مسلمو المدينة كباراً وصغاراً أثرياء وفـقراء وانحشروا بين تلك النساء التعيسات، وقاموا بانـتقاء ما يروق لهم  من النساء الشابات والفتيات الحسناوات والأطـفال الذين لم تطَـلهم أيادي المُجرمين الأكراد أثناء الطريق. والى جانب ذلك قاموا  بانتزاع ما قد تبقَّى لهنَّ من مقتنيات وحتى الملابس التي كانوا يرتدونهنَّ خلعوها من أجسادهنَّ واقتسموها بينهم، وذهب الرُعاع الى أكثر من ذلك حيث قاموا بالنبش في ثنايا شعر رؤوس تلك النساء ويأخذوا ما يجدونه من مال وذهبٍ وفضة وغير ذلك من المصوَّغات ومهما كانت قليلة. ثمَّ اقتاد القتلة ما تبقَّى من تلك النساء اللائي سلمن من الخطف وذهبوا بهنَّ الى مدينة دارا، وهناك قُتِلن بأسرهنَّ ورُمِيَت جثثُهنَّ في بئر، وتكرَّرَت هذه العملية حتى أتوا على الأغلبية الساحقة من النساء المسيحيات.
وبعد خمسة أشهر من هذه الحوادث المأساوية المحزنة، بدأ في شهر تشرين الثاني عنفُ الإضطهاد المنظم يَنحسِرُ حيث لم يبقَ هنالك إلا مساكن فارغة من أصحابها ودور مهجورة بسبب ضياع أهاليها وقصور خالية من أربابها، ولم ينجُ من الموت من مجموع الآلاف من العوائل إلا ما يقرُب من أرعمائة عائلة، ساهم في حفظ حياتهم أصدقاؤهم من المُسلِمين حيث تحفَّظوا عليهم في بيوتهم. ولم يلبث هؤلاء الناجون أن شَدّوا الرحال عام 1918م متوجِّهين نحو سوريا باستثناء جماعةٍ قليلة كانت وجهتُهم نحو العراق.  ومن مجموع أرمن آمد وضواحيها لم يبقَ سوى ثلاثين عائلة ومعظمها من أرمن القرى المحيطة بآمد وهي كُلٌّ مِن:
قرية كلبية : كانت فيها كنيسة لا كاهن لها، يسكنها نحو عشرين عائلة، تعرَّضَ عددٌ منهم للقتل وفرَّ الباقون الى آمد وسكنوا فيها.
قرية صاتية : كانت فيها كنيسة مشيَّدة على اسم الصليب، تعداد عوائلها نحو ستين عائلة، يقوم بتقديم الخدمات الروحية لهم كاهن واحد، تعرَّضوا للذبح بأسرهم ولم ينجُ منهم أيُّ فرد.
أما القرى التالية: اوراتلّـي،  طاوا اوقلي،  أرسالان اوغلي،  قره خاليسه،  كاوورا ئفيك،  جرنيخ،  وقطرابيل، لم يكن لأيٍّ من هذه القرى لا كنيسة ولا كاهن، تعرَّضَ للقتل جميعُهم، وكان مجموع عوائل هذه القرى اربعمائة وإثنتَي عائلة.
أرمن آمد الكاثوليك وسريانها الكاثوليك
في عام الإضطهاد 1915م كان يبلغ عدد عوائل الأرمن الكاثوليك في آمد "دياربكر" بما يربو على مئتين وخمسين عائلة. لهم كنيسة واحدة مُشيَّدة على اسم القديس غريغوريوس النوراني (عاش هذا القديس في القرن الرابع، وعلى يده تنصَّرَ الأرمن، بعد ذبول زرع البشارة الذي زرعه الرسول برتلماؤس في أرمينيا). وكان لديهم في آمد مركز اسقفي كان الجاس على كُرسيِّه آنذاك "ماراندرياس جلبيان" يُساعِدُه كاهن واحد هو القس اوسيب أميرخان، وكانت لهم مدرستان إحدى للبنين وأخرى للبنات. وكما تقدَّمَ بنا ذِكرُه عن قتل جميع الرجال المسيحيين في شهر أيار 1915م والنساء والبنين والبنات في شهر حزيران لنفس السنة ولم ينجُ منهم سوى قرابة  خمسين عائلة ارتحلت عام 1918م الى سوريا والعراق والعض الى اميركا. ولم يبقَ في آمد من الأرمن بعد ذلك إلا عشر عوائل.  اقتيد مطرانهم المذكور أعلاه الى خارج آمد من ناحيتها الغربية، حيث قُضيَ عليه رجماً بالحجارة، أما كاهنهم اوسيب اميرخان فقد خبأه صديق له مسلم وعاش حتى نيسان 1929م حيث وُجِد مشنوقاً في داره وقد نُهِبَت كُلُّ ممتلكاته. وكانت للأرمن الكاثوليك كنيسة في منطقة حنكوش مشيَّدة على اسم البتول يخدم فيها عوائلها البالغ عددُهم ستون عائلة كاهن واحد يُدعى أرتاوين، وفي تموز 1929م  قام السفاحون بقتل جميع تلك العوائل بما فيها كاهنها، وبعد نهبهم لمحتويات كنيستهم، هُدِمت وسوِّيَت بالأرض.
كان للسريان الكاثوليك  كنيسة  جميلة واحدة  في آمد مُشيَّـدة حديثاً على اسم الرسولَين  بطرس وبولس، كما كان لهم  دار ٌ اسقفية  يجلس على كُرسيِّها مطران  مُسِنٌّ آمديُّ المولد، انت قل الى رحمة ربِّه  في شهر آب 1914م أي مع بداية الحرب العالمية الأولى ودُفِـن في المقبرة العامة  خارج المدينة. وكان للأسقف كاهنان معاونان هُما  القس بولس مازجي والقس صليبا حداد، وكان الأخير أرثوذكسياً تحوَّل الى الكثلكة. كان عددُ عوائلهم يبلُغ 110 عائلة، قُتِلَ وجهاؤهم في أيار 1915م ضِمن وجهاء الطوائف المسيحية الأخرى كما مَرَّ ذِكرُهم، وأغلبُهم  جرى قتلُهم مع الأرمن، وتمَّ الإستيلاءُ على كنيستهم ومَن لم يطله القتل هرب الى سوريا، ولم يبقَ منهم في آمد سوى إثني عشر عائلة.
يعاقبة آمد وضواحيها
كان لهؤلاء اليعاقبة كنيستان متجاورتان في آمد، إحداهما مُشيَّدة على اسم البتول مريم، والثانية على اسم يعقوب السروجي، تجمع بينهما ساحة مُشتركة. ولهم مركز اسقفي، كان عددُ جماعتهم يربو على الثلاثمائة عائلة يُقدِّم لهم الخدمات الكنسية كاهنان هما القس بشارة والقس آسِيّا الراهب. لم يقتَل منهم سوى خمسةٍ وثلاثين رجلاً في الحملة الأولى التي قُتِل فيها العدد الكبير من وجهاء الأرمن وبقية الطوائف الأخرى في أيا 1915م. أما نساؤهم وبقية رجالهم فلم يتعرَّضوا للأذى ماعدا الذين ذكرناهم وهم خمسة وثلاثون رجلاً وذلك منذ إعلان الإضطهاد الغاشم وحتى وقفِه. إلا أنَّ غالبيتهم شَدَّت الرحال الى سوريا تدريجياً، وتوجَّهَ البعضُ منهم الى أميركا حتى أن الباقين منهم غدا أقلَّ من مائة عائلة.  في عام 1916م عُيِّن لهم اسقف رُهوي يُدعى عبد النور. تمَّ  الإستيلاء على مدرسة البنين الكائنة داخل كنيستهم  وجُعِلت مدرسة عامة بأمر السلطات بِوُسع مَن يشاء الإنتماء إليها.
قرية الكعبية : تقع الى الجنوب الشرقي لمدينة آمد، كنيستُها مشيَّدة على اسم الشهيد قرياقوس، يبلغ عدد عوائل القرية مائة وخمسين عائلة يخدُمانهم كاهنان  مِن أبناء القرية ذاتها، هاجم المُضطهِدون القرية وأعملوا السيف في أهاليها فقتلوا الكثيرين منهم بضمنهم الكاهنان، ولاذ الباقون بالفرار الى آمد واحتموا فيها، أما الكنيسة فقد نهبها الرعاع.
قرية مَرهْباش: تقع شرقيَّ آمد. كنيستُها مُشيَّدة على اسم مارقومي. عدد عوائلها يبلغ نحو مائة عائلة، يخدمانهم كاهنان من أبناء ذات القرية وهما كُلٌّ من القس بهنام والقس بولس.  طال أهالي هذه القرية الإضطهاد فقتِل العدد الكبير منهم في شهر تموز1916م، والناجون منهم فَرّوا الى مدينة آمد. وقد أُحرقَت كنيستُهم بعد نهب جميع محتوياتها. والى الشرق من آمد كانت هناك على ضِفة دجلة كنيسة مُشيَّدة على اسم مارتوما الرسول، ويسكن حواليها ما يقرب من ثلاثين عائلة، وفي شهر تموز من ذات السنة 1916م اعتقل المُضطهِدون غالبية أهالي تلك العوائل وقُتِلوا، والناجون من ايدي الرعاع، لادوا بالهرب الى آمد، وقد نهب الرعاع كُلَّ محتويات الكنيسة.
قرى تلفاز، عين شاه وقاضية
كان يسكن هذه هذه القرى الثلاث ما يقرُب من أربعين عائلة يعقوبية المذهب، طالتهم أيدي المُضطهِدين في شهر آب لعام 1916م، وقضوا عليهم بالكامل.
يقول ماراسرائيل اودو كاتب سفر الإضطهاد العثماني الغاشم والسيْ الصيت بحق الأرمن خاصة وبقية الطوائف المسيحية الأخرى عامة. بأنَّ ما رواه في الحلـقات الأخيرة حول اضطهاد مسيحيي آمد قـد سطَّره اعـتماداً على ما أدلى به له الكاهنُ الفاضل القس طيمثاوس الآمدي الكلداني بكُلِّ أمانة دون أيِّ حذفٍ او إضافة. عدا النبذة عن القس بنيامين المرجي، وشيء وجيز عن حياة المطران سليمان صباغ رئيس اساقفة آمد.
الشماس د. كوركيس مردو
في 22/8/2015

38
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السادس والثلاثون

87 - البطريرك ايليا التاسع 1660-1700م
وبعد وفاة ايليا الثامن خلفه كما ذكرنا أعلاه ايليا التاسع، يظهرأنَّ هذا البطريرك أبدى رغبة في مفاتحة روما، فبعث برسالة الى الحبر الأعظم اقليمس التاسع بتاريخ 22/ت2/ 1669 ضمَّنها صورة ايمانه حملت توقيعه وتواقيع ناطور كُرسيِّه شمعون وثلاثة مطارين هم: يوسف مطران آمد"دياربكر" وعبديشوع مطران الجزيرة ويوحنا مطران سعرد بحسب بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 234) وأورد في رسالته ما تمَّت الإشارة إليه لدى الحديث عن سلفه ايليا الثامن في الفصل الثالث عشر من هذا الكتاب، حيث اكتشف المسؤولون في روما بأنَّ ايليا التاسع غير صادقٍ بما جاء برسالته، فلم تنطلي عليهم حيلته. وبالفعل كان حدسُهم صحيحاً وثَبُت لديهم عند قيامه باتخاذ إجراءات تعسُّفية ضِدَّ الذين أعلنوا انضمامهم الى الوحدة من أتباعه النساطرة ولا سيما في دياربكرالداخلة ضمن الوحدة منذ عهد شهيد الإتحاد يوحنان سولاقا وحتى عهد مطرانها طيمثاوس.
لعب يوحنا مطران دياربكر النسطوري دوراً قذِراً، عنيفاً وغير مُشَرِّفٍ ضِدَّ الكلدان المتحدين مع روما هادفاً تقوية موقف النساطرة فيها، وبدوره ايليا التاسع لم يذَّخِر وسعاً ولا بخل بجهدٍ من أجل القضاء على الكثلكة في دياربكر مركزها القوي، حيث جُنَّ جنونه عندما انضمّ المطرانُ يوسفُ النسطوري خلفُ يوحنا الى الوحدة، نابذاً النسطرة عام 1672م بتأثير من المُرسَلين الكبوشيين، فناصبَه العِداء وأثار عليه اضطهاداً قاسياً، مؤلباً عليه السلطات العثمانية الحاكمة في آمد عن طريق الرشاوى، والإيقاع بالكاثوليك متهماً إياهم بالولاء لأوروبا الغربية المسيحية، وكانت في هذه الغضون قد اندحرت الجيوش العثمانية امام قوات التحاف الأوروبية الغربية على أبواب فيينا في المعركة الحاسمة بتاريخ 13/9/1683م فتقهقرت جارة أذيال الخيبة والفشل، وبذلك انتهى الزحف الإسلامي العثماني لغزو اوروبا الوسطى. إن هذه النكسة التي مُنيت فيها الدولة العثمانية العاتية والشديدة التزمُّت بالإسلام، انقلبت الى نقمةٍ كبرى على المكونات الصغيرة العائشة تحت حُكمها وبخاصةٍ المُكوَّن المسيحي منها.
ولم يزل ايليا التاسع مروكي مُنهمكاً بإصرار وبسعيٍ دائم على اضطهاد الكاثوليك في دياربكر وغيرها من مناطق تواجدهم، حتى إنَّه أهمل تماماً الإهتمام بشؤون رعاياه الآخرين المتواجدين في اورشليم والهند، لم يُسعفهم بتلبية طلباتهم المتكررة والمُلحة بإرسال اساقفة ليتولون تسيير امورهم الدينية، وإذ أخذ منهم اليأس اضطرَّ قسم من النساطرة في ملَّبار للوقوع في أحضان المونوفيزيين، والقسم الآخر انضمَّ الى اللاتين، أما الذين في اورشليم فقد تحوَّلوا الى الطقس اللاتيني وحتى ممتلكاتهم انتقلت الى اللاتين.

88 – البطريرك ايليا العاشر 1700-1722م
بحسب ما ورد في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 314-315) بأن ايليا العاشرهو إبن شقيق ايليا التاسع، وتسلَّم الكرسيَّ البطريركي عن طريق قانون الوراثة، وعلى غِرارعَمِّه كان شديد التعصُّب للمذهب النسطوري، وبالرغم من الإضطهاد الذي كان يتهدَّد الكلدان المتحدين مع روما، فإنَّ عددَهم كان مستمرّاً في الإزدياد في الموصل وضواحيها خلال عهده. ومن بين أشهر الذين انضموا الى الوحدة كان القس دانيال بن آدم الألقوشي، وتمَّ ذلك حين توجَّهَ الى زيارة الأماكن المقدسة وفي طريقه إليها مَرَّ بمدينة دياربكر، وشاهد عن كثب ما يبذلُه الكلدان من النشاط الدؤوب والغيرة المتقدة في نشر المُعتقد الكاثوليكي، فانبهر وانضمَّ إليهم. وعلى إثر ذلك أثارايليا العاشر اضطهاداً عليه، فما كان منه إلا تركَ بلدته والهجرة الى دياربكر، وبعد وفاته خلفه إبنُه حكيم الذي كان يُتقن مهنة الطب، فتبرَّع بعمل الخير في دياربكر وأطرافها، الى جانب الدفاع عن المعتقد الكاثوليكي.
وفي السنة الأخيرة من عهد ايليا العاشر، قام بعض الأشرار بالسطو ليلاً على دير الآباء الكبوشيين في الموصل بموقعه الجديد القريب من دجلة حيث كان قد انتقل من موقعه القديم في محلة ماراشعيا، فنهبوه وقتلوا رئيسَه الأب بطرس الكبوشي وذلك في عام 1722م. فتولّى أمرَ دفنه أبناء آل الجليلي في مقبرتهم في فناء كنيسة شمعون الصفا في محلة الميّاسة بالموصل. ونتيجة لهذا الحادث الإرهابي، أنهى الكبوشيون نشاطهم الرسولي في الموصل (مجلة بين النهرين العدد 91-92 لعام1995م ص 277). وفي عهد ايليا العاشر أيضاً انتشر وباء الطاعون في البلاد وأهلك عدداً كبيراً من الناس. أما وفاتُه فتمَّت في 4/ ك1 /عام 1722م، ودُفِن في دير الربّان هرمزد.

89 – البطريرك ايليا الحادي عشر 1722-1778م
كان البطريرك ايليا الحادي عشر قد أقيمَ ناطوراً لكُرسيِّ سلفه ايليا العاشر، وكان يُدعى ايشوعياب، وبحسب قول الأب بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 367-370 و394-395) بأَّنَّه بعد موت ايليا العاشر تولَى ايشوعياب الرئاسة البطريركية خلفاً له في 25/ ك1/ 1722م وهو في ربيعه الثاني والعشرين، وقد حظيَ ذلك بتأييد وجوه الطائفة النسطورية في الموصل والقوش، واتخذ اسم البطريرك ايليا الحادي عشر، تميَّز عهدُ بطريركيته بكونه أطول العهود في تاريخ الكنيسة حيث امتدَّ الى 56 عاماً، إتَّصف بالعنف تُجاه الكلدان في باكورة عهده، وبدعم من السلطات المدنية الحاكمة شَنَّ عليهم اضطهاداً ظالماً وقاسياً ولا سيما في الموصل، وكان مردودُ هذا الإضطهاد ايجابياً بالنسبة للكلدان، حيث كان عددُ المُنتمين من النساطرة الى الوحدة يزداد بشكل غزير ومُطَّرِد، فتنبَّه له البطريرك ودفع به الى إعادة النظر في خِططِه وممارساته.

ومن أجل ضمان بقاء الشعب تحت كنفه وطاعته يقول الأنبا ش. جميل (كتاب العلاقات ص 390-391) قام ايليا الحادي عشر يسلك طريقاً من شأنه أن يقوده الى الإتحاد مع روما، ففتح باب التفاوض مع المُرسلين اللاتين المتواجدين في بغداد وحلب، وأتبعه بمراسلة مجمع انتشار الإيمان، وقيل بأنَّ المُفاوضات كانت مُعقَّدة وطويلة. وفي الأخيرانتهى البطريرك في عام 1771م الى صياغة صورة ايمانه، وقام بتوقيعها هو وابن أخيه ايشوعياب المُقام ناطوراً لكُرسيِّه. ويبدو أن ايشوعياب كان ذا طموحات انتبهَ إليها عَمُّه البطريرك فأعفاه من منصب ناطور الكرسي، مستبدلاً إياه بابن أخيه الآخر يُدعى يوحنا هرمزد حيث رسمه كاهناً عام 1772م في دير الربّان هرمزد وهو فتىً يافعاً لم يتجاوز الإثني عشر عاماً. وبعد مرور أربعة أعوام، منحه الدرجة الأسقفية في 22/ أيار/ 1776م وأقامه مطراناً وعيَّنه ناطوراً للكُرسيِّ البطريركي الى جانب الأحقية بالخلافة!
ومن الذين اهتدوا الى الكثلكة في الموصل وأشهرهم في عهد البطريرك ايليا الحادي عشر كان القس خدِر بن هرمز المقدسي الموصلي بتأثير من اندراوس اسكندر القبرصي الماروني المُرسَل الى المشرق لغرض شراء الكتب القديمة ونقلِها الى الفاتيكان. كان القس خِدِر يسكن في محلة ايشوعياب، ولها رُسِم قسيساً وعُهِدَت إليه إدارة مدرستها وأدارها لمدة ثلاثين عاماً تقريباً، وتخرَّج على يده الكثير من التلاميذ الذين كانوا يأتونه من القرى التابعة للموصل وكركوك وبغداد وصاروا كهنة وشمامسة خدموا الكنيسة النسطورية. وكان من بين التلاميذ المتردِّدين الى مدرسته واحدٌ من أبناء شقيق البطريرك. وإنَّ قراءة القس خِدِر لكتاب "المرآة الجلية" تأليف البطريرك الكلداني يوسف الثاني آل معروف زوَّدته باستنارة كبيرة، وكذلك تأثّره الكبير بالمُرسَل الماروني الأب اسكندر المُشار إليه، فقد حثَّه للجَّهر بالمُعتقد الكاثوليكي، فباشر بتعليم تلاميذه حقائقَ ذلك الكتاب، فصَبَّ البطريرك ايليا الحادي عشر غضبه على خِدِر في البداية، وإذ لم ينفع الغضبُ معه، سعى الى ملاطفته، ولكنَّه فشل معه أيضاً، فعمد الى تخويفه والتهديد بسجنه، عندها دبَّرَ القس خِدِرأمرَه وفَرَّ الى روما عام 1725م، وهناك انكبَّ على الدراسة والتأليف. ومن نتاجاته "كتاب الترجمان" الذي أخرجه باللغتين الكلدانية والعربية، ونظم قصائد بالكلدانية والعربية امتدح فيها العذراء مريم والكنيسة الكاثوليكية والحبر الأعظم، كما وضع العديد من التعازي والمداريش. ترجم الى العربية كتاب"مدخل العبادة" تأليف القديس فرنسيس دي سالس، وأدركه المنونُ في روما عام 1755م. والى الجزء السادس والثلاثين قريباً.

90 – البطريرك ايليا الثاني عشر 1778-1804م
وفورَ وفاة البطريرك ايليا الحادي عشر برزَعلى ساحة الخلافة البطريركية خلافٌ حادٌّ بين إبنَي أخويه الطامحَين الى الرئاسة الكنسية العليا هما: ايشوعياب دِنحا والشاب يوحنا هرمزد البالغ آنذاك الثامن عشر عاماً. ولم يدع ايشوعياب أن تفوته الفرصة، فأسرع وأعلن عن انضمامِه الى الإتحاد الإيماني مع روما، وتبوّأ الكُرسيَّ البطريركي، ولاذ المُرسَلون الغربيون بالصمت غير مُبدين أيَّ نوع من الإعتراض، ومن جانبه يوحنا هرمزد أخلى ذاته من المنصب الذي كان من حقِّه شرعاً متنازلاً عنه لإبن عَمِّه ايشوعياب. فغدا ايشوعياب بطريركاً بلقب ايليا الثاني عشر ايشوعياب. ويظهرأن ايشوعياب هذا لم يكن صادقاً بإعلان انضمامِه الى الوحدة الإيمانية مع روما، بل كانت خدعة لإحتلال المنصب البطريركي، والدليل على ذلك تراجعه عن قراره وعودته الى مذهبه النسطوري القديم حال حصوله على الفرمان من السلطان العثماني.

وإزاء هذا الموقف الخياني لم يسكت وجهاء الموصل المسيحيون، فاجتمعوا وبدعم من الآباء المُرسَلين ومباركتهم، أقالوا ايشوعياب المُحتال من منصبه، وأجمعوا على انتخاب شمعون مطران ماردين للمنصب البطريركي، إلا أن شمعون اعتذر عن قبول المنصب بحجة عدم استعداده للقيام بأعبائه الخطيرة ومسؤولياته الضخمة في ظِلِّ تلك الظروف غير المؤاتية. فوقع اختيرُهم إذ ذاك على مطران الموصل الشاب يوحنا هرمزد. كان ليوحنا هرمزد ميلٌ مُبكِّرٌ نحو الكاثوليكية لم يستطع الإفصاح عنه في حياة عَمِّه البطريرك، وفي اليوم الثاني لوفاة عَمِّه وفيما كان إبن عَمِّه ايشوعياب يستعِدُّ للجلوس على الكُرسيِّ البطريركي، كان يوحنا هرمزد يُعلِن عن نبذه للنسطورية مع جمع غفير من مؤيديه وانضمامِه الى الوحدة الإيمانية مع روما. وهنا بدأ الآباء المُرسلون الذين كان لهم باع طويل في تبلور هذه المسألة، يحثُّونه ليُرسل صورة ايمانه الى مجمع انتشارالإيمان، وقد فعلَ مُرفِقاً معها رسالة مُضمِّناً إيّاها خضوعه للكُرسي الرسولي بشخص الحبرالأعظم. بيدَأنَّ الكُرسي الرسولي لم يعترف بعملية انتخابه بطريركاً جرت بدون معرفته بها، قام بها وجهاء الموصل مدعومين من السلطة المدنية الحاكمة. وبهذا الصدد بعث برسالة الى الأب رفائيل تركونسكي رئيس إرسالية الموصل مُعلِماً إياه فيها، بأنَّ صورة ايمان يوحنا هرمزد مُرضية، ومُعلناً بطلان انتخابه للمنصب البطريركي. ولكنَّ أعضاء مجمع انتشارالإيمان في اجتماعهم العام الذي عقدوه في 18/2/ 1783م التمسوا من الحبرالأعظم بيوس السادس تعيين يوحنا هرمزد رئيسَ اساقفة للموصل ومُدبِّراً لبطريركية بابل، فوافق الأب الأقدس، فمنح مجمع انتشارالإيمان يوحنا هرمزد جميع السلطات المطلوبة، باستثناء لقب البطريرك وما يترتب له من شارات.

في هذه الفترة شهدت حركة الإتحاد الإيماني مع روما زخماً من الإنتشارواسعاً في بغداد وفي الموصل والقرى التابعة لها، وظهر في ذات الوقت تياراران فكريان في الكنيسة الكلدانية ولا سيما في الموصل، يَختلفان في توجِّههما الليتورجي هما: التقدميون الذين ينشدون التغيير، حيث كانوا يسعون ليس الى إجراء التحديث على الطقوس والرُتب القديمة السائدة بل الى استئصالها، والإستعاضَةِ عنها بطقوس ورُتبٍ وعادات لاتينية غريبة، أما المحافظون فلم يكن يرغبون بتغيير طقوس ورُتب آبائهم وأجدادهم بل تحديثها بحيث لا تتعارض مع المعتقد القويم والإيمان الحق. وكان يتزعم التيار التقدُّمي آلُ بيت الحلبي والتيار المحافظ يتزعَّمُه الشماس كيوركيس الصائغ وأفراد عائلته. إن الشماس المذكوركان من مواليد الموصل في منتصف القرن الثامن عشر، ذا ثقافةٍ جيدة وتهذيبٍ حسنٍ، لم يبخل في بذل جهدٍ كبير لإستمالة البطريرك النسطوري ايليا الثاني عشر ودفعِه الى عقد الوحدة مع روما من خلال عمانوئيل مطران اللاتين في بغداد. وقيل بأنَّ للشماس كيوركيس هذا رسالة طريفة حرَّرَها عام 1783م ضمَّنها تنديداً شديداً بتيّار التقدُّميين، مُنحياً عليهم باللائمة بسبب ميلهم غيرالمُنظم الى الطقوس الغربية نابذين بعضاً من طقوس أسلافهم الأصلية القديمة، مُخالفين بذلك تشديد الكنيسة للحِفاظ عليها حِرصاً على ما يتوفر فيها من غِنىً روحيٍّ وفكر لاهوتيٍّ سامي. وقد سبَّبَت هذه الخلافات تأخيراً في مسار الإتحاد وحدَّت من سرعة انتشاره.

أزمة بين يوحنا هرمزد والمُرسَلين
وبالتنسيق مع المُرسَلين أبدى يوحنا هرمزد نشاطاً رسولياً كبيراً وباندفاع وغيرة، ناشراً الكثلكة عن طريق الوعظ والإرشاد، وكان مجمع انتشار الإيمان يُتابع جهوده من خلال ما يُزوِّدَه به المُرسَلون، حتى أنَّه فكَّر بمنحه بطريركية آمد "دياربكر" بعد استقالة البطريرك يوسف الرابع، رغبةً منه في توحيد كافة المنضمين الى الإتحاد الإيماني مع روما تحت سلطةٍ رئاسية واحدة. لكنَّ هذا الإجراء أفشلته الجماعة الكلدانية الكبرى في دياربكر، رافضة الخضوع لواحد من أبناء العائلة الأبوية، متهمة يوحنا هرمزد بأنَّ النسطورية معشعشة في داخله. وبعد مرورعقدٍ من الزمن طافت على السطح ازمة عكَّرت العلاقات بين المُرسَلين وبين يوحنا هرمزد، حيث راح المُرسَلون يتذمَّرون منه وينسبون إليه شتى التُهم، مثل قبوله الرشاوى حيث قالوا عنه بأنَّه حَلَّ راهباً من نذوره مقابل مبلغ من المال، وبعدم سماحه باختيار الحياة الرهبانية، وبمرافقته الباشا قبّاذ الى الحرب، وبمشاركته بوليمة العرس بعد احتفاله بمراسيم الزواج، وبزيارة العوائل منفرداً والكثيرمن المعايب الأخرى التافهة... وكان هو أيضاً بدوره يُوجِّه للمُرسَلين اللوم على تصرُّفاتهم الإستعلائية التسلُّطية، وبمنحِهم انواعاً مِن السماح الذي لا يُقِرُّه، ويحثّون البعض على تقديم اتهامات ضِدَّه الى مجمع انتشارالإيمان لقاء وعدِهم إياهم بالغفرانات الكاملة، وقد قام بدحض اتهامات المُرسَلين وطلب من مجمع انتشارالإيمان إرسال شخص نزيه لتقصّي الحقائق بهذا الشأن. وإزاء هذا التوتُّر القائم بين الجانبين، اضطرَّ المجمع الى إرسال الأب اولجانس الكرملي للقديسة مريم النائب الرسولي في بغداد زائراً رسولياً للكلدان. فتحرّى عن تلك الأمور في بطريركيتي بابل وآمد، وبعد انتهائه من مُهمته، أرسل الأب فولجانس تقريراً وافياً الى مجمع انتشار الإيمان، تضمَّن إشارة الى الروح الإستعلائية التي كانت تُساورالمُرسَلين لدى تعاملهم مع الأساقفة الشرقيين، كما أشار ايضاً الى وجود أخطاء في تصرّفات يوحنا هرمزد من النوع الذي نَوَّه إليه المُرسَلون في شكاواهم.

ولنأتي الآن الى رد فعل البطريرك ايليا الثاني عشرالمعزول "ايشوعياب بن دِنحا"، فإنَّه لم يستسلم للأمر الواقع ولم يُفرِّط بطموحه في العودة الى الرئاسة، فما إن سُحب البساط من تحت قدميه، حتى هرع واستجار باسماعيل باشا العمادية، ومن الجديربالذِكر بأن أبناء الأسرة الأبوية كانت تربطها علاقات وطيدة بباشاوات العمادية منذ زمن بعيد يستجيرون بهم عند المُلِمّات. فاحتضن اسماعيل باشا ايشوعياب المُستجير به، وعهد إليه إدارة الأبرشيات النسطورية الواقعة في المناطق الجبلية. ولكي يضمن ايشوعياب استمرار بقاء البطريركية بأبناء عشيرته، بادر الى رسم أحد أبناء أخيه يُدعى حنانيشوع مطراناً. ثمَّ بدأ وبدعم من الباشا اسماعيل بمناوئة إبن عَمِّه يوحنا هرمزد عن طريق التآمر والإيقاع به حتى تمكَّن من إلقائه بالسجن، وهناك تعرَّض للجلد عِدة مرات. ولكي تنجح محاولته لإستعادة ثقة المُرسَلين به ونيل تعاطفهم معه، أعلن عن نبذه للمذهب النسطوري، إلا أنَّ الآباء المُرسَلين يثقوا به. وحذا حذوه إبنُ اخيه حنانيشوع فنبذ النسطرة وأعلن انضمامَه الى المُعتقد الكاثوليكي عام 1795م بين يَدي النائب الرسولي الأب فولجانُس. بيدَ أنَّ حنانيشوع كان ذا طبع عنيف ومُشاغباً، مِمّا أفقداه ثقة الشعب به، وكذلك كان رأي الآباء المُرسَلين فأبلغوا مجمع انتشار الإيمان بانعدام وثوقهم بهذا المطران، فجاءَهم جواب روما برسالة في 22/ايلول/ 1801م تُعلِن فيها بأنها ليست على استعدادٍ لقبول هذا المطران في الكنيسة، إلا بعد أن يُبرهن بوضوح وبدلائل ملموسة عن توبته. ولكنَّ حنانيشوع لم يبالِ بما فرضه عليه المجمع المقدس بالرغم من تعهُّده بالخضوع للكرسي الرسولي، إذ قام في ذات السنة برسم القس بطرس شوريز مطراناً لسعرد. (بطرس شوريز كان إبنَ شقيق ميخائيل شوريز مطران ماردين، تمَّ استدعاؤه الى روما بعد الرسامة، ولم يُعترف بشرعية رسامته رغم البحث بها حتى عام 1810م. فعاد الى البلاد وأبدى نشاطاً ملحوظاً في نشر الكثلكة) أدرك الموتُ ايشوعياب عام 1804م، ودفن في مقبرة بدير الربان هرمزد (اثرٌقديم في العراق/ كوركيس عواد ج1 ص 41) وبعد تسع سنوات لحقه الى اللحد إبنُ اخيه حنانيشوع في عام 1813م.

وبعد كُلِّ ما جرى من أحدثٍ وصعوبات جاهد يوحنا هرمزد للحفاظ على علاقات جيدة مع الكُرسي الرسولي، إلا أنَّ أمراً طارئاً جَدَّ عام 1796م، كاد يعصف بتلك العلاقات معكِّراً صفاءَها، حيث قَدِم وفدٌ من ملَّبار الهند الى الموصل، وقدَّمَ التماساً الى يوحنا هرمزد ليُرسلَ لهم أساقفة كلداناً. فاستضاف يوحنا هرمزد القادمين الملّباريين، وطلب منهم انتظار التعليمات التي سأل روما بشأنها. ويبدو أنَّ التعليمات لم ترِده، فعزا سبباً لذلك احتلال الفرنسيين لإيطاليا وما يتعرَّض له الكُرسي الرسولي من اضطهادهم. وإذ طال انتظاره دون الوقوف على حقيقة الأمر، قرَّر اخيراً تلبية طلب الوفد الملَّباري، فرسم بولس بنداري الهندي مطراناً وأرسله بمعية كاهنين كلدانيين هما يوسف وهرمزد، فانضموا الى الوفد وسافروا الى بلادهم. وبعد وصولهم تمَّ إخبار روما في 17/ ك2/1797م بوصول مطران جديد إليهم، ويُحتمل بأنَّ روما رأت في ذلك عملاً مُخالفاً للقانون، بيدَأنَّ التبريرَالذي قدَّمه لها يوحنا هرمزد أقنعها وقبلت به، وعلى إثر ذلك عقد مجمع انتشار الإيمان اجتماعاً عاماً 23/9/1801 وقرَّر تلقيب يوحنا هرمزد "بطريرك بابل" كما يذكر الأنبا اسطيفان بلو (رهبانية القديس هرمزد والكنيسة الكلدانية في النصف الأول من القرن التاسع عشر/ روما، 1939م ص 10... وعلى هذا الكتاب سنعتمد بمعلوماتنا في سردنا لأحداث هذه الفترة)
وإذ انتشرَالخبر، ثارت ثائرة خصوم يوحنا هرمزد، فقاموا ليس بتجديد الشكاوى المُقدَّمة ضِدَّه عام 1793م فحسب، بل تعدَّتها الى التشكيك في صدق ايمانه، مطالبين بعزله عن منصبه، ويلقون بذلك تأييداً من الآباء المُرسَلين لمطلبهم. ولتحقيق ما عزموا عليه انتدبوا عام 1802م كاهناً من تللسقف يُدعى يوحنا موشي للسفر الى روما ومتابعة موضوع عزله وعزل إبن شقيقِه المطران شمعون الذي نال الدرجة الأسقفية على يده في الخامس من ايار عام 1790م. (قتلت المطران شمعون عصابة كُردية قرب الزاب الكبير) ومن بين الإتهامات التي نُسبت الى يوحنا هرمزد: استيلاؤه على أموال الأديُرة، وايقافه الدعوات الرهبانية، وذلك قبل قيام الأب جبرائيل دنبو بتجديد الرهبانية الكلدانية الهرمزدية. إن القس يوحنا موشي توقَّف في صيدا ولم يستطع مواصلة السفر الى روما بسبب نفاذ المبلغ الذي كان بحوزته، فسلَّم رسائل مُنتَدِبيه المُوجَّهة الى مجمع انتشار الإيمان الى المُرسَل ليوبولد سبستيان الذي كان في طريقه الى روما، لقد أحدثت تلك الرسائل ردَّ فعل سلبي عنيف تُجاه يوحنا هرمزد الى الحد الذي أخذ مجمع انتشار الإيمان يتدارس مسألة رشقه بالحرم الكنسي منذ عام 1809م.
ولكنَّ أنصار يوحنا هرمزد لم يبقوا مُتفرجين دون حراك، فقد وجَّهوا رسالة الى مجمع انتشار الإيمان في 15/ ت1/1811م أظهروا فيها استياءَهم من تصرُّف المُرسَلين لنشرهم خبراً بأن راعيهم يوحنا قد عُزِل ورُشق بالحرم. وهكذا بدأت المُجابهة بين خصوم يوحنا ومؤيديه، وكُلٌّ من الفريقين يُدافع عن رأيه ومصالحه، وكانت مُرتبطة باعتبارات عِدة بعضها دينية واخرى مادية. ويبدو أن مُعارضي يوحنا سبقوا مؤيديه في استمالة باشا الموصل الى جانبهم، فالقى الباشا يوحنا في السجن مع عزمه على نفيه. ولدى اطلاع روما على الحدث تزعزعت ثقتُها بيوحنا، وحانت لها الفرصة لعزله وتعيين شخص آخر بدلاً منه. وبالفعل فقد أصدرت روما أمر تعيين المطران اوغسطين هندي في 4/ ت1/1812م قاصداً رسولياً لمنطقة كلدو، والقس كيوركيس يوحنا الألقوشي نائباً رسولياً للموصل. وقد لعب المُرسَلون دوراً مُسانداً للفئة الكاثوليكية المتضامنة مع إخوتها كلدان دياربكر المناوئين لعائلة آل ابونا. ولما كان مُعارضو يوحنا قد عزموا على استبداله حتى قبل صدور قرارات روما، عادوا الى تنفيذ عزمهم، وكان المُبادر والمؤثِّر لإتخاذ هذا الإجراء المُرسَل الأب رفائيل كمبانيل وبدعم من واليَي الموصل ودياربكر اللذين مارسا ضغطاً على المطران اوغسطين هندي، فقام هذا الأخير برسم الكاهن شمعون الصائغ الموصلي مطراناً لكُرسيِّ الموصل. إلا أنَّ هذه الخطوة وجدها مجمع انتشار الإيمان غير قانونية فشجبها وأنحى باللائمة على الأب رفائيل، كما أصدر أمراً الى اوغسطين هندي بإعادة القس شمعون الى الموصل بصفته كاهناً، وبعد عودة شمعون فاشلاً أدركه الموت عاجلاً عام 1816م.

يقول الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 133) وظلَّ يوحنا هرمزد في نظر مجمع انتشار الإيمان مطراناً بسيطاً على الموصل، مُعرَّضاً لمُناوئة واضطهاد إثنين من خصومه اللذين يعملان على إحباط جهوده للوصول الى البطريركية: هما إبن عمِّه بطريرك الجزء الكنسي النسطوري ايليا الثاني عشر، واوغسطين هندي مطران الجزء الكلداني الكاثوليكي في دياربكر الطامح الى جعل جميع الكلدان الكاثوليك تحت إدارته. ويُضيف المصدر أعلاه: وكان هذان الخصمان يقودان حملاتهما التشهيرية ضِدَّه بحذقٍ ومهارة، حتى وصل الأمرُ بالكُرسي الرسولي الى إصدار أمر يقضي بايقاف استخدام سلطته على أبرشية الموصل. ولكنَّ يوحنا هرمزد لم يقف مكتوف اليدين بل عاد الى ساحة المبارزة بقوة استمالة الباشاوات الى جانبه، وتمكَّن من الإنتقام من بعض مُساندي خصمَيه وزجِّهم في السجن، دون أن يُقلِّل من طاعته لروما. وهنا تعالت أصوات مُناوئي يوحنا هرمزد وأضافوا تهماً اخرى ضِدَّه وبعثوا بها الى المجمع المقدس مُلتمسينه لوضع حَدٍّ لتصرُّفات المطران يوحنا وإعادة السلام والنظام الى الكنيسة الكلدانية، عندذاك عقد مجمع انتشار الإيمان اجتماعاً عاماً في 15/2/1812م وقرَّرَ رشق يوحنا هرمزد بالحظر الكنسي، وبعث في اليوم التالي برسائل بهذا الصدد الى كُلٍّ من اوغسطين هندي والأب كمبانيل تتضمن تعيين المطران شمعون الصائغ نائباً رسولياً على الموصل والقس كيوركيس يوحنا الألقوشي لبطريركية بابل بدون لقب رسمي، على أن يخضعا لسلطة اوغسطين هندي الحامل لمهمة القاصد الرسولي لشؤون بطريركية بابل بكُلِّ مناطقها، ونُظِر الى هذه القرارات بأنها تحمل طابع التسرُّع ونوعاً من الإنحياز، وربما كانت إشارة الى رغبة المجمع المقدس بتسليم السلطة لبطريركيةٍ واحدة برئاسة ميترابوليط دياربكر.

وعندما قام القس كيوركيس الألقوشي بإبلاغ يوحنا هرمزد بهذا القرار، منع هذا الأخير إعلانهَ مُهدِّداً كُلَّ مَن يُخالف أمره باتخاذ إجراء صارم بحقِّه. غير أنَّ الأب رفائيل كمبائيل سرَّبَ الخبرَسِرّاً الى الكهنة ووجهاء الأمة الكلدانية، فانتشر بسرعة وأحدث ازمة جديدة بين الفريقين الغريمين وتفاقم خلافهما المُزمن، وما رجَّح كفة الفريق المناويء ليوحنا هو انضمام رهبان الأنبا جبرائيل دنبو إليه، فكان لذلك تأثير نفسي على يوحنا أشعره بالمهانة، فعدل عن المُجابهة ودعا خصومه الى القيام بالتفاوض عن طريق الحوار، فاستجابوا لندائه لأنَّ الجميع قد نالهم الملَل من استمرار تلك الإضطرابات والمشاحنات. وتمَّ الإتفاق بين الفريقين للإجماع في القوش في 20/2/1818 وكان عدد المشاركين بحدود المئة شخص من الكهنة ووجهاء الشعب. فأخذوا يتداولون بأمر المنع ويتحرون عن أسبابه، وبعد مراجعة وتحليل توصَّلوا الى نتيجة مفادُها بأنَّ مجمع انتشار الإيمان لم يكن قد حظر على يوحنا هرمزد رسامة أساقفةٍ لكراسي الأبرشيات الشاغرة، على أن يكونوا ذوي نزاهة ويُشهد لهم بالسلوك الحسن ولا يمتّون بصِلة قربى بعشيرة آل ابونا، وبسبب عدم خضوع يوحنا لهذه الأوامر تعرَّض لعقاب المجمع. ولذلك يترتَّب عليه أن يبادرالى تقديم خضوعه تحريرياً مصحوباً باستنكار كُلِّ ما بَدُر منه من تصرُّفات غير شرعية. وتعهَّد المُستشارون في الإجتماع بالتماس الحل ليوحنا من روما عن طريق تقديم طلب بهذا الصدد الى الحبر الأعظم والى المجمع المقدس. وتبنى المُجتمعون هذا القرار بالإجماع، وأرسلوا الوثائق الخاصة به الى اوغسطين هندي ليتولّى إرسالها الى روما، ولكنَّ ما لم يكن في الحسبان حدث للمُكلَّف المغولي بنقل هذه المستندات حيث تعرَّض للإغتيال في الطريق، ففقِدَ كُلُّ البريد الذي كان بحوزته.

إنَّ فقدان تلك الوثائق مَهَّد الطريق لتقريرالأب رفائيل كمبانيل المطوَّل حول الوضع الديني في بلاد الكلدان ليحظى بالتصديق من قبل مجمع انتشارالإيمان، وإذ كان التقريرُ يُلقي الكثير من اللوم على يوحنا هرمزد، ساهم في تأكيد ظن المجمع بأن يوحنا هرمزد لم يعبأ بقرار الحظر الصادر ضِدَّه، فبادر في 3/7/1818م الى تجديد ذلك القرار مُطالباً بتنفيذه الفوري. وفي الرسالة المُوجهة الى يوحنا هرمزد بتاريخ 10 تموز 1818م، تبيَّن بوضوح ما دفع المجمع الى تجديد القرار. إذ لو أنَّ تعهُّد الخضوع الموقع من يوحنا وطلب المؤمنين المقدم لطلب الحَلِّ له وصلا الى الكرسي الرسولي، ما كان لقرار المنع أن يصدر. وما إن أرسل اوغسطين هندي تلك الوثائق ثانية في 19/ ت1/1819م حتى تغيَّر رأيُ المجمع المقدَّس بيوحنا هرمزد، فكتب له يُخبره، بأن فرحاً عظيماً غمرَالمجمع بكافة أعضائه بوثيقة خضوعه الصادرة عن إرادته الصادقة، ويُسعِده استمرارُه ومثابرتُه على ذلك الإستعداد الطيِّب والمفرح، لحين استلامه الحل بشكل رسمي.

في تلك الفترة وبالتحديد في 2/ايار/1820م عُيِّنَ مطران لاتيني جديد لبغداد هو بطرس اسكندر كوبري من رهبانية الروح القدس، حاول هذا المطران جُهدَه ليحصل على حَلٍّ للمنع الذي رُشِق به يوحنا هرمزد، ووجَّه رسالة الى روما في 3/ ت1/1824م حول هذا الموضوع، مُطلعاً مجمع انتشار الإيمان، بأنَّ باشا الموصل والقس كيوركيس الألقوشي يرغبان بهذا الحل ويرجوانه، وإن صبر يوحنا قد نفذ من طول الإنتظار، وقد يعمد الى عدم التقيُّد بأوامر روما، وإن الباشا لن يتردد في دفع يوحنا الى الإستقالة بسبب تقدُّمِه في العُمر. فكان جواب المجمع بأنَّ موضوع حَلِّ يوحنا ذو أهمية لديه، وهو مقبل الى تسويته حال الإنتهاء من فحص صحة تعاليم يوحنا واستقامة نواياه وتصرُّفاته. فكان رَدُّ مطران اللاتين كوبري، بأن التُهم التي وُجِّهت الى يوحنا أمست قديمة لا يمكن أن تحول دون استعداده الحسن في الوقت الراهن والخضوع التام للبابا، ويظهر أن أقوال المطران اللاتيني لم تكن جِدِّية، بل فيها تُلاحَظ الإزدواجية حين يذكر برسالته بأن يوحنا إذا لم يحصل على الحل يُهدِّد بالتجاوز على اوامر البابا ويرسم كهنة واساقفة. أما اوغسطين هندي ففي رسالته يتهم يوحنا بأنه أجبر القس كيوركيس الألقوشي على حَلِّه، وإنَّه قد هدَّد رهبان دير الربّان هرمزد بالطرد ونهب الدير.

5 - البطريرك يوحنا هرمزد 1830-1838م
وقد قيل بأنَّ المطران اللاتيني كوبري إتخذ موقفه هذا من يوحنا بتأثيرمِن المُرسَلين الدومنيكان المناهضين ليوحنا، ولكنَّ هناك مَن كان موقفه بجانب يوحنا، هو المطران السرياني بشارة والآباء الكرمليون الذين اقتنع المطران اللاتيني بوجهة نظرهم، ووجد بأنَّ السبيل الأمثل لإحلال السلام واستتباب النظام في الكنيسة الكلدانية يكمن في إعادة الإعتبار الى يوحنا ورفع المنع عنه. ولكننا نرى الأنبا جبرائيل دنبو ورهبانَه يُعلنون عن معارضتهم لهذا الإجراء، ويدعمُهم في موقفهم هذا التاجر الكبير عبود في بغداد، وما إن توفيَ التاجر عبود عام 1827م حتى برز الخلاف ثانية. وبالنسبة الى الكُرسي الرسولي فقد إتَّصف تصرُّفُه بفيضٍ من الحكمة والرَوِية، وبميلٍ الى إعادة الإعتبارالى يوحنا هرمزد وحتى منحه لقب البطريرك، ولكنَّه كان يسعى الى ترويضه لئلا يُفكِّر مستقبلاً بالقيام بأيِّ عمل مؤذٍ، فاشترط عليه التنازل طوعاً عن مُهِمَّتيه كرئيس اساقفة الموصل والمدبِّر العام لبطريركية بابل. ولكنَّ المطران اللاتيني كوبري اهمل شرطي الكُرسي الرسولي وتصرَّف بحسب رؤيته الخاصة، حيث قدِم الى الموصل ودعا الى عقد اجتماع في 15/ ت2/ 1828م حضره الإكليروس والمؤمنون في كنيسة مسكنته، فمنح الحلّة رسمياً ليوحنا هرمزد ولم يُطالبه بتطبيق شرط الكُرسي الرسولي المنوَّه عنه أعلاه، بل ثبَّتَه مطراناً على الموصل بكامل الصلاحيات، وأعلنه بطريركاً أيضاً، وعلاوة على هذه المهام، عهد إليه إدارة أبرشية العمادية بصفة نائبٍ له! الأمر الذي لم يكن من صلاحيات المطران اللاتيني وإنَّما تدخُّلاً سافراً بما ليس له حَقٌّ فيه.

وكان يوحنا ينتظرعودة المطران بطرس كوبري الى بغداد، حتى يُبادر الى تصفية حسابه مع خصومِه، حيث بدأ يُعامل الأساقفة والرهبان بطريقةٍ تعسُّفية فعَمَّت المنطقة حالة من الإضطراب والفوضى، وإذ اطَّلع المطران كوبري على ما يجري أقرَّ بخيبة مسعاه. والغريب في الأمر أنَّه تجاهل كُلَّ ذلك، وسأل الكُرسي الرسولي أن يبعث الباليوم ليوحنا والأمر بتنصيبه رسمياً. وفي هذه الأثناء كان قد حلَّ في روما مُجدِّد الرهبانية الهرمزدية الكلدانية الأنبا جبرائيل دنبو لغرض الدفاع عن رهبانيته خوفاً من تعرُّضِها للخطر من قبل يوحنا، ومن المُحتمَل أنَّ المجمع المُقدس بتأثير مِنه، كتب الى المطران كوبري قائلاً له: وإن كنتَ قد حلَّيتَ يوحنا من الموانع التي كانت مفروضة عليه، إلا أنَّ المجمع المقدس غيرُ راغبٍ بتنصيبه بطريركاً، ما لم يُبرهن بدلائل واضحة مؤيدة بالأفعال على توبته، وبشرط أن يُعيد دير الربّان هرمزد الذي قد استولى عليه الى رهبانه. ولكنَّ الموت عاجل المطران كوبري عام 1829م بسبب الطاعون المتفشي في بغداد والذي اودى بحياة نصف سكانها، فلم يَرَ تحقيق شروط المجمع من قبل يوحنا. أما الأنبا جبرائيل دنبو فقد تعرَّض للإغتيال من قبل الأكراد عام 1830م.
ولما كان مطران دياربكراوغسطين هندي قد أدركه الموت عام 1827م، فلم يبقَ هناك منافس ليوحنا هرمزد على المنصب البطريركي. فكان الجوُّ ملائماً لأمين سرِّ المطران كوبري المتوفى الأب لوران تريوش ليواصل نَهجَه، فأتمَّ ما كان مزمعاً أن يفعله رئيسُه المطران كوبري، حيث تسلَّم الباليوم المُرسَل ليوحنا هرمزد وجري تنصيبه في بغداد في 5 تموز 1830م وهو في سِنِّ السبعين من عمره وقد أدركته الشيخوخة ودبَّ الوهنُ في قواه. فاستغلَّ لوران تريوش حالة البطريرك هذه وطلب منه أن يرسم صديقه كيوركيس بَرطليا الملقَّب دي ناتالي مطراناً ويُقيمه ناطور كُرسيِّه البطريركي، بينما يقول الأب يوسف تفنكجي (الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بالأمس واليوم ص 55 و 72) بأنَّ دي ناتالي اصبح رئيس اساقفة سعرد عام 1833م باسم بطرس وقد رُسم في روما عام 1830م. ولم يزل الأب تريوش ولا سيما بعد ترقيته الى رتبة المطران يُلِحُّ في إقناع البطريرك يوحنا هرمزد الذي كانت الشيخوخة قد هدَّته، بإسناد إدارة البطريركية الى المطران بطرس دي ناتالي ويتخلّى عن مهامها المتعبة. بيد أنَّ روما لم ترضَ عن هذا الطرح، فبادرت الى تعيين مطران سلاماس نيقولاوس زيعا المرسوم من قبل يوحنا هرمزد عام 1836م معاوناً بطريركياً مع حقِّه في الخلافة. وكما نوَّهنا فإن ما تعرَّضَ له البطريرك يوحنا هرمزد من صعوبات ومصائب وما عاناه من ضغط الإضطرابات والإنشقاقات، أنهك كيانه فأدركه الموت في 13 آب عام 1838م ببغداد في دار مطرانية اللاتين، وبموته اسدِل الستار على الرئاسة الأبوية، حيث كان آخر فردٍ من عائلة آل ابونا  تبوَّأ كرسيَّ الكنيسة الكلدانية بالتقليد الوراثي. دُفِن كاثوليكياً في الكنيسة الكبرى المشيَّدة في بغداد كنيسة ام الأحزان الكلدانية، اشترك في مراسيم دفنه إكليروس بغداد برُمَّته. والى الجزء السابع والثلاثين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 12/ 8 / 2015

39


اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة العاشرة
قرى ضواحي آمد وكنائسُها
لا زِلنا نُواصل النقل بتصرُّف صياغي دون المساس بالمضمون ما دوَّنه المطران الكلداني السعيد الذكرماراسرائيل اودو عن مآسي المسيحيين سكان البلاد الأصليين للبلاد التي احتلَّها الغزاة الهمجيون القادمون من مناطق الشرق االأقصى وكانت آخر موجاتهم الباغية إحدى السلالات المغولية التي عُرفت باسم زعيمها عثمان، فلُقِّب أبناؤها والمُنتمون إليهم بالعثمانيين، ومنذ استيلائهم على البلاد لم يسلم من جورهم أصحابُها الأصليون. ففي ( الصفحات 130 – 136) من كتابه يروي لنا ما يلي عن الظلم الفاحش الذي ارتكبوه ضِدَّ المسيحيين في اضطهادهم السيِّء الصيت الذي أثاروه عليهم في عام 1915م واستمرَّ حتى وضع الحرب العالمية الأولى أوزارها.
في غربيِّ مدينة آمد تقع قرية تُسمَّى "آلي بونار" ( وكان الكلدان قديماً يُدعونها " بيت تنوري" ويُضفى على اسقفها لقب المعاون البطريركي في الفترة التي كانت آمد مقراً لكرسي البطريركية الكلدانية) فيها كنيسة واحدة تحمل اسم " كنيسة مار قرياقوس الشهيد" يُحيط بها مُلحقٌ سكني يشتمل على (14 غرفة) يؤمُّها في الصيف عددٌ من الأهالي لإعتدال مناخها ولطافة هوائها المنعش.
في أكتوبر1895م بدأت المجازر ضد المسيحيين في دياربكر وبعدها إنتشرت المذابح لِتَشْمل كل المدن حيث تم إبادة مئات الألاف من الأرمن وعشرات الألاف من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة، وتم إجبار ما يُقارب مائة ألف مسيحي لإعتناق الإسلام. بدأت أولى عمليات الإبادة على نطاق واسع في السنة  الآنفة الذكر والتي عُرفت بالمجازر الحميدية عندما قتل مئات الآلاف من الأرمن والكلدان الكاثوليك والنساطرة في مدن جنوب تركيا وخاصة بأدنة وآمد "دياربكر" بحجة افترائية أتهامية  للأرمن بمحاولة اغتيال السلطان عبد الحميد الثاني. غير أن السبب الرئيسي من وراء المجازر التي حلت بالكلدان بشقيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان هي خشية العثمانيين من انضمامهم الى الروس والثوار الأرمن. يعتقد المؤرخون أن السبب الرئيسي وراء التورط الكردي في المجازر هو الانسياق وراء حزب تركيا الفتاة الذي حاول المُخادعون من أعضائه إقناع الأكراد بأن المسيحيين الموجودين في تلك المناطق قد يهددون وجودهم. وبالرغم من قيام الجيش العثماني بارتكاب المجازر ضد مدنيين أكراد في بايازيد وألاشكرت، إلا أن سياسة الترحيب والترغيب والتحريض للدفاع عن الإسلام دفعت معظم أفراد العشائر الكردية إلى التحالف مع الأتراك. كما استغلت ميليشيات كردية شبه نظامية فرصة احتدام الفوضى في المنطقة  لكي تفرض هيمنتها، فهاجمت قرى سريانية وكلدانية كاثوليكية ونسطورية من أجل الحصول على الغنائم.
ومن جملة هذه القرى كانت قرية آلي بونار التابعة لآمد، حيث طال الدمار كنيستها وملحقها السكني فغدت خراباً، حتى قام مطران آمد الكلداني مارسليمان صبّاغ بإعادة بنائها وملحقها بفضل تبرعات أبناء ابرشيته. ولكن عندما اُثير اضطهاد قاسٍ وكبيرعام 1915م ضِدَّ مسيحيي الدولة العثمانية عامة والأرمن خاصة، تعرَّضت الكنيسة للسلب والنهب ثم الهدم ثانية، وقد صادرها الجيش لإقامة أفراده فيها.
وفي جنوبيِّ آمد وعلى ساحل دجلة كانت هناك قرية تُسمَّى "جاروخية"تبعد عن آمد مسيرة ساعة ونصف، تسكنها أربعون عائلة. وفيها كنيسة مشيَّدة على اسم الشهداء شموني وأولادها السبعة المقابيين. يقوم بتقديم الخدمات الروحية لمؤمنيها القس توما كربوش المارديني، كان كاهناً يتَّسِم بالصلاح والفضيلة، وكانت للقرية مدرسة واحدة لتعليم الأطفال. في اواخر شهر تموز لعام الإضطهاد القاسي 1915م، تفاجأت هذه القرية البائسة بسيل من القوات العسكرية القادمة من آمد، فأحاطت بها من كافة جهاتها لكي لا يفلت أيٌّ من ساكنيها فيهرب، وبعد إحكام الحصار، اجتاحتها والقت القبض على جميع شباب ورجال القرية وحجزتهم في الكنيسة ومعهم الكاهن، ثم قاموا بتفتيش الدور بحثاً عن الأسلحة المزعومة، فلم يعثروا على شيء. أمضى المحجوزون ليلتهم وهم يشعرون بنهايتهم على ايدي اولئك الأشرار، فجنحوا الى التوبة والإعتراف استعداداً للموت المحتَّم، واستمرّوا على الصلاة ساهرين ويقظين، وتوما الكاهن يشُدُّ من عزيمتهم ويُشجعهم على التمسك بايمانهم مُظهرين بسالة في استقبال الموت من أجل المسيح، ليخزى المجرمون القتلة الخالية قلوبُهم من الرحمة بسبب تعصُّبهم الإسلامي البغيض.
وفي صباح اليوم التالي أخرجوهم وكُلُّ عشرة منهم مقيَّدين بالحبال،  واقتادوهم نحو الوادي العميق القريب من قرية زوغا التي تبعد  عن قريتهم "جاروخية" بنحو ساعة من المسير، وهناك جرَّدوهم من ملابسهم  وقطعوا أعناقهم بالسيوف، وذُبِح بعضُهم بالسكاكين، وألقوا جثثهم في ذلك الوادي طعماً لوحوش البر والجوارح من طير السماء. أما القس توما كربوش، فقد قطَّعوا جسده إرباً إرباً، كما فعل الوثنيون الفرس الساسانيون بمار يعقوب المقطَّع، وهنا نسأل هل هناك فرق بين المسلمين والوثنيين؟ لا بل إنَّ المُسلمين أكثر إجراماً من الوثنيين ولا سيما بحق المسيحيين.
استطاعت أمرأتان مسيحيتان أن تخرقا الحصار المُشدَّد المفروض على القرية المنكوبة، حين سنحت لهما فرصة للهروب والوصول الى ماردين، وعن لسانهما استعرضنا تفاصيل المأساة التي حلَّت بأهل قريتهما. إلا أنَّ المجرمين الأكراد كانوا لهما بالمرصاد، فتمكَّنوا من اصطيادهما وهما في طريق العودة الى قريتهما فقتلوهما. كما اصطاد الأكراد إثنتين من بنات الكلدان فاختطفوهما. عقب ترك العساكر للقرية التي قتلوا شبابها ورجالها، شدَّت نساؤها الرحيل ومعهن أطفالهنَّ الى مدينة آمد، فانبرى مطران آمد مار سليمان صباغ، لشدِّ أزرهنَّ من حيث تلبية احتياجاتهنَّ والعناية بأطفالهنَّ، فهيَّأ لهنّ وللأخريات أمثالهنَّ ملجأً لسكناهنَّ، وفيه بدأنا يتعلمنَ القراءة والكتابة، وبلغ عددُ نزيلات الملجأ خمساً وثلاثين نزيلة، وقد عيَّن المطران مرشدا لهنَّ ولأيتامهنَّ القس سليمان كوجك اوسطا. أما قريتهنَّ فقد أتِّخِذ منها معسكراً للجيش مستولين على كنيسة القرية والغرف المُلحقة بها.
ميافرقين المدينة الحاوية  لرفاة الشهداء العريقة
ميافرقين كانت مدينة جميلة ونالت شهرة كبيرة في الأجيال المسيحية الأولى ولا سيما بعد منتصف القرن الرابع  وأوائل القرن الخامس على عهد اسقفها الشهير " مارماروثا الملفان الطوباوي"، اختاره الإمبراطور الروماني مبعوثاً خاصاً له، فقدِم الى المدائن عاصمة المملكة الفارسية ومقر كُرسيِّ جاثاليق كنيسة المشرق الكلدانية. ساهم في كلتا رحلتيه الى بلاد فارس بتثبيت دعائم كنيسة المشرق التي كانت قد زعزعتها الصراعات القائمة بين أساقفتها، فبهِـمَّته ومكانته لدى ملك الملوك الفارسي  ( يزدجرد الأول 399 – 420م ) استتبَّت أمورُها عن طريق مرسوم اصدره ملك الملوك يزدجرد الأول الآنف الذكر. جاء فيه: نحن ملك الملوك يزدجرد الأول، نأمر بأن يُجَدَّدَ بناءُ كُلِّ الكنائس المُهَدَّمة في عموم المملكة، وأن يُخلى سبيل كُلِّ الذين في السجون أو رهن الإعتقال بسبب عَقيدتهم المسيحية، وأن يتمتعَ بالحرية كُلُّ رجال الدين. واعتُبرَ قـرارُ يزدجرد الأول هذا في الشرق، موازياً لمرسوم ميلانو الشهير الذي أصدره عام 313 م قسطنطين الكبير في الغرب قبل مئة عام. والفضل في هذا كُلِّه يعود الى ماروثا اسقف ميافرقين الذي قَدِمَ الى المملكة الفارسية مرتَين في عام 399 م بتكليفٍ مِن الملك الروماني أركاديوس، حيث أبرأَ الملكَ يزدجرد مِن مرضه وأنقذ إبنَه مِن أسر الشيـطان وأنجزَ إبرامَ الصلح بين الفرس والرومان. وفي عام 408 م وبطلبٍ مِن الأساقفة (الآباء الغربيين) الذين كَلَّفوه بنقل رسائلهم الثلاث المُذيَّلة بتواقيع أشهر أساقفة مناطق غرب الفرات (سوريا وما بين النهرين) هُم بحسب ما جاء في كتاب (المجامع الشرقية ص 18 والترجمة ص 255): فريفير يوسف اسقف < بطريرك > أنطاكية ،آقاق اسقف حلب، بقيذا اسقف الرُّها، اوسابيوس اسقف تَلا، و آقاق اسقف آمد. وكانت لرحلتِه الثانية هذه مُهمتان: الاولى ‏إبـلاغ الملك الفارسي يـزدجرد بوفاة الملك الروماني أركاديـوس واعتلاء إبنه (تيئودوسيوس 408 - 450 م) العرشَ الروماني خلفاً لوالده. والمُهمة الثانية فكانت لبذل مسعاه مِن أجل ايجاد الصلح بين أساقفة كنيسة الشرق، حيث كان الكثيرون مِنهم ثائرين على الجاثاليق لطمعهم بالرئاسة، وكان الصراع مُنصبّاً على منصب الجثلقة (الرئاسة العليا الاولى) وقد بلغ أشُدَّه. فنجح مارماروثا بدعم مِن الملك يزدجرد بحصوله مِنه على تثبيت ماراسحق في الرئاسة، وإزالة أسباب النزاع وتذليل الصعوبات ومِن ثمَّ تنظيم شؤون الكنيسة بالدعوة الى عقد مجمع لكنيسة المشرق في مطلع عام 410 م . 

فقام مارماروثا بمقابلة الملك يزدجرد وسلَّمه إحدى الرسائل الثلاث الموجهة إليه، ثم استأذنه طالباً موافقته ليأمر بجلب جميع مطارنة وأساقفة المملكة لعقد مجمع شامل لكنيسة المشرق، فلبَّى الملك طلبه وعقد المجمع في عام 410م برئاسة مار اسحق الجاثاليق. إنَّ أهمَّ الأسباب التي دَعَت الى عَقد مجمع ساليق الثاني، كان لإقرار القوانين والأنظمة الكنسية التي أقرَّها مجمع نيقية عام 325 م مِن أجل تطبيقها مِن قـبل رئاسة كنيسة الشرق في كافة كنائسها. وقد ثمَّنت كنيسة المشرق الكلدانية ولا زالت جهود مارماروثا الميافرقيني  بتنظـيمه لسير الشهداء ووَضعِه لهم أناشيدَ خالدة وعذبة تُشيدُ بمآثرهم وتُجَدِّد ذِكراهم ويتغـذَّى مِنها المؤمنون روحياً في تقواهم لمدى الأجيال، كما جعل مِـن مدينته ميافرقين أن يُلقِّبها اليونانيون بـ (مارتيروبوليس) والكلدان بـ (ܡܕܝܢܬ ܣܗܕܐ) وكلتا العبارتين تعنيان "مدينة الشهداء" . ( ملاحظة: كانت مناسبة لكي نتحدَّث عن سيرة أشهر اسقف جلس على كُرسيِّ اسقفية ميافرقين هو "مارماروثا"وعن جهوده الجليلة التي بذلها في خدمة كنيسة المشرق الكلدانية).

كانت اسقفية مدينة ميافرقين العريقة تتبع كرسي مطرانية آمد، لها كنيسة جميلة وحديثة، قبَّتها مُزخرفة بالحجر المنحوت. شيَّدها المثلث الرحمات (مارعبديشوع الخامس خياط بطريرك بابل على الكلدان 1894 – 1899م) في الفترة التي كان رئيس أساقفة آمد قبل تبؤئه السدة البطريركية. كانت الكنيسة مُشيَّدة على اسم ماريوسف خطيب العذراء مريم. يُدير الكنيسة الخوري حنا ميلوس المارديني، يساعده في الخدمة الكنسية سبعة شمامسة، عددُ العوائل الساكنة فيها يناهز المائة وعشر  عائلة. وكانت هناك قرية تُدعى "زيري" تقع في الغرب الجنوبي لمدينة ميافرقين، فيها كنيسة تحمل اسم "كنيسة انتقال العذراء" يقوم بالخدمة فيها كاهن من رهبنة الربان هرمزد المدعو "القس سركيس" تسكنها حوالي خمس وعشرين عائلة.
وفي شهر آب لعام الإضطهاد العثماني الشنيع 1915م الأسود، القى المُجرمون القتلة القبضَ على رؤساء القريتين ميافرقين وزيري وكاهِنَيهما الخوري حنا ميلوس والراهب القس سركيس وأُلحِق بهم كهنة الأرمَن ووؤساء طائفتهم، فبلغ عددُ الذين تمَّ القبضُ عليهم مِئتَي شخص. أقتادوهم الى قرية "ميرعليا" وهم مربوطين بالحبال وبعضهم بالسلاسل الحديدية ومُقيَّدي الأيدي. ولدى بلوغهم الوادي العميق القريب من القرية المذكورة، أوقفوهم فأخرج رئيس العسكر أمر إعدامهم وتلاه على مسامعهم.
وللحال قام الراهب القس سركيس، وسأل رئيس العسكر منحهم بعض الوقت ليستعدّوا فيها للموت.  وبعد أن استجاب لطلبه، حوَّلَ نظره الى ذلك الحشد البائس ووجَّهَ إليهم كلامَه قائلاً: < أحِبائي، إنَّكم الآن قد عرفتم وتيقَّنتم جيداً، بأنهم قد أتوا بنا الى هنا لنُقتل، وها إننا الى الموت مُقبِلون، لا لشيءٍ وإنَّما فقط لأنَّنا مسيحيون! لذا سنموت أطهاراً ابراراً وأنقياء من الخطايا، ونحن في طريقنا الى الملكوت. فليعلم الجميع بأننا لم نقم يوماً ضِدَّ الدولة، ولم نُخالف يوماً قوانينها وشرائعها، فلم يكن بوسعِهم إدانتنا بأيِّ جُرم ارتكبناه! إلا اعتبارهم جُرماً كونُنا مسيحيين! وعليه فإننا لا نخاف مِن مصيرنا، ولا ندع الحزن يستحوذ علينا مهما أعَدّوا لنا. فلنستقبل السيف بفرحٍ، ونقدِّم دمنا ذبيحة مُرضية لمغفرة خطايانا الشخصية التي ارتكبناها حين ضعفنا أمام ربوبيته. فكما قدَّم المسيح ملكُنا دمَهُ كُفّارة عن خطايانا، فكذلك نحن لن نهاب آلامَ الساعة التي تنقلنا من الحياة الزمنية الفانية الى الحياة الأبدية الخالدة. إنَّ عذاباتنا هي لا شيء لو قورنت بالعذابات التي قاساها ربُّنا من أجل خلاصنا. إخوتي انظروا إليه وكأنَّه يُصلب الآن، وهو غارق في بحر من الآلام فتشجَّعوا. ولما فرغ من هذه العِظة رفع عَينَيه الى السماء ونادى بصوتٍ عالٍ قائلا: هلُمّوا تقدَّموا الى هَهُنا. حينذاك خَرّوا جميعُهم على الأرض ساجدين. وأخذ كُلٌّ منهم قليلاً من التراب ووضعوه في أفواههم.

وما إن انتهى الكاهن الغيور حتى التفت نحو رئيس العسكر قائلاً له: لقد أتممنا أيها السيِّد واجبنا، وها إننا مستعِدّون لخوض معركة الجهاد المقدس، هذه المعركة التي أُرغِمنا على خوض غِمارها، فتعالوا وأكملوا ما أُمِرتم بتنفيذه. فأمر رئيس العساكر قواته والمُرتزقة الأكراد بالتحرُّك لتنفيذ المجزرة، فأحاطوا بذلك القطيع من الخراف الوديعة الضعيفة، ثم وثبوا عليهم كالذئاب الجائعة بعد أن أمطروهم برصاصات اسلحتهم الحارقة، فذُبح البعض كالخراف، والبعض الآخر بُقِرت بطونهم بالخناجر وطُعِنّت صدور وأجناب الآخرين بالحراب، ومنهم مَن هُشِّمت جماجمُهم بالحجارة، حتى قضوا على جميعهم، ثم كوَّموا جثثهم في ذلك الوادي، وعاد القتلة حاملين ملابس الشهداء التي نزعوها عنهم قُبَيل قتلهم.

وفي عام 1902م وبينما كان ماراً في ذلك الطريق القس طيمثاؤس فضلي متوجها بأمر من السعيد الذكر مارسليمان صباغ مطران آمد للذهاب الى ميافرقين لخدمة الأنفس التي نجت من المجزرة التي اقتُرفت قرب ذلك الوادي. ولما شاهد اكواما مِن عِظام وجماجم بشرية مُكدَّسة في ذلك الوادي، سأل مُرافقَه العسكري: لِمَن يا تُرى تكون هذه العظام والجماجم؟ ردَّ العسكري قائلاً: إنَّها لأهالي ميافرقين، وكُنتُ أنا أحد المشاركين في قتل اولئك الرجال المسيحيين، وروى له بالتفصيل كيف جرت تلك المجزرة، ونحن دوَّنّاها بأمانةٍ كما رواها.  والى الحلقة الحادية عشرة قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 31/7/2015

40
نَدوَة حول الرابطة الكلدانية
بدعوة من المنبلر الديمقراطي الكلداني عُقدت  ندوة عامة على قاعة  كنيسة ام الله –  ساوثفيلد –  مشيكان – اميركا. في الساعة السابعة والنصف من مساء الثلاثاء 28/7/2015 . حضرها جمهور كبير من مختلف فئات الشعب الكلداني الذي يعيش في ولاية مشيكان والقادم من كندا وولاية كاليفورنيا، وذلك لشرح المزيد عن الدوافع التي حدت بغبطة أبينا البطريرك مار لويس روفائيل الأول ساكو الى عرض اقتراح لتشكيلها قبل عدة اشهر، وقد عقد مؤتمر خاص  في أوائل شهر تموز الجاري في اربيل – كردستان العراق وتم تشكيلُها فعلياً . وبما أنَّ وفداً مهماً وفاعلاً  موَّلفاً من خمسةاعضاء من المنبر الديمقراطي الكلداني هم: الدكتور نوري منصور، شوقي قونجا، عادل بقال، قيس ساكو، وجمال قلابات وعلى رأسهم سيادة المطران ابراهيم ابراهيم الجزيل الإحترام. رأى المنبر ضرورة قيام سيادة المطران ووفد المنبرالمرافق بتنوير أبناء الشعب الكلداني الذين نوهنا عن حضورهم، بتفاصيل تأسيسها والفعاليات المرجوَّة منها . كانت ندوة جدية أدارها السيد شوقي قونجا.أبرعَ المتحدثون فيها وأفاضوا بشرح أسباب تشكيلها وأهدافها حيث تفضل سيادة المطران ابراهيم ابراهيم بشرح وافٍ لأهم  بنود نظامها الداخلي، وتلاه الأب بولس ساكي الذي عُهدت إليه مُهمة المرشد الروحي للرابطة وشرح الكثير عمَّا ستقوم به الرابطة من نشاطات مهمة في سبيل خدمة الكلدان في الوطن الأم العراق وفي كُلِ مكان من العالم يتواجد فيه الكلدان، ثم تحدَّث نائب رئيس الرابطة السيد جمال قلابات منوهاً بقيام الرابطة والآمال المتوخاة منها، وأعقبه السياسي البارع السيد قيس ساكو، فأسهب في تعدد الإنجازات التي ستعمل الرابطة على تحقيقها للشعب الكلداني خاصة وللشعب المسيحي العراقي عامة. ثمَّ أعطي المجال لطرح الأسئلة من قبل جمهور الحاضرين، فكان المتحدثون اكفاء بالأجوبة. على العموم كانت ندوة سارة أعطت ارتياحاً كبيراً للمستمعين، وقد حضرها عدد من وسائل الأعلام ومندوبي الفضائيات والمصورين، وستتبعها ندوات ولقاءات اخرى بعون الله في المستقبل القريب والبعيد. بارك الله بجهود جميع مَن ساهم وشارك بقيام الرابطة الكلدانية التي ستكون المدافع الرسمي والشرعي عن حقوق وأماني وتطلعات الشعب الكلداني والمسيحي!
كنتُ أحد حاضري الندوة والمُصغين بانتباه الى شروحات المتحدِّثين عن كُلِّ الجوانب المتعلقة بالرابطة الكلدانية، كيف بدأت الفكرة لدى مُقترِحها غبطة أبينا البطريرك مارلويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى وكيف تبلورت بعد إشباع موضوعها فيضاً من الدراسات والمناقشات والأفكار والرؤى من قبل متقبلي الفكرة ومُعارضيها إضافة الى مَن كانت مواقفهم  حيادية . لقد ثبُت لديًّ أنَّ ما دار حولها مِن نقدٍ وانتقاد كان ذا تأثيركبير ليخرج نظامُها الداخلي بصورةٍ مُعدَّلة بحقٍّ لم يترك للمؤيدين والمناوئين مجالاً للطعن به والإنتقاص منه. ومن هذا المنطلق أدعو إخوتي أعضاء الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان وإخوتي من المهتمين بالشأن القومي المستقلين تغيير نظرتهم السلبية عن الرابطة الكلدانية الفتية، وإفساح المجال أمام مَن انتُخبوا للقيام بأعباء مُهماتها خلال سنتها الأولى، إذ بعد انقضائها، سيُعقد مؤتمرعام بكامل أعضائها الذين سينتمون إليها خلال هذا العام وهو بدوره سينتخب كامل هيئاتها لمدة أربع سنوات.
ما أطلبه من إخوتي الذين أشرت إليهم آنفاً، الكف عن الهجوم اللاذع ذي الأثر المُحبط، لكُلِّ مَن انتخبهم المؤتمر التأسيسي للرابطة الكلدانية ليؤدوا مهامهم التي تعهدوا القيام بها. إنها مؤسسة كلدانية مستقلة لا وصاية عليها من قبل الكنيسة، عدا تقديم الدعم  بكُلِّ اشكاله الى جانب الإرشاد، وإذا شكَّكَ أحدٌ بأن الدعم والإرشاد يُمثل الوصاية، فإني أقول كلا! فإنَّ غالبية المؤسسات وحتى الحكومية والعسكرية في أرقى الدول يُعيَّن لها مُرشدون وتُرحِّب بالدعم المقدَّم لها. والعراق الحالي هو أول بلدٍ يستعين أحزابُه ومؤسساتُه بمرجعياتهم الدينية من حيث الدعم والإرشاد، فلماذا نشذ عن هذه القاعدة نحن؟ ثم لقد جرَّبنا نحن الكلدان بالذات أحزاباً ومنظمات النأي بأنفسنا عن الكنيسة، فكانت النتيجة الفشل على طول المسيرلماذا؟ لأنَّ شعبنا كنسيُّ الهوى فخذلنا! لذلك علينا مراجعة حساباتنا ونستمد العِبَر من تجاربنا، ونرضخ للأمر الواقع، فإن العناد والتصلُّب بالرأي لن يُجدينا نفعاً. ربَّ قائل يقول بأن الشماس مردو قد قلب ظهر المجن لقوميته، فإنَّ مَن يظن ذلك فهو مخطيْ، أنا قد نذرت نفسي للدفاع عن قوميتي الكلدانية طالما فيَّ عرق ينبض، قلت لغبطة البطريرك الجليل مار لويس قد أوافقك على الكثير من مواقفك، ولكني لن أتفق مع غبطتك إطلاقاً  في معاداتك للقومية الكلدانية أوالإنتقاص منها أو التنكُّر لها. أما الآن فإني قد لمست تبدلاً جذرياً في موقف غبطته منها واعتزازه بها، وأعلن سروري الكبير بذلك، وأكبر برهان على ذلك اقتراحه الصائب في تشكيل رابطة كلدانية، ومساهمته الكبرى في رؤيتها النور. فلنستعِدْ رزانتنا التي فقدناها ونخدم امتنا الكلدانية  بكُلِّ طريقة تؤدي الى تحقيق أمانيها مع احترامي الكبير لكُل إخوتي مُشاركيَّ في الحقل القومي. ودومو جميعا بخير وصحة تحت ظلال نعمة الرب القدير!
أخوكم
الشماس د. كوركيس مردو
في 29/7/2015 

41
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة التاسعة
إعادة فتح المدرسة وتجديدها
في (الصفحات 121 -  130) يواصل ماراسرائيل اودو وصف حالات الإضطهاد الأليمة المُثارة من قبل حكام الدولة التركية الجدُد الموغلين في تزمتهم الديني والعنصري المقيت ضِدَّ المسيحيين بشكل عام والأرمن بشكل خاص، فننقل ما رواه هذا الأسقف الجليل بتصرُّفٍ صياغي كعادتنا دون المساس بالمضمون.
في مُستهَلِّ شهرآب لعام 1919م أعَدنا فتح مدرستنا المُستولى عليها منذ عام 1915م، فنزلنا الى الشوارع نجمع الأطفال المُشرَّدين، وعهدنا بإدارتها الى إثنين من كهنتنا، أحدهما القس كوركيس القادم من اسطنبولفطلبنا منه البقاء عنطنا، أما الثاني وهو القس اوغسطين خرموش المارديني فقد استقدمناه من الموصل. تقدَّمت المدرسة بمهمتها التدريسية وعمَّها الإزدهار، ولكنَّ يد العسكر طالتها ثانية واستولوا عليها في شهر أيار لعام 1924م مع المشتملات التي تتكوَّن منها كنيستنا عدا الطابق العلوي، فقد تركوه لإقامتنا، واستمرَّت إقامة العسكر زهاء عشر سنوات. لقد بدأت مُعاناتُنا منذ أن شغل الدار وسطحها عددٌ من العسكر والكثبرُمن الأكراد الماردينيين، كان يتجاوزعددُهم أحياناً المئتي فرد، وكُلُّ وجبةٍ ينتهي واجبُها تَحِل محلها وجبة اخرى، سبَّبَ تكدُّسُهم هذا العفونة والنتانة نتجت عنهما رائحة كريهة أفسدت الهواء، وكانت أصوات اغانيهم وصيحاتهم المسببة للضوضاء المُزعجة والتي لم تكن تهدأ حتى منتصف الليل، وبذلك كانوا يتعمَّدون إزعاجنا وإقلاق راحتنا وراحة جيراننا يسلبون النوم من عيوننا ليلاً ونهاراً بتصرفاتهم الرعناء، وقد بدأ ذلك منذ صيف 1924م وحتى اوائل الشتاء.
وبنهاية فصل الخريف ذهب خالد بيك رئيس هذا التجمُّع المزعج، وقابل قائد الفرقة طالباً منه موافقته ليقوم بالإستيلاء على كنيستنا، ليجعل منها ثكنة لإقامة عساكره بدلاً من مُلحقها الحالي الذي يشغله، مبيِّناً له صعوبة الإقامة في العراء في الشتاء بسبب الأمطار وبرودة المناخ. وهنا تدخَّلت العناية الإلهية، فكان أنَّ القائد لم يرفض طلبَه فحسب، بل امره بوجوب إخلاء المُلحق المشغول من قبل عساكره فوراً لأنَّ الفرقة بحاجةٍ إليه. ولما علمنا بقاء الفرع أفضل لنا من الفرقة، التمسنا من القائد بقاء الفرع في ملحقنا ولا يسلمُه للفرقة فقبل التماسنا، وفي ذات الوقت طلبنا من خالد بيك، أن لا يبقَ الجنود عندنا في الليل فقبل طلبَنا هو الآخر، وبذلك حصلنا على نسبةٍ من الراحة وإن كانت غير كافية.
العدالة الإلهية تُمهلُ ولا تُهمِل
في منتصف ليلةٍ من ليالي اوائل شباط لعام 1922م، حدث بأنَّ صخرة كبيرة جداً انفصلت من الكهف الذي يعلو حِصنَ مدينة ماردين وسقطت على التل الكائن تحت الحِصن من ناحيته الجنوبية، فتدحرجت بقوة ووصلت بسرعةٍ هائلة، وصدمت داراً من دور المنطقة العليا من ماردين، كانت من أبرز دور المنطقة تصميماً وجمالاً واُبَّهة بفضل هندستها الرائعة، حيث كانت تتراءى للناظر إليها بأنها مُشيَّدة وكأنَّها دارتان إحداهما فوق الأخرى، وكانت مُحاطة ايضاً بسور ضخم من الحجارة الكبيرة والصلبة، وكُلُّ ذلك لم يصمُد أمام عنف تلك الصخرة الثقيلة وسرعتها الهائلة، فأحدث ارتطام الصخرة بالدار اهتزازاً مدوياً ارتجَّت من هوله المنطقة، فهوت برمتها، وبسقوطها دفنت ساكنيها تحت انقاضها، وكان عددُهم إثني عشر فردا، أُخرجت جثثُهم في صبيحة اليوم التالي. كان القتلى صاحب الدار المدعو نوري اونباشي المارديني وأهل بيته جميعاً، كانت الحادثة مدعاة رعبٍ وفزع للذين عاينوا الحدث وحتى للذين سمعوا به.
كان نوري اونباشي أشرس الرجال الذين ساهموا في أعمال الإضطهاد فعلياً وإشرافاً، كان يُمضي جُلَّ وقته داخل السجن منهمكاً في تعذيب المسيحيين، ولشدة شراسته وتزمُّته الإسلامي الفظيع، لم يتورَّع عن ضرب إثنتَي عشرضربة عصا على رجلَي المطران الجليل مار اغناطيوس مالويان. كان يصُبُّ النفط في أفواه المسيحيين فيختنقوا، عذَّب الكهنة وقتل الأماجد. اقتلع أظافر المؤمنين المسيحيين بالكِلاّبات، ولم يترك صنفاً من العذابات إلا وأذاقهم إياه وهو يقول لهم بتهكُّمٍ وتحدٍّ: ليأتي مسيحكم ويُنقذكم من يدي. ولكن ما إن بلغ زمن الغضب الإلهي أوانه، وأزفت ساعة انتقامه العادل، حتى تدحرجت تلك الصخرة العملاقة التي لم توجِدها هناك يدٌ بشرية، فدكَّت بيت ذلك المتغطرس واقتلعته من أسُسِه، فهشَّمت انقاضُه جمجمته وسحقت عظامه وعظام نسائه وابنائه، وهذه تكون نهاية الشرير المُستهين بالخالق وخلائقه! حيث يُزيله ويُمحي ذريته!!! إنَّ إثنتي عشر ضربة عصا التي ذاقتها رجلا مار اغناطيوس مالويان، فإنَّ إثنتي عشر نفساً هلكت من عائلة المجرم بما فيها تفسُه. ايها الإله العظيم، بقدر ما هي رحمتك كبيرة! فإنَّ عدالتك توازيها بالقوة، وكثيراً ما لا تنتظر فتظهرها على الأرض!
ومن الجدير بالذِكرالقول: بأنَّ هذا الشخصَ الشقيَّ الحاقدَ نوري اونباشي، ومن خلال الدور الإجرامي الذي كان يُمارسُه ضِدَّ المسيحيين، أيام شراسة الإضطهاد، قام بسبي شابة ارمنية الأصل بالقوة واتخذها زوجة له، فأنجبت منه طفلة.  وفي ليلة الحادث ونزولاً عند الحاح هذه الطفلة الشديد على امها بالخروج من الدار الى الخارج، لم يسع الأم إلا تلبية رغبة طفلتها وبخاصةٍ أن الأرق قد أصابها ولم يعُد باستطاعتها النوم، فخرجتا من الدار بوقتٍ قصير جداً قبل انهيار تلك الدار وسقوطها فوق رؤوس ساكنيها كما أتينا الى سرده أعلاه، إذ ما إن ابتعدت الأم وطفلتهاعن الدار قليلاً حتى هوت الدار وحوَّلت مَن فيها الى جثثٍ تحت انقاضها. واعتُبرت نجاة هذه المرأة وابنتها آية من السماء تُشير الى أنَّ صاحب العرش السماوي ينتقم للمظلومين أحياناًعاجلاً وليس آجلاً، فكان ما حدث معجزة لأهالي ماردين ولكُلِّ الذين سمعوا به أو شاهدوه!
نبذة عن ابرشية آمد والإضطهاد الذي طال أبناءَها
كانت للمِلة الكلدانية بحسب المصطلح التُركي أي "الأمة الكلدانية" عام 1915م كنيسة تُعرف بـ"كنيسة الكُرسي" في مدينة آمد "دياربكر" مُشيَّدة على اسم الشهيد ماربثيون، تُجاورها دار واسعة هي مقر الأسقفية الكلدانية، شيَّد مارسليمان صبّاغ في طابقها العلوي قسماً إضافياً، حيث كان هو مطران ابرشية آمد، يُساعده في تقديم الخدمات الروحية للكلدان خمسة كهنة وهم كُلٌّ من: القس اسطيفان دلالي، القس بطرس جرّاح، القس يوسف طايور، القس سليمان كوجك اوسطا والقس طيمثاؤس فضلي، وكُلُّهم من مدينة آمد. يتعاون معهم في الخدمة 14 شماساً رسائلياً و12 شماساً قارئاً. وبجوار الكنيسة ثلاث مدارس للبنين وفي خارجها ثلاث مدارس للبنات. كان عدد أبناء المِلة الكلدانية في مدينة آمد نفسها يربو على الثلاثمائة وخمسين عائلة، عدا العوائل التي تعيش في القرى التابعة لمركز الأبرشية.
في شهر نيسان لعام 1915م أوعزت السلطات الحاكمة الى الجهات العسكرية بتحرّي بيوت المسيحيين بحجة البحث عن الأسلحة، فقامت العساكر بتفتيش كُل الأماكن المشكوك بوجود الأسلحة فيها، شملت التنقيب في أسُس الأبنية وحتى في المجاري ومواضع رمي القِمامة، ولما أعياهم البحث دون أن يجدوا شيئاً، دفعهم عجزُهم بل ربما كان ذلك البحث الفاشل ذريعة لتنفيذ هدفهم الأساس هو إلقاء القبض على أشراف مِلة الكلدان والطوائف المسيحية الأخرى وزجِّهم في السجون، حتى بلغ عدد المقبوض عليهم من الكلدان فقط (80 رجلاً). في بداية أيارمن السنة ذاتها، أخرجوهم من السجن ونقلوهم بالأكلاك هم وأبناء الطوائف المسيحية الأخرى، وبعد مسيرة ساعتين في نهر دجلة، أوقف المُجرمون الأكلاك وانزلوا المأسورين الى البر، وذبحوهم بأسرهم ورموا جثثهم في المغاور الملاصقة لساحل نهر دجلة. وبعد مرور ثلاثة أشهرعلى بداية الإضطهاد، أي في 29 حزيران أُبلِغ المطران سليمان صبّاغ بمضمون البرقية التي استثنت الكلدان من الإضطهاد. ولكن أيَّ رجل مسيحي يُشاهد في الشارع خارج داره، يُقبض عليه ويُرمى في السجن، وفي اليوم التالي يُعثرُ على جثَّتِه ملقاةً في البساتين.
بتاريخ 29 حزيران 1915م أرسل الدكتور رشيد حاكمُ آمد، في طلب السعيد الذكر مارسليمان صباغ مطران آمد الكلداني، ولدى دخوله إليه لوحده دون مُرافق، ناوله الحاكم برقية مُرسلة من العاصمة اسطنبول، فحواها: < إنَّ الكلدان والسريان والروم مستثنون من السبي والإضطهاد. فما كان من المطران سليمان إلا أن فتح فاه، داعياً للحاكم والسلطان. وبعودته من لدن الحاكم، اصطحب معه السجناء من الكلدان والطوائف المسيحية الأخرى عدا الأرمن، ولما وصل الى الكنيسة أقام صلاة شكر وتسبيح لله على الخلاص الذي مُنِح!
خلال شهر تموز لعام 1915م تمَّ إلقاء القبض على عددٍ كبير من الأرمن ومن ضمنهم العديد من العوائل الكلدانية، فسارع المطران سليمان الى تذكير الحاكم بأمر البرقية الصادرة من اسطنبول التي تستثني الكلدان من السبي والإضطهاد، طالباً منه إخلاء سبيل المُعتقلين من الكلدان، بيد أنَّ الحاكم لم يُعِر لطلبه إذناً. ونتيجة لذلك فإنَّ زهاء (700 شخصاً) تمَّ قتلُهم بالرغم من صدور قرار الإستثناء بحقهم ومن العاصمة اسطنبول. ولما رأى أبناء مِلتنا الكلدانية بأنَّ المُضطهِدين القساة عازمون على إبادتهم واجتثاثهم من الأرض وعلى دفعات، اجتمعوا عند المطران سليمان وتشاوروا فيما بينهم، وأقرَّ رأيُهم على جمع مبلغٍ من المال لكي يُبعدوا عنهم السبي والقتل، فجمعوا (800 ليرة ذهب) وكمية من المصوَّغات تُعادل بصف هذا المبلغ، وسلَّموها للمطران سليمان، وقام هو بدوره وذهب الى رئيس القتلة وأعطاه إياها، فأعطى هذا قسماً منها الى منظمتي الصليب والهلال الأحمرَين، فكانت هذه الخطوة فعالة لنجاة مَن تبقى من العوائل الكلدانية التي قارب عددُها المئتي عائلة.
نبذة عن راعي أبرشية آمد المطران سليمان صباغ
وُلِد المطران سليمان صباغ في مدينة الموصل في نيسان 1866م واختار له ابواه في العماذ اسم سليمان، وبعد أن أصبح فتىً أدخِل الى معهد شمعون الصفا الكهنوتي الكلداني في الموصل، وبعد استكماله دروسه المُقرَّرة، رُسِم كاهناً في 8/4/ 1988م في كنيسة مِسكنته الموصل بوضع يد المثلث الرحمات مارايليا الثاني عشر عبو اليونان بطريرك بابل على الكلدان.  وخلال قيامه في خدمته الكهنوتية في الموصل مسقط رأسه، انيطت به إدارة معهد شمعون الصفا الكهنوتي 1892 – 1897م خلفاً لمديره القس يوسف توما الذي اختير( مطراناً لسعرد ثم بطريرك بابل باسم مار عمانوئيل الثاني توما). اختير القس سليمان صباغ راعياً لأبرشية آمد، خلفا لراعيها المطران مار عـبديشوع الذي انتُخب بطريركاً باسم ( البطريرك مار عبديشوع الخامس خياط 1894 –  1899م) وتمَّت رسامتُه مطرانا لها في شهر ايلول لعام 1897م بوضع يد سلفه المثلث الرحمات البطريرك مار عبديشوع الخامس خياط. كان المطران سليمان صباغ يُجيد أربع لغات نُطقاً وكتابة وبطلاقةٍ هي: الكلدانية والعربية والتركية والفرنسية، وفوراستلامه لأبرشية آمد بذل اقصى جهده في خدمة أبنائها بكُل حزم وهمةٍ ونشاط لا يعرف الكلل لمدة ستٍّ وعشرين سنة.
في مدى سنيه الحبرية شيَّدَ ثلاث كنائس وأربع مدارس، وعمل على مضاعفة أوقاف كنيسة مار فثيون حيث وصل عددُها (21 حانوتاً) ودارين. إتَّصف بمحبته الكبيرة لأبناء أبرشيته، وباهتمامه بمتابعة التربية التي تُبذل في مدارس الأبرشية غيرة منه على تزويد الناشئة من البنين والبنات بالثقافة العلمية والخصال الروحية. وشملت غيرتُه مَيلَه الكبير الى ايواء الأيتام والأرامل ومساعدة المُعوزين والمظلومين. وفي السنوات الأخيرة بذل جهداً كبيراً في جمع شمل الأيتام من أبناء أبرشيته الذين فقدوا آباءَهم وامهاتهم نتيجة الإضطهاد المُثار ضِدَّ المسيحيين من قبل الدولة العثمانية الباغية، حيث أنشأ لهم ميتماً وعهد بإدارته الى القس سليمان كوجك اوسطا، وراح ينفق عليهم من حسابه الخاص لعدم وجود أية مُخصصات لهم لتوفير الكسوة والطعام الى جانب تعليمهم القراءة والكتابة ومهن اخرى. وصل عدد الأيتام في الميتم الى (45 يتيماً) عدا القائمين على رعايتهم والعناية بهم. وإذ عمَّ البلادَ الغلاءُ الفاحش وقع المطران صباغ في ضائقة مالية، والمَّت به الضيقات والمشاكل وهذا ما أطلعني عليه هو ذاته في رسائله التي كان يخصُّني بها. وقد ذكر لي في إحداها قائلاً: لقد بلغت بنا الحال أن نأكل خبز الشعير، وحتى هذا لم نكن نحصل عليه.
لم يُثنيه الوضع الحرج بكُلِّ ثقله، من إلقاء المواعظ والإرشادات أيام الآحاد والأعياد على المؤمنين ولم تكن مدة الوعظ لتقل عن الساعة الواحدة، يُعلِّم ويُفسِّر بلغةٍ سلسة يفهمها السامعون، كان ذكيّاً بليغ الكلام فصيح الإنشاء في كلتا اللغتين العربية والتركية، عفيف النفس، طاهر الجسد والقلب، يستيقظ مبكِّراً، يبدأ يومَه بتلاوة الصلوات الطقسية القانونية، معدَّل نومه لا يتعدَّى الخمس ساعاتٍ في اليوم. رجل نظامي يؤدي واجباته بأوقاتها المعينة، متشدِّد مع  كهنته الى حد القساوة أحياناً، حريص على تحليهم بالخصائل الجيدة، متواضع مع جميع الناس وصارم جداً مع منتهكي القوانين. الأحداث المأساوية التي تزامنت مع أعوامِه الثمانية الأخيرة، أي منذ عام 1915م وحتى عام وفاته 1923م نغَّصت حياته ولم يذق فيها طعم الراحة من جراء النكبات والمصائب التي ألمَّت بأبناء ابرشيته، إذ كان يراهم يُذبحون رجالاً ونساءً وأطفالاً وليس من منقذٍ، ومِمّا لم يقوى على تحمُّله، وجعل فرائصَه ترتعد وقواه تخور، هو سبيُ نساء وبنات شعبه من قبل المُضطهدين الوحوش البرابرة الأتراك والأكراد.
في مساء يوم الخميس الموافق للأول من حزيران لعام 1923م، وبعد انتهائه من إلقاء وعظه الذي استغرق زهاء ساعةٍ واحدة، خرج من الكنيسة، وإذا به يشعر بتعبٍ مشوبٍ بالألم في بطنه وكأنَّ امعاءَه تحترق وتتمزَّق. أسرع الأطباء فوراً الى إسعافه بمختلف الأدوية المتاحة، لكنَّ حالته لم تستجب للعلاج، فأسلم روحه الطاهرة الى باريها بعد مضيِّ أربع وعشرين ساعة. وفي اليوم التالي وفي الساعة التاسعة صباحاً، ووريَ جُثمانُه الثرى بعد خدمته الطويلة في كرم الرب. دفن في قبر جديد أُعِدَّ له في الإيوان المقابل لباب كنيسة مار فثيون الشهيد. ترأس مراسيم الدفنة مار اسرائيل اودو مطران ماردين  وساعده جوق كهنة وشمامسة آمد. كما ترأس المطران اودو قداساً احتفالياً عن روحه الطاهرة، وابَّنه ممتدحاً فضائله ومعدِّداً أعماله الجليلة أمام حشدٍ كبير من المؤمنين من كُلِّ الطوائف المسيحية. وكان ذلك يوم الأحد الثالث من سابوع الرسل الموافق للرابع من حزيران 1923م. والى الحلقة العاشرة قريباً
الشماس د. كوركيس مردو
في 28/7/2015

42
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع والثلاثون
مؤامرات بعثة اسقف كانتيربري
إذاً كانت بعثة رئيس أساقفة كنيسة كنتربري الإنكليزية برئاسة القس "وليم إنكَر ويكَرام" المدعومة من حكومة مملكتها الإنكليزية المتحدة التي كانت قد رسمت لها مهمة سياسية استخبارية، ولكنها مغلفة بستار ديني مذهبي هي الأكثر تأثيراً على أبناء امتنا الكلدان النساطرة. لقد حَلَّت هذه البعثة اللعينة في منطقة هيكاري موطن أبناء امتنا الكلدان النساطرة، إذ كانوا قد ارتدوا ثانية الى النسطرة عام 1670م في عهد البطريرك المُرتد شمعون الثالث عشر كما نوَّهنا في الجزء الثلاثين من هذه الدراسة، واتخذت منها مقرّاً لنشاطها التخريبي وفق تعليمات حكومتها، وكان ذلك في عام 1884 م. كان جميع زوّار هذه المنطقة من جيران وأجانب يعرفون سكانها بأنهم كلدان نساطرة وينادونهم بهذا الأسم كما كانوا هم يُسمّون انفسهم، باستثناء ما كانت كُلُّ جماعةٍ منهم تُطلق على نفسها تسمية عشائرية موقعية. وأوضح برهان على كلدانيتهم هو ختم بطاركتهم الشمعونيين الذي يقرأ "محيلا شمعون بطريركا دكلدايي" أي "الضعيف شمعون بطريرك الكلدان". وبهذا الصدد يقول الشماس كيوركيس بنيامين الآشيثي (نسبة الى قرية أشيثا في هيكاري) في كتابه المُعنون (ريشانوثا أي الرئاسة" طبعة شيكاغـو عام 1987) (إنَّ كل الذين كانوا يزوروننا كانوا يطلقون علينا تسمية "الكلدان النساطرة"، أمـا التسمية (ألآثورية أو ألاشورية) فجاء بها هؤلاء الأجانب الذين حلوا بديارنا) وبالتأكيد يعني بعبارة الأجانب، أعضاء بعثة كنيسة كنتربري الإنكليزية، وما اكثر المصادر التاريخية الأخرى التي تؤكِّد كلدانيتهم.
ولكن مار شمعون الثامن عشر روبين لم يَيأس رغم إجهاض المُرسلين الأنكليكان اللقاء بينه وبين البطريرك الكلداني، فكرَّر محاولة التوحيد في عام 1902م نادماً على رفضه لرسالة البطريرك مارعبديشوع خياط، كما ذكرت (مجلة النجم العدد الخامس لعام 1929) وعِبرَ مخطط تجسُّسي للبعثة الأنكليكانية رصد أعضاؤها سير المحاولة فعلموا بأن البطريرك مار شمعون أوفد شقيقه المطران إبراهيم بمعية إبن عَمِّه نمرود الى الموصل ليُقابلا البطريرك الكلداني الكاثوليكي  مارعمانوئيل الثاني توما للبحث في موضوع توحيد شطري الكنيسة، أما ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 230) فيقول: بأن الوفد الذي أرسله البطريرك الى الموصل لمقابلة البطريرك الكلداني كان مؤلفاً من أخيه ابراهيم اسقف هيكاري بمعية مطران آخر وعدد من أعضاء الأسرة البطريركية على رأسهم زعيمُهم نمرود، وجميعهم أعلنوا جهراً قانون الإيمان الكاثوليكي ولحق بهم عددٌ كبير من النساطرة. وفي أثناء وجودهم في الموصل تلقوا نبأ وفاة مار شمعون، فعادوا أدراجهم مُسرعين الى هيكاري لأن المطران إبراهيم كان المرشح لخلافة شقيقه البطريرك، إلاّ أنَّ الإنكليز كانوا الأسرع في تدبير وفاة البطريرك ذي الميول التوحيدية وتنصيب إبن الشقيق الثاني للبطريرك المتوفى ايشاي بدلاً من المطران إبراهيم، وكان شاباً يافعاً إبنَ السادسة عشرة سنة، رسمه عمُّه البطريرك مطراناً في 1/3/1903 تحت إلحاح وضغط رؤساء العشائر النسطورية الذين أُقنِعوا من قبل ويكرام ورهطه ليكون خليفة عمِّه البطريرك.
وبعد وفاة البطريرك روبين "روئيل" في 16/3/ 1903 استغلوا غياب المطران إبراهيم المرشح لخلافة شقيقه البطريرك، فأقنعوا مطران شمدين اسحاق خنانيشوع ذا الصلاحية الوحيد لرسم البطريرك، فقام برسم المطران اليافع إبن ايشاي ربيب الإنكليز بطريركاً، ولدى وصول مبعوثَي البطريرك المطران إبراهيم وابن عمِّه نمرود، وجدا أنَّ المؤامرة التي دبَّرها أعضاء بعثة اسقف كانتيبري قد نجحت وتمت سرقة المنصب البطريركي من صاحبه الشرعي بخطة انكليزية دنيئة. خضع المطران ابراهيم للأمر الواقع حرصاً منه على عدم تصدُّع الكنيسة النسطورية وانعكاس ذلك  سلباً على العائلة الشمعونية وهكذا استطاع الأنكليكان إفشال قيام الوحدة بين شطري أبناء الكلدان. يقول ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 230) لعب براون (وهو أحد اعضاء البعثة الأنكليكانية البارز) دوراً هاماً في انتخاب خلف لشمعون السابع عشر(الصحيح الثامن عشر) بينما كان معيَّناً المطران ابراهيم ليخلفه. تآمر براون ضِدَّه، وحرَّض القبائل الباقية أمينة للتقليد القديم على عدم الإنصياع له، فتألَّب جمع كبير حول الجاثاليق المُحتضر على فراش الموت لينتزعوا منه تعيين إبن أخيه بنيامين الفتى اليافع ليحلَّ محل ابراهيم، فرُسمَ اسقفاً في 2 من آذار عام 1903م وعُيِّنَ خلفاً لشمعون الثامن عشر الذي أدركته المنية بعد أيام قليلة.
وتروي مجلة النجم في نفس العدد: بأن بعثة رهبانية دومنيكانية كاثوليكية كانت قد حَلَّت قبل هذه الأحداث في منطقة رعايا مار شمعون المشارقة الكلدان المعروفين بالنساطرة، وباشرت بتقديم خدمات متنوعة لهم من حيث إنشاء المدارس لأبنائهم الى جانب تقديم الخدمات الطبية لمرضاهم، فلقيت أنشطتهم استحساناً من هؤلاء الرعايا وأثنوا عليها وأقبلوا على اكتساب العِلم والثقافة. إلا أن الأمر لم يَرق للمبعوثين الأنكليكان حيث أحدث لديهم غضياً وامتعاضاً لسببين: الأول لإخفاقهم بحمل النساطرة على تغيير مذهبهم النسطوري الى الأنكليكاني والثاني لخشيتهم من ضياع الفرصة عليهم  في استغلالهم لتحقيق مُخطط اهداف مملكتهم الإستعمارية عن طريقهم، إذ لو توحدوا مع إخوانهم الكاثوليك سيعود ولاؤهم لفرنسا الكاثوليكية، فتضيع عليهم مسألة القيام بخدعهم بواسطة أيجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً من قوميتهم الكلدانية الأصيلة، فصمَّموا على فعل كل ما بوسعهم لقلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثمن وأيَّة وسيلة، وكانت النتيجة كما مَـرَّ شرحُها.
البطريرك اليافع شمعون التاسع عشر بنيامين
يقول السيد ريموند كوز في كتابه (تاريخ كنيسة المشرق/ مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 231) تكفل الراعي براون بتنشئة شمعون التاسع عشر، وصفه المؤرخون ولا سيما الكاثوليك منهم، ربما مُبالغين، بأنَّه انصرف الى اللهو، مُفضِّلاً صيد الدبَبَة وركوب الخيل، على إقامة القداس وصلاة الفرض. يعود  الفضل للدومنيكان المُقيمين في أشيثا في اهتداء الكثيرين من النساطرة الى الإيمان الكاثوليكي في عهد هذا البطريرك، وهذا ما أحرجه كثيراً وجعله يحقد على الكلدان وعلى روما. ونحن نقول بأنَّ هذا الأمر ليس مُستغرباً مِن فتىً يافع أنيط به منصب البطريركية خلافاً للشرعية التقليدية للكلدان النساطرة، فالبطريرك المرحوم بنيامين سُرقَ له المنصب البطريركي بالتآمر الإنكليزي المدعوم بتعصُّب رؤساء العشائر الذين كانوا ضحية هذا التآمر، ثم كيف يمكن لفتى يافع أن يكون مرشداً ومدبراً حكيماً وهو دون سن البلوغ؟ أصبحت زعامتُه المدنية بعد بلوغه أهمَّ لديه بكثير من قيادته الروحية وبشكل كبير لا يُقارَن، ميالاً الى الإنتقام من خصومه مهما كانوا قريبين منه، ولا يتردد في إصدار أوامر القتل سراً بحقهم، ولكي نُثبت ما ذكرناه نُدرج أدناه أقوال وشهادات شهود عيان معاصرين للبطريرك النسطوري ( بنيامين التاسع عشر 1903- 1918 ) من خلال ما ورد في كتاب (ܡܟܬܒ ܙܒܢܐ ܕܒܝܬ ܢܗܪܝܢ مَخْتَو زَوْنِي دْبيثْ نَهْرين أي تاريخ بلاد النَهْرين) المطبوع في شيكاغو عام 1979م لمؤلفه شموئيل كليانا.
انشقاق في البيت الشمعوني ومقتل آل بيت نمرود
جاء في الصفحة 686-687 من الكتاب المُنوَّه عنه أعلاه ما يلي: ولِئَلا يقع بأيدي الأتراك (أي مارشمعون بنيامين)، نُقل مِن داره في قوجانس الى تياري العليا بأُبهةٍ ومراسيم جميلة، ومنها الى "ديز" وجرى ذلك في يوم الإثنين الأول من شباط بداية الصوم عام 1915. وحَلَّ في بيت صِهرِه سليمان بن ملك اسماعيل، وعندما سمع القائمقام بعزم آل بيت شمعون الإنتقال مِن قوجانس الى تياري، توجَّهَ الى قوجانس فشاهد مار بنيامين مُحاطاً بـ 500 من الحُرّاس، فتأثرَ مُظهراً حزناً وألماً على المقر البطريركي وعلى آل البيت الشمعوني، وطلب مجدداً من البطريرك العدول عن الرحيل، مطلعاً إياه على ضرورة المحافظة على الهدوء والتسليم للسلطة وصرف الحراس ليذهب كل واحد الى قريته، فما كان من البطريرك إلا التعبير عن سروره.
وتقبَّل مار بنيامين كلام القائمقام بالشكر وأعرب عن امتنانه له، وفرح بصرف الحراس ليذهب كُلُّ الى داره، وقبوله بتوفير الحماية من قبل العشائر الكردية، كما وعد بالسعي للسلام مع نمرود لتسود الوحدة والمحبة والهدوء وطاعة السلطان. ومِن ناحية اخرى ومن باب الإحترام سأله القائمقام أن يُرسل تلك المجاميع الى أماكن إقامتها.
دواعي مقتل آل بيت نمرود
– السبب الأول: "الحسد" في كيف يمكن القبول بأن يُعهَد أمرُ مار بنيامين الى جماعة المختارين ونمرود. فنادى بعض رؤساء حزبه، وبدلاً من قيامهم بإرساء السلام وقفوا بالضِد.
– السبب الثاني: هو الإتحاد الذي عقده نمرود مع الكنيسة الكاثوليكية الكلدانية برئاسة مار يوسف عمانوئيل الثاني توما وتسليمه (أي عقد الإتحاد) الى السلطة التركية، وتلك كانت العِلة التي دفعت مار بنيامين ليتحمل شخصياً مسؤولية مقتل آل بيت نمرود.
الشاهد (1): الشماس ابراهيم كليانا الموسوي، شماس كنيسة مار بنيامين. توفي سنة 1969 في مدينة الخابوربسوريا. شهد المرحوم بما يلي: لقد تـمّ اختيارنا ضمن حراس البطريرك في الوقت الذي انتقل من قوجانس الى ديز لكي لا يُقبض عليه بأمر السلطان التركي. منذ بداية شهر حزيران 1915 وبشكل سِري اختار البطريرك 10أو12 شخصاً الذين كانوا موضع ثقته ويتكل عليهم. وضمن هذا المجلس كان: دانيال بن ملك اسماعيل من تياري العليا، سبو كينا من أبناء جماعة وردة طيارايا، القس نويا، زيعا، بثيو الخولازري وثلاثتهم بازيون، القس كاكا، مكو الحومري وهما من تْخوما، والباقون كانوا من العشائر المختلفة. بدأ مار بنيامين كلامه وركَّز على موضوع مقتل نمرود وآل بيته الذي أصبح سبباً للإضطراب. ثمَّ اصطحب كُلُّ واحدٍ منهم رجاله وهو يقول بأنهم ذاهبون الى قوجانس لعقد السلام والهدوء بين جماعة البطريرك وجماعة نمرود(جماعة المختارين). فرحنا وسُررنا كُلُّنا بهذا الصدى الذي سمعناه عن الحب والسلام. غادرنا ديز وعددنا بحدود 40 رجلاً لا أكثر، وعند قطعنا نصف المسافة توقفنا للإستراحة، وأثناء ذلك أُبلغ جميع أعضاء المجلس بالأمر البطريركي الذي مفاده < بأن البطريرك بنيامين أصدر أمراً بطريركياً يقضي بقتل كُلِّ رَجُلٍ من بيت نمرود مسالماً أو غريباً. وعند وصولنا الى قوجانس حَلَلنا في بيت مار بنيامين، ودخل ثلاثة من الرؤساء الى بيت نمرود وقالوا له: لقد أرسلنا رؤساء العشائر لإرساء السلام بينكم، وقد اخترنا دار مار شمعون مكاناً لعقد هذا السلم ولو أن البطريرك ليس معنا حيث هو موجود في ديز. فرح نمرود وأعَـدَّ الطعام للجميع. بعد الإنتهاء من تناول الطعام، نادى رجال بيته ودخلوا الى بيت بنيامين كما طلب منهم من أجل تحقيق السلام. وفي الحال قبضوا عليهم وكانوا ثمانية شبان ورَجُلَين. ودخل إثنان من الرؤساء الى مُخدع نمرود وهو مريض طريح الفراش، فأطلقوا عليه الرصاص وخرجوا من القرية ومعهم الأسرى، وصعدوا بهم الى جبل يسمى"خطرشا" وهناك إنقضوا عليهم بالخناجر وقضوا عليهم. كان شليطا أسيري، حَلَلت القيد مِن يديه وتركته يهرب، وبينما هو يهرب في الجبل وكاد أن يختفي عن الأنظار، إلا أن المدعو "سبو" التياري، أطلق عليه النار من بندقيته وأرداه قتيلاً. والذين تـمَّ قتلهم هم: نمرود، دنحا، درياوش، شليطا، عمانوئيل، الأخوان يوآب وهيناكو، شاؤل قليتا، وابن استير شقيقة نمرود. هذه كانت شهادة الشماس ابراهيم. كما دوَّنَها السيد شموئيل كليانا في كتابه ( مَخْـتَـوْ زَوْنِي دْبيثْ نَهْرين أي تاريخ بلاد النَهْرين) المطبوع في شيكاغو عام 1979م.
الشاهد (2):السيد زومايا أبو صارو <يقول السيد شموئيل كليانا: من أجل تأكيد جريمة القتل على لسان شاهدَين، سألتُ المرحوم زومايا صارو قائلاً: باعتباري أحد كتبة التاريخ، يتحتم عليَّ الإبتعاد عن كُلِّ ما هو باطل وكتابة الحقيقة عن مقتل نمرود ورجال بيته غير آبهٍ بمَن ينالُه الفرح أو الحزن. فقال زومايا: أنا الآن قريبٌ مِن حافة القبر وضريرٌ لا أرى شيئاً وهذه هي شهادتي وأُقِرُّ بصحتها وأعتبر بأن الخطيئة الأولى تقع على القتلة لأنهم نَفذوا أمر البطريرك. ولديَّ قصة اخرى مُشابهة لهذه، تدور أيضاً حول جريمة قتل. إصغِ إليَّ جيداً: في أحد الأيام في سلامس، جاءَني القائد اسرائيل بثيون الى دارنا، والرَجُل كان يُحبني وكنتُ ملازماً له أثناء الحرب وأُرافقه في كُلِّ مرةٍ يُكَلَّفُ فيها للقيام بمهمةٍ رسمية. قال لي: أنتَ ويوحنان بَرخو مدعوان غداً لمقابلة مار بنيامين البطريرك في الساعة العاشرة. وبحسب أمره ذهبنا أنا ويوحنان في الصباح، قَـبَّلنا يَدَه وجلسنا ننتظر حتى انصراف حاضري المجلس، وبعد مغادرة كافة الجُلساء الموقرين. سأل البطريرك فيما إذا كان لدينا طلبٌ إليه؟ أجاب يوحنان قائلاً : يا سيدي، قد أرسلنا القائد اسرائيل لمقابلتك بناءً الى طلبكَ. ضحك البطريرك وقال لنا وهو منشرح فرحاً: أيها الشابان، عليكما الوقوف كحارسَين في باب الدار، وحين يأتي الأغا بطرس وقبل أن تطأ قدماه عتبة باب الدار، تقتلانه فوراً! وبحسب أمره وقف كُلٌّ مِنا بجانب الباب كحارسَين، وقد خيَّمَ الصمتُ علينا ونحن نفكر بموضوع قتل الأغا بطرس، فسألني يوحنان قائلاً: ما رأيُك بأمر البطريرك وماذا ستفعل؟ فكان جوابي، إن هذا الأمر يُشبه الأمر الذي أصدره لقتل نمرود ورجال بيته، وإني أرى أن أبتعد عن فعل هذا الشر وإن غضب البطريرك، ولن نمس الأغا بطرس بأيِّ ضرر. وفيما نحن نتحاور بهذا الأمر، أبصرنا الأغا بطرس خارجاً مِن رأس الفرع متوجهاً نحونا، فاقترب منا وحيّانا بالسلام وهو يبتسم، فقلت له، يا أغا ليس هناك موافقة لمقابلة البطريرك، لكنه أجاب، بأن محبة حقيقية تجمع بين البطريرك وبيني ودخل دون أن نمنعه. أبصرنا البطريرك خارجاً من غرفته الى الغرفة العليا وقد إحمَرَّ وجهُه مِن الغضب. أما الأغا بطرس فما إن وصل قرب البطريرك حتى ركع لتقبيل قدميه، فأمسك البطريرك بذراعه وأنهضه ودخلا سويةً الى غرفة البطريرك.كان سبب الخصام فيما بينهما بعض الإختلاف حول الحرب والسلاح، فبينما يرى الأغا بطرس توفير بندقية لكل قادر على حمل السلاح في بيته، فيما يرغب البطريرك أن يُصار الى تجهيز قوة نظامية. بعد انتهاء المقابلة خرج الأغا بطرس وحيّانا بالقول: شكراً لكما أيها الموقران وغادر بالسلامة. في هذا الوقت، لو قمنا بتنفيذ أمر البطريرك، لكان أبناء تْخوما الى هذا اليوم يُتهمون بقتل الأغا بطرس وليس البطريرك بنيامين! وعليه فأنا أشهد وأُقرُّ أمام الله والبشر وأنا واصل الى حافة القبر، راجياً رحمة الرب، بأن كُلَّ ما قلته عما حدث في شهر أيار 1915 عن مقتل نمرود ورجال بيته هو حقيقي.
وتحت عنوان (محطات دموية في تاريخ العائلة المارشمعونية) كتب السيد بولص يوسف ملك خوشابا في موقع عنكاوا.كوم الإلكتروني/المنبر الحر بتاريخ 27/7/2013 ما يلي:
قبل البدء بمعاودتي الكتابة اعتذر من القراء الاعزاء عن هذا الانقطاع الذي كان سببه وفاة شقيقتي الصغرى بعد معاناةٍ من مرض عضال واصابتي بوعكةٍ صحية منعتني من الاستمرار في الكتابة لفترة قصيرة وانا عند عهدي لقراء التاريخ ومتابعيه الباحثين عن التاريخ الحقيقي لشخصيات ورموز هذه الامة والاحداث التي تقرر فيها مصيرها .....
لقد كثر الكلام والكتابة عن التوريث في العائلة البطريركية والذي كان يصب في خانة التفنن في ايجاد التبريرات للوراثة البطريركية حالها حال التبريرات الاخرى للاخطاء القاتلة التي ارتكبتها هذه العائلة والتي لم يسلم من دمويتها حتى ابناء عمومتها حيث بدات عهدها بالدماء وانهته بالدماء، وان من يطالع كتاب (تاريخ بطاركة البيت الابوي) لمؤلفه المطران ايليا ابونا ونرجمة بنيامين حداد سيجد ان التشبث بالظروف القاهرة كتبرير لارساء التوريث ما هي الا حجة غير حقيقية، ولكنَّ الحقيقة كما ترويها الاحداث هي الاستماتة في الحفاظ على الكرسي البطريركي داخل العائلة الواحدة ......
المحطة الاولى :
جريمة قتل وقعت في البيت المارشمعوني (ابونا) في القوش (في عهد البطريرك ايليا الثامن حيث كان قد نُذر اثنان لولاية العهد البطريركي بموجب التقليد المُتمخِّض من قرار البطريرك شمعون الرابع الباصيدي. الاول ايشوعياب بن دنخا والاخر حنانيشوع بن ابراهيم شقيق دنخا وكان دنخا وابراهيم اخوين للبطريرك ايليا الثامن. ولكون ايشوعياب بن دنخا ابن الاخ الاكبر لذا كانت الخلافة البطريركية من حقه الا انه لم يكن متعلما بما فيه الكفاية مثل حنانيشوع بن ابراهيم والجماعة كلها رشحت حنانيشوع للبطريركية ورفضت ايشوعياب رغم احقيته. فغضب والدُه دنخا لدى رفض ابنه ايشوعياب وفي احد الايام عمد الى قتل حنانيشوع ابن اخيه اثناء الصلاة في الكنيسة،  وهرب مع عائلته الى اورميا في بلاد العجم ومن ثم نقل كرسيه الى قوجانس سنة 1621م وهكذا تاسست هذه الكنيسة التي اصبح اول بطريرك عليها ابشوعياب ابن دنخا الذي قتل ابن اخيه في الكنيسة اثناء الصلاة فهل يمكن لاي صاحب ضمير حي يؤمن بالمسيحية ان ينسى او يتناسى هذه الجريمة ؟؟؟؟؟
المحطة الثانبة ؛
مقتل نمرود وابنائه واقربائه: في 19 ايار سنة 1915 قتل نمرود وابنه شليطا وابن اخته يوناثان وستة من اولاد اخوته في قرية قوجانس على يد زمرة من عشائر تخوما وباز وديز وبايعاز من البطريرك مارشمعون التاسع عشر بنيامين وبتحريض من سرمة خانم.  وكان مار شمعون بنيامين قد غادر قوجانس الى ديز حيث اوعز من هناك الى اربعين رجلا من العشائر المذكورة وبقيادة نفر من الذين يعتمد عليهم في تنفيذ اوامره الخاصة بالذهاب الى قوجانس وقتل جميع الذكور من عائلة ال نمرود اولاد عمومته بحجة ان نمرود رفض الانصياع الى اوامره بمعاداة الدولة العثمانية ولم يترك قريته قوجانس رافعا العلم التركي على داره كمواطن تركي. ويُعتقَد انه اراد القضاء على نمرود قبل ان تنتشر افكارُه تلك بين العشائر الاثورية فتبقى على ولائها للحكومة. في الوقت الذي كانت رسالة مارشمعون بنيامين الى الروس قد ضبطت من قبل الاتراك مما يجعله يتحمل المسؤولية لوحده امام الدولة العثمانية من جهة والإخفاق امام اصدقائه الروس والانكلبز اذا لم ينجح في تنفيذ تعهده في تحريض الاثوريين على الوقوف ضد الدولة التركية من جهة اخرى. فتحرك هؤلاء الاشخاص من ديزالى قوجانس وعند وصولهم الى دار نمرود قالوا له بانهم جاءوا لياخذوهم الى عشيرة ديز لمصالحتهم مع ابن عمه مار شمعون بنيامين . فاجاب نمرود الذي كان مريضا وطريح الفراش بانه سيلبي طلبهم بكل ترحاب وامرَ باعداد الطعام والفراش لهم حتى اليوم التالي لكي يتسنى لافراد عائلته تهيئة انفسهم للسفر. وفي اليوم الثاني طلب هؤلاء الرجال الاجتماع بآل نمرود في دار مار شمعون المتروكة قبل مغادرتهم قوجانس. وعند دخولهم تلك الدار ألقي القبضُ عليهم ورُبطت ايديهم وارجلهم بالحبال وجرى تعذيبُهم بوحشية . فقال لهم ال نمرود (اذا كان هذا هو شكل المصالحة التي تنوون اجراءَها نسترحمكم ان تسمحوا لنا بثلاثة دقائق فقط لنؤدي فيها صلاتنا الاخيرة) الا ان هؤلاء الرجال القساة فتحوا نيران بنادقهم على اولئك الشبان المغلوبين على امرهم واردوهم قتلى يتخبطون في دمائهم في نفس الغرفة التي كان مار شمعون يجلس فيها سابقا. ثم عادوا الى دار نمرود وقتلوه في فراشه كما قتلوا يوناثان ابن شقيقته على السلم اثناء نزوله من الطابق الثاني بسبب سماعه صوت البنادق. وبعد ذلك ربطوا كل شخصين من الباقين معا بالحبال بحجة اخذهم الى عشيرة ديز بما فيهم شليطا ابن نمرود الذي كان شابا وسيما وقويا ومثقفا. وفي الطريق اطلقوا النار عليهم وقتلوهم جميعا ما عدا شليطا الذي تمكن من الهروب والاختفاء خلف شجرة في الغابة بعد اصابته بجرح بليغ في معدته.
كان شليطا يضمد جرحه بقطع من ثيابه وهو يسير في الليل حتى وصل قرية ترفونس حيث كانت تسكنها خالته المسماة نابط التي سهرت عليه وحاولت اسعافه دون جدوى حيث توفي متاثرا بجراحه. وكذلك خطف الموتُ 28 فرداً من افراد تلك العائلة المنكوبة من النساء والاطفال من جراء الجوع والبرد وعدم وجود من يقدم العون لهم خوفا من انهم قد يلاقون نفس المصير . وكان ضمن من هلكوا المطران اوراهم ابن اخ نمرود والذي كان المرشح الاول ليكون بطريركا بدلا من مار شمعون بنيامين الا ان عائلة بنيامين (اسم العائلة وليس اسم قداسة البطريرك) كانت اقوى نفوذاً من عائلة نمرود التي كان لها الحق الشرعي في الحصول على البطريركية حسب عرف العشائر الاثورية "التقليد المُتوارث" لذا استطاعت عائلة بنيامين الإستحواذ على هذا الكرسي لنفسها. فمات المطران اوراهم جوعا وعطشا حيث كان يصرخ ويطلب كاسا من اللبن مقابل ختمه الديني الذهبي الذي كان يقدر ب 14 ليرة تركية. الا ان احدا لم يجرؤ على مساعدته بالرغم من مرضه فمات في قرية مار اوراها على نهر الزاب وهكذا كانت نهاية هذه العائلة المنكوبة . وبعد خمسة ايام من مقتل نمرود وافراد عائلته جاء الى قوجانس مارشمعون بنيامين ومعه ثلة من جنود قوقاز الروس وعدد من اتباعه فاخذوا يطلقون رصاص الفرح في الهواء ابتهاجا في الوقت الذي كانت جثث اولئك المنكوبين من افراد عائلة نمرود منتشرة في اروقة قوجانس تنهش بها الطيور الكواسر. انتهزت امراة من ال نمرود بقيت على قيد الحياة هذه الفرصة فاخذت تهاجم مارشمعون وتشتمه بغية استفزازه ليامر بقتلها لانها فضلت الموت على الحياة بعد مشاهدتها لتلك الجريمة البشعة التي ارتكبت على مراى منها .....
لقد ذكر المغفور له مالك لوكو شليمون اسماء القتلة وانتماءاتهم العشائرية واسماء ضحاياهم في مذكراته التي صدرت في شيكاغو بفضل الجهد الجبار لابنه المهندس مالك يونان بن مالك لوكو الذي ترجمه الى اللغة الانكليزية بعد جهدٍ كبير تحت عنوان  Assyrian struggle national survival.   
الاسباب التي ادت الى ارتكاب هذه الجريمة يمكن تلخيصها فيما يلي :
1 / للتخلص من المنافسين على الكرسي البطريركي
2 / لازاحة المعارضين لسياسة اقحام الاثوريين في الحرب العظمى الاولى قبل ان تسري فكرة الرفض بين العشائر وهتاك العديد من شهود عيان منهم عزيز اغا البازي الذين حضروا ارتكاب المجزرة ولكنهم رفضوا الاشتراك فيها وقالوا: ان الامر الصادر اليهم كان يقضي بابادة رجال هذه العائلة. ويؤكد ذلك التقرير السري البريطاني عن الحادث الصادر في حينه. 
لدى وصول نبأ مقتل نمرود ورجال بيته بسبب إخلاص نمرود وأمانته لوطنه الى السلطان التركي، أمر السلطان بتهيئة جميع القبائل الكردية المعادية للبطريرك ومن كُلِّ صوب، وفي ذات الوقت خرجت قوة تركية نظامية من الموصل. وبدعم من القوات الكردية في منطقة البروار. عسكر الجميع في طرف وادي" ليزان" ورجال تياري السفلى من الطرف الآخر. وهيّأ القائمقام آغا الجال للوقوف بوجه التياري وتْخوما. سوتو أغا اورومار العدو القديم للكلدان النساطرة "الآثوريين" الذي بدأ بشن الحرب على جيلو وتْخوما. كان هذا الإستعداد قد خُططَ له قبل نهاية حزيران. في ذلك الوقت سقطت ليزان بأيدي الأتراك. قوات أغا الجال حوربت من قبل التْخوميين. إصطحب بابو ملك تْخوما 60 مقاتلاً وذهب لنجدة باز، وصدِّ قوات سوتو عنها وعدم تمكينهم من القيام بنهبها انظر ص 691 من كتاب (ܡܟܬܒ ܙܒܢܐ ܕܒܝܬ ܢܗܪܝܢ مَخْتَو زَوْنِي دْبيثْ نَهْرين ترجمته هي " تاريخ بلاد النَهْرين") المطبوع في شيكاغو عام 1979م لمؤلفه شموئيل كليانا.
 منذ بداية حرب الأكراد ضِدَّ قوجانس، سُلبت قوجانس ونُهبت من جميع الجهات. كان قتالاً مريراً ودامياً جرى في كنيسة مار ساوا. استولى الأتراكُ على الجسر، وبوصول المقاتلين التْخـوميين أُستُعـيدَ من أيدي الأكراد، واستمرَّ القتالُ ثمانية أيام بدون انقطاع. مار بنيامين دخل الى" لخزكاوار" تلقى الكثيرَ من الوعود والتقدير من روسيا، وتسلَّمَ كمية قليلة مِن البنادق. وبعد مدة قصيرة، انسحب الجيشُ الروسي من "كاوار" الى "أرضروم" ميدان القتال. وما إن علمت الجماعات الكردية بانسحاب روسيا حتى بدأوا بالهجوم على الجماعات الآثورية الجبلية. استدعى أغا الجال مقاتليه من منطقة نيروا وريكان، وقام بهجوم مفاجيء على التياري ووصل الى رأس تاحي "مهالي" محلة آل اورايا بمنطقة كَلي الطلنة. تمَّ الإستيلاء عليه وأُحرق. تعدّى صوت القتال حدود منطقة الملك كيوركيس، فانتفضَ واصطحبَ معه عدداً من المقاتلين بما يُقدَّر بنصف عدد المقاتلين التْخوميين لمساعدة التياري، وبطريقةٍ قتالية خِداعية نفذوا هجوماً على الأكراد الذين لاذوا بالفرار الى كوماني.
في ذلك الزمان المضطرب بسبب الحرب والقتال ضِدَّ الآثوريين، كان هرمزد شقيق ماربنيامين يدرس في مدرسة اسطنبول، نُقِلَ من مدرسة السلطان الى الموصل لهذه الغاية  ، حيث كتب حيدر بيك رسالة وأرسلها الى مار بنيامين يقول فيها: < إن شقيقك هرمزد أصبح الآن بين يديَّ، فإذا لم تتوقفوا وتستسلموا لأمري سوف يُعدم شقيقُكَ، وإذا توقفتم سوف يتحرر من الأسر. عندها دعا مار بنيامين رؤساء العشائر واجتمع بهم في "طال" وقرأ على مسامعهم رسالة الشرير حيدر بيك. وبعد التداول في مضمون الرسالة، كتب البطريرك جواباً على رسالة حيدر بيك قائلاً: < امتي هي أمانة برقبتي، وبكُلِّ ما أستطيع سأُحافظ عليها، ولا أُضحي بها من أجل شخص واحد وإن كان هذا الشخص شقيقي > وما إن وصل هذا الجواب الى حيدر بيك الشرّير حتى أمر بإعدام هرمزد شنقاً. وفي ذلك الإجتماع الذي أقَـرَّ الرسالة اقترح أغا بطرس قائلاً: ليس لنا مَن يُلبّي احتياجاتنا. الطريق الى ايران مفتوحة، وبسهولة يستطيع أبناءُ امتنا الجبليون تركَ الوطن والتوجُّه الى ايران: الرؤساء اقترحوا على مار بنيامين بأن يخرج 60 رجلاً الى الطريق نحو ايران أملاً بتلقي المساعدة من روسيا. فكانوا في النهار يتجسسون الجبال وفي الليل يواصلون السير، وقد امتدَّ بهم حتى وصولهم سلامس من 24 حزيران حتى 20 آب 1915م.
طوال شهري الصيف الأخيرَين لم يسمعوا شيئاً من البطريرك، ولم يتوقف الأكرادُ المجاورون والمسنودون من السلطان التركي عن خلق الإضطرابات وبخاصةٍ سوتو اورامار حيث كان يُهاجم جيلو وباز حتى اضطرَّ أهل جيلو للهرب الى ديز فتمَّ سلب جيلو. خرج بابو ملك تْخوما لإستقبال القس دانيال كاهن باز وبمعيته مقاتلون فدائيون مشهورون. كتب رسالة الى أغا سوتو قال فيها: < إذا كنتَ حقاً إبن اومارو كما تقول؟ أشعِل النار في باز! وإذا لم تضرب الباز، إسأل والدتكَ مَن هو أبوك؟ وذيَّل الرسالة" أنا بابو ملك تْخوما" وبعد قراءة أغا سوتو للرسالة لم يقترب من الباز ثانيةً. وتحالف مع الدستوكيين قائداً إياهم للسطو عن طريق الكمائن لسلب أغنام الكوندِكثا ومزرعايا في زوماني. اكتُشِفَ أمرُهم من قبل الجواسيس فدار القتال بين الطرفين على قمة جبل الميدانيين، وكان عددُ الغزاة بزعامة أغا سوتو كبيراً مقارنة بعدد مقاتلي تْخوما، وعند احتدام القتال استطاع الأكرادُ التسلقَ الى أسوار مزرعايا والقبضَ على ايشاي بن سليمان إبن 18 عاماً ذي قلبٍ كقلب الأسد، كان يُقاتل الى جانب والده فقتل. ردَّ المزرعانيون على الأوراريين بهجوم معاكس فلاذوا بالفرار مخلفين سبع جُـثث معلقة على الأسوار. والى الجزء الخامس والثلاثين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 23 /7 / 2015

43
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الثامنة
نواصل كما وعدنا القراء الكرام سردَ ما دوَّنه ماراسرائيل اودو مطران الكلدان في ماردين في كتابه حول اضطهاد المُواطنين المسيحيين من قبل الدولة العثمانية الباغية، وننقل ذلك بتصرُّفٍ صياغي كعادتنا دون المساس بالمضمون. ففي ( الصفحات 112 – 121) يروي مار اودو قائلاً:
بسبب انهماكِ السفاحين القتلة بسبي النساء المسيحيات وقتل الأخريات، أجَّلوا قتل العديد من رجال الأرمن الماردينيين المُحتجزين لديهم، بالإضافة الى عدد آخر منهم ظلّوا مختبئين في دورهم ومنهم: كريكور انفياهجي الآمدي، كان مؤمناً كاثوليكياً صالحاً تقياً وفي ذات الوقت ثرياً. وبسبب ما عاناه من سجانيه استحوذ عليه الخوف فداهمه المرض وهو في السجن. ولم يكن حال التاجر سليم حيلو بأفضل من كريكور، حيث كانا كلاهما ضحية جشع السجانين الطامعين بمالهما. تعرَّضَ سليم للتنكيل الشديد محتملاً أنواعاً قاسية من التعذيب زهاء أكثر من شهرين، حتى اقتنع القتلة بنفاذ أمواله وأموال بقية الأثرياء المسجونين معه بسبب استنزافهم إياها.
في صبيحة يوم عيد الأضحى الذي صادف في 27/10/1915م أخرج القتلة سليم من السجن وكريكور من داره، وإذ لم تقوَ لوسيا إبنة ميخائيل الأزميري الكلدني من أهالي آمد زوجة كريكور  على فراق زوجها، فلحقت به غير مبالية بالتحذيرات والتطمينات التي أبداها القتلة بأن تعدل عن اللحاق بزوجها، مُطمئنين إياها بأنَّ الإضطهاد والقتل لا يشمل الكلدان، لكنها لم تأبه لتهديداتهم حيث قالت لهم، بأنها ستُرافق زوجها في حالتي الحياة والممات، فتركت دارها وطفليها وهي هائجة كمَن فقدت رشدها. وأخذت تجري مع القتلة ماسكة بيد زوجها، ولما بلغ الموكب الى الموضع المقرَّر لذبح الرجلَين الواقع في الجانب الغربي للمدينة، حاول القتلة تفريق زوجة كريكور عنه، وإذ لم يُفلحوا ذبحوهما معاً مع سليم، وقرَّبوهم ضحية في عيدهم عيد الأضحى. هذا ما قاله القتلة انفسهم الذين ينتمون الى عشيرة  المشكاويين. الى هذا الحد بلغ الحقد والهيستيريا بهؤلاء الإسلاميين المتزمتين أن يقربوا بشراً ضحايا لدينهم الوثني ! ( وهنا تمَّ قول المسيح الرب في (يوحنا 16: 2) < سيفصلونكم من المجامع، بل تأتي ساعة يظن فيها كُلُّ مَن يقتلكم أنَّه يؤدي عبادة لله > وبعد ذبح ثلاثتهم قرب مدخل للمغارة، القوا جثثهم فيها. عاد السفاحون مبهوتين وبالعجب مأخوذين مُقرّين بقوة الدين المسيحي الذي في سبيله يستخف مُعتنقوه بالموت! كان لكريكور وزوجته لوسيا طفل بعمر ثمان سنوات وطفلة بعمر لا يتعدّى العشرة أعوام، بعد استشهاد والديهما، أخذهما خادم الدار عبد اللطيف الى منزله واهتم برعايتهما لمدة شهرين، ثمَّ أرسلهما الى أقاربهما في آمد. ويضيف مار اودو بأنَّه دفع لعبد اللطيف من ماله الخاص كُلَّ المصاريف التي انفقها لهذين الطفلين. وإنَّ قصة استشهاد هؤلاء الشهداء الثلاثة كتبها نقلاً عن لسان القتلة أنفسهم.
قصة القس يوسف تفنكجي
ذكرنا في الحلقة الرابعة من هذه الحلقات بأن العديد من المسيحيين كانوا قد هربوا الى جبل سنجار، وبعد هدوءٍ نسبي للإضطهاد عادوا الى دورهم، ومن جملة العائدين كان القس يوسف بن الشماس حنا تفنكجي المارديني الأصل. إنَّه أحد خريجي معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي في الموصل التابع للآباء الدومنيكان، كان قد عبر العقد الثالث من عُمره حين اضطرَّ للهرب، والسبب لذلك هو قبوله ودائع عدد من النسوة الأرمنيات اللائي كُنَّ على وشك الترحيل، فوقف على الأمر بعض الطامعين بأموال المُضطهَدين، وراحوا يُشدِّدون الرقابة عليه ويُسببون له الكثير من المضايقات، متحيِّنين الفرص لإنتزاع تلك الودائع التي كانت بحوزته ممّا جعله في حيرةٍ من امره، وشعر بالخوف على حياته، إذ لو ضُبِط عليه متستِّراً على اموال الأرمن لكان عقابُه القتل. فاعتقد بأن لا نجاة له إلا بالهرب، وعليه فعمد للهرب الى جبل سنجار في 15 / 10 1915م مع هاربين آخرين. وفي الطريق تعرَّض لسلب نقوده وأمتعته من قبل قطاع الطرق، إلا أنَّه استطاع أن ينفذ بجلده ووصل الى جبل سنجار بسلام، وانضم للحال الى الجماعة الهاربة البالغ عددُها وقتذاك المائتي نسمة، فقام بتقديم الخدمات الروحية لهم بكُلِّ هِمَّةٍ ونشاط وغيرةٍ رسولية الى جانب إقامته القداديس والصلوات.
وحدث أن انتشر بين الهاربين وباءُ الرعشة، وهذا لم يُقلِّل من همة القس يوسف في تقديم الخدمة لهم، بل ضاعف اهتمامَه بهم دون تأفُّفٍ او تلكؤ، بل احتضنهم بحنوٍّ مُساعداً المُستغيثين به ومُعزِّياً المتضايقين منهم. ثابر على ذلك مدة سنة واحدة، تحت حماية الشيخ "حمو شرو" اليزيدي الشهم الذي تحدثنا عنه في الحلقة الرابعة، كان رجلاً صالحاً محباً للمسيحيين ولم يبخل بتوفير الحماية لهم. وعاد القس يوسف الى ماردين بسلام ، وأقام فيها مؤدياً خدماته الكهنوتية لمدة سنة وثلاثة أشهر.
القس يوسف تفنكجي يُسجن للمرة الأولى
في شهر كانون الثاني لعام 1917م وصلت رسائل الى القس يوسف من بعض الأرمن الملتجئين في جبل سنجار، مكتوبة باللغة الأرمنية، ومن تلك الرسائل موجهة واحدة منها إليه، يطلب مُرسلها من القس يوسف، أن يُرسل تلك الرسائل لذويهم المقيمين في الرُّها وحلب. وبالصدفة كان ثلاثة رجال من الرّها موجودين في ماردين في ذلك الوقت، وكانوا على وشك العودة الى مدينتهم، فكلَّفهم القس يوسف أن يأخذوا تلك الرسائل معهم ويوصلوها لأصحابها. وافقوا وأخذوها ووضعوها في حقيبة كانت معهم، ثم ذهبوا وباتوا في الفندق. ولدى مغادرتهم الفندق نسوا الحقيبة فيه. وبعد رحيلهم صادف أن الشرطة داهمت الفندق لغرض التفتيش، فعثروا على تلك الحقيبة. فلما أُبلِغوا بأنَّ الحقيبة تعود لرهاويين كانوا نازلين في الفندق، فتحوها فعثروا على تلك الرسائل في داخلها، ومن ضمنها رسالة باللغة العربية مُرسلة الى ميخائيل جنانجي المقيم في حلب. كانت هذه الرسالة خطيرة، تناولها شخص صديق من بين الرسائل الأخرى الموضوعة على الطاولة وخبّأها لئلا تُثير سخط الشعب، وكان هذا العمل مدعاةً لإبعاد الشك عن القس يوسف، وبلا شك بأن الذي جرى كان بتدبير الهي! إذ إنَّ الرسالة كانت تحمل توقيع القس يوسف، وفيها يُطلعه على مقدار المبالغ التي أقرضه أثناء سبي زوجتي شقيقيه نعوم وجرجس اللتين نالتا اكلبلي الشهادة ضمن المجموعة النسائية الأولى ويطلب منه أن يُرسل له جزءاً من ذلك الدين لأنه في حاجةٍ ماسة الى المال. بالإضافة الى تنديده بقساوة حكام الدولة العثمانية الجُدُد العتاة التي تجلَّت في ترحيل وإذلال المسيحيين وفتلهم بأساليب عنفية بربرية لا يُقدِم على ارتكابها حتى الوحوش، لمجرَّد أنَّهم يدينون بالمسيحية لا غير! ولدى تقديم الرسائل الى مدير الشرطة الذي يُعرَف بـ"القوميسير" أوعز في الحال الى مُساعده وإثنَين من العسكر، بالإتيان بالكاهن والرجال الرهاويين الثلاثة، وما إنْ جيء بهم في 19 / 1 / 1917م حتى زُجّوا في السجن، وظلوا قابعين فيه لمدة 53 يوماً، ثمَّ نُقلوا في 14/3/ 1917م الى سجن آمد ليُحاكموا فيها. ومن جرّاء القهر والعذات داهم المرض إثنين من الرهاويين أودى بحياتهم! أما ثالثهم فبعد مرور ثلاثة أشهر من موت رفيقيه، أخلت المحكمة سبيله لبراءَته. وبقي القس يوسف في السجن يُعاني شتى أنواع العذاب والكثير من المضايقات، أثَّرت في تدهور صحته، مَثُل أمام المحكمة العسكرية مراراً عديدة، وفي الآخر حُكِم عليه بالإعدام بتاريخ 16/6/1917م مع حق تمييز قرار الحكم. وافق له وزير العدل رضوان بيك البغدادي بحق التمييز إكراماً للصداقة التي تربطه بمار سليمان صباغ مطران آمد، حيث لم يألُ المطران جهداً في إنقاذ القس يوسف تفنكجي من الموت. أبلغت محكمة عسكرية  في اسطنبول القس يوسف للمثول أمامها يوم 15/8/1917م للمرافعة، فحضر في اليوم المحدَّد الذي كان يوم عيد انتقال مريم العذراء الى السماء، وتمَّ استجوابُه للمرة الأخيرة، وأعيد الى السجن انتظاراً لصدور قرار الحكم. وفي 11/11/1917م صدر قرار المحكمة ببراءَتِه وإطلاق سراحه على الفور. فرجع الى ماردين، وشرع بمواصلة خدمته الكهنوتية حتى ربيع عام 1918م.
القس يوسف تفنكجي يُسجن للمرة الثانية
ساءَت أحوال القس يوسف تفنكجي من جراء تعرُّضه للسجن كما تقدم ذِكرُه، بالإضافة الى تضاعف الغلاء بسبب أوضاع التغييرالصعبة التي كانت تجري في أواخر العهد العثماني الطويل والمرير، وتناقص عدد المسيحيين بسبب تعرضهم الى أبشع اضطهاد أودى بحياة عددٍ كبير منهم فضلاً عن هروب كثيرين آخرين الى أماكن توفِّر لهم الأمان، فتقلَّصت  ايرادات الكنائس والكهنة بدرجةٍ فظيعة، وكان القس يوسف أحد هؤلاء الذين قسى الزمن عليهم، إذ لم يبق لديه شيء، فوقع في ضيقٍ وفقرٍ كبيرَين. ففكَّر في ايجاد مخرجٍ من محنته، فعنَّ له الذهاب الى حلب لعلَّه يجد وظيفة تعليمية في إحدى المدارس تُساعده على تدبير عيشه وتُبعِد الجوع عنه! فكتب للأب سيمون الدومنيكي المقيم في حلب، يشرح له فكرته، ويسأله إذا كان بوسعِه تأمين عملٍ له في إحدى المدارس في حلب، لكي عن طريقها يُدبِّر أمر عيشه ولو لفترةٍ من الزمن.
وصادف أثناء هذه الإتصالات أنَّ فتىً لا يتعدى عُمرُه الإثني عشر ربيعاً يُدعى بطرس معمار باشي، كان في حلب وينوي العودة الى ماردين، فقصد الذهاب الى الأب سيمون ليودِّعه، فانتهز الأب سيمون هذه الفرصة ليُرسل معه رسالة، ومِمّا جاء في الرسالة: انتصرت فرنسا أما المانيا فاندحرت. بلِّغ الأب تفنكجي بأن لا توجد أية فرصة عمل في حلب. و قد طلِب من الفتى بايصال الرسالة لمار جبرائيل تبوني. عند وصول الفتى بطرس معمار باشي درباسية، خضع للتفتيش كما تقضي الأوامر، فعثر المفتش في جيب الفتى على تلك الرسالة، فصودرت منه. وبورود اسم الأب يوسف تفنكجي ولو جانبياً في تلك الرسالة، فقد ادَى ذلك الى إلقاء القبض عليه ثانية، وعلى المطران جبرائيل تبوني، ومعهما ثلاثة أشخاص آخرين هم: سعيد سيدي، عبدالمسيح سفر، ومنصور جبوري بتهمة ايوائهم للفتى بطرس معمارباشي في دورهم ليس إلا. فاودع السجن جميعهم، إلا أنَّ الأشخاص الثلاثة تمَّ إخلاء سبيلِهم بكفالة بعد ثلاثة ايام من الإحتجاز وانتظارتبليغ من المحكمة العسكرية في آمد للحضور أمامها لمحاكمتهم، وبمتابعة الأمر من قبل بعض الأصدقاء والأشراف لم يتأخر التبليغ طويلاً، حيث ابلغوا في 17/6/1918م بقرار ترحيل جميع المشمولين بهذه القضية الى حلب، ليُحاكموا فيها لأنها مصدر صدور الرسالة، وما إن وصلوا حلب حتى اودعوا السجن. فظلَّ القس يوسف قابعاً في السجن لمدة شهرين وسبعة أيام، وفي 24/8/1918م أصدرت المحكمة حكماً ببراءَته وإطلاق سراحه. وللمرتين يفلت القس يوسف تفنكجي من قبضة المجرمين، وللحال توجَّهَ الى بيروت وأقام فيها مقدماً الخدمة للطائفة الكلدانية.
( بلغ عدد العوائل الكلدانية في لبنان حسب تقديرات الأب تفنكجي حوالي 450 عائلة سنة 1922. عين الأب يوسف تفنكجي كاهناً في بيروت التي وصلها في 27 كانون الثاني سنة 1927 وهو من مواليد ماردين 1885، رسم كاهناً في الموصل سنة 1907.  وهو أول من شيد كنيسة الكلدان في بيروت، على اسم القديسة تريزيا، وقد بدأ العمل ببنائها عام 1930م، وتكونت لجنة لجمع التبرعات مؤلفة من السادة: الدكتور حنا زبوني، نصري تمرز، وديع نعيم، ريمون عبوش، طوبيا عطار، بولس شوح . ا"بعد وفاة الخوري منصور قرياقوزا يوم عيد الميلاد لعام 1934م والذي كان قد وصل الى لبنان في 19 ايلول عام 1909م" عُيِّن القس يوسف تفنكجي وكيلاً بطريركياً في بيروت. في سنة 1936م  قام الأب تفنكجي باحصائيات للكلدان في لبنان وارسلها الى البطريركية وكانت كما يلي: بيروت 1225 نفساً، زحلة 160، حدث 20، جونيه 35، طرابلس 68، رياق وبعلبك 20 قرى أخرى 110. وفي عام 1937م رقي الى مرتبة الخوري. رقد بالرب في 23 تشرين الثاني 1950. ويُقال بأنَّه  في سنة 1970 رقد الخوري تفنكجي قرير العين. للأب تفنكجي كتاب بعنوان ( الكنيسة الكلدانية بين الأمس واليوم) باللغة الفرنسية / ط . 1913م، إنَّه أحد المصادر المُهمة رغم عدم  دقة بعض المعلومات الواردة فيه تاريخياً. )
أما المطران جبرائيل تبوني فقد ظلَّ في السجن فترة أطول من القس يوسف تفنكجي أي حتى نهاية شهر ايلول، إذ في 1 تشرين الأول 1918م أُعلِنت براءتُه، فأطلِقَ سراحُه بعد مُعاناة صعبة وضائقةٍ مالية مؤلمة.
الإستيلاء على كنيسة الكلدان وهدم اسوار ساحتها
في مستهلِّ عام 1916م شرع الألمانُ حلفاءُ العثمانيين بالقدوم الى البلاد، جالبين معهم الكثيرَمن العجلات والآليات المتنوعة، لغرض نقل التجهيزات العسكرية الى الموصل وبغداد. ولما كانت أزقة ماردين ضيِّقة ومتعرجة، فكانت تسبب عرقلة لمرور تلك العجلات، ولذلك أصدرت السلطات أمراً بتعريض الأزقة ولا سيما الزقاق المار في وسط المدينة. وتنفيذاً لهذا الأمر، فإنَّ الكثير من المنازل طالها الهدم، وشمل الهدم أسس المبنى المُلحق بكنيستنا المحاذية للشارع الذي بوسط المدينة حيث سُوِّيَت بالأرض، وبذلك صارت ساحة كنيستنا مفتوحة ومشاعة أمام العامة. وبعد سنتين هُدِمت لنا حوانيت أربعة والغرف المشيَّدة فوقها. وأخيراً في 16/1/1917م استولى الجيش على كنيستنا جاعلاً منها مخزناً لتجهيزاته، ولم يُبقِ منها لإقامتنا إلا الطابق الثاني، حيث جعلنا أحد أجنحته موضعاً للصلاة ولإقامة الذبيحة الإلهية. وبعد سنتين من استحواذ الجيش على كنيستنا ووضع الحرب العالمية الأولى أوزارها، وفي ذات اليوم أي 16/1/ 1919م وبناءً الى طلبنا المتكرِّر، لبَّى الجيش رقبتنا فترك كنيستنا بعد إفراغها من تجهيزاته التي كانت معبأة بها.
زيارة مفاجئة لمار بطرس عزيز لكنيستنا
وفي غمرة انشغالنا بتطهير الكنيسة وإعادة تكريسها، وشمس يوم الجمعة نهاية كانون الثاني 1919م كادت توشك على المغيب وإذا بسيادة مار بطرس عزيز مطران سلامس /ايران السامي الإحترام، يفاجئُنا بزيارة، يُرافقه خمسة كهنة وخمس نساءٍ وطفل واحد، لأنَّ أبرشيتي سلامس واورميا في ايران قد طالهما الدمار، وإن المطران وكهنته زُجّوا في السجن فقبعوا فيه لمدة ثلاثة أشهر. وبفضل طبيب ذي تأثير أُخليَ سبيلُهم، فهربوا ووصلوا الى آمد بحالةٍ يُرثى لها بسبب ما تكبدوه من صعوبة شديدة في طريق الهرب، بحيث أنَّ أجسامهم تشوَّهت بالأدران والقروح وقد التصقت بها ملابسهم الممزقة البالية، إلا أنَّ ما أظهره تجاههم مارسليمان صباغ مطران آمد من فرح في استقباله لهم، والإعتناء البالغ الذي أمر ببذله لراحتهم، خفَّفَ الكثير من تأثير بلواهم، فقد زوَّدهم بثيابٍ جديدة وواساهم بكلمات رقيقة، وامتدَّت استضافته لهم ثلاثة أشهر، ثمَّ ودَّعهم لدى توجههم الى مقرِّنا.
ونحن بدورنا كان فرحُنا في استقبالهم عظيماً، وشملتنا غبطة كبير بسلامة أخينا مار بطرس عزيز ومُرافقيه، وأوعزنا ببذل كُلِّ ما مِن شأنه أن يُريحهم جسديا ونفسياً، فأمضوا في ضيافتنا ثمانية عشر يوماً، ثمَّ غادروا مقرَّنا الى نصيبين يوم الثلاثاء الموافق 18/2/1919م ومنها الى الموصل. والى الحلقة التاسعة قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في21 / 7 / 2015

44

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثالث والثلاثون
قدوم البعثات الأنكليكانية والبروتستنتية
وبحدود منتصف القرن التاسع عشر بادرت البعثات الأنكليكانية والبروتستانتية أيضا بالقدوم الى بلدان الشرق الأوسط ومن بينها بلاد ما بين النهرين وسوريا وبلاد فارس وغيرها، ولكنَّ مهمتها لم تكن لكسب الناس غير المسيحيين إلى مذاهبها، بل لمحاربة الإرساليات الكاثوليكية وإغراء المسيحيين في هذه المناطق من أجل كسبهم الى مذاهبهم  باتباعهم لشتى الوسائل مهما كانت غير نبيلة لتحقيق أهدافهم.
يقول المؤرخ ريموند كوز في مؤلفه الموسوم (تاريخ كنيسة المشرق/مسيحيو العراق وايران وتركيا ج2 ص 225 وما يليها) إنَّ غالبية أبناء الكنيسة النسطورية يقطنون وديان الجبال الشاهقة في اقليم هيكاري بعد انحسار عددهم بل زوال اثرهم في المناطق السهلية وشبه السهلية التابعة لولاية الموصل العثمانية آنذاك. متألِّبين حول جاثاليقهم الذي نصب كُرسيَّه في دير قوجانس منذ عام 1820م. يعيشون في حالةٍ من البؤس والشقاء وكأنهم في القرون الوسطى. وكانت مجموعة اخرى يُناهز عددُ نفوسها في الحدِّ الأقصى الثلاثين ألفاً، يعيشون بسلام في بلاد فارس باقليم اذربيجان على ضفة بحيرة وان الغربية. كان يعُمُّ إكليروسَهم جهلٌ مطبق، إذ بالكاد يقرأ أفرادُه اللغة الكلدانية وبدون أن يفهموا معناها، يفتقرون الى معهدٍ كهنوتي  أو حتى دير لا يملكون لكي يتثقَّف فيه كهنتُهم ثقافة لاهوتية بأدنى مستوياتها. مُعَدَّل سكّان قراهم يتراوح بين 30 أو أربعين أسرة، وكُلُّ قريةٍ تختار لها راعيا  "كاهناً" لا يتميَّز عن أبناء القرية بشيء حتى في الزي، وإذا لم يكن يملك حِرفة يدوية لكسب العيش، فإنَّه يُجاري أبناء القرية بفلاحة قطعة أرض، وبالرغم من هذا الوضع المُزري كان يحظى باحترام وتقدير أبناء رعيته.
كان الأنكليز قد أرسلوا في عام 1835م بعثة دراسية الى منطقة هذه القبائل النسطورية إلا أنها أخفقت في مُهمَّتِها، ولكنَّ الجاثاليق النسطوري شمعون السابع عشر ابراهيم وبعد عدة سنوات قدَّم التماساً الى رئيس اساقفة كنيسة كانتيربري الأنكليكانية طالباً عونه وتأييده، فلبَّى مطلبه، وعيَّنَ القس بدجر ليُدير الإرسالية التي  سيستمر نشاطها منذ 1842-1844م. في الفترة هذه ذاتها أعلن الزعيم الكُردي بدرخان العصيان على الحكومة العثمانية، فقام بإخضاع القبائل النسطورية في معقلها بجبال هيكاري الى نفوذه، حيث هاجم مناطقها وقتل الآلاف من سكانها سابياً النساء والفتيات وإجبارهن على اعتناق الإسلام. تعرَّضت قرى باكملها للحرق، وقبيلة تياري للإبادة الجماعية. وفي عام 1846م تكرَّرت المأساة بارتكاب مجزرةٍ اخرى راح ضحيتها أعضاء الإيكليروس الأكثر ثقافة وعِلماً، وطال التدمير القرى والكنائس، واضطرَّ الناجون للنزوح بأعداد كثيفة الى أماكن أقل عِداءً وأكثر أمناً. ولكنَّ بدرخان لم يصمد أمام القوات التركية التي قامت بسحقه والقضاء على عصاباته عام 1847م.
وفي أواسط القرن التاسع عشر شرع الأنكليكان والبروتستانت بالإكثار من عدد بعثاتهم التبشيرية الى الشرق لتعمل لهدفٍ مزدوج الأول سياسي وهو ايجاد موطيء قدم في المناطق الواقعة تحت نفوذ السلطنة العثمانية المترامية الأطراف، حيث بدت لهم ملامح انهيار السلطنة، والثاني لمنافسة المد الكاثوليكي المتعاظم. ومن هذه البعثات والأقوى بينها كانت البعثة الأنكليكانية التي قـدمَت عام 1884م الى منطقة هيكاري تلبية لرغبة الحكومة البريطانية لعلمها بأن الوضع بين مسيحييها الكلدان النساطرة وبين مجاوريهم المسلمين كان الأكثر توتراً. كانت البعثة برئاسة وليم ويكرام الداهية، وإذ لاحظ وضع هؤلاء البؤساء المُزري بادر فوراً بتقديم بعض الخدمات المحرومين منها مِن طبية وتعليمية وغيرها، وفي ذات الوقت نفح بطريركهم مار شمعون روبين ااثامن عشر مبلغ< 7000 > جُنيه استرليني قائلاً بأن المبلغ سيكون منحةً سنوية قررتها الحكومة البريطانية لبطريركيتهم فيما لو تحوَّلوا من مذهبهم النسطوري الى المذهب الأنكليكاني، فكان جوابهم رفضاً قاطعاً! ضاق ويكرام ذرعاً برفضهم لعرضه ولكنه كتم غيظه وفكر بالإنتقام منهم، وغيَّرالحديث معهم قائلاً بأن حكومة بريطايا لديها شديد الإهتمام بإيجاد طريقةٍ لإنقاذهم من ظلم المسلمين المجاورين لهم. كان التردد يُساورهم حول صدق أقواله وما الدافع الذي يرميه من وراء ذلك؟
ولكي يبدد شكوكهم، طلب من مارشمعون أن يستدعي رؤساء عشائر شعبه حيث لديه أمر بالغ الأهمية كلَّفته حكومته لينقله إليهم فقال: إن الحكومة البريطانية تتعهد بتأسيس وطن قومي لكم إذا تعهدتم بدوركم  بالإخلاص لها والتحالف معها لتحقيق الأهداف المشتركة بين الطرفين! ولكن مشروع إقامة وطن قومي يتطلب منكم نبذ تسميتكم "النساطرة" لأنها تسمية مذهبية وعليكم تبني تسمية بديلة تليق بكم وتُلائم لربط المشروع بها، فردَّ البطريرك بأن تسميتنا ليست نساطرة وإنما "كلدان نساطرة" لأننا كلدان قومياً ونساطرة مذهبياً وكُلُّ الأقوام المجاورة لنا تعرفنا وتنادينا بهذاالإسم وحتى الأجانب الذين زارونا قبلكم يعرفوننا بهذا الإسم"كلدان نساطرة" وأنا شخصياً بصفتي الرئيس الروحي فإنَّ ختمي الرسمي يقرأ (الضعيف شمعون بطريرك الكلدان) فكيف يُمكننا تغييرها، فردَّ عليهم القس "وليم ويكرام" عليكم فعل المستحيل في سبيل إنقاذكم مِما تتعرضون له من الضيم والإضطهاد القاسي منذ زمن طويل، ثمَّ إن المشروع المعروض عليكم لا يُمكن تحقيقه تحت هويتكم الحالية "كلدان نساطرة" لأن هوية "كلدان" يحملها الكاثوليك أعداؤكم في بلاد الرافدين الذين فضلاً عن تفوقهم عليكم كثيراً من حيث العدد فهم غير مُبالين بمثل هذا المشروع ولأن ولاءَهم لفرنسا هو أكثر مما لبريطانيا.
ارتبك مار شمعون ورؤساء قبائل الكلدان النساطرة وأخذتهم الحيرة وراحوا يُفكرون بالعرض البريطاني دون تقدير لتبعاته المستقبلية والذي قد يكون مخططاً مشبوهاً ووعداً كاذباً! وكان البطريرك أكثر تحفظاً، ولكن قسماً من رؤساء القبائل المتهوِّرين أغراهم العرضُ وعزموا على إقناع البطريرك يقبوله وأفلحوا. فأبلغوا رئيس وأعضاء البعثة البريطانية بأنهم على استعداد لتلبية كُلَّ ما يؤول الى إنقاذهم مِن محنتهم، ولكن ما هي التسمية التي تُريدون منا أن نتبناها؟ عندها قال وليم ويكرام، يذكر التاريخ بأن شعباً حكم هذه الديار ردحاً طويلاً من الزمن قبل الميلاد كان يُدعى الشعب الآشوري فحاولوا أن تنسبوا أنفسكم الى ذلك الشعب كأحفادٍ له، وبدون شعور إستمرأ هؤلاءُ البؤساءُ والجهلاء معاً فكرة هذا الماكر الخداع وأبدوا موافقتهم  بالقبول، إرتاح ويكرام وأعضاء بعثته لهذه النتيجة غير المتوقعة، وأخبروا حكومتهم البريطانية بهذا الإنجاز، ولم تمضِ إلا أيام معدودة حتى تسابقت وسائل الإعلام البريطانية بنشر الأخبار التي بعث بها ويكرام وهي: بأن جهود المنقبين البريطانيين التي أثمرت عن اكتشاف آثار الملوك الآشوريين تكلَّلت باكتشافنا لبقايا ذلك الشعب تعيش في شمال بلاد ما بين النهرين في منطقة هيكاري وقسم من منطقة وان، يُحيط بهم أقوام مسلمون يُلحقون بهم الأذى، إنهم الآثوريون أحفاد شلمنصَّر، وأشاع الإنكليز هذه الأخبار في عموم اوروبا وامتدَّ تداولُها لعدة أشهر بهدف ترسيخها في أذهان الأوروبيين. انظر كتاب (مفصل العرب واليهود في التاريخ ص 596 – 597).
كان هذا التناحر الأكبر الذي ساد بين أبناء الأمة الكلدانية الواحدة، وهنا أود توجيه سؤال لبعض كلداننا اليوم المنجرفين وراء الدعاية المغرضة والمسيَّسة لهؤلاء الإنعزاليين: هل عرفتم الآن مَن هم هؤلاء الضائعين ومَن أنعم عايهم بالإسم الآشوري؟ أم لا زلتم متمسكين بضلالهم الذي أضلَّهم به المخادعون الإنكليز؟ هل تستطيعون تفسير إبقاء بطاركة هؤلاء المنشقين المتبنين للتسمية الآشورية الدخيلة لختمهم البطريركي ليُقرأ< مْحيلا شمعون بطريركا دكلدايي > حتى آخر البطاركة مار ايشاي شمعون الواحد والعشرين الذي اغتاله أحد المتزمتين المناوئين لنهجه السياسي عام 1975 في سان فرانسيسكو الأمريكية. أليس هذا دليلاً واضحاً بأنهم قد تمَّ خدعُهم من قبل المستعمر الإنكليزي وأنهم هم وشعبهم  كلدان قومياً ونساطرة مذهبيا؟
ولما أحسَّ البطريرك بسوء نوايا البعثة الويكرامية أراد إصلاح الخطأ الذي سببته له ولشعبه، فبادر الى إرسال مبعوث من قبله الى الموصل لمقابلة بطريرك الكلدان الكاثوليك لإبلاغه أولاً : بالنوايا السيئة للأجانب المتواجدين في منطقتهم، وثانياً : أنه شخصياً غير قادر صحياً للمجيء الى الموصل، ولذلك يدعوه راجياً قدومه الى قوجانس للتباحث وإعادة الوحدة القومية والكنسية، وتوجَّه البطريرك الكلداني مار ايليا عبو اليونان الثاني عشر في خريف عام 1892م الى هيكاري نزولاً عند رغبة البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر روبين، وما إن وصل الى أشيثا حتى كان له بالمرصاد أعضاء البعثة الويكرامية فحالوا دون لقاء البطريركين، فعاد البطريرك الكلداني الكاثوليكي الى الموصل بخفي حنين انظر (مجلة المشرق1 1995 العدد الثاني ص 123/ محاولة التقارب بين الكنيستَين/الأب د. بطرس حداد) وفي الرابع من ايارعام 1895م بعث البطريرك الكلداني مار عبديشوع خياط برسالة الى البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر مُجدِّداً قضية توحيد الكنيستين، فكان رد فعل البطريرك النسطوري سلبياً غريباً، حيث رفض مُحتواها وبإسلوب غير لائق أُمليَ عليه من قبل المُرسلين الأنكليكان والروس الأرثوذكس الذين كانت لديهم اليد الطولى في بَثِّ افكارهم المناوئة للكثلكة لاهوتياً وكتابياً بين صفوف الكلدان النساطرة. انظر(الصفحة 124 من المصدر السابق).
وهكذا لعب الأنكليكان والبروتستانت والأرثوذكس المونوفيزيون دوراً قذراً ضِدَّ الكنيسة الرسولية الكاثوليكية الرومانية وكنائس الشرق المتحدة معها ايمانياً للنيل منها، ولكن هيهات، فإن كُلَّ اساليبهم الملتوية وأفكارهم المُبتَدَعة تتكسَّر على الصخرة البطرسية الصلبة التي اختارها المسيح الرب ليبني عليها كنيسته. إذ منذ ظهور البِدع في كنيسة المسيح في القرن الميلادي الخامس وما تلاه في القرون اللاحقة، لم يتوانى مُبتدعوها وأتباعُهم عن تحامُلهم على الكنيسة الكاثوليكية والإيقاع بأبنائها مُزيِّفين الحقائق ومشَوِّهين الوقائع التاريخية مُسخِّرين بذلك كتبتُهم ومنظروهم الذين حقنوهم بسموم الحقد والكراهية البغيضة لخلق الفِتَن وترويج الأكاذيب والإفتراءات.
وكان نصيب الكلدان الكاثوليك الأوفر جُرماً طالهم من قبل الدهاة الإنكليزالأنكليكان عملاء المخابرات الغربية وبخاصةٍ الإنكليزية وأشهرهم: < القس وليم إنكَر ويكَرام، إدورد وايت بِنسون،اوستن هنري لايارد، بول ايميل بُوتّا، د. أساهيل كَرانت > هذه الزُمرة المُجرمة سَعَت وبمنتهى العُنف الإعلامي خلال القرن التاسع عشر الى تنسيب كلدان الجبال النساطرة الى آشوريي التاريخ القدماء المنقرضين منذ عام 609 ق.م لكي عن طريقهم يُسيطروا على الثروة النفطية المخزونة في منطقة نينوى التابعة لولاية الموصل العثمانية التي أرادوا تمليكها للكلدان النساطرة الذين أطلقوا عليهم "الآثوريين" وجلبوهم الى العراق كلاجئين بعد الحرب العالمية الأولى. فقاموا بحذف لفظة اللاجئين من تسميتهم التي بموجبها أدخلوهم الى العراق قانونياً وهي " اللاجئون الآثوريون" ثم استبدلوا كلمة الآثوريين بكلمة "الآشوريين" وعن طريقهم انقسم اتباع كنيستهم النسطورية الى ثلاثة مذاهب، انتمى واحدُهم الى الأرثوذكسية الروسية والثاني الى المذهب الأنكليكاني، والثالث تحوَّلَ الى حزبٍ سياسي بايعازٍ انكليزي حاذفا كلمة النسطورية من تسمية كنيسته مُستبدلاً إياها بالآشورية آملاً بتحقيق وعد ويكرام بتحويل نينوى الى وطن آشوري على غِرار وعد بِلفور الذي بموجبه قامت اسرائيل.
ولكي نقف على نشاط كُلِّ عضوٍ من أعضاء هذه الزمرة اللعينة في إسدائه الخدمة لكلدان الجبال النساطرة الذين أطلقوا عليهم اسم "الآثوريين" من حيث الصدى الإعلامي الذي قاموا بترويجه في الوسط الأوروبي، وتأليف العديد من الكتب المُخالفة للحقيقة التاريخية التي أثبتها العلماءُ والمؤرخون والآثاريون بانقراض آشوريي التاريخ القدماء، ومع كُلِّ جُهدهم الخبيث لم يستطيعوا النيل من الكلدان وتاريخهم إلا أنهم حاولوا تحوير الوقائع وإنكار الشواهد والأدِلة في سبيل تنسيب الكلدان النساطرة الى الآشوريين القدماء وهم منهم براء. ولنبدأ بأشهرهم:
1 -  وليم إنكَر ويكَرام  William Ainger Wigram: ضابط مُخضرم في المُخابرات الإنكليزية، أُنيطت به رئاسة بعثةٍ انكليكانية بهدفٍ تبشيري وبواقع سياسي. حَلَّ هو وأعضاء بعثته في منطقة هيكاري الجبلية بتركيا عام 1884م. توغَّل في قراها مُمضياً ردحاً من سِني عمره بين ساكنيها الكلدان النساطرة. ألَّف العديد من الكتب عنهم لم يتعدَّ مضمونُها إطار التاريخ والسياسة متجنباً أيَّ ذِكر للدين والتبشير وهو الهدف المُعلن لنشاط بعثته. نُدرج أدناه عناوين أهمِّ كتبه:
أ – الآشوريون ومُجاوروهم  The Assyrians And Their Neighbours by THE REV. W. A. WIGRAM
ب – مهد البشرية/ الحياة في كُردستان الشرقية  The Cradle of Mankind, Life in Eastern Kurdistan, by the Rev. W. A. Wigram., D. D. 5
  Mission To Hakkari With The Reverend Wigram    : 1909                                             ت – البعثة الى هيكاري
      An Introduction to the History of the Assyrian Church or the the Church of Sassanid Persian Impire. 100-640 A.D. by  W.A. Wigram M.A., D.D. 5ث – مدخل الى تاريخ الكنيسة الآشورية أو كنيسة الإمبراطورية الساسانية الفارسية 
ج – الآشوريون – حليفنا الصغير -   Our Smallest Ally by William Ainger Wigram وهو أصدق هذه الكُتُب!
وكما ذكرنا لم يتطرَّق ويكَرام الى الدين والتبشير في هذه الكتب ما عدا دفاعه عن المذهب النسطوري في كتاب تاريخ الكنيسة النسطورية. تُرى، هل كان في دفاعه صادقاً ومقتنعاً أم مرائياً؟ إن كان على صُدقٍ وقناعة، لماذا دعا الكلدان النساطرة الى نبذه والتحول الى مذهبه الأنكليكاني في بداية مشواره معهم؟ أعتقد أنَّ إصرار الكلدان النساطرة على رفض دعوته رفضاً باتاً هو الذي أجبره على الدفاع عنه رغم عدم اقتناعه، والدليل على عدم افتناعه هو الدور الذي لعبه في حذفه من اسم الكنيسة النسطورية واستبداله باسم الآشورية.
2 – اوستن هِنري لايارد  Austen Henry Layard: مُنقِّبٌ آثاري انكليزي، ولد في باريس في 15آذار 1817م لوالدَين بريطانيين، تلقَّى دروسه في ايطاليا، وأتقن اللغتين الفرنسية والإيطالية الى جانب لغته الأم الإنكليزية، ومنذ نعومة أظفاره انتابه ولعٌ في حضارة بلاد ما بين النهرين. في عام 1843م إدَّعى عثوره على قصر شلمنصَّر الأول في نينوى وتمثال للثور المُجنَّح. وتلا ذلك عثوره على قصر آشور بانيبال مع الواح حجرية منقوشة عليها نصوص مسمارية، ولكي يُضفي لايارد عليها أهمية كبرى سَمّاها "مكتبة آشوربانيبال" متوخيا ترويجاً للثقافة الآشورية التي كانت معدومة أصلاً لإنهماك الدولة الآشورية طوال سني حكمها بالحروب ولم يسنح لشعبها فرصة لكسب العِلم والثقافة، فظلَّ جاهلاً، مِمَّا حدا بآخر ملوك آشور العظام على الصعيد العسكري آشوربانيبال بعد أن هاله الوضع الثقافي المُزري للشعوب المنضوية تحت راية الدولة الآشورية، فأمر جلاوزته بالذهاب الى الدول الخاضعة للتسلُّط الآشوري ولا سيما بابل عاصمة الكلدان مركز الثقافة الرافدينية لجمع ما لديها من تراث عِلمي وثقافي منقوش على الألواح وجلبه الى العاصمة نينوى ووضعها في قصره، فهذه الألواح لم تكن نتاج الآشوريين طلاب الحروب والإعتداء على الشعوب كما أعلن ذلك قراء الخط المسماري.
ومن مُخادعات المنقب لايارد الساعية الى ربط الكلدان النساطرة بآشوريي التاريخ المنقرضين، اجتمع ببعضٍ المُقيمين منهم في الموصل قائلاً لهم: إنَّه وصل الى "نتيجة"بأنَّ التركيب الجُمجُمي للكلدان النساطرة "الآثوريين" المتواجدين في انحاء نينوى هو شبيه بالتركيب الجُمجُمي للجماجم التي عثر عليها في مقابر الآشوريين القدماء، إلا أنَّ هذا المُخادع الإنكليزي لم يُقدِّم بُرهاناً علمياً مقنعا لإدِّعائه الكاذب، وكيف حافظت هذه الهياكل العظمية على هيئتها دون أن ينال منها الإنصهار والتحوُّل الى التراب بعد مرور ستة وعشرين قرناً من انقراض الآشوريين من بلاد ما بين النهلرَين! أليست هذه الخديعة المُلفقة استكمالاً للوعد الكاذب الذي أعطي لكلدان ايران النساطرة "الآثوريين" من قبل مُمَثلي الدول المنتصرة في الحرب العالمية الأولى باجتماعهم مع البطريرك النسطوري شمعون التاسع عشر في شباط 1918 باورميا، ووقعه المستر كريس ضابط المخابرات البريطاني ذو اليد الطولى في مقتل البطريرك عن طريق تدبيره لقاءً بين البطريرك وعدوِّه الزعيم الكردي سمكو، والمشاركون الى جانب الضابط البريطاني، الفنصل الروسي نيكيتين والقنصل الأمريكي شيد والضابط الفرنسي اوجول. ولكنَّ المنقب الآثاري البريطاني لايارد قام عام 1845 بجولةٍ في شمال العراق لغرض التأكُّد من عدد الكلدان النساطرة وقراهم، فلم يجد إلا نسبة قليلة منهم، أما الرقم الأعظم الذي خرج به كان للكلدان الكاثوليك وقراهم، ورغم سعيه لإبراز الكلدان النساطرة الى الواجهة، بيدَ انَّه اصطدم بالواقع الذي أثبت بأن الكلدان الكاثوليك هم العنصر الأكبر عدداً والأقوى ثباتاً والأكثر ثقافة وتمدناً.
3 – باول ايميل بوتا  Paul-Emile Botta: فرنسيٌّ مولعٌ بدراسة التاريخ القديم لبلاد ما بين النهرين. تعاون في حقل التنقيب مع المنقِّب البريطاني الشهير اوستن هنري لايارد، في عام 1843م وخلال قيامه بالتنقيب في المنطقة التي تُدعى شروكين المعروفة بـ "خورساباد" عثر على قصر الملك الآشوري سركون الثاني.
4 – جيمس فيليبس فلِتجر   James Philips Fletcher : ألَّف فلِتشر كتاباً عن تاريخ النساطرة نشره عام 1850م بعنوان (مُلاحظات من نينوى ورحلات في بلاد ما بين النهرين، اآشوريون وسوريا/ القس ج. ف. فلِتشر)
Notes From Nineveh And Travels In Mesopotamia, Assyria, And Syria By The Rev. J. P. Fletcher, Published A.D. 1850,
أولاً: إنَّ حِقداً غير مألوفٍ ضِدَّ الكلدان دفع بفلِتجر لتأيف كتابه المنوَّه عنه أعلاه، وثانياً: الطعن بصحة آيات الكتاب المقدس ولا سيما المذكورة في سفر ناحوم بخصوص الآشوريين القدماء والآيات التي تُشيد بالكلدن وبملكهم العظيم نبوخذنصَّر الثاني. فبالنسبة للكلدان يُطالب المُزيِّف الحاقد فلِتجر بحذف كُلِّ الآيات من الكتاب المُقدس تلك التي يأتي فيها ذِكرُ الكلدان وتؤكِّد قوميتهم العريقة وإليكم ما يقولُه نصّاً:
Chapter XXII -- section 3
Yet it seems more probable to imagine that Asshur (from whom the region called afterwards Athoor or Assyria evidently takes its name) was the person who founded this city, more especially as he lived a generation earlier than Nimrod; the beginning or capital of whose kingdom was Babel. And here it may be worthy of inquiry whether the Babel of Genesis is the same city, or occupies the, same locality with the Babylon of a later period. The similarity of the names will not prove an identity of position, since we, know that there existed a Babel or Babylon in Egypt.
لا زال هناك احتمال للتخيُّل <بأنَّ آشور التي تسمَّت المدينة باسمه، هو الشخص الذي بنى نينوى، وبالأخص أنَّه قد عاش في الجيل السابق لنمرود الذي كانت بابل عاصمة مملكته في البداية. وهنا من الجدير طرح السؤال: هل إن بابل المذكورة في سفر التكوين هي نفس المدينة، أو كان موقعها في نفس موقع بابل الفترة الأخيرة. التشابه في الأسماء( ويقصد بذلك بين بابل البداية وبابل الفترة الأخيرة) لا يُثبت تطابق الموقع للمدينتين، حيث نعلم أن بابل الأولى كانت موجودة في مصر. وتعليقنا: هل هذا اجتهاد غبيٌّ من فلِتشر، أم تعمُّدٌ مقصود لقلب الثوابت التارخية؟ وهل هناك مَن يُصدِّق هذا الإفتراء العلني المنشور في كتاب بأنَّ هناك مدينتَين إسمُهُما بابل؟
ويستمر فلِتجر بأكاذيبه وافتراءاته في كتابه مستغلاً التشابه بين لفظتين مثل لفظتي شنعار وسنجار، حيث يعتقد بأن سفينة نوح رست على جبل سنجار، ومن حيث المنطق يعتقد بأنَّ أحفاد نوح عاشوا في سهل أرض سنجار بالقرب من الجبل، ولم يتجشَّموا أعباء الرحيل مسافة ثلاثمائة ميل للوصول الى سهل أرض شِنعار. ولكن أيها المستر فلِتجر: مَن قال لك بأنَّ سفينة نوح رست فوق جبل سنجار؟ ومتى وأين قال الكلدان بأن أحفاد نوح شدّوا الرحال من سنجار الى بابل؟ ولماذا تتمادى في الكذب وعلى أيِّ مصدر تاريخي أوكتابي تستند بقولك: إنَّ أرض شنعار المذكورة في سفر التكوين هي أرض قضاء سنجار التابع للموصل.
أما بالنسة الى الكلدان النساطرة فيتحدى آيات الكتاب المقدس الى حدِّ تكذيبها حيث كتب على غلاف كتابه: < قَدْ نَامَ رُعَاتُكَ يَامَلِكَ آشُّورَ، وَغَرِقَ عُظَمَاؤُكَ فِي سُبَاتٍ عَمِيقٍ، تَشَتَّتَ شَعْبُكَ عَلَى الْجِبَالِ وَلاَ يُوْجَدُ مَنْ يَجْمَعُهُمْ. (الأية 18 من الفصل 3 من من سفر ناحّوم) فكان جواب فلِتجر التحدي للنبي ناحوم < نحن "البريطانيون" نجمع الكلدان النساطرة من الجبال ونمنحهم نينوى مُلكاً لهم.
يَعمد فلِتجر الى حشو كتابه بأكاذيب مُختلقة، يصعب على المَرءِ تصديقها، وإليكم أحد هذه النماذج التي يُسوِّقها بكُلِّ صلافة وبدون خجل!
 Chapter: XVII
Those who have studied with care the sculptured representations of the ancient Assyrians, and compared them with the modern inhabitants of the plains of Nineveh, can hardly fail to trace the strong features of affinity which exist between the robed monarchs and priests of early days, and the Christian peasants of Bagh Sheikha and Bagh Zani
إنَّ اولئك الذين أجروا فحصاً دقيقاً على المنحوتات الحجرية لآشوريي التاريخ القدماء، ولو قورنت مع السكان المُعاصرين القاطنين في سهول نينوى< وبهذا تلميح لمنح الكلدان النساطرة "الآثوريين" سهل نينوى> لن يجدوا صعوبة في ملاحظة ملامح القرابة القوية الموجودة بين تماثيل ملوك وكهنة الوثنية للأزمنة المبكرة بأزيائها المنحوتة بها، وبين الأزياء الشعبية لسكان بعشيقة وبحزاني المسيحيين.
لو واصلنا انتقاد وتفنيد المُغالطات التي أوردها فلِتجر في كتابه عمدا مع سبق الإصرار بشأن تنسيب كلدان الجبال النساطرة الى آشوريي التاريخ المنقرضين، لاحتجنا الكثير من الجهد والوقت في الوقت الذي نحن في غنىً عن ذلك، فإنَّ حديثه المليء بالمُراوغة والتلاعب بالمصطلحات والتحدِّي الفارغ للنبي ناحوم: بأنَّ الإنكليز وبالرغم مِما ذكرته بشأن انقراض الآشوريين القدماء، فإنهم قد أعدّوا أحفاداً لهم وسيهبونهم نينوى ملكاً، بالإضافة الى عدم إقرار فلِتجر بصحة الآيات الواردة في أسفار الكتاب المقدس حول الكلدان وعاصمتهم بابل بدءاً بسفر التكوين، ثمَّ اسفار الأنبياء ارميا، عزرا، نحاميا، حسقيال، حبقوق ودانيال، وهنا نقول لفلِتجر ولِمَن هم على شاكلته < إما أن تكونوا مؤمنين بجميع آيات الكتاب المقدس أو تكونوا مُلحدين! > فإذا كُنتَ مؤمناً لا يحق لك إلغاء آيات تتحدَّث بفخر عن شعبٍ عريق هو الشعب الكلداني وعن عاصمته بابل! وإذا كنتَ غير مؤمن لا يصح مطلقاً أن تختار آية ما وتبني عليها ألاعيبك التحايُلية كي تُمهِّدَ عن طريقها سبيلاً لمنح " نينوى " لعملائكم  اولئك الذين سمّاهم زميلُكم وليم ويكرام< الحليف الصغير> وقد أتيتم بهم الى بعقوبة في العراق بصفة لاجئين مطرودين من موطنهم في تركيا وايران، ثم جعلتم منهم مُقيمين!
5 -  الدكتور أساهِل گرانت ــ Dr. Asahel Grant
إنَّه بروتستانتيٌّ أمريكي وأبرز المبشرين البروتستانت، مال الدكتور كَرانت الى العمل التبشيري بين الكلدان النساطرة، وجعل له من هذا العمل التبشيري تخصُّصاً، فقدم الى اورميا  ووصل إليها في تشرين الأول من عام 1835م. قام بتأليف كتابين حول النساطرة، عنون الأول: "
1 -  النساطرة أو - القبائل العشر المفقودة أو الأسباط العشرة المُتلاشية - :
The Nestorians, or the Lost Tribes. Memir of Asahel Geant, M.D.,
Missionary to the Nestorians
حيث يعتبر هؤلاء النساطرة بأنهم يعودون باصولهم الى أسباط بني اسرائيل العشرة المفقودة. أما الكتاب الثاني فقد عنونه
Dr. Grant and the Mountain Nestorians 2 -  الدكتور كَرانت ونساطرة الجبال
وللإطلاع على الكتابَين المذكورَين يمكن للراغب زيارة العم كوكل فقد أنزلهما للتحميل أو للشراء.
ومن المؤسف والمُخزي معاً أن تقوم ما تُسمّى وكالة الأخبارالآشورية العالمية بإعادة طبع كل الكتب التي كتبها عملاء المخابرات الغربية والإنكليزية هؤلاء قبل ما يزيد على القرن ولسبب واحد فقط هو تبديل كلمتَي " النسطرة والنساطرة" اللتَين إستعملهما هؤلاء  الى كلمتَي " آشور وآشوريين" الكلمتين اللتين انعم بهما على كلدان الجبال النساطرة هؤلاء أنفسهم بعد الحرب العالمية الأولى.  لقد قامت هذه الوكالة المسخ النكرة بهذا العمل الخبيث الذي اقتصر طبعها لهذه الكتب باللغة الإنكليزية فقط. والسؤال هنا: لماذا اكتفى كلدان الجبال النساطرة بطبع تلك الكتب بعد ترجمتها الى اللغتين العربية والكردية؟ الجواب هو: الخشية من اطلاع الشعب العراقي على نصوص تلك الكتب التي تفضح عمالة النساطرة لأسيادهم الإنكليز، وتؤيد بأنَّ هدف  العملاء الذين استغلوهم بصفة المُبشرين، لم يكن سوى ايجاد حليف لمملكتهم المتحدة الإنكليزية مهما كان حجمُه صغيراً، فكان ذلك الحليف "كلدان الجبال النساطرة" الذين أطلقوا عليهم اسم "الآثوريين" زوراً وبهتاناً. والى الجزء الرابع والثلاثين قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 16 / 7 / 2015

45
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة السابعة
مقتل مسيحيي  سعرد وضواحيها  بضمنهم
المطرانين الكلدانيين أدّي شير وتوما رشو
 ننقل وبتصرُّف صياغي لا ينتقص من المضمون شيئاً وكما ورد في كتابه (ص102 -  111): مدينة "سعرد" إحدى مدن جبل قردو ضمن ولاية "بدليس" تسكنها غالبية كُردية مسلمة،  ويشاركهم السكنَ فيها كلدان ويعاقبة وأرمن ارثوذكس، وبالرغم من وقوع سعرد في قلب المنطقة الكُردية، إلا أنَّ عموم سكانها يتكلمون العربية الى جانب اللغة الكُردية، ولكنهم بالنتيجة يتكلمون الكُردية والعربية ولغة البلاد التركية، أما الساكنون في القرى المُحيطة بها، فكُلٌّ من هذه الطوائف تتكلم لغتها، حيث يتحدَّث الأكراد الكُردية والأرمن الأرمنية والكلدان الكلدانية واليعاقبة الآرامية. وإذا تعرَّض أيٌّ من هذه الطوائف لخطرٍما فيجري الإستنجاد بالأكراد لأنهم الأغلبية في منطقة جبل قردو.
في شهر حزيران عام 1915م سرى لهيب نار الإضطهاد الذي أثارته الدولة العثمانية في عموم البلاد ضِدَّ الطائفة الأرمنية خاصةً والطوائف المسيحية الأخرى عامة، ووصل الى سعرد، وكان ارمن منطقة جبل قردو الواقعة في الجزء الشمالي من بلاد بين النهرين هم  المستهدفين  باستئصال شأفتهم على غِرار ما حدث في مدن ارمينيا ومنطقة الأناضول بأسرها. وكانت مدينة سعرد مُحاطة بأكثر من ثلاثين قرية يسكنها الكلدان إضافة الى دير مار يعقوب الحبيس الشهير الذي يمتد تاريخ إنشائه الى القرن الرابع الميلادي. إليه نقل ثاني بطاركة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية مارعبديشوع الرابع مارون 1555 – 1567م مقرَّ كُرسيِّه في سنوات بطريركيته الأخيرة، وفيه دُفن بعد انتقاله الى الحياة الأبدية. كان الدير يحوي مكتبة عامرة  منسقة وزاخرة بمختلف الكتب والمخطوطات الثمينة منذ أيام السعيد الذكر المطران "بطرس برتتر".
في الثلث الأخير من حزيران 1915م، فوجيءَ مسيحيو سعرد بتطويقهم من  قبل مُسلمي المدينة، وبأمر من حاكمها، القوا القبض في البداية على الرجال وزجوهم بالسجن، وهنالك شرعوا بإهانتهم وبتعذيبهم بشتى أصناف العذابات، ثمَّ أخرجوهم من السجن وأجهزوا عليهم جميعاً قتلاً وذبحاً، وقد نجا عددٌ قليل منهم حيث سنحت أمامهم فرصة الهرب. وكان ضمن حشد المعتقلين السعيد الذكر المطران أدّي شير، إنما أُطلق سراحُه لفترةٍ من الزمن، طمعاً في الإستيلاء على أمواله والودائع التي كانت مؤتمنة لديه، وبعد ذلك يُعاد القبض عليه ويُقتَل. ولكنَّه حين سنحت له فرصة للهرب بمساعدة بعض أصدقائه، هرب في الليل بصحبة القس يوسف من قرية "بسكند" ومعهما خادمُه، وتوجَّهوا صوب الموصل. وفي صباح اليوم التالي، انكشف أمرُ هروبه، وأبلغ المتصرِّف بذلك، فأرسل في الحال عساكر في إثره لإلقاء القبض عليه، كما أبرق الى مفارز أمن الطرق وحرس الحدود، لكي يمنعوه من اجتياز الحدود لكي لا يهرب فينجو. ونتيجة لتلك الإحتياطات تمَّ إلقاء القبض عليه وعلى مُرافقَيه قبيل أن يجتازا حدود ولاية بتليس. وإذ تأكَّد مرافقاه أن لا جدوى في نجدته تركاه وشأنه وذهبا.
وتقدَّم آمر المفرزة التي ألقت القبضَ عليه، وأخرج من جيبه أمر إعدام المطران أدّي شير وتلاه على مسمعه. لم يهتز ولم يضطرب لسماعه الأمر الصادر بموته، لا بل طلب مهلة قصيرة ليستعِدَّ للموت. وقام بتسليمهم ملابسه الأسقفية التي كانت في الصناديق التي معه، حيث كان قد تنكَّر بغير زيِّه. ثمَّ ركع وصلّى في خشوع، ولما انتهى من صلاته توجَّه نحو أفراد المفرزة وقال لهم بثبات: باستطاعتكم الآن إتمامَ واجبكم. فصوَّبوا نحوه اسلحتهم وأطلقوا عليه النار. فلما سقط مضرَّجاً بدمه، تقدم إليه رئيس المفرزة وحَزَّ رأسَه، واتى به الى الحاكم ليؤكد له مقتله، وهذا بدوره أرسله الى الكنيسة وألقي في ساحتها للفرجة ولمزيدٍ من الإستهزاء والسخرية ولإرهاب المؤمنين، ولكي يدب الرعب والفزع في نفوس المسيحيين من النساء والأطفال، متذكرين فعل القتلة الشنيع.
يقول ماراودو، إنَّ ما ذكرته اعلاه بصدد الشهيد أدّي شير ومشاهد اخرى، رواه لي الشاب السعردي بطرس حنا الكلداني حيث عاين المشهد بأم عينيه وسمعه بأذنيه، حيث إنَّ موقع داره كان مقابل كنيسة الكلدان الجديدة، كما أنَّه ووالدته سيدي واخاه جرجس عاينوا وسمعوا عن كثب تعذيب القس كوريال، فقد كووا جسده بالأسافيد، وهو يتضرع الى يسوع وامه مريم،. وبالإضافة الى ذلك يقول الشاب بطرس بأنَّه شاهد كسر سيقان الأطفال، وهذا ما أكَّدته لنا نساء كثيرات بأنَّهنَّ شاهدن المنظر المفزع، وقد دفعت إحدى النساء مبلغاً من الفضة للأكرادلقاء إعطائهم إياها رأس المطران.
وهنالك كهنة فضلاء آخرون قُضيَ عليهم نتيجة التعذيب القاسي الذي تعرَّضوا له من قبل المجرمين الأفاكين وهم: كوركيس وعازار البطمسي العجوز والقس هرمزد وكوريال الذي أتينا على ذِكره والذي لم يبطل من ذِكر اسمَي يسوع ومريم طوال مدة تعذيبه الوحشي. ناهيك عن الصبيان الذين بُترت سيقانهم بالفؤوس والسواطير ولم يسلم الرضع من الرضِّ بالحجارة. قاموا بترحيل النساء والصبايا الناجين والأطفال الى صور في مقاطعة ماردين، ولكثرتهم تمَّ ترحيلُهم على ثلاث وجبات، وقد داهم الموت غالبية المُرحلات وخُطفت الكثير من الفتيات، أما السبب في الوفاة فكان بسبب اقتياد الضحايا في طريق وعرة وليس الطريق السالكة، بغرض تضليلهنَّ وتعذيبهنَّ، والبقية التي وصلت الى صورجرى بيعهنَّ فيها وفي القرى الكردية الأخرى، وبذلك أصبحن إماءً للأكراد. ومع ندرة النخوة والشهامة في رجال ذلك الزمن الرديء، إلا أنَّ رجلاً متقدماً في العمر فاضلاً من أهل صور يُدعى وهبي له الفضل في إنقاذ حياة أكثر من أربعين أمرأة من تلك المنكوبات، حيث استطاع أخذهنَّ الى داره، مقدِّما لهن الحماية ومستلزمات الحياة لمدة أشهر عديدة، ثمَّ بدأ يُعتق ويُحرر الواحدة تلو الأخرى مانحاً إياهنَّ حرية الذهاب الى حيث يرغبن. فتوجهن الى ماردين وقدِمنا إلينا، فوضعناهنَّ في الملجأ مع أخريات عديدات كنّا قد اشتريناهنَّ وأطفالهنَّ من الأكراد، وإذ ضاقت بهنَّ بناية كنيستنا، استأجرنا بنايتين لإيوائهنَّ الى جانب تزويدهنَّ بالكسوة والطعام. وبسبب كثرتهن الذي أحدث إحراجاً لبعضهنَّ، فقد فضَّلت الكثيرات منهنَّ المغادرة، فالبعض منهنَّ اخترن الذهاب الى حلب والبعض الآخر الى الموصل. فزوَّدنا المغادرات بما يحتجن فضلاً عن نفحهنَّ بنفقات الطريق، وقد قمنا أيضاً بإرسال بعضهنَّ الى نصيبين، ولم يهدأ لنا بال، مُحاولين بشتى الأساليب والوسائل لإنقاذ المتبقيات بأيدي الظلاميين الأكراد، حيث كانت القرى الكردية مليئة بالمسبيات السعرديات والمخطوفات من القرى المحيطة بسعرد، ناهيك عن المسبيات من قرى المناطق الأخرى.
نبذة عن الشهيد مار أدّي شير مطران سعرد
وُلدَ في الثالث من آذار 1867م في قرية شقلاوة التابعة لأبرشية كركوك قبل انفصال أربيل عنها بقرار من سينودس الكنيسة الكلدانية المنعقد في بغداد عام 1967م،  وجعل اربيل ابرشية مستقلة، والحقت شقلاوة بها لوقوعها ضمن محافظة أربيل. في العماذ دعاه واداه صليبا. وحين أكمل دراسته الإبتدائية، اُرسِل عام 1880م الى معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي الدومنيكي في الموصل. بعد إكماله الدروس الكهنوتية المقرَّرة، رُسم كاهناً في 15 آب 1889م بوضع يد السعيد الذكر مار ايليا الثاني عشرعبو اليونان بطريرك بابل على الكلدان. خدم في كركوك إثني عشر عاماً، إذ في 15 آب 1902م انتُخِب اسقفاً لأبرشية سعرد خلفاً لمارعمانوئيل الذي تبوَّأ السدة البطريركية عام 1900م. تمَّت رسامته الأسقفية مع اسقفين آخرين هما كُلٌّ مِن مار اسطيفان جبري وما يعقوب اوجين منا بوضع يد البطريرك مار يوسف عمانوئيل الثاني توما في كنيسة الكرسي البطريركي كنيسة مسكنته في الموصل.
كان الشهيد عالماً ولعدَّة لغاتٍ متقناً ساعدته أن يتعمَّق في البحث التاريخي قومياً وكنسياً، وغدا في هذا المضمار ماهراً جداً، فشمَّرَ عن ساعدِه مُبدياً طول باعه، فكان أول وأشهر مَن كتب مِن بني الكلدان تاريخ الأمة الكلدانية العريقة الموغلة في عمق التاريخ والدولة الآشورية بِنتها البكر، منذ مستهلِّ القرن العشرين وذلك بعد اولئك المؤرخين والكُتّاب الأوروبيين الذين قاموا بتصنيف كتبَهم في مطلع الجيل التاسع عشر. أشهر مؤلفاته: تاريخ كلدو وآثور بجزئين. يروي بالجزء الأول تاريخ الأمة الكلدانية منذ الطوفان وحتى بداية التاريخ الميلادي الى جانب تاريخ الدولة الآشورية قبل الميلاد، وفي الجزء الثاني يروي تاريخ الكنيسة الكلدانية < كنيسة المشرق > منذ تأسيسها في القرن الميلادي الأول حتى ظهورالإسلام في أوائل القرن السابع واحتلال المسلمين لبلاد بين النهرين. أما الجزء الثالث فقد تناول فيه سرد الأحداث التي مَرَّت على امتنا الكلدانية وكنيستها منذ الإحتلال الإسلامي وحتى انتخاب البطريرك التاسع العظيم مارعمانوئيل الثاني توما لسُدة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية عام 1900م. ويُقال بأنَّ المغفورله أدَّي شير كان قد بذل أقصى مسعاه التاريخي ساهراً الليالي الطِوال ليُخرجه تحفة نادرة لا تُثمَّن ليتفوق على كُلِّ من سبقه في هذا المضمار، ولكن للأسف لم يكتمل مأربه به، إذ باستشاده المرير في منتصف عام 1915م المشؤوم على أيدي الأتراك الأوباش، فُقِد بإتلاف كافة محتويات مكتبته العامرة.
ومن تأليفه الأخرى كتاب بعنوان "مدرسة نصيبين" تضمن شهرتها بقوانينها وأساليبها التدريسية التي طار سيطها  في آفاق عصرها. ترجمه الى اللغة الكلدانية الأنبا داديشوع نكَارا رئيس دير السيدة حافظة الزروع لعدة دورات انتخابية، وذلك أيام كان تلميذاً في معهد شمعون الصفا البطريركي الكلداني، وقد اعتبر مخطوطة من مخطوطات الدير المذكور تحت رقم 563 بحسب فهرس خزانة الرهبنة في بغداد. كما أن الشهيد أدّي شير ترجم كتاب قصص شهداء المشرق من الكلدانية الى العربية. كما ألَّف كُتُباً عِدة باللغة الكلدانية لفائدة أبناء امته الكلدانية منها: 1-  كتاب صلوات 2-  كتاب القطائف 3-  كتاب إكليل العذراء تضمن ما كتبه آباء كنيستنا "كنيسة المشرق" عن صفات العذراء والدة الله 4-  مقالات عديدة نشرها في مجلة اكليل الورود، من إصدارات الآباء الدومنيكان- الموصل، ومقالات اخرى عديدة بالعربية نشرها في مجلة المشرق البيروتية.
كان الحبر الجليل الشهيد أدّي شير يتحلى بصفات مُثلى قلَّ نظيرُها، حيث تعامل بتواضع مع الجميع، سلك في حياته طريق العِفة والفضيلة مغلفة بطهارة روحية وجسدية، يتجلّى في تآليفه سُمُوُّ الأخلاق ورصانة السرد وحيادية الموقف. كتب عن تاريخ امته الكلدانية وكنيستها مدفوعاً من شعوره القومي والديني والوطني مشوباً بالأسف والإستغراب لإنعدام الشعور القومي لدى إخوته الكلدان المعاصرين تجاه قوميتهم، ووصفهم بالجهل لكونهم لا يعرفون بأنَّهم يتحدَّرون من صُلب شعبٍ فاق شعوب العالم كُلِّه في نُبله وبأسه وعمق حضارته عِلماً وأدباً وصناعة، فحملته غيرته القومية كما قال ليُتحف أبناء قومه ووطنه بما صنفه من كتبه الإبداعية التي استعان بتأليفها بمصنفات المشاهير من آبائنا في كلتا الحقبتين التاريخيتين لِما قبل الميلاد وبعده، حباً منه بتوعية أبناء امته الكلدانية الجديرة أن يفرد لها الحب كافة مسيحيي مشرقنا وبخاصة أبناؤها الكلدان.
لقد قام الشهيد أدّي شير قبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى بزيارةٍ لمجمع الملافنة في باريس، فقدَّم للمجمع نسختين من كتابه المنوَّه عنه أعلاه "تاريخ كلدو وآثور" فكان أنَّ مجمع الملافنة اختاره عضواً بين صفوف علمائه، ومنحه شارة الملفنة فعُدَّ مؤرخاً في عِداد المؤرخين.
استشهاد الأسقف مار توما رشو
في إحدى القرى التابعة لسعرد المُسمّاة "اظل" كانت توجَد اسقفية يُدير شؤونها اسقف نسطوري يُدعى مار توما بن القس رشو، وفي عام 1906م ترك النسطرة وتحول الى الكثلكة هو وثلاثة من كهنته وهم كُلٌّ من القس يوسف من هردويا والقس اسطيفان وشقيقه. في غمرة الإضطهاد المُثار من قبل الدولة العثمانية ضِدَّ مواطنيها المسيحيين، استغلَّ هذا الإضطهاد شيوخ القبائل والعشائر الكردية أبشع استغلال، فاستهتروا واسترخصوا دماء المسيحيين الساكنين في ظهرانيهم، ومن بين هولاء الشيوخ الشيخ الكُردي عبدالله الذي قاد اضطهادا ضِدَّ مسيحيي قرية أظل والقرى المجاورة، فاستشهد الأسقف مار توما رشو ومائة وثمانون رجلا من قرية أظل والقرى الأخرى. وردّاً على هذا الإعتداء الآثم، اتفق أهالي أظل على قتل الشيخ عبدالله الذي لم يرعَ الحُرمات فاستهتر وبغى فقتلوه، وخوفاً من أن يطال الإنتقام أخاه عبدالرحمن، لاذ الأخير بالهرب الى الموصل. وكان أحد افراد عائلة الأسقف مار توما رشو المدعو هرمزد، قد ترك هو وعائلته قريته أظل قبل هذه الأحداث بأربع سنين وجاء الى ماردين للإقامة فيها. يقول مار اودو، إنَّ هرمز هذا هو الذي أخبرنا بنبأ استشهاد عمِّه الأسقف والمائة والثمانين رجلاً الذين استشهدوا معه، كما أعلمنا أيضاً باتفاق أهالي القرى الكلدانية على قتل الشيخ عبدالله والتخلص من جرائمه فقتلوه ثأراً لدماء المغدورين ظلماً، وإن هرمزد هذا ترك ماردين وغادرها الى الحسكة في سوريا للإقامة فيها. والى الحلقة الثامنة قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 14 / 7 / 2015

46

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثاني والثلاثون

3 - البطريرك شمعون التاسع دنحا 1580-1600م
شمعون الثامن دنحا كان مطراناً نسطورياً على جيلو وسعرد وسلامس، وبفضل وجهود المطران الكلداني ايليا اسمر مطران آمد، نبذ المذهب النسطوري واهتدى الى الإيمان الكاثوليكي وانضوى تحت سلطة البطريركية الكلدانية مع رعايا أبرشياته الثلاث. وعلى إثر وفاة البطريرك يهبلاها الرابع، اجتمع آباء الكنيسة الكلدانية في دير القديس يوحنا القريب من سلامس عام 1589م، وأجمع رأيُهم على انتخاب شمعون دنحا بطريركاً. وقد اختار اسم شمعون التاسع باعتبار أن اسم شمعون الثامن كان قد أُعطيَ للبطريرك الشهيد سولاقا. طاب للبطريرك الجديد أن يتَّخِذ من دير مار يوحنا الذي تمَّ انتخابُه فيه مقرّاً لكُرسيِّه، ولعلَّ اختياره لهذا الدير كان لتجنُّب الفِتَن والمشاكل التي قد يُثيرها ضِدَّه الكلدان النساطرة بالإستعانة بالسلطات العثمانية. وذكر الأنبا شموئيل جميل في (كتاب العلاقات ص 88-90) بأنَّ مجمع المطارنة الكلدان كَلَّفَ ايليا أسمر مطران آمد واورشليم ليُسافر الى روما نيابة عن البطريرك الجديد، ليلتمس له التأييد والتثبيت، فزوَّدوه برسالةٍ جماعية الى الحبرالأعظم غريغوريوس الثالث عشر، تحمل توقيع البطريرك الجديد شمعون التاسع دنحا وتواقيع إثنَي عشر مطراناً واسقفاً، وتضمَّنت الرسالة في جزءٍ منها إطراءً كبيراً لخصال المطران ايليا وثناءً على هِمَّتِه وغيرته حيث قام بشراء مأوى ومُصلَّى للكلدان في اورشليم. يقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 152) بأنَّ المطران ايليا اسمر كان قد انتُدِب للعمل في ملَّبار الهندية، فمكث مدة فيها وتمكَّنَ خلالها من تنظيم شؤون الجماعة الكلدانية هناك. وعاد الى الوطن قبل وفاة البطريرك عبديشوع الرابع مارون.

وبعد وصول المطران ايليا الى روما، استقبله الكاردينال كارافا راعي مصالح الكلدان في روما، وسلَّمه ايليا رسالة المجمع الكلداني وصورة ايمان البطريرك الجديد شمعون التاسع دِنحا، مع تقرير تفصيلي عن أحوال الشعب الكلداني في أماكن تواجده، يتضمن الى جانب المطالب طلبٌ مُلحٌّ يرجو فيه المجمع من روما أن تهتمَّ بشكل خاص بالكلدان الموجودين في ملَّبار، وأن تسعى لدى السلطات الهندية والبرتغالية بعدم تعقيد أمورهم. وعقب إنهاء المطران ايليا مُهِمَّته في روما، وتلقّيه تثقيفاً بحقائق الإيمان، غادرها في عام 1582م قاصداً بلاده وحاملاً البراءات البابوية والدِرع المقدس الى جانب حُلَلٍ وأواني تقديس كنسية الى بطريركِه الجديد. ولدى وصوله الى طرابلس في سوريا، توجَّهَ الى لبنان فكان المنون في انتظاره هناك، وقبل أن يُفارق الحياة، أوصى أن تُنقل أمتعتَه وتُودَّع لدى قنصل البندقية في حلب. وبوقوع هذا الحَدَث غير المتوقَّع حُرمَ البطريرك من الحصول على التثبيت.

لقد كان البابا غريغوريوس الثالث عشر كثير الإهتمام بتثبيت كنائس الشرق المتحدة ايمانياً مع روما، ولا سيما بعد عقد المجمع التريدنتيني، ففي عام 1584م اوعز الى ليونارد هابيل اسقف صيدا ليقوم بالسفر الى الشرق بصفة مُرسل لإداء هذه المُهمة. فأقبل حاملاً قوانين المجمع التريدنتيني مع مشروع التقويم الجديد، فتحدَّث الى رؤساء الكنائس طالباً منهم قبول قوانين المجمع وتبنّي التقويم الجديد. ولم ينسَ الكاردينال كارافا راعي مصالح الكلدان لدى الفاتيكان أن يطلب من المُرسَل ليونارد هابيل ليقوم باستلام أمتعة المطران ايليا أسمر الكلداني التي طلب قبل وفاته ايداعها لدى قنصل البندقية في حلب. وفي هذه الأثناء أوفد البطريرك الكلداني شمعون التاسع دِنحا، يعقوبَ رئيسَ ديرماريعقوب الحبيس الى حلب ليلتقي المُرسَل البابوي، فاستقبل المُرسَلُ رئيسَ الدير بالترحاب، وأبلغه بأنَّه كان يتمنّى مجيءَ البطريرك نفسه الى حلب، أو ألى أيِّ موقع قريب منها ليلتقي به. فأعلمه رئيس الدير بأن ظروف المنطقة مُلتهبة بنارالحرب الناشبة بين العثمانيين التُرك والصفويين الفرس، فمن العسير على البطريرك مغادرة مقَرِّه. حيث كان حاكم المنطقة زينل بك قد حذَّرَ البطريرك بعدم مغادرته لحدود منطقته.

قام ليونارد هابيل بتسليم رئيس الدير نسخة من صورة الإيمان التي كان وكيل البطريرك المطران ايليا اسمر قد وقعها في روما، لينقلها الى البطريرك، فوقعها شمعون التاسع دِنحا وأعادها الى ليونارد بيد مطران دياربكر الجديد يوسف ايليا في شهر كانون الثاني عام 1585م، وطلب البطريرك الى إبن أخيه الكاهن عيسى أن يرافق المطران يوسف ايليا بسفره الى حلب. أمضى المطران والكاهن موفدا البطريرك فترة مكوثهما في حلب بضيافة المُرسَل البابوي، تلقّيا خلالها مزيداً من العِلم والتثقيف في الشؤون الإيمانية، وفي شهر نيسان من ذات السنة عاد موفدا البطريرك حامِلَين إليه البراءات والدِرع المقدس. ولشدة تعلُّق أهل دياربكر بالكُرسي الرسولي، أُبلِغت رغبتهم الى المُرسل البابوي بأنهم بحاجة الى إرسال بعض أشخاص لينهلوا العلوم الدينية ويكتسبوا الخبرة التثقيفية، فراق لليونارد مطلبهم وأبلغهم بأن يختاروا كاهناً وشماساً وإكليريكياً للدراسة في إحدى مدارس روما لهذا الغرض، وهو يتولّى مسألة تسفيرهم على ظهر إحدى السفن البندقية.

4 - البطريرك شمعون العاشر 1600-1638م
يبدو أنَّ شمعون العاشر كان ذا صلة قربى بالبطريرك شمعون التاسع، فاعتُمِدت الطريقة الوراثية أثناء انتخابه بطريركاً على الكنيسة الكلدانية المتحدة مع روما في ذات السنة التي توفي سلفُه 1600م. وقد برهن شمعون العاشر على صُدق نواياه منذ باكورة بطريركيته، عندما عهد الى طيمثاوس مطران دياربكر بنقل صورة ايمانه الى أعتاب السدَّة البابوية، وورد في(خلاصة تاريخية/تيسيران/ت القس سليمان الصائغ ص 122) ولكنَّ صيغتها لم تكن مقبولة لإحتوائها على ما يُخالف المُعتقد القويم. ولذلك فقد كتب البابا بولس الخامس رسالة الى البطريرك ايليا في 29 حزيران 1617م مُرفِقاً معها صورة الإيمان وطالباً إعادتها مُوَقَّعة، والرسالة منشورة لدى ستروزي بنصِّها اللاتيني ولدى الأنبا ش.جميل بنصَّيها اللاتيني والكلداني (شموئيل جميل ص 160-185م). إن الرسالة لم تكن موجهة الى ايليا التاسع كما ظنَّ ش. جميل حيث يقول بأنَّه كان يُدعى شمعون قبل انتخابه، وما يؤيد ذلك رسالة البابا الموجَّهة الى الراهب توما اوبيسيني دي نوفاري في التاريخ ذاته حول السينودس الذي عقده ايليا الثامن، يتحدَّث فيها الحبر الروماني عن البطريرك ايليا باعتباره لا زال على قيد الحياة، ويُلقِّبُه بالبطريرك البابلي، ويعني بأنَّ روما لم تكن على علم بوفاته لحد ذلك التاريخ. ومنذ قيام الحركة التصحيحية في الكنيسة الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر وانشطارها الى قسمَين برئاستين، التبست على روما تسمية كُلٍّ من الرئاستين لأن رسالة القائمين بالحركة الى روما، التي زُوِّدَ بها المُنتخب سولاقا عُلم منها بأن البطريرك النسطوري قد مات وإن البطريرك الجديد سيرئس الكنيسة جمعاء. فلما علمت روما بواقع الرئاستين، سَمَّت خَلَفَ سولاقا"بطريرك الآثوريين المشارقة" وخلفَ بَرماما" بطريرك بابل".

وبناءً الى ما تقدَّمَ سَردُه، فالرسالة المعنونة "الى الأخ المحترم شمعون بطريرك الآثوريين المشارقة..." كانت بلا رَيب موجَّهة الى بطريرك الكنيسة الكلدانية المتحدة مع روما شمعون العاشر، وما يؤكِّد ذلك ما أورده الراهب توما اوبيسيني دي نوفاري في تقريره عقب أدائه للمهمة التي كُلِّف بتنفيذها في الشرق. حيث ورد في جزءٍ من التقرير ضمن المخطوط التركي الفاتيكاني رقم 102 ما يلي: بأنَّه أي توما غادر حلب في 29 نيسان 1619م ووصل عند البطريرك ايليا التاسع بدير الربان هرمزد في 22 أيار. ثمَّ غادر للإلتقاء بالبطريرك شمعون العاشر فحلَّ عليه ضيفاً من 13 الى 29 تموز لنفس السنة 1619م. ويُضيف توما، بأنَّه يصعب عليه وصف الترحيب الحماسي الذي استُقبِل به من قبل كلدان تلك المنطقة، حيث كانت روح الشهيد البطل شمعون سولاقا لا زالت حية في بيئتهم ووجدانهم. وكان البابا في نظر المؤمنين أباً لجميع المسيحيين ورئيساً للكنيسة الجامعة. ولكي يُعربَ البطريرك عن حُبِّه وتعلُّقه الشديد بالحبر الأعظم، كان يضطلع شخصياً بخدمة ممثله الذي أوفده إليهم، حيث يُعِدُّ له الفراش، يخدمه على المائدة، يُمسك له الركاب أثناء امتطائه صهوة جواده و... وكان البطريرك شمعون العاشر لا ينفك عن ترديد القول لتوما دي نوفاري: بأنَّه لَن يعتبرَ نفسَه بطريركاً بدون أن يكون قد حظيَ بتقبيل قدمَي الأب الأقدس. وأكَّدَ لتوما بقسم ثلاثي بأنَّه سيلتقيه قريباً في دياربكر أو في حلب ليُرافقه بسفره الى روما، ما لم يحول دون تحقيق رغبته الموت أو الأكراد أو الأتراك. بهذا الجَوِّ البهيج والإستعداد الطيِّب سَلَّمَ شمعون العاشر الى الموفد البابوي صورة ايمانه مُوقَّعةً من قبله في 28 تموز عام 1619م .

إنَّ الظروف الصعبة التي كانت تمرُّ بها البلاد لم تسمح للبطريرك شمعون العاشر أن يُحقِّقَ ما كان يصبو إليه من السفر الى روما لمقابلة البابا، ولكنَّه كان يسعَد بزيارة المبعوث البابوي الذي لم تستطع أن تُعيقه تلك الظروف القاسية عن الوصول الى مناطق الشرق عبرَ الجبال الوعرة المتسربلة بالثلوج حتى في شهرَي تموز وآب والمُتَّخذة مأوىً من قطّاع الطرق. فهذا المبعوث يبرهن باقتحامه الصعاب على مدى اهتمام كنيسة روما الجامعة بمسيحيي هذه المناطق! إنَّ ما يحز في نفوسنا هو عدم عِلمنا بتفاصيل علاقات كنيستنا الكلدانية بالكُرسي الرسولي بعد هذه الفترة. كنّا نأمل من مجمع انتشار الإيمان الذي بدأ بالعمل منذ عام 1622م أن يُزوِّد الباحثين والمهتمين بالشأن الكنسي بالمعلومات القابعة في سجلاته بوضعها بشكل من الأشكال في متناولهم. يقول الأنبا (شموئيل جميل ص 38-41 من المقدمة، وص 538) بأنَّ تلك السجلات لم تتيَسَّر له مراجعتها، ولكنَّه يؤيد بأنَّ صور ايمان البطاركة قد أرسِلَت الى روما.

5 – البطريرك شمعون الحادي عشر 1638-1656م
يقول تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص148) بأن البطريرك شمعون الحادي عشر خلف سلفه شمعون العاشر عام 1638م، كان شديد التعلُّق بالكثلكة وبالجالس على الكرسي الرسولي في روما، يتجلّى ذلك في عنونته لصورة ايمانه التي أرسلها الى البابا أنوجنس العاشر عام 1653م كما أوردها بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 188-189) حيث يقول: <الى أبي الآباء وراعي الرعاة وعاقد التيجان وراسم الأحبارالبابا القديس، رأس المسيحية كُلِّها> ويُعدِّد للبابا المناطق التابعة لبطريركيته وهي: اسناخ، اورمية، آمد، باز، بَروار، جولمرك، جيلو، تخوما، تياري، داسن، سلامس، مركا، وان. ويُردف إن عدد النفوس الساكنة فيها تُقارب الأربعين ألفاً يعتنقون ايمان السدة الرسولية. نقل مقرَّه من سلامس الى اورمية.

6 – البطريرك شمعون الثاني عشر 1656-1662م
جلس شمعون الثاني عشر على الكرسي البطريركي كما يقول تيسيران في (خلاصة تاريخية... ص 148) بعد وفاة سلفه شمعون الحادي عشر عام 1656م، ولم يُغيِّر مقرَّه بل أبقاه في اورمية. ارسل صورة ايمانه الى الكُرسي الرسولي مُوقَّعة منه ومن بعض اساقفته عام 1658م، فعاداه خصومه النساطرة بقوة واضطرّوه للهرب من مقرِّه، فكتب البابا رسالة الى الشاه عباس الثاني الملك الفارسي عام 1661م طالباً منه إعادة شمعون الى مقرِّ كُرسيِّه. وبعث شمعون الثاني عشر صورة ايمانه الكاثوليكي مجدَّداً الى الكرسي الرسولي، مع التماس للحفاظ على الطقس الكلداني بدون أيِّ تغيير.
انشقاق العائلة الأبوية "آل أبونا"
يروي قصة هذا الإنشقاق آخر مطران ينتسب لهذه العائلة هو ايليا ابونا والمتوفي في قرية القوش بمنتصف القرن العشرين وبالتحديد في عام 1956م. رواها ضمن كتابه غير المطبوع بعنوان " تاريخ بيت أبونا" باللغة الكلدانية حيث يقول: بعد وفاة البطريرك "ايليا الثامن 1617-1660م" حدث انشقاق بين أفراد البيت الأبوي نتيجة وقوع جريمة قتل فيه! فقد كان قد نُذِر صبيان من أبناء العشيرة لولاية العهد البطريركي بحسب التقليد القديم. وكان الصبيُّ الأول ايشوعياب بن دنحا، والصبي الثاني حنانيشوع بن ابراهيم،. وكان كُلٌّ من دِنحا وابراهيم شقيقين للبطريرك ايليا الثامن الراحل، ولما كان دنحا الشقيق الأكبر لذا كانت الخلافة البطريركية من حقِّ إبنه ايشوعياب، إلا أنَّ ايشوعياب هذا لم يكن متعلِّماً بما فيه الكفاية كما كان حنانيشوع إبن عَمِّه. فاختارت جماعة آل ابونا بالإجماع تقريباً حنانيشوع بن ابراهيم لخلافة عَمِّه في المنصب البطريركي رافضةً ايشوعياب رغم أحقيته، فأخذ الغضبُ من دنحا والد ايشوعياب مأخذه بسبب خذل الجماعة لإبنه، وعزم على الإنتقام ودبَّر أمرَ هروبه وعائلته بعناية.
وفي أحد الأيام وبينما كان حنانيشوع إبنُ أخيه يُصلّي في الكنيسة هجم عليه عمُّه دِنحا وقتله، وهرب مع أفراد عائلته الى اورمية في بلاد العجم "ايران". وهنالك إتصل بالآباء المُرسَلين الدومنيكان وتداول معهم حول أمر رسامة إبنه المنذور ايشوعياب بطريركاً، فرسموه ليسيرعلى خط يوحنان سولاقا واتخذ له اسم "البطريرك شمعون الثالث عشر 1662-1700" ولم يلبث أن غادر هو وأفراد عائلته خوسروا وتوجَّه الى منطقة هيكاري ملتجئاً الى العشائر النسطورية. إلا أنَّ حاكم المنطقة الكردي آنذاك الأمير جولميرك لم يسمح له بالإقامة بين العشائر النسطورية كي لا يؤثر على افكارهم، إذ إنَّهم لا يفهمون غير لغة السيف والمناداة باسم الأمير. فاضطرَّ للرحيل الى قرية قوجانس والإقامة فيها بعيداً عن العشائر التيارية النسطورية حاملاً لقب مارشمعون الثلث عشر. وكانت هذه العائلة الهاربة من القوش تضم ثلاثة إخوة هم بنيامين واسحق وناتان، عقدوا اتفاقاً بينهم على أن تتناوب البطريركية فيما بين أبنائهم، إلا أنَّ خلافات عميقة نشبت بينهم لاحقاً أدَّت الى حدوث اغتيالات داخل هذه العائلة.

7– البطريرك شمعون الثالث عشر 1662-1700م
 شمعون الثالث عشر الهارب من القوش بمعية والده دنحا بعد ارتكاب الأخير جريمة القتل المُشار إليها أعلاه،  خَلِفَ سلفَه شمعون الثاني عشر كما ذكر تيسيران في (خلاصة تاريخية... ص 148) عام 1662م. لقد كان خلفاءُ يوحنا سولاقا المذكورون اعلاه يبعثون كُلٌّ واحدٍ إبّان بطريركيته صورة ايمانه الى الكرسي الرسولي في روما، يعترفون فيها بمعتقدهم المسيحي بالمصطلح الكاثوليكي، ليُحفظ في أرشيف الفاتيكان، وكانت آخرها رسالة البطريرك شمعون الثالث عشر التي بعث بها الى البابا كليمنت العاشر عام 1670م قبل أن يرتدَّ الى الهرطقة النسطورية، وكانت بعنوان "رسالة مارشمعون بطريرك الكلدان" انظر (كتاب العلاقات/ش. جميل ص 197-200) وفي الواقع ومنذ أن تحوَّل الكرسي البطريركي الى ايران بعيداً عن دياربكرمركزالثقل الكاثوليكي، هبطت درجة حرارة العلاقات بين بطاركة الكنيسة الإتحادية الكلدانية وروما الى فتورٍ تدريجي حتى تجمَّدت على عهد البطريرك شمعون الثالث عشر، ثمَّ انقطعت بالكامل بعد عام 1670م حيث نقل مقرَّ كُرسيِّه البطريركي من خوسروا في ايران الى قوجانُس في جبال تركيا. وظلَّت هذه القرية مقرّاً للبطريركية النسطورية الإنعزالية حتى بداية القرن العشرين، والسؤال هنا: هل يُستغربُ هذا المُنقلَب على العقيدة الحقة الناصعة من قبل إبن قاتل لغريمه وابن عمِّه حنانيشوع؟
ومع كُلِّ ما بذلته روما في مساعدة الكلدان القاطنين في بلاد فارس عن طريق اسقفيتها في أصفهان، كما أشارت إليها رسائل الحبر الأعظم البابا الكسندر السابع التي وجَّهها الى الشاه عباس الثاني والى البطريرك شمعون الثاني عشر، فإنَّ الوحدة تعرَّضت للتصدُّع على عهد البطريرك شمعون الثالث عشر كما نوَّهنا أعلاه، ومن الجدير بالذكر بأنَّ البطاركة الشمعونيين هؤلاء أعادوا العمل بعادة توريث الكرسي البطريركي منذ وفاة البطريرك شمعون التاسع. وبالرغم من انقطاع العلاقات النهائي بين سلسلة بطاركة الخط السولاقي هؤلاء والكرسي الرسولي، إلا أنّ اللقب البطريركي "بطريرك الكلدان" بقي ملازما لتواقيعهم ومنقوشاً على أختامهم، كما أن التسمية الكلدانية لم تبرح مراسلاتهم كدليل مُمَيَّز لهوية شعبهم.

وهناك دلائل واضحة ودامغة لِما ذهبنا إليه هي بمثابة وثائق ثبوتية أكَّدتها المُراسلات المحفوظة كما قال سيادة المطران سرهد يوسب جمو في بحثه الموسوم "الهوية الكلدانية في الوثائق التاريخية" في ارشيف قصر لامبث مقر رئيس اساقفة كانتيربري في لندن العاصمة البريطانية. ونستأذن سيادته أن نُشير إليها بتصرُّف:

أ – بتاريخ 13/3/1879م بعث رئيس الأساقفة النسطوري يوسب الى سيدة انكليزية محترمة تُدعى"وورن" مُعرفاً نفسَه وشعبَه بقوله: <ماريوسب ميترابوليط الكلدان النساطرة المشرقيين> وذيلها بتوقيعه وختمه الذي يقرأ: "مْحيلا يوسب ميترابوليكا دْكلدايي" أي"الضعيف يوسب رئيس اساقفة الكلدان".

ب – بتاريخ تشرين الأول 1884م بعث البطريرك النسطوري شمعون الثامن عشر روبين برسالة الى ادورد رئيس اساقفة كانتيربري يُعرِّف نفسَه بالجملة التالية: <مِن روبين "رووُّل" شمعون بنعمة الله بطريرك جاثاليق المشرق مُدَبِّركنيسة الكلدان العريقة... وأنهاها بقوله: فيكون عونُكم سبباً لإتحاد أجزاء الكنيسة الأربعة...> مذيَّلة بتوقيعه وختمه "مْحيلا شمعون بطريركا دْكلدايي"أي"الضعيف شمعون بطريرك الكلدان".

ت – بتاريخ 28/10/1884م بعث آخرُ رهبان النساطرة "ربّان يونان" برسالة الى رئيس اساقفة كانتيربري "ادورد" باللغة الكلدانية"بالنص الآرامي هكذا" حيث يورد في السطرَين 21-22 ما يلي: <إننا نمنح هذا السلام "سلام المسيح" لكُلِّ مَن يقبل سلامَنا، نحن النساطرة الكلدان المشرقيين>.

ث – في رسالة رعوية كتبها رئيس الأساقفة النسطوري خنانيشوع في عام 1895م ووجَّهها الى مَن دعاهم أبناء كنيسة المشرق(وفي الواقع والحقيقة هي الكنيسة الكلدانية النسطورية، لأن تسمية كنيسة المشرق انتهت في القرن الخامس بفعل انشطارها الى فرعين نسطوري ومونوفيزي) في أبرشية اورمية وربوع كردستان، وذيَّلها بتوقيعه وختمه الذي يقرأ: "مْحيلا خنانيشوع ميترابوليطا دْكلدايي" وتعني:"الضعيف خنانيشوع رئيس أساقفة الكلدان".

ج – وكذلك وثَّق رئيس الأساقفة خنانيشوع رسالته الثانية التي كتبها في 13/9/1906م بتذييلها بتوقيعه، وختمها بختمِه المعتاد ذاته بالقرب من عنوان الرسالة "مْحيلا خنانيشوع ميترابوليطا دْكلدايي" وتعني كما قلنا "الضعيف خنانيشوع رئيس اساقفة الكلدان".

ح – لقد كان ختم آخر البطاركة الشمعونيين النساطرة "مار شمعون الواحد والعشرون ايشاي" الذي اغتيل غدراً من قبل داود بن مالك ياقو في سان فراسيسكو / أميركا عام 1975م يقرأ: "مْحيلا شمعون بطريركا دْكلدايي" ويعني "الضعيف شمعون بطريرك الكلدان" وفي رسالة كتبها هذا البطريرك من نيقوسيا في قبرص بتاريخ 20/9/1933م وثَّقها بختمه المألوف للقبه الرسمي "مْحيلا شمعون بطريركا دْكلدايي" ووقعها بالآرامية الكلدانية كما اعتاد طوال بطريركيته "ايشا شمعون بنعمة الله جاثاليق بطريرك المشرق". وللقراء مقارنة كُلِّ ذلك بما اسبغوه عليه من لقبٍ جديد بالإنكليزية " بنعمة الله جاثاليق بطريرك الآثوريين.
 
وإليكم جدولاً بأسماء البطاركة الشمعونيين المنقلبين المنحرفين عن الخط السولاقي الكاثوليكي المُرتدين الى الهرطقة النسطورية خلفاء شمعون الثالث عشر:
<شمعون الرابع عشر سليمان     1700-1740م      مقر الكرسي قرية  قوجانُس في جبال تركيا.
<شمعون الخامس عشر مقدسي  1740-1780م       "     "       "       "        "   "    " .
<شمعون السادس عشر يوحنان  1789-1820م       "     "       "       "        "   "    " .
<شمعون السابع عشر ابراهيم    1820-1861م       "     "       "       "        "   "    " .
<شمعون الثامن عشر روبين     1861-1902م       "     "       "       "        "   "    " . 
<شمعون التاسع عشر بنيامين   1902 -1918م        اغتيل من قبل الأغا الكردي سمكو
<شمعون العشرون بولس       1918 -1920م      "     "     "     "     "   "   " توفي في بعقوبة/ العراق .
<شمعون الحادي والعشرون ايشاي 1920-1975م المقر سان فرانسيسكو / أميركا. اغتاله نسطوري مُعادٍ عام 1975م

والى الجزء الثالث والثلاثين قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 8 / 7 / 2015

47
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة السادسة
ملاحقة مسيحيي ميدِيات الهاربين الى قريتي عين ورد وأنحل
نختصر قدر الإمكان مُواصلة المطران اسرائيل اودو الحديث عن الذين سنحت لهم فرصة الهروب قبل بداية مجزرة ميدِيات في كتابه (ص 89 -  91) بأنَّ الكثير من مسيحيي ميدِيات غادروها ليلاً قبل هجوم قوات القائممقام بدري بيك، والتجأوا الى قريتي عين ورد وأنحل. ولما علم هذا المجرم السفاح بذلك امتلأ غيظاً وشعر بأن الهوان قد أصاب كرامته بإفلات قسمٍ من مسيحيي ميدِيات من قبضته، فأرسل في استدعاء رؤساء القبائل الكردية المحيطة بالقريتين، وأمرهم بأن يجمعوا رجالهم ويُهاجموا القريتين لإستئصال شأفة أهاليها بحد السيف، فلما تلقّى اؤلئك الأوباش تلك الأوامر ثار لديهم نار حقدهم الديني المكبوت ضِدَّ المسيحيين، فعادوا الى قراهم، وجمعوا كافة رجالهم القادرين على القتال، وحاصروا القريتين ناوين تدميرهما والقضاء على أهاليهما، ولكنَّ الأهالي صمَّموا على الدفاع عن أنفسهم، فحصَّنوا المداخل لصدِّ الأعداء، ونازلوهم بكُلِّ ما كان لديهم من أسلحةٍ نارية حتى نفذ لديهم العِتاد، فلجأوا الى صهر أواني الطبخ النحاسية، وصبوا من المصهورعتاداً ورموا به الأعداء، فكان تصديهم بطولياً أدى الى طرد اولئك الأعداء الذين شعروا بعجزهم عن قهر المسيحيين البواسل، قفلوا راجعين بعد شهرين من الحصار والقتال الشرس يصحبهم الفشل والخيبة، وتاركين وراءَهم العديد من جثث قتلاهم.
والمرءُ ليعجب من غباء القائمقام بدري، إذ لما سمع بتخاذل أشقيائه الأكراد أمام بسالة المسيحيين وصمودهم، وقبيل أن ينسحبوا، أرسل مَن يستدعي حنا اوسي المونوفيزي، ليقوم بإقناع جماعته أهالي القريتين بتسليم سلاحهم للسلطات، لكي يسلموا على حياتهم، بيدَ أنَّ مسعاه هذا لم يكن أفضل من المسعى الأول الذي بذله في إقناع أهالي ميدِيات، فخزي مرَّتين أمام القائممَقام ذي الرغبة الشريرة والدنيئة.
أما ما كان من أمر القس كوركيس بهلوان الذي استطاع الهرب مع الهاربين باذلاً في سبيل ذلك جهداً كبيراً، فقد نال منه الجوع والعطش والعري، ومن جراء ذلك اشتدَّ عليه المرض، ورغم ذلك أمضى سنتين تحت ثقل تلك المصائب العاتية، وبتوقف مآسي القتل والذبح عاد مع العائدين الى ميدِيات، ولكنَّ المصائب لاحقته والتجارب فأجأته، وبسبب زجره لبعض النسوة الساقطات، إتَّهمنه لدى العساكر ظلماً بالتجسُّس، وبسبب هذه التهمة اودع السجن، ونقل الى سجن ماردين في 23  آذار 1918م وبعد 3 ايام سُلِّم بعهدة مأمور ليأخذه الى آمد ليُحاكم أمام محكمةٍ عسكرية هناك، فالتمسنا المأمور أن يبقيه عندنا ليلة ما قبل السفر الى آمد، استجاب المأمور فوعدناه بمكافأة على معروفه فيما لو حمل إلينا رسالة من الكاهن لدى عودته، فوفى بوعده وبدورنا وفينا بوعدنا، وما كنا لنفعل ذلك لولا حرصنا على حياة الكاهن  المُعرَّضة للخطر. وفور أن وصل الى آمد، أُلقي في السجن، وقبع فيه سبعة أشهر، عُذَّبَ خلالها وأهين كثيراً وشُتم وضُرب من قبل مسؤولي السجن الأكراد الأثمة.
وبعد مثوله مراراً أمام المحكمة للإستجواب، تمَّ أخيراً إطلاق سراحه بوساطة مطران آمد مار سليمان صباغ المُكرَّم بأعماله الجليلة وأتعابه الكثيرة. لم يتوانَ عن إرسال الطعام يومياً للقس كوركيس طوال فترة احتجازه في السجن.  وفي أواخر تشرين الأول 1918م عاد الى ماردين بسلام. وما لبث أن داهمه مرض شديد كنتيجةٍ حتمية لِما قاساه من ضيقات وآلام كاد يؤدي به الى الموت. واستمر على تلك الحال زهاء شهر، وبفضل العناية الإلهية وجهود الأطباء الكبيرة الذين استقدمناهم لعلاجه، تمَّ شفاؤه باكامل! فعاد الى ميدِيات وبقي فيها حتى شهر نيسان 1919م، ونزولاً عند رغبة والديه المُلحة، ألزمناه بالذهاب الى حلب لزيارتهما ليطمئنَّا عليه وبدوره يطمئنَّ هو عليهما. وبعد مكوثه لديهما مدة شهرين، عاد بأمرنا الى ماردين ليخدم في كنيستنا. فشمَّرَ عن ساعده في خدمة الفقراء معتنياً بهم ومتفقداً المرضى ومقدما الرعاية للأيتام والأرامل، ولكن الشرير لا يبقَ متفرجاً على فاعل الخير، فأثار عليه شكري بيك رئيس فرع الجيش، فقرَّر إلقاء القبض عليه، وما إن شعرنا بهذا الأمر الظالم، حتى طلبنا من القس كوركيس بهلوان مغادرة ماردين في الحال والفرار الى حلب عند والديه وذويه، فترك ماردين متخفياً ليلة 11/11/1922م، ووصل الى حلب بسلام بعد إفلاته من تفتيش حرس الحدود.
مقتل مسيحيي القرى المحيطة بماردين
وفي الصفحات (92 – 101) من كتابه يروي المطران اسرائيل اودو قسوة الإضطهاد والقتل الذي شمل المسيحيين من سكان القرى العديدة المحيطة بماردين وهم من المذهب المونوفيزي اليعقوبي، إلا أنَّ بعضاً من سكان قرية "مراة" القريبة جداً من ماردين حيث تقع الى الشرق منها على مسير نصف ساعة فقط. ترك بعض سكانها المونوفيزية واعتنقوا الكثلكة ومنهم مَن تحوَّل الى البروتستانتية. أما قرية "بنيبيل" فتقع أيضاً الى الشرق من ماردين ولكنَّها تبعد عنها مسيرة ثلاث ساعات، وهنالك قرية "المنصورية" تقع الى الغرب من ماردين وتبعد عنها مسيرة نصف ساعة،  وتبعد عنها " قلعة ماردين" بمسيرة نصف ساعة أيضاً. وهناك الى الشمال من ماردين وعلى مسيرة ثلاث ساعات تقع قرية "كوليا أو القصور"، والى الغرب الجنوبي من ماردين تقع قرية "الإبراهمية"، أما قرية "تل الأرمَن" فتقع الى الجنوب الغربي ويسكنها 300 بيت جُلَّهم من الأرمن الكاثوليك، من ضمنهم 15 عشر بيتاً من الكلدان. وفي خِضمِّ الأحداث الحثيثة التي كان من خلالها يُجلى ويُقتل مسيحيو ماردين، ما كان سكان هذه القرى في منجىً من سفك الدماء والسلب والسبي ومختلف أنواع الظلم.
كان عددُ سكان قرية قلعة "مراة" مائتا بيتٍ، لم يبقَ منها إلا سبعة بيوت، والذين لم يطلهم الموت، فقد أُبعِدوا الى خارج الحدود باتجاه الجنوب. أما قرية "المنصورية" فكانت تسكنها مائتا عائلة، يعود أبناؤها بجذورهم الى اسلافهم القدماء الذين سكنوا هذه القرية منذ زمن قديم جداً، قُضيَ على معظمهم، والناجون منهم التجأوا الى مدينة ماردين، ولكنَّ غالبيتهم فضلوا النزوح عنها  والهروب الى الى خارج حدوده الدولة التركية. ولا يسكنها اليوم إلا بضعة من العوائل الكردية تنتمي الى عشيرة واشيات. كان يسكن قرية "كوليا أو القصور" ما يزيد عن (300 بيت) تعرَّضَ للقتل ثلثُ سكانها، وهرب ثلثُهم الآخر خارج الحدود، والباقي فيها ما يُقدَّر بالثلث. وكانت تعيش ضمن سكانها جماعة كاثوليكية مكونة من (25 بيتاً) لديهم كنيسة كبيرة مبنية من الحجر، يُقدِّم لهم الخدمات الكنسية  كاهن من الرهبنة الأفرامية، لم يبقَ منهم سوى اربعة بيوت بدون كاهن، حيث عبر الباقون الى خارج الحدود.
أما قرية "تل الأرمن" فكان جميع سكانها من الأرمن الكاثوليك يتبعون كُرسيَّ مطرانية ماردين، وكانت تُشاركهم العيش خمس عشرة عائلة كلدانية، بدأ اضطهادهم في البداية باعتقال وجهائهم بضمنهم كاهنين هما القس انطون احمراني والقس ميناس، اقتادهم القتلة المجرمون نحو قرية شيخان التي تحوي رفاة شهداء المجموعة الأولى، وفي تلك البراري قتلوا اكثر من مِئتي شخص. والتجأ الرجال الباقون والنسوة والفتية والصبايا والأطفال الى الكنيسة المُشيدة على اسم مار كوركيس منحشرين قيها وقد ضاقت بهم لكثرتهم. وهناك اجتاحتهم عساكر الإضطهاديين القادمة من ماردين، وأعملوا فيهم السيف والسكاكين، ذبحاً وتقطيعاً وبمنتهى العصبية والحقد الدفين دون أن يأبهوا بصراخ وعويل الضحايا الذي طال عنان السماء واهتزَّت له اسس الكنيسة، فكانت مجزرة مُرعبة تفنَّن بها السفاحون حتى كَلَّت ايديهم الآثمة، وتدفقت دماء الشهداء الأبرياء كالنهر الجارف عابراً من باب الكنيسة وغامراً ساحتها، وتكدَّست الجثث والأشلاء بعضها فوق بعض، وبعد أخذ القتلة قسطاً من الإستراحة، عادوا الى داخل الكنيسة وسحلوا الجثث الى خارجها وجعلوها أكداساً، ثمَّ صبّوا عليها النفط وأوقدوا فيها النار، فصعد دخان احتراق الجثث كعمود كثيف يشكو العمل الإجرامي أمام العدل الإلهي الذي نفذته الوحوش البشرية، وبعد انتهاء المُحرقة، قام المجرمون بجمع الرماد والعظام التي خلفتها النار ورموها في مكان قريب من القرية.
لقد دوَّنا هذه الأحداث كما رواها لنا بعض أهالي قرية "تل ارمن" الذين كُتب لهم البقاء على قيد الحياة، فنجوا من هذه المجزرة الرهيبة البشعة، وعادوا إلى قريتهم بعد هدوء العاصفة وتبدد الغيوم القاتمة ببزوغ نور السلام على المعمورة. ومن جملة العائدين عدد قليل من الرجال والنساء والأطفال والأرامل والأيتام، حيث تمكَّنوا حينها الهرب الى مناطق يسكنها العرب، فاحتموا بين ظهرانيهم، كما احتمى آخرون لدى الشركس. لم يتجاوز عدد هؤلاء العائدين على ستٍّ وعشرين عائلة، باشروا من جديد فلاحة اراضيهم وزراعتها، ومكثوا فيها حتى عام 1929م، إذ في هذه السنة استولت السلطات التركية على حقولهم وعقاراتهم ومنازلهم، ونفتهم خارج البلاد باتجاه الجنوب.
مقتل مسيحيي الجزيرة والقرى التابعة لها
ويستطرد مار اودو بسرد احداث الإضطهاد العثماني حيث يقول: الجزيرة"بيث زبداى" مدينة صغيرة بناها العرب من أتباع معاوية (ويقصد به الخليفة الأموي معاوية بن أبي سفيان 661 – 680م) وذلك في النصف الثاني من القرن السابع الميلادي. تقع بين الجبال على ساحل دجلة الغربي. في موسم الربيع كثيراً ما يفيض نهر دجلة فتتدفق مياهه هائجة خارج مجراه باتجاه ناحيته الغربية، محيطة بالمدينة من كُلِّ جهاتها مشكلة ما يُشبه الجزرة، ولذلك سُمِّيَت بـ"الجزيرة" تتميَّز بمناخ حار جداً في الصيف، ويُقال بأنَّ سفينة نوح كانت قد رست على قمة الجبل بجانبها من ناحيتها الغربية. غالبية سكانها من الأكراد يتكلمون العربية الى جانب لغتهم الكردية، يبلغ تعداد سكانها زهاء الألف عائلة، من ضمنهم مائتا عائلة مسيحية من الكلدان واليعاقبة وعدد قليل من الطوائف الأخرى.
في السنوات الأخيرة كانت جماعة من المونوفيزيين اليعاقبة قد تحوَّلت الى الكثلكة، فتطلَّب ذلك أن يكون لهم اسقف، ففي عام 1913م رسم لهم اسقف باسم مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، أصلُه من قرية "قلعة مراة" المجاورة لمدينة ماردين. وكانت تُحيط بمدنة الجزيرة ما يربو على (18 قرية) يبلغ عدد سكانها بما يزيد عن ستة آلاف واربعمائة نسمة، وهم جميعاً من أبناء امتنا الكلدانية. في داخل مدينة الجزيرة كنيسة قديمة مشيَّدة على اسم الشهيد مار كيوركيس، وبالقرب من المدينة دير باسم الأخوين مار أحّا ويوحنا. وارتأى اسقف الجزيرة آنذاك السعيد الذكر مار يعقوب اوراهم مَنّي بناء كنيسة جديدة على انقاض تلك القديمة، وباشر بوضع الأسس وارتفعت الجدران، غير أنَّ الإضطهاد الذي نحن بصدده حال دون اكتمالها، لا بل أدى الى زوالها واندثارها هي وتلك القديمة التي أريد إقامة الجديدة على انقاضها.
كانت نعرة اضطهاد المسيحيين لم تبقِ ذرة من الشهامة والرحمة في قلوب مُسيِّري الإضطهاد ومنفذيه، فقد قام خِدِر كوميري رئيس حامية ماردين في منتصف شهر آب 1915م بإرسال أخيه سِلـّو مبعوثاً عنه، الى رؤساء الجزيرة ليؤنبهم وفي الوقت ذاته ليُثير فيهم الحمية للقيام بقتل النصارى الساكنين بين ظهرانيهم حيث بدأ يقول لهم: ما بالكم لحد الآن لم تُقدِموا على قتل التصارى المقيمين حواليكم وبينكم  كما فعلنا نحن والآخرون غيرنا وفي كُلِّ المناطق؟ أسرعوا إذاً ولا تتهاونوا، فإنَّها فرصتنا للإنتقام من أعدائنا ولإبادة مُبغضي ديانتنا. فلنجتثَّ جذورهم من أرضنا ووطننا. (إنَّه منطق الإسلام والمُسلمين الأهوج، نزع الإسلامُ عن معتنقيه والمُبتلين به قسراً كُلَّ الصفات الإنسانية، وجعل منهم وحوشاً بأشكال بشرية، استولوا على بلدان الغير بالسيف! وبالسيف فرضوا عليهم الإسلام، والرافض يُجبر على دفع الجزية، وإن امتنع يُقتل! إنَّ ديناً هذه مبادئه لا يمكن أن يدوم في عصر النور، ولا بدَّ له أن يزول ولكن متى...؟)
فلما سمع  رؤساء الجزيرة ما نطق به مبعوث رئيس حامية ماردين، هبّوا مسرعين وكأنهم استفاقوا من سبات طويل عميق، فبادروا فورا بالذهاب الى القائممقام وأطلعوه على الأمر، فلم يُخفِ القائممقام ابتهاجه به، وكأنَّه كان بانتظار ذلك منذ زمن بعيد. فأرسل وعلى الفور مستدعياً طغاة الأكراد، وأمرهم بضرب اهالي القرى المسيحية كُلِّها بحد السيف، ولا يستثنوا من ذكورها أحداً ايّاً كان. وكان أمر سيران ايقاد نارالإضطهاد ضِدَّ مسيحيي الجزيرة والقرى التابعة لها كسيران النار في الهشيم، وما إن انتشر الخبر الجائر بين مسيحيي المدينة والقرى، وما سينتج عنتطبيقه من مآسي، حتى سارع مَن تمكَّن منهم الى الفرار ليلاً نحو أماكن بعيدة عن الخطر، وقد وصل الكثيرون الى الموصل  وقراها بحالةٍ يُرثى لها جوعى وعطشى ومتعبين. أما الذين لم يسعفهم الهرب ليلاً، فقد طالهم سيف الشرِّ والعِدوان، وكان صراخ المُضطهَدين من اجل اسم المسيح يُمزِّق أجواء الفضاء، واكدسَّت المدينة والقرى بجثثهم العارية، ذُبِح الصبيان فوق الصخور وانتزع الأطفال والرضع عن صدور امهاتهم وذبحوا، انتُهِكت البتولات في وضح النهار، واغتُصِبت الشابات عنوةً! ولم يسلم من المجزرة الرهيبة إلا مَن سنحت لهم فرصة الهروب واللجوء الى المغاور والكهوف، ولدى خروجهم منها بعد حين، كان منظرهم كعيدان نال منها الإحتراق ومتكسِّرة كتكسُّر الزروع والكروم عند تعرُّضها لسقوط حبّات البرد.  ولم تصل نيران هذا الإضطهاد البشع الى قرى الهوز، هربول، مير، وآزخ.
( بينما نشرت مجلة "حمورابي" التي تُصدرها الجمعية الكلدانية الآشورية في فرنسا بعددها 21 – 22 لعام 1999م سيرة القس يوسف عدلوني الهربولي، حيث ذكرت ضِمنها: بأن والد القس يوسف المذكور وعشرة رجال آخرين من قريته هربول قد طالتهم ايدي القتلة وكان استشهادُهم في الثاني عشر من تموز 1915م، وإنَّ اسماءَهم وردت في السيرة. وعلى إثر ذلك اضطرَّ اهالي هربول للهرب واللجوء الى بعض القرى الآمنة ومن ضمنها قرى عراقية. وعندما استقرَّت الأوضاع عادوا الى قريتهم.)
شرع المُضطهِدون الأشراربإلقاء القبض على الأساقفة، وهم مار يعقوب اوراهم منّي مطران الجزيرة على الكلدان ومار ميخائيل ملكي  مطران السريان الكاثوليك، أما مطران المونوفيزيين اليعاقبة مار بهنام عقراوي، فقد سنحت له فرصة الهروب الى آزخ ليلاً. وشمل إلقاء القبض على كهنة الكلدان والسريان وهم كُلُّ من: القس حنا والقس مرقس والقس ايليا من كهنة الكلدان. ( بيد أنَّ الخوري يونان بيداويذ نظم مرثاة وثق فيها قساوة المضطهِدين تتألف من 259 بيتاً، وكُلُّ بيت منها بأربعة مقاطع، أشار فيها بأنَّ عدد الكهنة الكلدان كا إثني عشر كاهناً دون أن يذكر اسم أيِّ واحد منهم، إلا أنَّ المعمرين من أهالي قرية اشي يذكرون بأنَّ القس يوسف يلاب من أهل قريتهم، كان احد الكهنة الإثني عشر الذين استشهدوا). أما القس شمعون والقس بولس فكانا من السريان الكاثوليك.
القوهم جميعاً في السجن، وفيه استشهد الأسقفان على يد المارديني المجرم المدعو عبدالعزيز جاويش، حيث طعن بخنجره الأسقف الكلداني مار يعقوب اوراهام منّي إحدى عشرة طعنة، أما مطران السريان الكاثوليك مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، فقد أطلق عليه رصاصتين بقط فأرداه قتيلاً، وهكذا فاضت روحاهما الطاهرتان الى الرب خالقهما ومخلصهما. وإنَّ جماعة من اليهود المعروفين ببغضهما وكُرههما الشديدين للكاثوليك، جاءوا واستلموا جثتي المطرانين الشهيدين، ربطوا رجلي كُلٍّ منهما بالحبل وسحلوهما في شوارع وساحات المدينة، ثمَّ أخرجوهما من المدينة ورموهما على شاطيء دجلة وتركوهما عريانين، طعماً للكلاب السائبة وأبناء آوى والغربان الجارحة.
يقول المؤلف المطران اسرائيل اودو، بأنَّه كتب ما جرى للمطرانين الجليلين في نهاية المطاف نقلاً عن لسان عبدالله سليمان الموصلي فقد روى لي لدى لقائي به في الموصل حادث استشهادهما حيث قال: بأنَّه قد شاهد الحادث بام عينه أثناء مروره بالجزيرة عام 1915م كان مشهداً بشعاً يعجز البرابرة عن فعله. وبعد هذا الفعل المُقرف بحق المطرانين الطاهرين، عاد المُجرمون القتلة، فتلقَّفوا الكهنة الأفاضل، وأساموهم أصناف الإهانات والعذاب من بصقٍ بوجوههم ونتف شعر لحاهم وركل بطونهم بأرجلهم، وكسر عظامهم وتهشيم جماجمهم حتى قضواعليهم، فسحلوهم الى خارج المدينة وكأنَّ غليلهم لم يشفَ، إذ كانت المسبات والشتائم وكلمات السخرية والإستهزاء تخرج من شفاههم القذرة، ثمَّ القوهم عراة في القفر طعاماً للكلاب السائبة والطيور الجارحة. تُرى، الى هذا الحد يبلغ ظلم الإنسان الى نظيره الإنسان لمجرَّد اختلافه عنه بالدين؟ كيف يتشدَّق المسلمون بقولهم أن دينهم دين تسامح ورحمة؟ هل التسامح والرحمة يتجسدان بالقتل على الهوية الدينية؟ ما ابشع البربرية في طغيانها واستعلائها الفارغ وكبريائها الكاذب!
وفي نهاية آب لعام 1915م قام السفاحون ثانية بمداهمة دور المسيحيين، وألقوا القبض على الرجال الذين لم يحظوا بهم في المداهمات السابقة، وزجوهم بالسجن وشرعوا بتعذيبهم، وبعد يومين اقتادوهم الى خارج المدينة وذبحوهم للآخر ورموا بجثثهم في القفر. وإذ لم يشفى غليل القتلة بهؤلاء، أعادوا الكرَّة في بداية ايلول 1915م وراحوا يُلقون القبض على النساء، فأخرجوهنَّ من بيوتهنَّ وطوردنَ كما تُطارد من أعشاشها، وللمزيد من السخرية قاموا بعرضهنَّ في الأسواق والطرقات وهنَّ منزوعات الملابس فرجة للملأ، كان البكاء يخنق العفيفات وعلى صدورهنَّ أطفالهنَّ، وبشجاعةٍ مدهشة يهرعن لإستقبال الموت، وهنَّ يقدِّمن أعناقهنَّ لسيوف الجلادين الأثمة،  في سباق للفوز باكليل الشهادة عنوان العبور الى فردوس السعادة الأبدية. وعند منصات الذبح كان السفاحون السفلة من الأكراد وأبناء المدينة الأوغاد مجتمعين وفي ايديهم مختلف الأسلحة من سيوفٍ وحِرابٍ وخناجر وسكاكين وقضبان حديدية، وحال وصول النسوة من كُلِّ الفئات العمرية، هجموا عليهنَّ كالكلاب المسعورة، فجرَّدوهنَّ من ملابسهنَّ، واخذوا بذبح ذلك الجنس الناعم واللطيف، والتنكيل به بتفننٍ شيطاني، حتى شُلَّت ايدي الجزارين وكَلَّت سيوفهم، ولكنَّ قلوبهم ظلَّت أقسى من الحجر الصوان، وبهذا الشكل المُهين والمُشين معاً هوت أجساد الحرائر الشهيدات وتكدَّست جثثاً هامدة مضرَّجة بالدماء الزكية التي ارتوت الأرض من فيضها، أما أرواحهنَّ العفيفة فقد صعدت الى السماء مكلّلة بأكاليل الغار والشهادة. والى الحلقة السابعة قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو /  في 8 /7 / 2015

48


دعوة مخلصة واستجابة رافضة


في الثالث والعشرين من حزيران 2015م أضاف البطريرك الكلداني الشجاع مار لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى آخر صرخة شجاعة تضمَّنت أفكاره الشخصية النابعة من روحانيته العميقة، طالباً اشتراكها مع أفكار أبناء شعبه الأخرى لعلَّها تتفاعل معاً وتُسهم في تحقيق مشروع وحدة كنيسة المشرق التي تعرَّضت للتقسيم المذهبي الأول في أواخر القرن الخامس فنتج عن هذا التقسيم كنيستان أكبرهما نسطورية والصغرى مونوفيزية، ورغم كُلِّ ما جرى بينهما من صراع رهيب لا يليق، طُويت صفحته على مَرِّ الزمن وأصبح أمراً واقعاً ومقبولاً. ولكنَّ الإنقسام الثاني للكنيسة النسطورية الذي وقع في منتصف القرن السادس عشر كان الأدهى والأمرَّ وصراعه المذهبي كان الأرهب ولا زال قائماً حتى اليوم ولكنه خَفَّ في القرون الأخيرة واقتصرعلى صراع اعلامي تمحور حول المذهب والقومية، ومنذ نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين جرت محاولات لإعادة الوحدة الكنسية بين الكنيستين، قبل وبعد اضطرار ما تبقى من أتباع الكنيسة النسطورية الإلتجاء الى العراق المستقل عقب وضع الحرب العالمية الأولى اوزارها ولكنَّ النجاح لم يُحالفها للأسف الشديد.

ونعود الآن الى عنوان مقالنا فنقول: إنَّ غبطة البطريرك الكلداني مار لويس ساكو يعلم جيداً بمحاولات لَـمِّ شمل الكنيستين الآثورية النسطورية والكلدانية الكاثوليكية التي جرت قبل جلوسه على سدة بطريركية الكنيسة الكلدانية على مدى اكثر من قرن، ورغم عِلمه بفشلها، لكنَّه أصرَّ وبدافع روحي كبير لإحياء المحاولة ومواصلتها من حيث انتهت. ودافعُه الأول بهذا الصدد هو تنفيذ وصية المسيح الرب < ليكونوا واحداً / يوحنا 17 – 11> والدافع الثاني يعود لبعد نظره وقراءته لواقع المسيحيين المتزعزع من حيث ما يواجهونه من تحديات كبرى تُهدِّد وجودهم وتفوق طاقتهم على مواجهتها متفرقين، وأهم هذه التحديات هي احتمال انقراضهم في وطنهم الأم وذوبانهم في أوطان الإغتراب كما أشار!

واختار بطريرك الكلدان أن يُعيد طرح قضية الوحدة الكنسية في هذا الظرف العصيب الذي يمُرُّ به الشعب المسيحي عامة وشعب الكنائس الثلاث المتفرعة من كنيسة المشرق الأم خاصةً، وقد يكون الطرح الأخير للذي بدأه منذ باكورة تسلُّمِه الرئاسة الأولى لكنيسته الكلدانية الكاثوليكية إذا قوبل لا سمح الله بالرفض من قبل مسؤولي الكنيستين الآثوريتين الشرقية القديمة والشرقية الحديثة، فقد وضع غبطته الكرة في ملعبيهما، برجاء أن يُحسنوا تمريرها لتُصيب الهدف المنشود! ولكنَّ الإشارات غير الرسمية التي ظهرت على السطح تُلوِّح بعكس المرجوِّ منها يُشتم منها رائحة الرفض السلبية.

إنَّ اول رَدٍّ سلبي صدر عن أحد اساقفة الكنيسة الشرقية الحديثة هو المطران ميليس زيا، ويبدو أنَّه الأبرز بين اساقفة هذه الكنيسة والناطق باسمهم، وقد اوحى بذلك من خلال جوابه على مذيع فضائية سركون داديشو، وإننا لنضرب صفحا عن مقدمة المذيع المليئة بالخبث والإستخفاف التي اعتبرها مدخلا للسؤال الذي وجَّهه لمار ميليس، لأنَّ ما يهمُّنا هو جواب المطران على السؤال الذي نختصره بالتالي:
هل إنَّ ما دعا إليه غبطة البطريرك الكلداني ببيانه عن اتحاد الكنيسة الكلدانية والكنيستين الآثوريتين لتُصبح كنيسة مشرقية واحدة مرتبطة بالفاتيكان/بابا روما مقبول لديكم أم لا؟

وإننا ندرج أدناه جواب المطران مار ميليس بتصرُّفٍ صياغي طفيف دون الإخلال بالمضمون قيد انملة!

أجاب سيادة المطران ميليس : أنا قـرأتُ البيان وأريد أن أقول بداية، أن كل واحد منا حرٌّ في هذا الزمن، وبهذه الديمقراطية التي يعـيشها، أن يعـطينا رأيه سواءاً بالكلام أم بالكتابة أو بالإنترنيت، ولا يحق لأحدٍ أن يقول لماذا عندك هذه الآراء ، إنـني أؤمن شخصياً ومعي إخـوتي أصحاب السيادة الباقين لهم نفـس الرأي، أن ما يكـتبه مار لـويس إنما هـو من محبته، ومن حاجـته إلى أن نتحد جميعنا وبنية صافية ... أنا برأيي، إنَّ هذه الأمور يجب أن لا توضع عـلى الإنترنيت لأنها تُحدث جدالات .. لكن مار لويس قد يقول أني وضعـتها كي يبدأ الناس يفكرون من كلا الجانبين كيف نأتي بهذا الإتحاد للكـنيسة المشرقـية، فنياته صافية، ولكن تطبيقها ؟ كلاّ! غير ممكن لأنَّه ليس عـملياً .. لماذا؟ لكونها مشكلة مُزمنة مضت على قيامها 600 سنة بـين كنيستين، وكل منهـما أقامت لنفـسها مؤسسات وتبنَّت لاهـوتيات وثـقافة ولغة وعادات وتقاليد إجـتماعـية ... كل منا قد بنى لنفـسه وجوداً يراه مُـلكاً له ... هذه لي وهذه لك ... تكوَّنت عـندنا عقدٌ خلال 600 سنة ليس سهـلاً أن تأتي بحـلـول لها عـلى ورقة! هـذه أولاً .... ثانياً: هناك أناس وأعـضاء مبتلون بهذه الأفكار لمدة 600 سنة. وكمثال على ذلك، فإنَّ الكـلـدان يعرفـون أنهم أتباع الـﭬاتيكان وأن رئيس كـنيستهم هـو قـداسة الـﭘاﭘا! كما أن قائمة قديسيهم هي قائمة لاتينية مشرقـية، الى جانب معرفتهم بأن لديهم أنـظمة وطقـوساً جاءت من اللاتين وضُمَّت الى بعـض ما قد بقيَ من طقوسٍ مشرقـية، ويعـرف أعـضاؤهم بأن إدارتهم ليست مرتبطة بالبطريرك نفـسه وإنما هي مرتبطة كلياً بـشخـص قـداسة الـﭘاﭘا، ويعرفـون أموراً كـثيرة، إدارة مالية، أملاك، قـوانين، أنظمة كلها مرتبطة بطخس يُدعى لاتيني .. ووضعوا بعض القوانين مرتبطة (نسيتُ إسمه) بمجـمع الكـنائس الشرقـية برئاسة(نسيتُ إسمه) الكاردينال سانـدري ... ونحن ليس عندنا كاردينال مسؤول عـن أمور هـذه الكـنائس المشرقـية. وحين ترتبط بروما فإن هـناك نقاطاً عـليك أن تقبلها، إحداها أنْ تقبل أن الـﭘاﭘا هـو رئيس الكنيسة، كما هوعند الكـنيسة الكـلـدانية .... ولنتكلم الآن عن كـنيستنا المشرقية فإن جـميع الأمور التي ذكرناها ليست لها علاقة بنا. وكمثال : نحن أحرار في إدارتنا ، أحرار في رئاستنا وقـوانيننا، في طخسنا وثـقافتـنا، في قائمة القديسين الذين هم مشرقيّين. عـنـدنا أملاك بإسم كـنيسة المشرق الآثورية، قوانين الإيقاف مشرعة في سنهادسـنا، وأعـضاؤنا يعرفـون أن لنا طخـسنا على امتداد 1800 .. 1900 سنة، عـنـدنا عاداتنا وتقاليدنا، وحتى طخـسنا عند دخولنا الكنيسة متميز ببعض الممارسات والترانيم، وعـندنا صلوات مختلفة عـن كـنيسة الكلدانيّين .... البعض يقول عـن الكرستولوجي وبهذا ليست بيننا خلافات عـليه.  والآن لو قال الآثوريون للكلدان تعالوا نتحد معاً شرط أن ننفصلوا عـن روما ، هـل يقبلون؟ لا !!! وفي ذات الوقت لو قـلـنا لجـماعـتـنا نفس الشيء لرفضوا(وهـو يضحـك بقـوة) ... وقد سبق لنا أن مررنا بهـذه التجربة منـذ أيام سيادة المطران باوَي سـورو ..
وبعـد كُلِّ هذا الكلام الطويل الزاخر بالمغالطات والمتصف بالتخلُّف الكبيرعن حضارة العصر الراهن،إختصر رأيه قائلاً: نحـن كـنيسة أخرى وُلِدنا أحراراً وإلى أنْ يأتي يسوع المسيح ثانية لـن نتنازل عـن حريتنا هذه ... لكننا نأمل أن تكـون المحبة بيننا مع إخوتنا الكلدان ويكون أيضاً أخذ وعـطاء. تُرى، هل هناك تحدٍّ بهذا الحد للمسيح مِمَّن يتبجحون بأنهم أتباعه؟ أيها المسيح الفادي اغفر لهم، كما غفرت لصالبيك!
وقبل أن تُنهى المقابلة سأل المذيع بخبثٍ، اصحيح أن اسم "آطورايي" سيُرفع من الكنيسة؟ فردَّ المطران ميليس: مِن هو قائل ذلك؟ أجابه المذيع بسخرية: مار لويس ساكو في كتابته قال... فقال المطران ميليس: هو حرٌّ فيما يقول، وانا لا استطيع أن أمنعه من قوله هذا... نحن المطارنة بمجموعنا لنا رأيٌ واحد، لا نُريد أن يأتي أحد مهما كان ويفرض شروطه علينا، ولست أقصد بذلك مار ساكو...
ويعود المذيع الى بيان مار ساكو ويقرأه بلكنة عربية ضعيفة ومكسورة مشوبة بشيءٍ من السخرية مردِّداً ما قاله مار لويس: بأن الإرتباط بكرسي روما هو قوة، والإنفكاك عنه ضعف وخسارة... فكان ردُّ مار ميليس: لا أظلم تفكير مار لويس ساكو، إنَّه مهمٌّ أن نسمع منه ماذا يقصد بذلك؟ بالنسبة لي، له معنيان، وعندما تحين الساعة سأفصح عنهما... وإنَّ مَن يقرأ هذا السطر الآن سيفهم أنَّه يقصدنا نحن ان نرتبط بروما... ولكن عليهم أن يرفعوا هذه المسألة عن بالهم وينسوها... وليذكِّر المذيع مار ميليس لئلا ينسى قال: عليكم أن لا تأتوا الى ذِكر مار لويس ساكو في اجتماعكم القادم كي لا تؤجلوا قراراتكم الى عام 2016... فلم يسع مار ميليس إلا أن يُشارك المذيع بقهقهةٍ عميقة!
لا أود أن اعلق على هذا المستوى من التخلُّف المشوب بالعنجهية الفارغة، بل أدع المجال لتقدير صاحب الغبطة مار لويس روفائيل الأول ساكو الكلي الطوبى فهو خير من يزن الأمور ويضعها في نصابها الصحيح والصريح!!!
الشماس د. كوركيس مردو
في 1 / 7 / 2015

49
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الواحد والثلاثون
الإنتفاضة المُباركة
قاد الإنتفاضة التصحيحية المُباركة ضِدَّ تصلُّب البطريرك شمعون برماما وتعسُّفِه ثلاثة من الأساقفة ذوي الإرادة الصلبة هم: اسقف اربيل واسقف سلامس واسقف اذربيجان. دعا الأساقفة الإكليروسَ والشعبَ الى عقد مجمع عام وشامل لغرض استطلاع الآراء، فكان أن عُقِدَ اجتماع تمهيدي في الجزيرة أسفر عن قرار بعقد اجتماع موسَّع في مدينة الموصل، فتوافد إليه عددٌ كبير من منتسبي الإكليروس والعلمانيين من كافة المناطق مزوَّدين بوثائق تخويل من قبل الشعب المؤمن الذي اعتبرهم مُمثِّلين له. فتقرَّرَ في هذا الإجتماع اختيار شخص ذي مُمَيَّزات جديرة تؤهله لتحمُّل أعباء الرئاسة العليا للكنيسة والقيام بها على أكمل وجه. وعند البحث عن الشخص المؤهل لينتخبوه، توجَّهت أنظارُ الأساقفة نحو دير الربّان هرمزد القريب من القوش، حيث رأوا في رئيسه الأنبا يوحنان سولاقا الشخص الأنسب والأجدر لهذا المنصب الرفيع لِما يتمتع به من درايةٍ وحكمةٍ وعلمٍ وتقوى، وايَّدهم المجتمعون بالإجماع. فمَن هو سولاقا؟
إنَّه أحدّ إبنَي دانيال الذي ينتمي الى عائلة بلو من سكّان مدينة عقرة التابعة للموصل، وُلد سولاقا عام 1513م، ونما وترعرع في أحضان عائلته المسيحية المتميِّزة بالتقوى والفضيلة والرصاتة في الحياة. وبحسب تقرير للمطران ايليا أسمر الذي رفعه الى الكرسي الرسولي عام 1581م، يُشير المطران أسمر بأنَّه كان لسولاقا بالقليل اخ واحد يُدعى يوسف، وبعد الكهنوت منحه البطريرك عبديشوع خَلَفُ سولاقا الدرجة الأسقفية، وأرسله والمطران ايليا وآخرين الى الهند. توفَّر لدى سولاقا ميل الى الحياة الرهبانية وهو يافع صغير السن، فانخرط في دير الربّان هرمزد، وكان عدد الرهبان فيه آنذاك بحدود الخمسين راهباً.
واظب سولاقا على ممارسة التقوى والفضيلة، وبعد فترة رُسم كاهناً، ولم يلبث أن انتُخِبَ من قبل الرهبان رئيسا لهم عام 1540م وله من العمر سبعة وعشرون عاما، وما دفعهم الى انتخابه كان ما لمسوه فيه من روح انجيلية وقابليةٍ إدارية ونكران ذاتٍ فريدة. استمرَّ على رئاسة الدير طوال إثني عشر عاماً، مؤدياً واجباته بدِقةٍ متناهية هادفاً أن يتخذ منه رهبانُه قدوة ومن إرشاداته وتوجيهاته فائدة. وكان سولاقا مغتبطاً بحياته الرهبانية، يقود رهبانه في طُرق الخلاص، وفجأةً يُناديه الروح القدس ليترك خلوته اللذيذة ويعهد إليه بمسؤوليةٍ كنسية كبرى، يخوض من خلالها مُعترك الحياة العامة بكُلِّ تداعياتها. فلما أسفرت آراء الأساقفة ومراتب الإكليروس والمؤمنين العلمانيين المجتمعين في الموصل عن انتخاب سولاقا بالإجماع، اوعز الآباء الأساقفة بتشكيل وفدٍ لإحضاره الى الموصل، وجرى ذلك في أوائل عام 1552م.

سولاقا يتفاجأ!
كان وصول وفدِ مجمع الموصل الى دير الربّان هرمزد مفاجأة مذهلة لسولاقا، صعق لها حين أبلغه الوفد بقرار المجمع. فأخذت الصفنة من سولاقا وهاله تحمُّل هذه المسؤولية الجسيمة وأحسَّ بخطورة الوضع وهو الإنسان الذي لم يخطر بباله أيَّ شيءٍ عدا الحياة الرهبانية ذات الجو الهاديء البعيد عن صخب العالَم ومساوئه، والتي هفا إليها بكُلِّ جوارحه ومنذ نعومة أظفاره. وبعد مشاورة الذات ابلغ سولاقا وفد المجمع رفضه للمهمة وطلب من الوفد نقل موقفه الرافض الى المجمع. بيدَ أنَّ المجمع تمسَّك باختياره لسولاقا، وبعث إليه بوفدٍ آخر لإقناعه بالنزول عند رغبة الشعب المسيحي. وكرَّرَ سولاقا رفضه وناشد الوفدَ نقل رجائه الى المجمع بإعفائه من هذه المسؤولية الضخمة. وكان الرفض الثاني هذا مدعاة لزيادة القناعة لدى آباء المجمع بعُمق فضيلة هذا الكاهن العظيم وتواضعه، فازدادوا بدورهم إصراراً على قرار انتخابهم له، وأرسلوا إليه وفداً ثالثاً ليأتوا به، وخوَّلوا أعضاء الوفد في حالة رفضه عليهم الإتيان به عَنوةً. وفور وصول سولاقا عقد المجمع جلسة، وما إن دخل المُنتخب حتى تعالت الهتافات تأييداً وترحيباً. فلم يكن بوسع سولاقا إلا الإذعان للمشيئة الإلهية. تُرى، ألم يكن انتخاب راهبٍ بسيط للسُدَّة البطريركية بُرهاناً ناصعاً لنزاهة هذه الإنتفاضة المباركة وصُدق نوايا القائمين بها خالية من المصالح الشخصية وإنما لخير الكنيسة وتقويم مسيرتها!

بدء مهمة سولاقا
عمَّ الفرحُ الجميعَ بقبول سولاقا باختياره لمنصب البطريرك، وبحسب الخطة المرسومة تقرَّرَ إرسالهُ الى روما، ليُرسمَ اسقفاً ثمَّ يُقام بطريركاً ويُزوَّد بالتأييد والتثبيت من قبل الحبر الأعظم البابا يوليوس الثالث الجالس سعيداً آنذاك. فشكَّل آباء مجمع الموصل وفداً من ثلاثة أشخاص ذوي الجاه هم: توما وآدم وخلف لمرافقة سولاقا في رحلته الى روما، وكان خلف أحد وجوه الجزيرة. وقام آباء المجمع بتزويد سولاقا بوثائق ثبوتية رسمية تتضمَّن إحداها شجباً لقانون توريث المنصب البطريركي والثانية التماساً الى الحبرالأعظم ليرسم لهم سولاقا بطريركاً شرعياً تنضوي تحت سلطته كنيسة المشرق بأسرها، ويُخوِّله حقَّ منح الرتب الكنسية، وسلطان الحل والربط وفق أحكام الآباء والقوانين الكنسية. ولدى مغادرة سولاقا والوفد المرافق له الموصل في شهر آذارعام 1552م خرج جمهور كبير من المؤمنين لتوديعهم، وكان يُرافق الوفد سبعون رجلاً من الكلدان أرادوا الحجَّ الى اورشليم ومن ضمنهم كما ذكر شموئيل جميل في (رسالة السبعين ص 476) عددٌ من الكهنة والشمامسة.
إنَّ قول بعض الآباء بأنَّ غاية قادة التيارالإصلاحي لم تكن الإتحاد مع روما بل الحصول على أبٍ ورئيس صالح وشرعي، لا يمُتُّ الى الحقيقة بصلة، فلو كان هدف لجوئهم الى روما لرسامة مبعوثهم سولاقا لتبريرعملهم وإضفاء الشرعية القانونية عليه لاستعانوا بأقرب كنيسةٍ شرقية من كنائس أنطاكيا ليحصلوا على هذا الأمر ويتجنبوا مصاعب السفر وأهواله، أما استناد هؤلاء الآباء الى فحوى الرسالة التي وجهها قادة الإصلاح الى بابا روما، فكانت بحد ذاتها غير واضحة ومُبهمة انطلى فهم منطوقها على المسؤولين في روما، وخاصة ما يُشير الى وفاة شمعون برماما الذي كان يُقصَد بها وفاةً روحية وليس جسدية. إذاً نقول: بأن هذه الحركة كانت تتويجاً للحركات العديدة التي دعا إليها الكثير من العلماء والآباء الكنسيين للعودة الى المُعتقد القويم والإتحاد مع كنيسة روما الجامعة بدءاً من مُبادرة العالِم الكبير واللاهوتي الشهير حنانا الحِديابي رئيس مدرسة نصيبين الشهيرة في الربع الأخير من القرن السادس، ومروراً بمبادرتي البطريرك سبريشوع الخامس المسيحي 1226-1256 والبطريرك العظيم مار يَهبَلاها الثالث 1282-1317.

يذكرالبطريرك عبديشوع خَلَفُ سولاقا في معرض وصفه الرحلة الطويلة لسولاقا ومرافقيه، ولا بدَّ أنَّه استقى معلوماته من سولاقا نفسه أو من مرافقه خَلف الوحيد من بين المرافقين الثلاثة الذي وصل بمعيته الى روما. أما الإثنان فقد مات أحدُهما في الطريق وتعذَر على الآخر مواصلة السفر بسبب المرض فتُرك في إحدى محطات الإستراحة. ومن خلال سرده يُعدِّد الأماكن التي زارها الوفد في فلسطين، وفي فترة مكوث الوفد في القدس التقى سولاقا بحارس الأراضي المقدسة الفرنسيسكاني وكان ايضاً ممثلاً للكرسي الرسولي في الشرق واستحصل منه على رسائل توصية وعلى رسائل اخرى من الأب بولس رئيس دير الرهبان الفرنسيسكان. ويسترسل عبديشوع في سرده، بأن سولاقا أمضى فترة عيد القيامة في القدس، ثم غادرها مع مرافقيه الثلاثة، وكان الحجّاج السبعون الذين قدموا معه في توديعه وزوَّدوه برسالةٍ الى الحبر الأعظم تضمَّنت التأكيد على مطالب الشعب في اجتماع الموصل.

وصل سولاقا ومرافقوه الى ميناء يافا بعد مسيرة امتدَّت يوماً كاملاً، وواصلوا مسيرتهم بحراً الى دمياط ومنها الى بيروت وفيها أمضوا عيد العنصرة. ثمَّ واصلوا رحلتهم الى قبرص، رودس، كريت ووصلوا اخيراً الى مدينة البندقية الإيطالية فمكثوا فيها عشرة أيام زاروا خلالها كنائسها الشهيرة. ومن هناك غادروا عن طيق البحر ثمَّ عن طريق البر مجتازين مدناً عديدة وكانت المرحلة الأخيرة الوصول الى روما يوم الجمعة 18 تشرين الثاني عام 1552م. وقد أعِدَّ لسولاقا استقبال حافل في روما وبالغوا في العناية به وخصَّصوا له مكان إقامة قريب من الفاتيكان. فزالت عن سولاقا الحيرة التي كانت تساوره بالتشجيع الذي تلقاه والإكرام الذي أحيط به، فنسي التعب الذي تجشَّمَه خلال رحلته التي أخذت من الزمن نحو ثمانية أشهر، فشكر الله طويلاً وأمام ضريح القديس بطرس رفع الدعاء الى الرب مُلتمساً مساعدته في تحقيق نجاح العمل الذي أقدم عليه وقدِمَ الى روما من أجله.
مكوث سولاقا في روما
يروي شموئيل جميل في (رسالة السبعين ص 477-479) بعد إعطاء سولاقا وقتاً ليأخذ قسطاً من الراحة امتدَّ ثمانية أيام، بدأ دور اتخاذ الإجراءات القانونية، فجرى التحَرّي الدقيق عن شخصه ومُعتقدِه والهدف من مجيئه. ولكون سولاقا يتحدَّث بالعربية فقد استعين بترجمان لنقل كلامِه وأجوبته الى اللغتين الإيطالية واللاتينية. واستغرقت عملية التحقيق والتدقيق شهرين ونصف أي الى 15 شباط عام 1553م حيث قام سولاقا بتقديم صورة ايمانه للمرة الأولى. وارتأى الكاردينال"مافي" أن يُعرضَ الأمرُعلى المجمع البابوي "كونسيستوار" وتمَّ ذلك في 18 شباط، لكنَّ المجمع رأى الأمرَ بأنه يُمثِّل مسألة خطيرة فأجَّل البتَّ فيها.
عودة يوحنان سولاقا الى المشرق
بعد انتهاء البطريرك يوحنان سولاقا " شمعون السابع حسب تصنيف روما" من مهمته الرسمية في روما، مَدَّدَ بقاءَه فيها فترة إضافية قصيرة رغبة منه في زيارة كنائسها ومعالمها الأثرية، ومن ثمَّ يُسرع في العودة الى بلاده دون أن يدري ما يُخبئُه له المستقبل. ولم يفُت سولاقا أن يُعَزِّز اواصر الصداقة مع عددٍ من المسؤولين الكنسيين الرسميين الكبار. وقيل بأنَّه فكَّر مَليّاً بزيارة لشبونة عاصمة البرتغال ما دام قريباً منها في ايطاليا ليلتقي بالملك البرتغالي ويتفاوض معه بشأن الكلدان الملَّباريين، ويُمهِّد لزيارة يقوم بها للهند في وقتٍ لاحق. غير أنَّ حراجة الوقت وغيابه الطويل عن الوطن اضطرّاه للعدول عن الخطة وتركها لوقت آخر في المستقبل، وفي تلك الأثناء التقى سولاقا السفيرَ البرتغالي في روما "الفونس لانكستر" وحصل منه على رسالة توصية الى نائب ملك البرتغال في الهند بهذا الشأن.

وفي شهر تموزعام 1553م غادر البطريرك سولاقا ومُرافقوه روما، بعد قيامه باستئذان قداسة البابا وتوديعه، فشكره على الحفاوة التي أحيط بها من قبل المسؤولين الكنسيين، فأكرمه الحبرالأعظم يوليوس الثالث، واسبغ عليه هدايا نفيسة، من ضمنها تاج بطريركي مذهَّب وحُلَّة التقديس مذهَّبة وكأس وصينية مطليتان بالذهب، وبحسب قول شموئيل جميل نقلاً عن المطران ايليا أسمر (كتاب العلاقات ص 485) بأنَّ الهدايا كانت أربع حُلَل تقديس كهنوتية عدا مصاريف السفر. ثمَّ ودَّع لفيفاً من الكرادلة وأصدقاءَه الذين حضروا لتوديعه. ضمَّت القافلة البطريرك سولاقا ومرافقه خلف، وامبروسيوس ممثل الكرسي الرسولي ومساعِدَيه انطونيو زاهرا ومتي الكاهن. واتخذوا طريق البَر، حيث وصلوا مدينة البندقية ومنها عبروا الى بلاد الصرب متوجِّهين صوب القسطنطينية، تخلَّلت الرحلة فترات استراحة عديدة.
   
ولما وصل بهم المطاف العاصمة العثمانية رغب البطريرك سولاقا بمقابلة السلطان سليمان الأول القانوني ليبحث معه في شؤون شعبه. وإذ لم يكن السلطان في العاصمة في تلك الأثناء، أخذ الوفدُ طريقه الى مدينة آمد "دياربكر" التي عزم البطريرك سولاقا جعلَ مقرِّه البطريركي فيها. وكان وصولُهم صباح الأحد الثاني من تقديس البيعة المصادف في 12 تشرين الثاني 1553م. دخل البطريرك مدينة آمد دخول القائد الظافر، وقد أُعِدَّ له استقبال حافل وكانت بهجة المستقبلين لا توصف، بحيث لم يسع البطريرك إلا أن يبعث بعد فترة من حلب رسالة الى البابا يوليوس الثالث، وصف فيها سرور الشعب بمقدمه والإستقبال البالغ الروعة الذي هُيِّءَ له في آمد. وتُليَت رسائل البابا على الشعب فتقبَّلها بفرح كبير، وباشرت جميع الكنائس التابعة لسولاقا، تذكر اسم البابا واسم البطريرك الجديد سولاقا في صلاة المناداة الطقسية.

مؤامرة بَرماما الخبيثة
كان عام 1552م مفصلياً في مسيرة الكنيسة الكلدانية النسطورية، فيه عَمَّ الفرحُ الآلافَ المؤلفة مِن أبنائها، وانتاب الحزن والهلعُ البطريرك النسطوري شمعون السادس بَرماما وزُمرتَه الضئيلة المتزمتة التي ارتضت العبودية للعشيرة الشمعونية والتقوقع في بودقة الهرطقة النسطورية، إذ أحدثت الحركة التصحيحية المباركة التي ولدت من رحِم الكنيسة ثورة هادئة وحاسمة، نالت تأييداً وقبولاً واسعاً من قبل الشعب الكلداني باختلاف فصائله، كما لقيت تأييداً من السلطات العثمانية الحاكمة. ارتعدت فرائس برماما خوفاً من قوة هذه الحركة، ورأى فيها خطراً كبيراً وجاداً يكتسح كُلَّ مشاريعه المصلحية ويقوِّض دعائم إدارته الإستبدادية الغاشمة، حيث كان الشعبُ المسيحي كُلُّه مستعبَداً ومسخَّراً لخدمة عائلته ومصالحها، استمرَّهذا البطريرك على نهجه الجائر وازداد التململُ بين الشعب حتى تحوَّلَ الى استياء دفع الأساقفة الذين  انضموا الى الإتحاد الإيماني مع روما لشجب تصرفاته التعسُّفية علناً، واتهامه بالسيمونية(شراء المنصب بالمال) والإستيلاء على اموال الأديُرة وعدم رسم رعاة للأبرشيات، وقد أشارت قصائد البطريرك عبديشوع خَلَفِ شمعون سولاقا الى بعض انتهاكات إدارته السيئة، ومن الأمور التي استهجنها بشدة الأساقفة والشعب، قيامه بمنح صبيَين يافعَين من أبناء عشيرته درجة المطرانية، أحدهما لم يتعدَّ عمرُه الخمسة عشرعاماً والآخر عشرة أعوام، علاوة على إخلاله بالشرعَين الطبيعي والكنسي عن طريق سماحه بعقد زيجات غير قانونية.
إنَّ الهواجس المخيفة التي سيطرت على البطريرك بَرماما، جعلته هيستيرياً فصمَّمَ على مُحاربة مسيرة الإتحاد بكُلِّ السبل والوسائل لإعاقة تقدمها ووضع العراقيل في طريقها، فهدَّدَ الداعين إليها والإنتقام من قادتها وفي مقدِّمتهم البطريرك شمعون سولاقا لولب الحركة الذي لا يهدأ، فدبَّر له مكيدة شنيعة لا يُقدم عليها اكبرُ محترفٍ للإجرام عن طريق تقديمه رشوة مُغرية جداً لباشا العمادية للقضاء بتصفيته جسدياً بعد إذاقته أمَرَّ العذاب.

استشهاد البطريرك سولاقا
كان للبطريرك بَرماما معرفة وصداقة بباشا العمادية، بحكم نقل بطاركة الكنيسة الكلدانية النسطورية من آل أبونا مقرَّ إقامتهم الى القوش منذ بدايات القرن السادس عشر، ولم يلبث بعد ذلك إلا فترة قصيرة حتى نقلوه الى دير الربّان هرمزد القريب من القوش. وموقع هذا الدير كان ضمن المنطقة التابعة لولاية باشا العمادية إدارياً، وفكَّر بَرماما بأنَّ الطريق الأضمن للتخلُّص من غريمه البطريرك سولاقا هو التفاوض بشأن القضاء عليه مع "حسين بك الكردي باشا العمادية 1543-1574م" فرشاه بمبلغ كبير من المال قدره 10.000 دينار (بطرس نصري/ذخيرة الأذهان ج2 ص 143). فعمل الباشا على استدراج البطريرك سولاقا للقدوم الى العمادية لكي يؤديَ زيارة لكلدان تلك المنطقة، فاعتذر لإنشغاله بأمور اخرى مهمة ولكنه وعد الباشا بالقيام بالزيارة بأقرب فرصة. وعندما أوفى بوعده ووصل الى تلك المنطقة، تفاجأ بإلقاء القبض عليه وزَجِّه في السجن، قبع فيه لمدة أربعة أشهر قاسى خلالها الأمَرين من صنوف العذابات نفسياً وجسدياً (شموئيل جميل/ ص 486) ويعزو شموئيل جميل في (الصفحة489) بأنه لا يُستَبعَد أن يكون الهدف من وراء هذا العذاب القاسي والطويل، هو للتأثير عليه وحمله للعدول عن حركته والقبول برئاسة برماما. وإذ وجدوه صامداً في ايمانه بقناعةٍ وثبات، قاموا برَميه في بئر وتركوه فيها طوال أربعين يوماً، ووصل به الحال من السوء الى درجة كاد فيها يقضي نحبَه. ويُضيف شموئيل: وفي النهاية أمر الباشا الجائر زبانيته أن يُخرجوه من البئر ويُصعدوه الى الجبال القريبة من العمادية، وبسرِّيةٍ تامة يقضوا عليه خنقاً، ثمَّ يُشيِّعوا عنه بأنه قد هرب من السجن. ونفَّذوا أمر الباشا وأخرجوا سولاقا من البئر وربطوه بحبل ووضعوه في كيس، والبعض قالوا لَفّوه بعباءة، ونقلوه الى جبال وعرة منعزلة تقع جنوب شرقيِّ العمادية ورموه في بحيرة موجودة بين تلك الجال وهو لا زال فيه رمق من الحياة، والبحيرة قريبة من دير مار ساوا.

بهذا الشكل الوحشي قضى الوحوش البشرية على هذا البطريرك الجليل بتحريض إجرامي وإغراء مادي من قبل الزعيم العشائري البطريرك النسطوري شمعون السادس بَرماما، وذلك في 12 كانون الثاني عام 1555م، لم تتعَدَّ مدة قيادته الفعلية للكنيسة الكلدانية العام الواحد وشهرين. وفي نعيه للبطريرك الشهيد، كتب المطران أمبروسيوس بوتيكيك الى البابا يُنبِئُه بوفاة البطريرك سولاقا فقال ما يلي: <إنَّ بطريركنا شمعون سولاقا قد مات... لقد استُدرج البطريرك سولاقا المسكين للوقوع في ايدي أعدائه، فأساموه من أنواع العذاب ما لا يُذيقه الجلادون لأعدائهم، إلا أنَّه، وإن فقد جسده، فإننا نأمل وبعد أن أضحى شهيداً للمسيح، أن تتمتَّع نفسه في السماء...> أما المطران ايليا أسمر فيؤكِّد <إن أعاجيب قد جرت في موته كما يشهد الأتراكُ أنفسُهم>. للمزيد عن حياة سولاقا واستشهاده إقرأ كتاب (شهيد الإتحاد ط. الموصل 1955م) للمطران راقائيل ربّان مطران كركوك الأسبق. طُبِعَ بمناسبة مرور 400 سنة على استشهاد سولاقا. والى الجزء الثاني والثلاثين قريباً.
وبعد استشهاد البطريرك شمعون يوحنا سولاقا، اعتقد البطريرك النسطوري شمعون بَرماما، بأنَّه أصبح الوحيد في الميدان لكي يكون رئيساً أوحد على الكنيسة الكلدانية النسطورية بعد عودة المياه الى مجاريها المُلوَّثة كالسابق، ولكنَّ اعتقادَه هذا كان في غير محلِّه ولم يكن إلا أضغاض أحلام لا غير. إذ فور انتشار خبر اغتيال البطريرك سولاقا، عقد أساقفة الكنيسة الكلدانية المتحدة مع روما اجتماعاً في مدينة آمد"دياربكر" وقرَّروا انتخاب خَلَفٍ له، فانتخبوا عبديشوع مطران الجزيرة  باسم عبديشوع الرابع مارون.                                                                                                          2– البطريرك عبديشوع الرابع مارون 1555-1567م
هوعبديشوع بن يوحنان من آل مارون، البطريرك الثاني للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعد استشهاد بطريركها الأول مار يوحنان سولاقا. كان راهباً في دير الأخوَين أحّا ويوحنا الواقع بالقرب من قرية المنصورية في منطقة الجزيرة. رسم كاهناً في الدير، ثمَّ رسمه البطريرك سولاقا في 27 كانون الثاني 1554م مطراناً على الجزيرة في كنيسة مار فثيون. يقول بطرس نصري عنه (ذخيرة الأذهان ج2 ص 143) بأنَّه أدار شؤون أبرشيته بقدر كبير من الهمَّةِ والنشاط، وكان يُتقن بمهارةٍ اللغتَين الكلدانية والعربية. في السنوات الأخيرة من عُمره، اتَّخذ البطريرك عبديشوع من دير مار يعقوب الحبيس القريب من مدينة سعرد مقرّاً لإقامته بدلاً من مدينة آمد تجنُّباً من مُضايقات ومؤامرات خصومه الكلدان النساطرة، وتوفي فيه عام 1567م.

إن الكلدان النساطرة الذين استمرّوا في خدمة بطاركة أل أبونا ويُطيعونهم طاعة عمياء، استمالوا إليهم الأكراد بطريقةٍ وباخرى، وأوغروا صدورهم بالحِقد على الكلدان المتحدين ايمانياً مع روما، وتعاونوا معاً على معاداتهم بشتى الطرق والأساليب، فكان على البطريرك عبديشوع أن يجابه الصعوبات التي يتعرَّض لها رعاياه بكُلِّ حكمةٍ وجرأة، الى جانب صِدامه مع البرتغاليين في الهند الذين كانوا يبذلون جهوداً كبيرة لإحباط مساعيه في إقامة أبرشيةٍ كلدانية متحدة في ملَّبار الهندية، حيث كان البرتغاليون يسعون الى صهرالكلدان المتحدين مع روما ايمانياً فقط وإخوتهم الكلدان النساطرة في بودقة اللاتين عن طريق تغيير طقسهم الكلداني الشرقي وفرض طقسهم اللاتيني عليهم. ويروي الأب بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص147) بأن البطريرك عبديشوع قام برسم شخص يُدعى ابراهيم اسقفاً وأرسله الى ملَّبار ليسد الفراغ الذي تركه سفر اسقفها يوسف سولاقا في مهمَّةٍ الى روما. ولدى عودة يوسف سولاقا الى الهند وقع خلاف بين الأسقفين يوسف وابراهيم، فاحتاج الأمرُ الى تدخل روما، فأوعزت روما الى البطريرك عبديشوع أن يُحدِّد لكُلٍّ من المطرانين أبرشية خاصة به لكي يُحسم النزاع. وجاء في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ للكاردينال تيسيران/ ترجمة القس سليمان الصائغ ص 111) بأن يوحنا باتيست ممثل الحبشة في روما، اوفد الى الشرق كزائر رسولي، وقد اخبر البابا بيوس الرابع البطريرك الكلداني عبديشوع الرابع بذلك في رسالته إليه بتاريخ 23 شباط عام 1565م، ولكنَّ شيئاً لم يُعرف عن قيامه بزيارة فعلية للشرق أم لا. وإنما عُرف بعد فترة مطراناً على الجالية الحبشية في قبرص.

الشماس د. كوركيس مردو
في 1 / 7 / 2015

50
اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الخامسة
مقتل مسيحيي نصيبين ودارا
نواصل رواية ما سطَّره الشاهد العيان المطران الجليل اسرائيل اودو في (الصفحة 76 -  83) من كتابه الذي أشرنا إليه في الحلقة الأولى من هذا المُسلسل وبتصرُّفٍ صياغي دون المساس بالمضمون، عن اضطهاد المسيحيين من الكلدان والسريان والطوائف الأخرى من مواطني الإمبراطورية العثمانية قبل مئة عام. وبما أنَّ القس حنا شوحا المُرتسم حديثاً كان في مقدمة موكب شهداء مدينة نصيبين، فقد ارتأى ماراودو أن يبدأ بكتابة نبذةٍ عنه حيث يقول: كان مسقط رأس القس حنا شوحا مدينة ماردين، فقد ولد في 2/1/1883م وسُمِّيَ باسم والده حنا ولكن اسمه في سجل العماذ فكتور، وكانت امُّه تُدعى مريم. عُرف والده المرحوم بحسن سيرته لكونه رجلاً فاضلاً تقياً يهاب الله. أرسل فكتورالى الموصل للدراسة في معهد مار يوحنا الحبيب الكهنوتي للآباء الدومنيكان، وما إن أنهى دراسته  حتى رسم كاهناً في كنيسة مِسكنته بالموصل من قبل المطران اسطيفان جبري بتخويل من مارعمانوئيل الثاني توما بطريرك بابل على الكلدان، بتاريخ 15/5/1909م مُتخذاً اسم القس حنا تيمُّناً باسم والده. وبعد رسامته عُين للخدمة في كنيسة مار هرمزد، وعُهِدَت إليه إدارة مدرسة الكنيسة، وبالإضافة الى ذلك كان يقوم بتدريس الأطفال اللغتين العربية والفرنسية يومياً وعلى مدى سنتين تقريباً.
ويُضيف مار اودو: وبناءً الى طلبه، نفذنا رغبته فأرسلناه في عام 1913م الى نصيبين، وقام هو أيضاً بتلبية رغبتنا، ففتح مدرسة للأطفال في نصيبين، وشمَّرعن ساعد الجِد للعمل بمنتهى الهمة والنشاط مدفوعاً من غيرته الرسولية معلِّماً ومبشِّراً حتى شهر ايار للعام 1915م الذي فيه تمَّ القاء القبض عليه وزجَّ في السجن.
في بدايات شهر ايار 1915م وصل الى نصيبين رجل تلكيفي قادما من أدنة ناوياً العودة الى بلدته، فحلَّ ضيفاً على راعي كنيسنا هناك القس حنا شوحا بضعة أيام متوقعا أن يلتقيَ ببعض أصحابه ليُرافقهم في طريق العودة الى تلكيف. وبينما كان يوماً خارجاً الى السوق ليُمضيَ بعض الوقت، فجلس عند عتبة باب حانوت شاب أرمني كاثوليكي مارديني الأصل يُدعى "فاهان فرنسيس برغوث" وفجأة لمحه شرطيٌّ فاعتقله، وأخذه الى القوميسير"مديرشرطة" ولماعلم القوميسير بأنَّه رجل غريب، وعرف اين يبيت ويتردَّد، أمر فوراً باستقدام الكاهن وصاحب الحانوت، وحال الإتيان بهما، القاهما والرجل الغريب في السجن مختلقا لكلٍّ منهم تهمة عقوبتها الموت. فوجَّه للتلكيفي الغريب تهمة الهروب، وللكاهن تهمة التستُّر على الهارب، وللحانوتي تهمة المُهرّب. وبعد مكوثهم في السجن لمدة اسبوع، نُقِلوا في 19/5/1915م الى ماردين وزجّوا في سجنها. ولما تمَّ إبلاغي بالخبر يقول المطران اودو: أرسلتُ إثنين من كهنتنا هما القس بولس بيرو والقس يوسف تفنكجي الى حِلمي بيك متصرِّف ماردين، ليلتمساه باسمنا للسماح للقس حنا شوحا بالمكوث عندنا وبكفالتنا لحين نقله الى آمد، إلا أن المتصرف رفض التماسنا، فلم يسعنا عمل شيء بشأنه. وبعد يومَين وفي منتصف نهار الأحد أُخرج الثلاثة من السجن وسُلِّموا لطغمة العسكر حيث طافوا بهم في الشارع الذي يتوسط المدينة وهم مقيَّدون بالحبال، وقد تجمَّع حولهم صبية المُسلمين يقرفونهم بوابل من المسبّات والشتائم، وهم يسيرون خلفهم حتى خروجهم من المدينة لم يسكتوا عن الإستهزاء والسخرية بهم. وكان يأمل البعض بأنَّ سراح الكاهن سيطلق بعد خروجهم من المدينة، إلا أنَّ ذلك الأمل قد خاب.
لم يُطاوع زوجَ أخت الكاهن المدعو يوسف مغزل قلبُه تركَ الكاهن شقيق زوجته وهو يراه مُهاناً ومعتدىً عليه من قبل العسكر، فتبعه عن بعدٍ حتى مدينة آمد ليرى ماذا سيكون مصيرُه. أما العسكر فقد قاموا اثناء الطريق بنزع ثياب الكاهن وأخذِها كغنيمة، وقبل بلوغهم بوّابة آمد، وإمعاناً في إهانته والإستهزاء به، قام العسكر بتلوين وجهه بسواد الفحم وتعليق جرس في رقبته من النوع الذي يُعلَّق في رقاب بغال القوافل، وبهذه الهيئة المُنافية لكُلِّ الأعراف أدخلوه ورفيقيه الى آمد في عِزِّ النهار، وطافوا بهم في شوارع المدينة بين هزء المتفرجين وضحكهم، وصُراخ عدد كبير من الصبية العديمي التهذيب، مُسمِعين هؤلاء البائسين سيلاً من الشتائم، مُذِرّين التراب عليهم الى جانب رَميهم بحمأة السواقي وغير ذلك من النجاسات حتى بلغوا بهم الساحة، ثمَّ ألقوهم في السجن المحشوِّ بالأرمن. وبقي يوسف صهر القس حنا شوحا في المدينة، كان يأخذ الطعام الى السجن للقس حنا صباحاً ومساءً، وفي اليوم الثالث ذهب كعادته الى السجن حاملاً الطعام، فاعتقلوه  واودعوه السجن، ولا نعلم ماذا كان مصيرُه ولا مصير القس حنا والرجل التلكيفي والحانوتيا لأرمني المسجونين معه، والمُرجح أنهم وضعوا في المجرشة التي جرشت الأرمن الذين كانوا قد زُجوا في السجن قبلهم.
ويواصل المطران اودو الحديث قائلاً: كانت مريم والدة القس حنا شوحا وشقيقاه عبدالكريم وسليم وشموني زوجة عبدالكريم يسكنون في نصيبين، وبعد إلقاء القبض على الكاهن بأيام عديدة، وهم ينتظرون بشوق وبفارغ الصبر سماع أخباره على مدار الأيام، وإذا بأعرابيٍّ يفاجئُهم بالدخول عليهم ليلاً، وكان هذا الأعرابي ومنذ زمن بعيد تربطه بهم صداقة حميمة، فقال لعبدالكريم وبصوتٍ خافتٍ: إستعِد حالاً أنت وأهل بيتك وأسرعوا بجمع ما لديكم من حاجات ومذخرات لآخذكم الى داري، فها هي الجِمال مُهيَّأة لترحل بكم، فلا تُبطئوا بل عجِّلوا للذهاب معي، إذ ما إن ينبلج الصبح حتى يُلقى القبضُ عليكم، ويقتلونكم جميعاً. فأجابه عبدالكريم: إنني أعمل جابياً لدى حاكم المدينة، وفي ذمتي جميع مستنداته، فإذا هربت أين سأحمي نفسي من شرِّه؟ أجابه الأعرابي: دع سجلاته وانجُ بنفسك وبأهل بيتك. ولما فشل الأعرابي بإقناعه، تركه وعاد الى بيته وقد أخذ منه الغضب والإنزعاج. وبالفعل فقد كان الأعرابي صادقاً في أقواله، فما إن انبلج صباح يوم الخامس عشر من حزيران 1915م، حتى داهم العسكر بيت عبدالكريم فأخذوه وأخاه سليم وضموهما الى بقية الرجال الكاثوليك المُلقى عليهم القبض قبلهما، وذهبوا بالجميع الى موضع يُدعى "خربة قورد" وتمَّ ذبحُهم جميعاً، ولم يبق حيّاً من مجموع أفراد ثلاثين بيتاً كلدانياً في نصيبين إلا أفراد بيتٍ واحد فقط ومن الأرمن أفراد بيتين لأنَّ البقية كانوا قد لاذوا بالهرب.
ويُضيف مار اودو: بعد هذه المذبحة فقد أرسل القتلة المُضطهِدون مَن يأتي ببقية أفراد العائلة المنكوبة، وفي مقدمتهم مريم والدة القس حنا شوحا وكنتها الشابة شموني إبنة ناظم افندي مدير بلدة أحباب الرجل الفاضل تقيِّ الله وأحد مشاهير الكلدان في آمد، ومعهما الطفلة الصغيرة إبنة صهرهم يوسف مغزل وهي في مطلع عامها الحادي عشر، وفي الطريق قتل العسكر مريم، وإذ كانت كنتها شموني شابة خيَّروها فيما لو أرادت أن لا تموت عليها أن تجحد دينها، ولكنَّ هذه البطلة المنورة من الروح القدس، رَدَّت عليهم بإباءٍ وسخرية: أفضل الموت مع حماتي على أن اجحد مُعتقدي، وأعيش بينكم أنتم برابرة العصر سفاكي دماء البشر الزكية. ولما لم تنفع معها كُلُّ ملاطفاتهم المشوبة بتهديداتهم، أقدموا على ذبحها وتقطيع جسدها الغظ بالسكاكين والخناجر بطريقة وحشية ورموا جثتها على قارعة الطريق. واحتفظ القتلة بالطفلة الصغيرة وجاءوا بها الى المدينة، وبعد حين رأتها "ملكه" والدتُها، فافتدتها وأتت بها إلينا، وتوثيقنا لهذه الأحداث هو نقلاً عنها. ولم تمضِ إلا فترة حتى قدم القتلة الى المدينة جالبين فرس عبدالكريم وسلَّموها لأخته ملكه الآنفة الذكر مع بعض الأثاث والمقتنيات، ولكنَّ الأمر المُستغرب جداً، تُرى، لماذا لم يقتسم القتلة تلك الأثاث والمقتنيات بينهم، في الوقت الذي لم يكن هنالك مَن يُطالبهم بها، أليس ذلك ما يدعو الى العجب؟
العصابة المجرمة من المسؤولين العثمانيين القتلة التي أجرمت بحق مسبحيي نصيبين  والقرى المجاورة لها، كانت تتألف من رفيق افندي بن نظام الدين وقداور بيك بن علي بيك وسليمان افندي مجر، وثلاثتُهم من وجهاء ماردين الغارقين تزمُّتاً بلإسلام الحاقدين على المسيحيين، أبدى لهم المُساعدة في تفيذ أفعالهم الإجرامية الحاج ابراهيم رئيس الحصن وشاكر بيك والحاج كوزي أحد رؤساء ماردين، قام هؤلاء في منتصف حزيران 1915م بتوجيه رجالهم لجمع جميع الرجال المسيحيين وإلقائهم في السجن، واستثنوا منهم اليعاقبة حيث أطلقوا سراحهم. في 28 حزيران تمَّ جمع النساء والأطفال وحُجروا في هيكل دير مار يعقوب اسقفها الأول الشهير ((  إنَّ هذا الدير يعود للكلدان استولى عليه اليعاقبة المونوفيزيون عن طريق رشوهم للمسؤولين الأتراك بمبالغ طائلة،  فانتزعوه من الكلدان وسلَّموه إليهم، وقد أشار الى ذلك البطريرك مار يوسف السادس اودو برسالته الموجهة الى مطران الجزيرة الكلداني بولس هندي في الرابع من أيار 1866م، يحثُّه ومطارنة الكلدان الآخرين في تركيا للتفاوض مع اليعاقبة المونوفيزيين لإسترداد ملكيته، وهذا هو ديدن اليعاقبة المونوفيزيين في ايقاعهم بالكلدان واستيلائهم على كنائسهم وأديرتهم منذ عهد الفرس الساسانيين)) وبعد ذلك قدم العسكرُ ففرزوا الأطفال عن امهاتهم اللائي أُخِذن الى حيث ذُبِح أزواجهنَّ وذُبِحن كما تُذبَح النعاج، فاختلطت دماؤهن بداء أزواجهنَّ الداهرة. أما الأطفال فنقلوا الى ميدان سباق الخيل وهم مربوطون بالحبال وطرحوا أرضاً، جاعلين منهم مَداساً لحوافر الخيل، حيث تسابقت في تفتيت أجسادهم الغظة التي تَمَّ إحراقها بعد ذلك.
وبعد الإنتهاء من تصفية مسيحيي نصيبين رجالاً ونساءً وصبية وأطفالاً، استدعت الهيئات العليا المسؤولين عن تلك المذابح الذين أتينا على ذِكر أسمائهم آنفاً، وأمروهم بتمشيط قرى الأشيثييين القائمة بغالبيتها على سفح جبل الإيزل بهدف القضاء على ساكنيها اليعاقبة المونوفيزيين المتكلمين باللغة السوادية، وقد علم بالمكيدة المدبرة ضِدَّهم سكان قريتين أو ثلاث قرى، فلاذوا بالفرار صوب البرية حيث سنحت لهم فرصة للنجاة، أما سكان بقية القرى فقد سُلبت كافة ممتلكاتهم من قبل المجرم  سليمان افندي مَجَر احد أعضاء عصابة القتل المار ذِكرُهم قبل أن ينالهم سيف الإضطهاد، حيث خرج وتجوَّل في تلك القرى متظاهراً بأنَّه مسيحي ويسعى الى إنقاذهم من الخطر، فانخدعوا بمظهره وكانوا من السذاجة والبساطة بحيث لم يبخلوا عليه بإغداعهم عليه مقتنياتهم  وحتى مصوغات نسائهم، وما زادهم الوثوق به هو تحدُّثه معهم بلغتهم وبين حين وحين يرسم علامة الصليب على وجهه بطريقتهم، بالإضافة الى عدد الأوشمة المختومة على ذراعيه التي أوحت لهم بأنه مقدسي أي أحد زوّار الأراضي المقدسة. وبعد انطلاء حيلته الخبيثة عليهم واستيلائه على كُلِّ ما يملكونه من ذهبٍ ومقتنيات، قفل راجعاً مصحوباً بقردو بيك والعديد من الرجال الكُرد والعرب، ولم يلبثوا أن أوقعوا بأولئك المساكين البسطاء فتعرَّضوا لمذبحةٍ دموية كبيرة، أودت بحياة معظمهم عن طريق الذبح وإلقاء جثثهم في العراء طعاماً لوحوش البَر ولكواسر الطيور.
يقول المؤلف مار اودو، بأنه كتب ما تقدَّم ذِكرُه نقلاً عن لسان الياس ماراني الأرمني الكاثوليكي، الذي استمع الى روايته ودوَّنها بأمانة. إنَّ الياس هذا كان قد سبق وأن اعتُقِل ثلاث مرّات وامتثل أمام المحكمة العسكرية في آمد "دياربكر" وفي الآخر، تحرَّرَ من السجن وعاد سالماً الى داره في نصيبين. أما لماذا لم يُستثنى يعاقبة ضواحي نصيبين من سيف القتلة على غِرار تخلُّص يعاقبة نصيبين، فكان أنَّ اهل القرى لم يجحدوا دينهم المسيحي ولم يعترفوا بمحمد نبياً كما فعل الماردينيون اليعاقبة، ولذلك تعرَّض الكثير منهم للقتل بالإضافة الى نهب وسلب أموالهم وممتلكاتهم.
وبالنسبة الى مدينة دارا، فلم يتعدَّ ساكنوها على اثنتَي عشرة عائلة مسيحية وكُلُّها من طائفة الأرمن الكاثوليك، أما بقية السكان فكانوا أكراداً، ففي العاشر من حزيران 1915م، قام أكراد دارا باقتياد أبناء مدينتهم من الأرمن الى خارج المدينة، وذبحوهم جميعهم، رجالاً ونساءً وأطفالاً ورموا جثثهم في الجب.
مقتل مسيحيي مدينة ميدِيات وضواحيها
في الصفحات (84 – 88) من كتابه الآنف الذكر في بداية هذه الحلقات، يستمرُّ المطران الكلداني اسرائيل اودو التحدُّث حول اضطهاد مسيحيي ميدِيات المدينة القابعة في صدر جبل طورعبدين، تقع الى شمال شرقيِّ ماردين على مسافة مسيرة يومَين منها. غالبية سكانها من اليعاقبة المونوفيزيين، يتكلمون لهجة سوادية، ويتعدى عددُ دورهم الألف والمِئتَين، ثمانون بيتاً من ساكني القرى المجاورة انفصلوا عنهم بعد نبذهم لمذهبهم المونوفيزي وتحوُّلهم الى المذهب البروتستانتي، أما عدد الكلدان الساكنين فيها فكان ثلاثمائة فردٍ، الى جانب عددٍ قليل من الأرمن الكاثوليك والسريان الكاثوليك.
يقول مار اودو، ولحاجة أبناء الكلدان المُقيمين في ميدِيات، لبَّينا طلبهم  وأرسلتُ لهم في صيف عام 1910م الكاهن  القس كوركيس بن يوسف عبدالأحد من آل بهلوان، كنتُ قد رسته حديثاً، ليُقدِّم لهم الخدمات الروحية وكذلك  لأفراد البيوت السبعة  الكلدانية مُضافاً إليها ثلاثة بيوت يسكنها يعاقبة مونوفيزيون، يعيشون جميعاً  مع  المجتمع الكردي في "كفر جوز" المكوَّن من 500 بيت، والقرية المذكورة هي قرية كبيرة تقع الى الشمال من ميدِيات، وقد قام بخدمتهم بكُلِّ غيرة وهمة، وقد لبّى مطلبنا بتأسيسه مدرسة في ميدِيات متكفلين نحن بنفقتها، احتوت اكثر من  اربعين طفلاً من الأطفال المُشرَّدين في الشوارع. وقد ابدى اليعاقبة رغبتهم في إرسال  أولادهم للدراسة فيها، إلا أنَّ ضيق المدرسة حال دون تحقيق رغبتهم. واستمرَّ ت  هذه المدرسة في تعليم الأطفال وتثقيفهم حتى بداية شهر حزيران 1915م الذي فيه إتَّقدت شرارة نار الإضطهاد، وفيما كانت في ماردين  يُرحَّل المسيحيون بقوافل متعاقبة، تسرَّبت إلينا أخبار متضاربة من ميدِيات، تُفيد بأنَّ قائمقام ميدِيات قد أصابته عدوى الإعتداء، فقام  باعتقال أكثر من مئة رجل كلداني وبروتستانتي وأرمني وسرياني كاثوليكي، وزجَّهم في السجن، وفي نهاية  حزيران  سيقوا جميعا الى خارج ميدِيات وقتِلوا.
وبعد ذلك دارت الدائرة على اليعاقبة المونوفيزيين، فطالبهم القائمقام بدري بوجوب قيامهم بتسليم كُلِّ ما بحوزتهم من الأسلحة، وكان ذلك كإجراءٍ تمهيدي للقضاء عليهم، فوقع الطلب عليهم وقع الصاعقة، حيث كانوا يعتقدون بأن القتل لا يشملهم، لكنهم الآن ايقنوا بأنَّ الخطر قد داهمهم، فاعتصموا في دورهم، وإذ بلغ القائمقام عدم امتثالهم لأمره بتسليم اسلحتهم، عزم على استخدام القوة ضِدَّهم، فاستدعى حنا اوسي أحد مشاهير يعاقبة ماردين الذي كان قد نظم عريضة الإسترحام  بحق يعاقبة ماردين الذين سُجنوا على غِرار مسيحيي الطوائف الأخرى،  مستغيثاً بنبي الإسلام الذي وصفه بالعظيم، فأشفقوا عليهم وأطلقوا سراحهم ( انظر في الصفحة 38 من كتاب المؤلف). ولدى مثول حنا اوسي أمام بدري القائمقام، أوفده الأخيرالى يعاقبة ميدِيات ليُقنعهم بتسليم أسلحتهم للسلطة، ولكنَّ مسعاه باء بالفشل.
وعلى إثر ذلك أرسل القائمقام  واستدعى كُلَّ رؤساء العشائر الكُردية القاطنة في ذلك الجبل، وطلب منهم مُهاجمة جميع يعاقبة ميدِيات وقتلهم لعدم انصياعهم لأوامر السلطات، ولما أحسَّ اليعاقبة بأنَّ الشرَّ قد غدا قاب قوسين منهم،  لم يضيِّع الكثير منهم الفرصة السانحة فعمدوا الى الهروب الى قريتي "بعيوندار وأنحل" الواقعتين كُلُّ منهما على أحد مُرتفعات طورعبدين واللتين يسكنهما اليعاقبة . أما القس الكلداني كوركيس يوسف بهلوان والبقية الناجية من جماعته الكلدانية فقد التجأوا الى قرية انحل وأقاموا فيها مدة سنتين. والذين لم يتمكنوا من الهرب لإنقاذ انفسهم فقد ظلوا داخل بيوتهم.
وفي منتصف تموز 1915م أحاطت القوات النظامية العثمانية بمدينة ميدِيات مدعومة بمزيج  من أبناء العشائر الكردية الحاقدة، وبدأت بفتح نيران أسلحتها على أهالي ميدِيات، وقابلها اليعاقبة المحاصرون في دورهم بنيران اسلحتهم دفاعاً عن النفس، لكنَّهم لم يصمدوا أكثر من اسبوع بسبب رجاحة كفة المهاجمين عدداً وسلاحاً، فاندحر اولئك المُدافعون الأبطال بعد أن قاوموا الأشرار حتى الرمق الأخير، فلما اطمأنَّ القتلة لصمت أصوات العيارات النارية المتجهة نحوهم من الداخل، هبوا ووثبوا على البيوت وأخرجوا جثث الشهداء سحلاً ورموها خارجاً، ثم أشعلوا النار فيها وأحرقوها. وكرّوا راجعين  الى البيوت لنهب محتوياتها  وتمشيط سراديبها بحثاً عن اللاجئين إليها من النساء والشيوخ والأطفال، فأخرجوهم وأبعدوهم عن المدينة وذبحوهم جميعاً  باستثناء الرضع. وتعرَّضَ يعاقبة قرى طورعبدين "حصن كيفا، مَعصَرتا، قَلَّت، بافدا، باني، دير العمر، دير الصليب، قسبرينا وكربوران وغيرها.
< يروي صاحب كتاب (جراحات في تاريخ السريان ص94 – 108) عن كبر وسعة قرية كربوران  حيث يقول: كان غالبية سكانها من اليعاقبة المونوفيزيين ويُقَدَّر عددُ  دور ساكنيها بنحو 700، بينها خمسة بيوت تعود لمسيحيين كاثوليك، ونحو عشرين بيتاً للبروتستانت، وحوالي خمسين بيتاً للأكراد المتحدِّرين من خلفية مسيحية. كان لليعاقبة المونوفيزيين المسمين اليوم بـ"السريان الأرثوذكس" في هذه القرية مطران وسبعة كهنة. وجرت إبادة أهلها على النحو التالي  وباختصار شديد: صادف يوم عيد الدنح المقدس عندما طلب مصطفى أغا كربوران أن يقوم كُلُّ بيت من بيوت القرية بتموينه بحِملٍ من الحطب لتدفئة داره، وبسبب العيد أجَّل المطران تلبية طلبه الى اليوم التالي، فاغتاظ الأغا ولا سيما حين نقل إليه رُسُله كلاماً مُلفقاً لم ينطق به المطران، فنوى الأغا الإنتقام من أهالي القرية ومطرانهافي أقرب فرصةٍ سانحة، وجاءَته الفرصة أيام الحرب، فأمر بتحويل مجرى الماءعن القرية  الذي كان مصدر شرب أهاليها الوحيد، ولم تمُرَّ على هذا العمل الشنيع إلا ثلاثة أيام حتى قام بمهاجمة القرية فسيطر عليها وشرع بحرق بيوتها، وطالب بتسليم المطران، فخرج المطران بحسب قول شاهد عيان  يزأر بوجه الأغا يلعن دينه ومَن يتبعه، وللحال أمر الأغا عبيده أن يأخذوه الى السطح ثم يُلقوه الى الأسفل، فمات المطران  وتعرَّضَ الأهالي الى مجزرةٍ رهيبة>.
ويستطرد المطران اودو قائلاً: سألت يوماً مار كوركيس هندي الوكيل البطريركي لليعاقبة آنذاك، عن عدد القتلى من أبناء طائفته، فأجابني: سبعون الف نسمة!  إلا أنَّ الرقم مُبالغ فيه كثيراً، إذ إنَّ إجمالي عدد اليعاقبة في سوريا ومنطقة ما بين النهرين ، كان دون هذا الرقم. وللحقيقة التاريخية نقول: بأنَّ عدد قتلى اليعاقبة لم يتجاوز العشرة آلاف نفس في كُلٍّ من طورعبدين وضواحي ماردين.
مجزرة قرية كفر جوز 
كانت قرية كفر جوز قرية عامرة، غالبية سكانها أكراد يُقدَّرُ عددُ بيوتهم ب"500 بيت" بينها عشرة دور للمسيحيين، تعود سبعة منها للكلدان وثلاثة لليعاقبة، كان يُديرها المارديني "جلال رومي بن حسن المتولي " وقد أثبت أنَّه كان أحد سفاحي الإضطهاد الظالم الذي تعرَّضَ له مسيحيو تركيا سكان البلاد الأصليون على أيدي الغزاة الموغلين بارتكاب القتل والإجرام. فعلى يد هذا المجرم السفاح جرت مجزرة ذبح هذا القطيع المسيحي الصغير والبريء المتجذر في كفر جوز منذ زمن سحيق، حيث أمر في العشرين من تموز 1915م بتجميع أفراد البيوت المسيحية عنده وكأنهم خراف مُعدّون للذبح. وإذ علم اولئك  الأتقياء الأبرياء الغاية من جمعهم، أخذوا يُشجعون واحدهم الآخر قائلين: " فلنمُت من أجل المسيح الذي مات من أجلنا " فهبَّ شابٌّ من بين ذلك الجمع ورفع صوته عالياً وهو يقول: أنا حَمَل المسيح! فلما سمع المجرم جلال رومي هذا الكلام، قال: مَن هو هذا المتجاهر بتسمية نفسه "حمل المسيح"؟ فقام الشاب واقترب من جلال قائلاً له: أنا هو. فأخذ الغضب من المجرم جلال مأخذه من جرأة الشاب! فسحب مُسدَّسَه وصوَّبه نحو الشاب الماثل أمامه، فما كان من الشاب إلا الكشف عن صدره متحدياً مُهدِّدَه وقائلاً: إضرب حَمَلَ المسيح ولا تتردَّد. فازداد المجرم جلال غيظاً وأطلق النار على الشاب فأرداه قتيلاً، فسقط أمام إخوته مضرَّجاً بدمائه الطاهرة وهي تتفجر كتفجر مياه النبع، وطلب الجاني بإخراج هذا الشهيد الذي كان الأول بين هذا القطيع الصغير  بالظفر باكليل الشهادة.
أما بقية أفراد القطيع رجالاً ونساءً وأطفالاً من غير الذين تمكنوا من الهرب في ليلةٍ سابقة، فقد اقتادهم القتلة الى خارج القرية، وبعد أن ساروا بهم مسيرة ساعةٍ واحدة ، وقبل أن يُجهزوا عليهم بالسيوف والسكاكين خيَّروهم بين نبذ دينهم والتحول الى الإسلام، ولكن لم يكن هناك من استجاب لرغبة السفاحين أعداء الإنسانية  المُخادعين المتعطشين الى سفك دماء الأبرياء فذبحوهم جميعاً. والعدد الإجمالي للذين قتلوا من جماعتنا الكلدان في ميدِيات وكفر جوز وباني "50 فرداً".   أما مصير المُجرم جلال رومي، فقد فُصل من وظيفته، وصار منبوذاً وراح يتسوَّل في الشوارع منذ الصباح حتى المساء، وبالكاد يحصل على ما يسد به رمقه من فتاة الخبز، فأخذ العذاب ينخر جسده فنحل  وذبُل من الجوع، فمات وهلك، وهكذا فإن الجالس في العلاء يُهل ولا يُهمل. والى الحلقة السادسة قريباً
الشماس د. كوركيس مردو
في 20/6/2015

51


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثلاثون
نساطرة قبرص الكلدان
نبذة قصيرة عن جزيرة قبرص
قبرص جزيرة شهيرة، كان الفاصل بينها وبين آسيا الغربية والشرق الأوسط البحر المتوسط، لعبت دوراً متميِّزاً في التاريخ. ومنذ عام 1192 وحتى عام 1489م حكمتها سلالة ذات اصول فرنسية، تكيَّفت واقتبست الكثير من الفكر الشرقي وتبنَّت عادات سكّانه. تطوَّرت العلاقات بينها وبين الشعب الأرمني والشعوب البيزنطية فجرى التصاهر بين الطرفَين. غدت قبرص الملاذ الأكبر للمسيحيين الشرقيين الهاربين من بلدانهم الأصلية التي كانت تعمُّها الإضطرابات وحكوماتها منهمكة بالحروب، فضلاً عن الذين وقعوا أسرى بأيدي قوات الإمبراطورية الرومية من الكلدان النساطرة مواطني المملكة الفارسية عام 581م إثر انتصارها الكبير بقيادة قائدها الشهير مرقيان على القوات الفارسية الساسانية بقيادة آذورماهان. ويقول الأسقف المونوفيزي يوحنان الأفسسي في (تاريخه ص 382 و 407) قُدِّرعددُهم بسبعين ألفاً تَمَّ إسكانُهم في جزيرة قبرص. ويعزو السمعاني (تاريخ السمعاني 3/2 ص 432) بأن أحفاد اولئك الكلدان النساطرة هم الذين عادوا الى الكثلكة في منتصف القرن الخامس عشر وبالتحديد عام 1445م على عهد البابا اوجينوس الرابع.

وقد شكَّل الكلدان النساطرة في قبرص جالية لا بأس بها يرعاها اسقف يرتبط بميطرابوليطية طرسوس، وبما أنَّ رئيس كنيسة روما الجامعة وباعتباره خليفة بطرس الرسول، يتحتم عليه البحث عن الزائغين عن الإيمان القويم، ومنهم الجماعات المسيحية الشرقية التي أجبرتها الظروف للإقامة والعيش في قبرص، فكانت أنظار كنيسة روما متَّجهةً نحوهم منذ عام 1222م حيث أصدر البابا هونوريوس الثالث في الثاني من شباط لنفس العام أمراً بابوياً مُوجهاً لبطريرك اورشليم ورئيس أساقفة قيصرية ومطران بيت لحم والمُرسلين العاملين في جزيرة قبرص، يقضي بالعمل على إعادة المنفصلين الى الطاعة لميطرابوليط اللاتين في العاصمة القبرصية "نيقوسيا" وإبلاغهم بأنَّ التأديبات الكنسية القانونية ستطالهم في حالة الرفض إن تطلَّب الأمر. وبذل أعضاء الإكليروس المهتمون بالأمر ذوو الميل الى الإتحاد الإيماني بكنيسة روما جهداً كبيراً لإنجاح المحاولة إلا أنهم اصطدموا بمقاومةٍ عنيفة من قبل الكلدان النساطرة والروم المونوفيزيين، مِمّا أدَّى الى حُرمانهم من الموارد المخصصة لمهماتهم الكنسية. فارتبكت عليهم الأمور فترة من الزمَن، إلا أن الكلدان النساطرة في قبرص واصلوا مسيرتهم اعتيادياً حتى قيام البابا يوحنا الثاني والعشرين في 1/10/1326 بالكتابة الى بطريرك اورشليم مُعطياً إياه الأمر بإزالة الهرطقتين النسطورية والمونوفيزية اليعقوبية من الجزيرة القبرصية وبالوسائل المُناسبة ولكن دون أن يُشير إلى هذه الوسائل. ويبدو أن إحدى تلك الوسائل كانت بمبادرةٍ من ايليا مطران نيقوسيا الذي استطاع عام 1340م أن يجمع كُلَّ كبار رجال الإكليروس اللاتيني في قبرص ومكَّنهم من الإلتقاء برؤساء الكنائس المختلفة وحشدٍ من علمائها، ثمَّ قام بنشر إقراره بالإيمان.
في تقويم قديم للكنيسة الكلدانية النسطورية عثرعليه الخوري بطرس عزيز "المطران لاحقاً" فقام بطبعه على عِلاّته من حيث ركاكته اللغوية والخلط والإلتباس الوارد فيه ونشره عام 1909م/بيروت/ص 9. ورد فيه ما يلي بالنص: <كان يوجد فيها "ويعني قبرص" ميطرابوليط اسمُه "طيمثاوس" جِنسُه من بلد الموصل، وكان يوجد تحت يده اسقفان، أحدُهما ايليا جِنسُه من بغداد، والآخرإسمُه ماردِنحا جِنسُه من بلد الرُّها. وكانت تحت يدهم سبع كنائس ما تُعرَف أساميها حتى نذكُرها، ومِن القسوس كان يوجد ثمانون قسيساً، ومن المؤمنين خمسة آلاف  وثلاثماية بيت، وكانوا جميعهم نساطرة، وذلك في سنة1380م. ثمّ صار مجمع اقليمي في جزيرة قبرص بأمر البابا الروماني بنديكتوس الثاني عشر في سنة 1340م، وكان ذلك على يد مار طيمثاوس ميطرابوليط تلك الجزيرة ومار ايليا اسقف تلك الجزيرة ومار دنحا رفيقه، وحضر فيه أيضاً رؤساء اليونان والروم والموارنة والأرمن واللاتين والنساطرة واليعاقبة، ثمَّ رفضوا شقاق النسطورية، واعترفوا برئاسة البابا الروماني كونه نائب المسيح على الأرض، وأقرّوا بايمان الكنيسة الرومانية، والنساطرة الموجودون في تلك الأماكن جزء منهم انضمَّ الى طقس اللاتين، والجزء الثاني انضموا الى طقس الموارنة، وتلاشت النسطرة من تلك البلاد> ولإزالة الإلتباسات والتخبّطات في هذا النص قام الخوري بطرس عزيز بتصحيح وتوضيح الحقائق. فأضاف شرحاً في الحاشية 1 من الصفحة التاسعة ذاتها هذا نصُّه:
< رجع النساطرة الى الكثلكة في قبرص مرتين: المرة الأولى في المجمع الذي عقده ايليا رئيس أساقفة اللاتين في تلك الجزيرة سنة 1340م في عهد البابا بنديكتوس الثاني عشر، كما نعلم من أعمال ذلك المجمع. والمرة الثانية بعد ذلك العهد بنحو مائة سنة، أعني سنة1445م في عهد اوجينوس الرابع الحبر الروماني، بسعي اندراوس اسقف كولوس الذي أقنع طيمثاوس مطران النساطرة بجحد النسطورية. ففعل وأرسل صورة ايمانه الى البابا المذكور يقول فيها: <أنا طيمثاوس الطرسوسي مطران الكلدان في قبرص و...> وعندنا منشور اوجينوس لسنة 1445 حيث يذكر هذا الرجوع ويأمر ألاّ يتجاسر أحد من الآن فصاعداً أن يُسمّي الكلدان نساطرة (كتاب العلاقات/ شموئيل جميل/ روما 1902 ص 8-12) ويذكر المؤرخ السمعاني في (المكتبة الشرقية 3،2، ص 434)<لما تغلَّب الأتراك على اللاتين في قبرص، انقرض منها النساطرة واليعاقبة>.

79 – البطريرك ايليا الخامس 1497-1501م
يقول عنه المؤرخون في (كنيسة المشرق في سهل نينوى/ حبيب حنونا ص 183) والكاردينال تيسيران في(خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 87-88) كان ناطوراً للكُرسي في عهد سلفه شمعون الرابع الباصيدي فخلفه عملاً بقانون الوراثة، يقول الأنبا شموئيل جميل (كتاب العلاقات ص 589 – 600) وخلال رئاسته القصيرة جداً وبناءً الى التماس توما اسقف الملَّبار في الهند أرسله إليه، اختار رُهباناً ثلاثة من دير مار أحّا ودير مار يوحنا القريب من الجزيرة، ويقول البعض أنه اختارهم من دير اوجين ومهما يكن فهم: داود وجرجيس ومسعود. ورسم داود مطراناً للهند باسم يَهبَلاها وجرجيس اسقفاً باسم دِنحا ومسعود اسقفاً باسم يعقوب مُعاونَين له، وأرسلهم الى الهند عام 1503م، ولدى وصولهم تفاجأوا برؤيتهم ليوحنا مطران ملَّبار مُبدياً فرحه بقدومهم إذ لم يكن يعلمون بأنَّه لا زال على قيد الحياة. ووردت الى البطريرك رسالة باللغة الكلدانية مؤرخة عام 1504م من الأساقفة يُعلمونه فيها بأن عدد المسيحيين في الهند يُقدَّر بنحو 300 الف نسمة، وقد شَيَّدوا الكثير من الكنائس والأديُرة، ومن بين هذه الأديُرة دير كبير على اسم مارتوما يُطِلُّ على ساحل البحر، ويتوزع المسيحيون في سكناهم على ما يزيد عَن عشرين مدينة وبلدة. توفي البطريرك ايليا الخامس عام 1505م ودُفن في كنيسة مسكنتا بالموصل.

80– البطريرك شمعون الخامس دنحا 1502-1503م
تقول المصدر التالية (ذخيرة الأذهان ج2/بطرس نصري ص 88-89) و(كنيسة المشرق في سهل نينوى ص 183) و(اثر قديم في العراق/دير الربان هرمزد ج1 ص 35) بأن شمعون الرابع دِنحا كان ناطور كُرسي أخيه البطريرك ايليا الخامس، فتولّى السدة البطريركية خلفاً له بحسب قانون الوراثة، وبالرغم مِن طول رئاسته، ليس لدينا أخبار عن نشاطه وما تحقَّق على عهده. وقد اشتهر في عهده بعض الأدباء بينهم الراهب ابراهيم الكرخسلوخي الذي نظم شعراً وألَّف الكثير من القصائد. والقس صليبا إبن قرية المنصورية الذي نظم قصيدة في الشهيدة شموني وأولادها. تَمَّت وفاة شمعون الرابع دِنحا في الثامن من آب 1538م ودُفن في دير الربان هرمزد.

81 – البطريرك شمعون الخامس 1503-1538م
واستناداً الى المصادر التالية (مجلة بين النهرين لعام 1992م/العدد79/ص 70) و(خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/الكاردينال تيسيران/ترجمة القس سليمان الصائغ ص 147) و(ذخيرة الأذهان ج2 ص 87) و(كنيسة المشرق في سهل نينوى/حبيب حنونا ص 183) حيث تقول بأنَّ شمعون الخامس هو إبن عَمِّ شمعون الرابع وكان ناطوراً لكُرسيِّه فأسند له المنصب البطريركي وفقاً للقانون الوراثي عقب وفاة إبن عَمِّه البطريرك عام 1538م. وتُضيف هذه المصادر بأن الكنيسة الكلدانية النسطورية نَعِمَت في عهده بسلام مشوبٍ بالهدوء والأمان، وتوقفت الإضطرابات التي كانت سائدة في هوزستان وآثورستان أي في منطقة بابل. كان ايكليروس شمعون الخامس يتكوَّن من7أساقفة و500 كاهن و1500 شمَاس يقومون بإدارة وخدمة الكنائس التي يرتادُها شعب مُكوِّن من ستة عشر الف بيت. تُوفي البطريرك شمعون الخامس عام 1551م ودُفن في دير الربان هرمزد.

82 – البطريرك شمعون السادس بَرماما 1538-1558م
يتحدَّث عنه المؤرخون: حبيب حنونا في (كنيسة المشرق في سهل نينوى ص 183) والكاردينال تيسيران في (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 147) والقس بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 89-90) وكوركيس عوّاد في (أثر قديم في العراق/دير الربان هرمزد ص 36) بأنَّ شمعون السادس بَرماما كان ناطور الكُرسي على عهد عَمِّه البطريرك شمعون الخامس ويُدعى آنذاك ايشوعياب، وبعد وفاته اعتلى السُّدة البطريركية تلقائياً استناداً الى قانون الوراثة الذي سنَّه البطريرك الخامس من أبناء العائلة الأبوية شمعون الرابع الباصيدي. كان أقوى شبيه له بحرصه على استمرار الرئاسة الكنسية العليا حكراً على أبناء عائلته وعشيرته، فلم يُقدِم على رسم رئيسٍ للأساقفة مِن خارج أبناء العائلة لكي يضمن عدم إمكانية قيام أيِّ طرفٍ آخر مُناويء مِن رسم بطريرك، لأن رئيس الأساقفة وحده له هذه السُلطة والصلاحية، ولذلك حصر هذه الدرجة بفردٍ واحدٍ لا يتجاوز عمرُه الثمان سنوات. أما البطريرك عبديشوع الرابع مارون خَلَفُ البطريرك يوحنان سولاقا، فقد ذكر في إحدى قصائده، بأنَّ بَرماما رسم مطرانَين عُمر الواحد منهم 12 عاماً والثاني 15 عاماً، فلم يسع الأساقفة إلا التنديد بتصرفه اللاعقلاني المخالف للشرع الكنسي واستهجانه، وإذ لم يكترث بَرماما باستنكارالأساقفة، حينها تحرَّكوا لإيقافه عند حَدِّه.

وتَستطرد المصادرُ أعلاه مُنَدِّدةً بسوء تصرُّفاته المُنافية للشرع المسيحي، حيث أباح الطلاق وأعطى السماح بالزواج بأكثر من امرأةٍ واحدة. علاوةً على جريمته برشوة باشا العمادية (حسين بك الكُردي 1543-1574) بمبلغ كبير من المال قدره  10.000 دينار لقتل المثلث المراحم البطريرك يوحنان سولاقا الكاثوليكي (ذخيرة الأذهان ج2 ص 143). إنَّ الحدث الجسيم وأعني به انشطار الكنيسة الكلدانية النسطورية الى قسمَين وما تلا ذلك من تناحر وصراع مؤلم بين الطرفين سنترك الخوض بتداعياته المُرَّة وتفاصيله المؤثرة حتى تَطرُّقِنا الى تاريخ السلطنة العثمانية. ومن بين المؤلفين الذين ظهروا في عهده القصير، كان القس عطايا بَرآثيلي. كتب عشرين قصيدة حول حياة المسيح الرب الأرضية وحياة القديسين وعن سِرِّ التوبة.
والى جانب ما تقدَّم ذِكرُه في الأجزاء الثلاثة الأولى عن الإنشقاقات التي ناءَت امَّتُنا الكلدانية وكنيستُها تحت كلكلها، وبخاصةٍ في الجزء الثالث الذي أشرنا فيه الى انشطار كنيسة المشرق الكلدانية الى شطرين بفعل البِدعَتَين النسطورية والأوطاخية، أكبرهما نسطوري والأصغر مونوفيزي، فأدّى ذلك ليس الى تَصَدُّع في بنيان شعب الكنيسة القومي بل الى تهَدُّمِه وثمَّ إهماله وإعطاء كُلِّ فريق أهمية قصوى لمذهبه الى حَدِّ تحوُّل أخُوَّة الطرفَين الى العداوة المشوبة بالحِقد والكراهية دفعتهما الى التصادم ليس إعلامياً فحسب بل الى إقرانه بصراع دموي وايقاع تحريضي ببعضهما البعض لدى ملوك وحكّام البلاد بدءاً بالفرس الوثنيين فالعرب المُسلمين فالغزاة المغول الإيلخانيين وفروعهم الأخرى انتهاءً بالقساة العثمانيين.                                                                                                                               
وكانت الإرساليات الكاثوليكية ومنذ القرون الوسطى وبالتحديد منذ القرن الثالث عشر، قد شدَّت الرحال للقدوم الى بلادنا وبلدان الشرق الأخرى، بهدف تصحيح المسار الخاطيء لأبناء أمتنا وكنيستنا الذي تبنّاه أسلافنا عن طريق التوريط او الإقتناع وبالأحرى الفرض من قبل السلطة السياسية، مُحاولين إعادتنا الى مذهبنا الأصيل مذهب كنيسة روما حيث تواجد الكُرسي الرسولي لمار بطرس هامة الرُّسُل، والذي اعتمده آباؤنا وأجدادُنا منذ إنشاء كنيستهم في القرن الميلادي الأول، وتمَّ التأكيد عليه في مجمع ساليق الثاني المعروف بمجمع اسحق المنعقد عام 410م على عهد ملك الفرس الساسانيين  يزدجرد الأول.                                                                                                                          .
 ولكن انشطاراً ثانيا حدث في كنيستنا الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر على عهد البطريرك "شمعون السادس 1538-1558م" المُلقَّب "بَرماما" المتحَدِّر من السلالة العشائرية لآل أبونا المعروفة باحتكارها للمنصب البطريركي وحصره بأبناء العشيرة منذ عهد البطريرك " شمعون الرابع الباصيدي 1437-1477م" الذي سَنَّ قانون توريث المنصب البطريركي وجعله حكراً بأبناء عشيرته الأبوية دون غيرها، منطلقاً من مغزى الإنتخابات العفوية التي لعبت الصدفة دورَها في اختيار الآباء المُنتَخِبين لأحد آلآباء المتحَدِّر من هذه العائلة للرئاسة الكنسية العليا، معتبراً ذلك دافعاً له لحصر الرئاسة في أبناء عائلته، ملغياً بذلك القانون الكنسي التقليدي الذي دأب أحبارُ الكنيسة من مطارنة وأساقفة على تطبيقه منذ القرن الرابع في اختيارهم لقائد روحي يجدون فيه مؤهلات القيادة ليرعى شؤون كنيستهم وشعبهم، وإن حدث أحيانا تدخُّل من السلطة العليا الحاكمة بتأثير داخلي أو خارجي لفرض مُرشَّح مُعيَّن خارج إرادة الآباء، فيرضخون لإنتخابه امتثالاً للأمر! ولكن في الغالب كان يجري انتخاب الجاثاليق أو البطريرك بحسب القانون الذي أصدره عدد من مجامع الكنيسة وأكَّدت عليه مجامع لاحقة، مُشدِّدة على أن يُراعى الإعتبار والأولوية للآباء الذين يتمتعون بروحانية مسيحانية حقيقية وتتوفَّر فيهم الكفاءة والمقدرة الإدارية للقيام بأعباء الرئاسة العليا للكنيسة، بصرف النظرعن أصلهم وفصلهم.
 
ففي الرسالة السادسة للجاثاليق العظيم مارآبا الكبير كما أشار إليها في تاريخه (الأب لابور ص 187) يُبيِّن مارآبا بوضوح تام كيفية تطبيق القوانين الخاصة بانتخاب الجاثاليق بعد وفاته، حيث يَستبعِد من هذا المنصب كُلَّ مِن رُشق بالحرم، ومَن كان مذنباً أومُحباً للمال بجشع، أنانياً مَيّالاً الى اللذة. أما عملية الإنتخاب فتتم كالتالي: بعد وفاة الجاثاليق يجتمع أساقفة الأبرشية الكبرى "أبرشية الجاثاليق" ويدعون مطارنة الأبرشيات الأربع الكبرى آنذاك أو على الأقل ثلاثة منهم على أن يُرافق كُلَّ مطران ثلاثة من أساقفته، ثم يبدأون المشاورات للإتفاق على واحدٍ من بينهم يتحلّى بصفاتٍ حميدة، يكون خالياً من الخبث والأنانية، ثابتاً على الإيمان الحق، دائم السهر عليه، غيوراً متقيِّداً بالقوانين، ويجب أن ينال غالبية أصوات الآباء الناخبين.
إن شمعون الباصيدي لم يُعط أية أهمية للقوانين الكنسية، ولا فَكَّر بما سيُسفرُعنه قانون توريث المنصب البطريركي من تبعيات خطيرة لهذا الإجراء التعسُّفي، ولم يعبأ باعتراضات آباء الكنيسة من المطارنة والأساقفة الذين توقعوا مُسبقاً ما سيُلحقه بالكنيسة من تداعيات سلبية إذ سيزيدها انحساراً وتخلُّفاً، وهو بالنسبة إليهم يُمثِّل ضربة قاصمة ومصادرة لحقوقهم الشرعية. وقد تحقَّقت مخاوف الآباء، باحتلال أفرادِ عديمي الإستحقاق والأهلية للمنصب البطريركي وهما العنصران الواجب توفُّرُهما في شخص القائد العام للكنيسة! وللأسف فقد تعَهَّدَ البطاركة خلفاء الباصيدي بتطبيق نهجه والتمسك بقانونه الوراثي، ومن أجل ضمان سريانه،أقدموا على خفض عدد الميطرابوليطين رؤساء الأساقفة في الكنيسة الكلدانية النسطورية بصورة تدريجية مدروسة.
وفي آخر المطاف ولدى تولّي المنصب البطريركي ايشوعياب "ناطور الكرسي أي ولي العهد" باسم البطريرك (شمعون السادس بَرماما) قام بمنح درجة رئيس الأساقفة لفردٍ واحدٍ من أبناء عائلتِه لا يتجاوز عُمرُه الثماني سنوات دون أحدٍ غيره، فبقيت الدرجة حكراً عليه لكي لا يُحاول أحدٌ آخرُ القيام برسم بطريركٍ من خارج أبناء هذه العائلة! عِلماً بأن رسامة البطريرك لا يمكن أن يُجريها إلا رئيس أساقفة! وسنعود الى تَبِعات هذا الإجراء الذي أدّى الى انشطار الكنيسة في منتصف القرن السادس عشر في حينه. كان البطريرك برماما أقوى شبيه لسلفه البطريرك الباصيدي بحرصه على استمرار الرئاسة الكنسية العليا حكراً على أبناء عائلته وعشيرته، فلم يُقدِم على رسم رئيسٍ للأساقفة مِن خارج أبناء العائلة لكي يضمن عدم إمكانية قيام أيِّ طرفٍ آخر مُناويء مِن رسم بطريرك، لأن رئيس الأساقفة وحده له هذه السُلطة والصلاحية، ولذلك حصر هذه الدرجة بفردٍ واحدٍ لا يتجاوز عمرُه الثمان سنوات. أما البطريرك عبديشوع الرابع مارون خَلَفُ البطريرك يوحنان سولاقا، فقد ذكر في إحدى قصائده، بأنَّ بَرماما رسم مطرانَين عُمر الواحد منهم 12 عاماً والثاني 15 عاماً، فلم يسع الأساقفة إلا التنديد بتصرفه اللاعقلاني المخالف للشرع الكنسي واستهجانه، وإذ لم يكترث بَرماما باستنكارالأساقفة، حينها تحرَّكوا لإيقافه عند حَدِّه.
كانت تصرفات البطريرك شمعون برماما استبدادية ومنافية للقوانين الكنسية، إذ لم يكن يأبه بمؤهلات آباء الكنيسة من الأساقفة ولا يحفل بآرائهم حول مصيرها. وإذ وصل السيلّ الزُّبى ولم يبقَ في صبر الأساقفة مَنزعٌ، فكَّرَ لفيف منهم مِمَّن يمتلكون ضمائر حية في البحث عن سبيل لإيقاف تدابير البطريرك المُجحفة بحقِّهم وحقِّ شعبهم المُستعبَد الواصل الى حالة الضنك من العيش. وقبل أن يتخذوا أيَّ إجراء عادوا الى القوانين الكنسية القديمة وثَبُتَ لديهم بأن القوانين التي مارسها بطاركة آل أبونا منذ عهد البطريرك شمعون الرابع الباصيدي الذي سنَّها غير شرعية وجائرة ولا سيما عندما مورست بتعسُّفٍ من قبل البطريرك شمعون السادس برماما. فقرَّروا الإمتناع عن تقديم الطاعة للبطريرك ومقاطعة عائلة آل أبونا الإستبدادية، والسعي الى إقامة بطريرك شرعي للكنيسة بموجب قانون الإنتخاب. والى الجزء الواحد والثلاثين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 18 / 6 / 2015

52
هل ثراء بعض أبناء الكلدان نعمة أم نقمة؟
لقد وفَّق الله تبارك وتعالى الكثيرَ من أبناء الأمة الكلدانية ولا سيما الذين هاجروا الى بلدان الغرب منذ مدة طويلة، فغدوا يملكون ثروات تُعَد بالملايين، ويتفوَّقون بذلك على أبناء جلدتهم من المسيحيين الآخرين، ولم تقتصر ثرواتهم على مجرَّد أرصدة متراكمة في البنوك، بل الى جانبها ممتلكات من عقارات وشركات ومؤسسات تشمل مختلف المرافق الإقتصادية، وتعمل في العديد من المناحي التجارية والصناعية والزراعية وغيرها، مِمّا تُضاعف ازدياد الموارد بسرعة كبيرة.
ليس هناك اعتراض على الأرزاق، ولا يجوز حسد الأثرياء ولا الدعاء عليهم بالنقمة لكونهم أغنياء، فهذا يدخل في النظام الحياتي الذي أقرَّه الخالق، بأن يكون في العالم الأرضي أثرياء وفقراء، فهو يمنح الرزق لكُلِّ خلقه ويُتيح لهم التنافس في الكسب والسباق في الثراء ضمن العمل الجاد، وبذلك يظهر التفاوت والتمايز فييما بينهم من حيث الكسب والثراء، وهذا الأمر سائد منذ القِدم مهما اختلفت وسائل الحصول على المال وتعدَّدت طُرُقه، فكان ولا زال زاخراً بالفقراء والأثرياء.
إن أثرياء الكلدان بكثرتهم لم يجمعوا ثرواتهم من تراب وطنهم الأصيل وخيراته، لأنه قد استُلب منهم منذ قرون من قبل الغرباء، وقد استبدوا بحكمهم القاسي تجاههم والتضييق عليهم بشتى الطرق والأساليب التعسفية لمدى قرون عديدة عاشوها تحت سيف الإضطهادات دون أن يجدوا مهرباً منها حتى نهاية القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين، حيث استطاع الكثير منهم طرق أبواب الهجرة الى دول الغرب الأوروبي والأميركي التي رحبت بهم وفتحت لهم مجالات الرزق المتنوعة فاستثمروا طاقاتهم الكامنة بالعمل الدؤوب الذي دَرَّ عليهم بالثروة، فما عادوا يشكون من الفقر ولا يُعانون من حاجة، فاهتموا بعيش أبنائهم في بحبوحة ورخاء واسعَين وتثقيفهم من خلال أرقى المدارس والمعاهد والجامعات ليتبوّأوا الوظائف اللائقة بمستوياتهم العلمية والمهنية.
ومع كُلِّ ذلك فإنَّ أثرياء الكلدان يحنون على بلدهم ويتألمون لمصيره الراهن المتجه نحو المجهول، فهو مُقبل للتقسيم بسبب التناحر الطائفي والمذهبي الذي دبَّ أطنابه بين مكوناته الكبرى العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد منذ التغيير السياسي الذي بدأ بالقضاء على النظام البعثي في 2003م، وكُل مكوَّن يسعى للإنفراد بالجزء الذي يضم طائفته ويعتقد بحقه في الإستقلال به دون الإفصاح علناً عن نيته! كم كان يتمنى أثرياء الكلدان عودة العافية لبلدهم العراق الممزق والمحتلة بعض مناطقه العزيزة من قبل عصابات ارهابية موغلة في تزمتها الإسلامي، اعتدت بشكل وحشي على سكان تلك المناطق التي لا تدين بالإسلام، ولا سيما منهم المسيحيون واليزيديون، حيث هجَّرتهم واستولت على أموالهم وممتلكاتهم، واغتصبت وسَبَت نساءَهم وبناتهم وباعتهم بسوق النخاسة، ولا زالت تسرح وتمرح معلنة دولة الخلافة الإسلامية منذ العاشر من حزيران عام 2014م وتُحارب على عِدة جبهات في العراق وبلاد الشام.
أعزائي اثرياء المهجر الكلدان، لقد كان لتعاطفكم مع الشعب المسيحي العراقي عامة وإخوتكم الكلدان خاصة صدىً كبيرٌ في التخفيف من وطأة محنته، وكان دليلاً على سخائكم المادي الذي انتم اهل له إبان إحاطة المُلمات بشعبكم ولا سيما عندما تُهيب بكم كنيستكم طالبة دعمكم، فإنكم تُلبون النداء بسرعةٍ قياسية مذهلة تُشكرون عليها، وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يدل على مدى تعلقكم بكنيستكم ورغبتكم العارمة في نجدتها وهو شيء يوجِب الحمد والتقدير الكبير! ولكنَّ هنالك شيئاً آخر لا يقل أهمية عن كنسيتكم قد أهملتموه بالكامل ألا وهو "قوميتكم الكلدانية" التي لا تُعيرونها اهتماماً بأقل مستوى ممكن! ألا ترونها تُحارب من كافة الفرقاء في الوطن ولا سيما من الأقربين قبل البعيدين! ألا فكَّرتم يوماً بمصيرها؟ وإذا كنتم لا تثقون بحاملي رايتها في داخل الوطن وخارجه، أفلا تدفعكم غيرتكم القومية في الحفاظ عليها والدفاع عنها عن طريق قيامكم بتشكيل تنظيم سمّوه ما شئتم للقيام بهذه المُهمة القومية ذات الأهمية القصوى! ما قيمة شعبٍ تُنتزع منه قوميته؟ وهل أنتم قاصرون عن أبناء القوميات الأخرى الذين يُضحون بالغالي والنفيس للحفاظ على قوميتهم؟ ولماذا تقبلون أن يُعاب الشعب الكلداني بأن يصفه المُعادون له بضعف الشعور القومي لديه؟ ألستم انتم أبناءَه فهل تَقبلون أن تُنعَتوا بهذه الصفة غير اللائقة؟ إنَّه عتاب أخوي مخلص عساه يصل صداه الى إخوتي  الكلدان الأثرياء في كُلِّ مكان!!!
الشماس د. كوركيس مردو
في 15 / 6 / 2015

53



الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن والعشرون
تضعضع الإيلخانيين وبروز الجلائريين

8- علاء الدين أبو سعيد بهادر 1317 - 1335م
إنَّه إبن اولجايتو الذي وُلِدَ له في السنة الثانية مِن حُكمِه، ولدى موت والده كان عُمرُه عشرة أعوام، وباعتباره وريثاً للعرش أولاه الأمراءُ السُلطة تحت الوصاية، فاستفرَدَ بالإدارة أميرُ الأمراء "جوبان" بمُساعدة أبنائه ونُوَّابه، وفي خِضمِّ فتنةٍ كُبرى وقعت عام 1319م بين الأمراء والزعماء المغول أدَّت الى القتال فيما بينهم كان حصادُ ضحاياها مِن القتلى ما تعدَّى الثلاثين ألفاً. وخرج مِنها الأميرُ جوبان منتصراً وتمَكنَ مِن الـقبضِ على زمام الأمور، فأقامَ كلاًّ مِن أولاده أميراً على أحد البلدان. ونشَبَ خلافٌ في عام 1327م بين السلطان بهادر وجوبان تطوَّرَ الى صراع دموي وقتلَ جوبان في السنة ذاتها، كما قتلَ إبنه "تمرتاش" حاكمُ بلاد الروم في السنة الثانية. وبعـد مَقتل جوبان عَيَّنَ السلطان عام 1329م بدلاً عَنه الشيخ حسن بن عَمَتِه أخت غازان واولجايتو ليكون نائباً له. وأُثيرَت موجة اضطهادِ فظيع جدا ضِدَّ المسيحيين وفي عام 1333م أُجبِرَ النصارى واليهود في بغـداد على لبس الغيار والشارة، تعَـرَّضَت كنائسُهم وأديارُهم للتدمير، وحُوِّرَت كنائسُ كثيرة الى جوامع، وتحوَّلَ الى الإسلام عـددٌ كبير جداً مِن المسيحيين. قـضى أبو سعيد بهادر نحبَه عام 1335م عَن عُمر ناهز الثلاثين عاماً ولم يُرزَق بخلفٍ، دُفنَ في مدينة السلطانية.

9 - ارباخان 1336- 1336م
بسبب عدم وجود خلفٍ لأبي سعيد بهادر، وُلِيَ السلطةَ ارباخان وهو إبن آريق بوقا أحد أبناء تولي خان. وفور جلوسِه على العـرش، إنتفض الخاناتُ والأمراءُ مُعلنين عدم أحَقيتِه بالعرش، فعَمَت الفوضى والإضطرابات أنحاء المملكة وثارت الفِتَن مِن كُلِّ صوب. وقتِلَ السلطان ارباخان بعد مرور بضعة أشهر على حُكمه وقيل ستة أشهر.

10 - موسى خان 1336- 1336م
بعد مَقتل أرباخان ووزيره غياث الدين محمد، خَلت الساحة امام علي باشا وهو خال السلطان ابي سعيد بهادر فأجلـسَ موسى على العـرش، وموسى هذا هو إبن علي بن بايدو بن طورغاي بن هولاكو، فثار عليه مُعظـمُ امراء المملكة مُندِّدين بالإجراء الإنفرادي الذي إتخذه. فتحالفوا مع بعـضهم ضِدَّ السلطان وقتلوه في ذات السنة التي وُلِّيَ الحُكم فيها. وأعقبَه خمسة سلاطين هم: السلطان محمد، طغاتيمور، ساطي بك،  سليمان خان، وجِهان تيمور.  وجاء في (التاريخ الغـياثي ص 76 - 77) فكان تَوالي سبعة سلاطين بعد أبي سعيد بهادر خلال فترة لا تتعدَّ العشرين عاماً سبباً في ظهور طغـمةٍ فاسدة جائرة تسلطت على البلاد والعِباد، فازداد عددُ الخوارج ، وتفاقـمَت الأوضاعُ سوءاً، ودارت الحروبُ بين المتسابقين في الإستحواذ على السلطة، مِمّا أدّى الى دَبِّ الضعف والإنحلال في أوصال هيكل الإمبراطورية المغولية العـظيمة التي أقامَها الفاتحُ الكبير هولاكو. ولذلك كان عمرُ هذه الإمبراطورية قصيرا إذا ما قورن بعظـمَتِها، إذ لم يَطل حُكمُ سلالة مُنـشئها الإيلخان هولاكو أكثر مِن قرن.
ويـُشير مؤلـف كتاب (العراق في التاريخ ص 55) الى اسباب سقوطـ الإمبراطورية المغولية، بأن أبرزها كان الصراع على السلطة الذي دار بين امـراء العائلـة المالـكة ، وقـد ذرَّ قـرنـُه بعـد موت اباقا خان بن هولاكو عام 1282م. فبموتِه اتـَّسَعَ المجالُ أمام تدَخُل الزعـماءِ المغـول ولا سيما الأمراء مِنهم في أمر تنصيب الأيليخان، حيث سبَّبَت أطماعُهم بـبروز الفـِتنة في أواخر عهد المملكة أدَّت الى انهيارها. وكان موت الإليخان الثامن أبي سعيد بهادر عام 1335 م دون وريث، مَدعاة ً لتسابق الطامعين بالسلطة الى استغلال الفرصة لنيل الحُكم. ومِن جَرَّاء ذلك اندلعت نارُ حَـربٍ أهلية لا هوادة فيها، إكتوَت بنارها كافة أرجاء البلاد، وضعت حدّاً لها الأسرة الجلائرية باستيلائها على الحُكـم عام 1337م.

73- البطريرك طيمثاوس الثاني 1318 - 1332م
إننا نُواجُهُ جَهلاً كبيراً عن تاريخ الكنيسة الكلدانية النسطورية في القـرن الرابع عشر، فلا نَملك معلومات وافية عن انتخاب خلف البطريرك ماريَهبَلاها الثالث وهو البطريرك طيمثاوس الثاني، لم يأتِ المؤرخون الى ذِكر أيِّ شيءٍ عَن أوائل حياته، وقد تحَدَّثَ عنه بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 75 ، 76 ، 77) ننقل عنه بتصرُّف : في النهايات الأخيرة للقرن الثالث عشر كان مطراناً على أبرشية الموصل ويُدعى إسمُه يوسف،  ثمَّ نُقِل الى أبرشية أربيل بعد وفاة ميطرابوليطِها مارإبراهيم في حدود عام 1310م ومِن موقعه الجديد عاينَ الأحداث المأساوية التي دُبِرَت ضِدَّ المسيحيين أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية في أربيل وقلعتها استبيحَت فيها دماءُ عـددٍ كبير مِنهم كما تَقدَّمَ بنا ذِكرُه. وبالتأكيد هو يوسف ميطرابوليط  أربيل الذي جاهد جهاد الأبطال لدى السلطات الإيلخانية المغولية الحاكمة لتَجَنُّب مجزرة قـلعة أربيل الرهيبة والبشعة. وكان اليد اليُمنى للبطريرك يَهبَلاها الثالث في مُساعدتِه والدفاع عنه أمام الأمراء المغول والملك في تفنيد التهـم المُلصقة به ظلماً وافتراءً مِن قبل عُتاة المُسلمين.
وعندما تُوفي البطريرك يَهبَلاها في منتصف تشرين الثاني 1317م توجَّهت أنظارُ الآباء الكنيسة الناخبين مِن مطارنةٍ وأساقفـة الى يوسف ميطرابوليط أربيل، وكان لهذا التوجُّه مَدعـيان: الأول تقديراً لجهوده الجبارة والمُضنية التي بذلها للذود عن البطريرك مار يَهبَلاها وأبناء الكنيسة القاطنين في قلعة أربيل، أما الثاني فـلكونِه عالِماً جَليلاً ومُتضَلعاً مِن لغاتٍ عديدة بحسب قول عبديشوع مطران نصيبين في مجموعته القانونية (السمعاني/ المكتبة الشرقية ج3 ص 569) وكان هو ذاته مِن جملة الناخبين، إذ إنَّ الأجلَ وافاه بعد انتخاب البطريرك وبعد عقد المجمع الذي دعا إليه البطريرك الجديد. فأجمعت آراءُ الآباء الناخبين على إقامة يوسف بطريركاً نظراً لـِما يتمتع بـه مِن شخصيةٍ ذات نشاط كبير وعِـلم ٍ غزير وتضَلع مِن اللغات وحِكمةٍ في الإدارة. إختار اسمَ طـيمثاوس وقد يكون تَيمُناً باسم طيمثاوس الأول. وانتهز البطريرك الجديد مارطيمثاوس الثاني فرصة تواجد الآباء المطارنة والأساقفة مُجتمعين معاً، فقرَّرَ عقد مجمع (سينودس) في مُستهَلِّ عام 1318م، فأسفرت حصيلة أعمال هذا المجمع عَن سَـنِّ (13 قـانـوناً) خَصَّت الشأنَ الإداري الكنسي والحَثَّ على الإلتزام التام بالقوانين الرسولية وقوانين آباء الكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية. كما وافق المجمع على تأييد كتابَين مِن وضع عبديشوع الصوباوي، ألأول حول مجموعة القوانين المجمعية والثاني حول تنظيم الأحكام الكنسية.

وعُقدَ المجـمع برئاسة البطريرك الجديد مارطـيمثاوس الثاني وشارك فيه أحـدعشر مطراناً واسقفـاً وهم التالية أسماؤهم وكما ذكرتها أعمال المجمع:
1 - مار اسحق اسقف بيث درون
2 - مار ايشوعياب اسقف تلا وبربلّي
3 - مار شمعـون مطران الموصـل
4 - مار شمعـون مطران بيث كَرماي
5 - مار شمعـون اسقف الطيرهان
6 - مار شمعـون اسقف بلد
7 - مار عبديشوع مطران نصيبين وأرمينيا (وافاه الأجَل بفترةٍ بعد المجمع)
8 - مار عبديشوع اسقف حنيثا
9 - مار يوحنان اسقف بيث وازيق
10 - مار يوحنان اسقف سنجار
11 - مار يوسف ميطرابوليطـ عيلام
وبالنظـر لندرة المصادر التاريخية حول مسار الأحداث في الكنيسة الكلدانية النسطورية، فنُرجح استقـرارَ البطريرك مارطـيمثاوس في أربيل، حيث اجتمع فيها كافة مسيحيي المنطقة بعد أن خيَّمَ الهدوءُ عليها. وإذا كانت الأوضاع قد هدأت ههنا، فإنَّ الإضطرابات اندلعت في مراغا، واستباح المسلمون الكنائس والأديرة فيها، فـما كان من المسيحيين إلا أن سارعوا في نقل رُفات ماريَهبَلاها الثالث من مراغا الى أربيل ثمَّ الى ديرمارميخائيل ترعيل، فدفنوها فيه. ويقول الأنبا شموئيل جَميل بأنه عُثرعلى مخطوطةٍ وحيدة لكتابٍ وضعـه مارطيمثاوس الثاني في العِلل السبع لأسرار الكنيسة، يُستدَلُّ مِنه على مدى تعَـمُقِه في المعارف الدينية والأدبية. واستنـسخه وأودع نسخة ً مِنه في دير السيدة القريب مِن القوش.

أ- الدولة الجلائرية 1337 - 1411م
الجلائريون هم أبناء قـبيلة جلائر jalayir إحدى كُبرى القبائل المغـولية تقيم الى الشرق مِن منغوليا بالقـرب مِن نهـر< اونـن > لها فـروعٌ عديدة ولكُلِّ فـرع زعـيم يُدير شؤون قبيلته، وقد التبس على المؤرخين تحديد أصل الجلائريين، فمنهم مَن قال بأنهم مِن أصـل تُركي بحسب قـول عباس العزاوي ( تاريخ العراق بين احتلالـَيـن ج1 ص 68 وج2 ص 25 ) وقال البعـض الآخر بأنهـم مِن أصل مغـولي ومنهم ( كلـشن خلفا ص 163 ) حيث يقـول أن جماعة الإيلخانيين تعـود بنسبها الى آقبغا بن ايلخان بن جلائر. ويقول نوري عـبدالحميد العاني ( العراق في العهـد الجلائري ص 20 ) بأن ما حـدث مِن اختلاطاتٍ كبيرة بـين القبائل في آسيا الوسطى إثر غـزوها مِن قبـل العنصر التُركي، أحدث تغييراتٍ عـرقية متنوعة، وكان العنصر التركي الأكثر غلبة ً مِـن غيره في مناطق بلاد ما وراء النهر، وعلى هذا الأساس يُعتبَر الجلائريون ذوي اصول تُركية وقد عُرفت بالمغولية لاحقاً.

لقد ذكرنا في معرض الحديث عن الملوك الإلخانيين "المغول" بأن أفراداً مِن الجلائريين قـد برزوا في الجيش المغـولي وتـبـَوّأوا مناصب متقدمة ، وعلى وجـه الخصوص في عهد هولاكـو والأبـرز بين هؤلاء " ايلـكا - نـويان " الذي يـُشار إليه بأنـَّه الـجـد الأكبر للشيخ حسن بـل للسلالة الجـلائرية ، فقـد إحـتـلَّ مـَنـصـب أمارة الجيش ورافـق هولاكـو في احتـلالـه لبـغـداد عام 1258 م وكان مساهـماً في مهمة الـحامية المؤلـفـة مِن (3000 فـرد عسكـري)التي أبـقاها هولاكـو لتـَثبـيـت السلطة المغـولـية في بـغـداد. رُزق " ايلـكا - نـويان " بعشرة أبـناء ، تـولـّى التاسعُ منهـم المدعـو " أقبغـا " مَنصب أمير الأمراء في عهد كيخاتـو خان، وزوَّج أقـبـَـغـا إبـنـَه حسيـن مِن اولـجَـتاي إبـنـة أرغـون حفـيـد هولاكـو ، فحصل على لـَقـب " كـوركـان " الـذي يـعـني صهـر الملك ، وفي عهـد السلطان أبي سعـيـد بهادر عـُيـِّنَ أميـراً على خـُرَسان . وبـفـضل هـذا الزواج حَـصل إبـنـُه حَسن على مَـنزلةٍ كَـبيـرة حيـث عَـيـَّـنـَه السلطان أبو سعـيد بهادر حاكماً على بلاد الروم باعتباره إبن عَـمَّتِه ، فأصبح واحداً مِن رجال الإدارة في عهد أبي سعيد آخر الإيلخانات الأقوياء.

ففيما كان الصراعُ الدائرُ بين السلاطين والأمراء الجلائريين آخذاً منحاه العـنيف، كان تيمورلَنك ذو الطموح اللامحدود يُخطـِّط ويستعد للقيام ببسط نُفوذه على مناطق واسعة تحقيقاً لحُلمه بإعادة إمبراطـورية أبناء جنكيزخان التي ينتمي بجذوره أليهم الى سابق عهدها، وشرع بالإستيلاء على الإمارات المجاورة له  والتفَّ حوله قومُه بأعداد كبيرة فقويَت عـزيمتُه وتضاعفَ طموحُه الى المُلك حيث أعلن نفسه " خاناً " عام 1370 م . وشرع بإعداد جيش ضخم غالبيته مِن العنصر التركي ، فبدأ بغـزو خـوارزم في عام 1372 م ولكنه لم ينجح في احتلالها إلا أن ذلك لم يُثنِه عن إعادة الكرة ثانية وثالثة الى أن أفـلح في المرة الرابعة عام 1379م فاستولى عـليها وهي في حالةٍ يُرثى لها مِن الخراب والتدمير مِن جرّاء ما تعرَّضت له مِن الـهجوم المتواصل خلال السنوات السبع. وفي عام 1383م استولى تيمورلنك على خـُرَسان، جـرجان، مازندران، سجستان، أفـغانستان، فـارس، أذربيجان، وكردستان وبذلك حقَّق حُلمَه بحيازته على أملاك الدولة الإيلخانية التي أرسى أسسها هـولاكو حفيد جنكيزخان.
كما أنَّ القس وليم ويكَرام الأنكليكاني الذي عبث بأفكار الكلدان النساطرة المنزوين اعتصاماً بجبال هيكاري العاصية، فتمكَّن من إقناعهم بتغيير تسميتهم من كلدان نساطرة الى "آثوريين" لقاء وعودٍ كاذبة بأنَّ المملكة المتحدة ستعمل على ايجاد وطن قومي لهم تحت هذه التسمية في المنطقة التي كان يسكنها آشوريو التاريخ المنقرضين موهِماً إياهم وطالباً منهم أن يدَّعوا بأنهم أحفادهم، ومنذ الربع الأخير من القرن التاسع عشر راخ يُسخِّر قلمه إعلامياً في الترويج لتسميتهم الجديدة في اوروبا والعالَم، فضلاً عن قيامه بتأليف كُتبٍ عديدة منافية للتاريخ والحقيقة وحسب هواه بصددهم ومنها على سبيل المثال "الآثوريون وجيرانهم" وفي (الصفحة 145 و149 من الكتاب الآنف الذكر) يذكر هذا الداعية بأنَّ الغازي المغولي تيمورلنك قادَ حملتَين عسكريتَين شرستَين على بلاد ما بين النهرَين وبخاصةٍ على منطقة الموصل وتوابعها، الأولى في عام 1392م والثانية في عام 1400م وهذه الأخيرة تركَّزت على منطقتَي اربيل والموصل الزاخرتَين بالمسيحيين والغالبية العظمى منهم كانوا كلداناً، فأبادهم ولم ينجُ إلا القليل منهم لاذوا بالفرار الى مناطق جبلية. ويُشير المؤرخ لونكريك (اربعة قرون من تاريخ العراق الحديث ص 32) بأنَّ جحافل تيمورلنك الإسلاميَّ المُتزَمِّت ضِدَّ المسيحية ومعتنقيها، أحدثت دماراً هائلاً بالموصل والقرى التابعة لها، إلا أنَّه لم يأتي الى ذِكر أسماء تلك القرى.

بعد موت تيمورلنك لم يستطع أولاده من الحفاظ على الإمبراطورية الواسعة التي أسسها، حيث كان لهم بالمرصاد الكثير من أعداء والدهم، فظهرت دولتا الخروف الأسود "القره قوينلو 1411-1467م" ثم دولة الخروف الأبيض "الآق قوينلو 1467-1508م" وتلتهما الدولة الصفوية 1501-1736م بقيادة الشاه اسماعيل الصفوي الذي كان يُراقب الفوضى والإضطرابات والحروب المتواصلة بين أمراء دولة الخروف الأبيض "الآق قويلو" التي ضعضعت قوتها بشكل كبير، فاستغلَّ الشاه اسماعيل ذلك وبادر الى توسيع رقعة سُلطته حيث تحرَّك نحو تِبريز في بداية القرن السادس عشر واحتلَّها معلناً ذاته شاهاً أي ملكاً على ايران بأسرها، ولقَّبه أنصارُه بـ"أبي المظفَّر الشاه اسماعيل الهادي الوالي" وتمَّ ذلك عام 1502م.
لم تنفع معه مناشدة السلطان الآق قوينلي مراد له لعقد الصلح بينهما، بل اندفع ببسط نفوذه على كامل الهضبة الإيرانية. وفي نحو عامَي 1505 -1507م استولى على دياربكر مقَرِّ السلطان الوند. وبعد ذلك عزم على الزحف الى بغداد وكان السلطان مُراد قد قدم إليها بعد احتلال تِبريز، فشعر مُراد بعدم قدرته على التصديَ للشاه اسماعيل، فطلب النجدة من الحاكم المملوكي لمصر والشام وبأمير الأناضول، إلا أنهما لم يستجيبا لمطلبه، فنشبت بين اسماعيل ومُراد معارك عسكرية كان النصر فيها الى جانب الشاه اسماعيل فدخل بغداد منتشياً بالنصر، وبحسب قول بعض المؤرخين بأنه لم يتردَّد في قتل السنة والنصارى واضطهاد المتبقين منهم، ولكنه استثنى اليهود من الأذى بسبب تأديتهم الخدمة له ونَفحِه بالتحف والهدايا الى جانب تجسُّسهم لصالحه قبل دخوله الى بغداد وبعده. أما السلطان مراد فقد احتمى بعد سقوط بغداد لدى علاء الدين ذي القدر حاكم الأناضول، وتزوَّج من إبنته وأنجبت له ولدين يعقوب وحسن. وبعد سنتين من قيام بارياك الآق قوينلو حاكم بغداد بغزو الموصل وضواحيها عام 1508م، وكانت قريتا تلكيف وتللسقف اكبر ضحيتَين لهذا الغازي الأثيم، رثاهما بقصيدةٍ كلدانية معبِّرة القس كوريال بن القس خوشابا الألقوشي، وهي محفوظة في خزانة الرهبانية الكلدانية للمخطوطات تحت رقم 959/3. وقد أشار الى ذلك الشهيد أدَّي شير مطران سعرد الكلداني في (المجلة الآسيوية عدد 10 مجلد 15 ط. باريس ك2 1910م) وعلى غِرار بارياك قام اسماعيل شاه الصفوي عام 1510م باحتلال منطقة الموصل بأكملها مُستبيحاً إياها كما استباح بغداد من قبلها عام 1508م حيث خَلَّفَ فيها دماراً وخراباً شديدَين، ونحراً للمُسلمين السنة، أما معاملته لغير المُسلمين فكانت أشدَّ قساوة وشراسة.

وتوالت الأحداث وتمكَّن عثمان الأول التركي 1290-1324م من تثبيت دعائم دولته، حيث ورد في كتاب (المصور في التاريخ ج6 ص 116) <بأنَّ عُثمان ظلَّ يحكم دولته الجديدة كسلطان مستقل حتى تاريخ 6 نيسان لعام 1326م الذي فيه احتلَّ إبنُه "اورخان" مدينة بورصة الواقعة بالقرب من بحر مرمرة. وفي هذا العام ذاته يقول سرهنك، الميرالاي اسماعيل (تاريخ الدولة العُثمانية ص 14) تُوفيَ عُثمان عن عُمر ناهز السبعين عاماً بعد أن ثَبَّتَ أسَسَ الدولة وعَبَّد لها  دربَ النمو والإزدهار.

2 - اورخان 1324-1362م
تولّى الحكم بعد وفاة عثمان الأول إبنُه اورخان، وعنه يتحدَّث (تاريخ الإمبراطورية العثمانية وتركيا الحديثة ج1 ص13-14) بأن اورخان اهتمَّ بوضع تنظيم مُحكمٍ لمملكته، حيث قسَّمها الى ولايات واتخذ من مدينة بورصة التي احتلَّها عام 1326م قاعدة لها، وشمل التنظيم الجيش مُقسِّماً إياه الى فِرَق من الفرسان، كما قام بضرب النقود باسمه. وبعد احتلاله لمدينة نيقية عام 1331م أصبح سيِّدَ المنطقة المقابلة لأوروبا، وراح هو وابنُه يقودان حملاتهم ضِدَّ الغرب الأوروبي. ويقول (نيكولي ص 7) بأن أغلب سباياهما كانوا فتياناً روميين واوروبيين مسيحيين يافعين فقدوا أهاليهم أثناء الحروب. قام اورخان بالعناية بهم وخصِّهم بامتيازات كبيرة الى جانب تلقينهم الدين الإسلامي مُنسياً إياهم كُلَّ ما يمُتُّ الى المسيحية بصلة وبعد تأكُّدِه من تعلقهم بشخصه وإظهارهم الولاءَ له والإخلاص للدين الإسلامي، ألَّفَ منهم جيشاً قوياً مدرَّباً تدريباً صارماً وغارزاً في أذهانهم بأن هؤلاء الروم والأوروبيين هم أعداء دولتهم التركية وعليهم محاربتهم بقوة وإجبارهم على اعتناق الإسلام وأطلق عليهم "جيش الإنكشارية".
ومن مساويء حفيد اورخان السلطان بايزيد الأول 1389- 1402م قيامُه بإرسال الأسرى المسيحيين الى تبريز وبغداد والقاهرة لعَرضهم في شوارعها للإستهزاء بهم. ولزيادة القطيعة بين الكنيسة الأورثوذكسية بكُلِّ فصائلها من اوروبية شرقية وبيزنطية وبين الكنيسة الرومانية الكاثوليكية، أعلن العثمانيون أنفسهم كحُماة للأورثوذكس ومنحوا كنائسهم بعض الأراضي كذر الرماد في العيون، وبذلك فاقموا العداء بين أبناء الكنيستين الكاثوليك والأرثوذكس. والى الجزء التاسع والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 7/6/2015

54
انطوان الصنا وتهريجاته
عدو الكلدان بعد يونادم كنا بامتياز
قبل أكثر من سنتين كنت قد اتخذت قرارا بعدم الرد على أشباه الكتاب المتأشورين الذين بكتاباتهم الفجة شوَّهوا الكتابة الجميلة وأفقدوها جمالها ورونقها من حيث الصياغة الزاخرة بالأخطاء النحوية والإملائية والفكرية التي يتقزز منها القاريء الحصيف وفي ذات الوقت تُحدِث تأثيراً سلبياً على المعنى والمغزى المطلوبين، ورغم كُلِّ ذلك تراهم الأوائل في الهرولة الى تسطير تهريجاتهم التافهة وانتقاداتهم السمجة وبكُلِّ صلافة ودون خجل، وفي مقدمتهم السيد انطوان الصنا المُهرِّج الأول بينهم. ولكن للضرورة أحكام.
حسب ما قيل لي بأنك مُحامي ولا أدري إن كان ذلك حقيقة أم انتحالاً، ولذلك فمن باب الإحترام سأنعتك بصفة الأستاذ، هل لك يا استاذ صنا أن تُبرِّرَ اسباب تهجمك على الكلدان بهذا القدر من السخرية والإستهانة؟ أهي ضريبة تنكُّرك لجذورك الكلدانية وانغماسك في مستنقع المعادين للكلدان؟ ألا تعتبر العمالة لهم باباً للإرتزاق؟ أم أنك تبرَّعت لترويج افتراءاتهم طوعاً وبدون مقابل؟ بعد تنكُّرك المُغزي لقومك الكلدان لماذا تصوب سهام حقدِك إليهم؟ هل لقيت أذىً منهم؟ إنك قد وقعتَ في شِراك أعدائهم وأنت حر في ذلك، ولكن لماذا تُريد جَرَّهم لتوقِعَهم في ذات الشراك؟ إذا كنت حُراً بما فعلت، تُرى، أليس هم أحراراً بعدم مجاراتك بهذا الإنحراف الخسيس؟ كيف تُفسر طُروحاتك بصدد الكلدان وهل انت صادق مع نفسك  حولها؟ لا أعتقد،  إلا إذا كانت نفسكَ من نوع الأمّارة بالسوء! كفاك التوغل في هذا المسلك المُشين، اختلي ولو لحظة الى ذاتك لتتعرَّف على المساويء التي تقترفها ضِدَّ أبناء الأمة الكلدانية العريقة ذات التاريخ النبيل والمُشرِّف! كفاك تدخلاً بشؤونهم!
ثمَّ ألم يكفيك ما بثثته من أشكال التآمر الخبيث ضِدَّ الكلدان، فحولت سهامك نحو بطريرك الكلدان! بعد خيانتك للكلدان فبأيِّ حقٍّ تنتقد بطريركهم، وبأية صفة؟ وهل ينال الفأر من الجبل؟ أليس بطريرك الكلدان هو صاحب الدعوة لإجتماع (ضمَّ السادة نواب المسيحيين في البرلمان الإتحادي والسيد وزير العلوم والتكنلوجيا وعضو المحكمة الإتحادية، وممثل المسيحيين في محافظة بغداد، ونخبة من السياسيين والمُهتمين بشؤون المسيحيين، الى جانب الأمين العام لمجلس رؤساء الطوائف المسيحية والقائم بأعمال السفارة البابوية والأساقفة الموجودين في بغداد).
1 -  المتعارف عليه هو: "الداعي هو الذي يُعِد ورقة العمل للمناقشة" وهذا ما فعله غبطة البطريرك وليس كما يدَّعي حضرتك، والدليل على ذلك عدم اعتراض أيِّ واحدٍ من المجتمعين على أية فقرة من فقرات ورقة العمل، ويعني ذلك أن ما أعدَّه البطريرك كان المطلوب تماماً للنقاش. السيد البطريرك لا يسعى الى سحب البساط من تحت أقدام أيٍّ كان ومهما كان، وليس بحاجةٍ الى ذلك، يكفيه ما يتمتع به من كاريزما أخاذة وفكر نيِّر ورؤية ثاقبة، إن انتقادك لغبطة البطريرك هو شكل من اشكال المُشاغبة التي تُتقنها، فلن تلقى إلا الأذن الطرشى من قبل المشاركين في الإجتماع، ومن قبل القرّاء الكرام لأن الكُل يعرفونك صانعاً للشغب والفوضى! لقد بعتم أنت والكثيرون من أمثلك ذواتكم للفوضويين الضائعين بثمن بخس، فارتكبتم جناية كبرى أشعرتكم بالهوان لوجودكم حين ضحيتم بتاريخكم الكلداني المجيد وضيعتم المسار الصحيح بتبنيكم تسمية  سياسية هجينة تخدعون بها الشعب المسيحي بوحدة كاذبة مبنية على الغش والخداع غريبة عن قيم التاريخ والجغرافية والواقع الإنساني، وسرعان ما تتنكرون لها علناً بتشبثكم  بآشوريتكم المزيفة، وتضعون الحمل الثقيل على مَن يُخالفكم الرأي والفكر وتعتبرونه خارجاً على  وحدة الشعب المسيحي العقيمة. إن الكرامة الإنسانية لدى الحفنة السائبة زهيدة الثمن ولكنها غالية جداً لدى الغالبية الرصينة! ولا تؤثر عليهم الإغراءات المالية، عندها لا يبقى أمامكم إلا قيامكم بشن حرب افترائية ظالمة عليهم.
2 -  إن التسمية المركبة هي تسمية خرافية ومقرفة لا تمت الى التاريخ بصلة، ولا تحلم أنَّ يقبل بها الكلدان والسريان، ولا حتى منتحلو التسمية الآشورية المزيفة، إقرأ أدبيات أحزابهم بصددها، فدع تهريجك وترويجك لك وللمتأشورين أمثالك، ولا تُحاول خدع الشعب المسيحي المُسالم المُبتلي بكم. إن هذه التسمية هي المسخ بعينه، والقابلين بها لا يدرون حقيقتها وما   ستجلبه للمسيحيين من أضرار، وسيعتبرهم العالم مسخرة وأضحوكة يتندرون بها. ويقول الأستاذ صنا مُخاطباً البطريرك مارلويس ساكو: هذه التسمية مرحلية لحين حصول اجماع قومي على التسمية القومية. إنك يا استاذ صنا تعيش في عالم الخيال وليس في عالم الواقع، لقد مَرَّت أعوام طوال تخللتها اجتماعات عديدة حول التسمية القومية وباءَت كُلها بالفشل لأنَّ الأمر مستحيل على أيِّ فريق من الفرقاء الثلاثة التنازل عن تسميته. هل لا زلت غير مُدركٍ لهذا الأمر؟ أما قولك بأن موضوع التسمية محسوم وهو من اختصاص ممثلي المسيحيين في برلمان كردستان، فإنك على خطأ جسيم، فإنَّ ايَّ واحد منهم لا يُمثل الكلدان الفريق الأكبر في المعادلة القومية، ثمَّ إن الشعب وحده يُقرر تسميته وليس الذين يُمثلونه زوراً وقسراً.
يقول الأستاذ صنا: ورد في الفقرة السابعة من جدول اعمال الاجتماع المعد من قبل غبطة مار ساكو الاتي (المهجرون (في الشمال) والهجرة) .... انتهى الاقتباس طبعا المقصود بالشمال في هذه العبارة هو اقليم كوردستان السؤال الذي يطرح نفسه الا تعرف يا غبطة مار ساكو ان اقليم كوردستان اقليما اتحاديا بموجب دستور العراق الفيدرالي والذي صوت له عام 2005 اكثر من 85% من ابناء الشعب العراقي بكل اطيافه حيث ان تثبيت مثل هذه العبارة في الخبر كان خطأ كبيرا وله اكثر من مدلول وتفسير لسنا بصددها الان وسبب هذا الخطأ هو انفراد مار ساكو لوحده في اعداد جدول اعمال الاجتماع لانه بشر مثلنا وليس معصوما من الخطأ وهذا ما اكدناه في الفقرة 1 اعلاه من موضوع بحث مقالنا هذا.
 
3 -  في هذه الفقرة  يتعمَّد الأستاذ صنا بخلق فتنةٍ بين غبطة البطريرك الكلداني مار لويس ساكو وبين حكومة اقليم كردستان لمجرَّد أن غبطة البطريرك اورد في الفقرة السابعة من جدول ورقة العمل (المهجرون في الشمال والهجرة) وأنا أسأل الصنا: أين يقع اقليم كردستان أليس في شمال العراق؟ أليس موقع اقليم كردستان في الجزء الشمالي من العراق؟فأين الخطأ إذا قال البطريرك ( الشمال أو كردستان) وكلتا العبارتين لهما مدلول واحد هو شمال العراق وبخاصةٍ أن الإقليم لا زال جزءاً من العراق ويتمتع بحكم ذاتي وليس دولة مستقلة، ولكن الخبث المتراكم في قلبك ضِدَّ الكلدان وضِدَّ رئيس كنيستهم البطريرك العالِم المقدام مار لويس ساكو، هو الذي دفعك لإثارة هذه الفتنة خدمة لأسيادك، ولكن هيهات، إنَّك عميل على المكشوف، ولعلَّك لا تدري ماذا يكون مصير العملاء إنهم يحيون ويموتون أذلاء.
4 – في هذه الفقرة يناقض الصنا ذاته حيث يقول: بأن الإجتماع الذي دعا إليه البطريرك الكلداني مار ساكو كان متأخراً ومن جهةٍ اخرى يقول:
يا غبطة مار ساكو الم يكن من المفروض التريث في عقد الاجتماع اعلاه في بغداد لحين انتخاب بطريركا جديدا(بطريرك جديد) لكنيسة المشرق الاشورية من قبل سينودسها الذي انطلقت اعماله في دهوك اليوم بحضور 14 مطرانا حتى يشارككم الرأي والمشورة والموقف وكذلك عودة بطريرك الكنيسة الشرقية القديمة غبطة مار ادي الثاني من سفرته الخارجية ثم يا غبطة مار ساكو هل نسيت شعارك (الوحدة - الاصالة - التجديد) واهمها الوحدة هل بهذا التفرد ستحقق الوحدة الكنسية ام انها مجرد شعارات فضاضة(فضفاضة) وكما يقول المثل شىء بالشىء يذكر حيث عندما كان غبطة مار ساكو  مطرانا في كركوك رفض دفن شخص من السريان الكاثوليك في مقبرة الكلدان بحجة انه ليس كلدانيا !! لكن كنيسة المشرق الاشورية في كركوك وافقت على دفنه في مقبرتهم اليس هذا موقف(موقفاً) غير مقبول وبعيدا(عن) مبادىء الكنسية النبيلة وعن مفهوم الوحدة الكنسية يا غبطة مار ساكو وهذا يذكرنا بموقف البطريركية الكلدانية في بغداد عام 1920 عندما رفضت دفن جثمان قداسة مثلث الرحمات مار بولس شمعون بطريرك كنيسة المشرق الاشورية في مقبرها (مقبرتها) حيث دفن في ساحة كنيسة الارمن في بغداد.

لماذا يتريَّث البطريرك الكلداني وهو الرئيس الأعلى لكنيسة العراق لحين انتخاب بطريرك نسطوري جديد وعودة بطريرك الكنيسة المنفصلة عنها المسماة الكنيسة الشرقية القديمة وفي الحقيقة هي الجزء الإنفصالي من الكنيسة النسطورية ذاتها. البطريرك الكلداني الكاثوليكي أدّى دوره بشأن الوحدة الكنسية بامتياز وبكُل محبة وتواضع، بعرضه السخي الذي قدمه لنظيره البطريرك النسطوري المرحوم مار دنخا الرابع قبل وفاته، وبالإضافة الى ذلك زاره في مقرِّه في شيكاغو، وللأسف كان الجواب النسطوري سلبياً للغاية ومشروطاً تعجيزياً، فإذا كنت جاهلاً بهذه الأمور لماذا تلقي الكلام جزافاً؟ أما عن قولك: الشيء بالشيء يُذكر: لقد قلتَ ذلك عن جهل وتعمُّد! إنَّ مقبرة الكلدان هي للكلدان وحدهم لأنهم كاثوليك ولا يُدفن فيها أيُّ شخص غير كلداني، أما النساطرة والأرثوذكس فيختلفون بقوانينهم الكنسية عن الكاثوليك ويتعمَّدون عمل أيِّ شيء لتشويه سمعة الكاثوليك، ولكن هيهات! هل فهمت السبب الآنَ يا استاذ صنا؟ تقبل تحياتي
الشماس د. كوركيس مردو
في 5/6/2015

55

اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الرابعة
 فرارالمسيحيين الى سنجار بسبب مضايقات الشركس
مَن هم الشركس؟ <إنَّهم أحد الأقوام القوقازية يسكنون مناطق من روسيا ويدينون بالإسلام، طردتهم الدولة الروسية لقيامهم بإثارة الإضطرابات والنعرات الدينية، فالتجأوا الى الدولة العثمانية الإسلامية المتزمتة، فأسكنتهم في المناطق المُفرغة من المسيحيين ومنها قرية صفح القريبة من رأس العين. وسخرتهم للإنتقام من المسيحيين اهل البلاد الأصليين، مُعطية لهم المجال لإرتكاب افظع الجرائم بحقهم، والكثيرون منهم لم يستقروا في تركيا، فارتحلوا الى مناطق في الشام والأردن>.
في صفحات كتابه (66 – 70) يروي المطران الكلداني مار اسرائيل اودو: بأنَّ جماعة شركسية مطرودة من روسيا لإثارتها القلاقل والإضطرابات التجأت الى الدولة العثمانية وسكنت قرية "صفح" القريبة من بلدة رأس العين، وعلى غِرار الإضطهاد الذي مارسه الأكراد ضِدَّ المسيحيين، مارسه الشركس أيضاً حيث قاموا بطردهم وإلحاق أفدح الأضرار بهم بتحريض من مُحتضنيهم الأتراك. ولكنَّ وضعهم العِدائي تجاه المسيحيين تحوَّل الى إخاء وتعاون متبادل، ومردُّ ذلك ليس حباً بالمسيحيين، وإنما سعياً للثراء من وراء تهريبهم للعوائل والأفراد المسيحيين المُختبئين خوفاً من الإضطهاد والقتل المُعلنان عليهم من حكام تركيا الجُدُد الطغاة. فهؤلاء الشركس انتحلوا صفة التجار، وبهذه الصفة استطاعوا تهريب أفراد العوائل المسيحية خفية الى سنجار لقاء أجر يتراوح بين عشرة وعشرين ليرة ذهبية لكُلِّ فرد. وكان الإتفاق يتناسب مع إمكانية العائلة بحسب عدد أفرادها، وبهذه الوسيلة أنقذ الرجال الشركس المسيحيين من مخاطرالخوف والفزع والرعب التي كانت تُحيط بهم، واعتبر المسيحيون عملهم إنسانياً جليلاً. بلغ عددُ الذين تمَّ تهريبُهم الى جبل سنجار الواقع بين الموصل ونصيبين ما يربو على المِئتي فرد. وجبل سنجار يسكنه اليزيديون ويبلغ عدد قراهم فيه اكثر من 45 قرية. وضع الهاربون أمرَ حمايتهم بعهدة الشيخ "حمو شرو" أحد شيوخ اليزيدية، فأعطاهم عهداً بذلك وبقي أميناً لعهده حتى وفاته. ومن حيث تقديم الخدمة الروحية لهم، فقد كان يؤديها القس يوسف تفنكجي، الذي استطاع اللحاق بهم  بعد فترة من وصولهم هناك. ولكن هؤلاء الهاربين من جحيم الظالمين، المَّ بهم في خريف سنة وصولهم 1915م الى جبل سنجار مرض قاتل عُرف بمرض "الرعشة" فقضى على ما يُقارب العشرين منهم.
في صيف عام 1916م تضاعف إجلاء المسيحيين من قيليقيا، حيث بلغ عددُ المُرحَّلين الى منطقة دير الزور والشدادي للسكن فيها ما يُناهز السبعين الف فرد منفي، وبادر العرب الى إنقاذ حياة عددٍ كبير من النساء اللواتي كُنَّ قد تخلَّفنَ عن زميلاتهنَّ المنفيات الأخريات نتيجة ما أصابهنَّ من تعب وإرهاق، فجأوا بهنَّ الى جبل سنجار، وسلَّموهنَّ للمنفيين المُقيمين هناك وكان عددُهنَّ أكثر من ثلاثمِئة منفية وهنَّ ذابلات السحنات، هزيلات الأبدان، منهوكات القِوى، فقامت المجموعة النسائية الأولى من زميلاتهن بالإهتمام بهنَّ، مُوفِّرنَ لهنَّ الطعام والكثير مِمّا يحتجن إليه للحفاظ على حياتهنَّ بعد مُعاناتهنَّ تلك المصائب الصعبة.
ومن الجدير أن نُدوِّن إحدى أهم المصائب التي كادت تؤدي الى القضاء على هؤلاء المسيحيين وهم في منفاهم بجبل سنجار وفي حماية الشيخ اليزيدي الشهم "حموشرو" فنوجزها بما يلي: لقد أرسلت الزمرة الجديدة والمتزمتة الحاكمة في تركيا قوة قوامها ثلاثة أفواج عسكرية اتخذت مواقعها في سفح جبل سنجار، وبادر قائدها الى إرسال رسالة تهديدية الى الشيخ "حمو شرو" قائلاً له: <أرسل لي جميع المسيحيين المُحتمين بك وكُلَّ ما بحوزتهم من الأسلحة، وإن لم تنفِّذ الأمر، سأقوم باقتحام موطنك وأجعله خراباً وأحرق قراك كُلَّها> فردَّ الشيخ شرو على القئد قائلاً: < عهداً قطعتُ للمسيحيين المضطهدين الذين قصدوا اللجوء الى جبلنا بأن أحافظ عليهم جميعاً، فلن انكث بعهدي هذا، وأُقسِمُ باسكيمي هذا بأنني لن أسلِّم حتى واحداً منهم> ( لدى اليزيديين جماعة شبيهة بالرهبان عند المسيحيين، تُطلق على نفسها "الفقراء" يرتدون اسكيماً ذا زيق دائري مطعماً بالسواد أو مائلاً الى السواد، يصل طولُه حتى الركبتين، ويكون موشحاً من الأعلى بقطعة قماش يُسمّونها "العتيقة" وبهذا الإسكيم يحلفون أغلظ الإيمان، ولا ينزعونه حتى يبلى تماماً، ولدى موت صاحبه يجُعَلُ كفناً له، حيث يُكفن به ويُدفن). وكان الشيخ "حمو شرو" من أتباع تلك الجماعة.
إنَّ ما اتصف به هذا الشيخ من عزة النفس وسموِّ الأخلاق وما أبداه من المحبة تجاه المسيحيين المُضطهدين في تلك الفترة العصيبة من الزمن الرديء، ليقف اللسان والقلم عاجزَين عن وصفها. فقد وضع نفسه في خطر، وتحمَّل جُرماً فرض عليه من أجل الحفاظ على حياة اولئك اللاجئين العُزَّل. لقد حاول هذا الرجل الصالح مُجابهة اقسى العتاة في العالَم المُسلمين الذين يدَّعون عبادة الله "الأوحد" ويقومون بمنتهى الوحشية الخالية من أدنى القيم الإنسانية بالقضاء على مواطنيهم المُسالمين المسيحيين (ابناء البلد الأصليين) بمُختلف فئاتهم وأجناسهم، رجالاً ونساءً وشباباً وأطفالاً وحتى الرضع منهم، وبكُلِّ صلافةٍ ووقاحة يُحاولون تبرئة أنفسهم من افعالهم الشنيعة التي اتسمت بالسفالة! أليس ادِّعاؤهم عبادة الله نفاقاً في الوقت الذي يقومون بارتكاب افظع الجرائم من قتل وسلب ونهب دون أدنى رحمة وشفقة؟
لقد أقرن الشيخ "حمو شرو" قسمَه اليمين بالفعل، حيث حمل السلاح هو وأبناء عشيرته، وبالرغم من قلة عددهم قياساً الى القوات التركية المُعتدية، فقد عقدوا العزم على مُجابهة الظالمين، ونزلوا لقتال الأتراك وفي سن الفيل نصبوا لهم كميناً، حيث كانت القوات التركية مُزمعة أن تمر. ولما رأى الشيخ بأن القوات التركية المُهاجمة أقوى تسليحاً وأكثرعدداً بما لا يُقارن مع عدد جماعته، وأنَّ مقاومتهم لها لن تصمد طويلاً، رغم إنزالهم خسائر كبيرة بها، قرَّر الإنسحاب هو وجماعته والعودة الى قريتهم. ثمَّ اجتمع بالمسيحيين الذين تحت حمايته وقال لهم: أحبائي، اسرعوا بالخروج، فإنَّ قوات الشر قادمة، ولن يكون بإمكاني توفير الحماية لكم كما وعدتكم، بسبب عدم قدرتنا على هزيمة الأتراك. فنزل كلامُه كالصاعقة على مسامعهم، ووقع الرعب والفزع في قلوبهم، فبادروا الى الفرار تاركين كُلَّ شيء  متوجهين الى الناحية الشمالية من الجبل. وكانت القوات العثمانية تواصل تقدمها وقد سيطرت على نيربا دون أن تلقى مقاومة جادة، ثمَّ صعدت الى الجبل واستولت على قرية الشيخ "حمو شرو" فسلبوها ثمَّ أحرقوها. ونزلت قوات الشر التركية الى سفح الجبل ثانية متفادية انتقام اليزيديين. أما المسيحيون فقد تبدَّدوا وتبعثر شملُهم بين العرب، فمنهم مَن اخذهم بعض الأعراب الى بغداد لقاء أجر قدره ثلاث ليرات ذهبٍ للشخص الواحد، وآخرون عادوا الى نصيبين. وبعد أن وضعت الحرب العالمية الأولى أوزارها، عاد السواد الأعظم منهم الى دورهم في ماردين وذلك في نهايات خريف عام 1918م.
يقول المؤلف مار اسرائيل اودو، بأنَّ روايته لهذا الحدث دوَّنها عن لسان العائدين الى ماردين الذين اضطروا للهروب الى جبل سنجار من جرّاء معاناتهم المُرة التي أذاقهم إياها الأتراك غزاة بلدهم ومغتصبوه العتاة الظالمون، وأذكر البعض منهم على سبيل المثال فقط: الياس شوحا، هرمزد تمرز، جرجيس حنكو، حبيب مالويان، فرجو كسبو والقس يوسف تفنكجي وعدد كبير غيرهم، أقوالهم صادقة لأنهم شهود عيان، ولم ينطقوا إلا بالحقيقة.
مجموعات نسائية من ارضروم ومدنها وضواحيها
يروي المطران ماراسرائيل اودو في كتابه (اضطهاد المسيحيين... ص 71 – 76) بأن قافلة كبيرة جداً من النساء يُناهز عددُهنَّ العشرة آلاف إمرأة عدا الفتيان والصبايا والأطفال والرضع والشيوخ والعجزة، وصلت الى ماردين يوم الأحد الرابع من تموز 1915م. أنزل هؤلاء المسيحيون المضطهَدون في موضع يقع الى الغرب من ماردين يُدعى "نبع عمر أغا".  في بداية ترحيل هذه المجموعة عن موطنها، كان عددُ أفرادها يتجاوز الخمسين ألفاً كما قيل لنا. إلا أنَّ عدد هم أخذ بالإنحسار أثناء رحيلهم حتى بلوغهم مشارف ماردين. وسببُ هذا الإنحسار كان الخطف الذي تعرَّضَ له عددٌ كبير جداً من النساء الشابات والصبايا الحسناوات، وما لاقاه الكبار والصغار من الشقاء والتعب المُضني حيث أودى بحياة الكثير منهم للموت، وما إن عَلِم الماردينيون المُسلمون بوصول هذه المجموعة حتى خرجوا بمختلف فئاتهم ومشاربهم، اغنياؤهم وفقراؤهم، رجالهم ونساؤهم وحتى مسؤولي ماردين الحكوميين، لم يكن خروجُهم للسخرية والشماتة والتلذذ بمشاهدة منظر تلك البائسات المرذولات المُقبلات على الموت المحتوم والمُهين فحسب، بل للخطف والسلب والإستحواذ على كُلِّ ما يروق لهم من كسوة وملابس ونقود ومجوهرات إن وجدت ولم تُنهب من قبل مُضطهديهم لدى إلقائهم القبض عليهم. فهجموا كالذئاب المسعورة على خراف الحظيرة، متوغلين بين صفوف ذلك الحشد من المُرَحَّلات، وكُل يختار ما يحلو له دون رادع أو خوف، فمنهم مَن خطف صبايا وبنات جميلات، وآخرون استحوذوا على  نساء ماجدات ينتمَينَ لأُسر وعائلات كريمة ذات نسبٍ ومشهورة، ولكن الخطف جرى بنوع خاص للشابات الحسناوات الوقورات. فكان ذلك غزواً اسلامياً  لم يُكبِّد الغزاة جهداً أو عناءً، حيث عادوا بغنائمهم فرحين الى دورهم، وكأنهم قد امتلكوا كنوز الدنيا.
وفي الآخر شرع العسكر بفرز تلك المجموعة المنكودة المُعَدَّة للذبح الى مجموعات أصغر وبمُعدَّل الف فردٍ لكُلٍّ منها، ثمَّ يسوقون مجموعة بعد اخرى نحو الكهوف والمغاور القريبة والبعض منهنَّ الى الأجباب والشعاب، فيذبحونهنَّ ويرمون بجثثهنَّ فيها. لم يكن للتذمُّر إليهنَّ سبيل، ولا للضجر والمَلَل دليل، بل إنَّ ألسنتهنَّ باسم المسيح كانت تنطق ولا تمَلُّ، وهذا ما اعترف به العديد من من السفاحين الذين بهنَّ الذبحَ انزلوا. لقد احمَرَّ تراب الجهة الغربية من ماردين لإرتوائه بالدم الطاهر المسفوك من رقاب الأطفال والشيوخ والرجال والنساء العفيفات، واكتظت الكهوف والمغاور والأجباب والشعاب بأكداسٍ من الجثث العارية المُعرَّضة للشمس، لصبايا عذارى ونسوة مؤمنة ومُحبة للمسيح الفادي اللواتي تقبَّلن الموت بسرور وفرح، وهنَّ يُقبلن على فصل رؤوسهن عن اجسادهن بسيوف جلاديهن. أما مَن تبقى من أفراد ذلك الحشد، فقد اقتادهم العسكر الى دير مارافرام للسريان الكاثوليك، وتمَّ حشرُهم في باحات الدير، وكانوا في حالة سيئة قد أخذ منهم الجوع والعطش مأخذه، فانبرى مسيحيو ماردين الى مؤاساتهم مقدمين لهم الطعام والشراب، ومخففين عنهم بعضاً من آلامهم ومعاناتهم ولو لحين.
ولم يبقوا في الدير إلا يومين حيث أخرجوهم في منتصف نهار كانت حرارة الشمس فيه على أشدِّها، واقتادوهم الى قرية غارس أو"غوس" التي تقع الى الغرب من ماردين بمسافة ثلاث ساعات سيراً على الأقدام، وفي تلك المنطقة قضوا عليهم جميعا، ورموا جثثهم في المغاور والشعاب والأخاديد. وحيث إن الكثيرات من النسوة اللواتي كان المادينيون قد خطفوهنَّ واخذوهنَّ الى دورهم، جاءَنا البعضُ منهنَّ وروينَ لنا كيف تمَّ تهجيرهنَّ من مناطق أرضروم وترحيلهنَّ وكيف ظهر القنصل الألماني بين صفوف القتلة العثمانيين، وكما دونّا المرحلة فيما سبق،(ولم يُخفِ الأب يعقوب ريتوري في كتابه (مسيحيون بين أنياب الوحوش) اتهامه للألمان مراراً عِدة، بأنَّ دورهم في دفع العثمانيين الأتراك الى اقتراف جرائم الإبادة الجماعية ضِدَّ الأرمن والمسيحيين الكلدان بشطريهم الكاثوليك والنساطرة والسريان الآراميين بشقيهم الكاثوليك والمونوفيزيين كان قذراً جداً) وممّا فات علينا تدوينه، أعلمتنا به النسوة المسبيات من قبل الماردينيين حيث قلنا لنا: وعندما وصلنا الى تخوم ولاية آمد"دياربكر" وجدنا ذواتنا وكأننا أدخِلنا في كور الإختبار، حيث تمَّ سلبُ مقتنياتنا وخطف أطفالنا واغتصاب العديد منا وقتلهنَّ، ولما حطَّت قافلتُنا في بطاح إحدى القرى التابعة لتلك الولاية، هجمت علينا امرأة شرسة جداً واخترقت صفوفنا، وكلبوءة جائعة افترست سبعَ نساء منا خنقاً، وخرجت وهي مُتبجحة بعملها الوحشي وفرحة بالفرصة التي سنحت لها لفعل ذلك!
المجموعات النسوية الأربع
ويسترسل المطران اودو بالحديث في (الصفحة 74 – 76) من كتابه المؤمأ إليه بأنَّ مجاميع نسوية من آمد "دياربكر" أخذت تتدفق الى ماردين في الخامس عشر من تموز 1915م وقد حُشرنَ في عرباتٍ مع أبنائهنَّ، وما إن وصلنَ قرب المدينة، حتى هبَّ مُسلمو مدينة ماردين وأحاطوا بهنَّ ناوين سلبهنَّ وخطفهنَّ كما اعتادوا، الى جانب قيام البعض منهم بأعمال مشينة تدفعهم إليها أهواؤهم الشريرة. ولم يلبث مقتادو المجموعة القتلة أن أدخلوها الى الكنيسة بُرهة من الزمن، ليس لنيل قسطٍ من الراحة بسبب ما عانته أثناء الطريق، وإنما انتظاراً لوصول المزيد من القتلة والسفاكين للإنضمام إليهم في تنفيذ مهمة إراقة فيضٍ آخر من دماء تلك النساء العفيفات والصبايا والبنات العذارى الطاهرات. فقاموا بفرز ذلك الحشد النسائي الكبير الى مجموعات حيث اقتيد بعضهنَّ الى دارا، والبعض الآخر الى ويرانشهر، والباقي منهنَّ سيق الى رأس العين، وتمَّ ذبحهنَّ جميعاً ولم تنجُ حتى واحدة منهنَّ!
المجموعة الأولى
كان للقس سليمان كوجك اوسطا أحد كهنتنا الكلدان الآمدي الأصل شقيقٌ واحدٌ ووالدة عجوز، وإذ كان محجوزاً ضمن هذه المجموعة، استطاع بطريقةٍ ما الخروج من الكنيسة والقدوم إلينا. وبناءً الى طلبه قدَّمنا للمتصرف استرحاماً بشأن إطلاق سراحه وسراح عائلته، متشفعين بالأمر الصادر من الجهات العليا القاضي بعدم التعرُض لأيٍّ من أبناء الطوائف المسيحية غير الأرمنية، إلا أنَّ المتصرِّف رفض الطلب مُدَّعياً بوجوب تقديم الطلب الى الدكتور رشيد الذي أرسلهم الى ماردين. وفي ذات الليلة سيقوا الى دارا وذبِحوا ضمن المجموعة، أما ولدا شقيق القس سليمان فقد كانا قد اختطفا من قبل بعض أهالي ماردين المُسلمين واستُعبِدا، وبعد حين من الزمن أُعتِقا، وأُرسلا الى آمد عند عمِّهما القس سليمان. (لقد أنيطت بالقس سليمان مُهمة الوكالة البطريركية في بغداد والقاهرة، ثم رقي الى الدرجة الأسقفية في الموصل من قبل البطريرك مار عمانوئيل الثاني توما في الثامن من ايلول عام 1939م، وعيَّنه وكيلاً بطريركياً على الأبرشية البطريركية، ولكن العمر لم يمتد به بعد رسامته اسقفاً إلا أقل من ثلاثة أشهر، حيث توفي في الرابع من كانون الأول لنفس العام، ودُفن في كنيسة مِسكنته بالموصل).
المجموعة الثانية
يقول المؤلف مار اسرائيل اودو: وبعد سبعة ايام من القضاء على المجموعة الأولى، وصلت الى ماردين المجموعة الثانية المؤلفة من مختلف الطوائف المسيحية، وفي صباح اليوم التالي وإذا بواحدٍ من أفراد العسكر يُفاجيئني بالدخول الى غرفتي وهو مدجج بالسلاح، وبلهجة الآمر قال لي: إنَّ امرأتين من المجموعة التي وصلت مساء أمس، قد أنجبتا في الليل، وبحسب أوامر سيدي، أتيت بهما وبولديهما الى ههنا لتمكثا عندك حتى يوم الأربعين، وحينذاك سآتي وآخذهما. فقلت له: أيها السيد، لا يوجد لدينا مكان لإيواء نساء ههنا. فردَّ وبذات اللهجة الآمرة، هنا وفي هذه الغرفة التي أنت فيها، تُسكنهما معك. ولما ردَّ عليَّ بهذا الكلام الفض، قلتُ له: أين هما؟ قال: إنهما موجودتان في الباحة، وغادر تاركاً اربعة أفرادٍ من عسكره لحراستهما. فأوعزت أن تُخصَّصَ لكُلٍّ من المرأتين غرفة لوحدها. وبعد مرور أربعين يوماً حضر رئيس العسكر وبصحبته طبيب عسكري وسألا عن المرأتين، فقلت لهما إنَّهما كلدانيتان، فقال لي: أثبِت ذلك بسندٍ يؤيِّد ذلك واختمه لدعم إدِّعائك، وإلا سآخذهما هما ورضيعيهما، وما إن أنهيت كتابة السند حتى طلبت من الخوري عيسى أن يختمه، ثمَّ سلَّمته لرئيس العسكر، وبعد استلامه للسند قال لي: سنتحقق من صحة إدِّعائك، وإذا ظهر خلاف ذلك، سنأتي ونأخذكم جميعاً ولن يكون مصيركم سوى الذبح!
 فقلت حققوا ما استطعتم، إنهما كلدانيتان، إحداهما زوجة سعدو جولاغ التي قتلتموه وتُدعى حَبّو. ولما اقتادها عسكركم هي وابنها الطفل البالغ من العمر أربعة أعوام، داهمه المرض وهو في الطريق نتيجة الإرهاق والخوف والتعب، فأُدخِل الى مستشفى البروتستانت في ماردين، فلاقى حتفه. وكان إبنُها الكبير المدعو عبد المسيح قد جُنِّد كبقية زملائه وتعرَّضَ للقتل في الحرب. وبخصوص المرأة الثانية فكانت زوجة جبرائيل فيلو الكلداني ومن أصل أرمني ومعها أولادها الأربعة. وهكذا تمَّ إنقاذهما ورضيعيهما، وأُعيدَتا الى داريهما. وذِكراً للحقيقة نقول: بأن رئيس افراد الحراسة المُكلَّف بالحفاظ على سلامة الإمرأتين، تبيَّن لنا بكونه رجلاً فاضلاً وتقياً، وأحد أبناء مدينة سيواس، بعكس أبناء ماردين من الإسلام الذين لم يكتفوا بغدر أبناء مدينتهم وأصدقائهم المسيحيين فحسب، بل ساهموا بشكل كبير في اضطهادهم وإراقة دمائهم الزكية دون رحمة وشفقة، يدفعهم جشعهم للإستيلاء على أملاكهم وعقاراتهم!
الشماس د. كوركيس مردو
في 5/6/2015

56

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع والعشرون

البطريرك واولجايتو
إلتقـى البطريرك يَهبَلاها بالملك اولجايتو مرتَين، أبدى له فيهما إكراما واحتراماً ظاهريَين، أما فعـلياً فكان يميل الى مساعدة المُسلمين، وأرادوا يوماً ان يستولوا على الدير والكنيسة وأوقافهما في مدينة تبريز، ولولا تدخل الأمير" ايرنجين" خال الملك للحؤول دون ذلك، بمنعـِه للملك مِن السماح لهم بهذا التجاوز الإعتدائي الصارخ لكان الأمرُ قد انقضى. ومع ذلك كان لزاماً على البطريرك أن يـُسايرَ اولجايتو، فقصد مدينة"أشنو" في اذربيجان عام 1305 وأمضى الشتاء هناك، ورجع الى ديره ومِنه ذهب الى المُعسكر في "موغان " ورافـق الملك الى تبريز، ثمَّ عاد الى الدير. وأراد البطريرك أن يُمضيَ شتاء عام 1306م في قلعة أربيل، فقصدها وقام ببناء مركز كبير فيها، ولكي يقضي الصيف في الدير غادر القلعة في شهرأيار. وشرع الملك بإعادة فرض الجـزية على المسيحييـن، ولم يَنجح البطريرك رغم محاولاتِه لثـنيِه عَـن قراره، ويظهر أنه كان بحاجةٍ الى المال لبناء مدينة السلطانية على حدود بحر قـزوين التي كان أخوه غازان يطمح الى بنائها.
يبدو ان البطريرك طاب له قضاء فصول الشتاء في قلعة أربيل، فراح يتردَّد إليها عاماً بعد عام، وعلم البطريرك بأن الملك لا زال في موغان وكان الوقت شهرأيار ، فذهب لزيارتِه، وكالمعتاد أبدى له الملكُ الإحترام . وفي أحد الأيام خرج الملك اولجايتو الى الصيد وأتى الى دير مراغا ، فاستقبله رئيسُ الدير والرهبان بحفاوةٍ بالغة، ولدى تجواله في الدير، دخل الى غرفة الرئيس وسأله عن المعتقـدات المسيحية، فكان الرئيسُ لـبِقاً في الجواب وأحسَنَ الملكُ جَوابَه وفرح به كثيراً، ودخلَ الى قـلاية البطريرك ولم يكن البطريرك متواجداً آنذاك، وسُرَّ بالرهبان وأغـدق عليهم بـعطايا سخية. وانتهز هذه المناسبة رئيسُ الدير وكلَمَه بشأن الجزية، فوعده الملك بإلغائها. وما إن سمع البطريرك في اليوم التالي حتى أسرع الى الدير ولكن الملكَ كان قـد غادر، فأبدى أسفـه لغيابه. ولكنه دون أن يدع الوقت يفوته أسرع يرافقه الأساقفة ورئيسُ الدير للحاق بالملك فالتقوه عند نَهر"جغاتو" وقابلوه في ذلك الموضع. سُرَّ الملكُ بهذا اللقاء وأكرم البطريرك وزوَّده بتوصيات وأوامر لـَه وللمسيحيين. ولم ينسى الملك أن يدعو البطريرك للمجيء الى تبريز ، فأكرمَه وأعفـى المسيحيين مِن الجزية، ونصحَه أن يُمضي الشتاءَ في الدير، أما هو فقد ذهب الى موغان ليُمضيَ الشتاء. وأمضى البطريرك شتاء وصيـف عام1309 م في الدير . وفيما كان مار يَهبَلاها في طريقه الى قلعة أربيل في تشرين الثاني 1309م داهـمَه مرض مفاجيء كادَ يقضي عليه، إلا أن رحمة الرب أنقذته، ودخل القلعة سالماً.
محنة البطريرك الكُبرى
في عهد كلِّ ملكٍ مِن الملوك الإيلخانيـن وبخاصةٍ الذين يقعون مِنهم في شرك الإسلام، يظهر مُـسلـمٌ مُتنفذ حاقد على المسيحييـن، يقوم بأعمال لا يقبل بها الإسلام الصحيح! فهو سطحيّ الفهم بحقيقة الإسلام الذي يجنح للسماح والسلم أكثر من العدوان والعنف. ففي بدايات عهد الملك المغولي غازان ظهر الأميرُ المَنغـولي"نوروز" الشيعي المُتزمِّت أذاق المسيحيين الأَمَرَين، وفي عهـد أخيه الملك اولجايتو ظهر مُسلمان وقد ملأَ قيحُ الحقد والكُره صَدرَيهما على المسيحيين هما "ناصر الدين و طوغائين " اللذان عَمِلا على إعـادة الأحقاد والضغائن بين المُسلمين والمسيحيين في أربيل بهدف قيام المسلمين بإبادة المسيحيين والإستيلاء على أموالهم ومُمتلكاتهم، وكان ناصرُالدين المُحَـرِّضَ الأكبر بإذكائه نارَ الحِقد والكراهية والإنتقام في قلوب المسلمين داعياً إياهم للإستعـداد للقتال وجالباً الأسلحة الى البرج الساكن فـيه والواقع عند مدخل القلعـة، ومِن ناحيةٍ اخرى لم يكن ناصرُالدين ليهدأ له بالٌ بمناسبةٍ وبدون مناسبة إذا لم يقُم بإيغار صدر الملك سوءاً على سكان القلعة المسيحيين مُتهِـماً إياهم بالعصيان عليه وجعل الملك أن ينظر إليهم كعُـصاة. كُلُّ هذا كان يجري بغفلةٍ عن عِلم المسيحيين ولذلك لم يتداركوا فضحَ الفِتنة قبل تفاقـُمِها بالذهاب الى المعسكـر وشرح موقفهم المُسالم للملك، فكان صدورُ قـرار الملك باحتلال القلعة مُفاجئاً للبطـريرك الذي كان ذاته موجوداً في القلعة ولم يُصدِّق وقوع مثل هذا الأمر حتى احتمالاً.
لقد سبق السيفُ العذلَ، حيث صعـد الى القلعة بعضُ الأمراء يوم الأربعاء التاسع مِن آذار لعام 1310م، وطلبوا مِن البطريرك النزولَ معهم فأخذوه الى دير مارميخائيـل ترعيل، وتحَدَّثَ إلى البطريرك الأمير"سوتي" الذي كان يكُنُّ حُباً كبيراً له قائلاً: بأن الأمر يقضي بوجوب نـزول الجـبَليين المسيحيين القياجيين مِن القلعة وبقاء الآخرين فيها. وبعد التداول في الأمر، تقـَرَّر أن يـَدعـوهم البطريرك للنزول ، فأرسل البطريرك عبديشوع اسقفَ حنيثا وأرسل الأميرُ سوتي الأميرَ ساطي بك ، لكي يتفاوضا مع القياجيين للنزول فلم يُذعنوا، فأرسل  البطريرك ثانية ًوفداً مؤلفاً مِن مطرانَين ورئيس دير مار ميخائيل ترعيل وبعض الرهبان، وتفاوضوا معهم إلا أنَّ النتيجة كانت الرفض أيضاً، فدارت معركة بين المجرم ناصرالدين وأنصاره المتمركزين عند البرج وبين القياجيين المسيحيين، أسفـرت عن قتل عددٍ مِن الطرفين. عندها أسرع الأميرُ سوتي وأمر جيشه بالإحاطة بالقلعة، وتمَّ الحجز على البطريرك والذين معه. وغدَت أربيل ساحة قتال ، وطال السيفُ كُلَّ مسيحي وُجدَ بالمدينة، وتـَعَـرَّضَت الكنائسُ الأربع للتدمير، وهَمَّ المسلمون باقتحام القلعة ، فأرسل البطريرك رسالة ً على عجل الى ميطرابوليطـ  أربيل الملتجيء في قرية بيث صيادي طالباً مِنه الإسراع في إبلاغ المعسكر بخطورة الوضع، وقطع المسافة في أربعة أيام وأعلمَ المعسكر بكُلِّ ما يَجري فأرسِلـَت رسالة تنديد شديدة الى الأمير سوتي، جعلته ينقلب على البطريرك فأساء معاملته، ولم يَمنع المسلمين مِن سلبِ كُلِّ ما لديه وقتل ِ مَن معه. وفي هذه الأثناء أصدر الملكُ أمراً بوجوب عقد الصلح بين المتخاصمين ، فاستُقدِمَ البطريرك وطـُلِبَ مِنه وبلهجةٍ قاسية أن يأمرَ سكان القلعة بالنزول . كانت نوايا المسلمين غير سليمة حيث هجموا على النازلين مِن القلعة وقتلوهم جميعاً، وأصعدوا البطريرك الى القلعة بطريقةٍ احتيالية، فنهبوا كُلَّ ما وجدوه في القلاية البطريركية. ولإضطرار سوتي على مغادرة الموضع، لم يبقَ فيه غير الأكراد واهالي المدينة.

وفي اليـوم التالي تجَدَّد القتال وضُربَ الحصار حَول القلعة ، والبطريرك وثلاثة أساقفة وعدد مِن الرجال في داخلها يعانون مِن ضرورات العيش والبقاء، الجوع والعطش وقضاء الحاجة. والمسلمون لا يفتأون مُواصلة أيغار صـدر الملك على البطريرك مُتهٍمينه بالوقوف الى مَن سمّوهم بالمتمردين ظلماً وافـتراءً وما زالوا به حتى أصـدر أمراً بتشديد الحصار على القلعة وشَنِّ الحرب عليها، ومِن بيث صيادي كان يوسفُ ميطرابوليطـ أربيل يُراقب هذا المشهد المأساوي، ولم يبـقَ لديه في قـوس صبـره مَنزعً، فأسرع بالذهاب الى المعسكر ثانية ً مصطحـباً معه تلميـذين مِن تلامـذة البطريركية، فـتركوا بيث صيادي في السادس مِن أيار لعام 1310م وراحوا يـَقـطعـون الجبال والوديان بسير ٍحَثيث، فوصلوا همدان بعشرة أيام ولكنَّ الملك كان قد غادرها الى السلطانية، فتابعـوا المسير إليها، وما إن تحَقـَّق الميطرابوليطـ مِن أن الأمر قـد صَـدَرَ بالإبادة، حتى بذل أقصى مساعيه لـدى الأمراء مؤكداً لهم براءة البطريرك مِن التهم المسندة إليه كذباً، فتوَفـَّرت القناعة لـديهم بكلامِه ، فأبلغوا الملكَ بذلك ، فأناطـَ الملكُ الأمرَ بأمير الامراء " جوبان " وهذا بدوره تحَقـقَ شخصياً مِن كلام الميطرابوليطـ وصَدَّقه، فبادر الى إلغاء الأوامر السابقة، إلا أن المسلمين كانوا للميطرابوليطـ بالمرصاد وتمكنوا مِن خَطـفه ليأخذوه الى أربيل، وما إن أحَسَّ الأمير جوبان بذلك حتى استـَرَدَّه مِنهم وأدخَله الى الملك، فروى للملك الأحداث بأدقِّ تفاصيلها. فأمر الملكُ بإبلاغ امراء أربيل كتابياً ليقوموا بإنزال البطريرك بإكرام أولاً ثمَّ مسيحيي القلعة، وقبَيل وصول هذا الأمر، سبق المُجـرمُ والمُتآمر طوغائين وأبلغ البطريرك بأمر النزول. وفي 26 حزيران وكان يوم الجمعة نَزل البطريرك وبمَعِـيـتِه الأساقفة والكهنة الذين كانوا معه في القلعة. ثمَّ عاد طوغائين وأمر البطريرك بالصعود الى القلعة ثانية ً لكي يأمر سكانها بالنزول. إنصاع البطريرك للأمر، ولبّى المسيحيون طلبه فنزلوا صباح السبت، وكان عددُهم 150 رَجلاً ما عدا النساء والأطفال، ولم يكن لديهم سلاح لدى خروجهم مِن القلعة، وكان المسلمون يتربصون خروجَهم ، فانقـضُّوا عليهم ، قـّتلوا الرجال وسبوا النساء والأطـفال. وخرج البطريرك رغم محاولة المسيحيين منعـه، إلا أنه تسلـَّقَ السور هو والأساقفـة الثلاثة وبعض الكهنة والرهبان، وكان المجرمُ الخائن طوغائين باستقباله وهو يـضحـك، وأخذه الى خيمَتِه باحترام، إلا أن البطريرك وَجَّهَ إليه توبيخاً مريراً ووصـمَه بالخيانة والغدر.

ولم تُشفي غليلَ المُسلمين هذه المجزرة ُالبشعة التي ارتكـبوها بحقِّ المسيحيين، فعقدوا العـزمَ على قتل البطريرك، لكنَّ الميطرابوليطـ كان قلقاً جداً بصدد هذا الأمر، فأبلغ الأميرَ " كيجك " تخـوَّفه مُلتمساً مِنه أن يرسلَ شخصاً مِن قبله الى أربيل ليوقفَ شرَّ المتآمر طوغائين. لكنَّ مبعوث كيجك وصل مساء السبت وكانت المجزرة قد نفِّذت في الصباح. ثم وصل موفدُ أمير الأمراء جوبان حاملاً الأمرَ الملكي الذي حَرَّره جوبان بنفسه، فألقـى السلام على البطريرك وطوغائين، وأبرز لهما الأمرَ الملكي بشأن البطريرك، فارتعَـبَ المُجـرمان طوغائين وناصر الدين وامتقـعَ لونُهما وأخذ مِنهما الخوف وبـخاصةٍ كون الموفد أبصر البطريرك. وقاما بتوديع الموفد لـدى غـروب الشمس وسارا معه مسافة ميل خارج المدينة قاصداً قـرية عمكاوا ( عينكاوا الحالية ) . وكان وصولُ الميطرابوليطـ والموفـد معه صباح الأحـد 27 حزيران أي بعد يوم مِن حدوث المجزرة ، فشعـرا بألم ٍ كبير لدى معاينتهما لتلك المآسي الشنيعة، لكنَّ ما أدخل الى قلبيهما العـزاء هـو سلامة البطريرك والأساقفة والكهنة الذين كانوا يـُلازمونه في هذه المحنة الشديدة. فقـصدا الى البطريرك ورويا له ما إتخذه أميرُ الأمراء مِن إجرآتٍ رادعة وإن جاءَت متأخرة، فـفرح البطريرك بهـما وخَصَّهـما والأمير الكبير ببركتِه.
ومنذ الصباح التالي ذهـب الموفدُ الأميري الى طوغائين، وبالرغـم مِن مُمانعة طوغائين لصعـوده الى القلعة ، صَمَم هو على الصعود ولكنَّ طوغائين لم يسمح له بإصعاد الطعام أو الشراب لسكان القلعة. ولدى نـُزوله في المساء أخذ مَعـه ثلاثة رجال مِن القلعة، فكان المسلمون يراقبونه، وتمكَّنوا مِن اختطاف واحدٍ مِن الرجال الثلاثة وقتلوه وأسروا الإثنَين الآخرَين . وذهب الموفد الى طوغائين وسلمَه مفاتيح القـلعة. وازدادت الأمور تأزُّماً وتملَّك الموفد إرتباكٌ شديد الى الحد الذي جعله لا يدري ماذا يفعل، فعـدد المُحاصِـرين كبير وسكّان القلعة سيضنيهم الجوع لعدم وجود ما يأكلون، وإن هو أنزلهم يخشى أن يقوم المسلمون بخطفهم وقتلهم . وبعد تفكير بالأمر رأى أن ينزل أولاً النساء والأطفال، ثمَّ ينزل الرجال في الليل . وكان بين سكان القلعة خونة أبلغـوا ناصر الدين بالمخطـَّطـ، وأحدث ذلك خلافاً بين صفوف سكان القلعة. ونزل قسمٌ مِنهم بأمان وذهبوا الى عمكاوا، ولكنَّ المسلميـن لاحقوهم بعد يومَين واختطـفوهم وقتلوهم . فأحدث ذلك رَدَّ فعل مرير في نفس الموفد ونزل مِن القلعة يائساً مِن إنقاذ الباقين، فتركَهم مُعَـرَّضين لمصير مجهول، فالكثير مِنهم قضـوا جوعاً وعطـشاً، ودفع اليأسُ بالآخرين الى رمي أنـفـسهم مِن على السور فكانت سيوف المُحاصِرين المسلمين تمَزقهم أشرَّ تَمزيق. وأخيراً صَعـدَ المسلمون في الأول مِن تموز 1310م بقيادة طوغـائين وناصرالدين الى القلعة ، وأعـملوا السيفَ في رقاب المسيحيين دون رحمة ناهبين كُلَّ شيء، وأنهـوا بـذلك الوجود المسيحي . فكانت تلك مأساة ً تشيب لها الولدان .

وفاة البطريرك
ذهب البطريرك والأساقفة ورجال الأمير كيجك الذين أرسلهم لينقذوه الى قرية بيث صيادي، ومكثوا فيها بضعة أيام تمَّ فيها جَمع مبلغ مِن المال دفعـوه لموفـَد الأمير جوبان ولرجال كيجك المائة والأكراد الذين رافقوهم . وفي الثامن مِن تموز توَجَّهوا الى المُعـسكر ، وحَلَّ البطريرك ضيفاً على زوجة الأمير كيجك، فلقيَ مِنها احتراماً كبيراً، وأوعزت الى بعض الرجال ليرافقوه الى المُعـسكر. وكان لقاؤه الأول مع أمير الأمراء جوبان فأدى له واجب الإحترام، وأكرمَه الملكُ أيضاً لدى دخولِه إليه، ولكنَّ الملكَ عـزف عن الحديث مَعَه، فخرجَ البطريرك مَهموماً لعدم اكتراث أيٍّ مِنهم بالأحداث المأساوية البشعـة التي جرت في أربيل. وبعد مرور شهـر عاد البطريركُ الى ديره القريب مِن مراغا وقد عَـزم على عـَدم الذهاب الى المعَسكر بعد ما جرى وهو يُرَدِّد < لـقـد سَئمتُ مِن خدمة المَغـول > . ومكث البطريرك في الدير طوال شتاء عام 1311م . ولما عَـلِمَ بقدوم الأمير " ايرناغين " الى تبريز، قصَـدَ إليها وكان الوقت صيفاً والتقـى الأمير، فبالَغ الأميرُ بإكرامِه وأجزلَ له هو وزوجته كريمة الملك تاكودار ــ أحمد بن الملك هولاكو العـطايا بسخاء، ونفحَ الأميرُ وزوجته البطريركَ بمبلغ قدره (60 ألـف درهم) وزَوَّده الأميرُ بخيول للركوب، ووهبه قـرية كوقفٍ لكنيسة مار شليطا.

 أستقرَّ البطريرك في الدير طوال شتاء وصيف عام 1312م، وأخيراً لطفَ به الملك، فخَصَّصَ له مبلغاً سـنوياً للعيش قـدره "5 آلاف دينار" كما وهـَبه بعضَ القرى في مُحيط بغداد . وقـضى البطريرك مار يَهبَلاها الثالث بقية حياتِه في ديـره القريب مِن مراغا حتى وافاهُ الأجلُ ليلة الأحد المُوافق للخامس عشر مِن تشريـن الثاني لعام 1317م، ودُفـِنَ في نفس الدير. بـَلـَغ عدد المطارنة والأساقفـة الذين رسمهم في عَهد رئاستِه التي دامَت 36 عاماً 75 فـرداً.

وأخيراً إنتهت حياة البطريرك العـظيم مار يَهبَلاها الثالث وانتهَت معها قصَّتَه التي كانت بنظر المؤرخين صادقة ًوأصيلة، قال عنه تيسيران (خلاصة تاريخية . . . ص 90) < كان يَهبَلاها وديعاً عـَطوفاً، ولشديد رغـبَتِه في مُسالمة الغير، عقد مع مُمَثلي الكنائس الاخرى أحسن العلاقات. أطرى مَحامِدَه إبن العِبري مفريان اليعاقبة بقوله : <إنـَّه كان رَجلاً مطبوعاً على الخير وعلى محبَّة القريب (التريخ الكنسي ج3 ص 453) ويُقِرُّ إبنُ العِبري أيضاً بتعامُل مار يَهبَلاها معه ومع طائفتِه بعـَطـفٍ ومحبَّةٍ، وسار على هذا النهج حتى بعد وفاة المفـريان وهو في طريقه عام 1286م الى مراغا، بدليل تعـميمه أمراً الى مُختلف الكنائس بإقامة حِدادٍ عليه تخفيفاً لحزن طائفتِه . إنَّ هذا الإنعـطاف الطبيعي في رَجل ٍ مغـوليٍّ إستقى ثقافته في الصين، قد أظهـرَه مار يَهَبَلاها للمُرسَلين الغربيين اللاتين القادمين الى الشرق وإن لم يكُن ذلك يروق لأساقفتِه النساطرة، وهذا ما أدلى به المُرسَل الدومنيكي ريكولدو دي مونتيكروجي الذي قابل البطريرك في بغداد عام 1290م . ومع ذلك لم نلاحظـ  خلال سردنا لقصتِه أيَّ خلافٍ بينه وبين أساقفتِه، ما عدا قيام اسقفين بالإفتـراء عليه في باكورة عَهدِه. ولم نرَ في قصَّته دوراً جالباً للإنتباه قام به المطارنة أو الأساقفـة، وهو دليل واضح بأن البطريرك كان قد وضع لهم حَدّاً لا يسمَح لهم بتجاوزه. وكُلُّ ما كان يقوم به الأساقفة هو مُرافقتهم له لـدى اضطراره لمقابلة الملك أو أحد الأمراء، أو لدى استقبالِه الملكَ عند زيارتِه للمقرِّ البطريركي أو قيام بعضهم بالدفاع عَنه في محنتِه كما فـعـل يوسف ميطرابوليطـ أربيل في مجزرة قلعة أربيل.
يقول الكاردينال تيسيران (خـلاصة تاريخية... ص 101 - 102) <كان للبطريرك مار يَهبَلاها الثالث رغـبة في الإتحاد الإيماني مع روما، ولم يكن يتخلف عن انتهاز الفرص ليُرسل مع سفراء الإيلخان الى الغرب رسائله الى الحبر الأعـظـم، ويُخاطبُه بهذه العبارة < الذي إليه مِلء الثقة فيما يتعلق بالأسرار اللاهـوتية> ويدعو الى الله < أن ينشُرَ ظلَّ قداستِه على جَميع الخلائق وأن يجمعَ إليه كافة المُعَـمَّذين بغـزير نعـَمِه>  وفي رسالته الى البابا " بنديكتوس الحادي عشر" المعـروفة فقط بترجَمَتها اللاتينية كما نشرَها رينالدي، ونسختها الأصلية موجودة في خزانة الأوراق الفاتيكانية، توضيح بأجلى بيان مع الظروف التي كُبت فيها، لصميمية العلاقات المُتداولة بيـن البطـريرك وبين المُرسَلين اللاتين والحَبر الروماني. وقد كُتِبت يوم الإثنين الذي يلي أحد العنصرة 18 أيار 1304م مِن مراغا، وكان يَهبَلاها قد عاد إليها بالأمس الأحد وقد استقبل فيه بعد القـداس جماعة الزائرين القادمين للسلام عليه، ومِن بينهم كان مُرسَل دومنيكي يظن أنه " يعقوب آرلس - سور- تج Jacques d'Arles - Sur Tech " رئيس الدير المحلي، وهو الذي أبلغ البطريرك انتخاب البابا الجديد الدومنيكي " نيكولا بوكاسيني Boccassini" وكان هذا المُرسلُ الذي كان البطريرك يدعوه رَبان يعقوب، يرغبُ أن ينال مِن البطريرك صورة ايمانه ليحمِلها بشخصه الى الرئيس العام القديم للإخوة الواعظين، مع بيان مِنه عَن خدمات الإرساليات في الشرق، عسى أن ينال بذلك إنعاماتٍ اخـرى للمُرسلين. إلا أنَّ انعطاف البطريرك مار يَهبَلاها لم يـَستطع التأثير على استعداد الإكليروس النسطوري الذي استمَرَّ على مُقاومة المُرسَلين اللاتين في مُحاولاتهم لإستمالتِه. وفي الحقيقة كان التَزَمت النسطوري المستحكِم على أذهان أساقفة كنيسة المشرق الكلدانية أحد العَناصر الأساسية القوية في تدهور هذه الكنيسة، ونرى هذا التزمُّت لا زال على عُنفوانه في عقول الكنيسة الإنفصالية الإنعزالية النسطـورية منذ عام 1551م والتي تخبطَت في تغيير اسم كنيستِها حتى استقرَّت في العقد الأول مِن الألفية الثالثة على اسم (كنيسة المشرق الآشورية) الذي لا يمُتُّ الى كنيسة المشرق بأية صِلة وإنما هو انتحال وتزوير.

وعَـن سيرة مار يَهبَلاها نقتبس بتصَرُّف ما ورد في ( ذخيرة الأذهان ص 21 - 22 ) يحـُقُّ لنا القولُ وبدون ترَدُّد بأنه لم يأتِ بين جَثالقة (بطاركة) الكنيسة المشرقية الكلدانية مَن جاراه في الغيرة على سلامة شعبه وخيره المادي وبِنائه الروحي، وبذل الجهد الجَهيد في توطيد علائق المَحَبة والتوافق بين بني امَتِه والمملكة، وقال المؤرخ الكلداني عمرو الطيرهاني في إطرائه لشخص البطريرك ومناقبِه ومفاخره بعِـباراتَه هذا نصُّها < ونالَ يَهبَلاها الثالث مِن العِـزِّ والجاه والسُلطان ما لم ينلهُ أحدٌ مِن قبلِه حتى أنَّ ملوك المَغول والخائبة وأولادهم كانوا يكشفون رؤوسهم ويتبرَّكون قدّامَه. نفذ حُكمُه في جميع المَمالك بالشرق. وارتفع شأنُ المسيحيين في أيامِه الى عِـزٍّ عـظيم وجـاهٍ كبير، وفي أواخر حياتِه إنهبطوا الى وَضع ٍ ذليل رديءٍ ولا زال مُستمِرّاً الى هذا التاريخ >.

أما ما قيل عَن سبب انحطاطـ الكنيسة الكلدانية النسطورية بأنه كان النزاع بين أساقفتِها مِن جهة وفتورالألفـة بينهم وبين البطريرك مِن جهةٍ اخرى فهذا ليس صحيحاً، قد يكون له شيء مِن التأثير، ولكنَّ السبب الحقيقي كانت الخلافات السياسية التي برزت بين ملوك المَغول وبخاصةٍ القطيعة التي حَدثت بين الملك غازان والملك طوغون تيمور حَفيد قوبلاي خان، فمِن جرّاء هذا التأزُّم الخطير أصبح التواصلُ بين الكنيسة الأم وبين أتباعِها في الصين والمقاطعات الآسيوية الداخلية صعباً للغاية، أعاقَ المُرسَلين الكلدان النساطرة مِن الوصول الى تلك المناطق النائية والتي كانت آنذاك بحاجةٍ شديدة الى تنويرهم وشَدِّ أزرهم لتَثبيت الوجود المسيحي المُهلهل. وكان حظ الإكليروس في الصين أفضـل مِنه في المقاطعات الآسيوية الداخلية، حيث ظـَلَّ مُحتضَناً مِن قِبل المسؤولين الحكوميين وعلى رأسهم الإمبراطور ذاتُه الذي كان يولي اهتماماً بالطقوس الكنسية النسطورية وبضرورة مُمارستِها. بيد أنَّ استمرار الإضطرابات في البلاد تحوَّلت الى ثوراتٍ مُنتظـمة في أغلبية المُقاطعات حتى تمخضَت عَـن ولادة سلالةٍ اخرى عُرفت بسلالة "مينغ" استطاعت عام 1369م تقويضَ كُلِّ ما كان قد اعتمَدَه المَغولُ مِن النُّظم في فرض سيطرتِها، وكان لهذا التبدُّل الجذري في نظام الحُكم تأثير سلبي على التلاشي التدريجي للديانة المسيحية، حيث تراجعت أمام الديانات المحلية الوثنية وانتهت الى أثر بعد عَين في نهاية القرن الرابع عشر.

أما في المناطـق الآسيوية الداخلية فقد اختفت مِنها الجماعاتُ المسيحية بسبب مرض الطاعون الذي ضرب مَنطقتَي بيشيبيك وطقماق عام 1338 و1339 بالإضافة الى أنواع الإضطهادات التي تعرَّضت لها وكان آخرها الإضطهاد الـوحشي الذي نفذه القائد الإسلامي المتزَمِّت تيمورلنك حيث قضى على كافة الفِرَق المسيحية. وفي هذه الفترة تعـَرَّضَ عددٌ كبيرٌ مِن مسيحيي بلاد فارس وما بين النهرين الى القتل نتيجة الإضطرابات والفوضى التي رافقت العهد الجلائري، فراح ضحيتها الألوف المؤلفة مِن المسيحيين الكلدان النساطرة والطوائف الصغيرة الأخرى. والى الجزء الثامن والعشرين قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 1 / 6 / 2015

57


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السادس والعشرون

6 - غـازان 1295 - 1304م
إنَّه إبن أرغون خان الأكبر مِـن زوجَتِه "قوتلوق خاتون" ويُعَـدُّ سادس إيلخانات أو سـلاطين الدولة الإيلخانية، توَلّى السلطة بعد انتصاره على إبن عَمِّه بايدو وقتلِه إياه عام 1295م، وفي جامع تبريز أدّى الشهادتين وأسلـَمَ بوساطة نائبِه "نوروز" الذي كان عدواً سابقاً له، واتَّخذ له إسماً مُركَباً إسلامياً ومَغـولياً "مَحمود غازان" كجزءٍ أول لإعتِناقه الإسلام، وأعقب ذلك إصدارُه أمراً للمَغول يَدعوهم فيه للدخول في الإسلام، وأن يحكموا بالعَدل بين الناس، وتُهدَم دورُ الأوثان ومعابدُ المجوس وتُحَوَّل الكنائسُ الى مساجد، ويُلزَمُ أهلُ الذمة بارتداء الغيار وهو بالنسبة الى المسيحيين شدُّ الزنار حول أوساطهم أما اليهود فعليهم رَبطـ خِرقةٍ صفراء بعمائمِهم، وامتدَّ هذا الفرضُ ردحاً، وصادرَ غـازانُ دارَ علاء الدين الطبرسي التي كانت تُدعى أيام آخر الخلفاء العباسيين بالدويدار الكبير والذي أهداه هولاكو لبطريرك الكلدان النساطرة مارمكيخا الثاني منذ استيلائه على بغداد، فازيلت تماثيلُها ومُحِيَت النقوش الكلدانية مِنها، كما حُوِّلت دارُ الفلك المقابلة لدار الدويدار الى مجلس ٍ للوعظـ بعـد أن ازيلت مِنها قبورُ كبار النصارى الذين كانوا مدفونين فيها. فبدأت العَقيدة الإسلامية تنتشر في المناطق المنغـولية انتشاراً سريعاً. ويَقول كرستوفر آتوود في (إنسكلـوبيديا المنغـولية وإمبراطورية المغول ص 199) إلا أن غازان كان يُمارسُ وبسِرِّيَةٍ الديانة الشامانية ويعبد الإله "تنغـري" ويُكرم الأسلاف، ويَعبد السماء كنوع مِن عقيدة الإسلام التوحيدية.

مُعاداة نوروز للمسيحيين
يتحدَّث إبن العبري (التاريخ السرياني ص 595 - 598) عَن مساويء المجرم نوروز بالقول: <بأنَّه كان وراء كُلِّ الإجراءات التعسُّـفية التي طالت المسيحيين، فهو الذي أصدر أمراً بهدم الكنائس المسيحية، والكنيستات اليهـودية، والمعابد الوثنية، وبقتل رجال الدين المسيحيين، وبفرض ضرائب باهظة على غير المسلمين، وبفرض الأوامر العـُمَرية على المسيحيين واليهود بلبس الغيار والشارة. واستغلَّ الرُعاعُ ذلك الأمر الجائر لتدمير الكنائس في تِبريز، وزحفت أعمالُ الفوضى الى الكثير مِن المناطق، وتفاقمت محنة المسيحيين، وكانت أكثر شدّة ً وقساوة في بغـداد، بحيث لم يكن المسيحيُّ يتجرّأ على الظهور في الأسواق، وكان لنوروز التأثير الكبير في صدور أوامر ملكية اخرى الى مُختلف مناطق البلاد بإرسال السعاة المغول إليها لهدم الكنائس ونهب الأديُرة، وكان المسيحيون يتداركون أمرَ إلحاق الضرر بكنائسهم قبل وقوعِه وذلك عن طريـق إرشاء السعاة بالأموال. ولدى قدوم السعاةِ الى أربيل، لم يدفع لهم مسيحيوها شيئاً حتى ميطرابوليطها لم يقُم بإرضائهم، فقاموا بتدمير ثلاثٍ مِن كنائسها في 28 تشرين الثاني لعام 1296م. ولما اتصل هذا الخبر الى مسامع مسيحيي نينوى، بادروا الى جمع 15 ألف دينار ودفعوها للسعاة فلم تُدَمَّر كنائسُهم .
وجاءَ في الفصـل السادس مِن كتاب (غـازان، والتقليد الإسلامي المغولي ص 9) لم يَخلُ عهدُ غازان مِن اضطراباتٍ دينية وكان حدوثها بتحريض ٍ مُباشر ٍ مِن الأمير المنغـولي المسلم الشيعي المُتزمِّت "نوروز" عدوِّ غازان السابق ومُقرَّبِه الحالي الذي عَهِدَ إليه بقيادة الجيش في خُرسان، فقد أصدر مرسوماً رسمياً ضِدَّ استمرار ممارسة الديانات الاخرى في المناطق الخاضعة للإيلخانات، فباشر المُوالون لنوروز باضطهاد المسيحيين والبوذيين وحتى الإيرانيين مِنهم. ويقول المؤرخ (رو Roux  ص 430) وتَمَّ نَهبُ الكاتدرائية المسيحية الكلدانية في العاصمة المنغـولية مراغـة. ولكنَّ ريجَرد فولتز في كتاب (غازان تعَمذ ونشأ مسيحياً ص 129) يُشير الى قيام غازان بوضع حَدٍّ لتلك المُمارسات بإصداره مرسوماً يُعفى بموجِبه المسيحيون مِن دفع الجزية. في أيار مِن عام 1297م يقول المؤرخ (روRoux  ص 432) أمر غازان باعتقال أنصار نوروز بتُهمة الخيانة، ثمَّ أمرَ بتجهيز حملةٍ وإرسالها لملاحقة نوروز قائدِ جيش خُرسان واعتقالِه، فدارت معركة  ٌبالقرب مِن نيسابور بين قـوّات غازان ومناصري نوروز، إنخذل فيها نوروز وهربَ طالباً اللجوءَ الى ملك هيرات شمال أفغانستان، إلا أنَّ ملك هرات إعتقله وأرسله الى غازان الذي أعدمَه فوراً في 13 آب مِن نفس السنة، فاستتَبَّ الأمرُ لغازان وتمكَّن مِن السيطرة على الوضع. وفي هذه السنة قـدِمَ السلطان غازان الى بغـداد فرفع الظلم ونشرالأمنَ وشمل المواطنين جميعاً بالعَدل والرأفة. ويَروي بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج2 ص 19) <بأن ثِقلاً كبيراً انزاح عن كاهل البطريرك بعـد مَقتل نوروز المُجرم، حيث تأكَّد الملك غازان مِن براءة المسيحيين مٍمّا كان يتهمُهم به المسلمون زوراً وافتراءً. وكانت الفترة الواقعة بين عامَي 1295 - 1297 عصيبة ًعلى المسيحيين لم تتخللها إلا بعض محطات هدوءٍ قصيرة بعد كُلِّ مُقابلة تُتاح للبطريرك لمقابلة الإيلخان "الملك"> ونُواصل سرد الأحداث بتصرُّفٍ مستعينين بقصة حياة ماريَهبَلاها .

البطريرك وغازان
كان للملك غازان مقرٌّ شتوي في "موغان" يقضي فيه فصل الشتاء، ففي نهاية شتاء عام 1296م وبعد قيام رجال نوروز بإبتزاز البطريرك يَهبَلاها بمبلغ عشرة آلاف دينار، أرسل البطريرك مبعوثاً خاصاً الى الملك غازان، فبيَّنَ للملك بوضوح جميع الأحداث التي جرت للمسيحيين ورئاستهم الدينية، فكان تأثُرُ الملك واضحاً يشوبُه انـزعاجٌ مِمّا تعَـرَّض له البطريرك مِن المعاملات السيئة، فأصدر أمراً يُعفي فيه المسيحيين مِن الجزية، وأن لا يُجبرَ أحدٌ مِن المسيحيين على تَرك دينِه، وإنَّ البطريرك هو الرئيسُ الفعلي للكنيسة، وأن يُعاد كُلُّ ما سُلِبَ ونُهـِبَ مِن البطريرك والأساقفة. وأمر بإرسال خمسة آلاف دينار الى البطريرك لمصرفه لحين مجيئه لمقابلته. وخلَفت الإضطراباتُ التي أثارها نوروز دماراً كبيراً في كنائس همدان وتِبريز وأربيل والموصل وبغـداد، وبتحريضٍ مباشر مِن نوروز إستولى المسلمون على الكنيسة والمقرِّ البطريركي المقامَين مِن قبل البطريرك مكيخا الثاني بأمر مِن الإيليخان الكبير هولاكو وعقيلته دقوز خاتون في دار الدويدار المُهدات له مِن هولاكو خان، ويقول صليبا في (المجـدل ص 122 - 125) بأن المسيحيين إضطرّوا بعد هذا الدمار الى نبش القبور في الكنيسة المُهدَّمة والتقطوا مِنها بقايا رفاة البطريركَين مكيخا الثاني ودنحا الأول ونقلوها الى كنيسة سوق الثلاثاء. وبعودة مبعوث البطريرك الى الملك غازان مُزَوَّداً بأوامر صريحة مِن الملك، عاد الإرتياحُ الى البطريرك ماريَهبَلاها، وبادر الى فتح المقرِّ البطريركي في مراغا واضطرَّ المُعتدون مِن المُسلمين الى إعادة الأموال التي إبتزّوها مِن المسيحيين. وفي تموز من عام 1296م غادر البطريرك مراغا متوجهاً الى "موغان" حيث كان لا يزال الملكُ غازان هناك، ونال مِن الملك هو ومُرافقوه مِن الأساقفة استقبالاً ترحيبياً رائعاً مِمّا أثار في نفوس المسلمين المزيد مِن الحِقد والحسد.

فقام رُعاعُهم ببَثِّ الإشاعات الكاذبة ضِدَّ المسيحيين وانتحال البعض مِنهم لمسؤوليات حكومية زوراً، حتى أن شخصاً يُدعى "شاخ تيمور" دخل الى مراغا وادعى أنَّه يَحمل تخويلاً يقضي بقتل كُلِّ مسيحيٍّ يمتنع عن الدخول الى الإسلام، وكان الملكُ في هذه الأثناء وهي بـداية شتاء عام 1297م قـد نزل الى بغداد لقضاء فصل الشتاء. أما البطريرك فبقي في مراغا. ولما طرقَ سَمعَ المسلمين إدِّعاءُ هذا المُزوِّر إستعَـرت في داخلهم نارُ الإنتقام مِن المسيحيين، فاقتحَموا المقرَّ البطريركي وعمِلوا فيه نهباً، ولدى افتضاح خُدعة هذا الرَجل المُفتري، خشيَ الناهِبون عِقاب الدولة، فسارعوا الى إعادة الأموال المسلوبة ومِن بينها كان الختم الذهبي هدية مانكو خان للقلاية البطريركية، والتاج الذي كان أهداه البابا للبطريرك، والختم الفضي المُهدى مِن قبل أرغـون الملك للبطريرك . وتقـرَّرت محاكمة الجاني المُحتال، بيد أن المسلمين عزموا على الدفاع عَنه، فما إن مثل المسلمون أمام الأمراء حتى بدأوا برمي الحجارة عليهم فلاذ الأمراءُ بالفرار الى بيوتهم، وخلت الساحة أمام هؤلاء الرُّعاع المسلمين ليصُبوا جام حقدهم وغضبهم على المسيحيين ولم يكتفوا بالضرب والتعـذيب بل هاجموا مقرَّ البطريركية وعملوا فيها نَهباً وتَدميراً، ودخلوا كنيسة مارماري ومار كيوركيس التي كان قد بناها الربّان صوما فنهبوا كُلَّ ما فيها. أما البطريرك والأساقفة فقد احترزت عليهم إحدى الأميرات فنجوا مِن القتل. وبعـد بضعة أيام غادر مراغا البطريرك والأساقفة الذين معه متوجهين الى جَبل يُدعى سياهكوه ومكثوا هناك حتى عودة الملك مِن بغداد الى هَـمدان، فزاره البطريرك في موقع قريبٍ مِن هذه المدينة وأطلعه على كُلِّ ما جرى. فكان استياءُ الملك كبيراً ورَدُّ فعلِه سريعاً، حيث أصدر أمراً بإعتقال جميع سكان مراغا وتعذيبهم حتى يُعيدوا كُلَّ ما سلبوه ونَهبوه فاستُردَّ جزء قليل مِن تلك الأموال .

كان الأميـُرالمنغوليُّ القائد المسلم المتـزَمِّت المدعو نوروز السببَ الرئيس في إثارة الإضطرابات في كافة أنحاء المملكة الإيلخانية َضدَّ المُواطنين غير المسلمين ولا سيما المسيحيين مِنهم، واشتَدَّ شراسة ً في افتعـال أعمال الشر وإثارة الفِتَن عَـن طريق تَحريض المسلمين وتسخيرهم للسلب والنهب وقتل المسيحيين وبخاصةٍ بعد تمرُّدِه على الملك غازان، فعلى اثر مَقتل أحد كبار المسلمين الجائرين على أيدي القياجيين المسيحيين (القياجيون هم قـوم مِن الأقـوام القاطنة في الجبال، عُرفوا بشدِّة البأس، إتخذ البعضُ منهم قلعـة أربيل مثوى لسكناهم) استغلَّ المسلمون هذا الحدَث وقاموا بضرب الحصار على قلعة أربيل مَسكَن هؤلاء المسيحيين، وكان المحاصِرون مسلمين مِن مُختلف الشعوب، تَجَمَّعوا مِن أجل النهب والسلب والقتل . وقد وقع في أيديهم الميطرابوليط ابراهيم وعددٌ من الكهنة والمؤمنين، قتلوا بعضاً مِنهم وباعوا الآخرين بمبالغ كبيرة جداً. إمتدَّ الحصارُ ما يُقارب الثمانية أشهر إبتداءً مِن شهر شباط وحتى شهر أيلول لعام 1297م، وخلال هذه الفترة قُتل نوروز ولكنَّ أزمة قلعة أربيل لم تَنفرج. ونشر المسلمون إشاعة ً مُلفقـة يزعمون فيها بأن المسيحيين يقتلون أيَّ مسلم يقع بأيديهم وبدون رحمة. وأوصلوا الإشاعة الى الملك غازان وبدوره أرسل الملك الى البطريرك الذي قد أصبح مُرافقاً دائماً للمعسكر إذ لم يبقَ له استقرار في مكان آمِن، يَسأله عن رأيه بفكرتِه في إعطاء مسيحيي قلعة أربيل أراضي وممتلكات في مناطق اخرى لقاء إخلائهم القلعة، فأجاب موفدي الملك بتنهُدٍ مرير قائلاً:<لقد دُمِّرَت ونُهِبَت جميعُ مراكز البطريركية في مراغا وتبريز وهمدان وبغـداد، ولم يبقَ إلا مركز قلعة أربيل مع جَمع ٍ قليل مِن المسيحييـن فيها، وتُريدون تشريد ونهبَ هؤلاء أيضاً. هل لا أمرَ الملكُ بعودتي الى بلادي أو بالذهاب الى بلاد الجورجيين لأنهيَ هناك بقية حَياتي>.  ولما أبلغـوا جواب البطريرك الى الملك، تأثَر وأمرَ ببقاء المسيحيين في القلعة، فتدخلت السلطات المغـولية وأجروا الصلح بين المسيحيين والمسلمين. ولكن هل يَسمح التزَمُّتُ الديني الإسلامي أن تَسير الأمورُ مستقِرة؟ ففي هذا الوقت أقنع ناصرالدين صاحب الديوان الملك بإصدار قرار يقضي بأن يؤدي المسيحيون الجزية، وأن يكون تجوالُهم في أسواق بغـداد وهم لابسين الزنار. وتحَمَّلَ المسيحيون هذه الإهانة والسخرية حتى أبعـد الله عنهم هذه المُصيبة.

إصطحب الملكُ غازان البطريركَ يَهبَلاها الى مَقرِّه الشتوي في "موغان" ومِن هناك الى تِبريز، وأمضيا الصيف في المُعسكر، وأمر الملكُ أن يُمنحَ ماريَهبَلاها ختماً شبيهاً بالذي سُلبَ مِنه، وأن يُعادَ إليه اعتبارُه السابق بالكامل. وقام البطريرك عام 1299م بزيارة قلعة أربيل التي لم يَزُرها منذ خمس سنوات مضـت، وأمضى الشتاءَ فيها. ولدى قيام البطريرك بزيارة الملك في مصيفه، سُـرَّ به الملك كثيراً وطلب مِنه العودة الى مراغا، فذهب وامضى الصيفَ فيها بطمأنينة وسـلام. ثمَّ التحَقَ بالملك في خريف عام 1299م في نزوله الى مناطق الموصل وأربيل. وفي تلك الأثناء قاد الملك حملة ًوغادر لمحاربة البلاد الفلسطينية، وبقيَ البطريرك في قلعة أربيل، وما إن عاد الملكُ مُنتصِراً حتى اصطحَب البطريرك معـه الى أذربيجان، وأمر بتشييد دير هناك. وفاجأ الملك ُ البطريركَ بزيارةٍ الى مراغا في خريف عام 1300م وأمضى عِنده ثلاثة أيام، وشمل المسيحيين فـرحٌ عارمٌ بهذه الزيارة الملكية التي زادت مِن ولائهم للملك، والملك بدوره عَبَّر عن رضاه وسرورِه ويقينِه الراسخ مِن محبتهم وإخـلاصهم. وفي نزول الملك الثاني الى مناطـق الموصل وأربيل خلال شتاء 1301م رافقه البطريرك الى أحد المواضع القريبة مِن سنجار، لكنَّ البطريرك عاد الى قلعة أربيل وأمضى الشتاءَ فيها مُنتظراً عودة الملك. وعاد الملكُ وصعد معه البطريرك وفي طريقهما الى مراغا كان كمين ٌ كُردي في المرصاد للبطريرك، فرشقه بسهم أصاب مِنه الإصبع، فتأثر الملك وأقسم على الإنتقام مِن اولئك الأكراد. ولما وصلا الى مراغا، صعدا الى ديرماريوحنا المعمذان ودعا البطريرك إليه بعض الرهبان، وزوَّد الدير بكُلِّ المستلزمات، وبَنى مقرّاً بقربه للبطريرك، وفي احتفال رائع كُرِّسَت الكنيسة في عيد الصليب لعام 1301م. وأمر بجعل قرية "دهابي" الواقعة الى الشرق مِن مراغا التي اشتراها بمبلغ 11 ألـف دينار وقـفاً للدير بالإضافة الى ممتلكات اخرى وبساتين، واطلق عليه اسم "ملك الأديار".

وما إن انتهى البطريرك مِن أعماله هذه حتى توَجَّهَ الى تبريز للقاء الملك غازان، وحظيَ باستقبال حميم من قبل الملك دلَّت عليه مظاهر التقدير والإكرام البالغـَين التي أحيطَ بها. ولما حان موعد سفر الملكِ الى موغان لتمضية الشتاء كان البطريرك في توديعه، فأشار إليه الملكُ للعودة الى ديره الجديد والإستقرار فيه. ولدى عودة الملك مِن مشتاه في السنة التالية ، ذهب البطريرك للسلام عليه، فلقي مِن الملك إكراماً بالغاً ودعاه للجلوس الى جانبه الأيمَن مُشعِـراً إياه بعطفٍ خاص ومُجزلاً له الهبات والعطايا، فأعرب البطريرك عن شكره الجزيل للملك واستأذنه للعودة الى أربيل ومنها الى بغـداد التي تأخرت زيارتُه لها لمدة تسع سنوات وامضى في أربيل بقية عام 1302م وفي نهايته غادرها الى بغداد فوصلها عشية عيد الدنح لعام 1303م وترأس الإحتفال بالعيد في كنيسة دارالروم في غمرة فرح ٍ كبيرعَـمَّ الجماهير المسيحية، وبعد ثلاثة أسابيع قصد مدينة الحلة لملاقاة الملك غازان وتهنئتِه بيوم عيد المغول الأبيض (سُمُّيَ بالأبيض لأن كُلِّ المحتفـلين به يرتدون ثياباً بيضاء) والذي يقع في الأول مِن شباطـ ، تلقاه الملك بحفاوة كبيرة، وبعد بضعة أيام إستأذن الملكَ بالعودة الى بغـداد، فودَّعه الملكُ بعد نفحِه بعطايا جزيلة مستجيباً لكُلِّ مطاليبه. وأمضى البطريرك الشتاء في بغداد على أن يغادرها بعد عيد القيامة.
في العاشر مِن نيسان 1303م غادر البطريرك بغداد قاصداً مراغا فوصلها في الثالث عشر مِن أيار، واستقرَّ في مقرِّه بجانب الدير، ولم يمضِ عليه شهرٌ حتى فاجأهُ الملكُ غازان بزيارةٍ للدير، فاستقبله البطريرك بحفاوة منقطعة النظير وأقام له وليمة كبرى، حضرها الملوكُ والأمراءُ وكبارُ زعماء المملكة سادتها البهجة والفـرح، وبدا الملكُ في غاية الإنشراح غامراً البطريرك بكُل ما اوتي مِن مظاهر اللطف، حتى أنَّه خلع حُلَّته الملكية وألبسه إياها. وأخلد الملكُ الى النوم ورأى حُلماً وكأنه قـد تعافـى مِن داء المفاصل الذي كان مُلازماً له، وعندما استيقظـ صباحاً قصَّ على البطريرك حُلمَه، وفي ذات الوقت قدَّمَ له هـدية ً صليباً ذهبياً مُرَصَّعاً بالجواهر وبداخله جـزء مِن عود الصليب المقدس كان قد أرسله له البابا نيكولاؤس الرابع، وأمضى النهار وقد فارقه داءُ المفاصل بالفعل، ثمَّ رحل الى "موغان" وبعد وصوله أرسل للبطريرك حصاناً أصيلاً أسود اللون مع هـدايا غالية اخرى. ونزل البطريرك الى قلعة أربيل لقضاء الشتاء فيها، ثمَّ عاد الى مراغا ووصلها مساء عيد العنصرة، وبعد ثلاثلة أيام مِن وصوله أبلغَ بنبأ موت الملك غازان حيث وافاه الأجَل في يوم عيد العنصرة مساءً على حدود ساهند، وتمَّ نقل جثمانه الى تبريز ودُفن في قبر بالقبة الكبيرة التي كان قـد بناها هو نفسه.

وكما مَرَّ بنا القول بأنَّ غازان بعـد توَلّيه الحُكم كسلطان أكبر، أسلم وأصدر قراراً بأن دين الدولة الرسمي هو الإسلام، وتلاه قطع علاقاته ببَلاط الخاقان الأعظم للمغول في الصين. وباشرَغازانُ بالقيام بعددٍ مِن الإصلاحات شملت الشؤون الإدارية والمالية والإقتصادية والقضائية والعُـمرانية. وكان غازانُ أيضاً ذا مَيل ٍ الى الثقافة والمعرفة مُغـرَماً بالتاريخ وقد أتقنَ اللغـة الفارسية وكان شخصياً قـد اكتسبَ ثقافة ًعالية وبإمكانه التحَدُّث بعدة لُغات. وفي فترةٍ مِن حَياتِه إشتغل في حَقل الكيمياء حيث كان له مَصنعٌ داخل قصـره صارفاً فيه وقتاً طويلاً بين كُتبه وتجارُبه، وفضلاً عَن مشاغله لم يتقاعس عن تجميل عاصمة مملكته تِبريز بأبنيةٍ فخمة كدار للكُتب وأخرى لحِفظـ الدفاتر والقوانين التي سَـنَّها ، كما شيَّدَ مَرصَداً فـلكياً ومستشفـى وسَيَّج أرضاً واسعة وجعل مِنها بستاناً. خاض غازان حروباً مع المماليك للسيطرة على بلاد الشام، وكانت له غارات على خانات الكاغتاي دفاعاً عن حدود خانات الإيلخان .
وبالنسبة الى المسيحيين في عهد السلطان غازان لم تأتِ الإشارة مِن قبل المؤرخين الى البارزين مِنهـم، وهو دليل على أنَّ التهميش قد شملهم، إلا أننا نقرأ في (تاريخ العـراق بين احتلالـَين ج3 / لعـباس العـزاوي ص 25 مِن الملحـق الثاني) حيث يُشير الى اشتهار حاكم الموصل في هذا العهد وهوالملقب " فخر الدولة أبو محمد ابراهيم بن عيسى بن هبة الله النصراني الموصلي" كان انموذجاً في السخاء والكـرم، وكان مجلسُه مَقصد الأدباء والعلماء والشعـراء، يُحسِنُ استقبالهم ويُنعِـم عليهم. قضى غازان نحبه عام 1304م وهو في حدود قزوين عَن عمر لم يتعدَّ الثلاثة ً والثلاثين عاماً، ونُقـلَ جثمانه الى عاصمة مُلكه تبريز ليُدفن فيها، وجُعلَ قبرُه ظاهراً خلافاً لعادة المغول الذين كانوا لا يُظهرون قبورَهم. والى الجزء السابع والعشرين قريباً.

7- اولجايتو 1304 - 1316م
عـملاً بتوصية غازان بأن يخلِفه على العرش أخوه اولجايتو، فقد نُفِّذت رغبتُه، واعتلى اولجايتو العرشَ الإيلخاني في 31 تموز عام 1304م كسابع سُلطان إيلخاني وكان عُمرُه دون الرابعة والعشرين، وعلى غِرار شقيقه غازان كان اولجايتو قد تعَمذ وسُمّيَ بالعماذ نيكولاس ونما وترعرعَ كمسيحيٍّ، وكان البطريركُ ماريَهبَلاها يكنُّ معـزَّة ً له ولأمه "اركو خاتون" المسيحية، وفرح باعتلاءِ اولجايتو العرش، مُتوقعاً مِنه الخيرَ الكثيرَ للمسيحيين، ولكن أمله خابَ عندما شاهدَ اولجايتو قد وقع هو أيضاً كأخيه غازان بشرك الإسلام واتخذ اسم "محمد خدَبندة" ويُقال أيضاً "خربندة" متبنياً المذهـب الشيعي. جاء في (تاريخ الغـياثي ص 54) بأنَّ اولجايتو وقتذاك كان في خُـرَسان، وتشاورَ الأمراءُ أن يولوا المُلكَ بسطام بن غازان فكتبوا إليه سِـرّا طالبين قدومه إليهم ، بيد أنَ الرسالة وقعت بيد خدَبندة، فأوعـزَ بقتل بسطام فوراً، فخَلت له الساحة وقبضَ على زمام الأمور. كانت الأمورُ الإدارية في الدوائر الحُكومية في السنوات الأخيرة لحكم غازان قد سادها الإضطرابُ والفوضى بخلاف ما يَدَّعيه الكتّابُ المسلمون المعاصرون بأنها كانت على ما يُرام مِن الإنضباطـ والتقدم، فباشر السلطان الجديد اولجايتو بتنظيمها، ثم إلتَفتَ الى حلِّ المشاكل القائمة وتمَكَّن مِن القضاء على القلاقل والثورات التي كانت قـد برزت في عددٍ مِن مناطق المملكة.
واصلَ اولجايتو إنتهاجَ سياسة أخيه غازان خان في حُسن معاملة رعاياه مُقيماً العدلَ بينهم بانتصاره للمظلومين وكبح ِ جماح ِ الظالِمين، ولم يُجر ِ تغـييراً بين الأمراء والمؤظفين حيث أبقاهم في مناصبهم. وفي سنة حُكمه الأولى وُلدَ له وَلدٌ سمّاه "علاء الدين أبا سعيد بهادر" وسيتوَلّى السلطة مستقبلاً خلفاً لأَبيه. يَروي عباس العزاوي في (تاريخ العـراق بين احتلالـَيـن ج1 ص 407) بأن اولجايتو كان لغاية عام 1307م مُراعياً للتذكير بالخلفاء الراشدين بدون تمييز مِن حيث الإحترام والتبجيل وصكِّ النقود بأسمائهم، إلا أنه بعـد هذا التاريخ مال الى الشعار الشيعي وإظهاره بشكل ٍ جَلي. وبالنسبة لسياسته الخارجية كان إقليمُ جيلان عَصيّاً على المَغول فتحَه، ولكنَّ اولجايتو استطاع فتحَه وإخضاعـه لسيطرته. لقد ساءَت العـلاقاتُ بينه وبين السلطان "الناصر محمد بن قـلاؤون" سلطان دولة المماليك منذ تحوُّلِه الى المذهب الشيعي وكان أولَ حاكم مغولي يعتنق المذهب الشيعي، فغدا هذا الأمرُعائقاً حال دون تحسين العلاقات بين الدولتين، بل شابَها التأزمُ دفع باولجايتو لإحتلال بلاد الشام التي كانت تحت سيطرة المماليك، لكنه أقلعَ عَـن ذلك لإخفاقه في اقتحام أول قلعةٍ هاجمها هي قلعة الرحبة الواقعـة على الفرات، فـقرَّر العودة الى بلاده ولم يُحاول غـزوَ الشام ثانية.
إهتمَّ اولجايتو بتشييد مؤسساتٍ اجتماعية إضافية تُساعد المواطنين على النهوض والتقدُّم كالمدارس والمستشفيات والملاجيء وغـيرها، وقام بتشييد مَرصد مراغـة الذي كان قد بناه هولاكو، كما حَققَ امنية أخيه غازان الذي كان يطمح الى بناء مدينة "السلطانية" في المنطقة الغربية مِن ايران الواقعة بين نهري زبخان وأبهر، وما إن بدأ بتنفيذ المشروع حتى عاجله الأَجَل المحتوم. إستكملَ اولجايتو ما بدأَه أخوه وانتهى مِن تشييد المدينة وقد إستغرق ذلك مدة عشر سنوات 1304- 1314م كانت مدينة عظيمة ضَمَّت بنايات فخمة، ويقول عباس العـزاوي (تاريخ العراق بين احتلالين ج1 ص 422) بأن اولجايتو شيَد له فيها داراً جميلة كانت مواد بنائها الطابوق الذهبي والفضي، أحاطها بالبساتين، وملأَها بالجواري والغـلمان تشبيهاً بجنَّة الإسلام، أسرف السلطان في انتهاك حُرُمات قـومه. تُوفيَ اولجايتو بداءِ الهيضة في 16 كانون الأول عام 1316م وهو في السادسة والثلاثين مِن عُمره، ودُفنَ في الضريح الذي بناه لنفسه في السلطانية.                               
الشماس د. كوركيس مردو
في 26 / 5 / 2015

58

   اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الثالثة
يسترسل الحبرُ الجليل ماراسرائيل اودو في الحديث عن استمرار هذا الإضطهاد في كتابه المُشار إليه في الحلقة الأولى في (الصفحة 57 – 59) حيث يقول: بعد إنجاز المضطهدين عملهم الشنيع بإبادة المجموعة الأولى من النساء، قاموا بجمع مجموعةٍ اخرى يربو تعدادُها على الثلاثمِئة نفس، ناهيك عن طردهم لعائلتين من عوائل السريان الكاثوليك هما عائلة مِعمار باشي وعائلة دوقماق، وذهبوا بالمجموعة الى منطقة دونيسير القريبة من تل الأرمن، وكان الأكراد بانتظارهم للهجوم عليهم كعادتهم من أجل نهبهم وخطف أطفالهم، ولكنَّ قائد الحرس تصدّى لهم قائلاً: لن أسمح لأحدٍ بالإعتداء على هؤلاء الناس، فعادوا أدراجهم. وما إن وصلوا الى رأس العين إحدى بلدات الآراميين القديمة الواقعة جنوب تركيا على نهر الخابور بالقرب من الحسكة السورية، حتى أركبوهنَّ القطار المُتَّجه صوب حلب. وبحسب الأوامر الحكومية قاموا بتوزيعهم على المدن السورية واللبنانية والبعض منهنَّ وصلن الى مدينة الطفيلة الأردنية الواقعة جنوب عمان بمسافة تقرب من مِئتي كيلومتر على حدود الصحراء العربية.
وبناءً الى الأوامر الحكومية، قام المُضطهدون يوم السادس والعشرين من تموز 1915م بجمع مجموعة اخرى من الشيوخ والنساء مع أطفالهنَّ، واقتادوا الجميع خارج المدينة باتجاه كوليا التي تقع الى الجنوب من ماردين وتبعد عنها مسير ثلاث ساعات، وفي كوليا الحقوا بهذه المجموعة مجموعتين اخريين، فغدا عددُهم يُناهز الألفين وخمسمائة فرد. ولدى مرور هذه المجاميع بين قرى الكيخيين، واجههم عددٌ كبير من الأكراد، وتراشقوا النيرن مع حامية الحراسة بقيادة عبد القادر المارديني من آل شيوخ زادة، وإذ رأى عبد القادر كثرة المُهاجمين وقلة عدد أفراد الحماية، طلب النجدة من ماردين، فجاءَته قوات وانضمت الى أفراد الحماية وتصدوا للأكراد وحالوا دون تنفيذ مآربهم الدنيئة، فنال عبد القادر ثناءً على عمله هذا بالإضافة الى حسناته الأخرى التي جلبت له الإحترام والتقدير. وبوصولهم الى بلدة رأس العين ومنها استقلوا القطار الى حلب وقصد البعض منهم دير الزور والشدادي.
وفي نهاية تموز لنفس العام 1915م، جمع السفاحون مجموعة أخرى من المسيحيين يتعدَّى عددُ أفرادها المِئة فرد، اقتادوهم باتجاه الجنوب، وكان أهل المدينة وكالعادة يتعقبونهم بقصد السلب وخطف الشابات والصبيان، ولما أوصلوهم على مقربة من حافة الجب القريب من قرية حيرين الواقعة على بعد أربع ساعات من ماردين سيراً على الأقدام، أوقفوهم وباشروا أولاً بتجريد الرجال من ملابسهم، ودعوهم كما تأمر الشريعة الإسلامية الى جحد دينهم، ولما امتنعوا الإذعان لمطلبهم، شرعوا بإنزال العقاب بحقهم، فذبحوا البعض منهم ذبح الخراف، وبقروا بطون البعض الآخر بالخناجر والسيوف، وكسروا أضلاع الآخرين وألقوهم في الجب. أما النساء فراحوا يسحلونهنَّ من شعر رؤوسهنَّ الواحدة تلو الأخرى وهنَّ عاريات، ثمَّ يطعنون أجسادهن المُرتعشة بالخناجر والسكاكين، مُذيقينهنَّ أقسى أنواع العذاب، ويرمون جثثهنَّ في الجب حتى أنَّ بعضهنَّ كان فيهنَّ رمق من الحياة، فتكدَّست جثثهنَّ على شكل أكوام كبيرة مُلطخات بدمائهنَّ.
إن شهودعيان من الماردينيين الذين عاينوا عن كثب ما جنته أيدي المجرمين بإبادتهم لأفراد تلك المجموعة، واندهاشهم بثباتهم القوي بايمانهم المسيحي! هم الذين رووا هذا الحدث الجهادي لتلك النسوة اللائي تحملن أقسى العذاب وهنَّ مُقيَّدات بأصفاد وقلوبهن تذوب حزناً على فلذات أكبادهن وهنَّ يرونهم يُخطفون من بين أحضانهنَّ. إنَّها المجموعة النسائية الثانية التي ظفرت بأكاليل الشهادة، والتي تركت أثراً بالغاً في نفوس من شاهدوا جهادهنَّ العصيَّ على الوصف، والذي أذهل حتى منفذي المذبحة بقوة صبرهنَّ والشجاعة التي أبديناها في ذلك النزال المرير، حين رأوا اندفاعهنَّ لإستقبال الموت دون أن ينال منهنَّ الخوف أو التردُّد. كان جهادهنَّ مدعاة عجبٍ، تجلَّت فيه قوة الله أمام عيون الكفرة، أجل، القوة الإلهية الخفية هي مصدر شجاعة المؤمنين بها، وهي التي تُساعدهم لإحتمال كُلِّ أصناف العذاب حتى القتل.
ترحيل النساء وأسر الرهبان السريان
لم يمُلَّ المجرمون القتلة من البحث والتفتيش ليلاً ونهاراً، في أحياء ودور المدينة، يُلقون القبضَ على المؤمنين المسيحيين نساءً ورجالاً شيوخاُ وأطفالاً مِمَّن لم تطلهم ايديهم الآثمة من قبل، فيحتجزونهم في كنيسة مار كوركيس ليبدأ ترحيلُهم بعذ ذلك. ففي الثاني من شهر آب 1915م إكتملت لديهم مجموعة فاقتادوها خارج المدينة عن طريق بوابتها الغربية، وقبل أن يجتازوا البوابة أوقفوا المجموعة للتفتيش، كان القوميسير ممدوح "مدير شرطة" الأسوأ بين هؤلاء القتلة شرساً شرها لنهب أموال ومقتنيات المسيحيين، حيث كان يقوم بتفتيش المجاميع الخارجة من المدينة.  لم يقتصر تفتيشه على ألبسة النسوة وأمتعتهنَّ فحسب، بل كان يبحث حتى في جيوبهنَّ وثيابهنَّ الداخلية وفي ثنايا شعر رؤوسهنَّ، فيأخذ كُلَّ ما يجده في حوزتهنَّ من ذهبٍ وفضةٍ ومجوهرات وحتى قطعة قماش فيما لو راقت في عينيه. وكان ينتزع اعترافاتهنَّ عن طريق الضرب المُبرَّح، حيث يسأل كُلَّ واحدة منهنَّ: أين ولدى مَن أمَّنت مقتنياتها. وعند ضربه لإحداهنَّ ضرباً قاسياً ومتواصلاً، انهارت واعترفت بأنها وبعض زميلاتها أودَعنَ مقتنياتهنَّ لدى رئيس دير مار افرام.
وللحال ترك ممدوح المجموعة في موضعها، وتوجَّه بصحبة عددٍ من رجاله قاصدين دير مار افرام، وفور وصولهم الى الدير ألقوا القبض على رئيسه. وراح ممدوح يسأله عن الودائع المؤمنة لديه، وعندما نفى رئيس الدير عِلمَه بما سأله ممدوح، لجأ ممدوح الى استخدام وسائل الضغط والتعذيب والإهانة ضِدَّه، وبذلك تمكَّن من الإستحواذ على الودائع المؤلفة من كميات من الذهب والفضة والمصوَّغات والأحجار الكريمة، لم يكتفِ بها هذا الشره، وإنما استحوذ على كُلِّ ما عثر عليه في الدير من النذور والهدايا المُقدمة للدير في السابق، فحملوها هو ورجاله مُستعرضين إياها على الناس وهم يجوبون بها وبرئيس الدير ورهبانه السبعة عشر في شوارع المدينة وأزقتها، مُهينين كرامتهم متجاهلين وقارهم وحشمتهم، وكان ممدوح يسير خلفهم متعجرفاً متباهياً بما قام به من غدر ومكر، ومتهماً إياهم بالتستُّر على أموال ومقتنيات أعداء الدولة، وكأنه بعمله هذا قد القى القبض على عصابة من اللصوص وقطاع الطرق.
سلَّم تلك الودائع للمتصرف بدري، وزجَّ الرهبان ورئيسهم في السجن. فتحرَّك مارجبرائيل تبوني الوكيل البطريركي آنذاك، وبذل جهداً كبيراً لإنقاذهم من المصيبة التي حَلت بهم، فقد أرضى ممدوح بخمسمِئة ليرة ذهب بحسب قول الرهبان، وأطلِق سراحُهم في الخامس عشر من آب 1915م وعادوا الى ديرهم. لقد كلَّفتهم هذه الحادثة أكثر من الفي ليرة ذهب دفعوها على شكل غرامات فدية عن حياتهم وسلامتهم، إذ كانوا معرَّضين لتُتَّخذ بحقِّهم عقوبات صارمة.
في الرابع من آب 1915م توفَّرت لدى هؤلاء الإنتقاميين القتلة بعد ملاحقاتهم المُستمرة للقبض على المسيحيين مجموعتان اخريان، قاموا بترحيلهما وإلحاقهما بالمجموعة التي أتينا الى ذِكرها قبل قليل. فغدا عددُ نفوس المجموعات الثلاث يُناهز الخمسمِئة فرد. فقاموا بسوقهم جميعاً، وفي أثناء الطريق وقبل أن يصلوا بهم الى قرية تل الأرمن، قتلوا عدداً كبيراً منهم، وواصلوا مسيرهم بالباقين حتى بلغوا بلدة رأس العين، ومنها رُحِّلوا الى حلب بواسطة القطار، وبعد وصولهم الى حلب لم يستقرّوا فيها حيث تبدد شملُهم وتبعثروا في المدن السورية، وأن البعض منهم حطوا الرحال في بلدة الطفيلة الأردنية.
وبعد أقلِّ من اسبوعين وبالتحديد في الخامس عشر من آب لنفس العام، قام المُجرمون بسوق مجموعة اخرى شملت نساء وأطفالاً وشيوخاً ناهز عددُهم الأربعمِئة فرد، ولما وصلوا بهم الى قرية دوحسير، كان قتلة آخرون قد جمعوا من قرية الأرمن ثمانين امرأة وطفلاً، فضموهم الى هذه المجموعة، وباتوا تلك الليلة هناك. وفي الصباح التالي مضوا بهم الى بلدة رأس العين، ومن هناك حشروهم في القطار الذي نقلهم الى حلب وعلى غِرار سابقيهم تبعثروا متشردين في مدن سوريا وقراها.
ترحيل مجموعة اخرى من النساء
لم يكفَّ المضطهِدون عن تعقب المسيحيين وإلقاء القبض عليهم، ففي التاسع عشر من آب 1915م انتهوا من جمع مجموعة اخرى قِوامها نساء وأطفال وشيوخ، لم نقف على عددِ أفرادها، اقتادوم باتجاه نصيبين ليُرحَّلوا من هناك الى الموصل، ولما كان الحرُّ شديداً وغالبية المجموعة كانت من النساء والأطفال الذين لا يقوون على المسير، جلبوا لهم الحمير واركبوهم، ثمَّ واصلوا المسير. وفيما هم يسيرون، وقع نظر إحدى النساء على قشر بطيخ مُلقىً على الأرض، ولما كان العطش قد أضناها، نزلت عن ظهر الحمار وتناولت القشر ووضعته في فمها المتيبس عساه يترطَّب، وما إن شاهدها أحد أفراد الحماية المرافقة حتى هجم عليها كالكلب المسعور، وضربها بقسوةٍ على رأسها بهراوة غليظة فهشَّمه، فسقطت تلك البائسة للحال وأسلمت روحها الطاهرة وقشر البطيخ بين أسنانها، فسحلها بعيداً عن الطريق، وتركها والتحق بالقافلة. وبعد تسليم زمرة الحماية المجموعة الى زمرةٍ اخرى. لم يلبثوا إلا أياماً معدودة، ثم قفل المجرم القاتل وصحبُه راجعين في ذات الطريق وما إن بلغوا الموضع الذي فيه ارتكب الجريمة البشعة بقتله تلك المرأة البائسة، حتى طالته العدالة الإلهية، فانتابه مغص شديد في معدته، وبالكاد أوصله رفاقه الى داره. فمات موتاً شنيعاً أمام أهل بيته وهو يصرخ بمرارة من شدة الألم، فكان جزاؤه موازياً لفعله الشنيع بفتله لبريئة بمنتهى الحقد والقساوة. وهكذا فإنَّ الإنتقام الإلهي للمظلوم لا يُهمل الظالِم وإن كان يُمهله أحياناً، ويقول الراوي مار اودو، بأنَّه لم يستطع الوقوف على اسم تلك المغدورة ولا اسماء مُعظم أفراد تلك المجموعة.
ويُضيف مار اودو بأنَّ مجموعتين اخريين من المسيحيين تمَّ ترحيلُهما الى الموصل بتاريخ الرابع والعشرين من آب 1915م، ولكننا لم نقف على عددهم ولا على أسمائهم، وكلما نعرفه هو أنَّ القس اوغسطين خرموش شاهدهم وهم نزلاء في كنيسة الطاهرة التي على ساحل دجلة في الجانب الشمالي من الموصل والمجاورة (للدير الأعلى المعروف تاريخياً بدير مار كابرييل ومار ابراهيم، وقد اندثرت معالمُه ولم تسلم منها إلا كنيسته "كنيسة الطاهرة للكلدان" وفي أواخر القرن العشرين شيَّد راعي ابرشية الموصل المثلث الرحمات المطران كوركيس كرمو على جزءٍ من مساحتها داراً للمطرانية رائعة الجمال) وبحسب قول القس اوغسطين كانوا رجالاً ونساءً وأطفالاً في حالةٍ يُرثى لها، مُتعبين منهكي القوى وجائعين، وقد داهمت الأمراض عدداً كبيراً منهم، وكانت بطريركيتُنا الكلدانية قريبة من مأساتهم وقدَّمت لهم كُلَّ ما بوسعها من خدمات للتخفيف عنهم.
آخر مذابح مسيحيي ماردين
يروي المطران مار اودو قائلاً: وفي منتصف ايلول لعام 1915م، وبينما كنت جالساً في غرفتي وقت مغيب الشمس، طرق سمعي صوت جلبةٍ وضجيج وصراخ آتياً من الطابق السفلي لدار مطرانيتنا شبيهاً بصوت الرعد، فبادرت للحال لإستطلاع الأمر، فإذا بزمرةٍ من العساكر المدججة بالسلاح، تصرخ بصوتٍ مُرتفع، وهي تُحيط بكاهننا القس بولس بيرو يسألونه: في أيِّ اتجاه؟ فأشار بيده الى الباب الخارجي للدار، فاندفعوا نحوه وخرجوا مُسرعين. وبعد ذهابهم ناديت القس بولس فسألته ما الحدث؟ فأجابني بأنَّ زمرة من العسكر داهمت دار جارنا الشاب اسكندر من عائلة كسبو، ففرَّ من مخبئه من أمامهم وتسلَّق الجدار الفاصل بين المطرانية وداره، وقفز الى ساحة المطرانية ودخل الى غرفتي مُختبئاً، فكانوا هم يتعقبونه وقفزو الى داخل الساحة. وفي الحال أدركت بأنَّ الشرَّ قد يطالنا، فتركته في غرفتي وأوصدت الباب وخرجت فوراً لإستقبالهم، قبل أن يدخلوا الى غرفتي ويعثروا عليه، ولما سألوني أشرت إليهم نحو الباب الخارجي مُموهاً عليهم بأنه خرج من هناك، فنجونا من شرِّهم، وبعد تأكُّدي من انصرافهم، طلبت منه الخروج بسرعة، فتوجَّه نحو الجدار فتسلقه وقفز الى ساحة داره واختبأ. لقد تصرُّف القس بولس بيرو بفطنةٍ وشجاعة أدَّتا الى إنقاذ الشاب اسكندر ونجاتنا نحن أيضاً، فلو قُدِّر ووجدوه عندنا لكان الموت مصيرنا، شكراً للعناية الإلهية التي كانت الحاجز بينهم وبيننا. إلا أنَّه لم تمضِ إلا أيام قليلة حتى داهم لعسكر دار الشاب اسكندر، فاعتقلاه وأخاه الياس، واقتادوهما الى الكنيسة المُحتجز فيها العديد من النساء والأطفال والرجال والشباب وحتى ذوي العوق والمُصابين بعاهات اخرى مختلفة.
قام القتلة المُجرمون بترحيل افراد هذه المجموعة يوم السبت الخامس والعشرين من ايلول، مقتادين إياهم في الطريق الى قرية بوويري القريبة من ماردين، وما إن وصلوا إليها حتى قاموا بفرز الشيوخ والعجزة من المشلولين والذين لا يقوون على مواصلة المسير، فالقوهم وهم أحياء في جُبٍّ بجوار القرية، وذهبوا بالبقية الى قرية حرين الواقعة الى جنوب شرقيِّ ماردين وتبعد عنها مسيرة أربع ساعات، ومنها اقتادوهم نحو الجب القريب منها، وبدأ الجلادون بتجريدهم من ملابسهم كعادتهم، ثمَّ يفرزون كُلَّ عشرة أفراد منهم رجالاً ونساءً دون تمييز ويذبحونهم كالخراف، ويرمون جثثهم في الجب حتى الى آخر من سلم من أيدي الأكراد الذين كانوا قد خطفوا عدداً من النساء والأطفال، وكان عدد شهداء هذه المجموعة المظفرة من الرجال والنساء يربو على الأربع مِئة شهيد. وتُعَد هذه الكوكبة من الشهداء الوجبة الثالثة التي تظفر بأكاليل الشهادة. أما الشاب اسكندر كسبو الضي أتينا الى ضِكره في أعلاه، فقد أنقذه أحد الأكراد وجعله عبداً له لِما يقرب من ثلاث سنوات ثمَّ أعتقه، فقدم إلينا وروى لنا تفاصيل هذه المجزرة وكيفية نجاته التي وصفها بعجائبية!
ولم يكتفِ المُضطهدون بذبحهم الوجبات الثلاث من المسيحيين التي أتينا على ذِكرها في حلقاتنا الثلاث، فقاموا بتمشيط بيوت وأزقة المدينة لعلَّ أنَّ البعض من المسيحيين قد أفلتوا من ايديهم أو قد احتموا لدى جيرانهم، فأفلحوا بجمع عدد من النساء العجائز والشيوخ وجأوا بهم الى باحة الكنيسة واحتجزوهم فيها، ولما اقتنعوا بأن منازل المسيحيين قد فرغت من أصحابها. قاموا في أواخر ايلول بإخراج الأنفس التي جمعوها وكان عددُها يزيد على المِئتي نفس، فاقتادوهم في الإتجاه الغربي لمدينة ماردين، حيث توجد أكوام عظام شهداء المجموعة الأولى من الرجال، وهناك قاموا بتمزيق أجسادهم المُنهكة، فامتزجت دِماؤهم الطاهرة بدماء رجال الوجبة الأولى الأبطال التي سُفِكت من أجل اسم المسيح بن الله بكر الشهداء، وباستشهاد هذه الوجبة اختُتِم مسلسل المذابح الجماعية. والى الحلقة الرابعة قريباً
الشماس د. كوركيس مردو
في 19/5/2015

59

اضطهاد الكلدان والسريان بشقّيهم قبل مئة عام
الحلقة الأولى
ننقل بتصرُّفٍ صياغي دون الإخلال بالمضمون أحداث اضطهاد الكلدان والسريان بشقيهم  السريان المونوفيزيين الأرثوذكس والسريان الكاثوليك عن شاهد عيان المطران الكلداني ماراسرائيل اودو في كتابه الموسوم:
(اضطهاد المسيحيين من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة "الآثوريين" والأرمن في ماردين، سعرد، آمد، الجزيرة، نصيبين والرها وغيرها عام 1915م في تركيا / ترجمة. الشماس خيري فومية/ مشيكَن- أميركا 2009م)
ففي (توطئة الكتاب اعلاه ص 9- 10) يقول المؤلف ماراسرائيل اودو: بأنَّ اضطهاد المسيحيين "أبناء الطوائف المسيحية" في ماردين باستثناء اليعاقبة "السريان الأرثوذكس" منهم في باديء الأمر، بدأ يوم الثالث من حزيران عام 1915م ولم تخمد نارُه حتى نهاية تشرين الأول من العام ذاته. ويُضيف: لم اسخِّر قلمي لأدوِّنَ هذا السِّفر، إلا على ما رأيته بأم عيني وسمعته باذني من الحقائق، مُبتعداً عن الإطالة ما استطعتُ. أما عن الذي دوَّنته نقلاً عمّا رُويَ لي، لم أقبله ولم أدَوِّنه إلا بعد البحث والتمحيص الدقيق، مُسجِّلاً لكُلِّ حادثٍ سببه.
يقول مؤلف الكتاب أعلاه في (الصفحة 26) وبعد التحقق وقفنا على السبب الواهي الباطل، الذي أتِّخِذ ذريعة لإبادة الأرمن، وهو مُطالبتهم بحريتهم، لكننا لم نجد أية ذريعة مهما كانت تافهة لإضطهاد الكلدان والسريان بشقيهم المونوفيزيين الأرثذكس والكثوليك وليس كما سمّاهم "الآراميين)لأنها تسمية خاطئة ولا تمت الى الحقيقة التاريخية بصلة، كما لا يُمكن لأحدٍ مهما تمادى في البحث عن ذنبٍ اقترفه هذا المكون الكلداني السرياني البائس والمظلوم في بلده الأصيل المُحتل من قبل مُضطهديه الغزاة، ومع كُلِّ ذلك فلم يكن بعيداً عن الحسد الذي تضمره له السلطات الغازية الحاكمة المتزمتة إسلامياً وقومياً، فكان ذلك السبب في اضطهاده للإستحواذ على ثرواته، إذ كان شعباً ذكياً يسعى الى جمع الثروة بجهوده الكبيرة لإسعاد عوائله وأبنائه، حيث يقول الأب ريتوري في كتابه (مسيحيون بين أنياب الوحوش / تحقيق جوزيف اليشوران / تعريب الأب عمانوئيل الريس ص 172) كان المسيحيون في تركيا يعملون في التجارة والصناعة ويمارسون المهن الحرة في الجزيرة اكثر من غيرها من المدن التركية، فجعلهم ذلك موضع حسد المُسلمين، اما القس اسحق ارملة فقد ذكر في كتابه (القصارى في نكبات النصارى طبعة بيروت 1919) بأن ما يربو عن الفي حانوت من حوانيت ماردين كانت تعود للمسيحيين. تُرى، فبأيِّ حَقٍّ يُعتدى على الشعبُ المسيحي الأعزل من قبل الأقوام التي احتلَّت أرضه وأهانت كرامته؟
ويستطرد المؤلف في (الصفحة 27 – 28 – 29) إنَّ المُعتدين من المسؤولين والحكام العثمانيين يلقون اللوم على أبناء القبائل الكردية واصفين إياهم بشدة الخبث الذي يعتمر في نفوسهم، هو الذي دفعهم للقيام بارتكاب جرائم الإبادة ضِدَّ المسيحيين مستغلّين انشغالنا بالحرب. إنَّ هذا الإدعاء ضعيف وسخيف معاً يدعو الى الإستهزاء والسخرية، ولا ينطلي حتى على الأطفال الأبرياء لأنَّه مبنيٌّ على الكذب، والدليل على ذلك، أنَّ لجنة إصدار أوامر الترحيل والإعدام كانت مؤلفة من رؤساء المدينة وحكّامها، وبأوامر من سلطات جمعية الإتحاد والترقي الحاكمة الباغية.  وقد شاهدنا عن كثب كيف كانت تُشرف على عملية مُداهمة الشوارع والحوانيت وساحات المدينة لإلقاء القبض على أبنائنا من الكلدان والسريان والطوائف المسيحية الأخرى، ولم تسلم الكنائس من رجسهم حيث اقتحموها واعتقلوا جميع الكهنة والشمامسة وزجّوهم في السجن، وبعد أن أساموهم أمَرَّ العذابات، نقلوهم الى خارج المدينة وأعدموهم بأمر حاكم المدينة المارديني. وكان بينهم سبعين فرداً من أبنائنا كلدان ماردين قد قُتِلوا عدا العدد الكبير من الشبّان الذين سيقوا الى جبهات القتال ولم يَعُد أحدٌ منهم.
أما في مدينة آمد "دياربكر" فقد أقتيدَ في قافلةٍ واحدة أفراد خمسة وثمانين بيتاً من رجال ونساءٍ واطفال، وأتوا بهم الى ماردين ووضعوهم في كنيسة ماركوركيس العائدة للأرمن وكان من ضمنهم شقيق القس سليمان كوجك اوسطا أحد كهنتنا الكلدان في آمد مع أفراد عائلته ووالدته العجوز، فقضوا عليهم جميعاً، ولكنَّ حارساً كان له معرفة بالكاهن جيدة جاء به الى عندنا وهو الذي أعلمنا بالحادث. وبناءً الى ما أبلغنا به، قدمنا التماساً الى المتصرف مُعلِمين إياه بأنَّ القافلة تضم كلداناً، وأن الأوامر لا تقضي بقتل الكلدان بحسب البيان الذي قرأه المُنادي، بيدَ أنَّ المتصرف رفض التماسنا ولم يُطلق سراح اولئك الكلدان.
في مدن نصيبين والجزيرة وميافرقين وسعرد وغيرها، استقدم امراءُ وحكامُ هذه المدن الأكراد من الجبال وطلبوا منهم الإشتراك مع العساكر، بإخراج المسيحيين من بيوتهم، فقامت العساكر وبأمر من الحاكم بإخراج الرجال اولاً وزجهم في السجن، ثمَّ أخرجوا النساء والأطفال والقوهم في السجن ايضاً، فذبحوا عدداً كبيراً منهم، وسبوا واستعبدوا الباقين. وإليكم ما قاله مُسلمو ماردين بهذا الصدد: < إنَّ الكاثوليك هم أتباع البابا وأعداء السلطنة وخونتها، ولهذا أمرنا بإبادتهم! وبما أنَّ اليعاقبة ليسوا موالين لأيَّة جهةٍ أجنبية منذ بدايتهم، لذا فهم أحبّاؤنا وفي حِمانا، وعليه فقد حافظنا عليهم ولم يُمَسّوا بأذىً. وبعد هدوء الإضطهاد ووقف عمل السيوف، انبرى أكراد ماردين من الرجال والنساء الى إسماع المسيحيين الناجين من المذابح تهديداً طالبين منهم نبذ المسيحية واعتناق الإسلام، ولن يكون مصيرالرافضين سوى الموت.
ويُتابع المطران اسرائيل اودو قائلاً: نستطيع أن نُجزم بأنَّ كُلَّ اولئك الذين استشهدوا وخاصةً من الكلدان والسريان الكاثوليك في كُلٍّ من آمد وماردين وسعرد والجزيرة ونصيبين وغيرها من المدن والقرى التي لا تُحصى، من مطارنةٍ وكهنةٍ وشمامسة ومؤمنين رجالاً ونساءً وفتياتٍ وفتياناً وأطفالاً رضعاً، هم شهداء حقيقيون للديانة المسيحية. لذا يحق للكنيسة الكلدانية أن تفتخر أمام أمم الأرض كُلِّها، بأنها وحتى في القرن العشرين، هي كنيسة الشهداء، كما كانت ومنذ انطلاقة المسيحية في ربوع بلاد بين النهرين، وبخاصةٍ في عهد الملك الفارسي الجائر شابور الثاني الساساني، وغيره من الملوك الذين تعاقبوا على حكم هذه البلاد. إنَّ عشرات الآلاف بل مئات الآلاف من الشهداء الذين نالوا اكليل الشهادة حفاظاً على درة الإيمان المسيحي الثمينة المخزونة في قلوبهم وضمائرهم، قد قدَّموا رقابهم كهدية أكثر قبولاً وتقديراً، ومن أجل يسوع الشهيد الأعظم. وهم كالنسغ الروحي، وأسمى من الطبيعة يجري في عروق الدوحة الباسقة الأغصان. ومن مجموع قتلى ماردين كانت حصة الكلدان سبعون شخصاً عدا العدد الكبير من الشباب الذين سيقوا الى جبهات القتال، ولم يَعُد منهم أحدٌ، أما عدد قتلى الكلدان من مديات وكفرجوز فكان واحداً وخمسين فرداً من الرجال والنساء. وفي منطقة تل الأرمن في ماردين كانت تسكن ما تزيد عن 800 عائلة أرمنية كاثوليكية وكانت تعيش بينها خمس وخمسون عائلة كلدانية، فتمَّت إبادتها عن بكرة ابيها، وفي نصيبين ابيدت ثلاثون عائلة رجالاً ونساءً مع كافة أبنائها.
وفي (الصفحة 31 – 32 -33) نختصر ما ورد فيها على لسان المؤلف المطران مار اودو حيث يقول: بعد نشوب الحرب العالمية الأولى بسبعة أشهر وبالتحديد في شهر شباط عام 1915م أصدَرت الحكومة العثمانية قراراً بفصل كافة الموظفين المسيحيين عن مناصبهم التي يشغلونها في دوائر الدولة وعلى كُلِّ المُستويات وفي عموم أنحاء السلطنة. وأعقب هذا القرار قرار آخر أشدُّ لهجةً من الأول، يُلزم المسيحيين كافة بتسليم جميع ما بحوزتهم من الأسلحة والأعتدة وخلال ثلاثة أيام فقط من صدوره، وعلى إثرها بادر العسكر بمُداهمة دور المسيحيين بحجة البحث عن الأسلحة المُخبأة، فبدأوا بضرب النساء والإستهزاء بهنَّ بتهكُّم وسخرية، وراحوا يحفرون في باحات الدور وفي الكنائس وحتى في أسفل المذابح المقدسة المكرَّسة لتقديم الأسرار المقدسة هادمين الجدران وقالعين الأسس بذريعة البحث عن الأسلحة فلم يعثروا على شيء وذلك لسبب بسيط هو لأنَّ المسيحيين لم يكن لديهم أيَّ نوع من السلاح.
إعفاء متصرفَين شهمَين
في شهر آذار نُقل الدكتور رشيد والي الموصل وعُيِّن والياً على آمد "دياربكر"، وبحسب ما وصفه الأب جاك ريتوري في كتابه  المُعنون ( مسيحيون بين أنياب الوحوش...ص 54) < بأنه لما قدم رشيد باشا الى دياربكر كان خالي الوفاض، بعد سنة غادرها الى انغورا في قافلة تضم 24 عربة مُحملة بالذهب والجواهر وطنافس وأثاث فاخر وأشياء اخرى ثمينة  نهبها من منازل الأرمن، قُدِّرَت كمية ذهبه بمئة الف ليرة عثمانية أمَّنها قبل مغادرته، ويُضيف الأب جاك في (الصفحة279) وبحوزته مئة الف ليرة ذهبية جناها من المذابح في ولايتي دياربكر وانغورا >. وما إن باشر مُهمَّته في دياربكر حتى أعطى الأولوية لتنفيذ قرارات جمعية الإتحاد والترقي القاضية بإبادة الأرمَن، فقد منح صلاحيات سرية صارمة للسيد حِلمي متصرِّف ماردين يطلب منه إبادة مسيحيي ماردين وضواحيها بدون تمييز، ولما كان السيد حِلمي رجلاً يتصف بالعدالة والنزاهة، لا يرغب بسفك الدماء البريئة، كتب بجرأةٍ الى الوالي وقابله عِدة مرات موضحاً بأنَّ هذه الأوامر والتعليمات لا تشمل جميع مسيحيي ماردين، وإنَّهم يستنجدون به وهم لا يملكون أيَّ نوع من السلاح، كما أنهم يختلفون عن الأرمن قومياً وحتى لا يتفقون معهم عقائدياً ومذهبياً. وحين تبيَّن له بأن كُلَّ مساعيه لدى الوالي لم تُجدِ نفعاً، طلب إعفاءَه من منصبه، فقبِل طلبُه وعُيِّن بديلاً له شفيق بك  منقولاً من ولاية وان. وكان لشفيق بك إطلاع  على قلاقل ماردين منذ أن كان متصرفاً عليها قبل أن يخلفه حِلمي بك صديقه الحميم،< إذ في الأول من شباط 1915م أقدمت السلطات العثمانية على استهداف الأرمن لإبادتهم، ولكنَّ الأرمن تمكنزا من الإختباء، ومعظمُهم لاذوا بالفرار والتجأوا الى روسيا >.  وكان شفيق بك كحلمي بك عادلاً لا يرضى بالظلم، فلم يشأ الإنزلاق والمُشاركة بهذا الظلم والإضطهاد الكبيرَين، فطلب هو الآخر إعفاءَه من هذا المنصب، ونقل الى بغداد وأسندت له وظيفة كاتب الولاية. وهذا دليل صارخ بأنّه مهما ازدادت شراسة الإستبداد والقتل والإنتقام بين أبناء البشر، ولكنَّهم لا يخلون من ذوي الضمائر الحية!
وعُيِّن متصرفاً على آمد "دياربكر" بدلاً عن شفيق بك "بدري بك" الذي بإشرافه جرت المأساة، حيث قام ياوره رشيد "مساعده" بإرسال توفيق بك الجركسي وبمعيته قومسير آمد ممدوح "مدير شرطة" وقد قال عن توفيق بك الأب جاك ريتوري في كتابه ( مسيحيون بين أنياب الوحوش... ص 54) بأنَّ توفيق بك الياورالأمين نال ثناء حكومته لقاء ارتكابه اعمالاً إجرامية بحق المسيحيين، وقد انصرف وحقائبُه منتفخة بالأموال التي نهبها منهم! قام توفيق والقومسير ممدوح فور وصولهما الى مدينة ماردين، وبعد أن لقيا تعاونا من زعماء مُسلميها واستعدادهم ليس لإرشادهما على عشرة من رؤساء الأرمن الكاثوليك البارزين حسب طلبهما بل إنَّهم مستعِدّون لتسليم كافة مسيحيي ماردين وضواحيها للموت، فسرَّهما هذا الموقف العِدائي من مسلمي ماردين تجاه مسيحييها المناقض تماماً لِما كان عليه الطرفان قبل ذلك وعلى مَرِّ الزمن يعيشان بمحبةٍ  ووئام! فشكَّلا لجنة من أربعين شخصا من عشائر ماردين برئاسة عبدالقادر باشا والمفتي حسين وخدر كوميري رئيس الحامية وأغوات العديد من العشائر الكردية وبخاصة أغوات عشائر الكُرد الثلاث التي كانت تقطن ماردين من زمن بعيد. وقد خُوِّلت هذه اللجنة بإصدار أوامر وأحكام إبادة المسيحيين سكان البلاد الأصليين من جميع الأجناس والأعمار.
يُتابع المؤلف ماراودو في (الصفحة 34 – 37) في عصر يوم الثالث من حزيران 1915م المصادف لعيد الجسد، اعتُقِل مارأغناطيوس مالويان مطران ماردين وتوابعها للأرمن الكاثوليك العالِم البليغ وهو في العقد الخامس من عمره، ومعه سكرتيره الشاب القس بولس سنيور، وفي اليوم التالي القي القبض على جميع رؤساء ونبلاء ووجهاء الأرمن والكلدان والسريان بشقيهم الكثوليك والمونوفيزيين اليعاقبة، ووصل عدد المُعتقلين خمسمائة وإثنين بضمنهم كهنة ارمن وسريان كاثوليك، وبعد أن فتشوا الدور والكنائس ونبشوا حتى القبور ولم يجدوا ما يُجرم المسيحيين، أبرزوا رسالة من شخص أرمني موجهة الى المطران مالويان، ورد فيها: < ها إننا قد هيّأنا البنادق والعتاد، واشترينا منها ستة أحمال، وسنكون عندك قريباً مع السلاح. (يقول القس اسحق ارملة في كتابه "القصارى في نكبات النصارى" هذه الرسالة قد اختلقتها السلطات العثمانية، لتجعل منها ذريعة لتبرير جريمتهم بتصفية الأرمن وبقية المسيحيين جسدياً، وقد ايَّدَ هذا الإختلاق الأب جاك ريتوري في كتابه (مسيحيون بين أنياب الوحوش...). ويتقزز صاحب أقسى قلب من وصف ما أساموه هؤلاء الأنجاس للمعتقلين المسيحيين الأبرياء!
استشهاد الوجبة الأولى
ويواصل الحديث ماراودو قائلاً: وبعد أربعة أيام أُطلِق سراح اليعاقبة الخمسة والثمانين، وكان المؤمَّل أن تكون المرحمة شاملة لكُلِّ السجناء، ولكنَّ ذلك الأمل لم يتحقَّق، إذ بعد أربعة أيام تالية، أُخرج جميع الباقين ليلاً، واقتيد كُلُّ أربعة منهم وقد قُيِّدوا بالحبال، والبعض منهم قد قُيِّدت أعناقهم وأياديهم وكأنَّهم مُجرمون قتلة. وأتجهوا بهم  صوب آمد تحت حراسة ثمانين فارساً، وبعد مسير ساعة واحدة حادوا بهم عن الطريق وأدخلوهم في شِعاب ووديان لا وجود للبشر فيها، إلا زمرة من الأكراد الأشرار مدججين بالأسلحة كانت بانتظارهم. وللحال أخرج قائد المفرزة فرماناً من عُبِّه يقضي بقتلهم، وبعد أن قرأه على مسامعهم، أردف قائلاً: إن أسلمتم واعترفتم بنبيِّنا، سنُشفق عليكم ونُعيدكم سالمين الى بيوتكم.
وكأنَّ إلهاماً أتى اولئك المؤمنين ففطنوا لتلك الخِدعة، ودبَّت فيهم الشجاعة وأجابوا قائد المفرزة بجرأة ورزانة وبصوتٍ واحد: < إسمع إذاً أنت وأفراد زمرتك، وانقل أقوالنا الى رؤسائك، نعلم يقيناً بأننا أبرياء أمام الله وأمام الشعب مما تتهموننا به. وضميرنا شاهد علينا، وحتى أنتم تشهدون لنا، ناهيك عن شهادة أهل ماردين بحسن سيرتنا وأخلاقنا وإخلاصنا للدولة ولكُلِّ فئات الشعب، وذلك بفضل ما تعلمناه وورثناه من آبائنا وأجدادنا الأبرار. فإذا كانت السلطات وأهالي ماردين لا يُريدوننا وينشدون قتلنا ظلماً وجوراً، فليكن دمُنا ودمُ نسائنا وأطفالنا الطاهر الذي ستسفكونه أنتم ظلماً شاهداً عليكم وعلى هذه الدولة يوم القيامة. إنَّ ساكن السماء لا يخفى عليه ما يكُنُّه البشر في قلوبهم وضمائرهم من مكر وخداع، وله سنترك الإنتقام من ظالمينا الطالبين مِنا أن نجحد ايماننا. إشهدوا علينا أنتَ وزُمرتُك، ونعلن جهاراً بأننا جميعا قد وُلِدنا مسيحيين وتربينا على ايمان حقيقي، وكذلك ليكن موتُنا، فلن تُضِلَّنا وعودكم الكاذبة، ولن نخشى القتل والموت، وقد كُتِبَ: <لا تخافوا من الذي يقتل الجسد، فإنَّه لا يستطيع أن يقتل الروح/متى 10-18> ثمَّ صاح الجميع بأعلى صوتهم قائلين: إننا جميعا مستعِدون للموت من أجل مسيحيتنا.
أخذ العجبُ مأخذه من اولئك الفرسان لشجاعة وبطولة هؤلاء الرجال الصالحين البواسل، فمنحوهم وقتاً زهاء نصف ساعةٍ ليستعِدوا فيها للموت بالصلاة والتوبة، أما الأشرار فكانوا يُعِدّون عِدَّتهم لتنفيذ المجزرة بحق هؤلاء الأبرياء الأبرار، وما إن انتهى الوقتُ الممنوح لهم، حتى انتصب شابٌّ في وسط الجمع واتجه بناظريه نحو الشرق رافعاً يديه نحو السماء (لم نعرف اسم الشاب ولا اسم عائلته) وأخرج من جيبه كتاب صلوات، وبدأ بتلاوة الصلوات والتضرعات وشاركه المؤمنون لمدة نصف ساعة، نالوا بعدها الحلة من قبل الكهنة الذين معهم، لأن (المطران اغناطيوس مالايان كان قد عُزل عنهم، وخُيِّر بين اعتناق الإسلام أو الموت، فرفض اعتناق ديانة تدعو الى ارتكاب مثل هذه الأعمال، فضُرب بقساوة حتى تدفق دمُه ولم يتذمَّر، لأنَّ المسيح كان يُساعده، وفي الآخر اجهزعليه القومسير ممدوح بالخنجر، وأخذ ملابس المطران وباعها في ماردين.)، وبعد أن أتمَّ المؤمنون صلواتهم وأصبحوا مُستعدين، تقدَّموا بمنتهى الجرأة صوب القتلة قائلين لهم: أكملوا مُهمتكم، وللحال شرع السفاحون الفرسان والأكراد بفرز كُلِّ عشرة مؤمنين، ثمَّ يُجهزون عليهم ذبحاً كالخراف، أو بقر بطونهم بالخناجر، أو ثقب أجسادهم برصاص منصهر، أو تهشيم رؤوسهم بالهراوات والقضبان الحديدية حتى أتوا الى آخرهم، وانتهت تلك المجزرة المُروعة، وكان عددُ أفراد هذه المجموعة 477 فرداً على النحو التالي 106 سريان كاثوليك، 36  كلدان كاثوليك، 335 أرمن كاثوليك، وتمَّ استشهادُهم في منطقة تُدعى "قلعة زوزاون يوم الحادي عشر من حزيران عام 1915م.
في سبب إطلاق سراح اليعاقبة
(مترجم الكتاب الذي ننقل عنه احداث الإضطهاد العثماني للأرمن والمسيحيين الآخرين عامةً، يستميح إخوتنا الأرثوذكس اليعاقبة عذراً، في حاشية الصفحة 38، عن امور لا يرغبونها، ويُضيف: ولكنه كمترجم عليه نقل ما يذكره المؤلف بكُلِّ أمانة، مع تأكيده بأن تفاهم الطوائف المسيحية فيما بينهم اليوم هو غير ما كان عليه في الزمن الغابر، وأن أعداء المسيح يضعون جميعنا في خانة واحدة بدون تمييز بين مذهب وآخر لا الآن ولا في أيِّ وقتٍ مضى، وخاصة منذ مجيء الإسلام،  وإنَّ المؤلف لم ينسَ ذكرَ ما أصاب الأرثوذكس اليعاقبة لاحقاً من الإضطهادات والملاحقات،  ويعني ذلك أنه يكتب الوقائع التاريخية كما جرت).
في (الصفحة 38 – 39 – 40) يقول المؤلف: بعد إلقاء القبض على أشراف اليعاقبة ووجهاء المسيحيين الآخرين، وايداعهم  السجن بدون تمييز، أرسل اليعاقبة بعضاً من وجهائهم عند المسؤولين متوسلين بهم قائلين لهم:  <إننا ومنذ القِدَم نُعتبَر من مُحِبيكم وفي حماية نبيِّكم الذي هو نبيُّنا، وعبيداً وخدماً لكم ولأبنائكم ومنذ زمن مديد. وقدسجنتمونا اسوة بالذين يكرهونكم، وحُسِبنا بصف أعداء مملكتكم وخُلطنا مع الأشرار. فارحموا عبيدكم ولتسبغ مراحمُكم على أيتامِكم، وأنقِذونا في سبيل الله. بالنبي العظيم نستغيث، فاشفِقوا علينا>. ولما سمع المسؤولون أقوالهم، عطفوا عليهم، وأمروا بأن يُطلق سراحهم فوراً شرط أن تُتلى علناً العريضة الموقعة من وجهائهموالتي جاء فيها: < إنَّ مسيحيي ماردين وضواحيها من السريان الكاثوليك والكلدان والبروتستانت، هم أعداء المملكة، ومُبغضو هذا الوطن، وهم من مُحِبي الغرباء(الدول الأوروبية) ومن مؤيديهم، وعليه فجميعهم يستحقون الموت، وبعد أن تَلوا تلك الشهادة الخبيثة، أُخرجوا من السجن. وأدناه أسماء الموقعين على تلك العريضة: حنا اوسي القس حنا، منصور جبوري، نعوم شهرستان، حنا حناش، وحنا هداية. إنها الحقيقة التي أسمعني إياها حنا هداية بنفسه، وقال لي حرفياً: < لسنا نحن الذين كانت لهم يد في مقتل مسيحيي ماردين وضواحيها، بل حنا اوسي الذي كان قد قتِل في داره وهو راقد في فراشه ليلاً، بعد أربع سنوات من ذلك الحادث. المطران اسرائيل اودو.
في بعض سجايا اليعاقبة
إنَّ يعاقبة ماردين أطلقوا على أنفسهم "ايتام محمد" و"ايتاماً وعبيداً للمُسلمين"، لم يخجلوا من الإسم المُشين الذي تسمّوا به ليكون كعلامةٍ فارقة تُميِّزهم عن بقية المسيحيين (من المذاهب الأخرى) بل كانوا يتباهون به كما يتباهى المسيحيون الحقيقيون بعلامة الصليب، إنَّ عشرتهم للمسلمين كانت وعلى الدوام أكثر مما كانت للمسيحيين. وبسبب تلك العشرة، فقد اقتدوا بأحاديثهم، إذ أخذوا يستشهدون بآياتٍ قرآنية خلال أحاديثهم لسببٍ كان أو لغير سببٍ، فقط للإقتداء بالمُسلمين والتباهي بعاداتهم. يُزيِّنون جدران منازلهم من الداخل بلوحات مطرَّزة بآيات قرآنية، أضِف الى ذلك :  أنَّ كبار أحبارهم (مطارنتهم) يعترفون ويعظون شعبهم عن الدين الإسلامي ويُعظمونه علناً. ويتشبَّهوا بهم الى أقصى حدٍّ باليمين والقسم خلال أحاديثهم، ويضعون القرآن على رؤوسهم. ومُحاباة للوجوه، أخذوا يُجاهرون علناً بما يختلج بقلوبهم ويُعلِّمون أبناء طائفتهم قائلين: خير لنا أن نعتنق الإسلام مِن أن نتحوَّل الى الكثلكة. وكانوا يُحاولون سَدَّ كُل السبُل أمام الكاثوليك. ويدعونهم أعداء المملكة العثمانية ومُبغضي الوطن ومُحِبي الأجانت.
هناك سبب آخر لإطلاق سراح اليعاقبة، وهو أن في طورعبدين قرى كثيرة يسكنها اليعاقبة، وأكبر تلك القرى ميديات. وعلاوة على ما رويناه، فقد ظنَّ المسؤولون المذكورون، أنهم لو قتلوا يعاقبة ماردين وتصل تلك الأخبار الى أهالي طورعبدين، سيثورون ويتمردون، وبذلك ستصعب السيطرة عليهم وإبادتهم. لذا ارتأوا إطلاق سراح يعاقبة ماردين، وتأجيل ضربهم الى وقتٍ مناسب. لذا فأمر إعفائهم الذي اعلن انقذ هؤلاء الذين من مدينة ماردين، ولكن ما سيرد لاحقاً سيختلف. والى الحلقة الثانية قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في29 / 4 / 2015

60
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع والعشرون
الكنيسة في العهد المغولي

72- البطريرك يَهبَلاها الثالث المغولي 1281 - 1317م
في كتاب (خلاصة تاريخية للكـنيسة الكـلـدانية / ترجمة القس سليمان الصائغ ص 85 - 90) لَخَّصَ الكاردينال تيسيران قـصَّة ماريَهبَلاها الثالث التي نشرها الأب بولس بيجان بنصِّها الكلداني في باريس عام 1895م وقد إستعان كاتب القصة بكتابات "الربان صوما" رفيق البطريرك يَهبَلاها، حيث استندَ إليها بالقسم الأعظم مِن معلوماته. وسنقوم بدورنا بسرد أهمِّ الأحداث التي رافقت حياة هذا البطريرك العظيم ومدى تأثيرها على مسيرة الكنيسة الكلدانية النسطورية وذلك نقلاً بتصرُّف عن قصة حياتِه. كان توسُّعُ المَد المسيحي ووصوله الى بلاد الشرق القصِيَّة، هو الذي نتجَ عَنه قدومُ يوم يتسَلمَ فيه رجلٌ قادمٌ مِن تلك الأصقاع الرئاسة َالعليا للكنيسة الكلدانية النسطورية، وكان هذا الرجُلُ أحدَ مُتلمذي مُرسَلي هذه الكنيسة العِملاقة واسمُه "مرقس الاونغوتي" وهو الإبن الأصغر والرابع للأركِذياقون "بينيثيل"أحدِ مُواطني مدينة "كوسنغ" القريبة مِن "خان بالاق" وُلدَ مرقس في هذه المدينة عام 1245م، ومنذ سِني صباه الأولى أظهرَ مَيلاً كبيراً نحو الثقافة والعِلم، فعكفَ على دراسة العلوم الكنسية، ثمَّ أعلن عَن عَزمِه الإنخراط في السِلك الرهباني، وقرَن هذه الرغبة بالتنفيذ العـملي، وقصدَ الربّان "صوما" المُنزوي في مَغارةٍ بجَبل ٍ قريبٍ مِن مدينة مَولدِه "خان بالاق" فمَن هو الربّان صوما؟ .

كان والدُ الربان صوما رَجلاً مؤمناً وفاضلاً  مِن مدينة  خان بالاق "بكين" مُنحَ رُتبة َ زائر كنسي "برياذوطـ"، يُدعى إسمه " شيبان "واسم زوجَته" قيَمتا "لم يُرزقا بمَولودٍ زَمَناً طويلاً، ولكنَّ رحمة الله كبيرة، فأنعمَ عليهما أخيراً بولدٍ أسمَياه "صوما" فكان سرورُهما به عظيماً، ولم يَذخرا وِسعاً وجُهداً في توفير كُلِّ ما مِن شأنه يَلعبُ دوراً في إقبال إبنهما على نيل الثقافة والعلم والسلوك الحسن في الحياة. وقد أثبت الفتى صوما وبجـدارةٍ ما كان يرغب به والداه ويتمَنيانه له، حيث نال درجة الكهنوت وهو في عامه العشرين. ولكنَّ طـُموحَه بالحياة الرهبانية واعتزال العالم دَفعه لإقتبال الإسكيم الرهباني فمَنحه ذلك الميطرابوليطـ مار كيوركيس، فاختلى في إحدى الصوامع لمدة سبعة أعوام ، ثمَّ انزوى في مَغارةٍ بالجبل بعيداً عن الناس، ولكنَّ الناس لم يدعوه إذ كانوا يُقبلون إليه لسماع حَديثه والإقتداء بمُثُله.

الى الربّان صوما هذا، قـَدِمَ الفتى مرقس وكان استقبال صوما لـه بمُنتهى الفـرح والإبتهاج. وأعـرَبَ مرقس لصوما عَن رغبتِه العارمة في الحياة الرهبانية. فـسُرَّ صوما وقبَّله وشرع في تعليمه، وما إن مَرَّت عليه ثلاثة أعوام حتى مَنحَه الميطرابوليط نسطوريس الإسكيم الرهباني . إختَمَرَت فكرة زيارة مَنطقة الغرب التي كانت تُراودُ ذِهـنَي الراهبَين مرقس وصوما شوقاً مِنهـما للتبَرُّك بأضرحة القديسين والآباء البطاركة، ثمَّ التوجه الى ارشليم لزيارة الأماكن المقدسة. فقدِما الى مدينة كوسنغ، ولدى عِلم مسؤولَي المدينة "كونبوغا ووايبوغا" وهما مِن أصهار الخان الأكبر بنيَتِهـما، إستَقدماهـما الى المُعسكر، وسألاهما: ما الذي دعاكُما لمغادرة الوطن الى الغـرب، في الوقت الذي يأتي إلينا الآباءُ والرهبان مِن الغـرب؟ كان جَوابُهـما بأن لا رجوع عن تَصميمهما، وإزاءَ هذا الإصرار، أمر المسؤولان بتخصيص مطيَتين للراهِبين، وزوَّداهـما بالمال والثياب وودَّعاهـما مُتمنيين لهما السلامة.

رحلة الرفيقَين
غادر الراهبان مرقس وصوما المعسكر مُتوَجهَين الى مدينة "تنكوت" وحظيا باستقبال حار مِن قبل مؤمني المدينة، ثمَّ وَدَّعا مُستقبليهما وذهبا الى مدينة لوطون أو "كوتان" ووصلا إليها بعد مسار طويل وشاق أخذ مِنهما شهرَين. ونتية نشوب خِلافٍ في تلك المنطقـة بين الملك "اوقو" و "قوبلاي خان" أدَّى الى قتال بينهما زُهقت فيه آلاف الأرواح وغدَت الطرق مُخيفة وغير سالكة. فاضطرَّ الراهبان للمكوث في المدينة لمدة ستة أشهر. ثمَّ غادراها الى منطقةٍ مِن بلاد كشغـر تُحادِد سَمرقند وبخاري ومِن هناك استطاعا الـوصول الى الملك "قيدو" إبن أخي قوبلاي خان. زوَّدهما بأمر يحميهما مِن عوارض الطريق، وأخيراً وصلا الى خُرَسان بعد جُهدٍ كبير وفقدِ كُلِّ ما كان معهـما. وكان في المنطقة القريبة مِن مدينة"طوس" ديرمار صهيون فدخلا إليه، ونالا بركة الأسقف حيث رحَّبَ بهما هو ورهبان الدير.

مكثا في ضيافـة الدير بضعة أيام، ثمَّ شدّا الرحال الى بغـداد عَن طريق أذربيجان للقاء البطـريرك دنحا الأول، ومِن حسن حظِّهما وجود البطريرك في هذه الأثناء في مراغا ، فحظيا بمُقابلتِه، فجَثيا أمامَه وكادَ قلباهما يطيران مِن الفـرح، ثمَّ أبلغـاه بقصدِهما الذي مِن أجله قدِما وهو زيارة الأماكن المقدسة في اورشليم. إستبقاهم البطريرك بضيافته وبعد أيام قليلة إستأذناه للذهاب الى بغـداد وبعض الأماكن الأخرى للتبرُّك بمراقد القديسين والآباء هناك، فمنحهما بركتَه وأوفد معهما رجُلاً يُرافقهـما في الطريق . فـزارا أولاً ما في بغـداد ومِنها ذهبا الى كنيسة كوخي الكبرى ودير مارماري، ثمَّ غادرا الى باجَرمي وأربيل والموصل، وبعد ذلك واصلا الرحلة الى سنجار فنصيبين فـماردين فجزيرة بيث زبداي، وكانت محَطتهم الأخيرة العودة الى ديرمارميخائيـل ترعيل الواقع بالقرب مِن أربيل حيث اشتريا فيه صومعـة وشاركا الرهبان العيش هناك .
لم يَطل بهما المُقامُ في الدير كثيراً، حيث إستدعاهما البطريرك ماردنحا وأبلغهما رَغـبته ببقأئهما الى جانبه في القلاية البطريركية لأنَّ في ذلك فائدة عامة، ثمَّ طلبَ مِنهما أن يُقابلا الملك أباقا خان مِن أجل شـؤون تتعَلق بالبطريركية، فلبَّيا طلبَه وحصلا مِن الملك أباقا خان على كُلِّ مطاليب البطريرك. وبعد هذه المقابلة قصدا اورشليم لإكمال قصدهـما فوصلا الى مدينة آني الأرمنية، فأدهشهما جمالُ الأديرة وروعـة الكنائس التي شاهداها فيها، ولدى وصولهما الى حدود جورجيا لم يتمكنا مِن الترحال الى أبعد بسبب الأحوال المضطربة في تلك المناطق. فرَجعا الى البطريرك دنحا عام 1280م وكان سرورُه برجوعهما عـظيماً جداً، فأفـصحَ لهما عـمّا في نيته أن يـفعل، وهو أن يـَرسُمَ مرقس ميطـرابوليطاً وصوما زائراً عاماً ويرسلهـما الى بلادهما. فامتنعا في باديء الأمر، إلا أنهما إضطرّا للخضوع لأوامر البطريرك.  فـرُسمَ مرقس في السنة نفسها 1280م ميطرابوليطاً باسم يَهبَلاها وله مِن العمر خمسٌ وثلاثون سنة، وعُينَ لأبرشية خطاي، وأعطِيَت لصوما مسؤولية الزائر الرسولي العام للمناطق الصينية. ولم تمض ِ إلا أيام حتى انتشرت أخبارٌ تُفيد بإنقطاع الطرق بسبب نشوب الحروب بين الملوك، فتعَذرَ سفرُ يَهبَلاها وصوما الى بلادهما، وعادا الى صومعـتهما في دير مارميخائيل ترعيل وامتدَّت إقامتُهما فيها ما يَقرب مِن سنتين .
يَهبَلاها والرئاسة البطريركية
ذكر المؤرخ صليبا في (المجـدل ص 123 - 124) بأن البطريرك مار دنحا الأول لم يفارقه المرضُ الذي داهمه وهو في طريق عودتِه مِن أذربيجان الى بغداد في مطلع عام 1281م فظلَّ طريح الفراش في بغداد، وفي هذه الأثناء أراد الميطرابوليط يَهبَلاها أن يقوم بزيارةٍ للبطريرك لكي ينالَ مِنه البيرون والصولجان قبل عودته الى بلاده. ولدى وصوله الى أطراف بغداد أخبرَ بأن البطريرك قد تُوفيَ، وقد تصل الى الكنيسة قبل دفنه إذا أسرعت، فأسرع ووصل وارتمى على جُثمان البطريرك باكياً متنهداً. وبعد الإنتهاءِ مِن مراسيم الدفن، رَجع الآباءُ الى القلاية البطريركية واتَفقوا على الإجتماع في اليوم التالي، وفي الغداة عقدوا اجتماعاً ليختاروا خلفاً للبطريرك الراحل، ووقع اختيارُهم على يَهبَلاها ليتولى المنصبَ البطريركي، وكان نِعمَ الإختيار إذ مِن مصلحة الكنيسة في تلك الأوضاع الصعبة يومذاك أن يُقام لها بطريرك يروق بعين السلطة المغولية الحاكمة، ولم يكن هناك أجدر مِن يَهبَلاها المغولي حيث هو واحد مِنهم يُحسن لُغتهم ويعرف أخلاقهم وطبائعَهم وعوائدهم. لقد رفض اختيارَه بذريعة قلة تضَلعه مِن اللغة الكلدانية وعدم إلمامِه بالتعاليم الكنسية وأنه لا يرى في نفسه كفاءة ً إدارية، ولكنَّ إصرار الآباء الأساقفة جَعله يرضخ للأمر واعتبَروا ما ساقه مِن الأعذار كان نابعاً مِن روح التواضع .

بعد ذلك رجع يَهبَلاها الى ديرمارميخائيل ترعيل حيث كان رفيٌقه ومُعلـِّمُه صوما يـنتظره، فاختلى به وحَدَّثه بما جَرى له، ثمَّ إتفقا على القيام بمقابلة أباقا خان للحصول على مُوافقته، فرتَبا أمرَهما وانضَمّا الى جماعةٍ كبيرة مِن الأساقفة والرهبان وتوَجهوا الى أذربيجان حيث كان أباقا خان يُمضي الصيفَ هناك بقرب الجَبل الأسود، فدخلوا الى الملك أباقا خان وكان مسروراً جداً منذ أن علِمَ أن رؤساءَ إكليروس الكنيسة الكلدانية النسطورية قـد أختاروا رئيساً لكنيستهم رَجلاً مِن قومه، فلم يقتصر على إبداء مُوافقته فحسب، بل ألبسه مِعطف الشرف، وأهداه عرشاً فخِماً وأنعم عليه بـ "الغاشية" وهي دليل على سُموِّ مَنزلتِه، كما مَنحَه مَرسوماً ذهبياً يُعطيه مقاماً في السُلطة المغولية، بالإضافةِ الى فيضٍ مِن الهدايا والهِبات، وخوَّله باستعمال الختم الكبير وبنفقاتٍ باهضة للرسامة.

وعاد الوفدُ الى بغداد، ثمَّ نزل يَهبَلاها الى ساليق لإقتبال الرسامة وكان برفقتِه الآباءُ المطارنة والأساقفـة وجَمعٌ كبير من المؤمنين، وجَرت رسامَته في كنيسة كوخي الكبرى في 2 تشرين الثاني سنة 1281م المُصادف للأحد الأول مِن تقديس البيعة وكان عمره سبعة ً وثلاثين عاماً، ولم يذكر المؤرخ السمعاني عن يَهبَلاها سوى شيء يَسير لم يتعدَّ قوله < كان يَهبَلاها مِن أصل ٍ تركي ووُلدَ في بلَد قاناي > (المكتبة الشرقية ج3 ص 120) وكان واضَعُ اليد في رسامتِه "مارامـّه" مطران عيلام. وبعد إتمام الزيارات التقليدية التي تعقب الرسامة عاد البطريرك الى بغداد. ولدى عودة الملك أباقا خان في الشتاء الى بغداد قام ماريَهبَلاها البطريرك الجديد بزيارته، وأطلعَه على شـؤون المسيحيين ونفحه أباقا بهباتٍ وافرة. و تُوفيَ أباقا خان في الأول مِن نيسان 1282م.

2 - تاكودار ــ احمد  1282 - 1284م
إنَّه إبنُ هولاكو مِن زوجته "قوتاي خاتون" وأخو اباقا خان، كانت امُّه مسيحية نسطورية وسمَّته لدى ولادته "نيكولاس تاكودار" فنشأ مسيحياً نسطورياً. وبعد وفاة اباقا جرى التنافسُ على خلافته بين أخيه تاكودار وابنه اراغون، واحتار الامراءُ في اختيار خلفٍ لأباقا الراحل، وساد الترَدُّدُ فيما بينهم، لكنَّهم أخيراً توصَّلوا الى قرار تفضيل تاكودار على ارغون. فأصبح تاكودار سلطاناً وكان أول مغولي وقع في شرك المُسلمين وأول مَن أسلمَ مِن أبناء هولاكو على مذهب السنة والجماعة واتخذ له اسم "أحمد" وأعطى لنفسه لقب سُلطان بدل الآيلخان. لم يرضخ إبنُ اباقا ارغون للأمر الواقع الذي فرض عمَّه سلطاناً، حيث تفاقمَ الخلافُ بينهما وأدّى الى نشوب معارك، وكان يسعى احمد للتخلص مِن ارغون للإنفراد بالسلطة، بيدَ أنَّ تدخل القائد الأمير بوقا أفلح في عقد الصلح بينهما، وارتاح احمد بهذا الصلح وأمر باقامة الحفلات والأفراح لمدة ثلاثة أيام، وعلى حين غرَّةٍ تغيَّر موقف أحمد في اليوم الثالث مِن ارغون ونوى على قتله، وامر بالحِرز عليه حيناً. ثمَّ غادر الى اذربيجان لزيارة امِّه "قوتاي خاتون" وأمَرَ أن يُساق إليه ارغون. وما إن بلغ الأمرُ الى سمع القائد بوقا، حتى اجتمع بالأمراء وأطلعهم على نوايا أحمد، فقرَّروا تولية ارغون المُلكَ وتنحية احمد، وعِقبَ هذا الإتفاق توجَّه بوقا ليلاً بصحبة بعض الأمراء، وألقوا القبضَ على أصحاب علي ناق "اليناخ" الموالين لأحمد، وحرَّروا ارغون مِن قبضتهم وأطلعوه على قرارهم، فتوجَّه ارغون على رأس جماعةٍ مِن العسكر قاصدين علي ناق فقتلوه هو وأصحابه. وفي الصباح الباكر، أمر القائد بوقا بالمناداة بارغون سلطاناً. وبعد ذلك في عام 1284م تمَّ قتل السلطان احمد وهو السلطان الثاني للدولة الإيلخانية .

البطريرك وتاكودار
ومنذ تَوَلّي تاكودار السُلطة أسلَم واتخذ اسم أحمد ولقب نفسه بالسلطان بدل الإيلخان، كان ذلك ايذاناً للمسيحييين ببداية مِحَنِهم، فقد أعلَنَ أحمَد اضطهاداً على المسيحيين، وقطع المخصصات التي كان قـد أقرَّها أباقا خان للبطريرط. واستغلَّ مَوقف السلطان أحمد المعادي للمسيحيين اسقفان هما"يشوعسبران ميطرابوليطـ تنكوت" و"شمعون اسقف ارني" دفعتهما الغيرة القاتلة مِن البطريرك يَهبَلاها الى الوشاية به، مُتَّهِمينَه بالولاء لأرغون بن أباقا خان ضِدَّ عَمِّه أحمد، ولقيَت هذه الوشاية صدىً لدى أحمد، فاستدعِيَ البطريرك والربان صوما والأمير اشموط المسيحي الى المحكمة، ورغـم انكشاف كذب الواشيَين إلا أنَّ مار يَهبَلاها لم يُفرج عَنه لمدة أربعين يوماً، كان خلالها يُعاني مِن الحزن والألم، فتدخَّلت "قوتاي خاتون" أم السلطان والأمراء وأنقذوا البطريرك، فأطلق أحمد سراحَه وأعادَ إليه كرامَتَه.

بعد هذه الحادثة ذهبَ البطريرك يَهبَلاها الى مدينة اورمية، وبينما كان في كنيسة العذراء رأى حُلماً يُنبئُه بأنَّه لن يَرى المَلكَ مِن بعد. وكان الملكُ قد ذهب على رأس جَيشه الى خرَسان لتعَقُب أرغون والقبضِ عَليه، لكنَّ الأمورَ انقلبت ضِدَّ أحمد لصالح أرغون، حيث أفلحَ أرغون بالإستيلاء على السلطة والقبض على زمام الأمور في المملكة. عِندذاك قام البطريرك بالتوجُّه الى القصر الملكي يَصحَبُه الأساقفة والرهبان لتقديم التهاني للملك الجَديد، فأعربَ أرغون للبطريرك عن سروره البالغ به وغمَرَه بالعطايا والهٍبات، وعبَّر عن أسفه لِما عاناه مِن الظلم والقـساوة في عَهد عَمِّه أحمد المُسلِم بناءً الى وشاية الأسقفين الكاذبة، وأمر بمعاقبة الأسقفين بالقتل، لكنَّ البطريرك إلتمس العفوَ لهما مِن الملك فاستجاب الملكُ مُندهشاً. وفي اجتماع ٍ خاص للأساقفة لدى البطريرك وبرئاستِه، تمَّ الإتفاقُ بالإجماع على تجريد الأسقفَين الواشيَين مِن دَرجَتَيهما الاسقفية والكهنوتية ورشقِهـِما بالحَرم.

3 - ارَغون 1284 - 1291م
إنَّه حفيدُ هولاكو وابنُ اباقا خان، يدين بالبوذية، وهـو الإيلخان أو السلطان الثالث، نافسَ عمَّه السلطان احمد تاكودار على الحكم. وبعد أن خذله الامراءُ وأولوا المُلكَ عمَّه، عادوا وناصروه على عمِّه عندما وقفوا على نوايا العم السيئة ضِدَّه وكما مَرَّ ذكرُه. تمَّ تنصيبُه ايلخاناً على ايران عام 1284م. وجاء في (تاريخ العراق بين احتلالين1 ص 323) ما مفاده: <وما إن استقرَّت امورُ الحكم بيد ارغون حتى بادرَ الى وضع كُلِّ ولدٍ مِن أولاده على رأس عسكر مِن عساكر مملكته، وقد خَصَّ القائدَ الأمير بوقا بلقبٍ كبيرٍ هو "حينك سانك" ويعني"أمير الأمراء" بالإضافة الى عَهدِه إليه تدبيرَ ممالكِه. هنالك روايات  متناقضة قيلت عن "ارغون" يقول عنه إبن خلدون بأنه كان قد عدل عن الإسلام ومال الى دين البراهمة، إلا أنه في الحقيقة كان بوذياً واستطاع القضاء على عَمِّه لوقوعه في شرك الإسلام وجَلبَ عليه نقمة َ امراء المغول فتخلَّصوا مِنه. أما عبد السلام فهمي (تاريخ الدولة المغـوليى في ايران / دار المعارف - القاهرة 1981م ص 171 - 181) وعباس اقبال (تاريخ المغول منذ حملة جنكيزخان حتى قيام الدولة التيمورية / ترجمة د. عبد الوهاب علوب/ أبو ظبي 2000 م ص 243 - 245) فيقولان عنه: <يُعَدُّ ارغون بن اباقا خان واحداً مِن أكثر سلاطين الإيلخانيين عِداءً للإسلام وحقداً على المُسلمين، ومِن أشدِّهم جبروتاً وظلماً وسفكاً لدماء المُسلمين>. أما إبن الفوطي فإنه يُثني عليه قائلاً: <كان عادلاً محمودَ السيرة رؤوفاً بالرعية، وهذه الأقوال تفضح أقوال المتزمتَين السابقَين. خانه وزيرُه بوقا المار ذكرُه فأمر بقتله عام 1289م.

وكانت سنة 1289م سنة شؤم على المسيحيين، حيث يذكر غريغوريوس الملقب بإبن العبري(التاريخ السرياني ص565-566) <تعرَّض للقتل في ذات السنة القس شمعون والذي كان طبيباً أيضاً وكاتبٌ مسيحي أربيلي يُسمَى بأبي الكرَم. كما إنَّ العتاة المسلمين أثاروا اضطهاداً كبيراً على المسيحيين في الموصل بعد مقتل أمير الأمراء بوقا، ومن بين قتلى الإضطهاد المسؤول المسيحي الكبير مسعود برقوطي الذي كان يتمتع بحظوة كبرى لدى بوقا. وفي شهر نيسان دَبَّر المسلمون اتِّهاماً لشابٍّ مسيحي بممارسة الزنى مع المُسلمات، فقتلوه ومثَّلوا بجثته شَرَّ تمثيل، ثم قطعوا رأسَه وراحوا يعرضونه أمام أبواب الكنائس ساخرين بالمسيحيين وموجهين إليهم مختلف الإهانات. ويُضيف إبن العبري: في السنة ذاتها، اقتحم عددٌ من العصاة السوريين يقرب من ألفين حدودَ سنجار وبيث عربايي دون أن يُلحقوا الأذى بالمنطقة، ولما وصلوا الى قرية فيشخابور باتوا فيها، وتحركوا خلال الليل وعبروا دجلة وقصدوا قرية "وسطه" سكّانها من النساطرة، وفي فجر الأحد الرابع عشر من آب هجموا عليها، فقاومهم أهلُها ظانينهم عصابة من اللصوص، ولكنهم حين شاهدوا عددَهم الكبير، تقهقروا وعادوا مُدبرين الى القرية، فتخفّى بعضُهم في البساتين، ولجأ قسم منهم الى الكنيسة فلم يصِبهم الأذى. أما العصاة فانقضوا على القرية وتوزعوا في  سبع قرى مجاورة وعملوا فيها نهباً وسلباً، وقاربَ عددُ القتلى الخمسمائة والأسرى نحو الألف ما بين النساء والصبيان والصبايا، وهَمّوا بالعودة في نفس النهار، وكان على نهر الخابور جسرٌ صغير سبَّبَ تأخيرا في عبورهم، وفي هذه الأثناء كان الخبرُ قد إتَّصل بأمير الموصل المغولي، حيث أقبل برجاله فهجموا على العصاةِ الذين تأخر عبورُهم وقتلوا عدداً منهم، وانقذوا حوالي 300 أسير وأعادوهم الى أهلهم> وقد أشار الى هذه الأحداث القس سليمان الصائغ"المطران" في كتابه (تاريخ الموصل ج1 ص 242-243).

ولما مَرُضَ ارغون خان واشتدَّ عليه المرضُ، إتَّهم الامراءُ وزيرَه اليهودي سعد الـدولة بتسميمِه، فألقوا القبض عليه، وقادوه الى منزل الأمير "طغا جاد" وكان أشدَّ الناقمين عليه، فأمروا بقتله وكان ذلك في شباط عام 1291م. ولم يُمهل المرضُ أرغون إلا أياماً قليلة بعد مقتل سعد الدولة، حيث توفي في التاسع مِن آذار لنفس العام 1291م. كان أرغون متسامحاً وذا شعور طيبٍ نحو المسيحيين، وكان مستمراً بالمفاوضات التي بدأَها والدُه مع الدول الغربية لتُبديَ له المساعدة على مُحاربة دولة مماليك مصر. والى الجزء الخامس والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 8/5/2015

61
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن

الجزء الثالث والعشرون
الكنيسة الكلدانية النسطورية وسقوط بغداد بيد التتار

                     
32 - الخليفة المُستنصر بالله 1226 - 1242م
يقول إبن الكازرُني (مُختصر تاريخ الدول الدول ص 258) بأنَّه جعفر المنصور إبن الخليفة الظاهر بأمرالله، المُلقب بـ "المستنصر بالله". كانت اُمُّه رومية وتُسمّى"شيرين". أما السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 460) فيقول بأنَّها كانت تركية وقيل أنَّ اسمها "أخشو" ويُواصل القولَ: نوديَ به خليفة في يوم موت والده الظاهر، وشرع بنشر العدل بين الرعايا، وبذل الإنصاف في القضايا وتقريب أهل العِلم والدين. وهو الذي أنشأَ المدرسة المستنصرية على دجلة في الجانب الشرقي مِن بغداد، ما بُنيَ على وجه الأرض أحسن مِنها، ونقلَ إليها 160 حِملاً مِن الكُتب النفيسة. وأجازَ فيها المذاهب الأربعة، وأقام لكُلِّ مَذهبٍ شيخاً يُدرِّسُه، الى جانب 300 فقيه يتوزَّعون على المذاهب الأربعة، وزَوَّدَهم بالأكل والشرب ومُختلف وسائل الراحة، حتى إنَّه بنى داخل المدرسة حَمَّاماً خاصاً بسكّانها وطبيباً خاصاً يتردَّدُ إليهم كُلَّ صباح .

وما إن تَمَّ إنشاءُ المدرسة المستنصرية، حتى انتقل إليها إبن فضلان الفقيه المُتزَمِّت والحاقد الكبير على المسيحيين، الذي حَرَّض الخليفة الناصر ضِدَّهم ولكنَّ الناصر لم يُعِره أيَّ اهتمام. أما الآن فقد سُلِمَ إليه "ديوان الموالي" والأوقاف وغيرها مِن المناصب الرفيعة، حتى توَصَّلَ الى رُتبة "المُحتسِب" لدار الإسلام كُلِّها. فالموقع الرفيع هذا أتاحَ لإبن فضلان الفرصة التي كان يتمنّاها لكي ينتقمَ مِن الذميين على هواه، ويُلزمُهم بشروطـٍ مُجحفة تَحُطُّ مِن كرامتهم ومِنها مثلاً: أن يأتيَ كُلُّ ذُمّيٍّ بنفسِه في وضح النهار وهو يحمل جزيته في يده، و يَمكث واقفاً الى أن يدفعها للمسؤولين. وتسري هذه القاعدة حتى الذين لهم الحظوة عند الخليفة، كالأركذياقون أبي علي بن المسيحي. تُرى، أليس هذا الإجراءُ الجائرُ هو أحدَ الأساليب البديلة عن اسلوب السيف لدفع بعض المسيحيين للتحوُّل الى الإسلام! واستمرَّ هذا الإجراء سارياً حتى موت الإنتقاميِّ الكبير إبن فضلان عام 1233م.
يروي إبن الأثير (الكامل في التاريخ ص 497 - 503) الذي كانت سنة 1231م نهاية لتاريخه، <بأنَّ الحالة في بغداد لم تستقر سياسياً ودينياً، بل ظلَّت تتأرجح دون الوصول الى قرار، رغم أنَّ التتر كانوا قابَ قوسين مِن غزو البلاد، وبالفعل فقد استولوا على مناطق كركوك. وفي قصيدة رثاءٍ للأديب والشاعر الكلداني الأربيلي كيوركيس وردة يروي فيها الفظائع التي ارتكبها المغول بحقِّ أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية في مدينة أربيل وبلدتَي كرمليس وتللسقف علاوة على دير مارسبريشوع دبيث قوقا، المذكور في كتاب الديورة للمطران ايشوعدناخ البصري تحت رقم59، وقد تمَّ تشييده من قبل مار سبريشوع الطيرهاني في القرن السابع بمنطقة حِدياب "اربيل الحالية" فيصف ما اقترفته تلك القوات الغازية كشاهد عيان بأعمال شائنة يصعب على المرءِ وصفها لبشاعتها.
ومع كُلِّ هذه الأحوال المتشابكة، لم تُشكِّل هذه عائقاً أمام بعض المسيحيين ليحتلوا مناصب رفيعة في الدولة. ومِن بين هؤلاء البارزين المسيحيُّ هبة الله بن زطينا، الذي احتلَّ موقع والده في الديوان بدعم ٍ مِن إبن حاجب قيصر دون أن يعتنق الإسلام بخلاف ما فعل والدُه، ورُقـِّيَ هبة الله الى منصب "كاتب السكة" وهنالك ماري بن صاعد بن توما تاج الدولة، الذي عَيَّنه مجاهدُ الدين "ايبك" وكيلاً له. وبالرغم مِن أنَّ الجدارة العلمية للمسيحيين هي التي كانت تؤهِّلهم لتقلُّد المناصب الهامة في الدولة العباسية، ولكنَّ مستقبلهم لم يكن مضموناً بل مرهوناً بإرادة الخلفاء والسلاطين والحُكّام. وقد اختلفت آراءُ المؤرخين في موت الخليفة المستنصر،  فمنهم مَن يقول بأنَّه تُوفي عام 1242م بعد خلافةٍ دامت سبعة عشر عاماً، بينما يقول البعض بأنَّ المُستنصر لم يمت عام 1242م، بل زُجَّ في السجن ببغداد  وأطلق سراحَه التتر عام 1258م، وقصد مصر واستقبله في عام 1260م السلطان الملك الظاهر، وقد جرى مقتلُه عام 1261 أو 1262 م خلال معركةٍ ضِدَّ التتر لإستعادة بغداد .

33 - الخليفة المُستعصِم بالله 1242 - 1258م
يتحدَّث عنه السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 464) بقوله: <بأنَّه أبو أحمد عبدالله إبن المستنصر المُلقب بـ"المستعصم بالله" آخر الخلفاء العباسيين. كانت أُمُّه تُدعى"هاجر" نوديَ به خليفة ًعند موت والده، ويُضيف بأنَّ الشيخ قطب الدين وصفه بكونه وعلى غِرار والده وجدِّه متديِّناً ومتمسِّكاً بالسنة، ولكنَّه لم يتحلَّ مثلهما باليقظة والحزم وسُمُوِّ الهـِمة>. أما إبن العبري(تاريخ مختصر الدول ص 445 - 446) فقد قال عنه ما يلي: <كان صاحبَ لهو وقصفٍ، شغف بلعب الطيور واستولت عليه النساء. وكان ضعيفَ الرأي قليلَ العَزم كثيرَ الغفلة عمّا يجب لتدبير الدول. وكان إذا نُبِّهَ الى ما كان ينبغي أن يفعلَه في أمرالتتار: إمّا المُداراة والدخول في طاعتهم وتوَخِّي مرضاتهم، أوتَجَيُّش العساكر وملتقاهم بتخوم خرسان قبل تمكُّنهم واستيلائهم على العراق. فكان يقول: أنا بغداد تكفيني، ولا يستكثرونَها لي إذا نَزَلتُ لهم عن باقي البلاد، ولا أيضاً يهجمون عليَّ وأنا بها، وهي بيتي ودار مقامي>. ويقول إبن الكازرُني (مختصر تاريخ الدول ص 266) والسيوطي (تاريخ الخلفاء ص 464 - 465) <وكان للخليفة الراحل المستنصر أخٌ يُعرَف بالخفاجي يزيد عليه بالشجاعة والشهامة، وكان يقول: إن ملَّكني الله الأمر، لأعبُرَنَّ بالجيوش نحو جيحون وأنزع البلاد مِن التتار وأستأصلهم. ولكن حين تُوفي الخليفة المستنصر، لم يُرِد الوزيرُ مؤيد الدين العلقمي الرافضي، ولا مُقدم الجيوش العباسية شرف الدين إقبال الشرابي مع كبار الدولة تقليد الخفاجي الأمر، وخافوا مِنه، وآثروا المُستعصم لِلينه وانقياده، وكان الوزير العلقمي متواطئاً في السر مع التتار>.

واستمَرَّ المستعصمُ بلامُبالاةٍ بالدسائس التي كانت تُحاك حولَه وبالأخبار المُفزعة التي ترد عن اقتحام جيوش التتار لمناطق عديدة مِن المملكة واستيلائهم عليها، وكأَنَّ الأمرَ لا يعني الخليفة بشيءٍ، وهكذا أصبحت الساحة مفتوحة ًبلا رقيب أمام جواسيس القائد المغولي هولاكو، وشرعوا بالإتصال بالوزير العلقمي.  وقد شَجَّعَ وضعُ الإدارة المركزية المهزوز حُكّام الأقاليم لكي يُضاعـفوا ظلمَهم على رعاياهم ولا سيما الضعفاء مِنهم وبخاصةٍ المسيحيون الذين أثقلوا كواهلَهم بالضرائب الباهضة لإشباع جشعهم المفرط .

70 - البطريرك مكيخا الثاني 1257 - 1265م
يقول إبن العبري (التاريخ الكنسي2 ص 402 و424 - 426) وصليبا (المجدل ص 119- 121) <بعد وفاة البطريرك سبريشوع الخامس بن المسيحي في العشرين مِن أيار 1265م . خَتمَ إبنُ صالحية على جميع ما في القلاية البطريركية. وبعد دفن البطريرك بثلاثة أيام ، جاء والي بيت مال المسلمين وكسرالأختام واستولى على كُلِّ ما في القلاية مِن الكتب والبيرونات، وأحضرها قدام الخليفة الذي رّدَّ الكتب ووهب البيرونات لإبن وحيد، واشتُريت مِنه مِن مال الوقف وأُعيدت الى القلاية البطريركية>.

كانت الأوضاعُ السياسية لدى وفاة البطريرك سبريشوع الخامس متوترة ًجداً ومُقدِمة ًعلى الإنفجار، وخلال هذه الظروف الحرجة، أقدم الآباءُ على انتخاب بطريركٍ جديد، وانبرى للترشيح للرئاسة أربعة مطارين وكُلٌّ يُريد المنصب لنفسه، والمطارين الأربعة هم: ايليا الناطر مطران جنديسابور، ومكيخا مطران نصيبين، ودنحا مطران أربيل، وعبديشوع مطران الموصل. وانقسم ولاءُ الإكليروس والمؤمنين بين هؤلاء المتنافسين، وامتدَّ الخلاف بينهم لمدة عشرة أشهر. ولكي نعلمَ ما آلت إليه هذه المنافسة لنرى ما قالَه إبن العبري بهذا الخصوص في الموضع المذكور أعلاه <فقد اعتادت السلطات الحاكمة أن تمنحَ رضاها للبطريرك الجديد عن طريق المزايدة التي ارتفعت هنا الى مبلغ 40000 دينار وأبدى دنحا مـطران أربيل استعداده لدفعها، وقد دفع 4000 دينار كمقدَّمة، ريثما يتسنّى له جمعَ المبلغ الباقي. ولكنَّ الطريقَ سُدَّ بوجهه، لإتِّهامه بالتواطؤ مع التتار. وحُذِّرَ المسيحيون الذين وزَّع عليهم دنحا المبالغ لأجل انتخابه بما يلي: <حَذار مِنه، فإنَّه سيستردُّ مِنكم غداً ضُعفَ ما دفعه لكم اليوم>! ولقيت هذه التُهم آذاناً صاغية لدى الخليفة وأصحابه. فاستدعى المُرشحين، وأبدى تفضيلَه لمكيخا الشيخ مطران نصيبين على دنحا مطران أربيل الشاب، الذي عليه أن ينتظر دوره في وقتٍ لاحق .

يقول صليبا (المجدل ص 120) كان مكيخا مِن أهل جوغباز مِن أعمال نصيبين، جرى انتخابُه بطريركاً في رَبيع سنة 1257م، ونال مرسوم الخليفة، ورُسمَ في المدائن في الأحد الخامس مِن الصوم الماراني"الكبير"، وبعد الزيارات التقليدية المعـتادة، عاد الى القلاية البطريركية في بغداد. ومما قالَه بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 8 - 9) عن البطريرك مكيخا الثاني بأنه <كان عالماً شهيراً، والى جانب تحَليه بالفضيلة كان حادَّ الطبع وصارماً، ولم تمُرَّ إلا سنة على بطريركيته حتى سقطت بغداد بأيدي المَغول بقيادة هولاكو خان وبسقوطها انهارت الدولة العباسية، وراح الجيش المغولي يعمل السيف في رقاب أهل بغداد، وإكراماً لـ"دقوز خاتون" زوجة هولاكو ووالدته "سرخ كوتي باجي" اللتين كانتا تدينان بالمسيحية أمر هولاكو بعدم التعرُّض للمسيحيين قدر الإمكان، والتجأ الكثير مِن المسلمين في بيوت المسيحيين ليسلموا مِن القتل. عاملَ هولاكو البطريرك مكيخا الثاني بلطفٍ واحترام، وأهداه دار الخليفة الدويدار الواقعة على نهر دجلة، فشيَّد فيها كنيسة جديدة.

بعد سقوط بغداد
وبعد سقوط بغداد كما مَرَّ بنا ذِكرُه تحرَّكَت القوات المغولية نحوأربيل وحاصرت قلعتها، عندها قام "بدرالدين لؤلؤ" بشرائها مِنهم بمبلغ 70000 دينار. ولم تمض مدة طويلة حتى استولى على أربيل مسيحيٌّ  يُدعى "مغطـس" وهو أخو الطبيب الشهير"صفي سليمان" وتسلمَ إدارتها مِن بعده إبنُه "تاج الدين عيسى" وكان الأخيرُ رَجُلاً صالحاً ومؤمناً. وبدورهم وبعد سقوط بغداد أرسل مسيحيو تكريت وفداً الى البطريرك مكيخا يلتمسون مِنه التوسط لتعيين "شحنة" لحراسة بلدتهم، فاستجاب البطريرك لمطلبهم. وما إن وصل المغولُ الى تكريت حتى قتلوا أثرياءَ المسلمين هناك ونهبوا أموالهم، وسارع المسيحيون للإلتجاء في الكنيسة الخضراء المُشيَّدة على اسم مار"احودامه" والتي كانت مُغتصَبة ًمِن قبل المسلمين، ولم يتعرَّضوا للأذى أثناء وجودهم فيها منذ مطلع الصوم الكبير حتى أحد الشعانين الذي صادف 17 آذار عام 1258م.  ولكنَّ إبن العبري يقول في (التاريخ السرياني ص 506 - 507) بأنَّ مُسلماً حاقداً يُسمّى بردوري وشى بالمسيحيين لدى الشحنة، وقال له: <بأن المسلمين قبل مقتلهم سَلَّموا أموالاً طائلة الى المسيحيين، وبقيت هذه الأموالُ بحوزتهم دون أن يدفعوا شيئاً مِنها للشحنة>. ولدى التحقيق بالأمر، أقـَرَّ المسيحيون بالحقيقة، وجلبوا الأموال ووضعوها أمامَه. وأخبر الشحنة هولاكو بهذا الأمر، فما كان مِن هولاكو إلا أن أصدر أمراً يقضي  بإبادة التكريتيين المسيحيين، ولم ينجُ مِنهم إلا الأقلية مِن الشيوخ والعجائز. أما الصغار فقد أُسروا، ولم يبقَ في البلدة سوى كاهنين لخدمة الكنائس الاخرى، لأنَّ الكنيسة الكبرى استُوليَ عليها مِن قبل المسلمين مِن جديد. بعد ذلك أُقيمَ رجل مسيحي اسمه بهرام شحنة لتكريت، وقضى على الواشي بردوري.
ويظهرمِمّا تقدَّمَ ذِكرُه بأنَّ المسيحيين لم يكونوا في وضع مُستقر ومأمون كما يدَّعي بعضُ المؤرخين المُسلمين، بالرغم مِما كانت تبذله دقوز خاتون زوجة هولاكو مِن جهدٍ في سبيل حمايتهم، بل كثيراً ما تعرَّضوا لِمَ كان يتعرَّض له إخوانُهم المسلمون مِن قتل وسلبٍ ونهبٍ يُمارسُه الحكّامُ المغول الظالمون، ولم يمضِ إلا زمنٌ قليل حتى شعـروا بخيبة الأمل بما كانوا يتوقعونه مِن أمان واطمئنان في ظلِّ حكم الفاتحين التتار. وبصرف النظر عمّا كانت عليه الامور، فإن المؤرخ صليبا (المجدل ص 120 - 121) يروي عن هولاكو، <بأنَّه فتح بغداد في عهد البطريرك مكيخا الثاني ويُضيـف: وأنعَـمَ هولاكو خان على هذا الأب "مكيخا" وأعطاه دارالخلافـة المعروفة بدارالدويدارالتي على الدجلة حتى يسكنها، وعَمَّرَ فيها البيعة الجديدة "ورُزق جاهاً عظيماً">. واستناح يم السبت الذي بعد الأحد الجديد، وهو الثامن عشر من نيسان سنة 1576 يونانية 1265م ودُفنَ في البيعة الجديدة التي بناها بدارالخلافة.

1 - اباقا خان/الملك أوالسلطان أباقا 1265- 1282م
إنَّه إبنُ هولاكو وخلفُه في المُلك، ثاني امراء المغول الايلخانيين في بلاد الفرس التي قدم إليها عام 1256م برفقة والده هولاكو. وفور إبلاغه بوفاة والده، شدَّ الرحال وتوجه بسرعة قصوى مغادراً منطقة مازندران في آسيا الصغرى قاصداً تبريز، فتولّى مهام المُلك وحلَّ محلَّ والده الراحل. أعلن الإستقلال عن الحكومة الأم التي أسَّسها جنكيزخان فكان بذلك أول الإنفصاليين. وبعد مرور سنتين على تولّيه السلطة أي في عام 1268م قدم الى بغـداد، ومكث فيها حتى قدوم موسم الربيع ثَّمَّ غادرها. وفي عام 1273م جاء الى بغداد ثانية وفي فترة إقامته فيها كان يُمارس الصيد في أطرافها ووصل الى منطقة واسط. وكان يأمر بابداء الرفق والإحسان الى المواطنين. وما إن انقضى فصل الشتاء حتى عاد الى مركز حُكمه. ونزل أباقا خان الى بغـداد للمرة الثالثة في عام 1274م. أما زيارته الثالثة لبغداد فقد قام بها عام 1281م .
يقول غياث الدين بن فتح الله (التاريخ الغياثي ص 45) <بأنَّ أباقا خان أنجز خلال حُكمه الذي امتدَّ ثمانية عشر عاماً وقال البعضُ ستة عشر عاماً أعمالاً كبيرة وإصلاحاتٍ واسعة، فقد قام بتخفيف عِبءِ الضرائب عن كاهل المواطنين، وكان ناجحاً في الحروب التي خاضها، وموفقاً في إقامة علاقاتٍ مع دول الغرب. فقد وصل وفدُه الأول الى مدينة ليون الفرنسية عام 1274م والثاني الى روما عام 1277م. وراسله "البابا اقليميس الرابع عام 1267 والبابا غريغوريوس العاشر عام 1274م وتلقى رسالة مِن ادورد الأول ملك انكلترة عام 1274م>. وكان والدُه قد خطبَ مريمَ إبنة ملك القسطنطينية، لكن الموتَ عاجله قبل وصولها إليه، فتزوَّجَها هو واستبدل اسمها ودعاها "دسبينا خاتون". وفي بداية عام 1282م أنهى زيارتَه الأخيرة الى بغداد وتوَجَّه الى همدان.
ويروي إبن العبري عن اباقا خان (تاريخ مختصر الدول ص 505) ما يلي بالنص: <في بداية عام 1282م ترك أباقا خان بغـداد وعاد الى هَمدان في يوم عيد النصارى الكبير لتلك السنة وهو عيد القيامة، دخل الى البيعة في تلك المدينة، وعيَّدَ مع النصارى مُشاركاً إياهم في الإحتفال. وفي يوم الإثنين ثاني أيام العيد، أقام له شخصٌ فارسي مسيحي اسمه بهنام وليمة كبرى في داره. وفي ليلة الثلاثاء تغـَيَّر مزاجُه وصار يرى خيالاتٍ في الهواء. وفي يوم الأربعاء، وهو أول يوم مِن نيسان لتلك السنة وافاهُ الأجَل>. وفي السادس والعشرين مِن نيسان لنفس العام لحِقَه الى القبر أخوه مَنكو تيمور أيضاً ويقول عبد الرزاق بن الفوطي في الحوادث الجامعـة والـتجارب الـنافعـة في المئة السابعة (تاريخ العراق بين احتلالين1 ص 302) <بأنَّ عمر السلطان اباقا خان، كان نحو خمسين سنة، وانه كان عادلاً حسن السيرة محبّاً لعمارة البلاد، ولا يرى سفكَ الدماء مُبرَّراً، عـفيفاً عن أموال الرعية> . و أباقا خان هو الإيلخان أو السطان الأول للدولـة الإيلخانية.

71 - البطريرك دنحا الأول 1266 - 1281م
نَنقل بتصرُّف عَـمّا قاله بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 10) عَـن دنحا الأول . كان رستاقيَّ المولد، ورستاق تقع في منطقة أشبوخ. تَمَيَّـزَ بالفضيلة ومحبة العِـلم، ويقول عَنه حبيب حَنونا(كنيسة المشرق في سهـل نينـوى ص182) <بأنه كان ذا جاهٍ لدى امراء المغول حيث سبق له أن التقـى ببعض أمراء المغول وزعمائهم، وكان مُعاصرا لأباقا خان الذي وصفه المؤرخون بذي الذكاء الراجح والقرار الرصين يتحلّى بقلبٍ رحيم، حالفه النصرُ في جميع حُروبه. كان هولاكو والدُ أباقا قد خطب إبنة ملك القسطنطينية "ميخائيل فاليولوغ" ولدى وصولها برفقة أفتيموس البطريرك الأنطاكي الى الشرق، كان هولاكو قد تُوفي، فتزوَّجها إبنُه أباقا خان .
بعـد وفاة البطريرك مكيخا الثاني شَغِرَ الكُرسي البطريركي للكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية عِدة شهور، ثمَّ قام الأساقفة بعقد مجمع لإنتخاب بطريرك جديد، وأجمعـوا على اختيار ماردنحا بطريركاً لكنيستهم، ومِن الجدير بالذكر بأنَّ ماردنحا كان أحد المنافسين في عملية انتخاب البطريرك مكيخا الثاني ولم يَفُز آنذاك، لكنه في هذا الإجتماع فقد اختاره الآباء بإجماع الآراء، أما قول المؤرخ المونوفيزي إبن العِبري في كتابه (التاريخ الكنسي ج3 ص 439) بأن الملكة دقوز خاتون هي التي أمرت بمنح ماردنحا المرسوم، فهو غير صحيح وهو يَدخل ضمن نهجه المتواصل في التشهير بالمؤسسة البطريركية الكلدانية النسطورية ورُعاتها، لأن دقوز خاتون كانت قـد لحقت بزوجها هولاكو الى اللحد في صيف عام 1265م وانتخاب مار دنحا جرى في عام 1266م . يروي المؤرخ صليبا في (المجـدل ص 122) عن ماردنحا بقوله، <بأنَّه كان غزيرَ العِلم مَقبولَ المظهر وهذا ما أهَله ليُرسمَ مطـراناً على أربيل وهو في باكورة كهنوته ولم يتعدَّ الثلاثين مِن عُمره. أيَّد أباقا خان انتخابَ ماردنحا وأهداه خِلعة ً سنيَّة وقدَّم له البيرون والجتر، حضر رسامتَه الأميرُ يعقوبُ وبريخا الساعور وثلاثة امراء مغول، ورُسمَ في المدائن في مُنتصف تشرين الثاني لعام 1266م وكان الأحد الثالث مِن تقديس البيعـة.

عاد ماردنحا الى بغداد بعـد تأديتِه الزيارة التقليدية لضريح مارماري، واستقرَّ في القلاية البطريركية بدار الدويدار وباشر إدارته لشؤون كنيسته. يقول بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 11- 12) ونقتبِس مِنه بتصرُّف، <بأن ماردنحا وفور جلوسه بدأَ بإصلاحاتٍ تصُبُّ في خانة خِدمة شعبه، فاهتمَّ ببناء المدارس رغبة ً مِنه في تجديد الحياة العِلمية في الكنيسة الكلدانية التي كانت في حالة ركودٍ كبير، وكذلك إلتفتَ الى بناء الكنائس والأديرة، ومِن أهمِّ مآثره كان تشييده لكنيسةٍ فخِمة في مدينة "أشنو" الفارسية وألحق بها مدرسة ً اسكولية هدفها تزويد المُرشحين للكهنوت بثقافةٍ روحية وعِلمية.

لم يخلُ عهدُ البطريرك دنحا الأول مِن القلاقل والإضطرابات التي نغصت حياتَه، ذكرها المؤرخ غريغوريوس المونوفيزي أشدُّ الحاقدين على النساطرة والمعـروف بإبن العِـبري ولكني لا أثق بصحة سَردِه لبعضٍ مِنها ولذلك سأضرب صفحاً عَن ذِكر تلك فقط . أما ما حدث في سنة 1268م  وذكره إبن العِـبري (التاريخ السرياني ص 525) وهو قيام صاحب مصر "البندقدار" باحتلال جيوشِه لمدينة أنطاكيا فأعملوا في أهلها السيفَ مُحرقينَ كنائسَها الشهيرة وناشرين فيها الدمار، وفي صيف السنة ذاتها قُبضَ على حنانيشوع اسقف الجزيرة النسطوري وحُكم عليه بالقتل بتهمة الإفراط في تدخله بالشؤون المدنية، فقطعَ رأسُه وعُلق على باب مدينة الجزيرة.
وقام المصريون في ذات السنة 1268م أيضاً، بالإفراج عن ليون بن ملك قيليقية الأسير لديهم، فعاد الى بلآده  واستقبله المسيحيون بفرح ٍ عظيم، وجرى تتويجُه ملكاً على قيليقية خلفاً لوالده الراحل. وفي بداية الصوم الكبير لعام 1271م حَرَّضَ المسلمون بعضَ الرُعاع مِن أتباعهم فهاجموا "علاء الدين" صاحبَ الديوان في بغداد وانهالوا عليه طعناً بالسكاكين، فاتَّهمَ المسلمون البطريرك بأنَّ الفاعلين كانوا رجالُه أرسلهم للقيام بهذه الجريمة، وعلى إثر ذلك زُجَّ الأساقفة والرهبانُ والرؤساءُ المسيحيون في السجن، وبدوره قام أميرُأربيل "قوتلو بك" بإلقاء القبض على البطريرك ماردنحا وأساقفته وأودعهم السجن، فمكثوا فيه طوال مدة الصوم، حيث أطلقَ سِراحُهم بأمر مِن السلطات العليا. فرأى مار دنحا أنَّ الأسلـَم لـه هو الذهاب الى مدينة أشنو في أذربيجان الفارسية والإستقرار فيها. ويُواصل إبن العِبري بسرد تسلسلَ الأحداث فيقول (التاريخ السرياني ص 527) بأن زلزالاً عنيفاً ضرب أذربيجان في 17 كانون الثاني لعام 1273م وفي تبريز خاصة ، وسلمَت مِنه كنيسة السريان التي كان يجتمع فيها المسيحيون مِن كُلِّ الطوائف للصلاة فيها.
وفي (الصفحة 529 للتاريخ السرياني) يستطرد إبن العبري بالقول ما مفاده: <خـلال الصوم لعام 1274 م قبضَ على أحد رهبان ديرمارميخائيل القريب من الموصل متلبساً بفعل الزنى مع امرأةٍ مُسلمة ولكي يتفادى العقابَ بادر الى جَحدِ دينه وإشهار إسلامِه. وأراد المسيحيون الإحتفال بعيد السعانين، ولخوفهم مِن المسلمين بخلق المتاعب لهم، لجَأوا الى بعض المسيحيين المغول فلبوا دعوتهم وتقدَّموا موكبَ الإحتفال راكبين خيولهم ورافعين الصلبان فوق رماحهم ويتبعهم المطرانُ والمؤمنون. وما إن أطلَّ الموكبُ أمام القلعة حتى انهال عليهم المسلمون رجماً بالحجارة، فتبدَّدَ شملُ المحتفلين عائدين الى بيوتهم وقد أخذ مِنهم الخوف. وشهدَ هذا العام أيضاً وفاة الفيلسوف "نصيرالدين الطوسي" صاحب المرصد في مدينة مـراغـة، كان مُتمكناً مِن كافة فنون الحكمة. تعَـرَّضت مناطقُ قيليقية الى التدمير مِن قبل المصريين عام 1275م بالإضافة الى قتل الربان "شليمون" أمين سِرِّ البطريرك المونوفيزي "أغناطيوس" و25 راهباً في دير "باقسماط" الذي أحرقوه الى جانب سائر أديرة تلك المنطقة، فما كان مِن البطريرك إلا الفرار واللجوء الى حصن بهغا. قام الأتراكُ بقتل اسقف مدينة "ارزنجان" الأرمني وثلاثين آخرين مِن الكهنة والرهبان والمؤمنين. أما الأكراد فقد هاجموا عام 1277م جبل الالوف، وأسروا عشرة رهبان مِن دير"مار متي"  قتلوا واحداً وباعوا التسعة بأربعة آلاف درهم>.

في هذا الوقت أعـربَ المفريان غـريغوريوس الملطي المعروف بابن العِبري عن رغبته لزيارة بغداد، وطلب مِن الأركذياقون توما إبلاغ البطريرك ماردنحا الأول بقدومِه، فكان رَدُّ فعل البطريرك ايجابياً مشوباً بالترحيب وعدم وجود أيَّة حساسيةٍ عُنصرية تُجاه الكلدان اليعاقبة الذين يكُنون للكلدان النساطرة كُلَّ الكراهية والحِقد، والدليل على ذلك هو إرساله وفداً كلدانياً ضمَّ أساقفة ًوعدداً مِن كبار المسيحيين لإستقبال المفريان. فضلاً عن قيام البطـريرك ذاته بإبداء الإكرام اللائق له لدى دخوله عليه، كما تحَدَّثَ الى الجماهير اليعقوبية والنسطورية مُطنباً إياه بعبارة الطوبى.
ويذكر إبن العبري في (التاريخ السرياني/ الترجمة العربية ص 338) بأنَّ الملكة "قوتاي خاتون" أرملة هـولاكو المسيحية المؤمنة لاحَظت بأن برداً شديداً غيرَ مسبوق شَمل البلاد مُنذ أن امتنع المسيحيون عن تقديس ماء النهر يوم الإحتفال بعيد الدنح "عماذ المسيح" تجَنباً لمضايقات المسلمين التي كانوا يتعَرَّضون لها، فجاءَت الى مراغـة عام 1279م، وأمرت المسيحيين بأن يخرجوا ويؤَدوا مراسيم تقديس النهر كسابق عادتهم، فلبوا طلبَها تحت حراسة رجال العسكر المعلقة صُلبان على رؤوس رماحهم، وما إن إنتهوا مِن مُهمتهم، حتى اعتدَل المناخُ وبدأ الكَلأ بالنمو وأصبح الشتاءُ شبيهاً بالربيع، فعَمَّ الفرحُ الشعبَ جَميعاً.
ويروي إبن العبري أيضاً (التريخ الكنسي ج3 عمود 451) بأن المسيحيَين اللذين كان أحدُهما يُدير الموصل والآخر أربيل وهما الإيغوري أشموطـ ومسعود برقوطي، تقدَّما عام 1280م بشكوى الى السلطان الأكبر أباقا خان ضِدَّ تعَـسُّف "بابا" الفارسي الذي كان يُـمارسه عليهما، صدَّق أباقا شكواهما وأمر بإعدام بابا، وإعادتِهما الى منصبيهما في الموصل وأربيل كما كانا عليه مِن قبل .
يقـول صليبا في (المجـدل ص 122) بأن البطريرك ماردنحا الأول غادر مقرَّه في مدينة أشنو الأذربيجانية عام 1281م قاصداً المجيءَ الى بغداد، وفيما هو في الطريق داهمَه المرضُ ، ولم يفارقه حتى بعـد وصوله الى بغـداد الى أن وافته المنيَّة في 22 شباط لنفس العام، فدُفنَ في كنيسة الدويدار. دامَ جلوسُه على الكرسي البطريركي مدة 16 عاماً  وبقي الكرسيُّ مِن بعده شاغراً بحوالي ثمانية أشهر. والى الجزء الرابع والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 2/5/2015

62
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن

الجزء الثاني والعشرون
أحوال الكنيسة الكلدانية النسطورية في أواخر العهد العباسي

لم يُطلَق المَثَل القائل "لكُلِّ زمان دولة ٌ ورجال" جُزافاً، فإن الخلفاءَ العباسيين الأربعة الأواخر، أثبتوا عدم قدرتهم على تحرير ذواتهم مِن نفوذ الغرباء، مِمّا جعلهم مُسيَّرين في إدارة شؤون الدولة لا مُخيَّرين، ولذلك لم يستطيعوا التصدّيَ للأحداث بالمستوى المطلوب مِن القوة والحزم، وبدأ الإنحلالُ ينخرُ في أوصال الخلافة، بحيث أنَّ الخليفة أصبحَ أداة ً طيِّعة بأيدي الأمراء والحُكّام المتسلطين. وكان هذا العجزُ سبباً في انحطاط الدولة العباسية كما سنرى فيما يلي:

30 - الخليفة الناصر لدين الله 1180 - 1225م
يقول إبن الكازرُني (مختصر تاريخ الدول ص 242) والسيوطي (تاريخ الخلفاء ص 448) بأنَّه أبو العباس أحمد بن المستضيء المُلقب بـ"الناصر لدين الدولة" وُلد عام 1156م. كانت أمًّه تركية اسمها "زمرد خاتون". وقد رُويَ بأنَّ أباه المُستضيء كان قد أعلنه وليّاً للعهد، ثمَّ عَدِلَ عن ذلك لصالح أخيه أبي منصور هاشم. لكنَّ الأمرَ تبدَّل بعد وفاة المستضيء ولم يُعمَل بقراره، بل أُعيدَ الحقَّ الى أبي العباس أحمد صاحبه الشرعي، وبويع بالخلافة في صباح ليلة موت والده. وبالرغم مِن التناقض الذي كان يكتنف الناصر مِراراً، فقد أثنى عليه المؤرخون حيث قالوا: <إذا أطعمَ أشبعَ، وإذا ضرب أوجعَ، وان له مواطن يُعطي فيها عطاءَ مَن لا يخاف الفقر> إلا أن إبنَ الأثير (الكامل في التاريخ12 ص 440) يصفه قائلاً: <...كان الناصرُسيّيءَ السيرة، خربت في أيامه العراق لِما أحدثه مِن الرسوم، وأخذ أموالهم وأملاكهم، وكان يفعل الشيءَ وضِدَّه الخ...> بينما يصفه المؤرخ فاروق عمر فـوزي بالداهية في كتابه (الخليفة الداهية الناصر لدين الله العباسي- بغداد 1989م) أما المصادرالتالية (الفتوّة والصعلكة/ أحمد أمين ــ الفتوَّة في الإسلام/ سعيد الديوه جي ــ مجلة المجمع العلمي العراقي 1958/ مصطفى جواد) فقد ذكرت عنه: بأنه الخليفة الناصر اشتهر بإحداثه "تنظيم الفتوَّة" على قواعد واسس ٍ جديدة، حتى غدت معروفة ً باسمه "الفتوَّة الناصرية".
لم تَطُل الخلافة العباسية لأحدٍ قبل الناصرلدين الله أو بعده كما طالت له، وتخلَّلت عهدَه الطويل أحداثٌ هامة ولا سيما في العاصمة،  فبتحريضٍ مِن بعض الموغلين بالتعصُّب والتزمُّت، أُجبِرَأصحابُ الحانات الى غلقِها، وأُبعدَ الكثيرُ مِن المسيحيين عن مناصب الدولة الرسمية، تحت ذرائع واتهامات إدِّعائية، وأخص المشمولين بالإبعاد كانوا أفراد اسرة النظام، ورغم تدخل الوزير المُفوَّض بن البخاري لصالح إبقاء إبن الأشقر مِن ديوان الأرض بمنصبه، إلا أنَّه لم يُفلح. ونتيجة ًلهذه الإجراءات العنصرية التعسُّفية إضطرَّ العديدُ مِن المسيحيين الى اعتناق الإسلام للحفاظ على مناصبهم وأموالهم، وهذا سلاحٌ آخر بديلاً عن السيف لإرغام المسيحيين للدخول الى الإسلام!

ومع كُلِّ هذه الأساليب المستنبطة ضّدَّ المسيحيين، لم يستطع الخليفة وبَلاطُه الإستغناء عن الأطباء المسيحيين، فنرى إبن العبري (تاريخ مختصر الدول ص 416) وإبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء... ص 403 - 405) يذكران مِن أطباء الدار الإمامية الناصرية: صاعد بن هبة الله بن المؤمل أبا الحسن النصراني النيلي وأخاه الأركذياقون أبا الخير وهما أخوا البطريرك الملقب بابن المسيحي. فقد كان صاعدٌ الأكثرَ قُرباً مِن الخليفة الناصر، بحكم مَعرفته التامة بالطب والمَنطق. ألَّفَ صاعـد كتاباً صغيرَ الحجم سمّاه "الصفوة". ووضع الأركذياقون أبوالخير كتاباً مُختصراً ضمَّنه تلخيصاً لمباحث كتاب الكليات مِن القانون سمّاه "الإقتضاب". وكان أبو الأركذياقون أبي الخير قد أخذ إبنه هذا في صغره الى إبن التلميذ فأقرأَه المسألة الاولى مِن مسائل حُنين. ومِن الأطباء الذين كانوا في خدمة الخليفة الناصرأيضاً، يذكر إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 298 و 301 - 302) الطبيب أبا الفرج المسيحي . الذي تُوفي عام 1204م ودُفن ليلاً وأُجريت له مراسيم دَفن كبيرة حضرها رهطٌ غفيرٌ مِن المسيحيين مع كثير مِن الفنود "جماعات الطوائف الاخرى" ويُضيف إبن أبي أُصيبعة في ذات الموضع قئلاً: وذات يوم ألَمَّ بالخليفة الناصرألَمٌ في مثانته لم يستطع الطبيبُ أبو الخير أن يشفيه، فاستُدعيَ طبيبٌ مسيحيٌّ آخر اسمه أبو نصر سعيد بن عيسى، ووضع على الموضع بلسماً أذابَ الحصى وشُفي الخليفة. فغمره الخليفة الناصر بالهبات، وكذلك فعلت "زمرد خاتون" زوجة الخليفة وأولاده. وخَصَّصَ له الناصر راتباً سنوياً حتى موته. وكان هؤلاء الأطباء يُمارسون الطب في مستشفى العضدي الشهير في بغداد الى جانب خِدمتهم في البلاط الخليفي.

وعن العلماء والأطباء البارزين الذين عاصروا الخليفة الناصر وقضوا نحبَهم في عهده، يذكر مِنهم إبـن العبري (مُختصر تاريخ الدول ص 419 - 420) موسى بن مَيمون اليهودي الأندلسي الذي يصفه بالطبيب الشهير والرياضي العظيم، وقد أُكرهَ على الإسلام، فأظهره وأسَرَّ اليهودية. وافته المنيَّة عام 1209م في هرات الإمام الفخر الرازي  "محمد بـن عمر" المعروف بابن الخطيب بالري. وتوفي أيضاً عام 1211م إبن أبي البقاء المسيحي النيلي نزيل بغداد، والمُكنّى بـ"أبي الخير" ويُعرَف بابن العطار الخبير بالعلاج. أما إبنه الطبيب أبوعلي، فقد ساءَت سمعتُه بسبب توَرُّطه في مشاكل غرامية. ويُضيف إبن العبري في ذات الموضع (ص 421 - 422) بأنَّ أبا الكرم صاعد بن توما النصراني الطبيب البغدادي والمُلقب بأمين الدولة قُتل عام 1223م. وأتى في كتاب (الخليفة الداهية... لفاروق عمر فوزي ص 79) ذِكرُ شاعر نسطوري عاش في عهد الخليفة الناصرهوعـبد المُنعم المصري الذي عمل سفيراً للخليفة في مناسباتٍ عِدة. وقد وافى الأجلُ الخليفة الناصر في السادس مِن تشرين الأول عام 1225م  ودفن في ايوان دار الصخر، ثمَّ نُقل جثمانه الى تُرب الرصافة فدُفن فيها بجوار جَدِّه المُستنجد.

في عام 1187م وهو العام السابع لتوَلّي الناصر لدين الله الخلافة، استطاع صلاح الدين الأيوبي ضَربَ حصار شديد على مدينة اورشليم التي يُسمّيها المسلمون "بيت المقدس أوالقدس" وتحت ثقل هذا الحصار لم يستطع الأهلون الصمود طويلاً، فاضطرّوا للإستسلام، فتوغلَ جيشُ صلاح الدين في المدينة، وبالرغم مِما قيل عن تَحَلّي صلاح الدين بالنخوة والشهامة، إلا أنه لم يسـتطع ضبط أفراد جيشه مِن القيام بأعمال مُهينةٍ ودموية بحسب وصف المؤرخين (تاريخ الرهاوي المجهول المجلد 82 ــ تاريخ ميخائيل اليعقوبي3 ص 405) يندى لها الجبين أسىً وخجلاً، مُظهرين فيها غريزتهم الإنتقامية بأجلى صورها، بالإضافة الى تدمير المدينة المقدَّسة وسلبها ونهبها. لم تسلم إلا كنيسة القيامة الكبرى حيث وضعت تحت الحراسة، ربما بهدف الإستفادة وذلك لإستيفائهم عشرة دنانير مِن كُلِّ مسيحيٍّ يروم الدخول إليها للسجود أمام القبر المقدَّس .
يقول حبيب الزيات (الصليب والإسلام ص 10) ما مُلخَّصُه: لم يهتم مسيحيو بلاد ما بين النهرَين بانتصارات الصليبيين، ولا بسقوط القدس بأيدي المُسلمين ولا باستعراض فرسان الإفرنج فى شوارع بغداد بحالةٍ مِن الإذلال والهوان. إلا أنَّ ما آلمهم وأثار غضبَهم هو قيام صلاح الدين عام 1189م قبَيل وفاته بإرسال الصليب المرفوع فوق قبة الصخرة في القدس المصنوع مِن البرُنز المطليِّ بالذهب الى الخليفة، فدُفنَ عند مدخل باب بغداد المعروف بباب النوبي، وجُعِلً جزءٌ مِنه ظاهراً قليلاً وكان المسلمون المارون يطأونه بأقدامِهم ويبصقون عليه .

بقدر ما أثارَ سقوطُ القدس بأيدي المُسلمين واحتلالهم لها فرحاً في نفوسهم، بقدرأكبرمنه أثار في قلوبهم الغضبَ والحِقدَ على مسيحيي الشرق، ولاسيما سكان المناطق الغربية مِنهم، فأعلنوا عليهم اضطهاداً قاسياً مُتعدِّد الأشكال، أحدث صدىً  بما دوَّنه في أواخر حياته شاهدُ عيان لتلك الوقائع الأليمة هو المؤرخ الكبير ميخائيل اليعقوبي في كتاب تاريخه الذي يمتدُّ حتى عام 1195م، حيث يقول بالنص <إنَّ الكلامَ لعاجزٌ عن التعبير عن جميع الإهانات والمَذلات والإحتقار التي سامَها المسلمون للشعبَ المسيحي المُضطهد، في دمشق وحرّان والرُّها وآمد و مارديـن والموصل وفي سائر أنحاء المملكة>.

وليس مِن شَكٍّ أنَّ تلك الأحداث المأساوية كان لها دورٌ كبيرٌ في توسيع هوة الخلاف بين المسيحيين والمسلمين، وستنطلق المشاعر المكبوتة والغزيرة بالألم مِن عقالها حين يقتحم المغولُ أبواب بغداد في عام 1258م. ولم يكن مِن المُستغرَب أن يكون لهذه الأحداث رَدُّ فِعل سيٍّ على بعض المسيحيين، أدّى بهم الى التخاذل عن دينهم. ويسرد لنا إبن العبري (التاريخ السرياني ص 380) مثلاً  بطبيب صلاح الدين الأيوبي المُسمّى"موفق أسعد الدمشقي" والمعروف بابن المطران. فمِن أجل الجاه والغنى ترك مسيحيته وتحَول الى الإسلام، فأزوجه صلاح الدين إحدى إمائه . وبعد موته، تردَّت حالة زوجته للحضيض، فاضطرَّت للتسوُّل على الأبواب لتقتات هي وابنهما.
مات صلاح الدين الأيوبي في الرابع مِن آذار عام 1193م إثر إصابته بنوبةِ حُمّى قوية في دمشق، تاركاً  وراءَه 17 عشر ولداً وبنتاً صغيرة واحدة، الى جانب خزانةٍ خاوية لم يكن فـيها سوى دينار واحدٍ و36 درهماً، نتيجة بذخه المُفرط وسخائه. ويُروى عنه، بأنًّه لما شعر باقتراب أجله، نادى أحد الأمراء وأمره بأن يضع كفنه على رأس قصبة، ويطوف به في أسواق المدينة قائلاً: <إنَّ الملكَ صلاح الدين ينتقل مِن هذا العالَم، ولا يأخذ مِن كُلِّ أمواله سوى هذه قطعة الكفن>.

67 - البطريرك يهبلاها الثاني بن قيوما 1190- 1222م
يقول المؤرخ إبن العبري (التاريخ السرياني ص 380) ايليا بن قيوما هو أحد أبنا الموصل، رُسِمَ اسقفاً على ميافرقين، ثمَّ رُقيَ الى منصب كُرسيِّ نصيبين الميطـرابوليطي. بموت البطريرك العظيم ايليا الثالث أبي حليم، وشغور الكرسي البطريركي بما يقرب مِن ثلاثة أشهر، اجتمع الآباءُ المطارنة لإنتخاب بطريركٍ جديد. وكان ايليا ميطرابوليط نصيبين بحسب قول صليبا (المجدل ص 115) <رجلاً ذكيّاً وخبيراً بالمُداراة>، ويُضيف إبن العبري (التاريخ الكنسي ج2 ص 370 - 372) <فقد شعر بأن الأساقفة والبغداديين لا يُريدونه، فدفع لوالي بغداد مبلغ 7000 دينار فأوعز الأخيرُ الــى الأساقفة باختياره، فاضطرّوا لفعل ذلك مُرغمين. وتمَّت رسامتُه بطريركاً باسم يَهبَلاها الثاني في الأحد الثالث مِن سابوع الرسل لعام 1190م . ويُتابع صليبا القول في الموضع السابق ذاته، <بأنَّه لم يشأ السكنى في القلاية البطريركية بدارالروم، بل فـضَّل السكنى في بـيعة العذراء المعروفة ببيعة العقبة في منطقة العتيقة بالجانب الغربي مِن بغداد، ويُردف بأنَّ النصارى كانوا في عهده ينعمون بالراحة والعيش الهنيء، وأنّه رسم18 مطراناً و37 اسقفاً>.

ربما كان صليبا مُبالِغاً في وصف المسيحيين بالتنعم بالراحة والعيش الهنيء، لأننا نعلم جيداً وعلى مَرِّ عهود بني العـباس، بأن العلماء المُسلمين كانوا على الدوام تعظُّهم أنياب الغيرة مِن نجاح المسيحيين في مجالات العِلم والطب التي بفضلها يتسلمون المناصب الرفيعة في الـدولة، فلم يكونوا يُفوِّتون أية فرصةٍ للإيقاع بهم والتقليل مِن شأنهم عند الخلفاء والحكّام ويدفعونهم الى اتخاذ إجراءاتٍ تَحد من نفوذهم، وهذا الشيء لم يختفِ في عهد الخليفة الناصر، بل كان التحامُل على المسيحيين أكثرَ عنفاً وأشدَّ تحريضاً. ومثالاً على ذلك ما أورده الأب فييِّه (المسيحيون السريان... ص 261 - 262) هو أنَّ إبن فضلان الذي درس الفقهَ على والده المدرِّس في المدرسة النظامية في بغداد، وخلفه بعد موته في التعليم في المدرسة ذاتها عام 1199م. وعندذاك وجَّه رسالة ً الى الخليفة الناصر ضمَّنها طلباً جاء فيه: <إنَّ المذهبَ الشافعي يقضي بأن يكون ما يُؤخذ مِن الذمِّيين كُلَّ سنة مُعادلاً لإيجار سكناهم في "دار السلم" وإذ ليس ثمَّة حدٌّ أعلى مُعَـيَّن، فالحد الأدنى هو دينار واحد. ولكنَّ الذميين أغنياء. فمنهم مَن يكسبون في اليوم الواحد، على حساب المُسلمين، ما يدفعونه عن سنةٍ كاملة> ثمَّ يمضي في ضرب أمثلةٍ على ما قد مُنِحَ مِن امتيازاتٍ لأهل الذمة فيقول: <إنَّ إبنَ الخازن قيصر أبعد الفقيهَ المسلم إبن مهريز ووضع مكانَه جبريل بن زطينا أميناً للخزينة وعيَّنَ إبن ساوا في واسط...>  ويُتابع مُستشهداً بما اتخذه الخلفاء علي وعمر بحقِّ الذميين مِن إجراءاتٍ صارمة <... ليس للذميين في أيِّ موضع آخر حالة ٌ ووضعٌ ومركز أفضل مِما لهم في بغـداد...> وبعد ذلك يتحوَّل إبن فضلان الى انتقاد جميع الذميين الذين يجنون أرباحاً طائلة مِن الأطباء الذين مُنحوا حرية الدخول على العظماء، في حين أنَّهم ليسوا سوى مُشعوذين حصلوا على شهاداتهم دون أن يقرأوا أكثر مِن مسائل حُنَين العشر وخمس وصفاتٍ مِن تذكرة شفاء العيون، وغيرهم مِن التجار الذين يُحققون أرباحاً كبيرة على حساب المسلمين ولكي يعـيشوا حياة البذخ في الأكل والشرب والملذات. إنَّ جميع هؤلاء الناس الأغنياء اليوم ظلُّوا مُضطـرِّين عبر الأجيال الى المذلّة والى حمل الشارات المُمَيَّزة...>.
ورغم كُلِّ هذا التحريض الوضيع وليدِ الحقد والغيرة، كان المسيحيون في سنوات عهد الخليفة الناصر الاولى يشغـلون مناصـب رفيعة في الدولة ودار الخلافة، ويُستدَلُّ مِن ذلك، بأنّ الخليفة الناصر إطلع على مطالب إبن فضلان، ولكنَّه لم يأبه بها. وقد عَظُمَ شأن أبي الغنائم نصر بن ساوا الذي هاجمه إبن فضلان، حيث انتقل مِن إدارة واسط الى إدارة منطقتي الدجيل وداقوق بعد موت الأمير علاء الدين الناصري. ولكنَّ خصومه المتزمتين لم يتركوه في حاله حتى استطاعوا أخيراً تلفيق إتّهام له عام 1207م بتسببه في موت سلفه، فحُكم عليه بقطع يديه ورجليه قبل أن يُعَلقَ أمام دار الأمير المتوفى، ولم ينفع مبلغ العشرة آلاف دينار لإنقاذه، وقد اعتبره المؤرخ صليبا شهيداً. ويتسأَل الأب فِييه (المسيحيون السريان... ص 262 /ح 74) أليس مِن المنطق أن يكون للفقهاء الحَنبليين الذين كانت مدرستُهم في درب القيار حيث كان يقع فيها منزل إبن ساوا أيضاً ضلعٌ في هذه التهمة؟ وقد أُعطيت دارُه لشخص آخر في عام 1209م. ولكنَّ هذا الحادث الفردي لا يُمكن اعتبارُه اضطهاداً شاملاً ضِدَّ المسيحيين عموماً، إلا أنَّه دليل على انخفاض شأن المسيحيين مِن حيث المُعتقد والسياسة. وقد ظهر في هذه الأثناء كما يقول إبن العبري (تاريخ مختصر الدول ص 420) طبيبٌ مسيحي يُدعى "علي بن أحمد أبو الحسن" المعروف بـ"إبن هبل" كان تلميذاً لليهودي أبي البركات، وهو بغدادي عالم بالطب والأدب. مَرَّ بالموصل وهو في طريقه الى أذربيجان ولدى وصوله "خلاط" أقام فيها عند صاحبها "شاه ارمن يطبَّه" وتوافد الناس إليه للقراءة. وغادرها عائداً الى الموصل، ممتلئاً مِن المال، واستقَّر بها حتى وافاه الأجل. ترك كتاباً حسناً في الطب بأربعة مجلدات أسماه     "المُختار". وتُوفي عام 1213م عن عمر يناهز الخامسة والتسعين .
يقول بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 498) في عَهد البطريرك يهبلاها الثاني بن قيوما، وكعادة اليعاقبة في كُلِّ المراحل، استولوا بدون وجه حَق على دير الزعفران في نصيبين المُشيَّد على اسم باباي النصيبيني العائد للكلدان النساطرة، إلا أن كيدهم رُدَّ الى نحرهم واستعـيدَ الديرُ مِنهم بسعي جادٍّ أبداه الشماس سعـيد الرُهاوي الكلداني النسطوري المُلقب بـ "وجه الدولة" وقد وافى الأجلُ مار يَهبَلاها في نهاية شهر كانون الثاني لعام 1222م، بعد رئاسةٍ ناهزت الواحدَ والثلاثين عاماً، ودُفن في كنيسة العتيقة للقديسة مريم المعروفة ببيعة العقبة والتي كان قد إتخذها له مقرّاً بدلا مِن القلاية البطريركية بدارالروم .

68 - البطريرك سبريشوع الرابع بن قيوما 1222 - 1224م
يقول المؤرخ صليبا (المجدل ص 116) بأن سبريشوع كان هو أيضاً مِن أبناء الموصل، ولُقب بابن قيوما لكونه إبن أخي البطريرك السابق يَهـبَلاها الثاني. رسمه عَمُّه اسقفاً على بانوهدرا، ثمَّ رَقّاه الى منصب مطرانية حزة "أربيل". بعد وفاة يَهبَلاها الثاني، اجتمع الآباءُ المطارنة للإنتخاب، وكان التنافس كبيراً حيث كان كُلُّ واحدٍ منهم يطمح بالرئاسة لنفسه، وأضحى المؤمنون في حيرةٍ مِن أمرهم مِما أدّى الى انقسامهم الى فريقين. نذكر باختصار ما قاله بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 499 - 500) حول هذا الإنقسام. اختار الفريق الأول وهو الأقل عدداً سبريشوع بن المسيحي تقديراً لعـِلمه وفـضله وقـدسه واعـتباراً لإخوَته الحُكماء الفضلاء. إلا أنَّ جَماعة الفريق الثاني وهو الأكثر عدداً فقد اختارت سبريشوع بن قيوما، آخذين بنظر الإعتبار الخبرة الواسعة التي اكتسبها في ادارة الشؤون الكنسية لدى تَدرُّبه على عـَمِّه البطريرك. بيدَ أنَّ إبن العبري (التاريخ الكنسي2 ص 372) فيقول: <إنَّ إبنَ قيوما توصَّل الى الرئاسة مثل سلفه بدفع رشوة للحاكم قدرها 7000 دينار وكان الوسيط في هذه المساومة الـطبيب اليعقوبي أمين الدولة>. (وهنا تجدر المُلاحظة ومع الإحترام لغريغوريوس بن العبري بكونه مؤرخاً يعقوبياً طويل الباع، ولكنَّه وكَكُل اليعاقبة لا يتسم بالعدالة والصراحة عندما يتحدَّث عن النساطرة) وبغض النظر عن الصح أو الخطأ  فيما قيل، فقد فاز سبريشوع بن قيوما ونال تأييد الخليفة الناصر، وتمَّت رسامته بالمدائن في آخر أيام تموز لعام 1222م واستقرَّ فيها مُمارساً واجباته الإدارية وقد أجادَ بها مُصلِحاً ما كان غير مُجدٍ، بادر الى فتح المدارس وإحياء العلوم، وفي زَمن رئاسته كانت مدرسة المستنصرية في بغداد قد ذاعت شهرتُها كإحدى أعظم المَدارس مِن حيث البناء والإتساع وتَنوُّع الفقهاء مِن المذاهب الأربعة. قضى مارسبريشوع الرابع نَحبَه  في 11/ 6/ 1224م ودُفنَ في كنيسة السيدة المعروفة ببيعة العقبة بجوار قبر عـَمِّه .
إنَّ الشخصية التي ذكرها إبن العبري بأنَّها لعبت دور الوسيط في انتخاب البطريرك سبريشوع بن قيوما، كان أبا الكرم بن توما النصراني البغدادي المعروف بأمين الدولة، طبيب وسكرتير ووزير نجم الدين أبي اليُمن نجاح الشرابي. شَقَّ طريقه الى الرقيِّ والتقدم في عهد الخليفة الناصر حتى بلغ منزلة الوزراء، وكان موضع ثقة الخليفة فاستأمنه على حِفظ أمواله وخـواصه، وكان حَسن الوساطة جميل المحضر، تُقضى على يده حاجات الناس. لقد أُغتيل عام 1223م، ويروي إبن العبري سبب هذا الإغتيال حيث يقول بالنص: <كان الإمام الناصر"الخليفة" في آخر أيامه قد ضَعُفَ بصرُه، وأدركَه سهوٌ في أكثر أوقاته. ولما عَجِزَ عن النظر في القصص، استحضرَ امرأة ًمِن النساء البغداديات تُعرَف بست "نسيم" وقرَّبها. وكانت تكتب خطاً قريباً مِن خَطه، وجعلها بين يديه تكتب الأجوبة وشاركَها في ذلك خادم اسمه تاج الدين رشيق. فصارت المرأة تكتب في الأجوبة ما تُريد، فمرَّة ً تُصيب ومِراراً تُخطيء. واتّفق أن كتب الوزيرالقمي المدعو بالمؤيد مطالعة، وعاد جوابُها وفيه إخلال بيِّن. فتوقَف الوزيرُ وأنكر، ثمَّ استدعى الحكيم صاعد بن توما، وسأله عن ذلك سِرّاً. فعَرَّفه ما عليه الخليفة مِن عدم البصر والسهو الطاريء في أكثر الأوقات، وما تعتمده المرأة والخادم مِن الأجوبة. فتوَقفَ الوزيرُ عن العمل بأكثر الامور الواردة إليه. وتحقَّق الخادم والمرأة ذلك وحدسا أنَّ الحكيم هو الذي دَله على ذلك. فقرَّر رشيق مع رجلَين مِن الجند أن يغتالا الحكيم ويقتلاه، وهما رجلان يُعرَفان بولدَي قمر الدين مِن الأجناد الواسطية. فرصدا الحكيم في بعض الليالي الى أن خرج مِن دار الوزير عائداً الى دار الخليفة. فتبعاه الى باب الغلّة المظلمة، ووثبا عليه بسكينيهما وجرحاه وانهزما. فبصر بهما وصاح: خذوهما! فعادا إليه وقتلاه وجرحا النفاط "حامل المُشعل" الذي بين يديه. وحُمل الحكيم إبن توما الى منزله ودُفن بدار في ليلته. وبعد تسعة أشهر نُقلَ الى تُربة آبائه في البيعة بباب المُحَوَّل. فبحث الخليفة والوزير عن القاتلين، فعُرفا، وأمر بالقبض عليهما. وفي بكرة تلك الليلة، أُخرجا الى موضع القتل، وشُقَّ بطناهما وصُلبا على باب المذبح المُحاذي لباب الغلّة التي جُرح في بابها>. والغريب أنَّ الخليفة استحوذ على أموال المتوفى المنقولة، وترك الأثاث ما يساوي المليون دينار لأبنائه الثلاثة المشهورين: شمس الدولة وفخر الدولة وتاج الدولة.

31 - الخليفة الظاهر بأمرالله 1225 - 1226م
يقول علي بن محمد إبن الكازرُني (مُختصر تاريخ الدول ص 254) بأنَّه أبونصر محمد إبن الخليفة الناصر، ولقب بـ"الظاهر بأمرالله". كانت أُمُّه تركية تُدعى"أخشو" ودُعيت "بقجة" أيضاً. أما إبن العبري (تاريخ مختصر الدول ص 422) <إنَّ الخليفة الناصر بايع للظاهر بولاية العهد، ثمَّ عَدِلَ عن ذلك، وأسقط اسمَه مِن ولاية العهد واعتقله وضيَّقَ عليه ، ومال الى أخيه الأصغر أبي الحسن علي. لكنَّ هذا الأخير مات في حياة والده وخلفَ اولاداً صغاراً. وعَلِمَ الناصرأنَّه لم يبقَ له ولد تصير الخلافة إليه غير الظاهر، فعهدَ إليه وبايعَ له الناس وهو في الحبس. وكانت عامة أهل بغداد يميلون إليه>. فلما تُوفي الناصر، أخرجه أرباب الدولة وبايعوه بالخلافة. ولما بويعَ قال: <كيف يليق أن يفتحَ الإنسانُ دُكاناً بعد العصر؟ قد نيفتُ على الخمسين سنة وأتقلد الخلافة!> ويؤيد ما قاله إبن العبري وفاروق عمر فوزي (الخليفة الداهية... ص 87 - 88) .

وجاء لإبن الكازرُني في (مُختصر تاريخ الدول ص 256) والسيوطي في (تاريخ الخلفاء ص 458) <حيث يرويان عن الظاهر، بأنَّه أحسنَ الى الرعية وأبطل المكوس وأزال المظالم وفرَّقَ الأموال. وتقدَّمَ الى أرباب الدولة بالعدل والإنصاف، والى ولاة السواد بتخفيف الوطأة وإنصاف العاملين والإحسان إليهم والرفق بهم. وكان كثيرَ التردُّد الى المارستان"كلمة فارسية تعني مستشفى" والإطلاع على أحوالهـم. وأظهر من العدل والإنصاف ما أعاد به سنَّة العُـمَرَين وفي عهده القصير الذي لم يمتد أكثر مِن تسعة أشهر ونصف، قام بعقد جسر ثاني أنفقَ على بنائه مالاً كثيراً. فأصبح لبغداد على دجلتها جسران. كان عهد الظاهر مِن أحسن العهود عدلاً وأماناً ورخاءً، رغم المجاعة والوباء اللذين اجتاحا البلاد في بداية عهده>. وتُوفيَ الخليفة الظاهر عام 1226م .

69 - البطريرك سبريشوع الخامس بن المسيحي 1226م
يقول المؤرخ صليبا (المجدل ص 117 - 119) <بأَنَّه بغداديُّ الأصل، ومنذ حداثته مالَ سبريشوع الى حياةِ الزهد وعكف على قراءَةِ الكُتُب، وكان حَسنَ الخلق، عالِماً، عابداً، كثير المحاسن، صبورا>. كان مطراناً على باجرمي "بيث كرماي"  ورُشِّحَ كمُنافس لإبن قيوما سبريشوع الرابع على الكُرسيِّ البطريركي كما أشرنا الى ذلك في حينه. وبعد مرور حوالي سنتين لشغور كُرسي الرئاسة البطريركية عِقبَ وفاة سبريشوع بن قيوما، توصَّلَ الآباءُ الأساقفة والمؤمنون الى اتفاق على اختيار سبريشوع مطران باجرمي للمنصب البطريركي بطريقةٍ قانونية مقبولة، وجرياً على عادته في قلب الحقائق فقد شكَّكَ غريغوريوس بن العِبري بذلك (التاريخ الكنسي ج2 ص 372 و 400 - 402) حيث يقول: <بأنَّ الأمرَ تَمَّ بدفع مبلغ مِن المال الى السُلطات>.
وبعد استحصال موافقة الخليفة الظاهر رُسمَ سبريشوع بطريركاً بالمدائن في الأحد الجديد الواقع في 26 نيسان عام 1226م. أدّى البطريرك الجديد الزيارات التقليدية المعهودة ومِنها زيارتُه لدير مارماري ثمَّ عاد الى مقرِّ البطريركية في بغداد. وفي ذات الموضع مِن المجدل، يُطري صليبا إدارة سبريشوع الحكيمة، ويقول عنه: <بأنَّه كان مُهتماً بفتح المدارس والإنفاق عليها وعلى المُعلمين. وقد رسم 75 مطراناً واسقفاً، بالإضافة الى عددٍ كبير مِن الكهنة والشمامسة. وهو لم يأخذ مِن أحدٍ شيئاً على سبيل الرشوة، ولا بمثابة هبة، عملاً بقول الإنجيل: "مَجّاناً أخذتم مجّاناً اعطوا"!. أدارَ الشؤونَ الكنسية مدة ً تقرب مِن إحدى وثلاثين سنة في ظِلِّ جَوٍّ مِن الهدوء، ويُعزى ذلك الى علاقات اسرة إبن المسيحي المتميِّزة بالطيبة مع البَلاط ومع الأطبّاء الآخرين.
يَتحَدَّث عنه بـطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج2 ص 5 - 7) مُطرياً عِـلمَه وزُهدَه، ويُشير الى أول اتحادٍ ايماني عُقدَ بين النساطرة والكاثوليك كان طرفاهُ البطريرك سبريشوع الخامس بن المسيحي والبابا "انوجنسيوس الرابع". وقد سُرَّ البابا بذلك وأرسلَ تهنئةٍ للبطريرك. وقبل موتِه كَتبَ وصيَّته بيدِه طالباً فيها استمرار كُلٍّ مِن المطارنة والأساقفـة في درجتِه وموقعِه، ويُواصل الحديثَ في (المجدل ص 118 - 119) عاصرَمارسبريشوع الخامس بن المسيحي في عهد بطريركيته الخلفاء العباسيين الثلاثة الأواخر: الـظاهـر، المُـستنصر، والمُستعـصم، لأن الأجلَ وافاهُ في العشرين مِن أيار عام 1256م وهو العام السابق لسقوط بغداد بعامَين. ودُفن في البيم بكنيسة الكرخ، ويشرح صليبا بالتفصيل في ذات الموضع المذكور اعلاه: كيف يجب ان تُراعى مراسيم دفن البطريرك. والى الجزء الثالث والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 26/4/2015

63
في الذكرى المئوية الأولى لإبادة الأرمن الجماعية
والكلدان بشقَّيهم الكاثوليك والنساطرة والسريان اليعاقبة والكاثوليك عام 1915م
ننقل عن شاهد عيان مطران ماردين الكلداني مار اسرائيل اودو وبتصرُّفٍ صياغي لا يُخالف المُحتوى نقصاً أو زيادة، في كتابه المُعنون:
(اضطهاد المسيحيين من الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة "الآثوريين" والأرمن في ماردين، آمد، سعرد، الجزيرة ونصيبين وغيرها عام 1915م في تركيا / ترجمة. الشماس خيري فومية/ مشيكَن- أميركا 2009م)
ففي (توطئة الكتاب اعلاه ص 9- 10) يقول المؤلف مار اودو: بأنَّ اضطهاد المسيحيين "أبناء الطوائف المسيحية" في ماردين باستثناء اليعاقبة "السريان الأرثوذكس" منهم في باديء الأمر، بدأ يوم الثالث من حزيران عام 1915م ولم تخمد نارُه حتى نهاية تشرين الأول من العام ذاته. ويُضيف: لم اسخِّر قلمي لأدوِّنَ هذا السِّفر، إلا على ما رأيته بأم عيني وسمعته باذني من الحقائق، مُبتعداً عن الإطالة ما استطعتُ. أما عن الذي دوَّنته نقلاً عمّا رُويَ لي، لم أقبله ولم أدَوِّنه إلا بعد البحث والتمحيص الدقيق، مُسجِّلاً لكُلِّ حادثٍ سببه.
سبب اضطهاد الأرمن
في المقدمة الأولى للكتاب المنوَّه عنه أعلاه (صفحة 11) وما يليها يقول المؤلف: كما هو معروف عن الأرمن بأنهم ومنذ قرون عديدة كان لديهم شعور قومي يدفعهم الى حبِّ الإستقلال والتحرُّر من نير العبودية للأقوام الغازية وفي مقدمتهم أرمن جبل ارارات وما دونهم، وقد ازداد لديهم الشعور القومي نموَّاً بشكل كبير في أواخر القرن التاسع عشر ومُستهَلِّ القرن 20 ، ونظروا الى شعوب شبه جزيرة البلقان من اليونان والصرب والرومان والجبل الأسود"مونتنيكرو" يثورون الواحد تلوالآخر فينالون الإستقلال والحرية، رغم تجاهلها من قبل الشعوب الأخرى لعدم إلمامِها بأيِّ نوع من المعرفة والعلوم الحديثة، وإن كانوا غير قادرين للحصول على الإستقلال والحرية إلا بدعم  ومساعدةٍ من القِوى الأجنبية التي حرَّضتهم على الإنتفاضة والثورة. فقد تأثر الأرمَن جداً بما آلت إليهم نتائج ثوراتهم، فكم بالحري وهم المشهود لهم بالمُثابرة والشهامة والبسالة أن يُطالبوا بالحصول على هذا المكسب العظيم المتعطشين إليه منذ زمن طويل! فاستفاقوا من غفوتهم الطويلة نافضين ما تراكم عليهم من غبار اليأس والكسل، آملين على كسر قيود الأسر ونزع نير العبودية الثقيل عن أكتافهم!
تقديم الأرمن قوميتهم على مسيحيتهم
ويواصل المؤلف الحديث في (الصفحة 12- 13) فباشر الأرمن وبخاصةٍ الأثرياء منهم بإرسال أبنائهم الى بلدان اوروبا المتقدِّمة، لينهلوا العِلم والمعرفة بمختلف الأنواع والإختصاصات في مدارسهم، ولدى عودتهم متسلحين بالعِلم قُبِلوا في دواوين الدولة وعُهِدَت إليهم مناصب مُهمة ذات المستوى الرفيع، فتبوأوها وأصبح بوسع عددٍ كبير منهم الإمساك بزمام امور الإمبراطورية العثمانية وإدارتها بمنتهى الهمة والجدية. فأسَّسوا المدارس للبنين والبنات في المدن التي تُقيم فيها الأكثرية الأرمنية,عيَّنوا لها مدرسين أكفاء، ولم يبخلوا بالصرف عليها أموالاً طائلة سنوياً، والى جانت تعليمهم فيها اللغات والعلوم الحديثة، راحوا يُلقنون طلبة تلك المدارس من كِلا الجنسين قصصاً وأخباراً عن عظمة وأمجاد ملوكهم الأوائل، علاوة على قيامهم بإطلاق أسماء اولئك الملوك على أطفالهم الحديثي الولادة. وفي تلك المدارس كانوا يغرسون في ذاكرة طُلابها الحِسَّ القومي الأرمني ويُنمَّون فيهم نوازع الثورة من أجل الحصول على الإستقلال والحرية. ولكي يُقووا فيهم هذا المنحى أهملوا التعليم الديني في مدارسهم، وعلى غِرار ذلك حذا حذوهم أساقفتهم وكهنتهم بترك تعليم اصول الدين المسيحي في كنائسهم، والإستعاضة عنه بتوجيه أحاديث عن الحرية والإهتمام بتحصين دورهم وحثِّهم على حيازة الأسلحة والعِتاد ليكونوا متأهبين لردع أيِّ خطر قد يُحدق بهم. وبتبنيهم لهذا التوجه المُنافي الى ما تدعو إليه المسيحية من التثقيف الديني والسلوك الأخلاقي الحسن، فقد بلغت الجرأة ببعضهم بالدعوة الى هدم الكنائس وتحويلها الى قلاع وحصون، بعد أن جعلوا منها أماكن للهو وقاعات لإجتماع الأحزاب فيقوم منتسبوها بعرض اجتهاداتهم على مستمعيهم مفسِّرين لهم القضايا والشؤون السياسية. والأدهى من ذلك يقول الأب جاك ريتوري في كتابه (مسيحيون بين أنياب الوحوش/تحقيق وعرض جوزيف اليشوران/ترجمة الأب عمانوئيل الريس ص 68) بأنَّه في الفترة الأخيرة راح شباب الأرمن يتباهون وبتبجُّح في إنكار وجودالله، ويُروِّجون للمبدأ الألماني الداعي الى عدم الإلتزام بوصايا الله العشرة، ولم يقتصر ذلك على المونوفيزيين الأرمن (الأرثوذكس حالياً) بل تعداه الى الأرمن الكاثوليك حيث انخرط الكثيرُ منهم في هذه الحركة، منادين جهاراً أنَّ للأمة الأولوية على الكنيسة، وواجباتنا الوطنيةهي في مقدمة واجباتنا الدينية، تُرى، ماذا سيعقب هذا الإنحراف والإلحاد؟هل من الممكن مروره بدون عقاب؟
بهذه الأساليب الإلحادية استطاعوا استمالة أفكار الجماعات الأرمنية، ولم يكتفِ المُلحدون بذلك بل راحوا يتطاولون على القوانين والأنظمة السائدة في البلاد، من حيث الشروع بتدريب شباب المدارس سراً على كيفية استخدام السلاح، والقيام بتأسيس مجالس متعددة (جمعيات، منظمات وأحزاب) في كُل المدن لنشر تلك الآراء والأفكار وتحفيزها، ليس بين الأرمن  الرازحين تحت السلطة العثمانية فحسب، بل بين الأرمن المُقيمين في البلدان الأخرى من العالم، لأنَّ الشعور القومي لديهم أصبح من القوة بمكان، الى الحد الذي دفع بهم للمطالبة بمحاربة الفساد الإداري في السلطنة العثمانية  لغرض إصلاحه، ومنحهم الحكم الذاتي مرتبطاً بالحكومة المركزية للدولة العثمانية.
مطالبة الأرمن بالحكم الذاتي
إنَّ مُطالبة الأرمَن بالحكم الذاتي لأرمينيا، كان بالنسبة للإمبراطورية العثمانية المتكونة من شعوبٍ متعددة الأجناس كان مطلباً بالغ الصعوبة، عسير التحقيق بل مُستحيل المُوافقة عليه، وقد أحدثَ استياءً كبيراً لدى السلطان عبدالحميد الثاني لدى إبلاغه به، فعارضه بشدة وصمَّم على إفشال المطلبَين معاً "المُساواة والحكم الذاتي" وأضمر في قلبه الحقد على الأرمن لإلحاق شَرٍّ مُستطير بهم وتدمير مصيرهم. فقابل الأرمن هذا الموقف بردَّ فعل مُعاكس، حيث بدأوا بإرسال فدائييهم الى مُختلف مناطق السلطنة لإثارة الفِتَن والإضطرابات، فكانت القوات الحكومية لهم بالمِرصاد، إذ قامت بقمع تطاولاتهم التي تحدث من جرّائها كثيراً من الأحيان اصطدامات ومواجهات دامية بينهم وبالتالي تتمكن من احتواء تأثيراتهم التي تتمخَّض عن تحرُّكاتهم وتفرض الأمن. وفي خِضَمِّ هذه الفوضى العارمة التي كانت تجتاح البلاد، هَبَّ الجيش التُركي لإنتشال بلاده من الفوضى شاعراً بالعار من النزاع الداخلي المُستحكم، حيث اعتبره سبباً في تغلغل اليونانيين الى آسيا الصغرى، فثار قادتُه بزعامة مصطفى كمال أتاتورك على السلطة العثمانية الهرمة الواهنة، وشكَّلوا حركة ثورية عُرفت بحركة "الإتحاديين" مُهمتها إنقاذ البلاد.
في عام 1908م يقول المؤلف (الصفحة 16 – 17) زحفت قوات الإتحاديين من سلانيك "تسالونيقي" نحو العاصمة لعزل السلطان عبدالحميد الثاني وإزاحته عن العرش، أو إجباره على القبول بالتشريعات الداعية الى "المساواة والحرية" في جميع أرجاء الإمبراطورية. ودعا قادة الإتحاديين أرمن العاصمة اسطنبول وضواحيها للإنضمام الى حركتهم للإطاحة بعبدالحميد الثاني واعدين إياهم بمكر بتحقيق حُلمهم بالحكم الذاتي، ولما كان ذلك ما يصبو إليه الأرمن، فلم يتأخروا عن نجدة الإتحاديين مُصدِّقين وعدهم السرابي! دون أن تخطرعلى بالهم خيانتهم المرسومة مسبقاً! فوقعوا في المصيدة وهبوا للثأر مِمَّن أهدر دماء الآلاف من الأرمن، يدفعهم الوهم بأن السلطان وحده هو المسؤول عن مذابح بني قومهم، وهو الوحيد المناهض لنيل حريتهم. ودار قتال بين جيش السلطان من جهة وألوية حركة الإتحاديين وحلفائهم الأرمن من جهةٍ اخرى، وما إن شعر السلطان باندحار مقاتليه أمام مُقاتلي الإتحاديين، ولن يستطيع الصامدون منهام قمع حركة الإتحاديين، رضخ لشروط الإتحاديين وحلفائهم، وبهذه الخطوة ظَلَّ متربعاً على العرش، واعلن يومُ انتصار الحلفاء 23 تموز 1908م عيداً قومياً يُحتفل به سنوياً "يوم النصر" وفي ذات الوقت صدر قانون "الحرية والعدالة والمُساواة" وأعلن في كُلِّ المدن والأقطارالخاضعة للسلطنة العثمانية ونقشت الكلمات الثلاث على شعار الدولة وعلى العملة العثمانية.
وقام الإتحاديون بفتح فروع لجمعيتهم التي أسَّسوها بداية في تسالونيك باسم "جمعية الإتحاد والترقي" في كُلِّ مدن مناطق السلطنة، والهدف من تأسيسها كان لمقاومة طغيان السلطان عبدالحميد الثاني، وكان قادتُها الكبارالبارزون كُلٌّ من جمال باشا "السفاح " وأنور باشا وجودت باشا، فعقدوا علاقات سرية مع الجمعية الماسونية، وقام القادة بتشريع قوانين سرية تقضي بإبادة مُواطنيهم الأرمَن واجتثاث جذورهم من أعماق الأرض. وكان جمال باشا أشدَّ المتزمتين الأتراك وألدَّ اعداء المسيحيين، فهو الذي قطع الأرزاق والإمدادات عن أهالي جبل لبنان فارضاً على مسيحييه الحصار إبّان الحرب العالمية الأولى، مِمّا سبب بوفاة الآلاف من سُكان جبل لبنان ذي الغالبية المارونية فقضوا جوعاً، تُرى، أليس هذا دليلاً واضحاً بأنَّ الإضطهاد التركي كانت نزعته دينية بحتة؟
وعلى غِرار الإتحاديين شكَّل الأرمن جمعيات علنية وبعِلم الدولة، ولكنَّهم بعد حين صار الأمرُ جلياً لديهم، بأنَّ الحرية لن تمنحهم حكماً ذاتياً، وعليه فقد اقتصر طلبُهم على إجراء إصلاحاتٍ خاصة بأرمينيا فقط، وأن يجري تطبيقها جِدِّياً وعملياً. بيدَ أنَّ الإتحاديين لم ينكثوا عهدهم للأرمَن فحسب، بل اغتاظوا جداً مِن مطلبهم، وكسابقيهم أضمروا الشرَّ لهم، وراحوا يتحيَّنون الفرصة لإبادتهم، وجاءَت الفرصة المؤاتية مع بداية الحرب العالمية الأولى وإليكم التفاصيل:
ظنَّ السلطان عبدالحميد بأنَّه طالما استطاع البقاء على العرش، لن يستطيع أحدٌ زحزحته عنه، فعاوده حُبُّ الإستبداد والإستفراد بالرأي، فألغى الشروط التي أملاها عليه الإتحاديون عام 1908م، واستولى على دار الشورى، وطرد كُلَّ مَن كان فيها من المستشارين وبدَّدَ شملهم ثمَّ أغلقها. وللإنتقام من كارهيه الأرمن وحلفاء أعدائه الإتحاديين، بدأ أولاً بإبادة أرمن قيليقية، فقام بتحريض الغوغائيين من عامة الشعب ضِدَّهم،  فقاموا بضربهم ضربة ماحقة وتعرَّضَ للقتل ما يقرب من ستين كلدانياً من الكلدان الساكنين بينهم، وأحرق الرُّعاع كنيسة الكلدان في قيليقية، وقد جرت هذه الأحداث في عام 1909م. وإذ انكشف للإتحاديين كذب وخِداع هذا السلطان المُراوغ والشرير، وعودته ثانية الى مُمارسة ما جُبِل عليه من الطغيان، لم يتردَّدوا بتجهيز قوات كفوءة وتوجَّهوا بها بعزم لا يلين نحو العاصمة، فحاصروه في قصره وانتصروا عليه بعد أن سقط  من الجانبين عددٌ من القتلى، واعتقلوه وعزلوه عن العرش قسراً، وذهبوا به برفقة عددٍ من نسائه الى  القصر اللاتيني في تسالانيك، وحُجزعليه تحت حراسةٍ مُشدَّدة. وأقاموا أخاه رشاد سلطاناً بدلاً عنه بعد موافقته على شروطهم. وظلَّ عبد الحميد المخلوع سجيناً في منفاه بتسلانيك حتى اندلاع حرب البلقان، وقبل سقوط تسالانيك بأيدي اليونانيين، نُقل الى اسطنبول وظلَّ سجيناً فيها حتى وفاته في ربيع عام 1918م.
وفي (الصفحة 14 – 15) يسترسل المؤلف: كان الأرمن القاطنون في روسيا يمُدّون إخوتهم أرمن تركيا بكُلِّ ما يستجد من الأسلحة لتعزيز مُقاتليهم، وكانت اثمان تلك الأسلحة تُدفع من ايرادات كنائسهم وأديُرتهم، وإزاء هذه التطوُّرات شعر السلطان عبدالحميد بأنَّ خطرهم يتعاظم وصوت مطالبتهم بالحرية يتصاعد بقوة عن طريق الصحف والمجلات الأجنبية التي تنشر تهديداتهم له الى جانب تقريفهم إياه ونعتِه بصفات وسجايا لاذعة جلبت له السؤم والقلق على مصيره، وخلقت نشاطاتُهم جوَّاً من الرعب والفزع حوله حتى وصل به الأمر الى الإستنجاد بقيصر روسيا نيقولا الثاني طالباً منه إسداء المشورة بشأن تدارك الموقف المتأزم رغم كون روسيا الجارة غير المُريحة للعثمانيين. ولكنَّ المصالح تجعل من الأعداء أحياناً حلفاء، فالحركات الأرمنية المناهضة كانت تُغذيها وتُحركها قِوىً خفية، وتلك القِوى الخفية كانت بنفس الوقت لإدارة قيصر عدوَّة (وكانت انكلترة العدوة المشتركة) حيث كانت تحتضن الزمرة البلشفية التي أطاحت بالقيصرية، وتدعم الحركات الأرمنية لإرباك الدولة العثمانية وإضعافها داخلياً لكي يسهل عليها وعلى حلفائها الإنقضاض عليها.
وما إن نال السلطان من القيصر مأربَه حتى اعتبرها فرصة سانحة له لم يكن يحلم بها! وفور حصوله على مؤازرة نيقولا الثاني، حتى أصدر الأمر لقواته في الحال لضرب أرمن بلاده الضربة القاضية، فقامت بالإستيلاء على كافة أوقافهم وأملاكهم في جميع أنحاء السلطنة، وشمل الأمر السلطاني إعدام كُلِّ مناويء أو معارض، فأظهرت تلك القوات مدى شراستها وكان يؤازرها رجال العشائر الكُردية، فلم يسلم من شرِّها الذي شمل كُلَّ المدن والقرى التي يتواجد فيها الأرمن، عاملين فيها قتلاً ونهباً ومستولين على أراضي الأرمن ودورهم، ولأن هذه الهجمة كانت اولى الصَولات فلم يَدُم فيها القتل والنهب إلا أياماً قليلة، وكانت اشبه بالتي حدثت في مُستهَلِّ تشرين الثاني لعام 1895م وفاتحة للإبادة الشاملة التي بدأ تنفيذها عام 1915م في عهد السلطان رشاد (محمد الخامس 1909 – 1918م)  وكان عبدالحميد الثاني المعزول على قيد الحياة. ولكن خلال هذه الصَولة قتِل من الكلدان عمدا أو سهواً نحو ستين شخصاً في آمد وضواحيها. وفي أدنة تعرَّضَ للقتل مئات الكلدان، أما قتلى الأرمن فتخطى عددُهم الخمسة والعشرين الفاً كما جاء في قصيدة القس اسطيفان مكسابو الشعرية.
أحدثت هذه الصولة هيجاناً في صفوف الأرمن وهم يُشاهدون بني جنسهم يهوون تحت سنابك خيول السفاحين الأتراك الهائجة وهي تعدو فوق أجسادهم، وكانت مناظر ذبح أطفالهم كالخِراف تُفتِّتُ أفئدتهم، ولم يكن هناك مَن يُنجيهم من مخالب الذئاب الكاسرة، إنَّ هذا الموقف الرهيب والبشع انغلقت أفواه الأرمَن وخَرُست السنتهم لفترةٍ من الزمن أمام هول هذه الصدمة، وكان أشقّاؤهم المُقيمون خارج حدود الدولة العثمانية الباغية قد ملأوا الدنيا صُراخاً وعويلاً مُولولين ومُستغيثين ولم يكن هناك مَن يسمع!
ويسرد المؤلف في (الصفحة 18 – 19 – 20) كانت الدولة العثمانية قبل استيلاء الإتحاديين على السلطة تُعاني من مشاكل اقتصادية، حاول الإتحاديون بعد استيلائهم على زمام الأمور حَلَّها ولكنهم لم يفلحوا، وكانت أحد الأسباب لخوض العثمانيين حربين خاسرتين الأولى ضِدَّ ايطاليا التي انتزعت منها طرابلس الغرب أولاً، وبعد فترةٍ وجيزة استحوذت على كامل الأراضي الليبية. أما الحرب الثانية فخاضها العثمانيون وبعد وقتٍ قصير من خسارتهم الحرب مع ايطاليا ضِدَّ دول شبه جزيرة البلقان، فأصاب الشلل القوات العثمانية وعادت على أعقابها مدحورة، وكانت خسارة الدولة العثمانية انسلاخ المقاطعات الست التي كانت متبقية لها في هذه الجزيرة، بالإضافة الى جُزرالأرخبيل ومن بينها جزيرة ميداليني الجميلة المجاورة لزمورنا. وفي أعقاب هتين الحربَين وما سبقتهما من حروب فهنالك قسم من الأرمن من الداخل والخارج رأوا في هذه الأحداث فرصة سانحة لتكثيف مطالبتهم بشأن إجراء إصلاحات في أرمينيا وبإعادة أراضيهم وممتلكاتهم التي نُزعت منهم في أحداث عام 1895م. إنَّ ممثل الأرمن بولس باشا المُقيم في مصر، أخذ يتنقل بين باريس ولندن في مسعىً لتجديد الرقابة بشدَّةٍ على الحكومة العثمانية، وقد لاقت مساعيه نجاحاً، وشُكِّلت لجنة مفتشين من دول أجنبية كهولندا ودول اخرى غيرها من جهة، ووافق السلطان رشاد "محمد الخامس" بتعيين ممثلين عن الحكومة العثمانية من جهةٍ ثانية، وكان الهدف منها إجراء الإصلاحات ومنع حالات الإنتقام في أرمينيا. لكنَّ النجاح لم يُحالف هذه اللجنة بسبب اندلاع نار الحرب بين النمسا وصربيا في 29/7/1914م قبيل توجُّه أعضائها الى اسطنبول لمباشرة مهامها، وما لبث أن استشرى سعير تلك الحرب الى دول اخرى، فدُعيت بالحرب العالمية. وأدَّت نتيجة تلك الظروف المُضطربة جداً الى سقوط الأمة الأرمنية تحت رحى تلك الحرب فسحقتها كما تُسحق حبة القمح! ودخلت الدولة العثمانية في هذه الحرب الضروس الى جانب المانيا وحليفاتها، آملة ليس المُحافظة على وحدة أراضي امبراطوريتها الهرمة فحسب، بل علَّها تتمكَّن من استعادة الأقطار والمقاطعات التي انسلخت منها في الأعوام الأخيرة ولطرد الإنكليز من مصر.
وفي هذا الظرف المُضطرب والعصيب الذي رأوه الإتحاديون الجُناة مؤاتياً لهم جداً، استعدّوا لتنفيذ مآربهم الشريرة التي يضمرونها ضِدَّ الأرمن، باستدعوا الضباط الذين في العاصمة وأبلغوهم شفوياً عن موعد وكيفية القضاء على هذا الشعب الأرمني البائس، بقلع جذوره لكي لا تكون له قومة الى الأبد. وقد استثني في باديء الأمر الساكنون في ماردين وسعرد والجزيرة وآمد. وبدأ نحر أبناء هذه الأمة الشهيرة والعريقة بشكل بربري ووحشي، يصعب على العقل البشري تصوُّرَه! ويعلِّق المؤلف شاهد عيان قائلاً: ومِمّا أتينا على ذِكره باختصار، نستطيع القول، بأنَّ الأرمن هم الذين بأنفسهم جنوا على انفسهم، حين ساهَ عن بالهم عن الصعوبة التي تحول دون نيلهم الإستقلال، ألا وهي تداخل مناطق سكناهم مع الشعب ذي الغالبية التركية الحاكمة، وامتزاجهم به يُشبه امتزاج الخمرة بالماء، وهذا ينطبق على وضعهم بين العشائر الكردية في كُلِّ مدن وقرى أرمينيا علاوة على ضآلة عددهم بالنسبة الى الأتراك والأكراد، وحتى لو نالوا الإستقلال فلم يكن لهم حتى مدينة واحدة خاصة بهم، أفلا يمكننا القول بأنَّ الحكومة العثمانية تحمَّلت تحرُّكاتهم اللاشرعية بصبر كبير ولفترة من الزمن!
ويُضيف المؤلف: كان على الأرمن أن يتعظوا من الدرس القاسي الذي لقنتهم إياه أحداث عام 1895م، إذ كم كان سهلاً القضاء عليهم، ولكنهم لم يرعووا، بل وضعوا نصب أعينهم أحد الأمرين لا ثالث لهما: إما الموت او الإنعتاق والتحرُّر من ثقل نير الأتراك الطغاة، والأدهى من ذلك الخلاص من الظلم الجائر الذي لا يُحتمل من جرّاء مُعاملة الأكراد المُجحفة لهم نتيجة جهلهم ووحشيتهم المجبولين بهما. وفي (الصفحة 22 – 23 – 23) يقول: إنَّ إبادة شعبٍ برُمَّته واجتثاثِه من جذوره وفي القرن العشرين عصر النور والتمدُّن، لهو جريمة لا تُغتفر، ولم يرتكبها إلا الإتحاديون الأتراك، أما إدِّعاؤهم وعُذرُهم بأنهم لم يكن في نيتهم إبادتهم، وإنَّما إبعادهم ونفيهم خارج حدود المناطق الملتهبة بسبب الحرب، ولكنَّ الأكراد قطاع الطرق هم الذين قتلوهم أثناء ترحيلهم، إنَّه إدِّعاء ملفق لا يُبرِّر فعلتهم الشنيعة ولا يقتنع به حتى أقل الناس سذاجة، وكيف كان يتسنّى للأكراد قتلهم وهم بحماية مُرحِّليهم العساكر التركية!
أية ذريعة يتذرع بها هؤلاء الجُناة كي يلقى منهم هذا الشعب كُلَّ صنوف الظلم والإضطهاد لحد الإبادة؟ ومن خلال تتبعنا للأحداث المأساوية لم نجد سبباً مقنعاً يُبرِّر تأجيج نارهذا الإضطهاء، غير كون الشعب المُضطهَد مسيحياً وهو السبب الرئيسي والسبب الثاني هو الإضطهاد العِرقي الذي تبناه الإتحاديون الأتراك بحسب محللي اليوم. إن الإتحاديين هم الذين أمروا الأكراد والعرب والشركس، بأن يقوموا بهدم دور المسيحيين وإخراجهم منها بلا رحمة واقتناص مَن ويروق لهم. ليس بإمكان أيِّ إنسان مهما طغت عليه الوحشية والبربرية أن يغفر أو يُسامح الإتحاديين ومليشياتهم سفاكي الدماء الخطفة، قساة القلوب أعداء الإنسانية من الإثم الكبير الذي لا يُمحى الى ابد الآبدين، إنَّه وصمة عار على جباههم حتى يوم القيامة التي لن تنفع فيها الندامة.
الشماس د. كوركيس مردو
في 24/4/2015

64
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن

الجزء الواحد والعشرون
أحوال الكنيسة الكلدانية النسطورية في القرن الثاني عشر

62 - البطريرك ايليا الثاني بن المقلي 1111 - 1132م
يتحدَّث المؤرخان الكلدانيان في المجدل (صليبا ص 102 - 104 وماري ص 152 - 153) عن ايليا الثاني بكونه مِن أبناء الموصل، وكان مطراناً على الموصل وأربيل "حزة بحسب التسمية العربية" يُضفي عليه ماري صفة الطُّهر والقداسة، أما صليبا فيصفه بذي فضل وعِلم ومهارة. يقولان بأنَّه اختير للرئاسة البطريركية بعد وفاة سلفه مكيخا الأول بسنتين، أي في عام 1111م  حيث ظلَّ الكرسي البطريركي شاغراً في تلك الفترة بسبب الظروف الصعبة التي كانت تعصف بالبلاد مِن حروبٍ خارجية ومشاحناتٍ داخلية. يقول بطرس نـصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 462) <بأن مار ايليا الثاني كان شيخاً جليلاً فاضلاً وعالِماً، لَبَّى مطالب أبناء كنيسة الهند في مَلَّبار بإرساله لهم ثلاثة أساقفة، كما أرسل اسقفاً الى سوقطرة، إتَّصفَ بالعدل والحُكم بالحقِّ بين أبناء الرعية بدون تمييز بين الغني والفقير والضعيف والقوي.                                                 
                                             
وعلى مَرِّ الزمن كان اليهود يتربَّصون بالمسيحيين  ويتحيَّنون الفرص للإيقاع بهم ، وهذا ما جرى لأمين الدولة أبي الحسن بن التلميذ، حيث يقول  إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء... ص 374) < وقد جرت خصوماتٌ بين أمين الدولة إبن التلميذ وبين الطبيب اليهودي مُعاصره وهو "أوحد الزمان" أبو البركات هبة الله بن علي ملكا الذي أراد الإيقاع بإبن التلميذ. إلاّ أنَّ دسائسه انقلبت عليه، فأبعده الخليفة المُستضيء بأمرالله عن خدمته. لكنَّ "أوحد الزمان" أسلمَ بعد ذلك، ووُجد في خدمة الخليفة المستنجد بالله. ويصف المجدليان (صليبا ص 104 وماري ص 153) الحالة في الكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية بالهادئة واستمرَّت كذلك حتى وفاة البطريرك ايليا بن المقلي في تشرين الأول مِن عام 1132م، وكانت مدة جلوسه على الكرسي البطريركي 21 عاماً و6 أشهر. دُفنَ في كنيسة السيدة بدارالروم عند الباصلوث "بيت الصلاة".

25 - الخليفة المسترشد بالله 1118 -  1135م
يقول إبن الكازرني (مُختصر الدول ص 219) إنَّه أبو منصور الفضل بن المستظهربالله المُلقب بـ "المسترشد بالله". وُلد عام 1091م وكانت اُمُّه تُدعى "اقبلان".  يقول ميخائيل اليعقوبي في (تاريخه ج3 ص 221 وابن العبري/ التاريخ السرياني ص 281) <تولّى المسترشدُ الخلافة في يوم موت والده عام 1118م وأراد أن يُعيدَ للخِلافة هيبَتها وتمَسُّكَها بالشريعة>. > وفي أحد الأيام باغتَ المسترشدُ خازنَه "أبا طاهر أحمد" فوجد في داره كنيسة ً مع جميع لوازمها.  ولما سأل خازنَه عنها أجابه الخازن: <إنَّ لي امرأة مسيحية، وهي التي فعلت هذا دون عِلمي>.

تخلَلت حياة المسيحيين في عهد المُسترشد مواقفُ هادئة سادها نوعٌ مِن الحرية، وكان يرتبط ذلك بمدى تأثير المسيحيين المتنفذين في البَلاط، ونوع العلاقة السائدة بين السلطان السلجوقي والخليفة، ومواقف اخرى يُخيِّمُ عليها التزمُّتُ الإسلامي تجري فيها مُحاولاتٌ لفرض الشارات المُمَيَّزة عليهم، ولا سيما متى يَـتأزَّم الوضعُ المالي للدولة، وهذا ما حدا بالخليفة عام 1130م لفرض الشارات على المسيحيين بهدف ابتزاز الأموال مِنهم. .

63 - البطريرك برصوما الأول 1134 - 1136م
شغر الكرسيُّ البطريركي بعد وفاة البطريرك إبن المقلي نحو سنتين، وبعد الوفاة تردَّد على مسرح احداث الكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية اسمُ الكاهن  والراهب والطبيب أبي الفرج سعيد بن ابراهيم الواسطي الذي ذكرنا بوضوح دورَ التحدّي الذي مارسه مع البطريرك القـديس والجريء مكـيخا الأول. نرى المؤرخ ماري يقول في (المجدل ص 144 - 145) بعد إسهابه بالثناء على إبن الواسطي يقول: <لقد اجتمع الآباءُ وجماعة المؤمنين واتفقوا على اختياره رئيساً لهم، وحضروا الى داره وفاتحوه بهذا الشأن، وسَلَّموا إليه "الشلموث". فتناوله إبن الواسطي وقَبَّله ووضعه على رأسه، ثمَّ اعتذر قائلاً بأنَّه غيرأهل لهذه المُهمّة. وأمام إلحاح الأساقفة رضخ للآمر، فترك خِدمته في كنيسة سوق الثلاثاء، وذهب الى بيعة العتيقة في الناحية الغربية مِن بغداد، وكان ينتمي لهذه المنطقة بالأصل. وما كادت تمضي عليه ثلاثة أيام هناك، حتى داهـمه مرضٌ فتّاك لم يُمهله سوى اسبوع واحد. فتُوفي في العاشر مِن حزيران سنة 1132م قبل أن تجري رسامته البطريركية، ودُفِن في كنيسة حارته العتيقة خلفَ البيم عند قبر والده .
أما برصوما وبحسب صليبا في (المجدل ص 104) فكان أصلُه مِن قريةٍ تُعرَف بالزبيدية مِن أعمال نصيبين. والكثيرَ عنه ذكره المجدليان (صليبا ص 104 - 105 وماري ص 153 - 156) حيث يقولان: <بأنَّ والد برصوما كان مِن الأشراف الأغنياء، قسى عليه الدهرُ عاضاً إياه بنابه فتبخَّرت أمواله. وكأكثر العوائل الثريّة كان لعائلة برصوما مَملوكٌ رومي قد تَرهَّب، وحال سماعه بموت سيِّده القديم، حتى أقبل وأخذ برصوما إبنَ سيده عنده واعتنى بشأنه وبتهذيبه. وعلى يد مطران نصيبين تعلَّمَ برصوما اللغة الكلدانية، وبعد ذلك ذهب الى آمد "دياربكر الحالية" وحَلَّ في بيت "نحوار" المؤمن، وواظب على الدراسة لمدة خمس سنوات. وجد فيه البطريرك ايليا الثاني بن المقلي ما يُؤهِّله للخدمة الكنسية، فرسمه اسقفاً على "ثمانون" (ثمانون بلدة تـقع شرقي جزيرة ابن عمر هي حالياً في تركيا) فقام بتدبير شؤون أبرشيته الصغيرة أحسن تدبير، واكتسب حُبَّ الأهالي واحترامَهم .
وحيث استمرَّ الكرسيُّ البطريركي شاغراً بموت ايليا ثم موت المُنتخَب للبطريركية الراهب إبن الواسطي كما تقدَّم بنا القول. لم يبقَ أمام الآباء إلا أن يتحركوا لإحتواء هذا الشغور، فرأوا في برصوما اسقف "ثمانون" الشخصَ المناسبَ للمنصب البطريركي فوقع اختيارُهم عليه. فقدِم برصوما الى بغداد وحلَّ ضيفاً في دار"الأجلّ زين الكُتّاب أبي الفضل بن داود" بالبدرية. ويقول ماري (المجدل ص 155 - 156) < وفي الأول مِن آب سنة 1134م قصد برصوما الديوان العزيز ووصل مجلس "شرف الدين على بن طراد الزينبي" الذي كان وزيراً للخليفة المسترشد منذ سنة 1128م. فطرح هذا على رأسه الطرْحة "الطيلسان ـ غطاء الرأس" وسَلَّمَ العهدَ إليه. ومِن هناك مضى البطريرك المُنتخَب الى بيعة الثلاثاء ثمَّ الى بيعة العتيقة مع المطارنة والأساقفة. بعد ذلك توجَّه الموكبُ الى المدائن حيث جّرت الرسامة البـطريركية في 4 آب 1134. ثمَّ انحدروا كُلُّهم الى دير قوني، ومِنها عادوا الى دارالروم في بغداد، دون أن يقوموا بالزيارة التقليدية لدير الكُرسي في واسط لأسبابٍ طارئة.
كانت مدة رئاسة برصوما قصيرة ومع قصرها كانت مليئة ًبالهموم والمصاعب، وصَعُبَ عليه جداً تَعَرُّضُ القلاية البطريركية والكنيسة في دارالروم للسلب، والأثاث والكتُب للنهب والمُصادرة لقاء ديون خيالية باهظة طولبَ بها ولم يكن بوسعِه تسديدها. فإزاء هذه المُضايقات التعسُّفية كان يتمنى لذاته الموت، ولا سيما عندما يعود بالذكرى الى ما كان عليه مِن الفرح والسعادة أيام رعايتِه لأبرشية "ثمانون" الصغيرة. ترك دارالروم مُضطرّاً ولجأَ الى كنيسة سوق الثلاثاء،  وهناك وافته المنيَّة في مطلع عام 1136م. ويذكر ماري (المجدل ص 155) بأن سبب وفاته، كانت نزلة صدرية قوية أصابته. بينما يقول إبن العبري (التاريخ السرياني ص 293) عن سبب وفاة برصوما الذي كان يُسمّيه "بركَبّارا" <بأن البطريرك خرج الى البستان ليلاً، فداس على حيَّةٍ لدغـته فمات، لكنَّه يعود ويقول: <بأنَّ البعضَ يقول لم يُلدَغ، بل مات خوفاً>. ودُفن في بيعة مارسبريشوع بسوق الثلاثاء، ليكون أول بطريركٍ يُدفن في هذه الكنيسة نظراً للظروف غير الطبيعية السائدة آنذاك. يذكر صليبا في (المجدل ص 104) بأن برصوما رسم مطارنة وأساقفة للأبرشيات الشاغرة كراسيها، ومِنهم يوحنا الاسقف الذي أرسله الى سرخس وخرسان التي في البلاد الشرقية الداخلية. وروى خبرَ اعجوبةٍ أجراها الله على يديه عند وصوله الى سرخس. وهذا يعتبره الأب بطرس نصري (ذخيرة الأذهان1 ص493) دليلاً على ازدياد عدد المسيحيين في تلك البلاد بحيث استدعى الأمر تأسيس كُرسيِّ اسقفي هناك.

64 - البطريرك عبديشوع الثالث إبن المقلي 1139 - 1148م
يقول عنه ماري (المجدل ص 157) بأنَّ عبديشوع يَنتمي الى عائلة المُقلي الموصلية، فهو إبن أخي البطريرك ايليا الثاني بن المقلي. كان مطراناً على باجرمي، وبعد وفاة البطريرك برصوما الأول شغر الكُرسي البطريركي بحدود ثلاث سنوات بسبب استمرار الظروف المضطربة في البلاد، وأخيراً توجَّهت أنظار الآباء الأساقفة الى عبديشوع مطران باجرمي، ووقع اختيارهم عليه لتمتعه بحسن السيرة والعلم والفضيلة. وقد أيَّدَ الوزيرُ شرف الدين بن طراد الزينبي هذا الإختيار، بدليل ما ناله البطريرك المُنتخَب مِن الإكرام الذي لم يحظ به أحدٌ قبله، عندما أُجريت له المراسيم المُتَّبعة لدى دار الخلافة، حيث يقول عمرو (المجدل ص 105) بأن الوزير سلَّمه المرسوم الخليفي ونفحـه بهدايا كثيرة، وخرج مِن الدار راكباً فرساً في موكبٍ مهيب يتقدمُه "حسام الشرف أبو الكرم بن محمد الهاشمي"صاحب الشرطة تُرافقه جماعة مِن الأتراك والحُجَّاب. وبعـد قيام البطريرك المُنتخـَب بزيارة الأماكن الواجبةِ الزيارة تقليدياً، توَجَّهَ نحو المدائن لينال الرسامة البطريركية، وتَمَّت رسامتُه في 13 تشرين الثاني لعام 1139م وكان واضعُ اليد يوحنا مطران نصيبين المعروف بـ"إبن بصيلة" ويمُتُّ بصلةِ قربى للبطريرك الجديد إذ كان إبن عَمَّته. وبعد الرسامة انحدر البطريرك مُحاطاً بموكبٍ مِن المطارنة والأساقفة الى دير قوني لزيارة ضريح مارماري وديره.
بعد نجاح السلطان مسعود السلجوقي بخلع الخليفة الراشد، إتَّخذ إجرآتٍ حازمة وعادلة تُجاه المُسيئين ومُثيري الشغب، فعَمَّ البلادَ نوعٌ مِن السلام، وساعدَ هذا الهدوء البطريرك الجديد ليُباشرعمله، وبدأ بترميم ما أصاب دارَالروم مِن التدمير، ثمَّ قام بأعمال عمرانية اخرى. بيدَ أنَّ ماري في (المجدل ص 158) يقول عنه <كان مع ذلك مُحبّاً للمال وجمعه ومنعه من اخراجه فيما يجب عليه اخراجه فيه للفقراء والمساكين> وكانت نهاية البطريرك عبديشوع الثالث مريرة، حيث أصابَه مرضُ الفالج "الشلل" الذي أقعده عن الحركة، وظلَّ طريح الفراش لمدة شهرين ونصف، ثمَّ وافاه الأجل في 25 تشرين الثاني عام 1148م بحسب قول صليبا وماري. و دُفنَ في دارالروم بكنيسة الكُـرسي. يَقول عنه بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 494) بأن عبديشوع الثالث كان هادئاً وفاضلاً حسن السيرة وعالماً، دَبَر الكُـرسيَّ البطريركي تدبيراً جَيداً.

يروي صاحب (تاريخ الرُّهاوي المجهول2 ص 145) مِن بين الأحداث الهامة التي جرت في المنطقة الغربية في ذلك الزمان، هو استيلاء حاكم الموصل"عماد الدين زنكي" على مدينة الرُّها لأول مرة عام 1145م وسبَّبَ هذا الحدث خيبة الأمل لدى المسيحيين، إلا أنَّ هذا المصدر يُضيف بأن معاملة زنكي للرهاويين كانت حسنة وأبدى احتراماً لمقدساتهم. ويُردفُ المصدر ذاته في (تاريخ الرُّهوي ص 159) <بأنه قـَبِلَ المسيحيين بفرح، وأخذ الإنجيل وقبَّله ، وسلَّمَ على الميطرابوليط وسأل عن صحته...> ويستطرد السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 442) بالحديث، بأنَّ الخليفة المقتفي أستوزرَ أبا المُظفر يحيى بن هبيرة الحنبلي ولقبَ بـ"جلال الدين" والبعض يقول "عون الدين" وكان أحد أساتذة هذا الوزير الإمام "أبو منصورالجواليقي" وإن الجواليقي هذا وَجَّهَ يوماً وبحضرة المقتفي كلاماً مُهيناً لأمين الدولة إبن التلميذ النصراني، ويُستدَلُّ مِن سكوت الخليفة رضاه على الأمر.
65 - البطريرك ايشوعياب الخامس البلدي 1149 - 1175م
يقول عنه صليبا في (المجدل ص 106 - 107) بأنَّه كان بلداويَّ المولد أي مِن أبناء بلد "اسكي موصل" ويدعوه ماري في (المجدل ص 158) بـ"إبن الحائك"، ويُضيفان كما يؤيدهما إبن العبري في (التاريخ الكنسي ج2 ص 330) بأنَّه كان اسقفاً على الجزيرة وبازبدي أو "بيث زبداي" الواقعة الى الشمال الغربي مِن الجزيرة على مسافة خمس ساعات. توجَّهت أنظارُ الآباء الأساقفة بعد فترةٍ غير طويلة نسبياً مِن وفاة عـبديشوع الثالث بن المقلي، الى ايشوعياب اسقف الجزيرة وبازبدي، واختاروه لرئاسة الكنيسة، وكان لمسعـى أبي مَنصور بن الكاتب أحد الأطباء البغداديين تأثير في هذا الإختيار وجرت رسامتُه في الأحد الثاني مِن سابوع تقديس الكنيسة في خريف عام 1149م. عَمَّ الرخاءُ البلاد في العام الأول مِن اعتلائه الكرسي البطريركي، ثمَّ تلته سنواتٌ تفاقمت فيها الصراعاتُ بين الأمراء السلاجقة، وقد أشرنا إليها أعلاه. وبعد موت السلطان مسعود السلجوقي العنيف النزعة عام 1152م  واندحار عَمِّه السلطان سنجر، وانهماك خلفائهما بالصراع فيما بينهم، ضَعُـفَ اضطهادُهم لأصحاب المذاهب الأخري التي كانوا يعتبرونها مُعادية لمذهـبهم السني الحَنبلي، فتنفَّسَ أصحابُ المذاهب المُعتدلة التي تأثَّرت بالعلوم اليونانية وأضفت الى الإسلام مسحة ً مِن العقلانية. وفي خضمِّ هذه الصراعات العنيفة كان المسيحيون في مَنأى من المُضايقات، لأنَّ نسبتهم العددية كانت ضئيلة نسبياً، ولا تُشكِّل خطراً لا على الصعيد السياسي ولا الديني، بالإضافة الى انحسار قوَّتهم العِلمية، وما عاد لهم ذلك العدد الكبير مِن العلماء الذين كانوا يتباهون بدينهم، فقد قَلَّ عددُهم واقتصرعلى بعض الأطباء والأمناء الذين انخفض تأثيرُهم.

28 - الخليفة المُستنجد بالله 1160- 1170م
يقول إبن الكازرني (مختصر الدول ص233) والسيوطي (تاريخ الخلفاء ص 442) بأنَّه أبو المُظفر يوسف بن المُقتفي لأمرالله المُلقب بـ"المستنجد بالله" كانت أمُّه كُرجية (رومية) واسمها طاووس. نودي به خليفة يوم وفاة والده وهو آنذاك في السابعة والثلاثين مِن عمره. يقول إبن الأثير (الكامل في التاريخ11 ص 257، وابن العبري تاريخ مختصر الدول ص 367) تَعَرَّض لمكيدةِ اغتيال في يوم مُبايعته ذاته، دَبَّرتها إحدى زوجات والده تركية الأصل، سعياً مِنها لتولّي ابنها الخلافة، بيد أنَّ الخليفة الجديد وحسب قول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 443) اكتشف المؤامرة وانتقمَ مِن مُدَبِّريها بإنزاله العقاب الصارم بهم. إتَّصف المُستنجد بالرفق والعدل وبالشِدَّة على العابثين والمُفسدين، قَللَ المكوس بنسبةٍ كبيرة بحيث جعل العراق خالياً مِن المَكس. كان ثاقبَ الذهن شاعراً بديعَ النظم ولا زال بعض شعره يُرَدَّد حتى يومنا هذا وقد غنّى مِنه المُطرب العراقي الشهير ناظم الغزالي:

عَـيَّرتني بالشـيبِ وهو وقارُ            لـَيـتـها عَـيـَّرتْ  بـما هو عـارُ
إن تكُن شابَت الذوائبُ مِني             فالـلـيــالــي تـزيــنها الأقـمارُ
           
ومِن قصيدةٍ في البخل
وبـاخـل ٍ أشــعــلَ  في بـيـتـِه       تَكـرُمـة ً مِـنه  لـنا  شَمــعــــهْ             
جَـرَت مِن عَـيـنِها دَمعــــــــة        حتى  جَـرت  مِن عـينِه  دَمعة ْ

لم يبرُز المسيحيون في عهد المستنجد، فقد ورد ذِكرُ شاعر مسيحي في واسط  يُدعى الرئيس أبو الغالب عيسى بن باباي. وكان طبيبَ المستنجد إبنُ صفية المسيحي، وقد تضاربت الرواياتُ بصدد موت الخليفة المستنجد.

66 - البطريرك ايليا الثالث أبو حليم 1176 - 1190م
يقول المؤرخان إبن العبري (التاريخ الكنسي2 ص 330 و 368 - 370) وصليبا (المجدل ص 110 - 112) بأنَّ ايليا المُلقب بـ"أبي حليم" هو مِن مواليد المدينة الشهيرة في منطـقة دياربكر"ميافرقين" بحدود سنة 1108م. كان مطراناً لنصيبين، عندما وقع الإختيارُ عليه ليتولّى الرئاسة الكنسية العليا، وليست هناك معلوماتٌ تُفيد كيف جرى هذا الإختيار، كما ليس هنالك أيَّة إشارةٍ الى تدخل العلمانيين بهذا الإختيار. وأيٌّ كان الأمر فقد رُسم بطريركاً في 24/ 1/ 1176م . ويُسهبُ صليبا في وصفه في الموضع السابق ذاته بالقول <إنَّما يبدو أنَّه لم يكُن بين الآباء مِن يُماثله عِلماً وحكماً وكرماً وحُسناً وبلاغة ً وفصاحة ً> قال بطرس حداد في (مجلة بين النهرين ص 146 تاريخ 5/ 12/ 1990م) <ولدى قدوم البطريرك الجديد ايليا الثالث الى القلاية البطريركية في دارالروم، شاهدها في حالةٍ مِن الخراب تُبكي الناظرَ إليها، فباشر على الفور في إجراء الترميم لها وللكنيسة. ثمَّ بدأ برسم عددٍ مِن المطارنة والأساقفـة لأبرشـياتٍ عديدة. وما إن انتهى مِن إصلاح القـلاية والكنيسة، حتى انصرف الى تجديد كنيسة مارماري في دير قوني وغيرها مِن الكنائس والأديُرة. ويُواصل صليبا القول في (المجدل ص 111) مع أوصافه الجميلة بحُسن الخُلق والخِلقة، سخيّاً مِتلافاً للمال في عمل الخير مع الناس الضعـفاء والمساكين ومع الأشرار الذين مِن غير الدين ومع الحُكّام المتولّين، لأجل إقامة جاهِ ملكِ النصارى أجمعـين، ومع ذلك كان مرتاضاً بالعلوم النحوية واللغوية والكلدانية والعربية والعلوم الحكمية>.
وقد أورد عبديشوع الصوباوي في (فهرس المؤلفين/ ترجمة الأب يوسف حبي ص 232 - 233 وحاشية المترجم 192) بإيجاز حيث يقول: <عمل... تراجم ورسائل، وأصلح وعـمل "صلوات المجالس والصباح ܨܠܘܬܐ ܕܡܘܬܒܐ ܘܕܩܠܐ ܕܫܗܪܐ" واقتصرت كتاباته باللغة الكلدانية على صلواتٍ تُتلى في الطقس الكلداني قبل صلاة الصبح، يتحلَّق فيها خياله الواسع، وتتخلَلها ألفاظ وتعابير يونانية>. أما كتاباتُه الأخرى فكانت معظمُها باللغة العربية.ويقول المؤرخ صليبا (المجدل ص 111 - 112) مُضيفاً: <بأن مارايليا الثالث عمل كُـتُباً كثيرة، مِن جملتها  كتاب تراجم الأعياد المارانية والتذكارين أي"التذكارات". وقد طُبِع هذا الكتاب في الموصل عام 1873م. وعـمل مواعظ كثيرة، وكتاب الصلوات "الحليميات" ورسائل كثيرة  في إثبات الأمانة والإعتقاد وصحة دين النصرانية، بالإضافة الى خُطَبٍ جنائزية>. ونقتبس بتصرُّفٍ واختصار مما قاله بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 496 -497) <كان البطريرك ايليا الثالث أبو حليم أديباً باللغة العربية والكلدانية وأكبر دليل على ذلك مؤلفاتُه التي أحتوَت على تراجم الأعياد المارانية والتعازي، ويُقال بأن مسيحيي الموصل الكلدان كانوا يُقيمون التعازي في محلة مسكنتة الكـلدانية، وكان يَحضر أحد الكهنة ليَقرأ فصلاً أو أكثر مِن كتابات البطريرك ايليا الثالث أبي حليم الثرية بالبلاغة. ويُخبرنا صليبا أنَّ هذا البطريرك العظيم أخذ يًرثي نفسَه قبَيل موته. ومِن ضمن ذلك الرثاء البيتان التاليان:

أروني  مَن  يقومُ  مَـقـامــــي             إذا  ما  الأَمرُ  جَلَّ  عَـن  الخِطـاب ِ
ومَن تسـتصرخون إذا حثيتـم              بـأَنـمـُلِكـُم  عَـلــيَّ  مِــن  الـتـراب ِ

وافى الأجلُ البطريرك ايليا الثالث في الثاني عشر مِن نيسان عام 1190م وصُلِّيَ عليه في الجمعة الثالثة مِن سابوع القيامة. دُفنَ في الباصلوث ببيعة سوق الثلاثاء ، بجوار قبر البطريرك ايشوعياب الخامس. والى الجزء الثاني والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 19/4/2015

65
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء العشرون
بوادر ظهور نفوذ السلاجقة

ومع تفاقم الإضطرابات وازدياد الصراع بين السنة الأتراك والشيعة البُوَيهيين، لاذ جلال الدولة البُوَيهي عام 1037م بالهرب سِرّاً ومتنكِّراً، خوفاً مِن الجنود الأتراك المُرتزقة الثائرين، وجرى السطو على منزله فنُهبَ، واعتُبرَت هذه الفترة العصيبة ايذاناً ببدء نفوذ السلاجقة. وكما كان يُلقَى اللومُ على المسيحيين عندما تحدث الإضطرابات وتعُمُّ الفوضى في بلاد الشرق التي استولى عليها المسلمون، كذلك كان يجري لهم في بلاد الغرب. ففي عام 1042م حدثت فوضى في العاصمة البيزنطية القسطنطينية، واتُّهمَ باثارتها الغرباء الوافدون إليها مِن بلاد الشرق، وكان معظم هؤلاء مِن المسيحيين الشرقيين الكلدان، فطولبَ بطردهم، فكان أن غادر المدينة ما يقرب مِن 100000 نسمة وقصدوا اللجوء الى مناطق اخرى، إلا أنَّ ما جرى لهم جاءَ في صالحهم، فقد تبدَّلت نظرة المسلمين في الشرق الى المسيحيين بعدم اعتبارهم مُوالين للسُلطة البيزنطية. وبعد سبعة أعوام مِن هروب "جلال الدولة" مِن بغداد، داهمه الموتُ في عام 1044م وخلفه في بغداد "أبو كاليجار" حاكم فارس وكرمان. ورغم الأحوال غير الطبيعية القائمة في هذا الحين بين المسيحيين والمسلمين، نجد قيام تعاون بين الطرفين في تدارك أمر قد يكون ذا خطرعلى الدولة، وفي هذا الإطار قام البطريرك ايليا الأول عام 1045م بإطلاع الخليفة القائم على مضمون رسالةٍ بعث بها إليه مطران سمرقند، يُبلغه فيها بأنَّ غزواً كاسحاً يقوده سبعة ملوك، وأنَّ جيوشهم قد دخلت كشغر وهي في طريقها لإجتياح المناطق. بيدَ أنَّ البلادَ كانت مُقدِمة للمخاض عن أحداثٍ متسارعة، وكأن بغداد كانت على موعدٍ لتقف على أبوابها  في اليوم الثامن عشر مِن كانون الأول لعام 1055م القبائل التركمانية بقيادة زعيمها"طغرل بك"، فما كان مِن البساسيري قائد بغداد التركي المُعَيَّن مِن البُوَيهيين إلا مغادرة بغداد دون التصدّي للغزاة الجُدُد.

58 - البطريرك يوحنا السابع بن الطرغال 1049-1057م
وكما ذكرنا مراراً فكلما قامت الفتنُ في البلاد كان المسيحيون يُعانون مِنها وتُصيبهم الأضرارُ من جرّائها، ففي عهد البطريرك يوحنا السابع بن الطرغال 1049 - 1057م تفاقمت الإضطرابات وسادت الفوضى بين أوساط مُختلف الفئات المسلمة بسبب تعاظم نفوذ السلاجقة، حيث ثار المُرتزقة الأتراك عام 1054م مطالبين بدفع اجورهم المتأخرة، وشرعوا بسلبِ المدينة ونهبها، وكانت دارالروم ومقر البطريركية والكنيسة بالإضافة الى دارأبي الحسن عـبيد وزير البساسيري مِن ضمن الأماكن التي طالها السلبُ والنهب. ويقول ماري (المجدل ص 118 - 120) بأنَّ أبا الحسن وبالتعاون مع أبي الفضل بن بهانش استاذ دار أبي الحسن  ورؤساء شُعـَب دار الروم قاموا وعلى نفقـتهم بإصلاح الأضرار التي حدثت للقلاية والكنيسة. إلا أنَّ هذه الأماكن المذكورة تعرَّضت ثانية ً للسلبِ والنهب عام 1055م خلال الفوضى التي أُثيرت ضِدَّ قدوم طغرل بك السلجوقي الى بغداد. ونظراً لإستمرار الإضطراب الغامر، رأى البطريرك السلامة في الرحيل عن المدينة فغادرها وذهب الى دير مارماري بدير قوني. إلا أنه لم يستقر هناك، حيث كانت ايرادات هذا الدير قد خُصصًت لأسقف المنطقة وأهالي البلدة. ومرة ً اخرى ضغط الإسلاميون مِن أجل فرض الشارات المُميَّزة على الذميين، فأسرع اليهودي إبن علي بن فضلان الى الخاتون زوجة طغرل بك التي يعمل أمين سِرِّها مُطلعاً إياها على الأمر وطالباً تدخُّلها لوقف الإجراءات المُجحفة البالية فلبَّت الطلب ولم تُنفذ. ثمَّ تمكَّنَ البطريرك يوحنا السابع مِن العودة الى بغداد، وسكن دارالروم التي كانت قد رُمِّمَت. إلا أنَّ المرضَ داهمه بعد رجوعه بسنة وبضعة أشهر وتُوفي في عام 1057م وصادف ذلك الأحد السادس مِن سابوع الصيف، وجرى دفنُه في كنيسة دارالروم .
لدى وفاة البطريرك يوحنا السابع بن الطرغال، شغرَالكرسي البطريركي مدة طويلة، وتكرَّرت في هذه الفترة الدعوة ُ بتحريضٍ مِن علماء المسلمين لفرض الشارات المُمَيَّزة على أهل الذمة، ولكنَّ المُحاولة رفضها الخليفة ُوالسلطان وكذلك الرئاسات الإسلامية، أما اعتناق بعض المسيحيين للدين الإسلامي فما كان يحصل بسبب هذه الإجراءات التعسفية البالية، ولا اقتناعاً به وإنما اتَّخذوها غِطاءً ليُخفون تحته غاياتهم الحقيقية ومِنها: الربح المادي، الحياة المُرفهة ، تجنب القتل بالسيف، وهذه الغايات لم تنطلي على الأذكياء. وقد عدَّدها الشاعر الكبير "أبو العلاء المعري" في إحدى قصائده و هذا بعضٌ مِما قاله: <إذا اعتنقَ المسيحيُّ الإسلامَ،  فذلك في سبيل الرُّبح وليس حُبّاً  بالإسلام.  وهو إنَّما بذلك يهدف الى حياةٍ محترمة أو تجنُّباً لحدِّ السيف، أولأنَّه يروم الزواج مِن ظبيةٍ تجتذب الأنظارَ بأساورها وحِنّاها...>.

59 - البطريرك سبريشوع الثالث زنبور 1064-1072م
بعد وفاة البطريرك يوحنا السابع إبن الطرغال عام 1057م وشغور الكرسي البطريركي عدة سنوات، انتُخب سبريشوع الثالث زنبور 1064-1072م، وشارك في انتخابه مطران نصيبين عبديشوع بن العريض مدعواً من قبل سبريشوع نفسه الذي بذلك أنهى الحظر المفروض على مطارنة نصيبين من المُشاركة في انتخاب البطريرك وحضور المجمع الإنتخابي منذ عهد برصوما مطرانها الشهير في القرن الخامس، وجاءت دعوة سبريشوع لمطران نصيبين عبديشوع بن العريض رغبة ً مِنه في إظهار التقدير والتقرُّب اليه حيث كان يتمتع بشخصيةٍ قوية ونفوذٍ ملحوظ. وفي هذا الوقت كان مجيء السلاجقة أحد عوامل قيام الفوضى في البلاد وعانت مِنها الكنيسة أيضاً، إذ لم تخلُ مِن تجاوزاتٍ تُمارسُ بحق مؤمنيها وممتلكاتهم على مّرِّ الزمن،  ومِنها على سبيل المثال ما ذكره إبن الجوزي في (المنتظم في تاريخ الملوك والامم 5 ص 245 - 246)  حيث يقول عندما أرادوا تشييدَ قبةٍ جديدة لضريح أبي حنيفة في بغداد عام 1067م <انتزعوا خشبَه وأبوابَه الكبيرة بظلم ٍ وجاؤوا بها مِن إحدى الكنائس في سامراء> وهذا مِما لا شكَّ فيه، فإنَّ الكنائس كانت موجودة في سامراء على عهد الخليفة المتوكل يُديرها عددٌ مِن الكهنة والشمامسة، وقد سكن البطريرك مدة في سامراء.

يروي ماري في (المجدل ص 125) بأن نزاعاً وقع عام 1069م بين النساطرة والمونوفزيين اليعاقبة في بغداد، ومفاده كما ذكره باختصار <خلافاً للعادة الجارية بين المذهبَين، لقد أعطى الطبيب النسطوري أبوغالب إبنتَه لإبن أبي طاهر البلدي اليعقوبي. ولدى احتجاج البطريرك على هذا الأمر، أجابَه زعيمُ اليعاقبة أي"كاهنهم" <نحن رئيسَين لشعبَين وبيعتَين وهذا يعني أنَّ كلاًّ مِنا حُرُّ التصرُّف في شؤونه الخاصة>. ثمَّ أضاف قائلاً: <إذا كان متعدِّياً في ذلك وأخذ ما ليس له بحق،  والذي حمله على ذلك جهلُه وسوءُ طباعه، وتأثير رجل تكريتي مِن المذهب القورلسي أي "الملكي" ويُضيف ماري في الموضع ذاته بقوله: <إلا أنَّ البطريرك طالب باعتذار رسمي. وفي سبيل الحصول على ذلك، أمر مؤمنيه بالقيام بإضرابٍ عام: لا يقصُدُ كاتبٌ ديوانَه، ولا طبيبٌ بيمارستانَه ، ولا تاجرٌ دكّانَه... بُغية دفع السلطات الحاكمة الى أخذ إجراءٍ صارم ٍ بحق اليعاقبة. ثمَّ رشق البطريركُ بالحرم والدَ الصبية أبا غالب. وبلغ الأمرُ الى الخليفة القائم، وأبرز النساطرة المرسوم الذي منحه الخليفة المقتدر سنة 913 للبطريرك ابراهيم الثالث، وذلك الذي منحه الخليفة القادر للبطريرك يوحنا "يوانيس" الخامس بن عـيسى سنة 1003/ 1004. فأمرَالقائم بمنح سبريشوع مرسوماً مُماثلاً يقضي بفرض سلطة البطريرك النسطوري على اليعاقبة والملكيين وهذا نصُّه كما ورد في كتاب (ذخيرة الأذهان ج1 ص 459) <أقامكَ أميرُ المؤمنين للمسيحيين القاطنين في كُلِّ البلاد رئيساً للمسيحيين مِن مُختلف الطوائف حتى الذين يأتون الى البلاد>. واقتضى الأمر بأن يحضر المُحرِّض التكريتي مع جماعة اليعاقبة الى القلاية البطريركية ويُقدِّموا اعتذارهم أمام البطريرك ووجهاء الكنيسة النسطورية. أما الكاهن اليعقوبي هبة المسمى توما فقد أمضى الليلة تحت حراسةٍ مشدَّدة في كنيسة مارماري في دارالروم، وفي اليوم التالي قبل البطريرك اعتذاره. ولدى عودته مِن دار البطريركية في طريق رجوعه الى البيت، اعترضه رجال ايتكين السليماني شحنة بغداد وأودعوه السجن. إلا أنَّ البـطريرك النسطوري توسط له لدى ايتكين فأطلِق سراحُه>.
وفي نفس العام الذي حدث هذا الخلاف بين النساطرة واليعاقبة الذي سردناه كما رواه المؤرخ ماري بن سليمان، أثار المسلمون موجة ً مِن الغضب والإعتداء على المسيحيين، فـقاموا بسلب ونهب مجموعة مِن الدور، ومِن جرّاء أعمال الشغب هذه تعرَّض البطريرك سبريشوع لحادث اعتداء نجا مِنه باعجوبة. وعلى اثر ذلك إنتابته نوبة شلل لازمته مدة شهرين، ولكنَّها عاودته ثانية وكانت أشدَّ وطأة ً جعلته طريح الفراش حتى وافاه الأجل في 17/ 4/ 1072م. ودُفن في كنيسة السيدة بدارالروم الى جانب سلفه البطريرك يوحنا السابع إبن الطرغال.

60 - البطريرك عبديشوع الثاني بن العريض 1075-1090م
بعد وفاة سبريشوع الثالث زنبور، وقع إجماع المطارنة والأساقفة لإنتخاب خلفٍ له على عبديشوع مطران نصيبين، فتمَّت رسامتُه بالمدائن في كانون الثاني لعام 1075م باسم عبديشوع الثاني بن العريض، وبعد الرسامة جاء الى بغداد، وعلى غِرار سلفيه منحه الخليفة القائم بمر الله مرسوماً يقضي بخضوع المونوفيزيين اليعاقبة والملكيين الى سُلطته. لقد أورد ماري في (المجدل ص133 - 137) نَصَّ العهدُ الممنوح مِن الخليفة القائم للبطريرك عبديشوع بن العريض في الواحد والعشرين مِن تشرين الثاني لعام 1074م. وفي كتابه (صبح الأعشى ج10 ص 492) صَحَّحَ القلقشندي بعض الأخطاء في النص الذي أورده ماري. أما صليبا في (المجدل ص 101) فيصف عبديشوع بن العريض بقوله: <كان شيخاً حَسَنَ الخُلق والخِلقة، وعالِماً، وإنَّه رسم مكّيخا اسقف الطيرهان مطراناً على الموصل خلفاً ليهبَلاها المتوفى> كما أمر بتلاوة الصلاة الربية في بداية كُلِّ الصلوات الطقسية ولا زال معـمولاً بها حتى يومنا هذا. في عهده تمَّ بناء جسر الموصل، كما أنهِيَ  خضوع الموصل لحكم الأمير سعد الدولة وألحِقت بسلطة الأمير أقسنقر، وتُوفي البطريرك عبديشوع الثاني بن العريض في الثاني مِن كانون الثاني عام 1090م ودفن في كنيسة الكُرسي بدارالروم.

تولَّى الخلافة بعد وفاة الخليفة القائم بأمر الله حفيدُه ابو القاسم عبدالله بن محمد، واتخذ اللقب الذي اختاره له جدُّه وهو المُقتدي بأمر الله 1057-1094م، وحيث كان الخلفاء مُنتزعي حقِّ الحلِّ والربط إذ كان هذا الحق يُمارسه الأمراء السلاجقة، فإن الحاكم الفعلي على عهد المقتدي كان الأمير "ملكشاه السلجوقي" حتى أنَّه أطلق على نفسه لقب "سيد لعرب والفرس". بعد وفاة ملكشاه خلفه إبنُه "بركياروق" عام 1092م ولقِّب بـ"ركن الدولة". يروي المؤرخ ماري في (المجدل ص 132) بأنَّ اضطراباتٍ داخلية حدثت بين فئاتٍ مُسلمة في عامي 1077 - 1078م أيام ملكشاه السلجوقي، وكاالعادة أصاب المسيحيين سوءٌ مِن جرّائها في سوق الثلاثاء، وعن أحداثها قال ماري <بُنيَ مسجدٌ بعمر واسط> أما السيوطى (تاريخ الخلفاء ص 423) فيتحدَّث عن الأزمة المؤلمة والمستديمة التي تفجَّرت في عام1091م <بعد وفاة البطريرك عبديشوع الثاني بن العريض، عاد المتزمتون مِن المسلمين يُطالبون بأن يحمل المسيحيون الشارات المُمَيَّزة، ولم تكن هذه الأزمة وليدة يومها، بل كانت بوادرها قد لاحت منذ عام 1085م ضِدَّ اليهود أولاً، ثمَّ ضِدَّ المسيحيين أثناء حملةٍ تزمتية أُثيرَت في عهد المُقتدي تَمّ فيها نفي المغنيات والخوطي في بغداد، وأمر ألا يدخل أحد الحمّام إلا بمئزر، وخرَّب أبراج الحمام صيانة لحروم الناس>.
يقول حبيب الزيات (الصليب في الإسلام ص 6) في عام 1089م اضطرَّ الخليفة المقتدي بأمرالله لإستدعاء عربٍ مِن الحلة لإخماد الإضطرابات التي استجدَّت بين السنة والشيعة في بغداد. وفي عام 1091م انتهى وزير حاكم بغداد "ملكشاه" المدعو نظام المُلك والمُلقب بـ "أتابك" مِن تأليف كتابٍ لسيده أسماه "سياسة نامه" ويعني "سير الملوك" فيه يُلقي اللومَ على الملوك والحُكّام الذين يستخدمون في بَلاطهم مسيحيين أو يهوداً أو مجوساً. وفي العام ذاته أصدر الخليفة بناءً الى طلب الوزير الفارسي أبي شجاع مرسوماً يقـضي بإعادة فرض الشارات المُمَيَّزة على المسيحيين واليهود في بغداد، ولم تُفلح أرجوان امُّ الخليفة الأرمنية الأصل في منع تنفيذ هذا المرسوم المشؤوم، الذي استمرَّ نافذ المفعول لمدة أربعة عشر عاماً أي حتى عام 1105م.

وفي كُلِّ مَدٍّ لهيجان المتزمِّتين المُسلمين وتطاحُن فئاتهم فيما بينها، ينقلب سخطُهم بالتالي وبالاً على المسيحيين، فيُطالبون بفرض القيود الصارمة والقوانين العمرية التعسفية على أهل الذمة أي المسيحيين واليهود، وهو إجراء إذلالي تعويضي عن استخدام السيف، ينوءُ تحت ثقله رُخاة الإيمان فيتحوَّلون الى الإسلام تخلُّصاً مِن الحالة المُهـينة وحفاظاً على مصالحهم أو مراكزهم الرفيعة في الدولة. وأشهر الذين اعتنقوا الإسلام مِن المسيحيين درءاً لعدم الخضوع لهذه الإجراءات وصونا لمراكزهم هما شخصان مِن اسرةٍ مسيحية شهيرة  تُعرَف "بعائلة موصلايا" كان كُلٌّ مِنهما يشغل وظيفة مرموقة. وقد توصَّلَ أحدهما بعد إسلامِه الى منصب "أمين الدولة" وأوصى بأمواله بعد موته للمشاريع الخيرية الإسلامية، لأنه كان يعلم بأن اسرته ظلَّت متمسكة بمسيحيتها ولا يُمكنها أن ترثه. أما الشخص الثاني فكان أبا نصر هبة الله إبن أخت الأول وقد مُنحَ بعد إسلامِه لقب "تاج الرؤساء". يروي المؤرخون (إبن العبري/ تاريخ مختصر الدول ص338 ــ إبن الكازرني  في مختصر الدول ص212 ــ السيوطي / تاريخ الخلفاء ص 426) بأن موت الخليفة المقتدي بأمرالله تّمَّ بصورةٍ مُفاجئة، حيث إنَّه بينما كان يأكُل ديكاً مشوياً سقط ميتاً، وعُزي الأمرُ بأنَّ جاريته شمس النهار هي التي وضعت له السُمَّ في الأكل، وقد يكون "بركباروق" بن ملكشاه هو الذي دفعها لفعل ذلك.

61 - البطريرك مكيخا الأول 1092- 1110م
وكما سبق القول بأنَ الأوضاعَ تردَّت كثيراً في بغداد إثرَ وفاة مارعبديشوع البطريرك، وغدا مِن الصعب على الأباء القيامَ بانتخاب بطريرك جديد، فظلَّ الكرسيُّ البطريركي شاغراً بحدود سنتين الى أن عاد الهدوءُ نسبياً، فتحرَّكَ الآباءُ لكي ينتخبوا رئيساً للكنيسة. فيقول ماري في (المجدل ص 142) بأن الإختيار وقع على مكيخا مطران الموصل  وبتأثير مِن أبي الفرج سعيد بن ابراهيم الواسطي الذي كان في ذات الوقت كاهناً وراهباً وطبيباً للسلطان السلجوقي"الب ارسلان ملكشاه" ومُتنفذٍ آخر يُسمّى أبا الـفرج بن التلميذ. وكان أبونصر هبة الله مِن عائلةٍ موصلية قبل أن يعتنق الإسلامَ هو وخاله، قد استحصل مرسوماً مِن الخليفة المقتدي بأمرالله عام 1092 م للبطريرك مكيخا، وهو الذي نظمه بنفسه .
كان البطريرك مكيخا الأول قديساً، حيث يروي ماري في (المجدل ص 138 - 141) عدداً مِن المُعجزات التي أجراها الله على يده. ولكنَّ أهواء المتنفذين مِن المسيحيين في كُلِّ مراحل تاريخ الكنيسة المشرقية لم تتقيَّد بحدود معيَّنة لتدخلاتهم في الشؤون الكنسية منذ العهد الفارسي فالأموي والعـباسي. فها هو الخلاف ينشب بين إبن الواسطي والبطريرك مكيخا. كانت بدايتُه حول امورلها علاقة بالإدارة، ثمَّ تطوَّرت تدريجياً حتى وصلت الى نقطة القطيعة بين الرجلَين. والسبب أنَّ البطريرك ألغى تلاوة الصلاة الربية "أبانا" بين كُلِّ صلاتَين كما كان قد أمر بها سلفُه، فعارض إبنُ الواسطي هذا الإجراء ورفضه. فرشقه البطريرك بالحرم وحظر عليه الخدمة في كنيسة سوق الثلاثاء. فاضطرَّ إبنُ الواسطي للإنسحاب الى كنيسة العتيقة وهي بمنطقة إقامة اسرته. ولما كان إبنُ الواسطي وقتذاك طبيباً للخليفة المستظهر، تدخَّلَ البَلاط ُ لحَلِّ الإشكال لنصرة الطبيب. فجرى استدعاءُ البطريرك واحتُجزَ في دار بدران فيهروز القريبة مِن البلاط، ومكث فيها مدة بصحبة أحد تلاميذه. ثمَّ أُخذ البطريرك لمقابلة الوزيرعميد الدولة ودار بينهما الحوار التالي:

عميد الدولة: لا يجوز لكَ أن تُعاكسَ أمير المؤمنين، ولا أن تُغضبَ طبيبَه.
البطريرك: لا يجوز له أن يُثيرَغضبي ويُعاكسني في ما أعمل، فأنا الذي يأمر وهو الذي يُطيع.
العميد مُغتاظاً: إن لم تقبل وجهة نظره، فلا موضع لك َ في بلادنا.  وكان يقصد بقوله إبعاده الى بلاد الروم أعدائهم.
البطريرك بجرأة: حتى إن غادرتُ بلادَكم، فما أربطه أوأحلُّه يبقى نافذاً. فإني لم أتلقَّ سُلطتي مِن المرسوم الذي منحتموني إياه، بل مِن السماء. وإن كان حُكمُكم يمتدُّ الى مئتَي فرسخ ٍ، فإنَّ حُكمي يمتدُّ مِن المشرق الى المغرب. وقريباً كُنتُ أم بعيداً، فليس بوسع هذا المُتمَرِّد أن يُصَلّي دون أن يذكرَ اسمي.

ونقل عميد الدولة الى الخليفة ما دار بينه وبين البطريرك مِن الحِوار بحذافيره.  يقول الأب فيِّيه في (المسيحيون السريان في عهد العباسيين ص 224 - 225) ولكي يتأكَّدَ الخليفة مِن صحة ما دار مِن الحِوار، إستدعى إبنَ الواسطي وقال له: إذاً حينما تُصلّي، تذكر في صلاتك اسم البطريرك؟ أجاب: "نعـم" فقال له الخليفة: ألا يُمكنُكَ أن تُخالف ذلك؟ أجاب "كلا" إذ ذاك صرف الخليفة طبيبَه قائلاً له: لماذا نتدخلُ بشؤونكم إن كُنتَ لا تستطيع أن تعصيَ أمرَه! فرجع البطريرك الى قلايته في دارالروم مُنتصراً. أما أبو الفرج بن الواسطي فعاد الى كنيسة العـتيقة يُمارس خِدمتَه لأتباعه خِلافاً لإرادة البطريرك. ويقول ماري في (المجدل ص 142) بعد فترةٍ قام الوزير عميد الدولة بجمع إبن الواسطي بالبطريرك في ديوانه، وأمر إبنَ الواسطي بالقيام وتقبيل يد البطريرك. ومِن جهته اعتبر البطريرك هذا الإعتذار كافياً ليرفع الحرمَ عن إبن الواسطي. بيد أن الأخير لم يحضر احتفال عيد كنيسة العتيقة الواقع في منتصف الصوم الكبير والذي ترأسه البطريرك. وصادف أن التقى الرجلان في جنازة أحد أعيان المسيحيين، واضطرَّ إبن الواسطي ثانية ً لتقبيل يد البطريرك، لكنه انسحب مِن بين الجمهور. وفي النهاية عاد الى خدمته الكنسية في كنيسة سوق الثلاثاء.

وعلى إثر خلافٍ نشب بين البطريرك مكيخا وبعضٍ مِن أبناء رعيته، غادر البطريرك بغداد اضطراراً وقصد الحلة مدينة الأمير الغساني صدقة المُلقب بسيف الدولة لاجئاً. ووصلت الوقاحة ُ ببعض المُعارضين للبطريرك الى حدِّ استدعاء ايشوعياب مطران نصيبين وإقامته بطريركاً لهم. وفيما كان البطريرك مكيخا لا يزال في طريقه الى الحلة ولدى بلوغه المدائن، اختلى وصلى هناك. وما إن أنهى صلاته، حتى نهض وقال للحاضرين: <لقد عملتُ اللازم، فقد مات الرجل> أي مطران نصيبين الذي كان في طريقه الى بغداد تلبية ً لطلب المُعارضين، إذ لدى بلوغه ديرمارميخائيل القريب مِن الموصل، داهمه الموتُ هناك بغتةً. وهنالك في الحلة انتفض ضِدَّه شخص يُسمَّى إبن حبشي وأفلح في إبعاده عن الحلّة، فقصد البطريرك الى النيل. أما الرجل الجاني إبن حبشي فعاقبه الله بدمار بيته. وبعد أن أمضى مارمكيخا فترة ً في النيل، رجع الى مقرِّه في بغداد، وتلاشت بعد ذلك كبرياء المناوئين لسُلطته خشية تعرضهم للعقاب الإلهي.

لقد عَنَّ لإبن الواسطي انتهاز فرصة الأحداث التي جرت في تلك الأثناء فتقدَّمَ بالتماسٍ الى المُستظهر وليِّ عهد الخليفة بشأن رفع القيود المُجحِفة بحق المسيحيين. وقد خصَّصَ المؤرخ ماري صفحة كاملة (المجدل ص 144) في مدح الخصال المثلى لإبن الواسطي مُطرياً غيرته الشديدة على ارثوذكسية "استقامة" كنيسته النسطورية ضِدَّ الذين وصفهم بفرق المباينة واليعقوبية والمارونية، واصفاً إياه بـ"معجزة زمانه". (ربما خطأً ورد ذكر المارونية عوضاً عن الملكية التي كان أتباعها يتواجدون في بغداد وليس أتباع المارونية). وعندما أصبح مجد الدين بن المُطلب وزيراً للخليفة المستظهر، بادر الى استخدام الكثير مِن أهل الذمة في إدارته وفي هذا الخصوص يقول إبن الأثير في (الكامل في التاريخ10 ص 202) أُتهمَ  مجدُ الدين بن المُطلب وزير الخليفة باستخدام العديد مِن الذمِّيين في إدارته، فأُقيل فترة ً ثمَّ أعيد الى منصبه شرط َ أن لا يعود الى أخطائه من حيث "المظالم وسوء السيرة واستخدام الذميين".

يتحدَّث بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 461 - 462) عَن البطريرك مكيخا الأول، بأنه كان قديساً تميَّز بالعِفة والفضيلة، يُجيد الخطابة باللغة العربية ويوعِظ بها بعد قراءة الإنجيل. كتبَ مقالاتٍ عديدة أشهرها المقالة بخصوص التجسُّد، أيَّد تِلاوة الصلاة في بداية الصلاة الطقسية وليس بين كُلِّ صلاةٍ وأخرى، أدخل ترتيباً على الصلوات الطقسية.
يقول صليبا في (المجدل ص 102) <بأن البطريرك مكيخا الأول أصدر رسالة ً فائقة مُختصرة، أوضح فيها الأمانة الصحيحة التي يعتقدها المشارقة. ويُضيف صليبا بأنه دبَّرَ تدبيراً معتدلاً> أما ماري فيقول (المجدل ص 147) <ما عُرفَ له أمرٌ يُكرَه لا في صباه ولا في رهبنته>. والمستغرب جداً هو أنَّ لا ماري ولا صليبا أتيا الى ذكر ظروف وفاة البطريرك إلا بايجاز شديد وهو: <أنَّه تُوفي في السابع عشر مِن آذار عام 1109م ودُفن في دارالروم ببيعة السيدة في الباصلوث الأيمَن "بيت الصلاة".
بعد وفاة الخليفة المقتدي بأمر الله خلفه إبنُه أبو العباس متخذاً لقب " المستظهر بالله1094-1118م "
وهو إبن الستة عشر ربيعاً. يصفه إبنُ الأثير (الكامل في التاريخ ج10 ص 202) <بكونه كريم الخُلق وغزيرَ الفضل وواسع العِلم، لكنَّه يُضيفُ قائلاً: <لم تَصفُ له الخلافة، بل كانت أيامُه مضطربة كثيرة الحروب> ويستطرد في القول: <كان الخليفة تحت رعاية السُلطان "بركياروق" السلجوقي ووزيره عِزِّ المُلك بن نظام المُلك. يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 427) <في عام 1098م وهو العام الرابع لخلافة المستظهر. احتلَّ الإفرنج مدينة أنطاكيا، وتبعها استـيلاؤهم على مدينة القدس في تموز لعام 1099م بعد حصار طال شهراً ونصف، وأنهم اقترفوا أبشع أنواع السلب والنهب، وقتلوا أكثر مِن سبعين الفاً،  بينهم جماعة مِن العلماء والعبّاد والزهّاد، وهدموا المشاهد، وجمعوا اليهود في الكنيست وأحرقوها عليهم، وورد المُستنفرون الى بغداد ، فأوردوا كلاماً يُبكي العيون ". والى الجزء الواحد والعشرين قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 14/4/2015

66
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء التاسع عشر

أحوال الكنيسة الكلدانية النسطورية في القرن الحادي عشر

54 - البطريرك يوحنا "يوآنيس"الخامس بن عيسى 1000 - 1011م
يقول المجدليان (صليبا ص 95 ــ  ماري ص 110 وبطرس نصري/ذخيرة الأذهان ص 45) كان مسقط رأسه كرخ جدان. وإذ كان لا زال طفلاً مات والداه، فتولّى تربيته خالُ امِّه. وعندما كبُرَ مارسَ بيعَ البقول في بلدته كرخ جدان، وجلبَ النفط  مِن المعدن على بهيمةٍ اشتراها.  وخطب إبنة َ إحدى العوائل التي تعرَّفَ عليها، إلا أنَّه عَدِلَ عن الزواج، ودخل الى ديرالكُرسي في كُشكُر"واسط" وبعد أن أمضى وقتاً في الرهبنة، رَسمَه البطريرك ماري بن طوبي اسقفاً للسِّن "شِنّا" ولم تمضِ فترة حتى رّقَّاه الى كُرسي مطرانية فارس. وفي (المجدل ص 595) يذـُمُّه صليبا بقوله عنه <كان سيِّ الخُلق، عجولاً، مُحبّاً للدراهم>. وتوَصَّلَ الى الكرسي البطريركي عن طريق غير شرعي، إذ قبل التحاقه بكُرسي مطرانية فارس في جنديسابور، علم بوفاة البطريرك ماري، فتوجَّهَ فوراً الى شيراز، وقابل الأميرَ بهاءالدولة وقدَّمَ له ما أرضاه، فأمر بتعيينه بطريركاً. وما إن وصل بغداد حتى رُسم في 26/ 10/ 1001م رغم أنف الأساقفة والإكليروس والمؤمنين. وقيل بأن مطران أبرشية الموصل تعمَّدَ أن يصل الى بغداد بعد انتهاء الرسامة، فتعرَّضَ لعقاب البطريرك الجديد، فارضاً عليه لبس المسوح والركوع فوق الرماد زمناً عند باب القلاية البطريركية، وألزمه بدفع غرامةٍ قدرها مائة دينار. أما في دار الخلافة فقد تَمَّ استقبالُ البطريرك بحفاوة ومُنح المرسوم التقليدي.
وكانت المنافسة على النفوذ بين السنة والشيعة متأصِّلة ًومتواصلة في الدولة العباسية، والخلاف بينهما مُحتدماً دوماً، وقد تفاقم في هذه الفترة. ويلقى الشيعة الدعم مِن البُوَيهييين، ويقف الأتراك خلف السنة، وقد تشجَّعَ السنة للمواجهة إثر الإنتصار الذي حقَقه في الهند السلطان التركي سوبكتكين. وكانت ممتلكات المسيحيين واقعة نصب أعيُن بعض الطامعين مِن المسلمين، يتربَّصون أيَّة فرصةٍ مؤاتية لنهبها وتدميرها. وكانت التهمة التي أُلصقت بأبي منصور الدراجي المسيحي  بممارسته الفحشاء مع امرأةِ خبّاز مسلم، والمسلم نفسه وُجد مقتولاً، بمثابة فرصةٍ سانحة إتخذوا مِنها ذريعة ً للهجوم على كنيسة مار توما اليعقوبية المونوفيزية، فنهبوها ودَمَّروا أثاثها. ولم يتردَّد أحدُ الغوغائيين بإضرام النار فيها، فانهار سقفها وسقط على الناس المتواجدين داخلها، فكان عدد القتلى مِن جرّاء ذلك بحدود خمسين شخصاً، جُلَّهم مِن المسلمين. وبعد انجلاء الموقف وُجد انجيل بين الأنقاض لم تلتهمه النار، فعُزيَ الأمرُالى اعجوبة!. وفي خضمِّ هذه الفوضى جرى نهبٌ وسلبٌ لكنائس نسطورية ويعقوبية اخرى، حتى تصدَّت السلطة الحاكمة لردع هؤلاء الثائرين والحد مِن أعمالهم الإجرامية.

يقول بطرس نصري في (ذخيرة الأهان ج1 ص 450 - 451) ونَنقل عَنه بتصرُّف وباختصار: كُلما كانت المنافسة قائمة بين الشيعة والسنة، كانت كذلك بين النساطرة واليعاقبة، فبين كُلِّ فترةٍ واخرى كانت المُشاحنات تُـثارُ بين الجانبين. وقد توتَّرت علاقاتُهما بعد ركود طويل عام 1004م عند قدوم مطران تكريت اليعقوبي"أغناطيوس برقيقي" الى بغداد، لكي يُشرف على إعادة بناء الكنيسة التي التهمها الحريق. وقيل بأنه لقي استقبالاً حافلاً تقديراً لعمِّه "توما بزازا" الذي كان يشغـل منصب سكرتير كبير لدى حكام الدولة الكبار، كما تلقى هدايا كـثيرة. أغاظـ هذا الأمر البطريرك النسطوري يوحنا الخامس وحظر على رعاياه النساطرة اللقاء بالمطران اليعقوبي، وعاد الى تطبيق المرسوم الذي يُخوِّل الإقامة الدائمة في بغداد للبطريرك النسطوري كرئيس مسيحي وحده دون رؤساء الطوائف الاخرى الذين يُسمح لهم بالمجيء الى بغداد بين فترةٍ واخرى لقضاء مُهمةٍ آنية. وبعد هذه الواقعة، يُقال بأن البطريرك يوحنا حاول الإستيلاء على كنيسةٍ يعقوبية في صوب الكرخ، إلا أنَّه لم يُوَفَّق .
إن الشعب النسطوري ضاق ذرعاً بتصرُّف بطريركه يوحنا المُتَّسم بالظلم والطغيان بحيث لـم يَعُد باستطاعـته السكوت على تصرفاته غير اللائقـة بمنصبه، فقد تمادى جداً بقبول الرشوة على الرسامات وبشكل علني الى جانب تَخريبه للبيَع وإغلاقه لمعاهد العِلم"الإسكولات" ومَنعه لأعمال الإحسان وغير ذلك مِن الأعـمال ، فلم يَرَ رعاياه بدّاً مِن الثورة عليه. عـندها اضطرَّ لترك مقرِّه والهروب الى القـطاع الغربي، وبقي هنالك حتى تعهَّد َ بتغيير سياسته غير اللائقة بمكانته، وبإعادة الامور الى مسارها الصحيح! وكان رَدُّ فعل الكثير مِن أبناء رعيته النساطرة على تصرُّفه التعسفي، التحوُّلَ مِن النسطرة الى المذاهب المسيحية الاخرى ولا سيما الى الملكيين "الكاثوليك" كما فعل الطبيبُ علي بن عيسى تلميذ إبن الطيِّب، وكان الطبيب علي بن عيسى أشهر أطباء العيون آنذاك، فقد انتقل الى طائفة الملكيين، وأخذ يُناصب البطريرك العداءَ جهراً. ويقول المجدليان (صليبا ص 96 وماري ص 113) بأن الأجلَ وافى البطريرك يوحنا الخامس في الثامن مِن كانون الثاني عام 1011م، ودُفن في بيعة اصبغ بـدارالروم. ولم تمضِ على موته إلا سنة واحدة، حتى لحقه الى اللحد بَهاءالـدولة حاميه عن عمر قصير هو إثنان وأربعون عاماً، وخلفه إبنُه "سلطان الدولة" الملقب بأبي شجاع .

يَقول المؤرخ عمرو (المجـدل ص 95) في عهد ماري بن طـوبي تَنصَّر أحدُ ملوك الأتراك مع عددٍ كبير مِن أتباعِه قدِّرَ بنحو مِئتَي ألف فرد، وكذلك يُشيرُ الـمؤرخ ماري في (المجـدل ص 112) الى تنصُّر ما سمّاهـا بالامة التَتَرية وعـلى رأسها الملك "اون خان" الذي عُرف بيوحنا القسيس، وقد شُرِّفَ بلَقب القس بعد تَنصُّره إكراماً لتَدَيُنه، وقد جرى هذا الحدث بجهـود مارعَبـديشوع مطران مرو الكلداني النسطوري، ولذلك اعتمَد هذا الملك المذهبَ النسطوري، واستطاع فـَتحَ الكثيرمِن البلدان وأخضعـها لسُلطانِه، واتَّخذ مِن مدينة سوس العيلامية قاعدة ً لمُلكِه، وقد خلفـَه أربعة ملوك تَبنَّوا الإسمَ ذاته وهو"يوحنا القسيس" وآخر هؤلاء الملوك قتله جَنكيزخان بعد أن استولى على مملكتِه. ويقول بطرس نـصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 451) بأن أحد هؤلاء الملوك قد راسلَ البابا اسكندر الثالث في أواسط القرن الثاني عشر.

55 - البطريرك يوحنا السادس بن نازوك 1012 ــ 1020م
تحدَّث عنه باقتضابٍ صليبا (المجدل ص 96 - 97) وبإسهابٍ ماري (المجدل ص 113 - 116) كان معَلثيَّ الأصل، مالَ الى الحياة الرهبانية، فدخل الى دير ايشوعياب في منطقة بانوهدرا، وبعد فترة انتُخبَ رئيساً على الدير ذاته. رأى فيه البطريرك ماري بن طوبي ما يؤهله للدرجة الاسقفية، فرسمه اسقفاً على الحيرة. وعندما توفيَ البطريرك يوحنا الخامس بـن عيسى، اجتمع أساقفة الكنيسة، وأجروا قرعة ً لإنتخاب بطريرك جديد فكانت مِن نصيبه، واختير بطريركا بطريقةٍ شرعية.  وقصد البطريرك المنتخب الى دار الخلافة وحصل على مرسوم العهد.  وتَمَّت رسامته في 19 / 11 / 1012م .

ونقتبس مما قاله ماري (المجدل ص 115) وكذلك ما أشار إليه بطرس نصري  (ذخيرة الأذهان ج1 453) ولم تمض ِ إلا مدة قصيرة على رسامة البطريرك الجديد يوحنا السادس، حتى اصطدمت بداية ُرئاسته بما عكَّرَ صفوّها، وجلبَ الحزنَ له ولشعبه المسيحي، حيث استغلَّ المسلمون وبغيظ ٍ مكبوت قيام المسيحيين بتشييع جثمان زوجة أحد الامناء المسيحيين، حيث نقلوا الجثمان مِن دارها الى دارالروم بموكبٍ كبير، تخلله ترتيلُ المزامير وحمل الصلبان والشموع. وما إن اقترب الموكبُ مِن مشهدِ ابي حنيفة، حتى كان المسلمون واقفين له بالمرصاد، فبادر أحدُهـم بالبصق على الجنازة، وكانت تلك إشارة لكي تنهالَ الجموع المُسلمة برمي الموكب بالحجارة وبسيل مِن الشتائم، ولم يكتفوا بذلك بل لاحقوا المسيحيين الى داخل دار الروم، وعملوا في الكنيسة والمقر البطريركي وحتى البيوت المسيحية نهباً وتخريباً، وألقوا باللائمة على المسيحيين باتهامهم أحدَ المسيحيين بقتل مسلم ٍ مِن بينهم، مِمّا زاد في غضبهم واندفاعهم في السلب والنهب... ولتهدئة المسلمين أعلن الخليفة العودة الى تطبيق "إجراءآت عمر" على المسيحيين وهي: ارتداء الغيار ومنعهـم مِن ركوب الخيل، وإجبارهم إعتاق العبيد والإماء المسلمين مِن دورهم. ويقول إبن العبري(التاريخ السرياني ص 206) بأنَّ البطريرك أُستُدعيَ الى البلاط، لإبلاغه بهذه الإجراءآت والتعهُّد بالإلتزام بها وبإعلانها مِن على المنبر في الكنائس.

وكان لسلطان الدولة البُوَيهي وزيرٌ يُدعى فخرالدولة عُدَّ الأبرز والأشرسَ في عِدائه للمسيحيين، مارس هو وأعونُه أشدَّ صنوف الضغط والإرهاب ضِدَّهم، استولى على أموال مواطني منطقتَي ديرقوني والنهروان. وواصل عمله الإجرامي هذا حتى نال عقابَه في شيراز بالإعدام في مطلع عام 1017م. وما بين عامّي 1015 - 1017م عَـمَّت بغداد اضطراباتٌ أثارتها الحركة السنية المُعادية للأقليات التي كانت تُعاني مِن جورها مُعاناة بالغة. وقد استفاد مِن عودتها المشؤومة بعض الإنتهازيينَ المتصيدين في المياه الآسنة.  ولغرض الإنتقام مِن المسيحيين إتَّهمهم بعضُ الحاقدين مِـن المُسلمين بأنهم وراء نشوب حريق خلف جامع الرصافة، إلا أنَّ الخليفة القادر لم يُصدِّق هذه الكذبة المُدبَّرة، فأمر بعدم ايذاء المسيحيين الأبرياء. وإذا كانت أحوال المسيحيين في بغداد ومناطق بلاد الرافدين الاخرى بهذا المستوى مِن السوء، فإنَّ أحوال مسيحيي مصر وسوريا كانت أسوأَ بكثير. إنَّ عدد الكنائس والأديُرة التي هُدمت بلغ 40 الفاً. وقد أُلزمَ المسيحيون بحمل صُلبان خشبية وزنُ كُلٍّ مِنها خمسة أرطال، وفرض على اليهود تعليق رأس عِجل كبير في رقابهم، وكانت هذه الأحكام المُجحفة سبباً لتخاذل الكثيرين مِنهم واعتناق الإسلام، وتُعتبر الوسيلة الثالثة بعد السيف والجزية والخراج لإضطرار الذميين للتحوُّل الى الإسلام. وعندما تسلَّمَ إبنُ سهلان منصبَ وزير البلاط إستقبله البطريرك بحفاوة وإكرام، واستهجن الوزيرُ ما كان يُعانيه المسيحيون مِن الحَيف والغبن والظلم .
قدوم أغناطيوس برقيقي مطران تكريت اليعقوبي الثاني الى بغداد عام 1007م، اختلف عن قدومه الأول عام 1004م مِن حيث الإستقبال، فقد احتُفي به بالأول بتقدير كبير إكراماً لعـمِّه أولا ولعلمه ثانياً كما ذكرنا. أما في القدوم الثاني فقد أعلنت جماعتُه اليعقوبية الثورة عليه بزعامة العالِم والفيلسوف بن زرعة، لأنَّ تصرُّفاته كانت قد مالت الى السوء كثيراً، حيث استولى على أموال كنائس تكريت وبغداد والقرى المونوفيزية. وللتخلُّص مِن الموقف المُحرج الذي وضع برقيقي نفسه فيه، أشهر إسلامَه وقطع زنّاره واختار له اسم "أبو مسلم" وتزوَّج، وبدأ يُناصب جماعتَه العداءَ السافر مُلصقاً بهم شتى الإفتراءات والتُهم. وعن طريق الصُدفة التقى يوماً البطريرك بهذا الجاحد في دار وجيهٍ مِن وجهاء المسيحيين، فاعتقد الجاحد"أبو مسلم" بأنَّ الواجب يقضي عليه بدعوة البطريرك الى الإسلام، فاستهجنَ الحاضرون مِن مسلمين ومسيحيين هذه الجسارة الخالية مِن الحياء، وأثارت لديهم الإستياء ولا سيما المُضيف صاحب الدار، حيث رافق البطريرك بحفاوةٍ وإكرام مشوبين بالإعتذار الى خارج الدار. ويقول ميخائيل اليعقوبي في    (تاريخه3 ص 134) بأنَّ الخليفة القادر استقبل  برقيقي الجاحد  بفتور ظاهر خالي مِن الإكرام. أما البطريرك اليعقوبي أفرام الأول برصوم فيقول عنه في (اللؤلؤ المنثور / الطبعة2 ص 453 - 454) <وفي النهاية اضطرَّ "أبو مسلم" للعيش في الذل والهوان، وانتهى الى الإستعطاء ولكنَّه ندم أخيراً على فعلته الشنعاء وعاد الى التوبة، وكتب "قصائد في التوبة" لا زالت باقية.
وافت المَنيَّة ُالبطريرك يوحنا السادس في 21/ 7/ 1020م بعد نحو ثمان سنوات مِن بطريركيته، تخللتها أصعب المصائب التي عانت مِنها الكنيسة الكلدنية النسطورية. وأكثر ما نغـَّص حياته هو حالة التخاذل لدى العديد مِن المسيحيين مِن جرّاء المصاعب والمِحَن التي تعرَّضوا لها.

56 - البطريرك ايشوعياب الرابع بن حزقيال 1020 - 1025م
يقول عنه المؤرخ ماري (المجدل ص 117 - 118) كان مِن بلدة ديرقوني، وبعد إكماله لتعليمه في مدرسة مارماري، رُسمَ كاهناً، وعُرف بحسن السيرة. ولم يلبث أن رسمه البطريرك عبديشـوع الأول اسقفاً على القصر والنهروان. وكما فعل يوحنا الخامس بن عيسى في توصُّله الى سُدة الرئاسة الأولى البطريركية عن طريق إرضاء بهاءالدولة بالمال، كـذلك فعل ايشوعياب الرابع بن حزقيال، إذ ما إن تُوفيَ البطريرك يوحنا السادس بن نازوك، حتى تحرَّك بسرعة قبل موعد الإنتخاب ورتَّب أمرَه مع أصحاب السلطة، وبخاصةٍ مع أبي غالب المُلقب بذي السعادتَين، نفحه بمبلغ كبير، فأصدر أمراً بأنَّ كُلَّ منافس لإيشوعياب على الرئاسة  سيكون مصيرُه الموت غرقاً. فلم يجرأ أحدٌ لترشيح ذاته. وبعد أشهر قليلة أي في نهاية عام 1020م رُسمَ ايشوعياب بطريركاً ولو أن عدداً مِن المطارنة والأساقفة عمد الى الهرب. وامتنعوا عن ذكر اسمه في كنائس أبرشياتهم. وأبرز مَن وقف ضِدَّه كان ايليا مطران نصيبين المعروف بابن السِّن "بر شِنّايا" الذي إتَّهمَه بالسيمونية أي شراء المنصب الكنسي بالمال "نسبة الى سيمون الساحر". ويُضيف ماري  (المجدل ص 117) وكذلك يقول بطرس نصري(ذخيرة الأذهان ج1 ص 454) تميَّز َ عهدُه القصير<بما جرى مِن المخالفة والتحزُّب، ما يَقبُحُ ذِكرُه ولا يَحسُنُ شرحُه>  وتُوفيَ ايشوعياب في 14 / 5 / 1025م . وأُجريت مراسيمُ دفنه ليلاً، إذ كانت الأحوال مضطربة واللصوص يسرحون ويمرحون في بغداد يعيثون فيها فساداً ويُمارسون السلب والقتل، حتى أنهم أحرقوا بعضَ المناطق في الكرخ.

ويذكر بطرس حداد في (مجلة بين النهرين ص 145 تاريخ 5 / 12 / 1990م) واستمرَّ الإضطرابُ والفوضى بسبب الخلافات القائمة في البلاد، وطال النهبُ دارَالروم، ولم تهدأ الامورُ إلا قليلاً بعد وصول "جلال الدولة" نجل بهاءِ الدولة الى بغداد في 7 / 10 / 1027م، فمال الوضعُ الى الإستقرار نوعاً ما. وتشجَّع الأساقفة للإجتماع بعد ثـلاث سنـواتٍ مِن شغور الكرسي البطريركي، وأجروا رياضة ً روحية لمدة ثلاثة أيام، ثمَّ اتفقوا على إدراج ثلاثة أسماء، وجرى الإقتراع التقليدي، فكان اسم ايليا اسقف الطيرهان هو الذي خرج مِن إناء الإقتراع، فاصبـح المرشح لكرسي الرئاسة.

57 - البطريرك ايليا الأول 1028 - 1049م
يقول ماري (المجدل ص 118) بأنَّه كان مِن مواليد "كرخ جدان" أما علومُه فقد استقاها في مدرسة المدائن، وتخرَّج بدرجةٍ عالية مِن العلم والثقافة، ورُسم كاهناً. لقد مدح المؤرخون (ماري/ المجدل ص 118 - 119 ــ إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 286 - 288) سيرتَه الفاضلة وعِلمَه الغزيراللذين أهَّلاه ليُرسمَ اسقفاً لأبرشية الطيرهان، وبعد وفاة البطريرك ايشوعياب الرابع فازعن طريق القرعة بالترشيح للسدة البطريركية، فرُسم بطريركاً في 16/ 6/ 1028م. لم يُضفِ حضورُ جلال الدولة الى بغداد الهدوءَ على  ساحتها، فلم يزل الشغبُ والفوضى مسيطرين عليها، وأعمالُ النهب والسلب متواصلة ًوازدادت بعد وفاة الطبيب والكاتب والشاعر أبو سهل النيلي عام 1029م "قيل أنه إبن بلدة النيل الواقعة جنوبي بغداد بين الحلة والنعمانية" ويصف إبن العبري في (تاريخ مختصر الدول ص 315) الخليفة القادر بالله بقوله <كان حليماً كريماً دَيِّناً،  وكان يخرج مِن داره بغير زِيِّه الرسمي ويزور قبور الصالحين>. وافته المنيَّة في عام 1030م عن عمر ناهز السابعة والثمانين أمضى مِنها في الخلافة إحدى وأربعين سنة.
كان البطريرك ايليا الأول في شبابه وقبل أن يُقام اسقفاً ، قد وضع اسلوباً نحوياً شبيهاً بالإسلوب العربي ، وأراد إدخاله الى نحو اللغة الكلدانية ، ولكنَّه مُني بالفشل . لم تكن القرارات التي أصدرها الآباء البطاركة في مجامعهم منذ عهد البطريرك الكبير طيمثاوس قد أدرجَت في كتاب المجامع ، فقام مار ايليا الأول بإدراجها  . يقول صليبا في ( المجدل ص98 ) بأن ايليا تُوفي في 6 / 5 / 1049 م ودُفن في كنيسة السيدة بدار الروم وفي آخر عهده أصبح مُقعَداً حتى أنَّه رسم اسقفاً للرحبة وهو جالس في محفة ، ثمَّ صار ضريراً في الأخير .

كتب ايليا مقالاتٍ تناول فيها الحق المدني، الإرث،  وموانع الزواج.  ووضع بحسب قول المؤرخ صليبا مجموعة أحكام تضمنَّت إثنين وعشرين فصلاً في اصول الدين، ولا يُستبعَد أن تكون هي القضايا الكنسية التي ذكرها الصوباوي في (فهرسه/ ترجمة الأب يوسف حبي ص 226) كما نُسبت إليه رُتبتان كنسيتان إحداهما رُتبة تقديس المذبح والثانية رُتبة السجود في عيد حلول الروح القدس على الرسل "عيد العنصرة – الفنطيقسطي" فضلاً عن إضافته "ܢܨܠܐ ܫܠܡܐ ܥܡܢ نُصلـّي السلامَ معنا" الى كاروزوثا الرمش "المناداة".
وكلما اضطربت الأمور في الدولة العباسية، كان فيها المسيحيون هم الضحية، حيث يُعاد فرضُ القوانين العمرية البالية، وقد سبق وقلنا بأنها فرضت في عهد الخليفة المُتوَكِّل في القرن التاسع، وها هي تُفرض في القرن الحادي عشر مع بداية عهد الخليفة القائم بأمرالله عام 1031م. ومع استمرار سيادة الفوضى  واشتداد الصراع بين المتخاصمين،  حَلَّت بالبلاد المجاعة ُ والأوبئة.  وجاء في  (تاريخ الرُهاوي المجهول/ الترجمة العربية ج2 ص 25) بأنَّ ديونيسيوس البطريرك المونوفيزي هرب مِن " بلاد الهراطقة ويقصد بها بلاد الروم، وقصد الى بلاد المُسلمين، حيث حَلَّ في أول الأمر في دياربكر، ثمَّ اتَّخذ مِن دير الزعفران مقراً له، وهو ديرمارحْنانا القريب مِن ماردين. والى الجزء العشرين قريباً.
الشماسد. كوركيس مردو
في6/4/2015

67
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن عشر

20 - الخليفة الطائع لله 974 - 991 م
يتحدَّث السيوطي عن الطائع في (تاريخ الخلفاء ص 405) قائلاً: <إنَّه أبو بكر عبد الكريم بن المطيع واسم أُمّه"هزار". وبتولّي الطائع الخلافة أحكمَ الأتراكُ بزعامة سوبكتكين سيطرتهم على الوضع، وتراجع نفوذ الديلميين. وخلع الطائعُ على سوبكتكين خلع السلطنة وعقد له اللواء وأضفى عليه لقب"نصر الدولة" إلا أنَّ العمر لم يمتد به طويلاً بعد موت المطيع. وتسلَّمَ موقعَه تركيٌّ آخر هو "أفتيكين الشرابي" وتزامنَ بدءُ عهد أفـتيكين مع بروز قائدٍ بُوَيهي كانت منطقتا فارس وكرمان تحت حُكمه هو "عضد الدولة فناخسرو" حيث دخل بغداد في 30 /1 / 975م. وفور دخوله نشب قتال بينه وبين البُويهي الآخر عزالدولة بختيار. وكان لنتيجة هذا الإقتتال أن اضطرَّ عزالدولة لتسليم وزيره إبن بقية الى عضد الدولة بعد سَمْل عينيه، ورُمي الوزيرُ تحت أقدام الفِيَلة، وبعد ذلك تمَّ صلبُه على ساحل دجلة. وانتهت المُجابهة بين الأميرَين البُوَيهيين بختيار وفناخسرو.
بيدَ أنَّ عضد الدولة فناخسرو عادَ ثانية ًعلى رأس جيشه الى بغداد، وخلع عليه الخليفة لقباً إضافياً هو"تاج المِلـَّة" وتجدَّدت الحربُ بين البُوَيهييين ولم تنتهِ إلا في عام 978م بعد آخر معركة عاصفة وحاسمة دارت رحاها بالقرب مِن قصر الجص في سامراء لقي فيها بختيارُ مصرعَه. ويذكرُ إبن الأثير في (الكامل في التاريخ 8 ص 669 - 691) أسماء كُتّابٍ مسيحيين في هذا العهد ومِن بينهم: أبو زكريا الذي وافاه الأجلُ قبل الربّان يوسف بوسنايا، وأخوه عبد المسيح الذي كان مشلولَ اليد وأبرأَها القديسُ بوسنايا وآخرون. وكانت أحوال هؤلاء الكُتّاب في خضمِّ هذه الإضطرابات والإقتتال تتأرجح بين العُسر واليُسر تبعاً لأهواء الحكّام والأمراء، وبالرغم مِن هذه الفترة العصيبة التي كانت تَمرُّ بالبلاد، فقد كان الأميرُ فخر الدولة البُوَيهي إبن ركن الدولة يجمع حوله كُتّاباً مسيحيين كثيرين ومِنهم أبوعبيد، وأبو عمروأبو طيِّب... ويُشير (تاريخ يوسف بوسنايا / ترجمة القس يوحنان جولاغ الى العربية ص 55- 56) الى وقوع أحداثٍ مؤلمة في مناطق البلاد الشمالية، وأقساها تلك التي حدثت بعد وفاة الربان يوسف بوسنايا عام 979م حيث هجم الأكرادُ واقتحموا الأديُرة والقرى المسيحية وعملوا فيها قتلاً وسلباً وتدميراً.
في قدومه الى بغداد رافقَ عضدَ الدولة عددٌ مِن مسيحيي شيراز، أبرزهم أبو منصور نصر بن هارون الحائز على ثقة عضد الدولة، فقد أسند إليه منصب وزير بغير لقب، وحين عودته الثانية الى بغداد، أقامه نائباً له في شيراز. وقد سمح له عام 978م  بتجديد الكنائس المُهدَّمة، ويقول المؤرخ ماري (المجدل ص 105) ولدى شغور كرسي مطرانية فارس، اختار لهذا المنصب رئيس دير مارميخائيل القريب مِن الموصل "ماري بن طوبي" (البطريرك لاحقاً) وقد رسمه مطراناً البطريركُ عبديشوع الأول، واحتفى الشيرازيون بالمطران الجديد حيث أقاموا على شرفه مأدبة كبيرة في بغداد، وأخرج له أبو علي بن مكيخا وهو موظف نسطوري كبير مِن خزانة عضد الدولة خلعة بيرون وثيابَ صوفٍ مصرية.

أما الطبيب والشاعر المسيحي أبو الحسن بن غسان البصري، فكان أحدَ أفراد حاشية عضد الدولة، أغرم بحب جارية غريبة ونتيجة هُيامه بها غرق بالقرب مِن بغداد، وفي عام 980م قام عضد الدولة بتأسيس مستشفى في بغداد بموضع بلاط الخلد المُشيَّد عام 786م على ضفة دجلة شرقي المدينة المُدوَّرة مِن قبل هارون الرشيد، وأطلق عليه اسم"العضدية" نسبة الى لقبه. ويقول إبن أبي اُصيبعة (عيون الأنباء . . . ص 321 - 322) أشرف عليه وعمل فيه أطباءٌ مسيحيون كثيرون مِنهم:

> أبو الحسن كُشكُرايا ــ  تلميذ سنان بن ثابت بن قره المتوفي 943 م ــ  ترك الخدمة لدى سيف الدولة الحمداني والتحق بخدمة عضد الدولة، له تآليف في الطب، وعُرف بكونه مهذاراً.
> أبو يعقوب الأهوازي: أشار إليه بنفس الموضع .
> إبراهيم بن بكس وابنه علي: جاء ذكره في (الصفحة 329)
> علي بن عباس الذي جمع الكتاب الملكي: ذكره إبن العبري (التاريخ السرياني ص 195)
> عيسى أبو سهل المسيحي بن يحيى الجرجاني: مِن خراسان (المصدر السابق)
> جبريل بن عُبَيد الله بن بختيشوع: الذي تتلمذ على أيدي هرمز وابن يوسف الواسطي. عمل في مستشفى العضدية وكان يحظى بثقة عضد الدولة، أوفده تباعاً كسفير له الى صاحب بن عبّاد وزير"ري" والى خسروشاه أمير ديلم والى الخليفة الفاطمي العزيز بالله في مصر. وعقب هذه الأسفار التي قام بها جبريل، دعاه عام  1000م سعيد بن مروان الملقب بـ"ممهد الدولة" أميرالدولة الدوستكية في ميافرقين، وكان آنذاك في عمر الثمانين، وتوفي هناك بعد خدمة سنتين أو ست سنوات كما يقول البعض. ونال خلال خدماته الطويلة هِبات وعطايا طائلة أسبغها عليه الملوك والأمراء. ولعلَّ تركيز المسيحيين على العِلم وممارسة مهنة الطب،  كان مُبرمجاً مِن قبلهم مسبقاً ليكون أحد العوامل المهمة في خدمة بني جنسهم لديمومة بقائهم، رغم كُلِّ التقلُّبات السياسية والضغوط العنصرية والدينية التي لاحقتهم وعانوا مِنها عبر السنين.
ويقول المؤرخون بأنَّ عضد الدولة أعاد الى بغداد خلال عهده قسطاً مِن طابعها الإنساني، الذي كان سائداً في عهد الخلفاء العباسيين الأولين. ولئِن كانت الليالي تزخر بسهرات اللهو والمجون، إلا أنَّ علية القوم مِن العلماء والفلاسفة لم تغب عن اللقاءات العِلمية في مجالسها ومناقشة مُختلف الشؤون الهامة. وكان بين هؤلاء عدد مِن الفلاسفة والعلماء المسيحيون أمثال يحيى بن عدي ونظيف بن يُمن وأبو الخير حسن بن سوار الملقب بـ"إبن الخمّار" وعيسى بن زرعة وآخرون... وتُوفي عضد الدولة أعظم "ملك الملوك" البُوَيهيين عام 983م، وبعد موته انعدم الإستقرارُ وتصاعدت موجة الإضطرابات وتدنَّت السياسة البُويهية كثيراً، واحتدم التنافسُ على السلطة بين أبناء عضد الدولة، فالإبن الكبير"شرف الدولة" شَنَّ حرباً على أخيه الأصغر"صمصام الدولة" وإذ لم يعلم الوزير المسيحي أبو منصور نصر بن هارون بموت عضد الدولة،  وقف بوجه شرف الدولة ليمنعه مِن الدخول الى البلاد،  فقبض عليه شرف الدولة في شيراز،  حيث يقول ماري في (المجدل ص 105) <وجرت امورٌ كثيرة عند استيلائه على المُلك أدَّت الى قتل نصر بن هارون بعد نهب الديلم دور جميع النصارى وقبض الوقوف> وحاول الميطرابوليط ماري بن طوبي إسترداد الأسلاب، إلا أنَّه لم يُفلح، فطلب من البطريرك عبديشوع أن يأذن له بالعودة الى بلده الموصل، لكنَّ الأخير رفض طلبه ولم يقبل استقالته. وعندها عزم المطران ماري على الدفاع عن قضيته، فقرَّرَ أن يرافق شرف الدولة في طريقه الى بغداد لمحاربة أخيه صمصام الدولة، وكان ماري على معرفةٍ جيدةٍ بشرف الدولة وتربطه به علاقة حسنة.

ولما وصل المطران ماري الى خوزستان"الأهواز" وجدَ"ديلم" مطران جنديسابور في محنةٍ شديدة، لأنَّ كنيسته أيضاَ قد طالتها أيدي الناهبين. فرأى ماري أن يبقى الى جانب ديلم مدة ليشدَّ مِن مسعاه لإسترجاع ما يُمكن استرجاعه مِن منهوبات الكنيسة، وبالفعل استطاع ميرابوليط جنديسابورأن يستعيد قسماً مِن الأموال، لكون المدينة كانت قد أعلنت خضوعها لسلطة شرف الدولة قبل وصوله إليها. ثم واصل ماري سفرَه بحراً الى البصرة التي كانت قد وقعت بأيدي شرف الدولة، مصطحباً معه سرّاً ديلم مطران جنديسابور. ولما أُبلغ َ شرف الدولة بوفاة البطريرك عبديشوع كان المطران قد وصل البصرة.

53- البطريرك ماري بن طوبي 987 - 999 م
يتحدّث المؤرخون (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 256 - 262 ــ في المجدل ماري ص 104 - 110 وصليبا ص 94 - 95) كان ماري واحداً مِن أبناء الكُتّاب والرؤساء الموصليين، بعد تلقيه علومَه تنقَّلَ في دواوين الدولة. عمل كاتباً لفاطمة الكُردية إبنة أحمد وزوجة الأمير ناصرالدولة الحمداني وام الأمير أبي تغـلب. وحين إتَّـفقت مع أبنائها للإيقاع بزوجها، وقبضت عليه وزَجَّته في السجن، حلَّ الإضطرابُ في صفوف الحمدانيين، ففضَّل ماري الإنسحابَ والإعـتزال عن العالَم، فدخل الى دير مارايليا بالموصل "دير سعيد" ولم يـلبث أن أصبحَ رئيساً للدير، وبعد وفاة مطران فارس رسمه البطريرك عبديشوع الأول مطراناً خلفاً للمطران الراحل كما مَرَّ القول .

وحالَ سماع شرف الدولة بوفاة مارعبديشوع البطريرك، طلب الإجتماع بمسيحيي حاشيته وفي مقدمتهم أبو الفرج وعبدالله أخو طازاد وقال لهم: لِمَ لا يُصبحُ الاسقف الذي معنا هو البطريرك؟> فلم يكن مِن المسيحيين إلا تقبيل الأرض أمامه مِن فرط  سرورهـم، لأن نزاعاً كان قد حدث بين ماري بـن طوبي بحسب قول عَمرو (المجـدل ص 94) وبين جرجيس مطران الموصل حول الرئاسة. وأمر شرف الدولة بكتابة مرسوم بهذا الخصوص لماري بن طوبي. وتوجَّه البطريرك المُعـيَّن بواسطة زوارق شرف الـدولة الى بغداد. يقول إبن العـبري(التاريخ السرياني ص 196) بأنَّ معركة ً طاحنة دارت رحاها على مقربةٍ مِن بغداد بين الأخوَين شرف الدولة وصمصام الـدولة، كان النصرُ فيها لشرف الدولة فدخل بغداد.  وعُقدَ الصلحُ بين الأخوَين، على أن تكون بغداد تحت سُلطة صمصام الدولة وموقعه عن يمين عرش الخليفة، أما اسم شرف الدولة فيأتي في المقام الأول في الخُطب وعلى النقود. ويُضيف إبن العـبري <بأن هذا الإتفاق لم يدم طويلاً، حيث أفـلح شرفُ الدولة مِن الإنقلاب على أخيه وتنحيته وسَمْل عينيه>. وعقب استقرار الامور غادر ماري بن طوبي المُعيَّن للمنصب البطريركي ديرَمارفثيون المقرَّ الموقَّت لإقامته، وقصد دارالروم حيث كان ينتظره أربعة وعشرون مطراناً واسقـفاً، وهنالك سَلَّمَه الآباء المجـتمعون في مجمع ٍ مرسومَ الإنتخاب الصادرَ مِن شرف الدولة وهو يُظهر فيه رغبته في رسامة ماري بطريركاً، وتمَّت رسامتُه في العاشر مِن نيسان 987م . وبعد قيام البطريرك الجديد بزيارة الكنائس والأديُرة حسب التقليد المُتَّبَع، جرى استقباله في بَلاط الخليفة العبّاسي الطائع لله. وهنالك كُتِبَ له عهدٌ أو ما يُعرف   بالإقرار برئاسته.
قال عنه المؤرخ ماري (المجدل ص 107) <كان فيه رحمة وتواضع... ولم يكن له معرفة بالدين. وكان يُحبُّ المالَ والأثاث وجمعهما>. وفي عام 988م وهو العام الثاني لرسامة البطريرك ماري بن طوبي، صَنَّف محمد بن اسحق المعروف بـ"إبن النديم" كتاب الفهرست، أتى فيه الى ذِكر الفيلسوف والمنطقي المسيحي أبو الخير حسن بن سوار المُلقب بـ"إبن الخمّار" (كتاب الفهرست ص 305) ويصفه بالقول في (الصفحة 323 مِن الفهرست) <هو مِن أفاضل المنطقيين، مِمَّن قرأ على يحيى بن عدي، في نهاية الذكاء والفطنة>. وفي المصدر ذاته (الصفحة 151) يذكر إبن النديم مُعاصراً آخر له هو أبو الحسين اسحق بن يحيى بن سريج مؤلف كتاب "الخراج الكبير". وتُذكرُ لشرف الدولة رعايتُه للعلماء. وعلى غِرار الخليفة المأمون أقام مرصداً مُعزَّزاً بكافة المُستلزمات، ويقول إبن العبري (التاريخ السرياني ص 196) وأُنيطت إدارة المرصد بأبي سهل يحيى الطواري. ولكنَّ شمس الدين أبا عبدالله محمد المقدسي كتب في كتاب  "أحسن التقاسيم" بأن بغداد التي عمَّها الإزدهارُ في السابق، أخذت الآن تتجه نحو الإنحسار نتيجة ً للفوضى المستشرية. ويقول السيوطي(تاريخ الدول ص 410) قد ازدادت الحالة سوءاً بعد موت شرف الدولة عام990م واستيلاء أخيه"بهاء الدولة" على زمام السُلطة في البلاد.
يقول ميخائيل اليعقوبي في (تاريخه3 ص 145 - 146) بأنَّ مساويءَ الحكم الجديد ظهرت بسرعة، حيث اضطرَّ بعضُ أثرياء اليعاقبة المونوفيزيين مِن سكّان تكريت ومنذ عام 990م للهجرة مِنها هرباً مِن تعسُّفِ الحُكّام .أما إبن العبري (التاريخ الكنسي ص 197) فيقول بأنَّ هؤلاء الهاربين مِن جَور الحكّام، تشتَّتوا في مناطق البلاد، ولكنهم كانوا حريصين على بناء الكنائس والأديُرة أينما حَلّوا، ويضرب مثلاً بأبناء أبي عمران الثلاثة الذين كانت محطة هجرتهـم "مَلطية" حيث شيَّدوا فيها كنائس، وأقاموا أديُرة للرجال واخرى للنساء، وفي كُلِّ يوم جمعة كانوا يُوزعون الإعانات للمحتاجين، وحدث أن أَسِرَ الأتراكُ شقيقَهـم الأكبر أبا سالم، فدفعَ فدية ً عن نفسه وعن جميع الأسرى البالغ عددُهم 15 الف اسير قدرها خمسة دنانـير عن كُلِّ فرد.

يذكر المؤرخون بأن أشخاصاً قساة ًظهروا على عهد بهاءالدولة، حيث يقول ماري (المجدل ص 108) كان مِن بين هؤلاء شخصٌ يُسمّى الكوكبي، كُلفَ في السابق بتربية بهاء الدولة، وأصبح في عهده مديراً لشؤون الجزية والضرائب، فأثقل كاهل المسيحيين كثيراً، واختلق خلافاً مع البطريرك حتى أنَّه اعتقله فترةً، والقى القبض على المطارنة والأساقفة، فتبدَّد الأهالي. وعندما عاد الناس الى الله أي رجعوا الى التوبة والصلاة، فاستجاب الله لدُعائهم وخلَّصهم مِن سطوة هذا الظالم. وكان الأتراك أيضاً قد ضاقوا ذرعاً مِن تصرُّفاته ونَوَوا على القبض عليه، لكنهم لم يُفلحوا لأنَّه كان بحماية بهاءالدولة، وأخيراً اضطرَّ الأخيرُ للتخلّي عنه تحت ضغط استياء الشعب العام. فيقول ماري (المجدل ص 108 - 109) <فسُقِيَ سُمّاً ولم يعمل فيه، وخُنِقَ ولم يمت، فأُخذ بالسيف، وكفى النصارى شَرَّه بتفضُّل الله وحَيل ماري السليح> وكان أحد أعوان الكوكبي المسمّى إبن البقال قد نزل الى دير قوني، وصار يعيث فيه فساداً، أساءَ الى الرهبان، فتشتَّتوا، ولكنَّه اعتقِلَ أخيراً واقتيدَ الى بغداد، وكان عقابُه القتل ورمي جثته في النهر. وقال المسيحيون بأنَّ شفاعة مار ماري كانت وراء الخلاص مِن هذا المُجرم، حيث ظهر القديس في الحلم لأبي بشر ماري بن جابر كاتب الحسن بن نصر صاحب البريد.

كان الله يُظهرُ مجدَه على أيدي البطريرك ماري بن طوبي، حيث يقول ماري (المجدل ص 109) بأنه أبرأَ الحسن بن مالك، وحرم راهباً سارقاً، لم يلبث أن تعرَّضَ بعد فترةٍ لعقاب قطع اليد. ومع ذلك لم ينجُ البطريرك مِن المُضايقات والمصائب العديدة أثناءهذه الفترات المُضطربة. مِمَّا اضطرَّته لمغادرة مقرِّه البطريركي الرسمي مرَّتَين والإنتقال للإقامة في ديرالأنبار، ومِن مَقرِّه في الدير كان يُدير شؤون الكنيسة ويُتابع أمورَ المؤمنين. يقول المؤرخ عمرو في (المجدل ص 94) بأنَّ ماري بن طوبي كان خشن الطبع، غيرعَميق في العِلم ولا مُلمٍّ بالفروض والطقوس، لكنَّه مُتَمَكن مِن تسيير الأمور الإدارية وذو درايةٍ بالنواحي الإقتصادية، وقد ذُهِلَ بعد تَسَلمِه الرئاسة إذ رأى خزانة القلاية البطريركية خاوية بالكامل، عِندها فكَرَ ملياً وراح يبحث عَن سُبل ٍ لجمع الأموال، وأفلحَ في مسعاه وحصل على أموال طائلة استخدمها بشراء أوقافٍ كثيرة مِثل البساتين والآراضي والأبنية. توفي ماري بن طوبي عام 1000 م ودفن في كنيسة دارالروم .
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                          وكُلَّما كان الروم يشنون حروباً على المناطق الشرقية الخاضعة للدولة الإسلامية كان المسلمون يقومون بأعمال فوضوية واضطهادية ضِدَّ المسيحيين. ومِمّا رواه عـبـديشوع مطـران مرو، بأنَّه ما إن بَلغ َالمُسلمين في خرسان خبرُ خروج الروم الى بلاد الإسلام، حتى قاموا باخراج تابوت مارايليا، واستماتوا في محاولة كسره وإحراقه، إلا أنَّهم فشلوا، فدفعهم الخوفُ لرَدِّه الى موضعِـهِ. ونتيجة ً لهذا الحادث ظلَّ أحد عواميد الكنيسة ينضح بسائل عَـطر.

وبحسب قول (السيوطي ص 410 - 411) وابن العبري (التاريخ السرياني ص 198) بأنَّ بهاء الدولة فَكرَ في عام 991م بالتخلُص مِن الخليفة الطائع، وكان لهذا الدافع سببان هما: الأول طمعاً بثروته والثاني اعتبارَه إيّاه رجلاً طاعناً في السن. إلا أنَّه فاتحَ بالأمر الدَيلميين واتّفقَ معهم على إرغامِه للتنازل عن الخلافة لصالح القادر بالله.

21 - الخليفة القادر بالله 991 - 1031م
يقول عنه السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 44) بأنَّه أبوالعباس أحمد بن اسحق بن المُقتدر، لقبَ نفسَه بـ "القادر بالله" كانت أُمُّه أَمَةً تُدعى "تمنّي" أو "دمنة" لم يستمر نفوذ بهاءالدولة على عهد الخليفة الجديد قوياً فحسب بل ازداد قوة ً وتأثيراً. حيث يقول (السيوطي ص 412) <بأن الوزير أبا نصر سابور بن أرداشير وبايعاز مِن بهاء الدولة قام عام 993م بشراء دار في صوب الكرخ، جرى إعدادُها لتحوي كتباً كثيرة، وأطلق عليها اسم "دار العِلم" ووقفها على العلماء، ويعتقد البعض بأنَّ فهرست إبن النديم قد يكون جَرداً لِمَ أحتوته هذه الدار مِن الكُتُب.

يتحدَّث المؤرخان (إبن العبري/ التاريخ السرياني ص 201 وماري في/ المجدل ص 107) <بأن الإضطرابات تفاقمت في عهد الخليفة القادر، وأعلنت إماراتٌ عديدة عن قيامها وفي مناطق متعدِّدة مِن الدولة. ونتيجة لهذه الفوضى تعرَّضَ المسيحيون لمواقف عِدائية متشدِّدة في العاصمة بغداد وفي المقاطعات الاخرى> ويروي المصدران أعلاه نموذجاً لذلك بقولهما: <بأنَّ كاتبَين مسيحيَين مِن أهالي باطا، كانا يتصرَّفان مع المسيحيين والمسلمين في بلدة "داقوق" تصرُّفاً تعسُّفياً. ولدى قدوم جبريل بن محمد قائد جيش بغداد الى داقوق، تظلَّمَ إليه أهلُ البلدة مِن ظُلم هذين الكاتبَين، فأمر باعتقالهما وقتلهما، وفيما يعزو ماري أسباب هذه الحادثة الى أعمال النهب والسلب التي تعرَّضت لها كنيسة السيدة في سوق الثلاثاء ودير كليليشوع،  بينما يقول إبن العبري بأنها وليدة الفوضى التي نتجت عن تصرُّفاتٍ مارسها لِصّان. وقد تدخل البطريرك ماري ولَطَّفَ الموقف، وامتصَّ غضبَ المُسلمين المُهتاجين حيث نفحهم ببعض المال>. ويقول ماري(المجدل ص 108) <بسبب كثرة وشايات المسلمين بالمسيحيين واتهامهم إياهم بتهم ملفقة وتافهة ومِنها :أنهم يرفعون أصواتهم أثناء ادائهم لصلواتهم، وأنَّهم لا يمنعون المتسكعين مِن الجلوس عند أبواب الكنائس... أُستُدعيَ البطريرك عام 999م الى دار الخلافة للردِّ على تلك التُهم.  وكان البطريرك مُوفَّقاً في الرد عليها وتفنيدها، فأمر الخليفة بإعادة البطريرك الى مقرِّه مُصطحَباً بحاملي المشاعل ومُحاطاً بأبنائه المسيحيين المسرورين الذين كانوا في استقباله.

وكان الوزيرُ أبو نصر سابور بن أرداشير صارماً في تعامله مع الشعب، تمادى في الضغط على المسلمين والمسيحيين، مُلزماً إياهم بدفع الضرائب على المبيعات والمشتريات، فأحدث هذا الإجراءُ التعسُّفي إشمئزازاً وامتعاظاً لدى الجميع. وما إن رأى المسلمون قيام المسيحيين بالغاء احتفالهم بالسعانين طوافاً في الشوارع، حتى بادروا هم الى تنظيم مُظاهرة سلمية حاملين القرآن، وأهابوا بالمسيحيين الى حمل الإنجيل والإنضمام الى مسيرتهم، ففعلوا وهم يُرتِّلون أناشيد السعانين، وتوجَّهوا جميعاً الى جامع الرصافة والشارع الأعظم، وقاموا باحراق دار الجهة الغربية، لإعتبارهم إياها مصدر المصادرات والبلايا الاخرى. وفي هذه الفترة المضطربة مِن عام 999م التي اشتدَّ  فيها النزاعُ  بين الأتراك  والفرس، تُوفيَ البطريرك ماري بن طوبي. وأمام ثورة الأتراك لاذ َ الوزيرُ أبو نصر بالفرار الى الجانب الغربي مِن بغداد، فلاحقوه الى هناك، إلا أنَّ الشيعة في جانب الكرخ تصدّوا لهم، وفي ذات الوقت هرع السنة مِن الجانب الشرقي لنجدة الأتراك. واستغلَّ هذه الفوضى المسيحيون، وأسرعوا الى إجراء مراسيم دفن موجزة لبطريركهم تجنباً مِن التعرُّض للمشاكل. ودفنَ بجانب المذبح في كنيسة اصبغ بدارالروم. والى الجزء التاسع عشر قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 28/3/2015


68
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع عشر
دور الأمراء البُوَيهيين
ومنذ عهد الخليفة التاسع عشر المطيع لله 946-974م أمسك بزمام الحكم فعلياً الأمير مُعز الدولة البويهي الشيعي بعد انتصاره على ناصر الدولة الحمداني السني والي الموصل والقطاع الشرقي من بغداد عام 946م، ونتيجة هذا الصراع يقول إبن العبري (التاريخ السرياني ص 181-182) طال المسيحين المتواجدين في كلا جانبي بغداد الشرقي والغربي حيفٌ كبير، فقد كان مقر بطريركهم عمانوئيل الأول في منطقة الشماسية في الشمال من بغداد، وللكنيسة مراكز اخرى في الجنوب وفي سوق الثلاثاء، ويُضيف المصدر وفي ذات الفترة حَلَّت كوارث اخرى ببغداد ومنها: مجاعة مروعة، حريق هائل إندلع في حيِّ سوق الثلاثاء عام 952م زُهقت فيه حياة الكثير مِن المسيحيين والمسلمين، وتلاه عام 954م هجومُ الجراد الكاسح حيث التهم كُلَّ شيءٍ في مقاطعتي بغداد والموصل.

وبادر البطريرك عمانوئيل الأول عام 953م بعد أن استحصل له السماحَ الطبيبُ المسيحي إبنُ علي سعيد بنُ داود الى ترميم كنيسة دارالروم في الشماسية بالشمال الشرقي مِن بغداد وكنيسة ديرحيِّ العتيقة في الجنوب الغربي مِنها. وكان المسيحيُّ ابوعيسى المنذر العبادي الذي مّرَّ ذكرُه لدوره في إعادة مطران الموصل وهو في طريق الهروب ليتملَّص مِن رسامة البطريرك عمانوئيل قد اشترى أبواباً للهيكل بمبلغ مِئة دينار. وبوحي خفي شعر به البطريرك عمانوئيل، دفعه للإسراع بجلب هذه الأبواب قبل اندلاع الحريق الذي شَبَّ في اليوم التالي في سوق النجارين والتهم النار كُلَّ شيءٍ. أما نفقات الترميم فقد دفعها المسيحي أبو علي بن غسان كاتبُ البُويهي ركن الدولة.

ولم يتردَّد الكُتّابُ والأطباءُ المسيحيون الكلدان في مواصلة  تقديم  خدماتهم لأسياد البلاد  وحكّامها البُويهيين الجُدُد، وحتى مُرافقتهم في الذهاب الى المقاطعات الإيرانية  والإياب الى بغداد، وحذا حذوَهم مسيحيون آخرون مِن شيراز ومناطق شرقية اخرى، كما إنضمَّ إليهم عددٌ مِن أبناء المدائن والحيرة وكُشكر.  وقد أسند الأميرُ الديلمي روزبيهان خورشيد قائدُ معز الدولة الى المسيحي البارز إبن سنجلا عام 948م وظيفة تمثيله كوكيل على ممتلكات سواد بغداد. ومِمّا يذكره ماري في(المجدل ص 96 - 98) هو أنَّ روزبيهان ثار على سيده معز الدولة عام 956م فساورَالأخيرَالقلقُ، وأوعزَ الى خازنه المسيحي إبن علي الحسن بن إبراهيم الشيرازي، أن يُهيِّءَ زوارق لإخلاء أولاده وأمواله والتوجُّه نحو البصرة. وقبل أن يبدأَ الرحيل، أوفد الخازن أبا الحسن علي بن عون المسيحي، الى البطريرك طالباً مشورته، فقال البطريرك للخازن متنبئاً <سيأتيكم الخيرُ في مطلع الشهر، وسيكون النصر> وتمَّ قول البطريرك بالفعل، فقد حالف النصرُ معزالدولة واندحر خصومُه. وحدث أنَّ معزالدولة صار يشكو مِن ألَم ٍ بسبب حصى في المثانة، فقلق الخازن بشأن صحة سيده، وأبلغ ذلك الى البطريرك مار عمانوئيل مستطلعاً، فقال البطريرك: <كلا، لن يموت،  بل سيموت البطريرك قبل الأمير>.

وقد شاهد البطريرك في أواخر عهده عِدة مصائب حَلَّت بالبلاد، فهنالك الوباء الذي ضرب البلاد عام 957م، وحالة الشغب والفِتَن التي عَمَّت أحياء بغداد عام 959م إضافة ً الى الجفاف وأسراب الجراد. وفي شهر نيسان لعام 960م وافت المنيَّة البطريرك عمانوئيل الأول. وكان مقدار الثروة التي تركها سبعة آلاف مثقال مِن الذهب و 600 الف درهم. ويقول ماري في (المجدل ص 98) بأنَّ البطريرك كان قد هيّأَ تابوتاً لنفسه مِن خشب الجوز مِن غير مسمار ولا حديد، وأنَّ يدَ البطريرك قبضت على الصولجان بعد موته، ولكنَّ ستارَ الصمت أُسدِلَ على هذا الأمر، تجَنُّباً للفوضى وتفاقم الخصام بين المدائنيين والحيريين.
ويتحدَّث إبن العبري (التاريخ السرياني ص 184) عن أنَّ مجاعة ً اخرى حدثت عام 961م هاجرمِن جرّائهاعددٌ مِن المسيحيين متوجهين نحو الغرب وجُلُّهم مِن المونوفيزيين الذين قصدوا المدن الواقعة على ساحل البحر المتوسط، واتخذوا مِن طرابلس السورية مقاماً لهم وبنوا فيها كنيسة على اسم مار بهنام الشهيد.

51 - البطريرك اسرائيل الأول 961 - 962م
يقول المؤرخون عنه (إبن العبري/ التاريخ الكنسي ص 248 - 250 والمجدليان صليبا ص 91 - 93 وماري ص 98 - 99)  كان اسرائيل مِن كرخ جدان، بعد تخرُّجه عُـيِّن معـلماً في مدرسة مار ماري، ثمَّ اختار الحياة الرهبانية فقصد دير مارسبريشوع في واسط، وبعد فترة رسمه البطريرك عمانوئيل الأول اسقفاً على كُشكر. ويُضفيان عليه المجدليان في(المجدل: عمرو ص 93 وماري ص 98) صفتا الزهد والطهارة. في عام 947م مَرَّ به في كُشكرالخليفة المُطيع بالله ومِعزالدولة وهما في طريقهما الى البصرة لقتال أبي الحسين البريدي، فاصطحبَ اسرائيلُ الخليفة َ دون الأمير الى المذبح، حيث لا يدخل إلا الكاهن الصائم. وحينما احتـجَّ الأميرُ مِعز الدولة، أجابه الاسقف: <إنَّ هذا مالك الأرض والإمام>  وعند توديعهما دعا لهما بالإنتصار وتنبّاَ به لهما.
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                      عِقبَ وفاة البطريرك عمانوئيل الأول تدخَّل المتنفذون مِن المسيحيين العلمانيين كالعادة في أمر اتخاب بطريرك خلفٍ له، واتفق أبو علي الخازن وأبو عمر بن عدي كاتب الحاجب سوبكتكين، في أول الأمر على انتخاب مطران جنديسابور. ولم يلبث أن غيَّر أبو علي الخازن رأيه واجداً اسرائيلَ اسقف كُشكُرالأحقَّ بالمنصب، متذكراً المعروفَ الذي صنعه مع الخليفة والأمير يوم مَرَّا به كما أسلفنا، فأراد مكافأته. وحين أعرب الآباءُ وأبوعمر عن رفضهم لهذا الإقتراح لكون اسرائيل في عمر التسعين عاماً، عزم الخازن على فرضه بأمر الخليفة ومعز الدولة. وأمام هذا الإصرار فضَّل البعض مِن الأساقفة الفِرارَ على الإشتراك في انتخاب ورسامة اسرائيل. ولم يتدخل إبن سنجلا في أمر هذا الإنتخاب، ولكنه قال لجرجيس مطران الموصل الشاب الذي قاطع الإنـتخاب"الى المرة القادمة" أما الخازن فرتَّبَ كُلَّ شيءٍ وتمَّت الرسامة في 30 / 5 / 961م ونُقل البطريرك الى بغـداد بالزوارق، ولم تمض ِعلى اسرائيل البطريرك سوى110أيام على رسامته حـتى وافته المنيَّة في السابع عشر مِن أيلول للعام ذاته. ولحق به الخازن الى القبر بعد ستة أيام. ويقول ماري (المجدل ص 101) وقد رأى البعضُ في موته عقاباً مِن الله. يقول بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 426 - 427) كان شيخاً جليلاً تَمَيزَ بالطهر والذكاء، أميناً على أموال الكنيسة، حافظ عليها في خِزانة القلاية البطريركية لم يمسَّها بل تَركها مَختومة ً للذي سيجلس على الكرسي الرئاسي مِن بعده.
أصعب وأغرب انتخاب بطريركي

52 - البطريرك عبديشوع الأول 963 - 986م
وما إن تُوفي البطريرك اسرائيل حتى ترك الأساقفة ُمخابئَهم ليستعدوا لإجراء انتخابٍ قانونيٍّ جديد. وتقول المصادر (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 250 - 256  ــ  وفي المجدل صليبا ص 93 - 94 ماري ص 94 - 104) بأن انتخاب عبديشوع الأول كان الأصعبَ والأغربَ بين الإنتخابات. أما أبرز هذه المصادر التي تروي عن حياة عبديشوع وظروف انتخابه بشيءً مِن التفصيل فهو المؤرخ ماري. أما الباقون فيتحدَّثون عنه بايجاز ولا سيما صليبا. فبحسب ماري كان عبديشوع مِن كرخ جدان التابعة لبيث كَرماي"باجرمي" إضطرَّ والداه للهرب الى الموصل وهو لم يَزل صغيراً، وبعد موتهما، إهتمَّت بتربيته خالتُه. دخل الدير الأعلى وتلقى علومَه فيه، أما علم المنطق فقد تعلَّمه على أيدي نْصيحا تلميذ موسى بن كيفا. وبعد نيله الدرجة الكهنوتية تَعيَّنَ للخدمة في كنيسة البواري بالموصل، وما لبث أن رُسم اسقفاً على مْعَلثا وبيث نوهدرا.
قلنا بأن الأساقفة خرجوا مِن مخابئهم بعد موت اسرائيل، وبدأوا السعيَ لإنتخاب بطريركٍ جديد، ويبدو أنَّ الإختيار وقع على جرجيس مطران جنديسابور، وبينما الإستعدادات تجري على قدم وساق، وأخذ الناس يستأجرون القوارب للذهاب الى كنيسة كوخي بالمدائن لحضور الإحتفال بالرسامة، وهارون بن حنون كاتب سوبكتكين منهمك بالإشراف على تنظيم كُلِّ شيء، وإذا بهم يُـفاجأوا بأمر ٍ صادر مِن الخليفة المطيع والأمير مِعـَزالدولة ليوقفَ كُلَّ شيء. وكان وراء هذا الأمر كاهن طبيبٌ مِن دارالروم يُدعى فثيون كثيرُ الغِنى حاول شراء المنصب البطريركي بـ 300الف درهم عن طريق"اسكورخ الديلمي" وعَزم أيضاً للإستيلاء على أموال الكنائس. فتبعثرَ الآباء، حيث اختفى مطرانُ جنديسابور والأساقفة، وفَرَّ مطرانُ الموصل بصحبة العرب الحمدانيين الى مقرِّ كُرسيِّه. وأمر الوزير المهلبي بوضع المقرالبطريركي تحت الحراسة. وبعد إجراء مفاوضات عديدة، خرج الوزيرُ المهلبي باقتراح داعياً الناسَ الى دفع مبـلغ يُعادل المبلغ الذي دفعه فِثيون إذا أرادوا انتخاب شخص آخر للرئاسة.  وطلب مِعزالدولة مِن أبي مخلد عبدالله بن يحيى النائب عن ركن الدولة، أن يقوم بتفتيش المقر البطريركي. والجدير بالإشارة بأنَّ أبا مخلد هذا كان مسيحياً وأسلم ومع ذلك كان يُراعي المسيحيين. فأجرى اتفاقاُ مع مسؤولي المقر على دفع مبلغ زهيد قدره 12 الف درهم، وصرف النظر عن التفتيش. فجلب المبلغ الى معزالدولة وقال له: <إنَّها صدقات النصارى على الضعفاء والأيتام، فما كان مِن مِعَزالدولة إلا رفضه أن يمُسَّ هذا المبلغ، وأصدر أمراً برفع الحراسة عن المقر البطريركي وبعدم مضايقة المسيحيين .
وطالت فترة انتخاب بطريرك جديد، فظلَّ الكرسي البطريركي شاغراً سنة وسبعة أشهر. أخيراً دعا الوزير المهلبي المسيحيين الى إجراء المصالحة فيما بينهم والإتفاق على مُرشح، وإثر مشادةٍ كلامية حادة جرت بين المهلبي وابن سنجلا، إنتابت الأخيرَ نوبة ٌ قلبية أودت بحياته. وبدأت جولة ٌمِن المُساومات المالية لإنهاء هذه القضية، واتّفقَ على أن يُدفعَ مبلغ 100الف دينار لكي يُوزَّع على الشخصيات المتعدِّدة، وعلى مبلغ 30 الف درهم يُدفع للوزير، وإذ لم يتيسَّر للمسيحيين هذا المبلغ إضطروا لبيع أواني الكنائس وأكملوه مِن تركة البطريرك الراحل عمانوئيل الأول. وعندذاك أعلن أربعة مِن الآباء عن ترشيح أنفسهم وهم: كيوركيس مطران جَنديسابور، كيوركيس مطران الموصل، وإثنان آخران، وبسبب أسلمة أخي مَـطران فارس فمُنع هو مِن الترشيح. وقبل قيام الآباء باجراء الإنتخاب، تقدمَ أبو الحسن بن بهلول صاحب القاموس الشهير بذكر اسم عبديشوع اسقف مْعَلثا، ليُضافَ الى أسماء المُرشَّحين، ونال اقتراحُه تأييد عمانوئيل الشهّار، فأُضيفَ اسمُ عبديشوع الى أسماء المُرشَّحين، وعندما جرى الإقتراع فاز عبديشوع ثلاث مرّاتٍ متتالية. فاضطروا الى استدعاء عبديشوع بأسرع ما يُمكن، وبما أنَّ معلثا كانت خاضعة للموصل، فقد  كتب مِعزالدولة الى ناصر الدولة الحمداني بشأنه، كما كتب الوزيرُالمهلبي الى دِنحا الوزيرالمسيحي لناصرالـدولة الحمداني،وكتـب المتنفذون المسيحيون الى مطران الموصل، وجميع هذه الكُتُب قد حرَّرها أبو الحسن بن بهلول بناءً الى ايعاز مِن الكاتب المسيحي أبو العلاء صاعد، وتمَّ تسليمُها الى سُعاةٍ وصلوا الى الموصل في مدة أربعـة أيام. وجلبوا معهم عبديشوع اسقف معلثا الى بغداد رغم إرادته، حيث كان قبل وقتٍ وجيز مِن هذه التقلبات قـد التمس الإستعفاء عن منصبه.
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              ولدى وصول عبديشوع المُنتخَب الى بغداد حَلَّ اولاً في دار إبن زهمان المسيحي الواقعة  في العتيقة، ثمَّ انتقل الى دار طازاد في الضفة الشرقية، ثمَّ الى دارابي العلاء صاعد.  وفكَّر عبديشوع بالهرب، ولكنَّ محاولتَه اكتُشِفت. وأُجريت له الرسامة في 22 / 4 / 963م. وقيل بأنَّه إتَّصف بالضعف إدارياً رغم كونه ذا سيرةٍ قـدسية، إذ أفسح المجال لتلاميذه ومرافقيه أن يستولوا على أموال الكنيسة، ممّا حدا بالمؤمنين أن يتمرَّدوا عليه، فانتقل مِن دارالروم هرباً الى دير مار فثيون في الضفة الغربية مِن بغداد. ولكنَّ المؤمنين ذهبوا إليه وقدَّموا له الإعتذار والطاعة، مُحتملين مِنه ذلك إجلالاً لقداسته. يذكر بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 427 و 429) <كان عبديشوع الأول شديد الحزم، مُحِباً للطقس، ودفعـه ذلك الى تَرتيب صلوات المَوتى، وعُزيَ إليه قيامُه برسامة أربعةٍ وثلاثيـن اسقفاً ومَطراناً خلال رئاسته البـطريركية. نظَّمَ رسومَ الكـنيسة وحدَّدَ أحكامَها، كانت له مَواعِظ وتَراجم في شرح الإنجيل، تُوفي عام 986م ودُفِنَ في كنيسة دارالروم .

وشهد عهدُ البطريرك مارعبديشوع الأول أحداثاً كثيرة، إرتقى أثناءَها البعضُ مِن المسيحيين وتعرَّض البعضُ الآخر للقتل بسبب تصرُّفهم المُشين واستعلائهم أحياناً. فمثلاً وبحسب رواية إبن أبي أُصيبعة في (عيون الأنباء . . . ص 320) <كان بين أطباء معزالدولة، طبيب مسيحي  يُدعى دانيال، وقد أساءَ الجوابَ يوماً، فلكمه الأمير، فمات متأثراً بتلك اللكمة> ويُضيف المصدر السابق في (الصفحة 321) <أما الخليفة المطيع، فكان مُحاطاً، خاصة ً بأطباء مِن الصابئة الحرانيين، وبينهم مسيحي يُدعى اسحق بن شليطا الذي كان مُشاركاً في طب المطيع لثابت بـن سنان بن ثابت بن قره الحرَّاني، ولكنَّه سبق مولاه الى اللحد> وفي حلب قتل هِبة ُالله وهو إبن أخي ناصر الدولة الحمداني، كاتباً مسيحياً هو أبو الحسين بن دِنحا بسبب قضيةٍ أخلاقية. وقد رقـَّى الوزيرُ المهلبي المسيحيَّ أبا العلاء صاعد بن ثابت الذي أتينا الى ذكره في انتخاب عبديشوع، الى رُتبة نائبٍ له لثقته الكبيرة به. وفي الميدان السياسي كان الصراعُ يحتدم في بغداد بين الشيعة والسنة، أدّى الى الإقتتال بين الطرفين عام 964م، أسفر عن سقوط عددٍ كبير مِن القتلى والجرحى.
وفي نيسان مِن عام 967م وافت المَنيَّة ُالأميرَ البُـويهي الكبير معزالدولة في العاصمة بغداد. وقال عنه المؤرخ ماري في (المجدل ص 102 - 103) <إنَّه كان يُحبُّ النـصارى، وإنَّه حين بنى بَلاطه في الدور غربيِّ الشماسية على دجلة بين سنتَي 961 - 962م، أدخـل فيه عدة مساجد، ولكنَّه امتنع مِن إدخال بِيعة الدور الصغيرة باسم مار اسطيفانوس>. ويُضيفُ ماري، <إنَّ الأمرَ يُعزى الى رؤيا  ظهر فيها هذا الشهيدُ للأمير وحذره مِن التعرُّض لكنيسته>. والمعلوم، إنَّه كان لمثل هذه     "الرؤى" تأثير قوي في نفوس الملوك والأمراء. ويقول إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء . . . ص 321) تولّى منصبّ معزالدولة إبنُه بختيار"عز الدولة" وكان المسيحي أبو نصر فنّون طبيبَه، ويستخدمُه الأميرُ أيضاً كواسطة وصل ٍ بينه وبين الخليفة.
وكانت تصدر أحياناً مِن بعض المسيحيين تَصَرُّفاتٌ خرقاء تجلب عليهم وعلى بني جنسهم مصائب وويلات. حيث يقول ماري(المجدل ص 102) بأن الكاتب اليعقوبي "المونوفيزي" بِشر بن هارون بن جملا، كان انتقادُه لبعض الوزراء شديداً، فكان رَدُّ فعل أحدهم ضِدَّ المسيحيين قاسياً جداً، وهو "الشيرازي"  حين عودته عام 971م الى منصبه مُجدَّداً، حيـث فرض عليهم جزيةً إضافية ولا سيما على البطريرك الذي دفع الجزية على دفعتين: الاولى ومبلغها 200 الف درهم  والثانية 100الف درهم. وأدَّت هذه الجزية المضافة الى الجزية والخراخ الى اضطرار الكثير مِن المسيحيين التخلّيَ عن دينهم. وهنالك حالة اخرى يختلف في روايتها المؤرخان إبن العبري في (التاريخ السرياني ص 192)  وماري في (المجدل ص 104 - 105) على موقع وقوعها. وفحواها أنَّ عربيين وجدا مقتولين بالقرب مِن أحد الأديُرة في أطراف الموصل (إبن العبري يدَّعي "دير ميخائيل" بينما يَدَّعي ماري "دير سعيد")  فاستغلَّ أبو تغلب بن ناصرالدولة هذه الحادثة ليتهمَ علناً المسيحيين بهذه الجريمة. ففرض عليهم ليدفعوا فدية ًمالية قدرها 120 الف درهم. وقد عرض ماري بن طوبي ــ الذي سيتولى البطريركية لاحقاً ــ وأبنُ سلامة الكاتب نفسيهما كرهينتين لهذه القضية، وعرَّضهما عملهُما هذا للإهانة حيث ضُربا وقُيِّدا بالأغلال .
جاء في (تاريخ الرهاوي المجهول2 ص 58) بأنَّ القلق مشوباً بالهلع أخذ مأخذَه مِن المسيحيين لدى سماعهم بخبر اقتحام الإمبراطور البيزنطي "يوانيس شوموشكي" ويُطلق العرب عليه اسم "إبن الشمشقيق" الحدود الإسلامية. وقد أحدثَ دخولُ العاهل البيزنطي الى نصيبين عام 972م  ثورة ً في بغداد، أدَّت الى قيام الرعاع الفوضويين بغزو بَلاط الأمير عزالدولة بختيار، وعلى اثر ذلك نشبت معركة بين الشيعة والسنة. ولم يجر اعتداءٌ على المسيحيين مِن قبل المُسلمين، إذ رأى المسلمون بأنَّ الروم لم يستثنوا المسيحيين مِن السلب والنهب،  فقد سلبوهم ونهبوا كنائسهم وأديرتهم في نصيبين تماماً كما فعلوا بالمسلمين وجوامعهم، حيث كان الروم ينظرون الى النساطرة والمونوفيزيين نظرة احتقار معتبرينهم هراطقة. ويقول ماري (المجدل ص 103) <وإذ ذاك أخذ البيزنطيون جسد القديس يعقوب مِن نصيبين>.

وأخيراً أفلحَ الأميرُ أبو تغلب الحمداني الملقب"عدة الدولة"وهو إبن ناصرالدولة، في التفاوض مع الروم بصدد انسحابهم. واستغلَّ البعضُ غيابَ الأمير عزالدولة عن بغداد، فسطوا على بَلاطه ونهبوه. ولم تمضِ على هذه الحادثة إلا أشهرٌ،  حتى قامت فتنة في القطاع الغربي مِن بغداد، فسارع الوزيرُ الشيرازي الى إضرام النار في القطاع عام 973م مِمّا أدّى الى وقـوع ضحايا كثيرة، واضطرَّ الناسُ للفرار الى الضفة الشرقية.  أمّا الحيّان المسيحيان في الضفة الغربية، أي الحي اليعقوبي "باب المحول" في الجنـوب الغربي،  والحي النسطوري "العتيقة" في الجنوب الشرقي فلم يتعرّضا للحريق. وبسبب هذه الأحداث تدَنّى وضعُ الدولة المالي الى الحضيض، واضطرَّ عزالدولة للحصول على المال بأية وسيلة، ومِن كافة فئات الشعب مسلمين ومسيحيين، حتى أنَّ الخليفة المطيع لم يسلم مِن هذا الإجراء، فباع أثاثه وحتى ملابسه، ودفع لعزالدولة 400 الف درهم.

وفي عام 974م نشب قتالٌ في بغداد بين الشيعة المسنودين مِن عزالدولة وبين السنة الأتراك الموالين للحاجب سوبكتكين. ويقول السيوطي في (تاريخ الدول ص 404)  وكان النصرُ للأتراك حيث نهبوا القطاع الغربي مِن بغداد وأضرموا النار فيه.  وأجبروا الخليفة المطيع الضعيف والمريض أيضاً على التخلي عن الخلافة لإبنه الطائع في 10 / 8 /974م. وانزوى المطيعُ المعزول في دير العاقول ولم يُذكرأيٌّ مِن العاقولَين: الواقع في أطراف الدجيل أو الواقع بالقرب مِن دير قوني، ولم تمض إلا مدة قصيرة حتى توفيَ. والى الجزء الثامن عشر عشر قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 22/3/2015


69
 
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السادس عشر
أحوال الكنيسة الكلدانية النسطورية في القرن العاشر
49 - البطريرك إبراهيم الثالث الباجرمي 905 - 936م
يروي المؤرخون (إبن العبري في/ التاريخ الكنسي2 ص 229 - 245 ــ  في المجدل/ صليبا ص 83 - 84 ــ ماري ص 89 - 94) عن إبراهيم الثالث الباجرمي بكونه مِن بيث كَرماي. رُسِمَ اسقفاً على المرج. وفيما كان يَهُمُّ بالذهاب الى بغداد لتقديم شكوى ضِدَّ شخصٍ اغتصبَ بعض ممتلكاته،  صادفه أعرابي تحدَّث إليه بشأن أخيه الأسير في بغداد، وناوله صُرَّة ً مليئة بدراهم ذهبية ليفتديَ بها أخاه إذا وجده، وإن لم يجده فيُصبح المالُ له. وعندما وصل إبراهيم الى بغداد، وجد البطريرك يوحنا الرابع طريحَ الفراش، فراح يعتني به متقرِّباً مِنه ومِن الأساقفة مُظهراً لهم التقدير والإحترام، وما لبث أن توفيَ البطريرك، فقام إبراهيم باستمالة الأساقفة وإرضائهم بنفحهم بهباتٍ مالية، ودفع بالكاتب عبدالله بن شمعون أن يُمارس تأثيره عليهم، وبذلك استطاع كسبَ أصواتهم فاختاروه بطريركاً ولم يشترك في الإختيار منافِسُه يوحنا بن بختيشوع مطران الموصل الذي كانت له مشاحنات شجارية معه. وتّـمَّت رسامتُه في 10 / 1 / 905م. لقد عاصر البطريرك الجديد أربعة خلفاء تعاقبوا على الخلافة في فترة رئاسته التي دامت ما يقرب مِن إثنين وثلاثين عاماً وقعت فيها أحداث هامة في الكنيسة. يقول ماري في (المجدل ص 91) بأن الكاتب عبدالله بن شمعـون كان قد اشترط عليه لقاء دعمِه له للفوز بالمنصب البطريركي ثلاثة شروط هي: <أن لا يُعيد تيودورس الى كُرسِّ بيث كَرماي. أن يقطع مجلسه عند دخول الكاتب. وأن يستشيرَه في كُلِّ شيء>. رأى البطريرك في شروط عـبدالله إنتقاصاً مِن مقامِه وكرامته، فعزم على التخلُّص مِن نفوذه. فقام بإعادة تيودورس الى كرسيّه في بيث كرماي بعد إبعاده فترة الى دير في الأنبار. ومِن جرّاء ذلك قاطع الكاتب عـبدالله البطريرك، وترك النسطرة وانتمى الى الملكيين"الكاثوليك" وتفاقمت سيرة تيودورس سوءاً وانتهى به المطاف الى"قطع زنّاره" أي إعـلان إسلامه. ولكنَّ المسلمين أنفسهم أبدوا جفاءً نحوه. وانعدم عنه كُلَّ عون، فاضطرَّ للتعاطي بالطب على الباب النوبي، وكان يستجدي البطريرك طالباً منه المساعدة، الى أن وافاه الأجل وهو في حالة مِن البؤس. أما البطريرك إبراهيم فقد ظلَّ خارج مسرح الأحداث طوال عهود الخلفاء الثلاثة المُكتفي والمُقتدر والقاهر الذين تعاقبوا على الحُكم منذ مطلع القرن العاشر، وسنراه كيف يتحرَّك على عهد الخليفة الراضي بالله مُطالباً بحقوقه .

13 - الخليفة المُكتفي بالله 902 - 908م 
تُعرِّفُه المصادر التاريخية التالية: (السيوطي/ تاريخ الخلفاء ص 371 ــ المسعودي/ التنبيه والاشراف ص 321 ومروج الذهب4 ص 375) إنَّه أبو محمد علي بن المُعتضد، إتَّخذ لقب المُكتفي بالله. كانت أُمُّه تُركية اسمها خاضع ولُقِّبت بـ"جيجق أو جيجك". كان أبو محمد قد ذهب بمهمة الى الرقة وفي تلك الأثناء وافت المنيَّة والده المُعتضد ونودي به خليفة جديداً. حذا المُكتفي بالله حذو والده واتَّبعَ نهجَه في إدارة شؤون الدولة، ولكنَّه أطلقَ سراح السجناء، وهدم المطامير"السجون السرية" التي كان يُعَذبُ فيها المقبوض عليهم، وحوَّلها الى مساجد، وأمر بإعادة ما صادره والدُه مِن البساتين والدكاكين لكي يُشيِّد على مساحتها قصراً له الى أصحابها.  فجلبت له هذه الخطوات محبة الناس ودعاءَهم له، ولِئَن إتَّصفت سيرتُه بالكياسة، بيدَ أنَّه غُلبَ على أمره مِن قبل وزيره القاسم بن عبيد الله.
وبالنسبة الى المسيحيين فلم يطرأ تغييرٌ بشأنهم في عهد المُكتفي، فقد واصلوا مَهامهم في دوائر الدولة. ولكنَّ كاتب الخليفة الحسين بن عمر كان الأبرز بينهم، وقد دفعت الغيرة بالوزير القاسم بن عبيدالله للإيقاع به أمام الخليفة، كسراً لنفوذه حيث كان يقوم بمهام وزير تحت اسم مُستعارهو إبراهيم بن حمدان الشيرازي. فأبعده الخليفة عن العمل، وقيل بأنه لقي حتفَه مسموماً في الأهواز.

ويقول إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء... ص 287) فإن الأطباء والمترجمين فقد دأبوا على مواصلة عملهم في عهد المُكتفي، والى جانب اسحق بن حُنين برز بين هؤلاء  يوسف القس الذي كُنِّيَ بالساهر والكاتب أبي العباس عبدالله بن شمعون الذي ذكرنا عمّا جرى بينه وبين البطريرك إبراهيم الثالث وكان ذا نفوذٍ على المسيحيين. وعند موت الوزير القاسم بن عبيد الله عام 904م خسر اسحق بن حُنين حاميه القوي. خاض جيش الخليفة المكتفي بالله معارك عديدة ضِدَّ الروم والقرامطة والطولونيين (القرامطة:ينتسبون الى زعيمهم مؤسس شيعتهم "قِـرمِط" خوزستاني الأصل إستوطن سواد الكوفة عام 871م، بنى مركزاً فيها سَمّاه "دار الهجرة" وصارله أتباعٌ كثيرون. أما الطولونيون: فهم سُلالة جَدِّهم الكبير طولون. كان مملوكاً تركياً مِن بخاري. أُعطيَ هدية الى الخليفة المأمون، وتدرَّجَ في الرُتب حتى أصبح قائد حرس الخليفة المُعتصم) وقضى المُكتفي أجلَه في العام 809م .

14 - الخليفة المُقتدر 908 932م
إنَّه أبوالفضل جعفربن المُعتضد واتَّخذ لقب المُقتدر.أُمُّه كانت تُركية تُدعى "شغب" غير أنَّ المسعودي في (التنبيه والآشراف ص 326)  يقول بأنها رومية.  وفي ذات اليوم الذي مات فيه أخوه المُكتفي بالله،  بويع خلفاً  له  وهو في الثالثة عشرة مِن عُمره.  وإذ تولّى الخلافة يافعاً قامت ضِدَّه ثوراتٌ تِباعاً، حتى استطاع الثوار خلعَه وتولية عبدالله بن المُعتز بدلاً عنه. ولكنَّ المُقتدر لم يستسلم بل قاوم خصومَه وانتصر عليهم وبقي على منصب الخلافة فترة طويلة. ويتحدَّث المسعودي (التنبيه والاشراف ص 328) بالقول: ولكون الخليفة المُقتدر صبياً صغيرَ السن، غلبت على أمره النساءُ وجعلنَ مِنه العوبة بين أيديهنَّ، وبخاصةٍ والدته شغب علاوة ً على الكُتّاب والوزراء، حيث بلغ عددُهم خمسة عشر كاتباً ووزيراً تعاقبوا قي عهده. وقد يكون وضعُه المُتذبذب هذا هو الذي حدا به الى إصدار مرسوم،  يُبعّدُ بمقتضاه المسيحيون واليهود عن الوظائف العامة،  وتُناط بهم وظائف المصارف والطب،  كما فرض عليهم إرتداءَ زيٍّ مُمَيَّز، ولأنَّ المرسوم كان صادراً عن خليفة غير ثابت الإرادة أو مسلوبها، فلم يكن له ديمومة.  حيث يُعلمنا التاريخ بأنَّ إبنَ الفرات وزير المُقتدر الجديد، كان قد  قرَّبَ إليه أربعة مِن كبار المسيحيين العلماء هم: أبو بشرعبدالله بن البروخان، أبو عمر سعيد بن البروخان، أبو الحسين سعيد إبراهيم التستري، وأبو منصور عبدالله بن جبير. ولم يكن المسيحيون يتنكَّرون للذين يبسطون عليهم حمايتهم إذا قلب الدهرُ لهؤلاء ظهر المِجَنِّ، بل يُشاركونهم الحلوَ في يُسرهم  والمُرَّ في عُسرهم. ويُقال بأنَّه في عهد المُقتدر قدِم مِن مرو الى بغداد يوحنا بن عيلان الفيلسوف الكلداني النسطوري الذي على يده درس الفارابي.

وصارت الفئات المسيحية في عهد البطريرك النسطوري إبراهيم الثالث تتناحرُ فيما بينها، فقد جرت مشادة بين البطريرك إبراهيم الثالث وبين بطريرك الروم ايليا الأول تخللتها اتهامات متبادلة، وعلى اثرها بذل إبراهيم مسعىً كبيراً حتى أفلحَ في الحصول عام 913م على مرسوم مِن الخليفة يَحظر على طائفة الروم إقامة مطران لها في بغداد، وقد كلَّفَ المرسومُ النساطرة مبلغ ثلاثين ألف دينار. وأشار مرسومُ الخليفة المقتدر الى أولوية البطريرك الكلداني النسطوري على بطريركي الروم والمونوفيزيين، واعتبرَت هذه الإشارة بمثابة إقرار رسمي بشرعية الكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية. ويقول السيوطي (تاريخ الدول ص 381 وابن العبري/ التاريخ السرياني 172 - 174) بأنَّ مَقدمَ الوفود البيزنطية الى الشرق كان يُثلج صدور المسيحيين، وأبدى البلاط العباسي حفاوة كبيرة بتلك الوفود لدى استقباله لها بعد انتظارها شهرين في تكريت.
وواصل الكتاب المسيحيون الكلدان احتفاظهم بمناصبهم المرموقة في الدولة العباسية. وكان المُشرفُ على "ديوان الدار" عام 925م المسيحي مالك بن الوليد، كما كان إبنا القناني مسؤولين على "الخاصة" وعلى "بيت المال". وفي عام 928م كان المسيحي إبراهيم بن أيوب مُكلَّفاً بأعمال الجباية، وقبل ذلك كان هو المُشرف على بيت المال. وكان هؤلاء الكُتّاب المسيحيون يخصّون البطريرك إبراهيم بالإحترام ولا يردّون له مطلباً، ومِن ناحية اخرى كان قادراً على فرض سطوته عليهم عند الضرورة. وبسبب بذله مبالغ في اكتساب أصوات الآباء الناخبين لإنتخابه بطريركاً أُتِّهمَ بالسيمونية "شراء منصبٍ بالمال". ولم تنفِ عنه المصادرُ التاريخية حُبَّه للمال الى حّدِّ الجشع، ومِن الشواهد على ذلك ما رواه أبو اسحق محمد أبو أحمد الاسكافي، بأنَّه ومِن غير ميعاد قادته الصدفة لزيارة البطريرك، فتفاجأَ بالبطريرك وهو منهمكٌ بعَدِّ مبلغ ٍ كبير مِن الدنانير والدراهيم، فبادره بالقول: <إنَّ ثوبَكَ هو ثوبُ سمعان "بطرس" أما تصرُّفك فتصرُّف سيمون "الساحر". إني لا أعترف بكَ جاثاليقاً بعد الآن!> وانقطعت علاقتُهما منذ تلك الساعة، مُعتبراً كُلُّ واحد مِنهما صاحبَه محروماً، وتدخل الوسطاءُ لدى أبي اسحق لإقناعه بمصالحة البطريرك، إلا أنَّ جهودهم باءَت بالفشل. ويُقال بأن وفاة البطريرك قبل صيرورة أبي اسحق وزيراً عام 941م كان أمراً مؤاتياً وحاسماً لطمر المُجابهة بين الرجلين. لقد تعَرَّضت خلافة المقتدر منذ مطلعها للتصدّي مِن قبل الطامعين بالحكم، فقد عُزل للمرة الاولى ولكنه تمكنَ مِن استعادة الخلافة، ولما أطاحت به الثورة التي اندلعت في بغداد عام 929م، تدخَّل "مؤنس" وأعاد له الخلافة، إلا أنَّ المُقتدر، أعاد الكرة في معاداة مؤنس عام 932م، وإذ كان يقود جيشه في 31 تشرين الأول لنفس العام خَرَّ صريعاً بالقرب مِن باب الشماسية في شمالي بغداد الشرقية "الصليخ" وهو الحي الواقع فيه مقر بطريركية الكنيسة الكلدانية النسطورية.

15 - الخليفة القاهر بالله 932 – 934م
يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 386) إنه أبو منصور محمد بن المُعتضد بن طلحة بن المتوكل، إتَّخذ لقب"القاهر بالله". كانت أُمُّه تُدعى "فتنة" أما المسعودي(التنبيه والاشراف ص 336) فيقول بأنَّ اسمها "قبول". ويُضيف المسعودي في الموضع ذاته <إنَّهُ كان شديد الإقدام على سفك الدماء، أهوج، مُحبّاً لجمع المال على قلَّته في أيامه، قليل الرغبة في اصطناع الرجال، غير مُفكر في عواقب الامور...>.  أما السيوطي في الموضع الآنف الذكر أعلاه يُردف قائلاً: <وحين أقدم القاهر على اتِّخاذ قراراتٍ متهوِّرة بغير صالح المسيحيين، توجسوا منه خيفة ً. فإنه أمر بتحريم القيان والخمر، وقبض على المُغنين، ونفى المخانيث، وكسرآلات اللهو، وأمر ببيع المغنيات مِن الجواري... وكان مع ذلك هو ذاته لا يصحو مِن السُّكر، ولا يفتر مِن الغناء، ومنذ بداية مُلكه أظهر حِقده على آل المُقتدر بالله،  فأمر بمُصادرة أموالهم وتعذيبهم، وضُربت أمُّ المقتدر حتى لفظت أنفاسها. وكردِّ فعل لمُمارساته التعسُّفية،  إتَّفق الجند ُمع مؤنس وبعض المتنفذين الآخرين وأعلنوا الثورة عليه وعزموا على خلعه، إلا أنَّه أفلح في الإحتيال عليهم، وتمكَّن مِن ذبحهم. وبادر فوراً الى صرف أرزاق الجند، فركنوا الى الهدوء واستتبَّت له الامور.

يقول إبن أبي أُصيبعة في (عيون الأنباء... ص 300 - 304) وابن العبري في (التاريخ السرياني ص 176)   <وكان في ذلك العهد أبو سعيد سنان بن ثابت بن قره الحرّاني الصابئي رئيساً على 680 طبيباً في بغداد، وقد أرغمه القاهر بالله على اعتناق الإسلام>  وفي حين أنَّ القاهر لم يُسيء التصرُّف مع  طبيبه المسيحي المفضّل عيسى بن يوسف بن العطارة، إلا أنَّهُ وبتحريض ٍ مِن وزيره أحمد الخصيبي،  أمر بالقبض على أحد كبار الكُتّاب المسيحيين المدعو اسحق بن علي القنائي.  ولكنَّ مصير القاهر كان بائساً، حيث يقول السيوطي (تاريخ الدول ص 388) <فثارت عليه فتنة سنة 934م فخلعوه، وسُمِلَت كلتا عينيه بمسمار محمي حتى سالتا على خديه واُلقي في السجن حيث ظلَّ قابعاً فيه إحدى عشرة سنة، ثمَّ أُطلق سراحه، فعاش متسوِّلاً في الجامع الكبير حتى وفاته سنة 950م>.

16 - الخليفة الراضي بالله 934 - 940م
تروي المصادر التاريخية (السيوطي/ تاريخ الخلفاء ص 390 ــ المسعودي/ التنبيه والاشراف ص 336 ، مروج الذهب4 ص 322) بأنَّ الذي إتَّخذ لقب الراضي بالله لخلافته هو أبوالعباس أحمد بن المُقتدر. أُمُّه كانت رومية وتُدعى "ظلوم" وتُضيف هذه المصادر بالقول عن الراضي <كان الراضي سمحاً كريماً أديباً شاعراً فصيحاً مُحبّاً للعلماء، وله شِعرٌ، وهو آخر خليفةٍ عباسي دُوِّنَ له شِعرٌ. إنفرد بتدبير المُلك وقرَّبَ إليه العلماء> لقد تولّى الخلافة العباسية منذ بداية القرن العاشر بعض الخلفاء الضعـيفي الشخصية مِما أدّى الى تسرُّب الضعف إليها، فاستغلَّ هذا الضعفَ حُكامُ الأقاليم وراحوا يستخدمونها كآلةٍ بأيديهم يُحركونها حسب أهوائهم.

وكما مَرَّ بنا القول، فإن البطريرك النسطوري إبراهيم الثالث، أخذ يتحرَّك في عهد الخليفة الراضي مُدافعاً عن حقوقه. فيذكر ماري في (المجدل ص 93) بأنَّ المُوسَر المسيحي أبا بشر بن عبدالله بن فرجونة، كان قد خصَّصَ وهو لم يزَل على قيد الحياة مبلغ 7000 دينار للمشاريع البطريركية. وبعد وفاته لم ترضَ أرملتُه دفع هذا المبلغ، وردّاً على ذلك إمتنع البطريرك عن الصلاة على جثمانه ومنع أيَّ مسؤول كنسي مِن القيام بذلك. إلا أنَّ شماساً إسمه موسى لم يتقيَّد بأمر البطريرك وتلا الصلاة على جثمان الفقيد أبي بشر. فاشتدَّ الجفاءُ بين البطريرك وأرملة أبي بشر، حتى أنَّ الأرملة إضطرَّت الى رفع شكواها لدى وزير الخليفة أبي الحسن بن المُقلد. فبادرَ البطريرك الى جَمع ِ حَشدٍ مؤلف مِن كهنةٍ ورهبان وتلاميذ وقصدوا دارالوزير للمُطالبة بحقِّه، فأثر هذا التظاهرُ الإكليروسي في الوزير، فكان أن إنتصر للبطريرك، وأمر الأرملة بإعطاء حق البطريرك. ويروي ماري في (المجدل ص 5) <بأن الجاثاليق إبراهيم الثالث شرع في فتح قبر مارماري، فخرج عليه مِنه زنابير>.
والذي ساعد البطريرك لدى الوزير المخلد هو المسيحي أبو الحسن سعيد بن عمر بن سنجلا، كاتبُ الراضي قبل تولّي الأخير الخلافة، ثمَّ أُنيطت به عام 935م وظيفة كاتب ٍ خاص لإبنَي الخليفة الراضي بالإضافة الى مُهمة إشرافه على المصاريف. وبحكم المهام التي تولاها إبن سنجلا، استطاع كسبَ عددٍ مِن الأصدقاء عن طريق المال الحرام، ولم يتقاعس عن تأدية خدمات للمسيحيين وفي مقدمتهم البطريرك إبراهيم. ومِن الجدير بالإشارة فإن أخا إبن سنجلا المدعو أبا القاسم علي بن يعقوب كان هو أيضاً قد تولّى مناصبَ هامة في الدولة .

ونتيجة ًلإستحواذ المسيحيين على المناصب الرفيعة في الدولة على عهـد الخليفة الراضي وجَمعِهم لثرواتٍ طائلة، أثارت هذه المسألة الغيرة َ والحسدَ لـدى المسلمين تجلَّت في الإستياء الذي أظهروه تُجاههم، ولكنَّ ذلك لم يُحدِث أيَّ تغيير في موقف الخليفة مِن الذميين. وهكذا استمرَّت علاقات جيدة ومتبادلة بين المسيحيين والمسلمين على النطاق الإجتماعي. وكما ذكرنا في متن كتابنا هذا مِراراً بأنَّ الكُتّاب المسيحيـين النساطرة،  كانوا المُهيمنين على الامور في الدولة العباسية مِن خلال مواقعهم فيها،  ولذلك كانوا يُمارسون العنصرية ضِدَّ كُلِّ مَن هو خارج شيعتهم النسطورية ويقفون ضِدَّ مطالبهم. ويَقول بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 391) بأنَّ هذا الأمر سبَّبَ بنشوب خـلافٍ بين البطريرك إبراهيم وبطريرك الروم الملكيين ايليا، حيث أرسل الأخير اسقف عسقلان الملكي "الكاثوليكي" الى بغداد في نحو عام 940م ليرعى شؤون أتباع طائفته التي ازداد حجمُها نتيجة الحروب التي كان يتم إرسال اسراها مِن سوريا الى بغداد، ولما قام اسقف الروم الملكيين الكاثوليك بتقديم التماس لكي يُسمحَ له بترميم وتجديد كنيسة العذراء التي كان قد هدمها وأحرقها اليهودُ والمسلمون، إنبرى له البطريرك إبراهيم الثالث النسطوري مستخدماً نفوذ المسيحيين النساطرة المتنفذين، لكي لا  يُـستَجابَ طلبُه، فقوبل الطلب بالإهمال بل بالرفض ثمَّ انتهى الأمرُ بطرد اسقف الروم وصدور أمر خَليفي بمنع إقامة أيِّ مطران للروم مستقبلاً في بغداد. ويقول المؤرخ عمرو في (المجـدل ص 84) بأن البطريرك إبراهيم أمر بإقامة قـداس في المساء طيلة أيام الصوم الكبير. وبحسب ما ذكره صاحب كتاب (ذخيرة الأذهان ج1 ص 425) بأن البطريرك إبراهيم توفي عام 938م ودُفنَ في كنيسة دارالروم .

ويذكر إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء في الصفحات 315 ، 316 ، و317) بأنَّ عدداً مِن المسيحيين قـد برزوا في عهد الخليفة الراضي بالله ومِن بينهم:

>  كاتب "مؤنس" المسيحي الملكي اسطيفان، وقد تولّى الكرسيَّ البطريركي للملكيين واتَّخذ اسم تيودوسيوس .
>  بختيشوع الطبيب، وبسبب إخفاقه في علاج هارون أخي الخليفة، نُفي الى الأنبار. ولكنَّه استُدعي الى بغداد على عجل بناءً الى رغبة الملكة الام.
>  الطبيب داود بن ديلم .
>  الطبيب متي بن يونان أبوبشر مِن أبناء دير قوني، كان متميِّزاً في الطب والمنطق والترجمة.

50 - البطريرك عمانوئيل الأول 937 - 960م
لم يخطر ببال عمانوئيل راهب ديرأبي يوسف في بلد "أسكي موصل" بأنَّه سيُختارُ يوماً ليكونَ رئيساً للكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية، وليس مِن شَكِّ بأن النعمة الإلهية هي التي هيَّأَته لذلك. إذ بعد وفاة البطريرك إبراهيم الثالث، أجمع الآباء الأساقفة على انتخاب ايليا اسقف الأنبار مُثمِّنين به العلم والفضيلة. وأعدَّ له المجمع وثيقة الإنتخاب "شلموثا ܫܠܡܘܬܐ". وقام إبن سنجلا المسيحي المُقرَّب مِن الخليفة باستحصال السماح لرسامته، وأُعِدَّت الترتيبات لإجراء الرسامة في كنيسة ساليق في المدائن بموجب التقليد الكنسي... ورغبة ً مِن ايليا المُنتخَب لتقديم الشكر للكاتب إبن سنجلا الذي استحصل له وثيقة السماح مِن الخليفة، قام بزيارته، وفي معرض حديثه مع الكاتب ختم حديثه موجهاً إليه كلاماً غريباً هذا نصُّه: <حينما أُصبحُ بطريركاً، سأسمحُ لكَ باتخاذ سريةٍ بالإضافة الى زوجتك العاقر، لتُنجبَ لكَ إبناً> فكان لهذا الكلام وقع الصاعقة على الكاتب، وانتزع الوثيقة مِن يد ايليا ومزَّقها وصرخ بوجهه قائلاً: <أتظن أنَّك تقترب مِني وأنتَ تُخالف شريعة المسيح؟> وأدّى هذا الحدث الى إقصاء ايليا عن تولّي منصب البطريركية.
واستولت الحيرة على الآباء الأساقفة ولا يدرون كيف يتجاوزوا هذا الإشكال، ولا سيما أن إبن سنجلا أعلن عن عدم تدخله في أمر الإنتخاب، وبينما هم على هذه الحال، وإذا بسنان بن ثابت الطبيب الحراني الصابئي، يعرض عليهم اسم راهبٍ قديس شاهده في دير أبي يوسف يُدعى عمانوئيل،  ويرى فيه الرجل المناسب للمكان المناسب، وأيَّدَ رأيَه إبن سنجلا، واستحصل كتاباً مِن الخليفة الى ناصر الدولة الحمداني يطلب إليه إرسال الراهب المذكورـ حتى لو اقتضى الأمر جبراً. وإذ أُبلغ الراهب بالأمر قبله على مضض ٍ، واصطحبَه الجُند الى الحديثة، وفيما كان يُفكِّر وإذا به يتحسس في داخله بأنَّ الربَّ هو الذي اختاره لهذه المسؤولية الكبيرة. ولدى وصوله الى بغداد توسَّم في بعض الآباء علامات عدم الرضا بانتخابه ومِنهم: لوقا مطران الموصل حيث يقول ماري في (المجدل ص 95) بأنَّه تزيّأَ بدرّاعةٍ وعمامة لعدم التعرُّف عليه فيُضطرَّ الى رسم المُنتخب عمانوئيل، وهرب ممطياً بغلة، ولكنَّ أمره افتضح حيث لقيه الوجيه أبو عيسى المنذر بن النعمان العبادي فعرفه وأعاده. وعلى غِراره أيضاً تنكَّر أبو عبيدة اسقف الحيرة حيث قصد الى دير بن هرمزد.
لقد حظي عمانوئيل بمقابلة الخليفة الراضي، وخلال المقابلة طرح الخليفة عليه العديدَ مِن الأسئلة حول الديانة المسيحية، وكانت أغلبُها بصدد محبةِ الأعداء. وما يؤكد إعجابَ الخليفة بأجوبة عمانوئيل هو تأييدُه بتعيينه بطريركاً، ونَفحِه إياه بهدايا نفيسة وأمْر بإعادته الى مقرِّه البطريركي بحفاوةٍ وإكرام. ويُشير المؤرخون (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 246 - 248  ــ صليبا في المجدل ص 84 -91 وماري في المجدل ص 94 - 98) بأنَّ رسامة البطريرك عمانوئيل جرت يوم الجمعة 22 / 2 / 938 م. كان أصلُ عمانوئيل مِن باجَرمي ورُسمَ اسقفأ على المرج. يقول بطرس نصري في (ذخيرة الأذهان ج1 ص 425 - 426) كان شيخاً وقوراً يتحلى بسجايا ظريفة، عالِماً ومُتَرجِماً قديراً وواعظاً بَليغاً، نُـسِبَت إليه صفة البُخل، وصلَ بشيخوختهِ الى آخر مداها، ولدى قيامِه برسامة اسقفٍ أو كاهن، كان يُجلَسُ في محفةٍ وتوضَع على دَكَّةِ المذبح ومِنها يُؤدي المراسيم. كانت تَـركَتُه بعد وفاته بحسب قول المؤرخ عَـمرو في (المجـدل ص 91)  ستمائة ألف درهم وسبعة آلاف مِثقال ٍ مِن الذهب . توفيَ عام 960م ودُفنَ بكنيسة دارالروم. والى الجزء السابع عشر قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 13 / 3 / 2015

70
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخامس عشر

15- الخليفة المُعتمد على الله 870 - 892م
يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 363) والمسعودي (التنبيه والاشراف ص 318 ــ مروج الذهب4 ص 198)  إنَّه أبو جعفر أو أبو العباس أحمد بن المتوكل. أُمُّه رومية - كوفية تُدعى "فتيان". تمَّ إخراجُه مِن السجن بعد مقتل الخليفة المُهتدي بالله وبويع خليفة واتَّخذ لقب "المُعتمد على الله". وتُضيف هذه المصادر بأن المُعتمد على الله كان مولعاً بالطرب والغناء والشرب منهمكاً في اللهو والملذات. وتولّى أخوه أحمد المُوفق طلحة بن جعفر المتوكل المُسمّى "الناصر لدين الله" زمام الامور وتدبير المُلك سياسياً وإدارياً.
أما عن حال الكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية في عهد "المُعتمد على الله" الذي امتدَّ أكثر مِن عهود سابقيه نسبياً. فقد تعاقب البطاركة على الكرسي الرئاسي، إذ بعد سنتين مِن بداية عهد الخليفة الجديد أي في عام 872م توفي البطريرك سرجيس الأول. وبسبب تبايُن الآراء في الإتفاق على الشخص الواجب انتخابُه، إمتدَّت فترة شغور الكُرسي الرئاسي ما يقرب مِن خمس سنوات. وظهر مُرشحان ولكُلٍّ مِنهما مُناصرون أقوياء مِن المسيحيين المتنفذين، ويقول المؤرخان (صليبا / المجدل ص 74 ــ ماري / المجدل ص 81)  بأنَّ اسرائيل اسقف كُشكُر أُتِّفق على أهليته للمنصب نظرا لتمتعه بالعلم والفضيلة، إلا أن ظهور مُنافس ٍ قوي له هو انوش مطران الموصل، جعل مِن انتخابه أمراً عسيراً بسبب انقسام الآباء الناخبين والعِلمانيين بين المُرشَّحين، وعمَّت الفوضى المسيحيين، زادت في تفاقم الإضطراب الذي أحدثه العلوي البصري. فاستقدم أميرُ بغداد اسرائيل مِن سامراء الى بغداد، ومنعه مِن السعي الى البطريركية. وفيما كان اسرائيل يوماً يهم بالنزول مِن مِنبر التقديس الى المذبح، إستغلَّ الإزدحامَ شخصٌ مُحرَّضٌ فاقترب مِنه ومَدَّ يده الى مذاكيره وعصرها بشدةٍ، فحُمِلَ مغشياً عليه، وبعد أربعين يوماً مِن الحادث توفيَ ودُفن في ديرمارفِثيون.

45 - البطريرك آنوش 877 - 883م
وبالرغم من حادثة وفاة الأسقف اسرائيل منافس آنوش مطران الموصل على كُـرسي الرئاسة إلا أنَّ التناحر بين الفئات المسيحية لم ينتهِ، وإذ ما إن تـمَّ اخـتـيار يوحنا بن نرسي اسقف الأنبار وكاد يُرسَم بطريركاً حتى انقلبَ الأمر فجاة ً. وبهذا الصدد يقول إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء في طبقات الأطباء ص 276) فقد ضاعف انوش مطران الموصلالضغـط على مُناصريه، فاستطاعوا كسب تأثير أصحاب الإختيار المُتنفذين أي "أطباء البلاط المتنفذين" فوقفوا الى جانب أنوش فنال وطرَه ورسم بطريركاً في 13 / 1 / 877م. ومِن بين هؤلاء الأطباء كان يوحنا بن بختيشوع الذي كان قديراً في الترجمة أيضاً، وكان الوصيُّ يَكُنُّ له التقدير ويَثِق به كلياً حتى أنَّه كان يُطلق عليه "مُفرِّج كُربي". وكانت مدة جلوس البطريرك انوش على الكرسي نحو سبع سنين 877 - 884م .

لقد طرأت في عام 879م امور جديدة على سياسة الخليفة المُعتمد على الله، ففي الوقت الذي يظهر في الدولة موظفون شيعة، في ذات الوقت يختفي الإمام الشيعي الثاني عشر"محمد بن الحسن" وهو في نحو الثانية عشرة مِن عمره، حيث سبَّبَ إزعاجاً كبيراً للشيعة، وقيل بأن اختفاءَه تمَّ بتدبير مِن أعوان الخليفة، وفي أحد السراديب في سامراء. أما بالنسبة الى المسيحيين فكانت سنة ً صعبة ً ومُثيرة للشجن، حيث تَحوَّلَ فيها الكثيرُ مِن المسيحيين الى الإسلام، وأغلبهم مِن سكان دير قوني، وقد قُدِّرَ لهم تَحوُّلُهم الى الإسلام حيث قُلِّدوا مناصب رفيعة في الدولة. وبالرغم مِن دخول هؤلاء الى الإسلام، فإن العديد مِن أفراد أُسرهم تمسكوا بمسيحيتهم دون أن يتعرضوا لضغوط ٍ أومُضايقاتٍ، بل على العكس مِن ذلك تغيَّرَت ظروفُهم الى وَضع ٍ أفضل، وظهر للعيان نوع جديد مِن التعايُش السلمي بين المُسلمين والمسيحيين، فكان هنالك مثلاً الوزير المُسلم سعد بن مخلد والى جانبه أخوه عبدون المتمسك بمسيحيته.

يقول المؤرخون (إبن العبري2 ص 210 - 214 ــ المجدل/ صليبا ص 74 ماري ص 82 - 83) لقد شغر الكرسيُّ البطريركي خمسة أشهر ونِيِّف بعد موت البطريرك انوش، وقام كبارُالمسيحيين ومِنهم عبدون بن مُخلد وسلامة بن سعيد وهما مِن سكان سامراء بترشيح يوحنا بن نرساي مطران الأنبار، ولكنهم لم يُصِرّوا على فرضه، بل تركوا أمرَالإختيار للآباء حيث كان هنالك ثلاثة مُرشحين هم: يوحنا وراهب ذو قرابةٍ به ومطران الموصل. وأُجريَت القرعة بينهم ففاز بها يوحنا بن نرساي.

46 - البطريرك يوحنا الثاني بن نرسي 884 - 892 م
إنَّه مِن أبناء الكرخ، وكما ذكرنا كان قد رُسم اسقفاً على الأنبار، كان ورعاً شديدَ التواضع، وكان الله يستجيب لدعائه فيُظهر مجده على يديه، وإنَّ قبولَه للمنصب البطريركي جاء نزولاً مِنه عند رغبة الناخبين واحتراماً للقرعة التي وقعت عليه، فرُسمَ بطريركاً في 14 / 12 / 884م، وأجرى الله مُعجزة ً على يديه في يوم رسامته، جعلت الناس يزدادون ثقة ً به واعتباراً له.

وكأنّي بالبطريرك الجديد، وقد جاء انتخابُه للمنصب الرفيع، لكي يُواجهَ مشاكلَ مِن نوع ٍ لم يَكن متوقعاً، وقد يكون هو وحده القادرَ على مُجابهتها. يروي المؤرخ إبن العـبري(التاريخ الكنسي ص 164) بعد أشهر مِن جلوسه على السُدَّة البطريركية، إقتحمَ بعضُ اللصوص ديرَكليليشوع المعروف بدير الجاثاليق الواقع وراء نهر عيسى في بغداد الغربية"صوب الكرخ" في الموضع المعروف اليوم بـ"مقبرة الشيخ معروف الكرخي" وكان البطريرك مار طيمثاوس الأول الكبير قد جعل مِن هذا الدير مقراً للبطريرك. خلع اللصوصُ أبوابَ الدير وهدموا جزءاً مِن جدرانه وسقفه، ونهبوا الأواني المُقدسة. وبالرغم مِن أنَّ السلطات المحلية إتَّخذت الإجراءات العِقابية ضِدَّهم ووضعت حداً لعملهم المُسيء، وأُعيد بناءُ الأماكن التي هُدِمت بمسعى مِن عبدون بن مخلد، إلا أنَّ هؤلاء الجُناة لم يرعووا، فكرَّروا فعلهم الشنيع عام 886م حيث انقضوا على الدير وهدموا كُلَّ الأجزاء التي كان قد أُعيد بناؤُها. أما السبب الذي كان وراء قيام الرعاع بهذا الإعتداء المتكرِّر، فقد اختلف المؤرخون بشأنه، فبينما يقول ايليا النصيبيني: <بأنه كان رَدَّ فعل على عدم التزام المسيحيين بالقوانين المفروضة عليهم، كركوب الخيل وغيره مِن الامور المحظورة>. يعزوه إبن العبري الى بُخل البطريرك. حيث كانت هنالك عادة جارية هي دفع مبلغ ٍ مِن المال لإمام جامع مُجاور للمقر البطريركي، ولما أوقف البطريرك دفع المبلغ، إغـتاظ إمامُ الجامع ودبَّر مع أعوانه الإعتداء على الدير، مُتحججين بأنَّ حجارة رُمِيَت عليهم أثناء تشييعهم جنازة أحد المُسلمين، وإنَّ تلك الحجارة كان مصدرُها ديرُكليليشوع، وهذا ما حدا بهم لينهالوا على الدير ويعملوا به نهـباً  وتخريباً  فور عودتهم مِن دفن ميِّتهم .

وبالرغم من قيام البطريرك بإعادة بناء الدير مُجَدَّداً بدعم ٍ مِن عبدون، إلا أنه لم يشأ السكنى فيه، وانتقل للإقامة في واسط  ومكث فيها خمسة أعوام. ولما عاد الى بغداد في أواخر عهده البطريركي،  يقول المؤرخ ماري في (المجدل ص 83) نزل في دار الروم في الكنيسة المُشيَّدة مِن قبل "اصبغ العبادي"  وبذلك يكون قد انتقل  مِن الساحل الغربي لدجلة "صوب الكرخ" الى الساحل الشرقي مِنه "صوب الرصافة" واستقرَّ مؤقتاً في منطقة الشماسية "الصليخ" الواقعة في شمالي المدينة. ودارت الدائرة على بني مخلَّد، حيث شَنَّ المُسلمون المتزمتون حملة تشهير افترائية على الأخوين سعد المُسلم وعبدون المسيحي، وأُلقيَ القبض عليهما، وقد أدَّت المعاملة السيئة التي عومل بها سعد الى موته،  وما إن أُطلق سراح عبدون حتى قصد دير قوني وترهب فيه، ولم يُغادره حتى وفاته عام 922م. كما أن البطريرك يوحنا الثاني بن نرسي تعرَّض لمصاعبَ ومُضايقاتٍ جمة في هذه الأثناء مِن أواخر عهده ، فقد اغتصبَ الوزير "اسماعيل بن بُلبُل" قرى تعود ملكيتُها للبطريركية، وقابل البطريرك المُغـتصِب، ولكنه لم يحصل مِنه على نتيجة تُعيد الحقَّ الى أصحابه. 

يقول المؤرخان في المجدل (صليبا ص77 ــ ماري ص 83) في عيد الميلاد لعام 892م  توفي البطريرك يوحنا الثاني بن نرسي، وكما افتتح عهدَه بإعجوبةٍ ختمه بإعجوبةٍ. إذ فيما كانوا يجتازون بتابوته الى الكنيسة، بصق أحدُ المُسلمين على التابوت، فأصاب الباصقَ المسلمَ على الفور داءٌ مُرعبٌ، ولما أدنوه مِن التابوت فارقه الداءُ للحال. تَمَّ دفن البطريرك بجانب المذبح الصغـير في بيعة اصبغ. ويروي صليبا (المجدل ص 71) اعجوبة اخرى إجترحها البطريركُ بعد موته، وكيف حفظت شفاعتُه مِن بطش اللصوص تاجراً اسمه "أبو نصر عيسى بن الصلت" وجرى القسم الأول مِن الاعجوبة في مصر أمام طولون، وكاتبه هو إبن يعقوب اسحق بن نصير. وتنتهي القصة في دار الروم في بغداد باهتداء اللصوص الذين عفا التاجرعنهم وأطلق سراحهم.

الخليفة الثاني عشر العادل

12 - الخليفة المُعتضد بالله 892 - 902م
يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 368) والمسعودي (التنبيه والاشراف ص 320 ــ مروج الذهب4 ص231) إنَّ المُعتضد بالله هو أحمد بن طلحة الموفق المُكَنّى بـ"أبي العباس". كانت أُمُّه رومية تُدعى بأسماء متعدِّدة هي: ضرار، حرز، وصواب. وتُضيف هذه المصادر بأنَّه < كان مُلماً بالشؤون الإدارية حازماً وذكياً، وذا تَمَيُّز بين الخلفاء العباسيين،  يتَّصف بالشجاعة ورجاحة العقل وشدة البأس، فسكنت في عهده الفِتَن وصَلُحت البُلدان ورخُصت الأسعار. وكان مع ذلك قليلَ الرحمة، مقداماً شديد الرغبة بالتمثيل بمَن يقتله> وتكيل المصادرُ المسيحية المديح لسياسته الإدارية مع المسيحيين. ففي    (المجدل ص 84) يقـول ماري: <ظهر مِن نِعَـم الله على النصارى بحسن رأي المعتضد فيهم ما شكروه وحمدوه عليه> ولكنَّ بعضَ المُسلمين المُتزمتين، قد دفعهم الحقد والحسد فشرعوا ببث الدعايات المُغرضة بأن الخليفة المُعتضد يُفضِّل المسيحيين، ينشدون مِن ورائها التأثيرعلى الخليفة الذي كان يولي الثقة بالمسيحيين، فيتحدَّث ماري بهذا الخصوص قائلاً: <إتَّصلَ الخبر بعبدالله بن سليمان كاتب الخليفة المسيحي فجزع ودخل على المعتضد فدفع إليه الرقعة، فتغيَّرَ المعتضد واعتذر وقال: "ما وَلّيتُ نصرانياً سوى عمر بن يوسف للأنبار، والجهابذة يهود ومجوس ، واعتمدت عليهم لثقتهم لا ميلاً إليهم "ثمَّ أضاف المعتمد قائلاً لكاتبه: إذا وجدتَ نصرانياً يصلُح لك فاستخدمه، فهو آمن مِن اليهود، لأنَّ اليهود يتوقعون عَودَ المُلك إليهم، وآمن مِن المُسلم، لأنَّه بموافقته لك في الدين يروم الإحتيال على منزلتك وموضعك، وآمن مِن المجوس، لأَنَّ المملكة كانت فيهم> ثمَّ أوصى عبدالله بالإحسان إليهم، وخرج هذا مِن عند الخليفة مسروراً. واستمرَّ حالُ المسيحيين سائراً بشكل حسن، وتمكنوا مِن انتخاب بطريرك جديد لهم بعد وفاة يوحنا بن نرسي.

47 - البطريرك يوحنا الثالث 893 - 899 م
إنَّه مِن أصلٍ باجرمي وابن شقيق البطريرك (تيودوسيوس 853 - 858م) رُسم اسقفاً في البداية لأبرشية خانيجار الواقعة على ساحل نهر العظيم في مقاطعة بيث كَرماي، ولكن البطريرك آنوش نقله الى أبرشية الموصل. بعد وفاة البطريرك يوحنا الثاني شغر الكُرسي الرئاسي لمدة سبعة أشهر، بسبب تنافس اليوحنَين مطران الموصل واسقـف الزوابي، وفي النهاية تَمَّ اختيار مطران الموصل، بدعم ٍ مِن الحسين بن عمر كاتب الأمير أبي محمد الذي سيُصبح الخليفة المُكتفي بالله. وجرت رسامتُه في الخامس عشر مِن تموز عام 893م . كان في استقبالِه الوجيه فروخنشاه في بيعة اصبغ بدارالروم، ورافقه الى ديركليليشوع في الضفة الغربية لدجلة"الكرخ" مِن إنجازات يوحنا الثالث، توسيعُه مركز إقامته في كنيسة اصبغ عن طريق شرائه داراً ملاصـقة للكنيسة وبمساعدة كاتب الأمير أيضاً، وجعل مِنها قلاية بطريركية. رسم أساقفة عديدين ومِن بينهم إبن أخيه تيودوسيوس على باجرمي الذي تحوَّل في الأخير الى الإسلام. ويقول القس بطرس حداد في (مجلة بين النهرين ص 142 تاريخ 5 / 12 / 1990) بأن نزاعات حدثت على عهده حول الطبيعتين بالمسيح، وقـد تمَّ تَحديد صورة الإيمان في مجمع القسطنطينية الخامس .

تباينَ تقييمُ المؤرخين لهذا البطريرك، ففي حين يكيل صليبا له المديح (المجدل ص76) بقوله عنه: <كان تام الفضل جامعاً للفضائل، ويُضيف بأنَّه كان شديد الحُبِّ للمال أيضاً. بينما يقول ماري (المجدل ص 77) <كان يأكلُ كثيراً ويشربُ مفرطاً، وأُصيبَ في أواخر عهده بداء الفالج"الشلل النصفي" وقـضى نحبَه بعـد سنة مِن إصابته في الثامن مِن أيلول 899م، ودُفن في دارالروم بكنيسة السيدة. أما الأطباء المسيحيون فكانوا يُشكِّلون حلقة وصل بين الخليفة المعتضد وبين الأهالي، وبحسب قول إبن أبي أُصيبعة (عيون الأنباء... ص 211) كان الأبرز بينهم في عهد المعتضد الطبيب غالب الذي كان في الأول طبيب الموفق طلحة بن المتوكل، أما إبن الأثير في (الكامل " 13 جزءاً " ج7 ص 484) فيقول <وكان له في خدمته 70 غلاماً مِن المسيحيين، وقد أُتِّهمَ يوماً أحدُ هؤلاء الغلمان بإهانة نبيِّ الإسلام.  فاجتمع المسلمون وأرادوا الإيقاع بالغلام، ولكنَّهم لم يتجاسروا على ذلك، بل رفعوا الدعوى أمام الخليفة>  فيقول إبن العبري بأنَّ الخليفة قال: <إنَّ العرب يكذبون> وأرسل جنودَه وخلَّص الغلام، وانتهت المشكلة بسلام. وفي عام 900 م توفي الطبيب غالب في آمد       "دياربكر" وصادف وجود الخليفة المعتضد هناك فحضر مأتمه. وكان إبن غالب سعيد أبو عثمان طبيباً أيضاً، وبقي يعمل في بغداد الى نهاية عام 919م.

48 - البطريرك يوحنا الرابع"إبن الأعرج" 900 - 905 م
كان عددُ المتنافسين على المنصب البطريركي بعد وفاة يوحنا الثالث أكبر مِن المعتاد، والأبرز بينهم ثلاثة هم: يوحنا بن بختيشوع مطران الموصل، ويوحنا بن مرتا أو"إبن الأعرج" أو"إبن أبجر" وتاذاسيس مطران جنديسابور، وتحرَّكت الوساطات على قدم ٍ وساق، ووصلت الشكاوى أمام المعتضد، فأحال الأمر الى الأمير"بدر"  لمتابعة القضية. فباشر"بدر" باستقصاء آراء وجهاء المسيحيين، وفي مقدمتهم كاتبُه مالك بن الوليد، وابنا أسلم مِن منطقة الزعفرانية، وداود بن مسلم، وبعد التداول والتشاور، دعا الأمير بدر الى اجتماع ٍ موسَّع ضَمَّ المتنافسين أنفسَهم ولفيفاً مِن الأساقفة والكُتّاب والأطباء، ودارت المناقشات وتواصلت حتى المساء. وقُدِّمَ للمُجتمعين طعام الافطار <كان شهر رمضان> وبعد الافطار تواصل التشاور ليلاً، وقد أبدى بدر ميلاً الى يوحنا بن بختيشوع  مطران الموصل. إلا أنَّ ايشوع زخا اسقف عكبرا "بلدة في أطراف دُجيل بشرقي دجلة تبعد عن بغداد 10 فراسخ" رَدَّ على الأمير قائلاً: عن يوحنا بن بختيشوع وكما يقول ماري في        (المجدل ص 87) <لا يَصلُحُ لنا جاثاليقٌ يلعبُ بالكلاب والقرود> وهي إشارة الى حياة بن بختيشوع العلمانية. ولما استفسر"بدر" عن الحقيقة التي تمنعهم مِن انتخاب إبن بختيشوع. قالوا له بأنَّه إبن غيرُ شرعي، ولدته أُمٌّ سرية. عندها إحتجَّ عليهم القاسم بن عبيد الله قائلاً: <فلِمَ جعـلتموه إذن مطراناً على الموصل؟> فرَدّوا قائلين <لقد اختاره أهلُ الموصل وهم لا يعـلمون، ولما علموا بذلك تندَّموا>.
                                                                                                                                                                                                                                 وبعد الذي جرى أُستبعد يوحنا بن بختيشوع، واتخذوا القرار بانتخاب يوحنا بن الأعرج،  فرُسم بطريركاً في 11 / 9 / 900م.  ويقول صليبا في (المجدل ص 81 - 83)  بأنَّ البطريرك الجديد يوحنا الرابع إبن الأعرج، <كتب وثيقة يتعهدُ فيها بالإلتزام بالقوانين الكنسية وبالمجامع وبالعمل على إزالة المخالفات مِن الكنيسة>  ويُضيـف صليبا في الموضع السابق ذاته بقوله عن يوحنا الرابع <إنَّه كان شيخاً طاهراً قديساً لم يلمس بيده درهماً ولا ديناراً، ولم يكن في إخوته مثله ولا من لحقه في قدسه وفضله> وكان البطريرك يوحنا بن الأعـرج مِن أبناء بغداد، ترعرع وشَبَّ في حي النصارى في صوب الكرخ، أيَّد انتخابه الخليفة المعتضد وأهداه ثوبَ ديباج وعُكّاز. يقول القس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 422) بأن يوحنا الرابع عقد اجتماعاً حضره ما يَقرب من عشرين مطراناً واسقفاً، وجرى سَنُّ (28 قانوناً) لتنظيم الشؤون الكنيسة.
وافت المنية الخليفة المعتضد بالله الذكيَّ والشجاع عام 902م، وبعد ثلاث سنواتٍ لحقه الى اللحد البطريرك يوحنا الرابع، إذ توفيَ في 16 / 5 / 905م وتّمَّ دفنُه في كنيسة دارالروم بجوار سلفه. لقد التزم بتطبيق بنود العهد الذي قطعه على نفسه بالكامل. ويقول صليبا أيضاً في (المجدل ص 89) <فقد دَبَّرَ البطريركية أحسن تدبير، ورحم المساكين والضعفاء وأعان المُحتاجين، ولم يأخذ رشوة على الرسامات>. والى الجزء السادس عشر قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 7/3/2015


71
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع عشر
أحوال الكنيسة الكلدانية النسطورية في القرن التاسع

39 - البطريرك ايشوع برنون 823 - 828م
يقول صليبا في (المجدل ص 66) وماري (المجدل ص 75) بأنَّ مسقط رأس ايشوع برنون كان قرية "بيث كَبّاري" التي تقع عند مصبِّ الخوسر بدجلة ما بين أطلال نينوى والموصل، تلقى العِلم وطيمثاوس الكبير في مدرسة باشوش بمنطقة المرج على يد مديرها الراهب إبراهين بن شنداد "برشندايا"، كما التحقا لدراسة الموسيقى لدى بابي الجبليتي  مؤسس المدارس الموسيقية آنـذاك. بعد ذلك نُسبَ للتفسير في مدرسة المدائن، وكان يعتني بماسويه الحفيد إبن يوحنا بن ماسويه استاذه. مال الى حياة الإعتكاف وترك بغداد قاصداً دير ايزلا الكبير بمنطقة نصيبين ومكث هناك فترة، ردَّ فيها على أفكار وتعاليم زميله طيمثاوس بشأن التجسُّد. أغاظت ردودُه الرهبان، فاضطرَّ بحسب قول ماري في الموضع المذكور أعلاه الى ترك دير ايزلا والمجيء الى ديرمارايليا بالقرب مِن الموصل، ودام مكوثه فيه ما يقرب مِن ثلاثين عاماً.

كان هنالك خلافٌ في الرؤية بشأن التجَسُّد بين طيمثاوس وايشوع برنون، وليس عِداءً أوحقداً يكُنُّه الأخيرُ للأول كما يدَّعي البعضُ مِن المؤلفين المُحدثين،  فطيمثاوس الكبيرُ كان مُتزمتاً بالنسبة للعقيدة التي تتبنّاها الكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية، ولا يقبل بالأفكار الإنفتاحية للعـلماء اللاهوتيين الآخرين،  وقد رشق بالحرم بعـضَ اولئك العـلماء، فيما رفع الحرمَ عنهم خلفُه ايشـوع برنون  (طالع الفصل العاشر عن طيمثاوس الكبير) وكما يُقال فإنَّ الإختلاف في الرأي لا يُفسدُ للودِّ قضية ، وهكذا فإنَّ مارطيمثاوس رشَّح ايشوع برنون لميطرابوليطية نصيبين ولكن العائق أمام هذا الترشيح كان رفضُه مِن قبل أهالي نصيبين. ولم ينسَ زميله ايشوع برنون، فقد أوصى قبل موته بانتخابه بطريركاً خلفاً له. ونُفذت وصيتُه بالفعل بتأثير الرجال المسيحيين المتنفذين في البلاط العباسي، وفي مقـدِّمتهم الطبيبان جبريل بن بختيشوع وصهره ميخائيل والأمينان يعقوب ووهب. وانتُخبَ ايشوع برنون بطريركاً عام 823م. وفي فترة شغور الكُرسي بين وفاة طـيمثاوس وانتخاب ايشوع برنون، أدار الشؤون الكنسية عبدا بن عون الجوهري العبادي الحيري، وكان وجيهاً كبيراً في أسفانير إحدى ضواحي قطيسفون .
وفور استوائه على الكُرسي البطريركي، أراد ايشوع برنون تغيير النهج التزَمُّتي الذي كان يعتمدُه سلفُه طيمثاوس مِن حيث الأفكار المُعتقدية، فثارت ثائرة الأساقفة الشديدي التعصُّب بالعقيدة المذهبية النسطـورية، وقرَّروا إسقاط إسمِه مِن سِفر الآباء. واشتدَّ الخلافُ بينه وبين الأساقفة الذين أجمعوا على عزله، حينها تدخَّلَ الأطباءُ المسيحيون لدى الطرفين، فتراجع البطريرك أمام إصرار الأساقفة وسوِّيَ الخلاف. لم يمتد عهدُه سوى نحو خمس سنوات حيث وافاه الأجل في الأول مِن نيسان لعام 828م، وجرى دفنُه في "دير كليليشوع" الذي كان قد جَدَّده مار طـيمثاوس.

لقد ألَّف ايشوع برنون بحسب ما ذكره الصوباوي في (فهرس المؤلفين / ترجمة د . يوسف حبي ص 48) كُتباً عديدة مِنها: كتاب اللاهوت، وشروح في الكتاب المقدس. وكتب ليتورجية وقانونية أما الكتب التي وضعها ضِدَّ طيمثاوس فقيل بأنه أوصى تلاميذه قبل وفاته بحرقها. في السنة الاولى لبطريركيته عقد ايشوع برنون مجمعاً، سَنَّ فيه قوانين متنوعة في الفرائض والأحكام بلغ عددُها 130 قانوناً وقيل بأنه لم يُعمَل بها بسبب موقف واضعها مِن طيمثاوس الأول .

40 - البطريرك كيوركيس الثاني 828 - 830 م
تقول عنه المصادر التالية (إبن العبري / التاريخ الكنسي2 ص 188 ــ بطرس نصري/ ذخيرة الأذهان1 ص 389 ــ توما المرجي/ كتاب الرؤساء ص 145 - 146 ــ ماري / المجدل ص 76 ، صليبا / المجدل ص 68 - 69) بأنَّه شِرزاد إبن أحد أشراف قرية "جانس" الواقعة شمال شرقي عين سفني بمسافة 10 كم على نهر الكومل، وكان يُلقب بـ"الصبّاح" أو الصيّاح. يذكر توما المرجي (كتاب الرؤساء ص 146) <بأن شرزاد بن مبروخ كان ذات يـوم ذاهباً للصيد فشاهد ميطرابوليط حِدياب "مارن عمه" وما كان مِنه إلا ونزل عن حصانه ليأخذ بركتَه، ودار بينهما حديث ثمَّ افترقا، ولكنَّ شرزاد بعد هذا اللقاء تحرَّكت في داخله النعـمة ودفعـته لإختيار الحياة الرهبانية، فدخل الى دير بيث عابي بمنطقة المرج، متأثراً بما شاهد مِن المُعجزات والخوارق التي كان يُجريها الربُ على يدي الميترابوليط "مارن إمه". وكان شِرزاد قد عرض أمرَ رغبته في الدخول الى الديرعلى المطران مارن امه ) فنال مِنه البركة وتنبّأَ بما ينتظره مِن مُستقبل ٍعظيم في الكنيسة. وأبدل الديرُ اسم شرزاد بكيوركيس، واهتمَّ بتعليمه الأنبا ايشوعداد، ولم يلبث أن أُنيطت به رئاسة الدير، وفي فترة رئاسته الطويلة، تطاول شخصٌ واستولى على إحدى ضِيَع الدير، فقـصد كيوركيس الطبيبَ جبريل بن بختيشوع وأهابَ به ليُنصفه مِن ذلك المُغتصب. أثَّرت شخصية كيوركيس على جبريل ورأى فيها الإستقامة والحكمة، فقابل مار طيمثاوس وسأله أن يرسمَه مطراناً على جـنديسابور، فكان له ما أراد، وجلس كيوركيس على كُرسيِّ جنديسابورمدة تربوعلى العشرين سنة. وبعد وفاة البطريرك ايشوع برنون، رشَّحَ الطبيبان جبريل وصهره ميخائيل كيوركيسَ مطران جنديسابور للكُرسي البطريركي رغم تقدم عمره الذي تجاوز القرن وتضعـضعت صحته، فرُسم بطريركاً عام 828م ووافته المنية عام 830م، ودُفن في دير الجاثاليق "دير كليليشوع" في بغداد. لم يذكر له التاريخ دوراً في علاقات المسيحيين والمسلمين، فقد كان امرُ هذه العلاقات بأيدي كبار المتنفذين المسيحيين. كان كيوركيس ورعاً وقديساً، وينسب إليه صليبا في (المجدل ص 69 ) آياتٍ عجائبية أظهرها الله على يديه، كشفاء المرضى وطرد الشياطين.
41 - البطريرك سبريشوع الثاني 831 - 835 م
يَروي المؤرخون (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 190 ــ بطرس نصري/ ذخيرة الأذهان1 ص 390 - 391 ــ صليبا / المجدل ص 69 - 70 ــ ماري / المجدل ص 76 – 77) انخرط في سلك الرهبنة بدير ايزلا الكبير، رسمَه يوحنا ميطرابوليط نصيبين اسقفاً لحرّان، ولم يلبث أن نقله البطريرك طيمثاوس الأول الكبير الى مطرانية دمشق. وقد سبق لنا القول بأن الخليفة المأمون لدى زيارته لدمشق نزل ضيفاً عليه. وقد وعد المأمون بمكافأة سبريشوع في الوقت المناسب عرفاناً لِما لقيه مِنه مِن الحفاوة والإكرام إبان زيارته، فعند وفاة البطريرك كيوركيس الثاني، تذكَّر المأمون وعده وأبدى رغبته بتنصيب سبريشوع على الكُرسيِّ البطريركي، فرُسم بطريركاً عام 831م. نزل البطريرك الجديد بدير الجاثاليق الكبير المعروف بــ"دير كليليشوع". قام بتجديد دير مارفثيون في العتيقة ناوياً أن يجعله مقرّاً لكُرسيِّ البطريركية في بغداد. لم يكن سبريشوع الثاني عالماً، بل كان زاهداً ومُلمّاً بأخبار الكنيسة وحافظاً لها. أبدى مسعىً بتجديد العلوم وتقويتها بين أوساط أبناء الكنيسة، فأصدر مرسومين لهذه الغاية يحُثُّهم فيهما على متابعة الدرس والإستفادة مِن كُتُب الآباء بالإطلاع على مخزونها، وخصَّ الرهبان بالدرجة الاولى، حيـث شيَّد مدرسة في دير مارفِثيون وعهد الى رهبان ديرصليبا المُسمى بـ"دير صرصر" وخصَّصَ لهم الأرزاق. وتلى هذه المدرسة تأسيس ثلاث مـدارس اخرى هي: مدرسة ديركليلـيشوع ومدرسة دارالروم ومدرسة ديرماركبرئيل بالموصل المعروف بـ"الدير الأعلى". ويقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان1 ص 391) يُعتقد بأنه كان لتلاميذ هذه المدارس دور بل حقٌ ونفوذ في انتخاب البطريرك. ولم يتوانَ سبريشوع الثاني عن بناء الضِيَع، وفي سبيل توفير نفقات المدارس والكنائس والإعتناء بالغرباء كان يُقسِّر على نفسه. وافى الأجلُ سبريشوع عام 835م ودُفن الى جانب أسلافه في ديركليليشوع .

42 - البطريرك إبراهيم الثاني المرجي 837 – 850م
يذكر توما المرجي (كتاب الرؤساء ص 143) بأنَّ إبراهيم كان مِن مواليد قرية  "بيث ادري" بمنطقة المرج بالقرب مِن شملث "شرمن". وهو إبن شابور المُتعّبِّد للشمس هو وأهالي قريته، وكان هذا الأمرُ يُسببُ ألماً لميطرابوليط حِدياب "مارن عمه"  دفعه الى لعن القرية فأصابها الخراب وقتل شابور وانتقل السكان الناجون الى شملث... يظهر أن إبراهيم كان مؤمناً ومال الى الحياة الرهبانية، فانخرط في دير بيث عابي الشهير وتلقى العلم فيه، وبعد مرور مدة رُسم اسقفاً لحديثة الموصل. نقتبس بتصرُّف مما كتبه القس بطرس حَداد في (مجلة بين النهرين ص 140 تاريخ 5 /12 / 1990) بعد وفاة البطريرك سبريشوع الثاني، احتدمَ الخلاف والتنافس بين المُتنفذين الذين بحكم مراكزهم في الدولة العباسية، أصبحت الشؤون الكنسية مرهونة بإرادتهم، والفريق الأقوى هو المُنتصر. فهنالك الطبيب سلمويه بن بنان وأخوه إبراهيم أمين الخزينة وحارس ختم الخليفة، وقفا الى جانب إبراهيم ورشحاه للبطريركية  وأيَّدهما في ذلك أهلُ الحيرة وكُشكُر، بينما وقف بختيشوع الطبيب وأهلُ الأهواز الى جانب آبا ميطرابوليط جنديسابور الذي حظيَ بموافقة  الآباء الأساقفة وتوَجَّه الى المدائن ليُرسَمَ هناك حسب التقليد الكنسي. ولكن ليس كُلُّ ما يتمنّاه المرءُ يُدركُه، ففيما كان آبا في طريقه الى المدائن، كانت مفاجأة ٌبانتظاره حيث قام حاكمُ بغداد وتوجَّه بأمر الخليفة المُعـتصم ليوقف الرسامة ويعتقلَ آبا ذاته، وجرى كُلُّ ذلك إكراماً لسلمويه طبيب المُعتصم المُفضَّل. وكان هذا التنافسُ سبباً في شغور الكرسي البطريركي نحو سنتين حتى فُرضَ إبراهيمُ بطريركاً بأمر المُعتصم، وقد أحدثَ هذا الفرضُ شرخاً في صفوف أبناء الكنيسة، دام سنين طويلة. ولدى وفاة آبا إستقـرَّت الرئاسة لمار إبراهيم.
واختلف المؤرخون حول كفاءة البطريرك إبراهيم، ففي حين يمدحه صليبا(المجدل ص 70) بقوله <كان عاقلاً متواضعاً كثير الرحمة قليل العِلم، وان الامور استقامت له ودبَّرَ تدبيراً حسناً> بينما يقول إبن العبري (التاريخ الكنسي2 ص 190 ــ ماري / المجدل ص 78) <إنَّه سلَّم الامور بأيدي أفرام بن اخته وحوريشاه إبن عمِّه وحنوخ تلميذه الذين تصرَّفوا بالشؤون الكنسية المالية على هواهم، وأساؤوا الى التلاميذ، وعكفوا على جمع الأموال، حتى أنَّ حنوخ هرب مع مبلغ مِن المال واعتنق الإسلام.  وسارت الامور على أسوأ حال، ولم يكن للبطريرك عزم للتدبير ولا  طاقة  لإيقاف المساويء عند حدِّها> أما توما اسقف المرج والمؤرخ الشهير وقد شغل أمين سرالبطريرك إبراهيم الثاني فترة مِن الزمن، فإنَّه يُطريه مدحاً وثناءً. تُوفي إبراهيم الثاني بعد 13 سنة مِن تولّيه الرئاسة، ودُفن بدير يزدفنة في الحيرة. وقيل بأنَّ رفاته أُهين في عهد المتوكل، حيث أُخرج مِن قبره ورُميت عظامُه في النهر، وإنَّ نوراً إستمرَّ يُضيئُها لعدة أيام.

بعد رحيل البطريرك طيمثاوس الكبير ورحيل الخلفاء العظام المنصور والمهدي والرشيد والمأمون، فترَ كثيراً الإهتمام بالعلوم، مِما أدّى الى تقلُّص نفوذ العلماء والأطباء. ومِن الناحية الكنسية، فإنَّ البطاركة الذين أعقبوا طيمثاوس الأول كانوا كباراً في السِنِّ ضحيلي العِلم، ولم يتمتع أيٌّ مِنهم بشخصيةٍ قوية، وكانت فتراتُ رئاستهم قصيرة المدة، فكانت هذه العوامل إشاراتٍ لدخول الكنيسة الى مرحلةٍ صعبة في مسيرتها، بعد المجد والإزدهار اللذين عرفتهما في عهد طيمثاوس.

الخليفة العاشر القاسي
10 - الخليفة المُتوكِّل 847 - 861م
يروي المسعودي في (التنبيه والاشراف ص 313 - 314) بأنَّه جعفر أبو الفضل بن الرشيد. إتَّخذ لقب المتوكل. كانت امُّه خوارزمية وتُدعى "شُجاع" إختلف بسياسته كلياً عن سياسة أسلافه، حيث قام بنبذ مذهب المُرتزقة واضعاً حداً للمحنة وعائداً للسنة باسلوبٍ تدريجي، وكانت البداية بدحض الأفكار والإجتهادات المُخالفة، وبإبعاد الموالي الأتراك عن شؤون الدولة، وبذلك استتبت له الامور، فأقدم على تنظيم ولاية العهد بين أبنائه الثلاثة، فكان حظه عظيماً في الدنيا نال مِنها مُبتغاه، مؤثراً الهزلَ والأُنس والمضاحك وهي من الامور التي لا يليق بالملوك بل تشينُهم، حتى أنَّ السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 346) قال: <الخلفاء الثلاثة أبو بكر الصديق ( ر) في قتل أهل الردة، وعمر بن عبد العزيز في رّدِّ المظالم، والمتوكِّل في إحياء السنة وإماتة التجهّم> وقيل بأنَّ نوبات غضبٍ كانت تنتاب المتوكل بكثرة، يَصُبُّ جامها على المسلمين والمسيحيين. وأدَّت إحدى سورات غضبه الى القتل ومُصادرة الأموال، حيث يقول المؤرخ صليبا في (المجدل ص 71) <إنَّه قتل كثيراً مِن الكتاب، واستصفى أموالَهم وهدمَ منازلَهم، ولقيَ أهلُ الذمة مِنه الشدائدَ وكُلَّ أذى ومكروه> وفي عام850م أمر المتوكِّل بهدم قبر الحسين بن علي في كربلاء، وعيَّنَ قاضياً مِن أبناء السنة، ومَنعَ تدريس الكلام أو تعليمه، وأن يَكون القرآن والسنة أساساً للسلوك والتعليم. وفي العام ذاته أصدر الخليفة أمراً ضِدَّ المسيحيين واليهود، بدفع ٍمِن الفقهاء المُتزمتين السنيين الذين كان يعصرهم الحسدُ والغيرة مِن المسيحيين لإشغالهم مناصب مرموقة في الدولة، ولأنَّ المتوكِّل كان يحتاج الى دعم هؤلاء الواشين ومُساندتهم له، ولإرضائهم أصدر هذا القرار الجائر الذي يقضي بتنفيذ قوانين بالية ومنسية ضِدَّ المسيحيين، سـنَّها أسلافه أحياناً تحت ظروفٍ مُحرجة، علماً بأنَّ القرآن لا يأمر بها ولا يقبل بها الخُلق الإسلامي الصحيح، وكان تبريرُ الخليفة لإتخاذه هذا الأمر هو العودة الى الأحكام التي فرضها العُمران الأول أوالثاني بحقِّ الذميين.

ويعتقد الناقدون المتأخرون، كما يقول المسعودي في (مروج الذهب4 ص 86) بأنَّ تلك القوانين أصدرها أصحابُ المتوكل ذوو التأثير الكبير عليه، وبتأثير ٍمباشر مِن الفتح بن خاقان التركي، الذي كان مُولّى الخليفة وأغلبَ الناس عليه وأقربهم مِنه . وكانت تلك الأحكام أو القوانين على نوعين، وكُلُّ نوع ٍ يشتمل على ستِّ مواد. ومواد النوع الأول الست وُضعت لحماية الإسلام وهي تتفق وروح الشريعة الإسلامية، وأية مُخالفةٍ لها تضر بالعهود"الدُعائية" الممنوحة لحماية المسيحيين وهي التالية: <كُلُّ تهجُّم ٍ، وإن بالأقوال، على المُسلميـن أو على القرآن أو على النبي، واهتداء مُسلم ٍ،  وظُلم يُقترَف ضِدَّ مُسلم ٍ أو أمواله، وكُلّ صلةٍ بامرأةٍ مسلمة للزواج أو للفجور،  ومساعدة أعداء المسلمين>.

أما مواد النوع الثاني فيُرَجَّح صدورُها عن الفقهاء، وقد اعتبروها غير مُخالفة للعهود المزعومة وهي كما ذكرها المؤرخ صليبا في (المجدل ص 71) .

>  منع قرع النواقيس وتلاوة المزامير عـلناً .
>  عدم عرض الخمور والخنازير والصلبان أمام الأنظار .
>  عدم إقامة بناياتٍ أعلى مِن بيوت المسلمين .
>  عدم الإحتفال العلني بالمآتم .
>  منع ركوب الخيل واستعمال السُرج لركوب البغال والحمير  .
>  منع المسيحيين مِن استعمال أسماء أو ألقابٍ اسلامية .

بالإضافة الى إجرآتٍ اخرى مُشينة. إنَّ هذه المثالب المُرتكبة ضِدَّ المسيحيين، إضطرَّت الكثيرَ مِنهم الى اعتناق الإسلام ليتخلَّصوا مِن التعسُّف ومُصيبة الذلِّ. كانت تلك المواقف والإجرآت نابعة مِن نفوس ٍ موبوءة بداء التعصُّب الديني المقيت والحسد المُميت، وكان هذا المرض يُعاود بين فترةٍ واخرى، وقد أصاب بعد العرب المغولَ ثمَّ العثمانيين.

43 - البطريرك تيودوسيوس الأول 853 - 858م
بعد وفاة البطريرك إبراهيم الثاني في 16 أيلول عام 850م ، تدخَّل المسيحيون العلمانيون كالعادة غير مفسحين المجال للأساقفة لإختيار مًن يتصف بالمؤهلات اللائقة بالمنصب البطريركي، إلا أنهم رأوا قي الأمر عُسراً. وعندما أجمع الأطباءُ بختيشوع ويوحنا بن ماساويه واسرائيل بن زكريا الطيفوري وكان الأخير طبيب الفتح بن خاقان أمين سر الخليفة المتوكل، على اختيار يوحنا مطران دمشق، أُصيب الأخير بالشلل قبل أن تُجرى رسامتُه. فاختاروا ميخائيل الكُشكُري اسقف الأهواز، وهذا أيضاً بسبب عارض ٍ مفاجيء طرأَ في حلقه أفقده الحياة. فأوكلوا دور الإختيار الى الكُتاب، إبراهيم بن أبي نوح الأنباري وعثمان بن سعيد مسؤول بيت المال، فاختارا إبراهيم اسقف كُشكُر، ولكنَّ هذا أيضاً داهمه مرضٌ أودى بحياته. وبعد ذلك اختاروا ايشوعداد اسقف الحديثة ولكنَّه رُفضَ مِن قبل الناخبين. عندها يقول المؤرخون (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 192 - 194 ــ صليبا / المجدل ص 72 ــ ماري / المجدل/ ص 78) أُنيط أمر الإختيار ببختيشوع الطبيب، فاختار مطران جنديسابور الباجرمي الأصل "تاذاسيس" أو"تيودوسيوس" وكان لفترةٍ مِن الزمن اسقفاً للأنبار، وحظيَ الإختيار بتأييد الخليفة.
وكانت المؤامرات تُحاكُ في الخفاء، فما كاد ينقضي شهر على رسامة البطريرك الجديد، حتى تغـيَّر رأيُ الخليفة بالبطريرك وببختيشوع ذاته، وذلك نتيجة ايقاع منافسي  بختيشوع به  بزعامة إبراهيم بن أبي نوح الأنباري أمام المتوكل. فأمر الخليفة بسجن البطريرك وسحب حظوته مِن الطبيب بختيشوع. وكان منافسو بختيشوع قد أوغروا صدر الخليفة ضِدَّه، وأغروه بالإستيلاء على أمواله الطائلة مدفوعين مِن غيرتهم القاتلة، حين يرون بذخه المُفرط  ومجيئَه الى البلاط كُلَّ يوم في عربةٍ فاخرة مِن الأبنوس، وقد أباح لنفسه الزواج مِن إمرأتين في آن ٍ واحد، أنجبت الواحدة إبناً سمّاه جبريل والثانية إبناً آخر دعاه يوحنا، وهذا سيصير مطراناً على الموصل. فلم يكن غريباً على المتوكل الجشع أن ينتقم مِن بختيشوع طمعاً بأمواله. ويقول المؤرخ المونوفيزي إبن العبري(التاريخ السرياني ص 158) <إنَّ بختيشوع كان يُمضي أول الليل في الأكل والشرب واللهو، وكان يقوم في منتصف الليل ويعكف على الصلاة ثمَّ على قراءة الإنجيل حتى انبلاج الفجر. وفي الصباح كان يتوجَّه الى البلاط. وظهرت نوايا المتوكل فيه إثرَ وليمة كبرى أقامها له الطبيب في منزله الخاص، فاستولى على جميع أمواله. وعاش بختيشوع في الفقر والعوز الى أن وافته المنية في البحرين سنة 870م> وقيل بأن ما تبقى في منزل بختيشوع مِن الحطب والفحم والخمر، اشتراه حسين بن مقلد بستة آلاف دينار، ومن ثمَّ باعه باثني عشر الف دينار. أما أثمان ممتلكاته والأموال التي صادرها المتوكل أضافت الى موجودات الخزينة عشرة ملايين درهم.

وأمر المتوكل بتنفيذ الأحكام التي جدَّدها عام 850م ضِدَّ المسيحيين، فهُدِمَت بعض الكنائس والأديُرة، وطرد الكهنة والشمامسة مِن سامراء، وطبِّقت على المسيحيين عدة إجراءات مُجحفة ومُذِلة، حيث يقول المؤرخ القلقشندي في (صبح الأعشى1 ص 415 ، القاهرة 1919) بصددها ما يلي: <وقد أدَّت هذه الإجراءات الى اجتياز عددٍ مِن الكُتّاب المسيحيين الى الإسلام وبلوغهم أعلى المناصب في الدولة، أمثال عيسى بن فروخنشاه، وأحمد بن اسرائيل الأنباري والإخوة بني مخلد مِن ديرقوني...  وكانت مُساهمة الجاحظ المتزمت الكبير بالغة التأثير للحط  مِن كرامة ومكانة المسيحيين مِن خلال كتاباته المُغرضة والإفترائية، وبخاصةٍ في كتابه "الرد على الـنصارى"  واقتدى به المُنقلب على المسيحية "علي بن سهل الطبري" الكاتب السابق لدى المازيار بن قارن بن بندار هرمس، الذي أقامه المأمون حاكماً على منطقة جبال طبرستان، ثمَّ أعلن العصيان عليه، ولكنه غُلب على أمره في عهد المتوكل، وأُخذ الى سامراء وقتل. وكان بنو خاقان هم مؤجِّجي نار هذا التعصُّب الديني المقيت جاعلين مِن المتوكل العوبة بأيديهم.

ظلَّ الوضعُ بالنسبة للمسيحيين على حاله مِن السوء في كافة مناطق البلاد حتى عام857م الذي توفي فيه طبيب المتوكل ذو الأفضلية الاولى لديه يوحنا بن ماسويه. فأمر الخليفة أن تُقامَ لطبيبه الجنازة بأبهى مظاهرها. فاُخبرَ بخلوِّ سامراء مِن الكهنة والشمامسة إذ قد طردوا مِنها منذ زمن.  وظهرت الدهشة على الخليفة كمَن تفاجأَ بالأمر، فإذا بموقفه يتغيَّر كلياً. فأمر بالإفراج عن البطريك تيودوسيوس فوراً، ومِن الجدير بالذكر، بأنَّ البطريرك مكث مُلقىً في السجن لمدة ثلاثة أعوام ونصف في بغداد أولاً ثمَّ في سامراء، لإتهامه بالمُوالاة للروم، ولدى استنطاقه أمام الخليفة مرة ً نفى عن نفسه هذه التهمة،  فسأله الخليفة القسم ، لكنَّه رفض قائلاً "إنَّ رؤساء الدين لا يُقسمون" والى جانب أمر الإفراج عن البطريرك أمر الخليفة بأن يُدعى الكهنة والشمامسة للقدوم الى سامراء والبقاء فيها.. وعقب الإنتهاء مِن مراسيم دفن يوحنا بن ماساويه، تقدم الأطباءُ والكُتّاب المسحيون مِن المتوكل بطلبِ السماح للبطريرك للعودة الى مقرِّه في بغداد. فأصدر أمراً الى حاكم بغـداد بأن يُجرى للبطريرك استقبال كبير لائق بمقامه.

وفي عام 858 م قصد الخليفة المتوكل زيارة دمشق، وصادف وجودُ ميطرابوليط نصيبين فيها آنذاك، فهيَّأَ للخليفة استقبالاً رائعاً دهش له الخليفة. ولدى سؤال المتوكل أمين سِرِّه الفتح بن خاقان عن منظم هذا الإستقبال الفخم، قال له، إنَّه سرجيس ميطرابوليط نصيبين الكلداني، فأمر باستقدامه لديه،  فمنحه للحال عشرة آلاف درهم.  وأراد الخليفة أن يُكافئَه بشكل أكبر، وفكَّر أن يأمر بإقامته بطريركاً بدلاً مِن ديودوسيوس، ولكنَّ أمين سرِّه الفتح بن خاقان، قال له بأنَّ مثل هذا الأمر لا يقبله المسيحيون. فطلب الخليفة إبلاغه عند وفاة البطريرك تيودوسيوس الحالي . وكان هذا الحدث عاملاً آخر في تثبيت موقف الخليفة الجديد مِن المسيحيين. وتحوَّلت أحوال المسيحيين الى الأفضل، وشرع كبارُ رجال نصيبين بالوفود الى الميطرابوليط سرجيس بمناسبة نيله الحظوة لدى الخليفة. ويقول ماري في (المجدل ص 80 والأب فييه / المسيحيون السريان... ص 100) بأنَّ البطريرك تيودوسيوس لم يلبث أن مات في السادس مِن تشرين الثاني لنفس العام 858م، وبذلك صار الطريق مُمَهداً أمام الميرابوليط سرجيس لتولّي الكُرسيِّ البطريركي. وتمَّ دفن البطريرك تيودوسيوس في دير كليليشوع اسوة بأسلافه.
44 - البطريرك سرجيس الأول 860 - 872م
إنَّه باجرميُّ الأصل مِن بيث كَرماي أُقيمَ مطراناً على نصيبين، وقد ذكرنا بأنَّه استغلَّ وجودَه بدمشق أثناء مرور الخليفة المتوكل بها، فاحتفى به  بإعداده له استقبالاً عظيماً، فوعده الخليفة بمكافأة أرقى مِن المنحة المالية التي نفحه بها وفي أول مناسبة سانحة. فكانت وفاة البطريرك تيودوسيوس مُناسبة مؤاتية، فأوعز الخليفة بأن يخلفه سرجيس، وبالرغم مِن الأمر الملكي، فإنَّ بعض أساقفة الكنيسة أعربوا عن احتجاجهم، رافضين أن يتقلد مطرانُ نصيبين منصب البطريرك، إذ كان يُنظر الى كُرسيِّ نصيبين الميطرابوليطي، بأنه كُرسيٌّ قد سبَّب في الماضي متاعب جمة للكنيسة، إذ لا يزال في ذاكرتهم ما ارتكبه برصوما النصيبيني في القرن الخامس مِن تطاول على الجاثاليق بابوي وتسبُّبِه بمقتله، وما قام به يوحنا الداساني مِن تآمر في أواخر القرن السابع ضِدَّ البطريرك حنانيشوع الأول ( الأعرج ) وتمكَّن مِن عزله، هذا كان سبب احتجاج الأساقفة وتردَّدهم في الموافقة على سرجيس مطران نصيبين الذي رشَّحه الخليفة.
ومع كُلِّ ما شعروا مِن استياء بخصوص هذا الترشيح، لم يكن بمقدورهم إلا الرضوخ لرغبة الخليفة. ورُسم سرجيس بطريركاً في 31 /7 / 860م. وبالرغم مِن أن سرجيس اعتلى الكرسي البطريركي بإرادة السلطة الحاكمة، فإن المؤرخين قد أحجموا عن ذِكر علاقاته بها. ما عدا المؤرخ صليبا في (المجدل ص 73) حيث يقول بأنَّه < رسم عدة أساقفة لمختلف المراكز المسيحية، وقام بتجديد هيكل مار يونان>. إلا أن ماري في (المجدل ص 53) فيقول: <إنَّ الناس فرحوا برئاسته، وانه لم ينحدر الى دير قوني، بل عاد الى بغداد ثمَّ ذهب الى "سُرَّ مَن رأى" ليكون قريباً مِن السلطات في إدارة شؤون كنيسته، وان النصارى تخوَّفوا لدى موته مِن دفنه في دير يزدفنه في الحيرة لِما جرى لإبراهيم المرجي، فحُمِلَ الى دير كليليشوع في بغداد>.
وبرز في هذا العهد مِن المسيحيين، دُليل بن يعقوب كأمين سِرِّ الأمير التركي"بغا الصغير" الملقب بالشرابي، وكان الطبيب إبن سرجويه أيضاً بين خاصته. أما حُنين بن اسحق فقد بلغ في هذا الزمان الى الذروة في حقلي العِلم والطب، وكان مسيحياً ملتزماً وجريئاً الى الإسلام. وكانت هذه الظاهرة الجديدة التي اعتمدها المُسلمون مدعاة مدح ٍ مِن قبل الملكي "قسطاً بن لوقا" لأنها تُمثل وسيلة العقل والمنطق للتدليل على صحة ديانتهم. وقد تضمَّن ردُّ حُنين على المسلم بن المنجم شيئاً مِن العنف مُفحِماً إياه ومؤكداً له، بأنَّه متمسِّكٌ بديانته المسيحية ويعتبرُها الديانة الصحيحة، وقطع بذلك حبلَ التواصل بينه وبين بن المنجم بهذا الشأن. ولكن الغيرة القاتلة تدفع بصاحبها الى فعل كُلِّ شيءٍ لإيذاء المُغار منه، وهذا ما فعله بختيشوع واسرائيل الطيفوري عندما إتَّهما حُنين بأنه مِن أنصار مُحطمي الأيقونات، وسعيا به الى المتوكِّل الذي أحال أمره الى البطريرك سرجيس. ويدَّعي المينوفيزي إبن العبري في (تاريخ مُختصر الدول ص 252) بأنَّ البطريرك قام بحرم حُنين ويقول بالنص: <إنَّ حنين "قطع زنّارَه" وتعني هذه العبارة أنَّه أسلمَ، لأنَّ الزنّار كان العلامة الفارقة المفروضة آنذاك على المسيحيين. وانصرف الى داره ومات مِن ليلته فجأة، وقيل أنه سقى نفسه سُمّاً، والغريب أنَّ هذا الإدعاء الإفترائي مِن إبن العبري، لم يتطرَّق إليه المؤرخون المسلمون أنفسهم، والكُلُّ يُقرِّون بأنَّ العالم النحرير والطبيب الشهير حُنين مات مسيحياً عام 873 م.

11 – الخليفة المُنتصر 861م
ولكنَّ اللهَ إن أمهَلَ المُعتدي فلا يُهمِلُ عقابَه عاجلاً أو آجلاً. وهكذا فإنَّ الخليفة المتوكِّل الجائر وأمينَ سِرِّه الفتح بن خاقان الخبير بالتآمر، تعرضا للإغتيال في الحادي عشر مِن كانون الأول لعام 861م على أيدي"المُنتصر" إبن المتوكل ومناصريه. واستولى محمد بن جعفر المتوكل الذي إتَّخذ لقب "المُنتصر" على الخلافة، ولكنَّ الحُكمَ لم يَطُل به سوى ستة أشهر، ويُقال بأَنَّه مات مسموماً،  بتدبير مِن إخوته الذين اعتبروا موقفه مِنهم عدائياً، وكان قد بلغ مِن العمر خمسة وعشرين ربيعاً. وتسارعت الأحداث نتيجة صراع الأمراء العباسيين على الخلافة. فاحتلَّ منصب الخلافة عام 862م بعد موت المُنتصر أحمد بن محمد بن محمد المُعتصم.

12 - الخليفة المُستعين بالله 862-866م
إنَّه احمد بن محمد حفيد المُعتصم، وكُنِّيَ بـ"أبي العباس" كانت أُمُّه صقلبية وتُدعى خوارق. وكان الضغط الذي مارسه على المُستعين مُنافسوه كبيراً لم يستطع مقاومته، فاستقال ناوياً المكوث في بغداد والعيش فيها، بيد أنَّ المُنافسين ظفروا به واغتالوه في تشرين الأول عام 866م وهو في الخامسة والثلاثين مِن عمره. ولشُدَّ ما كانت حيرة الأمناء والكُتّاب المسيحيين مِن الصراع المُستعر بين هؤلاء الأمراء للإستيلاء على السُلطة.

13 - الخليفة المعتز بالله 866-869م
يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 359) والمسعودي في (التنبيه والاشراف ص 316 ومروج الذهب4 166)  <بعد اغتيال المُستعين بالله بويع بن جعفر المتوكِّل بالخلافة عام 866م واتَّخذ لقب "المُعتز بالله" كانت أُمُّه رومية واسمها قبيحة. حاول المُعتز بالله أن يسير على النهج الياسي لوالده المتوكل، إلا أنَّ الإخفاقَ كان ملازماً له في كُلِّ محاولاته، بسبب انعدام حزمه وضعف رأيه وانهماكه في الملاذ واللهو. وكان سيَّ التصرف مع مُساعديه المحيطين به مِن المسلمين والمسيحيين. وكان إبراهيمُ بن ايوب الأبرش طبيبُه المسيحي الخاص، ووضع إبنه اسماعيل تحت عنايته. ولتمادي المُعتز في أعماله المُشينة، أُرغمَ على تقديم استقالته عام 869م ، واودعَ زنزانة ً فتضوَّرَ جوعاً ومات عن عمر أربعةٍ وعشرين عاماً.
14 – الخليفة المُهتدي بالله 869-870م
يقول السيوطي (تاريخ الخلفاء 361) والمسعودي في (التنبيه ولاشراف ص 318) <بعد إرغام المعتز على الإستقالة، بويعَ محمد بن هارون الواثق  واتَّخذ اسم "المُهتدي بالله"  لقباً له . وكُنِّيَ  بـ"أبي اسحق" كانت أُمـُّه رومية وتُدعى "قرب" ويُقال وردة. وقال المسعودي عنه في (مروج الذهب4 ص 183) (( إنَّه كان ورعاً، وكاد أن يكون في بني العباس مثل عمر بن عبد العزيز في بني أمية هدياً وفشلاً قصداً وديناً ))  ويُضيف بالقول: <إنَّه جلس في قبة المظالم للعام والخاص، وأمر بالمعروف ونهى عن المُنـكر، وحرَّمَ الشرابَ ونهى عن القيان وأظهـر العدل> ويقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 363) كان المُهتدي بالله صارماً الى حَدِّ الإزعاج والإستياء. إنَّه استطاع تصفية الكثير مِن خصومِه، إلاّ أنه لم يصمد أمام خصمه الأكبر"التركي موسى بن بغا الكبـير" حيث تمكّنَ الأخيرُ مِن اقتحام سامراء في الثلاثين مِن كانون الأول عام 869م واعتقل الخليفة المُهتدي، وبعد فترة غير طويلة دارت معركة بين مقاتلي التركي موسى وبين أنصار المُهتدي، فانهزم جيش الخليفة، فقضيَ على الخليفة عصراً على خِصيتيه ومات. أما المسعودي فيقول في (مروج الذهب4 186) بأن الروايات حول موت المُهتدي بالله فقد تباينت. والى الجزء الخامس عشر قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 1/3/2015

72

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثالث عشر
طيمثاوس والطوائف المسيحية الأخرى
وعلى ضوءِ ما تقدَّمَ ذِكرُه، تُرى، كيف كانت علاقاتُ طيمثاوس مع أبناء الكنائس الاخرى المتواجدين في بغداد وفي مناطق اخرى ضمن الرقعة الجغرافية للكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية، ولكُلٍّ مِن هذه الكنائس رئاسة خاصة ومُعتقد وتاريخ!؟ لقد ذكرنا في الجزء الثاني مِن كتابنا هذا (تاريخ بلاد الرافدَين/الكلدان والآثوريون عبر القرون) كيف توغَّلَ الكلدانُ اليعاقبة المونوفيزيون في الشرق، ومنذ منتصف القـرن الخامس، وإنَّ الإضطهادَ العنيف الذي شَنَّه عليهم برصوما مطرانُ نصيبين النسطوري الشهير في نهاية ذلك القرن لم يقضِ عليهم بالكامل، فقد عاودوا الإنتشار ثانية وكان أزخمَه في مطلع القرن السابع، حيث لملموا شمل جماعاتهم وركَّزوا قواهم في منطقتين هما: الاولى منطقة دير مارمتي الواقع في سفح جبل مقلوب أو الالوف. والثانية منطقة تكريت. ومالت الظروفُ لصالحهم على عهد كسرى الثاني أبرويز بواسطة جبرائيل السنجاري المونوفيزي طبيبه الخاص  حتى أنهم بحسب قول المؤرخ المونوفيزي إبن العبري(التاريخ الكنسي2 ص 123 - 124) تمكَّنوا مِن تشكيل 12 أبرشية وَقتَ انتخاب ماروثا ميطرابوليطاً لتكريت، ولكن الأب لابور (المسيحية في الإمبراطورية الفارسية ط2 باريس ص 240 - 241) ينفي هذا الرقم ويقول بأنَّه مُبالغ ٌ فيه مستنداً الى ضآلة عدد نفوسهم وضيق رقعتهم الجغرافية.

يقول إبن العبري (التاريخ الكنسي2 ص 155 - 158) بأنَّ تقارباً نوعياً حدث بين الكنيسة الكلدانية النسطورية والكنيسة الكلدانية اليعقوبية المونوفيزية بعد الغزو العربي الإسلامي واستيلاء المسلمين على المدائن وإعلانهم الإسلامَ ديناً للدولة. وقد سبق لنا القول  في الفصل الثامن بأن حادثة تعرَّضَ لها البطريرك النسطوري (يعقوب الثاني 754- 773م) والبطريرك اليعقوبي (جرجيس 758- 790م) قد اُلقيا بسببها في السجن على عهد الخليفة المنصور ولحق بهما الى السجن بطريرك أنطاكيا للملكيين الكاثوليك. ويظهر أن وجودهم في السجن أحدث لديهم القناعة بأن أعداءَ المسيحية حُكاماً كانوا أو عاديين لا يُفرِّقون بين مَن هو نسطوري أو يعقوبي مونوفيزي أو ملكي كاثوليكي، ولذلك فلا جدوى مِن استمرار المشاحنات، وللحال إبتدأَ التفاوضُ بين البطريركين النسطوري واليعقوبي، أسفرَ عن قيام النساطرة في نصيبين بإعادة كنيسة دومطيانوس الكبرى الى اليعاقبة، وبدورهم اليعاقبة سمحوا لأسقف الطيرهان النسطوري صليوازخا ببناء كنيسةٍ في قلب تكريت.
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                               ولم ينقطع بعد ذلك التفاهمُ والإتصالُ بين النساطرة والمونوفيزيين اليعاقبة في عهد طيمثاوس الأول، بل كثيراً ما أشار طيمثاوس في رسائله الى اليعاقبة مُعبِّراً عن موقفه مِنهم. ويُضيف إبنُ العبري في المصدر السابق(الصفحة 181 - 182) بأن جدالاً جرى بين مارطيمثاوس وجرجيس اليعقوبي ولكن ذلك الجدال قد فُقِد. كما أن البطريرك طيمثاوس فقد أقرَّ بشرعية العماذ لدى اليعاقبة، إذ في حالة عودة أي يعقوبي مونوفيزي الى أحضان الكنيسة الكلدانية النسطورية لا يحتاج الى عماذٍ جديد، لأن العماذ يتمُّ للجميع باسم الثالوث بغضِّ النظر عن الفوارق الاخرى. وإنَّ طيمثاوس بصفته عالِماً نِحريراً أبى التمييز بين النساطرة واليعاقبة والملكيين.  والدليل على ذلك هو استعانته بأبي نوح الأنباري وتعاونه مع أيوب الملكي لدى قيامه بترجمة كُتُب آرسطو الى العربية، كما طلب مِن الربان فثيون الذهاب الى دير مارمتي للإطلاع على بعض النصوص ضمن مخطوطات الدير. وكم مِن مرةٍ ناشد صديقه سرجيس: يوم كان لا يزال مديراً لمدرسة باشوش: ليذهب الى ديرمارمتي ويـَبحث عن مخطوطات وكتابات الآباء الموجودة في مكتبته والإطلاع على بعض الترجمات. وكان طيمثاوس شديداً بمواقفه تُجاه المسيحيين الآخرين، يتّخذها بصفته رئيساً للكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية الكبرى، ومسؤولاً للحفاظ على ارثوذكسية "استقامة" كنيسته والذود عنها وعن تعاليمها التي يُعَبَّر عنها بالمصطلح النسطوري.

وبالرغم مِن مكانة بطاركة المشرق النساطرة المرموقة وبخاصةٍ طيمثاوس الأول مِنهم، فليس هنالك ما يؤَيد إذا كانت سُلطتُه تسري على بقية مسيحيي المشرق مِن غير النساطرة. ولكن مثل هذه السيطرة بدأَت على عهد البطريرك (إبراهيم الثالث 906 - 937 م) حيث رفض أن يكون للبيزنطيين اسقفٌ في بغداد. كما أنَّ ماري أوردَ في (المجدل ص 135) بأن الخليفة القائم بأمر الله، أصدرَ مرسوما لصالح البطريرك (عبديشوع الثاني 1075- 1090م) هذا نَصُّه: <أوعزَ الخليفة ترتيبَكَ لنسطور النصارى في مدينة السلام والأصقاع وزعيماً لهم وللروم واليعاقبة طرّاً ولكُلِّ مَن تحويه ديارُ الإسلام مِن هتين الطائفتين مِمَّن بها يستقِر وإليها يطرأ، وجَعَلَ أمرَكَ مُمتَثلاً>.
ولم يكن لطموح طيمثاوس حدودٌ في جعل كنيسته تنبض فيها الحياة ُ متدفقة بنشاط ٍ رسوليٍّ غير مُقتصرعلى مثواها الأصيل فحسب، بل ليتعدّاه الى مُختلف بقاع الشرق النائية كالهند واليمن والصين والمناطق القريبة مِن بحر قزوين، وللراغب في الإطلاع على هذا الإنتشار العجيب عليه الرجوع الى (كتاب الرؤساء لتوما المرجي / ترجمة الأب البير أبونا ص 212 - 230) وجرى كُلُّ هذا النشاط  الهائل بالرغم مِن وجود الكنيسة في محيطٍ إسلاميٍّ كثيف! وذلك بفضل فطنة وحكمة قائدها طيمثاوس. وجاء في (خـُلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ الكاردينال تيسيران / ترجمة القس/المطران سليمان الصائغ ص 77) <وفي أواسط القرن السابع بذل ايليا مطران مرو قصارى الجهد في تنصير القبائل التركية المُنتشرة على سواحل الاوكسوس. إلا أن الذي وَسَّعَ أعـمال التنصير في آسيا الـوسطى هو طيمثاوس الأول (حياة طيمثاوس الأول : لابـور ص 43) وقد استخدم لتحقيق مقاصده الرسولية رهباناً مِن دير بيث عابي الذي بثَّ رُسُلَه في الأقطار. وقد جاءَ ذِكرُهم خاصة ً في تاريخ توما المرجي المُخصَّص لمشاهير هذا الدير (طبعة بج ص 238 و 259 و 265 و 278)  حيث ذكر بأن أبرشيات الكنيسة الكلدانية النسطورية زاد عددُها عن 250 أبرشية ميطرابوليطية واسقفية. بيد أنَّ هذا الجُهد العظيم أخذ بالتراجع بعد وفاة البطريرك الكبير، وبدأت حِدة التبشير بالفتور رويداً رويداً، لأنَّ خلفاء طيمثاوس لم يكونوا بمستواه مِن النشاط والغيرة، الى جانب كون عهودهم قصيرة الأمد.

طيمثاوس الكبير والخلفاء الخمسة
أ - علاقته مع الخليفة المهدي
لقد إمتدَّت فترة قيادة مارطيمثاوس الأول الكبير للكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية (كنيسة المشرق قبل تنسطرها) الى 43 عاماً، تعاقب على حُكم الدولة العباسية خلالها خمسة خلفاء. وقد تقدَّمَ بنا الحديثُ عن هؤلاء الخلفاء بإيجاز. ولكننا الآن نتطرَّق الى شكل العلاقة التي كانت لطيمثاوس بكُلِّ واحدٍ مِنهم.

قبل أن يعتليَ طيمثاوسُ الكُرسيَّ البطريركي، كان اسقفاً لبابغَش (بيث بغاش) على زمن "موسى بن مُصعـَب" حاكم الموصل الذي كان يتميَّز بالصرامة والقساوة بحسب قول ميخائيل اليعقوبي في (تاريخه2 ص 526 - 527) ومع ذلك تمكَّن الاسقفُ طيمثاوس أن يحصل مِنه على استثناء أبرشيته مِن دفع الضرائب، بفضل سلاسة حديثه وسياسته في تعامله مع الحكام المُسلمين. وما إن تقلدَ زمام الرئاسة الاولى، حتى وَجَّه اهتمامَه كما ذكر المؤرخ ماري بن سليمان في (المجدل ص 74 ) الى ترسيخ الإعتدال والتسامح الديني بين المُسلمين والمسيحيين، والعمل على بناء علاقاتٍ جيِّدة مع الخلفاء في سبيل الحصول على قسطـٍ مِن الإستقلالية الدينية لكنيسته عن طريق مرسوم خليفي. ووَجَدَ في التفاهم مع قادة الحُكم العباسي ضرورة ماسة وحيوية لخير الكنيسة فأحسن اداءَه. واستوعبَ بنظرته الثاقبة بأَنَّ بغداد ستغدو عاصمة الحضارة العالمية وسيدة الدنيا، ولكي يضمن للمسيحيين حَقَّ المُساهمة الفعالة في الحياة الثقافية والسياسية، قرَّرَ تركيز كُرسيَّه البطريركي فيها، وكان سلفُه قد نقله إليها كأمر واقعي.
 وكان للكنيسة المشرقية الكلدانية رهطٌ كبيرٌ مِن العلماء والكُتّاب والأطبّاء بالإضاقة الى ما كان لمسيحيي الكنائس الاخرى الصغيرة. فرأى مارطيمثاوس أن تقوم الكنيسة عن طريق أبنائِها هؤلاء بتأدية دور هام لخدمة المجتمع، وأن تنفذ الى صميم حياته وتُساهم في البناء العام للبلاد، وبذلك تُبعدُ عنها أية شكوكٍ أو ظنون تُحامُ حولها. كان طيمثاوس اسقفاً لبابغش أيام الخليفة أبي جعفرالمنصور، وارتقى الى الكُرسي البطريركي في عهد الخليفة (المهدي 775 - 785م) الذي يُروى عن كونه بشوشَ الطبع سخيّاً، ميّالاً الى العِلم والفلسفة هاوياً للشعر والموسيقى. أبدى تعاطفاً تُجاه المسيحيين عموماً تقديراً لعلمائِهم وأطبائِهم الذين كان يثق بهم كـثيراً ومِن بينهم طبيبُه الخاص عيسى أبو قريش. وإذ وجد المهدي البطريركَ طيمثاوس بأنَّه عالِم جليلٌ مُتمكِّن مِن عِـلم الفلك والفلسفة، إرتاحَ إليه ووثق به جداً فاستقربه منه، ثمَّ طـلب إليه أن يُترجمَ "طوبيقا" آرسطو مِن الكلدانية الى العربية. وراح الخليفة المهدي يدعوه باستمرار الى مجلسِه لإجراء النقاش في مُختلف المواضيع العلمية والدينية مع لفيف مِن الفلاسفة الآخرين. وفي بعض الأحيان يقتصر النقاش على الخليفة شخصياً والبطريرك ويدور حول شتى الامور الدينية ومِنها: (الثالوث، المسيح، المُعجزات، التنبؤات، التجسُّد،  سُلطة محمد والقرآن، جريمة اليهود، الحقيقة! وامور اخرى . . .) وقد نشر الأب بوتمان في (الكنيسة والإسلام في العصر العباسي / القسم العربي ص 7 - 57 ) نصَّ المُحاورة التي دارت بين الخليفة المهدي والبطريرك طيمثاوس.

ب - محاورة الجاثاليق والخليفة
ونقتطف بتصرُّف بعضَ المقاطع مِن هذه المُحاورة: وجـَّهَ الخليفة المهدي السؤال الأول الى الجاثاليق طـيمثاؤس قائلاً:
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                   
الخليفة: أيها الجاثاليق هل مِن اللائق برجُل ٍعالِم وذي خِبرةٍ مِثلِكَ يُصَدِّقَ بأن الله تعالى قد إتَّخذ إمرأة ًوأنجبَ مِنها ولداً؟
 الجاثاليق أجاب: يا أيها الملك مُحِبُّ الله، مَن هو ذاك الذي جاء بمِثل هذا التجديف على الله عَزَّ وجَلَّ!
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                الخليفة سأل عندذاك: إذاً ماذا تقول عن المسيح، هل هو واحد ٌ أم إثنان ؟
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                         الجاثاليق أجاب: <كما إنَّ الإنسان واحد ٌ مِن حيث التركيب والإتحاد، وهو إثنان أيضاً مِن حيث النفس والجسد (اللذين هما طبيعتان مُمَيَّزتان، إحداهما مركبة ومنظورة، والاخرى بسيطة غير منظورة) هكذا كلمة الله بتجسُّدِه صار بطبيعتين مُمَيَّزتين، إحداهما إلهية والأخرى إنسانية ومع ذلك فهو لا يزال مسيحاً واحداً وابناً واحداً، مِن أجل وحدانية شخصه> والقرآن الكريم يذكر المسيح في سورة "آل عمران3-44" <إذ قالت الملائكة يا مريم إن الله يُبشرك "بكلمةٍ منه اسمه المسيح عيسى بن مريم" وجيهاً في الدنيا والآخرة ومِن المُقرَّبين.>

الخليفة: ألا تَعتقد بأن المسيح هو إبن الله؟
الجاثاليـق: إننا نعتقد بذلك بالمطلق، فالمسيح نفسُه أعلمَنا بأنه إبنُ الله وقد أشار الى ذلك الإنجيلُ والتوراة والأنبياء، ولكن ولادتَه لم تكن كبقية الولادات البشرية، بل كانت ولادة عجيبة لا يُدركُها العقلُ البشري المحدود، ولا يستطيع اللسان وصفها، إذ تَمَّت بإرادةٍ إلهية القادرة على كُـلِّ شيء.

الخليفة: وكيف ذلك؟
الجاثاليـق:المسيح إبن مولود قبل الدهور، وليس بمقدورنا التَطرُّق إلى هذه الولادة لأننا عاجزون عَن إدراكِها، والله تعالى غيرُ قابل للإدراك بكافة صفاته. ولكن لدينا تشبيه موجود في الطبيعة الكونية هو "الشمس"  فكما تولَد الأشعة مِن الشمس، والكلمة مِن النفس، هكذا المسيح، بما أنَّه كلمة الله، وُلدَ من الآب منذ الأزل.
الخليفة: ألا تعتقدون بثلاثة آلهة بقولكم: الآب والإبن والروح القـدس؟

الجاثاليـق: لا ثلاثة آلهة بل ثلاثة أقانيم: <إنَّ الإعتقادَ بهذه الأسماء الثلاثة هو الإعتقاد بثلاثة أقانيم، أعني الآب والإبن والروح القـدس، الذين هم إله واحد وطبيعة واحدة وجوهر واحد. هكذا نؤمِن ونعتقد على ما عَلَّمنا المسيحُ نفسُه  الذي تدعونه أنتم (عيسى عليه السلام) وتعلَّمنا ذلك أيضاً مِن الأنبياء، ولنا بُرهانٌ على ذلك في المخلوقات. فكما أنَّ ملكنا مُحِبَّ الله هو واحدٌ مع كلمته وروحه، وليس بثلاثة ملوك، ولا يُمكِن أن تَنفصل مِنه كلمتُه وروحُه، ولا أن يُصبحَ ملكاً دون الكلمة والروح، هكذا الله تعالى: إنه واحد ٌ مع كلمته وروحه، وليس بثلاثة آلهة، إذ لا يُمكنُ أن ينفصلَ مِنه الكلمة والروح>. وهكذا الشمس، مع أشعتها وحرارتِها، هي واحدة وليست بثلاث شموس.

الخليفة: ألستم تَقولون بأن المسيح وُلِدَ مِن مريم البتول؟

الجاثاليق: بالتأكيد نقول ذلك ونعتقد بأن المسيح مولود مِن الآب قبل كُلِّ الدهور كونه كلمته، وهي ولادة أزلية. ومولود مِن مريم البتول بكونه إنساناً، وهي ولادة زَمَنِية ومِن غير أبٍ بشري، وبدون انثِلام ٍ لبتولية والدته .

الخليفة: إنَّ ولادة المسيح من مريم بغير زواج هي مكتوبة ومُقرَّرة، ولكن هل يُمكن أن تَتِمَّ هذه الولادة دون انثلام بتولية الوالدة؟
الجاثاليـق: مِن حيث الطبيعة يُعتَبَرُ الأمرُ مُحالاً، ومِن غير المُمكن أن يَتِمَّ بدون انثلام بتولية الوالدة، كما لا يُمكن أن يُولدَ إنسان ولا أن يُحبَلَ به أصلاً مِن دون اشتراك رجُل مع إمرأة. أما بالنسبة الى قدرة خالق الطبيعة وموجِدها، فذلك مُستطاع، وهو ما جرى للبَتول مريم بحبلِها بالمسيح وولادِتها له دون أن تَنثلمَ بتوليتُها، لأنَّ الله قادر على كُلِّ شيء ولا يَعسُر عليه أمرٌ. ولنا على هذا الأمر برهان مِن الكتاب والطبيعة، فقد جاء في الكتاب بأن حواء أخرِجَت مِن ضِلع آدم دون أن يَحدثَ للضلع خللٌ، والمسيح "عليه السلام" صعد الى السماء دون أن يتأثر الجلد، وهكذا مريم البتول ولدت إبنَها مِن دون أن تنثلمَ بَتوليتُها أو يُصيبَها ضرَرٌ .
أما مِن حيث الطبيعة : فالأثمارُ تُولَد مِن الأشجار، والروائح مِن الزهور، والنظر تُفرزُه العَين، دون أن يحدث فيها انشقاق، فتلك هي قدرة الله التي تَفوق إدراك البشر.

فإن دّلَّ ما دار بين الخليفة والبطريرك على شيء، إنما يَدُلُّ على حرية كبيرة في التعبير عن الطاقات الفكرية لدى طيمثاوس والتسامح والإنفتاح لدى المهدي! لقد حاور مارطيمثاوس الكبير الخليفة المهدي بالمُصطلح الكاثوليكي الذي استوحاهُ مِن التعليم الروحي للعالم واللاهوتي الكبير سهدونا اسقف ماحوزا اريون (حاربه بشدة الأساقفة النساطرة) صاحب الكتاب الشهير "كمال السيرة".
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                  وقال طيمثاوس في إحدى رسائله (بيداويذ رسائل البطريرك النسطوري طيمثاوس الأول رقم 77) <إنَّ هذا الأمرَ (مواجهات الخليفة) كان يجري دوماً، تارة لشؤون الدولة، وطوراً لمجرد محبة الحكمة المُتَّقدة في نفسه (نفس الخليفة). فهو في الواقع لطيفٌ، ويُحبُّ أن يتعلَّم الحكمة التي يلقاها عند الآخر> واستطاع طيمثاوس الإحتفاظـ َ بصداقة الخليفة رغم كُلِّ الدسائس التي كان يَحيكُها بعض المسيحيين مِن أعدائه  للإيقاع به أمام الخليفة ولا سيما يوسف مطران مرو المعزول الذي عارض انتخابه بشدة، ثمَّ إتَّهمَه لدى المهدي بالتواطؤ ضدَّه مع الروم، إلا أنَّه كان هناك مَن يدحض هذه الوشايات ويُطلعُ الخليفة على حقائق الامور، هوعيسى أبو قريش. ولم تأتِ المصادرُ التاريخية على شيءٍ يُذكَر عن تعاطي طيمثاوس مع الخليفة (الهادي 786 - 786م) وربما يعود  ذلك الى قصر مدة حكمه. ويقول السيوطي (تاريخ الخلفاء ص 279) بأن سياسة الهادي كانت صارمة ضِدَّ المانويين. وقد غضب جداً على أطبائه المسيحيين الثلاثة وهم: عيسى أبو قريش، داود بن سرافيون، وعبدالله الطيفوري بسبب إستعصاء شفائه على أيديهم. وكاد أن يقتلهم لو لم يُعاجله الموت.

ت - علاقته مع الخليفة هارون الرشيد
وأما عن الخليفة (هارون الرشيد 786- 809) فـيذكر المؤرخ ماري في (المجدل ص 75) بأنَّ حمدون بن علي، وشى بالمسيحيين لدى هارون الرشيد مُدَّعياً بأنَّهم يعبدون عِظام الموتى في كنائسهم، فأصدر الرشيدُ أمراً بهدم الكنائس في البصرة وغيرها مِن المدن. فتدخلت فئة مِن موظفي البَلاط المسيحيين ومِنهم: جبريل بن بخـتيشوع، عون الجوهري، عيسى أبو قـريش وابو نوح الانباري، وشرحوا للخليفة حقيقة الأمر. حينها أصدر هارون أمرَه بإعادة بناء الكنائس. وليس بمُستبعَدٍ أنَّ تدخل هؤلاء المسيحيين ذوي النفوذ قد تمَّ بدفع مِن طيمثاوس، حيث هنالك إشارة وردت قي الرسالة التي وجهها الى أفرام العيلامي مطران جنديسابور هي: <إذا سمح الله القدير باعادة بناء الكـنائس، وإذا رضي الملك بذلك، فإنَّ الأمر قد اضطرَّني الى المثول أمامه ست مرّاتٍ لهذا الشأن> (بيداويذ الرسالة رقم 39).

يُقال بأنَّ هارون الرشيد الى جانب عشقه للأنس والطرب، كان يميلُ الى الحديث والتحاور، ومِن بين جلساء ديوانه الذين يُسِرُّه التحدُّث إليهم ومُحاورتهم كان البطريرك الكلداني طيمثاوس الكبير. ويروي صليبا في (المجدل ص 65) موقفاً لطيمثاوس مع الرشيد في أحد لقاءاتهما: ومِن جملة ما جرى له معه ذات يوم عند انقضاء المجاس، قال له: <يا أبا النصارى، أجبني عما أسألك باختصار: أي الأديان عند الله حقٌّ؟ فقال له مُسرعاً: الذي شرائعه ووصاياه تُشاكلُ أفعال الله في خلقه. فأمسك عنه. فلما انفصل عن المجلس، قال: لله دَرُّه! لو قال النصرانية، لأَسأت إليه، ولو قال الإسلام، لطالبته في الإنتقال إليه، ولكنه أجاب جواباً كلياً لا دفعَ له...>
وعن علاقاته المتتابعة بينه وبين الخليفة الرشيد يقول طيمثاوس في رسالته الى سرجيس (بيداويذ رقم 77) <في نهاية تشرين الأول، دخلت ثلاثة أيام متتابعة عند ملكنا المظفر، وتلقاني بالفرح والبهجة وأعطاني 84000 درهم، كانت تعود الى دير مار فِثيون. ويُضيف في ذات الرسالة (بيداويذ رقم 77 وقي الرسالة رقم 37) قائلاً: <إنَّ الخليفة غادر الى البصرة، وإنَّه ينوي اللحاق به الى هناك. وكان البطريرك يُرافق الخليفة في بعض تنقلاته، حتى الى الحدود البيزنطية. فهو يكتب في رسالته <بدأنا السفر في السابع مِن شهر حزيران مِن هذه السنة183هـ / 799م، واستعملنا المطايا العامة لكي نُسرع في السير، مع إكرام الملك وهباته ونفقاته>.
لم يذكر المؤرخون أيَّ دور للبطريرك طيمثاوس بالشأن السياسي في عهد الخليفة (الأمين 809 - 813) ولا في عهد الخليفة (المأمون 813 - 833) ومِن الجدير بالذكر بأنَّ المأمون دخل الى بغداد في عام 819م بعد مكوثه في منطقة خرسان نحواً مِن ست سنوات، وعند دخوله بغداد كانت حياة البطريرك قد قاربت نهايتها حيث وافاه الأجل في 9 مِن كانون الثاني عام 823م .
وانتهت حياة طيمثاوس الأول البطريرك العظيم الذي قاد الكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية لأكثر مِن أربعة عقود، في ظلِّ الدولة العباسية التي ساهمت بالقدر الكبير في الحضارة العالمية، كرئيس كبير وعالِم قدير، لم يذَّخِر جهداً إلا وبذله في دفع المسيحيين الى الإنفتاح والمُشاركة في الحياة السياسية والثقافية والإقتصادية للدولة. عرف اختيارَ السبيل الأسلم والأفضل في تعاملِه مع الحُكّام المسلمين. نبذ أن يعيش وشعبه على هامش الحياة وفي الخفاء. ولم يكن إتهامُه مِن قبل البعض بالإنتهازية إلا نتيجة الغيرة والحقد والحسد! إن ما قام به كان شاهداً حياً على دهائه وذكائه. كان عهدُه مليئاً باليُمن والبركة لكنيسة المشرق الكلدانية النسطورية، حيث بلغت ذروة انتشارها. والى الجزء الرابع عشر عشر قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في   23/2/2015

73
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثاني عشر
صفات طيمثاوس الأول ومواهبُه
رئيس حازم وحكيم
إنَّ أهمَّ مصدر ثَريٍّ بالمعلومات حول البطريرك العظيم طيمثاوس الأول هو كتاب (الكنيسة والإسلام في العصر العباسي/ للأب بوتمان) إقتبستُ مِنه الكثير في معرض حديثي عن هذه الشخصية البارزة في تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية. إضمحلَّت المُعارضة وخيَّمَ السلامُ في أجواءَ الكنيسة المشرقية النسطورية، ورأى مار طيمثاوس نفسَه حُرّاً، فشمَّرَ عن ساعد الجِد وباشرَ بإدارة شؤون الكنيسة بكُلِّ ما أوتي مِن القوة والحكمة والعِلم دافعاً إيّاها الى الإزدهار والتوسع بالإمتداد نحو الآفاق القصية بشكل لم تعرف له مثيلاً مِن قبل. تميَّزَ عهدُه الطويل بالهدوء والإنسجام بفـضل إقامتِه علاقاتٍ طيبة ً مع المُسلمين، وعمل على تصفية الجو مع الفئات الأقلية المسيحية الاخرى، فنالَ احترام وتقدير الجميع مُنَوِّهين بحسن إدارته وغزارة عِلمه.  وبينما يقول ماري في (المجدل ص 74)  بأنَّ <طيمثاوس لم يكن يقدر أن يخطب في حضرة الناس> فإنه يعود لمناقضة قوله في ذات الصفحة < له رسائل في كُلِّ فنٍّ وكتاب الكوكب>  أما صليبا في (المجدل ص 65) فيُثني على عِلمِه الغزيرعلى مُختلف الأصعدة والمجالات.

طَموحٌ الى العِلم ومؤلفٌ
لم يُغر طيمثاوسَ منصبُه الرفيعُ ذو المهام الصعبة أو يُشغِله عن مواصلة توسيع قدراته العلمية على مُختلف الأصعدة،  مؤمناً بأن العِلم لا حدود له، ومهما ازتزاد منه المرء يظل يرنو الى المزيد. كتب بوفرة وفي مواضيع شتى، ومِما كتبه: ما يقرُبُ مِن مِئتي رسالة مُوَجَّهة الى أشخاصٍ ذوي شأن في الكنيسة. ألَّفَ ستة كُتُب. نقل عن اليونانية أربعة كُتُبٍ فلسفية لآرسطو. ولكن للأسف لم يسلم مِنها إلا الغيضُ مِن فيضِها حيث أتى الدهرُ على مُعظمِها. الحصيلة المتبقية مِن نِتاجه الغزير هي (59 رسالة) في مخطوطةٍ لدير السيدة حافظة الزروع المجاور لبلدة القوش، أُعطيَ لها (رقم 509) بحسب الترقيم الجديد. اودعت مؤَخراً في دير الإبتداء للرهبان الكلدان في منطقة الدورة/ بغداد.  يسبق تاريخُها القرنَ الرابعَ عشر. وصلت الى الدير مُبعثرة بدون ترتيب وبدون تاريخ. أهم المواضيع المُتناوَلة فيها هي: فلسفية ، لاهوتية، قانونية، جَدَلية، وراعوية. إهتمَّ بدراستِها كاملة العديدُ مِن الباحثين ونشروها، والبعض الآخر إختصَّ بنشر جزءٍ منها ومِن بين هؤلاء: العالِم الألماني اوسكار براون (جمعية الكتبة الشرقيين في المجلد 56) حيث نشرها كاملة عام 1914م وأرفق بها ترجمتها اللاتينية عام 1915م. وحنا شيخو (رسالة طيمثاوس الأول الى سرجيس ص 1 - 41). وروفائيل بيداويذ (مجموعة دراسات ونصوص العددد 187) .
أما مِن كُتُبِ طيمثاوس الستة فلم يصل مِنها إلا كتابان. الواحدُ بعنوان (المجلدات المجمعية) يعتقد عبديشوع الصوباوي(فهرس المؤلفين / الترجمة العربية ص 194) بأن جَمعَه قد تَمَّ في عهده. والآخرُ (كتاب الأحكام الكنسية) يتناول فيه الشؤون الكنسية الى جانب الزواج والميراث... واختفت كُتُبُهُ التالية: كتاب الكواكب الذي أشار إليه ماري في (المجدل ص 74) وكتاب (الأسئلة) وكتاب (المواعـظ  والأناشيد في أعياد الرب على مدار السنة الليتورجية) وكتاب (التفسير اللاهوتي) ويُعتقَد بكونه تفسيراً لكتابات القـديس فرنسيس النزينزي. وقد اختلفَ المؤرخون على عائدية الانشودة التي يتلوها الشماس في نهاية القداس الكلداني للأيام الإعتيادية (رازي دَنسَون  ܐܪܙܐ ܕܢܣܒܢ - الأسرار التي اقتبلناها) هل هي مِن تأليف البطريرك طيمثاوس الأول أم الثاني؟ يعزوها كتاب الطقس الكلداني الى مار يزدين. ولطيمثاوس الأول الكبير انشودتان أخريان، أورد إحداها الفونس منكنا في (فهرسه ص 72) والاخرى وردت في فهرس (زوتنبرغ ص 9) وهي موجودة في مكتبة باريس كما يذكر (رايت/ الأدب السرياني ص 94).

وفي حقل الترجمة، كان العديدُ مِن كتابات اوركَانون آرسطو قد تُرجمت الى الكلدانية منذ دخول الفلسفة اليونانية في القرن الخامس الى المدرسة الكلدانية الكبرى الثانية  "مدرسة الـرُها" التي تلت مدرسة نصيبين الشهيرة في مرحلتها الأولى، وأشهر تلك الكُتُب "طوبيقا" والتحليلات الثانية والفصاحة والشِعر. إلا أنَّ هذه الكُتُب لم تجرِ ترجمتُها الى العربية حتى عهد البطريرك طيمثاوس الأول. حينها طلب الخليفة هارونُ الرشيد مِن البطريرك طيمثاوس أن يُترجمَها الى العربية.  فعرض الأمرَ على عددٍ مِن بني رعيته الذين يُتقنون اللغتين اليونانية والكلدانية أو اليونانية والعربية، فباشر البعضُ مِنهم ينقلُ مِن اليونانية الى العربية مباشرة والبعض الآخر مِن الترجمات الكلدانية الى العربية. ومِمَّن ساهموا في أعمال الترجمة وساعدوا البطريرك طيمثاوس زميلُه أبو نوح الأنباري وبطريركُ الملكيين. ذكر المؤرخ الألماني براون في (رسائل البطريرك النسطوري طيمثاوس الأول ص 4/  والأب جان فيِّه/ المسيحيون السريان في عهد العباسيين ص 38 – 39/ وروفائيل بيداويذ/ رسائل البطريرك طيمثاوس الأول ص 37-38) بأنَّ البطريرك طيمثاوس قال بصدد ترجمة كتاب طوبيقا  <إنَّ كتابَ طوبيقا لآرسطو الفيلسوف، طُلِبَ مِنّا بأمر ملكي بأن نُترجمَه مِن الكلدانية الى لغة العرب. وقد تحقَّقَ الأمرُ بعون الله وبتعاون الاستاذ أبي نوح> وتقول المصادر الآنفة الذكر ذاتُها: بأنَّ طيمثاوس ترجمَ أيضاً كتابَ التحليلات الثانية، كتابَ الشعر، وكتابَ الفصاحة لآرسطو. وإنَّ الخليفة فضَّلَ ترجمة طيمثاوس على غيرها لوضوحها ودِقتِها.  إذاً فكُلُّ الشواهد والدلائل التي أوردها المؤرخون تشهدُ على ثراءِ طيمثاوس العِلمي والأدبي والفلسفي الكبير، وقد ترك لبني قـومه الكلدان ثروة نفيسة بنِتاجه الغزير، وها هو المؤرخ ماري (المجدل ص 71) يُطلقُ عليه صفة "العالِم والملفان" أما المؤرخ صليبا (المجدل ص 64 - 65) فيقول عنه بالنص <إنَّه كان عالِماً فاضلاً حَيولاً في الامور...وكان مُكرَّماً عند الخلفاء والملوك لكثرة عِلمِه وفضائله وحُسن أجوبته عن المسائل التي كانوا يَرمون عليه>.

إداريٌّ ثاقبُ الرؤية
في ميدان الإدارة كان طيمثاوسُ عميقَ التفكير واقعيَّ التحليل، فقد رأى بأنَّ الإستقرارَ في الكنيسة المشرقية يعتمدُ على حُسن اختيار رُعاتِها مِمَّن يتمتَّعون بالعِلم والفضيلة، لكي يكونَ بوسعهم تثقيفَ جماعة الإكليروس بكُلِّ مراتبهم مِن كهنةٍ وشمامسةٍ ورهبان وكذلك المؤمنين، وتسليحَهم بالعِلم الذي يـَصقل شخصيتهم ويُوَفِّرُ لهم احترام الناس وتقديرهم، ولذلك لم يَبخَل البطريرك الكبير بشيءٍ في سبيل تحقيق هذا الهدف، لأنَّه الوسيلة المُثلى لنَيل تقدير واعتبار السُّلطات الحاكمة. ألم تكن الحظوة التي نالها هو ذاتُه في البَلاط العباسي نتيجة الإحترام لشخصيته الفذة وعِلمه الغزير وتمكُّنه مِن عِلم الفلك والعلوم اليونانية بصورةٍ خاصة! ويُستشَفُّ اهتمامُه بمجال العِلم مِن خلال رسائله ولا سيما تلك المُوَجَّهة الى صديقه سرجيس مدير مدرسة باشوش، حيث كان يَحُثُّه دوماً على توجيه أقصى اهتمامِه بالطلبة، ليتسلَّحوا بالعِلم والفضيلة، ويُذكِّرُه بأن الهدف الأول مِن جميع الدراسات هو الفوز بملكوت الله!

في عام 795م رُقِّيَ سرجيس الى رُتبة ميطرابوليط عيلام، ولكونه إدارياً مدرسياً قديراً، فتح مدرسة في أبرشيته، فكتب إليه طيمثاوس رسالة موصياً إياه بإيلاء المدرسة اهتماماً خاصاً ومِما قاله فيها نَصّاً: <اذكر، أنَّ عليها أن تَلِدَ وتُهذِّبَ أبناءَ الكنيسة> ويُكَرِّرُعليه القول بهذا النص: <إعتن ِبالإخوة الدارسين مِثل َعنايتِكَ بحدقتَي عينَيك، وحَرِّضهم على تلقِّي العِلمَ الصحيح ومخافة الله، وأنتَ ذاتُكَ اعطِ المثلَ في جميع الفضائل>.

تَحَلّي الرؤساء بالغيرة والقداسة
وبفضل فكره الإداري الثاقب أدركَ طيمثاوس، بأنَّ غيرة وقداسة رؤساءِ الكنيسة ورُعاتِها في حياتهم وارتباطهم الوثيق بالكُرسيِّ البطريركي، هي مصدر أساسي لنشاطها وحَيويتها. ومِن هذا المُنطلق، حَرِصَ البطريركُ على اختيار رؤساء يتحلَّون بصفاتٍ مُثلى وكفاءاتٍ عالية. ومِن أجل هذه الغاية كان أحياناً يتعدّى الإجراءات الرسمية، وفي كثير من الأحيان يُبادر عند الضرورة الى إناطة مناصب كنسية هامة بأشخاص ذوي جدارةٍ بها وإن تعارضَ ذلك مع رأي المؤمنين. فكان يرى أنَّ رسامة رؤساء الأساقفة (الميطرابوليطين) تكون من صلاحيات البطريرك وعلى العيلاميين تقديم الطاعة لمِيطرابوليطهم سرجيس، وهدَّدَ بأنه لن يتردَّدَ باتخاذ عقوباتٍ كنسية صارمة ضِدَّ كُلِّ كاهن أو مؤمن أو مُدرِّس يخرج عن طاعة رؤسائه المحليين والتمَرُّد على أوامرهم.
ومِن الجدير بالإشارة الى أنَّ أبرشية عيلام ومنذ عهدٍ بعيد يرقى الى عام 410م،  كانت نزعة المُقاومة متفشية فيها، وترى نفسَها نِدّاً مُساوياً لأبرشية المدائن. وحين حصلت أبرشية المدائن على الموقع الأول بين الأبرشيات الاخرى، وطالبت جميع الأبرشيات بالإنضواء والخضوع لسُلطتها الجاثاليقية (البطريركية فيما بعد) رأت أبرشية عيلام في هذا الإجراء إجحافاً بحقِّها، وراحت تسعى الى الإستقلال بذاتها عن الكُرسيِّ الجاثاليقي. ولم يألُ الكثيرُ مِن الجثالقة عن بذل جهودٍ مُضنية في نشر الهدوء بين أوساط أبناء هذه الأبرشية المُضطربة وحملِهم للجنوح نحو الصلح مع السُدة الجاثاليقية، إلا أن ثِمارَ تلك الجهود كانت فجَّة لم تنضج، لكي تحُدَّ مِن التجاوزات العديدة التي كان يُمارسُها أساقفة وكهنة هذه الأبرشية الفارسية. بيد أنَّ طيمثاوس الكبير بالرغم مِن كُلِّ ما جلبته له مِن الإستياء وحمَّلته مِن الهموم حتى كاد اليأسُ ينتابُه أحياناً مِن إصلاح الوضع فيها. لم يتغلَّب عليه اليأس بل إستمرَّ بمواصلة جهوده بملءِ التفاؤل حتى نجح أخيراً في إرضائهم، فعيَّنَ لهم شمعون ميطرابوليطاً، ومنحه نوعاً مِن حرية التصرف مِن حيث أختيار أساقفتِه ورسامتهم حتى إذا لم يأخذ الإذن مِن البطريرك. هذه حالة واحدة مِن حالاتٍ اخرى عديدة دَلَّت البطريركَ العظيم على تجاوزها فطنتـُه وحِنكتـُه الإدارية ، ولا يسعنا الإشارة إلى هذه الحالات تجنُّباً للإطالة.

رئيسٌ ومُشَرِّع
وفي مَيدان الرئاسة والتشريع. كان مارطيمثاوس البطل الأولَ المشهودَ له بالثبات وسَدادِ الرأي، يُمارس سُلطتَه إدارياً بحزم يشوبُه الإستفراد بالرأي أحياناً، وقد سبـق لنا أن ذكرنا مثالاً على ذلك، هو إناطتُه مناصب كنسية هامة بأشخاص يتوسم فيهم العِلم والكفاءة، دون أن يُثنيه تعارضُ رأي المؤمنين بهذا الخصوص. ولم يتردَّد يوماً في مواجهة المتنفِّذين مِن المؤمنين لدى ارتكابهم مُخالفاتٍ في سلوكِهم الذي لا يـَليق بالحياة المسيحية، كما حدث له مع الطبيب جبريل بن بخـتيشوع حين رشقه بالحرم لمُمارسته الإستسرار. وتحدّى الأساقفة ومُناصريهم بالوقوف الصلب ضِدَّ أطماعهم غير المشروعة. وكان يحرص على حَلِّ مشاكل المؤمنين بنفسه وليس عن طريق القضاء الإسلامي. أما عقائدياً، فكان يُمارس سُلطتَه بمقتضى ما قرَّرته أحكامُ المجامع والقوانين الكنسية لدى توضيحه عبارة مُبهمة أو تصحيح تفسير يخصُّ المُعتقد. كان بارعاً في توازنه بين المواقف المُتسمة بالشدة وبين المواقف التي تتطلَّب المرونة مِن خلال المعرفة والتجربة اللتين استدلَّ منهما بأنَّ الصرامة المُفرطة تُـفضي عادة الى العِـناد والمُقاومة، فيلجأ الى التحلّي بالفطنة والمرونة كُلَّما دعت الحاجة، وكانت السُلطة لديه تُمثِّل الخدمة ولا بدَّ للصرامة على أن تقترن بالتواضع، ومع استفراده في القرارات التي تؤول بالخير للكنيسة، إلا أنَّه لا يستبعد الآخرين مِن حيث التشاور في تعيين الرؤساء فـيما يتعلَّق بالشؤون الإدارية للكنيسة، وأصدق مثال على ذلك هو توصيتُه بإقامة ايشوع برنون بطريركاً خلفاً له مع كُلِّ ما كان بينه وبين برنون مِن اختلافٍ في وجهات النظر!
ومِن حيث التشريع فكانت حِنكة طيمثاوس القانونية لا تُضاهى، فمِما لاشكَّ فيه بأنَّ تعايُش المسيحيين المُشترك مع المُسلمين تحت سُلطة دولةٍ إسلامية تمزج الدين بالسياسة، سيخلُق لهم مشاكل وصعوبات كثيرة على الصعيد القانوني، ولذلك فإن قادة الكنيسة الروحيين مُلزَمون أن يجدوا حلاًّ لها. وبخاصةٍ أن موقع الجاثاليق البطريرك يُمثِّلُ رئاسة روحية ومدنية لقومِه في آن واحد، وقد تُعهَدُ إليه في بعض الظروف مسؤولية الإشراف على دفع الضرائب. وبما أن البطريرك يُمنَحُ اعترافاً رسمياً مِن الخليفة بشرعية رئاسته، فيُصبحُ تلقائياً هو والأساقفة حُكاماً في الامور الدنيوية أيضاً بالإضافة الى كونهم حُكاماً روحيين بالأصل. ومِن هذا الموقف ترتَّبَ على البطريرك وأساقفتِه تشريعَ قوانين تنظم الأحكامَ بوضوح في الشؤون القضائية. ومن الجدير بالإشارة إليه هو أنَّ ايشوعبخت ميطرابوليط عيلام على عهد البطريرك حنانيشوع الثاني المتوفى عام 779م، كان قد قام بوضع بحثٍ شامل في الحقِّ المدني يُعتبر الأول مِن نوعه. فطلب مارطيمثاوس أن يُترجمَ مِن البَهلوية الى الكلدانية، للإستفادة مِنه في سَنِّ القوانين المدنية.

يُشير عبديشوع الصوباوي في (مجموعة القوانين المجمعية 9 - 6 المنشورة مِن قبل "ماي" في روما 1838 م مع ترجمتها اللاتينية التي أنجزها السمعاني) بأن طيمثاوس عقد مَجمَعين عامَين: الأول عام 790م والثاني عام 804م. لم يُوثِّقهما كتاب المجامع الشرقية، لأنهما كانا بمُبادرةٍ شخصية منه. ولكن نصَّيهما أُلحقا بمجموعة المجامع الشرقية التي تبتديء مِن مجمع ساليق الثاني عام 410م برئاسة اسحق الجاثاليق حتى مجمع البطريرك حنانيشوع الثاني عام 775م. وفي مقدمة المجامع التي نشرها الأب يوحنا شابو (الصفحة 13) يقول الناشر، بأن المجموعة كُتبت في أواخر القرن الثامن، فيُمكن تخمين الفترة ما بين عامي 775- 790م، استناداً الى عدم ورود مقرَّرات مجمع طيمثاوس الأول لعام 790م فيها. وهنا يبرُز احتمال كبير بأن طيمثاوس نفسه جمع هذه القوانين  في كتابٍ يُعَد مرجعاً هاماً لدراسة مسيرة الكنيسة المشرقية. ويظهر أن مجمع طيمثاوس لعام 790م لم يصدر عنه سوى إعلان رسمي للتأكيد على مقرَّرات مجمعه لعام 781م والتي أُضيفَ نَصُّها كمُلحقٍ الى المجامع الشرقية (المجامع ص 599 - 603). وكانت هذه المقرّرات قد اُرسلت في ذات العام بهيئة رسالة الى أفرام ميطرابوليط عيلام الذي لم يحضر انتخاب طيمثاوس، بهدف التغلُّبِ على الخلافاتِ الناشبة بين البطريرك الجديد ومُناوئيه تجنُّباً لأيِّ انشقاق يطالُ الكنيسة.

ذكر المؤرخ صليبا في (المجدل ص 66) ما نصُّه <إن طيمثاوس وضع باجتماع الآباء ثمانية وتسعين قانوناً في الفرائض والأحكام وفي كُلِّ قانون مِنها مسألة وجواب>.  وورد في (تاريخ الأدب السرياني العربي2 / لغراف ص 115)  <بأنَّ هذه القوانين المنسوبة الى طيماثاوس والتي تضم في الواقع 99 قانوناً، عرفت نجاحاً كبيراً في القرون اللاحقة، بفضل الترجمة العربية التي حَققها أبو الفرج بن الطيِّب في القرن الحادي عشر، حينما شرعت اللغة الكلدانية تفقد مكانتها المرموقة، وجاءت القوانين مُجزّأَة على ثلاثة أقسام: يتناول القسم الأول الرئاسة الكنسية، والثاني الزواج، والثالث الإرث>. (طالع المخطوطتَين رقم 511 و513 / دير الرهبان الكلدان). وهناك قوانين اخرى وضعها طيمثاوس في الحق القانوني الكنسي بصدد انـتخاب البطريرك وسموِّ مكانته.   وحقوق رؤساء الأساقفة (الميطرابوليطين) والأساقفة وواجباتهم، وتطرَّق الى القضاء الكنسي وضرورة لجوء المسيحيين إليه وليس الى القضاء الغريب مِن أجل حَسم النزاع الذي يحدث فيما بينهم. تُرى، أليس كُلُّ ذلك دليلاً ساطعاً بأن أبناء كنيستنا أنعم الله عليهم بشخصية فذةٍ وقائدٍ عظيم عرف كيف يُعالجُ احتياجاتِهم ويُدافع عن كيانِهم ويصون استقلالهم الديني.

مساويء التزمُّت
وكثيراً ما يقع العظماءُ في هفوة التزمُّت والعظيمُ طيمثاوس أحدُهم، حيث نظرَ الى أفكار الإنفتاحيين السابقين لعهده أو المُعاصرين له مِن منظور استعلائيٍّ مُنغلق، بحجة الحِفاظ على وحدة الكنيسة التي ترتكز بحسب رأيه على وحدة المُعتقد فيها، رافضاً أيَّ تعديل إصلاحيٍّ له يأتي به المُفكِّرون العظماءُ والعلماءُ الأجلاءُ أمثال حنانا الحِديابي وسهدونا ويوسف حزايا ويوحنا الدالياثي ويوحنا الآفامي وغيرهم فبدلاً مِن قيامِه بدراسةٍ وافية لآرائهم أعاد شجبَهم على غِرار أسلافه البطاركة الذين اعتبروا تعاليمَهم لا تتفق والمُعتقد النسطوري! وقد بّزَّهم بفرض رقابةٍ كنسية مُشدَّدة على المؤلفين والمُفسِّرين للكتاب المقدس. إنَّ الشخص المُتزمِّت يقع في متناقضات، ويظهر التناقضُ في أقوال مارطيمثاوس حول مسألة التجسُّد التي كانت المُعضلة الاولى التي واجهته. فبينما يُؤَكِّد على وجود إتحادٍ حقيقي وطبيعي في المسيح أقوى مِن إتحاد النفس بالجسد، إلا أنَّه يرفض القول بالإتحاد الاقنومي، ولا يقبل أن يُقال بأنَّ الله وُلدَ وتألَّمَ ومات! أو أن يوصفَ بـ (الخادم). ولا أن يُقال: بأنَّ ناسوت المسيح استطاع أن يرى لاهوتَه! ولكن تصدّيه لمقاومة بدعة المُصلّين كان أفضلَ ما قام به للمُحافظة على عقيدة الإيمان! إن ما أشرنا إليه يدخل ضمن الدراسات اللاهوتية، ولسنا نُريد هنا الولوج في التفاصيل، وإنَّما أردنا التذكير بالتدابير التي اعتمدها طيمثاوس الكبير للمُحافظة على وحدة المُعتقد النسطوري في الكنيسة المشرقية ويمنع عنه هبوب رياح الإصلاح ليتحرَّر مِن بودقة التزَمُّت والخروج من دائرة التقَوقع.

ويتباهى مارطيمثاوس الأول بكنيسته على كنيسة الغرب في رسالةٍ وَجَّهها الى رهبان ديرمارمارون، مُقِرّاً بأرثوذكسية كنيسته "استقامة كنيسته" مُثبتاً لهؤلاء الكاثوليك بأن كنيسته ليست هرطوقية كما يُنظر إليها واتُّهمت بالهرطقة، حيث يقول: <إنَّ المسيحية عندنا هي قبل أن يكون نسطور بنحو خمسمائة سنة على وجه التقريب، وبنحو عشرين سنة بعد صعود ربِّنا الى السماء> (طيمثاوس ط . بيداويذ ص 42) <وهذا دليل يُقِرُّ به طيمثاوس نافياً خضوع كنيسته لتعاليم نسطور، ولكن التسمية النسطورية لم تُرفع عن الشعب الكلداني رسمياً وظلَّ معروفاً بها> ويُضيف، إن كنيستنا حافظت منذ عهد الرُسُل على"جوهرة الحقيقة" سليمة دون زيادة أو نقصان، لأنها لم تكن تحت سُلطة ملوك مسيحيين كما كانت كنيسة الغرب حيث أخضعوها لطغيانهم الديني. ولكنَّ طيمثاوس أغفل عمدا إن لم نقل بأنَّه انكر حقاً لباباوات روما خلفاء بطرس بأنهم أصحاب "جوهرة الحقيقة" وحدهم دون سواهم، وقد صانوها من محاولات ملوك الروم والبيزنطيين التأثيرعليها على الإطلاق رغم استبدادهم وتعسُّفهم. ويستطرد طيمثاوس بأنَّ كنيسة المشرق، برغم كُلِّ ما واجهته مِن الأزمات والإضطهادات وعدد الشهداء، حافظت على أمانتها تُجاه الحقيقة، ويُثني طيمثاوس على رئاسة كنيسة ساليق، ويصفها كأهمِّ عنصر في صيانة وحدة العقيدة. أجل، لا شكَّ في ذلك وكان الأمرُ لغاية منتصف القرن الخامس، ولكن مار طيمثاوس فاته بل ربَّما تعمَّد ذكر الحقيقة، بأن بعد الخمسمائة سنة التي ذكرها اكتسحت تعاليمُ نسطور كنيسة المشرق تحت ضغط السلطة الفارسية الحاكمة وتواطؤ بعض أحبارها معها، وأجبِرَت على تبنّيها خضوعاً لإرضاء ملوك الفرس الوثنيين! ومن جرّاء ذلك انقسمت الى شطرين نسطوري ومونوفيزي، وابتعدت بشطريها كلياً عن الكنيسة الأم الجامعة باختيارها منعطفاً انفصالياً!!

إن ما لم ترغب الكنيستان، كنيسة الغرب الأم الجامعة وكنيسة الشرق الفارسية بوقوعه قد وقع، وحدثت القطيعة بينهما، وكأني بالقطيعة كانت على موعدٍ معهما لكي تخوضا سباقاً ثورياً في نشر بشارة الخلاص المسيحية، وبعد أن استطاعت الكنيسة إزالة شكوك ملوك الفرس بولائها عن طريق اعتناق مذهبٍ مخالف لمذهب الكنيسة الغربية الجامعة، وتمكنت من التغلب على الصراع الداخلي المزمن بين أساقفتها وتمتعت بقسطٍ من الحرية بعد الإيقاف النسبي للإضطهاد الواقع على أبنائها، استعادت قوتها واتَّقدت في قلوب أبنائها غيرة التبشير ليس داخل أرجاء المملكة الفارسية فحسب بل تعَدتها الى الأقطار النائية في الشرق كالهند والتبت والصين بحيث ضاهت كنيسة الغرب باتساع رقعتها وازدياد مؤمنيها.

وعمّأ قاله البعضُ بأن طيمثاوس كان يُقرُّ بأولوية الكُرسي الروماني، هو إدِّعاءٌ ليس إلاّ، فإن النصوصَ التي يستندون إليها وينسبونها إليه، يلُفُّها الكثيرُ مِن الغموض، وقد بالغوا في تفسيرها وأعطوها بُعدا ومعنىً لا يتّفقان ومحتواها. فكتاباتُه كُلُّها تنِمُّ عن التعالي وإنَّه هو المسؤول المُباشرالأول والأخير عن كُلِّ المسائل العقائدية والسلوكية! بالإضافة الى تأكيده على استقلالية كُرسيِّه، فكيف يُمكن التكَهُّن بصلته أو إقراره برئاسة اخرى أعلى؟ وهل إنَّ تشَبُّثه بإضفائه صفة الأرثوذكسية (الإستقامة) على كنيسته، كان نابعاً عن فكره حول مفهومه للوحدة في الكنيسة الجامعة؟ وإنَّه يرى التعدُّدية في الكنيسة مُمكنة؟ قد يكون هذا وارداً لأن طاقة طيمثاوس الفكرية كانت خارقة، ومِن خلالها كان يرى الفروقات الحاصلة بين الفئات المسيحية المُختلفة بأنها طفيفة، ولا ينبغي جعلُها عقبة تحول دون اتحاد القلوب حول ما هو ضرورة ماسة للخلاص. وبصرف النظر عمّا قيل عن طيمثاوس الأول الكبير حول إقراره بأولوية الكُـرسي الروماني أو عدمه. فإن كنيسة المشرق منذ تنسطرها في أواخر القرن الخامس وأصبحت تُعرَف بـ (الكنيسة الكلدانية النسطورية أوالكنيسة النسطورية اختصاراً) لم تترك فرصة سانحة إلا ورفعت أنظارها الى كنيسة روما حيث الجالس على كُرسيِّ بطرس نائب المسيح، لتُعربَ عن احترامها وتقديرها لأم الكنائس ولخليفة بطرس الرسول الصخرة بالرغم مِن كُلِّ المصاعب والظروف القاسية التي كادت تعصف بها خلال مسيرتِها الطويلة. والى الجزء الثالث عشر قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 18/2/2015

74

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الحادي عشر
الكنيسة الكلدانية النسطورية وحكم الخلفاء العباسيين الأوائل
لقد ذكرنا فيما سبق بأن الكنيسة الكلدانية النسطورية في بلاد الرافدين، تعرَّضت في العهد الأموي لصعوباتٍ ومضايقات، ولا سيما من قبل الولاة والعمال الأمويين، ولما انتصر الثوارُ العباسيون بعـد نضال طويل على الأمويين وأزالوا نظامَهم العنصري، ثمَّ بنوا على أنقاضه نظامَهم الجديد. أيَّدت هذا النظام الذي أعلن عن امميته الإسلامية، جميعُ شعوب المنطقة المُسلمة العربية والأعجمية وغير المُسلمة أيضاً. وكان المسيحيون قد إستبشروا خيراً مِن قيام هذا النظام ورأوا فيه منفذاً ليتنفسوا الصعداء. وحين بدأت إدارة الدولة العباسية بالتوسُّع كانت بحاجةٍ الى اناس ذوي دراية وثقافة ليتولوا امورَ الإدارة والدواوين والجباية وبيت المال. ولما كان المسيحيون وقتذاك وحدهم تقريباً ولا سيما الكلدان النساطرة منهم الذين يمتلكون ثقافة عالية، ومُتمكِّنين مِن العِلم ومتفوِّقين في المِهن، فكان بينهم الفلاسفة والأطباء والفلكيون والمتضلعون في اللغات. يقول الكاردينال تيسِّران في كتابه (الكنيسة الكلدانية / الترجمة ص 51) أُنتُدِبَ العديدُ مِن هؤلاء المُثقفين والعلماء والمهنيين الى دار الخلافة، ولا سيما في عهدَي أبي جعفرالمنصور وحفيده هارون الرشيد.  فتمتَّع هؤلاء المُقرَّبون ذوو العلوم والمهن والفنون مِن الخلافة بنفوذٍ مؤَثِّر، يتباينُ في قوَّته وفقاً لأهمية صاحبه،  وكان هذا النفوذ يُستخدَم بشكل انحيازي لدي حصول نزاع في الكنيسة المشرقية.

إذاً فمجيءُ العباسيين الى السُلطة وإنشاؤهم بغداد عاصمة جديدة لحُكمهم، فتح عصراً جديداً للكنيسة الكلدانية النسطورية وأبنائها، فالخلفاء والوُلاة والأمراء المسلمون، وثقوا بالمسيحيين أبناء هذه الكنيسة واستعانوا بهم للقيام بأعباء الإدارة والإقـتصاد والتعليم، وسنروي لاحقاً كيف سيُوفِّرون هؤلاء المسيحيون للمسلمين العرب وغير العرب الفرصَ ليتعرَّفوا ويتعلموا الفلسفة اليونانية وشتى العلوم الغربية. لقد هيّأَ المنصورُ الأجواء المُلائمة وأصبح كُلُّ شيءٍ جاهزاً لبدء الخطوة الاولى للوصول الى حضارة عظـيمة، ففي نهاية عهده كانت الإدارة قد ترسَّخت، وخزائن الدولة قد إمتلأَت بما يكفي لتمويل الحملات العسكرية والنققات الأخرى لهذه الإمبراطورية التي ترامت أطرافها جداً، والعاصمة الجديدة أخذت بالتوسع والإزدهار.
ومع نموِّ بغداد العاصمة العباسية الجديدة وازدهارها تزامنَ معها انتعاشُ الكنيسة  الكلدانية النسطورية التي إحتضنتها سُلطات الدولة العباسية عن طريق الكتبة والأمناء والمُستشارين والأطباء مِن أبنائها الذين استعانت بهم الدولة للقيام بأهمِّ شؤونها كما تقدم ذِكرُه. وستؤَدّي الكنيسة دوراً بارزاً في تبلور هذه الحضارة  وستجعل مِن المسيحية أن تَشغلَ مساحة واسعة في رحاب الدولة، وأن يُنظرَ إليها كديانة ثانية وإن كان ذلك غير رسمي .

لم تخلُ الكنيسة المشرقية الكلدانية منذ انتظامِها في أوائل القرن الثالث، مِن الإضطراب والنزاع بسبب التنافس على المناصب والكراسي ولا سيما كُرسي الرئاسة الجاثاليقي أو البـطريركي لاحـقاً، وها هي الفوضى تسودُها في مطلع العهد العباسي نتيجة هذا التنافس على الكُرسي البطريركي وهي مُزمعة للتعاون معه بكُلِّ جِدٍّ، فخلق ذلك صعـوبة لسريان هـذا التعاون، حيث يذكر المؤرخان في كتاب المجدل (صليبا ص 62 - 63 وماري ص67)  بأن تنافساً شديداً حدث بشأن تولّي الكُرسي البطريركي بين سورين ويعـقـوب الثاني، كان سورين مطراناً على نصيبين ثمَّ غادرها وقصد حلوان، إقترنت حياتُه بالشغب والفِتَن، وبطريقةٍ أو باخرى أقنع أمير المدائن بتعيينه بطريركاً للكنيسة الكلدانية النسطورية عام 754م، بيدأنه لقي مُعارضة ورفضاُ مِن قبل الأساقـفة، الذين قدَّموا التماساً الى الخليفة الأول أبي العبّاس السفّاح طالبين عزلَه مِن المنصب، فلبّى طلبَهم. فلم تتعدَّ مدة بقائه على الكُرسي إلا شهراً ونصف الشهر (12 نيسان - 26 أيار 754م) ثمَّ جرى تعيينُه مطراناً على البصرة، ولكنّ أهلَها لم يقبلوا به أيضاً، فكان مصيرُه السجن ومات فيه. أما مُزاحِمُه يعقوب فقد أمرَ الخليفة المنصور بسجنه لفترةٍ مِن الزمن، ثمَّ أعيد الى الكُرسي البطريركي وامتدَّت مدة جلوسه 19 عاماً أي منذ (754 - 773).

36 – البطريرك سـورين  742- 752م
يقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 337) تدَخَّلَ بابانُ عاملُ الخليفة أبي العبّاس السفّاح على المدائن في تنصيبِ سورين عَنوَة ً جاثاليقاً خلفاً لمارآبا الثاني، لكنَّ جلوسَه على الكرسي لم يَدُم إلا سبعة أسابيع ويومان، حيث يقول عمرو (المجدل ص 63) بأنَّ آباءَ الكنيسة وجمهوراً كبيراً من المسيحيين عقدوا اجتماعاً وقـرَّروا تقديم التماس الى الخليفة أبي العَـبّاس السفاح بعدم شرعية سورين، فما كان من الخليفة إلا أن استجاب لمطلبهم وخوَّلهم انتخابَ رئيس لهم بكُلِّ حُرية، وعلى الفور إجتمعوا وانتخبوا يعقوب مطران جنديسابور كما أشار الى ذلك المصدر الأول المار ذِكرُه. ويقول توما المرجي (كتاب الرؤساء ص121) بأن سورين نُسِّبَ مطراناً للبصرة بيدَ أنَّ أهلَ البصرة اعترضوا عليه ولم يقبلوا به، ويقول المؤرخ ماري(المجدل ص 67) بأن حياة سورين إنتهت في السجن.

37 - البطريرك يعقوب 754 - 773م
يقول توما المرجي (كتاب الرؤساء ص12) كان يعقوب مطراناً على جنديسابور وفي عهده تمَّت وفاة الخليفة العبّاسي الأول أبي العبّاس السفّاح، وتَقلدَ الخلافة َ من بعده أخوه أبو جعفر المَنصور. ويقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 331 - 338) وقد إتَّخذ َ الخليفة أبوجعفر المنصور من النصراني عيسى بن شهلا طبيباً خاصاً له، وكان في الوقت ذاته شماساً في الكنيسة، فعهدَ إليه بإدارة شؤون الكنيسة والقائمين عليها، وجرى أن قام يوماً الجاثاليقُ يعقوب والأساقفة بزيارة عيسى بن شهلا، فرأوا مِنه نفوراً وحتى أنه إستنكفَ تقبيل يد الجاثاليق فثقُلَ الأمرُ على سليمان اسقف الحديثة وقابلَه عيس بن شهلا بغضَبٍ شديد ومن ثمَّ سعى لدى الخليفة المنصور وحَدَّثه عن الشجار الذي جرى بين الجاثاليق يعقوب وسورين حول كـُرسيِّ الرئاسة، حيث سُجِنَ يعقوب ولاذ سورين بالهروب، كما لفَّقَ تُهمة ً بحقِّ الأسقف سليمان مفادُها: بأن مروان بن محمدٍ الأموي كان قد أودعَ قبل هزيمتِه أحمالاً من الدنانير لدى سليمان، فاستدعى الخليفة سليمان وتحقَّقَ مِنه فأنكر الخَبَر إلا أنه تَعَرَّضَ للضرب واودِع السجن. وبطريقةٍ ما وقعَت بيد فيرياس مطران نصيبين رسالة مُوقعة ومختومة مِن قبل عيسى بن شهلا يطلُب فيها مبالغ طائلة مِن الرؤساء المسجونين، ويقول فيها بأن حياة الخليفة المنصور في قبضة يدي، فقدمها الى المنصور، فكان ردُّ فعـل المنصور شديداً على عيسى بن شهلا حيث عاقبَه واستولى على أموالِه، وأفرجَ عَن الآباء المسجونين. وبعد خروج الجاثاليق يعقوب من السجن لم تـُفارقه البلايا والمصائب التي يعجز القلمُ عن وصفها وكانت السبب في أن يفارق الحياة سريعاً.

38  - البطريرك الجاثاليق حنانيشوع الثاني 775 - 779م
لم يُعرَف سبب شغور الكرسي الجاثاليقي لمدة سنتين بعد وفاة الجاثاليق يعقوب عام 773م. ففي عام 775م وهو عام تقلُّد المَهدي لمقاليد الخلافة، إستحصل عيسى أبوقريش طبيبُ الخَيزران زوجة الخليفة المهدي أمراً خليفياً بانتخاب جاثاليق جديد للكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية. يقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 340) بأن خلافاً دَبَّ بين الأساقفة أثناء عملية الإنتخاب فتعَذ َّرت بسبب وجودِ مُرشحَين هما حنانيشوع اسقف لاشوم المرتبطة ببيث كَرماي (كركوك) وكيوركيس الراهب من دير بيث حالي، وكان لكُلٍّ مِنهما أنصار ومؤيدون مِن الإكليروس والعِلمانيين، والأمر ليس بغريبٍ ففي كُلِّ انتخابٍ للبطريرك يظهر منافسان أو اكثر، وحينها يلعب المتنفذون الكلدان دور تفضيل أحد المتنافسين. وهذا ما جرى حيث اجتمع آباءُ الكنيسة في دير مار فثيون ببغداد، وبسبب إخفاقهم في الوصول الى نتيجةٍ حاسمة لإختيار أحدهما، إضطرّوا الى رفع الأمر الى الخليفة. وكالعادة الدارجة لدى الخلفاء العباسيين، دعا المهدي المُرشَّحين الى الإسلام. وبعد سماعه مِنهما رفضاً لعَرضِه، إنبرى على طرح أسئلة دينية متنوعة عليهما، ومِن بينها سؤال غريبٌ هو <مِن أيِّ نوعٍ مِن الخشب كانت عصا موسى؟> وكان كيوركيس مُوفَّقاً في الجواب الصحيح (مِن خشب اللوز) إلاّ أنَّ منظرَ حنانيشوع وهيبتَه كانا ذا تأثيرعلى المهدي، ناهيك عن تأثير عيسى أبي قريش الداعم له، لذلك فضَّله على كيوركيس مُنافسِه.

 وهكذا فاز حنانيشوع بالكُرسي البطريركي، وعهدَ المهدي الى الوزير الربيع بن يونس بتنفيذ القرار. فقولُ المؤرخَين ماري وعمرو هو الأصح بأن هذا الإنتخابَ جرى فى مطلع عهد الخليفة المهدي وليس المنصور(ملحق صليبا ص 129) بخَلفِ سلفِه يعقوب الثاني عام 773م. يقول توما المرجي (كتاب الرؤساء ص 163) بأن حنانيشوع الثاني كان أولَ جاثاليق يُنتخَبُ في بغداد وتمَّت رسامتُه في المدائن بحسب التقليد الكنسي المُتَّبَع. وفي أواخر عهد حنانيشـوع الثاني كان المُرسَـلون الكلدان النساطرة في الصين قد باشروا بإقامةِ مسلَّةٍ في فناء دير كان قد اسِّسَ بأمرمن الإمبراطور "تاي- تسونغ" في الضاحية القريبة من العاصمة "سي- نغامن- فو" وقد صُنعَت من الكِلس الحجري الرمادي اللون ونُقشَت عليها الى جانب اسم الجاثاليق حنانيشوع الثاني أسماءُ الأساقفة والكهنة الذين نقلوا بشرى الخلاص المسيحية الى تلك الأصقاع البعيدة، وكان تاريخ الإنتهاء مِن نصب المسلَّة 4 شباط 781م منقوشاً عليها.
أما نهاية مارحنانيشوع الثاني يقول عنها بطرس نصري ( ذخيرة الأذهان ج1 ص 341) كانت مأساوية محزنة نتيجة فعل إجرامي أمر به أبوالعبّاس الطوسي الذي كان قد استرهن الدوقرة من الجاثاليق حنانيشوع وما إن طالبه بإعادتها حتى أضمَرَ له العداء، وحدث أن الجاثاليق حنانيشوع الثاني ألمَّ به مرضٌ، فأرسل إليه أبوالعبّاس الطوسي غلامَه ليَحجمَه مُزَوِّداً إياه بمشرطٍ مسموم، وما إن قام الغلامُ بشرط الجاثاليق حتى سرى السُمُّ في جسمِه، فظهر الورمُ على رقبتِه، وتوفـِّيَ بعد ثـلاثةِ أيام ودُفنَ في المدائن. والى الجزء الحادي عشر قريباً.
39 - البطريرك طيمثاوس الأول الكبير 780 - 823م
للحديث عن هذا البطريرك الكلداني النسطوري العظيم، لا بدَّ لنا أن نشيرَ الى المصادر التاريخية القديمة مِنها والحديثة التي تطرَّقت الى أدوار حياة هذا الشخصية البارزة التي أعدَّتها العناية الإلهية لقيادة دفة سفينة كنيسته المشرقية النسطورية وسط أمواج بحر المؤامرات والإضطهادات الى بَرِّ الأمان. نُدرج أهم المصادر:

(توما المرجي / كتاب الرؤساء ، ترجمة ألبير أبونا ص 92 - 130 و 163 - 165 و167- 170 وصفحات اخرى كثيرة /الموصل 1966 : ماري/ المجدل ص 71 - 75 : صليبا / المجدل ص 64 - 66 : إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 165 - 173 و 179- 182: الأب لابور/ طيمثاوس الأول بطريرك النساطرة ص 1 - 14 باريس 1904 م : البير أبونا / أدب اللغة الآرامية ص 328 - 338 بيروت 1970 م :  اورتيزدي اوربينا / الباترولوجيا الشرقية ط . 2 ص 215 - 226 روما 1965 م :السمعاني / المكتبة الشرقية3 ،1 ص 158 - 163 : بوتمان/ الكنيسة والإسلام في العصر العباسي الأول ص 13 - 23 بيروت 1975 : براون في مجلة الشرق المسيحي1 لسنة 1901 م ص 138 - 152 البطريرك طيمثاوس الأول ورسائله :  تيسِّران في / معجم اللاهوت الكاثوليكي15 لسنة 1946 عمود 1121 - 1139 وخـلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ ترجمة القس سليمان الصائـغ ص 51 - 54 : كنيسة المشرق الكلدانية الآثورية/ الأب يوسف حَـبي : تاريخ نصارلا العراق / بابو اسحق ص 66 و 98 : حنا شيخو / رسالة طيمثاوس الأول الى سرجيس ص 1 - 41 روما 1983 : روفائيل بيداويذ(البطريرك) في اطروحته " رسائل البطريرك النسطوري طيمثاوس الأول " ص 1 - 87 روما 1956 م : منكنا / جدال البطريرك طيمثاوس الأول أمام الخليفة المهدي ص 1 - 15 ومصادر اخـرى قـد يأتي ذِكـرُها ضمن الحديث).
كانت قرية حزّة الواقعة جنوب غربي مدينة أربيل اليوم، مسقط َ رأس طيمثاوس الذي وُلدَ فيها عام (727 أو 728م) في كَنفِ عائلة نبيلة ومُتديِّنة، لم تُتحفنا المصادرُ أعلاه بمعلوماتٍ وافية عن حياته في الصغر، إلا أنَّ ما إستقيناه مِنها هو: بأنَّ عمَّه كيوركيس كان اسقفاً على أبرشية بابَغش (بيث بغاش) التابعة لميطرابوليطية حِدياب، خَصَّ إبنَ أخيه باهتمامِه وأخذ على عاتقه موضـوعَ تربيتِه فأرسله للدراسة في مدرسة باشوش الواقعة في منطقةٍ جبلية ما بين نهري الخازر والزاب الكبير. كان يُديرُ هذه المدرسة إبراهيم بن شنداد المعروف بـ (الأعرج) وقد سبق أن تحدثنا عنه كأحد علماءِ عصره المشهورين. فعلى يدِ هذا العالِم الجليل تلقى العِلمَ طيمثاوسُ ورفيقه ايشوع برنون الذي سيتولّى الكرسيَّ البطريركي مِن بعده، وكان يُشاطرهما في الدراسة أبو نوح الأنباري الذي ستُناط ُ به وظيفة أمين سِرِّ والي الموصل. لم يقتصر تدريسُ إبراهيم على العلوم الدينية فحسب، بل كان يُدَرِّسُ الى جانبها فلسفة آرسطو، ويَحُثُّ تلاميذه على قراءَة نِتاج الآباء اليونان وترجمة كتاباتهم الى الكلدانية. الى جانب اللغة الكلدانية أفصح اللهجات الآرامية أتقنَ طيمثاوس اللغتين العربية واليونانية، وتمَكَّنَ مِن الفلسفة اليونانية ومِن تعليم آباء الكنيسة. كان متعلِّقاً بمعلِّمه الى حَدِّ اللحاق به عند انتقاله للتدريس في مدرسةٍ اخرى، وكذلك لدى انتقالِه الى دير مار كبرئيل في المنطقة العليا مِن الموصل للتعليم فيه.
طيمثاوس الاسقف
ولما أنجزَ طيمثاوس دراسته بامتياز حائزاً على مرتبةٍ عليا مِن العلوم، قرَّر العودة الى عَمِّه الذي كان قد تقدَّمَ به العمرُ كثيراً، فأعربَ كيوركيس عن رغبته بأن  يخلفَه على كُرسيِّ اسقفية بيث بغاش إبنُ أخيه طيمثاوس، وفاتحَ بالأمر "مارن إمّه" ميطرابوليط حِدياب، فتلقّى مِن الميطرابوليط رفضاً لمطلبِه، إلاّ أنَّ كيوركيس لم يَيأَس حيث إستعان بزملاءِ طيمثاوس، وبخاصةٍ أبي نوح الأنباري، حيث استطاع التأثيرَ وإقناع مارن إمّه،  فوافق وإن كان غيرَ مُرتاح.  فرُسِم طيمثاوس اسقفاً لبابغش (بيث بغاش) في أواخر عام 769 أو أوائل 770م، ولكنَّ أخبارَ اسقفيتِه لم يُشِر إليها أيٌّ مِن المؤرخين بالتـفصيل،  وكُلُّ ما قيل عنه بأنه قد حاز على صداقة "موسى بن مُصعب" والي الموصل عن طريق زميلِه أبي نوح الأنباري حتى أنه نال مِنه إعـفاءً  للضرائب المترتبة  على اسقفيته للدولة.

طيمثاوس البطريرك
واجهَت انتخابَ طيمثاوس بطريركاً عوائقُ وصعوباتٌ، تطلَّبت وقتاً طويلاً وجهداً كبيراً لتذليلها، حيث تباينت آراءُ الآباء الناخبين بسبب كثرة المتنافسين. وكما مَرَّ القول، فإنَّ اسقف كُشكُر كان قد أُعطيَ ومنذ مجمع ساليق الثاني حقَّ تدبير الشؤون الكنسية عند وفاة الجاثاليق البطريرك ودعوة الآباء لإنتخاب بطريركٍ جديد. فبعد وفاة البطريرك حنانيشوع الثاني مسموماً عام 779م بادر توما اسقفُ كشكر الى إبلاغ الأساقفة لعقد اجتماع لإنتخاب خلفٍ له. فالتأَمَ شملُ الآباء في دير مار فِثيون ببغداد. وكان عددُ المرشَّحين أربعة بالإضافة الى طيمثاوس وهم: أفرام ميطرابوليط عيلام وايشوعياب اسقف نينوى وتوما اسقف كُشكُر وكيوركيس الراهب مِن بيث حالي (بيت الطين).

كان هؤلاءُ المُنافسون أقوياءً، وعلى طيمثاوس أن يخطو خطواتٍ سريعة ليفوز بسباق الإنتخاب، فواجهَ ايشوعياب وأقنعَه بأنَّ سنَّه المتقدِّم غير مُلائم،  واعداً إياه بمنصب ميطرابوليطية حِدياب. أما مُرشَّحُ أساقفة ومؤمني كُشكُر ونصيبين كيوركيس الراهب فقد وافتهُ المنِيَّة قبل أن يتبلَّغَ بالخبر، وعندما امتنع أفرامُ ميطرابوايط عيلام هو وأساقفتُه عن الحضور، وعُزيَ ذلك الى عدة أسباب مِنها: بعد المسافة، عدم المُوافقة، أو النزعة الإستقلالية التي كانت ميطرابوليطية عيلام تميلُ إليها منذ امدٍ بعيد، لم يبقَ في الساحة الإنتخابية غيرُ منافس واحدٍ يُزاحم طيمثاوس هو توما اسقف كُشكُر الذي كان مؤَيَّداً مِن مُناصرين ذوي حضور قوي.  بيد أنَّ طيمثاوس تدارك الأمرَ سريعاً، حيث نجح في استمالة الأركذياقون بيروي وإقناعِه بالوقوف الى جانبه ومعه تلاميذ كثيرون، واعداً إياهم بعطايا مالية مُجزية إذا قاموا بانتخابه. ولكي يؤَكِّدَ على وعده أراهم أكياساً زاعماً بأنها محشوَّة بالدراهم، وستكون مِن نصيبهم في حالة تأييدهم له وفوزه بالإنتخاب، والحقيقة فإن تلك الأكياس كانت مليئة بالحصى، وقد انطلت عليهم هذه الحيلة، وقيلَ أيضاً بأن صديقه أبا نوح الأنباري المُتنفذ في البلاط العباسي لعب دوراً لصالحه.
انتُخب طيمثاوس بطريركاً إما في نهاية عام 779م أو بداية عام 780م. وتَمَّت رسامتُه في السابع مِن أيار عام 780م  في المدائن  بوضع أيـدي رؤساء أساقـفة دمشق وبيـث كرماي وحلوان ولم يُؤكَّد اشترك مطران مرو ، وكان حضور عددٍ غير قليل مِن الأساقـفة ظاهراً أثـناء الرسامة. وكُلُّ المصادرالتالية تُجمع على القول (إبن العبري/ التاريخ الكنسي2 ص 170 : براون / مجلة الشرق المسيحي ص 140 : بوتمان / الكنيسة والإسلام في العصر العباسي الأول ص 17 ح1 : حنا شيخو / رسالة طيمثاوس الأول الى سرجيس ص 10 ح26 : روفائيل بيداويذ / رسائل البطريرك النسطوري طيمثاوس الأول ص13) بأنَّ طيمثاوس أفحمَ  بجوابٍ سديد البعضَ الذين أنحوا عليه باللائمة بقولِهم له، لقد إشتريتَ البطريركية بالسيمونية (نسبة الى سيمون الساحر) فرَدَّ عليهم بالنص التالي: <إني لم أشترِ البطريركية، إذ لم يكن في الأكياس سوى حَصى، وكان بالأحرى على الذين انتخبوني بدافع المال أن يَخجلوا مِن عملِهم هذا!>.

المُعارَضة القتّالة
إن الغيرة هي إحدى الطِباع المجبولة في المخلوق البشري، فبعد انتخاب طيمثاوس بطريركاً، ثار ضِدَّه المعارضون مدفوعين بغيرةٍ غير نزيهة. وأول مَن تزعَّمَ فريقاً مُناوئاً للبطريرك الجديد، كان يوسفُ مطران مرو، وجاراه في ذلك بعضُ الأساقفةِ الآخرين، حيث اتَّفقوا على رَسْم رسطم اسقف حانيثا ميطرابوليطاً لكُرسيِّ حِدياب، تحدِّياً لقرار طيمثاوس بتعيين ايشوعياب لذلك المنصب، وفاءً بوعده السابق له. طالع توما المرجي في (كتاب الرؤساء / الترجمة العربية ص 166- 169) على تفاصيل موت رسطم بشكل مأساوي بعد مدةٍ قصيرة مِن جلوسه على كُرسيِّ حدياب.  ولم يبقَ فريقُ الأساقفة المُناويئين للبطريرك طيمثاوس مكتوفي اليدين،  فقد أجتمعوا في دير بيت الطين (بيث حالي) الواقع بالقرب مِن حديثة الموصل، وعقدوا مجمعاً أقالوا فيه طيمثاوس ونصبوا عوضه كيوركيس الراهب مِن بيث حالي، وكما سبق لنا القول، بأنَّ كيوركيس وافاه الأجل قبل أن يتسلَّمَ الكُرسيَّ البطريركي. عقب هذه الأحداث إنسحب سليمانُ اسقف الحديثة مِن الفريق المُناويء، واستقال مِن منصبه الاسقفي وقصد ديرَ الربان هارون القريب مِن "بلد" (أسكي موصل) وانعزل فيه .  لم يرعوي يوسـف مطران مرو مِن مجرى الأحداث وازداد تشبُّثاً بموقفه المُناويء للبطريرك طيمثاوس، فلم يجد البطريرك حَلاًّ لمُشكلته إلا بعزله وتعيين غريغـوريوس مطراناً على مرو بدلاً عنه. فطرق يوسفُ باب الخليفة المهدي متظلِّماً، وإذ لم يُجدِهِ الأمرُ نَفعاً، إعتنقَ الإسلامَ ديناً، فقلَّده المهدي بحسب قول المؤرخ (ماري في المجدل ص 72 وتوما المرجي / كتاب الرؤساء ص 169) بعضَ أعمال البصرة، وما لبث أن انتقل بعد مدةٍ الى منطقة الروم، وفيها إسترَدَّ مسيحيته.

كاد أن يُسدلَ الستارُ علي المُعارضة وتُطوى صفحة صراع مؤلِم وغير مُبَرَّر، لولا قدوم أفرام العيلامي ميطرابوليط  جنديسابور (في عيلام) الى بغداد، وحَلَّ في دير فثيون وهنالك عقد مجمعاً مؤلفاً مِن (13 اسقفاً) في الأحد الثالث مِن الصوم عام 781م وقرَّروا فيه عزلَ البطريرك طيمثاوس. فكان رَدُّ فعل طيمثاوس عقدَ مجمع مؤَلَّفٍ مِن (15 اسقفاً) رشق فيه بالحرم أفرام وأعوانه...!  ضاق المؤمنون ذرعاً بهذا الصراع الكنسي الذي طالَ أمدُه سنتَين منذ وفاة البطريرك حنانيشوع الثاني، فأهابوا ببعض الشخصيات المسيحية ذات النفوذ في البَلاط ، لبذل الجهود في سبيل وضع حَدٍّ لهذا النزاع الطويل، فتدخَّلَ عيسى أبو قريش طبيبُ الخليفة المهدي وأبو نوح الأنباري زميلُ طيمثاوس، وحَسَما النزاعَ بتحقيقهما صُلحاً بين مارطيمثاوس البطريرك ومارأفرام الميطرابوليط وأنصارهما. ونزل مار طيمثاوس البطريرك عند رغبة الميطرابوليط، ليجريَ تنصيبُه ثانية بوضع يدي أفرام، لأنَّ الأخيرَ طالب بحقِّه وهو أن إليه يَرجعُ وضع اليد على المُنتخب للبطريركية كما يقول (ماري/ المجدل ص 72 وابن العبري/ التاريخ الكنسي3 ص 169) وأُقيمَت حفلة التنصيب في كنيسة العباد بدار الروم في بغداد، وفي تعليق لماري في (المجدل ص 72 - 73) قال فيه: <إنَّ أفرام تأثَّرَ جداً بتواضع البطريرك، فركع أمامَه. إذ ذاك أنهضه طيمثاوس وعانقه> وبذلك إنتهت المُعارضة وحَلَّت مَحَلَّها المُصالحة وانزاح شبحُ التمزُّق الذي كاد يعصف بالكنيسة الكلدانية النسطورية. والى الجزء الثاني عشر قريباً.
الشماس د. كوركيس مردو
في 13/2/2015

75


مسيرة كنيستنا الكلدانية المشرقية النسطورية خلال العهد الأموي

29 - الجاثاليق البطريرك كيوركيس الأول 660 - 680م
لقد تزامنَ انتخابُ كيوركيس الأول جاثاليقاً لكنيسة المشرق الكلدانية مع بدايةِ  قيام الدولة الأموية  بخلافة (معاوية بن أبي سفيان عام 661 - 680م) إن خير مَن يُتحفنا عن حياة مار كيوركيس الأول وبالتفصيل هو توما المرجي في (كتاب الرؤساء ص 76- 83) أما المؤرخ ماري فيَمُرُّ على ذكره مَرَّ الكرام كأحد بطاركة الكنيسة، ولكن عمرو، فيروي عن حياته وصفاً وأحداثاً بمساحة صفحة واحدة  في المجدل .
يقول المرجي بأن ماركيوركيس الأول، وُلد في بلدة كُفري الواقعة الى الجنوب الشرقي مِن كركوك بحوالي 100كم. إنتمى الى رهبانية دير بيث عابي،  ولم يلبث أن ترك الديرَ ليتفرَّغ للخدمة الكهنوتية الى جانب مطران حِدياب(أربيل )ايشوعياب الحِديابي. وحين انتُخِبَ ايشوعياب جاثاليقاً، رَسمَه ميطرابوليطاً لحدياب، وبذلك زاده قرباً إليه حتى أنه قبل وفاته أوصى بإختياره جثاثاليقاً خلفاً له. بيدَ أنَّ هذه التوصية جوبهت بإعتراض مِن مُنافسَين يحملان نفس الإسم لمنصب الجثلقة هما: كيوركيس مطران براث ميشان وكيوركيس مطران نصيبين. يتحدَّث عن مناقب الجاثاليق ماركيوركيس الأول بإسهابٍ المؤرخان القس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 266 - 267) وتوما المرجي (كتاب الرؤساء ص 76 - 79) حيث يتفقان بأنَّ كيوركيس الجاثاليق الجديد كان مجبولاً على التواضع الفريد، وهو ما ساعده على إصلاح ذات البَين بينه وبين مُنافسيه المطرانَين اللذين كادا أن يُحدثا إنشقاقاً في الكنيسة المشرقية الكلدانية النسطورية.

فقد قصدَ الى نصيبين بنفسِه وصالحَ مطرانَها، وطلب مِن الربان خداهوي رئيس دير بيث حالي، أن يتولى مصالحة مطران براث ميشان وقد نجح في مُهمته. وبعد تغلُّبه على هذه المُعضلة، ركَّزَ عنايته الى تهدئةِ الامور المُضطربة في منطقة بيث قـطرايي (قطر الحالية) فصمَّمَ على عودة النظام إليها، حيث كان أهاليها قد أعلنوا العصيان على مطران روارداشير بمنطقة فارس والذي كان يرعى شؤونهم. ولذلك فقد قام الجاثاليق كيوركيس بالنزول الى المنطقة، وكانت محطتُه الأولى جزيرة "ديرين"أو "دارين" كما يُسمِّيها المؤرخ ياقوت الحموي (معجم البلدان2 ص 432) تقع بجوار البحرين، وأفلح ماركيوركيس في إرجاع السلام والنظام الى المنطقة، حيث يذكر كتاب (المجامع الشرقية / الترجمة ص 480 - 490) بأن ماركيوركيس عقد مجمعـاً هناك عام 676م حضره مطران وأساقفة ديرين، والطيرهان، وعُمان، وهجر (إحدى مدن البحرين الرئيسة يتَّخذ مِنها المرزبان الفارسي مقرّاً لإقامته) والخطّ ويُسمّيها الكلدان "حطا" وكانت تقع على الضفة الغربية للخليج العربي في المنطقة المعروفة اليوم بـ"الاحساء". كان ماركيوركيس عالِماً ومؤلفاً، قام بتشريع قوانين كنسية جديدة وفـَتحَ مـدارس عِدة .
ومِن وضعه، المناداة الرائعة (كاروزوثا ܟܪܘܙܘܬܐ) نُرتُّلًها إثنين الباعوثا، ومطلعُها (إيها الإله الموجود منذ الأزل ܐܠܗܐ ܐܝܬܝܐ ܕܡܢ ܥܠܡ) انظر (الحوذرة 1 ص 183) توفي ماركيوركيس عام 680 في الحيرة ودُفنَ بجوار الجاثاليق مارآبا الكبير. تعَـرَّضَ في فـَترةِ رئاستِه الى مصاعبَ شتى كانت وليدة الأحداث السياسية.

30  - الجاثاليق البطريرك يوحنا بَرمَرتا أي"إبن مرتا" 682 - 684م
يقول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 168) كان يوحنا بَرمَرتا أهوازيَّ الأصل، اقيمَ مطراناً على جَنديسابور، وبعد وفاة سـلَفِه الجاثاليق ماركيوركيـس الأول، انتُخِبَ جاثاليقاً إلا أنَّ وضعَه الصحي ترَدَّى كثيراً كما يقول عمرو (المجدل ص 58) فلم يستطع الإستمرارَ بتسيير شؤون الرئاسة، فنصحه الأطباءُ بالعودة الى وطنه والخلودِ الى الراحة، كان شيخاً وَقوراً وما إن وصـل الى قرية "متوت" حتى وافته المَنِيَّة، فدُفِنَ فيها، ولم يذكرْ له المؤرخون أيَّ نِتاج ٍ أدبي أوكنسي .

31 - البطريرك الجاثاليق حنانيشوع الأول (الأعرج) 685 - 700م
كان مِن مواليد النصف الأول مِن القرن السابع، جرى انتخابُه عام 685 م أي بعد وفاة سلفِه يوحنا بَرمَرتا بثلاث سنوات، إذ يقول المؤرخان (صليبا ص 57 - 58 وماري ص 63) بأن رئاسة يوحنا بن مرتا لم تدُم إلا عامين وعدة أشهر. تروي المصادر التالية (في المجدل/عمرو ص 58 - 60 ، ماري ص 63 - 65 ، كتاب الرؤساء ص 41 ح 1 و ص 52 ح 5 ، مُعجم البلدان2 ص 543 وما يليها ) بأنَّ حنانيشوع كان عالِماً حاذقاً، ومؤلفاً بارعاً، وضع47 تُرجماناً وتفسيراً بالإضافة الى ميامرَ ورسائلَ وتعازي. ألَّف أربعة كُتُبٍ تتناول فصول الإنجيل شرحاً وتفسيراً، وعن كُلِّ فصل له فيه وعظ ولومٌ يتناسب مع مخزاه. سَنَّ عشرين تشريعاً في القضاء. صنَّف كتاباً بعنوان"عِلَلالموجوداتܥܠܠܐ ܕܐܝܬܘܬܐ". ويقول عبديشوع الصوباوي في (السمعاني ص 154) بأنه كتب سيرة سركيس دودا، ومقالتين بصدد المدارس. وتستطرد المصادرُ مشيرة الى المُضايقات والـمتاعب التي تعرَّض لها خلال رئاسته، فقد ناصبَه العِداءَ ايشوعياب مطران البصرة، حتى أنه إغتصبَ الكُرسيَّ الجثلقي لفترة، إضطرَّ بعدها للرضوخ للواقع والتخلّي عنه لصاحبه الشرعي حنانيشوع. بيدَ أنَّ الشدائد التي سعى الى تدبيرها له يوحنا الداساني مطرانُ نصيبين المُلقَّب بـالأبرص كانت ثقيلة عليه جداً. فقد استطاع الحصول على دعم الخليفة عبد الملك بن مروان، الذي أوعز الى إبنه"بشر" والي الكوفة بعزل الجاثاليق حنانيشوع وتولية يوحنا الأبرص على الكُرسي.

ولم يروِ هذا غليلَ يوحنا، بل أراد تصفيته جسدياً،  وبالفعل سخَّرَ بعضَ أعوانه، فقاموا بعملية إختطاف مارحنانيشوع، وذهبوا به الى الجبل وطرحوه مِن موقع مرتفع، فتدحرج وسقط في الوادي، فتحطمَ جسمُه وأصاب الكسرُ إحدى ساقيه، وظنوا أنه قد قضى نَحبَه، إلا أنَّ العناية الإلهية تداركته وهو على شفير الموت، فقد أبصره رعاة تواجدوا في ذلك المكان، إعتنوا به حتى إستردَّ صحته، ولكنَّ العُرجَ لازمَه طوال بقية حياته نتيجة ذلك الفعل الشنيع. وبطريقة ما تمكنَ مارحنانيشوع مِن الوصول الى هيكل بَرطورا (إبن الجبل) الذي شيَّده آبا تلميذ داديشوع في جبل سنجار، وقام بتوسيعه تلميذه يونان فعُرف بدير يونان،  ومِن هذا الدير باشر بتسيير شؤون الكنيسة المشرقية. أما مصير يوحنا الأبرص فكان تُعساً وقصرَ العُمر، حيث تعذرَ عليه الإيفاءُ بما وعد به للحُكّام مِن الأموال،  فراح يتوارى عن نواظرهم منتقلاً مِن مكان الى آخر، ولم تدُم به هذه الحال المُضنية فكراً وجسماً إلا سنة وبضعة أشهر حتى وافته المنيَّة.

وبعد تخلُّص حنانيشوع الجاثاليق من هذين الطامعَين وبقائه الرئيس الأعلى الوحيد للكنيسة، باشرَ فوراً بإصلاح ما خلَّفه تصرُّفُ يوحنا الداساني الأهوَج، مِن التصدُّع والتمَلمُل والإضطراب فيها، وما فتيءَ مُثابراً على تنظيم امورها حتى داهمه المنونُ وهو في الدير ذاته، والذي لم يُغادره لأنه لم يكن يأمَنُ جانب الحجاج المُجرم الذي كانت تلك المنطقة ضمن ولايته. ونود أن نُسجِّل هنا ما قاله صليبا في كتاب (المجدل ص60) عن حنانيشوع الأول بالنص: <إنه استناح ودُفنَ به (أي بالدير) وجُعِلَ جسدُه في تابوتٍ مِن خشب الساج، ومِن بعد ستمائة وخمسين سنة انفتح الناووس الذي كان التابوت فيه، وظهر جسدُه وهو منطور كأنه نائم، وبادر الى رؤيته أكثر أهل مدينة الموصل، وشاهدناه بأعيننا مع جملة الحاضرين، والى الآن كُلُّ مَن يقصدُ أن يراه ويتبارك مِنه فذلك له مُباح، ومَن يشكُّ في ذلك، فليمضي فيُبصر ويُصّدِّق> وللحقيقة والتاريخ ففي عام1349م عُثرَ في الموقع على رُفاة الجلثاليق حنانيشوع، ولكن عائيدتها نُسبت في حينه الى النبي يونان    (يونس لدى المسلمين) وعُرف المسجد المُشيَّد هناك بمرقد النبي يونس .

32 - الجاثاليق البطريرك يوحنا الداساني الأبرص 693 - 694م
كان مطراناً على نصبين مُحباً للسلطة بإفراط ويسعى للوصول إليها بأية وسيلةٍ مهما كانت لئيمة وذليلة وجالبَة الأذى للمقابل، وهذا ما فعلَه لإنتزاع كُرسيِّ الجَثلقة من الجاثاليق مارحنانيشوع الأول، فقد جاء في كتاب (ذخيرة الأذهان ج1 ص 369) بأنَّه أغـرى بعضَ امراء بَني أمية واعداً إياهم بمبلغ كبير من المال في حالة استحصالهم له أمراً من الخليفة عـبد الملك بـن مروان بتنحية مارحنانيشوع عن كُـرسي الجثـلقة ليحتَلَه هو، وتمَّ له ما أراد. ويقول عمرو (المجـدل ص 60) وإذ لم يَفِ بوعدِه للأمراء بسبب عجزه، عمَد الى الهرب ، وما لبثَ أن القيَ القبضُ عَليه وزُجَّ في سجن إحدى قرى الكوفة، ولم يمض عليه عامٌ ونصف العام حتى توفي في السجن.

33- البطريرك الجاثاليق صليبا زخا 714 - 728م
إنَّ الأحداث التي مرَّت على الكنيسة المشرقية في عهد الجاثاليق حنانيشوع، ووجودَ الحجاج على رأس السُلطة في هذه المنطقة، ودَورَه المُمانع لإنتخاب جاثاليق جديد خلفاً لمارحنانيشوع، مِمّا أدّى الى شغور كُرسيِّ الرئاسة المشرقية لمدة 14عاماً حتى موت الحجاج عام 714م . وتولّي السُلطة بعده "يزيد بن عقيل المقلد "الذي لم يُمانع بانتخاب جاثاليق للكنيسة، ووقع الإختيارُ على صليبا زخا مطران حِدياب والموصل، فتمَّ انتخابُه بالإجماع.

وبحسب قول بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 333) كان صليبا زخا مِن أصل طيرهاني، تلقى العِلمَ في مدرسة المدائن، رأى فيه حنانيشوع الأول الهمة والنشاط، فرسمَه اسقفاً على الأنبار، إلا أنه تعرَّض لغضب يوحنا الأبرص فطرده مِن كُرسيِّه، فاضطرَّ للذهاب الى نصيبين. وبعد وفاة يوحنا الأبرص، رَقّاه حنانيشوع الى منصب ميطرابوليطية حِدياب والموصل. ثمَّ انتُخبَ جاثاليقاً في المدائن عام 714م كما مَرَّ بنا القول. أنحى باللائمة عليه توما المرجي في (كتاب الرؤساء ص 95 - 96) وأسبغ عليه صِفَتَي الجشع والعجرفة، وربَّما كان مَرَدَّ ذلك إستياءً مِنه على قيامِه بالتجاوز على حقوق دير بيث عابي، حيث في زيارةٍ قام بها للدير، حاول الإستيلاء على إنجيل رائع ذي غلافٍ ذهبي مُرصَّع بأحجار كريمة تحتفظ  به مكتبة الدير، وما إن همَّ بوضعه في حقيبته حتى هَبَّ عليه الرهبان وانتزعوه من يده. ولكنَّ صاحبَي المجدل يُطريانِه على مزاياه فيصفانه بصاحب الحزم وحسن الدراية بالشؤون الكنسية واسلوبِ إدارته لها.

وجاء في كتاب (ذخيرة الأذهان ج1 ص 334) بأنه أولى اهتماماً كبيراً لإصـلاح ما خَرَّبَه يوحنا الداساني الأبرص، باقتلاعِه لبذور الفوضى والإضطراب التي زرعها في حقل الكنيسة، وقيامِه بطرد الأساقفة غير الشرعيين وتجريدِهم مِن الدرجة الأسقفية، وإعادة اولئك الذين طردهـم يوحنا الأبرص، ورَسمِه آخرين فضلاء، كما رَسَمَ أساقـفة جُدداً لكراسي هرات والهند وسمرقند. ويُضيفُ المؤرخ الكلداني ماري (كتاب المجدل ص 65) ما نَصُّه: <بعد موت عمر بن عبد العزيز رحمه الله، تقلَّد الخلافة يزيد بن عبد الملك، وردَّ النصارى الى خِدمَتِه  وأكرمهم. وخرج عليه يزيد بن المهلَّب بالبـصرة، وادَّعى الخلافة، فأنفذ إليه أخاه مسيلمة وظفر به بكُشكُر> ويسترسل ماري بالقول: <ومات أيضاً في أيامه يقصد أيام صليبا زخا يزيد بن عبد الملك وتقلَّد الخلافة (هشام بن عبد الملك 724 - 743م) والجدير بالإشارة هو بأن باباي الجبيليتي الذي سبق الكلام عنه في باب التنويه بعلماء الكنيسة المشرقية في الجزء الثاني مِن كتابنا (الكلدان والآثوريون عبر القرون) برزَت شُهرتُه على عهد هذا الجاثاليق عن طريق نشاطه الكبير في الحقل التعـليمي، فقد أسس المدارس ونظمها ووفَّر لها كافة المستلزمات، واهتمَّ كثيراً بالألحان الموسيقية الكنسية وبخاصةٍ ترتيل البركات التي تُتلى على رأسَي العريس والعروس لدى عقد الزواج. يقول عمرو(المجـدل ص 61) بأن مارصليبا زخا عاصر ثلاثة خلفاء أمويين هم سليمان بن عبد الملك، عمر بن عبد العـزيز، يزيد بن عبد الملك

34 - البطريرك الجاثاليق فـِثيون 713 - 740م
لم تُعرف الأسبابُ بالدقة، تلك التي أدَّت الى شغور كُرسيِّ الجثلقة بحدود ثلاث سنواتٍ مِن وفاة مار صليبا زخا، ويميل المؤرخون في ذلك الى تبايُن آراء الأساقفة في اختيار الأجدر بينهم لتولّي كُرسيَّ الرئاسة العليا، وعلى هذا الأساس  تأخر انتخاب الجاثاليق، ولم يتِمَّ انتخاب فثيون بالسهولة المُعتادة. فبخصوص فثيون كان مُقرَّباً مِن صليبا زخا وهو الذي رسمه اسقفاً على طيرهان وكان ذا سيرة حميدة أشاد بها المؤرخون، فيقول عنه صليبا في (المجدل ص 61) ما نصًّه: <إنَّه لم يكن مُحباً للمال قدَّس الله روحَه الطاهرة، فإنها أكرمُ خِلَّةٍ في رؤساء البـيعة> ويُضيف قائلاً: <كان كثيرَ الشبه بمارآبا الأول الكبير، وجدَّد العمل على مِثاله، كما جَدَّ في الذود عن المسيحيين> أما ماري فقال عنه في (المجدل ص 66) ما يلي وبالنص: <كان خالد بن عـبدالله القسري يتقلَّد العراق وامه رومية الجنس، ويَقصُدالجاثاليق كثيراً ويُكرمُه. وكان فثيون إذا دخل إليه بالكوفة، يُجلسُه على كُرسيٍّ ويخلعُ عليه ويطلب الحنان ويسأَله الدُعا، ووافقه على شيءٍ يسير يؤدّيه عن الخراج بالمدائن، وكتب له كتاباً وتقدم الى طارق خليفته بصيانته. فتشبَّهَ به الأساقفة في عمارة البيع والإسكولات>.

يروي ماري (المجدل ص 66) وتيسران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 50) أما عن انتخاب فثيون للجثلقة فلم يتَّفِق عليه الأساقـفة بالإجماع، بل كان هنالك مؤَيِّدون ومُعارضون، ومِن بين المعارضين يوحنا الأزرق اسقف الحيرة وآبا اسقف كُشكُر، حيث أعربَ الأزرقُ عن رغبته في تولية آبا اسقـف كُشكُر سُدّة الرئاسة. بيدَ أنَّه جوبهَ بمعارضةٍ شديدة مِن قبل الاسقف عبد المسيح الحيري، فنشب خصامٌ بين الأساقفة أدّى الى رفع الأمرالى المسؤولين الحكوميين، حتى وصل الى الخليفة هشام. فقال الخليفة ُ كلمته الفصل بانتخاب فثيون جاثاليقاً للكنيسة المشرقية وكان ذلك عام 731م. وجاءَ في كتاب (المجدل ص 64) عن صليبا قوله: بأن الكثير مِن العلماء والقديسين تزامنت حياتهم مع عهد الجاثاليق فثيون ومِن بينهم: بولس اسقف الأنبار، سبريشوع مؤسس دير واسط، غريغـور اسقف حَرّان وكان عالِماً بالكيمياء، والعالِم اسقف البوازيج يوحنا، واسقف الحديثة يوحنا وآخرون غيرهم... وافت المنية مار فثيون عام 740م ودُفِنَ في المدائن .

35 - البطريرك الجاثاليق آبا الثاني 741 - 751م
يقول ماري (المجدل ص 66) بأن آبا الثاني كان كُشكُريَّ المولد، مِن رعيل مواليد منتصف القرن السابع، نَهِـَلَ العِـلمَ مِن منابع مدرسة المدائن، رُسم اسقفاً على مدينته كُشكُر، وواظب على المطالعة والتفسير طوال مدة بقائه على كُرسيّ كُشكر الاسقفي. ومنذ أوائل القرن الخامس وبالتحديد منذ عام 410م الذي عقد فيه مجمعُ ساليق الثاني برئاسة الجاثاليق ماراسحق، كان أحدُ قرارات المجمع المذكور إسناد منصب مُعاون الجاثاليق الى اسقف كُشكُر،  وفي حالة وفاة الجاثاليق يتولّى مَهامَ الجاثاليق لحين انتخاب جاثاليق جديد. وعند شغور الكُرسي الجاثاليقي بوفاة مار فثيون عام 740م، تولّى آبا اسقف كُشكُر تلقائياً تدبير شؤون الكنيسة. ولدى التئام مجلس الأساقفة لإنتخاب جاثاليق جديد، توَزَّعت آراء الآباء الأساقفة وجموع المؤمنين بين آبا وبين مطران جنديسابور، وفي النهاية كانت كفَّة آبا هي الراجحة، ففاز بالإنتخاب ورُسم جاثاليقاً في المدائن عام 741 م باسم آبا الثاني. لُقِّب مارآبا بـ (ذي الإرادة الصالحة - بريخ صِويانا ܒܪܝܟ ܨܒܝܢܐ) .

يتحدَّث بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص 336 - 337) وتيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 50 ) لم يكن سلوكُ سكان المدائن لائقاً تُجاه الرئاسة العليا، فاستاءَ مارآبا الثاني مِن سوءِ تصرُّفهم، فترك المدائن وقصد الى دير واسط  في كُشكر للإقامة فيه، واستبقى في المدائن معاونَيه وتلميذَيه شهدوست اسقف الطيرهان وميليس اسقف الزوابي. وبسبب التأثير الصحي والعُمري على يوحنا الأزرق اسقف الحيرة، منعاه عن حضور رسامة مارآبا الجاثاليقية، لذا بادر مارآبا لزيارته في الحيرة ثمَّ رجع الى كُشكُر. يتحدَّث ماري في (المجدل ص 66) عن موقف حاكم العراق مِن الجاثاليق آبا بقوله نصّاً: <كان يوسفُ بن عمر يتقلَّد العراق وكان باغضاً للنـصارى، فكره مارآبا أن يُقيمَ بالمدائن إلا بعد لقائه. فقصد الكوفة، فلما رآه عجب به وسأَله عن أسبابه وعن أشياء إستحسن جوابَه فيها> وهذا يؤكِّد ما قيل عن آبا الثاني بأنه كان ذا غيرةٍ ويمتلك قدراً وافراً من الثقافة والعِلم.
ساءَت أحوال كنيسة المدائن بغياب رئيسها عنها، وتلاعبَ البعضُ بأموال الكنيسة ومدرستها، وتضايق المؤمنون مِن تردّي الأحوال، ولم يجدوا حلاً للمعضلة إلا بعودة مارآبا الى كُرسيِّه، فبعثوا إليه ممثلين يرجونه للعودة قاطعين العهد بالطاعة وحسن السلوك. فما كان مِن مارآبا إلا الإستجابة الى مطلبهم، وعاد الى المدائن وأصلح الامور المتدهورة. وفي عام 751م وافته المنيَّة بعد عمر طويل دام 110 أعوام، وكان ذلك العام بداية للعصر العبّاسي، ويُعتبَر مارآبا الثاني آخر جثالقة الكلدان عاش في عهد الدولة الأموية. والى الجزء الحادي عشر قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 3/2/2015

76


الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء التاسع
الكلدان المسيحيون في المناطق اليمنية
كانت اليمنُ محطَّ انظار المُبشِّرين بالمسيحية منذ بزوغ نجمِها، ويشهدُ على ذلك الآباءُ والمؤرخون الشرقيون والغربيون (أعمال الآباء اللاتين/لِمين ص 230) كما يؤكِّدُ المؤرخون ومنهم (سقراط ك1 الفصل 15 ونيقيفوروس ك2 الفصل40 وروفينوس ك1 الفصل9) بأنَّ متى الرسول بشَّر في الحبش وبحسب ادعاءِ الكتبة المُحدِثين بأنَّ تسمية الحبش تُطلق على اليمن أيضاً لأنَّ اليمن ظلَّت تحت الحُكم الحبشي مدة طويلة، والكثير من قبائل السواحل الحبشية دخلت الى اليمن واستقرَّت فيها. ولذلك ربما قد دُعيَ سكّانُ اليمن قديماً بالحبش على عهد المؤرخَين هيرودوتس واسطرابون. وهناك الكثيرُ من الكتبة لا يُوافقون على قيام القديس متى بتبشير عرب اليمن وإنما بشَّرَ حبشة افريقيا.

تقول بعض التقاليد بأن الرُسُل توما ومتى وبرتلماؤس، هم الذين قاموا بتبشير مناطق الساحل الجنوبي للجزيرة العربية، وهناك مَن يقول بأن المسيحية دخلت الى اليمن عن طريق الحبشة في أواخر الجيل الثالث أو أوائل الجيل الرابع، بينما يعتقد المؤرخ الألماني"نولدكه" بأن سوريا وبلادَ ما بين النهرين كانتا المنبعَ الأول لدخول المسيحية الى نجران واليمن. وهيمَنت اللغة الكلدانية على الصلوات الطقسية (مِن الخطأ القول اللغة السريانية، لأنها نتاجُ تحريف للغة الكلدانية، قام به بعضُ المونوفيزيين اليعاقبة المتأخرين ومِن بينهم إبن العبري) ولكنَّ ما يُؤسفُ له بأنَّ المسيحية النصرانية لم تستطع لمَّ شمل جميع القبائل العربية الجنوبية أو حتى غالبيتها تحت رايةِ كنيسةٍ يسودُها نظامٌ وانضباط متينان.

وتأكيداً لنفوذ المسيحية النصرانية الى اليمن من جهاتِ الشمال وبشكل خاص من العراق، هو مسعى ملوكِ الفرس الى محالفة ملوكِ اليمَن للإستعانة بهم على رَدِّ غارات الرومان، مِمّا شجَّعَ مسيحيي المملكة الفارسية الكلدان للدخول الى اليمَن (منشورات لاند2 ص 76). وكانت القوافل في ذهابٍ وإيابٍ من العراق الى اليمن وبالعكس، فهل كان للكلدان النصارى أن يتأخروا أو يُهمِلوا هذه الوسائط لنشر المسيحية في الجنوب؟ وفي تقليد الكنيسة الكلدانية ما هو شائع بأنَّ رسولَي الكلدان مُتلمِذَي المشرق أدَّي وماري توَجَّها ايضاً الى سكَّان الخِيَم من بلاد العرب والى نجران وجُزُر بحر اليمن (المؤرخ الكلداني ماري/ بطاركة كُرسِيِّ المشرق ط. روما وعمرو/ المجدل ص 1).
ومِن الجدير بالذكر بأن طبقة ً ثرية كلدانية نسطورية قادمة مِن بلاد فارس ومنذ الجيل الخامس كانت قد أحكمت سيطرتَها على نجران، وكانت تؤدي الجزية لملك الدولة الحميرية الثانية، بيد أن الإضطهادَ الذي شَنَّه الإمبراطوران البيزنطيان  (يوستينوس الأول 518 - 527 م) و (يوستِنيانوس الأول 527 - 565 م) على المونوفيزيين قلبَ المعادلة َالديمغرافية، حيث تدفَّق المونوفيزيون بكثرةٍ الى منطقة نجران، فشكَّلوا الغالبية َمقارنة ًبالنساطرة، وقاموا بتأسيس أبرشيةٍ مونوفيزية  يعقوبية إرتبطت ببطريركيةِ الإسكندرية.

اليهود بالمرصاد
 منذ انتشارالمسيحية في نجران كان اليهودُ لها بالمرصاد، بحسب قول المؤرخين العرب كالمسعودي والطبري وابن هشام في سيرة الرسول، فتصدّى النصارى لليهود ودارَ بينهما خصامٌ ونزاعٌ منذ اواسط القرن الميلادي الثالث، وبلغ صداه الى كبار رجال الدولةِ وملوكِها، ويُضيفون بأنَّ ربّانيَّين من يثرب استطاعا تهويدَ التُبَّع احمد أبا كرب وحذا حذوَه أهلُ رعيته فتهوَّدوا مثله، وتبع خطاه من بعدِه بعضُ اولاده.   
ولكنَّ النصرانية فازت على اليهودية في عهد عبدُ كُلال بن مثوب الذي تولّى المُلكَ في اواخرالنصف الثاني من القرن الثالث أي منذ عام 273-297م كما ورد في (تاريخ العرب/لكوسان دي بِرسِفال1 ص 107) أما حمزة الأصفهاني في (تاريخه الفصل 131 ط. بطرسبُرك) فقد قال بأنَّه تولَّى الحُكمَ لمدة 74 سنة وليس 24. وقد أجمع المؤرخون على تديُّنِه بالنصرانية.حيث جاء في قصيدةٍ حميرية:
أم أين عبدُ كُلالٍ الماضي على          دين المسيح الطاهرالمسّاحِ

قام يهودُ نجران بتحريض الزعماءِ اليمنيين على قمع ِنصارى نجران الذين دعوهم بأصحابِ الدين الجديد، قائلين لهم بأن فسحَ المجال لتغلغلِهم، سيُشكِّلُ خطراً على استمرار وَحدتِهم ويُقلِّصُ مِن نفوذهم، وجرى ذلك على عهد ملك صنعاء ذي نؤاس "مسروق" الذي كان قد إعتنقَ اليهودية وهامَ بها الى حَدِّ التعصُّبِ القاتل، فدعا مسيحيي نجران الى نبذ مسيحيتهم واعتناق اليهودية، فأبوا طاعتَه في اتِّباع ضلاله واستعدوا لمُقاومتِه والدفاع عن دينهم وبلدِهم تحت راية زعيمهم "الحارث". ولكنَّ"ذا نوّاس"راح يسعى الى ايجاد حُجَج ٍ للإنتقام مِن مسيحيي نجران، وحدث أن يهوديَين تعرضا للقتل مِن قبل النجرانيين، فاتخَذ َمِن هذا الحدَث ذريعة ٌ لصبِّ جام غضبه على أهالي نجران المسيحيين النصارى، علاوة على كونِه حاقداً عليهم بشدةٍ متناهية لإتهامِه إياهم بالمُوالاةِ للأحباش أعدائه، فعمل بهم قتلاً عام 523م حتى بلغ عددُ القتلى عشرين ألف قتيل بينهم 400 راهب. وفي رواية إبن اسحق جاء فيها: <بأنَّ ذا نوّاس دخل نجران بالمكر، حيث امر بحفر أخاديد (وقد اشار إليها القرآن) وأضرم بها النيرانَ ورمى فيها عشرين الفاً من النصارى أو يزيدون، ماتوا في سبيل ايمانهم مع الحارث رئيسهم>. وتقول بعض المصادر بأن هذا الرقمَ مُبالَغ ٌ به، باعتبار أنّ المجموعَ الإجمالي لمسيحيي نجران في ذلك العام لم يكن يتجاوز العشرين ألفاً، وقد أشار القرآنُ الى هذه المذبحة الرهيبة، ولقَّبَ ضحاياها بـ (أصحاب الاخدود).

وقام بنقل خبر الجريمة النكراء التي ارتكبَها ذونوَّاس بحق مسيحيي نجران، رجُلٌ نجرانيٌّ استطاع النجاة يُدعى"دوس ذو ثعلبان"هرب وأبلغ قيصرَ الروم بما جرى. فأمرَ القيصرُ النجاشيَّ"ألِصبان" ملكَ الحبشة بمعاقبة اليهودي ذي نوّاس، فتأثر النجاشيُّ ولم يسكت على هذا الفعل الرهيب، واتخذَ مِنه سبباً للتدخل عام 525م فأعدَّ جيشاً وارسله تحت قيادةِ ارياط وإبرهة الأشرم واجتاحَ جيشُهما اليمن عن طريق البحر الأحمر بتشجيع مِن الروم ودعمِهم فاستولوا عليها، وقد إنتابَ ذو نؤاس يأسٌ هائلٌ، دفعه الى خوض ِ البحر بحصانِه فمات غرقاً، وبموتِه إنقرضت المملكة ُ الحميرية. وغدت اليمنُ تحت حُكم الحبشة لأكثر من نصف قرن ومَلَكَ عليها "ارياط 525-531م". وإنَّ أحد الحميريين المدعو"ذو جدن" حاول بعد موت ذي نوّاس الإمساك بزمام الأمور، ولكنه سقط صريعاً بيد الأحباش.             
أما اليمن فلم تبقَ تحت حكم النجاشي الحبشي إلا ستة أعوام تحت حكم أرياط حيث ثار ضِدَّه قائد مسيحي يُدعى"إبرهة"عام531م فحرَّرَ اليمنَ من حُكمِه ولكنَّه بقي حليفاً وفياً للملك البيزنطي. ويُروى بأن مكة كادت تسقط بأيدي هذا القائد المسيحي الثائر عام 542م. ولو لم يُخفِق وللأسف في مسعاه، لكانت الأوضاعُ التي مَرَّت بها بلادُ الشرق مُشرقة ًوخاليةً مِن المصائب والأهوال التي عصفت بها عبرالقرون اللاحقة وحتى يومنا هذا. وخلف إبرهة إبنُه "يكسوم 570-572م" ثمَّ اعقبه "مسروق 572-575م" حيث انتهى حكمُ اسرة إبرهة بغزو الفرس للبلاد عام 575م، وتنصيبِهم حاكماً عربياً عليها هو"مهدي كرب" بن سيف بن ذي يزن، وعيَّنوا له مستشارين إداريين فُرس. وما إن تمرَّدت اليمنُ على الفرس، حتى عاوَدوا غزوها ثانية ًعام 597م وضمّوها الى مملكتِهم كمقاطعةٍ فارسية ونصبوا عليها حاكماً عام 597م اسمه"وهرَز"  وخلفه"بَدهان" وفي زمنه احتلَّ المسلمون اليمن فاتحين. هذا ما ورد في تواريخ بعض الكتبة المُسلمين نقلنا مُلخَّصه بايجاز.                                                                                                                         
وباحتلال الفرس لليمن أصبحت اليمنُ ساحة ًمفتوحة لتسرُّبِ الكلدان النساطرة مُواطني المملكة الفارسية ليُعزِّزوا نشر نصرانيتهم النسطورية التي كانوا قد سبقوا الى بثِّها فيها. وكانت الكنيسة ُالكلدانية النسطورية في هذه الأثناء قد إستقرَّت امورُها في بلاد ما بين النهرين، وازداد وعيُها برسالتِها التبشيرية لنشرها شرقاً وغرباً. وفي منطقة نجران تواصلَ الوجودُ الديني المسيحي بمُختلف أشكالِه ومِن دون أن تطالَه مُضايقاتٌ حادة، ومِن بين أساقفة نجران بحسب ما يذكره المؤرخون العرب "قُس بن ساعِدة" الذي إنبهرَ محمدٌ بفصاحتِه لدى سماعِه إيّاه يخطبُ ذات يوم في سوق عُكّاظ  بالحجاز.

وما رواه المؤرخون المُسلِمون عن نصرانية اليمَن يؤيدُه المؤرخون اليونان والنصارى أمثال: تيئوفيلوس في (تاريخه2 ص346 ط. بونّا) ويوحنا اسقف آسيا في (تاريخه2 ص 83) ويوحنا ملالا في (تاريخه ص 434 ط. بونّا) وكُلُّ هؤلاء تطرَّقوا الى ما جرى بين ملك الحبشة المدعو الِسباس أو"ألِصبان" وذي نوّاس"دَمِنوس" اليهودي اليمني بسبب جريمته في قتل نصارى نجران، وعن دور القيصر الروماني يوستينوس الذي اوعز الى ملك الحبشة للإقتصاص من الظالم. وفي ظِلِّ فترة حُكم ملوك الحبش على اليمن بلغت النصرانية اوجَ النجاح والتقدُّم، فجعلوا من نجران قبلة للدين المسيحي بعد أن رُويت ارضها بدماء الشهداء، فشيَّدوا مزاراً أصبحَ مدعاة جذبٍ  للعرب من مختلف الأنحاء، وقد انفقوا الكثيرَعلى تزيينه بمختلف أنواع الحلي، وقد ذاع صيتُ المزار حتى دُعيَ "كعبة نجران" وكعبة اليمن، وصار يُضرَبُ به المثل.

النصرانية في مناطق جنوب الجزيرة العربية
أما في المناطق الجنوبية الاخرى مِن البلاد العربية الواقعة على سواحل الخليج العربي وفي جزرالبحرين وقطر وعُمان والإحساء والكويت، فكان دخولُ المسيحية النصرانية إليها مبكِّراً، كما عُثرَ على آثار مسيحيةٍ نصرانية في منطقة حضرموت وضواحيها قبل ظهورالإسلام، وقد قامت على الضفة الشرقية مِن الجزيرة العربية وفي جزيرتَي سُـقطري وعُمان ستُّ أبرشياتٍ كلدانية، وتشيرُ بعضُ المصادر الى كون حاكم عُمان مسيحياً. وقد إنتقلت الأفكارُ المسيحية النصرانية عن طريق المُبشرين القادمين مِن أرض ما بين النهرين الى"نجد" الواقعةِ في قلبِ الجزيرة والتي كانت تحكمُها قبيلة كِندة الشهيرة، ومِن صُلبها خرج الأميرُ أمرؤ القيس. ويُقال بأن عددَ مُناصري المسيحية النصرانية كان كبيراً في اليمامة ولا سيما بين أفراد أقوى القبائل فيها"قبيلة بني حنيفة" وتقعُ اليمامة جنوبَ شرقيِّ الحجاز. ومِمّا تقدمَ ذِكرُه، نجد حضوراً مسيحياً نصرانياً ظاهراً جرى انسيابُه مِن بلاد الكلدان (بين النهرين) باتجاهِ نجدٍ والسواحل الخليجية، وعن طريق نجران واليمن عِـبرَ المحيط الهندي كانت المسيحية النصرانية تستعدُّ للتوغل الى مناطق آسيا الجنوبية وأفريقيا. والتقاليد العربية ذاتُها تروي ذِكرياتٍ كثيرة ًعن الحضور المسيحي النصراني في عموم المنطقة العربية، وتُشير الى أسماءِ فروع للقبائل تشهدُ على انتمائِها المسيحي.
يروي إبن خلدون في (تاريخه ج2 المطبوع في مصر ص252-253) بأنَّ دولة مستقلة ملكت "اسماء" بعد الميلاد الى حين احتلال الحبشة لليمن وغدت حضرموت تحت حكمها، فدخلت إليها النصرانية مع الفاتحين الحبش، بل ربما كانت النصرانية قد سبقتهم إليها، بدليل كون قسم كبير من أبناء قبيلة كِندة يسكنون في حضرموت، وكانوا يدينون بالمسيحية النصرانية. ويذكر بطليموس في (كتاب جغرافيته ك16 الفصل4) عِدَّة مدُن ساحلية لحضرموت تزخر فيها اسواق تجارية يرتادها الروم وتُجّارٌ نصارى قادمون من مختلف الأنحاء، فكان أهلُها يختلطون بهم ويدينون بدينهم. وفي كتاب (طبقات إبن سعيد/ فصل الوفادات) ذكرَ وفداً لحضرموت كان أحد أفراده كليب بن سعد فقال هذا البيت من الشعر:
أنت النبيُّ الذي كُنّا نُخبِّرُهُ     وبَشَّرَتْنا بكَ التوراةُ والرُّسُلُ

وكان بعضُ هؤلاء النصارى يسكنون الجزُر المجاورة وقد تنصَّروا قبل ظهور الإسلام بزمن طويل. حيث جاء في مذكرات المؤرخ الرحّالة قوزما في (مذكراته ص 169): وفي جزيرة"تابروبانا"التي يُسمّيها الهنود"سيدليبا"هي جزيرة سيلان ويُسمّيها العرب"سرنديب" ببحر الهند. فيها كنيسة للنصارى يُديرها الإكليريكيون ويَؤمُّها المؤمنون، وكذلك في ملَّبار الشهيرة بجني الفلفل. وفي جزيرة كاليانا اسقفٌ يُرسَمُ في بلاد فارس ويُرسَل إليها. وفي جزيرة ديوسقريدس وهي "سوقطري القريبة من سواحل العرب" يسكنها جَمٌّ غفيرٌ من النصارى، يأتيها إكليريكيون من بلاد فارس لتأدية الخدمة الدينية. وفي رسالة للقديس فرنسيس كسفاريوس كتبها لدى سفره الى الهند مَرَّ بسوقطري، ذكر فيها بأنَّ بقايا النصارى كانوا متواجدين في سوقطري حتى القرن السادس عشر، وقد طلبوا منه البقاء عندهم ولكنَّه لم يستطع.

والى الشمال من حضرموت وعلى ساحلَي بحر العجم وبحر الهند تقع"عُمان" دخلتها النصرانية بواسطة مُبشِّرين قَدِموا إليها من العراق، وتذكر مجامع الكنيسة الكلدانية النسطورية أسماء اساقفتها منذ القرن الخامس مع تاريخ جلوس كُلٍّ منهم. ويُطلقون عليها" مازون" وبهذا الأسم سمّاها العرب، ويُشير إليه ياقوت الحموي في (مُعجم البُلدان4 ص 521) ومن هؤلاء الأساقفة يوحنان عام 424م وداود عام544م وشموئيل عام 576م واسطيفانوس عام 676م. وكان ملوكُ عُمان من آل ازد. ويُشير صاحب كتاب الأغاني الى وجود اديُرة في عُمان. ويذكر إبنُ الأثيرفي (تاريخه1 ص 234) <بأنَّ قيسَ بنَ زهير، لمّا تنصَّر ساح في الأرض حتى انتهى الى عُمان وفيها ترهَّب>.

وعلى ساحل خليج العجم والى الشرق من جزيرة العرب تقع البحرين التي يزخرُ في بحرها اللؤلؤ الشهير. كان سكّانُها في الجاهلية بنوعبدالقيس إحدى قبائل العرب المعروفة في نصرانيتِها. لسكّان البحرين عاداتٌ متوارَثة عن اسلافهم أباً عن جَد حتى أيامنا، تحَدَّث عنها السُّيّاحُ الألمانُ الذين زاروا هذه البلاد حديثاً ومنها: رسمُهم علامة الصليب على جباهِهم أو وَشمِها على أماكن من جسمِهم. إكرامُهُم الخُبزَ تذكيراً بالقربان المقدس. وعند ظهورالإسلام كانت البحرين وجارتُها الإحساء رازحتين تحت حُكم الفرس، وكان العاملُ المُعيَّن عليها المنذر بن ساوي أحد ابناء قبيلةِ تميم.

جاء في  (كتاب المجامع الكنيسة الكلدانية النسطورية ص 189 و448) بأنَّه كان للكلدان في بلاد البحرين اساقفة ولا سيما في قطر المعروفة "ببيث قطرايي" وفي مجمع ساليق العاشر للكنيسة الكلدانية النسطورية المنعقد عام585م برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرُزُنّي، صَدَرَ ضمن أعماله توجيهُ ايعاز الى أهالي البحرين بالمحافظة على قدسية يوم الأحد والإنقطاع عن العمل فيه، وإنْ كان الأمرُ عسيراً عليهم يُعفَون عن ذلك بمقتضى الضرورة. وكانت البحرين حافلة بالكنائس والأديُرة. أما قصبةهَجَر التابعة للبحرين فكان لها اسقف إسمُه"شموئيل" وردَ ذِكرُه في مجمع ساليق التاسع المعقود عام 576م برئاسة الجاثاليق حزقيال (كتاب المجامع ص 387و482).

أما اليمامة فكان معظم سكّانِها قبلَ مجيءِ الإسلام من بني حنيفة التي يشهدُ على نصرانيتِهم المؤرخون المسلمون.انظركتاب ارنولد (الإسلام والنصرانية ص 54) وكان يحكُمُهم الملك"هوذة بن علي" ووقع في أسره يوماً قوم من بني تميم، فأطلق سراحَهم يوم عيد الفصح بحسب ما ذكره إبن الأثير في (تاريخه ج1 ص 260 ط. مصر). فقال الشاعر الأعشى بيتاً لمدحِه على فِعله:
بِهِم يُقَرِّبُ يومَ الفصح ضاحيةً      يَرجو الإلهَ بما أسدى وما صَنَعا

ومِن الشواهدِ على نصرانية اليمامة، مُقاومة أهلها لأتباع مُحمدٍ بقيادةِ مُسيلِمة الذي ألصقوا به تهمة الكَذِب، لكونه نصرانياً هو وزوجته سجاح التغلبية. وكان لمُسَيلِمة كتابٌ شبيهاً بقرآن محمدٍ وأسمى منه تعبيراً، وكان يتلو آياتِه على غِرار ما كان يتلو محمدٌ قرآنه، فخشيَ مُحمَّدٌ وأصحابُه خطرَه عليهم! وقد ذكر ذلك عبدالمسيح الكِندي في رّدِّه على الهاشمي (ص 87 ط. اوكسفورد) فتآمروا عليه وأرسلوا إليه قوماً اغتالوهُ ليلاً.

النصرانية في مناطق الجزيرة
لقد تحدَّثنا عن النصرانية في اليمن وبما اتحفتنا به المصادر التلريخية، وقد آن لنا أن نتحدَّث عن مناطق الجزيرة ذاتِ السهول الرحبةِ والمقاطعاتِ الواسعة تقع بين بلاد الأرمن وديار الشام، تتسع فيها بوادي يرويانِها دجلة والفرات وعدة انهار اخرى اهمُّها الخابور، كانت في الماضي البعيد مطمعاً لصراع الأمم القديمة للهيمنة عليها، نظراً لتميُّزها بتُربةٍ خصبة تُعطي غلاَّتٍ وافرة وخيراتٍ غزيرة، انتصبت فيها مُدنٌ كثيرة وشهيرة كانت ذاتَ شأن في الأزمنة الغابرة نذكر منها: آمد، دارا، دُنيسر، رأس العين، الرِقَّة، الرُّها، طورعبدين، قرقميش، قرقيسيا، سعرد، ماردين، ميافارقين. واسم الجزيرة يشمُلها جميعاً.

وبقدرما كانت الجزيرة مطمعاً مغرياً للأقوام منذ القِدَم، بالقدر ذاته كانت مطمحاً للقبائل العربية الحضرية منها والبدوية على السواء، هامت بها لغزارةِ خيراتِها وكثرةِ نِعَمِها، حيث رأت فيها ما يُلائمُ عَيشَها البسيط ومُنتجعاً لمواشيها، يتنقلونَ فيها على هواهم دون حسيبٍ اورقيب إلا رضا امراءِ قبائلهم. إنَّ انتشارَ القبائل العربية في مناطق الجزيرة يدُلُّ عليه اسمُ المنطقة المتسمةِ به مثل: باعربايي، جزيرة إبن عُمَر، دياربكر، ديارربيعة، ديار مضر، فاسماء هذه المناطق تُشيرُ الى هويةِ سكّانها. فجزيرة إبن عُمر تعني مدينة واقعة على دجلة، سمّاها الكلدان بازبدي ولكنَّها نُسبَتْ الى إبني عمر "اوس وكامل إبني عمر بن اوس التغلبي" بحسب رواية خلكان، ويظهرأنَّ اسمَها ارتبط باسم أبيهما. أما باعربايي أو بيث عربايي يشمل إسمُها ثلاثة أمكنة تمكَّن العربُ من الإستيلاءِ عليها وأسَّسوا فيها مدينة بالقرب من نصيبين.
وبخصوص ديارات بكرٍ وربيعة ومُضر، فقد كفَّ ووفَّى في وصفها ياقوتُ الحموي في (معجَم البُلدان2 ص 636-638) فقال عن دياربكر: < إنها بلاد واسعة تُنسَبُ الى بكرٍ بنِ وائل... بن نزار بن مُعَدٍّ بن عدنان، وحَدُّها ما غَرَّبَ من دجلة من بلاد الجبل المُطِلِّ على نصيبين الى دجلة، ومنه حصن كيفا وآمد وميافارقين. وقد يتجاوزُ دجلة الى سعرد وحيزان وحيني وما تخلَّل ذلك من البلاد ولا يتجاوز السهل>.

وعن ديارربيعة قال: <إنَّها بين الموصل الى رأس العين ودُنَيسر والخابور جميعهُ وما بين ذلك من المُدُن والقرى وربَّما جمع بين دياربكر وديارربيعة وسُمِّيَت كُلُّها ربيعة فإنَّهم كُلُّهُم ربيعة. وهذا اسمٌ لهذه البلاد قديمٌ، كانت العرب تحُلُّهُ قبل الإسلام في بواديهِ واسم الجزيرة يشمُل الكُلّ>.

وقال عن ديارمُضَر: < هي ما كان في السهل بقربٍ من شرقيِّ الفرات نحو حَرّان والرقَّة وشمشاط وسروج وتلّ موزَن>.

صمود الإسلام بعد رحيل مؤسسه
كانت وفاة محمدٍ رسول الإسلام في عام 632 م وهو عام الهجرة العاشر، دون أن يتركَ وراءَه ذرية ًمِن الذكور ولا مِن الإناث أيضاً سوى إبنته فاطمة زوجة إبن عمِّه علي. وحيث إنَّ الإسلامَ وقتَ رحيل مؤسِّسِه كان لا زالَ حديثَ العهد، فقد دَبَّ الخلافُ بين دَفَّتي أتباعه"المُهاجرين"و"الأنصار" حول الخلافة. وبعد أخذٍ وردٍّ توَصَّلَ الطرفان الى مبايعةِ أبي بكر لبعض الإعتبارات مِنها: كونه الأكبرَ سِنّاً بين المُسلمين، والأكثرَ قرباً الى الرسول وكان أصغرَ مِنه بثلاث سنوات أي مِن مواليد عام 573م وهو والدُ عائشةٍ زوجةِ الرسول! والأهمَّ مِن ذلك كان الرسولُ قد خَوَّلَ أبا بكر قبل مرضِه أن يتولّى إمامة َالمُسلمين في صلاتِهم، ونُظر الى ذلك بأنه تلميحٌ مِن الرسول الى تَفضيله لأبي بكرعلى بقية الصحابة، هذا بالإضافة الى تميُّز أبي بكر بالعِلم والصدق وحُسن التدبير وثباتِ العزيمة.
لم تكن العقيدة ُالإسلامية قد ترسَّختْ في أذهان عربِ الجاهلية، فلم تستطِع صقلَ عاداتِهم القبلية كالتعَصُّبِ والأنانيةِ والزعامة. لذلك فبعد موتِ محمدٍ مؤسِّس العقيدةِ برزتْ حركاتُ الإرتداد، قادَها متنبِّئون ظهروا بين القبائل حاولوا تقليدَ محمدٍ، وسَعوا الى لَمِّ شمل قبائلِهم تحت رئاستِهم، فارتدَّت أغلبُ القبائل العربية عن الإسلام، باستثناء أهل المدينةِ ومَكة والطائف، ودخلَ الإسلامُ في مرحلةٍ بالغةِ الخطورة. فما كان مِن أبي بكر إلا أن أمرَ بقتال هذه القبائل عقاباً على ارتدادِها عن الإسلام، فشَنَّ عليها المُقاتلون المُسلمون حرباً لا هوادة َفيها بقيادة خالدِ بن الوليد الذي كان لسيفِه الفضلُ الأكبرُ في توحيد الجزيرةِ بأكملها خلال سنتين، فسُمِّيَت تلك الحروب بـ"حروب الردَّة" وبُرِّرَ شَنُّها بأنَّ الإسلام كان بحاجةٍ ماسةٍ إليها وهو في مرحلة نشأته الفتية خوفاً على زواله.
ويبدو أن هذا الخوف ترسَّخ في أذهان المسلمين فيما بعد بأنَّ الإسلام لن يقوى على الصمود والثبات بدون تشريع قانون يحميه، فعمدوا الى سَنِّ قانونٍ عُرف بـ"قانون الردَّة" يُجيز لكُلِّ مُسلمٍ بقتل المُرتدِّ عن الإسلام وللقضاء الإسلامي حَق الحكم بالإعدام على المُرتد. ألا يعني هذا بأنَّ الإسلامَ بدون قانون الردَّة لا يستديم مهما كان عددُ المنتسبين إليه كبيراً، وإلا بماذا يُفسَّر استمرارُ هذا القانونُ سارياً حتى اليوم وبعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً وعدد المُنخرطين بالإسلام بمُختلف الوسائل يُقارب المليار من البشر؟
أهلُ الذِمَّة
لقد أطلق المُسلمون على اليهود والمسيحيين تسمية أهل الذمة، وفرضوا عليهم الجزية لرفضهم الدخول الى الإسلام، وبالرغم مِن التزامهم بدفع الجزية كان الكثيرُ مِن الوُلاة والأمراء المسلمين يُثقلون كاهلهم بما يزيدُ عن الحد المقرَّر،  بالإضافة الى المُعاملة القاسية التي كانوا يُمارسونها تجاههم ويسطون بين الحين والآخر على دورهم للسلب والنهب ويعملون بكنائسهم الهدم، فبإزاء هذا الإجحاف إضطرَّ المسيحيون للقيام بالإنتفاضات دفاعاً عن حقوقهم المهضومة، فقد انتفض مسيحيو الشام والجزيرة ولبنان وأرمينيا، وجرت مجابهات مع المسيحيين المُنزوين في الساحل الأفريقي والمغرب، وثار المسيحيون الأقباط في مصر ضِدَّ الوالي الأموي. ولدى استيلاء العباسيين على الحكم رأوا في تلك الثورة حافزاً مُساعداً لإحتلال مصر، وقام العباسيون بإعفاء بعض الأقباط مِن الضرائب وتخفيفها عن البعض الآخر، ولكن ذلك كان إجراءً موقتاً، فسرعان ما أعيد فرضها ثانية وزادوا في التشديد على الأقباط أكثر مما كان يفعله الأمويون، حتى أنهم ربطوا بناء كنيسةٍ جديدة بموافقة قاضي مصر. وأمر أبوجعفر المنصور بإعادة فرض الضريبة على بعض المسيحيين الذين إرتدوا الزيَّ الرُّهباني لكي لا يُشمَلوا بدفع الضريبة، وكان رَدُّ فعلهم إحتجاجاً ثورياً في الأعوام 750 و767 و773 م .
 
وعن مسيحيي الجزيرة والشام، فقد كان العباسيون يتهمونهم ظلماً بالتواطؤ مع الروم لمجرد كون عقيدتهم الدينية واحدة، وبسبب ذلك يقول فاروق عمر (العباسيون الأوائل2 ص 165 - 167) كان والي الجزيرة العباسي  يَتخذ تدابيرَ احترازية، فارضاً بعضَ القيود على المسيحيين الـقاطنين في المناطق الـمُتاخمة للحدود الشمالية. ويُضيف المصدر السابق في (الصفحة 170 - 171) "وبالرغم مِن كون علاقات الدولتين العباسية والبيزنطية متوترة في عهد الـمنصور، وذاتَ تأثيرٍ في سياسته تُجاه أهل الذِمة. ومع ذلك، فالدلائل كُلُّها تُشير الى وجود عددٍ كبير مِن الذمّيين في وظائف الدولة الإدارية والمالية، وكذلك في المهن الاخرى كالطب والهندسة، كما كان الذمِّيون يُظهرون براعتهم في الترجمة العربية وفي الكتابة والعـلوم ".
                                                                                                                                                                                                           
وفي جبل لبنان قامت عدة ثورات أهمُّها ثورة بندارالمسيحي عام 759 - 760 م، حيث أعلن نفسه ملكاً على منطقته، والمسيحية ديناً رسمياً لسُكانِها. بيدَ أنَّ إنتفاضته لم تصمُد أمام قوات الغزو الإسلامي، فاضطرَّ لعبور الحدود والإلتجاء الى الروم، أما سكان جبل لبنان فتَمَّ تهجيرُهم بأمر صالح بـن علي والي الشام، ووُزعوا على مُختلف مناطق البلاد الشامية.

عوامل نجاح الغزو الإسلامي
 العامل الأول: كان الضعف والتفكُّك الذي دَبَّ في أوصال المملكتين الغريمتين الرومية والفارسية الحاكمتين على مُعظم العالم القديم قبل ظهورالإسلام بأجيال طوال، وذلك مِن جرّاء الحروبِ السجال المتواصلة بينهما، والتي أدَّت بطبيعة الحال الى إرهاق كاهل شعوبهما واستنفاذ قدراتهما مادياً ومعنوياً وبشرياً، فاشمأزّوا مِنها ومِن تبعاتِها.

 العامل الثاني: هجرة القبائل العربية مِن موطنها في الجزء الجنوبي مِن الجزيرة العربية(اليمن) واستيطانُها في أرض ما بين النهرين والديار السورية، وإنشأؤهم دويلات فيها.

العامل الثالث: كان بروزُ الخلافات العقائدية في الكنيسة الكلدانية المشرقية نتيجة البِدَع التي ظهرت في الغرب المسيحي واكتوى بنارها الشرقُ المسيحيُّ رغم بعده عن مصدرها، ونتيجة لتغلغلها في أوساط الكنيسة المشرقية، إنشطرت هذه الكنيسة الى شطرَين. فتبنّى البدعة َ النسطورية الأغلبيةُ الساحقة من مسيحيي بلاد وادي الرافدين(العراق) والبلاد الفارسية الكلدان، أما البدعة َ المونوفيزية فـتبنّاها القلَّة من إخوتهم الكلدان المُنشقين ومسيحيو سوريا ومصر، وأصبحَ كِلا الطرفين المسيحيَين النسطوري والمونوفيزي مُنشقَين في نظر كنيسةِ الغرب الجامعة فـتعرضا لعِداءِ ملوك بيزنطة واضطهادِ ملوك الفرس ووَفقاً للظروف ورجحان القوة بين الدولتين البيزنطية والفارسية، وباتَ هذا الإنقسامُ الكنسي المشؤوم مصدرَ ضعفٍ لأبناء الكنيسة المشرقية عموماً.
 
العامل الرابع:إهمال الروم تحصينَ المنافذ الحدودية للبلدان الواقعة ضمن نفوذهم، وما زاد في الطين بلَّة، قطعُ هرقل الملك البيزنطي الجَراية (إستحقاق المُجَنَّدين اليومي) المُخصصة لقبائل الشام العربية القاطنة في جنوب البحر الميِّت على الشريط  الذي يصل المدينة بغزة، وذلك مباشرة بعد معركة مؤته التي إنتصرت فيها تلك القبائلُ على جيش رسول الإسلام الذي أرسله لمقاتلتِهم عام 629م.  فأحدثَ هذا الإجراءُ ردَّ فعل سلبي لدى القبائل تُجاهَ الروم، أضِف الى ذلك الشعورَ القومي الذي إستيقظ لدى أبناء القبائل العربية المُقيمين في فلسطين وبلاد الشام والمناطق الشرقية الاخرى نحو العرب الفاتحين، ونظرتهم إليهم بأنهم قومٌ مِن بني جِنسهم، تربطهم بهم رابطة ُالعِرق والدم والعادات والتقاليد، مِما لا يتوفر بالمتسلطين الأجانب والأعاجم الغاصبين، فكان الفتحُ الإسلاميُّ بالنسبةِ إليهم ثورة ًاجتماعية سياسية هدفها إستعادة َالمجد الغابر الذي كان لتلك البلاد، والنهوض بها مِن سَقطتها بأيدي الغرباء وسَطوتهم لأكثر مِن ألف سنة، بدءاً بالأخمينيين والإغريق والروم والفرس الفرثيين والساسانيين... ويقول فيليب حتّي في (تاريخ العرب المطول ص 194) بأن الجزية َالتي فرضها الفاتحون العرب المسلمون على أبناء البلاد التي سَلخوها عن دولتي الفرس والروم، كانت أقلَّ مِن التي كانت مفروضة ًعليهم مِن قبل السُلطات السابقة. وانفتحَ أمامَ الأقوام المغلوبةِ على أمرها بابُ الحرية، فصاروا يُمارسون عقائدَ أديانهم دون حرج .

لم يَكن الدافعُ الديني وحدَه الذي حَفَّزَ جماعاتِ البدو الذين كانوا يُمثِّلون الرقم الأكبر في جيوش الفتوحات، بل الإفتقارُ المادي أيضاً، للإندفاع الى ما وراء حدود البادية الجرداء، والتغلغل الى مناطق الخِصبِ ومواطن الكلأ في بلدان الشمال. وهذا ما أثبتته حملاتُ الغزو الاولى التي كانت تهدف الوصولَ الى ثغور تتفق وعقلية القبائل الثائرة، وهي السطو والسلبُ والنهبُ والعودة بأكبر نصيبٍ مِن الغنائم، وليس الإحتلال والإستعمار والإستيطان، إلا أن هذا النجاح الذي حالفَ الغزاة الجُدُد، حملَ أولياء الأمر على تنظيم الفتوحات! إذًاً بدأَ الإسلام بالإنتشار ديناً، ثمَّ تحوَّلَ الى سياسةٍ ودولةٍ وأصبح بعد ذلك إجتهاداً وثقافة. والى الجزء العاشر قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 26/1/2015

77
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الثامن
موقف الكلدان المسيحيين
تَبايَنت الأقوالُ حول موقف الكلدان المسيحيين مِن الحدث الكبير الذي غيَّر الأوضاع في بلاد ما بين النهرين التي سُمِّيت بالبلاد الفارسية لأكثر مِن ستة قرون واعني به زحفَ العرب المسلمين نحو تلك البلاد واستيلاءَهم عليها، فيقول المؤرخون (إبن العبري/التاريخ الكنسي2 ص 115، صليبا في المجدل ص 54 - 55، ماري ص 62) بأن موقف الكلدان المسيحيين المُتواجدين في أغلب المناطق إتَّخذ الطابعَ الحيادي مِن القتال العربي الفارسي، ولكنّهم كانوا يميلون في سِرِّهم الى إنتصار العرب على الفرس، وإنَّ جاثاليق الكنيسة الكلدانية النسطورية مارايشوعياب الثاني الجدالي، بذل جُهداً كبيراً بإبلاغ الفاتحين العرب بولاء المسيحيين لهم، وجاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 281 - 297) بأنَّ أميراً مسيحياً مِن عرب نجران قام بدورالوساطة ببني مذهبه لدى العرب المُسلمين، وحصل على عهدٍ منهم يَضمنُ لهم المُعاملة الحسنة. ومهما بولغَ بالقول، فـيبقى الواقعُ هو الأصدق، حيث يروي المؤرخ كويدي في(التاريخ المغمور ص 26) بأنَّه < عندما رأى الجاثاليق ايشوعـياب الثاني الجدالي قيام العرب المسلمين بإحتلال ماحوزا"المدائن" ونَهبِها ونقل أبوابِها الى العاقولاء(الكوفة) أسرع بالهروب الى كرخ سلوخ (كركوك) تجنُّباً للمجاعة > كما إنَّ ماروثا مطران الشرق فتح أبواب تكريت أمام قوات المُسلمين الغازية لكي يحول دون فتحهم إياها عنوة وقيامهِم بمجازر دموية بين أهلِها.

ولم يكن مِن المُستغرب على المسيحيين موقفهم الذي إتّسمَ ببعض الإرتياح مِن إجتياح العرب المُسلمين للبلاد الخاضعة للفرس منذ عدة قرون مشوباً بقدر مِن التوَجُّس، فمِن حيث الإرتياح يعودُ لمَللِهم مِن إضطهادِ الفرس لهم في فتراتٍ طويلة وعصيبة خلال مدة حكمهم الطويل والذي ناهز الستة قرون مُعلِّلين أنفسهم بأن الفاتحين الجُدُد وهم على الإيمان بالإله الواحد بخلاف الفرس الوثنيين، قد يكونون أكثر رحمة بهم وأنبل إنسانيةً في تعاملهم معهم، ويكون التفاهمُ مع الفاتحين العرب أكثر سهولة لتقارب لغتهم العربية مع لغة المسيحيين الكلدانية لأنَّ كلتا اللغتين تنتميان الى شجرة واحدة هي اللغة الآرامية. ولكنَّ الواقع الذي تبنّاه الفاتحون المُسلِمون وهو فرض دينهم على شعوب البلاد التي تسقط بأيديهم بقوة السيف، خّيَّبَ أملَ تلك الشعوب وكان الكلدان المسيحيون أبناء الكنيسة النسطورية والمسيحيون الآخرون الذين توقَّعوا منهم خيراً أشدَّ المُتضرِّرين من غُلوائهم وتزمُّتِهم الإسلامي الذي فاق التزمّت الفارسي الوثني، فغدوا كمَن استبدل الرمضاء بالنار!!

 وبهذا الصدد يروي(التارايخ السعردي2 ص 100) بأن الجاثاليق مارايشوعياب الثاني الجدالي، كان مُتأَنِّياً في إتخاذ قراراتِه، ذا فطنةٍ تُسعفه في مُواكبة تقلبات الحكم التي طرأَت إبان عهدِه، غيوراً على صيانة الديانة المسيحية، مُعطياً المَثلَ الأعلى في الخِصال المحمودة والأخلاق السامية. ويُثني إبنُ العبري على إهتمامه بالناحية العِلمية، حيث أعاد تجديد المدارس التي طالها الغلق ورسم أساقفة تَمَيَّزوا بالفضيلة، وحين رأى الديانة الإسلامية تُفرضُ على سُكّان البلاد التي إحتلَّها الفاتحون المُسلمون بقوة السيف، دفعته غيرتُه لنشر الديانة المسيحية في المناطق القصية، حيث بادر عام 635م الى إرسال أفواج مِن المُرسلين الى بلاد الصين لتنوير شعبها بنورالإنجيل، بزعامة القسّيس"ألابن"، ويُعتقد أنَّ هذا الاسم هو تحريف لإسم يَهبَلاها، وقد حظيَ المُرسل الكلداني بمُوافقة الملك الصيني ( ثايوتسنغ 627 - 650 م) على التبشير بالدين المسيحي في بلاده، وفي عام 639 م أصدر مرسوماً يؤيد فيه إنتشارهذا الدين وأمر بتشييد كنيسة، فازدهر العمل المسيحي هناك وتسنّى للكلدان النساطرة إقامة كراسي مطرانية واسقفية كثيرة كما أورد (السمعامي3 /2 ص 538 و جريدة التمَدُّن الكاثوليكي الإيطالية في 20 حزيران لعام 1903م).
وفي أواخرعهده يُضيف (التاريخ السعردي2 ص 100 وكويدي ص 26 - 27) شغلت مارايشوعياب امور كنيسة نصيبين، فقد تَمَرَّد الكلدان النساطرة على مطرانهم قرياقـوس أحد أعضاء بعثة الملكة الفارسية بوران برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الى الملك الروماني هرقل، حيث كان قد مال الى مذهب الملكيين الكاثوليكي، ولكن الجاثاليق لم يُلبي مطلبهم المُطالِب بعزلِه، وبعد وفاة المطران قرياقوس، رسم الجاثاليق ايشوعياب إبراهيم مُفسِّرَ مدرسة الحيرة مطراناً لنصيبين، ولم يقبلوا به أهلُها المتعصِّبون، فاضطرَّ للتوَجُّه إليهم لكي يُصلحَ بينهم وبين مطرانهم الجديد، إلا أنَّه كما يقول(ايليا في تاريخه ص 53) لدى وصوله الى كرخ جدان داهمه مرض مُفاجيء قضى عليه وكان ذلك عام 645 م، فدبَّرَ أمرَ دفنه آل بيت يزدين الصراف. وكانت مدة جثلقتِه سبعة عشر عاماً.

نفوذ المسيحية في الجزيرة العربية قبل الإسلام
تَدلُّنا وتؤكِّد لنا بما لا يقبل الجدال التنقيبات الآثارية والمدوِّنات التاريخية والشواهد العُمرانية كالكنائس والأديُرة التي يرقى تاريخها الى القرنين الرابع والخامس الميلاديين والباقي بعضُها الى يومنا، على السرعة المُذهلة التي انتشر بها الدين المسيحي في بلاد ما بين النهرين. فليس من المعقول بعدم وصول الدعوة إليه الى عرب الجزيرة، وهم الذين عُرفوا ببساطة العيش ودماثة الخُلق وسلامة الطويَّة، هذه الخصال الحميدة التي تجعل منهم مؤهَّلين لقبول تلك البشارة السارة. ثمَّ هل كان هَيِّناً على الرُّسُل وخلفائهم التلاميذ إغفال تبشيرالمناطق المُجاورة للبلاد اليهودية المتشابكة العلاقات مع بعضها البعض وهم الذين جابوا ابعد بقاع الأرض لإيصال بشارة الخلاص إليهم؟ إنَّها بديهية بأنَّهم بَشَّروا عرب الجزيرة وأنقذوهم من شِرك الوثنية. ولو استعرضنا أقوال المؤرخين وما توارثناه من التقاليد والطقوس الكنسية لوجدناها تؤيِّدُ قيام المُبشِّرين بدعوة العرب الى الإيمان بالمسيح كما دعوا غيرهم من سكّان الجزيرة!.

فتقول المصادر التالية: (تاريخ الأب بيجان1 ص 45-51 و ماري بن سليمان/ المجدل ص 1-3 و اوسابيوس القيصري1 ص13) <وكان لأدَّي عدة تلاميذ بينهم ماري وأكَّاي، وبعد إبرائه لملك الرُّها أبكَر الخامس وتعميذه إياه وأتباعه، غادر الرُّها آخذاً معه تلميذه ماري وشَدَّا الرحال الى نصيبين وآثوروبيث كَرماي فتلمذا جمهوراً كبيراً، ثمَّ عاد مارأدَّي الى الرُّها وتُوفي فيها، وواصل ماري التبشير في نصيبين وأرزون ومناطق حِدياب وبيث كَرماي ورادان وكشكر وميشان والأهواز وساليق>. اما عبديشوع الصوباوي فيدعو أدَّي برسول الجزيرة ندرج تعريب ما قاله عنه (المكتبة الشرقية/ السمعاني4 ص 5-25) <قد اقتبلت الرُّها ثم نصيبين وسائر العرب وكُل تخوم الجزيرة العماذ المقدس من أدَّي أحد الإثنَين والسبعين تلميذاً>.

ويذكرالمؤرخ الكلداني عَمروالطيرهاني عن مارماري في كتاب (اخبار بطاركة المشرق ص1) قائلا: <ثمَّ بادرَ الى تلماذ جميع نواحي ارض بابل والعراقيين والأهواز واليمن والجزائر وبلاد العرب سكّان الخيم ونجران وجزائر بحر اليمن>. ويروي المؤرخ ماري بن سليمان في (تاريخه ص 2) < وتوجَّه أحّاي وماري تلميذا أدَّي الى نصيبين وأعمدا اهلها، وانفذ ماري الى المشرق وأحّاي الى قردي وبازبدي، ثمَّ توجَّهَ أدَّي الى الشرق وبدأ بناحية حَزّة والموصل وباجرمي وعاد الى مدينة الرُّها واستناح فيها بعد 12سنة...> وأضاف <وادَّي قصد مع أحّاي وماري بلاد الرُّها والموصل وبابل والشمال والجنوب وبوادي العرب>.

وبعد انتهاء المرحلة التبشيرية للرُسُل والتلاميذ ازدهرت النصرانية في مناطق الجزيرة خلال القرنين الثاني والثالث، حيث ظهرت في الرُّها الترجمة الأولى للكتب المقدَّسة الى اللغة الكلدانية "الآرامية الشرقية" وهي الترجمة المعروفة بالبسيطة ومن أفدح الأخطاء التاريخية أن تُدعى بالسريانية، (لأنَّ ما تُدعى بالسريانية هي التي قام بتحريفها تَعمُّداً عن اللغة الكلدانية المنشقون المونوفيزيون اليعاقبة في القرون المتأخرة على أيدي إبن العبري وأعوانه، فتولّدت لهجتها مبتورة وحروفها مسمارية معوجة. ولذلك لم تكن معروفة لدى الأقدمين سكّأن شرقيِّ الفرات أو غربيِّه ولم ينطقوا إلا باللهجة الشرقية، ناهيك عن أنَّ أبناء الجزيرة وحتى الرُّها التي يدَّعي بخبثٍ المونوفيزيون المُغالطون انتساب لهجتهم إليها، ما كانوا يلفظونها إلا باللهجة الشرقية وبتأكيدٍ لا غبار عليه). وما بين عام 152-173م انتهى طِطيانوس العالِم تلميذ الفيلسوف والقديس الشهيد يوستين من جمع آيات الأناجيل الأربعة وتنسيقها بكتابٍ واحدٍ سمَّاه "الدياطسَّرون أي الأربعة" وفعل ذلك قبل أن يُصبح مُبتَدِعاً. فُقِدَ نصُّه الكلداني ولا يُعرَف عنه إلا الفقرات التي علَّق عليها الملفان الكلداني الكبير القديس مار افرام النصيبيني.

ومن الأدلة على انتشار المسيحية السريع في انحاء الجزيرة بزمن قصير وليس بعيداً عن زمن الرُّسُل هو قيام الأساقفة بعقد مجمعَين ذكرَ أحدهما اوسابيوس القيصري في (تاريخه ك5 الفصل 22) وقد عُقد في نحو عام151م حضره 19 اسقفاً لإقرار الفصح وتحديد يومه. انظر ايضاً في (مجموع المجامع/ مانسي1 ص 719-727) والمجمع الثاني عقِد بعده بزمن قصير لتمحيص وتفنيد ما كان يُرَوَجَهُ المُبتَدِعون من تعاليم مخالفة للإيمان القويم كأبيون وأرتيمون وتيئودوطس، وقد حضره 14 اسقفاً بحسب المصدر السابق (مجموع المجامع/ في نفس الموضع)، ألا يعني ذلك تأييداً لِما ورد في تقاليد كنائس الجزيرة بأنَّ عدداً لا بأس به من الأساقفة كانوا يرعون مؤمنيهم قبل القرن الرابع في عِدة مدن كآمد والرقة ونصيبين... وقد ذكرَ بَرديصان البابلي الأصل المولود في الرُّها 154-222م بأنَّ أهل الرُّها وأهل حضر كانوا من قبيلة قضاعة العربية. انظر كتاب (شرائع البُلدان لبرديصان ص 59) ومن الجدير بالذكر بأن هذا العالِم والفقيه في اللغة الكلدانية أصبح في النهاية في عِداد المُبتَدِعين.

وما إن دخلت المسيحية الى القرن الرابع حتى بدأ النصرُ يُحالفها ضِدَّ اعدائها وفي مقدِّمتهم وثنية الإمبراطورية الرومانية، فخرجت من مخابئها الى العَلَن لتُبهج العالَمَ بطيبتها وجمالها وجلالها. وتجلَّى رونقها البهيُّ في كافة المناطق المُهيمنة عليها الإمبراطورية العظمى شرقاً وغرباً، وكان نصيب القبائل العربية في الجزيرة النصيب الأوفر للإرتواء من مناهل النصرانية العذبة، وتوفَّرَلها ذلك بتوافد الرهبان والسائحين القادمين إلى بلادها لتنقيتها من شوائب شِرك الوثنية ويزرعوا في ربوعها بذورَالصلاح والقداسة بفضائلهم وتعاليمهم السامية، والكثير من كبار المعلِّمين والآباء القديسين ساهموا مع هؤلاء الرهبان في تهذيب عرب الجزيرة وجذبهم لإعتناق المسيحية ومنهم القديس ماريعقوب اسقف نصيبين وتلميذه مار افرام النصيبيني... إنَّ عدداً كبيراً من أولياء الله هؤلاء قد اختلطوا مع عرب الجزيرة، وكانت سيرتُهم التقيّة ذات تأثيركبيرعلى الجماعات البدوية من حيث تقوية ايمانهم، فتدفعهم هذه القوة الإيمانية للقدوم إليهم ملتمسين صلواتهم من أجل شفاء امراضهم، فكانوا ينالون مُبتغاهم ويطلبون العماذ من ايديهم اعترافاً بدينهم وقبولهم له.

وقد شهدت النصوص التاريخية التي اوردها المؤرخون الشرقيون والغربيون على تنصُّرالعرب ومنهم: المؤرخ السمعاني في (مكتبته الشرقية4 ص 598) حيث يقول: <إنَّ العرب الذين كانوا يسكنون في الجزيرة ونواحي الكلدان والخليج العجمي عَدِلوا الى الدين المسيحي قبل سنة 320 للمسيح بهِمَّة أساقفة الرُّها والمدائن والرهبان المنتشرين بينهم>. أما المؤرخ اليوناني سوزومان فقد قال عن الرهبان في (تاريخه ك1 الفصل 34) <إنَّ هؤلاء النسّاك قد جذبوا الى دين المسيح كُلَّ السريان تقريباً وعدداً عظيماً جداً من العرب والفرس بعد أن انقذوهم من عبادة الأصنام> وكذلك قال تيئودوريطس عن القديس سمعان العمودي وقبائل العرب التي كانت تتقاطر عليه من العراق واليمن، فكم بالأحرى أن يكون لقبائل الجزيرة القريبة منه تَوافدٌ إليه ابكر واكثف!
تطوُّرات خطيرة
لقد تطرقنا في الجزء الثاني مِن كتابنا (تاريخ بلاد الرافديه/الكلدان والآثوريون عبر القرون/ في الفصل التاسع عشر- مراكز الثقافة الكلدانية – ص 423 وما يليها). بأنه عـندما تسلَّمَ المُصلحُ الكبيرُ والعلامة القدير"حنانا الحِديابي" إدارة مدرسة نصيبين الأكاديمية الكلدانية الشهيرة عام 572 م، أحدثَ تصحيحَه للكثير مِن تفاسير تيئودوروس المصيصي، إضطراباً بين طلبة وأساتذة المدرسة أدّى الى انقسامِها على نفسها، وغادرها بعض المُتعصِّبين لتعاليم المصيصي، وظلَّ القسمُ الأكبرُ وهم المُعتزّون بتعاليم حنانا وتفاسيره، واخذ عددُهم بالإزدياد حتى بلغ (800) بحسب قول المؤرخ ماري بن سليمان، كما أنَّ أغلبَ نبلاء وأعيان نصيبين أيَّدوا تعاليمه (التاريخ السعردي2 ص 74) المُستندة الى آراء وتفاسير ماريوحنا الذهبي الفم، ومال إليها الكثيرُ مِن رهـبان ديرمارإبراهيم الكبير (قصة يهبالاها ص 503) وانضمَّ الى آرائه شمعون مطران نصيبين (المجامع الشرقية ص 163) فدَبَّ الإضطراب في صفوف الأساقفة النساطرة المُتزمتين، وهدَّدوا شمعون بالحرم لإمتناعه عن حضور مجمعهم، كما حرموا تعاليم حنانا في مجمعي ساليق العاشر عام 585م والحادي عشر عام 596 م، والأغربُ ما في الأمر،  فإن المجمعَين تحاشيا عن ذِكر اسم حنانا في متن قرارَيهما،  وقد أضعفَ الصراعُ الدائر بين مؤيدي العالِم الكبير حنانا ومُعارضيه المُتعصِّبين عظمة َ مدرسة نصيبين الرائدة في حمل راية العِلم والمعرفة في الشرق المسيحي لزمن طويل .

وكما حدث لمدرسة نصيبين الشهيرة، حدث لدير ايزلا الكبيرالذي كان قد بلغ قمة َمجده وازدهاره في بدايات القرن السابع على عهد رئيسه الثالث باباي الكبير الذي تسلَّمَ رئاستَه عام 603م بعد مؤسسه العظيم إبراهيم الكبير وخَلَفِه داديشوع. كان باباي عبقرياً وذا باع طويل في التأليف اللاهوتي والنُسكي،  وبفضل مؤلفاته إرتقت رهبانيتُه الى مستوى روحيٍّ وعِلميٍّ ساميَين، وصارت مطلباً وهدفاً لتهافُت الكثيرين بالرغم مِن عِلمِهم بأن رئيسَها حادُّ الطبع وصارمٌ في تنفيذ القوانين. بعد وفاة الجاثاليق مارسبريشوع الأول عام 609 م شغر الكُرسي الجثلقي حتى عام 628م، وقع اختيارأساقفة الكنيسة على باباي الكبير ليتولّى إدارة شؤون الكنيسة بصفة زائر عام للكنائس والأديُرة (التاريخ السعردي2 ص 80 - 83) فكانت تلك مُهمة خطيرة تتطلَّبُ جُهداً ومُثابرة، واستنفذت مِنه جُلَّ وقته بحيث لم يبقَ في مقدوره مواصلة رقابته على الرهبان مِن جَرّاء تغيُّبه المُستمر، فتسرَّبَ الفتورُ الى حياة الرهبان،  كانت نتيجتُه تلفيقَ فضيحةٍ أخلاقية، أُتّهِمَ بها ظلماً يعقوب اللاشومي، فطُردَ مِن الدير، وإذ عَلِمَ الكثيرُمِن الرهبان ببراءَته مِن التهم التي أُلصقت به، إنتابهم الإستياءُ وغادرَ رهطٌ مِنهم الدير عِقبَ مُغادرة يعقوب له، فتبعثروا في مناطق مُختلفة مؤَسسين أديُرة كثيرة، غَدَت فيما بعد مراكز تشعُّ مِنها أنوارُ العِلم والفضيلة. وكان الدير الذي أسَّسَه يعقوب اللاشومي بالقرب مِن قرية "خربا" في شمالي مدينة عقرة الحالية أشهر تلك الأديُرة، عُرفَ باسم "دير بيث عابي" فقد أدّى دوراً كبيراً ومُهمّاً في تاريخ الكنيسة المشرقية، حيث أنجبَ لها الكثيرَ مِن الجثالقة والأساقفة تمَيَّزوا بغزارة العِلم ورسوخ الفضيلة كما يُشيرُ الى ذلك (كتاب الرؤساء في الصفحات24 ، 35 ، 42 ، 46) .

ومِن الأحداث الخطيرة التي جَرَت على ساحة الكنيسة الكلدانية المَشرقية التي كان هدف مُثيريها، هو صقلَ عقول المُمسكين بزمام أمور الكنيسة المشرقية مِن جثالقةٍ وأساقفةٍ، لكي يُخَفِّفوا مِن غُلوائِهم التعصُّبية في مُقاومة الإنفتاح على الأفكار الفلسفية واللاهوتية المُتجدِّدة، وعدم التشبُّث بالأفكارالإبتِداعية التي إبتدعها بعضُ أساطين الكنيسة مِن أجل الشهرة والمجد الدنيوي أمثال تيئودوروس المصيصي ونسطوريوس البيزنطي وغيرهما، ومِن بين هؤلاء الساعين الى إصلاح أفكارهؤلاء المُتزمتين كان سهدونا أشهر تلاميذ العالِم والمُفسِّر الكبير حنانا الحِديابي  فمَن كان سهدونا هذا ؟

سهدونا اللاهوتيُّ المُصلح
تقول المصادرُ التاريخية التالية (التاريخ السعردي2 ص 315 - تاريخ كلدو وآثور2 ص 251 - كتاب الرؤساء ص 59 - 60 و67 - 70 - كتاب العفة العدد 128) عن سَهدونا بأنَّه مِن مواليد قرية "هـلمون" التابعة لأسقفية نوهدرا والواقعة في شمال غربي العمادية على بعد 40 كم. تلقَّى دروسَه الأولية في مدرسة مارايثآلاها القريبة مِن دهوك، واستكملَ دراستَه العُليا في مدرسة نصيبين الشهيرة، وكان مِن أشدِّ المتأثرين بتيارالأفكار الجديدة الذي أحدثه العالِم الجليلُ حنانا الحِديابي. إلتحق بمار يعقوب اللاشومي في دير بيث عابي، ثمَّ إعتكف فترة في جبل اوروخ (حِمرين) مارس خلالها الحياة النسكية. وقد خصَّصَ تلك الفترة لكتابة تُحفته اللاهوتية الرائعة أسماها "كمال السـيرة"أوالسيرة الكاملة. دَبَّجَ فيها بصياغةٍ إبداعية أفكارَه الإلهامية المُطابقة لقرارات مَجمَعَي افسس وخلقيدونية، بيدَ أن هذه الأفكارَ التي ترقى لاهوتياً على الأفكار المُتبنّاة مِن قبل كنيسة الكلدانية النسطورية، ظلَّت خافيةً عن مُعظم نُظرائِه المُعاصرين. وخفاؤها هذا سَهَّلَ لصديق سهدونا ايشوعياب الحِديابي اسقف نينوى آنذاك ليقوم بترشيحِه لأسقفية ماحوزا داريون الواقعة في منطقة كركوك على بعد 40 كم عن الطون كُبري. وقد نال الدرجة الاسقفية بالفعل قبل أن يكون أحدَ أعضاء الوفد الكنسي الى الملك هرقل البيزنطي عام 630م والذي إختارته الملكةُ بوران الفارسية برئاسة الجاثاليق ايشوعياب الـثاني الجدالي. وليس صحيحاً ما قاله توما المرجي بأن التقاء سهدونا برئيس دير أفاميا القريب مِن حماه كان ذا تأثير على تغيير أفكاره، لأن سهدونا كان قد تبنّى الأفكارَ الخلقيدونية منذ زمن بعيد، حيث كان ذا مَيل إليها وهو طالبٌ في مدرسة نصيبين. وما إن ظهرت أفكارُه الجديدة، حتى سارع رؤساءُ الكنيسة النسطورية وفي مقدمتهم الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي نفسه لثنيِه عنها، ولكنَّ مساعيَهم ذهبت أدراج الرياح، فما كان مِنهم إلا أن قاموا بعقد مجمع عام 643 م، شجبوا فيه سهدونا وآراءَه ، ونُفي الى الرُّها.

ايشوعياب الحِديابي المُعارض
وقفَ ايشوعياب الحِديابي صديقُ سهدونا السابق بوجهِ المُحاولة التي وُضعت على بساط البحث في عهد الجاثاليق (مارامه 646 -649 م) بصدد إقناع سهدونا للتخلّي عن آرائه، عن طريق رسائل تحريضية لزملائِه الأساقفة بعدم المُوافقة على قبول عودته، فاضطرَّ الجاثاليقُ مارامه عام 647 م للدعوة الى عقد مجمع في ديرمارشمعون القريب مِن السِّن. فأصدر المجمعُ قراراً بحَرم مؤلفاتِ سهدونا، فعاد سهدونا الى الإنعزال بالقرب مِن الرُّها حتى وافته المنية عام 650م. وبذلك تَمَّ القضاءُ على التيّار الإصلاحي الذي سعى الى تغيير الأفكار النسطورية المُبتَدَعة واقتلاعِها عن وسط الكنيسة المشرقية. وتردَّدَ القول باتهام الجاثاليق ايشوعياب الثالث الحِديابي بانتزاع القسم العقائدي مِن كتاب سهدونا الذي كان قد عرض فيه أفكارَه النيّرة الجديدة لتستنيرَ بها الكنيسة المشرقية وتنبذ الأفكارَالإبتِداعية المتورطة بها منذ زمن، وقد قام الأبُ بولس بيجان بطبع الأقسام المتبقية مِن الكتاب عام 1902 م في باريس. ومِن الجدير بالإشارة إليه بأن أفكار المُصلحين العلماء أمثال المُفسِّر الكبير حنانا الحِديابي والعالم الجليل سهدونا، لم تأتِ مِن الفراغ، بل جاءَت انعكاساً لوضع الكنيسة الكلدانية المشرقية النسطورية غيرالسليم مِن الناحية المُعتقدية، ومِن أهمِّ أسباب تمسكِها به هو الإستقلالية الإستكبارية التي مَيَّزتها عن بقية الكنائس، فجلبت لذاتها الكُرهَ والإنعزالية لأجيال طويلة. إن المصادر التاريخية أطنبت وأسهبت في تعداد خصال ومواهب سهدونا مُثنية على أفكاره اللاهوتية النيِّرة (كتاب العِفّة/لإيشوعدناخ مطران البصرة/القرن الثامن العدد128 ، التاريخ السعردي ج2 ص 315، مدرسة نصيبين/لأدّي شير ص 42-45، كتاب كلدو وآثور ج2/لأدّي شير ص 251، كتاب الرؤساء/ للمطران توما المرجي الصفحات 59-60و67-70).

بعد وفاة الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي الذي كان في موقفٍ لا يُحسَدُ عليه، فبالرغم مِن ايمانِه العميق بالأفكار الخلقيدونية التي إستقاها مِن تعليم معلمه في مدرسة نصيبين حنانا الحِديابي وجاهرَ بها أمام الملك الروماني هرقل وأساقفتِه أثناء قيامِه برئاسة وفدٍ إنتدبته الملكة بوران الفارسية لمُقابلتِه، إلا أنه جوبهَ بمُعارضةٍ قوية مِن بعض أساقفته المُتشدِّدين المتشبثين بالفكر النسطوري الى حَدِّ التزَمُّت الصارخ، فظلَّ مؤمناً بأفكاره سِرّاً ومُسايراً لأفكار أساقفتِه ظاهراً، حرصاً منه على وحدة   كنيسته.
27 - الجاثاليق مارامه 646 - 649 م
بحسب قول المؤرخ ماري(المجدل ص62) بأن مارامه كان أرزونيَّ الأصل، أُنتُخِب خلفاً للجاثاليق ايشوعياب الجدالي بحسب القوانين الكنسية. ووفق ما جاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 310) < بأن المسلمين عنوا به على عقد الجثلقة له، لأنه حَمل إليهم الميرة(الطعام) وقت نزولِهم على بلد الموصل لفتحها > وكذلك أشار كتاب(ذخيرة الأذهان ج1 ص 260) حيث كان يشغل منصبَ اسقف نينوى آنذاك. ويُخطيء المؤرخ ماري بقوله في(المجدل ص 62) "بأن رابعَ الخلفاء الراشدين علي بن أبي طالب، كتب له وللنصارى كتاباً بالتـوصية " إلا أنَّ صليبا في (المجدل ص 55 والتاريخ السعردي2 ص 230) يُؤكدان بأن وفاة مارامه حدثت في عهدِ عثمان بن عفان. يقول عنه (عمرو/ المجدل 55) بأنه كان رَجُلاً فاضلاً تقياً مساعداً للفقراء، قـام بفتح مدارس عديدة، وفي طريقه الى كرخ جدان وافته المنيَّة.
28 - الجثاليق ايشوعياب الثالث الحديابي 649 - 659 م
بعد وفاة الجاثاليق مارامه، تَمَّ انتخابُ ايشوعياب الثالث الحِديابي، يقول المطران أدّي شير في كتابه (تاريخ كلدووآثـورج2 ص 171) سُمِّيَ بالثالث إذ سبقه ايشوعيابان الأول الأرُزونّي والثاني الجدالي، وكان مِن مواليد بلدة "كوفلانا" التابعة لمُقاطعة حِدياب "أربيل" لوالدَين مؤمِنَين وثريَّين .ويُشير توما المرجي في كتابه (كتاب الرؤساء ص 83) بأنَّه درس في مدرسة نصيبين أشهر المدارس الكلدانية على عهد رئيسها العالِم الجليل حنانا الحِديابي، لكنه كان مُناهضاً لأفكاره بسبب تعصُّبه للأفكار النسطورية .ودخل الى ديرالغاب الشهير"دير بيث عابي" وبيث عابي كانت قرية صغيرة خربة في موقع وعر. يذكركتاب (تاريخ كلدو وآثـور ج2 ص172) بعد عام 628م رُسم اسقفاً على نينوى. وفي عام 630م إنضمَّ الى الوفد المرافق للجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي الى ملك الروم. في عام 637 م يقول (التاريخ السعردي2 ص 209 وماري في المجدل ص 62) رُسم مارامه اسقفاً جديداً لنينوى، وعُيِّن ايشوعياب الحِديابي لميطرابوليطية حدياب، وقد رفضها في باديء الأمر إلا أنَّه رضخ للأمر الواقع بعد وقوع أحداث مؤلمة.

وراقب وهو في مقرِّه في أربيل الفتوحات العربية الإسلامية عام 637م، ورد في كتاب (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية/ للكاردينال تيسيران /ترجمة القس " المطران "سليمان الصائغ ص 36 - 37 - 38) ومنذ تولّى أيشوعـياب الحديابي كُرسيِّ الجثلقة في عام649م، عَمِل على الإمساك بزمام امور الكنيسة بحزم ودراية، ومع ذلك يُستدَلُّ مِما ورد في بعض رسائله المنشورة في   (جمهرة الكَتَبة المسيحيين الشرقيين ج . ك . م . ش) بأنه واجهَ صعوباتٍ كثيرة حيث جَرَت أحداث بالنسبة للوجود المسيحي في الضفة الغربية للخليج العربي "عُمان والبحرين وجزرها -  منطقة بيث قطرايي قطر كُلِّها" وكادَ يتلاشى تماماً، ففي مطلع بطريركيته كان العددُ الأكبرُ مِن مسيحيي عُمان الواقعة بمنطقة الخليج المعروفين بـ"المازونيين – مازونايي ܡܙܘܢܝܐ" وهي تسمية فارسية، كانت تُطلق على سكان منطقة عُمان قد تَحَوَّلوا الى الإسلام، ليس قسراً بل صوناً لثرواتهم، واقتدى بهم أهالي بيث قطرايي  بالتخاذل  والتحوُّل الى الإسلام. حاول البطريرك إنقاذ ما يُمكن إنقاذه مِن شعبه في هذا الجزء مِن العالَم، إلا أنَّ أساقفة هذه المنطقة كانوا أول المُتخاذلين فرفضوا تلبية دعوة البطريرك لعقد مجمع لتدارك الأمر، غيرعابئين بأية إجرآتٍ رئاسية مُحتملة بحقهم،  فاضطرَّ البطريرك الى الكتابة إليهم مذكراً إياهم بمحبةِ المسيح للعدول عن قرارهم، فكان جهداً بلا جدوى. فلم يجد البطريرك إلا اللجوءَ الى الرهبان مُهيباً بهم للتمسُّك بايمانهم، مُعفياً إياهم مِن الطاعة للأساقفة المُتخلّين عن دينهم.
أما في الضفة الفارسية للخليج، فكان الإضطرابُ والفوضى سائدَين أيضاً، وفكرة الإنفصال المتسرِّبة الى العقول منذ ما يقارب القرن قائمة، فكتب البطريرك الى شمعون مطران رواردشير طالباً منه العدول عنها. وقد ضرب عرض الحائط  بالتقليد المُتّبع آنذاك مطرانان وما يزيد عن عشرين اسقفاً بعدم حضورهم لدى البطريرك لنيل التثبيت مِنه، فأوفد البطريرك ايشوعياب اساقفة أبرشيتي شوشتر وهرمزارداشير لزيارتهم وتطبيق النظام الكنسي،  فكان مسعىً لم يتكلَّل بالنجاح أيضاً. وبالرغم مِن كُلِّ ذلك، فقد إستمَرَّ الوجودُ المسيحي في تلك المناطق حتى القرن الحادي عشر.                                                  .                                                                                                                                                                                                                                         
وباستثناء المناطق التي أشرنا إليها،  فإن المسيحية واصلت إزدهارَها،  بل راحَ عددٌ كبير مِن الفرس الزردشتيين يعتنقون المسيحية، ولم يسع مارايشوعـياب إلا السخرية مِن اولئك الفرس المزديين الذين كانوا لا يزالون يُوالون حُكماً قد إنهار وزال، ويُقاومون كنيسة حية راسخة. وجاء في إحدى رسائله المنشورة في (جمهرة الكتبة المسيحيين الشرقيين ص 251) قولُه: <ليس فقط لا يُهاجم المسلمون الديانة المسيحية، بل إنهم يوصون بإيماننا خيراً، ويُكرمون الكهنة وقديسي الرب، ويُحسنون الى الكنائس والأديُرة> وبالفعل، فمنذ أن خضع الجزءُ الشمالي مِن بلاد ما بين النهرين عام 646م لإدارة معاوية التي إتَّسمت بالحكمة والحزم، كان حالُ المسيحيين في وضع حسن. وليس مِن شكٍّ مِن أنَّ الإدارة إذا شابتها الفوضى غالباً ما تُسبِّب في بروز أزمة التعـصُّب، وهذا ما كان يحدث للمسلمين في تعصُّبهم ضِدَّ المسيحيين. وهذا ما حدث للبطريرك ايشوعـياب نفسه في الفترة الأخيرة مِن حياته، حيث تعرَّضَ كما يقول أدّي شير في (مدرسة نصيبين الشهيرة/ ط . بيروت 1905 م ص 45 - 46) لإضطهاد حاكم المدائن، فاضطرَّ للإلتجاء الى دير بيث عابي الشهير وهنالك وافته المنية عام 659م. ويقول جان فيه في (مجلة الشرق المسيحي / الدورية 36 لعام 1970 م ص 43) بأن حاكم المدائن في تلك الفترة كان عُدي بن حارث بن رويم. طلب مِن البطريرك ايشوعياب مبلغاً مِن المال، لم يشأ البطريرك دَفعَه، لأنَّه لو رضخ للأمر لأثقلَ كاهلَ شعبه . فألقاه في السجن في نهاية عام 656م، وقام بنهـبِ عددٍ مِن كنائس الحيرة والعاقولاء "الكوفة" وتدميرها، وبطريقةٍ ما تمكَّن البطريرك الشيخ مِن اللجوء الى دير بيث عابي.
ذكرالقس بطرس نصري (ذخيرة الأذهان ج1 ص172) بأن البطريرك ايشوعياب الثالث الحِديابي كان عالِماً جليلاً، ذا نِتاج غـزير وبليغ تشهدُ عليه مؤلفاتُه العديدة، ومِن أعمالِه المُهمة ذاتِ الأثر الكبير، كان حُبُّهُ للطقس الكلداني، ويُعتبرُ بحقٍّ مُنَظمَ طقس الكنيسة المشرقية، وساعده في ذلك زميلُه في مدرسة نصيبين الراهب عـنانيشوع الشهير بالتراتيل والألحان الطقسية. فـلِمارايشوعياب الثالث الحديابي يعود الفضل في جمع أجزاء الطقس المُبعثرة، وقد ركَّز على توحيد رُتبِه وصلواتِه  منذ أن كان اسقفاً على نينوى ثمَّ مطراناً لأبرشية حدياب، وبعد تسلـُّمه الرئاسة العليا عمَّمَه وجَعله يُطبَّق في الكنيسة المشرقية بشكل عام وكامل، وهو الذي وضع نظامَ السابوعات، ورَتَّبَ السنة الطقسية وفقاً لحياة المُخلص وأعماله، وأدرج القديسين ضمنَ هذا السياق. وضع الكثيرَ مِن الرُتب الطقسية وطوَّرَغيرَها. ولا يُمكن إغفالُ رسائله الشهيرة، وقد قام "روبنس دوفال" بنشرها عام 1904م ونشر ترجمتها اللاتينية عام 1905م ، أما "واليس بدج" فقد ترجمَ قسماً مِنها الى الإنكليزية ونشرها كملحق في كتاب الرؤساء طبعة عام 1893 م . والخلاصة كان عهدُه زاهراً رغم قصر مدته وكثرة أحداثه غير المؤاتية، وللمزيد عن الجاثاليق مارايشوعياب الثالث الحِديابي راجع (العدد 12 من مجلة نجم الكلدان وتصفـَّح ما سطره عنه الباحث الأب ألبير أبونا في الصفحات 416 -  422) وتصفَّح ما سطَّره عنه الباحث الأب البير ابونا (الصفحات 416-422)

وللأسف فإنَّ المسيحية في الجزيرة خاصةً قد شوَّهتها البِدَع بضلالها، والأكثر ضلالاً بين تلك البِدع التي ظهرت في اواسط القرن الخامس كانت البِدعة المونوفيزية اليعقوبية، حيث سَرَت سُمومُها القاتلة الى سكّان تلك النواحي وتفشَّت بينهم تفشّي العدوى، وأبعدتهم عن الوحدة المسيحية زاجة إياهم في هُوَّة الضلال. يذكرالعالِم والمؤرخ نولدك في(امراء غسّان ص 31-32) نقلاً عن يوحنا الآسيوي أو الأفسسي في تاريخه: <إنَّ ما دار بين قبائل العرب المتنصِّرة مِن الجِدال بسبب المجمع الخلقيدوني شَتَّت شملَ الكثيرين منهم حتى أصبحوا خمسَ عشرة فِرقة، وعلى مثالِه قال المونوفيزيان اليعقوبيان ميخائيل البطريرك والمفريان غريغوريوس المعروف بإبن العِبري في تاريخيهما الكنسي. والأنكى في ذلك كُلِّه أنَّ الكتبة المونوفيزيين اليعاقبة ينحون باللائمة على الكاثوليك مُلقين عليهم تبعة ما جرى في حين كان الأحرى بهم أن يُحمِّلوها على سوء تصرُّفِهم وتمرُّدهم على قرارات المجمع المسكوني. وكانت نتائج التناحُر المرير بين النساطرة والمونوفيزيين اليعاقبة في تسابقهم بزرع زوَّان أضاليلهم وخيمة عليهم اولاً وعلى الوحدة الكنسية ثانياً. والى الجزء التاسع قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 19/1/2015


78

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء السابع
وعاد كسرى الثاني أبرويز الى المدائن مُنتشياً بالنصر الذي أحرزه بمُساعدة قطعات من الجيش الرومي التي زوده بها الملك الرومي مرقيان لدى التجائه إليه طالباً مساعدته في القضاء على تمرُّد قائد جيشه بهرام جوبين الطامع بالعرش الفارسي، فأغدقَ على قطعات الجيش الرومي هِباتٍ جيدة وكثيرة، وأرسل الى الملك مرقيان هدايا نفيسة داعياً إياه أباه، وتنازلَ له عن مدينتي دارا وميافَرقين اللتَين كان والدُه هرمزد قد إغتصَبهما، وقد نُظِّمَ لكِسرى أبرويز استقبالٌ حافل لدى دخوله الى المدائن العاصمة، حيث عُقدت له القِباب العديدة المُعتمدة في التكريم في ذلك الزمان، ومِن جُملة تلك القباب ثلاثٌ مِنها عُقِدَت مِن قبل الجاثاليق ايشوعياب الأرزونّي وكان واقفاً بمعية بعضٍ مِن الأساقفة حاملين المباخر وبعض الهدايا كالمسكِ والعَنبر والكافور والزعفران والعود الهندي لتحيتِه والترحيب به، ولدى مرور الملك بالقرب مِن قبة الجاثاليق نَظر إليه شزراً ولم يعبأ به، فأسرع الجاثاليق الى القبة الثانية وبيده الآس والمِبخرة فأحجم الملك عن الجاثاليق ثانية، فتمَلَّكَ الإضطرابُ الجاثاليق وسرت الهمهمة والعربدة بين القوات الرومية التي ناصرت الملك، فانتبهَ الملك وتَوَجَّسَ والتفتَ الى البطريرك وخاطبَه بغضبٍ: "قد إمتنعتَ عن القيام بامور ثلاثة  يجِب أن تُعاقَبَ عليها: أولُها عدم مُصاحبتِك أنت أو أحد أساقفتِك لي في تَوَجُّهي الى بلاد الروم، إذ لو جرى ذلك لوجدتُ لدى الملك مرقيان إكراماً مُضاعفاً، وثانيها لم تسعَ للحاقِ بي عند عِلمِك بوجودي في مملكة الروم وقد رَحَّب الملك بي، وثالثها خَصُّك بدُعائِكَ بَهرام خَصمي العاصي عليَّ والطامعَ بمَملكتي" وحال انتهائه مِن قوله هذا قصد القبة الثالثة وتَرَجَّلَ عن فرسه ودخل إليها، وواصلَ كلامَه الى الجاثاليق ايشوعياب والغضب لا زال مُلازماً له: " إذا كُنتَ تعتقد بأن حيلتَك هذه ستُبعِدُ عنك العقابَ فأنتَ واهمٌ، إذ لم يخفَ عليَّ بسط يَدَيكَ داعياً لبهرام الخارج عن طاعتي" أما الذي أطلَعَ الملك على كُلِّ هذه الامور فكان رئيسُ أطبّائه طيمثاوس النصيبيني، ولما هَمَّ الجاثاليق بالإعتذار للملك قاطعه كِسرى قائلاً: " لقد دَخَلتُ قبتَكَ وإني مُقدِّرٌ لتحيتكَ، ومُمهلٌ إياكَ ثلاثة أيام للإجابة عَلى أسئلتي التي كانت مدعاة غضبي" ثمَّ مَدَّ يدَه وتناول الأترجة مِن يد الجاثاليق الذي دعا له وغادر الملك أبرويز(التاريخ السعردي ج2 ص 43).
اجوبة الجاثاليق على أسئلة الملك
ويُضيف المصدر أعلاه: بعد مُضيِّ ثلاثةِ أيام قابلَ الجاثاليق ايشوعياب الأرزونّي الملك كِسرى الثاني أبرويز وبادره بالقول: "إن عدم مُرافقتي لجلالتِكم كان بسبب غياب عِلمي بسفركم المُفاجيء والذي قد جري خلال الليل، وعدم سعيي للحاق بكم الى بلاد الروم كان بداعي خِشيتي على أفراد رَعيتي، إذ لو عَلِم بهرام العاصي بمُغادرتي لَما أشفقَ على كبير أو صغير مِن أبناء شعبي، أما دُعائي فلم يَكُن إلاّ للملك ودوام مُلكِه والله أعلم ما في الضمير، وكيف يُمكن أن أدعو للعاصي على مولاه، بل إن دُعائي كان مُوجَّهاً للذي له الحقَّ في المُلك. " وبالرغم مِن أجوبة الجاثاليق السديدة لم تكن هي التي إضطرَّت الملك على كَتم غيظه، بل ما دعاه الى هذا الكَتم هو امتنانُه لمرقيان ملك الروم الى جانب انشغالِه بإخماد الإنتفاضات الداخلية. إذ ما كادَ قد قضي لتَوَه على عِصيان بهرام حتى رفع عليه راية العِصيان الأخوان الشقيقان بندوي وباسطام اللذان كان والِدُه قد أودعهما السجن وأفرجَ هو عنهما لصلة قرابتهما مِن والدتِه، ولوقوفهما الى جانبه ضِدَّ بهرام، فاعتمد على باسطام وأرسله على رأس جيش كبير ليُرابطَ على الحدود التركية مُراقباً تَحرُّكات بهرام التي يُحتمل أن يقوم بها لمُهاجمة المملكة، وأبقى بَندوي تحت خِدمتِه المُباشرة، وإذ بَدُرَت مِنه أعمال مُشينة دفعت الملك الى قتلِه ولكنَّه تَمَكَّن مِن الهرب، وفي طريق الهرب استطاع حاكمُ أذربيجان بطريقة داهية القبضَ عليه وأعاده الى الملك أبرويز، وما إن طرق الخبرُ سَمعَ باسطام حتى استمال إليه عدداً كبيراً مِن المُقاتلين الديلوميين والأتراك وزحف الى المدائن عام 595 م فتصَدّى له كِسرى الثاني أبرويز على رأس جيش كبير ودارت بين الجانبين معركة طاحنة كاد أن يكون الملكُ كِسرى أحدَ قتلاها لو لم يتداركه الحسنُ بنُ النعمان ملكُ الحيرة  بحسب ما ورد في كتاب التاريخ السعردي، أما باسطام فقد إغتاله غيلة مُقاتلٌ تُركي وحَزَّ رأسه عن رقبتِه وبعث به الى الملك أبرويز، وتَمَّ قتلُ بَندوي وشُلَّته بمُتهى البشاعة.

يروي (التاريخ السعردي ج2 ص 58) بأن كِسرى الثاني أبرويز كان في حداثةِ سِنِّه هاوياً بل مُغرَماً بمُراقبة النجوم، واضعاً ثقتَه واتِّكالَه على حركاتِها الى جانب انغماسِه بالمِلَذات حتى أُذنَيه، ولمّا إستَتَبَّ له أمرُ المُلك بعد كثير مِن المُعَوِّقات التي تطرَّقنا إليها، أقدمَ على إطلاق سِراح كبار أعيان الدولة الذين كان والدُه هرمزود الرابع قد أمرَ بمُصادرةِ أموالهم ومُمتلكاتهم وزَجِّهم بالسجون، فأكسبَه هذا العمل محبة الناس واغتباطهم به. وبالنسبة للنصارى يقول(الطبري في تاريخه ص 287 ح3) وبالرغم مِن إمتعاضه مِن موقف الجاثاليق مارايشوعياب الأول الأرزونّي، فإن ذلك لم يدفعه الى معاداتهم أو السماح بإضطهادهم، بل شَمَلَهم برعايتِه وأغدقَ عليهم بسخاء لتجديد كنائسهم إكراماً وامتناناً لملك الروم مرقيان الذي آزَرَه في مِحنتِه، مشترطاً عدم السعي الى الدعاية للدخول الى المسيحية بين المُنتمين الى الزردشتية ديانة الدولة الرسمية، وفضلاً عن ذلك، فليس مِن شَكٍّ بأنَّ زوجتَيه المسيحيتين مريم إبنة مرقيان ملك الروم وشيرين الآرامية مِن ميشان، قد أدَّيتا دوراً ايجابياً في أن تأتي قراراتُ الملك بصالح بني مذهبيهما، وهو الذي يَكُنُّ لهما حباً كبيراً، فقد شَيَّدَ لمريم كنيستَين ولشيرين كنيسة عظيمة وقصراً فخماً في "بَلاشبار" وهو لازال قائماً حتى يومنا هذا ويُعرفُ بقصر شيرين. ولذلك لم يبخل الملك كِسرى الثاني أبرويز بإكرام النصارى طيلة بقاء مرقيان ملك الروم على قيد الحياة، ولكنَّ الكلدان النصارى بعد اغتيال مرقيان دَخَلَ الشغبُ الى نفوسهم وراحو يوقِعون ببعضهم البعض، فتغَيَّرت نظرة الملك الفارسي تُجاههم فوصل به الإمتعاظ الى الحد الذي سمح بإضطهادِهم .
وعندما إستَتَبَّت الامور للملك كِسرى الثاني لم يأمَن الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرزونّي جانِبَه، وخشيَ مِن بطشه بالرغم مِن أنه لم يعمل شيئاً ضِدَّه، سوى عدم رغبتِه بالتدخل بالامور السياسية وبخاصةٍ في تلك الفترة الحافلة بالإضطرابات ومُحاولات الإستيلاء على العرش بعد مقتل والده الملك هرمزد. لقد اختار جانبَ الحياد في الصراع الذي دار بين بهرام القائد الطامع بالعرش وبين الوريث كسرى أبرويز بن هرمزد الرابع، فهو لم يشأ اللحاق بكسرى لدى هروبه مِن أمام بهرام لخوفه مِن انتقام الأخير من شعبه. فكان هناك مِن الحُسّاد مَن أوغر قلبَ كسرى بالغيظ على ايشوعياب، وأسوأهم الطبيب طيمثاوس النصيبيني كما أشرنا فيما سبق. ومِن الجانب الآخر، فإن الرومان الذين ناصروا كسرى ضِدَّ خصمِه بهرام لم يعملوا لإصلاح ذات البَين ما بين كسرى والجاثاليق، لأنهم لم يغفروا لإيشوعياب دوره في نقل أخبارهم الى الفرس يوم كان اسقفاً على ارزون .
                                                                                                                                                                                                                                                              وفي خِضَمِّ هذا الجو المرير أخذ ايشوعياب يُفَكِّر مَلياً لإيجاد طريقة تَقيه انتقام أبرويز المكتوم في داخله، فاهدَتهُ فِطنتُه أن يُغادرَ المدائن ويلتجيءَ الى النعمان بن المُنذر ملك الحيرة المُتنَصِّر حديثاً في عام 593 م وجعل مِن نفسه أحد حُماة المذهب النسطوري، ومِن الحيرة عاصمته إحدى قلاع هذا المذهب كما يقول كتاب (المفصل في تاريخ العرب قبل للإسلام ص 285) وإذ هو في الطريق داهمه موتٌ مفاجيْ في قرية بيث قوشي القريبة مِن الحيرة، وفور وصول الخبر الى أهالي الحيرة  يقول (تاريخ الطبري ط . نولدكه ، ليدن 1879 م ص 347 - 349) بأنَّ الأميرة هِند شقيقة النعمان قامت ومعها جَمعٌ مِن الكهنة والشمامسة والمؤمنين وتَوَجَّهوأ نحو القرية وجلبوا جُثمان الجاثاليق مارايشوعياب الأول الأرزونّي الى الحيرة بالتراتيل، وأجروا مراسيم الدفن اللائقة به ودُفِن في دير هند المعروف بدير هند الصغرى بحسب قول كويدي، وجاء في (التاريخ السعردي ج2 ص 66) بأن الملك الفارسي كِسرى الثاني أبرويز قال عندما أُبلِغَ بخبر وفاة مارايشوعياب:" الحمدُ والشكرُ لله الذي أنقذنا مِن دم ذلك الشيخ بموتِه موتاً طبيعياً، فقد كان بالرغم مِن ذَنبِه إلينا رَجُلاً إلهياً!

الجاثاليق سبريشوع الأول 596 - 604م
جاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 65) بعد وفاة الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرُزُني ومرور عدةِ أشهر إكتمَلَ إجتماعُ مطارنة وأساقفة الكنيسة والنُبلاء النصارى المُقرَّبين مِن الملك وفي مُقدمتهم" طجربَد درجرو" وكان ذلك في أواخر خريف عام 591 م لإختيار خَلَفٍ له، ومِن بعد إستئذان الملك كِسرى الثاني أبرويزعقد آباءُ الكنيسة الكلدانية النسطورية في المدائن اجتماعهم يوم الجمعة الثالثة مِن الصوم عام 596م ولما طال الخلافُ بينهم مدة قاربت الشهر دون الإتفاق على اختيار الخلف بسبب تَعَدُّد المُرشَّحين لمنصب الجثلقة حيث كان عددُهم خمسة أشخاص، رفع طجربد الأمرَ الى الملك فأمر ملكُ الملوك كِسرى الثاني أبرويز بإنتخاب سبريشوع اسقف لاشوم، وبذلك انتهى كُلُّ جدال أو تَرَدُّدٍ بين الأساقفة. وبحسب ما جاءَ بقصة حياة سبريشوع التي كتبها بطرس الراهب مِن بيث عابي وطبعها الأب بيجان، بعد قصة يهبالاها الثالث (في ليبسك عام 1895 م ص 288 - 331) بأن اختيار الملك لسبريشوع جاءَ وفاءً مِنه لِما لَقِيَه مِن الاسقف سبريشوع مِن خِدمةٍ وتقدير وإكرام كبيرين عند عودتِه على رأس الجيش الرومي عِبرَ بيث كَرماي وهو في طريقه لمُحاربة مُغتصب عرشه بهرام جوبين، والى إيمانِه أيضاً بأن انتصارَه على خَصمِه المُغتَصِب كان بفضل دُعاء مارسبريشوع الذي طلبَه مِنه "نَرساي" القائد الرومي عند زيارتِه له قبل التحام جيشه بجيش بَهرام، بالإضافة الى ما جاءَ في التقليد وما ذكره في المجدل (صليبا ص 49 - 50 وماري ص 57 - 58) بأن كِسرى الثاني أبرويزعند تَصَدّيه للعاصي باسطام واحتدام القتال بينهما، أفزَعَته قوة مُقاتلي باسطام وكثرة عددِهم، وبينما هو يُفَكِّر وكاد يَعمَدُ الى الهزيمة، ظهرت أمامه بغتةً صورة شيخٍ راهبٍ قصيرالقامة مُمسكاً بيده عصا، أوقفَ حصانه بقَبضِه على لجامِه وسحَبَه مِن على ظهره بقوة ودفعه لخوض الحرب بلا خوف فحالفه النصر، وسرد هذه الرؤيا على مَسمَع زوجتِه شيرين، فقالت له: إن الشيخ الذي ظهر لك هو سبريشوع اسقف لاشوم خادم الله المتَّقد الغيرة لإظهار مجده للبشر، فوعد الملك بمكافأتِه في الوقت المُناسب ووفيَ بعهده عندما أمر بإختياره جاثاليقاً.

وعندما عَلِمَ الملكُ بغياب الاسقف سبريشوع عن اجتماع المطارنة والأساقفة المعقود في المدائن، أمر فوراً بتوَجُّه فِرقةٍ مِن خَيالتِه الى لاشوم لإحضار اسقفِها سبريشوع، ووصلَ الى المدائن العاصمة يوم الإثنين ثاني يوم الشعانين، ونزلَ في قصر الملكة شيرين، وفي اليوم الثالث مِن وصولِه وكان خميس الفصح اُصطِحبَ مار سبريشوع مِن قبل الآباء وجمع كبير مِن المؤمِنين بمَوكبٍ عظيم الى الكنيسة الكُبرى تَخلَّلته التراتيل والمزاميرُ ورُسمَ جاثاليقاً، ولدى انتهاء المراسيم خرج مار سبريشوع للسلام على الملك، بيدَ أنَّ الإزدحام كان شديداً جداً عاقه مِن الوصول الى القصر الملكي إلاّ بعد مرور الساعات الثلاث الاولى مِن الليل، فخرج لإستقباله العاملون في قصر شيرين حاملين الشموع والمباخير ومُرَنِّمين التراتيل، ودخل الى الديوان الملكي مصحوباً بالأساقفة وكبار وُجهاء المؤمنين، وبعد السلام على الملك تَقَدَّم الجاثاليق بالدعاء له، ويقول (الكاردينال تيسيران في م . ل . ك . العمود 181 - 182) ثمَّ سأله الموافقة على تعيين مار"ميليس" اسقف"شِنّا"مُعاوناً للبطريرك، والذي أصبح بعد ذلك مُمِثِّلاً للملك الفارسي لدى العرش الروماني، وأن يأذَنَ للأساقفة بالبقاء في المدائن شهراً إضافياً لكي يعقد مَجمَعاً كنسياً للتَداول في مُختلف شؤون الكنيسة فلَبّى الملكُ طلبَه .

مجمع ساليق الحادي عشر 596 م
وتَمَّ عقد مجمَع ساليق الحادي عشر في شهر أيار مِن نفس العام 596 م كما ذكر كتاب (المجامع الشرقية ص 196 - 200 / ت ص 456 - 461) وشنَّ أعضاء المجمع حملةً كلامية شعواء على ما أسمياها بحركتَي المُصَلِّين والحنانيين. وكانت حركة الحنانيين وبدعة المونوفيزيين أهم المواضيع التي بَحثَها الآباءُ المُجتمعون، وكما أوضحنا بأنَّ الحنانيين كانو يُخالفون تفاسير العالم الكبير تِئودوروس المصيصي التي إعتمدها نسطور، ويُنادون بطبيعتَين واقنوم واحد للمسيح نظيرَ الخلقيدونيين، مُتَّبعين آراء القديس مار يوحنا الذهبي الفم. وكانت نصيبين مَقَرَّ َتَمَرْكُزهم، حيث كان حنانا زعيمُهم قد تَولّى رئاسة مدرسة نصيبين الذائعة الصيت، وقد أحدَثَت تعاليمُهم سجساً وبلبلة في الكنيسة الكلدانية النسطورية لمدة قرن مِن الزمَن أي منذ منتصف القرن السادس وحتى منتصف القرن السابع. ولكي يوضَعَ حَدٌّ لهذا الخطرالجسيم بنظر النساطرة، يقول(إيليا بَر شِنّايا في تاريخه ص 124) أقدم آباءُ المجمَع على تعيين غريغور اسقف كُشكر مطراناً لنصيبين، لشُهرتِه الواسعة وغِناهُ العِلمي وغيرتِه المُتَّقدة على الإيمان القويم بعرف النساطرة أي(المذهب النسطوري) وبسبب حِدَّة طَبعِه وصرامتِه المُفرطة أخفقَ في مُهِمَّتِه، حيث أبدى قساوة شديدة تُجاه كُلِّ مَن يتحَدّاه، حيث يقول (كويدي في تاريخه ص 11 والتاريخ السعردي ج2 ص 73) ما إن بَلغَه بأن رُهبان أديُرة سِنجار مُتشَبِّثون بهرطقة المُصَلّين حتى بادر الى طردِهم، فتظلَّموا كما ذكر كتابُ(المجامع ص200 و206 - 207) الى الملك مُلتمسين أن تُحَلَّ تَبَعِيَة أديُرتِهم عن سُلطة مطران نصيبين وتُربَط بسُلطة الجاثاليق. في شهر آذار مِن عام 598 م قَدِمَ الى المدائن رهبان مِن دير بَرقيطي ودير حَذثا ودير آخر لم يُعرف إسمُه وقطعوا عهداً للجاثاليق مارسبريشوع بأنهم لا زالوا وسيبقون أمينين على إيمان الكنيسة ومُقِرّين بتفاسير تِئودوروس المُفَسِّر وخاضعين لقوانين الرهبنة المصرية ولن يسعوا للتجوال في المدن والقرى أبداً، فوافقَ مارسبريشوع على وضع اولئك الرُهبان تحت إشراف الاسقفَين بريخيشوع وآبا ورَبطِهم بالكُرسي الجاثاليقي كما طلبوا دون أن يُسمَح لأيِّ مطران أو اسقف التَدَخُّل في شؤونهم، ولم يتوانَ غريغورعن مُعاقبة جميع كهنةِ نصيبين ووُجهائِها المُوالين لحنانا بمُنتهى الصرامة.

صِدام بين الجاثاليق وغريغور
                                                                                                                                 ويقول(التاريخ السعردي ج2 ص 74 وكويدي ص 11) لما علم غريغور بما قام به مارسبريشوع بصدد الرهبان ثَقُلَ عليه الأمرُ جداً مِمّا أدَّى الى قيام عداءٍ ونزاع بينه وبين الجاثاليق، واستَغَلَّ ذلك أهالي نصيبين وقَدَّموا شكوى الى الجاثاليق ضِدَّ مطرانهم غريغور الكُشكري، كما تَلقَّى الجاثاليق رسالة مِن حنانا الحِديابي العالِم اللاهوتي الكبير، يشرحُ فيها حقيقة مُعتقدِه وينتقد تَصَرُّفات غريغور، وكانت نظرة مارسبريشوع على ما جاء برسالة حنانا حول مُعتقدِه ايجابية وواقعية، فاضطرَّ أن يطلب مِن الملك بأن يأمر بنفي غريغور، فانزوى في دير شهدوست. ولشدة انفعال مارسبريشوع من تصرفات غريغور الإستكبارية الخالية من التواضع فكَّر بحرمه! إلا أن الأساقفة حالوا دون ذلك، مُبدين امتعاظهم مِن موقف مارسبريشوع لأن غريغور كان بطلاً في نظرهم، ولفرط تزمُّتهم بالمذهب النسطوري، تجنّوا بحق القديس سبريشوع، وشيَّعوا عنه فقدانَه لموهبة إجتراح المُعجزات بعد مُعاقبته لغريغور، وكان ذلك افتراءً أملاه عليهم تزمتُهم  النسطوري الذي أعمى بصيرتهم للإنغلاق عن رؤية الحق! فأخزاهم الله بعد هذه الحوادث حيث كان يُجري على يده المعجزات. ويُمثل تشهير الأساقفة بمارسبريشوع منتهى التعصُّب والغرور والإنغلاق الفكري كما جاء في كتاب(الرؤساء ص 48 - 49).

وورد في كتاب تاريخ (مدرسة نصيبين ص 31 – 32) بأن غريغور بعد إخلاء الملك كسرى الثاني أبرويز سبيله مِن منفاه الذي امتدَّ 15 عاماً بحسب ما ذكر ايشوعياب الحديابي في كتاب" جهاد ايشوعسبران". قصد بلدَه واختار الإنفراد في البرية في المنطقة الواقعة بين كشكر ونُفَّر مواظباً على الصوم والصلاة. وبعد فترةٍ من الزمن غادر الى موقع يُدعى" بِـزَّا دنهراواثا ܒܙܐ ܕܢܗܪܘܬܐ ويعني رأس الأنهر" وشيَّد هناك ديراً فاخراً. وافت غريغور المنيةعام 612م.

عصيان أهالي نصيبين
ويُضيف المصدران (التاريخ السعردي ج2 ص 74 وكويدي ص 11) بأنَّ أهالي نصيبين أعلنوا العصيان على الملك في شهرأيار لعام 599م وقتلوا مُحافظ الحدود لأسباب لم تُعرَف، فتَمَلَّك الغضبُ الملكَ كِسرى الثاني أبرويز لدى سماعِه الخبر، وللحال أمر القائدَ "نكوركان" أن يقود قوة كبيرة مِن أفراد الجيش ويستصحِبَ معه الجاثاليق سبريشوع وكُلاًّ مِن اسقف بيث كِرماي وحِدياب ونصيبين لكي يطلبوا من أهالي نصيبين تقديم الطاعة للملك، فتَحَدَّث الجاثاليق الى النصيبينيين أن يفتحوا أبواب المدينة مؤكِّداً لهم السلامة والأمان دون أن يعلم بالشر الذي قد أضمره القائد نكوركان، وما إن فتحوا الأبواب حتى هَجمَت القوات على السُكّان ونَكَّلوا بهم بمُنتهى الشراسة وأعملوا في المدينة حَرقاً وتخريباً ونهباً وسلباً، وقاموا بقتل جميع وُجهاء المدينة وأشرافِها، وتَمَكَّنَ عددٌ كبير مِن الهرب الى بلاد الروم أما الذين أسِرَهم نكوركان فجاء بهم الى العاصمة ووُضِعوا في السجون وماتوا فيها، والبقية التي سَلِمَت تَعَرَّضت للذل والهوان. تأثَّرمارسبريشوع جداً وتَملَّكَه الحزنُ الشديد بما تَعرَّضَ له أهالي نصيبين، وتَحَدَّثَ الى القائد نكوركان بأسفٍ مُعاتباً إيّاه على حَنثِه باليمين الذي قطعه له.

جاءَ في(التاريخ السعردي2 ص 67 وماري ص 59) بالرغم مِن قيام القائد نكوركان بإبلاغ الملك بتأثُّر البطريرك وحُزنِه لِما جرى لإهالي نصيبين وعتابه له لنَكثِه بوَعده، إلاّ أنَّ الملك لم يُقَلِّل مِن مكانة البطريرك لديه وإظهارالإكرام له، كما إنَّ الملك الروماني موريقي وبحسب ما ذكره المصدر أعلاه، أعرب عن اشتياقِه الكبير لرؤية مار سبريشوع حتى إنَّه بَعَثَ إليه بمُصَوِّر ليأخذ صورتَه، ولم ينقطع عن مُراسلتِه وفي إحدى رسائله أضاف الى طلب دُعائه طلباً يلتمسه فيه أن يبعث إليه قُلُنسوتَه ليتبَرَّكَ بها، فطلب الجاثاليق مِن موريقي بالمُقابل أن يبعثَ إليه بجزءٍ مِن خَشب الصليب المقدس، فأمر موريقي أن يُصاغَ صليبٌ مِن الذهب ويُرصَّعَ بالجواهر ويوضَعَ في داخلِه جزءٌ مِن خشب صليب المسيح له المجد وبعث به الى مار سبريشوع، ولكن الملك كِسرىالثاني أبرويز عَلِمَ بأمر الصليب فاستولى عليه قبل أن يصل الى الجاثاليق، ولم يفعل ذلك إلاّ لحُبِّه المُفرط لزوجتِه المؤمنة شيرين حيث نزعَ خشبَ صليب المسيح مِن داخله وأهداه لها، وإذ عَلِمَ الجاثاليق بما فعله الملك أعادَ الصليبَ الى موريقي كاتباً إليه ما يلي:" حاجتي القصوى كانت ذلك الجزء مِن خشب الصليب المُقدس، فإنَّ الملك أبرويز أخذه وأهداه لزوجتِه شيرين التي يَكُنُّ لها الحُبَّ المُفرط، فإذا تَكَّرَّمَ جلالتُكم بجزءٍ آخر سأكون مُمتناً وإلاَّ فإن الذهب بدونه لا حاجة بي إليه.

                                                                                                                                                                                                                                       لقاء السفير الروماني بالجاثاليق
يروي(السمعاني2 ص 72 - 77) في هذه الأجواء قَرَّرَ الملك الرومي مرقيان إرسالَ مبعوثٍ له كسفيرالى الملك الفارسي كِسرى أبرويز الثاني والجاثاليق سبريشوع، هو الاسقف "بروبا" الفيلسوف والعالِم والبليغ اللغوي باللغات اليونانية والآرامية والعِبرية، يُسَمّيه التاريخ السعردي (ماروثا) والمؤرخ ماري يُطلق عليه (فروا) وكِلا الإسمَين مُحَرَّفَين مِن الأصل "بروبا". وكما يذكر المصدر أعلاه و(ابن العِبري/التاريخ الكنسي1 ص 253 - 255) عُرفَ بروبا باديء الأمر بمونوفيزيتِه ولكنَّه نَفَر مِنها ومالَ بقوةٍ الى الكثلكة فاختيرَ اسقفاً لمدينة خَلقيدونية، وعند وصولِه الى المدائن أرسل الملكُ الفارسي لإستقباله "طجربد درجرو" أحد كبار رجال الدولة المسيحيين المُقَرَّبين إليه ومعه تِئودوروس اسقف كُشكُر، وعَبدا اسقف بيث دارايي وبختتيشوع رئيس مدرسة المدائن فاستقبلوا بروبا  بهُندامِه الجميل، وعندما حان الوقتُ ليُقابل الجاثاليق للسلام عليه، دَخل الى قِلاَّيتِه فوَجَدَ في زاويةٍ مِنها شخصاً جالساً على المِسح(قطعة منسوجة مِن الشعر الخشن) بثيابٍ رَثّة وعلى رأسِه قُلُنسوة، سألَ مُرافقيه مُندهشاً مِن يكون الرَجُل؟ فقالوا له إنَّه الجاثاليق مارسبريشوع، فعقدت الدهشة لسانَه، وكان الجاثاليق قبل وصول الاسقف بروبا قد جيءَ إليه بفتى أخرس واعمى فأبرأَه، فازدادت حيرة الاسقف بروبا ونَطق قائلاً: "إنها الحقيقة يا خادم الله الصَفي، فإن فَخرَ بِنتِ الملك كُلَّه مِن الداخل(مزمور 45 الترجمة البسيطة)والذين يلبسون الثيابَ الناعمة هم في بيوت الملوك (متى 11 - 8 ").
 
مكث السفيرالاسقف بروبا ضيفاً على الجاثاليق مارسبريشوع لمدة شهرين يُرافقه الى ديوان الملك كِسرى ويَحضر القداس الإلهي الى جانبه ويتناول القربان دون تَرَدُّدٍ، وقبل عودتِه الى بلاده، قام الاسقف بروبا بزيارة مدرسة المدائن، وأكرمَ تلاميذَها بمِنَح مالية. أما الجاثاليق مارسبريشوع فقد حَمَّلَه هدايا نفيسة وأطياباً فاخرة للملك الروماني مِن التي تأتيه مِن الهند والصين، ومِن جانبٍ آخر رَغِبَ الملك كِسرى الثاني أبرويز أن يبعث بسفير الى الملك الرومي مرقيان يُرافق بروبا في طريق عودتِه، فاختير لهذه المُهِمّة ميليس اسقف شِنّا، ولدى مُقابلة السفير ميليس للملك مرقيان لَقيَ مِنه ترحيباً كبيراً وإكراماً جزيلاً، وزَوَّده بذات الصليب الذهبي المقدَّس المُرصَّع بالجواهر لجلبِه لمار سبريشوع الجاثاليق. والى الجزء الثامن قريباً                                                                                                                                     

الشماس د. كوركيس مردو
في 9/1/2015

79


تدهور حال الكنيسة بعد رحيل مارآبا الكبير
نظراً لعدم ظهور المقطع الأخير من الجزء الخامس لهذا البحث التاريخي المتسلسل والذي تناول حياة مار آبا الكبير جاثاليق كنيسة المشرق الكلدانية 540-551م، ولم نعلم السبب في ذلك، ولكي تعمَّ الفائدة قرَّاء هذه التسلسلات التاريخية، نُدرج هذا المقطع في مستهل الجزء السادس

مارآبا جليس الملك
ويذكر المؤرخ الكلداني (ماري في المجدل ص49 - 50  والتاريخ السعردي ج2 ص 76 - 77) بأن الجاثاليق مارآبا غدا مواظباً على حضور مجلس الملك بإنتظام، وكان أن رأى الملكَ يوماً مَهموماَ وقد بدا الحزنُ على مُحَيّاه وفيما كان غائصاً في تفكير عميق إستأذَنَه مارآبا قائلاً: هَل لي سماحكم بأن أسأَل حَبرَكم (كبير المجوس) تفسيراً لهذه المقولة؟ فرَدَّ الملك بالمُوافقة! فتحَدَّثَ الجاثاليق قائلاً: هنالك أتّون وفي داخلِه حَطَبٌ يشتَعِل ويتحَوَّل الى نار، وفوق هذه النار وُضعَ قِدرٌ مِن الفخار مَملوءة بالماء وهو يَغلي! بماذا يَعتَبُ الماءُ على القِدر؟ وبماذا تَعتَبُ القِدرُ على الحَطَب؟ وبماذا تَعتبُ النارُ على القِدر؟ أصابت الدهشة حَبرَ الملك (كبير المجوس) بينما إستَغرَقَ الملكُ في الضِحكِ، وبعد مرور بضعةِ أيام على طَرح الجاثاليق مارآبا مقولتَه التي إستعصى على كبير المجوس حَبر الملك تفسيرُها، قال الملكُ للجاثاليق مارآبا: ليس بين حاضري مَجلِسِنا أجزَلَ عِلماً مِنكَ، فنطلُبُ مِنكَ تفسيراً للمقولة، فأجاب الجاثاليق: سيعتَبُ الماءُ على القِدر بالقول: أليس الطينُ الذي صُنِعتِ مِنه بي جُبِلَ؟ ولولايَ لَما كان بلإمكان صُنعكِ فما بالُكِ تؤذينَني؟ وتَعتَبُ القِدرُ على الحَطَبِ قائلة: أليس بالماء نَبُتَ شَجَرُكَ ونَمَت أغصانُكَ فبأيِّ ذَنبٍ قُمتَ تُحرقُني؟ وبسببِ ظُلمِكَ إضطرَرتُ لإيذاء الماء الذي بواسطتِه أُعِدَّت جُبلتي! وسيعتَبُ الحَطَبُ على النار ويقول: أنتِ وحدَكِ التي أجرَمتِ بحَقِّ هؤلاء، لأَنَّكِ أنتِ التي تُحَمِّلينَنا وِقرَ إيذاء آبائنا! وكانت غاية الجاثاليق مارآبا أن يُفهِمَ الملك بأن الآباء ليسوا بمَنجىً مِن إعتداء الأبناء. إنشرحَ الملكُ بتفسير مارآبا للمقولة وأثنى على حلاوةِ حديثِه.  يَروي (التاريخ السعردي ج2  ص 78 أيضاً) بأن ما رَفَعَ شأن مارآبا لدى الملك كسرى الأول أنوشِروان أكثر هو قيامُه برسمِ كاهن أرسلَه ملكُ الهون اسقفاً لبِلادِه، فجرَت رسامتُه في كنيسة كوخي الكبرى بناءً الى الوساطةِ التي تقدمَ بها ملكُ الهون لدى الملك الفارسي.

في عام 551 م طلبَ الملكُ كِسرى الأول أنوشِروان مِن مارآبا الجاثاليق السفر الى الأهواز لكي يأمُرَ النصاري المُتواجدين في تلك المنطقة بعدم التعاون مع العُصاة الذين كانوا يُثيرون الفوضى والبلبلة ويُمارسون أعمالاً إجرامية، وكان مارآبا قد كَتَبَ إليهم وهَدَّدهم بالحَرم إذا مالوا الى العصيان أو تعاونوا مع العُصاة  ٌقبل أن يطلب مِنه الملك السفر الى هناك، وبالفعل إمتثلَ النصارى لأوامر مارآبا، وفرح الملك بالدور الذي أدّاه الجاثاليق وازدادَت لديه مَنزلتُه، ومنحه كامل الحرية وأمر بتشييد مَنزل له بالقرب مِن كنيسة نَرقوس، وتقول المصادر التالية( ماري في المجدل ص52 ، عمرو ص 41 ، كتاب المجامع ص 96 والتاريخ السعردي ج2 ص 78) ولكنَّ هذه الحرية جاءَت متأخرة لمارآبا، حيث داهمَه المَرضُ كنتيجةٍ طبيعية لِما قاساه مِن نفيٍ وسَجنٍ وأسفار شاقة ومُتعبة أثَّرَت سلباً على قِواه البدنية بحيث لم يقوَ على مُقاومة المرض بالرغم مِمّا بذله أطِبّاءُ الملك الذين أرسلهم لمُعالجِته، فعاجلته المَنيّة في التاسع والعشرين مِن شهر شباط عام 552 م، وجرى تَوديعُه الوداعَ الأخير برحيلِه الى رَبِّه بإحتفال مَهيب شاركَ فيه الإكليروس بكُلِّ مراتبِه والى جانبِهم كبار رجال الدولة الرسميين وجمهور لا يُحصى مِن المؤمنين وحتى الوثنيين، ألقى الكثيرون مَناديلَ وثياباً فوق تابوت جَنازَتِه للتَبَرُّك إذ كان الكُل يَعتبرونه قديساً، حتى أن قسماً مِنهم كَسروا نعشَه وقَطَّعوه قِطعاً وتقاسموها واحتفظوا بها كذخائر، وتَمَّ دَفنُه في دير ساليق، ولكن ما ذكره التاريخ السعردي يُفيد بأن تِلميذَه قَيّورا وبعد فترةٍ قصيرة نقلَ جُثمانَه الى مدينة الحيرة ودَفنَه فيها وشيَّدَ فوق قَبره ديراً، وهكذا انتهى هذا الحبر الجليل والرَجُل العظيم والجاثاليق الكبير!

أشادَ المؤرخ الأب لابور بعَظَمةِ الجاثاليق مارآبا الكبير قائلاً: " بهذا الشكل إنتهت حياة هذا المُعتَرِف الجليل نور الكنيسة الفارسية، الذي ملأَها مِن كنوز التعليم الحق بسيرَتِه الخالية مِن أيَّةِ شائبة. ومآثِرُه ستبقى خالدة، بِهِمَّتِه وغَيرَتِه بَقيَت القوانين الكنسية مُصانة وراسخة " أسبَغَت عليه الكنيسة الكلدانية صِفاتٍ سَنِيَّة فهو لديها (مارآبا الكبير، المُعتَرِف الجليل، ملفان الملافنة) يقع تذكارُه في الأول مِن آذار بحسب تقويم القديسين، وفي كتاب الحُوذرا المعروف بكتاب صلاة الكهنة في الجمعة السابعة مِن الدنح.  يقول المؤرخان في(المجدل/ماري ص 50 وعمرو ص41 والتاريخ السعردي ج2 ص 67) بأن الفضلَ يعود لمارآبا في إبطال عادة الزواج التي أدخلها برصوما مطرانُ نصيبين الى الكنيسة الكلدانية النسطورية إبنةِ (كنيسة الشرق) ووريثتِها، وحَظَرَ على الجاثاليق والأساقفة الزواجَ قطعياً، وقد كُتِبَ هذا القانون ضِمن رسالتِه السادسة مِن جُملةِ رسائلِه الشهيرة .
وما عدا رسائله الست الشهيرة، شَرَّع مارآبا الكبير أربعين قانوناً، تضَمَّنت الوسائل العملية لتنظيم شؤون الكنيسة، وعَدَّدَت واجبات رُعاتِها، وأرشدت المؤمنين الى السلوك المُلتزم والرصين. وللمزيد عن أعمال مارآبا بالإمكان الإطلاع على (قصة حياتِه التي نشرها الأب بيجان عام 1895 م مع قصة حياة مار يهبالاها الثالث ص 206 - 274 وفي نهايتها رسالة مارآبا ص 274 – 287). وبعد وفاة مار آبا الجاثاليق الكبير، تدهورت أوضاع الكنيسة الكلدانية النسطورية على عهد الجاثايق يوسف المكنيس:
الجاثاليق يوسف المكني 552 - 567 م
لقد ذكرنا فيما تقدَّم بأن المملكة الرومانية كانت تسمح لأبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية بالدراسة في معاهدها، فتقول المصادر التاية: (المجامع/ الترجمة ص 352 - 367 ، السمعاني3 / 1 ص 432 - 435 ، عمرو ص 41 - 43 ، ماري ص 53 - 54 ، التاريخ السعردي2 ص 84 - 94 ، الأب لابور ص 192 - 197) بأنَّ يوسف كان أحد هؤلاء حيث أكمل دراسة الطب في بلاد الروم وأن الإحتمال كبير بتَلقّيه الدروس الدينية والكنسية لدى سركيس الرشعيني العالِم اللغوي الكبير. عاد بعد ذلك الى مدينة نصيبين واختار حياة الرهبنة فدخل الى أحد الأَديُرة هناك. وبحُكم تَمَكُّنِه مِن عِلم الطب تَعرَّفَ عليه حاكمُ نصيبين، وصادَف أن الملك الفارسي كِسرى الأول أنوشِروان إعتَلَّت صحتُه، فجاءَه حاكمُ نصيبين وأخذ يُطري أمامَه على مقدرة يوسف الطبية، فطلب مِنه الملك الإتيان به ليُعالجَه، وإذ تَمكَّن يوسف مِن شفاء الملك كان ذلك بالنسبة ليوسف فاتحة خير له، حيث حظيَ بمكانةٍ كبرى لدى الملك .
وتُضيف المصادرالآنفة الذكر بأن الملك كسرى الأول أنوشِروان وبعد وفاة الجاثاليق مارآبا، أوعز الى آباء الكنيسة مِن المطارنة والأساقفة بإنتخاب يوسف جاثاليقاً خلفاً له، فلم يكن بوسع الآباء إلا تنفيذ أمر الملك، فتَمَّت رسامتُه في شهر أيار عام 552م، وكان تقليد الكنيسة يقضي بأن يقوم الجاثاليق الجديد بعد فترة قصيرة مِن رسامته بعقد مَجمَع كنسي  برئاسته للنظر في شؤون الكنيسة، بيدَ أنَّ يوسف شَذَّ عن الحِفاظ على هذا التقليد ولم يستَجِب لطلب الأساقفة لعدم رغبته التقَيُّد بنُظم وقوانين المجمع، حيث يرى فيها الحَدَّ مِن استفراده بإمور الكنيسة وانتقاصاً مِن هَيبَتِه لكونه مُتَّصِفا بالكبرياء والإستبداد بالرأي، وما ساعده على إتِّباعِه هذا السلوك الإستبدادي كان الموقع الذي يحظى به لدى الملك بالإضافة الى الدعم الذي يَلقاه مِن كِبار رجال المملكة  والنصارى المُقرَّبين مِن الملك، حيث كان لأهوائهم صدى كبير لدى يوسف الجاثاليق مِن حيث رسم الأساقفة والكهنة والكثير مِن الامور الكنسية الاخرى.

مجمع ساليق الثامن 554 م
ولدى تَدَهور امور الكنيسة الى حَدٍّ لا يُمكن الصبرُ عليه، أجمَعَ المطارنة والأساقفة على مُخاطبة يوسف الجاثاليق بإلحاح شديد، بأن الوضع الكنسي لا يتحَمَّلُ المزيدَ مِن التغاضي ولا بُدَّ مِن إصلاحِه، فما كان مِن يوسف إلا الرضوخ لمطلبهم بعد مُماطلة دامت سنتين، وتَمَّ عقد المَجمَع في المدائن في شهر كانون الثاني لعام 554 م وهو مجمع ساليق الثامِن.
إن أهم ما تَمَيَّز به مَجمَع ساليق الثامن هو تَثبيتُه قانون الإيمان على النحو التالي" بأن للمسيح طبيعتين إلهية وبشرية لا اختلاطَ فيهما ولا بَلبَلة " كما إتَّخذَ المَجمَعُ ثلاثة وعشرين قراراً تنظيمياً بشأن إصلاح الإكليروس وتحسين سلوك المؤمنين، حيث كان بعضُ الكهنة والأساقفة يتوسطون لدى رجال الدولة مِن أجل ترقيةٍ لمَنصبٍ أعلى أو ليُرفَعَ عنهم الحرمُ المُرشَقين به، وكان ذلك مِن أشَدِّ المُخالفات التي تُعاني مِنها الكنيسة، ولذلك إنصَبَّ اهتمامُ آباءِ المَجمَج لعِلاجِها، وورد ذلك في القرار الأول والثاني عشر مِن قرارات المجمع حيث تَضَمَّنا الحرمَ لكُلِّ مَن تُسَوِّلُ له نفسُه العمَلَ على تَدَخُّل الدولة في امور الكنيسة، وتَضَمَّنت القراراتُ السابع والرابع عشر والخامس عشر والثامن عشر الحَدَّ مِن إستفراد البطريرك يوسف بإصدار القرارات الكنسية دون استشارة الأساقفة ومِن ثمَّ إجبارهم على توقيعِها، وإذا امتنع أحدٌ مِنهم تَعَرَّضَ للرشق بالحرم. ولحُصول يوسف على المنصب الجاثاليقي بطريقةٍ غير قانونية، والمُخالف لكُلِّ الإصلاحات التي إستحدثها مارآبا الكبير في الكنيسة الكلدانية المشرقية، والقوانين الصائبة التي شَرَّعها لتفادي كُلّ اضطرابٍ وبلبلة على صعيد الرئاسة العليا. رأى آباء المجمع التركيز على إيجاد ضوابط  شتّى لمنع تَكَرُّر مثل هذه الطريقة الشاذة وأُدرجَت تلك الضوابط ضِمن قرارات المجمع، وهي اعتماد عملية إنتخاب الجاثاليق بغالبية أصوات المطارنة والأساقفة وتَحديد صلاحياتِه وكيفية تدبيره لشؤون الكنيسة، ومِن القرارات المُهمة الاخرى هو تأييد وتثبيت قانون الزواج الذي أصدره الجاثاليق مارآبا الكبير والكثير مِن الامور الاخرى.
الجاثاليق يزداد تكبُّراً وطغياناً
وبالرغم مِن موافقة الجاثاليق يوسف على قوانين المجمع وتوقيعِه عليها، إلاّ أنه لم يتقيَّد بها حتى بحَدِّها الأدنى بل ازدادَ تَكَبُّراً واستبداداً بحسب ما رواهُ عنه (التاريخ السعردي2 ص 85 - 86 وماري في المجدل ص 53 وعمرو ص 42 وابن العبري2 ص 97) مُستغِلاً قُربَه مِن الملك والدعم الذي كان يلقاه مِن قبل كبار رجال الدولة وفي مُقدِّمَتِهم الحاكم الكبير "رادانفروح"، فمارسَ قساوة بالغة ضِدَّ الأساقفة والكهنة الذين كانوا يُبدون امتعاظاً مِن تَصرُّفاتِه الإستبدادية مُعترضين عليها بجَرأة، فكان يستدرجهم للقدوم إليه ثمَّ يُلقي بهم بما يُشبه السجن ويربط أعناقهم بِرِسَنٍ كما تُربط الحيوانات ويبني لهم معلفاً ويملأَه تبناً وينادي عليهم قائلاً :
"إليكم بالعلف يا أشباه الحيوانات عديمي الفهم والتمييز" ولم يكن يتورَّع مِن حَلقِ شعر رؤوسهم وصفعِهم. وورد في(السمعاني3 ص 79) ومِن بين الأساقفة الذين عاملهم بصرامةٍ متناهية: ميهرنَرسا اسقف زابي، ومَلكا اسقف دارأبجرد،  وشمعون اسقف فيروز شابور الذي قام بسجنِه، وإذ رأى شمعون أن مدة سجنه قد طالت، فَكَّر بإقامة مذبح بسيط  ليُقَدِّسَ عليه أيام الآحاد والأعياد، وفي ذات أحدٍ فاجأَه يوسف في سجنه وهو يُقدِّس ويُشاركُه الرهبان الخدمة، فاستشاط غَضباً وهجم على الاسقف وأشبَعَه ضرباً ورفصاً، وفي غَمرة غَضَبِه وبمُنتهى الوقاحة قَلَبَ المذبح بكُلِّ ما عليه مِن آنية التقديس ووطيءَ عليها بقدميه دون خوفٍ أو خجل، وأبقى شمعون الاسقف في السجن حتى وافاهُ الأَجَل. أما بالنسبة لميهر نَرسا اسقف زابي فقد عَزلَه مِن كُرسِيِّه وطرده وأجلسَ عليه الاسقف حزقيال تلميذ مارآبا المُتمَيِّز بالذكاء الحاد واللطف المُحَبَّب أثارا إعجابَ الملك كسرى الأول أنوشِروان فأدناهُ مِنه ومَنَحَه مكانة كبرى لديه، ولما سأَله يوماً زَميلُه مَلكا اسقف دارأبجَرد أن يستحصلَ له أمراً مِن الملك لوقف الإضطهاد المُمارَس ضِدَّ أفراد رَعيَّتِه، إستجاب الملكُ لطلبه وزَوَّده بكتابٍ لهذه الغاية وأعطاه بدوره لزميله مَلكا، فثَقُلَ الأمرُ على يوسف بسبب عدم إستحصالِه عن طريقه، فأخذ الكتابَ مِن مَلكا عنوةً، وعندما عَلِم أبناءُ أبرشية فارس بالخبر ثاروا على يوسف وأعلنوا العصيان عليه وعدم الإعتراف برئاستِه (التاريخ السعردي ج2 ص 85 /ماري في المجدل ص53).
عزل يوسف الجاثاليق 567م
يتحدَّث(التاريخ السعردي2 ص 86 - 87) بأن يوسف إستَمَرَّ مُتمادياً في إتِّباع نَهجِه الظالم الذي لا يليق بمَنصبه الرفيع، فأجمَعَ الأساقفة على إرسال وَفدٍ إليه مُكَوَّنٍ مِن ثلاثة أفراد لكي يدفعوه للعدول عن المُضيِّ في مُمارسة مَسلكِه الجائر، فلم يَرَ الوفدُ منه إلاّ الإهانة والإستخفاف، ولكنَّ الإساقفة لم يَيأَسوا فكَرَّروا إرسال وفدِ ثاني وثالث، بيدَ أنَّ نصيبَهما لم يكن بأفضل مِن نصيب الوفدِ الأول، أخيراً أرسلوا إليه عدداً مِن المطارنة والأساقفة برئاسة سكرتيره بولس مطران نصيبين وكانت النتيجة أسوأ حيث ازدادَ غروراً وعِناداً، فلم يبقَ أمام آباء الكنيسة مِن المطارنة والأساقفة غير إيجاد مخرج للخلاص مِنه، فقرَّروا عقدَ اجتماع طاريءٍ أجمعوا مِن خلالِه على تجريدِ يوسف مِن الدرجتَين الاسقفية والكهنوتية وعزلِه عن كُرسيِّ الجثلقة، مُستغِلِّين إمتعاظ الملك مِنه بسبب إدائه شهادة كاذبة ضِدَّ رَجُل نصراني مُتَّهِماً إياه بسرقةِ خاتم نفيس باهض الثمن مِن خِزانة الملك، ولدى التحقيق الدقيق ظَهَرَت براءَة الرَجُل الذي أسندت إليه تلك التُهمة! ولكنَّ الملك أنوشِروان وبالرغم مِن البرود الذي شابَ علاقتَه بيوسف لم يُصدِر تأييداً صريحاً بقرارعزلِه مِن قبل آباء الكنيسة، فاستَنجَدَ الآباءُ بموسى طبيب الملك الخاص وكان ذا مَنزلةٍ رفيعة لدى الملك، وتَحَدَّث موسى الى الملك ضارباً له المَثَل التالي:

"لقد جرى أنَّ ملكاً عظيماً مالَ الى رَجُل مسكين فقرَّبَه إليه وجعل مِنه أنيساً له، ثمَّ أهداهُ يوماً فيلاً مِن أفيالِه، فذهب الرَجُل بالفيل الى داره، ولكون باب الدار لم يكن واسعاً ليَمُرَّ الفيل ُ مِن خلالِه، بقي الفيلُ خارجاً ولم يعرف سبيلاً لإطعامِه فأخذت المسكينَ الحيرةُ مِن أمره، وراح يُفكِّر مليّاً لعَلَّه يجدُ حلاً لمُشكلة الفيل، وبعد تفكير طويل لم يَرَ أفضل مِن العودة الى الملك صاحب الفيل، فطلب مِن أعوان الملك إبلاغَه عن اعتذاره وإعفائه عن قبول الفيل " فلما انتهى موسى النصيبيني مِن سرد المَثَل على مَسمع الملك، إبتسم الملكُ وأدرك المغزى مِن المَثَل، ثم أردفَ موسى قائلاً: " إننا أيها الملك اؤلئك المساكين الذين أهدانا الملك هذا الفيل، لقد خابَ أمَلُنا فيه وفي رئاستِه، فليتكَرَّم علينا الملكُ بإعفائِنا مِن قبوله ونحن للملك شاكرون" فأيَّدَ الملك كِسرى الأول أنوشِروان قرارَعزل يوسف وكان ذلك في شهر شباط لعام 567 م بعد مُضيِّ خمسة عشر عاماً على تَوَلِّيه المنصب الجاثاليقي.(كتاب المجدل عمرو ص 42 ماري ص 53).

عزل يوسف
ويُضيف(التاريخ السعردي2 ص 88 - 89 ويؤَيِّد عمرو ص 42 وماري ص 53) وإنَّ فقدَ يوسف لمنصبِه البطريركي لم يُفقِده مكانتَه لدى الملك كسرى الأول أنوشِروان، إذ بقيَ الرَجُل الثاني في مجلس الملك بعد عظيم أحبار المجوس بحسب قول لاند في كتاب (النصوص السريانية 3 ص 339)، ولذلك استطاع التأثير على الملك ليُصدرَ أمراً بعدم انتخاب جاثاليق جديد إذا لم يحصل المُرشَّح على آراء كُلِّ المسيحيين وبالإجماع على انتخابِه، وبذلك تَمَّ وضعُ حَجَرالمنع أمام تنصيب الاسقف حَزقيال الذي اختاره الآباء المطارنة والأساقفة بالرغم مِن مكانتِه الكبيرة لدى الملك، فاضطرّوا الى تكليف ماري اسقف كُشكُر للقيام بأعباء الجاثاليق، ودام هذا التكليف مدة ثلاثة أعوام أي حتى وفاة يوسف عام 570 م ودُفِن في فيروزشابوربحسب قول(ايليا ص 52).
سنوات يوسف الأخيرة
يقول(إيليا الدمشقي/ السمعاني3 /1 ص 434 - 435) عن يوسف بأنه في السنوات الثلاث الأخيرة بعد عَزله ألَّفَ كُرّاساً عن بطاركة الشرق، ورَكَّزَ أقصى جُهده للدفاع عن منصبه بكتابات، موضِّحاً بأن سُلطة كُرسي ساليق هي الثابتة بشخص الجالس عليه، وقد أشار الى ذلك المؤرخ الأب(لابور ص 197) بأن يوسف استند بذلك الى الرسائل التي وجهها ماريعقوب اسقف نصيبين وتلميذه مار افرام الى بابا بن عكّاي اول جاثاليق لكنيسة المشرق في صراعه مع الأساقفة المُناوئين له، ولم يكن يوسف أول مَن أشار الى هذه الرسائل لأن الإشارة الى بعضها قد تمت قبل عهد يوسف، ولكنّ كتابات يوسف كانت عديمة الجدوى، لأن الكلدان النساطرة شطبوا اسمَه مِن سِجِل البطاركة واعتبروا فترته عصيبةً على كنيستِهم، إذ لم يُسَجَّل له ذِكرٌ جميل ما عدا اهتمامه بدَفن موتى الوباء الذي وصفه (التاريخُ السعردي ج2 ص 90 - 94 وماري ص 54) بأشدِّ الأوبئةِ الفتّاكة التي ضربت المنطقة زَمَن رئاستِه، وعُرِفَ ذلك الوباء بعلامةٍ خاصة هي ظهور ثلاث نقاطٍ سوداء داخل لحم كَف الإنسان، وحدث مَرَّتَين في مُنتصف القرن السادس، كانت اولاها في سنة 544م والثانية في سنة 562م، ويُقال بأن الوباء طالت مدته كثيرا، وفتك بالسكان فتكاً ذريعا حتى أنَّ بعض المدن والقرى فَرُغَت مِن ساكنيها، ومِن بين ضحاياه الذين لا يُحصون، كان استاذ أكاديمية نصيبين يوحنان دبيث رَبّان حيث إختطفه عام 567م.
                                                                                                                                                                                                                                   كان يوسف يتمتع بحظوةٍ لدى الملك كِسرى الأول أنوشِروان كما مَرَّ ذكرُه، فلم يحدث إضطهاد رسمي وسافرٌ ضِدَّ المسيحيين في عهدِه، بيدَ أنَّ حظر التبشير بالمسيحية بين الوثنين كان صارماً ولا سيما بين أبناء الأُسر الفارسية العريقة، والمُخالف يتعرَّض لعذابٍ شديد. وقتل العديد مِن أبناء هذه الأُسر لإعتناقهم المسيحية ومِن جملتهم الشريفة الكرخسلوخية الشهيدة "شيرين" التي إعتنقت المسيحية واعتمذت مِن يد يوحنا الاسقف، واستشهدت في ساليق في 26 شباط عام 559 م، ولكن وللأمانة التاريخية لا بدَّ مِن القول بأن ملوك فارس ومنذ انفصال الكنيسة الكلدانية عن الكنيسة الغربية الجامعة بإتِباعها مذهبَ نسطور لم يعودوا يَشكُّون بإخلاص رعاياهم لهم ولذلك بسطوا عليهم حمايتهم، واقتصر اضطهادُهم تقريباً وبشدة على كُلِّ مجوسي يُجاهر بإعتناقه الديانة المسيحية.

الجاثاليق حزقيال 570 - 581م
يروي(التاريخ السعردي ج2 ص 86) بأنَّ حزقيال كان أحد تلامذة مارآبا الكبير المُمَيَّزين، وحيث تَوَسَّمَ فيه الذكاءَ والحزم رسمَه اسقفاً على زابي (النعمانية اليوم) إلا أن مؤلف كتاب (تاريخ كلدو وآثور2 ص 198) يقول بأن الذي رسم حزقيال اسقفاً هوالجاثاليق يوسف وليس مارآبا الكبير. والى جانب إتقان حزقيال اللغتين الكلدانية والفارسية وتضلُّعه بالعلوم الكنسية واللاهوتية، تعلمَ الطب أيضاً، ويُضيف (نفس المصدر أعلاه ص 100 وعمرو في المجدل ص 43) بأن حزقيال قامَ برحلةٍ الى جزيرتي البحرين واليَمامة بناءً الى رغبة الملك كِسرى الأول أنوشِروان، مُستصحباً معه غَوّاصين ماهرين لإستخراج نوع نفيس مِن الجواهر باهض الثَمَن مُتوَفِّر في تلك المَنطقة، وكان التوفيقُ حليفَ مارحزقيال في مُهِمَّتِه، حيث استطاعَ غَوّاصوه مِن التقاط عددٍ كبير مِن تلك الجواهر النادرة، فجلَبَها للملك الذي اغتبَطَ  بها جداً فأثنى على جُهدِ مارحزقيال و عَزَّزَ مِن تَقَرُّبِه إليه وجعلَه مِن أوائل الحاضرين الى مَجلسه، ولكن هذه المصادر لم تُحدد الزمن الذي تَمَّت به الرحلة، إن كانت على زمن اسقفيته أم جثلقتِه، ويُرَجَّح زمن الاسقفية.

لقد ذكرنا بأن الكرسي الجاثاليقي بقي شاغراً لمدةِ ثلاثِ سنوات بسبب اعتراض يوسف الجاثاليق المخلوع على تنصيب حزقيال اسقف زابي جاثاليقاً والذي تَمَّ ترشيحُه مِن قبل غالبية المطارنة والأساقفة في اجتماع خاص عقدوه لهذه الغاية، وكان موقفُ يوسف الرافض مدعوماً مِن قبل الملك كِسرى الأول أنوشِروان، حيث امتنع عن إصدار الأمر لإنتخاب جاثاليق جديد إكراماً له، فاضطرَّ آباءُ الكنيسةِ الى تكليفِ ماري اسقفِ كُشكُر للقيام بأعمال الكُرسي الجاثاليقي. وعندما وافت المَنِيَّة يوسف الجاثاليق المعزول، زال المانعُ الحائلُ دون أجتماع الآباء المطارنة والأساقفة لإختيارخلفٍ جديد له. وخلال الإجتماع ظَهر على الساحة مُرَشَّحان هما الأسقف حَزقيال وإيشاي المَلفان وكلاهما مِن تلاميذ الجاثاليق مارآبا الكبير، وقد أحدثَ ذلك انقساماً في آراء الآباء المُجتمعين، حيث أبدى عددٌ مِن الآباء عن تَرشيحِهم لإيشاي المَلفان، بيدَ أنَّ العددَ الأكبرَ مِنهم بزعامة بولس مطران نصيبين جَدَّدوا تَرشيحَهم السابق للأسقف حزقيال وأصَرّوا على عدم التراجع عن قرارهم الذي أجمعوا عليه بإختيارهم له قبل ثلاث سنوات أي في عام 567 م، وهكذا رَجَحَت كَفَّة الاسقف حزقيال، ونقل صديقِ حزقيال الحميم نوروزي المروزي رئيس أطبِّاء الملك أنوشِروان رغبة الآباء بإختيار حزقيال الى الملك، فأبدى إرتياحه للإختيار وأذن برسامته التي تَمَّت في المدائن العاصمة عام 570 م بحَسَبِ ما ما ذكره ( إيليا بَرشَنّايا في تاريخِه ص 52).

وأورد المؤرخان الكلدانيان فيالمجدل (عمرو ص 44 وماري ص 54) وصفاً لمار حزقيال حيث قالا <... وكان عارفاً بامورالعالَم، فَهِماً بالعلوم. واستقامت الامور على يديه، ورضيَ به سائرُ الناس، وسامحَ القُسّان والشمامسة الذين أسامهم يوسف، وتوفرت لديه قناعة بعدم إعادة رسامتهم مكتفياً، بأن أقامهم قدام المذبح وثَنّى عليهم صلاة الإستغفار والتمحيص ويستطردان بالقول: " ثمَّ خلط بعد ذلك بعض التخليط مع الآباء واستعمل الجفاء في أخلاقه معهم> ويعزوان إبتلاءَه بالعمى في السنتين الأخيرتين مِن حياتِه الى عقابٍ مِن الله، بسبب تعييره للآباء وتسميته إياهم بالعميان. ومِن الأحداث المُهمة التي تزامنت مع عهد مارحزقيال الجاثاليق، يقول(عمرو في المجدل ص 43 - 44) بأنَّ مطران بيث كرماي واسقف نينوى حَثّا المؤمنين على إقامة الصلاة والصوم لمدة ثلاثة أيام، لكي يُزيل الله عنهم الوباءَ الذي كان متفشِّياً في المناطق الشرقية، وفاتحا الجاثاليق مارحزقيال بما عزما عليه، فلقيا منه الإستحسان والتشجيع. وسَميا صلاتهم وصومهم (باعوثة نينوى) أي (تضرُّع نينوى) تَيمُّناً بصوم أهل نينوى القدامى ليس إلا،(وخطاً يعتقد الناس بأنه إعادةً لصوم نينويِّي التاريخ الوثنيين، وإنّما تُتلى الصلوات التي ألَّفها آباءُ كنيسة الشرق الكدانية التي أفرزها خيالُهم الخصب لتلك الحالة). فقبل الله إلتماسهم ودعاءَهم وأزالَ الوباءَ عنهم.
بعد انتهاء الملك كسرى الأول أنوشِروان مِن حَملتِه العسكرية عاد الى المدائن وكذلك عاد الجاثاليق حزقيال، وقد أدّى غياب الجاثاليق الطويل عن مَقَرِّه وعدم قدرتِه على مُتابعة الشؤون الكنسية لإنشغالِه الكبير مع الملك، الى تفاقم الفوضى لتَعُمَّ الكنائس في مُختلف أنحاء المملكة، فالكثير مِن الكنائس قد خَرَجَت عن طاعة الجاثاليق وتجاهلت ذِكرَ اسمِه في صلاة الفرض، وإنَّ الخلافات القائمة بين مطارنة وأساقفة الكنيسة وصلت بعنفها الى التطاول وانتهاك حقوق بعضهم البعض، وما زاد في الطين بَلَّة انتشار هَرطقة المُصَلِّين التي ساهَمَت في فساد الأخلاق بشكل كبير، فهي تدعو الى إطالة الصلوات، حيث بإطالتِها حسب رأيهم تزول كُلُّ الموبِقات التي يَرتكبُها الإنسانُ في حياتِه مَهما تَضَخَّمَت وتنوَّعَت، وإزاء هذا الوضع المُزري لم يَجِد مار حزقيال الجاثاليق مَفرّاً مِن عقد مجمع لبحث مسار الكنيسة المُتدهوِر جداً، فبادر الى إرسال دعواتٍ الى جميع مطارنة وأساقفة المملكة للحضور الى المدائن، فلَبّى الدعوة مِن المطارنة ثلاثة ومِن الأساقفة سبعة وعشرون.
تَمَّ عقدُ المَجمَع في عام 576 م برئاسة الجاثاليق مارحزقيال، وبعد مُشاوراتٍ ومُداولاتٍ طويلة شابتها مَشاداتٌ حادة وانتقاداتٌ مُفيدة، تَوَصَّلَ الآباءُ المُشاركون في المقام الأول الى تثبيت قانون الإيمان مُصاناً مِن تَخَرُّصات التعاليم الهرطوقية المُضَلِّلة التي إبتدعها أشهر الهراطقة الذين ظهروا في كنيستنا الكلدانية في القرنين الثاني والثالث كما يذكُرُهم العلامة المطران أدي شير وهم: طِطيانوس، وبَرديصان، وماني، وقوقا. والذين ظهروا خلال القرن الخامس وما بعده وهم مَرقيون، وآريوس، وإِورنيميس، واوبليناريس، واليعاقبة المونوفيزيون، والرهبان المُصَلّون. ثمَّ شَمَلَت أعمالُ المَجمَع إتِّخاذ تسعةٍ وثلاثين قراراً وتوصية تناولت مَهام وواجبات الإكليروس بكُلِّ مراتبِهم كما تطرَّقت الى السُبُل المُثلى لسلوك المؤمنين العلمانيين نُشير فيما يلي الى أهَمِّ ما جاءَ في هذه القرارات :

1 - إعادة تحديد صلاحيات وواجبات الجاثاليق والمطارنة والأساقفة، ووجوب ذِكر اسم الجاثاليق عند تِلاوة صلاة المُناداة (الكاروزوثا ܟܪܘܙܘܬܐ) في كافة كنائس المملكة الفارسية .
2 - وجوب عقد مجمع كنسي عام يحضرُه مطارنة وأساقفة الكنيسة تحت رعاية الجاثاليق كُلّ أربع سنواتٍ مرة، وأن يجريَ عقدُه قبل حلول الصوم الكبير .
3 - إمتناع المطارنة والأساقفة التام عن المساس بصلاحيات الجاثاليق مِن حيث رسامة وتنصيب المطارنة والأساقفة، وعلى المطارنة والأساقفة احترام حقوق بعضهم البعض وعدم التَدَخُّل بشؤون واحدهم الآخر .
4 - على المطران (الميطرابوليط) القيام بدعوة الأساقفة التابعين له لعقد اجتماع برئاستِه مرة في كُلِّ سنة وبالتحديد في شهر أيلول .
5 - يُحظَر على المطارنة والأساقفة والكهنة القيام ببيع أو رَهن الأوقاف الكنسية وأوقاف الأَديُرة، كما لا يَحُقُّ لهم أن يَهِبوا مِن ايراداتِها لأقاربهم .
6 - إذا قام المطران أوالأسقف أو الكاهن بشراء أملاكٍ للكنيسة باسمِه، عليه إعلام الإكليروس وبعض المؤمنين العِلمانيين بذلك مُسبقاً، وعند شعوره بقرب وفاتِه عليه التنازل عن مُلكيتِها لخلفِه ضماناً لعدم ضياع أيِّ شيءٍ مِن ممتلكات الكنائس والأَديُرة. صادق الجاثاليق على أعمال ومُقرَّرات المجمع ووَقّعها الى جانب ثلاثين مطراناً واسقفاً ذيَّلوها بتواقيعهم، وبعث بموافقاتهم أربعة مطارين عن طريق وكلائهم، كما أنَّ أساقفة آخرين لم يتمكنوا مِن الحضور نظراً لبعد أماكنهم وصعوبة السفر، وربما لم تصلهم الدعوى لحضور المجمع في الوقت المناسب .
وقد جاءَ في كتاب (المجامع الشرقية / الترجمة ص 368 -389) بأنَّ قوانين هذا المجمع قد حُفظت في المجموعة التي نشرها الأب شابو. ويذكر المؤرخ (ماري في المجدل ص 54  والتاريخ السعردي ج2 ص 101 - 103) بأن فترة جلوس الجاثاليق حزقيال على كُرسي المدائن إمتَدَّت أحد عشر عاماً، وفي عامَيه الأخيرين شعر بمرارةٍ نتيجة فُقدانِه البصر، وكانت وفاتُه عام 581 م.

الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرُزُنّي 582 - 595م
وبحسب ما أوردَه المؤرخُ (ماري في المجدل ص 55 والتاريخُ السعردي2 ص 44) بأنَّ بعض الأساقفة بعد وفاة الجاثاليق حزقيال رَشَّحوا أيّوبَ المُفَسِّر لتوَلّي الكُرسي الجاثاليقي، بيدَ أنَّ عدداً آخر أكبر مِن الأساقفة اختاروا ايشوعياب الذي كان مُتمَيِّزاً بإعتدال القامة وجمال المَنظر وقد تَلقَّى علومَه في مدرسة نصيبين الشهيرة على عهد مُديرها القدير أبراهام دبيث رَبّان، وتَسَلَّمَ إدارتَها مِن بعده لمدة سنتين مِن 569 حتى 571 م حيث رُسمَ اسقفاً على أرزون فلُقِّبَ بـ (اوروزنايا ܐܘܪܘܙܢܝܐ) أي الأُرُزنّي وإن كان أصلُه مِن بيث عربايي، وكان متضلِّعاً بشتى العلوم ومُختصّاً بالشؤون القانونية والليتورجية، وما أكَّدَ تَبَحُّرَه بهذا المجال، الشروح البليغة التي أودعها برسالتِه المُسهبة المُوَجَّهة الى يعقوب اسقف"داراي" في الخليج العربي، وقد أُدرجَت في مجموعة القوانين الشرقية (ص 424) ويُضيفُ المصدران الآنفان بأن الملك هرمزد الرابع أوعزَ بإنتخاب ايشوعياب للمنصب الجاثاليقي وفاءً لإخلاصه للمملكة، حيث كان يَبعثُ برسائل للملك يُبلِغُه بها عن تحَرُّكات الجيوش الرومية في فترة تَوليه كُرسيَّ اسقفية أرزون الحدودية، فتَمَّت رسامتُه في عام 582 م وبعد الرسامة يقول(ايليا بَرشِنّايا ص 52 وكتاب المجامع ص131 و391 ج3) تَوَجَّهَ الجاثاليق ايشوعياب بصحبة الأساقفة الى القصر الملكي للسلام على الملك والدعاء له، فرَحَّبَ بهم الملكُ وشَمَلَهم بكَرَمِه، وبعث برسائل الى حُكّام المملكة ليأخذوا برأي الأساقفة عند إصدار القرارات والأَحكام وسائر الامور الاخرى.
مجمع ساليق العاشر 585م
ويَظهر أن التقليد الذي كان مُتَّبَعاً بأن يقوم الجاثاليق وبأقرب فرصةٍ بعد رسامَتِه بعقد مَجمَع يحضرُه المطارنة والأساقفة تحت رعايتِه قد أُهملَ العملُ به منذ عهد الجاثاليق يوسف المكني الذي عقده بعد مرور سنتين مِن انتخابِه، والجاثاليق حزقيال في السنة السادسة لرسامتِه، وهكذا فعل الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرُزوني حيث قام بعقده في السنة الرابعة مِن رسامتِه وهي سنة 585 م. وقد شاركَ في أعمال المَجمَع مطرانان وعشرون اسقفاً.

لقد إفتتح المجمع أعمالَه بتقديم الشكر لله الذي منحهم فرصة الإجتماع، وبالثناء على مناقب الملك الفارسي هرمزد الرابع لِما أحاط به المسيحيين مِن اللطف والرعاية. ثمَّ إستعرضَ آباءُ المجمع قانون الإيمان، ودافعوا عن تعاليم تيئودوروس اسقف مصيصة المُفسِّر. وبعد ذلك إتخذ آباءُ المجمع واحداً وثلاثين قراراً أو قانوناً، وأغلبُها مُقتبس مِن مجامع ساليق السابقة التي أتينا الى ذِكرها، إلاَّ أنَّ مُحتواها كان أشملَ وضوحاً وأبلغَ صياغة مِمّا يَدُلُّ على أن أعضاء اللجنة التي كُلِّفت بإعدادِها كانوا يتمتعون بباع طويل مِن العِلم والفضيلة، ودِرايةٍ تامة بما يُدَبَّرُ مِن مؤامراتٍ ضِدَّ كنيستهم الكلدانية النسطورية التي لم يكن إستهدافُها مُقتصراً على المجوس فحسب، بل هنالك بالإضافة إليهم ثلاثُ مجموعاتٍ عِدائية عاتية هي:المونوفيزيون، والمُصَلّون، والحْنانيون، حيث استطاع اليعاقبة المونوفيزيون تنصيب مطران في تكريت منذ عام 559م وهو (أحودإمّه) الذي رُسمَ مِن قبل يعقوب البراذعي أقوى داعيةٍ مونوفيزي على الإطلاق، بذل جهوداً مُضنية في نشر الضلالة المونوفيزية بين أهالي الديار السورية وبلاد ما بين النهرين، وبالرغم مِن قيام بَرصوما مطران نصيبين الشهير بدحر المونوفيزيين وطردهم مِن كافة أنحاء المملكة الفارسية، إلا اَنهم استطاعوا التَشَبُّثَ بتكريت وظلوا يُشكِّلون خطراً في مُواظبتِهم على بذل أقصى جهودِهم لنشر تعاليم بِدعتِهم المُضَلِّلة في أوساط الكنائس الكلدانية النسطورية.

كما أن تَغَلغُل المُصَلِّين في الأديُرة أصبحَ ظاهرة تخريبية مُريبة ومُقلقة للكنيسة، أمّا الحنانيون فهم بنظر أساقفة الكنيسة الكلدانية المتزمتين بالنسطرة الأسوأ والأخطر مِن المونوفيزيين والمُصَلِّين نظراً لقوة براهينهم اللاهوتية الداحظة لتعاليم البِدعة النسطورية، لأن حنانا الحديابي وأتباعَه كانوا وطنيين مُثقَّفين وعلماءَ بارزين، فقد كان حنانا كاثوليكياً مِن مواطني حِدياب وتخرَّجَ مِن مدرسة نصيبين وكان موسى المقريان أي المعلِّم أبرز مُعلِّميه، ويُعتقَد أن موسى هو ذلك التلميذ النصيبيني الذي عن طريقه إهتدى مارآبا الكبير مِن الوثنية الى المسيحية. إنقلبَ حنانا على تفسير تِئودوروس الذي يعتبِرُه الكلدان النساطرة الركن الأساس لإيمانِهم ففنَّده مُظهِراً أخطاءَه، ومِمّا ساعده على نشر تَعليمه هو تَسَلُّمُه إدارة مدرسة نصيبين عام 572 م ومُمارسة دور المُفسِّر الأول فيها كما تقضي قوانينُها ويُؤَكِّد ذلك المؤرخ بَرحذبشَبّا.
ولذلك فقد طلبَ الجاثاليق ايشوعياب الأول الأرزونّي مِن آباء المجمع التركيز على إتِّخاذ قرارات وإصدار قوانين حازمة وصارمة ضِدَّ هؤلاء الخارجين على الإيمان الحق المستقيم المتمثل برأيه وراي أساقفته بتعاليم البِدعة النسطورية، ولو عُدنا الى قراءة هذه القوانين في كتاب المجامع فنرى أنَّ القانون الأول الذي تَصدَّرَها كان: 
                                                                                                                                                                                                                                                              1- تثبيت قانون الإيمان الذي يستند الى ما أثبتَه مجمعا نيقية والقسطنطينية، وهو موجَّه ضِدَّ المُعتقدات المُعارضة ويفضح فحوى تعاليم البِدَع التي نَشرها هؤلاء المُخالفون وبخاصةٍ اليعاقبة المونوفيزيون .
2 - إطراء فضائل المُفَسِّر تِئودوروس والإقرار بصحة تعليمِه وتفسيره وحَرم كُلِّ مُخالفٍ له. وهو بذلك يُعارض تعاليم حنانا الحِديابي رئيس مدرسة نصيبين، وبذات الوقت مناقض لتعليم مجمعي نيقية والقسطنطينية.
وقد تَضَمَّن القانونُ الثامنُ تفنيد هرطقة المُصلّين والإحتراز مِن الوقوع في حبائلهم، أما القوانين الاخرى فقد تَناولت حقوق وواجبات الجاثاليق والمطران والاسقف والأركِذياقون وبقية مراتب الإكليروس، وتطرَّقَت الى فوائد التشريعات الكنسية  وتنظيم حياة الرهبان والراهبات، وشمَلت قضايا الزواج الشرعي ومُحاربة الرِّبا. صيانة ايرادات الأوقاف وأموال الأيتام، النهي والإبتعاد عن الإعتقادات الباطلة، إمتناع المؤمنين مِن الزواج بالمجوسيات أو بنات الهراطقة، وعدم مُشاركة  الوثنيين والهراطقة واليهود بأعيادهم ومناسباتِهم.

وعلاوةً الى القوانين التي أصدرها المَجمع أصدرَ الجاثاليق ايشوعياب الأول الذي وَصَفه المؤرخ الأب(لابور ص 202) بالعالِم الجليل، عشرين قانوناً إضافياً بناءً الى طلب مار يعقوب اسقف جزيرة داراي في بيث قَطرايي وهي مطبوعة في كتاب المجامع أيضاً، تَتَضَمَّن شرحاً لتقدمة الذبيحة الإلهية وسِرَّي العَماذ والإعتراف وحِفظ يوم الأحد وتقديسه والكثير مِن الحقائق الاخرى، وهي أجوبة على الأسئلة العديدة التي وجَّهها إليه اسقف الجزيرة المُشار إليه، يشرح له فيها الامور الليتورجية، طالباً مِنه التصرُّف بعطفٍ ورحمة تُجاه الجميع، وحل مشاكلهم وفق ما جاءَت به الكُتُب المقدسة وكتابات الآباء، ويوصيه بالسهرالمُتواصل على قطيعه، ويُعلمُه بأن أجوبته قد إستخلصها مِمّا كان قد دَوَّنه مِن المُلاحظات والمُناقشات القانونية التي كانت تدور في أروقة مدرسة نصيبين عندما كان طالباً فيها ثمَّ استاذاً. وفي جوابه للسؤال الثامن عشر مِن مجموع الثلاثة والثلاثين سؤالاً، ضَمَّنَه تعليمات تتعلَّق بالوزنات أو الهِبات التي تُمنح في الرسامات الكهنوتية لخدام المذبح، حيث يقول ايشوعياب: إن الشماس الإنجيلي ينال وزنة واحدة. الكاهن ثلاث وزنات. الاسقف خمس وزنات. وهو مُنتهى الكمال وملء الكهنوت. ويقول مار ايشوعياب بأنه أدمج أسئلة يعقوب ببعضها، ورأى مِن ناحيته الضرورة في إجابة العشرين مِنها، أما البقية فترك جوابَها لفطنة سائلها وحُكمِه . . .!
                                                                                                                                                                                                                                                                  كانت سنوات جثلقتِه الاولى على عهد الملك هرمزود الرابع مليئَة بالفرح والهدوء وزاخرة بالعمل، بيدَ أنَّ وفاة هرمزد الرابع وجلوس إبنه كِسرى الثاني أبرويز على العرش الفارسي، ساءَت الامورُ بالنسبة لمار ايشوعياب حيث عاداه الملك الجديد لأسبابٍ أتينا الى ذِكرها أعلاه في معرض الحديث عن هذا الملك. ولما كانت العلاقة غيرَ ودية بين كسرى والجاثاليق فمِن غير المعقول أن يُسافر الجاثاليق الى بلاد الروم كما يقول في (المجدل صليبا ص 45 وماري ص 56) فإن المقصود بالسفر هو الجاثاليق ايشوعياب الثاني الجدالي وليس ايشوعياب الأول الأرزُنّي. والى الجزء السابع قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 5/1/ 2015

80

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الخامس
الجاثاليق مارآبا الكبير 540 - 551 م
بعد وفاة البطريرك الجاثاليق ماربولس في نهاية عام 539م، وفي بداية عام 540 م تَوَلّى الرئاسة مارآبا الكبير! وكانت تلك فاتحة عهدٍ مُشرقٍ وجديد لكنيسةِ الكلدان النسطورية بانتخابِ هذا الرجل العظيم. ولا بُدَّ لي هنا التَطرُّقَ الى بداية حياةِ هذا الجاثاليق الجليل، مُقتَطِفاً إيّاها مِن كتاب(التاريخ السعردي2 ص 62 - 80 – المجامع الشرقية ص 68و95 و 540 -561 والمجدل/عمرو ص 39 - 41 و ماري ص 29 - 53) وُلِدَ لأَبَوين وَثنيَين عام490 م في قرية "حالا " الصغيرة التابعة لمنطقة (رادان) الواقعة جنوبي جبال حِمرين على الضفةِ الشرقية مِن دجلة ما بين نهرَي ديالى والعُظيم، ومنذ باكورةِ صِباه تَوَسَّمَ فيه والداه ذكاءً مُتَمَيِّزاً، حيث كان نشاطُه الدِراسي ظاهراً ومَوضِعَ حَسَدِ زُملائِه، وما إن أكمَلَ دِراسَتَه للآدابِ الفارسية والعلوم المَجوسية، حتى أُنيطَت به وظيفة كتابية في مدينة حالا، ثمَّ رُقِّيَ الى وظيفةِ مُعاون لرَئيس دائرةِ الضرائب والمُمتلكات الأميرية في منطقةِ بيث أرمايي.  وبينما كان ذاتَ يومٍ عائداً مِن عَمَلِه وعند وصولِه الى مَنطقةِ العبور التي تَتَوَفَّر فيها الزوارق، رَغِبَ أن يَعبُرَ نَهرَ دجلة بِزورقٍ لوَحدِه ليَذهَبَ الى مَنزلِه بمدينة حالا الواقعةِ في الجانبِ الآخر مِن النهر، وفي تلكَ الأثناءِ صادَفَ وجودُ طالبٍ مسيحي مِن مدرسةِ نصيبين لم يَكُن يملكُ أُجرة العبور، فتَقَدَّمَ مِن آبا والتَمَسَ مِنه أن يَعبُرَ معه في الزَورق، لكِنَّ آبا رَفَضَ طَلَبَه، وسار الزَورقُ حاملاً آبا لوَحدِه، وعند وصولِه الى مُنتَصَفِ النهر هَبَّت ريحٌ قوية مُعاكسة رَدَّت الزَورق الى الساحل الذي إنطلقَ منه، بعد سكون الريح وتأَهُّبِ آبا لركوبِ الزَورق ثانية، دَنا مِنه ذلك الطالبُ المسيحي وكَرَّرَ عليه طَلبَه للعُبور معه، فانتَهَرَه آبا وأسمَعَه كلماتِ تَوبيخ واستَقَلَّ الزورق وحيداً، وكالمَرَّةِ الاولى لم يستَطِع العبورَ وعاد أدراجَه الى الساحل، فنظَرَ آبا الى ذلك الطالبِ المسيحي وناداهُ وسأَلَهُ عن إسمِه، فقال له إسمي يوسف واُلَقَّبُ بموسى أيضاً، ثمَّ إستَفسَرَعن ديانتِه فقال له يوسفُ أنا مسيحي وطالبٌ في مدرسةِ نصيبين، فَبَشَّ له آبا ودعاهُ للعبور معه في الزَورق، وسارَ بِهِما الزَورقُ بسكينةٍ وهدوء، وفيما هما يَعبُران كان يوسفُ يَشرَحُ لِآبا حقيقة الدين المسيحي بناءً الى طلب آبا، ولدى وصولِهما الى الساحل المُقابل إفترقا  مُوَدِّعَين أحدُهما الآخر.
بعد هذه الحادثةِ ظَلَّ هذا المَجوسيُّ مُضطَربَ الأفكار، وانكَبَّ على البحثِ والإستفسارموصِلاً الليلَ بالنهار، على أمَل الخروجِ مِن هذه الحَيرة والوصول الى القرار! وأخيراً وعِقبَ مُواظبةٍ طويلةٍ على الصوم والصلاة، إنتهى به المَطافُ الى قناعةٍ تامة ورؤيةٍ واضحة لا يَرقى إليها الشكُّ، بأن الديانة المسيحية هي وَحدَها ديانة الحق بلا مُنازِع. واقتضى الأمرُ يوماً أن يذهبَ رئيسُ دائرةِ الضرائب وكاتِبُه الى مدينة قطيسفون فرافقهما آبا أيضاً، فكان ينتهِزُ الفرصة ويذهبُ الى كنيسةِ "كَصِيصتا" ويُصَلّي فيها، فأَحَسَّ به الكاتبُ وهَدَّدَه بإبلاغ رئيسِ الدائرة بالأمر، فرَدَّ عليه قائلاً: أنا نصرانيٌّ ولا أخشى شيئاً، ثمَّ أقدَمَ على تَركِ عَمَلِه الوظيفي وذَهَبَ الى قريةِ "آكيد" واعتمَذَ هناك، بينما يقولُ المؤَرخ الكلداني ماري بأن آبا إعتمَذَ في الحيرة، وكيفما كان الأمرُ فإنَّ آبا شَدَّ الرحالَ الى مدينة نصيبين وانخرطَ في مَدرسَتِها، وبِمُدَّةٍ قياسيةٍ أنهى دُروسَ العلوم الكَنَسية بِتَفَوِّق مِمّا أثارَ إستغرابَ مُعَلِّميه وزُملائِه معاً، وكان أثناءَ الدِراسة مُلازماً لِمُعَلِّمِه مَعنا الذي رُسِمَ لاحِقاً اسقفاً لأَرِزون،(مدينة مَوقِعُها بين ميافَرقين وسِعرد وقد صارت اليوم مبانيها وأديُرتها وكنائسُها أطلالاً) فاصطحَبَه معه وباشَرَ التدريسَ هناك، وفي فترةِ مكوثِه في أرِزون وحتى عودَتِه الى نصيبين لإستِكمال دُروسِه، تَمَكَّنَ مِن إرشادِ الكثيرين مِن اليعاقبة المونوفيزيين وإعادَتِهم الى النسطرة.

استغلال آبا مُفاضلة الروم الدراسية
يقول المؤَرخُ الأب (لابور في تاريخه ص 164 - 165) بأن الدارسين النساطرة الراغبين في استكمال دراساتِهم العالية في مدارس ومَعاهد المَملكةِ الرومانية، كان يُسمَحُ لهم بذلك لكَونِهم يُؤمِنون بطبيعَتَين للمسيح على غِرار الكاثوليك، أما المونوفيزيون اليعاقبة المنادون بالطبيعة الواحدة للمسيح، فلم يَكُن يُسمَح لهم بالدراسة فيها، فاستَغَلَّ آبا هذه المُفاضَلة وانتهَزَ الفرصة فَعَبَرَ الى مَملكة الروم وهو يَنوي في قَرارةِ نَفسِه الى تَحقيق هَدَفين أوَّلُهما: الإستِزادةُ مِن العِلم والمَعرفة وثانيهما: زيارةُ الأماكِن المُقدسة واللقاءُ بسَركيس الرِشعيني المُشَوَّشةِ أفكارُه بين البِدعةِ الأريوسية والإعتقاداتِ الوَثنية، وقد ذَكَرَعنه (السِمعاني2 ص 323) بأنَّ الرِشعيني كان فيلسوفاً وطبيباً بارعاً، مُتمَكِّناً مِن اللغتين الكلدانية واليونانية، تَرجَمَ الكثيرَ مِن الكُتُب الطبِية والفَلسفية مِن اليونانية الى الكلدانية وكَتَبَ مَقالاتٍ شَتّى. ويقول الأب (لابور ص 168) لقد تَمَّ اللقاءُ بين آبا والرِشعيني على انفرادٍ، بيدَ أنَّ تفاصيل ما دارَ بينهما مِن الجِدال لم تُعرَف، إلاّ أنَّ الأب لابور رَوى في تاريخِه، بأن آبا أقنَعَ الرِشعيني بإقتِدار لا يَرقى إليه الشكُّ بالحقيقة الناصعة مِمّا حَمَلَ الرشعيني على نَبذِ الأريوسِيةِ والمَيل الى الكَثلكةِ واعتناقِها ووَقَفَ الى جانِبِ الكاثوليكيين بِصلابةٍ ضِدَّ البِدعةِ المونوفيزية وراح يُحاربُها بلا هَوادة، وأشهَرَعلى المونوفيزيين حَرباً كلامية ضارية مُفَنِّداً تعليمَهم المُنتَقِص للآلوهية، حتى إنَّهُ قامَ في عام 535م بزيارةِ أنطاكيا والتقى بالبطريرك أفرام الخصم اللدود للمونوفيزيين (اليعاقبة) وأوقَعَ لَدَيه بأزيلوس اسقف رأس العَين المونوفيزي اليَعقوبي، ومِن هناك عَرَّجَ على روما وقابَلَ البابا “أغابيطوس”والتَمَسَ مِنه أن يُرافقَه الى القسطنطينية، فنَزَلَ عند رَغبتِه حيث ذَكّرَ المؤَرخ الأب دوفال في كتابِه(الآداب السريانية ص 365- 366)بأن البابا آغابيطوس لَبّى طلب الرشعيني وأمَرَ بطردِ كافةِ المونوفيزيين مِن القسطنطينية، تُرى، كيف يُمكنُ تصديقَ إدِّعاءِ المؤَلِّفين المونوفيزيين (اليعاقبة) بحسب ما جاء ف (النصوص السريانية ط . لاند3 ص 289 - 290 و 365) بأن سركيس الرشعيني كان يعقوبياً! عِلماً بأن تلاميذَه كانوا نَساطرة ومِنهم تيودوراسقف(مُرو) وكثيرون غيره .

واصَلَ آبا تَنَقُّلَه مِن مَكان الى آخر، حيث تَرَكَ رأسَ العَين (ريشعَينا ܪܫ ܥܝܢܐ) التي جاءَ إليها برفقةِ سركيس الرشعيني مُتوَجِّهاً الى مدينةِ الرُّها، وكان  يُقيمُ فيها أحدُ طُلاّبه المَدعو توما الرُّهاوي رَحَّبَ به واستضافه في داره، وفي فترة إقامَتِه عند تلميذه توما، تَعَلَّمَ آبا اللغة اليونانية مِنه لأنَّ توما كان يُجيدُها، فأتقَنها آبا كإتقانِه الكلدانية والفارسية، ثمَّ غادَرَ آبا مُستَصحِباً معه تلميذَه توما الى الأماكن المقدسة ومِنها قَصَدا الى الإسكندرية في مصر، واستطاعا هناك هِداية الكثير مِن الوثنيين وإعادةِ المونوفيزيين الى النسطرة، مِمّا أوقَدَ الغَيضَ في قلوبِ المونوفيزيين فحاربوهما بالتهديدِ والوعيد، فاضطرّا للهروبِ الى أثينا ومِنها إنتقلا الى القسطنطينية ومَكَثا فيها مدة سنة كاملة، أشارالى ذلك المؤَلِّف اليوناني"قزما انديكوباستيس"في كتابه(الطوبوغرافيا المسيحية المؤلف بحدود عام 542 م ص 73) وتعني الوصف الدقيق للأَماكن المسيحية، < حيث أقَرَّ بأنه قد حَصِلَ على هذه المعلومات مِن الرَجُل الإلهي والملفان العظيم (باتريكيوس =  الكلداني آبا وتعني الأب) مُشَبِّهاً إيّاه بإبراهيم القادم مِن بلادِ الكلدان، وإني تأَكَّدتُ مِن استقامةِ عِلمِه وعَظمَةِ تقواه اللتَين أهَّلتاه لِتَبَوِّءِ كُرسيِّ مطرانيةِ فارس الكبير ثمَّ كُرسيِّ الجثلقة >(تاريخ لابور ص 166)  وقد وَرَدَ في قِصَّةِ حياتِه أنه خلال بقائِه في الاسكندرية دأَبَ على تفسير الكُتُب المقدسة باليونانية، أما (التاريخُ السعردي ج2 ص94) فيذكرأنَّ آبا كان يُفَسِّرُ بالكلدانية وتِلميذُه توما يُترجمُ تفاسيرَه الى اليونانية، ويُضيف التاريخ السعردي، بأنه بعد حربٍ طويلة تَمَّ عقد الصلح في عام 532م بين الملك البيزنطي يوستٍنيانوس والملك الفارسي كِسرى أنوشِروان وعلى إثرها، يروي(السمعاني3 /2 ص 927) طلبَ يوستنيانوس مِن أنوشِروان أن يَبعَثَ إليه فريقاً مِن العلماء والمؤَلفين الكلدان النساطرة لإجراء مناظرةٍ دينية بحضوره مع عُلماء الكلدان اليعاقبة، فأوفَدَ إليه إيشاي المُفَسِّر مِن المدائن، بولس مطران نصيبين، بَرصوما اسقف قَردو، بابي اسقف سنجار، ماري اسقف بلد، وإيشوعياب الأرزوني الذي اعتَلى كُرسيَّ الجثلقة بعد حين، وانضمَّ إليهم آبا وتلميذُه توما الرُّهاوي، ودارَ الجِدالُ والحِوار بين الجانبَين الكلداني النسطوري والكلداني المونوفيزي اليعقوبي لمُدَّةِ ثلاثةِ أيام، أصغى الملك الروماني البيزنطي يوستِنيانوس الى المُناظرة بإهتمام بالغ، وقد أنهاها بمُخاطبة المُتحاورين مُستصوِباً الآراءَ والتفاسير التي قَدَّمَها العلماءُ الكلدان النساطرة فقال عنها  بأنها "الأسمى إيمانياً والأرقى لاهوتياً مِن تلك التي قَدَّمَها العلماءُ المونوفيزيون اليعاقبة "، فأكرمَ وفادَتهم وأذِنَ لهم بالعَودة الى بلادِهم.

عودة آبا الى نصيبين
صدمة آبا من تردّي الأوضاع
ويَتَحَدَّثُ كتابُ (التاريخ السعردي ج2 ص 64) عن آبا، بأنه عندما عاد الى نصيبين وشاهَدَ مَدى الإنحِطاط الذي آلَت إليه أوضاعُ الكنيسة خلال عَهدِ الرئاسة المُزدَوَجة لِنرساي وإيليشاع المار ذِكرُهُما، أخَذَ مِنه الأَسَفُ مأخَذَه، وقَرَّرَ الإنزواءَ بعيداً للعِبادةِ والتَنَسُّك، ويُضيف(التاريخ السعردي ج2 ص 65) بَيدَ أنَّ أهاليَ نصيبين ورئيسَ مَدرستِها إبراهيم دبيث رَبّان وأساقفة الأبرشية إجتَمَعوا به وتَحَدَّثوا إليه قائلين، بأنَّ الكنيسة وفي هذا الظَرفِ بالذات باَشَدِّ الحاجةِ الى مَواهَبِكَ ومؤَهَّلاتِكَ، ولذلك نُطالِبُكَ بالعدول عن قَراركَ لِتَقودَ زمامَ التعليم والتفسير والتَرجَمة، فحديثُكَ ذَهَبيٌّ واسلوبُكَ جَليٌّ سَهلٌ على الفَهم غيرُ عَصِيٍّ، فما كان مِنه إلاّ الإستِجابة الى مَطلَبِهم، وشَمَّرَ عن ساعِدِ الجِدِّ وأَخرَجَ مِن فَمِه الدُرّرَ المَعرفِيَّة المخزونة، وبَذَلَ مَسعىً كبيراً لإصلاح الكثير مِن الامور الخاطِئة ورَدَّ الزائغينَ عن طريق الحَقِّ المُبين أمثال تيئوفيلا الجاحِد وكثيرين غَيره.

ولِرَغبَة آبا الشديدة بإحلال السلام في الكنيسة، ورد في(المجدل/عمرو ص 40 وماري ص50 والتاريخ السعردي2 ص 66 ومُقدمة ميامر نرساي /ط . منكنا ص 38) بأنّه غادَرَ نصيبين بعد مكوثٍ فيها غَير طويل الى المدائن، وفتَحَ مدرسة هناكَ وباشَرَ التعليمَ فيها بِمُنتهى الهِمَّةِ والنشاط، ولم يَمُرَّ وقتٌ يُذكَر ولأَسبابٍ لم تُعرَف أُغلِقَت مدرسة نصيبين الكُبرى بأَمر مِن الملكِ الفارسي كِسرى أنوشِروان لمُدَّةِ سنتين، فهَرَعَ مُعظمُ طُلاّبِها للإلتحاق بِمَدرسة آبا في المَدائن مُعَلِّمِهم السابق في مدرسة نصيبين، وعندما فُتِحَت مدرسة نصيبين ثانية بعد انتهاء مدة غَلقِها يقول (ماري في المجدل ص 52 )عادَ إليها بعض تلاميذِها السابقين، وفضَّلَ البعضُ الآخر مُثابرة الدراسة بمدرسة آبا بالمدائن ومِن جملتهم ايشاي وراميشوع اللذين أصبحا مُفسِّرَين فيها فيما بعد كما أشارَ الى ذلك نَرساي المَلفان في مُقدِّمَةِ مَيامِره، ومِن الجدير بالذِكر أن الكثير مِن تلاميذ آبا المتمَيِّزين تَقَلَّدوا مَناصبَ اسقفية وقد وردت أسماؤُهم في كتاب(التاريخ السعردي ج2 ص 79 والمجدل/عمرو ص 40)، فرُسمَ نرساي اسقفاً للأنبار وخَلِفَه بعد وفاته راميشوع، أما يعقوب فرسم اسقفاً لكَرخ سلوخ، وبولس لنصيبين، وموسى لكرخ ليدان، وبَرشبثا لشهرقرد، وشوحالمارن لكُشكُر، وداود لمرو،  وحزقيال لزابي  وقد أصبح جاثاليقاً بينما أصبح قَيّورا مُعَلِّماً في الحيرة، وسركيس في أربيل.

إصلاحات مارآبا وأسفاره
أشادَ الملفان الكبير نَرساي في مُقدمة مَيامِره بتَمَيُّز آبا بفَيضٍ مِن الفضائل وغَزارةِ العِلم ودَماثةِ الخُلق، فنالَ مَحبَّة الشعبِ كُلِّه، كما خَصَّه الملكُ الفارسي كِسرى أنوشِروان بِدَعمِه وإكرامِه ولا سيما أنَّه مُقبلٌ لِخوض حَربٍ ضِدَّ غريمِه ملكِ الروم فهو بحاجةٍ الى دِرايَتِه بمَناطق بلاد الروم التي تَجَوَّلَ فيها رَدَحاً مِن الزَمَن، فيكون الإرشادُ حَتماً سديداً لديه. ويروي (التاريخ السعردي2 ج ص 65) فعندما تُوِفِّيَ مار بولس الجاثاليق (البطريرك) جَرَت مشاوراتٌ ومداولاتٌ بين المؤمنين والمسيحيين المُتنَفِّذين لدى القصر الملكي مِن الكُتّابِ والأَطبّاءِ والمُستشارين واستقرَّ رأيُهم على انتخابِ آبا جاثاليقاً (بطريركاً) خَلَفاً له، وطِبقاً لِما رواهُ (التاريخُ السعردي2 ج ص 78) عن ايشوع بَرنون البطريرك، بأن آبا كان يَومَها في الحيرة وتَمَّت مَراسيمُ رسامتِه فيها في بداية عام 540م، فأمر الملكُ كِسرى الأول أنوشِروان بإرسال قافلةٍ كبيرة مِن خَيّالتِه لمُرافقةِ مَوكِب الجاثاليق (البطريرك) مارآبا وحاشيتِه في طريق قدومِه الى المدائن العاصمة رغبةً مِنه في إضفاءِ مَهابةٍ على الموكِب تليقُ بمقامِه مِن عِزٍّ وإكرام .

مجمع ساليق السابع 544م
كان بولس الجاثاليق قد وضع بَرنامجاً يتضمَّنُ قواعدَ وافية لإصلاحاتٍ شاملةٍ تجعلُ الكنيسة بتطبيقِها ذاتَ هَيبةٍ ومَنعة، إلا أنَّ الموتَ عاجلَه قبل الأوان، فوقع عِبءُ تنفيذِها على عاتق خَلَفِه ويا له مِن نِعمَ خَلَفٍ لخَير سلفٍ، فقد باشرَ مارآبا باكورة رئاستِه بمُنتهى الشجاعةِ والإقدام تحدوه غَيرة عارمة للقيام بأعباءِ واجِبِه خَيرَ قيام. لقد كان الإنشقاقُ الكنسي المُزمِن قائماً والفوضى ضاربة أطنابَها في المِحور الكنسي، ففي كُلِّ مدينةٍ مطرانان أو اسقفان وفي كُلِّ كنيسةٍ مذبحان مُستقلان والشعبُ مِن جانبِه حَيران! وإزاء هذا الوضع  كَتبَ مارآبا أمراً وعَمَّمَه على جميع مطارنة وأساقفة المَملكة للحضورالى المدائن، فامتثل الجميعُ لأمر الجاثاليق وتَمَّ عقدُ مجمَع ساليق السابع برئاستِه عام 544 م، وبعد مُداولاتٍ ومُناقشاتٍ مُستفيضة بين الآباء المُجتمعين أسفرت نتائجُها عن القرارات التالية : -

1 - إذا كان للمدينة اسقف واحدٌ صالحاً ومُستقيماً لا شائبة عليه، يبقى على دَرجتِه ويُثَبَّت على كُرسيِّه حتى لو كان مرسوماً في عهد الرئاسة المُزدوجة لنَرساي وإيليشاع.

2 - إذا كان هنالك اسقفان يتنازعان الكُرسي الواحد، يُثَبَّت الأصلح مِنهما، وتُرفعُ عن الثاني الدرجة الاسقفية، ويُمارس واجبات الدرجة الكهنوتية فقط .

3 - إذا وُجدَ اسقفان على كُرسي واحد، وكان كلاهما مُستقيمَين، يُثَبَّتُ الإثنان وتكون الرئاسة للأقدم في الرسامة ويكون الثاني مُعاوناً له، أما إذا كان كلاهما غيرَ صالحَين، فيُجَرَّدان مِن الدرجتين الاسقفية والكهنوتية ويُطردان مِن الخدمة الكنسية.

كانت الأبرشياتُ والرَعِياتُ في المنطقة الشمالية قد انتفى عنها الخصامُ والإنشقاق على عهدِ مار بولس الجاثاليق، وقد أكَّدَ ذلك مارآبا في رسالةٍ رَعَوية له بعِنوان (تَرتيب الأَعمال الصالحة) جاءَ فيها، إن أكثر الأَبرشيات قد نَعِمَت بأجواءِ السلام وتَوَطَّدَت امورُها بالخير منذ زمان. أما الأبرشياتُ والرعياتُ في منطقة كلدو الجنوبية وفارس والأَهواز فكانت لا تزالُ في حالةٍ مِن الفوضى سَيِّئةٍ جداً، حيث كان قد تَبارى في ساحةِ مَلعبِها نَرسايُ وإيليشاع الجاثاليقان الغريمان وأثقلاها بعدَدٍ  كبير مِن الأساقفةِ والكهنةِ يَرسمانهم على هواهما، فعَزَمَ مارآبا على إستئصال شأفةِ هذا الشرِّ الضاربِ أطنابَه هناك، وقَرَّرَ الذهابَ بنفسِه الى تلك المناطق يُرافقه عدَدٌ مِن المطارنةِ والأساقفة وإثنان وثلاثون كاهناً وشمّاساً مِن إكليروس المدائن وأكثر مِن ثلاثين عِلمانياً، واستَهَلَّ جَولَتَه ببلادِ الكلدان ثمَّ بلاد فارس وأخيراً مَنطقة الأَهواز، فأجرى إصلاحاتٍ كبيرة بإتخاذِه إجراءاتٍ حاسمة، حيث قامَ بإسقاطَ الدرجَتَين الاسقفية والكهنوتية عن الذين حصلوا عليهما بدون إستحقاق وتنحيتِهم عن الخدمة الكنسية ومَنحِهما للمؤَهلين وإحلالِهم بأماكنهم. إنَّ هذه الأعمال الإصلاحية الجليلة التي أنجزَها مارآبا الكبير قد دُوِّنَت في وثيقةٍ عُرفَت بـ (وثيقة الإصلاحات) وَقعها مارآبا وجميع مُرافقيه مِن المطارنة والأساقفة الى جانبِ تسعةٍ وعشرين كاهناً وخمسةٍ وثلاثين عِلمانياً مِن الأشراف المؤمِنين.

التأثيرات السلبية
لقد استطاع مارآبا الجاثاليق الكبير إجتِثاثَ بؤَر الإنشقاق مِن أرجاء الكنيسة، إلاّ أن الآثار السيِّئة لذلك الإنشقاق إنعكست بشكل سلبي على الكثير مِن المسيحيين وكانت لا زالت ظاهرة ومِن جملتِها: ضُعف الإيمان، رَداءَة السيرة والإقتداء بالعادات الوثنية <  كالزواج بإمرأَتَين، الزواج مِن زوجة الأب أو الأخ، الزواج مِن العَمَّة أو الخالة أو الاخت أو الكَنَّة > فرَغِبَ مارآبا قبل أن تُوَدِّعَه حاشيتُه إستِئصالَ هذه العادات المُستهجَنة والخاطِئة مِن أساسِها، فأصدَرَ قانوناً جاثاليقياً "بطريركياً" بعِنوان (تدبير الأَعمال الصالحة) مُوَجَّهاً الى جميع مطارنة وأساقفة وعموم إكليروس الكنيسة الشرقية ومسيحيي المَملكة كافة، نوردُ فيما يلي بعض المُقتطفات مِنه (( في الوقتِ الذي نُقَدِّم الشُكرَ للهِ القدير على نِعمَتِه، والتقدير الكبير لملكِ الملوك كِسرى الأول أنوشِروان لهِمَّتِه بإنقاذِنا مِن مَخاطر الرئاسة المُزدوجة لكنيستِنا وعَودة أمور الأَبرشيات الى نِصابِها الصحيح بحلول السلام فيها، رأينا مِن الواجبِ علينا أن نَلتَفِتَ أيضاً الى تقييم امور العِلمانيين مِن أبنائِنا وإصلاحِها كما فعلنا بالنسبة الى الإكليروس، فنحن والمطارنة والأَساقفة الذين عَمِلوا معنا على إصلاح الشؤون الكنسية بكُلِّ عَزم وهِمَّة، قَرَّرنا أن يَتِمَّ الزواج بموجب القانون الكنسي الصحيح والصريح، فلا يجوز للرَجُل الزواجَ مِن إمرأة والده أو زوجة عَمِّه ولا مِن عَمَّتِه أو خالتِه أو اختِه أو كَنَّتِه أو إبنةِ ولدِه أو إبنةِ إبنتِه كعادةِ المجوس، ولا يجوز له الزواجُ بإمرأةِ أخيه كما يفعل اليهود، ويُحظرعلى المؤمِن الزواج مِن غير مؤمِنة أو بإمرأَتَين، والذي يتجَرأ ويُخالف أيَّ واحدةٍ مِن هذه المَمنوعات يَرتَكِب خطيئة، وستُمهِلُه الكنيسة شهراً أو شهرَين أو ثلاثة  ولغاية سنة واحدة وفق رؤية الكنيسة للحالة فإذا نَدِمَ وتابَ يُقبل وإذا لم يَتُب يُحرَم )) إن هذا القانون مطبوع مِن قبل الأَب بيجان ضِمن(قِصَّة يَهبَلاها وثلاثة جثالقة آخرين ص 274 - 287) والأب بيجان في (المجامع ص 80 - 85) .

لم يَرُق للمجوس إستِتبابُ السلام في الكنيسة ونفورُ المسيحيين عن عوائِدِهم الوثنية وقيامُ مارآبا البطريرك بِحَسم خلافاتِهم، لذلك إمتلأَت قلوبُهم بالحقد والبغضاء وأضمَروا الشرَّ لمارآبا، وراحوا يتحَيَّنون الفرص للإيقاع به، فتَعَرَّض للإضطِهاد والنفي ولمُضايقاتٍ لا حصر لها، ولكنَّ كُلَّ هذه المؤامرات والمصائب والأهوال لم تَنَل مِن عزيمته للقيام بأعمال اخرى باهرة.

إضطهاد مارآبا
يروي(التاريخ السعردي2 ص 66 - 67) بعد عودةِ الجاثاليق مارآبا مِن جَولتِه الإصلاحية في الأبرشيات الى المدائن عام 541م مُرتاحاً لنتائجِها الإيجابية، حيث غَدت الامورُ تجري في مسارها الصحيح، فباشرَ كما وَرَدَ في الكتاب الذي يَروي قصته بتمضية ساعاتٍ طويلة مِن ليلِه في كتابة رسائل الى كافة كنائس البلاد يُضمِّنَها تعليماتِه وتوجيهاتِه الى الأساقفة والكهنة، ليسيروا على ضوئها في إدارة شؤون كنائسهم، ومنذ الصباح الباكر ينكَبُّ الى تفسير الكتاب المقدس حتى الساعة الرابعة بعد الظهر، ثمَّ يتفرَّغ لإستقبال المؤمنين للنظر في حَلِّ الخلافات الناشئة بينهم، فيُزيل الخصام ويُحِل الوئام ويمتدُّ ذلك الى ساعاتٍ مُتأخرة مِن المساء .

لم تَدُم فرحة المؤمنين بجاثاليقهم العظيم وإنجازاتِه الكبيرة إلاّ أشهُراً قليلة، فقد كان كبارُ المجوس واقفينَ له بالمِرصاد آخِذاُ مِنهم الإنذِهالُ مأخذَه للأعمال التي يقومُ بها والإصلاحات التي نَفَّذَها في كنائس المملكة كُلِّها، ومِمّا زاد مِن حَنَقِهم عليه أكثر مِن غيره، طاعة المسيحيين لأوامِره لا سيما في نَبذِهم لعوائدِ المجوس بخصوص الزواج الى جانب قدرتِه الفائقة في فَضِّ النزاعات التي كانت تحدُث بين المسيحيين وأتباع الديانة المجوسية، فكانوا يتحَيَّنون الفرصة المُناسبة للإنتقام مِنه، ففي عام 540 م، يقول المؤرخ الأب(لابور ص 177) بأن الملكَ الفارسي كِسرى الأول أنوشِروان خَرقَ بنودَ مُعاهدةِ الصلح المعقودة بينه وبين الملكِ الروماني يوستِينيانوس في سنة 532 م، مُستَغِلاًّ إضطِرابَ الأوضاع في مملكة الروم، فزَحَفَ بجيشِه نحو الديار السورية الواقعة تحت نفوذ السُلطة الرومانية، واستولى على عددٍ مِن مُدِنها ومِن بينها حلب وأنطاكيا، فعملَ فيها قتلاً ونهباً وسبياً لعددٍ كبير مِن سُكّانِها، وأخذ الجزية مِن مَدينتي تَلاّ ودارا كما يقول المؤرخ دوفال(التاريخ الرهاوي ص201 - 202) أما الجزية والهدايا التي بعثها إليه أهالي حَران، فرَدَّها إليهم تقديراً مِنه لبقائهم مُحافظين على الديانة الوثنية، ولدى عودة أنوشِروان الى المدائن العاصمة، يقولُ (عَمرو في المجدل ص 42 والتاريخ السعردي2 ص 90 والمجامع ص 108) بأنه أمَرَ ببناء مدينةٍ جديدة أطلق عليها اسم(أنطيخِسرو) وتعني " أنطاكية خِسرو" وسمّاها الكلدان (ماحوزاحَثّا) وتعني "الحصن الجديد " ودعاها العربُ (رومية) خَصَّصها لتسكين الأسرى المَسبيين مِن المَناطق السورية، وقد شَجَّعَه نجاحُ غزوه هذا على تجهيز جيش كبير، وقاده نحو بلاد الأرمن ولازستان فهاجَمَها ولكنه رُدَّ على أعقابِه مِن قبل الرومان، وأعاد الكَرَّة عام 543 م على بلاد الأرمَن وبحسب(التاريخ الرهاوي ص 201 - 210) ألحقها بحَملةٍ اخرى عام 544 م على الجزء الواقع تحت النفوذ الروماني مِن بلاد ما بين النهرين وأحكمَ الحِصارَعلى مدينة الرُّها، ولفَكَّ الحصار الذي ضاق الرُّهاويون بطولِه، أقدموا على دَفع جزيةٍ كبيرة مِقدارُها (500 وزنة) مِن الذهب، قَبِلَها الملكُ الفارسي وانسحب بجيشِه مِنها.

اضطهاد الكلدان النصارى
خِلال سِني الحربِ السِت التي خاضها الملكُ الفارسي كِسري الأول أنوشِروان ضِدَّ الرومان والتي إنتهَت عام 546 م بعقد الهُدنة، يقول(التاريخ السعردي ج2  ص 101) ذاقَ الكلدانُ النصارى الأمَرَّين نتيجة الإضطهادات البشعة التي سَمَح بها الملكُ بسببِ غَضَبِه على البطريرك مارآبا لرَفضِه مُرافقتَه الى ساحاتِ الحرب لغرض تشجيع النصارى المُنخرطين في الجيش ليبلوا بلاءً حسناً في الحرب، وكان امتناعُ مارآبا لعدم رَغبتِه بُمشاهدة سَفكِ دِماء الأبرياء، فكانت تلك فرصة ذهبية للمجوس الحاقدين على الجاثاليق للإيقاع به لدى الملك. ففي عام 541 م وفور خروج الملك كِسرى مِن المدائن قاصداً بلادَ الأرمن، إستَغَلَّ المجوس هذه المُناسبة، وطلبوا مِن مارآبا المثولَ أمام مَجلسهم، وأُجبِرَعلى ذلك ثلاث مَرّات مُتوالية، ولكنَّهم عَجِزوا عَن إثبات أيِّ مَقلبٍ أو حُجَّةٍ عليه، فأخذتهم الحيرة مِن أمره، وفيما هم مُنهمِكون لتلفيق تُهَم ضِدَّه لتجريمه، تَقَدَّمَ حاكمان فارسيان الى مجلسِهم بشكوى ضِدَّ الجاثاليق مارآبا، مفادُها بأنه لدى قيامِه بزيارة بلاد فارس أدخلَ الى الدين المسيحي عدداً كبيراً مِن المجوس، وأمر المسيحيين أتباعَه بنبذ العوائد المجوسية، فلما سَمِع رئيسُ وأعضاءُ المجلس ذلك الإتهام عَلا صُراخُهم قائلين، إنه يَستحقُّ عقوبة الموت، فالتَفَت رئيس المجلس الأعظم الى مارآبا طالباً مِنه الإجابة على الإتِّهام، ولما كان مارآبا واثقاً مِن حُظوَتِه لدى الملك، رَدَّ بجَرأةٍ قائلاً، لستُ مُستعِدّاً للجواب إلاّ إذا أمرني ملكُ الملوك، فلم يَجسُر أحدٌ مِنهم أن يُسيءَ إليه، ولكنَّهم إصطحبوه معهم الى الملك إذ لم يكُن قد إبتعدَ عن المدائن كثيراً، فلما مَثُلوا أمامَ الملك، أخبروه بما جَرى بينهم وبين جاثاليق الكلدان، فأشار الملكُ الى الجاثاليق مارآبا أن يُجاوبَ على أسئلة المجوس، فأجابَ بمُنتهى الشجاعة، إنني مُجبَرٌ على قبول كُلِّ مَن يُريد أن يعتنقَ الديانة المسيحية، ومُلزَمٌ أن أمنعَ المسيحيين عن مُمارسة العوائد المجوسية، فامتعض المجوسُ مِن جواب الجاثاليق وحكموا عليه بالموت، ولكنَّ خوفَهم مِن الملك إضافة الى خوفِهم مِن رَدِّ فعل المسيحيين المُقَرَّبين مِن الملك، لم يتجَرَّأوا على تنفيذ الحُكم، وفجأة هَبَّ في تلك اللحظة "أبروداق المدائني" وهو أحدُ مُقَرَّبي الملك مِن المسيحيين ووَجَّهَ توبيخاً لاذعاً لأؤلئك المجوس قائلاً لرئيسهم الأعظم "دادهرمزد" بإستهزاء إذا رَغِبتَ أنتَ بالذات إعتناقَ المسيحية ستلقى بالتأكيد قبولاً مِن مولانا الجاثاليق، ولن يطرُدَكَ المسيحيون مِن الكنيسة " وبالرغم مِن قساوةِ  ومَرارة كلام أبروداق على المجوس، إلاّ أنهم لم يَسَعهم مَسَّه بأيِّ ضَرَر أواعتداء نَظراً لكَونِه واحداً مِن أعظم رجال الدولة، وعلى اثر ذلك قاموا بمقابلة الملك، وأبلغوه بما خاطبهم أبروداق طالبين مِنه مُعاقبتَه، لكن الملك رفض طلبَهم قائلاً: ولماذا لم تُحاكِموه على الفور؟ فأُسقِطَ في يَدِهم وهَمّوا بالبحثِ عنه ليُحاجِجوه لكنَّهم خابوا في مَسعاهم لأن الملك كان قد أوفَدَه في مُهِمَّةٍ الى المدائن.
منع عودة مارآبا
لم يُسمَح لمارآبا الجاثاليق بالعودة الى المدائن، فلَبِثَ في المُعسكر ما يقرُبُ مِن عشرةِ أسابيع، يُلاحِقه المجوسُ بحَنَق وتَحامُل وهم يَسعَون بكُلِّ جُهدِهم لإيغار قلبِ الملكِ بالحقدِ عليه، والمؤسِف له أنهم كانوا يَلقون تأييداً مِن بعض المسيحيين الحاقدين على الجاثاليق بدافع التَمَلُّق للمجوس ومِن أبرزهم كان المدعو دينيداد الشمراوي. وفي خِضَمِّ هذا الجَو المُتوَتِّر إنتابت الحيرةُ الملك، ولم يستَقِرَّ على رأي، فهنالك عددٌ كبير مِن المسيحيين مِن المُقَرَّبين إليه الذين يَحظون بثقِتِه يحسبُ لهم حساباً ويتحاشى إزعاجَهم، وهنالك المجوس الذين يتمَتَّعون بنفوذٍ كبير داخل المَملكة، فإذا نزل عند رغبتهم وأمَر بقتل الجاثاليق، يَخشى مِن حدوث فوضى عارمة هو في غِنىً عنها، ولا سيما وهو مُقبلٌ لخَوض حَربٍ ضِدَّ الروم، فلم يَصِل الى قرار بهذا الشأن، بل على العكس كان كُلَّما التقى الجاثاليق مُصادفةً، يُبادِلُه التحية ويزيدُه إكراماً، أما المجوس فكانوا يزدادون حَنَقاً وامتعاضاً. ولكثرة تَحَرِّياتِهم عن الجاثاليق مارآبا إكتشفوا أنه كان مجوسياً بالأصل واعتنق المسيحية، وهذا بِحدِّ ذاتِه يستوجب إنزال العقابِ بفاعلِه فجابهوه بهذا الأمر، ولكنَّهم أضافوا بأنهم على استعدادٍ لإطلاق سِراحِه فوراً، إذا ألغى الحَرمَ عن المسيحيين المُمارسين للعوائد المجوسية! إلاّ أن مارآبا رَفَضَ طلبَهم بإباءٍ وشموخ! فحكموا عليه بالسجن، وعندما سرى الخَبَرُ بين المسيحيين، خرجوا بتظاهرةٍ صاخبة وقد أخذ مِنهم الغضبُ مأخذَه، فاضطرَّ الملكُ كِسرىالأول أنوشِروان للعدول عَن سجن الجاثاليق، مُكتفياً بنفيِه الى أذربيجان، وتَمَّ تسليمُه الى حاكم تلك المناطق، وكان في توديعِه جَمعٌ هائلٌ مِن المسيحيين قَدِموا بأعدادِ كبيرة لتحية جاثاليقهم العظيم، فكان التوديع مَهيباً يليق بمقامِه السامي تَخَلَّلَه البكاء وذَرف الدموع على فراقه، وقد إلتحق به جميعُ الكهنة والشمامسة الذين كانوا في خِدمَتِه .

نفيُ مارآبا وأعمالُه في المنفى
أدَّى نَفيُ الجاثاليق مارآبا الى قيام اضطِهادٍ ضِدَّ المسيحيين، ولكِنَّ قَسوَتَه لم تَكُن بالشدَّة التي كان عليها الإضطهاد الشابوري السيِّء الصيت المعروف بالإضطهاد الأربعيني، وقد ورد في (قصة يهبالاها ص 347 - 349 و415) مِن خلال سَردِها لسيرة الشهيد "غريغور" أحد شهداء هذا الإضطهاد، حيث جَرى هدمُ الكنائس والأَديُرة في الأماكن التي كان تواجد المسيحيين فيها قليل العدد، مِمّا كَدَّرَ قلوبَ أساقفة الكنيسة وآلمَهم، ولدى عودة الملك كِسرى الأول أنوشِروان، تَوَجَّه عددٌ منهم الى قصره للسلام عليه والتظلُّم لديه مِمّا يُعانونَه مِن ظلم المجوس اعتقاداً مِنهم بأنه سيُراعي خاطرَهم، طالما عرفوه في السابق ملكاً عادلاً وقد ساعدهم مِراراً، بيدَ أنَّ ظنَّهم لم يكن في مَحَلِّه، فقد كان المجوس كُهّانُ النار قد أوغروا قلبَه بالغضبِ على المسيحيين، فبدل أن يُهَوِّن عليهم أَمَرَ بإلقائهم في السجن مع لفيف مِن الكهنة والعِلمانيين وعددٍ مِن الوثنيين الأشراف المُتنَصِّرين حديثاً ومِن جُملتهم الشهيد "غريغور" وهوالقائد "بيرناكوشناسب" مِن آل مَهران أحد عظماء المملكة ومعه يزيدناه بن إحدى أشرف عائلات الأهواز وعويدا الكوسي، ومِن بين الأساقفة كان ميهرنَرسا اسقف زابي وشالمي اسقف ليدان .

ملحق لمجمع ساليق السابع 544 م
وقد جاءَ في كتاب(المجامع ص 68 - 69 والسمعاني3 /1 / ص 78 - 79) بعد أن تَسَلَّمَ دادين حاكمُ أذربيجان الجاثاليق المَنفي مارآبا، ونزولاً عند رَغبة كُهّان النار المجوس، أمرأفراداً مِن حَرَسِه أن يأخذوا مارآبا الى قريةٍ جبلية تُدعى(سرش المجوس) تقع في جبال أذربيجان، ولم تمضِ إلاّ مُدة قليلة على مارآبا في تلك القرية حتى إنجذبَ إليه أهاليها المجوس وفي مُقدِّمتِهم حاكمُ القرية ذاتُه، فلقيَ مِنهم إجلالاً وإكراماً كبيرَين، وأجرى الله الكُلِّيُّ القدرة على يَدَيه مُعجِزاتٍ كثيرة أثَّرَت في تَسارُع العددِ الكبير مِن أبناء القرية الى إعتناق المسيحية! فطار صيتُ الجاثاليق في أرجاء المَملكة، وراحَ الإكليروس بكُلِّ فِئاتِه مِن أساقفةٍ وكهنةٍ وشمامِسة وعددٍ كبير مِن العِلمانيين يتقاطرون الى القرية ليتباركوا بمارآبا مُصغين الى حديثه وتعليمِه. وقد إضطرَّ مارآبا أن يَجعل مِن مَسكَنِه كنيسة، رسم فيها عدداً مِن المطارنة والأساقفة والكهنة والشمامسة، وفي مطلع عام 544 م صادف وجود عددٍ مِن المطارنة والأساقفة في زيارةٍ للقرية، فانتهز مارآبا هذه المناسبة، ودعاهم الى عقد اجتماع برئاستِه وكان الشهر كانون الثاني، وأثناء الإجتماع تَمَّ جَمع القوانين التي أصدرها مارآبا بخصوص إصلاح الإيكليروس والعِلمانيين، واشتمَلَت تلك القوانين الإصلاحية على سِتِّ رسائل هي التالية : -

1 - الأعمال الرئيسية للإصلاحات: وتتناول الرسالة الاولى هذه: الإصلاحات التي أحدثها في مُختلف الأبرشيات، التي كانت قد سادتها الإضطرابات والصراعات على السُلطة، وكان الهدف مِنها إعادة النظام والمسؤولية الى مُستحقيها الشرعيين، وقد صادفته صعوبات عديدة في وضع الامور في نصابِها الصحيح، ساعدته العناية الإلهية على تذليلها.

2 - الإيمان الصحيح: أما في الرسالة الثانية، فقد إستعرض فيها صورة العقيدة الأرثوذكسية أي العقيدة المستقيمة التي تذكرها (المجامع الشرقية / الترجمة ص 550 - 553) بأنَّ تعابيرها صحيحة فيما يتعلَّق بالإقرار بالثالوث وبوحدانية الشخص الواحد في المسيح يسوع، الإله المُتَّخِذ للطبيعة البشرية، لكي يحتمل بها الآلام والموت لفداء البشر.

3 - الأعمال الصالحة: تتطرَّق الرسالة الثالثة الى مُحاولة مارآبا لإعادة الصلاح الى أخلاق الإكليروس مِن أعلى المراتب حتى أصغرها، وتنظيم سلوك المؤمنين، داعياً الجميع لمُمارسة التقوى وإرضاء الرب، كقاعدةٍ مُثلى للحياة الروحية والبدنية معاً. ويُوَجِّه تحذيراً الى معشر الإكليروس بعدم التدخل بما ليس مِن شأنهم، وأن يتجنَّبوا إثارة الفِتن فيما بينهم ولا فيما بين المؤمنين، ويحظرعليهم الجريَ وراء الامورالمادية أو إدارتها، كما يُحرِّم على المسيحيين الزواج اللاشرعي الذي يستهجنُه القانون الطبيعي المُتعلِّق بالقرابة الدموية .

4 - الرئاسة المُزدوجة: الرسالة الرابعة تضمَّنت رفضَ إزدواجية الرئاسة، وإلغاءً لكُلِّ ما جرى على عهدِها، وتجريداً لنرساي وايليشاع مِن رتبة الجثلقة وإسقاطهما مِن جدول الجثالقة، وإبطال كُلِّ الحرومات المُتبادلة بينهما، وتنظيم امور المطارنة والأساقفة المرسومين أثناء تلك الفترة العصيبة .

5 - القوانين والنُظم المُقَرَّرة بخصوص تَسَلسُل مَراتِب الرئاسة الكنسية: إختَصَّت الرسالة الخامسة بتنظيم شؤون أبرشيتَي نصيبين وبيث لاباط وإخضاعِهما المُباشر لسُلطة الجاثاليق، ولا يجوز إقامة مطران لأَيٍّ منهما بدون موافقة الجاثاليق .

6 - عملية شاملة في شرح وتَوضيح كُلِّ هذه الامور: سُمَيَت الرسالة السادسة بـ " العملية "(براقطيقي) تُبَيِّنُ كيفية تطبيق القوانين الخاصة بانتخاب الجاثاليق بعد وفاة مارآبا، فهي تحظر هذا المنصب على كُلّ مَن رُشِق بالحرم، ومَن كان مُذنِباً أو مُحبّاً للمال بجشع، أنانياً مَيّالاً الى اللذة. وتَتِمُّ عملية انتخاب الجاثاليق كالتالي: بعد وفاة الجاثاليق يَجتمع أساقفة الأبرشية الكبرى أي"أبرشية الجاثاليق" ويدعون مطارنة الأبرشيات الأربع الكبرى وهي: بيث لاباط ، براث ميشان ، حِدياب (اربيل) وكرخ سلوخ (كركوك) أو على الأقل ثلاثة مطارنة مِنهم، على أن يُرافق كُلَّ مطران ثلاثة مِن أساقفتِه، ويبدأون بالإتفاق على شخص يتحلّى بصفاتٍ حميدة، يكون خالياً مِن الخُبث والأنانية، ثابتاً على الإيمان الحق ودائم السهرعليه، غيوراً على العقيدة المُستقيمة، مُتقيِّداً بالقوانين، لكي يُدير شؤون الكنيسة بحكمة مشوبةٍ بالطهارة والقداسة. وتجري رسامتُه في كنيسة كوخي الكبرى وفق التقليد الذي وضعه الآباء القديسون، ثمَّ يَتِمُّ تنصيبُه على كُرسيِّ الجثلقة(الأب لابور ص 187) .
وقد جرى طَبعُ هذه الرسائل الست مِن قبل الأب شابو في كتاب (المجامع ص 68 - 69 والسمعاني3 / 1 ص 78 - 79). لقد كَتَبَ مارآبا الرسائل الثلاث الاولى قبل نَفيِه الى أذربيجان، أما الرسالة الرابعة فقد وَجَّهَها الى أهالي سجستان وقام بإيصالِها الاسقف سركيس أحد الأساقفة الثلاثة المتنازعين على الرئاسة في سجستان منذ عهدِ الرئاسة المُزدوجة لنرساي وإيليشاع الجاثاليقين، قَرَّرَ مارآبا أن يتوَلَّى الاسقف سركيس إدارة كنيستَي " بست وروخوت " والاسقف يزيدأبريد" إدارة كنائس رنغ و بروا و قش وتوابعها، وفي حالة وفاة أحدهِما يتوَلّى الباقي على قيد الحياة أمرَ إدارة كنائس سجستان كُلِّها، أما الاسقف الثالث داود فيُحرَم وتُلغى درجتُه الاسقفية، وقد وقَّعَ الرسالة الى جانب الجاثاليق مارآبا عشرة من المطارنة والأساقفة.

الرسالة الخامسة تَضَمَّنت تحذيراً صارماً وَجَّهَه مارآبا الى آباء الكنيسة وبخاصةٍ الى مطارنة فارس وميشان وأربيل، إذ صادف أن بولس مطران بيث لاباط قد وافاه الأَجَل، وأن أهالي نصيبين تَمَرَّدوا على مطرانِهم فاضطرَّ على الإعتكاف في مَنزلِه، فاتَّفَقَ أساقفة أبرشيتَي بيث لاباط ونصيبين أن يَرسُمَ كُلُّ فريق مِنهما مطراناً لأبرشيتِه، الأمر الذي رفضه مارآبا بشدَّة، وعَبَّرَ عن غضبِه على مُحاولة الأساقفة السطوَ على صُلبِ اختصاص الجاثاليق المنوط به وحده رسامة المطارنة، وإذا تَجرأ أيُّ فريق مِن الأساقفة على القيام بمثل هذا العمل سيكون عقابُهم الرشق بالحرم وأضاف في رسالتِه " لقد كانت رغبتي شديدة جداً أن يُشاركني كافة إخوتي مِن المطارنة والأساقفة بصياغة هذه القرارات، ولكنَّ الظروف الراهنة غير مؤاتية ولذلك أتقدم إليكم بإعتذاري راجياً قيامكم بتوقيعِها " فوَقَّعَها الى جانب البطريرك سبعة عشر مطرانا واسقفاً.

أما الرسالة السادسة فكانت تَنفرد بشؤون كُرسي المدائن العاصمة وقد أتينا الى مُحتواها فيما سبق من خلال مقطع واحد منها وُجد سالماً.
عودة مارآبا مِن المنفى ووفاتُه
التجريد والتآمر
لقد ذكر كاتبُ (قصة مارآبا ص 249  وكتابُ التاريخ السعردي2 ص 67) أيضاً، بأن نفيَ الجاثاليق مارآبا إمتَدَّ سبعة أعوام في أذربيجان، وبأن العداء الذي تَعَرَّضَ له لم يكن مُقتصراً على الوثنيين المجوس فحَسب، بل قد ساهمَ فيه جماعة حاقدة مِن المسيحيين ولا سيما زُمرة الأساقفة الذين رأي فيهم الصلاحَ مفقوداً، فجَرَّدَهم مِن الدرجةِ الاسقفية وعَزَلهم عن الكراسي التي احتلوها، فأضمروا له السوءَ. وكان الأشَدُّ حِقداً بينهم بطرس اسقف جَرجان، الذي بسببِ رغبتِه الجارفة للإنتقام إعتنقَ الديانة المجوسية، وعن طريقِها إستطاعَ التَقَرُّبَ مِن الملك، وبدأ بالتآمُر للإيقاع بمارآبا لديه، وظلَّ يُوغِر قلبَ الملك بالبُغضِ على مارآبا، حتى إستطاع أخيراً إستحصالَ أمر ملكي بِعَزلِه وإلغاء كُلِّ الإجراءات التي إتَّخذها لإنقاذ الكنيسة مِن شرور مُنتسبيها غير المؤَهَّلين، وفور تَسَلُّمِه أمر العَزل، توَجَّهَ بسرعةٍ الى أذربيجان، وأبرزَ الأمر لرئيس المجوس الكبيرهناك، وعند مُشاهدة الأخير للأمر وَجَدَه مُزَوَّراً فلم يَعترف به، وإذ رأى بطرس أنه قد أُستُهزيءَ به إمتلأ غيظاً، وأخذ يَبحث عن طريقةٍ لقَتل الجاثاليق غَيلةً، فاستأجرَ زُمرة مِن المجوس ومضى بهم ليلاً الى مَنزل الجاثاليق وهجموا عليه، ولكنَّهم صُدّوا مِن قبل تلاميذ الجاثاليق وأهالي القرية، فتقهقروا وانهزموا دون أن يتمَكَّنوا مِن إيذاء مارآبا، ونتيجة لهذا الفعل الجبان قَرَّرَ مارآبا الرحيل الى المدائن العاصمة تفادياً لمُحاولات الإغتيال مِن قبل الأشرار، ونفَّذَ قرارَه مُستصحباً معه يوحنان اسقف أذربيجان وواحداً مِن تلاميذِه وهَربوا بالخفاء الى المدائن، وما إن وصلوا إليها حتى قصدوا فوراً الى القصر الملكي، لقد عَمَّ قلوبَ المسيحيين فرحٌ عظيم بعودة جاثاليقهم الى المدائن العاصمة ولكنَّه مَشوبٌ بالخوف على حياتِه مِن بطش الملك به لهروبِه مِن منفاه خِلافاً لأمره، بيدَ أن الأمر تلاشى عندما علموا أن الملكَ تَصَرَّفَ بحكمة مُراعياً شعور المسيحيين أو بهاجِس الخوف مِن غضبِهم، حيث أوفد الى الجاثاليق واحداً مِن قادتِه ليسأله: لماذا خالفَ أمرَ الملك وهرب؟ فطلب مارآبا مِن القائد مبعوث الملك أن يُبلغَ ملكَ المُلوك، بأنه يقبلُ الموتَ بطيبةِ خاطر إذا كان الأمر صادراً بذلك مِن قبل الملك وعلناً، ويستهجِنُه إذا تَمَّ اغتيالاً بيد جاحدٍ وبدون أمر مِن الملك! فأمر الملكُ كسرى الأول أنوشِروان بالعفو عن الجاثاليق وإخلاء سبيلِه، فكان سرورُ المسيحيين غامراً وأحاطوا بجاثاليقهم العظيم إحاطة السِوار بالمِعصَم، ورافقوه الى المَقرِّ الجاثاليقي بأُبَّهةٍ عظيمة وِسطَ أنغام شجيّة تَخَلَّلتها زغاريد النسوة وتهاليل الرعية.

الحَنق المجوسي
ثَقُلَ على المجوس العفوُ الملكي بحقِّ الجاثاليق، وأبلغوا الملكَ بلهجةٍ تهديدية عن امتعاظِهم. في اليوم التالي تَوَجَّهَ الجاثاليق مارآبا نحو القصر الملكي يَحُفُّ به جَمعٌ غفير مِن المسيحيين، ليقوم بواجِب تقديم الشكر للملك عن إطلاق سِراحِه، ولكن المجوس وجدوا تلك مُناسبة فاستدرجوه وأدخلوه الى مَجلسِهم وأوصدوا البابَ، فأوجس المسيحيون خوفاً مِن غدر المجوس بجاثاليقهم، وعَلا صُراخهم فَزَعاً على رئيسِهم، وللتَوِّ دخل الى الملك أحدُ كبار رجال الدولة المسيحيين، وأبلَغَ الملكَ بعَواقب وخيمة وفظيعة سوف تَحدُث في حالة الإعتداء على حياة الجاثاليق مِن قبل زعماء المجوس حيث قال:" أيها الملكُ العظيم، لا يَخفى عليكم أن نصارى مَملكتِكم شعبٌ عظيم ذو بأسٍ وشُجاع وعددُه كبير جداً، معروفٌ بإخلاصه للملك والوقوف بثباتٍ الى جانبِه، فإذا اغتيلَ هذا الرَجُل وهو رئيسُهم الأعلى، فليس مُستبعَداُ أن يأتيَ رَدُّ فِعلِهم عنيفاً، تنشأُ عنه فتنة وتَعُمُّ الفوضى في المملكة " كان لهذا الكلام وقعٌ حَسّاس وتأثير كبير على الملك، فأمر بعدم الإعتداء على حياتِه، ويُكتفى بسجنه، واودِع مارآبا السجنَ مُكَبَّلاً، وفي الحال أحاط بالسجن جمهورٌ كبير مِن المسيحيين وعَزَموا على كَسر باب السجن وانتزاع رئيسهم مِنه، ولكن مارآبا أومأَ إليهم وطلبَ مِنهم الهدوء وعدم القيام بذلك العمل فانصاعوا لطلَبِه .

وما إن بدأَت حرارة فصل الصيف بالتصاعد عام 549 م حتى أوعَزَ الملكُ كِسرى الأول أنوشِروان لحاشيتِه ليَحزموا أمرَهم ويَستَعِدّوا للقيام بسفرةٍ الى أذربيجان لتَمضية فترة الصيف في مَصيفِها، ولم ينسَ أنوشِروان أن يكون برفقتِه الجاثاليق مارآبا وهو على وَضعِه سجيناً مُقَيَّد اليَدَين، وكان النصارى في تلك المناطق يُبالغون بإكرام الجاثاليق والتعبير عن حُبِّهم الكبير له كُلَّما التقوا به أثناء هذه السفرة الصيفية، وعندما أطَلَّ موسمُ الخريف عاد الملكُ وحاشيتُه الى المدائن وعاد معه الجاثاليق مارآبا أيضاً، وأمر الملكُ أن يُخَصَّصَ لمارآبا مَنزلٌ ليشغله مع تلاميذه ويبقى فيه كسِجن، وبالرغم مِن كُلِّ هذه المُعَوِّقات المعنوية والنفسية لم يتوانَ عن القيام بإدارةِ شؤون الكنيسة. وفي مَطلع فصل ربيع عام 550 م تَهَيّأَ الملكُ للذهابِ الى جبال ماداي وفَكَّر بإطلاق سِراح الجاثاليق مارآبا قبل مُغادرتِه، ولكنَّ كُهّان النار المجوس حالوا دون ذلك، فاضطرَّ الملك أن يستصحِبَه معه ولدى عودتِه عاد الجاثاليق بمعيَّتِه أيضاً. وتذكر المصادر التاريخية (قصة مار آبا ص 263 ، التاريخ السعردي2 ص 70 - 72 ماري ص 50 - 51 لابور ص 189) لدى وصول الملك الى المدائن تفاجأَ بما لم يكن يتوَقَّعه، فقد كان له إبنٌ مِن زوجتِه المسيحية إسمه أنوشازاد وبسببِ خلافاتٍ عائلية نَفاه الى بيث لاباط، وفي المَنفى لَقِيَ أنوشازاد تَرحيباً ودَعماً مِن أهالي المنطقة ولا سيما مِن النصارى الأكثر عدداً فيها، ولما عَلِمَ الملك بإنحياز نصارى المنطقة الى جانب إبنِه تَمَلَّكَه الغيظ جداً وفي فورة غضبِه فَكَّرَ بقتل الجاثاليق مارآبا لترويع المسيحيين الذين وقفوا الى جانب إبنه بعصيانه عليه، فبعث إليه كبيرَ أُمنائه "دزاداغو" ليُبلِغَه رأيَ الملك به مِن حيث تَمَرُّدِ إبنه ويقول له:"،تَأَكَّدَ لنا أنَّكَ عَدُوُّنا، وبتحريضٍ مِنكَ قد تَجَرّأَ النصارى وأقدموا على مُهاجمَةِ المجوس وضَربِهم ونَهبِ مُمتلكاتِهم، والآن أراهم مُعلنين عليَّ العصيان! فهَل قَدَّرتَ عواقبَ هذا العمل؟ ألا تَرى أنَّكَ قد عَرَّضتَ ذاتَكَ لنُصدِرَ أمراً بهَدر دَمِكَ؟ "ولكنَّ الملكَ وبعد تَرَوٍّ وتفكيرعميقَين عَدِلَ عن تهديدِه ورأى أنه مِن الحِكمة مُلاطفة الجاثاليق وأن يُبديَ له إكراماً ويستَغِلَّ مكانتَه الكبيرة لدى النصارى لأنه رئيسُهم الأعلى وبمقدوره أن يأمُرَ المُوالين مِنهم لإبنه ليعدِلوا عن مُساندتِه، وبالفعل تَمَّ للملك ما تَوَقَّعه، فأمر بإخلاء سبيل الجاثاليق وجعلَه أحدَ جُلسائه المُواظبين .
مارآبا جليس الملك
ويذكر المؤرخ الكلداني (ماري في المجدل ص49 - 50  والتاريخ السعردي ج2 ص 76 - 77) بأن الجاثاليق مارآبا غدا مواظباً على حضور مجلس الملك بإنتظام، وكان أن رأى الملكَ يوماً مَهموماَ وقد بدا الحزنُ على مُحَيّاه وفيما كان غائصاً في تفكير عميق إستأذَنَه مارآبا قائلاً: هَل لي سماحكم بأن أسأَل حَبرَكم (كبير المجوس) تفسيراً لهذه المقولة؟ فرَدَّ الملك بالمُوافقة! فتحَدَّثَ الجاثاليق قائلاً: هنالك أتّون وفي داخلِه حَطَبٌ يشتَعِل ويتحَوَّل الى نار، وفوق هذه النار وُضعَ قِدرٌ مِن الفخار مَملوءة بالماء وهو يَغلي! بماذا يَعتَبُ الماءُ على القِدر؟ وبماذا تَعتَبُ القِدرُ على الحَطَب؟ وبماذا تَعتبُ النارُ على ال

81

الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمَن
الجزء الرابع
عانَت كنيسة المشرق الكلدانية أصلاً ومَنشأً الأَمَرَّين مِن هَول المِحَن والمَصائِب التي ألَمَّت بِها خلال القَرنَين الرابع والخامس، بسببِ الخِلافات العَميقة والإنقسامات المُتفاقمة بين رئاسَتِها العُليا المُتمَثِّلة بالجاثاليق والأساقفة المؤَيِّدين له مِن جِهة وبين الأساقفة المُناوئين مِن جِهةٍ ثانية، مِمّا أَثَّرَ تأثيراً سَلبياً بالغاً على مسيرَتِها لم يَقِلَّ عن تأثير اضطهاد الدولة الفارسية المجوسية لَها، إذ لم يَخلُ عَهدُ كُلٍّ مِن الجثالقة ( بابا - اسحق - داديشوع - بابوي - وأقّاق) مِن مِحنةِ الإنشقاق الداخلي الخَطير واضطِهاد الدولة الكبير، وبالرغم مِن ثِقل وهَولِ الإنشقاق والإضطهاد. إستطاعت كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية تَشريعَ قوانين وأنظمةً كثيرة ومُتنَوِّعة أهمُّها: إختيارُها لكُرسي ساليق في المدائن عاصمة الدولة الفارسية مَركزاً لرئاستها العُليا وتثبيتُه مَقَرّاً لسُدَّةِ الجثلقة (السُدّة البطريركية) التي أُصطِلِحَ على تَسمِيَتِها وأُقِرَّت لاحقاً في المَملكةِ الفارسية. وبعد أن أفـلَحَ بَرصوما مطرانُ نصيبين بفَرضَ المَذهبِ النسطوري على كنيسةِ المشرق الكلدانية بفضلِ الدَعم القوي مِن الملكِ الفارسي فيروز لُقِّبَت بـ (الكنيسة الكلدانية النسطورية) وقد غَلَبَت عليها الصفةُ المذهبية"النسطورية" ولاسيما بعد قطعِها لِصِلَتِها وانفِصالِها شُبهِ الكامل عن الكنائس المسيحية الاخرى المُتحِدة ايمانياً مع كنيسة الغربِ الجامعة لكُلِّ الكنائس، فاعتُبِرَت في نظرها كنيسة هَرطوقية مُنشَقة، في حين أنَّ كنيسة المشرق الكلدانية في حقيقة الأمر لم تَتَخَلّ عن مُعتقدِها الأَصلي وإنما أسبغَت عليه المُصطلح النسطوري لسبَبَين أوَّلُهما: الوقوف بِحَزمٍ ضِدَّ تَيّار البِدعةِ المونوفيزية التي أخَذَ شَرُّها يَستفحل ولا بُدَّ مِن صَدِّه والحَد مِن تَوَغُّلِ تَعليمِها المُخالفِ للإيمان الحق الى الكنائس الكلدانية في المَملكة الفارسية، وثانيهُما : لقطع دابِر شكوكِ ملوكِ الفرس بِعَدَم وَلاءِ  مسيحيي بلادِهم وإخلاصِهم للمملكة الفارسية منذ إعتِناقِ ملوكِ الإمبراطورية الرومانية الديانة المسيحية .

إن المَحظورَ قد وَقَعَ وتَمَّ الإنفصالُ بين أكبر كنيستَين، كنيسة الغرب الرومانية الجامعة وكنيسة الشرق الفارسية، وكأَنَّ هذه القطيعة التي لم تَرغَب الكنيستان بحدوثِها بينهما جاءَت بصالحِهما، لتكون حافزا لِكِلتَيهما كي تخوضا مُباراةً ثَورية في نَشر بشارة الخلاص المسيحية في كافة بِقاع الكرة الأرضية، فبعد أن تَنَفست الكنيسة الكلدانية النسطورية الصُعَداءَ إثرَ زوال شكوكِ الفرس بعدم ولائِها وأبنائِها للتاج الفارسي وتَمَتُّعِها بقِسطٍ لا بأسَ به مِن الحَرِّية، إستطاعت تَضميدَ الجروح التي مَزَّقَت جَسَدَها الصِراعاتُ الداخلية المُفزِعة والإضطهاداتُ المُرَوِّعة التي أودَت بحياة آلافِ الشهداءِ مِن أبنائها، فكان أن إزدادَت قوَّةً ومَنعَةً واتِّساعاً ومِمّا ساهمَ في ذلك عواملُ عِدّة إستَغَلَّتها رئاستُها  بِحِذقٍ وحِكمة بالتعاون مع أبنائها بكُلِّ عَزمِ وثِقة، ومِن أبرَز هذه العوامل : -
                                                                                                                                                                                                                                                 أ - إجماع الآباء الأساقفة على جَعلِ كُرسي ساليق الرئاسي (الكُرسي الجاثاليقي= البطريركي لاحقاً) الأكبرَ والأعلى للكنيسة الفارسية أي الكنيسة الكلدانية النسطورية، ولشِدّة تَعَلُّقِهم بالكُرسي الجاثاليقي وافتخارهم به، أرادوا له أن يَرتقيَ الى مكانة كُرسي روما أرفع كراسي الكنيسة الجامعة وأن يَتَفَوَّقَ على كُرسِيَي أنطاكية وبيزنطة لكونِه أوسعَ منهما رُقعةً بمساحةِ أرضِه وتَعدادِ نفوس أبنائِه، وبالفعل تَمَّ لهم ما أرادوا، فقد ازداد عَدَدُ أبرشياتِه وأساقفتِه حيث تَعَدّت أبرشياته المِئة بينما كان عَدَدُهم في القرن الرابع  أقَلَّ مِن الأربعين وقد وُزِّعَ هؤلاء الأساقفة على عَشر أبرَشياتٍ ميطرابوليطِية طِبقاً لِما ورد في تاريخَي الأب شابو والسِمعاني، ولِكُلِّ أبرشيةٍ عَدَدٌ مِن الكراسي الاسقفية تَخضَعُ لِسُلطةِ ميطرابوليط الأبرشية .
ب - عُمقُ الايمان برسالة المسيح له المجد والحَماسُ المُنقطعُ النظير لنشر هذه الرسالة الخلاصية، جَعَلا العامِلينَ في كَرمِ الرب أن يستَغِلُّوا الأراضي القاحلة فعَملوا فيها حَرثاً وزَرعاً لبذور الايمان الحق، وكان أن أثمَرَت وأينَعَت وأعطَت مِن الغِلال غزيراً ومِن الأثمار وفيراً في كُلِّ صَقعٍ ودِيرة مِن مَناطق المَعمورة .
ت - إهتمامُ البطاركة البالغ بإصدار القوانين والأنظمة الضرورية عن طريق عقدِهم المَجامِعَ لِتَبادُل الآراء والمُقتَرحات التي  يتداوَلُها الأساقفة وتَبَنِّي ما يعودُ مِنها بالفائدة  لِرَفع مُستوى أفراد الإكليروس خاصة والمؤمِنين عامة الى دَرَجاتٍ أعلى مِن التهذيبِ والثقافة .
ث - النجاحُ الكبير الذي أحرزَه البطاركة والأساقفة بإتِّباعِهم اسلوباً حكيماً وحَذِراً في عَلاقاتِهم وتعامُلِهم مع ملوكِ الفرس، كَقبولِهم بِمَذهب نسطور المُخالف لمَذهبِ كنيسة الغرب الجامعة مِمّا أحدَثَ ارتياحاً لدى هؤلاء الملوك .
ج - إيلاءُ آبائِنا وأجدادِنا اهتماماً فائِقاً لناحيةِ العِلم والأدَبِ والفنون، حيث فَتَحوا المَدارسَ والمَعاهِدَ في جميع المدن والقرى، وعَهدوا إدارَتَها الى مُعَلِّمينَ أكِفّاء لهم الباعُ الطويل في العلوم الدينية والدُنيَوية، وقد تَطَوَّرَ البعض مِنها، وتَحَوَّلَ الى جُمعِياتٍ مُنَظَّمة شُرِّعَت لها قوانينُ وضوابِطُ تسيرُ على ضَوئِها تَنفيذاً وتطبيقاً بإشرافِ مسؤولين قديرين وغُيارى .

الجاثاليق شيلا 505 - 523 م
وفيما كانت الحربُ سجالاً بين الفرس والروم داهم الموتُ باباي الجاثاليق عام 503م، ونظراً لإنشغال الملك الفارسي قبّاذ في الحرب تأخر انتخاب خلفٍ لباباي حتى عام 505 م، وكما جرى تدخل المُقرَّبين النصارى مِن الملك في انتخاب باباي، حدث الشيء ذاته في انتخاب خلفٍ لباباي، حيث تدخل طبيب الملك قبّاذ الخاص "بوزاق" الذي كان في الوقت نفسه اسقفاً على منطقة الأهواز، وكان قد أبرأَ قَبّاذ وابنتَه فنال حظوة كبيرة لديه، ونزولاً عِندَ رَغبتِه أصدَرَ الملكُ قَبّاذ عام505م أمراً الى الأساقفة الكلدان بإنتخاب "شيلاّ " جاثاليقاً  لكُرسي المدائن خلفاً لِباباي، وكان  شيلاّ أركِذياقوناً لدى الجاثاليق الراحل باباي ووقع عنه قرارات مجمع ساليق السادس عام 497م كما مَرَّ ذِكرُه، ويَعمَلُ سكرتيراً لدى الاسقفِ بوزاق نفسِه، مُتزَوِّجاً وله بِنتٌ بِحسَبِ ما ورد في كتاب(التاريخ السعردي ج2 ص 43 -46 وفي المجدل / ماري ص 47 -48 وعمرو ص 37) وتُضيف هذه المصادرُ بأن شيلا  يُطرى عليه لتمَكُّنِه مِن ناصية العِلم وغزارته، ولكنَّه يُذمُّ لجَشِعِه وبُخلِه المُفرطين، ويُنحى باللائمة بذلك على زوجته الدافعةِ إيّاه الى حُبِّ الغنى وجمع المال.

 وبينما كان الملك الفارسي قبّاذ يغزو بلاد الروم وينهبُها، كان شيلا يستَولي على أموال الكنائس ويسطو على مُمتلكاتِها مِن الأواني الذهبية والزينةِ، ويَتَصَرَّفُ بإستعلاءٍ وكُبرياء مع شعبِهِ المسيحي، فمالَ عنه الشعبُ وانتفَضَ ضِدَّه الإكليروس، وأبرز الذين بحسب قول شمعون الأرشامي (السمعاني1 ص358) اعترضوا على تَصَرُّفاتِه الرديئة كان ماري تَحلايا المَلفانُ والمُستشارُ المُعتمَدُ للجاثاليق باباي وموضع ثِقَتِه. إنتَقَدَ سيرة الجاثاليق شيلاَّ السَيِّئة وغير اللائقة بِمَنصبِه. غيرَ أنَّ كُلَّ المُحاولات التي مورسَت ضِدَّ الجاثاليق شيلاَّ باءَت بالفشل ولم تَنَل مِنه قيدَ شعرة، لكونه مسنوداً مِن قبل الملكِ إكراماً للاسقفِ بوزاق الذي بِفَضلِه اعتلى كُرسيَ الجثلقة (كُرسي البطريركية). وبفضل بوزاق أيضاً تمتع المسيحيون في العيش بسلام وأمان في عهد الجاثاليق شيلا، وتمَّ تشييد الكنائس والمدارس في مُختلف أرجاء المملكة الفارسية .

ورَغم كُلِّ ما عُزيَ الى الجاثاليق شيلاَّ مِن نَواقص وخصائل غير حميدة، إلاّ أنَّ حِرصَهُ البالغ وغَيرَتَهُ الشديدة على حِمايةِ مَذهبِ كنيستِه وصيانَتِه كانا كبيرَين جداً، فلم يَبخَل بِجُهدٍ ولم يتقاعَس أبداً عن مُحاربةِ مُتَبَنّي البدعةِ الاوطاخية المونوفيزية الذين تَعَدَّدَت تسمياتُهم العشرينَ تسمية كما يقولُ العَلاّمة المطران أدي شير في (حاشية الصفحة 132 مِن كتابه/تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني) نُدرج الأهمَّ منها:< فقد دُعَوا بالاوطاخيين نسبَةً الى مُبتَدِعِها اوطاخي، وبالمونوفيزيين وتعني المُعتَقِدين بالطبيعة الواحدة للمسيح، وبالديوسقوريين نسبَةً الى بطريرك الإسكندرية ديوسقورس، وبالساوِريانيين نسبةً الى ساويرا بطريرك أنطاكيا المونوفيزي الذي على عَهدِه تَمَّ انشِقاقُهم في سوريا، وبالتثوباسخيقيين وتعني "مُلحقي الأَلَم باللاهوت"، وبـاليعقـوبيين أو اليعاقبة نسبةً الى أعتى وأشهر بطريركهم يعقوب البرادعي وكانت أطول التسميات استخداماً إمتدَّت حتى أواسط ستينات القرن العشرين، حيث استُبدِلَت تحت ضغط انتقادات شعبية ورسمية ولا سيما في العراق بـ"السريان الأرثوذكس" >.

انقلاب الملك الروماني زينون
يقول المؤَرخ الأب (لابور في تاريخه ص 138) بأن الملك الروماني البيزنطي زينون في أواخر عَهدِه تَخَلّى عن مُناصرة الخَلقيدونيين وانحازَ الى جانبِ المونوفيزيين اليعاقبة بتحريضٍ مِن(أقّاق) البطريرك البيزَنطي المونوفيزي صاحب الصحيفة السيئة الصيت المعروفة باسم (هنوتيكون) حيث بدأَ عام 482م بالترويج عن طريقِها للبِدعة المونوفيزية دون أن يلقى مُعارضة مِن داخل المملكة الرومانية البيزنطية، ولذلك انتشرت فيها التعاليمُ المونوفيزية، ونتيجة لعمله المُخَرِّب هذا رشقه البابا فيليكس بالحرم عام 484م. وفي هذه الأثناء كانت الكنيسة الكلدانية النسطورية في المَملكة الفارسية تخوضُ صِراعاً داخلياً مريراً بين الجاثاليق بابوي وأساقفته المُوالين مِن جانبٍ والأساقفة المُناوئين بقيادة برصوما مطران نصيبين مِن جانبٍ آخر كما مَرَّ ذِكرُه في حديثنا عن بابوي، فانتهزَ المونوفيزيون هذه الفرصة الى جانبِ استغلالهم لدعم الملك الروماني زينون وخَلَفِه انسطاس الذي تَوَلّى العرشَ عام 491 - 515م لينشروا تعليمَهم في كنائس الكلدان النساطرة بالمملكة الفارسية، إذ مَدَّ الأخيرُ يدَ العون الى زُعمائِهم البارزين آنذاك وهم الكلدان المُنشقِّون: رئيس الرهبان"أخِسنايا" الذي كان زميلاً لبَرصوما في مدرسةِ الرها الكلدانية، يعقوب السروجي، شمعون الأرشامي، ويعقوب البراذعي، وكان كُلٌّ مِن هؤلاء يَبذُلُ جُهداً مُستَميتاً مِن أجل نشر تعليم البِدعة المونوفيزية، فأخِسنايا هو الذي حَرَّضَ (قورا) الذي رُسِمَ اسقفاً مِن قبلهم على (مَنبَج) ليقومَ بِهدم مدرسةِ الرُّها الشهيرة التابعة للكلدان النساطرة بعد حصولِه على الإذن بذلك مِن الملك الروماني البيزنطي زينون، وهو الذي سَعى لدى أنسطاس الملكِ الروماني البيزنطي خَليفة زينون، ليأمُرَ بنفيِ البطريرك الأنطاكي فلافيانوس وإِجلاسِ"ساويرا" المونوفيزي على كُرسيِّه. ويقول المؤرخ الأب دوفال في كتابه (الآداب السريانية ص 360) بأن شمعون الارشامي ورغم كُلِّ ما بذلَه مِن جُهدٍ وإغراءاتٍ لنشر بِدعتِه في مَنطقةِ كلدو إلاّ أنه لم يُفلح وأصيبَ بالخيبةِ والخُذلان، أما يعقوبُ البراذعي فكان أعتى المنادين بالبِدعةِ المونوفيزية القائلة بالطبيعةِ الواحدة للمسيح له المجد، فاستماتَ وبذلَ المُستحيلَ لبَثِّ تعليمِها المُخالف للايمان المسيحي الحق بإنتقاصِه للآلوهية في كُلٍّ مِن بلاد ما بين النهرين ومصر وسوريا، وتقديراً لجُهدِه المُمَيَّز، لُقِّبَ أتباعُ هذه البِدعة نِسبةً الى اسمه بـ (اليعاقِبة أو اليعقوبيين) هؤلاء كانوا الذين قهرَهم ودَحَرَهم وطَرَدَهم مِن البلاد الفارسية الأساقفةُ الكلدان برئاسةِ المطران الشهير بَرصوما، وعادوا ثانيةً بدعم مِن الملكِ الروماني البيزنطي زينون وخليفتِه أنسطاس وكان لهم بالمِرصاد الجاثاليقُ النسطوري شيلاَّ الذي حاربَهم بقسوةٍ وطردَهم مِن الديار الفارسية. وقد وافت المنية شيلا عام 523م بعد جلوسِه على كُرسيَ المدائن ثمانية عشر عاماً، وكان مِن نتائج تَعلُّقِه الكبير بأفراد عائلتِه بروزُ شقاق مرير في الكنيسة كما سيأتي.

الرئاسة المُزدوجة
الجاثاليق ايليشاع 524 - 537 م
 لقد واجهت الكنيسة الكلدانية بموت شيلا صعوبة أكبر مِن الصعوبات التي واجهتها في حياتِه، فقد إختَلَفَت الرواياتُ حولَ مَن كان صِهراً للجاثاليق شيلاَّ، فَمَن يقول بأن الجاثاليق  شيلاَّ  زَوَّجَ إبنَتَه  لإيليشاع الطبيب الذي كان قد دَرَسَ الطبَّ في بلادِ الروم، ولَدى رجوعِه اُختيرَ طبيباً للملكِ الفارسي وكِبار رجال دولَتِه، وإن شيلاَّ قد أوصى بأن يجلسَ على كُرسي الرئاسة مِن بعدِه. بينما يذكر إيليا النصيبيني في تاريخه بأن نَرساي كان صِهراً للجاثاليق شيلاَّ، وإليشاع كان كاهناً، ومَهما كان الأمر، فإن الشعبَ المسيحي إنقَسَمَ الى فريقَين يَقِفُ كُلُّ واحدٍ مِنهما وراءَ قائدٍ مُتنَفِّذٍ في الدولةِ الفارسية، والمُتنَفِّذان هُما بوزاق اسقف الأهواز المار ذِكرُه وهو يَرمي بثِقلِه لصالح نَرساي الكاهن، أما بيرون الطبيب فيدعَم بقوَّةٍ إيليشاع الطبيب، واستَمَرَّ التنافُسُ بين الإثنَين مَدّاً وجَزراً لِمُدَّةٍ تَقرُبُ مِن السنة وبالتحديد منذ حزيران عام 523م وحتى نيسان عام 524م بِحَسَبِ ما جاء في كتاب (التاريخ السعردي2 ص 55 - 60) حيث بقي كُرسيُّ الجثلقة شاغرا. لقد فازَ أخيراً بيرون الطبيب بعد بَذل جُهدٍ كبير ومالٍ وفير بإستحصالِه أمراً ملكياً عَن طريق مَعارفِه المُقَرَّبين مِن الملك يقضي بإختيار إيليشاع جاثاليقاً، فحَضِرَمطران "مرو" وعَدَدٌ مِن الأساقفة ورسموا إليشاع جاثاليقاً في كنيسة اسبانير مُخالفين بذلك التقليد الذي أَقَرَّته المَجامِعُ الكنسية والقاضي بأن تجري رسامة الجثالقة في كنيسةِ كوخي الكُبرى بالمدائن فقط. أغاظ هذا الأمرُ الفريقَ الآخر جداً وحدا به الى الإسراع برسامةِ نَرساي جاثاليقاً في كنيسةِ كوخي طِبقاً للتقليدِ الكنسي، وقد جَرَت رسامَتُه مِن قبل جَوهَر مطران نصيبين بمُشاركة ثلاثةِ مطارنة وخمسةِ أساقفة.

الجاثاليق نَرساي 524 - 537 م
عندئذٍ إندلَعَ نارُالصِراع بين الغريمَين إيليشاع ونَرساي بشكل مُرعِبٍ، وتَسابَقَ كُلٌّ مِنهما بِرَسم أساقفةٍ مِن المؤَيِّدين له، وراحَ يتقاسَمُ كُلَّ كنيسةٍ اسقفان وكاهنان في مَذبَحَين مُنفصلَين. وبينما كانت الامور تسير بهذا الشكل المرير والمُثير، وافَت المَنِيَّة بوزاقَ مطران الأهواز المُسانِدَ القويَّ لِنرساي، فتأرجَحَت كَفَّة ميزان القوةِ بين إليشاع ونَرساي، حيث إتَّجَهَ وَضعُ نرساي نحو الهبوط ووَضعُ إيليشاعَ نَحو الصعود، إذ تَمَكَّنَ إيليشاعُ مِن الايقاع بِنرساي وزَجِّه في السجن مع عَدَدٍ مِن مُناصريه، إلاّ أنهم لم يلبثوا طويلاً في السجن، فقد أُطلِقَ سِراحُهم مِن قبل نَجل الملكِ  كِسرى أنوشِروان. إنتشى إيليشاعُ بإنتصاره على غَريمِه، ودَبَّت في نفسه الكُبرياءُ بأبغَضِ صُوَرها وشرورها، حيث بَدأَ مِشوارَه الجديد بالتجوال في مُختلفِ مناطق المَملكة، راسِماً مطارنة وأساقفة حسبَ هواه، وحارماً كُلَّ مُعارضٍ له، للحَد الذي لم يَسَع يعقوبُ مطران نصيبين إلاّ أن يَستَهجِنَ تَصَرُّفاتِ إيليشاع، فبادرَالى نَشر كتابٍ بِعِنوان (واجِبات الرؤَساء) تَطرَّقَ الى الكيفية التي يَجب أن يُدَبِّرَ الرُعاة شؤونَ الكنيسةِ،مُشيراً ومُنَدِّداً بإنتهاكات إليشاع غيرالقانونية التي جَلَبَت على الكنيسة المصائبَ والوَيلات، ويقول (ماري في   المجدل ص 49 وكتاب المجامع ص 81 / ت ص334 ) بأنَّ فترة الشقاق هذا إستمَرَّت مدة 15 عاماً.

الملك كِسرى الأول أنوشِروان 531 - 579 م
                                                                                                                                                                                                                                               كان يَجري كُلُّ ذلك على عَهد الملكِ كِسرى الأول أنوشِروان الذي إعتلى العَرش عام 531م خَلفاً لوالدِه قَبّاذ. يقول يوحنان اسقفُ آسيا في(تاريخه ط . كورتون ص288) عن الملكِ كِسرى أنوشِروان، بأنه  كان داهياً  وسياسياً مُحَنَّكاً صَقَلَتهُ التجاربُ التي مَرَّ بها والدُه قَبّاذ فاتَّخَذَ مِنها عِبرةً لتعبيدِ طريقِ حُكمِه ليكون خالياً مِن الثغرات، فقَرَّرَ تَصفية كافةِ المُتمَلِّقين والمُتمَرِّسين على الخيانةِ والتآمُر بَدءاً بإخوتِه وقادة جيشِه. ويقول عنه(التاريخ السعردي2 ص 54-55) بأنه تلقى دراسة الفلسفة على برصوما اسقف قردو وكذلك على بولس الفيلسوف الفارسي الذي أعلن عن جحودِه بسبب عدم إقامته مطراناً على كُرسيِّ فارس. لقد أظهَرَ هذا الملكُ السياسيُّ الداهية، الكثيرَ مِن اللُطفِ نحو مسيحيي مَملَكتِه في باكورةِ حُكمِه، مانحاً إياهم حُرية كاملة للتَصَرُّفِ بشؤونهم الخاصة، وتلك كانت عاملاً مُساعداً على إستِمرارية الرئاسة الكنسية العُليا المُزدَوَجة ومُواصلةِ إيليشاع لنَهجِه السَيِّ في تأزيم أمور الكنيسة التي كانت تنظر إليها الجماهيرُ الكلدانية المسيحية نظرةً امتعاضية وتَتوَقع لهذه الفوضى البغيضة نهاية قريبة، مُعتبِرة إياها نكبة للكنيسة أُفتِقدَت فيها كُلُّ المقاييس وضاعت القِيمُ والتقاليدُ الأصيلة. ومِن الآباء الذين وقفوا على الحياد مِن هذا النزاع كان: مطران بيث لاباط واسقف كشكر واسقف الأهواز الذي تولّى منصب الجثلقة، فانتهَت برئاستِه الرئاسة المُزدوجة.
جاءَ في كتاب(التاريخ السعردي2 ص 61 والمجدل / ماري ص 49 عمرو ص 39) بأن الملكَ كِسرى الأول أنوشِروان قَرَّرَ عام 534م القيام بحملة عسكرية فغادر فارسَ على رأس جيشٍ كبير وكان الحَرُّ شديداً جداً، وما إن عَلِمَ بولسُ اسقفُ الأهواز خليفة بوزاق بِرحلَةِ الملك حتى خَرَجَ للقائه، وقد حَمَّلَ ظهورَالبِغال بزُقاقاتٍ جِلدية كبيرة وكثيرة مِن المياه، فارتوى مِنها الملكُ وعساكِرُه في تلكَ المناطق القفراء الجرداء. سُرَّ الملكُ بمُبادرةِ  بولس وأخَذهُ العَجَبُ مِن يقظتِه وشدَّةِ اهتمامه به ومَحَبَّتِه الصادقة له، وقَدَّرَ عَمَلَه هذا ونَوى رَدَّ الجميل إليه في أول فرصةٍ سانحة، فعندما تُوُّفِيَ نَرساي الجاثاليق عام 537م، فَرحَ إيليشاعُ كثيراً ظَنّاً مِنه، أن الساحة الكنسية خَلَت له ولم يَعُد هناك مُنافِسٌ، فتَقَدَّمَ داعِمُه بيرون الطبيب بِطَلَبٍ الى الملك لتثبيتِ إيليشاع جاثاليقاً وحيداً للكنيسة، فكانت المُفاجأة التي لم يكن يتوَقعُها، إذ لم يَرفض الملكُ طَلَبَه فَحَسْب، بل أمَرَ بتنحية إيليشاع فوراً وتَنصيب بولسَ اسقفِ الأهواز جاثاليقاً بدلاً عنه.

الجاثاليق بولس 537 – 539م

وتنفيذاً لأمرالملك كسرى الأول أنوشيروان حضرالأساقفة الى المدائن العاصمة وتَمَّ رسمُ بولس اسقفِ الأهواز جاثاليقاً، فانتهَت الرئاسة البطريركية المُزدوجة التي إستَمَرَّت خمسة عشرعاماً بحَسَبِ ما ذكره مجمع ساليق السابع(مجمع الجاثاليق آبا الكبير) وعانى منها الكلدان كثيراً.
جاءَ في كتابِ(المجامع ص 81  والمجدل/ماري ص49  وإِلِيّا الدِمشقي/ السمعاني3 ص 78) بأن بولسَ اسقفَ الأهواز وحالَ تنصيبِه (جاثاليقاً) بَدَلاً مِن إيليشاع المعزول بأمر الملكِ كِسرى أنوشِروان الأول أظهَرَ كفاءَةً عالية جديرة بمنصبه الرفيع مَشوبَةً بالغيرةِ والجَرأَةِ والقوَّة، وللفَور باشَرَ وبحزمٍ سَعيَه الحثيث لإيقاف التَدَهوُرالذي أحدَثَ شَرخاً كبيراً في هَيكَلِ الكنيسة الكلدانية النسطورية (كنيسة المشرق قبل النسطرة) وأوصَلَها الى درجةِ الحضيض ولاسيما على عهدِ الرئاسة المُزدَوجة لنَرساي وإيليشاع، فبادَرَ الى حَرم الأساقفة اللاشرعيين الذين رُسِموا مِن قبلهما أثناء فترةِ صِراعِهما الطويل نسبياً، ورَسَمَ بَدلاً مِنهم أساقفة ذَوي أهليةٍ عِلمية وغَيرةٍ روحية لخِدمة أبناء الكنيسة، تَسَنَّموا كراسي اولئك المُبعَدين المَحرومين، ثمَّ ألغى كُلَّ الكُتُبِ والحُروم المتبادَلةِ بين الجاثاليقَين الغريمَين نَرساي وإيليشاع، ولكِنَّ قُصرَ زَمَن رئاستِه لم يُسعِفهُ للقيام بالمَزيدِ مِن الإصلاحاتِ والتنظيماتِ لإعلاءِ شأن الكنيسة الى المُستَوى اللائق بِها، حيث وافاهُ الأَجَل في عيد الشعانين عام 537م بعد سنتَين مِن جلوسِه على كُرسيِّ الجَثلقة بِحَسَبِ ما ذَكَرَ إِلِيّا الدِمَشقي في (تاريخه ص 78). وكأنّي بالكنيسة الكلدانية النسطورية على موعدٍ مع رئيس قادرٍ على رَفعِها مِن كبوتِها وتضميد جراحها التي أصابتها مِن جرّاء إزدواجية الرئاسة، وكان للتدخل الربّاني دورٌ في مَنح الكنيسة هذا الرئيس بشخص الجاثاليق مارآبا الكبير. والى الجزء الخامس قريباً

الشماس د. كوركيس مردو
في 13 / 12 / 2014

82
لإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمن
الجزء الثالث

الصراع الداخلي بين بابوي وبَرصوما

تروي المصادرالتاريخية التالية: في كتاب (المجدل: ماري ص 41 - 43 وعمرو ص 29 - 31 والتاريخ السعردي ج2 ص 7 - 10 و سير الشهداء والقديسين2 ص 631 - 634) بأنَّ بابوي جلس على كُرسيِّ الجثلقة خلفاً للجاثاليق الراحل مارداديشوع عام 457 م وهو العام ذاتُه الذي فيه تسلطَ الكلدان المونوفيزيون على مدرسة الكلدان النساطرة في الرُّها. وكان مِن قرية التل (تقع بمنطقة كشكربالقرب من واسط وتُعرف اليوم بـ تل فخار) على نهـر صرصر، مجوسياً واعتنق المسيحية على يَد راهبٍ مِن دير مارعبدا بدير قوني، ثمَّ تَرَهَّبَ وانكبَّ على اكتساب العِلم فمَلَكَ ناصيتَه، ويقول عنه المؤرخ المونوفيزي إبن العبري(التاريخ الكنسي ج2 ص 59 وسير الشهداء والقديسين2 ص 631 / ح 1) <بأنَّ بابوي كان مجوسيَّ الأصل تأثَّرَ بالدين المسيحي وآمن به فاعتنقه، ولما إتَّصل خبرُه بالملك الفارسي بنبذه للديانة المجوسية، إستاءَ مِنه جداً وأمر بسجنه لمدة سبع سنين تحت طائلة العذاب لإجباره على الكفر بالمسيح، ولكن عزيمتَه كانت أقوى مِن تعذيب المجوس، وما إن إستَتَبَّ السلامُ بين الفرس والروم بعقد معاهدةٍ صُلح، حتى أُطلق سراحُه، وإذ رأى الأساقفة فيه رسوخ الإيمان إنتخبوه لمنصب الجثلقة وأقاموه جاثاليقاً لكنيسة الشرق الكلدانية>.
تميَّزَ بابوي بجشعِه الكبير وحُبِّه المُفـرط للمال،فأهمل القوانين الكنسية، كما قام بعزل الكثير من الأساقفة الذين وجهوا إليه اللوم في فترة سجنه، وقاد الكنيسة وفق أهوائه الشخصية، مِمّا أدّى الى انتشار الفساد الأخلاقي بين الشعب المسيحي وضعف الإيمان وارتكاب أعمال السوء، وسرى هذا الشر الى بعض الأساقفة والكهنة والرهبان (التاريخ السعردي ج2 ص 7-9). ونتيجة لذلك جلب عليه سُخط  العديد مِن الأساقفة وأعلنوا عليه العصيان بزعامة برصوما مطران نصيبين، فاشتدَّ الصراع بينهم وبين بابوي والأساقفة المُوالين له، فتسارع كُلٌّ مِن الفريقين الى عقد مجمع للتنديد بخصمِه. وفي نيسان عام 484 م عقد برصوما وأقرانُه مجمعاً في بيث لاباط عاصمة الأهواز برئاستِه وبمعاونة ناني اسقف براث ميشان، وتراوح عددُهم بنحو 14 مطراناً واسقفاً بحسب كتاب (المجامع الشرقية ص 526 - 532).
وأصدر المجمع عدة قرارات أهمّها:
1- عزل الجاثاليق بابوي وشجب تَصرُّفاته، ومِن الأعمال التي أشاروا الى شجبهـا بحسب المصدر السابق "تَـشَكِّيات ومَذمّات وافـترءات وشهادات على مار بابوي" ووفق ما أشارت إليه أيضاً إحدى رسائل برصوما المُوجَّهة الى الجاثاليق أقّاق. 
2- تحريم تعليم هرطقة المونوفـيزيين وحرم كُل رافضٍ لكُتُبَ تِئودوروس المصيصي المُفـسِّر المُمتلئة حِكمة وصواباً " ومِن غرائب الصُّدف أن يتوافق هذا التحريم مع تحريم مجمع عُقد في روما برئاسة البابا فيلكس في السنة ذاتها 484 م لأقّاق بطريرك القسطنطينية المونوفيزي الذي دفع الملك الروماني "زينون" للوقوف الى جانب المونوفيزيين ونصرة هرطقتهم.                                 
3- ومِمّا لم يكن في الحسبان هو قرارالمجـمع بالسماح للرهبان والكهنة والأساقفـة بالزواج في حالة عدم قدرتهم على ضبط أنفسهم.                                                                                                                                      4 - إتخذ المجمع قراراً بمنع السيمونية (شراء المراتب الاسقفية بالمادة) والزواج بامرأة الأب والأخ وبامرأَتين كما كانت عادة المجوس وغيرها مِن الامور . . .

وإزاء هذا الموقف الذي اعتبره الجاثاليق بابوي مُخالفاً وغيرَ مسبوق، دعا الأساقفة المُوالين له وكلّهم مِن أبرشية الجاثاليق الكبرى وعقدوا مجمعاً قرَّروا فيه حَرم برصوما وأقرانه.                                                                 يروي لنا (التاريخ السعردي2 ص 8 - 9) وباختصار تلك الأحداث الأليمة التي ألَمَّت بكنـيسة الشرق الكلدانية حـيث جاء فيه: "لما رأى الآباءُ ما يجري{مِن تصرفات بابوي} إجتمعوا في السنة الخامسة والعشرين وبالأحرى(السابعة والعشرين) لفيروز لمُعاتبة بابوي على ما يستعمله. وعملوا قوانين حظروا فيها الـتزويج مِـن إمرأة الأب والأخ وبامرأَتين وأشياء كثيرة. فقاومهم بابوي والموالون له من الأساقفة وقثرسهم(حرمهم) وفعلوا هم مثل ذلك وحرموا كل مَن يُخالف ذلك وما وضعوه ورسموه. وكتب برصوما مطران نصيبين كتاباً أطلق فيه أن يتزوج الديرانيون والكهنة الذين لا يمكنهم ضبط أنفسهم. واحتج بقول بولس الرسول"التزويج خير للإنسان مِن الإحتراق بالشهوة" (1 كور 7 / 9) ورضي بذلك الأساقفة الـمُجتمعون معه " .
مقتل بابوي الجاثاليق
ولم يقتصر جُهدُ برصوما بهذا القدر على مُعاداة بابوي الجاثاليق، بل راح يتحيَّن أيَّة فرصة مؤاتية للإيقاع بالجاثاليق والتخلُّص مِنه بأيِّ شكل كان، وتروي الكثيرُ مِن المصادر التاريخية ومِنها (المجدل/ماري ص 41 - 43 صليبا ص 29 - 31 تاريخ ميخائيل اليعـقـوبي/ الترجمة2 ص 123 و437 وسير الشهـداء والقديسين2 ص 631 - 634 وكذلك التاريخ السعردي2 ص 7 - 10 وروايته هي الأقرب الى الواقع والحقيقة) حيث تقول: <في خِضمِّ الإضطهاد الذي إنحصرت حوادثُه المريرة في منطقة بيث أرمايي أي ابرشية الجاثاليق الكبرى، وثِقل الهـموم الذي وقع على الجاثاليق مِن جرّاء عصيان برصوما ومؤَيِّديه مِن المطارنة والأساقفة . . . إغتمَّ بابوي بذلك غمّاً شديداً، وكتب الى زينون ملك الروم كتاباً يشكو إليه فيه ما جرى لرعيته، ويسألُه مُكاتبة ملك الفرس فيروز في تخفيف الأذى. وأنفذه مع رسول وجعله في جوف عصاه. فلما وصل نصيبين، وقف أصحابُ برصوما عليه. فأخذوا الكتاب وأنفذوه الى فيروز، ويُقال أنَّ برصوما ذاته فعل ذلك. فأُحضر بابوي وعُرض عليه الكتاب مختوماً بخاتمِه. فاعترف بصحة الختم. وكان قد ضَمَّنَه ما قاله بنو حننيا في أمر بختنصَّر. وأسلمَه الله الى(المملكة الأثيمة ܡܠܟܘܬܐ ܪܫܝܥܬܐ) التي هي أشَرٌّ مِـن سائر ممالك الأرض(سفـر دانيال 3 / 32) فلما قريءَ الكتاب بحضرة فـيروز وفُـسِّرَ الى الفارسية. إغتاظ وقال أنت مُستحق القتل لأنكَ سَمّيتَ مملكتي الجبارة أثيمة. وقد كنتُ في سبيلي أن أقتلك منذ وقت خالفت أمري وأسَمتَ الأساقفة. ولكني تغافلت عنك فـتجاوزتَ ذلك الى غيره. فقال مَن حضر مِن النصارى، إنما أراد بالمملكة الأثيمة أي المُخالفة للنصارى. ولو عَدِل عن ذلك لظنَّ الروم أنك نصراني وفيه انتقاص مِـن مُلككَ >.                                                                             

واعتذر بابوي وقال أنا أدعو للملك دائماً وأُصلي مِن أجله وأُحب مملكتَه. فقال له فيروز خطأُكَ أعظم مِن أن يُغفر فإن كان ما ذكرتَه مِن محبتك صحيحاً فاسجد للشمس لأعلم حقيقة ذلك. فامتنع. فأمر أن يُعَلَّق على خشبةٍ بإصبعه التي فيها الخاتم المختوم فيه الكتاب. فعُلِّق بخنصره خارج المدائن الى أن مات. وأخذ جسدَه قوم مِن الحيرة ودفنوه فيها وكُتِب اسمُه مع الشهداء " وهنالك إضافة في قصة حياته المنشورة في كتاب( سير الشهـداء والقديسين2  ص 631 -634 )" لأنه صُلبَ بدافع بُغض ِالمجوس وبني شعـبِه " وعبارة بني شعبه يُرادُ بها برصوما مطران نصيبين ومؤازروه في تحَدّيه للجاثاليق بابوي، وقـد جرى هذا الحدَث بعد المجمع البيثلاباطي الاسقفي  بشهرين أي في حزيران عام 484 م وقبل موت فيروز في نهاية صيف نفس العام. وكانت مدة رئاسة مار بابوي سبعاً وعشرين سنة مليئة بالهموم والمصائب.

التصدّي لأتباع المونوفيزية
بعد صفاء الجو لبرصوما بمقتل الجاثاليق بابوي خصمه الكبير، أخذ يستعد ورفاقه لصدِّ خطر البدعة المونوفيزية التخريبية وإبعاده عن الكنائس الكلدانية الفارسية. وإزاء إستفحال أمرالمُنادين بها، بدأَ برصوما يُطارد زُعماءَهم ويبطش بهم، مستخدماً نفوذه المدعوم من قبل الملك الفارسي فيروز الى الحد الذي وضع تحت إمرته قوة عسكرية لتنقية الأرض الفارسية من شرورهم! حتى إنَّه تَعَرَّض لتَجَنّيهم واتهامهم المُبالَغ فيه جداً، بأنه قتل مِنهم ما يربو على السبعة آلاف نفس. لا ريبَ أنَّه أبدى قساوة ضِدَّ خصومِه، وهذا ما يشهد عليه المؤرخون الشرقيون، فقد قال (ماري في المجدل ص 45) < طلب فيروز الملكُ اليعاقـبة وقتلهم، وقُتل مِنهم بتكريت خَلق وتَـمَجَّس (أصبحوا مجوساً) الباقون . . . وقُتل مِن اليعاقبة في شرقيِّ الموصل خلق > أما (صليبا في المجدل ص 34) فيقول < . . وجرى لأجل ذلك أشياء يطول شرحُها بين برصوما وأهلِ مذهب جبرائيل أُريق فيها الدماء > ويقصد صليبا بأهل مذهب جبرائيل المونوفيزيين اليعاقبة، وقـد قالها بغير أوانها  ناسباً إيّاها الى جبرائيل السنجاري المونوفيزي طبيب الملك كسرى الثاني الذي حكم في مُستهلِّ القرن السابع .
                                                                                                                                                    وغالبية المونوفيزيين اليعاقبة كانوا رهباناً قدموا الى بلاد الفرس كما أشار إليهم مجمع ساليق الخامس المنعقد برئاسة الجاثاليق أقّاق في (سير الشهداء والقديسين4 والتاريخ السعـردي2 ص 31) وكان على رأسهم أَخِسنايا زميل برصوما ورفاقه في مدرسة الرُّها، والذي إستغلَّ مُساندة الملك الروماني زينون برجوعه الى هذه البلاد ثانية، لكي ينشر البدعة المونوفيزية ليُضِلَّ بها بني قـومه كما ضَلَّ هو نفسه بها، انظر(كتاب الإتحاد لباباي الكبير الفصل التاسع) وكذلك ورد في المصدر نـفسه(ص 320) بأنَّ أخاه أدّي وبابا البـيثلاباطي وبنيامين الآرامي وبرحذبشبا القردوي، قد إنخدعوا بهذه البِدعة، وقدموا معه الى هذه البلاد، والذي شَجَّعهم على هذا القدوم يعقوب السروجي وأبدى لهم كُلَّ مُساعدة مُمكنة بفضل شهرته العلمية ومؤَلفاتِه، وجاء في كتاب(ساهدونا ط. بيجان ص 605 - 612) بأن السروجي هذا كَتَبَ رسالة الى أهل أرزون يُحذِّرُهم فيها مِن الوقوع في فَخِّ نسطور، ويُضيف المصدرُ نفسه (ص709) بأنَّ يعقوب السروجي ذاتَه قد أتى الى نصيبين والدليل على ذلك عناوين بعض ميامره.

وقد قال شمعون الأرشامي في (السمعاني 1  ص 354 والمجامع الشرقية ص 61 - 63) < فلما رأى أساقفة الكلدان تلامذة مدرسة اورهاي"الرُّها" الخطر العظيم المُحيق بكنائسهم مِن جراء بَثِّ البدعة المونوفيستية(المونوفيزية) أفرغوا كُلَّ ما بوسعِهم في مقاومتِها، فجاهروا علانية بالنسطرة في مجمع عقدوه في بيث لاباط سنة 484 > ومِن الغرابة أنَّ سمعان الأرشامي الذي زامن هذه الأحداث وعاش قريباً مِنها، لم يذكر شيئاً في رسالته الاولى في (المجامع الشرقية1 ص 354 - 356) عن اضطهاد برصوما لأبناء مذهبه. وبالرغم مِن الشقاق المرير المُستحكم بينهم وبين بابوي الجاثاليق إستطاعوا إلحاقَ الهزيمة بأخِسنايا ورفاقِه وطردَهم مِن البلاد الفارسية. جَرَت هذه الأحداث في المنطقة المُمتدة ما بين المدائن حتى شمالي الموصل، ولا صحة البتة لِما قيل عن مقاومة تكريت لبرصوما، وإنما أُضيف ذلك في الزمن المتأخر مِن قبل بعض اليعقوبيين، لإضفاء بعض الأهمية لتكريت التي غدت حِصناً مونوفيزياً وبخاصةٍ بعد مُنتصف القرن السادس. وقد حاك المونوفيزيون اليعاقـبة حكاياتٍ كثيرة مُلفقة حول برصوما تكشف بذاتِها عن بطلانها ولسنا هنا بصدد ذكرها وتفنيدها.

استمرارية الصراع الكنسي
  وبالرغم من كون مارأقّاق زميلاً قديماً لبرصوما واقرانه رفاق الدراسة في مدرسة الرُّها الذين أصبحوا لاحقاً أساقفة كما نوَّهنا، ومع ذلك فإنَّ انتخابَه جاثاليقاً لم يُنهي الصراع الكنسي الداخلي المُحزن والمُزمِن لأنَّ برصوما مطران نصيبين ومناصريه الخصوم التقليديين لكرسي المدائن الرئاسي الأعلى، ناصبوا أقّاق الجاثاليق الجديد العِداء، وحاولوا الطعن في سيرته وإظهارَه بصورةٍ سيِّئة أمام المؤمنين مُلصقين به تُهَماً شتّى، ويقول بصدد ذلك (التاريخ السعردي ج2 ص 21) بأنَّهم أوقعوا به لدى المجوس فسجنوه زمناً وآذوه، بيدَ أنَّ أقّاق فنَّدَ مزاعِمَ برصوما ورفاقِه ودحضها ببراهين قاطعة تنفي عنه أيَّ شكٍّ بفضائله، حيث يروي المؤرخ (ماري في المجدل ص 43) قائلاً <فخزي برصوما ولم يسعه إذ ذاك إلا التقرُّب من الجاثاليق والإقرار بسوءِ تصرُّفه تُجاه سلفه الراحل الجاثاليق بابوي.وهكذا وكما ذكر كتاب (المجامع الشرقية ص 535) بأنَّ هذا الوضع المُؤلم لم يستمر طويلاً بين تلامذة الأمس وأساقفة اليوم. ولقيام برصوما ومناصريه باتخاذ موقفٍ مُسالِم عِدَّة أسبابٍ أهمُّها:
1 – شعور برصوما ومناصروه بتضعضع موقفهم بعد وفاة الملك فيروز الداعم القوي لهم.
2 – عِلمُهم اليقين بعمق ثقافة الجاثاليق أقّاق وسعتها الى جانب معرفتهم بسيرته الفاضلة، وإنَّ مقاومته غير مُجدية.
3 – وصولهم الى نتيجة حاسمة بأنَّ الصراعَ مهما طال ليس من ورائه فائدة، بل هو مجلبة للضرَر في الظروف العسيرة الراهنة التي تمر فيها كنيسة المشرق، وبخاصة في الوقت الذي يتزايد فيه نفوذ المونوفيزيين وتتسرَّب تعاليم بِدعتِهم المخالفة للإيمان الحق القويم الى مناطق الشرق، وأمام هذا الخطر الداهم لا يُعقل أن يقوم برصوما بالعمل على استمرار الفرقة المؤدية الى إعطاء زخم للعدوِّ المشترك وهو واثق تماماً بأنَّ الخطر المونوفيزي يُهدِّد مركزه  في المقام الأول وهذا ما ألمح إليه في رسالته الإعتذارية الثالثة الى الجاثاليق أقّاق (المجامع الشرقية ص 535) وأمام العون والتأييد الكبيرَين اللذين يلقاهما المونوفيزيون من الدولة البيزنطية آنذاك، وجد برصوما ذاتَه في مأزق وبأشَدِّ الحاجة الى نجدته من قبل الجاثاليق ونيل تأييده للوقوف في وجه المَدِّ المونوفيزي المتصاعِد والذي كاد يغزو مدينته نصيبين ايضاً.

أبدى مارأقّاق الجاثاليق تجاوباً ايجابياً مع رغبةٍ بَـرصوما في نبذ الخصام والعودة الى التفاهم للوصول الى الصلح التام، وأبلغ استعدادَه لإجراء المُناقشات، واتفق الطرفان(مجمع أقّاق ص 53) على الإجتماع في بلدة  بيث عذرايي (باعذري الحالية) الواقعة  شمالي الموصل بالقـرب مِن ألقوش، ودارت هـنالك مُداولات مطوَّلة جادة وشاقة معاً في شهر آيلول لعام 485 م،أسفرت عن نتائج ايجابية، حيث قدَّم برصوما وأقرانُه الطاعة للجاثاليق واستنكروا كُلَّ مأ أصدروه مِن قرارات في مجمع بيث لاباط عام 484 م وألغوها. ثمَّ طلب برصوما مِن مارأقّاق أن يدعو الى عقد مجمع عام في ساليق، لدراسة قـضايا الكنيسة وإضفاء الصيغة الرسمية إليها، وقوبل إقـتراحُه  بإستحسان مِن قـبل الجميع .

لا شَكَّ أبداً أن الأمجادَ الدُنيوية لها تأثيرٌ قوي على سلوكِ بني البشر، لا يُستَثنى مِنه أصحابُ السُلطةِ الروحية، فبعد خَمسةِ أعوام مِن عقدِ المَجمَع الكنسي"مَجمَع ساليق الخامس" إستَعَرَ نارُ الخِلاف بين مار أقّاق الجاثاليق وبَرصوما اسقفِ نصيبين ثانية، وطِبقاً لِما أورده المؤرخان في (المجدل:عَمرو ص 35  وماري ص 43  والتاريخ السعردي ص 21) < كانت أسبابُه شخصية ودُنيوية أكثر مِمّا كانت كَنسية ورئاسية، إذ إنَّ مارأقّاق لم ينسَ عِنادَ بَرصوما وتَصميمَه على عَدَم حضور مَجمَعِه، فتَجاهَلَ رَغبة بَرصوما في مُرافقتِه عام 487 م بسفارتِه الى ملكِ الروم زينون مبعوثاً مِن قبل الملك والاش بحسب ما ذكرته (المجامع الشرقية ص 527) وتُضيف هذه المصادر بأنَّ الملك الروماني زينون رَحَّب بحرارةٍ بالجاثاليق أقّاق وأكرم وفادتَه، ولبّى طلبَه بخصوص عودة الأساقفة المنفيين الى كراسيهم. وعلى عكس ما لقيه مارأقّاق مِن ترحيب الملك وإكرامِه، أسمَعه البطريرك البيزنطي كلمات عتابٍ وتأنيب عند استقباله له، مُنتقداً موقفه بسكوتِه على برصوما مع علمه بدوره في مقتل سلفه الجاثاليق بابوي، وأبدى تَحَفظه على صحة مُعتقده، وطالبه بحرم برصوما الذي بلغتهم عنه امور رديئة كثيرة، فاضطرَّ الجاثاليق أقّاق الى تلبية رغبة البطريرك الروماني وأساقفته  لكي يتسنّى له مُشاركتهم بالأسرار.

ولدى عودة مارأقّاق الى بلاده مَرَّ في نصيبين، ووجد أهاليها حانقين على برصوما مطرانِهم، فطالبوا الجاثاليق بإبداله، إلاّ أنَّه تَمَكَّنَ مِن تهدئة خواطرهم وإقناعهم بضرورة إستمرار برصوما على رأس أبرشـيتهم، تقديراً لشخصيته وللنفوذ الذي لا يزال يتمتع به نوعاً ما لدى البلاط الفارسي لقاء خدماتِه السابقة. ورغم كُـلِّ ذلك فإن الخصام طفى على السطح بين الجاثاليق أقّاق وبرصوما، فقد جاء في أعمال مجمع باباي(المجامع الشرقية ص 63 / ت 312) بأن الخصومات بدأَت مِن جديد بين الجاثاليق وبرصوما وأتباعهما منذ السنة الرابعة لحُكم الملك قبّاذ أي (سنة 491 م) وحتى السنة الثانية  لظماسب أي (سنة 497 م) ولكن الواقع ينفي ذلك لأن وفاة برصوما تَمَّت في نهاية عام 495 أو أوائل عام 496 م بدليل شغل كُرسيِّ نصيبين مِن قبل شخصٍ آخر عام 496 هو المطران"هوشاع" حيث يقول ايليا النصيبيني أن قوانين جديدة لمدرسة نصيبين تَمَّ وضعها في 21 تشرين الأول مِن تلك السنة ذاتها مِن قبل المطران الجديد هوشاع. وبعد وفاة برصوما بمدةٍ قليلة، تُوفّي مارأقّاق أيضاً بعد أن جلس على كُرسيِّ ساليق إحدى عشرة سنة وبضعة أشهر.

ورَغمَ كُلِّ ما قيلَ عن بَرصوما مطران نصيبين الشهير، يُؤَكِّدُ المؤَرخون الكنسيون، بأنه كان أنشطَ أساقفةِ كنيسة المشرق الكلدانية وأشجَعَهم، ثاقِبَ الفِكر، قويَّ العزيمة، إليه يعودُ الفضلُ الأكبرُ بِدَحر بِدعةِ المونوفيزيين (اليعاقبة لاحقاً) التي إبتدَعَها الراهبُ الهَرطوقي اوطاخي، والتي كادَت تُفـسِدُ الكنائس الكلدانية، ونتيجةً لِدَوره الكبير والمُشَرِّف لم يَتَوَرَّع اليعاقبة ولا سيما إبنُ العِبري عن نشر أضاليل حِقدِهم وتلفيقاتِهم الكاذبة عنه، وإطلاقهم عليه أوصافاً مُبـتذلة إن دَلَّت على شيء، فإنها تَدُلُّ على عُمق مَهانتِهم وانحِدارهم الى أدنى مُستوى أخلاقي وضيع، يَعكِسُ بشكل واضح ضُعفَهم وخطأ مذهبِهم المُنتَقِص مِن عظمةِ الآلوهية، وإن التقليدَ اليعقوبي المُتوارَث الذي قام بِحِفظِـه البطريرك المونوفيزي اليعقـوبي ميخائيل وابن العبري عن بَرصوما مطران نصيبين الكبير مُفتَعَلٌ ومُلَفَّقٌ بالكامل.                                                             
ومع كُلِّ عنف عواصف الخصام والإضطراب التي هَبَّت على كنيسة المشرق، فإنَّها لم توقِفها عن نشر رسالتها المسيحية بين الأكراد وسُكّان هضبات ايران حيث يقول كتاب(سيرالشهدء والقديسين2 ص 635 - 680) بأن المسيحيين ويعني الكلدان النساطرة لم تَحُل الصعوباتُ والإضطراباتُ وحتى الإضطهاداتُ دون تسابقهم الى بذل دمائهم في سبيل المسيح، ولكن هذه المصائب كانت للمونوفيزيين فوائدَ إستغَلّوا ظروفها لصالحهم بكُلِّ ما أُوتوا مِن القوة، فبعد أن وسَّعوا نفوذهم بقوةٍ في المنطقة الخاضعة للسُلطة الرومانية وبدعمها، تسَلَّلوا نحو المنطقة الفارسية، مِمّا حدا ببرصوما مطران نصيبين كما ذكرتْ (المجامع الشرقية  ص 528 / ت ص 574 - 576) بأن يتناسى خلافَه مع الجاثاليق أوعلى الأقل يتحَفَّظ عليه فيطلب مُساعدتَه، فيُبادر الجاثاليق الى حرمهم وهو أحد الأسلحة لدرءِ خطرهم حيث داهمه في عُقر داره أي في مركز أبرشيته. وقد وَجَّه المونوفيزيون نشاطهم نحوالقبائل العربية المُحاددة للمملكة الفارسية، وقَدَّمَ لهم أُمراءُ بني لخم التأييد والمُساعدة، ويعود الفضلُ بذلك الى عميد المونوفيزية وقتذاك شمعون الأرشامي الذي كان حلقة وَصل ٍبين الشرق والغرب، وقد تلقّى المونوفيزيون الـدعمَ والمُساعدة مِن بعض ملوك الرومان ولاسيما الملك زينون الذي أصدر مرسومَ المُصالحة (هينوتيكون) الذي أراد فرضَه على الكلدان النساطرة لصالح الكلدان المونوفيزيين. وقد ورد في (المجامع الشرقية ص 65 / ت ص 314) بأن أسقفين شرقيين مِن بين أساقفة مجمع باباي الجاثاليق عام 497 م جاهرا بتأييدهما للبدعة المونوفيزية هما: يزيداد اسقف روارداشير وبابا اسقف بيث لاباط زميل فيلوكسينوس(أخسنايا) المنبجي في الدراسة.                                                                             
لولم يكن برصوما مطران نصيبين العقلَ المُدبِّر لدرءِ خطر البدعة المونوفيزية ودَحر مُرَوِّجيها، لكانت قد غزت الكنائس الكلدانية، لذلك نرى غلاة المونوفيزيين اليعاقبة يصفونه بأبشع الألقاب البذيئة، تَـنِمُّ عن نقصٍ في خُلقِهم ومدى بُغضهم له وحِقدِهم عليه، حيث ينعته الـمونوفيزي غريغوريوس الملقب بإبن العِبري (بتاريخه الكنسي 2 ص 69) "ܒܪܨܘܠܐ" وتعني إبن النعل وشمعون الأرشامي (السمعاني1 ص 353) بـ "ܡܣܝܒܐ" وتعني النجس "ܛܘܦܢܐ ܕܥܘܠܐ" وتعني طوفان الإثم وميخائيل في(تاريخه ص 425)  بـ " ܣܟܝܢܐ ܕܐܟܠܩܪܨܐ وتعني سكّين الشيطان " وقد كتب عنه (إبن العبري ج2 ص 63 - 78) مُطوَّلاً ناسباً إليه شتّى التُّهم وواصفاً إياه بصفات غير لائقة. والى الجزء الرابع قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 6 / 12 / 2014

83
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمن
الجزء الثاني

انشقاق عام 424م
بعد وفاة الجاثاليق يَهبَلاها الأول عام 420 م إزدادَ الصِراعُ بين الأساقفةِ الكلدان وتَهافُتُ كُلٍّ مِنهم للفَوز بِكُرسي الجَثلقة، وإنَّ المُتصارعين الرئيسيين على المَنصب كانو ثلاثة  بِحَسَبِ ما ورد في كتاب المجامع  الشرقية وكذلك أشارَ إليهم المؤرخُ الأب لابور وهم: معنا مطران فارس وبرابوخت اسقف أرزون والأسقف داديشوع. ولا مجال هنا للدخول في تفاصيل الصراع حيث حاز أخيراً على كُرسي الرئاسة الأولى الأسقف داديشوع، فثارَت ثائرة زملاء برابوخت المناوئين لمار داديشوع وعَزَموا على فِعل المُستحيل للإيقاع به لدى الملك بهرام وبَطانِيَتِه، ولكِنَّهم عن عِلمٍ أو عن غير عِلمٍ لم يُقَدِّروا ما  سيُسفِرُ عن مَسعاهم هذا مِن  نتيجةٍ  سَيِّئة ومدى خطورَتِها على الشعبِ الكلداني المسيحي، إذ كان الملكُ يَنتظِر أيَّة حُجَّةٍ ليَفِيَ بِوَعدِه للمجوس، فما بالُه بوشايةٍ غير مُتوَقَّعة تأتيه مِن قادة المسيحيين الكنسيين، ليتَّخِذَ مِنها ذريعة الى فَـتح باب الإضطِهاد ضِدَّ المسيحيين عل مِصراعَيه، مُتَأثِّراً بما أبداه له كِبارُ المجوس عَن تخَوِّفِهم مِن ازديادِ عَدَدِ النصارى في المَملكة بدرجةٍ كبيرة جداً مُقنعينَ إياه، بأن زيادَتهم المتطردة تُشَكِّلُ خَطراً على سُلطةِ ملكِ الملوك وعلى الديانة الزردوشتية، فلم يَتَوانى الملكُ الظالِمُ عن اغتِنام هذه الفرصة لإصدار أمره بالقبضِ على الجاثاليق داديشوع وإلقائِه بالسِجن.
قبع الجاثاليق داديشوع بالسجن حتى انتصار الملك الروماني تيئودوسيوس الثاني على الملك الفارسي بهرام الخامس الذي طلب عقد معاهدة الصلح عام 423م وعلى إثرها أطلق سراح مار داديشوع بطلبٍ من الملك الروماني، وبالرَغم مِن كُلِّ ما جَرى لم يَرعَوِ الأساقفة خصومُ داديشوع الجاثاليق الأحـدعشر بـزعامة"بـاطي" اسقف هرمزدأرداشير، فكان ثِقلُ إتِّهاماتِ خُصومِه المُلفَّقةِ ضِدَّه مِن الشِدَّة بحيث لم يَقوَ على حَملِه، لا سيما كونُه بريئاً مِنها نُسِبَت إليه زوراً، فلم يَرَ مَخرجاً مِن المأزق الذي وَضَعَه فـيه مُناوئوه إلاَّ بإنسحابِه مِن المسؤوليةِ والإنفرادِ في دَير بِمَدينة العرب التي يَدعوها كتاب (المجامع الشرقية ص 285 و676) < مركَـبثا دطـيّايي ܡܪܟܒܬܐ ܕܛܝܝܐ> ولكنَّ المطران أدّي شير يرى أنها الحيرة التي كانت شِبهَ مُستَقِلة(تاريخ كلدو وآثور ج2 ص  119) وقد نَفَّذَ ما عَوَّلَ عليه وانزَوى في الحيرة. وإذ بَلَغَ الخَبَرُ مسامِعَ مؤَيِّديه مِن المطارنةِ والأساقفةِ صُعِقوا بالحَدَث، فتسارعَت المُشاوراتُ بينهم وأجمعوا على رفض انسحابه من مسرولية الرئاسة العليا، واتَّفقوا على رأيٍ واحدٍ هو الذهاب الى الحيرة بكامِل عـدَدِهم للإلتقاء بالجاثاليق داديشوع وثَنيِه للعُدول عن قراره، وكان عـدَدُهم كما أورده كتاب(المجامع الشرقية ص 28 و43) سِتَّـةً ًوثلاثينَ مطراناً واسقفاً.
ويُضيفُ كتاب(المجامع الشرقية ص 292) وفور وصولهم الى مكان إقامة مارداديـشوع، قَدَّموا الطاعة له كُلٌّ بدَوره وأعربوا عن أسفهم وسُخطِهم الكبيرعلى الأساقفةِ الذين تَجَنّوا عليه وسَبَّبوا له آلاماً نفسية عميقة، وبعد اكتمال نِصابِهم عَرَضوا عليه التماساً جِماعياً حاراً طالبينَ مِنه بِصِفَتِهم أبناءً مُخلصين لأَبيهِم الكبير ورئيسِهم الأعلى، أن يكون أقوى مِن هذه المِحنة! بيدَ أن مارداديشوع لم يستَجِب لِطلَبِهم باديء الأمر، إذ كان لا زالَ مُنهاراً تحت وَطأة الإستياء والمُعاناة التي تَعَرَّضَ لها، وراحَ يَسردُ عليهم بفيضٍ مِن الحُزن والألم مَدى فداحةِ شرور خصومِه القُساة الذين رُشِقوا بالحَرم مِن قبل آباء مَجـمَعي ساليق الثاني والثالث، وبعـد أن انتهى مِن شرحِ ما قاساه مِن المِحَن والأوجاع وَجَّهَ حَديثَه الى الآباء المُجتمعـين حوله قائلاً: "دَعوني أيها االإخوة الأجِلاء أن أنوحَ مُتنهِّداً على الجروح العميقة التي أدمَت جَسَدَ الكنيسة وعلى دَناءَةِ بعضِ أبنائِها وهلاكِهم، ثمَّ إغرَورَقت عيناه  بالدموع" (المجامع الشرقية ص 44 – 46).

مجمع سالثق الرابع 424م
                                                                                                                                                                                          عندئذٍ نَهَضَ آغِبطا (حبيب) مطران بيث لاباط، فاتحاً أعمال الإجتماع باستعراض قضية رئاسة الكُرسي الجاثاليقي في ساليق، وبعد إستئذانِه لمارداديشوع الجاثاليق بدأَ بقراءةِ رسائل الأساقفةِ الغربيين المُوَجَّهة الى الأساقفة الكلدان في عهدَي الجاثاليقَين بابا واسحق، وتَحَدَّثَ بإسهابٍ عن الإنشقاقات التي حَدَثَت فى أيامِهما وفي عهدِ يَهبَلاها الجاثاليق أيضاً مُستَهِلاً حديثَه قائلاً: "أيها الآباء الأجِلاء، لا يَخفى علينا جميعاً بأن صِراعاً مريراً قد دَقَّ إسفينَه بيننا على مَرِّ الزَمَن وأصبح مُزمِناً، ولا يَسَعُنا إغفالَ دَورالآباء الغربيين (أساقفة الغرب) في دَعمِهم لِكُرسيِّ كنيسةِ المشرق الذي نَرتَبِط به جَميعُنا كإرتباط أعضاء الجسدِ بالرأس ملكِ الأعضاء، ولا يُمكُنُنا أن نَنسى أيضاً  تَدَخُّلَهم لدى ملوكِ الروم في سبيل إنقاذِنا نحن وآبائنا  وشعبِنا مِراراً كثيرة  مِن إضطهاد المجوس وظلمهم عن طريق ايفادِهم السفراء الى ملوكِ الفرس مِن أجلِنا.
                                                                                                                                                      وحيث إن الإضطِهادَ قد إشتَدَّ علينا والظروف ليست مؤاتية لآباء الغرب لِنجدَتِنا كالسابق، فعلينا أن نُثبِت للجميع على أننا على قدر المسؤولية كأبناءٍ ذوي عِزَّةٍ وكرامة ووَرَثةٍ غُيارى لأسلافِنا المَيامين القُدامى، فلا مَفَرَّ مِن الإعتمادِ على أنفسِنا والتَكاتُفِ مع بعضِنا والإلتفافِ حول رئاستِنا ونكون السَندَ القويَّ لها  لأن سقوطَها أو حتى ضُعفَها لا سَمَحَ الله هو هلاكٌ لنا، فالى العَمَلِ الجاد أيها الإخوة لِتَسويةِ الثَغرات التي سَبَّبَتها الأهواءُ الإنسانية والرغباتُ الأنانية لأولئكَ المُتمَرِّدين الذين أوقعوا رئاستَنا وشعبَنا في هُوَّةٍ عميقة، ولنَعمَل على رَدمِها بكُلِّ ما اوتينا مِن القوة، فلنَستَعِد للدِفاعِ حتى الموت فِداءً عن رئيسِنا وقائدِنا ومُدَبِّرنا ومُوَزِّع الكنوز الإلهية لنا مارداديشوع رئيس جماعتِنا الكنسية بِمثابة  بطرس زَعيم الرُسُل ".

وبعد انتهاء الاسقف آغِبطا مِن إلقاء كَلِمَتِه،أعقبَه هـوشاع مطران نصيبين في الكلام داعماً موقف"آغبطا" ومؤيِّداً أقواله، وارتجَلَ العِبارات الحَماسية التالية موجِّهاً إيّاها الى الآباء المُجتمعين بهدف إستنهاض مَشاعِرهم قائلاً: < ما لي أراكم أيها الإخوة الأجلاء جالسين لا تُحَرِّكون ساكناً وكأَنَّكم راضون على أفعال هؤلاء المنبوذين المُسقطين! إذا كان بِوسعِ اولئكَ القلائل المحرومين أن يَخلُقوا البلبلة ويُحدِثوا الضَرَرَ بمؤَسستِنا الكنسية بتطاولِهم الجائِرعلى رئاستِها عن طريق نَصبِ المكائدِ لها وتقديم الشكاوى ضِدَّها كذباً وافتراءً، فـكم بالأحرى يَتحَتَّمُ علينا أن نُوَحِدَ صفوفَنا ونبذلَ أقصى طاقاتِنا لتفنيدِ إدِّعاءاتِهم الفارغة والظالمة معاً، ونسعى الى كُلِّ ما يعودُ بالفائدة لِشَدِّ أزر رئاستِنا وتثبيتِها بقوةٍ تحت قيادة أبينا مار داديشوع الجاثاليق مؤَمِّنينَ الأمنَ والسلامَ لكنيستِنا > لقد أثارت هذه الأقوالُ حَماساً كبيراً في قلوبِ الأساقفة، فنهَضوا جميعاً وخَرُّوا ساجِدين عند قَدَمَي الجاثاليق مارداديشوع، مُكَرِّرين التماسَهم بإلحاح شديدٍ ليَرجِعَ بقراره ويعودَ الى كُرسِيِّه لتدبيرشؤون كنيستِه، ثمَّ قَدَّموا إليه وثيقة الرَشق بالحَرَم لأولئكَ المُنشقِّين والتي تَضَمَّنَت إبطالَ حَقِّهم بمُمارسةِ الواجباتِ الكهنوتية الى جانبِ قراراتٍ اخرى أهَمُّها:


1 - حَظرُ تقديم الشكوى مِن قِبَل أساقفةِ كنيسة المشرق الكلدان ضِدَّ جاثاليق كنيستهم لدى أساقفة الغرب.

2 - الجاثاليق هو المَرجِع الأعلى والأول والأخير في الكنيسة، لا يَحُقُّ للأساقفة عقدَ مَجمَع لمُحاكمَتِه.

3 - إذا إقـتَضَت الضرورة لإتِّخاذ إجراءٍ ما ضِدَّه، يَجِب أن يَجريَ إتِّخاذُه أمامَ عَرش المسيح وبإجماع آراءِ كافةِ أساقفةِ الكنيسة .

وعند هذا الحَد لم يَسَع الجاثاليقُ مارداديشوع إلاّ الإستجابة الى مَطلَبِ الأساقفةِ، فأقدَمَ على توقيع وثيقةِ القرارات، مؤَيِّداً حَرمَ المُنشَقِّين ومُصدِراً عَفوَه عن المُغَرَّر بهم الذين عن جَهلٍ وقعوا في مصيدَتِهم. تِلكَ كانت أهَمَّ قراراتِ مَجمَع ساليق الرابع لكنيسة الشرق الكلدانية المعروف بِمَجمَع داديشوع، وكان إستقلالُ كُرسيِّ  كنيسة المشرق عن تَدَخُّل أساقفة الغرب القرارَ الأبرزَ بينَها، وما حدا بالأساقفة الكلدان لإتِّخاذِه، سَبَبان لم يُعلنوا عنهما صراحةً، ولكِنَّ ما يُستَشَفُّ مِن فحوى القرار وبالرَغم مِن إعتراف الأساقفة الصريح بفضل الكنيسة الجامعة (كنيسة الغرب) الفَعَّال في حَسم الإنشِقاقات الحاصلة بإستمرار بين أساقفة كنيسة المشرق، وتَدَخُّلِها المُتواصل لإنقاذ أبناء هذه الكنيسة مِن الإضطِهادِ المجوسي الغاشم عِبرَ الزمن، إلاّ أن الأساقفة الكلدان المُجتمعـين شَعَروا بما يلي:

1 -  بإمتعاضٍ خَفيٍّ مِن تَصَرُّف أساقفة الغرب بميلِهم الى جانبِ الأساقفةِ الأحد عشر خصومِ داديشوع الأقوياء بدَعمٍ مِن السُلطة الفارسية إذ بفضل هذا الدَعم استطاعوا عَقدَ مَجمَع في المدائن للإيقاع بداديشوع وأدّى الى زَجِّه في السجن، وتَمَّ  الإفراجُ عنه  بتَدَخُّل سفير الملك الروماني كما مَرَّ ذِكرُه .                                                                               

2 - شعورُهم أيضاً بمَيل أساقفةِ الغربِ الى تَصديق ما نَسَـبَه الى مارداديـشـوع خُصومُه مِن تُهَمٍ وسَـيِّئآتٍ لم يرتكبها، ودليلُهم على ذلك وقوفُ مارأقّاق الذي يحظى بإحترام وتقدير الملك الفارسي بَهرام الى جانب الأساقفة المُناوئين بإيعاز مِنهم، فمِن هذا المُنطلق إتَّخَذَ آباءُ المَجمَع قرارَعَدَم جواز رَفع الشكوى ضِدَّ جاثاليق كنيسة المشرق، ومنذ ذلك الوقت تَجَمَّدَ مبدَئِياً إعترافُ كـنيسةِ المشرق بالحَبر الروماني كرئيس أعلى للكنيسةِ الجامعة وعلى الأقل مِن منظور كنيسةِ المشرق، ولكن للأمانة القول: بأن هذا القرار جاءَ انفعالياً آنياً لم يُطَبَّقُ فعلياً، لأن كنيسة المشرق لم تَتَخَلّى عن تقليدِها الثابت، بأنها توأم لكنيسة الغرب المتمثلة بكنيسة روما  وفي شخص حَبرها الأعظم تَملكُ الأولَوية في المكانةِ والصلاحياتِ رَغمَ ابـتعادِها الطويل عَنها. وكان هذا الإنشقاق الداخلي بعد الإنشقاقين الأول في عهد بابا أول جاثاليق لكنيسة المشرق الكلدانية وأنهاه مجمع ساليق الأول عام 317م، والثاني في عهد الجاثاليق اسحق أنهاه مجمع ساليق الثاني عام 410م. إن هذا الجاثاليق الكبير عاصرَ النِزاعَ الشهير الذي انفجَرَ بين البطريرك الإسكندري كيرُلُّس والبطريرك القسطنطيني نِسطوريوس والذي بسبَبِه عُقِدَ مِجمَعُ أفسس الأول عام 431م، ورغمَ شعوره بالألم لذلك النِزاع، إلاّ أنَّه ليس هنالك ما يُشير الى مدى اشتراكِه في تلك الجدالات المُثيرة، وهل إنَّه أيَّد جهة ضِدَّ اخري؟ أم انه إكتفى بما حصل عليه مِن الإستقلال عن هيمنة الغرب. وهـنالك مَن يقول بأنَّ مارداديشوع إتَّخّذَ موقفَ الحياد من الأحداث بعدم تَدَخُّلِه الى جانبِ أيٍّ مِن المتصارعَين، تُوفِّيَ سنة 456 م ودفن في الحيرة. يقولُ المؤَرخون الكلدان في كتاب (المجدل  ماري ص 36  وعَمرو ص 29 وايليا في تاريخه ص 49 أيضاً) بأن الجاثاليق مارداديشوع دامَ جلوسُه على كُرسيِّ كنيسةِ المشرِق خَمساً وثلاثين سنة كانت مليئة بالمَرارةِ والألم بسببِ عُمق هوة الإنشقاق وشِدَّةِ الصِراع بين الأساقفة أعمِدَةِ الكنيسة، بالإضافةِ الى الإضطِهاد الجائر للمسيحيين أبناء الكنيسة المُسالمين الذي حَدَثَ في عهدَي الملكَين الفارسيَين الغاشِمَين بهرام الخامس وابنِه يَزدجَرد الثاني.

3 - كان الآباء يسعون الى ايجاد ما يَدحض نظرية ملوك الفرس المدعـمة بقوة من كُهان النار المجـوس التي كانت تضع مسيحيي المملكة في خانة المتحالفين مع ملوك الرومان المسيحيين الذين يكُنون العِداءَ لملوك الفرس ولذلك إتخذوا قرار استقلال كنيستِهم عن تَدخل كنيسة الغرب الجامعة، وبمرور الوقت تَطوَّرهذا القرار الى استقلال إداري وما لَبث أن تَحوَّل الى استقلال عَقائدي تَبَنَّته كنيسة المشرق في أوائل النصف الثاني من هذا القرن الخامس بتأثير قوي من تحزُّب جماعةٍ الأساقفة ذوي النزعة التعصبية للبدعة النسطورية التي فرضوها على الكنيسة عنوة.

الصراع المذهبي
إنَّ الفترة الواقعة بين انعقاد مجمع ساليق الرابع (مجمع داديشوع) في العام 424 م وحتى العام 484 م وبالرغم مِن أهميتها القصوى في مسيرة كنيسة المشرق، ولا سيما أن الكنيسة اختارت السيرَ في مُنعطفٍ انفصالي عن كنيسة الغرب الجامعة كما إتَّـضح مِن أعمال مجمعها الرابع مِن حيث السياسة والعقيدة التي دخلت دورةَ الإختبار والوضوح التدريجي، إلا أنَّ المصادر التاريخية كانت قـاصرة ً في إطلاعـنا على نشاط الكنيسة خلالها، فلا المجامعُ الشرقية ذكرت شيئاً ولا التاريخ السعردي، فنضطر للإستعانة بالقليل مِن المعلومات التي أوردها كـتبة ُالمجدل وبعض المؤرخين المونوفيزيين وإن كانوا بكتاباتهم يعمدون الى تحريف الحقائق ليَصُـبَّ التحريفُ في صالحهم.
وبدأ الصراع المذهبي لدى ظهور البِدعتَين النسطورية والأوطاخية وقد عُرفت الأخيرة بـ"المونوفيزية" وبعد تَعدُّد تسمياتِها عِبرَ الزمَن استقرَّت أخيراً على التسمية الأرثوذكسية. ظهرت هاتان البِدعتان "الهرطقتان" في الغرب ورغم البعد الذي يفصلُه عن الشرق فإنَّ كنيسة المشرق اكتوت بنارهما، حيث أدَّيتا الى شطرها الى شطرين نسطوري ومونوفيزي، وتبنّى الشطرُ الأكبر من شعبها الكلداني المذهبَ النسطوري والشطرُ الأصغر المذهبَ المونوفيزي، واحتدمَ الصراع بين الشطرَين إعلامياً ثمَّ تحوَّل الى صراعٍ دموي مشوبٍ بالتآمر والإيقاع ببعضهما أمام السلطات الحاكمة من فارسية فعربية فمغولية وأقوام اخرى وأخيراً الدولة العثمانية.
كان الصراع قد تفاقم في الوسط التعليمي المتمثِّل بمدرسة الرُّها التي قام بتشييدها مارأفرام النصيبيني الملفان الكلداني الكبير والجليل ما بين عام (363 - 365 م) بمُساعدة زملائه ورفاقِه والكثير مِن نبلاء نصيبين الذين رافقوه في انتقاله الى الرُّها بعد غلق مدرسة نصيبين الأكاديمية الشهيرة، فأراد القديس مار أفرام أن يُعَوِّضَ شعبَه الكلداني وكنيسته بمدرسةٍ بديلة، بل بمدرسةٍ تكون امتداداً للتي فُقدَت، واستمراراً لإشباع النزوع الغريزي لشعبَ كنيسة المشرق الكلداني الى العِلم والثقافة منذ القدم. ذاك النزوع المتأصل الذي لم تستطع ايقافه اضطهاداتُ أعدائه والصعوباتُ التي اكتنفت كنيسته في مسيرتِها وإن عَرقلتها وأفقدتها الكثير مِن جُهدِها وإرثِها الحضاري. وغدت هذه المدرسة المركز الثقافي الأهم في منطقة الشرق لمدة قرن وربع القرن، أنجبت عدداً مِن علماء وادباء مشهورين ساهموا في نشر الثقافة الكلدانية في الشرق، والكثيرون مِنهم تَبَوّأوا كراسي اسقفية وكان لهم دورٌ كبيرٌ في توجيه مسار الكنيسة .
                                                                                                                                                                   لقد تبنَّت كنيسة المشرق الكلدانية نمطاً ثقافياً متمَيِّزاً ايماناً مِنها بالحكمة وتكريسها للإرث المُتواصل، فبذل رُعاتُها ورهبانُها جهوداً كُبرى في إنشاء مدارس كنسية ورهبانية مُلحقة بالكنائس والأديُرة، ويُمكن اعتبارُها كليات وجامعات بالنسبة للزمن التي وُجدت به مُقارنة بكليات وجامعات زمننا الحالي، كيف لا وقد تجاوز عددُ تلاميذ مدرسة نصيبين على عهد رئيسها ابراهيم دبيث رَبّان الآلفَ تلميذ وكذلك الحال في مدرسة الرُّها التي تلتها، وكانت الإختصاصاتُ قد تَضاعفت والمعارفُ تَنوَّعت والأنظمة التدريسية تَمَنهجَت بشكل جيد .

قادَ التدريسَ في مدرسة الرُّها مارأفرام الملفان مِن عام 363 وحتى وفاتِه عام 373 م، وهو المعروف بكونه أعظم آباء وأساتذة التراث المسيحي الكلداني وبنزعتِه الشرقية الكلدانية البحتة لم يتأَثر نتاجُه الغزير بنتاج غريب، وظلَّ يُدَرَّسُ كنصوص رسمية في المدارس حتى استُبدلَ على أيام خلفه قيّورا والاسقفين رَبّولا المونوفيزي بتعليم كيرُلُّس، وهيبا النسطوري بتعليم تِئودوروس المصيصي، وبذلك ابتعد التعليمُ عن مصدره الأصيل وعن التقليد المشرقي، نتيجة للتيارات الفكرية السائدة آنذاك في أنطاكيا وما جاورها.
                                                                                                                                                    وكانت نظرية تِئودوروس المصيصي التي تبنّاها نسطور القسطنطيني ونشأ عنها النزاع الشهير بينه وبين كيرُلُّس الإسكندري، هي التي تبنَّتها مدرسة الرُّها، ولكنَّ ربّولا مطران الرُّها عارض تعاليم نسطوريوس وهو ما يعني عدم قبوله بأفكار"المُفسِّر تِئودوروس" لأنه يُؤَيِّد آراء كيرُلُّس، ويُعزى السبب في ذلك، بأن جدالاً وقع يوماً بين المُفسِّر تِئودوروس وربّولا في القسطنطينية وكان المُفحَمَ فيه ربّولا فحمل له ضغينة. بينما الاسقف هيبا الذي خلف ربّولا على كُرسي الرُّها كان يؤَيِّد تعاليم المُفسِّر المصيصي ويُدافع عنها ويسعى الى نشرها، وهذا ما جعلهما يتصادمان الى الحد الذي دفع بربّولا في حالة انفعال شديد الى حرق كُلِّ ما كان قد ترجمه هيبا مِن تعاليم تِئودوروس المُفسِّر مِن اليونانية الى الكلدانية، وبعد وفاة ربّولا وجلوس هيبا على كُرسيِّ الرُّها عام 435 م عَمَّمَ تعاليم تِئودوروس ونسطوريوس على مدرسة الرُّها التي غلب عليها اسم (مدرسة الفرس)  لخصوصيتِها الكلدانية رعايا المملكة الفارسية.

وبعد انتقال مارأفرام مِن الحياة الفانية الى الحياة الأبدية عام 373 م تسلَّم رئاسة المدرسة قيورا وقاد التعليم فيها لمدة أربعةٍ وستين عاماً أي حتى وفاتِه عام 437م، واستُدعي أبرز تلاميذه مار نرساي الملفان الشهير لإدارتِها، وعكف مار نرساي على نشر تعاليم تِئودوروس المصيصي بكُلِّ حماس ونشاط. وكان المونوفيزيون يتحَيَّنون الفرص لتقوية نفوذهم وتسريب تعليمهم بين تلامذة المدرسة، وسنحت لهم الفرصة عندما أُقصيَ هيبا اسقف الرُّها عن كُرسيِّه وحَلَّ محلَّه "نونا" المونوفيزي بأمر مِن مجمع افسس الثاني المعروف بمجمع اللصوص عام 449 م، فترك المدرسة عددٌ كبير مِن المُدرسين الكبار والطلبة، وقصدوا البلاد الشرقية. ولم تَمُرَّ إلا سنتان حتى طُرد  نونا عن كُرسي الرُّها بقرار مِن مجمع خلقيدونية عام 451 م، بيدَ أنَّه عاد مِن جديد واحتَلَّ المنصب عام 457 م بعد وفاة مارهيبا بحسب قول التاريخ الرُّهاوي(السممعاني1 ص 405)
                                                                                                                                                           وكان مِن بين الطلبة الذين غادروا مدرسة الرُّها عام 449 م بحسب قول شمعون الأرشامي في (السمعاني1 ص 353 - 354 والمجامع الشرقية ص 53 و59 - 60) "برصوما" الذي أصبح مطراناً على نصيبين قبل عام 457 م ومعنا مطراناً لريوأرداشير ويوحنان مطراناً لكرخ سلوخ وبولس بن قاقي لكرخ ليدان وابراهام لماداي وبوسي بن قورطي لشوشتر وميخا للاشوم وعبشوطا لأربيل. وبعودة نونا المونوفيزي الأخيرة إضطرَّ نرساي لمغادرة المدرسة، ويقول المؤرخ (ماري في المجدل ص 44 ) بأنَّ نرساي قال لدى خروجه هتين الإستغاثتين:"ܡܪܝܐ ܥܝܢܝܟ ܥܠ ܗܝܡܢܘܬܐ ... ܡܫܝܚܐ ܕܫܝܢ ܒܡܐܬܝܬܗ ܠܟܠܗ ܒܪܝܬܐ ܥܡ ܫܠܘܚܗ. ܚܘܣ ܥܠ ܥܕܬܟ ܦܪܝܩܬ ܒܕܡܟ ܘܒܛܠ ܡܢ ܓܘܗ ܙܕܩܐ ܦܠܝܓܐ ... وترجمتهما: انظر بعينيك على الإيمان أيها الرب . . . أيها المسيح الذي صالح الخليقة كُلَّها مع مُرسِلِه. إرأَف بكنيستِكَ المُخَلَّصة بدمكَ، وأزِل عنها الإنشقاقات المُريبة . . . " إنَّه إلتماس وتضرُّع الى ألله ليُزيل الإنشقاق عن كنيسته ويُحِلَّ السلام في ربوعِها، فالإيمان مُضطهدٌ والوُعّأظ  يُقتَلون، وكُتُب الكهنة والملافنة مُعلِّمي الحق قد أُخفيَت أو أُحرقت. (انظر في الحوذرا 1 ص 236).

أبَعدَ كُلِّ هذا الجهد الكلداني المميَّز الذي غيَّر مسرح البيئة الرُّهاوية الزاخر بالثقافة الوثنية لمدة عدة قرون قبل الميلاد، الى مسرح فاقه ازدهارا للثقافة المسيحية الشرقية الناصعة، يقوم أحفادُ المونوفيزيين القدامى الذين احتموا باسم السريان الغريب وربطوه بالمذهب الأرثوذكسي بإلغاءهذا الجهد العظيم وعزوه خلسةً الى غير أصحابه زوراً إسماً ولغةً وأيَّدهم بذلك بعض الذين نبذوا الأرثوذكسية وتحوَّلوا الى الكثلكة ومنهم صاحب كتاب(اللغة العظيمة) غريغوريوس يعقوب حلياني، ناسياً أو متناسياً بأن ما سمّاها باللغة السريانية بلا قيد والتي وصفها بالعظيمة لم تكن مستعملة في أية بقعة وُجد بها المتورطون بها من الموارنة والسريان بشطريهم الكاثوليك والمونوفيزيين اليعاقبة إلا سكان طورعبدين كما أكد ذلك المطران يوسف داود في مقدمة كتاب نحوه"السرياني العربي". إذاً ألا يُستنتج من ذلك إن ما تُدعى اليوم باللغة السريانية هي لغة أهل الجبل المحرَّفة من اللغة الآرامية الفصحى الكلدانية من قبل بعض المتزمتين المونوفيزيين اليعاقبة ونشروها في زمن متأخر معممين إياها على الطقس المونوفيزي اليعقوبي نكاية وتمييزاً لهم عن النساطرة الذين يكنون لهم أشدَّ عداوة مذهبية، ولا ندري كيف ولماذا جاراهم الموارنة في تداولها في طقسهم؟ لأن الأولين شرقيين كانوا أو غربيين لم تظهر بينهم لهجتان وبهذا الفارق الفاضح اليوم، فضلاً عن ذلك فإن مسيحيي الجزيرة حتى الرُّها التي يتشدق المسيحيون الغربيون بنسب لغتهم العوجاء إليها، ما كانوا يلفظون آراميتهم إلا باللهجة الشرقية الكلدانية والتأكيدات على ذلك كثيرة وقد أشفعناها بالأدلة في باب التراث والأدب الكلداني في مجلَّدنا الثاني من سلسلة كُتُبِنا التاريخية التي أطلقنا عليها عِنوان(تاريخ بلاد الرافدَين/ الكلدان والآثوريون عِبرَ القرون).

ولدى عودة نرساي الملفان الى نصيبين إستوقفه بَرصوما اسقفُها، وطلب إليه أن يقوم بتأسيس مدرسة جديدة في نصيبين، تكون امتداداً لمدرستِها الشهيرة التي أسسها مار يعقوب النصيبيني وأناط إدارتها بيد القديس مارأفرام المُعلم الكبير في حوالي عام 325 م. ويقول مؤَلف كتاب(أدب اللغة الآرامية ص 120 - 134) عن برصوما ونرساي، بأن نرساي قبل الفكرة التي عرضها عليه برصوما، وباشر بتأسيس المدرسة ونُظِّمَ لها كما يقول (بَرحذبشبا في تاريخه ص 70 - 71 ومدرسة نصيبين ص 9) جدولُ قوانين ولائحةً بالدروس والفروض ليسيرَ عليها الأساتذة والطلاب. وقد أعطى حلولُ نرساي الملفان في نصيبين نبضاً جديداً جلب إليها أنظارَ أهل الشرق والغرب، وبسُرعةٍ هائلة غدت مدرستُها مركزَ جذبٍ لطلاب العلم لينهلوا مِن مجراه الغزير مياهَ العلم والأدب، وقد تباهى بها مطرانها ذو الطموح المُفرط الى الشهرة والمجد برصوما زميلُ نرساي في مدرسة الرُّها. كان برصوما سياسياً داهياً أكثر مِنه مطراناً قديراً، تَمَكَّنَ بدهائه كسبَ عطفِ حُكّام المملكة الفارسية وفي مُقدمتهم الملك فيروز، ومع كونه مِن رعايا المملكة الفارسية، لكنه كان على إطلاع جيدٍ على الشؤون الرومانية، وأحكمَ علاقته بحاكم المُقاطعة برابطٍ قوي مِن الصداقة وعن طريقها وصل لنيل حظوة كبيرة لدى الملك بحيث جعله واحداً مِن مُستشاريه، والجدير بالإشارة بأنه لم يكن لبرصوما أن يحظى بكُلِّ ذلك مِن الحُكّام الفرس لولا رغبتهم في استغلاله لمآربهم السياسية.

وكان مِن مضار ذلك أنَّ تَصَرُّفاتِ برصوما غلبَ عليها الطابعُ العِلماني ومالت أخلاقُه نحو السوء، بحيث لم يرَ حرجاً في مُعاشرة راهبةٍ اسمها "ماموي" مِمّا أدّى الى انفجار خلافٍ بينه وبين مُدير المدرسة نرساي الملفان، الذي كان مثالاً للعلم المقرون بالفضيلة وقد برهنت على ذلك كتاباته الكثيرة، ولم يبخل نرساي بإسداء النصيحة تلو الأخرى لصديقه برصوما وزميله في الدراسة، للعدول عن أفعاله غير اللائقة، ولكن برصوما كان قد تسلَّط عليه الهوى الشيطاني حُباً بماموي، ويقول بعضهم بأنها هي التي دفعته الى عزل مدير المدرسة نرساي وطرده، وسنرى لاحقاً تبريراً مِنه لفعله المُنحرف. والى الجزء الثالث قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 29/11/2014

84
الإنشقاقات والنكبات التي عصفت بالأمة الكلدانية وكنيستها والمآسي التي حَلَّت بها عِبرَ الزمن
مقدمة موجزة
في بحثي هذا لا أرغب الولوج في مطاوي التاريخ القديم وهو ما يُعرف بتاريخ ما قبل الميلاد، فإنَّ ما دونتُه في المُجلَّد الأول من سلسلة كُتُبي التاريخية بعنوان (تاريخ بلاد الرافدَين/ الكلدان والآشوريون عِبرَ القرون) فيه الكفاية لِمَن يريد الإطلاع على مجريات أحداثه بحُلوها ومُرِّها. أما في هذا البحث فإنني سأسرد الوقائع التاريخية بواقعيةٍ ونزاهة تُسدي الفائدة للمشوَّشة أفكارهم بما يُسطرُه البعض من أبناء الكلدان النساطرة مُنتحلي التسمية الآشورية المزيَّفة والمتعاطفين معهم من أبناء الكلدان الكاثوليك الخوارج من مواضيع تتضمَّن الكثير من التشويه للحقائق وفق ما تُمليه عليهم أهواؤهم ودوافعم التي تختفي وراءَها مصالحُهم الذاتية النوعية من سياسية ومادية واجتماعية، وما أكثرهم في هذا الزمن الذي فقدَت فيه الموازينُ والمُثُل.إنَّ التاريخ عِلم قائم بذاته، وليس سهلاً لكُلِّ مَن هَبَّ ودبَّ التوغل في مجاله!
كان خطاً غيرَ مقصودٍ ما ذهب إليه بعضُ المؤرخين المسيحيين الغربيين بأن انتشارالمسيحية الأول كان في الإمبراطورية الرومانية وحدَهـا، وقد يعود بناءُ اعتقادِهم هذا قائماً على اعتبار الكنائس الشرقـية بأجمعِهـا الأرثوذكسية والقبطية والأرمنية والمارونية والسريانية نَشأت ضمن المساحة الجغرافية التي كان يُهَـيمِن عليها النفوذ الروماني وبضمنها كنيسة المشرق وهو اعتقاد خاطيء بالنسبة للأخيرة (كنيسة الشرق) لأنها الوحيدة التي تأسَّست خارج حدود الإمبراطورية الرومانية، لكونها تأسَّست ضمن حدود المملكة الفارسية. وهذا ما يؤكدُه الواقع التاريخي ولذلك فستكون هذه الكنيسة محور موضوع مجلَّدِنا هذا الثاني.

 كانت اللغة والثقافة الكلدانيتان هما السائدتين في بلاد ما بين النهرين زَمن دخول التبشير المسيحي إليها، بفضل العـلماء العباقرة الكلدان "كِـديـنـو، رماني، نـبـو، سِديـنـو، وبرحـوشا (بـيـروسس) أبي الـتاريخ الكلداني، بالإضافة الى جهود الكَتَبَةِ الكلدان الذين قاموا بتأسيس المدارس أمثال: " أخوتو، خونزو، سين لِقي اونيني، وايكورذاكِر وغـيرهم،  بيد أنَّ الأخمينيين والسلوقـيين مِنهم على وجه الخـصوص خلال عهدهـم الأسود، وبهَدَف تحطـيم الروح القومية لدى الكلدان أصحاب المجد والثـقافة والديمغرافـية، عَـمَدوا الى تشويه الاسم الكلداني ونسجوا حوله وحول بابل العديد مِن الأساطير الإتهامية والتحريفية الخاطئة لِما خَصَّهُـما به الكتاب المقدس/العهد القديم، مِمّا جعل الكلدان ينفرون مِنه بعد إعـتناقِهم المسيحـية، وتبَنّوا لهم الاسم الديني (ܣܘܪܝܐ = المسيحيين) بدلاً مِن اسمِهم القومي (ܟܠܕܝܐ = الكلدان) ولكنيستِهم الاسم المناطقي (كنيسة المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ) لوقوعها في الشرق وليس كما يَدّعي بعض المُغالطين بسبب الظروف السياسية أو نسبة الى امتدادها حتى الصين لأنَّ التسمية قد تُبُنِّيَت قبل الإمتداد. كما دُعيَت بأسماء اخري مِنها(كنيسة فارس =ܥܕܬܐ ܕܒܦܪܣ) لوقوعها تحت النفوذ الفارسي و(الكنيسة الكاثوليكية ܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ) لكونِها جزءاً مُكَمِّلاً للكنيسة الكاثوليكية الجامعة، ولَقَّبوا رئيس كنيستهم بـ (جاثاليق ساليق وقطيسفون أو بجاثاليق المشرق( بطريرك المشرق لاحقاً) .
ولكن مِن أسوأ ما أُطلقَ عليهم هو اسم السِريان الشرقيين، إنَّه اسم غريب لا يَمُتُّ إليهم بصِلة، فقد أطلقه المِصريون الغرباء في البداية على سُكّان سوريا مُشتقاً مِن تسميتِهم لسوريا بلفظة خارو ثمَّ استُبدِلَت بشارو وأخيراً بسارو، وعَمَّمَه اليونانيون مِن بعدهم على أهل سوريا فدعوهم بالسريان الغربيين، ودعوا الكلدان بالسريان الشرقيين لمُجرَّد أنَّ مُبشِّريهم الأوائل مِن غرب الفرات وتمييزاً لهم عن السريان الغربيين حسب إدِّعائهم. إنَّ الاسم السرياني كما يقول المؤَرخ العلامة أدّي شير: < لم يكن يُشير الى امة بل الى الديانة المسيحية لا غير، ومِمّا يُثبِت قولَنا، ما أتى في كتاب (ايليا مطران نصيبين 975 - 1046م) فإنَّه فَسَّرَ لفظة (سِرياني ܣܘܪܝܝܐ) بلفظة نصراني، والى يومِنا هذا نَرى الكلدان الآثوريين لا يَتَّخذون لفظة (ܣܘܪܝܐ أي سرياني) للدلالة على الجِنسية بل على الديانة. فإنَّ هذا الاسم عندهم، مُرادفٌ لإسم مسيحي مِن أيِّ امَّةٍ أو جِنس كان > (اللمعة الشهية في نحو اللغة السريانية / السيد يوسف داود) .

إذاً الاسم الأول والواضح لكنيسة بلاد ما بين النهرين هو(كنيسة المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ Church of the East) واستمرَّ تداوُله حتى الربع الأخير من القرن الخامس زمن استفحال الهرطقتين النسطورية والأوطاخية اللتين ظهرتا في الغرب فأدَّيتا الى انقسام كنيسة المسيح الجامعة، وامتدَّ نارُ الإنقسام واكتوت به كنيسة المشرق، حيث أجبرتها حينها الظروف الداخلية والخارجية ولا سيما السياسية مِنها، على ترك مذهبها مذهبِ الكنيسة الكاثوليكية الجامعة وتبنِّي المذهب النسطوري المُخالف، وفي ذات الوقت انشطر جزءٌ صغير مِن أبنائها وتبَنّى بِدعة ًمذهبية هي البِدعة الأوطاخية التي عُرفَت باسم (المونوفيزية) المُخالفة بتعليمِها لكلا المذهبين الكاثوليكي والنسطوري، وسَمّى كنيستَه بأسماءٍ كثيرة نزولاً عند رغبات كُلّ زعيم قوي يتسلمُ رئاستها وكان آخرها وأشهرها (الكنيسة اليعقوبية) نسبةً الى يعقوب البراذعي أشد المدافعين عن البدعة المونوفيزية إكراماً لجهوده إذ لولاها لكانت قد أصبحت في خبر كان! واستمرَّ منتسبوها على تداوله قروناً طويلة حتى منتصف القرن العشرين حين استبدلوه خجلاً من استفسارات رسمية وشعبية ولا سيما في العراق باسم "الكنيسة السريانية الأرثوذكسية".

وبقي الجزء الأكبر متبنياً للمذهب النسطوري، فسُمِّيَت كنيستُه بدلاً عن( كنيسة المشرق) بـ (الكنيسة الكلدانية النسطورية أو الكنيسة النسطورية اختصاراً) وكان إطلاق هذا الإسم عليها إجحافاً بحق مؤسِّسيها الكلدان، وقد فُرض عليهم إسمُها ومذهبُها عَنوة ً مِن قبل القوة السياسية الفارسية الغاشمة بالتعاون مع بعض القادة الكنسيين وعلى رأسهم المطران برصوما مطران نصيبين الشهير في الربع الأخير من القرن الخامس. كانت تسمية ً سيِّئة جداً وغريبة ً على أبناء كنيسة المشرق الكلدان، فنسطور كان بطريركاً غربياً تَدعمُ مذهـبَه المدرسة الأنطاكية، ولما كانت لكنيسة المشرق في باديء الأمر بعضُ الإرتباطات بكنيسة أنطاكيا وتتبع لاهوت مدرستها الذي كان يتعارض مع لاهوت مدرسة الإسكندرية بكثير مِن الأمور، فظهر هنالك تـنافسٌ كبير بين المدرستين تحَوَّلَ الى خصام، وقد يكون أحدُ أسباب إتهام كنيـسة المشرق بالنسطرة والهرطقة هو ميلُها الى تعاليم المدرسة الأنطاكية، وإن أكبر المروِّجين لهذه التسمية بين السواح الغربيين في القرون الوسطى، كان المونوفيزيون المنادون بالطبيعة الواحدة للمسيح أي اليعاقبة الأولون أسلاف "السريان الأرثوذكس الحاليين" بالتعاون مع الملكيين ذوي الإحتكاك بالغـرب.

 وعندما إهتدى الغالبية المُثَقَّفة مِن أبنائها في منتصف القرن السادس عشرالى الخطأ الذي إرتكبَه آباؤهم وأجدادُهم أولاً: بتحَوِّلهم عن المذهب الحق الكاثوليكي واعتمادهم المذهب النسطوري المُخالف وثانياً: تثبيت لقبِهم القومي الكلداني الذي استعاده أسلافهم في القرن السابع بعد الإحتلال العربي الإسلامي الى اسم كنيستهم حيث كان آباؤهم مؤسِّسو الكنيسة الأولون قد أهملوه عند تأسيسهم لها بحجة كونه يرمز الى الوثنية، فقاموا بتصحيح الخطأ بشقيه، وثالثاً: لتقويم مسار كنيستهم الذي قامت بتحريفه الرئاسة العشائرية المستبدة والمُحتكرة للرئاسة الكنسية الأولى "البطريركية" وحصرها بأبناء هذه العشيرة الملقبة بـ "عشيرة آل أبونا" وسنأتي الى هذا الموضوع في جزءٍ من أجزاء هذا البحث. والآن لنبدأ بالجزء الأول.
الجزء الأول

الإنشقاق الأول
إن الإضطهاد الديني الذي تَعرَّضَ له مُعتنقو المسيحية منذ ظهورها في الغرب والشرق كان ظاهرة مُحَيِّرة وبشعة ومُخالفة لحُرية وكرامة الإنسان الممنوحتَين له مِن قبل الخالق، وقد أفردَ لها عُلماءُ ومُحَلِّلو وقائع التاريخ فيضاً مِـن الدراسات تَقَصِّياً عن أسبابِها وتداعياتِها، وفي نهاية المطاف أجمَعوا على أن المآربَ السياسية كانت لها الأولوية في إثارتِها في كِلتا الدولتين الغريمتَين الرومانية والفارسية ولكن يا تُرى، كيف يُمكن تبريرُ تلك الأعمال البالغة الـقسوة مِن النواحي الإنسانية والشرعية والـقانونية ؟ في الإجابة على هذا التساؤل تَكمُن الصعوبة! أما بعد الغزو الإسلامي وسيادة أصحابه فغدت المسيحية السبب الأبرز لإضطهاد مُعتنقيها.

ولكنَّ المسيحيين الأوائل كانوا حَقّاً وفعلاً ذوي غَيرةٍ مُتَّقِدة على وديعة ايمانِهم المسيحي، مُتَباهين بالمُثُل والقِيَم التي إكتسبوها مِن هذا الايمان الحَق، ومُتحَمِّسينَ لتجسيدِها في حياتِهم بمنتهى الصرامة والبطولة، فما كانوا يَرتادون أماكِن اللهو ولا يَذهبونَ الى الملاعب، ولا يحضرون الإحتفالات الشعبية في الأعياد والمُناسبات خوفاً مِن الإنزلاق أو الإضطرار الى القيام بتأدية شعائر تتنافى مع مباديء وتعاليم ايمانهم، وينفرون حتى مِن العمل في الوظائف الحكومية واستِلام المناصب العليا في الدولة، والحاصلون عليها يَبرحونَها فور اقتبالهم سِرَّ العماذ، والأسمى مِن كُلَ هذا، كانت غيرتُهم الوقّادة كنارآكلةٍ في داخلهم، تدفعُهم الى إعلان بُشرى الخلاص بكُلِّ حَماس ودون كَلَل أومَلَل أو خوف، وحين يشتَدُّ الخِناقُ والغضبُ عليهم والإنتقامُ الفظيعُ مِنهم يكون بسبب اهتداء الكثير مِن النخبة العالية على أيديهم مثل (أبناء الملوك والأمراء وذوي الرُتَب والمناصب الرفيعة والأشراف والنبلاء). وهنالك عاملٌ آخرُ بالغُ الرداءَةِ مغروسٌ في كيان العنصر الفارسي لازَمَ الفرسَ تاريخياً هي النزعة العنصرية التَعَصُّبية (المُتعارف عليها اليوم بالشوفينية) ضِدَّ كُلِّ مَن هو غير فارسي، وقد أثبتَ التاريخُ بأن التعَصُّبَ العنصري ذو تأثير خَطِر على الشعوب والمُجتمعات البشرية، وللأسف لا زال قائماً حتى يومنا هذا رغم التطور الحضاري الحالي .

ولا يُمكِنُ إغفال عامِلَين آخَرَين وأعني بهما الوشايات اليهودية وتحريكات كُهّان النار المجوس وتأثيرهما على ملوك الفرس وإن لم يكن ذلك التأثير بمُستوى الدوافع السياسية، ولكن ملوك الفرس كانوا يَركنون إليهما كذريعةٍ دافعة لإطلاق يدِ الإضطهاد ضِدَّ مسيحيي المملكة، ومِن العوامل الثانوية الاخري: ضُعـف بعض ملوك الفرس أو حاجتُهم القصوى الى المال! وبعد تَحَوُّل المملكة الرومانية مِن الوثنية الى المسيحية عام 313 م على عهد الملك المُهتدي قسطنطينوس الكبير، أصبح ملوكُ الفرس يشكّون في ولاء رعايا مملكتهم المسيحيين ويتَّهمونهم غالبَ الأحيان بولائهم للمملكة الرومانية المسيحية، ويُعَد هذا مِن أفدح الأخطاء عندما تقوم الدولة بعدم التمييز بين الإنتماء الوطني والإنتماء الديني! فليس مِن المُستبعَد بل مِن المؤَكَّد أن يَتّخِذَ ملوكُ الفرس مِن هذه العوامل مُبَرِّراً لشَن اضطهاداتٍ ظالمة ضِدَّ أخلص شريحةٍ بشرية في مملكتِهم هي الشريحة المسيحية! وقد تضاربت آراءُ المؤَرخين في تحديد زَمَن بدءِ الإضطهادات المجوسية ضِدَّ المسيحيين، فهناك مَن يُحَدِّده بأواخر القرن الميلادي الأول وآخرون بأوائل القرن الثاني، ولكن الشهادة بدأَت بمسيحيي مَنطقتي الرُّها وبابل على عهدِ المملكة الفرثية التي انتهى حُكمُها عام 224م، وبدأَ حُكم الدولة الساسانية (226 - 632 م) واشتهرَ عهدُها بضراوة الإضطهادات.

قيام الرئاسة الأولى
إنَّ الإنسان بغريزتِه يسعى دوماً الى بلوغ المجد والشهرة، وهذا بحَدِّ ذاته طموحٌ مشروعٌ شَرط أن ينالَه الإنسانُ بسعيِه المُستقـيم وجُهدِه السليم، أما إذا سعى للوصول إليه بإسلوبٍ مُلتوي فيُصبحُ عـندذاك أمراً ذميماً. ولم يقتصر هذا السعيُ على الأفراد المدنيين، إذ  لم يكن بمنجىً منه الرُعاة والقادة الدينيون منذ القِدَم، ولنا مَثل بهذا الصدد  بطلبِ أم إبنَي زَبدي اللذَين كانا مِن جـملة رُسُل المسيح الرب (متى 20 / 21 – 22) والأَمر ذاتُه كان سبباً رئيسياً في حدوث إنـشقاقاتٍ وانـقساماتٍ في كنيسة المسيح الجامعـة، ومِنها كنيستُنا الـمشرقية الكلدانية وليدة دخول المسيحية المُبَكِّر الى بلاد الدولة الـفارسية (الفرثـية - الأرشاقـية) وما يؤَكِّد ذلك ما وَرَدَ في رسالة البطريرك (طيماثيوس الأول الكبير 780 - 823 م) التي وَجَّهها الى رهبان دير مار مارون "إن المسيحية دخلت بلادنا قبل أن يظهر نسطوريوس بنحو 500 عام على وَجهِ التقريب، وبنحو عشرين عاماً بعد صعود رَبِّنا الى السماء (طيماثيوس / ط . بيداويذ / ص . 42) وقد توَسَّعت هذه الكنيسة خلال القرون الثلاثة الاولى مِن عُمرها بفضل تَنَعُّمِها بهدوءٍ خالي مِن الإضطهادات كما يقول مؤَلِّفُ (تاريخ أربيل / ط . مِنكَنا / النسخة المُترجمة ص 106) في رسالتِه الى صديقِه بِنحاس:" في سنة استيلاء الفرس(الساسانيين) على الشرق كُلِّه كان عددُ المسيحيين قد إزدادَ كثيراً في كُلِّ مكان في الشرق والغرب . . . حيث لم يَكُن شيءٌ مِن ذلك أي(الإضطهاد) بسبب انشغال الملوك بالحروب المُستمِرة، ولذلك لم تُثارَ الإضطهاداتُ القاسية ضِـدَّنا، فتَمَكَّنَت شجرة بشارة الانجيل مِن مَدِّ جذورها فينا الى البحر وجذوعِها الى النهر وكان لها أكثر مِن عشرين اسقفاً " وشملت رُقعة الكنيسة كُلَّ أنحاء بلاد ما بين النهرين ولم تكن بعدُ قد إنتظمَت تحت رئاسةٍ كنسية عليا واحدة، بل كانت مُتشَكِّلة مِن جماعاتٍ مسيحية مُنضوية الى كنائس عديدة يرأس كُلآ مِنها اسقفٌ وترتبط  فيما بينها برابطةِ وحدةِ الايمان والليتورجية واللغة.

ولما كان اسقفُ المدائن عاصمةِ ملكِ الملوك الفارسي الأقربَ تماساً بالبلاط الـملكي، مَـنَحَه هذا الموقعُ حركة ًمَرنة للإحتكاكِ بالسُلطـة المدنية وإيصال القضايا الكنسية ووضعِها تحت أنظارالملك، تلك التي تتعلق بكنيسة ساليق وقطـيسفـون الكبرى أوالتي تَخُصُّ شقيقاتها الكنائس الكلدانية الاخرى المنتشرة في المملكة الفارسية، ومِن هذا المُنطلق إقتضت الحاجة أن يكون لهذه الكنائس رئاسة قوية وحازمة لكي تسعى الى تنظيمِها، وإذ رأى ماربابا اسقف المدائن العاصمة الخَلَلَ في عدم وجود تنظيم رئاسي بمقدوره وضعَ نظام ٍلتوحيد كُلِّ كنائس الجماعات المناطقية للكلدان المسيحيين وتنظيم الدرجات الكنسية، قَرَّرَ هو ومِن موقعِه الاسقفي الأهم بين المواقع الاسقفية الاخرى أن يُحَقِّقَ هذه الحاجة الماسة، ويكون هو وبكونه اسقف المدائن العاصمة الملكية ساليق وقطيسفون الرئيس الأعلى للكنيسة المُوَحَّدة، وبهذا الخصوص يقول المؤَرخ مشيحا زخا: < أظهر الأساقفة الآخرون حاجتهم إليه مِـن أجل الشؤون الخارجية، وعليه فإنَّ ماربابا عزم على أن يتولّى زَعامة جميع هؤلاء الأساقفة مؤَكِّداً بأنه لا بُدَّ مِن رئيس واحدٍ عليهم > ( تاريخ أربيل  ص . 44). فجلب عليه تصميمُه هذاغضـبَ الأساقفة وإكليروس المدائن وسنوجِز ما جرى بينه وبينهم أما التفاصيل الوافية فقد يجدها القاريء في كتاب المجامع الشرقية الذي اقتبسنا منه هذا الإيجاز.

جوبِهَ مُخَطَّطُ ماربابا بإعتراضاتٍ قوية بحسب ما جاءَ(بالمجامع المشرقية : 46 - 47) وهـو < إنَّ كهنة المدائن وغالبية الشعب أنكروا على ماربابا ذلك وحاولوا إنزالَه عن درجتِه وتنصيب رئيس شمامستِه شمعون برصبّاعي بدلاً عنه، مُتَّهِمينَه بالتَكَبُّر وحصر السُلطة بشخصِه >. ويُضيف المصدرالأول كتاب (المجامع الشرقية) ولكي يتسنّى لهم الوصول الى مآربِهم ألصقوا بالرجل الشيخ إتِّهاماتٍ باطلة ومُزوَّرة لا تليق بمكانتِه ولا تتناسب مع عُمره المُتقدِّم" ويقول لويس السمعاني (سِيَر الشهداء والقدَسين ج 3 ص .  29 / وأدّي شير في كتابه شهداء المشرق ج1 ص .262)" إنصَبَّ تَركيزُهم في مؤاخذتِهم له على تَجَبُّره وكُبريائه خلال المُناقشات الحادة التي جَرت بينه وبينهم، وكان اسقفُ الشوش مار ميليس الخصمَ الأبرزَ لماربابا لرؤيتِه فيه التَكَبُّر مُجَسَّماً، فتوَسَّطَ الإجتماعَ واقفاً ووَجَّه الكلام الى ماربابا قائلاً: < ما لي أراكَ تَتَجَرَّأ على إخوتِك ... أنَسيتَ قولَ رَبِّنا، إنَّ مَن أرادَ أن يكونَ فيكم كبيراً، فليَكُن لكم خادماً > فرَدَّ عليه ماربابا مُحتَدّاً: < يا جاهل، أأَنتَ تُعَلِّمُني! كأنني أجهلُ هذه الامور التي هي مِن فريضتي >.

يقول المؤرخ (ماري في المجدل7 - 9) وكذلك مؤلف (سِيَر الشهداء والقديسين / ج 2 ص . 266) < ومِن بين الإتّهامات التي وُجِّهت الى ماربابا، أنَّه قام بتنصيب اسقفَين في بعض المدن، ولم يتوَرَّع مِن توبيخ بعض الأساقفة المُناوئين بقسوة، وإشعارهم باحتقاره لهم لسوءِ سيرتِهم > وظنَّ الأساقفة خصومُ ماربابا بأنَّ كَفَّتهم هي الراجحة، فطالبوا بعقدِ مَجمع كنسي مُستهدفين مِن ورائه إقالة ماربابا! وعُقد المجمع عام 317 م (تاريخ كلدو وآثور / ج 2 ص . 55) وعَـمّا دار في المجـمع يـرويـه (التاريخ السعردي / ج 4 ص . 296 والمجامع المشرقية ت 46(290). < وإذ رأى ماربابا هول الإتهامات وما يَجري داخل المجمع مِن ظلم وافتراء، تَمَلَّكَه غضبٌ شديد فرفع يَدَه وأوقعها على الانجيل الموضوع في الوسط وقال: تَكَلَّم يا إنجيل تَكَلَّم! إنَّكَ الحاكمُ بيننا، أفلا ترى أنَّ الحَقَّ قد انتُهِكَ مِن قبل الأساقفة ... أفلا تنتقِم للعدل! ولأنَّه لم يقترب باحترام وتهيُّبٍ مِن الانجيل لشدةِ غضبِه، ضُربَ حالاً في جِسـمِه، فشُلَّت يُمناه >. وهذا ما أيَّدته وثيقة وردت في كـتاب (المجامع الشرقية ص 7) بأن مجـمع داديشوع 424م امتدح بابا الجاثاليق وألقى اللومَ على مُعارضيه، مُنكراً عليهم حَقَّ إدانة الجاثاليق.

يروي الأب لابور(كلدو المسيحية : 23) < بأن نتائج هذا المجمع كانت عزلَ ماربابا وتنصيبَ شمعون برصبّاعي بدلاً مِنه" ويقول ( ماري في المجدل ص 16) < أَبقى الآباء المجتمعون على ماربابا رغم مُطالبة بعضِهم بخَلعِه، لكن مؤلفَ( تاريخ اربيل / النسخة المُترجمة ص . 122) يقول: < بأن ماربابا لم يرضخ للأمر الواقع، فقد بادر للتوِّ الى كتابةِ رسائل لأساقفة الغرب وبخاصةٍ الى اسقـف الرُّها (سَعدا) فلبَّوا نداءَه وهَبّوا لنجدتِه واعدين بمُساعدتِه لدى الملك الروماني قسطنطين الكبير، وبالفعل تَمَّت المُساعدة وأُلغِيَت كُلُّ القرارات التي اتّخِذَت ضِدَّ ماربابا وعاد له منصب الجثلقة، ويُضيف المصدرُ نفسُه " بأن شمعون بَرصبّاعي لم يَكُن راضياً بالتدبير الجديد المُتَّخَذ ضِدَّ ماربابا حتى قبل تَدَخُّل أساقفة الغرب، وكان عازماً على إلغائه باسم الملك الفارسي عن طريق والديه المُقرَّبين مِن الملك جداً، بيدَ أنَّ ماربابا تَحَدَّثَ الى والد شمعون وطلبَ مِنه إلغاء مَسعاه لدى الملك واعداً إياه بتعيين ابنه شمعون جاثاليقاً خلفاً له بعد وفاتِه، أما الأساقفة المُتمردون الآخَرون الذين أثاروا هذه الزوبعة فقد تَعَرَّضوا للخلع والعزل والطرد دون رحمة حسبما جاءَ (بالمجامع المشرقية / 47 / 291).

وهكذا تَمَّ حسمُ الخلافِ الناشبِ بين ماربابا وخصومِه الأساقفة المُعارضين لصالحِه، وعُدَّ هذا الإنشقاقُ الأولَ في تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية وتقَرَّرَ أن يكونَ ماربابا الرئيس الأعلى للكنيسة وأوَّل (جاثاليق) لها. وباشر بتنظيم الدرجات الكنسية، حيث قال عنه (مار عبديشوع الصوباوي/ كتاب الفهرس ص 303 -141) < إنَّ ماربابا هو أول جاثاليق أقام المطرانيات في كنيسة المشرق" وهو أقدم تنظيم أشارت إليه النصوص التاريخية > وبحسب ما أورده الكاردينال تيسيران (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية / ترجمة ص 16) < وكان وليدَ الصِدام بين الأساقفة وماربابا > ويُشيدُ المؤرخ(صليبا في المجدل ص 22) بهذا التنظيم قائلاً: < وكان هذا التنظيم الوسيلة الضرورية الضامنة لبقاء المسيحية في المنطقة الشرقية الواقعة خارج حدود الإمبراطورية الرومانية لأنَّ الدولة الفارسية التي نشأَت كنيسة المشرق ضِمن حدودها كانت كما يقول تيسران في (خلاصة / 16 - 17 الكنيسة النسطورية 167 - 168) < دولة عاتية ومُزمِعة على صَبِّ جام غضبِها وباستمرار على المسيحيين وبخاصةٍ على رئاستهم وفي كافة المناطق الخاضعة لنفوذِها > وتُوفيَ ماربابا عام 329م بعد أن جلس على كُرسي الجثلقة إثنَي عشرعاماً حسب قول أدّي شير( تاريخ كلدو وآثور / ج 2 ص . 57).

الإضطهاد الأربعيني
جلس شمعون بَرصبّاعي على كُرسي المدائن كثاني جاثاليق خلفاً للجاثاليق بابا،  وفي نهاية العقد الأول مِن جَثلقتِه أعلن الطاغية شابورالثاني الإضـطهاد الكبير ضِدَّ مسيحيي مملكته، حيث وجد نفسه في ضائقةٍ مالية غيرَ قادر على تَمويل جيشِه لمحاربة الرومان، فأمر بمضاعفة الضريبة على المسيحيين وأوكَلَ مُهِمَّة جبايتها الى مارشمعون برصَبّاعي بكتاب رسمي، غيرأنَّ مار شمعون إستهجَن هذه الزيادة المُجحفة ورفض أن يقوم بجبايتها قائلاً بانَّ هذا العملَ ليس مِن اختصاصه، فألقي القبضُ عليه وعلى عددٍ كبير مِن الأساقفة والكهنة واقتيدوا الى مدينة ليدان في الأهواز حيث كان الملك شابور مقيماً. إستشهد مارشمعون برصَبّاعي ورفاقه الأساقفة والكهنة مساء يوم الرابع عشر من نيسان عام 341 م وكان يوم الجمعة العظيمة وبدأت المذبحة الرهيبة في نحو الساعـة السادسة مساءً وانتهت بقطع رأس الجاثاليق برصَبّاعي في نحو السـاعـة التاسعة مساءً.
فلو عُدنا الى الأحداث المريرة التي طالت المسيحيين الكلدان في القرون الميلادية الأولى ولا سيما في القرن الرابع، حيث أعلن الملك الفارسي الغاشم شابور الثاني الإضطهاد الكبيرعلى مسيحيي مملكته الذي امتدَّ أربعين سنة ولذلك أُطلق عليه "الإضطهاد الأربعيني 339-379م". قلنا المسيحيين الكلدان استناداً الى وصف ذلك المشهد المُثيرمن قبل مار ماروثا اسقف ميافرقين الشهير في ترنيمةٍ طقسية كنسية معاصرة لتلك الأحداث المريرة يجري ترتيلُها في صلاة المساء (الـرمـش) ليوم الجـمعة هذا نصُّها:(ܡܠܟܐ ܕܪܘܡܐ ܥܡ ܦܠܚܘܗܝ ܣܝܥ ܠܓܘܕܐ ܕܡܗܝܡܢܐ ܢܦܩ ܦܘܩܕܢܐ ܕܢܬܩܛܠܘܢ ܣܗܕܐ ܟܐܢܐ ܒܝܕ ܣܝܦܐ ܬܗܪ ܟܠܕܝܐ ܟܕ ܩܝܡܝܢ ܘܙܩܦ ܨܒܥܐ ܟܕ ܐܡܪܝܢ ܕܪܒ ܐܠܗܗܘܢ ܕܡܗܝܡܢܐ ܕܟܕ ܠܐ ܡܬܚܙܐ ܦܪܩ ܠܗܘܢ)
وترجمتها : إنَّ ملكَ العُلى وجُندَه، يمنح عوناً لجميع المؤمنين، فقد صَدَرَ الأمرُ ليُقتَلَ الشهداءُ الأبرارُ بحَدِّ السيف. بُهِتَ الكلدانُ وانتفضوا وقوفاً، ورفعوا الإصبعَ قائلين: عظيماً هو إلهُ المؤمِنين، فهو يُنقذهم وإن كان لا يُرى.) انظر (كتاب الفرض الحوذرة/اللحن التاسع ص 365 الترنيمة التاسعة).

تُرى،أليس هذا دليلاً ساطعاً وقاطعاً بأن الشعب المسيحي في المملكة الفارسية كان كلدانياً! السؤال للمعترضين: لماذا لم يُسمّي مار ماروثا اسقف ميافرقين اولئك المؤمِنين بالآشوريين؟ الجواب بسيط جداً وبديهي جداً، هو أولاً: مِن غير الممكن إعطاء وجود لِما هو غير موجود. ثانياً: وبذات الوقت هو تأكيد لِما أكَّده العلماء والمؤرخون بانقراض الدولة الآشورية كياناً وشعباً وقد تطرقنا الى ذلك في مجلدنا الآول المشار إليه في المقدمة أعلاه وثالثا: إثبات على كون الجزء الضال من شعب الكنيسة الكلدانية النسطورية الذي خالف اجماع غالبيته العظمى التي اعتمدت هداية الروح القدس واستعادت مذهبها الحق الكاثوليكي في منتصف القرن السادس عشر نابذة المذهب النسطوري الهرطوقي الغريب، هو بحقٍّ وحقيقة جزءٌ عزيز من الشعب الكلداني، استمرأ الإنعزال والمضيَّ في درب الضلال عن طريق إصراره على التشبُّث بالمذهب النسطوري مخدوعاً بتوجيهات بعض قادته المتزمتين من العلمانيين الفارضين هيمنتهم على القادة الدينيين.

وماذا عن الترتيلة الأخيرة الواردة في الصفحة 188 للمجلَّد الأول لحوذرة الكنيسة الكلدانية والموجودة في "الصفحة 325 لحوذرة الكنيسة النسطورية، ط. تريشور" وهي ضمن صلاة ܡܓܗܝ ܕܬܠܬܒܫܒܐ ܕܒܥܘܬܐ ܟܕ ܐܡܪ ܡܙܡܪܢܐ: " ܨܡ ܕܢܝܐܝܠ ܒܐܪܥܐ ܕܒܒܠ . ܕܒܝܬ ܚܢܢܝܐ ܒܐܪܥܐ ܕܟܠܕܝܐ، ܘܣܟܪ ܦܘܡܐ ܕܐܪܝܘܬܐ، ܘܕܥܟ ܚܝܠܐ ܕܢܘܪܐ ܝܩܕܬܐ، ܨܘܡܗ ܕܡܪܢ ܣܟܪܗ ܠܦܘܡܐ ܕܣܛܢܐ، ܘܐܒܗܬܗ ܠܒܥܠܕܪܐ " وترجمتها العربية: < صام دانيال بأرض بابل، في بيت حننيا بأرض الكلدانيين، وأوصدَ أفواه الأسود، وأطفأ قوة النار الحارقة، صوم ربِّنا أغلق فم الشيطان، وأخجل الأعداء > المُرنم الكنسي هو أحد آباء الكنيسة القدامى وهو يصف فعلَ صوم دانيال لمّا صلّى بأرض بابل، ويؤكِّد على موضِع تلاوة الصلاة الواقع بأرض الكلدانيين، وهنا أسأل: لماذا لم يكتفِ باسم بابل فأضاف تعريف الموقع بأرض الكلدانيين؟ أليس في ذلك تمييز بين بابل والكلدانيين؟ لماذا أشار الى اسم الكلدان العظيم؟ ليؤكِّد بأنَّ بابل وأرضها هي ملك الكلدانيين! وبابل لم تكن سوى مدينة عظيمة وعاصمة للشعب الكلداني العظيم يسكنها أبناؤه الذين هم أجدادُنا وفخرنا نحن أحفادهم الذين نحمل إسمهم النبيل الثابت منذ ما قبل الميلاد بآلاف السنين وبعد الميلاد حتى يومنا هذا، ولم نعرف لنا اسماً آخر على مدى تاريخنا المدني والكنسي.

مِن بلاد الكلدان ومِن بابل عاصمتِهم خَرَجَت النبوّة تُحَدِّد بوضوح زَمَنَ مجيء المسيح المُخلِّص، فقد تَكَلَّمَ الملاكُ جبرائيل مع دانيال وقال : " يا دانيال، إني خَرَجتُ الآن لأُعلِمَكَ فتفهم. عند بدءِ تضَرُّعاتِكَ خَرَجَت كَلِمة... إنَّ سبعينَ اسبوعاً حُـدِّدَت عل شَعبِكَ وعلى مدينةِ قـدسِكَ لإفناءِ المعصية وإزالة الخطيئة... (دانيال 9 / 22 - 23 - 24 ). وفي فلسطين تَمَّت البشرى بميلاد الإله الكلمة يسوع المسيح وفيها أمضى حياتَه الأرضية ونشرَ تعاليمَه الخلاصية التي حَمَلَها رُسُلُه وتلاميذُه كبُشرى سارة الى سُكّان العالَم أجمع في شَتّى بِقاعِه، ومِنهم سُكّان بلاد ما بين النهرين، وقد جاءَ في الكتاب المقدس في أعمال الرُسُل 2 / 8 - 11 وكان بين الذين أنصَتوا الى كلام زعيم الرُسُل بطرس يوم العنصرة (الفنطيقسطي) يوم حلول الروح القدس على التلاميذ الأطهار بعد صعود المسيح له المجد الى السماء بخمسين يوماً) فآمنوا به، بعضٌ مِن سُكّان بلاد ما بين النهرين، وليس مُستبعَداً قيامُ هؤلاء المؤمنين بكلام مار بطرس بنشر المسيحية في بلادهم لدى عودتهم إليها (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية / الكاردينال تيسيران / ترجمة القس سليمان الصائغ ص 7).

يذكر المسعودي في كتابه (الإشراف والتنبيه ص 207 ) بأنَّ عدد الضحايا الذين قتِلوا في الإضطهاد الشابوري الأربعيني السيءِّ الصيـت بلغ مِئَتَي الف شهيد، أما المؤرخ سوزمين (التاريخ الكنسي2 ص 14) فيقول بأن عدد الشهداء الذين عُرفَت أسماؤهم يَربو على سـتة عشر ألف شهيد. كان الإضطهاد الأربعيني بالنسبة للكنيسة الشرقية رهيباً بعنفِه رائعاً في صمود ضحاياه وخصباً في إفرازاتِه المستقبلية.

ولِئَن لحقت بكنيسة المشرق الكلدانية خسائرُ فادحة بأرواح أبنائهـا ومِـن بينهم العديد مِن أرواح رؤسائها، فإنَّ هذا الإضطهاد وبالرغم مِن عنفِه فشلَ في إستئصال شأفتِها، حيث خرجت صافية نقية وبهية رغم اصطباغِها بالدماء الزكية وغَدَت أكثر رسوخاً في عقيدتِهـا وثباتاً على مبادئها. لقد تحوَّلت دماءُ أبنائها الغزيرة التي أروَت الأرض الفارسية الى سمادٍ ذي فاعلية قصوى وعامرة، أعطى نـتائج باهرة، فكانت الغِلال كافية لسد جوع التائقين الى قوت البشارة الخلاصية المسيحية، فراح المُبَشِّرون المسيحيون الكلدان النساطرة يوزِّعونه لكُلِّ أجناس البشر وفي كُلِّ قطر ٍومَصرٍ الداني مِنها والقاصي.

تَنَفَّسَت كنيسة الشرق الصعداءَ بعد مَوت الطاغـية شابورالثاني مِن هول الإضطهاد المرير الذي إحترق بناره المسيحيون الكلدان كاحتراق الهشيم في النار، حيث كان يشتدُّ طوراً بهبوب رياح الوشايات اليهودية والأحقاد المجوسية وطوراً يهدأُ ويرتخي تبعاً لسير رياح النصر بصالح الفرس في حربهم الضروس ضِدَّ أعدائهم الرومان.

ليس هنالك مِن شَكِّ بأن فترة ً طويلة مِن الزمن مَرَّت على الكنيسة، شغر خلالها كُرسيَّ الرئاسة في المدائن بعد إستشهاد الجاثاليق مار بَربَعْشَمين عام 346 م حيث يقول الكاردنال تيسيران في كتابه (خلاصة تاريخية للكنيسة الكلدانية ص 20) < بقيَ كُرسيُّ ساليق شاغراً مدة تُقدَّر بنحو أربعين سنة ًبعد استشهاد ثلاثة رُعاةٍ متعاقبين وهم شمعون برصَبـّاعي وشهدوست وبَربَعشَمين >. لكنَّ أقوال المؤَرخين تَضاربت حول مدة هذه الفترة إلاّ أنَّهم إتَّفقوا على أن إثنين توَلَّيا المنصب هما تومرصا وقيوما.

الإنشقاق الداخلي الثاني
تُعتَبرُ الفترة الأكبر مِن القرن الرابع فترة َامتحان عسير لكنيسة المشرق الكلدانية عَبَرَتها بصبر طويل، وشرعـت تدريجياً باستعادة قوتها بعد خفوت وطأة الإضطهاد في العقدَين الأخيرين، وتَجَدَّدَت رئاستُها العليا بانتخاب اسحق الجاثاليق عام 399م الذي فيه اعتلى العرشَ الفارسي الملكُ يزدجرد الأول وساد نوعٌ من السلام في ربوع الكنيسة، بفضل تظافر جهود ماراسحق الجاثاليق ومارماروثا اسقف ميافرقين اللذين وطَّدا علاقاتهما بالملك وكبار رجال الدولة الفارسية، وكان لإستجابة الملك الإيجابية ودعمِه لجهود اسحق وماروثا الأثرُ الفعال في استتباب السلام في الكنيسة، بيد أنَّ الأساقفة المُناوئين للجاثاليق اسحق لم يتوأموا مع الوضع الجديد بل تصدّوا للجاثاليق اسحق وقاوموا رئاسته. أثنى على مار اسحق آباءُ مجمع ساليق الرابع المعروف بمجمع داديشوع المعقود عام 424 م بالقول: < إنَّه هو الذي نَظَّمَ الرئاسة العليا بعد فراغِها لمدة إثنتين وعشرين سنة > بالرغم مِمّا كان يحظى به مِن تقدير وإكرام مِن الملك يزدجرد، إلاَّ أن الأساقفة المُناوئين له لم يدعوه يهنأَ برئاستِه، إذ لم يتورَّعوا مِن الإيقاع به لدى الملك، ويذكر كتاب (المجامع الشرقية ص 48 - 49) بأن مارماروثا تداركَ الأمرَ قبل إستفحاله، وتمَكَّنَ مِن تبرئة ساحته في مجمع ساليق الثاني الذي عُقد عام 410 م. دامت رئاستُه إحدى عشرة سنة، حيث تُوفيَ في نهاية عام 410 م .

إنَّ أهمَّ الأسباب التي دَعَت الى عَقد مجمع ساليق الثاني عام 410م برئاسة الجاثاليق اسحق، كان لإقرار القوانين والأنظمة الكنسية التي أقرَّها مجمع نيقية عام 325 م مِن أجل تطبيقها مِن قبل رئاسة كنيسة الشرق في كافة كنائسها، وقد عُقِدَ المجمع في عام 410 م، وتَصَدَّرت أعمال المجمع كلمة افـتتاحية قيِّمة تَضَمَّنت إطراءً لأمجاد ملك الملوك يزدجرد الأول، فيها ثُمِّنَ قرارُه الشامل على بلاده كُلِّها والقاضي بأن يُجَدَّدَ بناءُ كُلِّ الكنائس المُهَدَّمة، وأن يُخلى سبيل كُلِّ الذين في السجون أو رهن الإعتقال بسبب عَقيدتهم المسيحية، وأن يتمتعَ بالحرية كُلُّ رجال الدين. واعتُبرَ قرارُ يزدجرد الأول هذا في الشرق، موازياً لمرسوم ميلانو الشهير الذي أصدره عام 313 م قسطنطين الكبير في الغرب قبل مئة عام. والفضل في هذا كُلِّه يعود الى ماروثا اسقف ميافرقين الذي قَدِمَ الى المملكة الفارسية مرتَين في عام 399 م بتكليفٍ مِن الملك الروماني أركاديوس، حيث أبرأَ الملكَ يزدجرد مِن مرضه وأنقذ إبنَه مِن أسر الشيطان وأنجزَ إبرامَ الصلح بين الفرس والرومان، وفي عام 408 م وبطلبٍ مِن الأساقفة (الآباء الغربيين) الذين كَلَّفوه بنقل رسائلهم الثلاث المُذيَّلة بتواقيع أشهر أساقفة مناطق غرب الفرات (سوريا وما بين النهرين) هُم بحسب ما جاء في كتاب (المجامع الشرقية ص 18 والترجمة ص 255): فريفير يوسف اسقف < بطريرك > أنطاكية ،آقاق اسقف حلب، بقيذا اسقف الرُّها، اوسابيوس اسقف تَلا، و آقاق اسقف آمد.
                                                                                   
عُقدت اولى جلسات المجمع يـوم الثلاثاء الأول مِن شباط لعام 410 م واستُهِلَّت بصلاة رفعها الآباء المُجتمعون مِن أجل حياة يزدجرد الأول، ثمَّ تُليَت رسالة الآباء الغربيين الموجهة الى ماراسحق والمُتـضمِّنة لقـوانين مجمع نيقية، وقبِلَت بالإجماع مِن قبل جميع آباء المجمع ووقَّعوها بمجموعهـم. وعلى ضوءِ ما ورد فيها بَحث الآباءُ في تنظيم الامور الخاصة بالإدارة الكنسية، ثمَّ باشروا باعتماد واحدٍ وعشرين قانوناً تتعلَّق بصُلب سياسة كنيسة الشرق الروحية والإدارية، نُدرجُ أدناه أهَمِّ القرارات القانونية التي أقرَّها آباء المجمع:

1 - أن يَتَبَوّأ كُرسي الرَعِـيَّةِ اسقفٌ واحدٌ فقط  .
2 - لا يجوز إجراء رسامة الاسقف إلاّ على أيدي ثلاثة أساقفة ، وبتأييد مطران المُقاطعة .
3 - وجوبُ عَقدِ اجتماع للمطارنة والأساقفة برعاية الجاثاليق في ساليق كُلَّ سنتَين مَرة ً واحدة  للتـشاور ودِراسة الأوضاع الكنسية .
4 - توحيد الصلوات الطـقسية في كافة الكنائس طِبقاً للنظام المُتَّبَع في كنيسة المدائن .
5 - توحيد أعيادِ الميلاد والدنح والقيامة في جميع الكنائس .
6 - عَدَم جَواز تقديم الذبيحة الإلهـية في البيوت . بل أن تُقامَ على مذبح ٍ واحد في كُلِّ مكان .
7 - توحيد الصوم في الكنائس كُلِّها .
8 - الجاثاليق هو الرئيس الأعلى لجميع المطارنة والأساقفة ( البطريرك لاحقاً ) .
9 - يتوَلَّى اسقف كُشكُر مَنصبَ مُعاونِ الجاثاليق، وفي حالة وفاة الجاثاليق يَقوم بتدبير كُرسي الجَثلقـة لحين انتخاب جاثاليق جديد .
10 - تحديدُ الكراسي  الميطرابوليطية بخمسة كراسي

ورغم قصر مدة المجمع على ما يبدو، إلاَّ أنَّ نتائجَه كانت هامة وايجابية لكنيسة الشرق، وباعتماد مجمع ماراسحق قوانين مجمع نيقية وبضمنها قانون الإيمان الذي أقرَّه <318> ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفاً، يُعتبر المجمع الأول لكنيسة المشرق مِـن حيث الأهمية، إذ مِن خلاله تمَّ تشريع واحدٍ وعِشرين قانوناً، إستطاع بواسطتِها تنظيم علاقات المؤمنين برُعاتهم على اختلاف رُتبهم وعلاقات هؤلاء الرُعاة براعيهم الأعلى جاثاليق المشرق. لقد نشر الأب حنا شابو هذه القوانين مع ترجمتِها الفرنسية عام 1902 في باريس. والى الجزء الثاني قريباً.

الشماس د. كوركيس مردو
في 25 / 11 / 2014

85

آخر ما تفتق به ذهن الشماس الدكتور كوركيس مردو المحترم !
بقلم /  آشور بيث شليمون

كتب أخينا(الأصح أخونا) المتكلدن حديثا والذي توا خرج من السبات / Hibernation:

((عزيزي آشور أنا كلداني صميم، لا تُحاول أن تُلصق بنا أية كلمة أخرى لأنها لا تليق بنا فنحن كلدان ولم يكن لنا أيَّ اسم آخر. وما وصفنا إياكم بالمتأشورين إلا لأنكم كنتم كلداناً وتنصلتم عن إسمكم وانتحلتم الإسم الآشوري الغريب فأصبحتم متأشورين!))

" المؤسسات الآشورية تزويرية ومختلقة:

لا زال أحفاد المخدوعـين بالـوَعـد الإنكليزي الكاذب الذي نصبوه فخاً اصطادوا به أسلافهم الكلدان النساطرة ( كلدان الجبال ) مستغـلينهم لتـنفـيذ مصالحهم الإستعـمارية، وجعـلوا منهم حطباً لنيران العثمانيين التي التهمت أكثر من نصف عددهم .أقول لا زالوا سادرين في غِيِّهم ومصدقين الإكذوبة الويكَرامية اللعينة التي استغـلَّوا بها جهلهم وتعـصبهم لمذهبهم النسطوري الهرطوقي المعادي ليس للمذهب الكاثوليكي القـويم فحسب بل لكُلِّ الكنائس في العالم، ولهذا نظرت هذه الكنائس الى كنيستهم النسطورية بأنها كنيسة غريبة ومخالفة لأمر المسيح وتعـليمه بقـوله ( كنيسة واحدة جامعة لراعي واحد ) ، وفضلاً عن ذلك لا زالت تؤمن هي وأتباعها بالآشورية الوثنية المختـلَـقة أكثر من ايمانهـم بالمسيحية الخلاصية ."  إنتهى التعليق، أنظر المزيد من هذا القبيل في موقع  كلدايا نت .

كل من يدرك وضعَ قسمٍ من شعبنا الآشوري أعني – العشائر الآشورية المستقلة نوعا ما -  تحت الحكم العثماني، لن يلومَ شعبنا بما فعله وقتئذ ضد الحكومة العثمانية. كما هو معلوم من جهة أخرى ان شعبنا لم يكن الوحيد ممن ثاروا ضد السلطنة العثمانية، إذ هناك شعوب عديدة قامت بذلك وعلى سبيل الذكر اليونان، الأرمن وحتى العرب.
كما هو معروف، أن الأرمن فقدوا اكثر من مليون شهيد ويليهم شعبُنا من مختلف المذاهب ( نساطرة، أرثوذكس وكاثوليك قرابة 600 ألف شهيد) .

الإجابة :

قبل كل شيء يبدو أن  السيد المحترم خريج الجامعة الوهابية بشهادة الديكتوراه بإمتياز أنه يشارك العثمانيين بهذه الفرحة بدون حدود حيث كما يقول " أن نيران العثمانيين التي التهمت أكثر من نصف عددهم رغم أنهم " كلدان الجبال "!

هنا نسأل جناب الدكتور لعله يجيبنا عن الأسباب التي سببت وما زالت تسبب هدم الكنائس وتهديد وقتل المطارنة والقساوسة وشعبنا عموما في العراق هذه الأيام ؟ هل كان هناك من مخادع من أمثال ويكرام؟

((نعم، أحفاد ويكرام وقومِه، الأمريكان البروتستانت بوش وتشيني وبول برايمر وعسكريوهم الذين احتلوا العراق عام 2003))!

ومتى أصبح المذهب النسطوري هرطوقيا لكم، وكل انفصالكم عن كنيسة الأم بالحقيقة لا يتعدى اكثر من 400- 450 سنة؟ أي أن أجدادك الكلدانيين القدامى – إذا كنت حقا وافدا الى بلاد آشور من الجنوب السومري - كانوا على هذا المذهب هرطوقيين  لا أقل من 1500 سنة خلت، أم أن - بابا روما – قد غفر لهم خطاياهم كونه الحارس الأمين وبواب الفردوس الأوحد؟!!

((كنيسة المشرق الأم كانت كلدانية الأصل والمنشأ ولا زالت وريثتها الشرعية "الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية" كذلك بدون منازع. وكان آباؤنا وأجدادُنا قد أُجبروا على تبني المذهب النسطوري الهرطوقي في النصف الثاني من القرن الخامس بضغطٍ من السلطة السياسية آنذاك، لكي يخلقوا فجوة عِداءٍ مذهبي بين شعب امبراطورية روما المسيحي الكاثوليكي وبين شعب المملكة الفارسية المتمثِّل بالكلدان المسيحيين، إذ كان ملوك الفرس قد تملكهم شعور بأن ولاء الشعب الكلداني المسيحي يميل نحو أباطرة روما أكثر من ميله نحوهم لأنهم يتبنون نفس المذهب، وقد لعب بعض أساقفة كنيسة المشرق بزعامة برصوما مطران نصيبين الشهير وصديق الملك الفارسي فيروز دوراً بارزاً في فرض المذهب النسطوري لسببين رئيسيَين الأول: لإزالة شكوك ملوك الفرس بعدم ولاء الشعب الكلداني المسيحي لهم، والثاني لمحاربة البدعة الأوطاخية التي عُرفت بالمونوفيزية المنافسة للبدعة النسطورية والمعادية لها بشدة، وكان متبنّوها زعماء كلدان منشقون أمثال: شمعون الأرشامي، أخسنايا ويُعرف أيضاً بـ"فيلوكسينوس"ويعقوب البرادعي وغيرهم وكلتا البِدعتين أو المذهبَين النسطوري والمونوفيزي يُعاديان المذهب الكاثوليكي القويم، ودار بين النساطرة الكلدان والمونوفيزيين صراع اعلامي تحوَّل الى صراعٍ دموي، وهكذا انشطرت كنيسة المشرق الى شطرَين، نسطوري وهو الشطر الأكبر ومونوفيزي المُستبدل مؤخراً الى الأرثوذكسي وهو الأصغر. ومنذ ذلك الزمن دُعيت كنيسة الشطر النسطوري بـ "الكنيسة الكلدانية النسطورية أو الكنيسة النسطورية اختصاراً" ولُقِّبَ أبناؤها بالكلدان النساطرة حتى منتصف القرن السادس عشر، عنما قامت الحركة التصحيحية المباركة، بتعديل مسار الكنيسة المنحرف الى مسارها الصحيح الذي أثبته مجمع ساليق الثاني المعروف بمجمع مار اسحق المعقود عام 410م على عهد الملك الفارسي الساساني يزدجرد الأول والجاثاليق مار اسحق. وليس لقداسة بابا روما أيَّ دخل بما جرى في حينه، وإنما تفاجأ به عندما وصل الى روما مُنتخب الحركة التصحيحية يوحنان سولاقا))

واليوم ترى كنيستنا غريبة ومخالفة لأمر السيد المسيح، هل تدلنا لماذا هي مخالفة، ربما لأنها الكنيسة الوحيدة التي لم تدفع كما حصل في الولايات المتحدة مبلغ 700 مليون دولار من التعويضات لما  ارتكبه رجال الإكليروس الكاثوليكي من  جرائم لا حاجة لذكرها حيث تقشعر لها الأبدان ....!

((إن الكنيسة الكاثوليكية كنيسة المسيح الحقيقية ولها الأولوية على جميع كنائس العالم شاءَت أم أبت، ونظراً لسعتها العالمية وضخامة عدد أبنائها، فلا بدَّ أن يظهر بين عدد إكروسها الهائل بعض ضعاف النفوس يرتكبون أخطاءً تُسيء إليها، وهي لا تُنكرها بل تعترف بها وتُعاقب فاعلي الإثم. أما الكنائس الأخرى فليست لها الشجاعة للإعتراف بفظائع بعض أفراد إكليروسها كما تفعل الكنيسة الكاثوليكية، بل تقوم بالتستُّرعليهم، فهل هنالك وجهُ مقارنةٍ ممكنة بين كنيستكم النسطورية بشقيها وأصغر كنيسة كاثوليكية في العالم؟))

ومن ثم ما قام به العثمانيون في مطلع القرن الماضي من مجازر لم يكن حصرا على شعبنا يا حضرة  الدكتور الوهابي، كما أشرنا إليه أعلاه !
 
أم أنك الآن اكتشفت حب المسيح بمشاركتك العثمانيين فرحتهم بفناء شعبنا وبها اكتملت الصورة المسيحية من خلال مذهبك  الجديد الذي لم يكسب " مسلما " واحدا كي يكون مسيحيا ومن ثم كل الذي عمله والتاريخ يشهد وهو التآمر على شعوبنا بالتعاون مع البرابرة الذين حولوا شعوبنا حطبا لهم حيث بوسعك الآن الإحتفال بذلك وأنت عالي الهمة ومرفوع الرأس!

((إنَّ نعتك لدكتور وباحث تاريخي بالوهابي لهو دليلٌ صارخ على مستواك الخُلقي الواطيء، وليس من شيمتي أن أرد لك الصاع صاعَين، لأنَّ مسيحيتي تمنعني من ذلك، ألست تُبرهن بذلك بأنَّك وثني وعابد الصنم آشور دون المسيح؟ أنا لا افرح بما يقوم به المعتدون، بل أستهجن أعمالهم البربرية، وإنَّ سردي لأحداث التاريخ المريرة وكما جرت لا يعني أنني أفرح بها وإنما اندِّد بها، ولكنني لا أستطيع تزويرها كما تفعلون أنتم معشر المزوِّرين مشوِّهي التاريخ! فالحقيقة تؤلمكم وتقلبونها الى زيف، والزيف تجعلون منه حقيقة، حتى متى تُواصلون الجريَ وراء السراب المُخيب؟ أما عن قولك بأن مذهبي الجديد وتعني به المذهب الكاثوليكي القديم لم يكسب مُسلماً واحداً للمسيحية هو افتراء محض، ففي أول زيارةٍ للقديس البابا يوحنا بولس الثاني للقارة الأفريقية هاله غزو الإسلام لها، ولم يكن عدد المسيحيين فيها يتجاوز الأحد عشر مليوناً، فشمَّر عن ساعِد الجِد وتوالت زياراتُه إليها وتسابق الأفارقة المسلمون وغير المسلمين الى اعتناق المسيحية حتى بلغ عددهم ما يربو على المئتَين والسبعين مليوناً! فهل باستطاعتك إعلامنا كم مسلماً كسبت كنيستكم النسطورية الإنعزالية؟))

منذ مدة، راعي الكنيسة الجامعة ( البابا ) أغدق المسلمون في العراق بالملايين من الدولارات – على ما أتذكر ووفق التقرير الذي قرأته كان المبلغ حوالي 450 مليون دولار-  بينما شعبنا والذي معظمه كاثوليكي المذهب لم ينل منه ولو حتى مليون دولار ؟  لماذا يا صاح ؟  رغم أن شعبنا في هذه الأيام يمر بمرحلة دقيقة وكارثية جدا كان بالأحرى والأولى من الراعي الصالح أن يعتني بخرافه من أن يتركها حطبا  لنيران الوهابية  الإرهابية التي أنت ومن أمثالك من تلاميذتهم بكل افتخار ووقار !

((ليس غريباً عليك وعلى أمثالك تلفيق الإتهامات على قداسة البابا، هل لك أن تُخبرنا من أيِّ مصدر استقيت الخبر، أم أن ذاكرتك تخونك؟ إنَّ مسؤوليات البابا كبيرة ومتشعبة ومع ذلك لم ينسَ شعبَه في محنته الراهنة، فهو الذي أوعز لبطاركة الشرق الكاثوليك والأرثوذكس ليبذلوا أقصى جهدهم في نجدة المسيحيين المُضطهدين وفي مقدمتهم غبطة البطريرك الكلداني مار لويس روفائيل ساكو الكلي الطوبى، وكما سألتني أسألك ما الذي فعله البطريرك النسطوري مار دنحا الرابع للمهجرين من أبناء الشعب المسيحي، حتى زيارة مجاملة لم يفعلها معهم، لأنَّ المضطهدين لم يكن بينهم نساطرة، ألم يكن هذا الواقع؟))

وأخيرا، إذا كانت كنيستنا  النسطورية " هرطوقية " بالنسبة  لكنيستك الكاثوليكية الجديدة،  ما رأيك أن توصف كنيستك أيضا من قبل الآخرين بهرطوقية هي الأخرى؟  ومن ثم ما هو الدليل بصحة وصدق  ما تروجونه ضد كنيستنا المشرقية؟ أم أن  بابوات روما هم الوحيدون الذين نزل عليهم الوحي عن الإيمان القويم والسليم ؟ !

((ليس بإمكان أيَّة كنيسة مهما كان مذهبها مغايراً لمذهب الكنيسة الكاثوليكية الجامعة أن تنعتها بالهرطقة إلا الكنيسة النسطورية الشاذة عن جميع الكنائس لتزمتها وانعزالها، واننا نأمل أن يكون خبر قيام وفد الكنيسة النسطورية بزيارة السدة البابوية فاتحة خير لها لتنظم الى الوحدة الإيمانية، ولا يهمنا الإسم الذي ترغب أن تُسمي نفسها به، آشورياً كان أو آثورياً أو مشرقياً.))

والخلاصة، ألم  يحن الوقت أن تعودوا إلى رشدكم؟  ولو أصابتكم الحمى القومية مؤخرا – بعد خراب البصرة- كي تجدوا أنفسكم على غرة  كلدانا رغم كونكم من مواليد بلاد آشور/ مات آشور ܡܬܐ ܕܐܫܘܪ  أبا عن جد كي يصل بكم الحقد والكراهية الى هذه الدرجة حتى العرب والكرد المسلمون بالكاد ينفثون سموم الكراهية ضد شعبنا الآشوري بهذه الدرجة  وشكرا!
...........
((الخلاصة هي: نطلب من الله القدير أن ينوِّر أفكاركم التعصبية المقيتة لتتبيَّنوا الحقيقة، وتنبذوا الفرضية الآشورية العقيمة، لكي لا تؤدي بكم الى عواقب اخرى وخيمة، فإنكم إخوة أعزاء علينا، وكنا طوال مدة انعزالكم عنا المُستمرة حتى يومنا هذا، نُصلي من أجلكم للعودة إلينا، فإننا لم نُنكركم يوماً كما أنكرتمونا، فإن عرفتم الحق، فالحق يُحرِّرُكم!!! نحن لم نكرهكم أبداً بل تلقينا اللعنة منكم وكنّا بدل اللعنة نُبارككم عملاً بوصية المسيح ربنا، ونحن نعلم عِلم اليقين بأننا لا سمح الله لو توفرت لديكم القدرة على محونا من الوجود لَما ترددتُّم قيد انملة، ولكننا معتصمون بقول الله على لسان النبي داود: إذا كان الله معنا فمَن علينا!!! مع الشكر))


الشماس د. كوركيس مردو
في 14 /10/2014

86
رسالة تقويةٍ للإيمان عظيمة!

نَشرَ صاحبُ الغبطة البطريرك الكلداني مار لويس روفائيل الأول ساكو الكليُّ الطوبى على موقع أليتيا.اورك رسالة مؤجهة الى مسيحيي العراق بالغةَ الأهمية، يحثُّهم فيها التشبُّه بأسلافهم المسيحيين الأوائل الذين استودعوهم وديعة الإيمان على غِرار تسلُّمهم إياها من الرُّسُل بمنتهى الفرح وبمتانة الشراكة الأخوية مستوحياً إياها من رسالة رسول الأمم بولس الأولى الى أهل قورنثية(11/23)، داعياً إياهم الى قراءة الماضي والحاضرعلى مثالهم بعُمقٍ وسط الحالة المأساوية التي أُجبِروا على عيشها اليوم، ناصحاً بأن نكون أقوى ايماناً من رُسُلِ يسوع لنتجنَّب التأنيب الذي تلقوه منه لقلة ايمانهم حين تعرَّضوا لعاصفةٍ أثارت فيهم الفزع كما يقول الإنجيليُّ متى(ما لكم خائفين يا قليلي الإيمان 8/26). ويُضيف غبطتُه: علينا أن نكون على ثقةٍ تامة بالرب يسوع، إذ لن يتركنا أن نغرق في بحر المِحَن كما تدارك رُسلَه ولم يجعلهم يغرقوا، وقد أكَّد ذلك في انجيل(متى 28/20 بقوله:هاءانذا معكم طوال الأيام).

وينتقلُ غبطتُه الى قول يسوع في انجيل يوحنا: (ولكنَّ المؤيِّد الروح القدس "الفارقليط" الذي يُرسلُه الآب باسمي هو يُعلِّمُكم جميعَ الأشياء ويُذكِّرُكم بجميع ما قلتُه لكم. قلتُ لكم هذه الأشياء لئلاَّ تعثروا. سوف يفصلونكم من المجامع بل تأتي ساعة يظنُّ فيها كُلُّ مَن يقتلكم أنَّه يؤدّي عبادة لله) يو 15/26، 16/1-3.

إنها عبارات لاهوتية لكنها صعبة ودقيقة لا نفهم معناها العميق إن لم نتأمل بها بالروح الذي أشار إليه يوحنا وشهد له، عندها تتكشَّف لدينا فاعلية الإنجيل في حياتنا الأرضية ونُدرك سِرَّ فادينا القائم من بين الأموات "الحي الأبدي" باعثِ النشاط في الكنيسة والعالم والمُنيرِ لدَربنا في عتمة الحياة. إنَّه مستقبلُنا  العتيد وأرض ميعادِنا المنشود، علينا أن نسعى للإتحاد به!

ما أعذبَ كلام الإنجيل يا سيدي البطريرك، وما أطيب أن نقتديّ نحن مسيحيو العراق بآبائنا وأجدادنا ونستمِرَّ أمناء لإيماننا على مثالهم، وكم هو جميل أن نتمسكّ بأرضنا التي تربطنا فيها علاقة وُثقى وامتدادُ تاريخٍ وأصالة، بالإضافة الى عوامل أخرى كالعادات والتقاليد واللغة، ولكن كيف لنا مُقاومة أهوال أبناء الشر التي تعصف بنا بين كُل فترة وأخرى دون أن يكون لنا مَن يحمينا؟ كيف لنا أن نثق بوعود حكوماتٍ مُهلهلة هي عاجزة عن حماية نفسها؟ وحتى إنَّ المُجتمع الدولي غيرُ راغبٍ في توفير الحماية لنا لعِلمه بأنها غيرُ مُجدية في البيئةِ الشرق أوسطية الغارقةِ في مستنقع الإسلام السياسي العصيِّ على التجفيف! عفواً أيها الراعي الصالح المتألِّم على مصير رعاياه، فإني بكلامي هذا أنقل لغبطتكم ما يدور على لسان جزءٍ كبير من شعبكم المسيحي في الداخل والخارج، إنكم قد فعلتم الكثير لشعبكم على أرض الواقع، ولم تبخلوا عليه برسائلكم ودعواتكم الإرشادية الأبوية، فأمر البقاء أو الرحيل مُرتبط باختيار أبنائه الذاتي الحر!
إننا نعلم أن الجماعات الصغيرة والكبيرة ومنذ اعتناقها لبشارة الخلاص المسيحية، وفيما كانت تُحافظ على ايمانها وتعيشه ضمن مسار حياتها اليومية، كانت قِوى الشرِّ تتصدَّى لها بكُلِّ قسوةٍ وشراسة هادفة الى تفكيكها وتدميرها، وها هو التاريخُ اليومَ يُعيدُ نفسَه، حيث أصبحنا في وطننا الأصيل جماعات صغيرة العدد نُعاني المُعاناة ذاتها وربَّما أسوأ منها مقارنة بهذا الزمن المتقدِّم على سواه من السابق له وإن كانت الأساليب مختلفة، وقد كنا الى الأمس القريب صامدين ومُصمِّمين على البقاء في مختلف أرجاء وطننا الغالي، مُهتمين بحمل رسالتنا الإنجيلية المُفرحة الى إخوتنا وشركائنا، وعلى حين غرَّةٍ اجتاحتنا عاصافة دكناء هوجاء، اجبرتنا على ترك منازلنا في مدننا وبلداتنا مُخلفينها وراءَنا مُرغمين لتغدو مسرحاً للنهب والسلب والمُصادرة، ومُسرعين لإيجاد ملاذٍ آمن لنا، فانهارت قِوانا وثبُطت عزائمُنا وخاب أملنا بالعودة الى ديارنا والبقاءِ فيها خشية من المجهول الذي قد يكون بانتظارنا.

ومع كُلِّ ما تقدَّمَ شرحُه، إنني مؤمن بأهمية انتظار مجيء المسيح من خلال الروح القدس الذي يحلَّ في الجماعة المسيحية فيُساعدها على الإصغاء الى كلمة الله الحياتية المُتجدِّدة. أجل، إنَّ الله حاضر، وإن كان لا يُرى، فهو يُخلِّص المتوكلين عليه، المؤمنين بصليب المسيح وقيامته المجيدة.  ودعائي هو أن يعيش إخوتي المسيحيون بعلاقةٍ متينةٍ مع الله ومع سائر بني البشر، مُستلهمين الروح القدس المُعزي والمؤيِّد القوي!

الشماس د. كوركيس مردو
في 29/9/2014   

87
ما أشدَّ كانت همومُك ومعاناتُك سيدي الجليل صاحب الغبطة! تلك التي سبَّبتك لك الأحداثُ المأساوية الأخيرة، لدى مشاهدتك ما ألَمَّ بشعبك المسيحي الذي أُرعِب وأُهينَ وهُجِّرَ مطروداً من منازله في مدينته العزيزة على قلبه الموصل الحبيبة ذات العراقة والحضارة، تسارعت الأحداثُ بشكل غيراعتيادي لم يسبق لها مثيل، أذهلت الشعبَ العراقي والعالم، إذ خلال ساعات معدودة غادرها أبناء مكونَّها المسيحي الأكثر أصالة بين مكوناتها الأخرى تحت ضغط عصابات إجرامية قادمة من خارج حدود العراق، فنفَّذت بحقهم عملية تطهير عِرقي، مُجرِّدةً إياهم من كُلِّ مذخراتهم من المال ومصادرةً لمُمتلكاتهم، حتى أنَّ البعضَ منهم أُجبروا للرحيل سيراً على الأقدام! وبهذا الشكل المُجحف الخالي من المرؤة والإنسانية تَمَّ إفراغ ثاني اكبر مدينة عراقية من سكّانها الأصلاء.

وأمام هذه الكارثة الأليمة دفعتكم غيرتُكم الوقادة على بني بيتكم وبهمَّةٍ لا تُضاهى نزلتم غبطتكم يصحبكم  بعضُ معاونيكم من الأساقفة الكرام الى ميدان الدفاع عن شعبكم المُجنى عليه لمُساعدته ومواساته بمصابه الكبير، فاعتبرَ جُهدَكم هذا بلسماً شافياً لجراحه، وتشجيعاً للثبات في ايمانه، بوركت مساعيكم سيدي وقد برهنتم بأنَّ الراعي الصالح لا يترك خرافه عرضة لنهش الذئاب الخاطفة، إنها مسؤولية كبيرة أديتموها بكُلِّ أمانة وبكُلِّ ما أوتيتم من قوة وصبر ومشاركةٍ بالمعاناة سعياً منكم لإغاثة هذا الشعب المُسالم والمظلوم من قبل شراذم إرهابية سلفية عديمة الشرف والإنسانية،  بالإضافة الى زياراتكم  الميدانية لتفقُّد أحوال أبنائكم المُهجرين والإطلاع على مشاكلهم والبحث عن حلول تُخفف من محنتهم، كان صوتُكم الوحيد المُجَلجِل مناشداً ضمائر أصحاب القرار في داخل الوطن وخارجه، مُهيباً بهم للتحرُّك السريع لنجدة هؤلاء المنكوبين بظلم هذا الزمن الرديء .

 وفي المُقابل نرى الكثير من الجهلاء والحاقدين يصرخون بأعلى أصواتهم مُلقين كامل المسؤولية على عاتق رئاسة الكنيسة الكلدانية باعتبار المطرودين من الموصل كانوا كلداناً بغالبيتهم، مُطالبينها بايجاد حَلٍّ سريع لإيعادتهم الى الموصل ثانية عن طريق التفاوض مع عصابات داعش، فيا لغبائهم، تُرى، كيف يمكن التفاوض مع جماعة إرهابية مرفوضة من المجتمع الدولي، فرضت كيانها الرجعي على أرض وشعبِ دولة ذات سيادة عن طريق البطش والقوة! كيف كان بلإمكان الوثوق  بدعوتها الى التفاوض ومَن كان يضمن سلامة المفاوضين؟ وهنالك نقطة مُهمة، لو أرسل غبطة البطريرك بعض إخوته المطارنة للتفاوض مع تنظيم داعش، ألم يكن يُحسب ذلك عليه اعترافا منه بل ربما دعماً للإرهاب؟ كما زعق آخرون مُطالبين الرئاسة الكنسية بترتيب عملية الهجرة الجماعية للمسيحيين، تُرى، كيف يتسنّى لها القيام بمثل هذا العمل الذي يفوق طاقتها؟ ثم أية دولةٍ مستعدة لقبول هذه الأعداد الهائلة من البشر؟ لقد أعلنت الكنيسة بأنها لا تقف ضِدَّ رغبة أبنائها الراغبين في الهجرة وإن كانت لا ترغب بذلك! ولكنَّ هذا لا يعني وقوفها حائلاً !!

سيدي البطريرك، أنا أعلم مدى الإحباط  الذي تملككم من الموقف المُخجِل لرئيس أقوى دولة في العالم، ومِن ضآلة الأمل في دحر الإرهابيين، وخيبتِه في تلاحُم الجيش العراقي مع قوات البيشمركه الكردية لمقاتلة الإرهابيين المُحتلين في حين استمرار الصراع على السلطة بين السياسيين رغم كُلِّ ما يشهده الوطن من الغليان وسفك الدم! بينما تُشاهدون غبطتكم عن كثبٍ الطوابير من العوائل الهاربة من بطش عصابات داعش المتوحشة وقد فقدوا دورَهم وسُلبت أموالُهم وصودرت ممتلكاتهم وضاعت وسائل رزقهم وغدوا مُجرَّدين من كُلِّ شيء، وهم ينتظرون وصول الإعانات الإنسانية التي تتبرع بها المنظمات الدولية الى جانب ما تُرسله حكومة العراق المركزية.

اليوم بالذات انتهى اجتماع دول حلف شمال الأطلسي المنعقد في ويلز البريطانية، ومن ضمن قراراته التي أعلن عنها في الاعلام، بأن دول الحلف أقرَّت تصميماً بدحر الإرهابيين الداعشيين وتصفيتهم من العراق أولاً ومن سوريا ثانياً، حيث شعروا بأن إرهاب داعش قد يجتاحهم في عقر دارهم، وعليهم الإستباق في تدميره والقضاء عليه، فالأمل كبير ووطيد بأنَّ نهاية الإرهاب ستكون قريبة بعون الله. أشارككم الهمَّ سيدي البطريرك وأتضرع الى المولى القدير أن يهبكم الحكمة لإدارة الرعية المنهارة ويمنحكم الصبر والصحة.

الشماس د. كوركيس مردو
في 5/9/2014 

88
لقد عاد عُتاةُ النساطرة المتزمتين"مُنتحلي الآشورية المُزيَّفين" الى تشغيل اسطوانتهم المشروخة المقززة للآذان منادين : واحدهم بمنطقةٍ آمنة وحمايةٍ دولية لمَن أطلق عليهم أقليات سهل نينوى، والآخر يدَّعي بأن الأوساط الدولية والأممية وحتى المحلية تتداول حول إقامة منطقةٍ محمية دولياً للمسيحيين تارة، وتارة اخرى للآشوريين المسيحيين واليزيديين، وعلَّق الجلاوزة أشباه الكتّاب منهم مُظهرين عن تأييدهم ومدى توغلِهم وتشبثهم بآشوريتهم المزيَّفة ودعوتهم الى فرضها على الكلدان والسريان، وكُلُّ ذلك جرى بعد قيام تنظيم داعش الإرهابي الوحشي أو"دولة الإسلام في العراق والشام" باحتلال كاسحٍ ومفاجيءٍ للموصل مركز محافظة نينوى وقيامه بتهجير مسيحييها بعد رفضهم الإسلام ودفع الجزية الى جانب الأقليات الصغيرة الأخرى، وتوسَّع التنظيم باحتلاله حيث استولى على مناطق اخرى واسعة من المُحافظة وتعدّاها الى مناطق تابعة لمحافظات صلاح الدين وديالى والأنبار وكركوك، فخلق بذلك كارثة إنسانية مُرعبة للساكنين في هذه المناطق.
ليس هناك مَهربٌ بأنَّ مخططاً عِدائياً على المستوى الداخلي والإقليمي والدولي قد أُعِدَّ للعراق يفوق طاقاته الذاتية ولا سيما وهو في حالته الراهنة المُعقدة، والدليل على ذلك ماجرى من استهدافٍ لمكوناته الصغيرة والأبرز بينهم المكوَّن المسيحي العراقي الأصيل ذو الباع الطويل في نهضته وتقدُّمِه. إنَّ هذا العمل الإرهابي غير المسبوق لم يأتِ من الفراغ  إذ لا يمكن لتنظيم بهذا الحجم والإستعداد بدون أن يكون وراءَه مُمولون ومُسَلِّحون طامعون بثروة العراق المطمورة في أراضيه، كما أنَّ هذه الزُّمَر المتحالفة ضِدَّ العراق لا تُريده أن يستعيد قوَّته الضاربة وهيبته المُخيفة وإعادة نسيجه الفسيفسائي الزاهي الى رونقه الأصيل لكي يبدأ بتجديد نهضتِه واللحاق بركب الحضارة في ظِلِّ الحرية والديمقراطية!
غلَّفوا صراع الإستحواذ على الثروة بلباس ديني، وهو من اكتشاف حكام الغرب حيث أوجدوا الإسلام السياسي وهيَّأوا له طريقاً لممارسة الإرهاب ونجحوا من خلاله الى تعزيز الصراعات المذهبية ليس بين شطرَي المسلمين السنة والشيعة فحسب بل بين المسلمين والمسيحيين، وهذا النهج لن يكون له نهاية وسيُعاني منه العالم الإسلامي وشريكه العالم المسيحي في المشرق، إذا لم ينتبه القادة السياسيون والدينيون الى تدارك أمره وايقافه، بل هنالك قول وتحليل يتردَّدان بأنَّ هؤلاء القادة هم منخرطون في هذا النهج الى الحد الذي لا يمكنهم التراجع عنه.
لهذه الأسباب يسعى المسيحيون العراقيون الى طلب الحماية وهو طلب مشروع تؤيده القوانين الدولية والعدالة الإنسانية، ولا سيما أن لا الحكومة المركزية في بغداد ولا حكومة اقليم كُردستان ولا اية جهةٍ أخرى استطاعت توفير الحماية لنا في حين أننا مستهدفون بإنهاء وجودنا في وطننا والجهات الثلاث غير مبالية بمأساتنا.
ولكنَّ الأمَرَّ في محنتنا أن شراذم غريبة عن العراق وفدت إليه بعد طردها من مناطق  سكناها في جبال تركيا وايران لإتهامها بالخيانة لبلديها المذكورَين والعمالة للإستعماريين الإنكليز، وأعني بهذه الشراذم "النساطرة الكلدان" مُنتحلي التسمية السمجة البغيضة "الآشورية" تُريد فرض هويتها المُزيفة على المسيحيين الكلدان والسريان مستغلةً محنتهم الراهنة التي سبَّبها لهم التنظيم الإرهابي داعش، بينما لم يُصِب أيَّ فردٍ من هذه الشراذم بأذىً من داعش لأنَّ عددها تافه ومتوارية بعيداً عن الأنظار! ولكنَّ عُتاتَها ذوي الألسنة الطويلة المتزمتين يتحدَّثون باسم المسيحيين مُصنيفينهم بأنهم جزءٌ من الآشوريين المعاصرين المُزيَّفين بكُل وقاحةٍ وبدون خجل! يا لخيالهم المريض وبئسَ تصرفاتهم الهذايانية! إنكم في الحقيقة في منتهى الجهل والغباء بنسبكم أنفسكم الى آشوريي التاريخ القدماء بناءً الى الأسطورة الويكرامية الخديعة الأنكليكانية الإنكليزية، وهل تعلمون أيها الكلدان النساطرة المخدوعون بأنَّ الدولة الآشورية الغابرة المنقرضة! كانت أشهر وأشنع دولة بارتكاب الشرِّ والإجرام ظهرت في التاريخ القديم، وإنَّ شرَّ داعش"دولة الإسلام في العراق والشام" هو أهون جداً مقارنة بشرور وإجرام آشوريي التاريخ القدماء، وبسبب انتحالكم لتسميتهم بدون أن يكون لكم أية صِلةٍ بهم، فقد أصابتكم عدوى إجرامهم بأضعاف مُضاعفة! فهل هذا يُشرِّفكم؟ يا للعجب العجاب!!!
وإليكم ما جاء على لسان الداعية أحد منتحلي التسمية الآشورية المُزيفة السيد عوديشو ملكو الموغل بالتزمُّت بالفرضية الآشورية الإسطورة الويكرامية اللعينة بشأن منطقة آمنة محمية دولياً للآشوريين المسيحيين واليزيديين والذي يراه بديلاً مناسباً عن كُل الطروحات الأخرى:
1_ عدم القبول بجمع الإسلام مع المسيحية في منطقة واحدة قدر المستطاع.
2_ المطالبة بالمنطقة الآمنة المشتركة ومحمية دوليًا للآشوريين المسيحيين والإيزيدية فقط, كونهم مختلفون عن غيرهم دينيًا وقوميًا وحضاريًا. بالإضافة إلى كونهم جميعًا, قد عانوا ويعانون بسبب ذلك الكثير وكان آخرها ما يجرى لهما على يد التطرّف الداعشي الآن.
3_ عدم تقزيم وحصر المنطقة المؤمّنة بسهل نينوى (لكل الاسباب الواردة أعلاه), بل المطالبة ليس بكامل  الأراضي الآشورية والإيزيدية في الشمال. بل المطالبة بتوفير الأمن والأمان والحماية لهم جميعًا, حيثما هم الآن من سنجار وما يحيطها من القرى المسيحية والإيزيدية مرورًا بشمال مدينة الموصل وصولاً إلى سهل نينوى وما يجاوره نحو الشمال إلى أقصى بلدة أو قرية آشورية _ إيزيدية في شمال العراق.
4_ ان المطالبة بإقامة هكذا منطقة لا يعني تحديدها جغرافيًا وترحيل غير المسيحي والإيزيدي منها أبدًا. بل يعني تحديدها إداريًا وأمنيًا مع توفير الفُرَص اللازمة للنهوض بها (بشعبها) حضاريًا وثقافيًا وإقتصاديًا. وان للأُمم المتحدة خِبرة واسعة في مجال حماية الأقليات والحفاظ على خصوصية الحضارات الآيلة الى الزوال.
5_ إذا كانت الغاية من إقامة محمية دولية للمسيحيين في سهل نينوى هي لحمايتهم من الإضطهاد الديني والإثني. فإن مثل هذا الإضطهاد قد تعرض له الآشوريون والإيزيدية جميعهم وحيثما وُجدوا. منذ تأسيس الدولة العراقية المعاصرة وبإستمرار ولنفس الأسباب. وليس هناك من دليل بإنهم سوف لا يتعرضون له مستقبلاً. إذًا فإن كل الآشوريين وكل الإيزيدية بحاجة إلى حماية وأمن ولا يقتصر الأمر على من هم في سهل نينوى فقط.
6_ ان السعي المحموم لقيادات الاحزاب الآشورية بأنواعها في الداخل لحصر مسألة المنطقة الآمنة في سهل نينوى وحتّى جزء منه, انّما ينمُّ عن نقطتين لا ثالثة لهما.
أ‌.   إمّا ان الآشوريين خارج سهل نينوى وعلى مدى تاريخ العراق الحديث كانوا يعيشون في نعيمٍ الأُخوّة والمساواة والحرّية الكاملة, والحقيقة عكس ذلك تمامًا.
ب‌.    أو ان القيادات الحزبية الآشورية جرّاء موقفها هذا, يريدون التنازل ضمنيًا عن اخوتهم وأراضيهم خارج سهل نينوى للغير. في الوقت الذي يعرف الجميع بأن سهل نينوى لا يشكّل من حيث النفوس والمساحة (بالنسبة للآشوريين والمسيحيين طبعًا) أكثر من ثلث عددهم وثُلث مساحة أراضيهم الموجودة خارج هذا السهل.
أيها القراء الأعزاء: ألا ترون هذا الداعية المغرور كيف جعل من المنطقة الآمنة في حالة إقامتها وإن كانت شبه مستحيلة، حكراً على الشراذم النسطورية ذات العدد الهزيل والقاطنة في خمس قرى بسهل نينوى هي: نصف قرية شرفية، داشقوتان، عمبقري، نصيرية وبيروزافا. ولكنَّه في قرارة نفسه يعتبر قرى القوش، نصف شرفية الثاني، تللسقف، باقوفا، باطنايا، تلكيف بأنها كلدانية نسطورية لا كلدانية كاثوليكية! ولا بدَّ لها أن تتبنّى التسمية "الآشورية المُزيَّفة" وتتخلَّى عن قوميتها الكلدانية النبيلة!أليس الأمرُ محضَ جنون؟ تُرى، مَن أنتَ أيها الدخيل على العراق حتى تتطاول على قومية الكلدان العراقيين الأصلاء بالإلغاء؟ إنّك وأمثالُك أبناء المطرودين من ديارهم بتركيا وايران والمتهمين بالعمالة والخيانة ولكي لا يُقضى عليهم اضطرَّ أسيادُهم الإنكليز جلبهم الى العراق رغماً عن أهل العراق لأن العراق حينها كان منتدَباً من قبلهم! إنَّ الكلدان والسريان واقعان في محنة فانتهزتموها لإثارة مشاعرهم بطروحاتكم الإستفزازية السخيفة؟ إنكم في نظرهم أسوأ من الدواعش!
ولا يقلُّ السيد آشور بيث شليمون عنصريةً وتزمُّتا من السيد عوديشو ملكو، فكتاباتُه فجَّة من حيث ركاكة اللغة والصياغة وتحريفية مُفبركة، وقد نصحته مِراراً بالإبتعاد عن التزوير والتحريف، لأنَّ ذلك ينفي عنه المِصداقية ويفضح جهله بالتاريخ وعِلم التاريخ، لكنه لم يرعوِ واستمرَّ في تخبُّطه وبحقِّه وحق أمثاله قيل: "أنصاف المتعلمين أخطر من الجهلة". وكمثال على ما قلناه عنه من حيث تزويره للحقائق التاريخية وتفسيره الخاطي لها لتُلائم عنصريته المقيتة، نُدرج أدناه الترتيلة الواردة في صلاة الشهداء لمساء الجمعة باللغة الكلدانية الفصحى مع ترجمتها العربية الصافية لا كترجمته الخاطئة وتفسيره الأخطأ!
وعن هذا الإضطهاد السيْ الصيت،هنالك وصفٌ لمشهدِ المؤمنين الذين يُسَـمّيهـم المؤَلف كلداناً، وكان سـيفُ الإضطهاد الشابوري يحصدهم، في ترنيمةٍ طقسية كنسية معاصرة لتلك الأحداث المريرة يجري ترتيلُها في صلاة المساء (الـرمـش) ليوم الجـمعة هذا نصُّها:(ܡܠܟܐ ܕܪܘܡܐ ܥܡ ܦܠܚܘܗܝ ܣܝܥ ܠܓܘܕܐ ܕܡܗܝܡܢܐ ܢܦܩ ܦܘܩܕܢܐ ܕܢܬܩܛܠܘܢ ܣܗܕܐ ܟܐܢܐ ܒܝܕ ܣܝܦܐ ܬܗܪ ܟܠܕܝܐ ܟܕ ܩܝܡܝܢ ܘܙܩܦ ܨܒܥܐ ܟܕ ܐܡܪܝܢ ܕܪܒ ܐܠܗܗܘܢ ܕܡܗܝܡܢܐ ܕܟܕ ܠܐ ܡܬܚܙܐ ܦܪܩ ܠܗܘܢ) وترجمتها : إنَّ ملكَ العُلى وجُندَه، يمنح عوناً لجميع المؤمنين، فقد صَدَرَ الأمرُ ليُقـتَلَ الشهداءُ الأبرارُ بحَدِّ السيف. بُهِتَ الكلدانُ وانتفضوا وقوفاً، ورفعوا الإصبعَ قائلين: عظيماً هو إلهُ المؤمِنين، فهو يُنقذهم وإن كان لا يُرى.) انـظـر (كتاب الفرض الحوذرة/اللحن التاسع ص 365 الترنيمة التاسعة).

تُرى،أليس هذا دليلاً ساطعاً وقاطعاً بأن الشعب المسيحي في المملكة الفارسية كان كلدانياً! تُرى، لماذا لم يُسمّي مار ماروثا اسقـف ميافرقين اولئك المؤمِنين بالآشوريين؟ الجواب بسيط جداً وبديهي جداً، هوأولاً: مِن غير الممكن إعطاء وجود لِما هو غير موجود. ثانياً: وبذات الوقت هو تأكيد لِما أكَّده العلماء والمؤرخون بانقراض الدولة الآشورية كياناً وشعباً وثالثا: إثبات على كون الجزء الضال من شعب الكنيسة الكلدانية النسطورية الذي خالف اجماع غالبيته العظمى التي اعتمدت هداية الروح القدس واستعادت مذهبها الحق الكاثوليكي في منتصف القرن السادس عشر نابذة المذهب النسطوري الهرطوقي الغريب، هو بحقٍّ وحقيقة جزءٌ عزيز من الشعب الكلداني استمرأ الإنعزال والمضيَّ في درب الضلال عن طريق إصراره على التشبُّث بالمذهب النسطوري مخدوعاً بتوجيهات بعض قادته المتزمتين من العلمانيين الفارضين هيمنتهم على القادة الدينيين.
يَدَّعي السيد آشور بيث شليمون بأن <هذا الحدث حصل في الجنوب – وقتها – وليس في ربوع تل كيف، ألقوش وغيرها من المدن والبلدات في سهل نينوى من بلاد آشور.
-   إن تفسيرها من قبل هؤلاء المتكلدنين الجدد هو غير صائب، حيث ذكر الكلدان في النص ه كشاهد عيان لليس  إلا على ما جرى على المسيحيين عموما ولا على الكلدان خصوصا>.

انظروا سذاجة وجهل هذا الأخ المُهرِّج والمُنظر الفارغ! إن الحدث حصل في المدائن عاصمة الفرس الواقعة في وسط العراق وليس في الجنوب، ثمَّ إنَّ بلاد ما بين النهرين بكُلِّ مناطقها كانت تعج بالكلدان. إذ بعد قيام الكلدان وحلفائهم الميديين بالقضاء المُبرم على عموم سكان الدولة الآشورية الباغية، فرغت كُلُّ المناطق التي كانوا يسكنونها قبل فنائهم، فملأ  فراغَها أبناءُ الكلدان المنتصرون وصارت مُلكاً خالصاً لهم دون منازع، إذ إنَّ حلفاءَ الكلدان الميديين حافظوا على الإتفاق المُبرم بينهما، بأن يكتفوا بكُلِّ الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها وتركوا للكلدان أرض الإقليم الآشوري بأسره! ولذلك فإنَّ قرى وبلدات سهل نينوى شغلها الكلدان منذ ذلك الزمان والى اليوم. أما تفسيرك بأنَّ مار ماروثا اسقف ميافرقين ذكر الكلدان كشاهد عيان على الحدث فهو اجتهاد خبيث منك ومن أمثالك الجهلاء، ثمَّ لماذا لم يذكر الآشوريين كشاهد عيان لو كان لهم وجود؟ أليس من العار أن يكون ديدنكم الكذب والبهتان وعلى الدوام!!!
أما الأخ شمعون خِزقيا المُلَقِّب نفسَه بـ"سرسنكنايا" رأى حَجمَه المعرفاتي أكثر عُمقاً واتساعاً مِن نظيريه الأستاذ عوديشو ملكو والسيد آشور بيث شليمون، ولكنَّ أسئلته التي وجَّهَها الى الدكتور حبيب تومي والأستاذ مايكل سيبي وأجوبتَه عليها  أثبتت أنَّه أجهل من نظيريه وهو دخيل على التاريخ ولإثبات رأينا فيه نُدرج أدناه ما جاء على لسانه:
((اين كان الكلدان (ان وجدوا) من سنة سقوطهم على يد الفرس والميديين سنة 538 ق.م الى سنة ذكرهم تاريخياً سنة 1553 بعد الميلاد عندما قامت الكنيسة الكاثوليكية  / روما بشق كنيسة المشرق الى قسم سمي كنيسة كلدان على بابل على يد بابا رئيس الكنيسة الكاثوليكية الرومانية ،،،ولكي اوضحها لك بصورة مبسطة اين كان الكلدان لمدة 2091 سنة ؟؟؟ انت اخي العزيز تومي قمت بالاستهزاء لعدم وجود جواب على سؤالي ،،، سامحك الله ))
كان سقوط الإمبراطورية الكلدانية سِلمياً لم تتخلله الدماء، وجرى ذلك عام 539 ق.م على أيدي الفرس الأخمينيين في عهد ملكهم كورش الثاني وليس الفرس والميديين يا جاهل التاريخ، وجرى ذلك نتيجة خيانة القائد "اوكبارو" المُعيَّن حاكماً على الإقليم الآشوري الذي ضُمَّ الى أراضي الإمبراطورية الكلدانية بعد القضاء على الدولة الآشورية الباغية. وبالرغم من سقوط صولجان حُكم الكلدان ورزوحهم تحت النفوذ الأجنبي المتعدِّد الأجناس، إلا أنه حافظ على تشبُّثه في البقاء في وطنه الأصيل بلاد ما بين النهرين مواصلاً نشاطه الحياتي ومُحافظاً على تُراثه وتقاليده. وفي عهد المملكة الفرثية الأرشاقية، بزغ نجم بشارة الخلاص المسيحية، فكان الشعب الكلداني ذو الكثافة الديمغرافية الأكبر بين شعوب المملكة، الأسبقَ في اعتناق المسيحية، ولم يلبث أن أنشأ كنيسة المشرق فكانت بحَقٍّ كنيسة كلدانية أصلاً ومنشأً، ولكنها فتحت أبوابها للأقوام الأخرى للإنتماء إليها. إذاً الكلدان كانوا موجودين قبل المسيحية وقبل الباباوية، وعندما استعادوا مذهبهم الكاثوليكي القويم عام 1445م أولاً وعام 1552م ثانياً نابذين المذهب النسطوري الهرطوقي الذي فرض عليهم عنوة في أواخر القرن الخامس، طلبوا من البابا في كلتا المرَّتين أن يأمر بتسميتهم كلداناً باسمهم القومي! هل فهمت الآن أين كان الكلدان يا أخ شمعون؟

((اما عن الاخ الناشي الكلداني الصاعد مايكل سبي فأقول لك يا اخي يجب عليك ان تفرق سنوات قبل الميلاد وسنوات بعد الميلاد ؟؟؟
ما كتبته لكي يدل على ذكر الكلدان في الخوذرا (مع احترامي للأخ آشور شليمون) ليس واضحا للقاريء الذي يبحث عن الحقيقة فهو جواب مبهم ولكنني سأشرح لك دليلك
ما قرأته انت في الخوذرا كتبه كاتب في القرن الخامس الميلادي وليس الرابع الميلادي ،،، وهذا الكاتب اخي العزيز يشرح عن احداث حصلت في الخمسمائة قبل الميلاد في زمن نبوخذ نصر عندما وضع حنانيا وعزرا وميشائيل (صورة ملحقة) الذي سماهم نبوخذ نصر شدرخ وميشخ وعبدنغو في اتون النار لانهم لم يعبدوا تمثال صنعه نبوخذ نصر (صورة التمثال ملحقة مع الرد)  ولم يصيبوا بآذى ،، ان الكاتب كتب ما قرأته يا أخي مايكل سبي كيف سبح الكلدان المنجمين والسحرة اله دانيال لانقاذ الفتيان الثلاثة ( حنانيا وعزرا وميشائيل) من الاحتراق بأتون النار، ولكنك توهمت بان الحدث وقع في القرن الخامس الميلادي ،،،، كلا يا أخي بطريقة مبسطة ان ما تصليه في الخوذرا هي احداث حصلت في القرن الخامس قبل الميلاد ولكنها كتبت في القرن الخامس الميلادي ولكنني لن استهزأ منك يا اخي مايكل  ولكنني احاول التقرب منك لكي نعرف اصولنا وتاريخنا وعندما نعمل سوية في خدمة شعبنا عندها يباركنا الله، ويبعد عنا داعش وكتابات حبيب تومي الانقسامية ومدحه المستمر للأكراد !!!
لذلك ذكرت بانه علينا ان نتأكد من مصادرنا  خدمة للجميع وعلينا ان نفرق بين احداث حصلت قبل الميلاد واحداث حكيت بعد الميلاد ))
يا أخ شمعون خِزَقيا هل لك أن تُفصح عن تحصيلك العلمي وما هي أعلى شهادةٍ حصلت عليها؟ وفي أيّ معهدٍ أوكُليةٍ درست التاريخ؟ يظهر من اسلوبك الكتابي الركيك لغة وتعبيراً وسرداً للتاريخ اعتباطياً، أنك بالكاد قد أنهَيت الإبتدائية! ومع ذلك تصف الأستاذ مايكل سيبي المتضلع باللغة بالناشيء والصاعد! ليس هناك وجهُ مقارنة بينك وبينه إذ شتّان ما بين الثريّا والثرى!
إنَّ ما سردته عن كاتب ترنيمة الشهداء ليوم الجمعة هو هذيان ما بعده هذيان يا أخ شمعون خِزَقيا، وكُل منتحلي الآشورية الأسطورة الويكرامية بمثل هذا الهذيان مشتركون لأنهم من العِلم فارغون. إن هذا المؤلف الذي لم تعرف إسمه هو مار ماروثا اسقف ميافرقين الذي عاش في القرن الرابع الميلادي وتوفي بعد مرور عقدَين من القرن الخامس أي عام 420م. تُرى، هل كان في القرن الخامس قبل الميلاد شهداء؟ الشهادة بدأت بعد انتشار المسيحية. الأولى بك أن يعتريك الخجل من قلب الحقيقة الى الخرافة، أتدري أن القرّاء سخروا منك واولهم منتحلو الآشورية أمثالك.
((لا اريد ان احط من مكانة او معلومات اي فرد من المحاورين ولكن علينا ان نبتعد عن التشهير والاتهامات وكل واحد منا يأتي بما في جعبته من المعلومات ونتقاسم ونتبادل افكارنا بصورة حضارية في خدمة شعبنا الآشوري بكل مكوناته ومذاهبه ،،، لا اريد ان اثير احدا بآشورييتي ولكنني ارى في تلكيف وتلسقف وبطنايا وبغديدا والقوش القلعة الآشورية آثار وتحف وبقايا ومصوغات آشورية ،، اخوتي الاعزاء دون عنجهية اقولها لكم صراحة (لم ارى لليوم اي اثر ومصوغة وتمثال وأثر وتل قيل عنه كلدانيا ) فلنكن واقعيين في حوارنا في خدمة امتنا الآشورية التي وهبتنا مخلفاتها الحضارية ، في كل يوم يكتشف قصر آشوري ومصوغة آشورية وتمثال آشوري في نينوى وتلكيف وتلسقف وبطنايا والقلعة الآشورية ويغديدا وكافة منطقى سهل نينوى والعراق مع احترامي واعتزازي للجميع))
أبِمُستواك هذا الضعيف للغاية تستطيع الإنتقاص من مستوى الآخرين؟ لقد تربيتم أنتم معشر مُنتحلي الآشورية المُزيَّفة على ممارسة التشهير وتوجيه الإتهامات للمفنِّدين لأفكاركم الشوفينية غيرالواقعية، والتي بها تُدافعون عن الفرضية الآشورية الباطلة لتجعلوا منها حقيقة، لقد تورَّط بها آباؤكم وأجدادُكم وحَمَّلوكم وِزرها! يا لهول ما أنتم فاعلون، إننا نحن الكلدان نرثى لحالكم لأنكم تائهون وعن الحق زائغون، ونرجو أن لا يُصيبكم ما أصاب الذين انتحلتم تسميتهم التي كانت شؤماً ونقمة عليهم وجعلت نهايتهم مأساويةمن دون باقي الشعوب الأخرى. إفرحوا وتهللوا بالمُكتشفات التي تدَّعون اكتشفاها أما نحن فلا نُبالي بها ما دامت لنا الأرض وخيراتها!!! أما أنتم فعيشوا في الماضي حتى تُصبحوا من الماضي.
الباحث التاريخي
الدكتور كوركيس مردو
في29/8/2014
 

89
لقد كتب الكثيرون من المُجتهدين المسيحيين بأن هنالك فرقاً بين المسيحية والنصرانية وحتى أنَّ أحد المطارنة الكلدان لم يُعط جواباً شافيا لأحد سائليه: "ما الفرق بين النصارى والمسيحيين؟ ولماذا أشير بحرف النون الى المسيحيين في العراق؟ نحن لسنا نصارى، نحن مسيحيون!" فكان جواب المطران بأن مثل هذه الأسئلة تبدو له وكأنَّها آتية من العجلة او الجهل او الحكم المتسرِّع!! وانتقل فوراً ليقول:
"المسيحيون" هو الاسم الذي أطلق على المؤمنين بيسوع المسيح (اعمال 11/ 25-26). نحن مسيحيون؛ نؤمن بالله الواحد: الاب والابن والروح القدس. معمذون بالايمان بيسوع المسيح مخلصنا الوحيد الذي فدانا بدمه على الصليب وأحيانا بقيامته المجيدة؛ ونحن ننتظر مجيئه الثاني (راجع قانون الايمان).
ولكن المطران لم يذكر متى أطلق اسم المسيحيين على المؤمنين بالمسيح يسوع! لقد أطلق عليهم بعد اضطهادهم وطردهم من قبل رؤساء المجمع اليهودي من اورشليم وضواحيها، فتفرَّقوا وكانت انطاكيا أقرب مدينة دخلوها وفيها دُعوا مسيحيين! (اعمال 11/26).
أما "النصارى" فهو الاسم الذي أستخدمه القرآن للأشارة الى اتباع يسوع الناصري. فبحسب الرواية القرآنية (سورة آل عمران 113؛ سورة البقرة 121؛ سورة النساء 131؛ سورة القصص 52) يشير الى قوم يؤمنون بالله واليوم الآخر ويعملون الخير واصحاب كتاب سماوي وهم لا يستكبرون.
ولكنَّ اسم "النصارى" كان معروفاً قبل ظهور الإسلام وكتابة القرآن، وقد أُطلِق على أتباع اصحاب البِدع  "الهرطقات"المُخالفة لعقائد الإيمان المسيحي الذي تعتمده الكنيسة الجامعة، والتي ظهرت بالتتابع منذ القرن الميلادي الأول وحتى السادس، كان أصحابُها: "سيمون الساحر، شردون، والينتينوس، تاسيان، منتانوس، بولس السميساطي، ماني، بيلاجيوس"ولكنَّ الهرطقات ذات التأثير الأكبر في ظهور الإسلام الأريوسية، الكسائية، المريمية، الأبيونية، المونوفيزية، الأحناف والرهبان النساطرة. قامت الكنيسة بحرم كافة أصحاب الهرطقات وتعاليمهم ومطاردتهم فلم يروا منطقة حاضنة لهم أفضل من الجزيرة العربية التي كانت مثوى الوثنية بكُلِّ أشكالها غارقة في الجهل حتى الثمالة فبثّوا سمومهم بين سُكّانها، ومنها اختمرت الفكرة الإسلامية في مكة قاعدة الجزيرة العربية. فالسور المذكورة أعلاه هي "مكية" ولذلك جاءت بصالح أتباع المسيح. إنما المُروِّج لإسم "النصارى" فكان اليهودُ بسبب كُرههم للمسيحيين وحقدِهم عليهم، حيث يقول:
المؤَرخ بول بـيجان في(تاريخه  ص . 143 - 145 و254) بأن بلاد الكلدان ولا سيما منطقتي كلدو وآثور، كانت تَـعُجُّ باليهود وبشكل كثيفٍ نسبياً، وإنَّ كُرهَهم للمسيحيين وحِقدَهم عـليهم يفوقان كُلَّ وصف، وانطلاقاً مِنهما أطلقوا عليهم تسمية النصاري مِن بابِ التعيير والإنتقاص، نسبةً الى اسم يسوع الذي كان ينتمي الى مدينة الناصرة، ومِنهم إقـتبسَ الفرسُ والعربُ هذه التسمية التي لم يعلم اليهود بأنَّها ستكون مدعاة اعـتزاز المسيحيين وموضعَ افـتخارهم! ولم يترك اليهودُ أيَّـة فرصةٍ سانحة دون استثمارها للوشاية بالمسيحيين والإيقاع بهم أمام ملوكِ الفرس وزعماء المجوس بهدف إثارة الإضطهادات ضِدَّهم لينفرج كُربُهم المكبوت ويتلذَّذوا بالدم المسفوك .
ويَدُلُّنا كتابُ العالِم الكلداني الكبير والحكيم الشهيرالمُلَقَّب بـ (أفراهاط الحكيم الفارسي) فمِن أصل ثلاثٍ وعشرين مقالةٍ كَتَبَها هذا العالِم القديس، والموَجَّهة مِنها الى اليهود كانت تسعة، فضح مِن خلالِهـا أكاذيبهم، داحضاً مَزاعِـمَهم الباطلة بأنهم شعب الله. ففي اولى مقالاتِه التسع (ايضاح الإضطهاد) يقول أفراهاط :" لقد غَشِيَ عَينَيَّ ضبابُ الألم إذ سَمِعتُ اليهود يستهزئون بنا مُتَكَبِّرين على أبناءِ امّتِنا، وذات يوم صادَفتُ رَجُلاً  يُلَقَّبُ بـ (حكيم اليهود) فجادَلني قائلاً: ألم يَكتُب لكم يسوعُ المَدعو مُعَـلِّمكم: لو كان لكم ايمانٌ بقدر حَبَّةِ الخَردَل لَقلتُم لهذا الجَبَل إنتَقِل مِن هنا فيَنتَقِل ويقعُ في الـبَحر طائعاً لكم! أفلا يوجَدُ في كُلِّ شَعبكم رَجُلٌ حكيمٌ مُستجابُ الدُعاء يَصرِخُ الى الله ليوقِفَ مُضطهديكم عن ايذائكم ؟ " (تاريخ بيجان ص 143 – 145 و254)هذا نوع مِن أنواع عِداءِ اليهود للمسيحيين مَرَدُّه ليس البُغضُ فحسب، بل انغلاق عقولهم عن إدراك يسوع وكُنهِ رسالتِه فظلُّوا غارقين في بحر ضلالهم .

ولكن بعض نصوص القرآن (نصوص مدنية)، تشير الى ان بدعة النصارى انحرفت بتعليمها وكانت تؤلّه شخص مريم العذراء الى جانب الله وعيسى (المائدة 116). وان الله أتخذ صاحبة له (الانعام 101؛ النساء 171). وهو الشيء الذي لا يقول به المسيحيون في إيمانهم بالثالوث الاقدس أو بشخص مريم العذراء.
إنَّ ما ورد في السُوَر الثلاث المُشار إليها أعلاه، اقتبس القرآنُ نصوصَها من إحدى بِدَع النصارى العديدة التي أتينا الى ذِكرها آنفاً وهي بِدعة المريميين التي شجبتها الكنيسة الجامعة واستهجنها المسيحيون لأنها تُمثل الكفر بأجلى مظاهره. المسيحيون يؤمنون بأنَّ الله ذاتٌ له صفات ثلاث "الوجود والعقل والحياة".

القرآن اصطدم بهذه المجموعة أو الشيعة المسيحية (المسماة بالنصارى) والتي تشرح العقائد المسيحية بطريقة أثارت حفيظة القرآن وأتباعه ما جعلهم يغيرون نظرتهم عن النصارى والتي كانت في بداية الدعوة الاسلامية تتسم بالكثير من التسامح والاعجاب. وهنا أدعوكم الى مراجعة نصوص أخرى تتكلم بكل إيجابية عن النصارى (المائدة 82؛ البقرة 62؛ المائدة 69)

(ملاحظة مهمة: بعض البحوث والدراسات اليوم تقول بان الاختلاف في موقف القرآن يعود الى وجود مجموعتين من النصارى واحدة في مكة وواحدة في المدينة؛ وهذا ما يبرّر الاختلاف بين النصوص المكيّة والنصوص المدنية التي تتكلم عن النصارى؟)

ليس لهذه البحوث والدراسات سند تاريخي، وإنما الإختلاف في موقف القرآن يعود الى حالتي الضعف والقوة، فإن نصوص القرآن المكية وردت بخصوص النصارى حين كان الإسلام ضعيفاً، أما النصوص المدنية فجاءَت حين غدا الإسلام قوياً. كما لم يكن هناك مجموعتان من النصارى بل كانت مجاميع متعددة أفرزها الصراع العنيف الذي قاده المنشقون عن الكنيسة الجامعة ضِدَّها وكان له أثرُه البالغ، لإنتشار النصرانية بحَسب بِدَعِها وشيَعها وفرَقها وأحزابِها في مكة بل في قريش كُلِّها وقد أشارت الى ذلك السُوَرُ القرآنية (الشورى 13 الروم32 البقرة 75 و100 و 101 وآل عمران 103 و105 والتوبة 122 والنساء 150) وأشار الى ذلك رسول الإسلام محمدٌ ذاتُه في القرآن (سورة مريم 37 ) < اختلف الأحزاب بينهم > أي النصارى(شرح الجلاليين ص406) وفي (سورة الرعد 36) < ومِن الأحزاب مَن يُنكرُ بعضَه > وفي (سورة المؤمنين 53) < وكُلُّ حزبٍ بما لديه فرحون >.
وخلاصة القول فإنَّ نصرانية اليوم هي مُرادفة للمسيحية وليست تلك النصرانية التي يتصوَّرُها أتباع القرآن وهي موضع افتخار المسيحيين لأنَّهم بحقٍّ ينتسبون الى مسيح مدينة الناصرة الذي نما فيها وترعرع ومنها انطلقت رسالته الخلاصية! وها هو البابا الفخري العظيم مار بينيديكتوس السادس عشر قد ألَّف كتاباً قيِّما عنوانُه "يسوع الناصري"وبأكثر من جزء واحد!
الباحث التاريخي
الدكتور كوركيس مرو
في 23/8/2014

90

على هامش ما كتبه جورج شليمون بعنوان"الآشوريين والسياسة" في موقع عنكاوا بتاريخ 14 تموز 2014 ، ولما كان العنوان خاطئاً نحوياً فبالتأكيد يكون فحواه تافهاً معنىً ومغزىً ولغةً إنَّ هذا الأخ النسطوري المَخمور بالنصائح والمتباكي على تسمية شعب دولة منقرضة بأمة وهو ليس "أمة" أبداًن بل مجموعة من الأقوام غُلِبوا عل أمرهم، وأبيدوا بالكامل منذ أكثر من ستة قرون قبل الميلاد! يظهر أن هذا الكاتب النسطوري جديدٌ على الكتابة حسب تصنيف موقع عنكاوا وقد حفظ إن لم يكن قد سرق بعض العبارات من هنا وهناك ليكوِّن منها مقالاً فجّاً هدفه إضفاء هالةٍ على شراذم كلدانية نسطورية بجعلهم "أمة آشورية". كانت هذه الشراذم قد انعزلت بعد منتصف القرن السادس عشر وانزوت في جبال تركيا وايران"منطقتي هيكاري واورميا وغيرهما" تعيش حياةً بدائية تخلُّفية لغاية الربع الأخير من القرن التاسع عشر، عندما عثرت عليهم البعثة التبشيرية الأنكليكانية بإرشادٍ من المخابرات الإنكليزية، فعاثت فيهم فساداً حيث غيَّرت هويتهم القومية المعروفين بها (كلدان نساطرة) لمدة ثلاثة قرون أي منذ انعزالهم وأجبرتهم لإنتحال تسمية شعب منقرض يُعرَف بـ"الآشوريين" عاش في بلاد ما بين النهرين زمناً، مُغرية إياهم بوعود كاذبة أثبت الزمن بطلان صحتها ولكنَّهم ظلّوا متشبِّثين بتلك الخُدعة الإسطورية الإنكليزية حتى اليوم.
عن أيَّةِ امةٍ تتحدَّث يا رجل؟ وهل تُسمّي تلك الأجناس ذات الأعراق المختلفة المقهورة المصهورة عنوة في بودقة الدولة الآشورية الغابرة المنقرضة أمَّة؟ يا لقصر نظرتكم التاريخية المبنية على الإسطورة التي أحكم سبكَها الإنكليز وفرضوها على أسلافكم الكلدان النساطرة الموغلين في الجهل والتخلُّف حتى النخاع، فصرتم أنتم أحفادُهم على شاكلتهم أسرى لهذه الأكذوبة المفضوحة آخذاً منكم التزمُّتُ بها الى آخر مداه! أسلافكم الجهلاء كانوا السبب فيما أصاب المسيحيين في تركيا وايران والعراق من كوارث وويلاتٍ عديدة، لأنهم ارتضوا بالعمالة للأجانب الروس ثمَّ الإنكليز فاعتبرهم الأتراك والإيرانيون خونة أوطانهم فطردوهم، مِمّا اضطرَّ الإنكليز خادعوهم لجلبهم الى العراق إبّان انتدابهم عليه، والأمَرُّ في ذلك كُلِّه بأنكم أنتم أحفادُهم لم تأخذوا العِبرة من أخطاء أسلافكم لتُصلحوا مسيرتكم الى الأفضل بنبذكم الأسطورة الويكرامية اللعينة والعودة الى اصولكم الكلدانية، وإنما على العكس من ذلك تماديتم في التشدُّق بها واعتبار زيفها حقيقة!!
مَن كان وراء التشرذم والتقوقع والسعي الأناني في الإستحواذ على المال والجاه باستخدام كُل الوسائل اللامشروعة نكايةً بالكلدان والسريان؟ أليس أنتم الكلدان النساطرة الإنقلابيون"دُعاة الآشورية المُزيَّفة" الأغراب المطرودون من دياركم في تركيا وايران الوافدون الى العراق تحت حماية الإستعماريين الإنكليز! مَن أنتم حتى يستجيب الكلدان والسريان لندائكم الخبيث، إذا كنتم من سلالة الثور فإنَّ الكلدان والسريان براء من هذه السلالة بالمطلق، يا له من تشبيه سفيه وأحمق.
يا معشر دعاة الآشورية المُزيَّفة، كلما تماديتم في موقفكم بالتشبُّث بأمتكم الآشورية المزورة السمجة، كلّما ازدراكم الكلدانُ والسريان، ورأوا فيكم شعباً جاهلاً يُهرول نحو السراب يعيش في الماضي السحيق بعيداً عن الحقيقة التاريخية الناصعة، بأنَّ آشوريي التاريخ القدماء قد تعرَّضوا للفناء دون خَلف أو أبناء، وما أنتم سوى شراذم مشتَّتة منتحلة لإسمهم بغباء ما بعده غباء! وبهذا جعلتم من أنفسكم أعداءً لدودين للكلدان والسريان، انظروا الى موقف زعيمكم العنصري الأول يونادم كنا الذي يتبجَّح بتمثيل المسيحيين في البرلمان العراقي وقارنوه بموقف ممثلي اليزيديين الذين استماتوا في الدفاع عن شعبهم، بينما هو لم يُحرِّك ساكناً تجاه محنة المسيحيين بل بقي متفرجاً على بلواهم ومتلذذاً بمعاناتهم! ولا يختلف موقف كُلِّ جماعة دُعاة الآشورية المُزيفة عن موقف يونادم كنا، فلو سنحت الفرصة لهم وتوفَّرت لديهم قوة شبيهة بقوة داعش القتالية لأقدموا ودون تردُّد للقضاء على الكلدان والسريان قبل أيِّ قوم آخر انتصاراً لتزمُّتهم بالفرضية الآشورية المبنية على الباطل! أوَليس كُلَّ ما هو مبنيٌّ على الباطل يُعَدُّ باطلاً!.
الدكتور كوركيس مردو
في 19/8/2014

91


تفاجأ العالم بأسره وبخاصةٍ العراقيون بقيام قطعان داعش (دولة الإسلام في العراق والشام) الوحوش في العاشر من حزيران 2014 بغزو مدينة الموصل مركز محافظة نينوى ثاني اكبر المحافظات العراقية مساحة وذات الموقع الجغرافي المُميَّز استراتيجياً، حيث تحُدُّها من ناحية الغرب سوريا معقل الإرهابيين وعِبر هذه الحدود تتسلَّل عصابات داعش الإرهابية الى العراق منطلقة من مدينة دير الزور. استباح الداعشيون الغزاة الموصل واستولوا على مصارفها الحكومية والأهلية وأفزعوا أهلها ولا سيما المكوَّنات الصغيرة منها غير المُسلمة مُخيِّرين إياهم ثلاثاً، إما اعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو ترك منازلهم بكُلِّ ما لديهم من مقتنيات وأموال  والخروج من المدينة ضمن فترة محدَّدة وقصيرة جداً. 

إنَّ مَن ساهمَ في بلوغ عناصر ما تُسمَّى"دولة الإسلام في العراق والشام" الى أهدافها المرسومة لها من قبل مُسانديها ومُمَوِّليها الدول الإقليمية ولا سيما الخليجية منها السائرة في فلك السياسة الأمريكية هم المُهيمِنون على زمام السلطة في العراق أعني بهم المكَوِّنات الرئيسية الثلاثة "العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد" تقف وراءَهم قوتان خارجيتان هما الولايات المتحدة الأمريكية ودولة ايران الإسلامية وقوة داخلية هي المرجعية الدينية الشيعية العليا. تسعى هذه القِوى الثلاث رغم عِلمِها باستحالة مسعاها أن تتفق هذه المكونات الى تشكيل حكومة وحدةٍ وطنية لتُنقذ العراق وتُخرجَه من حالة الفوضى المُستشرية في أوصاله أدَّت الى الصِدام المذهبي الدموي بين شيعته وسنَّته، وكما أسلفنا فقد فشلت هذه القِوى في إزالة الحقد الشديد والكراهية المُفرطة المُستحكِمة بينهما، حيث أصرَّت هذه المُكوِّنات المتناحرة على ترسيخ ثوابتها الطائفية وعدم رغبتها في الإنخراط "بالبودقة الوطنية" وليس مستَبعَدا أن يُسفر هذا الصراع عن عواقب جداً وخيمة ليس على العراق وحده بل ستتعدّاه لتشمل منطقة الشرق الأوسط بأكملها.   
وإزاء فشل هذه القوى في إرساء اسُس المصالحة الوطنية، اعتقدت القوتان أميركا وايران ولا زالتا تعتقدان بأنَّ الواقع العراقي لا يصلح له إلا الحكم الديكتاتوري، ورأتا في شخص السيد نوري المالكي بأنَّه الرجل المناسب والقادر على لَمِّ شمل العراقيين وإصلاح الواقع المتردّي، فدعمتاه معنوياً وسياسياً بالرغم من معارضة العرب السنة والأكراد ومطالبتهم مراراً وتكراراً باستبداله! اعتمد المالكي سياسة المُحاصصة الطائفية في تسيير شؤون الدولة  مُستندا على بعض المواد الدستورية المختارة ومُستغلاً ضعف البرلمان المؤلف بغالبيته من أشخاص غير مؤهَّلين دخلوه نتيجة انتخابات سادها التزوير المُقنَّن، ففشل في توحيد الأطراف السياسية المتصارعة، ولم يلبث أن تحوَّل صراعُهم الى صراع البقاء او الزوال، وانطوى كُلُّ فصيل على نفسه جاهداً للحِفاظ على خصوصيته.
دان الحكم للشيعة بشخص السيد نوري المالكي رئيس الوزراء ومناصريه، حيث تولّوا أرفع المناصب في الدولة العراقية وأهمها المدنية منها والعسكرية، وكذلك انفرد الأكراد بإقليمهم الخاص بهم وأداروه بشكل شبه مستقل، له كيانه الخاص وعلاقات دولية تتمثل بالقناصل الذين أقاموا فيه مكاتبهم، كما تتوفر لديهم قوات عسكرية يُطلق عليها"البيشمركه" وهذا ما أزعج المكوَّن العربي السني حيث وجد نفسه بدون كيان خاص به، ولدى محاولته تشكيل اقليم خاص به في المحافظات التي تقطنها الغالبية السنية على غِرار اقليم كردستان ، جوبه بالرفض من قبل المالكي، فقرَّر أخذَ حقِّه بالقوة مُستعيناً بعناصر داعش السنية الذين احتلوا الموصل في 10/6/2014 وأعلنوا عن قيام الخلافة الإسلامية على أجزاء من العراق وسوريا. إذاً ما كان باستطاعة عناصر داعش الإستيلاء على الموصل لولا دعم المكوَّن العربي العراقي السني لهم.
ولكنَّ ما يهمُّنا من كُلِّ ذلك، لماذا سمح المكون العربي السني لعناصر داعش الهمجية لتصُبَّ جام غضبها على المكونات الصغيرة الغير مسلمة القاطنة في الموصل والمناطق المجاورة لها منذ زمن سحيق وقبل الإسلام بقرون، وبخاصةٍ المكون المسيحي منها؟ هل وجدوا فيه انحيازاً للطرف المُعادي للسنة؟ بالتأكيد لا! إذاً ألا يدخل هذا الإعتداء الغاشم الذي لم يسبق له مثيل حتى في أزمنة الجهل والتخلُّف الذي تمثَّل بالقتل والسلب والإغتصاب والإستيلاء على الممتلكات والأموال في خانة الإضطهاد على الهوية لمجرَّد أنَّ هذا المكون العريق يدين  بالمسيحية؟ أليست هذه مأساة ووصمة عار في تاريخ العراق الحديث ستلعنه الأجيال القادمة؟
إنَّ ما ارتبكته عناصر داعش باسم الدين الإسلامي، جعلت من هذا الدين مَمَرّاً لهتك الأعراض باغتصابها للنساء والفتيات الباكرات؟ لقد هتك عناصر داعش الحرمات والدين، أين غيرتكم وشهامتكم يا رجال العرب السنة وأنتم تنظرون الى النساء المسيحيات واليزيديات والمسلمات تُباع في سوق النخاسة والرقيق تحت لباس الدين؟ عناصر داعش تسبي النساء وساسة العراق منهمكون بسرقة خيرات العراق، أين انتم من صفات الشرف المتمثلة بالنخوة والغيرة والشهامة والضمير الحي؟ أين أنتم من نحر العراقيين كالذبائح وأنتم صامتون؟ بماذا سينعتكم التاريخ أليس من حقِّه أن يصفكم بالجُبن والهروب من تأدية واجبكم؟ كان الله في عون المظلومين بلا جنح أو ذنب وهِداية الظالمين الى الحق المُبين آمين.

الدكتور كوركيس مردو
في 10/8/2014

92
يدَّعي شُذاذ الآفاق الذين في غفلةٍ  اخترقوا العراق، بأنَّ العراقَ وسوريا وغيرهما من بلدان الشرق هم بلدان إسلامية ولا يجوز لغير المُسلمين العيش فيها، ولذلك على هؤلاء إمّا اعتناق الإسلام أو الرحيل عن هذه البلدان، هذا ما أملاه عليهم فِكرُهم التكفيري الإجرامي بحق الإنسانية، وقد أعلنوه صراحة لمسيحيي الموصل التي وقعت فريسة بأيديهم في العاشر من حزيران الماضي 2014 فعاثوا فيها فساداً قتلاً وتشريداً وخطفاً ونهباً وسلباً أمام انظار العالم ومسامعه دون أن يُحرك ساكناً بل بقي ولا زال متفرجاً على مأساة شعب ببرود وبدون خجل! واليوم وجَّهَ الإرهابيون هجومهم البربري نحو بلدة بغديدا أكبر بلدات المسيحيين فلاذ أهاليها بالفرار متوجهين الى منطقة كردستان ولحق بهم أهالي قرى سهل نينوى بدءاً بتلكيف وباطنايا وباقوفا وتللسقف والقوش هرباً من أمام ذئاب داعش الخاطفة، تَبّاً لكم أيها الوحوش الكاسرة.
 
أيها الغزاة الطارئون، إن بلاد الشرق كانت المثوى الأصيل لأسلاف المسيحيين المُعاصرين قبل أن تطأها أقدام عرب الجزيرة المسلمين بأكثر من ستة قرون، فبأيِّ صفاقةٍ على نكران الحقيقة تُقدِمون؟ المسيحيون هم أصحاب الحضارة والمحبة والسلام ويُمثلون قلب الشرق فإذا توارى هذا القلب عن النبض فهل يمكن للشرق استمرار الحياة؟ أوطان الشرق بلا مسيحيين ستكون مشوَّهة وهويتها ناقصة. إنَّ المسيحيين الذين تضطهدونهم، فيهم يكمن ضمير الشرق الذي منه تنبع أنهار التقدم والحضارة. ببشارة الإنجيل وايمانهم الراسخ بها قهروا العالم الوثني آنذاك وليس بالسيف والإكراه! فما كان يوماً مسعاهم الى السلاح بل الى الصلاح!
 
أيها المُسلمون المعتدِلون من أهل السنة والشيعة، ستندمون على فراغ بلدانكم من المسيحيين ساعة لا ينفع الندم، لأنَّ مجتمعاتكم التي زيَّنها المسيحيون بالقِيَم الحضارية وأشاعوا فيها التسامح والتآخي والمحبة والتعايش المُشترك، ستزول كلُّها وتسود بينكم البغضاء فتفتكون بعضُكم ببعض ولن يكون هنالك مَسيحيٌّ واحد ليقوم بإصلاح ذات البَين بينكم، وسيكون ذلك بمثابة عقاب لكم كنتيجة حتمية لصمتكم على وحشية تنظيم داعش التكفيري، أليس السكوت على الإجرام المُرتكب باسم الدين علامة رضى؟ لا دينَ لمَن يُكفِّر الآخرين باسم الدين، أيها الداعشيون إن كنتم حقاً تؤمنون بالله القادر على كُلِّ شيء، فهل هو بحاجة ليقوم البشر بالدفاع عنه؟ أليست مناداتكم بشعار الجهاد في سبيل الله تجعل من الله ضعيفاً غيرَ قادر على الدفاع عن نفسه؟ أليس ذلك منتهى الكفر والتجني على قدرته اللامحدودة؟
 
إذا كان للمسيحيين ثقة مهزوزة بمستقبلهم في العراق بسبب معاناتهم المُرة والمتواصلة حتى قبل احتلال تنظيم داعش الإرهابي لمدينة الموصل وإعلانه قيام دولة الخلافة الإسلامية، فإن تلك الثقة أصبحت الآن في خبر كان! ولم يبقَ لهم أمل في البقاء وإن كانوا على عِلم بخسارتهم لتاريخ مسيحيتهم لمدى ألفي عام في أرضهم إرث آبائهم وأجدادهم، وهذه الخسارة سيُعاني منها المسلمون في العراق والشرق الأوسط أيضاً لعدم اهتمامهم بالحفاظ على المكوَّن المسيحي الأكثر انفتاحاً في مجتمعاتهم من حيث اهتمامه بالعِلم والتعليم وتنشئة الأجيال ومساعدته بتنمية البلد ومناصرته لحقوق المرأة والإعتراف بكرامتها. إن جهود البطريرك مار لويس ساكو ومحاولاته مع اصحاب القرار والسلطة هي مشكورة وجديرة بالثناء، بيد أنَّ مخططات الدول الإقليمية والدولية ذات المصالح في إثارة الإضطرابات يطغى ضغطُها وتأثيرها على توجُّهاته ومطالبه الغالب عليها طابع الإطراء والثناء والرجاء المشوب بالإستجداء أحياناً، وذلك من أجل دفع الأذى وإبعاده  عن رعاياه، لا بل ينظرون إليها بأنها صادرة من موقع الضعف.

لا يمكن إغفال صيحات الإستنكار والشجب والإدانة التي تصدر عن المنظمات الإنسانية الدولية، وصرخات ذوي الضمائر الحية، فإنها مشكورة على اداء واجبها بتقديم المساعدات للمضطهدين والمطرودين من دورهم والمُصادَرة أملاكُهم ومقتنياتهم، ولكنَّ ذلك لا يُمثِّل ردعاً للمُعتدين الظلاميين الموغلين بممارسة الظلم والعدوان، فماذا إذاً بقيَ أمام المظلومين غير السعي كُلٌّ حسب إمكانيته لإيجاد حَلٍّ لمُعضلته، ولا يجوز الوقوف ضِدَّ اختياره.
 
يا أفراد العصابات دعاة الباطل الحمقى مغسولي الأدمغة ومعدومي الضمائر إنكم على الباطل، وقد يكون للباطل جولة ولكن للحق جولات. لا محالة بأنَّ باطلكم الذي أردتم تحقيقه سينحسر إن عاجلاً أو آجلاً، وسيطالكم الذل والهوان وستنهزمون كالجرذان طالبين الإختفاء في الجحور ولن تتوفر لكم! سيذكر التاريخ باللعنة أعمالكم المُشينة التي ارتكبتموها بحق الأبرياء! بحق المسيحيين الذين كان لهم السهم الأوفر في نهضة العراق الحديث، كما كان لأسلافهم الفضل في الإبداع الحضاري القديم. أيها الأوباش، إن المسيحيين هم ملح الأرض فإذا أزلتم هذا الملح ستبقى الأرض تافهة وعديمة الجدوى، هم نور الشرق كالمصابيح، فإذا اختفت المصابيح سيُخيم الظلام وسيتلاطم الأنام، وسيتفاقم الظلمُ والخصام.

أيها المسيحيون، ليست الضيقات بغريبة علينا، فقد أعلمنا بها ربُّنا وفادينا يسوع المسيح، بأننا سنعاني الكثير منها من أجل اسمه، وقد خبرها من قبلنا الآلاف المؤلفة من المسيحيين عبر الأجيال، فعلينا أن ننظر بعين الرجاء الى المسيح  مُخلصنا، فهو غير غافل عنا بل يرانا ويعلم بمتاعبنا، فلنوجِّه إليه أنظارنا بايمان وثقة فهو المُعين الحقيقي. إذا أوصِدت الأبواب أمامنا فلنطلب من المسيح فتحها فهو مالك المفاتيح لكُل الأبواب الموصَدة.

لقد اوصانا المسيح الرب: أن نُحبَّ أعداءَنا ونُباركَ لاعنينا ونُصلّيَ من أجل مُضطهدينا وأن لا نُقاوم الشرير! هل هنالك أبلغ من هذه الوصايا؟ نحن لا نهتم بهذا العالم الفاني لأننا نتوق الى العالم الخالد الأبدي، وهذا لا يعني عدم الإهتمام بما هو ضروري لديمومة الحياة كالعمل والبناء والعلم ليتسنى لنا مساعدة أنفسنا وإخوتنا الآخرين. أيها المسيح الرب لا تدع قِوى الشر أن تتمادى في تطاولها على قِوى الخير، إحفظ كنيستك المُفتداة بدمك والحاملة لصليبك على مدى مسيرتها الطويلة، إنَّ النكبات التي تنتابُها هي      المُحفِّز القوي لتجدُّدِها وشقِّ طريقها بعزم وثبات.

الدكتور كوركيس مردو
في 7/8/2014

93

لماذا لم ينعم العراق بالإستقرار منذ بداية الحكم الوطني




                                                                                                                                                     

لكي نعلم ذلك لا بدَّ لنا أن نُلقي نظرةً موجزة عن واقع الشعب العراقي فنقول: إن هذا الشعب  يختلف كلياً في وضعِه وتركيبته عن غيره من الشعوب، فمنذ أن قُدِّرَ له أن يستلم زمامَ حُكم نفسه بنفسه عام 1921 بعد انعتاقِه من هيمنة السلطنة العثمانية  البغيضة بفضل دول المحور ولا سيما بريطانيا وفرنسا اللتَين اقتسمتا المناطق التي استقطعتاها من ممتلكات الإمبراطورية الهرمة، وقع العراق والأردن تحت الإنتداب البريطاني، ووقعت سوريا ولبنان تحت النفوذ الفرنسي. فبالنسبة للعراق أراد المُستعمر البريطاني الجديد أن لا يهنأ هذا الشعب بحكم وطني تسود فيه العدالة والمُساواة، فاتبع معه اسلوباً سياسياً يضمن له السؤدد لمدى طويل عُرِف بإسلوب "فَرِّق تَسُد"، فأوقدَ نارَ الفتنة الطائفية المذهبية الخامدة منذ قرون طويلة بين أكبر مُكوَّنَين مذهبيَين من مكوَّنات العراق هما العرب السنة والعرب الشيعة، حيث أوكلَ مقاليد الحكم بأيدي السنة تحت راية ملكٍ سِنّي استقدمه من بلاد الحجاز، وجعل للشيعة دوراً هامشياً مقنعاً إياهم بمزاولة التجارة والأعمال الحرّة.
وسارت الأمورُ بعفوية تلقائية في ظِلٍّ من الأمان والإستقرار، ما كان يُعكِّرُ صفوها إلا بعض الحركات والأحزاب الناطقة بالوطنية ولكنَّها موجَّهة من قبل الجهات الأجنبية الخارجية المُتآمرة ذات الإيديولوجيات السياسية الخاصة، وبدأ منح إجازات لتلك الأحزاب منذ عام 1922 وحتى عام 1930 حتى بلغ عددُها تسعة أحزاب وكان هنالك حزبان على الأقل يعملان بشكل سري هما الحزب الشيوعي وحزب البعث. استطاع تنظيم عسكري من كبارضبّاط الجيش القيام بانقلاب ضِدَّ النظام الملكي في الرابع عشر من تموز عام 1958 سَمّاه ثورة ضِدَّ النظام الرجعي الديكتاتوري، وتسلَّم السلطة العسكرُ بزعامة  قائد الثورة الزعيم عبد الكريم قاسم، ومنذ ذلك الحين فقدَ العراقيون الحرية والأمانَ وحلَّ مَحلَّها العنفُ والإستبداد، إذ لم  يلبث قادة الثورة طويلاً حتى شكَّل بعضُ الضباط المشاركين بالثورة المُتأثِّرين بالمد القومي العربي تكتُّلاً سِرياً ضِدَّ قيادتهم التي كانت بنظرهم ضِدَّ القومية العربية وتُمثِّلُ مذهباً شيعياً مُخالفاً لمذهبهم السني، فسعوا لإزاحتها والإستئثار بالسلطة، إلا أنَّ محاولتهم انتهت الى الفشل، وكان الموت نصيبهم. وبالرغم من ذلك  فإن المؤامرات تواصلت لذات الهدف، وتوالت الإنقلابات العسكرية، حتى انتهت بانقلاب 17 تموز عام 1968 بزعامة قادة عسكريين عقائديين منتمين الى عقيدة حزب البعث، ومن خلالهم استطاع الحزب فرض سيطرته الكاملة على كافة تنظيمات الدولة العسكرية والمدنية.
وهكذا عادت السلطة الى السنة، وجرت غربلة كُلِّ مُعارض لتوجهات حزب البعث القومية، وترسَّخ حكم الحزب الشمولي الواحد، وفي خلال العقد الأول من الحُكم البعثي، شهد العراق تقدُّماً ملموساً في مجالات عِدة كالتعليم والعمران والخدمات، وما إن استفرد بزعامة الحزب والدولة الرئيس الأوحد حتى جنح نحو ممارسة الديكتاتورية، فمنح نفسه أعلى رتبة عسكرية هي"المُشير". كان الرئيس الأوحد سنِّياً قبلياً حتى النخاع يحلم بالخلافة الإسلامية المنقرضة، ويكره الآخر الشيعي كُرهاً شديداً، ومن هذا المنطلق زَجَّ العراق عام 1980 بحرب ضروس مع جارته ايران الفارسية الشيعية دامت ثمان سنوات. فكانت كارثة إنسانية ناءَ تحت كلكلِها الشعبان العراقي والإيراني، وقد احترق في أتون نارها آلاف مؤلفة من أبناء البلدين، مُخلِّفةً مِئات الآلاف من الأرامل والأيتام والمعوَّقين، كان نصيب المسيحيين الأوفر نسبة الى قلَّة عدد نفوسهم. ولم تنتهِ مُشكلة العراق بنهايتها بل تعدَّتها الى استدراج العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية لغزو الكُويت لإتخاذها منه ذريعة من أجل تفتيت جيشه وتدمير مُعَداته وتخريب البنية التحتية للعراق. مِمّا ألَّبَ عليه غضب العالَم أدَّى به الى استنكار ذلك الغزو ودفعه الى تشكيل تحالف دولي كبير بزعامة الولايات المتحدة الأمريكية، فتمَّ فرض العقوبات عليه وأفظعها كان الحصار الإقتصادي القاسي الذي أثقل كاهل الشعب العراقي كثيراً، واستمرَّ ذلك إثنا عشر عاماً رغم تحرير الكويت عام 1991.
سُقتُ هذه المقدمة لأنها أوحت إليَّ في حينها بأن إطلالة القرن الواحد والعشرين كانت غير مُبشرة بالخير، إذ كان العالم يتوقع عمليات إرهابية في مكان ما غير مُعيَّن، ففي الحادي عشر من ايلول عام 2001 فاجأ إرهابيو تنظيم القاعدة بزعامة اسامة بن لادن بشنِّ هجوم غير مسبوق على الولايات المتحدة الأمريكية في عقر دارها، وذلك بتفجير بُرجَي المُراقبة في مدينة نيويورك، فكانت هذه الفاجعة المؤلمة فاتحة لردِّ فعلٍ أمريكي عنيف تلتها أحداث خطيرة أصابت مناطق عالمية كثيرة أبرزها قيام الولايات المتحدة الأمريكية بضرب معاقل الإرهاب في أفغانستان المُتَّخِذ منها الإرهابُ مركزاُ، ثم غزو العراق.
 وفي مطلع القرن الحادي والعشرين وبالتحديد في التاسع من نيسان عام 2003 جرى تغيير النظام السياسي في العراق من قبل الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، حيث تَمَّ غزوُ العراق استناداً الى قرار دولي أصدره مجلس الأمن ردّاً على احتلال العراق للكويت، فأحدث ذلك تدميراً هائلاً وشاملاً بكُل مرافق الدولة العراقية المدنية والعسكرية وتخريباً للبنية التحتية. وعُيِّنَ بول برايمر الأمريكي كما تردَّد القول حاكماً مدنياً من قبل الرئيس جورج بوش بناءً الى تزكيته من قبل رامسفيلد، وزوِّد بخطة مُعدة من قبل الإدارة الأمريكية حول مصير العراق بعد الإحتلال ومن ضمن الخطة قرار اجتثاث آثار البعث من وسط المجتمع العراقي. أراد بول برايمر إقامة نظام حكم فيدرالي، وأن يكون للطائفة الشيعية النصيب الأكبر في تشكيلة مجلس الحكم الإنتقالي باعتبارها الشريحة الأكبر عدداً في المجتمع العراقي مع رغبته بسيطرة الإسلاميين على الغالبية العلمانية، وهنا بدأت عملية المحاصصة المعقَّدة حيث دبَّ نزاع مرير بين الفئات المُشكَّل منها مجلس الحكم وكُلٌّ منها تسعى لحصةٍ أكبر من غيرها.
 فتوالت المُشاحنات بعد رحيل برايمر بين الكتل الطائفية والمذهبية واستفحل الخصام المذهبي المُزمن بين العرب الشيعة والسنة حتى تحولَّ الى صراع دموي بين الجانبين يسعى كُلٌّ منهما للإستحواذ على السلطة بالكامل لينتقم من خصمه ويحُدَّ من طموحاته، أما المكونات الصغيرة الأخرى باستثناء المكون الكردي فقد غدت ضحية هذا الصراع وبخاصة المكوَّن المسيحي الذي اتخذ موقف الحياد ومع ذلك لم ينج من الإضطهاد! إذاً أساس البلاء في العراق هو عمق العداء المتوارَث بين الشيعة والسنة منذ انتهاء عهدِ الراشدين من الخلفاء! وللأسف يظهر أنَّه غير قابل للإنتهاء!!! وها نحن نُشاهد اليوم تداعياته المريرة بسيل لا ينقطع من الدماء!
الدكتور كوركيس مرد
في 17 / 7 / 2014


94
كيف يمكن لمسيحيي العراق والشرق الأوسط ضمان مستقبلهم في بلدانهم الأصيلة وهم يواجهون المخاوف والصعوبات من جرّاء التطرُّف الديني المتفاقم يوماً بعد يوم وليس هناك في الأفق ما يُشير الى توقفه أو حتى انحساره؟ إنَّ الشعوب في الدول الغربية يشعرون بمعاناة مسيحيي العراق وسوريا ومصر وغيرها، ولكنَّ اصحاب القرار في هذه الدول وإن كانوا يُدركون هذه المُعاناة لكنَّهم لا يرغبون الإعتراف بها، لأنَّها مِن تخطيطهم وتآمُرهم، ووضع مسيحيي العراق من جرّاء هذه المؤامرة الدولية هو الأسوأ، وقد استغلَّ هذا التآمُر الدولي المتطرفون الإسلاميون لتفريغ ليس العراق من مسيحييه فحسب بل الشرق الأوسط بأسره وبذلك يقضون على أكبر عائق لتحقيق مُخططهم التقسيمي لبلدان الشرق الأوسط. ولهذا استولى القلقُ على المسيحيين بشأن مصيرهم المستقبلي المجهول! هل يستمرّون على الإستكانة الى الصبر رغم كُلِّ الصعوبات والإنتهاكات و... والى متى؟ مَن يضمَن عدم تعرُّضهم للقتل أو الطرد من أرضهم على غِرار ما تعرَّض له اليهودُ في منتصف القرن المنصرم؟ أليست هذه أسئلة مُحقة تُراود أذهان المسيحيين حول مستقبلهم؟ .
لا أريد التوغل في عمق التاريخ لِما قبل الميلاد والتحدُّثَ عن الأقوام الأصيلة التي ظهرت على أديم بلاد ما بين النهرين فقد سبق وأن أشبعناها درساً وبحثاً أنا وغيري من الباحثين والمؤرخين، وباختصار شديد فقد كان أسلاف مسيحيي اليوم هم اصحاب هذه البلاد، وكان الكلدان آخر الأقوام الأصيلة الذين فرضوا  سيادتهم الكاملة عليها وعلى مُجمل بلدان الشرق الأوسط منذ عام 626 وحتى عام 539 ق. م الذي فيه سقط صولجان حُكمهم على ايدي الفرس الأخمينيين في عهد ملكهم كورش الثاني ووقعوا تحت نفوذهم، وبعد سقوطهم واستيلاء الفرس الفرثيين على البلاد، بزغ فجرُ البشارة المسيحية في عهدهم، فدخل المبشرون الى هذه البلاد، وكانت ديمغرافية الكلدان الأكثف بين شعوب المملكة الفرثية فكانوا أول المتهافتين على قبول بشارة الخلاص المسيحية بشوقٍ وفرح منذ دخولِها بلاد وادي الرافدين "عراق اليوم" بحسب التقليد الكنسي وكتابات الآباء في بداية العقد الرابع من القرن الميلادي الأول، حيث يروي التقليد بأن توما الرسول كان أول المبشرين الأربعة لهذه البلاد أثناء مروره فيها ما بين 35-37م وهو في طريقه الى الهند لتبشير سكانها، وكان في رفقته أدَّي أحد الإثنين والسبعين تلميذاً من تلاميذ المسيح الرب، ولدى مغادرة الرسول توما البلاد لمتابعة رسالته أوكل مهمة مواصلة التبشير الى أدَّي والتحق بأدّي تلميذاه أكَّاي وماري.
الكُلُّ يعلم بأن رُسل المسيح وتلاميذه كانوا يهوداً، وبعد صعود الرب وحلول الروح القدس على الرسُل، بدأ الرسل والتلاميذ بنشر بشارة الخلاص في كُلِّ مكان، وكانوا يتحدَّثون باللغة الآرامية الكلدانية التي تعلَّموها من آبائهم وأجدادهم المسبيين في بابل الكلدانية منذ 587 ق. م، ثمَّ انتشروا في مُختلف أنحاء بلاد الكلدان الأصلية"كلدو وآثور والجزيرة" حيث يقول المؤرخ "كراتز" في كتابه (تاريخ اليهود ص 165) بأن بلاد الكلدان هذه كانت تعجُّ ببقايا اليهود وبخاصةٍ في منطقتَي كلدو وآثور، وهم الذين شكَّلوا النواة الأولى في تقبلُّهم لبشرى الخلاص المسيحية بفضل إخوتهم المبشرين وبحكم مشاركتهم إياهم بالإنتماء القومي وبالذهنية الواحدة وتحدثهم باللغة الواحدة هي الكلدانية.
كانت كنيسة المشرق كلدانيةً أصلاً ومنشأً، ومنذ نشأتها جعلت أبوابَها مُشرعة لكُلِّ الأقوام الراغبين في الإنتماء إليها، وكانت الجزء الكنسي الشرقي المُكمِّل لكنيسة الغرب الأم الجامعة لغاية منتصف القرن الخامس أي حتى ظهور البدعتين النسطورية والمونوفيزية وانتشارهما، وقد اكتوت بنارهما رغم بعدِها عن موقع ظهورهما في الغرب، فأدَّتا الى انشطار كنيسة المشرق الى شطرين نسطوري ومونوفيزي مُعاديَين واحدهما للآخر، وكلاهما معاديان للكنيسة الأم الجامعة. وكان الشطرُ النسطوري الأكبر وكنيسته الأضخم والأوسع وبسبب تبنيها للمذهب النسطوري دُعيت بالكنيسة الكلدانية النسطورية وللإختصار الكنيسة النسطورية.
وعقب هذه التطورات التي طرأت على كنيسة المشرق، حدثت القطيعة بين أكبر كنيستَين، كنيسة الغرب الجامعة وكنيسة الشرق الفارسية، وكأن هذه القطيعة التي حدثت رغم إرادتهما، جاءَت بصالحهما، لتكون حافزاً لكِلتَيهما لخوض مباراةٍ ثورية لنشر بشارة الخلاص المسيحية في كافة أرجاء الكرة الأرضية، فنرى كيف أنَّ الكنيسة الكلدانية النسطورية قد شمَّر أبناؤها من كهنةٍ ورهبان وتجّار عن ساعد الجِد لنشر بشارة الإنجيل فأوصلوها رغم كُلِّ المصاعب الى الهند وأقاصي الصين مدفوعين من ايمانهم العميق وغيرتهم المنقطعة النظير. تميَّزت كنيستُنا بالشهادة والشهداء إذ منذ نشأتها تعرَّضت لإضطهادات الأقوام الذين رزحت تحت حكمهم الجائر بَدءاً بالفرس فالعرب فالمغول فالعثمانيين، مُقدِّمة أفواج الشهداء الذين خلَّد ذِكرَهم بعضُ شعرائنا الكلدان بقصائد مُسهبة إكراماً لشجاعتهم، وأشهرهم كان مار ماروثا اسقف ميافارقين التابعة اليوم لتركيا مثل الكثير من أمثالها كنصيبين والرُّها وغيرهما، نُرتِّلها صباحاً ومساءً، حيث نستمدُّ منها روحانية عميقة تمنحنا القوة والصمود للبقاء في ديارنا. والجدير بالذِكر بأن المسيحيين في العراق وبلاد العجم كانوا يشكِّلون العدد الأكبر من سكان هذين البلدين إبان اجتياح العرب المسلمين لهما في بدايات العقد الرابع من القرن السابع، أما الآن فإن عددنا ولشديد الأسف ضئيل جداً قياساً بالعرب والأكراد وذلك نتيجة الإضطهادات والقتل والتهجير بسبب التمييز الديني.
ولم يتوقف هذا المُسلسل الإضطهادي الرهيب ضِدَّ الكلدان وبقية المسيحيين في العراق حتى يومنا هذا، وقد زَخُمَ منذ التغيير السياسي الذي وقع عام 2003 نتيجة الصراع المتناقض ايديولوجياً وطائفياً ومذهبياً حيث تبارت بتصعيده الكُتل والأحزاب التي تسلَّمت زمام السلطة، فأدّى بها الى التباعد وعدم التفاهم فيما بينها، واستغلَّت ذلك القوى الداخلية المتطرفة والخارجية المناوئة، فعملت على وأد العملية الديمقراطية في مهدها، وصَدِّها عن بناء نظام سياسي جديد وعادل، وكان وقع ذلك شديداً على العراقيين عامة وعلى المكونات الصغيرة ولا سيما المسيحيين منهم خاصة. لقد كان قيام مُقاتلي داعش باحتلال الموصل في العاشر من حزيران الجاري 2014 مُفاجأة للشعب العراقي غير متوقعة، ولا سيما بأنها لم تلقَ مقاومة تُذكر من قبل رجال الجيش والأمن المحلي فاعتبر البعضُ بأنَّ الأمرَ إن لم يكُن تخاذلاً فبالتأكيد كان تواطؤاً! لقد اهتزَّ لهول صدمة احتلال الموصل ابناء المكونات الصغيرة غير المسلمة، وبخاصة المسيحيين منهم حيث اعتبروها كارثة مُرعبة تُهدِّد وجودهم، فلاذوا بالفرار الى أماكن آمنة. ومن الجدير بالملاحظة فإنَّ مَن اهتمَّ بحالهم وسارع الى نجدتهم لم يكن المتبجِّحون بتمثيل المسيحيين في الحكومة والبرلمان، وإنما الكنيسة الكلدانية رئاسة ورُعاة وانضم إليهم بعض رُعاة الكنيسة السريانية، ألا يُعتبر ذلك خيانة من قبل هؤلاء المُدَّعين بتمثيل المسيحيين تجاه الشعب المسيحي؟ أليست هذه المأساة اختباراً لعدم مصداقيتهم؟ ألم يُثبت عدم اهتمامهم حتى بإبداء التشجيع المعنوي للتخفيف من معاناة منتخبيهم بُعدَهم الكبير عنهم ولا يهمُّهم أمرهم بأيِّ شيء! وإنما استماتتهم للحصول على المناصب بالصعود إليها على أكتافهم تأتي من هرولتهم للحفاظ على مكاسبهم المادية ومصالحهم الذاتية المُفرطة بالأنانية الخاصة، تَبّاً لهم.
إنني من موقعي كشماس في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وكباحث ومؤرخ أوجِّه نداءً خالصاً الى رؤساء كنائس الشرق أصحاب الغبطة وأحبارها الأساقفة الأجلاء وكهنتها الأفاضل وشعبها المؤمن، بأن الواجب يُحتمُ علينا جميعاً قراءة علامات الأزمنة، فقد آن الأوانُ لنتوحَّد كُلُّنا لنُصبح قوة واحدة متحدة، تستطيع أن تلعب دورها الكبيرفي محيطها العربي الإسلامي، بوقوفنا ضِدَّ التناحر الإسلامي المذهبي السني والشيعي، ونؤثر عليهم بعدم الإنزلاق الى التقسيم، لأن انقسامهم سيؤدي الى قيام دويلات مذهبية وهو مسعى تسعى إليه الدولة العبرية لتأخذ منه مُبرِّراً لإعلان دولتها المذهبية اليهودية التي تُجاهر بها، ولن يكون هناك مَن يلومها، حيث تكون بين يديها حجة بأنَّ هناك دويلات مذهبية قد سبقتها. فحذار أيها الإخوة العرب المسلمون من الإنجراف نحو هذا المشروع التآمري، فإننا نحن مسيحيو الشرق سنحاول بكُل ما اوتينا من حكمة ودراية لنقول لكم بأنَّه مشروع بغير صالحكم ولا بصالح الوطن أيَّاً كان، فيا ليتكم تدرسونه بتمعن كبير وتحليل مستفيض. إننا نحن المسيحيون أبناء الرجاء وسنصمد في أرض الشرق أرض آبائنا وأجدادنا مهما إدلهمَّت علينا الخطوب، إن ثقتنا بالله كبيرة بأنه لن يتركنا، وسيستجيب الى تضرُّعاتنا، فيلقي بسلامه في ربوع شرقنا الحبيب لينعم سكانُه بكُلِّ فئاتهم وأقوامهم وأديانهم بالهدوء والسلام والإستقرار!





                      الشماس د. كوركيس مردو
      في 29 / 6 / 2014 


95

أسئلة كثيرة تتردَّد على شفاه العراقيين ولا سيما مسيحيي العراق منهم، تهفو إليها نفوسُهم وتتوق إليها قلوبُهم، تُرى، متى سيتوقَّف القتلُ في عراقنا؟ ومتى ستُقطع يدُ الإرهاب العابثة في مجرى حياتنا مُنغصةً عيشَنا وعلى مَدَيات النهار وآناء الليل ؟ متى ستُهزَم موجاتُ الغزاة العابرة للحدود، القادمة من بؤر التآمُر فيتطهَّر العراقُ برُمَّته مِن رِجسهم؟ اليست الأعوامُ الحادية عشرة منذ التغيير السياسي في عام 2003 وحتى اليوم الحافلة بكُلِّ أنواع  الصراع الدامي الطائفي والمذهبي كافية لإشباع شراهة الطامعين بالسلطة؟ أليست هذه الحالة المُزرية التي شجَّعت شُذّاذ الآفاق المُغرَّر بهم للقدوم الى العراق بتأييد وتشجيع ودعم  الجهات الإقليمية والدولية المعادية للعراق واستقراره؟ متى ستتدارك الأطرافُ المتصارعة على حُكم العراق عمقَ المأساة التي أوصلوا العراق إليها، فيعمدوا الى تصفية قلوبهم ونياتهم، فيجلسوا على طاولة المفاوضات ويصرحوا بأخطائهم التي اقترفوها بحق العراقيين أبناء شعبهم؟
متى ستُطبَّق الديمقراطية  من قبل ماسكي زمام السلطة في العراق فعلياً وليس تشدُّقاً؟ متى ستتفتَّح أذهانُهم لتقبُّل مُختلف الآراء ووجهات النظر، لكي يسهل تداولُ السلطة طبيعياً بيسر وشفافية؟ أليست هذه المُمارسة مدخلاً ليعُمَّ الإزدهارُ بلدنا العزيز العراق، فينعم أبناؤه بالخير الوفير؟ لماذا يُحرَم أبناءُ العراق الثري من ثروته فلا يتمتعون بالرخاء والرفاهية، لكي لا يكون فيه فقيرٌ يصعب عليه العيش، أو مريض لا يستطيع الإستشفاء، أو مُهمَّشٌ يضطرُّ لهجر الوطن؟ إن هذا كُلَّه يتأتّى من انعدام العدالة الإجتماعية وبسبب ذلك يُفتَقد السلامُ في الوطن! إن للسلام أربعَ مُرتكزات هي الحقيقة والمحبة والعدالة والحرية فأين من توفيرها أصحابُ السلطة في العراق؟
لماذا يُعاني العراقيُّ من نعمة الكهرباء وبلا انقطاع، ألا يستحق أن يعيش في دائرة النور بدل الظلام، ويهنأ باستخدام المياه بوفرة وبدون عناء، ولماذا تتكدَّس النفايات في أزقَّة العراق وساحاته؟ متى يتوفَّرُ الأمان لأطفال العراق ؟ متى يطمئنُّ الناس على سلامة أبنائهم في ذهابهم الى المدارس وإيابهم؟ إنها أسئلة آنية مشروعة وعادلة فهل مِن مُجيب؟ إننا نُناشدُ أصحاب الشأن العمل على تذليل هذه الصعوبات لتسود المحبة بينهم وبين الشعب، ويجب أن لا تقتصر المحبة على الكلام فستكون عديمة المفعول إن لم تُقرَن بالعمل والحق!
أليس أهمّ ما يرنو إليه العراقيون عودة الأمن الى ربوع بلدهم الجريح، متى يتوقف تهديدُهم وتشريدُهم وإجبارُهم على الفرار والنزوح ولا سيما الشريحة الأضعف بينهم المسيحيون الذين لا حول ولا قوة لهم للدفاع عن انفسهم؟  لماذا يَعبثُ بحياة المسيحيين مُقاتلون حمقى وحاملو سلاح مستهترون مواطنون كانوا أو وافدون؟ لماذا يجعلون من القتل قدراً للمسيحيين ومصيراً محتوماً، ألأنَّهم سكان العراق الأصليون فالى استئصال شأفتهم يسعون؟ المسيحيون لا يطلبون المستحيل ولا يطمعون بما ليس لهم حقٌّ به، وإنما يحلمون بالأمان في وطنهم، وبعمل يُبعِد العوز عنهم، وبحبٍّ يتبادلونه مع شركائهم في الوطن، فهل إنَّ ما يسعون إليه ليس من صميم حقِّهم؟
إن المسيحيين في الشرق الأوسط ولا سيما في العراق وسوريا هم ضحية النزاع القائم في عالَمِنا الراهن، حيث هناك نزعتان أو قوَّتان تلعبان لعبةً قذرة بمصيرهم في محيطهم الشرق أوسطي، الأولى قوة دينية مُسيَّرة تُريد فرض إرادتها ودينها عليهم بقوة السلاح أو طردهم من ديارهم الأصلية، والثانية قوة العولمة أي نزعة الأنظمة  الإلحادية التي تُقصي الله وتُشرِّع ما تُريد سَعياً  الى بسط هيمنتها على البشرية وفرض برنامجها الإلحادي عليها، وفي الواقع فإنَّ كلتيهما نزعتان شريرتان تعملان على استمرار دوّامة العنف والقتل والتخريب، بينما العالَم بحاجة الى تعزيز ثقافة العدل واحترام الكرامة الإنسانية واستتباب السلام ولكن فلتعلم القوتان الغاشمتان بأن رجاء المسيحيين بالمسيح قويٌّ ومتجدِّد، وهو وحده سيبقى ملاذهم ومنقذهم في الأوقات العصيبة، وسيواصلون قبول التحديات بصبر وايمان، ممتلئين من سلام المسيح الذي يمدُّهم بالثبات والشجاعة لمجابهة المظالم والمُلِمّات.
كلمة أخيرة أوجهها الى الشعب العراقي بكُل فئاته، إن وطنكم مُعرَّض للتقسيم وما أنضج عملية التقسيم هي صراعاتكم الطائفية والمذهبية التي لم تضعوا حداً لها، فالشيعة بعنادهم واستئثارهم بالسلطة أغضبوا السنة فلجأوا الى السلاح ومحاربة الشيعة، وتلكؤ السلطة المركزية ومماطلتها بتسوية المناطق المتنازع عليها بينها وبين اكراد كردستان عمَّق هوَّة النزاع بين الجانبين الى حدِّ اختمار فكرة الإستقلال لدى الأكراد، وقد يتم إعلان ذلك بين لحظةٍ واخرى. فيا رجال العراق الأوفياء للوطن العراق! اين ايمانكم بأرض العراق؟ وأين عهدكم بالحفاظ عليها؟ إنَّها محنة غير مسبوقة بل مؤامرة مُعَدة سلفاً. هبوا للتصدّي لها بكُل وسيلة ومهما كان الثمن، فليس هناك أغلى من الوطن! وقد أفرز التاريخ أمثلة بهذا الصدد، بأنَّ الشعب المخلص لتراب وطنه هو المنتصر في النهاية!

الدكتور كوركيس مردو
في 24 / 6 / 2014 


96

دور الكلدان في الحضارة العالمية والمسيحية عبرالعصور
الشماس د. كوركيس مردو
توضيح
إن الدورَ الحضاري العالمي للكلدان يبدأ قبل الميلاد بما يزيدُ عن خمسةِ آلاف عام، أما دورُهم الحضاري المسيحي فيبدأ منذ بدايةِ العهد المسيحي في بلاد بين النهرين "العراق". إنَّ هذا الدورَ يحتاجُ الى مجلّدات تاريخية مُسهَبة نظراً لعراقةِ هذا الدور وأصالتِه وقوةِ إشعاعِه، فعاهدتُ نفسي ببذل قصارى جهدي لإبرازه في أربعةِ مجلّدات ضمن تاريخ كنيسة الكلدان المشرقية، وقد استطعت بعون الرب إصدار المجلَّد الثاني لتاريخ بلاد الرافدَين بعنوان "تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية" في العام المُنصرم 2013م ويتناول تاريخَها منذ تأسيسِها في القرن الميلادي الأول وحتى السابع. أما في هذا البحث فهَدفي هو استجلاءُ صورةٍ مصغرة بقدر كبير من الإيجازعن مدى مساهمةِ آبائنا وأجدادِنا الكلدان في رفدِ التراث الإنساني والحضاري ليس على نطاق بلاد بين النهرين"العراق" فحسب، بل على النطاق العالمي، فلا بدَّ من التعرُّج ولو بايجاز الى دورهم قبلَ الميلاد، حيث يمتدُّ لأكثر من خمسةِ آلاف عام كما نوَّهنا أعلاه، ثمَّ نتحرَّى عن دورهم بعد الميلاد. أما المُجلَّد الأول لتاريخ بلاد الرافدَين "الكلدان والآشوريون عبر القرون" فقد صدر عام 2011م وكلا المُجلَّدَين متوفِّران في كافة مكتبات الكنائس الكلدانية في ولاية مشيكان ومدينة سان دييكَو في كليفورنيا.

الجزء الأول

بمناسبة السنة الكلدانية الجديدة 7314
الإشعاع الكلداني قبل الميلاد

الأمة الكلدانية اكتنفتها عصورٌمشرقة واخرى مظلمة، ففي المُشرقة منها تجلَّى فضلُها وسطع عِزُّها وتلآلآ مجدُها، من حيث العِلم والثقافة والحضارة، فبرهنت وبحقٍّ بأنَّها أبرزُ الأمم القديمة وأعرقُها، ومِن حقِّها أن تتباهى وبفخر بمزايا أبنائها المتفوقة في حقول العِلم والأدب والفن، ويكفيها فخراً إتقانُهم لفنِّ الكتابة! ولم تَبخَلْ هذه الأمة الكريمة بتلقينِه لمُختلف الشعوب الأخرى لتغدوَ مدينةً لفضلها الكبير. ومن جانبها اعتبرَتْه نوراً أهدته للعالَم ليستضيءَ به.

إنَّ ما توصَّل إليه الكلدانُ قديماً من صناعةٍ ومعرفةٍ بشتّى أنواععِهما بلغتا من الإتقان حينها أسمى درجة، ومنهم اقتبسها اليونانُ والفرسُ وغيرُهم من الشعوب القديمة، وقد خَصَّ بهما وصفاً المسيو لنورمان (تواريخ الشعوب الشرقية القديمة ج 5 ص 103) ما تعريبه: <إنَّ انسجة الصوف والكتّان التي كانت تُنتجُها معاملُ بابل حازت اعتباراً كبيراً بلغ أعلى درجةٍ من الأهمية، كما إنَّ الأقبيةِ والطنافس التي كانت تستحضرها لم تَسبقها إليه أيَّة معامل اخرى! وكانت المعاملُ حينذاك مُقامةً في بابل وفي سائر مدن المملكةِ ونواحيها. وكُلُّ الذين كانوا يُلاحظونَ دقة تلك الأنسجة وزخرفتَها لا يسعهم إلا الإعتراف بأهلية ومهارة نُسّاجِها وإطراء سلامة وسُمُوِّ ذوقهم. والأغرب في الأمر، أنَّ النساءَ وحدهنَّ كُنَّ يَعمَلنَ على تشغيل تلك المعامل في اوقات الفراغ. ويُقدَّرُ للفُرس خلفاءِ الكلدان إتقانُهم ومُحافظتُهم بكُلِّ دقةٍ على تلك الإبداعات الصناعية نفسِها. ويُضيفُ لَنورمان في (الصفحة 219 من المصدر السابق) إنَّ العنصرَ النسائي للضعب الكلداني وحدهُ كان يقومُ بنسج الثيابِ الملكية والنمارقِ ذات التصاوير الخالبة للألباب والتي يُنسَجُ على نمطِها في ايامنا. ولذلك اكتسبَت الأنسجة البابلية شهرةً فائقة وذات صيتُها في كُلِّ جهات العالَم ووجدت تفضيلاً لدى الملوك والوزراء وجمهور الأغنياء... وقد أشار إليها الكتابُ المقدس/ سفرُ ايشوع بَرنون (9 – 21)، وكان يتهافتُ الى شرائها المُنبهرون بها ولا سيما نُبلاء روما ويدفعون ثمنها ما يُعادل ثِقلَها ذهباً. فإنَّ "متلُّوس شيبيون" دفع ما يُساوي اليوم 168000 فرنك لقاءَ مُتّكأٍ ثلاثي بابلي. وإنَّ قيصرَ روما نيرون دفع لشراءِ قسمٍ من هذه الأنسجة نفسِها ما يُساوي اليوم 840000 فرنك>. ولهذا قال المسيو اوجين منتز: ليس هنالك مُبالغة في قيام الشعراء اللاتينيين بإطراء الأنسجة البابلية وبالأخص اللحف البابلية بعبارة "كانت تفوق كُلَّ وصف" إذ كانت في الحقيقة كذلك.



ويَستطردُ لَنورمان: لقد احتفظ الشرقُ بمكانته المرموقة الى يومنا هذا كموقع وحيد من حيث تفرُّده بالحيازة على فنِّ الصناعة والتطريز والنقش الموروث عن مَهَرَة بابل المشاهير، وهو دليل يؤيدُ ويُثبتُ تقاليدَ تلك الشعوب القديمة المتمدنة. فإنَّ تطريز الأنسجة في ذلك الزمان بالقصب وتزيينِها بالتصاوير المُبهِجة والألوان الطبيعية، أعطى شهرة لصُنّاعِها تُغني عن وصفهم... أما المهارة الفنية في تنزيل القدماءَ الذهب والفضةِ على الفولاذ فكان أجدادُنا القدماء يُتقنونها بدِقَّةٍ، حتى إنَّ هذا الفنَّ في الأزمنة المتوسطة أعطى لمُزاوليه في مدينتي بغداد والشام شهرة عظيمة لإتقانِهم له، وكان بين سكّانِ هَتين المدينتَين مَن يُحسنون الترصيعَ والصقلَ بالمينا والحفرَ على الحجر وتجهيزَ الزجاج بشكل مُتقنٍ ودقيق. فكُلُّ هذه الفنون كان الكلدانُ يُزاولونها. ولا ننسى بأنَّ العُمّال كانوا يُهيِّئون عجيناً من الترابَ الأحمر ليصنعوا منه الآجر والأوعية الفخارية لإستخدامِها بعد شَويِها. أما المسيو اوبير فيقول ضمن (رحلته العلمية في ما بين النهرين ص 130) بأنَّ هناك موقعاً في شمالي بغداد يُدعى"موسى الكاظم" يسكنُه اناسٌ من بقايا الكلدان لديهم صنائعُ فائقة كالنقش والتطريز والصياغة ولا سيما الحفرُ على الحجر، وفيهم مَن قد أحرزَ مهارة متفوقة. وقد وجدتُّ بعض الانتيكات المزوَّرة ولكنَّها مُشابهة كُل الشبه للانتيكات الحقيقية،  والكثير من السياح الأجانب البسطاء ينخدعون بها لدقةِ صُنعِها.
ويقول المؤرخ لَنورمان (تواريخ الشعوب الشرقية القديمة ج5 ص 358) بأنَّ النقوش التي كانت تُزيِّنُ قصور مدينة نينوى كانت مطلية  بدهوناتٍ ذات ألوان زاهية تُنتَجُ في بابل ومنها تُجلَبُ الى نينوى لأنَّ المنتجَ الشبيه لها في نينوى كان شحيحاً قياساً بما كانت تُنتِجُه بابل، والزائر لمتاحف اوروبا يجدُ قِطَعا منها في باحاتهاً. وكانت بابل تَطلي صورها المنقورة بدِهان خاص، أما نينوى فكانت صورها المحفورة مطلية بالمينا. واستطاع المنقبون الإنكليز من العثور على أوعيةٍ فخارية متنوعة مثل الجِرار والأقداح والخوابي والزُرنيات في قبور الكلدان، وحتى اليوم يُلاحَظ وجودُ قِطعٍ عديدة من الطابوق المطلي باللون الأزرق منتشرة على تلال في ضواحي بابل مِمّا يُشكِّل دليلاً على وفرة استعماله من قبل الكلدان. وذكر المؤرخ تيودورس في (ج2 العدد 6و8) بأنَّ أسوار بابل التي أمر بإقامتها الملك الكلداني نبوخذنصر الثاني كان يُشاهَد عليها رسوماً لحيواتٍ متنوعة مطلية بأصباغ مختلفة الألوان.



جاء في (مجلة المشرق ع4 ص 923 وع5 ص 88) كان للكلدان باع طويل في فَنِّ النجارة، إذ كانوا يُنتجون أقواساً جميلة مِن صُنعِهم ويُبدِعون أنواعاً مِن الرسوم والتماثيل، ومنها ما زال مُصاناً في دار الإنتيكات في لندن وفي متحف اللوفر بباريس حيث تَجد فيه تمثالاً لأسدٍ وقِطعاً من عرشٍ ملكي. وإذا كانت هناك إبداعات للمتفنِّنين في صناعاتٍ من المواد العاجية والعظمية وهي الأصلب من المادة الخشبية المِطواعة للعمل اليدوي، أفلا يكون الوضع أكثر تقدُّماً بالنسبة للتفنُّن في العمل النجاري؟ ومن التفنُّن في نوعيةٍ مُعَيَّنة من الخشب هو قيام المُبدِعين بترصيع المُصنَّع منه نَقْشاً بالأحجار الكريمة او العاج، وكان الخشب المُفضَّل لديهم هو السندبان لوفرتِه في المناطق العالية من الجبال، وقد عُثِرَ لهم على أعمال منقوشةٍ على خشب السّاج والأبَنوس ايضاً، أما خشب الأرز فكان يُجلَبُ من لبنان ويُستخدم في البناء، وكذلك برع الكلدان في فنِّ النقش على الحجر وحفر الصور بشكلٍ بارز عليه.


 
أما براعة الكلدان في حقول العِلم فحَدِّث عنها ولا حرج، ولا سيما تفوّقهم في عِلم الفلك على سائر الأمم المعاصرة لهم، فلدى تسلُّم السلطة من قبل الملك الكلداني"نبونصَّر 747-734 ق . م" مؤسِّس السلالة البابلية الرابعة، عُرفَ بكونه ملكاً عزيزَ الجانب ميّالاً الى العِلم والتقدُّم الحضاري، ولفرط ولعِه بهذا الشأن صنَّفه المؤرخون كأحد رُوّاد حضارة العهد القديم. في عهده انتقلت بابلُ الى عصر مزدهر، شهد تطوُّراً كبيراً في عِلم الفلك. اشتهر هذا الملكُ باهتمامه الشديد في تدوين كافة الظواهر الكونية والأحداث الملازمة لها وتوثيقِها بشكل دقيق، مشجعاً العلماء على رصد حركة الكواكب والنجوم وكُلِّ ما يطرأ في المجال الكوني، كظاهرتي الكسوف والخسوف وتسجيل قياسات مناسيب الأنهار وتبدُّل أحوال الطقس. وقد ذكرت المؤرخة جان اوتس في كتابها(بابل ص 113) بأنَّ المصادر التاريخية اليونانية القديمة قد أشارت: بأنَّ الكلدانَ ومنذ عهد الملك نبونَصَّر747 ق.م قاموا برصدِ كافةِ حركات الكواكب والنجوم المعروفةِ آنذاك وتدوينِها بدقةٍ متناهية، وقد استند الفلكيون والرياضيون اليونانيون فيما بعد الى عِلم الفلك الكلداني واعتمدوه مصدراً لبناءِ معلوماتهم بهذا المجال.



يقول "ادورد كييرا" المؤرخ والآثاري الكبير في كتابه (كتبوا على الطين ص172): لقد بلغ الكلدان مرتبة متقدِّمة في علوم الجبر والهندسة والفلك، فإنَّ العالِمَين "نابة ريماني" الذي كان يعيشُ في بابل عام 500 ق.م و "كِدانو" قد طوَّرا عِلم الفلك ووصلا به الى درجةٍ متقدِّمة تمنحُهما استحقاقاً لدرج إسمَيهما بموازاة العلماءِ "غاليلو وكبلر وكوبرنيكوس" إذ في عام 367 ق.م توصَّل العالِم "كِدانو" الى تقدير مدةِ السنة الشمسية بدقةٍ متناهية لم يتعدَّ الفارقُ بينها وبين ما هو معروف اليوم إلا بزيادةٍ قدرها أربع دقائق ونصف الدقيقة.


ويقول المؤرخ "جورج رو" بأنَّ الكلدانَ ومنذ القرن الثامن عشر ق.م، توصَّلوا الى استنتاج الجِذرَين العدَدِيَين التربيعي والتكعيبي وبتطابق كبير لِما هو معروفٌ عنهما اليوم. ويُقال بأنَّ العالِم فيثاغورس ابتكرَ نظريته على نظريةٍ مُشابهة سبقَه إلى اكتشافِها العلماءُ الكلدان قبل عشرة قرون من الزمان، كما وضعَ الكلدانُ نظامَ قياسٍ للدائرة تحديداً بـ"360" درجة وللأفق "180" درجة. وقبل أكثر من 30 قرناً اخترع العلماءُ الكلدان الساعة المائية والساعة الشمسية وابتكروا النظامَ الزمني السِتيني المُتبَنَى من قبل العالَم أجمع حاليا، وهو احتساب الزمن بتقسيم "الساعةً الى ستين دقيقة والدقيقة الى ستين ثانية" بلإضافة الى ابتكارهم للوحدة الزمنية "اليوم، الشهر، السنة" فاحتسبوا عدد ايام السنة بـ"360" يوماً، ومدة اليوم "24" ساعة وقسَّموا أيام السنة الى إثني عشر شهراً. واستنبطوا الشهرَين الشمسي والقمري، وذلك عن طريق مُراقبتِهم لواحدةٍ من دورات القمر شهراً تِلوَ شهر وملاحظة تداعياتها نسبة الى الزمن، حيث اتَّضح لهم: بأنَّ كُلَّ اثنتَي عشر دورة قمرية أي بَدءاً بظهور القمر واختفائه يتمُّ خلالها تكرارُ وتجدُّدُ فصول السنة.



وقرَّروا اعتماد الأول من شهر نيسان، بدايةً لكُلِّ سنةٍ جديدة واعتبروهُ عيداً قومياً تتخلَّلُه احتفلاتٌ ضخمة مُطلقين عليه اسم "أكيتو أو اخيتو ويَعني الحياة" حيث كان الإعتقادُ سائداً لديهم بأنَّ الحياة والطبيعة تتجدَّدان في ذلك اليوم، ناهيكَ عن اكتشافِهم المُدهش بأنَّ الأرضَ والشمسَ والقمرَ وخمسة كواكب اخرى تُشكِّل مجموعة ترتبط ببعضِها البعض، وهي نظرية ثابتة لم يتسنَّ للعالَم إدراكها إلا بعد مرور عشرين قرناً من زمن اكتشافِها من قبل العلماءِ الكلدان. ومن ضمن اكتشافاتهم الفلكية الأخرى، ابتكارهم التقويمَين الشمسي والقمري على أساس أنَّ كُلَّ "235" شهراً قمرياً تُعادل "19" عاماً شمسياً. وللتوفيق بين السنتَين الشمسية والقمرية، نظموا تقويماً يستند الى احتساب "13" شهراً لكُلِّ سنة من السنين السبع من كُلِّ "19"سنة. وقد اقتبس يهودُ السبي البابلي هذا التقويمَ الذي وضعه العلماءُ الكلدان وما زالوا يستخدمونه لغاية اليوم.
وعن تفوُّق العلماء الكلدان في مجال عِلم الفلَك، يقول الباحثُ الآثاري "لينكدون" إنَّ أول مَن أوجد نظرية الأبراج واستطاع تحديدَ مسارالشمس واحتسابَ منازلها بدِقةٍ مُذهلة كان العلماءُ الكلدان منذ عام 700 ق.م كما نظموا جداول زمنية لظاهرتَي الكسوف والخسوف لمئاتِ السنين اللاحقة. أما المؤرخ الفيلسوف "بليني" فيُطري الفنَّ الكلداني بكُلِّ انواعِه حيث يقول: إنَّ مهارة الكلدان في ميادين الرسم والفن والعِلم، جعلتهم مؤهَّلين لنيل شرف الإمتياز والتفوُّق على مُعاصريهم الآخرين، فشهرة النسيج البابلي أخذت موقعاً مرموقاً لدى الفرس واليونان والرومان. أما عن مهارةِ الكلدان وتفوُّقِهم في عِلم استخدام المياه "العِلم الهيدرولوجي" فقد برهنوا عليه بإنشائِهم للجنائن المُعلَّقة في بابل التي عُدَّت إحدى عجائبِ الدنيا السبع في العهد القديم! تلك التي اوقعت العلماءَ حتى العهد القريب في حيرةٍ من الطريقة التي استخدمها المُهندسون الكلدان قبل نحو ألفين وخمسمائة عام لإيصال المياه الى ذلك العلوِّ الشاهق. وقد عثر المنقبون في منطقة بابل مؤخراً على بطاريةٍ جافة لا تختلف كثيراً عن البطاريات الجافة الحديثة التي تُستخدَم في توليد القوة الكهربائية، قالوا بأن تاريخَها يعودُ الى عهدِ الملك العظيم نبوخذنصَّر الثاني. ويُستَدَلُّ مِمّا تمَّ اكتشافه في الزمن الحديث والذي لا يُشكُّ في صحته بأن الكلدان قد بلغوا شوطاً متقدِّماً في شتّى العلوم وبخاصةٍ في عِلم الفلك! وفي كتابه (النجامة والتنجيم عند البابليين المطبوع عام 1911) يُعدِّد المُعلِّمُ الشهير "كارل بتسولد" هذه العلوم ويُثني عليها متعجِّباً من قدرة العلماء الكلدان الوصولَ الى هذه الحسابات الدقيقة بدون أن يكون لديهم الأجهزة المُخترَعة في هذه القرون المتأخرة. وقد أفادت (مجلة المشرق العدد 14 ص 972-973) بأنَّ اليونانيين اقتبسوا العلوم الفلكية آنذاك من الكلدان، وانتقلتْ من اليونان الى العرب.




وكانت صناعة الكتابة شائعة لدى الكلدان منذ أقدم الأزمان، ومن خواص لغتهم بحسب العلماء بأنَّ الأسماء فيها إمّا مجزومة او بالربّاص مختومة، والربّاص يقابله في العربية تنوين الرفع. وتذكر (مجلة المشرق العدد 8 ص 186-187) كان في كُلِّ مدينة كلدانية مكتبة تحوي كتباً شتى في العلوم والآداب والصنائع والتواريخ. وقام الملك الآشوري آشوربانيبال بإنشاء مكتبةٍ عظيمة في مدينة نينوى احتوت نتاجاتِ علماءِ بابل والمدن الكبيرة الأخرى لتُغطِّيَ الإفتقارَ الهائل الذي كانت تُعانيه نينوى من النتاجات العِلمية والثقافية بسبب انهماكِ الشعوب المنضوية تحت الحكم الآشوري بالحروب المتواصلةِ التي لم تُعطِ مجالاً لها لإكتساب الثقافة والمعرفة، فالفضلُ يعود لآشوربانيبال فقط لإستجلابها وجمعِها في مكتبة واحدة سُمِّيَت باسمه. ووصلت إلينا باكتشافِ هذه المكتبة من قبل المنقبين في تل قوينجق أحدِ خرائب نينوى الواقع مقابل الموصل الحالية.  وقد انتقلت آدابُ أبناء الأمة الكلدنية الى معظم الشعوب المعروفة آنذاك، وأكبر دليل على ذلك الصناديقُ الخشبية المملوءة بقطعٍ من الآجر مكتوبٍ عليها كتاباتٍ مسمارية بابلية كلدانية، المكتشفة عام 1888م في تل العمارنة في صعيد مصر. وهي تتضمَّنُ سِجِلاّت مملكة مصر الفرعونية على عهد الفِرعون امينوفيس الرابع ووالده امينوفيس الثالث الذي كان عهدُه سابقاً لعهدِ موسى النبي، واشتملت هذه السجلات على مُراسلات مُوجَّهةٍ الى فراعنة مصر وهي على نوعَين: أ – رسائل ملوك آسيا وامرائِها غير الخاضعين لمصر بل المنتصرين عليها وهم ملوك بابل وآثور والحِثِّيين. ب – رسائل ولاةٍ وامراء عديدين من سوريا وفلسطين. وقد أخذ العلماءَ العجبُ من كيفية دخول اللغة الكلدانية واستخدامِها في سجلات فراعنة مصر، فعزا البعضُ ذلك الى كون اللغة الكلدانية في ذلك العصر اللغة الرسمية المتداولة فيما بين الدول الشرقية، كما هي اللغة الإنكليزية في عصرنا هذا، أما البعضُ الآخر فيعزو ذلك الى أنَّ سكّان الولايات الشامية آنذاك كانوا يتحدَّثون باللغة الكلدانية. انظر (مجلة المشرق العدد3 ص 786).




كان الكلدان والآثوريون الكلدان سكّان المناطق الجبلية ومنذ القديم من الزمان يسوسون مُواطنيهم عبرَ قوانين وضعية متقنة وشاملة، ويكفي الكلدان فخراً وشاهداً على ذلك شريعة الملك حمورابي العظيم الذي يُغني ذِكرُه عن وصفه. عاش هذا الملك الجليل في القرن الثالث والعشرين قبل الميلاد وهو من أشهر ملوك الكلدان. لقد اهتمَّ حمورابي بالبحث عن كُلِّ القوانين والشرائع التي كان ملوك بلاد ما بين النهرين السابقين لعهده قد وضعوها من أجل توفير العدل والمُساواة بين رعاياهم، فجمعها ونقَّحها وأضاف الى شريعته منها ما لم يكن ضمنها، فجاء كتاب شريعته التي عُرفت باسمه "شريعة حمورابي" مكتملاً وشاملاً، حيث احتوى على 282 فصلاً في الحقِّ المدني وفي القضاء والتوظيف، وايجار واستئجار الأراضي وريِّها، ومرعى المواشي وغيرها، بالإضافة الى الحفاظ على الحقوق الشخصية وعدم التجاوز عليها، والأمور البيتية المتعلقة منها بالزواج من حيث حقوق الرجل والمرأة والأولاد وتقسيم الإرث، حالة العبيد والجواري، وظائف الأطباء والبنائين، اجورهم ومسؤولياتهم. عُثِر على هذه الشريعة مَطمورة في الأرض بمدينة شوشان عاصمة العيلاميين. لقد ترجمها الأب شيل الى الفرنسية، انظر (شريعة حمورابي الطبعة الثالثة/ باريس، 1905 ص 80) ويقول لقد اخذ الإندهاشُ منها معظمَ علماء اوروبا وترجموها الى لغاتٍ شتى! والى الجزء الثاني قريباً حول الإشعاع الكلداني في العهد المسيحي.



الشماس د. كوركيس مردو
في 1/4/2014م رأس السنة الكلدانية "اكيتو"7314 ك. 

97

مؤتمر مشيكان القومي الكلداني العام حقَّق مُعظمَ أهدافه المرجوَّة !




لقد كتب الكثيرون من ذوي الإتجاهات المختلفة بصدد المؤتمر القومي الكلداني العام قبل انعقاده وخلال أيام انعقاده في مشيكان للفترة من 15 – 19 أيار 2013 فإنَّ تلك الكتابات بإيجابيتها وسلبيتها كانت مصدر ثراء فكري للمؤتمِرين  الذين سادت بينهم الأخوة والألفة والإنسجام لم يسبق لها مثيل من قبل، فكانت جلسات المؤتمر غنية بالمواضيع المُدرجة في جدول أعماله، والمهيَّئة مُسبقاً من قبل الباحثين وأصحاب الفكر، تدارسها المؤتمِرون بمنتهى الجدية والإهتمام .



تمحور نقاش المؤتمِرين بالدرجة الأولى حول كيفية الحصول على حقوق الكلدان الوطنية والقومية المشروعة، ولماذا سُلِبت منهم  وبطرقٍ ملتوية وهم أعرق المكوِّنات الأخرى أصالة في بلدهم الأم العراق؟ ولماذا الكلدان بالذات من دون كُلِّ مكوِّنات العراق تعرَّضوا لهذا الغبن والإجحاف؟ لماذا يُطالَب الكلدان بالواجبات وفي ذات الوقت  يُحرَمون من الحقوق؟ هذا كان الدافع المُلح لقيام الكلدان بعقد مؤتمرهم العام ليرسم لهم طريقاً يؤدي بهم الى إزالة الظلم الفادح الواقع عليهم، وذلك عن طريق توحيد خطابهم السياسي وعملهم الميداني في داخل العراق، وهذا لا يتأتى من دون دراسة أفكار واقتراحات كافة أعضاء المؤتمر !






إذا كان هدف الكلدان من مؤتمرهم المطالبة بحقوقهم، أليس الأمر بديهياً ومن صميم تطلعاتهم؟ وهل يعني ذلك أنهم ضِدَّ الآخرين أو على حسابهم؟ بالتأكيد لا! فبأيِّ حَقٍّ يُروج الآخرون بأن مطالبة الكلدان بحقوقهم هي تمزيق للأمة؟ ومَن هي هذه الأمة الموهومة؟ الكلدان لا يعرفون امة اخرى غير امتهم الكلدانية، ولا يعترفون بأيّة أمة لا أساس لها ولا مقومات وإنما هناك دُعاة ذووغايات رديئة وبعيدة المدى يُروِّجون لهذه الفكرة الأكذوبة لإيذاء الكلدان! فهناك السيد خيري أبونا على سبيل المثال لم تَرُق له كلمة سيادة المطران ابراهيم ابراهيم الإفتتاحية للمؤتمر واصفاً إياه بمنظر المؤتمر وهذا مجرَّد افتراء، فقد كُلِّفَ شرفياً لإفتتاح المؤتمر، وكلمته كانت الوحيدة التي عَبَّر بها عن صُدق مشاعره القومية فحيّاه أبناء الكلدان بالفرح والإفتخار! فهو لم يحضر الجلسات أبداً ولا أبدى رأياً معيناً لا من قريب ولا من بعيد. إنَّه الحِقد الدفين على الكلدان ورموزهم الذي يغلي في صدور الذين على شاكلة السيد خيري، ولكن هيهات. تُرى، لماذا هو وأمثاله لم ينتقدوا الكلدان النساطرة (آشوريي اليوم المزيَّفين) الذين تنكَّروا لإصولهم الكلدانية وانصاعوا صاغرين لتعليمات وليم ويكرام الأنكليكاني عميل المخابرات الإنكليزية الذي أنعم عليهم بالتسمية الوثنية الآشورية التي تسمَّى بها آشوريو التاريخ المنقرضون! ألم يعقدوا مؤتمرات بالعشرات خلال العقود الأخيرة لإحياء الأسم الآشوري الميِّت منذ أكثر من خمسةٍ وعشرين قرناً؟





الكلدان يُعلنون لعموم الشعب العراقي بأنهم امة أصيلة لبلاد ما بين النهرين ومثلت آخر حكم وطني لأقلِّ من قرن بقليل أي منذ عام 626 – 539 ق.م، وهيمنت من خلاله على مجمل بلاد الشرق الأوسط. وبعد بزوغ نجم بشارة الخلاص المسيحية كانوا السباقين للإيمان بها ولم يَطُل الوقت بهم حتى أسَّسوا كنيتهم "كنيسة المشرق" فوق أرضهم بيث نهرين وإن كانت مُحتلة من قبل الفرس الفرثيين ثم الساسانيين، ألم يكن عملُهم هذا جبّاراً؟ أليس من حقِّ أحفادهم المعاصرين أن يُطالبوا بأن تُحترمَ حريتهم وتُصانَ كرامتُهم ويُعطى وزنٌ لشخصيتهم؟ أليس المطران ابراهيم ابراهيم أحد أحفاد الكلدان العظام، إنَّ المطران نطق بالواقع الموضوعي القائم بالعراق، وليس بالمنطق الخيالي الذي ينطق به الآخرون، وللمطران دراسة مستفيضة عن البطريرك يوسف اودو ومنذ أن كان تلميذاً في السيمنير كان يميل الى خط المثلث المراحم البطريرك اودو القومي. ليس هناك أيُّ فرقٍ بين الأمة الكلدانية والكنيسة الكلدانية، فالأخيرة هي بنت الأولى، وعندما ذكر سيادة المطران ابراهيم< بأن البطريرك كان يقول بأن الأساقفة يجتمعون من كُلِّ ابرشيات الأمة الكلدانية> إن الأساقفة في زمن البطريرك يوسف اودو وقبله، كان أساقفة أبرشيات الملاّبار الهندية وبلاد التتر كانوا يؤمنون بالامة الكلدانية وكانوا من أصل كلداني. لم يكن المطران الشهيد توما اودو يعترف بأولئك بأنهم آشوريين وقد اعدمَ من جرّاء معاضدته لهم، بل كان متأكِّداً بكونهم كلداناً نساطرة لأنه كان يعلم بانقراض آشوريي التاريخ ومنذ أكثر من ستة قرون قبل الميلاد. وللعلم فإن الدولة الآشورية كانت تتألف من أقوام كثيرة حالها حال الدولة العراقية اليوم فهل يمكن اعتبار العراقية قومية، ولذلك لا يمكن اعتبار الآشورية قومية؟ نعم وبالتأكيد كان المطران يعقوب وتلميذه نصيبيين كلدانيين كما كان مطران نصيبين اللاحق برصوما الشهير، وكذلك زميله مار نرساي الملفان ومار يزدين وعشرات المؤلفين والقديسين وحتى الذين أسسوا الكنيسة المونوفيزية اليعقوبية مثل يعقوب البراذعي وأخسنايا وشمعون الأرشامي كانوا كلداناً!







لم تكن معارضة المثلث المراحم مارعمانوئيل الثاني توما العظيم لدمج المعهدين شمعون الصفا الكلداني ويوحنا الحبيب الدومنيكاني بسبب ولائه المذهبي كمه تدعي يا سيد خيري، لأن مذهب الكلدان والدومنيكان هو مذهب واحد الكاثوليكي، أما الدافع الوحيد لعدم موافقة البطريرك كان قومياً صرفاً، حيث أراد أن يتشرب تلاميذ المعهد من التراث الكنسي الكلداني وينهلوا العِلم مِن مؤلفات الآباء الكلدان، فلماذا تشويه الحقائق. لقد تجشم البطريرك الكلداني عناء السفر من الموصل الى قوجانُس نزولاً عند رغبة المرحوم البطريرك بنيامين روئيل عم الفتى اليافع شمعون بنيامين الذي سرق البطريركية من المطران ابراهيم أخي البطريرك بغيابه وبمساعدة الأنكليكان الذين منعوا البطريرك الكلداني من اللقاء بالبطريرك بنيامين روئيل عند وصوله الى أشيثا وبذلك افشلوا عملية قيام الوحدة الكنسية. أما محاولة مار شمعون بولس التوحيدية فكانت تُخبيء وراءَها العودة الى الهرطقة النسطورية ولذلك قال له بأن الوحدة لا يمكن أن تتم إلا عن طريق روما. ما كنت لأتطرَّق الى هذه المواضيع في مقالي هذا لو لم يستفزَّني مقال السيد خيري ابونا المليء بالمغالطات بسبب انزعاجه من موقف سيادة المطران ابراهيم القومي!






وبالعودة الى عنوان المقال نقول: للأسباب التي تقدَّمَ ذكرُها أعلاه انعقد المؤتمر القومي الكلداني العام في مشيكان معقل كلدان المهجر الأمريكي، أمَّه المشاركون الكلدان القادمون من مختلف البلدان. كان المؤتمر تظاهرة قومية رائعة سادها الحب والإنسجام وملأها الفرح والإبتهاج ارتاح لها الشعب الكلداني بأكمله. إنَّ البيان الختامي للمؤتمر قد تضمَّن تلخيصاً لكُلِّ ما اتَّفق عليه المؤتمِرون. عاشت الأمة الكلدانية!!!




الشماس د. كوركيس مردو
في 20 / 5 / 2013   

98

15 أيّار2013 - للكلدان هو مَحطُّ آمال!

تحت شعار( وحدتُنا ضمانٌ لنيل حقوقِنا القومية والوطنية ) ستلتقي نُخَبُ شعبنا، أحزاباً ومُنظماتٍ اجتماعية وثقافية وشخصياتٍ مستقلة ذاتِ اهتمام بالشأن القومي الكلداني، قادمة الى ولاية مشيكان/ الولايات المتحدة الأمريكية مِن مُختلف أنحاء العالم لتُشارك في وضع برنامج عمل مُتكامل باسلوب حضاري تتوفر فيه أجواءٌ مِن الحرية والديمقراطية سِمتا عصرنا الحالي لتحقيق شعار المؤتمر المنوَّه عنه أعلاه.


قبل أن أدخل في التفاصيل لا بدَّ لي أن أحيّي كُلَّ الإخوة أعضاء المنبر الديمقراطي الكلداني المُوحَّد، وأُشيدَ بالإسلوب الراقي الذي تعامل به أعضاؤه المُنسبون لإدارة اجتماعات اللجنة التحضيرية للمؤتمر المؤلفة من أعضاء ينتمون الى القوى السياسية الكلدانية والشخصيات المستقلة والمُهتمة بالشأن القومي الكلداني. تميَّز تعامُلُهم بمنتهى الشفافية ورحابة الصدر من حيث تقبُّلهم لجميع الآراء والأفكار والمُقترحات التي كانت تُطرح على بساط النقاش و التحاور، ومن ثمَّ يجري تبلورُها واعتماد الأوفق منها ولذلك تَمَّ كُلُّ شيء  باتفاق وانسجام تام، وأنا مسرور لأسجِّلَ لهم تقديري وإعجابي ومحبتي!


بعد استكمال التحضيرات واستيفاء كُلِّ المستلزمات، إننا ننتظر بشوق توافد المدعوين الى مشيكان لكي ينعقد المؤتمر بموعده المُحدَّد والذي سيستمر من 15 – 19 أيار 2013 كما أقرَّته اللجنة التحضيرية تحت إشراف المنبر الديمقراطي الكلداني المُوحد متبنّي المؤتمر وراعيه. وليس من شكٍّ بأن رعاية هذا المؤتمر ستُضيف الى سجلِّ المنبر النضالي رصيداً كبيراً وزخماً قوياً الى عملهم القومي والسياسي، وستكون نتائجُه مدعاة فخرللكلدان جميعاً وستعتمد مقرراتِه القوى الكلدانية بأسرها من حيث توحيد خطابها وعملها الميداني الموحَّد داخل الوطن، وسيقف خلفها كلدانُ الخارج من حيث الدعم المادي والإعلامي والمعنوي.


إنَّ مهمة المؤتمر الأولى ستتمحور حول وضع أسُس جديدة ومتينة لبناء البيت الكلداني المُعَرَّض للتهديم من قبل الجهات المُعادية ومنذ عقدٍ من الزمن بالتحديد، وهذا ما دعا الغيارى من أبناء الكلدان للدعوة الى عقد هذا المؤتمر، فلنعتبره بمثابة فرصةٍ تاريخية نادرة لا تسنح أمثالها إلا قليلاً، علينا أن نستثمرها جيداً في سبيل الوصول الى الأهداف التي يصبو إليها شعبنا الكلداني الذي ذاق الأمرَّين بسبب تشبثه بقوميته وكاثوليكيته اللتَين هما أعزُّ افتخاره. لقد آن الأوانُ لكي يستردَّ حقوقه القومية والوطنية ويُمارس دوره السياسي الذي يضمنه له الدستور أسوة بمكونات العراق الأخرى.


لا نستطيع تبرئة أنفسنا نحن الكلدان مِمّا جرى ويجري لنا مِن تَجَنٍّ وإجحاف في حقِّنا، لأننا في الواقع نحن المُقصِّرون أولاً تُجاه فقداننا لحقوقنا، فالتعالي والكبرياء اللذان نُمارسهما ضِدَّ بعضنا البعض هي آفة قاتلة مستحكمة فينا ما فتئت تنخر في مجتمعنا حتى تشتَّتَت صفوفنا وفقدنا تضامُنَنا، فانفتح المجالُ واسعاً أمام المعادين لنا، ليُوسعوا هوَّة صراعنا الداخلي وهو إثارة نعرات الحسد فيما بيننا لكي تُثنينا عن التفكير بواقعنا، فراح كُلٌّ منا يعتبر نفسه الأكثر أهليةً لتولّي الزعامة، وهكذا انفرط شملنا وضاعت مقاييسُنا لا ندري كيف نواجه خصومنا! إن ما ذهبنا إليه أكَّدته العمليات الإنتخابية التي خضناها وخرجنا منها صفر اليدين، لماذا؟ لأن أصوات أبناء شعبنا الكلداني تبعثرت بسبب تعرُّضها للقرصنة المنظمة نظراً  لإنعدام الحماية وعدم الإهتمام! فاللاهثون وراء الزعامة والمصلحة الذاتية تهون لديهم مصلحة الشعب العامة ولا يكترثون للنتائج المخزية، المُهم لديهم أنهم استطاعوا وقف مسيرة شعبهم لصالح منافسيه، فيا لها مِن ظاهرةٍ كارثية مقيتة تأنف منها الشعوب إلا شعبنا المغلوب!


للقضاء على هذه الظاهرة السيئة وغير اللائقة تحرَّك فصيلٌ غيورٌ مِن أبناء شعبنا الكلداني وبتشجيع من المخلصين مِن أبنائه، فأعلن عن عزمه للقيام بعمل جاد لإستئصال هذه الآفة المستفحلة والمُزمنة، ورأى أنَّ خير رادع لها هو الدعوة الى عقد مؤتمر كلداني عام يحضره مفكرون ومثقفون وحاملو هموم شعبهم الكلداني، وهذا هو بالفعل ما صمَّم عليه ونفَّذه المنبر الديمقراطي الكلداني الموحد مشكوراً، ولم تبقَ إلا أيام قليلة تفصلنا عن انعقاده في ولاية مشيكان المعقل الأكبر للكلدان. إننا نُهيب بكُلِّ أعضاء المؤتمر أن يترفعوا عن الأنانية الذاتية القاتلة، ويتحلّوا بصفاء النية وقوة الإرادة الى جانب التصميم الجاد، لكي يُغيِّروا المعادلة غير العادلة بكُلِّ المقاييس القائمة منذ زمن في الوطن لصالح شعبهم الكلداني المُجنى عليه. أيها الإخوة، إن العمل القومي الكلداني شبهُ مفقود في داخل الوطن رغم وجود الحزب الديمقراطي الكلداني، فهو مُحارَبٌ ومُحاصرٌ وبقوة من قبل أحزاب النساطرة الشوفينية المدعومة من قبل القوى ذات المصالح الخاصة. لذلك فنحن بحاجةٍ الى آراء واقتراحات إخوتنا القادمين من الوطن للمشاركة في المؤتمر، لأنهم أدرى بمجريات الأمور ومتطلبات العمل السياسي في الداخل! لعلَّنا من خلالها نجد اسلوباً مُجدياً للعمل!


على الشعب الكلداني الإعتماد على قواه الذاتية السياسية والثقافية والمجتمعية، وينفض يده ويقطع أمله مِن أيِّ دعم قد كان ينتظره من رئاسة كنيسته الكلدانية الجديدة، فالتصريحات الأخيرة الصادرة عنها قد أثبتت بكُلِّ صراحة أنها غير معنية بالشأن القومي لشعبها، وكأني بها الكنيسة الكاثوليكية الوحيدة التي اكتشفت الحقيقة بأن التسمية لا تهمها إلا بتنسيب كنيستها إليها أما الدفاع عنها والإعتزاز بها فليس من مهامها ولو الثانوية منها! وربما سوف تنتفي حاجتها حتى من تنسيب كنيستها إليها. كنت قد وعدت أن لا أقوم بأيِّ نشاط إعلامي حتى انتهاء السينودس الكنسي الكلداني وسأكون عند وعدي، وما الأسطر القليلة هذه إلا تنبيهاً للأعضاء المشاركين في أعمال المؤتمر الكلداني العام في مشيكان! تُرى، مَن خوَّل المونسينيير السرياني بيوس قاشا مُراسل قناة نورساة ليُغيِّر اسم الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الى اسم كنيسة المشرق الكلدانية الذي انتهى وأصبح في خبر كان منذ القرن الخامس وذلك عند قراءَته لتقريره الإخباري؟ هل إنها رياح التغيير أم اجتهاد شخصي متعمَّد من قبل المونسينييرالسرياني؟ يا أخي ما لك ولنا، هل وجدتنا نتدخل بشؤون السريان حتى تتدخل بالمقابل بشؤون الكلدان؟



الشماس د. كوركيس مردو


99

دورُنا في انتخاب بطريركِنا


لقد تطرَّقَ الكثيرُ من الإخوة الكتاب على موضوع انتخاب بطريرك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، ولهم كامل الحقِّ في إبداء رأيهم، ولكن كنت أتمنى على البعض منهم الإبتعاد عن تسليط الضوء على مطران مُعيَّن وكأننا في صدد انتخاب رئيس مدني، دون أن ينتبهوا بأن الكنيسة مؤسسة إلهية أعضاؤها من البشر وهم محكومون بقوانين وتشريعات تنظم مسار الكنيسة في رعاية أبنائها روحياً وأدبياً واجتماعياً!


أيها الإخوان هنالك إجراءات تنظيمية خاصة لإنتخاب بطريرك جديد ينصُّ عليها القانون الكنسي في الفصل الأول/ الباب الرابع، إذ بعد اداء الآباء الرياضة الروحية التي عن طريقها يستلهمون الروح القدس لإرشادهم الى اختيار الأمثل والأصلح بينهم لهذا المنصب الرئاسي الرفيع، فيبدأ التصويت والحاصل على العدد القانوني من الأصوات يُعلَن عن فوزه بالمنصب البطريركي، وقد يستغرق الحسم يوماً أويومَين.


إن خمسة أيام تفصلنا عن موعد انعقاد سينودس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وبعد أن أعربنا عن توقعاتنا وصرفنا الوقت في تحليلاتنا، فلنتوجه الآن بالصلاة والتذرع الى مؤسس الكنيسة غير المنظور المسيح الرب مُلتمسين حنانه غير المحدود ليرعى كنيستنا الكلدانية ويشمل آباءَها المجتمعين لإنتخاب بطريرك جديد لها، وسائلينه أن يُرسل إليهم روحه القدوس ليُفيض عليهم النعمة والحكمة ليتحرَّروا بمعرفة الحق، تاركين جانباً الأهواء البشرية من ميول وانتماءات، ويُصَوِّبوا أنظارهم إليك وحدك، أنت القائل < لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً بمعزل عني! وإن لا يبني الرب البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون > .



أيها المسيح الرب لقد ملأتنا رجاءً بقولك < لا تخافوا فأنا معكم كُلَّ الأيام الى انقضاء الدهر > ساعد آباء كنيستنا ليختاروا راعياً صالحاً وقائداً قديراً ليقود سفينة الكنيسة الكلدانية كنيسة الرسل والشهداء والمعترفين وسط بحر هذا العالَم الراهن الهائج، إنها الآن على مفترق الطرق، اختر لها يارب ربّاناً حكيماً شجاعاً ليوصلها الى بَرِّ الأمان. إمنح رُعاتها روحاً جديداً واجعله متجدِّداً دوماً! إننا بانتظار موهبتك أيها الراعي الصالح القدوس أن تهبنا راعياً صالحاً على مثالك يكون مؤهَّلاً لمواكبة المرحلة المصيرية التي تمر بها الكنيسة وشعبها المؤمن، أبعِده وإخوته أحبار الكنيسة عن الإغراء المادي المفسد، الولاء القروي والعشائري المقيت، المصلحة الشخصية التي تشوبها الأنانية الذاتية، إمنحهم الشجاعة ليدافعوا عن حقوق شعبهم المهضومة مستخدمين العقل والحكمة!



وبصراحةٍ تامة أنا بالذات لا يهمني مَن سيُنتخب بطريركاً جديداً كشخص، وإنما المهم عندي هو المُمَيَّزات المتوفرة فيه بقدر أفضل من إخوته الأساقفة الآخرين، وهذا التفاضل ليس بالأمر الجديد إذ يفرضه الواقع البشري. وكم أتمنى أن تجري عملية الإنتخاب بروح ربانية ملهمة، وكنيستنا ليست بأقل مِن الكنيستين المارونية الكاثوليكية والروم الأرثوذكس، اللتين انتخبتا بطريركيهما بسرعةٍ قصوى وبإجماع آباء سينودسيهما، فاليكم سقتُ هذين النموذجين يا آباءَ سينودس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية راجياً أن يكون إجراؤكم سريعا وملهماً !!

الشماس د. كوركيس مردو
في 23 / 1 / 2013   

100

لماذا كُلُّ هذا الهجوم على حبيب تومي؟



منذ أكثر من شهر بل بالأحرى منذ حصوله على شهادة الدكتوراه شُنَّت على الكاتب الكلداني حبيب تومي حملة اعلامية شعواء قادها شخص مُعقَّد يدفع به حقدُه وأنانيتُه المفرطة الى الإنتقاص من كرامة وقدرة الآخرين على النجاح والإبداع، فراح ينسج نسيجاً اتِّهامياً حول نشاط السيد تومي في الحقل القومي يُعوزه التجانس ويطغى عليه التخبُّط وعدم وضوح الرؤية نابع من الروح الإنتقامية المحضة التي تتملكهُ ولا شكَّ أن مثل هذه الحال تنمو مع هذا النوع من البشر منذ الصغر ويزداد تحكُّمُها في الكِبَر!


واستغلَّ هذا النهجَ التخلُّفي العديدُ من ضعافِ النفوس الأمارة بالسوء، المُدافعون عن الباطل ضِدَّ الحق! وأخذوا يكيلون للأستاذ حبيب تومي التُهمَ جزافاً لمجرَّد نشاطه ودفاعه عن قومية امته الكلدانية الأبية وشعبها الواقع فريسة جوع أحزابهم الغارقة في مستنقع العنصرية الشوفينية النتن! الذي لا يسدُّه غير هذا الشعب الكلداني البريء! ما هي جريمة الأستاذ حبيب التي ارتكبها ضِدَّكم أيها الإخوة البازيون والبرواريون؟ ولماذا كُلُّ هذا الهجوم الصارخ غير الحضاري الذي تقودونه بدون هوادة ضِدَّ إنسان لم يُسيء إليكم تُساندكم شُلة كبيرة من المتأشورين الكلدان معدومي الضمير والوجدان اللاهثين وراء الأصفر الرنان يستجدونه من الحاصلين عليه بالطريق الحرام!



الستم تخجلون أنكم بعددكم هذا تشحذون سيوفكم الكتابية المثلومة ضِدَّ شخص كلداني واحد! أين الحرية التي تتشدَّق بها أحزابُكم العنصرية التي تأتمرون بأوامرها؟ أليست حرية إبداء الرأي مكفولة في عراق ما بعد التغيير؟ لماذا كُلُّ هذا الصراخ والعويل؟ وإذا كانت تحرُّكات الأستاذ حبيب وكتاباته قد بدأت تلقى تفهماً من قبل المسؤولين في المركز والإقليم لِما تحويه من الصحة والواقعية، لماذا تجابهوه باللهجة العِدائية الخائبة؟ لماذا لا تنتهجون اسلوب المنافسة الشريفة؟


عندما أقرأ كتاباتكم يعتريني الرثاءُ لحالكم والبعض منكم يَدَّعي المحاماة، اسلوب ركيك، صياغة فجة، أخطاء نحوية وإملائية جمة! ألآ يجعل هذا منكم اضحوكة أمام القراء؟ أم أنكم من أجل ظهور أسمائكم في المواقع تهون عليكم في سبيله كُلُ مهانة وسخرية! في الحقيقة ينطبق عليكم المثل الألقوشي( دِبا وقبقابي؟ ) .

ما حملني على كتابة هذه الأسطر ليس بسبب الإنتقاص منكم، فأنا أحبكم وأحترمكم، ولكن لتقديم النصيحة لكم بالإبتعاد عن اسلوب العداء ومهاجمة الغير نتيجة الغيرة والحسد! الوحدة لا تقوم بالإكراه وإنما بالتفاهم تشوبه النية الصافية!!!



الشماس د. كوركيس مردو

101

مطالبُنا من بطريركنا المقبل

بدايةً نسأل الله القدير تسهيل أمر عقد مجمع أساقفتنا الكلدان في الثامن والعشرين من كانون الثاني للعام الجديد 2013 لكي يستهلّوا اجتماعهم برياضةٍ روحية يستدعون العون والإلهام من الروح القدس لأنه المُعين الأوحد والمُرشد الى الحق والصواب لكي يدلُّهم الى انتخاب المؤهَّل لمنصب البطريركية السامي مِن بينهم الذي يرونَ فيه امتلاءً روحياً قدسياً أولاً، وامتلاكاً لناصية العِلم والأهلية لإدارة دفة الكنيسة ورعاية شعبها الكلداني المُثقل بالهموم ثانياً.

مواصفات البطريرك الجديد التي نتمنّى توفُّرَها فيه ومطالبُنا منه:

1 – أن يكون غنياً بالعِلم والمعرفة لاهوتياً وكنسياً، وذا إلمام بالتاريخ عامةً وبتاريخ امته الكلدانية كنسياً وقومياً، لكي يستطيع تنويرَ المسؤولين في الدولة العراقية في المركز والإقليم عن حقيقة الكلدان بكونهم أعرق سكان بلاد وادي الرافدين والأوفر سهماً في بلورة حضارته، ولذلك يتمتع بخصوصيته التاريخية من أرض ولغةٍ وتاريخ.

2 – أن يقف على مسافةٍ واحدة من كافة مكونات الشعب العراقي بصرف النظر عن قومياتهم وأديانهم ومذاهبهم. يُشاركهم الأفراح والأتراح، ويُساهم بشكل ايجابي بتقريب وجهات النظر المختلفة إديولوجيةً كانت أو قومية أو مذهبية أو طائفية.

3 – أن يعمل بجرأةٍ وجِدِّية لرفع الغُبن والإنتقاص الذي مورس ضِدَّ الشعب الكلداني من عدة جهاتٍ معروفة الهدف والغاية، مطالباً بحقوقه المصادَرة لحساب الغير! وإن الشعب الكلداني هو الذي يُمثِّل القومية الثالثة في العراق بعد العرب والأكراد، له الحق في استقلاله القومي تحت تسميته الكلدانية المستقلة دون إضافة أسماء إليها غريبة عنها!

4 – أن يعمل على بناء البيت الكلداني المتهدِّم من الداخل عن طريق توحيد خطاب سياسييه وايقاظ الوعي القومي لدى أبنائه ليكون الإهتمام الثاني لديهم بعد اهتمامهم بايمانهم المسيحي ومذهبهم الكاثوليكي.

5 – أن يُطالب المسؤولين في الدولة العراقية ولا سيما السلطة التشريعية(البرلمان) في المركز والإقليم لكي يستبدلوا الكوتا الإنتخابية من الدينية الى القومية بحسب الدستور، وأسوة بالمكونات العراقية الصغيرة الأخرى مثل اليزيدية والمندائية والشبك والأرمن.

6 – المحافظة على الحق الطبيعي لأبناء الكلدان وبقية الطوائف المسيحية بعدم التعرُّض على تغيير ديمغرافيتهم في مناطق سكناهم ببلداتهم وقراهم التاريخية.

أتمنّى لسينودس أساقفة الكلدان النجاح التام في مهمة اختيار الرئيس الأعلى(البطريرك) لكنيستهم الكلدانية الكاثوليكية.

الناشط الكلداني
يوسف يوحانا

102

السريان والسريانية 4

التجنّي الصارخ على التُراث الكلداني ج4

 

 

إن كنيسة الشرق الكلدانية في الأجيال الاولى تَغَلَّبت على أدَبِ أبنائها المسحةُ الدينية والكنسية، وابتعدوا عن التُراث المدني الشرقي والغربي المُتمَثِّل بحضارة ما بين النهرين والحضارة اليونانية واللاتينية، ولكنَّ أدبَهم كان إبداعاً رائعاً، ولم يقتصر على العلوم الدينية والآداب المسيحية والحياة الروحية والنُسكية فحسب، بل تَعَدَّى الى الآفاق العِلمية  حيث إنَّ الكتبة مِن أبناء الكنيسة عرفوا أن ينقلوا الكثيرَ مِن ما إحتوَته كُتُب العلوم اليونانية مِن علوم الطب والرياضيات والكيمياء والطبيعيات والفلسفة بفروعها، وانصَبَّ اهتمامُهم على كُتُبِ التاريخ واللغة وقواعدها ومعاجمها الى جانب الأمثال والحِكَم، وقد أبدع العلماءُ الكلدان وباقتدار بالترجمة والتفسير والتلخيص، على عهدَي الدولة الأموية والدولة العباسية بنوع خاص، فقد دخلوا الى مَيدان الكتابة الواسع وكتبوا وفازوا في كافة فروع المعارف والعلوم القديمة، وخَلَّفوا لنا إرثاً جميلاً  بحجم ووزن كبيَرَين مُضافاً الى نظمهم لأروع القصائد الدينية الشعرية مِنها والنثرية وشَرحاً واسعاً للكتاب المقـدس وتفسيرَ مضامينِه، وللأسف فإن الكثيرَ مِن هذا العَمل الإبداعي الفريد،  طالَ بعضَه الضياعُ والبعضَ الآخر التلفُ ولم يصلنا مِنه سالماً إلاّ اليسير .

 

إنَّ ما يؤسفُ له أنَّ الآداب الكلدانية لم تحظ بما تستحقُ مِن اهتمام مِن قبل أبناء الكلدان للعناية بجَمع مخطوطاتِها وفهرستِها نِتاجاً وتاريخاً وتأليفاً، فاستَغَلَّ هذا الفراغ عددٌ مِن المارونيين ومَن يدعونَ اليومَ أنفسهم بالسريان المتنكرين لمونوفيزيتهم، حيث عنوا بجمعِها وتنظيم فهارسَ بها، ليس حُباً بأبناء وأحفاد مؤلفيها الكلدان بل لتغيير اسم لغتها الكلدانية واستبداله بما تُسمّى اللغة السريانية الغريبة، فجنوا على الكلدان والكلدانية بقيامهم بسرقة هـذا الإرث الذي لا يُقدَّر بثمن وترجمته الى اللاتينية وتعريف أبناء الغرب به بأنه نتاجٌ سرياني  مُغـيِّبينَ إسمَه الحقيقي الكلداني، وهكذا إنطلت هذه السرقة على اولئك الغربيين، فتصرَّفوا وكأنه تراث سرياني دون أن يعلموا أنَّه سلبٌ للتراث الكلداني !                                                     

 

ايها الإخوة المارونيون والسريان"المونوفيزيون السابقون" بشطريكم الكاثوليك والأرثوذكس، ألا يُعتبر ما مارسه أسلافكم فعلاً لصوصياً رخيصاً تَمَّ فيه ابتزاز الكلدان بتُراثِهم ولغتهم وآدابهم، وأداروا ظهرهم للمُثُل والقِيَم بسلبهم لنتاج علماء وقديسي الكلدان، وجعلوا من آداب اللغة الكلدانية مادة تُدرَّس في العديد مِن معاهـد اوروبا وأمريكا على أنَّها سريانية! فذهبَ كُلُّ الإسهام الكلداني الواسع ذو التأثير البالغ في الرصيد الحضاري الإقليمي مع العرب والرصيد العالمي مع الفرس واليونان والرومان لصالحكم، ألا يُعتبر ذلك مؤامرةٍ قـذرة دُبِّرَت ضِدَّ أبناء كنيسة الشرق الكلدانية العملاقة أم الكنائس! يالها مِـن جناية ٍ وقرصنةٍ وخيانةٍ أدبية وتاريخـية لا تُغتَفـر! وعلاوة على ما تقدم ذِكرُه، قام المُرسلون ومُحِبّو الترحال والبحث عن الكنوز الأدبية بالقدوم الى ديار الشرق لنبش المطمور منها تحت الأطلال والفوز بقسم مِنها ونقلِه الى الغرب. ولم ينسوا جمعَ المخطوطات الكلدانية النادرة مِن بطون الأَديُرة والمراكز الثقافية المُندثرة نتيجة الإضطهاد والتدمير اللذين طالا الكلدانَ ومراكزهم في كُلِّ مكان مِن وطنهم الواسع، وقد إمتلأَت مِنها مَكتباتُ الغرب بعددٍ مِن المخطوطات القديمة يزيدُ عن الموجودِ مِنها في مكتبات الشرق .

 

ولكي يتأكَّد الشعب الكلداني بأن لغتّه الكلدانية هي الأقدم بين لغات العالَم، والأجمل حرفًاً والأعذب نُطقاً والأسلس تداولاً، أقدِّم لهم هذا البحث الذي يدور حول عراقتها، وإن عتبي وانتقادي للعلماء والمؤلفين الكلدان على تخاذلهم بسبب ضمور الحس القومي لديهم عن الإعتزاز بلغتهم وتراث آبائهم وأجدادهم وهو حَقٌّهم المشروع. وعليهم الإعتراف بخطئهم بحق لغة آبائهم وأجدادهم، ويُعيدوا إليها اعتبارها وهيبتها. إن تنازلهم المخزي عنها لصالح ما سُمِّيَت باللغـة السريانية الغريبة السمجة المحرَّفة عن لغتنا الكلدانية الجميلة، كان سبباً مغرياً للإنتهازيين اليعاقبة المونوفيزيين، أن يسطوا على الحقيقة ويُموهوها لصالح تسميتهم السريانية الغريبة.

 

 

 

ويسرُّني أن أقدم هذا البحث للقراء الكرام كما ورد في اللغـة الإنكليزية وترجمتي إياه الى اللغـة العربـية، وقـد اشتمل البحث على عشرين صنفـاً بحسب تطوّر الحرف والأبجدية الكلدانية                                 

 

 

 

 PANTOGRAPHIA;

CONTAINING

ACCURATE COPIES OF ALL THE KNOWN

ALPHABETS IN THE WORD;

TOGETHER WITH

AN ENGLISH EXPLANATION OF THE PECULIAR

FORCE OR POWER OF EACH LETTER

TO WHICH ARE ADDED

SPECIMENS OF ALL WELL-AUTHENTICATED

ORAL  LANGUAGE

FORMING

A COMPREHENSIVE DIGEST OF PHONOLOGY

BY EDMUND FRY,

LETTER – FOUNDER,   TYPE – SREET

LONDON

                                             Xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx

 

CHALDEAN

   CHALDEA, or BABYLONIA, a  kingdom  of Asia, and               

 The most ancient in the world, was  founded  by Nimrod, 

The son of Cush, and grandson of  Ham,  who , according

to some historians, built Nineveh, the capital of Assyria .

   Philologists  are  much  divided in  their sentiments of

opinions, respecting the antiquity of this language .

   Pliny informs us,  that  Gillius  attributed  letters  to the

Egyptian Mercury, and others, to the Syrians .

   The  learned Roman  just mentioned,  supposed that the

Assyrian letters were prior to any record of history, and by

These he undoubtedly meant the Chaldean : it should seem

Most probable, that the language used by the antediluvian

Patriarchs, bore the greatest analogy to this, especially when

It is universally allowed that they inhabited that part of globe,

Whence many have thought the Chaldean to have been prior

 To the Samaritan and Hebrew .

تَـرجمـتُـها :

كلديا أو بابلونيا ، مملـكة آسيوية والأقدم في العالَم، اوجدت من قبل  نمرود  بن كوش وحفيد حام ، الذي بحسب  بعض المؤرخين، قام ببناء نينوى العاصمة الآشورية. إن فقهاء اللغة  مُنقسمون عاطفياً بآرائهم ومُحترِمون قِدَم هذه اللغة .                                                                                                                                             

يُخبرنا  بـلِّيني، بأن غـاليلوس(جيليوس) نَـسَـبَ هذه الحروف الى عُطارد رسول الآلهة المصرية، وغيره نسبها الى السريان.

العلماء الرومان، ذكروا على سبيل الإفتراض فقط، بأن الحروف الآشورية كانت الأقدم في أيِّ سجلٍّ في التاريخ، واستناداً الى ذلك، كانوا بدون شك يعنون الكلدانية التي تبدو أكثر احتمالاً، حيث استخدمها البطاركة القدامى، وهو القياس الآعظم لهذا الإحتمال، ولا سيما عندما يحصل الإتفاق عالمياً بأنهم كانوا السكان الآوائل لهذا الجزء من العالَم. ومِن أن الكثيرين  يعتقدون بأن اللغة الكلدانية لها الأسبقية على السومرية والعِـبرية .                                                                                                           

Chaldean  1 Called Coelestial ; said to have been composed by the ancient astrologers, from the figures of certain stars; and represented in two hemispheres .        Gaffarel, p. 1

 الصنف الأول  :

 قال " كولد كـولستيال " إن هذه الحروف قـد كُـوِّنَت من قبل الفلكيين القدماء، ايحاءً من أرقامٍ لنجوم معينة وفرضت (استُخدمت) في نصفي الكرة الأرضية.          كَـافاريـل ، ص . 1   .                                                   

Chaldean   2  Theseus Ambrosius asserts, that this character was brought from Heaven by the Angel Raphael, by whom it was communicated to Adam, who used it in composing Psalms after his expulsion from the terrestrial paradise .

Some authors pretend that Moses and the prophets used this letter, and that they were forbidden to divulge it to mortal men .        Duret, p . 119 .

الصنـف الثـاني  :

يُؤكد "ثيسوس امبروسوس" بأن هذا الحرف كان قد جُلِبَ من السماء من قبل الملاك رافائيل، بواسطته تَمَّ التحدُّث مع آدم. إستخدمه في تأليف المزامير بعد طرده مِن الفردوس. هنالك بعض الكَتَبة يدَّعَون بأن موسى والأنبياء استخدموا هذا الحرف. وهذا كان محظوراً عليهم كَشفه للرجال المَوتى .           دوريت ، ص . 119  .                                     

Chaldean   3  This character is also said to have been used by Adam .           Spanh. Dissert. P . 80  . Dr. Morton’s Tables .

الصنـف الثالث  :

لقد قيل أيضاً بأن هذا الحرف  قد استُخدِمَ من قبل آدم.  (سبـان . ديزيرت . ص 80 ، جداول طاولة مورتون).       

Chaldean   4  Brought from the Holy Land to Venice, when the Christian prince made war against the infidels; this is a handsome letter, and it is said, was the same that Seth engraved upon the two columns, mentioned  in chap. 4 of the first book of Josephus . It is also said, that there is in Ethiopia, a treatise on divine subjects, written in this character by Enoch, which is preserved with great care, and considered as canonical .

This is given as a Hebrew, but without any explanation of the power of each letter .  Duret, p . 127 .

الصنف الرابع  :

جُلِبَ من الأراضي المقدسة الى البندقية، عندما قام أميرٌ مسيحيٌّ بخوض حربٍ ضِدَّ الكُفار. وهذا الحرف جميل، وقيل كان ذات الحرف الذي حَفره "سيث" على العمودين المذكورين في الفصل الرابع من الكتاب الأول ليوسيفوس المؤرخ. وقيل أيضاً أن هناك في إثيوبيا يُستَخدَم في المواضيع الإلهية وهي مكتوبة بهذا الحرف من قـبل أخنوخ والمحفوظة بعنايةٍ فائقة، حيث اعتبرت كقوانين. وقـد أعطيت باعتبارها عبرية،ولكن من دون أيِّ تفسير لقوة أيِّ حرف.(دوريت، ص. 127).                                                                                                                                           

Chaldean   5   This character is said to have been used by Noah .   Spanh. Dissert. P. 80

الصنف الخامس  :

قيل أن هذا الحرف قد استخدم من قبل نوح.     (سبـان ديزيرت . ص . 80) .                                                       

Chaldean   6  Attributed to Ninus, the first of the Assyrian .      Spanh . Dissert . p . 80

الصنف السادس  :

نُـسِبَ الى نينوس ملك الآشوريين الأول .   (سبـان  . ديزيرت  . ص . 80)  .                                                         

Chaldean   7   This is to have been used by Abraham  .     Spanh .  Dissert . p . 80

الصنف السابع  :

قيل بأن هذا الحرف قـد استخدمَ من قبل  ابراهيم.   (سبـان . ديزرت . ص . 80)  .                                                 

Chaldean   8   Copied from ancient marbles brought from the Holy Land, and are asserted to have been used by Abraham .    Duret .  p . 196  .

الصنف الثامن  :

نُـسِخَ هذا الحرف من حجار رخامية قـديمة جُلِبَت من الأراضي المقدسة، وتأكَّد أنه قد استُخدِمَ من قـبل ابراهيم.   (دوريـت . ص . 196)  .                                                                                                                               

Chaldean   9  This character is represented as the same on which the table of the law that were given to Moses, were written, and are known to the Hebrews under the name of  Malachin, or Milachim .    Duret , p . 129  .

الصنف التاسع  :

هذا الحرف مُماثلٌ  لذات الحرف  الذي كُتِبَ به على طاولتي الوصايا اللتين أعطيتا لموسى ، وعُرفت لدى العبرانيين تحت اسم  " مالاجين أو ميلاجيم "  (دوريت ، ص . 129)  .                                                                             

Chaldean  10  Sigismond Fante  says, that this alphabet is of very great antiquity, having been used by the Hebrews in the wilderness, in the time of Moses .  De Siry’s Recherches ,

P . 191  .  Duret. P . 124  says, this character was given to Abraham, when he departed from Chalea for the Land of Canaan .

الصنف العاشر  :

يَقول : سايجِسموند فانتي " بأن هذه الأبجدية هي مفخرة العصور القديمة بعظمتها ، قد استُخدِمَت من قبل العِبرانيين في البرية في أيام موسى . مُخـتارات سيفري الفائقة العناية ص . 191  . ويَقول دوريت ، ص . 124 . بأن هذا الحرف كان قـد أعـطيَ لإبراهيم  عندما غادر أرض الكلدانيين الى أرض كَنعان                                .                                                                                                                                                       

Chaldean  11  Fournier calls this phenician alphabet, but attributes it to Moses . Vol. 2 p. 280 .

الصنف الحادي عشر  :

يُسَمّي " فورينيَر " هذه ، بأنها أبجدية فينيقية، تُنسَبُ الى موسى . (المجـلــد 2 ، ص . 280 ) .                             

Chaldean  12  Or ancient Hebrew , which is also supposted to have been used in the time of Moses, and  from which,  most of the  other Chaldean  alphabets  are derived .   Fournier   Vol. 2 p. 280  .

الصنف الثاني عشر  :

أو إن العبرانيين القـدماء، وهو من المفترض أنهم استخدموها على أيام موسى، والتي منها اشتقت معظم الأبجديات الكلدانية الأخري.  فورينير، المجلد 2 ص. 280  .                                                                                       

Chaldean  13  This character is used by a nation of Mesopotamia, called Bagadet, now under Turkish dominion . Duret. P . 345  --  Fournier. Vol. 2 p . 279 .

الصنف الثالث عشر  :

هذا الحرف قد استُخدِمَ من قبل امة بلاد ما بين النهرين ، تُدعى بَكَديت ، وهي الآن  تحت السلطة التركية.  (دوريت، ص 345  -- فـورينير ، المجلد 2 ص 279)  .                                                                                                 

Chaldean  14  Theseus Ambrosius,, in his treatise on various languages and characters, calls this Tudaic .  Duret , p . 335 – Fournier, Vol . 2 p . 279 , fays, that it was used by the Jews during their captivity in Babylon .

الصنف الرابع عشر  :

في بحثِه عن اللغات والحروف المختلفة  يُـسمّي "ثيسيوس أمبروسيوس" هذه  تُديك .  دوريت ، ص 335 . فورينير ، المجلد 2 ص . 279 ، يُـشدد، بأنها كانت مستخدمة من قبل اليهود أثناء سبيهم الى بابل                                             .                                                                                                                             

This character was much used in Persia and Media, and by the Jewish inhabitants of  Babylon .      Duret , p . 344  .  Fournier, Vol. 2 278  .

الصنف الخامس عشر  :

هذا الحرف كان أكثر استخداماً في بلاد فارس وماداي، ومن قبل اليهود المسبيين في بابل . (دوريت ، ص 344- فورينير،المجلد2 ص278)  .                                                                                                                   

Chaldean  16  This alphabet was found in the Grimani library at Venice , and contrary to all other Chaldeans , is written from left to right .  Some authors assert that this is the character of the Maronites, inhabitants of Asia, on the borders of the Red Sea .                    Duret  , p . 346  .

الصنف السادس عشر  :

وُجدَت هذه الأبجدية في مكتبة كَريماني  في البُندقية ، وبخلاف كُلِّ الأبجديات الكلدانية الأخـرى ،  كُتِبَت من اليسار الى اليمين .  ويَدَّعي بعضُ المؤلفين بأن هذا الحرف هو للمارونيين المسبيين في آسيا على حدود البحر الأحمر .   دوريت، ص 346  .  << وتعليقي ، وحتى لـو صَحَّ هذا الإدِّعاء فإنه لا يُغيِّر من الحقيقة شيئاً، لأن المارونيين يعـودون بجذورهم الى الكلدان . >>                                                                                                                         

Chaldean  17   Jean Baptiste Palatin, , a Roman citizen , in of his books in Italian , upon the manner of writing all sorts of letters , both ancient and modern , gives this as an ancient Chaldean .  Duret , p . 347  .

الصنف السابع عشر  :

جان بابتيست بالاتين، مُواطن روماني، وفي كُتُبه باللغة الإيطالية، على نمط كتابة كُل أنواع الحروف ، القديمة والحديثة على السواء ، يُـضفي عليها الصفـة بأنها كلدانية قديمة  . دوريت ، ص 347  .                                           

Chaldean  18  The copy of  a Chaldean inscription , very curiously cut in the square stones of the tower of Baych , over one of the gates of the very ancient city of Panormus in sicily .    Fazelli Rer. Singular, p. 149  .

الصنف الثامن عشر  :

وهناك نسخة من كتابةٍ كلدانية منقوشة بشكل ٍأخّاذ غريبٍ عجيب في قِطَع ٍ حجرية مربعة الشكل  في بُرج " بيك " فوق أحد أبواب مدينةٍ موغلةٍ في القِدَم بمنطقة " بانورموس " في صقلية .  فازيللي رير .                   سِنكَلـر ص 149  .                                                                                                                                             

Chaldean  19  The  Lord’s Prayer .        Orat . Dom . p . 11

الصنف التاسع عشر  :

 بهذا الصنف كُتِبَت الصلاة الربية .            اورات . دوم . ص 11  .

Chaldean  20   The literal version of the above .     Orat . Dom .  p . 11

الصنف العشرون  :

نسخـة حرفية لِما ورد أعلاه .        اورات . دوم . ص 11  .

الى القـراء الأعـزاء

أنا لا ألوم إلا أبناء امتي الكلدان لأنهم لا يعرفون حقيقتهم كما يعرفها الأجانب، فها هم الباحثون الأجانب يُعرفوننا بقوميتنا ولغـتنا، والسبب هو ضعـف الشعـور القومي لدى غالبيتنا، ولذلك طمع الآخرون بنا، وسعوا ولا زالوا يسعون الى محو اسمنا وإنكار وجودنا وصهر قوميتنا، وإلا كيف كان بإمكانهم حرماننا مِن التمثيل الكلداني في البرلمانين العراقي الإتحادي والكردستاني؟ الَم يصعـد مرشحو هؤلاء بأصوات الكلدان؟ حتى متى تبقون لا اباليين، جعلتم قياداتنا الكنسية في إحباط ٍ! وتخـشى القيام بأية خطوة ٍقومية لأنها أصبحت في شكٍّ مِن ولائكم لها بالتأييد والدعم الفعلي، أليس من العار علينا أن ندع هذه القلة الواهية أن تتغلب علينا وبإرادتنا.                                                                                                                                                                     أيها الكلدان لا زال المجالُ أمامكم واسعاً لتعَبِّروا عن قدرتكم على تحدّي الخصوم الجهلاء الذين في غفلةٍ  مِنا استغلّوا برودَنا تُجاه قوميتنا فنجحوا بإبعادنا عن الساحة السياسية، لينفردوا بالمكاسب  والحقوق والإمتيازات التي هي من حقنا الشرعي. سيجري الإحصاء السكاني إن عاجلاً أو آجلاً ، وكذلك ستتوالى الإنتخابات، فحذاري حـذاري أيها الكلدان أن تتنكَّروا لهويتكم الكلدانية، فإن الأبواق المأجورة لن تُضيَّع أية فرصةٍ في سبيل القيام بخدعكم كما فعلوا في الإنتخابات السابقة، أظهروا الشجاعة في ردعهم لكي يعلموا أنكم كلدان وإن الهوية الكلدانية هي الأغلى من كُل إغراءاتهم المادية والدعائية . 

 

الشماس د. كوركيس مردو

في 15 / 12 / 2012

103

لسريان والسريانية 3
التجنّي الصارخ على التُراث الكلداني ج3


إن المؤرخين الأجانب المستشرقين، مهما بذلوا من جهدٍ في سبرغور تاريخ منطقة الشرق الأوسط يبقى جهدُهم ناقصاً وأحياناً مخالفاً للواقع بسبب اعتمادهم على الإجتهاد والتحليل الشخصي بعيداً عن اعتماد المعطيات والوقائع، ولذلك على المؤرخين الوطنيين الشرقيين التحاشيَ عن الإقتداء بهم الى جانب تمحيص أقوالهم بجدية فائقة. وكمثال على ذلك نرى التباين الكبير في آرائهم حول أصل تسمية"سوريا" فمنهم"إرنيست رينان Ernest Renan" الفرنسي الخبير بتاريخ اللغات السامية يقول < إن الإسم  الآرامي إستبدله السلوقيون إبان فترة حكمهم لبلاد المشرق الى اسم سوريا > وقد اعتمد في ذلك على نظرية استاذه المؤرخ "كاتريمير Quatremere" التي نشرها في بدايات الربع الثاني من القرن التاسع عشر بكتابه عن الأنباط Nabateens  معتبراً إياهم آراميين، بينما الأنباط معروفون تاريخياً بأنهم فصيلة مِن فصائل الكلدان المتعدِّدة ولا علاقة لهم بالآراميين الذين هم بدورهم  فصيلة كلدانية نزحت من منبع الهجرات "القطر البحري" مثوى الكلدان الأصلي واستوطنت إحدى مناطق سورية ذات المتعرجات العالية، ولذلك قلنا بأن المؤرخ الأجنبي لا يُلِمُّ بالحقيقة ولكنه يبني أقواله على الحدس والتخمين.

ويُضيف رينان، وكان السلوقيون اليونانيون يُطلقون هذه التسمية على آسيا الداخلية كلها. ولم تستطع هذه التسمية إستئصال الاسم الآرامي من بلاد الشرق بالكامل، لأن الآراميين الذين لم يعتنقوا المسيحية كالأنباط والحرانيين تمسكوا به، وهذا كان السبب لتفسير لفظة الآرامي مُرادفة للفظة الصابئي والوثني. وهنالك مَن قال بأن لفظة سوريا مستمدة من اسم مدينة صور عاصمة البلاد الفينيقية، وآخرون قالوا بأنها متأتية من لفظة خارو المصرية التي كان المصريون يُعمموها على كُلِّ البلاد الواقعة على ضفاف البحر الموسط، وقد تمَّ تحويرها الى شارو ثمَّ سارو. بينما العلماءَ والمؤَلِّفون المسيحيون الشرقيون منهم والغربيون ينسبونَ اسم سوريا وبكلِّ تأكيد الى اسم المدعو(سوروس) الرَجُل الذي قَتَلَ أخاه الملك واستولى على المُلك، وسُمِّيَت البلادُ كُلُّها على إسمِه (سوريا) وسُكّانُها سُمُّواسِريانيين نسبةً الى إسمه،  ومِن هؤلاء المؤَلِّفين :


                                                                                                                                                                                                                                                                       إبنُ علي: صاحبُ القاموس الشهير حيث يقول: " ܣܘܪܝܐ ܬܘܒ ܟܠܗ ܐܬܪܐ ܕܡܢ ܐܢܛܝܘܟܝ ܘܥܕܡܐ ܠܐܘܪܗܝ ݀ ܘܥܠ ܫܡ ܣܘܪܘܣ ܐܬܩܪܝܬ ܗܘ ܕܩܛܠ ܠܐܚܘܗܝ ܘܐܡܠܟ ܥܠ ܒܬ ܢܗܪܘܬܐ وترجمتها : سوريا تعني البلاد التي تَمتَدُّ مِن أنطاكية الى الرُّها بأسرها، وقد دُعِيَت على اسم سوروس الرجل الذي قتل شقيقَه ومِلَكَ على بلاد النهرين ".


وقال إبن الصليبي في كتابه ( ܐܪܘܥܘܬܐ - المُلاقاة) في الفصل الرابع عشر رداً على تعيير اليونانيين: " ܐܠܐ ܒܚܣܕܐ ܬܘܒ ܩܪܝܢ ܠܢ ( ܐܘܟܝܬ  ܝܘܢܝܐ ) ܚܠܦ ܣܘܪܝܝܐ ܝܥܩܘܒܝܐ ܕܠܘܩܒܠܗܘܢ ܐܡܪܝܢܢ ܕܐܦܠܐ ܫܡܐ ܕܣܘܪܝܝܐ ܕܐܪܝܡܬܘܢ ܡܢܢ ܡܥܠܝ، ܡܛܠ ܕܥܠ ܫܡܐ ܕܡܬܩܪܐ ܣܘܪܘܣ ܐܬܝ ܐܝܢܐ ܕܐܡܠܟ ܒܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܐܬܩܪܝܬ ܥܠ ܫܡܗ ܣܘܪܝܐ  ܚܢܢ ܓܝܪ ܒܢܝ ܐܪܡ ܐܝܬܝܢ ܘܥܠ ܫܡܗ ܡܬܩܪܝܢ ܗܘܝܢ ܒܙܒܢ ܐܪܡܝܐ، وترجمتُها : غيرَ أنَّهم (أعني اليونانيين) مِن باب التعيير يَدعونَنا يعاقبة بدل السِريان، وإننا نَرُد عليهم قائلين: إنَّ الاسم (السِريان) الذي نزعتموه عَنّا، ليس مِن الأسماء النبيلة لدينا، لأنَّه مُشتق مِن اسم سوروس الذي مَلَكَ في أنطاكية، فسُمِّيَت سوريا على إسمِه . . . إنّنا بنو آرام وباسمِه كُنّا نُسمّى (آراميين) يوماً ".  وفي موضع آخر مِن كتابِه هذا يقول: " ܘܣܘܪܝܝܐ ܐܬܩܪܝܢ ܥܠ ܫܡ ܣܘܪܘܣ ܗܘ ܕܒܢܐ ܠܐܢܛܝܘܟܝܐ ܘܐܬܪܗ  ܘܐܬܩܪܝܬ ܥܠ ܫܡܗ ܣܘܪܝܐ وترجمتُها: ودُعينا سِرياناً نسبة الى اسم سوروس، الذي شَيَّدَ أنطاكيا وبلادَها، وسُمِّيَت على إسمِه سوريا. وكذلك تَحَدَّثَ مؤلف كتاب جَنَّة النعيم ܓܢܬ ܒܘܣܡܐ.
                                                                                                                                                                                                                                                                       أما حسن بن بهلول فقد قال في قاموسه: 
   
" ܣܘܪܝܐ ܥܠ ܫܡ ܣܘܪܘܣ ܐܬܩܪܝܬ ܐܢ ܟܕ ܚܝ ܘܐܢ ܟܕ ܡܝܝܬ ܗܘ ܕܩܛܠ ܠܐܚܘܗܝ ܘܐܡܠܟ ܒܝܬ ܢܗܪܘܬܐ ܘܐܬܩܪܝܬ ܐܪܥܐ ܟܠܗ ܕܐܘܚܕܢܗ ܣܘܪܝܐ ܘܡܢ ܩܕܝܡ ܣܘܪܝܝܐ ܐܪܡܝܐ ܡܬܩܪܝܢ ܗܘܘ  ܘܟܕ ܐܡܠܟ ܡܢܗܘܢ ܥܠܝܗܘܢ ܣܘܪܘܣ ݁ ܗܝܕܝܢ ܐܬܩܪܝܘ ܣܘܪܝܝܐ، وترجمتُها : إن اسم سوريا مُشتق مِن اسم سوروس حَيّاً كان أو مَيتاً، ذاك الذي قتل شقيقه ومَلَكَ فيما بين النهرين، فدُعِيَت كُلُّ مناطق مملكتِه (سوريا) إن السِريان مِن قبلً كانوا يُسَمَّون آراميين، وإذ مَلَكَ عليهم الذي مِنهم وبهم (سوروس) عندئذٍ دُعوا سِرياناً "  .

بماذا يُفَسَّرُ إذاً تَصَّرُّفُ البعض مِن إخوتنا الكلدان الذين أشرنا إليهم دون أن نذكرَ أسماءَهم لأنَّ مؤلفاتهم تشهدُ عليهم، وهم قادة كنسـيون ورُعاة لأَبناء الامة الكلدانية وكنيستها! كيف يُعلِّلون تنَكّرهم لإسم امتهم القومي الكلداني العريق، عندما يُهـمِلوه في بحوثِهم وكُتُبِهم وحتى في خِطابِهم وحديثهم وبتَعَمُّدٍ، مُفَضِّلين عليه الاسم الأجنبي الغريب (السريان) ويُضفون هذا الاسم على قديسي وعلماء وادباء الكلدان! أليس هذا مُنتهى التَجَنّي والنُكران! والأدهى في الأمر، قولُهم: ليس المُهم مِن أين جاء هـذا الاسم قد يكون مِن سوريا ... وهذا ليس بذي أهمية ! ولكنَّ الأَهمَّ لديهم أنه شـمل الكلدان والآثوريين والسريان والموارنة منذ القرنَين الثاني والثالث الميلادي، مُلقين القولَ على عواهِنه لإفتقارهم الى دلائل تاريخية، يدفعهم الى ذلك حِقدٌ وكراهية لكُلِّ ما هو كلداني وكلدانية، مُشَوِّهين التاريخ وإفرازات واقعه الموضوعي وهم في الوقـت نفسِه يَحتمَون بكنفِ الكلدان وتحت حمايتهم، يا للمفارقة المُنافية للمنطق والواقع !


                                                                                                                                                                                                                                                         ومِن دون وازع مِن ضميرأو رادع مِن حَق! سلبوا إسمَ اللغة الكلدانية البهية وحَقَّها، وحَوَّلوهما عمداً لصالح ما سُمِّيَت باللغة السريانية مِن قبل المونوفيزيين (اليعاقبة) هذه اللغة المسخ السمجة المُتوَلدة مِن تحريف اللغة الكلدانية الفصحى، وقام بنشرها بعضُ المونوفيزيين اليعقوبيين المتأخرين وعمّموها على طقس ما سُمِّيَ بالسرياني زوراً وبدون خجل بشَقَّيه السرياني اليعقوبي والكاثوليكي تمييزاً لهم عَن النساطرة الكلدان المُعاصرين الذين تَنَكَّروا لإسمهم واصولهم الكلدانية وانتحلوا التسمية الآشورية في العقود الزمنية المتأَخرة مِن القرن العشرين المنصرم لتكريس بقائهم على الضلالة النسطورية مُنفصلين عن إخوتهم أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية لكنيسة الشرق التي كانت قد تبَنَّت المذهب النسطوري مُجبرة ً منذ العقد الأخير مِن القرن الخامس وحتى مُنتصف القرن السادس عشر.

يَعترفون بأنَّ اللغة الآرامية كانت مجموعة لغوية غنية بلهجاتِها المُتعَدِّدة، وهذا لا جِدالَ فيه مِن ناحية اللهجات التخاطبية (المَحكية) السوادية، ولا زالت عديدة جداً وليست ذات أهمية تُذكَر فهي وليدة المناطقية وغير مُرتبطة بقواعد مُوحَّدة، أما اللغة الآرامية القواعدية فكانت اللهجة الشرقية أي اللغة الكلدانية وحدها، لغة الكلدان الكاثوليك والباقين مِنهم على المذهب النسطوري"نساطرة اليوم" أينما وُجدوا وهي اللغة الآرامية الأصيلة القديمة التي كانت تستخدمُها الممالكُ الكلدانية والتي انتقلت الى الدولة الآشورية عن طريق مِئات الآلاف مِن الأسري الكلدان الذين رُحِّلوا الى المناطق الآشورية، وغَدَت اللغة الرسمية للدولة على عهد الملك سنحاريب، وأصبحت لغة التداول الاولى في الشرق الأوسط كُلَّه على عهد الإمبراطورية الكلدانية. وكذلك إستخدمها أبناء الجزيرة، الشام ولبنان كما يُقِرُّ بذلك الخُبراءُ الموارنة. وعندما قام بتحريفِها المُنشقون المونوفيزيون اليعاقبة تَوَلَّدَت مِن هذا التحريف اللهجة التي سُمِّيَت باللهجة الغربية وجرى ذلك في القرون المُتأخرة على أيدي إبن العِبري وغيره، ومِن ثمَّ نقلوا إليها أغلب نتاج العلماء والادباء الكلدان، وقد إنبرى لتفنيد إدِّعآتِهم ومُغالطاتِهم العلامة المطران اقليميس يوسف داود في مُقدَّمة مُعجَمِه بأدلةٍ عِلمية قاطعة وبراهين تاريخية لا يُمكن الطعن بها إطلاقاً.



إن هذه اللهجة المبتورة والمِعوَجَّة التي تَوَلَّدت عن تحريف اللغة الكلدانية الفصحى المُتعَمَّد كما أسلفنا، لم تَكُن معروفة لدى الأقدمين سكان شرقي الفرات أوغربيّه ولم ينطقوا إلاّ باللهجة الشرقية، ناهيكَ، عن أنَّ أبناء الجزيرة وحتى الرُّها التي يَدَّعي بخُبثٍ المونوفيزيون المُغالطون المتأخرون انتسابَ لهجتهم إليها، ما كانوا يلفظونَها إلاّ باللهجة الشرقية وبتأكيدٍ لا غبارَ عليه، والأدلّة على ذلك كثيرة :


1 - الدليل الصارخ الذي يُلغي أيَّ تشكيك، ما جاء بسفر التكوين 31 /47 بأن لابان الحَرّاني وابن اختِه يعقوب عندما أقاما كومة مِن الحجارة كعلامةٍ لعهدٍ قطعاه بينهما، سَمّى لابان الكومة بلغتِه الآرامية الكلدانية (ܝܓܪ ܣܗܕܘܬܐ إيغَرْ سَهْدوثا) ودعاها يعقوب بلغتِه العِبرية جِلعاد، فالعبارة التي نطق بها لابان قبل ألفٍ وخمسمائة عام قبل الميلاد هي آرامية كلدانية شرقية، لأنها تُلفظ بالعبرية والعربية (إيغَر سَهْدوتا) على غِرار الشرقيين وليس كالغربيين (يغر سهدوثو) .


2 - ما نقله المؤَرخون المستشرقون والمؤَلفون الأجانب مِن أسماء الأعلام المُطلقة عليهم في الرُّها وضواحيها فإنها باللفظ الشرقي الكلداني قاطبةً ومِن هذه الأسماء : رُها، أدّي، بَرديصان، عَبدا، برسَميا، عَبشَلاما، نوحاما، رَبُّولا، كوريا، وغير هذه الأسماء كثيرة. وليس باللفظ الغربي اليعقوبي المُخترع : رهو ، برديصون ، عبدو ، برسميو ، نوحومو . . . حسب لفظِها اليوم مِن قبل مَن يُسَمّون بالغربيين .

3 - في مُستَهَلِّ القرن السابع أثبَتَ العالِمُ الشهير يعقوب الرُّهاوي في كتاب نحوه بأنَّ حركات اللغة الكلدانية < اللهجة الشرقية للآرامية > هي سبع وحصرها بالجملة التالية : " ܒܢܝܚܘ ܬܚܝܢ ܐܘܪܗܝ ܐܡܢ -  بْنيحو تِحّين أُورهَي إمَّن "  في حين أنَّ حركات اللغة المُخترعة المُحَرَّفة عن اللغة الكلدانية التي يَستعملُها المونوفيزيون اليعاقبة ومُقـتبِسوها منهم وللأسف من جملتهم الموارنة هي خمسٌ. وكُلُّ مَن يَقرأ كلمات هذه الجملة يتأكَّد مِن لفظِها الشرقي .

4 - إنَّ القديسَ أفرام النصيبيني قد ألَّفَ تسبِحة عظيمة على عدد حروف إسم يسوع المسيح العشرة، بدأ البيت الأول بحرف الياء والثاني بحرف الألف الذي كان يكتُبُه دقيقاً فوق الياء والثالث بحرف الشين والى آخره. ويُعَدُّ هذا دليلاً ساطعاً بأن مارأفـرام الملفان العظيم كان يكتُب ويلفظ اسم يسوع المسيح له المجد والسجود كالشرقيين (الكلدان) حيث كان هو ذاتُه كلدانياً صرفاً وليس كاليعاقبة الغربيين، وإلا لَما بدأَ البيت الثاني بالألف، والتسبحة البديعة هذه تُرَتَّل لدى الكلدان والموارنة أيضاً وهي :  "ܢܘܗܪܐ ܕܢܚ ܠܙܕܝܩܐ - نوهرا دْناح لْزَدّيقي" ترجمتها: أشرق النورُ على الصديقين. ثمَّ إن ما سُمِّيَت باللغة السريانية لم تظهر قبل زمن المونوفيزي غريغوريوس الملطي المعروف بابن العبري الذي عاش في القرن الثاني عشر على العكس من التسمية المفروضة على الآراميين ببضعة قرون قبل الميلاد، فكيف كان بإمكان القديس أفرام أن يكتب بهذه اللغة المسخ قبل ظهورها بثمانية قرون؟ وأليس جوراً أن تُنسب الى هذا العالِم الكلداني عبقريِّ زمانه التبعية السريانية الغريبة المشوَّهة؟



ومِمّا تَقَدَّمَ يَتَّضِح جَليّاً بأن لغة الرهاويين وأهل الجزيرة كانت لغة الكلدان بلهجتها الشرقية ولم تَكُن لغة الغربيين بلهجتها المِعوجة قطعاً، وهو ما يدحَضُ إدِّعاءَ المُزَيِّفين القائلين زوراً بأن مارأفرام المُعلِّم الكبير سرياني غربي، إنَّه افتراء وادِّعاء فارغ، وهذا هو دَيدَنُ كُلِّ المُنشقين والمُغالطين، سَلبُ أمجاد الغير وابتزاز حضارتِهم. فالقديس أفرام شرقيٌّ ومسقط رأسه مدينة نصيبين. فيها قامت أعظمُ مطرانيات الكلدان وأنبلُها، أجبرته الظروف السياسية القاهرة لينتقل الى الرُّها المدينة المُباركة لدى الكلدان، فقد كانت مدينة شرقية بالرغم مِن وقوعها تحت نفوذ الرومان، والمدرسة الشهيرة التي شَيَّدَها في مدينة الرُّها مارأفرام ورفاقه لأبناء قومِه الكلدان على غِرار مدرسة نصيبين التي أغلقها الملك الفارسي الجائر شابورالثاني، كانت شرقية قلباً وقالباً وبسبب خصوصيتها هذه لُقِّبَت بمدرسة الفرس، ولهذه المدرسة الأفرامية الكلدانية يعود الفضل في ازدهار الثقافة والأدب في الرُّها.

بعـد كُلِّ ما سردناه مِن الأدِلَّة المؤَثَّقـة عن حقيقة الكلدان والكلدانية، أليس مِن حَقِّ أبناء الكلدان أن يَتسأَلوا مُستغربين، ما هي الأهداف الخفية وراء قيام بعض المؤَلِّفين مِن بين رعاتهم الكنسيين بتغـييب اسم الكلدان ومُنجزاتِهم التُراثية في كُتُبِهم وعَزوِها الى نابذي اسمهم التاريخي (الآرامي) ومُنتحلي الاسم الغريب (السرياني). هل هو جهلٌ تاريخي مِنهم؟ أم هل هم مُجَنَّدون للقيام بهذا العمل المغزي؟ لا أعتقد أن يكون السبب الأول، فلا بدَّ أن يكون السبب الثاني ولا بدَّ أن يكون له أجرٌ خيالي على كلا الصعيدَين المادي والمعنوي! ولكن الشيءَ الذي غاب عن بالهم بأنَّ الشعب الكلداني لن يغفر لهم هذا الإجحاف بحَقِّه، كما أنَّ التاريخ سيُدخِلُهم في خانة ناكري اصولهم القومية أو في خانةٍ أكبر . . . ! قد يعتبرني الآباء الكلدان الذين أشرتُ إليهم فيما تقدَّم بالتعصب للقومية الكلدانية، وسأعتبره شرفاً وفخراً لي، أما الإخوة الآراميون المتسرينون فبالتأكيد سيكون لديهم تنكُّرٌ لِما ذكرته من الحقائق وتنصلٌ مِمّا اقترفه أسلافهم بحقِّ اللغة الكلدانية وتراثها وقديسيها ومؤلفيها، وهذا متوقَّع، لأن الدجل والإختلاس يُعتبران لديهم شطارة ومهارة وليس احترافاً وسرقة!. والى الجزء الرابع قريباً



الشماس د. كوركيس مردو
في 27 / 11 / 2012

104

السريان والسريانية

التجني الصارخ على التراث الكلداني ج2

وهنالك الغموض والإرتباك في بعض طروحات أو تصريحات آباء الكنيسة الكبار، وأحدث مثال على ذلك،  ما ورد في كلمة البطريرك الراحل روفائيل بيداويذ أمام البابا يوحنا بولس الثاني في الفاتيكان في 14 /10 / 1994 م عبارة "الكنيسة الكلدانية" لأكثر مِن أربع مرات مؤكداً بذلك قومية أبنائها، وفي حديثه التلفزيوني لمحطة لبنانية يُصرِّح " الكلدان مذهب والشعب الكلداني آشوري" وقد أنكر هذا التصريح لدى قدومه بعد فترةٍ الى ولاية مشيكان/أمريكا. فهل مثل هذا الموقف المتذبذب يليق بصاحب مبدأ تقلَّد أعلى سلطةٍ في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية؟ ولو صدَّقنا جدلاً ما قاله فهل كان ذلك عدم تمييزه بين المذهب والقومية؟ أم ماذا؟ لا أظن ذلك، قد يكون قد عبَّرَ عن رأيه الشخصي الخاص، وهذا لا يُمثل رأي الباحثين والمفكِّرين والمؤرخين، ثمَّ إنَّه لم يَدعم قولَه بأية نظرية أو فرضية علمية أو بيِّنة تاريخية، ولم يستند الى أيِّ نصٍّ تاريخي. وبرهانه الوحيد الذي استشهد به هـو قوله: < كان جدي قساً نسطورياً ونحن طائفة > إنه نطق بالواقع فقد كان النساطرة في زمن جَدِّه طائفة فضَّلت الإنعزال في المنطقة الجبلية. أما إذا قـصد بكلامه بأن الكلدان كانوا نساطرة قبل اهتدائهم ثانية الى مذهب آبائهم وأجدادهم الذي كانوا عليه منذ تأسيس كنيسة الشرق وحتى القرن الخامس، وإنَّ النسطرة هي رديف الآثورية أو التسمية المُنتحلة في العقود المتأخرة مِن قبل سكان منطقة آثورالكلدان أعني" الآشورية" فذلك خطأٌ فادح ونهج سياسي شوفيني أشاعته الزمَرالنسطورية الحزبية لأغـراض سياسية. كان المرحوم البطريرك مارروفائيل الأول بيداويذ مدرِّساً في معهد شمعون الصفا الكلداني الكهنوتي منذ عودته من روما في نهاية أربعينيات القرن العشرين وحتى أواخر الستينات، درستُ على يديه الكتاب المقدس والتاريخ الكنسي والفلسفة، وكان مغرماً باللغة الكلدانية ويتباهى بها، وإني لفي عجبٍ كيف تغيَّر في الفترة الأخيرة من حياته وأنكر قوميته! وإني لأعجب أيضاً كيف لم يُحاول تبديل عنوان قاموس المرحوم المطران يعقوب اوجين منا لدى قيامه بتجديد طبعه مِن( قاموس كلداني-عربي ) الى قاموس آشوري – عربي! أو سرياني – عربي! إنها التخبطات التي يقع فيها بعض رجال الإكليروس الكلداني جهلاً أو تَعمُّداً، هذا إذا كان ما أشيع عن البطريرك المرحوم صحيحاً، إذ إنني شخصياً أشك فيما نُسب إليه من فبل فئة مُشعوذة!

                                                                                                                                                                        فالحقائق التاريخية تُفيد بأنَّ كنيسة الشرق الكلدانية برُمتها اعتنقت البدعة النسطورية مُجبرةً منذ أواخر القرن الخامس باستثناء جزءٍ مِن أبنائها الذين اعتنقوا البِدعة "الأوطاخية المونوفيزية" التي تغلَّبت عليها التسمية اليعقوبية نسبة ًالى يعقوب البراذعي الكلداني الأصل والزعيم المونوفيزي البارز. مِن الأسباب الرئيسية لقيام مطارنة وأساقفة كنيسة الشرق الى استبدال مذهب كنيستهم القويم مذهب الكنيسة الجامعة بمذهب البِدعة النسطورية: كان للوقوف بحزمٍ ضِدَّ استفحال أمر البِدعة الأوطاخية المونوفيزية المتبنّاة من قبل جماعةٍ منشقة من الكلدان أشهرهم: يعقوب البرادعي ويعقوب السروجي وسمعان الأرشامي وأخسنايا الذي عُرف باسم"فيليكسينوس" هؤلاء كانوا مؤسسي الكنيسة المونوفيزية.
 
 
ومنذ اعتناق الغالبية القصوى من أبناء كنيسة الشرق الكلدانية للنسطرة عُرفت كنيستُهم باسم ((الكنيسة الكلدانية النسطوريةأو الكنيسة النسطورية اختصاراً)) وهنالك دلائل مؤثقة تشير الى اضطرار الكثير مِن أبناء الكنيسة النسطورية مِن منطقة كلدو والجزيرة للهجرة الى منطقة آثور الجبلية هرباً مِن قساوة الإضطهادات عبر العصور.
                                                                                                             

ثمَّ إن كنيسة الشرق الكلدانية ومنذ تأسيسها، لم يقبل أبناؤُها ومؤسسوها الكلدان أن تبقى حكراً عليهم بل فتحوا بابها على مصراعيه أمام مُختلف الأقوام الاخرى للدخول والإنتساب إليها، فانضمَّ إليها العرب والفرس والتركمان والهنود والمغول وغيرهم، فليس بالأمرالغريب أن يرأس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة الشرق التليدة، البطريرك روفائيل بيداويذ الذي إدَّعى في آخر عهده بالآثورية أو الآشورية المُنتحَلة قومية له، طالما إتسم بسماتٍ تؤَهِّله لرئاسة هذه الكنيسة، أوحتى لو فرضته جهة سياسية متنفذة كما جرى بالفعل. وهوليس أول بطريرك من غير القومية الكلدانية بحسب إدِّعائه أو ربَّما أشيع عنه، فقد سبقه الى هذا المنصب مِن غير الكلدان، المغولي مار يهبلاها الثالث 1283 - 1318 م. وهذا لا يعني أن الكلدان في عهد مار يهبلاها أصبحوا مغولاً ولا في عهد بيداويذ أصبحوا آثوريين أو تحوَّلوا الى انتحال الآشورية كما فعلها أبناؤُهم وإخوتُهم الكلدان الإنعزاليون سكان منطقة هيكاري الجبلية في نحو الربع الأول مِن القرن التاسع عشر.

وعندما سألتُ صديقي وزميلي في السيمنير(فاروق) الأب الدكتور يوسف حَبي عن مغزى وضعه عنواناً لأحد كُتُبه (كنيسة المشرق الكلدانية - الآثورية) وكان الكتاب لا زال قيد الطبع ولم يُمهله الموت ليراه مطبوعاً. رأيت في تفسيره لمغزى العنوان، إعطاء بعض الزخم للوحدة الكنسية، التي كانت المُحاولات تجري بشأنها على قدم وساق آنذاك، فمما قاله لي: ليس مِن شكٍّ على الإطلاق بأن الكلدان هم مؤسسو كنيسة المشرق، وكوخي كانت أول كنيسة بُنيت في منطقة كلدو وأصبحت مقراً للرئاسة الكنسية ومِنها تفرَّعت الرئاسات المناطقية في كُلِّ أنحاء بلاد ما بين النهرين التي تدخل ضمنها بلاد الكلدان الأصلية (كلدو وآثور والجزيرة) وعلى هذا الأساس فإن أبناء كلدو وأبناء آثور وأبناء الجزيرة هـم كلدان وإن أختلفت مناطق سكناهم، فرأيت أن لا ضير في عنونة كتابي بهذا الاسم إرضاءً للجزء المُعاند مِن أبناء شعبنا الكلداني والمتشبَّث بالتسمية الآثورية.
 



الإسم السرياني

إنَّ اسم (السريان) لا عُمقَ له في التاريخ ولا يتمتع بصفةٍ قومية، لأنه فُرضَ على آراميي الديار السورية القاطنين في المناطق الواقعة غَرب الفرات مِن قبل الغزاة المصريين بداية ً وسار على مِنوالهم مِن بعدهم الغـزاة اليونانيون، تلك المناطق التي تباينت الآراءُ في تسميتها بـ (سوريا) ومِن ثم أُطلقَ على مسيحييهـا الآراميين، ويبدو أن الآراميين لم يعملوا شيئاً لإستعادة إسمهم الآرامي لاحقاً بل إستمرأوا الإسم السرياني الغريب.

ولأنَّ المسيحية دخلت الى سُكّان بلاد ما بين النهرين الأصليين الكلدان عن طريق المُبشِّرين القادمين مِن فلسطين التي كانت يومها ضمن هذه الديار، أُطلق عليهم الى جانب أسمائهم العديدة التي لُقِّبوا بها اسمَ السريان الشرقيين تيمناً بهم كما يقول العلامة أدّي شير(مُقدمة تاريخ كلدو وآثور/ ج2 ص . ܕ - ܗ 4 - 5 )" وتمييزاً لهم عن الذين سُمّوا بالسريان الغربيين وهم اليعاقبة، ولكنَّ إسمهم الأصلي كلدان آثوريون جِنساً ووطناً، لأن مَنشأ كنيستهم ومَركزَها كلدو وآثور، ولغتهم الجِنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقالُ لها أيضاً الآرامية، وغلطاً سُمِّيَت سريانية كما أنه غلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سِرياناً، ويستطردُ أدّي شير: واعلم أنَّ السِريان الغربيين أعني بهم اليعاقبة أحَسّوا هم أيضاً بهذا الخطأ وأقرّوا علناً بأنَّ اسمهم الحقيقي الأصلي ليس السِرياني بل الكلداني الآثوري، فإنَّه على عهد ديونوسيوس التلمحري الذي عاش في النصف الأول مِن الجيل التاسع، كان اليونان يستهزئون بالسريان اليعاقبة ويقولون لهم: إن طائفتكم السِريانية لا شرف لها ولا أهمِيَّة، فإنه ليس لكم مملكة ولا قام في سالف الأزمان فيما بينكم ملك جليل، فاضطرَّ السِريان اليعاقبة أن يُقِرّوا ويُثبِتوا، أنَّه: ولوأُطلقَ عليهم اسم السريان إلاّ أنَّ أصلهم كلدان آثوريون، وقد صار لهم عِدة ملوك جبابرة ( تاريخ ميخائيل بطريرك اليعاقبة / ط . شابو ص . 750) .


                                                                                                                                                                          وفي (الصفحة 748 من تاريخ ميخائيل) يقول البطريرك الـيعـقوبي ميخائيل< إنَّ العيلاميين والآثوريين والآراميين، وهم الذين سَمّاهم اليونان سِرياناً سُمّوا قاطبة كلداناً بإسمِهم القديم، ويُضيف نقلاً عن ديونوسيوس التـلمحري ما نَصُّه :< إنَّ سوريا هي في غـربيِّ الـفرات، فالذين يتكلمون بلساننا الآرامي، إنما على سبيل الإستعارة سُمّوا سِرياناً، لأنَّهم ليسوا إلاّ جزءاً (مِن الكُل) وأما الأُخَر فسكنوا كُلُّهم في شَرقيِّ الفرات وامتَدّوا مِن سواحل الفرات الى بلاد فارس، وقام ملوكٌ كثيرون في هذا القسم أي في بابل وآثور واورهاي أي"الرُّها" >. ويُعَقِّب أدّي شير على ما تَقَدَّم أعلاه قائلاً :" فقد تَحَقَّق أنَّ السِريان اليعاقبة أيضاً أقَرّوا بأنَّ أصلَهم كلدان آثوريون جِنساً ولغة وإنَّ الاسم السِرياني هو يوناني خارجي أُطلقَ غلطاً وزوراً علينا وعليهم، ويا ليتهم يجوزون مِثلنا عَن الاسم السِرياني ويسترجعـون الاسم الكلداني الآثوري فنُصبِح كُلُّنا شعباً واحداً إسماً وجسماً ويداً واحدة لنُنهِضَ امتنا هذه القديمة القوية، التي كَسَبَت في سالف الأزمان ذِكراً جميلاً ومَجداً عظيماً في الزمنيات وفي الروحيات "(مقدمة تاريخ كلدو وآثورج2 ص ܗ 5)



أبعدَ كُلِّ ما تقدم ذكرُه من البيِّنات والأسانيد عن أعجمية لفظة أواسم السريان يقول:المونوفيزي المتكثلك غريغوريوس يعقوب حلياني أول ميطرابوليط للسريان الكاثوليك في دمشق بكتابه< اللغة العظيمة> (إن القول بأن لفظة السريان أعجمية زعمٌ باطل دون أن يُسند قوله ببينات تؤيده! أليس ذلك طمساً لجناية نبذه وشعبُه لإسمهم الأصيل الآرامي؟ يظهر أنَّ انتماءَه للكثلكة لم يُثنِه عن اتّباع عادات المونوفيزيين اليعاقبة بتشويه الحقائق التاريخية. ولكن الحقيقة أقوى من أن تُشوَّه، وها هو الميطرابوليط غريغوريوس حلياني ذاتُه يرضخ لها ويؤكد اتفاقه بالرأي مع القس يعقوب اوجين منا الكلداني حيث يقول في كتابه المشار إليه أعلاه < ومهما كان من أمر اشتقاق لفظ "السريان" فإنَّ أصحابه لم يُعرَفوا به قبل أربعمائة أو خمسمائة سنة قبل التاريخ المسيحي > أما الآراميون الشرقيون وهم الكلدان والآثوريون (وهي تسمية غير صائبة ومجحفة بحق الكلدان، لأن الآراميين أصلاً يعودون بجذورهم الى الكلدان منبع الهجرات الرئيس في بلاد وادي الرافدين) لم يُعرفوا بها إلا بعد اعتناقهم المسيحية على أيدي الرسل القادمين من فلسطين الكائنة ضمن ديار ما كانت تُسمّى بسوريا الكبرى آنذاك، ولشدة تمسكهم بمسيحيتهم حتى التزمُّت، فضَّلوا إهمال إسمهم القومي الكلداني بحجة رمزيته الى الوثنية ويا لبئس تلك الحجة الواهية التي جنوا بها على أجيالهم اللاحقة! وطلبوا أن يُسَمّوا باسم مبشريهم المشرقيين"مسيحيين مشارقة" تَيَمُّناً باسمهم وليس"آراميين شرقيين" كما يدَّعي البعض عن جهل أو تَعَمُد لغايات عنصرية منافية للتاريخ والواقع. والى الجزء الثالث قريباً.



الشماس د. كوركيس مردو
في 19/11/2012

105

السريان والسريانية



في الآونة الأخيرة نلاحظ بأنَّ الكثير من أبناء شعبنا المسيحي الجاهل بالتاريخ والبعض منهم للأسف الشديد من ابناء الأمة الكلدانية الذين تراصفوا مع أبناء الطائفتين المسيحيتين النسطورية، والسريانية بشقَّيها المذهبيَين: الكاثوليكي، والأرثوذكسي(المونوفيزي اليعقوبي سابقاً) قد استطابوا بقبولهم أن يُمضوا قُدماً بتمجيد وإعلاء شأن التسمية السريانية الغريبة على لغتنا "الآرامية الكلدانية" العريقة. هذه التسمية الدينية التي فرضها ما سُمِّي بمجلس قيادة الثورة لحزب البعث الحاكم، على مسيحيي العراق عام 1972م المعادي لكُلِّ ذوي القوميات الأخرى والمقصود بها خاصةً وعمداً "القومية الكلدانية" الشاملة لكُلِّ مسيحيي العراق ما عدا الأرمَن عندما أصدر القرارَ الخاص بـ" منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية" وبذلك جَرَّد المسيحيين من قوميتهم الكلدانية الأصيلة عن سابق عِلم ومعرفة، لوثوقه الأكيد بأن السريانية لا تمت بأية صلةٍ الى القومية لا من قريب ولا من بعيد، بل هي مرادفة " للمسيحيين والمسيحية" .

وبدلاً مِن أن يعترض هؤلاء المخدوعون بذلك القرار الجائر، بعد زوال أصحابه ويُطالبوا بتغيير التسمية الغريبة وإعادة الحق للتسمية الكلدانية الحقيقية الصائبة في عهد التغيير والديمقراطية، نراهم مستمرين بتسمية ليس لغتهم فقط  بالسريانية بل حتى أنفسهم وهم غافلون لا يدرون. عفواً، إنهم يدرون كُلَّ الحقيقة، ولكن كُرها بالكلدان يُنكرونها! ألم يكن النساطرة ولا زالوا يُنادون باللغة الآثورية، لماذا أجبنوا وقبلوا باللغة السريانية؟ الجواب حاضر وبديهيٌّ: كُرهاً ونكايةً بالكلدان لأنهم يكنّون لهم بغضاً وعداءً خفياً وسافراً لا يمكن وصفُه! بعد هذه المقدمة الوجيزة والواضحة التعبير للواقع الثقافي المسيحي في عراق اليوم، سأسرد مسلسلاً على شكل أجزاء عن مدى التجني على التراث الكلداني ولغته في الماضي والحاضر.

التجنّي الصارخ على التُراث الكلداني ج 1

إنه تَجَنٍ كبيرٌعلى الكلدان وكنيستِهم(كنيسة الشرق) أن يُطلقَ على تُراثِها الرائع والخالد اسم (السرياني) فهو تشويهٌ صارخ ٌ للحقِّ والتاريخ! فاللغة الآرامية الشرقية هي اللغة الكلدانية اللغة الأنقى والأفصح بين كُلِّ لهجات اللغة الآرامية، كانت لغة التدوين والأدب قبل المسيحية، تَعَلَّمَها اليهودُ أثناء السبي البابلي وظلَّوا يتداولونَها أكثر مِن تداولهم للغتِهم العِبرية، وقد تَحَدَّثَ بها المسيحُ الرب ووالدُتُه ورُسُلُه وتلاميذه، وبعد المسيحية تَبَنَّتها كنيسة الشرق الكلدانية ام الكنائس العِملاقة ولها يعودُ الفضلُ بانتشارها في كُلِّ البقاع التي أمتذَّت إليها رقعة الكنيسة مِن العراق والى أجزاء مِن ايران وتُركيا فالديار الشامية، أليس مِن المُعيبِ والمُخجل على بعض الآباء الكلدان مِن أساقفةٍ وقُسُس ذوي مكانة في الكنيسة الكلدانية مِن تبنّيهم للإسم السرياني الغريب الذي أطلقه الأغرابُ اليونانيون على آراميي غرب الفرات، والتنَكُّر لإسمهم الكلداني القومي العَذب والفريد! إنها لَمِحنة كبيرة أن يكون الشعورُ القومي عند هؤلاء ضعيفاً الى هذه الدرجة المخجلة.


إنَّه دورٌ سلبيٌّ خطير يقوم به رجالُ دين كلدان مِن خلال كتاباتهم وبعض طروحاتهم وحتى خُطبهم يؤَدّي الى تشويه هوية الكلدان القومية، لأن معظم كتاباتهم يشوبُها عدم وضوح المفهوم القومي فيها، وفي الغالب إن لم نقل كلياً يجنحون الى المزج بين المفاهيم الدينية والقومية. ومع احترامي الكبير لآباء كنيستنا الكلدانية مِن أساقفةٍ وكهنة، فهذا لا يمنعني أن أتصدّى بانتقادٍ عِلمي وتاريخي للنصوص والجُمل والعناوين التي يعتمدونها ويوردونها في كتاباتهم عمداً أو جهلاً. وسأسرد بعضاً مِن هذه العناوين والنصوص على سبيل المثال لا الحصر:

هل مِن الإنصاف أن يُعنون الأب (المطران) جاك اسحق أحد كُتُبه حول المخطوطات الكلدانية بـ (المخطوطات السريانية والعربية في خزانة الرهبانية الكلدانية في بغداد) عندما تعترف بأنها رهبانية كلدانية فكيف تكون مخطوطاتها سريانية؟ أليس هذا تنكُّرٌ لإسم لغتنا الكلدانية الأجمل بين اللغات، وكيف تستسيغون استخدام اسم اللُّغة المبتورة العوجاء المتولدة من تحريف اللغة الكلدانية متجاهلين اسم الكلدانية العذب؟
                                                                                                                                                             
  أ
الكنيسة الكلدانية السريانية الشرقية الكاثوليكية: فأضاف بذلك صفتَين للكنيسة الكلدانية إحداهما مقبولة هي الشرقية لأنها في الشرق تأسست، والأخرى غريبة ومكروهة هي السريانية، فشوَّهت الكلدانية الحقيقية النبيلة، هذه التسمية التي أطلقها المصريون أولاً ثم البيزنطيون اليونان على نابذي قوميتهم الآرامية وهم ذاتهم الذين تجنوا على التسمية الكلدانية في غفلةٍ من الزمن الرديء وسلبوا تُراثها ومنجزاتها!
                                                                                                                         
 ب
تاريخ الكنيسة السريانية الشرقية:أهو إبداعٌ شخصيٌّ! أبانا الفاضل أم فـذلكة لغوية؟ أم تعمُّد في طمس الكلدانية، إتَّق الله وكن أميناً مع التاريخ يا عاشق الاسم الغريب.! 

                                                                                                                        ت  تطوُّرالفكراللاهوتي في كنيسة المشرق: وردت جملة (كانت لغة التعبيرعن الديانة المسيحية هي الآرامية في مُعظم مناطق بين النهرين ...) لا بأس فإن اللغة الكلدانية يُطلق عليها الآرامية أيضاً كما قال العالِم الشهيرالمطران يعقوب منا في قاموسه (الكلداني – العربي ص 338) ولكننا نقول: إذا كان مَن تبقَّى مِن الآراميين قد نبذوا الآرامية واستبدلوا إسمها بالسريانية التي فرضها عليهم الغرباء، فكيف تجني على علماء كنيسة المشرق الكلدانية وتعزو إليهم التعبيرعن مسيحيتهم بالآرامية وأنت واحد من علماء كنيسة المشرق الكلدانية؟ ألم يكن الواجبُ يقتضي منكم مناهضة العلماء الذين خدعهم المُسمَّون بالسريان زوراً لكي يعتمدوا لغتهم العوجاء، وتُعيدوا الحقَّ الى أهله ليخزى الساطون؟ ما الذي أغراك بعدم ذكر الكلدانية وما هو سِرُّ غرامكِ المفرط بالآرامية التي الذين كانوا أصحابها؟ وأنت تعلم أنَّ الآرامية هي تسمية تُغطي عِدة لهجات، وأنَّ الكلدانية هي اللهجة الأفصح والأنقى بين اللهجات الآرامية!

ث
كتاب الرؤساء/ توما المرجي/ترجمة الأب ألبير أبونا
                                                                                                                                                                              هل كان هذا الكتاب بالآرامية بالسريانية؟ ألم تُترجمه مِن الكلدانية أيها الأب الفاضل؟ والدليل على ذلك الهوامش التي تذكرها في الكتاب نفسه ومِنها مثلاً: والأب بولس بيجان الذي أعاد طبع النص الكلداني وغيره ممن كتبوا في الآداب السريانية. وذكرتَ فيه: (في سنة 1893 م قام العلامة المُستشرق الإنجليزي السير ي. أبدج بنشر نص الكتاب باللغة الكلدانية، وأيضاً حتى المرء ليعجب مِن سعة إطلاع هذا العالِم على دقائق اللغة الكلدانية) إذا كان الأجنبي يعرف بأنها الآداب الكلدانية وأنت تُسميها (الآداب السريانية) أليس هذا عجباً بين أصيل يُنكرأصالته ودخيل يؤَكِّدها!!

ج أدب اللغة الآرامية
 
وبهذا العنوان يُظهر الأب ألبير أبونا أوج استخفافه بالاسم الكلداني الحقيقي لها ، ويُحاول إحياء الاسم الميِّت والمنبوذ. وإذا أردنا أن نسرد خلط َالأب البير أبونا الحابل بالنابل في استخدام المفاهيم، فعلينا أن نضـع فـيها مصنفاً كبيراً ولذلك نكتفي بهذه الأمثلة كنماذج لإطلاع القاريء الكلداني، ليتأكد مِن مدى استخفاف بعض خريجي المعهـد الدومنيكي في الموصل مِن أبناء الكلدان الذين استجابوا لغسل أدمغـتهم من الإعـتزاز بقـوميتهم الكلدانية وتُراثها العظيم! ولا ندري لماذا إتصف المُرسَلون الدومنيكان بالغيرة من الكلدان والحقد عليهم الى حَدِّ إفراغ عقول الطلبة الكلدان الدارسين في معهدهم من الشعورالقومي الكلداني، وحشوها باستخدام الإسم السرياني الغريب نكاية ً بالكلدان ما دام الكلدان قد دخلوا الى حلبة المنافسة الدينية والثقافية معهم ولهذا اقتضت محاربتُهم من خلال أبنائهم.


وفي مقاله (أرشيف البطريركية الكلدانية) يقول المرحوم الأب بطرس حداد وهو يُطري اللغة الكلدانية (إنَّ السلف الصالح كان يعتز باللغة الكلدانية، فالمُراسلات بين البطريركية والإكليروس كانت تتم بهذه اللغة الشريفة، وتراجعـت تدريجياً في عهد البطريرك عمانوئيل) بينما في مقال آخر له يُعنونُه (الكتابات السريانية في ديارات المشارقة) تُرى، ماذا نُسمّي هذا التناقض؟ كيف يُعقل، ديارات مشرقية وكتابات سريانية؟ ولماذا يا أبانا سمَّيتَ الكتابات الكلدانية بالسريانية وأنت متأكد من حروفها الكلدانية؟ هل هو سهو أم تَعَمُّد  الغاية منه التعتيم على الكلدانية؟


أما الأب لويس ساكو(المطران) مع احترامي لثقافته وعِلمه، فقد وضع عنوان أحد كُتُبه (آباؤُنا السريان) وكأنه مطران سرياني وليس كلدانياً، ويجعل مِن الآباء العلماء العباقرة الكلدان سرياناً، وفي الحقيقة  لم تسنح لي شخـصياً الفـرصة للإطلاع عليه، ولكنني أحكم عليه مِن عـنوانه(ومِن سيمائهم تعرفونهم). وقد سبقَ لي أن إنتقدتُ مـقالاً نشِرَ في موقـع إلكـتروني(نيركال كَيت) وكذلك نُشرَ في موقع بَحزاني بعنوان "  السريان ... الإطار التاريخي والجغرافي" باسم المطران لويس ساكو، وكان عنوان مقالي" ضمور الشعور القومي لدى الكلدان" نـشِر في موقع عنكاوا .كوم في 24 / 5 / 2007 م فَنَدتُ فيه المغالطات التي وردت في المقال . والى الجزء الثاني قريباً



الشماس د. كوركيس مردو
في 7 / 11 / 2012

106

نعم الإنتماء الى الكنيسة الجامعة هو مصدر نعمةٍ وبركةٍ وغِنى!



للأسف الشديد مُنذ أمدٍ بعيدٍ والأستاذ ليون برخو متمادٍ في التعرُّض للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ليس من منطلق الغيرة عليها وحُبِّه لها كما يدَّعي، وإلا لَما نَدَّد بمؤسستها رئاسةً وأحباراً وكهنةً مدفوعاً برغبة جامحة للإنتقام لا ندري الباعث إليه لأن التناقض في أقواله يجعل من العسير التكهن به أو الإستدلال عليه، فهو إذاً نابع عن نفسية معقدة غير مستقرة!


انظروا التناقض في أقوال الأستاذ برخو في إجابته على عنوان "هل الإنتماء الى الكنيسة الغربية عامل نعمة وبركة؟ وضعه لتعقيبه على مقال المطران لويس ساكو. يقول في مستهل تعقيبه:


< أظن أن الجواب على هذا السؤال ليس يسيراً وقد يكون قد قصد"عسيراً" بدليل قوله: الجواب حاضر ويسير لا بل بديهي ومطلق لكل مَن يضع المذهب والعقيدة قبل الهوية والتراث واللغة والطقس والتاريخ والأدب الكنسي وكُل مَن لا يُميِّز بين الكنيسة كرسالة سماء والكنيسة كمؤسسة شأنها شأن أيِّ مؤسسة مدنية ومالية وسياسية واستخباراتية وعسكرية وغيرها.> انتهى الإقتباس


كيف يكون الجواب غير يسير، وفي الوقت ذاته تجعله لدى الغير حاضراً ويسيراً لا بل بديهياً ومطلقاً! فإذا كان عليك ليس بيسير لأنك تختلف عن هذا الرعيل، لماذا لم تشرح أسباب صعوبته بالنسبة إليك ومَن هم على مثالك؟ يظهر أنك الوحيد الذي لا تُميِّز بين الكنيسة والمؤسسة الكنسية، المسيح الرب له كُل المجد، أسس كنيسته من البشر وليس من الملائكة، وأعلن بشخص هامة الرُسل القديس بطرس رئيساً لها وإخوته الرسل الآخرين مُساعدين له بقوله له ثلاث مرات: إرعَ خرافي، إرعَ غنمي، إرعَ كباشي أي جعله رأس الكنيسة المنظور لمؤسسته الإلهية الهرمية، وشتان ما بين المؤسسة الإلهية و المؤسسات التي أشرتَ إليها والتي ساويتها بها، حالك بذلك كحال مَن ليس لهم ايمان أوالملحدين أو الوثنيين! نعم إن المؤسسة الكنسية أناطها مؤسسها بالبشر وليس بالملائكة كما ذكرت آنفاً ولذلك لا بدَّ من وقوع هفوات بين أعضائها البشريين، إن ما بَدُر وما لا زال يبدر منك ليس بنقدٍ بناء وإنما هو نقد عدائي انتقامي هدام يُمليه عليك ردُّ فعل نفسي تحوَّلَ الى داءٍ ليس له دواء.




لماذا تُضمر كُلَّ هذا الحقد والعِداء للكنيسة الجامعة وتتلذذ بتكالب الأعداء ضِدَّها شامتاً؟ في الوقت الذي لست متأكداً ذاتياً بل معتمداً على أقوال الرواة الذين يُمثلون جزءاً من أبواب الجحيم الذين ذكرهم المسيح الرب مؤسسُها، بأنهم مهما فعلوا لن يقووا عليها، ولماذا تُريد أن تقف الى جانب هذا الجزء الجهنمي؟


إنك يا استاذ برخو سفسطائيُّ النزعة ولذلك لستَ مؤهلاً ولا بمستوى روحي جيد لتناقش العقيدة المسيحية بالذات، قد يمكنك مناقشة غيرها، أما هي فقد أشبعت نقاشاً وتحليلاً وتمحيصاً عبر الأجيال من قبل علماء جهابذة وقديسين هباهم الله الوحي ليعرفوا الحقَّ ويعتمدوه ويثبتوه. بأيِّ سلطان تدعو الناس الى نزع صفة القداسة عن رجال الدين المسيحيين؟ وأنت بعيد كُلَّ البعد عما يمت بصلة الى القداسة! تستطيع نقدهم بالمنظور الإنساني لأنهم بشر، ولكن نقدك أقرب الى الهدم منه الى البناء. هنالك إله واحد خالق الكون ولا يوجد آلهة غيره، الآلهة الوثنية والأصنام كانت قبل مجيء المسيح فادي البشر ومحررهم، فقولك يُصبحون بمصاف الآلهة هو تعبير خاطيء لا ينطق به الحاصل على الشهادات إلا مَن لا يعترف بالله الواحد !



بالصراحة التي إعتمدتها مبدأً في حياتي وبالحقيقة التي عاهدت نفسي أن لا أجامل على حسابها أحداً مهما كان أقول: ليس بوسعي التأكد من مسيحيتك إذ تنتابني الشكوك بصددها وأكبر دليل على ذلك هو استخدامُك كلمتَي(أظن وأعتقد) بدلاً من كلمتي الجزم(أؤكِّد وأثق) الى جانب نظرتك الى العقيدة المسيحية كنظرتكَ الى العقائد الأخرى، ولا مانع لديك نُكرانها إذا دعتكَ الحاجة ناسياً قول المسيح الرب < مَن أنكرني أمام الناس، أنكره أنا أيضاً أمام أبي الذي في السموات>.



نعم ليس هناك إنسان بين بني البشرمعصوم من الخطأ إلا واحد هو المسيح يسوع الذي صار انساناً من أجل خلاص العالَم أجمع، وهذا الإنسان كان ملءَ النعمة والبركة، ومِن ملئه أعطاهما للإنسان بشخص مَن أقامَه رئيساً لكنيسته هامة رسله القديس بطرس ولإخوته الرسل الآخرين، ومنحهم سلطان الحلِّ والربط في هذه الأرض. إن هذا السلطان لا تحد من قوته زلة أو هفوة يرتكبُهما المُطى له، ولكنه يُحاسبُ عليهما من قبل مُعطيه السلطان وهو المسيح الرب، إذاً الإنتماء الإيماني الى كنيسة المسيح الجامعة بشخص الجالس على كرسي مار بطرس الرسولي هو عامل نعمة وبركة ! إن المؤسسات الدينية المسيحية بعيدة عن أعمال الشر، وقد يُستثنى منها بعض الأعضاء لأن الزرع الصالح لا يخلو من الزوان !
بقولك: < إن الكثير مما فعلته مؤسسة الكنيسة الغربية بحق مسيحيي المشرق ومنهم الكلدان لا يدخل في باب النعمة والبركة عل الإطلاق. هو قول كاذب وافتراء تعصبي مقيت!



1 - حين شعرت الكنيسة الأم الجامعة بأن بطريركية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في العراق التابع للنفوذ العثماني في القرن التاسع عشر، غير قادرة على تلبية طلبات رعيتها الكلدانية الكبيرة في الهند من إرسال أساقفة وكهنة لها، للشحة التي تُعانيها هي نفسها منهم، الى جانب الصعوبات الجمة التي تُجابهها وتحول دون قيام بطريركها أو أيِّ اسقف من أساقفتها للقيام بزيارة هذه الرعية البعيدة جغرافياً عنها، وخشيةً من وقوع أبنائها الكاثوليك في براثن الكنيستَين الهرطوقيتين النسطورية والمونوفيزية، فاتحت رئاسة الكنيسة الكلدانية شريكتها في العقيدة الإيمانية، بأن تنوب عنها في الإشراف على شؤون أبناء هذه الرعية الكلدانية الكبرى إدارياً فقط، ليتسنّى لها بسط حمايتها عليهم ومنع النساطرة والمونوفيزيين من خدعهم وإغوائهم! وسوف تدعمهم بكُل ما يحتاجون إليه، وبالنسبة الى ممارسة طقسهم الليتورجي الكلداني سيكون لهم كامل الحرية. أحدث هذا الطلب ردَّ فعل مشوبٍ ببعض الإمتعاض لدى الرئاسة الكنسية الكلدانية في البداية سرعان ما تلاشى إثر مناقشات ومداولات بهذا الشأن بين الطرفين الكلداني والفاتيكاني، حيث رأت الرئاسة الكنسية الكلدانية من خلالها، بأن المحاولة الفاتيكانية هي واقعية وفي صالحها ولا ضير منها ما دامت كنيستها جزءاً من الكنيسة الجامعة ايمانياً!



فأين هذا من الإغتصاب، وأين من القتل لرجال الدين، وأين التعذيب يا استاذ برخو؟ وما دخل محاكم التفتيش بهذه المسألة؟ محاكم التفتيش مورست من قبل بعض أفراد من إكليروس الكنيسة الإسبانية قبل ذلك بزمن، وبدون موافقة رئاسة الكنيسة الجامعة! ومع ذلك تحمَّلت تبعات هذه الممارسة الخاطئة واعتذرت عنها! فلماذا تُثير هذه القضية التي عفا عليها الزمن؟ وهل تعتقد بأنك ستنال وطرك من محاولتك الإساءة الى كنيسة المسيح الجامعة الوحيدة الحقة! إن الكنيسة الجامعة بإشرافها وإدارتها للرعية الكلدانية الكاثوليكية في الهند، جعلتها تنمو وتزدهر علمياً وروحياً وأدبيا وعددياً حيث يُقدَّر عدد أبنائها بما لا يقل عن عشرة ملايين نسمة، وهم متمسكون بطقسهم الكلداني ولغتهم الكلدانية، والكثير من أساقفتهم وكهنتهم قدَّموا لنيل الشهادات العليا أطروحاتهم حول اللغة الكلدانية والطقس الكلداني وساعدهم بذلك الكثير من كهنة الكنيسة الكلدانية الدارسين في روما. فأين هؤلاء من أتباع الكنيستَين النسطورية والمونوفيزية الذين يلفهم التخلف والتأخر عن المسيرة الحضارية!



2 – أستاذ برخو، إنك تُبالغ جداً وتُلقي الإتهامات جزافاً دون وازع من ضمير ولا خوف من الله القدير. لا زالت روما ولحد اليوم تطبع كتاب صلوات الفرض (الحوذرا) وجبةً بعد وجبة لكنيستنا الكلدانية الكاثوليكية بنسخته الأصلية الأولى دون أيِّ تحريف أو تضليل مِما مارسه الكلدان النساطرة نابذو أصلهم الكلداني ومنتحلو التسمية الآشورية الوثنية الغريبة عنهم تماماً تلك التي أنعم بها عليهم رئيس البعثة التبشيرية الأنكليكانية عميلة المخابرات الإنكليزية "وليم ويكَرام". إن كُلَّ اسقف وكاهن كلداني شديد المباهاة والإعتزاز بهذا الكتاب " الحوذرا" الطقسي الثمين ويعتبره أروع كنز للأدب الكلداني! لا يُفارق مكتبه وغرفة نومه. إنني للمرة الأولى أقرأ لرجل يدَّعي بأنه كلداني، يستسيغ الكذب ويفتري بتحامل سفيه على الأساقفة والكهنة الكلدان ويتهمهم زوراً بما هم بعيدون عن القيام به. متى وأين يا استاذ برخو رأيتَ اسقفاً أو كاهناً كلدانياً قد أركن كتاب صلوات الفرض "الحوذرا" في سلة المُهملات؟ أليس من العار والشنار أن تُلقي كلاماً إتهامياً على عواهنه؟ أين دليلك على ما تقول؟ هل انتفت القِيَم والمُثُل لديك؟




3 – مرة اخرى يا أستاذ برخو تُجافي الحقيقة بتشويهك للعلاقة بين المؤسسة الكنسية الكلدانية وأختها الكبرى مؤسسة الكنيسة الجامعة. إن الرابط الوحيد بين المؤسستين هو العقيدة الإيمانية الواحدة، فما تُقرِّرُه الرئاسة العليا للكنيسة الجامعة ايمانياً يجري الأخذ به وتطبيقه من قبل كُلِّ مؤسسات الكناس الكاثوليكية في كُلِّ أنحاء العالم، وما عدا ذلك فإن المؤسسات لها حرية التصرُّف واتخاذ قراراتها الخاصة بشؤونها الداخلية، إن البطريرك مع سينودس الأساقفة هم الذين يختارون المناصب والرسامات وتُرسل الى المجمع الشرقي في روما، لتدقيقها مع ملفات المُرشحين للمناصب، لأن كُلَّ اسقف وكاهن كاثوليكي له مِلف خاص به في روما، وهذا تقليد مُتبع وموثق بين مؤسسات الكنائس المناطقية وبين مؤسسة الكنيسة الجامعة، وليس خاصاً بالمؤسسة الكنسية الكلدانية فقط، فعلى سبيل المثال لا الحصر يشمل هذا التقليد المؤسسة الكنسية المارونية في لبنان الأكبر ايكلوروسياً والأوسع انتشاراً، فليس هنالك تابع ومتبوع كما تدعي زوراً وبهتاناً، فإدِّعاؤك تزويري يدفعك إليه الحقد والكراهية المعشعِشَين في مخيلتك ضِدَّ الكنيسة ومؤسستها منذ أيام دراستك في المعهد الكهنوتي وتفاقما بعد ذلك!




4 – كُل قول أو إدِّعاء غير مسنود بدليل لا يؤخذ به لأنه مبني على الباطل، إن الشائبة لا زالت تُلازم العقيدة النسطورية، وأكبر برهان على ذلك تزمت حامليها المشوب بالكره الشديد للكُرسي الرسولي والكنيسة الجامعة. ومَن يعلم، بأن المفاوض النسطوري لم يستخدم صورة الإيمان الكاثوليكية للتمويه ليحظى باعتراف الفاتيكان. وإن لم يكن في المذهب النسطوري خطأ ايماني لماذا يؤكد الأقباط الأرثوذكس بأن النساطرة ليس لهم نصيب في الملكوت! إن ما تقوله عن سيطرة مؤسسة الكنيسة الجامعة على المؤسسة الكنسية الكلدانية مؤسساتياً ولغوياً تُراثياً وطقسياً ومن خلال ذلك على الممتلكات هو محض افتراء بمجرد قولك " ولا حاجة الى الإتيان بأمثلة" لأنك عاجز عن ذلك.


5 – بفقرتَيكَ الخامسة والسادسة اعتمدتَ تجنياً فاضحاً على مؤسسة كنيسة المسيح الحقيقية الوحيدة، وأهنت مؤسسها غير المنظور المسيح الرب. وهل الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة بلا منازع لكنيسة المشرق تنزل الى رغبة ألدِّ عدوٍّ لها يدَّعي أبوتها كذباً؟ المراسلات موجودة وقد ترجمها الأنبا شموئيل ضمن كتاب العلاقات وما كانت غافلة عن ذلك لتأتي أنت وتُطالبها. إعتمدت الكذب في أقوالك:


أولاً: مؤسسة كنيسة المسيح الجامعة لم تُحلَّ أدبها الكنسي محل أدبنا الكلداني الكنسي، لأنها تحترم رُقيَّه وقِدمه وتعتبره في القمة مقارنة بغيره وحتى بالأدب اللاتيني، هي التي حافظت على تُراثنا الأدبي عن طريق طبعه وحفظه في مكتبتها الأعظم في العالم كُلِّه. وبحسبي معرفتي المتواضعة في الأدب والطقس الكلداني لم يدخل إليهما أيُّ شيءٍ غريب على الإطلاق.


ثانياً: لم تُجبرنا على الإعتراف رسمياً بقديسيها على الإطلاق لأنها ليست بحاجة الى ذلك لأنهم معروفون على نطاق العالَم الكاثوليكي، بل هي التي تعترف بقديسي كنيسة المشرق وعلى سبيل المثال لا الحصر: القديس مار يعقوب النصيبيني وتلميذه ملفان الكنيسة الكلدانية العظيم مار أفرام النصيبيني، ومار شمعون برصباعي ومار نرساي كنارة الروح القدس والقائمة لا تُحصى. هي التي قامت بطبع نتاجاتهم الغزيرة وترجمتها الى عدة لغات. هي التي طبعت سلسلة شهداء المشرق. إذا كانوا لا يُرتلون صلواتنا الطقسية كذلك نحن لا نُرتل صلواتهم الطقسية، لأن كُلاً منا له طقس لصلواته. العديد من الباباوات أثنوا على الطقس الليتورجي الكلداني وقالوا عنه بأنه أقدم ليتورجيات الكنيسة وأجملها طُرّاً .


المؤسسة الكنسية الكلدانية والشعب الكلداني لا يعتبرونك كلدانيا حقيقياً، وقد سمعت الكثير الكثير منهم بأنك تتستر بالكلدانية كسلاح لمحاربة كنيستها ومؤسساتها ورُعاتها وكُلّما يمت إليها بصلة. إنك الوحيد الذي لم تحظى بنعمة وبركة الإنتماء الى مؤسسة كنيسة المسيح الجامعة لأنك بعيد عن موسسها وساعٍ الى الإنتماء الى مَن هم أعداء المسيح فهنيئاً لك هذا السعي ! إن الصفات التي تُلصقها بموسسة كنيسة المسيح الرب الحقيقية الوحيدة والإتهامات التي ترميها بها هي نابعة مِن قلبك البعيد عن المسيح وهوخالٍ من المحبة التي أوصى بها مخلص البشر الفادي يسوع المسيح ومترع بالكُره والكبرياء الزائفة والأنانية المفرطة، ولا نطلب لك من المسيح الرب إلا التنوير والهداية.



الشماس د. كوركيس مردو

107

الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في أزمة



منذ مدةٍ طويلة وأنا أتردد كثيراً في الكتابة عن وضع كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية رغم علمي بأنها تمر بأزمة حادة ليست طارئة بل هي شبه مستديمة ومنذ أكثر من عقدَين، وقد تفاقمت هذه الأزمة في السنين الأربع الأخيرة الماضية بسبب تباين الفكر والرؤية بشكل غير مسبوق لدى رُعاتها الذين وقعوا فريسة المادة والمجد الدنيوي والولاء المناطقي وحُبِّ الذات المفرط، وكأنها مؤسسة علمانية سياسية أو اجتماعية وليست مؤسسة إلمسيح الرب!

إن التناحر المستتر بين أساقفة الكنيسة الكلدانية منذ أكثر من عقدَين من الزمن ولا سيما في الفترة الراهنة زاد من أزمتها المُزمنة وجعلها في حالةٍ يُرثى لها من الضعف والإنكماش وربما الإنغلاق، وانعكس هذا الوضع على الرئاسة الكنسية العليا فأعجزها عن اللحاق بواقع التغييرالعالمي من حيث الوسائل التقنية والحديثة التي تُمكن الناس من الإتصال ببعضهم البعض على وجه السرعة وبشكل مباشر، وبقيت بعيدة عن التعامل والتفاعل معه، والمُلام هنا الكثير من أساقفتنا الذين إستمرأت كُلُّ جماعة منهم تشكيل محور قروي أو مناطقي معادياً للجماعة الأخرى، فهناك مَن يُفضل التكريد ويعتبر ذاته كُردياً وكأنه ليس اسقفاً كلدانياً، وهناك مَن ينتصر لولائه القروي ولا بدَّ أن يُحرز النصر لجماعته في اختيار الرئاسة الكنسية، وهناك مَن يرى ذاته أحق بالرئاسة من غيره ولا يألُ جهداً للعمل في هذا السبيل، والكل يستبعد إلهام الروح القدس في الإنتخابات الرئاسية.

لقد مرَّت أربع سنوات على آخر سينودس عقده أساقفة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، وكُلُّ محاولةٍ من الرئاسة العليا لعقد سينودس جديد تُجابه باعتراضٍ من لدن جماعةٍ اسقفية معينة مِمَّن أتينا الى ذكرها، بحجج تتفق مع أمزجتهم ومصالحهم! لماذا يُصر بعض الأساقفة على عقد السينودس في موقع لا تتوفر فيه الحرية الكاملة للمناقشة واتخاذ القرارات الصائبة بعيداً عن التأثيرات الجانبية من هنا وهناك. أليس من الأفضل عقده في موقع يتوفر فيه جوٌّ من الهدوء ويكون بعيداً عن تدخلات الجهات السياسية من هذا الطرف أو ذاك؟ أليس من صلاحية البطريرك أن يدعو لعقد المجمع" السينودس" في المكان والزمان الملائمَين؟ فلماذا وضع العراقيل والحجج، أين الأساقفة من شرط الطاعة المفروض الإيفاء به للرئيس الأعلى؟

أليس نقصاً غير معهود بعدم طاعة الأساقفة لأوامرالرئاسة الكنسية!المؤسسة الكنسية ليست مؤسسة سياسية أواجتماعية كما ذكرنا في البداية، ولكنها مؤسسة إلمسيح الهرمية، وكُلُّ كنيسة تُديرها مؤسسة.  فكنيستنا الكلدانية الكاثوليكية تُديرها موسسة يرأسها بطريرك مُنتخب وهو المسؤول الأول عنها ويُساعده أساقفتها المؤتمَنون على أبرشياتهم الى جانب أن كُلاًّ منهم مسؤول عن رعاية أبرشيته والكُل يُشكلون وحدةً متجانسة ومتفاعلة مع الكنيسة الأم الجامعة برئاسة قداسة الحبر الأعظم البابا خليفة هامة الرسل مار بطرس، وتتجلّى هذه الوحدة في وحدة الإيمان الواحد والإحتفال بالأسرارالكنسية المقدسة وفي مقدمتها سرالذبيحة الإلهية "القداس".

لا شكَّ أن الكنيسة الكلدانية تُعاني من إرثٍ ثقيل مزمن يتحتم عليها ايجاد مخرج لإزاحته عن كاهلها، وهذا يتأتى بمراجعة جدية وبواقعية لماضيها الحياتي ومخلفاته على أن تُساهم معها مؤسساتُها المتعددة ذات المستويات المتابينة بدراسةٍ نقدية شاملة وبنظرة تحليلية ضافية تكتشف من خلال ذلك حقيقتها، وبدون ذلك ستبقى متعبة، وهذا ما لا نرضاه لها نحن أبناؤها إذ نُريدُها أن تكون دوماً قوية ومتجدِّدة بالروح" إن الجسد ضعيف أما الروح فمتأهِّب" وبدون الروح لا تستطيع الكنيسة أن تنقل نعمة المسيح الى أبنائها لتسود بينهم المحبة والتسامح والسلام. لقد حَبا المسيحُ الكنيسة بمكانةٍ كبرى ودعاها لتمثيله في هذا العالَم بجرأةٍ وبدون خوف، وأن تدع كامل ثقتها بمؤسسها أولاً ومن ثمَّ بذاتها لتُجاهد في سبيل الحق.

متى ستشعر كنيستنا العزيزة والمباركة بضرورة السعي الى لمِّ شمل أبناء شعبها الذي هو جزء من شعب الله الكبير المتوفرفيه الكثير من الموهوبين وذوي الكفاءات من الجنسَين رجالاً ونساءً لكي يُشاركوها في صنع القرار الآئل الى خير الكُل وخدمة الكُل؟ ولماذا تُصر أن تكون القرارات حصراً على الإكليروس؟ وهل إن ايمان أبناء الإكليروس يختلف عن ايمان غيرهم من المؤمنين؟ بالتأكيد لا. لأن الجميع يؤمنون بذات الإيمان الواحد! فلِما الخوف من المؤمنين حتى أن بعض كبار الإكليروسيين ينتابهم الغضب إذا علم أحدُهم بخبر عنهم وكشفه! إن ما أشرنا إليه لا يمكن للكنيسة تجاوزه إلا بقيام رئاسة الكنيسة الكلدانية بالدعوة الى مجمع أو مؤتمر كنسي شامل، لتتطلع من خلاله على الواقع الذي ضمن مداره تسير الأحداث العالمية، فيتسنّى لها إعداد تقييم لواقعها وتضع له عِلاجاً في إطار منهجٍ عِلمي واضح وتخطيط دقيق تستطيع عن طريقه استعادة قوتها وحيويتها، وإبرازَها حضوراً نبوياً جريئاً في الوطن وفي أيِّ مكان آخر.

كما إن المؤتمر المنشود سيُعطي الكنيسة الجرأة للإنفتاح على المجتمع ويُطلعها على عموم فعالياته فتجني منه ما يدفعها الى بلورة تفهم أكثر وضوحاً لِما هو حاصل اليوم من الأمور السلبية المتمثلة بكل أشكال الظلم والمعاناة الناتجة عن التعصب والشره المادي واللاأبالية، فتتحرَّك نحو الطيبين من الناس وتناشدهم للعمل على احترام كرامة الإنسان بتطبيق العدل والسلام. أليس مِن أهم أولويات الكنيسة ايقاف نزيف هجرة أبنائها، فهل دعت ذوي الخبرة والدراية لوضع دراسة حول الهجرة المتصاعدة لإيقافها أو حتى الإقلال منها؟ ماذا سيكون مصير الكنيسة لو فرغ العراق من أبنائها؟ لذا على الكنيسة بذل أقصى جهودها وتُركِّزها على هذا الموضوع ذي الأهمية البالغة، ولتنأى بنفسها عن الزعامة المدنية فموقعها الأساسي هو الزعامة الروحية وكفاها الجمع بينهما، ولكنها في نفس الوقت مدعوة لمساندة الزعامة المدنية بدعمها معنوياً وقومياً.

إن ما أوردته بمقالتي هذه أرجو أن لا يعتبره أساقفة كنيستي الأجلاء انتقاصاً منهم ولا دفاعاً مني عن الرئاسة ولا تبريراً لأخطائها وتقصيرها فما أكثرها، وإنما هو نابع من حبي الكبير لكنيستي وحرصي الشديد على تماسكها وعودة المحبة والإخاء الى قلوب رعاتها لكي تقوى على إعادة النظر في كافة الأمور المختلف عليها وتُفرد لها دراسة معمقة للوصول الى الأهداف المنشودة. والله هو الأعلم بالقصد!



الشماس د. كوركيس مردو

108
المنبر الحر / على هامش المحاورة
« في: 01:59 20/06/2012  »
على هامش المحاورة



بتاريخ 10 حزيران 2012 أجرى السيد يوحنا بيداويذ محاورة مع سيادة المطران لويس ساكو، ومن الغرابة في هذه المحاورة بأن أسئلتها كانت أطول من الأجوبة ، وهذا لا يهمني كثيراً، وإنما ما يهمني هو إجابة سيادته على السؤالَين الثامن والتاسع من المحاورة أو" المقابلة" ومع احترامي لشخص المطران الدكتور لويس ساكو ولدرجته العلمية وثرائه الفكري وبصفـتي واحداً من أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي تهمني جداً وحدتها المتماسكة ويؤلمني أن تكون أسيرة أزمة داخلية شديدة ومُزمنة كما نَوَّهَ سيادتُه.


ومن هذا المنطلق أود أن أسأل سيادته:


1 – ما هي تلك الأسباب التي جعلت الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية تمر بأزمةٍ شديدة، وقلتَ عنها بأنها عديدة ولكنك لم تُشَخِّصها؟ هل من ضمنها تركة السنين الطويلة بحسب قولكَ وهل كانت هذه التركة السبب في تفاقم أزمتها اليوم؟ ولماذا لم تُعالَج؟ هل لم يكن هنالك بين الرعاة مَن يشعر بثقل هذه التركة؟ أم رأى الرعاة بأن الأمر غـدا أمراً واقعاً ولا بأس من استمراره وهذا برأيي إقرار بالعجز!


2 – ماذا تقصد سيادتك بغياب القيادة المركزية ذات القوة والرؤية والخطة، ألم تكن سيادتُك أحد الناخبين لهذه القيادة؟ لماذا لم تُبدِ اعتراضكَ لدى الكاردينال السرياني موسى داود المشرف على الإنتخاب وخاصة بحكم الدالة التي كانت لك لديه؟ وفي حالة عدم قبول اعتراضك لو حصل، لماذا لم تمتـنع عن التصويت لإثبات موقفك؟ عفواً سيدي أرجو أن لا تعتبر كلامي استجواباً  أو تحقيقاً، بل إنما أسئلة أخوية صرفة يدفعني الى طرحها شعوري تُجاه كنيستي التي يؤلمني وضعُها غير الطبيعي الذي يسوده النفور والعِناد والمقاطعة بدل التفاهم والتواضع والمحبة!




3 -  لماذا لم تقوموا بمواجهةٍ ومصارحةٍ بشكل مباشر وجِدّيٍّ مطالبين القيادة بالعدول عن التفرُّد ووجوب الإلتزام بالعمل الجماعي إذا كان ذلك برأيكم هو المفيد والناجع ؟ لماذا السكوت على التكتلات التي تزيد من سلبية الأزمة؟ أليست هذه التكتلات التي تقود الرئاسة الى الوقوع في هفوات هي في غنىً عنها؟ ليس بإمكاننا إنكار تأثيرات الوضع الأمني والهجرة الكبيرة في إضعاف الكنيسة وأبرشياتها الكبيرة منها والصغيرة! وهنالك أسباب اخرى ذات أهمية قصوى منها قلة الكهنة ورغم قلَّتِهم فهم يسعون الى الهجرة وما يدفعهم الى ذلك هو افتقارهم الى التنشئة الروحية وعدم اهتمام الرئاسة باحتضانهم فضلاً عن غياب التعامل العادل والسوي معهم كما ذكرتم من قبل المسؤولين في الكنيسة، وأعتقد بأن هذه العوامل كلُّها تنعكس سلباً على الشباب بعزوفهم عن الإنجذاب نحو الكهنوت. والملاحَظ  في كنيستنا اليوم القفزعلى توصيات المسيح الرب الذي قال" مَن أراد أن يكون فيكم كبيراً فليكن لكم خادماً" ولذلك نرى اختفاء الخدمة وسيادة السلطة المطلقة وغياب الإستشارة مما جعل أن تسود في الكنيسة الفوضى.





4 – إن التمني شيء جيد يا صاحب السيادة، ولكن ليس كُلّ ما يتمناه المرءُ يُدركه. فالراعي بحسب قلب الرب والرعية يحتاج الى صلاة جماعية أولاً والى صفاء نيات وقلوب مَن خولهم الرب بانتخاب مثل هذا الراعي ثانياً. فما يُشاع عن سيادتكم بأنكم كنتم السبب في حمل بعض الأساقفة على عدم الإقرار بالطاعة لرئيس الكنيسة الأعلى، وبأنكم مَن وقف ضِدَّ انعقاد السينودس الكلداني في روما ! والرئاسة العليا تُلقي عليك باللائمة بأنك تقف ضِدَّ قراراتها وتؤيد المُعادين لها من الفئات الأخرى. وأقرب مثال هو القرار الرئاسي المتعلق باستنكار العمل القذر الذي قام به عدو الكلدان والكنيسة الكلدانية الأول يونادم كنا باستبدال رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى والذي كان مُرشحاً من قبل الرئاسة الكلدانية واستمرَّ في الخدمة الفعلية لمدة أحد عشر شهراً،وعوض أن تقوم بتأييد موقف البطريرك أشير إليك بالوقوف الى جانب المعتدي الذي قال بأنه تلقى نداءً هاتفيا تأييداً لِما قام به من بعض أساقفة الكلدان. إنني انقل لكم ما أشيع عنكم بهذا الشأن وإن كنت لا اؤمن بالشائعات بل أعتمد الحقائق!




5 – أما بالنسبة للهوية القومية أود أن أسأل سيادتكم: مَن مِن مكونات شعبنا ذي التسميات الثلاث " الكلدان والسريان والآثوريين " الذين يستحيل إنكار وجود أيٍّ منهم واقعياً وليس تاريخياً بدأ بجعل التسمية القضية الأولى في صلب اهتماماته؟ أليس المكوَّن الأصغر بينهم أي " الآثوريون " بسبب شعورهم بعقدة النقص من قلة عددهم وخشيتهم على هشاشة موقفهم الذي قد يؤول الى السقوط  في أية لحظة ! فقاموا بلعب دور قذر جداً بإنكار التسميات الأخرى بل بإنكار وجود أصحابها ! إن اقتراحك صائب باحتفاظ كُلِّ مكون باسمه ولكن هناك مَن حوَّروا إسمهم الى" الآشوريين"  يُعارضون هذا الإقتراح ويسعون الى صهر الإسمَين الآخرَين باسمهم المُحوَّر،وعندما جوبهوا بمقاومة صلبة من قبل الكلدان والسريان، تخلوا عن مرماهم ظاهرياً، إلا أن ما قد قرَّروه ايديولوجياً باحتواء وصهر الإسمَين الكلداني والسرياني بالإسم الآشوري أجلوا التركيز عليه آنياً، وراحوا يبحثون عن لعبة جديدة يُلهون بها الشعب المغلوب على أمره فاخترعوا إسماً مركباً ثلاثياً هجيناً يستهجنه التاريخ ويسخر منه سامعوه!
إن اقتراحكم لتجميع أبناء شعبنا في فريق واحد " المسيحيين"، سيُزيل عنا الصفة القومية ويُنظر إلينا بمنظار الدين، وكطارئين على البلاد وليس كما يُعرف عنا بأننا ننتمي بأصولنا الى سلالاتنا القومية التي كانت صاحبة البلاد الأصلية. والخاسر الوحيد في هذه الحال سيكون االكلدان ذوو القومية الحقيقية منذ 7312 سنة، أما التسمية الآشورية والسريانية فالأولى مناطقية ذات مدلول ديني وثني نسبةً الى الإله الوثني آشور والثانية تسمية مرادفة للمسيحية لا صلة لكلتيهما بالقومية انطلاقاً مما يؤكده التاريخ. ومع ذلك هنالك شعب ينادي بهما كقومية وعلينا احترام رأيه وقناعته.  ثم أليس القومية والدين يُميِّزان هوية الإنسان؟ إن الهوية الدينية وحدها قاصرة عن تعريف الإنسان لأنها شاملة لكل الإثنيات الداخلة في الدين الواحد، ولذلك لا بدَّ من الإشارة الى الهوية القومية. وهل تستطيع الشعوب الإسلامية مثلاً أن تعتمد الهوية الإسلامية وحدها دون ذكر قوميتها عربية كانت او تركية أو ايرانية أو... فكيف نسطيع اختزال هويتنا بالهوية الدينية وحدها؟





إذا دافعت كنيستنا الكلدانية بشخص رئيسها وأحبارها عن هويتها الكلدانية، تثور ثائرة مُدعي الآشورية وينسبون إليهم تهمة التدخل بالسياسة، بينما لا يترك البطريرك النسطوري مار دنحا حنانا الرابع مناسبة مهما كانت إلا ونادى بالأمة الآشورية وجعل كُل مكونات الشعب المسيحي العراقي آشورياً، فهل مناداته حلال ولا تدخل في نطاق السياسة، ودفاع الآخرين عن قوميتهم حرام لأنه داخل نطاق السياسة؟ يا للمفارقة العجيبة!
أرجو أن يكون صدر سيادتكم رحبا لقبول تساؤلاتي النابعة من محبتي لكنيستي ورعاتها.



الشماس د. كوركيس مردو

109

ما أطول صبر الكلـدان !

لقد أثبت الكلدان بأنهم صبورون بالكفاية والصبر هو أحد عناصر الحكمة، فقد صبروا وتحمَّلوا تعامل الحقد والغدر مشوباً بالغرور والإستعلاء والتكابر مِن قبل الأغرار عديمي الضمير أدعياء الأُخُوَّة الكاذبة الذين يعتمدون الغشَّ والخداع للتغطية على ما يُعانون منه مِن شعور بالنقص لأسباب عِدة منها:

1 – شعورهم بالندم الخفي المكبوت على انصياع آبائهم قبل أكثر مِن قرن بقليل لرغبة خادعيهم الإنكليز، حيث أغروهم بوعدٍ كاذبٍ هو إقامة وطن قومي لهم شرط أن يُغيِّروا هويتهم القومية من " الكلدان النساطرة " الى آثوريين" ففعلوا وتحولوا الى ألدِّ أعداءِ إخوتهم الكلدان الكاثوليك، وترسَّخَ في أذهانهم ما زرعه الإنكليز رغم خَذلهم لهم والويلات التي أنزلوها بهم وبأبنائهم.
2 – الغيرة من إخوتهم الكلدان الكاثوليك الذين كانوا الممثلين الوحيدين للمسيحيين في الدولة العراقية منذ قيام الحكم الوطني وحتى زوال العهد الملكي وقيام العهد الجمهوري الذي تغيَّرت فيه جميع الموازين وتواصل الصراع على السلطة بين المتنافسين وقد أشار الى ذلك رئيس أقوى تنظيماتهم السياسية السيد يونادم كنا في معرض تحديه للبطريرك الكلداني مار عمانوئيل الثالث دلي بقوله" ذلك الزمان الذي كان فيه أسلافكم هم الممثلون قد انتهى" .
3 – الصراع القومي والمذهبي بين الكلدان الكاثوليك والكلدان النساطرة. فمِن حيث الصراع القومي بين كلدان وآشوريي التاريخ تفاقم لدى النساطرة بعد انتحالهم للتسمية الآشورية الوثنية في أواخر القرن التاسع عشر بدفع وإغراء من الدهاة الإنكليز، فتحوَّل لديهم "قضاءُ الكلدان على الآشوريين القدماء القضاء المبرم" الى وصمة عار،  بحسب اعتبارهم البليد لأنفسهم أحفاداً لأؤلئك المنقرضين كما صوَّر لهم " وليم ويكرام" ودعاهم بأحفاد شلمنصر. أما مِن حيث الصراع المذهبي فحدِّث ولا حرج، فإن الكلدان النساطرة( آشوريي اليوم النساطرة) يضمرون الكراهية والحقد لإخوتهم الكلدان الكاثوليك بلا حدود، ولو تيسَّر الأمرُ لهم لَما أبقوا على قيد الحياة فرداً واحداً منهم، وإذ تعذَّر عليهم ذلك استعاضوا عنه بالإفتراءات والتلفيقات التي إن دَلَّت على شيء إنما تدل على كبر معاناتهم مما ذكرناه أعلاه ومن هذه الإدعاءات الكاذبة التي ليس باستطاعة أحدٍ قبولها إلا أصحاب المخيلات المريضة والتي قد فنَّدتُها بالأدلة والبراهين في المجلد الأول مِن مجموعة كتبي " الكلدان والآشوريون عبر القرون" نذكر بعض سفاهاتهم:
1 – الكلدان مذهب وليس قومية
2 – الكلدان من الوثنية الى الإسلام
3 – الآشورية هي قومية المسيحيين والبقية مذاهب كنسية
4 – بما أن الكلدان قرضوا الدولة الآشورية بالتحالف مع الغرباء فهم خونة
5 – الكلدان منجمون وليسوا علماء
6 – الكلدان آثوريون تكثلكوا فأصبحوا كلداناً
ألا تنعكس هذه الإدعاءات المزورة المبنية على الباطل، الفراغَ الذي يعيش فيه هؤلاء الضالون، وقد نبَّهنا قـبل عقـدٍ من الزمن قيادات كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية وتنظيماتنا السياسية ومنظمات مجتمعنا المدنية عن طريق المقالات في مختلف المواقع الإلكترونية، وفي الإجتماعات والندوات، ولكن السبات كان ثقـيلاً جداً عليهم فلم يسمعوا صوتنا ولم يأخذوا مأخذ الجد تحذيرنا بأن البيت الكلداني فد تسرَّبت إليه مياه الجيران الآسنة وفاحت رائحتها النتنة فحتى متى تحتملونها؟ أإلى أن تتصدَّع الجدران ويتهدَّم البيت بالكامل؟ ومع ذلك كانت اللاأبالية متحكمة فينا، متخـدِّرين بدواء الوحدة الفاسد! حتى متى يستمر السكوت الكلداني؟ إن مؤسستنا الكنسية الكلدانية الممثلة برئاستها المبجلة وأحبارها الأجلاء تتحمل الجزء الأكبر مِمّا جرى ويجري لشعبهم الكلداني، أليس بتقاعسها ولا أباليتها أفسحت المجال لعدوِّ الكلدان أن يتسلَّقَ على أكتاف الكلدان بحجة التسامح وهو أحد الفضائل المسيحية المستوجِبة، ولكن هذا التسامح إذا أحدثَ ضرراً بأبناء شعـبهم يفقـد مفعـوله الفضائلي. كم من المواقف المضرة بمصلحة الكلدان إتخذها غبطة البطريرك الكلداني بغير تعمُّد وإنما لقلة خبرته بدهاليز السياسة، وعدم رغبته باستشارة السياسيين الكلدان، كم انخدع بكلام الثعلب يونادم كنا ووطَّـد معه علاقةً قوية رغم علمه بكرهه للإسم الكلداني واستنكافه من النطق به، بينما كان يتردد عن التقرب من أبلحد أفرام الكلداني. الكثير من مطارنة الكلدان في الوطن أغرتهم المادة فكان مردودها السكوت وعدم المبالاة بما يُحاك من دسائس ومؤامرات لشعبهم الكلداني، إن مؤسستنا الكنسية لم تستقر على مبدأٍ أو موقف ثابت، فكانت دائمة الوقوع في تناقضات تنتقص من هيبتها وسمعتها ومصداقيتها، وبذلك أثبتت كونها دون مستوى طـموح شعبها للعـبور به بسلام من هذه المرحلة الصعـبة من هذا الزمن الرديء الذي انفقدت فيه المُثل والقيم وساد بدلها الفساد والصراع المصلحي والمأساوي.

وليعلم الكلدان النساطرة ( منتحلو التسمية الآشورية زيفاً ) بأن للبطريرك الكلداني وحده حق القول بأن الشعب المسيحي واحد وقوميته واحدة هي " الكلدانية " بدون منازع استناداً الى معطيات التاريخ وشهادات المؤرخين، ولكنه لن يفعل ذلك لإيمانه بأن كُلَّ إنسان هو حُـرٌّ في خياره، ومن الحماقة أن يُسلب منه هذا الحق لأيِّ سبب. نُقِـرُّ بأخوَّتكم لنا ككلدان نساطرة وحتى كآثوريين "نساطرة كنتم أو كاثوليك" فلا تأثُّر لدينا من هويتكم المذهبية البتة، أما إذا أصَرَّيتم على ضلالكم بتشبثكم بالتسمية الوثنية الآشورية والعمل على دعوة الكلدان أو السريان للإعتراف بها والإنتماء إليها رغم علمهم بزيفها، فنقول: لا علاقة لكم بنا نحن الكلدان وكفوا عن تدبير المؤامرات ضِدَّنا، وإذا كان لكم اعتداد بأنفسكم فاكتفوا بالإعتماد على أتباعكم ولا تـتهالكوا على ابتـزاز أصوات الكلدان والسريان باستخـدام الطرق الملتـوية مستغـلين بساطـتهم الإنسانية السليمة التي تنطلي عليها وعودُكم وإغراءاتكم الكاذبة. اختبروا حجمكم مرة واحدة منفردين لتروا حقيقة خزيكم!

للأسف ومن المخـزي أن نرى منظـمة كلدانية هي " الإتحاد الكلداني في مشيكان " لا تعـمل لصالح الكلدان، وإنما لصالح أعداء الكلدان، وبعكس ما تعمل منظمات سريانية ونسطورية آثورية مشابهة حيث تعمل لصالح أتباعها فقط. وعلى نفس المنوال يعمل مسؤولو غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية، والسبب أن العاملين في كلتا المنظمتين هم أشخاص متأشورون قد خبا الشعـورُ لديهم تجاه قـوميتهم الكلدانية بمعـنى أنهم محسوبون على الكلدان إسماً لا فعلاً! يا لها من مفارقةٍ غـريبة غـير مستحبة من قبل أيِّ شعبٍ آخر، إلا من قبل بعض الكلدان.

أليس من العجـب أيها الكلدان أن لا تستثير لديكم الغـيرةً وتتحرَّكَ فـيكم النخوة ضِدَّ اؤلئك الذين تولوا المناصب بفضل أصواتكم ثم انقلبوا عليكم وضِدَّ امتكم الكلدانية بدءاً من رئاستكم الكنسية وأحزابكم ومنظماتكم السياسية والمدنية التي أغروكم مستغلين عاطفتكم  وحبَّكم للوحدة المسيحية الحقيقية على معاداتها! اليس هذا نكران وتنصل من وعودهم لكم بأنهم سيكونوا صادقين في تمثيلهم لكل المسيحيين على قَدم المساواة في حالة فوزهم؟ أليس هذا إخلالاً بتلك الوعود وهم يعملون ضِدَّ الوحدة التي تحلمون بها ويُريدون فرض الوحدة بحسب مزاجهم، يكونون هم المهيمنين عليها ويجعـلوا منّا أتباعاً لهم لا حول لنا ولا حرية ولا رأي ولا كلمة! وهذا ما فعله زعيمُهم يونادم كنا بتحديه للبطريرك الكلداني حيث أثمر تآمُرُه عليه باستبدال رئيس ديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى الذي كان قد وافق عليه مجلس رؤساء الكنائس برئاسة البطريرك الكلداني بشخص آخر ينتمي الى حزبه الشوفيني!

إن الآشورية بدعة إنكليزية إبتدعها الداعية الأنكليكاني " وليم ويكرام" لمحاربة الأمة الكلدانية لا فرق بينها  وبين بدعة الجماعات الإنجيلية وبدعة شهود يهوه التي أوجدتها الصهيونية العالمية لمحاربة أبناء الكنيسة الكاثوليكية، فكيف تميلون للإنصياع الى إدِّعاءات أصحاب هذه البدعة اللعينة أيها الحكماء الكلدان؟ كيف لم تستخدموا نباهتكم للحذر من السقوط  في حبائلهم؟  البدعة تعني التحايل على الحق وجَـرِّ البشر للإنزلاق الى مستنقع الشَّـر، وهذا بالضبط  ما يصبو إليه الخادعون " الكلدان النساطرة " عبدة الصنم آشور مِن إغرائهم لكم بشتى السبل والأساليب الملتوية ظاهرها حلو وباطنها مُـرٌ كالعلقم فحذاري حذاري أيها الكلدان النجباء من هؤلاء الأعداء، عليكم خَـذلهم في الإنتخابات القادمة، وإننا ندعـوا الأبناء الذين قد انخدعـوا بدعايتهم الكاذبة أن يتحرَّروا منها ويعودوا الى صفوف أمتهم الكلدانية .

لقد قال البطريرك النسطوري بمنتهى التعصب والعنجهية بأن الشعب المسيحي العراقي هو آشوري مجافياً لكل الحقائق التاريخية التي تؤكد انقراض آشوريي التاريخ منذ الربع الأخير من القرن السابع قبل الميلاد، وانتهى كُلَّ ذكرلهم بعد هذا التاريخ لأكثر من 25 قرناً، فكيف ياتُرى ظهر لهم نسل بعد هذا النسيان الطويل؟ أليس الأمرُ مُحيِّراً بل غريباً؟ ولكنه كان سهلاً على دهاء "وليم ويكرام" أن يحبك لهم اسطورة أخذت منهم مأخذاً جنونياً لم يشهد له التاريخ مثيلاً. وقد طغى عليهم هذا الجنون لينادوا بالأمة الآشورية بدءاً بمؤسستهم الكنسية النسطورية وبالتعاون مع أحزابهم ومنظماتهم العنصرية الى آخر فرد بسيط  من أتباعهم، حيث لُقِّن هذه المناداة فراح يُرددها كالببغاء. منكرين وجود الأمة الكلدانية التي دحرت الدولة الآشورية وجعلتها في خبر كان!

نُهيبُ بمؤسستنا الكنسية الكلدانية وعلى رأسها غبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي أن تترسَّخ في موقفها من تسميتها القومية الكلدانية، لقد سامحتْ كثيراً أعداءَها وأعداءَ أبنائها مؤديةً واجبها بحسب توصية الرب، ولكن الرب أيضاً لا يقبل بالظلم! ليس بعيداً أن يقع أفراد من المؤسسة في الخطأ، ولكن لا بدَّ من تصحيح الخطأ! لقد مَرَّت كنيستنا بتجارب عبر الزمن كانت قاسية! فيا آباءَنا إن الحزم مطلوب تجاه المقابل الذي يعتبر تسامحكم ضعفاً وتنازلكم خوفاً. كفانا السكوت على الظلم! على سلب حقوقنا القومية والوطنية! لا نقبل أن يُمثلنا مَن هوعدوٌّ لنا بكل وضوح وإصرار وتحدي وبدون خجل ، يُنكر وجودنا، يفتري علينا، ويُشوه كياننا! تحرككم الأخير كان مطلوباً منذ زمن، وهو تحرك صائب عليكم الثبات عليه لأن الأمر ليس هيِّناً ولا يقبل أيَّ تراضي غير مُرضي، وبخلافه سيكون له وقع صعب جـداً على مُجمل الكلدان ومُحبطٌـ  لآمالهم وطموحاتهم.

يُعيِّرون الكلدان بعدم امتلاكهم للشعور القومي، وعندما انتفض الكلدان وبادروا الى تأسيس تنظيمات قومية، ثارت ثائرتهم وراحوا يتهمونهم بالتعصب والتطرف وتقسيم الشعب! أسَّس المثقفون الكلدان إتحادهم فاتهموهم بلإنقسامية. قام الكلدان بعَـقـد المؤتمر الكلداني العام، أقاموا عليهم الدنيا ولم يُقعـدوها ملصقين بهم شتى التهم. ومع كُلِّ هذا التجني كان موقف أحزابنا ومنظماتنا وكتابنا دفاعياً، وحتى لم يكن بالمستوى المطلوب تجاه الهجوم الشرس الذي شنه المتعصبون نساطرة الجبال المطلقون على أنفسهم "آشوريين" زيفاً وأذنابُهم من المتأشورين الكلدان، سعـياً منهم لإقـصائنا وتغـييبنا، ولا زال هجـومُهم مستمراً حتى الأمس القريب، حيث صرَّح أعتى سياسييهم في برنامج من على شاشة الفضائية البغدادية "الكلداني هو الآثـوري المتحـول الى الكثـلكة" وهو تصريح خاطيء بالمرة، والصحـيح هو: الآثـوري هو كلداني نسطـوري انتحل الآثورية في أواخر القرن التاسع عشر بدفعٍ من المستعمر الإنكليزي، ثمَّ حوَّلها الى الآشورية في العقود المتأخرة من القرن العشرين.

لا نُنكر أن انتفاضتنا القومية جاءت متأخرة، ولكن المهم أنها جاءت ومنحتنا تفاؤلاً كبيراً رغم كُلِّ الإحباط الذي ألَمَّ بنا عبر سنوات مضت. إنَّ الهجمة الشرسة التي شَنَّها كلدان الجبال النساطرة " آشوريو اليوم المزيفون " ضِدَّ الكلدان الأصلاء، منذ بدء التغيير السياسي  في العراق عام 2003 كانت ذات بُعدَين سلبي وايجابي، فبعـدُها السلبي كان تجنياً صارخاً على الأمة الكلدانية وعلى أبنائها، تشويهاً لتاريخها العريق، سرقة لأمجادها وحضارتها، والتشهير بقوميتها ومحاولة إلغائها وعدم إدراجها في الدستور، ابتزازَ أصوات أبنائها وتسخيرَهم لمعاداتها بهدف السطو على حقوق أبنائها القومية والوطنية.
 أما البعـدُ الإيجابي فأدّى الى تحفيز الكلدان لإستنهاض شعورهم القومي والتصدّي لهؤلاء الإخوة الأعداء المارقين وردِّ كيدهم الى نحرهم، فتمَّ تثبيت قوميتهم الكلدانية مستقلة في الدستور رغم أنفهم، وتأسست لهم أحزاب قومية ومنظمات اجتماعية وجمعيات واتحادات في الوطن وخارجه، وأخذ إسم الكلدان يتردد في المحافل والأندية السياسية والثقافـية، وراح مثقَّـفـو الكلدان يؤدون دورهم الإعلامي في الوقوف بالمرصاد لكُلِّ محاولات الجناة للنيل من الهوية الكلدانية واسمهم النبيل فكانت لهذه الجهود ثمار طيبة منها : ا - تصاعد الوعي القومي الكلداني بشكل عام. ب - بروز نخبةٍ من الشباب الكلداني المستَـنهَـظ والمتحمس والواعد بإباءٍ لصدِّ كُلِّ ما يُسيءُ الى الكلدان، إنها انطلاقة مشجعة سيكون لها شأن في التوعية القومية.
 
وأخيراً لهؤلاء الضالين نقول بقوة: بأن قوميتنا نحن الكلدان هي"الكلدانية" التي نعتز بها، لم تطـرأ عليها أية شائبة لأنها راسخة رسوخ الطود الشامخ، وستبقى كذلك على مدى الدهر شاءَ العِدى أم أبَوا. مذهبنا الكنسي هو " الكثلكة " وليس الكلدانية كما يُروج "دُعاة الوحدة المزيفون" يا لغباوتهم وجهلهم القاتل والدليل على هذا الغباء والجهل هو عدم تمييزهم بين المذهب والقومية وقد يكون عمدا وهو الأرجح. فقـد استعدنا مذهبنا الكاثوليكي بعد فقـدنا إياه ردحاً طويلاً من الزمن بفعل السياسة الغاشمة لملوك الفرس الساسانيين في القرن الخامس الذي ظهرت فيه البدعة النسطورية فـفُرضت حينها علينا قسراً وظلَّت ملازمة لنا حتى منتصف القرن السادس عشر الذي فيه قمنا بنبذها رغم إصرار القلة مِن إخوتنا الذين هم أنتم ناكرو أصلكم الكلداني التشبُّث بها الى اليوم. الغِـش والخداع لا يستديمان يا مَن كنتم الى ما قبل قرن إخوتنا، وفجأةً جعلتم مِن أنفسكم ألَدَّ أعداءٍ لنا! وستندمون على فعلكم السفيه هذا ساعة لا ينفع النَـدم!



الشماس د. كوركيس مردو

110

لماذا تصاعدت الأصوات النشاز بهذا الشكل المقزَّز؟



أصدر نيافة الكاردينال مار عمانوئيل الثالث دلي بطريرك بابل على الكلدان في العراق والعالَم بياناً في 15/1/2012 كان في منتهى الدقة والوضوح حول الوضع العراقي العام بواقعه المؤلم، ووضع أبناء شعبه الكلداني الخاص،مهيباً بالمسؤولين في الدولة العراقية لمعالجته بايجاد حَلٍّ ناجع وسريع، فتفاقم التجاذبات في العملية السياسية تؤدي بها الى الشلل والمتضرِّر الأول منها هو المواطن العراقي العادي فهو الدافع للثمن غالياً. فإن حبَّه لوطنه يدعوه للبقاء فيه والصمود رغم تعرُّضه لشتى أنواع المِحَن والمصائب بسبب غياب الأمن والأمان وانعدام القانون الضامن للعدالة، بالإضافة الى فقدان الخدمات الحياتية الضرورية كالماء والكهرباء والعلاج الصحي وغيرها الكثير التي تضطرُّه للبحث عن مخرج فلا يجد أمامه سوى الهجرة التي لا يرضاها إلا مُجبَراً.



 وبخصوص شعبه الكلداني العراقي الأصيل قومياً ووطنياً وإنسانياً ناشد غبطة البطريرك الكلداني رئيس السلطة التنفيذية الأستاذ نوري المالكي لرفع الغـبن والتهميش الذي تعرَّضَ له ولا زال من قبل بعض الساسة المتنفذين وبخاصةٍ الذين قد استحوذت عليهم العنصرية الشوفينية المقيتة، فانتفت لديهم العدالة والشهامة واستبدلوها بالحقد والكراهية فسلكوا دربَ الدجل والإحتيال لأنهم ضعاف النفوس تتملكهم عقدة الشعور بالنقص لكونهم وافدين الى العراق كلاجئين تحت حراب الإستعماريين الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى، ومن هذا المنطلق رأى نفر ضئيل من هذه الطائفة الهاربة من موطنها في تركيا الوافدة الى العراق كما ذكرنا، أن يستبق الكلدان في تكوين نواة حزبية في بداية ثمانينات القرن العشرين لكي يعملوا على تثبيت أقدام طائفتهم ويدخلوا المعترك السياسي العراقي، بينما الكلدان لم يروا حاجة الى تكوين أحزاب قومية لأنهم فضلوا الإنخراط في الأحزاب الوطنية العراقية منذ قيام الحكم الوطني العراقي عام 1921 وكانوا مشاركين دوماً في العملية السياسية، حيث كان لديهم عضو في مجلس الأعيان وبين 6-7 نواب في مجلس النواب ووزير وفيض من المدراء العامين وأساتذة الجامعة وذوي الدرجات الخاصة، وبعد قيام ثورة 14 تموز تغيرت الموازين بسبب الصراع على السلطة، ومع ذلك كان للكلدان دور في العملية السياسية حتى التغيير السياسي الذي أطاح بالنظام البعثي عام 2003 حيث حُرموا وجرى تهميشهم عن طريق الدسائس والمؤامرات التي قام بها رئيس حزب" زوعا" يونادم كنا التابع للطائفة الآشورية المزيفة اللاجئة الى العراق كما أسلفنا.




لذلك بعد صبر طويل وتسامح كبير من قبل الرئاسة الكنسية الكلدانية لعدوها وعدو شعبها اللدود يونادم كنا عن كُلِّ دسائسه ومؤامراته، إلا أنه لم يرعوِ بل زاد شراسة وتعدّى حدوده كثيراً، وتحدّى الرئاسة الكنسية الكلدانية متدخلاً في صلب شؤونها الكنسية، واتخذ من مسألة تعيين رئيس لديوان الوقف المسيحي والديانات الأخرى ميداناً لصراعه ضِدَّ البطريرك ومهدداً بالقول" سأري بطريرك الكلدان مَن هو ممثل المسيحيين هو أم أنا " وفعلاً نفذ تحدّيَه وتهديده بدعم من بعض نواب البرلمان الذين تربطهم معه مصالح خاصة، واستُبدل رئيس الديوان المرشح من قبل مجلس رؤساء الكنائس بشكل مفاجيء بعد ايدائه واجبَه لأكثر من 11 شهراً ومن دون ذكر أيِّ مبرر لذلك مِمّا اضطرَّ غبطة البطريرك الكلداني بأن يُعلن للشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية، بأن النائب يونادم كنا ليس أهلاً لتمثيل الكلدان في الوقت الذي أثبت علناً عداوته الشرسة لهم ولرئاستهم الدينية وتنظيماتهم السياسية، وأنه لم يهدأ يوماً عن تهميشهم وإقصائهم عن الساحة السياسية، وكان المحرِّك الأول والمسبب لتحويل الكوتا القومية الى كوتا مسيحية خلافاً للدستور، لكي يتسنى له خدع الناخبين الكلدان البسطاء بالدعاية الكاذبة التي روجها هو وجلاوزته" بأننا كلنا مسيحيون " بينما هو براء من المسيحية ويعترف بإلاله الوثني" الصنم آشور " وهكذا انطلت اللعبة على الكلدان. والدولة بموافقتها على تغيير الكوتا القومية الى كوتا مسيحية ارتكبت مخالفتين دستوريتين الأولى تجاهلها القومية الكلدانية المثبتة بالدستور، وثانياً حرمانها المكون الكلداني من حق تمثيله النيابي. فهل نتوقع أن تُعيد الحكومة الموقرة والبرلمان الحقَّ الى نصابه الصحيح وتلغي الكوتا الدينية المسيحية الغير شرعية وتُخصص المقاعد النيابية للمكونات القومية المسيحية بناءً الى الكوتا القومية، اسوة بالقوميات العراقية الأخرى؟ كفى الإنصات الى الأكاذيب التي يلفقها أعداء الوطن ضِدَّ مَن هم الأخلص للوطن!




هذه كانت الأسباب التي دفعت بالبطريرك الكلداني أن يُصدر بيانه التاريخي الموجه الى الشعب العراقي والمسؤولين في الدولة العراقية مطالباً بإعادة الحق الكلداني المسلوب من قبل مَن يدَّعي تمثيلَهم زوراً وبهتاناً، إن كُلَّ متتبع لشأن المكونات المسيحية يعلم بأن المكون الكلداني الأكبر بين هذه المكونات مهمَّش ومغيَّب بفعل المؤامرات التي تُحاك ضِدَّه من خلال تصريحات كنا الإفترائية وايعازاته الى مأجوريه من أشباه الكتاب للإمعان في تشويه الحقائق التاريخية، وعندما سانده البطريرك النسطوري مار دنحا الرابع في منحاه الخرافي من خلال تصريحه المتشنج الوارد في رسالته بمناسبة الميلاد بأن الشعب المسيحي هو آشوري! لماذا خرست الأقلام المأجورة على هذه الكذبة بل الفِرية التي أراد الترويج لها؟ ولماذا لم تتهمه  بالتخل في السياسة، بينما ثار ثائرها على البيان البطريركي الكلداني وقامت تكيل لغبطته الإتهامات كتدخله في السياسة وتُنعته بصفات غير لائقة، إنهم حقاً مُرتزقة حاقدون ناكرو أصلهم وفارغون، وأصواتهم نشاز ومقـزِّزة !



إنها مسؤولية تاريخية يا صاحب الغبطة قد أعلنتها بصراحة، وبيانكم التاريخي عبَّرعن موقفكم المطلوب الذي يتطلب منا الثناء والإمتـنان، شكراً لكم ولكل الذين آزروكم بإصدار البيان. نوجه لهم التحية ونقدِّر لهم دورهم المشرِّف تجاه شعبهم، ونحن معكم للمناداة بحقوق شعبنا والعمل على استردادها.



الشماس د. كوركيس مردو

111

حتى متى يصبر الكلدان
على لَـدغات الثعبان؟


في البدء أود أن أحيّي العزيز عامر حنا فتوحي على مقاله المعنون " يونادم كنا عـدو الكلدان" حيث سلَّط الضوءَ على عدوانيته وأساليب تآمُره على الشعب الكلداني وكنيسته الكلدانية الكاثوليكية منذ التغيير السياسي الذي جرى في نيسان 2003 حيث أطيح بالنظام البعثي. فبدأ لعبة الخداع مع الحاكم المحتل" بول برايمر" ونال منه مأربه بتعيينه عضواً في مجلس الحكم الإنتقالي، وتوالت مؤامراته الواحدة تلو الأخرى استكمالاً لسابقاتها التي حاكها في مؤتمرات صلاح الدين ولندن ونيويورك وانتهاءً في مؤتمر المعارضة العراقية العام في لندن، حيث استخدم شتى السبل لمنع ممثل الكلدان من الحضور، وآخر مؤامراته كان سعـيُه العدواني غير الشريف لتنحية رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى الأستاذ رعد عمانوئيل الشماع الذي حصل على موافقة جميع رؤساء الطوائف المسيحية ورئيسي الطائفتين  اليزيدية والمندائية، ولم تُشِر هيئتا النزاهة والمساءلة والعدالة الى أي مانع لترشيحه، فاقترن ذلك بموافقة مجلس الوزراء وصدر أمر تعيينه وباشر عمله مدة تزيد عن أحد عشر شهراً، ومن دون سابق إنذار تفاجأ مسؤولو الطوائف بترشيح شخص آخر لرئاسة الديوان هو رعد جليل كجه جي أحد أعضاء تنظيم زوعا وبتدبير شرير من سكرتيره الأوحد يونادم كنا.


إن مسألة إزاحة رئيس ديوان أوقاف المسيحيين والديانات الأخرى السيد رعد الشماع عن منصبه بشكل اعتباطي وتعسفي، تُسجل وصمة عار في سجلِّ الحكومة العراقية برئاسة السيد نوري المالكي، وتُعتبر إشارة الى تذبذب شخصية السيد المالكي وعدم ثباتها أمام الضغـوطات ومسايرتها لأهواء مستشاري السوء والمنتفعـين الأنانيين المحيطـين به، وإلا كيف يُفسَّر تراجعُه عن قرار سابق وقعه عن اقتناع، واستبداله بقرار تعسفي مضاد بعد مرور أكثر من أحد عشر شهراً على قراره الأول ودون إعطاء أيِّ مبرِّر قانوني ضارباً عرض الحائط  تأكيد مجلس رؤساء الطوائف بأغلبية أحد عشر عضواً من أصل أربعة عشر ثقـته بالسيد رعد الشماع، أفليس هذا تهميشاً بل إقصاءً لرأي مجلس رؤساء الطوائف المسيحية؟ وبماذا يُفسَّر إيصاد السيد المالكي لجميع الأبواب أمام الرئاسة البطريركية للشعب الكلداني لإيصال صوتها إليه؟ فأيُّ يطرق الشاعرون بالظلم ؟ أليس باب الحاكم؟ يبدو أن يونادم كنا وجماعته استطاعوا إقناعه بتسييس عمل الديوان، وتعيين شخص تابع لهم ليجعل من الديوان أداة ضغطٍ على الكنائس العراقية وجعلها تحت وصاية " الحركة النسطورية الشوفينية " .


بعد البيان الصريح والواضح للبطريركية الكلدانية في فضح مؤامرات رئيس تنظيم زوعا يونادم كنا التى دبَّرها ولا يزال يُدبرها ضِدَّ الكلدان وكنيستهم الكاثوليكية، يأتي دوركم يا أبناء الكلدان في كُلِّ مكان لسحب البساط من تحت أقدام الأحزاب النسطورية الشوفينية، وهذا يتم بإقناع المغرَّر بهم للعودة الى أحضان امتهم الكلدانية وهجر خادعيهم النساطرة السائرين في طريق الضلال المتجاوزين بصلف على عدالة القضية الكلدانية.


لم نسمع لحد الآن من مطارنة كنيستنا في الداخل والخارج أيَّ ردِّ فعل ايجابي وتأييد لموقف بطريركهم الذي أوضحه في بيانه الصادر في 15/ 1/ 2012 . نحن على عِلم بحساسية أوضاعهم التي يُحسنون تقديرها أكثر منا، ولكن هذا لا يبرر سكوتهم، بل عليهم إبداء الشجاعة والتأييد لموقف بطريركهم بهدف تفعيل مطلبه وبذلك يُساهمون بصيانة كنيستهم وأبناء شعبهم من الضلاليين الناوين شراً بهم. لقد ولَّى زمن المجاملات الخيالي والإنخداع بالشعار الإستهلاكي الكاذب" نحن شعب واحد" كانوا جزءاً منا " كلداناً نساطرة" قبل أن ينبذوا كلدانيتهم وينتحلوا الآشورية المزيفة، أما الآن فهم غرباء عنا إسماً ومذهباً. ثم ما الخير الذي جنيناه من هذا الشعار الإستهلاكي سوى تهميشنا ومحاولة نسطرتنا ! ليعلم هذا الثعبان المتستر تحت عضويته في البرلمان بأن أنيابه السامة ستُنتزع من قبل الكلدان الشرفاء إن عاجلاً أو آجلاً، لأن الله لا يُهمل شعبه بل يُنقذه من عدوِّه الملحد الغاشم!


أين رد فعل كهتنا الأفاضل من تأييدٍ ومساندة بيان غبطة بطريركهم، أليس من الواجب على كهنة الخارج الإتصال بإخوتهم كهنة الداخل لحث رعاياهم على تأييد موقف بطريركهم الواضح والصريح بشجبه تدخل سكرتير الحزب النسطوري" زوعا" بكُل صغيرة وكبيرة بشؤون الكلدان وكنيستهم، مضطهداً ومتآمراً ومتحدياً؟ هل يليق بكاهن كنيسة الصعود الكلدانية القس جميل نيسان أن يستقبل وفداً من حزب زوعا النسطوري؟ أين غيرته؟ أين شهامته الكلدانية؟ أين كثلكته؟ ألا يدل هذا العمل المعادي للأمة الكلدانية أن بعض أفرادها ليس من العلمانيين فقط، بل من أبناء الإكليروس خدام المذبح قد سقطوا في فخ الدعاية النسطورية الكاذبة؟ لماذا أيها الأب جميل تُشارك في حرب يونادم كنا الذي يشنها على الكلدان وكنيستهم المقدسة؟ إذا انتابك الحنين الى النسطرة وترككَ للكثلكة الجوهرة، لماذا الإنتظار؟

 
لقد بلغ بجلاوزة تنظيم زوعا النسطوري الشوفيني التشنج والتهور حداً لا يُطاق، جعلهم يُطلقون العنان لألسنتهم المسننة لنهش لحم الشرفاء الكلدان الذين عَرَّوا سوءات قائدهم الأوحد المتمثلة بمدى حقده الأسود وجوره الإنتقامي المرير الذي يمارسه بكُل ضراوة ضِدَّ الكلدان وكنيستهم ومؤسساتهم وتنظيماتهم التي تُشكل لديه بُعبعاً يؤرقه ليلاً ونهاراً، فراحت شفاه هؤلاء السفهاء قليلي الحياء تنطق بكلمات بذيئة وتُسبغ صفاتٍ رديئة وتُرسل مسبّات مهيئة الى أبناء الكلدان النشامى الذين ينأوا بأنفسهم عن هذا المستوى الوضيع، فإن دلَّ هذا على شيء إنما يدل على مدى الجهل والتخلف المخيم عليهم! إننا نحن الكلدان لا نتكل إلا على الله القدير " إن لم يبنِ الرب البيت فباطلاً يتعب البنّاؤون "



الشماس د. كوركيس مردو

112

الى ماذا ترمز إعتداءات بادينان؟

مِن خلال متابعتي للأحداث التي أعقبت عملية التغيير السياسي في العراق التي حدثت في نيسان عام 2003 لم تُشكِّل أحداث بادينان مفاجأةً لديَّ فقد كانت في تقديري مؤجلة لحين خفوت مثيلاتها في جنوب العراق ( البصرة ) ووسطه ( بغداد ) وشماله ( الموصل وكركوك ) ليبدأ بعدها الدور الموكل الى الإسلاميين السلفيين الأكراد، وإن دلَّ هذا على شيء فهو يدل على مخططٍ  مدروس بعناية يستهدف إفراغ الشرق الأوسط  من مواطنيه المسيحيين الأصليين والتسلسل يبدأ بالعراق!

لا أشك لحظةً بإخلاص قيادة إقليم كردستان رئاسةً وحكومةً وبرلماناً وبجديتها في تأمين حماية مواطنيها واللاجئين اليها الهاربين من سيف الإرهابيين في مدن العراق الرئيسية، ومن أفدح الأخطاء أن يتهم بعض كتابنا القيادة الكردية بتواطيء أجهزتها مع الزمر الإجرامية التي نفذت تلك الأعمال المشينة يوم الجمعة الثاني من كانون الأول 2011 ، وعلى القيادة الكردية أن تنظر الى ذلك كرد فعل عفوي يُمليه الحزن والإنفعال. ولكن من الممكن القول بأن الأجهزة الأمنية في محافظة دهوك والمدن التابعة لها مثل زاخو والقرى المحيطة بها لم يكن إداؤها بالمستوى المطلوب بحيث أن السيطرة على الوضع لم تـتم بالسرعة اللازمة، وقد يكون لهذا البطء في التحرك ما يبرره لأن أوضاع الإقليم تتمتع بالأمن والإستقرار بخلاف أوضاع بعض المناطق العراقية، فلم تكن هناك حاجة لوضعها في استنفار دائم لتدارك الأحداث فور وقوعها ومع ذلك فإنها تُعتبر مقصرة ويجب محاسبتها .

إن مثل هذه الأفعال الإجرامية المؤلمة لم تأتِ من الفراغ، بل إنها ترمز الى تخطيط قد أعِدَّ لها مسبقاً تقوده أطراف داخلية وخارجية بالإتفاق مع المناوئين للسلطة في الإقليم، وإلا بماذا يُفسر تجمع هذه الحشود المهاجمة التي زاد عددُها عن ثلاثة آلاف مهاجم في زاخو ثم امتدَّ الهجوم بسرعة الى مركز محافظة دهوك وقضاء سميل. إن هذه الهجمة الشرسة تُثبت أن السلطة في الإقليم قد غضَّت الطرف عما يقوم به الشيوخ ورجال الدين من بث الكراهية والأحقاد بين فئات المجتمع الكردستاني المتعدد الكيانات، فإنهم لا ينفكون من ايقاد نار العداء الديني وزرع بذور الفتنة بينهم وتحريض الشباب وشحنهم  بالنعرة الإسلامية التزمتية للإعتداء على المسيحيين واليزيديين بالقتل وتدمير ممتلكاتهم،ألا يُعَدُّ ذلك إرهاباً؟ أليس من حقنا مطالبة قادة الإقليم القيام باستئصال شأفة الإرهاب؟

لقد كانت نظرة العالَم الى الحكم في الإقليم إيجابيةً معتقداً بأنه قويٌّ ومتراصفٌ في الداخل إلا أن أحداث بهدينان أثبتت عكس ذلك، ولا يُستبعد أن النهج الديمقراطي الذي اختاره الإقليم قد يُقضى عليه بمجرد هبوب عاصفةٍ غوغائية تُثيرها العناصر الإرهابية المتغلغلة في المجتمع الكردستاني المدعومة من قبل دعاة الإسلام السياسي في البلدان العربية الذين سرقوا ثورات الشباب العربي التي أشعلوها ضدَّ حكام بلدانهم الديكتاتوريين، وهم ينتظرون من هذه العناصر أن تحذوا حذوهم  في إسقاط الحكم الديمقراطي في كردستان العراق وإقامة حكم استبدادي يعتمد السيف لأسلمة غير المسلمين في المجتمع الكردستاني.

الى ماذا ترمز أعمال الشغب والتخريب التي طالت المواطنين المسيحيين واليزيديين في دهوك وزاخو وسميل حيث صُعقوا لمشاهدتهم رهطاً كبيراً من الشباب المنفلت يحرق ويُدمِّرممتلكاتهم بدون وازع من ضميرأو خوف من القانون، إن هذه الأعمال الإرهابية اللامسؤولة تُمَثِّل سابقةً خطرة لايقتصر تهديدها على أمن وسلامة ومستقبل المجنى عليهم المسيحيين واليزيديين، وإنما تُهدِّد الأمن والأستقرار في الإقليم وتقف حائلاً دون استمرار تجربته الرائدة في تطوره وبناء ما استحدثه من مؤسسات ديمقراطية وما اعتمده من قيم التآخي والعيش المشترك تحت ظلال الحرية التي لا بدَّ منها في زمننا الراهن. ولذلك تُعتبر هذه الأعمال إنذاراً وأن المحَرَّضين عليها معروفون هي الزُمَر الإسلامية المتطرفة التي ظهرت في وسط المجتمعات الإسلامية تحت مسميات متعددة كالجهاديين والسلفيين والإخوان والأنصار . . . إنهم جميعاً متزمتون ويحملون الكراهية بعنفٍ لِمن يختلفون عنهم في الدين وهم يلتقون في الفكر المتطرف الهادف الى التنكر بل إلغاء حقوق كُلِّ إنسان لا يدين بالإسلام وسلب حريته!

ولا يساورني شكٌّ بأن ردَّ فعل قيادة إقليم كردستان سيكون حازماً حيال هذه الزُمَر المتجاوزة على القانون رغم ارتباطها بأطراف دعم ٍ عديدة دينية وسياسية، ولكن تصميم الحكومة الكردية على مواصلة النهوض بالإقليم من حيث التطور والإزدهار ليُصبح أجمل واحةٍ في الشرق الأوسط  لا سيما أنه غزير بثرواته الطبيعية وبموقعه الخلاب وشعبه المثابر، لن تسمح لهؤلاء العابثين بأمنه بتدمير حلم شعبه الذي ناضل طويلاً لتحقيقه، إنها ستقطع دابر هؤلاء المتطرفين وبموجب القانون ولن تدع لها مجالاً لإيجاد أرضية خصبة للنخر فيها ثانية. وواهم هو مَن يعتقد بأن هؤلاء الذين أساؤوا الى القانون والدين معاً سيلقون تسامحاً أو تهاوناً، فالشعب الكردي لن يهون عليه نضالُه لسنين طويلة في سبيل تحقيق أمانيه لتأتي بعض الجماعات المتخلفة وتحرمه منها ! إنها مسألة وقت فقط لتنقية المجتمع الكردستاني من زُمَر العصيان والتخلف والتزمت الديني ليعاود نشاطه في التقدم والإزدهار وإحلال السلام والتآخي بين جميع مكوناته القومية والدينية ! وأخيراً نطالب

القيادة الكردية أن تقوم بتعويض المتضررين من جرّاء الهجمة الشرسة التي تعرض لـوحشيتها    المسيحيون واليزيديون، لتستتبَّ العدالة والمساواة بين شعب كردستان بكل أطيافه، كما نُهيب بها وهي القادرة أن تجعل القانون فوق الجميع ولا يستثنى من ذلك أيَّ رجل دين، لقد خيَّب أملنا مثقفو وإعلاميو الشعب الكردي لعدم اهتمامهم ولا مبالاتهم وهم يشاهدون هذه الهجمة التكفيرية ذات العـنف الوحشي. متى يُؤنبكم ضميركم وأنتم تتـفرجون على قـتل واضطهاد الشعب المسيحي المسالم وهو الأعرق في بلاد ما بين النهرين لا لذنب إلا لـكونه مسيحياً؟ تُرى، هل سيصحى ضمير المجتمع الكردي والعربي والدولي لإنقاذ الشعب المسيحي المضطهد في وطنه العراق ؟

الشماس د. كوركيس مردو

113

الربيع العربي هل سيتحوَّل الى شتاءٍ إسلامي؟



إن ثَوَران الشعب العربي المُطلَق عليه " الربيع العربي " والذي عمَّ الدول العربية ابتداءً بتونس فمصر فليبيا فاليمن وسوريا لا يُعدُّ ربيعاً على الإطلاق، لأن الثورة بمفهومها الصحيح هي التي تقوم بتغيير طبيعة المجتمع الذي انبثقت منه تغييراً جذرياً، فهل ما حدث في تونس ومصر آلَ الى ذلك؟ في الواقع : كلا. ففي تونس ومصرمثلاً أزيح رأسا النظامين الحاكمين فيهما وبقي الوضع العام لمجتمعيهما كما كان عليه بل تحول الى الأسوأ وقد يزداد سوءاً لا سمح الله. إذاً ما الذي تغيَّر في مصر مثلاً؟ لقد حكمها حكامٌ عسكريون منذ عام 1952 بدءاً بجمال عبدالناصر وأنور السادات وحسني مبارك الذي أطيح به قبل بضعة أشهر بعد أن أناط الحكم بأيدي العسكريين آملاً أن يستلم عسكريٌّ آخر زمام السلطة ليُعيد إليه كرامته ويصرف النظر عن كُلِّ مساوئه التي عانى منها الشعب المصري طَوال حكمه الذي امتدَّ الى ثلاثة عقود.


تُرى ما الذي جناه الشباب المصري الذين فجَّروا الثورة ضِدَّ النظام الإستعبادي، وسقط الآلاف منهم قتلى فداءاً لها؟ ألم يلتف المجلسُ العسكري والإسلامُ السلفي على مطلبهم الرئيسي بقيام حكم مدني وطني ينتهج الديمقراطية ويمنح الشعب الحرية وينشر العدالة والمساواة بين كافة فئات الشعب بصرف النظرعن معتقدهم وفكرهم ورأيهم السياسي! فماذا نرى بديلاً عن ذلك، نرى رئيس المجلس العسكري يروج علناً لترشيح نفسه للرئاسة مخلاً بالوعد الذي قطعه المجلس بتسليم السلطة للمدنيين الشباب أصحاب الثورة، كما نرى الإسلاميين الوهابيين يقومون بتنفيذ عمليات إبادة للأقباط المصريين أصحاب البلد الأصليين، ناهيك عن عمليات هدم وحرق وتدمير للكنائس وقتل الأبرياء المجتمعين فيها للصلاة .


وفي تونس تحركت الحركات والأحزاب الإسلامية فور نجاح ثورة شباب تونس بالإلتفاف عليها وسرقتها من أصحابها، وها هم ينجحون في مخططهم التآمري من خلال معركة الإنتخابات فقد فازوا بنصيب كبير من الأصوات وهو المدخل الذي من خلاله يجعلون الحكم في تونس بحسب الشريعة الإسلامية النقيض الأكبر للديمقراطية التي قامت الثورة مِن أجلها. وظهرالإستياء واضحا في أوساط الشعب التونسي وربما قد يؤدي ذلك الى اقتتال داخلي وهو احتمال وارد .


وقبل تونس ومصر بثمان سنوات تجسد هذا المشهد في العراق بعد سقوط النظام البعثي، فظهر العديد من الأحزاب الإسلامية ذات النزعة الراديكالية المشوبة بالتطرف، فعبثت ولا تزال تعبث في أرض العراق فساداً، فمزقت نسيج المجتمع العراقي القويَّ التماسك والتآخي لغاية انهيار النظام رغم ما عاناه الشعب من مظالمه، تلك المظالم التي لم يُستثنى منها الشيعي أو السني ولا العربي أوالكردي ولا المسلم أو المسيحي، الكل عانوا من ويلات الحروب العبثية وضاقوا ذرعاً بالحصار الإقتصادي.

والأغربُ توقعاً هو ما سيحصل بعد سقوط حكام تونس ومصر وليبيا المستبدين وحتمية سقوط الباقين على شاكلتهم حين نرى النتائج السلبية التي تتمخض عنها الأحداث والآئلة باتجاه صالح الأحزاب الإسلامية المتطرفة التي بدأت تتحرك بشكل محموم للوثوب وخطف حُلم الشباب العرب الذين خططوا وفجَّروا الثورات في بلدانهم من أجل حصول شعوبهم على الحرية والديمقراطية وتحقيق ما كانوا يصبون إليه من طموحات التعايش المشترك وحياة الرفاه الكريمة وسيادة السلام والأمن والعدالة والمساواة. ولذلك سيكون المستقبل في هذه البلدان أكثرسوادا وايلاماً من السابق في حالة وقوع مقاليد الأمور بأيدي الإسلاميين، حيث سيقمعون المثقفين والمتنورين والأحرار من أبناء بلدانهم ويزيدون من تكبيلهم مجتمعاتهم بأغلال الدين والعقائد والتقاليد البدوية التي تجاوزها الزمن الحاضر المتمدِّن، تلك التي وفدت إليهم من الجزيرة العربية بؤرة التخلف الفكري، وليس بوسع هذه المجتمعات المقهورة التحرر منها بسبب سطوة المتزمين من رجال الدين القابضين على زمام الأمور وعلى مختلف الصُعُد.


إنها لكارثة ومأساة للشعوب العربية إذا ما انتهت خاتمة هذه الثورات الى الخطف من قبل الزُمر الإسلامية السلفية كما انتهت ثورة الشباب في ايران عام 1979 حين تَمَّ خطفها من قبل الأحزاب الراديكالية التي كان يقودها الملالي بزعامة خامنئي، فخابت آمال شباب ايران الذين قارعوا حكم الشاهنشاه الديكتاتوري لزمن طويل ، وذهبت تضحياتهم سُدىً باستحواذ مَن هم أكثر ديكتاتورية واستبداداً من الشاه، والأنكى هو ترويجهم الإدعاء بأن شريعة حكمهم قد إستمدوها من الله وعلى الشعب الإيراني وكل الشيعة في العالم إتباع ولاية الفقيه، يا لها من مهزلة في زمن الـتـنـــــــــور والإنفتـــاح! ! !


أيها الشباب الثوار في البلدان العربية، لا تأمنوا الأحزاب الإسلامية ولا تجعلوا دماء رفاقكم تذهب سُدىً، فإذا خُطفت ثوراتكم من قبل هذه الأحزاب ستكون طامة كبرى لشعوبكم، حيث سيُوقدون نار الفتنة ويُثيرون النعرات الطائفية والدينية والمذهبية والعِرقية بين أبناء شعوبكم بأسوأ مِما كانت أيام الحكام الديكتاتوريين، والخاسر الوحيد ستكون الشعوب التي تناضلون من أجل تحريرها لكي تنعم بحياة حرة وكريمة، في ظلِّ مجتمع متعدد الأجناس أبناء الوطن الواحد، كونوا حذرين لِئلا تخسروا كُلَّ آمالكم وتطلعاتكم ، وحافظوا على الربيع العربي لكي لا يُحَوَّل الى شتاء إسلامي!


وبالنسبة للمسيحيين
فإنهم ينظرون الى الوضع المضطرب في عموم بلدان الشرق الأوسط ولا سيما العربية منها بقلق شديد وإن مخاوفهم مُبرَّرَة مِمّا ستؤول إليها الأوضاع وخاصةً في حالة استيلاء الإسلاميين على السلطة، لأن ثقافة الإعتراف بالآخرالتي وحدها هي الضمان للعيش معاً بسلام معدومة لديهم، فإذا لم يخرج للعلن فكر جديد يُقدس المواطنة ويؤمن بالقبول للآخر بالندية والمساواة والعيش المشترك لن يستتب السلام في أيٍّ من هذه البلدان. لقد عاش المسيحيون العراقيون قروناً طويلة تخللتها فترات من العنف والشدة والإضطهاد والتهميش، وفترات رافقها هدوء مشوب بالخوف والحذر، فهل ياتُرى ستستمرُّ وتيرة العُنف والإرهاب والقتل التي شملت المسيحيين العراقيين في بداية القرن الواحد والعشرين وبالتحديد منذ التغيير السياسي في نيسان عام 2003 ولا زالت حتى اليوم؟ وهل ستتحول الأوضاع في الدول العربية بالنسبة لمسيحييها الى ما تحولت إليه أوضاع مسيحيي العراق مِن قـتل واضطهاد وهجوم على الكنائس؟ إنها مـأساة لا تُطاق وقد ظهرت بوادرُها في مصر! ولا يُستبعَد امتدادُها الى بقية البلدان العربية الأخرى التي يسودها الإضطراب والغموض! إنها مخاوف لا يمكن الإغفال عنها. ومِن جانب آخر يملأنا الأمل والتفاؤل بأن القابضين على زمام الأمور الجُـدُد الحاليين والقادمين أن ينظروا بعين الإعتبار لتطور الزمن وتقدمه فيعمدوا الى سَنِّ قوانين تحترم حقوق المواطنة دون تفرقة وتمييز بين مواطن وآخر بصرف النظر عن عِرقـه ودينـه ومذهبـه!




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 4 / 11 / 2011

114

هل يتصف العُملاء بالذكاء أم بالغباء ؟





من المعروف أن العملاء يختارُهم أسيادُهم من بين المتميزين بالذكاء وليس المتصفين بالغباء فقد كتب أحد العملاء المتأشورين مقالاً بعنوان ( الإنفصليون الكلدان ومؤتمر نهضتهم ) وبتشويه واضح وصف المؤتمر القومي "مؤتمر النهضة الكلدانية" الثاني في السويد المنعقد للفترة من 15 – 19 تشرين الأول 2011 بتجمعٍ كنسي للكنيسة الكلدانية لمجرد قيام المطران سرهد جمو والأب نوئيل الراهب بمشاركةٍ تشريفيه فيه لإلقاء محاضرات حول أهداف المؤتمر وبدعوةٍ مِن إتحاد الأندية الكلدانية في السويد برئاسة الكلداني الغيور السيد بهنام جبو وبعد استحصال كافة الموافقات الأصولية على عقد المؤتمر، ويناقض نفسه عندما يضيف وبدون حضور لأيٍّ من آباء الكنيسة الكلدانية الآخرين، فكيف يكون تجمعاً كنسياً بغياب آباء الكنيسة الكلدانية عنه، أليس إذاً وصفه للمؤتمر القومي بتجمع كنسي إدعاءاً كاذباً نابعاً عَن حقده الدفين على الكلدان ورُعبه من أيِّ تحركٍ كلداني، وهكذا تجلّى في مقاله إفتراؤه الرخيص المحشو بالمغالطات وقلب الحقائق فهل هناك ما يفوق هذا الغباء؟ إن الغباء منبعه الجهل وأحياناً تعمد الجهل .


 يصف هذا الدعي المتأشور المنغمس حتى أذنيه في وحل التسمية الآشورية المزيفة الإسطورة الويكرامية ( نسبةً الى القس الأنكليكااني التابع لكنيسة كانتيربري الإنكليزية وليم ويكرام ) الكلدان بالإنفصاليين، ولكن هل يدري حتى لو وافقناه على هذا النعت افتراضاً . مِن مَن انفصلوا وماذا كانت دواعي الإنفصال؟ طبعاً إذا كان جاهلاً فتلك مصيبة وإن كان متعمداً الجهل فالمصيبة أعظم .كانت الكنيسة الكلدانية النسطورية تحت سيطرة الرئاسة البطريركية المحتكَرة من قبل العشيرة الأبوية" آل أبونا" لعدة قرون، قد إستغلَّت شعبَها الكلداني أبشع استغلال وجعلت منه عبيداً مسخرين لخدمة عشيرتها سالبة منه معظم أرزاقهم، ووصل ظُلمُها الى حدٍّ لا يُطاق والأنكى من ذلك كلِّه أن أحد بطاركتها سَنَّ قانوناً كنسياً يقضي بحصر المنصب البطريركي وراثياً بأحد أبناء العشيرة المقربين للبطريرك إبن أخيه أو إبن عَمِّه وبذلك خالف التقليد الكنسي المعمول به منذ إنشاء الكنيسة بأن اختيار الجاثاليق أو البطريرك لاحقاً يكون عن طريق الإنتخاب. فاجتمعت في منتصف القرن السادس عشر النخبة المثقفة مِن أماجد الكلدان العلمانيين برئاسة ثلاثة مطارين في مدينة الموصل وقرَّرت التخلص مِن الرئاسة المستبدة من أجل تصحيح مسيرة كنيستهم وانتشالها مِن الضلال النسطوري الهرطوقي الواقعة فيه منذ أواخرالقرن الخامس، فاختاروا لهذه المهمة رئيس دير الربان هرمزد آنذاك المثلث الرحمات مار يوحنان سولاقا (البطريرك لاحقاً) مِن عائلة بلو الألقوشية التي ينتمي إليها وللأسف كاتب المقال موضوع البحث، فشتان ما بين الثُريّا والثرى! فهل من المعقول أن يوصف أصحاب هذا العمل الإصلاحي الجبار بالإنفصاليين! !

                                                                                                               ونتيجةً لبادرة الإصلاح المشار إليها، أصرَّت جماعة متزمتة جاهلة على البقاء في نسطرتها الهرطوقية نكاية بإخوتها الإصلاحيين، وبمرور الزمن إنحسر عددهم تدريجياً بعودة العدد الكبير منهم الى الطريق القويم المذهب الكاثوليكي، وبقي العددُ الضئيل منهم الساكن في الجبال متشبثا بهرطقته النسطورية يعيش حياة البؤس والفقر والتخلف بعيداً عما يجري في العالم من التغيير والتطور خاضعاً خضوعاً أعمى لكنيسته النسطورية المتمثلة كلياً برئيسها الديني والمدني في آنٍ واحد هو البطريرك وخلفاؤه، حتى عثرت على هذه الجماعة الإنعزالية بعثة التبشير الأنكليكانية التابعة لكنيسة كانتيربري الإنكليزية برئاسة القس " وليم ويكرام" عام 1884 فكانت تلك فرصة ذهبية لهذا الداهية الخدّاع حيث رأى في هذه الجماعة بغيته المنشودة للإنتقام أولاً من الكنيسة الكاثوليكية التي تعتبرها كنيستُه الأنكليكانية عدوتَها اللدود وعليه الوقوف ضِدَّ امتدادها وتوسعها عن طريق الكنيسة الكلدانية التي هي جزء منها. وثانياً استخدامُ هذه الجماعة وجعل أبنائها وقوداً لنار أطماع مملكته المتحدة الإستعمارية التي كانت تسعى للحصول على موطيء قدم لها في قلب تُراب السلطنة العثمانية ومنافسة نفوذ روسيا القيصرية في فرض رأيها في شؤون السلطنة حيث كان التنافس على أشده بين الدول القوية آنذاك (روسيا، فرنسا، المانيا وإنكلترة) في هذا المجال، وفعلاً استطاع وليم ويكرام إغراءَهم ولا سيما عندما أخبرهم بأن حكومة المملكة المتحدة كلفته بأن ينقل إليهم وعدَها لهم بإقامة وطن قومي لهم في جزء من بلاد وادي الرافدين الذي سكنه يوماً آشوريو التاريخ القدماء، ولكن هذا الوعد لن تستطيع تحقيقه إلا في حالة تغييرقوميتهم من " الكلدان النساطرة الى الآثوريين النساطرة" لكي يتسنى لأعلامِها نَسبَهم الى الآشوريين القدماء فاستمرأوا ذلك ونفذوا ما أشار به إليهم، وبدوره لم يذخر وسعاً في لعب دور دعائي كبير لنشر هذا الإسم"آثوريين" الذي اختاره لهم من مطاوي الماضي، معرِّفاً العالَم بالمأساة التي تعرَّضَ لها هؤلاء النساطرة الذين دعاهم" أحفاد شلمنصَّر" في الوقت الذي أخذتهم الدهشة من هذا الإسم الغريب عليهم والذي لم يسمعوا به إلا بعد قدوم هؤلاء المبشرين الى منطقتهم. ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص596 – 597 ) هذه خلاصة مختصرة لكيفية تحوُّل كلدان الجبال النساطرة الى آثوريين ثم تحورت هذه التسمية قبل عدة عقود الى آشوريين، وما كنت بحاجةٍ الى تكرارها بهذا الشكل الوجيز جداً لو لم يضطرني جهل كاتب المقال بالتاريخ أو ربما تعمده الجهل دفاعاً عن أسياده مزوري التاريخ بامتياز .


أية امةٍ هذه التي تنادي بها يا أيها الضال، الآشورية لم تكن قومية لأمة على الإطلاق بل كانت تسمية لدولة مؤلفة من مجموعة أقوام كالدولة العراقية اليوم فهل يُمكن اعتبار العراقية قومية؟ وهكذا كانت الدولة الآشورية التي طالها والمنتمين إليها الفناء الأبدي قبل الميلاد بستمائة عام ؟ أليس انتحال الكلدان النساطرة لتسميتها الوثنية ضرباً من الجنون؟ ألا تُشبه هذه المحاولة كإحياء جثةٍ هامدة في لحدها منذ أكثرمن خمسةٍ وعشرين قرناً؟هناك إليوم قومية واحدة للشعب المسيحي العراقي المتعدد الأسماء ما عدا الأرمن وهي القومية الكلدانية! ولا يمكن القبول بغيرها من التسميات. إن الكلدان لا يعترفون باللغة السريانية المحرفة من اللغة الكلدانية من قبل المؤلفين اليعاقبة في العصور المتأخرة أمثال إبن العبري وبعض معاصريه، وسوف يكون لي مقال حولها لإظهار تزويرها إذا سمح لي وقتي الضيق لأنني مشغول بإكمال بقية مجلداتي التاريخية. إن كنائسنا قد افتتحت صفوفاً لتدريس لغتنا الكلدانية الأجمل بين لغات العالَم طُرّاً وهي التي قدَّسها المسيح الرب بتحدثه بها هو والقديسة والدته وتلاميذه الأخيار ولسنا بحاجةٍ الى لغة محرَّفة عوجاء اللفظ والحرف.


إن الكلدان امةعظيمة وكنيسة المشرق نشأت على أكتاف أبنائها الميامين،ولدى ظهورالهرطقتين النسطوريةوالمونوفيزية خلال القرن الخامس الميلادي انقسمت الى شطرين أحدهما تبنى المذهب النسطوري وسمى كنيسته"الكنيسة الكلدانية النسطورية" والآخر تبنى المذهب المونوفيزي ودعا كنيسته "الكنيسة المونوفيزية" وبعد زمن تغلبت عليها التسمية اليعقوبية،وبهذا الإنشطار وُصفت جماعة كُلٍّ من الشطرين بالطائفة، وهذا هو ما يؤكده التاريخ، وفي العهد العثماني أطلق على الكلدان كلمة (مِلّيت) أي الأمة. فكيف تصف الأمة الكلدانية بالطائفة أيها الجاهل، وكيف تريدون  أنتم التزويريون المتعاطفون مع الطائفتين المنشقتين عن امتهما الكلدانية، أن تفرضوا آراءَكم وأفكاركم العفنة على أبناء الأمة الكلدانية! مَن أنتم وما هو حجمكم بالنسبة للكلدان الأحرار، إنكم زوان في حنطة الكلدان فاقتلعوكم ورموكم لتُداسوا تحت أرجل الغرباء أعداء الأمة الكلدانية. إنَّ افتراءَك على القس سرهد جمو( المطران اليوم ) بأنه كان ينادي بالآشورية هو تضليل سخيف لا يمكن أن يُصدقه أيُّ كلداني، والحق يجب أن يُقال إنه كان يُساير هؤلاء النساطرة الإنعزاليين لسبر غور تعصبهم المقيت، وحين تأكد من تحجر عقولهم بعد كُل الجهد المضني الذي صرفه معهم، لم يرَ مفراً غير نبذهم بالمرة، وهو سعيد بما ساعده الله على اقتناء أكثر من ثلاثة آلاف آثوري نبذوا المذهب النسطوري واعتنقوا المذهب الكاثوليكي القويم بهدايةٍ من الروح القدس، ونسأل الروح القدوس ليُلهِم عقولَ وضمائرَ الباقين منهم على عنادهم، ليقتدوا بإخوتهم الأعزاء هؤلاء.


لماذا العجب يا أيها المغالط عميلُ الإنعزاليين المتهورين عديمي الحكمة والرؤيا، الكلدان يتصفون بالحكمة وبعد النظرلا يتهوَّرون. في كُلِّ العهود وحتى في عهد صدام برهن الكلدان على إخلاصهم الوطني ولم يجدوا حاجةً لتشكيل أحزاب، حيث كانت كُل الحكومات في العهد الملكي تُشيد بالكلدان ولا تعترف بغيرهم كالسريان والتيارية وإنما تُراعيهم إكراماً لهم، فكان للكلدان عضو في مجلس الأعيان ومابين ستة الى سبعة نواب في البرلمان، وزير واحد وفيض من المدراء العامين، فبماذ يطالبون أكثر مِمّا أعطوا! وحين تغيَّر نظام الحكم من الملكي الى الجمهوري انقلبت كُل الموازين، عِندها انخرط ابناء الكلدان في الأحزاب الوطنية ولم يشعروا بحاجتهم الى أحزاب قومية كلدانية، ولكن بعد سقوط النظام البعثي ظهرت أحزاب إسلامية غلبت عليها النزعة الراديكالية المشحونة بالتطرف والى جانبها ظهرت أحزاب لمنتحلي التسمية الآشورية المزيفة وفي مقدمتها ما تُسمى  "الحركة الديمقراطية الآشورية" وفي الحقيقة لم تمارس الديمقراطية قدر ذرة، بل بَزَّت كافة الأحزاب الإسلامية في تطرفها وتعنصرها ضِدَّ الكلدان وقوميتهم، وإزاء هذا الموقف العدائي الغير مسؤول والتطاولي الخاطيء والإفترائي، إضطرَّ الكلدان الى تأسيس أحزاب كلدانية لصد هجمة منتحلي الآشورية المزيفة الشرسة ضِدَّ قوميتهم ووجودهم وتاريخهم بكُل خزينهم من الحقد الحاد والتزويروالتشويه.


أما الإنتخابات الأخيرة التي تتباهى بها فأنت أول مَن تعلم مقدار التزوير الذي شابها، وكم صرف نساطرة الأمس آشوريو اليوم المزيفون من الأموال لشراء ذمم أبناء شعبنا الكلداني الذي خدعوه بقولهم " كلنا مسيحيون" فصدقهم البسطاء من الكلدان، وبهذا الإسلوب الشيطاني اللاإنساني تمَّ لكم الحصول على أصواتهم، وفي حينها سألت العديد منهم فاعترفوا أنهم خُدعوا وضلِّلوا، أبهذا الشيء تتباهى يا جاحد امته، فأنت وأمثالك جعلتم من أنفسكم موضع ازدراء الكلدان المخلصين الأحرار لأنكم قبلتم الذل والإنكسار، تنازلتم عن المباديء والقيم وتمرغلتم في المستنقع العفن !
وعندما تستشهد بالأستاذ ليون بَرخو، أقول ما الفرق بينكما؟ فكلاكما تخزنان حقداً مكبوتاً ضِدَّ أبناء الكلدان وضِدَّ كنيستهم الكلدانية الكاثوليكية المقدسة، والسبب هو الغيرة القاتلة التي تتقد في داخلكما. كنت ناويا ومنذ زمن أن لا أرد على الأستاذ برخو الغريب بتصوراته وأفكاره التي تُمثل انعكاساً وردَّ فعل لطرده من الدير بعد أن احتضنه مدة تسع سنوات اكتشف خلالها الغرورالذي لا يليق بمَن يُخصص ذاته لخدمة ربه كلياً، فصمم على الإنتقام من الكنيسة الكلدانية ورعاتها من خلال انتقادات تحاملية لاذعة مُستغلاً استاذيته في جامعةٍ سويدية دون أن يدري بأن ما يقوم به هو انتقاص لمركزه الوظيفي وكرامته!


وها هو اليوم يفتري على القس نوئيل ويحوِّر أقواله كما أخبرني بعض الحاضرين الى المؤتمر، وكلما قاله القس نوئيل كان تعريفاً مقتضباً للحضور بمقدرة المطران سرهد جمو على شرح القضية القومية الكلدانية بكل أبعادها التاريخية. فقد سُئل الأستاذ برخو بعد انتهاء محاضرة المطران سرهد فيما إذا كان لديه أسئلة أو تعليق وكُرر السؤال ثلاث مرات وأخيراً أجاب كلا.
فلماذا اللجوء الى الكذب والتحريف يا أيها المنظر المأجور. أخيراً أقول لهذا المتأشور بأنك عديم الفاعلية والفائدة حتى في دفاعك عن أسيادك، فعليك الإنسحاب مِن ميدان الكتابة وتعلم الصياغة اللغوية أنت واستاذك ليون برخو قبل السباحة في بحر الكتابة العميق، وبالرغم من انشغالي، سوف اعرّيكما وأكشف كامل زيفكما إذا تماديتما في نهجكما القذر!



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 1 / 11 / 2011


115


لماذ ينحصرُالهجومُ على كُلِّ تحركٍ قومي كلداني؟





لقد دأب منظرو منتحلي التسمية الآشورية الوثنية المزيفة "النساطرة الكلدان" بشحذ أقلامهم الموتورة ضِدَّ كُلِّ تحركٍ قومي كلداني، ونحن نعلم جيداً دواعي الرُعب لديهم التي تُملي عليهم هذا  السلوك الملتوي المنافي لحرية الرأي لدى الكلدان الذين يُطلِقُ عليهم احد المنظرين ذي النظرة الضيقة " قسم من أبناء شعبنا " دون إعطاء هذا القسم حقَّه من حيث ثقله العددي والثقافي والإقتصادي والإجتماعي ويُريد مقارنة الشعب " الكلداني النسطوري" المنتحل للتسمية المزيفة بالندية له، بل بالتفوق عليه رغم علمه بزيفه، ففي معرض حديثه عن مؤتمرَي النهضة الكلدانية الأول في ساندييكو/ اميركا والثاني في السويد ينتقد القائمينَ بالمؤتمرَين ربطَهم الإسم الكلداني بأبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية دون باقي أبناء شعبنا حسب تعبيره وهو عكس ما يقوم به " منتحلو الإسم الآشوري المزيف " أليس ذلك محاولة يائسة وبائسة لرفع التعنصر المقيت الذي يُمارسه" كلدان الجبال النساطرة" المنتحلون للإسم الآشوري المزيف في مؤتمراتهم التي تتجلى فيها عنصريتُهم المقيتة المتأتية من عقدة شعورهم بالنقص من جراء تنكرهم لقوميتهم الكلدانية وانتحالهم عوضاً عنها التسمية الوثنية ذات المدلول الديني، تلك التي كان آشوريو التاريخ قد اعتمدوها إبان سطوتهم، وتلاشت بعد انقراضهم وتحطم صنمهم" آشور" المشتقة منه، والأنكى أن لا صلة لهم باولئك مِن أيِّ نوع . أفليس ظلماً وعدواناً أن يُطلقوأ الإسم الآشوري على كُل مسيحيي العراق باستثناء الأرمَن، وهم الغرباء عن العراق الوافدون إليه تحت حراب الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى كلاجئين! كيف يُمكن أن يقبل الكلدان أن تُهان قوميتُهم الكلدانية العريقة ذات المدلول الحضاري الراقي بمحاولة صهرها بالتسمية الآشورية الخالية من أية مقومات القومية وحتى بعطف هذه التسمية النقمة الى القومية الكلدانية هو جريمة، فهي مجرد اسطورة أتقن حبكَها الداهية اللئيم القس الأنكليكاني" وليم ويكَرام" لتكريس استبعاد هذا الجزء العزيز والضال من الشعب الكلداني الباقي على النسطرة وعدم عودته الى أحضان أمته الكلدانية !



إن المؤتمر الكلداني عندما يُعقد لا يهتم لتخرصات المنحرفين والناقمين المعروفة تفاهتُها مسبقاً وإنما يدرس ويناقش الوضع الكلداني من كُل جوانبه السياسية والإجتماعية والثقافية، وينأى عن الإنشغال بمهاترات منتحلي التسمية الآشورية التي تُعبِّر عن مدى خوفهم على اكتشاف أكاذيبهم والتستر على انخداع آبائهم وقبولهم لهذا الإنخداع والتمسك به بتزمتٍ مقيت، فكيف يقبل لكلدان في هذه الحالة التطرق الى ذكرهم أو إشراكهم، وما الفائدة من أناس قد شُحنوا بالحسد والمكر والإساءة ضِدَّهم! كيف يقبل الكلدان الفرية التي افتراها أعتى زعماء منتحلي التسمية الآشورية المتزمت في ظهور علني على الفضائية البغدادية عندما أدلى بكذبةٍ كبرى لا يؤمن بها هو نفسه عندما قال " بأن كُل آشوري دخل الى الكثلكة سُمي كلداني" وكان ذلك جواباً لسؤال مُحاوره في اللقاء الذي سُمي بـ (سحور رمضاني) مَن هم الكلدان؟ وهنا أود أن أسأل هذا المتزمت وكُل الذين على صُنفه، إن تحول الآثوري من المذهب النسطوري الهرطوقي الى المذهب الكاثوليكي القويم لا يُحتم عليه تغيير هويته على الإطلاق، وأقرب مثال الى ذلك عندما نبذ أكثر من ثلاثة آلاف آثوري المذهب النسطوري قبل خمس سنوات واعتنقوا المذهب الكاثوليكي في ولايات كاليفورنيا وأريزونا وغيرهما لم يُغيروا هويتهم ولا أحد أجبرهم على التغيير، فسموا أنفسهم ( الآثوريين  الكاثوليك ) أليس هذا دليل على بهتان ما ادَّعاه هذا المتزمت العنصري! وأيُّ إنسان مُدرك يصدق الإدعاء الكاذب بأن ما يقرب مِن مليون ونصف المليون كلداني كانوا آثوريين وتحولوا الى الكلدان علماً في الوقت الذي نبذ أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية المذهب النسطوري في منتصف القرن السادس عشر واستردوا مذهب آبائهم الأصلي " الكاثوليكي " لم يكن هنالك ذكر للإسم الآشوري ولا حتى الآثوري، يا للمهزلة والخزي لمروجيها !
 
 

أود أن يعلم القراء الأعزاء بأنني كباحث ومؤرخ أكتب ما أفرزته الوقائع التاريخية، وليس كما يروج جهلة التاريخ بل متعمدو الجهل السياسيون الدجالون ذوو المنافع الذاتية الساعون الى طمس الحقائق بتزويرها لتتوافق مع ايديولوجيتهم السياسية المبنية على الكذب والعنصرية، فيعزون كتاباتي الى الكُره لأعزائي النساطرة الكلدان الذين انتحلوا التسمية الآشورية  بغباءٍ مطلق ضاربين الحقيقة التاريخية عرض الحائط. فأنا شخصياً لا أكره أحدا ولا أضمر العداء لأيِّ قوم من البشر فكيف لي أن أكره وأعادي الخارجين من صُلب أمتي؟ إني أكن الحبَّ لهم بشكل كبير وفي ذات الوقت أرثي لحالهم وضياعهم وأتحسَّر على ما أصابهم من الكوارث والويلات! إن ما أكتبه هو تنوير للجهل الذي زرع بذورَه في أذهان مدعي الآشورية المعاصرين آباؤهم الذين استطاع العدو الغريب خداعهم طمعاً باستغلالهم للوصول الى مآربه الإستعمارية. ومع كُلِّ علمنا بحقيقتهم فإننا نحن الكلدان إخوتهم الحقيقيون، نحترم وضعهم على عِلاّته ونعترف بهم كواقع مفروض ليس بإمكاننا تغييره إلا بمبادرة ورغبة خالصة منهم بالرجوع الى ذواتهم والإعتراف بالحقيقة التاريخية الناصعة، وبهذا التمني نكون كمَن يطلب المستحيل. ولكن السؤال الأكبر هو كيف يمكن للكلدان السكوت على تصرفات الجزء الضال من إخوتهم والى متى سيستمر صبرُهم على ما يُبدونه مِن استعلاء فارغ واستقواء عليهم بدعم من القوى السياسية المتنفذة المعروفة بالإضافة الى استماتتهم في تزوير تاريخ الكلدان وإنكار وجودهم وسعيهم الى حجب الق بالباطل والعمل على سلب حقوقهم عن طريق استخدام إسمهم بواسطة بعض المرتزقة الكلدان الذين تمكنوا مِن إغوائهم؟



نجد في الآونة الراهنة بروز مزايدات سياسية من النوع الرخيص يتزعمها أحزاب منتحلي التسمية الآشورية تقدم خدمة لإيديولوجية إحدى القوى ذات الصراع على جزء من الأرض المعروف بسهل نينوى، وقد أدخلوا هذه المزايدات في إطار مصلحة الشعب المسيحي ووجوده العريق على أديم هذه الأرض منذ بداية التاريخ، وكثيراً ما نسمع هذه الأيام حديث الخوف على مصيره ومستقبل وجوده. يُحدثنا التاريخ بأن هذا الشعب قد قاسى الأمَرين من الأقوام التي غزت أرضه عبر فترات التاريخ المظلمة بغالبيتها وحكموا عليه بكل أنواع القتل والقهر والتشرد، فهل يُريد المدَّعون تمثيله اليوم زوراً ممن يمتهنون السياسة أن يُدخلوه في مآزق حرجة  لا طاقة له بمجابهتها، وإلا بماذا يُفسَّر كلامُهم اللامنطقي وغيرُ المدروس حول المطالبة باستحداث محافظة خاصة بالمسيحيين في سهل نينوى وفي الوقت الذي يتفاقم فيه الصراع بين العرب والأكراد على المناطق المتنازع عليها والسهل المذكور من ضمنها. وهل فكَّر هؤلاء برد فعل المكونات الأخرى التي تسكن ضمن المنطقة ذاتها وهي تفوقنا عدداً وتختلف عنا عِرقاً وديناً، وهل باستطاعتها التكيُّف لهذا الوضع الغريب بالنسبة لها؟ وإن قبلت بإقامة هذا المشروع فهل تقبل بغير السيادة لها، فماذا يكون قد جنيتم أنتم وما هي الحرية التي تحلمون التمتع بها؟



أيها الحالمون لقد أفضتم في الحديث عن ايجابيات المشروع التي تُراود أفكاركم الخيالية بعيداً عن الواقع الموضوعي للشعب المسيحي، ولا تتطرقون الى سلبياته وأهمها وجود التيارات الإسلامية المتشددة في أماكن تواجد الشعب المسيحي التاريخية، فهل غاب عن بالكم ما تعرض ويتعرض له مسيحيو محافظة نينوى ولا سيما القاطنون في الموصل؟ أليس من الواجب عليكم سبرّغَور الواقع المنظور للأحداث والتطورات الجارية من حولنا لتعملوا على تحليلها بشكل علمي بدلاً من انسياقكم  وراء مطلبٍ عاطفي دون تقييم نتائجه. إن المرحلة الحالية التي يمر بها المجتمع العراقي حساسة جداً لأنها مشبعة بثقافة عدم قبول الآخر، فأية محاولة لتقسيم البلاد الى مناطق للحكم الذاتي أو الإدارة المحلية لكي تتمتع المكونات الصغيرة من خلالها بحقوقها المشروعة قومياً وسياسيا وثقافياً لا تلقى قبولاً من قبل دعاة التشدد والتطرف القومي والديني ويُعارضها حتى المعتدلون من أهل المنطقة. إن المطالبين بمثل هذا المشروع كان عليهم أن يعلموا باستحالة تحقيق مطلبهم وهم يرزحون تحت حكم لا يفهم الماسكون زمامَه من الديمقراطية غير إسمها أما كُنهها والعمل بمبادئها فبعيدون عنه جداً، ولا رَيب في ذلك في بلد تدين غالبية مواطنيه بالإسلام ويُجعَل منه مصدراً للتشريع، فالإسلام والديمقراطية نقيضان لا يمكن الجمع بينهما، فعلينا في هذه الحالة أن نكسب المتشددين والمعتدلين كإخوة وشركاء في الوطن الواحد وأن نعمل على إقناعهم بوجوب الإعتراف بالتعددية الوطنية والعيش المشترك.



إننا نحن الكلدان نرى بأن الحقوق القومية لا تتحقق للمكونات الصغيرة إلا بقيام نظام حكم وطني ديمقراطي في العراق، وترتقي ثقافة الشعب الى ثقافةٍ وطنية حقيقية مشبعة بالديمقراطية بكل ما تعنيه الكلمة، لكي بظلالها يسود التعايش السلمي المشترك وتعود الوطنية الصادقة الى إطارها الصحيح، حيث الإحترام المتبادل بين كافة المواطنين. إننا نطمح أن يعترف العراق الجديد بجذوره الكلدانية الأكثر أصالةً وعمقاً في التاريخ الى جانب فروعها الأخرى، وأن يعمل على رعاية براعم تلك الجذور لتثبت فيه بقوة، وأن يصون حقوق أبناء الكلدان بمختلف تسمياتهم ويكفل لهم حقَّهم في الممارسة السياسية بتمثيلهم بحصةٍ نيابية قومية لا دينية خاصة بهم تناسب حجمهم الحقيقي وما يشكلونه من غِنى وتراث.



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني

116

الى القيادة الكردية!



ليس من شكٍّ بأن الشعب الكردي ومنذ ستينات القرن العشرين المنصرم بدأ النضال الجِدّي ضِدَّ السلطات المتعاقبة على حكم العراق، وكانت أشد مراحل هذا النضال في فترة النظام البعثي الذي حاول طمس الهوية الكردية وصهرها ضمن التوجه العروبي باستخدام مختلف الأساليب والوسائل التي كان يمتلكها آنذاك، ولكن الشعب الكردي لم يفقد الصبرَ ولم يَنَل منه الإحباط وظلَّ مسانداً ومشجعاً لقادة ثورته مضحياً بالغالي والرخيص من أجل الحصول على كافة حقوقه كاملة بعيداً عن أيِّ نوع من الهيمنة الديكتاتورية، وليس مِن رَيب بأن قادة الثورة تعلموا جيداً كم كان ظالما النهجُ الإستبدادي الذي كان يمارسه قادة البعث ضِدَّ المكونات العراقية غير العربية ومنهم الشعب الكردي!


ولكن هل يا تُرى قد إستوعبَ القادة الأكراد بعد نيلهم الحرية والإنعتاق مِن سطوة حكم الإستبداد بعدم الإقتداء باولئك الحكام الذين أذاقوهم مُرَّ العذاب؟ للأسف لا! لأنهم وما إن دانت لهم السلطة الإقليمية حتى وقفوا ضِدَّ القومية الكلدانية وشعبها من حيث التهميش والإقصاء، وأعلنوا العداء للكلدان بالعَلَن والخفاء، فانقلبوا بذلك من قادةٍ مناضلين منادين بالحرية والمساواة الى قادة مستبدين يرومون فرض إرادتهم قسراً في قضية لا تخصهم لا مِن بعيد ولا من قريب، مستجيبين لرغبة أعدائهم الحقيقيين " النساطرة-الآشوريين المعاصرين المُزيفين " ألا وهي " التسمية القومية الكلدانية " العائدة للمكوَّن الأكبر بين المكوَّنات المسيحية العراقية، محاولين تغييبها بل إزالتها، كما كان ينوي النظام البعثي إزالة القومية الكردية، فهل عاد القادة الكُرد قليلاً الى الوراء للإتعاض من نضالهم، وكيف أن النظام العاتي لم يستطع اقتلاع هويتهم، كذلك هم لن يستطيعوا إزالة قومية الشعب الكلداني إذ لا يمكنه السكوت على ضيم مستديم أسوة بالشعب الكُردي ولا بدَّ أن يأتي اليوم الذي فيه يتحرر على مثاله فيستعيد حقوقه المسلوبة ويكون عادلاً ومستقيماً في تصرفاته .


إن محاولة تثبيت قومية مركبة هجينة غير واقعية مخالفة للثوابت التاريخية في دستور الإقليم لتحِلَّ محل القومية الكلدانية ستكون مدانةً بشكل قوي وواسع من أبناء الشعب الكلداني الأحرار المخلصين، ولن يُعيروا بالاً للمنتفعين الإنتهازيين من الكلدان بالمُسمَّى الذين أوصلهم تنظيما المجلس اللاشعبي وزوعا الفاشي الى مقاعد البرلمان الإقليمي والإتحادي وبعض المناصب الأخرى عن طريق الدعم المادي غيرالمحدود المقدم من قبل الحكومة الكردية لهذين لتنظيمَين  لشراء ذمم الكلدان الضعيفي النفوس المتهالكين للمال الحرام الذي إستهووه مِن عدوَّي الكلدان يونادم كنا وسركيس أغاجان، إن هذا الأسلوب التآمري الثلاثي المُمارس من قبل المجلس الشعبي وزوعا والكُرد ضِدَّ التطلعات القومية الكلدانية أثَّر سلباً على إخفاق الأحزاب الكلدانية في الحصول على المقاعد البرلمانية. إذا ظَنَّ القادة الأكراد بأن ديكتاتوريتهم ضِدَّ الكلدان ستُفيدهم في إخماد صوت الكلدان هم مخطئون، وليتذكروا بأن ديكتاتوريتهم ليست أقوى من ديكتاتورية قادة البعث التي لم تستطع إخماد صوت الأكراد! الكلدان ليسوا من دعاة الحرب ولا يسعون إليها، ولكنهم لن يمكثوا صامتين بل سيُسمعون صراخهم الإستنكاري ليهز الضمير العالمي، وبالتأكيد سيُوجَّه الى قادة الأكراد ومناضلي الأمس السؤال التالي: أليس مِن المعيب أن ينقلب المناضلون الى مستبدين ضِدَّ قوم مسالمين، أليس عجباً أن ينقلبَ المُضطَهَد الى مُضطهـِد!!


الكلدان لم يتطرقوا يوماً الى مسألة التواجد الكردي في شمال العراق لأنهم يؤمنون بالتغـيُّرات الديمغرافية للمناطق الجغرافية، ولكن الذين إعتمد عليهم القادة الأكراد "الآشوريين المعاصرين المزيفين "هم الذين لا يعترفون بحقيقة التواجد الكُردي في شمال العراق، ويُحاولون بكل السبُل إبطال إدعاء الأكراد بأن الإقليم ليس كردستان بل هو "آشورستان" ويستشهدون على ذلك بواحد من الكلدان المتأشورين الدجالين "دوني جورج" وقد غيَّروا هويته من كلداني الى آشوري. الذي خان ضميره واستغلَّ موقعه في المتحف العراقي للآثار، وانحاز الى تأييد الفرضية الآشورية الباطلة ضِدَّ الحقيقة الكلدانية الناصعة، فإذا كان قد خان أمته الكلدانية، كم هي سهل عليه خيانة الأمة الكردية! ندرج أدناه ما قاله بخصوص الأكراد:


(( من خلال تخصصي ولأكثر من ثلاثين عاماً من الخبرة في مجال الآثار، وبمعية المئات من الأصدقاء والزملاء من علماء الآثار، لم يسبق لي أن سمعت عن هكذا كذبة كبرى وتزوير وتحريف للتاريخ. الأكراد مع احترامي لهم ليس لهم تاريخ قديم وآثار قديمة بموجب قانون الآثار العراقي وكان آخرها قانون رقم 55 لسنة 2002 ففي هذا القانون كُلُّ شيء أقدم من 200سنة اعتُبر آثاراً وتاريخ قديم، والأكراد لم يكونوا من ضمن هذا الإطار الزمني.
ليس عيباً في أن قسم من الشعوب ليس لديها تاريخ طويل، لكنه من العار والمخزي أن تقوم نفس هذه الشعوب بسرقة تاريخ شعوب اخرى. لا توجد أي وثائق تذكر الأكراد في تاريخ بلاد ما بين النهرين )) انتهى الإقتباس من مجلة زندا الإلكترونية الآشورية بتاريخ 29 / 1 / 2007 . ولكن داني جورج وللأسف لم يكن يعرف بأن النساطرة الكلدان هم أول سارقي تاريخ أشوريي التاريخ  القدماء أو ربما كان يعرف ولم يشأ إشهار الحقيقة لإعتبارات مادية وإغرائية .


أما أنا فأقول بأن داني جورج إما كان كاذباً أو جاهلاً في التاريخ، أو قد رُتِّبَ هذا الكلام من قبل أشهر مزوري التاريخ " الآشوريين المعاصرين المزيفين " ونُسب الى داني جورج .حيث يقول السائح " ريكولدو دي مونتي كروجي " في مذكراته التي كتبها عام 1292 باللاتينية بعد عودته من زيارة بلاد ما بين النهرين، وقد ترجم المطران سرهد جمو مقطعاً منها حيث يقول عن النساطرة << النساطرة هم الهراطقة الذين يتبعون نسطوريوس وتيودوروس . . . مع ذلك فإن هؤلاء النساطرة الشرقيين هم جميعاً كلدان وبالكلدانية يقرأون ويصلون >> ( الصفحات 136 – 138 ).
وعن قوم الأكراد قال: << إنهم مسلمون يتبعون القرآن . . . أظهروا أنفسهم إنسانيين معنا . . . لقد كانوا مِن قبلُ كلداناً ثم أصبحوا مسيحيين، وفي مرحلةٍ ثالثة مسلمين لأن الشريعة الإسلامية هي أكثر تساهلاً >> ( ص 118 – 120 ) .


أما الفِرية الأكبر لهؤلاء الآشوريين المزيفين هي إضفاؤهم الإسم الآشوري على كُلِّ مسيحيي العراق ما عدا الأرمَن، في الوقت الذي يقول عنهم التاريخ المعاصر بأنهم كلدان نساطرة تنكروا لقوميتهم الكلدانية وتبنوا التسمية الآشورية الوثنية في نهايات القرن التاسع عشر ورَدَّدوها في أوائل القرن العشرين وبالتحديد أثناء وبعد الحرب العالمية الأولى وتحمسوا لها بعد جلبهم الى العراق كلاجئين من قبل أسيادهم الإنكليز الذين كانوا وراء كُل الويلات والكوارث التي أصابتهم. فترى متزمتوهم أشباه الكتاب الجهلة يُرددون عبارات" الشعب الآشوري والأمة الآشورية بدون خجل أو حياء تمشياً مع المثل" إذا انتفى عنكَ الحياء إفعل ما تشاء " . قبل الإتيان بهؤلاء اللاجئين الناجين من السيف العثماني الى العراق لم يكن موجوداً في العراق نسطوري واحد ولم يُسمع بالإسم الآثوري أو الآشوري إطلاقاً منذ انقراض الدولة الآشورية وشعبها قبل أكثر من خمسةٍ وعشرين قرناً، فكيف يُسمح للوافدين لجوءاً أن يتحكموا بمصير الأصلاء من أبناء العراق ويحتلوا دورهم؟ هل لكم تفسيرٌ لهذه الظاهرة المريبة أيها الإخوة الأكراد؟ وحتى متى ستتعَمَّدون إخفاء حقيقة الناس المزورين والتستر على باطلهم طمعاً في استغلالهم وتسخيرهم لتحقيق مآربكم السياسية، أليست النتيجة المُرتكزة على الأباطيل خاسرة بالنهاية؟؟؟



الشماس د. كوركيس مردو
عضو المجلس الكلداني العالمي
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 17 / 10 / 2011

117

خيبة أمل مَن يُسمون أنفسهم بقادة شعبنا



لقد تحدثتُ ومنذ تصميم القيادة الكردية على إنشاء ما يسمى بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري عام 2007 برئاسة سركيس أغاجان أحد الأعضاء البارزين في الحزب الديمقراطي الكردستاني الذي لم يَسمع باسمه أبناءُ الشعب المسيحي في الساحة السياسية المسيحية من قبل، بأن ظهوره على المسرح السياسي المسيحي كان بإرادة حكومة إقليم كُردستان العراق للقيام بدور المنفذ القوي لإيديولوجيتها ذات الأهداف الجغرافية التوسعية لإقليم كردستان، ولذلك دعمته مادياً وإعلامياً بشكل لم يسبق له مثيل، وطلبت منه السعيَ بكافة السبل والوسائل الى ترويض الأحزاب المسيحية العاملة في الساحة السياسية، وما إن استتبت له الأمور بالطريقة المطلوبة منه، حتى اوعِزَ إليه بتقديم طلبٍ لمنح شعبنا المسيحي حكماً ذاتياً في المنطقة الأكثف بتواجده هي منطقة سهل نينوى، وهنا تصدى لهذا المطلب تنظيم زوعا بقيادة زعيمه يونادم كنا حيث عارض هذا المطلب ونادى بنوع من أنواع الإدارة الذاتية . والتنظيمان المجلس الشعبي وزوعا هما غريمان لدودان وفي ذات الوقت متزمتان الى أقصى حدود التزمت، ومتحدان بالوقوف وبصلابة متناهية ضِدَّ الكلدان وطموحاتهم القومية على الساحتين العراقية والكردستانية.



وبعد شعورهما باستحالة تحقيق أيٍّ من المطلبين الحكم الذاتي والإدارة الذاتية، إتخذا مِن تصريح الرئيس جلال الطلباني الذي ورد عفوياً أو ربما مقصوداً بعد حادث الإعتداء الإرهابي الغاشم على كنيسة سيدة النجاة في بغداد << أن لا مانع لديه من إقامة محافظةٍ مسيحية في سهل نينوى >> فتهلل أغاجان ومجلسه الشعبي بهذا التصريح واعتُبرَ ذلك مدخلاً جديداً لتحقيق ما كُلِّف به منذ أن جاءَت به القيادة الكردية ليلعب الدور المرسوم له والذي نوهنا عنه اعلاه، وكالعادة كان رأي قائد تنظيم زوعا يونادم كنا مغايراً لرأي أغاجان بخصوص المحافظة ويُستشف ذلك من خلال تصريحه لقناة البغدادية الفضائية في 22 آب الماضي حيث قال: < إن مسألة استحداث محافظة جديدة إنما هي مسألة تقسيمات إدارية بحتة تُمليها حاجات إدارية واقتصادية ولا تقف وراءَها دوافع اخرى عِرقية أو طائفية > وهنالك تصريح أخر له يشوبُه التشوش والإرتباك عندما يقول : < المطالبة باستحداث محافظة في سهل نينوى للمكون القومي" الكلداني السرياني الآشوري" لا يعني إنشاء كانتون على أساس عِرقي أو طائفي، بل المحافظة المقترحة ستكون لكل المكونات في المنطقة من  يزيديين وشبك وعرب وكُرد، فنحن لا نريد الإنفصال عن باقي المكونات. كما إن إنشاء كانتون على أساس قومي أو ديني هو مخالف للدستور العراقي > أليس تحديد اسم " المكون القومي " إشارة منه الى الغرض الذي ينشده في الخطاب القومي؟ ثم ألا يخالف هذا الطرح تعريفه لهذا المشروع بأنه مجرد ضرورة إدارية لا غير!



وانبرى أغاجان ومجلسه والمجموعة الهزيلة من أحزاب النساطرة منتحلي التسمية الآشورية  المزيفة وبعض القوى الكلدانية المنشقة مُجبرةً عن إجماع الشعب الكلداني المعارض لكُل ما يُسيء الى الأمة الكلدانية وطموحات أبنائها في العيش المشترك مع كافة أطياف الشعب العراقي بنِديةٍ وعدالة ومساواة على كامل التراب العراقي، حيث أخذت أبواقها المأجورة بالترويج لهذه المحافظة التي رُبط إسمها بالمسيحيين وهو خطأ كبير لأن المنطقة المشار إليها بإقامة المحافظة المزعومة ليست منطقة مسيحية حصراً وإنما تقطنها مكونات اخرى غير المسيحية كاليزيديين والشبك والمندائيين وغيرهم من المسلمين، وإذ تنبهوا الى هذا الخطأ إضطروا للمناداة بها بإسم " محافظة سهل نينوى" وبدأوا بإرسال وفدٍ برئاسة كلداني مُوالٍ لهم ومشارك بما سموه" تجمع أحزاب شعبنا" لشرح وجهات نظر هذه الأحزاب بالمحافظة المقترحة لأبناء الشعب المسيحي في بلاد الإغتراب، فجوبه الوفد من قبل الأحزاب والمنظمات الكلدانية بدحض كامل لوجهات نظر تلك الأحزاب المرتبكة والغامضة فى طرحها للمشروع، وأعلنوا رفضهم الصريح لهذا المشروع غير الواقعي، وإن الأسباب التي ارتكزوا عليها وهي الأوضاع الأمنية المتدهورة لا تُعَد مبرّراً كافياً لإستحداث محافظة خاصة بدليل أن كافة مكونات الشعب العراقي لم تسلم من بطش الإرهاب اليومي الذي يتعرَّضون له، فهذه الحالة الإستثنائية تحتاج الى سلطةٍ قوية تسعى بالدرجة الأولى الى توفيرالأمن لجميع المواطنين وحمايتهم قبل انصراف أركانها كلياً الى الصراع حول الكراسي والإستحواذ على أكبر قدر من المال، وهذا هو الواجب القيام به من قبل عموم الشعب العراقي !



إن كافة مكونات الشعب العراقي تعلم أن للمكون المسيحي ما عدا الأرمن له هوية قومية هي القومية الكلدانية التي تشمل الكلدان وهم العدد الأكبر ثم السريان والآثوريين النساطرة الطائفتين اللتين انفصلتا عن الأمة الكلدانية وكنيستها عبر الزمن واتخذت كُلٌّ منهما تسمية لا تُبعدها عن امتهما الكلدانية فحسب بل تجعلان منهما عدوتين لدودتين لها وتعملان كُلَّ ما من شأنه أن يُلحق الأذى بها وبكُلِّ ما تملكان من قوةٍ من حيث تشويه التاريخ عن طريق التزويروالتلفيق والإفتراء، والأنكى من كُلِّ ذلك إدّعاء كُلٍّ منهما بالأصالة والأولوية على الطريقة العشوائية. إن هذا الواقع التخبطي حَيَّر المكونات العراقية الكبرى العرب الشيعة والعرب السنة والأكراد وحتى المكونات الأخرى الصغرى، ولا يدرون بأي إسم قومي ينادون المكون المسيحي المثلث التسميات، ولذلك إرتأ القابضون على زمام الأمور في الدولة والإقليم أن يُطلق عليهم الإسم الديني "المسيحيون"
وغيَّروا الكوتا القومية في الإنتخابات الى الكوتا المسيحية بناءً الى طلب الطائفتين السريانية والآثورية النسطورية، ليساعدانهما على خدع أبناء الكلدان الأصلاء الكاثوليك باستخدام عبارة " كلنا مسيحيون" فانطلت عليهم هذه اللعبة السياسية لبساطتهم، وهكذا خسروا الإنتخابات بفعل الخداع والتزوير.

 

وبالعودة الى مسألة " محافظة سهل نينوى" هنالك رافضون لها بالمطلق ويتمثلون بالكلدان والسريان الوطنيون المخلصون وهم العدد الأكبر البعيد عن التأثير الحزبي، وهنالك مؤيدون لها وهم الأقلية الضئيلة الآثوريون النساطرة وبعض الأفراد من الكلدان والسريان الذين وقعوا في شباكهم عن طريق التغرير بهم بطروحاتهم السامة المملوءة بالخداع إنطلت عليهم نتيجة الجهل وقد قيل بأن الجهلَ كُفر، والبعض الآخر إستُغِلَّت حالة العوز لديهم فقاموا بشراء ذممهم . وقد أصبح هؤلاء مزدرين من قبل أبناء شعبهم وتبرأوا منهم. ثم إن للطرف الرافض أسبابه الخاصة ومنها : وضع العراق الراهن الإستثنائي السائد – تعاظم التفرقة الدينية المشوبة بالعنصرية التي لها النصيب الأكبر في الثقافة الإجتماعية، والأهم من كل ذلك معارضة المكون العربي السني الذي يَنتقد هذا المشروع بشدة ويقف بالضد منه، وقد أعلن ذلك بصراحة رئيس البرلمان العراقي بأن حدود محافظة نينوى خط أحمر لا يمكن التجاوز عليه . أما الطرف المؤيد فمدفوع من قبل القوى الكردية لأسباب يعرفها كافة الشعب العراقي وهي التوسع الجغرافي وما إقامة هذا المشروع وبأي إسم كان إلا لضمه الى إقليم كُردستان ولذلك فحكومة اقليم كردستان توحي للرأي العام العالمي بأن من أهدافها منح الحقوق للإنسان طمعا بكسب تأييده، للإنتقال الى وضع مستقبلي جديد .



ليس بين المسيحيين العراقيين مَن لا يتمنى ويطمح ليكون لشعبنا موقعٌ جغرافي خاص به سَمِّه ما شئت ليكون هو السيد فيه، ولكن هل إن الحالة المسيحية الراهنة يسودها الوفاق السياسي، أليس هناك تطاحن مرير بين الكلدان والسريان والآثوريين، أليس الآثوريون النساطرة  الذين خُدِعوا بانتحال التسمية الآشورية الوثنية منكرين لقوميتهم الكلدانية الأصيلة، لا بل لا يعترفون بها ولا بشعبها واكبر دليل على ما نقول كانت إجابة يونادم كنا بمنتهى الخبث والتزوير وهو أبرز زعماء منتحلي التسمية الآشورية لمقدم برنامج سحور سياسي على القناة البغدادية في 11آب الماضي حيث أحرجه بسؤال: مَن هم الكلدان؟ فقال بأن كُلَّ آشوري دخل الى المذهب الكاثوليكي سُمّي كلداني. ألآ يدل ذلك على جهلِه المطبق بالتاريخ، وافتراءً واضحاً وعلى الهواء ؟ وهل المعـتز بتسميته يحتاج الى تبديلها إذا نبذ مذهبَه واعتنق مذهباً آخر؟ ولتكذيب وفضح هذا المتطاول على الكلدان، لنا مثل واقعي وقريب، فقبل ما يقارب الخمسة أعوام، نبذ رهطٌ من الآشوريين يقيمون في ولايات أمريكية منها كاليفورنيا وأريزونا وغيرها يُقدَّر عددُهم بأكثر من ثلاثة آلاف نفس، نبذوا مذهب يونادم كنا المذهب النسطوري الهرطوقي واعتنقوا المذهب الكاثوليكي القـويم مع الإحتفاظ بإسمهم الآثوري، فاندمجوا مع إخوتهم الكلدان الكاثوليك وسَمّوا أنفسهم "الآثوريين الكاثوليك" كنت أتمنى أن يتطلع عليه مقدم برنامج سحور سياسي ليكتشف الأكذوبة التي صرَّح بها يونادم كنا أمامه بدون خجل!! فإذا كان هذا منطق الآثوريين النساطرة المتمسكين بالتسمية الغريبة المنتحلة بهذا الشكل من التعصب والتزمت قبل المحافظة بتعريفهم للكلدان، كيف سيتم التآخي بين هؤلاء الفرقاء في ظل المحافظة، وكيف سيحتمل الكلدان تجنيَ هذه الشرذمة التي يقل عددُها عن 4% من نفوس الكلدان؟

 

إن الكلدان بكونهم الأكثرية المسيحية يُطالبون الدولة العراقية بمؤسساتها الرئيسية الثلاث الرئاسة والحكومة والبرلمان بدراسة حالة المكون المسيحي الأصيل دراسةً مستفيضة، وبأن يُنظر إليه بمنظاروطني خارج التجاذبات السياسية والدينية والعِرقية، وبذات النظرة يُنظر الى المكوَّنين اليزيدي والشبكي، فإن الجميع مواطنون عراقيون ومن واجب الدولة رعايتهم وتوفير الأمن والحماية لهم، كفاهم ما تعرَّضوا له من الإضطهاد وبخاصةٍ المكون المسيحي الذي جرى اضطهاده بشكل أقسى وأمر بسبب هويته المسيحية. إن الكلدان بأحزابهم ومنظماتهم لا علاقة لهم بما يُسمّى" تجمع أحزابنا السياسية" فقد زالت عنه صفة الفكر التعددي الشعبي مما أدى الى انسحاب الحزب الديمقراطي الكلداني منه، أما المجلس القومي والمنبر الديمقراطي الحاملي لإسم الكلدان والباقيين في التجمع فهما مسلوبَي الإرادة والإستقلالية عند اتخاذ أيِّ قرار، لأنهما تابعان لمجلس أغاجان بموجب شروطه في منحهما التمويل. فأيُّ تحرك مُريب من قبل هذا التجمع لا يعني الكلدان بشيء .




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 6 / 10 / 2011

118

ما أجمل التمنيات ولكن ما أصعب تحقيقها!



قبل أكثر من سنتين كان هنالك توجهان لأبناء شعبنا المسيحي منهم المطالبون بالحكم الذاتي وبالإشتراك مع المكونين اليزيدي والشبكي، ومنهم المطالبون بالإدارة الذاتية وبذات المشاركة، وكان المطالبون بشطريهم من مكون الشعب المسيحي الأصغر بين مكوناته وهو ما سُمي زوراً بالمكون الآثوري أو (الآشوري) ودون أخذ رأي المكون الكلداني الأكبر من حيث مختلف الصُعُد ديمغرافياً واجتماعياً وثقافياً، ونظراً لإصرار كُلٍّ من الطرفين على رأيه لم يُكتب النجاح لأيٍّ من المطلبَين وطواهما النسيان، وفي أحد تصريحات الرئيس جلال الطالباني لهذا العام 2011 وما أكثرها، < لا مانع لديه بإقامة محافظةٍ للمسيحيين في سهل نينوى > ولا يُدرى إن كان قد ورد ضمن برنامج مُعداً سلفاً أم جاء تلقائياً، فتلقفه نفس المطالبين بالحكم الذاتي والإدارة الذاتية وجعلوا منه الهاجس الأكبر لإهتماماتهم لا يوازيه أيُّ شيءٍ آخر، وكعادتهم لم يهتموا برأي المكون الكلداني الرافض لكلِّ هذه التمنيات غير الواقعية!



ولأن هؤلاء الآشوريين المزيفين " نساطرة اورمية وهيكاري" قد تملَّكتهم عقدة الشعور بالنقص منذ انعزالهم عن إخوتهم الكلدان أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر وانزوائهم في جبال تركيا وايران، أوجدت لديهم هذه العقدة كراهية مفرطة للكلدان وتفاقمت هذه الكراهية بعد إتيان الإنكليز بهم كلاجئين الى العراق عقب انتهاء الحرب العالمية الأولى، وظلَّ كُرهُهُم للكلدان مكبوتاً طوال أكثر من سبعين عقداً حتى انفجر بعد التغيير الذي جرى في العراق عام 2003 فشنوا عليهم حرباً اعلامية شرسة وحاكوا ضِدَّ قوميتهم الكلدانية الدسائسَ في مسعىً جنوني لتغييبها وبالفعل استطاعوا تشويهها عندما عطفوا عليها عَنوةً تسميات لا تمت إليها بأية صفة وثبَّتوا هذه العملية المخزية في دستوراقليم كردستان بدعم كُلّي من القيادة الكُردية مخالفين بذلك كُلَّ الشرائع الوضعية فضلاً عن الحقائق التاريخية ورغماً عن الإرادة الكلدانية، ولم يكتفوا بهذا الغُبن الذي ألحقوه بالكلدان في اقليم كردستان، إذ لاحقوا الكلدان مطالبين رئيس البرلمان العراقي الإتحادي برفع القومية الكلدانية المدرجة مستقلة في الدستور الإتحادي وإحلال محلِّها تسمية مركبة هجينة لا تسندها أية حقيقة واقعية أو تاريخية بل هي لعبة سياسية قذرة الهدف منها طمس حقوق الكلدان وإقصاؤهم من الممارسة السياسية الوطنية.



أليس ما ذكرناه أعلاه عملاً إجرامياً يقوم به أناس وافدون الى العراق يدَّعون امتلاك ما لا يملكون ويحاولون بشتى السبُل سلب حقوق الكلدان أبناء العراق الأصليين بدعم من الإخوة الأكراد الذين وقفوا ضِدَّ تطلعات الكلدان المشروعة قومياً ووطنياً ولا ندري ما السبب الخفي الذي يدفعهم الى فعل ذلك. فالكلدان لم يفعلوا يوماً ما يسيء الى الأكراد، ولم يتهموهم بأنهم أغراب عن موطنهم الحالي، وقد ناضل الكثير من شبابهم الى جانبهم في ثورتهم ضِدَّ الحكم الديكتاتوري التعسفي ولم تبخل العوائل الكلدانية في إسداء أنواع العون الى المقاتلين الأكراد بالتستر عليهم وتقديم الطعام لهم، فهل يستحقون منهم أن يكون التنكر لحقوقهم جزاءً لهم؟


بعد انقراض الدولة الآشورية وشعبها الأبدي ما بين عامي 612 – 609 ق . م على أيدي الكلدان وحلفائهم الميديين، دانت بلاد ما بين النهرين لحكم الإمبرطورية الكلدانية لمدة 87 عاماً بدون أيِّ منازع للفترة ما بين 626-539 ق . م حتى سقوطها السلمي بأيدي الدولة الأخمينية الفتية على عهد ملكها كورش الثاني نتيجة خيانة أحد قادتها العسكريين "اوكبارو" وتآمر اليهود المسبيين. ولكن الشعب الكلداني الأصيل واصل مسيرته الحياتية تحت الحكم الفارسي الأجنبي يراوده الحنين الى سؤدده المفقود وقد حاول استرداده مراراً ولكن الظروف لم تساعده.                                                                           


وما إن بَزغ فجرُ المسيحية إلا وكان الشعب الكلداني الأصيل السبَّاق الى تقبل البشارة المسيحية، ومنذ ذلك الوقت أصبح الضحية الدائمة لمطامح ومطامع الفرس والرومان يدفع هو ضريبتها دون أن يكون له أية علاقة بالصراع الدائم بينهما، وما إن انتهى العهد الفارسي الساساني وبدء العهد العربي الإسلامي الأموي والعباسي وما تخلله من حروب خارجية وداخلية كان الشعب الكلداني صاحب الأرض وحده يدفع الثمن غالياً حيث تُسلب وتنهب قراه ومدنه وتترك خراباً ناهيك عن سفك دماء أبنائه، وأعقب العهدَ الإسلامي العهدُ المغولي الذي ذاق الشعب الكلداني خلاله الأمرين، وتلا ذلك عهدُ الصراع العثماني الفارسي الذي لم يقلَّ وبالُه على الشعب الكلداني عن وبال العهود السابقة. إن الشعب الكلداني المسيحي وبكل طوائفه التي انفصلت عنه عبر التاريخ واتخذت لها تسميات خاصة بها لم يهنأ يوماً بالعيش في أمان واطمئنان مع الأقوام الأخرى الفارسية والعربية الإسلامية والمغولية والعثمانية رغم سعيه للتآخي معها، والتاريخ أكبر شاهد على مدى معاناة هذا الشعب حتى وصل الأمر بالقسم منه الى اعتناق الإسلام ليدرأ عنه السيف والضرائب الباهضة، ومع كُلِّ هذا الظلم والإستعباد والإضطهاد لم تهبط همة الشعب الكلداني في سعيه الحثيث الى نشر البشارة المسيحية في مختلف أصقاع العالم بجهود أبناء كنيسته المشرقية " الكنيسة الكلدانية النسطورية " حيث يقول المؤرخ الكبير المطران أدي شير << إن الكلدان النصارى بفتوحاتهم الدينية عظُمت شهرتُهم وخلدوا لهم ذكراً جميلاً مؤبداً. إذ إنهم كأجدادهم إفتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينية وسوريا وقبرص ومصر وحتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة >>(تاريخ كلدو وآثور ج2 ص6) وتقول بعض المصادر بأن المنتمين الى الكنيسة الكلدانية النسطورية بعد امتدادها الهائل قارب الثمانين مليوناً إبان العهد العباسي، ولكن للأسف لم يستغلَّ الكلدان هذا الكُم البشري الهائل ليخلقوا منه قوة سياسية، بل ازدادوا اندفاعاً الى الحياة الرهبانية والنسكية الى الحد الذي ضاقت بهم الأديرة الواسعة التي لا تُحصى إضافةً الى كهوف ومغاور جبل ايزلا وجبال حمرين ومناطق اخرى عديدة مُكرسين ذواتهم للعبادة والإماتة لنيل الملكوت السماوي .فأين هذا من تشدُّق منتحلي التسمية الآشورية المعاصرين الذين بدون خجل وبكل صلافة ينسبون الكنيسة المشرقية الكلدانية الى الإسم الآشوري المنقرض منذ أكثر مِن خمسة وعشرين قرناً .



الكنيسة الكلدانية النسطورية وخليفتها الشرعية " الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية "اختارت لأبنائها الطريق الضيِّق المؤدي الى الملكوت الذي وعدهم به مؤسسُها غير المنظور المسيح الرب، وهذا كان أحد أهم واجباتها وقد أدته بكُل إخلاص وجدارة، ومع ذلك لم تنسَ الدفاع عن حقوق أبنائها ومطالبة الملوك والحكام على مَرِّ العصور بإنصاف أبنائها ورفع الجور والتعسُّف عنهم، ولم تقف يوما ضِدَّ رغبة أبنائها العلمانيين ليتخذوا مواقف حازمة ومصيرية لإنقاذ شعبهم من براثن بني الوثنية وبني الإسلام، بيد أن الظروف لم تأتِ يوما بصالح هؤلاء فكانت القوة الهمجية الغاشمة أقوى من إرادتهم، فإلقاء اللوم على الكنيسة واتهامها بالجبن غير منصف وغير مقبول وهي لا تبخل ببذل كُلِّ جُهدٍ تستطيع بذله لصالح أبنائها.  لقد فعلت الكنيسة النسطورية كنيسة الجزء الإنعزالي من الشعب الكلداني المزوِّر لهويته الكلدانية وانتحاله للتسمية الآشورية العائدة لآشوريي التاريخ القدماء انصياعا للوعد الإنكليزي الكاذب بإقامة وطن قومي لهم على جزءٍ من أرض العراق، ورضخت لمطالب المتهورين من أبناء شعبها بالتعاون مع الروس في البداية ضِدَّ السلطنة العثمانية ثم مع الإنكليز، فماذا كانت النتيجة يا تُرى؟ فقدان ثلثي أبناء شعبها حيث تعرضوا للسيف العثماني عدا خسارتهم لممتلكاتهم من الأراضي والأملاك، ولو لم يبادر الإنكليز الى جلب البقية الناجية منهم كلاجئين الى العراق لقضي عليهم عن بكرة أبيهم! هل كان تصرف رئاسة هذه الكنيسة تصرفا موضوعياً مسؤولاً ؟



والمغزى مِمّا تقدم سردُه نسأل المتهورين من أبناء منتحلي التسمية الآشورية التابعـين للكنيسة النسطورية بشقيها، ما هي الضمانات التي حصلتم عليها من العرب بشيعتهم وسنتهم لكي تُطالبوا بمحافظة خاصة في سهل نينوى، ولنفرض جدلاً أنهم أعطوكم هذه الضمانات، فهل هناك ما يكفل إلتزامَهم بها ؟ وهل وعد الأكراد بحمايتكم إذا هاجمكم العرب وهو أمر حتمي لا يمكن إغفاله أبداً إذا أخذنا تصريحات رئيس البرلمان العراقي مأخذ الجد وهي كذلك؟ وهل هنالك مَن يقدم الحماية بدون مقابل ؟ فماذا سيكون المقابل ؟ وهل بإمكانكم الوفاء به ؟ ثمَّ ماذا عن معارضة الكلدان لمثل هذا المشروع الخطير بأبعاده وتداعياته؟ هل يُساعد عددكم الضئيل بتحقيق هذا المشروع بدون موافقة الكلدان وإرادتهم ؟ وكيف سيتناسب حجمكم مع حجم اليزيدية والشبك، وهل سيكون لكم دور فعال ؟ كلا وألف كلا .إن العراق ليس بلداً ديمقراطياً ولن يكون كذلك أبداً، لأن الإسلام هو نقيض الديمقراطية وغالبية الشعب العراقي تدين بالإسلام، والإسلام عندهم هو مصدر التشريع فكيف يسمح لغير المسلم التمتع بفوائد الديمقراطية ؟ كلنا نطمح بمثل هذا المشروع ولكن إذا كانت تبعاته غير محمودة العواقب، والدليل على ذلك التصريحات التحذيرية والتهديدية الصادرة من القوى العربية السنية، فهل نحن على مستوى التحدي؟ إننا نحن الكلدان نطالب المكونات العراقية الكبرى أن تعتبرنا مواطنين متساوين لهم، لنا الحق في تسنم مواقع ووظائف مهمة في الدولة العراقية من خلال مؤسساتها المختلفة، لا نُريد أن تُحدَّد مناطق سكننا بل أن تكون كل مناطق العراق متاحة لنا، متمنين أن يقوى شعار المواطنة لدى كلِّ العراقيين وأن يتغلب على كُل الشعارات الأخرى، الطائفية والمذهـبية والدينية والعِرقـية، هذه هي تمنياتنا الواقعية التي نسعى الى تحقيقها، وليس تلك التمنيات الخيالية !


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 30 / 9 / 2011   

119

المشروع التآمري




منذ التغيير السياسي الذي حدث في العراق عام 2003، دشن الحاكم الأمريكي بول برايمر السيء الصيت الحُكمَ الطائفي والمذهبي من خلال الأحزاب الدينية وخاصة الشيعية منها التي تسابقت بكل ما اوتيت من القوة على اقتسام كعكة العراق التي حرموا منها لأكثر من ثلاث عقود ونيِّف، فجرت المصادمات الدامية بين الشيعة والسنة سعياً لإستحواذ كُلٍّ منهما على النصيب الأكبر، ونتيجة هذا التطاحن المرير تعرَّضت المكونات الصغيرة للوقوع تحت طائلة هذا الصراع الذي لم يكن لها أيُّ دخل فيه ولا سيما المكون المسيحي بغالبيته الكلدانية التي لم تحظى برضى الحاكم الأمريكي ذي الأصل السكسوني، فلكي يكفِّرعن جريمة تنكر أجداده الإنكليز للوعد الذي قطعوه لنساطرة اورمية وهيكاري بإقامة وطن قومي لهم على جزءٍ من أرض العراق الحالي في حالة نبذهم لأصولهم الكلدانية وتبنيهم لتسمية آشوريي التاريخ الذين كانوا قد سكنوه يوما بقرون عدة قبل انقراضهم في أواخر القرن السابع قبل الميلاد، أنعم عليهم بتمثيل المسيحيين بشخص أعتى عدوٍّ للكلدان في مجلس الحكم الإنتقالي الذي أقامه والذي هو يونادم كنا .


ومنذ ذلك الوقت استغلَّ هذا الموقع وبدأ بالتآمر على الكلدان على طمس هويتهم القومية مستخدماً كُلَّ السبل الإفترائية الملتوية، وإذ فشل بسبب تنبِّه الكلدان الى مؤامراته ودسائسه، حيث وقفوا له بالمرصاد مفندين كُلَّ إدعاءاته الكاذبة، عندها أُسقط في يده، فعمد الى تغيير اسلوبه التآمري الى اسلوب توددي نحو الكلدان مشوب بالمُراوغة العلنية منها والمستترة سعياً منه لكسب أكبر عدد من الكلدان لتأييد طروحاته بهدف تحقيق إيديولوجية حركته العنصرية الشوفينية المعروفة باسم (زوعا) التي تحلم بإحياء الوعد الإنكليزي القديم الكاذب الذي أشرنا إليه أعلاه وإن هذا الحلم لا يمكن أن يتحقق بدون تأييد الكلدان ذوي الديمغرافية الأكبر بين المكونات المسيحية، ولكن الكلدان بحكم مراقبتهم لتحركاته المريبة وتقلباته المضطربة لم يروا فيه أدنى قدر من المصداقية وإن كان قد أفلح وأعضاء حركته باستمالة بعض ضعاف النفوس من أبناء الكلدان والغالبية منهم كانوا مِن أتباع الفكر الأممي الذين وقعوا في الفراغ والحيرة بعد سقوط ذلك الفكر الشمولي، فرأوا في فكر الحركة الزوعاوية شموليةً من نوع آخر شبيهاً ولم يكن هنالك فكرآخريتسم بالإعتدال، فمالوا إليه سداً لذلك الفراغ .


فاستمرَّ الصراع بين نساطرة اورمية وهيكاري الناجين من انتقام السلطنة العثمانية وخليفتها تركيا الأتاتوركية الحديثة الذين أتى بهم أسيادهم الإنكليز الى العراق كلاجئين في منطقة بعقوبة وبين الكلدان العراقيين الأصلاء أصحاب الدار، حيث كانوا ينظرون إلى الكلدان كألدِّ أعدائهم، لمجرد أنهم نبذوا المذهب النسطوري واستعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الكاثوليكي. وإذ لم يُفلح الإنكليز في إعادة هؤلاء اللاجئين الى ديارهم في تركيا وايران رغم كُلِّ محاولاتهم، ساعدوهم على البقاء وبكل ما يؤمن لهم الإستقرار في العراق، وانتقلوا من مخيماتهم في منطقة بعقوبة الى أماكن اخرى مثل منطقة سميل وضواحيها، وشكلوا من شبابهم شبه جيش سُمي بـ" قوات الليفي" لكي يقوم بقمع أيِّ تمردٍ أو عصيان ضدَّ الهيمنة االإنكليزية الإستعمارية من قبل مواطني البلد العرب والأكراد، واستمرَّ الحال على هذا المنوال حتى قيام الإنكليز بتحريضهم للتمرد على الحكومة العراقية والمطالبة بإحياء الوعد الإنكليزي الكاذب، وفي الوقت ذاته أبلغ الإنكليز الحكومة بما حرَّضوهم عليه وهو اسلوب الخداع المزدوج، وهكذا بادرت الحكومة للإقتصاص منهم في السابع من آب 1933 .


إذاً المشروع المُنادَى به الآن ليس وليد اليوم بل قديماً، ولكنه بمصطلحٍ مختلف وقد تبلور وظهر الى العـلَن بدفع ودعم من الإخوة الأكراد، حيث يعتقدون بأن قيام هذا المشروع سيكون بصالحهم لأن المكونات الصغيرة المنضوية إليه وأكبرها المكون المسيحي، ستقف الى جانبهم في حالة التصويت على عائدية المناطق المتنازع عليها بين الأكراد والعرب السنة ومن أجل هذا الهدف أوجدوا عام 2007 حزباً بقيادة أحد منتحلي التسمية الآشورية المزيفة العضو المتقدم في الحزب الديمقراطي الكردستاني السيد سركيس أغاجان لكي يعمل على تهيئة الشعب المسيحي سِراً وليس علناً لقبول هذه الفكرة وإنجاز المشروع، عن طريق إغراء الكلدان بعدم معارضتهم للمشروع وإذا لم يُجدي بهم الإغراء وتطلب الأمر الضغط عليهم بكل السبل والأساليب مهما كانت قاسية فليكن. وهذا الذي جرى فعلاً، فقد حُرم الكلدان الأحرار وتنظيماتهم من كل عون مادي ومعنوي واعلامي، وهُدِّد الكثير منهم بقطع أرزاقهم إن لم يمتثلوا لأوامر المجلس الشعبي المؤسس من قبل السيد سركيس أغاجان. وبالإضافة الى كُلِّ ما تقدم ذِكره، علينا أن لا ننسى الصراع الدائر بين أقطاب تنظيمات النساطرة (آشوريي اليوم المزيفين) ولا سيما بين القطبين الرئيسيين السيد سركيس أغاجان قائد المجلس الشعبي والسيد يونادم كنا قائد زوعا، وهما غريمان لدودان ويصبحان صديقين حميمين في معاداتهما للكلدان، يسعى كُلٌّ منهما لفرض إيديولوجيته على الشعب المسيحي بكلدانه وسريانه ونساطرته غير مباليين بما يعانيه من مختلف أنواع الإضطهاد والقتل وشظف العيش في الوطن .


وما إن وقع الهجوم الإجرامي على كنيسة سيدة النجاة في بغداد في الشهر العاشر من عام2010 والذي أسفر عن مأساةٍ إنسانية فظيعة رنَّ صداها المدوي بين الأوساط الشعبية العراقية وامتدَّ الى الأوساط الإقليمية والدولية مستنكرةً وشاجبةً لهذا الفعل الجبان والشنيع، وأعلنت تضامنها وتعاطفها مع الشعب المسيحي العراقي المقهور، عندها وتحت التنديد الذي وجهه أبناء شعبنا الى القوى السياسية التي تتشدَّق بعملها في المجال القومي ولا سيما التنظيمان النسطوريان المجلس الشعبي وزوعا، فقاما بدعوة جميع تلك القوى الى تشكيل تجمع سياسي وعلى إثر ذلك تم تأسيس التجمع الذي أطلق عليه< تجمع التنظيمات السياسية الكلدانية السريانية الآشورية >ولكن للأسف فإن هذا التجمع خيَّب أمل الشعب المسيحي الذي كان يأمل منه القيام باستثمار التعاطف الشعبي الداخلي والتضامن الإنساني العالمي من حيث تقديم أنواع المساعدات العاجلة إليه، ولكن شيئاً من هذا القبيل لم يحدث وبذلك برهن عن عجزه وفشله بسبب عدم وضوح الرؤية المستقيمة لدى قادته المهيمنة عليهم مصالحهم الفردية الأنانية والولاءات الفئوية ولذلك لم يسمع منهم الشعب إلا جعجعة رحاهم ولكن بدون طحين! !


وبدون خجل غطت هذه التنظيمات على فشلها، وصرفت أنظارها عن معاناة الشعب المظلوم، وتابعت السعي الى تحقيق مشروعها التآمري، وبحسب المخطط المرسوم جاء تصريح الرئيس جلال الطالباني < بأنه لا مانع لديه بإقامة محافظةٍ للمسيحيين في سهل نينوى> فتشبثوا به ووضعوه في المقام الأول من اهتمامتهم دونه أي اهتمام آخر . إن هؤلاء القادة الذين فرضوا أنفسهم فرضاً أثبتَ واقعُهم بأنهم عديموا القابلية والمقدرة لقيادة الشعب المسيحي لأن رؤيتهم الموضوعية غير صائبة بتقييمها لظروف العراق الشائكة سياسياً وأمنياً واقتصادياً بسبب تحكم الطائفيين والمذهبيين بزمام الأمور وتصارعهم نتيجة تضارب مصالحهم فهم في وادي ونحن في وادي آخر . أما بعض القوى التي تدفع بشعبنا الى تبني هذا المشروع الخطير فإنها تسعى من وراء ذلك لتحقيق مآربها الخاصة والفوز في الصراع الدائر، ولا يهمها احتراق شعبنا بأتونه ! !


إن الكلدان هم أصحاب الرقم الأصعب بين أبناء شعبنا في المعادلة قومياً ومسيحياً وما يتبع ذلك ديمغرافياً وثقافياً واقتصادياً واجتماعياً، فكُل ما يُرسم خارج إرادتهم هو مرفوض و لا يمكن أن يُنفذ، فبالنسبة الى هذا المشروع الخيالي الخالي من الثوابت الواقعية المقترح من قوى خارجة عن نطاق شعبنا، يرى الكلدان فيه تمزيقاً للنسيج الإجتماعي والوطني العراقي، وحرمانهم من العيش في كامل تراب وطنهم الأصيل العراق،ولذلك يرفضون ويشجبون كُلَّ محاولات تجريده من كامل جذوره وحصره في منطقة محددة غير مأمونة . وإني أسأل: لماذا التركيز على سهل نينوى ولماذا لا يمتد هذا المشروع غير الواقعي الى منطقة فيشخابور وضواحيها لكي يبادر الأكراد الى إعادة القرى المسيحية المستولى عليها! !


إن ما يسمى بـ < تجمع التنظيمات الكلدانية السريانية الآشورية > لا علاقة للكلدان به، لأن بعض الكلدان الممثلين به هم انتهازيون انتفاعيون انقلابيون على امتهم الكلدانية ولذلك لا يحق لهم أن يدَّعوا تمثيلهم لها، وبالإضافة الى ذلك فهم مهـمَّشون وأتباعٌ للتـنظيمات النسطورية المنتحلة للتسمية المزيفة "الآشورية" وإثباتاً لقولنا هوعدم قدرتهم الوقوف بوجه التوجه المريب والعدائي الصارخ الذي يُحاول قادة التجمع النساطرة رفع إسم قوميتـِنا الكلدانية المدرجة مستقـلةً في الدستور العراقي الإتحادي وإحلال محلها تسمية مركبة هجينة مخالفة للتاريخ ولا يُقرها الواقع، وكأن تسميات المكونات البشرية التاريخية هي لعبة بأيدي السياسيين النفعيين يستبدلونها كُلما تطلبت مصلحتهم ذلك . وأي عاقل يمكنه تصديق إدعاء هؤلاء الجهلاء بأن إلغاء هوية أكبر مكونات شعبنا"الكلدان" يؤدي الى توحيد هذا الشعب! وهل إلغاء الهوية الكلدانية أو بترها أو عطف أسماء أخرى إليها لإخراجها من معناها يُحقق مآرب هؤلاء العابثين بمصير شعبنا المغلوب على أمره؟ ليكن معلوماً لهؤلاء الدجالين المتاجرين بمصير شعبنا والمتطاولين على قوميتنا الكلدانية المجيدة، بأن نجوم السماء أقرب إليكم من نيل مأربكم الشرير بالحاق الضرر بالكلدان وستلقى محاولتكم البائسة خزياً وفشلاً. إننا نعلم بأن ديدنكم قائم على الكذب، لأنكم تكذبون أكثر مِمّا تـتـنفسون! ! !



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 22 / 9 / 2011


120

مهازل منتحلي الأشورية المزيفة


إنها ظاهرة لا سابقة لها في التاريخ، رجل انكليزي واحد أنكليكاني المذهب يُدعى"وليم ويكرام"  رَئِسَ بعثة كنيسته كنيسة كانتيربري استطاع خدع قوم موغل في متاهات الجهل والتأخر كان قد انعزل عن إخوته أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية واتخذ له ملاذاً في منطقة هيكاري الجبلية نكاية بهم لأنهم قاموا بتصويب مسيرة كنيستهم المأساوية في منتصف القرن السادس عشر،  وحرَّروها من عبودية واستبداد رئاستها العشائرية المتحكمة برقاب أبنائها جاعلين منهم عبيداً لمدة قرون.


تمكن هذا الثعلب الداهية أن يلعب دوراً قذراً في حياة اولئك البسطاء فقلبها رأساً على عقبٍ منذ أن وطئَت أقدام بعثته التبشيرية ظاهرياً والإستخباراتية سِرّاً موطنَ هؤلاء القوم عام 1884 حيث عمل على تجريدهم من قوميتهم الكلدانية ولكنه فشل في تغيير مذهبهم النسطوري الى المذهـب الأنكليكاني، واعتبر فشله هذا صدمة له وكظم غيظه ولكنه لم ينسَ الثأر له ولكن بإسلوبٍ ذكيٍّ لم يفطنوا له بل إستمرأوه عندما أبلغهم بأن حكومة مملكته المتحدة قد أعطت لهم وعداً بإنشاء وطن قومي لهم، ولكن ليس باسمهم القومي الكلداني المعروفين به " كلدان نساطرة " ولذلك عليهم أن ينبذوه ويتبنوا عوضاً عنه اسم" آثوريون نساطرة " لكي يكون بالمستطاع ربطُه بأسم آشوريي التاريخ القدماء الذين عاشوا يوماً على جزءٍ من أرض العراق، وعلى هذا الأساس انصاع الكلدان النساطرة الإنعزاليون ورضخوا لإرادة العميل الإنكليزي" وليم ويكرام " وقام أحفادهم في العقود المتأخرة من القرن العشرين المنصرم بتسمية أنفسهم بالآشوريين .


كتبت هذه المقدمة الوجيزة جداً لكي أدخل الى عنوان المقال" مهازل منتحلي الآشورية المزيفة " فمنذ انخداع آبائهم بوعد المملكة المتحدة الكاذب بإنشاء وطن قومي لهم طَـلب الخادعون منهم الإنخراط في العمل السياسي تمهيدا لنشر البدعة الأشورية ثم دفعوهم للثورة على حكومتهم وكان ذلك سبباً لصيرورتهم حطباً لأطماع الإنكليز حيث قضى العثمانيون على أكثر من نصف عددهم، فاضطر الإنكليز على الإتيان بهم الى العراق الواقع تحت هيمنتهم الإستعمارية في أعقاب الحرب العالمية الأولى، وفي العراق بدأ بعض المتزمتين منهم بإنشاء حركات تمردية ضِدَّ حكومة العراق وبتحريض من أسيادهم الإنكليز الذين بدورهم نقلوا أخبار هذه التحركات التمردية الى الحكومة العراقية وهو ما عُرف بالدور المزدوج للمستعمر الإنكليزي، ونتيجة لهذا الدور القذر تمخضت مأساة سميل التي راح ضحيتها حسب عدة مصادر ما لا يقل عن 350 فرداً من الرجال والنساء والأطفال، وسُمح لعدد لا بأس به من الناجين بمغادرة العراق الى سوريا ولبنان .


ومنذ هذه الحادثة المأساوية لم يتوقف متزمتو الوافدين طرداً من تركيا الباقين منهم في العراق عن العمل السياسي في الخفاء ساعدهم في ذلك موقع الغالبية منهم في المناطق الجبلية البعيدة عن مرأى الحكومات العراقية المتعاقبة وفي نهاية السبعينات من القرن العشرين المنصرم شكلوا أول نواة سياسية سرية باسم " الحركة الديمقراطية الآشورية " وبعد فترة قامت جماعات اخرى بتشكيل أحزاب سياسية اخرى منافسة، ولكن الحركة الديمقراطية الآشورية المعروفة بـ "زوعا" لم تُعِر اهتماماً لهذه الأحزاب لأنهم يحملون نفس الفكر السياسي وإن اختلفوا معها في العمل والإسلوب .


ولذلك ركَّزت جُلَّ اهتمامها وبشتى الطرق الملتوية على إلغاء القومية الكلدانية وإن لم يتحقق لها ذلك فلا مفرَّ لها من احتواء أبناء الأمة الكلدانية، وأيدتها الأحزاب الآشورية في هذا الهدف لأنه هدف مشترك لجميع منتحلي الآشورية المزيفة بلا استثناء، ومهما تعددت الخلافات فيما بينهم ففي المسألة الكلدانية تزول هذه الخلافات وتتفق الآراء. ولو استطاع أي كلداني الإصغاء الى أحاديثهم في غرف البالتوك لسمع ترديد ما يؤرقهم ليل نهار" لو نجح الكلدان في الحفاظ على قوميتهم مستقلة ستكون ضربة قاضية للآشوريين " لأننا نحن الآشوريون نفتقر الى الديمغرافية البشرية بشكل مخيف، والى الأرض الكافية في المنطقة التي نطالب بها، إنهما مشكلتان عويصتان لا يمكن حلُّهما إلا على حساب الكلدان الفقراء بقياداتهم وتنظيماتهم وضموروعيهم القومي، فعلينا السير في مشوارنا الناجح في كسب أبناء الكلدان الى صفنا وبكل الطرق فلا سبيل غيره للوقوف بوجه أيِّ نهوض كلداني كاسح .

ليس من شك بأن نجاح الإنسان في أيِّ مجال يقوي ثقته بنفسه ويدفعه الى إحراز المزيد من المكاسب، وهذا ما فعلته أحزاب منتحلي الآشورية وعلى رأسها التنظيمان الشوفينيان زوعا والمجلس اللاشعبي، عندما استطاعا جعل بعض الأحزاب الكلدانية ذات البنية الضعيفة والقيادات الخالية من الحكمة والشعورالقومي تابعة لهما وتأتمر بأوامرهما نهجاً وتخطيطاً، فراحت تنادي معهما مُجبرة بالتسمية الهجينة المركبة عند تعلق الحديث مع الكلدان في العراق، أما في خارج العراق فأحزاب منتحلي الآشورية وبالإجماع ينادون بالآشورية المزيفة، وهذا أحد أنواع مهازل منتحلي الآشورية!


والمهزلة الأخرى محاولة أحزاب منتحلي الآشورية فرض بعض المناسبات التي سرقتها من الكلدان في وضح النهار لغرض أشورتها وفي مقدمتها رأس السنة الكلدانية "أكيتو" مثالاً وعندما جابههم الكلدان النجباء بفعلهم اللصوصي، إضطروا للقيام باحتفال مشترك مع الكلدان في العراق من دون ذكر التاريخ . أما في خارج العراق فقد واصلت اتباع النهج اللصوصي المشوب بالشوفينية الآشورية .


والمهزلة الثالثة لمنتحلي الآشورية فهي محاولة أحزابهم فرض يوم الشهيد الآشوري وتحويله ليكون يوماً للشهيد الكلداني السرياني الآشوري مسخرين بذلك مأجوريهم من الكلدان الذين لقبهم الناشط الكلداني القدير نزار ملاخا بـ ( الجحوش الكلدان ) ليقوموا بهذا العمل المخزي والشنيع مستلهماً اللقب من الإخوة الأكراد الذين أطلقوا على بني جلدتهم المتعاونين مع الحكومات العراقية الظالمة ضِدَّ أبناء الشعب الكردي لقب ( الجحوش الأكراد ) وكان محقاً وموفقا بإطلاق هذا اللقب على ناكري قومهم وامتهم الكلدانية لقاء دريهمات أداة الخيانة.

                                                                                                             نقول لكم أيها الأحبة بأنكم واهمون وخلف الجارين وراء السراب سائرون، صححوا حساباتكم الخاطئة قبل فوات الأوان، انظروا وتأملوا بمدى الخلافات السائدة بين منتحلي الآشورية المزيفة وحول كُلِّ شيء، فهل تتوقعون خيراً من هؤلاء المختلفين، وهل يُغريكم إتفاقهم الوحيد المشؤوم ألا وهو الإتفاق على إلغاء القومية الكلدانية وسلب حقوق أبنائها عن طريق الدسائس والإستقواء بالغرباء؟ إن النهضة الكلدانية قد بدأت وهي في تصاعد مستمر وأمام هذا التصاعد ستنهار جميع حساباتكم التي بنيتم عليها آمالكم بإغراء من المتعلقين بالسراب الآشوري الوهمي والعقيم، فلا تدعوا المجال للتردد سارعوا بالعودة الى أحضان امتكم الكلدانية، لأنكم مهما فعلتم ستشعرون بالغربة وبالهوان بدونها! ! !



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
عضو هيئة قيادة التجمع الوطني الكلداني
في 10 /8 / 2011       

121

متى ستُنصف الكلدان حكومةُ كردستان؟




الكُل يعلم بأن حكومة كردستان قلبت ظهرَ المِجَنِّ على الكلدان، منذ أن طالبوا بعدم القبول بوصاية أحدٍ عليهم، لكونهم يؤمنون بالحرية والديمقراطية ويُقدسوا الوطنية في المقام الأول قبل اهتمامهم بالأمورالمهمة الأخرى كالإعتزاز بقوميتهم ونَيل حقوقهم المشروعة التي كفلها لهم دستور الدولة العراقية اسوة بالمكونات العراقية الأخرى العرب والأكراد والتركمان وبقية المكونات الصغيرة .



ولا شكَّ أن الحكومة الكردية قد أعارت اهتماما كبيراً لممارسة الحرية والديمقراطية على مستوى الإقليم أكثر من اهتمام الحكومة المركزية التي أظهرت فشلها بهذا الجانب بسبب عدم قدرتها على مقاومة المحاصصة الطائفية والمذهبية المتحكمة بكافة جوانب الحكم، ولكن حرية وديمقراطية حكومة إقليم كردستان لم تشأ أن تُطـبَّقها بالنسبة الى الكلدان نعم الكلدان وحدهم مع علمها بأن المكون الكلداني هو المكون الأكبر والأساسي بين المكونات المسيحية وغير المسيحية الصغرى الأخرى.



الكلدان ليسوا ضِدَّ مُدلَّل الأكراد العضو البارز في الحزب الديمقراطي الكردستاني، ولكنهم غير راضين عن تصرفاته المناهضة لتطلعاتهم والمناوئة لطموحاتهم انطلاقاً مِن توجهاته العنصرية المقيتة الساعية الى تغييب القومية الكلدانية وتأوشر أبنائها الكلدان بكل ما اوتي من القوة عن طريق استخدام مختلف أساليب الترغيب والترهيب تحت مرأى ومسمع القيادة الكردية من أجل طمس إسم الكلدان، وليس ببعيد ما فعله بهذا الصدد، حيث ترك العلاج خارج الوطن وأسرع الى إقليم كردستان غداة إدراج التسميات الأصيلة للمكونات المسيحية في مسودة دستور الإقليم، فأصرَّ على استبدالها بتسميةٍ مركبة هجينة ومستهجنة لخلوها من أيِّ سند عِـلمي أو تاريخي، متحدياً إرادة الكلدان المتثلة برئاسة كنيستهم وأحبارها الأجلاء الى جانب قادتهم السياسيين الذين طالبوا القيادة الكردية وعلى رأس هرمها الأستاذ مسعود البرزاني بإدراج تسميتهم الكلدانية بصورة مستقلة وكما جرى إدراجها بالدستور العراقي الإتحادي، ولكن تأثيره كان أقوى وأمضى .



وهنا يجدر التساؤل المشروع، هل إن مفهوم الحرية والديمقراطية لدى القيادة الكردية المشهود لها بالحنكة السياسية، هو إرضاء رغبة شخص واحدٍ مهما علا لديها مقامُه وتفضيلها على مطلب المكون الكلداني بأكمله؟ وهل مِن العدالة لديها أن تترك مصيرهذا المكون تحت رحمته وهي تعلم بأنه لا يحظى بأقل قدر مِن عدالته؟ مهما كانت عظمة الفرد ومهما امتدَّ طغيانه فهو لا محالة زائل ولكن الشعب باقٍ وحقه عائد لأن وراءَه مُطالبٌ، فهل هذا الأمر لدى القيادة الكردية غير وارد؟ لا أظن ذلك أبداً ولكن متى ستحسب القيادة الموقرة حساباً صائباً وتُنصف المكون الكلداني بميزان العدل والمساواة؟



ولديَّ سؤال آخر للقيادة الكردية المحترمة، تُرى، هل يقبل الأكراد لو أن قوة ما أجبرتهم على تغيير قوميتهم الكردية بإلغاء استقلاليتها عن طريق دمجها أو إضافة تسميات أخري إليها مثلاً كإستحداث تسمية مركبة على سبيل المثال ( أكراد تركمان شبك ) باعتبار الجميع يدينون بالإسلام، هل كان الأمر سهلاً عليهم ومقبولاً من قبلهم؟ الجواب كلا وألف كلا!!! إذا كيف تقبل بل تفرض القيادة الكردية وهي في موقع القوة على الكلدان التنازل عن استقلالية قوميتهم عندما تُـلصق بقوميتهم الكلدانية من قبل برلمانهم تسميات اخرى كالسريانية والآشورية بحجة أن الجميع يدينون بالمسيحية؟ فهل سيلقى الكلدان جواباً منصفاً !




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 13 /7 / 2011

122

النهضة الكلدانية
تتجلى في الإحتفال الجماهيري بيوم الأب في ديترويت الكبرى 19 / 6 / 2011

النهضة الكلدانية أضحت شعار الكلدان منذ انعقاد المؤتمر الكلداني العام الأول في سان دياكَو في 30 آذارحتى 1 نيسان 2011 الذي حضره مثقفو الكلدان من الكتاب والأدباء من الوطن الأم العراق ومختلف بلاد المهجر، كان عرساً كلدانياً إحتضنه شعب سان دياكَو الكلداني بكُل فئاته بحب وفرح، كما حضره مسؤولون حكوميون أمريكيون عبروا بكلماتهم عن تأييدهم للأهداف التي من أجلها تمَّ عقدُه . ولما كان أول مؤتمر كلداني عام فمن الطبيعي أن تشوبه بعض  الـنواقـص والسلبيات وأن يتعرَّض الى بعض الإعتراضات والإنتقادات التي أبدتها التنظيمات الكلدانية والشخصيات المستقلة ولا سيما تلك المتواجدة في ولاية مشيكان معقل الجالية الكلدانية الكبرى ولا نريد ذكرها بالإسم.

إن قصدنا من هذه المقدمة هو أن يُسدل أبناء شعبنا الكلداني في مشيكان، القياديون والسياسيون والمثقفون والأدباء والكتاب الستار على الذي جرى ومَـرَّ، والبدء بفتح صفحة جديدة من التفاهم وتوحيد الكلمة المؤثرة والفاعلة في سبيل الدفاع عن قوميتنا الكلدانية والمطالبة بحقوق شعبنا الكلداني المصادرة عمداً في أرض الوطن الأم .

لقد تجلَّـت النهضة الكلدانية في الإحتفال الجماهيري بمناسبة يوم الأب الذي أقيم في التاسع عشر من حزيران الجاري على حدائق منتزه ستوني كَريك الواقع على الميل السادس والعشرين بهمة الأب الفاضل القس صميم يوسف بالـيوس الرجل المتميز بروحانيته ووطنيته وقوميته والشهير بمحاضراته الإسبوعية في كل مساء الثلاثاء ذات النمط التجددي حول دراسة الكتاب المقدس والمعروفة لدى جمهور مستمعيها بـ ( بايبل ستَدي ) حيث يُقدر عددُه بما لا يقل عن الألف مستمع  في كل محاضرة ومن مختلف الأعمار . تتضمن المحاضرة ثلاثة محاور: لاهوتية ، إرشادية ، وأجتماعية توجيهية، وفي هذا المحور الأخير ينتقد العادات والممارسات الإجتماعية السيئة المخالفة للسلوك المسيحي التي يقوم بممارستها العدد الكبير من الشباب المسيحي بكل انتمآته وبحثهم على الإبتعاد عنها، ومنها تعاطي المخدرات، أنواع المقامرات ، الأعمال الإباحية، الكذب والإحتيال على المجتمع وعلى الدولة وغير ذلك  الكثير.

والى جانب ذلك يتصدى بلا هوادة للدعوات المخالفة للإيمان الكاثوليكي القويم الذي تعتنقه كنيستنا الكلدانية المقدسة الأبية، مطالباً أبناء الشعب الكلداني عدم الإنزلاق والوقوع في فخاخها الشيطانية، إنه رجل مقدام متفان في خدمة شعبه بكل ما اوتي من قوة وإخلاص . لقد كان قراره بالموافقة على رفع العلم الكلداني بمناسبة الإحتفال بيوم الأب صداه الكبير لدي أبناء شعبه الكلداني، وتحذيراً لكُل المتربصين بالكلدان سوءاً، المتطاولين على قوميتهم السالبين لحقوقهم، إن مبادرة الأب صميم هذه في ديترويت \ مشيكان لا تقل عن مبادرة المطرانين الجليلين مار سرهد جمو ومار باواي سورو في سان دياكَو/ كاليفورنيا.

في الختام لا يسعنا إلا توجيه الشكر الجزيل للأب الفاضل صميم مقروناً بالإحترام والتقدير الكبير لرعايته لهذا الإحتفال الكبير الذي شارك فيه ما قارب الألف شخص ، ولشعبنا الكلداني نطلب الموفقية والوصول الى نيل كافة حقوقه.

الشماس د. كوركيس مردو
والناشط الكلداني يوسف يوحانا
في 20 / 6 / 2011

     
         



123

مهما تنوعت الديكتاتوريات فهي واحدة


تسود العديدَ من بلدان العالم العربي حالاتٌ ثورية وإن كانت تتفاوت من حيث الشدة والعنفوان، فقد نتج عنها انهيار لبعض أنظمة الحكم المستبدة، ولا يزال البعض الآخر يتحدى معتمداً على استخدام أشد وسائل العنف والقمع الوحشي الدموي مع وعدٍ بإجراء إصلاحات تغلب عليها صفة المراوغة والمماطلة، مصراً على البقاء والإستمرار، ولكن مثل هذه الأساليب لا يمكنها كسرَ إرادة الجماهير الشعبية الثائرة أو ثنيها عن عزمها على اقتلاع هذه الأنظمة الديكتاتورية الفاسدة من أساسها، لأن بقاءَها أصبح منبوذاً ومرفوضاً من قبلها، وتوقها الى الحرية والديمقراطية لا حدَّ له ولا يمكن ايقافه، وفي الحقيقة فإن هذا هو دليل على تطور الوعي السياسي والإجتماعي لديها، وفرته لها الثورة المعلوماتية العملاقة التي مَـدَّتها بسبُل التواصل والتحريك الجماهيري للتصدي لتلك الأنظمة العاتية رغم تعاملها الصلف مع شعوبها .                                                 

                                                 
 لم يقتصر المد الثوري الذي يجتاح المنطقة العربية على دك أسس الأنظمة الديكتاتورية فحسب، بل وجَّه إنذاراً لكل تنظيم يعتمد الفكرالشمولي يمينياً كان أو يسارياً أن يراجع ذاته، فالأجيال الصاعدة من الشباب بوسعها الوصول الى المعلومات بسهولة بفضل التقنيات الحديثة وتستطيع التأثير بتفاعلها اليومي وتواصلها الإجتماعي، ولن يخفى عليها ما يدعيه رئيس تنظيم بأن بقاءَه على هرم الرئاسة لمدةٍ طويلة لم يأتِ عن طريق القوة أو استخدام وسائل خاصة وإنما نزولاً عند رغبة الأعضاء، وليس غريباً هذا الإدعاء فقد استخدمه قياديو الأحزاب اليسارية في البلدان العربية، لكي يلقي هذا القائد أو الحاكم باللائمة على الذين لم يرغبوا بتغييره، وأنه بذلك غير مسؤول عما آل إليه مصير حزبه أو بلده من التردي والفشل السياسي .                             

                                                     
قد يكون لبعض القادة اليساريين عذر لتوليهم مركز القيادة لعقدٍ أو أكثر من السنين، حيث يُعلمنا الواقع بأن عدداً منهم قد ضحى بالكثير، وطاله الإعتقال وشتى أنواع التعذيب الى الحد أن الموت كان مصير بعضهم، ولذلك لا يمكن مقارنتهم بمستبدي وديكتاتوريي المنطقة العربية، ولكن شيئاً واحداً لا يمكن التسترعليه وهو تشابههم من حيث المفاهيم وأساليب الإدارة والتنظيم، وعلى السواء إن كان ذلك في نظام حكم مستبد أو تنظيم سياسي، وفي حالة تسلم قائد التنظيم السلطة في بلده، فإنه يتحول حتماً الى حاكم مستبد ويعتمد نظام حكم ديكتاتوري شمولي، وقد شاهدنا نماذج من هذا القبيل في بلدان المنظومة الإشتركية والأقطار العربية ذات التوجه الإشتراكي .     

       
لقد تخلت بقايا الأحزاب اليسارية في العالم الغربي عن ممارسة اسلوب التنظيم الشمولي المستند الى آليات عمل وإدارة بالية اعتُمدَت في أوائل القرن العشرين، ولكن العديد من أحزاب اليسار في العالم العربي وللأسف ما زالت تتبع ذلك الأسلوب الشمولي مشوباً بجزء يسير من الديمقراطية دون أن يجري أي تغيير في الجوهر.


والظاهرة التي أشرنا إليها فيما تقدم تعود أسبابها الى عوامل كثيرة منها: عدم ممارسة العملية الديمقراطية داخل التنظيمات الحزبية، وإن مورست ففي نطاق محدود وحسب هوى القيادات، وهذا يتنافى وتبادل حوارات علنية ومؤثرة .


إقتداء قادة التنظيمات السياسية في الأقطار العربية بحكامها وملوكها من حيث التشبث بمنصب القيادة، بحجة عدم وجود بديل لهم ورغبة الرفاق ببقائهم .

فرض توَجُّهٍ فكري واحد على التنظيم، وغالباً ما يكون فكر السكرتير العام، ومَن يطرح فكراً مخالفاً أو ينتقد الفكر المفروض يتعرَّض للطرد أو الإقصاء.

عدم السماح بتشكيل كُتل داخل التنظيمات. الإختلاف في الرأي وعدم الإتفاق مع القيادة، تترتب عليهما العقوبة كالتنبيه أو التجميد أو الطرد .
 
انعدام التحضير الجيد عند قيام هذه التنظيمات بعقد مؤتمراتها، وهي تُعقد عادةً لتكريس وتثبيت القيادات القائمة .


إن هذه العوامل لها تأثير سلبي على مسيرة هذه التنظيمات السياسية من حيث عدم تطور الفكر لديها والقصورفي ادائها السياسي بسبب عدم استخدامها للتقنيات الحديثة، وعدم تجدد خطابها السياسي ليواكب المستجدات الحاصلة على الساحة وهذا يؤدي الى تراجع شعبيتها . ولذلك فعلى هذه التنظيمات أن تضع على جدول اهتماماتها: تطبيق مباديء الحرية والديمقراطية والمسواة وحقوق الإنسان، والدعوة الى التداول السلمي للسلطة الى جانب احترام الرأي الآخر، فهي جزء من النضال الديمقراطي العام. إن واجب هذه التنظيمات الدفاع عن مصالح الشعب وأن يكون دورها ذا تأثير جـدي .
 


الدكتور كوركيس مردو
في 11 / 6 / 2011   

124

المسيحية عِماد وحدتنا وليس القومية



لقد برهنت الأعوام الماضية التي تلت حركة التغيير السياسي في العراق وما صاحبها من أحداث مأساوية عان منها الشعب العراقي بشكل عام والمسيحيون بشكل خاص ومتعمَّد، حيث تعرضوا لمختلف أشكال الإضطهاد كالترهيب والقتل والإبتزاز والتهجير من قبل الجماعات الإرهابية التي لم تميِّز بين المسيحي الكلداني أو السرياني أو الآثوري، معتبرة إياهم كياناً واحداً ما داموا يدينون بالمسيحية وهذا يعني بأن المسيحية هي التي توحدنا وليس القومية. وكُلُّ مَن إدَّعى بأنه مضطهد بسبب قوميته الكلدانية أوتسميته السريانية أوالآثورية هو منافٍ للحقيقة، لأن الجميع مضطهدون لكونهم مسيحيين.


ألا يجب إذاً أن نكون واقعيين في تفكيرنا ونعترف بأن المسيحية هي التي توحدنا وليس القومية، ومن العـبث أن يعمل البعـض ضدَّ تيار الواقع بإصراره على صهر الموروث القـومي الكـلداني بالموروث التسموي للآخر. وبالرغم من اختلاف مشاعرنا وتباعدها، فإننا نشترك في الطموحات من حيث المصالح وقد يُوحدنا أحياناً الأمل والألم، وهذا هو واقع حالنا شئنا أم أبينا. لذلك نَـدعـو إخوتنا بالمسيحية من الآثوريين المتزمتين أن ينبذوا التطرف العنصري المستحوذ عليهم بسبب عقدة شعورهم بالنقص لشدة ضآلتهم الديمغرافية، إذ لن ينفعهم بشيء ولن يُحقـق لهم مأربهم بإلغاء الكلدان أو احتوائهم، إنه جنون ما بعده جنون، ومردوده تصعيد الكراهية وانعدام الثقة بين الأطراف المسيحية .


أليس من الأجدر بنا أن نرسخ وحدتنا المسيحية، ونسد الدرب أمام المتصيدين في المياه العكرة ذوي المنافع الشخصية الأنانية والإنتهازيين المنادين بالوحدة القومية المزيفة، التي جعلوا منها شعاراً للمتاجرة وخدع البسطاء من أبناء الشعب المسيحي والحصول من ورائه على المناصب والمراكز، وقد تنطلي ألاعيبهم هذه على الكثير من الراغبين بالوحدة المبنية على أسس الحـق والعدالة والواقع. فحذاري أيها الإخوة من الإنخداع بوسائل اعلامهم المتعددة التي تحلل كُلَّ ما لا يتفق مع مصالحهم ويُخالف نهجهم الذي يفرضه تفكيرُهم المريض .


لا أعتقد أن هنالك مسيحيا واحداً كلدانياً كان أم سريانياً أم آثورياً لا يطمح أن يكون للمسيحيين كيان خاص بهم، يتميَّز بحضور قوي في الساحة السياسية العراقـية يقوده أفراد مخلصون لا يترددون في التصدي للدفاع عن حقوقهم، دون أن ينظر الى هذا الكيان من قبل مكونات المجتمع العراقي الأخرى بأنه كيان انعزالي، وإنما كيان فاعل اسوة بالكيانات العراقية الأخرى وقادر على ضمان حقوق شعبه المسيحي والحفاظ على كرامته وأمنه واعتبار أبنائه مواطنين أصلاء في بلدهم العراق الذي يدين بمجده وحضارته لآبائهم وأجدادهم .


لماذا يُحظر على الكلداني أن يعتز بقوميته الكلدانية، والسرياني بتسميته السريانية، في حين يحق للآثوري الإعتزاز بتسميته الأشورية المنتحلة، وينادي بفرضها على الآخرين، هل هذه عدالة؟ لا تقوم الوحدة برفع الشعارات ولا بحسب أهواء النفعيين الذين يحللون لذواتهم ما يحرمونه على غيرهم، لا تقيم الوحدة الحقيقية إلا التنظيمات المسيحية التي تعمل وتدعو الى التقارب بين الإخوة المسيحيين بروحية بعيدة عن الإنتهازية والأنانية الذاتية.



الشماس د. كوركيس مردو
عضو المجلس الكلداني العالمي في مشيكان
في 7 / 6 / 2011

125

إستمرار التآمر على الكلدان



قبل أحداث كنيسة سيدة النجاة في قلب بغداد الإجرامية والمؤلمة، كان التنظيمان الشوفـينيان زوعا والمجلس الشعبي لا ينفكان من الترويج لشعارهما الكاذب " توحيد الصفوف" الذي ملَّ الشعبُ منه، حيث رأى فيه ترديداً فارغاً خالياً من منطوقه الحقيقي، وإنما هو نوع من الخداعات المتعددة الأوجه التي مارساها دوماً سعياً منهما لتمرير هدفهما العنصري الإجرامي الذي ترتكز عليه أجندتهما الإقصائية المشتركة بحق الشعب الكلداني الأصيل. فبعد الفعل الإجرامي المشار إليه ندَّد الشعب المسيحي العراقي بكل انتماءاته بالتنظيمات المسيحيىة السياسية ولا سيما بهذين التنظيمين لفشلهما رغم ادعائهما الفارغ بالضغط على الحكومة لتوفير الحماية الجادة لدور العبادة المسيحية، وتحت ضغط الشارع المسيحي هذا، تحركا لتشكيل ما سمياه بـ " تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا الكلداني والسرياني والآثوري " وقبل ذلك لم يفكرا بمسألة التوحُّد إلا ببث الشعارات الفارغة لا غير.


وتزعَّم التنظيمان زوعا والمجلس الشعبي اللذان لا يتمتعان بالهوية العراقية هذا التجمع، وينتهجان ايديولوجية قومية متناقضة الأهداف فيما بينهما وكل منهما يُحاول إقصاء الآخر ولكنهما متفقان فيما بينهما تماماً فقط بهدف إقصاء الكلدان من الساحة السياسية في العراق وفي إقليم كردستان وحرمانهم من حقوقهم الدستورية والوطنية، وهما يستخدمان الدعم المالي والمعنوي اللا محدودين من قبل القيادة الكردية بالنسبة للمجلس الشعبي ، ومن قبل الأحزاب الدينية الشيعية في الجنوب والأحزاب القومية في المثلث السني بالنسبة لتنظيم زوعا الذي قبل ذلك استطاع أن يخدع حاكم العراق الأمريكي الغبي بول برايمر، فأنعم على زعـيمه بفرضه ممثلاً للشعب المسيحي العراقي .


تُرىُ، مِمَّن تكوَّن ما سُميَ بـ " تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا الكلداني والسرياني والآثوري " وتحت زعامة تنظيمَين غريبَين عن العراق ومشبوهَين. فالتنظيمات الكلدانية هي تلك التي تمرَّدت على قياداتها الأصيلة وخانت مباديئها وارتمت في أحضان المجلس الشعبي مستسلمة الإرادة والقرار لقاء العطف عليها ببعض المال الحرام ، والأمر كذلك بالنسبة الى جمعية الثقافة الكلدانية بالرغم من أنها مؤسسة ثقافية وليست سياسية . أما بما يتعلق بأحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيفة الصغيرة، فهي رازحة بالكامل تحت رحمة المجلس الشعبي، ليس لها إلا تنفيذ ما يُعهد إليها دون مناقشة. إذاً السيطرة والقرار تركزا بإرادة قيادتي التنظيمين زوعـا والمجلس الشعبي، فكيف والحالة هذه يتسنى للتجمع إتخاذ قرارات صائبة تتميز ولو بجزءٍ يسير من الإستقلالية؟ إنه لأمر مستحيل، ولابـد أن تكون القرارات في صالحهما وفائدتهما المشتركة ما داما مسيطرين على الساحة السياسية لشعبنا بالكامـل .


انظروا كيف يخدع التنظيمان العنصريان الغريبان الشعب المسيحي برمته بادعائهما أنهما يخدمانه بكافة مكوناته من الكلدان والسريان والآثوريين، هل عملا على توظيف كلداني مخلص حُر مُعتز بقوميته الكلدانية؟ كلا، بل إنهما ومن باب الغش والخداع يتصدقان على بعض ناكري قوميتهما الكلدانية المتأشورين. اليس محظوراًعلى إعلامهما المرئي والمسموع والمقروء ذكر المكون الكلداني؟ ماذا فعلا بشأن توفير العمل لأبناء الشعب المسيحي عموماً؟ ما عدى لمن والاهما. ألم يستمرءا بل إستماتا على تحويل الكوتا القومية للمكونات المسيحية في انتخابات برلمان اقليم كردستان والبرمان العراقي الإتحادي الى كوتا مسيحية، لأن الكوتا القومية لا تتيح لهما حيازة أيِّ مركز مِن مراكز السلطة. ماذا فعلا تجاه محاولات التغيير الديمغرافي الذي جرى ولا زال يجري في منطقة تلكيف الكلدانية والمتوقع حدوثه في برطلا السريانية وقد يطال مناطق مسيحية اخرى. وماذا وماذا . . .


أتدرون أيها القراء الأعزاء، ما الذي استطاع تنظيما زوعا والمجلس الشعبي فعله وبامتياز؟ 1 - إتفاقهما الوحيد على تنفيذ تآمرهما على الكلدان بإبعادهم عن الميدان السياسي العراقي 2 - تفتيت وحدة الأحزاب الكلدانية وشراء ضمائر بعض أعضائها 3 – إستمالة أكثر القادة الكنسيين الكلدان بالمال الحرام لإبعادهم عن مساندة أبناء شعبهم الكلدان الأحرار 4 – توجيه بعض الكتاب المرتزقة من المحسوبين على الكلدان لقاء أجور لتسخيرهم بشن حملة إعلامية إفترائية شرسة ضدَّ أبناء قومهم الكلدان الأباة، متاجرين باسم الوحدة الكاذبة والوهمية وهم أبعد ما يكون عن الوحدة القومية الحقيقية، التي لا يمكن تحقيقها إلا باسم القومية الكلدانية وتحت هويتها.


أود أن أسأل تنظيم منتحلي التسمية الآشورية المزيفة "زوعا" الأكثر شوفينية بين كُل أحزاب المكونات المسيحية الأخرى، والذي يتباهى بأنه أول مَن طرح تسمية "كلدو أشور" وطالب الكلدان بتبنيها، والمخالف يعتبر انقسامياً . وسؤالي هو: أيجوز لمن يطرح تسمية يتنصل هو بالذات عن تطبيقها ويطالب الآخرين بتطبيقها؟ أليس هذا شكلاً من أشكال التآمر بل التآمر بكل ما تعنيه الكلمة، والبرهان هو تشبثه بتسميته العنصرية الشوفينية التي هي " الحركة الديمقراطية الآشورية " إن كنتم صادقين يا أصحاب التنظيم المغرورين الغافلين عمداً عن معرفة حجمكم الواقعي، لماذا لم تغيروا تسمية تنظيمكم الى" الحركة الديمقراطية الكلدوأشورية" وتطلقوا على فضائيتكم " الفضائية الكلدوأشورية" وجمعيتكم " الجمعية الكلدو أشورية"؟ أليس ذلك حقيقة يا أبناء الكلدان المتأشورين والمخدوعين بمثل هذه الأكاذيب ؟ حتى متى تتعامون عن رؤية الحقيقة الناصعة؟ هل يظن أسيادكم وأنتم معهم بأنكم قادرون على النيل من القومية الكلدانية باستخدامكم لمثل هذه الأساليب الكاذبة والقذرة معاً؟ وتحت شعار الوحدة الوهمية ، لقد انكشف هذا الشعار الزائف وزال بريقه الخادع.

لقد إتخذ التنظيمان زوعا والمجلس الشعبي ذريعة من حادث الإعتداء على كنيسة سيدة النجاة ليدعوان بقية التنظيمات الأخرى لتشكيل ما سموه" تجمع التنظيمات السياسية لشعبنا الكلداني والسرياني والآثوري" لتوحيد الموقف تجاه مثل هذه الأحداث التي قد تحدث مستقبلا، وعلى هذا الأساس شارك الحزب الديمقراطي الكلداني، ولكن الأمر تعدى ذلك، وظهر التآمر على الكلدان جلياً في الإجتماع الذي عقده هذا التجمع المشبوه في اليوم 16 من شهر أيار المنصرم في مبنى جمعية الثقافة الكلدانية، حيث تم فيه التوقيع على النظام الداخلي للتجمع وفيه اعتُمِدَت التسمية السياسية القطارية مما يعني استبعاد المفهوم القومي الكلداني وبموافقة الكلدان الأتباع أنفسهم دون إبداء أيِّ اعتراض أو حتى تحفظ على بعض بنوده وأهمها البند الواردة فيه التسمية القطارية.

تباً للتنظيمين المحتالَين بتآمرهما على الكلدان، الخزي والعار للمتخاذلين من الكلدان، وإن التآمر والخداع لا يصمدان أمام الحق والواقع، وغداً لناظره قريب !


الشماس د. كوركيس مردو
عضو المجلس الكلداني العالمي
في 4 / 6 / 2011 

126
حتى متى يتجاوز الكلدان الجدل البيزنطي؟




لا يختلف إثنان من الكلدان بأن أحزابنا السياسية داخل الوطن وخارجه قد تعثرت في مسيرتها لسببين أساسيين، أولهما الأنانية الفردية المستحكمة في أعضاء هيئاتها الإدارية القاصرة سياسياً مما جعلهم غير قادرين على استيعاب المتغيرات السياسية لمسايرتها بحكمة وحنكة، فظهرت فيما بينهم خلافات حادة أدَّت الى صراع وانقسام. والسبب الثاني إختراق هذه الأحزاب من قبل القوى المعادية المتمثلة بأكبر حزبَين لمنتحلي التسمية الآشورية المزيفة وأعني بهما المجلس الشعبي المدعوم من قبل القيادة الكردية وتنظيم زوعا الفاشي الشوفيني المستقوي بالقيادة العربية السنية المشاركة في الحكومة المركزية، حيث لم يألوا جهداً وكلٌّ على حِدة لتخريب الأحزاب الكلدانية عن طريق شراء ذمم البعض من كوادرها الضعيفي النفوس ليجعلا منهم مرتزقة لهما وأعداءً لأمتهم الكلدانية، وقد نجحا في ذلك .


تُرى، ما هي الدوافع الخفية وراء احتضان حكومتي المركز والإقليم لِما يُسمى بالمكون الآشوري الذي يُعرِّفه التاريخ الحديث بالوافد الى العراق تحت حراب الإستعماريين الإنكليز، الضئيل العدد والإداء والإخلاص، المطرود من مناطقه في جبال هيكاري في تركيا واورمية في ايران، وتفضيله على المكون الكلداني العراقي الأصيل المتعدد القابليات وليس هذا فحسب بل جعله وصياً عليه، أليس هناك في الأمر سرٌّ تعمَّد الطرفان الكردي والعربي إخفاءَه عن الكلدان ؟ شتان ما بين الدور الكلداني الإيجابي في قيام الحكم الوطني العراقي بعد الحرب العالمية الأولى وبين الدور السلبي للمكون الآشوري الوافد ؟ أليست مفارقة كبيرة أن تُستبعد الأفضلية عن صاحب الدور الإيجابي وتُعطى لصاحب الدور السلبي؟ هل أزلتما لفظتي الإنصاف والعدالة من قاموسيكما يا حكومتي المركز والإقليم؟ إني  لفي عجبٍ من موقف الحكومتين اللتين اختارتا الديمقراطية منهجاً كيف تسمحان لهذين الحزبين الشوفينيين اللذين يحملان الفكر التعصبي المقيت أن يُمارسا هذا المسلك الشوفيني ضدَّ المكون الكلداني العراقي العريق؟ متى سينكشف ما وراء الأكمة؟


ولكن للحقيقة والتاريخ علينا أن نشهد بأن عدداً لا بأس به من الآثوريين الواقعـيين في ولايات الغرب الأميركي يُناهضون الفكر التعصبي المبني على الخيال الذي يتبناه هذان الحزبان، فقد كان لحضور المطران الجليل باواي سورو رائد الوحدة الكنسية والدكتور لينكولن مالك الشخصية الآثورية المنفتحة اللذين يُمثلان الآثوريين المشار إليهم الى المؤتمر الكلداني العام المنعـقد بتاريخ 30 آذار وحتى 1 نيسان 2011 في سان دييكو إحدى مدن ولاية كاليفورنيا الجميلة صداه المجلجل في فضاء المؤتمر، عندما أشادا بكلِّ جرأةٍ وشجاعة وبصوت جهوري وصريح بمؤتمر النهضة الكلدانية، مُجسّدَين محبتهما للشعب الكلداني من خلال كلمتَيهما القيمتين، كانت تلك البادرة مفخرة للكلدان سيسجلها لهما التاريخ ويتناقلها أبناء الأجيال الصاعدة.
 

وفي غمرة كُل المصائب التي طالت هؤلاء الذين سموا أنفسهم آشوريين والتي سبَّبَها لهم الإستعماريون الإنكليز، لم يبخل الشعب الكلداني في نجدتهم وتقديم كُلِّ ما كان بمقدوره للتخفيف عن معاناتهم منذ أن نكبهم العثمانيون خلال الحرب العالمية الأولى وحتى آخر مجزرة ارتكبت ضدهم في قرية سميل عام 1933 التي لم يكن الإنكليز بمنىءً عن تدبيرها، وقد فعل الكلدان ما كان بالإمكان مدفوعين مِن إحساسهم الإنساني وايمانهم المسيحي ووقوفاً ضدَّ الظلم، ولقاء ذلك كُلِّه كان جزاء الكلدان من قبل الحزبَين الآشوريَين بعد استقوائهما بالأكراد والعرب منذ التغيير السياسي الذي جرى في العراق عام 2003 قيامهما بمعاداة الكلدان بكل ما لم يكن في الحسبان، منكرين تاريخهم المجيد، مُلغين قوميتهم، سالبين حقوقهم، مغرّرين بشعبهم عن طريق الإغواء والإغراء والتشهير والتزوير من دون أي رادع ووخز للضمير .

وإزاء كُلِّ ما تقدم ذكره، ونظراً لِما آلت إليه حالة الكلدان من الضعف والإمتهان، ومن انشطار لقواهم السياسية وتشتتها نتيجة تصارعها الداخلي وهجوم العدو الخارجي عليها، فنال الضعف منها الى أقصى درجة، لم يبقَ أمام الغيارى مِن أبناء الكلدان إلا أن يطلقوا صرخة مدوية للتصدي بقوة لمعالجة هذا الوضع الخطير، وذلك باستنهاض المشاعر وتحريك الهمم وايقاف التدهور المستمر، فانطلقت الدعوة المكبوتة منذ زمن طويل لعقد مؤتمر كلداني عام لوضع حدٍّ للجدل البيزنطي العقيم الدائر بين الأوساط الكلدانية المختلفة وكُل واحد يلقى اللوم على الآخر بأنه السبب في تردي الوضع الكلداني. وانعقد المؤتمر تحت شعار " مؤتمر النهضة الكلدانية " بعد أن توافد الرجال الكلدان المخلصون من كُل حَدب وصوب الى مدينة سان دييكَو الأمريكية حاضنة المؤتمر مُلبّين دعوة الحضور ببالغ الشوق والسرور، مضحين بوقتهم الثمين وغير عابئين بمشقة السفر الطويل.

كان المؤتمر تظاهرة نادرة حقاً هيّأ لقاءً أخوياً عن كثب بين البعيدين القادمين من اوستراليا وكندا واوروبا والعراق وكذلك القادمين من ولايات امريكية غير كاليفورنيا مثل مشيكان وإلينويز وأريزونا و بين القريبين في سان دييكَو، كان المؤتمر حلماً وبسواعد كلدان كاليفورنيا تحقق على أرض الواقع، فلا يسعنا أن نسألكم يا أحباءَنا إلا تقبلكم لشكرنا وتقديرنا العاليَين، وللباحثين والمفكرين والسياسيين وكافة المثقفين الكلدان المعاصرين الذين أدوا دورهم طوعاً في إحياء وإنجاح المؤتمر إمتناننا العميق.


ونتوجه الى كافة التنظيمات الكلدانية السياسية والإجتماعية والثقافية التي لم تُـتَح لها فرصة المشاركة في المؤتمر لسببٍ أولآخر أن تتحلى بالمرونة والمسؤولية، ونُهيب بها أن تنأى عن الجدل والإدانة والإتهام، واضعة في مقدمة اهتماماتها المصلحة الوطنية والقومية العليا والإرتقاء عن الصغائر والمصالح الأنانية الذاتية والجري وراء الظهور. إن المؤتمر الكلداني العام كان ضرورة قومية ملحة لا يقبل المراوحة، ويعتبر مدخلاً سليماً وصحيحاً في الإتجاه نحو تحقيق الطموح الكلداني واستعادة ما سلب من حقوق الكلدان. وعلى جميع القوى الكلدانية أن تحترم مقرَّراته وتوصياته وتُدخلها ضمن برامج عملها، دون اعتبار ذلك فرضاً بل وعياً بأهمية توحيد الخطاب الكلداني، كَفا الكلدان جدلاً بيزنطياً عقيماً لا يقود إلا الى التأخر!


إن الكلدان يُطالبون تنظيماتهم على تنوعها بالعمل النزيه والصادق والدال على وحدتهم القومية وأن يبرهنوا على استعدادهم الكامل للتنسيق فيما بينهم معتمدين أسساً ومباديء واضحة ضمن برنامج ديمقراطي، دون استعلاء بعضهم على البعض أو فرض رأي على رأي الآخر، وإنما العمل على تقريب وجهات النظر بين المختلفين في الرأي، والأهم أخذ العبرة من الإخفاقات التي أسفرت عن تجارب استخدام الخطاب التوحيدي الذي أكل عليه الزمن وشرب، لأن الطرف المقابل أزاله من قاموسه واستبدله بالإحتواء من جانبٍ واحد، واللبيب من الإشارة يفهم!



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة الإدارية للمجلس الكلداني العالمي
المنبثق عن المؤتمر الكلداني العام

في 17 / 5 / 2011   

127



المؤتمر الكلداني العام وهموم الحانقين!


منذ الإعلان عن عقد المؤتمر الكلداني العام وحتى ما بعد افضاضه في 1 / 4 /2011 ، لم يتوقف بعض الكتاب من أبناء شعـبنا ولا سيما الكلدان المتأشورين فاقـدي الحس القـومي والمستهـينين بكرامتهم في سبيل إرضاء مُنتحلي التسمية الآشورية زيفاً الذين جعلوا منهم أسياداً لهم وهم لا يستأهلون أن يكونوا حتى . .  حيث انهمكوا بتدبيج المقالات الركيكة اللغة والصفـيقة الكلمة، المخرِّبة لا البانية، الى الحد أن بعضهم إستغـلَّ المناسبة للطعـن والإنتقام مِمَّن بينه وبينهم حسابات قديمة.

 
فمِن بين دعاة الآشورية المزيفة، إتهاميون وافترائيون لا يتورعون عن وصف الكلدان بأوصاف بذيئة وقـذرة بعيدة عنهم، وتنطبق فعلاً على قائليها وقومهم بالذات، فهم الذين لَوَّثوا أبناء الشعب المسيحي بجراثيم باطلهم وأكاذيبهم وراحوا يخدمون أجندات الأعداء كتابعـين أذلاء، بينما الكلدان الأصلاء ينأون بأنفسهم عن مثل هذه الممارسات البائسة التي تتسم بالجهل والتخلف الحضاري.


هناك من بين الكلدان المتأشورين مِمَّن صغرت لديه نفسُه فانصعق أمام سحر الدولار الحرام، إتهم المؤتمر بتبنيه أجندة مواضيع مفرِّقة لشعبنا، فحكم عليه مسبقاً بتبنيه الإنفصال والفرقة، وها هو البيان الختامي للمؤتمر قد جاء مفنداً إدعاءَه الإفترائي، لأن الكلدان ليسوا انفصاليين بل هم التواقون الى الوحدة، تلك الوحدة المبنية على العدل والواقع الموضوعي الراهن، فلهم يعود الرقم الأصعب في المعادلة القومية وعلى جميع الأصعدة ديمغرافياً، ثقافياً، علمياً، اجتماعياً وحضارياً، ومن هذا المنطلق المنطقي، لن يسمحوا لأيٍّ مَن كان مِن هواة الكراسي والمناصب الإنعزاليين أن يُمليَ عليهم إرادته أو يطالبهم باتباع أجندته المشبوهة والمشوهة في الوقت الذي هو فارغ مِن كُلِّ شيء !


نقرأ لكلداني بالإسم وبأنه أستاذ للإعلام حسب إدعائه حيث يقول: <<  حضي والصحيح( حظي) مؤتمر النهضة الكلدانية الذي اختتم أعماله في الأول من نيسان باهتمام بالغ لا سيما من الكتاب والمثقفين الكلدان. والإهتمام أخذ اتجاهات شتى منها مَن عارض الفكرة وله أسبابه ومنها مَن وقف مع الفكرة وله أسبابه ويستطرد: كان لا بدَّ لهذا المؤتمرأن يحضى والصحيح( يحظى) بالإهتمام لأن وضعنا نحن الكلدان يتطلب النهضة بعد سبات طويل نسينا فيه الكثير وصرنا مهمشين ليس من قبل الآخرين بل لأن التهميش وقع على أيدينا ومؤسساتنا >> انتهى الإقتباس

 وهنا أود أن أسأل الإستاذ، بدأت مقالك بتعبير جيد حتى قولك بأن الإهتمام أخذ اتجاهات شتى بين معارضين لفكرة المؤتمر وأنت واحد منهم،وبين مؤيدين لها، ولكنك أحجمتَ عن ذكر أسباب كُلٍّ من الفريقين فكيف يتسنى للقاريء معرفة الأسباب؟كما لم تبيِّن كيف همَّش الكلدان أنفسهم وما دور مؤسساتهم في هذا التهميش؟أليس عدم توضيحك للأمر تقديمَ براءة مجانية لِمَن استماتوا في تهميش الكلدان وأنت تعرفهم حقَّ المعرفة وتتستَّر عليهم عندما تتنصل عن ذكرهم، إنهم (الكلدان النساطرة ) منتحلو التسمية الآشورية المزيفة لكونهم لا يمتون إليها بأية صلة والبعض من الكلدان المتأشورين المخدوعين والجهلة بالتاريخ، واللاهثين وراء الدولار الحرام!


حسب علمي كان هذا الأستاذ تلميذاً اسكولياً سمنيرياً، من المفروض فيه عدم معاداة مَن شاركهم العيش والزمالة ولو لفترة،أما أن يُهاجمهم ومعهم المؤسسة الكنسية التي هم جزء منها وبهذا الشكل الصلف دون مراعاة لمقامهم الكنسي ودرجاتهم الكهنوتية فهذا عقوق وتصرف مخجل! وبصدد دفاعه عن الإعلام المستقل فالكل يقف الى جانب هذا الإعلام، ولكن متى شعر صاحب الشأن بأن هذا الإعلام غير مستقل ومنحاز بالكامل الى أعدائه، كيف يرضى أن يفسح له المجال لتنفيذ أجندتهم من خلاله؟ إن المؤسسة الكنسية الكلدانية بعيدة كُلَّ البعد عن السياسة وعلى العكس من غريمتها المؤسسة الكنسية النسطورية بشقيها،المنغمسة في السياسة حتى أذنيها فلماذا لا ينتقدها ولو بالتلميح أو الإشارة؟ الكنيسة الكلدانية برئاستها وبأحبارها الأجلاء، أعربت علنا ومراراً عن تشبثها بقوميتها الكلدانية والدفاع عنها ضدَّ كل مَن يُعاديها دون أي رغبةٍ أو ميل الى السياسة، لأن الكنيسة الكلدانية هى قائدة شعبها دينياً وقومياً وليس سياسياً ! لم يكن المؤتمرون على علم بانتظارك بفارغ الصبر صدور البيان الختامي لكي تبني تقريرك على ضوئه، ولأنك عجول فقد استبقت صدوره وأعربت عما في داخلك وإذا ما بقي لك شيء لم تُشهره فالبيان منشور وبإمكانك الرجوع إليه!


القومية التي عقد المؤتمر من أجلها هي الكلدانية والكلدانية وحدها ولا تهمها التسميات الأخرى كما لا تعاديها، بل تعترف بها كتسميات تبناها قسم من شعبنا عبر الزمن. القومية الكلدانية ستنهض مستندةً الى ما يملكه أبناؤها الكلدان من تراث وأدب وعلم وثقافة وشعر وموسيقى وكلها تتمثل في لغتها الكلدانية أصفى اللهجات الآرامية وأعذبها نطقاً ونغماً. الكلدان لا يبالون بالتيار التعصبي الشوفيني اللاوحدوي بكل ما تعنيه الكلمة فهو تيار تفريقي فوضوي لا قوة ولا تأثير له لا في الوطن الأم ولا في بلاد المهجر، وبدون التيارالكلداني الوحدوي الحقيقي،الوحيد والمخلص لا سبيل الى الوحدة المنشودة من شعبنا المخدوع بتصورات المتفذلكين الإنتهازيين قليلي الإدراك.


لقد قرأت المقالات التي تحدَّثت عن المؤتمر الكلداني العام وأثار أصحابُها تساؤلات مريبة وغريبة ومن بينها ، أن المؤتمر سيعمق الهوة بين الكلدان والطائفتين الخارجتين من صلبهم الآثوريين والسريان، ولكن الواقع أظهر بطلان تلك المزاعم، فأهداف المؤتمر كانت نهضة الكلدان مجدداً لتثبيت هويتهم الكلدانية الأصيلة وصيانتها من محاولات التشويه العبثي بفرض تسمية مركبة دخيلة بدلاً عنها أولاً، والمطالبة بحقوق الكلدان المشروعة وطنياً وقومياً بمقتضى الدستور ثانياً. كان المؤتمر زاخراً بالبحوث والدراسات والكلمات التي أعَدَّها المؤتمرون، وحيث أن الوقت لم يتسع ليقوم أصحابها بقراءَتها كاملة، فقد قاموا بإلقائها مختصرة جداً. وقد شارك الكلدان العديدُ من إخوتهم الآثوريين الأحباء المنفتحين حيث أكرمهم الكلدان وأفسحوا لهم المجال للتعبير عن آرائهم بمنتهى الحرية فكانت كلماتهم تدعو الى التكاتف والتآزر ووحدة الصف بين الكلدان والسريان والآثوريين، وإن دلَّ هذا على شيء فإنه يدل على أن هنالك شريحة لا بأس بها من إخوتنا الآثوريين المتحضرين تختلف بأفكارها وآرائها وتصوراتها عما تعتمده الأحزاب الآشورية من تعصب وتزمت موروثين من طبيعتهم القبلية وجهالتهم التاريخية، جاهدت بنشر هذا الفكر الشوفيني بين أبناء الشعب الآثوري البسطاء والمسالمين .


يا للتناقض الفاضح بأقوال صاحب الرسالة الدافئة الى مؤتمر النهضة الكلدانية، ما هذا الدفء وما هذه الفرحة الكبرى التي كرَّرتها مراراً في مقالك عندما تتهم المؤتمر بعدم إبعاده الذين وصمتهم بالإنتهازيين وأصحاب العقد والمفرقين والمتعصبين والأنانيين، كيف عرفتَ المؤتمرين بهذه الأوصاف وأنت غائب عنهم؟ هذه النخبة الكلدانية الخيرة هي التي ضمها المؤتمر لنقائها،إخلاصها،وفائها لأمتها الكلدانية وخلوها من المتصيدين في المياه العكرة القابعين في الزوايا المظلمة ينبشون في سير المخلصين من الكلدان. ممثلو العراق وعلى رأسهم الأستاذ ابلحد أفرام هم أخلص مَن تمسكوا بقوميتهم الكلدانية ولم يساوموا عليها رغم كُلِّ الإغراءات المادية، وكذلك الحال مع الكلداني الصرف المهندس فاروق يوسف. لم يكن للمطران سرهد جمو قرار الإختيار، وناقل الخبر مشاكس هذا إذا لم يكن الخبر من تأليفك، إسمح لي بالقول بأن هويتك الكلدانية قد فقدتها مخيراً منذ زمن طويل، والدليل رسالتك الجامدة لا الدافئة، شكراً على شعورك وليسامحك الله!


الكلدان ليسوا بحاجةٍ الى قناعة مَن لم يُعجبهم شعار المؤتمر" النهضة الكلدانية" لأنهم أدرى بما يصبون إليه من المتبرعين لهم باقتراحات هي دون طموحاتهم. لا يقبل الكلدان أن يُلبسهم أحد رداء التعصب القومي الآشوري المزور والفارغ معاً.الكلدان ينظرون الى كامل العراق موطناً أصيلاً لهم ولا يسعون الى جزءٍ صغير منه أبداً، وهذا أنصع دليل على ارتباطهم بوطنهم وقوميتهم وأوضح تعبير عن شعورهم وانتمائهم الى كل شبر من أرض العراق. والخلاصة: إن المؤتمر الكلداني العام قد أنهى أعماله وأصدر بيانه الختامي وأعلن عن مقرراته وتوصياته، ودعا أبناء الكلدان بأن زمنهم الجديد قد إبتدأ، وعليهم القيام بالعمل الفعلي عبرالهيئة التنفيذية المنبثقة عن المؤتمر وقد انتخبت انتخاباً ديمقراطياً حراً، وهي مكونة من خمسة عشر عضواً من الوطن الأم العراق ومن بقية دول العالم. فالى العمل المثمر .



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية للمؤتمر

128



ما سرُّالهجوم على الكلدان بمناسبةٍ وبدونها؟



لو استعرضنا وضع مكونات الشعب العراقي منذ سقوط النظام البعثي في 9 نيسان عام 2003 لوجنا أن المكون الوحيد الذي تعرض لأنواع ٍ عدة من الإضطهادات هو الشعب الكلداني العراقي الأصيل دون بقية مكونات الشعب العراقي الأخرى كالعرب بشقيهم الشيعة والسنة والأكراد والتركمان واليزيدية والشبك والسريان والآثوريين والأرمن والمندائيين، النوع الأول من الإضطهاد: هو ما طاله من الحيف والإجحاف حيث سُلبت حقوقه القومية والوطنية والسياسية، دون أن تشفع له أيٌّ من القيادات الثلاث الرئاسية والتنفيذية والبرلمانية، وكأني أراها متعمدةً وغيرَ آبهةٍ بوجود هذا الشعب سليل الأمة الكلدانية العظيمة ذات السهم الأوفر في إغناء حضارة وادي الرافدين العراق القديم وما بذله أسلافه المعاصرون في دعم نهضته منذ استقلاله عام 1921.ألا يُعتبر هذا ظلماً واستخفافا بكرامة أخلص مكونات العراق وبدون مبالغة! ولم يقتصر هضم حقوق الكلدان على الحكومة المركزية فحسب،فإن حكومة اقليم كردستان بخست حقوق الشعب الكلداني بكُلِّ أشكالها،فقد حرمته من الدعم مادياً واعلامياً وثقافياً واجتماعياً، بالإضافة الى محاربته قومياً، عندما رفع برلمانُها اسمَ قوميته الكلدانية من مسودة دستور الإقليم رضوخاً لرغبة حزبٍ آشوري متنفذ في الأوساط الكردية على الرغم من مخالفة ذلك لورودها المستقل في دستور العراق الفيدرالي .


أما النوع الثاني من الإضطهاد: فحدِّث ولا حرج، حيث جعلت المليشيات الشيعية من الشعب الكلداني المسيحي في محافظتي بغداد والبصرة بعد التحرير هدفاً رئيسياً لإرهابها المتمثل بالقتل على الهوية في حالة بقاء العوائل المسيحية في دورها، مِما اضطرَّ أعداداً كبيرة منها لتركها واللجوء الى شمال الوطن أو الهرب الى دول الجوار، ثم أعقب ذلك قيام المليشيات السنية بالتعاون مع الإرهابيين القادمين من وراء الحدود بالدور القذر ذاته ولا سيما في محافظة نينوي وداخل مدينة الموصل بالذات، فقتل الكثير من رجال الدين الكلدان وعلى رأسهم المطران  بولس فرج رحو، وغادرت آلاف العوائل مساكنها ولجأت الى أماكن أكثر أمناً حفاظاً على حياتها.
 

والإضطهاد الثالث هو قيامُ المتنفذين من العرب والأكراد بالإنحياز الفاضح الى جانب فئةٍ ضئيلة من أبناء شعبنا هم الآثوريون والسريان الذين بمجموعهما لا يمثلان إلا نسبة 15% مقارنة ً بالكلدان البالغة نسبتهم 85%من مجموع مسيحيي العراق، وذلك للوقوف ضِدَّ طموحات الشعب الكلداني وتطلعاته التي ينظرون إليها خطأً بأنها لا تتفق وإيديولوجياتهم التي تتسم بفرض وصايتها على كُل مَن ينادي بحريته وحقوقه المشروعة داخل وطنه.وأكبر دليل على ما ذكرناه هو عدم شمول أحزاب الكلدان السياسية على أيِّ دعم مادي وأعلامي من قبل أيٍّ من الحكومتين المركزية أو الكردستانية، بينما تُغدقان على الأحزاب والتنظيمات الآثورية بسخاء علاوة على دعمها أعلامياً واجتماعياً. فكان لهذا التصرف غير العادل والمنافي للعُرف الديمقراطي أثره البالغ في تجبُّر الأحزاب الأثورية الى حد إتباعها الأساليب الشوفينية، فتقوم بمحاربة أبناء الأمة الكلدانية مستخدمة كُلَّ السبُل الملتوية لإجهاض مساعيهم الرامية الى القيام بدورهم السياسي والإجتماعي لخدمة وطنهم العراق . قليلاً من العدالة والإنصاف يا قادة العراق من العرب والأكراد، وتذكروا قدرة الله وعدالته، فإنه لا ينسى المظلومين من خلائقه أبداً إن طال الزمن أو قصر! وقد تحقق هذا الأمر لكم، فقد كنتم مظلومين ومهمشين من قبل نظام فاشي ديكتاتوري، هل بعد انعتاقكم من نير الظلم، إنقلب دوركم الى ظالمين ولمكون عراقي واحد فقط يشهد له التاريخ بعراقته وأصالته، ألا وهو المكون الكلداني؟


قبل ما يزيد على السنة والنصف تم الإعلان عن انبثاق الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان بعد مشاورات ومراسلات واجتماعات عديدة على البالتوك، فثارت ثائرة الإتحادَين السرياني والآثوري المشابهين، وأخذ من أعضائهما التشنج مأخذه، الى الحد الذي حدا ببعضهم تحريض عدد من الكتاب ليقوموا بمناشدة وزارة الثقافة في اقليم كردستان لحجب أي دعم أو مساندة للإتحاد الفتي تحت حجة واهية غير واقعية ولا منطقية، بأن قيامه هو إمعان في التشرذم، يا له من منطق أهوج ! تُرى لماذا الإتحادان السرياني والآثوري لا يساهمان بالتشرذم وهما على عداءٍ خفيٍّ وعلني منذ قيامهما، وان الإتحاد العالمي الكلداني فقط هو الذي يزيد التشرذم! يا لها من مفارقةٍ بائسة! ! !


واليوم، ونحن الكلدان مقبلون على عقد مؤتمر كلداني نهضوي عام في المدينة الأمريكية العظيمة سان ديـيغـو التي تضم ثاني تجمع كلداني كبير بعد تجمع ديترويت الأكبر، نرى بعض أبناء الكلدان الضعيفي النفوس المعبَّئين والمدربين للقيام بأدوارعدائية مضادة لتطلعات امتهم الكلدانية التي تنكروا لها، قد انبروا شاحذين أقلامهم للتقليل من أهمية المؤتمر، ويعكس ذلك ردَّ فعلهم العنيف والفارغ معاً على عدم دعوتهم لحضور المؤتمر، وليعلم هؤلاء المشككون بأن الداعين للمؤتمر هم نخبة مختارة من الكلدان الغيارى مشهود لهم بالكفاءة والإخلاص لأمتهم الكلدانية ووطنهم العراق، يعرفون كيف يفرزون الحنطة الكلدانية النقية وهي الساحقة من الزوان المزروع بينها فليس هنالك مجال لدعوة مَن استهواهم المال فباعوا أنفسهم من أجله لعدو أمتهم الذي تعددت أشكاله وتنوعت أساليبه الملتوية والغوغائية! حتى مَن كان منهم من الوسط الكنسي وله مسؤوليات كبيرة ولكنه ضعيف أمام المغريات المادية فتهون عليه المتاجرة بقوميته الكلدانية، والأمر ينطبق أيضاً على المغشوشين بالمقولة البديهية " بأننا كلنا مسيحيون" التي استعملها مَن هم أبعد الناس عن المسيح والمسيحية وأن معبودهم هو" آشور والآشورية" لخدع الكلدان البسطاء المخلصين لمسيحيتهم وثنيهم عن الإعتزاز بقوميتهم فجلبت الوبال الى بني قومهم، فمثل هؤلاء لا نفع فيهم ماداموا لا يميزون بين مسيحيتهم وقوميتهم.
 

الكلدان في أميركا يشعرون جيداً بحاجة الكلدان الصامدين في الوطن والعالقين في بلدان الجوار الى المال، ولم يألوا جهداً في توفير المال لهم وبخاصةٍ للعالقين والمنتظرين لقبولهم في دول المهجرالأمريكي والأوروبي والأسترالي،أما مطالبة البعض لكلدان المهجر بأن يقوموا بإقامة مشاريع اقتصادية في بلدات وقرى شعبنا، هل يستطيع هذا البعض ضمان السلامة لها في هذه الأوضاع التي ينعدم الأمن والإستقرار فيها؟ أين الواقعية أيها المطالبون بما يستحيل القيام به؟ كفاكم العزف على أوتار مثلومة فإنها ثقيلة على السمع ولا تستسيغها الآذان

وهنالك مَن يوجه أسئلة مريبة عن جهل بل عن تعمُّد وكأنه لا يعرف مَن هي الجهة الداعية للمؤتمر، ولماذا لم تُدعى الجهة الفلانية والعلانية، وهل الكنسي الوحيد يمثل الكنيسة كلها؟ وماذا سيقرر المؤتمر؟ وامور اخرى كثيرة يستدل منها بأنه " متأشور للعظم" ويدَّعي أنه كلداني، أليس أمثال هذا النموذج أشد نفاقاً وعنصر شقاق بامتياز! وهنالك أيضاً البعض من إخوتنا الكلدان الهوزيين الذين قد نصبوا من أنفسهم حماةً لزوعا ومبادئها الشوفينية الهتلرية، ولا أدري كيف لا يُكافئهم زعيم زوعا ومجلسها بتحويل اسم حركتهم ليحمل إسمهم بدل إسمها الحالي لتصبح ( الحركة الديمقراطية الهوزية). كما هنالك مَن له شهادة الدكتوراه، يدَّعي أنه كلداني ولمجرد تصادمه مع مسؤول كنسي في السويد يوماً، قلب ظهر المجن على الكنيسة الكلدانية برمتها وراح يهاجم رئاستها ورموزها بصلافة غير معهودة . أليس أمثال هؤلاء أخطر على الأمة الكلدانية مِن منتحلي التسمية الآشورية؟ ؟
 

إن المؤتمر الكلداني سيكون كلدانياً صرفاً، يحضره أبناء الكلدان الأقحاح بمختلف أصنافهم ودرجاتهم العلمية والثقافية والأدبية من أساتذة اللغة والفلسفة والفكر والقانون والفنون بما فيهم السياسيون ذوو الحنكة والدراية في القضية القومية الكلدانية المتجنى عليها زوراً وجوراً، هذا هو الجواب لمَن قال في مقال له بأن حضور المؤتمر سيقتصر على أشخاص مختارين، نعم قلتَ الصواب وإن قصدت به الإنتقاد، فلن يُدعى الى المؤتمر مَن هم في الظاهر حملاناً وديعة وفي الباطن ذئاباً خاطفة! وإنما المدعوون سيكونون مِن المؤمنين بقوميتهم الكلدانية المقاومين لصهرها أو حتى لدمجها بتسميات لا أصول ولا مقومات قومية لها. فليسمع الكل، إن قوميتنا الكلدانية هي نابعة من مشاعرنا ملتصقة بأصالتنا، ترفض أيَّ انتهاك لها. وهذا لا يعني نكراناً منا لإخوتنا المتبنين لتسميات أخرى كالآثوريين المباركين المنفتحين والسريان المعتدلين، وقد أعربنا عن ذلك مراراً وتكراراً. أهداف مؤتمرنا هي التكاتف والتآلف والجمع، لن يدعو الى الإقصاء والتفرقة كما يفعل الآخرون، سيناقش حاضر الأمة الكلدانية الراهن ومستقبلها، سيطرق أبواب مختلف المنافذ لإسماع الصوت الكلداني الى أصحاب الأمر بإدارة شؤون الوطن العراقي، لتعريفهم بالغبن الذي لحق بالشعب الكلداني لكي يُصار الى إنصافه وإعادة حقوقه المهضومة وتفعيل دوره الريادي في خدمة وبناء العراق وطن أسلافه الميامين.



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 22 / 3 / 2011             

129

خيبة أمل الشعب العراقي


ثمانُ سنواتٍ إلا شهر مَرَّت على التغيير السياسي الذي حدث في العراق، والشعب العراقي يترقب أن يجني ثماراً ايجابية تُنسيه ما عاناه من الحرمان والقمع على أيدي قوى النظام الديكتاتوري البعثي، ولكن الأحزاب التي هيمنت على السلطة السياسية للأسف لم تتعاون بجديةٍ وإخلاص مع الشعب بكل مكوناته لتحقيق المهمات السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية والبيئية المتعلقة بحياته ومعيشته وحريته التي كان محروماً منها، بل أثبتت وراثتها للكثير من سلبيات النظام السابق سواءً كان في مجال الفقر والحرمان والبطالة، أوالمجالات الجمة الأخرى كالفساد الإداري والمالي والتخلف الإقتصادي والإجتماعي وغياب المجتمع المدني بكل شكل من أشكاله، بالإضافة الى السماح بظهور النظام الطبقي والسيطرة الحزبية . بيد أن هذا الواقع ومِن غير شك بحاجةٍ الى وقتٍ وجهدٍ كبيرَين للخلاص منه وعِلاج المشاكل الناتجة عنه، كما يحتاج الى تضافر جهود المجتمع بأكمله لتحقيق الأهداف التي ينشدها ويصبو إليها الشعب العراقي .


وبعد مرور السنوات الثمان على حكم الأحزاب الدينية الإسلامية والطائفية وزيادة الموارد المالية، قابلها تفاقم ظاهرة الفساد المالي حتى فاحت رائحته بدرجةٍ تُزكم الأنوف، في الوقت الذي كان يجب العكس أن يحدث وهو مكافحة هذه الظاهرة البشعة ومعاقبة الفاسدين بصرامة، وإزاء هذا التهاون بدأ الناس يتململون ويتغلب عليهم النفور من الحكم، فكان لا بدَّ من تحركهم لمواجهة هذه الحالة المزرية.

حكومة المحاصصة الحزبية والطائفية لم تسعَ لوضع خطةٍ تنموية اقتصادية واجتماعية بهدف تغيير بنية الإقتصاد والمجتمع، وإنما اعتمدت سياسة تجارية بالكامل أغرقت الأسواق بالسلع، دون أن تبذل الجهد لتغيير بنية الريف العراقي والزراعة ولا أعطت الإهتمام للتصنيع. إن هذه الحالة السلبية تُعيق نمو الإقتصاد ولا تساعد على تنامي الثروة الوطنية وبالتالي لا تساهم في مكافحة البطالة بشكليها المكشوف والمقنع لأبناء العراق من الجنسَين، كما أن بذخ الأموال هدراً بهذا الشكل لا يُحقق للوطن الراسمال التراكمي المطلوب والذي يعتبر السند المهم للغاية من أجل أمن العراق الغذائي بنوع خاص والسلعي بنوع عام .


إن التنمية المجتمعية المدنية والحريات العامة والديمقراطية هي مجرد مصطلحات لدى الحكومة العراقية، إذ لم تعمل على تنميتها لا في المجتمع ولا في قيادات وبنية الأحزاب السياسية الحاكمة. إن مفهوم الحرية والديمقراطية لا يقتصر على إجراء الإنتخابات وهو طبعاً مهم لنزاهتها، ولكنهما يحتويان على قيم ومؤشرات كثيرة ينبغي أن تتوفر في الأداء الحكومي وعلاقته مع الشعب، وفي ما يتعلق ببنية وأنشطة الأحزاب السياسية. فمتى كان لأيٍّ رئيس حكومة ومنذ ثمان سنوات مبادرة ً للدعوة الى إقامة ندوات شعبية تحاورية مع مختلف فئاتها، وهل قام أحدهم بتفقد الأحياء الشعبية والوقوف على مشكلاتها لإيجاد حلٍّ لها؟ ومتى تمَّ استفتاء الشعب على مسائل أساسية تمس مصيره ومستقبله. أليست هذه كلها إشكاليات تجعل العلاقة بين الشعب وحكومته معقدة وتؤدي الى التباعد عن بعضهما؟


ليس لأحدٍ الإنكار بأن الأمن والإستقرار كانا في اضطراب دائم نتيجة الصراع المذهبي الشيعي والسني تنازعاً على السلطة، نتج عنه فراغ وإهمال إستغلتهما الأطراف الإقليمية التي يقلقها ويؤرقها بروز عراق جديد بعد زوال عنه الديكتاتورية التي استعبدت شعبه لأكثر من ثلاثة عقود، فأراد أن يسلك طريق التقدم باعتماد مباديء الديمقراطية والحرية، فتصدَّت لطموحاته وجنَّدت مجموعات من الإرهابيين، وسهلت لهم التسلل الى العراق فعاثوا فيه فساداً ودماراً وأحبطوا جهود الحكومة العراقية وأشغلوها عن الإنصراف الى متابعة مشاريعها التنموية والخدمية، بل شلّوا قدراتها الى الحد التي لم تعد قادرة ً على ردعهم ودحرهم، ولكن الشعب لم يكن راضياً على أداء الحكومة بهذا الصدد، وحمَّلوها المسؤولية الكاملة بعدم جديتها بمكافحة الإرهاب بل إتهموا بعض عناصرها بالضلوع فيه.


بعد مرور هذه الفترة الطويلة لا يجد المواطنون في بغداد والمحافظات الحد الأدنى من الخدمات، لماذا تنعدم خدمات الكهرباء والماء بهذا الشكل المزري؟ لماذا تكون خدمات الإتصال بهذه الرداءة؟ لماذا تتراكم القمامة كالأطلال في الأحياء السكنية والأزقة؟ لماذا عمَّ الفقر والبطالة ولماذا ولماذا. . . أليست هذه الحزمة من الظواهر السلبية سبباً لتحرك الشباب والنساء والرجال نحو التظاهر يدفعهم اليأس من عدم ايفاء الحكومة بوعودها لتوفر لهم العمل والحياة الكريمة! هل المطلوب منها أن تتصدى لهم وتقمعهم، أم الواجب عليها أن تستمع إليهم وتُحاورهم وتبذل كُلَّ جهدٍ ممكن لتلبية مطالبهم المشروعة؟ إنهم لم يخرجوا الى الشارع لتغيير النظام بل للمطالبة بإجراء إصلاحات جذرية في سياسة الحكومة التي هم انتخبوها لتعمل من أجل إسعادهم . إذا لم تستجب الحكومة الى المطالب الشعبية، فإن سقف مطالب الشعب سيرتفع وهذا من حقه ولن يُجدي التعامل معه بالقسوة والقمع. كما أن التأخر في الإستجابة ليس بصالح الحكومة ولا بمصلحة الوطن من حيث الإستقرار والتطور ودرء الأخطار الخارجية المحيطة بالعراق.


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 9 / 3 / 2011

130
المنبر الحر / ܒܥܘܬܐ باعوثا
« في: 05:12 15/02/2011  »




ܒܥܘܬܐ باعوثا





الباعوثا لفظة كلدانية تعني في العربية : طلبة، تضرع ، التماس. وبحسب طقسنا الكلداني تستمر ثلاثة أيام  من الإثنين حتى الأربعاء من الإسبوع الخامس لموسم الدنح وهو الموعد الذي يسبق الصوم الكبير بثلاثة أسابيع، يسود خلال هذه الأيام طابع الخشوع والتوبة والندامة على ما قد اقترفه الإنسان من زلات وخطايا ضدَّ الله والقريب، وتختتم الصلوات بالإحتفال بالذبيحة الإلهية (القداس) ويكون قداس اليوم الثالث والأخير احتفالياً ايذاناً بانتهاء فترة الصوم والتضرع وبدءاً لحياةٍ جديدة .


وللوقوف على أصل هذه الباعوثة، علينا فتح سفر النبي يونان وقراءة فصوله الأربعة القصيرة لنرى فيها رغبة الله الخالق في خلاص شعب نينوى، وعدم انصياع يونان للأمر الإلهي ليكون وسيطاً بين الله وهذا الشعب لإعتقاده بأن شعب نينوى وثني ولا يعرف الله، ونتيجة لتمرد يونان يُعاقبه الله، حيث يأمر حوتاً ليبتلعه ويُبقيه في جوفه ثلاثة أيام بلياليها. ويبدأ يونان يتضرع الى الله من داخل جوف الحوت الذي نزل به الى عمق البحر، وهو يُشبِّه حاله في موقعه هذا بأنه أشبه بـ < مثوى الأموات > ويستجيب الله لصلاة يونان فيوعز للحوت بأن يلفظـ يونان الى اليابسة، فيسرع يونان الى نينوى ويوجِّه إنذاراً الى أهاليها بأن مدينتهم ستنقلب بعد أربعين يوماً من الأن إن لم يتوبوا عن خطاياهم وأرجاسهم، فيأخذ الإنذار منهم مأخذه ويقومون فوراً بأداء فرائض التوبة بالصوم والصلاة دون أدنى اعتراض أو تساؤل حتى أن يونان انذهل لمبادرتهم .


الكنيسة الكلدانية في طقسها الذي قد تمَّ وضعه في خلال القرن السابع ورُتِّب ونظِّمَ في كتاب صلوات الفرض ܚܘܕܪܐ"يعزو العلة في فرض صوم الباعوثة الى سببَين، أولهما تيمناً بما ورد في سفر يونان.  المسمى " حوذرة 
وقد أشرنا إليه أعلاه. وثانيهما هو وباء الطاعون الذي حدث ضمن البلاد الفارسية والذي اعتبر من الأحداث المهمة التي تزامنت مع عهد ( مار حزقيال الجاثاليق 570 - 581 م )  يقول ( عمرو في المجدل ص 43 - 44 ) بأنَّ مطران بيث كرماي واسقف نينوى حَثّا المؤمنين على إقامة الصلاة والصوم لمدة ثلاثة أيام ، لكي يُزيل الله عنهم الوباء الذي كان متفشِّياً في المناطق الشرقية ، وفاتحا الجاثاليق مار حزقيال بما عزما عليه، فلقيا منه الإستحسان والتشجيع. وسَموا صلاتهم وصومهم بـ ( باعوثة نينوى) أي ( تضرُّع نينوى ) تيمناً بصوم أهل نينوى القدامى . فقبل الله إلتماسهم ودعاءَهم وأزال الوباء عنهم .


ربَّما سائل يسأل بأن القسم الأعظم من صلوات الباعوثة التي تُمارسها الكنيسة الكلدانية قد تمَّ تأليفها من قبل العالمَين الفريدَين الكلدانيَين القديسَين ( مار أفرام 307 - 373 م ) و( مار نرساي 399 - 503 م ) فهل كانت الباعوثة تُمارس على أيامهما؟ نقول للسائل: لا لم تكن تُمارس الباعوثة كاداءٍ طقسي، وليس عجباً أن يقوم هذان العالمان بكتابة الصلوات والأشعار البديعة عن باعوثة نينوى، فقد كان علماء كنيسة المشرق في القرون الأولى لقيامها يتناولون أسفار الكتاب المقدس ويفسرونها بايحاءٍ من الروح القدس، وقد أعجب الكاتبان القديسان مار أفرام ومار نرساي بقصة يونان النبي مع الله، فأرخيا العنان لخيالهما الروحي، فأبدعا نثراً وشعراً واصفَين شكل التوبة الحقيقية الصادقة التي أبداها أهل نينوى ومن خلالها نالوا الخلاص من الهلاك. كما لا ننسى قيام مار أفرام بنسج خيالي رائع لقصة يوسف بن يعقوب الصديق، أبرز فيها أدوار جميع أفراد القصة بتسلسل روائي بديع!
   
 
ܒܥܘܬܐ ܕܒܬܘܠܬܐ باعوثة العذارى

وقد ورد في تاريخنا الكنسي، بأن الخليفة الأموي الوليد الأول بن عبدالملك بن مروان 705 - 715 م تمادى في كُرهه للمسيحيين فتوعَّد بنهب وسلب المناطق العليا من بلاد ما بين النهرين ذات الكثافة السكانية المسيحية وأصدر أوامره بأسر السكان وجلب الراهبات العذاري لجعلهن جواري له ولأفراد حاشيته. وقد وقع الخبر على الراهبات وقع الصاعقة، فهرعن الى التضرع لله بقلبٍ منكسر ودعاء حار لمدة ثلاثة أيام ليُزيل عنهن هذه المصيبة الشنيعة، وكان أن نالت صلواتهن الإستجابة من الله، فمات الملك الجائر في تلك الأثناء وزالت المحنة .


نستخلص مما تقدم ذكره بأن صلاة وصوم الباعوثة هو مأثرة أصيلة في تراثنا الكنسي الشرقي وبخاصةٍ التراث الكلداني، وما ساهم في جعلها تظاهرة تقوية نُعيد ممارستها سنوياً من أجل توبةٍ حقيقية هي الظروف العصيبة التي عصفت بنا على مرِّ الزمن .


الشماس د. كوركيس مردو


131






مَن هم الكلدان؟

على ضوء الإعلان عن عقد المؤتمر الكلداني العام الذي أصدرته اللجنة التحضيرية المؤلفة مِن أبناء الكلدان الأماجد: الدكتور نوري بُركة والأديبين صباح دمان ومؤيد هيلو والمحامي ستيفن يونان، والمزمع عقده في مدينة ساندييكَو بولاية كالفورنيا الأمريكية للفترة من 30 آذار ولغاية 1نيسان لعام 2011 تحت شعار

                      ( النهضة الكلدانية )


إنه أصدق شعار ونِعمَ الإختيار، فالكلدان بأمس الحاجة الى نهضة قومية جديدة كنهضة ملكَيهم نبوبيلاصر العظيم وابنه نبوخـذنصر الثاني الأعظم، اللذين انتـقما من الآشوريين كردٍّ على غـزوات ملوكهم لبابل والممالك الكلدانية الأخرى بدءاً بالملك تكـلت بيلاسر الثالث وانتهاءً بآشور بانيبال، اولئك الملوك الطغاة الذين تعدّى مجموعُ أسراهم من الكلدان النصفَ مليون إنسان وكان هذا رقماً هائلاً في ذلك الزمان.  ولكن نهضتـنا نحن أحفادهم لن تكون على الصعـيد الحربي بل على الصعـيد العلمي والمعرفي والتربوي، فقـد طالَ شعورَنا القومي سباتٌ طـويل، فاستغـلَّه الخارجون من صلبنا استغلالاً بشعاً، وما كاد أن يستـفـيقَ شعـورُنا بعـد هذا السبات حتى تصدوا له وعملوا بكُلِّ جهدهم على إخماده بـعد أن تبنّـوا تسمية وثـنية غريبة تعود لآشوريي التاريخ القدماء الذين طالهم الفناء، وقد وَلَّد لديهم انتحالُ هذه التسمية المُريبة شعـوراً عـنصرياً غـريباً وعِـدائياً، وراحوا يختلقون سُبُلاً وضيعة للحيلولة دون إتقاد الشعور القومي لدى الكلدان .


نقول لأحفاد الخوارج القدماء والخوارج الجُدُد المتراصفـين معهم، بأننا أحفاد الكلدانيين العـظام واسمنا موصول بهم منذ أن كانوا على الوثنية بآلاف السنين قبل بزوغ فجر المسيحية وحتى بعد اعـتناقنا للمسيحية وحتى اليوم، ما عَرفـنا إسماً آخر لنا على مدى تاريخِـنا المدني أو الكنسي . هل لم تقـرأوا الترنيمة الشعرية التي نظمها بحـقِّ الكلدان مار ماروثا اسقـف ميافـرقـين الملفان تلك المدرجة في صلوات الشهداء لمساء الجـمعة بكـتاب الفرض الحذرة/ اللحن التاسع ص 365 حيث يقول فيها < إن ملكَ العُـلى وجُندَه، يمنحُ عَـوناً لجميع المؤمنين، فقـد صدر الأمرُ ليُقتَلَ الشهداءُ الأبرارُ بحـدِّ السيف. بَهُتَ الكلدانُ وانتـفضوا وقـوفاً، ورفعـوا الإصبعَ قائلين. عـظيماً هـو إلهُ المؤمنين، فهو يُنقذهم وإن كان لا يُرى > تُرى لماذا لم يُسمّ ِ الملفانُ اولئك المؤمنين بالآشوريين؟ الجـواب بسيط جداً وسهل جداً، إذ مِن غير الممكن إعطاء وجودٍ لِما هو غير موجود! ولا ندري إن كُـنتم  قـد حذفـتم هذه الترنيمة بعد انعزالكم أم إكتفيتم بتأويلها بحسب مفهومكم الخاطيء.


إذا كنتم لا تحترمون اعتزازَنا باسمنا الكلداني العذب، وإذا كان رُهاب الكلدانية يُثير في نفوسكم الرِّعدة، لماذا الجريُ وراءَنا، وكيف تُريدون أن نقبلكم وأنتم تُحاولون ابتزازنا وبالدولار شراء هويتـنا؟ لقد احترمنا تسميتكم رغم علمنا بكيفية انتحالكم لها، لآننا بعيدون عن التعقيد والإنغلاق ولا نقف ضِدَ اختيارات الآخرين مهما كانت خاطئة وغير عادلة،ولا تنسوا أن الكلدان هم الذين قضوا على الإمبراطورية الآشورية الغاشمة وأبادوا شعبها، تلك التي انتحلتم إسمها، فلماذا تُحاولون إعادة المشهد من جديد؟ إتركونا وشأننا لـنُصفح عنكم عن تنكركم لنا .
إن هويتنا الكلدانية لم تمنحها لنا كاثوليكيتُنا كما يفتري الجهلاء بل مُتعمَّدو الإفتراء، وإنما تأصلُها فينا قد ورثناه مِن أصالة أجدادنا عبر مئات القرون، لا نقبل أن يشوهها أحدٌ كائناً مَن كان، سنحافظ عليها حرة مستقلة شامخة كشموخ النخلة لا تنثني أمام الرياح مهما كانت عاتية، وهذا لا يعني أننا لا نرغب بالتعاون والعيش المشترك مع مَن يحترمون الأخوة والقربى والإنسانية تحت ظلال الحرية الممنوحة من الله للبشر .


لا زال منتحلو التسمية الآشورية الوثنية متمسكين بالمنطق الأهوج: بأن بقعة الأرض التي سكنها آشوريو التاريخ القدماء قـد بقيت طابو باسمهم رغم زوالهم وفـنائهم الأبدي، وأن قاطـنيها اليوم هم حكماً آشوريون، وإذا امتـنعـوا عن القبول بمنطقهم فلا مناص من إجبارهم على القبول! هل هنالك أغبى من هذا الإدعاء؟ إذا كان الأمر كذلك فقد كان السومريون أول مَن سكن تلك البقعة ثم تلاهم الشوباريون فالأكديون، فلماذا لم يرتبط إسم هذه الأقـوام بتلك الأرض حتى يرتبط بها اسم الآشوريين الذين غزوها بعدهم؟ وإذا كان الجواب بأن اولئك الشعوب الثلاثة اندثروا وبقاياهم  انصهروا بالشعوب التي انتصرت عليهم، كذلك كان الأمر بالنسبة للآشوريين، ولذلك نقول بأن الإسم لا عبرة له لأنه يزول بزوال شعبه، ويأتي الى الأرض آخرون . وإذا جارينا هؤلاء المدعين بالأشورية بإدعائهم غير المنطقي فلماذا لايطالبون عرب شرقاط العاصمة الآشورية الأولى بأنهم آشوريون و أكراد أربيل وتركمان كركوك كذلك وعليهم مغادرتها إن لم يخضعوا لهم لأن شرقاط وأربيل وكركوك كانت يوماً آشورية؟


إن الكلدان أكثر رسوخاً بمسيحيتهم مِن أيِّ قوم آخر ولذلك فهم متسامحون الى أقصى الحدود التي أوصى بها المسيح ربهم، لا يرغـبون بالتجاوز على حقوق غيرهم من حيث الإقصاء والإلغاء ولا يسعون الى تهميشهم أونبذهم كما يفعل بهم مَن يدعون أخوتهم قولاً ولكنهم يتجاوزون عليهم فعلاً خفية وعلناً، ولا سيما الفئة المتزمتة منهم، ولذلك تأتي بعض الأحيان ردود الكلدان ضمن حدود الدفاع عن حقوقهم وقوميتهم حادة وبحسب القاعدة المثلى ( بالكيل الذي تكيلون لغيركم يُكال لكم ويُزاد ) إننا نحترم ونقدِّر كُلَّ الآثوريين الشرفاء وإنهم بحقٍّ يختلفون عن مدعي الآشورية خُلقاً وفكراً وسلوكاً .


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 17 /11 / 2011   
 

132

ونحن نودِّع عام 2010 ونستقبل عام2011


كان احتمالاً جديداً ومتوقعاً أن تشذ حكومة العراق بعد عملية تحريره من الحكم الديكتاتوري عام 2003عن باقي حكومات الدول العربية والإسلامية وتعـتمد دستوراً علمانياً يستمد قوانينه مِن إرادةٍ شعبية بطريقة ديمقراطية، ولكن العكس هو الذي جرى، حيث جارت حكومات هذه الدول واعتمدت دستوراً مزدوجاً إسلامياً وديمقراطياً على الصعيد الكتابي ذراً للرماد في العيون ولكن على الصعيد التطبيقي إسلامياً صرفاً يستمد معظم قوانينه من الدين الإسلامي، ضارباً عرض الحائط معتقدات المواطنين غير المسلمين، رغم كونهم سكان العراق الأصليين وبذلك أعطى المجتمع الإسلامي كُلَّ شيء وحرم الباقين من كُلِّ شيء،وهذاالنوع من الدساتير السائدة في مجتمعات الدول العربية والإسلامية خلق لدى المجتمعات المسلمة العداء والعنف بمختلف أشكاله تجاه المكونين غير المسلمَين اليهودي والمسيحي رغم تواجدهما الأقدم في هذه البلدان وقبل ظهور الإسلام بعدة قرون.ولدى انحسار اليهود من غالبية هذه البلدان ولا سيما من العراق، إنصبَّ العداء والعنف بكل عنفوانه على المكون الكلداني المسيحي وإخوته من السريان والآثوريين، وقد تجلى بوضوح وتحت سمع وبصر الحكومة وكافة أجهزتها الأمنية وعلى مدى الأعوام السبعة التي تلت هزيمة النظام البعثي السابق.


في كل العهود السابقة ومنذ قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 ساد اتفاق مبدأي عراقي بين كافة مكونات المجتمع العراقي بكل تعدداته الدينية على العيش المشترك، وسارت الحياة في ظل العهد الملكي بشكل طبيعي تتخللها الأخوة الوطنية والألفة الإنسانية، وبعد ثورة تموز 1958 طرأ تغيير على حياة العراقيين نتيجة تناحر وتصادم العسكريين الذين استولوا على السلطة في العراق، وتعاقبت مؤامرات الطامعين منهم في الحكم وتوالت  الإنقلابات العسكرية وتمكن أخيراً حزب البعث من الإستفراد بالحكم بعد انقلاب عام 1968 ودخل العراق في منعطف جديد ساده حكم ديكتاتوري غامر بمصير العراق من خلال دخوله في حروب عبثية لا طائل من تحتها بل جلبت للعراق الخراب والدمار. ومع كُلِّ تلك التبدلات لم تشهد المكونات الصغيرة ومنها المكون المسيحي بكلدانيه وسريانه وآثورييه إعتداءات سافرة من قتل وخطف وتهديد وتهجير وتفجير كنائس وتدنيس حرماتها وحرق المصلين بالمتفجرات في داخلها كما هو حاصل اليوم! أهذا ما كان ينتظرونه من المنادين بالحرية والديمقراطية والتعددية والمساواة في العراق الجديد؟ أين الوعود التي قطعوها عندما كانوا خارج السلطة بإقامة عراق جديد حر ديمقراطي يُنصِف كافة مكوناته العرقية والدينية بمعاملتهم بالعدل والمساواة وتوفير الحماية والأمن لهم؟


في نهاية كُل عام يُحاول الشعب نسيان مآسيه التي عان منها، متمنياً أن لا تلاحقه في العام الجديد، ولكنه كيف للشعب أن يتمنى ما يصبو إليه وبخاصةٍ مكوناته الصغيرة عندما تلاحقهم التهديدات السافرة والمبطنة والحكومة عاجزة عن لجم مطلقيها، وقد تكون غير عاجزة كما نتصور بل ربما غير راغبة وعسى أن يكون تصورنا بغير محله، وأن تقوم بإثبات عدم عجزها وذلك بالقضاء على الإرهاب واجتثاث كُلِّ قواعده، لينعم الشعب بأكمله بالأمان والإستقرار، فهل لنا أن نتفاءَل خيراً يا حكومتنا الموقرة بأن السعي الجاد سيُبذل، وسيتوفر الأمن للمواطنين جميعاً ولا سيما الذين لا حول ولا قوة لهم الرازحين تحت سيف الإرهابيين المسلط عليهم دون ذنب؟ ارحموا هذا الشعب، أوقفوأ قتل أبنائه، صونوا أعراضه، حافظوا على ممتلكاته، إنها مسؤوليتكم وعليكم اداءَها بكل جدية! وفي الختام ندعو الله أن يمن على العراق حكومة وشعباً  باستتباب الأمان والسلامز



الشماس د. كوركيس مردو 
 

133



العدالة المثلومة في الدولة العراقية




على امتداد العصور كان الشعب الكلداني الأبرز بين شعوب بلاد ما بين النهرين الأصليين، والمساهم الأكبر في وضع أسس الحضارة الرافدية، الشعب العريق في تاريخ البشرية، الشعب الذي قارن ظواهر السماء بتطورات الأرض، وبفضل هذه المقارنة حدد السنوات وفصل الأشهر وعدد الأسابيع، وعين الأيام ووزع الساعات، أدرك العلاقة الإجتماعية بين الإنسان وأخيه والعلاقة الكونية بين الخالق ومخلوقاته، وكانت له آخر سيادةٍ مطلقة على بلاد وادي الرافدين وجعل مجمل بلدان الشرق الأوسط تابعة لبلاده حتى سقوط صولجان حكمه عام 539 قبل الميلاد على أيدي الأخمينيين .

 
وما إن انبلج فجر المسيحية حتى تعددت كنائس هذا الشعب الوحيد الباقي من الشعوب الأصيلة التي طالها الزوال والإنقراض كالشعب السومري والأكدي والآشوري، وتكاثرت مناسك أبنائه وانتشرت الأديرة والمدارس والمعاهد في مختلف بقاع وادي الرافدين، ثم ينتشر الإسلام وتبرزعاصمة الخلافة بغداد فتبادر الى استقطاب عناصر المدنية ويستجيب أبناء الشعب الكلداني والى جانبهم العديد من إخوتهم الآراميين ليكون لهم قصب السبق والسهم الأوفر في توطيد الحضارة العربية الإسلامية علماً وفكراً وثقافة متبارين في نقل العلوم الفلسفية والطبيعية والإلهية من اليونانية الى لغتهم الكلدانية الآرامية ومنها الى العربية .


تُرى، أيكون جزاءُ أحفاد هذا الشعب وبعد التحرر من الديكتاتورية التهميشَ والحرمانَ من المشاركة في العملية السياسية لبلدهم الأصيل العراق؟ هذا هو الوفاء لأسلافهم الأقدمين ثم الأقربين الذين ساهموا منذ العهد العباسي ومروراً بالعهد العثماني بانشاء المدارس والأديرة والكنائس، مواكبين المسيرة العلمية حتى يومنا هذا؟ وبعد كُلِّ ما تعرَّض له الشعب الكلداني من قتل وترهيب وابتزاز وتهجير منذ 2003 وحتى اليوم، يُقرر أولياء الأمر بـدءاً من رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء ورئيس البرلمان ورئيس القائمة العراقية الذي تولى رئاسة مجلس تنسيق السياسات، تنحية العنصر الكلداني من المشاركة في الحكومة العراقية؟ ألا يدل ذلك وبوضوح أنهم يقولون للكلدان لا مكان لكم في الدولة العراقية بل لا مكان لكم في العراق، وعليكم الإستمرار في الهجرة؟


مَن مِن الأقليات الأخرى أكثر وأخلص وطنية للعراق؟ لماذا الإجحاف بحق الكلدان من دون كُلِّ الأطياف العراقية الأخرى؟ ألم يُعرب الكلدان وبكل صراحة لكلِّ المسؤولين من العرب والأكراد بأنهم لا يقبلون أن يمثلهم الغرباء عن قوميتهم؟ نحن الكلدان نعلم بأن ما تسمى بالأحزاب الآشورية لها دور جائر في إلغاء دور الكلدان وهو دور قذر وغير شريف، وقد تسلقوا باسم الكلدان زوراً! وإني أسأل الرئاسات الثلاث الدولة والحكومة والبرلمان، بالله عليكم ألا تعلمون علم اليقين بأن الكلدان يمثلون نسبة 80 % ممن يدعون أنفسهم آشوريين وسريان وهما طائفتان خارجتان من صلب الكلدان؟ لماذا كُلُّ هذا التنكر للكلدان؟ ألا يبدو أن العدالة مثلومة لديكم أيها السادة المحترمون؟


والسؤال الأخير اوجهه الى الإخوة المسؤولين من العرب الشيعة والأكراد، أما عانيتم الكثير من الأنظمة السابقة؟ ألم تكونوا مظلومين؟ فهل زوال الظلم عنكم جعلكم تنقلبون الى ظالمين ولمكون واحد فقط من مكونات العراق وهو المكون الكلداني الأصيل؟ كيف وافقتم على التصرفات الجائرة التي دبَّرها المكون المسمى بالآشوري زوراً ضـدَّ الكلدان؟ ألم تستجيبوا لمطالبه بقلبكم الكوتا القومية للكلدان الى الكوتا المسيحية وبذلك ساعدتموه لمزاولة الغش في الإنتخابات التي أدَّت الى خسارة الكلدان؟ إنها لمصيبة كبرى أيها السادة ولا أعتقد أنكم ستقومون بتقويمها وإعادة ما سلب من الكلدان، فهل ستقومون بما سوف نعتبره سابقة محمودة!!!



الشماس د. كوركيس مردو

134






على هامش مقررات مجلس محافظة بغداد



منذ فترة واتحادنا يراقب ويواكب التطورات والاحداث المؤلمة، الملاحقة لشعبنا العراقي عموماً، وتُمثل تراجعاً واضحاً عن الأهداف المتوخاة بعد التغيير الذي حصل عام 2003 والتي كان يأمل منها شعبنا خيرا وطمأنينة بزوال  مرحلة الدكتاتورية التي رفضها، وهي حصوله على الحرية والديمقراطية والإنفتاح على آفاق المستقبل لبناء عراق جديد ديمقراطي تقدمي، يضمن الحياة الحرة الكريمة للشعب، اسوة بالبلدان المتقدمة والمتطورة ، وللاسف إن ما نراه مخيب للآمال ومنافٍ لتطلعات شعبنا ووطننا. لقد عانى الشعب الكثير من الويلات والمآسي من جراء ممارسة السياسة الطائفية المقيتة، المشوبة بالتعصب الديني الأعمى الهادف الى اسلمة المجتمع بأكمله بحسب نهج الفقيه، الساعي الى تغييب مكوناته الدينية والاثنية الأخرى، منتهكاً بذلك الكثير من بنود الدستور الذي اقره وصادق عليه شعبنا، بكل مكوناته القومية والدينية المختلفة، وبجميع شرائحه الاجتماعية والثقافية والادبية .

قرار مجلس محافظة بغداد بغلق نادي الأتحاد العام للأدباء والكتاب في العراق، المؤسسة الثقافية والادبية والفكرية، الى جانب النوادي الاخرى في بغداد والمحافظات، يُعد انتهاكاً صريحاً للمباديء الديمقراطية، وبرهاناً ناصعاً أن النظام العراقي الحالي هو وجه آخر للنظام البعثي متستراً باللباس الديني، لذلك قوبل من قبل كافة أطياف الشعب العراقي بالإستنكار الشديد واعتبرته اغتيالاً للعملية الديمقراطية، وصدوره هو منتهى التعسف والهمجية يُشير الى تحول خطير يُهدد الوضع الثقافي بالعودة الى الجهل والتخلف. إن هذه الإجراءات التعسفية تهدف الى النيل من حرية الأديان والمذاهب ذات التقاليد والأعراف الخاصة، وستخلق في نفوس الناس أصحابها النفور من الدين، باعتبار أن صدورها جاء من منظوره، وبذلك يسيءُ متخذو هذه القرارات الى الدين.

إن القرارات والإجراءات الصارمة والتعسفية المتخذة ضد الطبيعة البشرية والمؤدية الى سلب حرية الإنسان ومصادرة حقوقه في الحياة، بحجة المحافظة على الدين هي مخالفة للدين أصلاً، وهي شكل من أشكال استعباد الناس الذين خلقوا أحراراً، لذلك تؤدي الى نتائج عكسية وتُقابل بردود فعل سلبية لدى الكثير من مكونات المجتمع العراقي ولا سيما غير المسلمة منها ونعني بهم أبناء الشعب الكلداني المسيحي بكل انتماءاته الطائفية الى جانب اليزيديين والمندائيين، الذين لا تقيدهم أديانهم بعدم تناول المشروبات الكحولية، فلماذا يُحرمون ويُحاربون بغلق مصادر رزقهم! أليس هذا اضطهاداً من نوع آخر مضافاً على ما يقوم به الإرهابيون السلفيون من قتل وخطف وتفجير وتهجير؟ ماذا يعني قرار محافظة بابل بمنع الموسيقى والغناء أليس كلاهما غذاءً للروح وترويحاً للنفوس!

إن إتحادنا يشجب القرارات الإستبدادية غير القانونية لمخالفتها للبنود الدستورية، ويطالب بإلغائها حتى لا يستغلها الإرهابيون ومسيروهم لتخريب العملية السياسية الديمقراطية في العراق، وبذلك يُفلحون بإرجاع عجلة التاريخ الى الوراء.أليس حرياً بمجلس محافظة بغداد وهو يمثل واجهة للحكومة المركزية،أن يُعالج ظاهرة الفساد الإداري المستشري في الأجهزة الحكومية ووضع حد للتجاوزات والتلاعب بالقرارات،وايجاد حل لظاهرة تسول الأيتام من ضحايا الإرهاب بدلاً من إتخاذها الإجراءات اللاإنسانية بإغلاق اتحادات ونوادي وجمعيات ادباء ومثقفي العراق؟ أليس ذلك تحجيماً للثقافة والأدب وقمعاً للأدباء والمقفين، وسيؤثر سلباً على مستقبل  أبناء العراق وتشييعاً لنعش الديمقراطية . . .

على مجلس محافظة بغداد ومجالس بعض المحافظات الأخرى العدول عن قراراتها الجائرة وعدم استغلال صلاحياتها في اضطهاد المواطنين، بل عليها تقديم الخدمات الحياتية اللائقة بالكرامة الإنسانية، من حيث تحقيق العدالة الإجتماعية، مراعاة الفقراء والمحتاجين برفع مستوى معيشتهم، منع الجريمة والإنفلات الأمني، منع الظلم بكل أشكاله وليس القيام بغلق النوادي الأدبية والإجتماعية وغلق محلات المشروبات الكحولية التي هي مصدر رزق لشريحةٍ كبيرة من المجتمع العراقي، وهي سد مانع لإنتشار كافة أنواع المخدرات .

الشماس د. كوركيس مردو
في 14 /12 / 2010

135



رد مقتضب على السيد كاكوز



للأسف الشديد هذا هو ديدن معدومي الشعور القومي، وضعيفي الإيمان يُلبسون ثوبهم المهتريء للمُحافظين على نقاء ثيابهم، يتهم حكمت كاكوز ملاخا ومردو بالقيام بمحاولات سماها باليائسة لتقسيم شعبنا وتجزئَته، وأود أن أسأل هذا الإنكشاري الأشوري وأمثاله: متى كان الشعب موحداً وقمنا نحن بتجزئته؟ مَن أوجد الحقد والكراهية بين أبناء هذا الشعب الذي تودون وسمه بالتسمية القطارية الغريبة والتي لا مثيل لها في تاريخ البشرية؟ أليس أنت وأمثالك إنكشاريو الأشورية المزيفة الاسطورة الويكرامية! مَن خلق الفوضى والإضطراب في صفوفه أليس أنتم المتأشورون؟ كم هو عدد كلدان الجبال الباقين على النسطرة حتى لو أضفناكم أنتم المتأشورين إليهم؟ ماذا تعرف عن النسطورية؟ المذهب النسطوري الهرطوقي فرض على آبائنا وأجدادنا الكلدان مؤسسي كنيسة المشرق العملاقة عنوةً في القرن الخامس ولكن للأمانة التاريخية نقول لم تتبنى الكنيسة إلا إسمه فقط ذراً للرماد في عيون ملوك الفرس أما الجوهر "مذهب الكنيسة الجامعة" فقد بقي على حاله رغم قطع الوصال بينها وبين كنيسة روما الجامعة ورغم تعاملها معه بالمصطلح النسطوري! وجرى الإعلان عنه رسمياً في منتصف القرن السادس عشرعندما قامت النخبة الماجدة من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر بتقويم مسيرة كنيستها وانتشالها من استبداد الرئاسة الأبوية ( عشيرة آل أبونا ) التي كانت قداحتكرت الرئاسة بأبناء عشيرتها قروناً من الزمن .



أما الإنعزاليون من أبناء الكلدان الذين أصرّوا على البقاء على المذهب النسطوري التقليدي، ونكاية بإخوانهم فقد قاموا بتطبيق تعاليم نسطور بحذافيرها، وصاروا ألَدَّ الأعداء لإخوتهم الكلدان المستعدين لمذهب آبائهم وأجدادهم، في هذه الحالة، مَن هم الإنكشاريين يا استاذ كاكوز؟ المذهب الكاثوليكي وحده الذي يمنع معتنقيه من التعصب ولكن هؤلاء المعتنقين لا يقفون مكتوفي اليدين تجاه مَن يتهجم على الكثلكة في الوقت الذي هم في وضع لا يُحسدون عليه! الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية تُقر وتفتخر بأنها الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة المشرق المجاهدة والشهيدة، كما تعترف بأن قطع الوصال الذي جرى بين كنيسة المشرق وكنيسة الغرب الجامعة وإن كانت الكنيستان لا تتمناه، ولكن حصوله كان ذا فائدةٍ للكنيستين في التنافس على نشر المسيحية في مختلف أنحاء الشرق والغرب.



إن السيد كاكوز يسعى الى خلط الأوراق، نحن نقول بأن مدعي الآشورية اليوم هم جزء عزيز من الكلدان الباقين على النسطرة ولا علاقة لهم بآشوريي التاريخ القدماء الذين طالهم الفناء منذ نهايات القرن السابع قبل الميلاد بتأييد معظم المؤرخين النزيهين، ومع ذلك لا نقف ضدَّ انتحالهم لتسمية الآشوريين المنقرضين، ونحترم شعورهم بهذا الخصوص، ولكن ما لا نقبل به هو محاربتهم للقومية الكلدانية وإنكار وجود الكلدان وتغييبهم وتشويه تاريخهم وهم الخارجون من صلب الكلدان، ألا ينطبق عليهم أنهم انكشاريون؟ فلماذا قلبت المعادلة يا استاذ كاكوز.
لديَّ معلومات بأن مستواك التعليمي واطيء جداً وبالكاد قد أنهيت المرحلة الإبتدائية،فلا بدَّ أن هذا المقال قد امليَ عليك من متأشور حاقد أراد أن يجاري انكشاريي السلطنة العثمانية فتطوع ليكون انكشارياً زوعاوياً لمحاربة أبناء أمته الكلدانية، ولأنك زوعاوي وانكشاري على شاكلته ولكن سيفك الكتابي مثلوم فاستعرتَ سيفه، يا للعار!

   

ألست بتهجمك على الكلدان تُسيء الى التاريخ؟ أنا شخصياً لا أعرفك ولكن إسمح لي أن أسألك، ما هو تحصيلك في علم التاريخ ؟ أنا لم أقرأ لك في صفحات الإنترنيت، فهل كان مقالك اليتيم والغريب المليء بالمغالطات فضلاً عن شن هجومك غير المبرر على كلدانيَين قوميَين دون وجه حق فمن تكون أنت؟ هل أنت منتحل للآشورية أم أنك متأشور، ولكن ما دمت تدعي بأنك كاثوليكي فإنك أحد المتأشورين بدون شك والمتأشور هو الإنكشاري بدون منازع. ورغم تعديك حدودك وعدم معرفتك لحجمك، سأصلي من أجلك لينور المسيح ذهنك حتى لا تهاجم مَن تُريد أن تجعل منهم أعداءً لك وهم بعيدون عن عداء الآخرين .



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 7 / 12 / 2010 وقد نشر المقال بموقع نادي بابل في 30 / 11 / 2010 



136



مصيبة الكلدان بين كنّا وأغاجان



بعد تصريح الرئيس جلال الطالباني ضمن مقابلةٍ صحفية أثناء تواجده في فرنسا < بأنه لا يُعارض على استحداث محافظة للمسيحيين في المناطق التي يشكلون فيها الأكثرية > تُرى، ما الذي حدا بالرئيس طالباني الى المجاهرة بعدم المعارضة بعد سنوات من مطالبة مُدلَّل الأكراد سركيس أغاجان بالحكم الذاتي وبتشجيع من الحزب المنتمي إليه الديمقراطي الكردستاني الذي أبرزه للعب دور مرسوم في الساحة السياسية المسيحية، تلك المطالبة التي قابلها بالصمت لكونها مطالبة مشبوهة وغير مقبولة من غالبية الشعب المسيحي، فكيف أصبحت الآن مشروعة؟ هل كان تصريحه ردّاً على الفعل الإجرامي الذي استهدف المسيحيين أثناء تأديتهم الصلاة في كنيسة سيدة النجاة؟ أم جاء تهدئةً للغضب الشعبي الذي عمَّ العراق والعالم استنكاراً وتنديداً بالعمل الوحشي؟ أم هو اعتراف بعجز الحكومة العراقية وعدم قدرتها على حماية المكونات الصغيرة ولا سيما غير المسلمة منها وبخاصةٍ المكون المسيحي من خطر الإبادة الجماعية على أيدي العصابات الإرهابية؟


في رأيي جاء التصريح لنصرة سركيس أغاجان معتمَد الأكراد على يونادم كنا خصمه العنيد المسنود من الجهة الواقفة بوجه الأكراد. والضحية بين المتخاصمَين هم الكلدان الذين لا معين لهم إلا الله ويشاركهم في مصيبتهم أغلبية إخوتهم السريان ما عدا العملاء والمأجورين المتأشورين مِن أبناء الكلدان والسريان الذين باعوا أنفسهم بأرخص الأثمان وصاروا أدوات طيعة بأيدي أسيادهم قياديي التنظيمَين الشوفينيين زوعا وما يُسمى بالمجلس الشعبي. وأكبر برهان على ذلك كان رد سكرتير زوعا بأن التصريح مخالف للدستور العراقي الإتحادي بينما رحب ما يسمى بالمجلس الشعبي بالتصريح عن طريق منظريه ومأجوريه المرتزقة من العملاء الكلدان الأغاجانيين . فالعميل الأول بينهم كتب يقول " لا يحق ليونادم كنا التصريح باسم الشعب المسيحي لأنه ليس ممثله الوحيد ولأن ذلك يعني إقصاء ممثلي المجلس الشعبي . والعميل الأخر يقول نثمن مبادرة الرئيس الطالباني ويضيف بأنه قابله عندما كان ممثلاً لحزب آشوري في سوريا وبحث معه العلاقات الأخوية بين الأكراد والآشوريين ، وأن الطالباني  قال بأن الآشوريين شركاء معنا في كردستان، فهل هنالك عمالة أكبر من كلدانيٍّ ليقدمها للأشوريين المزيفين الطارئين على العراق؟


ليس تصريح السيد الطالباني بمُستغرَبٍ فهو زعيم أحد الفريقين اللذين يحكمان إقليم كردستان، ولكن المستغرب فيه هو مخالفته للدستور الذي أقسم هو على الحفاظ عليه وتطبيق كافة بنوده باعتباره رئيساً للجمهورية،وقـولي هذا ليس تأييداً لموقف السيد كنا فموقفي كثيراً ما يتعارض مع توجهاته، فلو كان الأستاذ جلال خارج هذا المنصب وكزعيم كردي يهمه توسيع المجال الجغرافي لإقليم كردستان،عندذاك لَكان الأمر مختلفاً. وهنا يجدر بنا السؤال : هل التصريح يرمي الى رفع المسؤولية عن الحكومة بالمحافظة على سلامة المسيحيين وحماية أماكن عبادتهم حتى لا تتهم بالتقصير أو العجز وإلقاء هذه المهمة على عاتق المسيحيين أنفسهم؟ إذا كان الأمر كذلك فمذا يكون دور الحكومة بالنسبة لهم؟ ثم إن سيادة الرئيس وكُل المسؤولين بالدولة على اختلاف مناصبهم ومسؤولياتهم يعلمون جيداً بأن الكلدان يمثلون الغالبية العظمى من المسيحيين، وأنهم قد غُبن حقهم عندما استبدلت كوتا الإنتخابات من كوتا قومية الى كوتا مسيحية فجرى الإلتفاف عليهم من خلال هذه اللعبة غير العادلة، وفاز مَن لا يمثلونهم بل إن الفائزين بالتزوير رسم لهم هدف هو العمل على تغييبهم وهضم حقوقهم، لأنهم ضدَّ مشروع الحكم الذاتي والإنفصال عن بقية إخوتهم العراقيين من الأطياف الأخرى،ولأنهم يودون العيش فيما بينهم وفي كل مناطق العراق، فهل يُعقل أن يُحرم الكلدان من المناصب الحكومية وتُعطى لمَن لا يمثلونهم وبإسمهم؟


إن أيٍّ من المشروعَين، الحكم الذاتي أو المحافظة هو مصيدة كبيرة بل سيكون سجناً للمسيحيين ومسرحاً لتقاتلهم فيما بينهم أولاً، وهدفاً سهلاً للمتآمرين عليهم والعازمين على الخلاص منهم ثانياً. وهذا هو السبب الذي يتخوف منه الكلدان ويقفون بالضد من كلا المشروعَين التآمريين لأنهم سيكونون كبش الفداء والخاسر الأول والأخير. فهل فكر المنظرون المأجورون حاملو الأفكار الهشة المغرَّر بهم من قبل المخططين النفعيين بالمساويء التي ذكرناها التي ستلحق بالمسيحيين في حالة تنفيذ أيٍّ من المشروعَين المُريبَين لا سمح الله؟ إن أيٍّ من المشروعَين ليس بعيداً عن خطةٍ جهنمية مرسومة من قبل أطراف داخلية وخارجية، الهدف منها القضاء على الوجود الكلداني والسرياني المسيحي. فإذا كانت الحكومة العراقية حقاً حريصة على بقاء الكلدان المسيحيين بكل انتماءاتهم المذهبية في العراق، عليها عدم الموافقة على مثل هذه المشاريع الرامية الى عزل المسيحيين عن إخوتهم المواطنين الأخرين الإسلام واليزيديين والشبك والمندائيين، وأن توفر لهم الأمن والحماية الكاملة، وتمنحهم حقوقهم المشروعة وتشركهم في المسؤوليات الوطنية كالوظائف والمناصب ليساهموا في بناء الوطن الديمقراطي التعددي الحر .





الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 25 / 11 / 2010 



137



لا حكم ذاتي ولا محافظة مسيحية



مع احترامي الكامل لإقتراح سيادة رئيس الجمهورية العراقية الأستاذ جلال الطالباني بإنشاء محافظة لمسيحيي العراق، فكلا المقترحَين الحكم الذاتي والمحافظة لا جدوى منهما للمسيحيين بل سيكون أيّ كان منهما أكثر وبالاً للمسيحيين مِن وضعهما الحالي بكُلِّ مساوئه ومآسيه.

السيد الرئيس،إنك الأكثر عِلما بأن مسيحيي العراق قد انقسموا منذ زمن حيث خرج من رحم الأمة الكلدانية السريان بشقيهم الأرثوذكس والكاثوليك منذ القرن الخامس وشكَّلوا لهم طائفتين منفصلتين عبر الزمن، أما مَن يدعون أنفسهم بـالأشوريين زوراً وبهتاناً، فقد كانوا جزءاً من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية لغاية منتصف القرن السادس عشر حيث تمردوا على امتهم الكلدانية وتبنوا لهم تسمية وثنية هي "الآشورية"في أواخر القرن التاسع عشر بإغراءٍ وإغـواء من قبل البعثة الأنكليكانية عميلة المخابرات الإنكليزية، حيث وعدتهم باسم حكومة بلادهم بإنشاء وطن قومي لهم في الموقع الجغرافي الذي كان يُشغل في مرحلةٍ تاريخية من قبل الآشوريين القدماء  قبل فنائهم الأبدي في الربع الأخير من القرن السابع قبل الميلاد. إن هؤلاء هم شرذمة متمردة لا يحلو لها العيش في هدوء واستقرار، فهي تسعى وبكل خبث واستعلاء لإحتواء الكلدان والسريان، ومن ثم اختلاق المؤامرات والفتن كعهدها دائماً، ونتيجة ذلك تنعكس على الكلدان والسريانبالسوء، فهذا الأمر غير مقبول ولا يمكن الموافقة عليه .



إن ما يرغب به الكلدان وهم الأكثرية الساحقة من المسيحيين ويليهم السريان،التمتع بحقوق المواطنة والعيش في مختلف أنحاء وطننا الأصيل العراق كما كانوا ولا زالوا، وأن يكون لهم حقوق كاملة ومتساوية على غرار إخوتهم المسلمين من عرب وأكراد وغيرهم من الأطياف الأخرى. وأن تُضمنَ هذه الحقوق دستورياً وأن تًسند الى أبنائهم مناصب في الدولة العراقية الحديثة، والشيء هذا يُمثل شرفاً للعراق ككُل عندما يُمنح سكانُه الأصليون مثل هذه الحقوق .


إن محاولات الأشوريين المزورين والتزويريين المطرودين من مناطقهم في جبال منطقة هيكاري العائدة اليوم الى تركيا والوافدين الى العراق تحت حراب الإستعماريين الإنكليز بعد الحرب العالمية الأولى بالمطالبة بالحكم الذاتي في مناطق سكن أبناء الكلدان هوسعي خبيث منهم لإحياء الجثة الميتة لأشورييي التاريخ الذين انتحلوا تسميتهم الوثنية، وهو تآمر قذر على المكون الكلداني الأصيل والطائفة السريانية معاً.


إن الكلدان والسريان وكما تؤكد قياداتهم الدينية والسياسية، لا يرغبون لا بما سموها الإنعزاليون بمنطقة آمنة ولا بالحكم الذاتي ولا بغيرها من التسميات المشبوهة، وإنما يريدون العيش بأمان واستقرار في الوطن العراقي ككُل مع كافة مكوناته الأخرى يساهمون في بناء حضارته الحديثة على غرار أسلافهم الذين كان لهم الفضل في بنائها منذ القدم. إن حماية المكونات الصغيرة في العراق ومن ضمنهم الكلدان بكل انتماءاتهم الطائفية هو واجب وطني ومهمة كُلِّ مسؤول في الدولة العراقية من الرئيس والى الأقل مرتبة في المسؤولية، وعلى المجتمع الإسلامي الكبير في العراق أن يساهم في مسؤولية الحماية إذ على عاتقه يقع جزء كبير منها،لأن القائم بالعنف هو المدعي بالإسلام ويعزو عمله الإجرامي الى الدفاع عن الإسلام، فهل يا تُرى الإسلام مُعتدىً عليه من قبل المسيحي في العراق؟



إن حب الوطن لدى الكلدان والسريان قوي جداً، وتطلعهم الى بناء عراق جديد مزدهر ومتطور لا يُضاهى، بيد أن ما يتعرَّضون له من قتل وتهديد وتهجير قد زعزع هذا الحب وهذا التطلع، واختيارهم للهجرة هو صعب للغاية، فإن كان الى المنطقة الشمالية في كردستان الخالية من العمليات الإرهابية فيعانون من الغلاء والبطالة وعدم إلمامهم باللغة، وإن كان الى الدول المجاورة فيشعرون بالغربة وربما الإهانة الى جانب العوز. لقد ناشدت في مقالات سابقة ولا سيما في مقالي الأخير ( فاجعة جديدة للمسيحيين في العراق ) أئمة الإسلام وقلت لهم بأنهم قادرون على وقف الإرهاب ضدَّ المسيحيين إذا أرادوا فعلاً لا قـولاً، فإن كلامهم مسموع لدى المسلمين ولا سيما المعتدلين منهم، فالإمتناع عن المناداة بالضغينة وروح الإنتقام واستبدالها بالدعوة الى التسامح والمحبة والتآخي بين أبناء الأطياف العراقية هو الطريق الصحيح الى العيش المشترك والأسلوب الأمثل للمحافظة على الكرامة الإنسانية . ما أجمل أن تعيش التعددية العراقية في سلام ووئام!




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 22 / 11 / 2010

138


أين التصـدّي للتحـدّي؟



في الأحد الدامي 31 تشرين الأول 2010 ارتكب التنظيم الأرهابي مجزرة وحشية ضدَّ جماعةٍ مسيحية مؤمنة جاءَت الى كنيسة سيدة النجاة في بغداد لتأدية الصلاة لله ، متضرعة ً إليه تعالى إسمُه ليُحلَّ السلام في العراق الجريح ويُلهم قادته السياسيين ال ىسلوك درب التفاهم والمصالحة لكي يتفقواعلى رأي موحد وسديد، لتشكيل حكومة وطنية بعد انتظار طال أمدُه أكثر مِن اللازم. ولم يكتفِ التنظيم الإجرامي بما قام به من فعلٍ مشين يندى له الجبين بل الحقه بتهديد صارخ بأنه سيواصل إجرامه بحق المسيحيين ويُلاحقهم في كُلِّ مكان متحدياً وغير مبال ٍ بكُل ما صدر مِن تنديدات وردات استهجان، وقـد قرن تهديده بالفعل فهاجم سبعة منازل للمسيحيين في أماكن متفرقة من بغداد يوم الأربعاء العاشر من تشرين الثاني 2010 ألا يعني هذا بأن هذا التنظيم يمتلك القدرة الفعلية والتجريبية بأنه قادر على القيام بشن حرب إبادةٍ على المسيحيين؟



وهنا يتبادر السؤال الى الأذهان، أين التصدي لهذا التحدي؟ ومِن واجب مَن القيامُ به؟ بالتأكيد إن المسؤولية الأولى تقع على عاتق الحكومة في أيِّ بلدٍ في العالم لحماية شعبها من الإعتداء مهما كانت أشكالُه ومن أية جهة كان مصدرُه! فأين الحكومة العراقية مِن هذه المسؤولية؟ إن واجب الدولة الأساسي هو حماية مواطنيها جميعاً وبدون استثناء! لقد سمعنا الشجبَ والإستنكار بعد كُلِّ مأساةٍ تقع على رأس المواطنين مِن قبل اكثر المسؤولين في الدولة وعلى أعلى المستويات، ولكن ما فائدة الشجب والإستنكار إذا لم يُقرن بعمل فعّال؟ إنه تقصير وعجـز وقد يكون عدم المبالاة من قبل النظام القائم. ولكن هناك وضعاً غير طبيعي يجب أن يُؤخـذ بنظر الإعتبار هو تأخر تشكيل حكومة جديدة رغم مرور نحو ثمانية أشهر على الإنتخابات البرلمانية مما سهل على الجهات المعادية استغلال هذا الفراغ الحكومي الدائرة فيه صراعات داخلية على مراكز النفوذ والإستحواذ على المناصب السيادية،ولا شكَّ أن هذا الوضع أربكَ عمل حكومة تصريف الأعمال وقلَّـل من رقابتها على تحركات الزمر الإرهابية.



كيف يستطيع الأصولي القادم من الجزائر والمغرب والصومال واليمن ومصر والسعودية الدخول الى العراق إذا لم يكن هناك مَن يُسهِّل مهمتَه ويباركها في الخفاء؟ وكيف يمكن لهذا المتسلِّل تحت جنح الظلام مِن تحديد أماكن المسيحيين، إذا لم يكن هناك من داخل العراق مَن يُرشده ويدعمه ويُوفـر له الحماية ويتستَّر عليه؟ مَن يملأ قلبَه بالحقد والكراهية والبغضاء، مَن يمُده بالسلاح والمؤن والخرائط والمعلومات؟ أليست هذه أسئلة مشروعة أين الأجوبة لها؟ ألا يشكِّل هذا مؤامرة ًوعملية تطهير عِرقي وديني لإجبار الشعب الكلداني المسيحي بكُلِّ انتماءاته المذهبية لهجر دياره التاريخية في بلاد النهرين؟ وإلا لماذا بات هذا الشعب هدفاً للإرهاب؟ إننا سنكون مغفلين إذا نفينا وجود أطرافٍ سياسية في الحكومة العراقية واقفة ً وراء مسلسل العنف ضِدَّ الشعب المسيحي العراقي بدعم من جهاتٍ اقليمية ودولية عربية إسلامية تقوم بمد المجموعات الإرهابية بالمال والسلاح .



سمعنا الكثير مِن أئمة المسلمين يقولون، إن هؤلاء المجرمين ليسوا بمسلمين،إذاً مَن هم! كيف يمكن تصديق ذلك والمجرمون أنفسهم يصرحون بأن أعمالهم هي جهاد يفرضه الإسلامُ عليهم؟ وهل الجهاد يُمارس ضدَّ اناس عُزَّل مسالمين؟ ماذا تعني دولة العراق الإسلامية؟ ماهو موقف الحكومة العراقية مِنها؟ وكيف تسمح بقيامها على أرض العراق؟ وهل قيام مغامرغربي بعرض رسوم لرسول الإسلام هي مسيئة للإسلام ليهتزَّ العالم الإسلامي لها ويعتبرها أكثر إساءة ً الى الإسلام مِن أعمال هؤلاء السلفيين سفاكي دماء الأبرياء باسم الإسلام؟ إني أسأل ، كيف سيُقنع المسلمون العالم بأن الإسلام دين سماح وسلام، في الوقت الذي يلفهم الصمت تجاه مرتكبي الجرائم باسم الإسلام! إن شيوخ الإسلام بإمكانهم ردع هؤلاء المجرمين لو أرادوا! أليس بإمكانهم لو أرادوا إصدار الفتاوى ضدَّ مرتكبي الأعمال الإرهابية؟ أليس السكوت على الإجرام نوعاً مِن المشاركة به؟



ومِن ناحيةٍ اخرى أعـتبر ما يجري في العـراق صراعاً مريراً بين القِـيَم الحضارية والأفكار التحررية والمباديء الديمقراطية وبين السلوك الهمجي والشذوذ الفكري والتخلُّـف العقلي المسيطر بقوة على مجموعات بشرية صغيرة رضيت أن تكون العوبة بأيدي جهات حاقدة على العراق وأهله، لا تريد أن ينعم بالخير والإستقرار، تُسيرها حسب أهوائها بهذا المضمار، جاعـلة ً من الدين ستاراً ودافعاً لخوض المغامرات البشعة والتي ستكون حتماً في النهاية خاسرة .




واليوم وبعد أن استطاع السياسيون من حسم أمر انتخاب رئيس للبرلمان ورئيس للدولة الذي كلَّـف الأخير رئيس الحكومة السابقة بتأليف حكومة جديدة، تجدَّدَ الأملُ لدى العراقيين، بأن الوضع العراقي الداخلي المتزعزع سيعود الى الإستقرار وستتمكن الحكومة الجديدة من ضبطه بيـدٍ من حديد ومحاسبة المسيئين والمخربين الذين عاثوا فساداً في أوساط المجتمع العراقي،  ندعو للقيادة الجديدة بالنجاح لمهمتها لتصل الى وضع حدٍّ فاصل لكسر شوكة الإرهابيين ومسانديهم من داخل العراق وخارجه فـينعم بذلك الشعب بالأمان والسلام .




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 11 / 11 / 2010

139

إفتراءات كلدان الجبال النساطرة



إن أفدح الإفتراءات التي يتناولها عـتاة الكلدان النساطرة كلدان الجبال ناكرو قوميتهم الكلدانية ومتبنو التسمية الأشورية الوثنية، هو قلبُ حقائق التاريخ، حيث يجعلون مِن أنفسهم (أسلاف بقايا فلول آشوريي التاريخ القدماء الذين حكم عليهم التاريخ بالفناء، وهذا أكبر غباء) وينكرون كونهم الشرذمة الإنعزالية التي تمرَّدت على إخوتها أبناء كنيسة امتها الكلدانية "الكنيسة الكلدانية النسطورية/ أو اختصاراً الكنيسة النسطورية"بإصرارها على البقاء في نطاق الهرطقة النسطورية نكاية ً وعناداً ليس إلا . إن إدعاءَهم هذا المنافي للحقيقة بكُل ما تعنيه الكلمة جعلهم أضحوكة ً أمام العالم أجمع، حيث أصبحوا سخرية ًعندما ينسبون الكلدان والسريان بشقيهم الى آشوريتهم المزيفة التي أنعم عليهم بها المبشر الأنكليكاني الداهية" وليم ويكرام" لكي يفصلهم عن جذرهم الكلداني انتقاما من الكلدان إخوتهم الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الأصيل مذهب الكنيسة الجامعة الذي كانت تعتنقه كنيستهم المشرقية حتى القرن الخامس الذي فيه ظهرت الهرطقتان النسطورية والمونوفيزية اللتين أدتا الى انشطارها الى شطرين نسطوري ومونوفيزي، وهو المذهب الكاثوليكي الذي تعاديه كنيسته الأنكليكانية.

                                                                                                                                                            وهدف "وليم ويكرام" من تبديل تسميتهم الكلدانية النسطورية الى الآثورية كان لربط هؤلاء البؤساء بآشوريي التاريخ القدماء لينطلي عليهم وعد مملكته الكاذب بإقامة وطن لهم في الموقع الجغرافي الذي كان جزءاً من وطن الآشوريين القدماء في مرحلةٍ من مراحل التاريخ، والعامل الجغرافي هذا كان الوحيد الذي عَوَّلَ عليه في إقناعهم وهو أوهى العوامل الذي لا يُعتمد عليه وغير مقبول علمياً وعالمياً . ولقاء هذا الوعد الكاذب الذي كانت الغاية منه تسخيرهم لتنفيذ مآرب دولته الإنكليزية الإستعمارية رضخوا كلياً فيما بعد لكلِّ إملاءاتهم وأوامرهم . والأمر هذا تعـلمه كافة الأقوام الشرقية كالعرب والأكراد والتركمان والصابئة واليزدية والأتراك والإيرانيين وحتى دول المحور المنتصرين في الحرب العالمية الأولى الذين رفضوا مطلبهم الآشوري المختلَق والمبني على الأكاذيب فرفضوه وخذلوهم على غرار خذلانهم من قبل أسيادهم الإنكليز .



ومن هذا المنطلق الخياني لأمتهم الكلدانية ، نرى من بين أبناء هذه الشرذمة الضائعة في المتاهات، المحرفة لوقائع التاريخ،المتخذة من إسطورة ويكرام الخِداعية حقيقة بالرغم من علمهم ببطلانها ، نرى بعضاً منهم  منغمساً حتى أذنيه في وحل التزمت والتعنصر الكاذبين الكريهين يُطبِّل ويُزمِّر في المحافل والمؤتمرات متشدِّقاً بالفرضية الآشورية المُختلَقة،وكمثال للمئات من الأمثلة ما قاله أحد أشدِّ المتزمتين العنصريين وأكبر المشوهين للتاريخ في المؤتمر الدولي حول الإبادة الجماعية في السلطنة العثمانية / البرلمان اليوناني ــ  19 أيلول 2010 مُبدياً امتعاضه ومعلقاً على حديث بعض المؤتمرين :


1 - < نحن بكلِّ بساطة"آشوريون" لا "كلدان" ولا "سريان"لأن الكلدان هم آشوريون كاثوليك، والسريان هم آشوريون أرثوذكس، لذلك من الأفضل استعمال كلمة "آشوريون" لأنها تعبر عن هويتنا القومية بغض النظر عن الإنتماء الطائفي، فلا نستطيع أن نقول "العرب والسنة" لأن العرب هم شيعة وسنة . > انتهى الإقتباس


اليس ما قاله هذا الداعية السفسطائي الذي قد تربّى على الفكر التزويري مخالفاً لأبسط حقيقة تاريخية عندما يختزل الكلدان والسريان في بودقة الآشورية الوثنية التي رماها التاريخ في مزبلته قبل ما يزيد على خمسةٍ وعشرين قرناً! أليس هذا تجنياً على أعرق امةٍ عرفها تلريخ بلاد الرافدين "الامة الكلدانية" وسلباً لحقوقها ومآثرها وإنجازاتها الحضارية؟ أيَّ إنسان له ذرة من الإنصاف ويمتلك أقـل قدر من الإلمام بالتاريخ يصدق مثل هذا الهذيان؟


ويسترسل بالقول بأنه سمع بعض المتحدثين يقولون بأن الأكراد شعب مضطهَد، ولكن الأكراد كانوا جزءاً من القتلة، ويطلب مِما تُسمى بجمعية الإتحاد الآشوري في اليونان عدم المشاركة بأية مناسبة أو أي بيان مشترك يذكر "عبارة"كرد" لأن هذه إهانة للأمة الآشورية، ويدعو الأرمن واليونانيين الى التنبه لذلك، فالمسألة تمس المباديء والكرامة الأشورية التي لا تقبل المساومة، وعندما نقول باننا "آشوريون" فنعني بأننا من "آشور" . وإذا كانت جبال آشور وشمال العراق الحالي " كرد" فأين آشور إذاً؟ هل نزلنا من القمر؟؟



لا يمكن لأحدٍ أن يُنكر ولا الأكراد أنفسهم ينكرون أنهم كانوا جزءاً من القتلة في فترة الإضطهادات العثمانية، ولكن لا يمكننا الإنكار بأن الشعب الكردي لم يكن مضطهَداً! وكلما نطلبه مِن الشعب الكردي أن لا ينسى الإضطهاد الذي تعرَّضَ له،فينقلبَ الى مُضطهِدٍ للآخرين! كما هو حاصل منهم بحقِّ الكلدان. إن جبال آشور وشمال العراق الحالي ورثها الأكراد من أسلافهم الميديين الذين تعاونوا مع الكلدان واجتثوا الآشوريين بالقضاء عليهم القضاء المبرم ما بين عامي 612 - 609 ق.م، فلم يَعُد هناك آشوريون في الوجود . فمَن يدعون أنفسهم اليوم بالآشوريين هم مزورون وتزويريون، فلا قاموا من لحودهم وعادوا، ولا نزلوا مِن القمر، إنهم حفنة متمردة على أمتهم الكلدانية تنكروا لها وباعوها بأبخس الأثمان! وعلى هذا المتزمت وأمثاله أن لا ينسوا بأن آشور هي شرقاط الحالية ومنها انطلقت بدايات الدولة الآشورية المنقرضة فلماذا لا يُطالبون بها إن كانوا يظنون أنهم حفنة مِن بقايا اؤلئك الذين لفظهم التاريخ مِن فمِه؟ هل لديهم الجرأة ليطالبوا بها على غِرار مطالبتهم بمناطق الأكراد والكلدان؟


إنك وأمثالك عنصريون وشوفينيون للباطل التزويري الذي تبنيتموه،لأنكم جهلة ومغفلون لذلك إستمرأ آباؤكم الخدعة الإنكليزية لتنتقموا عن طريقها من إخوتكم الكلدان أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لنبذهم الهرطقة النسطورية. أين التناقض في تسمية "الإبادة الإثنية لمسيحيي السلطنة العثمانية" ولماذا لا تكون إثنية بل دينية؟ أليس لكُلٍّ من الأرمن واليونان والكلدان إثنية؟ فالتسمية تشمل الإثنيات الثلاث دون أن يعددوها، وأصحاب هذه الإثنيات الثلاث يعلمون أنكم كلدان نساطرة وتشملكم الإثنية الكلدانية الواحدة، وهذا ما أوقد نار الغيظ في قلوبكم لأنكم تمثلون الخوارج عن إجماع الأمة .


من العار والشنار أن تنعت الكلدان النساطرة كلدان الجبال بـ"الآشوريين" فالذين شملتهم مجازرالحرب العالمية الأولى هم الكلدان بشقيهم الكاثوليك والباقين على البدعة النسطورية الى جانب الأرمن واليونانيين، وكلُّ ذكر للتسمية الآشورية المسخ هي تـزوير وافـتراء على الحق . في كُل العصور التي حكم فيها العـديد من الأقـوام الأجنبية بلاد وادي ما بين النهرين وبقية بلدان الشرق الأوسط بدءاً من الفرس الفرثيين والساسانيين فالعرب المسلمين فالمغـول وأخيراً العثمانيين لم يرد ولو مرة ً واحدة ذكر اسم الآشوريين ضمن الشعب المسيحي المتعدد الإنتماءات كالكلدان واليعاقبة (السريان) والأرمن واليونانيين والأقباط والرومان، وذلك لسبب بسيط هو انعدام وجودهم لأنهم تعرضوا للفناء والإنقراض قبل ميلاد المسيح بأكثر من ستة قرون .


حجة الأتراك حقيقة واقعية فبعد تأشوركم أنتم الكلدان النساطرة كلدان الجبال، تحالفتم مع روسيا القيصرية ضدَّ الدولة العثمانية وأنتم رعاياها. أليس من حق الدولة العثمانية أن تعقد إتفاقات مع الدول الأخرى، فإذا استعملت هذا الحق بإتفاقيةٍ مع فرنسا عام 1535 هل يعني ذلك جلب الأجنبي الى بلادها؟ لست في صدد الدفاع عن الدولة العثمانية الباغية وإنما ضدَّ هذا التحليل الأهوج. وإذااستغلَّ الفرنسيون امتيازات الإتفاقية لصالح حماية المسيحيين الذين كانوا تحت حكم السلطنة، أليس ذلك من الأمور الجيدة!

من الأمور العجيبة أن يتأصل الحقد في قلوب أبناءٍ تنكروا لأمتهم وتبنوا تسمية دولةٍ منقرضة ومنبوذة كانت العدوَّ اللدود لهذه الأمة،وغدوا أشد عدواناً لها من غريمتها الغابرة! أيها الحاقدون،إن أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية الغيارى هم الذين اجتمعوا في الموصل وتداولوا في أمور كنيستهم المتدهورة نتيجة السلوك الإستبدادي لرئاستها المحتكرة من قبل عشيرة آل أبونا لقرون طويلة، مستعبدة ًإياهم سالبة ً كرامتهم وناهبة ًالقسم الأكبر من أرزاقهم، وقرَّروا التحرُّرَ من ظلمهم، وبعملهم هذا تفاجأ الفاتيكان ولم يصدِّق ما جرى للوهلة الأولى،إلا بعد وصول المنتخب للبطريركية من قبل النخبة المجتمعة في الموصل . إن اتهامكم لفرنسا والفاتيكان فيما جرى لهو نتيجة الخذلان الذي لاحقكم ولا زال يلاحقكم وسيبقى حتى انقراضكم على غرار مَن انتحلتم تسميتهم الكريهة .

لماذا تعمدون الى الكذب،إن إرسالية كنيسة كانتربري الأنكليكانية برئاسة الداهية وليم ويكرام باغتت مناطق مار شمعون البطريرك النسطوري في عام 1884 فما هذا الهراء! فإذا كانت الإرساليات هي التي حرَّضت الأكراد ضدَّ قبائلكم في تياري وتخوما وباز وجيلو وديز، في الفترة ما بين 1843 - 1847 لكسر استقلالها المزعوم، لماذا اصبحتم فيما بعدعبيداً مطيعين لمخابرات مملكتهم الإنكليزية التي حرضتكم على معاداة الدولة العثمانية؟ ولماذا لم تأخذوا عبرة ً من خيانات الإنكليز لكم إذا كنتم صادقين؟ وإذا كنتم امة فقيرة بالكاد تحصل على خبزها. . . كيف عاديتم الدولة العثمانية التي بدورها ولغرض الإنتقام منكم أوكلت الى القبائل الكردية المستقدَمة من أصفهان ـ ايران للقيام بالإنتقام منكم؟ أليس ذلك غباءً!


ومن كلامكم أدينكم، فحديث البطريرك روئيل شمعون في رسلته الإستنجادية الموجهة عام 1868 الى القيصر الروسي ميخائيل، حول قيام الأكراد بالإستيلاء على كنائسنا وأديرتنا، ألم يكن بذلك يُشير الى الكلدان، لأن النساطرة كلدان الجبال منذ انعزالهم في المناطق الجبلية انتهى عهدهم بالأديرة ولم يبق لـديهم عذارى،أما نسبكم ذلك الى الآشوريين فهو هُراء وافتراء منكم أنتم العلمانيون المتزمتون مشوهو الحقائق! ثـمَّ ما شأنكم بالقرى السهلية في شرق تركيا وفي منطقة طورعبدين ألم تكن هذه كلها تعود للكلدان والسريان، الغاصة بها أديرتهم وكنائسهم وهي التي هوجمت ودُمِّرَت بسببكم نتيجة إدعاءاتكم الفارغة التي لا تمت الى الحقيقة بأية صلة . لقد كان استنجادكم(تحالفكم)بالروس منذ عام 1868 وليس كما تدَّعون كذباً بعد آذار 1915 أما انضمامكم الفعلي الى جانب الروس فكان في أوائل حزيران عام 1915 ليس دفاعاً عن النفس بل للثأر ومساعدة المحتل الروسي لقاء وعود فارغة، وعندما خذلكم الروس إثر الثورة البلشفية عام 1917 توفرت الفرصة للعثمانيين للإنتقام منكم وبشراسة عام 1918 في منطقة جبال هيكاري . ولما ضاقت بكم السبل تذكرتم أسيادكم الأوائل الإنكليز وقصد الآلاف منكم هرباً سيراً على الأقدام قاطعين السهول والوديان للوصول الى همدان في ايران وهم مُلاحقون من الأتراك والأكراد، حيث قتلوا منهم ما يقرب من مِئة ألف نفس، وفي همدان ترحم الإنكليز على بقية الناجين منهم واضطرّوا لجلبهم الى العراق .



تلك كانت خسائر الكلدان النساطرة كلدان الجبال الذين زوروا لهم الهوية الآشورية الوثـنية، أما الخسائر الهائلة فكانت تلك التي اقـترفـتها الجـيـوش الـتركـية ما بين عامي 1914 - 1923 ضدَّ القــرى والبلــدات الكـلــدانية والسريانية والأرمنية واليونانية المسالمة، فكانت خسائر الكلدان والسريان بما يزيد عن نصف مليون نفس، أما خسائر الأرمن البشرية فتقدر بنحو مليون ونصف عدا الخسائر البشرية اليونانية،وعُرفت هذه المجازر بـ"الإبادة الجماعية"وفقاً للتعريف الذي اعتمدته منظمة الأمم المتحدة عام 1948 .


والخلاصة، فإن الكلدان النساطرة كلدان الجبال بعد تأشورهم في نهايات القرن التاسع عشر وانخداعهم بالوعد الإنكليزي الكاذب الذي جعل منهم أداة ً طيعة بأيدي الإنكليز لتنفيذ مآربهم الإستعمارية، أصبحوا السبب الرئيس لتوالي النكبات عليهم أولاً ثمَّ اكتوى بنارها أبناء الكلدان والسريان والأرمن واليونانيين المسيحيين . لقد تمادى الإنعزاليون الكلدان النساطرة كلدان الجبال منذ تأشورهم ولا سيما بعد إتيان الإنكليز بهم الى العراق بإدخال المسيحيين من الكلدان والسريان في مآزق عويصة مع الأقوام العراقية الأخرى ولا سيما العرب والأكراد، بحيث جعلوا منهم من جراء تهورهم التعصبي هدفاً سهلاً لإنتقام المتزمتين المسلمين، وهذا ما نشهده اليوم! فهم نقمة مخيفة على الوجود المسيحي في العراق!





الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 9 / 11 / 2010     

140



فاجعة جديدة للمسيحيين في العراق




لقد هـزَّ خبر الإعتداء الغاشم على المسيحيين الأبرياء داخل كنيسة سيدة النجاة الواقعة في قلب بغـداد الشعـبَ المسيحي في مختـلف أنحاء العالم ، يا له من هجـوم بربري إقترفـته زمرة من زُمر الشرِّ والإجرام عدوة الإله وعباده البشر . هذه الزُمَر الخبيثة التي تقف وراءَها جهات متطرفة من داخل العراق وخارجه وتدفعها لإرتكاب أبشع الجرائم بحق المسيحيين المسالمين الذين لا ذنب لهم سوى كونهم مسيحيين . إن الدافعـين لهؤلاء القتلة سفاكي الدماء لا ينتمون الى أيِّ دين أو مذهب ، إنهم مرضى النفوس الأمارة بالسوء .



تذكرنا هـذه المأساة التي لا مثيل لها بالمسيحيين الأوائل الذين كانوا يتسابقـون لـنيـل اكليل الشهادة عـلى أيادي الوثنيين الذين لم يكـونوا يعرفـون الله ، فكيف بنا اليوم نحن مسيحيو هذا العصر أن نتعرَّض للقتل على أيدي مَن يدَّعون أنهم يؤمنون بالله ، فأيُّ فرقٍ بينهم وبين الوثنيين ؟ وكيف يُبرر الإنسان المؤمن بالله أن يقـتل مَن يفوقه ايماناً بالله ؟



لقد ذاق مسيحيو بلاد الرافدين الأمرَّين في العهود الوثنية تحت ذرائع واهية واتهامات باطلة ، ولدى مجيء العرب المسلمين استبشر المسيحيون خيراً حيث أخبروهم بأن رسالتهم هي توحيدية وأنهم يعـترفـون بالمسيح مما شجَّـع المسيحـيين للوقـوف الى جانبهم ضدَّ الوثنيين ، وسارت الأمور متأرجحة بين الـقسوة أحياناً وبين التسامح واللين أحياناً اخرى . ولدى استيلاء المغـول على البلاد شمل الإضطهاد جميع سكان دون استـثـناء ، وما إن أسلم بعـض الملوك المغـول حتى دارت الدائرة على المسيحيين وبعـنفٍ شديد ، وكان الأشد قسوة بينهم الفاتح المغولي العاتي تيمورلنك، فقد اضطهد المسيحيين بشكل رهيب فاضطر الذين نجوا من سيفه الى هجر مساكنهم في البصرة وبغداد وهربوا الى المناطق الشمالية القريبة والنائية من العراق .



ولم ينجُ المسيحيـون من الـذبح والسلـب والنهـب والتدمير أثناء الحرب العالمية الأولى حيث كاد العـثمانيون من القضاء على الوجود المسيحي ، وقد قُـدِّرعددُ القتلى من عموم المسيحيين بما يقرب من ثلاثة ملايين من ضمنهم نصف مليون من الكلدان بمختلف مذاهبهم . ولدى قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 تآخى أبناء العراق بمختلف قـومياتهم وأديانهم ومذاهـبهـم واشتركـوا في عـيش مشترك حتى عام 1933 حـيث تعـرَّض أبـناء طائفة الكـلدان النساطرة المسيحيين الى مذبحة سميل، إذ  قتـل فـيها عدة آلاف بـينهم رجال ونساء وأطفال ، فكانت نـذير شؤم وإيذاناً بعودة الإضطهاد ، ولكن الأمور تحسنت بعد ذلك، واستقـرَّت الأوضاع السياسية وانتعش الإقتصاد في المدن العراقية الكبرى ، فتدفـق الكثير من المسيحيين من قراهم الى بغداد والبصرة وكركوك ، و تراوح عـددهم في هذه المدن قرابة المليون ونيِّـف واحتوت بغداد القسم الأعظم .



ولدى تسلم حزب الـبعـث السلطة ، وتمَّ تأميم النفط دخـل العراق مرحلة اقـتصادية انـفجارية ، جعـلت منه مركز استقطاب للعمالة العربية والأجنبية ، ولكنها كانت فترة محدودة حيث دخل العراق في حرب استنزافية مع ايران جاءَت على الأخضر واليابس، ثم تلتها عملية الإستيلاء على الكويت، ومن جرائها فرضت العقوبات الإقتصادية على العراق ، فـتدهور اقتصاده مما حدا بالمسيحيين اعتماد طريق الهجرة ومنذ بداية الحرب العراقية الإيرانية العبثية، رغم استشهاد عددٍ كبير من أبنائهم الذين أبلوا أحسن البلاء في تلك الحرب الضروس، وكان ذلك دليلاً على شجاعتهم ودحضاً لإتهامهم بالجبن مِن قبل بعض المتوهمين، كما كان أيضاً برهاناً على إخلاصهم الكبير لوطنهم .



وبعد زوال النظام البعثي وبداية مرحلة الإحتلال عام 2003 اشتدَّ نزيف الهجرة بعد مرور سنة أو أقل ، حيث عاد الإضطهاد ثانية ليشمل مسيحـيي العـراق ، فـتعـرضوا لأبشع أنـواعه من قـتـل وخطـف وابتـزاز وتشريـد وأسلَـمة وتهجير قسري، قامت به زمر سلفية وافدة تعضدها جهات معادية من داخل الوطن وخارجه ، قد نال منهم التزمت وأعمى الحقـد بصائرَهم ، فـنادوا بالجهاد الكريه  ضد الأبرياء، مستغـلين الإنفلات الأمني نتـيجة التخبُّـط السياسي والصراع الدائرة رحاه بين الحكام حول المناصب ونهب ثروات الوطن ، غير عابئين بما يجري لشعـبهم بمخـتـلف فئاته وأطيافه ولا سيما المسيحيون منهم من قـتل وذبـح وتـدمير ، هـذه الشريحة المؤمنة بـتعاليم المسيح المُـثلى والنبيلة المرتكزة على محبة الآخرين حتى لو كانوا أعداءً لهم .



هـذه الحالة المزرية إضطرَّت المسيحيين للهجرة من جـديد ، وبإطرادٍ مع ازدياد هجمات الإرهابيين التي شملت الكنائس والأديرة ، وطالت الكهنة والأساقفة بالخطـف والقـتل لا لشيء إلا لأنهم مسيحيون ، وإلا بماذا يُبـرَّر هذا الإعتداء الهمجي الخالي من الرحمة المملوء بالحقـد والكراهية . بالتأـكيد لا يمكن أن يكون منفـذو هذه الأعمال الوحشية من المسلمين العـراقيين ضِدَّ إخوانهم المسيحيين العـراقيين ، ولكن لا يمكن تبرئة بعـض العناصر من مسلمي العراق المغرر بهم من قبل الجهات السلفية المسلمة الحاقدة على تآخي أطياف الشعب العراقي والتي لا يروق لها استقرار العراق .



إنها مؤامرة قذرة تُـحاك ضِدَّ المسيحيين في العراق من قبل أطرافٍ حاقـدة بهدف إخلاء العراق منه، وعلى مسلمي العراق الإنتباه لهذه المؤامرة، فخلُـوُّ العراق من المسيحـيين ليس بصالحهم،لأن وجـودهم هـو الدليل الوحيـد الذي يربط تاريخ العراق الحاضر بتاريخ ماضيه العريق الباهر، فلأسلافهم القـدماء الـفضل في إرساء أركان حـضارته التي صارت أساساً لحـضارة العالم بشتى أنـواعها، وعـلى العرب المسلمين أن لا يـنسوا فـضل أجداد المسيحـيين الذين بفضل العلماء من أبنائهم وطدوا اسس الثقافة العربية وطوَّروها  خلال مسيرتها الطويلة . إنهم اليوم في محنةٍ شديدة ويواجهون عدواً غريباً ومجهولاً، فحتى متى يبقى المسلمون صامتين جامدين لا يتحركون لنـجدتهم ألستم أنتم الأكثرية ومن واجبكم حماية الأقلية ! اللهم أنر العقـول وجَـدِّد في القلوب الرحمة وكُن في عون قطيعك الصغير ، واحفظه من أنياب الذئاب الخاطفة !





الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
 في 2 / 11 / 2010 

141




حـول تساؤلات السيد أبرم شبيرا




مع احترامي للسيد أبرم شبيرا، فإن قـوله في مستهل مقاله المعنون ( أين كنيسة المشرق الآشورية من صخرة بطرس ؟؟؟ ) < أكره شيء الى نفسي هو التدخل بشؤون الآخرين ، فمثلما لا نقبل نحن العـلمانيين الأصح "العـلمانيون" من رجال الكنيسة التـدخل بشؤوننا القـومية والسياسية كذلك من المؤكـد أن لا نتدخل في شؤون الكنيسة ورجال الدين > لا ينطبـق على واقعـه ، فإن أغلب مقالاته وإن كانت عناوينها غير ذات صلة كنسية لكنها تـتطـرَّق الى الشؤون الكنسية ، ولا سبيل الى الإشارة إليها فهي كثيرة ولكنني أشير الى إحداحا للدلالة وكانت بعنوان ( الكلدان والدعوة القـومية ) وبعد مقدمةٍ طويلة وغير متجانسة ومشوهة قال <<  في منتصف القرن التاسع عشر تحددت المعالم الرئيسية للكنيسة الكلدانية الكاثوليكية واستقرَّت امورها القانونية والرسمية وتحديداً في شهر كنون الأول من سنة 1847 عندما ثبت الفاتيكان مار يوسف اودو بطريركاً على الكنيسة وأطلق عليه ولأول مرة اسم بطريرك بابل على الكلدان بعد أن خضع للفاتيكان فيما يخص أتباع الكنيسة في ماللِبار الهندية ، ثم اعترفت السلطات العثمانية بالكنيسة وشملتها بنظامها المعروف بـ " نظام المليت " الذي كان ينظم العلاقة بين المسلمين الحاكمين والمسيحيين الخاضعين ، فمنذ تلك الفترة بقيت الكنيسة ورعيتها دائماً وبشكل مستمر موالين للسلطات المركزية والمحلية ولم يتدخلوا في المسائل السياسية إطلاقاً ولم يطالبوا بحقوق سياسية أو قـومية ولا إدَّعوا بأنهم يشكلون قـومية معينة أو أثنية خاصة بأتباعها منفصلة او مختلفة عن بقية أتباع فروع كنيسة المشرق وتحديداً أتباع كنيسة الأم " الكنيسة النسطورية " >> . وهنالك مغالطات وتلفيقات وأوهام اخرى كثيرة في متن المقال ، وهنا لست في صدد الرد على هذه التخرصات النيلية الحاقدة ، وإنما لجلب انتباه القراء الى عدم مصداقية السيد شبيرا فيما يكتب وبخاصةٍ عندما يتعلق الموضوع بالأمة الكلدانية التي تعود طائـفـتُه الكلدانية النسطورية الإنعزالية بجـذورها إليها ، فـتـنكَّرت لهذه الجـذور وتبنَّت الإنتماء الى جـذور غريبة لا صلة لها بها ، وإنما أغـريَـت لفعـل ذلك إن لم نَـقُـل خُـدعـت وأجبرت على انتحال تسمية وثنية لدولةٍ غابرة هي " التسمية الآشورية.





وفي إحدى فقرات مقدمة مقاله موضوع التساؤلات ، التي لا يخفى مضمونها على أبسط مسيحي ، حيث يعلم أن العدو الإرهابي هو عدو ديني، فبالرغم من علمه بانتماءاتنا القومية والمذهبية فهو غير معنيٍّ بها، وهذا لا يعني أنه بذلك يوحدنا بل إنما يستهدفنا على هويتنا الدينية ، فهل هذه شطارة يا سيد شبيرا ؟ إن كُلَّ سياسيينا ورجال ديننا يملكون النظرة التوحيدية التي أعني بها " توحيد الخطاب والمسعى " ولكن الطائفة الإنعزالية الضئيلة العدد تسعى للهيمنة واحتواء الأمة التي خرجت من صلبها ! هل تريد أن تذعن الأمة للفـرع ؟


نعم يا سيد شبيرا، إن كُلَّ رؤساءالكنائس قد قرأوا ما قاله يسوع له المجد لبطرس : أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة أبني كنيستي وقوات الجحيم لن تقـوى عليها : ويُـقـرون بأولـوية اسقـف روما ( البابا ) خليفة بطرس الصخرة . وكانوا كذلك حتى ظهور أصحاب البدع والهرطـقات الذين غرَّهم المجد الدنيوي ، فابتعـدوا عن الكنيسة الأم الجامعة مؤسسين لهم كنائس انفرادية ، ومن جملتهم الكنيسة الكلدانية النسطورية ، وبمرور الزمن اكتشفت خطأها وراحـت تسعى الى ايجاد حلٍّ والكثير منها عادت الى حظيرة الصخرة البطرسية ،ومن بينها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية . ولا زال الباقـون يقطعـون الطريق ويحتاجون مزيداً من الوقت الذي لن يكون طويلاً بعون الله ، وهذا ما دَلَّت عليه زيارات خلفاء مار بطرس ولا سيما يوحنا بولس الثاني وبينيدكتس السادس عشر . والكنيسة الوحيدة المعاندة في العالم ، هي الكنيسة النسطورية المتأشورة بشقيها ، الكنيسة الأصغر بين جميع الكنائس . وهذا العناد الذي يخالف ما تُقـرُّه كافة الكنائس وهو قيام الكنيسة النسطورية بنبذ المذهب النسطوري وإدانة تعاليم مُبتدعه نسطور بشكل علني وصريح هو الجواب لتسؤلاتك يا سيد شبيرا ولا يحتاج الى شرح أكثر . وكنيستك النسطورية ليست أقدم كنيسة بل يبدأ دورها عند انعزالها في منتصف القرن السادس عشر ، ورغم هذا الإنعزال فإن كُلَّ بطاركتها كانوا يُرسلون بصيغة ايمانهم الى السدة الرسولية في روما ويذيلونها بعنوانهم الشهير " محيلا بطريركا دكلدايي " حتى عهد البطريرك شمعون الرابع عشر 1700 - 1740 الذي قطع الوصال مع روما واحتفظ بالعنوان فقط . والعنوان هذا كان يُنقش معطوفاً على اسم كُلٍّ منهم حتى آخرهم شمعون ايشاي الحادي والعشرين ، وبعد اغتياله في عام 1975  ومجيء دنحا الرابع تغير كُل شيء حيث إتخذ لقب بطريرك الآثوريين ، ويمكن أن يُعتبر البداية للكنيسة الآثورية النسطورية . 


 

ليس هنالك صراع بين الكنائس ما عداصراع الأقباط مع النساطرة الكلدان الذين تبنوا التسمية الآشورية ولا زالوا متشبثين بالمذهب النسطوري الذي يعتبرونه هرطوقياً ولا تعترف به أية كنيسة بالعالم وهذا الأمر ليس بخافٍ على أحـد . وهو العائق الوحيد. ولو لم يكن ذلك لماذا لا تُعادي الكنيسة القبطية الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية لأنها نبذت المذهب النسطـوري منذ منتـصف القرن السادس عشر ، ألم تكـن الى هـذا التاريخ نسطورية المذهـب ؟ وإن كانت والحـق يجـب أن يُـقال نسطورية بالإسم ولكـنها بالـفعـل كانت كاثوليكية غير عـلنية . أما القسم الضئيل مِن أبنائها الذين أصرَّوا على بقاء كنيستهم في بودقة النسطرة ، طبقـوا تعاليم نسطور بعـد تأشورهم بحـذافـيرها ، وهذا الذي جعل جميع الكنائس أن تُقاطعهم ولا تعترف بكنيستهم . وهنا يحضر السؤال : هل إن كُلَّ هذه الكنائس التي يجمعها < مجلس كنائس الشرق الأوسط > وهي : الكنائس الكاثوليكية :الكنيسة الكلدانية  والكنيسة السريانية  والكنيسة الأرمنية : الكنائس الأرثوذكسية الشرقـية : القـبطـية ، السريانية ، الأرمنية : الكنائس الأرثوذكسية البـيـزنـطـية : الروم والروس وغيرهما . على خـطأ والكنيسة النسطورية على حـق ؟ وكيف تقبل هذه الكنائس أن تحاور كنيسةً تعـتبر نسطور قديساً وبإصرار وهي تعتبره هرطـوقياً وأبرز مَن كان سبباً في إحداث الإنشقاق في كنيسة المسيح الجامعة .




أنا لا أعـتقـد بأن مار دنخا الرابع أقـرَّ بصورة ايمانه بحسب المًـعـتقـد النسطـوري، وإلا كـيف كان يمكن أن يُقـرَّ قـداسة الـبابا الراحل مار يـوحـنا بـولس الثاني برسولـية الكـنيسة النسطـورية ؟ لقـد أقـر البابا برسولية كـنيسة المشرق وأصالة تعـليمها اعتماداً الى أقـوال مار دنحا الذي ردَّد تعـليـمها القـويم امام البابا الذي كانت عـليه قبل اكتوائها بالهرطـقة . ولم يعترف مار دنحا بأن كنيسته تتبنى تعاليم نسطور ؟ ثم كيف يمكن أن يكون الخلاف بين الكنيسة النسطورية وبقية الكنائس خلافاً باللفظ والكلام في حين إصرارها على كون نسطور قديساً بالنسبة لها ؟ وكيف يحق لكنيسةٍ نسطورية تسمية نفسها بكنيسة المشرق بعد انحرافها عن تعليمها ، ألا يُعتبر ذلك احتيالاً على الكنائس الأخرى .



لم تصدر أية قرارات مهمة نتيجة المباحثات التي جرت بين الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية والكنيسة النسطورية الإنعزالية وإنما كانت مجاملات وتمنيات ، وأتحداك يا سيد شبيرا أن تذكر ولو واحداً من تلك القرارات المزعومة ، فقد كانت تأمل الكنيسة الكلدانية أن تعود الكنيسة النسطورية لرشدها وتنبذ هرطقتها ، ولكنها لم تجرأ لمصارحة أتباعها بعدم صواب المذهب النسطوري ، بعد أن خدعتهم به طوال قرون ، وعقدة الخوف هذه هي السبب الوحيد الحائل دون قيام أيِّ إتحاد بل حتى أيّ تفاهم ! ومن هذا المنطلق على أتباعـها تفهُّم معضلتها التي تخشى البَـوح بها ، تجنباً لثورتهم ضِدَّها . أما إتهامك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بعدم الإستقلالية بقراراتها فهو إتهام باطل ومغرض ،لأن أبناء الكنيسة الكاثوليكية لا يتدخلون بقراراتها إطلاقاً والصحيح أن الكنيسة النسطورية هي أسيرة أتباعها المتزمتين حيث تتوقع تهديداً جدياً من أتباعها فلا تستطيع إتخاذ أيَّ قرار دون موافقتهم .

     

نعم يا سيد شبيرا وكُل أتباع الكنيسة النسطورية التي مهما حاولتم تغيير إسمها < آثورية قديمة ، آشورية جديدة . . . فهي نسطورية > . لملكوت المسيح باب واحد وطريق واحد يؤدي الى هذا الباب هو طريق المسيح الذي أوكل الصخر بطرس لتعريفه للمؤمنين بالمسيح ، بدءاً بالكباش ثم الغنم فالخراف بقـوله له ثلاث مرات : أتحبني يا شمعون بن يونا أكثر مِن هؤلاء ؟ وكان يقصد بهؤلاء تلاميذه الآخرين . وله وحده قال ايضاً : لكَ أعطي مفاتيح ملكوت السموات ، فما تربطه بالأرض يُـربَـط في السماء وما حَلَـلته في الأرض يُحَـلُّ في السماء ، وكان المسيح الرب قبل ذلك قد أوصاه بالمحافظة على إخوته التلاميذ ، وهذا ما فـعـل . فلا يمكن معرفة الطريق للوصول الى هذا الباب إلا من خلاله ، فمتى سترعـوَون ؟ ! ! !




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 30 / 10 / 2010

142



الإتحاد ليس عنواناً للقوة بل مصدراً لها ولكن !



أنا لا أعرف السيد يونس كوكي شخصياً ، لكنني مُتابع لبعض كتاباته غير مهتم لصياغتها العربية ، وإنما لشدة انصهاره ببودقة منتحلي التسمية الأشورية الوثنية وعـدائه السافر للأمة الكلدانية عن طريق مهاجمة المثقفين والكتاب والمفكرين مِن أبنائها المخلصين البررة واصفاً إياهم " بمُدَّعي القـومية والأمة الكلدانية " لا أبناءها ! ولولا إشارته بأن أحدهم يقول لأسياده منتحلي الآشورية : كلدان الجبال :ولم يذكر إسمه بل أعرب السيد كوكي عن يقينه بأن الذي عَرَّفهم بأنهم كلدان الجبال يقصد أنه يُشير بذلك الى اللقب المتداول عنهم بين أبناء الشعب الكلداني " دببة الجبال " وهذا اليقين جاءَه كردِّ فعل وامتعاظ من المقولة الشعبية الكلدانية . بيدَ أن الـحـقـيـقـة ليست كذلك فالقائـل هو باحث تاريخي قـد تصفح بطـون امهات الكتب التاريخية ولمدة تتجاوز الربع قـرن ولذلك فهو على درايةٍ تامة بتاريخ هـؤلاء المنتحليـن للتسمية الوثـنية الآشورية الغريـبة عـنهم والتي أسبغها عـليهم وأغراهم بـها بعض دهاة الإنكليز الذين تعرفـوا عليهم في عرينهم الجبلي وأعـني بهم أعضاء البعثة التبشيرية الأنكليكانية عملاء المخابرات الإنكليزية . ثمَّ السيد كوكي لم يذكر التسمية بالكامل بل اختصرها بـ" كلدان الجبال " بينما الباحث قال عنهم : < الكلدان النساطرة / كلدان الجـبال > وقد عَـرَّفهم بأنهم جـزء عـزيز مِن أبناء الكـنيسة الكلدانية النسطـورية أو اخـتـصاراً " الكنيسة النسطورية " . أصرّوا على التشبث بالمذهب النسطوري نكاية ً بالغالبية العظمى من إخوتهم الذين قرَّروا في منتصف القرن السادس عشر تصحيح مسار كنيستهم الخاطيء والمنبوذ من كافة كنائس العالم ، فانعـزلوا عنهم وتمركزوا في المناطق الجبلية يلفهم الجهل والتعصب القاتلين .




ما كنت لأردَّ على السيد كوكي كما قلت فيما سبق لولا إشارته إليَّ ولكن بدون ذكر اسمي لأنني أنا الذي كشفت اللعبة الأنكليكانية بإسهابٍ تلك التي انطلت على هذا الجزء العزيز من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية بل التي إستمرأوها تشفياً وانتقاما من إخوتهم الذين بهداية الروح القدس استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم " المذهب الكاثوليكي / مذهب كنيسة المسيح الجامعة " وتمشياً مع روح التعصب لهرطقة النسطرة التي توافقت مع أهـداف الكنيسة الأنكليكانية التي كانت العدوَّ اللدود للكنيسة الكاثوليكية وبخاصةٍ في القرنين الثامن والتاسع عشر ، هذه الكنيسة التي حالت بعثتها التبشيرية التي غـزت معاقـل أتباع مار شمعون دون قيام الوحدة بين الكلدان الكاثوليك وإخوتهم الباقين على النسطرة . وقد يقف السيد كوكي على تفاصيل ذلك من خلال كتابي الذي سيصدر بعون الله في نهاية تشرين الثاني المقبـل بعنوان ( الكلدان والآشوريون عبر القـرون ) .



وهنا أود تـوجيه السؤال الى السيد كوكي : ما هو سبب العِـداء الذي تكنه للكلدان وانخراطك في خندق الحاحقدين عليهم بكل هذا العنفوان ؟ هل قرأت التاريخ الأكاديمي العلمي أم أنك تعتمد على الدجـل السياسي الذي يُـروجه عتاة منتحلي التسمية الآشورية ؟ الإنسان الواعي لا تجرفه الدعايات الإفترائية المغرضة التي تختفي وراءَها أجندة إيديولوجية تعصبية إستعلائية آتية من عقدة الشعور بالنقص التي يُمليها التشبث بالباطـل لمحاربة الحق . مع مَن تُـريد أن يتحد الكلدان ؟ مع الذين يدعون الكلدان للعودة الى الهرطقة النسطورية ؟ وهل تعلم أن شرطهم الوحيد هو الإنقلاب على الكرسيي الرسولي والعودة الى المذهب النسطوري ؟ ليست مؤسستهم الكنسية التي طالبت بذلك فحسب بل كُل مؤسساتهم السياسية والثقافية والإجتماعية ، أليس هذا مطلباً تعجيزياً ؟ متى تزنوا الأمور بميزان العدل أنتم معشر الكلدان المتعاطفين مع أعداء امتكم الكلدانية ، لماذا ضَمُرَ شعوركم القـومي الى هذه الدرجة التي لا تُـصدَّق ؟



أما بالنسبة لأحداث سميل ، المحرك الوحيد لإرتكاب تلك المأساة كان الإنكليز وبتحريض سري للزمرة الحاقدة التي قامت بالتنفيذ ، والمنكوبون بها يعرفون ذلك أكثر من أية جهةٍ اخرى حيث قالوا إذا لم يكن الأمر بتحريض وتحديد معين، لماذا لم يُعتـدى على الكلدان ؟ والرواية التي سقتهاهي تصنيف من تصانيف العامة وتخميناتهم ، فهل يمكن الركون إليها ؟ وكيف عرفـوا وسمعوا الملكة عالية تُهديء من روع إبنها وتبدد مخاوفه وبهذا الإسلوب المعرفي بأحوال المسيحيين ؟ كفاكم الجري وراء الشائعات وضربكم المثلَ بها . إذا كنت تُلقي اللوم على أبناء الكلدان ذوي المواقف الدفاعية ،لماذا لم تزجر يوماً أصحاب المواقف الهجومية ؟ كم من مرة طالب الكتاب والمثفون الكلدان بـوقـف هذه المهاترات ؟ ولكن منتحلي الآشورية والمتأشورين والمقتاتين على موائد المعادين لأمتهم الكلدانية ظلوا سادرين في غِيِّهم خـوفاً من انقطاع أجرهم .



هل الكتابات الموثـقة تاريخياً تثير الغثيان أم كتاباتـك على عِلاتها وكتابات أمثالك هي التي تشمئز منها نفـوس الكلدان وتزدريها ؟ هل كتبت يوماً بنزاهةٍ وحيادية ؟ في كُلِّ مقالاتك نلاحظ تهجمك على بني قومك الكلدان يحمل نبرة الشدة والإنتقاص من كرامتهم ناصباً من نفسك محامياً لأعدائهم ! ليكن في علمك يا أخ يونس ، لو لم تقف زمرة الكلدان المتأشورين الى جانب منتحلي التسمية الآشورية الوثنية ضِدّ امتهم الكلدانية ، لكان هؤلاء اليوم في خبر كان ! فلنجاريك بقـولك أننا جميعاً في قارب واحد مثقـوب ، ولكن مَن ثقـب هذا القارب ، بالتأكيد تعرف الثاقب ولكنك لا تجرؤ على البوح ! أليس أمراً عجيباً أن يخذل بعض الكلدان امتهم وينحازوا الى ناصبي فخاخ الشر لها !



يا أخ كوكي ، سلوككم بالدفاع عن فئةٍ انعزالية والتوقيع لها بأصابعكم العشر ، سيكون مردوده سيئاً لكم ولمَن جعلتم منهم أسياداً لكم ، إذ ستضطر القيادة الكلدانية الكنسية والسياسية لعمل كُلِّ ما بوسعها،لجلب الكلدان الى المهجر ، وترككم أنتم وأسيادكم الذين ستمثلون حفنة من الديمغرافية ، فاستعدوا للعودة وإحياء الدولة الآشورية المنقرضة وهنيئاً لكم !!




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 26 / 10 / 2010           

143



المؤسسات الآشورية تزويرية ومختلقة


لا زال أحفاد المخدوعـين بالـوَعـد الإنكليزي الكاذب الذي نصبوه فخاً اصطادوا به أسلافهم الكلدان النساطرة ( كلدان الجبال ) مستغـلينهم لتـنفـيذ مصالحهم الإستعـمارية ، وجعـلوا منهم حطباً لنيران العثمانيين التي التهمت أكثر من نصف عددهم .أقول لا زالوا سادرين في غِيِّهم ومصدقين الإكذوبة الويكَرامية اللعينة التي استغـلَّوا بها جهلهم وتعـصبهم لمذهبهم النسطوري الهرطوقي المعادي ليس للمذهب الكاثوليكي القـويم فحسب بل لكُلِّ الكنائس في العالم ، ولهذا نظرت هذه الكنائس الى كنيستهم النسطورية بأنها كنيسة غريبة ومخالفة لأمر المسيح وتعـليمه بقـوله ( كنيسة واحدة جامعة لراعي واحد ) ، وفضلاً عن ذلك لا زالت تؤمن هي وأتباعها بالآشورية الوثنية المختـلَـقة أكثر من ايمانهـم بالمسيحية الخلاصية .


فبين كُلِّ آونةٍ واخرى يطلع علينا متعصب للآشورية المختـلَـقة وبمنتهى الصلافة يُنادي بالآشورية المزيفة وينعتها بالأمة زوراً وبهتاناً ، مع العلم بأن الدولة الآشورية المنقرضة وفي اوج عـظـمتها لم تكن امة قـومية بل مجموعة بشرية مؤلفة من عدة أجناس كما هو الحال في الدولة العراقية المعاصرة التي تتكون مِن عدة أقـوام ، فهل يمكن اعتبار العراقية بالقـومية ؟



وليعلم غسان يونان الداعية المتأخر للآشورية الويكرامية المختـلَـقة ، بأنه ليس هنالك قـومية آشورية على الإطلاق لا في العهد القديم ولا الحديث ، وأن دولة آشور التاريخية القديمة وأتباعها طالهـم الفناء الأبدي بحسب تأكيد العلماء والمؤرخين . وأن منتحلي التسمية الآشورية الوثنية المعاصرين هم أحفاد الكلدان النساطرة ( كلدان الجبال) المطرودين من منطقة سكناهم في تركيا الحالية بعد الحرب العالمية الأولى، وقد جاء بهم الإستعماريون الإنكليز الى العراق فهم وافدون عليه، وبعد انتحالهم لهذه التسمية المنبوذة نَـظر إليهم الشعب العراقي كطائفةٍ غريبة قادمة من جبال تركيا ومحمية من قبل الإستعماريين الإنكليز ، فكيف تُصبح هذه الشرذمة وعاءً كبيراً يحضن كلدان وسريان العراق الذين يفوقونها بأكثر من مئة ضعف عدداً ويتفوقـون عليها علماً وثقافة ً واقتصاداً و و و !


ألا تخجلون من واقعكم المزري المبني على الدجـل السياسي ، عن أية امةٍ آشورية تتحدثون ؟ وبأيِّ حـقٍّ على امة الكلدان تتطاولون ؟ ألا يكفيكم أنكم الخارجون من صلبها تنكرتم لها وخنتم اصولكم العِـرقية الكلدانية ؟ إن الباطـل الذي بنيتم عليه آمالكم العدوانية ضدَّ الامة الكلدانية لا بـد له أن ينهار لأن الباطـل مهما طال نهايته الزوال . كفاكم المضيَّ في تزوير التاريخ ، فمنذ أن خدع الإنكليز أسلافكم السذج البسطاء لم تتوانوا لحظة ً من تزوير الحقائـق والوقائع التاريخية . وإن تضحيات أسلافكم التي تتبجحون بها لم تكن إلا تضحيات من أجل أسيادهم وأسيادكم الإنكليز أجبروا على تقديمها خدمة ً لمآربهم وأهدافهم الإستعمارية . إن الآشورية التي انتحلتموها ستكون نقمة ً عليكم كما كانت نقمة ً على أصحابها القدماء فأودت بهم الى الهلاك الأبدي .


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
 في 25 / 10 / 2010 

144

مُغالطات كلدان الجبال النساطرة المتأشورين القـدامى
   

[

size=12pt]الكـثيرُ مِن أبـناء امتي الكـلدان الشرفاء الـغُـيارى الذيـن جَـمعـتـني بهـم بعـض اللـقـاءات وأحـياناً بعـض الصدف ، طـرحوا عليَّ بعـض الأسئـلة مِن ضمنها : ما سبـب قـلة ردودِكَ على  مُـروّجـي الخطابات الـتـزويـرية بحـق تاريخ امتـنا الكلدانية مِن قـبـل أدعـياء الآشورية المزيـفـة المعاصريـن وبعـض النـفـر الضال من الكـلدان المغـرَّر بهـم الـمتـعاطـفـيـن معـهـم ، في الـوقـت الـذي نـرى في ردودك نـبـرة الـصدق والأمانـة الـتاريـخـيـة المُـدعـمة بـوثـائـق الـمؤرخـيـن والباحـثـيـن والمشوبة بالـدعـوة الى نِـقـاش تاريـخي حُـر وأكاديـمي رصيـن ؟ وكان جـوابي أولاً : إن وقـتي أضيـق عـليَّ مِن صرفـه للـرد عـلى تُـرَّهاتهـم وتَـلـفـيـقـاتهم ، وثانـياً : لا أرى أنهم مستأهـلـيـن للـرد بسبـب انغـلاقـهم الـفكـري ودفاعهم المستميت عن خـطأ أسلافهم التاريخي بـوقـوعهم في فخ الدهاة الإنكليز الذين أدخلوا أدمغـتهم دورة غسيـل ضافـية وأعَـدَّوها لعـدم الإيـمان بـفـكـر تـاريـخي عـلمي ما عـدا الـفـكـر السياسي الآشوري المزيَّـف الذي عَـبَّـدَوا لهـم طـريقَه وقـد أشرنا إلـيه آنـفاً ، ولـذلك يتجَـنَّبون ارتـياد المكتبات التاريخية المتخـصصة لـكي لا تصطدمهم الحقائـق التي تُـفـنـد ما لُـقَّـنـوا من معـلوماتٍ خاطـئة .



الفـرق شاسع بما تحـويه الدراسات التاريخـية الأكاديـمية وما تُـعلِّمُه الدراسات  السياسية التي يَـطرحها المؤمنـون بالـفـكر الآشوري بـصياغـة مَقالات هي أبعـد ما يكـون عـن عـلم المنطـق الضروري في البحث التاريخي ، وبالرغم مِـما أحـرزه الـتـقـدم العـلمي في دراسة تاريخ مُخـتـلـف الآمم القـديمة ومنها الأمة الكلدانية ، فلا يزال القـومجيـون الآشوريـون المُـعاصرون يُـشوهـون عن قـصدٍ وإصرار التاريخ الكـلداني المجـيـد ، وذلك من أجل خـدمة فرضيـتهم الآشورية العـقـيـمة التي لا تمـتُّ الى الحقـيـقة بأدنى صِلـة قـريبة أو بعـيدة ، ولا بـدَّ أن تُـثبـت لنا الأيام بأن الحقـيقة أقـوى من الخيال وأن التاريخ العلمي أقـوى من تاريـخهم السياسي المؤدلَـج ، إذا كان كـلـدان الجـبال النساطرة قـد انـخـدعـوا بالسياسة الإنكـلـيـزية الإستعـماريـة ، هـذا لا يعـني أن يـنعـدي الكلدان الحقيقيـون الشرفاء بتلك العـدوى اللعـينة .



لـقـد اخـتار كـلـدان الجـبال الـنساطـرة الإنـعـزالـيـون الذيـن يُـسَمَّـون انـفسهـم الـيـوم بالآشوريـيـن ، بُـرجاً آشورياً مظلماً لا يُريـدون الخروج منه ، فـراحـوا يتخبطـون في الظلام  بعيداً عـن النـور لأنـه سيفضحهم بكشفه لوجـوههم الكالحـة . لقـد قـلـت مراراً بأن الشعـب الآشوري الـقـديـم قـد انـقرض معـتمـداً المصادر الـتاريخـية التي أكَّـدت هذا الإنقـراض ، والمؤيـد الأقـوى لِما أوردتـه هـذه المصادر هـو انعـدام ذكر هـذا الشعـب في الـوثائـق الـتاريخـية التي تَـلَـت زوالَهم في الربع الأخير من القرن السابع قبل الميلاد . وبعد زوالهم هيمَنَ الكلدان عـلى بلاد ما بين الـنهـرين ومجمـل بلدان الشرق الأوسط ، انصهرت بقايا شعـوب العراق القـديم في مجتمعهم وفي مقدمتهم البقـية الناجية من الإبادة الجماعية التي تعـرَّض لها الشعب الآشوري .



لم يكـن هـنالك أيّ شعـور قـومي آشوري لا بـل حـتى أي ذكـر عـلى الإطـلاق لـدى المسيحـيـيـن الشرقـيـيـن منهم أو الغـربيين طـيلـة خمسةٍ وعشرين قرناً أي منذ القرن السادس قبل الميلاد وحتى نهايات القرن التاسع عشر وبـدايات الـقـرن العـشريـن الميلاديَـيـن . وهـذا الأمر قـد أوضحـه حسن بـن بهـلـول الكـلـدانـي الـنسطـوري/ الـقـرن الـعاشر الميلادي لدي تَـفسيره تسمية الآشوريـيـن في الصفحة 322 بأن كـلمة الآثـوري تعـنـي العـدو ، ألا يُـثـبـت ذلـك بأن أجدادنا الكـلدان النساطرة كانوا يستهجـنون التسمية الآثورية التي كانت غير مستحـبة لـديهم ، واستُخـدمَت بلغـتهم الكلدانية بمعنى " الآثوريون = الأعـداء " فكيـف يمكن اليـوم فرضها على الكـلـدان ! وأخـيـرأً ألـيس واقـع الـيـوم يؤكـد بأن المسيحيين الشرقيين الذين هـم كـلدان بغالبـيـتهم العـظمى هـم ابـعـد ما يكـون عـن متـبني الآشورية لأن بتبنيهم هذا جعـلوا من أنفسهم أعداءً للكلدان بعد أن كانوا إخـوة ً لهم قـبل تبنيهم للآشورية العـدوة !



لا رَيـبَ هنالك الـبـتة بأن الإنكلـيز هم الـذين أغـروا كلـدان الجـبال النساطـرة بـتـبـنّـيي التسمـية الآشورية وأوجدوا لهم المفهـوم القـومي المزيَّـف ودفعـوهم الى امتهان العمل السياسي ، ولكن نقطة الضعـف الفظيعة الملازمة لهم هي مفهومهم الخاطيء المتعَـمَّد للتاريخ ، وذلك من خـلال إصرارهم على ترديد الأخطاء ، وأدهى هذه الأخطاء هو إصرارهم على تنسيب مسيحيي الشرق الى الشعب الآشوري رغم عـلمهم بانقـراض ذلك الشعـب . والخطأ الـفادح الثاني هو تَوهُّـمهـم بأنهم يتكلمون اللغة الآشورية بينما الحقيقة هي بأن اللغة التي يتكلمونـها ما هي سوى تحـوير وتحـريف للغة الكلدانية ساعـد في ذلك عامل البعـد الجغرافي .أما الخطأ الثالث اعـتمادهم الكلّي على السياسة قبل الحـقيـقة بل بدون الإعتراف بالحقـيـقة أصلاً .



إن هـذه المغالـطات المتعَـمـَّـدة ستجلـب الأذى والمعاناة لجيـل دُعـاة الآشورية الـصاعـد ، فهي مُغامرة فاشلة مسبقاً ، والمستـفـيد سيكـون الكلدان  لأنهم على عـلم ويقـين بأن الـقـوة التي لا تستنـد على الحـق سيكون مردودها الفشل ، ولـذلك فإن أبناء الكـلدان مصرون على دراسة تـاريـخ امتهـم الحـقـيـقي ، وتـلك خـطـوة جـبارة ، ستـكـون دعامة ً لهم للحفاظ على وجـودهم وعلى لغـتهم وحضارتهم، وكما قال الشاعـر الألماني غـوتيه < الـويـل للأمة التي يتحَكَّـم الجهلُ بتاريخها > وفي النهاية أقـول لكلدان الجبال النساطرة منتحلي التسمية الآشورية (العـدوة ) بأن حـبل الكـذب قصير والخـداع لا يمكن أن يستمر ، يُـمكنكم أن تخـدعوا بعض الناس لبعض الـوقـت ، ولكن لا يُـمكنكم مطـلقاً خـدعَ كُـلِّ الناس كُـلَّ الـوقت .




الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهـيئة التـنـفـيـذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 20 / 9 / 2010 [/size]

145
الذكرى ( 41 ) لمذبحة صوريا الكلدانية


يوم غـدٍ السادس عشر من ايلـول تـمُـرُّ الذكـرى الحـادية والأربعـون على استشهاد أبـناء قـرية صوريا التي كان غالبية سكانها من الكلدان يشاركهم عدد قليل من الأكراد، راح ضحيتها (39 ) فـرداً كلدانياً و( 10) أفـرادٍ أكـراد، تعرَّضوا لنيران بشر ذوي قـلوبٍ قاسية مفعمة بالحقد والكُره العنصريَين ، والأنكى أن هؤلاء البشر مُرتكبي هذه الجريمة الشنعاء كانوا جنودا يقودهم ضابـط برتبة ملازم ثاني حيث من المفروض عليهم الحِفاظ على حياة أبناء شعبهم لا قـتلهم بدون جُـرم أو ذنـب ، وهـذا ما يَـقـتـضيه واجـبُهـم ولذلك فإن جُرمهـم يدخـل في خانة خيانة الواجب وإهانة الشرف العسكري ، كما تُـعـتبَر هذه المأساة التي أنـزلَت عمداً بهـؤلاء الأبرياء وصمة عار على جـبـاه مسؤولي المؤسسة العسكرية ولا سيما أن هـؤلاء المسؤولين لم يُحاسبوا الفاعـليـن على فعـلتهم الشنيعـة .

وبمناسبة هذه الذكرى الأليمة لمجزرة صوريا يُـكرِّر الشعـب الكلداني نـداءَه الى القيادة الكـردية أن تُـقَيِّـمَ هذه الفاجعة وتُـنصـف ذوي هؤلاء الشهداء ، وتعتبرها جريمة من ضمن جرائم الإبادة الجماعية التي طالت مختلف شرائح الشعب العراقي ، وندعوالقيادة الحكيمة أن تقـف بحزم ضدَّ محاولات بعض الأحزاب الآشورية تجيير مأساة صوريا الكلدانية سياسياً من أجل الحصول على مكاسب حزبية ضيقة على حساب الأمة الكلدانية ، لأن شهداء مذبحة صورياكانوا كلداناً وكُـرداً ولم يكن بينهم أيٌّ من الأقوام الأخـرى . ومن المضحك والمؤسف معاً أن نرى قيام بعض الكتاب الخلط بين شهداء سميل وصوريا بتسميتهم إياهم كلداناً سرياناً آشوريين ، بينما العالم كله يعـلم بأن الذين قتلوا في سميل كانوا من الكلدان النساطرة المتبنين للتسمية الآشورية أي الآشوريين حسب اصطلاحهم ولم يكن بينهم حتى كلداني واحد ولا سرياني واحد بـينما شهداء قرية صوريا من المسيحيين فكانوا كلداناً صرفاً .

وهنالك فـرق كبير بين شهداء صوريا وسميل فلا يجوز خلط الأوراق ، لأن أهل سميل كانوا من الآشوريين المطرودين بعد الحرب العالمية الأولى من أراضيهم التاريخية في تركيا الحالية وقام الإنكليزبجلبهم الى العراق وشكلوا من أبنائهم جيشاً أطلقوا عليه (اللفي) ليكون لهم رأس حربةٍ في قمع أية انتفاضةٍ يقوم بها العرب أو الأكراد ضدَّ المستعمر الأنكليزي، ولذلك أقدمت الحكومة العراقية بارتكاب مذبحة سميل انتقاماً من الآشوريين لتعاونهم مع الإنكـليز ،والكلدان تألموا لها وساهموا في الحفاظ على حياة الناجين منها الذين التجأوا الى بلدة القوش الكلدانية في حين أن مذبحة صوريا كان المُجنى عليهم كلداناً مسالمين لم يحملوا يوماً السلاح لا ضدَّ العرب اوالكرد.

إن الكلدان ينظرون الى الذين أطلقوا على أنفسهم إسم " الآشوريين" كجـزءٍ عـزيز من كيانهم فقدوه ، حيث سلبه منهم العدوُّ الإنكليزي الأجنبي مستغـلاً عِـداءَهم المذهبي ضِدَّ إخوتهم الذين بإلهام من الروح القدس استعادوا المذهب الكاثوليكي القـويم الذي عليه كان آباؤهم وأجـدادهم قـبـل إجبارهم على تبني المذهب النسطوري عـنـوة ً في القـرن الخامس .إننا إخـوة وكلنا كلدان مهما تـنكـروا لكلدانيتهم ، وسنـقـف ضدَّ طـروحاتهم المنافية للحقيقة والمبنية على تشويه كُـلِّ مُجـريات التاريخ بهدف تحقيق مآربهم السياسية ، إننا نؤمن بأن الحـقَّ هو الذي سينتصر في النهاية .

المجد والخلـود لشهـداء قرية صوريا ! ! !

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيئة التنفيذية
في الإتحاد العـالَـمي للكتـّاب والأدباء الكلدان
في 15 / 9 / 2010

146
بـحـث حـول اللغـة الكلدانية

في اجتماع  لأعضاء الإتحاد العالمي للكُـتاب والأدباء الكـلـدان على البالتـوك في 21 /8 / 2010 ، نَـبَّـهـنـي العضو العـزيـز نصرت دمان ، الى كـتاب بعـنـوان ( الـفـانـتـوغـرافـيـا / للمؤلـف إدمـونـد فـري ) فـزودنـي بالـرابط لكي أدخـل عليه في الإنتـيرنيت ، وبالفـعـل وجـدت الكتاب وهو طبعاً باللغة الإنكليزية ، فـتـصفحـته وقـد تناول اللغات بحسب الحروف الأبجـديـة للغة الإنكليزية ، وكُـل ما كان يهمـُّني مِنه هـو الـفـصل الخاص بالـلغة الكـلدانية  ، التي  تـجـنـَّى عـلـيهـا إخـوتُـنـا الآثـوريـون والسريان ، فسلـبـوا تُـراثـها وعَــتَّـمـوا على تاريخها المجيد ودورها المشرِّف في الـتقـدم الحضاري عِـبر الأجيال ، وليس الآثوريون والسريان وحدهما الجانيَيـن على هذه اللغـة الملائكية المقـدسة ، بـل إن بعض الكـتـبة من أبناء الكـلدان ولا سيما مَن كان لهم باعٌ في الكتابة والتأليف من أبناء الإكليروس الكلداني  من حاملي الرتبة الأسقـفية والكهـنوتية ولا اريد أن أذكر أسماءَهم في هذا المقال ، لأنني  قـد ذكرتهم في المجـلد الـثاني من مجـلداتـي الأربعة الـتارخيـة والتي سيصدر إثـنان منهـا في القـريب العاجـل بعـون الله . ولكـن الحقـيـقة لا بـدَّ لها أن تـظـهـر مهما طال الزمن ورغم كُـلِّ جهود أعـدائها !


ويسرُّني أن أقـدم هذا البحـث للقـراء الكرام كما ورد في اللغـة الإنكليزية وترجمتي إياه الى اللغـة العـربـية ، وقـد اشتمل البحث على عشرين صنفـاً بحسب تطـوّر الحـرف والأبجـدية الكلدانية ، وفي نهاية هذا الـبحـث سوف أضع رابط هـذا الكتاب  لـيتسنى لمَـن يرغـب بالإطلاع والتأكُّـد .

 PANTOGRAPHIA
;
CONTAINING
ACCURATE COPIES OF ALL THE KNOWN
ALPHABETS IN THE WORD;
TOGETHER WITH
AN ENGLISH EXPLANATION OF THE PECULIAR
FORCE OR POWER OF EACH LETTER
TO WHICH ARE ADDED
SPECIMENS OF ALL WELL-AUTHENTICATED
ORAL  LANGUAGES;
FORMING
A COMPREHENSIVE DIGEST OF PHONOLOGY
BY EDMUND FRY,
LETTER – FOUNDER,   TYPE – SREET
LONDON
                                             Xxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxxx

CHALDEAN

   CHALDEA, or BABYLONIA, a  kingdom  of Asia, and               
 The most ancient in the world, was  founded  by Nimrod, 
The son of Cush, and grandson of  Ham,  who , according
to some historians, built Nineveh, the capital of Assyria .
   Philologists  are  much  divided in  their sentiments of
opinions, respecting the antiquity of this language .
   Pliny informs us,  that  Gillius  attributed  letters  to the
Egyptian Mercury, and others, to the Syrians .
   The  learned Roman  just mentioned,  supposed that the
Assyrian letters were prior to any record of history, and by
These he undoubtedly meant the Chaldean : it should seem
Most probable, that the language used by the antediluvian
Patriarchs, bore the greatest analogy to this, especially when
It is universally allowed that they inhabited that part of globe,
Whence many have thought the Chaldean to have been prior
 To the Samaritan and Hebrew .
تَـرجمـتُـها :

كـلـديـا أو بـابـلـونـيـا ، مـمـلـكة آسيـوية والأقـدم في العالَـم ، اوجـدت من قبـل  نـمـرود  بن كوش وحـفـيد حام  ، الذي بحسب  بعض المؤرخيـن ، قام بـبـناء نـيـنـوى العاصمة الآشورية  .  إن فـقـهاء اللغـة  مُـنـقسمون عاطـفـيـاً بآرائـهم ومُـحـتـرمون قِـدَم هذه اللغـة .
يُـخـبرنا  بـِلـِّيـني ، بأن غـاليـلـوس( جيـليـوس ) نَـسَـبَ هذه الحـروف الى عُـطارد رسول الآلهة المصرية ، وغيره نسبها الى السريان  .
العـلـماء الرومان ، ذكروا على سبيل الإفـتراض فـقـط ، بأن الحـروف الآشورية كانت الأقـدم في أيِّ سجـلٍّ في التاريخ ، واستناداً الى ذلك ، كانوا بدون شك يعـنـون  الكلدانية  التي تبـدو أكثر احتمالاً ، حيث استخـدمها البطاركة القـدامى ، وهو القياس الآعظـم لهذا الإحتمال ، ولا سيما عندما يحصل الإتفاق عالمياً بأنهم كانوا السكان الآوائـل لهذا الجـزء من العالَـم . ومِـن أن الكثيرين  يعتقـدون بأن اللغة الكلدانية لها الأسبقية على السومرية والعِـبرية .
Chaldean  1 Called Coelestial ; said to have been composed by the ancient astrologers, from the figures of certain stars; and represented in two hemispheres .        Gaffarel, p. 1

 الصنف الأول  :

 قال " كـولـد كـولستيال " إن هذه الحروف قـد كُـوِّنَـت من قـبل الفـلـكـييـن الـقـدماء ، ايحاءً من أرقام لنجـوم معـينة  وفـرضت ( استُـخـدمـت ) في نصفـي الكرة الأرضية  .          كَـافاريـل ، ص . 1   .
Chaldean   2  Theseus Ambrosius asserts, that this character was brought from Heaven by the Angel Raphael, by whom it was communicated to Adam, who used it in composing Psalms after his expulsion from the terrestrial paradise .
Some authors pretend that Moses and the prophets used this letter, and that they were forbidden to divulge it to mortal men .        Duret, p . 119 .

الصنـف الثـاني  :

يُـؤكـِّد " ثـيسوس امبروسوس " بأن هذا الحرف كان قـد جُـلِـبَ من السماء من قـبل الملاك رافائيـل ، بـواسطته تَـمَّ التحـدُّث مع آدم . إستخـدمه في تأليف المزامير بعد طـرده مِن الفـردوس . هنالك بعض الكَـتَـبة يـدَّعَـون بأن موسى والأنبياء استخدموا هذا الحـرف . وهذا كان محظـوراً عليهم كَـشفـه للرجال المَـوتى .           دوريت ، ص . 119  .
Chaldean   3  This character is also said to have been used by Adam .           Spanh. Dissert. P . 80  . Dr. Morton’s Tables .

الصنـف الثالث  :

لقـد قيـل أيضاً بأن هذا الحـرف  قـد استُـخـدِمَ من قـبل آدم  .  سبـان . ديزيرت . ص 80  ، جـداول طاولة مـورتـون  .
Chaldean   4  Brought from the Holy Land to Venice, when the Christian prince made war against the infidels; this is a handsome letter, and it is said, was the same that Seth engraved upon the two columns, mentioned  in chap. 4 of the first book of Josephus . It is also said, that there is in Ethiopia, a treatise on divine subjects, written in this character by Enoch, which is preserved with great care, and considered as canonical .
This is given as a Hebrew, but without any explanation of the power of each letter .  Duret, p . 127 .
الصنف الرابع  :

جُـلِـبَ من الأراضي المقدسة الى البندقية ، عندما قام أمير مسيحي بخوض حـربٍ ضِـدَّ الكُـفار. وهذا الحـرف جـميـل ، وقيـل كان ذات الحرف الذي حَـفـره " سيث " على العمودين المذكورين في الفصل الرابع من الكتاب الأول ليوسيفـوس المؤرخ . وقـيل أيضاً أن هناك في إثيـوبيا يُـستَـخـدَم في المواضيع الإلهية  وهي مكتوبة بهذا الحـرف  من قـبل أخنـوخ والمحفـوظة بعنايةٍ فائـقـة ، حيث اعتبرت كقـوانين . وقـد أعطـيـت باعتبارها عبرية، ولكن من دون أيِّ تفسير لقـوة أيِّ حـرف .  دوريت ، ص . 127  .
Chaldean   5   This character is said to have been used by Noah .   Spanh. Dissert. P. 80
الصنف الخامس  :

قـيل أن هذا الحـرف قـد استخـدم من قـبل نـوح .     سبـان ديزيرت . ص . 80  .
Chaldean   6  Attributed to Ninus, the first of the Assyrian .      Spanh . Dissert . p . 80
الصنف السادس  :

نُـسِبَ الى نـيـنـوس ملك الآشوريين الأول .   سبـان  . ديزيرت  . ص . 80  .
Chaldean   7   This is to have been used by Abraham  .     Spanh .  Dissert . p . 80
الصنف السابع  :

قـيل بأن هذا الحـرف قـد استخـدمَ من قـبل  ابـراهيـم .   سبـان . ديزرت . ص . 80  .
Chaldean   8   Copied from ancient marbles brought from the Holy Land, and are asserted to have been used by Abraham .    Duret .  p . 196  .
الصنف الثامن  :

نُـسِخَ هذا الحرف من حجار رخامية قـديمة جُـلِـبَـت من الأراضي المقدسة ، وتأكـَّـد أنـه قـد استُـخـدِمَ من قـبل ابـراهيـم .   دوريـت . ص . 196  .   
Chaldean   9  This character is represented as the same on which the table of the law that were given to Moses, were written, and are known to the Hebrews under the name of  Malachin, or Milachim .    Duret , p . 129  .
الصنف التاسع  :

هذا الحـرف مُـماثـلٌ  لذات الحـرف  الذي كُـتِـبَ به على طاولتي الـوصايا اللتين أعـطـيـتا لموسى ، وعُـرفـت لدى العـبـرانيين تحـت اسم  " مالاجيـن أو ميلاجيـم "  دوريت ، ص . 129  .
Chaldean  10  Sigismond Fante  says, that this alphabet is of very great antiquity, having been used by the Hebrews in the wilderness, in the time of Moses .  De Siry’s Recherches ,
P . 191  .  Duret. P . 124  says, this character was given to Abraham, when he departed from Chalea for the Land of Canaan .
الصنف العاشر  :

يَـقـول : سايجِسمونـد فانتي " بأن هذه الأبـجـدية هي مـفـخرة العصور القديمة بعظمتها ، قـد استُـخـدِمَـت من قـبل العِـبرانييـن في البرية في أيام موسى . مُـخـتارات سيفـري الفائقة العناية ص . 191  . ويَـقـول ، دوريت ، ص . 124 . بأن هذا الحـرف كان قـد أعـطيَ لإبـراهيـم  عندما غادر أرض الكلدانييـن الى أرض كَـنـعـان .
Chaldean  11  Fournier calls this phenician alphabet, but attributes it to Moses . Vol. 2 p. 280 .
الصنف الحادي عشر  :

يُـسَمـّي " فـورينيَر " هذه ، بأنها أبـجـدية فـينيقـية  ، تُـنسَبُ الى موسى . المجـلــد 2 ، ص . 280  .
Chaldean  12  Or ancient Hebrew , which is also supposted to have been used in the time of Moses, and  from which,  most of the  other Chaldean  alphabets  are derived .   Fournier   Vol. 2 p. 280  .
الصنف الثاني عشر  :

أو أن العبرانييـن القـدماء ، وهو من المفـترض أنهم استخـدموها على أيام موسى ، والتي منها اشتقـت معظم الأبجديات الكلدانية الأخري .  فـورينـير ، المجلد 2 ص . 280  .
Chaldean  13  This character is used by a nation of Mesopotamia, called Bagadet, now under Turkish dominion . Duret. P . 345  --  Fournier. Vol. 2 p . 279 .
الصنف الثالث عشر  :

هذا الحـرف قد استُـخـدِمَ من قـبل امة بلاد ما بين النهرين ، تُـدعى بَـكَـديـت ، وهي الآن  تحت السلطة التركية .  دوريت ، ص 345  -- فـورينير ، المجلد 2 ص 279  .
Chaldean  14  Theseus Ambrosius,, in his treatise on various languages and characters, calls this Tudaic .  Duret , p . 335 – Fournier, Vol . 2 p . 279 , fays, that it was used by the Jews during their captivity in Babylon .
الصنف الرابع عشر  :

في بحـثـه عن اللغات والحـروف المختلفـة  يُـسمـّي  " ثـيسيـوس أمبروسيوس " هذه  تُديك .  دوريت ، ص 335 . فـورينير ، المجلد 2 ص . 279 ، يُـشدد  ، بأنها كانت مستخدمة من قـبل اليهـود أثناء سبيهم الى بـابـل .
This character was much used in Persia and Media, and by the Jewish inhabitants of  Babylon .      Duret , p . 344  .  Fournier, Vol. 2 278  .
الصنف الخامس عشر  :

هذا الحـرف كان أكثر استخـداماً في بلاد فارس وماداي ، ومن قـبل اليـهـود المسبييـن في بابـل .   دوريت ، ص 344 -  فورينير ، المجلد 2 ص 278  .
Chaldean  16  This alphabet was found in the Grimani library at Venice , and contrary to all other Chaldeans , is written from left to right .  Some authors assert that this is the character of the Maronites, inhabitants of Asia, on the borders of the Red Sea .                    Duret  , p . 346  .
الصنف السادس عشر  :

وُجـدَت هذه الأبجـدية في مكتبة كَـريـماني  في البُـنـدقية ، وبخلاف كُلِّ الأبجديات الكلدانية الأخـرى ،  كُـتِـبَـت من اليسار الى اليميـن  .  ويَـدَّعي بعض المؤلفين بأن هذا الحـرف هو للمارونييـن المسبييـن في آسيا على حـدود البحـر الأحمر .     دوريت، ص 346  .  << وتعليقي ، وحتى لـو صَـحَّ هذا الإدِّعاء فإنـه لا يُـغيِّر من الحقيقة شيئاً ، لأن المارونيين يعـودون بجـذورهم الى الكلدان . >>
Chaldean  17   Jean Baptiste Palatin, , a Roman citizen , in of his books in Italian , upon the manner of writing all sorts of letters , both ancient and modern , gives this as an ancient Chaldean .  Duret , p . 347  .
الصنف السابع عشر  :

جان بابتيست بالاتين ، مُـواطن روماني ، وفي كُـتُـبه باللغة الإيطالية ، على نمط كتابة كُـل أنـواع الحـروف ، القـديمة والحـديثة على السواء ، يُـضفي عليها الصفـة بأنها كلدانية قـديمة  . دوريت ، ص 347  .
Chaldean  18  The copy of  a Chaldean inscription , very curiously cut in the square stones of the tower of Baych , over one of the gates of the very ancient city of Panormus in sicily .    Fazelli Rer. Singular, p. 149  .
الصنف الثامن عشر  :

وهـناك نسخة من كـتابةٍ كـلدانية منـقـوشة بشكـل ٍ أخـَّاذ غـريبٍ عجـيـب في قِـطـَع ٍ حـجـرية مربعـة الشكـل  في بُـرج
" بـِـيـك " فـوق أحـد أبـواب مدينةٍ موغـلـةٍ في القِـدَم بمنطقـة " بانـورموس " في صـقـلـيـة .  فازيللي رير .                   سِنكَلـر ص 149  .
Chaldean  19  The  Lord’s Prayer .        Orat . Dom . p . 11
الصنف التاسع عشر  :

 بهذا الصنف كُـتِـبَـت الصلاة الربية .            اورات . دوم . ص 11  .
Chaldean  20   The literal version of the above .     Orat . Dom .  p . 11
الصنف العشرون  :

نسخـة حـرفـية لِـما ورد أعـلاه .        اورات . دوم . ص 11  .
الى القـراء الأعـزاء
أنا لا ألـوم إلا أبـناء امتي الكـلدان لأنـهم لا يعـرفـون حقـيـقـتهـم كما يعـرفـها الأجانـب ، فها هـم الباحـثـون الأجانـب يُعـرفـونـنا بقـوميتنا ولـغـتـنـا ، والسبب هو ضعـف الشعـور القـومي لدى غالبيتنا ، ولذلـك طـمع الآخـرون بنا ، وسعـوا ولا زالـوا يسعـون الى محو اسمنا وإنكار وجودنا وصهـر قـوميتنا ، وإلا كيف كان بإمكانهم حرماننا مِن التمثيـل الكلداني في البرلمانين العـراقي الإتحادي والكردستاني ؟ الـَم يصعـد مرشحو هؤلاء بأصوات الكلدان ؟ حتى متى تبقـون لا ابالـييـن ، جعـلتم قياداتنا الكنسية في إحـباط ٍ وتخـشى الـقيام بأية خـطوة ٍ قـومية لأنها أصبحت في شكٍّ مِن ولائكم لها بالتأييد والدعـم الفـعـلي ، أليس من العار عـليـنـا أن نـدع هذه القـلة الـواهية أن تـتـغـلـَّب علينا وبإرادتـنا ؟                                                                                                                                                                                                   أيها الكـلدان لا زال المجال أمامكـم واسعاً لـتعـبِّـروا عن قـدرتـكم على تـحـدّي الخصوم الذين في غـفـلةٍ  مِنا استغـلّوا بـرودَنا تُجاه قـوميـتـنا فـنجـحـوا بإبعـادنا عن الساحة السياسية ، لـينـفـردوا بالمكاسب  والحـقـوق والإمتيازات . لـم يبـقَ لإجراء الإحصاء السكاني إلا فـترة قـلـيـلة ، فحذاري حـذاري أيها الكلدان أن تـتنكَّروا لهويتكم الكلدانية ، فإن الأبـواق المأجـورة لن تُـضيَّـع أية فرصةٍ في سبـيل الـقـيام بخـدعـكم كما فـعـلـوا في الإنتخابات ، أظـهـروا الشجاعة في ردعهـم لكي يعـلموا أنكـم كـلدان وإن الهـوية الكـلدانـية هي الأغـلى من كُـل إغـراءاتهم المادية والـدُعائية !


الشماس د. كوركيس مـردو
عضو الهيئة التـنفـيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 3 / 9 / 2010


رابـط الكتاب  : http://books.google.com/books?id=tWIoAAAAYAAJ&printsec=frontcover&dq=pantographia&hl=en&ei=4zJwTPHuJIu6sAP_hcSLCw&sa=X&oi=book_result&ct=result&resnum=1&ved=0CCUQ6AEwAA#v=onepage&q&f=false

147

الـمـؤتـمـر الكـلـداني العـالـَمي


في النـدوة التأبـيـنـية المقامة للمرحـوم الدكـتـور المناضل حكمت حكيـم يـوم العشريـن من تـموز الجاري في قاعة ريجنسي مانـر بـولاية مشيكان الأمريكية ، جـدَّد أحـد الإخـوة البارزيـن في المنـبـر الديـمقـراطي الكـلـداني الموحـد السيد قيس ساكو مِـن خلال كلمته بهذه المناسبة ، بضرورة مُواصلة الجـهـود التي كانت تُـبـذَل مِن قبـل المفـكرين والـمثـقـفـيـن والسياسيـيـن الكـلدان ومِن ضـمنهم الفـقـيـد الدكـتور حكمت حكيـم ، من أجـل الإعـداد لعـقـد مؤتـمر كلداني عالـَمي لمعالجة الوضع المتـردي للشعـب الكـلداني في وطـنه الأصيـل العـراق .

                                                                                                                                                             هذا الشعـب الذي يُـعـتبـر العـمود الفـقـري لعموم مسيحـيي العـراق بمخـتلـف انـتـماءاتـهـم المذهـبـية والتسموية ، وذلك بحكم تـفـوُّقه العـددي والعلمي والـثـقـافي وفي مجال إخلاصه وحُـبـِّـه لوطـنه العـراق الـواحد الموحد وتفانيه في خـدمته ، ورغم كُـلِّ ذلك نراه معـرَّضاً لشتى أشكال التآمر مِن قبـل أدعياء اخـُوَّتـه أولاً ، إذ لم يـبخـلوا بـوسيلةٍ مهما كانت سلبية ً وغير ديمقراطية وافـترائية مؤذية إلا واستخدمـوها ضِدَّه ، فأنكـروا عليه وجـوده كقـوم كـلداني عراقيٍّ أصيل ، إعتـدوا على هـويته القـومية الكلدانية المستقـلة وذلك عن طريـق لصـق تسمياتهم بها عنـوةً رغم إرادته ، وبـفعـلهم هذا أثاروا عِـداء القـيادة الكردية ضِدَّه ، لأنـَّـه عارض تسميـتهم المخـتـرعة الثـلاثـية الـتركيـب ، فـرأينا برلمان كردستان يتبنى هذه التسمية اللاقـومية الهجينة في دستور الإقليم خاذلاً كُلَّ اعتراضات قادة الكلدان وفي مقدمتهم القادة الكنسيون والسياسيون والكتاب والمثقـفـون .


وثانياً ، لا نـنكـر بأن هجمة العـنـف التي اكتسحت العـراق طالـت كُلَّ مكـوناته نتيجة الصراع على السلطة والفـوز بالمكاسب والإمتيازات ولا سيما بين مكـوَّنه الأكبر العرب الشيعة والسنة ، بيد أن المكونات الصغيرة إكتوَت بنار هذا الصراع ككبش فـداء ، وبخاصةٍ المكوَّن المسيحي الذي طاله الإرهابُ بسبب معـتـقــده المسيحي بشكل خاص ، حيث سَوَّغ الإرهابـيـون لأنفسهم القـتـل على الهـوية وكافة الإعـتـداءات الأخرى كالتهـديـد والتهجير والدعوة الى فرض الأسلمة والخـطـف وتفجـيـر الكنائس والأديُـرة ، وكان نصيـب الكلدان ، الأكبرَ من كُـل هذه الجرائم المنظـمة لأنهم يُمثـلـون بيـن المسيحـيـيـن الرقـمَ الأكبر .


إذاً لماذا المؤتمر الكـلـداني العالمي


الـدافـع الأول الذي حـدا بالغيارى مِن أبناء الكلدان للـدعـوة الى عـقـد مثل هذا المؤتمر كـان للأسباب التي تـقـدم ذِكـرُها ، لكي يـبحـثوا بعـمق ٍ وجِـدية ، لماذا الكـلـدان بالـذات كانـوا ولا يـزالـون الأشدَّ غـُبـناً في نـيـل حـقـوقـهم الـوطـنـية والـقـومـية منـذ تـحـرَّر العـراق في عام " 2003 " ولحـد الـيـوم ، ماذا كانـت المسبـبـات والعـوائـق ، وكـيف سنـتـمكـَّن مِن ايجاد الحـلول لـها ؟


أما الـدافـع الثاني فهـو ، لكي يقـوم المؤتمر بـدراسةٍ دقـيـقـة وشاملة لأسبـاب انـهـيار الـبـيت الكـلداني الـواحـد !لماذا نـجـد قـواهم السياسية في حالـة ضـعـفٍ متـواصلٍ يُـرثى لـها ، قـياداتُها تـتـصارع فـيـما بـيـنها ، وأعضاؤها يتهمون القيادات بالإنحـراف عن النهج الديـمقـراطي واتـباع الأسلـوب الديكتاتـوري ، بعضهم يُـطردون والـبعض الآخـر يُـفضل الإنسحاب ، والقسم الآخـر يتمـرَّد و و و .


بـحـث أسباب اخـتراق الصفـوف الكـلدانية مِن قـبل تـنظـيم زوعا والمجلس الشعـبي ، أدَّت الى انخـداع بعض أبناء الكلدان بـدعايات خصوم الكلدان الكاذبة والملفـقة ، هـل هو الجهـل ؟ هـل هـو الجُـبـن ؟ هـل هـو ضعـف الشعـور القـومي ؟ هـل هـو الإغراء المادي ؟ ولكي نـنـتـشل الكلدان مِن براثن هـؤلاء الخـصوم هو الذي سيـكـون محـور اهتمام المؤتمر ، لتعـريفـهم مَن هم هؤلاء ، أين كانوا وماذا ارتكبوا من أخطاءٍ في حـقِّ شعبهم الذي كان ضحية تـهـوُّرهم اللامسؤول ، وكيف تعامـل معهم حلفاؤهم الإنكليز بعد جلبهم إياهم الى العـراق .

   
لـذلك أصبح من الضروري جداً ، أن تُـبادر النُـخَـب الكلدانية ، الى عـقـد مؤتمر كلداني عالمي ، ليعـمـل على محـو كافة السلبيات التي رافـقـت المسيرة الكلدانية السياسية ، وأملـنا كبير أن تتجاوب أحـزابنا السياسية العـاملـة في الـوطن والمهجـر " المنبـر الديـمقراطي الكـلـداني الموحـد ، والحـزب الديـمقـراطي الكـلـداني والمجـلس القـومي الكلداني مع بعضـها ، وبالتـعاون مع الإتحاد العالمي للكُـتـّاب والأدباء الكـلدان والتـنظـيـمات المـدنية والثـقافـيـة الأخرى ، سيـتـمـَكـَّـن المؤتـمر مِن أيـجاد أرضـيةٍ قـويـة  للـوحـدة الكـلـدانـية مـبـنـية على اسس راسخة ، تـتـبـنى وحـدة الخـطاب الكلداني ، وتـنـفـح الـقِـوى الكلدانية بروح ٍ خـلاقة ودفعةٍ مـتجـدِّدة لـتُمارس دوراً فاعلاً مؤثـراً في توعـية الجماهير الكلدانية بهـويتها القـومية التي أورثها لهم أسلافـُهم العـظام ومـدى مسؤولـيـتهم في المحافـظـة على هذا الإرث الـثـمـيـن .



الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيـئـة التـنـفـيذية
في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 24 / 7 / 2010       

148
إنَّ حبـل الكـذبِ قصير يا سيد تيري


كنت قـد عـزمـت أن لا أردَّ على أيِّ كاتبٍ مِن أتـباع الكنيسة الإنعـزالية النسطورية بشقـيها ، الذين يدَّعـون أنـهم آشوريون رغم عـلمهم بأنهم مزيفـون ، ولكنهم على الكـذب مُصرّون . لم أستـطع الحفاظ َعلى عـزمي فقـد أثارني المُـنـظـرالآثـوري السيد تيري بطرس بما جاء بمقاله المنشور في موقـع عنكاوا بعـنـوان " التعداد العام للسكان وموقف سياسيينا  ، أبـلـحـد أفـرام ساوا مثالاً ! "

الرابط  : http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=428449.0 

       
لست في مـوقـف الدفاع عن السيد أفـرام ، لأن ما تـطـرَّق إليه في مـقالـه الموسوم " الكلدان والتعـداد السكاني المُقـبـل  " هـو الحقـيقـة بعينـها، وكـزعيم سياسي كلداني عليه أن يُـنبـِّه أبناء امتـه الكلدانية على اخنلاف انتماءاتهم الدينية والطائفية والسياسية وما يحملـونـه مِن ميول ، أن يـبادروا الى إدراج تسمـيـتهم القـومية في استمارة الإحـصاء السكاني  في حـقـل القـوميات  سواءً كانت مُـدرجة في استمارة التعـداد بشكل واضح  أو خـُـصص لها مربع أو مستطيل فارغ . وإنـما تـفـنـيداً لـبعـض أقـوال تـيري المنافية للحقيقة ومنها : <<  الآشوري يـقـول ، إنـنا جـميعأً آشوريون ، ويعني بذلك أن من يتسمّى بالسرياني أو الكلداني أو الآشوري ، فهذا الإنسان الآشوري ، لا يطالب باستعمار إخـوته ، ولا بالإستيلاء على حـقـهم ، ولا بالتعالي عـليهم ، فهو عندما يقـول ذلك يُعـبِّـرعن تربـيـته الـقـومية المستمـدة مِن إرث الحـركة القـومية التي أطـلـقـت على نفسها التسمية الآشورية والتي ابـتدأت قبل مائة وخمسين سنة . فـرواد العـمل القـومي اخـتاروا الآشورية كـتسمية لتأطير العمـل القـومي >> انتهى الإقتباس .

يا سيد تيري ،لا يجـوز إلقاء الكلام على عـواهـنه ، أين النص وايـن المصدر ؟ تُرى ، مَن هم اولئك الـرواد ومتى عقـدوا اجتماعاً أو مؤتمراً قـرَّروا فيه إطلاق التسمية الآشورية على حـركـتهم ، ولـنـفرض جـدلاً أن الأمر ليس من تلـفـيقـك أنـت  وأمثالك المتعصبين للأشورية الأسطـورة الـويكـرامية ، كيف يمكن أن تتبنى هذه الحركة الـمزعـومة التي ينتمي أعـضاؤها الى كنائس مختلفة كما تدعي ، التسمية الآشورية التي انتحلتها شرذمة من أبناء الكلدان النساطرة نتيجة لإغـراء وتشويق ووعـودٍ كاذبة من رئيس بعـثة كانتيبري الأنكلـيكانية المنفـذة لأوامر استخبارات دولـتها المملكة المتحـدة ، والذين لم يكن يتعـدى تعدادهم نسبة 10 % م من تعداد الكـلدان ، هل كان اولئك الـرواد بهذا القـدر من الجهالة لـيصدرعنهم مثل العـمل الذي لا يقبله لا العـقـل ولا المنطـق ! أما إذا قـلـتَ بأن ذلك من صنع الإنكـليـز الـذين أنعـمـوا على آبائكـم السذج الـبسطاء بالتسمية الآثورية  بدلاً من تسميتكم الأصلية " الكلدان النساطرة " التي يؤكـدها كافة المؤرخـيـن ، ثـم حولـتـمـوها أنـتـم أحفادهم المعاصرون الى " الآشورية " في العـقـود الأخيرة من القرن العشرين المنصرم لتتـوافـق مع أهـدافكم السياسية فتكون قـد أقـرَرتَ بالـواقع .

ثـم أليست أهدافـكم احتـواء الكلدان عن طريق إنكاركم لـوجـودهم ، تحويـركم الخـبيث لقـوميتهم واعتباركم إياها مذهباً ، اليست أعمالكم بإغـراء وشراء ذمم الكثيرين من الكلدان مطابقة لِـمَ فعـلـه الإنكليز مع آبائـكم ؟ حيث قلـبوا مـفاهــيمـهم وبـددوا أفكارهم وإذ لم ينجحـوا بتغـيير مذهـبهم النسطوري الى الأنكليكاني ، أدخـلـوهم في مآزق وويلاتٍ وحـروب ضِدَّ الدولة العثمانية التي كانوا مواطنين فيها ، فخسروا أكـثر من نـصـف عددهم وطـرد الباقـون من ديارهم ، فاضطر الإنكليز للإتيان بهم الى العراق . وها أنـتم تفعـلون نفس أفعال الإنكـلـيز ، لقـد أغريتم أبناء الكلدان بحـجـة " إننا كلنا مسيحيون " قلبتم الكوتا القـومية الى الكوتا المسيحية لكي تستحوذوا على أصوات الكلدان بالحجة المسيحية بينما أنتم من المسيحية بـراء !

لقد كانت الآشورية نقمة كما دعاها في إحدى مقالاته المتعصب الآشوري المتزمت عـويشو ملكو ، للشعوب في الماضي القديم ، والآشورية المنتحلة اليوم هي الأكثر نقمة ً من الأولى على كافة مسيحيي العراق ولا سيما الكلدان منهم ، فصـبَّ منتحلـوها ناكرو أصلهم الكـلداني جامَ غـضبهم على أبناء الكـلدان  الذين يُمثلـون الرقم الأصعب في المعادلتـين الـقـومية والدينية ، ولذلك تراهم يرتعـبون من سماع اسم الكلدان  .

وفي مكان آخر يـقـول السيد تيري : << فإذا كنتَ تعتمـد على ما قالـه في قصيدةٍ له ماروثا الميافرقيني ، فإنَّ تفسير ذلك وبكـل بساطة ، سيكـون  أن حتى الكـلدان ستـفسر ( بمفهـومها الـلغـوي ولـيس بمعـناها تسمية للشعـب ، أي أصل معـنى التسمية الكلـدانية والتي تعـني المنجـم أو الساحـر ) أي أن حتى المنجمـون والسحـرة تعجـبـوا لهـول ما رأوا، أليس هذا معـقـولاً ، رغم أنني لا أتبنيه ولكـنه تفسير من ضمن تفاسير معـقـولة اخرى >> انتهى الإقتباس

أنظروا مـدى عـنفـوان العـنف لـدى أشباه الكتاب الذين  لم يتعلموا اللغة العربية بطريقةٍ فجـة إلا للدفاع عن باطـل الآشورية ، فها هم يُـفسرون  ترنيمة القـديس مار ماروثا اسقـف ميافارقـين (الواقـعة ضمن الأراضي التركية) على هـواهم ومزاجـهم لحـرفـها وإفـراغـها من معــناها الـواضـح وضوح الشمس ، هـذا الـتـفسيـر الـذي يسـتهـجـنه أبسط مسيحي ، لأنـه تـفسيـر سياسي غـبيٌّ مُـتَـعـمـَّد ، وحتى تـيري نفسه دانـه ضميـرُه واستـدرك بالـقـول بأنه لا يتـبـنى هذا الـتـفسير ، ولكي لا يـؤاخـَذ عليه ، أدخـله ضمن تفاسير سماها معـقـولة ، لاحـظـوا الـتـناقـض والـفـذلـكة الكـلامـية  الـتي تـفـضح قائـلـها . ولكي يـقـف الـقـراء الكـرام على نـص الترنيمة فإني مُدرجـها أدناه باللغة الكلدانية التي ألفها بـها مار ماروثا مع ترجمتـها بالعربـية : ــ

ܡܼܿܠܟܵܐ ܕܪܵܘܡܵܐ ܥܼܿܡ ܦܵܠܚܘ̈ܗܝ ݂ ܣܼܿܝܼܿܥ ܠܓ݂ܘܕܵܐ ܕܼܿܡܗܼܿܝܡܢܹ̈ܐ ݂ ܢܦܼܿܩ݂ ܦܘ݂ܩܕܵܢܵܐ ܕܢܸܬ݂ܩܼܿܛܠܘܢ ݂ ܣܵܗ̈ܕܹܐ ܟܹܐܢ̈ܐ ܒܝܼܿܕ݂ ܣܼܿܝܦܵܐ ݂ ܬܗܼܿܪܘ ܟܼܿܠܕܵܝ̈ܐ ܟܼܿܕ݂ ܩܵܝܿܡܝ݂ܢ ݂ ܘܼܿܙܩܼܿܦ݂ܘ ܨܹܒ݂ܥܵܐ ܟܼܿܕ݂ ܐܵܡܿܪܝ݂ܢ ݂ ܕܪܼܿܒܿ ܐܼܿܠܵܗܗܘܿܢ ܕܼܿܡܗܼܿܝܡ̈ܢܹܐ ݂ ܕܟܼܿܕ݂ ܠܵܐ ܡܸܬ݂ܚܙܹܐ ܦܵܪܹܩ ܠܗܘܿܢ ؛
" إن ملك العـلى مع جُـنده . كان في عـون جميع المؤمنيـن . فـقـد صـدر الأمـر: أن يـُقـتـَل الشهـداءُ الأبـرار بحـد السيـف . بـُهِـت الكـلـدان وهم وقـوف ، ورفـعـوا الإصبـع قائلـيـن : عـظيـم هـو إلـهُ المؤمنيـن ، فهـو يـُخـلـِّـصهم وإن هـو لا يـُرى " ( من ترانيم الشهداء المخصصة ليوم الجمعة ) فانظر كيف أن الـمؤلـف يـُسـمـّي الـشـعـبَ القائم وقـتـذاك كلداناً يرفـعـون إصبعـهم علامة التشهـد ببـطـولة الشهـداء . تُـرى، لماذا لم يُسمي المؤلـف ذلك الشعب بالآشوريين ، مع أن مـوقع مدينته ميافارقين تقع في منطـقـة آثـور ، السبب بسيط جداً لعـدم وجود آشوريين آنـذاك لإنقـراضهم قـبل الميلاد بستة قـرون .

الهوية الكلدانية في الوثائق التاريخية

نـنـقـلها مِن البحث الذي نشره سيادة المطران د. سرهـد جمو راعي أبرشية مار بطرس الرسول الكلدانية في غرب الولايات المتحدة الأمريكية ، عبر الموقع الكلداني الالكتروني ( كلدايا . نيت  Kaldaya . net )  بتاريخ الرابع مِن كانون الثاني لعام 2006 م  بعنوان (  الهـوية الكـلـدانـية في الوثائـق الـتاريخـية Chaldean Culture ) .


1 - شهادات السُّواح الغـربيين

إن شهادات السُّواح مهمة جداً ، وهي أهم من طـروحات وفذلكات بعض المستشرقيـن الذيـن يقـتـنـون معلوماتهم من كُـتُـبٍ ومصادر في مـقـرات عمـلـهم دون الإحـتكاك الشخـصي بأهـل الشرق وواقـعهم وأحـوالهم . أما السُّواح فلأنهم يكتبـون ما يرون ويسمعـون ، لذلك هم مصدر أكثر أمانة ً ,مطابــقـة ً للـواقع الشرقي . فهوذا بعضاً مِن شهاداتهم :ـــ

>  ماركو بولـو الذي قام برحـلـةٍ مع والـده وعَـمـِّـه مِن 1271 - 1291 ، سجـَّـلَ لاحـقـاً مذكـراتـه في كـتابـه ( II Millione   طـبـع برعاية روجيرو روجيري في فـلـورانس ، 1986 ) ونحن نورد منها المقـطـع التالي في ترجمةٍ مباشرة عن الإيطالية " الموصل موقع كـبيـر ، فـيها من الـقـوم مَن يـُدعـون عـرباً . . . وفيها قـوم آخـرون يـتـخـذون الشريعة المسيحـية ولكـن لـيس بحسب ما تأمر به الكـنيسة الرومانية . . . إنـهم يـُـدعَـون نساطـرة ويعـاقـبة وأنَّ لهـم بـطريركاً يــُدعى جاثالـيقاً . وهـذا الـبـطريـرك يصنـع أساقـفـة ورؤساء أساقـفـة ورؤساء ديـورة حـتى في بلاد الهـنـد ، وفي بغـداد وبلاد الصين . . . وفي جبال هـذه المملكة هـناك أيضاً قـوم من المسيحـيين يـُـدعَـون نساطرة ويعاقـبة . . . "          ( ص 122 )

>  ريـكـولـدو دي مـونـتي كروجي ( Peregrinationis Liber  ) نـترجم مقـطـعاً مِن مذكراته عن الأصل اللاتيني الذي كتبه المؤلـف سنة 1292 ، وقد طـُبـع مؤخـراً مع ترجمة فـرنسية : " عَـن النساطـرة. . . إن النساطـرة هم الـهـراطـقـة الذيـن يتبعـون نسطـوريوس وتيودوروس . . . مع ذلك فإن هـؤلاء النساطـرة الشرقـيـيـن  هم جـميعـاً كـلـدان  وبالكـلـدانية يـَقـرأون ويـُصلـون "  ( صفحات 136 – 138 )  .

عَـن قـوم الأكـراد . . "إنهم مسلمون يتبعون القرآن . . . أظـهروا أنـفسهم إنسانيـيـن كـثيراً معـنا . . . لـقـد كانـوا مِن قـبـل كـلـداناً ثـم أصبحوا مسيحيين وفي مرحلةٍ ثالثة مسلمين ، لأن الشريعة الإسلامية هي أكثـر تساهـلاً " ( ص 118 – 120 )  .

>جـوفاني الراهب الدومنيكي الإيطالي ـــ رئيس أساقـفـة السلطـانية
في مذكراته المسجلة باللاتينية في سنة 1404 ، طـبعة انـطـون كـيرن الألمانية (  Libellus de Notizia Orbis)
" الى الجنوب الشرقي من فارس ، هناك بلاد كـلدو وهي نقـطة في أقصى الشمال من مملكة الكلدان ــ التي تـبـدأ من مدينةٍ تـُسمى  مـراغـا، وهي تمتد جنوباً حتى بحر المحيط ، ومدينتهم الرسمية بغـداد ، التي هي في الكتاب المقدس بابلـونيا وإن ليست في نفس الموقع إذ إن هذه على الفرات . في هذه المملكة سهول كثيرة وجبال قليلة ومياه شحيحة تجري في المنطـقة . هناك شعب كثير من العرب والكلدان والسريان والنساطرة والأرمن ولكاثوليك . وقد بعثتُ أنا الى هؤلاء الكاثوليك راهباً واحـداً مـما أزاد عـدد هؤلاء الكاثوليك ! "

فانظر كيف أنَّ هؤلاء السّواح الذين يسبقـون البابا اوجـين الرابع بأجـيال ، ويسبـقـون بـمثلـها إتحاد المشارقة بـروما ، يتحدثـون بإطلاع ووضـوح عن الكـلدان وعن بـلاد كـلدو وعن اللـغـة الكـلدانية ، ويميزون تماماً بين القـومية والدين ، وبـين المذهب النسطـوري واليعقـوبي والكاثـوليكي . وانظر كـيف أن التسمية الآثـورية اوالآشورية  غائـبة تـماماً عَن ساحة الـواقـع التاريخي الذي يشهـدون عـلـيه . 
 
2 - وهاك الآن نماذج من الـوثائـق الثبـوتية مستمـدة من المراسلات المحفوظة في ارشيـف قصر لامبـث مقـر رئيس أساقـفـة كانتيربري في لـندن .

1 - صورة من الرسالة التي بعثها الميطرابوليط النسطوري مار يوسب الى سيدةٍ انكليزية كريمة اسمها" وورن " بتاريخ 13 آذار 1879  ، لاحـظـ كيف يُـعـرِّف هذا الأسقـف بنفسه وبشعبـه : " مار يوسب ميطرابوليط الكلدان النساطرة المشرقييـن " وختمـه الرسمي ( محيـلا يوسب ميطرابوليطا دكـلـدايي أي الضعيف يوسف رئيس أساقـفـة الكلدان .
2 - صورة من الرسالة التي كتبها وبعثها البطريرك شمعون روبين الى ادور رئيس أساقـفـة كانتيربري  ، في تشرين الأول سنة 1884 وهو يُـعرِّف نفسه بهذه الكلمات : " من روبين ( روول ) شمعون بنعمة الله بطريرك جاثاليـق المشرق ، مُـدَبـِّر كنيسة الكلدان العريقـة " وتأمَّـل في نـص المقـطـع الأخير من رسالته " فـيكـون عَـونـُكم سبـباً لإتحاد أجـزاء الكنيسة الأربعـة . . . مع ختمـه : " محيلا شمعـون بطريركا دكـلـدايي وتعني الضعيـف شمعون بطريرك الكلدان " .
3 - صورة من الرسالة الأصلية التي كتبها آخر رهبان النساطرة " ربـَّـن يونان " وبعثها الى رئيس أساقـفـة كانتيربري ادور ، وذلك بتاريخ 8 تشرين الأول سنة 1884 " كـلـداني " ( كذا بالنـص الآرامي ) حيث يـقـول في السطرين 21 و22 " إنـنا نمـنـح هذا السلام ( سلام المسيح ) لكُـلِّ مَن يقبـل سلامَـنا ، نحن النساطرة الكلدان المشرقييـن .
4 - رسالة الميطرابوليط خنانيشوع الى أبناء كنيسة المشرق في أبرشية اورمية وربوع كردستان ، كتبها سنة 1895 ، ووثـقـها بختمـه المألوف الذي يقـرأ : " محيلا خنانيشوع ميطرابوليطا دكـلـدايي "
5 - رسالة ثانية كتبها الميطرابوليط خنانيشوع في 13 ايلـول سنة 1906 ، وصادق عليها بختمـه ذاته بالقرب من عنوان الرسالة " محيلا خنانيشوع ميطرابوليطا دكـلـدايي " .
 
أضِـف الى ذلـك 

6 - الخـتـم المألـوف للـبـطـريـرك مار شمعون الحادي والعشرون ايشاي آخـر الـبـطاركة "الشمعونيـيـن" ، نـقـرأ فيه لقـبه الرسمي : " محيلا شمعون بطريركا دكـلـدايي " .

7 - خـتام رسالةٍ كتبها مار شمعون ايشاي البطريرك من نيقـوسيا في قـبرص بتاريخ العشرين من ايلـول سنة 1933 ولا يـزال يستخدم فيها الختم الذي يُـعـلـن عن لقـبـه الرسمي " محيلا شمعون بطريركا دكـلـدايي " وهـو يُـوقـع بالآرامية : ايشا شمعون بنعمة الله جاثاليق بطريرك المشرق ــ وقارن كُـلَّ ذلك بما كُـتـبَ لـه من لقـبٍ جـديـد بالإنكليزية " بنعمة الله جاثاليـق بطريرك الآثوريين " .

فتأمـل كيف أن الدجـل والتلفيـق مشوباً بالحـقد والتعـصب هو ديـدن ُ أشباه الكُـتـّاب والمفكرين  من أبناء الكلدان النساطرة  الذين انـتحـل آباؤهم التسمية الآشورية وهم مُـغـفـلـيـن ، وقد سار على منـوالهم أحـفادُهم دون فحصٍ وتمعـيـن ، وراحـوا بدون حياء أو خـجـل يدعـون أنفسهم بالآشورييـن رغـم علمهم بأنهم ( آشوريون مزيـَّـفـون ) . والمثـل يقـول : إذا فـقـد المـرءُ الخجـل يـُبـَرِّر في سبيل مأربـه كُـلَّ ما يفـعـل !

الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيـئـة التـنـفـيـذية
في الإتحاد العالمي للكُتـّاب والأدباء الكلدان
في 22 / 7 / 2010

149
المنبر الحر / شـكـر وتـقـديـر
« في: 00:37 14/07/2010  »


شـكـر وتـقـديـر

يـَتـَـقـدَّم الشماس د. كوركيس مردو بـوافـر الشـكـر والـتـقـديـر لأعضاء وفـد الجامعة العربية المفتـوحة لشمال أميركا وكـنـدا المؤلـَّف من رئيس الجامعة الدكـتـور صالح الرفاعي والدكـتـور رياض الواسطي عميد كلية التربية والدكتـور عبدالله مرقس رابي رئيس قسم الإجـتماع والأستاذ عماد جاسم الذين قـدِمـوا مِـن هـمـلـتـون في كـنـدا الى ولايـة مشيكان الأمريكـية مُتجشمـيـن عـناء السفـر وذلك للقـيام بمنحي شهادة الدكتوراه الفـخـرية في الآداب ــ تاريـخ الأثـنيات . وقـد جـرى الإحتـفال بذلك في السادس والعـشرين من حـزيران 2010 على قاعـة كـنيسة مار أدّي في مـدينة اوكـبارك . كما أود الإعـرابَ لجـميع الـذوات الذيـن حضروا المناسة الإحتفالية عن امتـناني الخاص ومحـبـتي الخالصة ولا سيما للأب الفاضـل الخـوري اسطيفان قـلابات الذي آزرني وفـتـح لي قاعـة كنيستـه .


أتـقـدم بالشكر والتـقـديـر لإخـوتي الأعـزاء أعضاء الإتـحاد العـالـَمي للكـُتـّاب والأدباء الكـلدان الذين كانـوا في مقـدمة المباركين لي بـمنحي شهادة الدكـتـوراه الفخـرية المُـنـوَّه عنـها أعـلاه ، وأقـدِّر جـهدَ أخي نـزار ملاخا سكـرتير الإتحاد بتعميمـه تـَقـرير الإحتفال الى العـديـد مِن المـواقـع الإلكـترونية التي نشرتـه على واجـهة مـواقـعها ، وبـدوري أقـدم شكـري الجـزيـل لإداراتـها ، ولا انسى كـُلَّ الذيـن بـعـثـوا إليَّ  بتهانيهم المعـبـِّرة عن تبريكاتـهم وتـمنياتهم وأرسلـوها الى المواقـع عن طـريـق الإيـمـيـل وكُلَّ الذين تـحـدَّثـوا إليَّ  عن طـريـق الهاتـف ، لكـُلِّ هؤلاء أبعـثـوا بشكـري وتـقـديـري .


وبهذه المناسبة يسرني أن أعـَرِّف الـقـرّاء الأعـزاء بالجامعـة التي أكـرمتـني بـمنـحـها إيـّاي شهادة الدكـتـوراه الفخـرية في الآداب ــ تاريخ الأثـنـيات . هي : < الجامعة العـربية المفتـوحة لشمال أميركا وكـنـدا > مـقـرُّها الرئـيس في كـنـدا وقـد تـمَّ تسجـيـلـُها في ولاية " دَلـَويـر " الأمريـكـية . الـهـدف الـمُـتـوخى مِن تأسيس هذه الجامعـة هو تـقـديم رسالةٍ تـربـوية خـدمـية لـتـوفير أكـبـر قـدر مِن فـرص اكـتساب العـلم والـمعـرفـة لـكُـلِّ مَـن لم تـُحالـفـهم ظـروفــُهم الخاصة كالعـمـل والـبـعـد الجـغـرافي وغـيـرهـما مِن الأسـباب للإلـتـحاق بـجامـعـةٍ أو كُـلـيةٍ أو مـعـهـد . إن تـطـور الـتـقــنـيـات في عـصـرنا الـراهـن كان الحـافـز القـوي الذي دفـع بالـعـديـد مِن الـدول المتـقـدمة لتشجـيـع التعـليم المفـتـوح الذي يـُعـَـدُّ مـُرادفـاً للتـعـلـيم الـنـظامي بـل ربـَّمـا بـديـلاً عـنـه .


لـقـد اعـتـمـدت الجامـعـات المـفـتـوحة ومنها " الجامـعـة العـربية المـفـتـوحة لشمال أميركا وكـنـدا " تـوظـيـف أفـضل الـقـدرات الـفـنـية والـتـقـنـية المـُتـاحة على صـفـحات الإنـتـيـرنـيـت سعـيـاً منـها لـخـدمة الطـلـبة بالحـصول على أكـبر قسطـٍ مِـن العـلـم والثـقـافة وأنـواع المـعـرفة مِن خـلال جَــوٍّ عـمَـلـي تـعـلـيمي يـضمـن لهـم المساعـدة الكـاملـة لإستـنـهاض قـابـلـياتهم مِن أجـل تـحـقـيـقـهم لِـمَ يـصبـَون إليـه مِن طـمـوحاتٍ وتـطـلـُّعـات . ولـتأمـيـن ذلك فـقـد استـعـانـت الجامـعـة لإعـداد بـرامـجـها الـتـعـلـيـمية بشركاتٍ اخـتـصاصية عـالـمية تـعـمـل لـديها كفـاءات تـمتـلـك تـقـنـياتٍ عالية الجودة تـُتـيـح للطـالـب التـعامـل مع المادة الـدراسية عَـن طـريـق بـرنامج إلكـتروني تـعـلـيـمي عاليَ الكـفـاءة والتي لا تـقـل عن كـفاءة التـعـلـيم الـنـظـامي في ردهـات الجامعـات الـنـظـامية ، يـُوفـِّر للـطـلـبـة مُـحاضراتٍ يـتـواجـد فـيها الأستاذ المُـخـتـص في أوقـاتٍ مُـحـدَّدة مِن أجـل الـتـحاور مـع الـطـالـب المُـتسائـل لمساعـدتـه على فـهم واستـيـعاب المـادة ، وبـإمـكان الطـلـبة الآخـرين المشاركة ومُـتابعة الحـوار والـدخـول في نـقـاش عـلمـي حـول الـمـوضوع الجاري عـلـيه الـنـقاش بيـن الطـالـب والأستاذ ، مُـبـديـن الآراء كـما لـو كـانـوا في قاعـةٍ دراسية .

ومِـن أهـم الأهـداف التي تسعـى إلـيـها الـجـامـعـة :

1 - طـرح بـرامـج أكاديمية عالية المستـوى للـطـلـبة الـراغـبيـن في التـحـصيـل العـلـمي وبـمـخـتـلـف المستـويات مِن ( دبـلـوم ، بـكـالـوريـوس ، دبـلـوم عالـي ، مـاجستـيـر ، ودكـتـوراه )
2 - اهـتـمام كـبيـر بـمـواكـبـة الـتـطـوُّرات الـعـلـمية الـحـديثة المستـجـدة على النطـاقيـن الإقـلـيـمـي والـدولـي ، وتـَفـعـيـلـها في الجـامـعـة لإعـداد وتـخـريـج كـفـاءاتٍ عـلـمـية مُـتـمَـيـِّزة  .
3 - استحـداث خـدمـاتٍ تـعـلـيـمية مُـتـجـدِّدة للطـلـبة ، تـَشُدُّهم نحـو تحـقـيـق طـمـوحاتـهم ، وتجـعـلـهم في حالـة تـواصـل ٍ مع العـالـّم بـحـركـتـه الـمُتسارعـة بـدون تـوقــُّف .
4 - الـتـخـفـيـف عَـن كاهـل الـطـلـبة مِن حيـث الـكِـلـَف وانـتـهاج الـمرونة في القـوانيـن والـنـظـام المالي المُعـتـمـَد في الجـامعة تسهيـلاً لأكبر عـددٍ مِن الـراغـبـيـن في الحصول على فرصة التعلـيم ، الى جـانـب تـزويـد الطـالـب بكمبيـوتر لاب تاب مـجـاناً لإستـخـدامـه في الدراسة  .


إنـنـي مُـدرج أدناه مـفتـاح الـدخـول الى المـوقـع الإلكتـروني للجامـعـة ، لـيـكـون بامكـان الـراغب الـوقـوف على معـلـوماتٍ أوفـى ، ومن جانبي فإنـي على استـعـداد للمساعـة وسادرج عـنـوانـي ورقم هاتـفـي : ـــ

مفـتاح الدخـول الى موقـع الجامعـة :  www.acocoggege.com
رقـم هاتـفـي المحمـول :  248 - 9905387  ـــــ   رقـم الإيـمـيـل :  gorgeesmardo@yahoo.com ـــ  مشيكان / الـولايات المتحـدة الأمـريـكـية .


الشماس د. كوركيس مـردو
عضـو الهـيـئـة الـتـنـفـيـذية
في الإتـحاد العالـَمي للكُـتـَاب والأدباء الكـلـدان
في 12 تـمـوز 2010

150


تــعـقـيـب بسيطـ على السيد سالـم ايليا حـول " قـُل ولا تـَقـُل "



في مقالـه المُعـنـون " قـُل ولا تـَقـُل في تسمية الإتحاد العالمي للكـتّاب والأدباء الكـلدان ؟ " المنشو في موقع عنكاوا في 2 تموز 2010 تـحـت الـرابـط أدناه :

http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=424696.0


بكثير من الحذر والدقـة إستهـلَّ السيد سالم ايليا مقالـَه المُـنـوَّه عنـه أعـلاه ، ولا نـعـرف إذا كان بـدافـع ٍ من الغـيرة ، ولا يهم إن كانت بنيةٍ حسنة أو لا وسنرى ذلك في متـن المقال . فهـل يا تـُرى هو تكرار ورود اسم الإتحاد العالمي للكُـتـّاب والأدباء الكلدان وحضوره المستمر في المواقع الإلكترونية والنـوادي الثـقافـية والاعلامية هو الذي دفـعه أو إرتأى كما يـقـول أن يجلب انـتـباه الذيـن تـفـضل ونعـتـهـم بإخـوانـه الكُـتـّاب والأدباء المنـضويـن تحـت رايـة الإتحاد وهو اسلـوب تـخاطـبـي حضاري ! ويـرى في تغـيـيـر تسمية الإتحاد ضرورة ً لتـتـطابـق مع ما يـؤمن بـه أعـضاءُ الإتحاد المنـتـشرون حـول العالم من أن الكـلدان كـقـومـيةٍ ينحـدرون من أصل واحـد يعـيش الـقسم الأكـبر منهـم في بلاد ما بيـن الـنهـريـن ويـُعـرَف أيضاً بـ " بلاد وادي الرافـدَيـن " والـقسم الآخـر قـصـد العـيش في بـلدان المهـجـر مدفـوعاً بأسباب عـدة لا نـود الـتـطـرقَ إليها فهي معروفـة للجميع دون الحاجة الى ذكر مـرجع تاريخي واحـد من مـئات المـراجـع .


يـقـول السيد سالم :

 (( فعندما نقول الإتحاد العالمي للكتّاب والأدباء الكلدان فإنّ المعنى اللغوي الذي يخطر على بال القارئ الكريم من أنّ الكتّاب والأدباء الكلدان والمنتمينَ الى هذا الإتحاد هُم من منابعٍ وأصولٍ مختلفةٍ وذات تراث وثقافات يختلف بعضها عن البعض الآخر وقد جمعهم الأتحاد تحت تسميتهِ فأصبحَ ( عالمياً ) ومثلهُ كمثل تسمية الإتحاد العالمي لمنظمات المجتمع المدني والإتحاد الكاثوليكي العالمي للصحافة والذي يجمع تحت خيمته الصحفيين من أتباعِ المذهبِ الكاثوليكي المسيحي والمنتمين الى بلدانٍ وثقافاتٍ مختلفةٍ حتى وإن توحدوا في إنتماءهم المذهبي وكذلك الإتحاد العالمي لنقابات العمال والذي يجمع العمال من دولٍ وقومياتٍ مختلفةٍ والإتحاد العالمي للمهندسين ـ ـ ـ الخ ))


ونـحن نـقـول للسيد سالم ، لا يخـطر مطلقاً ببال أيِّ قاريءٍ لبيـب ما ذهبتَ إليه بعيداً وقـد تكون متعمِّداً ولا يـدور إلا بـبالك نسبـُـك أعضاء الإتحاد الكـلداني للكُـتـّاب والأدباء الكـلدان الى منابع واصـول مختلفـة ، لأن أصلهم واحدٌ هو" كـلـدو " ومنبعهم واحـد هـو " القـطـر البحـري " الذي نـبـعـوا مِنه وتـوزَّعـوا على كُلِّ بـقاع بلاد ما بين النهرين ، يمتلكـون تُراثاً كلدانياً وثـقافة كلدانية ولكن ذلك لا يمنعـهم عن الإطلاع على تـُراث الأقـوام الأخـرى وثقافاتـهم وخاصة ً بحكم تـواجـدهم في البلدان الأخرى ومشاركتهم العيش في مجتمعاتـها . والصفـة العالمية التي وصفـوا بها إتحادهم تـعـود لوجود الكثير مِن أعضائـه في قارات العالـم الخمس ، وأصولهم كـلـدانية وليست اوروبـية او امريكـية أو استرالـية أو آسيوية أو أفريقـية ، كما تتمـنى أن تُسميها ربما لغـاية خاصة لا تُريـد الكشف عنـها ، والأمثلة التي أوردتها  لا تـنطبـق على إتحادنا .


إن كُلَّ ما طـرحـه السيد سالم في الفـقـرتين الأولى والثانية نعـتـبـره رؤية ً موضوعية ً لـه ، أوردها باسلـوبٍ حضاري مؤدب ، ولكنه في  الفقـرة الثالثة كشف عن حقيقته بكـونـه  متواطئاً مع اؤلئك الفارغين من المعـرفة الذين لا يـُميزون بين القـومية والمذهـب الكنسي ولا الدين عن المذهب ، ويا للأسف فـإن مستواه كما يبدو لي أرقى مِن مستواهم كتابياً وثقافياً وتأدباً فكيف جاراهم في هذا الجـهـل المعرفي ! السيد سالم ، هـل تعـرف كم هي المذاهب الكنسية ؟ إنها 1 - المذهب الكاثوليكي الذي تعـتـنـقـه الكنيسة الجامعة برئاسة الحبر الأعظـم بابا روما والكنائس الكاثوليكية في جميع أنحاء العالم ومنها كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية ، فإذا اعـتبـرتم الكـلدانية مذهـباً فهـل كـنيستنا تعـتـنـق مذهـبـيـن كاثوليكي وكـلداني ؟ أليس هذا جهـلاً بـل هو تـَعـمـُّد مع سبق الإصرار 2 - المذهب الأرثوذكسي الذي تتبناه الكنائس الشرقية 3 - المذهب البروتستانتي 4 - المذهب النسطـوري . إن تسميتنا للإتحاد بالعالمي تعـتـمـد على القـومية الكلدانية وليس على الـدين او المذهب ، أما لـفظة العام فهي محدودة لا تـفي بالغـرض المقصود  .

في الختام شكراً لك يا سيد سالم ، فـإن ما طـرحـتـه بمقالك  يـُظهـر بأن " الإتحاد العالمي للكُـتـّاب والأدباء الكـلدان " قـد إستأثـر باهـتـمام النـُخَـب المـثـقـفـة الـواعـية مِن أبـناء شعـبـنا وبخـاصةٍ الكلدانية مِـنـها . نـُريدك كلدانياً صميمياً ونـدعـوك لمسانـدة إتحادنا للـوصول الى تحقيق أهداف امتنا الكلدانية وتطلعات شعـبها المُـحارَب بـقسوة مِمـَّن يـَدَّعـون أخـوَّتـه بالظاهر كحملان وديعة وفي الباطـن هم ذئابٌ خاطـفـة !


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهيـئـة التـنـفـيـذية
في الإتحاد العالمي للكُـتـّاب والأدباء الكـلـدان
في 3 / 7 / 2010   

151


خسر العـراقُ مناضلاً وطـنياً كـلـدانياً أصيلاً



المـوت هو الحُكـم العادل الـوحيـد الذي يسري على جـميع بني البشر بـدون استثـناء مهما كانت منـزلـة الـواحـد منهم العلمية والثقافية والإجتماعية والسياسية و . . . وبذلك فهو حـقيـقة مطلقـة لا مـفـرَّ مِـنه ولا يـُعـرف متى يـُداهـم ولا الكـيـفـية ولا الـمكان ، ولكـنـَّه واحـدٌ مع تـعـَدُّد الأسبـاب . تـَمَيـَّـز الراحـلُ حكمت حكـيم بـفـكر بعـيـد الـمدى ومُتجـدِّد وبسداد الرأي مشوبٍ بالصـدق مع ذاتـه ومـع الآخـر ، وبالـرغـم مِـن بعض الفـواصل بين المفكر والسياسي ، حيث تـتضارب بينهما الـرؤى والأهـداف ، لكنني وجـدتُ في الفـقيـد حكمت حكيم قابلية الجمع بينهما ، ويعـود الفضل في ذلك الى خلفيته الأكاديمية ، إذ إنـَّه أحـد خريجي جامعة موسكو مُخـتصاً بمجالـَي النـُظـُم السياسية والقـوانيـن الدستـورية ، وقـد أهـدى فـوائـد هذا الإختصاص الى الطلبة الجامعيين خلال عمـلـه التدريسي في الجامعة لـِما يـُـقارب  الستة عشر عاماً فكان الأديـب المثـقـف والسياسي الـمُـحـنـَّك . ومن هذا المنطـلـق لـعـب دوراً كـبيراً كمفـكر مُسخـراً قدراتـه في تحليـل نظـريات أفرزها الفلاسفة وتجارب أدّاها صانعـوا التاريـخ ليـجعـلَ مِن مغـزاها فائـدة للسياسيـين تـُساعـدهم على الإبـتـعاد عـن التـخـبـُّط السياسي وعـدم الـوقـوع المستمر في الأخـطـاء .


وفضلاً عما تقـدَّمَ ذكـرُه ، فإن الفـقـيـد حكمت حكـيم ، قـد عركه ميدان الحياة وخاض تـدريـباً عـملياً فيه ، حيـث تـعـرَّض للإعـتـقـال مِراراً بسبـب مجاهـرته بآرائـه السياسية ووقـوفـه بالضـد مِن انـتهاك النظام السابـق لحقـوق الشعب ، انخـرط في مقاومةٍ فعلية ضمن حركة المقاومة الكردستانية في ثمانينات القرن الماضي ، مستهجناً سياسة النظام في ممارسة الإبادة الجماعـية في المناطـق الكرديـة ، ومدفـوعاً من مبدأ الإخلاص للقيم والحقـوق الإنسانية حيث كان غـيوراً جـداً عليها ، ولذلك خاض نضالاً وطنياً متفانياً في سبيـل وحـدة التراب العراقي ، كانت تـَـتـَـوفـر لـديه الصفات القـيادية التي منها دماثة الخـلـق في التعامل ، التسامح وقت الإقـتدار ، العـناد والثبات على الحقائـق الـواقـعية المتمثلة بالمساواة والعـدالة والحقـوق الإنسانية التي كان يسعى إليها بكل طاقـته وخبراته من أجل أن ينال المـواطن العـراقي كامـل حـقـوقـه .


ليس بإمكان أحـدٍ أن ينكر على الراحـل الدكتـور حكمت حكيم نضالـَه الـوطني الفـريـد ، وفي ذات الـوقـت كان مناضلاً قـومـياً كـلدانياً ، وكما يعـلم القاصي والـداني من الشعـب العراقي عامة ً والكـلداني خاصة ً، بأن الفـقيـد حكمت كان متشبعاً بالفـكر الأممي ويحمل عقـيـدتـه ، إلا أنَّ ذلك لم يـُمثـل عنده عـائقاً يـُقـلـِّـل مِن إخلاصـه الـوطني كهـوية ولا مِن انـتـمائـه القـومي الكلداني خلافـاً للغالبـية العظمى مِن أمثالـه حاملي العقيدة الأممية الذين تخـلـّوا عن انتمائهم القـومي الكلداني ووقـعـوا في أحضان الـزُمَر المناوئـة لأمتهم الكلدانية ونـذروا أنفسهم لمعاداتـها إرضاءً لرغبات هؤلاء الأسياد ! بـل إنَّ حكمت حكيم جعـل مِن تلك العقيدة مدخـلاً لتعـزيز الهـويتين الـوطنية والقـومية مِن خلال فـكـره التـحـرُّري ونضالـه السياسي . ومن خلال مـواقـفـه الـوطنية والقـومية كان يتطلع الى بناء عـراق مـوحـد حـر وديمقـراطي ، دخـل المعـتـرك القـومي بـدافـع مِن رغـبتـه في خـدمة أمته الكلدانية وأبناء شعبها مِن الكلدان والسريان والآثـوريين ، وبحنكته استطاع تثبيت قدميه على أرض هذا المعترك الساخن وعـمل بكلِّ إخلاص وتفاني لتبريده ، إلا أن ذلك لم يـَرُق للبعض حيث دأبوا على إلـهابـه ، فما كان منه إلا أن اختلـف مع هذا البعض الذين انقلبوا على المباديء والعـدالة والحقائـق التاريخية مصرين على القـفـز عليها ، من أجـل تحقـيـق أهدافتهم الملتـوية التي تتمثـل في تغييب الصوت الكلداني وتهميش دور الشعب الكلداني بل إلـغائـه .


يا لـها مِن مُـفارقـةٍ مؤلمة حـقاً أظهرها الشعـب الكـلداني في ولاية مشيكـان ، هذا الشعـب الذي خـذل الدكتـور الراحل حكمت حكـيم مُرشح قائمة المجلس الـقـومي الكـلداني في الإنـتخابات البرلمانـية العراقية الأخيرة بعـدم دعـمه بأصواتـهم ، هو الشعب نفسُه هـرع الى مجلس عـزائـه بأعـدادٍ كبيرة جاوزت عشرات الآلاف ! أليس المشهـد غـريباً ؟ أن يـُكـَرَّمَ المـَرءُ في مَـماتـه  ويـُخـذلَ في حياتـه ! إنها فعـلاً  مفارقة غـريبة ومعـيـبة مَـعـاً. يا أبناء الجالية الكـلدانية في مشيكان ألستم معي بـعـدم عـدالة وواقـعـية هذه الظاهرة التي أبـداها شعبـُنا في الإنـتخابات ، أيسرُّكـم عـدم وجـود ممثل للشعب الكلداني في البرلمان مـِن أبنائـه ، أليس مِن العار أن يُمثـلنا مَـن يـُدعـون أنفسهم بالآشوريين زيـفـاً أو بعض المتأشورين الذين باعـوا ذواتهم بأبخس الأثمان وسقـطـوا تحـت تأثير الدولار متخلين عَـن كـرامتـهم ! إنـها مأساة للشعـب الكلداني ، هل سيأخـذ منها العبرة الشعب الكلداني المشيكاني ! ! !


الشماس د. كوركيس مردو
عضو الهـيـئة الـتـنـفـيـذية
في الإتحاد العالمي للكتـّاب والأدباء الكلدان
28 / 6 / 2010

152

آغـاجـان وکـنـا وجـهـان لـعـمـلـة واحـدة



لآ يخـتـلـف إثـنان بأن السيدين يونادم كنا وسركيس آغاجان يؤمنان بالفـرضية الآشورية المُزيفـة كقـومية مع العلم أنها لم تكن قـومية حتى في أوج عـظـمة الـدولة الآشورية المنقـرضة ، وإنما كانت تسمية ً مـوطـنية لـدولـة آشور مُستمـدَّة مِن ثـُنائيَّي  الإسـم < الإلـه الـوثـني آشور ومـديـنة آشور عاصمة الـدولة > تجـمع في إطارها شعـوباً ذات قـوميات متعـددة تـماما كما هو حال الـدولة العراقـية اليـوم ، فهـل مِن الممكن تسمية " العـراقية " بالقـومية ؟ ومع نـَصاعـة هذه الحـقـيـقـة احـتـرم الكلدانُ شـعـورَهما وشعـورَ أتباعـهما بتبنيهم الآشورية كقـومية لهم مِن منطلـق حرية الفـرد في اختيار الهـوية التي تـَـتـفـق مع قـناعـتـه ، ولكن هذا الإحـترام قـوبـلَ بالعـداء والإنتقام من الكلدان الى الحـد الذي صمـَّمـوا على فـرض هذه الهـويـة المزيـفـة عليهم ، ولما فـشلـوا إبـتـدعـوا تسمية ً قـطاريـة مصطـنعة وجاهـدوا بكُل الـوسائـل الخبيثة وحتى الـدنيئة مِنها لـفرضها على الكلدان .


أيها السيدان كنا وآغاجان ، ألا تـؤمنان بحـقِّ الإنسان في اختـيار هـويـته القـومية التي يُـمليها عليه شعـورُه القـومي النابـع مِن قـرارة نـفسه ؟ فـلماذا تحاربـون شعـور الإنسان الكـلداني عندما يعـتـز بهويته الكلدانية ولا يقبـل بتشويهها بلـصـق اسم آخر عليها ؟ هل من حـقـكما استغـلال ظـرفـه الراهـن لتسلبا إرادتـَه الحـرة بأساليـبكـما القـذرة ؟ سيد آغاجان ، كان ظـهـورك المفاجيء على الساحـة السياسية المسيحـية بصورة حَـمَـل ٍ وديـع ، ولكنَّ عنصريـتـك الشوفـيـنـية لم تـقـبـل باستمرارية إخـفاء صورتـك الحقـيـقـية كـونـك ذئـباً خاطـفاً ، لـقـد بـدأتَ مشوارك بخـطـف رئيس الكـنيسة الكـلـدانـية فأغريته بالمال الذي سطـوتَ عليه بطريـقةٍ ما أو باخـرى غامضة لا يدري كُـنـهَها حتى الآن أحـدٌ ، وقـد صَـدَّقـكَ بنيةٍ صافية ، ولكنك انـقـلـَبـتَ عليه لمجـرَّد إعـلانـه التمسكَ بـقـوميته الكلدانية ! أظـهرتَ عِـداءً ظاهرياً لمنافسك السيد كنا بإسلـوبه وايديولوجيته " الأشوَرة السياسية " ولكنـك باطنياً أنـتَ معـه قلباً وقالـَباً ، فكلاكما تـُمارسان سياسة الإنـبعاث الآشوري ، وللأسف فـقـد سهوتما عن إضافة " البعث الآشوري" الى تسميتـَي تـَنظـيمَيـكما ، تـُرى ، هـل يـَرضى الإنسانُ الآثـوري بإسلـوبـكـما في انتهاج " الأشوَرة السياسية " الشبـيه بإسلـوب " الأسلـَمة الـبعـثـية السياسية " ؟ لا أعـتـقـد بأن المواطن الآثـوري الـمسالم والـمظـلـوم معاً يـَقـبـل بهـذا الـنهـج الخاطيء ، إنـَّه تهـيـيـجٌ لمشاعـره وتـخـديـره بخـمر الحـُلم القـومي السرابي ، فـكـِّر أيها القاريء بما آلَ إليه تـَعـدادُ الشعـب الآثوري في العـراق !


لـقـد لعـبَ السيد كنا دوراً غـير حَميـد منذ ظـهـور تنظيم حـركته اللاديمقـراطية واللاإنسانية المعروفـة بـ " زوعـا " بـزرع بـذور الإنشقاق بين أبناء الشعب المسيحي العـراقي ، وقـد ازداد هذا الـدور بعد  سقـوط النظام البعثي الحاكم في عام 2003 ، حيـث أوقـد نار الأحقاد الشخصية وفـعل المستحيـل لتصل الى أصغـر خـليةٍ في مجـتمع شعبنا وهي الأسرة مدفـوعاً مِن واقـعـه الإنتقامي الذي يعيشه ويُملي عليه اعتقاداً بعيداً عن الـواقـع الموضوعي بأنه الأولى والأوحـد بـتمثـيـل الشعب المسيحي كشخصٍ وكـتـنـظـيم قـد استـوى هـو على قِـمـَّتِـه بشكل قسري غـير ديـمقراطي وغير مسمـوح لأحـد منافسته ، لا نقـول هذا اعتباطا ، بـل بإمكان المرء استقـراءَ ذلك مِن المواقـف العنجهـية والغـرورية المشوبة بالغـباء التي يـتخذها ، ومِن أسوَئِها فـرض الصراع المحتـدم بين أبناء شعبنا وعلى النطاق الـداخـلي وتحـت شعار " إما أنا أو مِن بعـدي الطـوفان " وهـو شعار الـديكتاتـوريين الذين ظـهروا على الساحة العالمية وانتهى بهم المطاف الى نـهايةٍ  مأساوية !


واسمح لي أنـت وتنظـيمك والـزبانية الذين يُحيطـون بكم ، لأذكـِّركم بما أنسَتـكم نشوتـُكم بالـفـوز في الإنتخابات الأخـيرة ، فـقـد لـعبـتم أسوأ وأقـذر دور في تـَزويـرها لصالحـكم ، وسبـق أن لـعـب مثل هـذا الـدور مَن كان يفـوقـكم قـوَّة ً ومالاً وزبانية الزعيم الأوحـد صـدام حسين الذي إتخذتـم مِنه مَـثـَلـَكم الأعـلى ، فـقـد تـَرسخ لـديه الإعتقاد بأنه انتزع النصر مِن الكُـل ودانت لـه الدنيا بكُلِّ ما فـيها ، ولـكـنَّ النتيجة الحتمية كانت مأساوية ً عليه وعلى زمرتـه وتعرفـونـها جيداً ، حيث خسر نفسه وقــُتِل ولـداه وحـفيدُه وتبـدَّد شملُ عائلته ، وترك البلاد في حالةٍ يـُرثى لـها مِن الـتخـلـُّف الذي شمل كُـلَّ تـفاصيل الحياة في المجتمع العـراقي ، فـإذا كان الشعب العـراقي بأكمـلـه قـد آلَ الى هذا المصير نـتـيجة تصرُّف قائـده المغـرور ، تـُرى ، الى أيِّ مصير مجهـول سيؤول إليه الشعب المسيحي نـتيجة غـرورك وغـرور منافسك السيد آغاجان الذي اختار أن يـُقـلـِّدك بممارسة ذات الإسلـوب القـذر المبني على الغـرور والغـباء بمحاربة أبناء الأمة الكلدانية المخلصين الشرفاء المتمسكين بـهـويتـهم القـومية الكلدانية بكُـلِّ قـوةٍ واعتـزاز . إنـكـما غـريمان تختلفان فيما بينكما على القيادة السياسية ، لكنكما تـَتـَّـفـقـان في " أيديولوجية آشورية واحـدة " هي إلغاء الكلدان .


لماذا يـقـوم السيدان كنا وآغاجان بإطـلاق العنان لمأجـوريهما بالهـجـوم غير المُـبرَّر على الموسسات الكلدانية السياسية والثقافية وبضمنها الموسسة الكنسية الكلدانية ، ليـُوجـِّهـوا إلى أعـضائـها  أبشع أنـواع الإتهامات ، ألا يعـود ذلك الى العـقـلية المظـلمة المسيطـرة عليهـما المعاكسة تماماً للعقـلـية الكـلدانـية المتـنـورة ؟ وهـل هنالك مقال لهـؤلاء الـمرتـزقـة يخـلـو مِن زرع بـذور الـفـتـنة ، استخدام اسلـوب التضلـيل ، نشر المغالطات ، هـجـوم على الكنيسة الكـلدانية . أتـَظـنـّان أن التاريخ سيغـفـر لكما هـذا الـدَيـدَن الغـريـب في استحـواذ النصر على خـصومـكـما مِن أبـناء الشعـب الـذي تـتـشدَّقـون بأنـه شعب واحـد ، باستخـدامكما كُـلِّ السُبـُل الملتـوية لإرضاء ذاتـكما الأنانية دون الإلتفات الى تطلـُّبات الشعـب الكلداني الساعي الى التغيير البديل لنيـل حقـوقـه التي أقـدمتما على سلبـها .

حتى متى ستنتهجان هذه السياسة الرعناء سياسة اللـف والـدوران على الكلدان ؟ وحتى متى تستمران في حـلـقـةٍ مُفرَغـة ولا تستـوعبان الحقيقة الناصعة كنصوع الشمس ، بأن الكلدان لا يقبلون الـوصاية على شعبهم مِن أيَّة جـهةٍ كانت ، يستهجـنـون كُلَّ محاولةٍ تـَهـدف الى سَلـب إرادتـهم الحـرة ، فقـرارهم المستقـل هو الـوحيـد المُعـوَّل عليه في استعادة حقـوقهم القـومية والـوطنية ، وليس قـرار الغـير الذي يتعَـكـَّز على العناصر الإنتهازية المحسوبة على الكلدان والتي باعـت ذواتها بأبخس الأثمان وبالضد من إرادة شعبها ومصيره ، فهم الصيد السهـل لإقـتـناص كنا وآغاجان ، ولا شكَّ أن وجود مثل هـذه الأشكال ليست غـريـبة ً على القـوميات والمجـتـمعات الأخـرى .إن تـصرفـُّكما باتـباع الأشوَرة السياسية سبـَّبـت لكما ولأتباعكما خسارة مصداقـيتـكم في الدفاع عن قضـية هـويـتكم الـقـومية وإن كانت مزيـَّفـة حيـث حـولـتـموها الى قضيةٍ وهـويةٍ دينية ، وفضلاً عن ذلك فكُـلٌّ منكما ربـط مصيره بتـطـبـيـق أجـنـدة غريـبة عن مطالب الشعـب الآثوري ، فـكـنا تـطـوعَ بـتـنـفـيـذ مطالب قيادة العـرب السنة ، وآغاجان إلتـزم بـتـنـفـيـذ مطالب القـيادة الـكُـردية  .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئة التـنـفـيـذية
للإتحاد العالـَمي للكتـّاب والأدبـاء الكـلـدان
في 15 / 6 / 2010

153


على هامش أقـوال فاضـل الـربـيـعـي


بـتاريخ 6 / 5 / 2010 كتـب السيد فاضل الربيعي على موقع الجزيرة مقـالاً بعنوان " مسيحيو العراق والخطر المزدوج "
                                                                                                                                                                                                                                                                          الرابط  http://www.aljazeera.net/NR/exeres/BE0D1CDF-49AA-BD72-6214B1E75C35.htm


جاء المقال مليئاً بالمبالغات والتهويلات والتحذيرات مِـن أن المسيحية الشرقية تـواجه خطر الإجتثاث من الجذور ، لم يسبـق أن واجهـت مثـيـلاً له كما هو عـليه اليـوم ، مُعـلـِّلاً ذلك بـما تـقـوم بـه المئات من المنظـمات التـبشيرية التي تدفـقـت على العراق واتـخـذت لها قاعـدة انطـلاق آمنة منذ عام 1991 في مناطـق كُردستان العـراق التي شملها حـظـر الطـيران ، وبـدأت تـعـمل تحــت ستار منـظـمات انسانية دون رقـيب أو حسيب ، وبمدةٍ قياسية تمكنت من تحويل مئات الآلاف مِـن المسيحيـيـن في الموصل وكركـوك وأربـيـل والسليـمانية الى " المسيحـية الصهـيـونية " دفعة ً واحـدة ، وتـمَّ ذلك بـفـضل ما قـدَّمه لها الحزبان الكرديان الرئيسان الديمقطراطي الكردستاني والإتحاد الـوطني الكردستاني . ويُضيف السيد الربيعي بأن الكنيسة المسيحية العـراقية < التاريخية > باتـت مستهـدفة ً بشكل مكشوف مِن جـانـب الكنيسة الإنجيلية < البروتستانتية > الغربية لتحويل كُلِّ مسيحيي العراق والشرق الأوسط عـموما ونهائياً الى أتباع ٍ لكنيسة واحـدة منتصرة هي كنيسة " المسيحية الصهيونية الجـديـدة " وفي عـبارة اخـرى يـقـول < إنها مأساة الكنيسة العراقية التي تـُواجه خطر " الإجتثاث " المزدوج > ويستدرك الكاتب الربيعي ليضفيَ تعزيزاً لأقـواله بأن المسلمين أيضاً مستهدفـون من قبل المسيحية الصهيونية حيـث يقـول < الفارق الجـوهري بين ما جـرى بالأمس ويجري اليوم في العراق ، أن المسيحيين جميعاً مثلهم مثل المسلمين جميعاً ، باتوا في مواجهة خطر المسيحية الصهيونية > .


أولاً : إن الكنيسة الإنجيلية كان لها وجـود في العـراق منذ العهد الملكي ، وانتمى إليها عدد قليل من أبناء الكنيسة النسطورية الإنعـزالية التي خالـف أتباعـُها الإجماع الذي أقـرَّته الغالبية العظمى مِن أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية ورفـضوا الإهـتـداء الى مذهـب آبائهم وأجـدادهـم الذي سُلـبَ منهم في القـرن الخامس وفـُرض علـيهم مذهـبٌ هرطـوقيٌّ إبـتـدعـه بطـريرك غـربي يـُدعـى " نسطـور" عنـدما بادرت نـُخـبة مِن أخيار أبناء الكـنيسة المُفـكـّريـن الأماجـد في منـتـصف القـرن السادس عشرالى تـَصويـب مسار كنيـستهـم الخاطـيء واستـعادة مـذهـبـها الأصيـل الـذي نشـأت علـيه منـذ بـدايـة تـأسيسها في الـقـرن الـميـلادي الأول وحـتى الـقـرن الخامس هو مذهب الكنيسة الجامـعة " المذهب الكاثـوليكي " أصـرَّ هـؤلاء الـنـفـر القـليـل على الـبـقاء تحـت نـيـر المذهـب الهرطـوقي النسطـوري نـكايـة  ًً بإخـوانهـم الإصلاحـيـيـن المُهـتـديـن وعِـناداً لـيس إلا ، فـليس غـريـباً على البـقـية مِن هـؤلاء الـذيـن إكتسحـتهـم البعثات الـتـبشيـرية من انكـليكانـية انكـلـيـزية وبروتستانـتـية أمريكـية منذ نهايات القرن التاسع عشر وبـدايات القـرن العشرين أن يترك بعض أفـرادها نسطوريتهم ويتحولوا الى الكنيسة الإنجيلية ذات المذاهب التي لا تـُحصى ، كما لا ننكر بأن المنظمات الإنجيلية تبذل أقصى جهـدهـا في جذب أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية إليها ، لآنها ألـَدَ عـدوٍّ للكثلكة ولأنَّ أبناء الكثلكة ليسوا صيداً سهلاً كبقية المسيحيين الآخـرين . ولكن المبالغـة هي في العـدد الذي ذكره الكاتب بمئات الآلاف وهو عدد لا يـُمكن تصديقـه إطلاقاً استنادا الى النسبة العددية للمسيحيين المتواجدين في العـراق ، وقد ينطبـق رقم مئات الآلاف على المسلمين الذين تنصروا وهو رقم لا زال زهيداً جـداً ، لأن هدف منظمات التبشير بالمسيح موجـه الى الذين لا يؤمنون بالمسيح أما جذبهم لبعض المسيحيين القاطنين في مناطق التبشير فهو لغرض مساعدتهم في الجهد التبشيري ، لذلك فالأمر ليس مثيراً ! ! !


ثانياً : إن مصطلح " الكنيسة الصهيونية " لم نسمع بـه مِن قبـل ، وليس هنالك حتى إشارة أو تـلميـح صادر عن مسؤولي الكـنيسة الإنجـيـلية الى هـذا المصطـلح أما إذا كانـت الكنيسة الإنجـيـلية مدعـومة مِن قبـل الصهيونية العالمية فهو احتمال وارد ، لأن أحـد أهداف الصهيونية هو محاربة المسيحية وبخاصةٍ في شخصية الكـنيسة الكاثوليكـية. ولكننا نرى الكاتب ينتقـل مِن هذا المصطـلح ويأتي الى ذكر الكـنيسة المعـمذانـية الجنـوبـية ويـَدعـوهـا بـ < الـقاعـدة الأساسية لداعـمي اسرائيـل في الولايات المتحـدة الأمريكـية > ألا يعـني هذا نـوعاً مِن الإلتـباس في التسميات أو خـلطاً بيـن الكنائس والحركات الدينية المناصرة لإسرائيـل . والسؤال المحيّر الذي لم يـُفـسره الكاتب ، ماهي مصلحة الحزبين الكردستانيين الرئيسيين الديمقراطي والإتحاد الوطني في دعم المنظمات التبشيرية من حيث المساعدات والتسهيلات غير المحدودة لها كما ذكر ؟ وما هي الأهـداف التي يسعيان إليها ؟ عـزيزي الكاتب الربيعي ،الكنيسة العراقية لا تـُواجه خطر اجتثاث مزدوج كما تـدعي ، شتان ما بين الخطـريـن التبشير والإرهاب ، التبشير لا سيـف لـه وإنـما يعتمد على مبـدأ الإقناع لا يـُؤذي ولا يـُجبر ولا يـُهـدد ولا يـقـتـل ، أما الإرهاب فـيـعـتـمد مبـدأ السيـف الذي يـتـمثـل بالـقـتـل والإبـتـزاز والخطـف والإعتقال والتهجير والأسلمة القسرية وهتـك الحـرمات وتفـجير الكنائس . فهـل هناك وجه مقارنة بيـن الخـطرين ؟ إن مَن يوصـف الـتـبشيـر بالخطـر هو جاهـل  ومنغـمس في مستـنـقـع التعصـُّب وعـدوٌّ للحـق . ثـمَّ اليست الدعـوة الى الإسلام قائمة على قـدم وساق في اوروبا واميركا المسيحيتين وكذلك في الأقطار الأخـرى ، اليست السعـودية تصرف مليارات الدولارات في سبيـل الدعـوة الإسلامية عن طريـق طبع ملايين النسخ مِن القران سنـوياً وتـوزيعـها مجاناً مترجماً حسب هـواها الى غير المسلمين ولاسيما المسيحيين الغربيين ، هـل اعترضت الدول المسيحية على ذلك ؟


ثالثاً : الكنيسة لا سلطة سياسية لها ، ولا تـفـرض عقـيدتها الإيمانية على أحـد ، المسيحية هي محبة وإخاء ، ايمان واقتناع ، تـُقـرُّ بحرية الإنسان وكـرامته بالمطلـق وتحترم اختياراته . تختلـف الى حـدٍّ كبير بثقافتـها عن بقية الثقافات الأخرى بعـدم فرضها على الآخـرين . للكنيسة مهام روحية إرشادية لتعبـيـد الطريق المستـقـيم لسلـوك أبنائها المؤمنيـن ، ولها رسالة خلاصية هي مدعـوة على نشرها وفاءً بـوعـدها لمؤسسها غير المنظـورالسيد المسيح لـه المجـد . لقـد عانت كنيسة المسيح مِن الإنقسامات منذ ظهور الهرطقات في الأجيال الأولى مِن تاريخ نشوئها بالإضافة الى ما جابهته مِن الإضطهادات والمضايقات ، وكان نصيب كنيسة المشرق منها كبيراً جداً ولا سيما بعد ظهـورالبـدعـتـين النسطورية والمونوفـيزية وتفاقم أمرهمها فأدّى ذلك الى انشطارها الى شطريـن ، تـبنى الشطر الأكبر البدعة النسطورية ودُعيت كنيسته بـ < الكنيسة الكلدانية النسطورية > والشطر الأصغـر البدعة المونوفيزية وسمى كنيسته < الكنيسة المونوفيزية المعروفة بالكنيسة اليعقـوبية > . ثـمَّ تعرضت الكنيسة الكلدانية النسطورية الى انشقاق مرير ثاني في منتصف القـرن السادس عشر كما ذكرنا في الفقـرة أولاً من هذا المقال ، فلا حاجة بنا أيها الكاتب المحترم لتدعـونا الى خـوض صراع كنسي آخـر ، كفانا ما لاقاه آباؤنا وأجـدادنا عبر الزمن الطـويـل .


ثـمَّ إن وجـود منـظمات تـبشيرية في بلـدان الشرق الأوسط عـموماً والعـراق خصوصاً ليس بـحـدثٍ طاريء أو جـديـد ، فالـتاريخ زاخـر بالـمعـلومات عـنها حـيث أطـلـق علـيها الـبعـثات أو الإرساليات التبشيرية ، أما نـمطـها فهو مـرتبط باختلاف نـمط العصر الذي تظهر فيه . وكان ظهورُها بعد الحـركة الـتـخـريـبـية اللوثرية ( نسبة ً الى الراهب الألماني مارتن لـوثـر) التي قادها الراهب المتصابي مارتن لوثر عام 1517 فـتسبـَّبـت في انقسام ٍ أحـدثَ جـرحاً عميـقـاً في جسد الكنيسة الجامعة الكاثوليكية ، وأنتجـت فـِرَقاً لا تـُعَـد ولا تـُحصى عملـت على تخريـب المسيحية وتشويه جمالها الروحي بتنـكـُّرها للكثير من العـقائد الإيمانية التي وردت في الإنجيـل المقدس ، وقامـت كُـلُّ مجموعةٍ صغيرة مِن الأفـراد بتكوين كنيسة بروتستنتية منفصلة في كُلٍّ من ألمانيا والنمسا وسويسرا وامتـد العمل التخريبي تـدريجياً الى بقية دول اوروبا حتى وصـل أخيراً الى قارة أميركا الشمالية ، فـرح المنشقـون وظـنـّوا أنهم بعملهم التـمـَرُّدي الشيطاني سينـتـصرون على كنيسة المسيح الجامعة ، ويا لبـئسَ ظـنـِّهم وخيبة أملـهم ، فإن الشيطانَ أنساهم قـول المسيح الـرب لـزعيـم الرسُل بـطرس عنـدما جعـله رئيسَ الكنيسة <<  فأجابـه يسوع : طـوبى لـكَ يا سمعانَ بـنَ يـونا ، فـليس الـلحـمُ والـدمُ كشـفا لـكَ هذا ، بـل أبي الذي في السمـوات . وأنا أقـولُ لـكَ : أنـتَ صخـرٌ وعلى الصخـر هذا سأبني كنيستي ، فـلـَن يـَقـوى عـليـها سُلطـان المـوت . وسأعـطـيكَ مفاتيحَ مـَلـَـكـوت السمـوات . فـما رَبـَطــتـه في الأرض رُبـِطـَ في السمـوات . وما حـلـَلـتـه في الأرض حـُــلَّ في السمـوات مـتـى 16 / 17 - 18 - 19 >> يسوع يجعـل بطرس راعيَ الخـراف << وبعـد أن فـَطـَروا قال يسوعُ لسمعانَ بطرس : يا سمعانُ بنُ يونا ، أتـُحِبـُّني أكثرَ مِـمـّا يـُحِبـُّني هؤلاء ؟ قالَ لـَه : نـعـم يا رَب ، أنـتَ تـَعـلـَمُ أنـّي أحِبـُّـكَ حـُبـّاً شديداً . قالَ لـَه : إرعَ حـُمـلاني . قالَ لـه مرة ً ثانية : يا سمعانُ بنُ يونا ، أتـُحِـبـُّني ؟ قالَ لـَه : نـعـم يا رب ، أنـتَ تـَعـلـَمُ أنـّي أحِـبـُّـكَ حـُبـَاً شديـداً . قالَ لـ÷ : إسهَـر عـلى خِـرافـي . قالَ لـه ثالثة ً : يا سمعانُ بنُ يـونا ، أتـُحِـبـُّني حـُبـّاً شديـداً ؟ فـحـزنَ بطرس لأنـَّه قالَ لـَه في المـَرَّة الثالثـة : أتـُحِـبـُّني حـُبـّاً شديـداً ؟ فـقالَ : يا رب ، أنـتَ تـَعـلـَمُ كـُلَّ شيء ، أنـّي أحِـبـُّـكَ حـُبـّاً شديـداً . قالَ لـَه : إرعَ خـرافي . يـوحـنا 21 / 15 - 16 - 17 >>


فـهـل هنالك أوضـح مِن كلام الرب يسوع المسيح بكـون زعيم الحـواريين بطرس الرسول هو الرئيس الأعلى لكنيسة المسيح الجامعـة ومِن بعـده خـلـفاؤه باباوات روما ! أليس ما قام بـه المتمردون المنشقـون بابـتـداعـهم البـِدع عـن طـريق الإجتهادات الخاطـئة والحـُجـَج الـواهـية والـتـفـسيرات الـمُشوَّهـة لـبعـض العـقائـد اللاهـوتـية ، تخـتـفي وراءَها غاياتٌ دنـيـويـة مِـن رفـعـةٍ ومَـجـدٍ وسلـطةٍ أرضـية مُـسربـَلـة بـهالـةٍ روحية ؟ هي الغـيـرة الـقـاتـلة مِن الرئاسة الكـنيسة الجامعة التي أسسها رأسُ الكـنيسة غيـر الـمنـظـور الـمسيـحُ لـه الـمجـد إتـَّـقـدَ نارُهـا في صـدور زعـماء الإنـشقـاقـات والحـركات التخـريبية اللعـينة بفـعـل الشيطان الذي سمـّأه الرب يسوع " سلطان المـوت " ! السيـد الـرب يسوع المسيح وعـد كـنيستـه التي بناها على الصخـر بطرس بأن سـلطان الـموت لـن يـقـوى عليها ، فـلماذا لا تـُبادرون يا ورثـة أولئك الـمنشقـيـن والحـركـيـيـن الـتـَخـربـيـيـن بـتـقـويـم وإصلاح ما خـرَّبـوه بإصغائـهم الى صوت سلـطان الموت ، لماذا أنـتم مستمرون على سماع هذا الصوت ، أتـؤمنـون بسلـطـتـه وقـدرتـه للـنيـل من كـنيسة المسيح ؟ إنـَّكم واهـمـون ! ! !  إنـَّكم مـدعـوون  للعـودة الى سماع صوت المسيح الذي قالـه بصـدد بناء كـنيسته ! كنيسة واحـدة وراع ٍ واحـد مع تعـدُّد أماكن وجـودها ! لقـد جاهـدت الكنيسة الجامعة وفـور حـدوث الإنشقـاقـات الأولي بعـد انـفـضاض أعمال المجمع الخلقيدوني المسكوني المنعـقـد عام 451 لإعادتـها الى حظيرتها ، لكنَّ الإبليس قـوّى مِن عـناد زعمائـها فـلم تـُـفـلـح ، وعـاودت الـكـرة مع رئاسة الكـنـيسة الـشرقـية البـيـزنـطـيـة في المجـمع الـذي عـُقـد عام 1054 بـمـقـَـرِّها في الـقسطـنـطـيـنـية  ( اسطـنـبـول اليـوم ) وكان الجانـب البيزنطي المفاوض غير قادر على تحـرير نفسه مِن سلطة سلطان الموت الذي أشار إليه المسيح لـه المجـد ، فـفـشل المجمع واشتـدَّ الخـلاف حتى وصل الى القطيعة التامة .


ولكن الكـنيسة الجامعة الأم ، ليس باستطاعتـها قـطـع أملـها والإستسلام وعـدم البحث عن أبنائـها الضالين مهما كانت العـوائـق ومهما اشتدَّت الصعـوبات ، ولذلك كانت تـتـحرك في المسارين غرباً وشرقاً . فـفي عام 1445 تـقـدمت الجالية الكلدانية النسطـورية في قبرص بشخص مطـرانـها مار طـيمثاوس على عهـد البابا (اوجينـوس الرابع 1441 - 1447) بطلب الإنتماء الى الإتحاد الإيماني مع الكرسي الرسولي في روما ، وورد الطلـب بالنص التالي :

< أنا طيمثاوس رئيس أساقـفـة تـَرشيش على الكـلـدان ومطـران الذيـن في قـبرص منهم ، بالأصالة عن نفسي وبالنـيابة عن كافـة الجـمـوع الـمتـواجـدة في قـبرص ، أعـلـنُ وأقِـرُّ وأعـِدُ أمام الـلـه الخالـد الآبِ والإبـن ِ والـروح ِالقـدس، وأمامـَـكَ أيـُّها الأب الأقـدس والـطـوباوي البابا اوجينـوس الـرابـع ، وأمامَ هذا المـَجمَـع اللاتيراني المقـدس ، بأنـنـي سأبـقـى دوماً تـحـت طاعـتِـكَ وطـاعــــــة خـُلـَفائـكَ وطاعـة الكـنـيـسة الرومانـيـة المقـدسة على أنـها الأم والرأس لكـافـة الكـنائس >

وربما سائـل ٍ يـقـول لماذا لـم يُقـدِّم المطران طيمثاوس نفسه بصفـتـه مطران النساطـرة ، ولـهؤلاء نقـول : كانت الغاية من تـوقـيع وثـيـقـة الإتحاد الإيماني هي اعـتـنـاق المـذهـب الكاثـولـيكي ونـبـذ المذهب النسطـوري ، ولـذلك كان لا بـدَّ عليه أن يستـعـيـضَ عن لـقـبـه المُـرتـبـط بالمذهـب الذي نـبـذه ، بـلـقـبٍ آخـر ، فاخـتار لـقـبـَه القـومي الكـلـداني .

واستـنـاداً الى أقـوال المطـران طيمثاوس أصـدر البابا اوجينـوس الرابـع بتاريـخ 7 / 8 / 1945 م المـرسوم البابوي التالـي وكما ورد في ( كتاب العلاقات / روما ص 11 / الأب شموئيل جميـل ) .

< وطـيـمثـاوس ذاتـُه ، حـظـر أمامَـنـا في المجـمع اللاتـيـراني المسكـوني وفي جَـلستِـه العامة ، أعـلـنَ باحـتـرام ٍ وتــَـقـوى صـيـغـة َ إيـمانـِه وتـَعـلـيـمِه ، أولاً بـلـُغـَـتِـه الكـلـدانـية ، ثـمَّ تـُرجِـمـَت الى اليـونانـية ومِـنـها الى اللاتـيـنـيـة > وبـنـاءً الى هـذا الإعـلان الـوحـدوي ، فـإنَّ البابا اوجـيـنـوس الـرابـع في مَرسومِه الآنـفِ ذِكـرُه مـنـع أن يُسمـَّى أحـدٌ الكـلـدان فـيـما بعـد نساطـرة ، كما يـمنـع في الموضوع عَـيـنـِه أن يُسمـَّى المـوارنـة هـراطـقـة ، ومِن ثـم يُساوى الكـلـدان والمَوارنـة بالحـقـوق والإمتـيازات الـديـنـيـة مع كـافـة الكـاثـولـيـك .  والمقـطـع الأخـير بخصوص المساواة هـو شمـول الكلدان والموارنة بالإعـفاء الضريبي عن الإقامة في قـبرص الذي كان مفروضاً على الهـراطـقة والأجانب القادمين إليها ، ولا علاقـة لـه بأيِّ شيءٍ آخـر .
                                                                                                                                                                                                                                                               وعلى ذات الـنـمط جـرى اهـتـداء الـقسم الأعـظـم من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية ( كنيسة المشرق حتى القـرن الخامس ) الى الأيمان الكاثوليكي في منتصف القرن السادس عشر وبالتحـديد عام 1552 واستـعاد تسمية كنيسة آبائه وأجـداده الكلدان باسمهم القـومي ومذهبهم الكاثوليكي ، أما القسم الهـزيل من أبـنائها الذي أصر على بـقـائـه على المذهـب الهرطـوقي النسطـوري إنكـمش تـدريجـياً وانـزوى في المنـطـقة الجـبـلية العراقية والتركية والإيرانية يعيش حياة ً بـدائية مـُزرية ، حتى التـقـته بعثة الكنيسة الإنكليزية الأنكليكانية التبشيرية المعروفـة بـبـعـثة اسقـف كانتيبري التي أغـرتـه وجعـلـت منه أداة ً طيـعة بيد مخابرات دولتها ولا مجال هـنا لذكـر ما جلبته عليه من المحن والمصائب والموت والدمار .

 الغرض مِن هذه المقدمة التاريخية الموجـزة هو تفـنيـد لأقـوال الكاتب الربيعي الذي لا يـُحسن حتى بكاء التماسيح على تـفـكـُّك ما يسميها بالمسيحية التاريخية وأنها تؤول الى ضعـفٍ وهـوان ، ثـمَّ تتلاشى ثقافتها الروحية ، ويعـزو ذلك الى المنظمات التبشيرية الإنجيلية الغازية ، ويجعلها السبب لِـما يتعرَّض لـه مسيحيو العراق مِن أعمال القتل والتهجير المنظم . لا يا سيد ليست هذه المنظمات هي السبب بل الإسلام السلفي العربي المتعصب هو وراء كُلِّ هذه المآسي التي يتعرَّض لها المسيحيون ، لـو كانت هي السبب ، لماذا لم يتعـرض المسيحيون القاطنـون في اقليم كردستان الى القتـل والتهجير . وها هو يـدق أسفيناً تحريضياً بتشبيهـه الوضع بما حدث بالماضي بين المسيحية النسطورية والكثلكة الرومانية البيزنطية ، بتدعوته الكنيسة الشرقـية الى محاربة المنظـمات التـبشيرية ،  إن الكنيسة ليس لها قـوة سياسية ولا هي سلطة علمانية ، والأصح لا ترضى ولا تـُحاول فرض ايمانها أو معتقدها على أيٍّ كان .إن هذا الكاتب يـُستدل مِن فحوى مقاله بأنه متشبع بإديولوجية النظام البعثي السابـق الهادفـة الى إزالة كُـل ثقافات الأقـوام العراقية الأصيلة ولا يـراها إلا ضمن مُحتوى القـومية العـربية ودائرة العقـيدة البعثية . لا استاذ ، لا تخـف على الكنائس الشرقية فهي مُحصَّنة بايمان أبنائها فهم حماتـُها مِن كُلِّ ما تتعرَّض لـه .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئة التـنـفـيـذية
للإتحاد العالـَمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 9 /6 / 2010

154

تـَخَـبــُّط عـمـيـد المـتـأشوريـن !

في مقاله الأخير بعنـوان ( أين التهميش الكلداني أيها الإنقسامي )  الرابـط  http://www.ankawa.com/forum/index.php?printpage;topic=417270.0  . طـلـع عـليـنا عـمـيـد المتأشورين السيد يوسف شكـوانا وأحـد كبار أزلام اـلتـنظـيم الشوفـيـني  زوعا  بهـجـوم تـضلـيـلي دفاعي عن أسياده الكـلدان النساطـرة ( منـتحـلي الـتسمية الآشورية الـوثنـيـة الـمقـبـورة مع أصحابها الـذيـن طالهم الفـناء منـذ أكثر من 25 قـرنا ) وبالـتحـديـد عن مؤسسي هـذا الـتـنـظـيـم الـتخــريـبي الـذيـن زرعـوا الحـقـد والـكـراهــية بـيـن أبـناء شعـبـنا المسيـحـي العـراقــي بكافـة تسـميـاتـه الجـميـلة ( الكـلدانية والآثـورية والسريانية ) هـذا الشعـب المسالم ذو اللغة المشتركة والـتاريـخ المشترك والـديـن الـواحـد مع اخـتـلاف المذهـب ، فمنـذ ظـهـورهم في بـداية العـقــديـن الأخيريـن من القـرن العشرين المنصرم نثـروا بذور التفـرقـة في حـقـل هذا الشعب الذي كانت تسوده الوحدة القـلبـية وليس الكتابـية المزيـفة التي يـُريـدون فـرضها عـنـوة ً ، وللأسف البالـغ فـقـد أثمرت بـذور شرِّهم كـُرهاً وتباعـداً وانقساماً ، فتمكـَّنَ التـزَمـُّت مِن الآثـوري المُـحـب لأخـيه الكلداني الى عـدوٍّ لـدود ، وأولـد ذلك لدى الكلداني الشيء ذاته لأخـيه الآثـوري كـردِّ فعـل مُقابل ، بـينما كان قبـل ظـهور هذا التنظـيم العنصري الذي اقتبس أيـديوجوليـته من التنظيم البعثي العراقي الذي كان ينادي ( امة عربية واحدة ذات رسالة خالدة ) وراح يـُردد الشعار نـفسه بصيغـة مشابهة تـماماً ( امة آشورية واحدة . . .  ) نـقـول كان هـذا الشعب متـآخـياً لم يـدع للـتـفرقة الى قـلبه سبيلاً ، يـتصاهر فيما بينه ، يُمارس الشراكة بالعـمل ، ينتصر لبعضه البعض و و و 

يقـول السيد يوسف بأن كتاباً قليلين من الكلدان وينعتهم بأصحاب فكر انقسامي يأتون بتعابير جديدة في كتاباتهم كالتخـوين والتهديد والـوعيد والبكاء . إنـَّه محض افـتراء يا سيد ، فالمتتبع لكتاباتكم أنتم معشر المتأشورين يرى فيها أن تنظيم زوعا ونـظرائه الأحـزاب الآشورية هي المُجـنى عليها وهي الضحية . اليست كُلّ كتاباتكم تـنـظـيرية تآمـرية ، ألـيس أعلامكم شموليا آشورياً على غـرار الاعـلام العربي الشمولي ؟ الستم أنـتم الذين استخدمتـم كُلَّ وسيلةٍ ذليلة في تـغـريـر أبناء الكـلدان وابتـزاز أصواتـهم ولا سيما باستغـلالكم عـوزهـم المادي ؟ وهل انتـم المتأشورون قـدمتم ذواتكم لخدمة أسيادكم الآشوريين المُزيفين عن أقتناع بنظريتهم العقيمة أم سعياً لإلتقاط الفتاة الفائض عن موائـدهم المليئة عن طريق المال الحـرام المستجـدى باسم الكلدان ! كم هو عدد دعاة الآشورية وكيف كانت تـفـوز قوائم أحزابهم لـولا سلبـُكم لأصوات أبناء الكلدان بأسليبكم المشينة مستغـلين صفاء نياتهم وخدعكم إياهم بالقـول بأننا كلنا مسيحيون وانتم مِن المسيحية بـراء ! أليس هذا نـفـاقاً يا سيد !

ما هذا التخبط  وتشويه الحقائق يا سيد يوسف ! مؤتمر بغـداد الذي تـدعي عقده بدعوة من الحركة الآشورية واتفـاق المؤتمرين على التسمية " الكـلدو آشورية واللغة السريانية " كان مناورة تآمرية خـبيـثة ضد الكـلدانية من قبـل الحركة بشخص زعيمها ، لم ينتبـه إليها الكلدان إلا بعد اكتشافهم لخيانة زعيم الحركة بتثبيت التسمية الآشورية منفردة وليس " الكلدو آشورية " المتفـق عليها ، وحينها انبرى البطريرك الكلداني واتصل بالمسؤولين وطالب بتثبيت التسمية الكلدانية وتـم ذلك بالفعـل ، فخـزي زعيم الحركة وخرج من طـوره ووصف بطريرك الكـلدان بأوصافٍ معـيبة مشوبة بالـتهـديـد ، أما قـولك في مكان آخر عن إجماع كُل المثـقـفـين بإطلاق التسمية الآشورية على المسألة أية مسألة تقـصد ؟ أيُّ افتراء وأيُّ نـفاق هذا يا أخي المتأشور ؟ تـقـول من بين هؤلاء المثـقـفـيـن المطران تـوما اودو الكلداني ، إذا كان كـلدانياً كـيف يقـبل بالتسمية الآشورية ؟ هل كان في زمانه حركة تأشور كما هي في زمانك ؟ فـريـدون آثـورايا والنعم فهـو مِن بلاد آثـور ولكن ليس آشورياً ، نـعـوم فايـق رجـل سرياني وليس آشورياً ويوسف مالك آثوري ولم يدَّع ِ بالآشورية ، ألا تشعرون بالعار عندما تفـتـرون على شخصيات تاريخية دون ذكر المصادر ؟ أليس الأحـرى بكم أن تبحثوا وتـدرسوا حتى لا تـلـجأوا الى التـزوير !

يا سيد يوسف ، هل الكلدان بحاجةٍ لأحـد حتى يضيفَ تسميتهم الى تسمية تـنظيماتهم المزيفـة ؟ إنهم يـُضيفـون اسم الكلدان ليـُقـللوا مِن زيفـهم ويستفيدوا مِن عددهم الديمغـرافي ولأشورة بعض ذوي النفـوس الضعيفة ، هذه هي الأساليب الملتـوية التي ينتهجـونها ، وإني أسألك ويا ليتك تـُجيب بصدق ٍ وصراحة ، لـولاكم انتم المتأشورون ولا سيما أنتم أبناء بلدة القـوش الكلدانية العظيمة الذين جحـدتم قـوميتكم الكلدانية واستبدلتموها بتسميةٍ موطنية وثنية لدولةٍ غابرة حكم التاريخ عليها بالفناء الأبدي كياناً ووجـوداً ، هـل كانت ما تُسمى بحركة زوعا قادرة على البقاء والإستمرار ؟ وهذا السوال ذاتـُه ينطبـق على ما يـُسمى بالمجلس الشعبي أيضاً . والجـواب هو كلا والـف كلا . إن المتـاشورين بـدل أن يدبـّو الرعبَ والفـزع في قلـوب دعاة الآشورية المزيفين المتحاملين على أبناء امتهم الكلدانية ، قاموا ببـث الجـرأة في نفـوسهم ليهاجموا هذه الأمة العـريقة بأسليبهم التآمرية الخبيثة بـل الأنكى من ذلك جعلـوا ذواتهم في مقـدمة المهاجمين !

انظـروا كيف يـُنافـق السيد يوسف شكـوانا في تصنيف الحاصلين على المُـنجـزات ، يقـول حصلت تنظيمات شعبنا على المناصب الـوزارية ، كان المنصبان في كردستان والثلاثة في بغـداد حصلت عليها حركته الآشورية ، كان أربعة منهم كلداناً وواحد فقط آثورياً ، يا له مِن تصنيف عادل ويا لسذاجتك يا سيد يوسف العفو يا لبراعتك . أيُّ نـوع ٍ من الكلدان هؤلاء يا سيد طبعاً هم على شاكلتك ، فهـل أنت كلداني ؟ أم أنك آشوري مليون بالمئة ؟ لماذا هذا الإستهـزاء أولاً بنفسك ثم بالكلدان ! إذا كنت تجـد في نفسك القـدرة على الضحك على الكلدان فأنت واهم ، الكـلدان المخـلصون الشرفاء أذكى من المتأشورين الذين انقادوا للعبـودية إن كان بالإغـراء أو الغـباء ! ! ! ولا يختلـف تصنيفك بالنسبة الى القائمقامين وأعضاء البرلمان والمدارس والمعلمين فأن اغـلبهم بالإسم كلدان ولكن بالواقع متـاشورين . كيف لا ينتابكم الخجـل عندما تـُدرجـون كلَّ هذه الأعمال المزيفة بحجة الـوحدة المشبوهة ، الى أية وحدة تسعـون يا جاحدي امتكم ، ألم ترعووا من التجربة البعثية ، لتـُحاولوا التجربة الآشورية ! حذاري حذاري فالنتيجة واحدة ، وسيندم الذين جحدوا حين لا ينفـع النـدم .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئة التـنـفـيـذية
للإتحاد العالـَمي للكتـاب والأدباء الكلدان
في 2 /6 / 2010

155

لـيسعى الحـزبان الكلدانيان الى مراجـعـة أخـطائـهمـا !

إن تـبادل الأفكـار بين السالكين في دروب العـلـوم مِـن فلسفية ومنطـقـية ونفسية واجتماعـية واقتصادية وسياسية بهـدف الوصول الى الأصـوب من الأفكار الـبنـّاءة المقـرونة بصفاء النـوايا والمؤمنة بقضيتها الجـوهـرية المتمحور حـولها النقاش هو أنـجـع السُبـُل وأجـداها للوصـول الى كُـنـه الحقـيقـة المُـضيـَّعـة عـمداً أو جهـلاً ، لأن تـبادل الأفـكار يـقـود المتحاورين الى نـُضـج فـكري أوسع ويرتقي بهم الى مـدى ثـقـافي وواجتماعي وإنساني أسمى ، يـُضفي بهم الى اكتشاف مكامن الضعـف والقـوة فى تـوجهاتـهم الفـكرية ومِن ثـم يـؤدي الى تـغـيير الإنطباع والتـصور اللذين يملكونهما حـول ما هم مخـتـلـفـون  عليه ، كما أن هذا النـُضج الفـكري يُساعـدهم على الإلـتـقاء بقـناعات مشتركة والتـوافـق بـوجـهات نـظـر ذات مضامين مُجـدية فـيها وضوحٌ وعـُمـق وموضوعـية ، ويـدفـعـهم الى تـحـديـد سقـفٍ لكُلِّ الأفـكار والآراء المطروحة لـتـُجـرى عليها صياغـة تـَقـَدُّمية شاملة باسلـوبٍ ديمقراطي مـتـفـتـِّح . هذا الذي ينبـغي أن يحصل إذ لا خلاف لديكم وإنما اختلاف في السُبـُل وآليات العـمـل لتحقيق الغاية الـواحدة المشتركة .

وليس مِن شكٍّ بأن الإختلاف في الفـكـر والرأي بين ذوي الإيديولوجية المشتركة هي ظاهرة صحية مقـبـولة وحالة تـقـدمية ضرورية للإنتقال مِن مـوقع أدنى الى موقع أسمى أكـثر تـطـوراً  من اـلناحية الإجتماعية تجاه أيِّ عـمل تنظيمي جماعي ، لذلك نـدعو أعضاء الحـزبين مِـن القياديين بمختلـف مستـوياتـهم والكـوادر المتقـدمة أن يبادروا الى عـقـد اجتماع أو مؤتمر عام لبحث الإختلافات التي حالت دون تـوحيد مـوقـفـهما ووضعـها جانباً مهما كانت طبيعتـُها ودوافـعـُها ، والسعي الجاد لحسم الإختلافات العالقـة آخـذيـن بـنظـر الإعـتبار الأمـور مِن زاوية الـشعـور الـقـومي والـوعي الـوطـني وتـَحَـمـُّل كامل المسؤولية تجاه أمتنا الكلدانية المتعـرضة آنـياً لهجمةٍ شرسة منظمة عبر مختلف الوسائل الإعلامية التابعة لقيادات الكلدان النساطـرة ( منتحلي التسمية الآشورية المزيفـة) الإنفصالية والمُفعمة دواخِـلـُها بقـيح الحـقـد الكريه . أرجو أن تـَدعـوا نصب أعـيـُنكـم مصلحة أبناء قـومكم في المقـام الأول متجاوزين الأنانية الذاتية والمصالح الشخصية ، إسعـوا الى ترسيخ وحـدتـكم الـفكرية والـتـنظـيمية لأنها الكفـيـلة بتوسيع شعبـيـتـكم .



كم نتمنى أن يـكون مؤتمرُكم المُـقـترح فاتحة خير لتجاوز الخلافات وتعميق الحـوارات الديمقراطية التي يجـب أن تـُقـرَن بصدق النـوايا والشفافية الروحية ، لتخـرجوا من خلالـه بنـتائـج طـيـِّبة وحتميـة بالإتـفاق على برنامج سياسي مستقبلي ، أجـمـعـتم عليه بعد تمحيصكم لمسيرتكم النضالية طـوال الفـترة المنصرمة . عليكم طـَيَّ صفحة كـُلِّ ما حصل من السلبيات والأخـطاء في الماضي وفـتـح صفـحـة بيضاء بذهنيةٍ منـفـتحة ، فليكن برنامجكم إصلاحياً ديمقراطـياً يحمل فكرة التغـيـيـر الشامل ويـُفـضي الى اختيار عناصر قـيادية شابة مفعـمة بالنشاطـ وقادرة على الـوقـوف بـوجه التحـديات الراهنـة . لنا وطـيد الأمـل بحـزبـيـنا الإتحاد الـديـمقراطي الكـلداني والمجلس الـقـومي الكـلداني أن يسعـيا معاً الى الـتغيـيـر الذي يـُرضي جـميع المخلصين والشرفاء من أبـناء شعبنا الكـلداني الذي جعـلت منه القـوى السياسية المتناحـرة ضحـيـة ً لصراعاتـها بتأليـبها عـليه أشرس أحـزاب الكلدان النساطرة ( دعاة الآشورية المزيـَّفـة) هما الحـركة اللاديمقراطية الشوفينية والمجلس اللاشعبي المشبـوه ، حيث أوعـزا لمأجـوريهما المُرتـزقة من أبناء الكلدان الضالين ، للتمادي في الإفـتراء والتجنـّي على الكلدان ومؤسساتهم وتنظيماتهم . يا لبئسَ أفـعـالهم المُشـينة التي تـنـتـصر للباطـل وتـُعادي الـحـق ! هـذه الأفـعال التي لا تصـدر إلا عن فاقـدي الكـرامة والضمير اللاهـثي وراء الدولار الحـرام ! ! !


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئـة التـنـفـيـذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 30 / 5 / 2010

156
زيارة مدير موقع باطنايا الإلكتروني الى ولاية مشيكـَن الأميريكية


حـلَّ ضيفاً عـزيزاً على ولاية مشيكـَن الأميريكية بزيارة عـمـل الناشط الكلداني الشهم الأستاذ سركـَون يلـدا مدير موقع باطنايا الإلكتروني ، الموقـع الكلداني الشهير يوم الجمعة الموافـق للـواحد والعشريـن من شهر أيار الجاري 2010 ، وكان باستـقباله في المطار السيـد ساهر المالح مسؤول المجلس القـومي الكـلداني في ولاية مشيكـَن وصاحب إذاعة صـوت الغـد . رحـَّبَ به الشماس كوركيس مردو عضو الهيئة التـنـفـيـذية للإتحاد العالمي للكـتاب والأدباء الكـلدان وصـديـقـه الناشط الكـلداني القـوي السيـد يوسف يـوحانا ، وقـد جـرى معـه حـديـث طـويـل تـمحـور حـول القـضايا الراهنـة مِن قـومية ووطـنية ، وفي يـوم الإثنين 24 / 5 تـّمَّ اللقاء بينـه وبين الأخ بولص يـوسف مسؤول الحـزب الديمقـراطي الكلداني في أميركا وكـندا واشترك معهـما الشماس كوركيس مردو والسيد يوسف يوحانا في جلسةٍ أخـويـة تشعـَّب فيها الحديـث . كان لقاءاً ممتعاً ومتفائـلاً  ومليئاً بالآمال المستـقبلـية المتعـلـقـة بصالح امتنا وشعبنا ، وغادر الأخ سركون الى كندا يم الثلاثاء التالي ليعود مِن هناك الى السويـد بلد إقامتـه ، رافـقـته اللامة .


الشماس كوركيس مردو

157

مغـزى الهـجـوم على الإتحاد العالمي للكتـاب والأدباء الكلدان


رأت قيادتا التنظـيمَيـن الأشوريَـيـن للحركة اللاديمقراطية وللمجلس اللاشعبي الشوفينيتان الحاحـقدتان على الأمة الكلدانية ومؤسساتها الكنسية والعـلمانية في الـنـخـبة المثـقـفة مِن أبناء هذه الأمة العـريـقة التي أقـدمت على تأسيس إتحادٍ عام لكتـابها وأدبائـها  المنتشرين في مخـتـلـف أنحاء العالـَم ، بـُعـبـُعاً على شكـل كابـوس يـؤرقـها في يـقـظـتها ومنامـها ، فأوعـزت الى عملائـها ومأجوريها مِن أشباه الكتاب ليـُلـفـقـوا حـول هـذا الإتحاد كُـلَّ اشكال الـتُهم ويـُراقـبـوا كُلَّ تحـركاتـه وتـوجـهاته سعـياً للنيل منه وإفشال مساعـيه في الـذود عن هـوية أبناء قـومـه الكـلدان التي استُبيحت وأهـينت وسُلـب حـقـُّها .

لقد تمادت قيادتا هذين التنـظيمَين المشبوهين الموغـلـَين بالعنصرية المقـيـتة في سعيهما المستميت الى تغيـيب وجـودنا اـلقـومي الكـلداني وطيِّ صـفحات تاريـخ الكـلدان الناصع من أجـل الإنـفـراد بمقدرات الشعب الكـلداني بـدفع ٍ من أنانـيـتهما ومصالحهما الشخصية ، فتارة ً يصفان قـوميتـنا بالمذهب ، وعندما ينكشف زيفـُهما بهـذا الـوصف ، يعمدان الى إلصاق تسميـتهما المزيـَّفـة بقـوميتنا الكلدانية النبيلـة ، ليُكـوِّن هذا الـتلصيـق تسمية هجينة لا تمت بصلةٍ الى التاريخ ويستهجـنها الواقـع ، لأنها مبنية على الباطـل ولا يمكن لها الصمود أمام التحـديات الراهـنة ، وبالـنهاية  تجعـل من متـبـنيها مسخـرة ً امام العالـَم . وإزاء هذه المواقـف الجائرة ، كان لا بـد للكلدان من تأسيس أحـزاب ٍ وتـنظـيماتٍ سياسية واجتماعية وثـقـافـية لتـتصـدى للمحاولات الفاشية اللامسؤولة التي تـُحاك في السر والعـلـَن وبـدون هـوادة ضِـدَّ أبناء الأمة الكلدانية .

لهذه الأسباب كانت هنالك ضرورة مُلحة لإنبثاق إتحاد قـومي كلداني رائـد ينتهج الأسلـوب الثقافي والعلمي يحمل على عاتـقـه راية الأمة الكـلدانـية في بـَث الـوعي القـومي بيـن صفـوف أبنائها الى جانب الدفاع عن حقـوقـهم وتطلعاتـهم . فالإتحاد العالمي للكتـاب والأدباء الكلدان إنبثـق ليكون صوتا عالياً وواجهة ً اعـلامية يُمثـلها المثقـفـون الكلدان في كُلِّ زمان ومكان مِـن العالم ولا سيما في العـراق الـوطن الأم ، لـه الحـق بل مطالـَب مِن شعب الأمة الكلدانية في ايصال كلمته الى أية جهةٍ مسؤولةٍ في العالم ، وليس هو المثال الوحيد في العالـَم فهنالك العـديد من أمثالـه . وإذا كان بعض الحاقـدين مِن الكتاب المأجـوريـن يعتبرونـه غير قانـوني وليس مـُخـوَّلا للحـديث باسم الشعب الكلداني ، فلماذا انـتابهم الرعـبُ وأضناهم القـلـق مِن تـَحركات الإتحاد إذا كانوا يحكمون علـيها مسبقـاً بأنها غير ذات نـفـع ولا تأثير ؟ لماذا كُلُّ هذا الإجـترار في الكلام والإحتيار واللف والدوران ؟ إذا كان الإتحاد الذي قد قامت بتأسيسه نخـبة مختارة مِن الشعب الكـلداني مشهـود لها بالعلم والـثـقـافـة تـُعـتـَبَر مِن قبـل بعض بائعي ضمائرهم وذواتهم من المرتـزقـة الكـلدان غير مؤهـَّـلة للـتحـدث باسمه ، فـمَن هو المخـوَّل يا تـُرى ؟ الراكضون وراء الفـتاة الفائض عن موائـد أسيادهـم أعداء امتهم الكـلدانـية ، اؤلـئك الجاحـدون لقـوميـتهم الجاعلـون من ذواتهم أبواقاً تـنفـخ أمام مـواكب أصحاب الـزيـف والأكاذيـب ! ! !

إن الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان هو ظهير قـوي للتنظيمات الكلدانية وليس بـديـلاً عـنها كما يـُروج بعض أشباه الكـتاب المُهـرِّجـيـن المرذوليـن من قبـل أبـناء الشعب الكـلداني . لم يستخـف إتحادُنا بالإنتخابات لكنـَّه دان الممارسات التآمرية التي أدّاها ممثلو التنظيمين الشوفينيـين " الحركة اللاديمقراطية والمجلس اللاشعبي " بسرقتهم أصوات أبناء الكلدان بأساليب الغش والخـداع و و  ولـولا أصوات هؤلاء الكلدان المُغـرَّر بهم مِن أين كانت تأتيهم الأصوات ؟

كلمة أقـولها للمرتزقة من الكلدان وأسيادهم . الآمة الكلدانية كانت وستكون عصية ً عليكم ولن تؤثر في أبنائها المخلصين الشرفاء دسائسُكم ومؤامراتـُكم ، هذه الامة التي قاومت كُلَّ موجات الظلم والإضطهادات العنيفة عبر القـرون وحتى اليـوم صامدة ومحافظة على هـويتها القـومية ، لـن تنال منها شراذم ُ انعـزالية مِن أبنائـها انفصلت عنها في الماضي مِن الزمن مهما استخـدمت من وسائل دنيئة وأسليب مبتذلة .  أما كلمتي الى القيادة الكردية مع كامل احترامي لها ، فـقـد أخـطأت باحتـظان جـماعات كلـدانـية جاحـدة لأمتها وتعاملت معها كممثـلةٍ للكـلدان ، فهـل مَن جـحـد قـومَه بإمكانـه توفير النفع لـغـيره ويكون مخلصاً لـه ؟ للأسف قد تعاملـتم مع الإنتهازييـن الذين لا مصداقـية لـديهم ، وتـركـتم غالبـية الكـلدان ذوي المصداقية والمباديء الثابتة الذين لا ينكثـون العهـد ولا الـوعـد ،  إن الزمن كفيل بكشفكم للحقـائـق إن عاجـلاً أو آجـلاً ، لا محالة في ذلك .

إن الرسالة التي وجـَّهـها الإتحاد العالمي للكتـاب والأدباء الكلدان بشخص رئيس الإتحاد الى رئيس اقليم كردستان الأستاذ مسعـود البرزاني ورئيس حكـومته الأستاذ برهم صالح لم تكن استجـداءاً كما وصفـها أحـد أبناء الكلدان النساطرة " كلدان الجبال " في مقال بموقع عنكاوا ، بل كانت مناشدة ً لإنصاف الكلدان المهدورة حـقـوقـهم والمسلـوبة إرادتـهـم بـذرائـع واهية دبـَّرها مَن يـُد عـون بالآشورين زيفاً وبطلاناً . إن الكلدان لم يخسروا أيها المُهـرِّج بل كان دُعاة الآشورية المزيفة هم الخاسرين ، لأنهم ضحـّوا بهويتهم المزيفة عندما قبلوا بالكوتا المسيحية بـدل الكوتا القـومية التي تمتعت بها كافة المكونات العراقية الأخري حتى أصغـرها ( الأرمن والشبـك والمندائييـن واليزيدييـن ) ما عـدا المكـون المسيحي  مِن الكـلدان والسريان والآثوريـيـن الذيـن فــُرضت عـلـيهـم الكوتا المسيحية فهل تعتبر هذا اتصاراً قـومياً ؟ يا لغـباء مثل هؤلاء الفارغين . إن مَن فازوا وإن كان فـوزهم زوراً سيدخـلون البرلمان بصفتهم ممثلين للمسيحيين ليس إلا إذ لا صفة قـومية لهم حيث تـَمَّ تجريدهم منها رسمياً .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئة التـنـفـيـذية
للإتحاد العام للكتاب والأدباء الكلدان
في 25 / 5 / 2010

158

إستـهـداف المسيحيـيـن إضطـهاد مُـنـَظـَم


في حالة غياب السلـطة وتـَـفــَكـُّكـها تـُـصبـح كُـلُّ الأمـور المعـقـولة واللامعـقـولة مُـمكـنة . . . بالـتأكـيـد هنالك تـَراخ ٍ واضـحٌ ومُـلاحَـظـ ٌوبالـتالي غيـرُ مُبـرَّر يـُمارسُـه مسؤولـو الأمن في الـحكـومة المركـزية الإتحادية وعلى أعلى الـمستـويات ، فهي التي تتحـمل كامل المسؤولية عن تـوفـيـر الأمـن والسلامة للمواطـنيـن أجمعـيـن ، وقـد يكـون هـذا الـتـَراخي مُـتـَعـمـَّداً ومُساوَماً عـليه ويـُستـَدَلُّ على ذلك مِن صمـت الحكـومة المركزية المُـريب وتـَستـِّرها على المجرميـن ، وبـدورها تستـغـل الحكومة الـمحلـية هـذا المـوقـف لـتـُلـقي اللـوم على الأجـهـزة الأمنـية بالـتـَقـصيـر مُـتـَّهِـمة ً جهــاتٍ دون أن تـَجـرأ على تسميتها مـمـّا يـَدل على أن َّ لـها ضلـعاً في كافة هذه الجـرائـم بشكـل مباشر أو بالتستـُّر على الجُـناة .

تـُرى ، كيـف تـُبَـرِّر الحكـومة المركزية والحكومة المحلية اللتين لم يـتعـدَّ إعلامُـهما إلا الإشارة بشكل ٍ عابـر وكالعادة الجاريـة بأن انـفـجاراً حـدث وأدَّى الى إصابة 81 طالب مسيحي ومقتـل شرطي ! أين كان الجهاز الأمني الذي يـُقال بأن عـدد أفراده يتكـون مِن أربعة الى خمسة أفـراد أمن يتـواجـدون في نـُقـطـة السيـطـرة التي وقـع فـيها الحادث ؟ لماذا لم يكن موجـوداً وقـت الحادث أيَّ واحـد مِن هؤلاء ؟ هل هي محض صـدفـة ؟ أم هو إتـِّفاق مُـدبـَّر بعـد تخـطـيـطـ ٍ مُسبـَق ؟ ولماذا لم تـَقـم أيُّ من الحكومتين المركزية أوالمحلية بمحاسبة مسؤولي الأمن هؤلاء والتحقـيـق معـهم إذا كنتا جادتين في العثـور على منـفـذي الحادثة الإجرامية البشعـة بحـقِّ  طـلـبة العِـلم المسالمين ؟ أيجـوز الإكتـفاء بتسجيـل القـضية كالقضايا السابـقة ضِـدَّ مجهـوليـن على الـدوام ؟ والجـواب كـيـف يمكن الوثـوق بحكومةٍ كُل هَمـِّها مُنـصَب على الجري للإستـفراد بالمكاسب والمناصـب غير عابـئةٍ بمصائـب الـوطـن والمُـواطـنيـن ؟ أم أن المواطنين المسيحيين لا قيمة لهم لـديها فـلا يـَهـمـُّها أمرَ سلامـتهـم ؟ ما ذنـب هؤلاء الطـلاب الأبرياء ليتعرَّضوا لمثل هذه الأعمال الإجـرامية ؟ والى متى يبقى مسيحيو العراق ضحية استهتار قـوى الشر وتـَقاعس السلطة في حمايتهم ؟

إن الترويج الحكـومي بأن استهداف المسيحيين لا يختـلـف عن استهـداف بقية المُـواطنين هو غير صحيح أبـداً ، ولا تأويلَ لـه ، إما أن الحكومة عاجـزة عن تـوفير الحماية لهم ، أو إنها تـَغـض الطـرف عن القائمين باضطهادهم ، وفي كلتا الحالتين تـُعـتبر شريكة غير مباشرة فـيـما يجري للمسيحيين مِن أعـتـداء وقـتـل وتشريـد ! وإلا كـيـف لحكـومة إتحاديـة مُنـتـخـبة أن تـقـف موقـف المتـفـرج على ما يـجـري بحق جزء أصيل مِن شعبها لا تـُحـرك ساكناً وتعتبر الأمر طبيعياً ! ألا يـَدل ذلك على أن الحكـومة بـوضعـها الحالي قـد اخـتـُرقـت أجهـزتـُها مِن قبـل أعـدائها الإرهابـيـين وأعـوان النـظام السابـق بسبب الفساد المالي والإداري والسياسي المستشري في تركيبتـها ؟ وهذا هو الذي يـُكَبـِّل يـَدها من الكـشف عـن مُـرتكـبي الإجرام وضربهـم بـقـوة عن طريـق إنـزال العـقاب الصارم بهـم ، ثـُمَّ الإعـلان على المـلأ تفاصيل حوادث الإجـرام التي تـُقـتـَرف ضِـدَّ المسيحيين ، في الـوقـت الذي تـَعلم يـَقـيناً بأن المسيحيين لم يشتركـوا في أية أعمال إنتقامية أو ثأريـة ولا يسعـون إليها إطلاقـاً .

إنـه لـَمِن الصعـب علينا يا حكـومتنا الإتحادية الـوطنية السكـوت على ما يـُمارَس بحقـِّنا نحن المسيحيين مِن ظـلـم واعـتـداء وبـصورة هـمجـية ومتـواصلة ، ولا سيما أننا مسالمون لا دَخـلَ لنا بشؤون غيرنا ، لا ملشيات لنا لـتـُدافـع عَـنا وبالأحرى لا نـُريـدها أصـلاً ، لا نستـقـوي إلا بالله أولاً وبسلطة الـدولة ثانياً ولذلك فـنحن مصدومون مِن عـدم قيام الدولة بـواجبها نـحـونا . تعـلمون جـيـداً بانـنا قـد أصبحنا فـئـة ً قليلة بسبـب تـناقص عـددنا مِن جـراء ما مـَرَّ علـيـنا خـلال  الأزمنة الرديـئـة الـتي فـيها اضطـُهِـدنا ونـُحِـرنا وشُـتـِّـتـنا مِن ديارنا ، وكان عـزاؤنا أن تـلك الأزمنة كان يسود شعـوبَـها الجهـلُ والنعرات القـبلية والدينية وقـد ذهبت الى لا رجعـة ، فماذا نـقـول اليـوم ونحن في القرن الواحـد والعشرين الذي وصلـت فيه البشرية الى أعلى قِـمَـم الحضارة وسادت فيه الحـرية والديمقراطية ؟ أين نحن منها في العـراق ؟

يا ساسة العـراق الفائزين بالإنتخابات كفاكم صراعاتٍ وحـوارات يـومية ، فـإنها تؤدي الى تعطيل عمل الوزارات وإضاعة جُـهدها لـوضع استراتـيجـية تـنـموية شاملة ، إفـسحـوا المجال للوزارات لكي يتسنى لها تـوزيع خـطـطـها وبـرامجـها لمختلـف أجـهزتها لتـَبـدأ بالتنفيذ الفـوري للمشاريع التنموية ، إن حيلولتكم دونـها يـُـوفـِّر مناخا مؤاتياً لنشاط الإرهانيين ويمنحهم فـرصاً ثـمـينة لتـمرير عملياتهم التخريبية وتنفيذها في أيِّ زمان وأيِّ مكان يرغـبان بهما . عليكم إنهاء انشغالكم السياسي بسرعـة ، إذ إنَّ امامكم سلالاً كاملة من المهمات ، مِـهـا الأمنية والإقـتـصادية والإجـتـماعـية والاعـلامية ، تتطلـَّـب مِـنكم رؤية ً واقـعية سليـمة ومُـتـَّزنـة للقيام بتنفـيـذها على المـديـَيـن القـريـب والبعـيـد .

كم هو جميل أن يتخلص المجتمع العراقي من القتلة المجرمين الذين كانـوا ولا زالـوا أدوات قـتل للألـوف مِن أبناء الشعب العـراقي ، بالإضافـة الى تخريب البلاد وتدمير بنيتها التحتية ، وتعطيـل البناء والتنمية ، والى جانـب اهمية هذه الخطـوة ، هنالك مسائـل أساسية تـهم الشعب العـراقي أيضاً هي ايجاد طـُرق معالجة المشكلات الأساسية التي تـُواجه المجتمـع ، وهذا يتطلـَّب  الخـروج السريع مِن ضغـطـ الصراعات السياسية الراهـن والثـقـيـل . تـَحركوا للتفـرغ لتلبية قضايا الشعـب المُلحة ومطاليبه العاجلة بتقديم الخدمات العامة وتحسينها !


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئـة التـنـفـيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان
في 5 / 5 2010

159

الأول مِن نيسان " أكـيـتـو " عـيد الامة الكـلـدانية


لـقـد كـتـَبـتُ الكثيرَ عن عـيـد الامة الكـلـدانية " أكـيـتـو " في السنيـن العـديـدة الماضية ، مَن أوجَـدَه ومتى بَـدأ الإحـتفال ُ بـه ، وماذا كانت الأهـداف المُتـوخاة مِنـه ، ولا اريد التذكير بـها هذه السنة لأنني مستاء ومهموم مِن تخاذل الشعب الكلداني ذي العـدد الديـمغرافي الأكبر بين المكونات المسيحية العراقـية ، ويُـقــرُّ بذلك السريان ومَن يُـدعـَون بالآشوريـيـن وهم في الحقـيقة والواقع ( كـلدان نساطـرة انفصاليون ) تـّـبـنـّوا التسمية الآشورية الوثـنـية الاسطـورة التي أتـقـن حَبكـَها لهم عميـلُ المخابرات الإنكليـزية مبعـوث كنيسة كانتيربري الأنكليكانية " ولـيـم ويـكـرام " وأغـراهم بقـبـولـِها لقاء وعـود كاذبة مِن المملكة المتحدة بإقامة وطن قـومي لهم في الموقع الجغرافي الذي كان الشعب الآشوري البائد يسكنُـه يـوماً . قـد يـقـول القـراء بأنني أتـطـرق في كثير مِن مقالاتي في الشأن القـومي الى هذا الموضوع ، وجـوابي هو : هذا هو الواقع والحقيقة وعلى الشعب العراقي بكُـلِّ أطيافـه أن يتعَـرَّف عليها .

إنَّ مَن يدعون أنفسهم اليوم بالآشوريين ، هم لصوص حيـث سرقـوا التسمية الآشورية الـوثـنية التي تـعـود لدولةٍ ظهرت في اقـليم شمال بلاد ما بين النهرين وانـقرضت عن الـوجـود كـياناً وشعـباً في مطلـع الربع الأخـير مِن الـقرن السابع قبـل الميلاد ، وبـدون أن تربطـهم بها أية صلـةٍ تـُذكر ما عـدا انتحالـُهم لإسمها الـوثني بعد مرور خمسةٍ وعشرين قـرناً على فـنائها الأبـدي بشهادة مُـعـظم المؤرخين النزيهين . ولم يكتفوا بسرقة الاسم الآشوري الوثني فحسب ، وإنما تعـدَّى فعـلُهم الإجرامي الى سرقة أبناء الكلدان ليُضيفوهم الى عـددهم الضئيل جداً ، وبالفعـل استطاعوا إغـواء أعدادٍ كبيرة مِن الكـلدان إغـراءَ وشراءً ، وقـد ثـَبـُتَ ذلك في الإنـتخابات التي جرت في اقـليـم كردستان قبـل عـدة أشهر والإنخابات العامة التي جرت في شهر آذار الجاري ، وإلا فبأصوات مَن فازت قائمة التـنظـيم الخبيـث زوعـا ؟ وبأصوات مَن فازت قائـمة ما يُسمّى بالمجلـس الشعـبي زوراً وبـهـتاناً ؟ وما فـي منـتحـلي التسمـية الآشورية الـوثـنـية من الصالح أنهـم وبكـلِّ صَـلـفٍ وتـعـَجـرفٍ وتـَحَـدي يعـترفـون بهذه السرقة ويـتباهون بها . وأعتقـد بأن عـتابَـنا لا يجـب أن يـنصَـبَّ عليهم فقـط وإنما يجب أن نـوجـِّهَ اللـوم على الكـلدان المغـَرَّر بهم الذين تنكَّـروا لإصولـهم الكلدانية فباعـوا ضمائـرَهم وذواتـِهم وبرهنـوا أنهم الزوّان المزروع في حقـل الحـنطـة الكـلدانية الـنـقـية .

ما هي أسباب خسارة الكلدان في الإنتخابات ؟

1 - كان السبـبُ الأهـم هـو انقسام الـبـيـت الكـلداني على نـفسه وكما قال المسيح الرب لـه المجـد والسجـود " كُلُّ مملكةٍ تنقسم على نفسها تـَخـرَب وكُـلّ مدينةٍ أو بيـتٍ ينـقسم على نـَفـسه لا يـثـبـُت . متي / 12 ــ  25 " بالرغـم مِن تأكـُّد الكـلدان بـكافـة مؤسساتـهم وأحـزابهم وحتى كـنيستهـم بأنهم مُهـَمـَّشون وعن عَمدٍ مِن قبـل الحكـومة المركـزية وحـكومة اقليم كُـردستان ، والبرهان على ذلك هـو عـندما سمحـت حكومة اقليم كُـردستان بتغييـر " الكوتا القومية "  للمكـونات المسيحية الى " كـوتا مسيحية " وخسر الكـلدان في الإنـتخابات التي جرت في الإقـليـم في الصيـف الماضي نـتيجة هذا التغـيير ، وحَـذت حَـذوَها الحكومة المركـزية واعتمدت للمكونات القـومية للمسيحيين " كـوتا مسيحية " خلافاً لـِمَ نـَصَّ عـليه الدستـور العراقي الإتحادي الذي يـُقـرُّ صراحـة ً بوجـود القـوميتـين ( الكلدانية والآشورية ) بموجب المادة 125 .
                                                                                                                                                                                                                                                            فـلـدى قـيام الحكومة العراقـية  بصياغـة قانـون الانـتخابات لسنة 2010 ما كانـت لـتـضع نـفسها مُـعَـرَّضة ً لنـَقـد واعـتـراض أصحاب العـلاقـة على موقـفهـا المتـناقـض والواضح ما بين التشريع الدستوري والقانون الانتخابي الجديد لولا ان تياراً مسنوداً بقـوة مِن ذوي العلاقة هـؤلاء ، قام بإقناع الحكومة العراقية بضرورة ان تكون الكوتا " كـوتا مسيحية " بالرغم كما ذكرنا بأن  التسمية في المادة 125 من الدستور وكما يعلـم الجميع هي ( الكلدان والاشوريون) ، فهـل من المعـقـول ان يكـون واضعوالقانون الانتخابي بهذا القدر مِن الجهل لينعـدم لديهم التمييز بين التسمية القومية والتسمية والدينية ! ولا سيما لـَو اخـذنا بعـين الاعـتبار احتمالَ قيام عُـضوَي البرلمان الكـلداني والاشوري  بالاعـتراض على ذلك وهـو أضعـف الإيمان . وحتى في حالة الإفـتـراض بـوجـود ايـعـاز بهـذا الخـصوص من قـبـل اعضاء عـرب او اكراد في االبرلمان ، وفي الـوقـت الـذي كان الـقانـون الإنتخابي لا يزال على شكل مسودة ، فمِـما لا شـكَّ فيه بأن الرد كان جاهـزاً لـديهم وهو ان ذوي العلاقة هم الذين طلبوا ذلك .

2 - إفـتـقار تـنـظـيماتـنا السياسية الكـلدانية لقادةٍ سياسيـين محنـَّكـيـن يمتـلكـون كارزما الحـديث والخـِطاب وتـحـليـل الـواقـع الـموضـوعي الراهـن ، للإستـفـادة مِن الـتـناقـضات السياسية العراقـيـة واستغـلالـها لصالحهم ، فـلـم يكن لممثـلي الكـلدان حضورٌ في المؤتمرات العراقـية ولا الإقـليـمية أوالـدولية ، والأهم مِن ذلك لم تُبادر أحـزابُـهم للـدخـول في ائتلافاتٍ وطنية ، وهم على عـِلـم بأنـهم مُحارَبـون مِن قـبـل الأحـزاب الآشورية ولاسيما تنظيم زوعا الشوفيني وحزب المجلس الشعبي الآشوري الآشوري الآشوري ،  وعلى رأس كُـلٍّ مِن الحزبـيـن المذكـورَيـن قائـد عـنـصري موغـلٌ في التعصُّـب للتسمية المُنـتـحـلـة الآشـورية الوثـنـية ومع ذلـك عـرفا كـيـف يحـظـيان بـدعـم غيـر مُـعـلـَن جـهاراً ولكـنـَّه فاعـل في الخـفـاء ، وإلا كيف كان باستـطاعة تـنظـيم زوعا أن يـكـون لـه مكـتـب مأمون في الموصل دون بـقيـة احـزاب شعبنا الاخـرى وكيف كانت قائمتـُه ستفـوز لـولا الإسناد غيـر المعـلـّن مِن قـبـل قائـمة الحـدباء في الموصل ؟ وكـذلك الأمر بالنسبة للحـزب الشعـبي الآشوري التـثـلـيـث ، كـيف كان يـتمكـن مِن الفـوز لـولا قـيـام الحزب اليمقراطي الكُردستاني بتـقـديم كُـلِّ أشكال الدعـم لـه ؟ هـذان كانا العـدوَين اللـدودَين المنافسَين للكـلدان المدعـومَين مِن العـرب والأكـراد بالإضافـة الى ما يملكان مِن إمكانيات مادية وقـنـواتٍ إعـلامـية ذات التأثيـر الفـعـّال جـداً ، بـيـنـما دخـل الكـلـدان الإنـتخابات بـدون دعـم لا مادي ولا اعـلامي ولا حتى معـنـوي ، بالإضافـة الى عـِداءِ خَـفـيٍّ يـضمـره لهـم العـرب والأكـراد ، ويا لـيـتـَهـم يكشفـون عن أسباب هذا العِـداء غير المُـبـَرَّر .

3 - الشعـور القـومي لـدى غالبية الكلدان ضعيفٌ جـداً بـل هو غائـصٌ بسبات عـميـق ويحتاج الى فترة طـويلة لإيـقاظـه ، والذين إستـيـقـظـوا مِن هذا السبات قـد اخـتـلـطـ عـلـيهـم المفهـوم القـومي ، فهنالك الغالبية مِنهم لا يُـمَـيـِّزون بين ايمانهم الديني وانتمائـهم القـومي وكيف يجب أن يكون شكلُ العلاقـة بـينهما ، وهـذا الأمر إستـغـلـَّه تـنـظـيـم زوعا الآشوري الخـبـيـث أحسن استغـلال وقـطـف مِنه الثمار ، وكان سرورُه لا حـدَّ لـه لإكتشافـه هذه السذاجة في هذا الـنـوع مِن الكـلدان ، فجاراهم بـه مَُخادعاً دون أن يـؤمن بـه أو يُـطـبـقـَه على الآشوريين بـل طالبهم بالتمسك بالآشورية بشكل أشَد ، بينما أوعـز الى أتباعّـه مِن المتأشورين الكلدان أن يستثمِـروا هذه السذاجـة بكُل ما لديهم مِن القـوة ، وهكذا خـدعـوا الكلدان بالقـول " نحن كُلـُّنا مسيحيـون " بينما هـم أبعـد ما يكـونـوا عن المسيحية ولكنهم يستغـلـّون إسمـَها بين الكـلدان فقـط لإستمالتهم ، ولا يعـترفـون إلا بالآشورية الـوثـنـية . ومِن المنطـلـق الديـني هذا أعموا بـصيرة هـؤلاء الكـلدان القصيري النظـر والإدراك لكي لا يبحثوا عن الحقيقة التاريخية بأن امتهم الكلدانية هي الأصل وأنًّ الطائفتين السريانية والآثـورية هما فـَرعاها انفصلا عنها عبـر الزمن . ولكن للأسف انخـدعوا وانـدمـج الكثيرون مِنهم في تنظيم زوعا الشوفيني والمجلس الشعبي والوطني ونفخـوا الحياة بهذه الأحـزاب المعادية لأمتهم الكلدانية ظانين أنـهم يمثلـون الصوت الكلداني ، يا لبؤسهم وجُـبنهم حين لا يستطيعـون النطـق بـبـنت شفة واحدة عندما يُعـيِّرهُم أسيادُهـم بالقـول إنَّ كلدانـيـتكم هي صفـة كنسية ، وإن الآشورية وحـدها هي القـومية التي ظهـرت في بلاد ما بين النهرين ، تـُرى ، اين كـرامتكم ؟ أين اعتزازكم ؟ إبـتـلـعـهما خـوفـُكم مِن الطـرد أليس كذلـك ؟ يا للـذلِّ والهـوان ! ! !

4 - عـدم إتـِّفاق الأحـزاب الكلدانية على خـوض الإنتخابات بقائمة واحـدة ، وهذا الأمر بنظـر الكثير مِن الكـلدان سبـَّبَ شرخاً كـبيـراً في مـوقـفـهم ، وكان ردُّ الـفـعـل عـنـد بعـضهم قـوياً دفـع بـهم الى عـدم الذهاب الى الإنتخابات ، والبعض الآخـر غـضب جداً وقـرَّرَ انتخاب القائمة العـراقية ، وكان الأمر بالنسبة للأحـزاب الآشورية مُـبهجـاً واعـتبـروه فـرصـة ً ذهـبية لا تـُعَـوَّض ، وكأنهـم أصيـبـوا بـدهشةٍ مشوبةٍ بالـفـرحة للبلبلة التي وقعـت في صـفـوف الكـلدان من جـراء قـرار أحـزابـهــم دخـول الإنتخابات بقائمتين . فـوزعـوا أتـباعـهم مِن الكـلدان المتأشوريـن لـيـتـوغلوا في أماكـن تـَجـمُّع الكـلدان كالمـقاهي والـنـوادي وحتى الـقـيام بزياراتٍ الى الـبـيـوت لبـَثِّ طـروحاتهم السامة في أذهان بـني قـومـهم لجـرِّهم الى التأشور وإعـطاء أصواتهــم للـقـوائم الآشورية أعداء الامة الكلدانية ، وأفـلحوا في مسعاهم الخبيـث وحصدوا مُـعظـم الأصوات الكلدانية . أنا أرى الأمـر من زاويةٍ اخـرى ، إن القسم الأعـظـم مِن الكلدان هم أسرى أنانيتهم المُفـرطـة وروحية التعاون والتكاتـف فيما بينهم في أدنـى حـدودها ولا سيما بين القاطنين منهم في ولاية مشيكَـن الأمريكية ، والتـَعَـنصر للـولاءات القـروية لـم أشهـد مثيـلاً لـه في أيِّ مكان آخـر ، ولا حـدود لمطامعـهم المادية غير مهتمين بحياتهم الروحية البتة ولا يُـعيـرون اهتماماً للرئاسة الكنسية ، ولـذلك نـرى بطـريركـَـنا يُـهان بتجاوز ٍ غير مسبـوق ،  ومطارينـتـَـنا يُـصيـبُـهم التخاذلُ بسبـب خِشيتـهم مِن أبناء شعبـهم لأنهـم يرون فيهم عـدم الإستِـعـداد لمسانـَدتـهم ، ولـولا ذلك لـَكُـنـتُ أولَ مَن يلـوم مطـرانـَينا اللذيـن في مشيكَـن وكاليفـورنيا ، ومع ذلك ليس بالإمكان إبعاد مـوقـف التقصير عَـن كِليهـما ، فـقـد كان لهما دور غير حميـد في عـدم اتفاق أحزاب شعبنا على قائمةٍ انتخابية واحـدة ، ولا أريـد الدخـول في التفاصيل فهي مُحرجة . ورجائي هـو : أطالب كنيستي الكلدانية أن يكـون مـَوقـفــُها أكثر حـزماً وأشدَّ دعـماً على الصعيد المعـنـَوي والمادي والقـومي لتنظيماتنا السياسية الكلدانية غير مباليةٍ باعـتراضات المنافـقـين ذوي النـفـوس الضـعـيـفـة والمخادعة التي تـَرتـَكـز على عـدم تـّدخـل رجال الديـن في السياسة ، حتى متى يـبـقى موقـف كنيستـنا هامشياً ، ألم تكن منـذ نشأتـها تـُدافـع عن مصالح شعبها أمام الملوك والحكام ؟ وهـل بـدفاعـِها عن مصالح شعـبـها وحـقـوقـه المسلـوبة هو تـدخـُّلٌ في السياسة ؟ التـدخـل في السياسة يكون عندما تـُطالب لأحـد مطارنتـها أو كهنتها منصباً في الدولة ، أما أن تـقـول كلمتها بشأن الظـلم والغـُبـن الـواقـع على أبـناء شعبـها فهـو مِن صُلـب مهامها .

في الختام أتـقـدم بخالـص شكـري لإخـوتي الكلدان المخلصين الشرفاء الذين صـوَّتـوا للقائمتين الكلدانيتين ، واعـاتـبُ إخـوتي الكلدان الذين إتـخـذوا مـوقـفـاً سلبياً مِنهما فمنحـوا أصـواتـهم لغيرهما قائـلاً : تـُرى ألـم يـَدخـل الآشوريون بثـلاث قــوائـم وشعبُهم أقـل عـدداً مِن الشعب الكلداني بعشرة أضعاف ؟ لماذا لـم يتـَّخـِذ مِنهم شعـبـُهم موقفاً سلبياً ورفـض مَـنحـَهم أصواتـِه بسبـب تـَعَـدُّد قوائمه؟ هـل لكـم تـفسيـر لذلك ؟ لا أعـتَقـِد ، ولكن ، أنا لـديَّ تفسير ينطـبـق على عـملكم هذا قالـه ربُّ المجـد المسيح لـه السجـود ( لا يـُزدرى نَبيٌّ إلا في وطـنـِه وبيتـِه / متى 13 ــ 57 ) وهذا مـا فـَعـَـلـتـموه أنتم فقد إزدريتم ممثلي قائمتيكم الكلدانيتين الذين هم مِن وطنكم وبيتكم الكلداني ، وفـضَّـلـتـم عليهم مَن ليسوا منكم ، فلـيُـسامـحـكم الله .

وأقـول بـثـقـةٍ ويـقـين بأن الذين أخـطأوا مِن الكلدان بحـَقِّ قـوميتهم عن طـريـق خـَـذـلـهم لممثـليها في الإنتخابات سينـدمـون ويـُعانـون مِن وخـز الضمير ، واضيـف : بالرغم مِن أنَّ الكلدان لم يكن لديهم فضائية تنطتق باسمهم وتـُعَـبـّيء الجماهير الكلدانية للتصويت لـهم ، ولا القـدرة المالية لرشوة الناخبين بالمدافيء النفطية والبطانيات والـوعـد بالمناصـب وبـتـوزيـع الهـدايا ، ولا يمتـلـكـون القـوة والصلاحية لـردع الناخبيـن وتـَهديـدهم بقـطع أرزاقـهم واستـعـادة الدور التي اعـطـِيـَت لـهم ، وإرغامـهم على الحلـفان بأنـهم لـن يـُصـوتـوا إلا لقـوائـمهم ، وبالرغـم مِن عـدم وقـوف أيٍّ مِن الأحـزاب المتـنـفـِّـذة الى جانبـهم ، وبالرغم مِن عـدم قيام كنيستهم باتخاذ الموقـف الداعـم والحازم المفـروض عليها تجاه شعـبـها وبالرغم مِن . . . فإن الأخـيارَ والشرفاء مِن الكلدان تـَهافـتـوا الى صناديـق التـصويـت وكانت مفاجأة لـنا أن عـددهم فاقَ المتـوقـع إذا أخـذنا بـنـظـر الإعـتبار إفـتقارهم لكُـلِّ الإمكانبات التي ذكـرناها . فإن دَلَّ هذا على شيء إنما يـَدلُّ على أن الأصـلاء والشرفـاء مِن الكـلدان تـَـفـتـَّح الوعيُ القـومي لـديهم ، وبـدأوا يـَنـظـرون الى الرشاوى والإغـراءات والـتهـديـدات بعَـيـن السخـرية والإزدراء ، وإن هـويـتـَهم القـومية الكـلدانية لا تُـقـَدَّر بالنسبة إليهم بـثـمَن ، وإنَّ كـرامَـتـَهم الشخصية وعـزة نـفسهم الأبـية هي أسمى مِن أن يُساومَ عـليها . ومِن ذلك نستـَدِل بأن الامة الكلدانية لا زالـت بـخـيـر ، وسـتـَزداد قـوةً ومَـنـعـة مادام قـد استـيـقـظـ الشعـور الـقـومي لـدى أبنائـها النجباء الخـيـِّريـن ، هذه الامة التي ذكـرها التاريخ بأنـها أعـظـم امـةٍ عـرفتها البشرية واعتـرفـت بحضارتـها وإنجازاتـها العـلـمية .

ربما كان عـدم فـوزنا هـو تحـفيـزٌ لـنا لنـَتـدارك أخطاءَنا ، ونـَزدادَ انـدفاعـاً وبإصرار وعـزم على التـقـاط العِـبـَر لتـَغـيير نـَهـجـنا بانطـلاقـةٍ ذات روحـيةٍ متجـَدِّدة تـُناديـنا بالقـول أيها الكلدان إنكم سلالة أنـبـل شعـبٍ ، حافـظـوا على وَحـدتـِه  ، كـونـوأ قـلـباً واحـداً وبـوحـدة القـلـب واليـَد تـَنـتـَصـرون على العِـدى .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئـة التـنـفـيـذية
للإتحاد العالـَمي للكتّـاب والأدباء الكـلـدان
في 28 / 3 / 2010

160
مُـناشـدة ٌ أخـيـرة

شَهـِدَ العالـَم القـديمُ بـذكاء الشعـب الكلداني وحكـمَـة أبنائـه وقـد ظهـر ذلك جَـلـيَّاً في ما أسداه للحضارة البشرية في كلا عـهـديه الـوثني في ما قـبـل الميلاد والمسيحي في ما بعد الميلاد في بلاده أرض ما بين النهرين ، لـم يُباريه أيُّ شعبٍ في العلـوم الفلكية فكان أول مَن حـدَّدَ السنوات وعــدَّدَ الأسابيع وقسَّمَ الساعات ، فـصَّلَ الأشهـر وعَـيـَّنَ الأيام ، اخـترع الكتابة وبـرع بالطـب والهنـدسة والأدب .

أعـزائـي الكلدان إذا كان أسلافـُـنـا يَمتلكون هذه الإمكانيات العلمية الفـذة ، أليس مِن الواجب علينا أن نتباهى بهم ونُـحافـظـَ على تُـراثهـم ونَـنهَـضَ مِن جَـديـد لـنُعـيدَ امجادهـم ، وذلك بالحِـفاظ على إسمنا الكـلداني التاريخـي ، ونَـتـصدَّى بكُـلِّ ما اوتـينا مِن قـوة لكُـلِّ الـقـوى المعـادية مِن آشورية ومتأشورة ومُستكـردة المستميـتة لطـمس إسمِنا ومحـوه مِن الخارطة السياسية العـراقية وعـدم إفساح المجال لـحـامِـلـيــه ليُمارسوا دورهم الشرعي والمؤثـر في العملية السياسية .


أيها الكلدان المخلصون والمعـتزون بقـوميتكم ،أتـدرون مَن هم أعـداء امتكم الكلدانية الـمـؤثـريـن؟ إنهم الخارجـون مِن صُلبكم بعـضُ أبنائـكم الذين تـعـرَّضوا لـلتـغـرير والخـداع بإدِّعاءات وأكاذيـب ما تُسمّى بحـركة زوعا ، حيث تَـدَّعي بأنها تَـدعـو الكـلدان والسريان الى الـوحـدة الكـلدوآشـورية بينما هي تحـتفـظـ بتسميتها الآشورية المنفـردة (الحركة الديمقراطية الاشورية) أرأيتم هذا الرياء والإفتراء! يُـطالبون الكلدان والسريان بالـتـنازل عن إسمَـيهـما لصالـح الأسم الآشوري المُـزَيـَّـف والمُـزوَّر ، ولـدى مناقشتهم بهذا الأمر يتهـرَّبون وبأسبابٍ واهية يتحـجَّـجـون بأن الأمر يـحـتــاج الى عقـد مؤتمر عام للحـركة وها قـد مـرَّ عـلى وعـدهم بعـقـد هذا المؤتـمر المزعـوم زمنٌ يـزيـد على خمس سنين دون أن ينعـقـد ، أليس هذا غِـشاً وخـداعاً ؟ فأين المتأشورون الكـلدان مِن هذه السخـرية والضحك على الذقـون ، حتى متى ينطلي عليهم كلام أسيادهم المشوب بالكذب والنفاق ؟


وهنالك تنظيم آشوري آخـر أوجَـدته القيادة الكُـردية الحاكمة في اقليم كُـردستان العـراق بزعامة الداعـية الآشوري العـضو الكـبير في الحـزب الديمـقـراطي الكُـردستاني ، هو ما اطلِـقَ عليه زوراً " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " تكمن قـوتـُه في دعم القيادة الكردية اللامحـدود لـه مادياً ومعـنـوياً وسياسياً ، حيـث تعـتبـره فـرعاً كـبيراً تابعاً للحـزب الديـمقـراطي الكُـردستـاني يأتمر بأوامـره ويُـنـفـذ أجِـنـدتـه السياسية . لا يقـل دور هذا المجلس المشؤوم إن لـم يتعـدَّى دور تنظـيم زوعا الأثـيم في الإساءة الى الكـلدان بسعـيهما المضني وكُـلُّ بطريقـتـه الخاصة الى طمس الإسم الكلداني وتَغـييبـه عن الساحة السياسية .


فإياكم إياكم أيها الكلدان أن تُـدلـوا بأصواتكم لـقـوائـم هذيـن التـنظـيمَيـن المُعاديَـين للأمة الكـلدانية اللذين يستخـدمان الإسم المسيحي تمـويـهاً لخـداعـكم فهـم بـراء من المسيحـية ومباديئـها الـنبـيلـة والمقـدسة . إننا أيها الكـلدان وبخاصةٍ أنتم المتـواجـدون في بلدان المهجـرالتي وفـَّرَت لكم الحـرية والأمان ، نُـناشدكـم ولآخـر مـرة في عـشية الإنـتخابات أن تُبادروا بالـتـوجـه الى صناديق الإقـتراع وتُـصوِّتـوا للقائمتَين الكلدانيتَـين ذات الرقـم (391 ) وهي قائمة الـمـجـلس القـومي الـكـلداني وذات الرقـم (392 ) وهي قائـمة اور الـوطـنـية وتعـود لحـزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني ، لكي يـفـوزَ على الأقـل مُرَشح واحـدٌ مِن مُرشحي كُـلٍّ  مِن القائمتين . إنها فرصة لا تُـعـَوَّض لإثبات وقـوفـكـم الحازم والصادق ، فرصة الـوفاء للهـوية والمباديء ، فرصة تأكـيد الـوجـود والبـقاء .


لقـد حـدث تَـصَدُّعٌ في البيت الكلداني الـواحـد ، فـقـد تَـمَـرَّدَ عليه أبناؤه المتأشورون ولـم يرجـع إليه أبناؤه الأمميـون رغـم انهـيار معبودهم حيـث ظـلـّوا أسرى الأفـكار الخـيالـية ولـم يُحـاولـوا التَحَـرُّرَ مِنها، والبعـض الآخـر جـرى لاهـثاً وراء الدولار فـبـاع ضميرَه ووضـعَ ذاتَـه في خِـدمة أعـداء امـتِـه ، وهناك نـوع آخـر غير ابالي أناني لا يهمُّـه ما يجري لبني قـومِـه ، هذه الأصناف الثلاثة مِن الكـلدان هم الأخطـر على امة الكـلدان مِن أعـدائها الغـرباء ، فاحـذروهم أيها الكـلدان المخلصون الشرفاء وتجاهلوهم ما داموا سادرين في أوهامهم .


نُـهيب بكم أيها الإخـوة الكلدان أن يكون إقبالـُكم لمنح أصواتكم لقائمتي أبناء شعبكم الكلدانيتَـين ايجابياً وفاعـلاً ، فإن عـدم نجاحهما لا سمح الله ستـتـعـرَّض قـوميتـنا الى الإنتهاك والـتـغـيـيـب ،لأنَّ هناك جهاتٍ معادية تَـتَـحَيَّـن أيـَّـة َ ثغـرةٍ لتَـتَـسلل مِن خـلالها للإنتقاص مِن قـوميتنا بـل ربما لتغيير موقعها المستقـل في الدستور العراقي الإتحادي على غِـرار ما فـعـلـته في دستور اقـلـيـم كُردستان ، فـلكي نـوصد الباب أمام مساعيها يجب أن يكون لنا مَن يُمـثـلـنا في البرلمان العراقي ، وهذا لا يتم إلا عَن طريـق تهافتكم على صندوقـَي اقـتراع القائمتين للإدلاء بأصواتكم ، إخـوتـي ، إنَّ أصواتكم ثمينة جـداً ، حـذاري أن يبتـزَّها مِنكم أعـداء امتكم !اهدوها لإخـوانـكـم الكلدان فقـط دون غـيرهم . ولكم شكرنا وتقـديرنا مُقـدماً .



الشماس كوركيس مردو
عضو الهيئـة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكُـتّاب والأدباء الكلدان
في 4 / 3 / 2010 ُـنـا

161
عـلـيـكـم فـقـط تَعـتَـمـِد أمـَّـتُـكـم أيها الكـلـدان !



لـم تَـبـقَ على مـوعـد الإنـتخابات إلا أيامٌ ثـلاثـة أيها الكـلدان النُـجَـباء ، وإذا كان الكُـلُّ يَـعـتَـرف بأهميتها ، فهي بالنسبة لـنا بالغة الأهمية بـل مصيرية ، فهي سترسم معالـم جـديـدة على خـارطـة القـوى السياسية وستـأتي بممثـليـن للكيانات يَـتَـمَـيـَّزون بقـدر أكـبَر مِن الإهـتمام بـنصرة حـقـوق الناخبـيـن ، فـنـرجو أن تَـتخـلـَّـلَ عـمـلية الإنتخابات النـزاهة والشفافية بشكـل ٍ مَـقـبـول .


قـد تَـتسساءَلـون أيها الأحـباء الكـلدان لماذا نَـحُـثكـم لـلـتـوَجـُّه الى صناديـق الإنـتخابات وبكـثافـة ، نـود بالدرجة الأولى أن نُـصعـدَ الى قـبة البرلمان أكـثر مِن مُـمَثـِّـل واحـدٍ لشعبنا الكـلداني بأصوات  أبنائـه الحُرة لنُـثـبِتَ للذين تَـراصفـوا ضِدَّه وناصبـوه العِـداءَ السافـرَ وهم في المقـام الأول القـوى المتمثلة بالأحـزاب الآشورية العـنصرية الشوفينية التي لـم تكـتـفِ بمُعاداتها للكلدان مُـنـفـردة ً بل ألـَّـبَت عـليه القـوى الكُـردية المتـنفـذة في اقـليم كُـردستان والقـوى العـربية المتـنفـذة مِن شيعـيةٍ وسنية في العـراق ، بهـدف حرمان أبنائـه مِن أيـَّةِ مساعـدةٍ ماديةٍ أو معـنوية ، بأننا قادرون على إنجاح مُرشحـينا الكـلدان ليُمثـلـونـنا في البرلمان و يدافـعـوا عـنا ويُطالـبـوا بحـقـوقـنا المشروعة ،وبأنهـم مهما فـعـلوا ومهـما تَـمـادوا في حَـبـك الـمـؤامرات لـن يُـفـلحـوا في كسر إرادة الـكـلـدان وثــنـيهـم عن الإحـتـفاظـ بقـرارهم الـثابـت المُعَـبِّـر عن تمسكـهم الراسـخ بـقـومـيـتهـم الكـلـدانية ، فقيامهم بـتـنظـيم حِصار ثلاثي شديد على الشعب الكلداني لن يُجـديهم نفعاً ، ولا يُفيدهم تحريضُهم على ما يـتعـرَّض لـه أبناؤه في الموصل مِن قـتـل و خـطـفٍ وتهـديـد وتشريـد إمعـاناً في الضغـطـ عـلـيهم وإجـبارهـم على الـتـصويـت لقـوائـمـهم المُـعادية لأمـتهـم الكلدانية .


لذلك نقـول لكم يا أبناء شعبنا الكلداني النبيـل ، بأنَّ مشاركتكم بالإنتخابات هي ضرورة ماسة وذات أهمية قصوى ، واعلموا أيها الإخـوة ، إذا كان الإنتخاب واجباً وطنياً وقـومياً فهو حـقٌّ إنساني في السعي الى طـموح مشروع ، فإذا كُنـّا نَطـمح أن نُعـتَـبَـرَ مُـواطـنيـن أصيليـن ومِن الـدرجـة الاولـى وأن نـكون شركاء متساويـن لأبناء المكـونات الأخرى في المجـتـمع العـراقي ، في عـراق ٍ تَـعـدُّديٍّ قـومياً ودينياً وفـكرياً ، عـليـنا أن لا نَـتخـلـَّـف عن المشاركة في الإنـتخابات ونـتـفاعـل في العـملية السياسية . إنـنا نَـدعـوكم للإرتقاء الى مستـوى المسؤولية تُـجاه واجـبـكم القـومي ، ونُـهيـب بشكل خاص بأبناء شعـبنا الذين تَـوفـَّرت لهم الحُـرية في بلدان المهجـر أن يستـغِـلـّوها استـغـلالاً مُـثـمِـراً لإعـلاء شأن إخـوانهم الصامـديـن في الـوطـن وضمان ثباتهم في أرضهم التاريخية أرض بـلاد مـا بيـن النـهـرَيـن ، وذلك بتـزاحمكم حـول صندوقـَي القائمتَـيـن الإنتخابيتَـين الكلدانيتَـين المُـرَقـَّـمَتَـين ( 391 ) و ( 392 ) وتُـصوِّتـوا لهما ، إنـَّـكم أحـرار في اختياركم لأيٍّ منهما لأنَّ كِلـتيهما كلدانيتان صافيتان ، إنتصروا لشعـبكم المُحارَب مِن قِبَـل الجهات التي أشرنا إليها أعـلاه ، إنَّ انـتخابات آذار 2010 هي فـرصة ذهبية لتُـبَرهـنـوا على اعـتـزازكم بقـوميتكم الكلدانية، وبـصراحة فإنَّ مَن يدَّعي بأنـه كـلداني ولا يُـصَـوِّت لإحـدى القائـمتـيـن الكـلدانـيـتـين ذات الرقم (391 ) و (392 ) فهو ليس صادقـاً في كـلامـه ولا مخـلصاً لقـومـيـته الكـلدانية ولا سيما وهو يعـلم بأن الـتـصويـت يـجري في العـراق على أساس المحاصصة القـومية والمذهبية .


كونوا حذرين فإن مأجـوري ما يُسمّى بالمجلس الشعبي زوراً ، قـد استُـنـفِـروا ليتهالكـوا في سبيـل استغـفالكم باستخـدام أردأ الأساليـب إغـواءً مشوباً بالـترغيـب والترهيـب ، تجاهـلـوهم وتجَـنـَّبـوا الإقـتراب مِن مـواقـع قـوائـمهم ، لأنَّ قائـمة هذا المجلس المُـزوَّر وقائـمة عشتار تــنـطـقان باسم الأحـزاب الكُردية ، فإنَّ معظم مرشحـيهـما إن لـم نَـقـل كُلـَّـهـم هم أعضاء في الحـزبيـن الكُردييـن الرئيسييـن ، أما قائمة تنظيم زوعا الموغـل في العنصرية المقيتة حتى النخاع والمعـروفة بقائمة الرافـدين ، فعـلـيكم التَـقـزُّزَ مِنها وازدراءَها ، لأن أصحابَها هـم أشرس المعادين لأمتكم الكـلدانية ، دعـوهم ليعلمـوا مقـدار حجمهم الحقيقي ، وتأكَّـدوا بأنـه لـولا المتأشورون مِن ناكـري قـوميتهم الكلدانية بل خَـوَنـتِها لكانـوا الآن في خـبَـر كان ، وأسفي على أبـناء بعـض العـوائـل الألـقـوشية المحترمة ذات السمعـة الـطـيـبة أن يسقـطـوا في شرك مـنـتحـلـي التسمـية الآشـورية الـوثـنـيـة المُـزيـَّـفـة ويُـصبحـوا عـملاء بـل عـبـيـداً لأصحاب الـفـرضـية الآشـورية الـعـقـيـمة ، يأتـمـرون بأوامـرهم  ويـنـوبـون عـنهم في معاداة القـومية الكلدانية أنبـل القـوميات التي ظهرت على أديم بـلاد ما بين النهرين ، يا بِئـسَ ما يفـعـلـون .


مِن المُخجـل جداً أن يقـوم أعضاء مِن ما يُسمَّى بالمجلس الشعبي بـمُمارسة التجاوزات على حـقِّ أبناء الشعب الكلداني في اقليم كُردستان عن طريق التلميح بحجب المساعدات عن المهجرين الى جانب تهديد القائمين بواجب الحراسة بالفصل إن هم صوَّتوا لغير قائمتهم ، كما وردت أخبار تُفيد بأنَّ أعضاءً في الأحـزاب الكلدانية تَـلـَقـوا تهديدات مِن عناصر تابعين للمجلس الشعبي ، أليست هذه الأفعال اللاإنسانية مشابهة للتي كان يقـوم بها النظام الدبكتاتوري ؟


اليوم نحن الكلدان علينا العمـل جُـهدَنا لتثبيت قـوميتنا وترسيخ وجـودنا في أرض آبائنا وأجدادنا الذين كان لهم الباع الأطـول في المساهمة ببناء حضارة بلاد ما بين النهرين ، وهذا يدعونا لننهض مِن جـديد ونُـعيـد أمجادَ أسلافنا ونؤدي دورنا الفاعـل في العملية السياسية ، والمُلاحـَظ في برنامج قائمتـينا بأنه يدعـو الى تـفعـيل الـفكر الديمقـراطـي الذي عن طريقِـه يسير العـراق نحو الإستـقـرار والسلام . وبهـذه المناسبة نـود التنـبـيهَ بأن الإتـحاد العالمي للكـُتّاب والأدباء الكـلدان يحمـل الفـكـر الـوطني العـراقي ويُـعـلـن وقـوفـَه الى جانب القـوائـم العلمانية ذات النهج الديمقراطي ويقف بالضِد مِن القـوائم الحاملة للأفكار التعصبية الطائفية مِنها والدينية .


أيها الكلدان يا أحفاد اولئك العـظام الذين أقامـوا أعـظـم امبراطـورية في العـالـَم القـديـم ، كـونوا أوفياء لتُـراث أسلافكم وحافـظـوا على هـويتهم وأمجادهم ، إعـتَـزوا بقـوميتكم الكلدانية انصروا قائمَتَـي القـومية الكلدانية الرقم (391 ) والرقم (392 ) فـقـط ، لأنَّ القـوائم الأخـرى التي أشرنا إليها تعـود لجـهاتٍ آشورية متـناحرة فيما بينها ولكـنها على أتَـم الإتـفاق بعِـدائـها لـلكـلدان ، إنَّ أصواتكم هي أثمَن ما تُـهـدونَـه لأمتكم الكـلدانية . إدلاؤكـم بأصواتـكم لقائـمتَـيـكم هو إسهام قـَيـِّم في تَـعـزيـز مـوقـفِ إخـوتكِـم الكـلدان في الـوطـن الأم وصمودِهـم في وجـه الأحـداث وتَـخـيـيـب آمال كُـلِّ الشامـتـيـن والحاقـديـن على الكـلـدان . أمَلـُـنـا وطـيـدٌ بـكم وكُـلُّ اعـتـمادنا عـليـكم والله نسأل أن يَـكـون في عـون الكلدان .


الشماس كوركيس مردو
عـضو الهيئة الـتـنفيذية
للإتحاد العام للكتّاب والأدباء الكلدان
في 2 / 3 / 2010

162
الـعـدالـة الـمسلـوبة عـمداً


في الإنـتخابات التي جَـرت في اقـليـم كُـردستان العـراق قبـل بضعـة أشهـر خـصَّصَ مجلس نـواب الإقـليـم للأقـليات القاطـنة في الإقـليم كـوتا مُحـددة العـدد بخمسة مقاعـد وأطـلـقوا عـليـها كوتا المسيحيين ضاربـين بعـرض الحائـط ذِكـر قـوميات هؤلاء المسيحيين لـئلآ يضطـرّوا لـتوزيع المقاعـد بميزان العـدل والإنصاف بناءً الى النسبة العـددية لكُلِّ قـومية ، وبذلك وجَّـهَ برلمان الإقـليم ضربـة ً قاضية للكـلدان سالباً إياهم حـقـوقـهـم الـقـومية وحارماً عـلـيهـم تـَطـلـُّعاتـهـم المشروعـة ، فـخـرجـوا مِن عـملـية الإنـتـخـابات بـخـُفـَّي حـُنـيـن بالرغـم مِن عِـلـم الـقـيـادة الكُـرديـة وبرلمانـِها بأن القـومية الكـلدانـية يـتفـوقُ عـدد أبـنائـها بـعـشرة أضـعـاف على عـددِ أبـناء السريان والآشـوريـيـن مجـتـمعـيــن الساكنين في الإقـليم ، فـلكي يَـتحاشـوا فارقَ الـنسبـية الـعـدديـة لكُـلِّ مُكـوَّن قـومي ، وضعـوا الكـوتا على أساس ديني عـلاوة ً على فسح المجال أمام غير المسيحـييـن لإدلاء بأصـواتهم في نطاق هذه الكـوتا ، وبهذه الـطـريقـة الـمخالفـة لـلشرعـية جـرى دعـمُ حـزب ما يُسمَّى بـ ( المجلس الشعـبي الكـلداني السرياني الآشـوري ) المُـوالي كُـلياً للأكـراد مادياً واعـلامـياً وسياسياً وهناك تـناقـض آخـر مارسه برلـمان كُـردستـان بإعـطائـه مقـعـداً مستـقـلاً لـلأرمَـن مع العـِـلم بأنـه مُكـوَّنٌ مسيـحـيٌّ صغير ولا اعـتراض على ذلك فهو مِن حـقـُّهم الشرعي ، ولكـنَّ سـؤالي : أيـن حـقُّ الكـلدان الشرعي ؟ ولماذا سُلِـبَ مِنهـم عمـداً ؟ وأين العـدالـة التي تُـنادي بـها الديمقـراطية ؟

كيـفَ غَـضَّ الطـَرفَ الأستاذ مسعـود البرزاني السياسي المُـحَـنـَّـك قـولاً وفعـلاً  ولستُ بقائـل ٍ ذلك مـدحـاً أو تـملـُّقاً لأنني لم أتـملـَّق في حياتي أحـداً كما لـم أسدي مدحاَ إلا لمُستحِـقـِّه ، عـن تغـييـر القـومية الكـلدانية المستـقـلـّة  في مسودة دستـور اقـليـم كُردستان بـيـن لـيلـةٍ وضُـحاها ودمجِـها مع إسمَيـن غَـريـبَـيـن عنها عُـطـفـا عـلـيها عَــنـوة ً فشَوَّهاها ونـتـج عن ذلك إسمٌ مُـقـزِّزٌ مُستَهجَـنٌ لا مثيـل لـه لا في التاريخ القديم ولا الحـديث . وكيف وافـق رئيس اقـليم كُردستان على هذا الإخـلال بكـرامة الـقـومية الكـلدانـية وهـو الذي عـَرفـَه الكـلدانُ كأشَـدَّ المُـدافـعـيـن عنـها لـدى إدراج الـقـومـيات في الـدستـور العـراقي الإتـحـادي وبـفـَضــلـه وإصـراره أدرجَــت مستـقـلـة ً في الدستـور ، فسجَّـلَ لـه الكلدانُ هذه المأثرة ولـن ينسوها مهما حـدث . وإذا كان تَـبَـدُّلَ مـوقـفـكم مِن الكـلدان يا سيادة الرئيس سلباً كَـردِّ فـعـل لمـوقـفٍ انفعالي آنـي صدر عن رئيس حـزبٍ كـلـداني بشأن إلغاء المادة ( 50 ) من الدستـور ، لا أعـتـقـد أنـَّه مُـبَـرِّر لهـذا الـتـَبَـدُّل لسبَـبَـيـن أولـُّهما أعـتـذار الرجـل عما بَـدُرَ مِنه في فـورة انـفـعال ، وثانياً لا يُمكن أعـتبار ما بَـدُرَ مِنه يُمَثــِّل رأيَ الـحـزب بأكـمَلـه أو رأي الآمة الكلدانية وثالثاً لكُـلِّ إنسان هـفـوات فما بـالك بهفـوة سياسي ! وأخيراً أود أن أسأل سيادة الرئيس الـبرزاني: هـل سيـَدعـَم مسعى المجـلس الشعـبي المنادي بـتـغـيـيـر الـقـومـية الكـلدانـية المدرجـة مستـقـلـَّة ً في الدستور العراقي الإتحادي لـتُـدرَجَ على غـرار ما ادرجَـت في دستور الإقـلـيم ، أم سينبري الى إعادة المياه الى مجاريها بإرجاع الحـقِّ الى أصحابه في دستور الإقليم والمحافـظـة عليه في الدستـور العراقي الإتـحادي بـمُـبـادرةٍ فـريـدةٍ مِن نـوعـها ! ! ! وبـصراحـةٍ يا سيادة الرئيس فإن تـفـضيـلـكـم الآشوريـين المُـزيـَّفـيـن وأنـتـم على عِـلـم ٍ بهـم على الكــلدان المخـلـصيـن هـو خـطـأٌ تاريـخي كـبـيـر ، عساه أن يُـتَـدارَكَ وتُـعادَ الأمـورُ الى نصابـِها وأنتم الـوحيدون القادرون على ذلك مُـتـذكِّـريـن أقـوال المرحـوم والـدكـم في شـهامـة رجال الكلدان ومستـذكـريـن مُساهمات نسائـهم في تقديم الـطـعـام للمقاتلين ( البيشمَركه ) ونقـل العـتاد إليهم مُخـبـَّـاً أيام الثـورة الكُـردية !

وها هي مأساة الكـلدان تـَـتَـكـرَّر على أيـدي مجـلس الـنـواب العـراقي وبـخـلاف ما نَـصَّ عـلـيه الـدستـور الإتحادي ، فـقـد أجـحـفَ بحـقِّ الكلدان رغـم أن الـدستـور قـد اعـتـرف بهـم كـقـومـيةٍ مستـقـلـة ، إلا أنـَّه أي الـبـرلـمـان لـم يُخـصِّـص لهم كوتا مستـقـلـة وأدرجـهـم ضمن كـوتا دينية مسيحية حتى يـَتـمـكـَّن المسيحيون من المذاهب الاخرى المخالفة لمذهب الكلدان الكاثـوليكي مثـل الطائـفـة الآثـورية بشقـيـها والطائـفة السريانـية بشقـيـها وطائـفـة الروم بشقـيها وطائفة الأرمَن بشقـيـها وطائفة اللاتين وطائفة الآثوريين البروتستانت  وطائفة البروتستانت الـوطنية أن يتلاعـبوا استناداً الى هذا الـوضع مِن إبـتـزاز أصوات الكلدان عن طـريق التـحايُـل والإغـراء وشراء ذِمـم البسطاء كما جـرى في انـتخـابات اقــليـم كُـردستان ، فـهـل من العـدل والإنصاف أن يحـذو البرلمانُ العـراقي حـَذوَ البرلمان الكُـردستاني ؟ بأن يَـفـرضَ على الكـلدان كوتا مسيحـية لا كوتا قـومية ؟ بينما خَـصَّصَ للقـوميات الصغيرة الاخرى كـوتا قـومية مثل اليزيديين( مقعـد واحـد) الصابئة ( مقعـد واحـد ) الشبك ( مقعـد واحـد) وللـتركمان عدة مـقاعـد ، أليس مأ فـُرضَ على  الكلدان ظـُلماً سافـراً ومُـتـَعَـمـَّداً ؟ أليس هذا تشويهاً للتاريخ العـراقي  بكافـة مـراحـلـه أيها السيدات والسادة  ممثـلـو الشعب العـراقي عـندما تـَبخَسون حـقَّ أبناء أعـرق قـوميةٍ أصيلة هي القـومية الكلدانية التي تحـتـل المرتبة الثالثة من حيث العـدد بعـد القـوميتـين العربية والكُردية ؟ أين الضمائـر الحَـيـة ولـماذا غـابـت ؟

يظـهـر أنَّ الأحـزاب الآشورية تُـتـْـقـِن فـنَّ الرِّقـص ليس على الحَـبلـيـن فـحسب ، بل على عِـدة حِـبال ، ولـولا ذلك لـَما وجَـدت الـدعـمَ مِن الأحـزاب العـربـية والكُـردية المتنـفـذة وبمباركة الأمريكان ، وهـل يُـمكن للكلدان أن ينسوا ما ألحـقـه بهم الحاكـم الأمريكي المُستَـبـد ( بـول بـرايـمـر ) مِن ظـلم وتَـعَسُّـفٍ  بسلبِـه لحـقـِّهـم الشرعي وتسـليـم أمـرهم فـرضاً بـيـد أعتـى عـدوٍّ لهم هو زعيم تنظـيـم زوعا الآشوري العـنصري الشوفيني ، عنـدما جـعـلـَه مُـمَثـِّل المسيحيين الأوحـد بكافة انتمآتـهم القـومية والطائـفية والمذهبية ، وفاءً مِنه لتحـقـيـق بعض ما وعـد به أسلافــُه الإنكليـز لأجـداد الآشوريين المعاصرين المُـزيـَّـفـين ! وبهذا الإجـراء الـقسري إستَـمـرأَ هـذا التـنـظـيمُ العـنـصري الغـريـب إستحـواذَه على حـقـوق الشعـب الكلداني واكـتفى مُنتشياً بهذا النصر الإبتـزازي الآني ، تاركاً وراء ظهره كُلَّ ما كان يُـنادي بـه من حـقـوق قـومية مشتركة ، وراح زعـيـمُـه يستميـت للحصـول على أكبر قـدر مِن مكاسب حـزبية وشخصية وأشهاها بالـطـبـع المقـعـد البرلماني .

إليكم نبـذة يسيرة جداً أيها الكلدان عن القـوائـم المعادية للكـلدان والمستـقـوية بأبـناء الكـلدان المُغـرَّر بهم أو الذيـن خانـوا أمتهم الكلدانية وباعـوا ذواتِهم وكرامتَهم بثمَن بخس وصاروا أداة ً طيعة ينفـذون أوامر أسيادهم الآشوريين المُـزيـَّـفـيـن دون وعـيٍ وإدراك سامحهم الله وهـداهم .

قائـمـة زوعـا رقـم ( 389 ) المعـروفـة بقائمة الرافـدين ، وهي آشورية صرفـة أغـلـب مؤيديها كلدان متأشورون ، تستـنكـف مِن التنظيمات الكلدانية والسريانية وحتى الآشورية المنافسة لـها ، حيث تنظر إليهم حـركة زوعـا نظرة الغـلـُّوِّ والإستكبار ، متباهيـة ً بتاريخـها الأسود الذي لعبت خلاله أقـذر دور عـرفـه المسيحيـون العـراقـيـون الذين كانت المحبة الأخـوية قـبـل ظـهورها تسود بـينهم يـتعاطـون أعمالاً مشتركة ، يتزاورون ويتصاهرون دون حـرج ٍ  ، فما إن ظـهرت وإذا بمُنتسبـيها يقـلبـون المحبة الى حـقـدٍ وكـراهـية والـتآخي الى عـداء وتـنـافـر والـتـفاهم الى خِـلافٍ وتَـبـاعـد ، يَـدعـون المسيحـيـين الى تَـبـنـّي آشوريـتِـهم المُـزيـَّـفـة التي إبـتـكـرها لهـم الأجـنـبـيُّ الغـاشـمُ بـهــدف ثـَنـيـهـم عـَن الـعـودة الى اصـولهم الكـلـدانية . ورغم عِـلمِـنا بـزيـفـهم وريائـهـم وشرحـناه لـهم بإسهـابٍ عـلى صفحات الإنـتـيرنـيت ، فإنهم لا يتـورعـون عَـن إنكار القـومية الكـلدانية بـل يصـل بهم الأمـر الى الإزتهـزاء بها . فكيـف يجـب أن يكون موقـفـُكم من هؤلاء المستحـوذ عليهم الغَـباء أيها الكلدان الأحـباء ؟ أتـرك الجـواب لكم .

قائمة ما يُسمَّى بالمجلس الشعـبي رقـم ( 390 ) وهـو واجـهة ٌ دعائـية آشـوريـة ، ومنـذ بـداية تأسيسه عام 2007 إنتهـجَ سياسة الخـداع وأعـلـن بأنـه سيكون خيمة لتستـظـل تحت سقـفـها كافة احـزاب شعبنا المسيحي وتـنـظـيماته بكافـة انتمآتـهم القـومية والمذهبية ، فأصدقـَتـه القـولَ البعضُ مِنها ، وأعـلنت ارتباطـَها بـه وعملت بجـدٍّ وإخـلاص لتـثبـيت دعائمـه ، وما إن اشتـدَّت هذه الدعائم حتى استغـنى عـنـها ، وبـدأ بشراء المأجـورين باذلاً الأمـوال الطائلة التي يملكُـها مؤسسُه الداعية الآشوري ولا يُـعـرَفُ مصدرُها الحقيـقـي ، وبالرغم مِن عداء المجلس الشعبي للحركة الآشورية زوعـا ، إلا أنهما يَـتـفـقـان جـداً على مَبـدأ مُـعاداة الكـلدان والسعي الى طـمس هـويـتهـم وتغـيـيـبهـم عَـن الساحة السياسية وصهـرهم في البـودقة الآشورية المُـزيـَّفـة .

قائـمـة ما يُـدعى بإئـتلاف عشتار الديمقراطي رقـم ( 394 ) عشتار الكـلدانية سَرقَ إسمَها الأحـزابُ الآشـوريـة ونسبوا إليها إئـتلافهم الآشوري الآشوري الآشوري لا يجـوز أن ينتمي إليه لا كلداني ولا سرياني ، ولكنـه قـَبـِل بـتـنـظيم كلداني مُـنشق ومطـرود لا يحمل مِن الكلدانية إلا إسمَها إذ لا يعـتـرف بها كقـومية مستقلة ويَـعـتَـبـِرهـا مذهباً كنسياً على غـرار الآشوريـيـن الجـهـلـة ، ولهذا رحَّـبـوا بـه لآن موقـفـَه يلتـقي مع ايـديـولوجيتهم  .

هذه هي القـوائم المُعادية للقائمَتَـيـن الكلدانيتين ذات الرقـم (391 ) والرقـم ( 392 ) المتنافسة على الكـوتا ذات المقاعـد الخمسة ، قـد شرحـنا برنامج كُـلٍّ مِنها بإقـتـضابٍ شديـد ، وبالـعـمـوم فإن ايـديـولـوجـية أحـزابِـها ذات نَـزعـةٍ آشـورية تَعـَصُّبـيـة  لا تَـعـتَـرف إلا بالآشـورية مَـنهـجاً وقـومـية رغم عِـلمهـم بــاسطـوريـتـها البـاطـلـة ، تسعـى للإستِـئـثار بالسلـطـة ليـتسنى لها انـتهاج سياسة إحـتـواء الكـلدان وليس الإتحاد مـعـهم . وحـذاري أيها الإخـوة الكـلدان مِن كلمة الأخـوة التي يتشدَّقـون بها فـهم ينطـقـونَـها برياءٍ وخيانـة !

وإزاء هذه المواقـف المشينة قـرَّر الكـلدانُ خـوضَ الإنـتخـابات مُـنـفـرديـن وعلى الله أولاً وعلى شعـبـهـم المُخلص النبيـل مُـتـَّكـلـيـن ، إنـنا متفائـلـون بأن الكلدان سيَـهُـبُّـون الى شَـدِّ أزر مُـرشحي قائـمتـيـهـما المُرقـمتـين ( 391 ) و( 392 ) يَـدفـعـهـما الإحساسُ القـومي الذي هو أسمى مِن المادة الحـرام التي يستخدمُها الإنتهازيون وعُـملاؤهم المأجـورون . إجـعَـلـوا أيها الـكـلـدان وجـوهَ مُـرَشحـيـكم بـيـضاء ووجـوهَ خـصـومـهم سـوداء فـإنكـم في مستـوى التحـدّي وأصواتـكـم هي كـلـمة الفـصـل ، ولكم كُل تَـقـديـر ومَـحـبة .


الشماس كوركيس مردو
عضو الهـيئة الـتـنفـيذية
للإتحاد العالمي للكُتّاب والأدباء الكلدان
في 26 / 2 / 2010

163
لإنتخابات العـراقـيـة ونصيـب الكلدان مِـنها



لا شكَّ أنَّ الإنتخابات مُمارسة لـوسيلـةٍ مثالية يتمكـَّنُ الشعـبُ مِن خـلالـها التعبيرَعَـن رأيـه وإرادتـه في اختيار مَن يُـمثـِّلـونـَه ، اولئك الذين يتـوَسَّـمُ فـيهم العـمـلَ بجـِدٍّ وصُـدق على تحـقـيـق تطـلـُّعـاتـه وطـموحاتـه في الحـياة الحـرة الكـريمة والمُرفـَّهـة وبـذلك يُحاول أن يكـون سيـِّـدَ مصيره ، هـذا إذا تُركَ لـه الخـيارُ الحـُـر دون أيِّ ضَغـطـٍ وبأيِّ شكـل كان ، كالإغـراء والـوَعـيـد والشراء والإفـتـراء .


كـم نتمنى أن تجري الإنـتخابات بـعـفـويةٍ تـكـتـنـفـها مباديء الديـمقـراطـية والحـرية ، بـعـيـدة ً عن تدخـُّـل الأجهـزة الحـكومـية والحـزبـية بأيِّ شكـل مِن الأشكال مُـفـسحـةً ً المجال للـناخـب العـراقـي لإستخـدام حـقـِّه الطبيعي والمشروع في إبـداء رأيـه واختيار مُـمَـثله .


أما نحن الكـلدان فـقـد كُـنا نـتـوق لخـوض الإنـتخابات بـقـائـمةٍ واحـدةٍ مـوحـدة وكَـتـبنا مُـحـذريـن مِـن شَقِّ المـوقـف ، ولكن للأسف فإن المَـحذور قـد وقـع واخـتـلافَ الإخـوة الفـرقاء فـرض عـلى  الكلدان خـوضَ الإنـتخابات بقائمتـين كلدانـيتـين منفصلتـين ، والآن لسنا بصـدد إلقاء اللـوم عـلى طرفٍ دون الآخـر ، وإنـما عـلينا الإقـرار بالـواقـع ونتعامـل معه بإيجابـية بنـّاءة ونـتـظافـر عـلى تجاوز هـذا الإشكال ، ولـن يـتسنى لـنا ذلك إلا بـتأيـيدنا للـقـائـمتـيـن ونـتـقـدم بـثـقـةٍ لـلتـصويـت لكلتيهما لأنَّ كُـلاً مِنهما تُـمَثـِّـل امة الكلدان وتُـناضـل في سبيـل إعـلاء القـومية الكلدانية الأصيلة وإذا استطعـنا إنجاح كِـلتيهما فيكـون ذلك فـخـراً ونـصراً للكـلدان وتـحـدّياً لكُـلِّ المتـربـِّـصينَ بهم سوءاً ، وحتى لـو تـمَـكـَّـنا مِن دَفـع إحـداهـما للـفـوز ، فهـو بحـدِّ ذاتـه فـوز للثـانية ، ونحـن في الهيئـة العـامة للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان قـرَّرنا الوقوف مِن القائمتين على مسافـةٍ واحـدة ولنا كامـل الحـُرية للتصويت لأيٍّ مِنهما .


إنـنا يا أبـناء قـومي الكـلدان في كُـلِّ مـكان أمامَ امـتـحان ٍعسيـر وتـحَـدٍّ كـبيـر ، فـمنافـسونـنـا مِمَّـن يـدَّعـون أخـُوَّتــَنا كـذباً وافـتراءاً لا يُضمرون لـنا إلا كُـلَّ سوءٍ ويسعـون الى إذلالـنا بالإنـتـقاص مِن  كـرامـتـنا عـَن طـريـق إنـكارهـم لـهـويـتـنا الـقـومـية الكـلدانـية ، وقـد إبـتـدعـوا طـُـرُقـاً وأسالـيـب شتـى مِن أجـل هـذا الهـدف الشرّيـر ، حـيث أدخـلوا إسمَـنا الكـلداني في مقـدمة التسمـيات الهـزيلـة والمستَـهجَـنة مـثل : كـلدان سريان آشوريـون : المجلس الكـلداني السرياني الآشوري : الـمـجـلس الشعـبي الكـلـدانـي السريانـي الآشـوري ، بـحـجـة الـوحـدة المـزعـومة ، الـوحـدة ذات الـمـوازيــن الـمقـلـوبة ، الـوحـدة الإحـتـوائـية الإنـصهـاريـة في الـبـودقـة الآشـوريـة المُـزيـَّـفـة ، فـحـَـــــذاري حـذاري يا أبـناء الكـلـدان أن تـَنـجـرفـوا وراء خُـزعـبلاتـهــــم وأباطـيلـهم ، فهـم بارعـون بـطـُرق الإغـواء ،  يستخـدمـون اسمَ المسيحـية التي هي بَـراء مِنهم مِن أجـل خـداع الكـلدان المسيحيـيـن الأنـقـياء النـيـَّة الأبـرياء ، على اعـتبار أنـنا كُـلـُّنا مسيحيون ، فالـمسيحـية جعـلـوا مِنها سـلاحـــاً لإصطـياد الكلدان وابتـزاز أصـواتـهم ، في الـوقـت الذي قـد مَـلأَ قـيحُ الحـقـد قـلـوبَـهم والـبـُغـــضُ المُـبَـطـَّـنُ نـفـوسَهم على الكـلدان .


إنَّ للكـلدان قائـمَـتَيـن انتخابيتَيـن الـواحـدة باسم المجلس القـومي الكلداني ورقـمُـها ( 391 ) أما الثانية فـتعـود لحـزب الإتحاد الديمقـراطي الكلداني إسمُـها " قـائـمة اور الـوطـنية " التي تُـذكـِّرُنا بـ " اور الكلدان " ورقـمها ( 392 ) وكلتا الـقائمتَيـن كـلدانيتان خالصتان ، إنـَّهـما قائـمـتا الأمة الكلدانية بـدون منازع ، وكُـلُّ ما عـداهما مِن القـوائم التي تستغـل اسم الكلدان معـطـوفـاً عليه اسم السريان والآشوريين هي قـوائـم لا تَـمُـتُّ الى الكلدان بصلـة وهي قـوائــم مُعـادية للـكلدان وأكـبـر دليل على ذلك هو استغـلالهم لإسم الكلدان مِن أجـل ابـتـزاز أصـواتهم وفي ذات الـوقـت يحـقـدون عليهم ويسعـون لـتـغـيـيـب اسمهم وصهـره بالأسم الآشوري .


نـُـناشدُكم ايها الإخـوة الكلدان أن تـكـونوا يَـقـظـيـن لكي لا يستـغــفـلـكـم الـمُـنـدسّـون فـيما بـيـنكم عـملاء ما يُسمَّى بالـمجلس الشعـبـي الكـلدانـي السريانـي الآشـوري ، وكـذلك عُـمـلاء الـتـنـظـيـم العـُنصـري الشوفيني المعـروف بـ ( زوعـا ) . إنَّ تـنظـيم زوعـا والمجلس الشعبي هـما الـعـدوّان الـلـَّـدودان للكـلدان ، يسعـيان الى أشوَرَة الكـلدان بكُلِّ الطـُـرُق المُـلـتـوية والخـداعـية لا يَردعهم أيُّ رادع ٍ أخـلاقي أو ديني أو إنساني إذ كما قـلـتُ في مـقـال ٍ سابـق يُـطـبـِّـقـون الشعـار المُـنافي لكُـلِّ الـقـِيَـم " الـغـايـة تُـبَـرِّر الـواسطـة " تَـنَـبَّـهـوا الى أسالـيـبـهـم التـراوغـية واحـتـرزوا مِـن كـلامِـهم ، فـقـد حـذرنا المسيح الرب مِن هؤلاء ( يأتـونـكـم بلباس الحِـمـلان وهم ذِئابٌ خاطـفـة )


تـَقـدَّمـوا يا أبناء الأمة الكلدانية العـريقـة الى صناديـق الإنتخابات بكُـلِّ رغـبـةٍ وانـدفاع فـهذه هي فـرصتُـكم التاريخية ، وتـوجـَّهـوا نحـو صندوقـَي القائمتين الكلدانيتين لا غـيرهما ، إنـَّكـم أحـرار بالكامـل في إعـطـاء أصواتـكم لأيٍّ مِن القائمتين ذات الرقـم ( 392 ) وهي قائمة اور الـوطـنية العائدة لحـزب الإتحاد الديمقـراطي الكلداني أو ذات الرقم ( 391 ) وهي قائمة المجلس القـومي الكلداني ، فكِـلتاهما كما أسلـفـنا قائمتان كلدانيتان خالصتان . نحن الكلدان بطبعـنا نَـجـنَـــح الى الخـير دوماً ، ولكن عـلينا الدفاع عَن هـويتنا وكِـيانـنا ووجـودنا مِن اللذين يُـحاولـون الإعـتـداء على خـصوصياتـنا . وأتركُـكُـم بسلام !


الشماس كوركيس مردو

عضو الهيئة التنفيذية
للإتحاد العالمي للكُتاب والأدباء الكلدان
في 18 / 2 / 2010

164
المظلـومـون إنـقـلـبـوا الى ظـالـمـيـن



كان مِن الصعب على الكلدان وهـم المُكـوِّن الأكبر بـين المُـكـوَّنات ِالمسيـحـية في العـراق وثـالـث قـومـيةٍ بعـد العـرب والأكـراد أن يُـصَـدِّقـوا بأنَّ الأمـة الكُـردية التي كانـت واقـعـة ً تـحـتَ نـيـر الظلـم والإضطهاد مهمَّـشة َ الحقـوق مسلـوبة َ الإرادة مِن قبـل الحكـومات العـراقية التي تعاقـبـت على حـكم العـراق منذ انبـثاق حـكـمه الـوطـني بعـد أن وضعـت الحـرب العالـمية الأولى أوزارها ،أن تـَنسى قـيادتُها ظـُلـمَ امتـها وتـقـومَ بممارسته على ألاخـرين . وقـد تضاعـفـت مِحـنـَـة الأمـة الكُـردية بعـد الـثـورة عـلى الحُـكـم الملكي وقـيام الـنظام الجـمهـوري ولا سيما بعد استيلاء حـزب الـبعـث عـلى السلـطـة في عام 1968 حيـث باشـرَ بإخـضاع الـمنـطـقـة الـمُسَمـَّـاة الـيـوم  بـ " كُـردستـان " وكانـت معـروفـة َ بـ " الشمال " آنـذاك عسكـرياً وصهرها سياسياً تـحـت الشعار المعـروف " امـة عـربية واحـدة مِن الخليـج الى المُحيـط " فلا قـومية إلا القـومية العـربية وكُــلُّ مَن يـدَّعي بغيـرها فـهـو خائـن ويسعـى الى تـَمـزيـقـها .


وهنا أود أن أسأل القيادة الكُـردية ، لماذا حـمـل الأكـرادُ السلاح ضِدَّ الحكم البعثي ؟ الـم يكن حكام البعث مسلمين ومذهبُهم سنياً كما هو الحال لدى الأكـراد ؟ طبعـاً هو كذلك . إذاً لماذا قـام الأكــراد بالثـورة ضِدَّ مَـن يجمع بـينهم وبـين حـكام العـراق مِن ديـن ٍ ومذهـب ؟ ألـيست القـومية الكـردية وحـقـوقـها المشروعة هي التي دفعـت بالأكـراد لخـوض حـربٍ دمـويةٍ هائلة وطـويلة ؟ الـجـواب بديهي هو اختـلاف القـوميتين بالرغم مِن الديـن والمذهـب اللذين يجـمعان بـينهـما . وقـد ساهـم أبناءُ العـديد مِن القـوميات القاطـنة في شمال العـراق ( كردستان اليوم ) ولا سيما أبناء الكـلـدان الذين لعـبـوا دوراً مشرفاً في نـُصرة حـركة التـَحَـرُّر الكُـردي منذ إعـلانـها في أيلـول عام 1961 بقـيادة زعـيمها المرحـوم المُـلا مصطـفـى البـرازاني ، حيـث انـخـرطـ في صـفـوف المقـاتـلــيـن الأكـراد مقاتـلـون كـلدان أشدّاء ، إسـتشهـد العـديـدُ مـِنهم ولـوحـقَ أفـراد عـوائـلـهم واستـشـرد البعـض الآخـر ، وقـد تـَـعـرَّضَت للـتـدمير بضعـة كـنائس ودياراتٍ كـلـدانية ، ولا زالـت جـريـمة قـرية صـوريا الكـلدانية الـبشعـة حاضـرة في الأذهـان كان ضحايــاها بَـشراً أبـرياء شـباباً ونساء ً وشيـوخاً وأطفـالاً .


لقـد تـَكَلـَّلـت الثـورة الكـُردية بالنجاح وحظـيَت منجـزاتـُها بالحماية الأمريكية منذ أوائـل تسعينات القـرن الماضي ، واعـتـُرفَ بإقـليم كُـردسـتان بعـد الإطـاحـة بـنـظام صدام وأصبـحَ سـيـِّدَ نـفسـه واستبشرت الأقـليات الـقـاطـنة ضمـن حـدوده والمـَناطـق المجـاورة لـه ، بأن الـقـيادة الـكُــرديـة بعـد أن خـَبـَرَت الظـلـمَ وعانـَتـه ستـَكون عادلة ً ومُنصفة ً معها ، ولـن تـَقـبـل لـذاتها أن تـُمارس الظـلـمَ ضِدَّهـا ، وتـَـجعــلَ مِن ذاتـِها المـظـلـومة زَمـَنـاً ظالـمة !  وبالـفـعـل مارست الـعَـدلَ في السنـوات الأربع الـتي تَـلـَت سقـوطـ الـنـظام الـصدامي الـفاشي ، لكـنـَّـها وللأسف البالـغ ومـنذ ظـهور الـداعــيـة الآشوري الذي أوجَـدَتـهُ هي ذاتـُهـا وعـَهـَدت إلـيه بتـَنـفـيذ أجـنـدة سياسية مُـعـيـَّـنة ظاهرها كَسر شوكـة سكـرتير ما تـُسمَّى بالـحركة الآشورية ( زوعـا ) إلا أنَّ باطـِنـَها هـو مُـعـاداة الـقـومـيـة الكـلـدانية وشعـبـها الأبـي المخـلـص ، وقـد تـَجَـلى ذلك في إصرار هـذه الـقـيادة عـلى تـَهـميش الحـقـوق القـومية للشعـب الكـلـداني رغـم عـِلـمها الأكـيـد بـأنَّ أسـلاف الكـلدان الـعــظام كـانـوا الأصحاب الأصليين لهذه الـديار ويشهـد على ذلك أسلافُ الأكـراد القـدماء أنفسهم ، وكانوا مِن أبـرز وأكـبَر المساهـميـن في بـناء الحـضارة على أرض بـلاد الرافـديـن ، فالكـلدان هـم بـحـقٍّ هـنـودُ حُـمْـر العـراق ، وعلى الحـكـومة المـركـزية وحـكـومة اقـليـم كُـردستان رعايـتهم وإبـداء   كُـلِّ التسهـيلات لـهم .


لـيست الـقـيادة الكـُردية بـحاجـةٍ الى تذكـيرها بأنَّ الـقـومية الكـلدانية تـُـعـَـدُّ مـِن حيـث التسلسل ثـالـث َ قـوميةٍ في العـراق ، وإنَّ الـدستـور العـراقي الإتـحادي قـد أقـرَّ بـها ، وضَـمِـنَ لأبـنائـها حـقـهـم في الـوجـود والعـيش المشترك مع الأطـياف العـراقية المتـواجـدة على أرض العـراق ، وهم يُـساهمون ببناء العـراق الجديد بجِدٍّ وإخلاص رغم المعاناة الثـقيلة التي قاسوها ولا زالـوا  يُـقاسونهـا بكُـلِّ أشكالها مِن قـتـل وخطـفٍ وابتزاز وتشريد ، ولكن وإن لم يحدث للكـلـدان مـثـل هذه الأمور في اقـليم كُـردستان ، إلا أنَّ ما يَجري لـهم فيـه يـؤلمهم جـداً ويجرحهم عـميـقـاً في كـرامتهم ، فهنالك مؤامرة تـُحبـَك بإتـقان مدروس مدعومة مِن قـبـل أفـرادٍ متـنفذيـن في القـيادة الكردية لتهميش القومية الكلدانية وجـعـلها تابعـة لجـماعـة الكـلدان النساطـرة الإنـفصالية التي خـُدعـت مِن قبـل أساطـيـن الخـداع والخـيانة رجال المخابـرات الإنكـليـزية بشخـوص مُـرسَـلي كنيسة كانـتيربري الأنكليكانية حيث خدعـوهم لقاء وعـودٍ كاذبـة بتبَـنـّي التسمية الآشورية تلك التسمية التي أطلـقـها آشوريو التاريخ القـدماء على دولتهم تيمـُّناً باسم الإلـه الـوثني" آشور " اولئك الآشوريون الذين حكـم علـيهـم التاريخ بالفناء الأبـدي، وليس لمتبني الآشورية الـيوم أيَّة صلـةٍ بهم لا من قـريبٍ ولا مِن بعـيد لأنـهم " كلدان نساطـرة " قـد تنكـَّروا لقـوميتهم الكلدانية وتبنوا التسمية الآشورية الوثنية الاسطـورة الويكـرامية الشهيرة .


ولكن لماذا تُصـرُّ القـيادة الكُـردية على مُعاداة الكلدان بهذا القـدر مِن الإمعان ؟ وهل تعتقـد بأن هذه الشرذمة مِن الآشوريين المـزيـَّفيـن المتشرذمين ، يستطـيعـون ترجيح كفـة الأكـراد في أيِّ استفتاءٍ قـد يجـري بشأن عائـدية الـمناطـق الـمتـنازَع عليها بينهم وبين العـرب ؟ وهل أنَّ حجـمَهم العـددي الضَئـيـل يُساعـد على فعـل ٍ مِن هذا النـوع ؟ وهل تعـتقـد هذه القيادة بأن الكلدان خائني امتهم الذين اشترى ذممهم مؤسسُ ما يُسمَّى بالمجلس الشعبي زوراً يستطيعـون تـَرجيح الكفة ؟ كلا يا سادة ،
إنـنا نسوق لكم مثلاً واقـعـياً ، هل استطاع الخـونة الأكـراد مساعـدة العـرب ضِدَّ الأمة الكـردية إبان ثـورتها في تَرجيح كفـة العـرب على الأكـراد ؟ وهذا الأمر منطـقـي إذ إنَّ دور الخـونة يكون ضاراً دوماً وليس بنافـع إطـلاقاً .


ثـمَّ إذا كُـنتم أنتم الأكـراد تـدينـون بالإسلام على المذهب السني وكان الحُكام العـرب الذين يدينون بالإسلام السني على مثالكم ، لم تقبلـوا بالـوصاية العـربية عليكم ، كيف تُحاولـون فرض وصاية أتباع الآشورية المـزيـَّفـة على الكلدان الذين لا يجمعهم بهم إلا الدين فقـط ويختلفـون عنهم مذهبياً وقـومياً !ألستم بذلك تُمارسون ظـلماً سافـراً على الكلدان ؟ وهل تعتقـدون بأن الكلدان سيرضخون  لأمر ٍ يفـرضَـه عليهم الآخـرون ؟ إنكم مُخطـئون أيها الإخـوة الأكـراد ، فإنَّ مصلحتكم تـكـمـن في جَـعـل الشعـب الكلداني شريكاً رئيسياً فاعـلاً للشعـب الكُـردي ، ومِن السهل عليكم جـداً فعـل ذلك وهو فعـل تصحيحي أولاً : قيام البرلمان الكـردستاني بإعادة درج القـومية الكلدانية في دستـور الإقليم على غِـرار ما هي مدونة في الدستور الإتحادي وثانياً : التعامـل المباشر مع شعبنا الكلداني مُـمَـثـلاً بأحـزابه القـومية الكلدانية الثـلاثـة وهي : 1 – حـزب الإتحاد الديمقـراطـي الكلداني  2 – المجلس القـومي الكلداني 3 – المنبر الديمقـراطي الكلداني المـوحـد . وكذلك الأمر مع منظمات المجتمع المدني الكلدانية كجمعية الثقافـة الكلدانية والإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان وغـيرهما ، وثالثاً : إعـطـاء كنيستنا الكلدانية مكانتها المرموقة التي تستحقـها لأنها هي الأم الرؤوم لجميع أبنائـها الكلدان ، والتعامـل معـها دون أية وساطـةٍ مهما كان نـَوعـُـها .


إنَّ ما ورد ذِكـرُه ليس شروطاً أيها الإخـوة الأكـراد ، وإنما هي مطاليـب مشروعة لشعـبٍ مُعـتـدى عليه دون ذنـبٍ . نرجو النظـر إليها بهذا المعنى وتـُقابـلَ بالتَـرحابِ وسعَـة الصدر وفـقاً للنـهـج الحُـر والديمقـراطـي .


الشماس كوركيس مردو

عضو الهيئـة التـنـفـيذية
للإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكـلدان
في 11 / 2 / 2010

165

الأحـزابُ الآشورية تـَعـتـَمـِد شعارَ " الغاية تـُبَـرِّر الـواسطـة "


ليس هنالك مَن يـُـنكـِر بأنَّ مَن يُـسمّـون أنفسهم بالآشوريين اعتباطاً وعِـناداً وهم الكلدانيون أصـلاً وجـذراً ، قـد تـَعَرَّضـوا لأنـواع مِن التـقـتـيـل والإضطـهاد والتشريد ، وكان السبـب في ذلك هو انـعـدام الرؤية المستقبلية لدى زعمائهم  الروحانيين والعلمانيين على السواء نـتـيجة تـَهـوُّرهم في تصديـق الوعـود المُـغـرية الكاذبة التي أعـطـتها لهم الدولـتان روسيا القـيصرية والمملكة الإنكـليزية اللتـَيـن نكـثتا بعـهـودهما لـهم وعـرَّضاهـم الى ويـلاتٍ ومذابح إبادية قـضت على أكثر مِن ثـُلـثي عـددِ شعبـهم المنكـوب ، وكـردود فعـل ٍ لِـتلك النـكـبات ولا سيما الأخيرة بينها " نكبة سميل " تـولـَّدت لدى جمهرةٍ مِن شباب بقايا هذا الشعب بعـض الأفكار والتـوجهات لتأسيس أحـزابٍ سياسية هـدفها تأجـيـج الهـواجس القـومية والمناداة بالحقـوق المشروعة لشعبهم الذي طالته مظالـم كبيرة وكثيرة .


كانت قـلـَّة ُعـدد شعبهم الناجي مِن القـتـل الإبادي تشكـِّل لديهم نـقـطة َ ضعـفٍ كبيرة ، فـتـَفـتـَّـقـت أذهانـُهم عَن فِكـرةٍ كان الإنكـليـز قـد غــرزوها فـيها خِـداعاً وتضـليـلاً بأنهم يُمكـن اعتبارُهم أحـفـاداً لآشوريي الـتاريخ الـقـدماء ، وكذلك الحال بالـنسبة لسكان منـطـقـة سهـل نـينـوى الحاليـين على اعـتبار أنَّ هـذه المنطـقـة كانت يوماً جـزءاً من جغـرافـية الإقـليـم الآشوري ، ويا بـئـسَ تلك الفـكرة الجهـنـمـية المبـنـية على أساس هَـشٍّ وتضلـيـلي هو الأساس الجغرافي الذي لا يمكن اعتمادُه في تحـديـد الهـوية القـومية للساكـنين على الإطـلاق ، فهل يمكن اعتبار الأكـراد آشوريين لأن موطنهم الحالي كان يـوماً يـقـطـنـُه شعـبٌ كان يُـدعى آشورياً ؟ وهل يمكن اعـتبارُ عـرب بلـدة الشرقاط آشوريـين لأن بلـدة الشرقاط كانـت أول عاصمة لآشوريي التاريخ القــدماء وكانت تـُدعى " آشور " ؟ وهل يمكن اعـتبارُ عـرب الحِـلة وبـقـية محافـظات جنـوب العراق ووسطـه كـلداناً باعـتبار أن جنـوب ووسط العراق كان موطن الكلدان الأصيـل في الزمن القـديم ؟ فكيف يمكن اعتبار سكان قـرى وبلدات سهل الموصل حالياً الكلدان آشوريين ؟ أليس هذا ضرباً مِن الجنـون لتحـقيـق هَدفٍ غير واقـعي وغير مضمون ؟ هـدفٍ وليـدِ تـَعَصـُّبٍ شوفـيني ضِـدَّ أيِّ تـوَجـُّهٍ قـومي كلداني بل ضِـدَّ أيِّ إقـرار بـوجـودٍ كلداني ! ومِن هذا المنطـلـق الأهـوج وقـفـوا بكُـلِّ ما اوتـوا من قـوة مستخـدميـن كُـلَّ وسائـل التضليـل مشوبة ً بالتهـديـد والترهيـب ضِـدَّ قيام الكـلدان بتأسيس أحـزاب وتـنـظـيمات كـلدانـية .


وليس تـوجـُّه الأحـزاب الآشورية المزيـَّـفـة الجنـوني الحاد ضِـدَّ انـبـثاق الأفـكار الـقــومية لـدى الكـلدان الذي ظـهـر بعـد عام سـقـوط النـظام البعـثي عام 2003 بـجـديـد ، فـقـد بـَـدأت هـذه الأحـزاب إتـصالاتـِها بالمثـقـفيـن الكلدان منذ بـداية تسعينات القرن العشرين المنصرم بنـيـَّةٍ غير نـقـيَّة غايتهم منها ثـَـنـيهم عن التفكـير بخـلـق فـكـر قـومي كلداني ، وكأني بهم يُحاولـون خـنـقَ بذرة القـومية الكـلدانية وهي في مـهـدها ، وللأسف فـقـد انـطـلـت اللـعـبة على بعـض الشخـصيات الكـلدانية فسقـطـوا في حـبائـلـها وانغـمـسوا في وحـلها ، وتـَـنـَـبـَّـهَ لها البعـضُ الآخـر ووقـفـوا بحـزم ضِـدَّ إنـكار الـقـومية الكـلـدانية ووجـودها وتاريخها المجـيـد وإنـجازاتـها الحـضارية مستهجـنـيـن الأفـكار العـنـصرية الشوفـيـنـية للـمتـزمـتـيـن الآشوريـيـن .


وبعـد تحـرير العراق من براثن الديكتاتورية البعثية ، تسارع المتزمتون الآشوريون الروحانيون منهم والعلمانيون لإبراز الآشورية المـزيفة كقـومية شاملة لمسيحيي العراق وحاولـوا التأثير بشكل خاص وبالتحـديـد على الحاكم الأمريكي المحتل السيء الصيت "بـول برامـر" مذكرينـَه بـوعـود أسـلافـه الإنكـليز التي تعَـهـدوا بها لآبائهـم ولكنهـم نكـثـوا بها أو لم يستطيعـوا تحـقـيـقـها ولـذلك فهـو مطالـَبٌ بالـوقـوف الى جانبـهم ليُعــوِّضهم عما أصابـَهـم مِن الغـُبـن ، وباـلفـعـل فـقـد استجاب لهم هذا الحاكـم الجاهـل بالـتاريخ وبالسياسة أيضاً ، ووضع بـيـدهم مصيرَ المسيحيـين وبذلك أوقـع أكـبر ظـلـم على الكـلدان الذيـن يمثـلـون نسبة 80 % من مجموع مسيحيي العراق الكُـلي ، وهكذا أطـلـقَ يـدّ  رئيس عصابة ما تُسمّى بالحـركة الآشوريـة لـيـلعـبَ أقـذرَ الأدوار الدنـيـئة لتغـيـيـب القـومية الكـلدانـية عن الساحة العراقـية مطـبـِّـقـاً الشعارَ الشرير" الغاية تـُبـَرِّر الـواسطـة " وبـفـضـل الحاكـِم المحتـل أصابَ الحـركة َغـرورٌ وتـَـبـَجـُّح ٌ وانـدفـاع ٌ لإعـلاء شأن التسمية الـوثـنـية الآشـوريـة الخالية مِن أيِّةِ صفـةٍ قـومية أو صلـةٍ  بها وجـعـلـها تسمية ً شامـلة للمسيحيـين ، وجُـلَّ هَـمـِّهم طـمس القـومية الكـلدانـية الرافـدية الأصيـلـة التي يُسبـغـون عليها الصفـة المذهـبـية الكنسية ، الأمر الذي يـجعـل منهم أغـبـياء بل يـجـعـلـون مِن أنفسهم أغبياء بتـَعَـمـُّد وإصـرار ، إذ لا يـوجـد بين كُـلِّ المذاهب الكنسية مـذهـب إسمُه " كلداني " .

لم تـَـتـَوقـف الحركة الآشورية المشؤومة بشخص رئيسها المستـَبِـد عَن حَـبـكِ المؤامرات الخسيسة لتغـيـيـب القـومية الكـلدانـية ولكنـها  باءَت بالـفشـل ، غيـرَ أنـَّه لم يرعـوي وراح يـبـتـدع صِـيَغــاً عَـقيمة ومُـخـزيَة ومجافية لـوقائـع التاريخ لـغـرض دمج تسميات شعبنا المسيحي الأصيلة مثـل : كلدو آشوري : كلدان سريان آشوريون : سورايي : وكان الفـشل مِن نصـيبِه في هذا الجانـب أيضاً لأن الكلدان لن تنطلي عليهم لـُعـبـتـُه مِن الإنتقاص مِن إسم قـوميتهم . وفي آذار مِن عام 2007 بـرز في الساحة المسيحية تنظيم بقيادة داعـيةٍ آشوري لم يمضي على ظـهـوره المُـفاجيء إلا سنتان تقريباً أطلـق علـيه " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " كانـت وراء هذا الـداعـية الآشوري قـوة سيادية في اقـليـم كردستان العراق دعـمته مادياً واعـلامياً بـدون حـدود ، استـطاع مِن خلالـها استقطاب عـددٍ كبير مِن شخصيات شعبنا تمتلك إخـلاصاً واستعـداداً لخـدمة أبناء شعبهم بمختلـف تسمياته ، ولكن ما إن شعـر هذا الداعية بأن المجلس المذكـور قـد تَـرسخت دعائمه بواسطة هؤلاء المخلصين ولم يَعـُد بحاجةٍ إليهم أولاً ، ولكي لا يقـفـوا عائـقاً أمام تعـنصُره الآشوري الشوفـيني ثانياً ، أزاحـهم عـن دربـه وجاء بعـملاء ومأجـورين لينـفـِّـذوا أجـِنـدتـَه ، وكانـت المبالغ المالية الهائلة الى جانـب الآلـة الاعـلامية المتمثلة بقـناة عشتار الفضائية الكلدانية إسماً والآشورية فـعـلاً سلاحَـه ذا الحـدَّين ، بهما استطاع جـذبَ الناس إليه ، حيث وفـَّر العـمـلَ للمحتاجـين إليه ، وابتاع ذمَـم بعض الكتاب للتنظير لأفكاره وتطلعاته ، وأجـبَرَ أبناء الشعب ولا سيما الكلدانيـين للتصويت لقائمة مجلسه بالإغـراء المادي أو التهـديـد بالفصـل من العمـل أو قـطـع المساعـدات وما الى ذلك .


وهكذا تكاتفـت الأحـزاب الآشورية رغم تناحـرها فيما بينـها ، مسخـرةً إمكانياتـها المادية والاعـلامية لإحـتـواء كُـلِّ الأفـكار الداعـية الى بـروز مشاعـر قـومية كـلدانية ولا سيما في اقليم كردستان ، واستطاع ما سُمِّـيَ بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري تعـطيـلَ المنطـق القـومي وإبـطالَ معناه في تمثيـل أبناء شعـبنا ، وبذلك خان مبادئَـه الـقـومية التي كان يتشدَّق بـها ذرّاً للرماد في عـيـون الشعـب المسيحي عندما استـبـدل الكـوتـا القـومية بالكـوتا المسيحية لكي يتسنـى لـه وللأحـزاب الآشورية الاخرى الـتحايـُل على المعادلة القـومية بشعاراتٍ وحـدوية كاذبـة مَـلَّ الشعـبُ مِن تـكرارها ، وعلى اعـتبار أننا مسيحيـون جـميعاً ، وهو إدعاء اعـلامي فـقـطـ إتـَّخـذه ستاراً لتغـطـية مـراميـه السيئة ، إن استبدال الكوتا القـومية بكـوتا مسيحية جاء بغير صالح الكلدان ، ولا أدري كيف استطاعوا خـدع لجنة الإنتخابات لتـقبـل بكوتا مسيحية بـينما الدستور يذكر القـومتين الكلدانية والآشورية بإشارته الى المسيحيين .


إنـها مؤامرة جماعية للأحـزاب الآشورية على الكلدان وعلى رأسها حـزب الداعية الآشوري المسمَّى زوراً بـ " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " لأن الكلدان بـراءٌ مِنه ومِن الكلدان المأجورين المنتمين إليه ليس ايماناً بـه بـل طمعاً بما يُغـدقـه عليهم مِن المال . فـرضته على الساحة المسيحية القـوة الحاكمة في كردستان للإنتقام مِن الكلدان ، ولكن لماذا ؟ ما الذي فـعـل الكلدان ضِـدَّ الأكـراد لكي ينقلـبوا عليهم هذا المُنـقـلـَب المخالـفَ للحُـرية والـديـمقراطـية  ؟ ومتى كان للكـلدان دورٌ في عِـداء الأكــراد لا في الماضي ولا في الحاضر، إنَّ الكـلـدان قـوم يـَعـتـزون بهـويـتـهـم الكـلدانية ولا يقبـلـون بالإنتقاص منها بأيِّ شكل من الأشكال ، يُريـدونـها صافية مستقـلـة لا تشوبـُها أية شائبةٍ غريبة ، يسعـون الى نيـل ِ حـقـوقـهم المشروعة والعـيش المشترك بسلام ٍ وأمن ٍ مع المجتمع العراقي بكُلِّ أطـيافـه  . إنَّ هـذه الـمؤامـرة حيكت ضِـدَّ الكـلـدان لـيخـوضـوا سباقَ انـتخاباتٍ غـيرَ مُـتـكافـيءٍ لأنـهم يـفـتـقـرون الى الإمكانـيات المادية والاعـلامـية التي حـرمهـم منها رئيسُ هذا المجلس المبتـور الذي أفـرغـَه من صفـتـه الشعبية وحـوَّلـه الى واجـهةٍ آشورية دعائية صرفـة يقـودها كلدان مأجورون باعـوا ذواتـِهم وضمائرَهم وكـرامتهم لـقاء الإسترحام عليهم بجـزءٍ من الفـُتاة الفائض عن المال الحـرام ، بينما يخـوض مُنـتحـلـو التسمية الآشورية المُزيفة الإنـتـخابات بإمكانياتٍ مادية واعـلامية ضخمة وفـذَرَها لهم هذا الـداعية .


أيها الكلدان في كُـلِّ مكان لا مُـعـيـنَ لكم إلا اللـه وأنفسكم ، لا تتهاونوا ولا تتردَّدوا في الذود عن كـرامتكم ، عليكم خـوض الإنتخابات لإعـلاء شأن امتكم الكلدانية ليعلم العالـَم بأنكم امة حَية وحـرة .


الشماس كوركيس مردو
في 7 / 2 / 2010

166

هـل إستهدافُ مسيحيـِّي الموصل لـُغـز ٌمُحيِّـرٌ أم مُخـطــَّطــٌ مَـدروسٌ ؟


لـقـد تصاعـدت مـوجة استهداف المسيحيين في الموصـل في الآونـة الأخـيرة ،  فتعـرَّضَ الكثيـرُ مِـنهم الى القـتـل والـخـطـف بالإضافـة الى أعمال التفجير التي طالـت كنائسَهم ومنازلَ البعض منهم ، مِـما حـدا بالناس أن تـتـساءَل عن سبـبِ تـكـَرُّر هذه الظاهـرة العِـدائـية وبين كُـلِّ فتـرةٍ وأخـرى ، وتضاربـَت الآراءُ بشأن تـداعـياتـها وتـبايَـنـَت التـفسيراتُ حـول أهـدافِ الـواقـفـين وراءَها ، وتـَزاخـمَ العـديـدُ مِن علامات استفهام كبيرة في أذهان هؤلاء المُتجَـنَّى عليهم ظـلماً ، لماذا نحن المسيحيون سكان الموصـل الأصليون بالذات مُسَلـَّطــٌ علينا سيـفُ الإرهاب ؟ ما الذي جَـنـَيناه أوجناهُ مُجـمَل مسيحيي العراق لكي نـُستهـدفَ بهذا الشكل الوحشي اللاإنساني ؟ لماذا يُـجـعَـلُ مِِـنا كـبشَ فِـداءٍ للصـراع الدائـر بين العـرب والأكـراد حـول بعـض المناطـق التي تـوصَـفُ بالمتـنازع عليها ؟ أليس المسيحـيـون بعـيـديـن عن هـذا الصـراع ؟ وهل بَـدُرَ منهم انحـياز ٌ الى جانـب أحـدِ الطـرفــَين ؟ لماذا إذاً تـجري محاولاتٌ لحشرنا بهـذا النـزاع ؟
                                                                                                                                                                                                                                                                      وفي حـوار أجراه موقعُ عنكاوا الإلكتروني بتاريخ 21 /1 /2010 مع محافظ الموصـل السيـد أثيل النجـيـفي حـول استهـداف مسيحيي الموصل قال المحافظ : " ولتحقيـق حماية فعلية للمسيحييـن عـليهم ان يكونوا أكثرَ قرباً من الحكومة " أليس هذا الكلامُ غـمزاً مُبـطـَّـناً  يُستـَشَـفُّ مِنه إتهامٌ للمسيحيين بأن ولاءَهم للحكومة هو أقـلُّ من ارتباطـهم بالأجنبي ! وفي الحقيقة هذا اعتقادٌ خاطيء جـداً لا أساس له من الصحة ، فالمسيحيُّ أكثر وطنية ً وأشـدُّ إخلاصاً لـوطنـه مِن أيِّ مـواطـن آخـر بحكم طاعـته لدينـه الذي يأمـره بذلك ، وهذا ما يجـلـبُ له الأذى أكثرَ من غيره ، وها هـو الواقعُ الراهنُ شاهدٌ على ذلك ، ثمَّ هل يستطـيع السيد المحافظ أن يُبرهن على بعد المسيحيين عن الحكومة ؟ يا لـيـتـَه أرشـدنا الى ما قـد غـفـلـنا عَـنـه !
                                                                                                                                                                                                                                                                         وضمن جـوابٍ لسؤال آخـر يقـول المحافظ :" لا شكَّ أن وضعَ المسيحيين ضمن دائرة صراع القـوى السياسية سيـضر بهم وعليهم أن يعـتـزلوا جـميع المتصارعين " أليس هـذا تهـديـداً صريـحاً من المحافظـ  يُـطالـب المسيحيين بالإبتعاد عن السياسة وإلا سينالهم الضرر ، أليس الضرر الذي يقصـده ، الإرهابَ الهمجي الذي يطالُ المسيحيين المسالمين ؟ ومتى وقـفَ المسيحيـون الى جانـب أيٍّ من الأطـراف المتصارعـة ؟. لم يكن السيد المحافظ  بتحليلـه للأحـداث صريحاً ولا واقـعـياً ، حاول الـتهـرُّبَ مِن مسؤوليـته الرسميـة التي تفـرضُ عليه حماية َالشعب وليس إلقاء الـلـوم على جـهـةٍ اخـرى  وبـدون أن يكـون لـه الشجاعة لـلبـوح باسم تلك الجهة المسؤولة عن استهـداف المسيحيـييـن رغم إدِّعائـه بامتـلاك الـبـراهـيـن والأدلـَّة ، ألا يعني عدم الكشف ، أنـّه وضعَ ذاتـَه كجـزءٍ من المشكلة ويُحاول تسييسَها . إنَّ ما يحصل الآن ضـدَّ امسيحيي الموصـل من استهداف يـدخـل ضمن مخـطـَّطـ مشترك محلي واقـليمي ودولي ، وعلى الحكـومتـيـن المحلية والمركـزية التـنـَبـُّهَ له قـبـل فـوات الأوان وعـدم إعطاء الفـرصة لتـُتـَّهما بعـدم قـدرتهما على حمايتهم ، ومن ثـمَّ يجري تأجـيـجُ مشاعـر العالَم المسيحي تجاهَ مسيحيي العـراق الى حـد المطالبة بالتدخـل الدولي لحمايتهم ، وليس من المستبعـد أن تـَهـُبَّ حكومة اقليم كردستان لحمايتهم وبذلك تكسب وقـوفـهم الى جانبها عند إجراء الإستـفـتاء على المناطـق المتـنازع عليها بين عـرب الموصل والأكراد . إذاً ليس من صالح أهل الموصل وحكومتهم أن يسمحـوا باستهـداف المسيحيين بل عـليهم العمـل على كسب دعمهـم ، وبذلك يـَـقـطعـون دابـرَ التشهير بعجـز الحكومة عن تـوفير الحماية لهم .


هل من الإنصاف يا سيادة المحافظ أن يكونَ المسيحيون ضحية َ الصراع العـربي الكُـردي دون أن يكونَ لهم فيه لا ناقة ولا جـمـل ، لماذا لا يُحاورُ العربُ الأكـرادَ لحسم نـقاط الخـلاف القائم بـينهما ! إن الإعـتداء الواقعَ على المسيحيين هو حاصلٌ في منطقـة الموصـل وليس في منطقة كردستان ، وإذا كنتم تـوجـهون أصابـع الإتهام الى الأكـراد ، ولـديكم الـوثائـق فلماذا التـردُّد في كشف الحقائق ،وإذا كانت حـجـتكم الخـوفَ من التقاطـع الشامل كما تقـولـون فهي حُـجـة ٌ واهية لا تنطلي على أحـد . إنَّ قـراءَتـَنا لمسار الأحـداث في منطقة الموصـل منذ بـدايتها قبل سنتين ضـدَّ المسيحيين تُـثـبـت لنا ، بأن الذين قاموا بقتل وخطـف وتهـديد وتهجير المسيحيـين كانوا أتباعَ تـنظـيم القاعـدة القادميـن من الـيمن والسعـودية وسوريا وأفغـانستان وكردستان ( تنظـيم أنصار السنة ) ومناصريهم من المسلمين السلفيين المتشدِّدين الذين قد أعماهم التـعـصـُّبُ الديني المقيـت . هـل هذا لـغـز ٌ مُـحيـِّر ! كلا بـل إنـَّه مُـخـطـطـ ٌ مـدروس بـدقـة .


لقـد إخـتـلـَّت كافـة المـوازين في وقـتـنا هذا ، فـقيام بعض الجهات بأعمال إجرامية ثـمَّ إتهام الآخـرين بها أصبحتْ عادة ً مألـوفـة ، ولا يقتصر ذلك على المحترفين بل يشملُ الحـزبيين والسياسيين والحكام وغيرهم . نـَرجـو أن تـُراجعـوا حساباتكم يا سيادة المحافظـ  بعـدم الإستهانة بالمسيحيين وأن تبادروا الى تـوطيـد علاقاتكم بهم ، فهم العنصرُ الأخلـصُ للـوطن ولا تـدعـوا الشائعات من أن تـُزعـزعَ ثـقـتكم بهم ، وليس بخافٍ عليكم بأن الكلدان يُشكلـون الغالبية العظمى من المسيحيين حيث تـتجاوز نسبتُهم 80 % من المجموع الكُـلي للمسيحيين ، وهم يريـدون العيش المشترك تحـت خيمة العراق الـواحـد التعـدُّدي الديمفـراطي الحـُر ، ويطـمحـون للتمتع بكافـة حقـوقـهم الـوطـنية المشروعة التي يكفـلها لـهم الدستـور ، ومما لـفــتَ انـتباهي بأن عـلاقـتكم السياسية مقـتصرة على مـا تـُدعى بالحركة الآشورية التي تُمثـل أصغر مكـون من المكونات المسيحية ، ولا عـلمَ لكم ولا أيَّ تماس بالحزبَـيـن الكـلدانـيَيـن الكبيـرَين الحـزب الديمقراطي الكلداني والمجلس القـومي الكـلداني ، هل يليـق ذلك بمحافظـ أكبر ثالث محافظـةٍ عـراقية ؟


الشماس كوركيس مردو
في 29 / 1 / 2010

167

هل مِن سبيل ٍالى وحدةٍ كلدانيةٍ آشورية ذاتِ صفةٍ قـومية ؟



لقد جرت محاولاتٌ عـديدة خلال القرن العشرين المنصرم وتضاعـفـت في العقـد الأول من القرن الواحد والعشرين الحالي بـُحِثَ فيها موضوعُُ قيام ِالـوحدةِ القـومية بين الكلدانيين والآشوريين ، ولكـن للأسف البالغ فـقـد باءَت جـميعُـها بالـفشل اـلذريـع لسبـَيـن أولاً : لأنَّ الجماعات من كِـلا الجانـبَـين الكـلـداني والآشـوري التي  سعـت الى هـذا العمل الجـبار إصطـدمـت بحاجـز غير قابـل للإجـتـياز هو " توحيد الإسمَين الآشوري والكلداني " في تسميةٍ ثـُـنائـية مركبة ، ويـُعَـد ذلك مِن الامـور العسيرة إن لم نـقـل المستحـيلة بالإضافـة الى عـدم وجـودٍ له في التاريخ سابـقـة . ثانياً : إدعـاء مؤسساتٍ وأحزابٍ متعـدِّدة من الطـرف الآشوري ومِن جانبٍ واحدٍ ، بأن الإسم الآشوري هو الشامل لكُلِّ الناطـقـين باللغة الآرامية من الكلدان والسريان ، وهذا بحد ذاته منافٍ للواقع والحقيقة وليس هناك مـا يسوِّغـُـه ، وكذلك مطالبـة العـديدِ من المفكرين والباحثين الكلدان بوجوب شمول الإسم الكلداني لكُلِّ الناطـقـين باللغة الآرامية الكلدانية اللهجة الأفصح بين اللهجات الآراميه ، هذا مِن جهة ومن جهـةٍ اخرى لأنه قـد شمـل تاريخياً جميع المتـحـدِّرين سُلالياً من شعـب وحضارة بـلاد ما بين النهـرَين ، بالإضافـة الى كـونِـه آخر اسم وطـني لحكام بلاد وادي الرافـدَين الكلـدان !


لم تحـظـَ هذه المحاولات بأدنى قـدر ٍ من الـنجاح بسبـب تمسُّـك كُـلٍّ من الطـرفـين بأن الحـقَّ يكـمُن في ما يـَدَّعـيـه ، ناهـيك عن عـدم الإيمان  بـمبـدأ المساواة والشراكة من قبـل الجانـب الآشـوري ، حـيث سعى الى تعميم أجنـدتـه الخفـية في مخـتلـف المحافـل الوطـنية والدوليـة وجعلـها مقـبولـةً لـديهم لكي يضمن مصلحتـَه على حساب مصلحة الجانـب الكـلداني ، وفي مضـمون سعـيـه هذا حاول سلب حقوق  مبـدئية وأساسية بفرض هـويتـه الخاصة وتحـديـد مصير الشعب الكـلداني عن طريـق احتـوائـه . وقـد أدَّى هذا العـمل اللاأخـلاقي العـنـصري الى امتعاض ِ واستهجان ِ من قبـل الجانـب الكـلداني ، حيـث رأى فيه انعدام النزاهة والشفافية من قبـل مَن ينادي بأخـوته لـه وتبـجـُّحـه بها ، ونتيجة لذلك فشل مسعى التوحيد ، ووجـد كُلُّ الخيرين من الكلدانيين والآشوريين أنفسهم في مأزق ٍ صعـب ، وعليهم البحث عن مسار آخر واقـعي قابـل للتطبيق للوصول الى وحـدةٍ ذاتِ صـفـةٍ قـومية .


إذا انتظـرَ الإخـوة  الكلدانيـون والآشوريـون الـخـيـِّرون أن تـتـنازلَ الأحزابُ الآشورية الموغلة في عنصريتها الشوفـينية عن عليائها المزيـَّـفة وأحلامِها السرابية ، وتجلس حول طاولة المفاوضات مع التنظيمات الكلدانية بجديةٍ وشفافيةٍ ونـِدِّيـة للوصول الى الوحدة القـومية ، سيكون انتظارُهم طـويلاً  وميئوساً منه ، لأنَّ ذلك هو من الأمور المستحـيلة تماماً وهو ما لاحظـناه وتأكـَّدنا منه يقـيـناً منذ بـدءِ المحاولات التي انتهـت الى الفشل ! فـما العمل إزاء هذا الوضع المحيِّر والأليم أيها الأحِـبـّاء الخيرون ؟ وهل عليكم أن ترضخـوا لـلـواقع المفروض عَـنـوة ً وترفـعـوا راية الإستسلام ؟ أم أنكم ستبادرون الى رفع شعار الإنتفاضة على هذا الـواقـع المـرير وتـُعيـدوا مسار الـوحدة الى الطريق الصـحيـح ؟ إن المـوضوع سيكون سهلاً إذا تـوفـَّرت نياتٌ صافية لدى الآشوريين والكلدانيين الخيـِّرين واختاروا لهم ممثـِّلـين غـيـورين متحـرِّرين مِن ضغـوطات القـوى السياسية الغريبة والمعادية لتوجهـنا الـوحـدوي ، ويمتـلكون قسطاً كبيراً مِن سجـلٍّ مشرِّفٍ في ميدان الإخـلاص لشعـبهم وقـد خاضوا نضالاً باسلاً لبلـوغ أهـدافهم النبيلة .


هنالك مثال وحدوي قام بتحقـيـقـه قادة كنسيـون مخـلصـون وجريئـون بين جـزءٍ مِن مؤمني كـنيسة المشرق الآثـورية مع بعـض أبرشيات الكـلدان الكاثـوليـك ، وأطـلقـوا على أبرشيـتهم المشتركة والموحـدة إسماً جامعاً لكلا الطرفـَين هو " أبرشية الكـلدان والآثـوريين الكاثـوليك " لماذا لا نقـتـدي بهـؤلاء القادة الذين برهنـوا على الأهلية الفائقة التي يـتمتعـون بها في المجال الـوَحـدوي ، بل لماذا لا نستـعـين بمشورتهم لرسم خِـطـطـٍ رصينة للشروع بشقِّ طريق يوصـلـنا الى الـوحدة المشتركة ذات الصفة القومية ؟ ومن المؤكـد بأنهم لـَن يبخلـوا علينا بمساعدتنا بهذا الصـدد ، بل هم في غاية الشوق وكـامـل الرغبة لبـذل أقصى ما لـديهم مِن خبرةٍ ودراية .


أيها الإخـوة الكلدانيون والآشوريون ، إنَّ ما يجمعُـنا هو أكبر بكثير مما يـُفـَرقـُنا ويُبعـدنا عن بعضنا ، فهنالك تاريخـُـنا الطـويل والمشترك ، تاريخ بـلاد ما بين النهرين الذي كان بالكامـل تسلسلاً متصـلاً  مِن دول وشعـوبٍ وحضاراتٍ وثقافات ، فهو المصدر الأساس لهويتنا الرافـدينية . ولا يمكن أن نختلـف على صحة الإسمَـين الكلداني والآشوري وأنَّ كُـلاًّ منهما أصيـل ومُـعَـبـِّر عن هـوية بيث نهرين ، وثنائـِيـَتـُهما تعبير للثـراء الذي يتسم به تراثـُنا والتعـقـيـدات التي صاحبت تاريخنا ، وهذا ما يـُحـتـِّم علينا الحـِفاظـَ على إسمَيـنا والنظر إليهما كمُـكمـِّـلَين واحـدهما للآخـر . ولا نـنـسى بأنَّ لغـتـَـنا الآرامية البيث نهرينية هي عامل ثقافي مهم بل أساسي يجمعنا ويشدُّنا بقـوة ويربطنا بتراث آبائنا وأجـدادنا القـدامى ، وألأكثر من هذا كُلِّه دينـُنـا المسيحي وتجسـُُّدُه بشكل فريد في تاريخ كنيستنا المشرقية حيث أصبـح جزءاً هاماً وأساسياً من هـويتنا على مـدى ألـفي عام وسيبقى كذلك  .


إنَّ أهـمَّ ما نحتاج إليه للحِـوار كمـبـدأ أساسي ، يكمن في الإقـرار المتبادل بشرعية وأصالـة كـُلٍّ من الهـوية الكلدانية والهوية الآشورية ، بكُلِّ ما تمتلكانه من تعبيرات مصطلحية ولهجاتِ لغـوية أو ثقافية أو خصوصيات اجتماعية لغاية الإتـفاق على وحـدةٍ ذات صفـةٍ قـومية . ولا بـدَّ للطرفـين الكـلداني والآشـوري أحـترام حـقِّ كُـلٍّ منهما في إدراج هـويته المميزة في الـدستـور وفي جميع الوثائق الحكومية وفـقاً للصياغات اللغـوية المعتمدة للتعبير عن الهوية والحقـوق القـومية ، ومن غير الإعتراف بهـويتين متميزتين كلدانية وآشورية قد يؤدي الى تقـلـَّص فرص التفاوض للوصـول الى ما نصبو إليه . وليس من شكٍّ بأنَّ الأكثرية والأقلية العـددية تشكل عامـلا  ذا تأثـير على وضـع ٍ مُـعَـين ، ولكـنَّ الإرادة والرغـبة في الـوحـدة تـتجاوزان هذا التأثـير وتـدعـوان الجانـِبـَيـن الى الإلتـزام بالمساواة في " الإحترام والكرامة " من حيث الأمور ذات الصفة القـومية .


إنَّـها دعـوة مخلصة نقـدمـها لكُـل المخـلصين والخيرين من أبناء الكلدانيين والآشوريين ، آملـين أن تلقـى دراسة ً معمقـة وتجاوباً ايجابياً ، وإنـنا نـنـتـظر آراءَكم وتعليقاتكم حـولها وتفاعـلكم معـها .


الشماس كوركيس مردو
في 20 / 1 / 2010

168

بمناسبة الإحتفالية بالذكرى المئوية السادسة عشر لسينودس كنيسة المشرق الثاني 410  -  2010 م


مجمع ساليق الثاني 410 م المعروف بـ ( مجمع اسحـق الجاثاليق )


إنَّ أهمَّ الأسباب التي دَعت الى عقد مجمع ساليق الثاني ،  كان لإقرار القوانين والأنظمة الكنسية التي أقرَّها مجمع نيقية عام 325 م  مِن أجل تطبيقها مِن قبل رئاسة كنيسة المشرق في كافة كنائسها ، وقد عُقد المجمع في عام 410 م ، وتَصَدَّرت أعمال المجمع كلمة افتتاحية قيِّمة تَضَمَّنت إطراءً لأمجاد ملك الملوك يزدجرد الأول ، فيها ثُمِّنَ قرارُه الشامل على بلاده كُلِّها والقاضي ، بأن يُجَدَّدَ بناءُ كُلِّ الكنائس المُهَدَّمة ،  وأن يُخلى سبيل كُلِّ الذين في السجون أو رهن الإعتقال بسبب عقيدتهم المسيحية ،  وأن يتمتعَ بالحرية كُلُّ رجال الدين .  وإنَّ قرار يزدجرد الأول هذا في الشرق ، يوازي مرسوم ميلانو الشهير الذي أصدره عام 313 م قسطنطين الكبير في الغرب قبل مئة عام . والفضل في هذا كُلِّه يعود الى ماروثا اسقف ميافرقين الذي قَدِمَ الى المملكة الفارسية مرتَين في عام 399 م بتكليفٍ مِن الملك الروماني أركاديوس ، حيث أبرأَ الملك يزدجرد مِن مرضه وأنقذ إبنَه مِن أسرالشيطان وأنجزَ إبرام الصلح بين الفرس والرومان ، وفي عام 408 م بطلبٍ مِن الأساقفة ( الآباء الغربيين ) ناقلاً مِنهم ثلاث رسائل مُذيَّلة بتواقيع أشهر أساقفة مناطق غرب الفرات ( سوريا وما بين النهرين ) هُم بحسب ما جاء في كتاب ( المجامع الشرقية ص 18 والترجمة ص 255) : فريفير يوسف اسقف < بطريرك > أنطاكية ، آقاق اسقف حلب ، بقيذا اسقف الرها ، اوسابيوس اسقف تلا ، و آقاق اسقف آمد . وكانت الاولى مُوّجَّهة الى الملك يزدجرد الأول وقام بترجمتها مار ماروثا مِن اليونانية الى الفارسية بموافقة مار اسحق ، وقرأَها أمام الملك بحضوره ، ثمَّ طلبا مِن الملك أن يُصدر أمراً شاملاً لكُلِّ أساقفة المملكة الفارسية ، فأصدر الملكُ أوامره باستقدام مطارنة المُقاطعات الست الكبرى وهم : -  1 -  دانيال مطران حِدياب ( أربيل )  2 -  عقبلاها مطران كرخ سلوخ ( كركوك ) 3 -  هوشاع مطران نصيبين 4 -  زبدا مطران ميشان 5 -  ماري مطران كشكر 6 - يزيداد مطران الأهواز ، مع جميع الأساقفة التابعين لهم ، وبلغ عدد الآباء المُستدعين ( 40 فرداً ) بحسب قول كتاب المجامع ، ولكن عدد الموقعين على قرارات المجمع كان (38 ) كما يقول الأب حنا شابو في كتاب( المجامع نفسه ص 257 )وان البعض مِنهم وقعوا القرارات في وقتٍ متأخر مِن تاريخ المجمع ، وقد لوحظ محو أسماء البعض الآخر . أما الرسالة الثانية فكانت موجهة الى الجاثاليق اسحق تضمَّنت قوانين وتوجيهات ، والرسالة الثالثة كانت تخويلاً  رسمياً لماروثا للإشتراك في أعمال المجمع وإعلام الملك يزدجرد وأساقفة المشرق بذلك .

لم تذكر المصادرُ عدد الجلسات التي عُقدَت خلال مدة المجمع ، ولكن وصول الأساقفة إكتملَ في أوائل شهر كانون الثاني عام 410 م ، وفي صبيحة السادس مِنه وهو عيد الدنح ( عماذ الرب ) إجتمع الآباء وللمرة الاولى في كنيسة كوخي الكبرى ، وقُرئَت على مسامعهم رسالة الآباء الغربيين الموَجَّهة الى الملك يزدجرد ، ويُعتقَد أنها كانت تتضمَّن زجراً للأساقفة المُعارضين لإسحق ورئاستِه ، مِمّا يؤِكِّد رئاسته لجلسات المجمع بدون مُنازع منذ الجلسة الرسمية الاولى التي افتُتِحت في الأول مِن شهر شباط ،  فلم تكن إذاً جلسة السادس مِن كانون الثاني إلاّ للتعارف وتنقية الأجواء والحد مِن نفوذ المُناوئين أو ربَّما لإقصائهم .

عُقدت اولى جلسات المجمع يوم الثلاثاء الأول مِن شباط لعام 410 م ، واستُهِلَّت بصلاة رفعها الآباء المُجتمعون مِن أجل حياة يزدجرد الأول ، ثمَّ تُليَت رسالة الآباء الغربيين الموجهة الى مار اسحق  والمُتضمِّنة لقوانين مجمع نيقية ، وقبِلَت بالإجماع مِن قبل جميع آباء المجمع ووقَّعوها بمجموعهم .  وعلى ضوءِ ما ورد فيها بحث الآباء في تنظيم الامور الخاصة بالإدارة الكنسية ،  ثمَّ باشروا باعتماد واحدٍ وعشرين قانوناً تتعلَّق بصُلب سياسة كنيسة المشرق ، نُدرجُ أدناه أهَمِّ القرارات القانونية التي أقرَّها آباء المجمع : -


1 - أن يَتَبَوّأ كُرسي الرَعِيَّةِ اسقفٌ واحدٌ فقط  .
2 - لا يجوز إجراء رسامة الاسقف إلاّ على أيدي ثلاثة أساقفة ، وبتأييد مطران المُقاطعة .
3 - وجوبُ عَقدِ اجتماع للمطارنة والأساقفة برعاية الجاثاليق في ساليق كُلَّ سنتَين مَرة واحدة  للتشاور ودِراسة الأوضاع الكنسية .
4 - توحيد الصلوات الطقسية في كافة الكنائس طِبقاً للنظام المُتَّبَع في كنيسة المدائن .
5 - توحيد أعيادِ الميلاد والدنح والقيامة في جميع الكنائس .
6 - عَدَم جَواز تقديم الذبيحة الإلهية في البيوت . بل أن تُقامَ على مذبح واحد في كُلِّ مكان .
7 - توحيد الصوم في الكنائس كُلِّها .
8 - الجاثاليق هو الرئيس الأعلى لجميع المطارنة والأساقفة ( البطريرك لاحقاً ) .
9 - يتوَلَّى اسقف كُشكُر مَنصبَ مُعاونِ الجاثاليق ، وفي حالة وفاة الجاثاليق يقوم بتدبير كُرسي الجَثلقة لحين انتخاب جاثاليق جديد .
10 - تحديدُ الكراسي  الميطرابوليطية بخمسة كراسي  وكالتالي : -

أ - كُرسي أبرشية بيث لاباط  : ويرتبطُ بِسُلطتِه أساقفة  <  هرمزدأرداشير  ،  شوشتَر  ،  شوشان  ،  وكرخ ليبان  .
ب - كُرسي نصيبيـــبين : وتشمُل سُطتُه  أساقفة  <  أرَزون  ،  قردو  ،  بيث زَبداي  ، بيث رَحيماي  ،  وبيث مكساي  .
ج - كُرسي براث ميشان : وينضوي تحتَ سُلطتِه أساقفة  <  كرخ ميشان  ،  نهركور  ،  وريما .
د - كُرسي أبرشية أربيل : ويخضع لرئاستِه أساقفة  <  بيث نوهدرا  ،  بيث بَغّاش  ،  داسان  ،  رامونين  ،  بيث مهرقرد  ،  ودَبرينوس  .
هـ - كُرسي أبرشية بيث كَرماي : تقتصِر سُلطتُه على أساقفة  <  شهرقرد  ،  لاشوم  ،  أريون  ،  دارح  ،  وحَربات كِلال  .

                                                                                                                                                                                                                                        ورغم قصر مدة المجمع على ما يبدو ، إلاَّ أنَّ نتائجَه كانت هامة وايجابية لكنيسة المشرق ، وبعد اختتام دورة المجمع إصطحَبَ الجاثاليقُ مار اسحق الأسقفَ مار ماروثا وتَوَجَّها الى القصر الملكي لِمُقابلة الملك يزدجرد ، حيث عَرَضا عليه القراراتِ التي أقَرَّها المَجمَع ، فَسُرَّ الملكُ بها ، وتأكيداً لِسرورِه أوفَدَ إثنَين مِن أعظم مُساعديه هما  وزيرُه الأول ورئيسُ جَيشِه  لإيصال رسالتِه الى آباء المَجمَع  ، فتَحَدَّثا إليهم قائلين: ( لقد كُنتم قبل الآن  مُضطهَدين ، تُمارسون طقوسَ ديانتكم سِرّاً وخائفين ، أما الآن  فقد وَجَدتُّم حُظوة  لدى ملكِ الملوك ، فجعَلَكم أحراراً بِما تعبدون بدون خوفٍ آمنين ، كما ثَبَّتَ لكم اسحقَ رئيساً أعلى على كافة نصارى المشرق ، عليكم تقديم الطاعةِ  لإسحق الجاثاليق ولِمار ماروثا اسقفِ ميافَرقين ، والمُخالفُ لأوامِرهما يتعَرَّضُ لعقابٍ أليم . )

ببهجةٍ غامرة حَيَّ الشعبُ المسيحي آباء المجمع على النتائج الإيجابية التي أسفر عنها مَجمعُهم ، وبفرحٍ ودَّع الأساقفة العائدين الى كراسيهم ، حيث عاد كُلٌّ منهم الى كُرسيِّه ليُبَشِّرَ مؤمنيه ويُطلعهم على قرارات المجمع والمُباشرة على تنفيذها .  إبتهج المسيحيون ورفعوا الشكر والتمجيد لله الذي وضع في قلب يزدجرد الحنوَّ عليهم ، فها إنَّ مسيحيتهم التي كانت بالأمس مُضطهدة أصبحت اليوم ديانة إعترفَ بوجودها ملك الملوك وبكونِها ديانة شرعية ضمن نطاق المملكة الفارسية ، ولها كنيسة مُنظمة يرأَسُها جاثاليق ( رئيس أعلى ) تنضوي تحت رئاستِه مُقاطعاتٌ كبيرة ، واعتمدت ايمان مجمع نيقية الركيزة الأساسية لوحدة المُعتقد في الشرق والغرب .

لقد عزل المجمع ورشق بالحرم بعض الأساقفة الذين لم ينصاعوا لمُقرَّراته ومِنهم باطي اسقف مشمهغ أو ( سماهيج ) وهي جزيرة خليجية بين البحرين وعُمان كما يذكر شابو في ( المجامع الشرقية ص 677 ) .  وفي مُقاطعة الشوش تشبَّثَ بعض الأساقفة بموقفٍ رافض لسُلطة كُرسي ساليق كأغابيطس ، يزيداد ، برشبثا ، ماري ، وشيلا ، لم يُعزل هؤلاء أو يُحرموا بل تُركوا في مناصبِهم ، ولكنَّ حَقَّ الرسامات حُظِرَ عليهم ، كما أنَّ تعيين خلفٍ لأيٍّ منهم بعد موتِه هو مِن صلاحيات الجاثاليق .

وباعتماد مجمع مار اسحق قوانين مجمع نيقية التي مِن ضمنها قانون الإيمان الذي أقرَّه ثلاثمائة وثمانية عشر اسقفاً ، يُعتبر المجمع الأول لكنيسة المشرق مِن حيث الأهمية ، إذ مِن خلالها شَرَّعَ واحداً  وعشرين قانوناً  ، إستطاع بواسطتِها  تنظيمَ علاقاتِ المؤمنين برُعاتِـهم على اخـتلاف رُتـَبـِهم وعـلاقات هؤلاء الرُعاة براعـيهم الأعلى جاثاليق المشرق . لقد نشر الأب حنا شابو هذه القوانين مع ترجمتِها الفرنسية عام 1902 في باريس .


الشماس كـوركـيس مردو
في 5 / 12 / 2009





169
لماذا قائمتان يا ساسة الكلدان ؟


إنـَّكم أدرى أيها الساسة بواقع شعبكم الكلداني وما يُـحاكُ لـه من التآمر والتجـنّي ، يقـوم بهما مُدَّعِـيا اخـوَّتـه كـذباً أولهما : الأحـزاب الآشورية العنصرية وعلى رأسها التنـظـيم الشوفـيني " زوعا " وثانيهما : ما يُسمـّى بالمجلس الشعبي بزعامة الداعية الآشوري الجـديد . إنَّ كلا المُـدَّعَيـن غـريمان عـنيـدان ، ولكنـَّهما في معاداتهما للكلدان حليفان حميمان ، يستميتان في مساعيهما التي تتمحور حول إلغاء اسم الشعب الكلداني ومحوه من خارطة العراق سياسياً وقـومياً ومن ثـمَّ إفشاله في الإتخابات العامة المقبلة .


لماذا إذاً هذا الفشل الذريع في عدم إتفاقكم على خوض الإنتخابات في قائمةٍ كلدانيةٍ موحـدة ؟ وهل هنالك أفظع من هذا الواقع المرير الذي يُـعانيه شعبكم ؟ ، أليساه كافياً ليدفعكم على رَصِّ صفـوفـكم وتـوحيـد خطابكم ؟ لماذا أسستم هيئة عليا للتنظيمات الكلدانية ؟ ألم يأتِ ذلك نتيجة التناغم وانسجام الرؤى فيما بينكم من حيث تـوجهكم القـومي يا أحـزاب شعبنا الثلاثة ؟ ألم تتجاوب معكم شخصياتنا الكلدانية المستقلة ومنظمات مجتمعنا المدني وأخص بالذكر منها : الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان وجمعية الثقافة الكلدانية ! ألم تبارك مسعاكم مؤسستنا الكنسية الكلدانية ؟ إنكم الثـلاثـــــيُّ السياسيُّ الملائم لشعبنا الكلداني ، وهو الرقم الذي يَسهـل عليه التفاعـل والإنسجام ، ولكن للأسف فإن الواقع أثبـتَ لنا العكس تماماً ، فإن قـوانا السياسية الكلدانية قـرَّرَت خـوض الإنتخابات بقائمتين دون أن تُـعيرَ أيَّ اعتبار لإرادة شعبنا الذي نادى باعتماد قائمةٍ موحـدة واحـدة ، حيث بها نبرهن على وحدة الجـهـد الكلداني ونتحـدى المتربصين بالكلدان سوءاً .


إننا نُـهيب بشعبنا الكلداني الصامـد في داخل الوطن والمتواجـد في بلدان المهجـر ، أن يُسانـد قائمتي شعبه لكي تحظيا بالنجاح ، وليس مهماً لدينا من سيفوز بأيٍّ من القائمتين وإنما الأهم لدينا هو إثبات وجودنا القـومي الكلداني الأصيل في وطـننا الأصلي العـراق ، كنا نـتمنى قيام قـوانا السياسية بخـوض الإنـتخابات بقائـمةٍ كـلدانـية موحدة مؤيـدين بذلك دعـوة سكرتارية المنبر الديـمقراطي الكـلـداني في الولايات المتحدة الأمريكية وكـنـدا من خلال رسالته المؤرخة في 14 كانون الأول 2009، ولكن ليس كُـلُّ ما يُتمنـّى يُـنال ، ولذلك علينا أن نكون واقعيين ولا ننظر الى عدم الإتفاق على القائمة الواحدة هي النهاية للجهود الخيرة الزاخرة لدى أبناء شعبنا الكلداني ، فالسياسة بحد ذاتها عـملٌ نبـيل الهـدف منه خـدمة الشعـب تـتـفـاوت فيه الإجتهادات وتـتـضارب المصالح الحزبية والمنافع الشخصية ، وما يدعونا الى التفاؤل فإنَّ زعامة كُـلٍِّ من القائمتين الكلدانيتين المتنافستين تسعيان الى ترسيخ القـومية الكلدانية ورفع شأنـها .


إننا نـود تذكير قـوانا السياسية الكلدانية وإن كانت على درايةٍ تامة بأن الغُـبنَ السياسي قد أصاب شعبنا الكلداني منذ سقوط النظام البعثي عام 2003 وتولي زمام الحكم المُحتـلُّ الأمريكي ، الذي بَـخسَ حَـقـَّه الشرعي وأعطاه لغريمه الآثوري الذي لعـب دوراً قـذراً في تشويه الهـوية الكـلدانية ، وكان زعيـم التـنظـيم العنصري الشوفيني " زوعا " اللاعـبَ الأبـرز في ميدان التهميش والإقصاء للمكـون الكلداني الأكبر بين مكونات المسيحيين العراقيين ، ولا زال ماضياً في غـيـِّه حتى اليوم ، وكان ظهـور الداعية الآشوري الجـديد مؤخـراً عـوناً غير مباشر لـه ، تحالفا معاً على البعـد وبشكل ٍ غير مُعـلـَن ولتنفيذ أمر واحدٍ فقط هو القضاء على القـومية الكلدانية تاركين جانباً اختـلافـهم في الشأن السياسي .


من هذا المنطـلـق ، نُـناشد قوانا الكلدانية السياسية والمدنية للسعيي الجاد لإيجاد مدخـل مقبـول للإشتراك في قائـمةٍ انـتخابـية موحـدة واحـدة ، وهو مطـلب عموم شعـبنا الكـلداني نُـعـلـنـُه نحن الكـتاب والأدباء الكلدان ، وهنالك حـيـّز كبير من الـوقـت لدراسة الموضوع ومناقشته من جميع جوانبه ، والأمر ليس سراً ولا خافياً ، بأن خـوض الإنتخابات بقائمتين يؤدي الى تبعثر أصوات الناخبين الكلدان وبالتأكيد ستذهب الى قـوائم اخرى لا علاقة لها بالكلدان ، وبذلك نعطي فرصة ً ذهبية للشامتين بشعبنا الكلداني ، لأنَّـه سيكون الخاسر الأكبر والوحيـد .


الشماس كوركيس مردو
في 22 / 12 / 2009

170

نحن شعـبٌ مسيحـيٌّ واحدٌ ولسنا قـومية ًواحـدة


لقـد كتب الاستاذ وسام كاكو مؤخراً وبعد صمتٍ طـويل بإسهابٍ دفاعاً عن الاستاذ سركيس أغاجان وتناول في دفاعـه النـواحي الإيجابية في الرجل دون السلبية ، تلك النـواحي التي لا ينكـُرها عليه أيُّ متتبـع ٍ لمجريات الأحـداث منذ ظهـوره المفاجيء على الساحة السياسية لشعـبنا المسيحي ، وكان أول المباركين لهذه الخطـوات الإيجابـية الشعـبُ الكلداني ممثـَّلاً برئاستـه الكـنسية العليا ، حيث قـلـَّده غبطة بطريرك الكلدان مار عمانوئيل الثالث دلي وساماً بابوياً تقديراً لجهوده وتثميناً لدوره المُـميَّز في نجدة شعبنا المضطهـَد بكُـلِّ تسمياتـه وانتماءاتـه من حيث توفير الأمان والسكن لـه وغير ذلك من المساعـدات ، وقد حـذا حـذوَه بطاركة الكنائس الاخرى كما هو معروفٌ للقاصي والـداني . ونحن هنا لسنا بصدد انتقاد مواقـف السيد وسام كاكو فهو حـر في التعبـير عن آرائـه وقـناعاتـه كأيِّ فـردٍ من أفـراد شعبنا الناشطين .


إنني كفـردٍ من أبناء الشعب المسيحي العـراقي المتعـدِّد الأعـراق والأسماء ، وعندما أطرح آرائي وأفكاري انطلـق من منـظـور المحبة التي أكُـنـُّها لشعبي هذا وقـضيته الإنسانية ، ومن المنطـلـق ذاته اقـدر كُـلَّ جهـدٍ خـيِّر ومثـمر يُبـذَلُ من أجـل هذا الشعب وقـضيتـه ، وليس من شكٍّ بأن كافة قـوى شعبنا من سياسيةٍ ومؤسساتيةٍ وكـنسيةٍ وحتى الشخـصية لا  ترمي إلا الخـيرَ لهذا الشعب من وراء أنشطـتها المخـتـلـفـة . ولكن علينا أن لا نـنسى بأن شعبَـنا قـد ابتُـليَ برقـم ٍ كـبير من القـوى التي تـدَّعي كُـلٌّ منها العمـلَ لـصالح هذا الشعـب ، بـينما الـواقـع الموضـوعي الذي تشهـد عليه مواقـفـُها وفـعالياتـُها التي تـفـوح منها رائحة التنافر والتناحـر تُـشير بوضوح ، بأن مسعاها يهدف بالدرجة الاولى الى تحقيق مصالحها الذاتية وفق برنامج حزبيٍّ ضيـق الأفـق يتستـَّر وراءَ شعار خدمة الشعب ! كيف يمكن لهذه القـوى بعددها الكبير هذا أن تتفـق على السير بمسار مشترك لتحقـيق تطـلعات وآمال الشعب ؟ وبالرغم من واقع شعبنا المرير الزاخر بهذا العدد الهائل نسبياً من القـوى المتصارعة ، كان هنالك بعضُ مَن قام بالخفاء بإعداد رقم آخر ليُضاف الى هذه القـوى ، ولهذا الغرض وبإرادة شخص ٍ واحـد مدعوم ٍ من قبل قوةٍ سلطوية متنفـذة عُـقـدَ مؤتمرٌ في عنكاوة في آذار 2007 تمخـَّض عن ولادة ما سُميَ بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري .


كان العدد الأعظم المدعو الى المؤتمر أشخاصاً لا تهمُّهـم مصلحة شعـبنا وما يُـعانيه من تشرذم وصراع ، وقد تـَمَّ استـقـدامُهم من داخـل العراق وخارجـه لإضـفاء هالةٍ كبـيرة على المؤتمر ، وليـتمكـنَ العدد المحدود من الذين اختارهم صاحب الدعوة وعـرّاب المؤتمر ، من القيام بإداء الدور الموكـل إليهم وهو ايهام المدعويين بأن المجلس الشعبي سيكون خيمة ظليلة لإستراحة كافة تنظيمات واحزاب شعبنا من أجل توحيد خطابها السياسي ولن يكون بديـلاً لـها ، فتجاوب معـه العديـدُ من أحزاب شعـبنا وتنـظـيماته وقـرَّروا الإنـتماء إليه والمشاركة بفعالياتـه . ولكن هل التـزم المجلس الشعبي بقـرارات المؤتمر ؟ كـلاّ ، بل تنصَّـل عن تعهداتـه ونكث بعهوده وأعـلنَ انقـلابَـه على الأحـزاب وسعى الى تهميشهم مطالباً إياهم إتباع الخط السياسي الجديد الذي إبتدعه لنفسه وكُـلُّ مَن لا ينصاع لأوامره يُحـرم من كُلِّ أشكال الدعم والمسانـدة . وإزاء هذا الواقع الذي لم تكن الأحزاب المنتمية إليه تتوقعـه ، قـرَّرت الإنفصام عنه .


نحن شعب مسيحي واحد ولكن لسنا قـومية واحدة ! حيث نتمثـَّل بمكوناتٍ ثـلاثة هم الكلدان والسريان والآثوريون ( الآشوريون ) والدليل على ذلك قـد أكـَّـده المجلس الشعبي بتبنيه الواضح للمكون الآثوري ( الآشوري ) من حيث التسمية والشعار والعلم والنشيد والشهيد ، وتـنكـُّره الصريح للمكونين الاخريَين الكلداني والسرياني فعلياً وليس ظاهرياً وذلك لذَرِّ الرماد في العيون ، وأما إطـلاقـه على ذاته ( المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ) فهو نفاق وخـداع مفضوح ، وإلا فلماذا معاداة الكلدان بهذا القدر من التجني والحرمان وهم أكبر مكونات شعبنا ديمغرافياً وعلمياً وثقافياً وما هي الأسباب الخفية لذلك ؟ لماذا الإنحياز الأعمى للمكون الآشوري الضئيل العدد المُبتلى بعقدة الشعـور بالنقص بسبب ضآلتـه ، هذه العقدة التي تُملي عليه عدم الإيمان بوجـود الكـلدان وعـدم الإعتراف بتاريخ الكلدان ، ويطالبهم بالتنكر لإسمهم الكلداني النبيل ، والإقـرار بالإسم الآشوري الوثـني الهـزيل ! ألم يُجاري المجلس التـوجهات المُريبة التي يُمارسها هذا المكـون العنـصري ضِـدَّ الكلدان بمحاولاتـه المختلفة لطمس الإسم الكلداني وتغييبه ، الأمر الذي جعل التنظيمات السياسية الكلدانية تستغرب هذا العمل المشين الذي يتنافى مع العُـرف والمواثيق الـدولية ؟ ألم يُحدث شكوكاً في أوساط الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المقدسة ؟ يا أخ وسام كاكو أليست هذه سلبيات مفضوحة للسيد أغاجان والذين أناط بهم شؤون مجلسه ؟ أليس من حـقِّ مَن سميتهم بالنُـخَـب الكلدانية أن تُطالب بالإبتعاد عن مسببي الأذى لهم ؟ وليس كما تقول بفصل قوميتهم الكلدانية عن الشعب ، ومن هو هذا الشعب أليس الكلدان محوره وقاعدتـه ؟ هل كان لك الجـرأة يوماً لتسأل الاستاذ أغاجان من خلال أحد لقاءاتك العديدة معه ، لماذا انسحبت الأحزاب والتنظيمات المؤتلفة مع مجلسه الشعبي ؟ وإن كنتَ قد فعلتَ هل لنا أن نعرف الجواب ؟


السيد وسام ، هل تميز مؤتمر عنكاوة الأول عن الثاني ؟ إن المؤتمر الثاني يصفـه المراقبـون بأسوأ من الأول لأنه تعـمَّد تجاهل مشاركة الممثـلين عن أحـزاب شعـبنا وتـنـظـيماته الاخرى المشهود لهم بالإخلاص لشعبهم والنضال في سبيل نيل حقوقه المهضومة واقـتصر على أشخاص معدودين ومعروفين بانتهازيتهم الى جانب الكثير من الأعضاء المنتمين الى الحزب الديمقراطي الكردستاني أما بقية المشاركين فكانوا من أبناء شعبنا البسطاء البعيدين عن السياسة والعمل القومي استغـلـَّت نـواياهم الطيبة لتحقيق أوسع حضور ممكن وقد يكون القصد من دعوتهم لغايات خـفـية ، وبناءً الى هذه التشكيلة من الحاضرين ، فقد كانت الأكثرية الفائزة بعضوية المجلس من أعضاء الحزب الديمقراطي الكردستاني المركزي والفروع التابعة له . إنها مفارقة غريبة على التصديق ولكنها ظاهرة للعيان ، تنظيم يـدَّعي تمثيل شعبٍ معـيـَّن بمكوناته الثلاثة المعروفة يكون أعضاء هيئته الإدارية ذوي انتماءٍ الى حزبٍ يعود لقـومية اخرى غريبة ، لـه ايديولوجية خاصة وسياسة متباينة ، تُـرى ، أليست هذه ظاهرة لا سابقة لها في عالم السياسة ؟ كيف لا ، وإن مؤسس المجلس الشعبي الاستاذ سركيس أغاجان ذاته لا زال عضواً قيادياً بارزاً في الحزب الديمقراطي الكردستاني  ! ! !


هل تعتقد يا أخ وسام ، بأن محاولة الأستاذ أغاجان إناطة امور المجلس بعددٍ من أبناء الكلدان المنتمين الى الأحزاب الكردستانية أو المتأشورين منهم ، سوف يكسب جماهير الكلدان ؟ إنـه يُخطيءُ مَن يظن بأنه قادرٌ على انتزاع الشعور القـومي الكلداني من أبناء الكلدان مهما تفـنـَّنَ في استعمال أساليب الإغـراء والتشويق واستغلال العوز المادي وشراء ضمائر ذوي النفـوس الضعيفة ، قـد ينجح حيناً ولكنه سيكون الخاسر في النهاية ! وهل يعتقد الاستاذ أغاجان بأن الكلدان غافلـون عن أسباب استبعاد الكلدان عن جميع المراكز المهمة في اقلينم كردستان تنفيذاً لأوامر حزبه وضغـط أحزاب طائفته الآشورية ؟ أو ليس موقف المجلس الشعبي من الشعب الكلداني انعكاس لموقف السيد أغاجان منهم ؟ عندما يستهين المجلس بمشاعر أبناء الكلدان القـومية متهماً كُلَّ كلداني معتـز بقـوميته بأنه انفصالي ، كيف يكون انفصالياً وهو الأصيل ! ألآ تُسجـل على المجلس نقطة ضعفٍ عندما يُحرِّض مأجوراً للتـفـوه بالسوء على القومية الكلدانية والتشهير بالكنيسة الكلدانية زوراً وبهتاناً ، أليست هذه سلبيات يا وسام ؟ أليس جلياً وواقعاً ملموساً تفضيل الاستاذ أغاجان للمكون الآشوري على المكون الكلداني من حيث الدعم المالي وبخاصةٍ بالنسبة الى تنظيمات المكونَـيـن الحزبية ، كيف يتفق تصرفـُه هذا مع تـديـُّنـه ، هل يمكن أن الله يُلهم مَن يتـَّقـيه بأن يكون مرائياً ؟ حاشا الله من ذلك . العداوات قد تحدث بين الدول وبين القبائل وبين المنظمات وبين الأحزاب ولكنها لا تـدوم ، فما بال عداوة الاستاذ أغاجان مع الكلدان قد أخذت طابع الديمومة ! ! !


استاذ وسام ، إنَّ ما رويته في الأجزاء التسعة من مقالك الدفاعي كان بمجملـه مبهماً ، واعتذارك عن ذكر اسماء الأشخاص الذين أشرتَ إليهم بالحروف بحجة عدم الطعن بهم ليس كافياً لتصديق القراء ، ولكن بالنسبة لي شخصياً لم يخامرني الشك بعدم تصديقك . سوف أكون في سان دييغو بعد ظهر الثلاثاء الخامس من كانون الثاني 2010 وسيكون من دواعي سروري أن نلتقي !


الشماس كوركيس مردو
في 16 / 12 / 2009

171

هل ستُـواصل رئاسة المجلس الشعبي سياستـَها التعسـُّفية ؟

على هامش انعقاد المؤتمر الثاني للمجلس الشعبي


لقد أصبح جلياً بأن الإنسحاب الأخير للأحزاب التي كانت لا تـزال لغاية الثاني عشر من تشرين الثاني 2009 مؤتـلفـة ً مع المجلس الشعبي ، كان آخر التـصَـدُّع الذي أصاب بنيانـَه الذي كان أصلاً قد اقـيمَ على اسس ٍغير متينة فوق أرضيةٍ هشة ، حيث انبثق من رحم مجموعة انتهازية كانت تنتظر مثل هذه الفرصة لتحقيق مطامعها الأنانية غير مهتمة بالتميـيز بين الحـق والباطل ، بين الإخـلاص لشعبها المسلوبة حقوقـُه وبين التعاون مع الناوين له شراً ، إنطلت النوايا الخبيثة المُضمرة في دواخل هذه الشرذمة على أبناء شعبنا المتلهف الى بروز هيئةٍ أو مؤسسةٍ أو مجلس ٍ يرعى شؤونهم ويسعى الى تحـقـيق تَـطـلعاتهم ونيل حقـوقـهم الوطـنية والقـومية المُصادَرة ، وكذلك استـُغـفِـلـَت أحزابنا القـومية وتـنظـيماتنا السياسية ولم تكـتشف هذه النـوايا إلا بعد انـضمامها للعـمل مع المجلس مدفـوعة ً بروح المسؤولية الملقـاة على عاتـقهم ، مؤمنة ً بحـتمية وحدة الصف القـومي التي يجـب أن يرعاها الإئتـلاف السياسي لأحزاب وتنظـيمات شعـبنا القـومية مدعوماً بمباركة وتأييد جماهير شعبنا في داخل الوطن وخارجه . 
                                                                                                                                                                                                                                                              ولكن اكـتشاف الأحزاب والتنـظـيمات القـومية  لزيـف هذا المجلس جاء متأخراً وعلى مراحـل ، وكان المجلس القـومي الكلداني وجمعـية الثقافة الكلدانية السباقــَين الى فضـح ممارسات المجلس اللاإنسانية والعنصرية التي دفعـتهما الى الإنسحاب وعـدم الإشتراك في مؤامراتـه ضِـدَّ أبناء شعـبهم وتـنظـيماتهم السياسية ، وأخيراً تـبيَّـنَ للأحـزاب المنسحبة مؤخراً ما كان يُخـفـيـه المهـَيمنـون على المجلس من وراء " إدِّعاءاتهم الوحدوية الكاذبة " وهو هضم حقـوق أحـزاب شعبنا على الصعيد الجماهيري ، واستبعادهم عن النطق باسمه سياسياً ، تـُرى كيف يتسنى لهذا الشعب المناداة بحقـوقـه إذا قُضِمَ لسانـُه السياسي المتمثـل بأحـزابه السياسية ؟ لذلك تـَمَّ فـَكُّ ارتباطـها بالمجلس درءاً لمحاولـته الإلتـفافـية عـليها وتهـميش دورها وتـقـويض جهـودها في الساحة السياسية ، مما يُفـرغ قضية شعـبنا القـومية من محتـواها ، وتـُفرضُ عـليها مفاهـيمُ غريبة ومبهمة تنعكس عـنها آثار سلبية على مستقـبل شعبنا ومصيره ، وليس من شكٍّ بأن السيد سركيس والتنظيم الذي أسسه وأطلق عليه " المجلس الشعبي " زوراً هو الذي خلـق هذه الحالة من التشرذم بين أبناء شعبنا ، التي عصفـت ببيتهم القـومي ولا سيما في هذه المرحلة الهامة من نضال شعبنا .

بعد انهيار مقـومات المجلس الأساسية وانكشاف أهدافه المعادية لغالبية أبناء شعبنا ، يحاول الذين سُلـِّطوا عليه أن يُخفـفوا من وطأة هذا الإنهيار ، بحقـنـه بمنشطاتٍ عسى أن تمنحه قوة ً لممارسة  انشطـته في استكمال المخطـطـات التي اوكـل مؤسسُه لتنفيذها ، وبما أن الاسم المركب والمُستهجـن " كلدان سريان آشوريون " لم يُـحٌـقـِّق لـعَرّاب المجلس الهدف من وراء ابتداعه له وتثبيته في دستور اقليم كردستان ، فقد قام بعض مأجوريه بتسويق اسم جديد عَـلَّه يحظى بموافقة أبناء شعبنا هو اسم " سورايي " ، فراح منـظـروا المجلس ومطـبـِّلوه بالترويـج والتهريـج له معتـبرينه إسماً جامعاً وشاملاً  ، وبئسَ ما يفعلون فهم لا يعلمون بأنهم بذلك ، الأسماءَ القـومية لشعبنا يُصادِرون ، وإسماً دينياً بـدلها يتبنون . فاسم سورايي يقابله مشيحايي أي السريان أوالمسيحيون في العربية ، وبجرة قلـم وتنفيذاً لإديولوجياتهم السياسية ينوون محو أسمائنا القـومية ، إنَّ أسماءَنا القـومية ليست للبيع أو المتاجرة يا مُحِـبـو العمولة ، فابتعـدوا عن هذه السمسرة !


وبناءً الى طلب الشماس بطرس آدم في مقاله الموسوم " المجلس الشعبي والمولود الجديد ( سورايا )  ليقوم أحد الباحثين بتعريف كلمة سورايي ، يسرني تلبية طلبه :إنَّ اسم ( السريان ) لا عُمقَ له في التاريخ ولا صفة قـومية ،  لأنـه فُرضَ على آراميي الديار السورية القاطـنيـن في المناطـق الواقعة  غَرب الـفرات  مِن قبـل الغـزاة المصريـين  بداية ً وسار على مِنـوالهم مِن بعـدهم الغـزاة اليونانيون ، تلك المناطق التي تبايـنـت الآراءُ في تسميـتها بـ ( سوريا ) التي أُطـلقت عليها  ومِنها اشتُـقَّ اسم ( السريان ) وبعـد دخول المسيحية الى هذه الديار عُرفَ سُكّانُـها  بالسريان الغربـييـن المسيحيين ، ولأنَّ المسيحية دخلت الى سُكّان بلاد ما بين النهرين الأصليين الكلدان عن طريق المُبشِّرين القادمين مِن فـلسطين عِبر هذه الديار ، أُطلق عليهم الى جانب أسمائهم العـديدة التي لُقِّبوا بها ، اسمَ السريان الشرقيـين كما يقـول العلامة أدّي شير ( مُقدمة تاريخ كلدو وآثور/ ج2 ص . ܕ - ܗ 4 - 5  )  "  ( تمييزاً لهم عن الذين سُمّوا بالسريان الغربيين وهم اليعاقبة ، ولكنَّ إسمهم الأصلي كلدان آثوريون جِنساً ووطناً ،  لأنَّ مَنشأ كنيستهم ومَركزَها كلدو وآثور ،  ولغتـَهم الجِنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقالُ لها أيضاً الآرامية ،  وغـلطاً سُمِّيَـت سريانية كما أنـه غـلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سِرياناً ، ويستطردُ أدّي شير: واعلم أنَّ السِريان الغربيين أعني بهم اليعاقبة أحَسّوا هم أيضاً بهذا الخطأ وأقرّوا علناً بأنَّ اسمهم الحقيقي الأصلي ليس السِرياني بل الكلداني الآثوري ، فإنَّه على عهد ديـونوسيوس التلمحري الذي عاش في النصف الأول مِن الجـيل التاسع ، كان اليونان يستهزئون بالسريان الـيعاقبة ويقـولون لهم: إن طائفتكم السِريانية لا شرف لها ولا أهمِيَّة ، فإنه ليس لكم مملكة ولا قام في سالف الأزمان فيما بينكم ملكٌ جليل ، فاضطـرَّ السِريان اليعاقبة أن يُقِـرّوا ويُثبِـتـوا ، أنَّه ولو أُطلقَ عليهم اسمُ السريان إلاّ أنَّ أصلهم كلدان آثوريون ، وقد صار لهم عِدة ملوك جبابرة ( تاريخ ميخائيل بطريرك اليعاقبة / ط . شابو ص . 750 )  " .   وفي الصفحة 748  مِن نـفس كتاب تاريخه يقول البطريرك اليعقـوبي ميخائيـل  "  إنَّ  العيلاميين  والآثوريين والآراميين ، وهم الذين سَمّاهم اليونان سِرياناً سُمّوا قاطبة كـلداناً بإسمِهم القديـم ، ويُضيف نقـلاً عن ديونوسيوس التـلمحري ما نَصُّه : إنَّ سوريا هي في غربيِّ الفرات ، فالذيـن يتكلمون بلسانـنا الآرامي ، إنما على سبيل الإستعارة سُمّوا سِرياناً، لأنَّهم ليسوا إلاّ جزءاً ( مِن الكُل ) وأما الأُخـَر فسكنوا كُلُّهم في شَرقيِّ الفرات وامتَدّوا مِن سواحل الفرات الى بلاد فارس ، وقام ملوكٌ كثيرون في هذا القسم أي في بابل وآثور واورهاي  "  .   ويُعَقِّب أدّي شير على ما تَقَدَّم أعلاه قائلاً :  "  فقد تَحَقَّق أنَّ السِريان اليعاقبة أيضاً أقَرّوا بأنَّ أصلَهم كلدان آثوريون جِنساً ولغة وإنَّ الاسم  السِرياني هو يوناني خارجي أُطلقَ غلطاً وزوراً علينا وعليهم ، ويا ليتهم يجوزون مِثلنا عَن الاسم السِرياني ويسترجعون الاسم الكلداني الآثوري فـنُصبِح كُلُّـنا شعبـاً واحداً إسماً وجسماً ويـداً واحدة لـنُـنهِضَ امتنا هذه القديمة القوية ، التي كَسَبَت في سالف الأزمان ذِكراً جميلاً ومَجداً عظيماً في الزمنيات وفي الروحيات " .


تُـرى ، هل سيرعـوي المجلس الشعبي فيما لو استطاع عقـد مؤتمره الثاني بعد الإنتكاسات التي مني بها من جراء انسحاب معـظم تنظيمات شعبنا السياسية من دائرته وسطـوتـه ، فـيبادر الى تغيـير سياسته الإستبدادية والإبتعاد عن استغـلال العـوز المادي المحدق بفئات من أبناء شعبنا ولا سيما الكلدان منهم بسبب البطالة التي يعاني منها القسم الكبير من أبناء الوطن ، إننا نشك يذلك تماماً إذ لن يتخلَّى المجلس عن ممارسة سلاحه ذي الحـدَّين ، وبخاصةٍ في مرحلة الفوضى الإنتخابية القادمة التي بـدأ المجلس بترشيح أزلامه لتمثيل المسيحيين للإستحواذ على أغلب مقاعـد الكوتا التافهة المخصصة لهم في مناطق تواجدهم ، وقد باشر المخوَّلون بتوزيع المعونات وصرف الرواتب المخصصة لأبناء شعبنا المسندة إليهم مهمات حماية تلك المناطق بتسريب تلميحات وتهديدات المجلس بقطع كُلِّ عون مادي عن كُلِّ مَن لا يُعطي صوتـَه لقائمة مرشحي المجلس ، أليست ممارسة هذا النوع من الضغط وبهذا الاسلوب الوقح تُـعـَد أمراً مكروهاً وغير مقبول إنسانياً ! ألهذه الأنـواع من الأعمال المشينة اسِّسَ هذا المجلس ، فقد حارب تنظيمات شعبنا السياسية والقـومية  وفـضَّـلَ الإعتماد على شرذمة معـدودة من الأفراد النفعيـين البعـيدين عن الشعب وحقوقه وفرضهم عليه ضِـدَّ إرادتـه . لماذا اخَـلَّ بوعوده التي قـطـعها على نفسه في مؤتمره التأسيسي الأول ، أين أصبحـت شعاراتُـه التي نادى بـها بأنـه سيكون خيمة لتجتمع تحت ظـلها كافة تنظـيمات شعـبنا من أجـل تـوحيد خطابها السياسي المتباين ،  لماذا ولماذا ولماذا . . .

ليعلم السيد سركيس أغاجان والذين جعـل منهم قَـيـِّميـن على مجلسه الشعبي ، بأن جبروتهم التي مارسوها ضِدَّ أبناء شعبنا المغلوبين على أمرهم وبالأخص الكلدان منهم لـن تـدوم ، وأن الظـلم لا بـدَّ لـه أن ينـزاح عن كاهلـه ، هذا هو منطق التاريخ " لـو دامت لغيركم لَـما وصلـَت إليكم " إتَّـقـوا الله في الشعب الذي وضعتموه في وضع ٍ لا يُحسـد عليه ، فهو القـدير وهو الذي يُمهِل ولا يُهمـل .


الشماس كوركيس مردو
في 2 / 12 / 2009

172


رَدٌّ على جاهل ِالتاريخ أو متعَمـِّدِ الجـهل ِبالتاريخ /ج2

الجزء الثاني


نشر السيد مسعود هرمز النوفلي مقالاً تـَحامُلياً بعنوان ( دُعاة الكلدانية والمجلس الشعبي الى أين ؟)
                                                                                                                                                                                                                                                         الرابط : http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=366665.0

إستهلَّ مسعود مقالـَه بهذه الديباجة مقتبساً إياها بحسب قـوله من موسوعة " ويكيبيديا " حيث يقول :

{{ تقول موسوعة ويكيبيديا بأن حضارات العالم قبل نهاية القرن الثامن عشر قد بُنيت على أسس دينية ولم يكُن هناك مفهوم القومية كما هو معمول به حالياً ، وبعد ذلك التاريخ وفي بداية القرن التاسع عشر تم تكوين وانشاء دول على اساس الهوية القومية بعد بزوغ ثلاث نظريات في العالم لمفهوم القومية وهي :
1 - القتومية على اساس وحدة اللغة ، مثال المانيا وايطاليا ،
2 - القومية على اساس العيش المشترك أي وحدة الأرادة الشعبية ، مثال ما طرحه المفكر الفرنسي أرنست رينان واضع مفهوم الأمة في السوربون عام 1882 والذي اضاف الى الأرادة المشتركة في العيش عُنصري التاريخ والتراث
3 - القومية على اساس الوحدة الأقتصادية ، مثال ماركس
لقد نشأ مفهوم النزعة القومية للمرة الأولى في ايطاليا عام 1835 من قبل الزعيم السياسي الأيطالي ماتزيني بحسب موسوعة ويكيبيديا ، حيث قال " إن القومية هى انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن " ، بعد ذلك أضاف الألمان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحدة الثقافة العامة النابعة من اللغة ووحدة التأثير الروحي الديني في المجتمع ومن ثم جاء ماركس وأضاف وحدة السوق الأقتصادية والتكوين النفسي }}
عن هذه الديباجة بنى مسعود إستنتاجَه ونسبـَه الى المسيحيين تعميماً بقـولـه : ( عندما نقارن نحن المسيحيين والصحيح " نحن المسيحيون " هذه المفاهيم مع بعضها البعض نستنتج ما يلي :

لقد أجبنا على الفقرة الأولى في الجزء الأول من هذا المقال وسنـواصل تفـنيد ما أورده في الفقرات التالية :

 {{ 2 - عند ربط المفاهيم الثلاثة بالنسبة الى الكلدان ستتضح لنا مُشكلة كبيرة جداً لا يُمكن حلّها أبداً مهما عملنا وطالبنا والسبب هو الأرض ، هل يستطيع الكلدان أن يُبرهنوا لشعبهم وللعالم بأن أرضهم هي ضمن الحدود التي يرغبون بها ؟ إذا كان الجواب بنعم فإنهم بالتأكيد سيقولون بأن كرمليس وتلكيف وتللسقف والقوش وعنكاوا وبعض القرى الأخرى كانت كلدانية ! بالرغم من ان نفوس تلكيف حالياً ليسوا بمسيحيين وغالبية شعبنا السورايا يعلم جيداً تاريخ تلكيف والقوش وتللسقف وغيرها وكيف كانت الأمبراطورية الآشورية الحاكمة في الشمال وكيف كانت كنيسة المشرق الوحيدة تقريباً في الساحة الى يوم تأسيس البطريركية الكلدانية من قبل أحد الباباوات الراحلين الى السماء ، من هنا فمن العدالة واحقاق الحق وإعادته الى نصابه يجب ان تأتي القومية الآشورية في المطلب الأول والأخير في الدستور ولكن شعبنا لا يرضى بالتفريق والأنشقاق والخراب وهو مُتحمّس الى الوحدة بين الأخوة بغض النظر عن الأسم القومي المُركب الموجود حالياً وهو المؤقت الى يوم الأتفاق النهائي لأسم واحد يجمع الكل مهما كان هذا الأسم ، عند خلق الأسم سيكون لنا اسماً قومياً يشمل الجميع من السريان الآشوريين الكلدان ولا يكون اعتراض عليه ، بالأسم الجديد ستتحقق غالبية الشروط التي جاءت بها النظريات الثلاث للقومية أعلاه }}



2 - لقد أوضحنا في الجزء الأول كيف أن الأرض التي غـزاها الآشوريون أصبحت ملكاً للكلدان بعد قضائهم المبرم عليهم ، وكيف أن أبناء الكلدان شغلوا مناطق الإقليم الآشوري بعد فراغها إثرَ إبادة الآشوريين ، وهذا تاريـخٌ يعرفـه الإخـوة العرب والأكـراد ، ويؤكِّـدون بأن الكلدان هم سكان العراق الأصلاء ، والحكومات العراقية المتعاقـبة لم تـعتـرف إطـلاقاً بمن يُسمون اليوم أنـفسهـم بالآشوريين زوراً ، بل كانت تسميهم " تياريين " دخـلاء وافـديـن الى العراق ، وليس هنالك أي دليل لتواجدهم في العراق قبل الحرب العالمية الاولى إلا كأفرادٍ مبعـثـرين بـين الكـلدان حيث كان تمركزهم في مناطق هيكاري وماردين وبعض المناطق التركية الاخرى ، ومجموعة قليلة في اورمية التابعة لإيران ، وعقب انتهاء الحرب قام الإنكليز بجلب الناجين منهم الى العراق وأسكنوهم في مخيمات في ضواحي بعقوبة ، وقـد قـُدِّر عددُهم بخمسين ألف فردٍ . وافقت ايران على عودة مَن كان منهم من رعاياها ومن ضمنهم الأرمن ، وبقي حوالي الخمسة والعشرين ألفاً الذين كانوا من رعايا السلطنة العثمانية  لم توافق الدولة التركية الحديثة على عودتهم معتبرة ً إياهم خـونة لوقوفهم الى جانب روسيا وإنكلترة في محاربة السلطنة العثمانية ، ومن هذه البقية شكـَّلَ الإنكليز جيشاً صغيراً سُميَ بالجيش الليفي عُهِد إليه ردع كُلِّ حركةٍ مناهضة للإنكليز يقوم بها العرب أو الأكراد .
 
كيف تجرأ على الكتابة عما تجهله بالكامل يا سيد مسعود ، كنيسة المشرق كان عهدُها قصيراً لم يمتد إلا الى نهايات القرن الخامس ومن ثمَّ انشطرت الى قسمين بظهور الهرطـقـتـين النسطورية والاوطاخية ، وأصبحت كنيستين كبراهما سميت بالكنيسة الكلدانية النسطورية لإتِّباعها تعاليم نسطور والصغرى عُرفت باسماء كثيرة جداً لا مجال لذكرها واستـقـرت في الأخير باسم الكـنيسة اليعقوبية نسبةً الى أشهر بطريرك لها وبقي سارياً حتى العقـود الأخيرة من القرن العشرين حيث استـُبـدِلَ بـاسم " الكنيسة السريانية الأرثوذكسية " الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الحالية هي الوريثة الشرعية الوحيدة للكنيسة الكلدانية النسطورية التي كانت تُدعى لغاية نهايات القرن الخامس بـ ( كنيسة المشرق ) وهي امتداد طبيعي لها ، وكُلُّ ما جرى هو أنها استعادت مذهبها الأصلي الكاثوليكي ونبذت المذهب النسطوري الذي فرض عليها قسراً ، وبعودتها الى مذهبها الكاثوليكي أبرمت مع الكنيسة الجامعة كنيسة روما عقد الشراكة الإيمانية . إن كلامك ترديد لما يُشيعه أعداء الكلدان الألداء ناكروا أصلهم وإسمهم الكلداني الذين انتحلوا التسمية الآشورية الوثنية الاسطورة الويكرامية الشهيرة .


إسمع يا مسعود وكُلَّ مَن يقرأون مقالاتنا نحن الكلدان الأصلاء . لنا إسمُنا النبيل هو الكلدان ، أينما كنا في كُلِّ جزءٍ من وطننا الأصلي العراق ، وفي أيِّ بقعةٍ من بقاع بلدان المهجر لن نساوم عليه مهما حصـل ، لا نسمح للأشرار بخَـدعِنا ، لا نقبل أن نُستدرجَ للوقوع في الفخ الذي يسعون لنصبه لنا ، إن العراق بأكملـه  هو الذي تهفـو إليه قلوبنا وترتاح بين أروقتـه نفـوسُنا ، ماذا دهاكم يا مَن كنتم إخـوتنا ، ماذا ستجنون إذا أنكرتم علينا إسمَنا ؟ لماذا تتعمَّدون وبإصرار جـرحَ مشاعرنا ، إنكم جزء عـزيز منا ما سببُ عِـدائكم الذي لايمكن أن نجدَ له معنى ؟ لماذا كُلُّ هذا السعي المضني في سبيل ايذائنا ؟ إن كان لا يروقكم إسمنا دعـونا وشأننا ، لا تتآمروا علينا ، وإذا كان بين صفـوفنا مَن أراد الغـدرَ بنا والإصطفاف مع أعدائنا ، فذاك شأنـه ولا يهمنا أو يعنينا . نحن الكلدان واقعيون لا يُمكننا العيش في الأوهام ، كيف نقبل بالاسم الآشوري المزور ، كيف نرضى بالاسم المركب ، إن كلمة الاسم الموقت هي خدعة كبرى ، إبتـداع اسم هو جنـون ، الكلدان هم الأكثرية الساحقة بين مسيحيي العراق ، ويجب أن يكون إسمهم الشامل والحاضن للكُل ولا حـلَّ إطـلاقاً إلا بـه .
 
 {{ 3 - من حق الكلدان إذا رغبوا باسم خاص بهم فقط إدراج ذلك في كل دساتير العالم ولكن عليهم أن يحسبوا الف مليون حساب لكي يقولوا لكل من يُؤمن بأنه كلداني بأن أرضك هي بجوار الحلة في بابل والناصرية والديوانية وغيرها من الأراضي التي كان يحكمها نبوخذنصر! ، يجب ان نكون واقعيين ولا نطير في السماء بدون اجنحة ، أين هي أرضكم أيها الأخوة الكلدان ؟ ان ارضكم ليست بعددكم وليست في قُرى نينوى الآشورية أبداً ، أرضكم معروفة للجميع ولا تستطيعون الأقتراب منها أو المطالبة بها الى أبد الآبدين هذا إذا كانت لكم إثباتات وبراهين بأنكم كلدان حقاً ضمن التسلسل الوثائقي الذي يعود الى الكلدة ، الكثير من الكلدان الحاليين جاء اليهم اللقب بالوراثة ولا ننسى أن القسم منهم كانوا آراميين وكانوا آشوريين وكانوا سريان من جماعة مار يعقوب وكانوا وكانوا ، البعض من الكلدان انهزموا من جنوب العراق ولجأوا الى شمالهِ والقسم الآخر ذهب الى سوريا والى تركيا والى قبرص واليونان والى اماكن أخرى }}


3 - إنـه الهذيان بكُلِّ معنى الكلمة ، ومَن يقرأ هذا الكلام يرثى لسذاجة وجهل كاتبه ، إنَّ أرضنا كانت العراق كُـلَّه ، ولكنَّ العراق استُحِـلَّ مِن قبـل أقـوام تفوَّقت قدرتهم على قدرة الكلدان فاستولوا عليه ، ثم تعاقب على حكمه الكثير من الأقوام الاخرى ، لقد كانت المدائن عاصمة الفرس لمدة ستة قرون ثمَّ استحلها العرب ، فهل بإمكان الفرس المطالبة بها ؟ وهل بإمكان تركيا وريثة السلطنة العثمانية التي كانت تحكم العراق أن تطالب بمنطقة كركوك لتركمانها في العراق ؟ إذا كان الأمر حسب هذيانك بأن على الكلدان أن يطالبوا بالحلة وبابل والناصرية والديوانية وغيرها ، وأنت تعلم ان سكانها هم عربٌ بالكامل وقد فارقها الكلدان الساكنون فيها منذ زمن سحيق والتحقوا بإخوتهم في الموصل والقرى التابعة لها ، كيف تريد منهم أن يطالبوا بها ؟ ها هي الشرقاطـ التي كانت العاصمة الاولى للاشوريين ومنها انطـلقـت غزواتهـم للمناطـق الأخرى لماذا لا تُـطالب دعاة الآشورية المزيفة أن يطالبـوا بها ؟ أليس لأن سكانها الحاليـين هم عـرب ! وها هي أربايلو " أربيل " التي كانت يوماً آشورية ، هل بإمكان أدعياء الآشورية المزيفين أن يطالبوا بها لأنها الآن هاولير كردية وغالبية سكانها أكراد  ؟ أم فـقـط يستطيعون المطالبة بسهل نينوى مثوى الكلدان منذ انقراض الآشوريين وحتى الآن ! هل لو كان سكان قرى هذا السهل عرباً أو كُرداً كان باستطاعة الآشوريين المزيفين المطالبة به ؟ الكلدان هم القـوم الوحيد ذو الارومة الخالصة بين سائر أقـوام الشرق الأوسط بالرغم مما تعرضوا له من اضطهاداتٍ قاسية عبر الزمن .

لقد أشار سجلّ التاريخ البشري الى وجود الشعب الكلداني كأقدم شعبٍ  ظهر في جنوب ووسط بلاد ما بين النهرين وسواحل الخليج  - الخليج العربي اليوم - منذ أقدم العهود الغابرة ،  ولذلك  سُمِّيَ بالخليج الكلدي ، وقد دُعيَ هذا الشعب  بالكلداني  لتَضَلُّعِه  بمُختلف أنـوع العلوم  والمعرفة  وتَفَرُّدِه  بِعِلم الفَلَك  ،  فقد أرجعت  بعضُ  المصادر التاريخية  ذكرَه الى أربعة آلاف وخمسمئة عام  قبل الميلاد ( انظر كتاب التاريخ العام /  احمد رفيق - الجزء الأول ص. 163 - 196  وكتاب تاريخ الجنس العربي / محمد دروزة  - المجلد الثالث ص. 24 ) <  هناكَ  مَن  يقول ،  إن الكـلدان هم أقـدم  الموجـات الـبشرية >  وفي كتابه ( مروج الذهب / الباب العشرين  يقول المسعودي ) < جاء  ذكرُ  ملوك  بابل  وهم من النُبط   وغيرهم الذين عُرفـوا  بالكلدانيين > وجاء ذكـرُ الكلدان  في  كتاب <  بوليطيا / لآرسطوطاليس ،  وكـتب بصدد الكلدان المؤرخ  بطـليموس قائلاً ( امّة الكـلدان ودار مملكـتهم العـظـمى < كلواذي > من أرض العراق "  بلاد ما بين النهرين "  وإليها  اضيفـوا ،  وكانـوا شعـوباً  وقـبائـل ، ومنهم : النونـيـون  ،  الآثوريون  ،  الارمان  ،  الاردوان  ،  الجرامقة  ونـُبـط العراق وأهـل السواد . )  وذكر أبـو الحسن المسعـودي في كـتاب ( ألتنبيه والاشراف > ص. 68 - 69 )  <  إن الامم التي تـفـرّع مـنها البـشر بـعُرف الاولين هم : (  الفرس  ،  الكلدان  ،  اليونان  والروم  والافـرنج  ،  العرب  ،  أجناس الترك  ،  الهند  والصين ،  وكانت بـلاد الكـلـدان  تشمل :  العـراق ، ديـار  ربـيعة ، ديـار مُضـر ، الشام ، بـلاد العرب اليوم : الـيمن ، الـتهامة ، الحجاز ، الـيمامة ، الـعروض ، البحرين ،الشحر ، حضرموت ، عـُمان ، وهـذه جزيرة العـرب كانـت كـلـُّها مملكة واحـدة ، يملكُها مـلكٌ واحد سرياني وهو اللسان الأول لسان آدم  ونوح  وابراهيم عليهم السلام . > ، وبهذا المنحى يعـزو القول الى الذين عنوا بأخـبار الامم وبحـثـوا سِـيَر الاجـيال ، إبن العبري في كـتابه ( مختصر تاريخ الدول ص 3 ) < إن اصـول الامم من سالف الدهر سبعة هي : ( الفرس  ،  الكلدان  ،  اليونانـيـون  ،  القبط والـتـرك  ،  الهند  ،  والصين  ، ومنهم تفـرّعـت الشعـوب والمِلَـل ، وهم على كـثرتهـم نوعان ، نـوع عنيَ بالـعـلوم كالكـلدانـيـيـن والفرس وغـيرهم ، ونوع لم يعتني بالعلم  كالترك  والصين . >  وقال الأب انستاس الكرملي  في كتابه (  مجلة لغة العرب > المجلد الأول ص. 52 ) < كان الكـلدانـيـون  في  سابـق عهدهم امة عظيمة بلغت من شأن الحضارة مبلغاً بعيداً ، استوطنت بلاد الرافدين من شمالها الى جنوبها ، وطبّـقت الخافقـين شُهرَتُها ، ذكرهم الأقـدمون على اختـلاف أجيالهم ولغـاتهم في كُتُبِهم ، ولا سيما  المُحدَثـون  منهم  بسبب  كثرة  اهتمامهم  وتـتبّـعهم  للحقائق .>  ويُضيــف في ( الصفحة - 54 و55 ) <  وجـاءَت تسميتهم  بأشكال مختـلفة  مثل " كسدي وكشديم " وتعـنيان  كـثـيـري الكـسب  إذ كان الكـلدانيـون مشهـورين بكثرة كَسْبِهم وكُبْر حُبّهِم لعيالهم ، وقال بعضُ المحللين ، بأن أصل تسميتهم هي  كرديم وليس كسديم أو كشديم ، أما في نُسَخ التوراة باللـغة العربية < خلديـيـن > ويعود ذلك الى تشابه الحرفين الكاف والخاء في اللغة الآرامية .

وذَكَرَ  بطرس نصري  في( كتابه / ذَخيرة الأذهان / الجزء الأول ص. 24 - 25 )<  بأن أولَ  دولةٍ  ظَهَرَت  بعد الطوَفان هي الدولة الكلدانية أسَّسَها  الملك نَمرود الجبّار ومَلَكَ عليها مِن بعدِه بنوه ،  وأعظمُهم شُهرةً  كان اورخاميس ،  سَقَطت هذه الدولة  بحدود عام 2449 ق . م ، حيث استولت عليها دولة ايرانيـة زُهاءَ قرنـَين وربع القرن ، وأعقبَتها دولة عيلامية وحَكَمَت لمدة  قرنَين وربع القرن أيضاً ، ثُمَّ  استعادها الكلدانُ أصحابُها الأصليون  منذ عام 2000 ق. م  وامتدَّ حُكمُهم لمدة 245 عاماً >  ويذكُر أحمد سوسة في كتابه ( حضارة العرب ومراحل تَطوِّرها ص. 159 - 162) < وبَرَزَت خلال هذه الفترة  دولة  أو امارةُ القُطر البحري وعُرفَت  بسُلالة الامراء ، وكان ظُهورُها على عهد خليفة حمورابي ( شمس - ايلونا ) وباعتبارها امتداداً لسُلالة بابل الاولى التي أسسها الملك العموري ( سمو آبوم 1894 - 1881 ق . م )  وجَعلَ مِن بابـل عاصمةً لها مُستقِـلَّةً عن سُلطة سُلالة اور الثالثة ،  ويؤيِّدُ ذلك المؤرخ هاري ساكز في كتابه ( عظمة بابل / ترجمة  الدكتور عامر سليمان ص. 90 ) <  في العام الثامن والعشرين  مِن حُكم  شمس ايـلونا  بنِ حمورابي ، حَدَثـت ثورة  في جنوب البلاد  بمنطقة الأهوار المعروفة ببلاد البحر والتي لم يستطِع إخضاعَها ، ونتيجةً لذلك ظهَرَت سُلالة القطر البحري وسيطرَت على البلاد السومرية أثناءً حُكمِها الذي ناهزَ المئَتي عام .
 {{ 4 - أبحثوا أيها الأخوة الكلدان الى ما يجمع الأمة ، أمة السورايي بأي اسم يكون قبل فواة الأوان ولا تتعالون لأن كما قال لنا قبل أيام أحد الأخوة سيأتي يوم ويقولون لكم ان أرضكم ليست في سهل نينوى ، هذه الأرض ليست ارض كلدانية كما تدعون ، تفضلوا وأذهبوا الى أرضكم التاريخية التي تتكلمون عنها ، وعندها يكون خراب البيت والله يرحم الراحمين }}


4 - إنه كلام المرتزقة الذين يُرعبهم اسم الكلدان النبيل والأصيل ، الذي يتهاوى عند ذكره الاسم الآشوري الوثني الى الحضيض ، لأنه كان نقمة ً على متبنيه  الأولين فأدّى بهم الى الهلاك الأبـدي ، ولا نتمنى أن يكون نقمة ً على منتحليه المعاصرين ، فيؤدي بهم الى نفس المصير ، لأنهم أحبابنا وجزء عـزيز من امتنا الكلدانية وإن تمردَ عليها وأنكرها ، مخدوعاً من قبل الغرباء أعـداء البشرية جمعاء ، اولئك الذين لم تسلم من شرهم مختلف شعوب الأرض . تُـرى ، الم يكن الخوف دافعاً لذلك الواحد من إخوتك يا مسعود الذي قال لكم" ومن انتم الذين قال لكم ، أجبهة لمساندة الآشوريين المزيَّفين ضِدَّ الكلدان  ؟ بالتأكيد إذا كنتَ صادقاً فإنه قال ذلك الكلام لإحساسه بأن ذلك اليوم ليس مستبعداً عندما يُقال : أيها التياريون الدخلاء الوافـدون الى العراق ، غادروا الى بلادكم الواقعة ضمن الأراضي التركية ، لأنكم لستم أهلاً للإقامة في العراق . إن نقاطك الباقية لا تستأهل الردَّ مني ، إذ جعلت من نفسك مسيحياً مؤمناً بعد أن تهجمت بكل صلافةٍ على الكلدان المؤمنين الحقيقيين بالمسيح له المجـد والسجود ، فهو المعين الأوحد للكلدان في كُلِّ محنهم ! كيف يُعـقل ان تكون شماساً في الكنيسة الكلدانية وتُهاجم الكلدان بمثل هذا التحامل والعِداء ؟ أليس الأب حبيب النوفلي كاهناً كلدانياً ، أليس عبدالله النوفلي مسؤولاً على أوقاف الكلدان ؟ أليس كلاهما أخويك ؟ أليس لديك احترام لهما وتقدير لمركزهما ؟ نصيحة مني ولكي تعرف مِن هم منتحلو الآشورية المعاصرون إقرأ أحدث مقالتي بصددهم على الرابط أدناه :

http:/www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=335310.0 

الشماس  كوركيس مردو
25 / 11 / 2009


مـلاحظة : كنتُ قد كتبتُ الجزء الأول والثاني من عنوان مقالي أعلاه في نفس اليوم 25 /11 / 2009 ، وارتأيت أن ارسل الجزء الثاني بعد عدة أيام من إرسال الأول ، ودون أن ينتظر بعض الجهلة والمتعصبين نشر الجزء الثاني ،  إنهالوا عليَّ هجـوماً بأقلامهم المبتـورة وباسلوبهم التشنجي المتخلـَّف البعيد عن النهج العلمي والحضاري ، لأنهم على جهل ٍ مطبق بتاريخنا القـومي والكنسي بحقيقته العلمية الأكاديمية ، ولأن عقولهم منغلقة لا تستطيع استيعاب الحقيقة ، يقومون بتحريفها لتتوافق مع أهدافهم السياسية التي يرمون من ورائها المنافع الخاصة بهم وبأحزابهم الإنتهازية البعيدة كُلَّ البعد عن تطلعات شعبنا المسيحي . إن هؤلاء المتزمتين الجهلة تجرحهم الحقيقة ولا يستطيعون جَـرعَـها فهي بالنسبة لهم مُـرَّة ٌ كالحنظل . وأنا بدوري لا أعيرهم أدنى اهتمام وستستمر كلمتي الصادقة تُجلجـل في آذانهم كالصاعقة لتُهـدم قـلاع جهلهم وعنادهم .


الشماس كوركيس مردو
في 28 / 11 / 2009   
         

173


رَدٌّ على جاهل ِالتاريخ أو متعَمـِّدِ الجـهل ِبالتاريخ

الجزء الأول


نشر السيد مسعود هرمز النوفلي مقالاً تـَحامُلياً بعنوان ( دُعاة الكلدانية والمجلس الشعبي الى أين ؟)
                                                                                                                                                                                                                                                         الرابط : http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=366665.0

إستهلَّ مسعود مقالـَه بهذه الديباجة مقتبساً إياها بحسب قـوله من موسوعة " ويكيبيديا " حيث يقول :

{{ تقول موسوعة ويكيبيديا بأن حضارات العالم قبل نهاية القرن الثامن عشر قد بُنيت على أسس دينية ولم يكُن هناك مفهوم القومية كما هو معمول به حالياً ، وبعد ذلك التاريخ وفي بداية القرن التاسع عشر تم تكوين وانشاء دول على اساس الهوية القومية بعد بزوغ ثلاث نظريات في العالم لمفهوم القومية وهي :
1 - القتومية على اساس وحدة اللغة ، مثال المانيا وايطاليا ،
2 - القومية على اساس العيش المشترك أي وحدة الأرادة الشعبية ، مثال ما طرحه المفكر الفرنسي أرنست رينان واضع مفهوم الأمة في السوربون عام 1882 والذي اضاف الى الأرادة المشتركة في العيش عُنصري التاريخ والتراث
3 - القومية على اساس الوحدة الأقتصادية ، مثال ماركس
لقد نشأ مفهوم النزعة القومية للمرة الأولى في ايطاليا عام 1835 من قبل الزعيم السياسي الأيطالي ماتزيني بحسب موسوعة ويكيبيديا ، حيث قال " إن القومية هى انتماء جماعة بشرية واحدة لوطن واحد شريطة أن يجمعها تاريخ مشترك ولغة واحدة في أرض هذا الوطن " ، بعد ذلك أضاف الألمان في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وحدة الثقافة العامة النابعة من اللغة ووحدة التأثير الروحي الديني في المجتمع ومن ثم جاء ماركس وأضاف وحدة السوق الأقتصادية والتكوين النفسي }}
عن هذه الديباجة بنى مسعود إستنتاجَه ونسبـَه الى المسيحيين تعميماً بقـولـه : ( عندما نقارن نحن المسيحيين والصحيح " نحن المسيحيون " هذه المفاهيم مع بعضها البعض نستنتج ما يلي :
{{ 1 -  نستطيع ربط مفاهيم النظريات الثلاث بالنسبة الى الآشوريين بصورة سريعة وشاملة وذلك لتوفر أغلب ما جاء به المُفكرين والصحيح " المفكـرون " من وحدة اللغة والتاريخ والتراث والأرادة والعنصر المهم جداً هو الأرض لأنه كما نعلم بأن أغلب القرى المسيحية في الشمال كانت آشورية فعندما يطلب والصحيح " يطالب " أي حزب أو تجمع سياسي بذلك فانه سيكون على حق بناءً على كل المعطيات التاريخية والجغرافية والسُكانية }}

ونحن نقـول لمسعـود الجاهل أو المتعمد الجهلَ بالتاريخ : في العـهد القديم لم تكن هنالك قـوانين تُقـر الحقَّ الجغرافي لقـوم من الأقـوام ، بل كانت القـوة وحدها التي تفرض إرادة صاحبها على المنطقة الجغرافية التي ينتزعها من مستوطنيها وتُصبح ملكاً له ما لم يقدر أن يزيحهم منها صاحب قـوةٍ آخر ، وهكذا استطاع الآشوريون أن ينتزعوا الإقليم السومري من منتزعيه الشوباريين الذين سبقوهم وأطلقوا عليه إسمهم فأصبح الإقليم الآشوري . فعندما استطاع الكلدان في الربع الأخير من القرن السابع قبـل الميلاد تدمير الدولة الآشورية والقضاء عليها القضاء المبرم كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً أصبح الإقليم الآشوري مستملَكاً من الكلدان وشغـل أبناؤهم مناطق الإقليم الآشوري الشاغرة من سكانها الآشوريين المبادين منذ ذلك الزمان وحتى اليوم ، وهذا ما يؤكده علماء التاريخ والآثاريون ونُدرج أدناه أقـوال البعض منهم :
ماذا كان مصيرُ الآشوريين بعد سقوط دولتِهم ؟

الى أيِّ مصير انتهى الآشوريون بعد زوال دولتهم ؟ إنه سؤال يحظى بجوابٍ مُزدوج هو سهلٌ وصَعبٌ معاً ، فالصعوبة تكمُنُ في قِلة المصادر الآشورية الموَثَّقة  بل نُدرتُها وانعدام وجودِها تماماً بعد سقوط الدولة الآشورية ،  مِمّا يدعو الى الإعتقاد  بأن الإبادة الجِماعية للشعب الآشوري قد حدثت فعلاً  ،  ولا يُخفي العديدُ مِن المؤرخين ايمانَهم بذلك  أمثال ( المؤرخ والآثاري نيكولاس بوستكَيت Nicholas Postgate و سدني سمِث Sydney Smith والباحث الآثوري الأصل سيمو باربولا Simo Parpola والمؤرخ اليوناني المُرافق العسكري زينوفون Xenophon ) حيث أكَّدوا انقراضَ الآشوريين نتيجة الإبادة الجماعية التي تَعَرَّضوا لها .

يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122 ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ لبِلادِ آشور ! >  ويقول البروفيسور  سيمو باربولا / جامعة هلسنكي  ( بعد حَربٍ أهليةٍ مُطوَّلة استطاع البابليون أي الكلدان والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان >  ساحقين بذلك آخِرَ خَندق للمقاومة لملكِ بلاد آشور الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث خَتَمَ مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّفقون وبدونِ الإدلاءِ علناً مع الفِكرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف وَفرَةِ المعلومات عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي تبدو أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات  شهود العَيان القُدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ الأب ألبير أبونا  في مقالتِهِ المنشورة  في موقع عَنكاوا.كوم  الالكتروني  < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين  وبعض المُنجرفين  وراءَهم من الكلدان المُغَرَّر بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثبات عدم انقراض الآشوريين النهائي بأدِلَّةٍ علمية وتاريخية بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف.
قد يَدَّعي  بعضُ مَن تؤلمُهم الحقيقة بأن سقوط الممالك والإمبراطوريات لا يَعني النهاية لشعوبها ، وهذا مِمّا لا رَيْبَ فيه ويدخلُ ضمن أحكام التاريخ ويُقِرُّ به المؤرخون والباحثون جميعاً ، وقد أقرَّ به فعلاً المؤرخون الذين أكَّدوا حدوث الإبادة الجماعية للآشوريين ، إلا أنهم استدركوا قائلين وهم حيارى ،  لماذا استثنى التاريخُ الآشوريين مِن حُكمِه هذا ؟ أما ما يَدَّعيه المشارقة ( الكلدان ) سُكّان منطقة آثور الجبلية مُنتحلو التسمية الآشورية المُعاصرون والمُتعاطفون معهم جهلاً أو إغراءً مِن أبناء الكلدان المُغرَّر بهم ، فيقولون أنهم لا يُنكرون بأن المدن الآشورية قد طالها التدمير الكامل والشامل ، وأن الطبقة الآشورية الحاكمة بالإضافة الى النبلاء والقيادات العسكرية وأفراد الجيش المُحاربين قد أُبيدوا بالكامل واستُبيحت القصور ونُهِبَت المُمتلكات ، إلا أن العديدَ  مِن أبناء الشعب الذين لم تلتهمهم النيرانُ ولم يُؤخَذوا بحَدِّ السيوف ولم تطلهم أسِنَّة الرِماح، استطاعوا الفرار والإلتجاءَ الى أماكن بعيدة ، ولكن أية أماكن كانت تلكَ ؟ لا يعلمون ، لأنهم تخميناً يُخَمِّنون ، ثمَّ يُضيفون ، وأنهم بعد حين عادوا الى مُدنهم وقراهم المُدَمرة وعاشوا فيها مع بقية الأقوام التي كانت قد شغلت المناطق الآشورية بعد سقوط الدولة ، إذا كان الأمر كذلك  ،  لماذا لم يُجاهروا باسمهم لمدة خمسةٍ وعشرين قرناً ؟ ( مقتطفات من المجلد الأول لكتابي " الكلدان والآشوريون عبر القرون " )
إن منتحلي التسمية الآشورية المعاصرين هم أحفاد الجماعة الضئيلة العدد من الكلدان النساطرة الذين انعزلوا عن إخوتهم أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية الذين قاموا بإصلاح مسيرة كنيستهم في منتصف القرن السادس عشر وإنقاذها من استبداد رئاستها الممثلة ببطاركة آل أبونا ، حيث استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الأصيل مذهب الكنيسة الجامعة المذهب الكاثوليكي الذي كانوا عليه منذ تأسيس كنيستهم " كنيسة المشرق " في القرن الأول وحتى القرن الخامس ، حيث أجبِروا بعد ذلك على اعتناق المذهب النسطوري ، وساروا عليه حتى الإنتفاضة المباركة في عام 1552 وقد تمردَ أبناء هذه الجماعة المشار اليها على انتفاضة إخوتهم نكاية ً بهم ليس إلا ، وأصروا على البقاء في بودقة المذهب النسطوري حتى تلقـفتهم بعثات التبشير البروتستاتية والأنكليكانية الإنكليزية وكانت أقواهم بعثة رئيس أساقفة كنيسة كاتيربري برئاسة وليم ويكرام ، التي كانت أهدافها سياسية أكثرمنها روحية دينية لأنها كانت تعمل بإمرة المخابرات الإنكليزية ولصالحها . 

الأهداف الخفـيـَّـة للمملـكـة المتحدة الانكليزية

إذا كانت الشواهدُ على مُجريات التاريخ تؤَكِّدُ انقراضَ الآشوريين بعد سقوطِ  نينوى المأساوي عام 612 ق . م  والقضاءِ المُبرم بعد ثلاث سنوات على بقاياهم الذين استطاعوا الإفلات مِن ألسنة السيوف والنيران واللجوءَ الى المدينة الغربية حرّان ، ومِن ثمَّ زوال اسمهم مِن ذاكرة التاريخ ،  كيف يا تُرى ظهر إسمُهم ثانيةً  وعلى حين غَرَّةٍ بعد اختفائه لمُدَّةِ خمسةٍ وعشرين قرناً ووُجدَ له أتباع ؟ أليسَ وراءَ أكَمةِ هذا الظهور المُفاجيء لُغزٌ ؟ أجلْ ، إنها الدوافع الخفية  لتحقيق أهدافٍ تسعى إليها  جِهة دولية  قوية هي المملكة الانكليزية المُتحدة ! أرادَت مِن إحياء هذا الاسم وإطلاقه على جزءٍ عزيـز مِن شعـبـنا الكـلداني المعروف بالنسطوري والـقاطـن في منطـقة آثور الجبـلية ( هيكاري ) لجعلِه كبشَ فداءٍ لتقويةِ نفوذِها الاستعماري ، حيث كان الـتـنافسُ على أشُـدِّه  بين الدول الإستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا وألمانيا ) في أواخر القرن التاسع عشر للإستحواذ على أوسع رقعةٍ جغرافية مِن المناطق الخاضعة للنفوذ العثماني ، ومِن أجل هذا الغرض كانت تتسابقُ كُلُّ واحـدةٍ مِن هذه الدول على التدخُّـل في  شؤون الـدولة العـثمانية الهَـرِمة والتي لُقِّبت ( بالرَجُل المريض ) حيث كان الإنحِلالُ قد دَبَّ في أوصالها ،  ورأت أن قيامَها بايـقاظ النعرات القومية والطائفـية والدينية  بين أبناء الشعـوب الرازحة تحت حُكم هذه الـدولة العاتية هو الوسيلة الأسرع لـزرع الشك وانعـدام الثقة بين بعضهم البعض فعمدت الى ايقاد نار الفِتَن بينهم ، وقد لعبت البعثات التبشيرية الاوروبـية دوراً بارزاً في تهـيئةِ مناخ مُساعد لإستثارةِ النـزعات القومية والديـنية ،  وكان دورُ  بـعثة الكنيسة الانكليكانية  ( بعثة اسقف كانتِربري ) الأشَـدَّ خِداعاً وتخريباً بين أدوار البعثات الاخرى ، حيث يُشيرُ  أحمد سوسة الى هذا الدور في كتابه  ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص . 596 - 597 ) <  وَفـَـدَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيـرية انكليـزية ، وحاولت  تحـويـل هذه الـجماعة  مِن مذهبهم النسطوري الى مذهـبها البروتستانـتي ، غيرَ أنها لم تُـفلح ، ولكنها نَجَحَـت في إقـناعهم بأن ( النسطورية  -  النساطرة ) لا تـليـقان بهم ، وعليهم استبـدالهما بلفظتي ( آثور -  آثوريين ) لكي ترفعا مِن شأنهم في الأوساط العالمية ، ويكون بالإمكان في هذه الحال نَسبُهما الى الآشوريين القدماء ، ويُضيـفُ سوسة  ، لم يـذَّخِر رئيسُ الـبعثة  وليم ويكرام وِسعاً في لعـب دور دعائيٍّ كبير لنشر هذا الاسم ( آثوريين ) وتعريف العالَم بالمأساة التي تعرَّضَ لها مَن دعاهم ( أحفاد شلمَنَصَّر ) ، بينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قـدوم هؤلاء المُبشِّرين .

ومِن أهمِّ الأهـداف التي سَعَـت المملكة المتحـدة لتحـقيـقَها عن طريـق هؤلاء النساطرة الذين أثـوَرتهـم بالإضافة الى جانـب إيـجاد موطيءِ قـدم لها في لُـبِّ السلطـنة العثمانية، ومنافسة نفوذِ روسيا القيصرية فرض رأيها بشؤون السلطنة ، كان سعيُها الى ايقاف المد الكاثوليكي الذي كادَ يكتسح منطقة نفوذ مار شمعون ،  فاستخدمت لتحقيق هذا الغرض مبعـوثي كنيسة كانتيربري الأنكـليكانـية وأسطـع بُرهان على ذلك ما أوردته ( مجلة النجم في عَدَدِها الخامس لسنة 1929م ): < كانت بعثة رهبانية كاثوليكية دومنيكية قد حَلَّت في منطقة رعايا مار شمعون المشارقة الكـلدان المعروفـين بالنساطرة ، قامت بأنـشطـةٍ متـنـوِّعة حيث أنشأت مدارسَ لهـؤلاء النساطرة الكـلدان ووَفـَّـرَت لهم مُخـتـلف الخـدمات الطبـية ، فـنالـت التقـديرَ والثناء مِن لَـدُنهم وأقبلـوا على اكـتساب العِلم والثـقافة فشكَّـلَ ذلك غضباً وامتعاضاً لدي المبشريـن الأنكـليكان لسبَـبَـين أولهما رفض النساطرة لمطـلبهم بتغـيير مذهبهم النسطوري الى الأنكـليكاني البروتستانـتي ، والثاني خِشيتهم مِن ضياع الفرصة على الانكليز في استغلالهم لتحقيق أهدافهم الإستعمارية عن طريقـهم فيما لو تـكـثـلكوا حيث سيُصبـح تَوَحُّـدُهم تحت راية الكنيسة الام الجامعة مفروغاً منه تلقائياً ، ولَما أفلحوا في ايجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً مِن تسميتهم القومية الكلدانية الأصيلة ، فصَمَّموا على فعل كُلِّ ما بوسعهم لقلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثَمَن وبأية وسيلة .

وذكرت ( مجلة النجم العدد الخامس لعام 1929 م )  وعِبر مُخططهم هذا علموا بأن مار شمعون روبين طلب مِن شقـيقِه وابن عَمِّه أن يُسافـرا الى الموصل ،  ويطـلبا مقابـلة البطريرك الكلداني الكاثوليكي للبحث في موضوع توحيد شطرَي الكنيسة ، وفي أثناء وجود مبعوثي مار شمعون في الموصل للتـفـاوض بشأن الوحدة ، وافت مار شمعون المَنِيَّة عام 1903م ، وقـيل بأن الانـكلـيـز كانوا وراء الـوفاة ، حيث استغـلوا غيابَ إبن عم مار شمعون المُرشَّح لخلافتِه لوجوده في الموصل ، وقاموا ببذل جهودٍ مُضنية لتشجيع وإقناع النساطرة لتـنصيب إبن شقيق مار شمعون الثاني بطريركاً بدلا ً عنه ،  وبذلك استطاعوا إضاعة فرصة قيام الوحدة ، وكانت تلك ضربةَ قاصمة  > ( مقتطفات من المجلد الأول لكتابي " الكلدان والآشوريون عبر القرون " )
عن أية معطيات تاريخية تتحدَّث يا سيد مسعـود ، المعطيات المسيسة أم المعطيات الحقيقية التي أوضحناها ، هل تستطيع أن تُعـدد لنا كم عدد الآثوريين عفواً الآشوريين المزورين في كُلّ مناطق سهل نينوى شمالها وجنوبها وغربها ، أليس القاطنون فيها كلداناً ! ونقول نحن الكلدان لهؤلاء الآشوريين المزورين ، لتكن لكم آثار اآشوريي التاريخ القدماء الذين انتحلتم تسميتهم الوثنية زوراً وبهتاناً ولنا نحن الكلدان الأرض ، تماما كما قال يوماً السيد جلال الطالباني لكم اُلآثار ولنا الأرض . نكتفي بهذا القدر وسنفنـد أقوالك في الفقرات التالية من مقالك التحاملي والإنحيازي السافر الى جانب الإدعايين المزيفين في الجزء الثاني قريباً بعون الله .

الشماس كوركيس مردو
في 25 / 11 / 2009     

174


رفـع مأجورو المجلس الشعبي عقيرتـَهم دفاعاً عن ديكتاتوريته الشوفينية




إن غالبية العمـلاء والمأجورين يفقدون ضمائرهم بـل بالأحرى يبيعـونها للمُنعِمين عليهم بالدولارات الحـرام ، فيـَجهدون بكُـلّ طـاقاتهم القاصرة عـلمياً وثقافـياً دون حياءٍ أو خـجـل ٍ، ليشوِّهـوا الحقائق وينتصروا للأباطـيل لأن ذلك هوالمطلوب منهم والذي على أساسه تـمَّ الإتفاق بينهم وبين مستأجريهم ، ولا يقـوم بمثل هذا العمل الدنيء إلا الذين وصفـناهم  بذوي الطاقات القاصرة الذين يتهافـتون لإلتقاط الفـُـتاة الفائـض عن الموائـد .                                                                                                                                                                                                                                                                                                            الكُلُّ يعلم مَن كان وراء انعقاد مؤتمر عنكاوة عام 2007 حيث قام باستقدام المشاركين فيه من داخل وخارج الوطن وعلى نفقته الخاصة إضافة ً الى تحمُّـلـه اجور إقامتهم . تـُرى ، هـل كان صاحب الدعوة السخيُّ جداً صافيَ النيـَّة بقيامه بهذا العمـل الكبير دون أن يكون قد رسم مخـطـطـات للنتائج التي سيتمخض عنـها المؤتمر؟ بالتأكيد كانت للسيد سركيس اغاجان أهداف غير التي أطلقها المجلس الشعبي المنبثق عن المؤتمر، حيث دعا المجلس للعمل على إجراء تقارب بين تنظيمات أبناء شعبنا من أجل توحيد خطابهم ليتمحور حول أهدافهم المستقبلية المشتركة في الوحدة الحقيقية المرتكزة على واقـع شعبنا الموضوعي ، والسعي الى الحـكـم الذاتي .


للغاية أعـلاه إنطلقـت دعـوات كثيرة وعُـقـدت اجتماعات عـديدة لتساعـدَ في ترسيخ وتفعيـل جهود المجلس ليكون كما تعهـَّدَ خيمة ظليلة وحاضنة وراعية للجميع ينعـدم فيها التمييز والتفرقة ، فأتلفَ معه عـدد من منظـمات وأحزاب وجمعـيات شعبنا ، ساهمت بـجِـدٍ في دفـع لجان المجلس للمضيِّ قـُـدُماً في أعمالها من حيث العمران وتجهيز المولدات وتـوزيع الإعانات وغيرها من المهمات ، ولكن سرعان ما انقلب المجلس على المتعاونين معه ولا سيما الكـلـدان منهم ، حيث أراد صهرهم في الـبودقة الآشورية الـمزيفـة ، وعندما لم يُـذعـنـوا لأوامره ، إمتـنـع عن تقـديم الـدعم المالي والمعـنوي لهم ، فاضطـر المجلس القـومي الكـلداني وجمعية الثقافة الكـلدانية للإنسحاب من المجلس الشعبي بسبب إستبـداده وانحيازه السافـر والمُـخـزي الى الجانـب الآشوري، حيث تبنى عمداً وبإصرار الشعارات الآشورية من حيث اعتماد عَـلـَم الآشوريين ونشيدِهم وشعارهم والإحتفال بيوم شهيدهم وسنتهم ، وتسخير فضائية عشتار لـتـنطـق بإسمهم .


واستمـرَّ المجلس الشعـبي الإنحـيازي في مسيرته السيئة تجاه الكـلـدان مع استمرار تـعاون بعـض الأحـزاب الآشورية معـه ، وقبـل ما يـقارب الشهرين أعـلن عن عـزمه على عـقد مؤتـمره الثاني في نهاية العام الحالي ، وشكـَّلَ لجـنة للـتحضير للمؤتمر ، وقامت الـلجـنة بزياراتٍ ميدانية الى مقـرّات أحـزاب وتنظيمات وجمعيات شعبنا المختلفة موجهة ً الدعـوة إليهم للمشاركة في أعمال المؤتمر ،ومؤكدة ً بأن المجلس فد عقـدَ العـزمَ على تجاوز السلبيات والأخطاء التي ابتـدرت منه خـلال العامين الماضيين وبـدءِ مرحلةٍ جـديدة مليئة بالتفاهم لإزالة كُـلِّ الخلافات التي رافقـت مسيرته ، وراحت اللجنة تعقـد جلسات تهيئة في المدن والقـرى المتواجـد فيها أبناء شعبنا من أجل هذا الهـدف ، وكانـت المؤشرات كُلـُّها ايجابية بالنسبة للمشاركة الجماعـية من قبـل كافة تنظيمات شعبنا .


ولكـنَّ الأمر الذي لم يكن في الحسبان هـو الـتآمر والغـدر الذي اعـتادَ المجلسُ ممارسته مع الـكـثير من فصائـل شعـبنا ، غـيـر أن الـغـدرَ بأقـرب المتعاونين معه فهو أمـرٌ مُحيِّر، وإن دَلَّ على شيء فهي الـشهوة في الإنقلاب على مبادئه التي أقـرَّها في مؤتمره التأسيسي الأول وعلى الـتـنظيمات المؤتـلفة معـه متعـمِّداً إزاحتها ومُـزاحمتها في الإنـتخابات المـقـبلة ، فانسحاب الأحـزاب الثلاثة < المنبر الديـمقراطـي الكلداني بزعامة المنشق سعيد شامايا والحزب الوطني الآشوري وحزب بيث نهرين الوطني > العاملة معه الى ما قبل 12 تشرين الثاني الجاري أوضح أسبابـَه البيانُ الصادر عنها في 13 / 11 / 2009 ، وهـو تحـوَّل المجلس من خـيمة تحتـضن الأحزاب الى فـصيل سياسي منافس معلناً قـرارَه بخـوض الإنتخابات المقبلة بمفرده متنصـلاً عن العمل القـومي بإطاره المشترك ، وهنا نطرح السؤال على مأجوري المجلس ومؤسسه : هل يُـعـقـل أن يـتجـرّأ المجلس رئيساً ومساعـدين وكوادر القـيام بكـُلِّ هذه الأعمال المشينة ضـدَّ عـمـوم تـنـظـيـمات وأحزاب  شعبنا بدون علم السيد أغاجان المؤسس والرئيس الفعلي ؟ كـلا ، فهو الآمر والناهي والمخطـط لسياسات المجلس .



أيها التبعة ، مَن هم العاجزون عن الإحساس بنبض الجماهير ؟ قيادات شعبنا العاملة منذ زمن في الساحة السياسية المسيحية بإخـلاصٍ وتفاني ، أم تلك  القيادة الباغية التي أوجدها الديكتاتور الصامتُ دهراً ثـمَّ الناطـقُ كُـفراً ؟ إنَّ شفاهكم المغطاة بقيءِ الدجـل الذي تقذفـه ألسنتكم الصفيقة ، وتسطـِّرٌه أقلامُـكم المسمومة ، مناصِرة ً الديكتاتور وزبانيته الإنتهازيين الذين يعملون كالسوس نـخـراً بجسد شعبنا الذي هَـدَّ قـواه القـفزُ على الحقائق الممارَس من قبل أفـرادهذه الشرذمة ذوي الأنانية المُفـرطة الساعية الى الإغـتناء من المال الحرام ، دون أن تردعهم القِـيم الروحية التي يتحلى بها إنسانـُـنا المسيحي الصابر على معاناته من قسوة الظروف المُلِمة به ، أهذا كان المؤَمـل  من هذا المجلس الذي اسِّسَ على الغِـش وكانت تصرفاتـُه كُـلـُّها غِـشاً في غِـش .


نحن لا نـُـنكر أنَّ السيد سركيس اغاجان قـدَّمَ خـدماتٍ جـليلة للمؤسسات الـكـنسية على اخـتـلاف مشاربها ، وقـد قـوبِـلَ عملـُه بالشكـران والتقـدير ، ولكن بموازاة هذا العمل كان عليه ايلاء اهتمام معادل ٍأو أكبـر لإقامة مشاريع تـنموية كالمعامل الإنتاجية والمجمعات الزراعية وحقـول ٍ لتفريخ الدجاج وغير ذلك ، لكي تُـساهم في انخفاض نسبة البطالة المستشرية بين أبناء شعبنا المهجَّـر وتجعل منهم أكثر تشبـُّـثاً بالبقاء في الوطن ، وإلا ما فائدة البيوت والكنائس إذا استمرَّ نـزيف الهجرة بمعـدلـِه الرهيب ، مَـن سيستقـر في البيوت بدون عمل . لقد   صُرفت مبالغ هائلة في البذخ والتـرف كان المستفيد الأكبر منها أزلام السيد اغاجان  مِـن دَهَـنة الأكـتاف والمنظـرين الدجالين الذين لا يهمهم مصير الشعب .


وفي الختام ، إذا كان للمجلس الذي تـدَنـَّت شعبيتـُـه الى الحضيض ، بصيصٌ من الأمل في إمكانية عقـد مؤتمره الثاني ، عليه تغيير نهجِه الديكتاتوري التفريقي الذي سار عليه منذ تأسيسه وحتى الآن ، نابذاً التعنصر القومي والإنحياز الأعمى للمكون الآشوري التافه ،  آخـذاً العِبَر من الإخفاقات التي مُنيَ بها وهي من الكثرة بحيث لا تـُحصى . عليه بمراجعة الذات والإقـرار بأننا شعب واحد بقـومياتٍ ثلاث ولكُلٍّ منها وجـود وخصوصية وهي ( الكلدانية والسريانية والآشورية ) لا تقبـل الدمج أوالتركيب أو الإختـزال ، وإنَّ أيَّ تـلاعبٍ فيها يؤدي الى تناحرٍ بين الشعب وفرقـةٍ وتباعـُد ، فإذا جنـحَ المجلس الى إصلاح ذات البين بينه وبين مختلف تنظيمات شعبنا ووقـف بمسافةٍ متساوية من جميعها ، سيكون دورُه مشرفاً وفـعـالاً في استمرار شعبنا بتواجـده في دياره التاريخية ، إنـَّه امتحان عسير والمجلس مدعـوٌّ لإجتيازه، فهو أهل لذلك بما يمتلكه من إمكانياتٍ مالية إذا أحسنَ استثمارها .



الشماس كوركيس مردو
في 24 / 11 / 2009


175

مُـلاحظات على ردود هنري يوخنا على حبيب تومي

في 14 /11 /2009 كتب السيد هنري يوخنا مقالاً بعنوان  "  الى الأخ حبيب تومي والى كُلِّ المشككين بآشوريتنا "

الرابط  :  http:/www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=365009.0

بدأ السيد هنري مقاله بتعريف ذاته باعتباره مشاركاً جديداً في الكتابة بموقع عنكاوا ، وما كنت لأردَّ عليه لـو اقتصر عنوان مقاله  " الى الأخ حبيب تومي فقط  " ولكن تعـداه الى كـُلِّ المشككين بآشوريته ، وحيث إنني أول المشككين بالآشورية المعاصرة وليس التاريخية القديمة ، ويظهر ان السيد هنري لم يقرأ مقالاتي العديدة بهذا الصدد ، ولذلك فإنني اشير إليه أن يُحاول قراءة أحدث مقالاتي

على الرابط  :  http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=335310.0

(( الى الأستاذ حبيب تومي في البداية أريد أن أعلمك بأنني شخص مستقل أشوري ولست تابع ( تابعاً ) لأي جهة أو من الأقلام المأجورة ولكن غيرتي الأشورية دفعتني للرد على ما ذكرته في مقالك الانفصالي بطبعه والذي لا يبشر بأي وحدة مستقبلية للمسيحيين
فمن خلال قراءتنا لتعابيرك التي هي بعيدة عن الواقع تبين لنا ان لك حساسية مفرطة مع الحزب الأشوري و لا نعرف اذا كانت المسالة شخصية ام خوفك على القومية الكلدانية كما ذكرت ))

يدعي الرجل بأنه ليس تابعاً لأية جهةٍ ولا من الأقلام المأجورة وبعبارته الأخيرة يعترف بأن هنالك أقلاماً مأجورة بين أشباه الكتاب الآشوريين ، لكنه ليس من ضمنهم . إن الكلدان المخلصين الشرفاء بأجمعهم ومنهم حبيب تومي ليست لديهم أدنى حساسية من أي حـزبٍ من أحـزاب منتحلي التسمية الآشورية المعاصرة المزيفة الاسطورة الويكرامية الشهيرة ، ولكننهم نمقتون أباطيلهم المرتكزة على كُـلِّ أنواع التـزوير والإفتـراء ضِدَّ القـومية الكلدانية النبيلة والأعمق أصالة بين كافة القـوميات التي ظهرت على أديم بلاد ما بين النهرين، ولذلك فهم يفدون قـوميتهم بأرواحهم وليس بأقلامهم فحسب .
                                                                                                                                                                                                                               (( 1 - قبول الأخر
لقد ركزت كثيرا على مصطلح ( الأخر ) واتهمت الاحزاب الأشورية بافتقارها الى لغة الحوار وقبول الأخر .
فمن هو ( الأخر ) يا ترى؟؟ علما ان الأحزاب الأشورية كانت لوحدها في الساحة السياسية منذ بداية القرن العشرين تناضل وتقدم اغلى ما عندها وهم بالتاكيد الشباب الأشوري الواعي وذلك في سبيل تحقيق أهدافها وللدفاع عن قوميتها فلم يكن هناك أي ( أخر ) في الساحة ))

1 -  هل تحكم على ذاتك بالسذاجة أو الجهل أم التجاهل بأنك لا تعرف مَن هو الآخـر المقصود ؟ لماذا الكذب ياهنري ! أول حـزبٍ أو تنظيم مشؤوم تأسس في نهاية سبعـينات القـرن العشرين ، هو تنظـيم ( زوعا) الشوفيني الإجرامي ، وتـلـته بعشرات السنين احزاب اخرى لمنتحلي التسمية الآشورية المزيفة ، أما قـولك كان الشباب الآثوري ( الآشوري المزيف ) يناضل ، لا يا حبيبي بـل كان يُحارب دفاعاً عن مصالح المملكة المتحدة وتحقيق أهدافها الإستعمارية ، وهي التي أهدته التسمية الآثورية بدل تسميته ( الكلدانية النسطورية ) لكي تستند إليها إذا ما وفت بوعدها الكاذب بإقامة وطـن قـومي لهم على أنقاض الدولة الآشورية القديمة المنقرضة . أما الآخر الذي أنكرت معرفته ، فهي الأحزاب الكلدانية الفتية التي تأسست عند الحاجة إليها ، إذ قبل ذلك لم تكن امتهم الكلدانية بحاجةٍ الى الأحـزاب ، لأن أبناءَها كانوا ضمن الأحـزاب الوطنية العراقية ، فكان يمثلهم بطريركهم كعضو في مجلس الأعيان وعـدد من النواب في البرلمان .
     
(( 2 -  تحالفات الأحزاب الأشورية
لقد ذكرت أن الأحزاب الأشورية متخندقة لا تقبل أي لقاء أو حوار فيما بينها وقد يكون كلامك صحيحا لكن المهم في الأمر ان هدفهم واحد وهو الحفاظ على روح القومية الأشورية وليس نكران التاريخ ونسيان الأصل والأنجرار الى قومية اخرى من اجل مصالح وقتية مؤقتة
اما عن تحالفات الأحزاب الأشورية مع أي قوى عراقية فهذا أمر طبيعي لأنها تتحالف مع ابناء بلدها في حين هناك كتل سياسية عراقية اخرى تتحالف وتاخذ الاوامر من دول أخرى .  ))

2 - إذا كان التخندق صحيحاً ووارداً بالنسبة لأحـزابكم ، لماذا تتحـرش بالأحـزاب الكلدانية وتشن ضِدّها حرباً افترائية شرسة ، لماذا ترتعب من تخندقـها ؟ هل حلال لأحـزابكم التكتل والتخندق وللأحزاب الكلدانية حرام ؟ لماذا أقمتم الدنيا ولم تُقعدوها عندما تحالف الحزب الديمقراطي الكلداني مع الحزب الديمقراطي الكردستاني في انتخابات 2005 ، ؟ أليس الحزت الكردستاني عراقياً ؟ فلماذا لم تعتبروا الأمر طبيعياً ؟
   
(( 3 -  النزعة القومية
لقد ذكرت عزيزي الأستاذ مصطلح النزعة القومية اكثر من مرة ومن حقك انت وجميع الأخوة الكلدانيين ان تمتلكوا هذه النزعة القومية وان تناضلوا من اجل بقاؤها ( بـقـائـها ) .
لكن سؤالي هو اين كانت هذه النزعة القومية قبل عام 2003 ؟؟؟؟
الم تكن نزعتك القومية ( عربية ) ؟؟ ام انك نسيتها بعد سقوط النظام السابق ؟؟ ))

3 -  كانت النزعة الكلدانية  في ضمير ووجـدان كُـلِّ كلداني ، ولم تضطرُّه الحاجة الى إبـرازها ، لأن الشعور الوطني كان الغالب آنذاك ولم يكن القـومي ، وحتى في العهد البعثي لم يبرز الشعور القـومي عند العراقيين إلا بعد نشوب الحرب العراقية الإيرانية . أما بالنسبة إليكم أنتم منتحلو التسمية الآشورية فكان الأمر مختلفاً ، إذ كانت الحكومات العراقية المتعاقبة تعتبركم غرباء وافدين الى العراق ، قامت بجلبكم بريطانيا لأن الدولة التركية الحديثة وريثة السلطنة العثمانية لم تقبلكم حيث وصمتكم بالخيانة بسبب محاربتكم للسلطنة الى جانب الإنكليز ودفاعاً عنهم ، وكانت الحكومات العراقية تسميكم ( تيارية ) ولم تكن تمنحكم الجنسية العراقية إلا في حالاتٍ نادرة . لم يكتب أو يعترف أي كلداني على الإطلاق لا في التعداد ولا في أي وقتٍ آخر بأن قـوميته " عربية " أما إذا كان الموظفون يشطبون " الكلدانية " ويكتبون عوضها العربية ، فما ذنب الكلداني !
(( 4 -  المجلس الشعبي
لقد شككت اخي حبيب كثيرا في نية وأهداف المجلس الشعبي ولكن لو كان اسم قوميتك المظلومة غير مذكور في مصطلح اسم المجلس الشعبي الكلداني السرياني الأشوري فكان من حقك ان تعترض وان تطالب بأدراج كلمة ( كلداني ) ولكن الحقيقة ان كلمة ( كلداني ) جاءت في مقدمة اسماء شعبنا ولا داعي ان أذكرك ان رئيس المجلس الشعبي هو ( كلداني ) ايضا وانا متاكد انك ستقول بان جميل زيتو موالي او تابع للأشوريين اما انا سأجيبك واقول لك بانه لا يوجد عميل داخل البلد الواحد فنحن لسنا في افلام جيمس بوند ))

4 -  إنها إهانة للكلدان أن يُدرج إسمين غريبين الى جانب إسمهم القـومي الكلداني ، لأنهما لا يمتان الى القـومية بصلة ، فالسريان اسم مرادف للمسيحيين فلا يرمز الى القتومية ، أما الآشورية فهي تسمية موطنية وثنية مستمدة من اسم الإله الـوثني الجبلي ( آشور ) تبنته دولة قديمة وأطلقته عليها وهي تشبه التسمية العراقية المطلقة على شعب العراق ، فهل تُعتبر " العراقية " تسمية قـومية  ؟ أما إذا فصلت الواوات بينهما وبين الاسم الكلداني ، فلا مانع للكلدان بذلك وسيحترمون رغبة المدعين بهما . نحن لا يهمنا الكلدان المغـرَّر بهم من قبل منتحلي التسمية الآشورية ، حيث أنكروا قـوميتهم وانحازوا الى التسمية المزيفة ، فهؤلاء نعتبرهم زواناً وقد تخلصت منهم الحنطة الكلدانية فأصبحت نقية .

(( 5 -  الأساقفة والكنائس
أرجو منك يا أخي في المسيح ان تبتعد عن أدخال الاساقفة والكنائس في موضوع القوميات وبما انك تكلمت عن التنظيم الشيوعي وذكرت أوصافه في الديمقراطية فأنني أذكرك بشعار الحزب الشيوعي الذائع الصيت ( لا سياسة في الدين ولا دين في السياسة ))

إذا كنت تُطالب بعدم إدخال الكنيسة وألساقفتها في موضوع القـوميات ، فلماذا نرى الكنيسة النسطورية وأساقفتها وكهنتها وبشقيها القديم والحديث ، منغمسين حتى آذانهم في مسبح السياسة ؟ ألم يقم المطران النسطوري في كندا بتأليف كتابه الأسود " آشوريون أم كلدان " وأهداه للحكومة العراقية وفي كلمة الإهـداء يقول ليس هنالك كلدان فإن مسيحيي العراق كلهم آشوريون ! ألا تقـرأ الى أي مدى يتدخـل القس عمانوئيل يوخنا بيتو النسطوري في السياسة . ألا يدعو البطريرك النسطوري وأساقفته وكهنته للآشورية قبل المسيحية بعد نهاية الصلاة ؟ بيما لم يدعو أي اسقفٍ أو كاهن كلداني إلا للمسيحية فقط ! لقد ضرب المثل حبيب بالحزب الشيوعي وكيف كان يتعاطى الديمقراطية ، فما دخل الشعار الشيوعي بموضوع الديمقراطية ، لماذا هذه المراوغة الخالية من المعنى

   (( 6 - الحركة الديمقراطية الأشورية
أستاذي العزيز : اريد أن اصحح لك هنا معلومة وهي ان التسمية الصحيحة هي الحركة الديمقراطية الأشورية وليس حزب حركة الديمقراطية الأشورية .
وبخصوص أتهامك الحركة الديمقراطية الأشورية بالعمل على وضع الأسم الأشوري في الدستور العراقي الجديد ومحاولتها للالتفاف على القومية الكلدانية هو اتهام باطل لا جدال فيه وذلك لأن الحركة الأشورية عملت منذ البداية على ادخال تسمية ( كلدواشور) في الدستور وانها حاولت قدر الامكان الحفاظ على هذه التسمية ولكن لا حياة لمن تنادي ))
6 - الحركة الديمقراطية الآشورية لم يُـوفـَّق أصحابـُها بايجاد تسميةٍ مناسبة لها ، فكان عليهم أن يسموها " حركة البعث الآشوري " على غـرار " حـزب البعث العربي " لأن أهدافها وتصرفاتها على الساحة السياسية هي متشابهة تماماً مع فارق واحد هي تدعو لإنبعاث الامة الآشورية ،  وهو كان يدعو لإنبعاث الامة العربية . ولعلمك يا سيد هنري ، إن حركة "زوعا" حركة شوفينية إجرامية بعيدة كُلَّ البعد عن الديمقراطية ، ولـو تيسر لها ما كان متيسراً لحزب البعث من القـوة والسلطة لَـما أبقت كلدانياً ولاحتى سريانياً في الوجود . لقد نشرت التفرقة والعنصرية الكريهة بين أطراف المكـون المسيحي ذي التسميات الثلاث ، فانقلب الإخاء والمحبة السائدان بين أبنائه الى حقد وكراهية . إستماتت للإنفراد بالتسمية الآشورية وفرضها على عموم الشعب المسيحي في العراق ، وعندما مُنيت بالفشل الذريع ، إقتبست تسمية كتاب المطران أدّي شير " كلدو وآثور " وحـوَّرت كلمة آثور الى آشور ، وأدعت أن التسمية من استـنباطها ، فأرادت فرضها مستخدمة كُل الطرق والأساليب الملتـوية وكان نصيبها الفشل ، فكيف يمكن للكلدان الوثوق بها .
(( 7 - الطغيان الوهمي للحزب الأشوري
من يقرأ مقالتك تتضح له افكار غريبة مثل ان هناك في العراق اقليم او اكبر من ذلك بقليل يسمى اقليم اشور او اقليم الحزب الأشوري وان هذا الأقليم يتكون من مؤسسات ومنظمات قومية أشورية دكتاتورية بطبعها تمنع أي نشاط كلداني سواء كان ثقافي او سياسي او حتى ديني ويتصور البعض عند اطلاعهم على حرمانك انت وجماعتك من حقوق الأنسان وحرية الرأي والأنتماء ان هناك ميليشيات اشورية منظمة تقوم بأعتقال وقتل كل من يعادي الأمة الأشورية وسيتخيل البعض الاخر من خلال تعبيرك ان هناك معتقلات لسجناء الرأي من الكتاب والمثقفين الكلدان . فمن المفترض بك الان ان تتكلم باللهجة الاشورية لانه من خلال وصفك الرهيب للطغيان الاشوري فان القارئ سيعتقد انك أجبرت على ترك أو نسيان لهجتك الكلدانية ))

7 - ليس هنالك أفكار غريبة بل هنالك واقع مرير ساهم في  إرسائه على اسس خيالية واهية أحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيفة وعلى رأسهم التنظيم الشوفيني الإجرامي " زوعا " حيث يعتبرون بأن اقليم شمال العراق كان يوماً آشورياً وقد انتُـزع منهم والآن يُدعى كردستانياً ، وهذا نـوع من العيش في الماضي منافٍ للواقع ، وفي الوقت الذي لا يستطيعون مجابهة الأكراد لقلتهم الضئيلة جدا ، وإمكانياتهم الضعيفة من كافة النواحي ، وجـهوا كُلَّ طاقاتهم لمحاربة الكلدان اعـلامياً ومعنـوياً ، وقد ساعدهم في ذلك ظهور الداعية الآشوري منذ سنتين وقيامه بتأسيس ما سماه زوراً بالمجلس الشعبي ولكنه في الواقع آشوري قلباً وقالباً ، ومنحـه تفويضاً مفتوحاً ليتصرف مع مكونات الشعب المسيحي حسب هواه ، فيساعد مَن يجاريه في أفكاره وآرائه وسياساته ماديا ومعنوياً بدون حدود ، ومن يخالفه الرأي والأفكار يُعاديه ويقطع عنه المساعدة بالكامل . وكان نصيب الكلدان المعاداة العلنية والخفية ، وتحـول كُلُّ شيء لصالح منتحلي التسمية الآشورية السمجة ،فاعتُمد علمُهم ونشيدهم ولهجتهم ، وتُبُنـِّيَت شعاراتهم ، وصارت فضائية عشتار تنطق باسمهم ولهجتهم .
(( 8 -  مبدأ الراعي والقطيع
لقد سمعنا بعبارة الراعي والقطيع في الانجيل المقدس عندما كان يتكلم السيد المسيح عن نفسه وتشبيه ذاته بالراعي الصالح الذي يبذل نفسه في سبيل خرافه اما الراعي والقطيع لدى الاستاذ حبيب فهو يقصد بالآمر والمأمور وكتبت ان شعبنا سيبقى مهاجرا وممزقا مادام الحزب الاشوري يعمل بمبدا الراعي والقطيع ولكني سأرد على مغالاطاتك هذه وهي انه لا دخل للحزب الأشوري بهجرة شعبنا بل الظروف الخارجية هي التي تحكمت بموضوع الهجرة .
اما اذا دعيت الحزب الاشوري بالراعي فمبارك له هذا اللقب لأنه يرعى قطيع لا يبدو انك منه ولكنك تنتمي الى قطيع اخر لا شأن للحزب الأشوري به .

الحديث طويل والفوارق كثيرة لكن في الختام أذكرك عزيزي الأخ حبيب تومي بمحبة سيدنا يسوع المسيح الذي كان ولا يزال وسيبقى واحد ، وبما أننا مسيحيون فيجب ان نكون في خندق واحد وادعوك ان تكون معنا في نفس الخندق ))

8 - لقد ساهمت احزاب منتحلي التسمية الآشورية نـوعا ما في دفع أبناء شعبنا المغلوب على أمره لإختيار طريق الهجـرة ، عن طريق بثـِّها سموم التفرقة والكراهية فيما بينهم ، فآثروا تجنب العداء لـئـلا يتطور الى ما لا يُحمد عقباه ، أما السبب الرئيسي للهجرة فكانت الظروف القاسية وغير الطبيعية التي تمخضت عن تغيير الوضع السياسي بعد التاسع من نيسان 2003 وما تلاه من مضاعفات وعدم استقرار وفقدان الأمن . كنت أتمنى أن يكون منتحلو الآشورية لا زالوأ متشبثين بمسيحيتهم لا بآشوريتهم المزيفة ، ولكن الأحداث والوقائع تُرينا العكس ، فآشور هو المفضل لديهم أكثر من المسيح لـه المجد ، وأرجو أن أكون مخطئاً . وسوف أرد على مقالك الثاني لاحقاً يا سيد هنري مع التحية .

الشماس كوركيس مردو
20 / 11 / 2009 

176

المجلس الشعبي ضـخـَّمَ مشاكـل شعبنا بـدلاً مِـن حـلـِّها


كان الهدف المُعلن للدعـوة الى عقد المؤتمر الشعبي الأول في شهر آذار من عام 2007 التي أطلـقها ورعاها السيد سركيس أغاجان الرجل المتنفذ في الحزب الديمقراطي الكردستاني والوزير في حكومة اقليم كردستان ، متحـملاً كافة نفقات المدعوين إلي المؤتمر من داخل الوطن وخارجه ، هو توحيد الخطاب السياسي لأحـزاب شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآثوريين، وقد أحدثَ قصر المدة بين إطلاق الدعوة للمؤتمر وانعقاده ، ردة َ فعل ٍمتباينة بين أبناء الشعب ولا سيما بين أحزابهم المتواجدة على الساحة السياسية ، فحدث هرج ومرج بسبب عدم استشارتهم وإتاحة الفرصة لهم لإبداء آرائهم ، فدبَّت الفوضى وتفاقـم الإنقسام الضارب أطنابـَه أصـلاً بين أبناء الشعب ، حيث اعتبر الإنتهازيون الساعون الى المنافع الشخصية انعقادَ المؤتمر فرصة ً ذهبية لا بدَّ من اسـتغـلالـها ، بينما اعتبره الآخرون محاولة ً مقصودة لسلب إرادة هذا الشعب وإجباره على الرضوخ والقبـول بأهدافٍ لا يؤمن بها .

وتحت هذا الظرف المتشنج تـمَّ عقد المؤتمر رغم مقاطعة الغالبية العظمى من مثقفي أبناء شعبنا وسياسييهم المستقلين ، وصدرت عنه قرارات مهمة عَبـَّرت عن مصالح وتطلعات شعبنا ، ولكنها وللأسف ظلـَّت حبراً على ورق ، بـل استُبدِلَت باخرى مناقضة ً لها تماماً ، فبدل أن يفي بـوعـده ليكون خيمة تـنضوي تحتها كافة أحـزاب شعبنا سعياً لتوحيد سياساتها ، أخَـلَّ بهذا الوعد وأباح لنفسه منافستها سياسياً بعد أن أوقـدَ نار التفرقة بينها ليزيد من تباعـدها ، والأدهى أنه أساءَ التعامـل مع تلك التي لا تتفق معه في الفكر والرأي ، فيحرمها من الدعم المالي والمعنـوي ويُغدق بسخاءٍ للتي ترضخ لأوامره وإملاءاته .

منذ ما يقارب الشهرين روَّج المجلس الشعبي المتمخض عن المؤتمر الشعبي الأول المشار إليه آنفاً لعقد مؤتمره الثاني في أواخر هذه السنة ، وفيما كانت الأحزاب الباقية في ائتلافٍ معه تعـمل بجـدٍّ للمشاركة في مؤتمره الثاني عاقـدة ً العـزمَ على إنجاحه والـدليل على مصداقـيتها هو إسهامُها الفعـّال في أعمال اللجنة التحضيرية مدفـوعة ً من حرصها الكـبير على تأطـير العمـل القـومي المشترك وإرساء بنيانه على اسس متينة ، تفاجأت هذه الأحـزاب الثلاثة ( المنبر الديمقراطي الكلداني بزعامة سعيد شامايا الإنفصالي وحزب بيث نهرين والاترنايى ) بانقلاب المجلس على الإتفاق الذي تمَّ بينها وبينه وهو تشكيل ائتلافٍ انتخابي ثلاثي وبرعاية المجلس ، ومن ثمَّ يجري اختيار المرشحين باعتماد الكفاءة والأهلية . وجاء هذا الإنقلاب المفاجيء على لسان السيد جميل زيتو رئيس المجلس في الإجتماع الذي تمَّ في مقـرِّه بعنكاوة حيث قال : " كنا قد إتفقنا معكم عل خوض الإنتخابات بقائمةٍ واحدة ، ولكننا قـرَّرنا اليوم التراجع عن الإتفاق ، وسيخوض المجلس الإنتخابات بقائمةٍ منافسة "  .

تـُرى ، على ماذا تـدل تصرفات قيادة المجلس الحالية ؟ أليست دليل عجز ٍعلى استيعاب المفاهيم القـومية الصحيحة ؟ ورغم معاناة الأحزاب التي قبلت الإئتلاف مع المجلس من تصرفاته الإستعلائية وصبرها الطويل يحدوها الأمل بقيام المجلس على تغيير نهجه وتنفيذ ما تضمنته مذكرة التفاهم والعمل المشترك التي وقعتها معه ، إلا أن جهودها باءَت بالفشل ، ومع ذلك رأت أن تستمر في معايشة هذه الأخطاء التزاماً منها بمسؤوليتها تجاه قضية شعبنا ، واضعة ً في حسابها العمـل على تصحيحها من خلال مؤتمر المجلس الثاني الذي أرادت جعلـَه معبراً حقيقياً الى التغيير . إن انقلاب المجلس المفاجيء لم يأتِ توقيتـُه صدفةً بل كان مُعـدَّاً سلفاً وبهـدفٍ مُبَـيـَّت هو الحؤول دون قيام الأحـزاب بعقد تحالفات وطنية ، وبذلك يُقضى على تنظيمات شعبناً السياسية . ومن هذا المنطلق رفضت الأحزاب المنسحبة من المجلس الشعبي تحمـُّلَ أخطائه بحقِّ شعبها وقضيته .

وهنا نسأل المدافعين عن السيد سركيس أغاجان : هل يُعقـَـل أن يتجـرأ المُهيمنون على المجلس الشعبي على القيام بهذه التصرفات المنافية للعمل القـومي المشترك دون علم مؤسس المجلس السيد سركيس أغاجان ؟ كيف سيُفسِّر منظرو المجلس سلسلة الإنسحابات ؟ أليست إحدى المسائل الملحة التي تتطلـَّب الدراسة الجادة ؟ أليست أزمة ً حقيقية يقضي الواجب الخوضَ في تفاصيلها للعثور على مكامن الخلـل فيها سياسياً كان أو فكرياً أو اجتماعياً أو . . . لكي نجد لـه العـلاج الناجع ! دعـوا المراوغات السياسية التي تُفرز الدسائس والأضاليل ، فإنها تؤدي بشعبنا الى الولوج في دروب التمـزُّق والذوبان ، لا ننكر الإنجازات التي تمَّـت ولكن لا يجب أن تـُتـَّخذ ذريعة ً لإلغاء الآخرين ، عندها سيتحـول الأمر الى غـرور يؤدي الى اختلال الموازين .

إذا كنا نسعى حقاً الى خير امتنا ، لا يمكننا الوصول الى ذلك من غير الوفاق والإتفاق ، علينا التنازل عن كبريائنا والإحتكام الى واقعنا ، نحن حلقة ضعيفة عِـمادُها الكلدانيون بنسبةٍ تفوق السريان والآثوريين مجتمعين بأربعة أضعاف ، وعندما تُستهدف هذه الحلقة يكون ضحاياها من الكلدان غالباً ، فهـل من العدالة أن تحاول الشرذمة الآثورية المنتحلة للتسمية الآشورية المزيفة ، وبخبثٍ وتآمر إزاحة الكلدان عن أداء دورهم الريادي في المعادلة القـومية ؟ هل من المنطق والإنصاف أن يناصب السيد سركيس أغاجان الكلدانَ عِداءً سافراً عن طريق مجلسه المسمى زوراً بالشعبي ترجيحاً لكفة الآشوريين المزورين ، أليس ما قامت وتقـوم به الحركة الشوفينية ( زوعا ) ضِدَّ الوجود الكلداني شعباً وهـويـة ً ومصيراً كافياً ، حتى يأتي المجلس الشعبي ليتبنى نهجـها الخاص فقط بمعاداة الكلدان ، كفاكما ظـُلماً تجاه الكلدان يا تنظيم زوعا الآثـم ومجلس آخر زمان، إرفعا أياديكما عن الإساءة الى الكلدان، فبدون الكلدان لستما في الحسبان . هل سيتدارك السيد سركيس أغاجان أخطاء مجلسه الشعبي قبل أن تستفحل أكثر وأكثر ؟ وهل سينزل عن برجه العالي ويدعو مجلسه للإجتماع برئاسته ، للبحث عن مواطيء الخلل في سياساته الإستبدادية الخاطئة التي عمـَّقـت العداء والتنافر بين أبناء الشعب المسيحي ؟ إن مجلسكم الشعبي ضـخـَّـمَ مشاكل شعبنا بـدلاً من حَـلـِّها يا رابي سركيس أغاجان ، فهل لديكم الرغبـة لأخذ الأمر في الحسبان !

الشماس كوركيس مردو
في 19 / 11 / 2009

177

يا لـيـتَ الـخـبـرَ كـان صـحـيـحـاً !


تفاجأت عندما قرأت خبراً نشره موقع عنكاوا الأغـر في الثاني عشرمن تشرين الثاني الجاري مشيراً الى أن عدداً من الأحزاب المؤتلفة مع ما يسمّى بـ"المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري" قد أعلنت انسحابَـها منه . وبالرغـم من أنني كنت متـوقعاً حـدوث هذا الأمر في النهاية ، فقد انتابني الشك للوهلة الاولى وقلت "يا لـيـتَ الـخـبـرَ كـان صـحـيـحـاً ! "  وكـم كان سروري عظيماً بأن حـرف التمنـّي " لـيـت " الذي صدر عني عـفـوياً غـدا في اليوم التالي حقيقة ً أكـَّدَها البيان الصادر عن الأحـزاب المنسحبة من هذا المجلس المسخ ، وعـُدتُّ الى نفسي قائـلاً ، إنـه حـق ٌّ ما قد قيـل ، بـأن مـا بـُنـِيَ على الباطـل سيبقى باطـلاً وإن استمـَرَّ ردحاً ولكـن نتيجتَـه الحتمية هي الإنهيار .

تـُرى ، ما هي الدوافع الحقيقية التي حـَدَت بهذه الأحـزاب للإنسحاب ؟ لا نـُريد القـفـزَ على الأسباب التي ذكرتها الأحزاب المنسحبة في متن بيانها الإنسحابي ، فهي في الـواقع مقـنعـة وموضوعية ، فالقضية القـومية لشعبنا هي المحـور الأساس الذي تـدور حـوله المسؤولية الأدبية والـوجدانية  لأبناء شعبنا ، وبالأخص تقـع هذه المسؤولية على عاتـق قـواهم السياسية ، ولكن السؤال الذي يدور بخاطر معظم أبناء شعبنا وهم يعلمون جيداً ، بأن هذه الأحـزاب قد أنخدعت أو خـُدعت من قبـل مؤسس هذا المجلس ومأجوريه بإطـلاق بعض الشعارات الطنانة والـوعـود الكاذبة في بـدايات تأسيسه ، ولكن لماذا انطلى عليهم بُطـلانـُها طوال هذه المدة ، ولماذا لم تلمسهم صحـوة الضمير إلا مؤخـراً ، وبعد أن أفلح هذا المجلس المشبوه في تفـرقة الإجماع القـومي وشَلِّ العمـل المشترك ، وجعـل من نفسه فصيلاً سياسياً منافساً لأحزابنا السياسية خلافا للمبدأ الذي اعتـُمِـد في تأسيسه بأنه سيكون خيمة لتـوحيد فصائـل شعبنا السياسية ومنظماتنا القـومية . إذاً الدافع الأساسي للإنسحاب هو صحـوة الضمير ، ولكن للأسف كانت متأخـرة .

إننا نـود أن نـُحاور هذه الأحـزاب ، ألـم تـُسايروا أخطاء المجلس طوال مدة ائتلافكم معـه رغـم تقاطـعـِه معـكم مبدئياً ومنافستـِه إياكـم سياسياً مُـخِـلاًّ بتعـهـدِه الذي تشدَّقَ به في بداية تأسيسه ؟ ألـم يكن وقـوفكـم على نتيجة الأحداث الخاطئة التي اقـتـرفها المجلس الشعبي متأخـراً ؟ أكنتم في شكٍّ بعـدم امتـلاك القائمين على تسيير شؤون المجلس لخيارات وإنما كانوا مُلـزمين للرضوخ التام للإملاءات ، وأنهم  لم يكونوا مفتـقـري الإرادة بل كانوا مسلوبي الإرادة كـدُمى تـُحـركـُها أصابع خـفية ، فكيف كنتم تتوقعـون منهم القـدرة على تأطير العـمل المشترك لمؤسستنا القـومية وأحزابنا السياسية ؟ إننا في حيرة لا نـدري كيف نصف مـوقفـكم، أبالمغـفـَّل أم بعارفٍ بالحقيقة وغير قادر على البوح بها أو مجابهتها ! إننا نأمـل أن يكون انسحابـُكم للأسباب التي حـدَّتموها في بـيانكـم وليس لـردِّ فعـل عن حرمانكم من المبالغ التي كانت تُـغدق عليكم ، لكي يكون بـوسعنا اعتباره بادرة خير لشعبنا عموماً ، وأن تأخـذوا من العِـبَـر التي صادفتكم في مشواركم مع هـذا المجلس عـدو الشعب درساً حقيقياً لـعـدم السقـوط في المتاهات مجـدَّداً .

بعد الإطاحة بنظام صدام الديكتاتوري ، تسارعت القـوى السياسية التي كانت مضطهـدة الى انتهاز فرصة التغيير والفـوز بالمناصب والمكاسب ، وكان نصيب احزاب العرب الشيعة الأكبر بين أنصبة احزاب الأقـوام الوطـنية العراقـية الاخري لكونها صاحبة الأكـثرية الغالبة عددياً  ومنهــم أحـزاب العرب السنة والأكـراد والمكـونات الأخرى كالكـلدان والتركـمان والآثـوريـين واليزيـديـين والشبـك والمندائيين ، وعلى هذا الأساس اختلف توازن القوى نظراً لإختلاف الكتل السياسية وتباين ثقلها بالساحة السياسية العراقية ، وهنا بـدأ دور التحالفات الحزبية اعتماداً على المصالح المشتركة من حيث تقسيـم الثروة وتبني المواقـف الإستراتيجـية . وأقـوى التحالفات تمـَّت بين القـيادات الكردية والقيادات الشيعية المستلمة لزمام الحكم معتبرين أنفسهم بأنهم كانوا أكثر الضحايا الذين لحـق بهم ظـلـم النظام الديكتاتوري الحاكم ، ولذلك فهم الأحـق بحكم العراق والإنـتـفاع من ثرواته ، ولن يقـف حائـلاً بين تحالفهما لا الإتجاه الديني الذي يتبناه الشيعة ولا الإتجاه العلماني الذي ينتهجـه الأكراد ، لأن المصلحة المشتركة أقـوى من الإتجاهَـين  .

إلا أننا نرى مؤخراً حدوث تقاربٍ بين وجهتي نظر المتحالفين الشيعة والأكراد ، حيث بادر الأكراد الى مجاملة الشيعة وأدخلوا تعديلاً الى دستورهم في المادة السادسة التي كانت تـقـرأ بأن الإسلام هو أحـد المصادر للتشريع ، فقد أصبحت الآن تقـرأ بأن الإسلام هو المصدر الرئيسي للتشريع ، وبذلك أصبح القـول بأن دستور الإقليم يضمن الحرية والمعتقـد الديني لكل مواطن في الإقـليم مفروغاً من معناه ، لأنـه يتعارض مع مباديء الحرية والديمقراطـية بسبـب تناقـضها مع مباديء الشريعة الإسلامية التي لا تعـترف بأية مفاهـيم ديمقراطـية أو إنسانية لغـير المسلم . وفي هذا الإطار تـلعب المصالح دورها ، ويظهر أن القادة الأكراد يـُتـقـنـون لعبة المصالح جيداً ، فمتى تـطلـَّبَ الأمر العـزفَ على الوتر الديني من أجلها لا يتردَّدون ، وهذا يوحي بأن التوجـُّهَ الديمقراطي في اقليم كردستان دخـل في دائرة الشك ، وقد تـُفـتـقـد الحرية والمساواة كما هي مفـتـقـدة في بقية أنحاء العراق ، وهذا ما لا يتمناه الكلدان الشريحة الأكبر بين مسيحييى العراق والإقليم ، إننا نـُهيب بالمجتمع المدني الكردي والمختصين بالمجال الاعـلامي الإستمرار في لعب دورهما الجريء في دفع الممارسة الديمقراطية الى الأمام وعدم السماح بالرجوع الى الوراء . إن حـق إشراك أبناء القـوميات الصغيرة غير الكردية وغير المسلمة في الحكومة الكردية هو أحـد مقاييس تطـور الإقليم السياسي  .

إن المكـون المسيحي بكُـلِّ تسميات أبنائـه من كلدان وسريان وآثوريين ، المهددين دومـاً بالقتـل والإختـطاف والتضيـيق والتهجير ، أن يكون حـذراً من الإنخراط في لعبة التحالفات ، لأنه الحلـقـة الأضعـف بين حلقات القـوى السياسية ، لا مليشيات لـه ولا يحلم بأية مساندةٍ عسكرية خارجية وبالأحرى فإنـه لا يـُريد كلتيهما معاً ، والحـل الأمثل لـه هو الحياد وعـدم الإنحياز الى أيٍّ من طـرفي النـزاع . المطلـوب من الأحـزاب السياسية  المسيحية بمختلف تسمياتها القـومية المبادرة الى توحيد خطابـها السياسي بعد أن خـبـرت على أرض الواقع التـوجهات الإحتوائية والإستحواذية التي مارسها عليهم المسمى زوراً بـ "المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " فهو مجلس لصوص بكل معنى الكلمة ولذلك سقط  في عين الشعب المسيحي ، ولا سيما بعد تصريحات مؤسسه وأدعائه بأن لـديه الإلهام من الروح القـدس وهذا بتقديري محض افتراء لأن الروح القدس لا يُلهم إنساناً يمارس التفرقة بين الشعب المسيحي بمحاباته لجزءٍ من الشعب وتفضيله على الأجزاء الاخرى ، أليس هذا ما فعـلـه بوقوفه الحازم وانحيازه السافـرالى جانب من يدعون أنفسهم بالآشوريين زوراً ، بينما كان موقـفـه من الكلدان ولا يـزال عِدائياً إقصائياً وهذا يدل على عدم تـديـُّنه ، لأن المتديِّن بعيدٌ كُلَّ البعـد عن مثل هذه الممارسات .

الشماس كوركيس مردو
في14 / 11 / 2009

178

على هامش تصريحات السيد سركيس أغاجان



أخيـراً تـَحـدَّثَ الـرجُـلُ الصامت سركيس أغاجان مُصـرِّحاً لمُـراسل جـريـدة ناشيونال الإماراتية بأن الأموال التي صُرفـَت ولا زالت تُـصرَف قي سبيـل مساعـدة المسيحيين العـراقيـيـن من حيث إعمار قــُراهم المهـدَّمة وبناء اخرى جـديدة الى جانب مشاريع اخـرى متعـدِّدة هي مُخـصَّصة من ميزانية حكـومة اقليم كـُردستان . إن هذا الإعتراف الصريح أزاح اللبسَ والتكهـُّنات التي دارت حـول مصدر هذه الأموال ، والآن يتبادر الى الأذهان هذا السؤال : إذا كانـت هذه الأموال جـزءاً من الحصة المقرَّرة لإقـليم كردستان من الخـزينة العامة للـدولة العراقية وقد خصَّصَـتها حكومة الإقـليم لمساعدة المُكـوَّن المسيحي المتواجد في الإقليم بكُـلِّ تسمياته . لماذا وُضعـت هذه الأموال تحت تَـصَرُّف شخص ٍ واحـدٍ ليتـوَلّى صرفـَها حسب هـواه ودون رقيبٍ أو حسيب ؟ إذا كانت مَـرَدُّ ذلك الثقة المطلقة به وبإخـلاصه ، فتلك ذريعة ٌ غير كافية إذ ليس هنالك شخص في هذا العالم بإمكانه تحقيق العـدالة بمفـرده ولا بمقدوره لـوحده إنشاء هيئة أو مؤسسةٍ لصرف وتوزيع تلك الأموال بعـدالةٍ ونـزاهة ، حيث تستمـدُّ تلك الهيئة او المؤسسة قـوَّتَـها مِنه وتستغـلـها لمنفعتـها الخاصة فتستثري بالجـزء الأعظم من تلك الأموال على حساب مستحقيها الحقيقيين . أما لـو أن الحكـومة المُخـَصِّصة لتلك الأموال قامت بتأليف لجنةٍ أو هيئة لصرف تلك الأموال تحت إشرافها ورقابتها ، لسارت عملية الصرف بشكل سليم ونال كُـلُّ ذي حـقٍّ حـقـًّه . 

إن الكلدان الذين يمثلون الشريحة المسيحية الأكثر عـدداً والأكثر إخـلاصاً للـوطن عامة ً ولإقليم كردستان خاصة ً ، كانوا الأكثر غـُـبـناً وتجاهـلاً وإهـمالاً من قبـل مَن وُضعـت بـيـده مصائـر المكـوَّن المسيحي ، فقـد أطـلـق العـنانَ لتنظـيمه الإجـرامي المسمى زوراً بـ " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " ليشن حـرباً شرسة إعـلامية ضِـدَّ الكنيسة الكلدانية الكاثوليكـية بهـدف زعـزعة وحـدتها الراسخة وضِدَّ الأحـزاب الكلدانية والمنـظـمات الثـقافـية والإجتماعية الكلدانية معـزَّزةً بقـطع الـدعم المالي والمعنـوي عنها سعياً الى إلغاء تسميتها الكلدانية النبيلة وطمس اللهجة الكلدانية ، وبالمقابـل أن يجري التركيز الكُلي على الإنفـراد بالتسمية الآشورية رغـم زَيـفِـها ، وإعـلاء شأن الكـنيسة النسطورية الإنعـزالية بشطريها ، ومسانـدة أحـزاب الكـلدان النساطرة الجاحـديـن منـتحلي التسمية الآشورية المزيفة الخائبين ، أهذه هي العـدالة يا سيد سركيس أغاجان ولا سيما أنك تقـول بأنك "متديـِّن" هـل أن الروح القـدس يُلهمك لتعادي المسيحيين الكلدان المكوَّن الأكبر بين المكونات المسيحية وتناصر بكُل قوتك المكـوَّن الأصغـر بينها رغم علمك بشوفينيته العنصرية ! وهـل تملك الشجاعة للبـوح عن أسباب حِـقـدك على الكلدان وكُـرهـِكَ لـهم ؟ هـل ينبع من انتمائك المذهبي الجـديد ( الإنجيلي ) المعادي للمذهب الكاثوليكي الذي يعتنقه الكلدان قاطبـة ً ، أم أنـه ينبع من تعصبك المفرط للتسمية الآشورية الاسطورة الـويكَـرامية الشهيرة ، أعـقـد أنَّ كلا العاملـَين يـدفعانـك الى ذلك .

يعتـرف الكثيرون من المنتمين الى ما يُسمى زَيفاً بـ " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " بأن مؤتمرهم الأول لم يمثل شعبنا المسيحي التمثيل الحقيقي ولم تتـوفـر فيه المصداقية ، وهـذا الأمر لم يكن خافياً على شعبنا ، ولذلك فلا يتـوقـَّع خيراً من المؤتمر الثاني المزمع عقـدُه خـلال الشهرين القادمَين ، فلا يُرتجى منه أيُّ تغيير ايجابي لصالح عـموم شعبنا ما دام مُصراً على تسميته السخيفة المُـزدراة من قبـل غالبية الشعب المسيحي ، ولم تأتِ صياغـتها إلا لتنفـيـذ أهـدافٍ قد خُـطـِّطـَ لها سلـفاً ، والمُطــِّط يتسم بالتكتم الشديد على شخصيته الغامضة و تطلعاته السياسية ، وقد يعود ذلك الى ولائـه السياسي الخـفـي .

لقد بـدا جلياً بعد تصريحات أغاجان  بأن الأموال التي اؤتمن على صرفها مصدرُها الدولة العراقية ، وإن حـرمان الأحزاب والمنظمات الكلدانية من حصتهم منها هـو اعتداء سافـر وتجـنٍّ صارخ يُمارسه شخصٌ عن طريق أداته المسماة كذباً بـ " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " والتي أوجده لتـنفـيذ أهدافه العنصرية ولخـدمة داعميه الأقـوياء الذين يدين لهم بالـولاء . تـُرى ،هـل إن الكلدان في عـُرف أغاجان ليسوا عراقيين ولذلك يحرمهم من أموال العراق ؟ وأن منتحلي التسمية الآشورية المطرودين من موطنهم في تركيا أصبحوا عراقيين ولهم الحق في أمـوال العراق ؟ لماذا يُطلب من الكلدان ما يُهين كرامتهم وينتقص من هيبة قـوميتهم لكي يحصلوا على حصتهم من أموال دولتهم ؟ بينما يُعفى منتحلو التسمية الآشورية الـوثنية الدخيلة من ذلك ! لماذا التعامل بمعيارَين متناقضَيـن ؟ أهكذا تفهمون العـدالة ؟ أين أنتم من الحرية والديمقراطية ؟ أليست أفعالكم هذه ديكتاتورية شوفينية عنصرية ، تَـرمون من ورائها الإحتواء والإستحـواذ ؟ عليكم صرف الحصة المالية المخصصة للكنيسة الكلدانية وللأحزاب والمنظمات الكلدانية دون أية منية من أي طرف . الكلدان أسمى من أن يستجدوا أحـداً ، وإنما يطالبوا بحقـهم من الأموال المخصصة لهم ، وإن سلب هذا الحق هو إجحاف وخيانة وفساد .

إننا نناشد حكومة اقليم كردستان أن تكون منصفة وعادلة بحق الكلدان فهم الأخلص والأعمـق أصالة ً ، والهجمة الشرسة التي تُـشنُّ عليهم لإخماد صوتـهم هي مفتعلة بتعـمُّـدٍ وإصرار ، ولذلك نطالب بـوضع حـدِّ لهذه التجاوزات التي تُمارس على الكلدان في اقليم كردستان ، ولدينا الثقة والأمـل بأن مناشدتنا ستلقى التفاتاً ايجابياً .

الشماس كوركيس مردو
12 /11 / 2009 

179

المجلسُ الشعبي لا زال سادراً في ضَـلالـِه التآمـُري على الكلدان


لقـد أوعـزت الرئاسة الديكتاتورية لهذا المجلس المشبوه النـوايا المـدعو زوراً بـ ( الكلداني السرياني الآثـوري أو " الآشوري المزيـَّف" ) ليقـوم أفـرادٌ من لُـجنتِـه المُخـوَّلة بالتحضير لمؤتمره الشعبي الثاني المـزمع عقـدُه في موعـدٍ غير محـدَّدٍ من الأشهر القادمة ، بزيارات مُـريـبة لمقـرات تنظيماتنا الكلدانية لإستـطـلاع آرائـها من حيث المشاركة في المؤتمر التآمُـري . لم يتـردَّد الأمناء العامون لتنظيماتنا ومساعدوهم باستقبال هؤلاء الأفـراد المأمورين الذين لا يحلـُّون ولا يربطـون ، ولكنهم مُلـقـَّـنـون لِما يقـولـون ، فلـدى مجابهتهم بإخفاقات هيئة رئاسة المجلس المتعمدة نحـو تنظيماتنا ومنها ا -  رفض العمـل المشترك الذي دعت إليه تنظيماتنا .  ب - توحيد الخطاب القـومي من حيث الثوابت المشتركة المتفق عليها من قبل كافة تنظيمات شعبنا .  ت - إحالة موضوع التسمية المختلف عليها للمختصين التاريخيين للبت فيها  .  ث - عـدم الإنفـراد برفـع العلـم الآشوري المزيـَّف في المناسبات العامة  .  ج - عـدم انحياز فضائية عشتار الى المكـون الآشوري الضئيل والهـزبل المخالف كلياً لِـما تـدَّعيه بأنها وجـدت للجميع .  ح - عـدم فرض التسمية المركبة الهجينة والمستَـهجَـنة لعـدم واقعـيتها وخـلـوها  من الثوابـت التاريخية  .  عـدم الكيل بمكيالين ووجوب الوقـوف على مساحةٍ واحدة من كافة تنظيمات شعبنا من حيث الـدعم المالي والمعنـوي .

لقـد اعترف أعضاء اللجنة الموفدون بهذه السلبيات وأقـروا بأنهم على علم باخرى غيرها ، وأنهم كانوا يُبـدون انتقاداً لـها ، وأضافـوا بأنهم جادون بالإعـداد الجيِّـد للمؤتمر القادم لكي تُـشارك فيه كافة تنظيمات شعبنا ، عاقـدين العـزم على أن نبـدأ بـداية جـديـدة وصائبة . ولكن للأسف ، ما كانت هذه الأقـوال إلا زيادة ً في الخـداع والتمويه ، والـدليـل على ذلك هو قيام المجلس الشعبي الخائـن بـتـقـديـم طـلبٍ رسمي الى الشيخ هُـمام حمودي رئيس لجنة التعـديل للدستور العراقي مفاده إدراج التسمية الثلاثية المركبة والمصنـَّعة في دهليز السياسة الكـُرد آشورية ومن تصميم الداعية الآشوري سركيس أغاجان الصامت ولا صَمتَ أبي الهـول مستعيضاً صمتـَه بالبذخ الفاضح الذي وفـَّرته لـه جـهة مجهـولة ، لتحـل محـل التسمية القـومية الكلدانية الأصيلـة والتسمية الآشورية اللاقـومية ، ولم يكن قد مضى يومان على تقديم المجلس المشبوه لطلـبه الشائن ، حتى تقدمت ما تُسمّى بمنظمة كلدوآشور التابعة للحـزب الشيوعي الكردستاني بطلـبٍ مماثـل الى ذات اللجنة حول الموضوع ذاته ، تُـرى هل جاء الأمر صدفـة ً أم كان اتفاقاً شيطانياً مسبقاً ، ثـم لنسأل متى كان الشيوعيون يعترفون بالقومية ؟

إنها مؤامرة خبـيـثة من مجلس ٍ اوجِـدَ من قبـل داعـيةٍ آشوري أظهـرَته فجأة ًقـوى متنفـذة لينـفـذ أجندتها ذات الأهـداف الخفية تحت الاسم الآشوري المزيـَّف لإستـبعاد الشبهة ، والهـدف الأول منها هـو تغييب الشريحة الكبرى من شعبنا المسيحي " الكـلـدان " عن الساحة السياسية بحجب إسمها القـومي عن التداول الرسمي في وطـنها الأصيل العراق ، والعمل على صهره عن طريـق لـَصـق ِ إسمين آخـرين بـه وهي سابقة لم يشهدها التاريخ من قبـل . ولتحقـيـق هذا الهدف العدائي السافـر ، رأى مؤسسُ المجلس الشعبي العميل وداعموه الأقـوياء ، بأن الظرف الحالي هو فرصة ذهـبية مؤاتية ليـقـوم أداتُهم الطـيـِّعة المجلس الشعبي بتـنـفـيذ الأجندة المرسومة ، فالبرلمان العراقي  الحالي قد جعـلته الأحـزاب الشيعـية ذات الغالبية العـددية والأحـزاب الكردية المتحالفة معها الـعـوبة ً بأيديها ، وإن القـوى الـوطـنية قد جرى تقزيمُها بفعـل عـوامل ضغطـ ٍ متعـدِّدة مورست على الناخبين منها دينية ، احتلالية ، تزويرية ، والإنخـداع بالديمقراطية الموعـودة التي انقلبت الى ديكتاتورية المليشيات تُمارس القـتـلَ والإختطاف والإبـتـزاز والتهجيـر ونهب المال العام دون رقيب أو حسيب . هذا الـوضع المزري والشاذ إستـغـلـَّه  مسيـِّرو المجلس الشعبي فطالبـوه بالتحرك السريع لإلغاء القـومية الكلدانية مـن دستـور العراق الفـيـدرالي وإحـلال محلـِّها الـتسمية السمجة الهجـيـنة ، ولكن هيهات ، أن يصل أعـداء الإنسانية والديمقراطـية الى مأربهم الشرير ، فإن رئيس لجـنة تعـديـل الدستور وأعضاءَها المحترمين هم من الحـنكة والدراية  بالتاريخ ، ويعـلمون أن هذا المطـلب الغريب وراءَه هـدف سياسي غير سليـم ويتحـدى إرادة شعـبٍ أصيـل وُضع في موقف المغـلوب على أمره ، وعلى مّن اؤتمنوا على العدالة إسعافــُه !

وبالرغم من ثقـتنا برئيس وأعضاء لجنة التعديل الدستوري بـأنها ستدرس الطلبين المقدمين إليها بعنايةٍ ونـزاهة ، باحثـة ً عن الدوافـع العـدائية واللاانسانية وراءَهما ، وسيكون قـرارُها منصفاً لحقنا في التمسك بقـوميتنا ، ولكن الـواجب يـدعو رئاسة الكنيسة الكلدانية ممثلـة ً بشخص رئيسها صاحب الغبطة مار عمانوئيـل الثالث دلي الجزيل الإحترام ومطارنتـها الأجـلاء ، أن يبادروا الى اتخاذ موقـفٍ حازم ومسؤول لتـدارك هذا الموضوع الخطـير بتدخلهم لدى رئيس وأعضاء اللجـنة مُعـربين لهم عن معارضـتهم الشديـدة على التجاوز المراد ايـقاعـُه على القـومية الكلدانية ، وإن الجهتـَين اللتـَين تقـدمتا بطلب إدراج التسمية المركبة المفـبركة لا تُمثـلان الكلدان على الإطـلاق . القـومية الكـلدانية لا يُمثـلـُها إلا أبناؤها الكلدان ممثـلين برئاسة كـنيستهـم وآبائـها وتـنظـيماتهم السياسية الكلدانية التي تضمهم الهـيئة العليا للتنظـيمات الكلدانـية . ما يسمى بالمجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري هو مُسمـَّي صُـوَري لكنـه في حقيقـته على أرض الـواقع فهو مجلس آشوري صرف . كيف يجوز لتنظيم فرضَ نفسه وصياً على شعبٍ رغم إرادتـه ! يا آباء كنيستنا المـوقرين ، لا تـُصغـوا الى لـومة اللؤماء الذين يعـزفـون على وتر عدم التدخـل بالسياسة ، والذي يبرز صوتـُه النشاز ضِدَّ آباء الكنيسة الكلدانية فقط ، ويختفي نهائياً عن وجه رجال الدين من الكنائس الاخرى المنغمسين حتى آذانـهم في وحـل السياسة . فدفاعكم عن وجود وكـرامة أبناء امتكم الكلدانية هو أحـد واجباتكم الرعـوية تماماً كاهتمامكم في تقـوية وتثبيت ايمانهم ، إنكم رعاتُهم ومسؤولـون عن حمايتهم والدفاع عنهم ضِدَّ الذئاب المتربصة بهم .

أيَّ خير ٍ يتـوقـع الكلدان مـمَّن نصبـوا لهم عـدواً شرساً هو المجلس الشعبي ، الأداة الخانعة والمُـعـَدة لتنـفـيذ المآرب الشريرة ضِدَّهم ! وهـل هنالك بصيص أمل ٍ بأن مؤتمر المجلس العميل القادم سيخرج عن دائرة مؤسسه الرجل الصامت ذي النوايا السيئة تجاه الكلدان ؟  لا أعـتقـد أبـداً ، فكُـلُّ شيءٍ قد أعِـدَّ بعناية  ، وإن قرارات معادية للكلدان ستتخـذ ضِدَّهم وستترجم على أرض الواقع ، وبقـي على الكلدان الإنتباه جيداً وإعـداد أنفسهم للتصدى لمؤامرات المجلس العميـل المقبلـة .


الشماس كوركيس مردو
في 7 / 11 / 2009

180
كـلا يا سيد تيري : ليست مشكـلـة الكنيسة الكـلدانية . . .  !


بـدأ السيد تيري بطرس مقاله المُعـنـون " هل هي مشكلة الكنيسة الكلدانية...؟ "

                                                                                                                                                                                                                                                                        الرابط : http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=361304.0.


طالباً السماح من القراء بقـوله : ليسمح لي القراء لكي أبـدأ المقال بذكر تجربتين أو مثالين قد يراهما والصحيح " يَـروهما " بعيدةً والصحيح " بعيدَين " عن عنوان المقال الذي باعتقادي انه ايضاً بعيد نوع ما والصحيح "نوعاً ما " عن مضمون المقال بشكل عام .


في الحقيقة لم يكن السيد تيري بحاجةٍ الى طلب السماح من القراء فقد كان متعمداً باختيار العنوان ، لأن هـدفه الأول كان الشَمتُ بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي تعـرَّضت في الآونة الأخيرة الى انتقاداتٍ من بعض أبنائها ، كانت البعض منها حادة ً وغيرَ مسؤولة والبعض الآخر هادفـة وبنّـاءة ، وهذا ليس بعيداً عن معظم كتاب ومنظري أحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيفة الذين يترصدون بشغـفٍ كُلَّ موقفٍ يأتي بالضـد من الكنيسة الكلدانية ليتسنى لهم التصيُّـدَ في المياه العـكـرة ، ولـذر الرماد في العيـون تطـرَّق باقـتضاب الى ما تعرضت له الكنيسة النسطورية الإنعـزالية التي سماها ظلماً وزوراً بـكنيسة المشرق حيث قال :

(( في اعوام السبعينيات من القرن الماضي تعرضت كنيسة المشرق/ التقويم الجديد لنكسة كبيرة، ولانني من اتباع هذه الكنيسة شعرت وشعر الكثيرين والصحيح " الكثيرون " منا بان الكنيسة تواجه ازمة وجود، الا ان الرعب لم ياخذنا، قد يكون السبب اننا شعرنا بان لنا بدائل لا سمح الله لاي مكروه قد يصيب كنيستنا، وبدائلنا كانت كنيسة المشرق/ التقويم القديم او الكنيسة الكلدانية التي كنا ننظر اليها بانها مؤسسة كبيرة وراسخة وتتمتع بمكانة كبيرة ويديرها اناس كفء من البطريرك المرحوم مار بولص شيخو الى المطارنة والكهنة والذين كان الكثيرين " الكثيرون " منهم يحملون شهادات عليا في اختصاصات مختلفة، هؤلاء المطارنة الذين كانوا مثار اعجابنا وفخرنا في ان ))

لأول مرة يعترف متعصِّبٌ آشوري للعظم بحقيقة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة المشرق الكلدانية أصلاً ومنشأً ، شكراً لك يا سيد تيري ، فاعترافك هذا كان صحوة  ضمير إنتابتك ، وهذه الصحوة للأسف لا زالت بعيدة ًعن لمس ضمائر معظم منتحلي التسمية الآشورية الدخيلة إن لم نـقـل كُـلَّهم . ولكن يا سيد تيري ، متى كانت الكنيسة النسطورية الإنـعـزالية التي اشتهرت بتعـدُّد أسمائها ولا سيما بعد اختراقها من قبـل البعثات التبشيرية الأنكليكانية وبالتحديد بعثة رئيس اساقفة كنيسة كانتيربري الإنكليزية بعيدة ً عن الأزمات والنكسات ؟ ومَن أدخـل شعبَـها الساذج المسالم في متاهات ؟ مما أدّى الى انشطارها في ستينات القرن العشرين الى شطرين ذي تقويمَين قـديم وجـديد . لا أود الدخـول الى تحليل كنه كنيستكم النسطورية وما طالــــها من الأحداث والتغيـُّرات منذ انعـزالها في منتصف القرن السادس عشر وانـزوائها في المنطقة الجبلية ليعيش أبناؤها حياة القرون الوسطى معانين من فقـر وجهـل ٍ كبيرين ، فقد أسهبت في هذا الموضوع من خـلال مقالات عـديدة وطـويلة .
ثـمّّ ينتقل السيد تيري للحديث عن الكنيسة الكلدانية فيقـول :

(( اليوم نقراء " نقرأ " مقالات مختلفة من اطراف عديدة تنتقد وتكشف عن اخطاء وممارسات غير سليمة في الكنيسة الكلدانية. واغلب هذه المقالات تكتب من قبل اشخاص لهم وجود فاعل في هذه المؤسسة العريقة. ليس هذا فقط، بل ان ما نقراءه " نقـرأه " ونسمعه وما يتسرب الينا اظهرت " أظهر " الوجه الاخر للكنيسة الكلدانية، اعني الوجه الضعيف المنقسم على الذات. ولكن باعتقادي انها ليست الكنيسة الكلدانية فقط التي تواجه وواجهت مثل هذه المشاكل، فهذا الموسم كان موسمها، وقبلها كان موسم كنيسة المشرق/ التقويم الجديد. والتي لا اشك ان بعض رجالات الكنيسة الكلدانية كان مشاركا في تقديم الدعم لجهة معروفة ارادت تقسيم الكنيسة، لتحقيق انتصارات قد تخدم التطلعات المستقبلية لهم. و بالحقيقة كانت هناك ايضا اطراف سياسية منغمسة في هذه العملية اي عملية الاساءة لكنيسة المشرق الاشورية وكانه كان هناك اتفاق بين بعض رجالات الكنيسة الكلدانية والطرف السياسي من اجل ان يكون الطرف السياسي هو القائد الاوحد ورجل الدين المنقذ الكنسي ومحقق الوحدة الاوحد، وكل هذا ليس بالعمل الدؤب " الدؤوب " وتقديم الخدمات وتحقيق الانجازات، لا بل عن طريق المؤامرات، ومهما كانت الغاية المعلنة للمؤامرة شريفة، فانها ستبقى مؤامرة وكل مؤامرة هي عمل دنئ. وقبل الكنيستين الكلدانية والمشرق الاشورية كان هذا الامر يحدث في كنيسة المشرق/ التقويم القديم. ولكن مهلا، انها ليست الكنائس فقط، فقبل الكنائس او بعدها، كانت الازمة في الاحزاب، الحركة الديمقراطية الاشورية، بيت نهرين وهلم جر، ولكن مهلا ايضا ان الازمة ليست في الكنائس والاحزاب فقط، بل تشمل مؤسساتنا المختلفة من الثقافية والاجتماعية التي كان صوتها في الثمانينات والتسعينيات من القرن الماضي عاليا وتقوم باعمال مشهود لها. اذا نحن نعيش الازمة وبامتياز، نعيش ازمة خانقة لا تتيح لنا ان نرى ابعد من انفنا، نعيش ازمة لا تسمح لنا باستنباط الحلول لمشاكلنا. انها ازمة الانسان الخائف المرتعب الهارب، هذا الانسان الذي يتبنى اي يحل " حـلٍّ " ياتيه لانه يعتقده حبل نجاة ولو كا هذا الحل يضر باطراف اخرى قريبة من هذا الانسان، او لوكان هذا الحبل هو نفسه حبل مشنقته، وحتى يكتشف الانسان مدى سؤ " سوء " تقديره يكون وقت " الوقتُ " قد مضى وتراكمات قد حدثت وصعوبات قد خلقت.اننا ندور في فراغ قاتل فقد استنفذنا كل ما يمكن من الجهد لتحقيق شئ ما، ولم يبقى "يبـقَ " لدينا غير اللهاث وراء سراب شعارت غبية ))

إنَّ كُـلَّ مؤسسةٍ مدنية ً كانت أوكنسية معـرَّضة ٌللمرور في فترات قـوةٍ وضـعـفٍ تبعاً للظروف المحيطة بـها ، فالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وشعبـُها يُـواجهان صـعوباتٍ شتى ومن أطراف عِـدة مُعادية ، أولـهم الكنيسة النسطورية بشقيها فإن أتباعها رغم كُـلِّ تناحرهم فيما بينهم فإنهم يتوحدون على محاربة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وشعبـِها . كان التنظيم الشوفيني المدعو " زوعا "  ألـدَّ عـدوِّ لأبناء الامة الكلدانية وكنيستهـم الكلدانية الكاثوليكية منذ ست سنواتٍ مضت ، ثـمَّ ظهـر قبـل سنتين عـدو آخـر أشدَّ وأشرس هو تنظيم ما يسمـّى بالمجلس الشعبي الذي أسسه الداعية الآشوري سركيس أغاجان بدعـم ٍ ومباركةٍ من القيادة الكردية الحاكمة في اقليم كردستان ، هذه القيادة التي نفضت يـدها عن الكلدان ، وراحت تُـؤيـد كُـلَّ خطـوات أغاجان  المعادية للكلدان وبـدون أن تشير الى الأسباب التي دعـتهم الى ذلك . كان الهدف من تأسيس هذا المجلس المشؤوم هو كبح جماح تنظيم زوعا الذي رأت فيه القيادة الكردية غـروراً وغـلـواً في التطـرُّف ، وعنـدما فشل في هذه المهمة حـوَّلَ حـربَه ضدَّ التنظيمات الكلدانية بكُـلِّ ما لديه من قـوة .

كانت غاية تيري من هذا المقال هو إتهام بعض رجال الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بالتدخل في شؤون الكنيسة النسطورية عن طريق مناصرة الحركة الإصلاحية التي قادها العالم اللاهوتي الوحيد بين رعاتها المنغمسين في ظـلام الجهل والعنصرية القبلية والعشائرية ، هذا القائـد الملهم من الروح القـدس تحـرك لإنقاذ كنيسة آبائه من نير الإنعـزالية البغيضة الثقيـل ، فحـورب بشراسةٍ لا مثيـل لها . لم يتدخل أي طـرفٍ كنسي كلداني بما كان يجري بين الجهة الإصلاحية والجبهة العشائرية المتمسكة بزمام أمور الكنيسة النسطورية وإن أيَّ اتهام بهذا الخصـوص هو اتـهام باطـل لا أساس له من الصحة وليست للإتهاميين أية دلائـل وقـرائن . لم يستثن ِ السيد تيري أية شريحةٍ من شعبنا إلا وحـمـَّلـَه مسؤولية الأزمة الملمة بنا ، فالكنائس والأحـزاب والمؤسسات الثقافية والإجتماعية كُلُّها مشتركة في استحكامها . إنك محـقٌّ بذلك يا سيد تيري ، ولكنك لم تشخص المسبب الحقيقي رغم معرفتك به ، إنها أحزابكم العنصرية الشوفينية بأجمعها دون استثناء ولا أحـد غيرها .

ويستطرد تيري :

(( في بداية تسعينيات القرن الماضي وبعد اقامة المنطقة الامنة، ظهرت الحركة الديمقراطية الاشورية، ولكونها في الجبهة الكوردستانية ونزلت مع احزاب الجبهة الى المنطقة، التحق بها الكثيرين " الكثيرون " ، وزاد من اندفاع الناس للانتماء اليها توزير احد قياديها، وحضيت " وحظيت " الحركة بتعاطف الجميع، ودعم الجميع، ولكن لم يقل احد ان هذا التعاطف والدعم هما شيك مفتوح لها، وكان عليها ان تعمل من اجل ان يكون لها دعم ثابت وقوي ومستمر، ولكنها بدلا من ذ لك، ولكونها قد حصلت على مكاسب كثيرة بدون اي جهد يستحق ذلك، فقد خسرت التعاطف تدريجيا ووقعت في اخطاء لا يرتكبها مبتدؤ " مبتديئو " السياسةـ فكانت محاول " محاولة " قتل السيد روميل شمشون العضو القيادي في الحزب الوطني الاشوري مثال احد التخبطات التي وقعت فيها الحركة دون اي سبب واضح ومبرر( لو كان لنا الحق ان نعطب مبرر اصلا لقتل اي انسان ) " عبارة مبهمة لا معنى لها ". وكانت المتاجرة بالتعليم السرياني التخبط الثاني حيث ان التعليم بلغة الام هو حق( قره برلمان) " عبارة زائدة وخاطئة " اقره اقليم كوردستان لشعبنا وللتركمان وللعرب رغم وقوف الجبهة التركمانية بوضوح ضد الاقليم وعداءها " عـدائها "للاقليم. وكان الخطاب المزدوج التخبط الثالث، ولعل اكبر التخبطات التي وضعت الحركة نفسها فيه هي عملها الدؤوب على تقسيم كل مؤسسات شعبنا ومحاولة الاستيلاء عليها وتسييرها بحسب ارادة اعضاءها " أعضائها "، حتى انه لم تسلم مؤسسة من مؤسسات شعبنا من هذا الامر، فكان اعضاء الحركة المنتمين " المنتمون " حديثا الى صفوفها يضعون انفسهم في موضع الناهي والامر للجميع دون احترام سياقات العمل المؤسساتي، وخصوصا ان للكثير من هؤلاء الاعضاء المنتمين خلفيات غير سليمة ويمكن التشكيك بنياتهم وبغاياتهم استنادا الى هذه الخلفيات وقد ثبت " أثبت " التاريخ ذلك فعلا. اذا نحن وبايدينا سرنا على درب التدمير الذاتي، وباصرار عجيب وغريب ولا نزال، حتى جعلنا من انساننا الة صماء تسير وبلا شعور في طريق التدمير الذاتي، ويمكن استكشاف ذلك من خلال نماذج مختلفة وعلى مستويات متعددة، فالحوار اصبح مقطوعا، وبدل من ذلك شاعت لغة التخوين ، كل هذا وكان العمل القومي لشعبنا صار" قد صار " بالمقلوب. كانت الثقة التي منحت للحركة من قبل الشعب توجب عليها العمل من اجل ترسيخ مفاهيم الوحدة والتفاهم وخصوصا انها ظهرت وتمتعت بالمفاهيم الجديدة التي سادت مع مطلع التسعينيات وانحلال الاتحاد السوفياتي. ان عملية التحارب الداخلي والتي قادتها الحركة الديمقراطية الاشورية ضد تنظيماتنا السياسية وبالاخص بذلها الجهد الكبير والمسترم " المستمر " لدى كل الاطراف السياسية العراقية لعزل حزب بيت نهرين الديـمقراطي والوطـني الاشوري، وخصوصا في المؤتمرات الوطـنـية وبالاخـص مؤتمري نيـويـورك عام 1999 ومؤتمر لـندن عام 2002 ورغم فـشلها في ذلك ، الا انه بين " تـبـيـَّن " عن ان تنظيماتنا يمكن ان تخــترق وان تسير نتـيجة للصراعات البـينية. وادركت القوى السياسية العراقية بان الحركة يمكـنها ان تقبل اي شئ فقـط من اجل ان لا يكـون هناك شرك " شريك " لها باسم شعـبنا، ولذا فقد خسرنا نسبة " النسبة "المعتمدة لشعبنا وخسرنا التسمية الشائعة وخسرنا الكثير وبشكل متتالي. هذه امور حدثت ولكن يجب استعادتها لكي نعي الدروس ونعي ان الانقسام والتحارب الى ماذا يؤدي ))

لا تعليق لـديَّ على ما قاله تيري عن زوعا فهو الحقيقة بعينها ، ولكن عنصريته لم تسمح لـه ان يذكر مساويء زوعا ضدَّ التنظيمات الكلدانية ، وهذا هو الفرق بين الكلدان الكاثوليك الحقيقيين والكلدان النساطرة الإنعـزاليين منتحلي التسمية الآشورية المزيفة الاسطورة الويكرامية ، فنحن الكاثوليك نقـول الحقيقة مهما كانت مُرة على مُدعي الباطـل ، بينما إخواننا الكلدان النساطرة لا يروق لهم قـول الحقيقة بـل لا يُـقـرّون بـها .

(( في الوقت الذي كانت كنيسة المشرق بفرعيها، لا تنكر الهوية الثقافية والحضارية لشعبنا عملت اطراف عديدة في الكنيسة الكلدانية والسريانية الكاثوليكية على تشجيع التعريب، واذا كان مفهوما انها مارست ذلك او غضت النظر عن ذلك بسبب وقع الحكومات الديكتاتورية، ولكنها مارست العمل ذاته حتى بعد تحرر العراق من حكومة البعث. فبدلا من لم الشمل وخصوصان ان كنيسة روما قد ازالت حاجز الاختلاف المذهبي واعترفت بصحة معتقد كنيسة المشرق. فلا يزال موقفها منوحدة الشعب والامة وتخبطها بين اننا امة واحدة الى التمسك والعمل من اجل الفصل الاسماء في الدستور، لا بل هناك من يدرك ويعي ان الكنيسة او بعض رجالاتها كان وراء ابتعاد تنظيمات كلدانية عن العمل الوحدوي.
لقد ساعدت الكنيسة الكلدانية ايضا حالها كحال الحركة في تشديد الصراع داخل الشعب، بدل من ان تعمل من اجل استغلال ثقلها في ترسيخ روابط الوحدة والتعاضد، كنيسة المشرق رغم التزامها بالتسمية الاشورية ومنذ زمن بعيد، حتى انها قدمت احد بطاركتها شهيدا على مذبح العمل القومي تحت الراية الاشورية، الا انها لم تتدخل في خيارات السياسيين وكان لهم خيار حر في الراي والطرح والاتفاق، عكس الكنيسة الكلدانية التي رعت الانفصاليين ودعمتهم في زمن الشعب كان يعاني من ازمة كبيرة، ولعل اكبر هذه الازمات كانت ازمة فقدان الامل بالمستقبل!
ان وضعنا، بكل تسمياتنا هو في خطر واضح، واذا كان طرفا يعتقد بانه الفئة الناجية، فعليه دراسة الامور بشكل واضح، لكي يدرك انه لا محال في طريق الزوال، وهنا لا اعني زوال مسيحيتنا ولكن زوال هويتنا القومية وزوال لغتنا وعاداتنا وتقاليدنا والروابط التي تربطنا ))

ما هذا الغباء يا سيد تيري ، هـل التـوسع في المعرفة في تـعـلم اللغات وتـداولها هو إنكار لهويتنا الثقافية القـومية ، وهل أن اللغة العربية هي لغـة إسلامية خاصة بهم ؟ ألا تعلم أن العلماء الكلدان هم الذين عـلـموها للعرب كتابياً ! حيث لم يكن تداولهم لها إلا نطقاً وسماعياً . في الحقيقة إن انعـزالية الكنيسة النسطورية جعلت من أبنائها أن يتقـوقـعـوا ويراوحـوا في مكانهم مستمرئين التخلف غير راغبين بالإنفتاح على التطور العالمي . ولنجري مقارنة بسيطة بين إنجازات العلماء الكلدان في الحقـل الثقافي فنذكر على سبيل المثال لا الحصر : المطران أدّي شير ، المطران يعقـوب اوجين منا ، المطران توما اودو ، الأب اقليمس داود ، البطريرك عمانوئيل الثاني توما ، البطريرك يوسف غنيمة ، البطريرك بولس الثاني شيخو ، البطريرك روفائيل بيداويذ ، البطريرك عمانوئيل الثالث دلى ، المطران سرهد جمو ، المطران لويس ساكو ، الأب ابير أبونا ، والأب يوسف حبي و و و بينما لم تنجب الكنيسة النسطورية بشقيها أي عالم بهذا المستوى وقد يكون هنالك واحد هو الأب قـلـيتا .
لـو أن رئيس الكنيسة النسطورية اعترف بحقيقة ايمانه كما هو على حقيقته النسطورية أمام بابا روما من حيث اعتبارها للهرطوقي المنشق نسطوريوس قـديساً ، لَـما وجـد قبولاً ولا اعترافاً من قبـل البابا ، لكنه أنكر ذلك واقتبس الإيمان الكاثوليكي مع بعض التحوير اللفظي وعرضه أمام البابا ، فكانت تلك خـدعة انطلت على بابا روما . وإلا لماذا لم تُعلـن الكنيسة النسطورية كاثولكيتها منذ ذلك حتى الآن ، ولم توقع وثيقة الإتحاد الإيماني مع الكنيسة الكاثوليكية الجامعة مع الإبقاء على هويتها الآثورية أو " الآشورية المزيفة " اسوة ً بـبقـية الكنائس الكاثوليكية في العالم .

إنـه هُـراء مِنك يا سيد تيري بمقارنتك موقف الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بموقف الحركة العنصرية الشوفينية ( زوعا ) فهي ليست جهة ً سياسية ، لكنها داعمة لسياسيي شعبها الكلداني انطلاقا من ايمانها بهويتها القـومية الكلدانية ، وقد أعلنت ذلك جهاراً في البيان الختامي لمجمعـها المقدس الأخير المنعقد في مدينة عنكاوا في أيار 2009 ، وعلى الآشوريين المزيفين أن لا ينسوا بأن الكنيسة الكلدانية هي جزء من كنيسة الرب يسوع المسيح التي بناها على الصخرة البطرسية وقال بأن أبـواب الجحيم لـن تقـوى عليها ، فكيف تتجـرأوا على معاداتـها ؟ ثم أليس من العيب أن تنفي عن الكنيسة النسطورية " إنـه كفرٌ تسميتها كنيسة المشرق " عدم تدخلها في خيارات سياسيي منتحلي التسمية الآشورية ، أي قاريء يصدق كلامك هذا ؟ بطريرك الكلدان النساطرة آشوريي اليوم المزيفين هو القائد الديني والزمني الأوحـد ! فلماذا كُـلُّ هذا الـدجـل ، كفاكم خـدع شعبكم الساذج .

(( ان الامر الواضح هو ان يقوم الكل وكل من جانبه باعادة النظر في ممارساته دراسة مقدار السلبيات التي ادت اليها مواقفه .
انه بات واضحا ان دور الكنائس السياسي الوحيد المسموح به حاليا ومستقبللا هو مباركة وحدة امتنا وشعبنا وحسب خيارات السياسيين، فالكنائس التي تدعو ليل نهار الى وحدة العراقيين ووحدة الفلسطينين ودعت الى وحدة الكورد ابان الاقتتال ووحدة الصوماليين ، مطلوب منها ان تتخذ موقفا شريفا من شعبها الواحد وان كانت لا تقدر على العمل الوحدوي فلتدعوا اليه، انها دعو مسيحية، اليس كذلك؟
انه بات واضحا ان على الاحزاب ان تدرك ان الاخطاء غير مسموح بها، فاا كان الخطاء غير مسموح به نتيجة لدقة الوضع، فان التخطيط لاقتراف الاخطاء يعتبر جريمة بحق الشعب والامة، فهل سيكون لهذه الكلمات وقع في اذان البعض، ام ان هؤلاء سيسرون في مخططاتهم دون النظر الى واقع شعبنا.
امنحوا الامان لشعبكم ايها السادة، او اعملوا على الاقل لاجل ذلك، ان شعبكم سيرى ذلك وسيقدر ذلك ))

يؤسفني أن أقـول لكَ ، دَع نصائحكَ لك واقتصرها على كنيستك العنصرية وأتباعـها ، إنَّ شعـوب العالم كُلَّها مهما كانت متنافـرة تمتثل لنصائح الكنائس باستثناء شعب واحـدٍ متنكـر ٍلقـوميته الأصيلة ومنتحل لتسمية وثنية موطنية لشعب قديم منقرض لا صلة له به لا من قريب ولا من بعيد ، لا تنفع معـه الأدعية المباركة على الإطـلاق ، ولا يمكن دعـوتـه الى الـوحدة لأنه عـدو الـوحدة ومخـربـُّها والـدواء الوحيد لداء عنصريته هو عـدم الإكتراث به ، وتركـه سادراً في أحـلامـه الخيالية .

الشماس كوركيس مردو
في 1 / 11 / 2009

181

أليسَ قـرصنة ًاعتمادُ الإسم صُورياً والإداء الفعلي مُغايراً ؟



إن السياسة مهنة نبيلة لأن المباديء التي ترتكـز عليها هي خـدمة الإنسانية من بابها الواسع ، وعلى ممارسيها أن يمتلكوا الصفات التي تؤهلهم لهذا العمل الإنساني السامي كالثقـة بالنفس والصدق معـها بالإضافة الى انتهاجهم الصدق مع بعضهم البعض ومع الشعب الذي يمثلونه ويسعـون الى خـدمته ، ولكن للأسف الشديد ، فإن اغلب ممتهني السياسة اليوم يُمارسونها بشكلها الخاطيء الذي يتضمن الكثير من الـدجل والإفتراء وتغليب الباطـل على الحق في كثير من الأحيان بسبـب تفضيلهم لمنافعهم الخاصة على الخيـر العام .


وكـُنّا نتمنى لسياسيي شعبنا المسيحي التحليَ بالصفات النبيلة التي يتطلبها العمـل السياسي الصادق ، من حيث الصدق والأمانة والتجرد من الأنانية الشخصية والإنصراف الى خدمة مصالح أبناء شعبهم بالسعي الى استحصال حـقوقهم ، فقد ذاقوا الضيم والمهانة طـَوال ما يزيد عن ستِّ سنـوات بتعـرضهم الى شتى أنواع الإضطهاد والإعتداء في أماكن إقامتهم في المدن الكبرى بغـداد والبصرة والموصل وكركوك ، مما حـدا بأعـدادٍ كبيرة منهم للهجرة الى مختلف بلدان العالم ولا زال جزء كبير منهم ينتظر في الاردن وسوريا ولبنان وتركيا ودول اخرى ، وكما تـُفيـد التقارير الاعلامية المختلفة بأن عددَ هؤلاء المهاجرين خلال هذه السنوات الست قـد ربا عن 800000 نسمة ، وإذا استمرَّ نـزيـف الهجرة على هذا المعـدَّل فإن العراق سيفرغ من سكانه الأصليين المسيحيين خلال مدةٍ لا تتجاوز السنوات الخمس القادمة ، وهنا نسأل سياسيي شعبنا ، تـُرى ماذا كان دوركـم لتدارك هذا الأمر وكيف ستعالجـون وقـفَ نزيف الهجرة ، ومَن ستمثلون إذا فرغ العراق من أبناء شعبكم ؟


ونأتي الآن الى موضوع مقالنا الأساسي ألا وهو تقييمنا لعمـل التنظيم الذي أسنـدَ مؤسسُه الداعية الآشوري سركيس أغاجان إسمَه الى الشعب والشعب براءٌ منه ، هذا الرجـل الذي أفرزته الأقـدار فجـأة ً في الساحة السياسية المسيحية واحتظنته القيادة الكردية الحاكمة في اقليم كردستان ، فراح يلعب وحـده في الميدان وأعـلـن حرباً علنية ً وشعـواءَ على الكلدان . لقـد حـوَّل شعارات مجلسه اللاشعبي المعلنة في مؤتمره التاسيسي الأول المنعقد في آذار 2007 الداعية الى تمتين روابط الوحدة بين مكـونات الشعب المسيحي ، الى أهـدافٍ تمزيقية لهذه الوحدة المزعـومة . إدَّعـى بأنه سيجعل من مجلسه المشؤوم خيمة تتفيـّأ في ظـلالها جميع تنظيمات شعبنا القـومية السياسية والثقافية والإجتماعية الى جانب الشخصيات الوطنية المؤمنة بوحدة شعبنا الحقيقية التي تتفق مع واقع شـعـبـنـا الراهـن والموضوعي ، فصـدَّقـَه المخلصون من أبناء شعبنا بكلِّ تسمياتهم وبـدأوا العمـلَ ضمن المجلس ، وحـقـَّقـوا للمجلس نجاحات لم يكن يحلم بها وبمدة قياسية وقصيرة من تأسيسه فيما لـو قيست بسنـوات تأسيس تنظيماتنا القـومية الأخرى السابقة لـه بأشواطـٍ في العمـل السياسي ، ورغم كُلِّ الجهـود التي بذلها هؤلاء الأبناء المخلصون والمُجـِدّون بتأكيداتهم وتحذيراتهم لرئاسة المجلس بعـدم الكيل بمكيالَين بالنسبة الى مكونات شعبنا التي يتـنـوع بها ووجوب الوقـوف منها بمسافةٍ متساوية ، إلا أن هذه الجهـود وللأسف البالغ ذهبت أدراج الرياح ولم يُعِـرها المجلس أيَّ اهتمام ، بـل أظهر انحيازاً سافراً للمكـوَّن المنتحـل للتسمية الآشورية المزيفة في كافة احتفالاتـه ، حيث يتبنى شعاراته ويرفـع عَـلـمَه ويعتمد نشيده و و و . . .  وهكذا برهن المجلس على عـدم مصداقيته ومعـلـناً بأن الشعب الذي نسب إسمَه إليه هو الشعب الآشوري المزيـَّف فقط  ، وأن ذِكرَه للمكونـَين الآخرين الكلدان والسريان هو لـذر الرماد في العيون والإستهلاك الإعـلامي لا غير .


هنالك أعـلام قـومية للمكونات المسيحية الثـلاثة الكلدان والسريان ومنتحلي الآشورية المزيفة ، فإذا كان المجلس الشعبي حـقاً شعبياً كلدانياً وسريانياً وآشورياً مزيفاً ! لماذا يرفـع المجلس العـلـم المزيـَّف فـوق مبناه وفي جميع مكاتبـه دون العـلمَيـن الآخرَيـن ؟ أليس إذاً اسمُ المجلس " كلداني سرياني آشوري " صـورياً للخـداع والتمويه ، وفعلياً هو آشوري صرف رغم علم المجلس بزَيفِه .


إن الكلدان والسريان يستهجنون هذا التصرُّف المشين ، ويستنكرون بشدة رفع العلم الآشوري المزيف فـوق مبنى المجلس في دهـوك وداخل مكاتبه دون غيره ، وبقاء هذا الوضع على ما هو عليه هو استفـزاز صريح ومتعـمَّد للكلدان والسريان ، وسيحدو بهم الأمر الى استخلاص نتيجةٍ مفادها ، بأن استمرار بقائهم في الوطن تحت الإهانة والإستفـزاز لا يمكنهم احتماله ، ولا بـدَّ لهم من ترك الوطن والسعي للعيش في بلاد المهجـر .


إن المجلس الشعبي بهيكليته وهويته الشعبية الحالية غير مؤَهـَّل ٍ لممارسة العمـل السياسي ، ولكـنَّه أغـفـلَ هذه الحقيقة عمـداً ودخـل منافساً أحـزاب شعبنا السياسية عندما شارك في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات برلمان اقليم كردستان ، وهو يستعد للمشاركة في انتخابات البرلمان العراقي الفيدرالي ، والهدف من ذلك هو القرصنة السياسية بشكل غير مشروع  وسعياً لإختـزال العمـل السياسي وحصره به ، وبذلك يصل الى تمييع قضية شعبنا القـومية والتشكيك بالقدرة السياسية لأحزابنا ، ولـولا ذلك ، لـَقام بتغيير هويته الشعبية ليتحـول الى تنظيم سياسي أو حزبٍ سياسي وعـنـدذاك يحق لـه التركيز على العمل السياسي إذا كان حـقاً يسعى الى تحقيق طموحات شعبنا .


لقد قام المجلس الشعبي بعمليات مزايدة تحت الاسم الشعبي المزيف متنكراً للقِيـم والمباديء رافعاً شعارات بـراقة مثيراً حـولها الصخب والعربدة ، ولكنها فارغة من المحتوى ، ولذلك انتهى بها المطاف الى وضع ٍ بائس مثير للسخرية . وقد بلغ به الطغيان السياسي مبلـَغّه ، حيث سلب الإرادة السياسية وحرية الرأي الخاصة بجماهير شعبنا ولاسيما المقيمين والمهاجرين منهم الى قرانا في منطقة سهل نينوى وإقليم كردستان ، مستخـدماً الدعم المالي لإبتـزاز أصواتهم ، وهذا ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات وانتخابات برلمان اقليم كردستان ، حيث هـُدِّد كُلُّ مَن لا يصوت للقائمة المحـددة بقطع المساعدة المالية واسترجاج الدار التي يسكنها ، أليس هذا انتهاكاً لحرية الأفراد في حياتهم الخاصة ، وسلباً لإرادتهم المستقلة وقمعاً لنفسيتهم ؟ أليس للإنسان الحق الكامـل بالتمسك بهويته القـومية التي يؤمن بها ؟ لماذا يرتعب البعض من سماع مئات الآلاف يُـعَـرِّفـون أنفسهم بأنهم كلدان قـومياً مسيحيون دينياً كاثوليكيون مذهبياً ! ولماذا يُحاول هذا البعض الضئيـل النكـرة فرض هـوية  غريبة مركبة وهجينة على الغالبية الكلدانية ؟ نحن الكلدان نعلم جيداً بأن مَن يـدعـون أنفسهم آشوريين اليـوم ، ليسوا كذلك لأنهم كلدان نساطرة إنتحلوا التسمية الآثورية بإغـراءٍ وضغطـٍ وتشويقٍ من قبل المبشرين الأنكليكان عملاء المخابرات الإنكليزية الذين قدموا الى ديارهم في منطقة هيكاري الجبلية في نهايات القرن التاسع عشر ، ثـمَّ قام أحفاد اؤلئك المنتحلين بتحويلها الى الآشورية في العقود المتأخرة من القرن العشرين لإعتباراتٍ سياسية  ، ومع ذلك نحترم رأيهم وقـرارهم وقناعتهم ، ولذلك نطالبهم بعـدم التحرش بنا بهدف جرف أبنائنا من الحـق الى الباطـل عن طريق الإغراء والشراء الذي يعتمده المجلس الشعبي .


تـُرى ، هل سيرعـوي قياديوالمجلس الشعبي وعلى رأسهم مؤسسُه السيد سركيس أغاجان ويغيِّرون سياستهم الهوجاء المشوبة بالعِـداء تُجاه الكلدان ؟ فيكون مؤتمر المجلس الثاني مؤتمر دراسة الأخطاء التي ارتكبها المجلس بحق الكلدان خلال السنتين الماضيتين ؟ نأمل أن يأتي المؤتمر الى استيعاب العِـبَر ، ولا بـدَّ للحـقِّ في النهاية أن ينتصر .


الشماس كوركيس مردو
في28 / 10 / 2009

182
تحية إكبار وإجـلال لحـزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني


تــُطـِلُّ على امتنا الكلدانية المجيـدة يـوم غـدٍ الخامس عشر من تشرين الأول 2009 الذكـرى العاشرة لتأسيس حـزبِـها الطـليعي " حـزب الإتحاد الـديمقراطي الكـلـداني " قائـد المسيرة القـومية الكلدانية والمتحَـدِّي الأكـبر للظـلـم والرافض للباطـل والصارخ بـقـوةٍ بـوجه النـفـعـيين والإنتهازيـيـن الجاحديـن بائـعي ضمائرهم وذواتهـم لغـاصبي حقـوق أبناء الكلدان المخلصين الشرفاء ، ولـم يكـتـفِ خـائـنـو امتهم هؤلاء بذلك فحسب ، بـل وقـفـوا بصـلابـةٍ لا مثيـلَ لـها حتى عنـد أسيادهم ضِـدَّ تطـلـعات هذه الامة المستقبلية المشروعة ، فتـولـّوا عنهم حَـبـكَ المؤامرات الـخسيسة والبائسة لطـمس وجـودها محاولين منعَ أبنائها الأصـلاء الحقيقيين من رفع رايتها العـلـيا .


لـهذه الغاية النبيلة بادرت نخبة ٌ من أبناء الكلدان المفـكـرين القـوميين المخلصين في نهايات التسعينات من القرن العشرين الى تأسيس أول حـزبٍ قـومي كلداني رغم كُـلِّ التحـديات وضآلـَت الإمكانيات وفي ظـلِّ تلك الأجـواء المحمومة بالعِـداء السافـر والمستتر لأمتهم الكلدانية ، أعـلـنـت هذه النخبة الخيـرة في الخامس عشر من تشرين الأول لعام 1999 عن تأسيس الحـزب الديمقراطي الكلداني ، متجاوزة ً كُـلَّ العـراقيل التي وضعـها الجـهـلة المعادون والأبناء المغـَرَّر بـهم المتنكـرون ، وبـدأ الحـزب مسيرته القـومية بإمكانياتـه المتاحـة وبالرغم من محدودياتـها خاض نضالاً صامتا ً ولكنـَّه فاعلٌ في سبيـل إعادة حـقـوق شعبنا المسلوبة ، بعيـداً عن التهـويل والمزايدات الرخيصة ايمانا منه بأن الهـدف الأول والأخيرالذي تأسس من أجلـه هو خـدمة شعبـه .


لقد كانت مساهمة قيادة الحـزب على قـدر كبير من الأهمية في تثبيت التسمية القـومية الكلدانية في دستور العراق الفيدرالي ، كان صـوتـُه عالياً من خـلال قيادتـه في إدانة الأعمال الإجرامية التي ارتكبها الإرهابيون والقـتـلـة في حـقِّ أبناء شعبنا الأبـرياء حيث إعـتـدوا على حياة المئات منهم ، وأهانوا مقدساتهم بتفجير العـديـد من كنائسهم ، ناهيك عن اختطافهم لرموزهم الدينية وقتـل البعض منهم ، كانت قيادة الحـزب تـدين تلك الأفعال البربرية وتستهجنـُها مطالبة ًالحكومة المركزية والحكومات المحلية بالبحث عن الأثمة الفاعلين ومعاقبتهم .


لم تـذَّخـر قيادة الحـزب جُـهـداً في محاولة تـوحيد صفـوف الشعب المسيحي العراقي والتأكيد على أن أبناء هذا الشعب ينتمون الى امةٍ قـومية واحـدة ، ولا تقـبـل أن تـُفرضَ على هذا الشعب تسمية مركبة مزركشة غريبة على الـواقع والتاريخ ، وترى في ذلك مسعىً خبيثاً لإلغاء قـوميتنا الكلدانية الحقيقية والشاملة  .


إننا نـُهيب بقيادة الحـزب إبـداء المزيد من النشاط الاعـلامي ، لتعريف الشعب بموقفـه من الأحداث الراهنة ، وبمدى رؤيتـه للمستقبـل ، إن أعـداء أبناء الامة الكلدانية المخلصين باستثناء المتنكرين الغادرين كثيرون ، والحذر من مخططاتهم التآمرية مطلـوب ، لذلك نطالب باتباع سياسة الحكمة والدهاء ، والإنفتاح المجـدي على مختلف تنظيمات شعبنا بكل تسمياته من أجـل التفاهم وتقبـُّل الـواحـد للآخـر .


وبهذ ه المناسبة الجميلة  ذكرى تأسيس الحـزب العاشرة يُسعـدني أن أتـقـدَّمَ من الحـزب الديمقراطي الكلداني قـيادة ً وكـوادر ومؤازرين وفي مقدمتهم الأخ المناضل الكبير الأستاذ ابلـحـد افـرام الأمين العام وأعضاء اللجنة المركـزية ، سائـلاً المَـولى القدير العـون وحكمة التدبير بمسهامتهم في قيادة سفينة أبناء امتنا الكلدانية الأصيلة الى شاطيء السلامة وبَـرِّ الأمان .


الشماس كوركيس مردو
في 14 / 10 / 2009

183


إذا انتفى عن الإنسان الخـجـل لا يـَهـُمـُّه ما يـقـول وما يـفـعـل !


  ( رَدٌّ على مقال سيزار الهـوزي " الكلداني المسكين .. أم الذكي " )


رغـم كُـلِّ الشواهـد التاريخـية والتأكـيدات العلمية التي تُجـزم بانـدثار وانـقـراض الشعب الآشوري القـديم منذ أن تـَمَّ القـضاءُ عليه ككـيان ٍسياسي ووجـودٍ بشري ما بين عامَي 612 - 609 ق . م على أيـدي الكلدان ودعـم الميـديـين فانـتـهـى دورُه واختـفـى اسمـُه عن سجـلِّ التاريـخ ، نـرى العـالـَم يـتـفاجأ بظهـور أتـباع ٍ لهذا الشعـب بعد مـرور خمسةٍ وعشرين قـرناً من النسيان وبالـتحـديـد في أواخـر القرن التاسع عشر حـيـث بـدأت الـبعـثات التبشيرية الأنكليكانية ( الإنكليزية ) بالإنتشار في بعض مناطـق الشرق الأوسط التي كانت خاضعـة ً للسلطـنة العثمانية ، ومِنها منـطـقـة هيكاري الجـبلـية التي يُـقـيـمُ فيها جـزءٌ عـزيز صـغـير من أبناء شعـب الكنيسة الكلدانية النسطـورية ( كنيسة المشرق ) الذي انـعـزل عن الجزء الأكبـر من إخـوتـه الإصـلاحيـيـن الثائـرين ضِـدَّ الرئاسة الكنسيـة المستـبـدة المتمثـلة بعائلة " آل أبـونا " العشائـرية ، ولسنا هنا بصـدد التطـرُّق الى تفاصيـل نـفـور الشعـب الكلداني من رئاسة كنيستـه حيث يتـطـلـب ذلك صفـحاتٍ طـويلـة جـداً . إقـرأ عن إنـقـراض الآشوريـيــن القـدماء واستمرارية الـوجـود الكـلـداني على :
                                                                                                                                                                                                                                                                  الـرابطـ  :   http:/www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=335310.0  .


فعـن أية قـوميةٍ تتحـدَّث يا سيزار الهوزي ، قـومية اولـئك السفاحين الذين عاقـبـَهم التاريخ بالفـناء الأبدي ، تلك القـومية المزيـَّفـة الني خـدع بها أسلافـَكم السذج الجـهـلاء المخادعُ الإنكـليـزي خـادعُ الشعـوب الشهير ، أتـدري ماذا كانت دوافـع بـعثة رئيس أساقـفـة كانتيربري للتـغـرير بأسلافـِك الكلدان النساطرة باحياء اسم الآشوريين القـدماء بعد مضيِّ  2500 عام مِن انـقـراضهم والطـلب منهم أن يتبَـنـّوه لقاء قـطعـها لهم عهدا باسم حكومة المملكة المتحدة بأنـها ستؤسس لهم وطناً قـوميا على أنقاض الآشوريين القدماء المنقرضين ، مشترطة ً عليهم بالقول : وهذا لا يُمكن تحـقـيـقـُه لهـم بـدون نبذهم  لإسمهم القـومي والمذهبي الحالي ( الكلدان النساطرة ) وبدون إدِّعائهم بأنهم أحفادٌ لأولئك الآشوريين المنقرضين ، وللمزيد طالـع كتاب ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص 596 - 597 )


كان لإنكلترة أهداف عـدة أرادت تحـقـيـقها عن طريـق هؤلاء الكـلدان النساطرة السُـذَّج  مِنها : 1 - ايـجاد موطيء قـدم لها في قـلب أراضي السلطـنة العـثمانية 2 - منافسة روسيا القـيـصرية في التـدخـل بشؤون السلطنة 3 - السعي الى ايـقاف المـَد الكاثوليكي الذي كاد يكـتسح منطـقة نـفـوذ البـطريرك النسطوري مار شمعـون ، فسخَّـرت لهذا الغرض الدنيء مبعـوثي كـنيستها الأنكليكانية العـدو اللدود للكنيسة الكاثوليكية . لمعرفة المزيد عن الأهداف الشريرة لمملكة انكلترة إفتح :
                                                                                                                                                                                                                                                                         الرابط : http:/www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=311181.0 .


أبعد كشفـنا لحـقـيـقـة انتمائـكم العـِرقي الكلداني ، أصابَـكم الخَـبَـلُ وانتفى عنكم الخـجـلُ حتى بِـتـُّم تتخبَّـطـون بما تقـولوا وما تفـعـلـوا ! لماذا كـُلُّ هذا التجنّـي على الكلدان يا معشر الزوان ؟ لماذا كُـلُّ هذا التعـصُّب للباطـل ، إنَّ ما يُـبـنى على الباطـل هـو باطـل ، إنـَّكم متعـصبـون للعـظـم والسبـب هو شعـوركم بالنـقـص وعـدم قـدرتـكم على الإعـتراف بالحـقـيـقـة الناصعة ألا وهي تـنـكـركم لجـذوركم الكـلدانية ، لأنكم تعرَّضتـم عن طريق أسلافكم لغسيل ٍ دماغي من قبـل جهةٍ خبـيرة هي مملكة انكلترة . عندما أثـوَرَ الإنكـليزُ أسلافـَـكم البسطـاء قاموا بتـدريـب أجـيالهم على التـقـدم بـطـروحات بالغة التـطرُّف لتغـطـية الحقائق والجري وراء الأوهام الخيالية . لقـد خان أسلافـُكم القائـدَ الكلداني الغـيور أغـا بطرس ووضعـوا أمام مساعيه الهادفـة الى توحيـد الامة الكلدانية العـراقيـل مـما اضـطـرَّه للإنسحاب والإنـزواء  . الآشورية لا تعـدو كونـَها محض اسطـورة أتقـن حَبكَها الإنكليزُ بشخص رئيس أساقفة كنيسة كانتيبري الأنكليكاني " ولـيـم ويـكـَرام "وهي أشبه بإسطورة المحرقة اليهودية التي اختـُـلـقـت من قبـل الإنكليز أيضاً لتـبرير وعـدهم لليهـود بإقامة وطن قـومي لـهم ، ووفـوا بـوعـدهم بسبب إسناد بعض الدول القـوية لـهم ، ولكنهم تنـكَّـروا للذين أثـوَروهم زَيـفـاً وتـنصـلـوا عن وعـدهم لـهم بسبـب معرفتهم الأكيدة بأن غـرضهم من تلفيقهم اسطورة (أثور - آثوريين ) بحـق هؤلاء الكلدان النساطرة كان لإستخدامهم كـوقـودٍ لأطـماعـهم ،  وليس هذا فحسب ، بـل تآمروا عليهم وأذاقـوهم أمَـرَّ الـويـلات .


لم يشعـر الكلدان قبـل عام 1998 بحاجتـهم الى أحـزابٍ سياسية قـومية، أولاً لأن الكثيرين من أبنائهم كانوا منخرطين في أحـزابٍ وطنية ، وثانياً لأن حكمتَهم دَلـَّتهم بعـدم تعريض أبنائهم الى ملاحقة السلطة الغاشمة القابضة على زمام الحكم بشكل ٍ ديكتاتوري ولا سيما أن تـواجـدهم الأكـثـف كان في المدن الكبرى مثـل بغـداد والبصرة والموصـل وكركوك التي كانت فيها هيمنة الدولة  أكثر قـوة ً وأكثر قـدرة ً لمراقـبة الـتحركات السياسيـة .  وما إن شعـر الكـلدان بأن الـتغيـيـر السياسي في العراق على وشك الحـدوث ، وأنَّ تـَغـلـغـل الأحـزاب المُسَماة بالاشوريـة زوراً وزيـفـاً داخـل الأوساط الكلدانية أصبـح كارثياً بالنسبة للكلدان ، بادر الغيارى من أبناء الكلدان الى تأسيس أحزابٍ سياسية قـومية كـلدانية ، لتـتـصدي للأحزاب اللصوصية التابعة لمنـتحلي التسمية الآشورية المزيـفة ولا سيما حركة زوعا الإجـرامية التي لـعـبت أدواراً قـذرة ً جـداً ضِـدَّ أبناء الامة الكلدانية ، حيث أن زعيمها الأوحـد يـونادم كـنا المتشبـع بالفكـر البعثي الشوفيني التآمري لم يـدع فرصـةً إلا واغـتـنـمها للتآمر على الامة الكلدانية .


ليس لـديكم أنتم الكلدان النساطرة ( منـتحلو التسمية الآشورية المزيفة )إلا هذه النغمة النشاز التي لا تملون من ترديدها بأن التنظيمات الكلدانية قليلة الخبرة في العـمل السياسي ، إذا كان إدِّعاؤكم هذا صحيحاً فلماذا لا تستغـلون ذلك لصالحكم ، ثـمَّ لماذا ترتعـبـون أمامهم ؟ ولماذا دارت الأرض بكم بسبب تواجـدهم على الساحة ، وهـل إن مؤسسي الحـزب الديـمقراطي الكـلداني وكـوادره كانـوا بعيدين عن أرض الوطن ولا دراية لهم بمتطلبات شعبها ، ما هذا الإفتراء ياسيزار الهوزي ، ولماذا كُلُّ هذا الدجَل المفضوح فالأحـزاب الكلدانية خالية تماماً من الشيوعيين ، لأن الشيوعيين الكلدان إصتاطـدهم حـركة زوعا المجرمة ولـولاهم لكانت الآن في خـبر كان . إن حـركة زوعا هي نسخة مصغـرة من حـزب البعث ، فهي تـدعو الى البعث الآشوري المزيف ، كما كان حـزب البعـث يـنادي بالبعث العروبي ، ولا يُستَـبـعَـد أن يكون مصير المتشابهين واحداً .


لم يطـرح أيُّ تنظيم كلداني سياسي على الساحة سوى ( الهـوية الكلدانية ) وخـلاف ذلك هو من تـدبير المارقين الذين غـرَّرت بهم حـركة زوعا العـدوة اللـدود لشعبنا بكل انتمآتـه ، لأنها حـركة بعثية آشورية شوفينية، وقـفـت بعـنـفٍ ضِـدَّ المشروع القـومي الكلداني الذي تـَبـَنـَّته مؤسسات الكلدان السياسية والهادف الى لـم شمـل أبناء الامة الكلدانية بكُلِّ تسمياتهم ضمن وحـدة حقيقية متكافئة ، لا غالب فيها ولا مغـلـوب ، ومن الطبيعي أن هذا المشروع الوحدوي المثالي ، سيقـضي حتماً على مشروعها البعثوي الآشوري الإحتوائي الذي مـزَّق وحـدة شعبنا المتآخي قلبياً وليس كتابياً ، فراحت تبث سموم التفرقة بين صـفـوفـه وزرع بـذور الكراهية بين فئاتـه حتى حـوَّلـت أبناء هذه الفئات الى وحـوشٍ ضارية تنهش بعضها البعض .


ليس لكم أنتم الكلدان النساطرة ( آشوريو اليوم المزيفـون ) إلا الإعتراف مُرغمين امتثالاً للواقع بأن القس سرهـد جـمـو ( المطران اليوم ) كان أول الداعـين الى الـوحـدة ، وصرف في سبيل ذلك جُهـداً كبيراً ووقتاً طـويـلاً ، وعنـدما اكتشف حقيقتكم المزيفة وتعنـتـكم العنصري البغيض ، إنتابـَه النـدم على ما بـذلـه من جُهـدٍ وطول أناةٍ مع اناس قد غلب عليهم الجهلُ والتعصب الأعمى الذي يُعتبَر دليل نقصٍ وعجـز ٍ ونكران متعمـدٍ للحقائق التاريخية ،  فلم يبـقَ أمامَـه إلا تـركـَكـَم تتخبطـون في ظلام جهالتكم الحالك ، لكي يتـفـرغ للعـمل العقـلاني الواقعي وبناء البيت الكلداني الكبير الذي يتسع لكُـلِّ أبنائه المخلصين الشرفاء وحتى الضالين منهم في حال عـودتهم نادمين على مثال الإبن الضال .


كفاكم ضـلالاً يا معشر الكلدان النساطرة ، ثـوبوا الى رشدكم وفـكـروا ملياً بالـورطة التي أوقـع بها الأنكليكانيُّ الخبيث ولـيـم ويكرام أسلافـَكم السذج البسطاء ، كيف ترضون التمسك بخطـئهم وأنتم تعتبرون أنفسكم أذكياء ! اليس هذا نـوعاً من الغـباء ؟ إنَّ الباطل لـن يستـديم ، ولا بـدَّ لـه من نـهاية ! إنـنا نحن إخـوتـكم الكلدان نـَرثـى لحالـكم ، ولا نتمنـى إلا الخـير لـكم , وإن كنـتم تـتـمنـون لـنـا الشرَّ بالتأكَيـد ، بسبب ابتعادكم عن المسيحية وتشبثـكم بالآشورية الـوثنية .


الشماس كوركيس مردو
في 7 / 10 / 2009

184


 ما يُسمـّى بالمؤتمر الشعـبـي ماذا وراء انعـقـاده الثاني ؟



منذ فترةٍ ومنظـرو ما يُسمّـى بالمجلس الشعبي المشؤوم استـُنـفِـروا للتطبيل والتـزمير والترويج عن انـعـقاد المؤتمر الثاني لـه في أواخـر السنة الحالية دون تحـديد المـوعـد ولا الإفـصاح عن الشعار وجـدول الأعـمال والمسائـل التي سيتطـرَّق إلـيها في هذه المرحلة الـدقيـقة التي يُـعاني فيها شعـبـُنا المسيحي من وضـع شـديـد الإضطـراب وانقسام حـاد ، والمُسبـِّب لهذا الوضع المزري كان مـؤتـمـر عنكاوا الأول الذي دعا إليـه الداعـية الآشوري سركيس أغاجان المـدعـوم بقـوة من قبـل القيادة الكردية الحاكـمة لإقليـم كردستان وهي التي أوجـدتـه ودفـعـت بـه الى الـواجهـة في الساحة السياسية المسيحية ، وحـَول هذا المؤتمر الذي انعـقـد في 12- 13 / 3 / 2007 إستـفـحـلَ انـقـسام شعبـنا المزمن ، فالإنـتهازيون النـفـعـيـون رأوا فيه فـرصة ً لا تـُعـوَّض وعليهم استغـلالـها ، وآخـرون رأوا فيه محاولة ً بائسة لإجبـار هذا الشعب المنـقسم على ذاتـه منذ آلاف السنين على تـوحيـده تحت الراية الآشورية المزيفـة .

وعلى ضوءِ هذا الظـرف التناحـري بين المؤيـدين والمعارضين الذي رافـق المؤتمر ، تمخـَّضت عنه قـرارات ارتجالية وحماسية عـبَّرَ عنها فـريق من الذين تـمَّ في البـداية إغـراؤهم لا بل خدعُهم من أجل الموافقة على تأسيس المجلس، ثـمَّ جـرى إبعادُهم عن لجانه وتشكيـلاتـه اللاحـقة ، بعد إن إستـتـبَّ الأمر لمأجـوري أغاجان الجُـدُد بـدعـم مباشر منه والمُسنـَد بقـوة من قبـل الحزب الديمقراطي الكردستاني ،  ومعظم الذين تـولـوا المراكـز المهمة في هذا الـتنـظيـم المشؤوم الذي سُمِّـيَ بالمجلس الشعبي عـقـب إقصاء مؤسسيه الأولين كانـوا أعضاءً في الحـزب الديمقراطي الكردستاني على غـرار عـَرَّابـه  والمخـَطـِّطـ لإنـعـقاده  السيد سركيس أغاجان ، ولم ينسوا إسناد بعض المهام لشيـوعيين سابقين والبعض من منتحلي التسمية الآشورية المزيفة والكلدان المتأشورين اللاهثين وراء الدولار ، ثـمَّ المنخـدعـين بـبعـض الشعارات التي نادى بها المجلس  في فـترة تشكيله الاولى ولم يلبَـث أن تـَنـكـَّر لها ، مـما أوجـد لديهم استياءً فانسحـبـوا .

لـو عادت بنا الذاكرة الى فترة انعقاد المؤتمر الأول ، لـوجدنا أن معظم المثقـفـين والسياسيين المستقـلـين من أبناء شعبنا قاطـعـوا المشاركة في صياغة شعارات وأهـداف المؤتمر ، فكانت تلك ضربة مؤلمة حرمت المؤتمرَ من أفكار غـنيـة وواسعـة ، هذا فـضـلاً عن عـدم مساهـمة الكـثير من أحـزاب شعبـنا في لجانـه الـتحضيرية مسـتـنـدة ً بذلك الى قـُصر المدة الزمنية الفاصلـة بين الإعـلان عـنه وانعـقـاده ، وكان ذلك ايـذانا منها بمقـاطـعة المؤتمر ، فخسر المؤتـمر أصـواتاً مهـمة وقاعـدة شعـيـية واسعة ، وربما كان ذلك من تخـطـيـطـ عـراب المؤتـمر المُسبـق . ومن جملـة ما جـاء بـقـرارات المؤتمر : إدَّعـى أنـه تنظيم مستـقـل حـر يعبـر عن صالح شعبنا ، ويسعى الى تثـبـيت كامل حـقـوقـه ايـنما وجـد ، يرفض زَجـَّه في الصراعات الحـزبية ، يتسامى عن صراع التسمية ، ولا يـبخـل بجهـدٍ لـتوحيد مؤسسات شعبنا ، يحظر على أعضائـه استـغـلال مراكـزهم في سبيل مكسبٍ شخصي ومَنفـع ٍ آني و و و .

تـُرى ، هـل هنالك أرقـى من هذه القـرارات ؟ ولـكن ما الذي حـقـَّقـه مِنها المؤتمر ؟ لا شيء ، بـل سعـى الى تحقيق نقـيضها وفـَعـَـل ، فقـد دخـل مجلسُه الشعبي في صراع مرير مع أحـزاب شعـبنا التي تختلف معه في الأفكار والرؤى ، وراح يتعامـل مع تنظيمات شعبنا بمِعـيارَين من حيث تـوزيع الدعم المالي المقـدَّم من حـكـومة كردستان عن طريـق عـرّاب المجلس ورئيسه الفـعـلي سركيس أغاجان حيث يُغـدق بـوفـرةٍ لتلك التي ترضخ لأوامـره ، ويحجـب الحصة عن التي تُخالـفـه الرأي ، يُشارك عن طريق مُمثـليـه في مناسبات ومؤتمرات تحتـفـل فيها التنظيمات الموالية والمطـيعة لـه مقـدماً لـها الدعم المالي والفني ، ويُحارب مثيـلاتـها التي لا تـتـَّفـق مع سياساتـه فلا دعـم لها ولا مشاركة ، والتنظيمات المحظـوظـة لـديه هي التابـعة لمنتحلي التسمية الآشورية المزيفـة باستثناء  حركـة زوعا غـريمتـه القـوية ، أما التنظيمات الكلدانية فقـد صَنـَّفـها باعـتبـارها العـدوَّ الألـدَّ لـه ، فصادر حـصـَّتـَها المالية المخـصصة لها وحـرمـها من كُلِّ دعـم ٍ مالي ومعنـوي وحاربـَها بمختلف الطرق والآساليب وأنصع مثال ٍ على ذلك محاولـة المجلس إجهاض عملية عقد المجلس القـومي الكلداني لمؤتمره العام الثاني الذي انـعـقـد في مدينة عنكاوا في 26 - 27 / 4 / 2009 مستخـدماً اسلـوباً قـذراً شـبـيـهاً بأساليـب النظام البعثي الديكتاتـوري ، حيـث مارس ضغـوطاً كبـيرة تمثـَّـلـت بقـطـع الأرزاق عن كُـلِّ مَن يحـضر أيَّ مؤتمر يعـقـده الكلدان ، مُـدَّعـيـن بأن أيَّ نشاطـ ٍ سياسي أو ثقافي كـلداني ، أو أيَّ احتفال يُقـيـمُه الكلدان بيوم العلم الكلداني وعيد الشهيد الكلداني وحتى ذكـر الاسم الكلداني هو تمزيق للأمة وتشتـيـت لأبنائـها . أليست هذه التصرفات المشينة واللاأخـلاقيـة دليـلاً دامـغاً على مـدى كـراهية المجلس المشؤوم للكلدان وتنظيماتـهم السياسية والثقـافية ؟ وبالنتيجة انحيازاً بغير حـدود الى جانب منتحلي التسمية الآشورية المزيفة ( الكلدان النساطرة ) .

من الشعارات التي رفـعـها المؤتـمر بأنـه لـن يكـون بديـلاً لأحـزابـنا السياسية ولـن يُمارس دورها ، ولكـنـَّه تنـكـَّرَ لهذا الشعار وضربـَه بعـرض الحائـط ، ودخـل ضِـدَّها منافساً إيـاها على الكـوتا المخصصة لأبناء شعبـنا في انتخابات مجالس المحافظات ، مستخدماً اسلـوباً تـَخـلـُّفـياً بتعامـُلـه مع مرشحي شعبنا الآخـرين دافـعاً إياهم للتـصارع فيما بينهم في سبيـل أنـتـزاعـه لمقـعـد محافـظـة نينوى الـوحيد . ومارس الشيءَ ذاتـَه ناكـثاً بتعـهـُّده عنـدما دفـع بمرشحين ينـتمـون الى تـنـظـيمات حـزبية من خارج تـنظـيماتـنا السياسية لتُـنافس مرشحي تـنظـيماتـنا على مقاعـد الكـوتا الخمسة المخصصة لأبناء شعبنا في انتخابات برلمان اقـليم كردستان، وعمل المستحيـل في سبيل فـوزهم مستخدما سُبـُلاً مُلـتـوية غير حضارية ، وأفـلح في انتـزاع ثـلاثة مقاعـد ، ولم يفـعـل ذلك إلا نكايـة ً بالكلدان لإبعاد قائمتهم الموحـدة عن الفـوز .

ونـكـثَ المجلس الشعبي بشعاره بأنـه لـن يحشر نفسه في إشكال التسمية المزمن والمستعصي ، ولكـننا نـراه اليوم  يـفـرض على شعبـنا تسمية ً مركبة هجينة قسراً ( الكلدان السريان الآشوريون )دون اعتبار لـرأي الشريحة الأكبر بين مكـونات شعـبنا الذين هم الكلدان ، ويـدَّعي بكُلِّ غـباءٍ وعـناد بأن فـرضـَه لهذه التسمية السمجة هو لصالح وحدة شعبنا ، بينما الواقع أثبتَ بأن فـرضـها كان استغـلالاً متعمداً ومدروساً لتأجـيـج نار التفـرقة وبـثِّ الفتـنـة بين مؤسسات شعبنا ، لتبرير انحيازه الأعـمى وتأييده المطلـق لكُـلِّ مُـدَّع ٍ للآشورية الدخيلة المزيفة ومؤَيـِّدٍ لـها ، ولا يحتاج ذلك الى برهان ، فتبنيه للعلـم الآشوري ( الأنكلوآشوري )  وليوم الشهيد الآشوري ولرأس السنة الآشورية واعتماده اللهجة الآشورية في المناهج الدراسية وكُـلِّ ما هو آشوري ، هي دلائـل واضحة لهذا الأنحياز الفاضح ، بالإضافـة الى امتناع المجلس عن دعـم أيِّ مركز ٍ ثقافي أو تجمـُّع ٍ اجتماعي أو نادي رياضياً كان أو اجتماعياً إذا لم يتبنـى المناسبات والشعارات الآشورية .

اشماس كوركيس مردو
في 3 / 10 / 2009

185

أين الحـرية والـديمقراطية من مذكـرة الأدباء الـ 41 ؟

في 24 / 9 / 2009 تـَقـَدَّم 41 كاتباً وأديباً مِن أبناء شعبنا المسيحي العراقي كـلـدانيين وسريانيين وآثـوريين بـمـذكـرةٍ الى معـالي وزيـر الثقافة في حكومة اقليم كردستان ، الأستاذ فلـك الـدين كاكايي يـدَّعـون فيها بأنـهم يـودون إظـهار حـقـائـق قـد تكـون خافية ً على مـعاليه عن اتحادات ثـلاثة لأبـناء شعبنا قائمة حالياً واتحاداً رابعاً في طـريقـه الى التشكيـل ، ومن هذه الحقائـق على حـدِّ زعـمـهم بأن عـمـل كُـلِّ اتحادٍ على حـدة هو تشتيـتٌ للجـهـود الأدبية والثـقافية والمالية ، إضافـة ً الى ما تُسبـبـُه من انقسام وتناحر سلبي بين الأدباء .


في الحقـيـقة إنـها مذكـرة غـريبة منافية لحـرية الفـرد في ممارسة الديمقراطية ، تـَقَـدَّم بها مَن المفروض فيهم الدفاع عن الحرية والـديمقراطية . لا يُمكن الـطـعـنُ بـالـنـوايا الصادقة لبعضٍ من هؤلاء الكتاب والأدباء ولا سيما المستـقـلين منهم وكما ورد في الإيـضاح الذي أصـدره الأستاذ سمير خـوراني ، ولكـنَّ مقـاصـد المناديـن بالتسمية المركبة والهجـينة خـبيـثة ٌوأنانـية ، يـتبـنـون ايـديولوجية تسلطية ديكتاتـورية يـرون الصـوابَ في أفكارهم وآرائهم الشمولية وفي ما يُخالـفـها كُـفـراً وانحـرافاً وما الى ذلك من إتهامات باطلة .


تـُرى ، متى كانت التعـددية الفـكـرية تشتيتاً للجـهود الأدبية والثـقافية ؟ أليست هذه ظاهـرة صحية لـلتـنـوع الثـقافي والأدبـي ؟ ألا تـُشكـِّلُ حافـزا للمباراة والتسابـق في مَيـدان الثـقافة والأدب ؟ لماذا تُريدون  دمج هذه التعـددية في دائـرة واحـدة ضيقـة تـراقـبـون حركتـها وسكـونـها وبحسب رغباتكم واتجاهاتكم الفئوية والحـزبية والسياسية ؟ لماذا جـرى تحـركـُكـُم في هذا الـوقـت بالذات ؟ أليست الغاية الأولى منه الـوقـوف بـوجه الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكـلدان ، الإتحاد الفتي الراغـب في التعبير عن إرادة امته الكلدانية وطموحاتها وأهـدافـها ؟ أليس من حـقِّ الكـلدان أن يكون لهم إتحاد ينـضوي تحـت رايته كتابُـهم وادباؤُهم ؟ لقـد أبـدى الكـلدانُ حماساً في تأسيس اتحاد الأدباء الكـلدان والسريان في حـينـه ، فأسسوا ، ولكن ماذا كانت النـتـيجة ؟ الفشل ! لا أفعال ولا إنجازات ، ماذا يُـتوقـَّع إذا كان الروح قـويـــاً ولكـنَّ الجسدَ خامـلٌ ! ومن هـذا المنـطـلـق عاهـدَ الكتابُ والأدباءُ الكلـدان أنـفسهـم أن لا تـتكـرَّرَ لـديهـم تجـربة الفـشل تلك ، فأسسوا إتـحادهم على دعائـمَ قـويـة مُـركّـزين على صبـغـتـه الأدبية المِهـَنية والـدفاعية عن حـقـوق الأمة الكلدانية .


إن تـوجـُّهات القـيادة الكردية وحـكـومتها بشكل عام هي إتـباع النهج الديمقراطي في تعاملها مع شعبها بمختلف انتمآتـه ، فكيف تطالبون أيها الكتاب المحترمون إحدى وزارات هذه الحكـومة بتغيير نهجها الديمقراطي بمناشدتكم وزيرها بعـدم منح الدعم المادي والمعنـوي لإتحادات كتاب وأدباء شعبـنا إلا في حالة انـدماجـها في إتحادٍ واحـدٍ ؟ ألـيست وزارة الثقافة في اقليم كردستان لجميع فئات المثـقـفـيـن دون تميـيز بين واحـدةٍ واخرى ؟ وهـل من واجـب الوزارة الـتـدخـل في تـوحيـد إتحاداتـنا ؟ إن الهـدف من مذكرتـكم هذه هو تـصـفـية حسابات سياسية وعملـية تغيـيـب وإقـصاء الآخريـن وبالـذات هي مؤامـرة ضِـدَّ إتحاد كتاب وادباء الكـلدان ، حيث أشرتم إليه بعبارة " واتحاد آخر في طـور التشكيـل " وعـرقـلـة مقصـودة لإحـباط  عقد اتحاد الكتاب والأدباء السريان لمؤتمره السادس في 29 / 9 / 2009 .   وليس في الأمر غـرابة فقـد عملـتم على غـرار ما فعـلـه أقـرانـُكم دُعاة التسمية المركبة بمناشدتهم عـدم إدخال التسمية القـومية الكـلدانية في دستـور الإقـليم .


إن مَن يقـرأ مذكـرة الـ 41 ينتابـُه الإنـذهال والإستغراب حيث إن مناشدتهم وزير الثقافة في الإقليم تعني مطالبتـه بالتـدخـل في موضـوع بعيدٍ عن مهامه ولا يجـوز إقـحامـَه به مهـما كانت المبـرِّرات ، والـوزيـر نفسه لا يرضى بممارسة دور ٍمخالـفٍ لنهـج وزارتـه الديـمقـراطي ، إذ إن مثل هذا الدور يُمارسُ في وزارات الأنـظـمة الغير ديمقراطية . وليس مُستبعـداً أن تكون المذكـرة قد تركت لدى الـوزير انـطـباعاً سلبـياً عن ما نحن عليه من التناحـر ، ولكـننا نـرجو أن يـكـون صـدر معالي الوزير رحـباً ولا يتأثـر دعـمـُه المالي للإتـحادات في المستـقـبـل . ثـمَّ أيها الكـتاب الأفاضـل ، متى كانت الإختلافات بين الإتحادات أو غيرها من المنظمات تُحَل باسلوب الشكاوى والمذكرات ؟ إنَّ مثل هذه الإشكاليات لا تُحسَم إلا عن طـريق الحـوار والإقــناع فيما بينها !


ولنفرض جـدلاً بأن الإتحادات القائمة حالياً قد انـدمجت في اتحادٍ واحـدٍ ، فما هو الضمان بعـدم تأسيس إتحادٍ أو إتحادَين جـديـدين فالمبرارات كثيرة لدى كتابنا وأدبائنا ، فهـل سيكون واجبنا التصدي والتشكّـي والتباكي على ما سماه الـ 41 بالتشتيت ؟ لماذا لا تـتركوا اتحاداتـنا لتسلك سبيـل الـتنافس على الأفضل لإثراء أدبنا ولغـتنا والسموِّ بثقافـتنا ، وعلينا أن لا نقـف بالضِد من مفاهيم الحرية والديمقراطية ما دام الدستور يُجيز تشكيل اتحادات ومنظمات لا يشترط عليها أن تساير لـونا واحداً محـدداً .


الشماس كوركيس مردو
في 30 / 9 / 2009

186


هـمـوم الشعـب الكـلـدانـي

  بـيـن الـتغـييـب وسَـلـب الحـق والتجـنّي



في غـمرة الأحـداث الـوطـنية والإقـلـيمية والـدولية الـراهنة ، يعيش شعـبُ الأمـة الكـلـدانية بكُـلِّ تسمياتـه الكلدانية والسريانية والآثورية في هذه الأيام مرحـلـة ً صعـبة ً قد تكـون الأقسى بين مراحـل حياته المُعاصرة ، فـنـرى سفينـتـه تمخـر في بحـر متلاطم الأمواج يـُهاجمـها قـراصنة متمرسون يرومون الإستيلاء عليها ونهـب خـزائـنـها وإذلال ربابنتها وأبنائـها الصامدين ، وهؤلاء القـراصنة هم العـُتاة الحاقـدون أبناء الطائفة الأثورية الضالـة المعروفون بـ ( الكلدان النساطرة ) منذ حركتهم الإنعـزالية في منتصف القرن السادس عشر ضِدَّ الغالبية العظمى من إخـوتهم الإصلاحيين الذين بادروا الى تقـويم مسار كنيستهم المتدهـور بسبـب طغـيان واستبـداد الرئاسة الكـنسية العـليا المرتـبطة بالنظام العشائري الذي أوجـدته عائلة " آل أبـونا "  ومع ضآلـة حجمهم العـددي فإن فـعـلـَهـم التآمري المتعـدِّد الأشكال والوسائـل والمدعـوم من قبـل جاحـدي امتهم الكـلـدانية المُغـرَّر بهـم هو كبير جداً .


بعد القـضاء على هـيمنة الحـزب الشمولي ونظامه البعـثي الديكتاتوري ، حـدث تغيـيـرٌ متـنـوع في الأفـكـار السياسية على الساحة العراقية بشكل عام وعلى الساحة المسيحية بشكل خاص ، ومن تلك الأفكار التي بـرزت في وسط المكـوّن المسيحي كانت الأفكار القـومية ، حيث خـرجـت الى العـلـن بعد حظـر ٍ طـويـل فـرضه عليها النظام المقبـور طـوال فـتـرة حـُكمه التي ناهـزت الثـلاثة عـقـود ، ومن أسباب ظـهورها أيضاً طبيعة تكوين الشعب العراقي المؤلـَّف من عدة مكـوّنات يَـتميزُ واحـدُها عن الآخر من حيث اللغة والتاريخ ومنطقة السكن علاوة ً على التفاوت الثقافي واختلاف العادات والتقاليد ، ونضيف الى ذلك تـوجـُّه المكـوِّنات الكبرى الى تبني الطائفـية ضمن القـومية الواحـدة متجاوزةً الأفكار الوطـنية والديمقراطـية ، فهذه العـوامل بمجموعـها اضطـرَّت المكـوّن المسيحي أن يتـبـَـنى الفكـر القـومي ومواكبة الظـرف المرحلي بغية المساهمة في إبراز الهوية الوطـنية الموحدة والشاملة لجميع العراقيين .


ولكـنَّ أبناء الطائـفـة الآثـورية الشاذة والإنعـزالـية ( الكلدان النساطرة ) وضعـوا العـُصيَّ في درب المسألة الـقـومـية ، سعـياً منهـم للـوقـوف في وجـه الـقـومية الكـلدانية الجامعة لكُـلِّ أبـنائها من الكـلدان والسريان والآثوريـيـن ( الكلدان النساطرة ) ، وراحـوا يـتآمرون عليها بشتى الأساليـب الملتـوية واللاأخـلاقية تـنفـيـذاً لـنـواياهم الخبـيـثة ، علماً بأن حجمهم العـددي لا يشكـِّلُ ثـقـلاً يُـذكـر بالمقارنة الى حجـم الكلدان ، ولكن ألاعيبهم الشيطانية التآمرية كانت من القـوة بمكان من حيـث التغـرير بالقسم من ابـناء الكلدان ضِـعـاف النـفـوس والنـفعيـيـن وجـرِّهم الى صفـوفـهم عن طريق الإغراء والشراء ، فأثـرَوا بهـم عـددَهم الضئيـل وعمـدوا الى تجـنـيـدهم  لمحاربة إخـوتهم الكلدان المخـلصيـن الشرفاء ، جاعلين منهم مُـرتزقـة يستجـدون الفـُتاة الفائض عن موائـد أسيادهم .


يتبارى المُرتـزقة الكلدان جاحـدوا قـوميتهم الكلدانية في الـدفاع عن أفكار أسيادهم الشوفينية باتهام الكـلـدان بأنهـم يـعـزون لشعبنا المسيحي العراقي ثـلاث قـوميات ، وهذا محض افـتراء واتهام عاري عن الصحة تماماً ، فالكـلدان لا يعترفون بثلاث قـوميات وإنما بقـومية واحدة لشعبنا هي الكلدانية ويُقـرّون بـوجود ثـلاث تسميات لهذا الشعـب ، إثنتان مِنها لا تمتان بأية صلـةٍ للقـومية هما السريانية التي تـرمز الى المسيحية و الآشورية المنتحلـة من قبـل الكلدان النساطرة المتخلفين وتـرمز الى الـوثـنية البالية ، أما الكلدانية فهي القـومية النبـيلة والحقيـقية لعـموم شعبنا المسيحي العراقي باستثاء الأرمن .

يَـدَّعي هؤلاء المرتـزقـة خـونة امتهـم الكلدانية ، بأنـهم يملكـون فكـراً ناضجاً عندما يـَـتـبَـنـون التسمية الهجينة ( الكلدان السريان الآشوريون ) بـدلاً من التسمية القـومية الأصيـلة ( الكلدانية ) إنـه الفكـر السياسي الفـج والمتـخـلِّـف يُخالـف كُـلَّ حـقـائـق التاريـخ ، وما ترويـجـُهم لـه إلا  لـِقـاءَ المال الذي يُـغـدقـه عليهم الجـُنـاة منـتحـلو التسمية الآشـورية الأسطـورة المزيـفـة كأسطـورة المُحرقة اليهودية ، وكلتا الأسطـورتيَـن من تـلفيـق وحَـبـك الـدهاة المخادعيـن الإنكليز ، ووراء كُـلٍّ منهما وعـودٌ بإنشاء وطن قومي لكُـلٍّ من الذين استبدلـوا تسميتهم الحقيقية ( الكلدان النساطرة ) ودعـوهم بالآثوريين والذين دعـوهم بالإسرائيليين ، أخَـلـّوا بوعـودهم للآثوريين الذين خَـدعـوهم من أجـل مآربهم الخاصة، فخـذلـوهم وعـرَّضوهم للقـتـل والتشريد أما بالنسبة للإسرائيليـين فقد أوفى الإنكليز بوعـدهم لهم وأنشأوا لهم وطناً قـومياً هو الدولة الإسرائيلية الحالية . فإذا كان الإنكليز مُلـَفـقـي الاسطورة الآثورية ( الآشورية ) قـد تنصلوا عنها بعد أن قضـوا وطرَهم من تلفيقها لعـلمهم ببطـلانها تأتـون اليـوم أنتم أيها الكلدان لـدعمـها وتثبيتها ليتسنى لمنتحليها الإنتقام من امتهم الكلدانية التي تنـَكـَّروا لها ، أليس من العار عليكم أن تُجاروهم بهذا التنكـُّر وتُسانـدوا أفكارهم الشوفينية العـفـنـة ! حتى متى يستَـيـقـظـ ضـميركم وشعـوركم تُجاه امتكم الكلدانية ، والى متى يأخـذكم سباتُ الغِشِّ والخـداع ! ! !

                                                                                                                                                                                                                                                          الكـنيسة الكاثـولـيكية الجامعة ليس لـها أتـباع وإنـما لـها أبـناء ، وبـما أن الكـنيسة الكـلدانية هي جـزء من الكنيسة الكاثوليكية الجامعة فلا أتباع لـها بـل لـها أبناء ، أفـهـمتم الآن أيها السفـهـاء ؟ الكلدان هم دعاة الوحدة الحقـيقـيـون شرط أن تـقـوم على أساس العـدل والمساواة والـواقـع الموضـوعي الـراهـن ، فهـم الأسودُ الـذين يجـب أن يسودوا وليس الثـعالـب الماكـرون . كـيف يستطـيع الكلدانيُّ أن يهضم كلام الدعاة الخائبـين وهم من على المنابر يُـولـولـون ويصرخـون بأن الآشورية المزيفة والاسطـورة الـويكَـرامية هي التسمية القومية التي يجب أن تـُفـرَض ؟ أليس هذا محـض هـراء فكيـف يـقـبـل بذلك الكلدان الأصـلاء الـنـُجـباء !


أيها المرتـزقة اللاهـثون وراء المال الحـرام ، لقـد جنيتم على أبناء البلدات الكلدانية الكبرى مثل القوش وتللسقـف وعـنـكاوا و و و بتسويدكم لأفكارهم النقية البيضاء ، فالـويل لكم عندما يكـتشفون زيفـكم وتآمركم ، ولـن يكون هذا بعيداً لأن حَـبـلَ كـذبكـم قصير وضعيـف ولا بـدَّ أن ينقـطع آجـلاً أو عاجـلاً ، وعندها ستكفـهرُّ وجوهكم وستـُزدَرَون من قبـل هؤلاء الأبناء وتـُنـبـذون نبـذ النـواة .  قبل ظهوركم على الساحة السياسية بـدفع ٍ من أحـزاب الكلدان النساطرة منتحلي التسمية الآشورية الدخيلة وتشويهِكم لصورة حياة شعبنا الـواقعية والمثالية ، كان شعبنا المسيحي العراقي بكل تسمياته يعيش مُتآلـفاً متآخياً ومحباً لبعضه البعض يتصاهـر أبناؤه فيما بينهم ويتـزاوروا ويُتاجـروا دون أن يشعروا بأيِّ نـوع ٍ من الحساسية حيث كانت وحـدة القـلـوب سائـدة ً بينهم وهم يعيشون في مختلـف مناطق وطنهم العراق بتناغـم وانسجام مع بقية أقـوام العراق الأخرى ، لـم ينـل منهم الـذوبان القـومي الذي تـتباكـون عليه مذرفين دموع التماسيح لغايات في نفـوسكم المُتـرعة بالسوء .


الكلدان أناس حـكماء ولذلك فإنَّ قـواهم السياسية تـَـنأى بـنـفسها عن الدخـول في المزايـدات المتهـورة التي تقـوم بها القوى الاخرى العاملـة في صفـوف شعبنا ، وفي الـوقت الذي تـوحي إليه هذه القـوى بأنها تسعى  بذلك الى رعايـة مصالحـه إلا أنـَّها في الـواقـع تُـقـدم خـدمة لأجـنـدات الآخريـن الذيـن لا عـلاقـة لـهم بشعـبنا ، إذ إنَّ سياساتهـم هذه ستـؤدي بشعـبنا الى مصير لا يُحـمـد عقباه ، ويُصبـح ضحية ًللصراع المحتـدم بين المكونات الكبرى والـدائر حـول المناطـق المتـنازع عليها ، فلماذا نجعـل من شعبنا وقـوداً لهذا الصراع ؟ إذ أيَُ انحياز لأيٍّ من الطرفين المتنازعَـين سيـجـلـُب لشعبنا ويـلاتٍ جـديدة من قتـل وتهجير وتشريد ولا سيما في الموصـل وكركوك ناهيك عن المناطـق الأخرى .


نحن الكلدان نطمـحُ الى مواطنةٍ مخلصة ودولـةٍ مـدنية ديمقراطية ، ولا نـرضخ لـنـداءات الإنـعـزال والطائفية والعرقية ، ونُـطالب المكـوّنات الكبيرة الإبتعاد الفعلي عن اعـتماد النهـج الاثني والديني والمذهبي الطائفي في تطبـيـق بـرامجـها وسياساتـها ، وهذا ما يجعـلـنا من أوائـل المسانـدين والمؤيـدين ، لأننا مع وحـدة العراق أرضاً وشعباً ، وكـم نتمنـى أن يُجـعـلَ من العراق منطقة ً انتخابية واحـدة ، لكي يصـل الى البرلمان ممثـلـون حقـيـقـيـون للشعـب قادمون من كامل مساحة العراق الجغرافية ، ويا ليت البرلمان العراقي الحالي يتبنـى ذلك .

تلك كانت بعض الهموم الكلدانية عـرضناها باخـتصار ، راجين أن تصل كلمة الحـق الى أصحاب الضمائر الحية لتتبناها وكذلك الى ذوي الضمائر النائمة عَـلـَّها تصحـى !


الشماس كوركيس مردو
في 26 / 9 / 2009

187

الـحِـمـلُ الـثـقـيـلُ لا يـحـمِـلــُه إلا أهـلــُه



في خِضَـمِّ هذه المـوجة العـنيـفة من الأنشطـة المحمـومة التي اعـتـَمـدتها مؤسسات الناكـرين لأصلهم الكـلدان النساطرة منـتحلي التسمية الآشورية المزيـفة منذ عام 2003 الذي فيه اقتلِع النظام البعثي ، لم تكن تهـدف من ورائها سوى السعيَ المستـميـت الى إلغاء القـومية الكـلدانية للإستـئـثار بمقـدرات أبنائها الكـلدان عن طريـق التغـرير بالبعـض منهـم وخـدعهـم بشعار الوحـدة الكاذب ، وللأسف انطلى زيـف هذا الشعار عليهم ، فجعـلوا منهم رأس حربةٍ لمحاربة أبناء قـومهم مستغـليـن هذا الشعار المسموم والمضلـِّـل للحـقائق بكلام ٍمعسول ٍ ظاهرياً وفي باطـنه سُمٌّ زعاف نُـقشت منه خـطـوطـ ُ مؤامرةٍ خبـيثة لإقـصاء الكـلدان وإسقاطهـم من المعادلات السياسية ، وخير دليـل ٍعلى ذلك ما جرى أخـيراً في انـتخابات برلمان اقـليم كردستان العراق ، حيث صرفـت أحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيـفة أموالاً طائلة وبـفـضلها تشابكت القضايا واختـلطـت الأوراق ، فقد فعـلـت هذه الأموالُ فعـلـَها إذ استـطاعـت غرسَ بذور الفرقة ِ بين صفـوف الشعب الكلداني ، فكان من ثمارها الضغـائـنُ والعـداوات واتـقـاد نار المعارك العـلنية والمستـترة ، واستـولت على مفـتاح الساحة الكـلدانـية جـهاتٌ اخرى قادرة ، تـفـتحه لللاعـبين المختارين وفـق برنامجها وطـبـقـاً لتسجيل الأهداف لحسم النـتائج المنشودة ، وهكذا تمَّ حشرُالشعب الكلداني في موقـفٍ لايُحسد عليه ، يترنـح تحت ثقـل الصراع وهـو في حيرةٍ من أمره  يتـنازعه أمران إما الإنسياق للعاطفة القومية ودعم القائمة الكـلدانية أو مسايرة المستـولي على الـمفـتاح الثري للفـوز بالفــُتاة الذي يُغـنيه عن الجـوع مضحـياً بخصوصيـته ، من حيث إلغاء كيانه وطمس هويته والتـنازل عن كـرامتـه  .


مـِمـّا تقدم ترون يا أعـزائي أبناء قـومي الكلدان الشرفاء المخلصين ، بأن أحزابكم وتـنظـيماتكم الكـلدانية واقعة تحت حمل ٍ ثقيل هو الضائـقـة المالـية ، لأن حصتهم من الأموال المخصصة من قبل حـكـومة اقـليـم كردستان العراق للشعب المسيحي  بكلِّ تسمياته قـد سُلبَـت منهم رغم كـونهم الرقم اليمغرافي الأكبر وصودِرَت لتـُغـدَقَ على احزاب منتحلي التسمية الآشورية الـدخيلة المزيفة وفي المقـدمة مِنـها المجلس اللاشعـبي المستـبـد الذي أوجـده عام 2007 الشخـص الغائـب عن الـنضال القـومي والمجهـول من قـبـل الشعب المسيحي حتى ظهـوره المفـاجيء على الساحـة السياسيـة المسيحية قبل نحـو أربعة أعـوام أو أكثر بقليل ، برغبةٍ ودعـم ٍمن القيادة السياسية لإقليم كردستان وأعني به منتحل التسمية الآشورية السيد سركيس أغاجان ، ولذلك لم تستـطع أحزابـنا القـومية الكـلدانية الـتـصـَديَ بـجـدارة أمام طـغـيان السيد سركيس أغاجان وتـدخـُّـلـِه الـمباشر في انـتـخابات برلمان إقـليـم كردستان بشتى الطـرق والوسائـل أهمها إغـداق الأموال المؤتمـَن على تـوزيـعها بشكـل عادل ٍ ومنـصـفٍ لمخـتـلـف القـوى السياسية المسيحـية والتـنـظـيمات الثـقافـية ، ولكنه بدلاً من ذلك استخـدمها بشراء ذمم الناخبـيـن الكـلدان على غِرار ما كان يـفعـلـه التـنـظـيـم الإجرامي العنصري ( زوعـا ) وما فعـله في انـتخابات برلمان الإقليم الأخيرة أيضاً ، وبهذه الأساليب الملتوية والغير أخـلاقية استطاع التنظيم الأغاجاني الجاني وتنظيم زوعا المُفتري ، أن يستأثرا بالمقاعـد البرلمانية الخمسة واضعين نصب أعينهما ومعتمدين في الأساس على أصوات الناخبين الكلدان ، وهو ما جرى بالفعـل  فقـد صـوَّتَ لقائمتيهما الناخـبُ الكـلداني ، بـيـنما المفروض فيه بـديهـياً أن يصـوت لقائمة أبناء قـومه " القائمة الكلدانية الموحدة " .

                                                                                                                                                                                                                                                                 والأنكى من ذلك هـو الترويـج الكاذب الذي طـلب التـنظـيـمان الإجرامـيان( الزوعا والأغاجاني ) بَـثـَّـه على ألسنـة منـظـريهما المرتـزقة ، بأن الناخب الكلداني أعطى صـوتـه لقائـمتـيهـما ايماناً منه بأن هذين التـنظـيمَيـن  يؤمنان بالوحدة ! يا لها من اكذوبةٍ صارخة وفرضيةٍ ساذجة وعـقـيمة ، هـل هنالك مُـدَّع ٍ للآشورية المزيفة حاقـداً كان أو مسالماً أو محايداً لا يرتعب من ذكـر الاسم الكلداني ، وهـل قام سهواً أو عمداً أو مجاملة ًبإعطاء صوته ولو مرة ً لقائمةٍ كلدانية ؟ وقد يضطر لإعطاء صوته للبعثيين أو اليزيديين أو البارتيين أو حتى للشيوعيين ، ولكنه يستحيل أن يعطيه للكلدانيين ، وإذا اعـتبَر أن أبناء البشرية كلـِّها هم أعداءٌ لمنتحلي الآشورية فإن الكلدان هم في الأولوية منهم ، وهذه فرضية مؤكدة لديهم وهي خاطئة تماماً لأن الكلدان لا يضمرون عِداءً لأحـد .


وبالعـودة الى موضوع مقالنا الأساسي نـقـول ، فما أحـوجـنا اليوم أن نتعـاون نحن الكـلدان ولا سيما الذين منا في بـلـدان المهـجـر ونتمتع بأوضاع ٍ اقـتصادية جيدة والبعض بأكثر من جـيـدة لحَـمـل الحِـمـل الثقـيـل الـواقـع على أكتاف أحـزابنا السياسية الكلدانية ، فإنـها تشكـوا من افـتـقـارها الى الأموال ، ليتسنى لها تسيـير امورها ، والتصـدي لِـلـواقـفـين لها بالمرصاد مستغـلـّيـن إحـدى أهـمِّ نـقاطـ  الضعـف لديها ألا وهي حاجـتها الى المال ، والمعـروف بأن تـنـظـيماتنـا السياسية هي فـتية أقـدمها وأكبرها وهو الحزب الديمقراطي الكلداني لا يتجاوز عُـمـرُه العشرة أعـوام وتـلاه المجلس القـومي الكلداني ثـم المنبر الديمقراطي الكلداني، وهي لا تملك موارد مالية وحتى ليس بإمكانها الطـلـب من أعضائـها الإشتراك الشهري بسبـب الأوضاع الإقتصادية المتـردية في الـوطن ، إن وضع أحـزابنا الحالي قـد إستغَـلـَّه الكلدان النساطرة منتحلو التسمية الآشورية الاسطورة التي اختـلـقها القس الأنكليكاني الداهـية ولـيـم ويـكـرام ، بشكل ٍ استـفـزازيِّ بشـع ٍ ، وراحوا يسعـون بكُـلِّ قـواهـم الخبـيـثة للإستصغار من الامة الكلدانية واسمها الكلداني النبيـل بألفاظـ ٍ تـدل على الإستهزاء والسخرية ، أهؤلاء أيها الإخـوة القـراء يستحـقـون أن يـدعوهم الكلدان بالأشقـّاء ؟ تُـعساً لهم وبئسَ ما يَـرمون إليه .


إننا في الإتحاد العالمي للكتاب والأدباء الكلدان ، لـن نـقـف مكتـوفي الأيـدي أمام وضع أحـزابنا المالي المتدني ، إننا سنعمـل على إلـهاب مشاعر أبناء امـتـنا الكلدانية ليهـبـوا الى نجـدتها والإرتـقاء بها الى المكانة اللائقة بانتمائها القـومي ، وقد سبـقـني الزميل الأخ حبيـب تومي الى الموضوع المالي في مقالـه الموسوم ( مشروع القـرش الكلداني كفـيل بحـل الكثير من مشاكل شعـبـنا الكلداني ) وأنا أهيـبُ بكُـل كلداني مخلص وشريف أن يقـرأه مرارا ، ويدرس جيـداً المقترحات التي وردت فيه ، واعلم يا ابـن الكلدان السخي والمبارك ، بأنـه ليس لدينا مَن نـلجأ إليه لتأمين المبالغ الضرورية للحفاظ على كـرامتنا وهيبتنا المستقلـة وكلمتنا الحـرة غـيرك ، فإنك كـنز امتك الكلدانية الذي لا ينضب وهو السبيـل الأصـح والأسلـم، فإنه عسير علينا الرضوخ لِـمَن يُـملي إرادته علينا لقاء إعطائنا مبالغ مقيَّدة بشروطـ ٍ مُهينـة . رابط مقال الأخ حبيب تومي هو :

 http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=347573.0


إنني اقـدِّر عالياً تضحية كُـلِّ أخ كـداني بشيءٍ من وقـتـه الثمين ومن مالـه لدعـم مشاريع امته الكلدانية ، فـلا تـبـخـل بذلـك أيها العـزيـز الـوفي واحيـّي كُـلَّ متـبـرع ٍ من مناصري الحـق الكلداني محـبـي العـدل في هذا العالَـم المليء بالناس العـدوانيين ذوي النفوس الأمـّارة بالسوء ، نسأل الله عـزَّ وجـلَّ أن يقـيـنا شرَّهم .


الشماس كوركيس مردو
في 21 / 9 / 2009

188

الأمة الكـلـدانية أكـثر الأمـم شهـداءً بعـد اعـتناقـها المسيحية

بمُنـاسبـة  الـذِكـرى الأربـعـيـن لـمَجـزرة صـوريا   >


منـذ أبـكر العصـور المسيحية تـَعَـرَّضَ أبـناءُ كنيسة المشرق الكـلـدانية الى اضطهـاداتٍ قـاسيـة ومـذابـحَ دامـيـة ، إنـَّها ظاهـرة مُحـيـِّرة وبشعـة في آن ٍ واحـدٍ كما هي مُخـالـفة للحُـرية وكـرامة الإنسان الممنـوحَـتـَيـن لـه مِن الخـالـق عـزَّ وجـَلَّ ، وقـد أفـردَ لـها عُـلـماءُ ومُحـَلـِّلـو وقـائـع التاريـخ فـيـضاً مِن الـدراسات تَـقـصِّيـاً عَن أسبـابـها ودوافـعِـها ، وفي نـهايـة الـمطـاف أجمَـعـوا بـأن وراءَهـا فـي الأولـويـة المآربُ السياسية ، ثـمَّ تـَليـها الـديانـتـان الـوثـنـيـة والإسـلامية ، حيـث إنَّ قادة أتـبـاع هـتَـيـن الـديانـَتَـيـن ، يعـتـمـِدون في الحـياة مبـدأ القـوَّة والتسلـُّطـ والـعـِداء ، وبما أن مباديء المسيحية هي نـقـيظـ ذلـك ، حيـث تـدعو الى المـحـبـة والإخـاء والسـلام ، عاداهـا المـلـوك والـحُكـام الـوثنيـون والمُسلـمـون على السواء ، فاضطـهـدوا مُعـتـنـقـيـها مُنـكـِّلـين بـهم بشتـى وسائـل الـتعـذيـب وكان السيـف في المـقـام الأول ولـذلـك قـلَّ عـددُهـــم وتـَحـوَّلـوا مِن الأكـثرية الى الأقـلـية .


وقـد خـاب ظـَنُّ القـتـلـة والمُجـرميـن عِـبرَ العـصور ، بأنَّ قـتـلـَهم لـهـؤلاء الأبـرياء يـؤدي الى إستئصال المسيحيين مِن بـلادهـم الأصلـية بـلاد وادي الـرافـدَيـن وبـقـيـة مَـنـاطـق المشرق ، وبـئـسَ ذلـك الظـن ، إذ لا يعلـمـون بأنَّ دمـاء شهـداء المسيحية الأبـرار ، هـو أرقـى سمـادٍ صالـح ٍ لأرض ايمـانـنا بالمسيـح مُـخـلـصنـا بـدمـه الثـمين ، وأرض الإيمـان هذه ستُـنـبـت لـنا ثـماراً يانـعـة تَـفـوح مِـنهـا رائـحـة الإيمـان والرجاء والمحبـة ، ولا تُـفـكـِّروا بأن دماءَ شهـدائـنـا ستُـرخي عـزائـمنـا ، بـل ستـَزيـدُنـا إصـراراً للبـقـاء في أرضـنـا وديارنا التي رَوَتـها تـلـك الـدماء الـزكـيـة ، وثـقـتـُنـا بالمسيح ربـِّنـا لا تَـتَـزعـزع إطـلاقـاً بأنـنـا سنـَـتـَـغـلـبُ على الشرِّ بالـخـير ، كما انـتـصرَ المسيح مُعَـلـِّمـُنا على العـالـَم بـصـلـيـبـه المُقــدَّس .


وقـبـل أن أن نتـحـدَّث عَن مأساة أهـالي قـرية صـوريا الكـلـدانـية الأبـرياء ، تـنـقـلـُني الـذاكـرة الى قـصـص وبـطـولات شهـداء امـتـنـا الكـلـدانية في الماضي البـعـيـد ، شهـداء كـنـيسة المشرق التـي لـُقـِّبــَت و بكـُلِّ فـخـر بكـنـيسة الشهـداء ، فها هـو العاهـل الفارسي الظالم ( شابـور الثاني 329 - 379 م ) يأمر بقـطـع رأس الجثالـيـق مارشمعـون برصباعي ورفاقـه الأساقـفـة والكـهنـة وعـددٍ لا يُحصى مِن المؤمنين ، ثـمَّ تـتوالى قـوافـل الشهـداء الأبرار في عـهـود الأمـويين والعـباسيين ومِن بـعـدهـم جـرت المـذابـح الشنـيـعة على أيـدي التـتـار والمَغـول الذين احتـلـوا بـغـداد عام 1258 م ، ثـمَّ استـكملـَها السلطان المجـرم عبـد الحـميـد منذ عام 1895 م وحتى عام 1916 م ، حيث أبادت السلـطـنة العثمانية الغاشمـة وأعـوانـُها مُعـظـم سكان البـلاد المسيحيـيـن ، بضـمنـهم المطـران أدّي شير والمطـران تـوما اودو والمطـران يعـقـوب اوراهـم وكثيرون غـيرهم ، أما الذين أفـلـتـوا من السيف فتـعـرَّضوا للظـلـم والتعـسُّف ، وأجـبـِروا لـترك ممتـلـكاتهـم ومقـتـنـياتهـم وأراضيهـم ، ومغـادرة البـلاد الى حيث لا يـدرون .


أما مأساة ُ قـرية صـوريا الكـلـدانية الـواقـعـة الى الغـرب مِن زاخـو ، فقـد كانـت جـريـمة نـكـراء ينـدى لـها الجـبـيـن ، جَـناها النـظـام البعـثي المقـبـور بحـق أبـناء الكـلـدان الأبـرياء لا ذنـب لـهم ولا عِـلم بانـفـجار لـغـم مـزروع بالقـرب من قـريـتهم تحـت سيارة عسكـرية كانـت في طـريـقـها الى معسكـر قـريـبٍ من قـرية فيشخـابـور، تــُرى ، هـل هنالك ظـلـمٌ أبشع مِن أن يُنـتـَقـمَ بإطـلاق الرصاص على أهالي قـرية بأجمعهم نساءً وأطـفالا وشيـوخاً ، بعـد أن أجـبـرهم الجنـود كما روى بعضُ الناجيـن للتجـمـُّـع في المكان الذي كان منتظـراً فيه قائـدُهم الضابـط الجـبان عبـد الكريم خليـل الجحيشي ، أقـول الجـبان لأن العسكـري الـذي يعمـد الى قـتـل أناس أعـزال ٍ وأبـرياء هـو جـبان وخائـن لشرفـه العسكري ، وهذا ما ينـطـبـق على الضابـط الجـحيشي العـديـم الرحمة ذي القـلـب المليء بقـيـح ِ الحـقـد الـديني الكـريه ، وهذا الذي دفـعـه الى قـتـل سكـان قرية صوريا الكلدانية المسيحـيـيـن وفي قـرارة نـفـسه بأنـها فـرصة لـه لكي يُـنـَفــذ ما أوصاه به إسلامـُه ، بأن قـتـل مسيحي واحـد يـزيـده أجـراً عنـد إلهـه ، فكـيـف إذا قام بقتـل مجموعـةٍ كبيرة منهم ! لذلك لـم تشفـع به تـوسُّلاتـُهم ولا تأكيداتـُهم بعـدم عـلمهم بمـَن زرع اللغـم .


وسؤالي لـقادة الأكـراد اليـوم، أهـَـل مِن الإنصاف أن يُبـخـَس حـَقُّ هؤلاء الشهـداء الأبـرياء بـعـد مـوتـهم تماماً كما بُـخـِسَ في حـياتـهم ؟ ولا سيما أن سبـب قـتلـهم كان لـُغـماً زُرع بـجـوار قـريتـهم ؟ ألـم يُزرع من قـبـل المقاتليـن الأكـراد ؟ فإذا كان الكشفُ عن زارعـيه سِرّاً في حينـه،ألـم يَحُـن الـوقت بعـد مرور أربعين عاماً للإعـلان عَـنه ؟ لقـد تـحـدَّث البـرزاني الكـبير عن هذه الفاجعة الكُبـرى والجـريمة النكـراء في متن إحـدى مذكـراته الموجـهة الى هيئة الأمـم المتحـدة منـدِّداً بها ومُعـدِّداً ضحاياها ، فأين موقـف قادة الأكراد اليوم من موقـف رائـد نضالـهم الكـبير ؟ تـُرى ، هـل سيـكــون لهذه التساؤلات نـوعٌ مِن الإلـتـفات ؟


وعـنـد استـذكارنا لـهذه الفاجـعـة المؤلمة والجـريمة البشعة لا يسـعـنا إلا رفـع تـَحـية إجـلال وإكـبار الى أرواح شهـداء قـرية صوريا الكلدانية التي زُهـقـت أرواحـُـهم غـدراً وغـيلـة ً بسبـب ايمانـهم بمخـلـصهـم الإلـهي الـرب يسوع المسيـح لـه كُـل الـمجـد والسجـود ، طالـبـيـن مِن أرواحـهم الطـاهرة المتـنـعـمة بالمجـد السماوي ، أن تـَشفـع لـنا نـحـن أبـنـاء كـنيسة المشرق الكلدانية الشهـيـدة المتـألـمة والمُعـذبة ، لـدى قاهـر الموت بقـيـامتـه ، فقـد وعـدتـه أن تـكـون شاهـدة ً أميـنة لـقـيامتـه المجـيـدة . قـام المسيح حـقـاً قـام / هلـلـويا هلـلـويا !


ولـم تتـوقـف قـوافـلُ شهـداء الأمة الكلدانية عنـد شهـداء قـرية صوريا المنكـوبة ، فـلـو استعـرضنا الأحداث التي شهـدتها أرض العـراق بعـد احـتـلالـه أو تـحـريره عام 2003 يتـوضـَّحُ لنا أن هنالك حَـملـة ً مُبـَرمجـة هـدفـها اقـتـلاع الـوجـود الكلداني المسيحي مِن بـلاده الأصلية بـلاد ما بيـن النهـرين عـراق اليـوم ، وهو ما تجلـى في الإعـتـداءات الشرسة التي قامـت بها زُمـرٌ إسلامـية سلـفـيـة موجـهة ومـدعـومة من جـهاتٍ داخلية وخارجية ، مِنها تفجير كنائسنا وإكـراه أبـنائـنا على اعـتناق الإسلام أو دفـع الجـزية ، وإلا تـرك البيـوت والمحـلات بما تحـتويه عَـنـوة ً، و مغادرة البلاد الى المصير المجهـول ، ناهيك عن عمليات خـطـف الأفـراد من مختلـف الأعمار بهـدف المطالبة بفـدية مالية باهـظـة لـقاء إطـلاق سراحـهم ، وإذا لـم تُلـبى مطالبُهم تُـرمى جُثـثـُهم على قارعات الـطـُرُق وهى مشوَّهـة من جـراء التعـذيب .


لقـد جعـل هؤلاء الأشرار المأجـورون من أرض العـراق الزاهية ، غـابة ً تعبـث بـها الـوحـوش البشرية الضاريـة ، وفي الـواقـع مَـثـَّـلـوا دور الـوحـوش الحـيـوانـية ، لا بـل فاقـوهـم وحشنـة ً بما ارتكبوه من المظالم  التعسفية والجـرائم المشينة ضِدَّ أبـرياءٍ لا حـول لـهم ولا طـول . وليس بعيـداً ما تـعـرَّضَ لـه في عام 2008 المرحـوم الشهيـد المطران مار بـولس فرج رحـو رئيس أساقـفـة الموصـل على أيـدي الأشرار ، حيث اختطفـوه بعد ان قـتـلـوا شمامسته الثـلاثـة أمـام عَـيـنيـه ، واذاقـوه أشدَّ أنـواع العـذاب لمـدة اسبـوعـيـن قـبـل قـتـلـه . ومن قبـلـه قـتـلـوا إبـنـَه الروحي الشهـيـد الأب رغـيـد كَـني ومُرافـقـيه الشمامسة الثلاثـة .


لنجـعـل من ذكرى شهـداء قـرية صـوريا في السادس عشر مِن أيلـول عام 1969 يـوماً للشهيـد الكلداني ، وتـذكاراً لكُلِّ الآلاف من شهـداء الأمة الكـلـدانية الأطـهار ، الذين كانـوا ضحايا العـنـف العنـصري والـديني  ، وهذا ابسط واجـبٍ نـقـوم بتأديته مثمـِّنـيـن تضحياتهم وبطـولاتهم التي سطـَّروها بـدمائهم الطاهـرة . المـجـد والخـلـود لـهم جميعاً ، والـدوام للأمة الكـلـدانية بالخير والعِـز .


الشماس كـوركيس مردو
في 14 / 9 / 2009

189


القس لـوسيان جـَمـيـل بـَيـن الجـَهـل والفـَـشـل والتضلـيـل ! ج2

الجـزء الثالث

 تـفـنـيـد ما  تـَخـرَّصَ به  المسمـَّى بالقس لـوسيان جميل في مقالـه الـهـزيـل ( عـودة الى سفـيـنة نـوح  ــ  كـلام عـن المؤتـمـر الـبـطريـركـي الـعـــــام . . . ) وبـتاريخ 17 آب 2009 ) .

         
 الـرابـط  ( http//www.iwffo.org/secrets/3927-2009-08-17-15-26-52.html


 2 - يقفز بيان المجلس البطريركي من فوق الحقائق العلمية جميعها فيما يخص مسألة هوية مسيحيي الكنيسة الكلدانية. فهذا المجلس يضع وراء ظهره كل حقائق التاريخ وحقائق علم الاجتماع، ليؤكد بشكل مضلل، على امر لا يستطيع أي علم حقيقـي ان يثبته، أي على كلدانية كنيستنا وكلدانية ابنائها. اما هذا التصرف فقد يحسبه البعض تصرفا بسيطا وهينا لا يستحق التعليق، لكن الحقيقة ليست كذلك ابدا. فالقفز من فوق الحقائق العلمية من اجل الوصول الى غايات سياسية معينة امر لا يغتفر برأينا. فصحيح ان هذا القفز من فوق البراهين والحقائق الناصعة صار امرا معتادا في المجالات السياسية، ولاسيما ما بعد الاحتلال، الا ان قيام مجلس الاساقفة بما يقوم به لا يختلف كثيرا عما يقوم به السياسيون المزورون للحقائق.

والى القارئ الكريم خبرا حدث فعلا في المجال الكنسي في ولاية ميشيكن الأمريكية حيث تتواجد الجالية العراقية بكثافة. ففي احد الايام من سنة 2008 دعت الأحزاب الكلدانية العاملة بتوجيه من مخابرات دولتها احد خريجي كلية الآثار المقيمين في ولاية ميشيكن المذكورة وطلبوا منه ان يلقي عليهم محاضرة علمية يثبت فيها علميا ان مسيحيي العراق ينتمون الى قومية اسمها القومية الكلدانية. غير ان خريج الآثار هذا اجابهم بأنه لن يقول امام المايكروفون غير ما يبدو له حقيقة علمية. ومع ذلك تم تحديد موعد المحاضرة ظنا من اللجنة المشرفة على التسجيل بإمكانية اقناع المحاضر بما يريدون. وهكذا تم تجهيز كل لوازم التصوير في اليوم المحدد. ثم دعي المحاضر لإلقاء محاضرته. فقام المحاضر الآثاري وشرع يتكلم امام المايكروفون بما يمليه عليه علمه. وفجأة نهض مسؤول التسجيل من مكانه وصاح بالمشرف على جهاز التسجيل قائلا له: اوقف التسجيل من فضلك. ثم قال للمحاضر: نحن لم نطلب منك مثل هذا الكلام لأن المرجعية الدينيـة عندنا، أي المطران ابراهيم ابراهيم، لا تقبل به. وهكذا لم يتم التسجيل وانتهت مؤامرة الكذب والتضليل بالفشل.

فأين احترامكم للحقيقة العلمية يا سادة، اساقفتنا الكرام. وهل تعتقدون ان التزوير وانتحال قومية لم تعد قائمة يمران بسهولة؟! وهل تظنون ان الآونطه ماشية طالما ان السيد الأمريكي يجثم على صدر العراق، وطالما ان الملفقين والمزورين موجودين، وطالما هناك ضعفاء يسمعون ويذعنون؟ ! اذا كنتم حقا تعتقدون ذلك فتلك مصيبة واذا كنتم لا تعتقدون بذلك وتواصلون المشوار كما يحلو لكم فالمصيبة حقا اعظم.

ولكن ملاحظة أخيرة اقدمها لكم يا سادة، يا من تستميتون في سبيل ان تجدوا لكم اما جديدة اسميتموها القومية الكلدانية، بعدما تبرأتم من امكم الحقيقية متعددة الأثداء، والتي هي مسيحية بلاد ما بين النهرين المجيدة التي منها اخذ جميع مسيحيي منطقتنا هويتهم ووحدتهم وسلوكيتهم وذهنيتهم الخاصة الفريدة التي تميزهم عن سائر مسيحيي العالم، فـي حين ان امكـم الجديدة قد ماتت وشبعت موتا ولا احد يقدر ان يحييها حتى لو كان اسقفا او بطريركا او كان رئيسا للولايات المتحدة ذاته. اما نحن فلا نملك الآن سوى ان نسألكم سؤالا محددا ونقول لكم: ترى اين كانت قوميتكم الكلدانية مخبأة الى حد اليوم يا سادة، ولماذا لم تظهر سوى الآن بعد ان تم تدمير العراق بكل نسيجه الانساني والوطني؟ اجيبونا من فضلكم. فهل بكذا سلوك تريدون من الناس ان يعدونكم مرجعية سياسية لكم ويتبعونكم وعيونهم مغلقة وألسنتهم معقودة ؟ هذا بعدكم يا سادة. ))


إنـَّه تـَخـريـف حـقـيقـي لا يصـدر إلا عن مَن أصابهم شيءٌ مِن الجـنـون ،  وإلا ما هي الحـقائـق العـلمية التي يـدَّعي القس الجاهـل بأن المجمع البـطـريركي قـد قـفـز مِن فـوقـها ؟ وما مـدى تحصيـلـه العلمي أو الثقافـي بالمقارنة مع ما لدى أعضاء المجمع البطريركي ؟ في الحقـيقـة ليس هنالك وجـهٌ للمقارنة ، فهـل بإمكان جاهـل ٍمعرفـة الحقائـق العلمية ويَـغـفــَـل عـنها العلماء ؟ هـل يجـوز ُ لـكَ يا قسَّ الكلدان المتمـرد إلـقاء الكـلام على عـواهـنـه خالياً مِن ألأدِلـّة والبـراهيـن ؟ لـقـد أكـَّدنا في الجـزء الأول مِن تفـنيدنا لأقـوالك المزيـَّفـة بشكل ٍ علمي مُسنـَداً بالمصادر التاريخية على أن كنيسة المشرق هي كـلـدانية  ٌ قلباً وقالـَباً أي أصـلاً ومَنشأً ، ووريـثـتـُها الشرعية اليـوم هي الكنيسة الكـلـدانـية الكاثوليكية ، فهـل لـديكَ ما يـؤكـِّد أقـوالك الـزائـفـة وتـذكـر الحقائق العلمية التي تتبـجـَّح بـها والتي تـدعي زوراً وتجـنياً بأن المجمع المقـدس أغـفـلـها ؟



إنَّ الخـبر الذي لَـفـَّـقــتَ حـدوثـَـه في ولاية مشيكَـن الأمريكية مبـتـورٌ ، لأنـك لم تـذكـر اليـوم من سنة 2008 ولا أسماء الأحـزاب الكـلـدانية العاملة بتـوجـيهٍ من مخابـرات دولـتـها ، أية دولـةٍ تقصـد الأمريكية أو العـراقية ؟ كما لم تـذكر اسم المحاضر خـريج كـلية الآثار التي دعتهُ هذه الأحـزاب ليُلـقيَ المحاضرة ، وبـناءً الى هذه المعـلـومات المجهـولة ، يكـون خـبـرك مُخـتـلـقاً مبنياً على الكـذـب والتشهير دون برهان أو دليل . ولمعـلـوماتـك إن مثـل هذا المحاضر لا يجـد ضالتـَه لـدى الكلدان إذ الكلدان يعرفـون قـوميتهم وكنيستهم ، أما مُنتحلو قـومية دخيلـة وفي داخلـهم شكوك حـول بُطـلانها أو صحتها ، فيستعـيـنـون بأمثال هذا المحاضر المجـهـول لكي يُطمئـنَـهم وإن عـوَّل على الكـذب ، ولكـن ليس تَـبَـرُّعاً وتقـديـراً للتاريخ والحقـيـقة بـل لقاء ثـَمَـن هـو يُحـدده .


وفي ملاحـظـته التي سمّاها بالأخيرة يتجـلـّى بـوضوح جـهـلُ القس لوسيان وغـباؤه ، وهـو عـدم تميـيـزه بين القـومية والمسيحية ! إن أكثر امـم العـالَم هي مسيحـية ، ولكـن لكُـلِّ امـةٍ منهـا قـومية خاصة بـها ، فهنالك الإيطاليون والفرنسيون والإسبان والألمان و و و . . . وكذلك الأمـر بالنسبة للأمم الإسـلامية فهنالك العرب ، الأتراك ، الأكـراد الأفـغان الباكستانيون و و و . . . إن الأمة التي لـها أحـفاد لا تـمـوت ، فنحن الكلدان المعاصرون أحفاد كـلدان التاريخ العظـماء ، كما يـوكِّـد المثلث الرحمات المطران اوجين منا في قاموسه الشهير ( كلداني عربي / ص 338 ܫܠܚ ) وأول قـوم من أقـوام بلاد ما بين النهـرن إعـتنـق أبناؤه بشارة الخـلاص المسيحية . إنـني أرثي لـحالك يا قس لـوسيان ، فـقـد وصـلـت بـكَ حالـتُكَ العـقلـية الى المـدى الذي يُحـتـِّم عليـكَ الـدخـول الى مستشفى الأمراض النفسية ، فـبـادر فـوراً .


 3 -  ان البيان الذي اصدره مجلس اساقفة الكنيسة الكلدانية حول تسمية الكنيسة وأبنائها لا يأتي سوؤه فقط من كون التسمية المفروضة كاذبة ومضللة ومتناقضة مع التاريخي ومع علوم الاجتماع التي تكذب كل الادعات القومية الشوفينية العنصرية التي نجدها في ايامنا هذه، هنا وهناك، لكنه يأتي خاصة من كون التسمية الكلدانية القومية تمهد لتحرك خطير لاحق، يعطي بيد المحتل الأمريكي والمتعاونين معه حجة لفصل الكلدان بأي ثمن عن وطنهم العراق الواحد، وذلك تمهيدا لمخطط تقسيم العراق، الذي نعده مخططا عدوانيا شريرا وتحركا مريبا ومؤامرة دنيئة وخبيثة يعز علينا ان يساهم فيها مجلس اساقفتنا بأي شكل من الأشكال، حتى اذا كان ذلك بالسكوت، حيث يكون الساكت عن الحق شيطانا أخرس، فما بالنا بأن تكون المساهمة بالمؤامرة من خلال تخطيط نشيط نعرف مصدره، كالذي يعرضه مجلس اساقفة الكنيسة المسماة بالكنيسة الكلدانية مؤخرا ؟ ))


إنَّ سيدَك صـدام حسين في عـنفـوان طـغيانـه ، لـم يستطع إنكار القـومية الكلدانية ، بـل كان يـهابُها ومـدَّ نسبَـه الى أعـظـم ملـوكـها بقـولـه " مِـن نبوخَنَصـَّر الى صـدام حسين " عِـلماً كان عـروبياً شوفينياً الى الحـد الذي طـلـب من بعض الكتاب النفعيين عن طريق الإغـراء المادي ، بأن يُعيـدوا كتابة التاريخ على هـواه، جاعـلاً مِن العـرب منبع الأقـوام الأخرى خـلافا لكُل المجريات والحـقائـق التاريخية ، ولكي يُنكـر حـقَّ المكـونات المسيحية بقـومياتـهم التاريخية لـدى قيام الـدولة بمنحهم بعض الحـقـوق الثقافية ، نـَعـَتـَهم بالناطـقين بالسريانية ، إذ كان على عِـلـم ٍ بأن السريانية لا تعني قـومية بـل هي تسمية مُرادفـة للمسيحية . فمَـن أنت بالمقارنة مع صـدام حسين ؟ حتى تأتي أنـت البليد وتـُخـالف بيان مجمع الأساقفة الكلدان حـول تسمية كنيستهم بالكلدانية ؟ أليس من العار عليك أن تـقـول عن الكلدانية " كاذبة ومضلـلـة ومتناقضة مع التاريخ ومع عـلـوم الإجتماع " ! إنَّ عـلـوم الإجتماع هي التي تؤكـِّد القـوميات ولكن اين لك أن تعرف ذلك وأنت بهذا المستـوى الضحـل من العلم ولا سيما عـلم التاريخ !


كيف تـُمـهـد التسمية القـومية الكلدانية لتحَـرُّكٍ خـطيرلاحـق كما تدعي ، يستغـلـُّه المُحتـل الأمريكي والمتعاونـون معه كحـجَّـةٍ لفصل الكـلدان عـن وطنـهم العراق ؟ ما هذا الهـذيان يا قس لـوسيان ؟ ولماذا التسمية الكـلدانية بالذات تُستـَغـَـل لتـقسيم العراق حسب مُـخـطـطـ الأمريكان ؟ وماذا عَـن تسميات المكـونات العـراقية الأخـرى ؟ ثمَّ ما هـو دلـيـلـك على قيام الأمريكان على تـقسيـم العراق ؟ أليست هذه خـُرافات وتخيُّلات يُمليها عليك خيالك المريض!هـل وصلـت بك السفاهة ألى اتهام مجلس الأساقـفة ، بالضلـوع بهذا المخـطـطـ الدنيء والخبيث الذي لا وجـود لـه إلا في خيالك المُرهـق ؟
 

4 - (( وأخيرا، وليس آخرا نرى ان سوء قرار مجلس اساقفة الكنيسة الكلدانية والتي يراد لها بشكل تآمري ان تصبح كنيسة قومية عنصرية على غرار بعض الكنائس العراقية الصغيرة، لا يأتي فقط من اكذوبة القومية الكلدانية او اية اكذوبة قومية اخرى من القوميات البائدة التي ينتحلها بعض مسيحيي العراق، لكن سوء هذا القرار المجمعي ينجم خاصة عن قيام مجلس اساقفة الكنيسة الكلدانية بالقفز من فوق جميع القيم الأخلاقية السماوية منها والأرضية، بما في ذلك قوانين الأمم المتحدة التي تحرم اجراء تغيير على البنى التحتية والثقافية وعلى انظمة الدول السياسية والاجتماعية وعلى حدود وجغرافية وديمغرافية الدول المحتلة، هذه القيم التي داسها المحتل بأقدامه الهمجية، غير مبال بشجب او نصيحة.

وهنا نقول انه يؤسفنا كثيرا ان يكون هناك عراقيون يشتركون في العمل البربري الذي قام به المحتل وساهموا في تغيير بنى العراق المختلفة دون وازع من ضمير اخلاقي او وطني. ولكن يؤسفنا اكثر ان يكون رجال الكنيسة، وعلى اعلى المستويات، مشاركين في تمزيق الوطن من اجل مصلحة انانية هزيلة. وهكذا وفيما كنا نتوقع ان يكون اعضاء المجلس البطريركي حراسا امناء على قيم الخير والعدل والمحبة والسلام المحلي والعالمي، بالحق والحقيقة، وليس بالكلام المتناقض مع الأفعال، بتنا نرى بأم اعيننا، من خلال بعض القرارات المجمعية، ومن خلال بعض تحركات غبطة البطريرك نفسه، ومن خلال تحركات بعض اساقفته المشبوهة، مشاركة رجال الكنيسة هؤلاء بعملية قرصنة على العراق من اجل تغيير معالمه الاساسية، بحسب رغبة المحتل الغاشم، من خلال اعترافهم العملي بعملية الاحتلال، ومن خلال اعترافهم بما يسمى العملية السياسية وتأييدها، ومن خلال قيامهم هم ايضا بتغيير ما يمكنهم تغييره من بنى العراق الاساسية بشكل غير مشروع وغير اخلاقي. وهكذا ينطبق على اعضاء مجلسنا الموقر المثل الذي يقول: حاميها حراميها.
فهل من اعتداء وعدوان اكبر من ان يأتي محتل غاشم، معتمدا على اكذوبة مفضوحة ويجتاح بلدا تعداد سكانه ست وعشرون مليون نسمة ويحوله الى ركام بعمرانه وسكانه وحضارته ووحدته ليبني عوضا عنه بلدا بلا استقلال وبلا حقوق وبلا كرامة، لكي يصير هذا البلد بالتالي مرتعا لأشكال مختلفة من اللصوص؟ ام ان البراغماتية والميكيافلية وتجاوز الشرائع الانسانية وشرائع الأمم المتحدة اصبح شيئا مباحا في زماننا الرديء هذا ؟ افتونا مشكورين يا حراس الشرائع والقيم الانسانية والإلهية! ويا حراس الأمر الواقع الأمريكي والمنتفعين منه !

ولكن وعلى اية حال ارجو ان تعلموا يا سادة ان عقارب ساعة التاريخ لن تعود الى الوراء بقدر ما تتمنونه، فالقاعدة المسيحية قد تحترمكم عندما تقنعونها بأنكم تعملون في سبيل الايمان، لكن هذا الاحترام لن تجدوه طالما اهملتم مقتضيان الايمان الحقيقي وبقيتم مصرين علـى مزاولة سياسة قومية طائفية، لم يكلفكم بها احد، حتى لو كلفتكم بها، نيابة عن المعتدي الأمريكي، بعض اشباه الأحزاب التي تتكلم باسم المسيحيين زورا وبهتانا، والتي لم تسبب للمسيحيين سوى الأذى والخراب. او كلفتكم بها عقدكم الطائفية المزمنة ورغبة التسلط البغيضة والمميتة، وليكن سلام الرب معكم، ومعنا جميعا، ومع كل الخيرين في العالم. ))


كُلـَّما أعـبـر من فقرة الى اخـرى في قـراءَتي لأقـوال القس لـوسيان أراها هـزيلـة لـغـة ً ومـعـنىً معاً ومُـمِلـة بسبـب التـكـرار ، وتُشبـه تجـربة طـفـل يحبـو مُـحاولاً المشي . وهـل يُـعـقـل يا ناس أن يتآمر مجلس أساقـفـة الكنيسة الكلدانية على كنيستـه ذاتـِها ؟ وهـل إنَّ دفاعـَه عن قـومية كنيستـه هـو قـفـزٌ فـوق القـيَـم السماوية والأرضية بما فيها قـوانين الأمـم المتحـدة ؟ أليس ذلك تـَخَـبـُّطـــاً وهـذيانـاً ؟ وما عـلاقـة مجلس أساقـفـة الكنيسة الكـلدانية بتغـيـير البُـنى التحـتـية والثـقافـية للعراق التي تـدَّعـي بأن المحـتـل الأمريكي قـد غـيَّرها حـدودياً وجغرافياً وديمغرافياً ، هـل إتـَّخـذ المحتـل الأمريكي من اساقـفـة كنيستنا الأجـلاء مُستشارين لـه ؟ إن المحتـل الأمريكي أظـهر عِداءً صارخاً تُجاه الكلدان ومنذ الـوهلـة الأولى التي عُـيـِّنَ فيها السيِّءُ الصيت بـول بـرايمَر حاكماً على العـراق وإذا كان المحتـل قـد داس كُـلَّ القـيـم كما تـقـول ، ما ذنب أساقـفـة الكنيسة الكلدانية في ذلك ؟ إتـَّقـي الله يا قس لـوسيان والك طريق الـرب ولا تُقامر بالوزنات التي أعطاكـها المسيح الرب .

حـرام عليك يا رجـل أن تـَتـهـمَ رجال كنيستنا لمجـرَّد اختلافكَ معـهم بأن تجعـلـهم بمصاف بعض العـراقـيين الذين اشتركوا مع المحتـل في عـمـلـه البربري كما تدعي في تغيير بُـنى العـراق المختلفة وتـمـزيـق العراق من أجل مصلحةٍ أنانية هـزيلـة . إنـَّه كـلام غير مـوزون ولا مسؤول ، إن كنتَ لا تحترم رؤساءَكَ ولا تخشاهم ، أفـلا تخشى الـلـه ؟ إن كـلامـَك هذا يـدل على فـقـدانك لإيمانكَ ، وفي هذه الحال تـنحـَّى عَـن الخـدمة في كنيسة الرب ، والتـحـِق في خـدمة الشيطان . وكـلـمتي الأخيرة أقـولـها لك بصراحـة ، فإنـَّكَ في الـواقـع إما قـد أصابكَ الخَـرَف أو إنـَّك مأجـور !


أرجو المعـذرة من القـراء الكـرام ، إذا رأوا في مخاطبتي للقس لـوسيان بعض الشدة والإنفعال ، فـقـد حاولت قـدر الإمكان أن أكـون أقـلَّ حـدة ، إلا أن أقـوالـه غير العقـلانية والإتهامية بشكـل ٍ غير لائـق بـل مُـقـرف ، جـعـلـتـني أن أبادلـه بنفس اسلـوبه العِـدائي ، فقـبـل أن تحكموا على ما كتبتُ ، إقـرأوا ما كـتـب ثمَّ احكـمـوا وشكـراً .


الشماس كوركيس مردو
في 11 / 9 / 2009

190

فاقـد الضمير دَيـدَنـُه الإفـتراء والتضليـل ج / 3


الجزء الثالـث

لـنـرى الهـجـوم الـوقـح في أقـوال السيد انطوان الصنا في مقاله الجـزء الثاني المعنون  ( استمرار التصريحات المفخخة الهستيرية للسيد ابلحد افرام .. في امريكا) (القسم الثاني )


    http://www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage;topic=338857.0

    (( لمن يرغب من الاخوة القراء الكرام االاطلاع على القسم الاول من مقالنا الرابط الاول ادناه) حيث مرة اخرى نجد انفسنا مضطرين للرد وتوضيح بعض الحقائق والوقائع على خلفية استمرار التصريحات والادعاءات والاتهامات الجديدة للسيد ( ابلحد افرام ) الامين العام لحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني عضو برلمان العراق الفيدرالي ( عن كتلة التحالف الكردستاني ) في امريكا ضد المجلس الشعبي ورابي ( سركيس اغاجان ) والاخوة الاكراد وحتى ابناء شعبنا الكلداني وبدون وجه حق وعدل وحجة ... حيث القى كل ما كان يغلي كالمرجل في صدره وجعبته ويوقد جمرا في احشائه بشكل مرتبك ومتعصب ومستعجل وغير لائق ودقيق . . . ))

 
مـرة ً اخرى بـدأ انـطوان الصنا ينفـًثُ بـراكين حِـقـده الـدفين في صـدره المصـدور بها ، لاحظـوا مـدى تكـراره للعبارات التي تختـزل معناها عبارة ٌ واحـدة منها ، ولنضرب صفحاً عن ذلك لأنها ليست من بنات أفكاره  بل قـد حـفظـها كالببغاء عن ظهر قـلـبـه كما نـوهنا مـراراً ، وإنما الـمُدهـش والمُضحك في الأمر كيف شاهـد الأستاذ ابلحد افـرام لدى إدلائه بتصريحاته وهو بعيد عنه بآلاف الأميال " بشكل مرتبـك ومتعـصـب ومستعجـل وغير لائـق ودقـيـق . . . " تـُرى ألا يعني هذا أن صاحبنا السيد الصنا يمتلك عـينين تخترقان الأبـعاد حتى بين الأوطان  .                                                                                                                                                                                                                                                                                               ولنـكـُن واقـعـيـين ماذا كان سركيس أغاجان قبـل أربعة أعـوام وأين كان من قضايا الشعب المسيحي المتواجد في اقليم كردستان أو في عـموم العـراق ؟ ومنـذ ظـهـوره المفاجيء على الساحة المسيحـية بـدعـم وتـشجـيـع من القـيادة الكُردية ، لـكسر شوكة السيد يونادم كنا ، التي رأت  فيه غـلـواً في التطــرُّف ، لم نسمع أغاجان يُدلي بكلمةٍ أو تصريح مِن أي نـوع كان سياسياً أو اجتماعياً ، ما مدى تحـصيله العـلمي والثـقافـي حتى عهـدت إليه حـكومة اقليم كردستان منصب وزير المالية ، بأية لـغةٍ يتحـدَّث وحتى لـو كانت اللغة الكردية لماذا لا يُخاطب الشعب بها مباشرة ً، ثـمَّ تـُتـَرجم ، أليس مُـفـيـداً أن يسمع الشعب آراءَه بشكـل ٍ مباشر ! ثمَّ متى هاجم السيد ابلحد افرام سركيس أغاجان شخصياً هل لك أن تـؤكد ذلك متى وأين وكيف يا سيد صنا ؟ أما إذا انتقـد الأستاذ ابلحد افـرام تصرفات سركيس أغاجان ومـجـلسـه الشعبي الديكتاتورية بحـق الكلدان وأحـزابهم وتنظيماتهم القـومية والثقافية فهذا من صُـلـب واجباتـه .

   
(( ان طروحات السيد ( افرام ) لاتعدو سوى جعجعة طحين وتخفي ورائها نوايا تحركات ومزايدات اعلامية وقومية متعصبة ومتشددة لتأجيج المشاعر القومية المتشنجة واحيانا المتطرفة لدى بعض ابناء شعبنا الكلداني لتقسيم وحدة شعبنا القومية وتكريس وترسيخ مفاهيم وثقافة الانشطار والتشرذم القومي الذي رفضه شعبنا بشكل واضح في اكثر من مناسبة ... يبدو ان امريكا اصبحت محطة لاطلاق تصريحات ساخنة وجعجعة طحين من قبل قادة بعض تنظيمات شعبنا القومية .. حيث العام الماضي سبقه السيد (يونادم كنا) في تصريحات نارية وانفعالية في شهر اب 2008 انها المصادفة غير المحسوبة نتمنى ان تطلق مثل هذه التصريحات داخل الوطن وليس خارجه . . . !!

ان الرجل السيد ( ابلحد افرام ) يعمل حاليا كدودة السوس التي تنخر ببنيان وحدة شعبنا القومية حيث يحمل بيده بشكل واضح ساطور وخنجر الانقسام والتمزيق لجسد شعبنا وامتنا للتخلص من تناقضاته المفعمة بالمخاطر والهزائم ولتقويض كل الجهود الطيبة والمتميزة التي بذلت من اجل وحدة شعبنا القومية والتقدم الذي حصل في تدعيمها لاعادة بناءه القومي والوحدوي والتنظيمي والشعبي والدستوري ليسترد عافيته مثل بقية شعوب وامم الارض الاصلية . . . ))


عـار عليك عظيم يا صـنا ، لكُـلِّ إنسان احترام لـذاتـه ، وعليه أن لا يُرخي العِـنان للسانه بكَـيـل السيئات لهذا وذاك كذباً وافتراءاً ، فأين أنتَ من ذلك ، إنـك لم تـدع أحـداً يسلم من لسانك السليط ، فقد هاجمت َ رئيس الكنيسة الكلدانية وأساقـفـتـها وسنهودسها المقدس ، تطاولت على الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية ، لا زلتَ تـواصل التشهير بالأمين العام لحزب اتحاد الديمقراطي الكلداني الاستاذ ابلحد افـرام وبالسكرتير العام لحركة زوعا السيد يونادم كنا وبكُـل مَن يقـف بالضد من استبداد المجلس اللاشعبي الأغاجاني ، إخـجـل قليلاً من صياغتك اللغـوية السمجة والركـيكـة ، هـل تعرف ماذا تعني ( إن طروحات السيد (افـرام) لا تعـدو سوى جعجعة طـحين ) ما هكذا يُقال هذا المثل يا جاهـل ، بل يقال ( أسمع جعجعة ً ولا أرى طـحيناً ) حتى متى تـظـل على هذه الشاكلة من الغـباء ؟ السيـد ابلـحد أفـرام يعمـل لصاح أبناء امته الكلدانية والأبناء الخارجين من صلبـها الكلدان النساطرة( الآثوريين المتأشورين ) والسريان بشقيهم الكاثوليك والأرثوذكس(اليعاقـبـة) ولا يهمـُّه تبنيهم لأسماء خاصة بهم عبر الزمن الغابـر، فـمَـن كان هذا هـدفـه  لا يُخفي نـوايا غير طيبة ، ولا يُزايـد اعـلامياً ، يتحـدَّث بصدق ٍ وصراحة وبشفافية قـلَّ نظيرها ، ولكنه لا يرضخ للإستبداد الذي يُمارسه المجلس اللاشعبي ، المجلس الإجرامي الذي أنشأه مجهـول ظـهـر بإرادة قـوةٍ كبيرة ذات أهداف كثيرة ، لا نستطيع أن نلـومها لأن مصالحها هي أسمى من كُـل شيءٍ آخـر لـديها . 
لـو كنتَ تمتلك من الغيرة قـدر ذرة ، لـَما عـرضت ذاتك للعمالة وبـعـتَ ضميرك وخُـنتَ امتـك لقاء بضعة دولارات أغاجانية ، إنـك وأمثالك تُشبهـون دودة السوس ، فقـد أجبرتـكم عمالتُـكم للنخـر في بنيان الشعب الكلداني بكُل تسمياته ، و طلـب منكم أسيادكم استخدام معاول الهـدم لذلك البنيان المرصوص المُتمثلة باختـلاق تسميات مُبتـَدَعة هجينة لا صلـة لـها بالقـومية ولا مثيـل لها في التاريخ .


(( ان الضجيج الاعلامي الذي يقوم به السيد ( افرام ) حاليا في امريكا مهما كان حجمه ونوعه يعتبر متخلف ومغرض( متخلـفاً ومغـرضاً ) ولا يستقيم وينسجم مع قاعدته الحزبية والجماهيرية في الداخل والخارج ومع روح ومبادئ القرن الواحد والعشرون( والعشرين ) ويأتي بدعم ومؤازرة بعض الابواق الاعلامية المتطرفة والمتشددة قوميا في الخارج من اجل التغطية على الهزائم المتتالية لحزبه وقائمته الانتخابية ولتلميع صورته المتناقضة والهزيلة

لان هياكل حزبه متسيبة ومعزولة جماهيريا وغير مقنعة ويحركها السيد ( افرام ) وعائلته كالدمى بعد تهميش والغاء المكتب السياسي واللجنة المركزية وتجميد مسوؤلية السيد نائب الامين العام للحزب احد منظري فكر الحزب ومؤسسيه مع الرواد الاوائل وبضمنهم السيد (افرام) !! وتولى ولده ( افرام ) المهام والمسؤوليات الحزبية نيابة عن الجميع !! لاهداف التوريث ورعاية المصالح الشخصية الضيقة !! لانه حزب عائلي !!

حيث منذ 1996 تتولى عائلة ( ابلحد افرام ) في اقليم كردستان توريث رئاسة المركز الكلداني للثقافة والفنون في دهوك بانتخابات دورية مهزلة( مهزلـية ) وصورية للاستحواذ على المكاسب والمنح المالية التي تمنحها حكومة اقليم كردستان للمركز وكأن شعبنا الكلداني قد جدب ولا يوجد فيه مثقفين( مثـقـفـون ) غير عائلة (افرام) في دهوك !! ثم لماذا تتمسك عائلته برئاسة المركز وحساباته كل هذه الفترة ؟

ونتسائل ( نتساءَل ) ما هي مساهمات المركز الثقافية والفنية والفكرية والاجتماعية في حياة شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في الوطن ؟ غير اقامة حفلات الاعياد ورأس السنة من اجل الربح المالي !! نريد جردا امام شعبنا للنشاطات الفكرية والثقافية والفنية التي اضطلع بها المركز منذ تأسيسه ولغاية اليوم ؟ ونريد عرض ميزانيات المركز المالية لنفس الفترة مدققة من قبل مراقب حسابات قانوني ومصادق( مصادقاً ) عليها من قبل الهيئة العامة للمركز قانونا ؟ وهل يمكن اعلامنا عن عدد اعضاء الهيئة العامة للمركز ؟ ان هذه المعلومات سوف لا تقدم امام شعبنا لانها اسرار عسكرية ونووية خطيرة !! (للاطلاع على اعلان الحفلات الرابط الثاني ادناه)

ان خسارة قائمة الكلدان الموحدة في انتخابات برلمان اقليم كردستان الاخيرة قال عنها السيد (افرام) .. ( جاءت نتائجها مخيبة للامال ..) وهذا اعتراف واضح وصريح بالاخفاق والتقهقر والفشل لكن عليه البحث عن الاسباب الحقيقية لهذا الفشل حيث كان حزب ( افرام ) قد تهجم على ابناء شعبنا الكلداني في بيان رسمي متسرع وهش وانفعالي بتاريخ 9 - 8 - 2009 على اثر اعلان النتائج النهائية للانتخابات المشار اليها اعلاه ...

بموجبه قسم شعبنا الكلداني الى قسمين ( شرفاء واصلاء ) و ( غير شرفاء واصلاء ) ياسلام على قائد الكلدان !! هل هذا الكلام معقول ومنطقي حزب يخاطب شعبنا الكلداني بهذا الاسلوب ؟ ثم لماذا ؟ لان اغلبهم صوت لغير قائمة الكلدان !! وكأن الرجل يريد ان يعتبر نفسه راعي وممثل الكلدان الرسمي والشعبي والحزبي حصرا !! ولا يحق للكلدان الانتماء والتصويت لغيره !! انه الوهم والخيال المريض وقصورالرؤية والتحليل لخارطة تنظيمات شعبنا القومية وانتماءات شعبنا الكلداني وضعف الوعي الديمقراطي الحر لدى الرجل ( للاطلاع على بيان حزب افرام الرابط الثالث ادناه . . . . ))


أيّ ضجـيـج هذا الذي تتكلم عنه أيها المهـرِّج المأجـور ، إنّها أول زيارة يقـوم بها زعيم كلداني وأمين عام أول حـزبٍ كـلداني لأبناء شعبـه الكلدان المتواجدين بكثافـةٍ في ولايتين أمركـيـتيـن هما مشيكَن وكاليفورنيا ، بينما زارهتين الولايتين بالذات وولايات اخرى الغـريـبُ وعـدوُّ الكـلـدان الأول يونادم كنا تسع زياراتٍ من قبـل دون أن تـنـطـق وتُـهـرجَ عنـه شيـئاً ، ألا يـدل هذا على حـدقـك الشخصي الذي يغلي في داخلك ضِـدَّ الأستاذ ابلحد أفرام لأنـه استطاع عصر أنـفـك وتمريغـه بالـوحـل ، عندما اكتشف عملية النصـب والإحتيال التي دبـَّرتـَها ضِـدَّه ، فاستعاد المبلغ منك رغن أنـفك ، ثمَّ أيَّ ضجيـج أثار ابلحـد ،هـل استضافته فضائية ما ؟هـل أدلى بتصريات معادية وغير واقعية ؟ كُل ما فـعـله هـو عـرضه للوقائع والحقائـق التي تُمارس ضِـدَّ شـعبه الكلداني في الوطن الأم العراق .     
بأيِّ حـقٍّ تحشر أنـفـك بالقضايا الداخلية والتنظيمية للحزب الديمقراطي الكلداني ، هـل أنت عضو في الحـزب ؟ لماذا لا تتعـرَّض لقضايا أحـزاب منتحلي الكلدان النساطرة ( منتحلي التسمية الآشورية المزيفـة ؟ يظهر أن اسيادك في ما يسمى بالمجلس الشعبي قد حـددوا مهمتك بمعاداة الكلدان  ولا سيما حـزبهم الطليعي بقيادة أمينه العام الأستاذ ابلحـد افـرام !
مساهمات المركز الثقافي الكلداني هي متعـددة وذات فائـدة لشعبنا المسيحي في الـوطن ! والإحتفالات التي يُقيمها في الأعياد الدينية والمناسبات القـومية هي جـزء من فعالياته الكثيرة ، ثم مَن أنت وما هي قيمتك ومَن خـوَّلك لتحاسب المركز الثقافي الكلداني وأنتَ انسان مارق ، ومُـزدرى من قبـل الجماهير الكلدانية الأصلاء الشرفاء والمخلصين ، أليس ما قاله السيد ابلحد مطابقاً للحقيقة بأن هناك كـلداناً قـد تنكَّـروا لأصالـتهم الكلدانية وفـقـدوا شرفـهم الكلداني ، بماذا يوصفُ خـونة امتهم الكلدانية المتراصفـون الى جانب أعدائها المتكالبين عليها ، اولئك الساعين الى تغييبها قومياً وإلغاء دورها من الساحة السياسية العراقية ؟
(( كما قلنا سابقا ان شعبنا الكلداني ليس ممهورا او مختوما بأسم التنظيمات القومية الكلدانية وانما هم جزء عزيز واصيل ومهم من وحدة شعبنا القومية الراسخة وانتمائه موزع بين كافة تنظيمات شعبنا القومية اضافة الى العراقية ( للاطلاع على المقال الرابط الرابع ادناه ) نقول للسيد ( افرام ) ان شعبنا الكلداني السرياني الاشوري في الوطن عدا اقليم كردستان مشدود ومصلوب ( كالسيد المسيح ) له المجد بين الارهاب الاسود وضعف الدولة العراقية وغياب القانون وانت تمارس سياسة الاستقطاب والتقسيم والتمزيق الى ابعد الحدود لوحدة شعبنا القومية بترهات وشطحات وتصريحات نارية غير موفقة ومدروسة ومستعجلة ومتعصبة

يارجل لا تتوهم وتنتشي بعبارات البطولة والفروسية التي يصفك بها رهط من المتطرفين والمنافقين من ابناء شعبنا الكلداني مثل المناضل البطل القومي الكلداني !! والقائد الكلداني الهمام !! والتي جسدتها صور لقاءاتكم في ندوات امريكا والتي تملىء الموقع الرسمي (لحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني) دون اي صورة لاعضاء قيادة حزبه !! (للاطلاع على الصور الرابط الخامس ادناه) انه القائد الاوحد والضرورة !! حيث ان ذلك يذكرنا بالزمن الغابر للقائد الضرورة والصنم المقبور (صدام) .. ياسيد ( افرام ) للقيادة والبطولة شروطها ومواصفاتها وانجازاتها ومأثرها ماذا حققتم لشعبنا الكلداني اولا ثم لشعبنا ( الكلداني السرياني الاشوري ) ثانيا حتى تصبح بطلا وقائدا قوميا وتاريخيا اللبيب من الاشارة يفهم !!

ان محاولتك ياسيد ( افرام ) نشر غسيل اي جهة او فصيل او فريق او تنظيم او شريك لتنظيمات شعبنا القومية كذبا وافتراءا لاهداف مغرضة لكسب ود شعبنا الكلداني بشكل خاص ولاحساسكم بالضعف والنقص وعقدة الفشل لن يساهم ذلك قطعا في تنظيف وتقويم جهة حزبك وقائمتك بل يساهم في تعميق الجرح وزيادة المسافات بين ابناء شعبنا الواحد والامة الواحدة وتنظيماته القومية وان التاريخ كفيل بكشف زيف وبطلان ادعاءاتك ومزايداتك القومية عاجلا ام اجلا ))


لـقـد حـذرت زعامتـُنا الدينية والقـومية الكلدانية ، بلسان قائـدها الأعلى  قبل عدة سنـوات ، بأنَّ كُـلَّ كـلداني يـتنـكَّر لـقـوميته الكلدانية هـو خائـن ، وكُلَّ منتحـل للآشورية الذي يعتقد بأنه آشوري ويتنكَّر لآشوريته فهو خائـن لها ، فأية فئةٍ من الشعب الكلداني  تنقلب على قـوميتها الكلدانية مهما كانت الأسباب والمغـريات ، تُـعـتـَبَر خائنة وغير شريفة ولا أصيلـة ،  هذا هو تعريفها لـدى الشعب الكلداني الشريف والأصيـل والمخلص لقـوميته .
إن القائـد الكلداني ابلحد افـرام ، لا ينشر الغسيـل بـل يفضح الواقع المخزي لأي فصيل أو فريق أو تنظيم يتخذ من الكلدان محسوبية ً ويتراصف مع أعـدائـهم ، واعـلم أيها المهـرِّج المأجـور بأن تلفيقاتك وافتراءاتك قـد جعلتك منبوذاً ومـزدرىً من قبل جماهير الأمة الكلدانية ، وحتماً ستُصيـبـك لعـناتـُهم فتـكـون نهايتـُك مأساوية ، فحذاري حذاري من التمادي .

   

(( نعود لبعض تصريحات السيد ( افرام ) المفخخة والهستيرية المستمرة في امريكا حيث قال في ندوة من مدينة ( سان دييغو ) في ولاية كاليفورنيا الامريكية بتاريخ 23 - 8 - 2009 ( ان الاساليب غير المشروعة التي اتبعتها القوائم المنافسة في انتخابات برلمان اقليم كردستان الاخيرة ومنها التهديد بقطع الارزاق او بيع الذات والاصوات من قبل بعض الكلدان مقابل حفنة من الدولارات كانت وراء فوز هذه القوائم وبأصوات كلدانية قبلت على نفسها الوقوف ضد قائمة امتها ... ) ويقصد تلميحا قائمة المجلس الشعبي والله عيب مثل هذا الكلام من اجل الكلام ولتبرير الفشل والضحك على الذقون وذرف دموع التماسيح

لان الحقيقة ستنكشف وحجم حزبك وقائمتك اتضح على الارض ولمرتين ... وننتظر المرة الثالثة وستكون الضربة القاضية عند ذلك لا ينفع الصراخ والعويل ... واضاف السيد افرام قائلا ( عن ما يسمى بالمجلس الشعبي وكيفية سيطرته على الساحة من خلال شراء الذمم بالاموال الطائلة التي يصرفها على الوصولين والنفعين والاقلام المأجورة من اجل فرض اجندته التي ليست بصالح شعبنا لانها بالتأكيد اجندة من يمول هذا المجلس ... ) ويقصد هنا الاخوة الاكراد وهو يمثل التحالف الكردستاني !! اليس هذا نفاقا وتناقضا ام ماذا !!

وزاد في الكلام قائلا ( ان تلك الاموال الطائلة تصرف من دون اية رقابة وتوزع بطريقة غير عادلة والهدف منها شراء موقف سياسي .. ) ... كما قلنا سابقا ان الرجل يبحث عن حصته من الكعكة بالفراولة !! ... واذا افترضنا جدلا ان قائمة المجلس الشعبي فازت بتوزيع الاموال !! ماذا تقول عن فوز قائمة الرافدين قائمة (زوعا) ؟ ماذا وزعت ؟ حججك غير مقنعة وخائبة ياسيد (افرام) وطروحاتك لا تنطلي على ابناء شعبنا حيث انكشفت كل اوراق وخيوط اللعبة

واردف بالقول ( لسنا نحن من يلبس كل مايفصله له الاخرون .. ) والله صح لانك تمثل شعبنا وليس الاخوة الاكراد في البرلمان .. يابة على كيفك بدون مزايدة !! (للاطلاع على تصريحات السيد (افرام) الجديدة في امريكا الرابط السادس ادناه) ... ويذكر ان السيد (افرام) كان قد اتهم جهات سياسية كردية بعد اعلان نتائج انتخابات برلمان اقليم كردستان الاخيرة بتهديد المسيحيين لانتخاب قوائم معينة في اقليم كردستان وخرق قانون الانتخابات في الاقليم !! لو كانت هناك تهديدات حقا لما فازت قائمة الرافدين (زوعا) بمقعدين نظيفين في الانتخابات المذكورة ياسيد (افرام) الخلل فيك وفي حزبك وقائمتك وليس في الاخوة الاكراد لان الانتخابات كانت ناجحة وشفافة وديمقراطية بشهادة كل المراقبيين الدوليين والعرب والمحليين (للاطلاع على اتهام السيد افرام الاخوة الاكراد الرابط السابع ادناه)

ان المجلس الشعبي مؤسسة جماهيرية قانونية منتخبة لايحتاج الى تقيمك ياسيد (افرام) لان شعبنا على الارض في الوطن هو من له الحق والاولى في تقيم مسيرته من خلال اعماله وانجازاته وافعاله ومواقفه وحيث ان فوز قائمته في الانتخابات المشار اليها اعلاه ابلغ رسالة لك ولغيرك للعلاقة الحميمية الصادقة بين المجلس وشعبنا (الكلداني السرياني الاشوري) وليس كلام فارغ وشعارات وخطابات جوفاء مثل تصريحاتك التي لا تصلح الا للاستهلاك الاعلامي المغرض

وطبعا كعادته السيد (افرام) عند العودة الى الوطن سوف يتخلى ويتراجع عن كل تصريحاته التي لا معنى لها والتي ادلى بها في امريكا !! ويقول اني لم اقل ولم اقصد !! للاستحواذ على المنح المالية والمكاسب والمزايا الشخصية والعائلية الضيقة من خلال كرسي البرلمان وموقعه القيادي في الحزب والمركز الكلداني للثقافة والفنون في دهوك وغيرها لاطول فترة ممكنة لان مستقبله السياسي على كف عفريت او ادنى ... واللبيب من الاشارة يفهم ... (انتهى القسم الثاني) ... ويمكن ان يكون هناك قسم ثالث اذا استمرت تصريحات السيد (افرام) المتشنجة والعشوائية وغير الناضجة والمسؤولة لوضع النقاط على الحروف. . . ))


إنَّ كُـلَّ ما تحدث به الأستاذ ابلحد افـرام بصـدد انتخابات برلمان اقليم كردستان مِن ناحية قـوائم الشعب المسيحي وما جرى خلالها من تهديد وترهيب وشراء ذمم وتزوير هـو عين الحقيقة ، ولن تستطيع بكـذبك المعروف للجميع نفي هذه الحقيقة الواضحة كوضوح الشمس في رابعة النهار ، فلـولا الأموال التي أوعـز سركيس اغاجان الى ما يسمى بالمجلس الشعبي بصرفها على عـددٍ كبير من الوصوليين والنـفـعـيـين وأصحاب الأقـلام المأجـورة الذيـن تـُعـد أنـتَ في المقدمة منهـم ، ولـولا ضِعـاف النـفـوس الكـلـدان الذيـن غـرَّرت بهم الحركة الشوفينية ( زوعـا ) فاشترتهم عن طريق المال والإغراءات الأخرى كالألقاب الفارغـة والـوعـد بـبعض المناصب والوظائـف ، لكانت نتائـج الإنتخابات مُـغايـرة تماماً ولصالح الكلدان أصحاب الرقم الأصعب في المعادلة القـومية ! إنّ ابلحد افـرام هو ممثل شعبنا الأصدق والأكفأ ، لا يُـداهِن ولا يُـجامـل على حساب الحقـيـقـة ، ومهما ألصـقـتَ به من الإتهامات دَسّاً وتحـريضاً فإن القـراء ومنهم الإخـوة الأكراد يعرفـون مدى تماديكَ في الكذب والـدجـل .  وفي الأخـير اذكـرك يا أنـطـوان الصنا ، بأن حـبـل الكـذب قصير ! كـفاك المضي في طريق العمالة لكسب عيشك ، جـد لكَ طريق عـمـل شريف للعيش فهو الأفضـل والأسلـم ! ! !


الشماس كوركيس مردو
في10 / 9 / 2009   

191


القس لـوسيان جـَمـيـل بـَيـن الجـَهـل والفـَـشـل والتضلـيـل ! ج2


الجـزء الثاني


 تـفـنـيـد ما  تـَخـرَّصَ به  المسمـَّى بالقس لـوسيان جميل في مقالـه الـهـزيـل ( عـودة الى سفـيـنة نـوح  ــ  كـلام عـن المؤتـمـر الـبـطريـركـي الـعـــــام . . . ) وبـتاريخ 17 آب 2009 ) .

         
 الـرابـط  ( http//www.iwffo.org/secrets/3927-2009-08-17-15-26-52.html


يقـول المُسمـَّى القس لـوسيان االحاقـد :((  في مقدمة كلمتي هذه ارجو ان يكون معلوما لدى القراء الكرام بان صفة الكلداني والكلدانية ليست بأي حال من الأحوال صفة لقومية عرقية ولا صفة لهـوية ثقافـية، ولكـنها فقط تسمية اعطـيت لكنيسة المشرق عند اتحاد هذه الكنيسة بكرسي روما الكاثوليكي، قبـل حوالي 450 سنة. ولذلـك ارجـو من القارئ ان يـضع كـلمة المسمى والمسماة والمسمون امام هذه الصفـات المذكـورة، ايـنما وكيفـما جاءت ))


ونُـتابـع تساؤلـَنا للقـس المتمرد لـوسيان جميل بأية معـزوفةٍ يتغـنّى  ، فـمعـزوفة الكـلـدان النساطـرة ( منتحلي التسمية الآشورية المزيفة المعـاصريـن ) على لسان معـظـم كـتابهـم ومنـظـريـهم إن لم نـقـل كُـلـَّهم هي بأن البابا ( اوجينوس الرابع 1441 - 1447 م ) هو مَن أطـلـق التسمية الكـلـدانـية على النساطرة المتواجـديـن في قـبـرص الذيـن تـقـدَّمـوا بشخص مطرانهم طـيمثاوس بطـلـب الإتحاد الإيـماني مع الكرسي الرسولي في روما وبدون أن يُكـلـِّفـوا انفسَهم التـفـحـُّصَ بـنص الطـلـب للإطـلاع على مغـزاه وفـحـواه ، أو قـد تـكـون تـرجـمتُـه من اللاتـيـنـية الى العـربـية غـير وافـية فاخـتـلـطـت عـلـيهم الحقيـقـة ، ولكـنني غير مقـتنع بذلك ، بـل هـو تـَعَمـُّد مقـصود بـل تـآمـر للنيل من القـومية الكلدانية ، وتشويه لكُنـه الحـدث والترويـج بأن الكلدانية هي مذهب أنـعـم به البابا على النساطرة الآنف ذِكرهم ، وهو محض افـتراء لا أساس له من الصحة ، فالبابا ليس واهباً أو موزعاً للمذاهب أو التسميات !


ولكُـلِّ مَن أغـمـَض عَـينـيـه عن رؤية الحـقـيـقـة ، نأمـَل أن يفـتحـها لـيـقـرأ وثـيـقـة الإتحاد التي وقـَّعـَها المطران طيمثاوس مع الكـرسي الرسولي في روما  عام 1945 م  كما وردت في ( كتاب العلاقات / روما ص 10 / الأب شموئيل جميـل ) .


< أنا طيمثاوس رئيس أساقـفـة تـَرشيش على الكـلـدان ومطـران الذيـن في قـبرص منهم ، بالأصالة عن نفسي وبالنيابة عن كافـة الجـمـوع المتـواجـدة في قـبرص ، أعـلـنُ وأقِـرُّ وأعـِدُ أمام الـلـه الخالـد الآبِ الإبـن ِ والـروح ِالقـدس، وأمامـَـكَ أيـُّها الأب الأقـدس والـطـوباوي البابا اوجينـوس الـرابـع ، وأمامَ هذا المـَجمَـع اللاتيراني المقـدس ، بأنـنـي سأبـقـى دوماً تـحـت طاعـتِـكَ وطـاعــــــة خـُلـَفائـكَ وطاعـة الكـنـيـسة الرومانـيـة المقـدسة على أنـها الأم والرأس لكـافـة الكـنائس >


وربما سائـل ٍ يـقـول لماذا لـم يُقـدِّم المطران طيمثاوس نفسه بصفـتـه مطران النساطـرة ، ولـهؤلاء نقـول : كانت الغاية من تـوقيع وثيقـة الإتحاد الإيماني هي اعـتـنـاق المـذهـب الكاثـولـيكي ونـبـذ المذهب النسطـوري ، ولـذلك كان لا بـدَّ عليه أن يستـعـيـضَ عن لـقـبـه المُـرتبـط بالمذهـب الذي نـبـذه ، بـلـقـبٍ آخـر ، فاخـتار لـقـبـَه القـومي الكـلـداني .


واستـنـاداً الى أقـوال المطـران طيمثاوس أصـدر البابا اوجينـوس الرابـع بتاريـخ 7 / 8 / 1945 م المـرسوم البابوي التالـي وكما ورد في ( كتاب العلاقات / روما ص 11 / الأب شموئيل جميـل ) .


< وطيمثاوس ذاتـُه ، حـظـر أمامَـنـا في المجـمع اللاتـيـراني المسكـوني وفي جَـلستِـه العامة ، أعـلـنَ باحـتـرام ٍ وتــَـقـوى صـيـغـة َ إيمانـِه وتـَعـلـيـمِه ، أولاً بـلـُغـَتِـه الكـلـدانـية ، ثـمَّ تـُرجِـمـَت الى اليـونانـية ومِـنـها الى اللاتـيـنـيـة > وبـنـاءً الى هـذا الإعـلان الـوحـدوي ، فإنَّ اوجينـوس الـرابـع في مَرسومِه الآنـفِ ذِكـرُه أن يُسمـَّى أحـدٌ الكـلـدان فـيـما بعـد نساطـرة ، كما يمنـع في الموضوع عَـيـنـِه أن يُسمـَّى المـوارنـة هـراطـقـة ، ومِن ثـم يُساوى الكـلـدان والمَوارنـة بالحـقـوق والإمتـيازات الـديـنـيـة مع كـافـة الكـاثـولـيـك .  والمقـطـع الأخـير بخصوص المساواة هـو شمـول الكلدان والموارنة بالإعـفاء الضريبي عن الإقامة في قـبرص الذي كان مفروضاً على الهـراطقة والأجانب القادمين إليها ، ولا علاقـة لـه بأيِّ شيءٍ آخـر .


أهنالك وضوحٌ أكثـر مِما جاءَ بـه ، الطـلـبُ الذي قـدَّمَـه المطران طيمثاوس بـخـطـِّ  يَـده وبالكـلـدانية لـُغَـتـِه وقـرأه أمام المجلس بنفسه ، ثمَّ تـُرجِمَ الى اللغـتيـن اليـونانـيـة واللاتـيـنـيـة ، وبـه استسهـد البابا اوجينوس الرابع وعـليه استـنـد بإصـدار مرسومه .


أما إذا كانت معـزوفـتـُه في ظـهور التسمية القـومية تـَـتـَـعـلـَّق بانشطار الكنيسة الكلدانية النسطـورية ( كنيسة المشرق ) في منتصـف القرن السادس عشر على عـهـد البطريرك ( شمعـون السابع 1538 - 1555 م ) الملقـب برماما من عائلـة آل " أبـونا " المستبـدة  والمتحكـمة بالرئاسة الكنسية ( البطريركية ) عن طريق الـوراثـة منذ أن قام أحـد أبنائها البطريرك شمعون الرابـع الملقـب " باصيدي " بسَنِّ قانـون ٍ في أواسط الـقـرن الخامس عشر ، يـقـضي بان يرث المنصبَ البطريركي بعـد وفاة البـطـريرك < إبن أخيه أو إبن عـمِّـه > . ولكي تضمن "عائلة أبونا " خـلافة المنصب البطريركي لأبنائها ، كان البطريرك لا يَرسُم رئيساً للأساقـفة إلا من أبناء عشيرتـه ، لأن قـوانين كنيسة المشرق كانت قـد حصرت رسامة َالبطريرك في رؤساء الأساقفة ، وإذا حـدث نقصٌ بأعـداد الذكـور في العائلة تـبـقـى المناصب شاغـرة ، أو تُمـنـح عند الضرورة القصـوى لـِمَن لا تـلـيـق بهم ولكنـهم موالـون للعائلة جـداً .
 

ففي عهـد البطريرك شمعـون برماما ، رُشِّـحَ لـخـلافتـه إبنُ أخيه الـوحيـد وهو في عامـه الثامـن ، فـدَبَّ الإضطراب بين صفـوف الشعب وتصاعـد الإمتعاض من العائلـة الفارضة ذاتـها على رئاسة الكنيسة عَـنوةً ، فتشاورت نخبـة ٌ مِن أبناء الكنيسة الأماجـد لـوضع حـدٍّ لـهذه الحالـة الشاذة مِن الإستخفاف بالشعب ، فـعُـقـدَ اجتماعٌ في الموصـل ، ضـمَّ ثلاثة أساقـفـة هـم اسقـف أربيـل واسقــف سلامس واسقـف أذربيجان ولـفيفاً مِن الإكليروس ورهـطـاً كبيراً من ممثلي الشعب العلمانيين ، وبعـد مُـداولاتٍ مُكـثـَّفـة استـقـرَّ رأيُـهم على انتخاب " يـوحنان سولاقا " رئيس دير الربان هرمزد بطريركاً بـديلاً لشمعـون برماما ، وعـزموا على إرسالـه الى روما لينال الرسامة البطريركية فيها . ولسنا هنا في صـدد تفاصيـل ما جرى بعـد ذلك لأنـه يأخـذ صفحات وصفحات ، وإنما أردت إرشاد القس لـوسيان الجاهـل عن أن القـومية الكلدانية لم يكن ظهورها بعد هذا الإنشطار و بمنحـةٍ من البابا ، بـل هي راسخة وضاربة في عـمـق التاريخ .


                             (( للمرة الثانية اصعد الى سفينة نوح، الموقع العربي الحر الذي اكتب فيه، واعني به موقع " كتاب عراقيون من اجل الحرية "، لكي اوجه، من هذا الموقع، هذه المرة ايضا، كلمة الى رئيس وأعضاء السينودس ( المجمع ) البطريركي الموقر، ومن خلاله الى كل من يصل اليه نص رسالتي هذه ومحتواها، بعد ان كنت قد وجهت من السفينة ذاتها رسالة الى ناطق رسمي باسم الكنيسة الكاثوليكية السريانية الكاثوليكية، والذي كان قد صرح قبيل انتخابات المحافظات بتصريحات غير دقيقـة وتضليلية، وأيضا بعد كلمات عديدة وضعتها علـى الموقع ذاته والتي تخص احوال المسيحيين وأحوال كنائسهم، كما تخص احيانا عنجهيتهم وقلة مبالاتهم بحقوق وطنهم بشموليته. من هذه الرسائل: عاجل عاجل! يا غريب كن اديب- كنيسة العراق والاحتلال- اذا عرف السبب بطل العجب- وأخيرا ماذا تعرف عن احوال المسيحيين في العراق؟ ))

لاحـظـوا أيها القـرّاء الكرام ، مـدى التـبـَجـُّح والكـبرياء لـدى مَن يعـتـبـر نفسه قـساً في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ، يتباهى بصعـوده الى ما سماه " سفينة نوح " ويقصـد بذلك أحـد المواقـع الذي لا يحضر ببال كتاب المواقع الشهيرة كـموقع عنكاوا مثـلاً أو غيره من المواقع التي تستـقـطـب الكتّـاب ، عنوانـه " كتاب عـراقيون من أجـل الحرية " وليس مستبعـداً بأن هذا الـموقـع هـو الـوحيد الذي يُـفسح له المجال ليُهاجم الكنيسة الكلدانية وأقطابها بإلقاء التُـهم جـزافاً ، مُلـصقـاً بهم صفـة العـنجـهية وقـِلـة المبالاة بحـقـوق وطـنهم بشمولـيـته حسب تعبـيـره ، وها هو يـتـفاخـر بأنه قـد كتب خمسة مواضيع أو مقالات أو رسائـل سَمِّـها ما شئـت ، وكـانـه الـوحيـد في الساحة لا يضارعـه أحـد ، تُعـساً للكبـرياء  إنها من نـوازع الشر وقـد حـذَّر مِنها المسيح الـرب !
   
اما اليوم فعنوان كلمتي هو:
عودة الى سفينة نوح،
(( حيث سأعلن من هذه السفينة الرمزية المنقذة من الطوفان الأمريكي، عن قلقي الشديد وعن خوفي ودهشتي وامتعاضي وحزني من البيان الذي صدر عن المجلس البطريركي الموقر والذي يجعل من الكنيسة الكلدانية، كنيسة قومية، ويجعل من ابنائها مكونا اجتماعيا قوميا وسياسيا اصيلا من مكونات الدولة العراقية، بعد ان تم فصلها عن تسمية الكلداني السرياني الآشوري التآمرية، وكذلك عن تسمية الكلدو آشورية التي ظهرت في بدايـة الاحتلال والتي كـان البعض مـن السادة الأساقفـة مستعدا ان يبصم عليها بأصابعه العشرة.( العشر )
                              اما حزني هذا فلا يأتي من رفض المجمع البطريركي لتسمية كلداني سرياني آشوري التآمرية لكنه يأتي من اخفاق المجمع البطريركي هذا في التنصل من كـل الموبقات التـي جاء بها المحتل، والتي كانت غايتها اجتثاث دولة العراق من جذورها، مثل كذبة تحرير العراق الخبيثة ومقولة العراق الجديد الملتبسة والمحاصصة الرعناء والفدرالية التي تفصل وتمزق ولا توحد، فضلا عن اكاذيب الحرية والديمقراطية التي اوهمت البعض بإمكانية استباحة العراق على غرار ما فعل المحتل والتلاعب ببنى العراق التحتية والثقافية، من رموز وألقاب وتسميات وانتماءات وتواريخ وهويات وغير ذلك، اكمالا ومشاركة بعملية اجتثاث هوية العراق الأصيلة من جذورها، وتوريطا للأقليات المسيحية في العملية السياسية التي لا يوجد للمسيحيين فيها لا ناقة ولا جمل، لا بل لا يوجد فيها غير الأذى والموت.
فلتذهب اذن تسمية الكلدو آشوري الى الجحيم، ولتلحق بها تسمية كلداني سرياني آشوري البغيضة، ولتتبعها الى الجحيم ذاته تسمية الكلداني التي فرضها مجلس الاساقفة في غفلة من الزمن على كنيستنا المبتلاة برئاسات لا تشعر بمسؤولية اخطائها، ولا تسمع نصيحة ولا تتعلم من اخطائها، معتمدة على وهم القوة الأمريكية التي لا تقهر ولا تخذل احدا. ويقينا ان مثل هذا الوهم اعطى الجرأة لأعضاء المؤتمر البطريركـي الكلداني في ان يُقبلوا على مؤامرة التسميات بدون حساب لنتائج عملهم ويشتركوا في مؤامرة تقسيم العراق الكبرى التي ستبوء بالفشل، ان شاء الله ))

إنـَّه كـلام إنسان جاهـل ٍ أو قـد نال منه الخـَرف ، وهـل أنك غـريبٌ " عن اورشليم وما جرى فيها" إن شعـب العراق بعـد تحـرير وطـنـه من ديكتاتورية سيدكَ ، انطـلـق من سجنه وغـدا حـرّاً طليقاً ، فتسارعـت كُـلُّ فـئاتـِه بعـربـه وأكـراده وكـلـدانه وتركمانـه وشبكـه ويزيدييه ومندائييه ، يُطالـب كـُلٌّ منـهم بحـقـوقـه الـوطـنـية المسلـوبة منه لأكـثر من ثـلاثة عـقـود ، فـلماذا تستـكـثر على الكـلـدان وكنيستهم وهم الأكثر أصالـة ً في وطـنهم العراق أن يُعـلـنـوا وينادوا بقـوميتهم الأصيلـة ، ويجعـلـوا من أبنائهم مكـوناً اجتماعياً وقـومياً وسياسياً أصيـلاً من مكـونات العراق الحـديث الديمقراطي !ألست أنتَ واحـداً منهم ؟ أم أنـك عـروبيٌّ بعثي ! ولماذا شملك الخـوف وأصابتك الدهشة وانتابك الحـزن والإمتعاض من بيان المجلس البطريركي ، هـل لأن أعضاءَه أعلنـوا عن تمسكـهم الراسخ بقـوميتهم الكلدانية ؟ أليس هذا مِن حـقـِّهم الشرعي ؟ وإذا كنتَ تعتبر التسمية المصنـَّعة ( كـلداني سرياني آشوري ) تسميةً تآمرية وهي كذلك ، فلماذا أصابك الإنزعاجُ من الكلدان لـعـدم اعترافهم بها وانسحابهم مِنها ؟ أما التسمية الكلدو آشورية التي اقترحتها حركة منتحلي التسمية الآشورية المزيفة ( زوعـا ) فإنَّ سكرتيرها العام يونادم كـنـا ، استطاع خـَدعَ غبطة البطريرك الكـلداني مار عمانوئيل الثالث دلـّي ، بإقـناعـه بأنها تسمية سياسية مؤقتـة ، وعـندما اكتشف زيفَــَه وتآمـرَه ، كـتـب رسالة الى المسؤولين مطالباً إياهم بإدراج التسمية القـومية الكـلدانية منـفـصلـةً ومستـقـلـة ،  ولم يكن هنالك أيُّ تـدخُّل ٍ من أيِّ اسقـفٍ كلداني بهذا الأمـر ، وهـل تستطيع الإشارة الى اسقـف واحـد فـقط كان مستعـداً للبصم عليها بأصابعـه العشر ، أتـحـدّاك !
 
اما سوء قرار مجمع الكنيسة المسماة بالكنيسة الكلدانية فيظهر من الآتي:
1- ((  ان القرار الذي صدر عن مجمع الكنيسة الكلدانية كان اول قرار يحمل طابعا سياسيا محضا ولا يعود بأي شكل من الأشكال الى اختصاصات الكنيسة. فقد كنا في السابق ومن الايام الأولى للاحتلال نشهد تطفل رجال دين مسيحيين على السياسة التي كانت سياسة مشبوهة بكل معاني الكلمة، كونها سياسة اعتمدت على نتائج العدوان الأمريكي الغاشم على العراق، الا ان هذا التطفل كان تطفلا فرديا ناجما عن ضعف هذه الكنيسة واستبداد الأقوياء فيها، اما اليوم فإننا نشهد تورط المجمع البطريركي نفسه في قرار لا يعود الى الايمان المسيحـي والى الفضيلة لا من قريب ولا مـن بعيد، بعد ان انضم الـى هذا التطفل اساقفة كنا نعدهم بعيدين عـن مثل هذه الخيارات الخطيرة. وهكذا نشعر اليوم، ان كنيستنا، ومع شديد الأسف، تعود الى الحالة الطائفية التي كدنا نخرج منها في الستينيات والسبعينيات من القرن المنصرم، حتى صار بعض "البلطكية" والمنتفعين السياسيين يتكلمون عن رؤساء الكنيسة بلغة المرجعية التي لا نجد لها وجودا سياسيا طوال تاريخ كنيستنا الطويل، ولاسيما بعد ان سقطت الدولة الثيوقراطية العثمانية وتحول العراق الى دولة وطنية لم يعد فيها مكان للطائفية
 اما هذا التورط الغوغائي الاعتباطي فلم يأت، في نظرنا نتيجة ضعف عام في الكنيسة وحسب، ولكنه جاء نتيجة انتصار التكتل الكنسي المحافظ المساند للاحتلال ولمشاريعه الخبيثة في العراق، هذا التكتل الذي يقوده الاسقفان الطامعان بالكرسي البطريركي سرهد جمو وإبراهيم ابراهيم، بعد ان اتحدا فيما بينهما على اثر احتلال بلدهما امريكا للعراق وصارا شريكين حميمين في عملية جر المسيحيين الى الانخراط في جريمة الاحتلال مهما كلف الأمر. علما بان تعاون الاسقفين المذكورين مع بعضهما للتدخل في امور المسيحيين السياسية نيابة عن المحتل، قد جاء بعد خصام وعداء اسود ساد بينهما لمدة طويلة قاربت ألاثنتي عشرة سنة لم تنتهي الا ما بعد الاحتلال، وبعد ان وصل المطران سرهد جمو الى غايته المنشودة وهي الاسقفية
اما هذا العداء الشرس فقد كان قد قسم الجالية المسيحية الكلدانية في الولايات المتحدة الأمريكية الى ثلاثة اقسام رئيسية: قسم مع الشرعية الكنسية المتمثلة بالمطران ابراهيم ابراهيم آنذاك، وقسم مع القس سرهد جمو وجماعته ( المطران سرهد جمو حاليا)، وقسم آخر مهم بقي على الحياد، ممتعضا من التكتلين، في حين اننا نعرف ان غبطة البطريرك قد دخل التكتل القومي المعادي لعروبة العراق من باب الطائفية والمناطقية التي نشأ عليها منذ نعومة اظفاره، والتـي نشم رائحتهـا مـن احاديثه ومن كل اعماله وتكتلاته، في حين جاء انضمام التكتل الكنسي الآخر الى المشروع القومي السياسي المذكور نتيجة مساومة بين هذين التكتلين: اعطني اعطيك.
غير ان حكمنا على ما يجري يقول بأن قسس كنيستنا وأساقفتنا، بشكل عام، لم يكونوا مهيئين لحمل مثل هذه الاحمال الثقيلة التي وضعتها الظروف على اكتافهم، فسقطوا تحت حملهم واحدا تلو الآخر، حتى اننا بتنا لا ندري ايا من التكتلين نفضل ونختار، لأن الجميع تقريبا، كما يبدو، لم يعودوا يتوخون الحق والعدل والخير بقدر ما يتوخون التوازن المصلحي والمساومات " القاتلة ))

لـم يكـن قـرار مجمع الكنيسة الكـلـدانية ذا طابـع ٍ سياسي على الإطـلاق ، بـل كان مطلباً قـومياً بـحـتاً ، يـدخـل ضمن نـطاق دفاع الكنيسة عن قـومية شعـبـها وحـقـوقـه ، ثـمَّ متى كانت الكـنيسة قـد تـقاعست عن واجـبـها في الـدفاع عن شـعبـها منـذ نشأتها وفي أحلـك الـظـروف وأقساها حتى تـتـهاون في ذلك اليـوم ؟ أو لـيست السياسة في العـراق ذات طابـعٍ ديـني وقـومي ، هـل تـَتـَـجـَرأ أنـت وأمثالـك أن تًـطالـب المرجعيات الـدينية الإسلامية بـعـدم التـدخـل بالسياسة ؟ ثـمَّ لماذا تَـتـَـردَّد بمحاسبة أو حتى انـتـقاد رجال الـديـن النساطـرة المنغـمسين في السياسة حتى آذانـهم من أكـبـرهم حتى أصغـر واحـدٍ فيهـم ، لماذا لهـؤلاء حـلال وللكنيسة الكلدانية وأساقـفـتها حـرام ؟  لم يكـن تـدخـل رجال الـديـن في بدايات التحـرير أو الإحتـلال تطـفـُّلاً كما يحلـو لك وصـفـُه ، بـل فرضـَهُ عليهم واقـع تلك المرحـلـة الحساسة من تاريـخ العراق . الكنيسة الكـلـدانية ليست ضعـيـفـة ولا مكان لمستبـدٍّ في صـفـوف آبائـها ، وكُـلّ ما يـقـومون بـه فـرادىً وجمـاعـأتٍ هـو بالتـشاور مع الرئاسة الكـنسية ، وترويجك لهذه الأمور يعكس نـزعـتـك الميالة الى زرع بـذور الإنقسام في الكنيسة ، ولكن هـيهات فكـنيستـنا هي كاثولـيكية مبنية على صخـرة الإيمان البـطـرسية ، وأبـواب الجحيـم لن تـَقـوى عـليها كما قال مؤسسُها غير المنظـور المسيح الرب . لـو كُـنتَ تتحلـى بقليل من التواضع والفضيلة ولـو بحجم ذرة ، لـَما تماديت بقـَدح الكنيسة ورعاتـها بكُلِّ ما لا يَمُـتُّ الى الحقـيقـة بصلة ، بـل هو إتـهام باطـل تـدفعك إليه روحُك المُترعـة ببراكين الحـقـد والإنتقام .

مِن العار على قـَسٍّ  في الكنيسة الكلدانية الكاثـوليكية أن يتهـم حَبـرَيـن مِن أحـبارها ، بأنـهما يُمثـلان تـَكتـُّلاً كنسياً محافظاً مسانـداً للإحـتـلال ومشاريـعـه هما المطرانان ابراهيم ابراهيم وسرهـد جمو ، إنـه إتهام باطـل ، فقـد سمعت المطران ابراهيم ابراهيم مـراراً وبمناسباتٍ عـديدة وهو ينـدِّد بالإحـتلال الأمريكي ويتهم القيادة السياسية والعسكرية الأمريكية في عهد الرئيس بوش بالإعتـداء على العـراق، وأذكر منها على سبيل المثال لا الحصر كـلـمَتـَه في كنيسة ام الله  بمشيكَـن بمناسبة تأبين الشهيد المطران فـرج رحـو إحتـوت انـتـقاداً صريحاً للتصرف الأمريكي تـجاه العراق ووصـفه بالأهـوج . لماذا استحـوذ عليك الحـزن لـزوال سوء التفاهم بين المطران ابراهيم ابراهيم والمطران سرهـد جمـو ؟ ألم يكن الأولى بك أن تـفـرح بهذا الإنجاز الذي وصـلا إليه ! بغـض النظر عـما كانت أسبابُـه ودوافـعـه ، فإنهما بشر ومعـرضان للتجربـة !

ألا يـدل وصـفـك العـداء بين المطرانَيـن بالشرس ، بأنـه نابـع من الحـقـد الذي يغـلي في داخـلك ، ثـم ماذا تستـفـيـد مِن نبش ماضيهــما الذي أسدلا عـليه الستار ، لكُـل واقـعـةٍ سبـبٌ ودوافـع آنـيـة ، وبمرور الزمن تـزول فيعـود الصفاء بين المتخاصمَين والأدق المتنافسَيـن . أليس إتهامك لغبطـة أبينا البطريرك بمعاداة العـروبة لمجـرد تمسكـه بقـوميته إتهاماً خـطيراً عـلاوة ً على كـونـه باطـلاً ، وإنما قصدكَ مِنه التحريض ضِدَّ البطريرك ، عـَيـبٌ عـلـيـكَ يا رَجُـل عـيـب ! تـتـهم رئيس الكنيسة بهذا الإسلـوب الـواطيء الذي لا تفسير لـه إلا حُـبّ الإنـتـقـام , أهكـذا يكـون احترام الرؤساء ؟ والى الجـزء الثالث قـريـبـاً .

الشماس كوركيس مـردو
في 7 / 9 / 2009

192
القس لـوسيان جـَمـيـل بـَيـن الجـَهـل والفـَـشـل والتضلـيـل !

لا أعـرف هذا الرجـل ولـو أنني كنتُ تلميذاً في معهـد شمعـون الصفا الكهنـوتي الكلداني وهو كان تلميذاً في معهـد مار يوحنا الحبيب الدومنيكي في الخمسيـنيات من الـقرن العشرين المنصرم ، ولـكــنَّ كتاباتـه في الآونة الأخيرة جـذبت انتباهي ولا سيما مقالـه الأخـير المنشور في موقـع ( www.iwtt.org ) وحسب تعـريـفه هـو مـوقـع " كُـتـاب عِـراقـيـون مِن أجـل الـحـــــــــــــــــــــريـة"  بعـنـوان ( عـودة الى سفـيـنة نـوح  ــ  كـلام عـن المؤتـمـر الـبـطريـركـي الـعـــــام . . . ) وبـتاريخ 17 آب 2009 ) .                                                                                                                             الـرابـط  ( http//www.iwffo.org/secrets/3927-2009-08-17-15-26-52.html )

ونـظـراً لِـمَ احـتـواه المقـال من معـلـومات ارتجالية خاطـئة دون تـوثيق ٍ أو دلـيـل ، وتحامـلاتٍ مُتـشنجة على بعـضِ آباء الكـنـيسة الكـلـدانية الكاثـولـيكـية المقــدسة تـُشم منها رائحة ُالغـيـرة الحمقاء  القاتلـة ، كما لم يسلم رئيس وأعضاء  السينودس ( المؤتمر ) البـطـريركي مِن لسانـه السلـيـطـ . لـذلك إرتـأيـتُ أولاً  تـفـنـيـد مُغالـطاتـه التاريخـية الغـبية بشأن القـومية الكـدانية النـابـعة عن جـهـلـه وقـد تـكـون عن تـعـمـُّده للـجهـل انتقاماً من الأمة الكـلـدانـية النـقـية التي ظهر في صـفـوف أبنائهـا مؤخراً بـعض الـزوان وهـو واحـدٌ منهـم . وثانـياً لـردِّ كـيـده الى نحـره بشأن التـطـاول على الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ورموزها تـنـفـيساً عـمـّا يخـتـزنـه صـدرُه المصدور  بـداءِ الحِـقــد والكـُره والغـيـرة ضِـدَّ إخـوتـه الـذيـن تـبـوأوا الـمناصب الأسقـفـية وهو ظـلَّ مـراوحـاً في محـلِّه بسبـب خـمـولـه وإضاعـة أوقـاتـه في خـدمة البعـث وإهـماله في رعايـة أبـناء بلـدة تـلكـيـف كبـرى الـبلـدات الكـلـدانـية المؤتمن عليـها ، ونـتـيـجة ً لـذلك لم يكن أمام أبـنائها إلا طـريـق الهجـرة فغـادروهـا والـحسرة تـمـلأ قـلـوبهم ، وغـدت تلـكـيـف مَـثـوىً للعـرب بسبـب تقاعس لـوسيان وعـدم ابالـيـتـه .

يقـول المُسمـَّى القس لـوسيان االحاقـد :((  في مقدمة كلمتي هذه ارجو ان يكون معلوما لدى القراء الكرام بان صفة الكلداني والكلدانية ليست بأي حال من الأحوال صفة لقومية عرقية ولا صفة لهـوية ثقافـية، ولكـنها فقط تسمية اعطـيت لكنيسة المشرق عند اتحاد هذه الكنيسة بكرسي روما الكاثوليكي، قبـل حوالي 450 سنة. ولذلـك ارجـو من القارئ ان يـضع كـلمة المسمى والمسماة والمسمون امام هذه الصفـات المذكـورة، ايـنما وكيفـما جاءت ))
إذاً ما هي قـوميتكَ يا جاهـل باعـتـبارك فـردا من هذا الشعب أم أنـك فـرنسي لآنـك درست في دير الدومنيكان أعـداء الكلدان ! ؟ لا اريد التـوغـل كثيراً في عـمق التاريخ ولكني سأختصر قـدر الإمكان لأثـبـت لهذا الجاهـل مع احترامي للدرجة الكهنوتية التي يحملـها دون استحقاق، بأن كـنيسة المشرق كانـت كـدانـية أصـلاً ونشأة ًولا زالت بشخص وريثـتـها الشرعية " الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية " ، أدعـوه وأدعـوا القراءَ الكرام لتـصـفـُّح كتاب ( كـلـدو وآثـور / ج2 ) لمؤلـفـه المثـلـث الرحمات المطران الشهـيـد أدّي شير ، حيـث الأدلة الـوافـية التي قَـدَّمها  والمصادر العـديـدة التي اعـتمـدها والتي  تؤيِّـد مِصـداقية الأحداث التي سردها ، حيـث يـؤَكِّد  ويُثبت عن طريقـها بشكل  قاطع  بأن الكلدان قومية مُستقلة لامةٍ عظيمة ،  تَحدَّت الأهوالَ والمصائبَ  التي تَعَرَّضت لها قبل الميلاد منذ قيام أول دولة لها بعد الطوفان وحتى آخرها الأعظم بينها عام 626 ق . م
                                                                                                                                                                                                                                                           بعد افول نجم الامبراطورية الكلدانية التي هَيمَنت على الشرق الأوسط بأكمَلِه لمدة خمسة وثمانين عاماً (626 - 539 ق . م ) وخضوع الشعب الكلداني لأنواع من الحُكم الأجنبي ، إلاّ أنه بقي شعباً حياً يُمارس نشاطه الحياتي كاملاً  ،  وكانت لُغـتُه الكلدانية الأفـصح بين اللغات الآرامية، السلسة ذات الأبجدية السهلة التي انفـردت بها  دون غيرها ، مدعاةً لاعـتزاز ممالك الأقـوام الأجـنبـية التي تعاقـبـت على حُكم  بلاد ما بين النهرين  بعد انهيار الحُكم الكلداني  آخر حُكم وطني أصيل لبلاد  مَهـدِ الحضارات ،  فاعـتمَـدَتها  لغة ً رسمية لتسيير شؤون  ممالكها ،  فكان لها  وكما  للحق أن يُـقال الباع الأطول بين بقية اللغات في دفع مسيرة التقدُّم والحضارة العالَمية الى الأمام وقتذاك ،  فقد أوقدت نارَ  ثورةٍ  ثقافية  مُحدِثةً  نقلةً  نوعية  من حيث البحث والتأليف والتوثيق ، و مُختزلةً الجُهدَ الانساني الى حدٍّ كبير لم يسبق له نظير !

عند انبلاج  فجر المسيحية  وقدوم  المُبشرين  رُسلِ المسيح الرب  الى بلاد  الرافدين ، كان العالَمُ آنذاك  تتقاسمُه قوّتان كبيرتان  مُتمثِّلتان في الامبراطورية الرومانية وعاصمتها  روما  والمملكة الفارسية الفرثية  وعاصمتها المدائن ،  كان الرومان  يُسيطرون على غالبية  بُلدان اوربا  والشمال الأفريقي  ومصر وفلسطين  وسوريا  ولبنان وآسيا الصغرى ،  يخضعون جميعاً  لقوانين الدولة المركزية  ودُستورها ،  أما  الدولة  الفرثية  فكانت  تُسيطرُ على بـلاد  ما  بين النهرين  وماداي  وفارس ، وقد اعتمدت  نظام الممالك  الاقليمية الذي كان الأخمينيون قد طبَّقوه  عند استيلائهم على بلاد ما بين النهرين عام 331 ق . م  في معركة اربيل الشهيرة  بين الاسكندر الأكبر المكَـدوني  وداريوس الثالث الفارسي ، وكان عـددُ  ممالكِ الأقاليم  الخاضعة  للمملكة  عشرون  مملكةً، أسس العديد مِنها الكلدان بعد سقوط دولتهم العظمى سواءً في عهد الإغريق أو الفرثيين كما يذكر المؤرخ سامي سعيد الأحمد في ( العراق في التاريخ ص 251 - 263) وكذلك ورد في كتاب ( تاريخ الشرق القديم / سامي سعيد وجمال رشيد ص 273 - 283 ) وفي ( تاريخ الموصل1 / القس ( المطران ) سليمان الصائغ ص 19) أشهرها مملكة الرها ( اورهاي ܐܘܪܗܝ )  وحدياب (اربيل ) وسمّاها العرب ( حزة ) وبيث كَرماي و حطرا( حضر )  وتدمر وميشان ( آخر المماك الكلدانية في بلاد بيث نهرين ) وكان يُقيم عددٌ قليل مِن الآراميين مع الكلدان سُكان هذه الممالك .
 
كانت  اللغة التي  يتحدَّث  بها  مُبَشِّرو  بشارة الخلاص المسيحية هي اللغة الآرامية الكلدانية التي  كان اليهود  قد  تَعَلَّموها  خلال  فترة  السبي البابلي  وتوارثتها  أجيالُهم  اللاحقة  ومنهم  الرُسُل المُبَشِّرون وتلاميذهم  ،  وهي ذات  لغة سُكان بلاد  ما بين النهرين الكلدان  ذوي العدد  الديمغرافي  الأكبر في البلاد  ، فكانت العاملَ الأكبر لتَقبُّل الكلدان  البشارة  بيُسر وسهولة  ورغبةٍ  غامرة ، وكانت الرها التي مِنها ابتدأ انتشار المسيحية الى الديار الشرقية بواسطة الرُسُل المُبَشِّرين الوافدين من فلسطين ، وقد سمّاها السلوقيون ( أديسا ) تيمُّناً بأديسا المكَدونية ،  مَقَرّاً لملوك  أسروينا وقد طغى اسم ( أبكَر ) على أغلبهم ، وكان أبكَر اوكوما الخامس الذي اشتهر بحسب التقليد الكنسي  المتوارث  بمراسلته للرب يسوع المسيح له المجد ، ومِن ثَمَّ اعتنق المسيحية هو وجميع أبناء مملكته على يَدَي مار أدي الذي شفاه مِن مِرضِه المُزمِن .
 
وكانت اللغة والثقافة الكلدانيتان أيضاً هما السائدتين عند دخول التبشير الخلاصي الى أرض بلاد النهرين ، بفضل العباقرة الكلدان العلماء <  كِدينو ، رماني  ، نبو  ، سِدينو  وبرحوشا  ( بيروسس ) أبي التاريخ  الكلداني  بالإضافة  الى  جهود  الكَتَبَة  الكلدان  الذين  قاموا  بتأسيس  المدارس  أمثال : أخوتو  ،  خونزو  ، سين لِقي اونيني  ،  وايكور ذاكر ،  بيدَ  أنَّ  الأخمينيين   وبهدف  تحطيم  الروح  الوطنية  لدى الكلدان ، عمدوا  الى تشويه  الاسم الكلداني  ونسجوا حوله  وحول بابل  ، الأساطيرَ  تُهماً  وتحريفاً  لِمَ خَصَّهُما به  الكتابُ المقدس / العهد القديم  ،  مِما جعل الكلدان  ينفرون منه  بعد اعتناقهم  المسيحية  .  وتبَنوا  الاسم  الديني  ( مشارقة ܡܕܢܚܝܐ)  أو (  المسيحيين -  سورايي  أو سُريايي  ܣܘܪܝܝܐ )  بدلاً  عن  اسمهم  القومي  ( كَلدايي  ܟܠܕܝܐ )   ويقول  المطران أدي شير في مقدمة  كتابه <   تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني  >  بأن الاسمَ  السرياني  لم  يكن يُشير الى  امة  بل الى الديانة المسيحية  لا غير ، ومِما  يُثبِت  ذلك  ما أتى  في  كتاب   تاريخ  ايليا  مطران نصيبين ( 975 - 1046 م )  فإنه  فسَّرَ  لفظة  ( سرياني  ܣܘܪܝܝܐ ) بلفظة  نصراني . وجعلوا  اسمَ   كنيستهم  ( كنيسة  المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ) لـوقـوعـها في الشرق وأُطلقت عليها  أسماء  اخرى مِنها ( الكنيسة الكاثوليكية ܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ) لكـونها جـزءاً مُهـمـاً من الكنيسة الجامعة و( كنيسة فارس ܥܕܬܐ ܕܒܦܪܣ ( لـوجـوها ضمن المملكة الفارسية .

ويُضيفُ أدي شير في ( مقدمة الجـزء الثاني من كتابه كـلـدو وآثـور ص 3 ܓ و 4 ܕ)  <  بعد فـتـوحات العرب تلاشى الكلدانُ الوثنيون المُنَجِّمون  من هذه الديار ،  وسُمّوا مُسلمين لآعـتـناقـهـم الديانة الاسلامية .  فعادَ أجـدادُنا الكلدان المسيحيون  واسترجعوا الاسم الكـلدانـي . وقد استشهد على ذلك  بأقوال المؤرخين ومِنهم : ابن العبري في كتابه المُسمّى ( معلثا ) لما تكـلَّـمَ عن الامة الكلدانية النسطورية  قال : <  الشرقيون العجـيـبـون أولاد الكـلـدان القــدماء >  وفي  كتابه  ( تاريخ مُختصرالدول ) في بحـثه عن فـروع اللغة الآرامية ، سَمّى لغة أهل جـبال آثـور وسواد العراق ( الكلدانية النبطية ) وكثيرون آخرون مثل صاحب كتاب ( طبقات الامم / القاضي ابو القاسم صاعد بن أحمد الاندلسي ) < الامة الثانـية الكـلـدانيـون وهم السريان والـبابـليـون >  وكتاب ( القـوانين السنهادوسية أو قوانين مجامع الكنيسة المشرقية  ) .

ويستطرد <  فترى ان للكلدان المسيحيين أسماء كثيرة في التواريخ : فسُموا آراميين نسبةً الى آرام بن سام الذي استوطن هذه البلاد وعَمَّرها بنسله . وفُرساً لكونهم وجدوا في مملكتهم . ومشارقة لأنهم في الشرق . ونساطرة لإتِّباعهم تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية . وسرياناً شرقيين تمييزاً لهم  عن السريان الغربيين وهم اليعاقبة .  ولكن اسمهم الأصلي : كلدان اثوريون  جِنساً  ووطناً : لأن منشأ كنيستهم ومركزها كلدو وآثور . ولغتهم الجنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقال لها أيضاً الآرامية . وغلطاً سُمِّيت سريانية كما انه غلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سرياناً .

ويسترسل العلامة أدي شير قائلاً <  إن أجدادَنا الكلدان المسيحيين اشتهروا هم أيضاً نظير آبائهم الكلدان الوثنيين . فانه كما أن الصنائع  والمعارف بلغت عند  الكلدان الآثوريين الى أسمى درجة ومنهم اقتبسها اليونان والفُرس وغيرهم من الشعوب القديمة. وامتدَّت  فتوحاتهم حتى جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر الآسود شمالاً وحتى بلاد ماداي وعيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً . كذلك الكلدان النساطرة بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرتُهم وخلَّدوا لهم ذِكراً جميلاً مؤبَّداً . إذ إنهم كأجدادهم افتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينيا وسوريا وقبرص ومصر حتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة . >

وأسطع دليـل وأقـدمـُه عن قـومية الكلدان ، هو ما ذكـره مؤلـف تـراتيـل شهداء كـنيسة المشرق مار ماروثا اسقـف ميافرقين ( الواقعة في تركيا حالياً ) في القـرن الرابع على عـهـد الملك شابـور الثاني الظالم صاحب الإضطهاد الشهير المعروف بالإضطهاد الأربعيني ، لأنه دام أربعين سنة ًحيث امتـدَّ من عام 339 لغاية مـوتـه عام 379 م . أذاقَ  الوثنيون  الفرس المسيحيينَ  أبناءَ  كنيسةِ  المشرق  مُرَّ  العذابِ  وعن هذا الإضطهاد السيِْ الصيت ، هنالك وصفٌ لمشهد المؤمنين الذين يُسمّيهم المؤَلف مار ماروثا كلداناً ، وكان سيف الإضطهاد الشابوري يحصدهم ،  في ترنيمةٍ طقسية كنسية معاصرة لتلك الأحداث المريرة يجري ترتيلُها في صلاة المساء ( الرمش ) ليوم الجمعة هذا نصُّها : ـــ  (     ܡܠܟܐ ܕܪܘܡܐ ܥܡ ܦܠܚܘܗܝ ܣܝܥ ܠܓܘܕܐ ܕܡܗܝܡܢܐ ܢܦܩ ܦܘܩܕܢܐ ܕܢܬܩܛܠܘܢ ܣܗܕܐ ܟܐܢܐ ܒܝܕ ܣܝܦܐ ܬܗܪ ܟܠܕܝܐ ܟܕ ܩܝܡܝܢ ܘܙܩܦ ܨܒܥܐ ܟܕ ܐܡܪܝܢ ܕܪܒ ܐܠܗܗܘܢ ܕܡܗܝܡܢܐ ܕܟܕ ܠܐ ܡܬܚܙܐ ܦܪܩ ܠܗܘܢ وترجمتها : إنَّ ملـكَ العُـلى وجُـنـدَه ، يمنح عوناً لجميع المؤمنين ، فقـد صَدَرَ الأمرُ ليُـقـتَـلَ الشهداءُ الأبرارُ بحَـدِّ السيف . بُهِـتَ الكلدانُ وانـتـفـضوا وقوفاً ، ورفعوا الإصبعَ قائلين : عظيماً هو إله المؤمِنين ، فهو يُنقذهم وإن كان لا يُرى .   )
                                                                                                                                                                                                                                                          انظر : ( كتاب الفرض الحوذرا / اللحن التاسع ص 364 - 365 الترنيمة التاسعة ) تُرى، لماذا لم يُسمّي اولئك المؤمِنين بالآشوريين؟ الجواب بسيط جداً وبديهي هو مِن غير الممكن إعطاء وجود لِما هو غير موجود .    ولم تهدأ الاضطهدات والمذابح  في ايام ارداشير الثاني وأواخر عهد يزدجرد الأول  ولكن أقسى الاضطهاد والذي دام خمس سنوات  كان في عهد  بهرام  الخامس بنِ  يزدجرد الأول  وبعد موت بهرام  خلفه إبنُه  يزدجرد الثاني عام 438 م  وقد سار على نهج  والده  في اضطهاده  للمسيحيين بقسوة حتى موته عام457 م  .

وهـل أن مَن يُسمـّى بالقس لـوسيان البعثي وجـد ضالتَـه بعد زوال النزعة البعثية لـدى منتحلي التسمية الآشورية المزيفـة لـيـُواصل انتقامه من الأمة الكلدانية ؟ فها هـو قـد تـَبـَـنـّى معـزوفـتـَهـم السمـجـة  ليتغـنـَّى بها ، ولكـن المسكين لا يُتقـنُـها لأنـه أكثر جهـلاً منهم بالتاريخ .

الشماس كـوركيس مردو
في 4 / 9 / 2009

193


فاقـد الضمير دَيـدَنـُه الإفـتراء والتضليـل ج / 2


الجزء الثاني


نـواصل في هذا الجزء تفنيد بقية أقـوال السيد انطوان الصنا في مقاله المعنون " تصريحات مفـخـخـة وخطيرة للسيد أبلحـد أفـرام . . . في أمريكا "
                                                                                                                                                                                                                                                                            ( الرابط  http:www..com/forum/index.php?action=printpage;topic=336096.0 )


ومِـمـّا قالـه المُهـرِّج انـطـوان الصنا تجنـِّياً بحـقِّ السيد ابلحد افـرام ما يلي :



 (( حيث ان ناخبي ابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري الذين لم يعطوا لحزب (افرام) وقائمته الانتخابية اصواتهم في تجربتين ديمقراطيتين سوى (4%) و (9%) من اصوات ابناء شعبنا انهم كانوا محقين ومنصفين لعدم قناعتهم بمثل هؤلاء القادة الذين لايمثلون شعبنا لان صعودهم الى مواقع المسؤولية والقيادة كان بغفلة من الزمن الرديء والتسلق غير المشروع وبالواسطة لعدم توفر المؤهلات والكفاءة والصفات القيادية المتميزة فيهم

نسأل السيد (افرام ) ماذا حققتم لصالح شعبنا خلال اربعة( أربـع ) سنوات من تواجدكم في البرلمان الفيدرالي ؟ من مشاريع قوانين او بناء او اعمار او مساعدات او تعويض او اقامة مشاريع او تحجيم الاضطهاد والموت والتهجير الذي تعرض له شعبنا بعد 2003 ...

جوابنا للسيد ( افرام ) بوجودكم وامام انظاركم وبسبب اهمالكم وتقاعسكم كما قال السيد رئيس اللجنة القانونية في البرلمان الدكتور ( بهاء الاعرجي ) تم تقليص وتقزيم حقوق شعبنا في قانون مجالس المحافظات (الكوتا) من ثلاثة مقاعد الى مقعد واحد في مجلسي محافظة بغداد ونينوى ولم تفعلوا شيئا ولم تردوا على الاتهام بشىء لغاية اليوم وتم تثبيته في محضر جلسات البرلمان بشكل رسمي (للاطلاع الرابط الخامس ادناه) ...

وكذلك نسألك السيد ( افرام ) ماذا قدمتم لشعبنا في اقليم كردستان ؟ من اعمار وبناء قرى وصيانتها واقامة مشاريع وتقديم مساعدات وتحقيق مكاسب وغيرها ؟ الجواب لاشئ اطلاقا غير الشعارات والخطابات البائسة !! حيث ان السيد ( افرام ) لم يستطيع تبليط الشارع المؤدي الى قريته ( مار ياقو ) مسقط رأسه التي احتضنت دير الاباء الدومنيكان التاريخي منذ عشرات السنين الذي لازالت اثاره شاخصة لغاية اليوم في هذه القرية فماذا يترجى وينتظر شعبنا من مثل هؤلاء القادة الاقزام الذين ابتلى بهم ؟ ...

والذين اختزلوا احزابهم بشخصياتهم وافراد عوائلهم حيث لايهمهم غير مصالحهم الشخصية والعائلية الانانية الضيقة والتي اصبحت مكشوفة ومفصوحة والتاريخ لن يرحم من يتمادى ويتقاعس عن حقوق وحريات واهداف شعبنا القومية ومن كان ... والادهى من ذلك حاول السيد (افرام) مقارنة نفسه بالقائد التاريخي المناضل المرحوم (توما توماس) طيب الله ثراه في ندوة ولاية مشيكان الامريكية بتاريخ 17 - 8 - 2009 انهما النقيضان وما للكلمة من معاني ومدلولات ))


أتـدري أيها المهـرج  مَن كان هؤلاء الذين لم يُعـطـوا أصواتـهم للحزب الكلداني العظيم ( الحزب الديمقراطي الكلداني ) كانـوا قسماً مِـن الكلدان المُغـَرَّر بهم من قبـل حركة زوعا الأثيمة ، والـقسـم الآخـر،الكلدان الذين اشتراهم بالمال سركيس أغاجان عن طريق مجلسه اللاشعبي والذي حـوَّلـه الى واجهـةٍ دِعائيةٍ صِرفـة للآشورية المزيفة، فقـد تحالـف سركيس أغاجان ويونادم كنا العنصريان المتصِّبـان رغم خلافهـمــا  القاسي والمستتر ضِدَّ القائـد الكلداني المُحَنـَّك الأستاذ ابلحد افـرام بـهـدف التقليل من شعبيته بين شعبـه الكلداني المجنى عليه من قبلهما ، فسخـرا الكثير مِن مرتـزقـتهما وأنت واحـد منهما ، ليبثـّوا الفرقة بين صـفوفه وتشويه صورة قيادييه المخلصين تدفعهما الغيرة والإنتقام .

وماذا يستطيع أن يُحـقـق عضو واحد بمفرده بين مئات الأعضاء للكُـتـل الكبيرة ؟ ولماذ لم تـوجه السؤال الى زميله منتحل الآشورية المزيفة يونادم كنا عما حـقـقـه ؟ لقـد بـذل ابلحد افرام قصارى جهـده لمنفعة أبناء شعبه خلال أربع سنواته البرلمانية رغم كُلِّ المعـوقات والعراقيـل التي كانت تُجابـهـه ، طالب بالمساعدات والتعويضات ، نادى بالاعمار وإقامة المشاريع لخلق فرص عمل للعاطلين ، أهاب بأعضاء البرلمان لوضع حَـدٍ للإرهاب ووقف نزيف الدم والعمـل على منع التهجير ، وما الذي يستطيع أن يفعـلـه أكثر ! أما عن تقليص كوتا شعبنا في قانون مجلس المحافظات فقد ألقيتَ باللائمة في إحدى مقالاتك على السيد يونادم كنا وبناءً الى تصريح السيد بهاء الأعـرجي ، فكيف جئتَ الآن لتـلوم السيد ابلحد أفرام ؟ أليس هذا تهريجاً واتشهيراً متعمـداً  تنفيساً عن حـقدٍ دفين .
 
يظهر إما أنك غبـيٌّ أو تتظاهر بالغـباء لغايةٍ في نفسكَ الأمارة بالسوء ، هـل تستطيع أن تذكر لنا أحـداً من قادة الأحـزاب أو التنظيمات غير الكلدانية العائدة لمنتحلي الآشورية المزيفة وعـددها لا يقـل عن (39 ) حزباً وتنظيماً قد قـدَّم شيئاً للمسيحيين في اقليم كردستان ، إن كان في حقل الاعـمار او الخـدمات او المشاريـع  أو المساعـدات عـلماً بأنها مُـتمكـنة مالياً بما يُغدقـه عليها مُنـتحـل الآشورية العنصري سركيس أغاجان ! فكيف يستطيع الأستاذ ابلحد افـرام أو غيره من قادة الكلدان المحـرومين من المبالغ المخصصة للمسيحيين وبضمنهم الكلدان المكون الأكبر بينهم من قبـل حكومة اقليم كردستان التي استأمنت سركيس أغاجان على تـوزيعها وبئس ذلك الإستئمان الذي انقلـب الى السطـو واالإثراء والبـذخ على الذات المفـرط ، ولـذر الرماد في العيون قام بصرف جـزءٍ من تلك المبالغ الطائلـة لبناء بعض البيوت وإصلاح مجموعةٍ من القرى المهـدمة ، وإنشاء فضائية آشورية ثانية باسم عشتار الكلدانية أما منافعها فللآشورية المزيفة ، وإذ رأى ذاتــه غير كُفءٍ لمنافسة أحـزاب شعبنا المتواجدة على الساحة ، بادر في عام 2007 الى جمع عـدد كبير قـُدِّر بألف ومئتي شخصية من داخـل وخارج العراق واستـقـدمهم الى مدينة عنكاوا متحملاً جميع النـفـقات لكي يُنشيءَعن طريقـهم مجلساً شعبياً أسماه ( المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري ) ولدى اعتراض الأحـزاب بـرَّر عـمله هذا بأن المجلس سيكون عبارة عن خيمةٍ للأحزاب والتنظيمات وليس بـديلاً عنها،إلا أن هذا الكلام لم يكن إلا للإستهلاك الموقت إذ لم يمر على إنشائه غير وقتٍ قليل حتى بدأ ينافس الأحساب سياسياً ويدخل الإنتخابات من أوسع أبوابها ، أليس هذا غِسٌّ وخداع !

يُمكنكَ يا سيد صنا أن تتهم احـزاب منتحلي التسمية الآشورية الدخيلة قاطبة ، بأنها قد تأسست على العُرف العشائري ، وما هدف مؤسسيها والمنتمين إليها سوى المصلحة الشخصية والعائلية التي تجعـل نظرتهم الى الأمور ضيقـة الأفـق مفضوحة النـوايا ، أما الأحـزاب الكلدانية فهي بعيدة عن هذا المنحى ، فكـيـدُكَ يعـود الى نـِحـركَ ولن تـُفـيدَك افتـراءاتـُك ولا تحامُلـُك على الكلدان وقـادتـهم .
 
             
(( وكذلك قال في الندوة المشار اليها اعلاه في مشيكان ان حزبه منع من اقامة نشاط وندوة انتخابية في قرية (مانكيش) في انتخابات برلمان اقليم كردستان علما ان نائب امين عام حزبه السيد (شابو يوسف من ابناء مانكيش) فهل يعقل هذا الكلام ؟ وهل لو تم عقد مثل هذه الندوات كانت النتيجة والموازنة قد تغيرت لصالح قائمتكم ياسيد (افرام) ؟ انه( إنـها ) ممارسة الضحك على الذقون لان قائمتك بحاجة الى عمل وجهد كبير واعادة النظر في التنظيم والفكر والمواقف (للاطلاع على موضوع ندوة مانكيش الرابط الرابع ادناه) ...

2- يقول السيد ( افرام ) قناعتي ان مصدر اموال مشاريع شعبنا من خارج القطر !! اذا افترضنا جدلا ان طرحك هذا سليم وصائب ياسيد (افرام) وان هذه الاموال مصدرها من بعض الدول مثل امريكا والاتحاد الاوروبي وكندا واستراليا واليابان وغيرها ومن بعض الجمعيات والمؤسسات الخيرية الدولية والكنائس لدعم مشاريع وقضايا شعبنا ( الكلداني السرياني الاشوري ) في الوطن فأن مثل هذه المنح والمساعدات (تمنح لمرة واحدة وفي سنة مالية واحدة فقط) وتدخل في ميزانياتها المالية وتقاريرها السنوية ...

والتي لم تعلن اي واحدة منها لغاية اليوم بشكل رسمي او غير رسمي مشاركتها ومساهمتها في تقديم مثل هذه المنح خاصة وان نظام العمل فيها قانوني ومؤسساتي شفاف وخاضع للرقابة والتدقيق ويكشف ويعلن امام البرلمان والشعب بشكل نزيه ودوري ولا يجوز اخفائه( إخـفاؤُه ) فكيف تستطيع هذه الدول والمؤسسات والكنائس تقديم مثل هذا الدعم والمنح كل السنوات التي مضت وبالكمية والنوعية المعروفة ؟ الجواب اصبح واضح ومعلوم ومقنع ))


نـعـم مُـنـعَ حـزب الإتحاد الكلداني من إقامة نـدوةٍ انتخابية من قبـل مختار مانكيش ، فهو عميل لِما يُسمّى بالمجلس الشعبي ، والشعب منه بـراء ، وإنما هو مجلس مرتـزقة أغاجان الذين اشتراهم بالمال الذي اؤتِمِن َ عليه . وقد أكـَّد هذا المنع نائب أمين عام الحزب السيد شابو يوسف المانكيشي ذاتـُه ، فـلماذا تتعمـد الكذب يا سيد صنا ، أليس هنالك الكثير من أمثالك مُرتـزقة في مانكيش. لـو لم تُـمنـع الندوات ولم تُـمـزَّق اللافتات ولم تُهـدَّد العائلات في مانكيش وبـقـية القرى الكلدانية ، لكانت النـتـيجة عكس ما ظـهرت بالتأكـيـد . إن قائـمة الكـلدان الموحـدة لم تكـن بحاجةٍ إلا الى الأموال لتحرير أبناء الكلدان من أن يُستغلـّوا مادياً للوصول الى ابتـزاز أصواتـهم .

عار عليكَ يا صنا أن تكـذب فقد انـتـبـهَ العالَم الى المقـولة ( إكذب إكذب ثمَّ إكذب حتى يُصدِّقـكَ الناس ) فنـبـذها ، حذاري من الكـذب لأن نهاية الكـذّاب هو العـَذاب ، لم يُـؤكـد الأستاذ ابـلحـد افـرام ابـداً بأنَّ مصدر الأموال هو الخارج ، وإنما قال لـديَّ قـناعة بأنها من الخارج، وقـناعـتـُه مبنيـة على تصريحات المسؤولين الأكراد المتضاربـة ، فعندما اعترضت المكونات الاخرى مثل اليزيديين والشبك والتركمان على انفراد المسيحيين بالمساعدات وبناء القرى المهدمة  وتوزيع البيوت عليهم ، قيـل لهم هذه الأموال آتية خصيصاً للمسيحيين من الجمعيات والمؤسسات الخيرية الدولية المسيحية ، فإذا وردت أموال لصالحكم من جهاتٍ اخـرى فإنها ستُـوزع حتماً عليكم ، فسكت المعترضـون . وعن الأموال ومصدرها حاول أن تحصـل على مقابلةٍ مع السيد مـوفـق سناطي فلعَلـَّه يُـفـيـدك بـهـذا الخصوص .  ليس هنالك تقييد على الجمعيات الخيرية في الغرب عموماً ، فهي حرة في عملـها الخيري ، وتحليلاتكَ كُلـّها إجتهادية تُحاول عن طريقـها تحميل أخطائك للآخـرين ، هـل أنت مُطلـع على الأنظمة الداخلية لجمعيات الغرب المسيحي حتى تُبـدي إجتهاداتـك ؟   
 

(( علاوة على ذلك فأن الحكومة العراقية ومنذ 2003 وحكومة الاقليم منذ 1991 لم تؤيد استلام مثل هذه المنح والمساعدات من خارج العراق لشعبنا بأي شكل من الاشكال هذا من جهة ومن جهة اخرى لماذا تستكثر ياسيد ( افرام ) على شعبنا التمتع بجزء من ثروة وطنه الذي حرم منها طيلة مئات السنين العجاف التي خلت انه تعويض طبيعي له عن جزء من الخسائر المادية والنفسية والمعنوية التي لحقت به ولا زالت لغاية اليوم بسبب الارهاب الاسود حيث من حق شعبنا ان يعيش في وطنه حياة حرة كريمة تليق بشعب اصيل بكرامة وكبرياء ومستقبل وحقوق واهداف مضمونة من دون منه او شفقة او استجداء من احد انه حق وطني وانساني ودستوري مشروع فلماذا تعترض ياسيد (افرام) على هذا الحق ؟ ...

نعرف ان ما اغاظكم وازعجكم ياسيد ( افرام ) انت ومن على شاكلتك هو حجم ونوعية وكمية المشاريع والاعمال والمساعدات التي قدمت ولازالت تقدم لشعبنا منذ عشرات السنين ولغاية اليوم في الاقليم دون توقف كالنهر الجاري الذي لاينشف لان الذي اشرف عليها ربان سفينة شعبنا الامين الزاهد رابي (سركيس اغا جان) حيث سيخلده التاريخ ويسجل اعماله وانجازاته لشعبنا بأحرف من ذهب لا بل من درر بأعتباره الراعي الاول لشعبنا بالقول والعمل الملموس بجدارة وحق دون منازع وبشهادة ابناء شعبنا على الارض رغم انه ليس بقائد حزبي مثلكم اما ادعاءاتكم المغرضة مردودة عليكم تدحضها وتفندها الوقائع على الارض وفي الميدان ))


وهـل أن الحكومة العراقية أو حكومة الإقليم مُجـبرتان لتأيـيـد ما أنـتَ بصـدده ، إن السياسات العـليا للـدول لـها خصوصـية وليست مباحة لكُلِّ مَن هَـبَّ ودبَّ أمثال جَنابـك َ. إن السيـد ابـلحـد افـرام لا يستكـثر أيَّ حـقٍّ يكـتسبه الشعب ، بـل يُـطالب بأن تـَتـَمتـَّع كُلُّ مكـونات شعـبنا بأعلى نسبةٍ من ثـروة بـلاده المحروم منها ردحاً طـويلاً جـداً ، ويعتبر ذلك حـقاً طـبيعياً ، ووطنياً يكـفـلـُه الدستـور ، ولكنه يُريـد أن يتم ذلك بمقـياس العـدل والمساواة ، لا أن يستأثر بهذا الحق البعض ويُحـرم البعض الآخـر، إنَّ المناضل ابلحد افـرام هو في مقـدمة المدافعين عن حـرية وكرامة شعبنا الأصيـل والعريق في بلاده بـلاد وادي الرافـدين .
الأستاذ ابلحد أفرام لا يغـتاظ ولا يـنزعـج إلا إذا أهينت العـدالة ، واستحكم العُـرفُ الديكتاتـوري عند الذي اؤتِمِنَ على الأمانة ولم يؤديها بنزاهةٍ وعـدالة ، وهو لا يُنكر أعمال البناء التي أوعـز القيام بها لمصلحة شعبنا المسيحي في اقليم كردستان ، ولكن ثـِق أيها المحابي والمتملـِّق بأنَّ سيدكَ ووليَّ نعمتكَ سركيس أغاجان ليس بـزاهـدٍ كما تقـول ، بـل إنه قد بـَـزَّ كُـلَّ الرواد التاريخيين من حيث البذل على الملذات بأنـواعـها ، ويُعَـد الآن أحـد الأثرياء الكبار في العالَم ، ولـو كان غيره المؤتمن والمخـول ، لكانت إنجازاتـُه أضعافَ ما قام به أغاجان ، ولكن السعـد أحياناً يأتي الى إنسان قد لا يدري هو نفسه كيف أتاه ، فهنيئاً لـه حـظـوتـُه لـدى القادة الأكـراد الذيـن صنعـوا منه بـطـلاً . يا مُهادن ، كيف تـنـفي صـفـة القـيادة الحزبـية عن سركيس اغاجان ، أليس هو الرئيس الفعلي لمجلسه الشعبي الأغاجاني ، وجميل زيتـو الرئيس الرمزي !

(( نعود للموضوع مصدر هذه الاموال حيث اكد السيدان ( مسعود البرزاني ) رئيس اقليم كردستان و ( نيجرفان البرزاني ) رئيس حكومة الاقليم وكذلك السيد ( يونادم كنا ) السكرتير العام للحركة الديمقراطية الاشورية عضو برلمان العراق الفيدرالي (ممثل شعبنا فيه) في تصريحات واضحة وصريحة وحاسمة وشفافة ان المبالغ المصروفة عل كافة مشاريع ابناء شعبنا ومساعداتهم في الاقليم بشكل خاص من ميزانية اقليم كردستان التي هي من جزء من ميزانية العراق الفيدرالي ( للاطلاع الرابط الثاني والثالث ادناه ) ...

فكفى ياسيد (افرام) ادعاءات وافتراءات واتهامات باطلة وانتهازية وحرباوية مخادعة ومغرضة حيث ان نتائج الانتخابات كشفت كل البراقع والاقنعة والخمار عن حقيقة قاعدتكم الجماهيرية والحزبية رغم كل الذي قيل واشيع كذبا وتلفيقا وهذا هو حال الخسران والمغلوب والمخفق دائما يبحث عن مثالب الاخرين والحجج الواهية لانقاذ موقفه وتغطية عيوبه .. ولكم فرصة اخرى في انتخابات برلمان العراق الفيدرالي بتاريخ 16 - 1 - 2010 واني اراهن على خسارتكم من الان ومسؤول عن كلامي امام شعبنا وان غدا لناظره قريب وابحث عن حجج ومبررات وذرائع جديدة لفشل واخفاق قادم من الان اذا لم يتم تقويم مسارات عملكم الحزبي وتعديل وتصحيح مواقفكم المتشنجة والمتطرفة والانتهازية ولنا في الموضوع كلام اخر ... ( انتهى القسم الاول . . . ))

 نحن الكلدان لا نشكـِّـك بـتـصريحات رئيس الإقليم ( السيد مسعـود البرزاني) ولا بـتـصريحات رئيس حكـومة الإقليم ( السيد نيجرفان البرزاني ) اللـذيـن أكـَّدا بأن الأموال التي صُرفـَت على مشاريـع إسكان أبناء الشعب المسيحي في مختلف مناطق اقليم كردستان والمبالغ العينية التي خـُصصت للأحـزاب السياسية والتنظيمات الثقافية وغيرها ، هي جزء من ميزانية الإقليم المنبثقة من ميزانية العراق الفيدرالي . طـيـِّب ، لماذا عـُهـدَت مهمة صرف هذه الأموال الى شخصٍ واحـدٍ ليستبـدَّ بها ويـوزعها على هـواه ، حيث وهب بسخاء لكُـل مَن رضـخ لإرادتـه ، وحـرم بقسوة كُـلَّ مَن لم يتـفـق مع مشيئَتـه ، أنشأ فضائية عشتار إدعى أنها لعموم المسيحيين قـولاً ، أما فعلاً فقد جعـلـها آشورية صرفـة ، فالعـلم آشوري ، الحديث باللهجة الآشورية ، الاعلام مـدح الآشورية ، المقابلات للآشوريين ، فأين موقع الكلدان المكون المسيحي الأكـبر ! ألم يكن الأجـدر بالقيادة السياسية الكُردية أن تشكـِّلَ لجنة مشتركة خاصة من المانحين والمستفيدين للإشراف على المشاريع وتوزيع المبالغ العينية ، لكي تسود العدالة والمساواة !

كفاك دجـلاً يا سيد أنطوان الصنا ، ولا تُـلبـِس ثـوبَـكَ المُزركش بكُـل أنـواع الخبث والإنتهازية والعمالة والدَلَـس والجُبن ، لـِلرجل النظيف الذي يتحلـّى بصفات الصـدق والنزاهة والإخلاص لقـوميته ووطـنيته ، و لا يرضى بك أن تكون خادماً في بيته ، لأنك محتال ونصاب ، ونحن على استعداد لفضحك بالأدلة والوقائع وذكر أسماء الذين نصبت عليهم إذا تماديت في غِـيـِّكَ . والى الجزء الثالث لتـفـنيـد ما ورد في الجزء الثاني من مقاله ضِدَّ الشخصية الكلدانية والوطنية الأستاذ أبلحـد أفـرام .


الشماس كوركيس مردو
في 3 / 9 / 2009

ملاحظة : إخـوتي قـرّاء مـقالاتي ، إني مُحارَبٌ من الأخ المشرف على المنبر السياسي لموقع عنكاوا العـزيز ، فبالإضافة الى حرمان مقالاتي من الظهـور في الصفحة الرئيسية ، وكذلك امتناعـه عن  وضع تصويري فـوق مقالاتي ، مع العلم أنني قد ارسلته مرتين ، فإنـه لا يتردد بحذف المقال بعد مدةٍ قليلة مِن إرساله . لذا إذا رغبتم أن تقرأوا مجمل مقالاتي ، تجدوها على موقع حزب الإتحاد الكلداني .
chaldeanparty.com
     

194
الكـلـدان و الآشوريون بين الحـق والباطـل




هـل دعاة الآشورية المعاصرون هم بقايا آشوريي التاريخ القـدماء
أم هـم نـكـرة  دخـلاء ؟



الجـزء الأول

انقـراض الآشوريين



يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122 ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ (سِدني سمِث/1925 )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبـدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ  لبِلادِ آشور ! >  ويقـول البروفيسور سيمو باربولا الآثوري الأصل / جامعة هلسنكي  ( بعد  حَربٍ  أهليةٍ  مُطـوَّلة استطاع  البابـليـون أي الكلدان  والميديـون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَـروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَرديـن ثانيةً  بتَـدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان > ساحقـين بذلك آخِرَ خَنـدق للمقاومة لملكِ بـلاد آشورالأخير < آشور اوبليـط الثاني > هذا الحدَث  خَتَـمَ  مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّـفـقـون وبدونِ الإدلاءِ عـلناً مع الفِكـرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيـدوا عن بِكرة أبـيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف  وَفرَةِ المعلــومات  عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات  عن بـلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً  لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي  تبدو  أيضاً  مُعَزَّزة ً  بإفادات  شهود  العَيان القُدَماء . ) وقد  تَحَدّى المؤَرخ الأب ألبيـر أبونا في مقالتِهِ  المنشورة  في  موقع  عَنكاوا.كوم  الالكتروني  < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتـيـن  وبعض المُنجرفـيـن  وراءَهم  من الكلدان المُغَرَّر بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثبات عدم انقراض الآشورييـن النهائي  بأدِلَّةٍ عـلمية وتاريخية بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف.


الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ  الملك الآشوري سنحاريب ، فهو إذاً أحد  أحفادِ  الملكِ  الكلداني الثائر ( مردوخ بلادان )  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب (الملك آشور بانيبال ) ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانيبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا آلت إليه في أواخر فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية عشر الدولة  الكلدانية  أو البابلية  الحديثة  ثمَّ  الامبراطورية  الكلدانية ولـُقـِّبت بالامبراطورية  البابلية  الحديثة باعتبارها امتداداً للإمبراطورية التي أسسها الملك العظيم حمورابي  . قامَ بتصفية الوجود العسكري الآشوري  من المناطق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة المناطق التابعة له حتى حدود  آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك  آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة / جيمس هنري  ترجمة أحمد  فخري ص. 231 وهنالك  مصادر اخرى كثيرة ) ضمنَ مساحة الدولة البابلية الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام وفلسطين  ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم الميديون  مضمونَ المعاهدة  المعقودة  بينهم  وبين الكلدان ،  واكتفوا  بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من العواصم الآشورية ، واحتفظوا بالاقاليم الشمالية والشمالية الشرقية لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها قبل عقد  المعاهدة ، أما  الأقاليم الغربية فخضعت  لسُلطة الدولة الكلدانية  وبضمنها العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِـلَها أبناءُ الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .


وإنَّ  التواجد  الكلداني كان قائماً  في البلاد الآشورية  قبل  زوال الكيان  الآشوري ،  وزادت  كثافتُه  أضعافاً  بعد  زواله  بحُكم سيطرة  الكلدان  على البلاد الآشورية  وتَحَوِّلها  الى  جزءٍ  مِن  بلاد  الكلدان ،  حيث يقول الاستاذ حبيب حنونا ( الكلدان والتسمية القومية ) كان  الملوكُ الآشوريون في خِضَمِّ حَملاتِهم العسكرية  المتواصلة  على  الممالك الكلدانية  خلال الفترة المحصورة بين القرن الحادي عشر والقرن  السابع  قبل الميلاد، قد أسِروا ما يربو على نصف مليون فردٍ من الكلدان ، ورَحَّلوهم الى مناطق الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي لإقليم آشور ، وتُشير المصادر بأن مُعسكرات كانت قد اُنشئَت للأسرى الكلدان ، يُطلق عليها  < بيث شبيا >  وتعني  بيت السبايا  في قرية كرمليس  وقرية بابلو القريبة  من دهوك ،  كما أن معسكراتٍ  كان قد  تَمَّ إنشاؤها  في منطقة العمادية شمالي دهـوك بين بابـلو وارادن وايـنشكي ، وبعد سقـوط نـيـنـوى وخضـوع تلك المناطـق للحُكم الكلداني ، قام هؤلاء الأسرى الكلدان بحسب تأكيد هذه المصادر بتحويل هذه المعسكرات الى مجمعات ووحداتٍ سكنية ،  ويؤَكِّد التـواجد الكـلداني في  شمال  بلاد ما بين النهرين  المؤرخ اليوناني  (زينفون ) الذي رافـق الحملة العسكرية اليـونانية المعروفة ( بفرقة العشرة آلاف ) عام 410 قبل الميلاد في كتابه ( حملة العشرة آلاف / ترجمة يعقوب منصور ص . 182 )  وعند تـقهـقرها أمام الفرس بمعركة  قرب بابل عادت ادراجها متوجهة الى بلادها وفي طريق  العودة يقول  زينفون : ـــ  قبل اجتيازنا حدود ارمينيا ( أسيا الصغرى أو تركيا الحالية ) وعلى الضفة الثانية لنهر دجلة ، جابهتنا قوات كثيرة تتألف من صنوف مختلفة ، حاولت منعـنا من عبور النهر، ولدى استفسارنا هن هـوية تلك القوات ،  علمنا أنها  قوات ارمنية  وكلدانية  وماردينية وكانت تابعة  لأورنتاوس و اوتوخاس ، ويُضيفُ قائلاً : لقد قـيل لنا بأن الكـلدانيين شعبٌ حُر لا يُضاهيهم شعبٌ آخر في المنطـقة من حيث مهارتهم في القتال !


إنها حقاً  حقائق تاريخية  دامغة  تُعَرّي زيف المغالطات والأكاذيب التي يُروِّجُـها أدعياء الآشـورية المزيَّـفـون وعملاؤهم المأجورون الذين يُرعِبُهم اسمُ الكلدان ،  حتى أنهم  ولشدة  كُرهِهم  للكلدان ينفون عنهم عملية القضاء على الدولة الآشـورية ويَعـزَونَ ذلك الى البابليين والميـديـيـن والفرس ! ومَن هم البابليون يا تُـرى ؟ أليسوا صِنواً للكلدان ! وهذا القول بحدِّ ذاته يُعـتبَـرُ نُـبـلاً في خِصال الكلدان ، وإن هم يُـردِّدوه خلافاً لكُل ما أكَّده المؤرخون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المؤرخ الشهير ( جورج رو ) الذي يـؤَكِّد  سيطرة الكـلدان على كامل الاقليم الآشوري بشكل مُحكم بحيث لم يحدث أي تمَرُّدٍ أوأي تحرُّكٍ مضاد للدولة الكـلدانية حتى سقـوطها على يد الملك الاخميني كورش عام 539 ق . م  بسبـب خيانة داخـلية  لقائد عسكري في الجيش الكلداني وتـآمُر يهودي داخـل البلاط  .  إذا كان الميديون والفرس قد قضوا على الدولة الآشورية  كما يحلو لدُعاة الآشورية المعاصرين قوله ، فما أغباه من قول ، لماذا تخلوا عن حُكم بلاد آشور ! ! ألا  يعني هذا أن دورهم كان دوراً ثانويا مساعداً للكلدان , ليس كالدور الأساسي الكلداني ! ! ولذلك فرض الكلدانُ سيطرتهم الكاملة  على البلاد الآشورية .


فهـل بعد ما تـقـدم ذكـرُه هـنالك شعـبً آشوري في الـوجـود  ؟ وكيف ظـهر الى الـوجود بعد خمسةٍ وعشرين قرناً ؟ وأين كان مختفياً طـوال هذه القـرون ؟ أسئلة نطرحُـها على الشرذمة الضئيلة من المهووسين الكلدان النساطرة سكنة منطقة هيكاري الجبلية منتحلي التسمية الآشورية الدخيلة . وسنجيبُ عليها في الجزء الثاني لأنهم يتعمـَّدون الجهـل بـل الإنكار في الإجابة عليها .

استمرارية الـوجـود الكـلـداني

بعد سقوط  بابل  بأيدي الملك الاخميني  كورش  خضعت كُلُّ  المناطق الكلدانية الاخرى  لنفوذ  مملكتِه  الفارسية ،  كان  كورش  ملكاً  يملك  من الدراية السياسية  قدراً  كبيراً  ،  فتحدَّثَ الى الشعب الكلداني  بحكمةٍ  ولباقة  قائلاً لهم ،  جئت  جالباً لكم السلام  لأُزيلَ عنكم الاضطراب والخصام  ،  وها إنني أدخُلُ  الى هَيكَل الإله ( بيل) وأمُدُّ  يَدَيَّ  إِليه  وأمسُكَ بيدَيه  ليَحُقَّ لي  عَرشُ بابل ، ثمَّ أمر بإعادة  الآلهة التي  كان  قد جَلَبها  نبونَئيد الى بابل الى هياكلها  في المدن الكلدانية ،  فنال رضا  الكلدان وشَكَرَه اليهود لإِصداره أمراً  بالسماح لهم في العودة الى وطنهم إذا  أرادوا ،  وظَلَّ الكلدان يمارسون  أنشطتَهم الحياتية  ضمن  نفوذ المملكة الفارسية  يتمتعون  بحقوقِهم  ويؤَدّون  واجباتهم   وإن كان الحنين الى الاستقلال يُراودُهم

استغَلَّ الكلدان  اضطراب الأوضاع في بلاد  فارس ،  فثاروا وأعلنوا الاستقلال  في بابل  بقيادة  أمير من  سُلالة  الملك  نبونَئيد  اسمُه  ( ندينو توبيل )  وتَسمَّى ملكياً  بلَقَب  ( نبوخَذنصَّر الثالث )  ،  وحذا  العيلاميون  حَذوَ  الكلدان  وأعلنوا على الفرس العصيان ،  فأرسل  داريوس الأول  قوات  بإمرةِ  قائدٍ  من قادة  جيشِه   لإفشال  عصيان  عيلام ،  وقاد  بنفسِه  حَملةً  عسكرية  ضخمة  جداً  لإسترجاع  بابل ، وإذ عَلِمَ الملكُ نبوخَذنصَّر الثالث بمقدَمِه ، استعَدَّ  لمواجهَتِه  ، ونشر قواتِه  على سواحل  دجلة  في اقليم آشور وكان في حوزتِه  سفن  راسية  في نهر دجلة ،  تَردَّدَ  داريوس  في الهجوم ، فلجأ الى ايجاد  طريقة  يخدَعُ  بها الكلدان ،  فعَمدَ الى  تقسيم جيشِه الى كتائب عديدة ، استخدَم  بَعضُهم  ظهور الخيول وبعضهم الآخر ظهور الجِمال ، فانطوت الخُدعة على الكلدان ،  أما  هو  وبقية  أفراد جيشه  فقد عبروا النهر وباغتوا القوات الكلدانية  ودارت معركة  بين  الجانبين ،  وكان عنصر المباغتة في صالح الفرس ، حيث تَراجع الكلدان أمامَهم ،  وبعد ستة أيام وفي موقع على ساحل نهر الفرات  يُطلقُ عليه ( زازانو)  التحم الجيشان البابلي والفارسي  ،  وبالنظر لفارق العدد بين  الجيشين  انتصر الفرس  وانسحب نبوخَذنصَّر الثالث مع بقايا جيشِه  الى بابل وتحصَّنوا فيها  ، فلاحقهم الجيش الفارسي  وأحكَمَ الحصار على بابل ،  وبعد سنتَين من الحصار الشديد  ،  اقتُحِمت أسوار بابل في عام 519 ق . م  وقُتِلَ الملك نبوخَذنصَّر الثالث .



يـقـول المؤرخ طه باقر في ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / الوجيز في حضارة وادي الرافدين  ص . 513 و 517 ) <   بعد  وفاة  داريوس الأول  عام 485 ق . م ،  خَـلِفَه  على العرش إبنُه ( احشويرش الأول  485 - 465 ق . م  Xerxes  I )   وفي السنة  الرابعة  من حُكمِه  ثار الكلدان  ثانيةً  على غِرار  ثوراتهم  خلال  حُكم والده  ،  وقاد الثورة  على  التوالي الملكان  البابليان ( بيل شماني ) و ( شمش اريبا ) سعياً  للاستقلال  ،  ولكنَّهما  لم يُفلحا بسبب قـلة عدد الجيش الكلداني مقارنة  بالعدد  الهائل  للجيش الفارسي   فـتَعَرَّضَ الكلدان  للإنتقام  القاسي  ومعبَدِ  بيل للنهب  وبابل للدمار الشامل .

سقطت الدولة الفارسية الأخمينية  بأيدي الاسكندر الأكبر المكدوني  عام 331 ق . م ،  الذي  فرض  سُلطته على عموم  بلاد  ما  بين النهرين  واتخذ  من  بابل  عاصمة له ،  وبعد وفاته  انتقلت السُلطة الى السلوقيين  لأكثر من قرن ونصف القرن ، حيث يقول رضا جواد الهاشمي في كتابه ( الصراع العراقي في زمن الفرثيين والساسانيين ص . 95 ) بأن الفرس الفرثيين استطاعوا  في عام 139 ق . م فرض سُلطتهم على البلاد ثانية ً .   

في كتابه ( ذخيرة الأذهان / الجزء الأول ص . 33 ) يقول بطرس نصري ، بسبب الأعمال التعسفية الجائرة التي دأبَ على ممارستِها  الفرسُ أثناءَ  حُكمهم  لبابل ، ضد البابليين اضطرَّ  الكثيرُ مِنهم للهجرة الى شمال بلاد ما بين النهـرين والشام ولبنان  ووصلَ قسم منهـم الى جزيـرة قـبرص، ولكنَّ نسبة ً كبيرة مِنهـم لم تُغادر البلاد وبضمنهم العديد من المُنـتمين الى سُلالات ملوكهم ، ومنهم  كان الذين تـتـبعـوا مسير النجـم غير الاعـتيادي الى بيت لحم اليهـودية في فلسطـين لدى ميلاد المسيح الرب ،  وعُرفـوا بملـوك العجـم أو المجـوس ، حيث قَـدَّموا للطفل الالهي خضوعَهم  واعترافهم  بملوكيته مُجزلين له هداياهم الملكية ذهباً ولُباناً ومُرا ،  وبعد عودتهـم الى بلادهم تَحَدَّثـوا بما شاهـدوه  ، مُهيِّـئـين بذلك أرضيةً سهلة لانتشار المسيحية في بلادنا مُستـقبلاً .

وقال بهذا الصدد القس يوسف تفـنكجي  في ( مجلة النجم / العدد الخامس لعام 1929 م ص . 225 ) ما مُلخَّـصُه <  إن الطائفة  الكلدانية  الكاثوليكـية ( عُرفت  بالطائفة  منذ  عهد  الاسكندر المكَدوني بأنها بديل للقومية التي تقـلَّصت نفوسُها عبر الظروف الزمنية) الباقية الى يومنا هذا، هي إحدى الطوائـف المسيحية الشرقية العريقة في القِـدَم بل الأقدم منها في الشرق المسيحي كُلِّه، تفتخرُ هذه الطائفة بالمجوس الذين وافوا من الشرق الى اورشليم ، وسألوا عن الطفل الالهي الذي رأوا نجمه واتبعوه ليسجدوا له .

كُلُّ هذه المصادر والكثير من المصادر الاخرى غيرها تؤَكِّدُ الوجود الكلداني واستمرارَه رغم سقوط سُلطانه السياسي ، بينما ليس هنالك أيُّ مصدر يُشيرُ الى وجـودٍ آشوري في أية بقـعةٍ من بلاد ما بين النهرين ،  إذ بعد سقود الدولة الآشورية على أيدي الكلدان والميديين ما بين عامي 612 - 609 ق . م  إنمحى وتلاشى الاسم الآشوري ذو المدلول الديـني بتَحَـطُّـم صَنم الاله أشور ولم تَقم له قائمة ،  وإذا حدثَ أن يأتي الى ذكر تسمية أثور أو آشور فيكون ذلك دلالةً جغرافية ، لأن مصير الآشوريين آلَ الى الزوال اسوةً بالسومريين والأكديين والكِشيين والميتانيين . . .

الكـلـدان والبشارة المسيحية السارة

بعد افول نجم الامبراطورية الكلدانية التي هَيمَنت على الشرق الأوسط بأكمَلِه لمدة خمسة وثمانين عاماً (626 - 539 ق . م ) وخضوع الشعب الكلداني لأنواع من الحُكم الأجنبي ، إلاّ أنه بقي شعباً حياً يُمارس نشاطه الحياتي كاملاً  ،  وكانت لُغتُه الكلدانية السلسة الأفصح بين اللهجات الآرامية ، ذات الأبجدية السهلة التي انفـردت بها  دون غيرها ، مدعاةً لاعتزاز ممالك الأقـوام الأجنـبـية التي تعاقبت على حُكم  بلاد ما بين النهرين  بعد انهيار الحُكم الكلداني  آخر حُكم وطـني أصيـل لبلاد  مَهـدِ الحضارات ،  فاعتـمَدَتها  لغة ً رسمية لتسيـير شؤون  ممالكها ،  فكان لها  وكما  للحـق أن يُقال الباع الأطول بين بقية اللغات في دفع مسيرة التقدُّم والحضارة العالَمية الى الأمام وقتذاك ،  فقد أوقدت نارَ  ثورةٍ  ثقافية  مُحدِثة ً  نقلة ً  نوعية  ًمن حيث البحث والتأليف والتوثيق ، و مُختزلةً الجُهدَ الانساني الى حدٍّ كبير لم يسبق له نظير !

عند انبلاج  فجر المسيحية  وقدوم  المُبشرين  رُسلِ المسيح الرب  الى بلاد  الرافدين ، كان العالَمُ آنذاك  تتقاسمُه قوّتان كبيرتان  مُتمثِّلتان في الامبراطورية الرومانية وعاصمتها  روما  والمملكة الفارسية الفرثية  وعاصمتها المدائن ،  كان الرومان  يُسيطرون على غالبية  بُلدان اوربا  والشمال الأفريقي  ومصر وفلسطين  وسوريا  ولبنان وآسيا الصغرى ،  يخضعون جميعاً  لقوانين الدولة المركزية  ودُستورها ،  أما  الدولة  الفرثية  فكانت  تُسيطرُ  على  بلاد  ما  بين النهرين  وماداي  وفارس ، وقد اعتمدت  نظام الممالك  الاقليمية الذي كان الأخمينيون قد طبَّقوه  عند استيلائهم على بلاد ما بين النهرين عام 331 ق . م  في معركة اربيل الشهيرة  بين الاسكندر الأكبر المكَدوني  وداريوس الثالث الفارسي ، وكان عددُ  ممالكِ الأقاليم  الخاضعة  للمملكة  عشرون  مملكةً، أسس العديد مِنها الكلدان بعد سقوط دولتهم العظمى سواءً في عهد الإغريق أو الفرثيين كما يذكر المؤرخ سامي سعيد الأحمد في ( العراق في التاريخ ص 251 - 263) وكذلك ورد في كتاب ( تاريخ الشرق القديم / سامي سعيد وجمال رشيد ص 273 - 283 ) وفي ( تاريخ الموصل1 / القس ( المطران ) سليمان الصائغ ص 19 ) أشهرها مملكة الرها ( اورهاي ܐܘܪܗܝ )  وحدياب (اربيل ) وسمّاها العرب ( حزة ) وبيث كَرماي و حطرا( حضر )  وتدمر وميشان ( آخر المماك الكلدانية في بلاد بيث نهرين ) وكان يُقيم عددٌ قليل مِن الآراميين مع الكلدان سُكان هذه الممالك .

إن  أشهر مَن كَتبَ  عن تاريخ  الامة الكلدانية  والدولة  الآشورية مِن بني الكلدان  بعد المؤرخين القدماء  والمؤرخين  والكُتاب الاوروبيين  الذين ألفوا كُتُبَهم  منذ مطلع الجيل التاسع عشر ،  كان العلامة الشهيد  المطران أدي شير مدفوعاً مِن شعوره القومي والوطني  مشوباً بالأسف والاستغراب لانعدام الشعور القومي  لدى أبناء امته الكلدانية المعاصرين الذين  يجهلون أنهم مُنحدرون مِن صُلب  شعبٍ  نبيل فاقَ  شعوبَ العالَم  كُلِّه  في بأسه  وآدابه  وصنائعه ،  فحَملَته  غيرتُه  القومية  كما قال  ليُتحفَ  أبناء  وطنه  بكتابه  الذي عَنونه (  تاريخ كلدو وآثور ) والذي  يقع  في  مُصنَّفين ،  يتحَدَّث بالمُصنَّف الأول عن الامة الكلدانية والدولة الآشورية  قبل الميلاد ، وفي المُصنف الثاني عن الكنيسة الكلدانية  منذ  تأسيسها  في القرن الميلادي الأول  وحتى ظهور الإسلام في أوائل القرن السابع  دون أن  يُغيِّرَ التسمية المُركبة التي وضعها لعِنوان الكتاب التي تتطابق مع ما أورده في المُصَنَّف الأول فقط  ،  مُنطلقاً مِن اعتقادِه  الديني  بهدفِ جَعل المسيحيين شعباً واحداً  وليس قوماً واحداً كما يعتقد البعض ،  وأوضح  دليل على ذلك هي الأدلة الوافية التي قَدَّمها  والمصادر العديدة التي اعتمدها والتي  تؤيِّد مِصداقية  الأحداث التي سردها ، والتي  تُعطي فهماً دقيقاً  للقاريء  بعدم  تطابق عنوان الكتاب  مع مُحتواه ،  لأن  مُعظمَها  يؤَكِّد  ويُثبت  بشكل  قاطع  بأن الكلدان قومية مُستقلة لامةٍ عظيمة ،  تَحدَّت  الأهوالَ والمصائبَ  التي تَعَرَّضت لها قبل الميلاد منذ قيام أول دولة لها بعد الطوفان وحتى آخرها الأعظم بينها عام 626 ق . م  حيث استطاع العيلاميون غزوَ دولتها الاولى ولكن الكلدان عادوا فحرَّروها  ،  ثُمَّ اضطروا بعد ذلك لخوض حروب دفاعية تحررية ضد الغُزاة الآشوريين  دامت زهاءَ ألف عام حتى تكلَّلت  بالنصر الكلداني الساحق عام 612 ق . م ولكن العيلاميين عادوا واحتلوا بابل عاصمة الكلدان عام 539 ق . م ، وبالرغم من قيام الكلدان بعدة محاولات لتحرير بلادهم إلا أنهم لم يُفلحوا ولذلك استمروا خاضعين لسُلطة الغرباء ،  واستطاعوا المحافظة  على هويتهم  ولغتهم وحضارتهم ، وممارسة تقاليدهم وعاداتهم حتى  بعد اعتناقهم للمسيحية  في القرن الميلادي الأول .

كانت  اللغة التي  يتحدَّث  بها  مُبَشِّرو  بشارة الخلاص المسيحية هي اللغة الآرامية الكلدانية التي  كان اليهود  قد  تَعَلَّموها  خلال  فترة  السبي البابلي  وتوارثتها  أجيالُهم  اللاحقة  ومنهم  الرُسُل المُبَشِّرون وتلاميذهم  ،  وهي ذات  لغة سُكان بلاد  ما بين النهرين الكلدان  ذوي العدد  الديمغرافي  الأكبر في البلاد  ، فكانت العاملَ الأكبر لتَقبُّل الكلدان  البشارة  بيُسر وسهولة  ورغبةٍ  غامرة ، وكانت الرها التي مِنها ابتدأ انتشار المسيحية الى الديار الشرقية بواسطة الرُسُل المُبَشِّرين الوافدين من فلسطين ، وقد سمّاها السلوقيون ( أديسا ) تيمُّناً بأديسا المكَدونية ،  مَقَرّاً لملوك  أسروينا وقد طغى اسم ( أبكَر ) على أغلبهم ، وكان أبكَر اوكوما الخامس الذي اشتهر بحسب التقليد الكنسي  المتوارث  بمراسلته للرب يسوع المسيح له المجد ، ومِن ثَمَّ اعتنق المسيحية هو وجميع أبناء مملكته على يَدَي مار أدي الذي شفاه مِن مِرضِه المُزمِن . 

وكانت اللغة والثقافة الكلدانيتان أيضاً هما السائدتين عند دخول التبشير الخلاصي الى أرض بلاد النهرين ، بفضل العباقرة الكلدان العلماء <  كِدينو ، رماني  ، نبو  ، سِدينو  وبرحوشا  ( بيروسس ) أبي التاريخ  الكلداني  بالإضافة  الى  جهود  الكَتَبَة  الكلدان  الذين  قاموا  بتأسيس  المدارس  أمثال : أخوتو  ،  خونزو  ، سين لِقي اونيني  ،  وايكور ذاكر ،  بيدَ  أنَّ  الأخمينيين   وبهدف  تحطيم  الروح  الوطنية  لدى الكلدان ، عمدوا  الى تشويه  الاسم الكلداني  ونسجوا حوله  وحول بابل  ، الأساطيرَ  تُهماً  وتحريفاً  لِمَ خَصَّهُما به  الكتابُ المقدس / العهد القديم  ،  مِما جعل الكلدان  ينفرون منه  بعد اعتناقهم  المسيحية  .  وتبَنوا  الاسم  الديني  ( مشارقة ܡܕܢܚܝܐ)  أو (  المسيحيين -  سورايي  أو سُريايي  ܣܘܪܝܝܐ )  بدلاً  عن  اسمهم  القومي  ( كَلدايي  ܟܠܕܝܐ )   ويقول  المطران أدي شير في مقدمة  كتابه <   تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني  >  بأن الاسمَ  السرياني  لم  يكن يُشير الى  امة  بل الى الديانة المسيحية  لا غير ، ومِما  يُثبِت  ذلك  ما أتى  في  كتاب   تاريخ  ايليا  مطران نصيبين ( 975 - 1046 م )  فإنه  فسَّرَ  لفظة  ( سرياني  ܣܘܪܝܝܐ ) بلفظة  نصراني . وجعلوا  اسمَ   كنيستهم  ( كنيسة  المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ) لوقوعها في الشرق وأُطلقت عليها  أسماء  اخرى مِنها ( الكنيسة الكاثوليكية ܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ) لكـونها جزءاً من الكنيسة الجامعة و ( كنيسة فارس ܥܕܬܐ ܕܒܦܪܣ ( لوقوعها ضمن المملكة الفارسية .

استشهادات المطران أدّي شير

ويُضيفُ أدي شير ، <  بعد فتوحات العرب تلاشى الكلدانُ الوثنيون المُنَجِّمون  من هذه الديار ،  وسُمّوا مُسلمين لآعتناقهم الديانة الاسلامية .  فعادَ أجدادُنا الكلدان المسيحيون  واسترجعوا الاسم الكلداني . وقد استشهد على ذلك  بأقوال المؤرخين ومِنهم : ابن العبري في كتابه المُسمّى ( معلثا ) لما تكلَّمَ عن الامة الكلدانية النسطورية  قال : <  الشرقيون العجيبون أولاد الكلدان القدماء >  وفي  كتابه  ( تاريخ مُختصرالدول ) في بحثه عن فروع اللغة الآرامية ، سَمّى لغة أهل جبال آثور وسواد العراق ( الكلدانية النبطية ) وكثيرون آخرون مثل صاحب كتاب ( طبقات الامم / القاضي ابو القاسم صاعد بن أحمد الاندلسي ) < الامة الثانية الكلدانيون وهم السريان والبابليون >  ويؤكـد ذلك كتاب ( القوانين السنهادوسية أو قوانين مجامع الكنيسة المشرقية  ) .

ويستطرد <  فترى ان للكلدان المسيحيين أسماء كثيرة في التواريخ : فسُموا آراميين نسبةً الى آرام بن سام الذي استوطن هذه البلاد وعَمَّرها بنسله . وفُرساً لكونهم وجدوا في مملكتهم . ومشارقة لأنهم في الشرق . ونساطرة لإتِّباعهم تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية . وسرياناً شرقيين تمييزاً لهم  عن السريان الغربيين وهم اليعاقبة .  ولكن اسمهم الأصلي : كلدان اثوريون  جِنساً  ووطناً : لأن منشأ كنيستهم ومركزها كلدو وآثور . ولغتهم الجنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقال لها أيضاً الآرامية . وغلطاً سُمِّيت سريانية كما انه غلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سرياناً .

ويسترسل العلامة أدي شير قائلاً <  إن أجدادَنا الكلدان المسيحيين اشتهروا هم أيضاً نظير آبائهم الكلدان الوثنيين . فانه كما أن الصنائع  والمعارف بلغت عند  الكلدان الآثوريين الى أسمى درجة ومنهم اقتبسها اليونان والفُرس وغيرهم من الشعوب القديمة. وامتدَّت  فتوحاتهم حتى جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر الآسود شمالاً وحتى بلاد ماداي وعيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً . كذلك الكلدان النساطرة بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرتُهم وخلَّدوا لهم ذِكراً جميلاً مؤبَّداً . إذ إنهم كأجدادهم افتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينيا وسوريا وقبرص ومصر حتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة . >

 ومِما اشتهر به أيضاً  الكلدانُ النصارى أنهم حيثما ذهبوا بفتوحاتهم الدينية ، زرعوا مع تعليم الانجيل بذور المعارف والتَمَدُّن المسيحي وهذا ما أجمع عليه العُلماء . إن مسيو شارل  إوديس بونين  بمقالتِه في قِدَم النساطرة في آسيا الوسطى بعد أن بحثَ عن امتداد الكلدان النساطرة في بلاد الصين وتركستان ومغولستان  قال ما تعريبُه : <  إن للنساطرة دوراً مُهمّاً  في تاريخ التمَدُّن العمومي . فإن كهنتهم هم أول مَن أدخلوا التمَدُّن في آسيا الوسطى . ومِن المعلوم أنه مِن الحروف السريانية النسطورية ، تَوَلَّدَ  في القرون الوسطى  على يد  غُزاة  آسيا القلمُ  التركي  الايغوري  والمغولي والمانجوني . والقلمان الأخيران مُستعملان الى يومنا هذا .  ومِن جهةٍ اخرى إن أشهر ديانات آسيا أعني بها اللاماوية ( Lamaisme ) أخذت أشياء كثيرة مِن طقس النساطرة  ولعَلَّ مِن مُعتقدِهم أيضاً > .

ويستطرد : وعَمّا قاله الأب لابور يقول أدي شير : <  إن الكنيسة النسطورية ما برحت  مدة أحد عشر جيلاً تَنشر التمَدُّن  والتربية المسيحية بين  أهالي آسيا  القديمة  والشرق الأقصى .  وقال  أيضاً :  <  إن النصارى الكلدان نالوا أعلى المناصب في الدولة العباسية وعَلَّموا ساداتهم الذين كانوا الى ذلك الحين في حالة الجهل فلسفة اليونان وعلم الفلك وعِلم الطبيعيات والطب . ونقلوا الى العربية تأليفات اريسطوطاليس واوقليديس وبطليموس وابقراط وجالينوس وديويسقوريدس ،  وبواسطة الكلدان أيضاً تعَلَّم العرب الأرقام الهندية وآلة الاسطرلاب وغير ذلك .

وأتى في قاموس اللاهوت الكاثوليكي  تأليف علماء المانيا   ما تعريبه :  < إن العلوم الشرقية  في زمان فتوحات العرب كانت  محصورة  خاصة ً  عند الكلدان . فكانوا يُعلِّمون  في مدارس اورهاي ونصيبين  وساليق أو ماحوز  ودير قوني اللغات الكلدانية  والسريانية  واليونانية  والنحو و المنطق  والشعر والهندسة والموسيقى والفلكيات والطب . وكان لهم مكاتب عمومية يحفظون فيها تآليف المُعلمين >

لَعَمري ، إن المدارس  والمُستشفيات  كَثُرَت جداً عند الكلدان حتى أن الأب لابور أخذه العَجَبُ مِن ذلك وقال : <  إنه ليس  مِن امةٍ  على الأرض  بارت امة الكلدان النصارى في  تأسيس المدارس ، فاتسعت  صناعة التأليف عندهم اتساعاً  عجيباً  حتى أن عدد المؤلفين منذ الجيل الرابع الى نهاية الجيل الثالث عشر الذي فيه انطفأت العلوم لديهم فاق الأربعمائة . وتأليفات بعض هؤلاء المؤلفين فاتت الخمسة عشر والثلاثين والأربعين . وتصنيفات مار أفرام لا تُعَد . وميامر نرساي ما عدا الكتب العديدة التي ألَّفها تبلغ 360 . وميامر يعقوب السروجي 700 . وجبرائيل اسقف هرمزدارداشير له ثلاثمائة مؤلف ويوسف حزايا الف وتسعمائة ، وقد أشارت الى ذلك مجلة الفكر المسيحي بعددها ( 184 لسنة 1983 م ص 179 ) .

في تقويم قديم للكنيسة النسطورية الكلدانية جاء ذكر الكلدان كما يلي : كانت في مصر سنة 1095 م مجموعة كبيرة مِن الكلدانيين النساطرة تتألف مِن ( 7300 )  عائلة أو بيت يبلغ تعداد نفوسهم ما يربو على ( 40 الف نسمة ،  يرعاهم مطران اسمه دانيال ،  وتحت إدارته ثلاثة أساقفة هم : شمعون الجزري ومشيحا مِن الموصل ويوسف مِن طهران . ومِن القسُس سبعة وأربعون (47) والشمامسة مائتان وستة (206) ، ولا يُعرف تاريخ انصهارهم في المجتمع المصري . وهذا ما أشارت إليه ( مجلة النجم العدد التاسع لعام 1931 م/ بقلم المونسِنيور بولس بيرو ) .
والى الجزء الثاني قريباً .

الشماس كوركيس مردو
في 22 / 8 / 2009

195

الإتحاد العالَمي للكُـتـّاب والأدبـاء الكـلـدان . . نِـبراس مُضيء

ܚܘܝܕܐ ܬܒܝܠܝܐ ܕܟܬܘܒܐ ܘܣܦܪܐ ܟܠܕܝܐ . .  ܫܪܓܐ ܢܗܝܪܐ

لقـد أخطـأ آباؤنا الكـلـدان الأولـون مؤسسو كنيسة المشرق خطـاً فادحاً عنـدما أحـجـمـوا عن تلقيـب كنيستهم باسمهم القـومي الكلداني بحـجـة كَونه يرمز الى الوثـنية ويا بئس تلك الحـجـة التي جلبـت الهمـومَ والمعاناة لأحـفادهم ، ليس من أعـداء دينـهم وإنما من الخارجـين من صُـلبـهم ، الناكـرين لقـوميـتهم و المتبنـين لتسميةٍ خـُدِعـوا بها مِن قبـل أساطـين الشر عمـلاء المخابرات الإنـكيـزية بعـد مرور قرون طـويلة وبالتحـديد في أوائل القرن التاسع عشر .

في هذه الظـروف الـراهنة البالـغـة الصعـوبة التي تمـرُّ بها الامة الكلدانية مِن حيث تشتـُّت عـددٍ كبير مِن أبنائها في مخـتـلـف بـلـدان العالـَم نتيجة تَعـرضِّهم لأسوأ مؤامرةٍ دبـَّرتها أطـرافٌ عـديـدة داخـل وطنهم الأصيـل العراق ومدعـومة من أطـرافٍ خارجية ذات مصالح متعـددة الأوجه والأهداف ، فكان مـردودُها أبشع أنـواع الإضطهادات مِنها القتـل والتخيير بين الأسلـَمة والتهجيـر ، تفجير الكنائس ، إحـراق محـلات الإسترزاق ، الإخـتطاف من أجـل الفـدية و و و وبألإضافة الى ذلك تعرضـت امتـنا الكـلدانية الى حملةٍ شرسة مِن الخارجـين من صُلـبها الذيـن أشرنا إلـيهم في الأَسطر الاولى من هذه المقالة وهم القلـة الجاحـدة لأصلها ، فاستخـدموا كُلَّ السُبـُل الملتـوية ومختـلف أساليـب الغِش والخداع التي لقـَّنها لهم أسيادُهم الإنكليز لإلغـاء قـوميتنا وإقصائـنا عن الساحة السياسية العراقـية ، بـل إنهـم لـم يبخـلـوا بابـتكار أية وسيـلة لطي سجـل تاريخـنا الحضاري وتهـمـيش وجـودنا ثم الإلتـفاف على مقـدرات شعـبـنا تحـقـيـقاً لنـواياهم غير المشروعة على حساب التـفـوُّق الديـمغرافي الكـلداني ،  فـقاموا بنعـت قوميتـنا تارة ً بالمذهب ، وطـوراً بلصقـِها بتسميتهم الدخـيـلة المُنـتَـحلـة، وأخيـراً إبتـدَعـوا تسمية ًهجينة مركـبة ثـلاثـياً لا وجـود لها في عِـلم الأعـراق البشرية ، كُـلُّ ذلك من أجل الفـوز بالمكاسب السياسية والحزبية على حساب الأكثرية الكلدانية .

الظـروف التي أشرنا إليها أضطـرَّت الغـيارى والمخلصين من أبناء شعبنا الكلداني ليـبادروا الى تأسيس أحزابٍ سياسية وتنظـيمات أجتماعية وجمعـيات ثقافـية كلدانية صرفة وأصيـلة ، لكي تـدافـع عن وجـودنا القـومي باعـتزاز وإصرار ، وتـجـد لها مواقع على الساحة السياسية العراقية لتـتحصَّن فيها متحـدية ًكُـلَّ محاولات الطامعيـن بمقـدرات شعبنا والمستـهيـنيـن به عن غـباءٍ وعـدم إدراك بأن لهذا الشعب جـذور عميقة في أرض آبائه وأجـداده لا تستطيـع اقتـلاعها أقـوى عاتيات الزمن مهما بلـغـت .

الامة الكلدانية حيَّـة بأبنائها المخلصين ، كانت ولا زالت تجـنـح للسلم ، وإذ رأت تجـاوزات عليها تُـرتـكـب من قبـل الشراذم الإنعـزالية ، تحـركت بسرعة وخطـت خطوات حثيـثة ومدروسة لإيقافها عنـد حَـدِّها ، وتعبيـد طريق ٍ سليم ليجتاز من خلالـه أجيالُـها القادمة الى مستقبـل مشرق ، وهذه مسؤولية كـبرى وعلى الطليعة الواعية والمثقـفـة من أبناء شعبنا تقع أعباؤها بشكـل عام وعلى النخبة من الكتاب والأدباء بشكـل خاص ، فعلى عاتقـهم يقع دور بـثِّ الـوعي القـومي بين صفـوف شباب الأمة ، يجب شحن طاقاتهم الذهنية لتتحصَّـنَ بالثقافة القـومية ، فتـتـفـجـر منها ينابيع الفكـر الصائبة التي ستروي مشاريعـهم الحياتية المتشعبة .

مِن رحم هذه الأمة الأصيلة إنبثق < الإتحاد العالـمي للكُـتّـاب والأدباء الكـلـدان = ܚܘܝܕܐ ܬܒܝܠܝܐ ܕܟܬܘܒܐ ܘܣܦܪܐ ܟܠܕܝܐ _ حوياذا تاويلايا دْكاثـُوي وسَبْـري كلدايي > بادر الى تأسيسه نخبة مثقـفـة من أبناء شعبنا الكلداني ، لم يكن أمر تأسيس هذا الصرح الثقافي على المستـوى العالـَمي سهلاً ، بل أخذ من مؤسسيه ساعات طـويلة من الأيام والليالي بالإتصالات عبر البريد الإلكتروني ، عُرضت من خلالها أفكار وآراء وجرت عليها مناقشات ومداولات حتى انتهت بإعلان الموافقة على النظام الداخلي للإتحاد ، ثم نشر البيان التأسيسي في المواقع الإلكترونية .

الإتحاد أسِّسَ ليكـون حصناً لأمة الكلدان ، والمنتسبـون إليه جنـوداً أشداء ، سلاحـهم القلم ينساب منه الدواء الشافي من سموم الأفكار  الشوفينية ، ويتصـدى لكُـل مَن سوَّلـت له نفسُه تشويه حـقـائـق التاريخ ، ويفضح أصحاب القلم الرخيص ، ويُحـذر من سماع الأصوات النشاز للطـبـول الفارغة .

إن أهداف اتحادنا صريحة وقد أعـلـنـت في البيان التأسيسي ولذلك لم نـَـرَ ضرورة لتكرارها ، ومَن يرغب في الإطلاع عليها يمكنه الدخول على الرابط أدناه :

http: //www.ankawa.com/forum/index.php/topic,318958.0.html

تهنـئـة قلبية خالصة أسديها لأبناء شعبـنا الكلداني في كُـلِّ أماكن تـواجـده ، في الوطن الأم العراق ، وفي كافة بلدان المهجر ، بمناسبة ولادة الإتحاد العالَمي للكتاب والأدباء الكلدان ، كما اهنيء إخـوتي الذين ساهموا في إنجاز هذا الحصن المتين للدفاع عن كـرامة الأمة الكلدانية وحـقـوقـها المشروعة .


الشماس كوركيس مردو
في 4 / 8 / 2009

196

 لـم يكُن تآمُـرُ الآشوريين المُـزيـَّفين بخافٍ عـلـيـنا !


بـدايـة ً نتـقـدم بالتهـنئة للرئيس مسعـود البرزاني لفـوزه برئاسة الإقليم للمرة الثانية ولبقية أعضاء القيادة الكُردية بنجاح الإنتخابات البرلمانية والرئاسة الإقليمية التي جـرت يوم 25 / 7 / 2009 باسلـوبٍ ديمقراطي شفـاف أشاد به المشرفـون الـدوليـون ، رغم وجـود التحـديات الكبيرة والفعلية التي واجـهت القائمة الرئيسية للحزبين الكرديين الكبيرين < الديمقراطي الكردستاني والإتحاد الوطني الكردستاني > نتمنى لرئيس وشعـب اقليم كُردستان العراق بكُـل مُكـوناته العـِرقية والـدينية الموفقية والنجاح واستمرار الإستقـرار والسلام .

مِن المتـعارف عليه دولـياً وقبـل كُـلِّ مرحلـةٍ انتخابـية ولا سيما في البلـد الذي يعتمـد الديمقراطـية يُحاول قادتـُه وأحـزابـُه عن طـريـق مخـتـلـف الـوسائـل الاعـلامـية ايـصال أصـواتهـم والإعـلان عن الإنجازات التي سيسعـون إلى تحقـيـقـها في حالة فـوزهم ، كتحسين الظروف المعيشية للمواطـنيـن وتـوفيـر فـرص العمـل للعاطـليـن ، وتشيـيـد المجـمعـات السكـنـية والمستـوصـفات والمستشفـيـات  والمدارس  وال آخـره . . .  واقـليـم كردستان العـراق الذي قد ارتقى الى مستوى البلدان الـديمقـراطـية  أفسحت قيادتـُه المجالَ لمختلف القـوائم الإنتخابية لتخـوض معـركة انتخابات البرلمان ورئاسة الإقليم بحـريةٍ وديمقراطية .


وبالنسبة الى أبناء شعبنا المسيحي من الكلدان والسريان والآثوريين أو الآشوريين ، فقـد دخلت الى حلـبـة التـنافس الإنتخابي أربعـة قـوائم هي : قائمة الكـلـدان الموحـدة رقم (64 ) وقائمة الحـكـم الذاتي رقم ( 65 ) وقائمة الرافديـن رقم ( 67 ) وقائمة المجلس الشعبي رقم ( 68 ) لتتنافس على المقاعـد الخمسة ( الكـوتـا ) المخصصة لـها .

أ - قائمة المجلس الشعبي رقم (68 )
                                                                                                                                                                                                                                                                    كان نص الفقـرة الخاصة بكـوتا المسيحيـيـن يقضي بانـتخاب ممثلي المكـون المسيحي من قبـل المسيحـيـيـن أنفسهم < الكـلـدان والسريان والآثوريـيـن > ولكـن هـذا النص عـُدِّلَ بحـيث أجاز لكُـلِّ المكـونات الاخرى إمكانية التصويت لمقاعـد كوتا المسيحيين الخمسة، وجاء هذا التعديل لصالح قائمة المجلس الشعبي الذي يرأسه فعلياً السيد سركيس أغاجان ورمزياً السيد جميـل زيتـو، وبهذا التكتيك المُـقـنـَّـن استطاع السيد أغاجان استخدام نفـوذه على الناخبين ناهـيك عن ما بـذله مؤسس المجلس وراعيه السيـد سركيس أغاجان من أموال طائلة ووعـود وإغـراءات جـميـلة ، فـفازت قائمة المجلس الشعبي بثـلاثة مقاعـد من الكوتا ، ولـولا الخشية من انكشاف الملعوب لفازت بمقاعـد الكوتا الخمسة . وعـبـثاً يُحاول مُنـظـر المجلس الشعبي السيد أنطـوان الصنا تلميع وجـه هذا المجلس فهـو مشوهٌ بالكامل منذ انقـلابه الى واجهةٍ إعلاميةآشورية صرفة ، إنـه مجلس أسِّسَ بطريقةٍ استبـدادية من قبـل شخصٍ واحـدٍ يتمتع بنفـوذٍ واسع لدى بعض القياديين الأكراد المتنفذين ، أرخـوأ لـه العِنان ليفـعـل ما يشاء ، فاستغـلَّ ذلك أبشع استغـلال ، ولكن هيهات فالعـدلُ لـه بالمرصاد ولا بـدَّ للباطـل من نهاية إذ إنَّ الأمثال لم تُـضرَب سُدىً < لـو دامت لغيركَ لـَما وصـلـت إليـك > ليعلم هو وكُلُّ أمثالـه من منتحلي الآشورية المزيـفة ، بأن الشعب الكلداني الأصيـل بإرثـه الحضاري ولـغـته وايمانـه بقـوميته لن تـقـوى عليه أساليب الغِشِّ والخـداع ، فهو في قـمة وعيـه وعلمـه وإنسانيتـه لا تـهـزُّه عواصـف السياسة مهما كانت هـوجاء ، وهـل يعتقـد بأنه أقـوى من عـدو الكلدان الأول يونادم كنا الذي باءَت بالفشل الذريع كُـلُّ مؤامراته الشنيعة ودسائسه الخبيثة ضِدَّ الامة الكلدانية ، فجاء هـو ليجـرب حـظـه في هذا الطريق الشائك ؟ وأنت يا سيد أنطـوان الصنا ، هل لك أن تُـعلـمنا الى أية قـومية تنتمي ؟ هل أنت ثلاثي القـومية ؟ ماذا تـرمي من دفاعك المستميت عن المجلس الذي فـُرض على الشعب المسيحي العـراقي بطريقةٍ استبدادية غير حضارية ! هل قـرأتَ ما كُـتب عنك بقلم م . حـداد بعنـوان < انطوان الصنا المحامي > بتاريخ 27 تموز الجاري ؟ 

ب - قائمة الرافدين رقم ( 67 )

إنـها قائمة زوعا < الحركة الآشورية اللاديمقـراطية > بـل كما قلـت مراراً ، بأن مؤسسيها لم يُـوفـقـوا في تسميتها ، إذ لا يليـق بها إلا أسم < حـركة البـعـث الآشوري > على غـِرار < حـزب البعث العربي > إذ إنَّ أيديولوجيتيهما وتـوجهاتهما مطابقتان تماماً . دخلت هذه الإنتخابات منفـردة ً كعادتها التي جرت عليها في الإنتخابات العراقية والإقليمية ، وياتي ذلك من فـرط اعتدادها بالنفس الفارغ الذي تـُفرزه الأنانية الذاتية باحتكار المكاسب في حالة الحصول عليها ، وفي حالة فشلها تقـوم بإلقاء اللائمة على منافسيها متهمة ً إياهم بالتـزوير والإرشاء والإبتـزاز وشراء الذمم و و و ، وفي الحقيقة إن هذه الإتهمات هي المحشوة بها جُـعـبـتُـها ، وبذلك ينطبـق عليها المثل القائـل ( لا ينضح الإنـاءُ إلا بما فيه ) وهذا الشيء ما فعـلـته عنـدما تلـقـَّت صفعة ً مؤلمة ، في انتخابات مجالس المحافظات زلـزلت تـوازُنـها وحـطـَّت من هيبتها الـوهمية أصـلاً . إن هذه الحـركة الشوفينية تفتقـر الى الـروح الديمقـراطية التنافسية ، إنها بحاجةٍ للواقعية إذ ليس بوسعـها إحـراز الفـوز دون القبول بالخسارة ، لأن المسيرة الحياتية مُعَـرَّضة للـربح والخسارة ، وهذا أمر طبيعي لا يمكن الهروب منه .

إن أحزاب منتحلي التسمية الآشورية المزيفة وعلى رأسها حـركة زوعا ، ارتـدَت قناع المَكـر والخـداع وتـوجهت نحـو الكلدان لتقـول لـهم إننا نـدافع عن حـقـوقكم ، تـُرى أيُعقـل هذا ؟ أليس هذا الكلامُ هـُراءً ! من يُنكر القـومية الكلدانية كيف يُدافـع عن أبنائها ؟ ومن لا يعتـرف بالوجـود الكلداني ويُحاول محـوه مِن الخارطة الجغرافية والسكانية ، هل يُعتـَبـَر حامياً لهذا الـوجود ؟ ألا يكفيكم العدد الكبير من الكلدان الذين غـررتم بهم وسخـَّرتموهم في خدمة مآربـكم الشريرة في احتواء الكلدان ؟ هل كانت قائمتكم اليتيمة تفـوز بدون أصوات أبنائنا الكلدان المنخـدعين بكم ؟ هل كانت تفـوز بأصوات الخمسة آلاف فـرد مِن منتحلي الآشورية الباقين في العراق حتى لـو أن كُـلـَّهم يملكـون حـق َّ التصويت ؟ يا للأسف على هـؤلاء الكلدان الذين صنعـوا منكم شيئاً حين كنتم لا شيء !

ت - قائمة الكلدان الموحـدة رقم (64 )

لا اريـد أن أنـزع عنكَ فرحتكَ يا سيد أنطـوان الصنا بـعـدم تـفـوق قائمة الكلدان الموحـدة على قائمة ما سُمّيَ زورا بالمجلس الشعبي الذي وضعـتَ ذاتك منظـرا لـه ومدافعاً عن كُـل تصرفاتـه العِدائية ضِدَّ الكلدان الذين يرى فيهم بُـعبُـعاً يـؤرق عيـون مؤسسيه والمنتمين إليه وقد شرحت الأسباب فيما تـقـدم أعـلاه .أعتقـد أن سماعكَ لخبـر فـوز الكلدان بمقعـدٍ واحـدٍ في برلمان كردستان سيقع عليكَ وقـع الصاعـقة أليس كذلك؟هل كان تأسيس المجلس الذي تـتباهى به أسبـق من الأحـزاب والتنظـيمات الكلدانية ؟ أم أنك تُـقارن زمن تأسيس المجلس بزمن تشكيل الهـيئة العليا للتنظـيمات الكـلدانية ؟ كيف تصف التنظـيمات الكـلدانية بالحابية ؟ وهي التي تفـوقـت على مثيلاتها من التابعـة لمنتحلي الآشورية وبزمن ٍ قياسي؟ جاءت ولادة الهـيئة العـليا للتنظيمات الكـلدانية طبـيعية جـداً وفي الوقـت المناسب ، لكي تـتصدى للهجـمة الاعلامية الشرسة التي شُنَّـت على الكلدان من قبـل الكتاب المُرتزقين ، المجَـنـَّدين مِن قبـل منتحلي الآشورية المزيفة .

سترى وأرجو أن لا يصيبك الحـزن كيف ستكون للهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية العصى السحـرية التي ستـؤدي الى تطـور وتقـدم تنظيماتها ، وسنـغـيِّـر واقعـنا الكلداني داخـلاً وخـارجاً ، سنـبـرهـن لحُساد الكلدان بأن الديمغرافية هي التي ستسود في النهاية ، وسنعـلِّم شعبنا كيف ينبذ ولاءاتـه وانتماءاتـه الفكرية والسياسية وحتى الحزبية عن غير الكلدان . إنـها التجربة الاولى لقائمة الكـلدان الموحـدة تخـوضها في انتخابات برلمان ورئاسة الإقليم معتمدة ً على أصوات الكلدان المخلصين لقـوميتهم . نعم خاضتها بدون أن يُرصـد لها تمويل مالي وبـدون دعـم اعلامي وهذا أمر واقعي وليس تـذرعاً وبالرغم من ذلك فقد فازت بمقعـدٍ واحـدٍ رغم أنف الشامتين.أما ردك على ذلك بأن زوعا والـوطني الآشوري ليس لهما تمويلاً مهماً هو اعتراف بأن التمويل كان حكراً على مجـلسك الشعبي فقط وبذلك استطاع شراء الأصوات ليتمكن من الفـوز، ولكنك لم تنطق بالحقيقة بالنسبة الى الوطني الآشوري فهل يُعقـل بأن زعيمه وزير في حكـومة كردستان ويكون نصيبُ حزبه الحرمان .ما أشدَّ حقدك على الكلدان ، وما أبرعك في لصق التهم الإفترائية بهم.يا سيد أنطوان ، لماذا تكون مُرائياً !هل يُمكن مقارنة تـدخـل الكنيسة النسطورية بشقيها سياسياً مع تـدخـل كنيسة الكلدان الكاثوليكية ؟ لماذا لا تُحـكـِّم ضميرك بالموضوع ! إن للكلدان مآخـذ جمة على كنيستهم فهي في موقـفٍ لا تُحسد عليه ، تقـول ولا تفـعـل ولا أعتقـد بأنها تستطيع التحـرر من آثار ماضيها ، لقد مرت ست سنـوات ونحن في صراع مرير مع ناكري قـوميتنا ووجـودنا وهي صامتة لا تُحـرك ساكناً وعـندما نطقت مؤخـراً وضعت النقاط على الحروف دون أن تُكـمِّل المشوار ، لم نسمع يـوما كاهناً كلدانياً أو اسقفاً تحـدث في موعظته أيام الآحاد عن الشأن القـومي الكلداني ولـو تلميحاً أو إشارة ً ، بينما كهنة واساقفة النساطرة يُهملون الـوعظ الروحي ويُسهبون في ايقاظ الشعـور القـومي الآشوري وهم على عـلم بأنه مزيَّف . لا أريد الخـوض في نـواقـص كنيستي الكلدانية التي أعتـز بها جـداً من حيث شعورها الفاتر تجاه قـوميتها لكي لا يفـرح الشامتـون ، ولكنني أرجو أن تستفـيق من غـفـوتها وتـُناصر شعبـَها المُعـتدى عليه .

ث - قائمة الحكم الذاتي

إن رئيسة هذه القائمة هي الكلدانية جنان بـولس من مختصة كلدوآشور وليست بقيادة الوطني الآشوري كما يدعي أنطوان الصنا وإنما الوطني الآشوري متحالف معها ، وقد حوربت هذه القائمة من قبـل زعامة المجلس الشعبي المستبـدة على غـرار القائمة الكلدانية الموحـدة ، ولذلك لم تؤهلها الأصوات التي حصلت عليها للفـوز .

لقـد أخـذت هيستيريا الفـرح والشماتة مأخـذها من قادة أحزاب الكلدان النساطرة < آشوريي اليوم المزيفين > ومنظـريهم مِن ناكري قـوميتهم الكلدانية الأصيلة وجاعلي أنفسهم مُـرتـزقـيـن ، بـعـدم نجاح قائمة الكلدان الموحـدة في انتخابات برلمان ورئاسة اقـليـم كردستان العراق التي جرت يوم 25 / 7 / 2009 . إن الكلدان يعـلمون جيداً مدى التناحـر المرير القائم فيما بين أحـزاب وتنظيمات الكلدان النساطرة < منتحلي التسمية الآشورية المزيفة > والذي سيكون في النهاية سبباً في اضمحلالهم ثم زوالهم ، بـيـد أنهم بهذا المـدى وأكثر هم متـفـقـون اليوم على معاداة الكلدان والنيـل من حقـوقـهم ومطامحـهم العادلة ، ولكن هيهات فلـن ينالوا ما يستميتـون للوصول إليه ، فقد إتـخـذَ الكلدان قـرارهم وخطـوا الخطـوة الاولى في تـوجههم الصائب لتثبيت استقـلاليتهم وصـون كـرامتـهـم وحتماً ستـوصلهم الى الألف ميل كما قيـل .

إن الكلدان لا يعبأون بهذيانكم وتطاولكم على قائمة الكلدان الموحـدة بإضفائكم عليها صفات التـعـنصـر والتقسيم ، لأن هـدفها هو إثبات الهـوية القـومية الكلدانية المُجنى عليها مِن قبلكم أنتم الإنصاليون ( الكلدان النساطرة منتحلوالتسمية الآشورية الدخيلة ) ومِن قبـل الكلدان الذين غـررتم بهم وجعلتم منهم أذيالاً لكم ، تُعساً لكم ولـنـزعاتكم الشريرة ، بأصوات هؤلاء المتنكرين لقوميتهم فازت قائمة الرافـدين العميلة يا سيد فـوزي البازي ، لقد اشتريتم ضمائرهم لإبتـزاز أصواتهم ، ولكن أصحاب هذه الأصوات سيكتشفون يوماً أساليبكم الإحتيالية وينبذونكم نبذ النـواة ويعـودون الى حظيرة امتهم الكلدانية ، إنها أول تجـربةٍ للكلدان أيها الإنفصاليون المنشقـون وليس كما يدعي كذباً يونان هوزايا متشفياً . سيستخلص الكلدان منها العِبـَر ويعملـون على تـلافي الأسباب التي أدَّت الى غير ما كان متـوقعاً ، ولن يُثنيهم أيُّ شيءٍ عن مواصلة مسيرتهم في الدفاع عن هـويتهم والمطالبة بحقـوقـهم .

الشماس كوركيس مردو
في 31 /7 / 2009

197
لـقـد آن الأوان إيـهـا الـكـلـدان !



تـَعـَرَّضَ الكـلـدان لمُعاناةٍ كبيرة بعـد أفـول نجم سُلطانهم عام 539 ق . م مِن الأقـوام التي تعاقبت على حـكم وطـنـهم بـلاد وادي الرافـديـن ، ولـدى بـزوغ فـجـر المسيحية وأنار بـضوئـه الساطـع بلادَهـم كانـواالأسبـق الى قـبـول بُـشرى الخلاص المسيحية ، وما لـبـثـوا أن أسسوا كنيستـَهم وأطلـقـوا عليها اسم " كـنـيـسة المشرق " وسرعان ما انـتشرت الكنائسُ والمدارسُ والأديُـرة في مختلـف أرجاء البلاد وتشهـد عليها آثارُها الشاخـصة للعـيان الى اليـوم  .


لقـد زادت مُعاناة الكلدان بعـد اعتناقـهم الديانة المسيحية ، حيـث طالهـم التعـسفُ والظـلـمُ والإضطـهاد ، ولكـنَّ ذلك لم ينـل من عـزيمتهم وثبـاتـهم في ايمانهم ، وكلما ازدادت ضراوة الإضطهادات ضِدَّ المسيحية ، كانت المسيحية تخـتـرق القـلـوب الضامئة الى ماء الحياة ، فـتُـقـبـلُ النفـوسُ إليها زرافاتٍ ووحـدانا ، حتى غـدت ديانـة ً لأغـلـبـية السكان ، ولكن تقـلبات الأزمنة الرديئة المليـئة بالقسوة والقمـع والقـتـل والتهجير لم تـبـقَ مِنهم الـيـوم إلا نسبة ً لا تــتـجاوز 4 % من نفـوس العراق الصامديـن فـيه والذيـن اضطرتهـم الحاجة لمغادرتـه . إن هذا الـتـناقـص العـددي للكـلـدان هـو نـتـيـجـة لإستـمـرار المُخـطـطـ المعادي الـذي اعـتمدتـه ضِـدَّهـم الحكـوماتُ العراقـية الـمتعـاقـبة ، ونـفـذتـه بطـُرق ٍ شتى وفـقـاً لـدوافـعـها وأهـدافـها ، وكـان النـظـامُ البعثيُّ الأسـوأ بينها ، حيث مارس سياسة الـتعـريـب على المكـوَّنات الغيـر عربـية ولا سيما الشعـب الكـلداني الأصيـل الذي تـعـرَّض لإلغـاء قـومـيتـه وتـُراثـه من خلال حملاتٍ منـظمة ، ولم يكتـف بذلك فحسب بـل أصدر قـوانين مجحفة بحقـِّه ، إنـتـقـصـت من حرية أبنائـه وكـرامتـهم ونالـت من حقـوقـهم المشروعة .


واستبشر الكلدانُ خـيـراً كغـيرهم مِـن أبناء العراق كالعـرب والأكـراد وبـقـية المكـونات الأخـرى بسقـوط النـظام الديكـتاتـوري ظـناً منهم بأن العـراق مقـبـلٌ نحو مستـقبـل مشرق تسود فـيه الحـرية والديمقـراطية وينعـمُ مواطنوه بالمساواة والعدالـة ، إلا أن فألـَهم خاب ، فبـدل العـدالة التي كانوا ينشدونها وقـعـوا فـريسة ً سهلة بأيدي الفئات الكبيرة المتصارعة على السلطة والمصالح فتعـرَّضوا لحملـةٍ ظالمة طالـت كـنائسَهم بالحـرق والتـفجيـر ، ولـقـيَ أبناؤهم أنـواعاً من الأذى كالقـتـل والخـطـف والتهـديـد والإرهاب والتهجـيـر .


وبالإضافـة الى كُـلِّ ما تـقـدمَ ذِكـرُه ، فقـد تـزامنـت معـه حـملـة ٌمِن نـوع آخـر على الكـلـدان قادهـا ضِـدَّهـم مَن يـدَّعـون أخـوَّتـَهـم ، فقـد لعـبـوا دوراً قـذراً ومُـقـزِّزاً تجاهـهم مُسخـِّريـن قـواهم للـنيـل منهم ، محاولـيـن وبشتى الـوسائـل الملـتـويـة إلـغاءَ قـوميـتهـم وإقصاءَهـم عن العـمـل السياسي والحـيـلـولـة َ دون حصـولـهـم على استحـقـاقـاتهـم الـدستـوريـة طـوال الأعـوام التي تـلـت التـغـيـُّر السياسي . لـقـد تـَفـنـنـوا في ابـتـكار تسمياتٍ غـريبة بهدف تغييب تسميتنا القـومية الكلدانية النبيلة ، فتارة ً ينعـتـونـها بالمذهب  وطـوراً يعـطـفـون عليها تسمياتهم الدخيلة ، وأخـيراً إبتـدَعـوا تسميةً ثلاثية مُـركـَّبـة لا مثيـل لها في تاريخ الشعـوب ، كُـلُّ ذلك من أجـل الإستـحـواذِ على مُـقـدراتِ الشعـب الكـلداني باستـغـلال أكـثريـتـه الـديـمغـرافـيـة لصالحـهم .


إزاءَ هذه المحاولات والتصرفات المشينة ، بادر الغـيارى من أبناء الشعب الكلداني ، الى لـَمِّ شملـهم وتـوحيـد خطابـهم السياسي عن طريـق أحزابـهم ومنظماتـهم المختلـفة ، بتشكـيلهم هيئـة عامة تحت اسم ( الهـيـئة العـلـيا للتنظيمات الكلدانية ) التي ستـقـوم بـبلـورت مطالب الكـلدان وطـموحاتـهم دون أن تأخـذ دور هذه الأحـزاب والتـنـظـيمات التي ستبقـى حـرة ًفي أنشطتها وفعالياتها . ولذلك نـرى في الفترة القصيرة الماضية ساحة العمـل القـومي الكلداني تـعـج بالنشاطـ الذي أفـرز تـقـدماً ملحـوظاً يُستـدَلُّ منه على فاتـحـة خير بمستـقـبـل أفضل ينتظر الكلدان وعلى مختـلـف الصًّـعـُد . فالى جانـب تشكيل الهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية ، كان هنالك بيان الأساقـفـة الكـلـدان الـداعـم القـوي للجـهـد السياسي القـومي الكـلـداني ، وتـلـته جـهـود الكـتاب والأدباء والمثـقـفيـن الكلدان المنادين بضرورة تـوحيـد العـمل القـومي والخطاب السياسي الكـلـداني ، وأخيراً الإتـفـاق على خـوض انـتـخابات البرلـمان الكُـردستاني  بقـائـمـةٍ مـوحـَّدة  رقـمُـها (  ) وقـد تـبـنـّاها الـحـزبـان الكـلـدانيان : حـزب الإتـحـاد الديمقراطي الكلداني والمجل[color=blue]64[/color]س القـومي الكـلداني وحـظـيـت بـدعـم المنـبـر الديمقـراطي الكـلـداني والـنخـبة من الأكادميـيـن الكـلدان المستـقـليـن  .


من أجـل هذه الغـاية عَـنـونـتُ مقالي هـذا مُهـيـباً بـبـني قـومي وأحـبائي الكـلـدان قائـلاً لـهم ( لـقـد آن الأوان أيها الكـلـدان ) لتكـسروا حاجـز الصـمـت وتـهـُبـُّوا لإعـطاء أصـواتـكـم لـقـائـمة الكـلـدان الـموحـدة (    ) إنـها قائمـتكـم الـوحـيدة ، إنـتـخـبـوها ، هـدفـها العـمل للحصول على جميع حـرقـم 64قـوقـنا المشروعة والتعـريف بأن الكلدان هم المكـوَّن الأصيل للعـراق والإقـلـيم ، فضلاً عن حـرصها الكبير للحـفأظـ على تسميـتـنا القـومية الكـلدانية مستقـلـة بـدون تحريـفٍ أو تـشويـه .


أما الـقـوائـم الأخرى يا أعـزائـي الكـلـدان التي نـَكُـنُّ احـتراماً لأعـضائـها ، فإنـها لا تخـدم الكلدان إن لـم تضـرُّهـم ، وما ذِكـرُ اسم الكـلـدان فيـها إلا مُـناورة مِنهـم لكسب أصوات الكلدان ، قـد يكـون بعـضٌ مِن أعضائها كـلـداناً ولكنهم بالأسم فـقط ، لأنـهم قـد تـَـنـَكــروا لـقـوميتهم الكلدانية وأصبحـوا مُتأشورين ، وأكثـر عِـداءً للكلدان مِن أسيادهم الآشوريـيـن المزيَّـفيـن ، ويقـومون بأعمال مضِرّة للكلدان ، مثـل قيامهم بتمزيق الإعـلانات الدِعائـية الخاصة بـقـائـمة الكـلـدان الموحـدة ( رقـم 64 ) ويخـدعـون البسطـاءَ من أبـناء الكـلـدان عن طريـق الإغـراء والرشوة  ، إن القـوميـة أيـها الأحباء لا تـُباع ولا تـُشتـرى وهي أغـلى من بعـض الدولارات التي يُـغـرونـَـكم بها ، وإذا أردتــُّم أن تـعـرفـوا الحقيقة إن هذه الدولارات هي مسروقـة من حصة الكـلدان ، سرقـها ما يسمى بالمجلس الشعبي زوراً ، فإنـه مجلس آشوري آشوري آشوري . كـونـوا حـذريـن وخاصة ً من الكـلـدان الضعـيـفي النـفـوس المتخـنـدقـيـن مع الآشوريـيـن .


نـدعـوكم مـرة ثانية لإعـطاء أصـواتكم لقائمة الكـلـدان الموحَّـدة ( رقـم 64 ) وبـذلك تُبـرهـنون بأنـكم أحـفاد الكلدان العـظمام الذين أنشأوا أعظـم إمبراطـوريةٍ عـرفها التاريخ القـديم في بـلادهم  ما بـيـن النـهـرين ، وقـدموا للعـالـَم ثـروة ً حضارية عظيمة بقـوانيـنـهم وعـلومهم تشهـد عـليـها مسلاتُـهم القـابـعـة في صالات المتاحـف العـالَـميـة  .


نـرجـو أن نـكـون قـد أوصلـنا صـوتـَنا الكلداني إليكم ، خـدمـة ً لأمتنا الكلدانية وحـرصاً على قـوميتنا مِن عـَبـَث العابـثيـن وتـهـالـُك المُغـرضين الحـاقـديـن ، متمنيـن لكـم الأمن والسلام . نـذكركـم أن لا تنسوا يـوم الخامس والعشرين من تموز الجاري لاداء واجبكم القـومي والـوطـني  .


الشماس كـوركـيس مـردو
في 15 / 7 / 2009

198

الـتـَخـَرُّصات الكـتـابـيـة لـبعض الـجـهـلاء ! ج / 3

الجـزء الثالـث

وفي هذا الجـزء أيضاً نـواصل دحض أقـوال وأجـوبة السيد آشور بيث شليمون بخصوص رد السيد نـزار ملاخا على المتأشور دوني جـورج ومن تساؤلات السيد ملاخا قـولـُه :

ملاخا : وهل توهم الكاتب بنيامبن كوركيس بيت أشيتا في كتابه " ريشنوتا " حينما ذكر نصا ما يلي : - إن جميع هؤلاء الأجانب الذين كانوا يزورون ديارنا لم يطلقوا علينا تسمية الآثورية وإنما كانوا يدعوننا بالكلدان ؟


الإجابة : < جميل جدا ، أولا أن إسمه الصحيح هوالشماس كيوركيس بيث بنيامين دآشيتا ، أما إذا كان ما قاله هذا الشماس الورع صحيحا ، فكيف تقيمون الدنيا ولا تقعدوها اليوم بأن الانكليز هم الذين أطلقوا علينا التسمية الآشورية ، ولكن أدرك ما لا تدركه أنت وهو ما يعنيه الشماس بيث بنيامين رحمه الله هنا هو أن الارساليات الكاثوليكية هي التي فرضت التسمية الكلدانية هذه عليكم وفي ذلك الوقت كنتم الأكثرية لذلك استخدم التعبير تجوزا . ونفس الشئ حصل مثلا في سوريا والعراق حيث نعرف نحن معشر الشعب الآشوري عادة بالتيارية - وعشيرة تياري لا تؤلف 15% من الآشوريين وذلك لم يمنع للداني والقاصي آشوريتنا إطلاقاً >


وأنا أقـول لكَ : إنَّ تفسيرك لأقـوال الشماس كيوركيس بنيامين دبيث أشيثا هـو تشويه للحقيقة التي تستميتون للتعتيم عـليها ، قـد يكون السيد ملاخا لم ينقل أقواله حرفياً ، فإليك ما قاله نصاً <  يُؤَكِّـدُ السيد كيوركيس بنيامين بيث أشيثا في كتابه ( الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987م ) والذي عاش هذه المأساة  فتكونُ شهادتُه أدمغ وأصدق حيث يقول :  <  إن كُلَّ هؤلاء الكُـتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم ( الآثوريين ) الذي نتداوله نحن اليوم ، بل كانوا يقولون عنا , أو  يدعوننا بالكلدان ولو كُنا نختلف بالمذهب ، وإن إسم ( الآثوريين ) أبتـدأَ بـتـداولِه الانكليزُ منذ نهاية القـرن التاسع عشر ، عـنـدما وصـل المبـشرون الانكلـيز مِن انكلـترة الى ديارنا سنة 1884م > إنَّ حبـل الكـذب قصير جدا يا سيد آشور وعليكم تحاشيه لأنه لا يُفيـدكم ! وأود أن اؤكـد لك ولكُل مَن هم على شاكلتك بـل لكُلِّ منتحلي التسمية الآشورية المزيفة استناداً الى اقـوال الباحثين والمؤرخين :


يُـشيـرُ  أحمد سوسة الى هذا الـدور في كتابه ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص . 596 - 597 ) <  وَفـَـدَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيـرية انكليـزية ، وحاولت  تحـويـل هذه الـجماعة  مِن مذهـبهـم الـنسطـوري الى مذهـبـها البروتستانـتي ، غـيرَ أنها لم تُـفـلح ، ولكـنها نـَجَـحَــت في إقـنـاعهـم بـأن ( النسطورية  -  النساطرة ) لا تـليـقـان بهـم ، وعـليهـم استـبـدالهـما بلـفـظـتي ( آثور -  آثوريين ) لكي ترفـعا مِن شأنهم في الأوساط العالمية ، ويكون بالإمكان في هذه الحال نَسبُهـما الى الآشوريين القدماء ، ويُضيـفُ سوسة  ، لم يـذَّخِـر رئيسُ الـبعثة  وليم ويكرام وِسعاً في لِعـب دور ٍ دِعائيٍّ كبـير لـنشر هذا الاسم ( آثوريين ) وتعـريـف العالَم بالمأساة التي تعـرَّضَ لها مَن دعاهم ( أحفاد شلمَنَصَّر ) ، بـينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قـدوم هؤلاء المُبشِّرين .


وتحت هذه الإغـراءات والتـعـهـدات الكـاذبة استطاع المُخادعـون الإنكليز إقـناع البطريرك شمعـون روبين وابنة شقـيقـه سُـرمـا وعـددٍ من رؤساء عشائرهم ، تحـدوهم رغبة ٌ جامحة بالتخـلـُّص من سيطرة وظـُلم الشعـوب المُسلمة المحيطة بهم ، ولـذلك لـَبـّوا مطالب الإنكليز وقـرَّروا التـعاون معهـم متـأثّـرين بالأفكـار التي عرضـوها عليهم . ولكي يُـثـبـت الإنكليز حسن نيتهم لهؤلاء الناس الذين كانوا في حالةٍ يُرثى لها من الجهل والبـؤس والفـقـر ،  فـتحـوا لأبنائهم المـدارس ، وأصدروا لهم جريدة باسم ( زهريرا ) ، وفي سبيل إحباطـ أيِّ فِـكـر ٍ سلبي لدى البطريرك مار شمعـون ، منـحـوه وعائلته مبلغ ( 7000 ) جنيه استرليني . ونتيجة ً لمدى الجـهل المسيطر على هؤلاء الكلدان النساطرة انطلـت عليهم ألاعيب الإنكليز ونـواياهـم الخبيثة .


ومِن أهمِّ الأهـداف التي سَعَـت المملكة المتحـدة لتحـقيـقَها عن طريـق هؤلاء الكـلـدان النساطرة الـذين أثـوَرتهـم بالإضافة الى جانـب إيـجاد موطيءِ قـدم لها في لُـبِّ السلطـنة العثمانـية، ومنافسة نفوذِ روسيا القيصرية هو فرض رأيها بشؤون السلطـنة ، كان سعـيُها الى ايقاف المَد الكاثـوليـكي الذي كادَ يكـتسح منطـقة نفـوذ مار شمعون ،  فاستخدمت لتحقـيـق هذا الغرض مبعـوثي كنيسة كانتيربري الأنكـليكانـية وأسطـع بُرهان على ذلك ما أوردته ( مجلة النجم في عَدَدِها الخامس لسنة 1929م ): < كانت بعثة رهبانية كاثوليكية دومنيكية قد حَلَّت في منطقة رعايا مار شمعون المشارقة الكـلدان المعروفـين بالنساطرة ، قامت بأنـشطـةٍ متـنـوِّعة حيث أنشأت مدارسَ لهـؤلاء النساطرة الكـلدان ووَفـَّـرَت لهم مُخـتـلف الخـدمات الطبـية ، فـنالـت التقـديرَ والثناء مِن لَـدُنهم وأقبلـوا على اكـتساب العِلم والثـقافة فشكَّـلَ ذلك غضباً وامتعاضاً لدي المبشريـن الأنكـليكان لسبَـبَـين أولهما رفض النساطرة لمطـلبهم بتغـيير مذهبهم النسطوري الى الأنكـليكاني البروتستانـتي ، والثاني خِشيتهم مِن ضياع الفرصة على الانكليز في استغلالهم لتحقيق أهدافهم الإستعمارية عن طريقـهم فيما لو تـكـثـلكوا حيث سيُصبـح تَوَحُّـدُهم تحت راية الكنيسة الام الجامعة مفروغاً منه تلقائياً ، ولـَما أفلحوا في ايجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً مِن تسميتهم القومية الكلدانية الأصيلة ، فصَمَّموا على فعل كُلِّ ما بوسعهم لقـلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثَمَن وبأية وسيلة .


وذكرت ( مجلة النجم العدد الخامس لعام 1929 م )  وعِبر مُخططهم هذا علموا بأن مار شمعون روبين طلب مِن شقـيقِه وابن عَمِّه أن يُسافـرا الى الموصل ،  ويطـلبا مقابـلة البطريرك الكلداني الكاثوليكي للبحث في موضوع توحيد شطرَي الكنيسة ، وفي أثناء وجود مبعوثي مار شمعون في الموصل للتـفـاوض بشأن الوحدة ، وافت مار شمعون المَنِيَّة عام 1903م ، وقـيل بأن الانـكلـيـز كانوا وراء الـوفاة ، حيث استغـلوا غيابَ إبن عم مار شمعون المُرشَّح لخلافتِه لوجوده في الموصل ، وقاموا ببذل جهودٍ مُضنية لتشجيع وإقناع النساطرة لتـنصيب إبن شقيق مار شمعون الثاني بطريركاً بدلا ً عنه ،  وبذلك استطاعوا إضاعة فرصة قيام الوحدة ، وكانت تلك ضربةَ قاصمة  > .

ملاخا : هل تعلم يا دكتور بأنه هناك مسلة " مسلة رسام " وهي معروضة في المتحف البريطاني ..... يقول آشور بانيبال " أمرتني الآلهة أن أتقدم نحو عيلام ، وكانت حملتي الخامسة حيث سيطرت عليها بالكامل مستعينا بقوة آشور وعشتار وفي طريق عودتي وجهت صوب مملكة كمبولو الكلدانية وكان ملكها دنانو بن أكيشا ؟


الإجابة : < متأكد بان الأخ الدكتور دوني جورج يعرف وأكثر من ذلك بأنها مسلة - آشور بانيبال – لأن السيد الرسام ليس له مسلة ، ومن ثم قيلت على لسان ملك آشوري عظيم ، ولكن الذي تريد تجاهله أنت وغيرك من الأخوة الضالين أن هؤلاء الكلدان المذكورين من قبل هذا الأمبراطور الآشوري لم يكونوا في تل كيف أو ألقوش بل كما نقول ليل نهار كان وجودهم في الجنوب وبالضبط في الأهوار يا عزيزي هل من سامع >


لم يقصد السيد ملاخا بأن المسلة تعود للسيد رسام وأنتَ تعرف ذلك جيداً ، بل تعود الى " آشور بانيبال " وبسبـب اكتشافـها من قبـل المنقـب الآثاري الكلداني " هـرمـز رسام " ومِـن باب التكريم لجـهوده ، سُجِّلت باسمه في المتحـف ، ونـعلم جيداً أن اولئك الكلدان الذين ذكـرهم " بانيبال " كانوا آنـذاك في الجنـوب ، وكان غـيرهم الذين أسروا من قبـل الملوك الآشوريين الطغاة مثل سركون الثاني وابنه الملك سنحاريب يسكنـون في قـرى سهـل نينـوى بدءاً من تلكيـف ، باطنايا ، باقـوفا ، تللسقـف فألقوش  وباقي القرى الكلدانية الأخـرى ، وقد أسكِـنـوا في هذه القرى لقـربها من العاصمة نينوى ، حيث استـُخـدموا في المشاريع العمرانية الآشورية كما أشار الى ذلك سنحاريب بأنه استخـدم الأسرى الكلدان في بناء مدينة والـده " دور شروكيـن " ( خورساباد ) .

 ويسأل ملاخا :وهل أخطأ ابن النديم حينما قال في كتابه " الفهرس " عن سكان مدينة - حران – الواقعة على الخابور في تركيا مسميا إياهم بالكلدانيين ؟ 
                                                                                                                                  الإجابة : < لا لم يخطئ ، لأنه هنا لا يعني كلدان الجنوب ، بل أولئك المختصون بعلم الأفلاك والنجوم أو الذين يمتهنون التنجبم والسحروالشعوذة . ومن ثم حران مدينة آشورية وآخر عاصمة للآشوريين ، للتأكد أنظر كتاب " كلدو/ بابل وآثور " من مدن آثور صفحة 5-6
والخطأ الوحيد هنا إذا كان استشهادك صحيحا أن مدينة حران تقع على نهر البليخ رافد آخر لنهر الفرات وليس على نهر الخابور السوري . ( هذه من فذلكات المهندس حبيب حنونا لقيت إجابتها مني في مجلة " المنتدى " للأخ فؤاد منا>


إن الأوصاف التي تتشدقـون أنتم معشر منتحلي الآشورية المزيفة بإطلاقها على الكلدان هي كالطبـول الجـوفاء يُـردِّدها الأعـداء للنيل مِن مآثـر وأمجاد أمتنا الكلدانية ، وبذلك تُبرهـنـون أنكم أعداؤنا ، فلماذا إذاً تـلهثـون وراء الكلدان قائليـن أننا امة واحـدة ، أليس هذا تناقضاً مخـزياً ؟ أقول لك يا سيد آشور دبيث شليمون: كانت مدينة " حـرّان " آخـر معقـل ٍ للاشوريين المهزومين الذين التجـأوا إليها بقيادة مَن نصب نفسَه ملكاً عليهم " آشور ابلـيط الثاني " وانضمَّ إليهم كُلُّ مَن كان باقـياً من الآشوريين في مناطق اقلـيم آشور الاخرى فتحصَّنـوا فيها ،  ولكن قـوات التحالـف الكلداني الميدي ، لم تُـمهلهم طـويلاً ، إذ بعد ثلاث سنوات من تـدميرها للعاصمة نينوى ، لاحقـتهم الى عقر دارهم في حـرّان  وقضت عليهم القضاء المبرم ، فغـدت حـرّان مدينة كلدانية وسكنـها أبناء الكلدان ، وإن آخر ملوك الإمبراطـورية الكلدانية كان الملك " نـبـونـئيـد " وهو من أبناء مدينة حـرّان .


ملاخا : ألم يقل الأستاذ طه باقر بأن التسمية الآشورية أطلقت عليهم ( يقصد على الآشوريين ) لأسباب سياسية ؟ 
                                                                                                                                الإجابة :< إذا قال ذلك الأستاذ طه باقر ، لا غرابة في الأمر وشأنه شأن كل العروبيين الذين من عادتهم تزوير التاريخ كما قلنا أعلاه ، وهم عادة ينظرون كما يقال على كثير من الأمور بعين واحدة ولكن الغريب إذا كان مثل هذا الإسم لا يلائمنا على حد زعمه ولكنه لم يكشف هويتنا الصحيحة ! إن العروبيين الى اليوم يبكون لفقدان الأندلس حتى أن أديبا منهم ألف كتابا تحت عنوان " غروب الأندلس " ( 9 ) في وقت بحّت حناجرهم بالتنديد بالإستعمار من الخليج الثائر الى المحيط الهادر ! >


وماذا عن أسيادكم الإنكليز أليسوا أسوأ المزورين أمثال " وليم ويكِـرام " و " هنري لايارد " وغيرهما ، ألـم يقـوموا بتزيـيفـكم بإسباغ التسمية الآشورية الدخيلة علـيـكم من أجل غاياتهم الإستعمارية الشريرة جاعليـن منكم كبش فـداءٍ لأطماعهم . ومع كل ذلك لا زلتم خـدامهم المطيعين .ولا تستشهـدون إلا بأقـوالهم الكاذبة ، وثم ما علاقة المؤرخ طـه باقـر ببكاء بعض العرب على الأنـدلس . 

ملاخا : وبالمقابل أين تجد العبارة التالية : " بطريركا محيلا دكلذاي ؟ّّ                                                                                                                                                             



 الإجابة : أولا ليس هناك " كلذاي " بل كلداي والعبارة توجد في ختم البطيرك النسطوري الذي دخل الكاثوليكية بالخطأ ممن أسمتهم روما ( كلدان ) ثم عاد الى كنيسة الأم ولكن ظل محافظا على الختم الكاثوليكي في حوزته ولكن عموما كل المسيحيين في الهلال الخصيب عرفوا بالسريان أو سوراي/ أسوراي .


إنـَّه تهـرُّبٌ من السؤال واللفظة الصحيحة هي ( كـلـدايي ܟܠܕܝܐ ) وقد استخدم هذا الخـتم كُلُّ البطاركة النساطرة حتى البطريرك المُغـتـال في أمريكا عام 1975ايشاي شمعون (21) .وبإمكان القاريء مشاهـدة صورة من هذا الختم المستعمل من قبل البطريرك ايشاي شمعون المؤرخ في 20 أيلول 1933 في الصفحة (7 ) من مجلة المنتدى / مشيكَـن العدد (8) للسنة (5) آذار 2001  .                                                                                                                                                                                                         
 ملاخا : وهل أخطأ المؤرخ اليوناني عندما ذكر بأنه تصدت لهم فرقة من المسلحين الكلدان ؟


الإجابة :< لا لم يخطئ ، بل أخطأ المهندس حبيب حنونا الذي زور الحادث كما يحلو له ولك وهي أن الذين تصدوا لهم كانوا مرتزقة من الأرمن ، ماردينيين والكلدان ( 10 ) في خدمة أورونتوس وأرتوكاس (Orontas and Artochas ) في أقصى الشمال على التخوم الأرمنية ( ربما جبال كردستان ) ومن ثم ما دخل هذا الحدث الذي يعود الى القرن الخامس قبل الميلاد >


يا سيـد آشور ، في الحقيقة هنالك مزورون للتاريخ كثيرون ، وأنتم منتحلو الآشورية المزيفة في المقدمة منهم ، لأن مـدربيكم الإنكليز هم المتفـوقـون في هذا المجال ، ولذلك نـراكم تستشهدون بهم في كُل ما تكتبون وتنشرون . أما قـولك ما دخـل هذا الحدث ، فالجواب هو تأكيد انـقـراض الآشوريين منذ الربع الأخير من القرن السابـع قبـل الميلاد .


< وقبل الختام ، أعتقد قرأت للأخ حبيب تومي الاكتشاف الجديد لهؤلاء من منتحلي الكلدانية كقصة العالم اليوناني " أرخميدس " الذي هتف قائلا وجدتها وجدتها / Eureka الذي استشهد من كتاب ( الحضرة ) كما سماه خطأ وبالحقيقة لا ألومه لأن لغة هؤلاء هي كما أقول دائما هي اللغة العربية الى درجة أن شماسا ( كما يدعي ) منهم يتبارى ليكون عميدا للغة العربية إلى درجة أن كتاباته تبدو عادة مشكلة بينما في اللغة التي يفتخر بها الكلدانية ربما أمي و لا يعرف شيئا >


إن اللغة الكلدانية الفصحى منذ انحسارها أمام اللغة العربية في عهد العباسيين الأخير والعهد المغولي ثم العثماني، قـلَّ تـداولـُها بين عامة الشعـب الكـلداني ، حيـث استعاض عنها بـتـداولـه اللغة السوادية الدارجة في تعاملـه الإجـتماعي ، وبقيـت الفصحى خاصة بالطـقـس الكنسي يتعـلمها الإكليروس بمختـلـف درجاته من البـطريـرك والأساقـفـة والكهنـة والشمامسة ، وبما أن الأخ حبـيـب ليس إكليـروسياً لذلك اختلطـت عليه كتابة الاسم الصحيح لكتاب الصلـوات الطقسية لمـدار السنة ، حيث كتبـه " كتاب الحضرة عوضاً عن كتاب الحوذرا " وهذا لا يُعتبر نقصاً يُلام عليه ، ولكني أسألك أنتَ يا سيد آشور : هل تعرف أن تكتب اسمك بلغتنا الكلدانية التي سرقتموها منا، مثلما سرقتم تاريخ الكلدان وحضارة الكلدان ومنجـزاتهم وعزوتموها لتسميتكم المزيفة ؟ أتحداك إذا كنت قادراً على كتابة رسالة صغيرة باللغة الكلدانية التي شوهتمـوها بتسميتكم السمجة ( الآشورية ) . نحن الكلدان نتقن اللغة العربية لأنها اللغة الرسمية لبلدنا وبها يجري التداول الرسمي ، واللغة العربية ليست خاصة بالإسلام لأنها كانت موجودة قبل ظهور الإسلام ، والكلدان هم الذين علموها لهم .

أنا هو ذلك الشماس الذي أشرت إليه ، وأقشعر عندما أقرأ كتاباتكم الركيكة لـغة ً والهزيلـة معنىً ، وأنا لا أتحـداك باللغة العربية لأنني أعرف حجمكم بها ، بل أتحداك باللغة الكلدانية الفصحى ، التي سرقتموها من الكلدان أصحابها كعادتكم في سرق كُلِّ ما يعـود للكلدان لتنسبوه زؤراً للآشوريين الذين انتحلتم تسميتهم ، ويا ليتك تحاول أن تكـتب ولو باللهجـة الآثورية لأنني اتـقـنها ، بسبب كوني مديراً لشركةٍ كان يملكها آثوري في بغـداد ، وكان حديثنا باللهجة الآثورية وسأريك الأخطاء التي ستـقع بها .

 وإلـيـكَ وصفٌ لمشهد المؤمنين الذين يُسمّيهم المؤَلف مار  ماروثا الميافارقيني كلداناً ، وكان سيف الإضطهاد الشابوري يحصدهم ،  في ترنيمةٍ طقسية كنسية معاصرة لتلك الأحداث المريرة يجري ترتيلُها في صلاة المساء ( الرمش ) ليوم الجمعة هذا نصُّها : -  ( ܡܠܟܐ ܕܪܘܡܐ ܥܡ ܦܠܚܘܗܝ ܣܝܥ ܠܓܘܕܐ ܕܡܗܝܡܢܐ ܢܦܩ ܦܘܩܕܢܐ ܕܢܬܩܛܠܘܢ ܣܗܕܐ ܟܐܢܐ ܒܝܕ ܣܝܦܐ ܬܗܪ ܟܠܕܝܐ ܟܕ ܩܝܡܝܢ ܘܙܩܦ ܨܒܥܐ ܟܕ ܐܡܪܝܢ ܕܪܒ ܐܠܗܗܘܢ ܕܡܗܝܡܢܐ ܕܟܕ ܠܐ ܡܬܚܙܐ ܦܪܩ ܠܗܘܢ وترجمتها : إنَّ ملكَ العُلى وجُندَه ، يمنح عوناً لجميع المؤمنين ، فقد صَدَرَ الأمرُ ليُقتَلَ الشهداءُ الأبرارُ بحَدِّ السيف . بُهِتَ الكلدان وانتفضوا وقوفاً ، ورفعوا الإصبعَ قائلين : عظيماً هو إله المؤمِنين ، فهو يُنقذهم وإن كان لا يُرى .) انظر : ( كتاب الفرض الحوذرا / اللحن التاسع ص 364 - 365 الترنيمة التاسعة ) تُرى، لماذا لم يُسمّي اولئك المؤمِنين بالآشوريين؟الجواب بسيط جداً وبديهي هو مِن غير الممكن إعطاء وجود لِما هو غير موجود.    ولم تهدأ الاضطهدات والمذابح  في ايام ارداشير الثاني وأواخر عهد يزدجرد الأول  ولكن أقسى الاضطهاد والذي دام خمس سنوات  كان في عهد  بهرام  الخامس بنِ  يزدجرد الأول  وبعد موت بهرام  خلفه إبنُه  يزدجرد الثاني عام 438 م  وقد سار على نهج  والده  في اضطهاده  للمسيحيين بقسوة حتى موته عام457 م  .


< والخلاصة ، كل ما قاله الدكتور دوني جورج هو عين الصواب للأسباب المذكوره أعلاه ، لأن الشعب القاطن في الشمال وخصوصا في سهل نينوى دوما عرف بالشعب الآشوري .
لو كان الكلدان القدامى حريصون جدا للحفاظ على هويتهم الكلدانية ، ألم يكن الأفضل والأصدق أن يكون حضورهم في موطنهم الأصلي ألا وهو على الخليج السومري ؟ حيث اليوم وحتى قبل
أكثر من عشر قرون لم يثبت وجودهم في الجنوب حتى في قرية ذي بيتين! ثم عزيزي في كثير من الأحيان تخوض في مواضيع لا علاقة لها فيما نتحدث لكي تزودنا بإنجازات الكلدان التي لا
ننكرها وأنت وغيرك من الاخوة الكلدان الآخرين قابعين على أطلال نينوى ، ومن ثم تعرف جيدا أن تلك الانجازات حققت في الجنوب ولا في الشمال في بلاد أشور، أما إذا كانت في بلاد آشور اذن أخبرنا .على كل ، نحن هنا لسنا في سباق ماراثون لنذكر إنجازات شعوبنا كلدانية كانت أم آشورية ، مثل الأطفال الصغار ، فالتاريخ يشهد على مناقبنا بالتأكيد وكل الكتب التاريخية لبلاد الرافدين عادة ترتكز على الشعب البابلي والآشوري عموما لدرجة أن الفرد لا يجد كتابا خاصا بالكلدان ولا بالآراميين وكل ما يكتب عن هذين الشعبين لهو ملحق بتاريخ الآشوري البابلي . >



لقد قـرأت مقال د . داني جـورج ، للأسف لم يحترم درجتـه ، لقد باع ضميره لمنتحلي الآشورية المزيفة بثمن ٍ بخس ، فـتجـنى على نفسه بخيانته للأمانة التاريخية ، لأنـه يعلم يقيناً بأن مَن يسمون بالآشوريين اليوم لا تربطهم أية صلـةٍ بآشوريي التاريخ القدماء الذين حكم عليهم التاريخ بالفناء الأبـدي . نحن الكلدان لا نـُنكر أن سهـل نينوى كان جزءاً من الإقليم الآشوري ، وليس بإمكاننا أن نـُنكر بأن القسم الأكبر من البلدات والقرى التي يسكنها الكلدان اليوم كانت تعـود للآشوريين قبل إبادتهم من قبل الكلدان والميديين خلال الربع الأخير من القـرن السابع قبل الميلاد ، وبعد الإبادة تأهـَّلـت بأبناء الكلدان ، لذلك فتعويلكم على الجانب الجغرافي دون اعتباركم للجانب التاريخي والـديمغـرافي هو خطأ فادح لا يجـوز لكم التمسك به . ولا تنسوا ان المجتمع الآشوري لم يكن ذا عِـرق واحد وإنما كان خليـطاً متعـدِّد الأعـراق ، وهذا التعـدد كان نتيجة السياسة التي كان يتبعها الملوك الآشوريون وهي إفـراغ البلـدان التي يحتلونها وجلب سكانها كأسرى حرب وتـوطينهم في البلاد الآشورية لكي تضعـف تلك البلدان . وطـبـَّقَ الملوك الآشوريون هذه السياسة بشكلٍ خاص مع الممالك الكلدانية وسجـلوها في حـولياتهم وكان لسنحاريب الباع الأطـول في هذا المجال ، حيـث اشتهر بكثرة حملاتِه العسكرية ولا سيما التي قادها ضِدَّ بلاد الكلدان ، وأهمُّ  الأهداف التي  كان يَتوخّاها مِنها ، هو سَعيُه الى توحيد الأقوام القاطنة في أرجاء بلاد ما بين النهرين وبخاصةٍ الكلدان الأكبر عدداً بينهم عن طريق القوة ، ومِن ثَمَّ صهرها في بودقة الدولة الآشورية ، لتطعيم المُجتمع الآشوري المُنصرف بكليته  الى الأعمال العسكرية ، بحيث  لم  ينفسح له  مجالٌ  لاكتساب العلم والمعرفة والثقافة  إلاّ بحدِّها الأدنى ،  بشرائح  مِن تلك  الأقوام وكان الكلدان الأسرى المُرحلين الى الاقليم الآشوري الشريحة الأكبر التي اندمجت بذلك المُجتمع فأعطته الكثير مِمّا تملكُه عِلمياُ وفنياً وثقافياً ، وبمرور الزمن تفاعلت معه وأثَّرت عليه ديمُغرافيا وثقافياً بشكل كبير ، مِمّا اضطر الملك سنحاريب أن يُصدِرَ أمراً باستخدام اللغة الآرامية الكلدانية واعتمادِها لغةً رسمية للدولة الآشورية  الى جانب اللغة الأشورية الدارجة ، إذ لم يكن للآشوريين ( لغة ام ) ،  وإن ما حدا  بسنحاريب لاتخاذ هذا القرار هو :  زيادة  عدد الكلدان والناطقـين بلغـتهم الآرامية الكلدانية أولاً ، ولسهولة التفاهم بها ولسلاستها التي كانت تنفرد بها ثانياً .


الشماس كـوركـيس مـردو
في 14 / 7 / 2009

199


الـتـَخـَرُّصات الكـتـابـيـة لـبعض الـجـهـلاء !


الجـزء الأول

مِـن العـسيـر أن يستـمِـرَّ الـواحـد بالسكـوت على التخـرُّصات الكـتـابـية الملـيـئـة بالأكاذيـب والإفـتـراءات والتـلـفـيـقـات لبعض كُـتـّاب مُنـتـحـلـي التسمية الآشورية المزيـفـة المُـعاصريـن الذيـن سَـمـّوا أنفسهم " آشوريـيـن " زوراً ، والذيـن يحسبـون أنفسهم بكُـتـّاب وهم أدنى مستـوىً مِن أشباه الكـُتـّاب ، يـنشرون هذه التـخـبـُّطات في الـمواقع الإلكترونية ، يُسيـئونَ بـها الى حـقـائـق التاريخ بالتشويه والتحـريـف سعـياً مِنـهم للتستـُّر على الفـرضية الآشورية الإكذوبة الـويكـرامية نسبـة ً الى ( وليم ويكرام ) رئيس بعثة اسقـف كـنيسة كانتربري الأنكليكانية ( الإنكليزية )التبشيرية التي قـَدِمت الى شمال العـراق في أوائـل القرن التاسع عشر، والذي يُـعـتـَبـَر مُبـتـَدِعَ وعَـرّاب الآشورية الحـديـثة والأب الـروحي للآشوريين المعاصرين وسنـاتي الى شرح ما قامت به هذه البعثة عميلة المخابرات الإنكليزية من أعمال خِـداع ٍ وقـلـبٍ للحـقائـق وتغـيير ٍ للمفاهيم والوقائـع .


في 3 / 7 / 2009 وصلني عن طريـق بريـدي الإلكتروني مِن أحـد مُنـَظــِّري الآشورية المزَيـَّفـة والـداعـية المتـزمِّـت -آشور بيث شليمون- مقالـَه المنشور في موقـع " كـتابات " في 2 /7 / 2009 بــعـنـوان ( نبـذة من المغالطـات التي يرتكـبـها منتحـلـو الكلـدانية والأخ نـزار مـلاخا نـموذجاً ) وفي 19 / 6 / 2009 قـرأت لـزميـلـه ونـظـيـره بالتـزمـُّت وسَمِيـِّه بالإسم - آشور كيوركيس - مـقالاً بعـنـوان ( رُهــاب الآشوريـة ) وقـد كتبـت رداً مُـفحَماً عـليه بجـزئـيـن نشرا في موقـع عـنكاوا.كوم المميَّز وموقـعَـي ( chaldeanparty.com ) و( kaldaya.net ) والذي يـُريـد الإطـلاع على مـقالاتي حـول الشأن القـومي يجـدها في المواقع الثلاثة المذكورة . والآن سـوف أتـولى الـرد على هـذا المُغـالـطـ الأخـيـر ليس نيابـة عـن الأخ نـزار مـلاخا الذي هو في موقـع المقـتـدر الكـفـوء على تـلـقـيـنـه الرد المناسـب ولكن لكـون المقال وصلـني مباشرة ً .
                                                                                                                                                                                                                 

 مُـلاحـظـة : وأود جـلب انتباه القـراء الكـرام بأن كلمـتـي المنـتحـل والـمدعي اللتين استعـملـتهـما بحـقٍّ وحقـيـقـة منذ عام 2004 وحتى اليوم لإعطاء الـوصف الحـقـيـقي لـِمَن يُسـمون أنـفسهم اليـوم بالآشوريين زوراً إذ لا صلة لهم بالآشوريين القـدماء المنقرضين حيث أكتب دوماً : منتحلو الآشورية المزيفة - مـدَّعو الآشورية - دُعـاة التسمية الآشورية : قـد اقـتبسهما منـظروا التسمية الآشورية وأول مَن استخدمهما تيري بطرس وحذا حـذوه الآخـرون ، ولكن استعمالهما بالنسبة الى الكلدانية هو نشاز وخـزىٌ لمستعمليهما ، ولكن للأسف هذا هو ديـدن المزيـَّفـين ذوي عقـدة الشعور بالنقـص .

يبـدأ آشور بيث شليمون مقالـَه :

< قبل كل شئ نقول للأسف أننا في غضون أكثر من عقد ونحن ما زلنا نراوح في مكاننا ، حيث ندرك جيدا أن النهضة القومية الآشورية في مدى القرن الماضي كله لم تجابه ما تجابهه اليوم ليس من الأعداء بل من شعبنا بالذات ، حيث يمكننا القول حتى قبائل الماو ماو في أدغال أفريقيا منذ زمن تعرف قوميتها بينما إخوة لنا في الدم وفي بلاد آشور اكتشفت مؤخرا بأنها ليست آشورية بل كلدانية أو آرامية القومية في الوقت الذي فيه هاتين القوميتين الوهميتين لا وجود لهما في دار القومية التي يتبنوها ، الكلدان في جنوبي العراق والآراميين في دمشق التي تعرف اليوم بقلب العروبة النابض >   
                                                                                                                                   قـبل كُـلِّ شيء يجـب أن تـفهم أن الآشورية التي إنـتحلـها آباؤكم وأجـدادكم كـلدان الجبال النساطـرة مُرغَـميـن مِن قبـل الـدُهاة الإنكليز عن طريق بعـثة كنيستهم التبشيرية الأنكليكانية بقيادة رئيسها القس " وليم ويكرام " التي وطـئَت موطنـَهم في شمال العراق في أوائـل القـرن التاسع عشر ، لم تكن تسمية قـومية في أوج عـظـمة الـدولة الآشورية المنـقـرضة ، بل كانت تسمية موطـنية وثـنية مستمـَدة من اسم إله الـدولة " الصنـم آشور" فكانت ذات مدلـول ديني وثني وليس قـومي ، لأن سكان دولة آشور كانوا من أعـراق ٍ مختلفة وليس من عـرق ٍ واحـد ، تماماً كـدولة العراق الحالية التي ينتمي إليها أقـوام مختلفة فهـل يمكن أن تـُعـَرَّف التسمية " العراقية " بالـقـومية ؟ وهكذا كانت التسمية الآشورية تـنضـوي تحت لـوائها قـوميات متعـددة، ولذلك إنمحـت وزالت بـزوال الدولة الآشورية وانقـراضها الأبـدي كياناً ووجـوداً بشرياً . أما سكان بـلاد دولة آشور اليوم فهم الكلدان الذين قضـوا عليها القضاء المُبرم وامتـلكـوا البـلاد كُلَّها بـدماء أبنائهم الـزكية فأضحت ملكاً مقدساً لهم منـذ ذلك الحين والى اليوم ، وما ذكـرُ المنطقة أحـيانـاً إلا للدلالة الجغرافية القديمة لا غيـر .

أما الكلدانيون فينحدرون عِـرقِـياً عن جـدِّهم الأكبر" كـلـدو" حيث يقـول عنهم المؤرخ العراقي الكبير طـه باقـر ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة ص 492 ) بأنهم كانوا فـرعاً قـبـلـياً كبيراً ، ومن أشهر القبائـل الآرامية في التاريخ هي قبيلة " كـلـدو " ومن نسلـه تـفـرعـت سلالات أنشأت لـها أماراتٍ وممالكَ عـديـدة ومن أشهرها مملكة بـيث ياقـيـن التي اسسها ياقيـن رئيس العشيرة ، وهـذا يؤكـد الإنحدار الجذري الـواحـد للكلدان . وفي المُـدوّنات الرافـدية القـديمة ، وردت تسمية سكان العصر البابلي القديم  <  كـلـدايي  :  ܟܠܕܝܐ > وهي التسمية التي سمّاهم بها العـلاّمة المطران يعـقـوب اوجـين منا في مُعجمه الشهير ( دليل الراغبين -  قاموس  كـلـداني = عـربي )  وسمّى لغـتهم  <  كـلـديـثا  :  ܟܠܕܝܬܐ >  وانتسابَهم الجغرافي واللغوي  <  كلدَيُوثا  :  ܟܠܕܝܘܬܐ > وامتهم  <  بَثٌ كلدايي  : ܒܪܬ ܟܠܕܝܐ >  الامة الكلدانية  ص. 338 ܫܠܚ . ونـُدرج ما قالـَه عنهم بالنص في الصفحة ذاتـها < كـلـدانـيـون : الـعـلـمـاء وأربـاب الـدولـة مِـن أهـل بـابـل وأطـرافـهـا . أو جـيـل مِـن الشعـوب الـقـديـمة ، كـانـوا أشهـر أهـل زمـانـهـم في سطـوة الـمُـلـك والـعـلـوم وخـاصة ً عـلـم الـفـلـَك . ولـغـتـُهـم كـانـت الـفـصـحـى بيـن اللـغـات الآرامـيـة، وبـلادهــم الأصـلـيـة : بـابـل وآثـور والـجـزيـرة أي مـا بيـن نـهـري اللأدجـلـة والـفـرات ، وهـم جـدود السريـان المشارقـة الـذيـن يُسمَّـون بـكُـلِّ صـوابٍ كـلـدانـاً > أما الكتاب المقدس العهد القديم ،  فقد سمّاهم باسم  كسديم أو  كشديم ، وكلتا اللفظتين تعنيان  ( الجبابرة أو  المُنتصِرين ) وباللغة الاغريقـية دعاهم أبناء اليونان وباقي الاوروبـيـيـن  <  كالدْيَـنس :  Chaldeans  >  وترجـمها العربُ الى  <  الكـلـدان  >  وبهذه  اللفظة اعتمدَتْها  ترجماتُ الكتاب المقدس العربـية .

ويـُلقـي باللائـمة على يـونادم كنا زعيم زوعـا وبشير السعـدي زعـيم مطكستا ويتهمهما بالتخاذل والتراجـع ، ويجـب تقديمهما للإستجـواب لـعـدم إصرارهما على الاسم الآشوري ، فالامة الآشورية أكـبر من أن يُحـوِّلاها الى لعـبةٍ في أيديهما ، ولكـنَّه بذلك يظلـمهما كثيراً ، فقـد جاهدا جـداً في حبك الـدسائس وتـدبـيرالمؤامرات واستخـدام كافة السُبـُل الملـتـوية من إغـراءات وشراء ذمـم عـدد كبيرمن الكلدان خـونة أمتهم في سبـيـل دعـم باطـلـهم ، لأن البـاطـل وإن نـجـح بعض الـوقـت ولكـن نهايتـَه الحتمية هي السقـوطـ . تـُرى ألا يخجـل هذا الـدعِـيُّ وأمثالـه أن يُـنادوا بإحياء الآشورية المطـوية بلـحـدها منـذ أكثر من ألفـيـن وستمائة سنة ، والأنـكى أنـهم لا تـمتـُّهم بها أية صلـة ، لأنـهم أحـفـاد الكلدان النساطـرة الذيـن جـحـدوا قـوميتهم الكلدانية الجـوهرة ، وراحـوا يجـرون وراء تسمية وثنية سمجـة طـوتها الثـَّرى .


ويُضيـف :< رسالتنا الآشورية ينبغي أن تكون واضحة وضوح الشمس في ربيعة(رابعة) النهار وهي وجب(ولا يجب) علينا أن (لا(X نخلط المفاهيم القومية بمفاهيم أخرى دينية أو مذهبية ، أي القومية الآشورية يجب أن تكون قومية تقدمية وغير رجعية كما تبدو الآن للأسف . إن المشكلة الرئيسية التي نعانيها اليوم ليست قومية غالبا ، بل مذهبية ودينية ، ويمكننا أن نضيف قائلين أن الدين نفسه براء من كل هذا ولسبب بسيط وهو كمسيحيين ندرك جيدا أن الديانة هذه فصلت فصلا تاما ما بين السياسة والدين بقول الرب المخلص حيث قال بالحرف الواحد ، " ما لقيصر لقيصر وما لله لله " إذا علينا أن لا نحشر الدين بأمور دنوية وسياسية وعلى رجال الدين أن لا يكونوا أداة زرع الفتنة والتفرقة لأنهم بذلك يخالفون تعاليم المسيحية السامية التي ترتكز على المحبة حيث الله نفسه محبة >


جـميل جداً ، وبالتأكـيد يقـصـد رجال الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الذين لم يُعـلـنوا عن موقـفـهم القـومي إلا مؤخـراً وبعـد أن صُـدمـوا بالهـجـمة الاعـلامـية الشرسة والـتآمر المخـزي اللـذيـن شُـنـَّـا ولا زالا يـُشَنُّـان على قـوميتهم الكلدانية ، بهـدف تـغـييبـها أو احـتـوائها من قبـل شرذمة هـزيـلـة انتحـلت التسمية الآشورية المزيَّفـة ، أهـَـل إعـلان الأباء الكلدان الأجـلاء عن قـوميتهم وتمسكـهم بها حـرام عليهم ، ومناداة رجال الكنيسة النسطـورية بشـقـيها من على منابر كـنائسهم ومن خلال كـتاباتهم وتـصريحاتهم بالتسمية الآشورية الـدخيلـة حـلال ولا يُخالـف قـول الـرب ؟ أيها المُراؤون لـِمـاذا تكيلـون بمكيالـَيـن ! أليس تآمراً من الاسقف النسطـوري في كـندا أن يـقـوم بتـقـديـم كتابه الأسود " آشوريـون أم كـلـدان ؟ " الى الحكومة العراقية ويـقـول في كلمة الإهداء ، بأن مسيحيـي العراق كُلُّـهم آشوريون وليس هناك لا كلدان ولا سريان ؟ أليست كتابات القس النسطـوري عمانوئـيـل يوخنا المنشورة في المواقـع الإلكترونية تـدخـل في السياسة ؟ إذاً مَن هو المخالف لقـول الرب رجال الدين النساطرة أم الكاثوليك ؟ ثـم أية رسالة آشورية هذه تنادي بـها ، إنها أضغاض أحلام وسراب خادع ، إفـتـحـوا أذهانـكم المنـغـلـقـة ، وكـفـاكم العيش في الأوهـام ! ! !


يـقـول : < نقول بصراحة نحن لسنا ضد الكلدان أوالآراميين القدامى اطلاقا ، بل نحن معهم في السراء والضراء ولا ننكر وجود الكلدان في الجنوب العراقي أو الآراميين في سوريا الداخلية كناطقي اللغة العربية . كما نضيف قائلين معركتنا ليست معهم بل مع أولئك الذين احتلوا أرضنا وفرضوا علينا دينهم ولغتهم والى الآن لم ننج من شرورهم للأسف الشديد ! أما مشكلتنا اليوم للأسف هي أن إخوة لنا ممن التحقوا بخروجهم من كنيسة الأم ، كنيسة المشرق القديمة / النسطورية ليعرفوا بالكلدان وفق مشيئة الكنيسة الكاثوليكية وما أملاه بابا روما عليهم منذ خمسة قرون >

إنـه تخريفٌ وكذبٌ واضح لا معنى لـه ، فإنـكم تفـضلون الشيطان على الكلدان ولا تعترفون بالسريان ، وماذا تُريـدون أن تـفعلـوا أكثر مـما أنتم فاعـلـون ؟ ألستم مستميتين لفرض تسميتكم المزيفة على الكلدان والسريان ؟ إنـكم جماعة ضالة من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطـورية الذين اهتـدوا الى مذهـب الكنيسة الجامعة الذي كان عليه آباؤهم وأجـدادهم قبـل أن يُفرض عليهم المذهب النسطـوري عنـوة ً في القـرن الخامس ، وبقـيتـم مصريـن على البقاء تحت نير الهـرطـقة النسطـورية منذ منتصف القرن السادس عشر، تعيشون حياةً البؤس والشقاء منغمسين في مستنقـع الجـهل ، حتى عثرت عليكم بعثة التبشير الأنكليكانية ، فلعبت بمصيركم حسب أهواء مملكتهم الإنكليزية لتحقـيـق أهدافـها الإستعماريـة . إن سـفاسفـكـم المتشبثين بها حـول روما قد عـفا عليها الزمن ، وكان الأحرى بكم أن تـفكـروا بما أنـزلـَه الإنكليز بكم من محن ٍ ومصائب ، أسفـرت عن قـتل أكثر من نصف عددكم الضئيل أصلاً . ويستطـرد قائلاً :

 
< إن الخطأ الذي يرتكبه إخوتنا من منتحلي الكلدانية اليوم وهو أنهم يبدلون كل من بابل أو البابليين بأخرى وهي " كلدو والكلدان " حتى نيافة المطران الراحل " أدي شير " رحمه الله الذي ألف كتابه مما جمعه من أمهات الكتب الغربية فعوضا عن بابل وآثور جاء كتابه الموسوم تحت عنوان " كلدو وآثور " ( 1 ) حيث من المعروف جيدا أنه ليس هناك في الغرب كتاب بعنوان " كلدو و آثور " إطلاقا وزد على ذلك ليس هناك أي فرق من أن تقول آشور أو آثور أو حتى آسور لأن الحرف " ت / تاء " في اللغات السامية يتحول الى سين ، شين وثاء وأكثر إيضاحا كمن تقول اليوم ( عراقي ) و ( عراكي ) حيث المعنى لا يختلف > 
                                                                                                                               من الطـبيعي أن يقـول جـهلة التاريخ ذلـك وأنت أحـدهم ، لأنهـم يجـهلـون بأن بـابـل كانت تجمع بين ثناياها مكـوَّنات بشرية متنوعة والأكـثـف بينها كان الكلدان البابليون ، ولذلك كانت بابل موضع تنافس دائـم بين الكلدان البابليين والآشوريين ، فليس هنالك تبديل للبابليين بالكلدان أو العكس لأن كلتا التسمتيـن تعـنيان الشعب الكلداني ، ولذلك فـقـد لـَقـَّـب العلماء والمؤرخـون الإمبراطـوريـة الكلدانية بالإمبراطورية البابلية الثانية لكـونها امتداداً لإمبرطـورية حمورابي البابلية الأولى . أما عدم وجـود كتابٍ في الغـرب بالعنـوان الذي وضعـه المثـلـَّث الرحمات المطران الشهيـد أدّي شير لا يعني عدم أحقـيته بـوضع هذا العنوان لكتابه التاريخي ، فهـو أدرى بتاريخ بـلاده من الغـربييـن .
                                                                                                                                                                                                                                                         ويُتابـع القـول :< إن الفترة التي فيها تم الاستيلاء على السلطة في بابل من قبل الأسرة المعروفة بالكلدانية كانت قصيرة جدا من جهة ، وظلت بلاد آشور الحقيقية Proper Assyria تحت السيطرة الفارسية من جهة أخرى . أضف الى أن الأواصر المتينة بين بابل ونينوى لهي قوية جدا لأن الشعب في كل من المدينتين كان شعبا واحدا حتى اعتبر المؤرخ اليوناني " هيرودوتس " بابل عاصمة الدولة الآشورية ( 2 ) ما كرره المغفور له العلامة مار عبديشوع الصوباوي ( ؟ - 1318 ) ميلادية >


إنَّ عقـدة الشعـور بالنقص لا يمكن أن تُفارق منتحلي التسمية الآشورية المعاصرين ، فهي التي تـدفعهم الى التعمد في تشويه معطيات التاريخ لنصرة فرضيتهم الآشورية الاسطـورة الـويكرامية التي ابتدعها الفكر الإنكليزي الخبيث ، فالكـلـدان كـانـوا أقـدم السكـان الأصليـيـن لبـلاد وادي الـرافـديـن حيـث أشار سجلّ التاريخ البشري الى وجود الشعب الكلداني كأقدم شعبٍ  ظهر في جنوب ووسط بلاد ما بين النهرين وسواحل الخليج  - الخليج العربي اليوم - منذ أقدم العهود الغابرة ،  ولذلك  سُمِّيَ بالخليج الكـلـدي ، وقد دُعيَ هذا الشعـب  بالكلداني  لتـَضَـلُّعِه  بمُختـلف أنـواع العلوم  والمعرفة  وتَفَـرُّدِه  بِعِـلم الفَلَك . يقـول المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ طه باقر(مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة/ الوجيز في حضارة وادي الرافدين ص 513 - 517 ) إعتمد الكلدانُ قبل العهد الامبراطوري نظامَ الممالك ،  واستمرَّت سيطرتُهم على بـلادهم بين المـدِّ والجزر بسبب تفرُّعهم الى قبائـل كثيرة ،  وقيام كُلِّ قبيـلة بتشكيل امارة خاصة بها بين الحين والآخر ، ومِن ملوكهم الذين اكتسبـوا شهرة ً في التاريخ وعُرفـوا بمقـاومة الغـزاة الطامعـين وبخاصةٍ الآشوريين الذين كانوا يستميـتـون للسيطرة على الحكم في بابـل ، كان الملك " مردوخ بلادان " زعيـم قبيلة بـيث ياقـين كبرى القبائـل الكلدانـية حيث قاوم الغزو الآشوري منذ سنة 731 - 700 ق . م . وتُشيرُ المصادر التاريخية كما ورد في كتاب ( الكـلـدان والتسمية القـومية / للمهنـدس حبـيـب حـنـونا ) نـقـتـبس منه بتـصـرُّف ، بأن الكـلـدان أسسوا ممالـكَ عـديـدة قـوية منـذ الجـيـل الحادي عشر قبل الميلاد ،  ولم يتـوَحَّـدوا في الزمن الغابـر تحـت رايـة دولة عُظمى  ليخلـقـوا لهم كياناً سياسياً كـبيراً إلاّ في الربـعِ الأخـير من الـقرن السابع قبـل الميلاد ، وكانـت ممالكُهم تشغـَـلُ مساحاتٍ شاسعة ً مِن وسطِ وجـنـوبِ بـلاد ما بـين النهـرين ( العراق الحالي ) بالإضافة الى جنـوب غربي ايـران وكافة سواحـل الخـليـج وجُـزُره ،  وكانـت جـزيـرة الـدَيـلـمـون أكـبر تلك الجُـزُر وتُسمّى اليوم ( البحرين ) ، وجزيرة ( فيلكا ) التابعة  لدولة الكويـت حالياً ، واسم هذه الجزيـرة  مُشتَـقٌ من لفـظة كـلدانية ( بَلكا أو بَلكَوثا ) وتفسيرُها بالعربية ( المُنتصف ) وسُمِّيَـت بهذا الاسم لموقِـعِها الوسطي بين البَـر والبَـحر الكـلـدانيَـين ،  وكان يُطـلَقُ على بـلاد الكـلـدان في الزمن السابـق للـقرن الحادي عشر قـبل الميـلاد ( بـلاد البحر ) نَظراً  لكـثرة أهـوارها  وبُحَـيراتِـها ، وجاء  ذِكرُ هذه التسمية  في  حَوليـات  الملك الآشـوري ( تُوكَـلـتي نينـورتا الأول 1245 - 1208 ق . م ) وكـذلـك على عهـدِ  الملك ( تَكـلَـت بيلاصَّر الأول 1115 - 1076 ق . م ) ، بـيـنما وردت تسمـيـتُها في حـوليات الملك الآشوري ( آشورناصربال الثاني 882 - 860 ق . م ) ( بـلاد الكـلـدان ) و ( بحر الكـلـدان ) وهي تَرِدُ في الوثائق الآشورية لأول مرة ، حيث يتحـدَّث الملك شلمَـنَـصَّر الثالث أيضاً في حولـياتـه عن شعـبٍ إسمه الكلدان ، وأشار أنه ساعـدَ  حلفاءَه البابليين  بإرساله إليهم قواتٍ عسكرية لدعمهم ضِدَّ تهديدات الكلدان والآراميين للدولة البابلية ، وأنه قد أغار على بلاد ( كـلـديا ) .

إن أهمَّ الممالك الكلدانية القوية التي كانت قائمة في جنوب ما بين النهرين في مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد وورد ذِكـرُها في حـوليات الملـوك الآشوريين كانت التالية :


1- مملكة  بيث - ياقين : Beth -Yakin كانت عاصمتُها  دور - ياقين : Dur - Yakin ( تَل اللحم حالياً / بين الناصرية والبصرة ) وتشمُل رُقعتُها الحَوضَ الأسفلَ مِن الفرات وشواطيءِ الخليج وجُزُره  حتى الخليج العُماني ،  أشهر ملوكِها كان الملك (  مردوخ بلادان 733  - 710 ق . م ) ، احتلَّ سنة 733 ق . م مدينة بابل الواقعة تحت الهيمنة الآشورية ، ونودِيَ به ملكاً على الدولة البابلية ، تَمَيَّزَ بالقوة والعزيمة  فقام بتوحيد كافة الممالك والقبائل الكلدانية في مملكة مُتحدة واحدة ،  مؤكِّداً استقلالَ  بابل السياسي  وحَقَّها الشرعي في حُكم البلاد  البابلية ، ولكن الملك الآشوري ( سركَون الثاني 722 - 705 ) انتصر عليه عام721 ق . م  واستعاد بابل منه ،  كانت مملكة بيث - ياقين أكبر وأقوى الممالك الكلدانية ، ومِن بين أبنائها ظهر أغلبُ ملوك الكلدان في العهد البابلي الحديث ( عهد الامبراطورية الكلدانية  626 - 539 ق . م ) .


2 - مملكة  بيث - دَكّوري : Beth- Dakkuri  كان موقعُها في حَوض الفرات  الى الجنوب مِن مملكة بابل ، تمتدُّ مساحتُها مِن مدينة  بورسيبا ( برس نمرود حالياً / جنوب الحلة ) من الشمال وحتى حدود  مدينة اوروك ( الوركاء ) من الجنوب . تَعَرَّضت لحَملةٍ عسكرية من قبل الملك الآشوري أسَرحَدون ، تَمَّ فيها سَلبُها وأسرُ ملكِها شمش-ابني .


3 - مملكة كَمبولو : Gumbulo وعاصمتها  ( دور- ابيهار Dur-Abihar  وبدورها كانت ضحية الحملة العسكرية الأسَرحـَدونـية  التي شَنَّها أسَرحَـدون عليها وعلى مملكة بـيث - دَكّوري .


4 - مملكة  بيث - شيلاني : Beth-Shilani  عاصمتُها ( سَر أنابا Sar-Anaba ) في سنة 732 ق . م قاد الملكُ الآشوري ( تَكلّتبيلاصَّر الثالث 745 - 727 ق . م ) حملةً عسكرية على عاصمتِها  سَر أنابا ، قُتِلَ خلالها  ملكُها وسُبيَ  خمسةٌ وخمسون ألفاً من أبنائها الكلدان ورُحلوا الى البلاد الآشورية .


5 - مملكة  بيث - أموكاني : Beth-Amukani عاصمتُها ( شيبيا Shipia ) الواقعة في حَوض دجلة الأسفل ، كانت  تحتضِنُ  بالإضافة  الى قبائل أموكاني  قبائل الفوقودو ( بْقيذي ) كان الملك ( نابو موكِن زيري ) مؤسِّسُ سُلالة بابل العاشرة أحدَ أبنائها ،  تسنَّمَ عرش بابل عام 731 ق . م .


6 - مملكة بيث - شعالي : Beth-Shaali  عاصمتُها ( دور- ايلاتا Dur-Elata ) وقد شملَتها حملة  تَكلَتبيلاصَّر الثالث العسكرية التي قادها عام 732 ق . م ضِدَّها وضِدَّ مملكة بيث - شيلاني حيث أسِرَ من سُكّانِها خمسين ألفاً وأربعمِئَة فردٍ ورَحَّلهم الى المناطق الآشورية .


وقد أشارت المصادر التاريخية ومنها ( مجلة لغة العرب / للأب أنستاس الكرملي / المُجلَّد الأول ص 54 - 57 ) و( التنبيه الاشراف / للمسعودي ص 68 - 69 ) بـأن الكـلدان عموماً ، كانـت ممالكُهم تَـنـعـمُ بوضـعٍ اقتصادي مُزدَهِر ، لا يعرف الفقرُ إليها سبيلاً ، يجـنـون أرباحاً هائلة مِمّا تَدُرُّه عليهم أراضيهم الوافرةُ الخِصب بفضل المياه التي يَرفـُدُها النهران الخالدان دجلة والفُرات ، فكانـت غِلالُ مزروعاتهم وأشجارهم غَزيرةً ومناطقُ الكلأ واسعةً ، أتاحت لهم اقتناءَ أعدادٍ كبيرة جداً من قطـعان الماشية والأبـقار والبِغـال والحَمير والخيـل ،  ولم تَكُن تجارتُهم أقـلَّ ازدهـاراً مِن زراعتِهم ،  فكان أبناؤهم يركبون البحر بمهارةٍ لا يُجاريهم بها مُنافسٌ ، وتًشيرُ بعضُ اللوحات الآثارية المُكتشفة الى تجارةٍ رائجة كانت  تجري مع الأقطار الشرقية بصورةٍ متواصلة، تتبادلُ بها البضائعُ عن طريق مُقايضة مُنتجاتِها الزراعية والحيوانية بالمعادن المتوفرة لدى تلك البلدان . لقد حافظت هذه الممالكُ القبلية على استقلالها وديمومَتِها زَمناً قارب الخمسمائة عاماً .


أليس ما تـَقـدَّمَ ذِكرُه آنفاً عن تاريخ الامة الكـلدانية بسُلالاتِها العشر الحاكمة ومـمالكِها الست الرئيسية ، كافياً لإزالـة أيـةِ غشاوةٍ عن عـيـون بعض ناكري أصلـهم القـومي ! مِـن مُنتحلي التسمية الآشورية المُعاصرين المُزَيَّـفـين أحفاد كـلدان الجبال النسطوريـين الذين يتجنـَّون على أحفاد الكـلدان المُعاصرين ، مُنكرين عليهم انتماءَهم القـومي ، مُشوَّهين أصالتـَهم ، مُبتـزّين تُراثـَهم ، سالبين حقـوق امتهم الكلدانية ومُنجزاتها الحضارية لِما قبل الميلاد وما بعده، ومُلـصقـينـَها بدولةٍ غابرة ومُنقرضة أسدل التاريخ عليها ستار النسيان منذ الربع الأخير مِن القرن السابع قبل الميلاد ، انتحلوا اسمها زوراً وبـُهـتاناً. أليس جُرماً ما بعده جُرم أن يتجاهلوا عمداً مع سبق الإصرار كُلَّ هذا التاريخ الكلداني العريق ، ويُشيِّعوا مِن دون رادع ٍ مِن ضمير ولا اعتبار للتاريخ بأن التاريخ الكلداني يبدأ بسقـوط الدولة الآشورية العتيَّة وباسرةٍ كلدانية واحدة ، مُشوِّهين الحقيقة الناصعة ألا وهي: إنَّ التي قـوَّضت أركان الدولة الآشورية وأزالتها مِن الوجود شعباً وكياناً بالقضاء عليها القضاء المُبرم كانت السُلالة البابلية الكـلدانية الحادية عشر بقيادة إبنها البار ( نبوبيلاصَّر 626 - 605 ق . م ) وهي امتداد طبيعي لسلالاتها العشر السابقة وابنة أقوى الممالك الكلدانية بيث - ياقين . وسنواصل دحض إدعاءات السيد آشوربيث شليمون في الجـزء الثاني لهذا المقال .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 7 / 7 / 2009

200


ماذا يـحـتاج الكـلـدان لمُجـابـهة المُـتـَجَـنـيـن عـلـيـهـم ؟



منـذ سقـوط النـظـام الديكتاتـوري واجـه الشعـبُ المسيحي العـراقي بـكـُل مُـكـوناته ظـروفاً عـصيـبـة ، حيـث تـعـرَّضَ أبـناؤه لجـرائـم التـهـديـد والـقـتـل والتـهـجـير وكان الكـلـدان أكـبر هذه المكـونات الأكثـرَ ضـرراً ومُـعاناة ً، وبالإضافـة الى ذلك فإنـهم يمـرون في هذه الأيام بـفـتـرةٍ حـرجـة قـد تـكون أخـطـر على وجـودهم نـتيجة المؤامـرة القـذرة التي حـاكـها ضِـدَّهم أصغـر هذه الكـونات المعـروف حالياً بـ "الآثوريين أو الآشوريين " مـحـورها الصراع الـدائر منـذ سنتين أولاً : حـول التسمية القـومية وثانياً : حـول الحكـم الذاتي . فبالنسبة للتسمية يـُريـد المكـون الآشوري الضئيـل العـدد جـداً فـرض التسمية الـثـلاثية أوالمثـلـثـة < كـلـدان سريان آشوريون > وإدراجـها في دستـور اقـلـيم كردستان بهذا الشكـل خـلافاً لِـمَ وردت في الـدستـور العـراقي الإتحادي ، بـينما يُطالب الكلدان المكون الأكبر بـدرج التسمية بحسب ما هي مُدرجة في الـدستور العراقي الإتحادي وهي < الكـلـدان والآشوريون > ولا مانع لديهم إطـلاقاً إضافـة السريان إليها لتُـصبح < الكلدان والسريان والآشوريـون > أما الحـكـم الذاتي فهنالك آراء متباينة بشأنه فالبعـض يؤيـده والبعـض الآخـر يرفـضـه وهم خـليـط من المكونات الثـلاثـة ، وكُـلٌّ من الجانـبيـن المؤيـد والمعارض أو الرافـض يـدافع عن أحقـيتـه ويتهـم غـريمَـه بالخيانة والخـداع .
                                                                                                                                                                                                                                                                        ويـستـنـد الكـلـدان برفضهم التسمية الثلاثـية المركبة الى قـولـهم بأنه : لا يـوجـد هنالك أية مصادر عِـلمية أو سياسية عـبـر التاريـخ ولا حتى في زمنـنا الحاضر أشارت بأنَّ مكـوَّناً بشرياً قـد مـُنــحَ إسماً قـومياً ، أو أن عِـدة تسميات قـومية أدمِـجَـت في تسمية مُـركَّبة ، وهنالك التأكـيـد على حُـرية الإنـتماء العِـرقي ( الأثـني ) والـديـني الـوارد في وثائـق الأمـم المتحـدة يتعارض مـع هذه الـعمـلـية . وإني أتساءَل : هـل يرضى بـرلمان كُردستان أن يُـمَـرِّر في دستـوره تسمية مُخـتـرعـة مُـركـبـة( كـلـدان سريان آشوريون ) وهي تُـنـافي كُـلَّ المفاهـيم العلمية والإجتماعية ولا يـوجـد مثـيـلٌ لـها لا ماضياً ولا حاضراً، إنـنا نـُناشد القـيادة السياسية الكردستانـية رئيساً وحـكـومة ً وبرلمانـاً أن يُـعـيـدوا النظر في قـرار البرلمان وعـدم تثبيـت التسمية المخـترعة المركبة ، لـئـلا تُسجـل وصـمة ضُعـفٍ في مسيـرة سياسة الإقـليم التـقـدمية والحضارية المنـتهـَجـة منذ مطـلع تسعينات القرن العشرين المنصرم بشكل ٍ حـكيـم من حيـث التحـول الديمقراطي واحـتـرام حـقـوق الإنسان، الذي أصبـح نموذجاً فـريداً في منطقة الشرق الأوسط ، وعـلـيه فإنَّ أمـَلـنا وطـيـدٌ بأن تـُحَـلَّ هذه الإشكالية انـتـصاراً للحـق وعـدم مُسايرة أهـواء بعض الأفـراد المتـنـفـذين في الـوسط السياسي الكـُردستاني ، أمثال السيد سركـيس أغاجان والنواب المسيحيين الأربعة التابعـين للطائـفـة المُنـتـحِلة للتسمية الآشورية زوراً ، وهـم لا يمثـلـون الكلدان بأي حال ٍ من الأحـوال على الإطلاق ، لأن الكلدان يُمثلـهم أولاً أقـطاب كنيستهم الكلدانية بطريركـها ومطارنتـُها وثانياً قيادات الأحزاب والمنظمات الكلدانية السياسية والثقافـية والإجتماعية .


لا يُـنـكـر الكلدانُ بأن المكـوَّن المسيحي الضئيـل العـدد المُسمى بـ (الآثوري أو الآشوري) خلافاً لحقيـقـته التي تـؤكـدها كُـل المصادر والأدلـة التاريخية بأنـه الجـزء الضال من أبناء الكلدان النساطرة  الذيـن أبوا الإهتداء الى مذهب الكنيسة الجامعة ( المذهب الكاثوليكي ) مذهب الآباء والأجـداد منذ تأسيس كنيسة المشرق وحتى القـرن الخامس الذي ظـهرت فيه الـبـِدعَـتان النسطـورية والأوطاخية حيـث إكـتوت بهما الكنيسة فانقسمت الى قسمَين ، وأصبحـت كنيسة المشرق تُدعى (الكنيسة الكلدانية النسطورية) لغاية منتصف القـرن السادس عشر، حيـث جـرى الإهتداء التصحـيحي والإصلاحي من قبـل الأغـلبـية الساحقـة لأبـناء الكنيسة. وأصـرَّ هذا الجـزء من الأبناء على البـقاء في بودقة النسطرة نـكايـة ً بإخـوته المُـهـتـدين ليس إلا، ولـدى وقـوعـهم في أوائـل القرن التاسع عشر بشراك البعثة التبشيرية الأنكليكانية (الإنكليزية)إستغَـلـَّت وضعـهم المُزري من حيث الجـهـل والفقر والتأخـر،فأغـدقـت عليهم بعض الأموال وقـدَّمت لهم بعض الخدمات وأغـرتهم بوعـودٍ كاذبة أثـبت الـواقـع بطـلانَـها مشترطةً عليهم تغيير تسميتهم الكلدانية الى الآثـورية التي حُـوِّرَت الى"الآشورية" في العقـود المتأخـرة من القرن العشرين. كان هذا الجـزء الكـلداني النسطـوري الجاحـد لأصـلـه الأسبـقَ في امتـلاك الخبرة السياسية وتأسيس الأحـزاب والمنظمات بفضـل الـروس الذيـن احتضنـوه وحـرضوه للـوقـوف الى جانـبهـم لمحاربـة العثمانيين وكان ذلك قـبل الثـورة البـلشفية عام 1917 وبعـد أن تخـلى عـنهـم الروس تـلـقـفـهم الإنكليـز لذات الهـدف ، فتعـلَّموا منهم الخبرة السياسية وبناء عـلاقاتٍ مصلحية ، وها هم اليـوم يُـجيـدون التعـامـل مع المتنـفـذين في الساحة السياسية العـراقية ، ثـمَّ لا يجـب أن نُـغـفـل تـفـوَّقـهم في الميدان الدِعائي والفـن الغِـنائي وامتـلاكـهم لوسائـل الأعـلام المرئية والمسموعة والمقـروءة بفضـل الأمـوال التي جمعـوها بوسائـل التضليـل والخـداع والضحك على ذقـون البسطاء .


وعلى ضـوء ما تـقـدم ذكـره ، فإنَّ ما نحـتاجـه نـحـن الكلدان لـدرء مخـاطر العـدوان  ، هـو قيام أحـزابنا السياسية الفـتـيـة بتطـوير قابـلياتها لـتـنتـقـل الى مـراحـل متقـدمة في إتـقان الفـن السياسي وبناء العـلاقات المصلـحية مع الأحزاب الـوطنية والقـومية العراقـية الاخرى ، كما نحـن بحاجـةٍ ماسة الى تأسيس منـظـمات جماهـيرية أكـثر من القائمة حالياً تكـون مهـمتها الأساسية استـنهاض الشعـور القـومي بين أبناء الامة الكلدانية وتـوعيتهم بالمخاطـر المُحـدقة بها وتشجـيـعـهم على البـذل والعطاء في سبـيـل الحفاظ على هيبتها وكـرامتها ، هذا هـو الاسلـوب الـدِفاعي الأمثل والأكثر تأثيراً وفاعـلـية ً. يجـب علينا الإعـتراف بضعـف الشعـور القـومي لدى عـددٍ كبـير من الكـلـدان وقـد يكـون السبـب الرئيس في ذلك هو عـدم تـعـرضهم للمآزق والمصائب كالتي تعرَّضَ لها إخـوانهـم كـلـدان الجبال النساطرة منتحلو التسمية الآشورية المزيفـة ، أضف الى ذلك عـدم نجاح الأحزاب والمنظمات القائمة حالياً في استقـطاب الجماهير وايقاظ الـروح القـومية لديهم ، ناهيك عن الصراع الناشب بين أعضاء هذه الأحـزاب من أجـل المناصب والمصالح الأنانية الشخصية ، وأوضح مثال على ذلك الإنتـهأزيان المتنـكران لـقـوميتهـما الكلدانية غسان شذايا وسعيـد شامايا .


نحـن الكلدان لا زلنا في أول الطـريق ، وقـد زرع عـدونا فيه الأشواك ليُعـرقـل مسيرَنا ويجـعـله صعـباً وطـويلاً . ومادام الصغارعـدداً قد استفردوا بالكعكة الكردستانية كما قال الأخ حبيب تومي عن طريق الـداعـية الآشوري سركيس أغاجان الذي تظاهر بالحيادية وتستر على عنصريته منذ ظهوره على الساحة ، وانطلت مسرحيته على مختلف القيادات الدينية المسيحية ، فعـليـنا نحـن الكـبار عدداً العمـل للإستئثار بها مستقبـلاً عن طريق الناخبيـن المقبلين على صناديق التصـويت فهو السبيل الأفضـل ، ولا يتم هذا إذا لم نُـلـهـب الروح القـومية بين الصفـوف الكلدانية واختيار المرشحين الذين يمتلكون القـدرة والشعبية بعيـداً عن المصلحة الذاتية للوصول الى الغاية المنشودة .


وهنا يأتي دور ممثلي الكلدان من رجال ديـن وسياسيـين ، وللذين ينادون بإبـعاد رجال الدين عن السياسة وبخاصةٍ رجال الديـن الكـلـدان ، أقـول لـهم ، إنكـم مراؤون ومنافـقـون ، لماذا تغـضون الطرف عن انغماس رجال الكنيسة النسطورية في وحـل السياسة حتى آذانهـم وتطالبون رجال الكنيسة الكلدانية الكاثولـيكية بالإمتـناع حتى عن إبداء الإرشاد لأبـنائهـم الكلدان ؟ ثـمَّ انظـروا الى الساحة السياسية العـراقية ، مَن هم اللاعبون الرئيسيون فيها أليست الأحـزاب الدينية التي تأتمر بأوامر مرجعياتها الدينية ، هـل لديكم الجرأة الى الإشارة إليها ولـو تلميحاً بوجوب ابتعادها عن توجيهات مرجعياتها ؟ لـذلك يجـب على القادة الكلدان الدينيين والسياسيين ، أن يستعـدوا للقيام بمهماتهم الدينية والقـومية وكُـلٌّ من مـوقـعه مستخدمين كُلَّ إمكانياتهم الثقافية والأدبية في تـوعية أبناء الكلدان الذين لا زالوا نـيام ، بأن مصيرهم مهـدد إذا لم يستـفـيقـوا من غـفـوتهم ويُـدافعـو عن وجـودهم ! كما عليهم تـوجـيه تأثـيرهم على الأثـرياء من الكـلدان وما أكثرهم والحمد لله ، بأن يُساهموا مادياً على تأسيس فضائية كلدانية خاصة ، لكي لا يعتمدوا على ما يتـفضـل عليهم الآخرون وفي الطريقة التي يـريـدون .


وأخـيراً أقـول للإخـوة الأكـراد أعضاء برلمان كـُردستان ، الإستشهاد بالمنطـق الغـير قابـل ٍ للجـدل هـو الصحـيح وليس الحُـكم بخـلاف المنـطـق إرضاءً لـزيـدٍ أو لـعـمر ! إن جـذورنا نحـن الكـلدان مـتغـلـغـلـة في أعماق تاريخ وادي الرافـدَين ، تشهد عليه آثارنا التي نعتـزُّ بها ، لقـد كتبنا نحـن الكتاب والأدباء الكلدان الكثير حـول تسميتنا القـومية بالأسلـوب المنطـقي السليم ، نـرجـو أن يكـون ردُّ برلمانكم منطقياً وسليماً .


الشماس كـوركيس مـردو
في 30 / 6 /2009

201

كـفـاكَ كـذباً أيها الرَهـدُون آشور كيـوركيس ج /2

< اكـذوبة الـفـرضيـة الآشوريـة >

الجـزء الثاني


لقـد أوضحنـا في الجـزء الأول من مقالتـنـا هذه وبالأدلـة والبراهين انـقـراض الآشوريين القـدماء ، وكـيـفـيـة ظـهـور منتـحـلـين لإسمـهم بعـد مـرور 25 قـرناً من زوالـهم الأبـدي ، ومَـن كان وراء هذا الظـهور والـهـدف مِـنه . ولنأتي الآن الى الإفـتـراءات والأبـاطـيـل التي يـُرَوِّج لـها الـرَهـدُون آشور وتـهـجـُّمـه الـوقـح على رجال كـنيستنا الكلدانية المقــدسة مُلـصـقـاً بهم صفة الفساد ، وبكُـلِّ صـلافةٍ يـعـود ويقـول :

                                                                                                                                                                                                                                                        < لا نستطيع الوقـوف وقـفة المتـفـرِّج أمام ما يقـوله رؤساء كـنيستـنا الكلدانية وخصوصاً في ما يـتعـلـق بالشأن القـومي ، وإلا فـيحـق لأيٍّ كان من غـير رجال الدين ، أن يعـقـد اجتماعات لـيخـرج بقرار حـول طبيعة السيد المسيح أو الثالـوث أو ما هنالك من امور روحية . . . فسبـب هذه الممارسات الشاذة لبعض رجال الدين من جهة ، وعمالة بعض الساسة الآشوريـيـن للغرباء من جهة اخرى ، تـتـوسع هذه الآفة الخـطرة ليـتم فهم الهـوية الآشورية بشكل خاطيء من قبـل المجـتـمع الكاثـوليـكي على أنها هـوية طائـفـية تخـص أبناء الكنيسة الشرقية دون غيرهم ، بحيث نلاحظ منذ مهرجان يونادم كنا الإنتخابي في تشرين الإول عام 2003 تـزايـد الحملات الإستفـزازية من قبـل مَن هـبَّ ودبَّ ليحمل قلمه ويتهجـم على هويته الآشورية ، ولكن رغـم سذاجة تلك الحملات إلا أن هناك إناس "اناساً " بسطاء يقـرأونـها واجيال "وأجيالاً " يتـم إفسادها في سبيل إشباع رغـبات كاتبٍ أرعـن أحـبَّ التعـويض عن سنوات الضياع في بعثيته الغبية أو شيوعيته الخائبة أو كـردويتـه الذليلة . >


(أطلب المعـذرة من القـراء الكرام لتصحـيحي بعض الأخـطاء الـنحـوية والإنشائـية أو الإملائية الواردة في مقاله الطـويـل والمؤشرة باللـون الأزرق ) في العبارات الأولى يقصد بعـدم أحقـية رجال كنيستنا الكلدانية بالتـدخل بالشأن القـومي ، وإلا فلغير رجال الدين الحـق في التدخـل في صلب اختصاصهم اللاهوتي وإن لم يستـطع التعبير عن ذلك بشكل صحيح لأنه شحيح المعرفة باللغة ! ويرى في حـقهم الشرعي بالتعبير عن آرائهم بشأن انتمائهم القـومي ممارسة شاذة ، ولكن مثل هذه الممارسة وبشكلها الحاد التي يقـوم بها رجال الكنيسة النسطـورية  يُبـرِّرُها هذا المُـرائي ، ويعـتـرف بها جـهاراً حيث يقول في موضع آخـر < وبما أن حـركة التحرر الآشورية بـدأت من كنيسة المشرق، وتحت قيادة العائلة البطريركية ، حتماً سيكون الاسم الآشوري مكروهاً من قبل رؤساء الكنيسة الكلدانية > أرأيتَ أيها القـاريء العـزيـز كيف يُـبـرِّر للكنيسة النسطـورية قيادة التحـرر السياسي ، ويُحـرِّم على الكنيسة الكلدانية حتى التعبيـر عـن رأيـها بالشأن القـومي ! أليس هذا تناقضاً صارخاً من قبـل أكـبر مُهَـرِّجي هذا الـزمان !


ويسترسل هذا المُفتـري الرَهـدون فيقـول : < قـبـل تسلـل إرساليات الكثلـكة الى الشرق الأوسط منذ القـرن الرابـع عشر، بـدأت بـوادر اضطهاد كنيسة المشرق تظهـر من مكتب بابا الفاتيكان ، الذي منه كان يتم تـدبير المجازر والإضطهادات في كُلِّ بـقعـةٍ في العالَم تقع في أعـيـُن فرنسا واسبانيا والبرتغـال ، ونستطيع القول بأن ليس هناك  أية كنيسةٍ تأسست في الشرق عبر امتـداده من مصر حتى الفيليبين إلا تحت وطأة المجازر والتجـويع بإشراف الفاتيكان وباباواتـه وكـرادلـته ، وأبـرز تلك الكنائس هي الكنيسة الكلدانية نفسها ، وقد بـدأت ملامح ذلك من قبرص حين وجـَّه البابا يوحنا الثاني والعشرون( 1316 -1334 م ) تعليماته الى بطريرك اورشليم بـوجـوب استئصال النسطورية واليعقـوبية من قبرص بالطـرق التي يـرونـها مناسبة >


نـقـول ، من أهم واجبات الكنيسة الأم الجامعة التي أسسها المسيح الرب برئاسة زعيم رسلـه بطرس الصخر عندما قال لـه : < وأنا أقـولُ لكَ :أنـتَ صخـرٌ وعلى الصـَّخـر هذا سأبني كنيستي ، فـلـن يـقـوى عليها سُلـطـانُ المـوت . وسأعـطـيـكَ مـفـاتيـحَ مـلـكـوتِ السَّمـوات . فـما ربـَطــتـَه في الأرض رُبـطـَ في السَّمـوات . وما حَـلـلـتـَه في الأرض حـُلَّ في السَّمـوات . متى 16 / 18 - 19 >  فهذه السلـطـة الإلـهية أعطـيـت لبـطرس رئيس الكنيسة المنـظـور ولـخـلـفـائه بـابـاوات روما من بعـده . وقال لـه أيضاً : < يا سمعان بن يـونا ، أتُـحِـبـُّني أكثر مِما يُحِبـُّني هؤلاء ؟ قال لـه : نـعـم يـا ربّ ، أنتَ تـعـلـَم أنـّي أحِبـُّكَ حُـبـاً شديـداً . قال لـه : إرعَ حُـمـلاني . قال لـه مـرة ً ثانية : يا سمعان بن يـونا ، أتُـحِبـُّني ؟ قال لـه : نـعـم ، يا ربّ ، أنـتَ تـَعـلـمُ أنـّي أحِبـُّـكَ حُـباً شديـداً . قـال لـه: إسهـر عـلى خِـرافـي . قال لـه ثالـثـة ً: يا سمعان بن يـونا أتـُحِبـُّني حُـباً شديـداً ؟ فـحـزن بطرس لأنـَّه قال لـه في المـرة الثالـثة : أتـُحِبـُّني حُـباً شديـداً ؟ فقال : يا ربّ ، أنتَ تـَعـلـمُ كُـلَّ شيء ، أنتَ تـَعـلـمُ أنـّي أحِبـُّكَ حُـباً شديـداً . قال لـه : إرعَ خِـرافي . يوحنا 21 / 15 - 16 - 17 > وهـنا جـعـلـه الـراعي الأول وعـهـد إليـه بالمهـمة الـرعـوية ، وعلى هذه الـنصـوص استـنـدت عـقـيـدة عـمل المجـلس الرسولي والبـابـا الذي يـرأسه . فمن واجب الكنيسة أن تبحث عن أبناء الكنيسة الضالين وتُـعيـدهم الى الحـظـيرة الآمنـة عن طـريـق الإرشاد والتـوعـية ، ومـن بـين هـؤلاء الأبـناء كانـوا أبـناء الكـنيستـيـن الهـرطـوقـيـتـيـن النسطـورية واليعـقـوبـية ، ولم تستخـدم الكنيسة الجامـعـة أيَّ نـوع ٍ من الأساليب القـسرية التي أشرتَ إليها تـَجـَنـّياً وافتـراءً ، أساليب الكنيسة هي المحبة والحـنان والإرشاد . أما ما يقـولـُه أعـداؤها من الإنكليـز الأنكليكان الذين ابتـدعوا اسطـورة التسمية الآثـورية التي حُـوِّرت في العقود المتأخرة من القرن العشرين الى (الآشورية) وأجـبروا الجـزء الضال من أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية المعروفين بـ ( الكلدان النساطرة أو كلدان الجـبـال ) على تـبنـيها نـكاية ً بإخـوتهم الكـلـدان الكاثوليـك، هي أقـوال كاذبة وانتقامية ، وقـد روينا القصة في الجـزء الأول من مقالنا تحت الرابط  :

<  http//www.ankawa.com/forum/index.php?action=printpage,topic=311181.0 >


ونـورد أدناه تـأكـيـدات لـهذه القـصة أدلـى بها الباحـثـون والمـؤرخـون والـرحالـة مِن العـراقـيـيـن والأجـانـب الذيـن تـحـدثـوا عن الـدور الإنـكلـيـزي الـقـذر جـداً في حـبـك اسطـورة التسمية المسـخ !

شهادات المؤرخين عن حـقـيقـة مُنتحلي التسمية الآشورية


يقول  جون جوزيف في كتابه ( النساطرة ومُجاوروهم الإسلام / ط . 1961م ) <  إن الإرسالية التبشيرية الانكليزية التي استفـردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر ، كانت تُـلَقَّـب بِـبِعـثةِ رئيس أساقفة كانتيربيري الى المسيحيين النساطرة ، وهي أول مَن أطلقَ عليهم تسمية ( آثوريين )  >  .   وفي كتابه  ( خُلاصة تاريخ الكُرد وكُردستان ) يقول الباحث أمين زكي بك  <  إن الآثوريين هم أحفاد كلدانيي بلاد ما بين النهرين ، الذين هَجَروا بلادَهم الأصلية بسبب اضطهاد الغزاة والفاتحين ، ولجأوا الى جبال منطقة هيكاري منذ عهدٍ قديم جداً >  ويقول المؤرخ أحمد سوسة <  إن الانكليز هم الذين ابتـدعوا قضية العـلاقة بين مَن أطـلقـوا عليهم ( الآثوريين ) وبين ( الآشوريين ) .


يُؤَكِّـدُ السيد كيوركيس بنيامين بيث أشيثا في كتابه ( الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987م ) والذي عاش هذه المأساة  فتكونُ شهادتُه أدمغ وأصدق حيث يقول :  <  إن كُلَّ هؤلاء الكُـتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم ( الآثوريين ) الذي نتداوله نحن اليوم ، بل كانوا يقولون عنا , أو  يدعوننا بالكلدان ولو كُنا نختلف بالمذهب ، وإن إسم ( الآثوريين ) أبتـدأَ بـتـداولِه الانكليزُ منذ نهاية القرن التاسع عشر ، عندما وصل المبشرون الانكليز مِن انكلترة الى ديارنا سنة 1884م >


وإني أنصح الكتاب المتزمتين والمُنَظِّرين مُدَّعي الآشورية المعاصرين أن يقرأوا كتاب " رحلة مُتنكِّر الى بلاد  ما بين النهرين  وكُردستان / تأليف سون "  وقد إتَّخذ اسم   "  ميرزا غلام حسين شيرازي " وهو يُسمّي كُلَّ المسيحيين المُتواجدين في هذه المناطق ومِن ضمنها منطقة هيكاري بالكلدان . أوأليس البطاركة النساطرة أنفسهم  وحتى آخرهم "ايشا شمعون " المُغتال عام 1975 م  كان ختـمُه  يقرأ ( بطريرك الكلدان ) ! ! !
أما المُنشيء البغدادي (( ايراني الجنسية اسمه  محمد بن أحمد الحسيني المُشيء البغدادي )) يقول عن المدن والقرى التي مَرَّ بها عن طريق الموصل وشاهدها في رحلته عام 1822 م في ( الصفحة 85 - 86 ) .
((  مِن دير الربان هرمز الى القوش فرسخٌ واحد ،  وهذه القرية نفوسها نحو ألفي بيت ، كلهم مِن الكلدان ،  وجـبلهم هذا في حكم باشوات العمادية  .  ومِن القوش الى تللسقف أربعة فراسخ . . .  وفيها ألف بيث كُلُّهم كلدان  . ومِن تللسقف الى تلكيف فرسخان ، وهذه تبلغ ألفي بيت كُلُّهم كلدان . . .  ))


ويـقـول الكاتـب عبد المجيـد حسيـب القيسي في معرض حـديـثه عن الأحـداث التي وقـعـت في الموصل في 15 آب 1923 م  في ( الصفحة 96 / هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث "  الآثوريون "  )             ((  الآثوريـون قوم وافـدون ، وإن إدَّعـوا لهم ماضياً وتاريخاً سابقاً في العراق ،  وهم أقـلية مسيحيـة نسطوريـة المذهب لا يتـفـق جميع المسيحـيـيـن على تـخريـجاتهـم حول طـبيعة السيد المسيح .   ويستطرد الكاتب : كمُجتمع لا ينظر إليهم المُسلمون بعين الود والإرتياح . وما يزال العرب والأكراد والتركمان في الموصل وكركوك يذكرون أخبار صِدامهم معهم .كما لا يزال الرأي العام العراقي يذكر مواقفهـم المتشدِّدة في عصبة الامم لعرقـلة اكتساب العراق عضويته استكمالاً لإستقلاله. وفوق كُلِّ هذا فإن وثيق صلتهم بالإنكليز أوضح مِن أن تحتاج الى بيان ، وبالتالي فالآثوريون قوم لا ينتصر لهم عرب ولا أكراد ولا سنة ولا شيعة ، بل ولا مسيحيون . ))


يقول المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني في كتابه  ( تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ص . 254 - 255 ) <  إن الانكليز وحدهم فقط  يُطلقون على النساطرة اسم ( الآثوريين ) بينما الجميع يُدعونهم ( تيارية ) ويُضيف ولا علاقة عِرقية لهؤلاء النساطرة بآشوريي نينوى، وإنما هم نساطرة مسيحيون ، دَمَّرَ تيمولنك كنائسَهم ، فتبَدَّدَ شملُهم فاحتوتهم المنطقة الجبلية الواقعة في شرق تركيا ، ولدى استيلاء الروس على ولاية وان الارمنية في تركيا سنة 1915 م أغروا هؤلاء النساطرة بالتمرد على الأتراك وأغدقوا عليهم السلاح للقيام بالثورة ضدهم ، إلا أن الفشل الذي مُني به الروس أدّى الى انسحابهم ، مِما وَفَّرَ للأتراك فرصة للفتكِ بهم وتكبيدهم آلاف القتلى ، أما الناجون منهم فقد لجأوا الى المناطق الشمالية مِن ايران .


ويذكر توفيق السويدي في ( مذكراته ص . 243 ) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة الى هؤلاء النساطرة ، ابتدأ معهم الدور الانكليزي ،  حيث تـلقَّـفتهم المملكة المُتحدة ،  وأرسلت إليهم يعـثةً عسكرية فاجتمعت بهم في اورمية ودَعَتهم للثأر مِن الأتراك ، وتـمَّ الإتفاقُ بين الجانبين وبناءً الى ذلك الإتفاق ،  بادرت بريطانيا بشحن كميةٍ كبيرة مِن الأسـلحة الى هؤلاء النساطـرة في شهر تموز مِن عام 1918 م ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة ، مِمّا أدّى الى قتل عددٍ كبير مِن هؤلاء النساطرة ، فاضطرَّ الانكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقوبة العراقية ، وكان عددُهم التقديري خَمسينَ ألفِ نسمة بضمنهم عشرة آلاف مِن نسطوريي ايران عادوا الى ايران بعد اتهاء الحرب ، وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تُركيا لم تقبل تركيا  بعودتهـم إليها مُتَّهِمةً إياهم بالخيانة ، فكان لزاماً على الانكليز مُساعدتَهم على العيش في العراق لأنهم كانوا السبب في إغرائهم لخيانة بلدهم ، فاستخدمت الرجال منهم بأعمال الطرق ، وأقامت مُخَيَّمات لسُكنى عوائلهم .


ويُضيفُ عبدالرزاق الحسني في (الصفحة 256 مِن المجلد الثالث لكتابه / تاريخ الوزارات العراقية ) بأن الكولونيل الانكليزي ( ليجمان ) عَـنَّـت له فـكرة إسكان هؤلاء النساطرة في القرى الكُردية الواقعـة على الشريط المُحادِد لتُركيا عقاباً للأكراد الذين أعلنوا العصيانَ عليهم مَرَّتَين ، وقد نالَ الإقتراحُ تأييدَ  ن.ت.ولسن الحاكم الملكي البريطاني العام في العراق ، حيث أجرى اتصالاً بَرقياً بهذا الخصوص مع وزير الحربية البريطاني في شهر آب مِن عام 1920م ، وقد إستَهَـلَّ رسالتَه البرقية كما يلي : < سَتَـتَـوَفَّرُ لدينا فرصة تُتيـحُ لنا إنصافَ الطائفة الآثورية بشكل يُرضيها ويُرضي الأفكار الاوروبية مِن حيث الحَقِّ والعدل ،  وتُساعدُنا على ايجاد حَـلٍّ لأَعسر مُشكلةٍ تَخُصُّ الأقـلية الدينية والعِرقية في كُردستان ،  وتجعـلُنا في مأمنٍ مِن خَطر قد يُهَـدِّد السِلمَ في شمال الفـُرات ،  وفي ذات الوقت نكون قد عاقـبنا مُثيري إضطرابات العمادية ، إنها فرصة لن تـعودَ ثانيةً >   وقد تَمَّ تكليف المُبَشِّر وليم ويكرام ذي الخبرة الواسعة بشؤون هؤلاء النساطرة للإشراف على تنفيذ هذه الخِطة ،  ولكن الامور لم تجر كما كان متوَقعاً لها ففشلت نتيجة التَحَرُّك التركي ونشوب اضطرابات في ضواحي الموصل .


يتحَدَّث يوسف إبراهيم يزبك في كتابه ( النفط مُستعبد الشعوب ص . 233 - 234 ) بأن الكولونيل الانكليزي ليجمان وأثناء تواجُدِه في الموصل ، كَلَّمَ سُكّانَها مِن العرب قائلاً لهم ، إنكم مِن اصول الآثوريين ، وإني لَمُستغرب مِن عدم دِرايـتِكم بتاريخ أجـدادِكم ولا عِلمَ لكم بكونِهـم أحفاد الآشوريين الذين شَيَّـدوا مجدَ نينوى ، فرَدّوا عليه قائـلين : نحن أحفاد عرب الفتوحات ونعلم جيداً أن أسلافنا عند مجيئِهم الى الموصل لم يجدوا فيها سوى الفرس المجوس يسكنون في محلة ، والمحلة الثانية كان يسكنُها المسيحيون الجرامقة. ومِن المعروف تاريخياً أن الجرامقة هُم تَشَعُّبٌ مِن تَشَعُّبات الكلدان المُتعدِّدة ، و قد أشار الى الموضـوع ذاته  القس سليمان الصائغ ( المطران لاحقاً ) في كتابه ( تاريخ الموصل / الجزء الأول ص . 51 - 52 ) . ويَروي السيـد يزبـك في ( الصفحة 236 و237 و 238 و 242  مِن نفس الكتاب )، بأن ليجمان طـلبَ مِن مُحَرِّر جريـدة الموصل وهو صحفي كلداني أن ينشر خَبراً عن زيارة ( سورما خانم ) التي لَـقـَّـبَها بأميرة الآثوريين الى لندن ، للمطالـبة بتحقـيـق الوعود التي تَعَهَّدها الانكليزُ لقومها ، بإقامة وطن قومي للآثوريين في شمال العراق ، فأجابَه الصحفي بذهول مُستغرباً مِن كـلامه قائلاً : لم يسبق لي أن سمعـتُ بـوجود قـوم باسم الآثوريين وله أميـرة ، ثمَّ أردف الصحـفي بأن هؤلاء النساطرة الذين تتحدَّث عنهم لا علاقة لهم بالآشوريين ،  ولكن الكولونيل الانكليزي ليجمان أصَرَّ على رأيه ،  وبحُكم موقـعه كقائـدٍ  بريطاني مُطالَـبٍ  بالعمل على تحقيق طموحات مملكـته كان يضغط  مِن مصدر قوة على مُحَرِّر الجريدة لينشُرَ أخباراً عن الآثوريين  ، وقد فاجأَ مُحَرِّرَ الجريـدة بقـدومه يوماً الى مقـر الجريدة وأملأََ عليه ما يلي : < انشُر أخباراً عن الآثوريـيـن  وعن أميـرتهم   ( سورما خانم )  صاحبة السمو عمة مار شمعون ،  وفي عددِك لهذا اليوم ،  انشُر بأن صاحـبة السمو الأميرة  سورما موجـودة في لندن  منذ بضعة أيام وقد قامت بزيارة عددٍ مِن كـبار المسؤوليـن الحكوميين ،  وقابلت أصحابَ الشأن الكبار مُطالبة ًإياهم بتحقـيـق الوعود التي قُطعت مٍن قبلهم لمُواطـنيها أثناء الحرب  بإقامة  وطن قوميٍّ  للآثوريين  والكـلدان في المنطـقة الشمالية  مِن العراق وبالتحديد مِن شمال الموصل وحتى الحدود التركية ، وكَرَّرَ الصحفي مرة ثانية استغرابَـه مِن أقـوال لـيجمان نافـياً وجود قـوم باسم الآثوريين تتزعمُهـم أميرة ، واسترسلَ بشرح الحقـيـقة له ، بيدَ أن ليجمان نصحَـه بعدم تكرار ما سمعه منه لأن ذلك برأيه  يُـؤدّي الى حدوث انشقاق بين مسيحيي الموصل ومُسلميها  ،  ويواصل المُؤلـف الكلامَ قائلاً : بأن الإستعمار البريطانـي تمَيَّـزَ بدهاءٍ نادر في  لعبه مع التياريين النساطرة الذين أطلقَ عليهم اسمَ الآثوريـين عَمداً لتسخيرهم في خدمة  مصالحه ،  وأوعز الى وسائل أعلامه لنشر كُلِّ ما يُثير اهتمام العالَم في سبيل كسب رأيه وعطفه  لمُساندة هؤلاء المسيحيين المُضطهدين مِن قبل الأكثرية المُسلمة ، ويُضيف  بأن صفحات كتابه لا تتسع سطورها لوصف الأحداث التي قام بتنفيذها التياريون المدعوين خطأً بالآثوريين ، تلك القبائل الساذجة التي جنى عليها الإستعمار البريطاني ، وجعل منها حطباً لموقـد مطامعه ، فهي لم تَـكن تعرف عن آشور شيئاُ ولا خَطـَرَ في بال أبنائها يوماً بأنهـم ورثة  الآشوريـين القدماء إطـلاقاً .  ومن أطرفِ ما رواهُ الكاتبُ عَمّا كان يجري بين الانكليز والنساطرة ،  بأن كاهناً كاثوليكياً مِن أبناء الموصل مشهوداً له  بعِلمِه ونزاهتِه ووطنيتِه  عَلَّقَ قائلاً : إن المُستعمِرين ويقصد بهم الانكليز قد أعطوا اهتماماً كبيراً لجماعة مار شمعون ، وبوجهٍ خاص إنصَبَّ اهتمامُهم بِعَمَّتِه  ( سورما )  وقال بالنَص  "  فأَثْـوَروها وما زالوا بها حتى ثَـوَّروها  "  .


وفي حاشية ( الصفحة 257 مِن المصدر / تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ) ورد نقلاً عن التقرير البريطاني ما يلي : < قام الانكليز بتجنيد ما يُقاربُ ألفي فَردٍ مِن هؤلاء النساطرة ، إستعانوا بهم في قمع ثورة العشرين 1920 أطلقوا عليهم ( الجيش الليفي ) ،  لقد سَئِمَ النساطرة العيشَ في المُخيّمات فانتشرَ التذَمُّرُ بين صفوفهم ، ولتهدِئَة غضبهم ومعالجة خيبة أملهم في قياداتهم  وفي الانكليز كذلك ،  إقترح القائدُ الكبير أغا بطرس إقامة  حكومة آثورية  تمتدُّ حدودُها مِن شمال الموصل  وحتى الحدود التركية ،  لاقـت الفكـرة ترحيـبَ الانكليز  واستحسانـَهم لرؤيـتهم فيها  خِدمة ً  لأهدافهـم  وتقوية ً لاستراتيجيتِهم فنقـلوا المُخيّمات الى منطقة ( مندان ) الواقعة شرق جبل مقلوب بين الموصل وعقرة ، ولكن نصيبَ هذه الخطة كان الفشل . لم تتوانى كتائب الليفي النسطورية في إسداء خدمةٍ كُبرى للإنكليز حيث كانت تتصَدّى لكُلِّ مَن يُحاول المساسَ بمصالح المملكة المتحدة مِن العرب والأكراد .


جاءَ في كتاب ( القضية الكُردية والقوميات العنصرية في العراق ص . 97 - 98 لمؤلِّفِه لوقا زودا ) بأن دوائـر الإستخـبارات الانكليزية لم تألُ جُهـداً في جمع مَن أطـلقـت عليهم اسم ( الآثوريين ) في منطقة نينوى عاصمة الآشوريين القدماء وتشكيل جيشٍ مِن عشائِرهم يَكونُ نـواة لصيانة الوطن القومي المُقـترح إنشاؤه لهم تمهـيداً للوصول الى إعلان الإستقلال لدولة آشور الموعود بها مِن قبل البريطانيين ، عندما نجحوا في  إقناعِهم للقتال الى جانبهم ، ولكن الانكليز كانوا يُتقـنون اللعبَ على الحَبلين بادائِهم دوراً مُزدوجاً ، ففي الوقت الذي يُحَرِّضون النساطرة على المُطالبة بالإستـقلال ، في الوقت ذاته يوشونَ بهم لدى الحكومة ويدفعونها للقيام بقمع حركتِهم . أما مؤلفا كتاب ( العراق في التاريخ / الفصل الثاني ص. 661 - 662 ) الدكتور مظفر عبدالله والدكتور جهاد صالح ، فيُشيران الى تَوَرُّط النساطرة المُتأثورين ،  بقيامهم بحركةِ تَمَرُّدٍ في شمال الوطن في عهد الملك فيصل الأول وقبل وفاته بفترةٍ قليلة ،  وقد قام بكر صدقي باعـتباره قائـدَ الجيش العراقي وبالإتـفاق  مع وليِّ العهـد العراقي الأمير غازي ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية حكمت سليمان بقمع التَمَرُّد بشكل عنيف في شهر آب 1933م ، وجرى ذلك أثناء غياب الملك فيصل خارج الوطن . وقد تَكَـبَّـدَ النساطرة عددأ كبيراً مِن القتلى رجالاً ونساءً وأطفالاً والتجأ الناجون الى القرية الكلدانية العريقة ألقوش فاحتضنتهم وامتنعت عن  تسليمهم للجيش رغم كُل التهديدات بقصف القرية وسُكّانها ، وتلك لَعَمري مأثرة كلدانية خالدة للكلدان وللأسف تناساها العنصريون مِن بقاياهم الذين هاجروا الى الديار السورية والذين مكثوا في العراق على السواء ، إنه لنُكران للجميل ما بعده نُكران !



لـقـد ذكرنا الشواهد أعلاه لتـفـنيـد الإدِّعاءات الباطـلة  التي  نحن  بصدد  الكشفِ  عن  زَيـفِـها  هي  تلك  الأفكار  والايـديـولوجيات  السياسية  التي  تَستميـتُ  أحزابُ  ومُـنـظـماتُ  دُعاة  الآشورية  المعاصرين  الى  فَرضِها  على  سليلي أبناء  الرافدين  الأصليين  كلدان اليوم ، الذين  يُمـَثـلون  نسبة  80 %  مِن المسيحيين الناطـقين  باللغة الكـلدانية  السوادية ( السورَث ) بمُختـلف لهجاتِها  ، وذلك  بتبنّي  مَنهَج  مُبَرمَج  على  شاكلة  المنهج  البعثي  الذي  تبنّى في مُنتصف  القرن العشرين  الماضي ،  نظرية َ تعريب  مواطني  العراق غير العرب  ،  باعتمادِه  منهجاً  مدروساً  يهدف الى  إلغاء  الهوية  القومية  الرافدية  والهوية  الوطنية  العراقية  عنهم  وصهرهم  في  الهوية  العربية  على  غير  حق .


هذا الشيء  ذاتَه  تَبَنَّته  احزابُ  مُنتحلي التسمية  الآشورية الشوفينية  (  نعتي  لهم  بالمنتحلين  يعود لعدم وجود  أية  رابطة  تَربُطهم  بآشوريي العهد  القديم  عِرقية  كانت  أو  تاريخية )  مُستغلةً  السُبات  الفكري  والانعزال  المناطقي  والخلاف  المذهبي  ،  هذه  العوامل  التي  سَهَّلت  لطغمة  الأحزاب  المُزَوِّرة  لتسميتِها  الغريبة ( الآشورية )  واللاهثة  بكُلِّ  قِواها  لإحيائها  وانتشالها  مِن  لَحدِها  الذي احتواها  قبل  أكثر مِن ستةٍ  وعشرين  قرناً ، تمريرَ عملية  الخداع  والضحك على  ذقون العامة  مِن الشعب المسيحي ولا سيما  غالبيته الكلدانية الساحقة ، ألا  وهي  بعث  الآشورية  المقبورة منذ  قرون سحيقة كما  قلنا ، و جَعلِها  قومية في الوقت  الذي لم  تَكُن  في أوج  عظمة  الدولة الآشورية البائدة في ماضيها البعيد  قومية ! بل  تسمية موطنية  مُستمدة  مِن  الاسم  الثُنائي  لمدينة آشور  وإلهها  الجبلي  الأجنبي ( آشور ) فكيف  يُمكن  لمُنتحليها  زوراً  أن  يجعلوا  مِنها اليومَ قومية ؟ وقد أوضحنا  ذلك  في موضوع ( الحقبة  الآشورية الاولى  2250  -  1813 ) من كتابنا هذا .
                                                                                                                                                                                                                                                                      كثيرة هي التجَنيات الإدعائية  التي دَأَبَ على تَرويجِها أحفادُ  كلدان الجبال ساكني منطقة  آثور ( هيكاري بقسميها  العلوي  والسُفلي ) مُنتحلو التسمية الآشورية زوراً ولا زالـوا ، ضِدَّ  أبناء الامة الكلدانية المُعاصرين، في الـوقـت الذي تؤكـد كُلَُ المصادر والمُعـطـيات التاريـخـية خروجَـهـم هـم أنـفسهم مِن صُلـبِـ، هذه الامة العريقـة النبـيلة ، ومع ذلك لا يألـون جهـداً في النيـل مِنـها بالإفـتـراء والتشويه والتـزوير والتسيـيـس ، فقـد جاهدت واجهاتُهم السياسية المُتمَثِّـلة بألأحزاب والمُنـظمات ذاتِ الأفكارالتهـوُّريـة المريـضة بعـقـدة الشعـور بالنـقـص الضاربة أطنابــُها في أذهـان مُنتسبـيـها  نتيجة معرفـتهم الأكـيدة بأنهم واقعـون في ورطةٍ جسـيمة وخاطئة بخيانتهم لأمتهم الكلدانية وبانتحالهم هوية ً مُزوَّرة ( الآشورية ) بدل الهوية الكلدانية الحـقـيـقـية ، وقد قطعـوا شـوطاً كـبيراً في هذا الدرب الخاطيء الى حَدِّ الإستحالة العدول عن الخطأ و العودة الى درب الصـواب، ومِن هذا المنطـلق فهـم يستخـدمون كُلَّ الوسائـل مهما كانـت مُهـينة ودنـيـئة للتمادي في غِـيِّـهـم  والإصـرار على فرَضيتهم الآشورية الاسطورة المُسطـنعة مِن قبل المُخادعين الإنكليز . والأنكى في هذا الموضوع ، قـيامُهم بتضليل شعبهم عن طريق تلقـينهم أبناءَه الأبـرياء وحَـثَّهم على ترديد أقـوالهم الإفـترائية بالطريقة البـبـغائية التي لا  يفهمـون معنىً  لها  ولا يـدرون هول عواقبها  .


الشماس كـوركـيس مـردو
في 28 / 6 / 2009

202
أيـُعـقــلُ أن يـَخـذل الأكـرادُ حـلـفاءَهـم الكـلـدان ؟



مِن الصعب علىَّ هضمُ ما جـرى ، أن يقـوم أحـفـاد الميديين المعاصرون ( أكراد اليوم ) بخـذل أحـفاد الكـلدان حلفاء أسلافـهم ، وينـتصروا لـعـدوِّهم المشتـرك الآشوريـيـن ، هـل لم يـقـرأ الأكـراد التاريخ ؟هـل قـلـبـوا ظهر المِجَـن لتاريخـهم ؟ يا للمُفـارقة المذهـلة ! كيـف يُمكـن تصـوُّرها ، الأكـراد يسانـدون الآشوريـيـن ويخـذلـون الكـلدان ! ! إنـه تـذكـير بالتاريخ أيها الإخـوة الأكـراد عساه ينـفـع ! أتـذكـرون الملك الكلداني نـبـوبـيـلاصر وحـلـيفـه الملك الميدي كي أخسار ؟ ، أتـذكـرون الأمير الكلداني نبـوخـذنصر الثاني وعـروسه حفيدة الملك الميدي ؟ مجـرد تـذكـير ! ! !


لقـد استبشر العراقيون عـموماً خيراً بسقـوط الديكتاتورية عام 2003 يحـدوهم الأمـل بأنَّـهم  سيستعيـدون حـريتهـم المصادرة ، ويـنـعـمـون بخيرات بـلـدهم العراق بعـد أن يسود فيه القانـون والنظام تحت ظـلال الديمقراطـية ، فتتساوى فيه الحقـوق والـواجبات بين أبناء الـوطـن بكافة انـتـماءاتـهم القـومية والدينية والمذهبية ، ولا سيما أن العـراقـيين جميعاً من عـربٍ وأكـرادٍ وكـلـدان ٍ وتركـمان ٍ ويزيـدية ومندائيين وشبك قـد عـانوا من ظـلـم وقسوة النظام البعثي الديكتاتوري فكانـوا ضحايا الممارسات الشرسة واللاانسانية ، وذاق الأكـراد من تلك الـويـلات النصيب الأكـبر .


أيها الإخـوة الأكـراد من أجـل ماذا ناضلتم وتحملتم القتـل والتشريـد والجـوع والعطش والإبادة ، أليس من أجـل قـوميتكم ووجـودكـم ؟ إذاً القـومية والـوجـود هما أثـمَن ما يعـتـز بهما الإنسان ، وهذا ما أثبـتـمـوه بأنفسكم ، فكيف تُـريـدون من الكـلـدان التـنازل عن قـوميـتهم التي بـدونها لا يكـتمـل وجـودهم ! هـل تـقـبلـون التـنازل عن قـوميـتكم الكُردية للعـرب أو للتركمان أو تـُدمجـون قـوميتـيهما معكم لتصبحوا قـومية مشتركة ( كرد عرب تركمان ) ألستم ثلاثتكم تدينون بالإسلام ؟ فلماذا ستستهجـنـون هذه التسمية لـو فـرضت عليكم ، ولكـنكم تُحاولون فرض شبـيهـةٍ لها على الكـلـدان رغـم إرادتهم لمجرد أن السريان والآثوريين يشتركون في الدين مع الكلدان ولكنهم يختلفـون في المذهب أما في القـومية فليسوا كـلـداناً لأنهم انفصلوا عن الكلدان عبر الزمن وتبنوا تسميتين غريـبتـين . ألا تـرون في ذلك إجـحـافاً بحـق الكلدان ؟ بـل تحـدياً متعمـَّداً لإرادتهم الحرة المستقلة ! وهل هنالك سابقة في التاريخ بأن حـكـومة ما فرضت على جزءٍ من شعبها قـومية مصطنعة وله قـومية يجاهر ويعتز بها ؟

هـل يمكن أن يُصـدَّق بأن الأكراد الذين كانوا ضحية الجـلاد ، أن ينقـلـبـوا الى جـلاد بعـد نيلـهم الحرية ؟ أين المباديء الديمقراطية التي على أساسها قطعتم العهد لأبناء اقليم كردستان لبناء وطـن يسوده العـدل والمساواة بعيداً عن التسلط ونظرة التعالي ؟ الحقـيـقة يجب أن تُـقال بأن القيادة الكردية رئيساً وحـكومة وبرلماناً ، تتعامل مع الأقليات القـومية والدينية في أرض الإقـليم بالإسلـوب الديمقراطي ، ولكنَّ هنالك وللأسف بعض المتنفـذين في الأحـزاب الكـردية الحاصلين على المناصب الهامة في الحكومة الكردستانية لا يـروق لهم هذا الإسلـوب الحضاري أمثال السيدين نمرود بيتو وسركيس أغاجان اللذين يلعبان دوراً عنصرياً مخزياً تجاه الكلدان ذوي الرقم الديمغرافي الأكبر بالمقارنة مع السريان والآثوريين ويسعيان الى استخدام كُـل السبـل الملتـوية للنـيـل من الكـلدان وطمس قـوميتهم مستـغِـلـَين نـفـوذهما وصداقاتهما . لقـد استغـل سركيس أغاجان مركزه كوزير لمالية حكومة الإقليم السابـق ، فأنـفـق مـلايين الدولارات لتنفيذ مخـطـطـ مشبـوه عن طريق قيامه بتأسيس ما أطلـق عليه " المجلس الشعبي الكلداني السرياني الآشوري " الذي حـوَّله الى واجهةٍ دعائية آشورية صرفة ثانية بعـد الواجهة الأولى " فـضائية عشتار " والهـدف الأساس من كلتا الـواجهتين إلـغاء التسمية القومية الكلدانية المستقـلة من دستور اقليم كردستان ، مُـذِراً الـرماد في العـيون بحجة تأسيس مشاريع مستقبلية وهمية .

عنـد اكتشاف الكلدان لـنـوايا اغاجان السيئة تجاهـهم ، واطـلاعـهم على مخـطـطـه التآمري الذي أوكـل الى مجلس زبانيتـه مهمة تمريره التي باءَت بالفشل ، جاء رد فعل الكلدان طبيعياً ومستـوجـِباً حيث أعـلنـوا عـن رفضهم القاطع لأية تسمية مُبـتـَدَعـة تُشوِّه تسميتهم القـومية ، وعن ايمانهم المطلـق بأن الـوجـود والهـوية القـوميين لا يجـوز فـرضـهما قسراً على أي طـرفٍ من قبـل طـرفٍ آخر إرضاءً لأهوائه ووتغطية ً لـحـجـمه الهـزيـل ، ومن هذا المنطـلـق أصـدرت القـوى السياسية الكلدانية بيانات تؤكـد تمسك الشعب الكلداني بقـوميته الكلدانية المستقلة دون أيِّ تشويه ، وأيـَّدت ذلك الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية في بيان مجمعها الختامي الصادر في الخامس من شهر أيار 2009 ومن مدينة عنكاوا / أربيـل وجاء فيه :

( يُعـلـن الأساقـفـة تـَمسكـَهم الـراسخ بـقـوميتهم الكلدانية وحقوقـهم المشروعة بموجب الدستـور العراقي الإتحادي المادة : 125 . . . وعلى هذا الأساس يُـطالـب الأساقـفـة الكلدان إدراج هذه المادة من الدستور الإتحادي في دستور اقليم كردستان ) . كما أعلن الموقف ذاته كُـلٌّ من المجلس الـقـومي الكلداني والهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية وورد ذلك :

1 - في البيان الختامي لمؤتمر المجلس القـومي الكلداني الثاني المنعقد في مدينة عنكاوا يـومي 26  -  27 نيسان 2009  .
2 - في بيان الهيئة العـلـيا للتنظيمات الكلدانية الصادر في الرابـع من شهر أيار لعام 2009  .


إنَّ شعبنا الكلداني بكامـل أقـطاب كنيسته الكلدانية الكاثوليكية المقدسة وكافة تنظيماته السياسية وجميع كتابه وادبائه ومثقفيه ، طالـب القيادات السياسية الكردية وفي مقدمتهم الاستاذ مسعـود البرزاني رئيس الإقليم ، والإساذ نيجرفان البرزاني رئيس حكـومة الإقليم والاستاذ عـدنان المفتي رئيس برلمان الإقليم ، وكذلك أعـضاء البرلمان وعـموم الشعب الكردي ، باعتماد مبـدأ الإنصاف بحـقـه الشرعي ، وإدراج قـوميته في دستور الإقليم مستقـلة على غِـرار ما تـمَّ إدراجُـها في الدستور العراقي الإتحادي .


أليس تـعـسفاً بحـق الكلدان أن يُـفاجأوا بعدم استجابة حكومة وبرلمان اقليم كردستان لمطلبهم الشرعي ، وعـدم اعتبارهما لبيان أساقـفـة الكنيسة الكلدانية ولا لبيانات الأحزاب الكلدانية المتمثلة بالهيئة العليا للتنظيمات الكلدانية ، وأيـدا مطلـب المعادين للكلدان نمرود بيتو وسركيس أغاجان حيث ترك الأخير مواصلة عـلاجه في الخارج وهـرع عائـداً ليشرف على تمرير تآمره المشين ضـدَّ الامة الكلدانية الأعرق بين الآمم التي ظهرت على أديم بـلاد وادي الرافـدين . إيها الإخـوة الأكراد ، إنكـم تعرفـون تاريخيا مَن هم الكلدان ومن هم الآشوريين ، فلماذا تُـغـفـلـون الحقـائـق ، من أبـرز صفات الكلدان الإخلاص والـوفاء بالـوعد لا يميلـون الى الخـداع أبـداً . لـم يقـفـوا يوما ضـدَّ أماني وتطلعات الشعب الكردي ، لقد انتمى الكثيرون من ابنائهم الى الأحزاب الكردية وقارعوا بصـلابةٍ الى جانب إخـوتهم الأكراد الحكومات الديكتاتورية الظالمة ، تعرض بعضهم للسجون واستشهد الآخـرون ، فأين الوفاء لـهم ؟


نطالـب القـيادات الكردية إعادة النظر بالقـرار التعـسفي والمجـحـف ، وإنصاف الشعب الكلداني بإدراج قـوميته مستقـلة في دستور الإقليم كما وردت مستقـلة بالدستور الإتحادي ، وبذلك تُعيدون الحـقَّ الى أصحابـه ، والعـدلَ الى نصابـه ،  وسيذكر لكم التاريخ تعاملكم الإنساني وضمانكم لحقـوق الأقليات القـومية والدينية .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 26 / 6 / 2009

203
كـفـاكَ كـذباً أيها الرَهـدُون آشور كيـوركيس

< اكـذوبة الـفـرضيـة الآشوريـة >

الجـزء الأول

المصيبة في الكاتب أن يكـون ناقـلاً بـبـغـائياً وليس مُلـِماً بما يكتـب ، لأنـه بحافـظـتـه البـبـغـائـية يخـدع السامعين بترديـده المُمـِل سعـياً الى حجـب الحقـيـقة الثابتة ألا وهي ( الحـقـيـقـة التأريخية ) وهذا ما دأب عليه البعـثـيُّ الآشوري على غـِرار ( البعثي العربي ) آشور كيـوركيس ذو النـزعة الشوفـينـية الآشورية الأكـذوبة الاسطـورية الحـديـثة التي ظـهرت في أواخـر القـرن التاسع عشر وأوائـل القرن العشرين ، يعيش في افـق هذه الخـرافـة المستحكمة في دائرة تـفـكـيره وتفكـير الكـثيـريـن من أمثالـه ، فإن أخـرجـتـَهم خارجَـها ضاعـت عليهم كُـلُّ المقايـيس لأنهم لا يفـقـهون أكثر مـما تطـَبــَّعَت عـلـيه عـقـولـُهم . وليست مقالتي هذه إلا رداً على ما كتبه الـداعية الآشوري الغـِر آشور كيوركيس  في موقع كتابات في 19 / 6 / 2009 بعـنوان " رُهـاب الآشورية "  .


1 - إنـقـرض الآشوريين القـدماء

يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122 ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ  لبِلادِ آشور ! >  ويقول البروفيسور  سيمو باربولا / جامعة هلسنكي  ( بعد  حَربٍ  أهليةٍ  مُطوَّلة استطاع  البابليون أي الكلدان  والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان >  ساحقين بذلك آخِرَ خَندق للمقاومة  لملكِ  بلاد آشور الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث  خَتَمَ  مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّفقون وبدونِ الإدلاءِ علناً مع الفِكرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبلُ المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف  وَفرَةِ المعلومات  عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات  عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً  لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي  تبدو  أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات  شهود  العَيان القُـدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ  الأب ألبير أبونا  في  مقالتِهِ  المنشورة  في  موقع  عَنكاوا.كوم  الالكتروني  < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين  وبعض المُنجرفين  وراءَهم  من الكلدان المُغَرَّر بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثبات عدم انقراض الآشوريين النهائي  بأدِلَّةٍ علمية وتاريخية بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف والأوهـام .


الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ  الملك الآشوري سنحاريب ، فهو إذاً أحد  أحفادِ  الملكِ  الكلداني الثائر ( مردوخ بلادان )  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب (الملك آشور بانيبال ) ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانيبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا آلت إليه في أواخر فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية عشر الدولة  الكلدانية  أو البابلية  الحديثة  ثمَّ  الامبراطورية  الكلدانية ولـُقـِّبت بالامبراطورية  البابلية الحديثةأيضاً باعتبارها امتـداداً للإمبراطورية البابلية الأولى التي أسسها الملك العـظـيم حمورابي  . قامَ بتصفـية الوجود العسكري الآشوري  من المناطـق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيــدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة المناطق التابعة له حتى حدود  آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك  آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة / جيمس هنري  ترجمة أحمد  فخري ص. 231 وهنالك  مصادر اخرى كثيرة ) ضمنَ مساحة الدولة البابلية الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام وفلسطين  ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم الميديون  مضمونَ المعاهدة  المعقودة  بينهم  وبين الكلدان ،  واكتفوا  بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من العواصم الآشورية ، واحتفظوا بالاقاليم الشمالية والشمالية الشرقية لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها قبل عقد  المعاهدة ، أما  الأقاليم الغربية فخضعت  لسُلطة الدولة الكلدانية  وبضمنها العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِـلَها أبناءُ الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .


وإنَّ  التواجد  الكلداني كان قائماً  في البلاد الآشورية  قبل  زوال الكيان  الآشوري ،  وزادت  كثافتُه  أضعافاً  بعد  زواله  بحُكم سيطرة  الكلدان  على البلاد الآشورية  وتَحَوِّلها  الى  جزءٍ  مِن  بلاد  الكلدان ،  حيث يقول الاستاذ حبيب حنونا ( الكلدان والتسمية القومية ) كان  الملوكُ الآشوريون في خِضَمِّ حَملاتِهم العسكرية  المتواصلة  على  الممالك الكلدانية  خلال الفترة المحصورة بين القرن الحادي عشر والقرن  السابع  قبل الميلاد، قد أسِروا ما يربو على نصف مليون فردٍ من الكلدان ، ورَحَّلوهم الى مناطق الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي لإقليم آشور ، وتُشير المصادر بأن مُعسكرات كانت قد اُنشئَت للأسرى الكلدان ، يُطلق عليها  < بيث شبيا >  وتعني  بيت السبايا  في قرية كرمليس  وقرية بابلو القريبة  من دهوك ،  كما أن معسكراتٍ  كان قد  تَمَّ إنشاؤها  في منطقة العمادية شمالي دهـوك بين بابـلو وارادن وايـنشكي ، وبعد سقـوط نـيـنـوى وخضـوع تلك المناطـق للحُكم الكلداني ، قام هؤلاء الأسرى الكلدان بحسب تأكيد هذه المصادر بتحويل هذه المعسكرات الى مجمعات ووحداتٍ سكنية ،  ويؤَكِّد التـواجد الكـلداني في  شمال  بلاد ما بين النهرين  المؤرخ اليوناني  (زينفون ) الذي رافـق الحملة العسكرية اليـونانية المعروفة ( بفرقة العشرة آلاف ) عام 410 قبل الميلاد في كتابه ( حملة العشرة آلاف / ترجمة يعقوب منصور ص . 182 )  وعند تـقهـقرها أمام الفرس بمعركة  قرب بابل عادت ادراجها متوجهة الى بلادها وفي طريق  العودة يقول  زينفون : ـــ  قبل اجتيازنا حدود ارمينيا ( أسيا الصغرى أو تركيا الحالية ) وعلى الضفة الثانية لنهر دجلة ، جابهتنا قوات كثيرة تتألف من صنوف مختلفة ، حاولت منعـنا من عبور النهر، ولدى استفسارنا هن هـوية تلك القوات ،  علمنا أنها  قوات ارمنية  وكلدانية  وماردينية وكانت تابعة  لأورنتاوس و اوتوخاس ، ويُضيفُ قائلاً : لقد قـيل لنا بأن الكـلدانيين شعبٌ حُر لا يُضاهيهم شعبٌ آخر في المنطـقة من حيث مهارتهم في القتال !
إنها حقاً  حقائق تاريخية  دامغة  تُعَرّي زيف المغالطات والأكاذيب التي يُروِّجُـها أدعياء الآشـورية المزيَّـفـون وعملاؤهم المأجورون الذين يُرعِبُهم اسمُ الكلدان ،  حتى أنهم  ولشدة  كُرهِهم  للكلدان ينفون عنهم عملية القضاء على الدولة الآشـورية ويَعـزَونَ ذلك الى الميـديـيـن ! وهذا بحدِّ ذاته يُعتبَـرُ نُـبلاً في خِصال الكلدان ، وإن هم يُـردِّدوه خلافاً لكُل ما أكَّده المؤرخون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المؤرخ الشهير ( جورج رو ) الذي يـؤَكِّد  سيطرة الكـلدان على كامل الاقليم الآشوري بشكل مُحكم بحيث لم يحدث أي تمَرُّدٍ أوأي تحرُّكٍ  مضاد للإمبراطورية  الكـلدانية حتى سقـوطها على يد الملك الاخميني كورش عام 539 ق . م  بسبـب خيانة داخـلية  لقائد عسكري في الجيش الكلداني وتـآمُر يهودي داخـل البلاط  .  إذا كان الميديـون قد قضوا على الدولة الآشورية  كما يحلو لدُعاة الآشورية المعاصرين قـوله ، فما أغباه من قـول ، لماذا تخلـوا عن حُكم بـلاد آشور ! ! ألا  يعني هذا أن دورَهم كان دوراً ثانـويا مساعداً للكـلـدان , ليس كالدور الأساسي الكـلـداني ! ! ولـذلك فرض الكلدانُ سيطرتهم الكاملة  على البلاد الآشورية .


2 - ما سرُّ ظهـور الآشورية بعـد 25 قـرناً مِن إنـقـراضها ؟


إذا كانت الشواهدُ على مُجريات التاريخ تؤَكِّدُ انقراضَ الآشوريين بعد سقوطِ  نينوى المأساوي عام 612 ق . م  والقضاءِ المُبرم بعد ثلاث سنوات على بقاياهم الذين استطاعوا الإفلات مِن ألسنة السيوف والنيران واللجوءَ الى المدينة الغربية حرّان ، ومِن ثمَّ زوال اسمهم مِن ذاكرة التاريخ ،  كيف يا تُرى ظهر إسمُهم ثانيةً  وعلى حين غِرَّةٍ بعد اختفائه لمُدَّةِ خمسةٍ وعشرين قرناً ووُجدَ له أتباع ؟ أليسَ وراءَ أكَمةِ هذا الظهور المُفاجيء لُغزٌ ؟ أجلْ ، إنها الدوافع الخفية  لتحقيق أهدافٍ تسعى إليها  جِهة دولية  قوية هي المملكة الانكليزية المُتحدة ! أرادَت مِن إحياء هذا الاسم وإطلاقه على جزءٍ عزيـز مِن شعـبـنا الكـلداني المعروف بالنسطوري والـقاطـن في منطـقة آثور الجبـلية ( هيكاري ) لجعلِه كبشَ فداءٍ لتقويةِ نفوذِها الاستعماري ، حيث كان الـتـنافسُ على أشُـدِّه  بين الدول الإستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا وألمانيا ) في أواخر القرن التاسع عشر للإستحواذ على أوسع رقعةٍ جغرافية مِن المناطق الخاضعة للنفوذ العثماني ، ومِن أجل هذا الغرض كانت تتسابقُ كُلُّ واحـدةٍ مِن هذه الدول على التدخُّـل في  شؤون الـدولة العـثمانية الهَـرِمة والتي لُقِّبت ( بالرَجُل المريض ) حيث كان الإنحِلالُ قد دَبَّ في أوصالها ،  ورأت أن قيامَها بايـقاظ النعرات القومية والطائفـية والدينية  بين أبناء الشعـوب الرازحة تحت حُكم هذه الـدولة العاتية هو الوسيلة الأسرع لـزرع الشك وانعـدام الثقة بين بعضهم البعض فعمدت الى ايقاد نار الفِتَن بينهم ، وقد لعبت البعثات التبشيرية الاوروبـية دوراً بارزاً في تهـيئةِ مناخ مُساعد لإستثارةِ النـزعات القومية والديـنية ،  وكان دورُ  بـعثة الكنيسة الانكليكانية  ( بعثة اسقف كانتِربري ) الأشَـدَّ خِداعاً وتخريباً بين أدوار البعثات الاخرى ، فقد قطعت لهم عهـدا باسم مملكة انكلترة ، بأنها ستـؤَسس لهم وطـناً قـومياً على أنقـاض الـدولة الآشورية القـديمة المنقـرضة ، وهذا يتطـلـَّب منهم الإدعاء بأنهم أحـفاد الآشوريين القـدماء ، إذ لا يُمكن تأسيس وطن لهم في حالة استمراهم على تسميتهم المذهبية ( النساطرة )  ويُـشيـرُ  أحمد سوسة الى هذا الـدور في كتابه ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص . 596 - 597 ) <  وَفـَـدَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيـرية انكليـزية ، وحاولت  تحـويـل هذه الـجماعة  مِن مذهـبهـم الـنسطـوري الى مذهـبـها البروتستانـتي ، غيرَ أنها لم تُـفـلح ، ولكـنها نـَجَحَـت في إقـنـاعهـم بأن ( النسطورية  -  النساطرة ) لا تـليـقان بهـم ، وعليهم استبـدالهـما بلفظـتي ( آثور -  آثوريين ) لكي ترفـعا مِن شأنهم في الأوساط العالمية ، ويكون بالإمكان في هذه الحال نَسبُهـما الى الآشوريين القدماء ، ويُضيـفُ سوسة  ، لم يـذَّخِـر رئيسُ الـبعثة  وليم ويكرام وِسعاً في لِعـب دور ٍ دعائيٍّ كبـير لـنشر هذا الاسم ( آثوريين ) وتعـريـف العالَم بالمأساة التي تعـرَّضَ لها مَن دعاهم ( أحفاد شلمَنَصَّر ) ، بـينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قـدوم هؤلاء المُبشِّرين .
                                                                                                                                                                                                                                                                   وتحت هذه الإغـراءات والتـعـهـدات الكـاذبة استطاع المُخادعـون الإنكليز إقـناع البطريرك شمعـون روبين وابنة شقـيقـه سُـرمـا وعـددٍ من رؤساء عشائرهم ، تحـدوهم رغبة ٌ جامحة بالتخـلـُّص من سيطرة وظـُلم الشعـوب المُسلمة المحيطة بهم ، ولـذلك لـَبـّوا مطالب الإنكليز وقـرَّروا التـعاون معهـم متـأثّـرين بالأفكـار التي عرضـوها عليهم . ولكي يُـثـبـت الإنكليز حسن نيتهم لهؤلاء الناس الذين كانوا في حالةٍ يُرثى لها من الجهل والبـؤس والفـقـر ،  فـتحـوا لأبنائهم المـدارس ، وأصدروا لهم جريدة باسم ( زهريرا ) ، وفي سبيل أيِّ فِـكـر ٍ سلبي لدى البطريرك مار شمعـون ، منـحـوه وعائلته مبلغ ( 7000 ) جنيه استرليني . ونتيجة ً لمدى الجـهل المسيطر على هؤلاء الكلدان النساطرة انطلـت عليهم ألاعيب الإنكليز ونـواياهـم الخبيثة .


ومِن أهمِّ الأهـداف التي سَعَـت المملكة المتحـدة لتحـقيـقَها عن طريـق هؤلاء الكـلـدان النساطرة الـذين أثـوَرتهـم بالإضافة الى جانـب إيـجاد موطيءِ قـدم لها في لُـبِّ السلطـنة العثمانـية، ومنافسة نفوذِ روسيا القيصرية هو فرض رأيها بشؤون السلطـنة ، كان سعـيُها الى ايقاف المَد الكاثـوليـكي الذي كادَ يكـتسح منطـقة نفـوذ مار شمعون ،  فاستخدمت لتحقـيـق هذا الغرض مبعـوثي كنيسة كانتيربري الأنكـليكانـية وأسطـع بُرهان على ذلك ما أوردته ( مجلة النجم في عَدَدِها الخامس لسنة 1929م ): < كانت بعثة رهبانية كاثوليكية دومنيكية قد حَلَّت في منطقة رعايا مار شمعون المشارقة الكـلدان المعروفـين بالنساطرة ، قامت بأنـشطـةٍ متـنـوِّعة حيث أنشأت مدارسَ لهـؤلاء النساطرة الكـلدان ووَفـَّـرَت لهم مُخـتـلف الخـدمات الطبـية ، فـنالـت التقـديرَ والثناء مِن لَـدُنهم وأقبلـوا على اكـتساب العِلم والثـقافة فشكَّـلَ ذلك غضباً وامتعاضاً لدي المبشريـن الأنكـليكان لسبَـبَـين أولهما رفض النساطرة لمطـلبهم بتغـيير مذهبهم النسطوري الى الأنكـليكاني البروتستانـتي ، والثاني خِشيتهم مِن ضياع الفرصة على الانكليز في استغلالهم لتحقيق أهدافهم الإستعمارية عن طريقـهم فيما لو تـكـثـلكوا حيث سيُصبـح تَوَحُّـدُهم تحت راية الكنيسة الام الجامعة مفروغاً منه تلقائياً ، ولـَما أفلحوا في ايجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً مِن تسميتهم القومية الكلدانية الأصيلة ، فصَمَّموا على فعل كُلِّ ما بوسعهم لقـلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثَمَن وبأية وسيلة .


وذكرت ( مجلة النجم العدد الخامس لعام 1929 م )  وعِبر مُخططهم هذا علموا بأن مار شمعون روبين طلب مِن شقـيقِه وابن عَمِّه أن يُسافـرا الى الموصل ،  ويطـلبا مقابـلة البطريرك الكلداني الكاثوليكي للبحث في موضوع توحيد شطرَي الكنيسة ، وفي أثناء وجود مبعوثي مار شمعون في الموصل للتـفـاوض بشأن الوحدة ، وافت مار شمعون المَنِيَّة عام 1903م ، وقـيل بأن الانـكلـيـز كانوا وراء الـوفاة ، حيث استغـلوا غيابَ إبن عم مار شمعون المُرشَّح لخلافتِه لوجوده في الموصل ، وقاموا ببذل جهودٍ مُضنية لتشجيع وإقناع النساطرة لتـنصيب إبن شقيق مار شمعون الثاني بطريركاً بدلا ً عنه ،  وبذلك استطاعوا إضاعة فرصة قيام الوحدة ، وكانت تلك ضربةَ قاصمة  > . هذه المقالة مستلة من كتابي المجلد الأول ( الكلدان والآشوريـون عبر القـرون ) الذي سيظـهـر قـريباً .


هذه هي الحـقـيٌقـة التاريخية لفـرضيتكم الآشورية العـقيمة أيها الغـِر آشـور ، كيف لا تـرتـدِع ! لماذا كُـلُّ هذا اللهاث وراء السراب ، لماذا سلـوك درب الأوهام الذي سيقـودكم إن عاجلاً أو آجلاً الى الـزوال المحتـوم اسوةً باولئك الذين انتحلتم إسمهم الـوثني الكـريه زوراً وبـهتاناً . أبأربـعة آلاف فردٍ من المنتحلين للتسمية الآشورية المزيفة المتبـقـيـن في العـراق ، تـنادون بإحـياء جثة الـدولة الآشورية التي طـواها اللحـد منذ ستة قـرون وربع القرن قبـل الميلاد ؟ ثـوبـوا الى رُشـدكـم . والى الجـزء الثاني قـريباً .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 20 / 6 / 2009

204
تـُرى ، مِـن أيـن للسيـد انـطـوان الصـنا كُـلّ هذه المـعـلـومات ؟


لم يمض على دخـول السيد أنطوان الصنا للكتابة في المواقع الإلكترونية وخاصة ً في مـوقع عنكاوا المميَّز الذي أعـتبره صرحاً اعلامياً كبيراً بـكـل الأحـوال ، إلا سنة ً وثـلاثة أشهر ، وكانت بـدايته في الكتابة ركيكة ً جـداً صياغة ً وتعـبيراً ومعـنىً ، ويظهر أن قابلية الإستيعاب لديه كانت جيدة ، فأجهـد نفسه في قـراءة ما يُنشر على صـفحات الإنترنـيت وراح يحـفـظ الكلمات والعبارات عن ظـهر قـلـب ، ليُدخـلها في متن مقالاته كما اقتبسها غير عابيءٍ إن كانت في الموقع الصحيـح أو لا ، المهم أن يحشو المقال بـتكرار الجمـل والعبارات بشكـل غير معـقـول ولا مألـوف ناهيـك عن الأخـطاء النحوية والإملائية . هذا من الناحية اللغـوية ، أما من الناحية المعلـوماتية والتحلـيلـية : كيف يستـطـيع الحصول على الكثير من المعلومات الإتهامية الجاهزة ويـنشرها في موقع عنكاوا وهو بعيـد عن الـوطن إن لم تكن تُـزوده بها جـهة سياسية في الـداخـل ؟ وهـل بذلُ مثل هذه الجهود يكون تبرعاً ؟ في الـوقـت الذي يؤكـد الموقع في تنبـيهٍ له على منبره الحر ما يلي : < إن الموقع له القناعة الكاملة بأن حـل المشاكـل وبحث الخلافات لن يكون بأي حال من الأحـوال عن طريق تقديم الإتهامات الجاهزة التي ليس من الصعب تلـفـيقـها أو طـبـخـها ، وحتى إن كانت صحيحة، فلن يكون الموقع من يتبنى تلك الطرق

فليس بـبعـيـدٍ تـهجـمُ صـنا على سيادة المطـران لـويس ساكـو واتهامه إياه بأنـه مـدفـوع من قبـل تـنظـيم زوعا لمجـرد قـولـه، بأن نـوعا من الإدارة المحلية لشعبـنا الـيوم هو أفضل من الحكم الذاتي ، وبالرغم من رد سيادة المطران عليه والذي إتسم بالتواضع والشفافـية إلا أنـه لم يرتـدع ، ومن قـبلـه تهـجـم على سيادة المطران شليمون وردوني الـذي شبه الحكم الذاتي بالـقـفـص ، وها هـو يُهـاجـمه ثانـية بمقال عنوانه (( المعاون البطريركي الكلداني . . . تصريحات متـبايـنة وساخـنة . . ولكن لماذا ؟ )) مقـتبساً ما يلي من مضمـون مقـابـلةٍ أجراها معه مراسل مـوقـع عـنكاوا بـتـاريـخ 27 / 5 / 2009 < السياسة ليست من عمل او من واجب رجال الدين والسياسة للسياسيين والدين لرجال الدين ، وعندما يدخـل الدين في السياسة تفسد السياسة > فيتسأَل السيد صنا ، إذاً لماذا تـُكـثر من التصريحات السياسية والتي يكتنفـها الغـموض والضبابية والإنتقاء وعدم وضوح الصورة والأفـكار لديكم ؟ ( وهذا هو الحشو الممل للسيد صنا كما ذكرت في بداية هذا المقال ) وأنا أسأل السيد صنا هل تفهم معنى الغـموض والضبابـية أم أنك قد حفـظـتها كالبـبغاء فما الـفـرق بينها وبين عدم وضوح الصورة والأفكار التي أضفتها ؟ ثمَّ كيف تـتجـرأ أن تـتهـم رجال الكنيسة بالموهـومية والمـدفـوعية وهم الـذين يملكـون أوضـح تصـور لحالة شعبهم على أرض الـواقـع ليس الآن فحسب بـل في كُل زمان ومكان منذ تأسيس الكنيسة .

إن تصريحات المطارنة الكـلـدان تـنبـع عن خبـرتهم في الحياة ورصانـتهم في التـفكـير ، فهم علماء ورجال واقعيون حريصون على سلامة شعبهـم ، لا تأتي تصريحاتهم من الفـراغ ، بل عن رؤيـة صائبة حـول الظرف الصعب الذي يمر به شعبهم المسيحي الذي قـد ساده التشرذم وأنهكه التصادم ، وما يصدر عنهم ليس من باب السياسة وإنما من باب الحرص على أمن وحياة شعبهم ، فلماذا يا سيد صنا تـقـلـبـون أنـت وأمثالك آراءَهم وإرشاداتهم الى تصريحات سياسية ؟ هـل رأيـتـم مطراناً منـتمياً الى حزبٍ سياسي أو طالب بمنصبٍ سياسي ؟ لماذا كُـل هذا الهيجان والتخبط والهجوم على الكنيسة الكلدانية بالذات ؟ لماذا كان صمـتـكم مطـبـقاً عن تصريحات الآخـرين ؟ وما سرُّ محاباتكم لمنتحلي الآشورية ؟

ولم يقتصر هجـوم السيد صنا على قادة الكنيسة الكلدانية بـل تعـدَّى الى قادة أحزابنا الكلدانية ، فقـد أعرب عن عدائه الصارخ للسيد ابلحد أفرام أمين عام حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني واصفاً أياه بالديكتاتور ، ومتهماً إياه بالمراوحة بين ما يسمى بالمجلس الشعبي وتنظيم زوعا وغير ذلك من التهم الناتجة عن حقـدٍ غير مبرر . ولكثرة كتاباتـه تخـتـلـط  الامور لـديه فيسهى عن بعض ما صـدر عنه من تعليق او إتهام ، ويُفسر كُـلَّ عـمـل مُجدي حسب هواه ، فعلى سبيل المثال لا الحصر وصف اللقاء الذي تمَّ يـوماً بين السيدين أبلحد أفـرام ويـونادم كـنا بالهـرولة ! لماذا كُـل هذا الميل لإستمرار التباعـد وعـدم التفاهم ؟ وهاله جداً ما عـبـَّر عنه أساقـفة الكلدان في البيان الصادر عن مجمعهـم المقدس عـندما أعـلنوا بصراحةٍ ووضوح عـن الخصوصية القـومية لأبنائهـم ، مـؤكـديـن تمسكهم بقـوميتهم الكلدانية وإدراجها مستقلـة في دستوراقليم كردستان كما هي مـدرجة في الدستور العراقي الإتحادي أفليس هذا مطلـب عادل ؟ وهل طالبوا بإلغاء الآشورية كما فعل منتحلوها ولا زالوا يسعون الى إلغاء الكلدانية ؟ وبذات الهـول أصيب عند إعلان قادة الكـلـدان السياسيين عن تشكيل هيـئة عامة لتـنظـيماتهـم باسم ( الهيئة العامة للتنظيمات الكـلـدانية ) لمذا يا سيد صنا كُل هذا التـوجس والخـوف وثـوران حفيـظـتك وحفيظـة القـوى السياسية المعادية التي تأتمر بأوامرها إذ تُـملي عليك تعليماتها ورغباتها الشريرة .

أود جـلـب انتباه القـراء الى التعابير التي لا يُـدرك السيد صنا لماذا تُستخدم ومتى ، فـفي افتتاحية تعليقه على قـرار انسحاب جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا مِن ما يسمى بالمجلس الشعبي ، لآنه لم يقـتنع بالأسباب التي حـدت بها لإتخاذ قـرار الإنسحاب ( قيام المجلس بإسقاطها من حساباته . . تجاهـلـها . . عـدم التنسيق معها بخصوص أسماء المرشحين لإنتخابات اقـليم كردستان ) يـقـول : < وفي أدناه سوف احـاول التبحـر وتسليط الضوء على خلفيات هذا القرار ( الـتـبحر يستخـدمها العـلماء في الأبحاث الطـبـية والتاريـخـية وغـيرها وهـنا السيد صنا جعـل خلفـيات قرار جمعـية ذات عمق كالبحر ) وأسبابه المعلنة والخفية . . . ويضيف :1- تأسست جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا منتصف التسعينات من القرن الماضي كصرح ومنبر ثقافي لابناء شعبنا الكلداني السرياني الاشوري بجهود وتعاون نخبة وكوكبة كبيرة من مثقفي مدينة عنكاوا العريقة بشكل خاص وكل ابناء شعبنا ( الكلداني السرياني الاشوري ) بشكل عام بهدف تنمية الثقافة الكلدانية والوعي القومي الكلداني وتعريف الاخرين بالحضارة الكلدانية وكذلك نشر التنوع الثقافي في المجالات الادبية والفنية والتاريخية والمعرفية والعلمية والاجتماعية والابداعية بين ابناء شعبنا من جهة وشركاء الوطن من جهة اخرى ... >
وبعد تأكـدي الـوثيق شخصياً ، ليس هناك أيّ فـرد من منتحلي الآشورية المزيفة منتمياً الى الجمعية ، فغالبـية أعضائها من مثـقـفـي مدينة عنكاوا الكـلـدانية العريـقة والبعـض من الإخـوة السريان والمثقـفـيـن من القـرى والبلـدات الكـلـدانية الأخرى . لكن السيد صنا يسترسل في حشوه الكلامي الكـثير التكرار كعاعـدته ، منـوهاً بمناقـب مؤسسي الجمعـية الأوائـل وخـِصالهم الحميـدة وتـفانـيهم وتساميهم على الخلافات والتقاطعات وهذا كُلـُّه جميـل ، ولكن ما هو غير صحـيـح محاولته جعـل الجمعية " كلدانية سريانية آشورية " لإظهار ذاته بأنه أحد دعاة التـوحيد ، ويا ليته كذلك ، ولكن . .
هـل يُمكن أن ينطلي على الكلدان تأشوره الذي تشهـد عليه كتاباتـُه ؟ ثمَّ ينبري وبدون حـرج متخـذاً دور محـقـق ٍ قضائي مُعَيـَّن من قبـل مجلسه الشعبي حيث يقـول :  < طيب اذا كانت الهيئة الادارية اصلا متحفظة على العمل مع المجلس الشعبي لانعرف كيف تم الانضواء والعمل معه ومع لجانه !! ومن هي الجهة المخولة لاتخاذ مثل هذا القرار ؟ الهيئة الادارية ام العامة ام ان هناك جهات اخرى لا نعرفها !! ثم نسأل الهيئة الادارية لماذا الان تعلنون تحفظكم كرد فعل سلبي ؟ اين كنتم في حينها ؟ وهل تحفظكم هذا مثبت في سجل محاضر اجتماعات الهيئة الادارية ؟ اذا كان الجواب بنعم فيعني ان هناك خلل في العمل التنظيمي والاداري والقانوني داخل الجمعية وهيئتها الادارية !! . . >
 
ومَن أقامك قاضياً على الجمعية يا سيد صنا وبايَِ حـق تسأل عن مَن أصدر قـرار الإنضمام ، الهيئة الإدارية أو العامة ، إن ذلك من صلب خصوصيات الجمعية التي لا يحق لأحـد التدخل فيه ، ثـمَّ هـل كانت الجمعية تعلـم قبل انضمامها بأن المجلس الأغاجاني سيُهمشها ؟ ولـو علـمت مسبقـاً فهل كانت ستنضم ؟ إنها أسئلة بديهية ! لذلك بعد انضمامها واطلاعـها على تصرفات المجلس الديكتاتورية وتحـوله الى واجهةٍ دعائية آشورية صرفة وقـد تجلى ذلك في احتفاليته بعيد الأكيتو الذي حـوَّلـه من أكيتو الكلداني الحقيقي الى أكيتو آشوري مزيف، عندئذٍ فـكـَّرت الجمعية بالإنسحاب وأخيراً نفذته .
         
ويُواصل صنا هجـومه التحريضي وزرع الفتن بين أعضاء الجمعية : < واذا كان الجواب بلا فالمصيبة اكبر !! .. ثم اذا كانت مثل هذه الخلافات والتقاطعات تعصف بالهيئة الادارية لماذا لم يتم عرض الموضوع على الهيئة العامة للجمعية ؟ التي تعتبر اعلى سلطة تشريعية فيها وقراراتها حاسمة وملزمة للهيئة الادارية لتقرر ماهو مناسب لها ولمصلحتها العليا وبما ينسجم مع اهدافها ونظامها الداخلي ...

وكذلك على المثقفين في الجمعية الخروج من شرنقة الصمت والسكوت الى الحوارات والمناقشات الصريحة والبناءة والنقد الموضوعي الهادف مع الهيئتين الادارية والعامة بشكل ديمقراطي حر لبناء جمعية وفق اسس ومفاهيم شفافة تخدم المثقف من ابنا شعبنا والجمعية ومدينة عنكاوا وشركاء الوطن في ان واحد لديمومة قوتها واستمرارها وبأفاق جديدة لمستقبل واعد ومشرق ...
>
     
يا سلام ، ما أطيبك يا سيد صنا ! أية مصيبةٍ تعني ؟ ألم أقل أنك مغرم باقتباس العبارات وحفظها ! إنك تتحـدَّث وكأنك عضو من أعضاء الجمعية وقد طـُردت منها لأسباب . . . لا لا عـفـوا ، فأنت مجبر  على ذلك لأن مجلسك الشعبي قـد أقامك ناطـقاً باسمه ولا بـدّ أن تؤديَ واجبـك بكل دقة وإلا . . . يا سيد صنا ، دَع نـصائحـك التحـريضية لك ، فالمثـقـفــون في غـِنىً عنها لأنـهم أدرى بشؤوهم وعلى درايةٍ تامة بما ترمي إليه .

ونـُواصل أقتباس ما قاله السيد صنا من التناقضات <  من خلال قرار الانسحاب المشار اليه اعلاه من الواضح ان الاسباب سياسية وليس ثقافية تتعلق باسماء المرشحين لانتخابات برلمان كردستان وعدم تسمية ممثل كمرشح من الجمعية او عدم التنسيق معها في ذلك واعتقد ان ذلك لا ينسجم مع اهداف وتطلعات الجمعية الثقافية ورغبة اعضائها . . .

وكما هو معلوم ان العلاقة بين المثقفين والسياسين علاقة تحفظ وتوتر في كثير من الاحيان وانهما على طرفي نقيض وفي خندقين متخاصمين ... وان انغماس جمعية الثقافة الكلدانية في عنكاوا في السياسة نوع من التنازل عن حدودها ونطاقها واهدافها الثقافية وموتا بطيئا لمجريات العمل الثقافي المنوع داخلها اضافة الى ان ذلك قد يفقدها مكانتها ودورها واستقلاليتها وجماهيرها وبريقها ... وعليها ان لاتزاحم السياسين في الوظائف والمناصب السياسية وتكون بديل عنهم ...

لانه في كثير من الاحيان لاتنسجم التوجيهات والقرارات السياسية مع التوجهات والاهداف الثقافية في التطبيق والواقع ... وفي كل الاحوال فأن المجلس الشعبي لايتأثر كثيرا بأنسحاب الجمعية من العمل معه او مع لجانه ولن يحرج موقفه الرسمي او الشعبي او الاداري لعدة اسباب لسنا بصددها الان ويمكن ان يكون تأثير هذا الانسحاب سلبا على الجمعية نفسها وهذا ما لا نتمناه ...

وفي نفس الوقت كان ولا يزال المجلس الشعبي يود ويتمنى ان تبقى الجمعية تعمل بمعيته كجزء مهم وفعال من مؤسسات شعبنا الثقافية ... وعلى الجمعية ان تعرف حدود عملها واهدافها واختصاصها بموجب النظام الداخلي لها رغم ان الانسحاب المشار اليه اعلاه كان كرد فعل سلبي انفعالي متشنج ومستعجل وان ذلك تقدره وتقرره الهيئتان الادارية والعامة للجمعية وفقا لنظامها الداخي وصلاحيتهما ... ونأمل ان تبقى قنوات الاتصال والعمل المشترك قائمة بين الطرفين ولمصلحة شعبنا الكلداني السرياني الآشوري . . .
>                       
 
كان المجلس الشعبي في عـرف الجميع ومنهم جمعية الثقافة الكلدانية واستنادا الى ما أعلنه المجلس ذاتـُه إبان تأسيسه ، بأنه سيكون خيمة أو مظلة مشتركة لعمـل منظـمات شعبنا ، ولـن يكـون بـديلاً أو مـزاحـماً لـها ، وعلى هذا الأساس انـضـمـت إليه بعض منظـمات شعبنا ومنها جمعية الثقافة الكلدانية ، إلا أن المجلس بعد مرور الـوقـت أخـلَّ بـوعده وتحـوَّل الى تنظيم سياسي يُنافس كُلَّ تنظيمات شعبنا السياسية ، بـل حاول احـتواءَها وصهـرها في بـودقـتـه ، وهـو ما رفضته الجمعية وانسحبت منه ، وبالتأكـيـد ستحذو حـذوها تنظـيمات اخرى .

إنك تفتري على الجمعية يا سيد صنا عندما تتهمها بالإنغماس في السياسة ، فهي انسحبت من مجلسكم الخـدّاع الذي انقلب من مظلة الى تنظيم سياسي استبدادي ، خشية ً على أهـدافـها الثقافية التي حاول المجلس ثـَنيَها عنها ، فهي لا تـقبـل أن يحُـدَّ من أنشطـتها المتنوعة أحـد ، وهي حـريصة على مكانـتها واستقلالـيتها واعتـزاز جماهيرها بـها ، أما الموت البطيء فسيكـون من نصيب مجلسكم الديكتاتوري اللاشعبي . ثـمَّ إذا كان انسحاب الجمعية لا يؤثـر على أنشطة مجلسكم ، لماذا صـبـبـتَ جام غـضبـك علـيها ؟ ولماذا كـُلّ هذه الـتـناقـضات في أقـوالك ؟



                                                                                                                                                                                                                                                            كفاك مزايـدات يا سيد صنا على حساب شعبـنا فأنت وأمثالك بعيـدون عن هـمومه ومعاناته ، تـتاجرون بـقـضاياه القـومية عن طريق  النمائم والأقاويـل الباطـلة ، من أجـل مصالحـكم الذاتية الأنانية ، ألا تـُحِسون بتأنيب الضمير ؟ أنا شخصياً لا أعـرفك يا سيد صنا وليس بيني وبينك أي احتكاك او تماس ، ولا تعتبر ما كتبته هجوماً عليك كشخص ، بل هو انتقاد أخـوي لمضامين كتاباتك ، مبني على الحقائـق وبعـيد عن الإجتهاد أو التصـور الخاطيء ، وأنت حـرٌّ في تصديقـك ذلك أو عـدمه .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 3 حزيران 2009

205

الإخـوة قـادة الكـلـدان السيـاسيـون

مـُؤَسسو الـهـيـئـة الـعـلـيـا لـلـتـنـظـيـمـات الـكـلـدانـيـة

تـحـيـة تـقـديـر وسـلام

كـُـنـتُ ومنـذ أمـدٍ طـويـل والأمـل يـُراودنـي ، بـأن الكـلـدان سـيُـدركـون يـوماً أنـَّهم بأشـدِّ الحاجـة الى تـنـظـيم صـفـوفـهم وتـوحـيد خِـطابـهم القـومي والسياسي ، صَـوناً لـقـوميتهم الكـلـدانية إحـدى أعـرق قـومـيات بـلاد ما بـيـن الـنـهـرَيـن مـِن تـخـرُّصات الـحـُـسـّاد والـكـارهـيـن ، وهـا هـو ذلك اليـوم السعـيـد قـد لاح ، فهـنـيـئـاً لـلـكـلـدان في كُـلِّ مـكان داخـلاً وخـارجاً ، إنـَّكـم منـذ الـيـوم الـرابـع مـِن شهـر أيـار 2009 ستشعـرون بأن لـقـومـيـتكم مُـدافـعـيـن حـقـيـقـيـيـن قـد نـذروا ذواتـهـم لـلـعـمـل الـجـاد مِـن أجـل الـحـصول على حـقـوقـكـم الـقـومية التي يطـمح إليها شعـبُـنا الـكـلـداني بـكُـلِّ فـصائلـه .

ليس للكـلـدان أية حساسية مِن التـعـامل مع فـصائـل شعـبـنا الاخرى كالسريان والآثـوريـيـن وهـو شعـارهم منـذ البـدايـة ، لأنـهم يُـؤمـنـون بـأن الجـمـيـعَ شعـبٌ واحـد تحـت سـقـف الامة الكـلـدانـيـة ولا يهـمنا إنـكـارُهم لـهذه الـحقيـقة ، فـلـن نـجعـلـها  حـجـر عـثـرةٍ لـعـدم التـعـاون مـعـهـم ، بل سنسعي الى تـقـويـة اواصر التـقـارب فـيما بـيـنـنا والـعـمل مـعـاً لـتـحـقـيـق مـصالح شعـبـنا المُـشتـركـة ، ولن نـوصـد بـابـنا بـوجـهـهم إن لـم يـوصـدوه بأنـفـسهـم . 

نـُهـنـئـكم مِن الأعـمـاق أيـها الإخـوة الأعـزاء على إقـدامـكم لإنـجـاز هـذا العـمل الجـريء ، إنـها الخـطـوة الاولى في مسافـة الألـف مـيـل ، وبالتـأكـيـد ستـَـتـبـعـُها خـطـواتٌ هـامة اخـرى مِن هذا القـبيل ، فمِـن الضرورات الـمُـلـحة أن تـجـتـمـع الأحـزاب الكـلـدانـية لـتـوحـيـد صـفـوفـها في كـيـان سياسي مـوحـد وقـوي كما ذكـرتـم في بـيانـكم ، لـيـكـون ذلك مـدخـلاً لـعـقد مـؤتـمـر كـلـدانـي عـالـمـي .

لقـد أثـلـجـتـم صـدور الكـلدان وأحـيَـيـتـم في نـفوـسهم الأمـل الذي كـاد يضمحِـل ، نـطـلـب مِن الباري تعـالى إسمُـه ، أن يُبـارك جـهـودكـم ويُسـدِّدَ خـطـواتـكـم الى ما فيه الخـير لأمـتـكم وشعـبـها عـمـوماً

الشماس كـوركـيس مـردو
في السادس مِن أيار 2009

206

رَفـعـوا الـنـقـاب عن وجـوهـهـم الكـالـحة

هـنـيـئاً للمجلس القـومي الكـلـداني بـبـيانـه الخـتامي الذي بتأكـيـداته الستة على الـثـوابـت الـقـومية الكـلـدانية أثار غـضـبَ الـمُـتربـصين بالكـلـدان سوءاً ، وأزاح البـُرقـع عن وجـوهـهـم الكـالحـة ، فـقـبـيـل انـعـقـاده يـومي 26 - 27 نيسان 2009 ، أوعـز هـؤلاء المُعادون لمسيرة الكـلدان القـومية والسياسية الى أزلامـهم المنـظـرين بكتابة رسائل مؤجهة الى أعضاء المجلس ، تـضمـَّنـت في الظاهـر امـنيات ولكـنـها مُـبـطـنة بالتـحـذيرات والـتـوصيات ، وقاد هذه الحملة السيد كامل زومايا برسالةٍ مِن صفحـتين في 24 / 4 4 / 2009 أي قـبـل انـعـقـاد المؤتمر بـيـومين غـلـبَ عـلـيها الطابع الإنشائي التـناوري ، رَكـَّـزَ فـيها عـما يُساور مُـنـتـحلي التسمية الآشورية وهـو أحـدهم تحت اللباس الكـلـداني لكـونه وُلـد لأبٍ إدَّعى أنـَّه آشوري قـومياً وامٍّ كـلـدانية هذا ما أفادت به والـدتــُه عبر كـلـمةٍ وجـَّهـتها الى أعـضاء المؤتمر الثاني للمجلس الـفـومي الكـلـداني قـبـل انـعـقاده بـيـوم واحدٍ ، وفي الحـقـيقة كانت كلمتها أفضل مِن رسالة إبـنهأ لأنـها دعَـت الى الـوحدة في إطار المحبة ، شكـراً لـها . أما العزيز كامل فيُمكن اختصار فـحـوى رسالته الطـويلة نسبياً واخـتزالـُها بالعبارات التالية (إلـغاء القـومية الكـلـدانية واعـتماد التسمية الآشورية) ودعـونا نقتبس مِن رسالـته ما يـؤكــِّد قـولنا :

فـفي مقطـع ٍ مِنها يـقـول < إنـنا نـتـوسم في مؤتمركم محطة هامة في ترسيخ وإصرار شعبنا ومؤسساته السياسية والقـومية وأبنائه على أنَّه شعب واحـدٌ ، امة واحـدة ، قـومية واحـدة ، وجـود واحـد ، ومستقبل واحـد رغـم تعـددية الأسماء التي يعتـمـدها أبناؤه ومؤسساتـُه . ويُـضيـف في مـقطـع ٍ آخر : فـمن بين متطلِّبات نشر الـوعي القـومي بين أبناء شعـبنا ، كانت الحاجة لإعـتـماد رمـوز ٍ ومناسباتٍ قـومية تــناغـم مع النضال والإعـتزاز به وتكـريم شهـدائه ، فكان اعـتمـاد عَـلـم ٍ ونشيـدٍ قـومي ويـوم ٍ للشهيـد ، ويستطرد في القـول : وإذا كانت تـَمـَّت تسميـة هذه الـرمـوز ، بتسمية قـومية مُحـدَّدة ، التسمية الآشورية اعـتماداً على البيئة الثـقـافية والقـومية للقائمين بها ، فإنه ليس مطلـوباً أن نـعـمل لإلـغائـها واستنباط رمـوز ٍ ومناسباتٍ متـوازية اخـرى ومتعـددة بتـعـددية تسمياتنا ليُصبـح لـنا ثلاثـة أعـلام وثـلاثـة أناشيد وثلاثـة أيام للشهـيد وغـيرها > أرجو المعذرة لتعديلي بعض الأخطاء الإملائية والنحـوية . هذا الكلام الذي اقتبسناه من الكثير مِن التلاعب اللفظي الذي قاله هو الذي به أهان الكلدان بمحاولته إلغاء القـومية الكلدانية ، أما باقي كلامه فلا يهمنا بشيء لأنه تـرديد مُـمل مَلـَلنا منه .

تـُرى ، أليس هذا ما يُـنادي به عُتاة مُـنـتـحـلي التسمية الآشورية الـوثنية المُـزيـَّفة ؟ وسـؤالي للسيد كامـل : أين تـَمـَّت تسمية هذه الـرمـوز ؟ ومَن الذي اعـتمـدها ؟ وهـل بإمكان حـفنةٍ مِن الإنفصاليين عـن امتهم الكلدانية العظيمة وانتحالهم لتسمية وثنية مزيفة لا تمت بصلةٍ الى القـومية ، أن تُـملي إرادتـها على الكلدان بقـبـول هذه الخـُزعبلات ، أليست هذه جـريمة نـكـراء ؟ لـقـد أوضحـت بـجـلاء  بمقالي المنشور في مـوقـع عنكاوا وموقع حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني في 21 نيسان المنصرم بعـنـوان ( الـوهم الآشوري وضلالـتــُه ) مَن الذي إبـتـدَع هذه التسمية وكـيف ومـتى ولماذا ، هـل قـرأتـه يا سيد كامـل ؟ لتتعـرَّف على حـقـيـقـتكم ، مَن أنتـم والى أية جـذور قـومية تـَنـتـمـون ؟

إن قصة والدك وانحـداره مِن الجبل نازحاً ولاجئاً لا تختلف عن بقية النازحين مِن منطقة هيكاري الجبلية في أواخر القرن السادس عشر وأوائل القرن السابع عشر ، فالعـديد مِن العـوائل التيارية والتخـومية والبـازية المعـروفة بالكلدان النساطرة تـوزعت لدى نـزوحها على قرى إخـوتهم الكلدان الكاثوليك المحيطة بـدهـوك وعلى قرى السهل ابـتـداءً مِن القوش والقرى الاخرى وكان نصيب والدك قـريتي تللسقف الحبيبة التي رحـبت به وبأمثاله الكثيرين . وكما يقـول الأخ أبلـحد أفرام ساوا <  أن أجـداده كانوا تـخـوميين هاجروا من هيكاري الى قرية مار ياقـو الواقعة على سفح الجـبـل الأبيض كهجرة عشرات العـوائل التخـومية والتيارية والبازية ، وكانوا كُلـُّهم على المذهب النسطـوري ، ثـم تكثلكوا كإخوتهم سكان المناطق التي هاجروا إليها ، وبذلك عادوا الى أحضان الكنيسة الام بعد انشقاق ٍ دام زهاء 12 فرناً >  ويُضيـف : وقـبل نـقل مَن سَلـِمَ من هؤلاء الكلدان النساطرة مِن القتل الى العـراق بعد الحرب العالمية الاولى ، كانوا قد أُقـنـعـوا بحمل التسمية الآثـورية (الآشورية ) بفـعـل مَن تـوافد الى ديارهم باسم التبشير من البروتستانت والأنكليكان ، وخاصة ً وفـد رئيس أساقفة كنيسة كاتربيري البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر ومطلع القرن العشرين(1884  -  1910 ) مـُدَّعين ومـُتـعـهـدين لهم كذباً وبهتاناً ، بأنهم يـؤسسون لهم وطناً فـومياً في هذه البقاع على أنـقـاض الدولة الآشورية القديمة ، ولكي يكـون لـهم الحـق في ذلك ، عليهم الإدِّعاء بكونهم أحفاد الآشوريين . ولا يستطيعـون تاسيس وطن كهذا لهم تحت تسميتهم المذهبية " النساطرة " ولا تحت التسمية الكلدانية ، لأن الكلدان الذين يعيشون في الولايات الاخرى الجنوبية هم على خلافٍ مذهبي معكم ولا يحق لهم ذلك إضافـة ً الى كونهم أعـداء لكم ( هذا حـديث الإنكليز ) .

إن المقال طـويل وهو منشور بالكامل في موقع ( Chaldeanparty.com ) بعنوان ( الجدل الأزلي الكلداني الآشوري ) ونقتبس منه ما قاله الأخ أبلحد عن نفسه < بعد ترحيل هؤلاء الى العراق إنتشرت التسمية التي حملوها ، ليس فقط  بين النساطرة في المناطق الحدودية الخاضعين للكنيسة النسطورية وإنما بين المتكثلكين من أبناء تلك القبائل من التخوميين والتياريين والبازيين أو على الأقل تأثر البعض منهم بتلك الفكرة دون ان يعلم كيفية انبثاق تلك التسمية والهدف منها ، وكنت أنا احد المتأثرين بها حتى تمسكت بها بشدة لغاية 1970 حينما دخلت الجامعة . . . ومن خلال مطالعتي الكتب منها ما كان معرباً ومنها ما كان بالعربية او الفارسية او الكردية وكذلك الكتب الكنسية سيما تاريخ الكنيسة الشرقية وما نشره الرحالة الوافدون الى بلادنا ابتداءً من القرون الوسطى فلاحقاً ، ومن خلال ذلك توصلت الى الحقائق التالية : إن التسمية التي كنت أحملها لم تكن سوى تسمية قبلية حملها أجدادي من الموقع الذي سكنوه خلال فترةٍ ما في منطقة هيكاري اسوة بتسميات تياري وباز وجيلو واورمي ، وأن هذه التسميات كلها لم تكن لها صلة بالتسمية الآثورية أو الآشورية التي ابتكرت حديثاً وعُلِّبت في المعامل البريطانية في أواخر القرن التاسع عشر وصُـدِّرَت الى النساطرة الكلدان في هيكاري لغايةٍ في نفس يعقـوب ، وهذا ما أكـَّده جميع المؤرخين إلا ما نـَدُر ، علماً أن بعض المؤرخين ينسب هؤلاء النساطرة الى الشعوب المجاورة ، كما راح نـفـرٌ منهم ينسبهم الى الأقـوام الاوربية التي هاجرت من شمال شرق اوروبا الى هذه البقاع وهذه ايضاً حجتها ضعيفة جداً . ويستطرد بتفنيد وبطلان هذه التسمية من خلال 17 فقرة نستغني عن ذكرها هنا لطولها ، وما ذكرت هذا النزر القليل من المقال إلا للَفت نظر الأخ كامل زومايا وأمثاله للإقتداء بالأخ أبلحد أفرام .

نـعود لموضوعنا ونقـول للأخ كامـل : ألـهذه التسمية تـدعو وتناضل ؟ إننا نـدعـوكَ وكُلَّ الذين على شاكلتكَ من الـوهم والخيال للعودة الى الـواقع ، والإيمان بما أكـّده مؤتمر المجلس القـومي الكلداني الثاني في فقراته الست ولا سيما الفقرة الاولى فبدونها يُعتبر كُلُّ شيءٍ كلاماً فارغاً وثـرثـرة كما قلتَـه بنفسك . أما التحدُّث مع المجلس المسمى زيفاً بالشعبي لا يتعـدى عن إعلامه بأنه  ليس أكثر مِن واجهةٍ آشورية صِرفة ، ولا يمت الى الشعب بأية صلة والدليل على ذللك : خطابه ، شعاره ، نشيده ، شهيده . فإن كان هنالك للمجلس القومي الكلداني تنسيق مع هذا المجلس فهـو إفهامُه بأنه سائر في طريق الخطأ . ولعلمك يا أخ كامل فإن ما يدعى بالمجلس الشعبي لا يُقبل بديلاً لأحزاب شعبنا بأية حال ٍ من الأحـوال . وهدف هذا المجلس يتلخص بالدعوة الى تأييد الفرضية الآشورية الدخيلة وقد إتضح ذلك للمجلس القومي الكلداني بجلاءٍ تام منذ قيام هذا المجلس بقلب الأكيـتو العيد القـومي الكلداني الى عيد آشوري واحتفاله به على هذا الأساس بالإضافة الى ممارسات اخرى خاطئة وجائرة .

الكـلـدانية قـومية راسخة في وجـدان أبنائـها ، وعـبـثاً يُحـاول المنشقـون تـجـريـدهم منها ، وحصيلة مسعاهم ستكون الفشل والخذلان لا محالة ، لأن إرادة وشعـور الكـلـداني كفيلان بإفشال كُـلِّ المحاولات البائسة . لقـد كشفت كُلُّ الجهات التي لم تحضر أو لم تُـرسل مندوباً عنها الى مؤتمر المجلس القـومي الكلداني الثاني البرقع عن وجهها الكالح ، وأعلنت بوضوح عن حِـقـدها  الدفين على القـومية الكـلـدانية وأبنائها وغـدا عِـداؤها سافراً ، ولكن الكلدان هم على قدر المسؤولية في الدفاع عن كيانهم وحـقـوقـهم مهما تفـنـَّـن الأعـدا في أساليبهم .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 5 / 5 / 2009

207
بـيان المجلس القـومي الكـلـداني شـدَّدَ على الثـوابـت القـومية

ܡܐ ܛܒ ܘܡܐ ܫܦܝܪ ܠܐܚܐ ܡܐ ܕܥܡܪܝܢ ܐܟܚܕܐ = مـا أطـيـبَ ومـا أجـمـلَ أن يجـتـمـعَ الإخـوة مـعـاً : إنـَّهـا لـفــَرحة بالـغـة لأبـناء الأمة الكـلـدانية أن يتـزامـَن عـقـد مـؤتـمـرَين كـلـدانـيـيـن في آن واحـدٍ ، وفي ظـرفٍ مـليءٍ بـتـَحَـدِّياتٍ كُـبـرى أفـرزهـا التـغـيـير السياسي الذي حـصـل في العـراق منـذ انـهـيار النـظـام البـعـثـي قـبـل ستـة أعـوام ، فـخـيـَّمـت على جـوِّه عـواصـف هـوجاء مـُتـرَعة بـغـبار العـِداء والثأر والإنـتـقـام زَعـزَعـت أمـنـَه واستـقـرارَه فتـخـضَّبـت أرضُـه بـدماء أبـنائه ومِـن كـافـة مـكـوَّناتـه ، وكـان ثِـقـل هـذه الـعـواصـف كـبـيـراً ومـؤلـماً عـلى أبنـاء مكـونات العـراق الصـغيرة ولا سيما المسيحـيـيـن مِنهم ( الكـلـدان والسريان والأرمن والآثوريـيـن ) ولا زال متـواصلاً وإن كان بـدرجـةٍ أخـف نسبـياً ، ويـبـدو أنَّ قـطـعَ دابـر الإرهـاب المُسلـَّطـ على المسيحيين لا زال بعـيد المـنال ، فـبـعـد الأحـداث الـدامية التي تـعـرَّضَ لها مسيحيو الموصل في العام الماضي نراها هذه الأيام تتكـرَّر في كركوك . إن هذه الأحـداث ليست أحـداثاً عـفـوية وعابـرة بل هي مخـطـطة يقف وراءَها الأطراف المتصارعة على العـراق محـلـياً وإقـلـيمياً ودولـياً ، إنّـها مـؤامرة مُـدبـَّرة لإفـراغ العـراق مِن أبنائه الأصليين المسيحيين شبيهة بمؤامرة تهجـير يهـود العراق التي بـدأَت في مُنتصف القـرن الماضي ، ولكن هـيهـات ، فإننا الأصـل في هذا الـوطن وجـذورنا مترسخة فيه وليس بإمكان أيٍّ مَن كان اقـتـلاعـها .

في ظـلِّ هذه الأجـواء العـصـيبـة القائمة في العـراق انـعـقـدَ المؤتمر العام الثاني للمجـلس القـومي الكـلـداني تحت شعـار (من أجل عراق ٍ ديمُقـراطيٍّ إتحادي تعـدُّديٍّ يضمن حقـوقـنا القـومية ) في مدينة عـنكاوا الكـلـدانية العـزيزة لـيـومي 26  -  27 نيسان 2009 بحـضـور مُعظم كـوادره في الـداخـل ومنـدوبيه في الخارج وعدد مِن المُراقبين والمؤازرين . لا نـُبالـغ بالقـول بأن حضور صاحـبـَي السيادة المطرانَـين الكـلدانيين الجـلـيلـَين مار إبراهيم إبراهيم ومار سـرهـد جـمـو ، كان لـه وقـعٌ كـبير في نـفـوس المؤتمرين ودَعـمٌ مـعـنـويٌّ ومُـحَـفـِّزٌ هامٌ لـهم ، راجـياً أن يكون هذا فاتحة عـهدٍ جـديد لإنفتاح قـادة كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية على أحـزاب امتـنا الكلدانية العـريقة لإيجاد شكـل ٍ من التعامـل معـهم لإضفاء نفحـةٍ من الإيمان المسيحي على كُـلِّ المسالك التي تقـود الى خدمة الكنيسة وجماهــيـر المؤمنين ولـتـَجَـنـُّب تـَحـييد الكنيسة وانحسار دورها الرعـوي والإجتماعي ، وبالتأكيد فإن قادة كنيستنا أدرى مِني بـقـرارات المؤتمر المسكـوني الفاتيكاني الـثـانـي الذي تبـنى شعار ( الكنيسة في العالَم المُعاصر ) ولا سيما ان الحالة العـراقية الراهنة مِن حيث التغـيير السياسي والإجـتماعي هي غير الحالة التي كانت قبل التاسع من نيسان عام 2003 ، وأتـمنى على السينودس الكلداني المنعـقـد هذه الأيام أن يـولي الإهتمام بهذا الأمر . وفي الـواقـع إن الكـلـدان بحاجةٍ ماسة ليجـدوا في قادة كنيستهم الـوضوح التام في رؤيتهـم القـومية وأن يجعـلـوا مِنها حصـنـاً يحـتـمـون فيه .

وما دمت قد تطـرَّقـت الى سينـودس كنيستنا الكلدانية المقدسة ، أرى أن أعـرض أمام آبائنا الأجلاء بعض ما يراودني من الأفكار : 1 - لـو طــُرح مـوضوع الوطن الام " العـراق " ضمن نـقاشاتكـم فليكن هـدفكم الإصرار على وحدته الجغرافية والعيش المشترك بين كافة أبنائه بكُل أطيافهـم . 2 - إعطـاء الإهتـمام لـدور العـلمانيين بالمشاركة والتـعاون معـكم في تسيير شؤون الكنيسة عملاً بـما قـرَّره المؤتمر الفاتيكاني الثاني في إحـدى وثائـقـه تحت شعار ( رسالة العـلمانيين ) حيث سيكون الأمر مجـدياً وفـعـّالاً . 3 - زيادة الإهـتـمام باللغة الكلدانية والتراث والتاريخ الكلدانيين . 4 - تـوحيـد مناهج التعلـيم المسيحي وإعـداد كـادر له عن طـريق فـتـح دوراتٍ تأهيلية .

أيها الإخـوة الأعـزاء أعـضاء المجلس القـومي الكلداني ، نتـقـدم مِن لجنتـكـم المركزية الجـديدة المنتـخبة  وسكرتيرها العام الجـديد ، بأطيب التـهاني وأجمـل التبريكات ، مُتمنين للجميع التـوفيق والنجاح في خدمة الـوطن وتحقيق أماني وطـموحات امتنا الكلدانية . إننا نـُحـييكم من الأعماق على تأكـيـداتـكـم التي أثلـجـت صـدور جـميع أبناء الكـلـدان في كُـلِّ مـكان ، لم نشك لحظةً بصواب أهدافكم القـومية ولن نشك بأنكم على قـدر المسؤولية ، شمـِّروا السـواعـد وسيروا الى الأمام ،  وليبارككم الله ، ويشمل مسعاكم بالنجاح .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 29 / 4 / 2009

208

تـحريض مُـثـقـفـيـنـا وكـتـّابـنا على نـصرة الباطـل

ليس مُستـَغـرَباً مِن بعض حاملي الأفـكـار الإلـحادية أن يشـنَّ هـجـوماً متـواصلاً وعَـنـيـفاً على مُـثـَقـَّفي وكـُتـّاب امتـنا الكلـدانية السامية النـُبـل والكـرامة واصـفاً إياهم بالإستكانة والتـخاذل وهو الوصف الذي لا يـنـطـبـق إلا على هؤلاء البعض المتعاضـديـن مع خـونة امتهم الكلدانية وجاحـديها من أبنائها الذين غـرَّرَ بآبائـهم وأجـدادهم ( كـلدان الجـبال النساطرة ) الأجنبيُّ الغـاشم بل أجـبـرهم على تـرك هـويتهم القومية الكلدانية وانتحال تسمية وثنية مناطـقية بـدلاً عـنها ( الآشورية ) أطـلـقـتها على ذاتـها دولة قـديـمة غابـرة حـكمَ الـتاريخ ُعليها بالإنـقـراض الـتام منذ ستـةٍ وعشرين قـرناً من الـزمان ، وما فـعـل ذلك هذا الـدخــيل المُستعمِر إلا لتـحقـيـق أهدافه الإستعمارية وقـد شرحناها في عِـدة مقالات مـطـولة سابـقة .
                                                                                                                                                                                                                                                                              يا حَـمـلة هذه الأفـكار الشيطانية المُخالفة لـقـوانين الإله ، هـل غاب عن أذهانكم ما حـلَّ بمبتدعي النظرية الإلحادية وأتباعهم وأنـتم بعض بقاياهم ؟ هـل لا زالت عقـولكم متصـدئة ومُغـلقة عن  معرفة الله ؟ ما هذه الهجمة الشرسة التحريضية ضِدَّ الكنيسة وقادتـها ؟ لماذا تُـصرون على الكذب ؟ مَن الذي كَـمـَّمَ أفـواهكم ؟ إنها مفتـوحة على آخرها تصـرخ بكُـل ضـجـيجٍ مُـقـرفٍ ، ولذلك يتـقـزَّز منها كـُلُّ مَن يسمعها . هيهات أن تصـلـوا الى ما تسـعـون إليه ، وسيكون الخـذلان دوماً نصيبكم .أليس افتـراءً أن تـتهموا كُتاب شعبنا الكلداني، بأنهم يخـتـزلـون ما تسمونه "جـهـود قـوى شعـبـنا" تحت اليافـطة الدينية ؟ هل تريدونهم أن يقتدوا بكم بنبـذ دينـهم على شاكلتكم وإلا فإنهم سيخسرون ذواتهم وكرامتهم ومصداقيتهم كما تـدَّعـون ؟ أليس هذا هذياناً ودعـوة الى الإلحاد ؟ وهل القـلم لن يكـون حراً طـليـقاً وأميناً على قضايا شعبه إذا لم يكن صاحـبـُه مُلـحـداً ؟

إنـكم بارعـون في صياغة التعابير الخادعة التي لـقـنها لـكم مُـبتـدعو نظريتكم الفاشلة ، وعندما يقرأها الإنسان يراها جـوفاء لا معنى لها ، لأنها خيالية وغير قابلة للتطبيق على أرض الواقع ، ويُـمكن أن تـوصف بجـعـجـعة رحـى بـدون طـحين . إن أقلام الكـتـّاب الكـلـدان ستـبقى مُـشرعـة ً لتـعرية أمثالكم وفضح مُـحاولاتكم التآمرية ضِـدَّ امـتهم الكلدانية ، وسوف لن يسمحوا لأَيٍّ كان بالتـطـاول عليها أو الإنتقاص مِنها أو تشويه صورتها الناصعة ، فحذاري حذاري أيها الإنـقلابـيـون المغـرورون الـفـارغـون مِن التمادي في الطريـق المُـعادي . نحـن الكـلـدان لا نستكـين لمتـطرفي مُـنـتحـلي الآشـوريـة الاسطـورة المزيَّـفة . لسنا بحاجةٍ لـتـذكيركم إيـّانا بأن خائني امتهم الكلدانية مُنتحلي الآشورية المعاصرين وبعض أذيالهم مِن الكـلدان التابعين ، يـنعـتـون القـومية الكلدانية بالمذهب ، إنـنا نـعـلم جـيداً مـدى غـبائـهم ، ويعلـمون هم أيضاً لماذا إبـتـكـرواهذه الخـدعة بل اللعبة السياسية القـذرة ، غـرضهم منها ايهام شعبـهم بأن الكلدان كانوا نساطرة آشوريين قبل اهتدائهم الى مذهبهم الكاثوليكي الأصيل الذي أجـبر آباؤهم وأجدادهم الكلدان مؤسسوا كنيسة المشرق على تركـه واعتناق المذهب النسطـوري في القرن الخامس الميلادي ، ولشدة غبائهم يعتقـدون أن النسطـورية هي مرادفة للآشورية ،وإذا لم يكن هذا غـباءً ، فإنّه إدِّعاء فارغ وكاذبٌ ، لأنـه لم يكن هنالك وجـود للآشوريين ولا ذكر للآشورية إطـلاقاً .

لقـد رَدَّ على الكاتب الـدكتـورالذي تـدَّعـون أنه اختـزل قـوميتنا الكلدانية الى مذهب أحـد الكتاب الكلدان بإسهاب بغض النظر عن عدم كـونه كـلدانياً صِرفاً بل كلدانياً بالاسم ، والهدف الأصلي مِن رَدِّه لـم يكـن الدكتور ذاته فحسب بل استكمالاً لهجـومه على المطران لويس ساكـو أحـد قادة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية البارزين ، لمجـرد تعـبـيره عن رأيـه في مسألة الحكم الذاتي الذي وصـفـه بالمشروع الوهمي والخيالي ، أفلا يكفـيكم هذا ! وهل تريدون كُل الكتاب الكلدان أن يردوا عليه . إن هذا الدكتور قـومي عـربي ولم ينعت الكلدان بالمذهب وإنما دعاهم بالمسيحيين ، ولكن لماذا تقفـون ضِدَّ تفنيدنا لمُدَّعي الآشورية خـونة امتنا الكلدانية لدى نعتـهم لقوميتنا بالمذهب ؟

الكـلـدان يتصـفون ببعد النظر والتـروّي ويدرسون النتائج المترتبة عن أي مشروع يُقـدمون عليه ، ولا يقبـلون أن يُمليه أو يفرضه عليهم أحـد ، ومتى رأوا فيه مَـنفـعـتهم لا يتـردَّدون وهذا هو موقفهم الراهن من مشروع الحكم الذاتي . وذلك يعـود لكـونهم العمود الفقري لعموم الشعب العراقي المسيحي بكُل تسمياته ، ويمتلكون الرقم الأصعب في المعادلة القـومية على كُـلِّ الصُعـُد ديمغرافياً واقتصادياً وثقافياً واجتماعياً ، ولا يقبـلون أن يتلاعب بمصيرهم المتـهـورون مِن فصائلهم الاخرى ،  ليجعـلـوا مِـنهم كبشَ فـداء ، فليكن هذا واضحاً للجـميـع .


الشماس كـوركـيس مـردو
في 27 / 4 / 2009

209

تـَحـيـة كـلـدانية عـطـرة لأعضاء مؤتـمر المجـلس القـومي الكـلـداني

الإخـوة الأعـزاء

يطـيـبُ لـنا جـداً أن نـُحَـييكم بمناسبة انعقاد مؤتمركم العام الثاني تحت شعار وطـني وقـومي سامي الأبـعـاد والمـرامي( مِن أجـل عـراق ٍاتـحـاديٍّ ديـمـقراطـيٍّ يَـضمـن حـقـوقـنا القـومية ) إن امـتـنا الكـلدانية العـريقة بـكُـلِّ فصائـل شعـبـها تـُواجه تـَحَـدِّياتٍ كـبيرة في محيطـها الكـبير التي تـَـتـمَثـل في الـقـتـل والتـهـدـيد والـوعـيد ، مِـما اضطـرَّ أبـناءَهـا الى سلـوك طـريـق الـهـجرة المـريـر ، أما في محيطـها الصـغيـر ، فإنـَّها تـَـتـَعـرَّض لأشرس هـجـمةٍ عـنصرية مِن قـبـل أبـنـائـها الجاحـدين المُنقـلبين عـلـيـها بالتـَنـَكـُّر لإسمـها وانـتـحالهم إسماً غـريباً بـدلاً عـنه ، إنَّ هؤلاء أيها الإخـوة هـم أشدُّ خـطـراً على وجـود امتـنا الكـلـدانـية . صـحـيـح أن عـددهم ضئـيل ولكـن مـيـدان تآمـرهم واسعٌ ومُتــَشعـبٌ ، وقـد تـدرَّبـوا وتـفـنـَّـنـوا وقـطـعـوا شـوطاً كـبيراً في مضمار الكـذب والإفـتـراء وتشـويـه حَـقـائـق التاريخ .

إن قادة الأكـراد ومؤرخيهم يعرفـون جـيـدا مَن هـم مُنـتـحلـو التسمية الآشـورية وماذا يُمـثـِّلـون بالنسبة الى الكـلـدان ، ولكـن مصلحة الشعب الكُـردي تَـتـطـلَّب مِنهم أن يُجـاملـوهم ، حتى انـهم أدخـلوا الى حكـومتهم وزيرين منهم هما سركـيس أغاجان ونمرود بيـتـو ، ومن الطبيعي أن يُشكـِّل ذلك نصراً ودعـماً لجاحـدي امتـهم ، فتـكـون كـفـَّـتهم أكثر رجـاحـة ً لدى الحـكـومة الكـردية مِن كـفة الكلدان ، ولـذلك على الأحـزاب والمنظمات الكـلـدانية الإنـتـباه الى هذا الأمر وأخـذه بـنـظر الإعـتبار . وهـنالك دعـم آخر لهؤلاء الجـاحـدين يتمَثــَّل في انـحـياز مُـعـظم الأمـميـيـن الكلدان السابـقـين إلـيهم ، حـيـث جـعـلـوا من ذواتهم أتـبـاعـاً لهم ، يُـدافعـون عـن فرضيتهم الآشورية العـقـيمـة بكُـل ما اوتـوا مِن قـوةِ الكـذب والإفـتراء والتـزوير .

لذلك أيـها الإخوة المؤتمرون ، فإننا ننظر الى مؤتمركم بأنه إحدى دعائم البيت الكلداني الكبير الهامة ، عليكم العمل الجاد والدؤوب لصيانة امتكم الكلدانية مِن عبث العابثين والمتآمرين الحـاقـدين ، والإصرار على الإعـتراف بها دون انـتـقاص أو تشويه في الدستورين الفيـدرالي والإقـليمي كتسميةٍ شاملة ووارثة للغـنى التاريخي لبلاد ما بين النهرين عراق اليـوم ، وإن أبـوابـها مفتوحة أمام جميع المنفصلين عنها ، بصرف النظر عـما تبنـّوه مِن تسميات  .

إ ننا نـُطالبكم أيها الإخـوة أن تلتـزمـوا بالخطاب السياسي الكلداني الموحـد ، وتعـملوا لتجسيده على أرض الواقع ، وتسعـوا الى تـوسيع قاعدتكم السياسية والجماهيرية في مختلف أماكن تـواجـد شعبنا الكلداني في مدن وبلدات وقـرى العراق الحـبـيـب وكذلك بين جماهيـره في بـلاد المهجـر . الكـلـدان هم الأكثر حقاً وأهـليةً ً لقيادة بقـية إخـوتهم مِن منـتحلي الآشورية والسريان ، ومن هذا المنطـلق عليهم القيام بمحاولة كسبهم بالحوار والنقاش الهاديء ومجابهتهم بالحقائـق التي تُثبت أنهم الجزء المُفتـقـَد مِن الكـلـدان نـتـيجة تَـعـدِّيات الزمان ، فإن لم يرعـووا ويعـودوا الى طريق الصواب ، فليكن ذ َنبـُهـم على جَـنبـهـم .

إن بعضاً من الأمـمـييـن الكلدان انقلبوا على الأممية بعد انهيارها وتبنـوا الآشورية بدلاً مِنها ، وهم يستميتون في الدفاع عنها رغم علمهم بزورها وبطلانها ، بل الأنكى من ذلك يُطالبون الكلدان بتبني رموزها المُستـنبـطة والمُـحـرَّفـة كالعلم والنشيد ويوم الشهيد ، هل هناك صـلـفٌ واعتـداء وبـدون خـجـل يمكن أن يصدر مِن هذا البعض الجاهل بالـتاريخ أكثر من ذلك ؟ يا لها مِن مهـزلةٍ ، ولهذا البعض الـزائـغ عن الحـق أقـول : مباركة لكم آشوريتكم المزُيفة يا مَن تُـغمـضون عـيونكم عن رؤية الحـقيقة ، ونـَود أن نـقـول لكم وبكُـل تأكـيـد ، بأنكم ستـفشلـون في فرضية آشوريـتـكم المزيـَّفة كما فشلتـم في نـظـريـتـكـم الأمـمـية الـزائلة .

والبعض الآنف الذكر يتهم الكنيسة وبخاصةٍ الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وقادتها ، بأنها تُريد إلباس الحكم الذاتي لبوساً دينياً مسيحياً ، وهذا مُنتهى التـجـنـّي ! الكنيسة هي التي حافظت على الشعب الكلداني بكلِّ فصائله وصانت هـويته القـومية منذ نشأتـها في القرن الأول الميلادي وحتى يـومنا هذا ، ولها الكلمة في شؤون أبنائها العامة مِنها وحتى السياسية ، ولكنها لا تقبل بتسييسها ، وإن تـدخلها أحياناً يـعـود لحِرصها على سلامتهم ، ومطـلـوب مِنها أن تسعى لخيرهم في كُل زمان ومكان . موقف آباء الكنيسة لم يكن ولن يكون ضِدَّ أي مشروع يأتي في صالح الشعب ، ولكن ليس هنالك ما يمنعها من إبـداء رأيها . فبالنسبة للحكم الذاتي تسعى لمعرفة فـوائـده ومـخاطره ، كـيف يُـدار ، هل يقبل منتحلو الآشورية أن تكون للكلدان الأولوية في إدارته اعتمادا على كونهم الأكثر ديمغرافياً والأقـوى اقتصادياً والأنضـج ثقافياً واجـتماعياً ؟ أم يستـلـون سيـوفهم كما كان يفعل منذ القدم مَن انتحلوا إسمهم لإنتزاع كُلِّ شيء مِن الكلدان والسريان وجعلـه لصالحهم ؟ هذه هي الحقيـقة لماذا تحجبونها عن الشعب .

في الختام أتمنى لمؤتمركم النجاح أيها الإخـوان ، وأن تُـثبتـوا بأنكم على قدر المسؤولية الملقاة على عاتقـكم  في خدمة امتكم الكلدانية والدفاع عن حقـوقـها للوصـول الى تطـلـعاتها في الحياة الحرة الكريمة . لكم التقدير والإحترام

الشماس كـوركـيس مـردو
في 25 / 4 / 2009

210
الـوهـمُ الآشوري وضلالـتـُـ
( هـذا الـمـقال هـو رَد ٌ على ما ورد في رسالة الـبـطـريـرك النسطـوري مار دنـخـا الرابـع ومُـقـابلة ايشايا ايشو رئيس ما يُسمّى بالمؤتمر الآشوري العام وزميله ادور اوراها وتـعـقـيـب الاسقف النسطوري عمانوئيل على ملاحظـات الدكـتـور عبدالله رابي على كـتـابه الأسود " آشوريون أم كـلـدان  " )

بين كُـلِّ مُـناسةٍ واخرى ، يَـنـتـهـزُ المُنـظـرون مِـن دُعـاة الآشورية المُبـتـكـرة زيـفـاً ، السياسيـون منهم والكنسيـون الفـرصة ليُجاهروا وبكُـلِّ صـلـفٍ ودون خـجـل على صـفـحات الإنتيرنيت أو على شكـل مُقابلات قـنـواتية بالفـرضية الآشورية رغـم عِـلـمهم بـعُـقـمِها وكـونـها اسطـورة إبـتـدعـها الـدُهاة الإنـكـلـيز في نـهـايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين وسنأتي الى رواية ذلك مِن خلال هذا المـقال .

1 - في القسم الأخير من رسالته بمناسة عيد قيامة ربنا يسوع المسيج له المجد ، نقـتبس جزءاً مما قاله البطريرك النسطـوري مار دنخا الرابع مِن كلام مشوبٍ بالعنصرية البغيضة ومُهين ٍ للامة الكلدانية وشعبها المتـعـدِّد الأسماء والمذاهب  .

أبناء وبنات كنيسة المشرق الاشورية الرسولية الجامعة المقدسة))
حيثما انتم في المشرق او المغرب، فلا تنسوا امكم بالروح ، كنيسة المشرق الآشورية، هذا الميراث الذي وصل اليكم عبر رسل ربنا وخلال الفي سنة بالتقليد الرسولي. كونوا مؤمنين طائعين حقيقيين لكنائسكم والفاعلين فيها، ملتزمين بالطقوس والاسرار والتقليد الرسولي والقوانين السنهاديقية بلا تغيير.

كأمة، لا تشككوا بمن تكونون، لان آباءنا في كنيسة المشرق الاشورية، قد حفظوا لنا الاسم واللغة الادبية لامتنا الاشورية مع ايمانهم المسيحي عبر الفي سنة من تاريخ المسيحية، رغم اننا اليوم لدينا ثلاثة اسماء لكنائس، الا اننا شعب واحد ولسنا ثلاثة شعوب. وكامة اشورية ليكن لكم اعتزاز وفخر بتاريخكم وثقافتكم. ان لنا عطيتان من الله، ويقع على عاتقنا المحافظة عليهما أينما حللنا،الا وهما: ايماننا المسيحي لكنيسة المشرق الاشورية، وايماننا القومي كاشوريين)).

2 - وفي مقابلةٍ مع السيدين ايشايا ايشو رئيس ما يُسمّى بالمؤتمر الآشوري العام وادور اوراها مسؤول مكتب اسطنبـول للمؤتمر ، أجرتها معهما السيدة هيفاء الحسيني مقدمة البرامج على قناة القيحاء . ألقـت عليهما أسئلة عـديدة حـول أوضاع مسيحيي العراق عامة ً ومسيحيي الموصل خاصة ً مُستطلعة ً عن الأجواء التي يعيشون في ظلِّها ، وفي كـُلِّ أسئلتها كانت تذكر اسم المسيحيين ومراراً الكلدان أو الآشوريين وبذلك كانت أصدق وأدرى مِنهما بمعرفتها للمسيحيين ، أما هما فرأيا في المقابلة فرصةً لإظهار تعـصبهما العنصري المقيت حيث تعمدا تكرار تسمية عبارة "شعبنا الآشوري بكُلِّ انتماءاته الكنسية " أو " المسيحيين الآشوريين " .

يـا لـه مِن تـَبـَجـُّح ٍ فارغ ٍ وخـائـب مـعاً ، يـَدُلِّ على شعـور ٍ بالنـقـص قـاتـل ٍ ، يتشـدَّقُ به أحـفاد الكـلدان النساطرة المعاصرون الذين قاموا بانتـحال التسمية الآثـورية الاسطـورة المُبتـدَعة في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، والتي حُـوِّرَت في العقـود الأخيرة مِن القرن العشرين الى ( الآشورية ) وقـد أحسن حَبك هذه الاسطـورة مُبـتـَدِعـوها المُبَشِّـرون الأنكـلـيكان ( الإنكليز ) عملاءُ مخابـرات أعتـى دولةٍ خائـنة للشعـوب هي ( انـكلتـرة ) سعـياً مِنهم لتحقـيق مآرب دولـتهـم ، فماذا كانت أهـداف مملكة انكلـتـرة من وراء هذه اللعبة ؟


إذا كانت الشواهدُ على مُجريات التاريخ تؤَكِّدُ انقراضَ الآشوريين بعد سقوطِ  نينوى المأساوي عام 612 ق . م  والقضاءِ المُبرم بعد ثلاث سنوات على بقاياهم الذين استطاعوا الإفلات مِن ألسنة السيوف والنيران واللجوءَ الى المدينة الغربية حرّان ، ومِن ثمَّ زوال اسمهم مِن ذاكرة التاريخ ،  كيف يا تُرى ظهر إسمُهم ثانيةً  وعلى حين غَرَّةٍ بعد اختفائه لمُدَّةِ خمسةٍ وعشرين قرناً ووُجدَ له أتباع ؟ أليسَ وراءَ أكَمةِ هذا الظهور المُفاجيء لُغزٌ ؟ أجلْ ، إنها الدوافع الخفية  لتحقيق أهدافٍ تسعى إليها  جِهة دولية  قوية هي المملكة الانكليزية المُتحدة ! أرادَت مِن إحياء هذا الاسم وإطلاقه على جزءٍ عزيـز مِن شعـبـنا الكـلداني المعروف بالنسطوري والـقاطـن في منطـقة آثور الجبـلية ( هيكاري ) لجعلِه كبشَ فداءٍ لتقويةِ نفوذِها الاستعماري ، حيث كان الـتـنافسُ على أشُـدِّه  بين الدول الإستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا وألمانيا ) في أواخر القرن التاسع عشر للإستحواذ على أوسع رقعةٍ جغرافية مِن المناطق الخاضعة للنفوذ العثماني ، ومِن أجل هذا الغرض كانت تتسابقُ كُلُّ واحـدةٍ مِن هذه الدول على التدخُّـل في  شؤون الـدولة العـثمانية الهَـرِمة والتي لُقِّبت ( بالرَجُل المريض ) حيث كان الإنحِلالُ قد دَبَّ في أوصالها ،  ورأت أن قيامَها بايـقاظ النعرات القومية والطائفـية والدينية  بين أبناء الشعـوب الرازحة تحت حُكم هذه الـدولة العاتية هو الوسيلة الأسرع لـزرع الشك وانعـدام الثقة بين بعضهم البعض فعمدت الى ايقاد نار الفِتَن بينهم ، وقد لعبت البعثات التبشيرية الاوروبـية دوراً بارزاً في تهـيئةِ مناخ مُساعد لإستثارةِ النـزعات القومية والديـنية ،  وكان دورُ  بـعثة الكنيسة الانكليكانية  ( بعثة اسقف كانتِربري ) الأشَـدَّ خِداعاً وتخريباً بين أدوار البعثات الاخرى ، فقد قطعت لهم عهـدا باسم مملكة انكلترة ، بأنها ستـؤَسس لهم وطـناً قـومياً على أنقـاض الـدولة الآشورية القـديمة المنقـرضة ، وهذا يتطـلـَّب منهم الإدعاء بأنهم أحـفاد الآشوريين القـدماء ، إذ لا يُمكن تأسيس وطن لهم في حالة استمراهم على تسميتهم المذهبية ( النساطرة )  ويُـشيـرُ  أحمد سوسة الى هذا الـدور في كتابه ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص . 596 - 597 ) <  وَفـَـدَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيـرية انكليـزية ، وحاولت  تحـويـل هذه الـجماعة  مِن مذهـبهـم الـنسطـوري الى مذهـبـها البروتستانـتي ، غيرَ أنها لم تُـفـلح ، ولكـنها نـَجَحَـت في إقـنـاعهـم بأن ( النسطورية  -  النساطرة ) لا تـليـقان بهـم ، وعليهم استبـدالهـما بلفظـتي ( آثور -  آثوريين ) لكي ترفـعا مِن شأنهم في الأوساط العالمية ، ويكون بالإمكان في هذه الحال نَسبُهـما الى الآشوريين القدماء ، ويُضيـفُ سوسة  ، لم يـذَّخِـر رئيسُ الـبعثة  وليم ويكرام وِسعاً في لِعـب دور ٍ دعائيٍّ كبـير لـنشر هذا الاسم ( آثوريين ) وتعـريـف العالَم بالمأساة التي تعـرَّضَ لها مَن دعاهم ( أحفاد شلمَنَصَّر ) ، بـينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قـدوم هؤلاء المُبشِّرين .
                                                                                                                                                                                                                                                                   وتحت هذه الإغـراءات والتـعـهـدات الكـاذبة استطاع المُخادعـون الإنكليز إقـناع البطريرك شمعـون روبين وابنة شقـيقـه سُـرمـا وعـددٍ من رؤساء عشائرهم ، تحـدوهم رغبة ٌ جامحة بالتخـلـُّص من سيطرة وظـُلم الشعـوب المُسلمة المحيطة بهم ، ولـذلك لـَبـّوا مطالب الإنكليز وقـرَّروا التـعاون معهـم متـأثّـرين بالأفكـار التي عرضـوها عليهم . ولكي يُـثـبـت الإنكليز حسن نيتهم لهؤلاء الناس الذين كانوا في حالةٍ يُرثى لها من الجهل والبـؤس والفـقـر ،  فـتحـوا لأبنائهم المـدارس ، وأصدروا لهم جريدة باسم ( زهريرا ) ، وفي سبيل أيِّ فِـكـر ٍ سلبي لدى البطريرك مار شمعـون ، منـحـوه وعائلته مبلغ ( 7000 ) جنيه استرليني . ونتيجة ً لمدى الجـهل المسيطر على هؤلاء الكلدان النساطرة انطلـت عليهم ألاعيب الإنكليز ونـواياهـم الخبيثة .

ومِن أهمِّ الأهـداف التي سَعَـت المملكة المتحـدة لتحـقيـقَها عن طريـق هؤلاء الكـلـدان النساطرة الـذين أثـوَرتهـم بالإضافة الى جانـب إيـجاد موطيءِ قـدم لها في لُـبِّ السلطـنة العثمانـية، ومنافسة نفوذِ روسيا القيصرية هو فرض رأيها بشؤون السلطـنة ، كان سعـيُها الى ايقاف المَد الكاثـوليـكي الذي كادَ يكـتسح منطـقة نفـوذ مار شمعون ،  فاستخدمت لتحقـيـق هذا الغرض مبعـوثي كنيسة كانتيربري الأنكـليكانـية وأسطـع بُرهان على ذلك ما أوردته ( مجلة النجم في عَدَدِها الخامس لسنة 1929م ): < كانت بعثة رهبانية كاثوليكية دومنيكية قد حَلَّت في منطقة رعايا مار شمعون المشارقة الكـلدان المعروفـين بالنساطرة ، قامت بأنـشطـةٍ متـنـوِّعة حيث أنشأت مدارسَ لهـؤلاء النساطرة الكـلدان ووَفـَّـرَت لهم مُخـتـلف الخـدمات الطبـية ، فـنالـت التقـديرَ والثناء مِن لَـدُنهم وأقبلـوا على اكـتساب العِلم والثـقافة فشكَّـلَ ذلك غضباً وامتعاضاً لدي المبشريـن الأنكـليكان لسبَـبَـين أولهما رفض النساطرة لمطـلبهم بتغـيير مذهبهم النسطوري الى الأنكـليكاني البروتستانـتي ، والثاني خِشيتهم مِن ضياع الفرصة على الانكليز في استغلالهم لتحقيق أهدافهم الإستعمارية عن طريقـهم فيما لو تـكـثـلكوا حيث سيُصبـح تَوَحُّـدُهم تحت راية الكنيسة الام الجامعة مفروغاً منه تلقائياً ، ولـَما أفلحوا في ايجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً مِن تسميتهم القومية الكلدانية الأصيلة ، فصَمَّموا على فعل كُلِّ ما بوسعهم لقـلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثَمَن وبأية وسيلة .

وذكرت ( مجلة النجم العدد الخامس لعام 1929 م )  وعِبر مُخططهم هذا علموا بأن مار شمعون روبين طلب مِن شقـيقِه وابن عَمِّه أن يُسافـرا الى الموصل ،  ويطـلبا مقابـلة البطريرك الكلداني الكاثوليكي للبحث في موضوع توحيد شطرَي الكنيسة ، وفي أثناء وجود مبعوثي مار شمعون في الموصل للتـفـاوض بشأن الوحدة ، وافت مار شمعون المَنِيَّة عام 1903م ، وقـيل بأن الانـكلـيـز كانوا وراء الـوفاة ، حيث استغـلوا غيابَ إبن عم مار شمعون المُرشَّح لخلافتِه لوجوده في الموصل ، وقاموا ببذل جهودٍ مُضنية لتشجيع وإقناع النساطرة لتـنصيب إبن شقيق مار شمعون الثاني بطريركاً بدلا ً عنه ،  وبذلك استطاعوا إضاعة فرصة قيام الوحدة ، وكانت تلك ضربةَ قاصمة  > .


شهادات المؤرخين عن حـقـيقـة مُنتحلي التسمية الآشورية

يقول  جون جوزيف في كتابه ( النساطرة ومُجاوروهم الإسلام / ط . 1961م ) <  إن الإرسالية التبشيرية الانكليزية التي استفـردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر ، كانت تُـلَقَّـب بِـبِعـثةِ رئيس أساقفة كانتيربيري الى المسيحيين النساطرة ، وهي أول مَن أطلقَ عليهم تسمية ( آثوريين )  >  .   وفي كتابه  ( خُلاصة تاريخ الكُرد وكُردستان ) يقول الباحث أمين زكي بك  <  إن الآثوريين هم أحفاد كلدانيي بلاد ما بين النهرين ، الذين هَجَروا بلادَهم الأصلية بسبب اضطهاد الغزاة والفاتحين ، ولجأوا الى جبال منطقة هيكاري منذ عهدٍ قديم جداً >  ويقول المؤرخ أحمد سوسة <  إن الانكليز هم الذين ابتـدعوا قضية العـلاقة بين مَن أطـلقـوا عليهم ( الآثوريين ) وبين ( الآشوريين ) .

يُؤَكِّـدُ السيد كيوركيس بنيامين بيث أشيثا في كتابه ( الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987م ) والذي عاش هذه المأساة  فتكونُ شهادتُه أدمغ وأصدق حيث يقول :  <  إن كُلَّ هؤلاء الكُـتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم ( الآثوريين ) الذي نتداوله نحن اليوم ، بل كانوا يقولون عنا , أو  يدعوننا بالكلدان ولو كُنا نختلف بالمذهب ، وإن إسم ( الآثوريين ) أبتـدأَ بـتـداولِه الانكليزُ منذ نهاية القرن التاسع عشر ، عندما وصل المبشرون الانكليز مِن انكلترة الى ديارنا سنة 1884م >

وإني أنصح الكتاب المتزمتين والمُنَظِّرين مُدَّعي الآشورية المعاصرين أن يقرأوا كتاب " رحلة مُتنكِّر الى بلاد  ما بين النهرين  وكُردستان / تأليف سون "  وقد إتَّخذ اسم   "  ميرزا غلام حسين شيرازي " وهو يُسمّي كُلَّ المسيحيين المُتواجدين في هذه المناطق ومِن ضمنها منطقة هيكاري بالكلدان . أوأليس البطاركة النساطرة أنفسهم  وحتى آخرهم "ايشا شمعون " المُغتال عام 1975 م  كان ختـمُه  يقرأ ( بطريرك الكلدان ) ! ! !
أما المُنشيء البغدادي (( ايراني الجنسية اسمه  محمد بن أحمد الحسيني المُشيء البغدادي )) يقول عن المدن والقرى التي مَرَّ بها عن طريق الموصل وشاهدها في رحلته عام 1822 م في ( الصفحة 85 - 86 ) .
((  مِن دير الربان هرمز الى القوش فرسخٌ واحد ،  وهذه القرية نفوسها نحو ألفي بيت ، كلهم مِن الكلدان ،  وجـبلهم هذا في حكم باشوات العمادية  .  ومِن القوش الى تللسقف أربعة فراسخ . . .  وفيها ألف بيث كُلُّهم كلدان  . ومِن تللسقف الى تلكيف فرسخان ، وهذه تبلغ ألفي بيت كُلُّهم كلدان . . .  ))

ويـقـول الكاتـب عبد المجيـد حسيـب القيسي في معرض حـديـثه عن الأحـداث التي وقـعـت في الموصل في 15 آب 1923 م  في ( الصفحة 96 / هوامش على تاريخ العراق السياسي الحديث "  الآثوريون "  )             ((  الآثوريـون قوم وافـدون ، وإن إدَّعـوا لهم ماضياً وتاريخاً سابقاً في العراق ،  وهم أقـلية مسيحيـة نسطوريـة المذهب لا يتـفـق جميع المسيحـيـيـن على تـخريـجاتهـم حول طـبيعة السيد المسيح .   ويستطرد الكاتب : كمُجتمع لا ينظر إليهم المُسلمون بعين الود والإرتياح . وما يزال العرب والأكراد والتركمان في الموصل وكركوك يذكرون أخبار صِدامهم معهم .كما لا يزال الرأي العام العراقي يذكر مواقفهـم المتشدِّدة في عصبة الامم لعرقـلة اكتساب العراق عضويته استكمالاً لإستقلاله. وفوق كُلِّ هذا فإن وثيق صلتهم بالإنكليز أوضح مِن أن تحتاج الى بيان ، وبالتالي فالآثوريون قوم لا ينتصر لهم عرب ولا أكراد ولا سنة ولا شيعة ، بل ولا مسيحيون . ))

يقول المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني في كتابه  ( تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ص . 254 - 255 ) <  إن الانكليز وحدهم فقط  يُطلقون على النساطرة اسم ( الآثوريين ) بينما الجميع يُدعونهم ( تيارية ) ويُضيف ولا علاقة عِرقية لهؤلاء النساطرة بآشوريي نينوى، وإنما هم نساطرة مسيحيون ، دَمَّرَ تيمولنك كنائسَهم ، فتبَدَّدَ شملُهم فاحتوتهم المنطقة الجبلية الواقعة في شرق تركيا ، ولدى استيلاء الروس على ولاية وان الارمنية في تركيا سنة 1915 م أغروا هؤلاء النساطرة بالتمرد على الأتراك وأغدقوا عليهم السلاح للقيام بالثورة ضدهم ، إلا أن الفشل الذي مُني به الروس أدّى الى انسحابهم ، مِما وَفَّرَ للأتراك فرصة للفتكِ بهم وتكبيدهم آلاف القتلى ، أما الناجون منهم فقد لجأوا الى المناطق الشمالية مِن ايران .

ويذكر توفيق السويدي في ( مذكراته ص . 243 ) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة الى هؤلاء النساطرة ، ابتدأ معهم الدور الانكليزي ،  حيث تـلقَّـفتهم المملكة المُتحدة ،  وأرسلت إليهم يعـثةً عسكرية فاجتمعت بهم في اورمية ودَعَتهم للثأر مِن الأتراك ، وتـمَّ الإتفاقُ بين الجانبين وبناءً الى ذلك الإتفاق ،  بادرت بريطانيا بشحن كميةٍ كبيرة مِن الأسـلحة الى هؤلاء النساطـرة في شهر تموز مِن عام 1918 م ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة ، مِمّا أدّى الى قتل عددٍ كبير مِن هؤلاء النساطرة ، فاضطرَّ الانكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقوبة العراقية ، وكان عددُهم التقديري خَمسينَ ألفِ نسمة بضمنهم عشرة آلاف مِن نسطوريي ايران عادوا الى ايران بعد اتهاء الحرب ، وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تُركيا لم تقبل تركيا  بعودتهـم إليها مُتَّهِمةً إياهم بالخيانة ، فكان لزاماً على الانكليز مُساعدتَهم على العيش في العراق لأنهم كانوا السبب في إغرائهم لخيانة بلدهم ، فاستخدمت الرجال منهم بأعمال الطرق ، وأقامت مُخَيَّمات لسُكنى عوائلهم .

ويُضيفُ عبدالرزاق الحسني في (الصفحة 256 مِن المجلد الثالث لكتابه / تاريخ الوزارات العراقية ) بأن الكولونيل الانكليزي ( ليجمان ) عَـنَّـت له فـكرة إسكان هؤلاء النساطرة في القرى الكُردية الواقعـة على الشريط المُحادِد لتُركيا عقاباً للأكراد الذين أعلنوا العصيانَ عليهم مَرَّتَين ، وقد نالَ الإقتراحُ تأييدَ  ن.ت.ولسن الحاكم الملكي البريطاني العام في العراق ، حيث أجرى اتصالاً بَرقياً بهذا الخصوص مع وزير الحربية البريطاني في شهر آب مِن عام 1920م ، وقد إستَهَـلَّ رسالتَه البرقية كما يلي : < سَتَـتَـوَفَّرُ لدينا فرصة تُتيـحُ لنا إنصافَ الطائفة الآثورية بشكل يُرضيها ويُرضي الأفكار الاوروبية مِن حيث الحَقِّ والعدل ،  وتُساعدُنا على ايجاد حَـلٍّ لأَعسر مُشكلةٍ تَخُصُّ الأقـلية الدينية والعِرقية في كُردستان ،  وتجعـلُنا في مأمنٍ مِن خَطر قد يُهَـدِّد السِلمَ في شمال الفـُرات ،  وفي ذات الوقت نكون قد عاقـبنا مُثيري إضطرابات العمادية ، إنها فرصة لن تـعودَ ثانيةً >   وقد تَمَّ تكليف المُبَشِّر وليم ويكرام ذي الخبرة الواسعة بشؤون هؤلاء النساطرة للإشراف على تنفيذ هذه الخِطة ،  ولكن الامور لم تجر كما كان متوَقعاً لها ففشلت نتيجة التَحَرُّك التركي ونشوب اضطرابات في ضواحي الموصل .

يتحَدَّث يوسف إبراهيم يزبك في كتابه ( النفط مُستعبد الشعوب ص . 233 - 234 ) بأن الكولونيل الانكليزي ليجمان وأثناء تواجُدِه في الموصل ، كَلَّمَ سُكّانَها مِن العرب قائلاً لهم ، إنكم مِن اصول الآثوريين ، وإني لَمُستغرب مِن عدم دِرايـتِكم بتاريخ أجـدادِكم ولا عِلمَ لكم بكونِهـم أحفاد الآشوريين الذين شَيَّـدوا مجدَ نينوى ، فرَدّوا عليه قائـلين : نحن أحفاد عرب الفتوحات ونعلم جيداً أن أسلافنا عند مجيئِهم الى الموصل لم يجدوا فيها سوى الفرس المجوس يسكنون في محلة ، والمحلة الثانية كان يسكنُها المسيحيون الجرامقة. ومِن المعروف تاريخياً أن الجرامقة هُم تَشَعُّبٌ مِن تَشَعُّبات الكلدان المُتعدِّدة ، و قد أشار الى الموضـوع ذاته  القس سليمان الصائغ ( المطران لاحقاً ) في كتابه ( تاريخ الموصل / الجزء الأول ص . 51 - 52 ) . ويَروي السيـد يزبـك في ( الصفحة 236 و237 و 238 و 242  مِن نفس الكتاب )، بأن ليجمان طـلبَ مِن مُحَرِّر جريـدة الموصل وهو صحفي كلداني أن ينشر خَبراً عن زيارة ( سورما خانم ) التي لَـقـَّـبَها بأميرة الآثوريين الى لندن ، للمطالـبة بتحقـيـق الوعود التي تَعَهَّدها الانكليزُ لقومها ، بإقامة وطن قومي للآثوريين في شمال العراق ، فأجابَه الصحفي بذهول مُستغرباً مِن كـلامه قائلاً : لم يسبق لي أن سمعـتُ بـوجود قـوم باسم الآثوريين وله أميـرة ، ثمَّ أردف الصحـفي بأن هؤلاء النساطرة الذين تتحدَّث عنهم لا علاقة لهم بالآشوريين ،  ولكن الكولونيل الانكليزي ليجمان أصَرَّ على رأيه ،  وبحُكم موقـعه كقائـدٍ  بريطاني مُطالَـبٍ  بالعمل على تحقيق طموحات مملكـته كان يضغط  مِن مصدر قوة على مُحَرِّر الجريدة لينشُرَ أخباراً عن الآثوريين  ، وقد فاجأَ مُحَرِّرَ الجريـدة بقـدومه يوماً الى مقـر الجريدة وأملأََ عليه ما يلي : < انشُر أخباراً عن الآثوريـيـن  وعن أميـرتهم   ( سورما خانم )  صاحبة السمو عمة مار شمعون ،  وفي عددِك لهذا اليوم ،  انشُر بأن صاحـبة السمو الأميرة  سورما موجـودة في لندن  منذ بضعة أيام وقد قامت بزيارة عددٍ مِن كـبار المسؤوليـن الحكوميين ،  وقابلت أصحابَ الشأن الكبار مُطالبة ًإياهم بتحقـيـق الوعود التي قُطعت مٍن قبلهم لمُواطـنيها أثناء الحرب  بإقامة  وطن قوميٍّ  للآثوريين  والكـلدان في المنطـقة الشمالية  مِن العراق وبالتحديد مِن شمال الموصل وحتى الحدود التركية ، وكَرَّرَ الصحفي مرة ثانية استغرابَـه مِن أقـوال لـيجمان نافـياً وجود قـوم باسم الآثوريين تتزعمُهـم أميرة ، واسترسلَ بشرح الحقـيـقة له ، بيدَ أن ليجمان نصحَـه بعدم تكرار ما سمعه منه لأن ذلك برأيه  يُـؤدّي الى حدوث انشقاق بين مسيحيي الموصل ومُسلميها  ،  ويواصل المُؤلـف الكلامَ قائلاً : بأن الإستعمار البريطانـي تمَيَّـزَ بدهاءٍ نادر في  لعبه مع التياريين النساطرة الذين أطلقَ عليهم اسمَ الآثوريـين عَمداً لتسخيرهم في خدمة  مصالحه ،  وأوعز الى وسائل أعلامه لنشر كُلِّ ما يُثير اهتمام العالَم في سبيل كسب رأيه وعطفه  لمُساندة هؤلاء المسيحيين المُضطهدين مِن قبل الأكثرية المُسلمة ، ويُضيف  بأن صفحات كتابه لا تتسع سطورها لوصف الأحداث التي قام بتنفيذها التياريون المدعوين خطأً بالآثوريين ، تلك القبائل الساذجة التي جنى عليها الإستعمار البريطاني ، وجعل منها حطباً لموقـد مطامعه ، فهي لم تَـكن تعرف عن آشور شيئاُ ولا خَطـَرَ في بال أبنائها يوماً بأنهـم ورثة  الآشوريـين القدماء إطـلاقاً .  ومن أطرفِ ما رواهُ الكاتبُ عَمّا كان يجري بين الانكليز والنساطرة ،  بأن كاهناً كاثوليكياً مِن أبناء الموصل مشهوداً له  بعِلمِه ونزاهتِه ووطنيتِه  عَلَّقَ قائلاً : إن المُستعمِرين ويقصد بهم الانكليز قد أعطوا اهتماماً كبيراً لجماعة مار شمعون ، وبوجهٍ خاص إنصَبَّ اهتمامُهم بِعَمَّتِه  ( سورما )  وقال بالنَص  "  فأَثْـوَروها وما زالوا بها حتى ثَـوَّروها  "  .


وفي حاشية ( الصفحة 257 مِن المصدر / تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ) ورد نقلاً عن التقرير البريطاني ما يلي : < قام الانكليز بتجنيد ما يُقاربُ ألفي فَردٍ مِن هؤلاء النساطرة ، إستعانوا بهم في قمع ثورة العشرين 1920 أطلقوا عليهم ( الجيش الليفي ) ،  لقد سَئِمَ النساطرة العيشَ في المُخيّمات فانتشرَ التذَمُّرُ بين صفوفهم ، ولتهدِئَة غضبهم ومعالجة خيبة أملهم في قياداتهم  وفي الانكليز كذلك ،  إقترح القائدُ الكبير أغا بطرس إقامة  حكومة آثورية  تمتدُّ حدودُها مِن شمال الموصل  وحتى الحدود التركية ،  لاقـت الفكـرة ترحيـبَ الانكليز  واستحسانـَهم لرؤيـتهم فيها  خِدمة ً  لأهدافهـم  وتقوية ً لاستراتيجيتِهم فنقـلوا المُخيّمات الى منطقة ( مندان ) الواقعة شرق جبل مقلوب بين الموصل وعقرة ، ولكن نصيبَ هذه الخطة كان الفشل . لم تتوانى كتائب الليفي النسطورية في إسداء خدمةٍ كُبرى للإنكليز حيث كانت تتصَدّى لكُلِّ مَن يُحاول المساسَ بمصالح المملكة المتحدة مِن العرب والأكراد .

جاءَ في كتاب ( القضية الكُردية والقوميات العنصرية في العراق ص . 97 - 98 لمؤلِّفِه لوقا زودا ) بأن دوائـر الإستخـبارات الانكليزية لم تألُ جُهـداً في جمع مَن أطـلقـت عليهم اسم ( الآثوريين ) في منطقة نينوى عاصمة الآشوريين القدماء وتشكيل جيشٍ مِن عشائِرهم يَكونُ نـواة لصيانة الوطن القومي المُقـترح إنشاؤه لهم تمهـيداً للوصول الى إعلان الإستقلال لدولة آشور الموعود بها مِن قبل البريطانيين ، عندما نجحوا في  إقناعِهم للقتال الى جانبهم ، ولكن الانكليز كانوا يُتقـنون اللعبَ على الحَبلين بادائِهم دوراً مُزدوجاً ، ففي الوقت الذي يُحَرِّضون النساطرة على المُطالبة بالإستـقلال ، في الوقت ذاته يوشونَ بهم لدى الحكومة ويدفعونها للقيام بقمع حركتِهم . أما مؤلفا كتاب ( العراق في التاريخ / الفصل الثاني ص. 661 - 662 ) الدكتور مظفر عبدالله والدكتور جهاد صالح ، فيُشيران الى تَوَرُّط النساطرة المُتأثورين ،  بقيامهم بحركةِ تَمَرُّدٍ في شمال الوطن في عهد الملك فيصل الأول وقبل وفاته بفترةٍ قليلة ،  وقد قام بكر صدقي باعـتباره قائـدَ الجيش العراقي وبالإتـفاق  مع وليِّ العهـد العراقي الأمير غازي ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية حكمت سليمان بقمع التَمَرُّد بشكل عنيف في شهر آب 1933م ، وجرى ذلك أثناء غياب الملك فيصل خارج الوطن . وقد تَكَـبَّـدَ النساطرة عددأ كبيراً مِن القتلى رجالاً ونساءً وأطفالاً والتجأ الناجون الى القرية الكلدانية العريقة ألقوش فاحتضنتهم وامتنعت عن  تسليمهم للجيش رغم كُل التهديدات بقصف القرية وسُكّانها ، وتلك لَعَمري مأثرة كلدانية خالدة للكلدان وللأسف تناساها العنصريون مِن بقاياهم الذين هاجروا الى الديار السورية والذين مكثوا في العراق على السواء ، إنه لنُكران للجميل ما بعده نُكران !



لـقـد ذكرنا الشواهد أعلاه لتـفـنيـد الإدِّعاءات الباطـلة  التي  نحن  بصدد  الكشفِ  عن  زَيـفِـها  هي  تلك  الأفكار  والايـديـولوجيات  السياسية  التي  تَستميـتُ  أحزابُ  ومُـنـظـماتُ  دُعاة  الآشورية  المعاصرين  الى  فَرضِها  على  سليلي أبناء  الرافدين  الأصليين  كلدان اليوم ، الذين  يُمـَثـلون  نسبة  80 %  مِن المسيحيين الناطـقين  باللغة الكـلدانية  السوادية ( السورَث ) بمُختـلف لهجاتِها  ، وذلك  بتبنّي  مَنهَج  مُبَرمَج  على  شاكلة  المنهج  البعثي  الذي  تبنّى في مُنتصف  القرن العشرين  الماضي ،  نظرية َ تعريب  مواطني  العراق غير العرب  ،  باعتمادِه  منهجاً  مدروساً  يهدف الى  إلغاء  الهوية  القومية  الرافدية  والهوية  الوطنية  العراقية  عنهم  وصهرهم  في  الهوية  العربية  على  غير  حق .
هذا الشيء  ذاتَه  تَبَنَّته  احزابُ  مُنتحلي التسمية  الآشورية الشوفينية  (  نعتي  لهم  بالمنتحلين  يعود لعدم وجود  أية  رابطة  تَربُطهم  بآشوريي العهد  القديم  عِرقية  كانت  أو  تاريخية )  مُستغلةً  السُبات  الفكري  والانعزال  المناطقي  والخلاف  المذهبي  ،  هذه  العوامل  التي  سَهَّلت  لطغمة  الأحزاب  المُزَوِّرة  لتسميتِها  الغريبة ( الآشورية )  واللاهثة  بكُلِّ  قِواها  لإحيائها  وانتشالها  مِن  لَحدِها  الذي احتواها  قبل  أكثر مِن ستةٍ  وعشرين  قرناً ، تمريرَ عملية  الخداع  والضحك على  ذقون العامة  مِن الشعب المسيحي ولا سيما  غالبيته الكلدانية الساحقة ، ألا  وهي  بعث  الآشورية  المقبورة منذ  قرون سحيقة كما  قلنا ، و جَعلِها  قومية في الوقت  الذي لم  تَكُن  في أوج  عظمة  الدولة الآشورية البائدة في ماضيها البعيد  قومية ! بل  تسمية موطنية  مُستمدة  مِن  الاسم  الثُنائي  لمدينة آشور  وإلهها  الجبلي  الأجنبي ( آشور ) فكيف  يُمكن  لمُنتحليها  زوراً  أن  يجعلوا  مِنها اليومَ قومية ؟ وقد أوضحنا  ذلك  في موضوع ( الحقبة  الآشورية الاولى  2250  -  1813 ) من كتابنا هذا .                                                                                                                                                                                                                                                                       كثيرة هي التجَنيات الإدعائية  التي دَأَبَ على تَرويجِها أحفادُ  كلدان الجبال ساكني منطقة  آثور ( هيكاري بقسميها  العلوي  والسُفلي ) مُنتحلو التسمية الآشورية زوراً ولا زالـوا ، ضِدَّ  أبناء الامة الكلدانية المُعاصرين، في الـوقـت الذي تؤكـد كُلَُ المصادر والمُعـطـيات التاريـخـية خروجَـهـم هـم أنـفسهم مِن صُلـبِـ، هذه الامة العريقـة النبـيلة ، ومع ذلك لا يألـون جهـداً في النيـل مِنـها بالإفـتـراء والتشويه والتـزوير والتسيـيـس ، فقـد جاهدت واجهاتُهم السياسية المُتمَثِّـلة بألأحزاب والمُنـظمات ذاتِ الأفكارالتهـوُّريـة المريـضة بعـقـدة الشعـور بالنـقـص الضاربة أطنابــُها في أذهـان مُنتسبـيـها  نتيجة معرفـتهم الأكـيدة بأنهم واقعـون في ورطةٍ جسـيمة وخاطئة بخيانتهم لأمتهم الكلدانية وبانتحالهم هوية ً مُزوَّرة ( الآشورية ) بدل الهوية الكلدانية الحـقـيـقـية ، وقد قطعـوا شـوطاً كـبيراً في هذا الدرب الخاطيء الى حَدِّ الإستحالة العدول عن الخطأ و العودة الى درب الصـواب، ومِن هذا المنطـلق فهـم يستخـدمون كُلَّ الوسائـل مهما كانـت مُهـينة ودنـيـئة للتمادي في غِـيِّـهـم  والإصـرار على فرَضيتهم الآشورية الاسطورة المُسطـنعة مِن قبل المُخادعين الإنكليز . والأنكى في هذا الموضوع ، قـيامُهم بتضليل شعبهم عن طريق تلقـينهم أبناءَه الأبـرياء وحَـثَّهم على ترديد أقـوالهم الإفـترائية بالطريقة البـبـغائية التي لا  تفهم معنىً  لها  ولا تدري هول عواقبها  ،


انقراض  الآشوريين


يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122 ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ  لبِلادِ آشور ! >  ويقول البروفيسور  سيمو باربولا / جامعة هلسنكي  ( بعد  حَربٍ  أهليةٍ  مُطوَّلة استطاع  البابليون أي الكلدان  والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان >  ساحقين بذلك آخِرَ خَندق للمقاومة  لملكِ  بلاد آشور الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث  خَتَمَ  مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّفقون وبدونِ الإدلاءِ علناً مع الفِكرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف  وَفرَةِ المعلومات  عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات  عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً  لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي  تبدو  أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات  شهود  العَيان القُدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ  الأب ألبير أبونا  في  مقالتِهِ  المنشورة  في  موقع  عَنكاوا.كوم  الالكتروني  < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين  وبعض المُنجرفين  وراءَهم  من الكلدان المُغَرَّر بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثبات عدم انقراض الآشوريين النهائي  بأدِلَّةٍ علمية وتاريخية بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف.

الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ  الملك الآشوري سنحاريب ، فهو إذاً أحد  أحفادِ  الملكِ  الكلداني الثائر ( مردوخ بلادان )  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب (الملك آشور بانيبال ) ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانيبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا آلت إليه في أواخر فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية عشر الدولة  الكلدانية  أو البابلية  الحديثة  ثمَّ  الامبراطورية  الكلدانية ولـُقـِّبت بالامبراطورية  البابلية  الحديثة باعتبارها امتداداً للإمبراطورية التي أسسها الملك العظيم حمورابي  . قامَ بتصفية الوجود العسكري الآشوري  من المناطق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة المناطق التابعة له حتى حدود  آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك  آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة / جيمس هنري  ترجمة أحمد  فخري ص. 231 وهنالك  مصادر اخرى كثيرة ) ضمنَ مساحة الدولة البابلية الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام وفلسطين  ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم الميديون  مضمونَ المعاهدة  المعقودة  بينهم  وبين الكلدان ،  واكتفوا  بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من العواصم الآشورية ، واحتفظوا بالاقاليم الشمالية والشمالية الشرقية لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها قبل عقد  المعاهدة ، أما  الأقاليم الغربية فخضعت  لسُلطة الدولة الكلدانية  وبضمنها العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِـلَها أبناءُ الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .

وإنَّ  التواجد  الكلداني كان قائماً  في البلاد الآشورية  قبل  زوال الكيان  الآشوري ،  وزادت  كثافتُه  أضعافاً  بعد  زواله  بحُكم سيطرة  الكلدان  على البلاد الآشورية  وتَحَوِّلها  الى  جزءٍ  مِن  بلاد  الكلدان ،  حيث يقول الاستاذ حبيب حنونا ( الكلدان والتسمية القومية ) كان  الملوكُ الآشوريون في خِضَمِّ حَملاتِهم العسكرية  المتواصلة  على  الممالك الكلدانية  خلال الفترة المحصورة بين القرن الحادي عشر والقرن  السابع  قبل الميلاد، قد أسِروا ما يربو على نصف مليون فردٍ من الكلدان ، ورَحَّلوهم الى مناطق الشمال والشمال الغربي والشمال الشرقي لإقليم آشور ، وتُشير المصادر بأن مُعسكرات كانت قد اُنشئَت للأسرى الكلدان ، يُطلق عليها  < بيث شبيا >  وتعني  بيت السبايا  في قرية كرمليس  وقرية بابلو القريبة  من دهوك ،  كما أن معسكراتٍ  كان قد  تَمَّ إنشاؤها  في منطقة العمادية شمالي دهـوك بين بابـلو وارادن وايـنشكي ، وبعد سقـوط نـيـنـوى وخضـوع تلك المناطـق للحُكم الكلداني ، قام هؤلاء الأسرى الكلدان بحسب تأكيد هذه المصادر بتحويل هذه المعسكرات الى مجمعات ووحداتٍ سكنية ،  ويؤَكِّد التـواجد الكـلداني في  شمال  بلاد ما بين النهرين  المؤرخ اليوناني  (زينفون ) الذي رافـق الحملة العسكرية اليـونانية المعروفة ( بفرقة العشرة آلاف ) عام 410 قبل الميلاد في كتابه ( حملة العشرة آلاف / ترجمة يعقوب منصور ص . 182 )  وعند تـقهـقرها أمام الفرس بمعركة  قرب بابل عادت ادراجها متوجهة الى بلادها وفي طريق  العودة يقول  زينفون : ـــ  قبل اجتيازنا حدود ارمينيا ( أسيا الصغرى أو تركيا الحالية ) وعلى الضفة الثانية لنهر دجلة ، جابهتنا قوات كثيرة تتألف من صنوف مختلفة ، حاولت منعـنا من عبور النهر، ولدى استفسارنا هن هـوية تلك القوات ،  علمنا أنها  قوات ارمنية  وكلدانية  وماردينية وكانت تابعة  لأورنتاوس و اوتوخاس ، ويُضيفُ قائلاً : لقد قـيل لنا بأن الكـلدانيين شعبٌ حُر لا يُضاهيهم شعبٌ آخر في المنطـقة من حيث مهارتهم في القتال !
إنها حقاً  حقائق تاريخية  دامغة  تُعَرّي زيف المغالطات والأكاذيب التي يُروِّجُـها أدعياء الآشـورية المزيَّـفـون وعملاؤهم المأجورون الذين يُرعِبُهم اسمُ الكلدان ،  حتى أنهم  ولشدة  كُرهِهم  للكلدان ينفون عنهم عملية القضاء على الدولة الآشـورية ويَعـزَونَ ذلك الى الميـديـيـن ! وهذا بحدِّ ذاته يُعتبَـرُ نُـبلاً في خِصال الكلدان ، وإن هم يُـردِّدوه خلافاً لكُل ما أكَّده المؤرخون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المؤرخ الشهير ( جورج رو ) الذي يـؤَكِّد  سيطرة الكـلدان على كامل الاقليم الآشوري بشكل مُحكم بحيث لم يحدث أي تمَرُّدٍ أوأي تحرُّكٍ  مضاد للدولة الكـلدانية حتى سقـوطها على يد الملك الاخميني كورش عام 539 ق . م  بسبـب خيانة داخـلية  لقائد عسكري في الجيش الكلداني وتـآمُر يهودي داخـل البلاط  .  إذا كان الميديون قد قضوا على الدولة الآشورية  كما يحلو لدُعاة الآشورية المعاصرين قوله، فما أغباه من قول ، لماذا تخلوا عن حُكم بلاد آشور ! ! ألا  يعني هذا أن دورهم كان دوراً ثانويا مساعداً للكلدان , ليس كالدور الأساسي الكلداني ! ! ولذلك فرض الكلدانُ سيطرتهم الكاملة  على البلاد الآشورية .

استمرارية الوجود الكلداني

بعد سقوط  بابل  بأيدي الملك الاخميني  كورش  خضعت كُلُّ  المناطق الكلدانية الاخرى  لنفوذ  مملكتِه  الفارسية ،  كان  كورش  ملكاً  يملك  من الدراية السياسية  قدراً  كبيراً  ،  فتحدَّثَ الى الشعب الكلداني  بحكمةٍ  ولباقة  قائلاً لهم ،  جئت  جالباً لكم السلام  لأُزيلَ عنكم الاضطراب والخصام  ،  وها إنني أدخُلُ  الى هَيكَل الإله ( بيل) وأمُدُّ  يَدَيَّ  إِليه  وأمسُكَ بيدَيه  ليَحُقَّ لي  عَرشُ بابل ، ثمَّ أمر بإعادة  الآلهة التي  كان  قد جَلَبها  نبونَئيد الى بابل الى هياكلها  في المدن الكلدانية ،  فنال رضا  الكلدان وشَكَرَه اليهود لإِصداره أمراً  بالسماح لهم في العودة الى وطنهم إذا  أرادوا ،  وظَلَّ الكلدان يمارسون  أنشطتَهم الحياتية  ضمن  نفوذ المملكة الفارسية  يتمتعون  بحقوقِهم  ويؤَدّون  واجباتهم   وإن كان الحنين الى الاستقلال يُراودُهم

استغَلَّ الكلدان  اضطراب الأوضاع في بلاد  فارس ،  فثاروا وأعلنوا الاستقلال  في بابل  بقيادة  أمير من  سُلالة  الملك  نبونَئيد  اسمُه  ( ندينو توبيل )  وتَسمَّى ملكياً  بلَقَب  ( نبوخَذنصَّر الثالث )  ،  وحذا  العيلاميون  حَذوَ  الكلدان  وأعلنوا على الفرس العصيان ،  فأرسل  داريوس الأول  قوات  بإمرةِ  قائدٍ  من قادة  جيشِه   لإفشال  عصيان  عيلام ،  وقاد  بنفسِه  حَملةً  عسكرية  ضخمة  جداً  لإسترجاع  بابل ، وإذ عَلِمَ الملكُ نبوخَذنصَّر الثالث بمقدَمِه ، استعَدَّ  لمواجهَتِه  ، ونشر قواتِه  على سواحل  دجلة  في اقليم آشور وكان في حوزتِه  سفن  راسية  في نهر دجلة ،  تَردَّدَ  داريوس  في الهجوم ، فلجأ الى ايجاد  طريقة  يخدَعُ  بها الكلدان ،  فعَمدَ الى  تقسيم جيشِه الى كتائب عديدة ، استخدَم  بَعضُهم  ظهور الخيول وبعضهم الآخر ظهور الجِمال ، فانطوت الخُدعة على الكلدان ،  أما  هو  وبقية  أفراد جيشه  فقد عبروا النهر وباغتوا القوات الكلدانية  ودارت معركة  بين  الجانبين ،  وكان عنصر المباغتة في صالح الفرس ، حيث تَراجع الكلدان أمامَهم ،  وبعد ستة أيام وفي موقع على ساحل نهر الفرات  يُطلقُ عليه ( زازانو)  التحم الجيشان البابلي والفارسي  ،  وبالنظر لفارق العدد بين  الجيشين  انتصر الفرس  وانسحب نبوخَذنصَّر الثالث مع بقايا جيشِه  الى بابل وتحصَّنوا فيها  ، فلاحقهم الجيش الفارسي  وأحكَمَ الحصار على بابل ،  وبعد سنتَين من الحصار الشديد  ،  اقتُحِمت أسوار بابل في عام 519 ق . م  وقُتِلَ الملك نبوخَذنصَّر الثالث .

يـقـول المؤرخ طه باقر في ( مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / الوجيز في حضارة وادي الرافدين  ص . 513 و 517 ) <   بعد  وفاة  داريوس الأول  عام 485 ق . م ،  خَـلِفَه  على العرش إبنُه ( احشويرش الأول  485 - 465 ق . م  Xerxes  I )   وفي السنة  الرابعة  من حُكمِه  ثار الكلدان  ثانيةً  على غِرار  ثوراتهم  خلال  حُكم والده  ،  وقاد الثورة  على  التوالي الملكان  البابليان ( بيل شماني ) و ( شمش اريبا ) سعياً  للاستقلال  ،  ولكنَّهما  لم يُفلحا بسبب قـلة عدد الجيش الكلداني مقارنة  بالعدد  الهائل  للجيش الفارسي   فـتَعَرَّضَ الكلدان  للإنتقام  القاسي  ومعبَدِ  بيل للنهب  وبابل للدمار الشامل .

سقطت الدولة الفارسية الأخمينية  بأيدي الاسكندر الأكبر المكدوني  عام 331 ق . م ،  الذي  فرض  سُلطته على عموم  بلاد  ما  بين النهرين  واتخذ  من  بابل  عاصمة له ،  وبعد وفاته  انتقلت السُلطة الى السلوقيين  لأكثر من قرن ونصف القرن ، حيث يقول رضا جواد الهاشمي في كتابه ( الصراع العراقي في زمن الفرثيين والساسانيين ص . 95 ) بأن الفرس الفرثيين استطاعوا  في عام 139 ق . م فرض سُلطتهم على البلاد ثانية ً .   

في كتابه ( ذخيرة الأذهان / الجزء الأول ص . 33 ) يقول بطرس نصري ، بسبب الأعمال التعسفية الجائرة التي دأبَ على ممارستِها  الفرسُ أثناءَ  حُكمهم  لبابل ، ضد البابليين اضطرَّ  الكثيرُ مِنهم للهجرة الى شمال بلاد ما بين النهـرين والشام ولبنان  ووصلَ قسم منهـم الى جزيـرة قـبرص، ولكنَّ نسبة ً كبيرة مِنهـم لم تُغادر البلاد وبضمنهم العديد من المُنـتمين الى سُلالات ملوكهم ، ومنهم  كان الذين تـتـبعـوا مسير النجـم غير الاعـتيادي الى بيت لحم اليهـودية في فلسطـين لدى ميلاد المسيح الرب ،  وعُرفـوا بملـوك العجـم أو المجـوس ، حيث قَـدَّموا للطفل الالهي خضوعَهم  واعترافهم  بملوكيته مُجزلين له هداياهم الملكية ذهباً ولُباناً ومُرا ،  وبعد عودتهـم الى بلادهم تَحَدَّثـوا بما شاهـدوه  ، مُهيِّـئـين بذلك أرضيةً سهلة لانتشار المسيحية في بلادنا مُستـقبلاً .
وقال بهذا الصدد القس يوسف تفـنكجي  في ( مجلة النجم / العدد الخامس لعام 1929 م ص . 225 ) ما مُلخَّـصُه <  إن الطائفة  الكلدانية  الكاثوليكـية ( عُرفت  بالطائفة  منذ  عهد  الاسكندر المكَدوني بأنها بديل للقومية التي تقـلَّصت نفوسُها عبر الظروف الزمنية) الباقية الى يومنا هذا، هي إحدى الطوائـف المسيحية الشرقية ا

211

يـعـكـوب أبـونا وجَهـلــُه بالتاريخ

قـرأتُ رَدّاً للـمحامي يعـكـوب أبونا بعنوان " استـنكـار . . . " لمـقال كتبه السيد نـزار ملاخا مُـبدياً مـُلاحظاتٍ حـول رسالة البطريرك النسطـوري مار دنـخا الرابـع ، ورغـم قـراري الذي إتَـخـذتـُه بـعدم قراءة المقالات الـركـيكـة اللغة ولا سيما العائـدة لـِمـَن مِهنـتـُه المُحاماة لأن المادة الأساسية لهذه المهنة هي اللغة المُتقـنة ، ولكـنَّ ما أجـبرني لقـراءة هذا الإستنكـار ، هو جـهل الإستاذ أبـونا بالتاريخ وقد يكـون تجاهـُلاً مـُتـعَـمـَّداً وهو الأصح بالإضافة الى الإفـتراء على الكـلدان وقـوميتهم الكـلدانية ، ولـتـفنيـد أقـواله وادعاءاته نـقـول :

1 - إنَّ أول مَن أوجـَدَ ظاهرة الإصطـياد بالمياه العـكـرة هم دُعاة الآشـورية المُزيَّـفة ومُناصروهم المحسوبـون على الكلدان إسماً وظـُلماً أمثال الإستاذ أبـونا مِن أبناء الـقوش القلعة الكلدانية الحبيبة ، فقد جـنوا على أهـلها هادفـين الى قـلـب جـذورهم القـومية الكـلـدانية ونـسبهـا الى جـذور لا صلة لها بالقـومية ، ومِن ثـمَّ تـقـليـص دورها الـريادي القـومي والكـنسي  أمام أخـواتـها الـبلـدات والـقـرى الكلـدانية الأخري ، متناسين أن التاريخ لا يرحم مُشوِّهـيه ، فلدى قيام الكـلـدان وحلفائهم الميديين ما بين عامي 612 - 609 ق . م بالقضاء المُبرم على الآشوريين ، أصبح الإقـلـيم الآشوري بأكمـله مِن ممتلكات الإمبراطـورية الكـلـدانية ، وشـغـلَ أبناؤُها كُـلَّ أجزائه التي فـرغـت بإبادة الآشوريين ، وعندما يأتي ذِكـره فإنما من الناحية الجغرافية وليس الديمغرافية ، وهذه هي الحقيقة التي يتجاهلـثها هـؤلاء الجـُنـاة على التاريخ ، ولكن هيـهات لقـد خاب بأسُهم وفألهم معاً .

2 - ليس نـزار ملاخا وإخـوته الكـلـدان الأصلاء الذين يعيـشون بالأوهام يا استاذ ، إنـهم قـوميون كلدانيون حَقيقيون ، أما القـومجـيـون فهم دُعـاة الآشورية الأسطـورة الويكرامية وأتـباعُهم مِن ناكـري امـتـهم الكـلـدانية النبيلة ، وقـالبي ظـهر المِـجَـن لـها ، وماضين في مُعاداتـها بشكلٍ أبشع وأصلـف مِن مـُعاداة أسيادِهم مُنتحلي الآشورية . إنـَّكم وأسيادُكم تـُعانـون نـَفسياً ولذلك تستميتـون في الدفاع عن الفرضية الآشورية العقـيمة ، والدليل على ذلك سلـوكـكم المُعـَقـَّد المبني على الأوهام ، وطـروحاتـُكم الخالية مِن الأسس العلمية والتاريخية والبعيدة عن المنطـق والموضوعية . إنّـكم في الواقع فارغـون وعـن الحـقِّ زائـغـون ، حُـجَـجُـكم واهية مَبنية على رمل الوهم ولذلك تتهاوى أمام رياح الحـقـيقـة  .
                                                                                                                                                                                                                                                                      3 - إن كنيسة المشرق تأسست على أكتاف الجماهير الكلدانية حيث كانـوا الأغلـبية الساحقة في المملكة الفرثية الأرشاقية ثـم الفارسية الساسانية ، لم يقبلوا أن يُـطـلـقَ عليها اسمهم الكـلـداني القـومي  ، لإعتقادهم بأن له مدلـولاً وثـنياً ويا بئس ذلك الإعتقاد الذي سبـَّب لأحـفادهم مشاكل ومعاناة ، نـراها اليـوم مُثـارة ً عليهم مِن قبل إخـوتهم الخارجـين مِن صُلبـهم ، حيث تـنـكـَّروا لإصولهم القـومية الكلدانية ونسبوا ذواتـهم الى اصول غـريبة عَنهم . وعلى مدى تاريخ كنيسة المشرق التي أصبحت بعد القرن الخامس الكنيسة الكلدانية النسطـورية لم يـرد بين جـثالقـتها أو أساقـفـتـها اسم آثـوري فما بالك بالآشوري ! ! !  فكيف تـدَّعي أن البطاركة مِن آل أبـونا كـانـوا آشوريين ! ! !  .  أليس مِن الغرابة التي لا تـُصـدَّق أن يُطـلق اليوم المتشبثون بالنسطرة بعد عشرين قرناً إسماً لكنيستهم ( كنيسة المشرق الآشورية ) . وأكبر دليل على كـلدانية الكنيسة ما ورد في ترتيلة طقسية مُعاصرة لزمن الإضطهاد الشابـوري السيء الصيت ( 340 - 379 ) المعروف بالإضطهاد الأربعيني ، قالها الكلدان على رؤوس الملأ المحاطين بهم :

( ܡܠܟܐ ܕܪܘܡܐ ܥܡ ܦܠܚܘܗܝ ܣܝܥ ܠܓܘܕܐ ܕܡܗܝܡܢܐ . ܢܦܩ ܦܘܩܕܢܐ ܕܢܬܩܛܠܘܢ ܣܗܕܐ ܟܐܢܐ ܒܝܕ ܣܝܦܐ .  ܬܗܪ ܟܠܕܝܐ ܟܕ ܩܝܡܝܢ . ܘܙܩܦܘ ܨܒܥܐ ܟܕ ܐܡܪܝܢ . ܕܪܒ ܐܠܗܗܘܢ ܕܡܗܝܡܢܐ .  ܕܟܕ ܠܐ ܡܬܚܙܐ ܦܪܩ ܠܗܘܢ . تـرجـمتـها :  إنَّ مَـلكَ الـعُـلى مع جُـنـده ، كان في عـون جـميع المـؤمنيـن . فقـد صـدر الأمـر أن يُـقـتـلَ الشهـداء الأبـرار بـحـدِّ السيـف . بـُهِـتَ الكـلـدان وهم وقـوف ، ورفـعـوا الإصبـع قائـلـين : عـظـيـم إلـهُ المـؤمنيـن ، فهـو يُخـلـِّصُـهم وإن هـو لا يُـرى . )  < ترانيم الشهـداء لرمش الجمعة ص 365 >
إذا كان هنالك آثـوريون أو آشوريـون ، لماذا لم يُـذكروا هم في الترنيمة .

4 - ما هذا الإدعاء الباطـل يا استاذ ، إن عدد البطاركة الذين اغـتصبـوا رئاسة الكنيسة الكلدانية النسطـورية هـو (10 ) وإلـيك أسماؤهم و تـواريخ جـلوسهـم :

1 - مار دنحا الثاني  1332 - 1364 ، وكان كُـرسيـُّه في كرمليس
2 - مار شمعـون الثاني  ، وكُرسيـُّه في الموصل
3 - مار شمعون الثالث ، والكُرسي في الموصل
4 - مر ايليا الرابع ، والكرسي في الموصل
5 - مار شمعون الرابع باصيدي  1437 - 1479 ، الكرسي في الموصل
6 - مار شمعون الخامس 1497 - 1501 ، الكرسي في جزيرة ابن عمر
7 - مار ايليا الخامس 1502 - 1503 ، الكرسي في الجزيرة
8 - مار شنعون السادس 1504 - 1538 ، الكرسي في دير الربان هرمزد
9 - مار شمعون السابع برماما 1538 - 1558 ، الكرسي في القوش
10 - مار يوحنا الثامن هرمز 1803 - 1838 الكرسي في  القوش ، موصل ، بغـداد  ، وقـد نبـذ المذهب النسطـوري واعتنق الكثلكة . عام 1830 وثـُبـِّـت مِن قبل روما . وبه بـدأت سلسلة بطاركة الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية  الوريثة الشرعية لكنيسة المشرق .

أما البطاركة الذين خـلـفـوا مار شمعون السابع برماما  حتى مار يوحنا الثامن هرمز لم يكونوا مِن آل أبونا . وجميعهم كانوا يستخدمون اللقب التالي ( مْـحـيـلا بـطـريـركـا د كـلـدايـي ) حتى آخر بطريرك النساطرة مار شمعون ايشا الحادي والعشرون 1920 - 1975 ، الذي اغـتـيـل في مـقـره في سان فرانسيسكو / أميركـا .

يا استاذ ، نحن كـلدان أصلـيـون ، نعتـز بقـوميتنا لأنـها قـومية أصيلة ، ونـعـتـز باور وبابـل ، وبكُـلِّ مناطق العراق حيث كان باكمله خاضعاً للإمبرطورية الكلدانية ، ونعـلم جـيداً أن العراق كُـلـَّه احـتُلَّ مِن قبـل الغـزاة العرب وليس بوسعنا المطالبة باور وبابل لأننا لا نُمـثـل الأكثرية ، ولكننا نطالب بمناطـقنا الآهلة بالسكان الكلدان منذ أن قضى أسلافنا على آشوريي نينوى وغيرها وجعلـوها مُلـكـاً لنا مُشترىً بدمائهم الزكية  . أما أنت وأمثلك فإنـكم جاحـدون ومُتـأوشورون  وأتباع مذلـولـون لمنتحلي الأشورية المعاصرين الذين تنكروا لأمتهم الكلدانية  وباعوا انفسهم للإنكليز الخادعين الذين أذاقـوهم أشدَّ الويلات  .  ثـمَّ أنتم وأسيادكم منحلو الآشورية ، ألم تكن آشور ( شرقاط الحالية ) أول عاصمة ٍ آشورية ، فلماذا لا تُطالبون بها ! وتعيـدون مجد الذين انتحلتم تسميتهم !

أخـيراً ، أقـول لك ولـِمَن هو على شاكلتك ، إنـكم لا تـعتـزون بكنيستنا الكلدانية ، بل لو سنحت لكم الفرصة  لـدَمـَّرتمــوها  . أما أسيادكم مُنتحلو الآشورية  معروف مَوالهم ( بـبـيشوخ كـلـوايـي ولا اوروخ لـعيتا دكـلـدايـي ) .

الشماس كـوركـيس مـردو
في 7 / 4 / 2009

212
الـهَـيَجان والـتــَسـَرُّع في الـحُكـم لا يُجـديان نـفـعاً !

( تصريح المطران الجليل لـويس ساكـو )


بالـتـأكيـد إنَّ الـقـرّاء الكـِرام قد لاحـظوا غيابي عن الكتابة في الـمواقع الألكترونية منذ فترةٍ طـويلة إلا عند ما نـدر مِن المناسبات ، وذلك لإنشغالي في إنجاز كـتابٍ تاريخي . الـمُهم ، لقد تلـقـيت اليوم إتَّصالاً هاتفياً مِن صـديق ٍ لي يُعـاتبني على هذا الغـياب ، وفي ذات الـوقت يُخبرني عن سجال ٍ حامي الـوطاس يـدور بين كـُتّاب شعبنا حـول تصريح أدلى به سيادة المطران لـويس ساكو رئيس أساقفة كـركـوك أصالة ً والموصل نيـابة ً لـوكالة  " أصوات العـراق / بروكسل "  وَصَـفَ فـيه المُطالـبة بالحكم الـذاتي للـمسيحيين قي سهـل نينوى بأنها  " وهـمٌ وفـــَخ "  ومِن شأنـها التـَسَبـُّـب بالـمشاكـل للمسيـحـيـيـيـن .

قبـل كـُلِّ شيء ، إنَّ كـُلَّ انسان حُـرٌ في الإعـلان عن رأيه وعلى الآخر أن يَحترمـَه بغـض النظر عن تـَقـَبـُّلـِه لـه أو لا ، لأنَّ عدم الإحترام للرأي هو انتهاكٌ لحق الآخر ، فالمطران بتصريحـه أعرب عـَمّا يشعر به تـُجاه شعبه ومِن باب الحرص على سلامته باعتباره واحداً مِن رجال كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية البارزين ، ويعلم جيـداً أن ليس مِن شأنه التـَدَخـُّل بالسياسة ، ولكن مِن حَـقـِّه أن يُـنـَبهَ أبـناء شعبه الى الخَطـَر المُحـدق بهم ، ولذلك أرى التصدّيَ له بهجـوم ٍ كتابي لاذع غير مُبَـرَّر ٍ على الإطلاق . لقد اختـلـفت يـوماً مع سيادة المطران ساكو عندما تـَعَلَّق الأمر بالمساس بوحدة كنيستنا الكلدانية ولكنَّ سيادته بالتالي أقـنـعني بأنه مِن أشدِّ المُتـمسكين بـوحدتها والساعين الى اندفاعها بتـَجَـدُّدٍ مُستمر . كما أنـني أختـلف مع سيادته بالشأن القـومي وهذا لا  يُسـوِّغ لي أن أتطاول عليه ، وإنما يحــٌق لي أن أناقـشه باسلـوبٍ علمي وحضاري ، فالإختلاف في الرأي وارد ٌ دوماً ولكنه لا يجب أن يُفسدَ للـوُدِّ قضية كما يُقـال .

إنَّ وَصـفَ سيادة المطران ساكـو المطالبة َ بالحكم الذاتي للمسيحيين  في سهل نينوى شمالي العراق بأنها " وهـمٌ وفــَخ وتضييع للوقت . . . " هـو أدَقَّ وَصف ، وهو نابعٌ عن فكـر ناضـج ٍ لرجـُل ٍ ذي خبرةٍ في الحياة ورصانةٍ في التـفكير ، ولا يُمكـن للإنسان الذي يمتلك مثل هذه المُواصفات أن يكون مدفـوعاً مِن قبل أشخاص أو حزبٍ أو منظمةٍ ، وإذا اقـترح عوض الحكم الذاتي أن يكون للمسيحيين نـوعٌ مِن الإدارة الذاتية في المناطـق التي يُشكلـون فيها الأغلبية ، كأن يكون هناك قائمقام أو مدير ناحية أو مدير مدرسة . . . فليس معنى ذلك أَنَّـه اقتبس ذلك من تـوجهات تـنظيم زوعا، ولماذا لا يكون مِن رؤيته الخاصة وخِبرته الـواسعة ، ثـمَّ وإن كنتُ شخصياً بالضد مِن تـوجهات تنظـيم زوعا والقـومية مِنها بالذات تلك التي في الواقع هي خيالية ومنافية للـحـقـيـقة والـتاريخ ،  فـليس بإمكاني القـول بأنَّ كُـلُّ ما يطرحُـه هذا التنظيم هو سيِّءٌ وضار ، عندذاك سأكون غير مُنصفٍ وهذا ما لا أقـبلـُه لنفسي .

لم يأتِ تصريح المطران اعتباطاً أو من الفـراغ ، وإنما عن رؤيته الصائبة في واقع شعبنا في الوقت الراهن ، حيث يسوده التشرذم وتـُنهـكُه التـفرقة المريرة ، فعندما لا يمتلك الشعب قراراً موحـداً ولا رأياً مشتركاً ولا ينطق بصوت ٍ واحـدٍ ، على أي أساس ٍ وهو على هذه الحال يُطالـب بالحكم الذاتي وبخاصةٍ أنـه يعلم جيداً أن الظروف غير مؤاتية ولا تخدمُه بالمرة . أليس الأجـدر بأبـناء شعـبنا أن يوقـفـوا الحربَ الكلامية الإتهامية لبعضهم البعض التي وصلت بهم الى حـد التـخـوين المُـتـبادَل ! إذا كُـنّا نحـن نسعى الى تهمـيـش بعضنا البعض ، فبأيِّ وجـهٍ نُطالـب غيـرَنا بعـدم تهميشنا وحتى إلغائنا !
لقـد جَسـَّدَت تصريحات المطران الحـقيـقة بأجلى صُـورها ، فكان صريحاً في إبداء رأيه بشكـل ٍ حـُرٍّ وديمقراطي ، ولا سيما أن تصريحاته جاءَت في نطاق مشاركته في المؤتمر الخاص ( بـمستـقـــبـل الأقـلـية الـمسيحـية في الشرق الأوسط ) فكانـت فرصة ً سانـحة لـيُـعـبِّـرَ فـيها عن معاناة شعـبه في العراق وإلـقاء الضوء على ظـروفه الصعـبة ، فهل إن تحـذيرَه من مـغـبة السير في طـريـق غيـر مأمـون العـواقب ، يُـقابل بمثل هذه الإنـتـقادات العـنـيـفة ؟

ليس هناك مَن يُنكر مزايا الحكم الذاتي والحـقـوق التي ستُـجـنى منه ، وليس لأحـدٍ الإعتراض على ذلك ، وإنـَّما الإعتراض مُنـصـبٌّ على أن الظرف الحالي غير مُلائـم لتحـقـيـقه ، فلا بُـدَّ مِن الإنتظار لمراقبة المُستجـدات على الساحة السياسية ، إذ لها دور كبير بمـدى التجاوب لتـحـقيـق هذا المطلـب ، فالأجواء السائـدة في العراق اليـوم هي التي حـدت بسيادة المطران لويس ساكـو ليُـطلق تحذيره الى أبـناء شعبـنا فهى غير مُشجـعة بالكامـل .

إنـنا نـُعـلن أسفـنا لسيادة المطران عـمّا بـَدُر مِن قبل بعض الإخـوان في لحـظات أنـفعال ٍ ، وبالـتأكيد أن صـدره رَحبٌ وقـلـبه مليء بالتسامـح .

الشماس كوركيس مردو
في 29 / 3 / 2009

213
المنبر السياسي / الأكـيـتـو Akitu
« في: 08:55 26/03/2009  »
( الأكـيـتـو Akitu )

الأول مِـن نيسان رأس السنة الـكـلـدانية البابلية
كـُلـَّما اقـترب الأول مِن نيسان ، وكعاعـدتهم في كـُلِّ عام ، يـتبارى العُتاة مِن أحفاد كـلـدان الجبال مُنتحلي الآشورية المُزيَّفة المُعاصرين ، بابـتزاز هذا اليوم الكـلـداني المجيد الذي تـبنـّاهُ الكـلـدان الأوائل سكـّان وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين ( العراق القديم ) منذ 5300 ق . م  كبدايةٍ لإحتفلات سنتهم الجـديدة ، التي كانت تجري باهتمام مُميَّز في كـُلٍّ مِن مُدن كيش واور واوروك وأريدو قبل هجرة السومريين الى الجنـوب 3500 ق .م ، ولدى استقرار السومريين الى جَـنب الكـلـدان ، أضيف احتفالٌ ثان ٍ بمناسبة موسم الخريف " زاكمـوك " ومنذ ذلك الحين بدأ الكـلـدان الأوائل والسومريـون يشتركان في الإحتفال بالعيدَين ( الأكـيـتـو وزاكموك ) حتى انقضاء عهد السومريين عام 2004 ق . م . وكانت تـؤَدّى الطقـوس الإحتفالية لكلا العيـدَين بذات القـوة والأهمية على حَـدٍّ سواء ، وكان لمدينة اور دورٌ بارزٌ في هذه الإحتفالات ، وبخاصةٍ في عـهد سُلالة اور الثالثة وإلـَهـِها " نـَـنار Nannar " . وكانت احتفالات زاكموك تبدأ في الخامس عشر مِن أيلـول مِن كـُلِّ عام ويَـنصَبُّ فيها الإهتمام بشجرة النخلة باعتبارها لديهم أقدس الأشجار ، ثـمَّ تـُمارَسُ شعائر تـَجَـدُّدِ الحياة والخِصـب .

في مطلـع الألف الثاني قبل الميلاد ، تـمكـَّـنـَت إحدى السُلالات العمورية التي تنتمي باصولها الى الكـلـدان الأوائل مِن تأسيس سُلالةٍ حاكمة في بابل ، أطلقت على نفسها " السلالة البابلية الاولى"
وفي عهدها تَطـوَّرَ الإحتـفال برأس السنة  الرافـدية البابلية ( ܪܫ ܫܬܝܡ Resh Shattim )  في الأول مِن نيسان ( الأكيتو ) نظـراً لقـيامها بتـنـظـيـم حياة مواطـني  بـلاد ما بـين النهـرين  دينياً  واجتماعياً  واقتصادياً ،  ومنذ ذلك ، كانت بابل تحتكر لذاتها الأولـوية  في الإحتـفال بعيد  رأس السنة البابلية ( أكيتو )  وكان الإله ( مردوخ ) محـور الإحتـفالات في بابل المدينة الاولى  وفي  بـقية المدن الاخرى .  ولكن بعد أن قام الملك الآشوري سنحاريب في سنة 689 ق . م بتدمير بابل ، امتنع البابليون عن القيام بتلك الإحتفالات الفخمة ،  وأمر سنحاريب بإجراء الإحتفالات بعيد ( أكيتو ) في العاصمة الآشورية ( نينوى )  مُستبعداً الإله ( مردوخ ) عن محور الإحتفالات  ومُعطياً دوره  للإله الأجنبي إله القبائل الشوبارية ( آشور ) . ونتيجةً لهذا العمل الشنيع ثار عليه أهلُ بيته  وجرى اغتيالُه على أيدي إثـنين مِن أولاده . وهكذا سرق الأشوري العاتي سنحاريب " الأكيتـو" مِن أصحابه البابلييين الكـلـدان ، وعلى غِراره يَفعلُ مُنتحلو الآشورية المُعاصرين أحفاد كـلـدان الجبال .

ولدى اعـتلاء أسرحدون العرش الآشوري بعد اغتيال والده سنحاريب ،أعاد لبابل عُمرانها  وللإله ( مردوخ ) مكانـتـَـه  ككـبـير آلهة بـلاد ما بين النهرين ومحور مراسيم الإحتفالات ، وهكـذا عادت أنـظارُ كافة السُكّان ثانية ً تـتطلع نحو بابل العاصمة الرئيسة والرسمية للبلاد  في الأول مِن نيسان مِن كُـلِّ عام ، لتستمتع بتلك الإحتفالات الضخمة والمهيبة التي تُقيمُها الدولة وسط حشودٍ بشرية هائلة  قادمة مِن شتى مناطق البلاد الرافدية .

ويَسُرُّني أن أسرد للقراء الأعزاء مراسيم الإحتفالات بعيـد " الأكيتـو " عيـد السنة الكـلـدانية البابلية نـَقلاً عن كتابي المُزمع طبعـُه قريباً والموسوم ( الكـلـدان والآشوريون عِبرَ القــــــــــــــــرون )


تبدأُ الإحتفالاتُ بعيدِ  ( أكيتو )  في اليوم الأول مِن نيسان ويتواصلُ لمدة إثني عشر يوماً ، ولكُلِّ يوم طقوسٌ احتفالية متنوعة خاصة به ، كانت الطقوس التي تُمارسُ في الأيام الأربعة الاولى تشمُلُ القيامَ بأعمال تطهير النفس بالتكفير عن الذنوب، حيث تُرَنَّمُ التراتيلُ وتُنحرُ الذبائح وتُقرأ الأشعارُ الخاصة بتقديم الشُكر، ولكن لم يكن يُسمَح بالدخول الى معبد ايساكلا المُشيَّد فوق بُرج بابل المدعو(ايتِمناكي ) إلاّ  لكهنة المعبد  لإقامة الصلوات ،  وفي اليوم الرابع يُعلنُ رئيسُ الكهنة ( الشيشكالو Shishgalu )  بدءَ مراسيم الإحتفالات جماهيرياً ،  حيث تُقرأ شِعرياً  اسطورة الخَلق البابلية    ( اينوما إيليش  -  ܐܝܢܘܡܐ ܐܝܠܝܫ Enuma elish ) في الهيكل  مِن قبل  رئيس الكهنة الذي تُحيطُ  به جوقة كبيرة  مِن المُمَثلين والمُمَثِّلات يقومون   باداءِ الأدوار التفصيلية للملحمة .   وفور الإنتهاء  مِن هذه الفعَّالية ، يَتَوَجَّه الملكُ الى معبد إلهِ الكتابة ( نابو Nabu )  بنِ الإله ( مردوخ ) وهنالك  يُقلِّدُه كبيرُ الكهنة صولجانَ الحُكم المُقدَّس ،  وبعد ذلك تبدأ سفرة الملك الى مدينة  ( بورسيبا Borcippa ) البعيدة عن بابل بنحو ( 17 كلم ) وهي مدينة الإله  نابو ،  يُمضي ليلاً واحداً  في معبد إله المدينة الذي يحظى بالتقديس  مِن قبل البابليين وكذلك الآشوريين الذين أفلَحتْ الملكة شميرام الكلدانية الجذور في ترسيخ عبادتِه في دولتها آشور .  وفي ( بيث أكيتو -  بيت السنة الجديدة )  يُعيدُ كبيرُ الكهنة قراءة  اسطورة الخليقة ،  ويُناشدُ الملكُ الإلهَ نابو طالباً مُساعدته لإخراج الإله ( مردوخ ) مِن عالَم الظلام الكوني  .

في اليوم الخامس يبدأ مِشوارُ عودةِ الملك البابلي الى بابل وبصُحبتِه  تمثال الإله ( نابو ) ولدى وصوله الى ( بَوّابة اوراش Urash gate ) في الجانب الجنوبي الشرقي  يُترَكُ  التمثالُ هناك ، ويتوَجَّه الملك نحو بَوّابة  معبد الايساكلا ،  وعند مدخل البوابة يستقبلُه  كبيرُ الكهنة حيث يقوم بتجريدِه مِن شارات الأُبَّهة الملكية ( التاج والحلقة والسيف )  ويطلب منه الوقوف أمامَ تمثال الإله ، ثمَّ يبدأ بالضرب  على خَدَّيه  ويُباركُه ، بينما يكونُ الملكُ يتلو اعترافاً بكونِه بريئاً وباراً ولم يرتكب خطايا وذنوباً ويُنهي الإعترافَ بقولِه : " يا سيد البُلدان إني لم أرتكِب خطيئة "  ،  وبعدئذٍ  يقوم الكاهن الأعلى بمخاطبة الملك باسم الإله وبصوتٍ جهوري قائلاً : إنَّ مطلبَكَ وتوَسُّلَكَ قد سُمِعا ونالا قبولاً لدى الإله ، ولذلكَ فإن سُلطانَكَ وسؤددَكَ على الشعب وعلى البلاد سيثبُتان ويَتوَسَّعان ، ثمَّ يُعيدُ للملك شاراتِه الملكية بعد تطهيرها بالماء المقدس ، وللمرة الثانية يضربُه على خَدِّه فإذا أدمَعَتْ عينا الملك فتلك علامة أو رمزٌ أو آية فألٍ وطالعٍ سعيد لسنةٍ جديدةٍ مُتمَيِّزةٍ بغزارة المطر وخِصبِ الأرض وامتلاء الأشجار بالأثمار ووفرةِ الغِلال .

بموجب هذه الطقوس الإحتفالية العجيبة والمُذهلة ، كان يُجعَلُ مِن الملك شخصاً مُنَزَّهاً مِن كُلِّ إثمٍ وشائبة ، ويُجَدَّدُ سُلطانُه كميلادٍ جديدٍ للكون ومُنَظِّم لأحداث السنة الجديدة القادمة ، وفي عصر هذا اليوم الخامس يقوم الملكُ بِرفقة كبير الكهنة ليرعى فعالية مادتُها ثورٌ وحشي أبيض اللون ،  وفي هذه الأثناء ينتابُ الهيجانُ جموعَ الشعب فيزدادُ الشغبُ  والإضطراب  وبخاصةٍ  لدى تَوَغُّل عربة الإله ( مردوخ ) في الشوارع مِن دون سائق ، الأمر الذي يُمَثِّل دليلاً على الفوضى والظلمة التي كانت تسود الكون قبل أن يقوم الإله ( مردوخ ) بتنظيمه .   وفي غضون ذلك كانت الجموعُ تطوفُ بإرتباكٍ مُفعَمة بالحُزن والتوبة ، تُهَروِلُ يميناً وشمالاً يخنقها البكاءُ والزفرات وتتخللُها أصواتٌ مُجَلجِلة وعينُها شاخصة نحو الزَقورة حيث قبر الإله ( مردوخ ) المُحتجَز في العالَم السُفلي المُكتَنَف بظلام دامس والمُغَطى بالغبار والتُراب ، وهو ينتظر أن يأتيه عَونٌ ونجدة بفضل جهود الشعب والآلهة الاخرى .

اليوم السادس مِن نيسان كان مليئاً بالأَمَل والرجاء ، تَخرُجُ فيه الجموعُ وتصطفُّ على ضِفاف النهر لتُشاهدَ وصول تماثيل الآلهة الأصنام الصابرة والقادمة لنجدة كبير الآلهة ( مردوخ ) الأسير ، آلهة المدن التي كانت مُحَمَّلة على مَتن السُفُن المقدسة السالكة عِبر النهر الآتية الى الميناء  مِن مدن نُفَّر واوروك واور وسُبّار وكوثا  وبقية المدن الاخرى،  وكان مِن بين هذه الآلهة القادمة  الإله ( نابو ) بن إله الحق ( مردوخ ) ذو الشهرة والأولوية بين تلك الآلهة ، الساكن في ( بورسيبا ) وقد قَدِمَ لغرض إنقاذ والده الإله ( مردوخ ) إذ كان حضورُه جوهرياً لأداء دور الآمر والمُرشد على رأس كوكبة مِن الآلهة  في انطلاقةٍ مُظفرة مُنظمة على طريق النهر. وكان الملك بذاتِه يتهَيّأ لتقديم ذبيحة الدم .

في اليوم السابع يجري تنظيف تمثال كبير الآلهة ( مردوخ ) ويُدَثَّر بلباسٍ جديد وكذلك يُفعَل للآلهة الاخرى ، بعد ذلك يتوَجَّه الإله ( نابو ) لزيارة إله الحرب ( نِنورتا Ninorta ) في معبدِه ، وهنالك يتفقان على قتال أكبر إلهين مِن آلهة الظلام فينتصران عليهما ، ثمَّ يحملُ الكهنة تمثاليهما ويذهبوا بهما الى معبد الايساكلا ويضعوهما الى جانب تمثال كبير الآلهة  . وفي اليوم الثامن الذي كان يوماً عظيماً ، حيث  يتمكن كبير الآلهة ( مردوخ ) مِن تحرير ذاته والإنبعاث مِن مِن جديد، فتتضاعف الإحتفالات حِدة وتصلُ ذروتها لدي قيام الملك البابلي بالدخول الى مثوى كبير الآلهة ويُبادر للإمسك بيده وجَلبِه الى  باحة ايساكلا الرئيسية ، فتتقدم كُلُّ الآلهة التي قد تَمَّ إخراجُها مِن غرَفِها نحو إله بابل الرسمي الإله الأسمى لبلاد ما بين النهرين ، لتقديم ولائها المُطلق له ومَنحه السُلطة المُطلقة مُعترفة بأولويته عليها جميعاً ومُردِّدَة أسماءَه الخمسين المُركَّبة ، وكانت تلك اللحظات توجِبُ على الجموع التحلِّيَ بالصمت والهدوء وقتَ امتزاج الحزن والألم مع حلول البهجة والفرح .

في اليوم التاسع مِن نيسان يقوم الملك البابلي بقيادة مركبة الإله ( مردوخ ) المُوشّاة بالذهب والفضة تَتبَعُها عربات الآلهة الاخرى مُشكِّلة موكباً جميلاً ومُنسَّقاً وهي تخترق شارع الموكِب متوجِّهة صَوبَ النهر ، يصحَبُها مجموعات مِن المُغَنين والموسيقيين ينشدون ويعزفون ، بينما كانت الجموعُ تؤَدي فريضة التَعَبُّد بالركوع أمام الموكب عند مروره بجوارهم ، وبعد تطوافٍ غير قصير على ضِفاف الفرات يُغادرُ الموكب بابل الى معبد ( بيت أكيتو ) الواقع في بُستان كثيفٍ بالزهور وأنواع النباتات والأشجار ،  حيث يُعطي الملكُ إشارة لتبدأ فرقة الإنشاد بترتيل الأناشيد الطقسية بضمنها تلك الخاصة بإلهة الخصب والحرب ( عشتار ) الى جانب تلك المُخصَّصة للإله ( أيا )  والد الإله ( مردوخ ) ، أما الترتيلة الأخيرة فتتضمَّن جواباً لسؤال الآلهة عن السبب المُبَرِّر لتركِهم معابدَهم ، وكان الجواب  " ضرورة مُشاركتِهم كبير الآلهة ( مردوخ ) بهذه المناسبة الوطنية الهامة .

في ليلة اليوم العاشر مِن نيسان ووفقَ هذا التنسيق المُنَظم تجري مراسيم الزواج المُقدس للإله مردوخ والإلهة عشتار في هيكل ايساكلا أو في الزقورة أو في مقصورة الكاهنة الكُبرى التي يُطلق عليها ( كاكوم Gagum ) . أما في اليوم الحادي عشر فتُدعى الآلهة بأجمعِها الى اجتماع عام لإقرار الوعود التي قطعتها لكبير الآلهة ( مردوخ ) يوم الثامن مِن نيسان ،  وفي اليوم الثني عشر والأخير تحضر كافة الآلهة المُشاركة الى معبد ايساكلا  ويبدأ ترديد الأدعية والتمنيات ليكون العام الجديد مليئاً بالخيرات . وفي ختام هذه الإحتفالات تُقام مأدبة فخمة لكافة سُكّان بابل والقادمين مِن المدن الرافدية الاخرى تتخللُها الموسيقى والأناشيد . ثمَّ يبدأ الكهنة بنقل آلهتهم الى معابدها التي جُلبوا مِنها  وتبدأ الحياة بالعودة الى مجراها الإعتيادي ثانية .

الشماس كوركيس مردو

في 26 / 3 / 2009

214

في ذكرى استشهاد المطران فرج بولس رحو

اليوم الرابع عشر مِن آذار 2009 تـَمُرُّ الذكرى الاولى لإستشهاد المطران فرج بولس رحو ، فـفي مثـل هذا اليوم مِن العام لمنصرم هَـوى هذا الشهيد البريء مقتـولاً غدراً وغيلة ً، اغتالته زمرة الإثم والإجرام ، ومن قبله وأمام ناظريه قتلوا وبدم ٍ باردٍ ثلاثة من مـُرافقيه المأسوف على شبابهم فارس ورامي وسمير ، يا لبشاعة الجريمتين وقساوة قلـوب الجـُناة الخالية من الرحمة ، لقد رَنَّ صداهما عالياً في آذان المؤمنين في العراق وفي العالَم أجمع فأدمى قلـوبَهم . رَجُـلُ دين مُسالم ، رائدٌ مِن رُوّاد الكنيسة ، ماذا كانت جريمتـُه يا تـُرى ؟ هل الدعوة الى السلام والمحية بين الإخوة مُـواطـني بلـده العراق وتذكيره إياهم بالأخوَّة والعيش المشترك يُعتبران جـُرماً يُعاقـَبَ عليه بالمـوت ؟ يا لفظاعة الإرهاب ورعـونة الإرهابيين .

لقد فصلك الموتُ عـنا جسدياً أما روحياً فأنت بـينـنا بأفكارك وأعمالك ، نتــَذكـَّر ولـَن نـنـسى اهتماماتك بالتخـفـيـف عن معاناة الـفـقراء والـيتامى والمُعـوزين ، فـبحـقٍّ مَثـَّـلتَ دورَ الأب الحاني لهـؤلاء البائسين ، وكَم تسابقتَ الى حـَلِّ المنازعات بين أبناء الموصل مدينتك العزيزة المُسلمين مِنهم قبل المسيحيين ، إذ لم يخطر ببالك يوماً التمييز بينهم .

على هامش الذكرى الأليمة

( محنة المسيحيين المُزمنة )

عانى المسيحيون في الأيام الخوالي وما زالوا اكثيرَ من الضيم والشدة والقهر فاقت كُـلَّ التصـورات وأخطأت فيها كُـلَّ الحسابات ، بسبب تطاحن المتـورطين في مِحنتهم من الداخل والخارج ، وتشابك أجندات مصالحهم ، فأمعنوا في حبك الدسائس ضِـدَّهم مُعلنين عليهم هجمة ً شرسة ومشبـوهة . ليست المحنة جـديدة ً على المسيحيين فقـد سبقـتها شابهاتٌ لها عـديدة عبر الزمن الماضي منـذ احتـلال الأغراب لأرض بلدهم هذا . أما أجندة اليوم فلا يُمكن أن يًصـدَّق المسيحيون بأن تكون من نِتاج أفكار المُسلمين العراقيين ولا من تخـطيطـهم وتنفيذهم ، بل إنها إملاءات من الجهات الخارجية التي تدعم كُـلٌّ مِنها الفئة التي تُلـبي مطامحها ومصالحها على حساب الشعب العراقي كَـكُـل .

لا يُمكن القـول بأن الأعمال الإرهابية إقـتصرت على المسيحيين والمنـدائيين واليزيـديين فحسب ، بل شملت كُـلَّ العراقـيين بدون استثناء ، ولكنها كانت أشدَّ قسوة ً ومرارة عـليهم ، لكـونهـم الرقـم الأضعف في المُعادلة السياسية ، فجعلوا منهم وقـوداً لنار صراعاتهم الطائفية والفئوية والعرقية ومن دون أن يكون لهم فيها لا ناقة ولا جمل . تجاهلـتهم كُتـَل المحاصصة السياسية وهَمـَّشـَتهم من أبسط حقـوق المُـواطـنة كحرمانهم من الإنخراط في وظائف الـدولة السياديـة وفي غـيرها من الـمواقـع الاخرى حتى البسيـطة منها ، لا بل عَـمِلـَت بعضُها وبدعم ٍ من المُحتل الأمريكي على تـَذويـبهم باستخدامها كُـلِّ السُّبُـل والحجج من أجل دَمجهم بالمكونات الأكبر ذات الثقل السياسي البارز . وقد أعطى ترسيخ ُ المُحتـل الأمريكي الـنعرة الطائفـية في كُـلِّ تفاصيل الحياة العراقية دافعاً قـوياً لبعض الكُتـَل الفئوية الكبيرة للتشَبـُّث بسياسة المحاصصة الطائفية البغيضة وراحت تـتبجـح بالنصر الذي أحرزته بفضل المُحتل الأمريكي ، حيث استغلـَّته لتحقـيق مآربها العرقية والمذهبية الضيِّقة متـذرِّعة ً بأنها هي أيضاً قد طالها تمييز عرقي ومذهبي في عـهودٍ سابقة .

منذ بروز الإسلام قبل ما يزيد على أربعة عشر قرناً ، قام قادة أتباعه بجعل النصارى أي المسيحيين < أهـل ذِمـة > فـتعرَّضوا بسبب ذلك الى تداعـياتٍ شرعية إسلامية مُجحـفة بحقـِّهم قد سجَّـلها التاريخ ولست هنا بصدد الدخول الى تفاصيلها ، وإنَّ ما أودُّ الوصول إليه هو الحقيقة التي لا يُمكن التغاضي عنها في ظِـلَّ الفوضى السياسية القائمة على كُـلِّ الصُعُد المحلية والإقليمية والـدولية . منذ العهـد الفارسي الساساني تعرَّضت الحضارة المسيحية قـومياً ودينياً في بعض الفترات للإضطهاد ، وبعد ظهور الإسلام وقيام دولته الأموية ثمَّ العباسية وبسبب حاجـتهما الماسة للإنفتاح على الحضارة العالمية آنذاك لم يكن لهما سوى الإستعانة بالمسيحيين أصحاب الحضارة والعِـلم والمعرفة في مختـلف الميادين ، فـشمـَّرَ العـلماء والأدباء والأطباء المسيحيـون عن ساعـد الجـد لخلـق حضارةٍ عربية زاهرة ونجـحوا بذلك نجاحاً باهراً رغم تعرُّضهم للإضطهادات في كثير من الأحيان . أما الغزاة المغـول فقد صارعوا بعنفٍ بعد اعتناقهم الإسلام الحضارة المسيحية وأهلـَها ، وتلاهم العثمانيون السفاحون الجهلة ، فأذاقـوا المسيحيين مُرَّ العذاب فقد بَـزّوا بعنفهم المغـول التـتار ، ومن الصعب وصف ما تعرَّضَ له المسيحيون على أيدي الهمجيين العثمانيين في الحقبة الفاصلة بين الحَربَين العالميتين من قتـل ٍ وتـَنكيل وتـدمير وتهجير .

وما يحدث اليـوم ولا سيما بعد سقـوط النظام السابق في نيسان عام 2003 بحـقِّ المسيحـيين المُكَـوَّن العراقي الأصيـل ، ليس بعـيداً عن إرادة ورغـبة عناصر الشر في استـئصالهم وبكُـلَّ الوسائل الممكنة من قتل ٍ وأسلمة ٍ وتهـديد ، ونتيجة ً لهذا الوضع المشحـون بالتعصُّب القـومي والتشدُّد الديني الأصولي ، اضطرَّ مئاتُ الآلاف منهم للهجرة من مناطق سكنهم في المدن الرئـيسية الى اقليم كردستان والى الدول المجاورة طلباً للأمان ، ولا زالت قِـوى الشر تسعى للنيل من ثقافة العراق المتبقية تلك التي رسَّخها المسيحيون عبر الأجيال مِن خلال ثـقافاتٍ سادت العالم ولم يبـقَ منهم إلا عدد قليل لا يتعـدّى المليون . وفي معرض حديثـنا عن أساليب التهجير القسري بعد انهيار النظام الفاشي عام2003 علينا أن لا ننسى أو نتغافل عن حقيقةٍ أخرى هي تفـرُّد النظام البعثي الشوفـيني باضطهاد المسيحيين عن طريق استغلال واقـعهم القـومي والديني وحالتهم الخاصة سعياً لتنفيذ مآربه المعلنة مِنها والمُستـترة ، فـفي حين استغـلت شرائح محـدودة من الشعـب العراقي مُمارسات النظام الإنتقائية الخالية من الحكمة واستـطاعت من خلالها نيلَ المكاسب والفوائـد ، تعرَّضـت الغالبـية العظمى الى أضرار كبـيرة ومن هذه الغالـبية المسيحيـون الذين قـُيـِّدت حُرية عـملهم وحُـدِّدَت أنشطتهم وخاصة  بعد إطلاق ما سُمِّيَت بالحملة الإيمانية في سنة 1991 حيث أتخـذت إجراءات مُجحفة وتهـوُّرية وتطاولية بحـق أتباع الديانات غير المسلمة عموماً والمسيحيين خصوصاً ، ومنها على سبيل المثال قطع أرزاق البعض بغلـق مطاعمهم وباراتهم وتحديد ساعات فتح وغلق محلات بيع الخمور . بيد أنَّ الذي حدث ولا زال يحدث بعد زوال ذلك النظام قد تعـدَّى تلك الممارسات الجائرة بأضعاف ، إذ يكفي بروز تياراتٍ إسلامية مذهبية ذات تـوَجُّهٍ سلفي متشَدِّد واخرى عِرقية وقـومية ضيِّـقة الافـق ، دخلت في صراعاتٍ مع بعضها البعض ، مُتـزايدة ً على أجنداتٍ اقليمية مُـوَفـرة ً لها أثمن فرصة لتنفيذ مُخطـطِها الجهنـَّمي وتحقيق هدفها الخفي بتصفية المُكَـوَّن المسيحي الأصيل بشكـل ٍ خاص .

وبمُناسبة مرور سنةٍ على أحداث الموصل المؤلمة والتي بَـدت للجميع حملة ً تهجيرية قسرية مُنظمة واضطهاداً مُبرمجاً عِرقياً ودينياً لعموم أبناء الشعب المسيحي في الموصل وبمختلف انتمآتهم القـومية والمذهبية مِن كـلدان ٍ وسِريان وآثوريين وأرمن ، لم تُعرف لحد الآن الجهة أو الجهات التي كانت وراء تلك الأحداث ولا الدوافع لها . ولكن من خلال الكثير مِمّا سمعناه وقرأناه تـوفـَّرت لدينا آراء ووُجهات نظر متباينة تبعاً لإختلاف المُحللين قد يُتـَّفق مع بعضها ويُختـَلـَف مع البعض الآخر ، ومع ذلك سنُحاول الإدلاء بدلونا وبمنتهى الحيادية .  في منطقة سهل نينوى تبلورت مُناداة علنية مِن قبل المُكـوَّن المسيحي بمختلف انتمآت أبنائه القـومية والمذهبية للمُطالبة في الحكم الذاتي أو الإدارة اللامركزية يضمُنـُها الدستور وتُـوافق عليها جميع الكُتـَل المشاركة في العملية السياسية ويُباركُها الطرف المحتـل ، ويظهر أن هنالك أجندة خارجية لديها مُخَطـطـ ٌ مدروس ، تسعى من خلاله الى تغييب المُكـونات القليلة العدد وهي الأقليات الدينية والقـومية خشية ً مِنها لِئَلا تُصبح عائقاً أمام طموح المكونات المتنفـذة في الساحة السياسية والمُستأثرة بالسلطة عن طريق المساومات السياسية فيما بينها ، فرأت في هذه المطالبة تحدياً لنفوذها وانتقاصاً من هيمنتها فحرَّكت زبانيتها لإجهاض الوليد قبل أن يكتمل ، وما يؤكد هذا التحرُّك هو تزامُنـُه مع  قرار مجلس النواب بالغاء المادة 50 من قانون انتخاب مجالس المحافظات بحجج ٍ واهية وبضغطـٍ من الكُتل المتنفـذة . إنه سلوكٌ غير حضاري وغير ديمقراطي بل تآمري واضح .

ليس هنالك حَـلٌّ عادلٌ إلا بالتلاحم الوطني والتأكيد بشدة وبالإجماع على < احترام حقـوق المواطنة بالكامل > يكفـلها دستور مُعـدَّل ، إنه السبيل الوحيد والأمثل لحـلِّ كُـلِّ هذه الإشكاليات القائمة . إننا معشر المسيحيين بكُل انتمآتنا المذهبية ، نعلم مقدار حجمنا ، وبطبيعة تكويننا الديني والقـومي معاً ، نحمل شعار المحبة التي أوصانا بها المسيح له المجد ، ولذلك فنحن نُحبُّ الوطن ونحب الجار ونحب كُـلَّ إنسان ٍ في الوطن والعالم مهما كان دينـُه أو لونـُه أو عِرقـُه أو مذهبـُه ، كما لا نسعى الى السُلطة والجاه والمال إلا على قدر استحقاقنا .

نرجو أن تتحمل الدولة مسؤوليتها وتبذل الجهد المطلوب لردع الأعمال الإجرامية والحيلولة دون تكرارها ، وبذلك تزداد ثقة الشعب بها وتتعزَّز الوحدة الوطنية ، وفي هذه الحال ستشعر كافة مكونات الشعب بالراحة والطمأنينة ولا سيما الأقليات مِنها ، وتـَعُـد نفسها بأنها أحد العناصر في بناء العراق العظيم .

الشماس كوركيس مردو
في 14 / 3 / 2009

215

وعلى نفسها جـَنـَت بُراقـش !

هنالك بعضُ مَن يتهم قياداتـِنا الدينية المسيحية وأحزابـَـنا السياسية بأنهم السببُ في ضياع حقوقنا ، وفي ذلك شيءٌ مِن الحقيقة وليس كُـلـُّها ، فلو أنَّ تنظيماتـِنا السياسية تجـنـَّبت التناحُرَ فيما بينها ، وسعىَ بعضُها الى فرض إرادته وأجندتـِه على بقية مُنافسيه ، وأعني به التنظيم السياسي الآثوري ( زوعا ) حيث حاول احتواءَ كافة تنظيمات شعبنا الأخرى ولا سيما التنظيمات الكلدانية وإخضاعها للراية الآثورية المُزوَّرة وبمباركة مِن الكنيسة النسطورية العنصرية ، لـَما تدخـَّلت القيادات الدينية الكـلدانية ، بل لتركت لهذه التنظيمات الدفاعَ عن شعبها ، ولكن إزاء هذه المُحاولات الرعناء ، لم يكن أمامها إلا التصدّي والوقـوف بحزم ٍأمام هذا التـوجـُّه الخبـيث . أفـليس غبطة البطريرك الكلداني مار عمانـوئيل الثالـث دلي مُحقـاً في قـوله : ليس بإمكان الكـلداني أن يكون آثـورياً ولا بإمكان الآثوري ( مُدَّعي الآشورية) أن يكون كـلدانياً ! وهو الواقع الفعلي والملموس ، ولذلك فالقـومية الكـلدانية غير قابلة للإحتواء ولا يجوز إضافة أسم آخر عليها لأنها هوية آبائنا وأجدادنا التاريخية المُمَيَّزة والمُستقلة وقد تـمَّ تثبيتـُها في الدستور العراقي، وعلى الأقلية الآثورية بكُـلِّ تنظيماتها وأحزابها الشوفينية والتي لا تتناسب بأي شكل مِن الأشكال وتـَعدادها الضئيل تَجنـُّب الجناية على نفسها وعلى الآخرين ومُراجعة مواقفها العنصرية والإعتراف بالواقع الموضوعي ، واضعة ً في حسابها بأن الكـلدان قوم أُصلاء ومحاولة النيل مِن أصالتهم بعيد المنال .

إننا نرى الشعب العربي الكبير العدد والواسع المساحة والمُشترك بمقوِّماتٍ قومية واحدة كالتسمية واللغة والدين ، ورغم كُـلِّ هذه القواسم المُشتركة لم يستطع توحيد بلدانه المتـفرِّقة ، ولا هذه البلدان إتـَّفـقـت يوماً على الصعيد الإقتصادي أو السياسي أو الإجتماعي ، حيث لكُـلٍّ مِنها خصوصياته التي تحول دون ذلك بالرغم مِن العوامل التي ذكرناها، فلماذا يجب علينا نحن الكلدان أن نرضخ لـِرغبات مَن هم دوننا عدداً وثقافة وعلماً وثراءً ، ولا سيما أنهم يـدَّعون اخـوَّتـَنا بالظاهر المُخادع ، وفي داخلهم يكُنون لنا الحقد والكراهية ، ويسعون الى إلغاء هويتنا .

لقد جعلوا مِن الشعب المسيحي العراقي مهزلة أمام بقية أطياف الشعب العراقي الاخرى وأفسحوا المجال لهم ليسخروا مِنّا ويُنكروا تسمياتنا القومية التاريخية ، وينعتوننا باسمنا الديني(المسيحيين ) فالعرب يُسمّونـنا " بالمسيحيين العرب " والأكراد يدعـوننا " بالمسيحيين الأكراد "، ولهم الحقَّ في ذلك حيث يقـولون ، تُرى ، بماذا نسمّـيـكم ؟  وهذا ما قاله رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني لدى ترحيبه بوفدٍ مِن أبناء الشعب المسيحي في واشنطن ، كما أن رئيس وزراء الإقليم نيجرفان البرزاني نعت مسيحيي الموصل بالمسيحيين الأكراد . مَن خلق هذه البلبلة سوى( البُراقش ) الأقلية الآثورية دُعاة الآشورية !

العالَم عموماً والعراقيون بشكل خاص ، يعرفوننا بتسمياتنا القومية "الكـلدان والسريان والآثوريين" وهي تسميات تاريخية ورثناها عن أسلافـنا الى جانـب ما أورثـوه لنا مِن دين ٍ ولغةٍ وتراث اجتماعي وثقافي ، لكنَّ الآقلية الآثورية وعن طريق أحزابها الشوفينية العنصرية وفي مقدمتها (الحركة اللاديمقرطية " زوعا " ) وشرذمةٍ مِن كُـتّابها ، أرادوا تشويه التاريخ عمداً وإعادة كتابته بحسب أهوائهم متحَجـِّجين بإقامة وحدةٍ حسب مزاجهم وتحت تسميتهم الآثورية التي حـَوَّروها الى " الآشورية " في العقود المتأخرة مِن القرن العشرين المنصرم ، وعندما اصطدمت هذه الفكرة الجهنمية بمعارضةٍ كلدانية وسريانية شديدة ، تراجع التنظيم الشوفيني " زوعا " عن مشروعه الخبيث ، ودعا الى الاسم الثنائي المركَّب ( الكـلدو آشوري ) في حين تشبَّـث هو باسمه المزيَّف الآشوري دون تعديل ودون تغيير مساره الآشوري المُبرمج ، وقد استهجن الكلدان هذا الاسم المُصطنع ، فعمد التنظيم العنصري ( زوعا ) للترويج لإسم ٍ ثلاثيِّ التركيب ( كـلدو آشوري سرياني ) مُتوخياً إشراك السريان لعلـَّه يُفلح في مسعاه الإحتوائي في الوقت الذي يحتفظ هو باسمه الآشوري الذي لا يتنازل عنه قيد أُنملة .

إنَّ هذا التخبـُّط الذي مارسه تنظيم زوعا ، أربك العراقيَّ المقابل العربي والكردي والتركماني وغيره ، حيث اختلط على الأخير بأيِّ اسم يُنادي الإنسان المسيحي ، وماذا يقول له الشخص المسيحي إذا سأله مَن أنت ؟ هل يقول له " أنا كـلدو آشوري سرياني " وماذا يكون رد فعل السائل غير الإنذهال والتساؤل ! إنَّه اسم غريب لا مثيل له في العالم لا يُمكن هضمُه والقبول به ، ولذلك فأنا لا أناديك إلا باسمك الديني المسيحي فقط  . هذه هي النتيجة الحتمية لهذا التخـبُّط العشوائي ! فالإنسان المسيحي هو السبب في إلغاء اسمه القومي ، وقدَّمَ الذريعة للآخر الذي كان يسعى إليها ليناديه باسمه الديني ، " وهكذا جنت على نفسها بُرقش " .

أما الحقيقة الناصعة ، فإننا في الواقع " كـلدان وسريان وآثوريون " وليس هنالك قوة على الإطلاق تستطيع تغيير هذه الحقيقة أو تشويهها ، وإنَّ كـلَّ مُحاولة بهذا المنحى سيكون مصيرها الفشل ، ولذلك علينا التركيز على أن يحتفظ كُـلُّ مِنـّا بهويته القومية  وإبرازها بشكل جلي وصريح ، وعلى المُقابل أن يُقـِرَّ بها ويحترمها كما وردت في الدستور الفدرالي وهكذا نُريدها أن تُدرج في دستور اقليم كردستان العراق ( الكلدان والسريان والآثوريون ) كتسمياتٍ قومية وليس كالتسمية المُدرجة حالياً ( الكلدان السريان الآشوريون ) التي تختلط على الفهم وتُلغي قومية المُطلقة عليهم بالكامل .
إننا نُهيبُ بالسيد سركيس أغاجان أن يُعيدَ النظرَ في قراره الذي احترمه برلمان الإقليم وألغى بموجبه تسمياتنا القومية في مسودة الدستور مُستبدلاً إياها بتسمية منظمتية ( كلدان سريان آشوريون ) . إنـَّه إجراء غير صحيح وغير عادل . نطالب بإدراج تسمياتنا القومية كما وردت في الدستور الفدرالي المادة 125 الكلدانية والآشورية ويُضاف إليها السريانية . مع الشكر والتقدير

الشماس كوركيس مردو
في 29 / 11 / 2008

216
كـفاك َجـعـجـة ً فارغة يا يونادم كَـنا

كان للقرار الجائر لبرلمان العراق الصادر في 24 أيلول 2008 بإلغاء المادة " 50 " مِن قانون مجالس المحافظات ، وقـعٌ أليم على شعبنا الكلداني والسرياني والآثوري ، فسارعت أحزابُه ومنظماتُه القومية في الداخل والخارج الى شجب القرار والتنديد بأعضاء البرلمان الذين كشفوا عن عدائهم السافر له ، ولكلِّ المكونات العراقية الاخرى الأصيلة والقليلة العدد ، وكانوا العنصر المُساعد للإرهاب الذي سـعى الى تهجير عددٍ كبير مِنهم قسراً ، وذلك بسكوتهم وعدم الإهتمام بحمايتهم التي هي مِن صلب واجباتهم ، وكان السكوت مُتـَعـمَّداً للتقليل مِن عددهم .

في كُلِّ ما حصل لشعبنا مِن مُعاناةٍ وتهميش ، ماذا فعلتَ لشعبنا يا يونادم مِن موقعكَ التبجُّحي كممثل ٍ له في البرلمان ؟ ماذا قّـَدَّمتَ للتخفـيـف مِن وطأة المصائـب التي حلَّـت به سوى التـصريحات الجوفاء التي لا طائل مِن ورائها ؟ كم تباهيتَ وطبّلتَ وزّمَّرتَ بأنك الممثِّل الوحيد لشعبنا واتهمتَ الممثّـلَ الآخر زميلك الكلداني أبلحد أفرام بأنه يُمثِّل الأكراد ! أين كُنتَ يا مُحتكِر التمثيل المسيحي لذاتك قبل فترة إلغاء المادة  " 50 " وبعدها ؟ ماذا كان دورُكَ ؟ ألا يدل ذلك على العجز في الاداء ؟ أيُّ مُكتـَسبٍ جناه شعبنا بفضل تمثيلكَ له ؟ أين أنتم مِن المواقف المبدئية الجريئة التي تقتضي منكم التضحية في سبيل شعبكم ؟ إذا وجدتم الخذلان في البرلمان ، ما فائدة البقاء فيه ؟ أعتقد أن ما يدعوكم الى عدم الإنسحاب هو الخوف مِن فـقـدان المصالح الشخصية لا غير !

لماذا ثارت ثائرتُك لتدخـُّل سفير الفاتيكان لدى مجلس الرئاسة العراقي لكي يُعـبِّـرَ عن موقـفه ويُحاورَ مِن أجـل ردِّ الحق المسيحي المُصادَر ظـُلماً ، أليس ذلك تعبـيراً عن حِقدكَ وعِـدائكَ لكُـلِّ ما هو كاثوليكي  ! لو تدخـَّل ممـثلُ الكـنيسة الأنكـليكانية المُمثٍلة الروحية للنساطرة وأنت واحـدٌ منهم ، هل كنـتَ قد عـبَّرتَ عن سُخطـِكَ ؟ يا لكَ مِن عنصريٍّ لا تُضاهى ! لقد زرعتَ الفـرقة بين أبناء الشعب المسيحي منذ تأسيس الحركة العنصرية الشوفـيـنية ( زوعا ) المشؤومةِ والسيـئةِ الصيت . لقد كانـت ولا زالـت أداة ً لـنشر الحقـد والكراهية في صفـوف هذا الشعب المغـلـوب على أمره . لقد كان استفرادك الديكـتاتـوري بزعامة هذه العصابة لكي تستمرَّ بالتآمر على الكلدان مِن إلغاء دورهم القومي ، ورغم الفشل الذريع الذي باءَت به جهودُك الشريرة ، إلا أنك لم ترعوي ولا زلتَ ماضياً في غـِيِّك ، كـفاكّ جعجعة ً فلن تحصل على طحين مهما تماديت .

لقد تسلـَّطـَت على البرلمان العراقي كُتـَلٌ سياسية عنصرية ومذهبية شوفينية ذاتُ ارتباط ٍ خارجي قوي ، تـُعطي ولاءً لهذا الإرتباط أكـثر مِن ولائها للعـراق لأنها غير مُخلصة لتربته ، لإنتمائها الى غـُزاته ، فكيف تُعيرُ اهتماماً لمُكوِّناته الأصيلة مِن الكلدان والسريان والآثوريين والأقليات الأخرى ، لذا نراها تسعى بكُـلِّ السبل لسلبـهم ديارَهم وحضارتـَهم وتاريخـَهم ناهيـك عن طمس حقـوقهم بدون خـجـل . إنهم وراء خطـةٍ مُبرمجةٍ لتهجير وقتل المسيحيين العراقيين ، والدليل هو صمتـُهم المُطبق عما ترتكبُه الجماعاتُ الإسلامية المتطرفة المدعومة مِن الجهات الخارجية ، هدفها إفراغ المسيحيين ليس مِن العراق فقط ، بل مِن عموم الشرق الأوسط ، وقد بدأوها في العراق لأن الساحة مفتوحة ٌ أمامهم لإنعدام أدوات الردع الفاعلة كالجيش والشرطة ، وليست هناك حكومة قادرة لتوفير الحماية ، وفرض سيطرةٍ مُحكمة على البلاد .

إنَّها مؤامرة اقليمية إسلامية تُحاك في الخفاء لإجتثاث المسيحيين مِن ديارهم الأصلية ، ولولا ذلك ، إذاً بماذا تُفسَّر هذه الهجمة الشرسة ضِدَّهم ؟ إن المسيحيين مواطنون أصليون ، لا طموحَ لهم في السياسة ولا رغبة في الحكم ، أليس غريباً أن يُستـَهـدفون ؟ على الدول الإسلامية في هذه المنطقة أن تُدرك الحقيقة ، بأن خلـُوَّ المسيحيين مِنها سيُمثـِّلُ خسارة فادحة لهم . صحيحٌ أنَّ عددنا قليل  ، لكن ثقلنا كبير مِن حيث الثراء الثقافي والعلمي والفكري والتقني والأخلاقي والإجتماعي ، وليس بامكان أحدٍ إغفال دورنا الريادي تاريخياً في بناء هذه الديار والإرتقاء بها حضارياٌ .

إن لـومَـنا لممثـلـَينا البرلمانيـَين الوحيـدَين يأتي مِن عدم شعورهما بمدى وطأة الأحداث التي تُحدقُ بشعبنا ، حيث يُحاولان تخديرَه بتصريحاتٍ تـنِمُّ عن التهديد بالإنسحاب ولكنَّهما لا يفعلان بينما فعل ذلك الآخرون مثل الكتلة الصدرية وحزب الفضيلة وجبهة التوافق . . . إنكما تُمثـِّلان شعبـَـنا ، عـليكما أن تُقـرنا أقوالكما بالأفعال لتستعيـدا ثـقـتـَه المهزوزة بكما   ، ماذا يـنفعُ وجـودُكما تحـت قـبة البرلمان إذا لم يكن يُسمَع صـوتــُكما ؟ إن استمرارَ تواصلكما مع زُمـَر ٍ تتسلَّط ُ على أفرادها روح دينية ومذهبية شوفينية لا يُجدي بأيِّ حال مِن الأحوال ، فهم لا يؤمنـون إلا بأنـفسهم وبإسلامهم السياسي التعصـُّبي المقيت ، هدفهم الإستحواذ على كُـلِّ شيء ، لأنهم كانوا جوعى ومُعـدَمين .

لا تنسيان أنكما سليلَي شعبٍ حُـرٍّ ونبيل ، يأبى الرضوخَ والإستسلام ، ولذلك فأنتما أهلٌ للتحـدّي برفض أجندتهم وشروطهم ، إننا نعلمُ بأن الحواجز والمعوِّقات التي وُضعت أمامكم صعبة ُ الإجتياز ،
ولذلك جَـدِّدا ثقتكما بارادة شعبكم التي لا تلين ، فلا تتردّدا باتخاذ قرار شجاع بانسحابكما مِن البرلمان الذي خذلكما مراراً وتكراراً ، وبذلك تُطلقان صرخة ً مدوية بوجه الغزاة الغاصبين ، عودا الى شعبكما ليحتضنكما ، وسيعمل على إعادتكما الى البرلمان الجديد معزَّزَين مُكَرَّمَين . ولا تنسـوا أن شعبـنا مُصِرٌّ على المطالبة بحقـوقه المشروعة اسوة ً باخـوانه العراقـييـن مِن الأقـوام والأديان الاخرى لكي ينعم بالحرية الحياتية .  الحياة بلا كرامة ليست لها قيمة .

الشماس كوركيس مردو
في 9 / 11 / 2008

217

إجراءٌ مُجحفٌ لا سابقة له !

لقد صُعـقَ الكلدان بما أعلنه السيد سركيس أغاجان في آخر مقابلةٍ له مع موقع عنكاوا . كوم ، حيث قال (( إنَّ لجنة صياغة الدستور الكردستاني ، وافقت على تثبيت حق الحكم الذاتي لشعبنا الكلداني السرياني الآشوري في مسودة دستور اقليم كردستان ، وقرَّرت اعتماد تسمية <  الكـلدان السريان الآشوريين > بدون واو العطف ، أينما يرد ذكر شعبنا  )) .

لأول مرة في تاريخ الشعوب تـُسـوِّغ جهة مُعيَّنة لنفسها هي لجنة صياغة الدستور الكردستاني حذفَ التسمية القومية التاريخية لشعبٍ عريق وأصيل هو " الشعب الكلداني " مِن دستورها الإقليمي ، وتُقرِّر اعتمادها حسب هواها مُلصقة ًبها تسميتـَين اخريين غير قوميتـَين لتشوِّهانها ، وهنا السؤال يـطرح نفسه : هل سألـتْ اللجـنة الموقرة الشعبَ الكـلداني عن طريق ممثـليه الكنسيـين منهم أو العلمانيين فيما إذا كان يقبل بهذا الإجراء المُجحف ؟ وهل تعتبر اللجنة الشعب الكلداني مغلوباً على أمره الى هذا الحد حتى يقبل بكُلِّ ما يُملى عليه ؟ وما هو تأثير أتباع التسميتَين اللتَين لا صلة لهما بالقومية وعددهم مُشتركاً لا يتجاوز الـ  20 % مِِن مجموع المسيحيين ، بينما الكلدان يُمثِّلـون الـ 80 % لكي تُدرجهما الى جانب التسمية القومية الكلدانية !  وهل ذكر التاريخ تسمية ً ثلاثـية لشعبٍ ما ؟ إن السريان والآثـوريين منذ أن تبنّى كُلٌّ مِنهما تسمية ً خاصة به في الماضي البعـيد انـفصلا عن الكـلدان فلا يجمع بـينهما وبين الكـلدان سوي الـدين وهما يختـلفان عن الكلدان بأشياء كثيرة مِنها : المذهب ، اللهجة اللغوية ، الطقس الكنسي ، العادات ، الأعياد والمناسبات والخصوصيات الاخرى .

للشعب الكـلداني سجلٌّ تاريخي ناصع يمتد عميقـاً في التاريخ العراقي القديـم مِنه والحديث ، لقد كان إسهامُ أسلافه في بناء حضارة بـلاد ما بين النهرين الأكـبر مِن أيِّ شعـبٍ رافـدي آخر ، ولا زال أحفاده حتى يومنا هذا يُساهمون بكُلِّ همةٍ وإخلاص في تطوير حضارة وطنه الأصيل العراق ، ولكنَّه وللأسف كان جزاؤه التهميش والإهمال منذ قيام الحكم الوطني عام 1921 وحتى سقوط النظام البعثي الديكتاتوري عام 2003 ، فاستبشر خيراً بقيام نظام ٍ ديمقراطي يضمن حقوق كافة أطياف الشعب العراقي ومن بينها الشعب الكلداني في العدل والمساواة ، وشُدَّ ما كان ظنـُّه خائباً حيث دارت  الدوائر عليه ، ليس باستمرار التهميش والإهمال فحسب ، بل تعدّى ذلك الى تعرُّضه لأبشع أنواع الإرهاب مِن قتل ٍ واختطافٍ وابتزاز وتهجير وتفجير لكنائسه ، وقد شمل هذا المسيحيين الآخرين كالسريان والآثوريين ، ولكنَّ نصيبـَه كان الأوفر ومعاناته أكبر بحكم تعداده الكبير وتواجده في كُلِّ ركن ٍ مِن أرض العراق .

ليس بإمكاننا إنكار مواقف السيد سركيس أغاجان الإنسانية تجاه شعبنا المسيحي الذي طالته يدُ الإجرام والإضطهاد  ، بل نـُثمِّن عالياً ما بذله مِن جهودٍ مشكورة بتقديمه مُختلف الخدمات الضرورية في مجالي العمران والعون المالي لأبناء شعبنا المُضطهد والمُهـجَّر مِن أماكن سكناه في مختلف أرجاء العراق ، كما لا ننسى دوره السياسي الكبير في تثبيت الحكم الذاتي في دستور اقليم كردستان ، ولكنَّ هذا لا يُبرِّر سلب حرية وإرادة الشعب الكلداني ومصادرة أغلى ما يعتزُّ به وهو هويته القومية . وهذا العمل وللآسف الشديد يُذكرني بالدور المُغزي والمُعيب الذي مارسه السيد يونادم كنا خلال عام 2003 لإلغاء القومية الكـلدانية النبيلة والأصيلة ، واستخدم في سبيل ذلك مُختلف الأساليب الملتوية سعياً لتثبيت فرضيته الآشورية العقيمة ، فهل يُريد السيد أغاجان إنجاح ما فشل به السيد يونادم ؟

بالرغم مِن اختلاف السيدين سركيس أغاجان ويونادم كنا في الرؤية والمنهج ، لكنَّهما مُتـفقان في مُعاداة القومية الكلدانية ويعملان على إلغائها ، وليست مواقف السيد كنا بهذا الصدد بخافيةٍ على أحد ، حيث غرَّرَ بعددٍ مِن أبناء الشعب الكلداني واشترى ضمائرهم بالمال والمُغريات والوعود ، وجعل مِنهم أبواقاً تُزمِّر وتُطبِّل للفرضية الآشورية . أما السيد اغاجان فقد حـوَّل فضائية عشــتار الى فضائيةٍ آشورية مئة ً في المئة : شعاراً ولهجة ً وأزياءً وإحياءً للتراث الآشوري ، وأسدل الستار على كُلِّ ما يتعلق بالشعب الكلداني واستبعَـدٌه مِن أنشطتها وكأنه لا يملك تُراثاً وتاريخاً واسماً مهيباً وهوية ً أصيلة !

عزيزي اغاجان ، ليس بإمكانـك ولا بإمكان أيِّ أحـدٍ آخر القـول  ، بأننا شعبٌ واحدٌ ، فمنذ أن استـبـدل أسلافُ آثوريي اليوم تسميتهـم ( الكلدان النساطرة ) في منتـصف القرن التاسع عشر بـتشجيع وإغراءٍ وضغـط ٍ مِن قبل البعـثات التبشيرية الأنكـليكانـية ( الإنكـليزية ) وتبنـوا التسمية الآثـوريـة التي حوَّلها أحفادهم الى ( الآشورية ) في العقـود المتأخرة مِن القرن العشرين ، أصبحنا شعبـيـن مُنفصلين ، نختلف عن بعضنا في المذهب والعادات والتقاليد واللهجة والزي ما عدا الدين ، فكيف يُمكن إلغاء كُلِّ ذلك لنكون شعباً واحداً ، إن هذا الأمر قد أصبح واقعاً ملموساً ووضعاً أثبـته الزمن الطويل ومِن المستحيل تغييره .

كيف تُريد مِن الكلدان أصحاب الرقم الأصعب في المُعادلة المسيحية أن يوافقوا على إلغاءِ اسم قوميـتهم الكـلدانية أو إلصاق ِ أسماءٍ اخرى إليها غريـبةٍ عنها ؟ إن كافة المنظمات الدوليـة تعـترف بوجودنا القومي في بلادنا الأصلية بلاد ما بين النهرين ( عراق اليوم ) ومنذ العصور الفارسية والعباسية والعثمانية ، وإن الدولة العراقية تعترف بنا كقوميةٍ كلدانيةٍ أصيلة وقد أدرجتها في الدستور ، فهل مِن الإنصاف والحق أن يأتي قوم يدَّعي أخوَّتنا ويسعى الى إلغائنا !

إن التسمية ( الكـلدان السريان الآشوريون ) لا تصلح نهائياً لإعتبارها قومية لشعبٍ واحد ، يرفضها الواقع والمنطق . إننا نـُناشدكم ونـُناشد المسؤولين في اقليم كردستان رئيساً وحكومة وبرلماناً ،حيث نعلم يقيناً بأن هدفهم هو ترسيخ الديمقراطية في الإقليم لكي ينعم أبناؤه تحت ظلالها بالحرية والمساواة في الحقوق والواجبات ، أن يعملوا على إعادة  النظر في هذه المسألة ، ودرج التسمية القومية الكلدانية متميِّزة ومستقلة عن أيَّة تسميات اخرى ، وكما طالب الحبران الكـلدانيان الجليلان المطران إبرهيم أبرهيم والمطران سرهد جمو في مذكرتهما المشتركة الموجهة الى المجلس الوطني الكردستاني بتاريخ 27 / 10 / 2008 . مع الشكر والتقدير .

الشماس كوركيس مردو
في 7 / 11 / 2008

218

أيها الكـلدان ! حتى متى تبقون نيام ؟


تـُرى ، ما وراء الموقف المُـتذبذب وغير الجريء للأحزاب الكلدانية ؟ أنا لستُ حزبياً بل أنا قومي ٌّ كـلداني ، والغيرة تأكلني للدفاع عن امتي الكـلدانية بكُلِّ ما اوتـيتُ مِن قوة القـلم لأُقارعَ الإنفصالـيين المُزوِّريـن الخائبين وأَرُدَّ كيدَهم وجنايتهم على هذه الامة النبيلة وبشكل ٍ موضوعي ! إن الإنفصاليين مُدَّعي الآشورية المُزيَّفة ، وبالرغم مِن ضآلة عددهم الديمغرافي في الوطن الام العراق وكذلك في المهجر ، إنهم متناحرون فيما بينهم في كُلِّ شيء سياسياً ومذهبياً وعشائرياً ، ولكنَّهم متفقون كُلياً وقلباً وقالباً على إلغاء الكـلدان قومياً وتسمية ً ووجوداً ، والمصيبة أن الكلدان غافلون ومنخدعون وغيرُ مُبالين بكُلِّ ما يجري . أين الخلـل ؟ هل هو انعدام الجرأة في المواجهة ؟ هل هو الجهل بما يُحاكُ حولهم مِن تآمر وخيانة ؟ هل هو اعترافهم بالهزيمة وعدم قدرتهم للدفاع عن اسمهم وقوميتهم ووجودهم ؟

يا أبناء الامة الكلدانية ، إنّ الكنيسة النسطورية بقيادة بطريركها مار دنخا الرابـع وغريمتها حركة زوعا متفـقتان على إلغاء الكلدان رغم اختلافهما حول القضية الراهنة " الحكم الذاتي " ، وبكُلِّ ما أملك مِن الجرأة في القول والثقة بالنفس والوضوح في التعبير ومِن دون أيِّ تردُّدٍ أو تحفـظ ، أتصدّى وأفضح مواقف كلا الطرفين الغريمَين .

1 - يتفق مدَّعو الآشورية المُزيَّفة مُمَثلين برئاسة كنيستهم النسطورية وحركتهم السياسية العنصرية ( زوعا ) بأن الكـلدان هم آشوريون قـومياً ، هذا ما يُنادون به مِن خلال مُنـظــِّريهم المتشدَّدـين والمتعصبين وأشباه المثقفين ذوي الآفكار المتخلفة ، مستندين بذلك الى معلومات خاطئة ووثائق مزوَّرة وكتبٍ مشبوهة أغدقوا الآموال في شراء ضمائر أصحابها ، مُنكرين الحقائق التاريخية التي أوردها العلماءُ والمؤرخون النزيهون الذين أقرّوا بالزوال النهائي للآشوريين القدماء منذ الربع الأخير مِن القرن السابع قبل الميلاد ، ولا علاقة لمُدَّعي الآشورية المعاصرين بهم إطلاقاً ، وللأسف الشديد فقد جاراهم في منوالهم هذا بعض المغرَّرين مِن أبناء الكلدان ، حيث خانوا امتهم الكلدانية وراحوا يُعادونها بشكل ٍ مُخجل ومُزري بَـزّوا فيه أسيادهم . إنَّ الكـلدان ينظرون الى هؤلاء الأبناء المخدوعين بعين الإزدراء ويعتبرونهم زواناً انزاح مِن حنطتهم النقية ، وسيندمون حين يكتشفون بأنَّهم أتباع مذلولون .

ماذا يعني  تشديد رؤساء الكنيسة النسطورية وعلى صعيد أعلى مستوياتهم على عبارة " الشعب الآشوري " وهو المكوَّن الأصغر بين أبناء الشعب المسيحي في العراق وفي العالم ، وما هي قيمته دون ذكر الكلدان والسريان ؟ حيث جاء ضمن التصريح الصادر عن مجمع كنيستهم المنعقد في دهوك ما بين 27 - 30 /10 / 2008 " لقد توقف المجمع بصورةٍ خاصة عند الحملة المستمرة التي تعرَّضَ ويتعرَّضُ لها أبناء الشعب الآشوري المسيحي في العراق . . . " وفي موضع مِن هذا التصريح " إنَّ المجمع . . . يُكّرِّر دعمه لمطلب الشعب الآشوري في الحكم الذاتي وإقراره وضمانه . . . " هل يـظن رئيس الكنيسة النسطورية ومساعـدوه وأتباعُه بأنهم بهذه الأساليـب التراوغية المُلتـوية يصلون الى مآربهم غير العادلة ويحقـقـون هدفهم السرابي في فرض فرضيتهم العقيـمة الاسطورة الويكرامية على شعب الامة الكلدانية ؟ أليس ذلك نوعٌ مِن الخيال وضربٌ على الرمال ! وهل خليفة بطرس الرسول يجلس في شيكاغو ؟ أليس هذا مِن السخرية بمكان ؟

2 - أما الحركة اللاديمقراطية " زوعا " فتتطابق أفكارُها بهذا الشأن مع أفكار الكنيسة النسطورية ، فهي تُنادي بكُلِّ صلفٍ مشوبٍ بالغباء بأن الكـلدان جزء مِن الآشوريين وعليهم الإحتماء تحت جناحيها والإنصهار ببودقتها ، حيث يقول شعارها وبالنص  " الإقرار بالوجود القومي الآشوري في عراق ديمقراطي " ألا يدلُّ ذلك على إلغاء الكلدان والسريان ؟ وإذا كان الكلدان جزءاً كما تَـدَّعي الحركة الشوفينية زوعا ، كيف يتفـوَّق الجزء على الأصل عددياً بعشرة أضعاف ؟

أحبائي أبناء امتي الكلدان ، ألا ترون هذا غـُبناً لكم وإجحافاً بحق امتكم الكلدانية ! أليس إلغاءً لوجودها وهويتها وتاريخها المُشرّف ؟ كيف ترضون أن يُنظر إليكم بهذا المنظور مِن قبل أبناء طائفةٍ جاحدة لأصلها ، متبنيةٍ لتسميةٍ موطنيةٍ زائفة لا صلة لها بالقومية ، تبنَّتها قبيلة بابلية في أزمنةٍ غابرة وأطلقتها على دولتها ثمَّ زالت بزوالها .

إننا نحن الكـلدان أمام موقف ٍ لا نـُحسد عليه ، وفي هذه الحال لم يبقَ أمامَنا إلا الدفاع عن وجودنا وهويتنا وتاريخنا ، ونعمل بكُلِّ وسعنا على كوننا قومية مستقلة ذاتياً ، وأبوابنا مفتوحة وأيادينا ممدودة لإخوتنا مِن الآثوريين الواقعيين والواعين وكذلك إخوتنا السريانيين للإنضمام الى قوميتنا الكلدانية المُشبعة بالوطنية والإنسانية . نُطالب أحزابنا ومنظماتنا القومية الكـلدانية القيام بدور فعال وذي تأثير حيوي في ايقاظ الشعور القومي مِن سباته ، والعمل على تشجيع أبناء الكلدان في كُلِّ مكان للإخراط في صفوفها وإفهامهم بأن الواجب يقتضي مِنهم الذود عن هوية امتهم الكلدانية والسعي الى نيل حقوقها المشروعة في الوطن .

ويسرُّني في هذا المقام أن أتقدم بشكري الجزيل وتقديري الكبير الى الحَبرَين الكلدانيَين الجليلَين المطران إبراهيم ابراهيم راعي أبرشية مار توما الرسول في مشيكَن / اميركا والمطران سرهد يوسب جمو راعي أبرشية مار بطرس الرسول في كاليفورنيا /أميركا على ما ورد في مذكرتهما المشتركة الموجهة الى رئاسة المجلس الوطني الكردستاني بتاريخ 27 / 10 / 2008 ، حيث جسدا فيها موقف الكنيسة الكلدانية وأبنائها الصريح والواضح ، ومِما ورد فيها " بأننا كَـكـلدان نـُطالب بدرج التسمية القومية الكـلدانية متميزة ومستقلة عن أيِّ تسميات اخرى ، ونرفض إدراج تسمية غير قومية في دستور كردستان بخصوصنا بدلاً للتسمية القومية الكلدانية " . أتمنّى مِن كُلِّ فردٍ كلداني أن يتبنى هذا الموقف القومي الجريء ويدعمه بقوة . فـلنـُسرع الى تنظيم بيتنا الكلداني مِن جديد ونُعيد النظر في حساباتنا ، ونتدارك أخطاءَنا ، ونوحِّد خطابنا ، ولنكن في يقظةٍ مِن أمرنا ، فالدسائس تحوم حولنا في الخفاء والعـلن .

الشماس كوركيس مردو
في 5 / 11 / 2008

219

تحيتي الخالصة الى حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني في ذكرى تأسيسه التاسعة

يطيب لي مِن الأعماق أن أتقدم بإسداء أحرِّ التهاني وأعطرها الى قيادة وكوادر ومؤازري حزب الامة الكلدانية الكبير وعلى رأسها الأخ المناضل الكبير الاستاذ ابلحد افرام بمناسبة ذكرى تأسيسه التاسعة ، متمنياً للجميع اضطراد التقدم والنجاج في سبيل خدمة امتنا الكلدانية العريقة بكلِّ فصائلها .

لقد كان شعبُ الامة الكلدانية العريق ينتظر بفارغ الصبر ولهيب الشوق انبثاق حزبٍ سياسي يقـوده قادة ٌ مِن أبنائه أكفاء يتميَّزون بالخبرة والحنكة ليأخذوا على عاتقهم مسؤولية الدفاع عن وجـوده ودوره وحقـوقه ، ناذرين أنفسهم في خدمته والبحث عن أنجع السُبُـل لرفع شأنه وصون سلامته وعيشه المشترك مع بقـية إخوته مِن أطياف الشعب العراقي العزيز ، وقد تحقـق طموحُه عندما تـمَّ الإعلان عن تأسيس حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني قبل تسع سنواتٍ مضت .

كانت ظروف انبثاق حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني عصيبة ً بالنسبة للشعب الكلداني ، فكانت الساحة العراقية قد عجـَّت بالأحزاب التي تُمثـِّل كافة أقوام الشعب العراقي ما عدا الكلدان الذين لم يكن يُمثـِّلهم إلا بعض التنظيمات المدنية التي لم تكن بالمستوى اللائق والمطلوب لتؤدي دور الحزب السياسي ، ولكننا لا ننسى أن نُثـمِّن جهودها في بَـثِّ الوعي القومي الكلداني والمناداة بوجوده وإعلاء صوته ، ولذلك كانت الحاجة ماسة ً لظهور تنظيم سياسيٍّ كلداني يُلبي طموحات امته ، وليتصدّى لمخططات التنظيمات البائسة التابعة لمُدّعي أُخوَّة الكلدان ظاهراً وهم أعداؤه باطناً ، فكانت مُخطـطاتُهم جهنمية المنحى إلغائية النزعة ، أرادت محوَ الوجـود القومي الكلداني ، إلغاءَ تاريخـه ، سلبَ إرادته ، مصادرة قراره ، واحتواءَهُ بهـدف استغلال زخمِه الديمغـرافي وامتـدادِه الجغرافي ، وبالرغم مِن اندحارهم المُريع أمام تصميم أبناء الامة الكلدانية الذين تصدّوا لمشاريعهم البائسة وأبطلوها ، لا زال البعضُ مِنهم سادراً في غِيـِّه بترديد اسطوانته غير مُتَّعـظٍ بما تلقـاه مِن دروس وعِبَر ، يا للحماقة !

ورغم كُلِّ المُعـوّقات والعراقيل التي استمات مدّعو الاخوَّة المزعومون وبعضُ مناصريهم مِن أبناء الكلدان الموهومين والمخدوعين بوضعها في طريق تأسيس الكلدان لمؤسساتهم السياسية ، لم تقف حائلاً أمام إرادة الكلدان الصلبة ، فظهر حزبُهم الكبير " حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني " الى العلن بقوة ، ثمَّ تبعته أحزاب كلدانية اخرى ، وكان هذا الظهور مدعاة َ فخر واعتزاز للكلدان حيث جدَّد فيهم الأمل وارتقى بهم معنوياً وزادهم اندفاعاً للمساهمة في العمل القومي لإثبات وجودهم وتفعيل دورهم الوطني والقومي ، وتعريف شركائهم مِن أطياف الشعب العراقي الاخرى ، بأنَّهم أعرقُ مُكَـوَّن عراقي أصيل ، سليل أصحابِ أعظم حضارةٍ عرفها العالم القديم وعلى أساسها قامت الحضارة العالمية الراهنة !

يكفي حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني فخراً ثباتُه على مباديئه . جابهَ المصاعب والمِحن بصلابةٍ . إتَّسمت سياستُه بالحكمة والدهاء ، آثر النأيَ عن الجدل العقيم ، طـلـَّقَ الصراع الاعلامي الذي لا طائـلَ مِن ورائه ، بل عرف بأنه شوط خاسر في الميدان ، إنفتح على كافة التنظيمات السياسية مُطالباً بالتفاهم المتوازن والإحترام المتبادل .

أخيراً أود أن أُهيب بقيادة الحزب للقيام بتغطيةِ اعلامية أوسع مما هي عليه ، فالجماهير بحاجةٍ للوقوف على أخبار وأنشطة الحزب ، على نظرته الإيديولوجية ، على معرفة موقفه مِن الأحداث ! لقد غزا مسؤولو الأحزاب المعادية للكلدان بلدان المهجر بزياراتهم المتتالية ، يبثـون دعاياتـهم المُغرضة بين أبناء الكلدان ، بـينما الكلـدان لا يجـدون مسؤولاً واحـداً مِن قياديـي حزبـهم الكلداني يقـوم بزيارتهم ! أليس مِن الواجب على الأخ ابلحد أفرام أن يقوم بزياراتٍ الى مئات الالوف مِن الكلدان المتواجدين في أمريكا واوروبا واستراليا ، ليلتقي بهم عن كَـثب بهـدف ازدياد التواصل في خدمة شعبنا وتأمين مستقبله !

اكرِّر تحيتي الكلدانية المفعمة بالمحبة الى قيادة وكوادر ومناصري حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني والى الأمام يا محبي السلام .

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 10 / 2008

220
حملات تصفية المسيحيين مِن العراق مُخـطـَّط ٌ لها اقليمياً وداخلياً

لم تـَعُم الفوضى العراقَ صُدفة ً أو جاءَته مِن الفراغ ، لكنَّها تخطـيط  ٌ إجراميٌّ مدروس مِن قبل أطرافٍ إقليمية وداخلية لتحويل العراق الى ميدان للتصفيات وفقاً لأجنداتٍ تُـنفـَّـذ على الأرض في ظـلِّ غياب سلطة القانون وتقصير واضح مِن قبل السلطات المركزية والمحلية معاً . لم تبدأ الحملة الوحشية الدموية الجديدة ضِدَّ مواطني الموصل المسحييين عن طريق الصدفة ، بـل كانت صدى لقرار البرلمان بالغاء دور المسيحيين وبقية الأقليات في قانون مجالس المُحافظات ، فقد أجـّّج هذا القرار الجائر الكراهية ضِدَّ المسيحيين ، وأشعل نار حربِ إبادةٍ جديدة عليهم . فها هي وكالات الأنباء وعدد مِن الفضائيات تنقل تفاصيل الحملة الظالمة التي تـمَّ خلالها اغتيال عدد كبير مِن المسيحيين بطرقٍ مُخجلة ودنيئة ، وأنباء اخرى تتحدَّث  بأنَّ أفراداً مِن الشرطة والجيش أداروا ظهورهم عن المُجرمين صارفين النظر عن ملاحقتهم ، بل إنَّ البعض مِنهم ساعدوا المجرمين بتسليمهم إياهم عرباتهم المصفحة وعليها مكبرات الصوت ليجوبوا شوارع الموصل منادين بصراخ ٍ قذر منذرين المسحيين بهجر الموصل وإلا فالقتل مصيرهم ، بالإضافة الى توزيع نشرات بهذا المعنى في الأزقة والمحلات ، فلم يكن أمام العوائل المسيحية سوى الهرب ، وقد بلغ عدد العوائل الهاربة لغاية 15 تشرين الأول الجاري 1307 عائلة وعدد المقتولين 14 مسيحياً .
                                                                                                                                                                                                                                                                   إنَّها حملة تصفيةٍ للمسيحيين ، سكّان العراق الأصليين ، بدأت منذ عام 2003 في بغداد والبصرة أولاً وانتقلت الى الموصل حيث فـُجِّرت الكنائس وخُطف الأفراد وطال الخطفُ مطران الموصل في شباط الماضي وقـُتل ، وقبله قـُتل الأب رغيد وثلاثة شمامسة ، ولا زالت الحملات تتجدَّد . إنها المأساة بعينها أدَّت الى خلـق وضعٍ  مُعقـدٍ للغاية  والهدف مِنه تثبيط الجهود الساعية الى تعضيد الوحدة الوطنية وبنائها على اسس ديمقراطية . إنَّ المسيحيين وبدون مُبالغة أكثر إخلاصاً للوطن وأشد التصاقاً وتمسُّـكاً به ، فهو مثوى أجدادهم الأصيل ، يناضلون سلمياً لإفهام الآخرين بوجودهم ودورهم وموقعهم الأصيل والمتجذر في هذه الأرض ، لا علاقة لهم على الإطلاق بما يُدبَّر مِن مؤامراتٍ ويُحاك مِن سياساتٍ لرسم سياسة البلد ومستقبله ، يدعون الى المزيد مِن الوعي والتضامن والتعاضد والعيش المُشترك .
أليس جُرماً أن تُتركَ الموصل المدينة العريقة ثالث أكبر المدن العراقية لقمة ً سائغة بأيدي الإرهابيين مِن البعثيين وحلفائهم أتباع القاعدة السلفيين ؟ لكي يصبوا جام غضبهم على المسيحيين المُكوَّن العراقي الأصيل ، ألا يُشكِّل ذلك ضربة ً قوية للوحدة الوطنية التي تُغرِّد بها اعلامياً فقط الحكومة ُالعراقية ُ ومكوناتـُها المشتركة في المحاصصة السياسية ؟ لقد أسمعتنا الحكومة العراقية الكثير مِن الأقوال بصدد حماية المسيحيين ، لكنَّ هذه الأقوال لم تـُترجم الى الأفعال ! ما فائدة إعطاء الوعود إذا لم تُقرن بالردود ! لا مليشيات ولا عشائر للمسيحيين لتُدافع عنهم ، ولا يرغبون بتشكيل قوة لحمايتهم ، لأنهم يثقون بالدولة في أمر حمايتهم ، ولكن للأسف فهم يشعرون بالألم والظلم لأن أبناءَهم يُقتلون بسبب تقاعس الدولة في نجدتهم .

إذا كانت السلطات الحاكمة عاجزة عن حماية المسيحيين، لماذا لا تمنحهم حُكماً ذاتياً في أماكن تواجدهم مِن أرض آبائهم وأجدادهم التاريخية لكي يتدبروا شؤونهم بأنفسهم ؟ علماً بأنَّ الدستور العراقي يضمن لهم هذا الحقَّ ! وإن الفيدرالية التي اختارها الشعب العراقي لا تتعارض مع قيام الحكم الذاتي ، فلماذا إذاً تبخل هذا الحق لأصحابه المنادين به ؟ إنَّه مطلب شرعي لا غبار عليه ، فيا ليت ذوي الشأن حُكّام العراق رئاسة ً وحكومةً وبرلماناً يُعيرون الأمر اهتمامهم ، ويُنصفون المسيحيين بالإستجابة لمطلبهم ، وبذلك يوقفون المُسلسل الدموي المُهدَّد  لحياتهم ووجودهم التاريخي على أرض وطنهم العراق .

يا مسيحيي المهجر ، إنَّ الإستنكار وحده لا يكفي لنجدة إخوتكم في الوطن الأم إن لم يُقرَن بنتاجٍ عملي ، عليكم تشكيل لجان لجمع التبرعات ، إنهم بحاجةٍ الى الأموال ، إنَّ كُلَّ جمعيةٍ أو حركةٍ أو إتحاد أو حزب مُطالبٌ للقيام بذلك ، نسأل الله أن يرفع المحنة عن إخوتنا مسيحيي العراق وبخاصةٍ مسيحيي الموصل .


الشماس كوركيس مردو
في 15 / 10 /2008

221

ألا تستحق الحادثة الأخيرة إتخاذها عِبرة ؟

ليس هنالك مِن شكٍّ بأنَّ القوى الإرهابية والداعمين لها ، يستهدفون الشعبَ العراقي بكُلِّ مُكَوِّناته القومية والدينية والمذهبية ، إذ قبل هذه الحادثة المروعة والأليمة التي قتل فيها ثلاثة شبان أبرياء واختطف رجلُ دين فاضل هو سيادة المطران الجليل بولس فرج رحو رئيس أساقفة الموصل ، وهم لتَوِّهم خارجين مِن الكنيسة بعد اداءِ الصلاة مِن أجل استتباب السلام وازدياد المحبة بين البشر كافة والعراقيين خاصة ، سبقتها حوادث إجرامية اخرى نفذها أعداءُ أبناءِ العراق في أماكن عدة . تُرى ، أليس هذا دليلاً صارخاً أن هذه الزُمَر الإرهابية قد باعت ذواتها للشيطان عدو الإنسان في كُلِّ مكان وزمان ! وعلى مثال الشيطان تؤكدُ كراهيتها للإنسان ولحرية العبادة والأديان ! وتُبرهنُ في الوقت ذاته بأنها أشدُّ ما تكون بعداً عن الله الذي تدَّعي الجهادَ في سبيله زوراً وبهتاناً ، فالله لا يَرضى البتة بقتل الأبرياء العُزل ، بل هو يدعو الى عمل المعروف ويُنهي عن المُنكر !  فهل هناك مِن مُنكرٍ أشدَّ وأكبرَ مِن هذه الأفعال الإجرامية التي تُرتَكَبُ بحق المواطنين العراقيين عامة وبحق أتباع الديانة المسيحية مِنهم خاصة ؟

أيها المسيحيون العراقيون ألا تُحرِّكُ فيكم هذه الحادثة الأخيرة مُضافة الى سوابقها الكثيرة شعوراً بالضيم ، فتتخذوا مِنها عِبرة لتنسوا خلافاتكم وتتكاتفوا في ايجاد آلية مُشتركة ، تتكفَّل بالمُحافظة والدفاع عن رموزنا الإجتماعية والدينية ولفيف أبناء شعبنا ، تكون قادرة على قطع الأيادي الأثيمة للذين يتجرأون على المَسِّ بكرامتهم والإعتداءِ عليهم . لا  لومَ ولا مأخذ مطلقاً على أحزابنا القومية المسيحية مِن قيامهم باتخاذ هذا الإجراء المشترك ، لا سيما ونحن نعيش في ظلِّ حكومة لا تستطيع حمايتنا أو لا تُحرِّكُ ساكناً لمنع الإعتداءات الواقعة علينا باستمرار ، لأنها حكومة تحاصصية تؤَمِّن الحماية لنفسها وذوي الحصص فيها ! نسيان الماضي ونبذ الخلافات السابقة والحالية  هما مِن أهم ما يجب أن تفعله أحزابُنا القومية المسيحية ، فالنصحى مِن سُباتنا ولننزع عن أنفسنا الأنانية الذاتية ولنتدارك وضعَنا المُزري وإن كان هذا مُتأخراً . إننا ذوو الأصالة التاريخية في بلدنا العريق العراق ، نُكِنُّ له الحُبَّ الحقيقي ، أسلافنا العظامُ أنشأوا حضارتَه وقد أسهمنا مِن بعدهم بتطوير ثقافته ، فكنّا موضع احترام وتقدير الذين شاركونا العيش فيه أبناء الديانات والطوائف الاخرى .

وكما فعلنا سابقاً ومِراراً ، نُهيبُ اليومَ بالحكومة لتوفير الحماية للمواطنين ، وملاحقة الإرهابيين الذين يُروِّعون المواطنين الآمنين ، ولوضع حَدٍّ لجرائمهم البشعة بحق الشعب العراقي ، ونُطالب الحكومة بشكل خاص ، بالبحث الجاد للعثور على منفذي جريمة قتل سائق ومُرافقَي المطران الكلداني بولس فرج رحو واختطاف المطران ذاتِه ، وإعادة المطران الى أهله ورعيته سالماً هي مسؤولية الحكومة بالدرجة الاولى . إن القتل والإختطاف عملان بربريان وحشيان تُحرمهما كُلُّ القوانين السماوية والوضعية ، وتشمَئزُّ مِنهما الإنسانية ، ولا يُحققان أبدا الأهدافَ الدنيئة لمُرتكبيهما ، ومِن هذه الأهداف إثارة الصراع بين أبناءِ العراق المتعددي الديانات والمذاهب ، تارةً بضربهم على وتر الطائفية ، ومرةً  بالتفرقة الدينية واخرى بتأليب القوميات ضِدَّ بعضها  ، ولكن كُلَّ هذه المُحاولات سيكون مصيرها الفشل ، وستزيد مِن نقمة العراقيين ضِدَّ القائمين بها .

ألا يتحتَّمُ على الحكومة تحت وطأة هذا الإرهاب الشرس ، أن تقوم بتأمين الحماية لدور العبادة العائدة لكُلِّ الأطياف والأديان ؟ إن أمكنة العبادة بكُلِّ أنواعها وأشكالها هي ثروةٌٌ للعراق قبل أن تكونَ ثروة لمُنشئيها ، وفي ذات الوقت تُعتبر ثروة تاريخية عالمية ، وعلى المُجتمع الدولي المُساهمة بشكل مِن الأشكال للحفاظ على الموروثات التاريخية !

أعتقد إنه مِن حقِّنا أن يُثيرَنا ويؤلمَنا معاً موقفُ رجال الدين المُسلمين القائم على الصمت المُطبق ضِدَّ الظلم الواقع على غير المُسلمين مِن قبل الجماعات الإسلامية التي تعزو أعمالها الإجرامية الى كونها جهاداً في سبيل الله والإسلام ! وهل إنّ كُلَّ مَن هو غير مُسلم هو ضِدَّ الله والإسلام ؟ و الجواب طبعاً كلا  .  فماذا يعني صمتُكم على شجب مثل هذه الأعمال الإجرامية التي يُنهي الإسلام ذاتُه عنها ؟ أليس السكوتُ على الظلم هو المُشاركة فيه !  يا للأسف ، يظهر أنَّ العراق قد خَلا  مِن أصحاب الشهامة والنخوة والشجاعة ، وغدا غابة للذئاب المفترسة .

وأخيراً نقول للخاطفين ، ما هو هدفكم مِن خطف المطران وقتل مرافقيه ؟ إنكم تعلمون بأنه رَجُلَ دين وليس سياسياً ، بعيدٌ عن مركز صنع القرار ، مشهودٌ له بمواقفه الإنسانية . فهل إن سلبكم لحياته سيُغيّر المعادلة لصالحكم ؟ كلا وألف كلا . فاليصحى ضميرُكم فإن الإسلام الذي تدينون به ، لا يرضى بما أنتم قائمون به ، المطران هو رجل الله والإعتداءُ على حياته هو ضدَّ مَرضاة الله !

الشماس كوركيس مردو

في 4 / 3 / 2008

222
على هامش الرسالة الراعوية الاساقفية

بتاريخ الحادي عشر مِن شهر كانون الأول 2007 ومِن خلال صفحات موقع عنكاوا الألكتروني ، قرأتُ بإمعان الرسالة الراعوية التي أصدرها رُعاة الأبرشيات الكلدانية الشمالية الأربع ، إنها رسالة جميلة بعباراتِها ، عميقة بمغزاها ، شاملة بتوجيهِها ، مُصيبة في توقيتها ، باعثة للرجاء الذي إستوحته مِن رسالة السماء يوم مولد الطفل يسوع ! إنها إلتفاتة مشكورة ، تذكَّرَ عِبرَها الرعاة رعاياهم مِن أبناء كنيستهم الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة للكنيسة الأساس ( كنيسة المشرق العملاقة ) التي ضاهت كنيسة الغرب العظمى الجامعة بقوتها ونشاطها ، إذ بالرغم مِن كُلِّ الأزمات والمِحَن التي تعرَّضت لها خلال تاريخها الطويل لم تتوانَ عن تغذية أبنائها بالإيمان الحق وتعميق ثقتهم بالله واعتدادهم بانفسهم وقدراتهم الفذة ،  كما لم تتقاعس عن مُحاولات لَمِّ شمل أبنائها العاقين المُتمسكين بتسميتين مذهبيتين هما :  ( المونوفيزية والنسطورية ) اللتان لا تختلفان عن المذهب الكاثوليكي الحق إلا مِن حيث المُصطلح اللفظي وليس الإيماني ،  ولكن تشبُّثَهم بهما هو لتكريس انفصالهم عن الكنيسة الجامعة والسعي الى الأمجاد الدنيوية بحرية اوحادية .

أجل ، أيها الآباء الأجلاء ، إن للزمن الرديء الذي يمر به وطن كنيستنا دورٌ رئيسٌ في تململها روحياً ومؤسساتياً ، وكما قلتم فإن رسالتها اليوم هي أعظم مِن أيِّ وقتٍ مضى ومسؤوليتها أجسم في قيادة سفينة أبنائها وسط  بحر الأزمات الثائر ، ولكن كيف يتسنّى لها التسلح بسلاح الثقة والحزم إذا كانت عناصر قوتها " الأخوة والتواضع والتفاني " شبه معدومة بين قادتها ، كيف تُريدونها كنيسة قوية ، موحدة ، متجددة وجريئة في تفعيل رسالتِها الشاملة وأنتم في موقع المراقبة مِنها لا المُساهمة ؟ لماذا لا تُكشفوا علانية أمامها عن ضعاف النفوس الذين وصفتموهم بـ  ( المتملقين والمتقلبين والإنتهازيين ) الذين يحولون دون تقدم الكنيسة ؟ ليست كتابة الإقتراحات وتقديمها الى غبطة البطريرك بكافية بل المُجاهرة بها عن كثب هي المطلوبة والفعالة ، لأن لغبطة البطريرك عدداً من الآباء المستشارين لا يستطيع إغفالَ دورهم .

ولنأتي الى اقتراحاتكم المُلخصة بالنقاط الست التالية :
1 - دراسة وضع المسيحيين الحالي في العراق مع بقية الطوائف واتخاذ موقفٍ واضح وجريء من خلال توحيد الخطاب والعمل . القيام بدراسة شاملة لوقف نزيف هجرة المسيحيين ووضع خطة راعوية للإهتمام بالنازحين في الداخل والخارج ، ورعايتهم رعاية روحية ومادية وعدم تركهم فرائس سائغة أمام التيارات الفكرية والدينية التي تعصف بهم .

أعتقد ان ما صدر عن اجتماع رؤساء الكنائس المسيحية في بغداد هو جواب واف للنقطة أعلاه وإليكم نصه :


عقد رؤساء كنائس المسيحية في بغداد اجتماعا خاصا، الساعة التاسعة والنصف من اليوم الثلاثاء 18-12-2007، بدعوة من الأمانة العامة لمجلس رؤساء الكنائس المسيحية بغداد، وذلك للبحث في جدول الأعمال المعد من قبل هذه الأمانة وفق اقتراحات رؤساء الكنائس المسيحية في العراق.

كان عدد الحاضرين أربعة عشرة اجتمعوا برئاسة غبطة أبينا البطريرك، الكاردينال، مار عمانوئيل الثالث دلّي، كلّي الطوبى، وقد بوشر اللقاء بالصلاة الربيّة، ثم بدأ المجتمعون بعرض القضايا المقدمة في جدول أعمال الاجتماع، وفي مقدمتها وضع المسيحيين في العراق والأخطار المحدقة بهم مع إخوتهم من باقي أطياف المجتمع العراقي الواحد.

كما ناقش الآباء المجتمعون قضية الهجرة ومشاكلها وطرحوا سبل الاهتمام بالمهجّرين، مع التأكيد على أن موقف الكنيسة الرسمي يتمثل في البحث عن الطرق والوسائل الكفيلة بمساعدة المؤمنين لئلا يتركوا بلدهم الساكنين فيه منذ آلاف السنوات، لأن لهم رسالة تسلّموها من الرب يسوع بأن يكونوا مثالا صالحا للآخرين وأن يكونوا نورا وملحا في العالم أينما كانوا.

درس الآباء المجتمعون، أيضا، قضية الحفاظ على ممتلكات الكنائس والمؤمنين، والمهجّرين منهم بوجه خاص. كما ناقشوا قضية "سهل نينوى" من أوجهه المتعددة، واتفق الجميع على أن هذا الأمر ليس من صالح مسيحيي العراق، لأنه من الطبيعي أن يسكن المسيحيون العراقيون في أيه منطقة من بلدهم العراق يرونها مناسبة لهم إلى جانب إخوتهم من باقي أطياف العائلة العراقية الواحدة.

وفيما يخص قضية الدستور العراقي، أكد المجتمعون على حقوق القاصرين والحرية الدينية، فقد تدارسها الآباء، وسيتدارسونها بصورة مستفيضة ويرفعونها إلى المسؤولين في الوقت المناسب. وقد ناقش المجتمعون قضية أخرى، وهي قضية التعليم المسيحي في المدارس الحكومية، لأن أطفالنا ما يزالون مغبونين في مدارس كثيرة لم توفر لهم تعليم مسيحي فيها.

قضية أخرى تدارسها المجتمعون، وهي قضية الجمعيات الوافدة والتي تتخذ لها اسم كنائس ستارا لها لتقتنص شبابنا وأطفالنا وعوائلنا بطرق غير نزيهة ينتج عنها مردود سلبي في أوساط إخوتنا المسلمين أيضا. فهذه الجمعيات تدّعي بأنها تبشّر بالإيمان الصحيح، متناسية بأن المسيحية بدأت في هذه البلاد التي سقي ترابها بدماء شهدائها وتعلمت الإيمان القويم من الرسل الأوائل. لا بل أن هذه الجمعيات بدأت تعمّذ من استطاعت أن تغشّه من مؤمنينا، مما يدل على عدم اعترافهم بإيمان الكنائس الرسولية وصحة سر العماذ الذي تمنحه. وقد قدّم الآباء المجتمعون مقترحات عدّة بهذا الخصوص سيدرسونها في اجتماعاتهم المقبلة.

وفيما يخص رص الصف المسيحي، اتفق المجتمعون على ضرورة التقارب والتعاون بين الأحزاب المسيحية، وتمنى الجميع التأسيس العاجل لمجلس يشمل كافة رؤساء الكنائس المسيحية في العراق أجمع، لأن في الوحدة تكمن القوة.

وفي ختام الاجتماع، تبادل رؤساء الكنائس التهاني بمناسبة عيد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة، متمنين لبعضهم البعض، ولكل العراقيين، ولإخوتنا المسلمين على وجه الخصوص بمناسبة عيد الأضحى المبارك، أعيادا مفرحة ملؤها السلام والأمن والاستقرار.

النقاط الخمس الاخري لا يُمكن حلُّها إلا عن طريق عقد مجمع ( سينودس كلداني عام ) ويأمل أبناء الكنيسة الكلدانية المقدسة أن يُتفق على عقد مثل هذا السينودس بإجماع كافة آباء الكنيسة  .

أما عن تمنيكم عودة الحوار مع مَن دعوتموها بالاسم الذي لا يليق بها إطلاقاً ( كنيسة المشرق ) إنها كنيسة نسطورية بكُلِّ ما تعني الكلمة . كنيسة المشرق كانت جزءاً مُكملاً للكنيسة الجامعة حتى القرن الخامس ، حيث انقسمت الى شطرين متنكرين لمذهبهما الأصلي ( مذهب الكنيسة الجامعة ) . وتبنّى الشطر الأكبر المذهب النسطوري ودُعيت كنيستُه  بـ ( الكنيسة الكلدانية النسطورية ) حتى الصحوة القومية والمذهبية التي ظهرت في منتصف القرن السادس عشر ،  عندما إهتدى الأماجدُ مِن أبناء الكنيسة النسطورية الى مذهب آبائهم وأجدادهم الأصلي ( مذهب الكنيسة الجامعة / الكاثوليكي ) ولقبوا كنيستهم باسمهم القومي الكلداني ،  وبقيت الأقلية المُتزمتة منهم متشبثة بالمذهب النسطوري الى اليوم رغم محاولاتهم في الزمن المتأخر الى تغيير اسم كنيستهم الى ( الكنيسة الآثورية القديمة ) و( الكنيسة ألاثورية النسطورية) وأخيراً إبتزوا اسم المشرق وأضافوه لكنيستهم التي إنشطرت الى قسمين في الستينات مِن القرن العشرين،احدهما يتبنى التقويم القديم الخاطيء والثاني تحوَّل الى التقويم الحديث الصحيح . وفي عام 2007 ظهرت داخل الكنيسة النسطورية / التقويم الحديث حركة تصحيحية بقيادة الاسقف مار باواي سورو العالم واللاهوتي القدير ، حيث أراد انتشال كنيسته مِن الضلال والتأخر المتقوقعة في بودقتهما ، فثار عليه بطريركُها وأساقفته الذين بمجموعهم لا يمتلكون ربع ما يمتلكه مار باواي مِن عِلم وتقوى ، وقبل ما يقارب الإسبوعين أصدر أحد هؤلاء الأساقفة المتزمتين يُدعى ميليس يُقيم في اوستراليا فتوى أولية مِن خلال عِظته يحظر فيها على جميع أتباع كنيسته النسطورية برئاسة البطريرك مار دنخا الرابع ويدعوهم الى مقاطعة مار باواي وأنصاره وعدم التعامل معهم ، الإمتناع عن مُشاركتهم في مناسباتهم ، مقاطعة أطبائهم ، نبذ الشراء مِن محلاتهم ، وتهديد المُغنين في حفلاتهم بالتعرُّض للمقاطعة . تُرى ، هل هنالك حِقد  أكثر عمىً مِن هذا الحقد الذي أفصح عنه اسقفٌ ضِدَّ نظيره وأتباعه ؟ والأنكى مِن ذلك أنَّ الاسقف ميليس يعترف مُسبقاً بأنَّه سيتعرَّض لإنتقاد الكثيرين ، إلا أنَّه شدَّدَ وبصريح العبارة على عدم مبالاته بذلك وباللغة الإنكليزية ( I dont care ) وللتأكُّد مِن ذلك يُرجى قراءة مقال السيد مؤيد هيلو بعنوان ( المطران ميليس زيا . . . . أم الشيخ القرضاوي ) المنشور في موقع عنكاوا في المنبر الحر مع الرابط للإستماع الى كلام الاسقف المذكور . إذا كان تعاملُ قادة الكنيسة النسطورية مع أفضل نظير وأخ لهم ( عِلماً وفكراً وفلسفة ولاهوتاً ) بهذه القسوة والفظاظة ، وقد لا يكتفون بهذا القدر إذ ليس مِن المُستبعد إطلاقاً أن يقوموا بإطلاق فتوى ثانية يهدرون فيها دَمَه  ، كيف سيكون تعاملهم مع الآخرين ؟

بعد أن جاهدت الكنيسة الكلدانية في سبيل الوحدة بنيةٍ صافية وعزيمةٍ راسخة ولا سيما في التسعينات مِن القرن العشرين ، تفاجأت بطروحات الطرف الآخر التعجيزية والغير منطقية ، وأسوأ تلك المطالب فسخ الإتحاد الإيماني المعقود بين الكنيسة الكلدانية والكنيسة الجامعة ( كنيسة روما ) والعودة الى النسطرة .  تُرى ما الذي تغيَّر أو إستجدَّ لدى هذا الطرف الموغل في التزمُّت والإنغلاق حتى يُطالب أساقفتنا الكرام بفتح الحوار معه وهم ربما يعلمون قبل غيرهم بفشل الحوار قبل بدايته !  ثمَّ يا سادتي الأفاضل أليس تناقض بين مطالبتكم بالحوار مِن أجل الوحدة وبين قولكم " نحن كنائس ولنا خصوصياتنا وهويتنا ، هذا واقع يجب الإعتراف به وقبوله واحترامه " إذا لماذا السعي الى شيءٍ مُستحيل تحقيقه ؟ لماذا لا نسعى الى ترسيخ دعائم بيتنا قبل أن نُقدم الى ترميم بيوت الآخرين ويا ليت في ذلك جدوى ! كيف تستطيع كنيسة رئاستها مغلولة اليدين مِن قبل أتباعها العلمانيين بل( أسيادها ) أن تتحاور بحرية مع الآخرين ؟إنها مُقيَّدة لا تسطيع إتخاذ قراراتٍ حاسمة حتى الدينية مِنها والطقسية إلا وفق هوى عِلمانييها  فكيف تريدون الحوارَ مع كنيسة بهذا الوضع . إنها مؤسسة مُجهرية مُسيَّرة لا مُخيَّرة ، لقد ألهم الله أحد الرُّعاة فيها ، وجده مليئاً بملح روحي نقي ، ودعاه ليقوم بتطييب طعام إخوتِه الرعاة الآخرين الفاهي ، إلا أنهم رفضوا وقالوا بأن الطعام الفاهي أصلح لهم ! ولم يقتصر جوابُهم على الرفض فحسب بل صبّوا جام غضبهم عليه وأجمعوا على إبعاده عن مجلسهم ، مُتهمينه بشتى التُهم المُلفقة .

تقولون في رسالتكم  "بأن الكنيسة الكلدانية هي المتقدمة عدداً وإمكانيات ، وعليها أن تعمل مِن أجل المسيحيين ضمن حوار موضوعي نزيه وفعل جاد وصادق"  وهذا هو الواقع بعينه وقد قامت بواجبها  تُجاهه وإن أنكره عليها الآخرون ولا زالوا . أليس هذا إنكار صريح مِنكم للجهود التي بذلتها هذه الكنيسة التي أنتم جزء مُهم مِنها ، بالإضافة الى إتهامكم إياها بعدم النزاهة والجدية في الحوار الموضوعي ؟
بعد أن فشلت كُلُّ المُحاولات التي أبدتها الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية بكل لين وشفافية مِن أجل الوحدة الحقيقية الصادقة اعتماداً الى الواقع الموضوعي الراهن ، وإذ لم ترَ مِن المقابل إلا الصدود والإصرار على رأيه الخاطيء وغير البنّاء ، دَعت الى العمل المُوحَّد في إطار المحبة المُتبادلة مع الإحتفاظ  كُلُّ واحدٍ بخصوصياته ، حيث رأت فيه الحل الأمثل للمُحافظة على وجودنا ومُستقبلنا المسيحي في العراق . أرجو أن لا يظنَّ أحدٌ بأني ضِدَّ قيام الوحدة ، بل إنني مِن أشد التائقين الى الوحدة الحقيقية وفق ما يفرضه واقعُنا الموضوعي  وليس كما يُريده فريق ضئيل مِن أبناء شعبنا الموغل في عنصريتِه الرامية الى احتواء الآخرين وهو خال من أدنى ما يؤَهله لذلك .

أرجو للآباء الأفاضل كُلَّ التوفيق في عملهم الرعوي ، وتمتين عُرى كنيستهم الكلدانية الكاثوليكية المقدسة ، متقدماً مِنهم بالتهنئة بعيد الميلاد المجيد ورأس السنة الجديدة ، وأن يعذروني إذا رأوا في ردي هذا الذي تعمَّدت التأخر في كتابته  ما لا يتفق ورأيهم ، فالإختلاف في الرأي لا يُفقد المودة !

الشماس كوركيس مردو
26 / 12 / 2007

223
لماذا كُلُّ هذا الرُّعب مِن إنشاء فضائية كلدانية ؟


ما أحسدكم أيها الكلدان ! وما أسعدكم أن يَصعقَ المغرورون الخارجون مِن صُلبكم ، ويرتعبوا لمُجَرَّدِ سماع إسمِكم العَذب النبيل ! هنيئاً لكم بهذا الاسم الذي حباكم الله به إسماً قومياً جليلاً أصيلاً . لو لم يكن كذلك لَما حاربَه المُتنكِّرونَ له مِن أبنائكم الإنعزاليين الذين إنتحلوا لهم تسمياتٍ غريبة كالسريانية ( المونوفيزية سابقاً ) ألم يكن زعماء البدعة المونوفيزية وقادتها وناشروها الكلدان المتمردون ( أخسنايا ، يعقوب السروجي ، شمعون الأرشامي ويعقوب البرادعي وغيرهم كثيرون ) والآثورية ألم يُطلقها المُبشرون الأنكليكان على أبناء الكلدان الذين لم يتحرَّروا مِن البدعة النسطورية ( كلدان الجبال سكنة منطقة هيكاري الجبلية ) في بدايات القرن التاسع عشر وقاموا بتحويرها الى ( الآشورية ) في العقود المتأخرة مِن القرن العشرين ! أليس جُرماً أن يُحاربَ أتباع هتين الطائفتين الجاحدتين المُتمردتين امتهما الكلدانية بهذا العنف والإستكبار الزائف ؟ .

أليس رعباً مِن بعض مُنتحلي الآشورية والسريانية ( المونوفيزية ) أمثال صبري ايشو المُنادي بشعارات الوحدة ظاهرياً  ، حتى انخدع به الكثيرون وظنوا أنه مِن الغيورين على وحدة شعبنا مِن خلال كتاباته التي كان يُركِّز فيها على التسمية الثلاثية المركبة ( الكلداني السرياني الآشوري ) .  نعم إنه الرعب والحقد المشوب بالكُره لأبناء الامة الكلدانية عندما يكتب مقالاً بعنوان إستفزازي عِدائي ( اليوم فضائية كلدانية وغداً ألقوشية وبعده زاخولية و . . و . . )  وهذا ليس مُستغرباً مِن أي عنصري على شاكلتِه ، ليقوم بالإستخفاف بالكلدان العمود الفقري لمسيحيي العراق وبدونهم لن يكون هنالك وجودٌ مسيحي . إن مقاله المُستهجَن هذا أعادني الى قراءة مقاله المشؤوم الذي كتبه قبل سنةٍ تقريباً بعنوان ( الكلدان . . . شعب أم ماذا ) تجلّى فيه جهلُه التام بالتاريخ حيث يقول فيه : " . . . لو تحدثنا عن أجدادنا الذين سُمّوا كلداناً ، وهناك مَن يَدّعي بأننا من ذلك النسل، نحن المقيمون في اوسلو والسويد وسدني وألقوش ومانكيش والبتاويين و و و ، فأبقى أنا في شكٍّ كبير أن يكون هناك ما يربطني بهم مِن رابط أو صلة ، لأن كلمة الكلدان ليست سوى تسمية أطلقت على سُكّان بابل في فترة ما قبل المسيح " ويُضيف هذا المُتجنّي على الكلدان والمتباهي بجحوده لأصله ، والمستصغر لقدرتهم على إنشاء فضائية تؤكِّد أصالتهم الكلدانية بتجسيدها لخصوصيتهم القومية واعتزازهم بتسميتهم وشعارهم وعَلمِهم وأعيادهم . . . قائلاً " هل نحتاج الى دلائل وإثباتاتٍ أكثر مِن هذه لنستدلَّ على ما تعنيه كلمة كلداني التي اطلقت عليَّ رغماً عني ودون علمي وموافقتي ، ويُريد البعضُ جعلها هويتي وتسميتي القومية إن شئتُ أو أبيتُ وآخر يُكفرُني  إن تنكرتُ لهذه التسمية . وربما تكون هناك حاجة كبيرة وحجج قويةأكثر لإثبات هذا الآمر وما للكلدانية مِن مدلول ، ولا يُمكن اعتباره مدلولاً لقوميةٍ بقيت مُحافظة على وجودها وخصائصها ومقوماتها بالمفهوم الذي يُريد إثباته ، وفرضه بعض المحسوبين على المُثقفين والواعين على والدتي المسكينة وعلى الكثيرين مِن أمثالها مِن بسطاء الشعب " إنتهى الإقتباس .

أود هنا أن أسأَل هذا المتنكِّر لأصله : إذا كُنت لا تعترف بالقومية الكلدانية ، وأنها أُطلقت عليكَ رغماً عنك وبدون موافقتِك ، فمَن الذي غصبَكَ أن تجعلها الإسم الأول في التسمية الثلاثية المركبة قيل الإسمين السرياني والآشوري المُنتحلين في كتاباتك ؟ وكيف تنادي بما لا تؤمِن به ؟ وإذا كنتَ في شكٍّ مِن أصلكَ الكلداني ، فما هو أصلكَ المُزيَّف ؟ وهل تعتقد بأن الكلدان يأبهون بك وبأمثالك مِن المُتنكرين لقوميتهم ؟ كلا وألف كلا ، فانتم مُزدَرون مِن قبلهم ويعتبرونكم زُواناَ زرعه العدو في حنطتهم .

ليكن في علمك يا سيد صبري ايشو بأن القومية الكلدانية أسمى جداً مِن التسميات المناطقية المُنتحلة ، مِن حيث نُبلها وأصالتها وعراقتها ، وإن مُحاولتكَ الإنتقاص مِنها بالتهكُّم هو دليل على ضعفك العلمي وجهلك التاريخي ، وإن إطلاقك على الامة الكلدانية لفظة ( الطائفة ) نابع مِن فكرك الشوفيني ، المنادي بتغليب الباطل على الحق ، ولكن هيهات ! هل تظن أن الكلدان لم يقفوا على زيفكَ في النواح على الوحدة واللهاث وراء ابتداع التسميات المركبة ، التي جعلتها ستاراً لتمرير مناوراتك الحزبية عن طريق التلاعب بالكلمات والألفاظ  المُنمقة والخدّاعة .

لقد كتبتُ كثيراً عن ضعف الشعور القومي لدى الكلدان ، ونَبَّهتُ مِن إستغلاله بشكل فظيع مِن قبل أتباع الطائفتين السريانية والآشورية ، وهذا ما أثبته الواقع ، فقد أستطاعوا التغرير بعدد كبير مِن الكلدان وكسبهم الى جانبهم ، وراحوا يُدافعون عن أفكارهم العنصرية ضِدَّ امتهم الكلدانية بعنفٍ بزّوا به أسيادهم . كما أن هذا الضعف في الشعور جعلهم متأخرين في العمل السياسي  ومُقصِّرين في الحقلَين التنظيمي والاعلامي ، فبدل أن يكونوا السبّاقين الى خوض ميادين السياسة والأعلام بفضل امتلاكهم لكُلِّ ما يؤهلهم لذلك مِن عنصر عددي ومادي وثقافي واجتماعي ، إلا أن تحركهم جاء متأَخراً عن الباقين الذين هم دونهم بمراحل .

إخوتي الكلدان ، إذا كان بإمكان الطائفتين الصغيرتين السريانية والآشورية إنشاء فضائياتٍ بجهود أتباعهم المُقيمين في الولايات المُتحدة الأمريكية الذين أخذوا على عاتقهم هذه المسؤولية ، فكم بالأحرى كان الواجب يُحتم على الكلدان الذين يفوقونهم بأضعاف عدداً وقدرات وإمكاننيات أن يسبقونهم في هذا المضمار ؟ ها إن فكرة إنشاء فضائية كلدانية قد تَمَّ طرحُها وإن جاء متأخراً ، فأين أنتم مِن هذا الطرح ؟ ألم تتحرَّك مشاعركم ؟ ألم يهزُّكم تهكُّم الواقفين دون تقدم امتكم الكلدانية ؟ إن شعبنا الكلداني بحاجةٍ ماسة لإمتلاك قناةٍ فضائية خاصة به ، فقد وضعه أعداؤه الذين يَدّعون أخوَّته زوراً وبهتاناً في دائرة مِن التعتيم والإهمال في وسائلهم الاعلامية ، وليس هنالك مجال لإخراجه مِن الحصار المفروض عليه إلا الإقدام على تنفيذ هذا المشروع ذي الضرورة القصوى !

إننا نُناشد الأثرياء الكلدان أن تبادر مجموعة مِنهم للقيام بدراسةٍ شاملة لإقامة مشروع تجاري خاص بها ( قناة فضائية كلدانية ) أو تأسيس شركةٍ مساهمة .  وإذا تبنَّى المشروع حزب سياسي كلداني  ، فأعتقد بأن الشعب الكلداني سيدعمُه ويُساهم في إنجاحه  . إن الإنتظار قاتل ، فيا ليتكم أيها الكلدان الغيارى ذوو الغيرة والنخوة ، الإسراع الى بلورة هذا المشروع القومي الهام ، ولكم يَسُرُّني لو توَلّت زمام هذا المشروح الحيوي قيادة حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني المُمثل الأكبر لشعبنا .

الشماس كوركيس مردو
في 12 / 12 / 2007

224
الى المطران لويس ساكو تحية


منذ فترةٍ وأنا مُنقطع عن الكتابة في مواقع شعبنا الالكترونية وفي مُقدمتها موقع عنكاوا المُميَّز ، أولاً لأنني غير مُلاحظٍ فيها ما يُحَفِّزني للكتابة ، وثانيا لإنشغالي في إتمام كتابٍ تاريخي عن شعبنا المسيحي ماضياً وحاضراً ، بيد أنَّ مقال سيادتكم ( الكنيسة الكلدانية في العراق : هموم وآمال ) قد جذبَ انتباهي  ، فقرأتُه بإمعان ولا اخفي أنني تأثَّرتُ بما احتواه مِن هموم وآمال هي حال كنيستنا اليوم ! وإنَّ عزوَك مرورَ كنيستنا الكلدانية في أزمةٍ روحية ومؤسساتية يعود لهموم الواقع اليومي مِن حوادث التهديد والخطف والتهميش والتهجير علىصعيدَي المُشاركة السياسية وغِياب وحدة الخطاب والتضامن هو تحليل واقعي  ! كما أنَّ تَمنّيكَ بل دعوتَك لقيام الكنيسة برحلةٍ الى عُمق أصالتِها و . . . لتعودَ قوية مؤحَّدة . . . لتلعبَ دورَها وتواصلَ رسالتَها في عملٍ خَصبٍ تَعمُّ فائدتُه كُلَّ العراقيين .  إنَّه تَمَنّي جيِّد ، ولكن هل مِن العدل والمنطق أن يُطالب بهذه الرحلة مَن هو عضو بارز وفَعّال بهذه الكنيسة  وينأى بنفسِه يعيداً عن المُشاركة فيها ؟ وكيف تَتِمُّ هذه الرِحلة إذا تَخَلَّفَ ما يقرب مِن نصف قادتِها عن المُشاركةِ فيها ؟

إن المحاور الأربعة التي طرحتَها عسيرة التحقيق ما دام التفاهم والحوار في ظلِّ التواضع والغفران والتضحية مفقودان بين رُعاة كنيستنا ! فعودة المحبة بين الإخوة هي حاجة قصوى ، لأنها وحدها هي القادرة على دَفع الإخوة لنسيان ما ورائهم والتقدم الى الأمام بسعي مُتجَدِّد نحو الهدف الأسمى الذي تدعو إليه سيادتُك والمُتمَثِّل في : الوثوق مِن هويتنا ومكانتها في واقعنا المسيحي والوطني . تفعيل دورنا في مُجتمعنا العراقي ، مُقتدين بما فعله أسلافنا في مُختلف العهود .  توضيح رؤيتنا نحو مُستقبلنا في الوطن ، ترسيخ الثقافة المسيحية الأصيلة ، توطيد الروابط الوحدوية بين كافة الكلدان في العالَم .  إن الهجرة  بشقَّيها الداخلي والخارجي مُشكلة عويصة للغاية ، لا بدَّ مِن وضوح الموقف بشأنِها وايجاد العلاج الصحيح لها روحياً وإنسانياً ومادياً ، وليس هنالك أفضل مِن لَمِّ الشمل على أرض الوطن .

سيدي الفاضل ، إنَّك الأدرى مِني بكثير  بطريقة رأبِ الصدع  بين الإخوة ولا سيما الروحانيين مِنهم ،  التواضع والغفران ! ألستَ أعلم مِني بقول الرب ، بأنَّ المُتَّضع هو الذي يَرتفع ! فلماذا لا تكون المُبادر وأنا واثق بأنَّك المُقتدِر ، هل تدري يا سيدي أية فرحة ستُهديها الى شعبك المُهَدَّدِ مِن كُلِّ جهة ! أرجو أن لا تنظر إليَّ كمُلقي نصائح بل كإبنٍ مِن أبناء شعبك المتواضع ، مُغرمٍ بمحبة كنيستي ورُعاتِها !

طوبى للمتواضعين . . . طوبى للساعين الى السلام . . . !

مع فائق التقدير والإحترام

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 8 / 2007

225
لا ينضحُ الإناءُ إلاّ بمافيه !

 إذا تَحلّى الإنسان بقليل مِن العدل والإنصاف ينأى حتماً عن انتقاد طرفٍ لصالح طرفٍ آخر دون إدراج مُقارنةٍ بين أقوال الطرفين ، فالشماس نوري مَندو جعل مِن نفسِه خصماً لي دون مُبَرِّر ومُحامياً مُتبَرِّعا لكُلِّ مَن جرى بيني وبينه خلاف في الرأي ، فتراه يُدافع عن السيد سمير شبلا  وينتقي بعض العبارات مِن رَدّي الذي لم يكن ليأتي لو لم يكن هو الباديء بمقال هجومي  مُفاجيء عليَّ تجلَّى فيه الإنفعال الشديد دَلَّت عليه الأخطاء اللغوية  ، وكُلُّ ذلك لمُجَرَّد نشري نقداً تاريخياً لمقال تاريخي لسيادة المطران لويس ساكو ، ومِن ضمن ردّي نصحتُه  بعدم التسارع بكتابة المقالات والردود قبل أن يصوغ عباراتِه  لكي تكون الكتابة سليمة  ، فهل في ذلك ملامة ؟ ونفس النصيحة أسدَيتُها لك يا شماسنا العزيز وإذا سبَّبَت نصيحتي لكَ انزعاجاً فأنا أعتذر لكَ ! ولكن أخطاءَك النحوية كثيرة ولو كان لديَّ عنوانك لأرسلتُ لكَ نُسخاً مِن مقالاتِكَ وردودكَ مؤَشراً عليها بالقلم الأحمر !

أما عن باعك الطويل في ميدان الكتابة وفي مجلتي نجم المشرق وبين النهرين لا عِلم لي به ، ففي الحقيقة لا تصلني إلا مجلة نجم المشرق ، فأتصفَّح المهمَّ فيها وللأسف لم تُلفت نظري أية مقالةٍ مِن مقالاتِكَ ، وحسب عِلمي انَّ للمجلة مُنقِّح لغوي للمقالات التي تُنشر على صفحاتِها . أما كتابك " نصيبين في تاريخ كنيسة المشرق قديماً وحديثاً " فأُهنئُكَ عليه ،  ولآنني مُغرم بالتاريخ عموماً وبتاريخنا القومي والكنسي خصوصاً ، فيا ليتني أحصل على نسخةٍ منه . عزيزي الشماس نوري أنا لا أنزعج مُطلقاً  مِن كتابات الآخرين  ولا أنتقص مِن آرائهم  ، ولكن انزعاجي يتأتى مِن ركاكتها اللغوية فقط .هنيئاً لك بقيامك بكتابة وطبع كُتُب الصلوات على حسابكَ الخاص وإهدائكَ إياها لكنيسة أبرشيتكم ، إنه عمل نبيل وذو أجر لدى الله ، وبالتأكيد أنا لا أعتبره تباهياً بل تعريفاً ، ولا تدري كم أنا فخور بمَن يقوم بمثل هذا العمل !

أخي الشماس نوري ، هل كُنتَ تعرفني مُسبقاً ؟ هل انتقدتُ مقالتك " السينودس الكلداني : أزمة ثقة وفقدان رؤية " قبل أن تَردََّ عليَّ بتحامل وانفعال ؟ وهل أن تقوم بانتقاد الآخرين حلال عليك وانتقادهم لك حرام عليهم ؟ يبدو لي أنَّك بارع في فن التجريح والمُداواة ، ولأول مرة اسمع مِن شماس ذي تربية مسيحية ومكانة في الكنيسة والمجتمع يتلفظ  بعبارة " أبناء الشوارع " أليس هذا مُستوىً رخيصاً ؟ ومع ذلك تقول بتحمُّل المسؤولية عن كُلِّ كلمةٍ صدرت عنك وما أكثرها ؟ لا أعتقد أن ضميرك لا يُؤَنبك على الكلمات الباطلة !

إن المعلومات التي ذكرتُها عن أعمال السينودس قد استقيتُها مِن البيان الرسمي الذي أصدره المطران جاك اسحق والمنشور على الموقع البطريركي وبإمكانك الرجوع إليه ، وإذا لديك جهاز الفاكس زَوِّدني برقمه لأَبعثه لك لتتأكد مِن صحته ، لا تناقض لي في الأقوال لأنني ثابت المبدأ لا أتزعزع ولا أحابي وإنني حُرٌ ومستقل ، وما شأنُك بما قلتُه للمطران ساكو وما قاله لي ، أليس تدخلك فيما لا يعنيك يُلقيك ما لايُرضيك ؟ الكلمات التي قلتُها تدخل ضمن النقد التاريخي بالفعل وليست كما تصفها بالكلمات الشنيعة التي هي كذلك مِن وجهة نظرك فقط .

لو كنتَ تعرف طريقة انتخاب الأساقفة لَما كنتَ تُروِّج للتسريب وتعتبره أمراً مهولاً إتخذتَ منه ذريعة للطعن بآباء السينودس ، ليس الخطأ في السينودس وإنما الخطأ ناتج عن ضعفٍ بشري وهو مُتوَقَّع الحدوث في المجامع والمؤتمرات في كُلِّ زمان ومكان .  ما أجمل أقوال بولس رسول الامم عن التنافس بالأعمال الصالحة وأن يكون تفاخرنا بالمسيح يسوع ربنا ، ولكن للأسف فالكثير مِنا لا يُقرنها بالأفعال !

لقد كتبتَ وأفرغتَ كُلَّ ما في جُعبتك مِن أقوال نابية وجارحة واتهامية بحقِّي ، ولكن لا بأس ، وبالرغم مِن إستطاعتي الكيلَ لكَ أضعافها  فإنني أربأ بنفسي  أن أنحدر الى هذا المُستوى الذي لا يليق بمسيحيتي المُترسِّخة في كياني منذ دراستي في معهد شمعون الصفا الكهنوتي في الخمسينات مِن القرن المنصرم ومكانتي الكنسية والإجتماعية  بعد ذلك . 

ܒܝܫܗܘ ܙܒܢܐ ܕܡܣܬܥܪܢ ܒܗ ܗܦܟܝܬܐ ܘܟܠ ܙܠܝܡܬܐ ܚܫܝܒܝܢ ܠܘܬܗ ܐܝܟ ܬܩܢܬܐ ܣܘܣܐ ܡܒܪܕܥ ܘܚܡܪܐ ܕܣܪܝܓ ܕܠܐ ܬܚܡܨܬܐ ܘܩܕܡ ܬܥܠܐ ܒܪܟܝܢ ܘܣܓܕܝܢ ܐܪܝܘܬܐ تعريبُها : ما أسوأَ الزمن الذي فيه تُمارس الأفعال الرديئة وكُلّ الإنحرافات تُحسَبُ اموراً محمودة  الحصان مُبرذع والحمار بدون خجل مُسرَّج  وأمام الثعالب تركع الاسود وتسجد ! إنه الزمان ذاته يا شماس الذي وصفه المؤَرخ إبن العبري والذي كتبتَه في مقالك بالكرشوني ، فالعتب على الذين يعرفون ولا يعتبرون فما بال الذين لا يعرفون ؟  قليل مِن التواضع يا شماسنا العزيز مطلوب في هذه الحياة ، فالكبرياء هي ام المصائب وهي التي تجعلك للإسترسال والتلذُّذ بكيل التهم للآخرين ، ألم يُحذِّر مخلصنا بقوله : لا تدينوا لئَلاّ تُدانوأ وبالكيل الذي تكيلون يُكالُ لكم . . . !  وحقاً قد قيل : إن الإناءَ بما فيه ينضحُ !  وكما أوصى المسيح الرب بأن نسامح المسيئين إلينا فإني لن أحمل لك أية ضغينة !

الشماس كوركيس مردو
في 24 / 7 / 2007

226

الحذر مِمَّن يُنهي عَن شيءٍ وهو الآتي بمثلِه !   


عزيزي الشماس نوري مندو ، كان الأولى بكَ وقبل تسديد سِهامِكَ الإتهامية الخاطئة الى الغيورين على وحدة كنيستنا الكلدانية الكاثوليكية المقدسة ، أن تُحاسبَ ذاتّك عندما قمتَ بزرع اول بذرة انقسام في حقل الكنيسة الكلدانية مِن خلال مقالك " السينودس الكلداني :أزمة ثقة وفقدان رؤية " وإن لم أكن مُخطئاً فهو أول مقال لكم على الإنترنيت إذ لم أقرأ لكم شيئاً قبل ذلك مع أن معمعة الكتابة على المواقع الإلكترونية قد حَمى وطيسُها منذ عام 2004 م ولا سيما في موقع عنكاوا ، وهذا يعني أن تجنيدَكَ المُتأخر مِن قبل الناوين شرّاً بالكنيسة لم يكن قد حان أوانُه ، وليكن في عِلمِك بأن الشرَّ وإن يُحدث أضراراً أحياناً ولكنَّ نصيبَ مُثيريه  سيكون فشلاً وخسراناً أولاً وآخراً ، وما دُمتَ قد كُلِّفتَ وإن لستُ متأكِّداً مِن ذلك إذ ربما كنتَ مِمَّن نفسُهم أمارة بالسوء فيدعوه داخُله غيرُ النظيف  بالمُعاداة والتصدّي لِمَن نوى بكُلِّ صدق وإخلاص العملَ على عدم ترك هوة الخلاف الناشب بين رعاة كنيستنا أن تتوسع بل أن تنحسر وتنردم ،  فإني أتحدّاكَ وباسلوب حيادي وحضاري وليس بمثل اسلوبك التحاملي المقيت البعيد عن الحقيقة والواقع بفضح كُلِّ تُهمِك المُزورة التي تحيكُها بخبثٍ : ما هو القديم الذي طرحتُه ولم يكن بنّاءً ومُحايداً ؟ هل قرأتَ رَدَّ سيادة المطران ساكو على تعقيبي حول نداء مطارنة الشمال ؟ ألم يكن مُحايداً وايجابياً باعتراف سيادة المطران ذاته ! وما هو طرحي الجديد الذي وصفتَه بالزور والبهتان والدال على نصبي لنفسي طرفاً ضدَّ آخر ؟ والأصح نصيراً لطرفٍ ضِدَّ آخر وبالمناسبة تَعلَّم كيف تصوغ عباراتكَ اللغوية ! 

إنكَ يا شماسنا الفاضل تتصيَّد في المياه العكرة ، مُستغلاً هفوة غير مقصودة بصدور بيانين عن السينودس ، وكلا البيانَين كانا يتضمَّنان نفس القرارات التي أصدرها السينودس ، وقد اُعتُمِد رسمياً البيان الذي أصدره الأمين العام للسينودس البطريركي المطران جاك اسحق، أليس استهزاءً مِنك بقول المطران وردوني " وخرجوا بقراراتٍ ناجحة لمجد الله ولخدمة الكنيسة ولخير المؤمنين " بتعقيبكَ عليه " وعلى المؤمنين الإنتظار بفارغ الصبر لتلقف المن والسلوى ؟ " أما تَجَنّيكَ على بيان السينودس بخُلوِّه عن أية كلمة رجاء وتشجيع للمؤمنين فهو تزييف ورياء ، فقد تطرق البيان الى أوضاع المعهد الكهنوتي البطريركي  وكلية بابل للفلسفة واللاهوت والى وضع المسيحيين في المدن الساخنة وأقرَّ الآباء  بسير الامور نحو الأسوأ وتأثيرها سلبياً على حياة المؤمنين الدينية والمدنية ودعوهم الى الثبات والإزدياد رسوخاً في ايمانهم والبقاء في بلدهم العراق رغم كُلِّ المُعوِّقات والظروف الصعبة جداً . وبالإضافة الى ذلك فقد انتخب الآباء أعضاءً للسينودس الدائم الذي هو ضرورة قصوى فيى ظروفنا الراهنة  بالإقتراع السري وهم: -
1 - المطران سرهد يوسب جمو
2 - المطران بولس فرج رحو
3 - المطران أنطوان اودو
4 - المطران شليمون وردوني مُعَيّنا مِن قبل غبطة البطريرك
وانتخب السينودس ثلاثة أعضاء ردفاء وهم : -
1 - المطران ميشيل قصارجي
2 - المطران لويس ساكو
3 - المطران جبرائيل كساب
4 - المطران اندراوس ابونا مُعَيّناً مِن قبل غبطة البطريرك

وتدارس الآباء أوضاع أبرشيات الكنيسة الكلدانية في العراق والعالم ، وبخاصةٍ في أربيل واوروبا وكندا ، واتخذوا القرارات بشأنها بما يعود بالخير الروحي والزمني للمؤمنين ، كما بحثوا حالة الكهنة  بإيجاد السُبُل التي تُساعد على تقدم حياتهم روحياً واجتماعياً ، آخذين باهتمام بالغ الأخطار التي يتعرضون لها  في الأوضاع الأمنية الصعبة .

ليس دفاعاً عن آباء السينودس ولكن دفاعاً عن الحقيقة مع تأييدي الكامل بأن يكون هنالك صوتٌ ينادي بالإصلاح ولكن ليس عن بعدٍ بل عن كثبٍ ووجهاً لوجه ، كما لست مدافعاً عن الرئاسة فلربما كان لها أسبابُها بعدم توضيحِها الأسباب التي حدت بأساقفة الشمال الى مُقاطعة السينودس ، وقد يكون في رغبتِها في حصر الخلاف في الدائرة الكنسية العليا ! وإذا أردنا الحقيقة فإن مِن واجب المُقاطعين توضيح أسباب مُقاطعتهم وقد فعلوا ولكن لم يكن في الوقت المُناسب حيث جاء بعد فوات الأوان وانتهاء السينودس مِن أعماله وكَردٍّ على بيان السينودس . لا يُنكَر بأن أساقفة الشمال يُمثِّلون أبرشياتٍ مُهِمَّة ، أما فيما إذا كان غبطة البطريرك لم يعمل ما فيه الكفاية لإقناعِهم بالحضور وإذا كُنت أنتَ على عِلم بذلك فأعتقد أن الآخرين لا علم لهم به !

ومَن الذي قال بأن المطران بطرس الهربولي إقترف جريمة ؟ إن كُلَّ ما يُنشر على صفحات الإنتِرنيت يُصبح موضع إبداء الرأي فيه مِن قبل القراء وخاصة مِن الذين يَهمهم الأمر ، وهذا ما جرى فعلاً ، أما أن يقوم سيادته أن يصف الكتابات الهادفة بالمُهاترات فهذا أمر غير مقبول وغير لائق به ! إنكَ يا شماس مندو المُنبري الأوحد لنصرة طرفٍ ضِدَّ الآخر وانحيازك واضح وضوح الشمس في رابعة النهار ، وما الذي ستجنيه مِن سبكِكَ الزيت على نار الخلاف ؟ هل قرأت لواحدٍ آخر أيَّدَكَ فيما تدعو عليه مِن التحريض على تمزيق جسد كنيستنا إرضاءً لمزاجكَ البرتقالي؟ إن الدعوة الى الإصلاح لا تَتِمُّ بالإبتعاد والمُقاطعة ، والشجاعة ليست بالإنزواء وعدم المُواجهة ! قلتُ واُكرِّر لست في معرض الدفاع عن السينودس البطريركي ، بل إن دفاعي هوعن الحقيقة الضائعة بين الأهواء ويا للأسف .  لم نلحظ أية تجاوزاتٍ حصلت مِن قبل السينودس وأتحداك إذا كان بإمكانك الإشارة الى واحدةٍ مِنها أو الى كيفية التطاول على القانون ! فالسينودس كان مُكتمل النصاب بحضور ثُلثَي آباء الكنيسة . ليست هنالك أية غاية وراء بيان المطران وردوني ، لم تَتَعدَّ كونها هفوة غير مقصودة ،  أما التسريب الذي تَدَّعي به حتى لوكان صحيحاً فليس مُستغرَباً فالمجتمعون بشر ، ولكن هل بإمكانك أنتَ أو غيرك التصريح بإسمي المُنتخبَين ؟ ثمَّ إن الأسماء تُعرضُ على الكُرسي الرسولي في روما ، وللكرسي الرسولي أضابير بأسماء كُلِّ الكهنة الكاثوليك ويعرف المعلومات الكافية عن كُلِّ واحدٍ مِنهم وهو الذي يُقرِّر مَن هو مؤَهل للدرجة الحبرية وليس البطريرك أو السينودس ، وكُلُّ ما يفعله البطريرك بهذا الخصوص هو الإعلان عن موافقة الكرسي الرسولي على انتخاب الكاهن الفلاني .

إسمح لي القول ، بأنك تقود حملة  دُعائية مُعادية للكنيسة الكلدانية مُمَثلة برئاستِها ، تهدف مِن ورائها الترويج للإنشقاق ، إنكَ تلعب بالنار والنار تطال مُشعِلها قبل غيره !  لماذا يا شماس  فتحتَ باب الصراع الكنسي بهذه السهولة وبطريقةٍ غير مسؤولة ! ألا يكفي الشعب المسيحي ما يُعانيه  مِن اضطهادٍ همجي  ضِدَّ وجوده في وطنِه ، فجِئتَ تُثير الإضطراب بين رعاة كنيستِه لتزيد مِن همومِه ! ولكن هيهات ، فإن الشعب الكلداني  متيقِّظ  وحريص على  صيانة وحدة كنيسته  . تتهم الآخرين بالتجريح وأنت أول مَن أقدم على التجريح ومحاولة النيل مِن كرامة الرئاسة البطريركية مِن خلال مقالتِكَ السابق ذِكرُها وردودك التحاملية !

الشماس كوركيس مردو
في 18 / 7 / 2007

227
الإنفعالُ دليلُ ضُعفٍ !


توضيح سيادة المطران بطرس الهربولي المُوجَّه الى قراء موقع عنكاوا بخصوص المقالات أو الردود التي تطرَّقت الى بيان عين سفني الذي أصدره مطارنة المنطقة الشمالية الكلدان ، هو الذي حملني للرد عليه باعتباري أول مَن عَقَّبَ على البيان تحت عنوان "  تعقيب على بيان أساقفة المنطقة الشمالية الكلدان " بتاريخ 5 / 7 / 2007 م .

بنوع مِن الدهشة قرأتُ توضيح سيادتِه الذي تشوبُه الحِدة والإستغراب مِمّا جعلني أن اوجِّه السؤال التالي : إذا كنتم بهذا الشكل حريصين على تَجَنُّب ردود القرّاء لماذا نشرتم بيانكم على الملأ  ؟ وبخاصةٍ في موقع عنكاوا المعروف وكما وصفه سيادة المطران لويس ساكو بأنه " خيمة العراقيين في الداخل والخارج في أفراحهم وأحزانهم " وإذا كان نشركم لبيانكم كردِّ فعل لنشر بياني البطريركية فلماذا تشعرون بالضيق مِن الردود التي تناولت البيانات الثلاثة بالمقارنة والملاحظة ؟ وهل يُعقلُ أن تَتوَقَّعواالسكوت مِن قبل القراء الذين يَهُمُّهم أمرُ كنيستهم واستقرارُها وثباتها أمام الصعوبات والتحديات ؟ ولو أنَّ الكُتّاب تجاهلوا بياناتِكم بعدم الرَد أما كنتم تشعرون بخيبةٍ وتتهمونهم أو على الأقل تُعاتبونهم على عدم مُبالاتهم بما يدور بين رُعاة كنيستِهم مِن خلافٍ وعدم انسجام ؟ أعتقد أنَّ ذلك كان سيحصل وهو عين الصواب ! أما أن تُعَبِّروا عن انفعالكم للردود الآتية مِن أشخاص يُقيمون بالخارج لأسبابٍ وظروف مُختلفة وكأنهم ليسوا جزءاً مِن أبناء الكنيسة الكلدانية فإنَّه غير صائب ، ولا يحق لأيٍّ كان فصل أبناء الكنيسة الذين في الخارج عن إخوتِهم الذين في الداخل .

لقد تناولتُ تحليلَ فحوى بيانكم بايجابية وأيَّدتُ رؤيتَكم الصائبة حول الأحداث الدائرة في الساحة العراقية وتأثيرها البالغ على واقع الكنيسة . . . وأعرَبتُ عن قناعتي التامة بأن السينودس كان المكان الأمثل لمُناقشة أولوياتكم ، وقد جاء رَدُّ سيادة المطران لويس ساكو على تعقيبي ايجابياً خالياً مِن أيِّ امتعاض أو تَبَرُّم ، أما سيادتكم فقد خَتَمتُم توضيحَكم " أرجو مِن الجميع الكف عن هذه الكتابات التي وصفتَها بين قوسين بـ ( المُهاترات ) بمعنى ( حَماقات وجهالات ) التي لا تنفع ، أليس ذلك إهانة ؟ وهل في عُرفكم التعبير عن الرأي وفق قواعد الحرية وما دام غير مُتَّفِق مع بعض بنود بيانكم يعني
( مُهاترات ) ؟

لو إطلع سيادتُكم على مقالي المُعَنون ( السينودس يعني " العمل معاً " وفي كنيستِنا السُلطة أبوية ! ) لوجدتُّم فيه مدى رغبتي في عدم توسيع هوة الخلاف القائم بين رُعاة كنيستنا والدعوة الى تقويضِها وردمِها بالكامل ، وإنّي اكرر هذه الدعوة ثانية داعياً الجميع الى اعتماد فضيلتَي التواضع والمحبة واتباع الاسلوب الحضاري في التفاهم خدمة ً لمصلحة شعبنا وكنيستنا .

أتقدم باعتذاري لو رأيتم ما هو مُكَدِّرٌ في ردي ، وتقبّلوا تحياتي

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 7 / 2007

228

الوضعُ الحزينُ في عراق اليوم !

ليس خافياً للقاصي والداني استمرارُ دَوّامةِ العُنف بمُختلف أشكاله البشعة في العراق ، شاملاً عمومَ شعبِه ذي الفُسيفسائي الجميل ، بيدَ أنَّ أقلياتِه العِرقية والدينية هي التي يَطالُها الإضطهادُ المُركَّز وكأنها هي الغازية للعراق وليست الأصيلة فيه ، وإن مُضطهديها الغاصبين هم الأُصلاء ، ولذلك يجب تصفيتُهم عِرقياً ودينياً وعدم السماح لهم للعيش على أديمِه !  كُلُّ ذلك يجري أمام سمع وبصر الدولة دون أن تُحَرِّك ساكناً لحمايتهم فهل هو عجزٌ مِنها أو عدمُ اهتمام ؟ وربما لها في أجندتِها أولوياتٌ هي برأيها أهم مِن حماية الأقليات !

إنَّ الأقليات المُضطهَدة بتركيز أكبر هي الأقليات غير المُسلمة وفي مُقدِّمتِها المسيحيون والمِندائيون ثم يليهم الشبك واليزيديون ، ففي بغداد عصابات على شكل مليشيات بعضها شيعية وبعضها سنية تمتهن سرقة وخطف المسيحييين مُطالبين أهاليهم بالفدية الباهضة ، وفي الدورة إحدى ضواحي بغداد التي كان للمسيحيين الدور الأكبر في تأسيسِها أصبحت سجناً للمسيحيين الذين لم يتمكَّنوا مِن مُغادرتِها لأسباب مُختلفة ، وَزَّعت زُمَرُ تنظيم القاعدة الإرهابي إنذاراتٍ إليهم تدعوهم فيها الى تغيير دينِهم واعتناق الإسلام أو إهداء فتياتهم كزوجاتٍ لمُسلَّحيهم أو دفع الجزية الشهرية أو مغادرة المنطقة وترك بيوتهم بما فيها والنجاة بأنفسهم ، ونتيجة لهذا الحصار قضت عائلة مسيحية بالموت جوعاً قبل فترة بسبب عدم استطاعتِها الخروج خوفاً . وفي الموصل يتعرضُ المسيحيون الى القتل وليست جريمة قتل رَجُل الدين الأب رغيد كَني وثلاثةٍ مِن الشمامسة في الثاث مِن حزيران الماضي وفور خروجهم مِن الكنيسة بعد اداء الصلاة مِن أجل السلام في العراق والعالم ببعيدة عن الذاكرة وها هي الأخبار تردنا هذه الأيام بأن المُتشَدِّدين الإسلاميين يقومون بتوزيع إنذاراتٍ للمسيحيين بترك الموصل بسبب مُعتقدهم الديني  .

لا شَكَّ أنَّ الأقليات هي الحلقة الأضعف في المُجتمع العراقي  ، فهي لا تملك مليشياتٍ كالشيعة والسنة مِن العرب ولا بيشمركة كالأكراد ، وحتى الحكومة أثبتت عدم قدرتِها على حمايتهم ، ولذلك غَدت الهدف السهل للإضطهاد المُرعب الذي تُمارسُه ضِدَّهم العصابات التكفيرية حتى أنَّه في بعض الحالات يصل الى حَدِّ الإبادة الجماعية ، وقد تجلّى هذا التركيز على أضطهاد الأقليات عندما جابهت زُمَر التنظيمات السنية المُتشَدِّدة وبقايا المُوالين لصدام مُقاومة عنيفة مِن قبل المليشيات الشيعية رَدّاً على استهدافهم لمراقد الشيعة في سامراء في بدايات عام 2005 ،  ومنذ ذلك الوقت تَغَيّرَت استراتيجية الإنتقام مِن بعضهم البعض لدى الجانبين الشيعي والسني ، وتَحَوَّلت الى ايذاء الأقليات العِرقية والدينية بشكل وحشي .

إن الأقليات العراقية ولا سيما التي لا تدين بالإسلام هم ضحايا الصراع المذهبي الدامي والطائفي الشوفيني ، وليس باستطاعتنا القول بأن جميع السنة والشيعة وراء هذا العنف أو هم المسؤولين عنه فهنالك المُعتدلون بينهم وهم الغالبية لا يرغبون بما آلَ إليه العراق، ولكن ما يؤاخَذون عليه هم عدم تَحَرُّكِهم الجاد لإيقاف هذا النزيف الدموي الذي قد يؤَدي إن لم يتِمَّ تداركُه الى تقسيم العراق لا سمح الله ،  فإياهم نُناشد للوقوف سَدّاً منيعاً لقطع الطريق أمام كُل أعداء العراق الذين يُضمِرون السوءَ له  ويسعون الى تمزيقِه وتقسيمه  ،  وأعني بهم دول الجوار التي تقف وراء هذا العنف وتُغَذِّيه بكُل الوسائل لإفشال إرساء نظام ديمقراطي في العراق .

إنَّ التاريخ سيُحاسبُكم وأجيالَكم مِن بعدكم يا أبناء العراق المُعتدلين ، إن لم تَهبّوا لصيانة وحدةِ بلدكم ، جاهدوا بكُلِّ طاقاتِكم لإفشال مُخططات الدول المجاورة ذات الأجِندات الجهنمية المُعادية لكم ، فإنها مُستميتة لكسب المحصلة النهائية للصراع الذي فرضته عليكم لصالحها ، وهو خسارتُكم لبلدكم العراق !  إعملوا على إيقاف نزيف هجرة المسيحيين والأقليات الاخرى فهي جزء مِن خسارة كبرى للعراق ، لأنها فقدان لقدراتٍ ثقافية وعلمية واقتصادية هائلة يَمتلكُها هؤلاء المُهاجرون والمُهَجَّرون !

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 7 / 2007

229

السينودس يعني " العمل معاً " وفي كنيستنا السُلطة أبوية !

بهذه الكلمات الجميلة والواقعية عَرَّفَ سيادة المطران لويس ساكو السينودس والسُلطة الكنسية ،  وبناءً الى ذلك فإننا نحن أبناء الكنيسة عِلمانيون وشمامسة نُطالب رُعاتنا الأماجد العملَ بجِدٍّ وإخلاص لرأبِ الصدع الحاصل نتيجة بعض الخلافات بين ألأب والأبناء والإخوة ، ولا بدَّ أن تحصلَ الخلافات لأننا بشر قبل كُلِّ شيء قبل أن نكون ذوي درجاتٍ ومناصب ، فنحن مُعرَّضون للوقوع في الخطأ ، ولكن علينا جميعاً الإقرار بأخطائنا وتصحيحِها لا الإصرار عليها ، ومِن هذا المُنطلق نأملُ مِن باب الغيرة والحرص على مصلحة كنيستنا أن يكون ما حدث مِن المُقاطعة للسينودس بمثابة غيمةٍ صيفية عابرة ، لكي لا تتطوَّر الامور الى ما لا نرضاه مِمّا لا يُحمَدُ عقباه ،  فتداركُ الأمر بأقرب فرصة هو السبيل الى تجنيب شعبنا زيادة في همومه الكبيرة والمُتشعِّبة في هذا الزمن الرديء ،  فليكن التواضع الذي دعانا الى مُمارستِه المسيح ربُّنا نبراصاً لنا ، فعودة الأبناء الى أبيهم ليست انتقاصاً لكرامتهم بل هي الطريق الأمثل لفرحِه واعتزازِه !

مِن الطبيعي أن تَكون لمُقاطعة مطارنة منطقة الشمال الكلدان الأربعة ومعهم مطران كركوك المُتقاعد للسينودس الكنسي أبعادٌ في أوساط الشعب الكلداني تعقبُها ردودُ فعل مِن قبل الغيارى مِن أبنائه شمامشة كانوا أو عِلمانيين وهو حقٌّ شرعي للتعبير عن آرائهم لا غبار عليه ، ولكن ما لاحظناه مِن قراءَتنا لهذه الردود المنشورة على موقع عنكاوا هو أن كُتّابَها الأعزاء لم يقرأوا بيانَي السينودس في القوش واللقاء في عين سِفني بإمعان وتمحيص ، ولو فعلوا لوجدوا فيهما تشابهاً في الكثير مِن النقاط  الواردة فيهما وتُعتبر مِن البديهيات التي لا اختلاف عليها ، وإنَّ كُنهَ الخلاف كان توقيت عقد السينودس ، وكانوا بذلك قد تَجَنَّبوا الإنفعال العاطفي الذي حَدَّد لهم وجود جناحَين مُتخاصمَين في كنيستنا ،  وأنا شخصياً كنت حريصاً جداً في الوقوف على الحياد مِن هذا الخلاف تدفعني رغبة عارمة بعدم توسيع هُوَّتِه بل بتقويضها ورَدمِها بالكامل ! وأعتقد أن ما رَمَيتُ إليه ورد في رّدِّ صاحب السيادة المطران لويس ساكو على تعقيبي بقوله : " في الختام أملنا كبير بتعاون الجميع وعدم التوقف عند بعض الإختلافات ، وأن توضع مصلحة الكنيسة فوق كُلِّ الإعتبارات " وهذا هو أملنا في جميع رعاةِ كنيستنا الأفاضل وعلى رأسهم غبطة أبينا البطريرك مارعمانوئيل الثالث دلي راجين أن يُقرَنَ القول بالعمل .

إني أعتذر للإخوة أصحاب الردود إذ قد أكون مُخطئاً بقولي لهم بأنهم لم يقرأوا البيانين جيداً ، وما دفعني لهذا القول هو أن نتعاضدَ جميعاً لتضميد هذا الجرح البسيط في جسم كنيستنا لكي يندمل بسرعة ، فكنيستُنا الكلدانية الكاثوليكية هي جزء مِن الكنيسة الكاثوليكية الام الجامعة الاعجوبة الحَيَّة ،  فمنذ الفي سنة هي كالطود الشامخ رغم كُلِّ ما جابهها مِن المظالم والصعاب وما دُبِّر لها في الخفاء والعلن مِن المكائد مِن الداخل والخارج ، صامدة ورائدة بقوة مؤَسسها ورئيسها غير المنظور يسوع المسيح الرب ! ولذلك فلنسعى جميعُنا الى صيانة وحدة كنيستنا لتبقى لنا قلعة حصينة وخيمة ظليلة تأوينا .

علينا أن لا نندهش أن يكون لرُعاة كنيستنا الكِرام إختلاف في الرأي وتبايُن في الأفكار على أن لايُشكِّل ذلك وهناً في محبتهم المتبادلة لبعضهم البعض ، فإنها ظاهرة صحية لإغناء كنيستنا بكُلِّ ما يؤول لخيرها وإعلاء شأنها ، وإن أنسب وأنجع وسيلةٍ لإزالة الإختلافات الفكرية بين الآباء هو السينودس( المجمع ) حيث يَتوفَّر فيه جَوٌّ مِن الديمقراطية وحُرية التعبير اللتين تُساعدان على رَصِّ الصفوف والتعاضد وتصحيح الآراء المغلوطة وبالتالي الوصول الى قراراتٍ صائبة ، فمنذ زمن الرُسُل إعترض بولس رسول الامم على تَصَرُّف بطرس بشأن قبول الوثنيين في الكنيسة واقتنع بطرس برأي بولس بكونه الأصح ، وهنالك أمثلة كثيرة للخلافات التي كانت تُحسم مِن قبل المجامع الكنسية لا مجال لذكرها في هذا المقال المُقتضب .

إن دورنا نحن العلمانيين يجب أن يكون دوراً داعماً وبنّاءً كطرفٍ يسعى بكُل إخلاص الى توضيح الآراء وتقريبها ، وباعتبارنا مُشاهدين وليس لاعبين فإن المُشاهد أكثر قدرة على تشخيص الخطأ مِن اللاعب ! ولذلك نطلب مِن الآباء أن لا يعتبروا ذلك تَدَخُّلاً مِنا في شؤونهم ، بل فلينظروا إلينا بمثابة أبناء وإخوة وأصدقاء يُؤلمنا جداً أن نرى انعدام الإنسجام أو حتى قِلَّته فيما بينهم !

نُكرِّر دعوتنا لكم أيها الآباء الأجِلاء بإعادة الحوار البناء فيما بينكم بروح مسيحية أولاً وديمقراطية ثانياً ، فالتفاهم الأخوي بين بعضكم البعض يدفع بسفينة كنيستنا الى بَرِّ الأمان ، وكُلَّما كنتم صَفّاً مُوَحَّداً يكون التفاف الشعب حولكم أوثقَ عروة ، ونحن في انتظار إطلالكم علينا مُوَحَّدين بخطابٍ واحدٍ وبيان واحدٍ سائلين الرب أن يمنحكم الشجاعة ونعمة التواضع !

الشماس كوركيس مردو
في 13 / 7 / 2007


230

تعقيب على بيان أساقفة المنطقة الشمالية الكلدان



كان يَتوَقعُ الشعبُ الكلداني أن يُصدرَ مطارنة منطقة الشمال الكلدان توضيحاً وافياً للأسباب التي حَملتهم على مُقاطعة السينودس الكلداني ( مجمع الكنيسة الكلدانية ) الذي انعقد بدير السيدة بألقوش مِن  ا - 6 حزيران الماضي 2007 م برئاسة البطريرك وحضور أحد عشر مطراناً واسقفاً ويعني ذلك أنَّ النصابَ كان مُكتملاً بحضور أكثر مِن النصف زائداً واحد ، غيرَ أنَّ هذا لا يُبَرِّر تَجاهل عدم مُشاركة خمسةٍ مِن المطارنة الذين تُشكِّل أبرشياتُهم رقماً كبيراً في ديمغرافية الشعب الكلداني ولا سيما في ظروفه الراهنة .

ولكن بالرغم مِن كُلِّ ما ذكره المطارنة مِن رؤيةٍ صائبة للمُستجِدّات الحاصلة في الساحة العراقية وتأثيرها على واقع الكنيسة ، وعلى الكنيسة الخروج مِن وضعِها الجامد الخالي مِن الروح المُحَرِّك القادر على تمكينِها مِن إحداث إصلاحاتٍ جذرية في بنائها الآيل الى السقوط لا سمح الله  وإداء رسالتِها بتجَدُّدٍ ووضوح بدون خوف وارتباك ، لم يكن قرارُهم بالإتفاق على عدم المُشاركة في السينودس هو الحل للمشاكل الواقعة فيها الكنيسة ! ولكنَّ الشجاعة في الحضور والجرأة على المُجابهة في طرح الامور على بساط البحث عن كَثَب هو الاسلوب الصحيح لعِلاجِها وتبنّي الإتجاه المُلائم للسير قدماً في حَلحَلتِها ، ولا يُمكن إتِّخاذ قرارات مصيرية تكون في مستوى المرحلة الصعبة التي تَمُرُّ فيها الكنيسة وشعبُها وقد انقسم رُعاتُها الى فريقين مُتَّخِذاً كُلٌّ مِنهما وادياً للإعتصام به بعيداً عن الآخر !  والى صوت أيِّ فريق يُصغي الشعب ؟ ألم يكن مِن الأصوب أن تحملوا معكم أولوياتكم الواردة في بيانكم وتعرضوها على السينودس وتُطالبوه بحسمِها وجهاً أمام وجه وبروح ايجابية وجريئة مِن أن تعرضوها على غبطة البطريرك وأمانة سِر السينودس في رسائل مُشتركة وفردية إذا كانت النية صافية ومدعومة بشجاعةٍ وجرأة ولا سيما أن المطالب هي واقعية وشاملة ومطلوبة التحقيق مِن كافة أبناء الشعب الكلداني بدون استثناء ؟

ولو أن مطارنة الشمال الأجِلاء اختاروا الحضور الى السينودس ومُناقشة مطالبهم الواقعية والمشروعة ، لكان لموقفهم وَقعٌ وتأييدٌ أكبر مِن قبل أبناء الشعب الكلداني في حالة عدم تبنّيها ِأو مُعارضتِها ، فأعتقد أن هذه هي المؤاخذة الوحيدة التي تُحسَبُ عليهم ، أما المطاليب والمُقترحات فلا خلاف عليها ولا يُمكن إنكارُها أو تجاهُلها وهي تُمَثِّل الواقع الكنسي المُترَدِّي  ولا بدَّ مِن دراستِه بشكل مُستفيض واهتمام بالغ ، أما ما يخشاه الشعب الكلداني هو أن تَنقلبَ مُقاطعة السينودس الى بادرة إنشقاقية في الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية التي ستُصبح عاملاً إضافياً في تفاقم مُعاناة أبنائه  وضُعفهم ويأسهم ، وهذا حتماً لن يكون في صالح مطارنة الشمال بأي حال مِن الأحوال ، ونرجو أن لا تكون عدوى غيرنا المُزمنة في طريق إمتدادِها إلينا إن لم يكن قد إمتَدَّت وهذه بوادرُها ،  لذلك نُطالبكم أيها الآباء الأفاضل بالعودة الى مُخاطبة الأب البطريرك للإعداد الى سينودس عام وشامل كما طالبتم في بيانكم وعن قربٍ وليس بالرسائل ، ولكن ألا ترون مِن الأفضل وقبل ذلك أن يُدعى الى عقد مؤتمر كلداني شامل يحضرُه مُمَثِّلون عِلمانيون وكنسيون عملاً بتوصية المؤتمر الفاتيكاني الثاني بوجوب اشتراك الشعب بمُمَثِّليه العِلمانيين في صُنع القرار ؟ إذ إن إستفراد أبناء الإكليروس وحدهم بالقرارات التي تتعلق بمصير الشعب لم تَعُد نافعة في عصرنا الراهن ، وبهذا الخصوص يُرجى الإستعانة بالمختصين مِن حيث تحديد موقع وموعد انعقاد المؤتمر آخذين بنظر الإعتبار الظروف الأمنية ، وأن تسبق هذا المؤتمر مُشاورات ولقاءات بين أبناء كافة الأبرشيات واحزاب الشعب الكلداني ومُنظماتِه الثقافية والإجتماعية ومُستقِلّيه مِن المُفكِّرين والكُتّاب والمثقفين ، لكي يُضمَنَ للمؤتمر الشامل الإنسجامُ التام في ايجاد مُصالحة ذاتية وجماعية لصيانة البيت الكلداني مِن تداعيات الهدم والإنقسام .

إننا نُقَدِّرُ عالياً مُناشدة مطارنة الشمال كافة العراقيين بعدم الإستسلام للواقع المرير والرجوع الى بعضهم البعض ، والإحتكام الى مبدأ العقل واعتماد لغة الحوار كاسلوبٍ وسبيل أمثَلَين لحل قضايانا غير آبهين بالخارج وإهراصاتِه ، ولنَعُد الى التشَبُّث بقِيَمِنا على الصعيد الإنساني والوطني والديني ، وبغير ذلك لا نستطيع ايجاد طريقةٍ سليمة في التفكير واستمرار الوجود بروح الأخُوة والمسؤولية .وفي الحقيقة إذا بقينا مُمتنعين عن مَدِّ أيادينا للمُصالحة الوطنية والصفح عن بعضنا وإعادة بناء جسور الثقة والمحبة المنهارة يكون مِن العسير علينا العودة الى العيش المُشترك السابق والحِفاظ على وطننا بنسيجه المُتجانس بتعدُّد ألوانِه تارخياً وقومياً وثقافياً ودينياً .

شُكراً لندائكم التشجيعي المُوَجَّه الى كافة المسيحيين المُعانين ، ليُواظبوا على استمرارية دورهم الريادي في إتِّباع لغة الحِوار والسعي الى تغليب ثقافة المحبة والسلام ، فالمسيحية هي حقاً علامة الرجاء وسط عواصف الضيق ! إن إستعداد كنائسكم ومراكزها لإستقبال أبناء شعبنا المُهاجرين والمُهَجَّرين ومطالبتكم أبناء أبرشياتكم لإبداء المساعدة للنازحين الى مناطقهم الفارين اضطراراً مِن وجه الظلم بعدم إثقال كاهلهم بإيجارات مُرتفعة هو عمل مسيحي نبيل .
                                                                                                                                                                                                                                                                وما أروع نِداءَكم المُوَجَّه الى الرهبانيات الرجالية والنسائية الكاثوليكية للقدوم الى مناطق أبرشياتكم الآمنة والمُستقرة ، فإن مؤمنيها بشَقَّيهم المُقيمين والنازحين إليها مُجبرين ، هم بحاجة ماسة للرعاية الروحية والثقافية مِن خلال فتحهم المدارس بمراحِلها الثلاث الى جانب إنشاء معاهد صحية وفنية وغيرها ، وبذات الروعة هي دعوتكم للجمعيات الخيرية الكنسية للإسراع بمد يد العون لتطوير قرى الأبرشيات مِن خلال إقامة مشاريع تنموية زراعية وصناعية وخدمية لكي تُوَفِّر فرص عمل لسُكان المناطق وبذلك يتشجَّعون للبقاء وعدم الهجرة .

نرجو أن تكون لهذه النداءات والإقتراحات مُتابعة مُستمرة لتجسيدها على أرض الواقع ، فلا فائدة مِن بقائها حِبراً على ورق كتمنياتٍ لا تُنال !

الشماس كوركيس مردو
في 4 / 7 / 2007

231
هَل حقا هو موقف الكنيسة أم موقف الأب سعد سيروب ؟


قبل بضعة أشهر كان الأب بشار متي وردة بين كُلِّ فترةٍ واخرى ، يبعث بمقالةٍ الى موقع عنكاوا يُضمِّنها مَواضيع مُهيِّجة لعواطف أبناء الشعب المسيحي المغلوبِ على أمره ،  وتُثير جدلاً فيما بينهم وتعكسُ انطباعا مليئاً بالريبة لدي المُسلِمين ولا سيما الاصوليين والتكفيريين مِنهم ، حتى أنهم حاولوا اصطيادَه والبطشَ به ، ولما فشلوا في الظفر به لتَمَكُّنِه مِن الفرار الى الشمال ، حَوَّلوا نقمتهم الى نُظرائه مِن الكهنة الأبرياء حيث تَعرَّض عددٌ مِنهم للإختطاف مِن جَرّاء كتاباتِه الإرتجالية وبدون عِلم الرئاسة ، ولله الحمد أطلقَ الخاطفون سراحَهم بعد تأكُّدِّهم أنَّ أيٍّ مِن المُختطَفين لم يكن الأب بشار !

وفي الآونة الأخيرة يُطالعنا اليوم الأب سعد سيروب بإسلوبٍ جديد بعِدة مقالاتٍ يُعربُ فيها عن أفكاره وآرائه الشخصية تتعَلَّق بقضايا شعبنا وهو حقٌّ طبيعي  يتمتع به كُلُّ إنسان مِن حيث حُرية الرأي ، أما أن يُعطي لنفسِه التأكيد وكأنه الرئيس الفعلي للكنيسة دون أن يُحَدِّد أيَّة كنيسة يقصد ،  حيث هنالك للشعب المسيحي على الأقل ثلاث كنائس بثلاث رئاسات ، بأن "  هذا هو موقف الكنيسة  "  ثمَّ يُطالب  الأحزاب السياسية ذات الطابع القومي المسيحي  بالإعلان عَن موقفِها ؟

ليس هنالك اعتراض لِما أورده في مقاله ففيه مِن الحقائق ما يُثبتُه الواقع الموضوعي بالنسبة للأحزاب السياسية القومية المسيحية ، ولكن الغير مقبول هو أن يتعدّى حدوده ويسلُب حَقَّ الرئيس الأعلى للكنيسة التي قصدها ضِمناً عن طريق استشهاده بتصريح رئيسها البطريرك ومُعاونه المطران ،  فالإستشهاد بالأقوال لا يعني التخويل ! بالإضافة الى أنَّه يُخاطب الأحزاب السياسية بصيغة المُفرد  ، حيث يقول : " لذا فإني أدعو الأحزاب السياسية "  تُرى ، ماذا يعني هذا ؟ هل يشير الى موقف الكنيسة أم الى موقفِه الشخصي ؟  كيف يُطالب الأحزاب بتوحيد مفاهيمِها في الوقت الذي هو ذاتُه  والكثير مِِن أمثالِه كهنة ومطارنة وأساقفة مُختلفون بموقفهم مع مواقف رئاستهم ، ولا اريد حالياً الدخول في التفاصيل ، وسيكون لي الحديث عنها في وقتٍ لاحق ومناسب .

عزيزي الأب سعد ، كيف تُريدُ أن يستجيب لنِدائك الشعب المسيحي مُمَثَّلاً بأحزابه ، عندما يرى أن بعض رُعاتِه لم يُلَبّوا عمداً دعوة رئيسهم لحضور السينودس السنوي لكنيستهم ؟ وكيف يثق بكلام كاهن يتطاول على سُلطة البطريرك  ويُعبِّر عن موقفه دون تخويل مِنه ؟ ألا يكفي هذا الشعب المسكين ما هو فيه مِن ضيم جرّاء تشرذمه وتباعده حتى يُضافَ إليه ضيمُ الخلافات بين رُعاة كنيستِه ؟ وهل تعتقد أن الشعب غافل عَمّا يجري وراء الكواليس ؟

الشماس كوركيس مردو
في 28 / 6 / 2007

232

لنُعالج مأساة المسيحيين بكلام رزين !


لم يَعُد هنالك مَجالٌ للشك لدى القاصي والداني بتَعَرُّض العراقيين عموماً للقتل والتشريد على أيدي فئآتٍ إسلامية إرهابية مَحلية ، يدعوها للإقتتال الدموي فيما بينها العِداءُ المذهبي الحاد والمُزمِن ، وقد طالَ بعنفِه المجموعات التابعة للمذهبين الشيعي والسني ، لا يُمَيِّزُ بين شيخ وطفل أو إمرأة ورَجُل ، ونتيجةً لتفاقم نار هذا الصراع إمتَدَّ سعيرُه ليُحرقَ مُكَوِّنات الشعب العراقي الاخرى الصغيرة مُقارنة بالمُكَوَّنَين المتصارعَين  رغم بعدِها وعدم علاقتِها به بأيِّ شكل مِن الأشكال تشجيعاً أو انحيازاً أو مُشاركة ، ورأت أنها ما دامت تُشكِّل جزءاً مِن الشعب فلا بدَّ أن يكون لها نصيبٌ مِن هذه المُعاناة والمأساة التي دَبَّرها للشعب العراقي أعداؤه حُكّامُ دول الجِوار العراقي ،  ولماّ رأوا أن هذا وحده لا يكفي لتمزيق الشعب العراقي وتدميره وتشتيتِه ،  قاموا بتجنيد مجموعاتٍ مِن العملاء والمُرتزقة مِن مُختلف الدول العربية والإسلامية ، وسَهَّلوا لها الدخولَ الى العراق بعد أن زَوَّدوها بالمال والسلاح الى جانب الدعم اللوجستي لكي تَزيد مِن الفوضى السائدة ،  بالإضافة الى سماحهم للزُمَر الإرهابية السلفية أتباع القاعدة بالعبور الى العراق مِن خلال حدودِها ، جالبة معها أفكارها الشوفينية العَفِنة التي كانت سائدة في قرون التاريخ المُظلمة المُخالفة بكُلِّ المقاييس لمُتطلبات عصرنا الحالي ، فراحت تعيثُ فساداً في العراق وتُمارس أبشع أنواع الإجرام بحقِّ أبنائه مِن قتل وذبح وخطفٍ وابتزاز وتفجير وتهجير و و و وفي الآونة الأخيرة رَكَّزوا بإجرامِهم على أبناء القوميات الصغيرة غير المسلمة وبخاصةٍ المسيحيين مِنهم حيث أعملوا فيهم القتلَ والخطفَ والتعذيبَ والنهبَ وفرضَ الإسلام قسراً ودفعَ الجزيةِ صاغرين وطردَهم مِن دورهم وتحت سمع وبصر الحكومةَ بكافة أجهزتِها ومؤسساتِها  .

مِن حَقِّنا نحن المسيحيين أن نعتبَ على الحكومة ونُطالبَها ببسط الحماية على المسيحيين وإبعاد الأذى عنهم ، ولكن بإسلوب مُهَذَّبٍ وعقلاني وليس عن طريق التجريح ولا سيما أننا نعلم كونَها في موقفٍ حَرج لا تُحسَدُ عليه ، فهي واقعة بين مطرقة الإحتلال وسِندان فئآت الإئتلاف الحكومي المُتباينة المسارات والأهداف اللاهثة كُلٌّ مِنها للحصول على أكبر قدر مِن المنافع الذاتية والفئوية مُستغلة التَخَبُّط السياسي والإنفلات الأمني المُستفحل في مُعظم أنحاء البلاد  ، فكيف يُمكن الإتِّكال على مثل هذه الحكومة للقيام بدور فاعل لإنقاذ الوطن بإخماد نار الفوضى المُلتهبة وهي تكاد لا تقوى على حماية ذاتِها داخل منطقتِها الخضراء المُحَصَّنة !

ولكن ، هل يُمكن القبول بمثل هذه الحكومة  ، وهل هي تقبل بما هي عليه مِن ضعفٍ أمام تيّارات الإئتلاف والى متى ؟ إن الأمل ضعيفٌ أن تفي هذه الحكومة بوعودها التي تَعهدت بها للشعب ما دامت مُنعدمة الجرأة للقيام بتحرير أجهزتِها ومؤسساتِها مِن الإختراق ! ولذلك فلم يبقَ أمام الشعب العراقي  بكافة أطيافِه إلاّ الدعاء الى الله أن يُحقِّق له النصرَ للوطنيين الأحرار مِن أبنائه وتمكينهم مِن تشكيل حكومة إنقاذٍ عِلمانية قوية تفصل الدين عن السياسة مع احترامِها للأديان والحفاظ على قِيَمِها وتقاليدها ، وكُلما ابتعد الدين عن السياسة زال عنه الفساد وازداد مُحافظة على مبادئه وكرامة مؤمنيه ! والمِثال الغربي هو خير دليل فلولا قيامُه بفصل الدين عن السياسة لَما وصل الى هذا التقدم الهائل !

إن قوات الإحتلال وبموجب القوانين الدولية هي المسؤولة الرئيسية عن توفير الأمن للمُواطنين المدنيين ، بيد أنَّ هذه القوات مشلولة تقريباً نتيجة للتخَبُّط الواقعة فيه إدارتُها الأمريكية والذي قَلَّلَ مِن قدرتِها على المُجابهة وفرض الإستقرار أو قد تكون هي الراغبة في استمرار عدم الإستقرار !  والكُلُّ يعلم بأن الفوضى عَمَّت العراق يوم دخول هذه القوات الى بغداد  بسبب غياب القانون الشرعي  آنذاك وحلول قانون الغابة محَلَّه  ،  فهل يُمكن أن تبقى الأقليات وأبرزها المسيحيون  بمنجىً عن مساويء هذا القانون ؟ كلاّ  فلا بدَّ أن يدفعوا جزءاً مِن ضريبة هذه الفوضى العارمة  الواقعِ  تحت ضَيمِها كُلُّ شرايح المجتمع العراقي  حتى  التي في قمة السُلطة .

إن ما أبداه قادتُنا الدينيون والسياسيون  مِن إستنكار وتنديد بالأعمال الإجرامية المُشينة التي تُرتكبُ ضِدَّ شعبنا المسيحي مِن قبل العصابات التكفيرية المُتجردة مِن الضمير وباسم الإسلام وهي أبعد ما تكون عن الإسلام الحقيقي ، والمُظاهرات التي يُنظَّمُها أبناء شعبنا والمتعاطفون معهم في بُلدان المهجر هي مِن أمثل الأساليب الفاعلة لِلَفت انظار أصحاب القرار في الدول المُتقدمة الى عدالة قضيتنا وحَثِّهم على التحرُّك لرفع الظلم الواقع على شعبنا في وطنه الأصلي العراق ، وهي أجدى بكثير مِن اسلوب التهجُّم والتقريع التي يُوَجِّهُه بعض كُتّابنا والتي تُضاعف الطين بَلّة وهم ربما لا يعلمون بأنهم يُخاطبون زُمَراً متأسلمة فقدت العقلَ والمنطق والدين ،  ولا يمكن اعتبارها مُسلمة  لأن المسلمين الحقيقيين يُنَدِّدون ويدينون هذه الأعمال الوحشية مُدافعين عن المسيحيين ، والدليل على ذلك كثرة المقالات التنديدية والإنتقادية  التي يدفعها للنشر في المواقع الالكترونية  مُسلمون مُعتدلون مُستهجنين الأفعال الهمجية التي ترتكبُها الجماعات المُتخلِّفة .

لقد كانت التظاهرة التي قادها المطران الكلداني الجليل مار سرهد يوسب جمو يوم الخامس عشر مِن حزيران الجاري في قلب مدينة سان دياغو الأمريكية رائعة بتنظيمها كبيرة في عدد المُشاركين فيها ، وأروع ما مَيَّزها كان الخطاب الجهوري الذي ألقاه  سيادتَه على الهواء  مُستنكِراً  ومُندِّداً  بالأعمال البربرية التي يتعرض لها شعبُ امتِنا الكلدانية المسيحي بكل تسمياتِه ،  حيث ناشد فيه الرئيس الأمريكي ومجلسَي الشيوخ والنواب الأمريكيَين بالتَحَرُّكِ لإنقاذ الشعب المسيحي في العراق مِن المِحنة التي يُعاني مِنها على أيدي برابرة القرن الواحد والعشرين ، كما وجَّهَ كلاماً مؤَثِّراً الى عموم أبناء الشعب المسيحي الصامد في داخل العراق مُشجِّعاً إياهم للثبات في ايمانَهم الحق ، وإنَّ إخوانهم في الخارج سيكونون معهم عوناً وسنداً يُطالبون العالَم كُلَّه ليتحرَّكَ لإنصافهم .

إن الإضطهادَ ليس بالجديد علينا نحن مسيحيو الشرق ولاسيما مسيحيو بلاد ما بين النهرين ، فقد رافقَ آباءَنا وأجدادَنا منذ اعتناقهم المسيحية ، إنها الحقيقة التي يجب أن نعترف بها بأن قيام المُضطهِدين بإيذائنا هو غيرتُهم مِن أصالتِنا في وطننا  وقوة ايماننا بديننا ، ولذلك علينا المُحافظة على هذين العاملَين الباهرَين عن طريق توحيد خطابِنا وتعاضدِنا  وبالترَفُّع عن أنانيتنا ومصالحنا الذاتية فإنها لن تخدم قضيتنا ومصيرنا ، إنَّ الخطر لا زال مُحدقاً بنا ، كفانا ما حَلَّ بنا عِبر الزمن مِن حَيفٍ وظلم  ، فلننبُذ التشرذم والتشَتُّت ولنسعى الى التقارب والتكاتف !

الشماس كوركيس مردو
في 21 /6 / 2007

233

ماذا دَهاكَ يا عراق يا بلدَ العِزِّ والكرامةِ والوفاق !


يا مَهدَ الحضارات وبَلدَ الأمجاد !  على قدر إعتزازنا بماضيكَ النيِّر العريق ،  بقدر ذلك يؤلمنا ما آلَ إليه حاضرُكَ مِن التَشَتُّتِ والتمزُّق ،  يا أجملَ بُقعةٍ أرضية بسهولِها وجبالها ووديانها ،  بأنهارها وأهوارها ،  بحقولها الزراعية ،  بأشجار نخيلها الباسقة وبقية أشجارها المُثمِرة ،  نُكهة أثمارها لا تُضاهَى وطعمُها لا نظيرَ له بين كُلِّ أثمار بقاع العالَم الاخرى !

اجَل يا وطني العزيز ماذا دهاك ؟ أليس على تُرابك نَمَت بذور اولى الحضارات الإنسانية وأشبعت العالَمَ بثمارها ، كيف هان عليكَ أن تنساها وتُفرطَ في عدم السير على ضوئِها  ، كيف غَفِلتَ عن حماية حدودكَ ، ليتسلَّل مِن خلالِها  كارهوكَ ومُدَبِّروا الشرِّ لكَ  لكي يَعيثوا بكَ خراباً وفساداً !  انظر الى مُعظم مناطقِكَ  وقد عَمَّتها الفوضى  وسادت فيها شريعة الغابة ،  وبخاصةٍ في عاصمتِكَ بغداد الحبيبة ، فقد أحاطها العُنفُ بمُختلفِ أشكالِه البغيضة وصوره المَريرة ، شاملاً كُلَّ أطياف شعبِكَ بلا استثناء ، ولكن الأطيافَ الصغيرة أصبحت الضحية الكبيرة ، لأنها لا تملكُ مليشية مُعزَّزة بالأسلحة والذخيرة ، لتَصُدَّ عنها الأذى وتُنقذَها مِن هذه المِحنة المُحَيِّرة ، ولا تلقى اهتماماً مِن الحكومة ولا أية جهةٍ تَتَّقِد فيها الغيرة !

ضاقت بأبناء هذه الأطياف الوطنية المُخلصة المُسالِمة  والبريئة كُلُّ السُبُل ،  حُرموا مِن العمل وخُطفوا وطولِبَ أهلُهم بالفدِية  فدُفعت عنهم  وبالرغم مِن دفع الفِدية بعضُهم قُتِلوا ،  أين المَفر ؟ باب الهجرة عسير على غالبيتهم لإفتقارهم الى المال ، اقليم كُردستان إستقبلَ العدد الأكبر مِنهم ،  ولا يسعنا إلا الإمتنان لحكومتِه الوطنية ، التي شعرت بالمسؤولية الإنسانية فمَدَّت لهم يَد العون وقَدَّمت لهم كُلَّ مُساعدةٍ مُمكنة ، وإننا نُطالبها بالمزيد لأنها الوحيدة هي القادرة على التخفيف مِن ظلم البرابرة .

متى تنهض مِن كَبوَتِكَ يا عراق ؟ إنها مِحنة كبيرة قد حَلَّت بكَ ، ولكنها قد حَلَّت بغيركَ مِن البلدان قبلكَ ، بيدَ أنها استطاعت تَجاوزَها بمقدرة وشجاعة ومُثابرة ،  وهل إن الدمار الذي لحق بألمانيا وكوريا واليابان كان أقَلَّ مِمَا حَلَّ بكَ ؟ انظر إليها الآن كيف تَعدَّت مِحنتَها ! إنها الإرادة القوية وحُبَّ الوطن الذي يَكُنُّه شعبُه له ! أين شعب العراق مِن شعوب هذه الدول ؟ قام النظام السابق ببناء المعامل والمدارس والجسور والمباني الفخمة والمُستشفيات والجوامع والكنائس ، ولكنه لم يبنِ الإنسان العراقي بل قام بهَدم  بنائه الطبيعي ، وأمعنَ بغسل دماغِه مِن إخلاصه وحُبه لوطنه ، وأرشده الى طريق الغِش والفساد ، أما اليوم فبدل أن يَجِدَ الإنسانُ العراقي مَن يُعيد إليه الإخلاصَ والحُبَّ للوطن وتنقية داخله مِن الغش والفساد ،  جاءَه مَن يُضيفَ إليها زَرع الأفكار الطائفية الفاشية والعنصرية الدينية والمذهبية ، ليكون مُستعِدّاً لتفجير كُلِّ الأبنية بمن فيها مِن البشر ونسف كُلِّ الجسور والمساجد والكنائس وتمزيق نسيج المُجتمَع العراقي المُتعَدِّد الألوان والنقوش !

لا تستطيع دولة أن تصل الى مَرتبةٍ سامية بين الدول ، إذا لم يكن هدفها الأول والأخير الإنسان والإيفاء بتمكينه مِن نيل حقوقِه  ودَفعِه للإمساك بناصية العِلم والثقافة ليكون عطاؤه أكثر مِن أخذِه ، ولا بُدَّ أن يبدأَ هذا الآهتمام بالإنسان الطفل أولاً ، لكي يتعلم الى جانب دروسِه حُبَّ الإنسان لأخيه الإنسان بغض النظر عن دينه أو مذهبه أو لونه وكذلك تقوية حُبِّ الوطن لديه ، عملاً بالقول المأثور والذي يؤَكِّدُه العلم الحديث " العِلم في الصِغَر كالنقش على الحَجَر " بهذه المباديء يجب أن يُشَبَّع الإنسان العراقي ،  لكي نجعل مِن العراق دولة حديثة  تتبَوّأ مكانة مرموقة بين الدول المُتقدِّمة  ، وليس بتأجيج النعرات الدينية والمذهبية التي يُمارسُها رجال الدين المُسلمين في خُطبِهم مِن على منابر المساجد والحسينيات ضِدَّ بعضهم البعض والجانبان السني والشيعي ضِدَّ المسيحيين بنعتِهم بالكفّار ، مُخالفين بذلك كُلَّ توصيات قرآنهم بخصوص أهل الكتاب المسيجيين .

يجب أن لا تَمُرَّ هذه الأحداث المؤلِمة التي تعصف  بالعراق دون تأمُّل وتفكير بوضعِه المأساوي ،  لقد تَغَلغَلت موجة التَعَصُّب الطائفي والديني والمذهبي بقوة بين أبناء الشعب العراقي ، وزادت مجرى التعايش المُشترك اضطراباً ، وأضعَفَت العلاقة بين أتباع الأديان والطوائف المُتنوعة مِن المُسلِمين والمسيحيين والمندائيين واليزيديين . ولذلك  على كافة المُسلمين إعادة النظر ،  وأن يُمعنوا التفكير بالتشويه الكبير الذي ألحقته هذه المجاميع السلفية التكفيرية بمباديء الدين الإسلامي ، أين مبدأ التسامح والمحبة ؟ أين مبدأ الجيرة والتآخي ؟ أين تحريم الإسلام مِن قتل النفس ؟ أين الإسلام مِن " لا إكراه في الدين " ؟ أليس مِن الغرابة صَمتُكم على الذين إستغَلّوا الإسلامَ لتحقيق مَآرب وأهداف سياسية بتحويل مباديئه الى دعوةٍ للقتل والسلب والترويع والترهيب ؟ كيف سيشُقُّ العراقُ طريقَه نحو التقدم والإبداع والإرهاب ضاربٌ أطنابَه في كُلِّ البقاع !

عودوا الى رُشدِكم أيها الناس ، ايها المسؤولون الحكوميون ، أيها النواب المُنتخَبون ، أبناء العراق يُقتَلون وأنتم على المناصب تتناحرون وعلى نَهب المال العام تتصارعون ! إذا كُنتم مِن شعبكم لا تخجلون كيف سيكون موقفكم أمام الله وبماذا ستُجيبون ؟ ألا تعلمون بأن الله مهما أمهَلَ فلن يُهمِلَ ! سيُحاسبُكم على صمتِكم المُريب وعدم قيامكم باداء واجبكم بالحفاظ على حياة الإنسان العراقي المظلوم والمغلوب ، نسأل الله أن يُعيد الصحوة الى ضمائركم الغائبة في سُباتِها العميق ، إنه السميع المُجيب !

الشماس كوركيس مردو
في 13 / 6 / 2007

234


رَدٌّ على ملاحظات المطران لويس ساكو المُحترم

أود التعقيب على  ملاحظات سيادة المطران لويس ساكو حول مقال نقدي لي ، لمقال منشور باسمِه في مجلة فينوس العدد الرابع / السنة الثالثة / نيسان 2007 م وفي موقع نيركالكَيت . كوم في تموز 2006 م يقول أنه مُقتبسٌ مِن كتابٍ له ( خُلاصة تاريخ الكنيسة الكلدانية ) ولا يدري مَن إقتبسه ونشره .

1 - أنا لم أعلم أن المقال مُقتبسٌ مِن قبل أحد ما ونشره بدون عِلمه ، وللأسف ليس بحوزتي كتابه المُشار إليه أعلاه ، لأعلم أن المقال مُقتبسٌ مِنه ، ومهما كان الأمر فأنا إنتقَدتٌّه  لتَضَمُّنه تجنياً وغُبناً بحقِّ الكلدان والكلدانية  ! وليس القول مُبَرَّراً بأن الخُلاصة لا تتطلب الغور في التفاصيل ، وهل هي تحقيق المرمى المنشود مِن قبل المؤَلف فقط !

2 - أنا لم أتجاوز حدود اللياقة الأدبية والكلمات التي اعتبرتَها نابية هى متداولة في النقد التاريخي والجغرافي ، وإن كانت كلماتي قد سبَّبت لسيادتكم كَدَراً فأنا أستميحُكم عُذراً  . ولم أتهَجَّم على الأب ألبير أبونا وإنما أدرجتُ إسمه ، وإن كُنتُ لا أعرف سيادتكم عن كثب لكنني أعرف الأب أبونا وقد جمعتني وإياه مائدة عشاءٍ في بغداد ومائدة إفطار في عمان ، ولا يسعني إلاّ العتب على سيادتكم عن قولكم بعدم التزامي بحدود النقد العِلمي والنهج الأدبي  فماذا أقول أنا يا سيدي . . . !

3 - أنا لم أعَمِّم لأنني أعلم أن التعميم خطأ كبير كما قلتم ، ولكنني قلتُ يبدو أن بعض . . . ولعلمكم يا سيدي أنا  أعلم كُلّ شيءٍ عن العالِمَين الجهبذَين المطران أدي شير والمطران يعقوب اوجين منا وأعرف أن الأول كان أحد تلامذة الدومنكان والثاني استاذاً في معهدهم " معهد مار يوحنا الحبيب " منذ أن كنتُ تلميذاً في معهد شمعون الصفا الكلداني في الخمسينات ، وقد قرأت مؤَلفاتهما .

4 - لم أتحدَّث عن الآثوريين والسريان بشقَّيهم الكاثوليك والأورثوذكس بما يُشين إلاَّ بما ورد عنهم في السياق التاريخي ،  في حِرصي على القومية الكلدانية  لم أُنكِرهم بل أثبَتُّ تاريخياً أنهم بالأصل كلدان ، وحرام على سيادتكم أن تقول بأني كَفَّرتُهم في الدنيا والآخرة وإنما إستشهَدَتُّ بمَن قال عنهم تاريخياً  ، وماذا عن قيام سيادتكم بصهر الكلدان والكلدانية وحتى الآثوريين الكلدان في بودقة السريان والسريانية ! أنا أعتبرهم إخوتي بأسرهم ولكم أعترف يا سيدي بأني أصلي مِن أجلهم ، ولكنَّهم يُنكروننا ككلدان وجودا وقومية وامة ! فما العمل !

5 - إن العِلم مهما بلغ مِن المرء إن لم يقترن بالتواضع يُصبح غير نافع ، ليس هنالك مَن يمتلك الحقيقة المُطلقة وهذا ما اومن به ، ولكن هنالك دلائل ووقائع تُشير الى نوع مِن الحقيقة  وهذا الذي ألجأ إليه ،  أنا اؤَكد بأننا شعبٌ مسيحي واحد وكنَا قومية واحدة انقسمت على ذاتِها وكُلُّ قسمٍ إتخذ له تسمية واعتبرها قومية له ،  وأن هذه التسميات التي تَبنّاها أتباعُها الأقل عدداً يعودون بجذورهم الى أصحاب التسمية  ذوي العددالأكبر ، وكنا نتمنى لولم يحدث لأمتنا هذا الإنقسام ذو الشجون ، ولكن المحظور قد وقع واستفعل لمدة قرون طويلة ، وأن الأطراف الإنفصالية قد اعتبرته وضعاً طبيعياً لا باس مِنه ما دام الطرف الأصل والأساس لا ينصاعُ لإرادتهم ويتنازل عن قوميته وتسميتِه وتاريخه ويضع مصيره تحت رحمتهم وينضوي تحت هوية الواحد مِنهم ولغة الثاني ، وكلا الإثنين يستبعدان بل يُحَرِّمان حدوث العكس الصحيح ! وفي هذه الحالة يا سيدي ليس مِن السهل على الطرف الأصل أن يتهاون بالتنَكُّر لإرثِ آبائه وأجدادِه مِن عِرق واسم ومجدٍ وتاريخ ، وكُلُّ ما يستطيع أن يفعله هو أن يَدعو ويعمل بكُلِّ جُهدٍ واقتدار لتوحيد الصف ولَمِّ الشمل وتَبَلور الخطاب المؤَحَّد ، لنواصلَ دورنا الحضاري مُستلهمين العِبَر مِن ماضي أسلافنا الذين أعطوا الكثير كما قلتم سيادتكم !

إني أقدِّر عالياً تكريس الآباء الروحانيين ذواتِهم لخدمة أبناء الكنيسة ، وعلى الآباء مُراعاة شعور أبنائهم مِن حيث انتمائهم القومي !

لكم مِني  خالص التقدير واسأل الله القدير أن يوفِّقَ رؤساءَنا الى كُلِّ ما فيه الخير للجميع

الشماس كوركيس مردو
في 6 / 6 / 2007

235
على المُسلمين مُحاربة المُسيئين الى الإسلام !


أليسَ الأمرُ في مُنتهى الغرابة أن يَعملَ دُعاة الإسلام السلفيون على هدمِ الإسلام كدين ؟  بتَحويلُه الى أيديولوجية مُعادية للإنسانية تُغَذي الإرهابَ لمواجهة العالَم المُتقدِّم بطريقةٍ دموية تفوق الأيديولوجية النازية والفاشية وتختلف عنها في المَرمى والأهداف !  كانت الفاشية والنازية تُمَيِّزان بين البشر مِن المنظور العنصري ،  ولكنَّ الإسلام السياسي  يُمَيِّزُ بين البشر مِن المنظور الديني ويُعَدُّ ذلك أسَدَّ خطراً مِنهما ، ولا سيما أنه يُضفي إليه صِفة مِن القدسية ، مُبَشِّراً أتباعَه بالجنة  إن قاتلوا في سبيلِه ! ولتحقيق هذه السياسة الفاشية الإسلاموية ، يَسعى الإسلام السياسي الى صُنع مُفَخَّخاتٍ وعَبوات ناسفة مِن البشر أتباعِه لقتل الأبرياء وإشاعة الرعب !

تُرى ، هل هي بداية المرحلة التي أشار إليها نَبيُّ الإسلام حين قال " بدأ الإسلامُ غريباً وسينتهي غريباً " أم هي الصحوة الإسلامية كما يُسمّيها الإسلاميون الاصوليون ؟ وهل الصحوة الإسلامية تأتي عن طريق القتل والإرهاب ؟ أم عن طريق ما دعا إليه كتاب الإسلام " إدع الى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادِلهم بالتي هي أحسن " أين هذا مِن هذه الأفعال البشعة التي تُرتكَب باسم الإسلام ، كيف يَرضى المُسلمون الذين يقولون أن دينهم يدعو الى التسامُح والتآخي والسلام ، أن تُحَوِّله بعضُ الفئات الى سِلاح أيديولوجي يَحضُّ على الإرهاب وقتل الناس المُسالمين والأبرياء ؟  إني أسألكم يا مُسلمي العراق الشرفاء مُحبِّي وطنكم ومُشاركي العيش مع أبنائه المُتعَدِّدي الأعراق والأديان والمذاهب ما هو موقفكم مِن قتل الأقليات غير المُسلمة باسم الإسلام ؟ وما تفسيركم لهذه الظاهرة الغريبة والمُرعبة ؟ وهنا يَحضرني قولٌ لداعية حقوق الإنسان مارتن لوثر كنك : " المُصيبة ليست في ظلم الأشرار بل في سكوت الأخيار "  نعم إن الصَمتَ عن الظلم يعني المُشاركة فيه !

يا شيوخ الموصل وعُلماءَها وشرفاءَها ، ماذا كان ذَنبُ رَجُل الدين المسيحي الأب رغيد كَنّي ومُساعديه الشمامسة الثلاثة  ليَتَرَصَّدَهم المُجرمون القتلة الإرهابيون ويُصلوهم بنيران أسلحتهم وهم لِتَوِّهم خارجين مِن الكنيسة بعد ادائهم الصلاة لله مِن أجل البشر جميعاً ؟ أين حقوق الإنسان ؟ أين الحرية الدينية ؟ التي تُقرُّها كُلُّ القوانين والشرائع السماوية والإنسانية  ومِنها الشريعة الإسلامية ! بأيِّ حَقٍّ يُبيحُ المُسلمُ لنفسِه تجريدَ غيره مِن حَقِّه في الحياة ؟ وبدون سببٍ سوى أنه لا يدين بدينه !  إنه انحطاطٌ خُلقي  وتَخلُّفٌ عنصري  وفعل وحشي !

أليسَ القتلُ العمَد وضِدَّ الأعزل مُخالفاً للدين الإسلامي ؟ إذأً كيف يُرتكبُ مثلُ هذا الفعل البربري الشنيع باسم الدفاع عن الإسلام ! وهل كان هؤلاء الضحايا المسيحيون الأبرياء يُحاربون الإسلام ؟ إنها ثقافة الجهل ومِحنة العقل في الإسلام الاصولي ، إنه الفكر المُنغلق الذي لا يؤمن بالنقاش والحوار ويعتقِد بامتلاك الحق المُطلق وكُلَّ ما عداه هو ضِدَّه وهذا هو الجنونُ بعينِه ! وأكبر دليل على ذلك هي الحروب التي يفتعلُها ويخوضُها المسلمون في مُختلف بقاع العالم وضِدَّ الشعوب المُعددة الأديان ، ولم يقتصرصِدامُ الإسلام السياسي الاصولي وصِراعُه مع غيره مِن الأديان فقط ، بل تَعدّاه الى الصراع المذهبي داخل الإسلام ، إذاً الى متى تَستمِرُّ هذه الحروبُ الهمجية على النِطاقين الإقليمي والدولي وما هو الحل ؟

ليس هنالك مِن حَلٍّ لعِلاج هذه الأزمة المُفتعلة مِن قبل رجال الدين المُسلمين الذين سَيَّسوا ذواتِهم وجعلوا مِن دينَهم طرفاً سياسياً رئيسياً ، دفعوا عن طريقه الشباب المُسلم الى العزوف عن اكتساب الثقافة  وطَمسِه في مُستنقع الجهل وتدريبِه على استخدام التقدم العِلمي في صُنع المُتفجرات  وتفخيخ السيارات وإعداد البشر وحتى البهائم  ليكونوا قنابل  ناسفة  بإمكانِها قتل أكبرعدد  مِن الناس وتدمير المُمتلكات وكُلُّ ذلك يَجري باسم الله والإسلام ! إنَّ عِلاجَ هذه المُشكلة المُستفحِلة لا يتِمُّ إذا لم تُبادر الحكومات الإسلامية ورجال الدين الإسلام الى إتِّخاذ التدابير الحاسمة التالية : -
1 - تَحديث المَنهج التدريسي في تفسير بعض النصوص القرآنية التي كانت تُلائم زمانَها والتي تدعو الى العنف  بما يتوافق والعصر الحالي الذي يتبنى شعار السلام بين الشعوب ، وتشجيع الحِوار وليس الصِدام .
2 - نبذ الكراهية والتمييز بين البشر المؤمنين بالديانات المُتعدِّدة وغير المؤمنين واستبدالها بالمحبة والتآخي بينهم : وتفعيل شعار " لا إكراه في الدين "  لأن الله وحده هو الدَيّان .  والإعتراف بالواقع الموضوعي  بأن تَعَدُّد الديانات أثبتَ على مَرِّ التاريخ كونَه عاملاً مُساعداً لنشوءِ الحضارات والإبداع في كُلِّ المَجالات .

3 - امتناع أئمَّة المساجد عن تحريض المُسلمين على كراهية غير المُسلمين بل تشجيعهم على التسامح والعيش المُشترك .

بغير هذه التدابير لا يُمكن أن تستقيم الامور ولن يتوَقَّف الإرهاب في العالم ، كما لن يكون بمقدور العالَم السكوت الى ما لا نهاية  على مُرتكبي ومُشجِّعي الإرهاب والإجرام باسم الإسلام ! إن الدفاع عن الإسلام بالكلام ووصفه بدين الإخاء والتسامح والمحبة لن يَكون ذا مَفعول مقبول مِن قبل العالم عندما يسمَعُ ويُشاهِد الفظائع والمذابح التي تُرتَكَب بحقِّ البشر المُسالمين الأبرياء باسم الإسلام  لأن الوقائع أصدق أنباءً مِن الكُتب ! فالذين يُريدون تحسين صورة الإسلام مِن التشويه الذي تَعَرَّضت له مِن قبل الإسلاميين التكفيريين عليهم كبحَ جماحِهم واجتثاثِهم واستئصال بؤَرهم ،  وعندها يستطعون القول بأن الإسلام ليس ذلك الإسلام الذي إختطفه مُحترفو الإجرام واقترفوا الفظائع باسمِه  .

إنَّ المسؤولية الكبرى في هذه الجريمة النكراء التي ارتُكِبَت صباح الأحد الثالث مِن حزيران  في الموصل بحق المسيحيين الأبرياء الأربعة " الأب رغيد ورفاقه "  تَقع على عاتق الحكومة العراقية لموقفِها التفَرُّجي المُخزي المُتَّسِم باللامُبالاة  عمّا يجري للمسيحيين في العراق ، فإذا كانت عاجزة عن حماية شريحة مُهمة وأصيلة مِن شعب العراق فما هي الفائدة مِن وجودها ؟ ولماذا لا تَرحل وتترك المجال لغيرها لتوفِّر الحماية والأمان لكُلِّ فئات الشعب العراقي !

الشماس كوركيس مردو
في 4 / 6 / 2007

236

السيد سمير شبلا المحترم /  رَدُّ مُقتَضَب

كما عرفتني مِن خلال كتاباتي التي وَصفتَها بالقوية حتى حدود اليمين المُتطرِّف ، كذلك عرفتُك مِن كتاباتِكَ التي يتجلّى فيها التذَبذُبُ والتّقَلُّبُ في الرأي والأفكار متأرجحةً بين أقصى اليسار وأبعد اليمين ناهيك عن الصياغة اللغوية الركيكة  التي لا تتناسب واندفاعكَ بسرعة الصاروخ لكتابة المقالات في المواقع  لمُجَرَّد الكتابة ،  قبل أن تدخل الى ميدان الكتابة منذ سنةٍ أو يزيد ،  كان السجال بين الكلدان ومُنتحلي الآشورية حامياً ولا سيما منذ سقوط النظام البعثي في بغداد وحتى يومنا هذا ، يُنكرون الوجود الكلداني  كشعبٍ  وقوميةٍ  وتاريخ ،  فكانت ردود الكلدان وأنا واحد مِنهم ، التهدئة والإحتكام الى الواقع الموضوعي  وضرورة التحاور حِوارَ الأنداد ، ولكنهم كانوا مأخوذين بالهوس السياسي لا يُريدون التفاهم إلا بإلغاء قوميتنا والإقتداء بهم في انتحال تسميتِهم الاسطورة الخرافية وخيالية التحقيق ، فلما قطعنا الأمل مِن  رَدِّهم عن المسار الخاطيء وإرشادهم الى طريق الحق ،  بدأنا بتفنيد كُلِّ تلفيقاتِهم وتحريفاتهم التاريخية ماضياً وحاضراً ، ورأينا أن نُدَبِّر أمرنا نحن الكلدان بمفردنا ونبني بيتنا ونصونه مِن عبث المتربِّصين به لتخريبه .  مقالاتي المُتضمنة للحقيقة التاريخية وليس للحقيقة المُطلقة لأنني مِن القائلين بعدم وجود حقيقة مُطلقة ،  كانت رؤيتُك إليها غير صائبة في مفهومِكَ لها لأنك تَرى فيها التهميش وليس شيئاً آخر ، ولكن هل نَسَيتَ أنك أيَّدتَ ما ورد في مقالي ( لا يسع الكلدان الإنتظار حتى اكتمال الدمار ) وتأتي الآن وتنتقد ما كتبتُه لتفنيد أقوال المُعادين للامة الكلدانية ولغتِها ، الذين سلبوا كُلَّ مُنجزاتِ كنيستِها المشرقية العِملاقة وعزوها الى الكنيسة  اليعقوبية المُنبثقة مِنها والتي سُميت بالسريانية زوراً ومِن قبل الغرباء ! ويا ليتَ نقدَك كان تاريخياً ليكون متماشياً مع صُلب الموضوع ، ولذلك أُجزم بأنك لم تقرأ بحثي مِن واجهتِه التاريخية ، بل رَكَّزتَ على الناحية العاطفية ومتى علاقتِك بالمعنيين وهذا هو نوع مِن تقديس الأشخاص ، دون إعطاء أيِّ اعتبار لشعورك القومي ، وعليه  وللأسف جاءَ نقداً شخصياً هجومياً  وكأن هنالك عداوة مُزمنة بيني وبينك وكلانا لا نعرف واحِدَنا الآخر ، وهل لم تستطع كَبتَ تحاملكَ أطول فانتظرتَ مناسبة نَقدٍ تاريخي صدر مِني ضِدَّ مُعادين لأمتي ، مع العِلم كانت لي مقالات أقوى مِن هذا النقد بالشأن القومي  كما تَدَّعي ولم تُحَرِّك ساكناً ! ، ثمَّ لماذا جعلتَ مِن نفسك مُحامياً لأعداء امتك الكلدانية  ، وهل الذين دافعتَ عنهم قاصرون عن الرد ؟  لأن الميدان تاريخيٌّ وليس سياسياً ! واعلم يا سيد سمير أنا لستُ سياسياً ولا أنتمي الى أي تنظيم سياسي ولا يُمكن أن أُدفعَ مِن قبل أيِّ شخصٍ كائناً مَن كان ، ولا أدري إن الدفع مِن قبل الآخرين يسري عليك وأكبر برهان على ذلك  هو رَدُّكَ الهجومي علىَّ بدون مُبَرِّر   !  إنني أعرف المطران ساكو أكثر مِنك وتعريفك إياه بالنسبة لي هو مُتأخر جداً وقد ورد في مقدمة مقاله الذي كان موضع انتقادي ، وما كتبتُه  بشأنه  لم يتعَدّى عتبا ليس إلاّ ولم يكن هجوماً البتة والكلمات " المُتحيِّز المُتعَمِّد ، المُحرِّف ، وازع مِن ضمير " تدخل ضمن كلمات النقد التاريخي ، وفي موقفِه ليس عاملاً في حديقتي كتشبيهك العديم الصلة بالموضوع ، بل هو في موقف كاتب مقال تاريخي فيه غُبن للآخرين !  وها إنكَ تُناقض نفسك بنفسك فتارة تقول : " يُريدوننا أن نقول نعم ونعم فقط وكأننا خرفان يقودوننا بدون أن نلتفت . . . "  وتارة اخرى  تُريدُ مِني السكوت مَهما قال المطران ساكو والأب أبونا ويجب أن لا ألتفت ؟ ألستَ أنت القائل إننا في وادي ورؤساؤنا في وادي آخر ! أنا لستُ معنيِّاً بالحياة الشخصية للآخرين حتى لو عرفتُ الكثير مِنها ، وأنا بعيد عن تقديس الأشخاص الذي عانينا مِنه الكثير الكثير !  وإن إتِّهامك لي بالهجوم على المطران ساكو لهو إجحاف وتحريف للكلام النقدي لغاية في نفسك لا أعرفها أو لأن ما قلتَه عني قد انطبق عليك بأنك كُنت خارج وعيِك بالكامل ! آسف جداً وأربأ بنفسي الإنحدار الى هذا المستوى الواطيء ! ولكن لا بأس فإن القول المأثور لم يُقَل هباءً " لا يعرف قدرَكَ مَن لا يَعرفكَ ! " .

عزيزي سمير ،  أنا لستُ على شاكلتكَ مِن الحالمين بالإمبراطوريات لأنني إنسان واقعيٌّ ولستُ خيالياً ، ولكن لا أسمح لأحدٍ أن يَحرمَني مِن إنتمائي القومي الكلداني ! إنني أتذكر الماضي لأَخذِ العِبَر ولأُفَكِّر بالحاضر وأعمل للمُستقبل ،  وما هو سبب تحاملك على الكلدان ومؤتمرهم الأول لعام 1995 م واتِّهامهم بسلوك طريق واحد فقط !  سُلطة × سُلطة × سُلطة وهل تُريدُهم أن يتنازلوا عن حَقِّهم وسُلطتِهم للمُتمَرِّدين الخارجين مِن صُلبِهم ؟ لماذا إتهامُكَ مُنصَبٌّ على الكلدان بأن لا سماح عندهم ولا تسامُح ؟ إذاً مَن هم المتسامحون ؟ شُكراً على وعظِكَ المُسهَب والكلمات المُهذبة التي ضَمَّنتَها رَدَّكَ المُفرط في التحامل والحقد  . لقد قال لي العديد مِن الآباء الأساقفة ، بأن الجانبين الكلداني والآثوري عقدا اجتماعاً في عام 2000م وترأس الإجتماع البطريركان الكلداني والآثوري فتقدم المُتحدِّث باسم الجانب الآثوري موَجِّهاً الكلام للجنب الكلداني " ليكن في عِلمكم ما دُمتم باقين مُتحدين ايمانياً بكنيسة روما مِن المُستحيل أن يقوم إتحاد أو وحدة بيننا ! " ماذا تُريد مِن الكلدان أن يفعلوا يا سيِّد سمير ! ! !

لقد إتَّهَمتني بأن مقالاتي قوية ضِدَّ أعداء الامة الكلدانية الذين ينتمون الى جذورها وقد تَنَكَّروا لها وبصُدقٍ نطقت ، فأنا لا أُهادن أو أُجامل ولا أعبأُ بلومة لائم في سبيل الحق والحقيقة ، واعلم يا استاذ شبلا  بأنني لستُ مِن الراغبين في الدخول الى ميدان المُهاترات وقد سبق لغيرك وحاول َ جَرِّي إليها ولكنهم خابوا ! لقد طلب عنواني الإلكتروني الشماس حازم شبلا وزَوَدتُّه به مع التقدير ولا أدري إن كان أخاك أو أحد أقاربك ، وبإمكانك الحصول عليه مِنه إذا كنتَ راغباً بالتحَدّي !

الشماس كوركيس مردو
في 2 / 6 / 2007

237

تهجير المسيحيين : مَوقفٌ ودلالات !
لقد لَقِيَ مسيحيو بلاد ما بين النهرين ومنذ بداية البشارة المسيحية قبل ألفي سنة أصنافاً مِن الإضطهادات على أيدي مُغتصبي بلادهم بدءاً بالفرس الوثنيين ومروراً بالعرب المُسلمين فالمغول والتَتار والعثمانيين ،  وكُلُّ هؤلاء المُغتصِبين كانوا أسرى الجهل والهمجية  والتَزَمُّت العنصري القبلي البغيض ،  أما أن  يتعرَّضوا اليوم وفي هذا العصر الذي وَصِلَ  فيه البشر الى أرقى مراحل التقدم عِلمياً واجتماعياً وحضاريا الى أبشع أنواع الإضطهاد كُماً ونوعاً  فيُعتبَرُ ذلك أمراً مُحيِّراً ! والأكثر حيرة أن يُمارسَه أفراد إرهابيون جَهلة قادمون مِن وراء الحدود وفي مُخَيَّلتهم أفكارٌ عَفنة تعود الى بدايات نشر الإسلام ، والمُثير في هذه الحَيرة أن يلقَوا دعماً ومُساندة مِن بعض أبناء العراق الذين لم يخطر ببال العراقيين يوماً  انَّه سينتهي بهم المطافُ للإنحدار الى هذا المستوى المُعادي لشعبهم ، تُرى ، كيف تَخَلّوا عن مُثُلهم الخُلقية العالية ؟ كيف انقلبت غيرتُهم الوطنية مِن الحفاظ على وطنِهم العراق وصيانة نسيجه العِرقي والديني العريق في تَشَكُّله ، الى السماح لشُذّاذ الآفاق بل المُساهمة معهم باستباحتِه وتدمير بُنيته التحتية وتفتيت كيانه ؟ والأكثر تَضَرُّراً هي مُكَوَّنات الشعب العِراقي الصغيرة وغير المُسلمة وهي المسيحيون والمِندائيون والشبك واليزيديون ، وها هي الأخبار المُتواردة يومياً تُشير الى تفاقم اضطهاد المسيحيين بشكل خاص  مِن قبل العصابات الإرهابية مُهَدِّدة إياهم بحَرمهم مِن حَقِّهم في الوجود والعيش والمُعتقد بإملائِها عليهم خَياراتٍ أحلاها أمَرّ مِن العَلقم : لكي تَسلموا على حياتِكم  ووجودِكم ومالكم ، عليكم إما أن تُشهروا إسلامَكم ! أو أن تدفعوا الجزية ! أوتَرحلوا تاركين كُلَّ ما تملكون ! كيف يُعقل وفي  عصر اليوم ، عصرالنور وانفتاح البشرعلى بعضهم البعض  بكُلِّ أجناسهم وانتمآيتِهم وأديانِهم أن يجري هذا وتحت  نظر وسمع المسؤولين دون أن يُحَرِّكوا ساكناً ؟

ألم يُصبح بعد هذا جليّاً للعالم أجمع بأن حُكّام العراق مُهَرولون بخطوات واسعة وحثيثة لتطبيق الشريعة الإسلامية بحذافيرها ، لينتزعوا المرتبة الاولى مِن المملكة العربية السعودية  بهذا الشأن شاءَ أبناءُ العراق أم أبوا ، ولا يَهُمُّهم بشيءٍ اختلاف المُجتمع العراقي المتعدِّد الديانات والمذاهب المُنفتح على العالَم المُتقدم والمُتطلِّع الى اللحاق به عن المُجتمع السعودي المُنغلق والمُتخلِّف فكرياً عن المسار العالمي المُتحَضِّر ! إذا لم يكن الأمرُ كذلك فبماذا يُفَسَّر سكوتُهم على ظاهرة قيام شراذم التكفير السلفية بإجبار المسيحيين أبناء أرض العراق الطاهرة على هَجره ؟ أليس الذي يجري أمراَ في مُنتهى الغرابة وبعيداً عن المباديء الخُلقية العراقية ومُخالفاً لمباديء الدستور الذي يُوَفِّر الحماية للمُكَوِّنات العراقية الصغيرة ؟ إن صمتَ الدولة بكامل أجهزتِها ومؤَسساتِها على هذه الأعمال البربرية المُشينة لهو مُريبٌ ومُستهجن ! عندما صرخ المسيحيون في البداية بأنهم مُعرضون للخطف والإبتزاز والقتل وتفجير كنائسهم ، كان جواب الدولة لستم وحدكم فالكُلُّ مُعرَّض لذلك وقد فُجِّرَت المساجد والحسينيات قبل الكنائس !  واليوم يُطالَبون بإعتناق الإسلام أو دفع الجزية أو الرحيل عن دورهم فبماذا تُعَلِّل الدولة ذلك ؟

أليس التَصَدّي لهذه الأعمال البربرية التي يُمارسُها الإرهابيون لهَدم البناء العراقي الموزائيكي الجميل مِن واجب الحكومة وكُلِّ القوى السياسية والدينية شيعية كانت أوسنية ؟ فماذا فعلت لحدِّ الآن ؟ هل يجوز أن تَرضى بدور المُتفرِّج على المسرحية التراجيدية التي يجري تمثيلُها ضِدَّ شريحة أصيلة مِن الشعب العراقي بهدف القضاء عليها ؟  ألم يتمَّ  تفريغُ البصرة مِن ساكنيها المسيحيين   
والمِندائيين تاركين وراءَهم بحسرةٍ منازلهم  ومُمتلكاتهم تحت تأثير التهديد والوعيد ،  ففَرّوا هاربين لأنه لم ينبري لمُساعدتهم أيُّ مُساندٍ أو عضيد ! ألم يجر الفعل الإجرامي ذاتُه في مناطق سكن المسيحيين في بغداد والموصل ؟ يا معشر العراقيين المسلمين عرباً وكُرداً وتُركمانيين هل رأيتم في مشاركتكم العيشَ مع المسيحيين لمِئات بل آلاف السنين ما يُشين ؟ ألم تكن مَظاهرُ الحبِ والتآلُفِ والأخُوة هي السائدة بينكم وبينهم كُلَّ حين ؟ إذاً أليس مِن باب عدم الوفاء أن تَغضّوا الطرفَ عن هذا الشر الذي أخَلَّ بكُلِّ الموازين ؟ كيف سيطيبُ لكم العيش بدون مسيحيين ؟ إن العراق بدونهم سيفقدُ زَهوَه وقيمته وتنقلب الحياة فيه الى تيهانٍ وفوضى مُستمرة لا تُطاق ! إذا استمرَّ صمتُكم عن الشر المُستطير العاصف بمسيحيي العراق وأبنائه الأبرار ، سيكون ذلك بِئسَ الخيار إذ سيجلُبُ عليكم الدمار ويُعيدكم الى الماضي بجَهلِه وتَخَلُّفِه وحينها لن ينفع الندم  .

إني أود توجيه السؤال الى مسؤولي شعبنا المسيحي السياسيين ،  ولاسيما القياديَين للحزبين الكبيرَين الاستاذين ، أبلحد أفرام ويونادم كنا : إن المسيحيين يجري دفعُهم نحو الهاوية وبسُرعة ، والحكومة بكُلِّ فصائلها صامتة ومُتفرجة عن عجز أو عن رِضا ،  وكُلٌ مِن الحالتين مرفوضة لأنها بعيدة عَن الإحساس بالواقع ، إذاً ما العمل ؟ إذا كان صوتُكما لا يُسمع مِن قبل نُظرائكما في البرلمان فما فائدة بقائقكما في نطاقِه ؟
العدد الأكبر مِن البرلمانيين طائفيون مُتزمِّتون ، يقولون ما لا يفعلون ، يُنادون بالديمقراطية قولاً ويُمارسون الديكتاتورية الطائفية فعلاً ، فماذا تنتظران ؟ أما حان الأوان لتُبادرا معاً لتدويل قضية شعبنا المسيحي وتُواصلان في الوقت ذاتِه البحث عن الحل الوطني وإن كان في عِداد الميئوس مِنه !  ثِقا إنكما ستجدان الشعب المسيحي برُمَّتِه داخل الوطن وخارجه يدعم بقوة مسعاكما وبين ظَهرانيه أبناء بررة يُديرون مؤسساتٍ ثقافية واجتماعية على استعدادٍ تام لإيصال مُعاناة شعبنا وشرحِها بإسهاب أمام أصحاب القرار مِن أعلى وأرفع المستويات في دول العالم ، لكي يقوموا بدورهم المسؤول في حماية شعبٍ أصيل مُضطهَد في وطنه ومُعرَّض لتفريغ العراق منه عن طريق القتل والتهديد والتهجير أو تغيير دينه قسراً . إن اللجوءَ الى طلب العون مِن القوى الخارجية لا يعني قطعاً تدوير الظهر عن الدولة ،  بل يُمكن اعتبارُره إلفات نظر الدولة بأن عدم اهتمامِها الواضح والقيام بواجبها تجاه مُكوَّن أثني أصيل مِن مُكوناتها وحماية أبنائه  مِن هول الإرهابيين هو تقصير كبير يجب أن يكون له تفسير ، فأذا كانت عاجزة عن حمايتهم وهم في أماكن سكنهم الحالي ، أفليس مِن الواجب أن تستجيب الى طلبهم  بمَنحهم الحُكم الذاتي في منطقة سهل نينوى المتواجد فيها غالبية إخوتهم ، ليكونوا بمأمن مِن سطوة الإرهابيين ؟ وليس فقط مَنحهم المنطقة بل تخصيص الدعم المادي لتحقيق هذا المطلب العادل الذي تكفله كُلُّ القوانين الدولية  وقد تَضمَّنه الدستور العراقي .

الحقوق تؤخذ وبأيِّ طريقة ولا تُستَجدى ، وجودُنا عميق الجذور في العراق وطننا الأصيل ، كان  مهدَ آبائنا وأجدادِنا وهم الذين شَيَّدوا حضارتَه التي استنار العالَمُ بشعاعِها ، فإذا كان المُغتصبون لا يُقيِّمون قدراً لنا ولا يتركوننا أن نعيش فيه بعِز وكرامة  ، لا مَفَرَّ لنا مِن مُغادرتِه إذا استعصى علينا نيلُ حقوقنا دون مِنيَّة ، وما ضاع حَقٌ وراءَه مُطالب  !  تُرى ، هل هنالك أمر أكثر خجلاً مِن أن يُرى شعبٌ مُعرَّض للذبح والقتل وليس مِن مُنقذٍ ! ! !

الشماس كوركيس مردو
في 26 / 5 / 2007

238
ضُمور الشعور القومي لدى بعض الكلدان !

( رد على مقال "السريان " الإطار التاريخي والجغرافي )

أعادت مَجلة فينوس نشر المقال اليتيم <  السريان  -  الإطار التاريخي والجغرافي  >  في عددها السابع - السنة الثالثة - نيسان 2007 م بقلم المطران الكلداني لويس ساكو ( أبرشية كركوك ) وكان هذا المقال قد نُشر على موقع نيركَالكَيت . كوم في تموز 2006 ، وما كُنتُ لأتطرق الى إعطاء الأهمية له مِن حيث النقدِ والتفنيد لو كان كاتبُه غير كلداني ، ولكن للأسف فإن كاتبَه ليس كلدانياً فقط بل مسؤولاً كبيراً في الكنيسة الكلدانية وحاملَ شهاداتٍ عُليا كما ورد في مُقدمة المقال ،  ويبدو أن بعض أبناء الكلدان الذين تَلقوا تعليمَهم في المعاهد الرهبانية الغربية ولا سيما الرهبانية الدومنيكية في الموصل ، قد تَحَوَّل شعورُهم القومي الى حِقدٍ على امتهم الكلدانية ولغتِها ، فراحوا يتبارَون في التنَكُّر لها وطمس إسمِ لغتِها الكلداني العذب  وتغييبه مِن صفحات كُتُبهم ومؤَلفاتِهم والأبرزِ بينهم سيادة المطران لويس ساكو والأب ألبير أبونا ، ولا ندري ما هو السِر في ذلك ؟  وما هو المانع الذي يحول دون التحاقهما بركب السريان ليَتحَرّرا مِن التبعية للقومية الكلدانية التي يؤرقهما تداولُ اسمِها ! ! !

يعترف المطران لويس ساكو بأن اللغة الآرامية كانت مجموعة لغوية غنية بلهجاتِها المُتعدِّدة ، ولكن الحقيقة ليست كما يَدّعي لأن اللغة الآرامية القواعدية كانت لهجتان شرقية وغربية أما اللهجات التخاطبية السوادية فكانت ولا زالت عديدة جداً وليست لهذه اللهجات أية أهمية لأنها غير مُرتبطة بقواعد مُوحدة  ولذلك فإن مدار بحثنا سيتركَّز على اللهجتين اللتين ترتبطان بقواعد وتصاريف فعلية .

يقول المطران ساكو بأن اللهجة الشرقية كان يستخدمُها أهلُ حران والرها ونصيبين والموصل ، والمعروف أن هذه اللهجة يتداولُها الكلدان القدماء وأحفادُهم كلدان اليوم الكاثوليك والباقون مِنهم على المذهب النسطوري أينما وُجدوا والتي يقول عنها العلامة المطران اوجين مَنا  <  ولغتهم " أي اللغة الكلدانية " كانت الفصحى بين اللغات الآرامية وبلادهم الأصلية  بابل  وآثور  والجزيرة  /  دليل الراغبين . . . قاموس كلداني - عربي  ص . 338  > فكيف يجعلُها سريانية وكيف يجعل مِن سُكّان هذه المُدن سرياناً ؟  وإذا كان سريان الديار السورية المعاصرون يحسبون أنفسهم ورثة الآراميين القدماء فإنهم على حَقٍّ فيما يقولون ، ولكن  مَن هم السريان القدماء ؟  إنهم  قبائل رافدية جنوبية  جابت البادية الغربية منذ مُنتصف الألف الثاني قبل الميلاد ،  وقد استُمِدَّت تسميتُهم مِن أصلِها القديم" أخلامو أو أحلامو " وتعني ( القبائل المُتحالفة ) وقد جاء ذِكرُهم في رسائل مدينة نُفَّر وتل العمارنة بمنطقة سنجار التي تعود الى تاريخ تلك الفترة ،  وفي بداية القرن الثاني عشر قبل الميلاد عُرفت هذه القبائل باسم " أحلامو أرامو " بيدَ أن اسم ( أرامو ) صارت له الغَلبة  منذ مطلع القرن العاشر  قبل الميلاد وهي المرحلة الثانية لهجرة هذه القبائل الرافدية الجنوبية  وهذا ما يُؤَكِّدُه العالِم الآثاري والمؤَرخ الفرنسي ( أي . دوبونت ) بأن " أرامو " كانت قبيلة مِن القبائل المُتحالفة ( أحلامو ) كان لها الدور الأقوى في التَوَسُّع والسيطرة فطَغت تسميتُها على الأصل . وقد اشتُقَّت تسمية أرامو مِن موقع تواجد هذه القبائل الجغرافي  ( هضبة العراق الغربية ) وهي تلال ومُرتفعات وتُسمى باللغة الكلدانية ( أرعا رَمتا - ܐܪܥܐ ܪܡܬܐ = الأرض المُرتفعة ) ومِنها جاءَت التسمية العربية  ( الآراميون ) كما يُشير المؤرخون  د .فوزي رشيد ، طه باقر ، المطران اوجين منا ، سليم مطر وغيرهم كثيرون  ، وحتى لو أخذنا بالمصدر الكتابي الذي ينسب الآراميين الى آرام بن سام  بن نوح فلم يتعدى كونهم قبائل بدوية رُحَّل ، تَتَنقل بَحثاً عن أرض يتوفر فيها الماء والكلأ ، لم يستطيعوا تأسيس دولة كبيرة اسوة بالبابليين الكلدان والآشوريين ، بل توزعوا في دُويلاتٍ  صغيرة تَمَكَّنوا مِن إنشائها في الفترة ما بين القرنين العاشر والسابع قبل الميلاد ومِن أهمها دولة دمشق ودويلات صغيرة اخري مثل الرها  وحدياب إنصهر سُكَانُها في المُجتمع الكلداني عائدين الى أصلهم في القرن السادس قبل الميلاد زَمن هيمنة الإمبراطورية الكلدانية  على مُجمل مناطق الشرق الأوسط ،  كان دور الآراميين السياسي على مسرح الأحداث هامشياً ، واستقرَّت بقاياهم في الديار السورية ( سوريا اليوم ) ولذلك يُعتبرون غرباء على بلاد ما بين النهرين ( العراق القديم )  وإنَّ نزوحَ  بعض الآراميين ولجوءَهم الى بلاد الكلدان لا يعني اصطباغها  بتسميتهم ،  ومِن المؤسف جداً أن نرى باحثا كلدانياً ذا مَنصبٍ كنسي رفيع يتجنى على الحقيقة التاريخية ويُسمّي سُكان حران والرها ونصيبين والموصل الكلدان سرياناً .

ثم يسأل سيادة المطران ساكو : لمذا اطلق على الآراميين اسم " سِريان " ولكنه لم يُشِر الى السبب ولا الى مُطلِق الاسم ! بل يستطرد قائلاً :اطلقَ مُصطلح " السريان و السريانية " منذ القرنين الثاني والثالث الميلادي على الآراميين  والآرامية  دون أن  يَذكر مَن الذي أطلقه ،  وهذا تَهَرُّبٌ !  فإنَّ  مَن أطلق اسم " السريان " على الآراميين هم المصريون في البداية ثمَّ اليونانيون  عند احتلالهم لمناطق غرب الفرات والتي اختلفت الآراء في تسمية تلك البلاد بـ  " سوريا  " التي مِنها اشتُقَّ اسم " السريان " ولكن العُلماء والمؤَلفين المسيحيين فينسبونها الى اسم  "  سوروس  "
الرجل الذي قتل أخاه واستولى على المُلك وسُمِّيَت البلاد على أسمه " سوريا " وسُكانَها سريانيون وِمن هؤلاء المؤَلفين  " إبن علي صاحب القاموس الشهير " حيث يقول : سوريا هي البلاد التي تمتد مِن أنطاكية وحتى الرها ، دُعيَت سوريا نسبةً الى اسم سوروس . . . وقال حسن بن بهلول في قاموسه : اسم سوريا مُشتق مِن اسم سوروس قاتل أخيه وخَلفِه بحكم البلاد التي سُمِّيَت بإسمِه وإن السريان كانوا يُسَمَّون آراميين في السابق . أما إبن الصليبي في كتابِه ( ܐܪܘܥܘܬܐ - المُلاقاة )  فيقول : لكنَّهم ( أعني اليونانيين )  يدعوننا يعاقبة بدل السريان مِن باب التعيير والإنتقاص ولكننا نَرُدُّ عليهم بالمقابل ، بأن الاسم " السريان " الذي أطلقتموه علينا وتتعمدون تجريدَنا مِنه ، لم يكن بالنسبة لنا مِن الأسماء التي نعتزُّ بها ، لأنه مُشتق مِن اسم سوروس الذي مَلِكَ في أنطاكية ودُعِيَت المملكة كُلَّها على اسمِه . . . إننا بنو آرام وبإسمِه " آراميين "  كُنّا نُسَمّى ،  وفي موضعٍ آخر مِن نفس الكتاب يقول :  دُعينا سرياناً على اسم سوروس باني أنطاكية والبلاد المُجاورة لها وسُمِّيَت كُلُّ المنطقة بإسمه ، وبنفس الصيغة تَحدَّث صاحب الكتاب النفيس  ( جَنَّة النعيم ) .

ولنَعُد الآن الى التَحَيُّز المُتَعَمَّد الذي أوردَه الباحث الكلداني المطران ساكو : عندما تعترف بأن  للآرامية لهجتين شرقية وغربية فأيٌّ مِن اللهجتين سادت المنطقة  وتَجَلَّت في أدبٍ  رفيع وخصوصاً في الرها منذ القرنين الثاني والثالث الميلادي .  أ - هل كانت اللهجة الغربية التي أطلقَ عليها المونوفيزيون لفظة السريانية بدون تَحَفظ  والتي يتداولُها  السريان بشَقيهم الكاثوليك واليعاقبة واقتبسها مِنهم الموارنة  اينما كانوا ، تلك اللغة المُتولِّدة مِن تحريف اللهجة الشرقية اللغة الكلدانية الفصحى ، وقام بنشرها بعض اليعقوبيين المتأخرين وعمموها على الطقس اليعقوبي ، تمييزاً لهم عن النساطرة الكلدان المُعاصرين الذين تَنَكَّروا لإصولهم الكلدانية وانتحلوا التسمية الآشورية  في العقود الأخيرة مِن القرن العشرين المُنصرم لتكريس بقائهم على الضلالة النسطورية بعيدين عن إخوتِهم أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية لكنيسة المشرق الكلدانية التي كانت قد تبنَّت المذهب النسطوري مُجبَرة منذ العقد الأخير مِن القرن الخامس وحتى منتصف القرن السادس عشر .
ب - أم كانت اللهجة الشرقية  اللغة الكلدانية التي كانت وحدها المُهيمنة  على البلا د بأسرها ، التي كان يتداولُها الكلدان القدماء الوثنيون وأحفادهم الكلدان المسيحيون المُعاصرون الكاثوليك مِنهم والباقون على النسطرة المتأشورون أينما وُجدوا ، كما تداولها أيضاُ سُكّانُ الجزيرة والشام ، اللغة التي أحَبَّها وكَرَّمَها الرب يسوع المسيح وقَدَّسها بتَحَدُّثِه بها ، فضلاً عن كونِها الأصح والأفصح بشهادة جميع خبراء اللغة ومِنهم الموارنة ، ويا ليتَكَ يا صاحب السيادة تُحاول قراءَة مقدمة مُعجم العلامة المطران اقليمس يوسف داود إن لم تكن قد قرأتها ، لترى كيف انبرى مِن خلالِها الى تفنيد إدِّعاءات ومُغالطات إبن العبري وغيره مِن اليعاقبة المتأخرين بأدِّلّةٍ واضحة وبراهين قاطعة لا يُمكن الطعنُ بها إطلاقاً . وهل كان اليهود مسبيين مِن قبل نابذي اسمهم الآرامي  أم مِن قبل الكلدان وبالنتيجة أية لهجةٍ قد تعلموا أليس مِن المنطق أن تكون الكلدانية !

لم يَعمَد اليعاقبة الى نشر هذه اللغة العوجاء والعَرجاء المُحَرَّفة وتعميمها على طقسِهم كما ذكرنا إلاّ للتمييز بينهم وبين النساطرة الكلدان المُعاصرين كلدان الجبال المتأشورين بسبب الكُره الشديد الذي يَكُنونه لهم نتيجة للخِلاف العقائدي والعِداء المذهبي بين الطرفين . إن هذه اللهجة المِعوَجَّة التي تَولَّدَت عن التحريف المُتعَمَّد للغة الكلدانية الفصحى مِن قبل المونوفيزيين اليعاقبة في الفترة المتأخرة ، لم تكن معروفة لدى الأقدمين شرقيين كانوا أو غربيين ولم ينطقوا هذه اللغة بغير اللهجةِ الشرقية ، ناهيكَ عن أنَّ أبناء الجزيرة وحتى الرها التي يَدَّعي بخُبثٍ المُغالطون المونوفيزيون المتأخرون إنتسابَ لغتِهم المبتورة إليها ، ما كانوا يلفظونَها إلاّ باللهجة الشرقية الكلدانية وبتأكيدٍ كُلّي لا غبار عليه ، والأدِلَّة على ذلك كثيرة لا مجال هنا لذِكرها ومع ذلك أكتفي بذكر دليل واحدٍ بهذا الصدد . في مستَهَلِّ القرن السابع أثبَتَ العالِمُ الشهير يعقوب الرهاوي بأن حركات اللغة الكلدانية " اللهجة الشرقية للآرامية " هي سبعٌ وحصرها بالجملة التالية <  ܒܢܝܚܘ ܬܚܝܢ ܐ,ܪܗܝ ܐܡܢ - بْنيحو تِحِّين أُورهاي إِمَّن > بينما حركات ما سُمِّيَت باللهجة الغربية بعد تحريفِها مِن الأصل الكلداني هي خمسٌ فقط . ولذلك نقول على أبناء الامة الكلدانية في الوطن الام وفي مُختلف بلاد المهجر الإعتزازَ بلغةِ امتهم لأنها رمز قوميتهم الذي يَروي أمجادَ تُراثِها وحضارتِها ، وليس مِن شَكٍّ بان اللغة هي العنصر الأبرز بين مُقوِّمات وجود أيَّةِ مجموعةٍ بشرية ، لأنه العنصر الأكثر التصاقاً بالكائن البشري والأكثر تحديداً لهوية هذا الكائن مع العناصر الإجتماعية والتاريخية الاخرى ،  إن وجودنا القومي الراسخ الجذور في تربة عِراقِنا العزيز مَرهون بصيانة لغتنا الكلدانية ذات المدلول القومي مِن دون تسميات شعبنا الاخرى والعمل على بقائها وثَباتها وتطورها ، ولأنها كذلك تجاهلها النظام البعثي الفاشي ووضع عوضها اللغة ذات المدلول الديني عند مَنحِه لنا الحقوق الثقافية  حيث ورد في القرار  "الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية " ، ظَنّاً مِنه بأنه بهذا النهج الظالم سيقضي على أيِّ توَجُّهٍ قومي .

وبالنسبة للإطار التاريخي والجغرافي وادِّعاء المطران ساكو المُخالف للحقيقة والواقع بأن التسمية " السريان " لا تَهُمُّه مِن أين جاءت قد تكون مِن سوريا . . . وهي ليست ذات أهمية ، ولكن الأهم لديه وفي عُرفِه الخاطي أن السريانية شَمَلت كُلَّ الناطقين بها ، مِن كلدان وآشوريين وسريان وموارنة ، وبمنتهى تَحدّيه للواقع الموضوعي القائم منذ القرنين الثاني والثالث الميلادي الذي يُحَدِّدُه بسيادة الثقافة " السريانية " ومِن دون وازع ضميري وتوبيخِه غَيَّرَ اللغة الكلدانية الى السريانية ،  تُرى ما الثقل الديمغرافي الذي يُمثله ناكرو أصلهم الآرامي  المُتأسرنين بالنسبة للكلدان ؟  هل إن عددهم الذي لا يزيد عن 12 %  بما فيهم الإنفصاليون الكلدان اليعاقبة ،  يَجعل بإمكانِهم ترويج لهجة لغتهم العَوجاء ونشر ثقافتهم  في بلاد الكلدان بلاد ما بين النهرين ؟  ولو اقتصر قولُه على الديار السورية ربما كان فيه بعض مِن الصحة  ولكون المارونيين ضمن المنطقة وهم الأكثرية وذووالقابلية رغم أنهم قد استقلوا بلغتِهم وسَمّوها باللغة المارونية ، ولتفنيد أقواله المُضحكة التي لا تليق به وبمؤَهلاتِه التي يُسخِّرها لخدمة أعداء امته الكلدانية نقول :

لو ألقينا  نظرة الى المناطق الجغرافية مِن الناحية السياسية التي تُدعى زوراً بالسريانية ، لوَجدنا : أ -  بأن المنطقة الشرقية المُحدَّدة بنهر الفرات غرباً وأرمينيا شمالاً وايران شرقاً وجزيرة العرب جنوباً ، كانت البلاد الأصلية للإمبراطورية الكلدانية قبل افول نجم سُلطانِها واستيلاء الغرباء على بلادِها ، وبالرغم مِن خضوع شعب الإمبرطورية الكلداني لعددٍ مِن أنواع الحكم الأجنبي  بقي شعباً حَيّاً لم ينقطع نشاطه الحياتي وهو الشعب الوحيد مِن شعوب بلاد ما بين النهرين الأصيلة الذي إستمرَّ وجودُه بعكس الشعوب الأصلية الاخرى التي إنقرضت كالسومريين والأكديين والآشوريين .
ب - وإن المنطقة المحصورة  بما وراء نهر الفرات وحتى البحر المُوسط < سوريا اليوم > ولمُجَرَّد وقوعِها ضمن حدود المملكة الرومانية ليس إلاّ ، سُمِّيَت بالبلاد السريانية الغربية وكانت تسمية خاطئة أملتها العوامل السياسية . وإذا نظرنا الى هذه المناطق مِن ناحية السُلطة الكنسية ، لَظهرَ لدينا واضحاً بأن بطريركية بابل الكلدانية ، كانت سُلطتُها تَشمُل المنطقة الشرقية التي أشرنا إليها برُمَّتِها ، أي نصيبين وتوابعٍها وأجزاء مِن أرمينيا وآشور وماداي وفارس وبلاد العرب والقطريين والهند والصين . بينما بطريركية أنطاكيا < إذا اعتُبرَت سريانية كما يروق لدُعاة الإنفصال > لم تَتعَدَّى سُلطتُها إلاّ على آراميي المنطقة الغربية مِن الجزيرة وسوريا اليوم المتأسرنين ( التغَيُّر مِن آراميين الى سريانيين ) الذين لقبوا  بهذا الاسم مِن قبل المصريين أولاً  ثمَّ  اليونانيين الغرباء وقبلوه رغبة مِنهم في تكريس انفصالهم .

أليس جُرماً أيها المطران أن ننصاعَ نحن الكلدان الأقحاح لإرادة الغربيين وإملاءاتِهم  فنقبل أن نُسمّى " سريان شرقيين " وما علاقة الكلدان بالسريانية التي أرادَ فَرضَها عليهم الغربيون الأجانب ليَنزعوا مِنهم  تسميتهم القومية الكلدانية العذبة ،  كيف يهون عليك أن تنزع اسم الكلدان مِن  كُلَّ مآثر وإنجازات كنيسة المشرق الكلدانية  العملاقة التي على أكتافهم  تأسَّست  ونَمَت  وترعرعت وغَزَت الأمصار الدانية والقصية ناشرة فيها بشارة الخلاص المسيحية وتقوم أنت والبعض مِن أمثالك بسلبِ كُلِّ ذلك وعَزوه الى فِئةٍ انفصالية ضئيلة مونوفيزية تجرّاَت  ببِدعتِها الاوطاخية الإنتقاص مِن الآلوهية !  هذه الفِئة التي تَعَدَّدَت  تسمياتُها العشرينَ  تسمية  وإليك بعضها مُقتبسة مِن حاشية الصفحة 132 من كتاب  <  تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني >   الأوطاخيون  نسبة  الى مُبتدع بِدعتِهم  -   المونوفيزيون وتعني القائلين بالطبيعة الواحدة للمسيح  - الديوسقوريون نسبة الى ديوسقوروس بطريرك الإسكنرية  - والساوِريانيون نسبة الى ساويرا بطريرط أنطاكيا الذي كان سبب إنشقاقِهم في سوريا  -  والتِثوباسخيقيون وتعني  مُلحقي الألَم باللاهوت  - واليعاقبة أو اليعقوبيون نسبة الى أعتى زعيم لهم يعقوب البراذعي و . . . وفي الأخير  السريان  الأورثوذكس  . أليس هذا دليلاً  صارخاً  على ضلالتِهم ؟ وأليس عملكم هذا خيانة لأمتكم الكلدانية  فضلاً عن أنه خيانة للحقيقة والتاريخ ؟

إن الإسهام الواسع في الرصيد الحضاري الأقليمي مع العرب ، والرصيد العالمي مع الفرس واليونان والرومان يعود للكلدان وليس للسريان اليعاقبة الإنفصاليين كما يَدَّعي زوراً الكاتبان  فولوس كِبريال وكميل البستاني  ، وماذا تتوقع مِن الكُتّاب أبناء الإنفصاليين غير التحريف والتزوير للتاريخ وحقائقِه !  نحن لا يَهُمُّنا ما  يقوله هؤلاء وأمثالهم مِن إنتهاك حقائق التاريخ  وتشويهِها  دعماً لباطلهم ،  ولكن الذي يؤلمنا أن ينحاز وبتعَمُّد بعض مُثقفينا الكلدان ذوي الرُتب الكنسية الى التطبيل لباطلهم !  عند تأسيس كنيسة بلاد ما بين النهرين لم يشأ مُؤَسسوها الكلدان أن تُسمى بإسمهم القومي  ،  ظناً منهم بأنه يرمز الى الوثنية ،  لأنهم  بعد اعتناقِهم المسيحية  نفروا  واشمأزوا مِن كُلِّ ما هو وثني ،  ويا لبؤس ذلك الظن !  فأطلقوا على كنيستهم اسم ( كنيسة المشرق - ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ )  كما لَقبوها  بـ ( الكنيسة الكاثوليكية - ܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ) و ( الكنيسة الفارسية - ܥܕܬܐ ܕܒܦܪܣ ) وسَمّوا أنفسهم ( مشارقة - ܡܕܢܚܝܐ ) وكان مِن الظلم والإجحاف أن يُطلق عليهم اليونانيون الغرباء اسم ( السريان المشارقة ) لأن اسم " السريان " غريب بالنسبة للكلدان كُلَّ الغرابة ومفروض مِن قبل الغرباء ، وكما يقول العلامة أدي شير في مقدمة كتابه ( تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني <  لم يكن الاسم السرياني يومئذٍ يُشير الى امةٍ  ،  بل الى الديانة المسيحية لا غير >   وأكَّد ذلك ايليا مطران نصيبين (975 - 1046 م )  حيث فَسَّرَ لفظة  < سرياني ܣܘܪܝܝܐ > بلفظة مسيحي ،  ولا زال شعبُنا  الكلداني المسيحي بكُلِّ تسمياتِه وانتمآتِه المذهبية يعتبر لفظة  < سورايا ܣܘܪܝܐ >   مُرادفة للفظة مسيحي ܡܫܝܚܝܐ مِن أيِّ جِنس أو امةٍ كان ،  ولا تدل  إطلاقاً على أي عِرق أو أثنية ،  انظر   ( اللمعة الشهية . . . / يوسف اقليمس داود ) .

ويستطرد أدي شير :  بعد الفتح العربي الإسلامي أُجبِرَ الكلدان الباقون على الوثنية على الدخول في الإسلام ، أما اليهود والمسيحيون ففرضَ الفاتحون عليهم الجزية لأن الإسلام يعتبرهم مِن أهل الكتاب ،  فجاءَت أسلمة الوثنين في صالح الكلدان المسيحيين  وكحافز قوي لهم لإصلاح  خطأ آبائهم  بإهمالهم لإسمهم القومي ،  فاستعادوه حيث يقول إبن العِبري في كتابه ( معَلثا ) في معرض حديثه عن الامة الكلدانية النسطورية  <  الشرقيون العجيبون أولاد الكلدان القدماء >   وفي كتابه ( تاريخ الدول )  وهو يَبحثُ عن فروع اللغة الآرامية ،  سَمّى لغة  أهل جبال آثور  وسواد العراق " الكلدانية النُبطية " وها هو المُهتم بأخبار الامم وبحث مسيرة الأجيال القاضي أبو القاسم صاعد بن أحمد الاندلسي يقول في كتابِه ( طبقات الامم )  :  < والامة الثانية الكلدانيون وهم السريانيون والبابليون / مجلة المشرق 1911 م /569 >  ووَرَدَ في كتاب السنهادوسات / البند التاسع ،  تلقيب عبديشوع الصوباوي لبطريرك المشرق بـ ( بطريرك بابل عاصمة الكلدان )  واستناداً الى صحة إستعادةِ الكلدان لإسمِهم القومي جاءَ طلبُ نساطرة قبرص عند عودتهم الى الكثلكة المُقدَّم الى قداسة البابا اوجينوس الرابع عام 1445 م بتسميتهم كلداناً  لأنه إسمهم القومي .

لقد عُرفَ الكلدان كما يقول العلامة أدي شير بأسماء عِدة مُنافية لهويتهم القومية الحقيقية  أغلبُها نُسبَت إليهم تنسيباً مناطقياً ومذهبياً كالمشارقة والنساطرة مثلاً ، ولكن اسمهم الحقيقي القومي هو الكلدان ، ولغتهم القومية والطقسية هي الكلدانية  وسُمِّيَت أحياناً آرامية في السابق ، ويُضيف :  ومِن الخطأ سُمِّيَت سريانية كما إنه مِن الخطأ سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سرياناً !  !  !     وإن السريان الغربيين  وأعني بهم اليعاقبة أحَسّوا أيضاً بخطأ تسميتِهم وأقرّوا علناً بأن اسمهم الحقيقي الأصلي ليس السرياني ، بل الكلداني الآثوري ، وقد اعترفوا بذلك عندما إستهزأَ بهم اليونانيون في النصف الأول مِن القرن التاسع على عهد ديونوسيوس التلمحري وعَيَّروهم قائلين لهم : < إنَّكم طائفة سريانية لا شَرَفَ لها ولا أهميّة ، لا مملكة لكم ولا قام فيكم ملكٌ  >   فلم يَسَع  السريان  اليعاقبة  إلاّ  الإقرار  بالحقيقة ،  فرَدوا عليهم بالقول :  وإن كنتم قد أطلقتم علينا اسم السريان ،  إلاّ أن أصلنا الحقيقي هو كلدان آثوريون وكان لنا ملوكٌ عظام وجبابرة  " ميخائيل بطريرك السريان اليعاقبة " ويُضيف ميخائيل هذا :  إن العيلاميين والآثوريين والآراميين الذين سَمّاهم اليونانيون سرياناً عادوا فسَمّوا أنفسهم بإسمهم القديم كلداناً .

لم يقبل أجدادُنا الكلدان المسيحيون أن يكونوا أقلَّ شُهرة مِن آبائهم الكلدان الأقدمين الوثنيين ، وكما امتاز أسلاف الكلدان في ميادين المعرفة والصناعة وشدّة البأس والفتوحات الجغرافية ، حيث امتدَّت فتوحاتُهم حتى  جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر الأسود شمالاً  والى بلاد ماداي وعيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً ، كذلك فعلَ أحفادُهم الكلدان النصارى بفتوحاتِهم الدينية ، فعظُمَت شُهرتُهم وخَلَّدوا لهم ذِكراً جميلاً مؤَبداً ، فقد غَزوا دينياً مُفتتحين بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينيا وسوريا وقبرص ومصر وبلاد الهند والصين وغيرها مِن البلدان الاخرى مِن التي لم يَستطِع أجدادُهم الأقدمون إفتِتاحَها بقوة أسلحتهم القاطعة .
كتب المؤرخ أدولف دافريل مقالة عن " كلدو المسيحية " هذه تَرجمتُها : <  إن الكنيسة النسطورية  أبرزَت قوة امتدادٍ عجيبٍ خارق العادة ولمدة أجيال عديدة ،  فإن قوة هذا الإنتشار الديني والإنجذاب إليه يُعَدّان علامتين فارقتين إنفردَت بهما الكنيسة النسطورية دون غيرها ، والأغرب ما في الأمر أنَّ إرساليات الكنيسة النسطورية التبشيرية لم تكن مدعومة بوسائل دُنيوية  أو مُزَودة بآلةٍ حربية أو مُسندة بنفوذٍ سياسي ، بل  إن العامل الوحيد كان الميل الشديد مشوباً بالغيرة العارمة لدى نصارى القرون الوسطى لنشر الايمان الحق >  وعن تَوَغُّل المُبَشرين النساطرة في سيلان والهند والصين وبلاد التَتَر واورشليم وقبرص يقول أدولف : لقد ارتفع شأن الكلدان النصارى بهَمَّة المُرسلين الغيورين ، فازداد عدد مُعتنقي المسيحية حتى بلغ أكثر مِن مِئة مليون  ، ومِمّا اشتهر به الكلدان النصارى أنهم نشروا المعرفة والثقافة المسيحية الى جانب تعاليم الإنجيل باعتراف جميع العلماء والمؤرخين ومِنهم شارل اوديس بونين  فكتبَ مقالة في قِدَم الكلدان النصارى وامتدادِهم في بلاد الصين ومنغوليا وتركستان جاء فيها ما تعريبُه : <  إن الكلدان النساطرة لعبوا دوراً هاماً في نشر الثقافة العامة ، فإن كهنتَهم هم أول مَن أدخل المدنية في آسيا الوسطى ،  وعن طريق حروف لغتهم إقتبس غُزاة آسيا القلم التُركي الايغوري والمغولي والمانجوني ، والقلمان الأخيران لا زالا مُستَخدَمَين الى يومنا هذا / المجلة الآسيوية الفرنسية 1900 م  .  ويقول بادجر في كتابه  ( النساطرة وطقوسهم ) إن أشهر الديانات الآسيوية وهي ( اللاماوية Lamaisme ) أخذت الكثير مِن طقس الكلدان النساطرة ولا يُستبعَد أخذَها مِن مُعتقدِهم أيضاً .

في كتابه ( النصرانية  في مملكة الفرس )  قال الأب لابور : <  إن الكنيسة النسطورية لم تألُ جُهداً في نشر الثقافة والتربية المسيحية بين أهالي آسيا القديمة والشرق الأقصى ولمدة أحد عشر قرناً ،  وإن النصارى الكلدان تَسَلَّموا أعلى المناصب في الدولة العباسية ،  وعَلَّموا أسيادَهم الذين كانوا في حالة الجهل  فلسفة اليونان وعِلم الفلك والطبيعيات والطب ،  ونقلوا الى اللغة العربية مؤَلفات آرسطو وأقليديس وبطليموس وأبقراط وجالينوس وديوسقوريدوس > وذكرت مجلة الشرق المسيحي 1910 م  ومجلة المشرق 1911 م بأن الكلدان عَلّموا العربَ الأرقام الهندية .  وجاءَ في المُعجم اللاهوتي الكاثوليكي / تأليف العلماء الألمان / ترجمة كوشلير الفرنسية ما تعريبُه : <  إن العلوم الشرقية إبّان زَمَن الفتوحات العربية كانت حصراً على الكلدان بشكل خاص ،  فكانوا يقومون بالتعليم في مدارس نصيبين والرها وساليق وماحوز ودير قوني اللغات الكلدانية والسريانية واليونانية الى جانب النحو والمنطق والشعر والهندسة والموسيقى والفلك والطب ،  وكانوا يملكون مكاتب عامة لحفظ مؤَلفات المُعَلمين > .

إن كثرة المدارس والمُستشفيات التي أنشأَها الكلدان جعلت الأب لابور يأخذ مِنه العجب فقال : <  ليس هنالك مِن امةٍ على سطح الأرض استطاعت مُباراة امة الكلدان النصارى في تأسيس المدارس >  شهدت الفترة  المحصورة بين بداية القرن الرابع ونهاية القرن الثالث عشر ثورة عِلمية وأدبية هائلة ، واتسع نطاق التأليف والترجمة الى أقصى مداه ، حيث بلغ عدد المؤَلفين أكثر مِن أربعمائة مؤلف ، فاقت مؤلفات بعضهم الخمسة عشر والثلاثين والأربعين مؤَلَّفاً  : فمُصنَّفات مار أفرام لا تُحصى ، وميامر نرساي بلغت ( 360 )  ما عدا العددالكبير مِن الكتُب ،  عدد ميامير يعقوب السروجي ( 700 ) مؤَلفات جبرائيل اسقف هرمزدأردشير ( 300 )  ومؤَلفات يوسف حَزايا ( 1900 ) والى آخره .  أبعد كُلِّ ما أبدعه علماء الكلدان في مُختلف ميادين العلم والمعرفة تقوم يا مطران ساكو  باقناصِه  مِنهم وإهدائه  كصَيدٍ سهل لِمَن  لم يُساهموا به !  أليس مِن العار على  مطران كلداني أن يُصَدِّق أقوال  المُلفق والمُزَوِّر جورج قنواتي بنسبه المُفكر الشهير " حُنَين بن اسحق العباديّ الحيراوي الى السريان ! ومتى كان أهل الحيرة سرياناً !  وليس مُستبعداً أن تقول بأن البطريرك طيماثيئوس الكبير كان سريانياً ، أين الإخلاص  أين النزاهة أين يقظة الضمير ؟ وإني أسألك يا سيادة المطران : هل قرأتَ أو سمِعتَ أن أحداً مِن الإنفصاليين الخارجين مِن صُلب الامة الكلدانية وأعني بهم دُعاة الآشورية والسريانية ( اليعقوبية ) قد اعترف بالحقيقة الكلدانية قديماً وحديثاً ؟ ألم يجعلوا مِن الكلدان في كتاباتهم وأقوالهم وتطبيلهم وتزميرهم في المحافل المحلية والدولية أتباعاً لهم بتنكُّرهم لتاريخهم المجيد وإنجازاتِهم الحضارية السامية الفريدة قبل الميلاد وبعده ؟ إذاً كيف يهون عليكم بل يطيب لكم البناء على حائطهم المُنتهِك لحدود ومساحة بيتكم الكلداني ؟ وإن دَلَّ عملُكم هذا على شيء فلا تفسير له سوى ضعف الشعور القومي لديكم وتأثركم بالثقافة الغربية المُعادية للامة الكلدانية !

نصيبين

أشهر مدن الشرق سُمِّيَت مدينة الحدود لوقوعها على حدود المملكتَين الرومانية والفارسية ، تأرجحَت بين النفوذين الفارسي والروماني مِراراً ، لُقِّبَت بعدة ألقاب مِنها :  مدينة المعارف  ܡܕܝܢܬ ܣܘܟܠܐ -  ام العلوم ܐܡܐ ܕܝܘܠܦܢܐ -  ام المعلمين ܐܡܐ ܕܡܠܦܢܐ - فيها وُلدَ وترعرع واشتهر أعظم قدِّيسي الكلدان وأجَلُّ علمائهم أمثال مطرانِها القديس الجليل مار يعقوي والمعلم الأول في مدرستِها الشهيرة مار أفرام النصيبيني  الذي إزدانت به الكنيسة الكلدانية ، وكان مدعاة مُباهاتِها لغزارة عِلمه وفيضِ فضائلِه  . ولد في نصيبين في نهاية الجيل الثالث ، تلقى تعليمه على يد مار يعقوب النصيبيني الذي أناط به إدارة مدرسة نصيبين ،  بعد وفاة مار يعقوب ظَلَّ مواظباً على التدريس تحت رئاسة خلفاء مار يعقوب لمدة (38 ) سنة الى جانب انكبابه  على التأليف حتى سنة 363 م حيث سَلَّمَ الرومان مدينة نصيبين الى شابور الملك الفارسي فأمر بغَلقِها ، وبعد بضع سنواتٍ انتقل الى الرها هو وكُلُّ رفاقِه مُعلمي مدرسة نصيبين ونخبة مِن أشرافِها ، وقاموا بفتح مدرسةٍ فيها لبني قومِهم الكلدان على غِرار مدرسة نصيبين وتعويضهم عنها ، ولشدةِ خصوصيتِها القومية سُمِّيَت بـ ( مدرسة الفرس ) أي مدرسة الكلدان الخاضعين لحكم ملوك الفرس ،  أليس إذاً تَجنياً واضحاً مِن اليعاقبة المُنشقين أعتبار مار أفرام سريانياً ؟ مار أفرام الذي  ينظر إليه بنو قومِه الكلدان بكونه نَبِيّاً وليس أفرام الكبير وملفان الملافنة فحسب ، وكان مار أفرام يكتب ويؤَلف باللغة الكلدانية النقية والمستقيمة وليس باللغة العوجاء المُحرفة عنها المُسماة بالسريانية . وأنصع برهان على ذلك وضعُه حرف الألف مُصَغراً فوق الياء في اسم يسوع له المجد ، وهذا جليٌّ في تسبيحته العظيمة  التي تُرتَّل في الطقس الكلداني ألا وهي ( ܢܘܗܪܐ ܕܢܚ ܠܙܕܝܩܐ أشرق النور على الصديقين ) المؤلفة مِن عشرة أبيات على عدد حروف اسم يسوع المبارك . لقد جعل مار أفرام الكبير مِن مدرسة الرها الكلدانية مدرسة لاهوتية مُنظمة عام 369 م أقام لها مجلساً إدارياً يُراقب اسلوبَها الربّاني في التفسير وهو   تناول المعنى الحرفي مِن حيث قيمته التاريخية ، وبعد ذلك ينتقل البحث للتطبيق العملي والرعوي ، وقد رفدت هذه المدرسة كنيسة المشرق الكلدانية برُعاة بارزين مِن الأساقفة والمطارين وكبار المُفكرين كما فعلت نظيرتَها مِن قبلُ مدرسة نصيبين التي كانت أشهر مِنها  إذ لم تقتصر شُهرتُها في المملكة الفارسية وحدها بل تعَدَّتها الى إمبراطورية الروم وحتى البلاد الأفريقية كما يُشير المؤرخان لاند والسمعاني ، ويقول عنها الأب لابور : < كانت جُمعية حقيقية مُنضبطة مُقيَّدة بقوانين وأنظمة ، يُديرُها رئيس يُلقَّب بـ( رَبّان ) يعني مُعَلِّمنا ويدعوه تلاميذُه بالمُفَسِّر ، لأن تفسير الكتاب المقدس كان مِن أهمِّ وظائفه  يُساعدُه عدد مِن المُعَلِّمين تحت إشرافه ، كانت المدرسة موضع إطراءٍ من قبل العلماء الاوروبيين ، كتبوا عنها بإسهابٍ وإعجاب بنظامِها المذهِل ومِمّا قالوه : إن المدينة الميطرابوليطية الكبيرة تأسَّسَت داخل أسوارها أولُ كُليَّةٍ لاهوتية ، وأول جامعةٍ إهتمَّت بتدريس عِلم الآلوهية  >   وسنذكر فيما يلي العلماء الذين أنجبتهما المدرستان .

  نرساي الملفان العظيم ومِن أشهر ملافنة الكلدان وشعرائهم الذي أختير لإدارة مدرسة الرها بعد وفاة رئيسها  قَيّورا ،  بَرصوما مطران نصيبين الشهير الذي ألحق الهزيمة بالمونوفيزيين وطردهم مِن كُلِّ أنحاء المملكة الفارسية ولم يترك لهم إلاّ كنيسة واحدة ( كنيسة تكريت )  وساهم مع نرساي في تأسيس كُلية نصيبين ،  إليشاع بَرقوزبابي الذي خلف نرساي في  رئاسة  مدرسة الرها ، وبعد أيليشاع  تَرأَّس المدرسة  إبراهام دبيث رَبّان لمدة ستين عاماً  تَحَمَّل الكثير مِن الجهد والتعب في توسيعها بحيث إتَّسعت كما جاء في كتاب التاريخ السعردي لتحوي ما يقارب الألف تلميذ ، أنار بلادَ فارس بتعليمه ،  وأنجب أبناءً روحيين كثيرين جداً ، أشهرهم إبراهيم الكشكري ، حنانا مطران أربيل ، مار آبا الكبير ، داديشوع ويوسف هوزايا ، إبراهيم بَرقَرداجي ، ايشوعياب أرزونايا ، غريغور مطران نصيبين وسبريشوع الجاثاليق وغيرهم .  خلف إبراهام دبيث ربان في رئاسة المدرسة ايشوعياب الأرزوني الذي أصبح بطريركاً / برحذبشبا وكتاب مدرسة نصيبين / فاستلم الرئاسة إبراهيم النصيبيني .
أما مشاهير الادباء الكلدان منذ القرن الثاني : برديصان ،  عبديشوع اسقف  كشكر ،  مار بابا ، شمعون برصباعي ، ميليس اسقف شوشان ،  إشعيا بَرأحدابو ،  تئوفيل الرهاوي ، أفراهاط الحكيم ، غريغوريوس الراهب ، مار أفرام  نبيّ الكلدان ،  ربولا الذي انحاز كلياً لكيرلُّس الإسكندري ،  بِرسا اسقف الرها ، هيبا الكبير ، باباي الكبير ،  سهدونا ، بولس الرقي ،  أيوب القطري ،  سركيس الرِشعيني الذي كان مرتبكَ الفكر بين الأريوسية والوثنية ، فاتشله مِنها مار آبا الكبير قبل أن يُصبح جاثاليقاً وغدا أشدَّ أعداء المونوفيزيين ، يعقوب الرهاوي ، البطيرك طيماثيئوس الكبير ، حُنَين بن إسحق واسحق إبنه ، والذين جرقتهم البدعة المونوفيزية فتنَكَّروا لأمتهم الكلدانية مثل يعقوب السروجي وعبديشوع الصوباوي وابن العبري وميخائيل وأخسنايا ويعقوب البراذعي وآخرون كثيرون .

إنني أُهيبُ بالمطران لويس ساكو أن يقرأَ مقالاتي التي كتبتُها في الشأن القومي والديني على صفحات المواقع الإلكترونية  ولا سيما في موقع امتنا الأغر ( كلدايا . نيت  www.kaldaya.net ) وبخاصةٍ  الحلقات المُعنونة ( الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان ) و ( خلاصة تاريخية في مجامع كنيسة المشرق الكلدانية ) ، لأنه  يؤسفني  أن أجد مطراناً كلدانياً بهذا القدر عِدائياً  للامة الكلدانية وكنيستِها !

الشماس كوكيس مردو
في 24 / 5 / 2007

239


تهنئة حُبٍّ وتقدير بيوم العَلَم الكلداني !

رغم كُلِّ ما نَشعُرُ به مِن حُزن وألم لِما يُقاسيه شعبُنا المسيحي في وطنه الام العراق على أيدي برابرة القرن الواحدِ والعشرين المعدومي الضمير ، الذين لا يتورعون عن اقتراف أبشع الجرائم ضِدَّ سُكّان العراق الأصليين المسيحيين المُسالمين كلداناً وسرياناً وآثوريين دون ذَنبٍ أو سبب سوى كونهم مسيحيين ، يَرتكبونَها باسم الله  والإسلام ، أيُّ إلهٍ هو الذي يَرضى أن تُسفكَ الدماءُ بإسمِه ؟ أيُّ إلهٍ يَقبل أن تُستَعبَدَ الناسُ وقد خُلقوا أحراراً ؟ أي إسلام هذا الذي يُنادون به بأنه دين التسامح والناس يُقتَلون بإسمه ؟ كيف يُكرَهُ الناسُ على الدخول فيه  وفي قرآنِه آية تقول  "  لا إكراهَ في الدين  "  إنَّها ريحٌ صفراء عاتية  يا أبناءَ امتي الكلدانية المجيدة  قادمة مِن أجواء غريبة مُلوَّثة  لتُلَوِّثَ أجواءَ بلدِنا الصافية ، إنها ستَخفت وتخمُد بقوة الله الذي لا ينسى عِبادَه الصادقين وسيكون الخزيُ والعارُ نَصيبَ الظالمين  .

إنَّ السابعَ عشر مِن أيار لعام 626 ق . م الموافق للسابع عشر مِن سنة 4674 كلدانية هو يوم العلَم الكلداني  الذي  تَمَّ فيه تحرير بابل عاصمة الإمبراطورية الكلدانية مِن تَسَلُّط العدو الغاشم ، إنها ذِكرى عزيزة على قلوب أبناء الكلدان في كُلِّ مكان ، إني أنتهز هذه الذكري القومية لأَتقدَّمَ مِن قياداتِنا الدينية والسياسية بأجمل التهاني وأصدق الأَماني ،  سائلاً المَولى أن  يُزيلَ الغُمَّة  عن  شعبنا الكلداني المسيحي بكُلِّ تسمياتِه ، مُهيباً بكُلِّ فصائله وتنظيماتِه وأحزابه أن يكون تَذَكُّرُهم لمُناسباتِنا القومية مَدعاة فخر واعتزاز بها ، وحافزاً قوياً لتوحيد الآراء والأفكار في خطابٍ قومي مُوَحَّد ، فإلى نسيان الخلافات والمُبادرة الى التسامح والتصالُح ندعو ونُطالبُ بالوقوف صفَّاُ واحداً تُجاه الصعوبات والتحَدِّيات المُحيطة بنا .

علينا يا إخوتي أبناء الكلدان أن لا نبقى صامتين على الضيم المُلِمِّ بنا ، ولا نُشغِل أنفسَنا بأقوال فِئةٍ مِن أبناءِ شعبنا الخيالية وغير الواقعية التي  تُحَمِّلنا المسؤولية فيما هو حاصلٌ لشعبنا بسبب عدم موافقتِنا على رفع الواوات مِن بين تسمياتِنا القومية ! إنه الجهل والإصرارُ على الوهم ! هل إن العدوَّ المُتربِّص بنا يُحاربُنا بسبب تسمياتِنا بالتأكيد لا ! إنه يُحاربُنا بسبب مسيحيتِنا وهو لا يُمَيِّز بيننا ولا تَهُمُّه تسمياتنا إن كانت واحدة أو ثلاث !

ينبغي أن نتحرك على ضوء لائحة حقوق الإنسان وفيها مُلحقٌ بحقوق الأقليات لعام 1992 م  مُعتَمَدٌ مِن قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة وقد تَضَمَّن البند الأول : -

أ - على كُلِّ دولةٍ أن تقوم بحماية الأقليات المتواجدة ضمن اقليمِها ، وتصون هويتها القومية أو العِرقية الى جانب هويتها الدينية والثقافية واللغوية  وخلق ظروف ملائمة لتعزيزها .
ب - تقوم الدول بإعتماد القرارات التشريعية والإجراءات الكفيلة بتحقيق ذلك .

البند الثاني : -

للأفراد المُنتمين الى أقلياتٍ قومية أو عِرقية أو الى أقلياتٍ دينية ولغوية الحق في التمتع بثقافتِهم الخاصة ومُمارسة طقوسهم الدينية واستخدام لغتِهم الخاصة بكُلِّ حرية وعلانية وبدون تَدَخُّل أو تمييز .

وعندما لا تُحرِّك حكومة العراق المُنتخبة ساكناً لتطبيق هذه التوصيات ، أليس مِن حقِّنا إيصال صوتنا الى مَن أصدرها وشَرَّعها ؟

لقد كانت صرخة أبينا البطريرك مار عمانوئيل دلي الثلث بطريرك الكلدان في العراق والعالَم  صَرخة مُحِقة وعادلة عندما قال : <  المسيحيون يُهَجَّرون قسراً ويُقتلون أمام أعيُن المسؤولين  > أليس هذا هو الواقع بعينِه ؟ إذاً ماذا ينتظر قادة شعبنا السياسيون ؟  ومتى يتحركون  ؟

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 5 / 2007

240

كيف يُفَسَّرُ هذا السكوتُ المُطبَق ؟

في كُلِّ يوم يَمُرُّ ونحن نَنتظرُ أن نَسمعَ استجابة لنداءات القادة الدينيين والمدنيين المسيحيين الموَجَّهة الى المسؤولين في الدولة العراقية مِن الذين في قِمة السُلطة ، رئاسة الدولة ، رئاسة الوزراء ، مجلس النواب ، لكي يُبادروا الى وَضع حَدٍّ لِما تُعانيه شريحة أصيلة مِن المُجتمَع العراقي أعني بها ( المسيحيين ) على أيدي زُمَر تكفيرية قد تسَلَّلت الى العراق لتنشر فيه الخرابَ والدمار وبَثِّ الفتنة بين مُكوِّناتِه المتآخية ، ولكن للأَسف ليس هنالك مِن مُجيب ! بماذا نُفَسِّر هذا الصمت ؟ إننا نعلم أن الكثيرَ مِن مناطق العراق مُلتهبة بنار الأشرار القادمين مِن بلدان الجوار ولهم في الداخل مُساندون مِن ذات المُواصفات ، ولكن الأكثر استهدافاً هم المسيحيون العراقيون المُسالمون الأبرياء ، يُلاحقون ويُهَجَّرون ويُقتلون ، ليس لذَنْبٍ اقترفوه أو قانون خالفوه أو مال سرقوه وإنما بسبب دينهم الحق الذي إعتنقوه وقبل أن يظهرَ الإسلام بسبعمائة عام !

يا سيادة رئيس الوزراء ! ألست رئيساً مُنتخباً  وأعلى مسؤول تنفيذي وموقعكَ على قمَّةِ هَرَم السُلطة ؟ ماذا تنتظر والصراع الطائفي الدموي في تفاقم يوماً بعد يوم ؟ هل كان يُنتظر أن تَرثَ حكومة البعث حكومة مُحاصصة طائفية تتحكَّمُ فيها مليشياتٌ مذهبية أم حكومة قانون ومؤسسات قوية تفرض الأمنَ وتُوَفرُ الأمان للشعب العراقي ؟ ألم يكن كافياً ما عاناه مِن قهر وحرمان وعقوبات دولية بسبب السياسة البعثية العبثية حتى يستجير مِن الرمثاء بالنار ؟ حتى متى تنتظر تبديل الوزراء المُسيئين المُستقوين بالمليشيات ؟ لماذا البطء في استخدامِك لصلاحياتك ؟ مَن يحمي مُكَوِّنات الشعب العراقي غير المُسلمة إذا لم تَقُم الحكومة بحمايتِها ؟ إنَّها لا تملك مليشيات ولا تُريدُها أصلاً  فأين المَفر ؟ حتى متى يُترَكُ الحَبلُ على الغاربِ بالنسبة للتكفيريين المُدعَمين مِن قبل عملاء النظام البعثي السابق وأتباع تنظيم القاعدة  وهم يسرحون ويمرحون ويعيثون فساداً في أرض العراق الطاهرة ؟ نحن نعلم بأن القتل والهجرَ والتفجيرَ ليس مُقتصراً على المُكونات غير المسلمة فحسب إذ إنه إرهابٌ شامل يحترق بنيرانِه المُسلمون أيضاً مِن كلا المذهبَين ، ولكن هذه المُكوِّنات هي الجهة الأضعف وإنك الأدرى بذلك  يا سيادة الرئيس .

منذ سقوط النظام وتحرير العراق ، سيطرت على مقاليد الحُكم القوى التي كانت تُدعى بالمُعارضة الوطنية ، ولكن للأسف لم تكن وطنية بل طائفية مذهبية شيعية وسنية ، إعتبرَت العراق كَعكة شهية كانت محرومة مِنها لفترةٍ قصيّة ، فانهالت عليها تقطيعاً وكانت حصة المجموعات القوية هي الفائزة بالقِطع الكبيرة أما المجموعات الصغيرة فظَلَّت جائعة ، ولكن تلك المجموعات الفائزة لم يكن فوزها سلمياً توافقياً بل قد جَرى عن طريق الإقتتال الدموي الذي بدأ منذ الوهلة الاولى ولا زال مُستمراً ، آخذاً مساراً عنيفاً جارفاً بشدتِه تلك المجموعات الصغيرة والضعيفة مِن أتباع الديانات غير المُسلمة بالرغم مِن عدم حصولها على أي جزءٍ مِن الكعكة ، وطالهم القتلُ على الهوية دون شفقةٍ أو رحمة ، وكان أصحابُ محلات بيع الخمور مٍن المسيحيين هم الضحية الاولى في بغداد والموصل والبصرة ، حيث طوردوا وعُذَِبوا وقتلوا ودُمَِرَت محلاتُهم تحت سمع وبصر الدولة التي منحتهم إجازات البيع ، يُقتَلُ البائعُ المسيحي أما الشاربُ المُسلم فليست عليه جُنحة ، يا للمفارقة يا للمهزلة !

يتبَجَّح أئِمَّة المُسلمين والمَتَأسلمون السياسيون مالئين الدنيا ضجيجاً وصَخباً بأن الإسلامَ هو دين التسامُح ! ولكنَّهم في ذاتِ الوقت يُهَدِّدون بقطع عُنق كُلِّ مَن يُوَجِّه أيَّ نَقدٍ مِن أيِّ نوع ضِدَّهم مُوضِّحاً أن أقوالهم لا تنطبق على أفعالهم ، وليس هذا فقط  بل بهدر دم كُلِّ مَن يَجرأ للتساؤل عن فكرةٍ دينية أو الشك فيها أو كتابة مَقال أو نشر كتابٍ بصدَدِها ،  ولذلك يُنظرُ الى الدول العربية والإسلامية كأَكبر مذبحةٍ للمُفكِّرين الأَحرار ومُحرقةٍ لكُتُبِهم على مَرِّ التاريخ ،  وهذا كان سبباً في هروب مُعظم المفكرين في هذه البلدان الى المنافي مُجبَرين أو مُخَيَّرين والباقين مِنهم فَضَّلوا الصَمتَ طلباً للنجاة مِن الإضطهاد ! تُرى ، كيف يتَّفق التهديدُ بقطع الأعناق مع روح التسامُح ؟ كيف يستغِلُّ الإرهابيون ما ورد في الأنفال ( 60 ) " وأَعِدّوا لهم ما استطعتم مِن قوة ورباط الخَيل تُرهبونَ به عَدوَّ الله وعَدُوَّكم " في قَتل الأَبرياء الآمِنين والمؤمنين بالله الواحد الأحد ، وقد جاء هذا القول للوثنيين عَبَدةِ الأصنام  وفي بداية الحملات الإسلامية وليس لعِباد الله الواحد الأحد وفي القرن الواحد والعشرين ولا لشيءٍ إلاّ لأنهم ليسوا مِن طريقتِهم . أليس رَبطُ السيف بالقرآن شعاراً إساءَة الى الإسلام ذاتِه ؟ أليست مُحاولة إسلاميي القاعدة وطالبان السنة والشيعة إفراغ المسيحيين مِن العراق وهم أحفاد أقدم سُكّانِه الأصليين وبُناةِ حضاراته الاولى  جريمة بحق العراقيين خصوصاً وبحق الإنسانية عموماً ؟ يَدَّعي القائمون بهذه الأفعال الهمجية والشنيعة بأنهم يُقبلونَ الى فعلها باسم الله والإسلام للفوز برضاء الله الذي سيُكافئُهم لقاءَها بالجنة وحور العيون ! يا للجهالة يا للفرية على الله جَلَّ جلالُه ! الله يُكافيء المُعتدين ! الله يَرضى على المجرمين ! حتى متى يَحتكم المُسلمون الى العقل والحِكمة ؟ حتى متى يفقهون جَوهر دينهم ذي الجانب الايجابي عند تفسيرهم لنصوصِه حسب سياقِها التاريخي إنسجاماً مع مُتطلبات العصر الراهن لكي يتسنّى لهم العيشَ بسلام مع العالَم ؟

لقد بلغ السيلُ الزُبى ، فإن أتباع تنظبم القاعدة الفاشيين ،  نعم فاشيين ، لأن كُلَّ مَن يُعادي الإنسانَ بسبب انتمائه الديني أو العِرقي أو لإختلافِه في اللون أو اللغة أو الفكر والرأي هو فاشي ، أفليس الذين يُهدِّدون المسيحيين ويضعونهم أمام الخيارات المُرة : أ - أسلِم تَسلَم ب - إرحل واترك كُلَّ ما تملك  ج - وإلاّ مصيرك القتل .  وبالفعل فقد قُتل مَن امتنع عن الأسلمة و مَن لم يَرحَل  ، وهربَ الباقون الى مناطق الهجر الداخلي أو الخارجي ،  أليس هؤلاء المُضطهِدون الجُدد فاشيين ؟  أين أنتم مِن كُلِّ هذا !  يا مشايخ الإسلام وفقهائِه المنادين بأن الشريعة الإسلامية  سمحاء  ولا تقبل بالإعتداء ؟ يا أئِمَّة المساجد والحُسينيات وخطباء منابرها أليس صَمتُكم المطبق عن شجبِ هذه الأعمال البشعة المُخالفة لكُلِّ الشرائع السمائية والأرضية  يعني مشاركتُكم بها وتشجيعُكم لها ؟ كيف يُمكن تبرئَتكم مِن هذه الجرائم ، إذ هل كان بإمكان أتباع القاعدة وطالبان المُتسلِّلين مِن وراءِ الحدود أن يتعَرَّفوا على مناطق سَكن المسيحيين دون إرشاد ومُساعدة أتباعكم مِن العراقيين المُوغلين بالتزَمُّت الديني مدفوعين بالتحريض الذي يتلقونه مِنكم  ؟ أين غيرتَكم ومدى استجابتكم لنداء البطاركة رؤساء المسيحيين وهم يناشدونكم لإيقاف هذه المجازر والإعتداءات ؟

إننا نُكَرِّر السؤال : لماذا صَمُّ الآذان مِن قبل المسؤولين الحكوميين ورجال الدين المسلمين عن سماع تَظلُّم المسيحيين لإنقاذِهم مِن هذه الإعتداءات الفادحة التي تُرتَكَب في حقِّهم دون ذَنْبٍ ، ألا يَصفُ الإسلامُ الساكتَ عن الحق بالشيطان الأخرس ! إذاً ما معنى صَمتكم على الإعتدائيين مُرتكبي الجرائم باسم الإسلام ضدَّ المسيحيين الآمنين مُحِبي السلام العُزَّل ؟ أين صوتُ الكُتّأب المُسلمين ؟ هل إن أقلامَكم مُكرَّسة للدفاع عن الإسلام السياسي فقط ؟ تُرَوِّجون له وتُجابهون الكُتّاب الأحرار الذين ينتقدون جرائم الإسلام السياسي ، حيث تعتبرون نقدهم مُوجَّهاً ضِدَّ الله والإسلام ! المسؤولية تقع على عاتق الجميع ، الحكومة والشعب والأحزاب السياسية لإيقاف تهديد وقتل وتهجير المسيحيين الجاري على أيدي القوى التكفيرية الإرهابية الدخيلة على البيت العراقي . ونُطالب رجال الدين المُعتدلين وفي مُقدمتهم السيد علي السيستاني بإدانة كافة جرائم العنف التي يقوم بإرتكابها ضِدَّ المسيحيين  التكفيريون المُحَرَّضون مِن قيل فقهاء الإرهاب أمثال القرضاوي ومِن على شاكلته الذين يَحُثّون الشباب المُسلم على القيام بالأعمال الإنتحارية ، نُناشدهم بإصدار الفتاوى ضِدَّ مُرتكبي الإجرام بحق العراقيين عموماً والمسيحيين خصوصاً ، وبعكس ذلك يَصعبُ علينا إستبعادَ القول :  إنَّ السكوتَ مِن الرضا ! ! !

الشماس كوركيس مردو
في 15 / 5 / 2007

241


ما هي مُسبِّبات العُنف الطائفي في العراق ؟

لو ألقَينا نظرة فاحصة على مُجرَيات الامور في العراق بعد أربع سنوات مِن سقوط النظام الديكتاتوري الفردي ، لوجدنا أن المشهدَ ذاتَه يتكَرَّرُ اليوم في عهدِ نظام ديكتاتوري آخر بديل ، لا يقودُه فردٌ واحدٌ بل تقودُه جماعاتان دينيتان مُتطرِّفتان وغريمتان تَتَّكيء كُلٌّ مِنهما على عُكّاز مذهبها المُخالفِ واحدُهما للأُخر ،  ولكُلٍّ مِن هَتَين الجماعتَين مَليشيات  مُناصرة  ومُساندة ،  تتسابق الى قتل أتباع بَعضِهما البعض ، وإذا كان نظامُ ديكتاتورية الفرد يُمارسُ الأعمالَ المعادية لأبناءِ شعبِه بأساليب تغلُبُ عليها السرية ،  فإن نظامَ ديكتاتورية الجماعة المُزدوج لا يتوَرَّع عن ايذاء الشعب بواسطة مليشياتِه علنا ً دون مُبالاةٍ بإدانات العالَم لهذه الإفعال الإجرامية مِن إرهابٍ  وقتل  وتعذيبٍ  وخطفٍ  وتهجير  وتفجير ،  تُرى أبهذا العراق كان يحلُم العراقيون ليكون بديلاُ لعراق حُكم البعث ؟  ألهذا العراق كان  يترَقَّبُ أبناؤُه الذين هجروه مُرغمين وفي قلوبهم حسرة وشوق للعودة إليه بعد تَحَرُّره في التاسع مِن نيسان عام 2003 ؟ كَلاَّ وألف كَلاّ !

وكما ذكرنا في مقالاتٍ سابقة ، بأن وراء الإنهيار الذي لَحق بكثير مِن المُجتمعات  ومِنها المُجتمَع العراقي عوامل خارجية وداخلية كثيرة ، تأَتَّت بفعل تأثير التغييرات التي طرأَت على النظام العالَمي ، فكان مفعولُها سلبياً وظاهراً في الكثير مِن مناطق العالَم ونَوَدُّ الإشارة الى أهم تلك العوامل والأسباب : -
 
إختلال توازن القِوى العالَمي
                                                                                                                                                                                                                                                                                     إن اختفاءَ أحدِ قطبَي توازن القوى العالَمي  في بدايةِ  العقدِ الأخير مِن القرن العشرين  وأعني به الإتحاد السوفيتي  ونظامِه الشيوعي ،  قد أثار الخوفَ لدى عديدٍ مِن الأنظمة التي كانت ترى فيه داعماً لها في تَحَدّيها للقطب العالمي الراسمالي وهو الولايات المُتحدة الأمريكية وفي مُقدمة هذه الأنظمة  " الأنظمة العربية والإسلامية " إذ اعتبرت  بأن القطبَ العالَمي الذي أطاحَ بالنظام الشيوعي  سيُحَوِّل مَسعاه المُقبل للإطاحة بالنظام الإسلامي عموماً ،  وكان هذا التصَوُّرُ مِن قبل هذه الأنظمة خاطئاً ومُبتَدَعاً  رَوَّجَت له لإثارةِ  مشاعر المُسلمين  ضِدَّ الولايات المتحدة  والعديد مِن الدول الاوروبية ، التي طالبت هذه الأنظمة بإعتماد الديمقراطية في حُكم شعوبِها ولم تَكُن في أجِندَتَها مُحاربة الإسلام على الإطلاق ، لأن دساتيرها  تعترف صَراحة بحُرية الأديان ، وقد أحدث الترويجُ لهذا التصوُّر  صدىً كبيراً لدى المُسلمين المُتطرفين  فسارعوا الى تأسيس حركاتٍ  وتنظيماتٍ إسلامية  لمُقاومة هذا الخطر المزعوم الداهم ،  والأقوى  بين هذه التنظيمات  كان تنظيم القاعدة السلفي  وتنظيم طالبان الجاهلي ،  تحالفا معاً  لإلحاق الأذى برعايا  وبمصالح الولايات المُتحدة وحلفائها مِن الدول الغربية المُنتشرة  في أنحاء العالَم المُختلفة ،  وليس هنالك مَن لا يعلم بأن تنظيم القاعدة كان الباديءَ  بالإعتداءات على المصالح الأمريكية في الخارج ، وكان الأشَدَّ وَقعاً وايلاماً الهجومُ الذي نَفَّذَه أفراد تنظيم القاعدة على الولايات المُتحدة وفي عقر دارها في الحادي عشر مِن شهر ايلول لعام 2001 م ، وكان ذلك العملُ الإجرامي  بمثابة الشرارة التي قصمت ظَهرَ البعير ، أعقبَها قيام الولايات المُتحدة بإعلان الحرب  بلا هوادة على كُلِّ أنواع الإرهاب واقتلاع جذوره وتدمير بؤَره .

الخوف مِن الديمُقراطية

لا شَكَّ أنَّ الديمقراطية هي أرقى مَرحلةٍ  مِن مَراحل التطوُّر الإجتماعي ، وتُعرَف بمُشاركة الشعب في حُكم نَفسِه وتقرير مصيره واتخاذ القرارات السياسية التي تَصُبُّ في صالحه ، وليس تَركَها بأيدي مجموعةٍ صغيرة مُغتصبة للسُلطة تَتَحَكَّمُ بمصائر البشر بالقوة الغاشمة . إنَّ غالبية الأنظمة العربية تُمارسُ حُكمَ شعوبِها بطريقةٍ إستبدادية فلا غرابة أن تقفَ حائلاً قوياً ضِدَّ انتهاج الاسلوب الديمقراطي خَوفاً على انهيار عروشها وإصرارها على احتكارها الحُكم ، كما إن القِوى الرجعية والظلامية تَرتَعِد مِن مُجرَّدِ سماع لفظة الديمقراطية ، لأن انتشارها سيَمنعُها مِن أن تعتاشَ على إبقاء شعوبِها في ظلمة التَخَلُّف والعبودية !  ومِن الأسباب المُعَرقلة للديمقراطية ، ليس بالإمكان إغفالُ الثقافة القبلية الموروثة التي تنظر الى رئيس الدولة في الدول العربية كِرئيس عشيرة ينبغي أن لا يُعصى له أمر وأن يُدانَ له بالطاعة في كُلِّ الأحوال ، وكذلك الفهم الخاطيء للإسلام واستغلالِه مِن قبل الطامعين الإسلاميين للوصول الى السُلطة وتحقيق مآربهم المُريبة مُستندين الى قول ينسبونه الى الرسول ( ص ) وهو " أطِع أميرَكَ وإن جَلَدَ ظهرَكَ وإن أخَذَ مالَكَ " ولكنَّنا نَود هنا الإشارة الى أسبابٍ اخرى قديمة مِنها وحديثة حالت دون بزوغ نور الديمقراطية في المَنطقة العربية، كان لها دورٌ مُساعد ومُفيد لأَنظمة الحُكم المُستبدَّة  وهي : -
                                                                                                                                                                                                                                                                           أ - لقد دأَبت الحكومات العربية ومنذ أكثر مِن نصفِ قرن لِصَدِّ الديمُقراطية وحُرية الإنسان في الوطن العربي على إستخدام القضية الفلسطينية التي أطلقت عليها ( قضية العرب المركزية ) واتخذتها ذريعة لمُمارسة الإرهاب الفكري بإسكات أصوات المُفَكِّرين العرب وقَمع مُثقفيهم عن طريق تَرديدهم لشعار : " لا صَوتَ يَعلو على صَوتِ المَعركة " موهِمينَ بل خادِعين شعوبَهم بأن الامة العربية هي مُعَرَّضة لخَطر كبير سيأتيها مِن قبل القِوى الإمبريالية الصليبية والصهيونية و . . . وبهذه الحُجَّةِ استطاعت هذه الحكومات بإيديولوجيتها العروبية وأحزابِها القومية حُرمانَهم مِن العيش بكرامة في ظِلِّ الحرية والديمُقراطية ، وقرَّرَت اعتمادَ سياسةِ الحرب التي خاضَتها ضِدَّ اسرائيل وأودَت بها الى هزيمة تِلوَ هزيمة وفي النهاية لم تستطع تحرير فلسطين ، ولا إنتشال الإنسان العربي مِن هُوَّةِ الفقر والتَخَلُّف ، حيث بَدَّدت ثرواتِها الهائلة في شراء الأسلحة بدلاً مِن استثمارها في التنمية الإقتصادية لإسعاد شعوبِها ، وهكذا قادَتها سياستُها غير المدروسة والفاشلة الى إعطاء فرصةٍ مؤاتية للأَحزاب والتيارات الإسلامية لترويج شعارها الإدِّعائي  بإمتلاكِها الحَل ( الحل في الإسلام ) ومِن حيث تَدري أو لا تدري دَفَعَت بشعوبِها نحو الميل الى التيارات الإسلامية والتطرُّف الديني ومَنَحت هذه القِوى الحرية لنشر أفكارها الظلامية ، بينما لم تألُ جهداً في مُحاربة القِوى الديمُقراطية الصاعدة .

ب - قيام الحكومات العربية والإسلامية المُجاورة بتحذير شعوبِها وتخويفِها بالوضع العراقي المأساوي الحالي والتي هي ذاتها ساهمت بقوة في صُنعِه ، وليس هنالك مَن لا يعلم بأن غالبية الدول العربية ما عدا دولة الكويت ، كان موقفُها مناهضاً لتحرير العراق مِن الحُكم الديكتاتوري خوفاً مِنها مِن نجاح الديمقراطية فيه ومِن ثمَّ ينتقل شُعاعُها الى بُلدانِهم فيُنير الظلمة المُخَيِّمة عليها ، وهذا ما دفعها ومنذ سقوط نظام البعث الفاشي وبخاصةٍ سوريا وايران الى فعل كُلِّ ما بوسعِهما لإفشال العملية السياسية الديمقراطية  في العراق ، ففتح كلا البلدين حدودَهما مع العراق لتَسَلُّل أسراب الإرهابيين الى العراق ودعمِهم بشكل مُستميت بكُلِّ أنواع السلاح الى جانبِ الدعم المالي واللوجستي ، مِمّا حَوَّل حياة العراقيين الى حالةٍ يندى لها الجبين ، وبإستباحَتِهم دماءَ العراقيين حَصلوا على ذريعة اخرى جديدة لمُحاربة الديمقراطية وتخويف شعوبهم مِنها ، وهم يُخاطبون شعوبَهم قائلين ، هل رأيتم نتائج الديمقراطية ؟ انظروا الى الوضع العراقي ! ألم يكن صدام حسين أفضل للشعب العراقي مِن هذا الوضع المُزري ! إنه الخداع ما بعده خداع ولا يُمكن أن ينطلي على الشعب العراقي ولا على الشعوب العربية والإسلامية المُستعبدة مِن قبل حكوماتِها المُستبِدَّة .

إن القسم الأعظم مِن الشعوب التي وصلت الى مرحلةٍ متقدمة  مِن العلم والتكنولوجيا ،  لم تصلها بين ليلةٍ وضُحاها ،  ولم تتحقق لديها الديمقراطية والحياة المُرفهة اقتصادياً بيُسر وسهولة ،  بل خاضت في سبيل تغيير القديم الى الجديد  صِراعاً  عنيفاً  وطويلاً جداً إستغرق قروناً ،  تَخلَّلتها انتفاضاتٌ  وثوراتٌ  وحروبٌ ضارية ، ورافقتها كوارث مُذهلة  وخسائر هائلة بالأَرواح والمُمتلكات ، وليست خسارة اوروبا الكبيرة بالأرواح لوحدها في القرن العشرين القريب والتي ناهزت الخمسين مليون قتيل في الحرب العالمية الثانية ببعيدةٍ عن ذاكرتنا عدا الملايين مِن المُعَوقين بالإضافة الى مُدن كثيرة عامرة تَحَوَّلت الى أطلال وخرائب . كانت العِبرة التي إستخلصتها مِن تلك الأحداث المُروعة تَوَصُّلها الى الحقيقةِ الضائعة هي المُواطنة المُتكافئة في ظِلِّ نظام ديمقراطي عِلماني تَعدُّدي تتحقق فيه الحرية والعدالة والمُساواة في الحقوق والواجبات ، ورأت أن ذلك لا يُمكن المُحافظة عليه ودَيمومَته  إلا بفصل الدين عن الدولة بتطبيق شعار ( الدين لله والوطن للجميع ) باعتبار أن الدولة هي التي تحمي الدين وليس الدين الذي يحمي الدولة ، وكانت رؤيتُهم صائبة جداً ، فمنذ تطبيقهم لهذه الشعارات التقدمية والمباديء الإنسانية إنتهت مشاكلُ شعوب الدول المتقدمة ، وخَطت خطوات واسعة ومُتقَدِّمة في كافة ميادين الحياة .

إن الفوضى العارمة والضاربة أطنابَها في كافة الدول العربية والإسلامية في المشرق والمَغرب ومِنها العراق خاصةً ، هي دليلٌ واضحٌ أنها لا زالت في مَرحلةٍ متأخرة سياسياً وفكرياً وحضارياً وإلاّ لَما كانت تَتَخَبَّط  في صراعاتٍ دموية نتيجة تَشَبُّثِها بالمواريث الإجتماعية القبلية المُتخلِّفة التي أضحت تتناقض مع القِيَم الحضارية الحديثة والتلاحم السلمي مع عالَم اليوم المتقدم !  إن شعوبَ هذه الدول لا بُدَّ لها مِن اللحاق بركب العالم المُتطوِّر ديمقراطياً وحضارياً ، ولكن لماذا تَرضى لها أن تدفعَ  ثَمناً باهظاً على غِرار الشعوب الغربية التي كانت مُجبرة على دفعِه لأن ظروفَها آنذاك لم تكن مؤاتية كما هي الظروف في يومنا هذا ، فعجلة التطور تدور بسرعةٍ مُذهلة بفضل التقدم المعلوماتي والعَولمة والإنتِرنيت والفضائيات التي ساهمت بشكل واسع على تقارب الشعوب فيما بينها وغَدَت  مصالحُها مُتشابكة ،  إذاً أليس الأولى بنا أن نُجَنَِبَ شعوبَنا تَحَمُّلَ الخسائر الهائلة في الأرواح والمُمتلكات  ونختصر طريقها الطويل والمُضني بتشجيعِنا  إياها للإستفادة  مِن تجارب الشعوب المُتقدِّمة ولا سيما أن هذه الشعوب تُعلنُ عن رغبتِها في مُساعدة شعوبنا المُتخلِّفة لتُزيلَ عنها الجهلَ والمُعاناة   !    ومهما طال الصراعُ بين الخير والشر بين القديم والحديث فإن الحديث سينتصر والقديم سيحتضر .

الشماس كوركيس مردو
في 13 / 5 / 2007

242

علينا أن لا نَنسى أعيادَنا ومُناسباتنا القومية !

لا شَكَّ أنَّ المرحلة الراهنة التي يعيشُها شعبُ امَّتِنا الكلدانية المسيحي بكُلِّ تسمياتِه وانتمآتِه المذهبية في الوطن الام العراق ،  هي الأَشَدُّ قسوة والأَكثر مَرارة مِن أيِّ وقتٍ مضى ،  ولا سيما عندما يُعيدُ الى ذاكِرَتِه تاريخَه الحافل  بالمَجدِ  والقوةِ  والعظمة  ويُقارنُه بحاضره الراهن الشبيه بالعبودية والضياع  ولا يدري كيف سيكونُ  مُستقبَلُه المَجهول ، وهذا ما حَدا بعددٍ كبير مِنه أن يطرُقَ أبوابَ الهجرة لاجئاً لدى دول الجوار ليَنجو مِن إرهابِ العصابات السلفية والمَليشيات المذهبية الإسلامية ، إذ قد جُنَّ جنونُها بعد أن تَلَقَّت ضَرباتٍ موجعة  في الاسبوعَين الماضيَين  بفضل تَعاون الغرب مع الدول العربية  المُتحالفة معه  وقرارهما بدعم الحكومة العراقية وتصميمهما على مواصلة الحرب  ضِدَّ  كُلِّ أنواع الإرهاب وبخاصةٍ  الإرهاب الذي يقوم به تنظيم " القاعدة " الذي تَراجَعَت خُطواتُه الإجرامية الى الوراء عسى أن تكونَ تمهيداً لإنهِزامِه النهائي  ،  ونتيجة لهذا الخُذلان الذي مُنِيَ به ،  أوعزَ لإحدى شبكاتِه الإرهابية المُتمَرَكِّزة  في إحدى ضواحي بغداد الغربية " ضاحية الدورة " لتكثيف اعتداءاتِها وتهديداتِها ضِدَّ الشعب المسيحي  في تلك المنطقة .

ولكن رغم كُلِّ هذه الهموم الذي ألَمَّت بشعبنا  فلن تُثنيه عن التَمَسُّك  بجذوره المتأصِّلة بأرض وتُراثِ آبائه وأجدادِه  ولن يقبلَ بغيرهما بديلاً  ،  كما سيُواصلُ السعيَ مِن أجل نيل حقوقِه المشروعة  في أرضِه ووطنِه  مَهما كانت المُعَوِّقاتُ  والصعوباتُ ،  فلن تكونَ  بالنسبة له إلاّ مُحَفِّزاً لترسيخ انتمائه وأصالَتِه ،  ولتَحقيق ذلك يقعُ على أبناءِ شعبنا  في المهاجر العِبءُ الأَكبر لمُساعدة إخوتهم الصامدين في الداخل ، إذ ربما جاءَ هَجرُهم لوَطنهم الذي قد  تَمَّ  في الغالب بغير إرادتِهم ليكونَ مَصدَرَ عون لهم مادياً ومعنوياً ،  وإن كافة فعالياتِهم  ونشاطاتِهم السياسية  والإجتماعية  والثقافية والتًوعَوية  تَصُبُّ في خانة الوقوفِ الى جانبهم والتخفيفِ  مِن ثُقل مِحنَتِهم كُلَّما واجهتهم الظروفُ الصعبة ،  وها إن أبناءَ  شعبنا في الداخل اليوم هم  بأَشد الحاجة  الى مُساعدة إخوتهم الذين  في الخارج في كافة المجالات المُمكنة ،  فالقيام  بتقديم عرضٍ  دقيق وشامل الى الجهات الدولية  ذات النفوذ  وتعريفهم  بأنواع الإضطهاداتِ المُمارسةِ  ضِدَّ إخوتِهم  داخل وطنِهم  ومطالبتها  بالتحرك لنصرتِهم  وإنقاذِهم مِن هذا الظلم الفادح هو واجب في غاية الأهمية ، كما إن ايجاد الوسائل لإسعافهم مادياً ضروري ومطلوب الى جانب تشجيعهم بأن المحنةَ الحالية لا بُدَّ مِن زوالها أمام الإصرار والتَشَبُّث بحُبِّ وطننا الذي نحن الأَحَق به مِن غيرنا ، وللبرهان على ذلك يجب أن لا تَنسى أحزابُنا ومُنَظماتُنا وتَجَمُّعاتُنا ونوادينا الإحتفالَ بأعيادِنا ومُناسباتِنا القومية ، فهو تذكير لنا  بأمجاد أسلافنا وتأكيد لحضورنا القومي  ولذلك ، ثهيبُ بها لكي تتبارى في إظهار مشاعِرها القومية .

وكما احتفلنا في الأول مِن نيسان برأس السنة البابلية الكلدانية ( أكيتو ) علينا أن لا ننسى الإحتفال بيوم العلم الكلداني في السابع عشر مِن شهر أيار الحالي  ، فإنه يَرمُزُ الى  " ذِكرى تحرير بابل في  17 أيار  مِن سنة 4674 كلدانية المُوافق ليوم 17 أيار لعام 626 ق . م "   فلنجعل مِن عَلمِنا وشِعارنا  الكلدانيَين  نِبراسَين  ساطعين يستنيرُ  بهما دَربُ أمتنا الكلدانية العريقة  للسير بها الى آفاق المُستقبل الرحبة  ، إن إحتفاءَنا  بمناسباتنا  وأعيادنا  ورموزنا  وشعائرنا  يُثيرُ الحَماسَ في أبناء شعبنا الكلداني  ويُضاعفُ مِن حُبِّه  لقوميتِه .  ما أجملَ أن نرى العَلَمَ الكلداني في كُلِّ المَقرَّات الخاصة بمؤَسساتِنا وتنظيماتِنا المُختلفة وفي كُلِّ قاعةٍ تُعقدُ بها الإجتماعات  والمُحاضرات التي يقوم بتنظيمِها أبناءُ شَعبِنا !

إننا نُحِسُّ بِعُمق المأساة التي تعيشونَها يا إخوتنا الصامدين في الوطن !  إنَّها غيمة سوداء  وبما أننا أبناءُ الأمل فلنتفاءَل  بأنها ستَتبَدَّد  وستصحو سماءُ  العراق بصفاء المَحَبة  والتآخي  والوئام ، ويَنهزم الضَبابُ الحاجبُ للرؤية عن عيون العابثين بحياة العراقيين ومُحَرِّضيهم ذوى النفوس الأمَّارةِ بالسوء ، الذين يتلَذَّذون بسفكِ دِماءِ الأبرياء ، إذ إنَّ الله تعالى يُمهِلُ هؤلاء وأمثالهم  ولكِنَّه لا يُهمِلُهم من إنزال العقاب العادل بهم ، فلا بُدَّ للشَرِّ وإن نَجَحَ حيناً أن ينهزم أمام الخير في النهاية  .

وعند مُتابعتِنا لأَخبار العراق اليومية عِبر تَنَوُّع المنافذ الاعلامية ، لأَخَذَنا العَجَبُ ونحن نقرأ ونسمع ونُشاهد ما آلَت إليه الأوضاعُ في العراق الذي كنا نتوقَّعُ له مُستقبلاً زاهراً بعد تَحَرُّره مِن الحُكم الفردي الديكتاتوري ، تَتَمَثَّلُ فيه الحرية والديمقراطية بأبهى صُوَرها التي مِن مبادئِها العدلُ والمُساواة في الحقوق  والواجبات  بين كُلِّ مُكَوِّناتِه العرقية والدينية والمذهبية ،  ولكن وللأسف الشديد نراه قد انقلَبَ الوضعُ فيه مِن ديكتاتورية الفرد الى ديكتاتورية الجماعات الطائفية المُتنفذة الساعية الى امتلاك العراق لذاتِها بكُلِّ موارده وثَرواتِه ، مِمّا أدّى الى رَدِّ فعل عنيف لدى الجماعات الاخرى التي شعرت بالغُبن والتهميش ، فلجأَت الى التعبير عن ذلك بمُمارسة الأفعال المُقرفة ضِدَّ الشعب العراقي المغلوب على أمره ،  وكان لقِوى الجِوار دورٌ كبير في تغذيَتِها  أفراداً  وتمويلاً  وتشجيعاً  ، فكان أن إنتشرَ القتل بأبشع أنواعه ، فهنالك الخطفُ وقطعُ الرقابِ  والتفجير بواسطة السيارات المُخَففة  والأَحزمة البشرية الناسفة  وعبوات الألغام ،  بالإضافة الى تهديد العوائل وإجبارهم على الهجر وتركِ دورهم ومُمتلكاتهم ، ولو حاوَلنا البحثَ عن الأَسباب الأكثر جَوهرياً مِمّا تَقَدَّمَ ذِكرُه التي أوصَلَت المُجتمع العراقي الى الإنهيار بهذا الشكل المُرعب والمُحزن ، لوجدنا أنَّ للأحاث العالمية  إسهامٌ في تفجير الأوضاع في بقاع مُختلفة مِن العالَم مِنها : تَفَكُّك الإتحاد السوفيتي السابق الذي أدّى الى انهيار المُعسكر الشيوعي  -  إستفراد الولايات المُتحدة بالشؤون العالمية كقطبٍ أوحد بدون مُنازع أو رادِع  -  زَرعُ مُخابراتِها  لبؤَر الإرهاب الطائفية والمذهبية  في دول ذات البيئة الصالحة والمناخ المُلائم لذلك  ،  كأفغانستان والعراق وايران  لأجل إبقاء العالم يدور في دَوّامة التجاذبات والإستقطابات لتَتَمَكَّنَ أميركا مِن خلال ذلك السيطرة على العالَم عن طريق سيطرتِها على منابع النفط  الغزيرة في منطقة الشرق الأوسط  ، وتوفير الأمان لمُدَلَّلَتِها دولة إسرائيل .

والعاملُ الآخر في تَدَهوُر الأوضاع في العراق هو داخلي ، يعودُ الى الخَلَل الذي أحدَثَه إنغلاق المُجتمَع العراقي وعدم تواصُله مع العالَم الخارجي لمُدَّةِ ثلاثة عقود ،أدخَلَ النظامُ الغاشمُ العراقَ خلالَها في أتّون حروبٍ جِوارية خاسرة ،  كان وقودُ  نارها الملايينُ مِن الشهداء والقتلى وخَلَّفَت الآلافَ مِن الأرامل  واليتامى  والمُعَوَّقين  والمُشَرَّدين ،  وقد جَرى كُلُّ ذلك تحت سَمع وبصر الدول الكُبرى وبنوع مِن الرضا  بدليل تَهاونِها  في السعي الجاد لإخماد هذه النار التي كانت نتائُجُها مدعاة معاناةٍ للشعب العراقي باهضة الثمَن  فقراً  وجوعاً  ومرضاً  وخوفاً  بالإضافة  الى تبديدِ  ثَرواتِ  الوطن والوقوع تحت طائلة الديون الهائلة  ناهيك عن الهجرة الواسعة والمُستمرة دون انقطاع التي جَرفت العددَ الكبيرَ مِن العقول العراقية الخَلاّقة والمُبدعة . إجتمَعَت كُلُّ هذه العوامل الداخلية والخارجية ومِن مخاضِها العسير والطويل كانت الولادة المأساوية غير الطبيعية لِعراق اليوم ! ولكن علينا الإبتعاد عن التشاؤم والتَعَلُّق بأهداب الأمل والتفاؤل فالفرج مُقبل بعون الله أبي المراحم !

الشماس كوركيس مردو
في اا / 5 / 2007

243

                             الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبرَ القرون ) المُرتقب صُدورُه  في مطلع العام القادم بعون الله

                                           الحلقة العاشرة والأخيرة


ماذا كان مصيرُ الآشوريين بعد سقوط دولتِهم ؟

الى أيِّ مصير انتهى الآشوريون بعد زوال دولتهم ؟ إنه سؤال يحظى بجوابٍ مُزدوج هو سهلٌ وصَعبٌ معاً ، فالصعوبة تكمُنُ في قِلة المصادر الآشورية الموَثَّقة  بل نُدرتُها وانعدام وجودِها تماماً بعد سقوط الدولة الآشورية ،  مِمّا يدعو الى الإعتقاد  بأن الإبادة الجِماعية للشعب الآشوري قد حدثت فعلاً  ،  ولا يُخفي العديدُ مِن المؤرخين ايمانَهم بذلك  أمثال ( المؤرخ والآثاري نيكولاس بوستكَيت Nicholas Postgate و سدني سمِث Sydney Smith والباحث الآثوري الأصل سيمو باربولا Simo Parpola والمؤرخ اليوناني المُرافق العسكري زينوفون Xenophon ) حيث أكَّدوا انقراضَ الآشوريين نتيجة الإبادة الجماعية التي تَعَرَّضوا لها .

تَحدَّثَ الآثاري بوستكَيت في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122) قائلاً : لم يكن الإنحطاطُ السياسي للدولة الآشورية مُتوَقعاً بهذا الشكل المتسارع، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ، ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، العديدُ مِن ممالكَ وإمبراطورياتٍ مُماثلة قد ظهرت ثمَّ انهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة مِثالاً ،  بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  بالشكل الذي حدث للدولة الآشورية ،  والشيءَ ذاتَه يؤكِّدُه المؤرخُ سِدني سمِث عام 1925 م بقولِه :  إنَّ زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهرة فريدة ومُلفتة للنظر في التاريخ القديم ،  ممالكُ وإمبراطورياتٌ مُماثلة  قد تَوارت حَقاً ،  ولكنَّ الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بلدٍ آخر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصِلَ لبلاد آشور ! ويقول المؤرخ الآثوري الأصل البروفيسور سيمو باربولا Simo Parpola / مِن جامعة  هلسنكي : بعد حَربٍ أهلية مُطوَّلة استطاع البابليون أي ( الكلدان ) والميديون المُخضعون سابقاً لبلاد آشور أن يقهروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الإمبراطورية الآشورية في العهد الآشوري الحديث ، وتلاشَت المدينة العظيمة في لهيبِ النيران ، ولم تَستَعِد مَنزلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاثِ سنوات قامَ نفسُ المُتمَرِّدين ثانية بتدمير العاصمة الآشورية الغربية ( حرّان ) ساحقين بذلك آخر خندق للمقاومة لِمَلك بلاد آشور ( آشور اوبليط الثاني ) هذا الحَدَث خَتَمَ مصير الإمبراطورية الآشورية ، وهنا عادةً ينتهي عهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ، ويُضيفُ باربولا أولاً : قلَّما لَمِسَ عُلماء الآشوريات هذه المسألة ، حيث يبدو أن أغلبَهم يتَّفقون وبدون الإدلاء عَلناً مع الفِكرةِ القائلة بأن الآشوريين قد أُبيدوا عن بِكرة أبيهم كما ذكرَ مِن قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلافِ وفرة المعلومات عن فترة الإمبراطورية ، فإنَّ المعلومات عن بلاد آشور ذاتِها تبدو مؤازرة لفكرة الإبادة الجِماعية والتي تبدو أيضاً مُعَزَّزة  بإفاداتِ شهود العَيان القدماء. وبدوره تَحَدّى المؤرخ الأب ألبير أبونا في مقالتِه المنشورة في موقع عنكاوا الالكتروني بعنوان ( البحث عن القومية ) كُلَّ أدعياء الآشورية المعاصرين المُتزمِّتين وكُلَّ المُنجرفين وراءَهم مِن الكلدان المُغرَّر بهم المخدوعين ، إن كان بإمكانهم إثباتَ عدم انقراض الآشوريين النهائي  عن طريق أدِلَّةٍ عِلمية وتاريخية بعيداً عَن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف  .

يقول المؤرخ اليوناني زينوفون المُرافقُ للفرقةِ العسكرية اليونانية المعروفة بـ ( فرقة العشرة آلاف ) أنه في طريق العودة الى بلادهم بعد انكسارهم أمام الفرس ،  مَرّوا بالقرب  مِن نينوى وكلخو ( كالح ) الواقعتين في المنطقة التي تُعَدُّ قلبَ البلادِ الآشورية ، لم يُشاهد فيهما سوى الأنقاض خالية مِن أيِّ أثر لوجودٍ بشري آشوري وأن سُكّان تلك القرى المنتشرة في تلك المنطقة  كانوا ميديين ،  ولكن لدى اقترابهم مِن نهر الزاب إعترضتهم قوة عسكرية حاولت مَنعَهم مِن العبور ،  وعند الإستفسار عنها عَلِمنا أنها كانت تَتأَلفُ مِن الكلدان والماردينيين والأرمن ،  مِمّا يدلُّ على أن الإقليم الآشوري( سابقاً ) كان يشغُلُه الكلدانُ ويعيش بين ظهرانيهم الأرمنُ والماردينيون .  إذا كانت أغلبُ المصادر التاريخية تتفقُ على أن الإندثارَ والإنقراض قد طالا الشعبَ الآشوري  فلا عِبرة بقيام  البعض  بتزوير الوقائع التاريخية وتحويرها  ، وإنَّ التاريخ لا يَرحمُ مُزَوِّريه  ولا بدَّ أن يطالَهم حُكمُه  يوماً .

قد يَدَّعي  بعضُ مَن تؤلمُهم الحقيقة بأن سقوط الممالك والإمبراطوريات لا يَعني النهاية لشعوبها ، وهذا مِمّا لا رَيْبَ فيه ويدخلُ ضمن أحكام التاريخ ويُقِرُّ به المؤرخون والباحثون جميعاً ، وقد أقرَّ به فعلاً المؤرخون الذين أكَّدوا حدوث الإبادة الجماعية للآشوريين ، إلا أنهم استدركوا قائلين وهم حيارى ،  لماذا استثنى التاريخُ الآشوريين مِن حُكمِه هذا ؟ أما ما يَدَّعيه السريانُ المشارقة ( الكلدان ) سُكّان منطقة آثور الجبلية مُنتحلو التسمية الآشورية المُعاصرون والمُتعاطفون معهم جهلاً أو إغراءً مِن أبناء الكلدان المُغرَّر بهم ، فيقولون أنهم لا يُنكرون بأن المدن الآشورية قد طالها التدمير الكامل والشامل ، وأن الطبقة الآشورية الحاكمة بالإضافة الى النبلاء والقيادات العسكرية وأفراد الجيش المُحاربين قد أُبيدوا بالكامل واستُبيحت القصور ونُهِبَت المُمتلكات ، إلا أن العديدَ  مِن أبناء الشعب الذين لم تلتهمهم النيرانُ  ولم يُؤخَذوا بحَدِّ السيوف ولم تطلهم أسِنَّة الرِماح ، استطاعوا الفرار والإلتجاءَ الى أماكن بعيدة ، ولكن أية أماكن كانت تلكَ ؟ لا يعلمون ، لأنهم تخميناً يُخَمِّنون ، ثمَّ يُضيفون ، وأنهم بعد حين عادوا الى مُدنهم وقراهم المُدَمرة وعاشوا فيها مع بقية الأقوام التي كانت قد شغلت المناطق الآشورية بعد سقوط الدولة ، إذا كان الأمر كذلك  ،  لماذا لم يُجاهروا باسمهم لمدة خمسةٍ وعشرين قرناً ؟

أما الذين يزعمون  بوجود الآشوريين في المدن الكلدانية ( تدمر - دورا - يوربوس - الحضر وغيرها )  في العهدين الساساني والمكدوني السلوقي ،  لا صحة لذلك إطلاقاً ،  وإن الوثائق التي يستندون إليها في زعمِهم والتي يعزون أنها  قد دوِّنت مِن قبل أفرادٍ آشوريين هي مُزوَّرة ، وإن ما يؤَكِّد عدم صحتِها هو عدم الإشارة الى وجودٍ آشوري مِن قبل أيَّ مؤرخ كنسي أو فارسي أو سلوقي أو عربي، ولا سببَ لعدم ذكرهم إلا انعدام وجودهم !  كانت هذه المدن كلدانية يُشارك سُكّانَها الكلدان عددٌ مِن إخوتِهم الآراميين. أما زَعمُ البعض بأن الآشوريين لم يتركوا اللغة الأكدية لُغة آبائهم وأجدادهم حسب وصفهم لها وتحَوَّلوا لإستخدام اللغة الآرامية  إلاّ بعد سقوط دولتهم ، إنه افتراء فاضح وتزوير للتاريخ واضح ،الهدف منه هو الترويج  لوجودٍ آشوري  بعد النهاية المأساوية للشعب الآشوري ،  لأن تاريخ تبنّي الآشوريين للغة الآرامية اللهجة الكلدانية  جرى على عهد الملك سنحاريب بأمر رسمي مِنه ، حيث أصدره بسبب طُغيان اللغة الكلدانية على الأكدية  نتيجة الإزديادِ الديمغرافي الكلداني عن طريق الأسر  وتأثيره البالغ على المجتمع الآشوري مِن جهة ، ولأن اللغة الكلدانية كانت الأسهل والأسلس ولا يُمكن مقارنة عدد حروفها القليل بعدد حروف اللغة الأكدية ذات العدد الكبير جداً مِن جهةٍ اخرى .

لم يكن مُخطئاً المؤرخ اليوناني زينوفون في تسميته لسُكّان المناطق الشمالية والشمالية الشرقية لنينوى بين دجلة والزاب بالميديين ، لأن هذه المناطق احتفظ بها الميديون وضموها الى الاقليم الميدي  لكون احتلالها قد تَمَّ  مِن قبلهم قبل عقد المُعاهدة بينهم وبين الكلدان للقضاء على دولة الطُغيان الدولة الآشورية ، ولم يُطالبوا بأيِّ جزءٍ مِن المناطق الآشورية الغربية حيث احترموا بنود المعاهدة واكتفوا بما استولوا عليه  مِن الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها مِن العواصم الآشورية ، فخضعت تلك المناطق بما فيها العواصم الثلاث الإدارية  والدينية  والعسكرية  للإمبراطورية الكلدانية ، وشغلها أبناءُ الكلدان منذ ذلك الزمان  وحتى اليوم .  بعد سقوط الإمبراطورية الكلدانية بأيدي الأخمينيين الفرس عام 539 ق . م ، أطلق الأخمينيون عليها التسمية الجغرافية السابقة    ( آثورا Athura ) أي منطقة آثور باللغة الفارسية ، وسَمّوا المناطق الشمالية والشمالية الشرقية مع الاقليم الميدي بـ ( ماداي ) أي بلاد ميديا ، حيث أصبحت كافة مناطق بلاد ما بين النهرين خاضعة للحُكم الأخميني الفارسي ، وفي القرن الرابع قبل الميلاد انتزعَ الاغريقُ المكدونيون بلادَ ما بين النهرين  مِن السيطرة الأخمينية الفارسية ، وأطلقوا تسمية شاملة لمناطق غربي دجلة والديار السورية الحالية وحتى فلسطين اسم ( Syria = سوريا ) وعُرفَت تالياً بسوريا الكبرى ، وقد تباينت آراءُ العلماء والمؤَرخين في أصل اسم سوريا  فهنالك مَن يقول بأنها بديلة لإسم آرام أطلقها الملوك السلوقيون في فترة حُكمهم لبلاد المشرق ولكن المؤلفين السريان الشرقيين منهم والغربيين يذكرون في مؤلفاتهم بأن اسم سوريا قد أُشتُقَّ مِن اسم سوروس الآرامي الذي شَيَّدَ مدينة أنطاكية واستولى على ديار الشام وبلاد ما بين النهرين ومَلَكَ عليها فسُمِّيت البلادُ برمتها على إسمه ( سوريا ) وسُكّانِها بـ ( السريان ) ومِن هؤلاء المؤلفين " إبن الصليبي في كتابه ( ܐܪܘܥܘܬܐ = المُلاقاة ) و إبن علي صاحب القاموس الشهير  وحسن بن بهلول في قاموسه .

أما اسم ( السريان = سوريايي ) فقد اشتُقَّ مِن اسم مُبشِّري بشارة الخلاص المسيحية الأوائل القادمين مِن الديار السورية الى بلاد ما بين النهرين ، ولكونهم جميعاً مِن فلسطين السورية ، سُمّوا   ( سرياناً = ܣܘܪܝܝܐ أي مسيحيين ) ،  وسَرى إطلاقُ اسم ( سورايا أو سوريايا = ܣܘܪܝܐ - ܣܘܪܝܝܐ) على كُلِّ مُعتَنِقٍ للمسيحية مِن أيِّ عِرقٍ أو امةٍ كان لأنه يعني ( مسيحي أو نصراني ) وكانت لغة المُبَشِّرين اللغة الآرامية وبما أن للغة الآرامية لهجتين شرقية وغربية ، الشرقية هي لغة الكلدان الكاثوليك والباقين مِنهم على النسطرة اينما وجدوا وهي اللغة الآرامية الصحيحة القديمة التي استعملتها مملكة بابل منذ القِدَم وقد تَعلَّمها اليهودُ أسلافُ المُبشِّرين أثناء السبي البابلي ومِن دون شَكٍ فإن المُبَشِّرين قد تعلَّموها مِن آبائهم ، فهي بالتالي اللغة التي استخدموها في تبشير سُكّان بلاد ما بين النهرين الأصليين الكلدان ذوي الثُقل الديمغرافي الأكبر في البلاد  ،  أما استعمال هذه اللغة في مملكة نينوى فقد تَمَّ على عهد الملك الآشوري سنحاريب ( 705 -681 ق . م ) عندما فرضها رسمياً على جميع سُكّان الدولة الآشورية ، وهذا يعني أن الآشوريين كانوا طارئين عليها ، ولِسبب فرضِها مِن قبل الملك سنحاريب كلغةٍ رسمية للدولة الآشورية عاملان هما  الأول :  الإزدياد الهائل بعددِ الكلدان في المُجتمع الآشوري نتيجة قيام الملوك الآشوريين ولا سيما ملوك السُلالة السركَونية بترحيل أعدادٍ هائلة مِن الأسرى الكلدان الى البلاد الآشورية إثرَ كُلِّ حملةٍ عسكرية  على الممالك الكلدانية وعلى بابل ، فكان لهذه الديمغرافية الكلدانية تأثيرُها القوي والفاعل في كُلِّ المجالات على المُجتمع الآشوري لغوياً وثقافياً واجتماعياً وهذا التأثير كان الدافع لسنحاريب ليخطوَ هذه الخطوة . والعامل الثاني : كون لغة الكلدان مُتميِّزة  عن اللغات الاخرى بأبجديتِها المُختصرة بعدد حروفِها ذات الشمولية الوافية ، بالإضافة الى سلاستِها وطراوة النُطق بها . ولم يكن هنالك غير الكلدان والكلدان فقط  الذين نشروا لغتهم هذه في كافة بلدان الشرق الأوسط  فغَدَت لغة التخاطب والكتابة بين الشعوب ( اللغة المُشتركة  Linqua Franca ) .

إستمَرَّ التُراث الكلداني حيّاً مُتواصلاً بعكس التُراث الآشوري الذي زال بزوال الدولة الآشورية ، ولم تستطع التبَدُّلاتُ الكثيرة التي واجهته عِبر الزمن مِن النيل منه ، فتعاقبُ الأقوام الأجنبية على حُكم بلادِ الكلدان ( بلاد ما بين النهرين ) بدءاً بالأخمينيين والفرثيين والساسانيين الفرس فالمكَدونيين والسلوقيين والرومان والعرب والمغول والعثمانيين لم يكن لتُراثِها وثقافتِها وحضارتِها أيُّ تأثير عليه ، بل كان هو ذا تأثير عليها ،  ولكن الكلدانَ في عهدهم المسيحي  نبذوا طقوسَهم وعاداتهم الوثنية واستبدلوها بعاداتٍ وطقوس مسيحية  .

الشماس كوركيس مردو
في 23 / 4 / 2007

244

إنكار الوجود المسيحي في العراق !

هل كان يُتوَقعُ أن تَصِلَ الأَوضاعُ بأقدم مُكَوِّن أصيل مِن مُكَوِّنات الشعب العراقي (الكلدان والآثوريين والسريان ) الى هذا المُستوى مِن الإستهانة بهم وتَجاهُلِ وجودِهم الى حَدِّ إنكارهم ؟ حتى الحكومات  ومنذ قيام الحُكم الوطني في العراق عام 1921 م التي أُتِّهِمَت بانعِدام الديمُقراطية لديها ولدى مَجلسَي أعيانِ الشعبِ ونُوّابِِه في العهد الملكي ومُروراً بالحكومات العهد الجمهوري ،  لم  يشهد أبناءُ هذا المُكَوَّن ما يشهدُونَه على عهد حكومة اليوم ومَجلس النواب اللذين  يُناديان  بالحرية  والديمقراطية إدِّعاءً فقط  أما المُمارسة فلا وجودَ لها إطلاقاً ،  بدليل ما هو واقعٌ  مِن مَظاهر عدم الأمان ومُختلف أنواع الإعتِداءات كالخطف والإبتزاز  والقتل  والتشريد  وإلإجبار عن طريق التهديد  والوَعيد  على ترك  دورهم ومَحلاّت رزقهم وكأنهم غرباء عن وطنهم ! وليس مِن يقول  لماذا ؟ وما الذي فَعَلَه هذا المُكَوَّن العميق الجذور في أرض آبائه وأجدادِه لكي يُضطهَدَ مِن قبل طرفي الصراع الطائفي المذهبي الرئيسيَين السني والشيعي ؟ ألم يَكُن تفاعلُ المسيحيين بمُنتهى الوعي والنظرةِ الواقعية  بوقوفِهم على الحياد التام دون التَدَخُّل فيما يجري مِن العُنف المذهبي بين طرَفي النِزاع ! وبالرغم مِن ذلك إمتَدَّت إليهم يَدُ الغدر والإرهاب فتَعَرَّضَت كنائسُهم للتفجير ومَحَلاّتُ رزقهم للتدمير بالإضافة الى المِئات مِن أبنائهم الذين زُهِقَت أرواحُهم بطريقة وباخرى والآلاف مِنهم تَشَرَّدوا مِن ديارهم طَلباً للنجاة بجِلدِهم !

ولكنَّنا نَرى الآن أنَّ الأَحداثَ تَتسارعُ بشكل مُلفتٍ للنظر مُتَّخِذةً مَساراً خطيراً نحو إيذاء الشعب المسيحي بطرق عِدائية سافرة وبأساليب مُغايِرة تقوم بها الجماعاتُ السلفية التكفيرية ، مُستَهدِفةً زَرع بذور الفتنة للنيل مِن العلاقات الأَخوية المسيحية الإسلامية المُترَسِّخة عِبر الزمن الطويل ، إنَّه مُخَطَّطٌ تآمري إرهابي مُريب ، الغرضُ مِنه إفراغ العراق مِن المسيحيين أصحابِِه الأصليين في المقام الأَول ،  ثمَّ الضغط على الشرائح العِلمانية ذات العقول النَيِّرة التي يرى فيها المُتصارعون عائقاً أمام تنفيذ مآربِهم ،  ولا بُدَّ مِن إزاحتهم لتخلو لهم الساحة .  إن المُتَتَبِّعين لمَجرى الأحداث  يستنتجون مِن تَصاعدِ وتيرَتِها حدوثَ كارثة أكبر وأشمَل مِمّا هي عليه الآن ، قد تَتَحَوَّلُ الى حَربٍ أهلية لا سَمَحَ الله  لن تكون مُقتصرة على طَرفي الصراع الحاليَين وإنَّما ستشمُل المسيحيين مُرغمين ، لأنهم إن سكتوا على ما نالَهم مِن ظلم وحيفٍ واعتداء ،  فلن يكونَ في مقدورهم السكوتُ على إهانة مُقدساتِهم وفرض الجِزيةِ عليهم  والأَسوأ مِن كُل ذلك مُطالبتهم  بإعتناق الإسلام ، هذا العمل الذي يُحَرِّمُه عليهم الإسلامُ نفسُه بقوله " لا إكراهَ في الدين "هل هنالك اعتداء أكبر مِن هذا الإعتداء ؟ إن التهديدات خطيرة جداً وعلى الجميع حكومةً وشعباً التَصّدِّيَ لَها بقوةٍ وحزم، لأَن العراق هو موطِن العيش المُشترك فقد عاش فيه العراقيون  بمُختلف قومياتِهم وأديانِهم ومذاهِبِهم منذ قرون طويلة بسلام ووِئام ، وإني أَتسأَل كيف يُمكن أن تُنسَبَ هذه الأعمالُ الى المُقاومة ؟ مُقاومة ضِدَّ مَن ؟ ضِدَّ المسيحيين الوطنيين الآمِنين ؟ وما هو ذّنْبُهم فيما جرى وما يَجري منذ سقوط النظام وحتى الآن ؟ ولماذا يُحَمَّلونَ تَبِعاتِ المصائِب التي حَلَّت بالشعبِ العراقي في الوقت الذي كانت تُمارسُ بِحَقِّهم سياسةُ التمييز العنصري وحرمانهم مِن الحقوق القومية وإبعاد كفاءاتهم العلمية عن استلام المناصب الرفيعة في مؤَسسات الدولة مدنية كانت أو عسكرية ، الأمر الذي ينفي عنهم الضلوع في اللعبة السياسية بأيِّ شكل مِن الأَشكال .

أما على الصعيد الرسمي واعني بذلك الدولة بكافة مؤَسساتِها ولا سيما المجلس النيابي الذي  يُمَثِّل الشعبَ عن طريق أعضائه المُنتخبين مِن قبلِه ،  فقد بَرهن على انتهاجِه الاسلوبَ الديكتاتوري بدل الاسلوب الديمُقرطي في تَعامُلِه  مع مُكَوِّنات الشعب الصغيرة  ولا سيما غير الإسلامية مِنها ،  فإننا نحن المسيحيون بالذات نُعاني مِن عمليات الإقصاء الكثيرة  التي مورَست  ولا تَزالُ  تُمارسُ  ضِدَّنا وآخرها ، إقصاء مُمَثِّل المسيحيين عن مجلس المُفوَّضية المُستقلة للإنتخابات دون وجهِ حَق ، بينما اقتسمت القوميات الإسلامية العربُ والكُردُ والتركمان المقاعد فيما بينها ، أفلا يَدُلُّ هذا على انعدام العدالة والمساواة وبكونه خرقاً للدستور وإنكاراً لحق المواطنة مِن جانب ، ومِن جانبٍ آخر نستخلصُ منه : إنكاراً لوجودِنا وانتمائِنا العريق والأَصيل للعراق - عدم الإعتراف بأولويةِ مواطنتِنا - شَكُّهم بإخلاصِنا الوطني - تهميشُهم لدورنا المُشَرِّف الإنساني والحضاري وإسهامِنا الفكري والكِفاحي في بناء هذا الوطن - وأخيراً إستغلالُهم لعدم وجودِ مَن يُسانِدُنا مِن دول الجِوار ، وكُلُّ ما بوسعِنا أن نفعَله هو بعض عِبارات الشجبِ والإستنكار والتنديد لا يُعيرونَها أيَّ اهتمام .

ألم تَكُن هذه الفصائل المُسيطرة على الحُكم الآن ضمن المُعارضة العراقية المُنادية بسقوط  النظام الديكتاتوري ؟  ألم تَكُن هي ذاتُها تُشارك في المؤتمرات والإجتماعات وتُلقي كلماتٍ وخِطاباتٍ فَيّاضة تُجَدِّدُ الأَمل في قلوب العراقيين بحَتمِيَة زوال النظام الغاشم، وتُبَشِّرُهم بالخير القادِم  وبولادة عراق جديد حُرٍّ وديمقراطي يسودُ فيه العدلُ والمُساواة بين كافة مُكَوِّنات شعبه العِرقية والدينية ؟فكيف انقلَبَ الوضعُ رأساً على عقبٍ بعد سقوط النظام ، وراحَ كُلُّ فصيل مِن الفصائل الكبرى يسعى للحصول على أكثر المكاسب المُمكنة مُتجاهلاً كُلَّ ما قاله وما تَعَهَّدَ به مُبعِداً الفصائل الصغيرة الاخرى المُساهمة معه في النضال  عن الساحة ولا سيما غير المُسلمة مِنها والفصيلة المسيحية بشكل خاص وسافر ! إنَّها الديكتاتورية بصيغة الجماعات الكُبرى التي حَلَّت مَحَلَّ ديكتاتورية الفرد !

فحتى متى يا سياسيي شعبنا المسيحي وقادته المسؤولين يستمِرُّ سكوتُكم على سَلبِ حقوقِنا القومية والوطنية ؟ إننا في نظرهم لا رقمَ لنا في المُعادلة السياسية ، ولا يَخفون قولَهم لنا إذا كُنتُم ترون أنَّكم قد مُثِّلتُم بمقعدٍ أو مقعدين في البرلمان فهما هِبة مِنّا ! فهل بقي في جُعبتهم أسوأَ مِمّا فعلوه بنا وقالوه لنا ؟ وما شَجَّعَهم للتعامل معنا بهذا الاسلوب الإلغائي هو تناحُرنا فيما بيننا وعدم تَوَحُّدِنا في خطابٍ واحدٍ مُوَحَّدٍ لكي تَزدادَ قُدرتُنا على المُواجهة ، لقد حان الوقتُ لتدويل قضيتِنا وحان الوقت لتوحيد جهودِنا والمُناداة بأعلى صوتِنا " نحن عراقيون عراقيون عراقيون شاءَ مَن شاءَ وأبى مَن أبى ، وما ضاعَ حَقٌ وراءَه مُطالبٌ !

الشماس كوركيس مردو
في 1 / 5 / 2007

245
                                        الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبرَ القرون ) المُرتَقب صدورُه في مطلع العام القادم بعون الله

                                                          الحلقة التاسعة

أسَرحَدون Esarhaddon ( 681 - 669 )

                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                     
لقد اختار سنحاريب أصغر أبنائه  أسَرحدون ليكون وريثاً للعرش واُجريَت مراسيم تنصيبهِ ولياً للعهد  في القصر المُخصَّص لولي العهد ،  فلم يكن الأمر مستغرَباً  أن يقوم بإخماد التمرُّد  الذي أقدمَ عليه أخواه  بعد اغتيالهِم لوالدِهِ  قبل  اعتلائِهِ العرش . دعا أسرحَون كبار مملكته وأفراد حاشيته والملوك التابعين له  وطلب منهم أن يُقسموا أمامه  على تنصيب آشور بانيبال  بعد موته على عرش مملكة آشور وشمش-شم-اوكن على مملكة بابل ، وبِحسبِ هذا التدبير اعتُرف بكلٍّ من الأخوَين حاكماً على  الاقليم المُخصَّص له .

أعاد الملكُ ( أسرحدون 681 - 669 ق . م ) تشييد بابل التي خرَّبَها والدُه سنحاريب ،  فجدَّدَ أسوارَها وهياكلَها وقصورَها وطلب من سكانِها الذين كانوا  قد هجروها  العودةَ  إليها  وأغدقَ  عليهم المساعدات بسخاء ، كان أسرحدون على غِرار أسلافه بطلاً  شُجاعاً ومُحارباً جريئاً وتميَّزَ عنهم بكونه أكثر رأفةً بأعدائه الذين كانوا يندحرون أمامه ، أخضع لحُكمِهِ مُعظم  بُلدان الشرق الآوسط   رغمَ قُصر فترة حُكمِهِ التي لم تتعدَّى أكثر من إثنَي عشر عاماً ، وكانت الممالك الكلدانية ضمن جدول حملاته العسكرية ، فقد أغارَ مراراً على مملكتَي  كمبولو وبيث دكوري ، استطاع  خلالها أسرَ أعدادٍ كبيرة جداً من سكانهما ، وتشير إحدى مسلاته الموجودة في المتحف البريطاني تحت رقم ( ك 3082 k 3082 VAT 3458 ) الى تفاصيل مُثيرة  لتِلكَ الحملات المُرعبة  والجائرة ، يتحَدَّث في العمود الثالث منها  عن  صِراعه الدامي  مع  زعيم مملكة (  كمبولو Gumbulo  )  بيل أكيشا  Bel-Iksha   وعن  حملاته العسكرية  على تلك  المملكة  وعلى  السفيثيين  والسيماريين  في الشمال ،  ومِمّا  قاله  عن بيل أكيشا : <  بيل أكيشا بنُ بناي الذي تقع مملكتُه في بلاد البحر ( الأهوار ) يتراوح بعدُها نحو يوم كامل ( 24 ساعة ) ، أوقعتُ الرعبَ في قلبِه ، فجاءَ  إليَّ حاملاً هداياه  الثمينة ،  وانحنى أمامي  وقبَّلَ  قدَمَيَّ ،  فنالَ  عطفي  وقدَّمتُ  له  كُلَّ  الدعم  في سبيل  تحصين  مدينته  ( شابيبيل Sha-pi-bela )  وللمزيد  انظر (  لوكِنبيل / الجزء  الثاني  ص . 207 Luckenbill, II P . 207 )  وفي حوليةٍ له على نفس المسلة ، نُشرَ فحواها في كتلوك المتحف البريطاني  British Museum Catalog, Plate  XL VIII  ، حيث  يروي  في  الاسطر 13 - 28  مِن العمود  الثالث  عَمّا  ارتكبه  مِن الفظائع  بحق  مملكتي  بيث - دكوري  وكمبولو الكلدانيتين  حيث  يقول : <  لقد أسِرتُ  ( شمش - ابني  Shamash-Ibni )  ملك بيث - دكوري  Bet-Dakkuri ) الواقعة  في بلاد الكلدان ،  ونَهبتُ مملكته هذه ،  كان ملكاً مُتمرداً وخارجاً على القانون ، لم يتورَّع مِن اسم الرب ، استولى على  حقول بابل وبورسيبا الزراعية ،  ولما  كنتُ حريصاً على مخافة الآلهة ( بيل و نابو ) ،  فقد أعَدتُّ  الحقولَ  كُلَّها  لأصحابِها ، وأجلَستُ ( نابو شاليم Nabu- Shallim ) بنَ بلاسو على عرش  شمش - ابني > .

آشور بانيبال Ashurbanipal ( 668 - 627 )

بعد وفاة الملك أسرحدون نُفِّذَت وصيَّتُهُ  فاعتلى ( آشور بانيبال 669 - 627 ق . م) العرشَ على مملكة آشور  ولكي يتقلَّدَ أخوهُ (  شمش-شم-اوكن ) المُلكَ على بابل أُعيدَ  بيل (تمثال الاله مردوخ ) المنقول من بابل الى نينوى على عهدِ سنحاريب الى بابل ثانية  باُبَّهةٍ لا مثيل لها  يُرافقُهُ الملكان الأخَوان ،  واستقبلَهُ الكلدان البابليون  بفرح كبير على أنغام الترانيم  والتراتيل ،  وبعد إدخاله الى هيكلهِ ،  أمسكَ ( شمش-شم-اوكن )  بيدَي الاله بيل  وبويعَ ملكاً على بابل لأن ذلك كان من الطقوس الواجب اداؤها على من يتولّى عرشَ بابل .


بالرغم من أن آشور بانيبال ذاته لم يستطع تحقيقَ ماكان يطمحُ إليه  في مَيدان الكتابة  مقارنةً بما حقَّقَهُ في مَيدان الحرب ، وبالنظر للوضع الثقافي المُزري الذي كان عليه  الشعب الآشوري نتيجة انهماكِهِ في الحروب وتَعطُّشه لسفك الدماء الذي  لم  يَدَع له مجالاً  للإهتمام  بالمجال الثقافي بالقدر الكافي ،  ولِهَول  ذلك على آشور بانيبال ،  أصدرَ أمراً الى  كَتبَتِهِ  بالبحثِ عن  مؤلفات الشعوب الاخرى وجمعِها في مجموعاتٍ ضخمة ، وقد عثرَ المنقّبون على رسالة مكتوبةٍ من قبلِ آشور بانيبال نفسه تضمَّنت تعليمات بخصوص جَمعِ النصوص الدينية والأدبية والتعاويذ المُختلفة من  مكتبات معابد بورسيبا والمكتبات الخاصة ،  وفي رسالةٍ الى أحدِ أتباعهِ  يوصيه فيها  أن يجلبَ من بابل لوحاً  قديماً مكتوباً  من قبل الملك حمورابي ،  فكانت لجهودِهِ الكبيرة  الفضل في تكوين  مكتبةٍ  عُدَّت الأعظم في حينها احتوت على  مختلف الروائع العلمية والأدبية  التي أبدعتها أقوام بلاد ما بين النهرين ،  ولم يكن إقدامُ الملك آشور بانيبال على إنشاء هذه المكتبة العظيمة آتياً من الفراغ أو محظَ صُدفة بل كان إجرءً احترازياً ،  فكانت مكتبة  آشور بانيبال  مُحاولةً  للحِفاظ  على المأثورات القديمة المُدوَّنة  باللغة  المسمارية التي  بدأ العدُّ التنازلي السريع لانحسارها  أمام تأثير لغة الآراميين الكلدان القوية  بأبجديتها  والتي سارعت الى اعتمادِها  غالبية القِوى السياسية  والثقافية .

لقد دَوَّن كَتبَة آشور بانيبال أوصافاً مُثيرة  لحملاته العسكرية ، ولا سيما تلك التي قادَها ضِدَّ الشعب الكلداني في بابل وضِدَّ القبائل الكلدانية ، فقد نُقشت أحداثُها في العديد من مسلاتِه ولوحاتِه التي عثر عليها المنقبون الآثاريون  -  اوستن هنري لايارد  وهرمز رسام  وجورج سمِث في تل قويونجق .
                                                                                                                                                                                                                                                               ويُعَد  آشور بانيبال  بحق أعظمَ الملوك الآشوريين  ،  إذ  في عهده  انتعشت  الساحةُ  الآشورية  ثقافياً  وأدبياً   بعد الركود  المُزمِن  الطويل ، فالى جانب  قيامه  بانجازات عسكرية كبيرة ،  أعطى اهتماماً بالغاً  لنقل  واستنساخ  المُدَونات السومرية والأكدية والبابلية وجمعها في المكتبة التي حملت اسمه ، وقد عثر عليها الآثاري الكلداني المعروف ( هرمز رسام  Hurmizd Rassam ) عام 1852 م زاد عددُ مُحتوياتِها عن خمسةٍ وعشرين ألف قطعة ما  بين  موشور  ولوحة  ومسلة ،  وهي  تقبعُ  الآن  في  خزائن المتحف البريطاني في العاصمة لندن ، ومِن بين تلك المجموعة  عشرة  لوحاتٍ  احتوت  على عددٍ  غير  يسير  مِن  حوليات  آشور بانيبال  تروي  تفاصيل حملاته  العسكرية  على الممالك  الكلدانية ،  ولكثرتِها  سنقتصر على  تدوين أحداث حملة واحدة  مِن تلك الحملات المنقوشة تفاصيلُها في المسلة المُسمّاة باسم ( مسلة رسام  ذات الرقم  ك 8537  واللوحة  ذات  الرقم ك 3402   Rassam's Cylinder #  K 8537 & Plate # K 3402 )  كنموذج ،  وهي  ضمن (  مجموعة  قويونجق -  Koyonjuk  Collection )  الأسطر 27 - 127  مِن العمود  الثالث  يقول  فيها  آشور بانيبال  : <  بأمر  مِن  الآلهة  أشور ،  سِن ،  أدد ،  شمش ،  بيل ، نابو ، عشتار ،  نينوى ،  أورتا ،  عشتار أربيلا ،  نركال ونسكو . في  شهر ايلول  شهر الآلهة ،  تقدَّمتُ في حملتي الخامسة نحو( عيلام Elam ) فاكتسحتُها  كالعاصفة  الهوجاء  ،  قطعتُ  رأسَ  ملكِها ( تومان  Teuman )  ورؤوس عددٍ لا يُحصى  مِن مُحاربيه ، ملأتُ العاصمة ( سوسه  Susa )  وضواحيها  بِجُثث القتلى  الذين تدفَّقت  دماؤهم كالسيول نحو نهر  أولاي . أقمتُ ( تَماريتو  Tamarito )   شقيق  تومان  ملكاً  على عرش عيلام .  وبعد  أن سَيطرتُ  على عيلام  بقوة أشور  وعشتار  وبشكل  تام ،  تَوجَّهتُ  وأنا  في طريق عودتي  نحو مملكة كمبولو Gumbulo  الكلدانية ،  فاكتسحتُها واستوليتُ على عاصمتها  شابيبيل  Shapibel الواقعة في وسط المياه فساوَيتُها بالأرض ، أما ملكُها ( دنانو Dunanu ) بنُ  بيل أكيشا الذي كان مُعتمِداً على قوة  عيلام التي  دَمَّرتُها  فقد أسِرتُه هو وزوجته واولاده وكبار القوم ،  وأمرتُ  بذبح السكان كما تُذبَح ُ الضأن ، وعند رجوعي الى نينوى  رافقَ رحلتي  كافة أفراد العائلة المالكة ( عائلة بيل أكيشا ) والنبلاء  الى جانب عددٍ كبير من سكان كمبولو الأسرى مع الخيول والحمير والأبقار  ،

وفي ( الرقيم  866 ص . 334  # 866 ,  P.  334 ) يقول آشور بانيبال: <  وغنَمتُ كافة كنوز المدينة  وأفرَغتُها مِن سكانها بالكامل ،  جاعلاً منها  قاعاً  صفصفاً ،  وهنالك  عَلَّقتُ  رأسَ تومان ملكِ عيلام  برقبة  دنانو  ملكِ  كمبولو ،  وجرى دخولي الى نينوى بأُبَّهةٍ عظيمة واحتفال مهيب ،  ثُمَّ  قاموا بوضع الملك  دنانو فوق  منضدة ونحروه مِن الوريد للوريد  كما  يُذبَح الخروف ،  أما  إخوتُه فقد  قُطعَت  أطرافُهم وتَمَّ  رَميُهم  خارج  أسوار  نينوى .

كان النصفُ الأول من عهدِ آشور بانيبال مليئاً  بالأحداث  وكانت مُعظم نتائِجها  لصالحِهِ ، أما نصفُهُ الثاني  فقد شَهِدَ اضطراباتٍ إلاَّ أن نطاقَها لم يتَّضِح إلاَّ بعد موتِهِ عام  627 ق . م ، حيث اشتدَّ الصِراع بين أبنائه ، واستطاعَ إبنُهُ ( آشور أتِلُ ايلاني  ) الاستيلاء على العرش عام 626 ق . م ، وفي عام 623 ق . م إغتصبَ  العرشَ ( سِن شَمُ ليشير ) لبضعة أشهر ثمَّ  استعادَهُ ( سِن شَر أشكِن  623 - 612 ق . م ) شقيقُ ( آشور أتِلُ ايلاني)  وعلى عهدِهِ  سَقَطَت  نينوى  عام 612 ق . م  .

هناكَ ظاهرة انفردت بها الدولة الآشورية دون جميع دول وممالك الشرق القديم ، ألا وهي قيامُ ملوكِها بتغيير عاصمتها بين كُلِّ فترةٍ واخرى وبحسبِ هوى كُلِّ ملكٍ مِنهم ، فخلال ( 1207 أعوام ) مِن أعوام حُكمها بلغ عَدَدُ عواصمِها ( 8  ثمان )  نُدرجُ نبذةً عن كُلٍّ منها وحسب التَسلسُل الزمني الذي اعتُمِدت فيه والملك الذي اختارها  : -

ايكالات Ekalat : وكان موقعُها شمال شرق مدينة آشور قائمة على الساحل الشرقي لنهر دجلة ، إتخذها الملك شمشي أدد الأول مَقراً له عام 1816 ق . م ومِنها بدأَ تَحَرُّكَه نحو اقليم آشور .

آشور Ashur   : مِنها أعلن الملك شمشي أدَد الأول قيام الدولة الآشورية عام 1813 ق . م  مُتخذاً إياها عاصمة ، تقع على الساحل الغربي لنهر دجلة ، استمَرَّت قاعدة للحُكم حتى عام 1243 قبل الميلاد ، حيث تركها ( الملك توكَلتي نِنورتا 1243 - 1207 ق . م ) نافراً مِنها وشيَّدَ له عاصمة جديدة الى الشمال مِنها غير بعيدة عنها ، إلا أنه اغتيلَ مِن قبل إبنه ( آشور نادِن إبلي ) إثرَ مؤامرة عائلية  وانتقل الى مدينة آشور ، واستمَرَّت عاصمة للدولة حتى تَوَلّى المُلكَ آشور ناصربال عام 883 ق . م  حيث انتقل الى مدينة  كَلخو أو كالح ( نمرود ) واتخذها عاصمة له .

بورت توكَلتي نِنورتا Port - Tikulti- Ninorta : شيَّدَها عاصمة له في موقع الى الشمال مِن مدينة آشور على الساحل الشرقي لنهر دجلة يبعُد عنها ( 3 كلم ) وسمّاها باسمه ، لكنها أُهمِلَت بعد اغتياله .

كَلخو Kalhu : أو كالح ( نمرود ) تُعَدُّ مِن المَدن القديمة جداً ، تَمَّ الإستيطانُ فيها في نحو الألف الثالث قبل الميلاد ، كانت مدينة صغيرة ومُهمَلة حتى عهد الملك ( شلمَنصَّر الأول 1280 - 1260 ق . م ) حيث رأي بِمَوقِعَها في الشمال موقعاً استراتيجياً  حصيناً لكونه عند مُلتقى نهر دجلة بالزاب ويتوَسَّط  قلبَ الدولة الآشورية ، فأمرَ بتجديد بنائِها على طراز حديث ، فغدَت إحدى أهم المُدن الآشورية ، إلا أنها تَعَرَّضَت للدمار ثانيةً وبقيت كذلك حتى تَوَلّى الحُكم الملك ( آشور ناصربال الثاني عام 883 ق . م )  فشيَّدَ على أنقاضِها مدينة حديثة جعل مٍنها عاصمة له ، واستمَرَّت حتى عام 721 ق . م  .

كار-مُليسي Kar-Mullissi : هي كَرِمليس الحالية  .  عندما اعتلى عرشَ الدولة الآشورية الملك سركَون الثاني عام 721 ق . م ، حَدَت به الرغبة في بناء عاصمةٍ جديدةٍ له بدلاً مِن العاصمة ( كالح - نمرود ) تحمل إسمَه ، وبعد اختياره موقعاً لها الى الشمال مِن مدينة نينوى غادر كالح الى كرمليس كما أشارت الألواح المسمارية المُكتشفة في ( سثلطان تَبَّة التركية ) ومعبد الإله ( مامو ) في بلاوات إمكَوربِيل ، واتخذَ منها مقراً موَقتاً لحين اكتمال العاصمة الجديدة ( دور شَروكين ) إلا أنه لقيَ حتفه بصورة غامضة قبل اكتمال بناء المدينة .

دور شَروكين Dur-Sharukin : هي خورساباد الحالية . كان الموقع الذي اختاره الملك ( سركَون الثاني 721 - 705 ق . م) لتشييد مدينته عليه قريةً صغيرة قديمة دفع ثمنها لساكنيها ، وأمر ببناء مدينة حديثة وعظيمة على أنقاضِها سَمّاها باسمه تخليداً لذِكراه . سَخَّرَ لبنائِها آلاف العمال والبنائين والمُهندسين والحرفيين الذين استُدعوا مِن مُختلف أنحاء الإمبراطورية ولكن الذين أدّوا الدور الأكبر والأكثر تَطوُّرا في الفن الجَمالي للقصورالملكية الباذخة والمعابد الفخمة التي ازدانت بالنقوش البديعة والتماثيل الرائعة، كانوا الأسرى الكلدان النخبة الماهرة مِنهم مِن المُهندسين والفنيين ذوي الإختصاصات الفنية المُتنوعة اؤلئكَ الذين رَحَّلَهم سركون الثاني مِن ديارهم الى بلاد آشور إثرَ حَملاتِه العسكرية الغاشمة  على الممالك الكلدانية وعلى مملكتي بابل ويهوذا ، وقد أكَّدَ ذلك سركون نفسُه ونجُلُه سنحاريب في حَولياتِهما . أمَرَ سركَون بإحاطة مدينته بسور ضخم منيع بعُلوِّه ، طولُه يُناهزُ  سبعةً وعشرين كيلومتراً تُزَيِّنُه ثمان بَوّابات .  تفيدُ بعض المصادر بأن تدشين العاصمة الجديدة ( دور شروكين  ) قد جرى في شهر تشرين الثاني مِن عام 706 ق . م وأن سركَون لم يهنأ بها طويلاً  ، حيث لم يَمُرَّ عام على التدشين حتى اضطرَّ لقيادة حملة عسكرية عام 705 ق . م  ضِدَّ الغزاة ( السيماريين Cimmerians ) القبائل الآرية النازحة مِن شُبه جزيرة القرم ،  والتي تَمَكَّنت مِن احتلال إحدى المُقاطعات الآشورية الشمالية  ،  وفي أثناء تلك الحملة قتِلَ ولَفَّ الغموضُ مقتلَه ، ولكن مصادرَ اخرى تؤكِّد  بأن بناء (  دور شروكين ) لم يكن قد تَمَّ إنجازُه قبل عام مقتل سركون استاندا لقول سنحاريب في حَولياتِه بأنه استخدم الأسرى الكلدان في استكمال بناء مدينة والده ( دور شروكين ) .  وبالإشارة الى القبائل السيمارية ،  تعتقد بعضُ المصادر التاريخية  بأن عدداً مِن العشائر الكُردية المُعاصرة تعودُ بإصولِها إليها ،  وقد إستقرَّت تالياً في منطقة جبال  ( قردو Qardo ) التي تَرتبِط  بالتسمية الكُردية ، ولكن أغلب القبائل الكُردية تَرجع بإصولها الى القبائل الميدية التي احتلَّت المناطق الشمالية الشرقية  لبلاد آشور قبل سقوط  نينوى بثلاثة أعوام كما ساهمت الدولة الميدية في سقوط نينوى عام 612 ق . م  . بعد وفاة سركَون تَعَرَّضت ( دور شروكين ) للهجر والإندثار بسبب قيام سنحاريب بنقل مَقرِّ العرش الآشوري مِنها الى مدينة نينوى ،ولكنها وبعد فترةٍ تَقرُبُ مِن ثلاثة قرون ، إنتعشت فيها الحياة ثانية على عهد الدولة الأخمينية الفارسية  ، ففي عام 424 ق . م أمر الملك كِسرى الثاني  بتعميرها ، وسَمّاها باسمه ( خِسرو - أباد ) وربما مِن هذا الاسم قد اشتُقَّ اسمُها الحالي ( خورساباد ) .

نينوى Nineveh :  يقول المؤرخُ والآثاري نيكولاس بوستكَيت عن ( نينوى )  في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه  ص . 116 )  بالرغم مِن الأهمية الرئيسة لهذه المدينة القديمة ، إلا أنها لم تكن قد أصبحت أبداً مَقرَّ الملوك الآشوريين . مات الملك سركون الثاني تاركاً لإبنه سنحاريب دولة آشورية قوية ، أتاحَ وَضعُها القوي لسنحاريب تكريسَ كُلِّ طاقاتِه لإعادةِ بناء نينوى التي اختارها لتكون عاصمة لمُلكِه  .  حَدَّدَ مساحة واسعة  تَحُدُّ المدينة القديمة مِن الشمال والجنوب  تُعرفُ اليوم باسم ( قوينجق ) لكي تتسعَ لبناء مدينة نينوى الحديثة التي أحاطها بسور حجري ضخم مَكسُوٍّ بحجر مَنحوتٍ  مُرَبَّع الشكل يُناهز طولُه اربعة عشر كيلومتراً وبارتفاع أربعين قدماً ، تخترقُ السورَ خمسُ عشرة بوابة ضخمة تعلوها أبراج  وتُزيِّنُ كُلاًّ مِنها أربعة ثيران مُجنحة . لم تكن الجهة الغربية مِن نهر دجلة مؤَمَّنة بشكل جيد  فوُفِّرَت لها حماية إضافية  وشُيِّدَت فيها بوابات مائية ،  وكانت الجهة الشرقية ضعيفة الدِفاعات  فعولجَت بتشييد خَطٍ آخر مِن التحصينات  خلف قعر الوادي القديم ، وعلى أرضية التل القديم شُيِّدَ قصرٌ ملكي جديد بسواعد أسرى الحرب الكلدان ، ثُبِّتَت على جدرانه لوحاتٌ حجرية منحوتة تُمثِّل حملات سنحاريب العسكرية بنَمَطٍ فني جديد  روعي فيه تَسَلسُل عَرض المشاهد بشكل مُتصل بدلاً مِن عرض الأحداث مُنفصلة ،   ومِن هذه المنحوتات مشاهد الحصار والمعارك  في الجبال والأهوار .  وبالرغم  مِن عُمر نينوى القصير كَمَقرٍّ  للعرش الآشوري   ( عاصمة  705 - 612 ق . م ) إلاّ أنها غَدَت مِن أهم العواصم الآشورية السابقة ، وجَسَّدَت التاريخ الآشوري بكُلِّ مَجدِه ،  احتوى تاريخُها تاريخَ الدولة الآشورية بأكملِه  وإن لم تكن فيها البداية  ولكن ساحتَها كانت مسرحاً للنهاية .

حَرّان Harran : لدى سقوط نينوى استطاعَ الناجون مِن ألسنة النار وأفواه السيوف الهربَ الى مدينة حَرّان الواقعة الى الشمال الغربي على نهر البليخ في أعالي الفرات ، وكان على رأس اولئك الهاربين قائدٌ مِن العائلة المالكة  يُدعى  (آشور اوبليط )،  بويعَ هناكَ ملكاً على الدولة الآشورية باسم ( آشور اوبليط الثاني )  ولكي يدعمَ حُكمَه ويواجه الظروف الصعبة التي تَعرَّضَ لها شعبُه ، إستنجَدَ  بملك مصر ( نيخو الثاني ) طالباً العَون والحِماية ، بيد أن الملك المصري لم يستطع نجدتَه فقد كان جيشُه يخوضُ حرباً ضروس ضِدَّ الجيش الكلداني بقيادة الملك نبوخَذنَصَّر الثاني ، ويُقال أنه  التحقَ ومَن معه بالفرقة المصرية في كَركَميش ، وعندما مُنيَ الجيش المصري بالإندحار الرهيب والمُخزي أمام الجيش الكلداني القوي ، أضحَت المناطق برُمَّتِها تحت سيادة الإمبراطورية الكلدانية ومِن ضِمنها مدينة حَرّان آخر معاقل الآشوريين ، وتَمَّ ذلك عام 609 ق . م  وبذلك أُسدِلَ الستار على الدولة الآشورية نهائياً  كياناً ووجوداً .

الشماس كوركيس مردو
في  21 / 4 / 2007

246

                                      الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان
مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبرَ القرون ) المُرتَقب صدورُه في مطلع العام القادم بعون الله

                                                        الحلقة الثامنة

( بداية حُكم السُلالة السركَونية )

سركَون الثاني Sargon  II   ( 721 - 705 ق . م )


يعزو مؤلِّف كتاب تاريخ كلدو وآثور المطران أدَّي شير تسنُّمَ سركَون الثاني  قائد الجيش الآشوري الأعلى عرشَ الدولة الآشورية  الى عدم وجود إبنٍ للملك شلمنصَّر الخامس ليَخلِفَهُ على العرش ، فنودِيَ برئيس قادة الجيش ملكاً على آشور ، واتَّخَذَ له لقباً باسم ( سركَون الثاني ) تيمُّناً باسم سركَون الأول ملك الكلدان أول امبراطور في التاريخ  مؤسِّس امبراطورية أكد ، ولم يكتفِ بذلك بل قام ببناء مدينة جديدة له أطلق عليها اسم (دور شروكين ) الاسم الذي أطلقه الامبراطور سركَون الأكدي على منطقة عاصمته ( أكد ) كما وضَّحتهُ التنقيبات الآثارية   .  حاول  سركَون الثاني الاقتداء بسَلَفَيهِ  تكلت بيلاسر الثالث وشلمنصَّر الخامس اللذَين كانا يكُنّان حُباً وإعجاباً كبيرَين لبابل  مُفضِّلَين إياها على نينوى  مما أثار غضبَ الآشوريين ، وكان هذا أحدَ المآخذ  التي حَدَت بهم للامتناع عن مبايعة  ملكٍ من سُلالتِهِما ،  وأرادَ سركَون  تنصيبَ  ذاته ملكاً  علي  بابل اسوةً بهما ،  بيدَ أن البابليين الكلدان أعرضوا عنه  وقاوموه  بقيادة ملكِهِم الثائر مردوخ بلادان مما اضطر سركون للاعتراف باستقلالية بابل وبشرعية الملك مردوخ بلادان في حُكمِها .

هاجَمَ عام 721 ق . م  مملكةَ بيث ياقين الكلدانية وأسِرَ  من سكّانِها ( 90580 ) فرداً وأمَرَ  بنقلِهم الى موطن الحثيين الواقع  بين أعالي سوريا وجنوب تركيا ،  كما اقتحَمَ  مملكة  كمبولو الكلدانية أيضاً  ووقَعَ في أسرهِ من سكّانِها ( 16490 )  فرداً  وأمر بترحيلهم الى الاقليم الآشوري ، ورد ذلك في لوحاتٍ ثلاث تمَّ العثور عليها في قصره بمدينة  خورساباد  انظر ( المدونات الآشورية والبابلية القديمة / لوكَمبيل / شيكاغو . 1927 م ص. 33 - 35 ، 48 - 52 "  Ancient Records of Assyria and Babylonia " Chicago . 1927 P. 33 , 35 , 48 , 52 . by D. Luckenbill )  وعلى واجهة واحدٍ من جدران قصره في مدينته  دور شَروكين ( خورساباد ) أمر سركون أن تُنقشَ مُنجَزاتُه الحربية لسنة حُكمه الاولى 721 ق . م ، ( اللوحتان  رقم  5 و رقم  15 V  -  XIIIII )   وقد وردَ فيهما عن الكلدان التالي : <  في مناطق سهول مدينة ( دير ) حَمَلتُ على  مردوخ بلادان  ملكِ الكلدان الذي كان  قد سيطرَ على البلاد البابلية . . . أجلَيتُ عدداً كبيراً من أبناء شَعبِه و أمَرتُ  بترحيلهم الى بلا د الحِثيين > .
                                                                                                                                                                                                                                                                كان مردوخ بلادان زعيم مملكة بيث - ياقين الكلدانية التي يَحُدُّها الخليج ، عاصمتُها  دور ياقين ( تل اللحم اليوم ) موقعُها بين الناصرية والبصرة ، ويُعَدُّ أشهر وأقوى زعيم كلداني آنذاك ، استطاعَ السيطرة على بابل والأقسام الجنوبية للدولة البابلية سنة 733 ق . م ، وقد مَلَكَ على بابل لغاية إزاحته سنة 721 ق . م من قبل الملك الآشوري سركون الثاني ،  لقد عَثَرَ المنقبون على (  لوحات حجرية ) في  صالات قصر سركَون المُرقمة ( 4 - 7 - 8 - 10 ) دُوِّنَ فيها وصف دقيق عن حَملته المُشار إليها أعلاه ،  نُدرجُ بعضَ ما ورد فيها :

<  مردوخ بلادان ملكُ الكلدان ، صنيعة الشر ، بذرة الإجرام ، لم يَخَف رَبَّ الأرباب ، اعتمدَ على البحر المُر وأمواجه العاتية ، ثارَ ضِدَّي ،  تَحَرَّكَ  نحو سومر وأكَد ، وسيطرَ على بابل مدينةِ  رَبِّ الأرباب لمدة 12 عاماً . . .  وبناءً الى أوامر الاله آشور والاله العظيم مردوخ ، أعدَدتُ عرباتي الحربية ، وأمَرتُ جيشي  للتَوَجُّه الى بلاد الكلدان . . . الى آخره > .

حين وصلت أخبار تَوَجُّه الجيش الآشوري غادر مردوخ بلادان وأتباعُه  مدينة بابل الى مدينتِه  دور ياقين ، حاملاً معه آلهته ، وتُشير المُدونات بأن سركون لم يكتَفِ بالاستيلاء على بابل ، بل لاحق
مردوخ بلادان  ، ودارت بين جيشيهما  معركة  طاحنة  تكَبَّدَ فيها الطرفان خسائر فادحة ، ولكنَّ الحسمَ تَمَّ لصالح سركون إذ تَمَكَّنَ من احتلال دور ياقين والسيطرة على بلاد الكلدان ، وقال سركَون :
<  حاصرتُ  دور ياقين ، واستوليتُ عليها ، غَنَمتُ كنوزَها الذهبية بالكامل ، أسِرتُ العديدَ من سُكّانها ، ثُمَّ أضرَمتُ النيران فيها وساوَيتُ العاصمة الملكية تلك بالأرض . . . أما  العاصمة  بابل فقد عُدتُّ إليها بفرح  وصافحتُ يد الاله مردوخ > .                                                                                                                                                                                            ومِن ضِمن ما نقشه سركَون على رصيف إحدى بَوابات قصره بخصوص الكلدان ( Pavement Inscription I - V ) <  قصر سركَون ، ملك الكَون ، الملك العظيم ، الملك الجبار ، ملك آشور ، بفضل عَون  ودعم الآلهة  آشور - نابو - مردوخ  تَمَّت سيطرتي على كافة الأراضي المُمتدّة ما بين البحر الذي مِنه تَشرُقُ الشمس ( الخليج ) والبحر الذي فيه  تَغرُب ( البحر الأبيض المتوسط ) حتى شرق عيلام  وجنوبِها  والى غرب  الحدود  المصرية  ،  ومُدُن الكلدان  بأجمَعِها  ومملكة بيث - ياقين الكلدانية  الواقعة  على  سواحل البحر المُر ( الخليج ) حتى  جزيرة  الدَيلَمون ( البحرين الحالية )  وجميع  مقاطعات  الدولة البابلية  الشمالية  والجنوبية . . . >  ويُردِفُ ذاكراً  الممالك الكلدانية التي استولى عليها : <  بيث - ياقين ،  بيث - دكوري ،  بيث - أموكاني ،  بيث - شيلاني ،  بيث - شعالي . . . > .
لقد تَعَدَّدَت حملاتُ سركَون على الممالك الكلدانية وبشكل أخص مملكتي  بيث - ياقين  و كَمبولو  اللتين أسِرَ مِن سكّانهما ما مجموعُه (980 , 106 ) فرداً ، أمر بجلبهم  وتوطينهم في اقليم نينوى ، وهنالك  العديدُ  من المسلات والثيران المُجَنَّحة والجِداريات التي  عُثِر عليها  مِن قبل المُنقبين  قد وَثَّقَ فيها  سركَون بالتفصيل مُنجزاتِه العسكرية والعُمرانية  تَضَمَّنت الكثيرَ عن الكلدان ،  نقتبسُ بعضاً منها :
أ - الإعتراف الصريح بوجود شعبٍ اسمُه ( الكلدان ) وافر العدد جداً ،  يتألف مَوطنُه مِن مساحاتٍ شاسعة في وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين وسواحل الخليج وجُزُره منها ( فيلكا والبحرين والكثير غيرهما ) .
ب - الإقرار بوجود ممالك كلدانية عديدة  قائمة في مناطق متعدِّدة مِن بلاد الكلدان ،  وقد ذُكِرت بأسمائها  مثل :  بيث - دكوري ، بيث - أموكاني ، بيث - شعالي ، بيث - شيلاني ، كمبولو ،  رعوا ، فقودو ، وبيث - ياقين الأوسع بينها والتي كانت تمتدُّ رُقعتُها مِن البحرين جنوباً وحتى حدود عيلام شرقاً .

ج - أسرُ وتَهجيرُ الالوف  مِن  سُكّان الممالك  الكلدانية وإسكانُهم  في مُختلف  مناطق الاقليم الآشوري  واستخدامُهم  في تنفيذ  مشاريع  الدولة الآشورية ،  ولا سيما  في  بناء  مدينة  سركَون  دور شروكين ( خورساباد )  كما أقرَّ بذلك سركَون نفسُه : <  واستخدَمتُ الأسري الذين أمرتُ بجلبهم مِن هذه الممالك  في بناء مدينتي التي أسميتُها باسمي ( دور شروكين ) .

ح -  اعتراف سركَون  باستمرار العِداء والصراع المُستميت بينه  وبين مردوخ بلادان  ملك مملكة بيث - ياقين ،  الزعيم الأقوى  بين  زعماء الكلدان والذي كان ظهورُه  قبل  قيام الدولة  الكلدانية الكبرى عام 626 ق . م  ، وقد ذكره الكتاب المقدس - العهد القديم أكثر مِن مرة .

خ - إعطاء سركَون التمييز الواضح بين الكلدان  والآراميين  ، وذلك بكون موطن الكلدان في  وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين  بينما موطن الآراميين كان في  بلاد الشام .

عُرِفَ سركَون بتكتُّمِهِ بخصوص نَسَبِهِ ، وكذلك فَعَلَ تكلت بيلاسر الثالث من قبلِهِ ،  وكلٌّ منهما تبنَّى إسمَهُ الملكي بعد اعتلائه العرش ، ولم يأتِ اختيارُ  سركَون لإسمِهِ  عن طريق الصدفة  بل عمداً بسبب انبهارهِ بعظمة سركون الأكدي وإنجازاتِهِ ،  وتعبيراً عن طموحِهِ الكبير الى المجدِ والعُلى ،  وبالرغم من موتِهِ المُبَكِّر في ميدان الحرب ، فقد استطاعَ تحقيقَ شُهرةٍ  واسعة ، إذ امتدَّت مساحة الدولة الآشورية  في عهدِهِ امتداداً شاسعاً ، ويقول الآثاري بوستكَيت أن موت سركون الثاني ظلَّ لُغزاً .

سنحاريب Sennacherib  ( 705 - 681 ق . م )

خَلِفَ سركَون الثاني إبنُهُ ( سنحاريب 705 - 681 ق . م)  كان الملك سنحاريب نظيرَ والدِهِ  شُجاعاً ميّالاً  الى الحرب لكنَّهُ  يُخالِفُهُ خُلُقاً وسياسةً ،  حيث انتفى لديه الرفقُ بالمغلوبين وتجلَّى العُنفُ بأبشع مظاهرهِ ، من حيث قتله  لعدَدٍ كبير من  سكّان البلاد التي يستولي عليها ونهبه  لخيراتها وسبيه لمقتنياتها بالاضافة الى أسرهِ لمجاميع غفيرة من مواطنيها  .  لقد أورثَ  سركَون الثاني لإبنه سنحاريب دولةً آشورية قوية مُحكَمةَ التنظيم والادارة ،  ممّا أتاحَ  لسنحاريب التفرُّغَ  لشؤون الدولة الداخلية  وبخاصةٍ انشغاله  بإعادة  تشييد مدينة نينوى التي وقع اختيارُهُ عليها  لتكونَ  عاصمةً لمُلكِهِ ،  وبالرغم  من أهميتها الموقعية  وقِدَمِها إلا أن الملوك الآشوريين لم  يتَّخِذوا منها مَقَرّاً  لحُكمِهم  من قبل ،  أحاطَ  سنحاريب المدينة القديمة بمساحة واسعة من جانبيها الشمالي والجنوبي  تُعرَف اليوم باسم ( قوينجق ) وسيَّجَها بسور حجري ضخم  زَيَّنَهُ  بِبَوّاباتٍ هائلة مُزَوَّدة بأبراجٍ عالية  وأصبحت منذ ذلك عاصمةً رسمية للدولة الآشورية حتى انهيارها عام 612 ق . م .

 بعد مقتل سركون الثاني تحرَّكَ الملك الكلداني مردوخ بلادان الذي أبعدَه سركون عن حُكم بابل وتولّى حُكمَها بنفسه مباشرة وأمضى فيها سنتين من 710 - 708 ق . م  بعدها اقام على بابل حاكماً كلدانياً محلياً موالياً له  هو ( مردوخ ذاكر شمي ) ، أما  الملك مردوخ بلادان فقد كان قد جعلَهُ سركون ملكاً على القسم الجنوبي منها المعروف بالقطر البحري ، فانتهزَ مردوخ بلادان موتَ سركون المفاجيء  وقيام الاضطرابات في بابل  وتقاعس  سنحاريب في                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                                 تأكيد سُلطته هناك ،  فقادَ حملة على بابل عام 703 ق . م وأطاح بالحاكم المحلي  وتسنَّمَ عرش بابل ثانيةً  وأصبحت بلاد بابل بأكملِها  بضمنها القطر البحري جنوباً والقبائل الكلدانية المنتشرة شمالاً تحت السيادة الكلدانية .
شعر سنحاريب بغيظٍ شديد  لاستيلاء ملك القطر البحري الكلداني ( مردوخ بلادان ) على عرش بابل ثانيةً ،  ورأى في ذلك خطراً على الدولة الآشورية حسب قول الآثاري بوستكيت ،  فتحرَّكَ على رأس جيش عَرَمرَم لكي يُعيدَ الهيمنة الآشورية  ، فاتخذ نهر دجلة مسيراً له  وكان اصطدامُهُ الاول بالجيش العيلامي حليف جيش مردوخ بلادان الكلداني  فألحقَ به الهزيمة  وأرغمَ مردوخ بلادان وجيشه الانسحاب من بابل ،  وعن  هذه الحملة  العسكرية  يتحَدَّث  سنحاريب  في إحدى حولياته  وبحَسب المصادر :  ( المسلة الموجودة  في المتحف البريطاني  والمرقمة  < ب م 113 - 203 BM  113 - 203 -  منشور  سنحاريب /  العمود الأول / الأسطُر 20 - 64 Sennacherib Prism Col  I -  لوكَنبيل / الجزء الثاني / ص . 134 Luckenbill, II  P. 134  - سِدني سمِث / الحملة الاولى لسنحاريب Shdney Smith < The First Campaign of Sennacherib )  قائلاً  <  في العام الأول  من  ارتقائي العرشَ  قُدتُّ أول  حملةٍ  عسكرية  ضِدَّ  التحالف المُعادي للآشوريين بقيادة مردوخ بلادان ملكِ الدولة البابلية ، فألحقتُ بمردوخ بلادان  وبالجيش العيلامي المتحالف معه الهزيمة في سهول  كيش ،  لاذَ مردوخ بلادان بالهرب  مِن  تلك المعركة فاستوليتُ  على قصره في بابل  ، حيث  دَخَلتُه  مُنتشياً  فرحاً  ،  فتحتُ  خزائنه  وأخَذتُ  كُلَّ  النفائس الموجودة  في  داخلها  وكانت  لا تُعَدُّ  ولا تُحصى ، أسِرتُ  حريمَه  والقائمين  على حماية قصره  وذوي المِهَن الحُرة ، واستوليتُ أيضاً على ( 75 ) مدينة كلدانية مُسوَّرة  و( 420 ) مدينة صغيرة  في الضواحي  وغنمتُ كُلَّ موجوداتِها ، ويُضيف :  سيطرتُ عليها  جميعاً ،  وبَلغَ مجموعُ عددِ الأسرى  (000 , 208 )  مِئتين  وثمانية  آلاف أسير  بين صغير وكبير  مِن النساء والرجال ، بالإضافة الى أعدادٍ لا تُحصى من الخيول والبغال والحمير  والأغنام  والأبقار ،  أمرتُ بجلبها الى البلاد الآشورية >  .

 وفي المسلتَين المعروفة إحداهما( بمسلة رسام H. Rassam ) والاخرى(بمسلة بللينو Bellino) نُقِشَ عليهما وصفٌ مُسهَبٌ عن غارات سنحاريب على بلاد الكلدان يعود تاريخُهما الى عام 700 ق . م ، والمسلتان قابعتان في المتحف البريطاني بلندن ،  وإن أهمَّ  ما قد  وردَ في هتَين المسلتَين < إن سنحاريب من خلال حملاته العسكرية على بلاد الكلدان قام بأسر مئات الآلاف  من أبناء الكلدان ، هجَّرَهم الى البلاد الآشورية  وسخَّرَهم في إكمال تشييد مدينة والده سركون ( دور شروكين ) < خورساباد >  بالاضافة الى إعمار مدينة نينوى والقيام بتنفيذ المشاريع الإروائية ،
وهنا يَجدُر التساؤل ، أين تَمَّ  توطينُ هذا العدد الهائل من الأسرى الذين جلبهم سركَون وسنحاريب ، وكانت الغاية من جلبهم بحسب قولهما هي لاستخدامهم في بناء وإعمار مدينتَي ( دور شروكين - خورساباد -  ونينوى ) الى جانب المشاريع الإروائية ،  هل يُعقل أن يُوَطنوا بعيداً عن موقع  هاتين المدينتين ؟  فمِن  الناحية المنطقية يُعتبرُ احتمالُ ذلك  غير واقعي ،  و إن  توطينهم  في  مواقع  قريبة  من المدينتين المذكورتين هو الصواب  بعينه ، إذاً أليست المناطق القائمة  عليها  قرانا  تلكيف  ،  باطنايا  ،  باقوفا  و تللسقف  وحتى ألقوش ، ناهيك عن كرمليس المُقام الى غربها أكبر مُعسكرات للأسري الكلدان يُدعى ( باشبيتا أو بيث شبيا ) ويعني بيت الأسر أو بيت السبايا ، الأكثر احتمالاً  لتوطين  هؤلاء ، حتى لو لم يكن كُلُّهم بل حتما جزءٌ كبير منهم ؟

هاجمَ بابل بعُنفٍ شديد فسقطت عام 689 ق . م ، فكان انتقامُهُ  منها  مُرعباً  ثأراً لمقتل ولده ، وسمح لقادة  جيشه وجنوده بانتهاك حُرمة المدينة الشهيرة ونَهبِها وتدميرها بالكامل ، وأوعزَ بنقل تمثال ( مردوخ ) من معبد ايساكلا الى مدينة آشور .وهنالك وصفٌ لنتائج  حَملته السادسة  منقوشٌ على أحد  الثيران المُجَنَّحة  تَضَمَّنَته الأسطر 19 - 26  يقول سنحاريب <  كان يقطنُ  المقاطعات  العيلامية  الخمس الواقعة  على الضفة  الشرقية  للبحر المُر ( الخليج ) كلدانٌ  مِن مملكة  بيث - ياقين ، اكتسحتُ مُدنَهم ،  وأحرَقتُها بعد أسرهِم جميعاً ،  ثُمَّ أمرتُ  بإصعادِهم الى السُفُن التي صنعتُها  في  بارسيبا  ونينوى ،  وتَمَّ  نَقلُهم  الى البلاد الآشورية >
كانت نهاية الملك سنحاريب المُلقَّب ( ملكَ الكَون ) الآشوري مأساوية ، حيث جرى اغتيالُه  مِن قبل  أبنائه  بثأر عائلي عام 681 ق . م  في نينوى ، لأنهم كانوا على خلاف مُتَّصِل معه ، اعتراضاً على سياساتِه التعسفية التي كان  ينتهجُها  ضِدَّ الأقوام  الاخرى ،  وبخاصةٍ ما ارتكبَه مِن عمل مُشين تُجاه بابل وأهلِها  بضَربه عليها حصاراً قاسياً وطويلاً ،  أسفر عن موت أكثر من تسعين ألف شخص ، وتدميره للقصور والمباني بلهيب النيران ، ولكن ذلك لم يكن المُبَرِّر الأساس لعملية الاغتيال  وإنما الدافع الحقيقي كان صراع الأبناء على السُلطة ، إذ كان عددُ أبنائه سبعة عشر ولداً .والى الحلقة التاسعة قريباً .

الشماس كوركيس مردو
في 14 / 4 / 2007

247
المنبر الحر / تحذير
« في: 11:01 24/04/2007  »
حَذاري أيها المسيحيون الآمنون في بلداتِكم وقراكم ،  فإن هُواة الإجرام لم يكتفوا بما يَقترفونَه ضِدَّ إخوتكم في المدن الكبيرة بغداد والبصرة والموصل وكركوك مِن تهديدٍ وخطفٍ وابتزاز وقتل ، فقَرَّروا مَدَّ إرهابِهم الى مَناطِقكم ، إنه مُخَطَّطٌ  هَمَجيٌّ شِرِّير يتحرَّكُ كالاختبوط  شمالاً وجنوباً ، فحذاري حذاري أيها الأعزِّاء ، دَعوا كُلَّ الخِلافات والإختلافات الى الوراء ، وبادِروا الى التصافي والإتحاد  ، فإن العدوَّ الإسلاميُّ الاصولي لا يعرفكم كلداناً أو آثوريين أو سرياناً بل يعتبرُكم مسيحيين كُفّاراً وأعداءً ، إننا نُضطَهَد لأننا مسيحيون وخاصةً لأننا شرقيون مَغلوبون على أمرنا منذ أن فَقَدنا كياننا السياسي وخضعنا لحُكم ألأَغراب الذين احتلوا بلادَنا واغتصبوها . لقد عانى آباؤُنا وأجدادُنا  الكثيرَ الكثيرَ مِن مُغتصبي بلادِهم الغرباء الظالمين وجاءَ ذلك طِبقاً لِما أكَّدَ عليه الكتابُ المُقدس بأنكم ستُضطهَدون مِن أجل إسمي ، فيُعَيِّرونَكم ويُقدِّمونَكم الى المحاكم ويطالُكم القتلُ والذَبح ! لم يَكُن مُستغرَباً أن يقوم بكُلِّ هذه الأعمال الوحشية  الوثنيون عَبَدة الأصنام  ثمَّ عبدة النار ، ولكن أن يقوم بأبشع من هذه الأعمال  وأكثرها ضراوة مَن يَدَّعون الايمان بالله الواحد الأحد وفي هذا العصر ، عصر النور والإنفتاح فهو ما يُحَيِّر العقلَ ويدعو الى التساؤل : هل عَلَّمَ الله سبحانَه وتعالى المُسلمين أن يُدافعوا عنه عن طريق قتل وإرهاب خلائقَه الآخرين مِن البشر الذين آمنوا به مِن قبلهم ؟ وهل إن الله القادرَ على كُلِّ شيء بحاجةٍ الى مَن يُدافع عنه ؟ أليس ما تَدعونَه القتلَ في سبيل الله هو انتقاصٌ مِن قدرة الله ؟ إن الله الذي نَعرفُه قبلكم بستة قرون  عَلَّمَنا " أحِبّوا بعضُكم بعضاً  صَلّوا مِن أجل مُبغِضيكم ومُضطهديكم "  فهل إنَّ الله الذي تعبدونه هو غير إلهنا ؟  وهل إن لله الواحد الأحد له تعاليم متباينة ؟  إذاً بماذا تُفسِّرون هذه الأعمال الإجرامية يا أصحاب الفتاوي في العالم الإسلامي ؟

الشماس كوركيس مردو
 في 24 / 4 / 2007

248
                                  الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبرَ القرون ) المُرتقب صدورُه في مطلع العام القادم بعمن الله

                                                    الحلقة السابعة


سُلالة كلخو الثانية
العصر الإمبراطوري الأول ( 911 - 745 ق . م )


.

إستَهَلَّ الملكُ  ( آشور ناصر بال الثاني 882 - 860 ق . م )  حُكمَهُ من نينوى  ومنها قاد غزواتِهِ ، وفي سنة مُلكِهِ  الرابعة  نقل عرشَهُ الى مدينة كالح ( نمرود )  التي شيَّدَها الملك شلمَنَصَّر الاول في الجهة اليُسرى من نهر دجلة  قُربَ مَصَبِّ الزاب الأكبر ،  وبالرغم من اهتمام  آشور ناصر بال  ببناء القصور و معابد الآلهة  الحديثة في  كالح  على أنقاض القديمة منها التي أمر باقتلاعِها من الأساس ،  كان شغوفاً  بخوض غمار الحروب  لم تمنَعْهُ  الحواجز الطبيعية  كالأدغال الشائكة  الكثيفة والممرات الجبلية الضيقة  ومضايق الانهار ومعابرها ، ففي خلال الأعوام الثمانية الاولى من حُكمِهِ  استطاعَ اكتساحَ  مُجمَلَ البلاد  الواقعة  شرقيَّ مملَكَةِ آشور  وغَربيَّها  وشماليَّها ،  كان شديدَ القسوة  على المغلوبين  فظيعَ الانتقام من المقاومين ،  يهونُ عليه التدميرُ والحرقُ والذبح ُ ولا يُشبِعُهُ  السلبُ  والنهبُ رغم هَول  حَجمِِ السلائبِ  كُمّاً ونوعاً ،  وفي سنة حُكمِهِ التاسعة  عَزَمَ  على اقتحام بلاد الآراميين ، فخرجَ من كالح مُتوجِّهاً نحو الجزيرة ، وعَبَرَ نهرَي الخابور وباليخ ودَخَلَ كَركَميش ، فاستقبَلَهُ  ملكُ الحثيين  سِنكَار  وقدَّمَ له هدايا  نفيسة ومتنوعة ، ثمَّ نَزَلَ الى ناحيةِ  البحر المتوسط ،  فاستسلَمَت له  مُدُنُ صور و صيدا و جُبيل  وانتهى  به المُطافُ  الى جبل لبنان ، فقام الآشوريون  بِقَطع أشجار الأرز  والصَنَوبَر والسرو  وإرسالِها الى نينوى .   صرف آشور ناصر بال  سِني حُكمِهِ الأخيرة  في تجميل عاصمته  كالح  وزَخرَفَتِها ، حيث فتح قناةً من الزاب لِجَلب المياه الى المدينة  وأنشأ على ضَفَّتيها  بساتين كبيرة غرز فيها  أشجاراً متنوعة  وبنى  فيها  قصوراً ومصايفَ  جميلة .

تولّى الحُكمَ  بعد وفاة  آشور ناصر بال الثاني إبنُهُ  ( شلمنَصَّر الثالث 860 - 825 ق . م ) فاقَ  والِدَهُ  شُهرةً و شجاعةً  وغزواً ،  وكانت سنواتُ  حُكمِهِ  الطويلة  مَدارَ حروبٍ  متواصلة ،  إقتضَتها ضرورة المحافظة  على  حدود  وسلامة المملكة  الغنية والواسعة  التي وَرِثَها ،   وكانت تُحيطُ  بها  ثلاثُ ممالك  قوية احترزَ  والدُهُ  بدهائه أن لا يتعرَّضَ لها  هي  مملكة  الكلدان  ومملكة د ِمَشق ومملكة أراراط ،  ولكنَّ تَوقَ  شلمنَصَّر المُلِح للحصول على مجدٍ أكبر وشُهرَةٍ أوسع  ورغبةً منه في ضَمِّ ممالك أخري الى  سُلطتِهِ ،  عَزَمَ على  مُهاجَمَة هذه الممالك الثلاث وإلحاقِها بمملكتِهِ ،فبدأ ومنذ العام الأول  لِحُكمِهِ  بسلسلةٍ  من الحملات العسكرية ،  فأغار على  مملكة أراراط  في الشمال التي  برزت  في منتصف القرن التاسع ق . م ،  وكانت  في ا لقرن الثالث عشر  إحدى الامارات الحورية  التي تصدّت  لشلمنصر الاول  وأداد نيراري الثاني أيضاً ،  ضَمَّت قبائل جبلية وشكَّلت قوة عسكرية مضاهية  للقوة الآشورية ،  إلا أنها لم تستطع الصمودَ  أمام الآشوريين رغم مقاومتهم الكبيرة .

بعد أن  انتهى من أمر مملكة أراراط ،  توجَّهَ شلمنصر نحو مملكتَي دمشق والكلدان ، ولما عَلِمَ  ملكُ  دمشق أداديري أو ( بنهداد ) بحسب التوراة  بقدوم الآشوريين حشد جيشَهُ  واستعدَّ  لمُلاقلتهم ووقف الى جانبِهِ  عشرةُ  ملوك  من الديار السورية  بجيوشهم  ،  وتجمَّعوا في منطقة قرقر القريبة من حماة ، حيث دارت بينهم وبين الجيش الآشوري معركة ضارية  كان النصرُ فيها للآشوريين .
في عام 852 ق . م   تنازعَ  على الحُكم  في بابل ( مردوخ شمي دان )  و ( مردوخ بلاد سكبا ) ، فاستنجَدَ  مردوخ شمي دان   بملك آشور شلمنصر الثالث  الذي كان يرتبطُ  بصَداقةٍ معه ، إستجاب الملكُ  الآشوري لنداء صديقه  ، وزحفَ  بجيشه عام 851 ق . م  على  بلاد الكلدان وألحق الهزيمة  بقوات  مردوخ بلاد سكبا ،  وثبَّتَ  صديقه مردوخ شمي دان  على عرش بابل .

في عام828 ق . م  تَزَعَّمَ  واحدٌ  من وَلَدَي  شلمنصر الثالث إسمُهُ  ( آشور دانن ابلي ) ثورةً  ضدَّ والده  تؤازرُهُ  ( 27 ) مدينة  منها آشور ،  نينوى ، أربيل ، سيانيبا ،  أرابخا (كركوك)  وزابان ، وساندَتهُ  الكثيرُ  من المستَعمرات الآشورية ،  بحيث  لم تبق الى جانب الملك إلا  كالح وضواحيها ، نصيبين ، حرّان  والبلدان المُستولى عليها حديثاً ،  سُمّيت بثورة الفلاحين ، فطَلَبَ شلمنصر من إبنِهِ الثاني ( شمشي أدد ) قَمْعَ  تلك الثورة ،  وطال الصراع بين الأخوَين  أكثر  من ثلاثِ  سنوات  ثمَّ انتهى  بانتصار  شمشي أدد على أخيه  وقتَلَهُ .

تسنَّمَ عرشَ آشور خَلَفاً لوالدِهِ شلمنصر ( شمشي أدد الخامس 825 - 811 ق . م )  بعد قضائه على ثورة أخيه  آشور دانن ابلي ، التي طالت على ما يزيد عن ثلاث سنوات  تَزَعزَعَ  الاستقرار في بلاد آشور خلالَها ،  فاستَغَلَّت ذلك  بعضُ  الممالك المُخضعة  لدولة آشور وامتنعت  عن دفع الأتاوات المفروضة  عليها ، لذلك  قرَّرَ الاغارة عليها وتأديبها ، و ابتدأ بدولة أراراط في الاناضول قُربَ بحيرة  وانْ  فأخضعها ،  ثمَّ أوكلَ إخضاعَ  الممالك المتمرِّدة الاخرى الى  قائد جيشه  فأنجزَ المهمة باقتدار ،  وحدث بعد وفاة مردوخ شمي دان  ملك بابل صديق شلمنصر والد شمشي أدد الخامس ، اعتلى عرشَ بابل غريمَهُ السابق ( مردوخ بلاد سكبا ) ولم يقبل بهيمنة الآشوريين  وأعلن الاستقلال ،  فأغضب ذلك ملك آشور شمشي أدد الخامس ، فقرَّر الزحف على بابل واحتلالها ، ومن جانبِهِ استعدَّ  مردوخ بلاد سكبا  للدفاع عن بلاده  ، ولكن الملك الآشوري انتصر عليه وأجبرهُ على الاستسلام والخضوع للسيطرة الآشورية ، لم يستمر هذا الاجراء إلا سِت سنوات ، إذ إن خليفة مردوخ بلاد سكبا ( باوخ دان)  رفض الخضوعَ  لسُلطة شمشي أدد الخامس ،  فدارت رَحى الحرب مُجَدّّداً بين بابل وآشور وقبل حَسمِها وافت المنيةُ شمشي أدد  وتسنَّمَ عرشَ آشور إبنُهُ ( أدَد نيراري الثالث 810 - 783 ق . م ) الذي واصلَ الحربَ  ضدَّ ملك بابل ( باوخ دان )  فانتصرَ عليه وأسِرَهُ واقتادهُ الى  بلاد آشور وأقام  على حُكم  بابل رَجُلاً من  الموالين له .

بعيداً عن الأساطير اليونانية الخيالية  التي إبتدَعَها  الكاتبان الاغريقيان الخَصِبا الخيال  هيرودوت  و  ديودورس  المشهور  باسم ( ديودورس الصقِلِّي)   حول نشأة ( شميرام ملكة آشور)  وزواجها من الملك الآشوري الخُرافي ( نينوس) حيث نَسَجَ الاول أي  هيرودوت  حولَ (شمور آمات / شميرام) بحَسَبِ (جورج روه) خيوطاً اسطورية مُبالَغاً فيها ، وعن قولِهِ عنها  عند حديثِهِ  عن بابل  بأنها كانت إحدى بنات الجنائن المُعَلَّقة ،  هو قولٌ خاطيءٌ تاريخياً ،  أما إدِّعاء ديودوروس بِكَونِها إبنة الإلهة العسقلانية ( ديرسيت ) بهيئةٍ تناصُفية حَمامِية وسَمَكِية  فإنه خيال خرافي صِرف ، ولذلك  نودُّ ايضاح  حقيقة هذه الملكة الشهيرة .  كانت ( شمور آمات/ شميرام)  فتاةً كلدانية  بارعة الجَمال  من مدينة ( بورسيبا ) البابلية ،  هام بها الملكُ  الآشوري شمشي أدد الخامس  وتزوَّجَها ثمَّ شاركَها معه في المُلك ،  وبعد وفاتِهِ  أصبحت وَصِيةً على إبنِها وريث العرش الآشوري ( أدد نيراري الثالث ) فحَكَمَت مملكةَ آشور بكل اقتدار وإخلاص وكأوفى زوجةٍ  حافظَت بأمانةٍ على إرثِ زوجِها ، أدَّت دورَها ( كملِكة أُم) وطنياً وبِمُنتهى الاخلاص لآشور بالرغمِ من عِرقِها الكلداني ومولِدِها البابلي  .  لقد تأكَّدَ من المدوَّنات الآثارية بأن ( شمور آمات) كانت أميرة كلدانية  إبنةَ  بورسيبا البابلية مدينة الاله ( نابو)  بن إله الكلدان البابليين ( مردوخ )  ولذلك اهتمَّت كثيراً بتكريم الاله نابو . يقول الباحث غسان زكريا ، بأن شميرام  كانت إبنة الامة الكلدانية أميرة بابلية وليست كما وصفتها الروايات الخُرافية ،  ويضيف في موضع آخر من دراسته( سميراميس ) بأن مُشاركتها الحُكم الى جانب زوجها الملك( شمشي أدَد الخامس ) كان لها الأثَر الكبير في نقل الحضارة البابلية ومُنجزاتها الى دولة آشور  نتيجةً  لحُبِّها وإخلاصِها للدولة  التي رحَّبَت بها ونادت بها  ملكةً عليها ،  وما ساعدَها على ذلك كان شعورُ  الشعب الاشوري بمختلف أعراقه وانتمآته واعترافُهُ بعراقة بابل وتفوّقِها  الفكري والحضاري . بعد كل هذه الدلائل لا زال مُنتحلو التسمية الآشورية المعاصرون يُصرون  وبمنتهى الجهل المُتعَمَّد  بأن شميرام  كانت آشورية  مُنكرين أصلَها البابلي  ! ! ! .


في سنة 783 ق . م وبعد وفاة  أدد نيراري الثالث  الملكِ الآشوري العظيم  ومُوسِّع الدولةِ  الكبير ،  تسلَّمَ المُلكَ  إبنُهُ ( شلمنَصَّر الرابع 783 - 772 ق . م ) الذي على عهده  بَدَت ملامحُ الانحلال تظهر في أوصال الدولة الآشورية ، وبدأت بالانسلاخ عنها الممالك الخاضعة لها ، وأول تلك الممالك مملكة أراراط ، وتفاقَمَ الانحطاطُ على عهد خلفِهِ ( آشور دان الثالث 772 - 755 ق . م ) الذي على عهده انتشر  وباءُ  الطاعون  في اقليم آشور وكان شديدَ  الفتك . خَلِفَهُ ( آشور نيراري الخامس 754 - 745 ق . م ) كان متقاعساً ميّالاً الى اللهو والملذات  فتقلّصَت  رُقعة الدولة كثيراً جداً ، ممّا حدا بالشعب أن يثورَ عليه  ويُنزِلَهُ عن العرش  ويوَلِّيَ على العرش ( تكلَت بيلاسر الثالث 744 - 727 ق . م ) شقيق آشور نيراري الخامس .
 
العصر الإمبراطوري الثاني ( 745 - 612 ق . م )

تكلَت بيلاسَّر الثالث ( 744 - 727 ق . م )

                                                                                                                                                                                                                                                               تميَّز  الملكُ ( تَكلَبيلاسَّر الثالث ) بالشجاعة والمهارة  وبنشاط لا يهدأ ،  جَدَّدَ الأملَ  في  قلوب مواطنيه  وأثار فيهم النخوة ،  وبعد أن إستتبَّ  له الامر واستكملَ الاصلاح  والتحديثات المبتكرة التي باشر بتطبيقها في الجيش والنظام الاداري ، إستعدَّ لفتحِ آفاق التوسُّع الآشوري مُجدَّداً حيث  كان قد تقلَّصَ كثيراً ، فباشرَ أولاً بغزو الممالك الصغيرة التي كانت مُخضعةً للدولة الاشورية قبلاً ، ورأى في ذلك السبيلَ الأسهل والأضمن ، وبعد انتهائه من إخضاعها ، حوَّلَ نظرَهُ نحو الغرب  وهاجمَ دولةَ أراراط  المُزاحِمة الكبرى لدولة آشور فأخضعَها ،  ثمَّ انتقَلَ  الى شرقي سوريا  واحتلَّ مناطقَ واسعة  امتدَّت الى البحر المتوسط  فاستولى على مملكة حماة ،  وجابَهَتهُ مقاومة عنيفة في زحفِهِ على دمشق لكنَّهُ استطاع احتلالَها وضمَّها الى الدولة الآشورية ،  وكان وبحسَبِ ما جاءَ بكتاباتهِ  يُعَيِّنُ حُكاماً آشوريين على الممالك التي يفتَتِحُها مُلغِياً اسلوبَ أسلافِهِ القديم  بتَركِ الحكّام المحليين كتابعين يؤدُّون  الجزية  والعَضْدَ العسكري كدليل على خضوعِهِم ،  وقد اعتُبِرَ هذا الاجراءُ  تطبيقاً  لإدارة الاقاليم التي ابتكرَها  وهي  سياسة الحُكم المُباشر .

أما عن موقف  تكلت بيلاسر الثالث  من بابل ،  يقول الآثاري نيكولاس بوستكَيت ،  بأن الاوضاعَ  في بلاد بابل كانت سائرةً نحو التدهور  حيث تقاسمَت القبائلُ الكلدانية  مناطق انتشارِها  في حوض النهر الجنوبي  مُهمِلةً  التقاليد القديمة  التي كانت مدنُ  بابل وكيش  محافظةً عليها ، فهاجَمَها تكلت بيلاسر  واحتلَّ  دور كوريكَلزو  وبورسيبا  وكوتا  وكيش  واوروك ،  فارتاح  سكّانُ  المدن  من مُشاكساتِ  تلك القبائل  وأعربوا عن امتنانِهم  للملك الآشوري ،  ورحَّبَ به  نبونصَّر  ملكُ  بابل ( مؤسِّس سُلالة بابل التاسعة )  مُعلِناً خضوعَه ،  فنال حُظوةً لديه  وأبقاه على عرش بابل ،  بيدَ أن الكلدان لم يرضوا عن  تصرُّف ملكِهم  نبونصَّر  بقبولِه  للهيمنة الآشورية ، ولذلكَ ثاروا بعد وفاته على إبنِهِ  وقتلوه ،  وأقاموا ملكاً عليهم ( نابو موكن زيري )  وفي أعقاب ذلك  قاد  تكلت بيلاسر الثالث  حملةً كبيرة على بابل  واستطاعَ  طردَ الملك الجديد ،  وظلَّت بابل  بدون ملكٍ  إلا أن تكلت بيلاسر الثالث  قام في عام 729 ق . م  بمصافحة إلَهِ بابل ( بيل مردوخ )  مؤدِّياً  الطقسَ التقليدي المُتّبع في تسنُّم عرش بابل وأصبحَ اولَ  ملكٍ آشوري ملكاً على بابل لمدة سنتين ، وقد وردَ في < الاطلس الثقافي لبلاد ما بين النهرين / اوكسفورد 1990 م  صفحة  179 Cultural Atlas of Mesopotamia / by  Michael Roaf ,  Oxford 1990  P. 179  > للمؤرخ مايكل روف بأن  تكلَت بيلاسر  الثالث ، شَنَّ  هجوماً  على  ثلاث  ممالك كلدانية  هي ( بيث ياقين وبيث شيلاني وبيث شعالي )  وبعد التدمير  والسلب أسِرَ  من سكّانها  الكلدان ما يربو على (155 ألفاً ) ورحَّلَهم  الى المناطق الآشورية .

تسنَّمَ عرشَ آشور بعد وفاة تكلت بيلاسر الثالث إبنُهُ ( شلمنصَّر الخامس  727 - 721 ق . م ) وكانت  امورُ المملكة هادئةً  في كافة المناطق الخاضعة لها  ،  ولكن الأجلَ  وافاهُ سريعاً  وبصورةٍ غامضة  ،  ولم يحكم سوى خمس  سنوات ، ويُقال أن قائد جيوش الدولة أطاح به في انقلابٍ عسكري وتولّى زِمام السُلطة ، وانتهز هذه الفرصة ملكُ بيث ياقين الكلداني فزحفَ على بابل واعتلى العرشَ البابلي عام 721 ق . م .


الشماس كوركيس مردو

في 11 / 4 / 2007

249
اللاجِئون العراقيون والمَصير المجهول  !

لقد كان مِن الصعبِ أن يَتصَوَّرَ الإنسانُ العراقي  بل لم يكُن يَخطرُ في بالِه أن يَصِلَ الحالُ بالعراق والعِراقيين الى هذا المُستوى المُزري مِن الإنفلاتِ الأمني والدَوَران في دَوّامة العُنفِ والفوضى  مع انهيار القانون والنظام  وازدياد الفساد الإداري  وتفاقُم العُنف الإجتماعي ،  فقد ثَبُتَ بما لا يقبلُ الشك بأن الدولة العراقية عاجزة عن توفير الحماية لأبناء شعبِها وحَلَّ مَحَلَّها النظامُ الحيواني المعروف بنظام الغابة وهو قيام القوي بإفتراس الضعيف دون أيِّ مِعيار للعدالة ،  وحتى العصابات اللصوصية يسودُ فيما بينها نوعٌ مِن العدالة  عند تقاسُمِها للغنائم ولكن المُتسلِّطين على حُكم العراق اليوم قد انتفَت مِن قاموسِهم لفظة العدالة  فكيف يعرفون ما لها مِن معنى !

وفي خِضّمِّ هذا الوضع الشاذ والتَطرُّفِ العنصري البَشِع لم يبقَ أمامَ العراقيين ولاسيما الساكنين في المُدن الكبرى كالعاصمة بغداد  والبصرة والموصل وكركوك غير البحثِ عن مكان آمِنٍ  يَحتمَون فيه  للنجاة بأنفسهم وأطفالهم مِن أخطار الإرهاب والتصفية الجسدية على الهوية ! فهنالك المسلمُ السني  يقتُلُ المسلمَ الشيعي على هويته المَذهبية والعكسُ تماماً يفعلُه المُسلمُ الشيعي بقتله المُسلِمَ السني  ولِكِلا الطرفَين السني والشيعي مَليشياتٌ تقفُ وراء هذا المُسَلسَل الهَمَجي الدامي ،  أما الأقلياتُ القومية الاخرى غيرُ المُسلمة  كالمسيحيين  والمِندائيين  واليزيديين الذين لا  يملكون مليشيات  ولا يُؤمِنون بها أصلاً ، فإنهم يتعَرَّضون للترهيب والخطف والإبتزاز والقتل ، وقد وَصِلَ الحِقدُ العُنصري الديني ببعضِ العصابات المُسلَّحة المُسيطرة على مَنطقة الدورة حالياً بمُطالبة مسيحيي المنطقة وتحت طائلة التهديد بالقتل للتَخَلِّي عن دينِهم واعتناق الإسلام أو مُغادرة منازلهم خلال  مُدةٍ مُحدَّدة هي ( 24 ساعة ) ولا نَدري على أيِّ نَصٍّ قرآني إستندت هذه الجماعاتُ الإسلامية المُتزَمِّتة  لفرض الإسلام بالقوة !  لم نقرأ في التاريخ ومنذ ظهور الإسلام قبل ما يَقربُ مِن ألفٍ وأربعمِئة عام وحتى الآن  ،  بأن أحداً مِن ناشري الإسلام مهما كان عاتياً ومُتزَمِّتاً  قد لجأَ الى فرضِه بالقوة ولا سيما على الذين يؤمِنون  ويوَحِّدون الله الواحد الأحد  ! ولا مارس التهديد بالقتل لإجبار الناس الأبرياء المُسالمين على هَجر منازلِهم لكي يَستحوذَ عليها بكُلِّ ما فيها !

إن ما دَعَت إليه هذه الزُمَر اللاإسلامية في حقيقيتِها ، لأن الإسلامَ الصحيح لا يدعو الى مِثل هذه الأفعال الشرِّيرة ، بل إنها تُمَثِّلُ نموذجاً إرهابياً دموياً شاذاً فاقَ كُلَّ التوَقعات ، لم يسبِقها إليه أحدٌ في التاريخ القديم والحَديث  ،  وفي ظِلِّ هذا الواقع المأساوي المَرير  وعدم قدرة الحكومة المركزية على فرض سطوتِها  وهيبَتِها  مِن أجل استعادةِ  النظام  والقانون المفقودَين ،  أضطرَّ العراقيون وفي مُقدِّمتِهم المسيحيون والأقليات الاخرى  المُرَشَّحة يومياً للإبتزاز المادي والتصفية الجسدية مِن قبل إخوانهم في الوطن العرب المُسلمين بمَذهَبيهم السنة والشيعة  الى اختيار طريق الهجرة نحو بُلدان الجوار  وبخاصةٍ الاردن وسورية ، ورُبما كانت سورية البلدَ الأكثرَ استيعاباً لعددِ المهاجرين الهائل الذين رأوا فيه بلداً عربياً كريماً أمَّنَ لهم الأمانَ ووَفَّرَ الكثيرَ مِن الخدماتِ  كالماء والكهرباء والتعليم والعِلاج  والى آخره . . .  اسوة بمواطنيه السوريين  .

وبالرغم مِما تُوَفِّرُه الدولة السورية للمهاجرين العراقيين مِن الإهتمام  مِن حيث الخدمات والتسهيلات الاخرى ، فإن حياتَهم لا تخلو مِن الصعوبات والمُنغصات المليئةِ  بالهموم والشجون ، فقد أخبرني أحدُ الذين اكتملت أوراقُه  ووصل الى الولايات المُتحدة ،  بأن العراقيين لا يأمنون مِن استغلال أصحاب المطاعم لهم وابتزازهم ،  والشيءَ ذاتَه  يَلقونه مِن سائقي سيارات الاجرة ، أما ايجار السَّكَن  فهو الأصعبُ والأقسى  ويتحَكَّمُ به  مَزاجُ المالكِ واستغلالُه لظروفِ العَرض والطلب التي تُغريه الى رفع الايجار بين كُلِّ حين وآخر .

وهنالك أمام المُهاجرين العراقيين صعوبة الإنتظار الذي لا يدرون  مَداه  للوصول الى دول المهجر الغربية التي  تُشعِر الإنسان بقَدْره وتمنحُه حقوقَه ، والأعدادُ التي يُحالفها الحظ  في القبول فيها رسمياً لا تتناسب والعدد الهائل مِن المُهاجرين الذين لا ينقطعُ يوميا تَدَفقهم الى سورية ولبنان والاردن ، وقد ضاقت بضغطِهم دوائر الهجرة .  كما أن بعض المُهاجرين مِن الذين يملكون مبلغاً مِن المال لا بأس به  يُغامِرون بحياتِهم ومالِهم سأماً مِن الإنتظار المُمِل ، فيلجأون الى المُهرِّبين واضعين بين أيديهم مصيرَهم المجهول آملين الوصولَ الى أيِّ بلدٍ غربي  .

إن المُهاجرين العراقيين المُتواجدين في الاردن وسورية ولبنان وحتى في تُركيا ، لا يُفارقهم  القلقُ النفسي  وهم في حالٍ يُرثى لها مِن التفكير في كيفية تدبير امورهِم الحياتيةِ اليومية مِن طعام وسكنٍ وملبسٍ بالإضافةِ الى إجرآت الإقامة الروتينية  ، ورغم هذا كُلِّه  فآذانُهم تتصَيَّدُ لسماع الأخبار التي تنشرُها مُختلفُ وسائل الاعلام عن وطنِهم العراق ولا سيما مِن العاصمةِ بغداد بالذات لِعَلَّها تَمنحُهم بصيصَ أملٍ بأن مَيدان السباق للسياراتِ المُفخخة وارتداء الأحزمةِ الناسفة وزرع الألغام  المُستَغَلَّ مِن قبل العصابات المُدربة  قد بدأ العدُّ التنازلي الى إغلاقه  نهائياً  وفي أقربِ فرصة ، لكي يُباشروا  بالعودة الى ديارهم وأملاكِهم التي غادروها مُرغمين ، ويعلمون جيداً بأن ذلك لا يتحقق إلا بعقولِ رجالٍ مِن أبناء العراق مُخلصين يَحملون أفكاراً عِلمانية مُشبعة بالتحَرُّر والديمقراطية ، وبعيدة كُلياً عن التَعَصُّب الديني والمذهبي المُتحَجِّر ، وعندئذٍ  سيستطيبُ العيشَ السنيُّ مع الشيعي والعربيُّ مع الكُردي والمسلمُ مع المسيحي والصابئي واليزيدي . هذا هو السبيل الأمثل والأسلم الذي سيجعلُ العراقيين بكُلِّ مُكَوِّناتهم المُتعدِّدَة القوميات والأديان والمذاهب أن يَحملوا هوية واحدة هي الهوية العراقية ،  ويُنقذهم مِن ويلاتِ تشرذُمِهم وتشَتُّتِهم .

بهذا العمل أيها الرجال العراقيون الأحرار المخلصون ، تستطيعون انتشال بلدكم مِن المُستنقع الآسن الذي أعَدَّه لإنغماس العراقيين فيه أعداءُ العراق وحُسّادُه ، اولئك الذين يُرعِبُهم اختيارُهُ طريقَ  الحرية والديمقراطية مساراً له ،  خشية أن تنتقلَ عدواهُ  إليهم  فتُزيحُهم عن مناصبهم وتسلُّطِهم على رقابِ شعوبهم المغلوبةِ على أمرها  وهي تتصيَّدُ الفرصة المناسبة  للخلاص مِنهم  والتنَعُّم بإستنشاق نسيم الحريةِ المحرومة منه  زمناً طويلاً ،  فالى العمل الجاد أيها الرجال .

الشماس كوركيس مردو
في 19 / 4 / 2007

250
                                                                                             الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان
                                    مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشورويون عِبرَ القرون ) المُرتَقَب صدورُه في مطلع العام القادم بعون الله

                                                                                                               الحلقة السادسة


لقد كان اقليم الشمال عامراً بسُكّانه الأصليين ( السومريين ) منذ 2800 عام قبل الميلاد ، غزتهُ القبائل البدوية الهندواوروبية الجبلية المعروفة باسم شوبارو أو (سوبارو ) حيث تَسَرَّبت إليه بشكل موجات بشرية على مراحل زمنية متفاوتة شاركت السومريين العيش المشترك ، وعندما استكملت آخر الموجات تَسرُّبَها بحدود عام 2300 ق . م   كانت سابقاتُها قد أحكمت قبضتَها وانتزعت زمام السُلطة مِن أيدي السومريين وفرضت عليهم عبادة إلههم الآسيوي الجبلي ( آشور ) الذي جلبوه معهم ، بعد أن قامَ حاكمُهم ( اوشيبا ) المُتسلسل رقمُه السادس عشر بعد حاكمهم الأول ( توديا )  ببناء مَعبدٍ له على أنقاض معبد الإلَهة السومرية إنانا ( عشتار ) ثمَّ حَوَّلوا المستوطن الى مدينةٍ صغيرة أطلقوا عليها اسم إلههم ( آشور ) عندئِذٍ لم  يبقَ بمقدور السومريين تَحَمُّل الضغط السومري،  فاضطروا للنزوح  نحو المناطق الجنوبية لينجوا مِن تَسَلُّط الشوباريين ومُضايقاتهم .  وفي عهد ملكهم الثامن والعشرين  شَيَّدوا سوراً حول المُستوطن تحصيناُ لمدينتهم (آشور ) ، لقد خضعت مدينة آشور للسومريين في عهدهم الثاني ومِن ثمَّ  للأكديين ، كان موقعُها على ساحل دجلة الغربي عند اختراقِه لسلسلة تِلال منخفضة الإرتفاع ، وبحُكم موقعها المُسيطر على مرور السفن والطوَّافات في نهر دجلة وهي في طرقها الى مدن سومر وأكد ، اعتُبِرَت مرفأً تجارياً ، وكانت تتعاطى تجارة مُزدهرة بين الشرق والغرب حسبما  يُشير لوحٌ مكتوبٌ عليه  بنود مُعاهدة  عُثِرَ عليها  في تل مرديخ   ( إبلا ) قديماً ،  وتُعرف اليوم بـ ( قلعة الشرقاط )  وتسمية شرقاط هي مُستمدة مِن التسمية الأكدية ( شار-أكاد  Shar-Akkad ) معناها ( ملكُ أكَد ) قد حَكَمَ اقليم آشور قبل استيلاء شمشي أدَد عليها ثمانية وثلاثون ملكاً بحسب ما ورد في قائمة الملوك الآشوريين التي اكتشفت في مدينة آشور وكُلُّهم كانوا مِن زعماء القبائل الرُحَّل ، ومِن المُرجَّح أن يكون الغالبية الكبرى منهم شيوخ قبائل عمورية  أيام البداوة  وقبل تَوَزَُعِها الى عدة مجموعاتٍ تسعى كُلٌّ منها للإنتقال الى داخل بلاد الرافدين وإقامة سُلالاتٍ حاكمة خاصة بها ، ويُقال أن والد شمشي أدَد  ينتسب الى السُلالة التي كانت  حاكمة في آشور عن طريق أبياشال بن يوشيبيا ، وهو رأي لا يُمكن الطعنُ بصحته أو إستبعاده  نظراً لتوغُّل العموريين Amorites  الكثيف في المناطق الجنوبية لوادي الرافدين ، وتأسيسهم فيها سُلالاتٍ مُتنَفذة في لارسا arsa وكيش Kish وبابل Babylon أسماء ملوكِها عمورية ، وتواصلت قوة العموريين بالتعاظم ، إذ بعد أقَلِّ مِن القرنين ، ظهرت سُلالاتٌ عمورية حاكمة  في منطقة ديالى وفي آشور بالإضافة الى دُويلات في بلاد سومر وأكد وسهول شمال بلاد ما بين النهرين وفي حوض نهر الفرات وبخاصةٍ في مدينة ماري ، كما بَرَزت ممالكُ عمورية قوية عِبر نهر الفرات في مدينة ( يَمهاد Yamhad وهي مدينة حلب Aleppo ) وفي مدينة ( قطنة Qatna ) صوب الجنوب، وقد أحدثت الممالكُ العمورية الحديثة  نقلة نوعية ملحوظة في مركز الجاذبية السياسي بسبب وجود الرابطة اللغوية والعِرقية المُشتركة ذات التأثير القوي للحِفاظ على علاقاتٍ وطيدة مهما تباعدت المسافات بينها .

بعد أن أتَمِّ شمشي أدد سيطرته على اقليم آشور أعلن نفسَه ملكاً على آشور باسم ( شمشي أدَد الأول Shamshi-Adad the First 1813 - 1781 ق . م )  وبعد إستتباب أمره عزم على القيام بتوسيع رقعة مملكتِه الفتية  فوراً ، فقادَ جيشَه  نحو مدينة ماري واحتلَّها ، فأصبحت مملكتُه تشمُل آشور وايكالات على نهر دجلة وماري على نهر الفرات . وضع مدينة ماري تحت حُكم ولده  ( يَسمَج أدو Yasmah-Addu ) ومدينة ايكالات تحت حُكم ولده الثاني ( إشمي داغان Ishmi-Dagan ) الذي خلفه على عرش آشور سنة 1780 ق . م ، ولم يتوَقّف طموحُ الملك شمشي أدَد الأول إذ بعد مرور ثلاث سنواتٍ على احتلاله لمدينة آشور ، كانت أنظارُه  تَحُط ُّ نحو الآقاليم الثلاثة المُستقلة عن بعضها والواقعة  شرقيَّ دجلة ،  وهي اقليم ( نينوى Nineveh )  واقليم ( أرابخا Arrapkha ) المُسمّى على اسم عاصمته ( تَل عرفة في كركوك الحالية )  واقليم  ( أرباايلو Arba-Elu )   أربيل الحالية ،   فزحف إليها  واستطاع ضَمَّها  الى اقليم آشور ، فأصبحت الدولة الآشورية تتألف مِن أربعة أقاليم . بعد وفاة الملك الشُجاع شمشي أدَد الأول عام 1781 ق . م  لم يَكن ولداه المذكوران أعلاه مِن القوة بالمُستوى القادر للحِفاظ على ما خَلَّفه لهم والدهم مِن دولةٍ واسعة الأرجاء ،  إذ أُستُقطعت الكثير مِن مناطقها مِن قبل مُزاحميها الطامعين، ولم يبقَ إلا مدينة آشور بضواحيها ، فكتب ( إشمي داغان ) ملك آشور خليفة والده الى الملك البابلي الكبير حمورابي طالباً منه اعتبار دولة آشور جزءاً مِن مملكة بابل ، وفي عام 1760 ق . م تَمَّ ضَمُّ مملكتي آشور وماري الى المملة البابلية .

تُرى ، ألا يُثبِتُ ما تَقَدَّمَ سَردُه في الحلقة الخامسة وفي هذه الحلقة بما لا يقبل الحدسَ والتخمين ، بأن القبائل التي أسَّست الدولة البابلية  ( عام 1896 ق . م )  والقبائل التي أسَّست الدولة الآشورية ( عام 1813 ق . م ) هي القبائل العمورية ذاتُها ! ! !   وأن هذه القبائل تعودُ  بجذورها الى ( الفراتيين الأوائل الكلدان ) سُكّان القطر البحري المنبع الرئيس للهجرات البشرية الى كافة أنحاء الهلال الخصيب !

مُنذ قيام الدولة الآشورية في مطلع القرن التاسع عشر قبل الميلاد ، تَميَّز نهجُها  بالطابع العسكري العِدائي المُفرط  بالشدة والقساوة ضِدَّ شعوب الدول المعاصرة لها ، وهذا ما جعلها مَيّالة للقيام بتجريد حملاتٍ عسكرية  قوية ، كان مَردودُها فتوحاتٍ مناطقية واسعة وإنجازاتٍ حَربية باهرة ، أدخَلَت الفزَعَ والرهبة الى قلوب الملوك والحُكّام ، وقد أخضعت لسُلطانِها ممالكَ ودولاً عديدة حتى امتدَّت رُقعة مساحةِ مُمتلكاتِها عند بلوغِها أوَج عظمتِها  في عهدِها الإمبراطوري الحديث لتشمُلَ عمومَ الهلال الخصيب .

سُلالة كلخو ( نمرود ) الاولى


كان الملك ( أداد نيراري الاول 1307 - 1275 ق . م )  أولَ ملوك السُلالة الخامسة  الثلاثة  الأوائل  الأقوياء ،  إستغَلَّ انشغالَ  الملك الحثّي  واستولى على منطقة شمال بلاد الرافدين التي كانت  موطنَ  ملوك الدولة الميتانية  ونهبَ  عاصمتَهُم واشوكاني ،  ولكنَّهُ  سمح للملك الميتاني وفقَ التقاليد المتّبعة قديماً بالبقاء في الحُكم كتابع للدولة الآشورية ،  بيدَ أن  إبنَهُ  الملك ( شَلمّنَصَّر الأول 1274 - 1245 ق . م )  رأى من الضرورة  فرضَ  الهيمنة الآشورية المباشرة على المنطقة ،  وهذا ما كَشَفَت عنه الوثائق التي عُثِرَ عليها في ( تل فخارية ) على الحدود السورية التركية ، أما المُدوّنات التجارية والادارية التي اكتشِفَت في ( تل الرماح )  غربي نينوى  تُثبِتُ وجودَ  عائلاتٍ  آشورية  مقيمة هناك على عهد شلمنصَّر كانت تساهم رسمياً  في  إدارة المنطقة  ونشاطِها التجاري الخاص .

في عهد الملك توكلتي ننورتا الاول بن شلمنصَّرالاول ، خرقَ  ملكُ بابل  كاستلياش الاتفاق المُبرَم بين سَلَفِهِ وبين الملك أداد نيراري الاول وتوغَّلَ في بلاد آشور واحتلَّ مدينتي عرفة ورابق ، فتصدّى له اتوكلتي ننورتا الاول  ودحره  وتوجَّهَ نحو بابل و استولى عليها  وتسنَّمَ عرشها  وأقام حُكّاماً لإدارة شؤون البلاد ، ولكن  لم يَطُل به المُقامُ  إلا سبع سنين حتى طُردَ من قبل  الملك ( أدد شُمَ ادينا )البابلي  وأنهى التسلُّطَ الآشوري ، وبعد عودته الى العاصمة آشور ، شيَّدَ له عاصمة جديدة  عبر النهر الى الشمال غير بعيدة عن آشور التي يُقال أنه نَفُرَ منها ، وأطلق عليها (بورت تكولتي ننورتا ) وإثْرَ مؤامرةٍ عائلية اُغتيلَ من قبل إبنِهِ  آشور نادن ابلي .

بعد اغتيال توكلتي ننورتا الاول  تولّى الحُكمَ خمسة ملوكٍ ضُعفاء  كانت فترةُ حُكمهِم فترةَ انحلال وتقهقر ، وفي عهد آخرهم ( آشور دان الأول )  خضعت بلاد آشور  لِسُلطة بابل ،  حتى ظهور الملك ( آشور ريش ايشي  1132 - 1115 ق . م ) حيث أعاد بعض الانتعاش الى آشور ، إذ خاض بعضَ المعارك ضدَّ الملك نبوخذنصر الاول ملك السُلالة البابلية الرابعة  واستعاد  بعضَ  مناطق اقليم آشور التي كانت بحوزة بابل .  خَلِفَهُ إبنُهُ ( تكَلَتبيلاصر الاول 1115 - 1076 ق . م )  وكما يقول الآثاري بوتسكَيت ، أن مجداً مؤقتاً  تألَّقَ لآشور  باعتلائه  العرش ،  إذ تمكَّنَ  من إعادة  السيادة الآشورية  على  مُجمَل مناطق شرقي الفرات ،  وقام بالزَحفِ شمالاً مُخترقاً الممرّات الجبلية  لِيَزرَعَ  الرُعبَ  في قلوب  السُكّان الذين  يخامِرُهُم الميلُ الى التمرُّد ،  وواصَلَ  زَحفَهُ  حتى الأراضي الواقعة ِ شماليَّ بحيرة  وانْ  وأمر بنقشِ صورتِهِ على صخرةٍ هناك ، وتمثّّلَت أفخرُ إنجازاته باستسلام المُدُن الفينيقية الرئيسية له  الواقعة على البحر المتوسط كمدينتَي بَبِلوس وصَيدا ،  ويُقال أن الدافعَ الأقوى لحَملَتِهِ  كان تجارياً أكثرَ منه  سياسياً أو عسكرياً ،  نظراً لحاجته الى خَشَبِ أشجار الارز المتوفِّرة في جَبَل لبنان حيث قطع منها الكفاية لاستخدامها في سقف المعبد الجديد الذي كان قد بدأ بتشييدِهِ في مدينة آشور للإلهين ( أنو و أداد ) .

إن أكبر عقبةٍ واجهَت تَكَلَتبيلاصَر الأول  كما واجهت قبله الملكين الحثي والكشي كانت مخاطر قبائل البدو الآرامية ( سوتو ) المُنتشرة  في الطُرُق الصحراوية بين بلاد بابل  وبلاد آشور ، وقد أوضحَ  في كتاباتِهِ ،  حيث ذَكَرَ  أنه  تمَّ إرغامُهُ  على عبور نهر الفرات (28 ) مرة ليُطارد  البدو الآراميين ،  وبالرغم  من جهود تكلتبيلاصر استطاع البدو الآراميون الامتزاج بالسكان المستوطنين ،  حيث يُشيرُ أحدُ  النصوص الى  تَغَلغُل الآراميين الى  معقل بلاد آشور  عقبَ اغتيالِ تكلتبيلاصر  من قبل ( أشارد آبل ايكور )  عن طريق عبورهم  نهر دجلة  واحتلالهِم  لِمَنطقتَي  نينوى  و كيليزي ، قاموا بذلك مُرغَمين  بسبب ظروف القحط  التي  حالت دون قدرتهِم  على توفير الكلأ  لمواشيهم  وحيواناتهم ،  فحَلَّ الاضطرابُ  في  بلاد آشور .

يقول المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ طه باقر ،  أنه بعد  اغتيال تكلتبيلاصر الاول ، تعاقبَ  على  حُكم بلاد آشور  عشرةُ  ملوكٍ  لم  تُعزَ  لأيٍّ منهم إنجازاتٌ تُذكَر وكان آخر هؤلاء ( آشور دان الثاني  934 - 912 ق . م ) .  يُعَدُّ  تكلتبيلاصر الاول  أعظم  ملوك العصر الآشوري الوسيط  الاول  فإلى  جانب كونه  قائداً عسكرياً  شجاعاً  كان مولعاً بالبناء ،  حيث قام بتحديث هياكل الآلهة في آشور المشيَّدة في زمن تبعية  مملكة آشور  لسُلطة الكلدان  ، كما كان صياداً  ماهراً من الطراز الاول  للاسُود والفِيَلة .

كما كان الملك أداد نيراري الاول  أول ملكٍ للسُلالة الوطنية الآشورية الخامسة ،  هكذا صادف أن يكون الملكُ  ( أداد نيراري الثاني 911 - 891 ق . م)   أولَ  ملكٍ  للسُلالة  الوطنية  الآشورية السادسة ( سُلالة كلخو الثانية) .  لاحت تباشيرُ  استعادةِ  دولةِ  آشور  لقوّتِها  وإن لم  يطرأ تغيُّرٌ  كبير على  خَطِّها الاستراتيجي  ،  رغم هُبوطِ  ضَغطِ  قبائل البدو بعض الشيء .  لقد  استطاع  أداد نيراري الثاني  إخضاعَ  الكثير من المدن  التي  تمرَّدَت عليها  ،  وقد  خاض  معركةً  ضدَّ  آخر ملوك  السُلالة البابلية الثامنة  ( نابو شمو اشكن )  وكان النصرُ  لصالح  الملكِ  الآشوري ،   ولكن الصُلحَ  تمَّ  بين الملكين الكلداني  والآشوري  وتصاهرا  فيما بينهما ،  ثمَّ  قام أداد نيراري  بتجديد  أسوار آشور  وأجرى  توسيعاً كبيراً  في هيكَلِها الكبير .

بعد وفاة  أداد نيراري الثاني  خَلِفَهُ  الملك ( توكلتي ننورتا الثاني  890 - 882 ق . م )  إشتهر بِوَلعِهِ  الشديد بالحرب وبقَسوَتِهِ  ضدَّ خصومِهِ  حيث كان يقطَعُ  رؤوسهم ويُعلِّقُها على الأعمدة ، جَرَت أغلب  حَملاتِهِ العسكرية  في منطقة الأناضول ، تمَكَّنَ خلال فترة حُكمِهِ القصيرة  أن يوسِّعَ  رُقعةَ المملكة الآشورية توسيعاً كبيراً  مُخَلِّفاً لولدِه آشور ناصربال الثاني جيشاً مُتميِّزاً بالجرأة والبسالة .

الشماس كوركيس مردو
في 9 / 4 / 2007

251

                                              الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

 مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتقب صدورُه في مطلع العام القادم بعون الله


                                        الفصل الثاني

                                                مُختصر تاريخ الآشوريين

                                                                 الحلقة الخامسة

الآشوريون تاريخياً

بالنظر للجهل الضاربِ أطنابَه في عقول أحفادِ السريان المشارقة الكلدان النساطرة المُعاصرين ( أدعياء الآشورية ) ، بِعَدَم معرفتهم  بأصل الآشوريين الذين انتحَلَ أجدادُهُم  تسميتَهُم  في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي  بإغواءٍ من المُستعمِرين  الانكليز  خِدمةً  لأهدافِهم الاستعمارية  وليجعلوا  منهُم كبشَ فداءٍ لهم في تحقيق مآربِهم ،  ومن غير وعيٍ  وتمحيص تقبَّلوا عَرضَهم المُغري  ووثقوا بوعودِهم الخِداعية ،  بأنهم لقاءَ  قبولهم وتبنّيهم للتسمية الآشورية ،  سوف يُقيمون لهم دولة آشورية  إحياءً لتلك التي انقرضت  قبل أكثر من ( 600 عام ق . م ) .  وبهذه الخُدعةِ  المُبتكرة  التي أتقن حَبكَها  مبعوثو كنيسة  كانتيربري ( الكنيسة الأنكليكانية الانكليزية ) عُملاءُ المخابرات الانكليزية ، استطاعوا فَصلَ قبيلة كلدانية  عن أصالتِها القومية الكلدانية ، انتقاماً من الامة الكلدانية التي لم ترضَ الرضوخَ لمطالب المملكة الانكليزية الاستعمارية ،  فعمِلوا على  سَلخِ  جزءٍ  غالي  من هذه  الامة ،  ومنحِه  تسمية ( آثور )  ورَبطِه  عِرقياً  بِشعبٍ هم أكثرَ  من غيرهِم  متأكّدين من انقراضه وانعدامه من الوجود ( الشعب الآشوري القديم ) وللأسف انطلت اللعبة طَمعاً بالوعود المزعومة التي لم ولن تتحقّق ، ولا زالت أوهاماً تُعَشعِش في مُخَيَّلات هؤلاء المُجنى عليهِم  رغمَ كلّ ما جلبتهُ عليهم  من المآسي والمِحَن والمذابح  .  والأنكى من كل ذلك وحتى لو جاريناهم بحقيقة ما أوهمهُم به الانكليز ، نراهم يجهَلون أصلَ الآشوريين الحقيقي  وبداية سُلالتِهم ، إذ يحملون تصوُّراً خاطئاً ، بأن اقليمَ  شمالي وادي الرافدين ، يُمثِّلُ تاريخاً  ذا وحدةٍ  عِرقية  ولغويةٍ  واحدة  تبدأ سُلالياً  منذ سنة 4750 ق . م ، وهو ما يُخالف الواقع التاريخي  الذي يُحدّدُهُ المؤرخون ، بأن التاريخ السُلالي لاقليم الشمال بدأ في  منتصَف القرن الثالث والعشرين ق . م  فينتُج  عن ذلك فرقٌ  بين التاريخين هو قرنان ونصف القرن أضافَهُ  المنادون  بالآشورية المعاصرون  الى التاريخ  الحقيقي  ،  عِلماً بأن بدايتَهُ لم تَكُن بسُلالةٍ وطنية  من ذات المنطقة ،  بل بدأتهُ سُلالة آسيوية غريبة  تُدعى سوبارو أو ( شوبارو ) سنأتي الى توضيح ذيك ضمن مُسلسلنا هذا .

ولكي نتعرف بصورةٍ دقيقة كيف تأسست الدولة الآشورية ومَن هم مؤسسوها والأقوام التي احتوتهم تسميتُها ، لا بُدَّ لنا مِن تَتَبُّع التَسَلسُل الزمني  للأحداث التى وقعت لشعوب بلاد ما بين النهرين منذ بدءِ العصر التاريخي ، حيث تُشيرُ المُدَوًّناتُ التاريخية التي عثر عليها المُنَقِّبون الألمان الذين أنجزوا عَمَلَهم ما بين 1903 - 1914 م بأن السُكّان القدماء الذين استقروا في القسم الشمالي مِن  وادي الرافدين  الذي عُرف باقليم آشور لم يكونوا ساميين، وهذا ما يؤَيِّدُه الباحثُ الآثاري( نورمان بانكروفت هنت N . B . Hunt ) حيث يقول بأن هذا الاقليم كان موطن السومريين بالأصل منذ بدايات الألف الثالث قبل الميلاد ، غَزته موجاتٌ بشرية مِن القبائل البدوية الشوبارية الجبلية على مراحل زمنية متفاوتة كانت آخرها  قبل 2300 عام قبل الميلاد ، أسست هذه القبائل سُلالة حاكمة واتخذت مِن مدينة آشور التي بَنَتها تَيمناً باسم إلهها الجبلي الذي جلبته معها  لتكون مقراً لحُكمِها وسنشرح تفاصيل ذلك باختصار ضمن هذه الحلقة .

لقد  ثَبُتَ  آثارياً وجودُ  شَعبٍ سَكَنَ  وسط  وجنوب العراق  قبل السومريين ومنذ ( 5300 ق . م )  وبالتحديد  في منطقة  القطر البحري المُمتدّة  من شمال  مُرتفعات  حَمرين  حتى  جنوب  قطر ،  ومن  شرق الأهواز ولغاية  مدينة ماري الواقعة  على نهر الفرات  في الغرب ، اختار حياة ً حَضرية في المُدن وأشهر تلك المُدُن كانت  كيش ، اور ، اوروك  واريدو  وقد أطلق بعضُ المؤرخين العراقيين تسمية  < الفراتيين الأوائل > على ذلك الشعب كما أطلقها قبلهم العالِم والمؤرخ لاندزبيركّر - Landsberger .

لقد أكّدت الدِراسات مؤخّراً ، بأن الهُجرات البشرية المُنطلقة الى بابل وضواحيها  كان مَصدَرُها ذلك الشعب ،  وهذا  يؤكّد عدم صحة النظرية التي اصطُلِحَ  على  تسميَتِها  بالهُجرات السامية أو كما سمّاها البعضُ في كُتُبِهم  الهُجرات الجزرية أو العربية  حتى أواخر القرن العشرين ،  والسببُ بسيط جداً ، وهو أن تاريخ أقدم حضارات الجزيرة العربية ذات الاصول الحبشية في المنطقة اليمنية لا يتعدّى أكثر من إثني عشر قرناً قبل الميلاد ،  بينما يَمتَد تاريخ حضارة الفراتيين الأوائل ( أسلاف الكلدان ) في مَثواهم التاريخي الآنف الذكر الى أكثر من ثلاثةٍ وخمسين قرناً ،  ويظهر ممّا تقدّم ذِكرُه بأن سكّان العراق القديم الذين دُعوا بِ( الفراتيين الأوائل ) الكلدان القُدماء ،  كانوا أسبق من السومريين في استيطان الحَوضَين الأوسط والأسفل من وادي الرافدَين ، وهو ما  يؤكّدُهُ  المؤرخ  طه باقر في كتابه الموسوم < مقدّمة في تاريخ الحضارات القديمة > ص. 64 ( إن السومريين لم يكونوا أقدم المُستوطنين في السهل الرسوبي ) والمعروف أن السَهلَ الرسوبي هو < القطر البحري >  المَثوى التاريخي للكلدان ،  وقد سمّتهم الباحثة  ماكَريت روثن في كتابِها  < علوم الكلدانيين >  تَرجَمة  الأب الدكتور يوسف حبي ص. 11  بِقُدامى البابليين ،  وفي كتاب الاشراف والتنبيه ص. 68 يقول  المسعودي بأن ارسطوطاليس ذَكَرَ الكلدانَ في كتابه < بوليطيا > وكذلك أشار إليهم بطليموس بقوله: ( بأن امة الكلدان ودار مملكتهم < كَلْواذي > سكّان بلاد  ما بين النهرين وإليهم اُضيفوا : النونيون ، الآثوريون ، الآراميون ، الجرامقة ، نُبط العراق  وأهل السواد ) .

في نحو الألف الثاني قبل الميلاد تَحَرَّكَ قسمٌ مِن القبائل العمورية مِن منطقة سُكناهم في البادية الغربية ( القسم الشمال الشرقي مِن سوريا الحالية الذي كان جزءاً مِن العراق القديم ) المعروفة بالأرض المُرتفعة ( ܐܪܥܐ ܪܡܬܐ أرعا رَمتا ) ولإسمهم عمورو عدة معاني  مِنها ( معروايي  ܡܥܪܒܝܐ أي الغربيون ) لأنهم يسكنون غرب الفرات و ( عمرايي  ܥܡܪܝܐ أي مُتميِّزون بالعمران ) تَوجَّهوا نحو الفرات الأوسط العراقي  وأسَّسوا مملكتهم الاولى في تلك المنطقة واتخذوا مِن مدينة ( ماري Mari ) المعروفة بـِ < تل الحريري حالياً > على الحدود السورية العرقية  عاصمة لمملكتهم ، ومرتبة مدينة ماري هي العاشرة بين مدن ما بعد الطوفان . كانت في عهد الملك السومري ( لوكال زاكيزي 2400 - 2371 ق . م ) تحت سيطرة سُلالة اوروك ( الوركاء ).  بعد سيطرتهم الكاملة على المنطقة رأوا في ضعفُ الدولة السومرية حينذاك تحقيقَ مطامحهم ، فتَوجَّهوا جنوبا صوب  بلاد الرافدين مُتخذينَ  مسيراً عِبرَ حوض الفرات ، وكانت الوركاء ( اوروك ) أولَ مدينةٍ سقطت بأيديهم ، أسسوا فيها سُلالة حاكمة ، وما إن اشتدَّت قوّتُها حتى تمَكَّنت مِِن الإستيلاء على أربع مدن اخرى هي  اور واريدو ولكش ولارسا ، فغدت منطقة حوض الفرات الأسفل بأكمله تحت سيطرتها لأكثر مِن قرن .

كانت بلادُ أكَد Akkad تحت حُكم الكيشيين Kassites عند تَوَجُّه طلائعُ قوات هذه السُلالة في مطلع القرن التاسع عشر قبل الميلاد شمالاً بقيادة أحد امرائها المدعو ( سمو آبوم Sumu-  Abum 1894 - 1881)أفلحَ هذا القائد العموري باحتلال مدينة بابل وجعل منها عاصمة لسُلالته التي اعتُبرت السُلالة البابلية الاولى التي مِنها ظهر الملكُ العظيم( حمورابي Hammurapi  ) ، وسرعان ما استطاع الاستيلاء على سُلالاتٍ صغيرة قائمة في مدن مجاورة مثل مدينتي كيش وكازالو أو( مارد ) وأصبحت بابل إحدى المدن الرئيسة في التنافس الى بسطِ  سيادتِها على بلاد سومر وأكَد ، ولذلك لم تقتنع هذه السُلالة بما حَققَته مِن التوسع والنفوذ ،  بل  كانت طموحاتُها تتعدّى ذلك بكثير ، إذ كانت تصبو الى فرض هيمنتِها على مُجمل بلاد مابين النهرين شمالاً وجنوباً .

في نهاية العقد التاسع مِن عُمر هذه السُلالة البابلية  نَشبَ خلافٌ بين قبائلها ، فقامَ في عام 1816 ق . م زعيمُ إحدى القبائل المُناوئة المدعو ( شمشي أدَد Shamsh-Adad ) بقيادة جماعاتٍ مِن مؤَيِّديه ، وخرجوا مِن أرض بابل مُتوَجِّهين صوبَ شمال بيث نهرين ، ولدى وصولهم تَمَكَّنوا مِن الإستحواذ على منطقةٍ مُحاددة لشمال المملكة البابلية واستولوا على مدينة ( ايكالات Ikalat ) القائمة فوقَ قلعةٍ على الساحل الشرقي لنهر دجلة واتخذوها مَقراً لحُكمهم ونقطة انطلاق لأطماعِهم .  بعد ثلاثة أعوام مِن استقرارهم قام زعيمُهم الذي أصبح ملكاً عليهم بالزحف  شمالاً واستطاع احتلال مدينة آشور الواقعة على الساحل الغربي لنهر دجلة  عام 1813 ق . م مُزيحاً بذلك آخر ملوكها ( ايروشيم الثاني ) الذي ينتمي الى سُلالة سركَون الأكدي ، لأن الأكديين كانوا قد أخضعواكُلَّ البلاد السومرية لسُلطتهم ،  ومُعلناً ذاته ملكاً على مدينة آشور باسم ( شمشي أدد الأول ) وهذا ما أكَّده المؤرخ الآثوري الإنتماء والروسي المولد قسطنطين ماتييف في كتابه ( الآثوريون والمسألة الآثورية ) " أسَّسَ الخارجون مِن بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين . وكانت أكبر مدنهم ( آشور ) ويستطرد : أصبحت ( آشور) في مطلع القرن الثامن عشر قبل الميلاد  مركزاً لدولةٍ عظمى ويُضيف : إن الآسوريين ينتسبون الى الشعوب السامية  ويَرجعون بجذورهم الى البابليين "  وكذلك قال المؤرخ الدكتور عامر سليمان في كتابه ( العراق في التاريخ ص . 120 )  " لم يكن الذين تبنوا التسمية الآشورية سوى مجموعات مِن العموريين هاجرت مِن بلاد بابل مُتَّجِهة صوب شمال بلاد الرافدين ، تَمَكَّنت بعد فترةٍ طويلة مِن تأسيس دولةٍ قوية خضع لنفوذِها العديد مِن دُوَيلات الشرق الأوسط بدءاً مِن مُنتصف القرن التاسع قبل الميلاد ، واتخذت مِن مدينة ( آشور ) عاصمة لها وأطلقت على دولتِها اسم ( الدولة الآشورية ) تيمُّنا باسم العاصمة والإله آشور .  وكما ذكرنا في نهاية الفقرتين الاولى والثانية مِن هذه الحلقة مِن أننا سنُوَضح قدرَ الإمكان خطأَ تِصَوَّر إخوتِنا أحفاد السريان المشارقة الكلدان أدعياء الآشورية المُعاصرين الفاضح ،  بأن اقليم شمال الرافدين يُمَثِّلُ  تاريخاً  مُوَحَّداً عِرقياً ولُغوياً واحداً يبدأ منذ 4750 عاماً قبل الميلاد وهو ما يُخالف رؤية المؤرخين وتأكيدهم بأن التاريخ السُلالي لإقليم شمال وادي الرافدين يبدأ منذ عام 2300 ق . م  فيما إذا تمَّ احتساب الفترة الشوبارية مِن ضمنه وهي بحدود 500 عام  والى التفاصيل في الحلقة السادسة قريباً .



لقد كان اقليم الشمال عامراً بسُكّانه الأصليين ( السومريين ) منذ 2800 عام قبل الميلاد ، غزتهُ القبائل البدوية الهندواوروبية الجبلية المعروفة باسم شوبارو أو (سوبارو ) حيث تَسَرَّبت إليه بشكل موجات بشرية على مراحل زمنية متفاوتة شاركت السومريين العيش المشترك ، وعندما استكملت آخر الموجات تَسرُّبَها بحدود عام 2300 ق . م   كانت سابقاتُها قد أحكمت قبضتَها وانتزعت زمام السُلطة مِن أيدي السومريين وفرضت عليهم عبادة إلههم الآسيوي الجبلي ( آشور ) الذي جلبوه معهم ، بعد أن قامَ حاكمُهم ( اوشيبا ) المُتسلسل رقمُه السادس عشر بعد حاكمهم الأول ( توديا )  ببناء مَعبدٍ له على أنقاض معبد الإلَهة السومرية إنانا ( عشتار ) ثمَّ حَوَّلوا المستوطن الى مدينةٍ صغيرة أطلقوا عليها اسم إلههم ( آشور ) عندئِذٍ لم  يبقَ بمقدور السومريين تَحَمُّل الضغط السومري،  فاضطروا للنزوح  نحو المناطق الجنوبية لينجوا مِن تَسَلُّط الشوباريين ومُضايقاتهم .  وفي عهد ملكهم الثامن والعشرين  شَيَّدوا سوراً حول المُستوطن تحصيناُ لمدينتهم (آشور ) ، لقد خضعت مدينة آشور للسومريين في عهدهم الثاني ومِن ثمَّ  للأكديين ، كان موقعُها على ساحل دجلة الغربي عند اختراقِه لسلسلة تِلال منخفضة الإرتفاع ، وبحُكم موقعها المُسيطر على مرور السفن والطوَّافات في نهر دجلة وهي في طرقها الى مدن سومر وأكد ، اعتُبِرَت مرفأً تجارياً ، وكانت تتعاطى تجارة مُزدهرة بين الشرق والغرب حسبما  يُشير لوحٌ مكتوبٌ عليه  بنود مُعاهدة  عُثِرَ عليها  في تل مرديخ   ( إبلا ) قديماً ،  وتُعرف اليوم بـ ( قلعة الشرقاط )  وتسمية شرقاط هي مُستمدة مِن التسمية الأكدية ( شار-أكاد  Shar-Akkad ) معناها ( ملكُ أكَد ) قد حَكَمَ اقليم آشور قبل استيلاء شمشي أدَد عليها ثمانية وثلاثون ملكاً بحسب ما ورد في قائمة الملوك الآشوريين التي اكتشفت في مدينة آشور وكُلُّهم كانوا مِن زعماء القبائل الرُحَّل ، ومِن المُرجَّح أن يكون الغالبية الكبرى منهم شيوخ قبائل عمورية  أيام البداوة  وقبل تَوَزَُعِها الى عدة مجموعاتٍ تسعى كُلٌّ منها للإنتقال الى داخل بلاد الرافدين وإقامة سُلالاتٍ حاكمة خاصة بها ، ويُقال أن والد شمشي أدَد  ينتسب الى السُلالة التي كانت  حاكمة في آشور عن طريق أبياشال بن يوشيبيا ، وهو رأي لا يُمكن الطعنُ بصحته أو إستبعاده  نظراً لتوغُّل العموريين Amorites  الكثيف في المناطق الجنوبية لوادي الرافدين ، وتأسيسهم فيها سُلالاتٍ مُتنَفذة في لارسا arsa وكيش Kish وبابل Babylon أسماء ملوكِها عمورية ، وتواصلت قوة العموريين بالتعاظم ، إذ بعد أقَلِّ مِن القرنين ، ظهرت سُلالاتٌ عمورية حاكمة  في منطقة ديالى وفي آشور بالإضافة الى دُويلات في بلاد سومر وأكد وسهول شمال بلاد ما بين النهرين وفي حوض نهر الفرات وبخاصةٍ في مدينة ماري ، كما بَرَزت ممالكُ عمورية قوية عِبر نهر الفرات في مدينة ( يَمهاد Yamhad وهي مدينة حلب Aleppo ) وفي مدينة ( قطنة Qatna ) صوب الجنوب، وقد أحدثت الممالكُ العمورية الحديثة  نقلة نوعية ملحوظة في مركز الجاذبية السياسي بسبب وجود الرابطة اللغوية والعِرقية المُشتركة ذات التأثير القوي للحِفاظ على علاقاتٍ وطيدة مهما تباعدت المسافات بينها .

بعد أن أتَمِّ شمشي أدد سيطرته على اقليم آشور أعلن نفسَه ملكاً على آشور باسم ( شمشي أدَد الأول Shamshi-Adad the First 1813 - 1781 ق . م )  وبعد إستتباب أمره عزم على القيام بتوسيع رقعة مملكتِه الفتية  فوراً ، فقادَ جيشَه  نحو مدينة ماري واحتلَّها ، فأصبحت مملكتُه تشمُل آشور وايكالات على نهر دجلة وماري على نهر الفرات . وضع مدينة ماري تحت حُكم ولده  ( يَسمَج أدو Yasmah-Addu ) ومدينة ايكالات تحت حُكم ولده الثاني ( إشمي داغان Ishmi-Dagan ) الذي خلفه على عرش آشور سنة 1780 ق . م ، ولم يتوَقّف طموحُ الملك شمشي أدَد الأول إذ بعد مرور ثلاث سنواتٍ على احتلاله لمدينة آشور ، كانت أنظارُه  تَحُط ُّ نحو الآقاليم الثلاثة المُستقلة عن بعضها والواقعة  شرقيَّ دجلة ،  وهي اقليم ( نينوى Nineveh )  واقليم ( أرابخا Arrapkha ) المُسمّى على اسم عاصمته ( تَل عرفة في كركوك الحالية )  واقليم  ( أرباايلو Arba-Elu )   أربيل الحالية ،   فزحف إليها  واستطاع ضَمَّها  الى اقليم آشور ، فأصبحت الدولة الآشورية تتألف مِن أربعة أقاليم . والى الحلقة السادسة قريباً

الشماس كوركيس مردو
في 5 / 4 / 2007

252
زوعا والتَبَجُّح الفارغ بها


لا أحَدَ مِن كُلِّ أبناء شعبنا المسيحي لم يَكُن يتمَنّى ويتباهى أن تنبثقَ مِن بين صفوفهم مجموعة مُثقفة وواعية لتقومَ بتأسيس تنظيم سياسي يؤمنُ بوحدة شعبنا البديهية رغم تسمياتِه الثلاث ، هدفه المُطالبة  بالحقوق الوطنية والقومية  الخاصة بشعبنا والمسلوبة منه لمدة قرون طويلة  مِن قبل أنظمة الحُكم التي تعاقبت على حُكم بلاده ( العراق )  بدءاً بالفرس واليونانيين والرومان والعرب والعثمانيين الأتراك ، ولدى قيام الحُكم الوطني في العراق مطلع َ القرن العشرين المُنصرم ، إستبشر الشعبُ المسيحي خيراً كباقي مُكوِّناته الاخرى بفوز كُلٍّ مِنها بحقوقها الوطنية والقومية على حَدٍ سواء ، ولكن للأسف لم تجرِ الامور كما كان المُتوقع مِنها ، فقد استفرد العربُ بالحكم وشاركهم الأكردُ بنسبةٍ ضئيلة أما بقية القوميات فكان التهميشُ نصيبَها ولا سيما المسيحيون مِنها بقومياتِهم الثلاث كُبراها الكلدانية فالسريانية فالآثورية ، حيث إن جميع حكومات العهد الملكي المتعاقبة تجاهلتها بعدم الإعتراف بها ، أما حكومات ما بعد ثورة تموز 1958 م  فلم تحظَ  اولاها  بالإستقرار المطلوب لرُبَّما كانت ستعترف بها ، إذ تآمرت عليها القِِوى العروبية وانتزعت مِنها السُلطة ، وأعلنت هذه القوى الحاكمة  بالإضافة الى عدم الإعتراف بل عن مُعاداتِها للقوميات المسيحية ، ولكن حُكمَها لم يدم طويلاً ، حيث أطاحَ بها حزبٌ عروبي مِن نوع آخر شمولي ، كان في بداياتِه أهون ، ولكنه  تَغيَّرَ وانتهج نهجاً ديكتاتورياً صارماً ، إحتكر السُلطة  ولم يسمح بأي نشاطٍ سياسي لأية فئةٍ   مِن فئات الشعب العراقي  خارج هيمنتِه المُطلقة  .

في هذا الجو السياسي القاسي ، إنفردت مجموعة صغيرة  مِن شباب أصغر قوميات الشعب المسيحي هي الآثورية التي حُوِّرَت الى ( الآشورية )  في أواخر السبعينات من القرن العشرين  ودون التشاور مع شباب القوميتين الأخريَين الأكبر منها عمداً ولغايةٍ سيِّئة المَرمى والهدف الى جانب الإنعزالية الإجتماعية الضاربة أعماقها في مُجتمعهِم ، سنأتي الى شَرحها ضمن سطور هذا المقال بتأسيس تنظيم سياسي سرّي مُستَغلِّين  موقع تواجدهم الجغرافي في المنطقة الشمالية  واحتمائهم بالقوى السياسية الكُردية  المُنتفضة ضِدّ السُلطة البعثية المركزية في بغداد ، ومِن الجدير بالذكر أن عدداً كبيراً مِن الشباب الكلداني أبناء البلدات والقرى الكلدانية كان مُنخرطاً  في الإنتفاضة الكُردية  يزيد عن عدد الآثوريين بأضعاف ، ولكنهم مِن منظور الحكمة وبُعد النظر لم يؤسسوا تنظيماً سياسياً خاصاً بهم حِرصاً مِنهم على تفادي اعتداء السُلطة البعثية الغاشمة على بني قومهم المتواجدين بكثافةٍ  في المدن الرئيسية  كبغداد العاصمة والبصرة والموصل ، هذه المُدن التي تترَكَّز قوة الدولة  فيها بشكل أقوى وأشمل ،  بينما كان التواجد الآثوري في هذه المدن ضئيلاً  .

منذ قيام هذا التنظيم كانت نوايا مؤَسسيه سيِّئة للغاية  ، حيث كانوا يتطلَّعُون الى احتواء الكلدان والسريان بتغييب تسميتَيهما القومية وصهرهما ليس في تسميتهم الآثورية بل الآشورية  المُحَوَّرة مِنها ، و إلا لكانوا قد دعوا أصحاب الرقم الأصعب في المعادلة القومية للمُشاركة في هذا التأسيس أي الكلدان  !  ومِن هذاالمُنطلق أطلقوا على تنظيمهم ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) وبدأوا الترويجَ لهَدفِ الإحتواء بكُلِّ طاقاتِهم وبمُختلف وسائل الاعلام وعقدِ الندوات وحضور المؤتمرات داخل العراق وخارجه وراحوا يُطبِّلون ويُزَمِّرون وعلى أوتار الآشورية وحدها يعزفون ، قد يكون مَن انخدع بهم العديدُ مِن أبناء شعبنا البسطاء ووقعوا في  فخاخِهم الخِداعية في باديءِ الأمر حيث كانوا اللاعبَ الوحيد  في الساحة المسيحية  ،  وعندما سقط  النظامُ الماركسي بسقوط  الإتحاد السوفيتي  فانهارت الشيوعية التي كانت قد خَلَبت عقولَ العددِ الكبير مِن أبناءِ شعبنا الكلداني فكان انهيارُها فرحة كبرى وهِبة مجانية لتنظيم زوعا ، وكالقول المشهور( مصائبُ قوم عند قوم فوائدُ)  إستغلَّ هذا التنظيمُ الفراغَ الذي شعرَ به المُنتَمون الى الحزب الشيوعي إذ كانت الأرضُ تمودُ بهم مِن هول الضربة التي أودَت بحزبهم الى السقوط والإنهيار ، ومِن خلال بحثهم عن البديل وجدوا في تنظيم زوعا  البديلَ الذي قدَّم لهم الوعودَ والإغرءات وأحسنَ العزفَ على الوترين الديني والقومي  بسبب عدم وجودِ أيِّ تنظيم مسيحي قومي مُنافسٍ آخر في حينه ، فانبرى هؤلاءُ الكلدانُ المُغَرَّر بهم الى لِعب الدور الأكبر في نشر طروحاتِ وافكار التنظيم الزوعاوي العنصري الشوفيني المتأثر بعمقٍ بأفكار وطروحاتِ البعثِ العروبي ، فأراد تطبيقَ نظريةِ  ( البعث الآشوري ) على غِرارِها .

أصابَ هذا التنظيمَ الشوفيني العنصري اللاقومي إنتشاءٌ وغرورٌ مُفرط  واتخذَ مِن هؤلاء الكلدان عُكّازة يتّكيءُ عليها ، وهذه العُكّازة بدورِها تُقيلُه مِِن عثراتِه الكثيرة كُلَّما وقع بها ، وبعد سقوط النظام البعثي في العراق في التاسع مِن نيسان 2001م ظهرت للعيان أحزابٌ قومية كلدانية واخرى آثورية (آشورية ) وسريانية ، فجُنَّ جنونُ أعضاءِ تنظيم زوعا ومأجوريهم الكلدان، وبغير حياء راحوا يَشنونَ عليهم وبالذات على الأحزابِ الكلدانية حرباً  كلامية شعواء ،  ولكن ذلك لم يُجدِهم نفعاً  حيث لم يُؤَثِّر قيدَ شعرةٍ  على تصميم الأحزاب الكلدانية الفتية  للمُضي قُدماً في نهجها الوطني والقومي لخدمةِ أبناء امتها الكلدانية بكُلَِ تسمياتِهم ضمنَ خدمةِ وطنها العراق ،  مُفنِّدة كُلَّ إدِّعآتِهم المُبتدَعة وفاضحةً كُلَّ خِدَعِهم التي مارسوها ضِدَّ الكلدان بشراء  ذِمَمِ الضعفاء  منهم  وابتزاز إرادتِهم مِن أجل بعثِ آشوريتهم البدعةِ المُصطنعة .   ورغم كُلِّ ما قامت به القِوى الكلدانية أحزاباً سياسية وكوادرَ ثقافية  ومُنظماتٍ اجتماعية  وشبابية ،  مِن تعريةٍ  فاضحة  لأفعالهم الشريرة والعدوانية تُجاه الامة الكلدانية لم يخجلوا بل استمَرّوا بمواصلةِ نهجهم العِدواني ضِدَّ الكلدان  مُحاولين تغييبَ اسمِهم مِن دستور الدولةِ العراقية الفيدرالي ، متناسينَ أن كُلَّ عَمَل مَبنيٍّ على الباطل يكونُ باطلاً ! وهكذا باءوا بالخيبةِ والفشل ، فحَرَّكوا عناصرَهم الكلدانية المأجورة لإحداثِ شرخ في بُنيان الكنيسةِ الكلدانية الكاثوليكية  فكانت النتيجة الخزيَ  والعارَ ظهرَ على وجوهِهم الشاحبةِ المُكفهرَّة .

هذه هي حقيقة تنظيم زوعا ( الحركة العنصرية الآشورية ) ومِن الجُرم أن تُنعتَ بالديمقراطية بل بالشوفينية ، هذه التي يتبجَّح بها واحدُهم في ذكرى قيامها المشؤوم ، مُعرباً عن نَدَمِه لعدم مُشاركتِه في تأسيسها عندما دُعِي لذلك في صيف 1978م بمدينة شقلاوة ، ويتسألُ دون أن يدريَ كُنهَ الأسباب التي أدَّت الى تَرَدُّدِه  وتَخَوُّفِه  إن كانت الرهبة  مِن سطوةِ النظام آنذاك أم الرغبة  في  مواصلةِ الدراسة ، وأيٌّ كانت المُبَرِّراتُ فإنه يشعُر بمرارةِ قلبِه وحسرتِه وتقصيره في عدم مَدِّ يدِه للمُساعدة ، وبذلك يُقِرُّ بأنَّ ( أعناقه ، يظهر أن له أكثر مِن عنق) عنقه  مُثقَّلٌ بالدَين القومي الكبير ( الكثير ) وعليه أن يَرُدَّه ولو بكلماتٍ قليلة بمناسبةِ ذكرى  تأسيسِها (28 ) هذا هوى مُستوى المُثقفِ الآثوري ! كان عليك أيها المناضلُ الزوعاوي بالقلم أن تُتقنَ استخدامَه بصياغة اللغة اولاً ثمَّ . . .

ويقوم هذا المُثقفُ باداءِ هذا الدَين ، بوصفِه للطريق الذي اختارَته زُمرة زوعا المُفتقرة الى الحكمةِ والترَوّي والإنتظار الى الوقتِ المُناسبِ والمأمون للتحَزُّب ، بانه الطريقُ الوعرُ المليءُ بمخاطر الوحوش البعثية ، لا يستطيعُ السيرَ فيه إلا القليلون المستعِدّون لمُجابهةِ الأخطار ، أما الذين يترَيَّثونَ ويحسبونَ لخطواتِهم حساباً متَّزناً ورزيناً مُنتظرينَ الوقتَ المُلائمَ  للنزول الى مُعتركِ الأحداث فهم في عُرفِه الساعونَ الى نيل التصفيق والتهليل ،  يا للمفارقة  الحمقاء التي لا  يستسيغُها  حتى البُسطاء ! إن تَبَجُّحَكَ أنتَ والكثيرُ مِن أمثالك العنصريين بمناقبِ حركةِ زوعا الحركة المبنية على الاسس التعصُّبية هو باطلٌ ومنبوذ مِن قبل غالبيةِ الشعب المسيحي ، لقد كان هدفُ زوعا ولا زالَ هدفاً عنصرياً هدّاماً ، لم تسعَ لخدمة الامةِ المعروفةِ بشعبِها الرئيسي الكلداني فالسرياني والآثوري ، وإنما سَعَت واستماتت لإحتواءِ هذا الشعب بأكملِه في بودقةِ الهوية الآشورية الاسطورةِ المُستنبطة  ، وهذا الذي جَلبَ  غضبَ الشعبِ عليها  ولا سيما الشعب الكلداني الأبي ،  لم تكن زوعا التي أجرَت عملية الفرز والغربلة للسائرينَ بمسارها ،  بل هم الذين رأوا في زوعا حصيلة كبيرة مِن الأسقامِ والأمراضِ تنخُرُ في جسمِها  فتجنَّبوا عدواها  ورأوا أيضاً  أن قطارَها  قد نالَ الصدأَ مِن عجلاتِه والعطبُ مِن مُحَرِّكِه ، فكان القفزُ بأنفسِهم مِنه الطريقَ الأسلمَ لهم ، تاركينَ الجسمَ الزوعاوي لتنهشَ به أمراضُه حتى يلفظ أنفاسَه .

إن القائمينَ بمُمارسةِ اولمبياتِ المؤتمرات غالبيتُهم هم المؤمِنونَ بالفرضيةِ الآشوريةِ العقيمة التي تؤمنُ بها أنتَ وكُلِّ الزوعاويين وما يُنَغِّصُ عليكم أنهم استطاعوا سحبَ البساط مِن تحت أرجلِكم وجعلوكم تتزحلقونَ ذاتَ اليمين وذاتَ الشمال غير قادرينَ على الثبات ، وهذا الأمرُ ليس جديداً عليكم فمنذ انتحالِكم للتسميةِ الآشورية  المُهداةِ لكم مِن أبناء الانكليز القابعِ أنتَ في لندن عاصمتِهم هذا هو دَيدَنُكم ، تناحُرٌ وتنافرٌ ولو تيَسَّرَ لكم المجال لَما أستبعدتُّم الإقتتال ! ما الفرقُ بينكَ وبينَهم أنتَ تُنادي بما تُريد مِن البعيد  وهم يُنادون بنفس ما تُريد ولكن باسلوبٍ آخر جديد  ! لقد انتهت مراحلُ الصعودِ والهبوط ِ التي مَرَّت على ( زوعا ) وانكشفتْ ألاعيبُها أمامَ المُمَوِّلينَ في أميركا واوروبا بعد أن انطلتْ عليهم زمناً طويلاً ،  فهي الآن في  مرحلةِ النهاية البطيئة .

الى متى تبقونَ أسرى العنصريةِ البغيضة يا أيها المنادونَ بلآشوريةِ الفرضيةِ المُبتدَعة مِن قبل الغرباء الذين أوقعوكم مراراً في شتى أنواع البلاء ، ألا ينجلي هذا الليلُ البهيمُ لتستيقظوا مِن سُباتِكم الطويل ، يا رب  إرادتُك وإرادتُكَ فقط لا غيرها ! ! !

الشماس كوركيس مردو
 في 9 / 4 / 2007

253
                                          الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان
                                                       
 مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتقب صدورُه مطلع العام القادم بعون الله

                                                        الحلقة الرابعة


الملك نبونَئيد ( نبونيدس ) Nabonid
( 556 - 539 ق . م )                                 وسقوط المملكة الكلدانية ( الامبرطورية البابلية الحديثة .)

كان نبونَئيد كَهْلاً  ويُرجِّح الكثيرُ من المؤرخين كونَه  متزَوِّجاً من إبنة نبوخَذنصَّر الكبرى ، وهذا ما جعله أهلاً  لتسَنُّمِ عرش بابل ، كان من مواليد  مدينة  حرّان الواقعة  على  نهر البالخ  أحد  فروع  نهر الفرات ، لوالدين ( نبوبيلاصو أقبي)  و( أدد قبي ) ويذكرها  المؤرخ هيرودتس  باسم (نيتوكرس) تنتمي  بنسبِها  الى العائلة السركونية الحاكمة في  آشور ،  شديدة التَدَيُّن  منذ  حداثتِها  وتقَلَّدَت  رُتبة  الكاهنة الكُبرى  في معبد ( سين ) إله القمر ،  طَغى  تأثيرُها  على حياة  نبونَئيد  ،  أما  والدُه  فكان  نبيلاً  كلدانياً   وتُشير بعض النصوص المسمارية  الى كونِه  حاكم  حرّان المحلي  ، ويقول آخرون بأنه كان ( رب ماك )  رئيس الكهنة  ، وبعضُهم يؤَكِّد بأنه  شقيق لاباشي مَردوخ الذي اغتاله رجال الدين اغتيالاً وليس تنحيةً بحجة صغر السن وعدم الكفاءة  ، ومهما كانت التكَهنات فإنه قد تولّى العرش البابلي .

في البيئَةِ التي أشرنا إليها شَبَّ نبونَئيد  مستقيماً  لتأثُّره  بمحبة  إِله القمر( سين)  والدِ  إِله العدلِ والقانون ( شمش ) و الذي كانت والدتُه الكاهنة الاولى  لمَعبَدِه ،  اختاره الملك  نبوخَذنصَّر عضواً في مجلس الحُكم  وحازَ على مكانةٍ  مُقَرَّبَةٍ  منه ، أدَّت الى تزويجِه من كُبرى بناتِه  فارتبطَ  بالعائلة  الملكية  بقَرابةٍ  دموية ،  وبذلك أصبحَ ذا حضور بارز  يؤخّذُ  برأيِه  ويُعَوَّلُ  على حُكمِه ،  وما يؤَكِّدُ ذلك  إنتِدابُه من قبل الملك نبوخَذنصَّر سنة 585 ق . م ، للتفاوض نيابةً عنه لإِرساءِ دعائم السلام  بين مملكتي ميديا وليديا اللتين تفاقَمَ الخِلافُ بينهما  مُنذِراً بقيام حَربٍ ضَروس بين الجانبين تَجلبُ  الفوضى والضرر الى المنطقة بأسرها ، فكان مُوَفقّاً في إحلال السلام .

تَوَلّى نبونَئيد الحُكمَ في زَمَنٍ بدأت فيه  المُتغَيِّرات السياسية تجري بسُرعةٍ  ، ويقول المؤرخ  بوستكَيت  بأن نبونَئيد  لم يكن ذلك الملك القوي الذي  تحتاجُه بلادُه  لهذه المرحلة ،  بدليل أن  اهتماماتِه  تركَّزت في غالبيتِها  وبِحَسَبِ كتاباتِه ذاتِها ، على  إِعمار معابد آلهة أكد وسومر القديمة  ،  وقد أفرَدَ  شَرحاً مُفصَّلاً  بِوَلَعِه الشديد  بقراءَة الطالع و حَفر أُسُس المعابد والوقوف على تواريخِها ، وقد اكتشفَ في أُسُسِ معبدِ  حرّأن آثاراً تعود الى عهدَي سركَون الأكدي وحفيدِه نرام سِن ،  وانعكاساً  لتأَثُّره الكبير  بوالدتِه ( أدد قبي - 651 - 547 ق . م )  المُتعبِّدة الكبيرة  للإِله( سين)  قامَ   بترميم وتجديد مَعبَد الإِله  سين  في  اور وتعيين إِبنَتِه ( بعل شالتي ننار) كاهِنةً كُبرى له ، و بالرغم من  وقوع  مدينة  حرّان تحت السيادة الميدية  قام  نبونَئيد  بإِعادة بناء  مَعبَد  ( سين)  في مَسقَط  رأسِه مدينة حرّان  مدفوعاً من  حُلمِه المُدوَّن على اسطوانته القابعة في المتحف البريطاني  ، وهو تَوَقُّعُه  سقوطَ الدولة الميدية  واختفاء حدودها من الخريطة الدولية  ،  إن أعمالَه هذه جلبت عليه نقمة البابليين  بسبب تفضيلِه آلهة المدن على آلهة بابل .

مِن أهم مآثر الملك نبونَئيد تجريده حملة عسكرية على المقاطعات الواقعة شمال غربي الفرات والجزيرة ، حيث تَمَكَّنَ مِن ضَمِّ مُدِنٍ مُهِمة الى مملكتِه ومِنها مدينة ( حارّان Harran ) القائمة على نهر البليخ أحدِ روافد نهر الفرات و ( تيماء Taima  في الديار السعودية الحالية ، تَبعُدُ  عن بابل بما يزيد على ألف كيلومتر ، شَيَّدَ فيها قصراً شبيهاً بقصره الفخم في بابل ، واتخذَ مِنه مقرّاً لحُكمه ، تاركاً لإبنه ( بيل شاصَّر Bel-Shassar ) إدارة  شؤون الدولة . بعكس تَمَيُّز الملك نبونَئيد بشخصيةٍ مرموقة وتمتُّعِه بسمعةٍ عالية ومكانةٍ دوليةٍ كبيرة ، كان إبنُه بيل شاصَّر واهنَ الشخصية عديمَ الدراية والأهلية  لإدارة شوون الحُكم  ، إنتبَهَ  بقايا يهود السبي البابلي الى نقاط  ضعفِه فاستغلوها بشكل يخدمُ مصلحتَهم ويُعَبِّد الطريق أمامهم لإحتلال المراكز الحسّاسة في الدولة ، حيث هَيّأوا له مُختلف وسائل الترفيه واللهو الفاسد فانغمس فيها وأغفلَ الإهتمام بالامور الإدارية ، فانتاب إدارة الدولة التفكُّكُ وعَمَّت الفوضى وتفشّى الفساد والرشوة ، وبسبب هذا التسَيُّب خَلا الجوُّ أمام المُتنفذين اليهود فقاموا ببناء جسور بالخفاء مع الملك الأخميني ( كورش ) الذي كان قد سَرَّبَ أخباراً يَدَّعي أنه ( المسيح المُنتظر ) ، وحيث كان اليهودُ واثقين بأن المسيح مُزمعٌ على القدوم بلا شَكٍ طِبقاً لِمَ تنبّأَ به  أنبياؤهم ،  رأوا في شخص ( كورش ) المُنقذ الذي بإمكانه إطلاقَ سِراحهم مِن أسرهم المُزمِن ،  فعملوا جُهدهم لتمهيد السبيل أمام مُحاولاته لإسقاط بابل ، لا سيما وأنه قد وعدهم بالسماح لهم للعودة الى بلادهم وبمساعدتهم في إعادة بناء هيكل سليمان ، واعتماداً على تَعَهًّد  كورش الذي وَثِقوا به ، رسموا خِطة سرية  سار على ضوئها كورش في مشروعه لإحتلال الدولة الكلدانية  .

في هذه الأثناء  كان الملكُ الميدي  استياكِس  يستولي على بقية مناطق آسيا الغربية ،  ولكن الملك الاخميني  كورش الثاني  تصدّى له  واستطاع  دَحرَه  والاستيلاء  على كامل بلاده ،   ثمَّ  دفعَدتهُ  شَهِيَّتُه  التوسُّعية  بعد احتلاله  للدولة  الميدية ،  للإِنقضاض على  عاصمة  الامبراطورية البابلية  مُنتهزاً  غياب ملكِها  ،   وإِذ  رأى صعوبةً  في مواجهة  إِبن الملك   نبونَئيد   وولىِّ عهده  الأمير ( بيل شاصر Bel-Shazzar )  الذي  كان يَحكُم البلاد  في غياب  والدِه  الذي  اختار الاعتزال الاختياري  في واحة التيماء  في وسط الصحراء و دام اعتزالُه  عشرة  أعوام ،  وجَّهَ  جيشَه  نحو المملكة الليدية وهاجم جيشَ ملكِها ( كرويسس)  المعروف عربياً  باسم  ( قارون)  في منطقة  هالس  فتقهقَرَ الملكُ  الليدي عائداً الى عاصمتِه  سارديس ،   بيدَ أن  الملك الفارسي  كورش  لاحَقَه  في عُقر داره  واحتَلَّ عاصمتَه  سارديس ،  وضمَّ البلاد الليدية الى  مُمتلكاتِه .

بعد أن خَلـت  الساحة  لِكورش الاخميني بعد استيلائه على دولتَي ميديا وليديا ،  ولم  يبقَ أمامَه  مُزاحِم ،  قَرَّر  إِضافة  بابل  المركز الحضاري القديم الى امبراطوريته ، وكان الملك  نبونَئيد  قد عاد  الى  عاصمتِه  بابل  فى  عام 539 ق . م ،  واجتمع  بالنبلاء  وقادة  الجيش  وأمر بالاستعداد للإِحتفال  برأس السنة الكلدانية التي تبدأ في الأول من نيسان  المتوقِّفِ  طيلة غياب الملك نبونَئيد عن البلاد  ،  وأُقيمَت الاحتفالات لعام 539 ق . م وشاركَ فيها الملك نبونَئيد ، وكانت تلك آخر الاحتفالات ، حيث قام الملك الفارسي كورش بضرب الحصار على بابل في شهر تموز لنفس العام 539 قبل الميلاد . 

كانت عودة الملك نبونَئيد الى عاصمته بابل مُتأخِّرةً جداً ،  إِذ كان السيف قد سبقَ العذلَ ،  حيث كان  الملك الفارسي  كورش بالإضافة الى الخطة السرية التي رسمها اليهودُ له  كما نَوَّهنا أعلاه  قد استمال كَهنة المعبد  عن طريق عُملائِه  واعداً إياهم  بإِعادة المكانة العُظمى  للإِله مردوخ  الى جانب امتيازاتهم السابقة  ، كما كان أيضاً  ٌقد  أغرى  قادة  الجيش والنبلاء  بوعودٍ مُجزية  مُظهِراً لهم ذاتَه كَمُنقِذٍ  لبلادِهم من الأزمة الاقتصادية التي تَمُّرُ بها ، ومُساعِداً لهم باستعادة دورهم في شؤون البلاد  للعملِ معه في إِعادة الرَخاء  وضمان الحرية للمعابد . انطلت الخُدعة الفارسية  على هؤلاء واعتبروا الامرَ  مَجَرَّد  تغيير سُلالةٍ  حاكِمة بأفضل  منها جديدة .

وعندما  تأكَّدَ الملكُ الاخميني  من نجاح  خِطتِه  وضمان  ولاءِ الذين تمَّ إِغراؤهم ، تحرَّكَ  في  الشهر السابع من  نفس السنة  539 ق . م على رأس جيش عَرَمرَم  دون أن  يلقى أيَّةَ  مُقاومة  حتى وصل بالقرب من مدينة  اوبيس الواقعة جنوب  بغداد  وعرفت  باسم ( سلوقيا)  بعد زمن  ،  فالتحَمَ الجيشان  واستطاعَ  الجيشُ البابلي  صدَّ هجوم الجيش الفارسي  المتفوِّق عليه عدداً ،  إلاَّ  أن ما قلب  سَيرَ المعركة لصالح  الفرس ،  كانت خيانة  قائدِ جيش كوتيوم < اقليم آشور > البابلي <  اوكبارو >  الذي انضمَّ الى الجيش الفارسي  تنفيذاً  للوعد الذي قطعَه  لكورش  ممّا  أدى الى خسارةٍ  فادحة  تكبَّدَها الجيش البابلي وسقوط  وَليِّ  العهد  الأمير بيل شاصر  قتيلاً  في المعركة  ،  ولم يبقَ بإِمكان الملك نبونَئيد  و بقيَّة  فيالق الجيش البابلي  إلاَّ الانسحاب الى  بابل  العاصمة  في  الرابع عشر من الشهر السابع  ،  وإذ لم يتِمَّ حَسمُ المعركة  كما  توقَّعَها  كورش  أناطَ  قيادة الجيش  بالقائد  البابلي الخائن < اوكبارو >   وعادَ الى عاصمتِه ،  وكان  اوكبارو  القائد الخائن  قد  أفلح  في إِقناع قُوّات مدينة  سُبّار لكي لا تُقاتل الفرس وان الملك الفارسي كورش لا ينوي السوءَ  بالبلاد ، فاجتازَها  متوَجِّها  نحو بابل  لإِطباق الحصار عليها ،  وفي السادس عشر  من  نفس الشهر  اقتحمَ   اوكبارو العاصمة بابل  وهو يقود جيش الفرس بدون قتال  وتمَّ أسرُ الملك نبونَئيد  ، وفي اليوم الثالث من الشهر الثامن  دخل الملك الفارسي  كورش الى  بابل  بدون عناء  حيث سَلَّمَها  له  اوكبارو خائنُ وطنه وأُمَّتِه  مُنهياً  آخر حُكم وطني  لبلاد  ما بين النهرين .  وَصَفَ المؤرخ هيرودتس  حَدَث  الاستيلاءِ على  بابل  عاصمة الكلدان  بأنها كانت  مدينةً عظيمة مُحصَّنة  ما كان بالامكان  فَتحَها بدون مقاومة  وحتى  بغياب كورش  عن قيادة  جيشِه الفارسي  لو لم  تُساهم  بذلك خيانة القائد  اوكبارو  حاكم اقليم  كوتيوم ( اقليم آشور )  ومَن  أدرى  بمداخل  ومخارج  بابل غير  قادتِها  والقائد الخائن  أحدهم   حيث يقول : <  تمَّ  حَشدُ  جيش  كورش الفارسي  عند  مَدخَل  نهر الفرات  الى المدينة  ،  و حَشد  قُوّاتٍ  اخرى  كبيرة  في  موقع  ابتعادِ  النهر  عنها ،  وأُمِرَت  القوات  المحتشِدة  على المَدخَل  بدخول المدينة  متى  وجدوا عُبورَه  ممكناً ،   وجرى  دخول الجيش عِبرَ  مجرى نهر الفرات ،  وبالنظر  لضخامة  المدينة وسعَتِها - بحَسَبِ رواية السكّان - فقد  هُزِمَ   المُتواجدون  في الأماكن الخارجية ،  بينما  ظلَّ  الذين في المناطق الداخلية  من المدينة  مُنهمِكين  في  الرقص احتفاءً  باحتفال أُقيم   بإحدى المناسبات ،  ولم  يعلَموا  بما  يجري  إلاَّ  بعد  فوات  الأوان >    وهكذا  سقطت  بابل العظيمة  بسبب  الخيانة  والإهمال  وأُدمِجَت  بلادُ  ما بين النهرَين   بالمملكة  الفارسية  .

هكذا سقطت الإمبراطورية الكلدانية بسبب التآمر اليهودي الدنيء وخيانة القائد اوكبارو  وكهنة المعبد ، وبذلك غابت شمسُ بابل العِلم والحضارة التي أضاءَت العالَمَ بشُعاعِها ردحاً مِن الزمن طويلاً ، تلك المدينة العظيمة التي وصفها إرميا النبي بقوله : <  كانت بابلُ كأسَ ذَهَبٍ بيدِ الرَّب ، تُسكِرُ كُلَّ الأرض ، مِن خَمرها شَربَت الامم ولذلك فقدَت رُشدَها. إرميا 51 / 7 >  وقال عنها النبي إشعيا:< بابل زينة الممالك وبهاء فخر الكلدانيين . إشعيا 13 / 19 >   إن سقوط  بابل عاصمة  الكلدان التاريخية والمركز الحضاري القديم ، وضعَ حَدّاً فاصلاً ونهايةً لآخر حُكم وطني أصيل لبلاد ما بين النهرين ، وبدايةً  لتعاقب الإحتلالات الأجنبية  . وما دمنا قد تحدَّثنا عن العصر الكلداني  الزاهر فلا بُدَّ  أن نُشيرَ الى الدور الحضاري الريادي للكلدان ولو بشكل مُختصر .

دور الكلدان الريادي في تطور الحضارة الإنسانية


في عام 1157 ق .م تَوَلَّت الحُكمَ في بابل السُلالة البابلية الرابعة بقيادة الملك ( مردوخ كابت أخيشو ) ومِن أشهر ملوك هذه السُلالة كان ملكُها الرابع ( نبوخَذنَصَّر الأول 1125 - 1104 ق . م ) الذي على عهدِه تَمَّ طردُ العيلاميين من اقليم نامار الكلداني الحدودي ، ثُمَّ تعاقبت على الحُكم أربع سُلالات اخرى ،  وكان مؤَسِّس السُلالة الثامنة الملك ( نابو موكين ابلي عام 978 ق . م )  مِن مملكة  ( بيث - دكوري ) ومِن بين ملوك هذه  السُلالة( أريبا مردوخ 770 - 760 ق . م ) خَلِفَه الملك ( نابو شمو اشكن 760 - 747 ق . م ) وفي نهاية  شهر  شباط  مِن  نفس العام 747 ق . م تَسَنَّمَ عرش  بابل الملك ( نبوناصَّر Nabonassar 747 - 734 ق . م )  مؤسِّسُ السلالة البابلية التاسعة ، كان ملكاً  ذا اعتزاز شخصيٍّ كبير ومَيلٍ الى إعلاءِ  شأن الحضارة  والعِلم ،  ولشدة وَلَعه  بهذا الشأن صَنَّفه المؤرخون كأحد علماء حضارة العهد القديم ،  في عهدِه انتقلت بابلُ الى عصر مُزدهر شَهِدَ تطوراً كبيراً في عِلم الفلك ،  وكان اهتمامُ هذا الملك الشديد بتدوين كافة الظواهر والأحداث وتوثيقِها بشكل دقيق مدعاةً لشُهرته ،  فقد أمر بتدوين كُلِّ ما يَطرأ في  المجال الكوني مِن ظواهر فلكية وطبيعية ، مِثل رَصدِ حركة الكواكب والنجوم وظاهرتي الكسوف والخسوف وتسجيل قياسات مناسيب الأنهار وتَبَدُّل أحوال الطقس ، ويقول  جان اوتس في كتابه ( بابل Babylon ) ص. 113 بأن المصادر التاريخية اليونانية القديمة قد أشارت : <  لقد قامَ  الكلدانُ  منذ عهد الملك نبوناصَّر 747 ق . م  برصدِ  كافة حركات  الكواكب  والنجوم المعروفة  حينذاك  وتدوينها  بدِقةٍ  متناهية ،  وقد استندَ  فيما بعد  الفلكيون  والرياضيون اليونانيون الى عِلم الفلك الكلداني  واعتمدوه مَصدراً  لبناء معلوماتهم بهذا المجال >  .

أما ( ادورد كييرا ) العالِم  الآثاري الكبير  فيقول  في  كتابه ( كتبوا على الطين ص . 172 ) : <  لقد  بلغَ  الكلدانُ  مرتبةً  مُتقَدِّمة  في علوم الجبر و الهندسة و الفلك ،  فإن  العالِمَين  الفلَكِيَين
 ( نابو ريماني Nabo-rimani ) الذي كان يعيش في بابل عام 500 ق . م  و ( كِدانو Kidanno ) قد طوَّرا عِلمَ الفلك ووصلا به الى درجةٍ  مُتقَدمة تَمنحُهما استحقاقاً لدَرج اسميهما  بموازاة  العلماء  غاليلو و كبلر و كوبرنيكوس ، إذ  في  سنة 367 ق . م  تَوَصَّلَ العالِمُ  < كِدانو > الى تقدير  مدة السنة الشمسية  بدقةٍ  متناهية  لم  يتعدّى الفارق  بينها  وبين  ما  هو معروف اليوم إلاّ  بزيادةٍ  قدرُها أربعُ  دقائق ونصفُ الدقيقة .  ويقول المؤرخ (  جورج رو George Roux ) < لقد تَوَصَّلَ الكلدان ومنذ القرن الثامن عشر ق . م الى استنتاج الجذرَين العَدَدِيَين التربيعي والتكعيبي  وبتطابق كبير لِما هو معروف عنهما اليوم > . ويُقال أن العالِمَ  فيثاغورس ابتكر نظريته اعتماداً على نظريةٍ مُشابهة سَبَقَه الى اكتشافها العلماءُ الكلدان قبل عشرة قرون مِن الزمان ، وكذلك وضعَ الكلدان نظامَ قياس للدائرة تحديداً ب ( 360 درجة ) وللاُفق ( 180 درجة ) .

وقبل أكثر من ثلاثين قرناً ابتكرَ الكلدانُ النظامَ الزمني الستيني المُتَبَنّى مِن قبل العالَم أجمع حالياً ، وهو احتساب الزمن بتقسيم ( الساعة الى ستين دقيقة والدقيقة الى ستين ثانية ) بالإضافة الى ابتكارهم للوحدة الزمنية  < اليوم - الشهر - السنة >  والشهرَين الشمسي والقمري Lunar & Solar Calender وذلك بِمُراقبتهم لواحدةٍ من دورات القمر ( شهراً تِلوَ شهر )  وتَداعياتِها نِسبةً  الى الزمن ،  حيث اتَّضحَ  لهم  بأن  كُلَّ اثنَتَي عشر  دورةٍ  قمرية  أي  بدءاً  بظهور القمر  واختفائه ،  يَتِمُّ  خلالها  تَكرارُ  وتَجَدُّدُ  فصول السنة ،  وقرَّروا  اعتماد  الأولَ  من  شهر  نيسان    ( نيشان Nishan بدايةً  لكُلِّ سنة جديدة ، واعتبروه عيداً قومياً تتخللُه احتفالات كبيرة مُطلقينَ عليه اسم ( أكيتو أو أخيتو = حَيُّوثا ) وتعني  الحياة  ،  حيث كان الاعتقادُ  سائداً  لديهِم  بأن الحياة والطبيعة تتجددتان في ذلك اليوم ،  ناهيكَ عن اكتشافهم المُدهش بأن الأرضَ والشمسَ والقمرَ  وخمسةَ  كواكب اخري تُشَكِّلُ مجموعة تَرتبِط  ببعضها البعض ، وهي نظرية  ثابتة  لم يَتسَنَّ  للعالَم إدراكَها إلاّ بعد مرور عشرين قرناً من زمن اكتشافها مِن قبل الكلدان ، ومِن ضمن اكتشافاتِهم الفلكية الاخرى ، ابتكارُهم التقويم الشمسي القمري على أساس أن كُلَّ ( 235 ) شهراً قمرياً  تُعادلُ ( 19 ) عاماً شمسياً ،  وللتوفيق بين السنتين الشمسية والقمرية ، نَظموا تقويماً يستندُ الى احتساب ( 13 ) شهراً لكّلِّ سنةٍ مِن السنين السبع مِن كُل ( 19 ) سنة  ،  وقد اقتبسَ يهود السبي البابلي هذا التقويم الذي وضعه الكلدان  ولا زالوا يستعملونه لغاية اليوم .

وعن تَفوُّق الكلدان في مجال عِلم الفلك ، يقول الباحثُ الآثاري ( لانكَدون Langdon ) <  إن أول مَن أوجدَ  نظرية الأبراج  واستطاع  تحديد َ مسار الشمس واحتسابَ  منازلها بدقةٍ  مُذهلة  كان العلماءُ الكلدان منذ سنة 700 ق . م ، كما نَظَّموا جداول زمنية لظاهرتَي الكسوف والخسوف لمِئات السنين اللاحقة > .  أما المؤرخ الفيلسوف ( بِليني Piline ) فيقول عن أنواع الفن الكلداني ما يلي : <  إن مهارة الكلدان في ميادين الرسم والفن والعِلم ، جعلتهم  يستحقون لنيل شرفِ  الامتياز  والتفوق على معاصريهم الآخرين ،  فشُهرة النسيج البابلي أخذت  موقعاً مرموقاً  لدى الفُرس واليونان والرومان .

أما مَهارة الكلدان وتفوُّقِهم  في عِلم المياه ( العِلم الهيدرولوجي ) فقد بَرهنَت عليه  الجنائن المُعلَّقة  في بابل التي عُدَّت إحدى عجائب  الدنيا السبع في العهد القديم ،  تلك التي أوقعت العلماءَ حتى يومنا هذا في حيرة  مِن  الطريقة  التي استخدمها  المهندسون الكلدان قبل ألفين وخمسمائة عام لايصال المياه الى ذلك العُلوِّ الشاهق .  وقد عثر المنقبون في منطقة بابل مؤخراً على  بطارية جافة لا تختلف كثيراً عن البطاريات الجافة الحديثة التي تُستَخدم في توليد القوة الكهربائية ،  قالوا بأن تاريخها يعود الى عهد الدولة الكلدانية  . والى الحلقة الخامسة قريباً .

الشماس كوركيس مردو
في 2 / 4 / 2007

254

                                          الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان
                                                       
 مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتقب صدورُه مطلع العام القادم بعون الله

                                                        الحلقة الرابعة


الملك نبونَئيد ( نبونيدس ) Nabonid
( 556 - 539 ق . م )                                 وسقوط المملكة الكلدانية ( الامبرطورية البابلية الحديثة .)

كان نبونَئيد كَهْلاً  ويُرجِّح الكثيرُ من المؤرخين كونَه  متزَوِّجاً من إبنة نبوخَذنصَّر الكبرى ، وهذا ما جعله أهلاً  لتسَنُّمِ عرش بابل ، كان من مواليد  مدينة  حرّان الواقعة  على  نهر البالخ  أحد  فروع  نهر الفرات ، لوالدين ( نبوبيلاصو أقبي)  و( أدد قبي ) ويذكرها  المؤرخ هيرودتس  باسم (نيتوكرس) تنتمي  بنسبِها  الى العائلة السركونية الحاكمة في  آشور ،  شديدة التَدَيُّن  منذ  حداثتِها  وتقَلَّدَت  رُتبة  الكاهنة الكُبرى  في معبد ( سين ) إله القمر ،  طَغى  تأثيرُها  على حياة  نبونَئيد  ،  أما  والدُه  فكان  نبيلاً  كلدانياً   وتُشير بعض النصوص المسمارية  الى كونِه  حاكم  حرّان المحلي  ، ويقول آخرون بأنه كان ( رب ماك )  رئيس الكهنة  ، وبعضُهم يؤَكِّد بأنه  شقيق لاباشي مَردوخ الذي اغتاله رجال الدين اغتيالاً وليس تنحيةً بحجة صغر السن وعدم الكفاءة  ، ومهما كانت التكَهنات فإنه قد تولّى العرش البابلي .

في البيئَةِ التي أشرنا إليها شَبَّ نبونَئيد  مستقيماً  لتأثُّره  بمحبة  إِله القمر( سين)  والدِ  إِله العدلِ والقانون ( شمش ) و الذي كانت والدتُه الكاهنة الاولى  لمَعبَدِه ،  اختاره الملك  نبوخَذنصَّر عضواً في مجلس الحُكم  وحازَ على مكانةٍ  مُقَرَّبَةٍ  منه ، أدَّت الى تزويجِه من كُبرى بناتِه  فارتبطَ  بالعائلة  الملكية  بقَرابةٍ  دموية ،  وبذلك أصبحَ ذا حضور بارز  يؤخّذُ  برأيِه  ويُعَوَّلُ  على حُكمِه ،  وما يؤَكِّدُ ذلك  إنتِدابُه من قبل الملك نبوخَذنصَّر سنة 585 ق . م ، للتفاوض نيابةً عنه لإِرساءِ دعائم السلام  بين مملكتي ميديا وليديا اللتين تفاقَمَ الخِلافُ بينهما  مُنذِراً بقيام حَربٍ ضَروس بين الجانبين تَجلبُ  الفوضى والضرر الى المنطقة بأسرها ، فكان مُوَفقّاً في إحلال السلام .

تَوَلّى نبونَئيد الحُكمَ في زَمَنٍ بدأت فيه  المُتغَيِّرات السياسية تجري بسُرعةٍ  ، ويقول المؤرخ  بوستكَيت  بأن نبونَئيد  لم يكن ذلك الملك القوي الذي  تحتاجُه بلادُه  لهذه المرحلة ،  بدليل أن  اهتماماتِه  تركَّزت في غالبيتِها  وبِحَسَبِ كتاباتِه ذاتِها ، على  إِعمار معابد آلهة أكد وسومر القديمة  ،  وقد أفرَدَ  شَرحاً مُفصَّلاً  بِوَلَعِه الشديد  بقراءَة الطالع و حَفر أُسُس المعابد والوقوف على تواريخِها ، وقد اكتشفَ في أُسُسِ معبدِ  حرّأن آثاراً تعود الى عهدَي سركَون الأكدي وحفيدِه نرام سِن ،  وانعكاساً  لتأَثُّره الكبير  بوالدتِه ( أدد قبي - 651 - 547 ق . م )  المُتعبِّدة الكبيرة  للإِله( سين)  قامَ   بترميم وتجديد مَعبَد الإِله  سين  في  اور وتعيين إِبنَتِه ( بعل شالتي ننار) كاهِنةً كُبرى له ، و بالرغم من  وقوع  مدينة  حرّان تحت السيادة الميدية  قام  نبونَئيد  بإِعادة بناء  مَعبَد  ( سين)  في مَسقَط  رأسِه مدينة حرّان  مدفوعاً من  حُلمِه المُدوَّن على اسطوانته القابعة في المتحف البريطاني  ، وهو تَوَقُّعُه  سقوطَ الدولة الميدية  واختفاء حدودها من الخريطة الدولية  ،  إن أعمالَه هذه جلبت عليه نقمة البابليين  بسبب تفضيلِه آلهة المدن على آلهة بابل .

مِن أهم مآثر الملك نبونَئيد تجريده حملة عسكرية على المقاطعات الواقعة شمال غربي الفرات والجزيرة ، حيث تَمَكَّنَ مِن ضَمِّ مُدِنٍ مُهِمة الى مملكتِه ومِنها مدينة ( حارّان Harran ) القائمة على نهر البليخ أحدِ روافد نهر الفرات و ( تيماء Taima  في الديار السعودية الحالية ، تَبعُدُ  عن بابل بما يزيد على ألف كيلومتر ، شَيَّدَ فيها قصراً شبيهاً بقصره الفخم في بابل ، واتخذَ مِنه مقرّاً لحُكمه ، تاركاً لإبنه ( بيل شاصَّر Bel-Shassar ) إدارة  شؤون الدولة . بعكس تَمَيُّز الملك نبونَئيد بشخصيةٍ مرموقة وتمتُّعِه بسمعةٍ عالية ومكانةٍ دوليةٍ كبيرة ، كان إبنُه بيل شاصَّر واهنَ الشخصية عديمَ الدراية والأهلية  لإدارة شوون الحُكم  ، إنتبَهَ  بقايا يهود السبي البابلي الى نقاط  ضعفِه فاستغلوها بشكل يخدمُ مصلحتَهم ويُعَبِّد الطريق أمامهم لإحتلال المراكز الحسّاسة في الدولة ، حيث هَيّأوا له مُختلف وسائل الترفيه واللهو الفاسد فانغمس فيها وأغفلَ الإهتمام بالامور الإدارية ، فانتاب إدارة الدولة التفكُّكُ وعَمَّت الفوضى وتفشّى الفساد والرشوة ، وبسبب هذا التسَيُّب خَلا الجوُّ أمام المُتنفذين اليهود فقاموا ببناء جسور بالخفاء مع الملك الأخميني ( كورش ) الذي كان قد سَرَّبَ أخباراً يَدَّعي أنه ( المسيح المُنتظر ) ، وحيث كان اليهودُ واثقين بأن المسيح مُزمعٌ على القدوم بلا شَكٍ طِبقاً لِمَ تنبّأَ به  أنبياؤهم ،  رأوا في شخص ( كورش ) المُنقذ الذي بإمكانه إطلاقَ سِراحهم مِن أسرهم المُزمِن ،  فعملوا جُهدهم لتمهيد السبيل أمام مُحاولاته لإسقاط بابل ، لا سيما وأنه قد وعدهم بالسماح لهم للعودة الى بلادهم وبمساعدتهم في إعادة بناء هيكل سليمان ، واعتماداً على تَعَهًّد  كورش الذي وَثِقوا به ، رسموا خِطة سرية  سار على ضوئها كورش في مشروعه لإحتلال الدولة الكلدانية  .

في هذه الأثناء  كان الملكُ الميدي  استياكِس  يستولي على بقية مناطق آسيا الغربية ،  ولكن الملك الاخميني  كورش الثاني  تصدّى له  واستطاع  دَحرَه  والاستيلاء  على كامل بلاده ،   ثمَّ  دفعَدتهُ  شَهِيَّتُه  التوسُّعية  بعد احتلاله  للدولة  الميدية ،  للإِنقضاض على  عاصمة  الامبراطورية البابلية  مُنتهزاً  غياب ملكِها  ،   وإِذ  رأى صعوبةً  في مواجهة  إِبن الملك   نبونَئيد   وولىِّ عهده  الأمير ( بيل شاصر Bel-Shazzar )  الذي  كان يَحكُم البلاد  في غياب  والدِه  الذي  اختار الاعتزال الاختياري  في واحة التيماء  في وسط الصحراء و دام اعتزالُه  عشرة  أعوام ،  وجَّهَ  جيشَه  نحو المملكة الليدية وهاجم جيشَ ملكِها ( كرويسس)  المعروف عربياً  باسم  ( قارون)  في منطقة  هالس  فتقهقَرَ الملكُ  الليدي عائداً الى عاصمتِه  سارديس ،   بيدَ أن  الملك الفارسي  كورش  لاحَقَه  في عُقر داره  واحتَلَّ عاصمتَه  سارديس ،  وضمَّ البلاد الليدية الى  مُمتلكاتِه .

بعد أن خَلـت  الساحة  لِكورش الاخميني بعد استيلائه على دولتَي ميديا وليديا ،  ولم  يبقَ أمامَه  مُزاحِم ،  قَرَّر  إِضافة  بابل  المركز الحضاري القديم الى امبراطوريته ، وكان الملك  نبونَئيد  قد عاد  الى  عاصمتِه  بابل  فى  عام 539 ق . م ،  واجتمع  بالنبلاء  وقادة  الجيش  وأمر بالاستعداد للإِحتفال  برأس السنة الكلدانية التي تبدأ في الأول من نيسان  المتوقِّفِ  طيلة غياب الملك نبونَئيد عن البلاد  ،  وأُقيمَت الاحتفالات لعام 539 ق . م وشاركَ فيها الملك نبونَئيد ، وكانت تلك آخر الاحتفالات ، حيث قام الملك الفارسي كورش بضرب الحصار على بابل في شهر تموز لنفس العام 539 قبل الميلاد . 

كانت عودة الملك نبونَئيد الى عاصمته بابل مُتأخِّرةً جداً ،  إِذ كان السيف قد سبقَ العذلَ ،  حيث كان  الملك الفارسي  كورش بالإضافة الى الخطة السرية التي رسمها اليهودُ له  كما نَوَّهنا أعلاه  قد استمال كَهنة المعبد  عن طريق عُملائِه  واعداً إياهم  بإِعادة المكانة العُظمى  للإِله مردوخ  الى جانب امتيازاتهم السابقة  ، كما كان أيضاً  ٌقد  أغرى  قادة  الجيش والنبلاء  بوعودٍ مُجزية  مُظهِراً لهم ذاتَه كَمُنقِذٍ  لبلادِهم من الأزمة الاقتصادية التي تَمُّرُ بها ، ومُساعِداً لهم باستعادة دورهم في شؤون البلاد  للعملِ معه في إِعادة الرَخاء  وضمان الحرية للمعابد . انطلت الخُدعة الفارسية  على هؤلاء واعتبروا الامرَ  مَجَرَّد  تغيير سُلالةٍ  حاكِمة بأفضل  منها جديدة .

وعندما  تأكَّدَ الملكُ الاخميني  من نجاح  خِطتِه  وضمان  ولاءِ الذين تمَّ إِغراؤهم ، تحرَّكَ  في  الشهر السابع من  نفس السنة  539 ق . م على رأس جيش عَرَمرَم  دون أن  يلقى أيَّةَ  مُقاومة  حتى وصل بالقرب من مدينة  اوبيس الواقعة جنوب  بغداد  وعرفت  باسم ( سلوقيا)  بعد زمن  ،  فالتحَمَ الجيشان  واستطاعَ  الجيشُ البابلي  صدَّ هجوم الجيش الفارسي  المتفوِّق عليه عدداً ،  إلاَّ  أن ما قلب  سَيرَ المعركة لصالح  الفرس ،  كانت خيانة  قائدِ جيش كوتيوم < اقليم آشور > البابلي <  اوكبارو >  الذي انضمَّ الى الجيش الفارسي  تنفيذاً  للوعد الذي قطعَه  لكورش  ممّا  أدى الى خسارةٍ  فادحة  تكبَّدَها الجيش البابلي وسقوط  وَليِّ  العهد  الأمير بيل شاصر  قتيلاً  في المعركة  ،  ولم يبقَ بإِمكان الملك نبونَئيد  و بقيَّة  فيالق الجيش البابلي  إلاَّ الانسحاب الى  بابل  العاصمة  في  الرابع عشر من الشهر السابع  ،  وإذ لم يتِمَّ حَسمُ المعركة  كما  توقَّعَها  كورش  أناطَ  قيادة الجيش  بالقائد  البابلي الخائن < اوكبارو >   وعادَ الى عاصمتِه ،  وكان  اوكبارو  القائد الخائن  قد  أفلح  في إِقناع قُوّات مدينة  سُبّار لكي لا تُقاتل الفرس وان الملك الفارسي كورش لا ينوي السوءَ  بالبلاد ، فاجتازَها  متوَجِّها  نحو بابل  لإِطباق الحصار عليها ،  وفي السادس عشر  من  نفس الشهر  اقتحمَ   اوكبارو العاصمة بابل  وهو يقود جيش الفرس بدون قتال  وتمَّ أسرُ الملك نبونَئيد  ، وفي اليوم الثالث من الشهر الثامن  دخل الملك الفارسي  كورش الى  بابل  بدون عناء  حيث سَلَّمَها  له  اوكبارو خائنُ وطنه وأُمَّتِه  مُنهياً  آخر حُكم وطني  لبلاد  ما بين النهرين .  وَصَفَ المؤرخ هيرودتس  حَدَث  الاستيلاءِ على  بابل  عاصمة الكلدان  بأنها كانت  مدينةً عظيمة مُحصَّنة  ما كان بالامكان  فَتحَها بدون مقاومة  وحتى  بغياب كورش  عن قيادة  جيشِه الفارسي  لو لم  تُساهم  بذلك خيانة القائد  اوكبارو  حاكم اقليم  كوتيوم ( اقليم آشور )  ومَن  أدرى  بمداخل  ومخارج  بابل غير  قادتِها  والقائد الخائن  أحدهم   حيث يقول : <  تمَّ  حَشدُ  جيش  كورش الفارسي  عند  مَدخَل  نهر الفرات  الى المدينة  ،  و حَشد  قُوّاتٍ  اخرى  كبيرة  في  موقع  ابتعادِ  النهر  عنها ،  وأُمِرَت  القوات  المحتشِدة  على المَدخَل  بدخول المدينة  متى  وجدوا عُبورَه  ممكناً ،   وجرى  دخول الجيش عِبرَ  مجرى نهر الفرات ،  وبالنظر  لضخامة  المدينة وسعَتِها - بحَسَبِ رواية السكّان - فقد  هُزِمَ   المُتواجدون  في الأماكن الخارجية ،  بينما  ظلَّ  الذين في المناطق الداخلية  من المدينة  مُنهمِكين  في  الرقص احتفاءً  باحتفال أُقيم   بإحدى المناسبات ،  ولم  يعلَموا  بما  يجري  إلاَّ  بعد  فوات  الأوان >    وهكذا  سقطت  بابل العظيمة  بسبب  الخيانة  والإهمال  وأُدمِجَت  بلادُ  ما بين النهرَين   بالمملكة  الفارسية  .

هكذا سقطت الإمبراطورية الكلدانية بسبب التآمر اليهودي الدنيء وخيانة القائد اوكبارو  وكهنة المعبد ، وبذلك غابت شمسُ بابل العِلم والحضارة التي أضاءَت العالَمَ بشُعاعِها ردحاً مِن الزمن طويلاً ، تلك المدينة العظيمة التي وصفها إرميا النبي بقوله : <  كانت بابلُ كأسَ ذَهَبٍ بيدِ الرَّب ، تُسكِرُ كُلَّ الأرض ، مِن خَمرها شَربَت الامم ولذلك فقدَت رُشدَها. إرميا 51 / 7 >  وقال عنها النبي إشعيا:< بابل زينة الممالك وبهاء فخر الكلدانيين . إشعيا 13 / 19 >   إن سقوط  بابل عاصمة  الكلدان التاريخية والمركز الحضاري القديم ، وضعَ حَدّاً فاصلاً ونهايةً لآخر حُكم وطني أصيل لبلاد ما بين النهرين ، وبدايةً  لتعاقب الإحتلالات الأجنبية  . وما دمنا قد تحدَّثنا عن العصر الكلداني  الزاهر فلا بُدَّ  أن نُشيرَ الى الدور الحضاري الريادي للكلدان ولو بشكل مُختصر .

دور الكلدان الريادي في تطور الحضارة الإنسانية


في عام 1157 ق .م تَوَلَّت الحُكمَ في بابل السُلالة البابلية الرابعة بقيادة الملك ( مردوخ كابت أخيشو ) ومِن أشهر ملوك هذه السُلالة كان ملكُها الرابع ( نبوخَذنَصَّر الأول 1125 - 1104 ق . م ) الذي على عهدِه تَمَّ طردُ العيلاميين من اقليم نامار الكلداني الحدودي ، ثُمَّ تعاقبت على الحُكم أربع سُلالات اخرى ،  وكان مؤَسِّس السُلالة الثامنة الملك ( نابو موكين ابلي عام 978 ق . م )  مِن مملكة  ( بيث - دكوري ) ومِن بين ملوك هذه  السُلالة( أريبا مردوخ 770 - 760 ق . م ) خَلِفَه الملك ( نابو شمو اشكن 760 - 747 ق . م ) وفي نهاية  شهر  شباط  مِن  نفس العام 747 ق . م تَسَنَّمَ عرش  بابل الملك ( نبوناصَّر Nabonassar 747 - 734 ق . م )  مؤسِّسُ السلالة البابلية التاسعة ، كان ملكاً  ذا اعتزاز شخصيٍّ كبير ومَيلٍ الى إعلاءِ  شأن الحضارة  والعِلم ،  ولشدة وَلَعه  بهذا الشأن صَنَّفه المؤرخون كأحد علماء حضارة العهد القديم ،  في عهدِه انتقلت بابلُ الى عصر مُزدهر شَهِدَ تطوراً كبيراً في عِلم الفلك ،  وكان اهتمامُ هذا الملك الشديد بتدوين كافة الظواهر والأحداث وتوثيقِها بشكل دقيق مدعاةً لشُهرته ،  فقد أمر بتدوين كُلِّ ما يَطرأ في  المجال الكوني مِن ظواهر فلكية وطبيعية ، مِثل رَصدِ حركة الكواكب والنجوم وظاهرتي الكسوف والخسوف وتسجيل قياسات مناسيب الأنهار وتَبَدُّل أحوال الطقس ، ويقول  جان اوتس في كتابه ( بابل Babylon ) ص. 113 بأن المصادر التاريخية اليونانية القديمة قد أشارت : <  لقد قامَ  الكلدانُ  منذ عهد الملك نبوناصَّر 747 ق . م  برصدِ  كافة حركات  الكواكب  والنجوم المعروفة  حينذاك  وتدوينها  بدِقةٍ  متناهية ،  وقد استندَ  فيما بعد  الفلكيون  والرياضيون اليونانيون الى عِلم الفلك الكلداني  واعتمدوه مَصدراً  لبناء معلوماتهم بهذا المجال >  .

أما ( ادورد كييرا ) العالِم  الآثاري الكبير  فيقول  في  كتابه ( كتبوا على الطين ص . 172 ) : <  لقد  بلغَ  الكلدانُ  مرتبةً  مُتقَدِّمة  في علوم الجبر و الهندسة و الفلك ،  فإن  العالِمَين  الفلَكِيَين
 ( نابو ريماني Nabo-rimani ) الذي كان يعيش في بابل عام 500 ق . م  و ( كِدانو Kidanno ) قد طوَّرا عِلمَ الفلك ووصلا به الى درجةٍ  مُتقَدمة تَمنحُهما استحقاقاً لدَرج اسميهما  بموازاة  العلماء  غاليلو و كبلر و كوبرنيكوس ، إذ  في  سنة 367 ق . م  تَوَصَّلَ العالِمُ  < كِدانو > الى تقدير  مدة السنة الشمسية  بدقةٍ  متناهية  لم  يتعدّى الفارق  بينها  وبين  ما  هو معروف اليوم إلاّ  بزيادةٍ  قدرُها أربعُ  دقائق ونصفُ الدقيقة .  ويقول المؤرخ (  جورج رو George Roux ) < لقد تَوَصَّلَ الكلدان ومنذ القرن الثامن عشر ق . م الى استنتاج الجذرَين العَدَدِيَين التربيعي والتكعيبي  وبتطابق كبير لِما هو معروف عنهما اليوم > . ويُقال أن العالِمَ  فيثاغورس ابتكر نظريته اعتماداً على نظريةٍ مُشابهة سَبَقَه الى اكتشافها العلماءُ الكلدان قبل عشرة قرون مِن الزمان ، وكذلك وضعَ الكلدان نظامَ قياس للدائرة تحديداً ب ( 360 درجة ) وللاُفق ( 180 درجة ) .

وقبل أكثر من ثلاثين قرناً ابتكرَ الكلدانُ النظامَ الزمني الستيني المُتَبَنّى مِن قبل العالَم أجمع حالياً ، وهو احتساب الزمن بتقسيم ( الساعة الى ستين دقيقة والدقيقة الى ستين ثانية ) بالإضافة الى ابتكارهم للوحدة الزمنية  < اليوم - الشهر - السنة >  والشهرَين الشمسي والقمري Lunar & Solar Calender وذلك بِمُراقبتهم لواحدةٍ من دورات القمر ( شهراً تِلوَ شهر )  وتَداعياتِها نِسبةً  الى الزمن ،  حيث اتَّضحَ  لهم  بأن  كُلَّ اثنَتَي عشر  دورةٍ  قمرية  أي  بدءاً  بظهور القمر  واختفائه ،  يَتِمُّ  خلالها  تَكرارُ  وتَجَدُّدُ  فصول السنة ،  وقرَّروا  اعتماد  الأولَ  من  شهر  نيسان    ( نيشان Nishan بدايةً  لكُلِّ سنة جديدة ، واعتبروه عيداً قومياً تتخللُه احتفالات كبيرة مُطلقينَ عليه اسم ( أكيتو أو أخيتو = حَيُّوثا ) وتعني  الحياة  ،  حيث كان الاعتقادُ  سائداً  لديهِم  بأن الحياة والطبيعة تتجددتان في ذلك اليوم ،  ناهيكَ عن اكتشافهم المُدهش بأن الأرضَ والشمسَ والقمرَ  وخمسةَ  كواكب اخري تُشَكِّلُ مجموعة تَرتبِط  ببعضها البعض ، وهي نظرية  ثابتة  لم يَتسَنَّ  للعالَم إدراكَها إلاّ بعد مرور عشرين قرناً من زمن اكتشافها مِن قبل الكلدان ، ومِن ضمن اكتشافاتِهم الفلكية الاخرى ، ابتكارُهم التقويم الشمسي القمري على أساس أن كُلَّ ( 235 ) شهراً قمرياً  تُعادلُ ( 19 ) عاماً شمسياً ،  وللتوفيق بين السنتين الشمسية والقمرية ، نَظموا تقويماً يستندُ الى احتساب ( 13 ) شهراً لكّلِّ سنةٍ مِن السنين السبع مِن كُل ( 19 ) سنة  ،  وقد اقتبسَ يهود السبي البابلي هذا التقويم الذي وضعه الكلدان  ولا زالوا يستعملونه لغاية اليوم .

وعن تَفوُّق الكلدان في مجال عِلم الفلك ، يقول الباحثُ الآثاري ( لانكَدون Langdon ) <  إن أول مَن أوجدَ  نظرية الأبراج  واستطاع  تحديد َ مسار الشمس واحتسابَ  منازلها بدقةٍ  مُذهلة  كان العلماءُ الكلدان منذ سنة 700 ق . م ، كما نَظَّموا جداول زمنية لظاهرتَي الكسوف والخسوف لمِئات السنين اللاحقة > .  أما المؤرخ الفيلسوف ( بِليني Piline ) فيقول عن أنواع الفن الكلداني ما يلي : <  إن مهارة الكلدان في ميادين الرسم والفن والعِلم ، جعلتهم  يستحقون لنيل شرفِ  الامتياز  والتفوق على معاصريهم الآخرين ،  فشُهرة النسيج البابلي أخذت  موقعاً مرموقاً  لدى الفُرس واليونان والرومان .

أما مَهارة الكلدان وتفوُّقِهم  في عِلم المياه ( العِلم الهيدرولوجي ) فقد بَرهنَت عليه  الجنائن المُعلَّقة  في بابل التي عُدَّت إحدى عجائب  الدنيا السبع في العهد القديم ،  تلك التي أوقعت العلماءَ حتى يومنا هذا في حيرة  مِن  الطريقة  التي استخدمها  المهندسون الكلدان قبل ألفين وخمسمائة عام لايصال المياه الى ذلك العُلوِّ الشاهق .  وقد عثر المنقبون في منطقة بابل مؤخراً على  بطارية جافة لا تختلف كثيراً عن البطاريات الجافة الحديثة التي تُستَخدم في توليد القوة الكهربائية ،  قالوا بأن تاريخها يعود الى عهد الدولة الكلدانية  . والى الحلقة الخامسة قريباً .

الشماس كوركيس مردو
في 2 / 4 / 2007


255
تسمية سورايا - سورايي خطوة الى الوراء

لا يخفى على أبناء شعبِ امتنا بكُلِّ تسمياتِهم أنهم قد ابتلوا بعددٍ كبير مِن أرقام القِوى التي تَدَّعي العملَ لصالحهم ، واكتشفوا مِن خلال مواقفِها وفعالياتِها، بأنها قِوى مُتنافرة ومتناحرة فيما بينها ، تسعى كُلٌّ مِنها الى تحقيق برنامجها المصلحي الأناني الضيِّق مُستَتِرة خلف يافطة خِدمة الشعب والامة ، بينما الحقيقة هي خدمة ذاتِها على حساب هذا الشعب ،  فبدلاً مِن أن تغتزل هذه القِوى عددَها الرقمي الكبير الى أصغر رَقم  مُمكن ، ليكونَ بمقدورها السير في مسار مُشتركٍ وبطريقٍ مُعَبَّدٍ واحدٍ للوصول بأمان ونجاح الى الهدف المنشود ، نتفاجأ ببروز رقم إضافيٍّ جديد كان ظهورُه قد تّمَّ إعدادُه بالخفاء ثمَّ أعلن عن قيامِه بعقد مؤتمر في عنكاوا وحَدَّد الموعدَ يومي 12 و13 مِن آذار المنصرم  دون اعتبار لرأي جهاتٍ اخرى طالبت بضرورة إعطاء مجال أطول مِن أجل التهيئة لحضور المؤتمر .

وكالعادة كان هنالك مَن نَدَّدَ بالمؤتمر ومَن أيَّدَه ومَن لم يرَ فيه ما يُمَيِّزه عن المؤتمرات التي سبقته وما أكثرها ، فبالرغم من قصر الفترة الزمنية الفاصلة ما بين الإعلان والإنعقاد ، إلا أنها كانت أكثر تطبيلاً اعلامياً وأوفر تحشيداً بشرياً وأغزر دعواتٍ واتصالاتٍ وأوسع نشراً للبوسترات الدُعائية والشعارات الطنانة وكان السخاء في الصرف ظاهراً للعيان ودون أن يُعرفَ مصدرُه ، وإذا دَلَّ ذلك على شيء فبلا شكٍ يدلُّ على  أن سيناريو عقد هذا المؤتمر قد أُعِدَّ بشكل مُتقن ليلعبَ المدعوون الرئيسيون النُخبة الدورَ المطلوب مِنهم أما المشاركون الباقون فكان دورُهم مُهمَّشاً مِن دون أن يشعروا بذلك ، طِبقاً لذلك لا يُمكن اعتبار المؤتمر شعبياً ولا شاملاً  لخُلُوِّه أولاً مِن مُمَثِّلي أحزاب شعبنا الكلدانية والآثورية والسريانية التي تُمثِّل شعب امتنا بكُلِّ تسمياتِه رسمياً وقانونياً شاء البعض أم أبوا ، فهي  نابعة مِن هذا الشعب وليست مِن شعبٍ آخر غريب ! ولأن الدعوات لعقده وُجِّهت الى أشخاص غالبيتهم لا يعنيهم أمر شعبنا وما يُعانيه مِن فرقةٍ وتشتُّتٍ بشيء ولذلك جرى التعتيمُ على أسمائهم ، أما حاملو هموم الشعب ومُثقفوه فقد جري إبعادُهم عن المشاركة ثانياً .

فور اختتام مؤتمر عنكاوا أعماله ، إنبرى بعضُ المُشاركين فيه وغير المُشاركين للإسهاب في وصفِ الظواهر الايجابية التي اقرَّها المؤتمِرون والمكاسب والإنجازات التي يأملون تحقيقها ،  ومِمّا لا ريبَ فيه أن أيَّ اجتماع يُعقد سياسياً كان أو ثقافياً أو شعبياً لا بدَّ ان تَنتجَ عنه نتائجُ ايجابية بحسب رأي أصحاب الإجتماع ، ولكن الآخرين يعتبرونَ أن  تأثيرَها ينعكسُ سلبياً على مصلحة الامة وشعبِها بحسب رأيهم ،  وهذان الموقفان المتناقضان يجعلان الطرفين يدخلان في صراعٍ جدلي يؤدّي الى إعاقة المسيرة ، وعِوض أن تتقدَّمَ خطوة الى الأمام ترجع خطوتين الى الخلف  ،  والعمل الذي أقدم عليه مؤتمر عنكاوا كان غريباً ،  ففي الوقت الذي أعلنَ أنه ليس بديلاً عن الآخرين ، قرَّرَ في ذات الوقت تهميشَهم أو تغييبَهم لحين انتهائه مِن تثبيت تسميته  وتقرير تطلعاتِه  ورسم برنامجه السياسي المستقبلي ثمَّ الطلب مِن الجميع التقيُّدَ به وتوحيد الخطاب على ضوئه ! ألا يُعتبَرُ ذلك انقلاباً وميلادَ خَطٍ سياسي جديد بديلاً عن الكُل ووصياً  عليهم ؟ لم يكن بإمكان المؤتمر أن يجمع كُلَّ ذلك الحشد الهائل لو لم يكن هنالك جهة خفية وَفَّرت له كُلَّ مستلزمات الدعم !

إنَّ أفدحَ خطأٍ ارتكبه مؤتمر عنكاوا كان العزفُ على أوتار التسمية التي مَلَّ شعبُنا مِن سماعِها لأكثر مِن ثلاث سنواتٍ مضت ، فأعاد تذكير الشعب بها مِن جديد مُبتدِعاً تسمية ( سورايا - سورايي ) هي نشاز قومياً وليس دينيا ، إنها تسميتنا الدينية بحسب لغتنا المحكية الدارجة والتي تعني ( مسيحي - مسيحيين ) هل يُعقلُ أيها الناس بعد كُلِّ هذا الصراع الطويل والمرير عِبرَ الزمن الذي عاناه آباؤنا وأجدادُنا حفاظاً على تسمياتهم القومية التاريخية نأتي اليوم نُلغيها بجرة قلم ! ونتخذ تسمية دينية لا يعرفها غيرنا ؟  ماذا نقول لإخوتنا في الوطن العرب والأكراد والتركمان إذا سُلنا مَن نحن ؟  هل نقول لهم سورايي ! وإذا قالوا لم نسمع قوماً بهذا الاسم ولم يُذكر في الدستور ، ماذا يعني ؟ هل نكذب عليهم ونُنكر معناه الديني ؟ مِن ناحية اخرى سيقول السريان إنه رديف لإسمنا لأن لفظة ( ܣܘܪܝܐ - ܣܘܪܝܝܐ - سورايا - سوريايا = مسيحي أو نصراني ) ويتحداهم الآثوري قائلاً  _ ܣܘܪܝܐ تعني ܐܬܘܪܝܐ سورايا تعني آثوري - آثورايا ) وكلتا الطائفتين لا يناهز تعداد شعبيهما  20 % مِن تعداد الشعب الكلداني ،  فهل يقبل الشعب الكلداني التنازل عن تسميته القومية  ويستبدلها بالسريانية أو الآثورية ؟ ويا ليتَها كانت تسمية قومية !

لا استطيع القول بأن نيّات المؤتمرين لم تكن صافية أو صادقة ، وإنما التسمية المُقترحة ( سورايا - سورايي ) كانت جداً خاطئة  وستجعلُ مِنا اضحوكة  ! ويا للعجب كيف لم ينتبه إلى ذلك البعضُ مِن ذلك العدد الكبير  بصفتهم كُتّاباً واكاديميين وباحثين وشمامسة ومؤرخين ! وهل فاتهم أن هذه التسمية المُبتدعة  ستوقد نار الصراع مُجدداً بين اطراف شعبنا الثلاثة ؟ ولماذا البَحثُ عن غير الموجود وإلغاء الموجود  والمُثبَّت  في الدستور الفيدرالي ومسودة الدستور الاقليمي ؟ وهل يعتقد مُبتدعوها مهما رَوَّجوا لها في كُلِّ وسائل الاعلام ، بأنها ستكون أكثر ثباتاً مِن سابقاتِها ؟ كلا وألف كلا ، فقد وُلدت ميتة وستُقبر أسرع مِنها !

على كُلِّ طرفٍ مِن أطراف المعادلة القومية الثلاثة إذا عزمَ على عقد مؤتمر بصدد الرغبة في توحيد الخطاب القومي فليرتكز على أساس التعاون والتكاتف فقط  ، دون التطرُّق الى موضوع التسمية الذي يجلب الدمار بدل الاعمار ، فلكُلِّ طرفٍ تسميته القومية التاريخية يستحيل عليه التفريط بها على الإطلاق ، ومهما بذل المناورون السياسيون مِن جهدٍ ومال ومهما قدموا مِن إغراءاتٍ ووعود فإن مساعيهم ستبوء بالفشل ، فليصفوا نياتِهم ويعملوا بصدق وايمان راسخ بعدالة قضيتهم ، أما العناد والتعصُّب فليس بصالح أيِّ منهم .

الشماس كوركيس مردو
في  3 / 4 / 2007


256
      [size=12pt]الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

                                       مُسَلسَلٌ بحلقاتٍ مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتقَب صدورُه مطلع العام القادم بعون الله

                                                                                                              الحلقة الثالثة

بروز العهد الإمبراطوري الكلداني

 بعد تَوسُّع شهرة الملك آشور بانيبال ( 668 - 627 ق . م ) وامتِدادِ سُلطتِه الى آفاقٍ لم يحلم بها أسلافُه ، تَمَلكَتهُ الكبرياءُ الى أقصى مَدياتِها ، ونتيجة لذلك تغَيَّرَت نظرتُه نحو أخيه  شمش-شم-اوكن  المالك على بابل، وتَحَوَّلَت مُعاملتُه له مِن أخ الى تابع ، فثَقُلَ الأمرُ على  شمش-شم-اوكن كثيراً ، ولشعوره بخطر أخيه آشور المُبيَّت ضِدَّه تَحَرَّكَ لتدارُكِ الموقف فبدأ بعقد تحالفاتٍ مع العيلاميين ولَبَّت نِداءَه  قبائلُ آرام الكلدانية ، وأعلن الإستقلال عن دولة آشور  عام 652 ق . م عاقداً العزمَ  على الدفاع عن الدولة البابلية المُستقلة . لكن آشور بانيبال فقد اعتبر ما قام به أخوه شمش-شم-اوكن تَمَرُّداً ، فجَرَّدَ حملة عسكرية ضِدَّه وأحكم حصاراً مُدَمِّراً على بابل .    لقد كان لهذا التَمَرُّد وما أعقبه مِن قتال ودمار وللحملات العسكرية السابقة التي قادها  سركون الثاني  (عام 707 ق . م ) ونجلُه سنحاريب ( عام 691 ق . م ) ضِدَّ بابل وكافة الممالك الكلدانية ، تداعيات ونتائج بالغة الخطورة جَلَبَت الوبال على الأطماع الآشورية وأفقدَتها طموحاتها  في الدولة البابلية التي تَعَرَّضت بُنيتُها التحتية لأَفدَح الأضرار .

كان الملك شلمنصَّر الثالث ( 858 - 824 ق . م ) أحكم الملوك الآشوريين مِن حيث موقفه مِن المملكة البابلية ، حيث أبرمَ عام 851 ق . م  مع الملك البابلي  مردوخ ذاكر شمي مِن السُلالة البابلية الثامنة إتفاقية وُدٍّ وصداقة ، بينما الملوك الآشوريون الآخرون ولاسيما ملوك السُلالة السركَونية 721 - 627 ق . م لم يكن سلوكُهم حِيال فّضِّ مشاكلهم مع دولة بابل والممالك الكلدانية الاخرى وُدِّياً بل كان تعامُلُهم معها إستعلائياً يَغلُبُ عليه الطابع العسكري العنيف ، وهو ما خَلَقَ انطباعاً سَيِّئاً وشعوراً بالسُخط  والتَذَمُّر لدى الشعب البابلي والكلداني معاً ضِدَّ الدولة الآشورية  ، وهذا كان سبباً لعدم ثَبات سيطرة الآشوريين بصورة مُستديمة لإفتقارهم الى قاعدة شعبية في الداخل تُدافع عن وجودِهم ، فكانت سيطرتُهم مُتقَطِّعة ، ولذلك بعد أندحار الملك شمش-شم-اوكن أمام أخيه الملك آشور بانيبال ، وقيام الأخير بوضع يَديه بيدي بيل (الإله مردوخ ) تنفيذاً للتقليد المُتَّبَع لإمكانية اعتلاء عرش بابل ، فأصبح ملكاً على بابل ، وقبل مغادرته بابل عام 648 ق . م  قام بتولية أحدِ  قادة جيشه  مُمَثِّلاً  له كحاكم على بابل إسمُه  شمش دناني ،  ولكن سُرعان ما أطاحَ به زعيمٌ كلداني يُدعى ( كندلانو Kandalano ) بحركةٍ عسكريةٍ سريعة وناجحة ، وفرضَ سيطرتَه التامة على كُلِّ أنحاء البلاد ، بيدَ أن الامور في أواخر عهدِه مالت الى الإضطراب مِما ساعد آشور بانيبال على استعادة بابل ثانيةً وتنصيب إبنه ( سِن شار أشكون  Sin Shar Ashkon ) حاكماً عليها ، باستثناء الاقليم الجنوبي لبابل الذي استمَرَّ تحت سيطرة كندلانو .

                                                                                                                                                                                                                                                         كان النصفُ الأول من عهدِ آشور بانيبال مليئاً  بالأحداث  وكانت مُعظم نتائِجها  لصالحِهِ ، أما نصفُهُ الثاني  فقد شَهِدَ اضطراباتٍ إلاَّ أن نطاقَها لم يتَّضِح إلاَّ بعد موتِهِ عام  627 ق . م ، حيث اشتدَّ الصِراع بين أبنائه ، واستطاعَ إبنُهُ ( آشور أتِلُ ايلاني  ) الاستيلاء على العرش عام 626 ق . م ، وفي عام 623 ق . م إغتصبَ  العرشَ ( سِن شَمُ ليشير ) لبضعة أشهر ثمَّ  استعادَهُ ( سِن شَر أشكِن  623 - 612 ق . م ) شقيقُ ( آشور أتِلُ ايلاني)  وعلى عهدِهِ  سَقَطَت  نينوى  عام 612 ق . م   بعد موت آشور بانيبال  تمكَّنَ حاكمُ القطر البحري( نبوبلاصَّر ) حفيدُ  نبوخذنصَّر الأول وابن الملك( بيل ابني ) الذي أقامه الملك  سنحاريب  ملكاً  على بابل عام 702 - 700 ق . م  من الزحف على رأس جيش نحو بابل قادماً مِن مدينة الوركاء ( اوروك ) ودخلها مُظفراً بالنصر في شهر تشرين الثاني مِن عام 626 ق . م  وفرض حُكمَهِ على  بابل  ومنطقة الجنوب  بأكملها  ، مُعلناً  أنه  الملكُ  الكلداني الشرعي  لعموم الاقليم البابلي  بعد أن قام  بتوحيد القبائل الكلدانية  ومُدِنهِم  تحت الراية والهوَّية الكلدانية الواحدة  ،  سَطَعَ نجمُهُ  إثْرَ تَصفيتِهِ للوجود العسكري الآشوري ، وباشرَ بتوسيع رقعة مملكتِهِ  في الجِهات الشرقية والغربية والشمالية  مُستغلاً ما آلت إليه الدولةُ الآشورية من الضعف والتراجع والانحسار ، وهكذا على يَدَي نبوبلاصَّر إبتدأَ عصرُ الإمبراطورية الكلدانية ودام ( 87 عاماً ) بدءاً مِن ( 626 - 539 ق . م )  تعاقب على الحُكم خلال هذه الفترة ستة ملوك .  ومن أهمِّ العوامل التي ساهمَت في سقوط الدولة الآشورية ،  هو وَلَعُ  الملوك الآشوريين  المُفرط  في الاستيلاء على بلدان الشعوب الاخرى ونهبِ  خيراتها  واستغلال كفآت أبنائها وفي الغالب تدمير حضاراتها  العمرانية  ممّا  جَلَبَ عليهم  الاستياء والتذمُّر .

الملك نبوبلاصَّر Nabopolassar
( 626 - 605 ق . م ) مؤَسِّس الإمبؤاطورية الكلدانية .

 الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ الملك الآشوري سنحاريب ، فهو إذاً أحد أحفادِ  الملكِ  الكلداني الثائر ( مردوخ بلادان )  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب (الملك آشور بانيبال ) ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانيبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا آلت إليه في أواخر فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية عشر الدولة  الكلدانية  أو البابلية  الحديثة  ثمَّ  الامبراطورية  الكلدانية  أو الامبراطورية  البابلية  الحديثة  .  قامَ  بتصفية الوجود  العسكري الآشوري من المناطق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب  ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة المناطق التابعة له حتى حدود  آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك  آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة / جيمس هنري  ترجمة أحمد فخري ص. 231  وهنالك  مصادر اخرى كثيرة >  ضمنَ مساحة الدولة البابلية  الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام  وفلسطين  ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم  الميديون  مضمونَ المعاهدة  المعقودة  بينهم  وبين الكلدان ،  واكتفوا  بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من العواصم الآشورية ، واحتفظوا بالاقاليم الشمالية  والشمالية الشرقية  لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها قبل عقد المعاهدة ، حيث كانوا قد احتلوا كركوك عام 615 ق . م  وفي عام 614 ق . م  إستولوا على مدينة ( طربيسي Tarbissi ) الواقعة  شمال العاصمة  نينوى ( شريف خان حالياً )  ثمَّ أغاروا على مدينة ( كالح Kalah ) ( نمرود الحالية ) وتلتها مدينة ( آشور Ashur ) ، وكان كُلُّ ذلك يجري وفق الخطة المُتفق عليها  بينهم  وبين الكلدانيين ،  ولكن الميديين لم يحتفظوا بهذه المناطق الجبلية ( كُردستان الحالية ) إلا فترة غير محدودة المدة ،  ثمَّ تركوها  بأكملها  للكلدان عائدين الى أماكنهم الأصلية ، ومنذ ذلك ظهر التواجد الكُردي في شمال العراق وهذا ما يؤَكِّد بأن اصول الأكراد هي ميدية ، وهكذا انضمت تلك الأقاليم الي الأقاليم الغربية فخضعت بمجموعِها  لسُلطة الدولة الكلدانية  وبخاصةٍ العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِلَها أبناء الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .

الملك نبوخَنصَّر الثاني Nebuchadnezzar II
( 605 - 563 ق . م ) أعظم ملكٍ كلداني !

لُقِّبَ الملك نبوخُذنصَّر بالثاني  تمييزاً له عن الملك ( نبوخُذنصَّر الاول 1125 - 1104 ق . م )  ملك سُلالة  بابل الرابعة  الذي طَهَّرَ أرض وادي الرافدَين من العيلاميين الذين كانوا قد  دخلوا  مدينة بابل غفلةً ، وعَمِلوا فيها نَهباً ، ثمَّ سرقوا تمثال بيل ونقلوه الى اقليم نابار الكلداني الواقع تحت سيطرتِهم .  وُصفَ  نبوخَذنَصَّر  الثاني  بالملك  المقدام  ونابغة  الزمان  ، فخر البابليين  والأعظم  بين  ملوكِ  الكلدان  ،  الفاتح  الكبير  ومُوَحِّد  الشرق  القديم .  و قد  دعاه  الربُّ  القدوس  في  سِفر إرميا  ( نبوخَذنَصَّر ، ملك بابل ، عبدي )  <  أنا  صَنَعتُ  الأرضَ  والبشرَ  والبهائم  التي  على  وجه الأرض ، بقوَّتي  العظيمة  و بِذراعَيَّ  المبسوطة ، وأعطيتُها  لِمَن  حَسُنَ  في عَنَيَّ . والآنَ  قد  أسلَمتُ  أنا  جميعَ هذه الأراضي الى  يدِ  نبوكَد نَصَّر ملكِ بابل ، عبدي  وأعطيتُه  أيضاً  وحوشَ الحقل  لِتَخدِمَه  . . . إرميا  27 / 5 - 6  > .

يُفيد المؤرخ يوسيفوس : بينما كان نبوخَنَصَّر يواصل حملتَه ضِدَّ فلسطين ومصر ، وما إن أشرفَ على دِلتا نهر النيل حتى أُبلِغَ بأن والده قد دَخَلَ في مَرحلة الإحتضار ، فأناطَ قيادة الجيش بالمُقَرَّبين إليه وعاد الى بابل بصحبة حرسه الخاص ، ترأسَ مراسيم دفن والده الى جانب شقيقه  نابو شِم ليشير ، وبعدها مباشرةً نوديَ به ملكاً على بابل ، وفي الآول مِن نيسان عام 604 ق . م رأس السنة الكلدانية البابلية / أكيتو ، أمسك بيد بيل ( تمثال الإله مردوخ ) مؤَدياً الطقس المُتَّبَع في اعتلاء العرش البابلي ، وكانت تلك سنة بداية حُكمه الملكي الرسمي .

عظمة نبوخَنَصَّر

يقول المؤرخ  والآثاري نيكولاس بوستكَيت  إن عَظمَة  نبوخُذنصَّر  وشُهرتَه التي طَبَّقت الآفاق  لم توصِلْه  إليها ،  إنجازاتُه  العسكرية  الباهرة  التي  لم تَقِلَّ  عن  إنجازات  أعظم  الملوك  الأكديين والآشوريين إن لم تَبُزَّها فَحسب ،  بل ما أسبغه  من المَجدِ الى بابل عاصمتِه  وعاصمةِ  حمورابي  من قبله ، التي تعرَّضت للتدمير مرَّتَين على أيدي سنحاريب وحفيدِه آشور بانيبال ،  فكانت أبنيتُها بحاجة الى ترميم  وتجديد ،  وقد بدأ العملَ بذلك مؤسِّسُ الدولة البابلية الحديثة الملك نبوبيلاصَّر ، بيدَ أن  انشغالَه الكبير في تقوية دعائم مملكتِه لم يترك له فراغاً من الوقتِ لتكريسِه لِما كان يطمَحُ إليه من مشاريع عُمرانية كبيرة ، إلاَّ أن تلكَ المُخطَّطات التي كان يصبو الى تحقيقِها  قامَ  بتنفيذِها  بشكل  مُتطوِّر  وحديث  إبنُه  الملك العظيم  نبوخُذنصَّر الثاني ،  الذي سخَّرَ  لهذا العمَل الجبّار  كُلَّ قابليات ومَهارات  الأسرى الذين جَلَبَهم من مُختَلَف البُلدان  فكان بينهم  السوريون واليهود  والمصريون  والعرب  وغيرُهُم ،  فغَدَت بابلُ  على عهدِه أجمَلَ  وأعظمَ  مدن  العالَم القديم ،  حيث  كانت تنتصب بأُبَّهةٍ لا نظير لها زَقُّورةُ الاله ( بيل )  على شكل بُرجٍ عظيم  مُكوَّنٍ  من سبعة طوابق ، وكُلُّ طابق مُخَصَّصٌ لأحَدِ الآلهة السبعة ومَطلِيٍّ  بلون مُختلف ،  فالطابق الأسفل أو الأول  كان  مَطلياً باللونِ الأسود  والثاني بالأبيض  والثالث بلون القُرمز  والرابع بالأزرق  والخامس بالأحمر  والسادس باللون الفضِّي  والسابع باللون الذهبي  وعلى سَطحِه  يترَبَّعُ  تِمثال الاله ( بيل) ا لمنحوت من الذهب الخالص  والبالغ ارتفاعُه عشرين قَدَماً ، تقبَعُ الى جانبِه  مائدةٌ مصنوعة من الذهب الخالص أيضاً .  كانت هذه  الزَقّورة  بِحسبِ  ما  ذكره المؤرخ  يوسيفوس مُشيَّدةً  من قبل الملك الكلداني الأول ( نمرود الجبار )  وهي البُرج  الذي ورد  ذِكرُه في  سِفر التكوين  - الفصل الحادي عشر .  وبحَسَبِ المؤرخ < فريتز كريشن >  ان  المعلومات  عن بُرج  بابل  أُستُقِيَت  عن وَصفٍ  أفردَهُ  له  المؤرخ  هيرودتس ،  وعن  نَصٍّ  مسماري  لكاتبٍ بابلي يُدعى < أنو بيل شونو>  وكتاب التوراة ،  أما  الغَرَض الذي من أجلِه شُيِّدَ البُرج فكان لتقديم فروض العبادة  للإِله مردوخ الذي جُعِلَ موطِئاً لقَدَمَيه  وفقَ  ما دَوَّنَه  نبوخُذنصَّر في اسطوانتِه التي  نقتبس بعضَ المُفردات الواردة فيها :

 أنا  نبوخُذنصَّر  ملكُ بابل ،  إبن  الملك نبوبيلاصَّر  البِكر ،  الحاكم الكبير  المُختار  من  قبل الإِله ( مَردوخ )  الحاكم الأكبر ،  المحبوب  من  قبل إِله الكتابة  والمعرفة ( نابو) ،  الباحث  عن  الحياة المُرفَّهة ،  مُجزِل الهدايا  لإيساكلا  والمُهتَم بامورها ،  الشامِخ الرأس بفضل ( مَردوخ ) الذي سَلَّطَني على الأقاليم النائية ،  المُتَرَدِّد الدائم  على معابد  إبنِ ( مردوخ)  نابو  وريثِه الشرعي ، والدي نبوبيلاصَّر  ملك بابل  نَظَّفَ  موقع  البُرج ( زَقّورة بابل )  ووضع حَجَر الأساس ،  أقامَ  جُدرانَه الخارجية  على ارتفاع  30 ذِراع  ،  طلبتُ  من جميع  سُكّان الأقطار  القريبة  والقصيّة التي  أولاني حُكمَها سيدي ( مردوخ )  ليُساهِموا بالبناء ،  فجلبوا خشب الارز والصنوبر  ،  أقَمتُ لسيدي ( مردوخ)  صَرحاً عالياً  على هيئة مَعبَدٍ  للآلهة  أجمل ممّا كان عليه  في الماضي . . .  !

بالرغم من اعتراف العالَم القديم بأسره  منذ بداية حُكم الملك العظيم حمورابي ، بأن بابل كانت المدينة الرئيسة الاولى في الجنوب ، وأن شُهرةَ عرشِها الملكي كان ذا سُمعةٍ عظيمة ، ولكن ما شيَّدَه الملك نبوخَذنصَّر الثاني من المعابد والقصور والمباني ، جَعلَها أعظمَ مدينةٍ عَرفَها العالَم آنَذاك ، ويقول الآثاري  بوتسكَيت ان الواقع الذي دَلَّت عليه  تنقيبات < كولد فاي>  لا يُعطي  مُبَرِّراً  لإعتِزاز نبوخَذنصَّر بِسردِه الشيِّق لتفاصيل سير العمل وتقدُّمِه في تجديد عاصمته الجديدة  بابل  فَحَسبْ  ،  بل بالشُهرة التي أحرزَتها في عهدِه  بين مُعاصريه ،  حيث يَصِفُها المؤرخ هيرودتس  وَصفاً  مُسهَباً ورائعاً  يمتاز بِدِقَّةٍ  متناهية .

إمتَدَّ حُكم هذا الملك العظيم (43 عاماً ) استطاع خلالها وباقتدار كبير أن يُوَطدَ أركانَ الإمبراطورية الكلدانية في الداخل والخارج  ويفرضَ هيبتَها الى جانبِ  نشر الثقافة البابلية  في كُلِّ صقع  مِن أصقاع الإمبراطورية الواسعة الأرجاء ، حيث خضعت لحُكمها كافة ممالك ودويلات الشرق الأوسط ، ومِن حملاتِه العسكرية الشهيرة تلك التي جَرَّدَها على اورشليم والتي تَمَّ فيها أسرُ الآلاف مِن نُبلاء اليهود وأشرافهم وجلبُهم الى بابل ،  كان شغوفا بالنَمط الهندسي المُمَيَّز في الأعمار والبناء ، وقد تجلّى ذلك في تشييدِه القصورَ الفخمة والأسوارَ العظيمة  والجنائنَ المُعلَّقة التي  أمر ببنائها نزولاً عند رغبة زوجتِه الأميرة الميدية ( أميتس ) حفيدة الملك الميدي كي أخسار ، وقد عُدَّت إحدى عجائب العالَم القديم السبع .

الملك إميل مردوخ E mel Mardukh
( 563 - 560 ق . م )

تُوفيَ نبوخَذنصَّر الثاني  عام 562 ق . م بعد أن حَكَمَ ( 43 ) سنة وخَلِفَه إبنُه  آميل مردوخ أو كما  تُسميه التوراة ايل مردوخ ، تمَّ اغتيالُه عام 560 ق . م   بانقلابٍ دَبَّرَه ضِدَّه كَهنةُ المعبد بالاتفاق مع زوج  شقيقته الصغرى ( كاشا ) بسبب نظرته الى الديانة اليهودية  بأنها  الأسمى بين الديانات الاخرى ، ولكونه متسامحاً مع يهود السبي ، و اصداره  عفواً عن  يوياكين  ملكهم الأسير  ومنحِه  شرف  المشاركة بتناول الطعام على المائدة الملكية .

الملك نركَال شَر اوصَرNergal Shar Osser
( 560 - 556 ق . م )
توَلّى الحُكم في السنة نفسِها ( نركال شَر اوصر)  أو نركلصَّر  زوج ( كاشا )   ولم يَدُم  حُكمُه إلا بضعة سنين وقد اكتنف  الغموضُ موتَه  ، ولم يستطع إبنُه  لاباشي مردوخ  تَسَلُّمَ العرش لصغر سنِّه وعجزه ،  حيث تَمّّت إزاحتُه بعد  بضعة أشهر من وفاة  والده  من  قبل كهنة  معبد  الاله مردوخ .

الملك لاباشي مردوخ Labashi Mardukh
( بضعة أشهر مِن عام 556 ق . م )

كان صغير السن عند موت والده الذي إكتنفه الغموض ، حَرمه مِن تولي العرش كهنة المَعبد بحجة صغر سنه وعدم صلاحيته ،  وسَلَّموا مقاليد الحكم بحَسَبِ  قول الآثاري والمؤرخ  نيكولاس بوستكيت الى نبيل وسياسي كبير يُدعى  نبونئيد أو ( نبونيدس ) .

الشماس كوركيس مردو

الملك نبونَئيد ( نبونيدس ) Nabonid
( 556 - 539 ق . م )                                      وسقوط المملكة الكلدانية ( الامبرطورية البابلية الحديثة .)

كان نبونَئيد كَهْلاً  ويُرجِّح الكثيرُ من المؤرخين كونَه  متزَوِّجاً من إبنة نبوخَذنصَّر الكبرى ، وهذا ما جعله أهلاً  لتسَنُّمِ عرش بابل ، كان من مواليد  مدينة  حرّان الواقعة  على  نهر البالخ  أحد  فروع  نهر الفرات ، لوالدين ( نبوبيلاصو أقبي)  و( أدد قبي ) ويذكرها  المؤرخ هيرودتس  باسم (نيتوكرس) تنتمي  بنسبِها  الى العائلة السركونية الحاكمة في  آشور ،  شديدة التَدَيُّن  منذ  حداثتِها  وتقَلَّدَت  رُتبة  الكاهنة الكُبرى  في معبد ( سين ) إله القمر ،  طَغى  تأثيرُها  على حياة  نبونَئيد  ،  أما  والدُه  فكان  نبيلاً  كلدانياً   وتُشير بعض النصوص المسمارية  الى كونِه  حاكم  حرّان المحلي  ، ويقول آخرون بأنه كان ( رب ماك )  رئيس الكهنة  ، وبعضُهم يؤَكِّد بأنه  شقيق لاباشي مَردوخ الذي اغتاله رجال الدين اغتيالاً وليس تنحيةً بحجة صغر السن وعدم الكفاءة  ، ومهما كانت التكَهنات فإنه قد تولّى العرش البابلي .

في البيئَةِ التي أشرنا إليها شَبَّ نبونَئيد  مستقيماً  لتأثُّره  بمحبة  إِله القمر( سين)  والدِ  إِله العدلِ والقانون ( شمش ) و الذي كانت والدتُه الكاهنة الاولى  لمَعبَدِه ،  اختاره الملك  نبوخَذنصَّر عضواً في مجلس الحُكم  وحازَ على مكانةٍ  مُقَرَّبَةٍ  منه ، أدَّت الى تزويجِه من كُبرى بناتِه  فارتبطَ  بالعائلة  الملكية  بقَرابةٍ  دموية ،  وبذلك أصبحَ ذا حضور بارز  يؤخّذُ  برأيِه  ويُعَوَّلُ  على حُكمِه ،  وما يؤَكِّدُ ذلك  إنتِدابُه من قبل الملك نبوخَذنصَّر سنة 585 ق . م ، للتفاوض نيابةً عنه لإِرساءِ دعائم السلام  بين مملكتي ميديا وليديا اللتين تفاقَمَ الخِلافُ بينهما  مُنذِراً بقيام حَربٍ ضَروس بين الجانبين تَجلبُ  الفوضى والضرر الى المنطقة بأسرها ، فكان مُوَفقّاً في إحلال السلام .

مِن أهم مآثر الملك نبونَئيد تجريده حملة عسكرية على المقاطعات الواقعة شمال غربي الفرات والجزيرة ، حيث تَمَكَّنَ مِن ضَمِّ مُدِنٍ مُهِمة الى مملكتِه ومِنها مدينة ( حارّان Harran ) القائمة على نهر البليخ أحدِ روافد نهر الفرات و ( تيماء Taima  في الديار السعودية الحالية ، تَبعُدُ  عن بابل بما يزيد على ألف كيلومتر ، شَيَّدَ فيها قصراً شبيهاً بقصره الفخم في بابل ، واتخذَ مِنه مقرّاً لحُكمه ، تاركاً لإبنه ( بيل شاصَّر Bel-Shassar ) إدارة  شؤون الدولة . بعكس تَمَيُّز الملك نبونَئيد بشخصيةٍ مرموقة وتمتُّعِه بسمعةٍ عالية ومكانةٍ دوليةٍ كبيرة ، كان إبنُه بيل شاصَّر واهنَ الشخصية عديمَ الدراية والأهلية  لإدارة شوون الحُكم  ، إنتبَهَ  بقايا يهود السبي البابلي الى نقاط  ضعفِه فاستغلوها بشكل يخدمُ مصلحتَهم ويُعَبِّد الطريق أمامهم لإحتلال المراكز الحسّاسة في الدولة ، حيث هَيّأوا له مُختلف وسائل الترفيه واللهو الفاسد فانغمس فيها وأغفلَ الإهتمام بالامور الإدارية ، فانتاب إدارة الدولة التفكُّكُ وعَمَّت الفوضى وتفشّى الفساد والرشوة ، وبسبب هذا التسَيُّب خَلا الجوُّ أمام المُتنفذين اليهود فقاموا ببناء جسور بالخفاء مع الملك الأخميني ( كورش ) الذي كان قد سَرَّبَ أخباراً يَدَّعي أنه ( المسيح المُنتظر ) ، وحيث كان اليهودُ واثقين بأن المسيح مُزمعٌ على القدوم طِبقاً لِمَ تنبّأَ به  أنبياؤهم ،  رأوا في شخص ( كورش ) المُنقذ الذي بإمكانه إطلاقَ سِراحهم مِن أسرهم المُزمِن ،  فعملوا جُهدهم لتمهيد السبيل أمام مُحاولاته لإسقاط بابل ، لا سيما وأنه قد وعدهم بالسماح لهم للعودة الى بلادهم وبمساعدتهم في إعادة بناء هيكل سليمان ، واعتماداً على تَعَهًّد  كورش الذي وَثِقوا به ، رسموا خِطة سرية  سار على ضوئها كورش في مشروعه لإحتلال الدولة الكلدانية  .

ولم تمضِ على الحصار فترةٌ تَقِلُّ عن الشهرين ، أفلحَ الأخمينيون الفرس بعدها  في اقتحام أسوار بابل والسيطرة عليها ، وفي التاسع والعشرين مِن العام نفسه ، دخل إليها العاهل الفارسي منتشياً بالنصر .  هكذا سقطت الإمبراطورية الكلدانية  بسبب التآمُر اليهودي الدنيء ، وغابت شمسُ بابل العِلم والحضارة التي أضاءَت العالَمَ بشُعاعِها ردحاً مِن الزمن طويلاً ! تلك المدينة الظيمة  التي وصفها إرميا النبي بقوله : <  كانت بابلُ كأسَ ذَهَبٍ بيدِ الرب ، تُسكِرُ كُلَّ الأرض ، مِن خَمرها شَربَت الاممُ ولذلك فقدت رُشدَها  . إرميا 51 / 7  >  وقال عنها النبي إشعيا  : <  بابل زينة الممالك وبهاء فخر الكلدانيين . > . والى الحلقة الرابعة قريباً

الشماس كوركيس مردو
في 30 / 3 / 2007 [/size]


257
         الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

 مُسَلسَلٌ بحلقات مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتَقَب صُدورُه مطلع العام القادم بعون الله

                                               الحلقة الثانية

آثوريو اليوم ( دُعاة الآشورية ) هم مِن اصول كلدانية

كان النظامُ المُعتَمَدُ مِن قبل الممالك الكلدانية في إدارة شؤونِها ، نظاماً قَبَلياً يتزَعَّمُه رئيسُ العشيرة الأكبَر في القبيلة يُطلق عليه لقبُ الملك ، تسري سُلطتُه على كامل المُدُن والقرى الموالية  لتلكَ القبيلة ،  ولا زال هذا التقليدُ  مُتوارَثاً  ومعمولاً به في  زمنِنا المُعاصر في مناطق سُكنى  أبناء شعبنا الآثوري الكلداني  في منطقتَي هِكاري واورمية  وكان  قائماً الى  ما قبلَ تَعَرُّضِهم للمذابح  التي أفرزَتها عوامل الحرب العالمية الاولى  ولا زال قائماً ، فكانت هنالك قبائلُ عديدة هي : تياري العُليا وتياري السُفلى ، جيلو ، باز ، ديزا ، تخوما : ولكُلٍّ من هذه القبائل رئيس يُلقَّبُ ملكاً ، ويؤكِّدُ هذا التقليد بشكل لا يقبل الشك والتأويل ،  بل هو دليل  ساطع على كَون آثوريي اليوم هم أحفادُ الكلدان الذين قَطنوا المناطق الجبلية في أزمانٍ متفاوتة والذين كانوا جزءاً مِن أبناء كنيسة المشرق ، أصَرّوا على البقاء في المذهب النسطوري عِناداً ونكايةً  بمُعظمِ  إخوانهم الذين  نَبذوه  واستعادوا  مذهبَ  آبائهم  وأجدادِهم ( المذهب الكاثوليكي )  مذهب  الكنيسة  الجامعة المُقدَّسة  في مُنتصف القرن السادس عشر للميلاد ، وهذا كان الانشقاق الأعظم والأمَر الذي قَصمَ ظَهرَ أبناء كنيسة المشرق ومَزَّقَ جَسَدَها الواحد ،  وفي نهايات القرن التاسع عشر وبالتحديد في عام 1886 م ،  أُغريَ أبناء  اولئك الباقين على النسطرة  مِن قبل مُرسَلي الكنيسة الأنكليكانية ( الانكليزية ) الذين جَنَّدتهم مُخابراتُ المملكة الانكليزية لخدمةِ أهداف المملكة السياسية ،  بايجاد موطيء قدمٍ لها في الأراضي الواقعة تحت نفوذ الدولة العثمانية الذي كانت مظاهِر الضعف والانحلال قد بانت عليه ،  فأطلقوا عليهم التسمية الآثورية  وليس ( الآشورية ) مُرفقةً بوعدٍ كاذبٍ  هو إقامة  وطن  قومي لهم  تحت غطاء هذه التسمية ( الآثورية )  الى جانب وعود اخرى مُغرية ، وإزاء سِحر هذه المُغريات السرابية ،  تَنَكّروا لإنتمائهم القومي الكلداني ،  ووافقوا على عَرض البعثة  الأنكليكانية دون تقدير للأبعاد الخَفية مِن  ورائه ، وعلى اثر ذلك شمَّرَ  كبيرُ البعثة  وليم ويكرام عن ساعد الجِد  في نشر التسمية الآثورية وتأطيرها بشكل مُثير وجذّاب وإدخالها في القالب الديني ،  مُشيراً الى الظُلم  والاضطهاد الذي  يتعَرَّضُ  له هؤلاء المسيحيون النساطرة على أيدي العثمانيين والمُوالين  لهم مِن الأقوام المُسلمة المُجاورة لمناطق إقامتِهم ، ثُمَّ بدأوا بتحريضهم للتَمَرُّد على الدولة العثمانية عن طريق القيام بأعمال تَحَرُّشية   لا تجلبُ لهم إلاّ المزيد مِن المآسي وللإنكليز تحقيق مآربِهم الاستعمارية المُتمَثِّلة  في رَغبتِهم بالسيطرة على مناطق استرتيجية  داخل حدود الدولة العثمانية  على غِرار ما  قد  حَصِلت عليه  روسيا القيصرية ، فكانت تلك الخطوة سبباً لانتقام الدولة العثمانية التي قامت بإبادة ما قارب نصف مجموع  نفوس هؤلاء المساكين .

وليس هذا التقليد هو الدليل الوحيد الذي يُشيرُ الى خطأ تنسيب الآثوريين الكلدان المعاصرين الى الآشوريين القدماء ، كما  يُرَوِّجُ له  عُتاة  مُنتحلي التسمية الآشورية مُستندين الى فرضية لا أساس لها  مِن الصحة ،  لأنها تستندُ الى عاملين واهيَين  أولُهما اعتبار الذين تَمَسّكوا بالنسطرة ولبثوا عليها بعد الحرب العالمية الاولى هم  آشوريو الإنتماء ،  وهذا الأمر يدحضُه الواقع لأن المسيحيين في العراق والأقطار المجاورة ولا سيما الكلدان منهم كانوا نساطرة ، والعامل الثاني  الإعتقاد  لدى البعض  بأن كُلَّ الذين تركوا منطقة هيكاري لسبب أو لآخر قبل بداية القرن العشرين المنصرم أو بعده ،  وانتقلوا الى القرى الكلدانية المتنوعة الأماكن أو الى المدن العراقية الكبيرة هم آشوريو الأصل ،  وهذا تَصَوُّر خاطيء أيضاً ،  لأن الأمر لم يكن  إلاّ  عَودتهم  الى مواطن  آبائهم  واجدادهم الكلدان الذين فَرّوا تحت وطأة الاضطهادات القاسية في الأزمنة المختلفة عِبرَ الزمن الغابر ووجدوا ملاذاً في تلك المنطة ومناطق اخرى شبيهة . وهنالك  عامل  آخر  هو الموقع  الجغرافي المُتشَبَّث به  مِن قبل هؤلاء المُغالطين ،  والذي يشغله  الشعبُ  الكلداني  في بلداتِه  وقراه  الحالية  في منطقتي  السهل  والجبل ،  بأنه كان  ضمن الاقليم الآشوري  يوماً ،  ولذلك  فإن  سُكّانه  الحاليين  هم  آشوريون  ،  وهذا  مُنتهى  الغباء والجهل ،  لأن الاقليم الآشوري ،  وبعد  القضاء على  سكانه  الآشوريين  وإزالة  دولته  مِن الوجود  مِن  قبل الكلدان  وحلفائهم  الميديين ما بين  عامي 912 - 906 ق . م ،  لم يبقَ هنالك  مِن الآشوريين  ولا حتى  نَفاخ  نار  واحدٍ  في الاقليم  بكامله ،  وإذا  استطاعت  فلولٌ  ضئيلة  الإفلاتَ  مِِن  أفواه السيوف  والنيران  والنفاذَ   بجلدها  والإلتجاءَ  الى  بُلدان الأقوام  المجاورة ،  فقد  ذابت  وانصهرت كلياً في مُجتمعات تلك الأقوام ، ولذلك  قام بشغل مناطق الاقليم   أبناء الكلدان  المُنتصرين  لأنه أصبح  جزءاً  مِن المساحة الجغرافية للإمبراطورية  الكلدانية .

هنالك العديدُ مِن الأدِلة التاريخية  لحقبتي ما قبل الميلاد  وما بعده ، تؤَكِّد بأن آثوريي اليوم ( أدعياء الآشورية ) يعودون باصولهم العِرقية  الى الكلدان ، ولا صِلةَ لهم مِن أيِّ نوع كان  بالآشوريين القدماء ما عدا انتحالهم لتسميتهم زوراً في العقود القليلة المتأخرة مِن القرن الميلادي العشرين ،  ومِن تلكَ الدلائل والآراء ما يلي :

1 - الرأي الأكثرُ قبولاً أنهم أحفاد الأسرى الكلدان المُرحَّلين خلال عهود ملوك آشور الطغاة للفترة الواقعة بين عامي 745 - 625 ق . م ، والذين كان يزيد عددهم عن نصف مليون فرد كما يذكر المؤرخ حبيب حنونا في كتابه ( الكلدان والتسمية القومية )  و  يُمكن  الإشارة  الي ما يؤَيِّدُ  هذا الرأى  بما يلي  :

أ - كان الملوك الآشوريون قد أقاموا مُعسكرات للأسرى الكلدان في  الشمال الأقصى لإقليم آشور وفي شمالَيه  الغربي والشرقي ، بحسب المصدر السابق ( الكلدان والتسمية القومية ) وكانت تُسمّى ( بيث شيبا ) وتعني بيت السبايا ، وبعد سقوط الدولة الآشورية  وخضوع كُل مناطقها  لسطوة الدولة الكلدانية ، قام هؤلاء الأسري بتحويل تلك المُعسكرات الى مُجمَّعات ووحدات سكنية .

ب -  تَقبُّلُهم لبشارة الخلاص المسيحية بيُسر وسهولة  لدى انتشارها بفضل لغتهم الكلدانية  ، حيث أن لغة المُبشِّرين التي كانوا يتحدثون بها  كانت اللغة الكلدانية  ذاتها  ، وقد تعلَّموها مِن آبائهم وأجدادهم الذين كانوا قد أتقنوها أثناء تواجدهم في بابل أثناء مدة السبي البابلي .

ج - استمرار حَملهم للتسمية  واللغة الكلدانية  طَوال القرون الماضية وحتى العقد الأخير من القرن التاسع عشر  ومطلع القرن العشرين ،  حيث أغراهم  رئيس بعثة اسقف كانتِربَري عميل المُخابرات  الانكليزية  باستبدالها  بالتسمية الآثورية  كما  نوَّهنا  أعلاه .

د - تَشَبُّهم بالتقليد القَبَلي  الذي أشرنا إليه أعلاه  ، الذي كانت تُمارسُه القبائل الكلدانية بإطلاقها على شيخ القبيلة  بلقب ( الملك ) ولا زال هذا التقليدُ  معمولاً به لديهم ،  بينما لم يكن هذا التقليد معروفاً لدى الآشوريين  بدليل عدم الإشارة إليه من قبل أيِّ مصدر تاريخي ، بالإضافة الى مزجهم  بعضَ المُعتقدات الدينية البابلية  بطقوسهم المسيحية  ولا سيما  بعد إصرارهم على البقاء  في المذهب  النسطوري  خروجاً  عن  إجماع الغالبية  من إخوتِهم  باستعادة مذهب آبائهم  وأجدادهم ( المذهب الكاثوليكي )  مذهب الكنيسة الكاثوليكية  الجامعة  في مُنتصف القرن السادس عشر ،
وقد أشار الى هذا المزج وليم ويكرام مُرشدُهم الروحي الجديد ، وبصرف النظر عن مدى صحة هذه الآراء ،  فإن مسألة عدم انتسابهم الى الآشوريين القدماء هي حقيقة  ثابتة  بعيدة عن الجِدال باعتراف كافة المصادر التاريخية النزيهة والمُحايدة .

إذا كانت الشواهدُ على مُجريات التاريخ تؤَكِّدُ انقراضَ الآشوريين بعد سقوطِ  نينوى المأساوي عام 612 ق . م  والقضاءِ المُبرم بعد ثلاث سنوات على بقاياهم الذين استطاعوا الإفلات مِن ألسنة السيوف والنيران واللجوءَ الى المدينة الغربية حرّان ، ومِن ثمَّ زوال اسمهم مِن ذاكرة التاريخ ،  كيف يا تُرى ظهر إسمُهم ثانيةً  وعلى حين غَرَّةٍ بعد اختفائه لمُدَّةِ خمسةٍ وعشرين قرناً ووُجدَ له أتباع ؟ أليسَ وراءَ أكَمةِ هذا الظهور المُفاجيء لُغزٌ ؟ أجلْ ، إنها الدوافع الخفية  لتحقيق أهدافٍ تسعى إليها  جِهة دولية  قوية هي المملكة الانكليزية المُتحدة ! أرادَت مِن إحياء هذا الاسم وإطلاقه على جزءٍ عزيز مِن شعبنا ( السرياني المشرقي ) الكلداني المعروف بالنسطوري والقاطن في منطقة آثور الجبلية ( هيكاري ) لجعلِه كبشَ فداءٍ لتقويةِ نفوذِها الاستعماري ، حيث كان التنافسُ على أشُدِّه  بين الدول الإستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا وألمانيا ) في أواخر القرن التاسع عشر للإستحواذ على أوسع رقعةٍ جغرافية مِن المناطق الخاضعة للنفوذ العثماني ، ومِن أجل هذا الغرض كانت تتسابقُ كُلُّ واحدةٍ مِن هذه الدول على التدخُّل في  شؤون الدولة العثمانية الهَرِمة والتي لُقِّبت ( بالرَجُل المريض ) حيث كان الإنحِلالُ قد دَبَّ في أوصالها ،  ورأت أن قيامَها بايقاظ النعرات القومية والطائفية والدينية  بين أبناء الشعوب الرازحة تحت حُكم هذه الدولة العاتية هو الوسيلة الأسرع لزرع الشك وانعدام الثقة بين بعضهم البعض فعمدت الى ايقاد نار الفِتَن بينهم ، وقد لعبت البعثات التبشيرية الاوروبية دوراً بارزاً في تهيئةِ مناخ مُساعد لإستثارةِ النزعات القومية والدينية ،  وكان دورُ  بعثة الكنيسة الانكليكانية  ( بعثة اسقف كانتِربري ) الأشَدَّ خِداعاً وتخريباً بين أدوار البعثات الاخرى ،  حيث يُشيرُ  أحمد سوسة الى هذا الدور في كتابه  ( مفصل العرب واليهود في التاريخ ص . 596 - 597 ) <  وَفَدَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيرية انكليزية ، وحاولت  تحويل هذه الجماعة  مِن مذهبهم النسطوري الى مذهبها البروتستانتي ، غيرَ أنها لم تُفلح ، ولكنها نَجَحَت في إقناعهم بأن ( النسطورية  -  النساطرة ) لا تليقان بهم ، وعليهم استبدالهما بلفظتي ( آثور -  آثوريين ) لكي ترفعا شأنهم في الأوساط العالمية ، ويكون بالإمكان في هذه الحال نَسبُهما الى الآشوريين القدماء ، ويُضيفُ سوسة  ، لم يذَّخِر رئيسُ البعثة  وليم ويكرام وِسعاً في لعب دور دِعائيٍّ كبير لنشر هذا الاسم ( آثوريين ) وتعريف العالَم بالمأساة التي تعرَّضَ لها مَن دعاهم ( أحفاد شلمَنَصَّر ) ، بينما لم يكن هؤلاء النساطرة يعرفون هذا الاسم إلا بعد قدوم هؤلاء المُبشِّرين .

ومِن أهمِّ الأهداف التي سعت المملكة المتحدة لتحقيقَها عن طريق هؤلاء النساطرة الذين أثورتهم  بالإضافة الى جانب أيجاد  موطيءِ قدم لها في لُبِّ السلطنة العثمانية ،  ومنافسة نفوذِ  روسيا القيصرية في فرض رأيها بشؤون السلطنة ، كان سعيُها الى ايقاف المد الكاثوليكي الذي كادَ يكتسح منطقة نفوذ مار شمعون ،  فاستخدمت لتحقيق هذا الغرض مبعوثي كنيسة كانتيربري الأنكليكانية وأسطع بُرهان على ذلك ما أوردته  مجلة النجم في عَدَدِها الخامس لسنة 1929م : <  كانت بعثة رهبانية كاثوليكية دومنيكية قد حَلَّت في منطقة رعايا مار شمعون السريان المشارقة الكلدان المعروفين بالنساطرة ، قامت بأنشطةٍ متنوِّعة حيث أنشأت مدارسَ لهؤلاء النساطرة الكلدان ووَفَّرَت لهم مُختلف الخدمات الطبية ، فنالت التقديرَ والثناء مِن لَدُنهم وأقبلوا على اكتساب العِلم والثقافة فشكَّلَ ذلك غضباً وامتعاضاً لدي المبشرين الأنكليكان لسبَبَين أولهما  رفض النساطرة لمطلبهم بتغيير مذهبهم النسطوري الى الأنكليكاني البروتستانتي ، والثاني خِشيتهم مِن  ضياع الفرصة على الانكليز في استغلالهم لتحقيق أهدافهم الإستعمارية عن طريقهم فيما لو تكثلكوا حيث سيُصبح تَوَحُّدُهم تحت راية الكنيسة الام الجامعة مفروغاً منه تلقائياً ، ولَما أفلحوا في ايجاد تسمية قومية دخيلة لهم بدلاً مِن تسميتهم القومية الكلدانية الأصيلة ، فصَمَّموا على فعل كُلِّ ما بوسعهم لقلب المعادلة لصالحهم بأيِّ ثَمَن وبأية وسيلة .

وعِبر مُخططهم هذا علموا بأن مار شمعون روبين طلب مِن شقيقِه وابن عَمِّه أن يُسافرا الى الموصل ، ويطلبا مقابلة البطريرك الكلداني الكاثوليكي  للبحث في موضوع توحيد شطرَي الكنيسة ، وفي أثناء وجود مبعوثي مار شمعون في الموصل يتفاوضان بشأن الوحدة ، وافت مار شمعون المَنِيَّة عام 1903م  ، فاستغَلَّ الانكليزُ غيابَ إبن عم مار شمعون المُرشَّح لخلافتِه لوجوده في الموصل ، وقاموا ببذل جهودٍ مُضنية لتشجيع وإقناع النساطرة لنصب إبن شقيق مار شمعون الثاني بطريركاً بدلا ً عنه ، وبذلك استطاعوا إضاعة فرصة قيام الوحدة ، وكانت تلك ضربةَ قاصمة  >

يقول  جون جوزيف في كتابه ( النساطرة ومُجاوروهم الإسلام / ط . 1961م ) <  إن الإرسالية التبشيرية الانكليزية التي استفردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر ، كانت تُلَقَّب بِبِعثةِ رئيس أساقفة كانتيربيري الى المسيحيين النساطرة ، وهي أول مَن أطلقَ عليهم تسمية ( آثوريين )  >  .   وفي كتابه  ( خُلاصة تاريخ الكُرد وكُردستان )   يقول الباحث أمين زكي بك  <  إن الآثوريين هم أحفاد كلدانيي بلاد ما بين النهرين ، الذين هَجَروا بلادَهم الأصلية بسبب اضطهاد الغزاة والفاتحين ، ولجأوا الى جبال منطقة هيكاري منذ عهدٍ قديم جداً >  ويقول المؤرخ أحمد سوسة <  إن الانكليز هم الذين ابتدعوا قضية العلاقة بين مَن أطلقوا عليهم ( الآثوريين ) وبين ( الآشوريين ) .

يُؤَكِّدُ السيد كيوركيس بنيامين بيث أشيثا في كتابه ( الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987م ) والذي عاش هذه المأساة  فتكونُ شهادتُه أدمغ وأصدق حيث يقول :  <  إن كُلَّ هؤلاء الكُتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم ( الآثوريين ) الذي نتداوله نحن اليوم ، بل كانوا يقولون عنا , أو  يدعوننا بالكلدان ولو كُنا نختلف بالمذهب ، وإن إسم ( الآثوريين ) أبتدأَ بتداولِه الانكليزُ منذ نهاية القرن التاسع عشر ، عندما وصل المبشرون الانكليز مِن انكلترة الى ديارنا سنة 1884م >

يقول المؤرخ العراقي عبدالرزاق الحسني في كتابه  ( تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ص . 254 - 255 ) < إن الانكليز وحدهم فقط يُطلقون على النساطرة اسم( الآثوريين ) بينما الجميع يُدعونهم ( تيارية ) ويُضيف ولا علاقة عِرقية لهؤلاء النساطرة بآشوريي نينوى، وإنما هم نساطرة مسيحيون ، دَمَّرَ تيمولنك كنائسَهم ، فتبَدَّدَ شملُهم فاحتوتهم المنطقة الجبلية الواقعة في شرق تركيا ، ولدى استيلاء الروس على ولاية وان الارمنية في تركيا سنة 1915 م أغروا هؤلاء النساطرة بالتمرد على الأتراك وأغدقوا عليهم السلاح للقيام بالثورة ضدهم،إلا أن الفشل الذي مُني به الروس أدّى الى انسحابهم ، مِما وَفَّرَ للأتراك فرصة للفتكِ بهم وتكبيدهم آلاف القتلى ، أما الناجون منهم فقد لجأوا الى المناطق الشمالية مِن ايران .

ويذكر توفيق السويدي في ( مذكراته ص . 243 ) بعد انتهاء الدور الروسي بالنسبة الى هؤلاء النساطرة ، ابتدأ معهم الدور الانكليزي ، حيث تلقَّفتهم المملكة المُتحدة ، وأرسلت إليهم يعثةً عسكرية فاجتمعت بهم في اورمية ودَعَتهم للثأر مِن الأتراك ، وتمَّ الإتفاقُ بين الجانبين وبناءً الى ذلك الإتفاق ،  بادرت بريطانيا بشحن كميةٍ كبيرة مِن الأسلحة الى هؤلاء النساطرة في شهر تموز مِن عام 1918 م ولكن الأتراك فاجأوا النساطرة بهجوم على اورمية قبل أن تصل إليهم الأسلحة ، مِمّا أدّى الى قتل عددٍ كبير مِن هؤلاء النساطرة ، فاضطرَّ الانكليزُ الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقوبة العراقية ، وكان عددُهم التقديري خَمسينَ ألفِ نسمة بضمنهم عشرة آلاف مِن نسطوريي ايران عادوا الى ايران بعد اتهاء الحرب ، وخمسة عشر ألف أرمني ونحو خمسةٍ وعشرين ألفاً مِن نساطرة تُركيا لم تقبل تركيا  بعودتهم إليها مُتَّهِمةً إياهم بالخيانة ، فكان لزاماً على الانكليز مُساعدتَهم على العيش في العراق لأنهم كانوا السبب في إغرائهم لخيانة بلدهم ، فاستخدمت الرجال منهم بأعمال الطرق ، وأقامت مُخَيَّمات لسُكنى عوائلهم .

ويُضيفُ عبدالرزاق الحسني في الصفحة 256 مِن المجلد الثالث لكتابه ( تاريخ الوزارات العراقية ) بأن الكولونيل الانكليزي ( ليجمان ) عَنَّت له فكرة إسكان هؤلاء النساطرة في القرى الكُردية الواقعة على الشريط المُحادِد لتُركيا عقاباً للأكراد الذين أعلنوا العصيانَ عليهم مَرَّتَين ، وقد نالَ الإقتراحُ تأييدَ  ن.ت.ولسن الحاكم الملكي البريطاني العام في العراق ، حيث أجرى اتصالاً بَرقياً بهذا الخصوص مع وزير الحربية البريطاني في شهر آب مِن عام 1920م ، وقد إستَهَلَّ رسالتَه البرقية كما يلي : < سَتَتَوَفَّرُ لدينا فرصة تُتيحُ لنا إنصافَ الطائفة الآثورية بشكل يُرضيها ويُرضي الأفكار الاوروبية مِن حيث الحَقِّ والعدل ، وتُساعدُنا على ايجاد حَلٍّ لأَعسر مُشكلةٍ تَخُصُّ الأقلية الدينية والعِرقية في كُردستان ، وتجعلُنا في مأمنٍ مِن خَطر قد يُهَدِّد السِلمَ في شمال الفُرات ، وفي ذات الوقت نكون قد عاقبنا مُثيري إضطرابات العمادية ، إنها فرصة لن تعودَ ثانيةً >   وقد تَمَّ تكليف المُبَشِّر وليم ويكرام ذي الخبرة الواسعة بشؤون هؤلاء النساطرة للإشراف على تنفيذ هذه الخِطة ،  ولكن الامور لم تجر كما كان متوَقعاً لها ففشلت نتيجة التَحَرُّك التركي ونشوب اضطرابات في ضواحي الموصل .

يتحَدَّث يوسف إبراهيم يزبك في كتابه ( النفط مُستعبد الشعوب ص . 233 - 234 ) بأن الكولونيل الانكليزي ليجمان وأثناء تواجُدِه في الموصل ، كَلَّمَ سُكّانَها مِن العرب قائلاً لهم ، إنكم مِن اصول الآثوريين ، وإني لَمُستغرب مِن عدم دِرايتِكم بتاريخ أجدادِكم ولا عِلمَ لكم بكونِهم أحفاد الآشوريين الذين شَيَّدوا مجدَ نينوى ، فرَدّوا عليه قائلين : نحن أحفاد عرب الفتوحات ونعلم جيداً أن أسلافنا عند مجيئِهم الى الموصل لم يجدوا فيها سوى الفرس المجوس يسكنون في محلة ، والمحلة الثانية كان يسكنُها المسيحيون الجرامقة . ومِن المعروف تاريخياً أن الجرامقة هُم تَشَعُّبٌ مِن تَشَعُّبات الكلدان المُتعدِّدة ، و قد أشار الى الموضوع ذاته  القس سليمان الصائغ ( المطران لاحقاً ) في كتابه ( تاريخ الموصل / الجزء الأول ص . 51 - 52 ) . ويَروي السيد يزبك في الصفحة 236 و237 و 238 و 242  مِن نفس الكتاب ، بأن ليجمان طلبَ مِن مُحَرِّر جريدة الموصل وهو صحفي كلداني أن ينشر خَبراً عن زيارة ( سورما خانم ) التي لَقَّبَها بأميرة الآثوريين الى لندن ، للمطالبة بتحقيق الوعود التي تَعَهَّدها الانكليزُ لقومها ، بإقامة وطن قومي للآثوريين في شمال العراق ، فأجابَه الصفي بذهول مُستغرباً مِن كلامه قائلاً : لم يسبق لي أن سمعتُ بوجود قوم باسم الآثوريين وله أميرة ، ثمَّ أردف الصحفي بأن هؤلاء النساطرة الذين تتحدَّث عنهم لا علاقة لهم بالآشوريين ،  ولكن الكولونيل الانكليزي ليجمان أصَرَّ على رأيه ،  وبحُكم موقعه كقائدٍ  بريطاني مُطالَبٍ  بالعمل على تحقيق طموحات مملكته كان يضغط  مِن مصدر قوة على مُحَرِّر الجريدة لينشُرَ أخباراً عن الآثوريين  ، وقد فاجأَ مُحَرِّرَ الجريدة بقدومه يوماً الى مقر الجريدة وأملأَ عليه ما يلي :  <  انشُر أخباراً عن الآثوريين  وعن أميرتهم   ( سورما خانم )  صاحبة السمو عمة مار شمعون ، وفي عددِك لهذا اليوم ،  انشُر  بأن صاحبة السمو الأميرة  سورما موجودة في لندن منذ بضعة أيام وقد قامت بزيارة عددٍ مِن كبار المسؤولين الحكوميين ، وقابلت أصحابَ الشأن الكبار مُطالبة إياهم بتحقيق الوعود التي  قُطعت مٍن قبلهم لمُواطنيها أثناء الحرب  بإقامة وطن قومي للآثوريين والكلدان في المنطقة الشمالية مِن العراق وبالتحديد مِن شمال الموصل وحتى الحدود التركية ، وكَرَّرَ الصحفي مرة ثانية استغرابَه مِن أقوال ليجمان نافياً وجود قوم باسم الآثوريين تتزعمُهم أميرة ، واسترسلَ بشرح الحقيقة له ، بيدَ أن ليجمان نصحه بعدم تكرار ما سمعه منه لأن ذلك برأيه  يُؤدّي الى حدوث انشقاق بين مسيحيي الموصل ومُسلميها  ،  ويواصل المُؤلف الكلامَ قائلاً بأن الإستعمار البريطاني تمَيَّزَ بدهاءٍ نادر في  لعبه مع التياريين النساطرة الذين أطلقَ عليهم اسمَ الآثوريين عَمداً لتسخيرهم في خدمة  مصالحه ،  وأوعز الى وسائل أعلامه لنشر كُلِّ ما يُثير اهتمام العالَم في سبيل كسب رأيه وعطفه  لمُساندة هؤلاء المسيحيين المُضطهدين مِن قبل الأكثرية المُسلمة ، ويُضيف  بأن صفحات كتابه لا تتسع سطورها لوصف الأحداث التي قام بتنفيذها التياريون المدعوين خطأً بالآثوريين ، تلك القبائل الساذجة التي جنى عليها الإستعمار البريطاني ، وجعل منها حطباً لموقد مطامعه ، فهي لم تَكن تعرف عن آشور شيئاُ ولا خَطَرَ في بال أبنائها يوماً بأنهم ورثة  الآشوريين القدماء إطلاقاً .  ومن أطرفِ ما رواهُ الكاتبُ عَمّا كان يجري بين الانكليز والنساطرة ،  بأن كاهناً كاثوليكياً مِن أبناء الموصل مشهوداً له  بعِلمِه ونزاهتِه ووطنيتِه  عَلَّقَ قائلاً : إن المُستعمِرين ويقصد بهم الانكليز قد أعطوا اهتماماً كبيراً لجماعة مار شمعون ، وبوجهٍ خاص إنصَبَّ اهتمامُهم بِعَمَّتِه  ( سورما )  وقال بالنَص  "  فأَثْوَروها وما زالوا بها حتى ثَوَّروها  "  .


وفي حاشية الصفحة 257 مِن المصدر ( تاريخ الوزارات العراقية / المجلد الثالث ) ورد نقلاً عن التقرير البريطاني ما يلي : < قام الانكليز بتجنيد ما يُقاربُ ألفي فَردٍ مِن هؤلاء النساطرة ، إستعانوا بهم في قمع ثورة العشرين 1920 أطلقوا عليهم ( الجيش الليفي ) ،  لقد سَئِمَ النساطرة العيشَ في المُخيّمات فانتشرَ التذَمُّرُ بين صفوفهم ، ولتهدِئَة غضبهم ومعالجة خيبة أملهم في قياداتهم  وفي الانكليز كذلك ،  إقترح القائد الكبير  أغا بطرس إقامة حكومة آثورية تمتدُّ حدودُها مِن شمال الموصل وحتى الحدود التركية، لاقت الفكرة ترحيبَ الانكليز واستحسانَهم لرؤيتهم فيها خِدمة لأهدافهم وتقويةً لاستراتيجيتِهم فنقلوا المُخيّمات الى منطقة ( مندان ) الواقعة شرق جبل مقلوب بين الموصل وعقرة ، ولكن نصيبَ هذه الخطة كان الفشل . لم تتوانى كتائب الليفي النسطورية في إسداء خدمةٍ كُبرى للإنكليز حيث كانت تتصَدّى لكُلِّ مَن يُحاول المساسَ بمصالح المملكة المتحدة مِن العرب والأكراد .

جاءَ في كتاب ( القضية الكُردية والقوميات العنصرية في العراق ص . 97 - 98 لمؤلِّفِه لوقا زودا ) بأن دوائر الإستخبارات الانكليزية لم تألُ جُهداً في جمع مَن أطلقت عليهم اسم ( الآثوريين ) في منطقة نينوى عاصمة الآشوريين القدماء وتشكيل جيشٍ مِن عشائِرهم يَكونُ نواة لصيانة الوطن القومي المُقترح إنشاؤه لهم تمهيداً للوصول الى إعلان الإستقلال لدولة آشور الموعود بها مِن قبل البريطانيين ، عندما نجحوا في  إقناعِهم للقتال الى جانبهم ، ولكن الانكليز كانوا يُتقنون اللعبَ على الحَبلين بادائِهم دوراً مُزدوجاً ، ففي الوقت الذي يُحَرِّضون النساطرة على المُطالبة بالإستقلال ، في الوقت ذاته يوشونَ بهم لدى الحكومة ويدفعونها للقيام بقمع حركتِهم . أما مؤلفا كتاب ( العراق في التاريخ / الفصل الثاني ص. 661 - 662 ) الدكتور مظفر عبدالله والدكتور جهاد صالح ، فيُشيران الى تَوَرُّط النساطرة المُتأثورين ، بقيامهم بحركةِ تَمَرُّدٍ في شمال الوطن في عهد الملك فيصل الأول وقبل وفاته بفترةٍ قليلة ، وقد قام بكر صدقي باعتباره قائد الجيش العراقي وبالإتفاق مع وليِّ العهد العراقي الأمير غازي ورئيس الوزراء رشيد عالي الكيلاني ووزير الداخلية حكمت سليمان بقمع التَمَرُّد بشكل عنيف في شهر آب 1933م ، وجرى ذلك أثناء غياب الملك فيصل خارج الوطن . وقد تَكَبَّدَ النساطرة عددأ كبيراً مِن القتلى رجالاً ونساءً وأطفالاً والتجأ الناجون الى القرية الكلدانية العريقة ألقوش فاحتضنتهم وامتنعت عن  تسليمهم للجيش رغم كُل التهديدات بقصف القرية وسُكّانها ،وتلك لَعَمري مأثرة كلدانية خالدة للكلدان وللأسف تناساها العنصريون مِن بقاياهم الذين هاجروا الى الديار السورية والذين مكثوا في العراق على السواء ، إنه لنُكران للجميل ما بعده نُكران ! والى الحلقة الثالثة قريباً

الشماس كوركيس مردو
في 28 # 2007

258

                                             الحقائق والأوهام بين الآشوريين والكلدان

   مُسَلسَلٌ  بحلقات مُستلة مِن كتابي ( الكلدان والآشوريون عِبر القرون ) المُرتقب صدورُه مطلع العام القادم بعون الله

                                                              الفصل الأول

                                               مُختصر تاريخ الكلدان

إنَّ ما حملني لنشر هذه الدراسة هو قيام أعداء الكلدان الخارجين مِن صُلبِهم ببذل مُحاولاتٍ مُريبة وجهودٍ مُستميتة للنيل مِن أصالة قوميتنا الكلدانية التاريخية ، فبعد أن باءَت بالفشل كُلُّ طروحاتِهم العنصرية وتحريفاتِهم التاريخية في التَجَنّي على الامة الكلدانية تاريخاً ومُنجَزاتٍ ووجوداً تواصُلياً ، لجأوا في الآونة الأخيرة الى دعوة أفرادٍ مِن المُشَتَّتين في مُختلف أصقاع العالَم ليعقدوا مؤتمراً في عنكاوا المدينة الكلدانية التاريخية ، لكي يُؤَدوا لهم دوراً تآمرياً مِن شأنه طمس الهوية الكلدانية وفرض تسمية غريبة على الامة الكلدانية الام الحقيقية لكُلِّ مُكونات شعبنا المسيحي العِراقي ! ولكن هيهات ، فإن أبناء الكلدان لهم بالمِرصاد ، بكُلِّ أحزابهم وتنظيماتهم السياسية ومؤسساتهم الثقافية والإجتماعية لإحباط كُلِّ مُخططاتهم الشيطانية الهادفة الى تغييب تسميتنا القومية الكلدانية .

                                                  الحلقة الاولى

         نُلاحظُ  منذ فترةٍ تزيدُ عن ثلاث سنوات  مُساجلاتٍ مُثيرة  ومُناقشاتٍ حادة تدورُ  بين رعايا الكنيستين الكلدانية الكاثوليكية  وأتباع الكنيسة النسطورية بشقَّيها المُتشبثة بالتقويم الميلادي القديم  والمُنتقلة قبل بضعة عقود الى اعتماد التقويم الميلادي الحديث ،  مِن الكُتّاب والادباء والمُفكِّرين والمؤرخين ،  يُدافعُ كُلُّ فريق مِنهم عن فكره وطموحه  ونظرتِه الى الوحدة القومية  المنشودة وكيفية تحقيقِها ،  ولكن للأسف  لم يُفلحوا بالوصول الى تقاربٍ  في وُجهات النظر فيما بينهم ،  فالآراء متباينة  والأفكار متباعدة .


لقد طفحت وسائل الاعلام مِن جرائدَ ومجلاتٍ  وصفحاتِ الانترنيت بسَيل هائل مِن المقالات الطويلة العريضة والردود المُستفيضة تَمَحورَت  حول القضية القومية  المُتنازع عليها بين الكلدان والآثوريين المُدَّعين بالآشورية ، وبالتحديد  حول التسمية القومية والجذور العِرقية  ، مُدَّعياُ كُلٌّ مِنهما بأنه الأعرق والأعمق أصالة ومِن ثمَّ الأحق بأن ينضم الكُل تحت تسميتِه !  وفي خِضَمِّ هذه الفوضى العارمة والتَخَبُّط المُحَيِّر المُستحوذ على الجانبين ،  دَخَلَ شعبُهما المغلوبُ على أمره في دَوّامةٍ مُتعبة  ومأزق عويص لا يدري الى الخلاص مِنه سبيلاً ، فقد اختلطَ عليه أمر  التسميات والأسماء  حتى وصل به الى حَدٍّ كاد يفقد فيه ثِقَته  بصحة انتمائه القومي وجذوره الاثنية .


وبالرغم مِن  كُلِّ هذا الصراع الكلامي المرير ، فالشعبُ بشقّيه  يصبو الى قيام الوحدة وعلى صعيدَيها القومي والكنسي  ، ولكن ! تحت أية تسمية ؟  هل نحن كلدان رغم تعدُّد أسمائنا أم آثوريين أم سريان ؟ فهنالك عددٌ لا يُستهان به مِن الآثوريين أدعياء الآشورية  يُنكِرونَ وجودَ الكلدان ليس عن جَهل بل عن تَعَمُّدٍ وإصرار ،  مُدَّعين أن الإنصهارَ والذوبان قد طالا الكلدان القدماء ضِمن موجات الغُزاة الأجانب  الوافدين الى العراق  وبخاصةٍ العرب منهم ، وإن  كلدان اليوم هم آشوريون  وتسميتَهم الحالية هي تسمية طائفية  ولا علاقة لهم بكلدان الأمس التاريخيين العظام . هذا هو الإعتقاد الخاطيء  والإفتراء المُبتكَر بِتعمُّدٍ مقصود  الذي يتبنّاه مُعظم الآثوريين  دُعاة الآشورية ذوو الإهتمام بالشأن القومي  ويقومون  بتلقينه  لأتباعهم المُسالمين البسطاء  كما تُلَقَّنُ الببغاء . بينما يؤَكِّدُ التاريخ بما لا يقبل الشك بأن آخر حُكم وطني ساد على بلاد ما بين النهرين  وتعَدَّى سُلطانُه الى سائر أقطار الشرق الأوسط  ، كان حُكم الإمبراطورية الكلدانية  التي استطاعت  تقويض أركان الدولة الآشورية  بالتعاون مع حليفتها الدولة الميدية  حيث قضتا عليها القضاء المُبرم كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً ،  فكيف يا تُرى يكونُ انتماء كلدان اليوم الى الآشوريين المُنقرضين ولا علاقة لهم بالشعب الكلداني التاريخي ! الشعب الأصيل والوحيد مِن بين  شعوب بلاد ما بين النهرين الأصيلة الذي استطاع الحفاظ على وجوده  وتواصلِه لنشاطه الحياتي رغم خضوعه  للنفوذ الأجنبي ،  وسنتطرق الى هذا الأمر في حلقات هذا المُسلسل .


كان بالإمكان ايجاد عذر لهؤلاء الإفترائِيين لوأن مزاعمَهم المُبتَدَعة ناتجة عن عدم إلمامهم التاريخي بالاصول القومية والجذور العِرقية للطائفة الضئيلة العدد التي ينتمون إليها ، بيدَ أنهم  يَدَّعون المعرفة ولكنها  مِِن الأدِلّةِ الراهنة والبراهين العلمية المكينة  فارغة ، لذلك عزمنا على القيام  بتفنيد تلفيقاتهم  وإرشادهم الى  معرفة جذورهم الحقيقية  قديماً وحديثاً ،  فمِن أجل ذلك نطرح هذا السؤال  :  الى أيَّةِ جذور أثنية وعِرقية يعودُ أبناءُ كنيسة المشرق ؟  ولكي  نَفِيَ السؤالَ  حَقّه مِن الإجابة الصحيحة المبنية على الحقائق والوقائع التاريخية المُوَثَّقة بالمصادر ، نبدأ بإلقاء نظرةٍ على التَنَوُّع الديمغرافي لشعوب بلاد وادي الرافدين القديمة ،  فمِن قراءةٍ متأنية لتاريخ هذه البلاد نرى أن شعوباً وقبائلَ وامماً قد إستوطنت بلادَ ما بين النهرين منذ أزمِنةٍ  موغلة في القِدَم ،  فقد سكنتها الشعوبُ الأصيلة لها ، الفراتيون الأوائل الكلدان  والسومريون والأكديون والبابليون والعموريون والآشوريون و تعرَّضت للإحتلال جزئِياً أو كلياً مِن قبل الشعوب الأجنبية الغازية الكشيين والحثيين والفرس والمكَدونيين والرومان والعرب والمغول والعثمانيين  .  ونحن هنا لسنا بصدد الحديث عن جميع هذه الأقوام  ولكننا سنقتصر بالحديث عن الكلدان والآشوريين صاحبي الدورين البارزين  في تأثيرهما على بلاد ما بين النهرين ديمغرافياً وحضارياً ، كما سنُشيرُ الى تأثير التداخل الكلداني في المجتمع الآشوري ،  ونُثبتُ بأن كلدان اليوم هم أحفاد كلدان الأمس ،  ونُبرهن على أيٍّ مِن التسميتين هي تسمية قومية  ، الكلدانية أم الآشورية ؟

الكلدان تاريخياً

لقد  تيقّنَ  علماءُ الآثار  مؤخّراً  من تواجد  شعبٍ في منطقة وسط وجنوب العراق القديم عُرفت تاريخياً بالقطر البحري ، سبقَ وجودَ الشعب السومري بما يقربُ من ثلاثة قرون ، كان  يعيشُ  حياةً حضارية في المدن التي أنشأها ،  ومن أشهرها :  كيش ، اور ، اوروك  واريدو ،  سمّى العالِم والمؤرخ الكبير  لاندزبيركَر  Landsberger  ذلك الشعب  بالفراتيين الأوائل ، وقد سمّاه بهذا الاسم أيضاً بعضُ المؤرخين العراقيين ،  وفي المدوّنات الرافدية القديمة ، وردتٌ تسمية سكان العصر البابلي القديم  <  كلدايي  :  ܟܠܕܝܐ >  وهي التسمية التي سمّاهم بها العلاّمة المطران يعقوب اوجين منا في مُعجمه الشهير ( دليل الراغبين -  قاموس  كلداني = عربي )  وسمّى لغتهم  <  كلديثا  :  ܟܠܕܝܬܐ >  وانتسابَهم الجغرافي واللغوي  <  كلدَيُوثا  :  ܟܠܕܝܘܬܐ > وامتهم  <  بَثٌ كلدايي  : ܒܪܬ ܟܠܕܝܐ >  الامة الكلدانية  ص. 338 . أما الكتاب المقدس العهد القديم ،  فقد سمّاهم باسم  كسديم أو  كشديم ، وكلتا اللفظتين تعنيان  ( الجبابرة أو  المُنتصِرين ) وباللغة الاغريقية دعاهم أبناء اليونان وباقي الاوروبيين  <  كالدْيَنس :  Chaldeans  >  وترجمَها العربُ الى  <  الكلدان  >  وبهذه  اللفظة اعتمدَتْها  ترجماتُ الكتاب المقدس العربية .


إذاً  كان موطن الكلدان الأصلي في وسط وجنوب بلاد ما بين النهرين وسواحل الخليج الكلدي ( الخليج العربي ) منذ عهودٍ سحيقة ، وكانوا مجموعات بشرية كثيرة العدد جداً تتشكَّلُ مِن قبائل عديدة يتزعَّمُ كُلَّ فبيلة الرئيسُ الأكبر فيها يُطلق عليه لقب ( الملك ) ، يقول بطرس نصري في كتابه  ذخيرة الأذهان / الجزء الثاني ص . 24 - 25 <  إن أول دولةٍ ظهرت بعد الطوفان هي الدولة الكلدانية
أسَّسَها  الملك نَمرود الجبّار ومَلَكَ عليها مِن بعدِه بنوه ،  وأعظمُهم شُهرةً  كان اورخاميس ،  سَقَطت هذه الدولة  بحدود عام 2449 ق . م ، حيث استولت عليها دولة ايرانية زُهاءَ قرنَين وربع القرن ، وأعقبَتها دولة عيلامية وحَكَمَت لمدة  قرنَين وربع القرن أيضاً ، ثُمَّ  استعادها الكلدانُ أصحابُها الأصليون  منذ عام 2000 ق. م  وامتدَّ حُكمُهم لمدة 245 عاماً >  ويذكُر أحمد سوسة في كتابه / حضارة العرب ومراحل تَطوِّرها ص. 159 - 162 < وبَرَزَت خلال هذه الفترة  دولة  أو امارةُ  القُطر البحري  وعُرفَت  بسُلالة الامراء ، وكان ظُهورُها على عهد خليفة حمورابي ( شمس - ايلونا ) واعتُبرَت امتداداً لسُلالة بابل الاولى التي أسسها الملك العموري (سمو آبوم 1894 - 1881 ق . م ) وجَعلَ مِن بابل عاصمةً لها مُستقِلَّةً عن سُلطة سُلالة اور الثالثة ،  ويؤيِّدُ ذلك المؤرخ هاري ساكز في كتابه / عظمة بابل / ترجمة  الدكتور عامر سليمان ص. 90 <  في العام الثامن والعشرين  مِن حُكم  شمس ايلونا  بنِ حمورابي ، حَدَثت ثورة  في جنوب البلاد  بمنطقة الأهوار المعروفة ببلاد البحر والتي لم يستطِع إخضاعَها ، ونتيجةً لذلك ظهَرَت سُلالة القطر البحري وسيطرَت على البلاد السومرية أثناءً حُكمِها الذي ناهزَ المئَتي عام .


إعتمد الكلدانُ قبل العهد الامبراطوري نظامَ الممالك ،  حيث تُشيرُ المصادر التاريخية الى قيام  ممالكَ عديدة قوية منذ الجيل الحادي عشر قبل الميلاد ،  ولم يتوَحَّدوا في الزمن الغابر تحت راية دولة عُظمى  ليخلقوا لهم كياناً سياسياً كبيراً إلاّ في الربعِ الأخير من القرن السابع قبل الميلاد ، وكانت ممالكُهم تشغَلُ مساحات شاسعة  مِن وسطِ وجنوبِ بلاد ما بين النهرين ( العراق الحالي ) بالإضافة الى جنوب غربي ايران وكافة سواحل الخليج وجُزُره ،  وكانت جزيرة الدَيلمون أكبر تلك الجُزُر وتُسمّى اليوم ( البحرين ) ، وجزيرة ( فيلكا ) التابعة  لدولة الكويت حالياً ، واسم هذه الجزيرة  مُشتَقٌ من لفظة كلدانية ( بَلكا أو بَلكَوثا ) وتفسيرُها بالعربية ( المُنتصف ) وسُمِّيَت بهذا الاسم لموقِعِها الوسطي بين البر والبحر الكلدانيين ،  وكان يُطلَقُ على بلاد الكلدان في الزمن السابق للقرن الحادي عشر قبل الميلاد ( بلاد البحر ) نَظراً  لكثرة أهوارها  وبُحَيراتِها ، وجاء  ذِكرُ هذه التسمية  في  حَوليات  الملك الآشوري ( تُوكَلتي نينورتا الأول 1245 - 1208 ق . م ) وكذلك على عهدِ  الملك ( تَكلَتبيلاصَّر الأول 1115 - 1076 ق . م ) ، بينما وردت تسميتُها في حوليات الملك الآشوري ( آشورناصربال الثاني 882 - 860 ق . م ) ( بلاد الكلدان ) و ( بحر الكلدان ) وهي تَرِدُ في الوثائق الآشورية لأول مرة ، حيث يتحدَّث الملك شلمَنَصَّر الثالث أيضاً في حولياته عن شعبٍ اسمه الكلدان ، وأشار أنه ساعدَ  حلفاءَه البابليين  بإرساله إليهم قواتٍ عسكرية لدعمهم ضِدَّ تهديدات الكلدان والآراميين للدولة البابلية ، وأنه قد أغار على بلاد ( كلديا ) .


إن أهمَّ الممالك الكلدانية القوية التي قامت في جنوب ما بين النهرين في مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد  كانت التالية :

1- مملكة  بيث - ياقين : Beth -Yakin كانت عاصمتُها  دور - ياقين : Dur - Yakin ( تَل اللحم حالياً / بين الناصرية والبصرة ) وتشمُل رُقعتُها الحَوضَ الأسفلَ مِن الفرات وشواطيءِ الخليج وجُزُره  حتى الخليج العُماني ،  أشهر ملوكِها كان الملك (  مردوخ بلادان 733  - 710 ق . م ) ، احتلَّ سنة 733 ق . م مدينة بابل الواقعة تحت الهيمنة الآشورية ، ونودِيَ به ملكاً على الدولة البابلية ، تَمَيَّزَ بالقوة والعزيمة  فقام بتوحيد كافة الممالك والقبائل الكلدانية في مملكة مُتحدة واحدة ،  مؤكِّداً استقلالَ  بابل السياسي  وحَقَّها الشرعي في حُكم البلاد  البابلية ، ولكن الملك الآشوري ( سركَون الثاني 722 - 705 ) انتصر عليه عام721 ق . م  واستعاد بابل منه ،  كانت مملكة بيث - ياقين أكبر وأقوى الممالك الكلدانية ، ومِن بين أبنائها ظهر أغلبُ ملوك الكلدان في العهد البابلي الحديث ( عهد الامبراطورية الكلدانية  626 - 539 ق . م ) .


2 - مملكة  بيث - دَكّوري : Beth- Dakkuri  كان موقعُها في حَوض الفرات  الى الجنوب مِن مملكة بابل ، تمتدُّ مساحتُها مِن مدينة  بورسيبا ( برس نمرود حالياً / جنوب الحلة ) من الشمال وحتى حدود  مدينة اوروك ( الوركاء ) من الجنوب . تَعَرَّضت لحَملةٍ عسكرية من قبل الملك الآشوري أسَرحَدون ، تَمَّ فيها سَلبُها وأسرُ ملكِها شمش-ابني .
 
3 - مملكة كَمبولو : Gumbulo وعاصمتها  ( دور- ابيهار Dur-Abihar  وبدورها كانت ضحية الحملة العسكرية الأسَرحدونية  التي شَنَّها أسَرحدون عليها وعلى مملكة بيث- دَكّوري .

4 - مملكة  بيث - شيلاني : Beth-Shilani  عاصمتُها ( سَر أنابا Sar-Anaba ) في سنة 732 ق . م قاد الملكُ الآشوري ( تَكلّتبيلاصَّر الثالث 745 - 727 ق . م ) حملةً عسكرية على عاصمتِها  سَر أنابا ، قُتِلَ خلالها  ملكُها وسُبيَ  خمسةٌ وخمسون ألفاً من أبنائها الكلدان ورُحلوا الى البلاد الآشورية .

5 - مملكة  بيث - أموكاني : Beth-Amukani عاصمتُها ( شيبيا Shipia ) الواقعة في حَوض دجلة الأسفل ، كانت  تحتضِنُ  بالإضافة  الى قبائل أموكاني  قبائل الفوقودو ( بْقيذي ) كان الملك ( نابو موكِن زيري ) مؤسِّسُ سُلالة بابل العاشرة أحدَ أبنائها ،  تسنَّمَ عرش بابل عام 731 ق . م .

6 - مملكة بيث - شعالي : Beth-Shaali  عاصمتُها ( دور- ايلاتا Dur-Elata ) وقد شملَتها حملة  تَكلَتبيلاصَّر الثالث العسكرية التي قادها عام 732 ق . م ضِدَّها وضِدَّ مملكة بيث - شيلاني حيث أسِرَ من سُكّانِها خمسين ألفاً وأربعمِئَة فردٍ ورَحَّلهم الى المناطق الآشورية .


وقد أشارت المصادر التاريخية ومنها ( مجلة لغة العرب / للأب أنستاس الكرملي / المُجلَّد الأول ) بأن الكلدان عموماً ، كانت ممالكُهم تَزهرُ بوضعٍ اقتصادي مُزدَهِر ، لا يعرف الفقرُ إليها سبيلاً ، يجنون أرباحاً هائلة مِمّا تَدُرُّه عليهم أراضيهم الوافرةُ الخِصب بفضل المياه التي يَرفُدُها النهران الخالدان دجلة والفُرات ، فكانت غِلالُ مزروعاتهم وأشجارهم غَزيرةً ومناطقُ الكلأ واسعةً ، أتاحت لهم اقتناءَ أعدادٍ كبيرة جداً من قطعان الماشية والأبقار والبِغال والحَمير والخيل ، ولم تَكُن تجارتُهم أقلَّ ازدهاراً مِن زراعتِهم ،  فكان أبناؤهم يركبون البحر بمهارةٍ لا يُجاريهم بها مُنافسٌ ، وتًشيرُ بعضُ اللوحات الآثارية المُكتشفة الى تجارةٍ رائجة كانت  تجري مع الأقطار الشرقية بصورةٍ متواصلة ،  تتبادلُ بها البضائعُ عن طريق مُقايضة مُنتجاتِها الزراعية والحيوانية بالمعادن المتوفرة لدى تلك البلدان . لقد حافظت هذه الممالكُ القبلية على استقلالها وديمومَتِها زَمناً قارب الخمسمائة عاماً .  والى الحلقة الثانية قريباً


الشماس كوركيس مردو
في 27 / 3 / 2007

259

الأول مِن نيسان رأس السنة الكلدانية البابلية ( الأكيتو )

بمُنتهى الفرح والإعتزاز أنتهز فرصة حلول الأول مِن نيسان رأس السنة الكلدانية البابلية ( الأكيتو ) ، لأتقدم الى أبناء امتي الكلدانية بأزكى التهاني والتبريكات مُتمنياً لهم ولجميع إخوتهم أبناء العراق عودة الإستقرار والأمان  واستتباب الوئام والإنسجام بين كافة مكوناتهم القومية والدينية والمذهبية  . ويَسُرُّني  جداً أن أُتحفَ القراء الكرام بتفاصيل الإحتفالات التي كان يُقيمُها البابليون الكلدان بمناسبة رأس سنتهم الجديدة ( الأكيتو ) .

إن أول مَن تبنّى الإحتفال بـ ( أكيتو Akitu ) هم الكلدانيون الأوائل سُكّان وسط وجنوب العراق القديم منذ ( 5300 ق . م ) وكان يجري ذلك وباهتمام متميِّز في  مدن  كيش واور واوروك في الفترة التي سبقت هجرة السومريين الى الجنوب ،  وبعد استقرار السومريين أُضيفَ احتفالٌ ثانٍ  بمناسبة  موسم الخريف  ( زاكموك )  فأعتمدَ الرافديون الأوائل الكلدان والسومريون الإحتفالَ  بالمُناسبتين    ( أكيتو وزاكموك ) منذ استقرار السومريين وحتى زوال عهدهم ( 2112  -  2004 ق . م ) ويؤدّون الطقوس الإحتفالية بكلتيهما على حَدٍ سواء مِن القوة والأهمية، وكان لمدينة اور دورٌ رئيسي في تلك الإحتفالات  ولا سيما في عهد سُلالة  اور الثالثة  وإلهها  ( نَنار Nanar ) .  كانت احتفالات ( زاكموك ) تَنصَبُّ على النخلةِ  باعتبارها أقدسَ الأشجار والى جانب ذلك  تُمارَسُ شعائرُ تَجَدُّدِ الحياة والخِصب .

بَيدَ أن إحدى السُلالات العمورية التي تعود باصولها الى الكلدان الأوائل ، تَمَكنت في مطلع الألف الثاني قبل الميلاد مِن تأسيس سُلالةٍ حاكمة في بابل أطلقت علي نفسها ( السُلالة البابلية الاولى ) وفي عهدها تَطوَّرَ الإحتفال برأس السنة  الرافدية البابلية ( ܪܫ ܫܬܝܡ Resh Shattim )  في الأول مِن نيسان ( الأكيتو ) نظراً لقيامها بتنظيم حياة مواطني  بلاد ما بين النهرين  دينياً  واجتماعياً  واقتصادياً ،  ومنذ ذلك ، كانت بابل تحتكر لذاتها الأولوية  في الإحتفال بعيد  رأس السنة البابلية ( أكيتو )  وكان الإله ( مردوخ ) محور الإحتفالات في بابل المدينة الاولى  وفي  بقية المدن الاخرى .  ولكن بعد أن قام الملك الآشوري سنحاريب في سنة 689 ق . م بتدمير بابل ، امتنع البابليون عن القيام بتلك الإحتفالات الفخمة ،  وأمر سنحاريب بإجراء الإحتفالات بعيد ( أكيتو ) في العاصمة الآشورية ( نينوى )  مُستبعداً الإله ( مردوخ ) عن محور الإحتفالات  ومُعطياً دوره  للإله الأجنبي إله القبائل الشوبارية ( آشور ) . ونتيجةً لهذا العمل الشنيع ثار عليه أهلُ بيته  وجرى اغتيالُه على أيدي إثنين مِن أولاده .

إعتلى العرشَ مِن بعد سنحاريب إبنُه أسَرحدون ، فقام بتعمير ما خَرَّبَه والدُه ،  حيث أعاد لبابل عُمرانها  وللإله ( مردوخ ) مكانتَه  ككبير آلهة بلاد ما بين النهرين ومحور مراسيم الإحتفالات ، وهكذا عادت أنظارُ كافة السُكّان ثانية تتطلع نحو بابل العاصمة الرئيسة والرسمية للبلاد  في الأول مِن نيسان مِن كُلِّ عام ، لتستمتع بتلك الإحتفالات الضخمة والمهيبة التي تُقيمُها الدولة وسط حشودٍ بشرية هائلة  قادمة مِن شتى مناطق البلاد الرافدية .

تبدأُ الإحتفالاتُ بعيدِ  ( أكيتو )  في اليوم الأول مِن نيسان ويتواصلُ لمدة إثني عشر يوماً ، ولكُلِّ يوم طقوسٌ احتفالية متنوعة خاصة به ، كانت الطقوس التي تُمارسُ في الأيام الأربعة الاولى تشمُلُ القيامَ بأعمال تطهير النفس بالتكفير عن الذنوب، حيث تُرَنَّمُ التراتيلُ وتُنحرُ الذبائح وتُقرأ الأشعارُ الخاصة بتقديم الشُكر، ولكن لم يكن يُسمَح بالدخول الى معبد ايساكلا المُشيَّد فوق بُرج بابل المدعو(ايتِمناكي ) إلاّ  لكهنة المعبد  لإقامة الصلوات ،  وفي اليوم الرابع يُعلنُ رئيسُ الكهنة ( الشيشكالو Shishgalu )  بدءَ مراسيم الإحتفالات جماهيرياً ،  حيث تُقرأ شِعرياً  اسطورة الخَلق البابلية    ( اينوما إيليش  -  ܐܝܢܘܡܐ ܐܝܠܝܫ Enuma elish ) في الهيكل  مِن قبل  رئيس الكهنة الذي تُحيطُ  به جوقة كبيرة  مِن المُمَثلين والمُمَثِّلات يقومون   باداءِ الأدوار التفصيلية للملحمة .   وفور الإنتهاء  مِن هذه الفعَّالية ، يَتَوَجَّه الملكُ الى معبد إلهِ الكتابة ( نابو Nabu )  بنِ الإله ( مردوخ ) وهنالك  يُقلِّدُه كبيرُ الكهنة صولجانَ الحُكم المُقدَّس ،  وبعد ذلك تبدأ سفرة الملك الى مدينة  ( بورسيبا Borcippa ) البعيدة عن بابل بنحو ( 17 كلم ) وهي مدينة الإله  نابو ،  يُمضي ليلاً واحداً  في معبد إله المدينة الذي يحظى بالتقديس  مِن قبل البابليين وكذلك الآشوريين الذين أفلَحتْ الملكة شميرام الكلدانية الجذور في ترسيخ عبادتِه في دولتها آشور .  وفي ( بيث أكيتو -  بيت السنة الجديدة )  يُعيدُ كبيرُ الكهنة قراءة  اسطورة الخليقة ،  ويُناشدُ الملكُ الإلهَ نابو طالباً مُساعدته لإخراج الإله ( مردوخ ) مِن عالَم الظلام الكوني  .

في اليوم الخامس يبدأ مِشوارُ عودةِ الملك البابلي الى بابل وبصُحبتِه  تمثال الإله ( نابو ) ولدى وصوله الى ( بَوّابة اوراش Urash gate ) في الجانب الجنوبي الشرقي  يُترَكُ  التمثالُ هناك ، ويتوَجَّه الملك نحو بَوّابة  معبد الايساكلا ،  وعند مدخل البوابة يستقبلُه  كبيرُ الكهنة حيث يقوم بتجريدِه مِن شارات الأُبَّهة الملكية ( التاج والحلقة والسيف )  ويطلب منه الوقوف أمامَ تمثال الإله ، ثمَّ يبدأ بالضرب  على خَدَّيه  ويُباركُه ، بينما يكونُ الملكُ يتلو اعترافاً بكونِه بريئاً وباراً ولم يرتكب خطايا وذنوباً ويُنهي الإعترافَ بقولِه : " يا سيد البُلدان إني لم أرتكِب خطيئة "  ،  وبعدئذٍ  يقوم الكاهن الأعلى بمخاطبة الملك باسم الإله وبصوتٍ جهوري قائلاً : إنَّ مطلبَكَ وتوَسُّلَكَ قد سُمِعا ونالا قبولاً لدى الإله ، ولذلكَ فإن سُلطانَكَ وسؤددَكَ على الشعب وعلى البلاد سيثبُتان ويَتوَسَّعان ، ثمَّ يُعيدُ للملك شاراتِه الملكية بعد تطهيرها بالماء المقدس ، وللمرة الثانية يضربُه على خَدِّه فإذا أدمَعَتْ عينا الملك فتلك علامة أو رمزٌ أو آية فألٍ وطالعٍ سعيد لسنةٍ جديدةٍ مُتمَيِّزةٍ بغزارة المطر وخِصبِ الأرض وامتلاء الأشجار بالأثمار ووفرةِ الغِلال .

بموجب هذه الطقوس الإحتفالية العجيبة والمُذهلة ، كان يُجعَلُ مِن الملك شخصاً مُنَزَّهاً مِن كُلِّ إثمٍ وشائبة ، ويُجَدَّدُ سُلطانُه كميلادٍ جديدٍ للكون ومُنَظِّم لأحداث السنة الجديدة القادمة ، وفي عصر هذا اليوم الخامس يقوم الملكُ بِرفقة كبير الكهنة ليرعى فعالية مادتُها ثورٌ وحشي أبيض اللون ،  وفي هذه الأثناء ينتابُ الهيجانُ جموعَ الشعب فيزدادُ الشغبُ  والإضطراب  وبخاصةٍ  لدى تَوَغُّل عربة الإله ( مردوخ ) في الشوارع مِن دون سائق ، الأمر الذي يُمَثِّل دليلاً على الفوضى والظلمة التي كانت تسود الكون قبل أن يقوم الإله ( مردوخ ) بتنظيمه .   وفي غضون ذلك كانت الجموعُ تطوفُ بإرتباكٍ مُفعَمة بالحُزن والتوبة ، تُهَروِلُ يميناً وشمالاً يخنقها البكاءُ والزفرات وتتخللُها أصواتٌ مُجَلجِلة وعينُها شاخصة نحو الزَقورة حيث قبر الإله ( مردوخ ) المُحتجَز في العالَم السُفلي المُكتَنَف بظلام دامس والمُغَطى بالغبار والتُراب ، وهو ينتظر أن يأتيه عَونٌ ونجدة بفضل جهود الشعب والآلهة الاخرى .

اليوم السادس مِن نيسان كان مليئاً بالأَمَل والرجاء ، تَخرُجُ فيه الجموعُ وتصطفُّ على ضِفاف النهر لتُشاهدَ وصول تماثيل الآلهة الأصنام الصابرة والقادمة لنجدة كبير الآلهة ( مردوخ ) الأسير ، آلهة المدن التي كانت مُحَمَّلة على مَتن السُفُن المقدسة السالكة عِبر النهر الآتية الى الميناء  مِن مدن نُفَّر واوروك واور وسُبّار وكوثا  وبقية المدن الاخرى،  وكان مِن بين هذه الآلهة القادمة  الإله ( نابو ) بن إله الحق ( مردوخ ) ذو الشهرة والأولوية بين تلك الآلهة ، الساكن في ( بورسيبا ) وقد قَدِمَ لغرض إنقاذ والده الإله ( مردوخ ) إذ كان حضورُه جوهرياً لأداء دور الآمر والمُرشد على رأس كوكبة مِن الآلهة  في انطلاقةٍ مُظفرة مُنظمة على طريق النهر. وكان الملك بذاتِه يتهَيّأ لتقديم ذبيحة الدم .

في اليوم السابع يجري تنظيف تمثال كبير الآلهة ( مردوخ ) ويُدَثَّر بلباسٍ جديد وكذلك يُفعَل للآلهة الاخرى ، بعد ذلك يتوَجَّه الإله ( نابو ) لزيارة إله الحرب ( نِنورتا Ninorta ) في معبدِه ، وهنالك يتفقان على قتال أكبر إلهين مِن آلهة الظلام فينتصران عليهما ، ثمَّ يحملُ الكهنة تمثاليهما ويذهبوا بهما الى معبد الايساكلا ويضعوهما الى جانب تمثال كبير الآلهة  . وفي اليوم الثامن الذي كان يوماً عظيماً ، حيث  يتمكن كبير الآلهة ( مردوخ ) مِن تحرير ذاته والإنبعاث مِن مِن جديد، فتتضاعف الإحتفالات حِدة وتصلُ ذروتها لدي قيام الملك البابلي بالدخول الى مثوى كبير الآلهة ويُبادر للإمسك بيده وجَلبِه الى  باحة ايساكلا الرئيسية ، فتتقدم كُلُّ الآلهة التي قد تَمَّ إخراجُها مِن غرَفِها نحو إله بابل الرسمي الإله الأسمى لبلاد ما بين النهرين ، لتقديم ولائها المُطلق له ومَنحه السُلطة المُطلقة مُعترفة بأولويته عليها جميعاً ومُردِّدَة أسماءَه الخمسين المُركَّبة ، وكانت تلك اللحظات توجِبُ على الجموع التحلِّيَ بالصمت والهدوء وقتَ امتزاج الحزن والألم مع حلول البهجة والفرح .

في اليوم التاسع مِن نيسان يقوم الملك البابلي بقيادة مركبة الإله ( مردوخ ) المُوشّاة بالذهب والفضة تَتبَعُها عربات الآلهة الاخرى مُشكِّلة موكباً جميلاً ومُنسَّقاً وهي تخترق شارع الموكِب متوجِّهة صَوبَ النهر ، يصحَبُها مجموعات مِن المُغَنين والموسيقيين ينشدون ويعزفون ، بينما كانت الجموعُ تؤَدي فريضة التَعَبُّد بالركوع أمام الموكب عند مروره بجوارهم ، وبعد تطوافٍ غير قصير على ضِفاف الفرات يُغادرُ الموكب بابل الى معبد ( بيت أكيتو ) الواقع في بُستان كثيفٍ بالزهور وأنواع النباتات والأشجار ،  حيث يُعطي الملكُ إشارة لتبدأ فرقة الإنشاد بترتيل الأناشيد الطقسية بضمنها تلك الخاصة بإلهة الخصب والحرب ( عشتار ) الى جانب تلك المُخصَّصة للإله ( أيا )  والد الإله ( مردوخ ) ، أما الترتيلة الأخيرة فتتضمَّن جواباً لسؤال الآلهة عن السبب المُبَرِّر لتركِهم معابدَهم ، وكان الجواب  " ضرورة مُشاركتِهم كبير الآلهة ( مردوخ ) بهذه المناسبة الوطنية الهامة .

في ليلة اليوم العاشر مِن نيسان ووفقَ هذا التنسيق المُنَظم تجري مراسيم الزواج المُقدس للإله مردوخ والإلهة عشتار في هيكل ايساكلا أو في الزقورة أو في مقصورة الكاهنة الكُبرى التي يُطلق عليها ( كاكوم Gagum ) . أما في اليوم الحادي عشر فتُدعى الآلهة بأجمعِها الى اجتماع عام لإقرار الوعود التي قطعتها لكبير الآلهة ( مردوخ ) يوم الثامن مِن نيسان ،  وفي اليوم الثني عشر والأخير تحضر كافة الآلهة المُشاركة الى معبد ايساكلا  ويبدأ ترديد الأدعية والتمنيات ليكون العام الجديد مليئاً بالخيرات . وفي ختام هذه الإحتفالات تُقام مأدبة فخمة لكافة سُكّان بابل والقادمين مِن المدن الرافدية الاخرى تتخللُها الموسيقى والأناشيد . ثمَّ يبدأ الكهنة بنقل آلهتهم الى معابدها التي جُلبوا مِنها  وتبدأ الحياة بالعودة الى مجراها الإعتيادي ثانية .

الشماس كوركيس مردو
في 29 / 3 / 2007

260
أدب / وداعاً يا توما !
« في: 19:00 19/03/2007  »
وداعاً يا توما !

ما تَوَقعتُ يوماً أن يَدهَسَكَ اللَّعينُ    غفلةً  فيَخطفكَ مِن بيننا المَنــــونُ

غادَرتنا دون أن تُوَدِّعنـــــــــــــــا     وأنتَ ذلك الإنسانُ الحنـــــــــــونُ

يا لهفتي عليكَ  يا أصغرَ إخوتـي      فرحيلُكَ المُفاجيء سلب راحتـي

نَندُبُكَ جميعُنــــــــــــــا بالحسرةِ       والدموعُ تنهمِرُ مِن المُقلــــــــــةِ

جُرحُ فراقِكَ عميقٌ لا يندَمِــــلْ        سيأخذُ مِنا وقتاً طويلاً ليَمتثـِـــــلْ

الموت حَقٌّ على الكُلِّ بلا جَدلْ         ولكنْ بغير أوانِه لا يُحتمَــــــــلْ

نَم قريرَ العَين ما دُمتَ مؤمنا         فتحيا خالداً كما قال المسيحُ رَبُّنا

كُلُّنا ضيوفٌ في هذه الدُنيـــــا         لا بُدَّ لنا مِن الرحيل شِئنا أم أبينا

رحمة الله الواسعة لكَ نسألْ        ليمنحكَ ما أعَدَّه لخائفيه منذ الأزلْ


شقيقكَ

الشماس كوركيس مردو

19 / 3 / 2007

261
تيري بطرس ينتقد !


يقول السيد تيري أن البيان الختامي للمجلس القومي الكلداني المنشور بوسائل الاعلام والمُتضمن برنامجَه السياسي المُعَبِّر عن مُنطلقاته الفكرية لم يكن برنامجاً متكاملاً حسب اعتقادِه ، ولا بد مِن إنتظار النتائج على الصعيد العملي ليظهر الخفي الذي لم يُنشر ، وأعتقد أن ما دفعه لهذا الإعتقاد هو أن الكلدان يفعلون نفس ما يفعلُه الخارجون مِن صُلبهم المُتنكرون لاصولهم والمُنتحلون لاصول غريبة عنهم وهو بحقٍّ واحد منهم ،  وإن قولَه ،  ما سَرَّه وأفرحه أن البيان عَدَّه كلدانياً ولكن ما نَغَّصه أن يحمل اسماً دخيلاً ! وهل قد أخطأ المجلس في ذلك ؟ ألستَ تحمل اسماً غريباً مِن صنع وابتكار الغرباء ؟ وهل تستطيع أن تُبرهن عكس ذلك ؟ أتحداك وأتحدّى كُلَّ حامل لهذا الاسم والمناصر له ، إذا كنتَ أو كان  قادراً شرط  أن تُعتَمَدَ في ذلك كما قال الأب ألبير أبونا في مقالته ( البحث عن القومية ) أدلة علمية وتاريخية بعيداً عن الدجل السياسي المبني على التحريف والتزوير .


لا يُنكر الكلدانُ ما تجشَّمه أبناء الجزء المُتنكِّر لاصوله الكلدانية والذي اتخذ له اسماً دخيلاً بغير إرادته وإنما بإغراءٍ وإغواءٍ مِن العدوِّ الأجنبي مِن الصعابِ والأهوال وما تكبده مِن المصائبِ والويلات ،التي لم يتعرض لها إلا نتيجة انتحاله للاسم الدخيل والدفاع عن مصالح الغريب المُستغِل ، إذ  ضحَّى في سبيلهم بحياة عددٍ هائل مِن أبنائه فاقَ نصف تعدادهم ، والسيد تيري يعرف أكثر مِن غيره كيف تَمَّ انتحال الاسم الدخيل ولأجل أية مرامي وأهداف ،  ولكنه لا يسعه الإعتراف بالحقيقة خِشية انهيار كُلِّ ما بُنيَ على الباطل ، وعوضاً عن الإقرار يلجأ الى التراوغ والتناور .
 

أدخل المرحومان توما اودو ويعقوب منا اسم( الآثوريين ) في مُعجَمَيهما وليس (  الآشوريين )  ، وكانا يقصدان بالآثوريين المشارقة الكلدان القاطنين في منطقة آثور إحدى المناطق الثلاث مِن بلاد الكلدان التي عَرَّفها المطران مَنّا في قاموسه الشهير ( دليل الراغبين . . . القاموس الكلداني العربي ) ص. 338  <  وبلادهم( أي الكلدان ) الأصلية هي بابل وآثور والجزيرة  >  فلم يكن إطلاق لفظة الآثوريين على السريان المشارقة الكلدان إلا للإشارة على كونهم يسكنون منطقة آثور وليس لأية دلالةٍ اخرى !


ليس الكلدان هم المقامرين والباحثين عن الأمجاد الشخصية ، بل إن المُغامرين والساعين الى ذلك هم الأبناء المتنكِّرون لاصولهم الكلدانية  الذين أشرنا إليهم أعلاه ،  فإنهم مِن أجل المضي قُدماً الى تكريس ضلالة فرضيتهم الآشورية المُزيَّفة ، تلك التي لا يقبلون التناقش بصددها ولا الإعتراض عليها ، فالأهم لديهم الإصرار على التشبث بها رغم علمهم ببطلانها  حتى لو أدَّى ذلك الى هلاك جميع أبناء شعبنا الكلداني بكل تسمياته المذهبية والطائفية . وللآسف الشديد هنالك  عددٌ مِن المحسوبين على الكلدان اسمياً يناصرون هذه البدعة الآشورية  ( بدعة عصرنا الحديث ) الغالبية منهم عن جّهل ، أما الذين يفعلون ذلك  عن عمدٍ وإصرار ،  فهم الذين تمَّ شراءُ ذِممهم وضمائرهم بالدولار  والوعود بالمناصب ، وينظر الكلدان الى هؤلاء المُغرَّر بهم بأنهم أشبه بالزُوان في حنطتهم ! فلا أسفَ على انفصالهم  تلقائياً لتبقى  حنطتُهم نقية .


الكلدانية لم تقتصر يوماً على المُهتدين الى الكثلكة أعني الذين استعادوا المذهب الكاثوليكي مذهب آبائهم وأجدادهم الذي كانوا عليه  حتى فرض عليهم المذهبُ النسطوري عَنوةً  في القرن الخامس ، إذ كانت كنيسةُ المشرق كلدانية ً أصلاً ومنشأً لأن مؤسسيها كانوا كلداناً ، ولم يكن عدم تسميتِها باسمهم القومي  إلا بسبب جهلهم وتزمتهم للدين المسيحي القويم ولإعتقادهم الخاطيء بأن اسمهم القومي يرمز الى الوثنية وعليهم استئصال كُلَّ ما يربطهم بها ، فارتأوا أن يُطلققوا عليها ( كنيسة المشرق  ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ) لوقوعها في المشرق، وسُمّوا ( الكلدان )  بالسريان المشارقة تمييزاً لهم عن إخوتهم الذين سُمّوا بالسريان الغربيين لوقوعهم في غرب الفرات ، ولكن أبناءَ الكلدان  استعادوا اسم آبائهم القومي في القرن السابع كما يذكر المطران أدي شير في مُقدمة الجزء التاني مِن كتابه ( تاريخ كلدو وأثور ) ولذلك نقول إن الكلدانية كانت موجودة بشعبها النهريني الأصيل والوحيد بين الشعوب النهرينية الأصيلة الذي تواصلَ وجودُه رغم افول نجم سُلطانه واحتلال بلاده ( ما بين النهرين ) مِن قبل الأخمينيين الأجانب عام 539 ق . م  ، بينما انقرضت الشعوب الأصلية الاخرى السومريون والأكديون والآشوريون ، فعندما يُطلق الاسم الآشوري على أية كنيسة هو جُرم لا يُغتفر !

                                                                                                                                                                                                                                                                    في القرن الخامس ظهرت في الغرب المسيحي بدعتا نسطور واوطاخي ، وبالرغم مِن بعد كنيسة المشرق عن مَنبعهما إلا أنها اكتوت  بنارهما ، فانقسم أبناؤها الى فريقَين ، تبنّى الفريق الأكبر المذهب النسطوري والفريق الأصغر المذهب الاوطاخي  ( الاورثوذكسي حالياً ) ،  وفي منتصف القرن السادس عشر حدث تَصَدُّعٌ كبير بين أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية بسبب تفاقم استبداد الرئاسة الكنسية العليا ، فانشطرت الكنيسة الى شطرين ،  أحدهما استعاد مذهب آبائه وأجداده المذهب الكاثوليكي وسمّى كنيسته  ( الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ) وأبناءَها بالكلدان بدل النساطرة ، والآخر أصرَّ على البقاء في المذهب النسطوري واستمر بتسمية كنيسته ( الكنيسة النسطورية  ) وأبناءَها بالنساطرة  ،  في  أوائل القرن التاسع عشر غَزت أبناء هذه الكنيسة النسطورية في عقر دارها بمنطقة هيكاري الجبلية البعثات التبشيرية الأنكليكانية ،  لعبت في عقولهم وأغوتهم لآستبدال تسميتهم النسطورية الى الآثورية بعد أن فشلت في تغيير مذهبهم النسطوري الى المذهب الأنكليكاني ،  ومنذ ذلك الوقت غيَروا اسم كنيستهم الى ( الكنيسة الآثورية النسطورية ) ، وفي الستينات مِن القرن العشرين انقسمت هذه الكنيسة الى كنيستين إحداهما تتبع التقويم الميلادي الحديث والاخرى تمسَّكت بالتقويم الميلادي القديم ، وفي منتصف العقد الأول مِن القرن الواحد والعشرين حدث انقسام في الكنيسة النسطورية  التي تتبع التقويم الحديث انبثقت عنه كنيسة جديدة يدعوها السيد تيري  بالكلدوآشورية  ولم أسمع بها إلا منه الآن . هذا هو باختصار شديد جداً تاريخ انفصام الكنائس  عن كنيسة المشرق الكلدانية الام  .


السيد تيري ، لقد  أقرَّ  جدولُ أعمال المجلس القومي الكلداني بالواقع الموضوعي الراهن الحافل بالتحديات ،  ورأى أن الأمر يتطلب بذلَ الجهودِ الكبيرة لتنظيم مسار عملي واضح لعبور هذه المرحلة الحُبلى بالتداعيات والمُتغيِّرات ،  فمِِن المنظور القومي تنبع لديه استحقاقات سياسية  عليه تحقيقَها بالعمل على إقرارها في دستور اقليم كُردستان ،  وإذ هو يؤمن ايماناً قاطعاً لا لِبسَ فيه  بأن التسمية القومية  لشعبنا الكلداني  بمُختلف تسمياته المذهبية  هي ( التسمية الكلدانية ) بدون منازع وتلك حقيقة  ناصعة  تدعمها القوة الديمغرافية والثقافية والإقتصادية  والسياسية ،  ولذا يرفض  كُلَّ ما ينتقص مِن جمالها بالإزدواجية أو التركيب  ،  ويُطالب بتثبيتها في دستور اقليم كُردستان  .  كما دعا المجلس الى بناء جسور التآخي مع مُختلف التنظيمات السياسية  ساعياً الى توظيف اعلام مُتَّصفٍ بالشمولية ، الهدف منه زيادة الوعي ورحابة الصدر واعتماد التفكير الهاديء مُبتعداً عن الإنفعال في التحاور مع الآخر ، أكَّدَ اعترافه بحق المرأة وقدرتها على مشاركة الرجل في الكثير مِن المجالات ، وكذلك ركَّزَ على دور شباب الامة الكلدانية الكبير في العمل على تلاحم المُجتمع الكلداني المسيحي  بكُلِّ مُسمياته  وبخاصة في هذه المرحلة الحالية .
                                                                                                                                                                                               
 إذا كنتَ ترى هذه المقررات  مُجحفة في حقكم أنتم  الأقلية الصغرى بين مكونات شعبنا ، ماذا نقول عن مُقررات مؤتمرات أحزابكم التي لا يتفق عددها وتعدادكم  أبداً وهي مصدر فوضى عارمة ودائمة  ، لماذا تهَلَّلتَ لأفكار وفعاليات  ما دعي  بالمؤتمر الآشوري العام في ستوكهولم ونالت منكم موقفاً ايجابياً ! ألم يَرُق لك جداً  قول المُتزمِّت الآشوري الأول آشور كيوركيس <  إن الهدف الأول هو الإعتراف بالشعب الآشوري كشعب العراق الأصيل ، والثاني اعتبار الهوية الآشورية جامعة لكافة أبناء الشعب الآشوري بدون أسماء . . . . . .  في الدستور العراقي ، والثالث  العمل على تأسيس اقليم آشوري اسوة بغيرنا وتحت اسم " اقليم آشور " . >  بماذا تُفسِّر هذا الكلام بل الهذيان ؟ هل مِن حقكم انتم  مُنتحلو التسمية  الآشورية المُزورة  أن تُلغوا الكلدان الذين أنتم مِن صُلبهم خارجون ؟  نحن لا نُنكر قيام دولة آشورية  ولا سيما في عهدها الامبراطوري الحديث الذي استقرَّ بعد قرون مِن التذبذب بين المد والجزر  ( 911  -  612 ق . م )  ولكن مَن الذي قضى عليها القضاء المُبرم  كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً ؟ أليس الكلدان ؟ هل بإمكانكم إنكار ذلك  ولو أنكم أبرع مَن يُتقن الإنكار  ؟  لماذا لا تُعارض بيانات ما تُدعى زوراً بالأحزاب الآشورية  الموغلة في العنصرية  الزائفة الطافحة بالحسابات الحزبية والفئوية والمذهبية الضيقة ، بينما تقوم بانتقاد بيانات الأحزاب الكلدانية  المُتميِّزة بالإعتدال والواقعية ! إن اعلامكم  يعتمد ترويج الإتهامات للآخرين ولم يعرف يوماً الى الصدق طريقاً .


السيد تيري ، إذا كنتم وأحزابُكم تتصوَّرون أن بإمكانكم  تغليب باطلكم على الحق الكلداني فأنتم واهمون جداً ،  نرجو أن تعودوا  الى الرُشد ونبذ الضلال المُسيطر على أذهانكم  ، فإن تحليقكم في فضاء الخيال الى حد الجنون لن يوصلكم الى ما ترمون ،  عليكم أن تُحكِّموا العقل وتنبذوا سياسة الإستعلاء الفارغ الذي لا يليق بكم ويفوق قدراتكم الهزيلة  في كافة النواحي  ، ولولا وقوف بعض خونة امتهم الكلدانية الى جانبكم نتيجة إغرآتكم إياهم بشتى الوسائل  المُنكَرة ، لكُنتم الآن تركعون تحت أقدام الكلدان مُلتمسين رضاهم  ، ولكن للأسف  إن أمثال هؤلاء  موجودون في كُلِّ زمان ومكان وبين كُلِّ الشعوب والأقوام  .


أخيراً يا سيد تيري ، نحن الكلدان نُحبُّكم  أكثر مِن كُرهكم لنا الذي لا حدود له بأضعافٍ مضاعفة  ، أتدري لماذا ؟ لأنكم جزء عزيز مِن امتنا الكلدانية مهما أنكرتم انتماءَكم إليها ، ومهما تماديتم في التجنّي  عليها وتشويه تاريخها وسلب حقِّها ،  ونسب مُنجزاتها  الى الامة المُنقرضة التي ارتضيتم انتحال تسميتها  دون أن تربطكم  بها أية رابطة  لا عِرقية  ولا تاريخية ،  وليكن في عِلمكم إن الباطل يمكن أن  ينتصر زمناً ولكنه لن ينتصر دائماً ، فالحق في النهاية هو المُتتصر !




الشماس كوركيس مردو
26/2/2007
 

262

الصامدون في الداخل بحاجةٍ الى دعم إخوتهم الذين في الخارج

لقد ضمن الدستور العراقي ازدواجية الهوية لكافة العراقيين لا فرق بين مَن يعيش منهم داخل العراق ومَن يعيشون خارجه ، ولذلك يحق للذين في الخارج الإهتمام بشؤون إخوتهم الباقين في ديارهم ، لأنهم جزء منهم وشؤونهم مُشتركة ويرتبطون بوشائج عدة فيما بينهم ، ولا يجوز لأحدٍ أن يتهمهم بفقدانهم لتلك الوشائج والإرتباطات بسبب اضطرارهم للعيش خارج الوطن ، وربما كان هذا الخروج مِن الوطن الذي تَمَّ بغالبتِه غير ارادي عاملَ خير لهم أولاً وسنداً كبيراً لإخوانهم ثانياً ، إذاً كيف يُعقل أن تُعتبَر أنشطتُهم السياسية والإجتماعية والتوعوية تجاوزاً على حق الباقين مِن أخوتهم بحلِّ مشاكلهم وتنظيم امورهم ، أليس مِن الأولى اعتبار هذه الأنشطة  دعماً وإسناداً لهم للتغلب على ظروفهم الخاصة والصعبة ؟

لا فرق بين الأحزاب التي تعمل في الداخل وفروعها العاملة في الخارج ، لأن فروع الخارج وبما تتمتع به مِن حرية الرأي والتعبير والتحرُّك غير المُقيَّد ، أقدر على تعريف الراي العام بمعاناة شعبنا في الداخل والإتصال بذوي الشأن لشرح أسباب تلك المُعاناة لكي يستقطبوا اهتمامهم لعمل ما يمكن للتخفيف منها وايجاد الحلول لها ، وهذا نابع دون  شك مِن مشاعرهم الحقيقية نحو أرض آبائهم وأجدادهم العزيزة عليهم مهما ابتعدوا عنها ومهما كانت الأسباب ، أما تعييرُهم بعدم العودة إليها والعيش فيها فهو هُراء في الظرف الحالي ،  إذ لا زالت العوامل التي دفعت بهم الى الرحيل قائمة  ، بل أكثر عنفاً وشِدة ، صحيح أن أبواب الشمال المعروف اليوم بكُردستان مفتوحة أمام العائدين ولكن أسباب العيش محدودة والمنطقة قد ضاقت بالقادمين إليها مِن وسط العراق وجنوبه  ناهيك عن أن العدد الكبير مِنهم قد عاد الى قرى آبائه وأجداده الواقعة في سهل الموصل مِن كُلِّ جوانبه ،  فهل يُريد المُعَيِّرون أن يعود العدد الهائل الموجود في الخارج  في هذا الظرف العصيب بالذات ليُصبحوا عالة على أهلهم وإخوتهم في الداخل ؟ إنها حقائق وليست ذرائع ، وإن ما يقوم به أهل الخارج هو بسبب ما يعنيه لهم أهل الداخل ، وهو الصواب بعينه  لأن أهل الداخل هم بأمس الحاجة الى تحرك أهل الخارج ودعمهم مِن أجل صمودهم وبقائهم .

إن مَن لا يُمَيِّزون بين الأحزاب المؤسسة أصلاً في الخارج وليس لها ارتباط  بأحزاب الداخل وبين الأحزاب المُتفرعة مِن أحزاب الداخل ، إما هم جاهلون بالامر أو متعمدوالجهل للتفريق بين هذه وتلك ، وهم بذلك يُعربُون عن مدى حقدهم على كلا الطرفين مِن دون استثناء حسب قولهم ، وإن دلَّ هذا على شيء فإنما يَدُل على مدى استهانتهم بالنافع والضار مِنهما بوضعهما في اطار الضرر على حَدٍ سواء ، تباً لهذه الأنانية المُفرطة وحب الإستفراد بشؤون الامة وفق مزاجهم البرتقالي  واستعلائهم الخيالي ومنظورهم الحزبي الضيِّق الإنفرادي الذي مِن خلاله يرون باطلهم حقيقة وحقيقة غيرهم باطلا ! كيف يُمكن المُساواة أو حتى المُقارنة بين مُقررات اجتماعات مسؤولي المجلس القومي الكلداني الأخيرة  وبين مُقررات مِن عقدوا مؤتمراً سُمي ( مؤتمر ستوكهولم ) هل لم يتطلعوا على مُقررات الطرفين ليروا البون الشاسع بينهما ؟ أليس هنالك فرق بين مَن يفرضون رأيهم حتى في موعد عقد مؤتمر شامل لِلَم الشمل وبين مَن يُطالبون بإعطاء مجال أوسع مِن أجل توفير فُرصٍ لعقد لقاءات وتبادل مشاورات بين الأطراف المدعوة للمشاركة فيه ! أليس هذا برهاناً بان هنالك فرقاً متبايناً وكبيراً بين الأحزاب المؤسسة صِرفا في الخارج وبين الأحزاب المُرتبطة باصولها مِن الداخل ؟

إننا نَرفض التَدخل المناهض لرغبات أهلنا الصابرين الصامدين في الوطن ، ونعارض مسلك الذين يسعون الى إملاء آرائهم وقناعاتهم الخاصة  خارجاً عن ارادة شعبنا ، لأن شعبنا الصامد على أرضه أدرى بشؤونه ومشاكله وظروفه ، وهو الأقدر على حَلِّها . إنني شخصياً لا أرى أفضل مِن  " اتفاقية العمل المُشترك المعقودة في 18 / 3 / 2004  التي وقَّعَ عليها رؤساء أربعة تنظيمات شعبنا هم أمين عام حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني الاستاذ ابلحد أفرام ، ورئيس المجلس القومي الكلداني السيد فؤاد بوداغ ، وأمين اتحاد بيث نهرين الوطني السيد كيوركيس خوشابا ، ورئيس الهيئة التنفيذية لحركة تجمع السريان المستقل المرحوم يشوع مجيد هداية .

نُكَرِّر بوجوب التمييز بين فروع الأحزاب القائمة في الخارج والمنبثقة مِن أصولها في الداخل وبين تلك المؤسسة صِرفاً في الخارج ،  فالاولى تهدف الى خدمة شعبنا في الداخل مِن خلال مؤتمراتها ونشاطاتها وفعالياتها المُتنوعة ، والثانية تسعى الى  فرض آرائها وتحقيق منافعها الذاتية بحسب أفكارها الخيالية البعيدة كل البعد عن الواقع المنظور .

الشماس كوركيس مردو
في 21 / 2 / 2007

263

المفاهيم القومية الأصيلة في البيان الختامي للمجلس القومي الكلداني

لقد لاحظنا ما يكتنفُ مؤتمرات المُعادين للكلدان مِن صَخَبٍ اعلامي مُصطنع يُروِّجُ لها قبل انعقادِها ويُهَلِّل بعد انتهائها لتصريحات مؤتمريها العنترية وشعاراتهم الخيالية ومُقرراتهم البعيدة عَن الواقعية ،  بينما نرى المؤتمرات الكلدانية  تنعقد بعيداً عن الضجيج الاعلامي حِرصاً مِنها على عدم الوقوع في مَطبّات تعظيم الذات  والتنَكُّر للآخرين وإلغائهم ، وهذا ما فعله حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني الذي عَقدَ مؤتمره العام الأول  قبل بضعة  أشهر ،  وعلى غِراره عَقَد المجلس القومي الكلداني خلال شهر شباط الحالي سلسلة مِن الإجتماعات حضر جلساتِها  مسؤولو فروعه المُتشرة في العراق وبُلدان المهجر  وفي مُقدمتهم سكرتيره العام .   تَمَيَّز جدولُ الأعمال بالإعتراف بالواقع الموضوعي الحافل بالتحدِّيات ،  حيث يتطلَّب الكثيرَ مِن الجُهد لتنظيم مَسار عملي واضح لإجتياز هذه المرحلة المليئة  بالتداعيات ،  فهنالك استحقاقات سياسية تَنبع مِن النظرة القومية على المجلس تحقيقَها والإقرارَ بها ضمن دستور اقليم كُردستان ، الأمر الذي رَكَّز عليه وبخاصةٍ  في موضوع التسمية القومية  لشعب امتنا الكلدانية بصرف النظر عن تسمياته المذهبية والطائفية ، فكان المجلسُ  بذلك أميناً على انتمائه القومي الأصيل نتيجة اعتزاز كافة أعضائه المُجتمعين بولائهم لامتهم الكلدانية وافتخارهم بها ، وهم يؤمنون تماماً بوجوب ربط  جذورهم الحاضرة بجذور آبائهم وأجدادهم الضاربة في القِدم ، ومِن هذا المُنطلق إتَّخَذ المجلس العديدَ مِن القرارات المُهمة وأهمُّها : اعتماد التسمية الكلدانية  تسميةً قومية وحيدة لشعبنا الكلداني العريق  بمُسمياته الثلاث  وتثبيتها في دستور اقليم كُردستان ، ورفض كُلِّ تسمية مُصطنعة أو مُركبة يَبتكرها أعداء امتنا .

دعا المجلس الى بناء جسور التآخي مع مُختلف التنظيمات والأحزاب السياسية عن طريق سعيه لتوظيف اعلام مُتَّصفٍ بالشمولية ،  يرمي الى زيادة الوعي ورحابة الصدر ويعتمد التفكيرَ الهاديء مُبتعداً عن الإنفعال في تحاوره مع الآخر ،  اعترف بحق المرأة وقدرتها على مُشاركة الرجل في الكثير مِن المجالات ، وأكَّدَ على الدور الكبير الواجب اداؤه مِن قبل شباب الكلدان في المرحلة الراهنة .إن هذه  التَوَجُّهات والتوصيات التي  تدارسها مسؤولو المجلس القومي الكلداني في اجتماعاتهم ، تَدُل على ما يتحلَّون به مِن روح قومية كلدانية أصيلة حُرة تأبى الخضوع والتبعية ، وترفض بتحدٍ قدير كُلَّ شعارات المُهَرجين الكاذبة التي يبتغون مِنها مَنافع أنانية شخصية وعشائرية .

تهنئة مِن الأعماق خالصة لإخوتنا مسؤولي المجلس القومي الكلداني المُناضلين ، لقد عَبَّرتم مِن خلال البيان الختامي لإجتماعاتكم عن عُمق انتمائكم القومي المجبول على الفطرة ، حيث دَلَّت عباراتُه على مفهوم الأصالة الذي تحملونه نحو امتكم الكلدانية ، فإليكم نُوَجِّه تحيتنا  يا مَن نذرتم أنفسكم للدفاع عن تسميتكم القومية الكلدانية بكلِّ ما اوتيتم مِن قوة  وصَونِها مِن أيِّ تشويهٍ وتحريف ، إذ فيها  تتجسد عزة وكرامة  كُلِّ كلداني أصيل وشريف .  إن مثل هذا العمل ليس بغريبٍ على أبناء الكلدان البررة أمثال النخبة مِن الإخوة :

1 -  فؤاد رحيم بوداغ  -  سكرتير عام المجلس
2 -  الدكتور عصام عبدالأحد بتو  -  السكرتير الأول
3 -  السيد نصير القس يونان  -  المُقرر العام
4 -  السيد جوزيف كساب  -  رئيس فرع مشيكَن / الولايات المتحدة
5 -  السيد سمير يوسف سولاقا  -  رئيس فرع استراليا / مُنسق المجلس العام
6 -  السيد عيسى قلو  -  فرع استراليا
7 -  السيد دومنيك كَندو -  رئيس فرع سويسرا / منسق اوروبا
8 -  السيد نزار ملاخا -  رئيس فرع الدانمارك / الناطق الاعلامي باسم المجلس في اوروبا
9 - السيد  أياد ملاخا -  رئيس فرع السويد
10 - السيد  اودا أبلحد القس يونان _  رئيس فرع القوش
11 -  السيد حميد سَكماني  -  فرع القوش
12 -  السيد عماد ملاخا  -   ممثل المجلس في اريزونا / الولايات المتحدة
13 -  السيدة فابيولا بولص - مسؤولة اتحاد نساء الكلدان في سويسرا
14 -  السية بُشرى أبونا  -  مسؤولة اتحاد نساء الكلدان في الدانمارك

نُكرِّر تهانينا وتحياتنا للإخوة والأخوات المُدرجة أسماؤهم أعلاه ، داعين الرب القدير أن يباركَ جهودهم الخَيِّرة  ويُسدِّدَ خُطاهم للوصول بالمسيرة  الى مراميها المَرجُوة في الحصول على كافة حقوق أبناء امتنا الكلدانية بكُلِّ مُكَوِّناتِها  مِن سياسية وثقافية ودينية واجتماعية  .


الشماس كوركيس مردو
في  17 / 2 / 2007

264

  مُُغالطات يعكوب أبونا  -  إشكالية تسميات الكلدان والآشوريين                        


أ – بناءً الى طلب السيد رعد كبوتة الذي نقل مقال السيد يعكوب أبونا المُعنوَن أعلاه مِن موقع صوت العراق الى موقع باقوفا ، وبالرغم مِن عزوفنا عَن خوض حرب التسميات ثانية ، تلك التي دارت رحاها لأكثر مِن ثلاث سنوات مَضت ، تَمَّ خلالها فضحُ إدِّعاءات وأكاذيب ناكري أصلهم منتحلي التسمية الآشورية الاسطورة الويكرامية الانكليكانية . ولكن نزولاً عند رغبة السيد كبوتة المُتعاطف القوي معهم بدليل وصفه لمقالي  "  القائدُ الثابتُ المُستقيم  " بالمُتَشَنِّج ،  وأنا واثقٌ لو أن أحداً مِن مُنتحلي الآشورية مُزَوِّري التاريخ أو مِمَّن يتخَندق معهم مِن أبناء الكلدان المُغَرَّر بهم قد كَتَبَ مقالاً ينتقص فيه مِن الكلدان ، لَصَفَّقَ له وهَلهَلَ وعَقَّبَ عليه بعِبارات الثناء والإطراء ، أقول سنَرُدُّ ونُفنِّدُ للمرة الثانية  مُغالطاتِهم وتحريفاتِهم المُبتكرة مُجَدَّداً ، بدلائل ووثائق عِلمية وتاريخية منسوبة الى مصادر نزيهة وموثوقة .


ب – وفي تعقيبٍ آخر يقول السيد كبوتة أنه مِن خلال قراءَتِه لمقالات الجانبين ويعني( الكلدان ومُنتحلي الآشورية ) لم يَجِد الدليل الحقيقي أن تسميتَه أصلية ، وتَمُتُّ بصلةٍ الى الشعوب القديمة التي استوطنت العراق . ويُضيف ما الدليل التاريخي الموثوق والمُوَثَّق ، بأن الكلدان الآن هم أنفُسُهم الكلدان أصحاب الحضارة المعروفة ، وليست سوى تسمية اطلقت عليهم يوماً ما ولغَرَضٍ ما ، حالهم حال الآثوريين . أقول للعزيز رعد، إنكَ بالتأكيد لم تقرأ مقالات الكُتّاب والباحثين الكلدان بإمعانٍ جيد ، لو كُنتَ قد فعلت لوَجَدتَّ الكثير مِن الدلائل بأن كلدان اليوم هم سليلو كلدان الأمس ، و مِن تلك الدلائل أذكر لكَ دليلاً واحداً على سبيل المِثال هو ما قاله المُثلَِث الرحمات المطران يعقوب اوجين مَنا في قاموسِه الشهير ( دليل الراغبين . . . القاموس الكلداني العربي ) لدى تعريفه للكلدان في الصفحة  رقم  338 :  < الكلدان ܟܠܕܝܐ ܐالكلدانيون :العلماء وأرباب الدولة مِن أهل بابل وأطرافها جيلٌ مِن الشعوب القديمة كانوا أشهر أهل زمانِهم في سطوة المُلك والعلوم وخاصةً عِلم الفلك  ولُغتُهم كانت الفصحى بين اللغات الآرامية وبلادُهم الأصلية بابل وآثور والجزيرة أي ما بين نهري دجلة والفرات وهم جدود السِريان المشارقة الذين يُسَمّون اليوم بِكُلِّ صَوابٍ كلداناً


قبل البدءِ بالرد على ما نشره السيد يعكوب ابونا بتاريخ 21/1/2007  في موقع صوت العراق الالكتروني تحت العنوان أعلاه ،  وبدأه كما هو منقول مِن قبل السيد رعد كبوتة الى موقع باقوفا : الآشوريون كلدان . . . ؟ ؟ الجزء الأول . . . . والموضوع ذاتُه  منشور في موقعَي تللسقف والقوش.دي  بعِنوان  مُختلف هو :    ( هل الكلدان آشوريون . . . ؟ ؟ أم الآشوريون كلدان . . . ؟؟ ) أوَدُّ التنويه بأن الاستاذَين يعكوب وابن عمَّه هرمز أبونا يحمِلان حِقداً دفيناً مُتوارَثاً للكلدان وتاريخهم المجيد وحضارتهم التي طغت على كُلِّ الحضارات التي ظهرت على أرض بلاد الرافدَين ، وقد توَلَّدَ لديهما هذا الحِقد مشوباً بالكُره الشديد بسبب قيام شريحة ضخمة مِن الكلدان الأماجد أبناء كنيسة المشرق في مُنتصف القرن السادس عشر ، بحركةٍ إصلاحية أقدَمَت مِن خلالها على سحب البساط مِن تحت أقدام المُتسلَّطين مِن عشيرة آل أبونا على مقاليد الامور في كنيسة المشرق حيث كانوا قد جعلوا المنصبَ البطريركي حَكراً بأبناءِ عشيرتِهم عن طريق الوراثة مُلغين بذلك التقليد الكنسي الانتخابي المعمول به منذ إنشاء الرئاسة الكنسية العُليا لكنيسة المشرق ،  وانطلاقاً مِن شعورهما المُعادي للكلدان بسبب تلك الحركة التقويمية ، آلا على نفسيهِما أن لا يألوا جُهداً في التَجَنّي على الكلدان وتزوير كُلِّ ما هو كلداني مِن تاريخ ومُنجزات ونسبِها الى الآشوريين ،  ولكن هيهات فإن الغُيارى مِن أبناءِ الكلدان لهما ولكُلِّ المُنحرفين الذين على شاكلتهما  بالمِرصاد لدَحضِ كُلَّ التحريفات والإبتزازات ، فضلاً عَن أن كافة الكلدان ذوي الإعتزاز الكبير بقوميتهم الكلدانية وحُبِّهم لها ، لا يُعيرون بالاً  لِهذيان هؤلاء ، ومَن يقرأ كتاب هرمز أبونا ( صفحات مطوية مِن تاريخ الكنيسة الكلدانية) سيَصْعَقُ لِهَول ما قد ورد فيه مِن إفتراءٍوتشويهٍ وتحريفٍ للوقائع التاريخية وتحوير لأقوال المؤَرخين ، يَشهدُ عليها التناقضُ الصارخ  في أقواله . وسيكون الكتابُ موضعَ انتقادي وتفنيدي لِمَ حَشَرَ فيه مِن عِبارات التحامل والتجريح بحقِّ الكنيسة الكلدانية النسطورية سابقاً والكنيسة الكلدانية الكثوليكية لاحقاً .


يَبدأ السيد يعكوب أبونا قائلاً : أولاً – الكلدان آشوريون  <  يذهب دعاة الآشورية الى القول ، أن الكلدان الحاليين ليسوا إلا جزءاً مِن الآشوريين ، ولا علاقة لهم بِمَن سُمّوا كلداناً في حقبةٍ زمنية مِن تاريخ بلاد الرافدَين الذين حَكموا بابل بين الأعوام 625 – 539 ق . م . . . ويُشار الى هذه الفترة تاريخياً بفترة حُكم سُلالة بابل الحادية عشر أو "  العصر البابلي الحديث  " >  .  وأنا أقول لكَ يا أخ أبونا عَكسَ ما يَدَّعيه  زوراً الذين دَعَوتَهم  وبصوابٍ دُعاة الآشورية ،  بأن هؤلاء الأدعياء هم جزء مِن أبناء كنيسة المشرق الكلدانية التي اضطرَّت الى تغيير مذهبِها الكاثوليكي  مذهب الكنيسة الجامعة الام التي كانت هي الجزء المُهم المُكَمِّل لها ، بالمَذهب النسطوري مُرغَمةً  في الجيل الخامس تحت ضغط  عوامل داخلية وخارجية قاسية ، ثمَّ استعادته نُخبة كبيرة مؤمنة ومُثَقَّفة مِن أبنائها في مُنتصف الجيل السادس عشر، ولكن قِلةً  جاهلة ضئيلة  تشبَّثت  بالبِدعَة النسطورية  نكايةً بإخوتِها ،  وهؤلاء الأدعياء هم أحفاد تلك القِلّة المُتمَرِّدة ولا علاقة لهم البتة بالآشوريين القدماء إطلاقاً لا عِرقياً ولا تاريخياً ،  وسأُبَرهنُ على ذلك بدلائل عِلمية وتاريخية .


يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) في كتابه ( حضارة العراق وآثارُه ص . 122 )، لم يكن الإنحطاط السياسي لدولة 
آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً . لقد ظهرت
امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً مثل ما حَدَثَ للدولة
الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالك وامبراطوريات مُماثلة قد تِوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . .
لم يُسلَب ويُنهَب أيَُ بلدٍ آخر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حصل لِبلاد آشور >


ويقول البروفيسور سيمو باربولا / جامعة هلسنكي( بعد حَربٍ أهليةٍ مُطوَّلة استطاع البابليون أي الكلدان والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهد الآشوري الحديث ،
وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغربية " حَرّان " ساحقين بذلك آخر خَندق للمُقاومة لملك بلاد آشور
الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث خَتَمَ مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة ، حيث يبدو أن أغلبَهم وبدون الإدلاء عَلناً عَن الفكرة القائلة  بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف وَفرَةِ المعلومات عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً لفِكرة
الإبادة الجماعية  والتي تبدو أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات  شهود العَيان القُدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ الأب ألبير أبونا  في مقالتِهِ المنشورة  في موقع عَنكاوا.كوم  الالكتروني  < البحث عن القومية > كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين  وبعض المُنجرفين  وراءَهم من الكلدان المُغَرَّر بهم إن كان بإمكانِهِم إثبات عدم انقراض الآشوريين النهائي بأدِلَّةٍ علمية وتاريخية بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف .


إذا كان الآشوريون قد انتهوا الى الفناء الأبدي على أيدي الكلدان ، كيف يكونُ كلدانُ اليوم جُزءاً مِن الآشوريين وليس سليلي الكلدان مُحَطِّمي الآشوريين ؟ هل هنالك أغبى مِن مُرَوَّجي هذا الدَجَل المفضوح ! فكلدانُ اليوم إذاً هم الأحفاد الحقيقيون لأولئك الذين استطاعوا في النهاية أن يبسطوا سُلطانَهم ليس على كامل بلاد ما بين النهرين فحسب ، بل على منطقة الشرق الأوسط بأكملها ، وهم الشعبُ الوحيد مِن بين شعوب بلاد ما بين النهرين الأصليين الذي استَمَرَّ في الوجود ومارسَ نشاطه الحياتي رغم سقوط سُلطانه وخضوعه لأنواع النفوذ الأجنبي .


إن  أشهر مَن كَتبَ  عن تاريخ  الامة الكلدانية  والدولة  الآشورية مِن بني الكلدان  بعد المؤرخين القدماء والمؤرخين  والكُتاب الاوروبيين  الذين ألفوا كُتُبَهم  منذ مطلع الجيل التاسع عشر ،  كان العلامة الشهيد  المطران أدي شير  مدفوعاً مِن شعوره القومي والوطني  مشوباً بالأسف والاستغراب لانعدام الشعور القومي  لدى أبناء امته الكلدانية المعاصرين الذين  يجهلون أنهم مُنحدرون مِن صُلب شعبٍ  نبيل فاقَ  شعوبَ العالَم  كُلِّه  في بأسه  وآدابه  وصنائعه  فحَملَته  غيرتُه  القومية كما قال ليُتحفَ  أبناء  وطنه  بكتابه  الذي عَنونه (  تاريخ كلدو وآثور )  والذي يقع في مُصَنَّفَين ،يتحَدَّث بالمُصنَّف الأول عن الامة الكلدانية والدولة الآشورية  قبل الميلاد ، وفي المُصنف الثاني عن الكنيسة الكلدانية التي سُمِّيت ( كنيسة المَشرق ) منذ  تأسيسها  في القرن الميلادي الأول  وحتى أوائل القرن العشرين  دون أن يُغَيِّر التسمية المُركبة التي وضعها لعِنوان الكتاب التي تتطابق مع ما أورده في المُصَنَّف الأول فقط  ،  مُنطلقاً مِن اعتقادِه  الديني  بهدفِ جَعل المسيحيين شعباً واحداً  وليس قوماً واحداً كما يعتقد البعض خطأً ، وأوضح دليل على ذلك هي الأدلة الوافية التي قَدَّمها  والمصادر العديدة التي اعتمدها والتي  تؤيِّدُ  مِصداقية الأحداث التي سردها ، والتي تُعطي  فهماً دقيقاً  للقاريء  بعدم  تطابق عنوان الكتاب مع مُحتواه لأن كُلَّ ما ورد فيه يؤَكِّد  ويُثبت  بشكل  قاطع  بأن الكلدان قومية مُستقلة لامةٍ عظيمة ،  تَحدَّت  الأهوالَ والمصائبَ  التي تَعَرَّضت لها قبل الميلاد ومُنذ اعتناقِها المسيحية في مطلع القرن الميلادي الأول .


كانت  اللغة التي  يتحدَّث  بها  مُبَشِّرو  بشارة الخلاص المسيحية هي اللغة الآرامية  الكلدانية التي كان اليهودُ  قد  تَعَلَّموها  خلال  فترة السبي البابلي  وتوارثتها  أجيالُهم  اللاحقة  ومنهم  الرُسُل المُبَشِّرون وتلاميذهم  ،  وهي ذات لغة سُكّان بلاد ما بين النهرين الكلدان ذوي العدد الديمُغرافي الأكبر في البلاد كُلِّها ،  فكانت العامل المُساعد الرئيسي المُهِم لِتَقبُّلهم البشارة الخلاصية  بِيُسر وسهولة ورغبة غامرة .


لقد كانت اللغة والثقافة الكلدانيتان سائدتين وقتَ دخول التبشير الخلاصي الى أرض بلاد الرافدَين بفضل الروح الوطنية العالية لدى الكلدان ،  بيدَ أن الأخمينيين غاصبي البلاد وبهدف تحطيم تلك الروح ، عَمدوا الى  تشويه  سُمعة الاسم الكلداني، ناسجين حوله وحول بابل ستاراً ثخيناً مِن الأساطيرالإتهامية والتحريفية  لِكُلِّ ما خَصَّ به الكتاب المُقدس/ العهد القديم /  بابلَ وأبناءَها الكلدان، مِما جعل الكلدان أن يُهمِلوا إسمهم القومي  بعد اعتناقهم المسيحية واستبداله بالاسم الديني ،  حيث سَمّوا أنفسَهم ( مشارقة ) وأطلقوا على  كنيستهم اسم ( كنيسة المشرق )  وكانت  تُسَمّى أيضاً ( كنيسة فارس ) لوقوعها في المملكة الفارسية وكذلك ( الكنيسة الكاثوليكية ) وهذا ما يُؤَكِّد بأن كنيسة المشرق كانت ً
كلدانية قلباً وقالباً ، غَيرَ أن الكلدان لم يشأوا أن تبقى حكراً عليهم فجعلوا بابَها مفتوحاً على مِصراعيه لإنضمام الأقوام الاخرى إليها ، فانضمَّ إليها الفرسُ والعَربُ والهنودُ وغيرهم .


ولكن الأجيال الكلدانية اللاحقة انتبَهتْ الى الخطأ الجسيم الذي وقع فيه آباؤهم المسيحيون الأوائل بإهمالهم لإسمهم القومي  فوَطدوا العزمَ على استرداده ، حيث يقول العَلامة المطران أدي شير <  بعد فتوحات العرب تلاشى الكلدانُ الوثنيون المُنجِّمون مِن هذه الديار ، وسُمّوا مُسلمين لإعتناقهم الديانة الإسلامية . فعاد أجدادُنا الكلدان المسيحيون واسترجعوا الاسم الكلداني . وقد استشهد على ذلك بأقوال المؤَرخين ومِنهم :إبن العِبري في كتابه المُسمّى ( مْعَلثا ) حين تَكَلَّمَ عَن الامة الكلدانية النسطورية بقوله : < الشرقيون العجيبون أولاد الكلدان القدماء > وفي كتابه ( تاريخ الدُوَل ) في مِحوَر بحثه عن فروع اللغة الآرامية ، سَمَّى لُغة أهل جبال آثور وسواد العراق ( الكلدانية النُبطية ) وكثير مِن المصادر الاخرى كصاحب كتاب ( طبقات الامم ) وكتاب ( القوانين السنهادوسية ) .


ويسترسلُ أدي شير قائلاً < إن أجدادَنا الكلدان المسيحيين اشتهروا هم أيضاً نظير آبائهم الكلدان الوثنيين ، فإنه كما أن الصنائع والمعارف بلغت عند الكلدان والآثوريين الى أسمى درجة ، ومِنهم اقتبسها اليونان والفرس وغيرهم مِن الشعوب القديمة ، وامتدَّت فتوحاتُهم حتى جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر الأسود شمالاً وحتى بلاد ماداي وعيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً ، كذلك الكلدان النساطرة بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرتُهم وخَلَّدوا لهم ذِكراً جميلاً مؤَبَّداً ، إذ إنهم كأجدادِهم افتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينيا وسوريا وقبرص ومصر حتى بلاد الهند والصين وتُركستان وغيرها مِن البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة >


تَجَنُّباً للإطالة أكتفي بهذا الغيض مِن فيض المصادر التي تؤَكَّدُ انقراضَ الآشوريين وتُثبتُ في ذات الوقت استمرار وجود الامة الكلدانية ودورها الريادي في تأسيس كنيستها المشرقية العِملاقة التي كانت الجزءَ المُكَمِّل للكنيسة الام الكاثوليكية الجامعة حتى أواخر القرن الخامس ، أما كيف تَخَلَّت الكنيسة المشرقية عَن مذهب الكنيسة الجامعة الام وتَبَنَّت المذهب النسطوري ، فيعود الامرُ الى عوامل قسرية لم تقوَ على مُجابهتِها، مِنها كنسية خاصة وكنسية عامة واخرى سياسية داخلية ودُوَلية ، وكانت بِِدعَتا نسطور واوطاخي اللتين ظهرتا في أواسط القرن الخامس قد عصفتا بالكيان الكنسي المُتلاحِم كالبُنيان المَرصوص القائم  بين كافة الكنائس ، والمُستند على العقيدة الايمانية الكاثوليكية    ( الجامعة) . لم تكن غاية مُبتَدِعَي البِدعَتَين وأنصارهما إلا اللَّهثَ وراء الشُهرة والمجد الدُنيويَين يدفعُهم حُبُّ التسلُّط المشوب بالكبرياء لِفَرض آرائهم المُريبة قسراً وبتعابير غريبة ذات مساس بعقائد ايمانية( كالثالوث والتَجَسُّد والفداء ) أملَتها عليهم الظروف الثقافية المُرتبطة بالمصالح السياسية الدَوَلية ، وكانت مِن القوة بحيث أنها نَجَحَت في تمزيق الجَسَد الكنسي الواحد (الكيان الكنسي المُنَظَّم) فانسلخت بعض أعضائه وابتعدت عَن الأصل واستَمرأت القطيعة ، ولما امتَدَّ زَمَنُ القطيعة كثيراً إعتبرتها وَضعاً مألوفاً بل طبيعياً لا بأس مِنه .


كان موقعُ كنيسة المشرق بعيداً عَن مَنبَع البِدعَتَين ، ورغم ذلك إكتَوَت بنارهما فانشطرت الى شطرَين ، حيث تَبَنّى القسمُ الأعظم مِن أبنائها المذهب النسطوري فسُمّوا( نساطرة )  وكنيستهم ( الكنيسة النسطورية ) والقسم الضئيل المذهب الاوطاخي ( المونوفيزي )الذي تَمَّ تغييرُه الى ما يُقارب العشرين اسماً  حتى استقرَّ على التسمية اليعقوبية زمناً ثمَّ الارثوذكسية أخيراً . إذاً النسطرة شمَلَت جميع أبناء كنيسة المشرق الكلدان وعُرفوا بالنساطرة أينما وُجِدوا
و هنا السؤال يطرح نفسه : هل يُعتبَر استرداد النساطرة لمذهب آبائهم الحق المذهب الكاثوليكي تحت اسمهم القومي انقلابا على المذهب الذي فُرضَ على آبائهم عَنوَةً أم أنه هِداية وتصحيح للخطأ ؟ بالتأكيد هو الصواب بعينه ! وهذا ما أقدم على فعله نساطرة قبرص عام 1445 م.


إن ما أقدم عليه نساطرة قبرص كان  بإرادتهم الحُرة التي تَجَلَّت في نَصِّ وثيقة الإتحاد مع روما عام 1445 م التي قدَّمها مطرانُهم طيماثيووس ووَقَّعَها هو ومطران الموارنة وكان نَصُّها  " أنا طيماثيووس رئيس أساقفة تَرشيش على الكلدان ومطران الذين هم مِنهم في قبرص ، أصالةً عَن نفسي وباسم كافة الجموع الموجودة في قبرص ، أُعلنُ وأُقِرُّ  وأعِدُ أمام الله الخالد الآب والإبن والروح القدس وأمامَكَ أيها الأب الأقدس والطوباوي البابا اوجين الرابع وأمام هذا المجمع ( اللاتراني) المُقدس ، بأنني سأبقى دوماً تحت طاعتِكَ وطاعة خُلفائكَ وطاعة الكنيسة الرومانية المُقدسة ، على أنها الام والرأس لكافة الكنائس " ( شموئيل جميل/ كتاب العلاقات 1902 ص.10 ) .


وبعد إبرام الوثيقة أصدر البابا اوجين الرابع في السابع مِن شهر آب لعام 1445 م المرسوم البابوي التالي :

" وطيماثيووس نفسه ، أمامنا في المجمع اللاتراني المسكوني وفي جَلسته العامة ، أعلن بإحترام وتقوى صيغة ايمانِه وتعليمِه بلغتِه الكلدانية أولاً ، ثمَّ تُرجِمَت الى اليونانية ومِنها الى اللاتينية " وبناءً الى هذا الإعلان الوحدوي ، فإن اوجين الرابع بمَرسومه الآنف الذكر يَمنعُ أن يُسَمِّيَ أحدٌ الكلدانَ نساطرة ، كما يمنعُ في الموضوع ذاتِه أن يُسَمِّيَ الموارنة هراطقة ،ومِن ثَمَّ يتساوى الكلدان والموارنة بالحقوق والإمتيازات الدينية مع كافة الكاثوليك (جميل ص.11 )


للمُغرضين المُتشَبِّثين بالهرطقة النسطورية أقول : أليس واضحاً وضوحَ الشمس في رابعة النهار ، بأن البابا اوجين الرابع في مرسومه قد استَنَدَ الى ما أقَرَّ به المطران طيماثيووس ذاته علناً ، بلُغتِه الكلدانية وبصياغتِه وقراءَته الذاتية وعلى ضوئها بعد ترجمتها الى اليونانية ثم اللاتينية  أصدر مَرسومه ، ولم يَكُن الامرُ أبداً إنعاماً بإسباغ هوية جديدة ، لأن الهوية الكلدانية كانت موجودة قبل وجود البابا اوجين بآلاف السنين وأن أبناء الهوية الكلدانية  هم الذين قاموا  بتأسيس الكنيسة المشرقية  بدون مُنازع  ولا زالوا صامدين ومُحافظين على هويتهم القومية الكلدانية حتىاليوم رغم كُلِّ ما عانوه مِن المِحَن والأهوال التي تَعَرَّضوا لها عِبر الزمَن ،  وسيبقون أمينين عليها وصَونها مِن كُلَّ الدسائس والمؤامرات الخبيثة التي تُحاك للنيل مِنها في الخفية والعَلَن مِن قبل المارقين الخارجين مِن صُلبِها  . كما أن مُساواة البابا  للكلدان  والموارنة  مع كافة الكاثوليك  منحَتهم الإعفاءَ  مِن ضريبة الإقامة التي كانت  تُفرضُ على الأجانب والهراطقة القادمين الى قبرص .  وإني أطرحُ السؤال لدُعاة الآشورية  لماذا  لم يُقدِّم المطران  طيماثيووس نفسه بأنه مطران الآشوريين ؟ أتدرون لماذا ؟ لأنه لم يَكُن وجودٌ للآشوريين بسبب انقراضهم قبل الميلاد بستمائة عام .


ولن يكونَ بعيداً اليومُ الذي سيظهر فيه أبناءٌ حُكماء مِن بين صفوف أبناء السِريان المشارقة الكلدان الباقين في ظلام الضلالة النسطورية على غِرار الذين ظهروا في قبرص سنة 1445 م والذين ظهروا في الموصل في مُنتصف القرن السادس عشر ، ليُقِرّوا بتَخَلُّفِ آبائهم وأجدادِهم ردحاً طويلاً مِن الزمَن في نبذ ضلالتهم ، وعليهم أن يُبادروا وبدون إبطاء الى تنوير شعبهم بالحقيقة المُغَيَّبة عنه ويُعِدّوهُ تدريجياً للهِداية واستعادة المذهب الحق المذهب الكاثوليكي الذي هَجَرَه آباؤهم  وأجدادُهم الأقدمون مُرغَمين ،  وبذلك يعودون الى أحضان امتهم الكلدانية  والى الإتحاد الايماني  مع روما أي مع الكنيسة الجامعة الكاثوليكية المُقدسة .



الشماس كوركيس مردو
في 27 /1 / 2007

265

            القائدُ الثابتُ المُستقيم


كما عَهِدناه في تصريحاته ولقآته السابقة رَجُلاً ثابتَ المبدأ دائمَ الإستقامة صريجَ العبارة ،  هكذا كان الاستاذ أبلحد أفرام أمينُ عام حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني  في لقائه الأخير الذي أجراه معه  مُراسلُ موقع عنكاوا بتاريخ التاسع  مِن كانون الثاني 2007 مُستوضحاً إياه عَن العديد مِن القضايا المُتعلقة بحاضر ومُستقبل شعب امتنا الكلدانية بكافة مُسمّياته الطائفية ، وكانت التسمية القومية هي القضية الشائكة والحقيقة المُتجَنّى عليها مِن قبل بعض النفر المُغرض الضال ، حيث حاولَ المساسَ بأحقِّية التسمية الكلدانية الطبيعية والشرعية الوحيدة لشعبنا المسيحي العراقي دون مُنازع ، لكَونِها الاسم القومي النبيل للشعب الكلداني صاحب آخر حُكم وطني أصيل لبلاد ما بين النهرين أولاً ، ولأن مسيحيي العراق المُعاصرين هم أحفاد اولئك الكلدان الذين ارتبط بهم تاريخُ العراق هويَّةً وتُراثاً ثانياً .


إن أبلحد أفرام مُناضلٌ صامدٌ ومُدافعٌ عن الحقِّ عنيدٌ ، يَقِفُ شامخاً حاملاً سلاحَ الحقيقة التاريخية في وجه الأعداء المُتربِّصين بأمته الكلدانية ، شاهرين ضِدَّها سيوفَ أكاذيبِهم ومعاولَ الهَدم الإفترائية وقد علاها صدأُ الحَسَدِ والإنتقام ، فكانت نتائجُها الخَيبة والإنهزام أمامَ سِلاح الحقِّ الذي تُرعِبُهم رؤيتُه ساطعاً فوق مِنكبَيه ، يُدافعُ به بجَرأةٍ وحزم لا تأخُذه في سبيل الحقِّ لومة لائم أو صُراخُ حقودٍ أثيم ،لا حَدَّ
لجَرأتِه في المُجابهة مدفوعاً بغيرَتِه القومية ، رافضاً كُلَّ الأساليب المُلتوية والإجتهادات الخائبة التي يَسلُكُها ويَطرحُها بعضُ المُغرضين المُغالين في تطرُّفهم والمُفرطين في أنانيتهم الذاتية المقيتة للنيل مِن التسمية الكلدانية الحقيقية لشعبنا المسيحي العراقي ، رافضاً كُلَّ ما يُشَوِّهُها إضافة أو تركيباً أو عطفاً عليها ، لا مجالَ للإنتقاص مِن جَمالها الطبيعي بأي حال مِن الأحوال .


ليس بين أبناءِ شعبنا ما يَجعلهم غير مُتَّفقين إلا سعيُ بعض المُنحرفين مِنهم الى تشويه تسميتِه القومية الكلدانية ، هذه التسمية النبيلة بأصالتِها وعَراقتِها التي ليست فخراً للشعب المسيحي المُتعَدِّد المذاهب فحَسب ، بل للعراقيين كافة لأنها تَرمزُ الى اولئك الكلدان الأشاوس الذين في عهدِهم الوطني الزاهر تَقدَّمت العلومُ الى أعلى مراتبِها نسبةً الى ذلك الزمان ، كما ازدهرت الحضارة وتطوَّرت الى الحد الذي جعلت مِن سابقاتِها شيئاً لا يُذكَر ، فتاريخُ بابل الكلدان شاهدٌ على حضارتِها ، البوّابة الشهيرة والهياكل الفاخرة والجنائن المُعَلَّقة إحدى أعاجيب العالَم القديم السبع الرائعة ، بُرج بابل وقصر نبوخَذنَصَّر، الجسر والقناة والأسوار الشامخة وغيرها الكثير الكثير مِن معالِم امتي التي لا تُحصى هي شواهد ناطقة ، ناهيكَ عن اور إبراهيم ابي المُؤمِنين بن اور الكلدانيين ، و شريعة حمورابي العموري بن الكلدان الباباليين .
                                                                                                                         

 قُم يا سركَون الأول وحمورابي ونبوخَذنَصَّر الثاني ، انظروا كيف يبيعُ بعضُ أبناءِ كلديا السُّفهاءِ بثمنٍ بخسٍ اسمَ الكلدان لسارق خَرجَ  مِن صُلبهم وتنَكَّر لأصله وانتحَلَ إسمَ مَن  كان عدوّاً لهم عِبر الزمان ، بتشجيعٍ وإغراءٍ مِن الغريب المُخادع المعروف بالكذب والبُهتان ، وقفوا الى جانبهم وصَوَّبوا سِهامَهم المَسمومة الى ظهور إخوانِهم إرضاءً لهم ، مُردِّدين كالببغاء ما لقَّنوه إياهم  مِن شعاراتٍ برّاقة فيها السُمُّ  ممزوجاً بالعسل ،  لخَدع البُسطاء المُسالِمين مِن أبناء قومِهم وايقاعِهم في فِخاخ اللصوص المارقين ،  جازفوا باعتزازِهم القومي وانقلبوا على كُلِّ الشِيَمِ ، انتفى عنهم الخجَل ولم يَخشوا لَومَ الأصيل .


وبالرغم مِن تمادي الإخوة الضالين في خُبثِهم الضلالي مِن حيث حَبكِ الدسائس والمؤامرات والبحث عَن أردأ السُبُل والمُنحنيات لإختراق  صفوفِ أبناء الكلدان وتفريقِها بشتى الإغراءات وفيضٍ مِن الوعودِ والهِبات ،  لم يَحمِل هؤلاءُ الأبناء الحِقدَ لا عليهم ولا على الذين غَرَّروا بهم فانظموا إليهم ، بل رَثوا لحالِهم ولم يَبخلوا بإشراكِهم ودَرجِهم ضِمنَ مطاليبهم القومية والوطنية ، وهذا ما تَمَثَّلَ في موقف المُناضل أمين عام حزبِ الإتحاد الديمُقراطي الكلداني الاستاذ أبلحد أفرام ، حيث ومِن موقع مسؤوليتِه القيادية وايمانَه الثابت بالحقيقة المُطلقة ، بأن مسيحيي العِراق باستثناء الأرمَن ينتمون الى القومية الواحدة هي الكلدانية ، تَنَصَّل عنها جزءٌ عزيز مِنهم وانتحلَ تسمية غريبة في بداية الرُبع الأخير مِن القرن التاسع عشر، طالبَ بحقوقِ الامة كُلَّها بكلدانها وسِريانِها وآثورييها الأمرالذي لم يُجاره به أيٌّ مِن دُعاة  النضال والسياسة الذين يتحَدَّث كُلٌّ منهم مِن مُنطلقِه الحِزبي الضيِّق المُتَّسِم بالتَعَصُّبِ القبَلي .


حذاري أيها الكلدان ومعكم إخوتكم السِريان ، إنكم بين نارَين ، نار الفكر العربي العُنصري ونار الفكر العُنصري الشوفيني  للجزء المُتمَرِّد الخائن المُنتحِل للتسمية الآشورية المقيتة ، المُتَّصِف بالإستعلاء الكاذب للتغطية على زَيفِه المفضوح مِن قبل التاريخ ، فمنذ انتحاله لإسم الآشوريين القدماء إشتَدَّ لديهم الدفينُ مِن العِِداء للكلدان الذين قضوا على الآشوريين ودفعوا بهم الى الفناء .


متى يَتحَرَّر آشوريو الزور المُعاصرون مِن مِحنة العقل المُنغلق على الفهم ، متى تصفى قلوبُهم مِن أدران الحِقد الدفين ، متى يسودُ الفكر الإنساني على أذهانهم لكي ينهزمَ عنها الفكرُ التَعَصُّبي ؟ فيعودوا الى الطريق القويم عِرقاً وتاريخاً ! ! !




الشماس كوركيس مردو
في 18 / 1 / 2007

266
المنبر الحر / الكلامُ الحَكيم
« في: 23:56 12/01/2007  »

                            الكلامُ الحَكيم

لم يَقُل المُرَبّون والمُعَلِمون جُزافاً بأن البيتَ هو المدرسةُ الاولى ، فالطفلُ قبلَ دخولِه  الروضة  ثمَّ المدرسة  يَنمو ويترَعرَعُ في كَنفِ والديه ، وعندما يُصبِحُ في عُمر يُؤَهِّلُه الدخولَ الى المدرسة ، يكون قد تَعَلَّمَ  اسلوبَ التعامل مع  والديه  وبقية أفراد العائلة  والأقرباء والأصدقاء ،  بألفاظ ٍ مُحَبَّبةٍ  تَتَّسِمُ بمسحةٍ مِن الأدب  يعود الفضلُ باستخدامِها مِن قِبَلِه الى والديه  وبقية أفراد أُسرتِه الذين سعوا الى تلقينه إياها ،  فما أجملَ أن يقولُ الطفلُ  ( اعذُرني ، إسمَح لي  Excuse me  -  أنا آسف  I am sorry  -  مِن فَضلِك  Please  -  شُكراً  Thank you ) إنها كلماتٌ سحرية  تُبهجُ السامعَ وتُعطيه انطباعاً جميلاً عَن قائلِها ، وهذا ما يُعرَف  بالكلام الحكيم أو الكلام الساحر !  وبالتأكيد  سيفرحُ لها الكادرُ التدريسي ويُعَبِّرُ عَن تقديره ، ويسعى الى تَركيزها فيه جَنباً الى جَنبِ  تَعليمِه  التهجِئَة والقراءَة والكتابة والرسمَ والحساب ، بالإضافة الى المفاهيم الخُلقية والمُثُل والخِصال الحميدة ومُختَلَفِ أساليب السلوك الإجتماعي ، وبذلك تنضجُ وتَتَبَلوَرُ شخصيتُه ، إن  مَرحلة الطفولة ذاتُ أهمية وتأثير  على مَرحلة المُراهقة  الصعبة  ، فإذا كانت البيئَة التي  يعيشُ الطفلُ في مُحيطها وتَتمَثَّلُ بالدرجة الاولى بالوالدَين ثمَّ بقية أفراد الاسرة وذوي القُربى ايجابية المظاهر تَنعكِسُ على سلوكِه المُتَّزن في فترةِ مُراهقتِه ،  حيث تُحَدِّدُ مسارَ شخصيتِه مع اكتمالِها ، ولِذا فغالباً ما تُعتَمَدُ مَرحلتا الطفولة والمُراهقة اعتماداً كبيراً مِن قِبَل المختصين بعِلم النفس عند تحليلهم لشخصية المَرء  نظراً لأهميتهما وتأثيرهما في بناء الشخصية وتكوينِها .

مِما تَقدَّمَ سَردُه يَتَبَيَّنُ مدى تأثير البيئَة على حياة الأطفال ، فإن لم تَكُن بيئةً مليئةً بالأفكار البنّاءة خُلقياً ودينياً  لا يُمكنُ  تكوين شخصياتٍ مِن هؤلاءِ الأطفال ذاتِ  صِفاتٍ جيدة ، بل ستكون شخصياتُهم مُعَرَّضة للوقوع في مشاكلَ وعُقَدٍ نفسية عديدة  تنعكسُ سلباً على حياتِهم وحياة والديهم ومُحِبيهم ،  فماذا يُرتَجى مِن طفل يعيشُ في جَوٍّ مِن العُنف المنزلي المتواصل ؟ أو ذلك الذي يُسمحُ له بمشاهدة أفلام الإثارة والرعب ؟ ألا ينشأُ إنساناً عدوانياً  ! وماذا عَن الطفل المحروم مِن الأصدقاء ؟ ألا  يعيش حياةً انعزالية  في مُقتبل حياته ! أليس الطفلُ المُبالَغُ في تدليلِه  غالباً ما يُعاني مِن ضُعف الشخصية في العديد مِن نواحي حياتِه ! يخشى مِن مجابهة الحياة بمفرده ويكون بحاجةٍ الى دعمٍ وإسنادٍ مِن الآخرين !  كم مِن طفل وطفلةٍ مَن يكره أحدَ والديه ويتعلَّق بالآخر ، أليست هذه الظاهرة عقدة نفسية تنتاب هؤلاء الأطفال !

إننا نعيشُ في بلدان المهجرالغربية ،  تَختلفُ مُجتمعاتُها عَن مُجتمعاتِ بُلداننا الشرقية ، سلوكاً وعاداتٍ ومُمارساتٍ ،  فيها مِن الايجابيات أكثر مِن السلبيات ، ولكنَّ غالبية أبنائنا مع الأسف ، تنساقُ وراء سلبيات هذه المجتمعات ! لماذا ؟ لأننا قَصَّرنا تُجاههم بعدم تحصينهم بما يحميهم مِن الإنزلاق الى مخاطر تلك السلبيات ، وبعدم إرشادهم للتمسُّكِ بمحاسن مُجتمعاتنا واختيار محاسن مُجتمعاتنا الغربية الجديدة ، ولذلك نرى الكثير مِن عوائلنا تشكو مِن ظاهرة ضياع أبنائها في خِضَمِّ بحر مساويء المُجتمعات الغربية ، ولكنهم يتناسون بأنهم يتحمَّلون القسط الأكبر مِن المسؤولية  في انجراف أبنائهم وضياعهم ! هل تساءَلت هذه العوائلُ يوماً إذا كانت قد خَصَّصَت جزءاً يسيراً مِن وقتِها لِتَتَحَدَّثَ الى أبنائها عَن صِفات المُجتمع الجيد ؟ هل ذَكَّرتهم بتقاليد وايجابيات مُجتمعاتِنا الشرقية  مِن حيث طاعة الوالدين واحترامهما والإصغاء الى نصائحهما ؟ هل عَلَّمتهم أن لا يعزلوا أنفسهم عن أبناء مُجتمعهم  بل أن يُوطدوا علاقاتهم معهم ، ويُشاركوهم في مُختلف المناسبات ؟ هل نصحوهم بأن يَتَجَنَّبوا أصدقاء السوء ويُحافظوا على أخلاقهم المسيحية ؟ كلا ، بل ربما كانت هي ذاتُها قد تجاهلت تلك المُثُل والتقليد والمُمَيَّزات التي كان يزخرُ بها مجتمعُنا الشرقي ، ولذلك علينا أن لا نَتَّهِمَ المُجتمعات الغربية دوماً ونُلقي عليها اللومَ بأكملِه .

إننا في وضع صعب يحتاجُ مِنا تَدارُكَه بِجِدِّيةٍ وعناية ، علينا دراستَه دراسة مُستفيضة  ونُناقشُ الأمرَ بأفكار ايجابيةٍ  ونُقدِّمُ مُقترحاتٍ بنّاءة ،  ومَن اعتمدَ الايجابية في فكره يتعزَّزُ بدوافعَ تُقَوِّي ثقتَه بنفسه  وتقودُه  الى ايجاد حَلٍّ للمعضلة التي تجابهُه ، فالنُحارب الإنطباعَ السلبي  المُتهم به شعبُنا ومُجتمعُنا ، إن شعبَنا ذَكيٌّ وشجاع وليس شعباً جباناً وخاملاً ، علينا أن نُخاطبَه بكلام حكيم يُثيرً لديه الإحساسَ والغَيرة  والعَزمَ على مُراجعة  سلبياتِه  وأخطاءَه .  باتَ مِن الضروري الإدراكَ  أن لأطفالنا مسؤولية كُبرى في أعناقِنا ،  لنخلقَ منهم جيلاً  مؤمِنا ذا ثقةٍ  بحاضره  ومُستقبلِه  ويتباهى بانتمائه الى شعب البطولات والإنجازات الحضارية التي وضعت الأُسسَ الاولى  للبناء الحضاري العالَمي الحالي ،  لا نطلبُ منه التفاخرَ بأمجاد آبائه  فقط  بل نُطالبُه يَجعلِها نِبراساً أمام ناظريه  لكي تدفعَه للإستلهام مِنها القوة والعزمَ والمثابرة لبناء مُجتمع مُترابط ومتين يكونُ قادراً على تطوير حاضره وتمهيد الطريق للوصول الى مُستقبل آمِنٍ ومُزدهر .

الشماس كوركيس مردو
في 12 / 1 / 2007

267
الى السيد نوري المالكي رئيس الوزراء المحترم

تحية وطنية خالصة


إذا كان ما نشرته بعضُ المواقع الالكترونية صحيحاً بتعيين الآثوري يونادم كنا ممثلاً للمسيحيين لدى الحكومة المركزية للدولة العراقية  ،  فيعني ذلك  أن الحرية  والديمقراطية لا زالتا معدومتَين في العراق ، وأن الحكمَ يُمارسُ حسب مزاج الحاكم مُتأثراً بكُلِّ وسائل الغِش والخداع التي تُدَبَّر وراء الكواليس وبالتأكيد تنطلي عليه ،  ولذلك ، فعلى الحاكم العادل المؤمِن بالديمقراطية  مبدأً واسلوباً ، أن يكون يقظاً وحارساً مُخلصاً ومُقدِّراً لإرادة الشعب وليس لرغبة الأفراد الساعين الى مصلحتهم الأنانية  الخاصة .

فعملية التعيين هذه  سيدي رئيس الوزراء  إن صَحَّت فهي ضَربة قاصمة للشعب المسيحي العراقي ذاتُ حَدَّين : أولاً ، تجريد الشعب المسيحي مِن قومياتِه  الكلدانية الرئيسية  والآثورية والسريانية والأرمنية  وحصره  في الخانة الدينية  المسيحية ، وهذا تجني كبير في حق انتمآتِه  العِرقية  ،  فهل تقبل سيادتُك أن تكون  مُمثلاً  للمسلمين دون اعتبار لقوميتك العربية ؟ أليس اعتزازُك بعروبتك موازياً لإعتزازك بدينكَ ؟ ألم تُنتَخب بحسب انتمائك القومي  وليس الديني ! ألم يجر ذلك باعتبارك تُمثِّل الأكثرية النيابية قومياً ومذهبياً !  أليس هذا التعيين مُخالفاً للمادة  (125 ) التي تعترف  بوجود قوميتين للمسيحيين هما الكلدانية  والآثورية ( الآشورية ) .  ثانياً ،  تعيين رجل آثوري للمسيحيين الذين تزيد نسبة الكلدان منهم على  80 % هو إجحاف صارخ بحق الأكثرية الكلدانية المسيحية التي يُمثلها أربعة نواب في البرلمان ، بينما الأقلية الآثورية ( الآشورية ) التي تمثِّل نسبة 8 % من المسيحيين يُمثلها نائب واحد ، ولم يكن ذلك ليحصل لولا  قيام هذه الأقلية بشراء ذِمم بعض أبناء الكلدان الضعيفي الايمان ،  ثمَّ إن يونادم كنا مِن المشكوك بوطنيتهم وإخلاصهم فقد فضحته  صحيفة كُردية  واحدة أو أكثر  ووَجَّهت إليه تُهمة التجسس والعمالة للنظام البعثي  وأدرجت اسمه على رأس قائمة اتهامها  ،  وبغض النظر عن صحة هذا الإتهام أو بُطلانِه ،  فهل مِن العدل تعيين آثوري ليُمثِّل الأكثرية الكلدانية المسيحية  ؟  وهل إن المسؤولين في حكومتكم يُمثِّلون المسلمين أم يُمَثِّلون قومياتهم المُسلمة ؟ فلماذا لا تُمثَّلُ القوميات المسيحية بممثِّليها الحقيقيين ؟ وهل الكيل بمكيالين هو مِن العدالة والديمقراطية بمكان ؟


السيد يونادم كنا يُمثِّلُ تياراً آثورياً سياسياً شوفينياً لا تعترف به كافة التيارات الآثورية الاخرى ، ناهيك عن التيار الكلداني أكبر التيارات المسيحية  الاخرى  بالإضافة  الى أن الأقلية الآثورية الضئيلة جداً تختلف عن الكلدان في المذهب الديني ،  فهم نسطوريو المذهب والكلدان كاثوليكيو المذهب ،  فكيف يقبل به الكلدانُ مُمثِّلاً لهم !  وهل يوافق العرب الشيعة أن يُمثِّلهم العرب السنة  رغم كون الطرفين مُسلمين ؟ فإذا كنتم أنتم أول الرافضين لمثل هذا المبدأ ، فلماذا يُفرض علينا ؟ إننا نُطالب أن نُعامَلَ بالمثل !


ليس مِن شكٍّ أن السيد رئيس الوزراء يَعلم جيداً بأن القومية الكلدانية  تُمثِّل الرقم الأكبر بين بقية القوميات المسيحية ، وأن الامبراطورية الكلدانية كانت تُمثِّل الحُكم الوطني الأصيل والأخير للعراق القديم حتي سقوط صولجان حُكمها على أيدي الفرس الأخمينيين ، ولأسلاف الكلدان فضل كبير بما أسدوه للعراق وللعالَم مِن المُنجزات العلمية والحضارية  لا مجال لذكرها ،  فالواجب يقضي باحترام الكلدان وتاريخهم المجيد .


نُهيبُ برئيس الوزراء الاستاذ نوري المالكي أن يُعيدَ النظرَ في هذا القرار إذا كان قد إتخذه  في غفلةٍ منه ، لأن هذا الشخص قد فَتَّتَ أقليته الآثورية وجعلها فِئاتٍ عدة تتناحر فيما بينها ،  فكيف سيكون تَصَرُّفه  المُريب في حالة  إعطائه مسؤولية تمثيل المسيحيين ،  ومِن هذا المنطلق فإن الكلدان يرفضونه رفضاً باتاً ،  ويَرجون رئيس الوزراء الرجل الديمقراطي  إتخاذ َ إجراءٍ تصحيحي وحاسم .

مع فائق التقدير والإحترام



الشماس كوركيس مردو
في 30 / 12 / 2006

268

                          عُقدة الشعور بالنَقص لدى دُعاة الآشورية ومخاطرُها !


مُعاداة المؤرخين النزيهين :


إن كُلَّ مَن يُدافعُ عن التاريخ لصيانةِ وَجهِه الصحيح ، يُصبِحُ هدفاً لسهام المُصابين بعقدة الشعور بالنقص ،  ومَرَدُّ ذلك رُعبُهم الهائل مِن سطوع شمس الحقيقة التي يَجهَدونَ لحجبِها بغُربال الباطل ! فمهما  بَذَلَ الباحثون المُتخصصون بعِلم التاريخ الذي يُعَدُّ عِلماً إنسانياً خطيراً مِن جُهدٍ وبحثٍ مُستفيض في توضيح مساره وتسجيل وقائعه بحُلوها ومُرِّها ، لكي تستنيرَ الشعوبُ المعاصرة بما أنجزه أسلافُهم في الأزمنة الغابرة مِن أنشطة ماديةٍ وروحية مُتعَدِّدة ،  تَرَكوا مِن خلالها بصماتِهم واضحة وحَدَّدوا المُقومِّات الأساسية لأحفادهم مِن قومية وسياسية وحضارية !  يَرى فيها المُعَقَّدون تهديماً لصروح إدِّعآتِهم الخيالية المبنية على الأوهام السرابية ، فيُصابونَ بالهَلَع ويُسرعون بمُهاجمة كُلِّ عالِم أو مؤرخ لا تروق لهم نزاهتُه في سَردِه للحقائق التاريخية ، وهذا ما نُلاحظه لدى أحفادِ كلدان الجبال الجزء الضال مِن أبناء السريان المشارقة الكلدان ، الذين تنكَّروا في الزمن المتأخر لقومية آبائهم الكلدانية وانتحلوا التسمية الآشورية الوثنية الغريبة  بتحريضٍ  وإغراءٍ  مِن قبل المُخادع الأجنبي  ، فإنهم لا يتورَّعون مِن التنديدِ به واتهامه بالتزوير والتضليل وأنه قد حصل على شهادته زوراً أو أنه يعكسُ وجهة نظر حزبٍ أو تنطيم مُتطرِّف وما الى ذلك مِن إتهامات وأراجيف تلك التي لا يخلو مِنها أيُّ قائدٍ أو عُضوٍ في  أيِّ حزبٍ أو تنظيم مِِن أحزاب وتنظيمات أدعياء الآشورية المُزيَّفة دون استثناء ،  ولا يسلَمُ مِن اتهاماتهم أي باحثٍ أو مؤرخ أو عالِم غربياً كان أو شرقياً ، عربياً أو كُردياً ، كلدانياً أو سريانياً إذا جاءَت أقوالُه انتصراً للحقِّ الكلداني وتفنيداً للباطل في الإدعاء  الآشوري المُعاصر ،  وبالمقابل يكيلون المديحَ وينتقون ألفاظاً تمجيدية ليُضفونَها على كُلِّ عميل استطاعوا مُصادرة ضميره وشراء ذِمَّتِه لكي يُجانبَ الحقيقة التاريخية بالنسبة للوجود الكلداني الوحيد دون بقية الشعوب الأصيلة الاخرى التي ظهرت على أرض بلاد ما بين النهرين والتي اندثرت نهائياً كالشعب السومري والأكدي والآشوري ،  ويُرَوَِجَ لأباطيل وأكاذيب مُدَّعي الإنتسابَ اليوم الى الشعب الآشوري القديم البائد ،  وبخاصةٍ إذا كان مِِن أبناء الكلدان وأسطعُ مثال على ذلك هو ( هرمز ابونا نموذجاً )


مخاطر الإنزلاق في الاسطورة الآشورية :

ليس بإمكان أحدِ أن يُنكِر قيامَ الدولة الآشورية في الزمن الغابر ودورَها المؤثِّر في بلاد ما بين النهرين والشرق الأوسط عموماً ،  ولا سيما بعد بداية الألفية الأخيرة لِمَ قبل الميلاد وحتى العقد الأخير مِن القرن السابع مِنه  وبالتحديد حتى سقوط  عاصمة الآشوريين الرئيسية نينوى عام 612 ق . م  وتلاه  سقوط  مدينة حران عام 609 ق . م التي جعلها قائدُهم المهزوم ( أشور اوبليط الثاني ) بعد إعلان نفسه ملكاً عاصمة له . بعد هذين الحدَثين أَسدلَ التاريخُ  ستاراً مِن النسيان على الآشوريين كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً  وأضافهم الى قائمة الشعوب المنقرضة  ، وليس إدعاءُ بعض الضالين مِن أبناء السريان المشارقة الكلدان المُعاصرين بأنهم بقايا اؤلئك الآشوريين المنقرضين إلا خُرافة اسطورية رواها لهم في منتصف القرن التاسع عشر الميلادي  رئيسُ بعثة أسقف كانتربيري المدعو  وليم ويكَرام ،  وكان حاذقاً جداً في حَبكِها ،  وفي الحقيقة لم ينطلِ عليهم زَيفُها  ولكن الوعود الكاذبة التي قطعها لهم باسم مملكته المتحدة  وهي رَبط انتسابهم الى الآشوريين القدماء وترويجه عالمياً ومِن ثمَّ إنشاء وطن قومي لهم في شمال العراق ،  إستهوتهم واستحوذت على عقولهم وتنَكَّروا لأصولهم الكلدانية ، جاعلين  مِن ذواتهم أداةً طيِّعة  لتنفيذ أهداف وطموحات المملكة المتحدة .


ونتيجةً لإنقيادِهم الأعمى للمُستعمرين الانكليز الدُهاة ،  أصابتهم العديدُ مِن المصائبِ والويلات وكانت مِن تدبيرهم بالذات ، واعتبرتهم الدولة العراقية الحديثة أعداءً لها  منذ قيامها عام 1921 م وغرباء وافدين إليها مِن منطقة الأناضول التركية  ويدينون بالولاء للإنكليز الذين اضطروا الى نقل الناجين منهم مِن فتكِ الأتراك بتَجَمُّعاتهم  في اورمية عام 1918 م الى منطقة بعقوبة في العراق ، وقد قُدِّر عددُهم آنذاك بخمسين الف نسمة بضمنهم خمسة عشر الف أرمني وعشرة آلاف نسطوري ايراني عادوا الى ايران  بعد انتهاء الحرب العالمية الاولى ،  بينما لم تسمح  تركيا  بعودةِ الخمسةِ والعشرين الفاً مِن نساطرتِها واصفةً  إياهم بالخَوَنة ، فكان لزاماً على الانكليز الإهتمام بهم ومُساعدتِهم للعيش في العراق ،  وللأسباب أعلاه رفضت الدولة العراقية منحَ الغالبية العظمى منهم رغم قِلَّةِ عددِهم الجنسية العراقية ، بينما كان الكلدان في مُقدمة مَن يُمنَحونَ الجنسية العراقية  مُعترفين بأصالتِهم العراقية  لأنهم سليلو أبناء اور وبابل وبقية مناطق بلاد ما بين النهرين .


هذاهو باختصار شديد تاريخ الجزء الضال مِن أبناء السريان المشارقة الكلدان أدعياء الآشورية بكل زور وبهتان ، الذين استغلّوا ديمغرافية الكلدان وحاولوا بكُل الطرق وضعها في خانة آشوريتهم المُنتحلة ، واستثمارها في الدعاية لهم محلياً وعالَمياً دون خجل أو حياء .  وعندما اكتشف المجتمعون في مؤتمر السلام المنعقد في باريس عام 1920 م لعبتهم القذرة هذه رفضوا مطلبهم بصدد الحكم الذاتي ، وكذلك فعلت اللجنة الاممية لعِصبة الامم عام 1925 م عندما أصدرت قرارها بعائدية  " لواء الموصل " المتنازع عليه بين تركيا والعراق لصالح العراق ، وكان لدور الكلدان بشخص مُمَثِّل بطريركهم العظيم مار عمانوئيل الثاني توما  الخوري يوسف غنيمة التأثير الكبير في صدور ذلك القرار  .  فالعراقيون يعرفون جيداً دورَ الكلدان في الذود عن أرض وطنهم العراق منذ تأسيسه ،  وناضلوا الى جانب إخوتهم العرب والأكراد للتَحَرُّر مِن حُكم الإنتداب الانكليزي ، مِمّا حدا بالانكليز الى معاقبة بطريرك الكلدان ونفيه ، في حين كان الجزء الضال مِن أبناء الكلدان منتحلي الآشورية يحملون السلاح مُدافعين عن الانكليز الذين خذلوهم في النهاية  ودَبَّروا لهم آخر كوارثهم مأساة سُمّيل عام 1933 م .


العيشُ في الأوهام :

لا زال هذا النفرُ الضال سادراً في غِيِّه ، ولا سيما القسمُ الأصلفُ مِنه  وما يُدعى بالإتحاد الآشوري العالَمي  ( شِمّا رابا لْماثا خَرابا ܫܡܐ ܪܒܐ ܠܡܬܐ ܟܪܒܐ الاسم الكبير للقرية الخَرِبة ) الموغل بالعنصرية المقيتة والجهل المُطبق والذهنية المتحَجِّرة والمنتشرة كوادرُه الجاهلة في أرجاء المعمورة ، مُواصلاً إطلاق التسمية الآشورية المزَيَّفة على الشعب المسيحي في العراق خلال عقدِه  لمؤتمره  في السويد  والذي أطلقَ عليه ( المؤتمر الآشوري الموسَّع ) كَرَّرَ فيه أفكاراً بالية مُتزمتة  ورَدَّدَ شعاراً متهرِّئاً ( العراق وطن الآشوريين ) عفا عليه الزمن وطواه التاريخُ مع أصحابه  في لَحدِهم الجماعي الذي طواهم قبل الميلاد بستة قرون .  أليس النواحُ على أطلال ماضي الآخرين خيبةَ للنائحين المعاصرين ولا سيما أن لا رابطة تَربُط بين الغائبين والمُوَلوِلين الباكين !
 

أورد الخائبون في مؤتمرهم المشؤوم ثلاثة بنود يتعلَّق الإثنان مِنها  بالدستور العراقي ( أ )  تجاهل الدستور عطآت الآشوريين للعراق ( ب ) قَسَّم الدستور الآشوريين الى مكونات قومية جديدة ينفي وجودَها  علماءُ الآشوريات في العالَم والأبرز بين المؤرخين العراقيين : فالسؤال هنا ، مَن هم هذه القوميات التي ذكرها الدستور ؟ لماذا لم تذكروها ؟ وبالرغم مِن عدم ذِكركم لها إلا اننا نعلم أية قومية تقصدون وهي القومية الكلدانية التي نؤمن بأنها القومية الوحيدة للشعب المسيحي في العراق باستثناء الأرمن ، ويعلم ذلك جيداً أعضاءُ لجنة صياغة الدستور ، كما يعلمون جيداً أيضاً بأن الآشورية ليست بقومية ، ولكونهم يؤمنون بالديمقراطية  وما دام هنالك بعض مَن يدَّعي بها ، ذكروها في الدستور بعد القومية الكلدانية وكان إنصافاً منهم لا يُضاهى ،  حيث ذكروا ( الكلدان وبعدهم الآشوريين ) . ثمَّ مَن هم علماء الآشوريات ؟ وكم دفعتم لهم رغم فقركم لشراء ذِممهم ، هذا إذا وُجدوا ؟ مَن غيركم يتلقى دعماً خارجياً ! على مَن تنطلي خُزعبلاتُكم واتهاماتُكم العديمة الصحة ! إن قراكم في منطقة  هيكاري وتياري وبحسب اعتراف ساكنيها لم تُغتصب  بل هجرها أهلُها ، فشغل الأكرادُ فراغها ، وهم على استعدادٍ للرحيل عنها في حالة عودة أصحابها إليها ،  لقد رسمتم هلالاً للأراضي التي تدعونها بالمغتصبة ، يمتد مِن الحدود التركية والسورية حتى الزاب ، هل ستعودون إليها في حالة إخلائها ؟ أليس ذلك نواحاً وصُراخاً مُزعجاً وإلهاءً للبسطاء ! ما هي غايتُكم مِن الخارطة الهلالية ؟ إحياء امبراطورية الآشوريين المنقرضين ؟ بماذا تُقيمونها  ؟ كم هو عدد منتحلي الآشورية ؟ إن عددهم لا يتجاوز العشرة آلاف شخص ! أبهذا العدد تُقيمون دولة أم أنكم لا زلتم تحلمون باحتواء الكلدان لتُأشوروهم ! حتى متى تصحون مِن أحلامكم الوردية  ، حتى متى ينتهي تحليقكم في فضاء الخيال ، إنه ضربٌ مِن المُحال .  وهيهات ، إن لم يَعُد الفرعُ الى الأصل لن يكون هنالك أيُّ أمَل  ! ! !



الشماس كوركيس مردو
في 22 / 12 / 2006

269
          صَحَّ النومُ يا قس شليمون خوشابا !



قبل أكثر مِن سنتين  وإن لم تَخُنِّي الذاكرة في الشهر العاشر مِن عام 2004 م ،  نشر الأب ألبير أبونا على موقع عنكاوا.كوم ،  مقالته الشهيرة ( البحث عَن القومية ) التي أطارت عَن أعيُن دُعاةِ الآشورية الكَرى ، يَخرجُ إلينا اليوم  القس شليمون خوشابا الذي استيقظ لتوِّه مِن سُباتٍ طالَ أكثر مَن سنتين  بتعقيبٍ عليها طويلاً  وعريضاً  متشبِّهاً  بنِدِّه أو زميله  القس عمانوئيل يوخنا الذي أدخلَ المللَ والضجرَ الى صدور قراء موقع عنكاوا المُميَّز بين مواقع أبناء شعبنا ، بطول مقالاتِه المليئة بالمُغالطات التاريخية قومياً وكنسياً ، ولا يُستبعَد أن يكون هو المُحرِّض للقس خوشابا لكي يُعيدَ إشغالَ أبناء شعبنا بشن حربِ التسميات التي دامت أكثر مِن ثلاث سنوات جعلته يتيه في دروب المتاهات ،  والأغرب أن القس خوشابا أخبأَ دهشته طوالَ هذه المدة الطويلة مِن بعض عبارات وأفكار وردت في المقالة  .


في الحقيقة إن مِن يتمَعَّن بقراءة تعقيب القس شليمون خوشابا ، يَجدُ فيه الكثيرَ مِن السذاجة والبساطة والمُغالطة ،  لأنه للأسف لا يُميِّز بين التسمية الدينية  والتسمية القومية ،  حيث يقول :  <  هل مِن المنطق أن يحاول أحد مِن العارفين والمُشتغلين بالشأن السياسي أن يبحث عَن قومية للمسيحيين ؟ !!  >  ويضرب المثل ، بأن المسيحيين وكذلك المسلمين في العالَم ينتمون الى أمم وشعوب ودول وقارات ويختلفون  شعوباً ولُغاتٍ وأوطاناً ، ومِن المُحال  جَمعُهم في قومية واحدة  .  تُرى أي ساذج في العالَم يقولُ بإمكانية جَمع المسيحيين أو المُسلمين بقومية واحدة لكُلٍّ منهما ؟ إذ هل يُمكن اعتبار مسيحيي دول اوروبا كفرنسا وايطليا وألمانيا مثلاً  ذوي  قومية واحدة ؟ وهل يُمكن اعتبار مُسلمي باكستان وتركيا وايران ذوي قومية واحدة ؟ فلا يمكن أن تَضم القومية اناساً مُتعددي الأعراق الغريبة عن عِرقِها  إلاّ إذا ارتَضَت الإنصهار  في عِرق تلك القومية !  فهل يختلف الشعب المسيحي في  العراق عن بقية مسيحيي العالم بعدم امتلاكه للقومية وهو يُعرَفُ بتسميات مُتعددة ؟ كلا  وألف كلا ! أو أليس  نعتُه لهم بالتسمية المسيحية وحدها  هو تجريدُهم مِن قوميتهم ؟ ليس هنالك بين الشعب المسيحي مَن يَخلط بين الكنيسة والقومية  فهو اتهام باطل ومُلفَّق ، أما قوله بأن لا وقتَ له لِمَن يقول بأنَّ لفظة أو تسمية ( سورايا أو سوريايا ) تعني المسيحي لا أكثر . . . فهو تَهَرُّبٌ مِن التفسير الصحيح لها ( لغايةٍ مُبطنة )  والذي  ثَبَّته آباءُ الكنيسة ، ففي مُقدمة كتابه  ( تاريخ كلدو وآثور )  الجزء الثاني يقول المطران أدي شير  <  لم يكن الاسم السرياني يومئذٍ يُشيرُ الى امة بل الى الديانة المسيحية لا غير ، ومِما يُثبتُ قولنا ما أتى في كتاب تاريخ ايليا مطران نصيبين   ( 975 - 1046 م )   فإنه فَسَّرَ  لفظة سرياني  ( سوريايا ܣܘܪܝܝܐ ) بلفظة  نصراني  ويُضيف فإن هذا الاسم مرادف للاسم ( مسيحي ) مِن أيِّ جِنسٍ أو امةٍ كان . >


وهنا يبدأ القس خوشابا ( وربما كان القس يوخنا بلسان القس خوشابا ) بالمُراوغة  لايجاد حَلٍّ لإشكالية التسمية العصية  على السياسيين والمشتغلين بالشأن القوي بحسب قوله ، فيرى نفسه مُضطراً لإطلاق مُصطلح( العائلة السريانية ) ليُعنى بها كُل الناطقين باللغة السريانية  ومرماه مِن ذلك تغييب اللغة الكلدانية التي يتحدَّث بها  مسيحيو العراق بنسبتهم التي  تُعادل نسبة ال 80 % مِن مجموعهم الكلي ، بينما الغالبية  العظمى مِن السريان البالغة نسبتهم 12 %  يتحدثون العربية  وأدعياء  الآشورية  الآثوريون يتحدثون بلهجتهم الآثورية  المُحرَّفة عن اللغة الكلدانية ، ونحن لا ندري كيف يمكن التآمر على تغييب لغة الجزء الأكبر  والإعتراف بلغة الجزء الأصغر !  ثمَّ يصف  بلاد النهرين بأرض الأكديين والآراميين لاغياً الآشوريين والكلدان لاعبي الدورَين الأبرز في تاريخ بلاد الرافدين ،  داعياً  وبشكل غير مباشر أن يُدعى الشعب المسيحي في العراق مِن قبل العرب والأكراد  ( الشعب الأكدي الآرامي )  مُجازفاً بالاسم الآشوري عمداً  لغرض تغييب الاسم الكلداني العريق .
 

لم تكن اللغة الآرامية قائمة بذاتها بل كانت متعددة اللهجات  ، وكانت اللهجة الأفصح بينها اللهجة الكلدانية  التي سُميت ( باللغة الكلدانية ) كما يصفها  المثلث الرحمات المطران يعقوب اوجين مَنا في قاموسه  ( دليل الراغبين ... الكلداني العربي ) عند ذكره للكلدان في الصفحة 338  حيث يقول : <  ܟܠܕܝܐ كلدانيون : العلماء وأرباب الدولة مِن أهل بابل وأطرافها. جيل مِن الشعوب القديمة كانوا أشهر أهل زمانهم في سطوة الملك والعلوم وخاصة علم الفلك . لغتهم كانت الفصحى بين اللغات الآرامية وبلادهم الأصلية  بابل وآثور والجزيرة أي ما بين النهرين دجلة والفرات ، وهم جدود السريان المشارقة الذين يُسَمّون اليوم بكل صواب كلداناً  > .


بسقوط  نينوى عام 612 ق . م وحَرَّان عام 609 ق . م لم ينتهِ الحُكم السياسي الوطني في العراق ،  وإنما انتهى الشعبُ الآشوري كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً على أيدي الكلدان بالتعاون مع الميديين ، فسطع نجم الحُكم الوطني الكلداني  وأنار بشعاعه وسطوته  بلادَه ( ما بين النهرين ) لفترة  زاهرة استمرَّت خمسة وثمانين عاماً ( 626 - 539 ق . م )  وفرضت الامبراطورية الكلدانية  ( البابلية الحديثة ) سُلطانَها على مُجمل أقطار الشرق الأوسط  دون منازع  .  في سنة 539 ق . م   سقط الحكم الوطني الكلداني الأخير بأيدي  الملك الاخميني كورش نتيجة  خيانة القائد العسكري الكلداني ( اوكبارو ) حاكم اقليم كوتيوم ( اقليم آشور سابقاً ) ، كان انتصار الملك الاخميني أبيضاً  لخُلِّوه مِن إراقة الدماء ،  وبعد  سقوط عاصمة الكلدان بابل العظيمة بسبب الخيانة والإهمال بقي الشعب الكلداني شعباً حَيّاً ، يُمارس نشاطه الحياتي مُحافظاً على عاداتِه وتقاليده رغم خضوعه  للنفوذ الفارسي الأجنبي  ،  وقد قام بعدة انتفاضات استعادَ عاصمته بابل وأسس  عدة ممالك ولكنه لم يستطع الاستمرار في حكم بابل طويلاً  .


عند انبلاج  فجر المسيحية  وقدوم  المُبشرين  رُسلِ المسيح الرب  الى بلاد  الرافدين ، كان العالَمُ آنذاك  تتقاسمُه قوّتان كبيرتان  مُتمثِّلتان في الامبراطورية الرومانية وعاصمتها  روما  والمملكة الفارسية الفرثية  وعاصمتها المدائن ،  كان الرومان  يُسيطرون على غالبية  بُلدان اوربا  والشمال الأفريقي  ومصر وفلسطين  وسوريا  ولبنان وآسيا الصغرى ،  يخضعون جميعاً  لقوانين الدولة المركزية  ودُستورها ،  أما  الدولة  الفرثية  فكانت  تُسيطرُ  على  بلاد  ما  بين النهرين  وماداي  وفارس ، وقد اعتمدت  نظام الممالك  الاقليمية الذي كان الأخمينيون قد طبَّقوه  عند استيلائهم على بلاد ما بين النهرين عام 331 ق . م  في معركة  اربيل الشهيرة  بين الاسكندر الأكبر المكَدوني  وداريوس الثالث الفارسي ،  وكان عددُ  ممالكِ الأقاليم  الخاضعة  للمملكة  عشرون  مملكةً ،  ومِن أشهرها مملكة الرها ( اورهاي ܐܘܪܗܝ )  وحدياب (اربيل ) وبيث كَرماي و حطارا  وتدمر وميشان ( آخر المماك الكلدانية في بلاد بيث نهرين ) وكان يُقيم عددٌ قليل مِن الآراميين مع الكلدان سُكان هذه الممالك بدون منازع .

بدأ التبشيرُ مِن مدينة الرها ومِنها انتقلت البشارة الى بلاد النهرين وتأسست كنيسة كوخي  فى المدائن وأصبحت مقراً للرئاسة الكنسية العليا ( الجثلقة ) كنيسة المشرق ، كنيسة الشعب الكلداني الذي لم يشأ أن تكون الكنيسة حكراً عليه ، ففتح الباب للإنتماء إليها  حيث ضَمَّت الآراميين والفرس والعرب والهنود وأقواماً عديدة اخرى ولم يكن هنالك ذِكر للآشوريين إطلاقاً لسببٍ بسيط جداً هو  انعدام وجودهم بسبب انقراضهم قبل ظهور المسيحية بأكثر مِن 600 عام ، أما دُعاة الآشورية المعاصرون فهم جزء مِن أبناء كنيسة المشرق الكلدانية تَمَرَّدَ آباؤهم على إجماع الغالبية مِن إخوتهم  في منتصف القرن السادس عشر الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم ( المذهب الكاثوليكي ) وأصرّوا هم على البقاء في المذهب النسطوري واستمروا على تسمية كنيستهم ( الكنيسة النسطورية ) وفي أواسط القرن التاسع عشر  عثرت عليهم في منطقة إقامتهم الجبلية ( هيكاري وضواحيها ) البعثة التبشيرية الأنكليكانية ( الانكليزية ) وطلبت منهم اعتناق المذهب الأنكليكاني  لكنهم رفضوا ،  فأغروهم  بوعودٍ كاذبة ليُغيروا تسميتهم النسطورية الى التسمية الآثورية وليس ( الآشورية ) التي اعتمدوها قبل عدة عقودٍ متأخرة ، وأضحت لديهم كمعبودٍ دونه الإله جَلَّ جلالُه ، ولم يتورعوا عن سلوك أردأ السُبُل في الترويج لها وجعلها قومية لهم ودعوة الكلدان الى تبنّيها ،  فهل هانلك صلافة بهذا المستوى .


إن  أشهر مَن كَتبَ  عن تاريخ  الامة الكلدانية  والدولة  الآشورية مِن بني الكلدان  بعد المؤرخين القدماء  والمؤرخين  والكُتاب الاوروبيين  الذين ألفوا كُتُبَهم  منذ مطلع الجيل التاسع عشر ،  كان العلامة الشهيد  المطران أدي شير مدفوعاً مِن شعوره القومي والوطني  مشوباً بالأسف والاستغراب لانعدام الشعور القومي  لدى أبناء امته الكلدانية المعاصرين الذين  يجهلون أنهم مُنحدرون مِن صُلب  شعبٍ  نبيل فاقَ  شعوبَ العالَم  كُلِّه  في بأسه  وآدابه  وصنائعه ،  فحَملَته  غيرتُه  القومية  كما قال  ليُتحفَ  أبناء  وطنه  بكتابه  الذي عَنونه (  تاريخ كلدو وآثور ) والذي  يقع  في  مُصنَّفين ،  يتحَدَّث بالمُصنَّف الأول عن الامة الكلدانية والدولة الآشورية  قبل الميلاد ، وفي المُصنف الثاني عن الكنيسة الكلدانية  منذ  تأسيسها  في القرن الميلادي الأول  وحتى أوائل القرن العشرين  دون أن  يُغيِّرَ التسمية المُركبة التي وضعها لعِنوان الكتاب التي تتطابق مع ما أورده في المُصَنَّف الأول فقط  ،  مُنطلقاً مِن اعتقادِه  الديني  بهدفِ جَعل المسيحيين شعباً واحداً  وليس قوماً واحداً كما يعتقد البعض ،  وأوضح  دليل على ذلك هي الأدلة الوافية التي قَدَّمها  والمصادر العديدة التي اعتمدها والتي  تؤيِّد مِصداقية  الأحداث التي سردها ، والتي  تُعطي  فهماً دقيقاً  للقاريء  بعدم  تطابق عنوان الكتاب  مع مُحتواه ،  لأن  مُعظمَها  يؤَكِّد  ويُثبت  بشكل  قاطع  بأن الكلدان قومية مُستقلة لامةٍ عظيمة ،  تَحدَّت  الأهوالَ والمصائبَ  التي تَعَرَّضت لها قبل الميلاد منذ قيام أول دولة لها بعد الطوفان وحتى آخرها الأعظم بينها عام 626 ق . م  حيث استطاع العيلاميون غزوَ دولتها الاولى ولكن الكلدان عادوا فحرَّروها  ،  ثُمَّ اضطروا بعد ذلك لخوض حروب دفاعية تحررية ضد الغُزاة الآشوريين  دامت زهاءَ ألف عام حتى تكلَّلت  بالنصر الكلداني الساحق عام 612 ق . م ، ولكن العيلاميين عادوا واحتلوا بابل عاصمة الكلدان عام 539 ق . م ، وبالرغم من قيام الكلدان بعدة محاولات لتحرير بلادهم إلا أنهم لم يُفلحوا ولذلك استمروا خاضعين لسُلطة الغرباء ،  واستطاعوا المحافظة  على هويتهم  ولغتهم وحضارتهم ، وممارسة تقاليدهم وعاداتهم حتى  بعد اعتناقهم للمسيحية  في القرن الميلادي الأول .


كانت  اللغة التي  يتحدَّث  بها  مُبَشِّرو  بشارة الخلاص المسيحية هي اللغة الآرامية  الكلدانية التي  كان اليهود  قد  تَعَلَّموها  خلال  فترة  السبي البابلي  وتوارثتها  أجيالُهم  اللاحقة  ومنهم  الرُسُل المُبَشِّرون وتلاميذهم  ،  وهي ذات  لغة سُكان بلاد  ما بين النهرين الكلدان  ذوي العدد  الديمغرافي  الأكبر في البلاد  ، فكانت العاملَ الأكبر لتَقبُّل الكلدان  البشارة  بيُسر وسهولة  ورغبةٍ  غامرة ، وكانت الرها التي مِنها ابتدأ انتشار المسيحية الى الديار الشرقية بواسطة الرُسُل المُبَشِّرين الوافدين من فلسطين ، وقد سمّاها السلوقيون ( أديسا ) تيمُّناً بأديسا المكَدونية ،  مَقَرّاً لملوك  أسروينا وقد طغى اسم ( أبكَر ) على أغلبهم ، وكان أبكَر اوكوما الخامس الذي اشتهر بحسب التقليد الكنسي  المتوارث  بمراسلته للرب يسوع المسيح له المجد ، ومِن ثَمَّ اعتنق المسيحية هو وجميع أبناء مملكته على يَدَي مار أدي الذي شفاه مِن مِرضِه المُزمِن .
 
وكانت اللغة والثقافة الكلدانيتان أيضاً هما السائدتين عند دخول التبشير الخلاصي الى أرض بلاد النهرين ، بفضل العباقرة الكلدان العلماء <  كِدينو ، رماني  ، نبو  ، سِدينو  وبرحوشا  ( بيروسس ) أبي التاريخ  الكلداني  بالإضافة  الى  جهود  الكَتَبَة  الكلدان  الذين  قاموا  بتأسيس  المدارس  أمثال : أخوتو  ،  خونزو  ، سين لِقي اونيني  ،  وايكور ذاكر ،  بيدَ  أنَّ  الأخمينيين   وبهدف  تحطيم  الروح  الوطنية  لدى الكلدان ، عمدوا  الى تشويه  الاسم الكلداني  ونسجوا حوله  وحول بابل  ، الأساطيرَ  تُهماً  وتحريفاً  لِمَ خَصَّهُما به  الكتابُ المقدس / العهد القديم  ،  مِما جعل الكلدان  ينفرون منه  بعد اعتناقهم  المسيحية  .  وتبَنوا  الاسم  الديني  ( مشارقة ܡܕܢܚܝܐ)  أو (  المسيحيين -  سورايي  أو سُريايي  ܣܘܪܝܝܐ )  بدلاً  عن  اسمهم  القومي  ( كَلدايي  ܟܠܕܝܐ )   ويقول  المطران أدي شير في مقدمة  كتابه <   تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني  >  بأن الاسمَ  السرياني  لم  يكن يُشير الى  امة  بل الى الديانة المسيحية  لا غير ، ومِما  يُثبِت  ذلك  ما أتى  في  كتاب   تاريخ  ايليا  مطران نصيبين ( 975 - 1046 م )  فإنه  فسَّرَ  لفظة  ( سرياني  ܣܘܪܝܝܐ ) بلفظة  نصراني . وجعلوا  اسمَ   كنيستهم  ( كنيسة  المشرق ܥܕܬܐ ܕܡܕܢܚܐ ) وأُطلقت عليها  أسماء  اخرى مِنها ( الكنيسة الكاثوليكية ܥܕܬܐ ܩܬܘܠܝܩܝ ) ( كنيسة فارس ܥܕܬܐ ܕܒܦܪܣ (

ويُضيفُ أدي شير ، <  بعد فتوحات العرب تلاشى الكلدانُ الوثنيون المُنَجِّمون  من هذه الديار ،  وسُمّوا مُسلمين لآعتناقهم الديانة الاسلامية .  فعادَ أجدادُنا الكلدان المسيحيون  واسترجعوا الاسم الكلداني . وقد استشهد على ذلك  بأقوال المؤرخين ومِنهم : ابن العبري في كتابه المُسمّى ( معلثا ) لما تكلَّمَ عن الامة الكلدانية النسطورية  قال : <  الشرقيون العجيبون أولاد الكلدان القدماء >  وفي  كتابه  ( تاريخ الدول ) في بحثه عن فروع اللغة الآرامية ، سَمّى لغة أهل جبال آثور وسواد العراق ( الكلدانية النبطية ) وكثيرون آخرون مثل صاحب كتاب ( طبقات الامم ) وكتاب ( القوانين السنهادوسية ) .
ويستطرد <  فترى ان للكلدان المسيحيين أسماء كثيرة في التواريخ : فسُموا آراميين نسبةً الى آرام بن سام الذي استوطن هذه البلاد وعَمَّرها بنسله . وفُرساً لكونهم وجدوا في مملكتهم . ومشارقة لأنهم في الشرق . ونساطرة لإتِّباعهم تعليم نسطور بطريرك القسطنطينية . وسرياناً شرقيين تمييزاً لهم  عن السريان الغربيين وهم اليعاقبة .  ولكن اسمهم الأصلي : كلدان اثوريون  جِنساً  ووطناً : لأن منشأ كنيستهم ومركزها كلدو وآثور . ولغتهم الجنسية والطقسية هي الكلدانية ويُقال لها أيضاً الآرامية . وغلطاً سُمِّيت سريانية كما انه غلطاً أيضاً سُمِّيَ أجدادُنا النصارى سرياناً .


ويسترسل العلامة أدي شير قائلاً <  إن أجدادَنا الكلدان المسيحيين اشتهروا هم أيضاً نظير آبائهم الكلدان الوثنيين . فانه كما أن الصنائع  والمعارف بلغت عند  الكلدان الآثوريين الى أسمى درجة ومنهم اقتبسها اليونان والفُرس وغيرهم من الشعوب القديمة. وامتدَّت  فتوحاتهم حتى جزيرة قبرص ومصر غرباً والى بحر قزوين والبحر الآسود شمالاً وحتى بلاد ماداي وعيلام شرقاً والى جزيرة العرب جنوباً . كذلك الكلدان النساطرة بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرتُهم وخلَّدوا لهم ذِكراً جميلاً مؤبَّداً . إذ إنهم كأجدادهم افتتحوا بلاد فارس وماداي والعرب وأرمينيا وسوريا وقبرص ومصر حتى بلاد الهند والصين وتركستان وغيرها من البلاد التي لم يقدر أجدادُهم الوثنيون أن يفتحوها بقوة أسلحتهم القاطعة . >


وينقلُ لنا الشهيد  أدي  شير  ما قاله أدولف دافريل بمقالتِه  في  كلدو المسيحية : < ان الكنيسة النسطورية أبرزت مدة أجيال عديدة قُوَّة امتدادٍ عجيب خارق العادة . فإن قُوَّةَ هذه الفتوحات الدينية ( Nepotisme ) والمَيل إليها هما علامتان فارقتان إتَّصفت بهما النسطرة دون غيرها . والأمر الغريب هو أن الرسالات النسطورية لم تكن نتيجة فتوحات دنيوية أو آلة نفوذٍ سياسي بل سببها الوحيد هو المَيل الشديد الذي كان  للنصارى في الأجيال المتوسطة الى نشر الايمان  وافتتاح  الرسالات  النبيلة >  ثُمَّ  يتكلم  أدولف عن انتشار النساطرة في سيلان وسومطرة والصين وبلاد التتر والهند واورشليم وقبرص  فبهمَّةِ هؤلاء المُرسلين الغَيورين  ارتفعَ شأنُ الكلدان النصارى  وازدادوا وكَثُروا حتى أن عددَهم فاقَ المائَة مليون .


و مِما اشتهر به أيضاً  الكلدانُ النصارى أنهم حيثما ذهبوا بفتوحاتهم الدينية ، زرعوا مع تعليم الانجيل بذور المعارف والتَمَدُّن المسيحي وهذا ما أجمع عليه العُلماء . إن مسيو شارل  إوديس بونين  بمقالتِه في قِدَم النساطرة في آسيا الوسطى بعد أن بحثَ عن امتداد الكلدان النساطرة في بلاد الصين وتركستان ومغولستان  قال ما تعريبُه : <  إن للنساطرة دوراً مُهمّاً  في تاريخ التمَدُّن العمومي . فإن كهنتهم هم أول مَن أدخلوا التمَدُّن في آسيا الوسطى . ومِن المعلوم أنه مِن الحروف السريانية النسطورية ، تَوَلَّدَ  في القرون الوسطى  على يد  غُزاة  آسيا القلمُ  التركي  الايغوري  والمغولي والمانجوني . والقلمان الأخيران مُستعملان الى يومنا هذا . ومِن جهةٍ اخرى إن أشهر ديانات آسيا أعني بها اللاماوية ( Lamaisme ) أخذت أشياء كثيرة مِن طقس النساطرة  ولعَلَّ مِن مُعتقدِهم أيضاً > .

وعَمّا قاله الأب لابور يقول أدي شير : <  إن الكنيسة النسطورية ما برحت  مدة أحد عشر جيلاً تَنشر التمَدُّن  والتربية المسيحية بين  أهالي آسيا  القديمة  والشرق الأقصى .  وقال  أيضاً :  <  إن النصارى الكلدان نالوا أعلى المناصب في الدولة العباسية وعَلَّموا ساداتهم الذين كانوا الى ذلك الحين في حالة الجهل فلسفة اليونان وعلم الفلك وعِلم الطبيعيات والطب . ونقلوا الى العربية تأليفات اريسطاوطاليس واوقليديس وبطليموس وابقراط وجالينوس وديويسقوريدس ،  وبواسطة الكلدان أيضاً تعَلَّم العرب الأرقام الهندية وآلة الاسطرلاب وغير ذلك .

وأتى في قاموس اللاهوت الكاثوليكي  تأليف علماء المانيا   ما تعريبه :  <  إن العلوم الشرقية  في زمان فتوحات العرب كانت  محصورة  خاصةً  عند الكلدان . فكانوا يُعلِّمون  في مدارس اورهاي ونصيبين  وساليق أو ماحوز  ودير قوني اللغات الكلدانية  والسريانية  واليونانية  والنحو و المنطق  والشعر والهندسة والموسيقى والفلكيات والطب . وكان لهم مكاتب عمومية يحفظون فيها تآليف المُعلمين > .

لَعَمري ، إن المدارس  والمُستشفيات  كَثُرَت جداً عند الكلدان حتى أن الأب لابور أخذه العَجَبُ مِن ذلك وقال : <  إنه ليس  مِن امةٍ  على الأرض  بارت امة الكلدان النصارى في  تأسيس المدارس ، فاتسعت  صناعة التأليف عندهم اتساعاً  عجيباً  حتى أن عدد المؤلفين منذ الجيل الرابع الى نهاية الجيل الثالث عشر الذي فيه انطفأت العلوم لديهم فاق الأربعمائة . وتأليفات بعض هؤلاء المؤلفين فاتت الخمسة عشر والثلاثين والأربعين . وتصنيفات مار أفرام لا تُعَد . وميامر نرساي ما عدا الكتب العديدة التي ألَّفها تبلغ 360 . وميامر يعقوب السروجي 700 . وجبرائيل اسقف هرمزدارداشير له ثلاثمائة مؤلف ويوسف حزايا الف وتسعمائة .
 
بعد هذا كُلِّه كيف يفتري القس خوشابا ويقول بأن ملفاني كنيسة المشرق الكلدانية العظيمَين مار أفرام ومار نرساي ينتميان الى المنادين بالطبيعة الواحدة ( المونوفيزيين ) الذين غَيّروا تسميتهم كما يقول المطران أدي شير بحدود عشرين مرة ومنها : الاوطاخيون ، والديوسقوريون ، والساوريانيون ، والتثوباسخيقيون أي ( مُلحقي الألم باللاهوت ) واليعاقبة . . .  حتى انتهت بالاوثوذكس .

انظر الى الحاشية في الصفحة 132 مِن كتاب ( تاريخ كلدو وآثور ) الجزء الثاني .  أليس ذلك تَعَمُّداً مِنه ونكايةً بالكلدان الذين يعرف جيداً أن أحدَ ألقابهم هو ( السريان المشارقة ) وإن الملفان نرساي كان يعرف جيدا بأن أبناء امته الكلدانية سُمّوا بالسريان المشارقة للتمييز بينهم وبين الآراميين ساكني الديار السورية الذين سُمّوا بالسريان الغربيين ، ولم يُشر الى الآشوريين مُطلقاً بسبب انعدام وجودِهم كما أسلفنا .


إن هذه  الشواهد والأدلة التاريخية هي حقائق صارخة  تؤَكِّد استمرارية  وجود الامة الكلدانية و دَورها  الريادي  في تأسيس كنيستِها  المشرقية العِملاقة التي كانت  الجزءَ المُكَمِّل الأقوى  للكنيسة الكاثوليكية الجامعة حتى أواخر القرن الخامس ،  حين أجبرَتها العواملُ  السياسية الآنية  وتفاقم الصراع بين  مؤيِّدي المذهبين المتضادِدَين اللذين اعتُبرا مِن قبل الكنيسة الجامعة  هَرطقتين  عُرفتا  بالنسطورية والمونوفيزية ،  وبالرغم عن بعد منطقة ظهورهما في الغرب ،  إلاّ أن كنيسة المشرق اكتوَت بنارهما  وسسببتا شرخاً عظيماً في بنيانها  أدّى الى انقسامها ، فكان أن قسماً  قليلاً نسبياً مِن أبنائها تبنّى المذهب  المونوفيزي  والقسم الأكبر تقبَّلَ  المذهب النسطوري  مُضطراً لسببَين  اولهما  لمحاربة البِدعة المونيفيزية  وثانيهما  لرفع  شكوك  ملوك الفُرس  بولاء  مسيحيي المملكة الفارسية للدولة الرومانية  التي كانت تعتنق المذهب الكاثوليكي الذي كانت تعتنقه كنيسة المشرق ،  لأن  وحدانية المذهب كانت  تُقوِّي ظنونَ الفرس بعدم إخلاص مسيحيي مملكتهم .


عزيزي القس خوشابا إن مَن يُفَسِّر لفظة  ( سورايا ܣܘܪܝܐ ) بغير لفظة  ( مسيحي ) هو أجهل الجُهلاء ، ولا يفهم مِن اللغة شيئاً ، إن الشعب المسيحي الكلداني والسرياني يعرف زيف التسمية الآشورية  الاسطورة التي أتقن حبكَها القائد البارز في البعثات التبسيرية الأنكليكانية ( وليم ويكرام ) و ها إنك قد اعترفتَ مُرغماً بحداثة انتحالكم  للتسمية  الآشورية ، فلا يُجديكَ نفعاً لَفُّكَ ودوارانُكَ وتلاعُبُكَ بالألفاظ  لتجعلها قومية للسريان ،  والسريان هما نوعان لا ثالث لهما ( السريان المشارقة وهم الكلدان والسريان المغاربة وهم الآراميون الذين تنكروا لإسمهم الآرامي النبيل واستبدلوه بالاسم السرياني الغريب الذي أطلقه عليهم اليونانيون الغرباء  )  فمهما حاولتم نُكران انتمائكم الكلداني  سيؤول مصيرُكم الى الإضمحلال فالزوال ، إن البعثات الأنكليكانية لم يكن هدفها في سعيها الى ربطكم بالآشوريين القدماء الذين أنتم مِنهم براء  من أجل سواد عيونكم ،  بل خِدمةً لمصالح مملكتهم الاستعمارية  بجعلها إياكم كَبشَ فداءٍ تحترقون بنيران الأعداء حمايةً لهم ولأهدافهم  ..

التسمية الكلدانية  لها أبناؤها الحقيقيون المخلصون وليست كالتسمية الآشورية المزورة التي تبنّاها المُنتحلون الخائبون ،  كان حضورها منذ تأسيس مملكة أبنائها الروحية  الكنيسة المشرقية العملاقة ، وكانت معروفةً في كُلِّ العصور التي مَرَّت بها ، وإذا كان للكلدان الحق بالتفاخر بقوميتهم الكلدانية والسريان بسريانيتهم ، فإن تمشدق الآثوريين أحفاد السريان المشارقة الذين هم الكلدان بالتسمية الآشورية الغريبة هو كُفر وجريمة ، لقد كانت التسمية الكلدانية  في لُب الدائرة القومية دوماً وهي التي كانت معروفة  بالنسبة الى المسيحيين دون غيرها طوال العهد المغولي والتتري والعثماني ، ولكن التجاهر فيها كان محظوراً مِن قبل الأنظمة الديكتاتورية القمعية ، وقد تنفست الصعداءَ لدي قيام الحكم الوطني في العراق حيث كان لأبنائها دورٌ مُهم في إرساء دعائمه والمُساهمة في مؤسساته الدستورية .

لم تقل الحقيقة  في مقالك الطويل رابي خوشابا إلا حين اعترفتَ بانتحالكم للتسمية الآشورية بالزمن المتأخر جداً ، وأما قولك بأن الكاثوليك الشرقيين يعتبرون الآشورية مرادفة للنسطورية فهو خاطيء ، لأن الآشورية تسمية  موطنية وثنية لدولة غابرة ظهرت يوماً وبادت أبداً ، أما النسطورية فهي مذهب كنسي تشبَّث به جزء مِن أبناء السريان المشارقة الكلدان منذ منتصف القرن السادس عشر ، إن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية  مُتحررة ومُنفتحة تعرف واجبها ومسؤولياتها ، ولا تتدخل في الشؤون السياسية  ممارسة ً وإنما دورها مُقتصر  على الإرشاد ، أما الكنيسة النسطورية أو ما اصطلح على تسميتها بالمشرق الآشورية زوراً ، فهي الدين والسياسة معاً إذا لم تكن السياسة الأطغى !

إن التسمية الكلدانية هي التسمية الطبيعية الشاملة والواقعية  لكل أبناء الشعب المسيحي في العراق وليست بحاجة الى ( اقتراحكَ التأميمي ) ومَن لا يقبل بها مِن الخارجين عليها ، فتلك مُشكلتهم وحدهم ،  رابي خوشابا إذا أُجريَ استفتاء الشعب المسيحي في العراق ليختار إحدى التسميات الأربع ( الكلدانية الام والسريانية والآثورية والآرامية ) أستحلفك بالله العظيم أية تسمية  منها ستفوز وليكن جوابك متحلياً بالصدق والنزاهة والواقعية !  هل سينحاز الأصل لأحد الفروع أم الفروع للأصل ؟

ليس مُستبعداً ولا غريباً أن يتعرَّضَ اللاهوتيون الى الخطأ ، وهذا ليس عيباً أو نقصاً ولكنه يُصبح كذلك إذا تمَّ الإصرار على الخطأ ، وهذا ما حصل لجزء مِن أبناء السريان المشارقة الكلدان ، الذين
أصرّوا على البقاء في البودقة النسطورية لقرون طويلة ، وهذا الذي سعى الى تصحيحه سيادة المطران باواي سورو العالِم واللاهوتي البارز ، وقد تصدّى لمحاولته  المتصلبون المتعصبون الإنتفاعيون ،  ولكن لا بد مِن انتصاره  لأنه مصممٌ لتنفيذ إرادة المسيح ربه له المجد .



الشماس كوركيس مردو
في 13 / 12 / 2006

270
             ليس بوسع الكلدان الإنتظار حتى اكتمال الدمار !


لقد قال الكلدان بصراحة  أن السفينة المسيحية  مُقبلة على الغرَق فالدمار  بسبب تَلاطُمِها بامواج الشر العا تية التي تتقاذفها مِِن الجِهات كُلِّها  ،  ولا بدَّ مِن تداركِ الأمر لسحبِها الى بَرِّ الأمان  ، وحيث  رأوا  أن إنجاز الأمر بوحدهم  مِن الصعوبة بمكان  وإن كان  مُمكناً  !  ولكنهم  فَضَّلوا طلبَ الدعم  مِن إخوانهم  فتَوَجَّهوا  بالنداء الى أبناء  عمومتهم  مِن الآثوريين ( الآشوريين حديثاً )  والسريان ،  ليُشاركوهم في ايجاد مَنفذٍ  لإخراج السفينة  مِن هَول العاصفة الهوجاء  التي لا  يُستبعَدُ أن تتحوَّلَ  الى إعصار هائل  يجرفُ بعنفِه الأخضرَ  واليابس ،  ولكن للأسف كان تجاوب مُعظم مُنتسبي الأحزاب الآثورية  وأتباعهم  سلبياً  مُتشبثين  بأوهامهم  الآشورية  البالية  التي  تتمَيَّز  بالإستعلاء ،  لإخفاء  وعدم  الإعترافِ  بالخديعة  التي حيكَت  لآبائهم  في أواسط  القرن  التاسع  عشر  وأعني  بها ( الاسطورة الآثورية الويكرامية ) التي حُوِّرت في العقود الأخيرة الى الآشورية  لتُربطَ بالآشوريين القدماء  الذين طالهم الفناء وأسدلَ التاريخُ الستارَ عليهم منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد بشهادة مُعظم المؤرخين والعلماء ،  وأصبحوا بدورهم ضحية لها  وتَحَوَّلت الى قَيدٍ  فولاذي  رَبط عقولهم  قبل أعناقهم ، وبَلغَ  مِن الإستحكام  مبلغاً  بحيث لا يستطيعون الإنعتاقَ مِنه  رغم عِلمهم  بأنه  واهنٌ وباستطاعتهم كَسره بسهولة  لو توفرَت لديهم الارادة  للإعتراف بالحقيقة ،  وبالرغم مِن ذلك فإن الكلدانَ  اعترفوا  بواقعهم واحترموا شعورَهم ،  وكان أن هذا الإعترافَ والإحترام  أُستُغِلَّ مِن قبلهم على غير حقيقتِه  مُستخدمين إياه لطعن الامة الكلدانية بهويتها القومية !


إن التغنّي بأمجاد الماضي ليس عيباً  بل إنه  شرفٌ  واعتزازٌ  وتحفيزٌ  لتطوير الحاضر لبناء المُستقبل ، أما التقوقعُ  والعيشُ في ظلاله  والبكاءُ  على أطلاله  فتلك  مُصيبة  وجحود  وعدم الوفاء لمآثر الآباء والأجداد  ، ولذلك نقولها بصراحة  بأن الكلدان لن يقفوا مكتوفي اليدين مُنتظرين المصير المجهول لهم ولأجيالهم ،  فهم عازمون على العمل  لإنقاذ سفينة  شعبهم المسيحي بالتعاون مع الجزء الشريف مِن إخوتهم الآثوريين ومع السريان والأرمن والمِندائيين وغيرهم .  كان يُلقى الإتهامُ الى رجال الدين جُزافاً بأنهم أصحاب قراراتٍ متزمتة ولا يسعون الى الوحدة ،  وكُنا جميعاً  نُوَجِّه  إليهم ظُلماً اللومَ والعتبَ والنقد  بشكل ضمني أو مباشر ،  وها إنهم يُبرهنون  عكسَ ما كُنّا  نتهمهم به ، فمِن على موقع عنكاوا الالكتروني  ،  أعلن الحبران الكلدانيان الجليلان مار سرهد جمو ومار لويس ساكو  دعوتهما الى الإتحاد وتظافر الجهود  ، فمتى نسمع صوت الطرف الآخر ؟


لقد عَدَّدَ المطران سرهد جمو ببيانه الحقائق التاريخية  التي  تُفرضُ على الآخرين احترامَ المسيحيين ، وقد تَرجَمتُ تلك الحقائق مِن نَصِّها الانكليزي الى العربية في مقالي المُعنون ( نداء وتوجيه فمتى التجاوب الصحيح ! ) المنشور في مواقع  أبناء  شعبنا  الالكترونية  <  عنكاوا ، كلدايا ، ألقوش  وباقوفا  >  كما تطرقتُ  أيضاً  الى  تساؤلات  المطران  لويس ساكو  في مقاله ( نافذة على مُستقبل المسيحيين في العراق ) الذي أشار فيه  الى الوضع الصعب الذي يعيشُه المسيحيون في العراق رغم كونهم أبناء  أرض بلاد الرافدين الأصليين وليس كغيرهم القادمين إليها مِن الخارج  ، وإنهم المسالمون بطبعهم والمُنفتحون على الآخرين ،  لا يرغبون بالمشاكل  ولا يُضمرون الحقدَ  لأحدٍ  حتى لو كان عدواً لهم عَمَلاً  بوصية المسيح له المجد "  أحِبّوا أعداءَكم  وصلّوا مِن أجل مُضطهديكم / متى  5  -  44  " . وفي ختام مقاله  تساءَلَ : متى تستجيب أحزابُ شعبنا وتنظيماتُه التي تدَّعي تمثيلَه  الى عقدِ لقاءٍ شامل لوضع برنامجٍ حكيم ، يُتَّفقُ فيه على التسمية الموحدة  وعلى توحيد المطاليب المتعلقة بحقوق شعبنا القومية بكل جوانبها  . . .
 

ألم  نَناشد  نحن الكُتّاب الكلدان الإخوة الآثوريين الى الابتعاد عن التعَصُّب العنصري المقيت الذي يُمارسونه  مِن خلال كتاباتهم  وبتعَمُّدٍ  عندما  ينفردون بترديد الاسم الآشوري و تعميمه  على الكلدان والسريان بقولهم ( الشعب الآشوري  ،  الامة الآشورية  ،  قراءة آشورية  ، الحكم الذاتي الآشوري وهلمَّ جَرَّ  .  .  . ) .
 
ألم يتساءَل الاستاذ هنري بدروس كيفا بتاريخ 13 / 11 / 2006 موجهاً كلامه الى القس عمانوئيل يوخنا  :  مَن هم سُكان  تلكيف وبغديدة ؟ كيف قلبتَ كلدان تلكيف وسريان بغديدة الى آشوريين !

ألم يعاتب السيد حبيب تومي القس عمانوئيل يوخنا في مقاله بتاريخ 21 / 11 / 2006  وبعنوان ( وحتى أنتَ يا قس عمانوئيل يوخنا )  قائلاً : الأجدر بكم  أن تنبذوا لغة القطيع التي تستخدمونها مع الكلدانيين ! الخطاب الآثوري ( الآشوري ) ميئوسٌ مِنه ، لا يُمكن أن يخرج مِن دائرة التعصُّب القومي المؤَدلَج ، لا مجال مِن التصارح  ، إنكم تَلهثون وراءَ السراب !  تُرى ،  ماذا كانت تفعل هذه الفئة الشاذة لو لم تكن بهذا العدد الضئيل ؟

وفي مقالتي بتاريخ 14 / 11 / 2006 المُعنونة  ( ليست ( زوعا ) التنظيم الوحيد المُنفرد بالتزَمت العنصري ! )  قُلتُ : ليس التنظيم ( زوعا )  هو المتزمت العنصري الوحيد ،  بل إن الأحزاب الآثورية ( مُنتحلي التسمية الآشورية ) الاخرى قاطبة يَبزّونَه بالتزمت العنصري ، ويتجلى ذلك في كتابات مُنتسبي هذه الأحزاب في المواقع الالكترونية ، ولا سيما موقع عنكاوا.كوم المُمَيَّز ، فالذي يقرأ مواضيع القس عمانوئيل يوخنا ، لا يجد فيها ذِكراً للكلدان والسريان ، ويقتصر على ترديد وتعميم الاسم الآشوري على عموم الشعب المسيحي في العراق مثل: < الشعب الآشوري  ،  الساحة الآشورية  ، قراءة آشورية  ،  الحكم الذاتي الآشوري  . . . > وكذلك يفعل نِدُّه السيد تيري بطرس ، ناهيكَ عَما يلوكُه لسان سركِون داديشو الطويل والطويل جداً ، ذكرتُ هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر ، لأنه لو أتينا لذكر الباقين وما يذهبون إليه مِن أباطيل ومُغالطات وتلفيقات لاحتجنا الى صفحات وصفحات .


وفي  مقاله  بتاريخ 20 / 11 / 2006 ( الإتحاد الآشوري وحُلمُه  باقليم آشور ) يستغرب السيد يوحنا بيداويذ  مِن جواب  مُمثِّل الاتحاد المذكور المدعو هرمز شاهين  لدى اجتماعه  مع  بعض الأعضاء البرلمانيين  في كانبيرا / اوستراليا  رَداً على سؤال المذيع  عن العدد الحقيقي للآثوريين ( الآشوريين ) في الاقليم المزعوم اقليم آشور كي يُمنَحَ لهم هذا الاقليم ، فكان جوابُه : <  لا يَهم العدد ، ما يهمنا هو أن يتمَّ الإعترافُ مِن قبل الحكومة الفيدرالية العراقية  والامم المتحدة ودول الجوار  بإقليم آشور ( طابو باسمنا ) على غرار ما هو الواقع الحالي لإقليم كُردستان . >  ويُعلِّق الأخ يوحنا بيداويذ  على ذلك بما يلي : <  ما استنتجتُه مِن هذا الكلام أن الاخوة في الإتحاد الآشوري  لا يُدركون الواقع الحقيقي للعراق ولا يُدركون مدى صعوبة تحقيق هذا الامر ، ولا يَهُمهم وحدة شعبنا ومصيره المُتعَرِّض للتفتيت كُل يوم ، مثل الاختطاف والاغتصاب  والقتل والتهجير والهجوم على الكنائس ، بقدر ما يهمه الحصول على الطابو بإطلاق تسمية اقليم آشور على سهل نينوى ، ومِن ثمَّ يستطيع الآخرون العيش فيه ، سواءً كانوا كلدانيين   أو يزيديين أو أكراد  أو عرب ،  مع العلم أن عدد كُلِّ فئة مِن هذه القوميات يزيد على عدد الآشوريين الموجودين هناك !


ويُضيف السيد بيداويذ : هذه النظرة النرجسية التي وجدتُها في أقوال السيد شاهين جعلتني أتساءَل كثيراً عن مدى جِدية أهداف هذه المنظمة المُصرة الوحيدة على عدم التقارب أو التعامل مع الأحزاب الكلدانية والسريانية ، فتُريد قطعَ حتى شعرة معاوية مع الجهات الكلدانية أو الإعتراف بها . فهل لا تَهمُّ  هذا الإتحاد نسبة  75 %  مِن الناطقين بلغة السورث ؟ وهل يُعقل أن يُمنحَ اقليم آشور الى  الآثوريين ( الاشوريين ) وهم في المهجر و الموجود منهم في العراق لا يتجاوز  العشرة آلاف شخص ؟ وهل اقليم آشور أهم مِن وحدة شعبنا ؟ هل إن بقية أحزاب ومنظمات شعبنا  أقل حرصاً منهم ؟ وهل أنكم لو تحققَ حُلمكم وفق مزاجكم على استعدادٍ  للذهاب والعيش في الاقليم المزعوم ؟ وهل تحملون الجنسية العراقية  لكي يُسمحَ لكم بالذهاب والعيش هناك ؟ وهل يُعقل حصولكم على اعتراف دولي باقليم آشور وأنتم بهذا العدد الضئيل ، بينما الاخوة الأكراد الذين يُقدَّرُ عددُهم بالملايين لم يحصلوا لحد الآن  على اعتراف واضح وصريح بإقامة دولة  في نفس المنطقة رغم كُلِّ ما قاموا به مِن ثوراتٍ وحروب تكبدوا خلالها تضحيات كبيرة  ؟


إذا كُنتم  لا تعترفون بالكلدان والسريان الذين يدينون بالمسيحية مثلكم ، يتكلمون واياكم اللغة نفسها ويشاركونكم نفس التاريخ والتراث والأرض والكنائس ويزيد عددهم على عددكم بأكثر مِن 90 % !  كيف يُمكن أن يقبلكم الآخرون بعددكم الضئيل هذا ؟  سيما وأنهم يختلفون عنكم بكل هذه المُقومات ! إن ما تفعلونه على الورق في مؤتمراتكم يختلف كُلياً عما هو قائم على أرض الواقع ، لا تطلبوا المُستحيل الذي يفوق حجمكم ،  ولا تُساهموا بزيادة الحقد  والكراهية  وانعدام الثقة  والانتقام  لدى الاخوة العرب  والأكراد  والقوميات الاخري تجاه إخوتنا  الباقين  في الوطن  مِن الكلدان والسريان والآثوريين .  هل إن مصير الأرض  هو أفضل مِن مصير الانسان لديكم ؟  هل الأرض هي سيدة الانسان أم إن الانسان هو سيد الأرض ؟ هل لديكم جواب ؟


وكما قال السيد نزار ملاخا للسيد تيري بطرس في مقاله ( مهلاً سيد تيري بطرس ) بتاريخ 23 / 11 / 2006 <  إن لغة التغييب قد وَلَّتْ ولم يَعُد لها أثر ، لأنها بضاعة كاسدة ، لم يُعِرها الكلدانُ أية أهمية لا سابقاً ولا حاضراً  لإعتبارهم إياها طنين ذبابة  .


لم أسرد ما تقدمَ ذِكرُه إلا  للتأكيد بأن الكلدان وعلى الدوام لم يبخلوا بمد أيديهم الى إخوتهم داعين إياهم الى حِوار الأنداد ، ولكنهم كانوا يقابلوننا بالرفض التام والعِناد !  كفانا  صرف جهدنا بالمُهاترات التي تقودُنا أكثر وأكثر الى درب الشتات المليءِ بالمتاهات ، لا خير بالأقوال إن لم تُقرَن  بالأفعال ،  والى متى  سنظلُّ ندور في حلقة مُفرغة ؟  ولذلك على الكلدان المباشرة  بالعمل  الجاد والمثمِر ، وكما يقول المثل ،  إن الوقت  حاد كالسيف فإن لم تقطعه  قطعكَ !


الشماس كوركيس مردو
في  2 / 12 / 2006

271
                                مُعاناة شعبنا المسيحي في العراق                                                  (  محاضرة  )

          برعاية سيادة المطران مار ابراهيم ابراهيم الجزيل الاحترام ، أقامَ المنبر الديمقراطي الكلداني / فرع مشيكَن  مساء الأربعاء الموافق للتاسع والعشرين مِن تشرين الثاني 2006 م ، ندوة حوارية بالتعاون مع الإتحاد الكلداني وغرفة التجارة الكلدانية الامريكية والجمعية الكلدانية العراقية الامريكية ( شانَندوا ) بعِنوان (  تداعيات الوضع في العراق وانعكاساته على شعبنا المسيحي ) حضر الندوة جَمعٌ غفير مِن أبناء الجالية الكلدانية زادَ عددُهم  على الخمسمئة فرد  غَصَّت بهم قاعة نادي شانندوا الكبرى  وفي مقدمتهم سيادة المطران ابراهيم ابراهيم وثلاثة مِن الكهنة .


أدارَ الندوة بجدارة الاعلامي القدير السيد شوقي قونجا وبعد كلمة قصيرة ومُعبِّرة ، استهَلَّ الحديث السيد مايك جورج  رئيس الإتحاد الكلداني باللغة الانكليزية  تطرَّقَ الى تعريف الحاضرين بالجهود الكبيرة التي بذلها الإتحاد لشرح الحالة المأساوية التي تعَرَّضَ لها ولا زال الشعبُ العراقي عموماً والشعبُ المسيحي بشكل خاص للجهات الدولية المسؤولة  في منظمة الامم المتحدة وفي الولايات المتحدة وفي العديد مِن الدول الاوربية واوستراليا ، لقد أوضح بأن أبواب هؤلاء المسؤولين كانت موصدة عن سماع ما يُعانيه مسيحيو العراق ، ولكن ارادة وهمة أعضاء الإتحاد استطاعت بعد جهود مُضنية  فتحَها وطرحَ مُعاناة المسيحيين بكل أشكالها ، ثم أكمَل الحديثَ السيد جوزيف كساب وبَيَّنَ التفاصيل عن خِطتِهم بتفعيل عملية ايجاد حَلٍّ لمُعضلة المسيحيين النازحين مِن العراق اللاجئين في البلدان المجاورة  ( الاردن وسوريا ولبنان وتركيا ) وعَدَّد السفرات التي قام بها هو وزملاؤه الآخرون الى سويسرا واوستراليا ولبنان والى واشنطن ونيويورك ، شارحين الأوضاعَ الصعبة التي يعيشها اللاجئون الى هذه البلدان ، وقد أكَّد أن مسعاهم في صدد قيام سفارات الدول القابلة بالهجرة بمنح تأشيرات السفر لهؤلاء اللاجئين قد لاقى تقدماً ملحوظاً ، وسيُواصلون هذا المسعى حتى يحصلَ الكُل على هذه التأشيرات .


بعد ذلك تولّى الحديث السيد حكمت حكيم القادم مِن العراق قبل ثلاثة أسابيع ، فأوضحَ عُمقَ العاصفة  المأساوية التي تجتاحُ المواطنين العراقيين عامة ، لأن هدف الإرهابيين القادمين مِن وراء الحدود هو إلحاق أفدح الأضرار بالعراقيين ،  أما المسيحيون فإنهم  يتعرضون لإضطهادٍ  مُزدوج  ،  يُمارسه  ضِدَّهم الإرهابيون السلفيون مِن جهة  ومِن جهةٍ اخرى تجعلهم المليشيات الشيعية والسنية التابعة للقوى السياسية المُشتركة  في العملية السياسية هدفاً  لإضطهادهم وارتكاب أشنع الجرائم بحقهم ،  فهنالك الخطف لغرض طلب الفِدية  وبالرغم مِن استلامهم  للفدية  فغالباً ما يُجهزون على الرهينة دون وازع مِن ضمير ، وهنالك عملية مُبرمجة  لتصفية أصحاب المِهن الحرة  بحجة مخالفتها للشريعة الإسلامية والأدهى  أن القائمين بذه العملية هم الذين يتولون مزاولة هذه المِهن بدلاً منهم ، يُحرضون الناس على عدم شراء اللحوم مِن القصّابين المسيحيين غاشين المواطنين بأن لحومهم ليست  ذبح حلال ، مع العلم أن القصاب المسيحي والقصاب المسلم يشتري لحومه مِن المجزرة الحكومية نفسها بالإضافة الى التشجيع بل منع المسلمين مِن شراء بيوت المسيحيين لأنها في النهاية سيستولون عليها مجاناً ، كما أن التدَخُّل في الحياة الخاصة للمواطنين قائم على قدم وساق ، فارتداء الشورت ممنوع لأنه مخالف للآداب في عُرفهم ، وارتداء الحجاب مفروض قسراُ  وهلمَّ جَرَّ  . . .


ثمَّ أُعطيَ مُكَبِّرُ الصوت للسيد ظافر نونا عضو غرفة التجارة الكلدانية الأمريكية ، فتحَدَّثَ بايضاح عن متابعة الخِطة في واشنطن وعلى ضوء رسالة الأساقفة الكاثوليك  الموَجَّهة الى المسؤولين الأمريكيين بشأن الوضع المُزري لمسيحيي العراق واللاجئين منهم بشكل خاص ، حيث قال إن مأساة العراقيين بشكل عام كبيرة جداً ونصيب المسيحيين منها مضاعف ،  حيث تُنتهَكُ  حقوقُهم وتُغتصبُ بناتُهم ويُخطفُ شبابُهم ،  مِما حدا بالآلاف منهم الى ترك بيوتهم في بغداد  والبصرة  والموصل  والنزوح الى قري سهل نينوى والقرى الاخري في اقليم كُردستان وأن قسماً كبيراً منهم توجَّه الى البلدان المجاورة  آملاً  الحصول على الهجرة الى البلاد الغربية ، ولذلك فإن مُشكلة المسيحيين عويصة ومؤلمة وليس بإمكان أيِّ حزبٍ أو منظمة حَلَّها بجهدٍ انفرادي ، فالواجب القومي والديني يقتضي بقيام تعاون حقيقي  وجِدّي  بين كُل مؤسساتنا السياسية والدينية  والاجتماعية  والثقافية مِن أجل توحيد كلمتنا وإعلاء صوتنا عِبر الوسائل كُلِّها ، والصوت المُوَحَّد يُسمع بسهولةٍ أسرع ، علينا مواجهة  الواقع الحالي  بكُل الوسائل المُتاحة ،  لأن المؤشرات قوية لنشوب حربٍ اهلية علنية لا سمح الله  وإن كانت قائمة فعلاً بين الشيعة والسنة  ولكن بصورة غير علنية وعندها سيقعُ شعبنا المسيحي بين نارين .


وكان المتحَدِّثُ الرابع الدكتور نوري منصور سكرتير المِنبر الديمقراطي الكلداني / فرع مشيكَن ، قَدَّمَ الشكرََ لسابقيه في الحديث الذين أحاطوا بجوانب القضية التي كانت مِحوَر الندوة  بحيث لم يُبقوا له ما يُضيفه ، فدعا بكلمته القصيرة الى  تظافر الجهود ومضاعفتِها لكي تؤتي الثمار المطلوبة  ،  ثمَّ فتِحَ باب الأسئلة والنقاش أمام الحاضرين ليُدلوا بآرائهم واقتراحاتهم ، حيث تمَّ توجيه الأسئلة للمتحدِّثين في الندوة  وأجابوا عليها جميعاً ، ومِن أهم  الإقتراحات  كانت المطالبة بوحدةٍ ادارية في سهل نينوى تكون  لها صلة  بالحكومة المركزية وعلاقات جيدة مع اقليم كُردستان ، يُساهَمُ في تنميتِها اقتصادياً مِن قبل الدولة العراقية  اسوة  بباقي مُكَوّنات الشعب  العراقي  .
 

كانت ندوة حِوارية  تمَيَّزت بالصراحة وقامت وسائل الاعلام  بتغطيتِها ، تَعَهَّد مُنظِّموها وحاضروها  بالسير قُدماً لتحقيق الأهداف التي عُقدت مِن أجلها  .


الشماس كوركيس مردو
في 30 / 11 / 2006

272
          ليستْ ( زوعا ) التنظيمَ الوحيد المُنفرد بالتزَمُّتِ العنصري !


نَقعُ في الخطأ إذا ألقينا اللومَ  على التنظيم السياسي ( زوعا ) بأنه التنظيم الإنفرادي الوحيد  بالتزَمُّت العنصري المقيت وإن كان الباديءَ الأولَ به ،  ولكنه عندما اصطدمَ بالواقع ووجدَ قِوى سياسية كلدانية وسريانية ، تصَدَّت له بقوة  مُظهرةً  مدى توَغُّله في درب الخطأ السائر فيه  بنظره الى الشعب المسيحي في العراق بأنه  ينتمي باصوله الى  الآشوريين القدماء الذين نالَ منهم الفناء منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد ، في الوقت الذي أن أفراد التنظيم التابعين للجزء الضئيل جداً مِن مجموع أبناء الشعب الكلداني المسيحي بكل تسمياتِه الكلدانية والسريانية والآثورية ، لا تربطه أية رابطةٍ لا عِرقية ولا تاريخية  باولئك الآشوريين المنقرضين ، وإنما انتحل أبناؤه اسمهم زوراً  قبل أكثر مِن قرن بقليل  بدفع  وإغراءٍ  مِن قبل الأجنبي الغريب ،  وأصبحَ قيداً فولاذياً في أعناقهم وعقولهم لا يقوون على كسره والإنفكاك  مِنه ،  إلا أنه وإن لم يعترفوا بهذه الحقيقة التاريخية الناصعة ، لكن التنظيم ( زوعا ) الذي يَدَّعي تمثيلهم  تراجعَ عن وهمه الآشوري على الأقل ظاهرياً ، وبدأ يبحثُ عن مسلك آخر لإحتواء الكلدان فابتدع تسمية بديلة عن  التسمية الآشورية  التي كان  ينادي بها هي ( كلدو آشورية )  فانتبهَ  الكلدانُ الى غَرابتِها بسبب عدم ذِكرها  مِن قبل أي مصدر تاريخي  قديم أو حديث ، فاعتبروها  تسمية هجينة  ومُخزية وأنها  مناورة  سياسية  تآمرية لمصادرة واحتواء  التسمية القومية للامة الكلدانية ،  وعلى اثر ذلك بادر  بعض الشخصيات الكلدانية والسريانية الى تأسيس ما سُمِّيَ  بالمجلس الكلداني الآثوري السرياني ،  فأسرعَ التنظيم  ( زوعا ) الى زَجِّ عددٍ مِن عناصره داخل المجلس استطاعوا تحويل مُهمتِه الرئيسية  المتمثِّلة  بالسعي لايجاد  تقاربٍ  بين آراء وأفكار مُختلف الأحزاب والتنظيمات العاملة في الساحة السياسية المسيحية ، الى الانحياز الكلي  الى التنظيم ( زوعا )  بل تحَوَّل الى ( زوعا ) باسم جديد ( المجلس القومي  الكلداني الآشوري السرياني )  مِما حدا بالعديد مِن أعضائه بالإنسحاب منه وأولهم  مَن دعا الى تأسيسه ، ولا حاجة لذكر اسم الشخص لأنه معروف لدى أعضاء المجلس !


قلنا ليس التنظيم ( زوعا ) هو المُتزَمِّت العنصري الوحيد بل إن الأحزاب والتنظيمات الآثورية ( مُنتحلي التسمية الآشورية ) الاخرى قاطبة يبزّونه  بالتزَمُّت العنصري بأضعاف ، ويتجلّى ذلك في كتابات منتسبي هذه الأحزاب  في المواقع الالكترونية  ولا سيما موقع عنكاوا .كوم المُمَيَّز ،  فالذي يقرأ مواضيع القس عمانوئيل يوخنا لا يجد فيها ذكراً للكلدان أو السريان ويقتصر على ترديد  وتعميم الاسم الآشوري  على عموم الشعب المسيحي في العراق  مثل :  <  الشعب الآشوري ،  الساحة الآشورية  ،  قراءة أشورية  ،  الحُكم الذاتي الآشوري . . . >  وكذلك يفعل نِدُّه  السيد  تيري بطرس  ناهيك عَمّا  يلوكُه لسان سركون داديشو الطويل والطويل جداً ،  ذكرتُ هؤلاء على سبيل المثال لا الحصر ، لأنه لو أتينا لذكر الباقين وما يذهبون إليه مِن أباطيل  ومُغالطات وتلفيقات  لاحتجنا الى صفحات وصفحات  .
 

هل يعتقد هؤلاء  بأن تجاهلهم ذكرَ الكلدان الذين يشكلون نسبة  80 %  مِن مجموع مسيحيي العراق ، والسريان  12 %  سيُعطي وزنا للاثوريين مُنتحلي الآشورية المُزوَّرة  حجماً أكبر مِن وزنهم وهم يُمثِّلون نسبة 8 % ؟  وما علاقتُهم  بكلدان سهل نينوى وسريانه ؟  إنهم سُكان منطقة آثور  ( هيكاري وضواحيها ) . كَم مُنتحل للآشورية يسكن في  تلكيف ، باطنايا ، با قوفا ، تللسقف ، ألقوش ؟ وحتى كرمليس  ؟ أليس كُلُّ سكان هذه القرى هم كلدان صِرف ؟ أو ليس سُكان بغديدة سُرياناً بالكامل ؟ وبأيِّ حَقٍّ تُطالبون  بسهل يقطنه الكلدان والسريان بالكامل ؟  ومَن أعطاكم هذا الحق ؟ الدستور ذكر القومية الكلدانية التي تُمثِّل مُعظم الشعب المسيحي ،  وقد كانت لجنة صياغة الدستور  كريمة  وحضارية عندما أدخلت الاسم الآشوري في الدستور رغم علمها  بأنه دخيل على مسيحيي العراق ، ولكن ما دام هنالك مجموعة تُطالب به احترمت رغبتهم .  طالبوا بالحُكم الذاتي  لآشوريتكم المُنتحَلة  في مواقع قراكم في منطقة هيكاري ( تياري العليا وتياري السفلى ) وليس لكم الحق التدخُّلَ  في شؤون الكلدان والسريان !


أليس مِن العار أن تأتوا لذكر جميع الأقليات الاخرى في كتاباتكم  وتتجاهلوا الكلدان والسريان ؟ ما أشدَّ عنصريتكم التي فاقت حَدَّ التصوُّر !  كيف تحاولون ايجادَ  حَلٍّ سياسي ذي أهميةٍ قصوى ،  وتُعنونونه بالاسم الآشوري ؟  أين أصبح الكلدان والسريان ؟ أليست حُجتُكم واهية وغير منطقية  عندما تحاولون فرض تسميتكم المُزَوَّرة على الكلدان والسريان على أساس أن الوعيَ القومي  قد ظهر لديهم حديثاً ! أو حتى التسمية المُرقعة التي ابتدعها فريقٌ منكم ( الكلدو أشورية ) الهجينة ؟ أين السريان فيها ؟ ماذا تَعنَونَ عندما تقولون <  فإن الدستور العراقي والذي ضَمَّت لجنة صياغتِه عضوين مِن أبناء شعبنا فشل في إقرار مبدأ الحكم الذاتي للقوميات الصغيرة ( الآشوريين والتركمان ) > أليس هذا تعبير مُتعَمَّد ؟ ما هو حجم أدعياء الآشورية قياساً الى حجم الكلدان ؟  وهل إن وهمكم الآشوري يُمكن أن يعترف به الكلدان ؟ إذا رأيتم في غياب التسمية السريانية  مِن الدستور بعض الفائدة لأحزابكم  يا كُتّابَ آخر زمان ،  ماذا عن التسمية الكلدانية التي تَقَدَّمت على تسميتكم الآشورية الغريبة ؟ لماذا تُحجمون عن ذكرها ؟  ليكن في عِلمكم وعِلم أحزابكم  بأن الوعيَ القومي الكلداني  هو ذو الوزن الكبير في تمثيل كافة المسيحيين ،  وعبثاً هي مُحاولاتُكم المشبوهة للإنتقاص منه  !


أخيراً ، ليس مِن شك بأن الاخوة العرب والأكراد  يعرفون البون الشاسع بين  حجم الكلدان الحقيقي وحجم الآثورين الضئيل ،  كما يعلمون المطالب الكلدانية المُتزنة  وكيفية عرضها  على المراجع المُختصة  وهي  لجنتي  التعديل في الدستورين  العراقي  واقليم كُردستان باسلوبٍ  واقعي وحضاري !




الشماس كوركيس مردو
في  14 / 11 / 2006

273
                           نداءٌ وتوجيه  فمتى التجاوب الصحيح !

حَبران  جليلان  المطران سرهد جمو  والمطران لويس ساكو ، وَجَّها نداءَين مُتشابهين ومِن  موقع  عنكاوا.كوم ،  فقد  شَخَّصَ سيادة المطران سرهد جمو الحالة المأساوية قائلاً  : إنه  أمرٌ واقعي ، المسلمون العراقيون  يقتلون المُسلمين العراقيين ،  في دائرةٍ مُحزنة وبائسة مِن الإنتقام ، لكن المسيحيين في العراق لم يقتلوا المسلمين ،  ومع ذلك يُقتلُ ويُذبحُ المسيحيون في الوقت الحاضر  وتتعرَّض أملاكُهم للسرقة وتُنتهَكُ أعراضُهم بسبب جيرانهم المسلمين العرب وأبناء بلدهم ومواطنيهم كُلَّ يوم  وفي كُلِّ مدينة .  ثمَّ عَدَّدَ  الحقائقَ التاريخية  التي تَفرضُ احتراماً  للمسيحيين  نُدرجُ موجزاً مُترجماً عن النص الانكليزي لها : -


1 - قبل احتلال بلاد ما بين النهرين مِن قبل الغزاة العرب المسلمين ، كانت البلاد مثوى الكلدانيين والآشوريين عِرقياً وحضارياً  منذ آلاف السنين .

2 - دَخَلت المسيحية بلادَ ما بين النهرين منذ بزوغ نورها  ، فبَدَّدَ ظلامَ الوثنية  ، واستحوذت المسيحية على قلوب  الأكثرية مِن سكانها قبل الإحتلال الإسلامي  بستة قرون .

3 - ظلَّ المسيحيون مُخلصين لبلدهم بالرغم مِن كُلِّ المُضايقات التي عانوها والمظالم التي احتملوها تحت نير الحُكّام المسلمين ، العراقيون مِنهم والقاطنون في الأقطار الاخرى ذات الأغلبية المُسلمة .

نراهم اليوم يُعامَلون كما كانوا في الأمس البعيد كمُواطنين مِن الدرجة الثانية ،  عدا بعض المراكز المرموقة التي  تبَوَّأَها  بعضُ المسيحيين ذوي الكفاءات العالية ، والتي كان الحاكمُ المسلمُ المُستبد  بحاجةٍ الى خدماتِهم فقط  ، هل يجوز في  العصر الحالي استمرارُ هذا المشهد الإنحطاطي المُتدَنِّي  بالتنَكُّر لحقوق المسيحيين المدنية  أمام سَمع وبَصَر العالَم المتحضِّر ؟

إذا تَحَوَّلَ العراق الى دولة إسلامية،  أو  تجزَّأ الى منطقةٍ سنية  واخرى  شيعية  دستورهما إسلامي ،  لن يكون أمامنا كمُجتمع مُتمَدِّن  سوى واجب طلب الإستغاثة بضمائر العاملين في المُنظمات الإنسانية في هذا العالَم ، لتأخذَ  موقفاً عادلاُ يَضمُنُ مُستقبلَ المسيحيين في العراق ،  وفي حالة  إبداء مُسلمي العراق عدم رغبتهم واستعدادِهم للإعتراف بحقوق مواطني بلدهم المسيحيين ، عندذاك لن يبقى الموضوعُ  محصوراً داخل حدود  العراق ،  حيث تجري بشأنه مناشدة الضمير الإنساني الحُر  والإستنجاد بالمنظمات العالَمية للتدَخُّل .

إن الولايات المُتحدة  وطننا الثاني ، تَتحَمَّل مسؤولية خاصة بصدد هذا الموضوع  ، وفي هذا الوضع العراقي الحافل  بالأحداث  الدامية  ، عليها  أن تُعيرَ اهتماماً  جِدِّياً  وعاجلاً  وبحسب الأُسس التالية :


أ - إن المسيحيين العراقيين مؤَهَّلون  اُسوةً بغيرهم مِن المُكَوِّنات القومية والدينية العراقية  لتُفرَزَ لهم  منطقة آمنة مِن مناطق أسلافهم التي عاشوا فيها  في سهل نينوى حتى يومنا هذا ، وبحجم سُكاني حقيقي ، حيث يمتلكون  خصوصيتهم القومية والدينية .

ب -   إعادة  القرى والبلدات المسيحية المُستولى عليها  لأصحابها  في سهل نينوى واقليم كُردستان ، تلك التي  أُخضعَت لسياسة التعريب والتكريد  والأسلمة في العقود الماضية ، والعمل على إرجاعها الى حالتِها وصِفتِها العِرقية والدينية والثقافية السابقة ، وشَملها بالمُخصصات  المالية لتعاودَ  ازدهارها .

ج -  تُخَصَّص  نسبة عادلة  مِن عائدات ثَروات العراق الطبيعية  العائدة أصلاً لآبائهم ، لكي تُصرفَ  للقرى والمدن  والمؤسسات  المسيحية  .

د -   أن يحظى المسيحيون بحصَّةٍ عادلة مِن تأشيرات الدخول الى الولايات المُتحدة ، ويُشمَلُ المسيحيون الذين اضطروا للفرار مِن العراق في السنين الأخيرة  بشكل أسرع .

ه - على الولايات المتحدة  تخصيص نصيبٍ عادل مِن صندوق الدعم المالي المُخَصَّص لإعادة اعمار العراق ،  على شكل مساعدة عاجلة  مِن أجل بناء المدن والمؤسسات المسيحية في العراق .

وقبل اسبوع  تَحَدَّث المطران لويس ساكو  متسائلاً عن مستقبل المسيحيين في العراق ، حيث أشار الى عيشهم وضعاً صعباً ، وقد عَزا الأمر الى عاملين : الأول عدم اعتمادهم مسلكاً وطنياً عَلَنياً ،بشكل مسؤول وشجاع ، والثاني  جَهل الأكثرية المُسلمة بحقيقة هويتهم وانتمائهم ومدى إسهامهم وإسهام أسلافهم مِن قبلهم في الحضارة العربية الإسلامية ، ولذلك  كثيراً ما يُسَهِّل ذلك اعتبارهم جزءاً مِن الغرب المسيحي اعتماداً الى الإنتماء الديني  .  ولتفادي هذا الأمر على المسيحيين العراقيين اعتماد رؤية واضحة  وإصدار وثيقةٍ رسمية يُتَّفقُ عليها شمولياً في اجتماع يُعَدُّ له وتحضره كُلُّ الأطراف .

ثمَّ تناول بالشرح أصالة وعراقة المسيحيين العراقيين ، وبأنهم أبناء أرض بلاد الرافدين وليسوا كغيرهم القادمين إليها مِن الخارج ، في هذه الأرض اعتنقوا المسيحية قبل ألفي سنة ، وفيها شيَّدوا كنائسهم وأديرتهم التي تمَيَّزت بنهرينيتِها  طقوساً وتركيبةً وروحانية ! على أرضها تأسَّس مَقرُّ رئاستِهم العُليا  في المدائن ( سلمان باك الحالية ) ولا يزال في بغداد ، كان تعامُلُهم مع المُسلمين على مدى اربعة عشر قرنا واقعيا وايجابياً ، لم يستقووا بأحدٍ في أشد حالات التضييق عليهم ولم يستنجدوا بأحدٍ  حتى وإن كان على دينهم ،  لأن إخلاصهم لأرضهم جعلهم يُخلصون لِمَن شاركهم العيشَ فيها ،  لم يستقبلوا الفاتحين العرب المسلمين بترحابٍ عام 634 م فحسب ، بل وقفوا الى جانبهم ضِدَّ الفرس إذ رأوا فيهم < عوناً مِن الله >  لإنقاذهم مِن جور الوثنيين الفرس ، ففتحوا لهم أبواب مدارسهم ومُستشفياتهم .

في عهد الخلافة الإسلامية استنشق المسيحيون نسيمَ الحرية ،  وكان ذلك مدعاةً لهم ليُساهموا بل ليبنوا الحضارة العربية الإسلامية ، حيث اعتبروها جزءاً مِن تُراثهم الحضاري الضارب في القدم فتفاعلوا معها ، وقد تجلّى ذلك بشكل أبرز في عهد العباسيين ،  عندما انبرى العلماء المسيحيون الكلدان الى نقل الثقافة والفلسفة  العالَمِيتين أنذاك الى العربية  ومِنها انتقلت الى الغرب ، و يُشير الى ذلك المؤرخ الكبير الأب لابور ( الديانة المسيحية في مملكة فارس ص . 351 ) <  إن النصارى ( الكلدان ) نالوا أعلى المناصب في الدولة العباسية ، وعَلَّموا سادتهم الذين كانوا الى ذلك الحين في حالة الجهل ، فلسفةَ اليونان وعِلم الفلك وعِلم الطبيعيات والطب ، ونقلوا الى العربية تأليفات اريسطوطاليس واوقليديس وبطليموس وابقراط وجالينوس وديوسقوريدوس > ويكفي أن نُشير الى بعضٍ مِن هؤلاء العلماء  ( آل بوختيشوع ، حُنين ، ماسويه ، يوحنا بن حيلان ، المُتكلِّمان يحي بن عُدي وأبو رانطة التكريتي ، وعلماء بيت الحكمة ) .


لقد كانت كنائس ُ وأديُرة المسيحيين  منذ القرنين الرابع والخامس مُنتشرةً في مُختلف أرجاء بلاد ما بين النهرين ( العراق اليوم )  وبعد الغزو المغولي للبلاد وتعاقب الحملات الهمجية لهولاكو وجنكيزخان وما اقتُرفَ بحق السُكان مِن الفظائع والمذابح والإنتهاكات ،  التجأ المسيحيون الى المناطق الشمالية الجبلية المعروفة اليوم باقليم كُردستان ،  وتعاملوا مع سكان المنطقة الأكراد وعملوا مع بعضهم البعض في جميع المجالات  ومنها  النضال في سبيل نيل الحقوق المسلوبة ،  وبرز مِن بينهم مناضلون أشدّاء .


المسيحيون ليسوا كَفرةً أو مُشركين كما ينظرُ إليهم بعضُ الجاهلين بدينهم الإسلامي أصلاً ، حيث سمَاهم القرآن الكريم " أهل الكتاب "   " أقرب الناس مودة للذين آمنوا " ( سورة المائدة 81 ) فالتضييقُ عليهم يتعارضُ مع  ما جاء في آية ( آل عمران 3 ) " وجاعل الذين اتبعوك - عيسى -  فوق الذين كفروا الى يوم القيامة "  وفي ( العنكبوت 46 )  " لا تُجادلوا أهلَ الكتاب إلا بالتي هي أحسن . . " فكيف يكونون كُفاراً  وبقانون ايمانهم يقولون : " نؤمِن بإلهٍ واحدٍ خالق السماءِ والأرض . . . " وفي خِتام كُلِّ صلاةٍ لهم  يُردِّدون " إلهٌ واحدٌ آمين " فهل الذين يؤمنون بإلهٍ واحدٍ أحد خالق البشر جميعاً ودَيّانِهم الأوحد  يوصفون بالكفرة ؟ ثمَّ إن مسيحيي الشرق عامة والعراقيين خاصة  لا علاقة لهم بمَن سمّاهم المسلمون بأصحاب الحملات الصليبية  وإن كانوا مِن دينهم  ولكنهم لم يُبدوا أيَّ ميل نحوهم أو تعاطفٍ معهم ، فتلكَ الحملات كانت ذاتَ طابع سياسي  ،  وقد عانى المسيحيون منهم ،  فمِن غير الإنصاف أن يُدمَجوا بهم  ولا أن يُحسبوا الى جانب المُحتلين .


وبعد قيام الحُكم الوطني  بعد مرور عقدَين مِن القرن العشرين المُنصرم ، كان لأبناء الامة الكلدانية المسيحيين على اختلاف تسمياتهم ومذاهبهم دورٌ مُشَرِّف أدّاه مُفَكِّروهم في ميادين عديدة  ومِنها : الثقافة  والصحافة  والتراث  والتاريخ  والسياسة  والطب والموسيقى ،  فذاكرة العراقيين لا تنسى الأب انستاس الكرملي ، الأب لويس مرمرجي ، المطران سليمان الصائغ ،  روفائيل بابو اسحق ، ميخائيل وكوركيس عواد ،  توفيق السمعاني ، اسكندر معروف ،  يوسف غنيمة ، حنا خياط  ،  والأطباء مِن آل رسام وتبوني وقصير . . . والموسيقيين مُنير وجميل بشير  ، جميل جرجيس  وناظم نعيم  ،  بالإضافة الى إسهام مهندسيهم في  تطوير فَن البناء والعمارة ،  إن هذه الإسهامات المتعددة  هي تراث للعراق .


لا تخفى على أحد طبيعة المسيحيين العراقيين المُسالمة والمُنفتحة على الآخرين ،  لا يرغبون  بالمشاكل ولا  يُضمرون الحقد لأحدٍ حتى لو كان عدواً لهم عملاً بوصية المسيح " أحِبُّوا أعداءَكم وصَلُّوا مِن أجل مُضطهديكم / متى 5 - 44 "  لا يسعون الى امتيازات خاصة  بل يرغبون بالعيش المُشترك وفي ظل المحبة والتحاور والسلام ،  واعتزازهم الوطني  كبير لا تشوبه أدنى شائبة ، وليس أدلُّ على ذلك ،  من أبنائهم الشهداء الذين استبسلوا في الدفاع عن الوطن الى جانب إخوتهم المُسلمين  .  أليسَ العُنفُ المُمارَس ضدَّ المسيحيين بكُلِّ أشكاله المُخجلة والمنافية لكُلِّ الشرائع السماوية والأرضية ، عِلماً بأنهم ليسوا طرفاً  في الصراع الطائفي الدموي الدائر بين المُسلمين السنة والمسلمين الشيعة  ولا هم مؤيِّدين لفريق ضِدَّ الآخر  ، اعتداءً لا مُبَرِّرَ له يَنِمُّ عن عنصريةٍ دينية بشعة ! الهدف مِنه تفريغ العراق مِنهم !  أليس هذا العمل البربري خطأً فادحا  يُضِرُّ بالمُسلمين والمسيحيين على السواء ! ألا يُشكِّلُ  تَعَدُّدُ  الأديان والقوميات عاملاً  للثَراء الفكري والإنفتاح والتعاون والإبداع  ! فماذا يحصلُ في انعدامها  غير الشلل الفكري والإنغلاق والتأخر !  ألم يعترف القرآن  بتعدد الأديان " لي ديني  ولكم دينكم " أليست تلك إرادة ألله ؟ ألم يَرد في ( يونس 99 ) " لو شاءَ رَبُّكَ  لآمَن مَن في الأرض جميعاً ، أفأنتَ تُكره الناس حتى يكونوا مؤمنين  ، ثمَّ ماذا عن الأية التي ورد فيها " لا إكراه في الدين " .


إزاءَ هذا الوضع المأساوي  متى تستجيب أحزاب شعبنا  وتنظيماتُه التي تَدَّعي تمثيله  الى عقد  لقاءٍ شامل  لوضع  برنامج عملٍ حكيم  ، يتناول الإتفاق على التسمية المُوحدة  ، وتوحيد المطاليب المُتعلقة  بحقوق شعبنا القومية  بكُلِّ جوانبِها ،  سواءً بالنسبة للدستور العراقي أو دستور اقليم كُردستان وذلك بإجراء تعديلاتٍ عليها  ،  تُدرَجُ  في وثيقةٍ رسمية  تُوَقعُها هيئة  مُنتخبة مِن قبل كافة المُجتمعين ، يتمتع أعضاؤها بالنزاهة والحيادية ، وتحترم خصوصية  كُلِّ حزبٍ وتنظيم والكنيسة التابع لها ، تنفرد بالمسؤولية السياسية عن كافة الأطراف المسيحية ، بعيداً عن المحاباة لأيِّ طرفٍ منهم ،  تُرى مَن سيكون الطرف المبادر الى توجيه الدعوة وتنظيم اللقاء  فينال مِن الشعب التقديرَ والثناء !




الشماس كوركيس مردو
في 9 / 11 / 2006

274
        حَذار مِن الإندفاع المُتسارع وعدم الترَوِّي !


لا شَكَّ أن فَوزَ شعبنا المُتعدِّد التسميات ( الكلدان والآثوريون والسريان ) بكافة حقوقه مِن قوميةٍ وسياسيةٍ وثقافيةٍ وإداريةٍ ستمنَحُه قدراً كبيراً مِن السيادة الذاتية ، وهو المطلب الذي ما بَرح يسعى إليه شعبُ امتنا منذ سقوط النظام الديكتاتوري ،  وقد اشتَدَّ هذا السعيُ في الآونة الأخيرة وأخذ طرحُه الطابعَ الرسمي عندما بادرَ بتبنّيه الشخصيةُ الكبيرة بين أبناء شعب امتنا الاستاذ سركيس أغاجان بينما كان في السابق ترديداً في أدبيات وايديولجيات الأحزاب التي تدَّعي تمثيل شعبنا ولكن غالبيتها تلهث وراء المصالح الخاصة للمُهيمنين عليها بالدرجة الاولى !  وكأمر طبيعي  خضعت مبادرة أغاجان هذه لردودِ  فعل متباينة ،  تأرجحت بين التأييد والمُعارضة والتشجيع والإنتقاد ، وتَمَيَّزَ البعضُ منها  بالغيرة مِن ( كارزما الرَجُل ) قدرة الرَجُل التي استثمرها في مساعدة بني جِنسه بمُختلف انتمآتهم وبدون استثناء ، وفي الوقت الذي هم أحوج إليها  من أيِّ وقتٍ مضى ، بسبب الظروف البالغة الصعوبة  التي تعصف بالوطن الام العراق !


وبرأيي مهما اختلفت المواقف فإنها لا تستطيع إنكارَ إنجازات الرَجُل على أرض الواقع ، تلك الإنجازات التي أعرب عن تقديرهم لها  كبارُ رؤساء المسيحية في العالَم ، وعلى رأسهم قداسة الحبر الأعظم البابا بينيدكتس السادس عشر وغبطة بطريرك أنطاكيا لعموم السريان الأورثوذكس ، وغبطة بطريرك الآثوريين مار دنخا الرابع ، الذين قَلَّدوا الاستاذ سركيس أغاجان الأوسمة التقديرية ، مُثنينَ على جهوده ومُقدِّرينَ خدماتِه واهتماماتِه بالمسيحيين ! نأملُ أن تُمَثِّلَ هذه الشهادات العالية المصادر نوعاً مِن الإجماع على أن العَدَّ التنازلي لِتبَدُّدِ غيمة الإختلافات المُتلبِّدة في سماء علاقات شعبنا المُتشابكة منذ زَمن طويل ،  قد بدت بوادرُه  بالظهور ونحن بانتظار تبَلورالامور ، مُعتبرين ذلك الخطوة الاولى لقطع مسافة الألف ميل !


مِن المعلوم أن مهام المُثقفين تُحَتَّمُ عليهم توعية الجماهير ، وأن على الكُتّاب والاعلاميين ايضاحَ الحقائق للشعب بتجَرُّدٍ  بعيداً عن اللفِّ والدوران ، ولكن للأسف فإن أمراضاً كثيرة قد استشرت بقوة في عصرنا هذا ، كالكذب والاحتيال والتمَلُّق والأنانية وتفضيل المصلحة الخاصة على العامة ، وقد ابتليَ بها أبناء شعبنا أيضاً وربما بدرجةٍ أكبر ، وهي ظاهرة جَليّة  في طروحات الأحزاب الآثورية الشوفينية مُختلقي التسمية الآشورية الغريبة التي صارت السببَ  في زرع  بذور الأحقادِ  والكراهية والتنافر بين أبناء امتنا المُتعَدِّدي التسميات ، حيث كانوا قبل اختلاقها مُتفاهمين ومنسجمين ، يتعاملون فيما بينهم ويتصاهرون ، فكم من الكلدان الكاثوليك  قد تَزَوَّج أبناؤهم مِن بنات الآثوريين النساطرة والعكسُ كذلك ، أما الآن فقد انقلبَ التفاهمُ والتناغمُ الى الإرتيابِ  والتقزُّز !  فكيف يا تُرى ،  سيتعايشُ شعبنا  في منطقةٍ  واحدة  وفي جزءٍ منه أحزابٌ تتبنّى طروحات عنصرية خيالية لا تتسم بأي قدر مِن العقلانية والواقع وهي مُصِرَّة على المُضيِّ في هذا المَسلَك المُهلِك ، غير عابئَةٍ  بالظروف  التي يرزح شعبنا تحت وطأتِها ، يتنازعه عاملا البقاء والفناء ! لذلك نرى أن يُفكِّر أحزاب امتنا مِن الكلدان والسريان ليس مرة واحدة بل مِراراً عِدة قبل أن يتخذوا أية خطوة دون أن يحصلوا على ضمانات أكيدة بتخلِّي الأحزاب الآثورية عن شوفينيتها العنصرية  وتعترف بحجمها الحقيقي  لا الخيالي ! أنا اعترف بأن التنافس الشريف   في الإطار الديمقراطي بين الأحزاب السياسية هو ظاهرة صحية وطبيعية ، أما مُمارسة الطعن بالمقابل ومُحاولة الإنتقاص مِن شأنه وتحجيم دوره فهو دليل على جَهله السياسي وضعف وعيه ومحدودية إدراكه !


لقد اندفعَ بعضُ  كُتّابنا ولا سيما  الذين في المهجر ، في الحَث للسير حثيثاً  في عملية إقامة الحُكم الذاتي لشعبنا ،  وكأن المشروعَ  قد أمَّنَ  كُلَّ  مُستلزمات  إقامته الضرورية التي مِن أهَمِّها الحصول على الموافقة الدستورية  مِن قبل الحكومة المركزية وحكومة إقليم كُردستان ، تلك الموافقة التي هي بمثابة الدعامة الأساسية للبدء بتنفيذ هذا المشروع الشرعي الذي كان ولا زال حُلمَنا التاريخي  وهدفنا الأساسي الذي نسعى الى تحقيقه ، ولذلك علينا التمَعُّن في الأمر ملياً ، ونوليه مزيداً مِن الدراسة مِن كُلِّ جوانبه ، ولا سيما أننا لا نملك مِن أدوات التنفيذ القادرة على إسعافِنا لحماية حقوقنا وكياننا سوى التاريخ والتمَنّي والدُعاء ، فعلينا في هذه الحالة أن نكون على قدر كبير مِن الحذر ، ونقيس خطواتنا بدقةٍ متناهية ، لأن دربنا يكتنفه الظلام ولا يخلو مِن الألغام ! وبقدر ما لمشروع الحُكم الذاتي مِن فوائد جَمّة لسُكّانه بقدر ذلك تكتنفه جُملة مِن المحاذير التي يجب التفكير بها وايجاد الحلول لها ، ومنها : -


1 - ليست منطقة سهل نينوى وحدها التي يعيش فيها كُلُّ المسيحيين ، وإن تمَيَّزت بكثافتِها مِنهم ، وتتوفر فيها كُلُّ الشروط والمُتطلبات القانونية التي يُقرُّها الدستور لإقامة منطقة حُكم ذاتي خاصة بأبناء شعبنا ، ولكن هذه المنطقة لا تتسعُ لتنتقلَ إليها بقية مجموعات شعبنا القاطنة في مناطق اخرى مِن اقليم كُردستان بالإضافة الى صعوبةِ ذلك بل استحالتِه ، فهل إن تلك المناطقَ لا تمتلكُ المُبرِّراتِ الكافية والشروط الوافية لإقامةِ حُكم ذاتي فيها ، وإمكانيةِ رَبطها بمنطقة سهل نينوى الكُبرى إدارياً لتُصبحَ بمجموعِها وحدة إدارية واحدة  تخضعُ لقانون الحُكم الذاتي الرئيسي الواحد ، أعتقد أن ذلك مُمكنٌ  وبخاصةٍ  بأن المسألة لن تُواجهَها عوائقُ مِن حيث القرار والتنفيذ ، لأن تلك المناطقَ  جزءٌ  مِن أراضي اقليم كُردستان  ولا إشكالَ فيها ، كما هو الحال بالنسبة لمنطقة  سهل نينوى في الوقت الراهن ، حيث تقعُ ضمن حدود مُحافظة نينوى وتخضع لها إدارياً ، ولا سُلطة لحكومة اقليم كُردستان عليها ، وهي تنتظر أن يجريَ استفتاءٌ شعبي حول تابعية ما هو أوسع من منطقة نينوى وتأمل أن تكونَ النتيجة لصالح الإنضمام الى اقليم كُردستان ، وهو شي غير مضمون وربما سيكون أعقدَ مٍن موضوع كركوك الشائك ، أفليس إتخاذ جانب الحذر  والترَيُّث وعدم التسارع الى عمل غير محمود العواقب قبل انجلاء الامور ؟ ولا سيما أن العراق لا زال يئِنُّ تحت ضربات الإرهابيين وصراع المليشيات المذهبية التابعة للسُنة والشيعة ، والحكومات السابقة والحالية لم تتمكَّن مِن القضاء على هذه الظاهرة القاتلة لحد الآن رغم مضيِّ وقتٍ طويل ،  ولكن املَ الشعب العراقي لم ينقطع  بقدرة حكومته الحاضرة في السيطرة على الموقف وإعادة الامور الى نصابها الصحيح ، لتتفرَّغَ لحسم المسائل العالقة ، فلندع إذاً العواطفَ جانبا ولا ننقادَ لها كما علينا أن  لا ننخدع بالاعلام ولا سيما المهجري .


2 - لقد أُسهِبَ في الحديث عن الحُكم الذاتي ! ولكن ما هي حدود المنطقة المُرتقبة ليُمارَسَ فيها ؟ لم نسمع غير عبارة منطقة سهل نينوى دون أن نعلم مِن أين تبدأ حدودُها وأين تنتهي ! فهنالك مَن يُريدُها أن تكون ضمن اقليم كُردستان !  والبعض يُريدها  منطقة آمنة  خاصة بسُكّانها  والمسيحيين منهم بنوع خاص ،  وآخرون يُريدونها ضمن محافظة نينوى ، ولكُلِّ فريق مِن هؤلاء أسبابُه ودوافعُه وتبريراتُه ! وإذا اعتمدنا لغة المنطق فإن الدولة او الاقليم أو منطقة الحُكم ، تُعرف بحدودها الادارية والسياسية ، والسؤال هنا ، الى أية منطقةٍ جغرافية نشير بحديثِنا عن منطقة حُكم ذاتي لنا ؟ وبحسب رؤيتي للمسألة  تتبيَّن لي كلُغز ، وعلينا  فكَّ معنى هذا اللغز قبل البدءِ بالعَمَل .


3 - الحُكم الذاتي بحاجةٍ الى امور كثيرة ينبغي أن يُلِمَّ بها جميعُ المعنيين به لكي يُساهموا بإنجاحه وبخاصةٍ التفاعل الايجابي مع مُشاركي المسيحيين العَيشَ في منطقة الحُكم الذاتي والمُجاورين لهم ، والمُهمة الصعبة تقع على عاتق أحزاب شعبنا ، فإذا لم يَتخَلَّ الموغلون منهم في العنصرية البغيضة ويتحَمَّلوا المسؤولية كُلٌّ على قدر حجمِه بعيداً عن ثوابتهم  وايديولوجياتِهم التي لا تخدم  إلاَّ مصالحهم الأنانية  التي ترقى لديهم على مصلحة الشعب العامة وأعني  بهم الأحزاب الآثورية  ذات النظرة القاصرة والإستعلائية بسبب اعتلالهم بعقدة الشعور بالنقص نتيجة ديمغرافية أتباعهم الضئيلة فيلجأون الى جعل الكلدان والسريان مِن اصولهم وهوالمفهوم الخاطيء تماماً والعكس هوالصحيح لأنهم جزء مِن أبناء الامة الكلدانية بدون أدنى شك، ولكن الدهاء الانكليزي استطاع غسل أدمغتِهم وأغراهم بانتحال التسمية الآشورية  التي اصبحت نقمةً عليهم وكقيدٍ فولاذي طُوِّقوا به ولا يقوونَ على كسره والإنعتاق منه ، كما كانت  نقمة لأصحابها القدماء  وأودت بهم الى الفناء ، ومِن العسير جداً على الأحزاب الكلدانية التعامل معهم ، ولا سيما طليعة الأحزاب الكلدانية( حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني )الذي خَبرهم وعرف معدنهم الرديء العصيِّ على الصقل . ومع كُلِّ هذا فنحن مع أيِّ  مَطلبُ يُحقِّقه شعبنا بحصوله على الحُكم الذاتي بالطريقة التي تحفظ  له كرامته وتُعيدُ  البسمة الى شفاه أطفاله وتوقفُ  جريان الدموع مِن عيون امهاته وبناتِه ، وأعتقد لو تَمَّ طرحُ مشروعنا القومي وفقَ الاصول المَرعية  مِن خلال البرلمان العراقي القناة الدستورية الاولى في الدولة لحظيَ بقدرأكبر مِن الإهتمام والشرعية .


4 - إن الصراع الدائر بين مُكَوِّنات شعبنا ليس حول التسميات فحسب ، إنه صراعٌ شَرسٌ يَشُنُّه حاملو الفكر العنصري الشمولي الإقصائي على أصحاب الفكر الليبرالي الديمقراطي الذي يُقِرُّ بالواقع الموضوعي ويسعى الى هزيمة الفكر الإستبدادي الذي لا محالة  مِن فشله ! ليس هنالك رَيبٌ مِن أن الإحترام المتبادل بين أبناء شعب امتنا كان قائماً ولا يزال ، ولكن مَن سعى ويسعى الى تشويه هذا الإحترام هم القوميون المتصلِّبون أدعياء الآشورية المتعصِّبون وحدهم ، لا يؤمِنون بالتنَوُّع ويبذلون جُلَّ طاقاتهم في فرض أفكارهم الإستعلائية الشوفينية ، مِما جعل أبناء هذه الامة يخوضون ميدان حرب التسميات التي لا طائل مِن ورائها وقد أثبتت فشلَها ، حيث  إن كُل فريق يعتزُّ ويفتخر بتسميته التاريخية .  على أبناءِ  شعب امتِنا أن لا تنطليَ عليه هذه الأفكار الخبيثة الهادفة الى الفرقة والتناحر ، وعلى المُثقفين التصدِّيَ  لها  بالنقد الجريء  وفضح الموقف الخاطيء ، ولا ينبغي السكوتُ عليها أو مُهادنتُها ،  لأنها تتجنّى على حقيقة  التاريخ  العريق .  وإن السكوتَ عليها  وعدم مُحاربتِها سيُمثِّل عَقبةً كبرى لقيام حُكم ذاتي لشعب امتنا في منطقةٍ آمنة ، المُرشَّحة لها منطقة سهل نينوى . أرجو أن يكون الوعي لدى أبناء شعب امتنا  شاملاً  ومستوعباً  للمحاذير التي أشرنا إليها ، مع التقدير .


الشماس كوركيس مردو
في 7 / 11 / 2006

275
الاستاذ الكبير والقدير أبلحد أفرام الوافر الاحترام


تحيتي الكلدانية الخالصة


يطيبُ لي جداً بمناسبة اختتام المؤتمر القومي الأول لحزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني الكبير ، أن أتقدم مِن شخصكم الكريم  وعن طريقكم مِن كافة أعضاء ومؤيِّدي ومناصري وداعمي ومُحبِّي الحزب الكلداني الطليعي ، بأسمى آيات الحب والتقدير وأجمل عبارات التهنئة والتبريك ، للنجاح الباهر والكبير ، الذي أحرزه حزب الامة الكلدانية المعقودة عليه آمالُها وتطلعاتُها ( حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني ) في مؤتمره العام الأول والهام !


أود أن اعربَ لكم عن إعجابي الرائع بالمَنهج الديمقراطي التقدُّمي  وبالإسلوب الحضاري الذي تَمَّ فيه انتخابُ الأمين العام للحزب  ونائبه وأعضاء اللجنة المركزية ، أكرِّر تهانيَّ للجميع ثانيةً وأقول : كانت المُقرَّرات والنتائج التي طلع بها المؤتمر متناغمة ويشوبُها الإنسجامُ بشكل عام ، عَبَّرت بصدق عن طموحات أبناء امتنا الكلدانية النبيلة وتَصَدَّت لأقوال المُتصيِّدين في المياه العَكِرة والواقفين بالمِرصاد ضِدَّ  كُلِّ  تَوَجُّهٍ  وحدوي قومي حقيقي ، كان إعلانُكم للمَلأ واضحاً  وصريحاً  بأن حزبَ الإتحاد الديمقراطي الكلداني كانَ الأسبقَ والأصدقَ في الدعوةِ الى توحيدِ كُلِّ مُكَوِّنات أبناء امتِنا بكلدانييها وآثورييها  وسريانيها ، في وحدةٍ  قومية حقيقية  مُرتكزة على الإعتراف المُتبادل الكامل ببعضِهم البعض ، بعيداً عن الوحدةِ الوهمية الإحتوائية التي حاولَ بعضُ الموهوسينَ فرضَها على الكلدانيين الأُباة  مُستخدمين كُلَّ وسائل الغِش والخِداع والإبتزاز وشراء الضمائر والذِمَم ، المُنافية للإنسانية والأُخُوة والدالة على كوننا غُرباءَ عن بعضنا لا أبناء امة واحدة !


إن دعوة الحزب بشخصكم المؤقر كأمينٍ عام لإعتماد قوَّة المنطق وليس منطق القوّة هي الدعوة المُثلى والاسلوب الأنجح الذي يجب أن يسود عندما نتداول في شؤوننا القومية  ونتَّخِذ القرارات  بصدَدِها ، ويجب أن ترقى المصالحُ القومية العليا على المصالح الفردية الأنانية في كُلِّ تلك القرارات . فنحن مثلاً  لا اعتراضَ لنا بل نؤيَّد بشدة المُطالبة بمنطقة جغرافية آمنة كسهل نينوى ذي الكثافة السُكانية ، لأبناء أمتنا مِن الكلدانيين والآثوريين والسريانيين ، لإقامة كيان لهم يُمارَسُ فيه الحُكم الإداري الذاتي مِن قبلهم بشراكةٍ متساوية ، أما مسألة رَبطِ هذه المنطقة بإقليم كُردستان فأعتقد أنها ستخضع لقرار شعبها في الاستفتاء المُزمع إجراؤه مُستقبلاً لتقرير جغرافية الأقاليم العراقية بالشكل الرسمي والنهائي عِلماً بأن اقليم كُردستان قد اعتُرف به في الدستور العراقي .  أما أن نسمعَ دعواتٍ بإلغاء تسمية امتِنا الكلدانية مِن الدستور والمناداة بدلها بتسمية ثُلاثية مُركَّبة فهذا ما لا نقبلُه على الإطلاق كما نَرفضُ لصقَ أيَّةِ تسمية اخرى بها  مع كامل احترامنا لتلك التسميات ، وهذا هو رَدُّنا على الحملة المسعورة التي انطلقت منذ قيام الاستاذ سركيس أغاجان بإثارة موضوع المنطقة الآمنة ومسألة الحُكم الذاتي لأبناء امتنا .


أودُّ أن أُلفِتَ نظرَ المُغَرَّر بهم مِن أبناء الكلدان مِن قبل الآثوريين ( مُنتحلي التسمية الآشورية الغريبة ) والذين انقلبوا على امتهم الكلدانية ، وراحوا يُشهرون على أبنائها سيوفَ حِقدِهم الذي فاقَ حِقدَ أسيادِهم بأضعاف ، بأن البعضَ مِنهم  يطلُب مِن الاستاذ أبلحد أفرام أمين عام حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني أمل الامة الكلدانية في تحقيق طموحات أبنائها المُتعددي التسميات ، ليتخَلّى عن دفاعِه وبذل أقصى جُهودِه  لبقاء وترسيخ التسمية القومية لامته الكلدانية في الدستور العراقي ، واستبدالها بتسمية هجينة ومُهينة وغريبة ، دون أن يطلبوا ذلك مِن أسيادهم لكي ينبذوا تسميتهم المُنتحلة الآشورية المُزيفة ، يا للسخرية وقصر الإدراك ! ما رأيُ هذا البعض بِمن يُنادون ويصرخون مِن الذين يزعمون بأنهم مِن بقايا الآشوريين زوراُ ، لدرج التسمية الثُلاثية المُركبة ( كلداني آشوري سرياني ) في الدستور ، وهم في خطابهم لا يُردِّدون إلاَّ الآشورية  والمثال على ذلك السؤال أدناه وجَّهَه مندوب مكتب ( عنكاوا.كوم ) السيد كلدو اوغنا الى ممثلة الحزب الوطني الآشوري المحامية ماري بيت شموئيل : -

 س2 / تُطالبون بتغيير التسمية الى ( كلداني أشوري سرياني ) ونُلاحظ ورود الآشوري في خطاباتكم فقط ، كيف تُفسِّرينَ ذلك ؟

الجواب : <  ليس في ذلك مِن تناقض ، والحزبُ حَدَّدَ وبوضوح موقفَه مِن هذه المسألة منذ عِدةِ سنواتٍ تعود الى ما قبل تحرير العراق . الحزب يؤمِن بأن التسمية القومية التاريخية الصحيحة لشعبنا هي التسمية الآشورية ولذلك فهو يتبنّاها ويستخدِمُها في تسميته . . . ثمَّ تُضيف : مِن هنا فإن الحزبَ يرى ان تعددية التسميات لا تعني ابداً تعددية الهويات القومية لشعبنا الذي كان وما زال وسيبقى واحدا مُوحداً ، وتستدرج قائلةً : كما ان الحزبَ لا يرى في تعددية التسمية عائقاً أمام وحدة الموقف والعمل والجهد والحقوق والطموح ، لذلك يدعو الى اعتماد التسمية الشاملة في الدستور دون أن يعني ذلك دعوة الى إعادة تسمية الشعب ومؤسساته . فالمؤسسة التي تحمل التسمية الآشورية تبقى تستخدم تسميتها وكذلك الكلدانية والسريانية لأن الحزبَ يؤمِن أن كُلَّ تسمية تساوي وتحوي وتُعَبِّر عن الاخرى . . . >


لماذا لا يقوم المخدوعون بالاسطورة الآشورية مِن أبناء الكلدان بمُطالبة دُعاة الآشورية بما يُطالبون به الاستاذ أبلحد أفرام ؟ ألا يَدُلُّ ذلك على مدى ريائهم ونفاقِهم ؟ أو أليس سكوتُهم على تطبيل وتزمير أسيادهم أمثال ماري بيت شليمون يعني تأييدهم لها ولأمثالها ؟ هل لا زلتم مُتشبِّثين بالسراب الآشوري ؟ وتُنادون مِثلهم بالوحدة الإحتوائية والإلغائية ؟ وحدة الأنانية الشوفينية ؟ إذا كان المُزَيفون أدعياء الآشورية يسعون الى فرض باطلهم فكم بالأحرى أن يسعى الكلدانيون الأصليون الأُباة الى تثبيت حقِّهم والدفاع عنه بكُلِّ طاقتهم ! وبكُلِّ افتخار تُردِّدُ أحزابُهم وتُعلن عن ايمانِها العميق : < بأن التسمية القومية التاريخية الحقيقية لشعبنا هي التسمية الكلدانية ولذلك فهي تتبنّاها وتستخدمها في تسميتِها . . . > ويظهر أن مناداتهم بالوحدة ومطابتهم بالتسمية الثُلاثية المُركبة (الكلدان والآشوريو والسريان) ما هي إلا مُناورة سياسية لتمرير القضية دستورياً ، وبعد ذلك يعودون الى ايقاد حرب التسميات مِن جديد ، وتوجيه سهامهم المسمومة للنيل مِن الكلدان وتسميتهم القومية التاريخية الأصيلة !


الى إخوتي أمين عام حزب الإتحاد الديمقراطي الكلداني الاستاذ أبلحد أفرام ونائبه السيد شابو يوسف وجميع الأعضاء الأصليين والإحتياط ، اكرِّر تهنئتي القلبية لكم وأقول لأبناء امتي الكلدانية ، مبروك لكم انتخابُكم لهذه الصفوة مِن الإخوة والأخوات الذين عاهدوا امتهم الكلدانية النبيلة على التفاني في خدمة أهدافها بكُلِّ جَرأةٍ وشجاعة ، وتمثيلها في المحافل المحلية والدولية ، وشتّان ما بين الثُرَيّا رجالٌ صادقون مِن أبناء امتي وبين الثَرى الذين تَنَكَّروا لأصلهم الكلداني واستطابوا التبعية للآخرين !


النصر لأمتنا الكلدانية 




الشماس كوركيس مردو
في 3 / 11 / 2006

276

     وسام كاكو يُطالبُ بخطابٍ وعَمَل استراتيجي جديدَين !

لقد أخذ مِني الإستغرابُ بل تفاجأتُ حقاً أن يطلعَ علينا الأخ وسام كاكو في الآونة الأخيرة بمقالاتٍ ثلاث نشرها في موقع عنكاوا ، وقد تَبَدَّلَ شعورُه ونظرتُه القومية الكلدانية المثالية  ، وهو ذلك الناشط القومي الكلداني المُندفعُ  في رَدع كُلِّ متطاول على كرامة الامة الكلدانية ، والمساهم القوي في تأسيس التجَمُّع الكلداني في سان دياكو في آذار مِن عام 2005 للعمل بتفاني مِن أجل أهداف مُعيَّنة ،وكان التركيزُ مُنصَبّاً على بناء البيت الكلداني الكبير وتقويته قومياً بحيث يتفَوَّق على البيت الآثوري الصغير ، لأن إمكانية الكلدان تفوق مثيلتَها  لدى الآثوريين  بما يُعادل عشرة أضعاف إن لم تَزِد ، ولكي لا يُنازعه أحدٌ على حَقِّه في قيادة شعبنا لأنه يمتلك الأولوية ديمُغرافياً وثقافياً واقتصادياً . وقد تعاون التجَمُّعُ اعلامياً  مع إتحاد القوى الكلدانية وأصبحَ  فرعاً كبيراً له باسم ( إتحاد القوى الكلدانية في كاليفورنيا )  ورغم تشكيك بعض القوى الاخرى بمصداقية نوايا التجَمُّع واتهامها له بالعنصرية ومُحاربته بقوة ، إلاَّ أنه خَيَّبَ آمالها ، وحَققَ نتائج مُتقدمة فاقت التوقع وقد نالت الحملة الكلدانية العالمية التي أطلقها الإتحاد  في الثاني والعشريب مِن آب 2005 قِمة النجاح بتجاوب الكلدان الرائع معها في داخل الوطن الام وخارجه .

هذا الكلداني الرائع تراجعَ اندفاعُه عَن نُصرة امته الكلدانية بدرجةٍ كبيرة ، بعد أن كان أحد البارزين الذي ساهم في توحيد الجُهد الكلداني الذي باركته رئاسة ورجالات الكنيسة الكلدانية ، وتهَلَّلَ له الأُلوف مِن الكلدانيين في الوطن وبُلدان المهجر المُختلفة ، وأعربوا عن تأييدِهم رسمياً للمطالبة بالحقوق القومية الكلدانية ، وبناءً الى هذه المطالبة وَجَّه اتحاد القوى الكلدانية في كاليفورنيا  رسالة  بتاريخ السادس عشر من أيار 2005 الى السيد رئيش الجمهورية العراقية ورئيس الجمعية الوطنية  وأعضاء لجنة صياغة الدستور مُطالباً بضرورة تثبيت القومية الكلدانية في الدستور ، وورد نصاً في الرسالة <  . . . نَرغبُ في أن تزيدوا مِن نجاحاتكم مِن خلال وضع الامور في نصابها الصحيح وتثبيت اسمنا القومي في الدستور العراقي كقومية كلدانية . . . >  لم تتضمَّن الرسالة  إبعاد الاسم الآثوري أو السرياني  وهو عكس مطلب الآثوريين الذين استماتوا خِفية وعلانية في السعي الى تغييب الاسم الكلداني  .

بعد كُلِّ هذا الإسهام مِن قبل الأخ وسام  ، قام أخيراً بتوجيه ألذعَ الإتهام الى الكلدان ، مُنتقداً حُبَّهم لقوميتهم واعتزازهم بها ، ناعتاً إياهم بالمغالين والمتعنتين أكثر مِن  الآخرين  بقوله <  التعَنُّت الذي يُغالي في المفهوم القومي الكلداني وينظر الى الوجود الكلداني تاريخياً بمثابة الوجود الأول أو السُلالة الاولى بعد آدم وحواء > أرجو الأخ وسام أن يسمح لي بالقول ، إن ما ذكرتَه والذي حصرتُه بين قوسين ،هو انطباعُك الشخصي  وبعد تَغَيُّرك المبدئي ، ولا يُمثِّل رأيَ بقية أعضاء إتحاد القوى الكلدانية في كاليفورنيا ، وإني لأعتب عليكَ شخصياً تجَنّيكَ على الكُتّاب الكلدان وأنا واحد منهم ، أن تصفنا بالمتطرِّفين ونرفض قبول الآخرين ! لأنك بذلك تجعلُني أن أنظر إليكَ بأنك رجل غير مُنصف ومُنحاز رغم تقديري الكبير لكَ . إنك خير مَن يعلم بأن الكلدان أكثر انفتاحاً على غيرهم ولم يكن رفضُ الآخر طابعَهم ، بل قابلوا كُلَّ أقوال الأطراف الرافضة ذات الصفة الإستعلائية برحابة صدر واسعة وحاولوا محاورتهم حِوار الأنداد ، ولكن جهودهم باءَت بالفشل نتيجة التعنُّت الغاشم للآخرين وأنت خير العارفين .

أنا لا أُنكر بأن المرمى الذي رنوتَ إليه هو وحدوي ، ومطالبتكَ بحذف الواوات عن تسميات شعبنا ، مَرَدُّه لإعتقادِكَ  بأن حَذفَها لا يَمُسُّ بخصوصية  أيٍّ منها ، لكنه  في الواقع هو تنازلٌ الأطراف الثلاثة جميعاً عن خصوصياتهم مهما حاول الواحدُ نفيَ ذلك ، ومع ذلك يُمكن للشعب الكلداني أن يقبلَ بذلك إذا كانت الغاية منه سياسية ولفترةٍ مَرحلية مُحَدَّدة ! وبشرط أن يقبل المُشَرِّعُ أن يضعنا  في وحدةٍ  ( واحدة ) ولكنني في شَكٍ أن يفعلَ  ذلك ،لأن العالَمَ كُلَّه يعرفُنا بتسمياتنا مُنفصلةً ، وقد أُدرجنا في الدستورالعراقي بتسميتين منفصلتين ( الكلدان والآشوريون ) ولذلك أرى أن بقاء الواوات هو الأصلح لنا ، لأنه سيُظهِرُ حجمَ كُلٍّ مِنا مِن حيث القدرة والديمغرافية والحق القيادي وفقَ كثافته السُكّانية !أما في حالة حذفها سيدفع بكُلِّ فريق في حالة الحصول على الحُكم الذاتي أن تكون له الأولوية في القيادة والمسؤولية ، وعندذاك سننجرُّ للتصادم فيما بيننا وربما للقتال الدموي لا سمح الله .

في مقالتكَ الثالثة تُطالبُ الكلدانَ العملَ بصيغة التقارب  مُتجاهلاً تجربتَهم المُرة السابقة ، أليس غريباً أن تدعوَ الى تكرير عملية التقارب التي أثبتت فشلها للآسباب التي ذكرناها آنفاً وأنت أدرى بها ! عزيزي وسام التقارب مع مَن ؟ مع الأحزاب الآثورية ( الآشورية ) ! تلك الأحزاب التي مهما تناطحت فيما بينها ! فإنها تَتَّفِق بشكل مُطلق وبالإجماع على طمس الهوية القومية للامة الكلدانية، وتعتبِرأن التسمية الآشورية الوثنية التي انتحلَتها هي التي يجب أن تُفرضَ على عموم شعبنا! ألم تُجاهد مستميتةً
طوالَ نشاطها السياسي مُجَنِّدةً  مأجوريها مِن المحسوبين على الكلدان ليقوموا  بتزوير حقائق التاريخ  وتحويرها  لصالح الآثوريين أحفاد كلدان الجبال الذين انتحلوا التسمية الآشورية زوراً بإغراءٍ انكليزي كاذب ! ونَسبِ كُلِّ ما هو كلداني الى وهمِهم الآشوري المخدوعين به !

مع مَن تُريدُ أن يتقاربَ الكلدان ؟ مع الذين يَدَّعَون الإنتماءَ  زوراً الى مَن وصفهم مؤَلفُ كتاب ( الثقافة غير الكاملة ) وليم ولسن <  الآشوريون : بشرٌ سَيِّئون. . . عسكريون لم يستحسنوا شيئاً أكثرَ مِن القتال طوالَ اليوم وكُلَّ يوم > وهو ما أوردتَّه في مقالتكَ ، ولكي تتفادى هجومَ أدعياء الآشورية ومُناصريهم مِن أبناء الكلدان المُغَرَّر بهم ، أضَفتَ : والشيءَ نفسه يُقال عن الكلدانيين ، وتداركتَ قولكَ بين قوسين ( السيِّئين ) لتُسبِغَ شيئاً مِن الصحة على قولِكَ الذي لا صحة له على الإطلاق ، وأنا أتحَدّاك أخي وسام إذا كان بوسعِكَ ذِكر اسم مؤرخ أو كاتبٍ واحدٍ قال عَن الكلدان  ما قاله وليم ولسن عن الآشوريين ، وإضافة الى معلوماتك القيِّمة في التاريخ فإن العديدَ مِن المؤرخين الشرقيين والغربيين الأقدمين والمُحدثين وصفوا الآشوريين بهذا الوصف .

ألم ينفرد  مَن يدَّعون أنهم مِن بقايا الآشوريين القدماء الذين تعرضوا للفناء التام قبل الميلاد بستمائة عام ! بالخطاب المتعالي ليس على الكلدان والسريان فحسب ، بل على العالَم بأسره ! فازدراهم العالَمُ ولم يتعاطف معهم ! لأنهم تعاملوا مع العالَم بالتباهي والتفاخُر بالماضي الآشوري المُخزي الذي يَعرفُه العالَمُ  عِدوانياً شرساً لم يسلَم أحدٌ مِن شَرِّه !  فكيف يا تُرى ، ينظر العالَم الى المتفاخِرين به ! لقد حاولوا  ومنذ حفنةٍ مِن العقود وبكُلِّ ما أُتوا مِن جُهدٍ غير محدود كَسبَ العالَم للوقوف الى جانبهم ،ولكن باسلوب التحَدّي الذي يُوحي للعالَم الغربي خاصةً ، بأنه مُلزَمٌ بمساعدتِهم ، مُستندين على مُبَرِّر غير ذي أهميةٍ لديه ( الِدِين ) ، لأن الدِينَ لدى الغربيين لا يُشَكِّلُ حافزاً لإبداء المُساعدة ، ولا سيما لعِلمِهم المُسبَق بأن طالبي المساعدة هم الذين يَدَّعون الإنتماءَ الى ذلك الشعبِ البائد الذي عُرفَ عنه تاريخياً بِكَونِه شعباً مُعتدياً ظالماً مُتعَطَّشاً للدماء وقاهراً للشعوب ! فلم يَحصل لديهم عَطفٌ تُجاههم ، وبسبب هذا الاسلوبِ غير المرغوب ، كان نصيبُهم صَدمة اللامبالاة والخُذلان !

فهل تُريدُ أن يلقَى الكلدانُ نفسَ المصير الإهمالي مِن قبل العالَم وهم مُقبلون على خَلق مِلَفٍّ دولي لقضية شعبِهم المُتعَدِّد التسميات ! إن الكلدان هم الدعامة الأساسية ويمتلكون الرقمَ الأصعبَ في المعادلة القومية إذا كان هنالك فعلاً مُعادلة ! والكلدان لن يستثنوا مِن مِلفِّهم المُرتقب إخوتهم السريان والآثوريين ( لا الآشوريين ) على اعتبارهم كما هم في حقيقتهم كلداناً يسكنون منطقة آثور إحدى مناطق بلاد الكلدان الثلاث كما عَرَّفها المُثلَّث الرحمات المطران يعقوب اوجين منا في قاموسه الشهير  ( دليل الراغبين . . . القاموس الكلداني العربي ) ص . 338 < وبلادهم الأصلية بابل وآثور والجزيرة ) .
إن الدستور العراقي يُقِرُّ وبشكل واضح بأن العراق دولة إتحادية ( فيدرالية ) وللأقليات حَقُّ التمَتُّع بحقوقِها في حالة امتلاكِها للخصوصية القومية أو الدينية ، وبما أن امَّتنا الكلدانية تمتلك الخصوصيتين معاً ، فمِن حقِّ أبنائها المطالبة الشرعية ومِن خلال قبة البرلمان العراقي ليُمنَحوا منطقة سهل نينوى ذات الكثافة السُكانية الكلدانية ليُمارسوا فيها حقَّهم في الحُكم الذاتي ضمن دولة العراق الإتحادية ، ومطالبة الكلدان هذه ، تدخلُ ضمن نطاق قوانين الأمم المتحدة ، والنظام الفيدرالي أُوجِدَ أساساً للدول التي تتنَوَّع في شعوبها أقليات ذات أعراق وأديان مُختلفة  لتجد فيه الحماية مِن طغيان الأغلبية ، عِلماً أن مطالبة الكلدان بالحُكم الذاتي  ليس مِن ورائه مسعىً للإنفصال عن العراق ، لأن الكلدان يعتزُّون وبفخر كونهم المواطنين العراقيين الأصليين وهم الأكثر إصراراً على بقاء العراق واحداً مُوَحَّداً ، وإنما مسعاهم هو لحماية شعبهم وصيانة وجودهم ، والعمل على تحسين مُستقبل أجيالهم ، ولا أعتقد أن هناك  ضيرا يطالُ أحداً في تحقيق هذا الحق الشرعي !

أخيراً إنه ليُؤسفنا جداً أن تخسرَ صفوفُنا الكلدانية إبناً كلدانياً  مُفعماً بالغَيرة والنشاط هو الأخ وسام كاكو ، طالبين له كُلَّ الخير ، ونأمل أن لا ينسى أنه كلداني قلباً وقالباً ، وليكُن مُنصفاً وعلى الأقل مُحايداً ويُعطي للتاريخ احتراماً !  مع التقدير

الشماس كوركيس مردو
في 30 / 10 / 2006

277
            ما هو الطريق الى الفَوز بالحقوق !

بإمكان أيِّ مُتتَبِّع  لِمَ يُسَطَّرُ على صفحات مُعظم  المواقع الالكترونية  وفي مُختلف  وسائل الاعلام ، أن  يُلاحظ  بأن  مسودةَ  دستور اقليم  كُردستان العراق ،  قد  احتَلَّت  مساحةً واسعة  مِن النقاش المُستفيض ، مِن قبل  القوى السياسية  الفاعلة  في الساحة العراقية  ،  بالإضافة  الى الشخصيات المُثَقفة المعروفة  بنشاطها  في المجال القومي  والمتواجدة  داخل  العراق  وخارجه ،  الى جانب المُهتمين بحقوق الانسان والمطالبين  ببناء المُجتمع  المدني على أُسسٍ  ديمقراطية ،  والمُدافعين عن  حقوق المرأة  والطفل  في العراق ،  ومِن  بين هذه النُخبة  العديد  مِن أبناء  شعبنا  الكلداني  الآشوري السرياني  مِن سياسيين  ومُثقفين  مُستقلين ،  الذين أعربوا عما  يدور في أذهانهم  حول  قضية  امتهم المصيرية  و هل أن لجنة  صياغة  مسودة  الدستور  تناولت وحدة شعبنا  وضَمَنَت له حقوقه القومية  ؟


وكناشطٍ   ومُدافعٍ  عن  حقوق شعب أمتي الكلداني الآشوري السرياني  القومية  والوطنية  ، أود  الإعرابَ  عن  رأيي  ونظرتي الى  مسودةِ  دستور اقليم كُردستان  مِن  حيث  مُحتواها العام  أولاً  و بما يتعلقُ مِنها بحقوق امتنا  ثانياً . وكما ذَكّرتُ  في مقاليالسابق  بعنوان ( سركيس أغاجان رَجُلٌ وإنسان ) فإن الدستورالمُشار إليه  بمِسودتِه الحالية  يبدو جيداً و متطوراً فِكراً ومضموناً  بصورةٍ عامة ، وإذا أجرينا المقارنةَ  بينه وبين الدستور العراقي نرى  بَوناً  شاسعاً  مِن ناحية  تجاوزه الكثيرَ مِن العوائق والتعقيدات التي تحول دون  بناءِ  مُجتمَع  عِلماني  مُتطور  وخَلق استقرار سياسي واقتصادي واجتماعي ، وضَمَنَ  الحقوق المدنية الأساسية والحريات العامة للمواطن ، وخَصَّ المرأةَ  بحقوق كثيرة أهمُّها مُساواتُها  بالرجل وتحديد نسبة تمثيل عادلة  لها  في البرلمان والمُشاركة
في المجالس البلدية والمحلية ،  كما أشادَ بدورها الهام في بناء الاسرة  ، وحَرَّرها  مِن مفاهيم قبلية  بالية تجاوزها الزمن  كالزواج القسري وغيره  .


أما  فيما يَخُصُّ  حقوقَ امةِ الشعب الكلداني الآشوري السرياني القومية فجاءَت المسودةُ مُخيِّبةً  لآمالهم وطموحاتهم  ،  فهنالك تناقضات ونواقص وسلبيات لا مناصَ مِن الاشارة  إليها  وتشخيصها والسعي الجاد الى تدارُكِها  وايجاد العِلاج لها  ، وبوِسعنا  حَصرَها  بما يلي : -


1 -  لقد انفردت  ديباجة المِسودة  بذكرالأكراد  فقط   تناولت تاريخهم  ونضالهم . . . دون ذِكر شعوب  وقوميات اقليم كُردستان الاخرى، فكان هنالك إغفالٌ واضحٌ  لِمَ  تَعَرضَ له  شعبُ امتِنا الكلداني ، الآشوري ، السرياني ،  مِن  ظُلم و مآسي ومذابح  ، ولم تتطرَّق الى  نضاله  ودَرج  قضيَّتِه  كجزءٍ  مِن قضايا العراق عامةً  وكُردستان  خاصةً ،  وهي المطروحة  دولياً  كالقضية الكُردية  تماماً  في المحافل  والمعاهدات الدولية  .


2 -  لم تَرد  في المِسودة  فقرة أو بندٌ  واضحٌ  يُشيرُ الى حقوق امةِ شعبنا الكلداني ، الآشوري ، السرياني  القومية  ويؤكِّد  عليها  بصراحة  مِن حيث  مداها  وطبيعتها  ،  مع أن الدستور العراقي  ضَمَنَ  لشعبِ أمتنا  حقوقَه  القومية  والثقافية والادارية ، وأكَّدَ على تنظيمِها  بقانون ، أليس إذاً مِن المفروض أن  يتناغَمَ  دستورُ الاقليم مع  ما هو ايجابي  في الدستور العراقي !


3 -  لقد أدرجَ الدستورالعراقي تسميتين لشعب أمتِنا المسيحي هما الكلدان والآشوريين ولم يأتِ الى ذكر السريان ،  لكن عبارة ( وسائر المُكَوِّنات الاخرى ) الواردة في نفس المادة ( 122 ) شَمَلت  السريان والأرمَن  .  والحقيقة يجب اعتبارُنا امة واحدة بتسمياتٍ ثلاث وليس شعباً واحداً ، لأن الفرقَ بين مفهومَي الشعب والقومية كبيرٌ ومُختلفُ المعنى ، إذ يُمكن أن يتكَوَّن الشعب مِن عِدةِ أقوام ، ولكن مِن غير المُمكن أن َتتكَوَّن القومية مِن عِدةِ أقوام متبايني الأعراق إلاَّ في  حالة  انصهارهم في هويتِها  وحينذاك يحق لهم حَملَ  تسميتِها ! ،  والعناصر التي  تَوَحُّدُ  امَّتنا  هي أكثر  مِن التي  تُفرِّقُها (الدين، اللغة، الثقافة، تشابه العادات والتقاليد ، والأرض التاريخية المشتركة ) برغم اختلاف التسميات التي فَرَّقت أبناءَها، حيث مِن العسير اختزالُها بتسمية واحدة في الوقت الراهن على الأقل، لأسباب  كثيرة أخذ الصراعُ بشأنها منحىً غيرَ مُستساغ  وطويلاً  بدون  جدوى ،  مِنها : -

أ -  إعتزاز  كُلٍّ  مِن  أصحاب التسميات  الثلاث  الكلدانية الام  والآشورية  والسريانية  بتسميته  وعدم تنازله عنها  قيدَ انملة .

ب - اعتبار كُلِّ فريق بأن تسميته  هي إرث آبائه وأجداده  وعليه المُحافظة عليها  كالمحافظة على حدقة العَينين .

ج -  اعتبار كُلِّ فريق  بأن تسميته  تعكسُ شعوره وانتماءَه القومي  .  وتلعبُ  دوراٌ كبيراً النسبة  الديمغرافية  لهؤلاء الفرقاء  الثلاثة ، فلا  يُمكنُ  بأيِّ حال مِن الأحوال أن  تتنازل الأغلبية  لأيٍّ من الأقليتَين ، والعكسُ مُمكن إذا تَوَفَّرت الارادة  والنية الصادقة  والنظرة الواقعية والمُعطيات التاريخية ،  ورُقِّيَت المصلحةُ العامة للامة على الخاصة ،  وقد حدث عبر التاريخ  مثلُ هذا الأمر  برضوخ دولة يهوذا الصغرى لدولة اسرائيل الأكبر مِنها .


إن هذه  الأسباب الثلاثة  تَرَسَّخَت  لدى الفرقاء عِبرَ قرون مِن التاريخ  لا يُمكن  تفتيتُها  بسهولة  وبطريقة غير معهودة  ولا مسبوقة ، فلا ضير أبداً إذا أقرَّ الدستور العراقي و دستورُ اقليم كُردستان  بوحدتنا تحت أسمائنا الثلاثة ، وضَمَنا حقوقنا القومية على أساسها بما فيها منحنا الحُكم الذاتي على أجزاء مِن أراضيه التاريخية .  وعلى الفريق الضئيل العدد مِن الفرقاء الثلاثة  الإمعان  جيداً بواقعه الحاضر، والكف عن التغنّي بأمجاد الماضي الآشوري ولا سيما أنه لاتَربُطه  أية رابطة لآ عِرقية ولا تاريخية  بالآشوريين القدماء  وإنما انتحل تسميتهم  بالخِداع والإغراء مِن قبل الغُرباء ، ورغم معرفة الكلدان بأن أبناء هذا الفريق هم جزء منهم ، تَمَرَّدَ أسلافُهم في منتصف القرن السادس عشر وواصل دَربَ التَمَرُّد أحفادُهم حتى  يومنا هذا ، وفي منتصف القرن التاسع عشر ،  تبنوا التسمية الآشورية الغريبة عنهم ، وما داموا مؤمنين ومتشبثين بها ، فإن الكلدان يحترمون رأيهم وشعورهم رغم عِلمهم  بحقيقتِهم والأساليب التي  مورست  لإغرائهم ،  ولكنَّ  استمرارهم  في العيش في الماضي الآشوري المُندثر يُعَدُّ هروباً  مِن مواجهة الحاضر والإعداد الجيِّد لضمان المستقبل ، وهذا بحد ذاته مصدر خطر كبير على حاضرنا  ومُستقلنا .


والآن وبعد أن تَوَضَّحَت معالمُ الصورة لمِسودّةِ  دستور اقليم كُردستان ،  وتَمَّ تشكيلُ لجنة لإعادة النظر في مواد  وبنود الدستورالعراقي وتلقِّي الإقتراحات لإجراء بعض التعديلات الضرورية  على جزءٍ من مواد الدستور الدائم ، لم يبقَ مجالٌ أمام أحزابنا السياسية وقياداتنا الدينية للتنَصُّل مِن المسؤولية المُلقاةِ على عاتقهم وهي المطالبة  بحقوق أمة شعبنا الكلداني والآشوري والسرياني ، فعليهم اقتناص فرصة وجود مَن قد أولته الثقة الغالبية مِن تنظيماتنا السياسية والاجتماعية ومؤسساتنا الدينية ، أعني به الاستاذ سركيس أغاجان صاحب الموقع المتميَِز لدى قادة اقليم كُردستان ،  والمكانة الكبيرة التي أحرزها لدى أبناء شعب هذه الامة  ذوي الميول والاتجاهات والتسميات وحتى الأعمارالمُختلفة ، فضلاً عن الحُب والتقدير اللذين يَحظى بهما مِن كُلُّ الأطراف المؤمنة بوحدة امةِ شعبنا، لا شكَّ أن  باستطاعته العملَ بشكل فاعل على دَرجِ  تسمياتِنا الثلاث كما هي( الكلدان ، الآشوريين ، السريان ) في كلا  الدستورين الفيدرالي والاقليمي إذا وجد  دعماً جاداً مِن  قيادات أحزابنا السياسية والرئاسات الاولى لكنائسنا مشوباً بايمان مبدئي ثابت غير آني ،  وسيُجَنِّبُ دَرجُ تسمياتنا الثلاث مُنفصلة ضياع حَقِّ أيِّ فصيل مِنها ، كما سيساعدُ على معرفة حجم وعدد أبناء كُلِّ فصيل ، وعلى هذا الأساس ستكون نسبة الفوز بتسمية قوميتنا الطبيعية الموَحَّدة ذات نصيبٍ ايجابي عالي ،  وسيتبعُ  ذلك  بالتأكيد الإقرارُ  بمنطقة حُكم  ذاتي لشعبنا  في سهل  نينوى موطن آبائنا التاريخي .


إن السبيل الأمثل والأنجع أمام الشعوب المُضطهدة والمغلوبة على أمرها ،  كشعب امتِنا الكلداني ، الآشوري ، السرياني ، هو التَوَحُّدُ والنضال والمُطالبة بالحقوق القومية المشروعة التي تجعلُ حياتهم حُرَّة وكريمة ، <  وإذا الشعبُ يوماً أرادَ الحياة لا بدَّ أن يستجيب الدهر ( وليس القدر ) > الشعب المناضل الصامد يقوى على التصدّي للتحدِّيات ولا بذَّ أن ينال الهدف ويفوز بالمُراد ،  ومِن هذا المُنطلق على شعب امتنا الكلدانية المسيحي العراقي  بساسته ،  ومُستقليه ،  ومثقفيه ،  ومسؤوليه  الحكوميين والبرلمانيين ، ورجال الدين ، توحيد  مطالبهم وجعلها جماهيرية لنيل حقوقنا المشرعة .  إن عقدَ الندوات وتنظيم  المؤتمرات  والمشاركة  في النشاطات الاعلامية هو مِن الأهمية بمكان ، للوصول الى تنظيم  مؤتمر قومي شامل ، يُعقد على أرض الوطن ،  ويُصدر ( وثيقة قومية رسمية ) تشتمل على  المطالبة بحقوقنا القومية والوطنية .
 

وأخيراً ليس لديَّ شَكٌ بأن أعضاء لجنة صياغة دستور اقليم كُردستان وأعضاء اللجنة المُشكَّلة لإجراء بعض التعديلات الضرورية  على ما ورد في الدستور العراقي الدائم ، هم نُخبة  مِن أصحاب الكفاءات العِلمية ، ولهم باعٌ في معرفة التاريخ العام وتاريخ بلاد ما بين النهرين بوجهٍ خاص ، مِن خلال اطلاعهم على مؤلفات المؤرخين الشرقيين والغربيين اٌلأقدمين منهم والمُحدثين ، فهل يخفى عليهم بأن الكلدان هم عَصَبُ الشعب المسيحي العراقي ! باعتبارهم آخرالأقوام الأصلية الذين حكموا بلاد ما بين النهرين على أنقاض الدولة الآشورية التي قضوا عليها القضاءَ المُبرم كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً في نهايات القرن السابع قبل الميلاد ، وهل يقبلون أن  تنطلي عليهم مُحاولة البعض مِن أعداء الكلدان الهامشيين الهادفة  الى طمس اسم الكلدان أوعطف اسمهم عليه  بحجة توحيد المسيحيين ،  وهل ذكر التاريخ أن الدين يُلغي القومية ؟  وهل استطاع النظام البعثي إلغاء القومية الكُردية عندما حاول ذلك بحجة الدين ؟ إن للكلدان وطيد الأمل وكامل الثقة  بأعضاء اللجنتين بأن يتناولوا مسألة الكلدان  مِن الزاوية الواقعية لحقيقتهم ، ويوقفوا ظلم التاريخ على الكلدان  فكفاهم ما تجشموه مِن الظلم .[/b]


الشماس كوركيس مردو
في  25 / 10 / 2006



278

                  سركيس أغاجان رَجُلٌ وإنسان !

لقد  تَعَدَّددَت المقالاتُ في المواقع الالكترونية المُختلفة  يُشيدُ غالبية كُتّابِها  بشخصية وإنسانية الاستاذ  سركيس أغاجان ،  ويُعربُ البعضُ منهم عَن غَيرتهم  مِنه  لكَونه  أولَ  رُجُل  مِن  أبناء شعبنا شَعَر  بما يدور  في ضمير  ووجدان هذا  الشعب المغلوب  على أمره  ، بخلاف زعامات  الأحزاب السياسية  التي  تدَّعي  تمثيلَ الشعب  وهي  تتناحرُ فيما  بينها  لنيل المكاسب الشخصية ،  مِن حيث الفوز بمواقع  ومناصب  مسؤولة  في مؤسسات الحكومة المركزية  في بغداد  أو حكومة اقليم كُردستان ، تاركةً المباديء التي مِن أجلها  وَعَدَت  الشعب  لتناضلَ من  أجلها !


ليس بوسع أحدٍ أن يُنكر أو يُقلِّلَ مِن الحالة المأساوية  التي يرزَحُ تحت هَولها  الوطن نتيجةً للصراع الطائفي والسياسي المؤلم ، ولكن مِما لا شَكَّ فيه  بأن المسار السياسي  لن يتوَقَّف  بل سيستمر ، ولا بُدَّ  أن ينقشعَ  الظلامُ  المُخَيِّمُ  على العراق ويُشرق النورُ  مهما طالَ الزَمَنُ  أوقصُر ،  وفي  النهاية  سيكون  لِللاعبين  المُحنَّكين  والماهرين  في  تدبير المناورات السياسية  وعقد التحالفات العلنية والخَفية  دورٌ حاسمٌ  في  السيادة  على الموقف  وحَسم  الامور  لصالحهم ،  أما  المُتفَرجون المراقبون  للموقف السياسي عن بعدٍ  فيكونون  بالتأكيد الخاسرين ،  ولا يمكنهم المُساهمة في تحقيق العدل والإنصاف لقضية الشعب .


تُرى ، هل إن  أحزاب شعبنا  السياسية وقياداته الدينية هي بغافلةٍ  عَمّا يجري ؟ كلا ،  بل إنهم يدرون جيداً  بأنهم أمام  خيارين لا ثالث لهما ،  إمّا  إعادة النظر في حساباتِهم بنبذ الأنانية  المُتحكمة في نفوسهم ،  وترك المصالح  الشخصية  جانباً  وتركيز جهودِهم  لتأتيَ على  المُستوى القادر على مواجهة  المرحلة المصيرية الحاسمة ، وهذا لا  يتأتّى إلا مِن خلال نظرةٍ  مُوحدة  يتَّفقون عليها  ويعملون وفقَ قرار ثابت يتمحور  حول حقوق شعبنا  وموقعه في دستور العراق ودستور اقليم كُردستان  ،  يضمنان  العيش المُشترك ولا سيما بين شعبنا  المتعَدِّد التسميات  والشعب الكُردي ، وأن تُبنى العلاقة بين الشعبَين على قواعد قانونية  بعد أن يَتِمَّ  دَمجُ مناطق شعبنا الجغرافية التاريخية  بجغرافية اقليم كُردستان ، تُناقشُ بمقتضى المادة الثانية من الفقرة الاولى لمسودة  دستور الاقليم .  وإمّا الرضوخ للأمر الواقع  وجَعل مُستقبل شعبنا  تُقرِّرُه أهواءُ الآخرين وبما يتَّفِق مع رغباتِهم وتُمليه مصالحُِهم !
 

إن الرَجُلَ الشُجاع  الاستاذ أغاجان ،  قد  مَهَّدَ الطريقَ أمامكم  أيها الزعماء السياسيون  والقادة الدينيون  بجرأةٍ  نادرة ،  بدعوته الواضحة  الى إنشاءِ  منطقةِ  حُكم  ذاتي  لشعبنا  واسعة  تتناسبُ  وحقوقه المشروعة ، إنها  شجاعة لا مثيل لها ، عَجِزتم عن الإعلان عنها  أنتم المُدَّعون بشرعية تمثيل شعبنا ، بل الأنكى مِن ذلك قمتم باختلاق الأقاويل للتشكيك بالنوايا  المخلصة للرَجُل ،  ولكن لا بأس  فهذا هو دَيدنُ  ممارسي  السياسة .  قد تدّعون  بأن موقعَه المُمَيَّز الذي يتمتع به لدى قيادة اقليم كُردستان ،  أهَّله للقيام  بمثل هذا  العمل !  وتُنكرون  عليه  دافعَه الإنساني  وحُبَّه لمُساعدة شعبه بالتخفيف عن همومِه وإبعاد الأذى عنه ،  ثمَّ أليس مِن المفروض أن تفتخروا بتبَوءِ أحد أبناء شعبكم مِثلَ هذا الموقع المرموق !  إن موقعَه هذا  يدفع  بأبناء شعبنا  بكُل  مُسمياتهم  للإعراب عن حُبِّهم وتقديرهم للرجل ،  أليس هذا الموقع  وما  بَدُرَ مِن الحائز عليه  مِن أعمال إنسانية جليلة  تُجاه شعبه ،  جعلته  موضعَ اعتزاز  وتقدير مِن قبل أعلى المراجع العليا  وعلى رأسها  قداسة  الحبر الأعظم البابا بنيدكتوس السادس عشر بابا الفاتيكان ، وأخيراً بطريرك عموم السريان الاورثذكس مار زكا عيواص ! وها إننا  نراه ذلك الانسان المعهود  بتواضعه الخالي  مِن الغرور وأدِّعاء الزعامة  لذاته بتمثيل شعبنا ،  لم يتغيَّر ولم يُساوم على قضية  شعبنا القومية ،  ولم  يُحرِّك ساكناً  لكسب  حُبِّ الشعب وعواطفه كما يفعل غيرُه  بإطلاق الشعارات والوعود  سعياً  للفوز  بالأصوات  وكسبِ الأموال !


وعلى  حَدِّ عِلمي ، لم يكن الاستاذ سركيس أغاجان الحائز الوحيد على علاقةٍ  مُمَيَّزة بالقيادة الكُردية !  بل قد أحرزَ عليها العديدون مِن قبله ، وهنالك الكثيرون الآن مِمَّن أحتلّوا مواقع  جيدة  سواءً  في الحكومة المركزية  ببغداد  أو بحكومة اقليم كُردستان بأربيل  وبنوا علاقاتٍ  قوية مع المتنَفِّذين في كلا الموقعين ، يستطيعون عَن طريقها  التعبير عن طموحات شعبنا  والمطالبة  بما يصبو إليه مِن الحقوق المشروعة ولكنهم لم يفعلوا شيئاً ! !  ليس كُلُّ مَن يحتلُّ موقعاً مُهمّاً أو يبني علاقة وثيقة  بأصحاب الشأن يُعتبرُ عظيماً إذا لم يُسخِّر ذلك الموقع وتلك العلاقة لخِدمة شعبه وإعلاء  شأنه  ،  والمثال الأعلى لذلك  هو ما قامَ  ويقومُ  بفعله  إبنُ الشعب المُخلص الاستاذ أغاجان  فهو العظيم بحقٍّ !


ليس نعتي للاستاذ سركيس أغاجان بالرجل العظيم آتياً مِن الفراغ  ،  بل مفروضاً  مِن الواقع ،  لأن مآثرَ الرجال وصفاتهم  تنبعُ مِن مواقفهم  الرجولية  الشجاعة  في الدفاع عن حقوق المظلومين والمُضطهدين ،  وهذا هو موقف الرَجُل على أرض الواقع ،  عندما شَخَّصَ النواقصَ التي أغفلتها مسودة  دستور اقليم كُردستان فيما يتعلقُ بوضع شعبنا بكلدانه وآثورييه وسريانه  مِن حيث حقوقه القومية  والادارية ،  فطالبَ بتلافي تلك النواقص وايجادِ  حَلٍّ لها . إن  ما يراه الاستاذ أغاجان بأن حذفَ واوات العطف عن تسمياتنا سيكون في صالح وحدة شعبنا ، أراه أنا  بالضِد  مِن ذلك تماماً ، لأن دَمج تسمياتنا قسراً هو ضياعٌ لنا ،  وسيجعلنا قاصرين عن ايجاد مَن يُمَثِّلنا ، وهو في الواقع المنظور عديم الجدوى ،  وقد أُجبِرَت  مِن قبل  شعوب على دَمج أسمائها  هي شعوب ( يوغسلافيا وجيكوسلوفاكيا )  وقد أثبتَ التاريخُ فَشَلَها  ! إنه ليس عسيراً فقط بل مُستحيلاً على مَن يُؤمن بأنه آشوري أن يقبل بتعريف ذاتِه بأنه ( كلداني آشوري سرياني ) بل يُصِرُّ على أنه آشوري حتى لو أدّى الأمر به الى الإعدام ، وقِس على هذا المنوال بالنسبة للكلداني والسرياني .


لقد كان  موقف الاخوة الأكراد مِن دَرج الكلدان والآشوريين والأرمَن  في دستور العراق مُوَفقاً  ومُشَرِّفاً ، وليس مِن مأخَذٍ على ذلك إلاَّ تغييب اسم السريان ،  إن الدَمجَ القسري لتسمياتِنا ، سيقضي نهائياً على إمكانية  تَوَحُّدِنا ،  لأن تسمياتنا المُفردة  كانت عامل دفع للبحث عن طريق يقودنا لوحدة القلوب  وليس للتوَحُّد المكتوب ،  لقد ورثناها مِن انتمائنا الحضاري  ولم تَكُن يوماً سبباً  لتفَرُّقِنا !

إن مَن يُريدُ أن يحترمنا عليه  أن يحترمَ تسمياتنا ويدعونا بها كما وَرثناها ( الكلدان والآشوريون والسريان والأرمن ) . كيف يُمكن أن يتخَلّى شعبٌ  عن حقِّه وإرثِه التاريخي فيُجازفَ بإلغاء أسمه !
لا أعتقد أن يكون مصيرُ هذه  التسمية القسرية  أفضلَ مِن التسمية الهجينة  الكلدو آشورية !
 

إن الاندفاع غير المدروس بإمعان وتَرَوّي مِن قبل الكثيرين مِن المسيحيين للإرتباط  كُلياً بإقليم  كُردستان ، تُشَجِّعُه  فظاعة  الإنفلات الأمني الذي  فاقَ حَدَّ التصَوُّر ،  بحيث  يمكن  مقارنته  بما حدث لهذا البلد  العزيز خلال فترة الاحتلال المغولي ، وإذا كان لهذا الإرتباط فوائدُ  فإنه لا يخلو مِن مساويء ،  ليس هنالك مِن شَكٍّ بأن اقليمَ كُردِستان  يتمتعُ  باستقرار لا تنعم بمثله  بقية مناطق العراق حيث يطالُ العنفُ والظلمُ المواطنينَ بكُلِّ أطيافهم ، والأملُ مفقودٌ تقريباً حالياً في عودة الأوضاع الطبيعية في المدى القريب بسبب خروج الأمور عن قدرة الحكومة المركزية في السيطرة على الوضع الأمني .  وهنا يطرحُ السؤالُ  نفسه : هل يعتقد الشعب المسيحي  بغالبيته الكلدانية وأقلَّيته السريانية والآشورية  أن مِن صالحه الإنكفاء  في بُقعةٍ  صغيرة  مِن أرض آبائه  وأجداده  والتفريط  بحَقِّه الشرعي  مِن التواجد في جُزئِها الأكبر ؟ وهل مِن السهولة  فصلُ الإرتباط  الإداري  للبلدات والقرى المسيحية القائمة  على مناطقها  التُراثية  في  سهل  نينوى  ( تلكيف ، باطنايا ، باقوفا ، تللسقف ، نصيرية ، شرفية ، القوش  ، والتي في سهل الموصل  برطلة ، كرمليس  وقرقوش "بغديدا " ) مِن  محافظة نينوى  ورَبطها  باقليم كُردستان  وما  اسم المحافظة التي سترتبط  بها ؟
 
                                                                                                                                                                                                                                                                                                                              وكيف سيَتِمُّ حَصرُ المسيحيين الموَزَّعين على مناطق  جغرافية  مُختلفة  ومتفاوتة البعد  عن  بعضها  البعض  في منطقة  جغرافية  وإدارية  واحدة ؟  بأي  مُحافظةٍ  سترتبط  :  عين سفني ،  ميزي وضواحيها ، عقرة  ، نحلا ، بعشيقة وبحزاني ، خنس ، دزي ، بدويل  وبيريستيك  ؟ كيف  يُوَفَّق الجَمعُ  بين المسيحيين القاطنين  في  دهوك والعمادية  ( دهوك وضواحيها ، سرسنك  وبروش وبيباد ، تنا  والداوودية ، أرادن ، اينشكي ، اقدش  وبامرني ، شمرخ ودير ما اوراها ، مانكيش ، ديري وكوماني ) وبين  مسيحيي  زاخو  والجبال ( عومرا دمار سوريشو  وبلون ، سناط  وعومرا  و يردا و آلانش و شرانش ، مركا ، كاني ماسي ، يشماي ، دوري ، بيرسفي ، بيدار ، فيشخابور ، ديرابون  ، زاخو )  وبين  مسيحيي أربيل والجبال ( عنكاوا ، شقلاوا ، أرموطا وديانا )  وماذا عن  سُكّان  ( تياري ، أشيثا ،  تخوما ، جيلو ، باز و دِز  ومناطق رايا ( جولمرك و قوجانس ) ؟  وإذا تَمَّ التغيير المُرتقب  وكما صَرَّحَ عضو برلمان كُردستان السيد روميو هِكاري  بأنه < سيضمُن تَجَمُّعَ غالبية المسيحيين العراقيين  في منطقةٍ  جغرافيةٍ  وإدارية ،  وسيجعل نسبتَهم تزيدُ عن 15 %  في الاقليم الذي  يتراوح عددُ  سكانه ما بين 4 الى 5 ملايين نسمة - ويُضيف : إن  تَجَمُّعَهم  في اقليم واحد سيُوَحِّد أنظمة شؤونِهم في المجالات المُختلفة ، ويُعَزِّز أهمية صوتهم ويُرسِّخ صمودَهم ضِدَّ مُحاولات احتوائهم .  إن كُلَّ ذلك جيِّدٌ ولكن ألا  يحتاجُ هذا التغيير الى ضمانةٍ دستورية واضحة في دستور الاقليم ؟ فعلينا إذاً إلقاءَ نظرةٍ  فاحصة على مسودة دستور الاقليم لا سيما فيما يَخُصُّ شعبنا المسيحي .


في  قراءةٍ  متأنية لمسودة  دستور اقليم كُردستان يُمكن للمرءِ كشفَ النقاط  الايجابية  والسلبية  وفيما يتعلق بشعبنا المسيحي  الكلداني والآشوري والسرياني بصورةٍ خاصة ، حيث نجد فيه صراحة تامة في احترام الخصوصية الدينية لأتباع الأديان والمذاهب الغير إسلامية ، وضمان ممارسة شعائرهم وطقوسِهم  بكُلِّ حُرية ، ومَنحهم كامل الحق في تشييد دورعبادتهم و إقامة مجالسهم الروحية للنظر في القضايا الخاصة بالأحوال الشخصية وتطبيق أحكامِها ، وتظهر هذه الصراحة والشفافية في المادة ( 124 ) التي أوصدَت الباب أمام أيِّ  مُتطرِّفٍ أو مُتزَمِّتٍ  يُحاول النيل من هذه الحقوق أو الإلتفاف عليها ، بينما الدستور العراقي  وإن كان واضحاً في كون العراقيين أحراراً في الالتزام بأحوالهم الشخصية حسب دياناتِهم ومذاهبهم أو مُعتقداتهم أو اختياراتهم ، إلاَّ أنه  لم يُعفِهم  مِن حُكم المادة ( 2 /  أولاً - أ ) بل ترك الأمرَ لتنظيمه بقانون . ولكن الدستور العراقي في مادته ( 122 ) أشارَ بصراحةٍ تامة بقوله : <  يَضمُنُ هذا الدستورالحقوق الإدارية والسياسية والثقافية والتعليمية للقوميات المختلفة  كالتركمان ، والكلدان ، والآشوريين ، وسائر المُكَوِّنات الاخرى ، ويُنظم ذلك بقانون >  ويعني ذلك  إنشاءَ منطقةٍ إدارية أو منطقة حُكمٍ ذاتي أو اقليم ذي إدارةٍ  ذاتية ،  وحيث  إن الفقرة الاولى مِن المادة الثانية لدستوراقليم كُردستان قد ألحقت  المناطق الجغرافية التاريخية لشعبنا الكلداني والآشوري والسرياني المتواجد فيها بكثافة باقليم كُردستان ، وبذلك دخلت هذه المناطق ضمن خارطة الاقليم وأصبحت خاضعةً لدستور الاقليم ، ولن يشملها في هذه الحالة  حُكم المادة (122 ) من الدستور العراقي ( الام )  ولذلك لا بدَّ  مِن إضافة  مادةٍ صريحة في دستور الاقليم تضمن  حقوقَ شعبنا الادارية  تُجيزُ له إقامة  منطقةَ حُكم ذاتي . إننا  نُناشدُ أركان القيادة السياسية الكُردستانية وفي  مقدمتهم الرئيسان الكبيران مام جلال الطلباني وكاكا مسعود البرزاني للايعاز الى لجنة صياغة دستور الاقليم ، لايجاد صيغةٍ أمثل للعيش المُشترك  والعمل على تكوين مُستقبل مُشرق للاقليم  وجعله  واحة  وارفة  لكافة  مواطنيه .

                                                                                                                                                                                                                                                                        أما  مِن  حيث  الحقوق المدنية  والحريات العامة  فقد  جاءَ  دستورُ الاقليم  صريحاً  وواضحاً  اُعتُمِدت  في  صياغته  نظرةٌ  تقدمية ،  ساوى المرأة  بالرجل  ونَوَّه  بدَورها  الكبير  في  بناء  الاسرة  وضَمَن لها المشاركة في البرلمان والمجالس البلدية والمحلية كما حَرَّرَها مِن القيود القبلية البالية ومَنَعَ  فرضَ الزواج الجَبري عليها وقد ورد ذلك ضمن المواد ( 21 - 23 - 49 )  بينما الدستور العراقي  لم يضمُن للمرأة  حماية  حقوقِها  كاملة.  وقد تَعَدَّى دستورالاقليم  بمادته( 7 ) تقييدَ  التشريع  بالشريعة الاسلامية  واعتبرها  أحدَ مصادر التشريع في الوقت الذي اعتبر الدستور العراقي الاسلامَ مصدراً أساسياً  للتشريع وعدم  جواز  سَنِّ  قانون يتعارض مع ثوابتِه ، وفي حين ثَبَّتَ دستور الاقليم المبدأ الصريح <  لا إكراه في الدين ) في  مادته ( 65 )  واضعاً  حداً للإجتهاد والتأويل ، وضامناً حُرية للفرد في اختيار دينه ،  اقتصر الدستور العراقي على ضمان الحرية للفرد  في العقيدة والفكر مُستثنياً الدين من الاختيار الحُر !


إن ما يصبو إليه شعبنا المسيحي هو أن  يتمَتَّعَ  بحُكم  ذاتي  ضمن اقليم  كُردستان  العراق في منطقة سهل نينوى التي  تتمَيَّز  بكثافتها  السكانية  ،  ليتسنّى له  استثمار طاقاته الكبيرة  مِن علمية  وثقافية  وفنية واقتصادية ، نظراً لِمَ يزخر به مِن أبناءٍ  ذوي كفاءات  متنوعة  بينهم الأطباء والمهندسون  والأساتذة والكُتّاب والأدباء والصحفيون  وأصحاب المِهَن والاختصاصات ،  الذين بإمكانهم  تجسيدَ البُنية  العلمية والثقافية والاجتماعية والاقتصادية  وتطويرها  بالاضافة  الى  دعم الاستقرار السياسي  في المنطقة  والاقليم .

إن ما  يُثلجُ  قلوبَنا  أن نسمعَ  بأن العشرات  مِن البلدات  والقرى  المسيحية  ولا سيما  التابعة  لمحافظة  نينوى ،  تشهدُ  حركة  نزوح  معاكسٍ  واسع  في عودةِ  أبنائِها  الذين  غادروها  لأسباب  خاصة بكُلٍّ منهم خلال أكثر من العقود الأربعة الماضية  بالتعاون مع  حكومة اقليم كُردستان  ، حيث ألَّفت  حكومة  كُردستان هيئةً  سُمِّيَت  <  لجنة شؤون المسيحيين >  يُشرف عليها  وزير مالية حكومة الاقليم الاستاذ  سركيس أغاجان ، تعمل على الاهتمام  بالعائدين .  وما أجمل  ما  صَرَّحَ به السيد كوركيس شليمون خاني  نائب مُحافظ  دهوك  عن موقف حكومة الاقليم المُشَرِّف من موجة العائدين الكبيرة ، حيث يقول : <  تصلُنا  توجيهات  مُستمِرة  من رئيس الاقليم الاستاذ مسعود البرزاني  ورئيس مجلس وزرائه  السيد  نيجَرفان البرزاني ، بصدد  معالجة الظلم الذي  لَحقَ  بمسيحيي الاقليم خلال العهد السابق ، وبإعادة بلداتهم وقراهم الى هويتها السكانية  والجغرافية الأصلية ، وتقديم أنواع الدعم اللازم لراحة العائدين الى ديارهم وأعمالهم واستقرارهم فيها ، وفي مقدمة ذلك بناء المساكن لهم واتخاذ الإجراءات السريعة  ليتصرفوا بأراضيهم وممتلكاتهم ، إضافة الى توفير الكنائس والمراكز الثقافية والملاعب الرياضية وقاعات الإحتفالات > .


ويضيفُ خاني  < إن وزارة تربية الاقليم تهتم بضمان التعليم في التجمعات الكلدانية والآشورية والسريانية باللغة السريانية ، وحالياً  تُدَرِّسُ (29 ) مدرسة بين ابتدائية وثانوية بمحافظة دهوك وحدها كُلَّ موادها باللغة السريانية ، وسيتمُ فتحَ مدارس  مماثلة اخرى قريباً ، بعد تدريب الكادر التعليمي اللازم لها ، نظراً الى أن التعليم بالسريانية بدأ مِن نقطة الصفر ، لأنه كان غير معمول  به في  ظل النظام العراقي السابق .  وتَتحَمَّلُ الجهاتُ الحكومية في الاقليم كُلَّ  نفقات هذه المدارس  وطبع الكُتُب اللازمة لها ، وهي  بصدد السعي الى تطبيق نظام إداري ذاتي  متطوِّر وموَحَّد  شبيهٍ  بالكانتونات الاوروبية في كُلِّ بلدات المسيحيين وقراهم في الاقليم وهو الأفضل الذي اقترحته اللجان الاختصاصية ، نظراً الى تباعد الكثير مِن هذه التجَمُّعات السكانية عن بضها البعض وعدم ترابطها  في منطقةٍ جغرافية مُحَدَّدة  خاصة بها ،  ويستطردُ خاني  : بأن بناء مُستقبل أيِّ شعب بصورة ناجحة ودائمة ينبغي أن يَتِمَّ بحسب خطواتٍ مدروسة ،  وفاعلة وواقعية متواصلة ،  وهذا ما  يجري تنفيذُه  وصولاً الى  تثبيت  كيان مسيحي ( كلداني ، آشوري ، سرياني ) يتمَتَّع  بكُلِّ الحقوق الانسانية والذاتية التي تُوَفِّر استقرارَه الآمن الدائم ضمن أماكن وجوده في المنطقة الجغرافية لإقليم كُردستان > .


إنها  خُطوات  جَبّارة وصائبة  تستحقُ الثناء َ للقائمين  بها ، والاعتراف  بنُبل وإنسانية الموعِزين  ذوي الشأن  بتنفيذها ،  لآ شكَّ  أنها  ستُثير  العَزمَ  والحَمية  لدي مُختلف طبقات الشعب المسيحي  لكي يُشَمِّرَ أبناؤه  عن  سواعد  الجِد  لإحياء  مناطقهم  وتطويرها  وكُلٌّ  بحسب اختصاصه ،  فعلى  الزارع  أن  يُضاعف  نشاطه  الزراعي  بتحسين  وتسميد  أرضه  المعطاء  ، وعلى  الكرّام  بذلَ مساعيه  لتجديد  كَرمِه  والعناية بأشجاره  ، والثَري  المبادرة الى استثمار أمواله  بإنشاء  معامل  صناعية  للأغذية  والأقمشة  والألبسة  واخرى  لتعليب  الفاكهة  والخضراوات  ومُختلف أنواع العصير  وغيرها الكثير الكثير ، وهنالك مجال لفتح أفران  لأنواع الخبز  والمُعَجِّنات ، وسيجد المئات بل الآلاف مِن أبناء الشعب المسيحي  بكلدانيه  وسريانيه  وآشورييه  وأرمنييه  العائشين في بلاد المهجر وقد أضحوا أصحاب رؤوس أموال ضخمة ولا سيما الذين في الولايات المتحدة وكندا واستراليا ،  مجالاً واسعاً أمامهم  لكي يستثمروا  أموالهم  بمُختلف المشاريع  وبخاصةٍ العُمرانية كبناء  الفنادق  والمباني  السياحية  والمزارات والأديرة والكنائس ودور العِلم والجامعات  وغيرها ،  إذا إطمَأنَّوا بأن مؤسسات الحُكم الذاتي  أصبحت لديها القدرة  في ظل دستور الاقليم على فَرض الأمن  والاستقرار في مناطقها كما هو مُستَتِبُّ  في  بقية مناطق الاقليم  .  نرجو الله القدير أن يُلهمَ  المُهتمين  بشؤون  شعبنا  والساعين  الى  خدمته  في الحصول على  حقوقه ،  لينعم بحياةٍ حرةٍ وكريمة ، ويحفظهم  ويُسَدِّدَ  نحو النجاح خُطاهم ، إنَّه السميع المُجيب ! .




الشماس كوركيس مردو
في 20 /10 / 2006

279
 ما أشبهَ اليوم بالبارحة !            (  القسم الأول )

شعبٌ  ذو اصول واحدة  يتحوَّل الى  شعبَين  مُختلفين للمرتين  في التاريخ ،  ليس ما يجمعُ  بينهما إلاّ  الدينُ واللغة  مع اختلافٍ  في المذهب  واللهجة ،  تؤكِّدُ المصادرُ التاريخية التي سنعتمِدُها  لتنوير أذهان  بعضِ دُعاة  الآشورية  المعاصرين المُحلِّقة في أجواء السراب الخيالي ،  لتوضيح حقيقة انتسابهم القومي قديماً وحديثاً  رغم عِلمنا المُسبَق ، بأن  الأحزاب  الآشورية  المُنتحَلة  المُعاصرة  قد أشاعت الفِكرَ التعَصُّبي الشوفيني والتطرُّف القاتل والزائف في مفاهيم شعبهم  المخدوع بهم  ، يحولُ دون إقرارهم  بالحقيقة التاريخية ،  ففي الفصل الخامس ص. 120 من كتاب الدكتور عامر سليمان
( العراق في التاريخ ) يقول : <  إن الذين  تبنوا  التسمية الآشورية ما كانوا سوى مجموعات مِن العموريين  هاجرت من  بلاد بابل مُتوجِّهة  صَوبَ شمال بلاد وادي الرافدين ،  تَمَكَّنت بعد فترة  طويلة  مِن  إقامة  دولةٍ  قوية  خضعَ  لنفوذِها  العديدُ  مِِن دُويلات  الشرق الأوسط  بدءأً  من مُنتصف القرن التاسع  قبل الميلاد ، وكانت قد  تيمَّنت منذ تأسيسها من قبل الملك  ( شمشي أدد الأول 1813 - 1781 ق . م )  باسم الاله  الجبلي الأجنبي  ( آشور )  إله الغُزاة  الشوباريين  بُناةِ مدينة آشور  التي  أصبحت عاصمة  لدولتهم  التي  أطلقوا عليها ( الدولة الآشورية )  بناءً  الى هذا التيَمُّن .  وقال الداعية  والمؤرخ  الآثوري الروسي الأصل قسطنطين ماتييف في كتابه ( الآثوريون والمسألة الآثورية  ص . 15 ) <  أسَّسَ الخارجون  مِن  بابل  موطناً  لهم  في شمال  بلاد ما بين النهرين ،  وكانت مدينة آشور أكبر مُدُنهم ،  ويُضيفُ : أصبحت آشور  في أوائل  القرن الثامن عشر قبل الميلاد  مركزاً  لدولة  عُظمى  ويُردِفُ القول :  إن الآشوريين  ينتسبون الى  الشعوب السامية  ويعودون  بجذورهم  الى البابليين >  أليست  هذه المصار تؤَكِّد  بشكل  قاطع   بأن الآشورية  ليست  قومية  كما  يدَعي  وبإصرار أدعياءُ الآشورية  اليوم ، بل تسمية  موطنية  سياسية  لدولةٍ  غابرة  !  وإن  مُتبَنّي تلك التسمية  هم من صُلب  العموريين  أحفاد  البابليين الكلدان ، أطلقوها عليهم  كما أسلفنا  لسببَين :  تَيمُّناً  باسم الاله آشور أولاً ومُجاراةً  للواقع الاقليمي المطبوع  بالتسمية  الآشورية  طوال السيطرة الشوبارية التي دامت أكثر من أربعة  قرون  سابقة  ثانياً !  ولا  يُمكن أن  يُشكِّلَ هذا مِن  الآشورية  قومية  للعموريين  مؤسسي الدولة الآشورية  المُنحدرين عِرقياً  عن  البابليين  الكلدان  القُدامى  مؤسسي  سُلالتي  كيش  واريدو !  كما  لا يُمكن التقليل  من التأثير الذي  بصمته  على الاقليم الشمالي  بقايا  الأقوام  الهندواوربية  القديمة  السومرية والشوبارية  والأقوام الغازية  كالحِثيين  والحوريين  والكوتيين  التي اندمجت  بعد استقرارها  في الاقليم بالعموريين القادمين من وسط وجنوب الرافدين  ،  مُساهمته في تكوين الهوية الجديدة للاقليم  وإبعاد العموريين عن اصولهم الوسط جنوبية ذات الانتماء الى الكلدانيين الأوائل ،  وعليه  فالتسمية الآشورية تخلو مِن أي مدلول قومي أو عِرقي  وإنما  تُشيرُ الى مدلول  ديني ،  ولذا فعندما  سقطت  الدولة الآشورية  وانقرض  شعبُها  كياناً  ووجوداً  ،  تَحطمَ  صنمُ  إلهها  آشور  وتواري  اسمُه  حيث  لم  يَعُد  مَن  يعبُدُه أو يتسمّى  به لكونه  غريباً  غيرَ رافدي !

بعد تأسيس الدولة الآشورية تّنَكَّرَ مؤسسوها العموريون لاصولهم البابلية  ذات الجذور الكلدانية ، مُستبدلين إياها  باخري مُزيَّفة  سَمُّوها  آشورية  جاعلين مِن نفسهم قوماً خاصاً  لا يمًتُّ بأية  صِلةٍ بسكَان بابل  والجنوب ، ولم يقفوا عند هذا الحد ،  بل ركَّزوا على  إدخال البابليين  الكلدان  في أجندتهم كألَدِّ  أعداءِ  لهم ،  وعندما قويت شكيمتُهم وعَظُمَ شأنُهم ، بدأوا يستهدفونَهم بحملاتهم العسكرية الظالمة  ،  ولكي نُسلِّط الضوءَ على فداحة الاعتدآت الآشورية  على الشعب الكلداني  كما وردت تفاصيلُها في حوليات الملوك الآشوريين أنفسهم ،  نُقدم نبذةً  يسيرة عن الكلدان ،وغيظاً مِن فيض اعتدآتٍ الآشوريين عليهم .

إعتمد الكلدانُ قبل العهد الامبراطوري نظامَ الممالك ،  حيث تُشيرُ المصادر التاريخية الى قيام  ممالكَ عديدة قوية منذ الجيل الحادي عشر قبل الميلاد ،  ولم يتوَحَّدوا في الزمن الغابر تحت راية دولة عُظمى  ليخلقوا لهم كياناً سياسياً كبيراً إلاّ في الربعِ الأخير من القرن السابع قبل الميلاد ، وكانت ممالكُهم تشغَلُ مساحات شاسعة  مِن وسطِ وجنوبِ بلاد ما بين النهرين ( العراق الحالي ) بالإضافة الى جنوب غربي ايران وكافة سواحل الخليج وجُزُره ،  وكانت جزيرة الدَيلمون أكبر تلك الجُزُر وتُسمّى اليوم ( البحرين ) ، وجزيرة ( فيلكا ) التابعة  لدولة الكويت حالياً ، واسم هذه الجزيرة  مُشتَقٌ من لفظة كلدانية ( بَلكا أو بَلكَوثا ) وتفسيرُها بالعربية ( المُنتصف ) وسُمِّيَت بهذا الاسم لموقِعِها الوسطي بين البر والبحر الكلدانيين ،  وكان يُطلَقُ على بلاد الكلدان في الزمن السابق للقرن الحادي عشر قبل الميلاد ( بلاد البحر ) نَظراً  لكثرة أهوارها  وبُحَيراتِها ، وجاء  ذِكرُ هذه التسمية  في  حَوليات  الملك  الآشوري ( تُوكَلتي نينورتا الأول 1245 - 1208 ق . م )  وكذلك  على عهدِ  الملك ( تَكلَتبيلاصَّر الأول 1115 - 1076 ق . م ) ، بينما وردت تسميتُها في حوليات الملك الآشوري ( آشورناصربال الثاني 882 - 860 ق . م ) ( بلاد الكلدان ) و ( بحر الكلدان ) وهي تَرِدُ في الوثائق الآشورية لأول مرة ، حيث يتحدَّث الملك شلمَنَصَّر الثالث أيضاً في حولياته عن شعبٍ اسمه الكلدان ، وأشار أنه ساعدَ  حلفاءَه البابليين  بإرساله إليهم قواتٍ عسكرية لدعمهم  ضِدَّ  تهديدات الكلدان والآراميين للدولة البابلية ، وأنه قد أغار على بلاد ( كلديا ) .

إن أهمَّ الممالك الكلدانية القوية التي قامت في جنوب ما بين النهرين في مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد  كانت التالية :

1- مملكة  بيث - ياقين : Beth -Yakin كانت عاصمتُها  دور - ياقين : Dur - Yakin ( تَل اللحم حالياً / بين الناصرية والبصرة ) وتشمُل رُقعتُها الحَوضَ الأسفلَ مِن الفرات وشواطيءِ الخليج وجُزُره  حتى الخليج العُماني ،  أشهر ملوكِها كان الملك (  مردوخ بلادان 733  - 710 ق . م ) ، احتلَّ سنة 733 ق . م مدينة  بابل الواقعة  تحت الهيمنة  الآشورية ، ونودِيَ  به ملكاً على الدولة البابلية ، تَمَيَّزَ  بالقوة  والعزيمة  فقام  بتوحيد  كافة الممالك  والقبائل الكلدانية  في مملكة  مُتحدة  واحدة ،  مؤكِّداً  استقلالَ  بابل السياسي  وحَقَّها  الشرعي  في  حُكم البلاد  البابلية ، ولكن  الملك الآشوري ( سركَون الثاني 722 - 705 )  انتصر عليه عام721 ق . م  واستعاد بابل منه ،  كانت مملكة بيث - ياقين أكبر وأقوى الممالك الكلدانية ، ومِن بين أبنائها ظهر أغلبُ ملوك الكلدان في العهد البابلي الحديث ( عهد الامبراطورية الكلدانية  626 - 539 ق . م ) .

2 - مملكة  بيث - دَكّوري : Beth- Dakkuri  كان موقعُها في حَوض الفرات  الى الجنوب مِن مملكة بابل ، تمتدُّ مساحتُها مِن مدينة  بورسيبا ( برس نمرود حالياً / جنوب الحلة ) من الشمال وحتى حدود  مدينة اوروك ( الوركاء ) من الجنوب . تَعَرَّضت لحَملةٍ عسكرية من قبل الملك الآشوري أسَرحَدون ، تَمَّ فيها سَلبُها وأسرُ ملكِها شمش-ابني .
 
3 - مملكة كَمبولو : Gumbulo وعاصمتها  ( دور- ابيهار Dur-Abihar  وبدورها كانت ضحية الحملة العسكرية الأسَرحدونية  التي شَنَّها أسَرحدون عليها وعلى مملكة بيث- دَكّوري .

4 - مملكة  بيث - شيلاني : Beth-Shilani  عاصمتُها ( سَر أنابا Sar-Anaba ) في سنة 732 ق . م قاد الملكُ الآشوري ( تَكلّتبيلاصَّر الثالث 745 - 727 ق . م ) حملةً عسكرية على عاصمتِها  سَر أنابا ، قُتِلَ خلالها  ملكُها وسُبيَ  خمسةٌ وخمسون ألفاً من أبنائها الكلدان ورُحلوا الى البلاد الآشورية .

5 - مملكة  بيث - أموكاني : Beth-Amukani عاصمتُها ( شيبيا Shipia ) الواقعة في حَوض دجلة الأسفل ، كانت  تحتضِنُ  بالإضافة  الى قبائل أموكاني  قبائل الفوقودو ( بْقيذي ) كان الملك ( نابو موكِن زيري ) مؤسِّسُ سُلالة بابل العاشرة أحدَ أبنائها ،  تسنَّمَ عرش بابل عام 731 ق . م .

6 - مملكة بيث - شعالي : Beth-Shaali  عاصمتُها ( دور- ايلاتا Dur-Elata ) وقد شملَتها حملة  تَكلَتبيلاصَّر الثالث العسكرية التي قادها عام 732 ق . م ضِدَّها وضِدَّ مملكة بيث - شيلاني حيث أسِرَ من سُكّانِها خمسين ألفاً وأربعمِئَة فردٍ ورَحَّلهم الى المناطق الآشورية .

وقد أشارت المصادر التاريخية ومنها ( مجلة لغة العرب / للأب أنستاس الكرملي / المُجلَّد الأول ) بأن الكلدان عموماً ، كانت ممالكُهم تَزهرُ بوضعٍ اقتصادي مُزدَهِر ، لا يعرف الفقرُ إليها سبيلاً ، يجنون أرباحاً هائلة مِمّا تَدُرُّه عليهم أراضيهم الوافرةُ الخِصب بفضل المياه التي يَرفُدُها النهران الخالدان دجلة والفُرات ، فكانت غِلالُ مزروعاتهم وأشجارهم غَزيرةً ومناطقُ الكلأ واسعةً ، أتاحت لهم تربية أعدادٍ كبيرة جداً من قطعان الماشية والأبقار والبِغال والحَمير والخيل ، ولم تَكُن تجارتُهم أقلَّ ازدهاراً مِن زراعتِهم ،  فكان أبناؤهم يركبون البحر بمهارةٍ لا يُجاريهم بها مُنافسٌ ، وتًشيرُ بعضُ اللوحات الآثارية المُكتشفة الى تجارةٍ رائجة كانت  تجري مع الأقطار الشرقية بصورةٍ متواصلة ،  تتبادلُ بها البضائعُ عن طريق مُقايضة مُنتجاتها الزراعية والحيوانية بالمعادن المتوفرة لدى تلك البلدان . لقد حافظت هذه الممالكُ القبلية  على استقلالها وديمومتِها زمناً قاربَ الخمسمائة عاماً .
                                                                                                                                                                                                                                                          كانت شعوب بلاد ما بين النهرين  تنظرُ الى بابل بأنها المدينة ذات القدسية الأكبر بين كُلِّ المُدن الاخرى ، بالإضافة الى تَمَتعها بمركز حضاري كبير ، فأضحت بذلك مطمحاً  لتنافس القوى الكبرى في السيطرة عليها وجَعلِها عاصمة لها ،  وبقدر ما كان الآشوريون  يسعون للفوز بها ،  كانت الممالكُ الكلدانية  أشدَّ  طموحاً  بها ، مدفوعةً  بالتواجد الكلداني الأكثف في مُجتمع الدولة البابلية  منذ مطلع القرن الحادي عشر قبل الميلاد ، وبالرغم مِن شِحَّةِ  المعلومات عن المُحاولات الاولى للممالك الكلدانية في الاستحواذ على بابل ،  بيد أنَّ المصادر التاريخية تؤَكِّدُ سقوط بابل بأيدي الكِشِّيين عام 1595 ق . م على عهد الملك البابلي سمو ديتانا آخر خُلفاء حمورابي ، واستمرَّ حُكم الكِشيين فترةً  تَقربُ  مِن خمسة  قرون .

في عام 1157 ق .م تَوَلَّت الحُكمَ في بابل السُلالة البابلية الرابعة بقيادة الملك ( مردوخ كابت أخيشو ) ومِن أشهر ملوك هذه السُلالة كان ملكُها الرابع ( نبوخَذنَصَّر الأول 1125 - 1104 ق . م ) الذي على عهدِه تَمَّ طردُ العيلاميين من اقليم نامار الكلداني الحدودي ، ثُمَّ تعاقبت على الحُكم أربع سُلالات اخرى ،  وكان مؤَسِّس السُلالة الثامنة الملك ( نابو موكين ابلي عام 978 ق . م )  مِن مملكة  ( بيث - دكوري ) ومِن بين ملوك هذه  السُلالة( أريبا مردوخ 770 - 760 ق . م ) خَلِفَه الملك ( نابو شمو اشكن 760 - 747 ق . م ) وفي نهاية  شهر  شباط  مِن  نفس العام 747 ق . م تَسَنَّمَ عرش  بابل الملك ( نبوناصَّر Nabonassar 747 - 734 ق . م )  مؤسِّسُ السلالة البابلية التاسعة ، كان ملكاً  ذا اعتزاز شخصيٍّ كبير ومَيلٍ الى إعلاءِ  شأن الحضارة  والعِلم ،  ولشدة وَلَعه  بهذا الشأن صَنَّفه المؤرخون كأحد علماء حضارة العهد القديم ،  في عهدِه انتقلت بابلُ الى عصر مُزدهر شَهِدَ تطوراً كبيراً في عِلم الفلك ،  وكان اهتمامُ هذا الملك الشديد بتدوين كافة الظواهر والأحداث وتوثيقِها بشكل دقيق مدعاةً لشُهرته ،  فقد أمر بتدوين كُلِّ ما يَطرأ في  المجال الكوني مِن ظواهر فلكية وطبيعية ، مِثل رَصدِ حركة الكواكب والنجوم وظاهرتي الكسوف والخسوف وتسجيل قياسات مناسيب الأنهار وتَبَدُّل أحوال الطقس ، ويقول  جان اوتس في كتابه ( بابل Babylon ) ص. 113 بأن المصادر التاريخية اليونانية القديمة قد أشارت : <  لقد قامَ  الكلدانُ  منذ عهد الملك نبوناصَّر 747 ق . م  برصدِ  كافة حركات  الكواكب  والنجوم المعروفة  حينذاك  وتدوينها  بدِقةٍ  متناهية ،  وقد استندَ فيما بعد الفلكيون  والرياضيون اليونانيون الى عِلم الفلك الكلداني  واعتمدوه مَصدراً  لبناء معلوماتهم بهذا المجال >  .

أما ( ادورد كييرا ) العالِم  الآثاري الكبير  فيقول  في  كتابه ( كتبوا على الطين ص . 172 ) : <  لقد  بلغَ  الكلدانُ  مرتبةً  مُتقَدِّمة  في علوم الجبر و الهندسة و الفلك ،  فإن  العالِمَين  الفلَكِيَين
 ( نابو ريماني Nabo-rimani ) الذي كان يعيش في بابل عام 500 ق . م  و ( كِدانو Kidanno ) قد طوَّرا عِلمَ الفلك ووصلا به الى درجةٍ  مُتقَدمة تَمنحُهما استحقاقاً لدَرج اسميهما  بموازاة  العلماء  غاليلو و كبلر و كوبرنيكوس ، إذ  في  سنة 367 ق . م  تَوَصَّلَ العالِمُ  < كِدانو > الى تقدير  مدة السنة الشمسية  بدقةٍ  متناهية  لم  يتعدّى الفارق  بينها  وبين  ما  هو معروف اليوم إلاّ  بزيادةٍ  قدرُها أربعُ  دقائق ونصفُ الدقيقة .  ويقول المؤرخ (  جورج رو George Roux ) < لقد تَوَصَّلَ الكلدان ومنذ القرن الثامن عشر ق . م الى استنتاج الجذرَين العَدَدِيَين التربيعي والتكعيبي  وبتطابق كبير لِما هو معروف عنهما اليوم > . ويُقال أن العالِمَ  فيثاغورس ابتكر نظريته اعتماداً على نظريةٍ مُشابهة سَبَقَه الى اكتشافها العلماءُ الكلدان قبل عشرة قرون مِن الزمان ، وكذلك وضعَ الكلدان نظامَ قياس للدائرة تحديداً ب ( 360 درجة ) وللاُفق ( 180 درجة ) .

وقبل أكثر من ثلاثين قرناً ابتكرَ الكلدانُ النظامَ الزمني الستيني المُتَبَنّى مِن قبل العالَم أجمع حالياً ، وهو احتساب الزمن بتقسيم ( الساعة الى ستين دقيقة والدقيقة الى ستين ثانية ) بالإضافة الى ابتكارهم للوحدة الزمنية  < اليوم - الشهر - السنة >  والشهرَين الشمسي والقمري Lunar & Solar Calender وذلك بِمُراقبتهم لواحدةٍ من دورات القمر ( شهراً تِلوَ شهر )  وتَداعياتِها نِسبةً  الى الزمن ،  حيث اتَّضحَ  لهم  بأن  كُلَّ اثنَتَي عشر  دورةٍ  قمرية  أي  بدءاً  بظهور القمر  واختفائه ،  يَتِمُّ  خلالها  تَكرارُ  وتَجَدُّدُ  فصول السنة ،  وقرَّروا  اعتماد  الأولَ  من  شهر  نيسان    ( نيشان Nishan بدايةً  لكُلِّ سنة جديدة ، واعتبروه عيداً قومياً تتخللُه احتفالات كبيرة مُطلقينَ عليه اسم ( أكيتو أو أخيتو = حَيُّوثا ) وتعني  الحياة  ،  حيث كان الاعتقادُ  سائداً  لديهِم  بأن الحياة والطبيعة تتجددتان في ذلك اليوم ،  ناهيكَ عن اكتشافهم المُدهش بأن الأرضَ والشمسَ والقمرَ  وخمسةَ  كواكب اخري تُشَكِّلُ مجموعة تَرتبِط  ببعضها البعض ، وهي نظرية  ثابتة  لم يَتسَنَّ  للعالَم إدراكَها إلاّ بعد مرور عشرين قرناً من زمن اكتشافها مِن قبل الكلدان ، ومِن ضمن اكتشافاتِهم الفلكية الاخرى ، ابتكارُهم التقويم الشمسي القمري على أساس أن كُلَّ ( 235 ) شهراً قمرياً  تُعادلُ ( 19 ) عاماً شمسياً ،  وللتوفيق بين السنتين الشمسية والقمرية ، نَظموا تقويماً يستندُ الى احتساب ( 13 ) شهراً لكّلِّ سنةٍ مِن السنين السبع مِن كُل ( 19 ) سنة  ،  وقد اقتبسَ يهود السبي البابلي هذا التقويم الذي وضعه الكلدان  ولا زالوا يستعملونه لغاية اليوم .

وعن تَفوُّق الكلدان في مجال عِلم الفلك ، يقول الباحثُ الآثاري ( لانكَدون Langdon ) <  إن أول مَن أوجدَ  نظرية الأبراج  واستطاع  تحديد َ مسار الشمس واحتسابَ  منازلها بدقةٍ  مُذهلة  كان العلماءُ الكلدان منذ سنة 700 ق . م ، كما نَظَّموا جداول زمنية لظاهرتَي الكسوف والخسوف لمِئات السنين اللاحقة > .  أما المؤرخ الفيلسوف ( بِليني Piline ) فيقول عن أنواع الفن الكلداني ما يلي : <  إن مهارة الكلدان في ميادين الرسم والفن والعِلم ، جعلتهم  يستحقون لنيل شرفِ  الامتياز  والتفوق على معاصريهم الآخرين ،  فشُهرة النسيج البابلي أخذت  موقعاً مرموقاً  لدى الفُرس واليونان والرومان .

أما مَهارة الكلدان وتفوُّقِهم  في عِلم المياه ( العِلم الهيدرولوجي ) فقد بَرهنَت عليه  الجنائن المُعلَّقة  في بابل التي عُدَّت إحدى عجائب  الدنيا السبع في العهد القديم ،  تلك التي أوقعت العلماءَ حتى يومنا هذا في حيرة  مِن  الطريقة  التي استخدمها  المهندسون الكلدان قبل ألفين وخمسمائة عام لايصال المياه الى ذلك العُلوِّ الشاهق .  وقد عثر المنقبون في منطقة بابل مؤخراً على  بطارية جافة لا تختلف كثيراً عن البطاريات الجافة الحديثة التي تُستَخدم في توليد القوة الكهربائية ،  قالوا بأن تاريخها يعود الى عهد الدولة الكلدانية  .

بعد  حُكم دام ( 13 ) عاماً تُوفيَ الملكُ  نبوناصَّر عام 734 ق . م  وخَلِفَه إبنُه  ( نبو نادِن زيري Nabu-Nadin-Zeri 733 - 732 ق . م ) وتُسَمّيه بعض المصادر التاريخية ( نبوناصَّر زيري ) وأن لفظة  زيري وتعني ( زورا - الصغير ) أضيفت الى اسمه تمييزاً له عن والده ، لم يَدُم حُكمُه أكثر مِن سنة واحدة ،  حيث أطاح به  ( نابو موكن زيري 731 - 729 ق . م ) أحدُ زعماء مملكة بيث - اموكاني ، لم يهنأ هذا بالعرش طويلاً ، إذ  قاد الملكُ الآشوري ( تَكَلتبيلاصَّر الثالث ) عام 729 ق . م  حملةً عسكرية على  بابل ثأراً  لمقتل ابن نبوناصَّر  حليفه السابق ،  واستطاع  إسقاط  الحُكم  الكلداني  وإعلانَ  نفسه ملكاً على الدولة البابلية  في السنة اللاحقة 728 ق . م وفي الأول مِن نيسان أثناء الاحتفال برأس السنة البابلية  ،  وظلَّت بابل تحت السُلطة الآشورية  حتى أفلح مردوخ بلادان الثاني  زعيمُ  مملكة  بيث - ياقين سنة 733  بضمِّ  مملكة  بيث - دكوري  الواقعة  الى الشمال من  مملكته  والمُحاددة  للدولة البابلية  الى مملكته  ،  عندها  بادر الى قيادة  حملةٍ عسكرية كبيرة ،  وهاجم بابل وانتزعَ الحُكمَ  من الآشوريين وعملائهم المُنَصَّبين على حُكم بابل ، ونوديَ به ملكاً على المملكة الكلدانية في بابل باحتفال كبير  باعتباره قائداً مُحَرِّراً لبلاده مِن الهيمنة الآشورية  الغريبة ، وقد استمَرَّ في الحُكم أحدَ عشر عاماً  حتى سنة  710 ق . م ، حيث جَرَّدَ ضِدَّه الملكُ الآشوري ( سَركَون الثاني Sargon II 721 - 705 ق . م )  حملة عسكرية كبيرة جدا ،
 تَمَكَّنَ مِن الانتصار على مردوخ بلادان ، فعاد الى حُكم القطر البحري .
 
ومنذ عا م 729 ولغاية 627 ق . م  ظَلَّت كفّةُ ميزان السيطرة على حُكم بابل ، تتأرجحُ بين الكلدان والآشوريين ، حيث تُحكَمُ  تارةً من قبل الكلدان وتارةً اخرى مِن قبل الآشوريين ،  فقد سقطت بابل تحت الحُكم الآشوري على عهدِ  تَكلت  بيلاسر الثالث سنة 729 ق . م ، استعادها  الملكُ  الكلداني  مردوخ بلادان عام 733 ق . م ، ثُمَّ خضعت للحُكم الآشوري على عهد الملك سركون الثاني عام
710 ق . م ، وفي عام 703 ق . م تَمَكَّنَ  مردوخ بلادان  من استعادة  حُكمِه  على  بابل  ثانيةً ،  ولكن الملك الآشوري  سنحاريب أرغمَه  على الانسحاب منها  في نفس العام  ،  فخضعت  للحُكم الآشوري في عهد سنحاريب لمدة عشر سنوات لفترتَين ،  وفي عهدِ وَلدِه أسرحدون ( 12 ) سنة  ثُمَّ عُيِّنَ أبن أسَرحدون ( شمش-شم-اوكن )  بحَسَب  توصية والده أسرحدون  ملكاً على بابل عام 668 ق . م  وابنه آشور بانيبال ملكاً على آشور ، واستمَرَّ حُكم ( شمش-شم-اوكِن ) عشرين عاماً ، ورغم  كونِه  آشورياً  ولكنه كان  ذا ايمانٍ قوي بأحقِّية استقلال الدولة البابلية ، ولذلك أعلن في سنة 651 ق . م استقلال الدولة البابلية عن حُكم الدولة الآشورية بقيادة أخيه آشور بانيبال ، فثَقُلَ الامرُ على آشور بانيبال كثيراً وفي فورة غَضَبِه أرسل جيشاً عَرَمرَماً  لمحاربة أخيه ، فأطبقَ الجيشُ الآشوري على بابل مُحاصراً إياها مِن كُلَِ الاتجاهات ، فحدثت مجاعة فظيعة بين سُكان بابل ، وبعد حصار قاسي وطويل استطاعَ الجيش الآشوري اقتحامَ بابل ، ولشدة اعتدادِ الملك ( شمش-شم-اوكِن ) بعِزَّة نفسه لم يشأ أن يقع أسيراً بأيدي أخيه ، أقدَمَ على إشعالِ النيران في قصره ، فبادَ فيه هو ونساؤه وأولادُه بالكامل ، وهكذا رَزَحَت  بابل للمرة السابعة تحت السُلطة الآشورية  حتى عام 648 ق . م ، عندما استطاعَ زعيمٌ كلداني  يُدعى ( كَندَلانو Kandalano ) وكان يحتلُّ مَنصبَ  نائبِ -  ملكِ بابل المُعَيَّنِ آشورياً -  ، إزاحة الملكِ  عن الحُكم  سنة 648 ق . م ،  والإمساكَ بزمام امور الدولة  البابلية  .

كانت الحملاتُ العسكرية  التي  قادها  ضِدَّ بابل الملوكُ الآشوريون  ولا سيما سركَون الثاني  سنة 707 ق . م وابنُه سنحاريب سنة 691 ق . م ،  الى جانبِ  سعيي  شمش-شم-اوكِن  لتحرير بابل عن التسلُّط الآشوري ،  ذاتَ  نتائج  سلبية  وخيمة  انعكَسَت على الطموحات الآشورية  في احتواء بابل لصالحها ،  فقد ألحقت هذه الأعمال أضراراً جسيمة  في أسًس ودعائم الدولة البابلية ، وأدّى ذلك  الى ولادة  شعور مرير مشوبٍ  بالسُخط  والتَذَمُّر لدى الشعب البابلي الكلداني ضِدَّ  الدولة الآشورية ، بسببِ  سلوك ملوك السُلالة السركونية  وبالتحديد - سركون - سنحاريب - آشور بانيبال - غير الوُدِّي في  حل المشاكل التي كانت تحدثُ بينهم وبين البابليين الكلدان ،  وهذا كان سبباً في عدم استقرار السيطرة الآشورية  في بابل إلاّ لفتراتٍ مُتقطعة المُدَد تباينت  بين قصيرةٍ  وطويلةٍ نسبياً
ومَرَدُّ ذلك يعود  الى فقدان الادارة الآشورية القدرةَ  على ايجاد أرضية شعبية قوية  داخل المجتمع البابلي الكلداني للدفاع عن وجودهم ، لذلك تسنّى للزعيم الكلداني ( كَندَلانو ) القيامَ عام 648 ق.م
بحركةٍ عسكرية ناجحة  ضِدَّ الحامية العسكرية الآشورية المنوطة بها  حماية  الملك المُنَصًّب  آشورياً  لحُكم بابل ، وفرضِ  سيطرتِه التامة على البلاد ، ولكن اضطرابَ الامور  في أواخر  حُكمِه ، شَجَّعَ الملك الآشوري آشور بانيبال للقيام باستعادةِ  بابل وتنصيب ابنه ( سِن شار اشكون ) حاكماً عليها ، بيدَ أن كَندَلانو بقيَ مُسيطراً على الجزء الجنوبي من اقليم بابل الذي بقيَ غيرَ خاضع لسُلطة حاكم بابل الآشوري  .
في سنة 627 ق . م  ماتَ الملك آشور بانيبال ، وتَوَلَّى الحُكمَ بعده إبنُه ( أشور أتيلو ايلاني ) الذي كان واهيَ العزيمة  ، حيث  ضَعُفت  وتَدَهوَرَت امور الدولة الآشورية  في عهدِه ،  وبدأ التمَرُّدُ  يتفاعلُ في الاقاليم الخاضعة  لادارتِها ،  أدّى الى انفصال الكثير مِنها ،  وبذلك  تقلَّصت  مساحةُ الدولة الى حَدِّها  الأدنى ،  في هذه الأثناء  ومِن مدينة الوركاء ، تَوَلّى الأميرُ الكلداني قيادة  حملةٍ  عسكرية ضِدَّ الدولة الآشورية المُنهارة ، وزحف صوبَ بابل  حيث دخلها مُنتصراً في شهر تشرين الثاني لعام 626 ق . م  ، وأعلن  نفسه  ملكاً على الدولة الكلدانية ، وكان ذلك ايذاناً بِبَدءِ عصر الامبراطورية الكلدانية . أما  الملك الآشوري ( سِن شار اشكون ) الذي عَيَّنه والدُه  آشور بانيبال ملكاً على بابل فقد لاقى حتفه محروقاً في قصره  .

سيليه القسم الثاني قريباً .

الشماس كور كيس مردو
في 23 / 8 / 2006


280
مَحَبَّةٍ للمُهندس ايشو س. مشو على رَدِّه( رَدٌّ بِحُب )
جوابُ

في البَدءِ أُبادِلُكَ التحيةَ الأخَوية بالرب يسوع بنِ الآب ومُرسَلِه تَبارَكَ وتَعالى إسمُه  !


أخي إيشو ، كُنتُ  أتمَنَّى  لو كُنتَ  أكثرَ إنصافاً  وأكثرً حِيادِيةً  في  الحُكم عليَّ  مِن خلال مقالاتي  وردودي ، ولم تَكُن قد  تَغاضَيتَ  عَن  ذِكر قساوةِ  ردود المُتَزَمِّتين من الآثوريين  والعدد الضئيل مِن أتباعهم الكلدان المُغَرَّر بهم ،  بِحَقِّي  وحَقِّ كُلِّ  كلداني  يُدافعُ  عن كرامة  وعِزَّةِ  قوميته الكلدانية ، ويُفَنِّدُ  ما  يُلَفَّقُ ضِدَّها  مِن تشويهٍ  وتحريفٍ  وتَزوير لتاريخها  ومُنجزاتِها  الحضارية مِن قِبَلهم ! بل وحتى وصلَ الأمرُ  ببَعضهم الى  إنكار وجود الكلدان شَعباً وقوميةً وامةً !  هَل يـَتَّفقُ ذلك ويستقيمُ مع حُكمِكَ لو جَنحتَ الى جانب النزاهة والحياد ؟


لقد  بدأتَ كلامَك  بتَمَنِّي مُسبَق  بأن لا تَلقى مِني  رَداً  يتضَمَّنُ  كلاماً غيرَ  مُستَحسن ، مؤكِّداً ما  تَحمِلُه مِن انطباع  عَنِّي خاطيءٍ ،  أنا لم أكُن ولن أكون  الباديءَ  بِمثل ما ذَهبتَ إليه أبداً ،  ولكنَّني  لم أقف ولن أقفَ مكتوفَ اليدين صامتَ اللسان أمامَ مَن يُسَطِّرُ كلمات الإهانة والإنتقاص لي ولشعبي وقوميتي وامَّتي !


إذا كُنا إخوة  أيها الأخ إيشو ،  لماذا تُنكِرونَنا ؟  إذا كُنتَ  أنتَ  تُسمَّى إيشو واسم أخيكَ  كوركيس ،  لماذا تَطلبُ من أخيكَ  كوركيس أن  يتنازَلَ عن اسمه  ويتسمَّى باسم إيشو ؟ ولماذا لم  يطلب أخوكَ كوركيس ذلك ؟ أليس لأنه يَعلم أن ذلك المطلبَ خاطيءٌ لا يتَّفق مع المنطقِ والواقع ! كيف تُنكرُني وأنا موجود أمامَك قائلاً لكَ أنا كلداني ،  فتُجاوبني مًصِرّاً ، لا ، أنتَ آثوري أو آشوري ! وعندما أشرحُ وأُثبتُ لك عكسَ ما تَدَّعي ، تَتَّهمُني وتَجعلني المُعتدي !


أيها الأخ إيشو ، ألمِثلي يُذَكَّرُ بوَحدة  ألِف بائنا  ولُغتِنا و حُذرانا ( مع بعض الزيادة المُتَعَمَّدة فيها )  واختلاف لهجاتِنا !  طَيَّب ،  فالنَطرَح جانباً ضمائر المُخاطبة  ونستعينَ بضمير المُتكلِّم ( نحنُ / خْنَن أو أخني ) . لقد قُلتُ في إحدى أو إثنتَين مِن مقالاتي ، بأن وَحدَتَنا  يَعتَرفُ بها  ويُثبِتُها  مُستهدِفونا  قبل أن نَعتَرفَ بها نحنُ ، لأنهم لا يستثنونَ واحداً مِنا  دون الآخر ،  وثِق بأنني  لا أُفَرِّق بين الحاء والخاء ولا  زقابا  ولا  رواحا ، وتَعلمُ  أنتَ جيداً مَن يَعمَلُ على  جَعلِ  الألفاظِ  وحركاتِها  عاملاً لتفريقنا ! ومَن يَصِف الكلدان بِعرب الخليج !  بالتأكيد لم تتطلع على كُلِّ مقالاتي لأنها كثيرة جداً ومُتَشعِّبة بين قومية  ودينية وتاريخية ووطنية ، لقد كتبتُ في عِدة مقالاتٍ مُطالباً الاخوة الأكراد  برفع الظُلم عن مسيحيي  الشمال الذي اُطلقَ عليه الآن كُردستان ،  ومَنحهم حَقَّهم في أرضهم أرضِ آبائهم وأجدادهم عن طريق إعادة قُراهم  المُستولى عليها وتعميرها ،  مُذَكِّراً إياهم بأنهم كانوا مِن المظلومين يوما  ،  وليس من العدلِ أن ينقَلِبَ المظلومُ الى ظالِم عندما ينتفي عنه الظُلم !


كان الأجدر بكَ أن تُسدي النُصحَ  الى من غرزوا سِنانَ رِماحهم الى صدور الكلدان  ولا زالوا ، لا الى الكلدان الذين يَتَّخذون موقع الدفاع عن أنفسهم ،  لأنهم مُسالِمون لا مُخاصِمون ، وعندما يحين الجِد فهم مُدافعون  عن الحق وصامدون ،  لا أعتقد أن رَدودكَ لو  أطلقتَها  ما كانت  لتكون أصلبَ وأعتى مِما أُطلقَتْ  ضِدي  مِن قبل إخوانِك ،  وأن مقالاتي  وردودي  وإن إتّسمَت  بَعضُها  بالحِدَّة  اللاذعة  ، لكنَّها لم تَكُن  مؤذية وجارحة  قياساً بالتي وُجِّهَت إليَّ  لِمَ إحتَوته من  القدحِ والشتائم  ، ولا أود ذِكرَ أسماء أصحابِها  ، لأنني قَرَّرتُ تجاهُلهم  وعدم الردِّ على مُشاكساتهم  ،  وسأتفرَّغ لإنجاز  كتابي  بخصوص التاريخ القومي والكنسي ،  وقد أكتبُ  عن واقعنا الكلداني  وفي الحقل الوطني .


إنَّ موقفي مِن  تَصَرُّفات ومُمارسات  بطاركة آل أبونا العشائرية  معروفٌ  ، وقد أوضحتُه  في مقالاتي  ،  وسأُفردُ له  فصلاً خاصاً في كتابي المُرتقب  ،  فهم كانوا السبب الأول والمُباشر  لحدوث الانشقاق والانفصال بين أبناء كنيسة المشرق في منتصف القرن السادس عشر ، الذي  ما زال تأثيرُه  السلبي المرير سارياً في حياتنا حتى الآن ،  ولم نستطع ايجاد سبيل لمَحوِه  وإعادة  مياه وحدتنا الى مجاريها الطبيعية  ،  بسبب  الأنانية البغيضة المُتحكمة  فينا  ولا سيما في قادتنا وزعمائنا !


أنا لا اؤيُّدُكَ  فيما تقولُه  ، لأن الكلدان وأنا واحد منهم ،  عندما دخل بيتي كاتب الاحصاء لملء الاستمارة ، قال لي بالحرف الواحد  بأن الاستمارة تتضمَّن حقلين للقومية  ، وعليك أن تختار  إما القومية العربية أو الكُردية ، فقُلتُ  له ،  عفواً ،  أنا لستُ لا عربياً  ولا كُردياً  بل أنا كلداني  ، وسأكتُب  ( كلدانية )  قال طَيِّب ولكننا  سنشطبها ونكتب  عربية  لأنك تسكُن بغداد  ،  وأعتقد أن الامر ذاته  طُبِّقَ على جميع الكلدان  بالنسبة للقومية العربية ولم يَكُن اختيارهم الارادي .


إن  الأحزاب  والحركات السياسية الآثورية أو ( الآشورية ) عند ظهورها ،  قد طرحت أفكاراً وطروحات عنصرية ،  وانفردت بتمجيد الآشورية  والتعتيم على التسميتين الكلدانية والسريانية  رغم أن الآثوريين أو الآشوريين  هم الأقل عدداً بين صفوف أبناء شعبنا ، مِما سبَّبَ امتعاظاً كبيراً لدى الكلدان والسريان ، أسفر عن رَدِّ فعل سلبي ، أدَّى الى فتور العلاقات الحميمة التي كانت تَربُطُ  أبناء شعبنا ببعضهم البعض ، وتطوَّر الى حالة الحقد والكراهية المتبادلة ،  بينما كان الوضع قبل هذا الظهور المُريب  بتصرفاته وأفعاله ، متناغماً ومقبولاً  بين أبناء شعبنا ذي التسميات الجميلة الثلاث ، وأكبر دليل على ذلك  انسجامُهم وتصاهُرُهم  دون أن تقف تسمياتُهم عائقاً أمامهم  .


إن القرار  117 المقبور  والذي لم  يَرَ النور ، لا أعتقد أن يتبعه  قرار مُشابه  له  في ظِل  بروز الحرية والديمقراطية  وتبنّيها  في مُختلف أنحاء العالَم ، والتي نرجو أن  يتبنّاها الشعب  العراقي أيضاً ،  وإذا حدث ذلك لا سمح الله ، فلكُلِّ حادث حديث  .


أشكرُكَ على ردَّكَ المشوب بالحب والاخوّة ،  أتمنّى أن تزول السلبيات العالقة فيما بيننا ،  ليس باستطاعتنا  أن نفعل شيئاً  بمعزَل عن المسيح ربِّنا له المجد ، فهو القائل  لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً بمعزل عني ،  فإليه نوجِّه نداءَنا  ونتوسَّلُ إليه  أن يُزيل الغشاوة عن عيون كُلِّ  مَن يصعب عليه  رؤية الحقيقة  ، لكي يُبصرها ويعمل مِن أجلها ،  أُكرر تحيتي  وأرجو لكَ الخيرَ والصحة .


الشماس كوركيس مردو
في 18 / 7 / 2006

281
              غالباً ما تجري الرياحُ بما لا تشتهي السُفُنُ ![/color]

عند سقوط  نظام البعث العراقي الشوفيني في التاسع من نيسان 2003 تَوسَّمَ الشعبُ العراقي الخيرَ  بمختلف قومياته وأديانه ومذاهبه ، بعد أن زال عن عاتقه  ذلك الكابوس الرهيب الذي لازمه لِما يقرب من  ثلاثة عقودٍ  ونَيِّف ، واستبشرَ  فرحاً  وتفاءَلَ ،  بأن  تحريرَ العراق من الديكتاتورية  الفاشية ،  سيُوفِّرُ له فرصة  تاريخية  نادراً ما  تتوفر في التاريخ  للشعوب  المظلومة ،  لكي  يستثمرها  في  إعادة  بناء  جسور التواصل مع العالَم المُتطوِّر حضارياً ، بعد أن دَمَّرها الحكمُ الاستبدادي البعثي  لعقودٍ ،  وجعلَ من العراقيين  ليس غير مرغوبٍ  بهم فحسب  بل  معدومي الاحترام  من قبل  شعوب وحكومات  الكثير من البلدان المُتقدمة،  ولكن للأسف الشديد  فقد خابً فألُ الشعب العراقي المغلوب على أمره ، حيث تكالبت زُمَرُ الشر وتحالفت ضدَّه من الداخل والخارج مُصَمِّمةً على تبديد آماله في العيش بأمن وسلام ، ومَنعِه  مِن بناء صرح اقتصاد  بلاده  المُنهار ،  تحت حُجَج كاذبة ومزاعم باطلة  أطلقت عليها ( المقاومة ) .


لقد أفلحت القوى الظلامية المُتسَلِّلة  في جُنح الظلام الى الأراضي العراقية  بدفع وتشجيع مِن دول الجوار التي أذهلها وأزعجها  تَحَرُّرُ الشعب العراقي من جور حُكّامه القُساة الظالمين ، في  جَرِّ وإغراءِ عددٍ كبير من العراقيين المُوالين للنظام البعثي المقبور ،  للوقوف الى جانبهم وتأمين المأوى والدعم اللوجستي لهم وانخراط  الكثير منهم في  مُشاركتهم  بأعمال الارهاب من قتل  وذبح واختطاف وزرع ألغام وتفجير سيارت مُفَخَّخة وما الى ذلك من أعمال إجرامية تقشعِرُّ لهولها الأبدان !  وما كان بإمكان هؤلاء المُرتزقة الأوباش أن يُحدثوا في العراق فساداً بهذا الشكل المُريع لولا دعم العراقيين لهم قولاً وفعلاً مِمَّن فقدوا الحِسَّ الوطني  والانساني ، وتبَنوا التحريض السياسي  الذي تُمارسُه القوى الاقليمية وغيرها التي لا ترضى أن ينعم العراق في ظلال الأمن والاستقرار .


كان يأمل العراقيون أن يجعلوامِن مُجتمعِهم  مثالاً  للحرية  والديمقراطية  والتسامح في الشرق الأوسط  ، و مِن  وطنِهم  ورشةََ  عملٍ كبيرة  تَتّسِعُ  لجميع  أبنائهم الساعين الى العمل الشريف ،  لكسبِ العيش السعيد لعوائلهم ، كان ذلك مُمكناً لو تظافرت جهودُهُم مُجتمعةً  في رفعِ  إنتاج النفط  الى أقصى  حدِّ مُمكن ، الامر الذي كان  سيُوَفِّرُ مبالغَ  طائلة  لتمويل  حركةٍ اقتصادية  وتجارية  وعمرانية هائلة ،  ولكن العكسَ هو الذي جرى حيث قامَ البعضُ  بأعمال التخريب وايقاف  ضَخِّ النفط  والبعض الآخر بسرقته  ،  ونَتَجَ عن تلكَ الأفعال التخريبية  خسارة كبيرة جداً .


لقد سبَّبَ العراقيون المُنحرفون المُتعاونون  مع الارهابيين القادمين  مِن خارج الحدود ،  في تَكَبُّدِ  العراق مبالغَ  مالية  فادحة جداً  عدا الخسائر النفطية التي أشرنا  إليها ، و نعني  بها  حُرمانه  من المليارات  الضخمة التي تَبَرَّعت بها الدول المتعاطفة مع العراق ولم تستطع استثمارَها بسبب فقدان الأمن ، وبفعلهم الشنيع هذا قد أضَرَّوا  بالعراق وتفَوَّقوا بذلك  على الحُكّام البعثيين  الذين  بَدَّدوا الملايين ورَموا في أتون الحروب الخاسرة مِئات الآلاف من العراقيين .


بعد أكثر من ثلاث سنوات من تحرير العراق ، لا زالت سفينة العراق تتلاطمُها أمواجُ العُنف العاتية بفعل الرياح الشديدة القادمة من الخارج مُترعةً بسموم المباديء  والأفكار المتهرِّئة البالية ، المُتعشعشة في عقول زعيم القاعدة اسامة بن لادن والمُنتمين الى قاعدته ، والتي  عن طريقها نَصبَ جماعةُ  الطالبان أنفسهم  حًكّاماً  بشكل قسري غير شرعي على أفغانستان ،  مُتعَلِّلين  بما يعتبرونَه  أخلاقاً مثالية وهي في الواقع مُزيَّفة ، ومُغَلَّفة بالاطار الديني  التَزَمُّتي  ، وجعلوا  من  ذواتهم أوصياءَ  على مسيرةِ  الحياة  العامة ،  ورَصدِ الحريات الخاصة  في  مناحي الأدب  والفن  والطَرَب  والكلام  والقراءة ، وفرضِ أساليب التصرُّف ،  من حيث اللبس ونمط  حلاقة الشعر واللحى و و و ، فهل يجوز تقليد تجربة الطالبان وحتى ايران وتطبيقها في العراق ؟
 

إن الفوضى العارمة التي تجتاحُ العراقَ وبشكل أسوأ يوماً بعد آخر ، لا يستطيعُ القيامَ بها القادمون من خلفِ الحدود لوحدهم ، وهذا ما لا يختلف عليه إثنان ، أي أن هنالك فصيلاً من العراقيين مِمَّن يشعرون أنهم  كانوا  ضحية الحرب الأمريكية  التي  شُنَّت  على العراق لتحريره ،  وهم لم  يكونوا  إلاَّ مُجبرين  للعمل مع النظام البائد ،  وأن هنالك  بعثيين  عسكريين  ومدنيين  فقدوا  امتيازاتهم الكبيرة  التي  كانوا يتمتعون  بها ،  يُساهمون  بشكل  كبير في  استفحال المأساة  التي تعصف  بالعراق ،  ورأوا  مصلحتَهم في الانضمام الى المجموعة  السلفية الظلامية والمُشاركة  في الأعمال الارهبابية ضدَّ الشعب العراقي  بحُجة  مقاومة المُحتل ، وقد استغَلَّت هذا الوضع المأساوي مَليشياتٌ عُنصرية  شيعية  وسُنية لتنتقمَ كُلٌّ منها من جماعةِ المذهبِ  المُخالفِ لمذهبِ الجماعة الاخرى بالدرجة الاولى ، ولا نُغالي إذا قُلنا أن كِلا النوعين من المليشيات الشيعية والسُنية وبالرغم من اختلافهما فكرياً  وفقهياً إلاّ أنهما  يلتقيان في الاتفاق على قضية  واحدة هي استباحة دَمِ  كُلِّ مَن هو غير مُسلم من  سُكّان العراق الأصليين وهم الكلدان المسيحيون بمُختلف  تسمياتهم الكلدان  والسريان  والآثوريون وكذلك الصابئة المِندائيون  واليزيديون ، وليسمح  لي القراء الاعزاء صراحتي  وكذلك قادة العراق الجُدُد ، إذ ربما عن طريق الصدفة قد يصل إليهم حديثي ،  إن شعبنا المسيحي مع قِلةِ عددِه نسبياً يتعرضُ للقتل  والتعذيب  والابتزاز  والتهجير ولا سيما الساكن منه في المناطق ذات الكثافة الشيعية ، كالبصرة وأحياء كثيرة من العاصمة بغداد ، من قبل مجموعات شيعية موغلة في التطرُّف تلقى الدعم سِراً وعلناً من الأحزاب الشيعية المُرتبطة بايران ، فهل غاب عن بال هذه المجموعات الارهابية المتطرفة وداعميها ، ما لاقته من حيفٍ وجور أثناء حُكم صدام ، فجاءت الآن لتأخذ دورَه  في الاعتداء وايذاءِ المسيحيين الأبرياء أصحاب أرض العراق الأصلاء ؟  وهل بلغة القوة وانتهاك الحقوق وقطع الأرزاق وسياسة الإقصاء  يُبنى الوطن ؟ أين المرجعيات الدينية الشيعية  من هذه التصرفات العنصرية الغير مسؤولة والمقيتة ؟ ولماذا لا تُبادر الى استنكارها ، ألا يعني السكوتُ عن الشر المُشاركةَ فيه ؟ ألستم الذين تؤكدون بأن الدين الاسلامي يُنهي عن المُنكر ، أليست هذه الأعمال الوحشية التي تُرتَكَب  مِن المُنكرات ؟ إننا نناشدُكم أيها السادة المسلمون عرباً وكُرداً وتُركماناً أن تُعلنوا جهاراً استنكاركم لهذه التصرفات المُشينة المخالفة لكُلِّ تعاليم الأديان السماوية والشرائع الإنسانية وأن تعملوا على وقفِها .


إننا لا نُريدُ الدخولَ في وصفِ فصول مسرحية تشكيل الحكومة  ، التي تَخَلّلتها  مُناورات مليئة بالدجل والنفاق السياسي  ، أدارَتها  التَجَمُّعات الحزبية ذات السطوة والنفوذ ، حفاظاً على منافعها الحزبية التي  تَتَقَدَّم عندها  على المصلحة العامة ، وعلى أية حال فقد تَمَّ الاتفاق على تشكيل الحكومة  برئاسة الدكتور نوري المالكي ،  وارتاح لها العراقيون عندما استجاب الدكتور المالكي الى مطلبهم وأسند وزارتَي الدفاع والداخلية لشخصيتين مُستقلتَين ، كما أن برنامَجَه الحكومي الذي أعلنه فور انتخابه رئيساً للوزراء اعتمدَ مساراً وطنياً  مِن شأنه  إنقاذ البلاد  من الانفلات الأمني والقضاء على بُؤَر الارهاب ، وهذا ما أنعش الأمل لدى المواطنين .


إن الشعب العراقي بكل شرائحه يتمنّى للدكتور نوري المالكي النجاح في تطبيق برنامجه على أرض الواقع بشجاعةٍ  واندفاع ، وبشكل مُتوازن بين تَطلُّعات المُجتمع العراقي  ومطالب كُتلتِه الحزبية والأحزاب الاخرى ، وهذا يتطلَّبُ  حِنكةً  سياسية وإرادةً قوية  لتنفيذ البرنامج في جَوٍّ ديمقراطي كان  ينتظرُه الشعبُ منذ زمن طويل ،  إنها فُرصة سانحة وعلى الرئيس المالكي انتهازَها لتخليد عمل وطني  يعتز به العراقيون ويُسطِّرُه له التاريخ ، فالى الأمام أيها الرئيس الهُمام مع طاقمكَ الوزاري والاداري الوطني الغيور ،  لتغيير الماضي المؤلم الى حاضر مُفرح وسعيد ،  وجعل العراق الحديث نموذجاً مثالياً بين دول الجوار ودول العالَم ، تسود بين أبنائه بكل أطيافهم ومعتقداتهم وانتمآتهم مفاهيمُ الحرية والديمقراطية  .



الشماس كوركيس مردو
في 9 / 7 / 2006

282

       لا يُنادي المُنادي إلاَّ ما في جُعبتِه !


في مقالي الأخير  < التَعَصُّب القاتل للباطل > اتّخَذتُ قراراً بتجاهل مُتَزَمتي مُنتحلي الآشورية وأتباعهم من ابناء الكلدان المُغَرَّر بهم  وبعدم الرد على أضاليلهم ، تاركاً إياهم يتخبّطون في هذيانهم وأوهامهم ، فقد أخذ التَعَصُّبُ الفكري منهم مأخذَه  ،  سالباً شعورَهُم بالذات الانسانية ، مُحَوِّلاً إياهم الى وحوش  بشرية ،  ولا زلتُ  مُلتزماً بقراري .

لكنَّ الذي حدا بي الى كتابة هذه السطور القليلة ،  هو ما نادى به  هزيلُ الفكر واللغة الخالي من التهذيب  المدعو  ثامر توسا ، وأتقدم بالعَتَب  مقدماً  على مسؤولي  موقع تللسقف الذين سمحوا لمثل هذا الانسان النكره ، الذي استعمل هذه اللفظة  وهو يجهل معناها واستعمالها  في الصياغة اللغوية  ، فهو المثال الحقيقي  للعنوان المُصاغ باسلوبٍ لغوي ركيك  <  النكره التي تتجاوز  حدود الأدب يُستباح تسقيطُها . . .  >  والصحيح الذي ينطبق عليه بالذات ووفقَ كُل المقاييس الأدبية والانسانية ، هو <  النكره الذي تجاوز حدود الأدب . . . ثامر توسا مثالاً > .  عذراً أعزّائي القراء  إذا لاحظتم في  رَدّي  ورودَ  بعض الكلمات أو العبارات اللاذعة ،  ولا تعزونَها  أني مبادلٌ  إياه  بالمِثل ( العين بالعين والسن بالسن ) فتلك المقولة قد أبطلها المسيح الرب له المجد ، واستبدلها بعدم مقاومة الشرّير ، ولذلك  فإني  مُذكِّركُم ببعض ما كاله لي  من كلمات  وعبارات  بذيئة  ناهيكَ  عن  ركاكة سبكِها ،  كقوله ( يسطر من عبث الكلام  وعهر التعابير  بما  يزيد  دلائل  تعجرفه . . . /  مِن أية طينة هزيلة وعجينة هجينية هو هذا  المخلوق المجمّع والشماس المُريب / نحن ليس من باب عجزنا لم نرد عليه وعلى تفاهيات مرجعياتِه التي تزق به . . . /  تكون قد بلغتَ أعمق قيعان الرذيلة / تكذب حين تُدافع عن الكلدانية ، وأنت لستَ بكلدانياً . . . والآشورية سترفضكَ قطعاً . ./  من الان فصاعداً لن نترككم تسرحون وتمرحون على هواكم أو حسب ما يشاء أسيادكم القابعين وهم  يُدنسون بيوت ألله وقدسية مقاماتِها صبحاً ومساءً . . )

أرأيتُم المستوى الخُلُقي المتدنّي  لعميل مُنتحلي الآشورية ثامر توسا  أحد أشباه الكُتّاب المُلحد ،  أليس اعتداءً صارخاً وصفُه لرموزنا الدينية  بالقابعين والمُدنسين لبيوت ألله  . . . !  يقول هذا المهوَس أنه قد قرأ مقالاً لي كان وبالاً  ، بالتأكيد  كان وبالاً  عليه  وعلى  شُلَّتِه  من أمثاله  حيث يكتب بصفة الجمع .  مقالاتي وردودي هي كالنار الآكلة ذات القوة القادرة على فحص معادنكم الرديئة ، مُرشدةً إياكم  لإستبدالها  بمعادن  جيدة وخالصة ، ولكن للأسف فإن عقولكم متجمِّدة بصلابةٍ  الى الحد الذي تعجز النار عن صهرها !

إن اسلوبي الكتابي  هو تهذيبيٌّ وإرشادي ،  يتلهَّفُ  لقراءةِ  كتاباتي  الباحثون عن الحقيقة المُجردة ، لأنها  تَضُمُّ ما يُفَنِّدُ الأفكار والطروحات الخبيثة للمنحرفين أمثالكم  واللاهثين  وراءَ نيل المكاسب الذاتية  الأنانية ، غير مُبالين بمعاناة شعبنا المغلوب على أمره المُبتلي بكم ،  ولكنكم بارعون بذرف دموع التماسيح خِداعاً ،  ونشكر ألله أن أبناء شعبنا في قرانا الكلدانية الواقعة في السهل والجبل ، قد انكشف لها زيفُكم  وبدأت بنبذكم  والازدراء بكم ، وحتى الذين غَرَّرتم بهم واختلستم إرادتهم  إغراءً وابتزازاً  قد أحَسّوا بألاعيبكم ، ولن يطولَ الوقتُ ليقوموا بفضح نواياكم ورَذلِكم .

الشماسية هي خدمة مَذبَحية  يا جاهل وليست مهنة ! أنا اؤَدّيها  بجدارة ومهارة إرضاءً لربِّي وإنجازاً لواجبي ،  يشهدُ لي بها الاكليروس والشعب المؤمن ،  ولستُ ابالي بأقوالكَ الإلحادية المعادية للمسيح الرب وكنيسته الكاثوليكية المُقدسة .  إنك ومَن على شاكلتِكَ بؤرة الفساد التي عن طريقها ، تَسَرَّبَ الحقدُ والكراهية  الى قلوب أبناء شعبنا ليُعادوا بعضهم البعض ،  الشيء الذي لم يكن موجوداً قبل ظهوركم السيِّء الصيت ، ولِعبكم الدور الخبيث في تفتيت وحدته القلبية غير الكتابية ،  والدليل على ذلك انسجامُهم وتناغُمُهم وتصاهُرُهم دون أن تقف أمامهم تسمياتُهم الجميلة عائقاً
تلك التي جعلتم منها مسرحاً للصراع الأخوي المقيت .

أخيراً يا سيد  توسا ، إن أخاكَ من نَهاكَ ، وعدوَّكَ مَن أغراكَ ،  والذين  يبتلونَ بالجدل ، تّثبط عزيمتُهم عن العمل !  حاولوا الخروج مِن مُستنقع المهاترات والاتهامات ، فلن توصلَكم الى النتيجة المُبتغاة  ،  هيهات !  وحتى لو رفضتم سلامي  ،  فأنا باعثه لكم  ، ودوموا بخير .

الشماس كوركيس مردو
في  4 / 7 / 2006

283

            التَعَصُّب القاتل للباطل !

لا شكَّ أن  قُراء  موقع عنكاوا المُمَيَّز قد لاحظوا تألُّبَ بعض مُتَزَمتي مُنتحلي الآشورية والمتأشورين ، للنيل من الذي آلَ على نفسه الدفاع عن الحَق دون هوادة ،  لم أتعَرَّض لأي واحد من هؤلاء الثلاثة  :  هيدو حنا ،  باسل روفائيل  ويوخنا نيسان  .  في الأول من حزيران الماضي لعام 2006 ، دفعتُ الى موقع عنكاوا وبعض المواقع الاخرى مقالاً بعنوان <  يا لَيتَ صوت مار باواي يكون نظيراً لصوت المعمذان ! > عَبَّرتُ  عن  رأيي  بالاسقف  باواي  وحركته  التصحيحية  ، وبعد اسبوع  قرأتُ  رداً بقلم هيدو الشماس  وبدا لي  من عنوانه  تافهاً   <  الحقيقة  عارية يا  شماس . . . فلا تنظر إليها  خوفاً  من أن  تشتهيها >  هل هنالك  أتفه  من هذا  العنوان !  وإذا  كان  العنوانُ  بهذا الشكل  تافهاً  فبأي  شكل  ستكون  التفاهةُ  في المتن !  ثمَّ ألم يكن هو الباديء بالتحرُّش  ! فكان  ردّي عليه  مُقتضباً  ومُهذَّباً  عنوانُه < ما أشنعَ التَعَصُّب >  في 14 / 6 / 2006 ،  وفي 22 / 6 / 2006 رَدَّ عليَّ  وتَبَيَّن من عنوان الرد أنه قد كتبه  وهو في وضع تَشَنُّجي  بحيث التبسَ عليه لقبي  فكتبه < مَركو بدل مَردو >  وإليكم عنوان الرد  الخالي من المعنى <  يا شماس كوركيس مَركو - كراهيتك وتعصبك ضد الآشوريين . . .  فعل ماضي ميت حافي القدمين >  اعتبرتُ ما  ورد فيه  تَخَبًّطاً  فكرياً  ومغالطات  لفظية  جوفاء المعنى  ، وبإمكان القاريء العزيز  الاطلاع عليه فلا زال باقيا في المنبر الحر لموقع عنكاوا للتأكد  , في ذات الوقت  قراءة ردي عليه بعنوان <  كشف الحقيقة ليس كراهية يا سيد هيدو ! >  للمقارنة  والحكم على الخارج عن الاصول الأدابية  المطلوبة في الكتابة .

تفاجأتُ  بقيام  السيد باسم روفائيل المتأشور بالتعقيب على رَدي  بروح عدائية  وهجمة افترائية  ،  ولتفنيد  كِذبه أقول : لم يجر بيني وبين باسم روفائيل أي تعارف أو لقاء  لا في تللسقف ولا في بغداد ولا في أية منطقة اخرى  في العراق أو خارجه ،  ويعود ذلك الى الفارق العمري الكبير نسبياً بيننا  أولاً ،  إذ عندما غادرت  تللسقف بعد الدراسة الابتدائية  لم تكن أمه قد ولدته بعد ،  وإن ظروفي الخاصة لم تسمح لي الالتقاء به أو بأشقّائه الثلاثة الآخرين  ثانياً ،  ما عدا أنني لَمحتُ شقيقه الكبير جميل مَرةً في مجلس العزاء المُقام لعَمّتي زوجة عَمِّه  المرحوم  يونان  أبِ المرحوم صبري ، وربما كان هو نفسه موجودا أيضاً ولكنني لا أعرفه  ، وحتى لو التقيت به اليوم  فلن أعرفه !  إذاً كيف يَدَّعي  معرفتي جيداً ويعرف مُستوايَ ! أنا تلقَّيتُ ثقافتي العليا في معهد شمعون الصفا الكهنوتي ( السيمنير ) وبعد أن أنهيتُ  دراسة الفلسفة لمدة  سنتين بعد الثانوية  والتاريخ القومي والكنسي على أيدي  المرحوم مار روفائيل الأول  بيداويذ  يومَ  كان كاهناً  ومُدرساُ في الخمسينات ، تركتُ المعهد بإرادتي  ،  فكيف يُنكِر عليَّ  معرفتي  بالتاريخ !  ثمَّ أود أن أسأله  أين درس التاريخ هو ذاتُه  حتى يُحاججني في حقل التاريخ  ؟ وهل إلقاء الكلام على عواهنه  هو من صفات المثقَّف  أم الجاهل ! ؟

لقد تَطرَّقَ الى حياتي الشخصية الخاصة مُفترياً  ،  وفي هذا الصدد  أعرف الكثير عن حياته وحياة إخوته الشخصية  ،  ولكنني أسمى مِن أن أنزل الى هذا المستوى الوضيع  بالإساءة الى  السمعة الشخصية ، فأنا المعروف عني بالأب المثالي ،  بناتي الخمس أنهينَ دراستهن في العراق ، الكبرى في الجامعة المستنصرية  والثانية  إعدادية التجارة والثالثة  المعهد الطبي  والرابعة  جامعة بغداد  والخامسة جامعة المُستنصرية ، أما ولداي ، فالكبير تَخرَّج طبيباً من جامعة نيويورك  والثاني  تخرَّج من معهد التكنولوجيا في بغداد ،  وكلٌّ فرد منهم قد استقلَّ بحياته الخاصة ، فهل لمثلي يُقال  من لا يستطيع الحفاظَ  على بيته  كيف يستطيع المحافظة على الكلدانية !  هل كنتَ قد تجاسرتَ على  قول هذا الافتراء  لو أن المرحوم  صبري باق على قيد الحياة ؟ وهل أن شقيقك  جميل سيتفق معكَ على ذلك ؟ رغم أن آراءَنا متباينة ؟ وهل يعلم بأنك امتنعت عن نشر تعزيتي له بمناسبة وفاة زوجتِه ؟ كيف استطعتَ كَبتَ حقدكَ الدفين  هذا طيلة  هذه المدة الطويلة ؟

إن أخاكَ متي  وأخي الأصغر توما هما أخوان بالرضاعة ،  كيف هانت لديكَ هذه الاخوة  ولم تحترمها ،  حتى  تُهاجمني  بهذه  الشراسة  المشوبة  بالحقد الغير  مُبَرَّر !  وهل  إن اختلاف الرؤية الفكرية أو السياسية تؤدي الى هذا الاندفاع  العدائي العنيف ؟  لا زلت أتذكر كيف كان المرحوم  والدك الشماس  روفائيل  يُلاطفني  ويُمازحني  عندما  يلتقيني في  بيت عَمِّك  يونان وأنا طالب في الابتدائية !  وللأسف الشديد ، فأنا مشدوه  جداً من مبادرتكَ غير المُتوقعة  وتحاملكَ الذي لا يقوم به إلا مَن امتلأ قلبُه بالبغضاء ،  ولا بأس فأنا شماس بحق وحقيقة  وليس ( للكشخة ) كما ادّعيتَ ،  ولذلك فكما أوصى المسيح الرب له المجد  بمسامحة المُعتدي ومباركة اللاعن ، أنا فاعل ذلك بالنسبة إليك .  أنا لا أنكِر بأن مقالاتي وردودي ضدَّ المُتجنّين على القومية الكلدانية  بالتلفيق والتزوير والتحريف هي لاذعة  ، ولكنها خالية من أية شتيمة  ، أما إذا كان الكلام الرادع المدعوم بالدلائل والوثائق يعتبره منتحلو الآشورية والمتأشورين شَتماً ، فذلك دليل على افتقارهم للحُجَّة في الحوار الهادف والبنّاء ، لأن تَعَصُّبَهم يحول دون قبولهم لأيِّ  حَق يُناقض الباطل !

بعد الرد الثاني للسيد هيدو  انبرى لتحيته  مُنتحلٌ  للآشورية المتزَمِّت  يوخنا نيسان ،  وإليكم العنوان الركيك ( بنصِّه ) الذي اختاره <  عاشت ايدك يا سيد هيدو . . ويسلم قلمك . . >  وسمّاني بالشماس مَردوخ ،  وراح يتهمني  بالحقد على الآشوريين ، وآخر هذه الأحقاد  حسب ادعائه هو أنني قُمت بمدح من  وصفه بالاسقف الموقوف أشور سورو ،  وهل إن التعبير عن الرأي بشخصية كنسية  يُفسَّر  عند البعض مدحاً أو قدحاً  تمشياً مع العاطفة ؟ أو أليس الفرد حُراً بالتعبير عن رأيه ! ألا يُعتبَر ذلك هذيان ! ثمَّ لماذا يُهاجَمُ الاسقف باواي سورو ولا يُتركُ له  المجال للعمل بحسب رغبة المسيح الرب ، وهل ان ما يكون مخالفاً لإرادة  الرب يُصيبُه النجاح ! فلماذا كُلُّ هذا الخوف والهلع !

كتبتُ  رداً بعنوان ( ما هذا الهذيان يا يوخنا نيسان ! ) شرحتُ فيه  خطأ ادِّعآته  ، وصَوَّبتُ  تحويراته ، فثارت ثائرتُه  وردَّ عليَّ  ،  بادعآت اخرى لا أساس لها من الصحة ،  ولا تستند الى أية مصادر تاريخية ،  وليست سوى حكايات تتناقلها العامة  عن مُروِّجي  القصص والحكايات المُلفقة ، وعلى سبيل المثال ، يدّعي أن العثمانيين  فرضوا على البطاركة النساطرة  أن يُقرأَ ختمُهم  ( بطريرك الكلدان ) إرضاءً لروما  ! وأن روما ( مولت العثمانيين والأكراد  لذبح وقتل الآشوريين الرافضين الانضمام لكنيسة روما ومن خلال تابعتها الكنيسة الكلدانية ) نافياً  التُهمة  عن  الانكليز  الذين خدعوهم بالوعود الكاذبة وجعلوا منهم حطباً لنيران الأتراك والأكراد للوصول الى أهدافهم الاستعمارية ،  أتَرون كيف يحدوهم حقدهم على الكنيسة الجامعة  بلصقهم بها التُهم الكاذبة  هي براءٌ منها ،  وإذا جاريناه هذا الافتراء  المزعوم والمُلفَّق ، لماذا استمَرَّ استخدام اللقب حتى سنة اغتيال مار ايشا شمعون 1975 ، علماً بان النفوذ العثماني سقط وتلاشى  بما يقرب من ثمانية عقود من هذا التاريخ !  وافتراؤه الآخر بالنسبة لي  ، بأن لي مواصفات تؤهلني لأكون قيادياً فيما سمَاها  الحركة الكلدو آشورية  التي لم اسمع بوجود مثل هذه الحركة ، وإنما الذي أعرفه هو وجود ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) ويعرف جيداً أنني أختلف معها في الرؤية والأهداف .

أنتم لا صلة عِرقية لكم ولا تاريخية باولئك الآشوريين القدماء المنقرضين منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد ، والذين لم يبق لهم من ذكر إلا آثارهم التي حافظ على بقائها الكلدان المنتصرون ، ايماناً منهم بوجوب المحافظة على الآثار الحضارية ، ولو كان المنتصرون غير الكلدان لَما بقيت آثار بالمرة ، ولكن ما دِمتم مُصرين على انتحالكم لإسمهم نزولاً عند رغبة  الأجنبي الذي أغراكم بوعوده الكاذبة ، فالتكن الآشورية  معبودكم لوحدكم ، ولا تحاولوا فرضها على الآخرين .

وإلى السيد سامي بلو أقول : منذ أن طلبتَ مني وقبل أكثر من عام ومن على موقع عنكاوا ، بأن أكون لَيِّناً في انتقاد اسلوبك المتعجرف والاستعلائي ضد الكلدان الذين أنت من صُلبهم ، امتنعتُ عن تفنيد افترآتك ضد الامة الكلدانية ،  ويظهر أنكَ لم تُقدِّر ذلك ، فتأتي الآن لتقول بأنك قرأتَ  مقالاً  لي كان خالياً  من الاصول  والآداب المرعية في الكتابة ! دون أن تذكر أيَّ مقال من مقالاتي العديدة ،
مما يدل على أنك مُجرَّد  مُهرِّج  ومُروِّج للتنديد والتحامل ، واعلم جيداً أن قيامك  باتباع هذا الاسلوب غير النزيه  سيسلبك المصداقية .
أما  عن السيد ثامر توسا ،  أنا لا أعرفك وإنما الذي سمعتُه عنك وأعلنتَه  في كتاباتك ، بأنك لا تقلُّ عداءً للامة الكلدانية من سامي بلو والمتأشورين الآخرين ،  وتستكثر على الكلدان كلدانيتهم ! هل أنا الذي اشَوِّه موقع  تللسقف أم  انتَ و أمثالك المُنحرفون عن الخط القومي الكلداني  والمُنحازون بل المُنضمون  الى الخط اللاقومي  !  لقد اتضح لي بما لا يقبل الشك بأن التحاور مع مُنتحلي الآشورية وأتباعهم المتأشورين مضيعة للجهد والوقت ،  ولذلك قَرَّرت ونزولاً عند رغبة زُملائي وقُرّاء كتاباتي  تجاهلهم ، والانكباب الى  إنجاز كتابي  بشأن التاريخ القومي والكنسي .

الشماس كوركيس مردو
في 1 / 7 / 2006

284


              ما هذا الهذيان يا يوخنا نيسان !

أيةُ عاصفةٍ يستطيع الفأرُ أن يُثيرها على الجبل الأشم ! إن حجمكم بكامل عددكم الضئيل ديمغرافياً وثقافياً واقتصادياً ، بالكاد يُوازي حجم الفأر مقارنةً بحجم الجَبَل الذي يمتلكُه الكلدان ، قد يكون السيد هيدو مؤَهلاً للكتابة إذا استطاع صَقل لُغته  وابتعد عن عُنصريتِه المبنية على الجهل ،  أما أنت يا سيد يوخنا ، فأفكاركَ سطحية ساذجة ولا تعرف التعبير عنها بسبب ضعف لغتكَ ، وهذا الخَلَل ليس فيكَ وحدكَ  إذ كُلُّكم في الهوى سَوى .

أنا لست من أنصار الاسقف باواى سورو ، ولكني  وجدتُّه  كَكَوكبٍ منير بين نجوم باهتة مُتسلِّطة على الكنيسة النسطورية ، حاول نَفحَها الكثيرَ من نوره لتَقدِرَ على الإشعاع ، ولكنَّه جوبه بالرفض والعِداء والمُحاربة ! ومَرَدُّ ذلك هو تفَوُّقُه عليهم عِلماً وتقوى فاتفقوا على  إبعادِه  خوفاً مِن تعاظُم شعبيته  فتتأثر بذلك مراكزُهم .

إنكم بارعون بتزوير الوقائع والحقائق ولا يُباريكم في ذلك أحد ، أتدري ماذا قال الأب الأقدس الراحل البابا يوحنا بولس الثاني للبطريرك النسطوري مار دنحا الرابع عندما مَثُلَ بين يَدَي قداسته في الفاتيكان ( إنَّه ليوم عظيم أن يأتيَ إلينا راعي قطيعنا الضال ابن كنيسة المشرق العريقة ) أما  قراءَتُكم بطريقة مقلوبة ومُشوَّهة لرسالة البابا حول الاسم القومي الكلداني فمعروفة فيها غايتُكم اللئيمة من تحريفكم لها ، فالبابا لم يلفظ الاسم الآشوري إطلاقاً ، والذي قاله ( إن كُلَّ نسطوري ينبذ النسطرة ويهتدي الى الكثلكة ، يُعادُ له اسمُه القومي الكلداني ) ولم يَقُل أبداً ( إن كل آشوري يتكثلك يُطلق عليه اسم كلداني ) ، الإفترآت والأكاذيب حبلُها قصير !

هرمز أبونا بالنسبة للكلدان  دَجّال العصر الانتهازي ، الكل يعلم أنه قد باعَ ضميره لمُنتحلي الآشورية المُزيفة لسببَين أولُهما ، استدراجُهم  لينهَل  منهم أكبر قدر من الأموال التي هي غايته  الاولى والأخيرة وقد  نال مُبتغاه ،  وثانياً رغبته في الانتقام من الكلدان الذين ثار آباؤهم الأماجد على السُلالة البطريركية الاستبدادية التي استفردت برئاسة كنيسة المشرق لقرون طويلة ، وحَرَّروا الشعبَ الكلداني من جَورها واستعبادها ، فلا عَجَبَ أن يسعى الى الثأر ، ويكتُبَ ما يجلب عليه العار !

ليست الكنيسة النسطورية التي انتحلتم لها تسمية وثنية ( الآشورية ) مؤخراً قبل عقدٍ أو عقدين من الزمن هزيلة فحسب ، بل إنها حائرة ومُرتبكة فضلاً عن أنها على ذاتها مُنقسمة ، وندعو الله أن لا تُصبح شؤماً عليها ، كما كانت شؤماً على الدولة الآشورية التي تَيَمَّنت بها ، فضاعت بسببِها .

الكنائس الكاثوليكية في العالَم ليست تابعةً لروما إلا في العقائد الايمانية ، لأنها تشترك معها فيها ، أما في قضاياها الادارية فهي مُستقلة عنها تماماً ، فهل الاشتراك في العقائد الايمانية المُستقيمة ! هو تبعية ؟ حتى متى يظَل التفكير العنصري البشري الأحمق مُستحكماً في أذهانكم ! انظروا ما آلت إليه كنيستُكم من ضُعفٍ وانحلال وقلة ايمان  و و و ، وبالرغم من صُغرها العددي انشطرت الى قسمَين ، أليس السببُ في ذلك هو انعزالُكم عن الكنيسة الجامعة وابتعادُكم عن رئاستها ! أليس انغلاقُكم على العالَم  سبب التأخر والانكماش !

إذا لم تكن هنالك القومية الكلدانية ، لماذا احتفظ بطاركة الكنيسة النسطورية  باللقب المحفور في أختامهم حتى آخرهم مار ايشا شمعون الذي اغتاله أحد أتباع كنيستِه في سانفرانسيسكو - أميركا عام 1975 ( الضعيف شمعون بطريرك الكلدان ) ( محيلا شمعون بطريركا دكلدايي ) ، وبعد اغتياله غَيَّرَ هذا اللقب خَلَفُه البطريرك مار دنحا الرابع وجعله ( البطريرك الآشوري ) .

من العار أن تفتري على المناضل الكلداني الكبير الاستاذ ابلحد أفرام الذي أسَّس الحزب الديمقراطي الكلداني في التسعينات ،  قبل أن تبتكر الحركة( زوعا ) التسمية الهجينة ( الكلدوأشورية ) بعقدٍ من الزمن ، وإن الكلدان كانوا أول من استهجن هذه التسمية المُرقعة المُريبة باستثناء بعض أبناء الكلدان المتأشورين المُغَرَّر بهم ناكري قوميتهم .

الحقُّ يعلو ولا يُعلى عليه ، أما الباطلُ فمرذول ! ! !

الشماس كوركيس مردو
في 27 / 6 / 2006

285
  كشفُ الحقيقةِ ليس كراهية يا سيد هيدو !


لم تُطلق الأقوالُ عَبَثاً ، ومِنها ( إن الإناءَ بما فيه ينضحُ ) ، فها هو قلبُكَ يا سيد هيدو ، يَنضحُ بما يختزنُه من حقدٍ دفين وغَضبٍ مكبوت مشوبَين  بالبلادة والكذب  والإصرار على الدفاع عن الباطل، رغم عِلمِكَ المُسبق بِبُطلانه ، ويُمَثِّل ذلك انعكاساً لِِمدى الجهل وفظاعة التَخَبُّط  اللذَين ينتابانكَ بقوة ،  ويظهران بوضوح في اسلوبِكَ الكتابي الهزيل لغةً ومعنىً ، وقد نصحتُكَ أن تتعلَّم اللغة جيداً ومِن ثَمَّ تَنزل الى ميدان الكتابة ، ولكي  تكونَ قادراً على صياغة العبارات التي قد حفظتها كالببغاء ، حتى لا تنقلب الى معاني جوفاء ! ولكن هيهات ، فالمثل الألقوشي  يقول  ( دِبّا وقبقاقي ) ويعني ، ما أصعبَ على الدُب استعمال القبقاب ( الحذاء ) .

وفي أيٍّ مِن الأحوال ، لا يسعُني إلاَّ تقديم الشكر لكَ تقديراً لجُهدِكَ الذي بذلتَه لجمع مُعظم الأقوال والعبارات التي تضمَّنتها مقالاتي وردودي بخصوص التسمية الآشورية المُنتحلة ، تلك التي فَنَّدتُ كُلَّ أقوالكم وتلفيقاتكم بشرعيتِها ، وكنيستكم النسطورية التي حَولتم اسمها الى الآثورية ثمَّ الى الآشورية مؤخَّراً  دون وَجه حق ، لأن عملَكَ هذا سيُتيح المجال للقراء الذين فاتهم قراءة مقالاتي وردودي ، الإطلاعَ على الحقائق التي  سَرَدتُّها استناداً الى المُدَونات التاريخية ، سعياً مني الى تنوير عقول الذين غمرها الظلام بحلكتِه الدامسة ، فهي ليست شتائم كما تدَّعي بل دعائم لكي بها تهتدي .

أسألُكَ يا سيد هيدو ،  مَن كان الباديء بالتعَصُّب المقيت ؟ هل الكلدان أم الآثوريون الكلدان ( مُنتحلو الآشورية ) ؟ هل تَحَرَّشَ الكلدان بمُنتحلي الآشورية وطالبوهم بالعودة الى اصولهم الكلدانية ! أم أن العكسَ  الباطلَ هو الذي جرى وباستخدام مُختلف الأساليب المُلتوية ؟ بماذا اتَّصفَ خِطاب مُنتحلي الآشورية ؟ ألم يكن عدائياً صَلِفاً استعلائياً انتقاصياً ؟ ألم يكن خيالياً أحلامياً أنانياً بعيداً عن الواقع خالياً من الوعي ؟ مَن هو المتبنّي لنظرية المؤامرة ، قلمي أم أقلام مُنتحلي الآشورية المبتورة وقلمُكَ واحد منهم ؟ ألستم السائرين في الطريق الشائك حُفاة الأقدام مُثقَّلي الأكتاف ومعصوبي الأعيُن ؟ إن كلماتي بيضاء نقية أنقشُها على سوادكم المُدلهم ،  لعَلِّي أخَفِّفُ من دكونتِه وأقَلِّلُ من رائحته العفنة !

إن الآيات التي  اخترتَها من الكتاب المقدس بصدد بابل هي آيات توبيخية ،  أما الآيات التي  أشرتُ إليها أنا في  مقالتي بعنوان <  العناد العنصري الأهوج . . . > بتاريخ 30 / 9 / 2005 ، هي للنبي نحوم الألقوشي وليست للنبي إشعيا كما عزوتَها أنتَ ، والتي يؤكد فيها انقراض الآشوريين ، وإني أدعوكَ لقراءَتِها جيداً في سفر نحوم الإصحاح الثالث  1 / 7  < حكم على نينوى الزانية  > و 18 - 19 < ندب > بخصوص نينوى وملوكها وأهلها . لم أشأ أن أكتبَ نَصَّها في مقالتي المشار إليها  أعلاه ، إذ سبق لي نشر النص في مقالة  سابقة ، وما كنتُ لأشيرَ  إليها لو لم يستفزَّني  كلامُ  متأشور القوشي أحد المتسابقين لتقديم الولاء للسلطان الآشوري الوهمي .

إن ذِكر المسيح الرب له المجد للآشوريين كان مقارنةً  برجاحة ذنوب وفضائح هذا الجيل وعدم ايمانه ، على فظاعة وبشاعة ذنوب الآشوريين ،  وبالرغم من ذلك استجابوا  لإنذار يونان ،  بينما المُنذر لهذا الجيل أعظم من يونان بكثير مشيراً الى ذاته ! وبذات المنحى أشار الرب يسوع المسيح له المجد والسجود الى ملكة التَيمَن ( سبأ ) التي جاءَت من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سليمان ، بينما بين هذا الجيل رَبُّ الحكمة وواهبُها لسليمان ! أفهمتَ معنى المقارنة يا سيد هيدو  الآن ! ! !

إنكم معشر مُنتحلي الآشورية ذوو باع طويل بإلصاق سفاهاتكم وصفاتكم الذميمة بالآخرين ،  وقد مَلَّت منكم الشعوب المتحضرة بسبب تقوقعكم وتشبثكم بالأفكار الهمجية ومفاهيمها التي عفا عليها الزمن ،  وهل من كان بعيداً عن إله المحبة ، ولا يزال يحدوه الحنين الى الاله الوثني  آشور ، باستطاعته اتهام المُغرم بإله المحبة بالضلال !  يا سيد هيدو عندما أتغيَّب قليلاً عن الكتابة لنيل قسطٍ من الراحة ، تنهال عليَّ الندآتُ تترى ، طالبين مني المزيد ، قائلين ليس هناك سواك من يستطيع فضح أقوال الأباطيل والأكاذيب ، التي تستميت في تلفيقها زمرة ضالة لا تدري ماذا تُريد  وتدري جيداً أنها الخاسر الوحيد .

أنا لستُ معادياً لكنيستكم النسطورية ، بل إنني أرثي لحالها ، وأدعو الله تبارك اسمُه أن يُهديها للعودة الى القطيع الذي أودع المسيح الرب له كل المجد مُهمة رعايتِه الى زعيم رُسُله مار بطرس الصخرة ، لأنني مؤمن بأنها جزء عزيز من هذا القطيع قد ضَلَّ الطريق  . يا ليتكَ يا سيد هيدو أن تعمل طبق الآيات التي ذكرتها ولو بحدِّها الأدنى ، ولا تكن كالمُرائي الذي يرى القذى في عين قريبه ولا ينتبه للخشبة التي في عينه ! كفاكَ تراوغاً وابتعد عن كيل الاتهامات جُزافاً ، فالشماس مردو وليس ( مركو ) بامكانه نعتك بصفات لا تخطر لكَ بالبال ، ولكنه ينأى بنفسه عن الولوج بهذا المجال ، إنه يُجاهر بالحق وأنتَ تنادي بالباطل !

أكرر بأنني لن أنزل الى مستواك البعيد عن القِيم والمفاهيم الحضارية وأكتفي بقول الشاعر ( إذا جاءَتكَ الملامة من جاهل فهي الشهادة لكَ بأنكَ كامل ) ، ولعلمِكَ يا سيد هيدو ، إني على استعداد لمحاورة وجدال ألف مُثَقَّف ولا جاهل واحد !

لا أعتقد أن المحبة المسيحية عامرة بأعماقكَ ، لأن الذي يُوجِّه كلمات الإهانة لقريبه ، لا مكان للمحبة في قلبه ،  ليس لي ما اقوله أكثر ، من أن اطلب من الرب أن يُهديكَ الى الطريق القويم ، ويُجازيك عن إهاناتك بنعمِه .

الشماس كوركيس مردو
في 24 / 6 / 2006


286
المنبر الحر / ما أشنعَ التعَصُّب
« في: 09:57 14/06/2006  »
                         ما أشنعَ التعَصُّب

إنَّ التَعَصُّبَ انعكاس لشعور المُتَعَصِّب بعقدة النقص المُستحكِمة  في ذهنِه وتفكيره ،  تُفقِدُه التوازنَ المطلوب في اختيار الكلمات والألفاظ  الحضارية المُهَذَّبة ،  فيَدفَعُه تَشَنُّجُه  الى قدح المُقابل بنعوتٍ  بذيئة تنضحُ مِن سُويداء قلبه  المُترَع بالحقد والبغضاء ،  وبسبب هزالة لغتِه في  صياغتِها  الركيكة ومعانيها المتفَكِّكة  ، تنقلب الى الهذيان المُبهَم  ،  بهذا الوضع السيِّء  كان الشماس هيدو عندما كتب رَدّاً للشماس مردو ،  وللتأكد  مِمّا قلتُه  أدعو القرّاء الأعزاء  الى إعادة قراءة مقالي  بعنوان (  ليتَ صَوتَ مار باواي يكون نظيراً لصوتِ المعمذان ! ) وقراءة  رد الشماس هيدو  المُتحامل عليَّ دون أيِّ مُبَرِّر ،  ليروا البون الشاسع  بين الحقيقة  التي تطرقتُ إليها وبين الباطل الذي ذهبَ هو إليه !

لقد وصف امّتنا النهرانية  <  الكلدانية ، الآثورية ، السريانية >  بالبليدة  وبالرغم من بلادتِها فهي محسودة حسب تعبيره ،  ولا أدري كيف تُحسَد امة  على بلادتها ! وهل أن الذي يرى في البلادة  مرضاً خطيراً يجب الشفاء منه  يُتَّهَمُ بالضلال ؟  كيف تستطيع امة بليدة  أن تقوم بمهمة الجمع ؟  أليس هذا هذيان !

تمَعّنوا بالخيال الخصب للشماس هيدو < كُنّا امة بليدة  نجتر (نلحس ) جروحنا الحضارية ، نجلس على الأرض ذاتها ، نلعق التراب نفسه ، تخنقنا الأشواك . . . >  كُل هذا يعتبره نعمة ! والأنكى يتَّهم الله تعالى اسمُه  بسلبه مِنّا هذه النعمة ! !  إن الله هو واهب النِعم وليس سالبُها يا شماس هيدو ! النعمة  لا ترضى بالبقاء عند الأغبياء  ،  هل فهمتَ الآن لماذا غادرت النعمة ! ! !

من الطبيعي أن لا تعجبني البلادة  ويُشاركني بذلك  كل الأذكياء ، أما إذا أعجب بها البُلهاء  فلا لوم عليهم ، لأن الأبله والبليد تَوأمان !  بماذا يُنعتُ  مَن يصف الحقيقة ( بالعارية  والعاهرة ) ولا سيما إذا كان متقلداً لرُتبة كنسية هي ( رتبة الشماس ) ! !  ؟  الحقيقة تكون واضحة وساطعة يحترمها مُحِبوها الصادقون ،  ولكنها  مُرة لاذعة  لمًحُبي الكذب والدجل ،  أنا  أعشق الحقيقة  وأتفيّأ  بظلالها الوارفة  ،  أما أنت وأمثالكَ يا شماس هيدو ، فتكرهونها وترتعبون من ذِكرها ،  وهذا هو دَيدَنُ  كل  مُتعَصِّبٍ  للباطل في كل  زمان وكل مكان .

إني لأربأ بنفسي أن ابادلك الإساءة بالإساءة ،  لأن المسيح الرب علّمنا أن نسامح المعتدين علينا  ونبارك لاعنينا ،  أنا لستُ أفضل من سيادة  الاسقف المُصلح مار باواي سورو الذي كُلتَ له التُهمَ جُزافاً ،  مار باواي لديه  خِبرة واسعة بالمنافقين ، وقد اختار أن يُصلح الخراب الذي أحدثه في كنيستِه  المتسلطون المستبدون ،  تنفيذاً  لقول  سيده المسيح له المجد ، الذي أقام  زعيمَ  الرسل بطرس ( الصخر ) رئيساً لكنيسته الواحدة الجامعة <  أنتَ الصخر وعلى هذا الصخر أبني كنيستي وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ، لكَ اعطي مفاتيح ملكوت السموات ، فما تَربطه في الأرض يُربط في السماء وما تَحُلُّه في الأرض يُحَلُّ في السماء >  أين أنتم من أقوال الرب يسوع له المجد !

هنيئاً لك يا شماس هيدو بمُعاداتك للوحدة الكنسية ، التي يسعى إليها  الخيِّرون مُحبو المسيح الرب ،  إن الحساب سيكون عسيراً يا شماس أمام عرش الرب ،  نحن نسعى الى الوحدة التي اوصى بها الرب ، وانتم تستمرئون الفرقة المُخالفة لإرادة الرب ،  نحن نستمد العون من الرب يسوع القائل ( لا تستطيعون أن تفعلوا شيئاً بمعزلٍ عني ) وبعونه ستتقَقَّق وحدة كنيسته  رغم كل عراقيلكم .

ابادلكَ الحب  وأطلب لكَ النعمة الالهية !

الشماس كوركيس مردو
في 14 / 6 / 2006

287
ليتَ صوتَ مار باواي يكون نظيراً لصوت المعمذان !

نعم ، أحُبُّكُم  ! ولكنِّي أحبُّ المسيح أكثرَ مِنكُم !


بهذه  الكلمات الرصينة  رَدَّ سيادة المطران باواي سورو  على اتهامات رئيسه البطريرك مار دنخا  وإخوته  الأساقفة ، التي انطوت على تقييده  ومنعه  عن نشر  رسالة المسيح ( الحقيقة الناصعة ) الصريحة  ( يا  أبتِ القدوس  إحفظهم  باسمِكَ  الذي  وَهَبته  لي  ليكونوا  واحداً  كما  نحنُ  واحد ،  لا أدعو  لهم  وحدهم  بل أدعو أيضاً  للذين  يؤمنون  بي عن  كلامِهم  فليكونوا  بأجمعهم  واحداً : يوحنا 17 / اا و 17 / 20 - 21 )  هذه  هي  الرسالة التي  استخلصتُها  من فحوى  كلام الاسقف  باواي الذي أصغيتُ  إليه  في محاضرته  التي ألقاها  على تَجَمُّع  كلداني  بغالبيته  العظمى في نادي شنندوا الكلداني قبل أكثر من شهرين ، واعتقدتُ أنه  قد  وضعها نصبَ  عَينَيه  وفي  فكره  وتَصَرُّفه ، مُعتبراً  إياها امتداداً  لجهوده  منذ أن كان عضوا  رئيساً  في لجنة  العمل  على التقارب  الكنسي  بين الكنيستين  الكلدانية  الكاثوليكية  والنسطورية  بشقَّيها ، التي شاركت العالم مؤخراً  باعتماد التقويم  الحديث  وتلكَ  المُتمسِّكةِ  بالتقويم  القديم ،  بعيداً  عن مُغريات  السُلطة   والنفوذ  الدنيوية  التي للأسف  قد انقادَ  لها  الكثيرُ من رجال الدين في يومنا هذا .


بين كُلِّ حقبةٍ زمنية وبُقعةٍ جغرافية  يظهر رجال مُتميِّزون  ورجال مهزوزون ، فالنوعُ  الأولُ  يتبنَّى الحقَّ  بقوةٍ  ويُخلصُ  له  بتفاني ، مُعتبِراً إياه هدفاً سامياً ومبدأً مسيحياً  لا بل مطلباً  رَبّانياً ،  والنوعُ الثاني  يتمايلُ  بين اليمين والشمال  وفق موازنةٍ  تضمُنُ له  المجدَ  والنفوذَ  الدُنيويين ، ناسياً أو متناسياً  بأنه قد  اؤتُمِنَ  للخدمة  في كرم الرب وعليه أن يجعل الكرمَ  يُثمِرُ ثماراً جيدة  وغزيرة ، ولذا نرى الصراع بين الطراز الأول  والثاني من الرجال ،  قديماً  ومُزمِناً ،  إنَّه صراع الحقِّ مع نقيضه !


وَضعتُ مار باوي في خانة الرجال الذين من الطراز الأول ، مُتجاوزاً على مبدئَي الثابت  وإزالةً للشكِّ  من اليقين لديَّ  بصحة  ما أنا واثق منه ،  بأنه  ليس هنالك  بين  مُنتحلي الآشورية  مَن يُقِر بحقيقة  شعبنا التاريخية  وواقعه  الراهن  حتى ولا  واحد ، وتَوَصَّلتُ  بأن  مَبدَئي هو الصحيح  بالمُطلق ،  لأنه نابع  من اختباري المُعَمَّق للخطاب السياسي الآشوري  لفترةٍ  طويلة  ، ذلك الخطاب المُتصف بالأنانية والعجرفة والموغل في التزَمُّت والعنصرية ، المبني على أسُس من رمل الأباطيل والأكاذيب الواهية .  فهل يا تُرى ، سأكون مُوَفَّقاً فيما ذهبتُ إليه بصدد الاسقف مار باواي سورو ، ويُثبتُ  ذاته  قولاً وفعلاً  بأنه  الرجُل المتمَيِّز  والمُلهَم  من الروح القدس ، ليقوم  بالدور الذي قام به  أفضل من  ولدتهم النساء  بشهادة  إبن إله السماء  رَبنا يسوع المسيح  له كُل المجد  والثناء ( مار يوحنا المعمذان ) ذاك الذي أنبأ عنه الآنبياء  حزقيال  وملاخي  وإشعياء !  <  وأنزَعوا  من لحمِكم  قَلبَ الحجر وأعطيكم  قلباً  من لحم : حزقيال 36 / 26 >  < ها أنا  مُرسل رسولي فيُعِدُّ الطريقَ أمامي : ملاخي 3 / 1 >  < صوت صارخٍ في البرية : أعِدُّوا طريق الرب واجعلوا سُبُلَ إلهنا في الصحراء قويمة : إشعياء 40 / 3 > .


فما أشبه الكنيسة النسطورية بشقَّيها  < التي غُيِّرت الى كنيسة المشرق الآثورية  مؤَخراً >  المُتشبِّثة  بانفصالها  عن الكنيسة  المقدسة الجامعة ،  بالكنيسة التي أشار إليها  إشعياء النبي : 54 /1 <  أيتها التي لم تتمَخَّض فإن بني المهجورة أكثر من بني المتزوجة > والتي إلى أبنائها  وَجَّه  يوحنا المعمذان كِرازته ، فما أجدركَ  لكي  تقتدي  بالمعمذان  وتصرخ بأبنائها  منادياً إياهم  للعودة  الى الطريق النيِّر القويم  وتركِ طريق الضلال المُظلم ،  كفى هذه الكنيسة استوحاشاً  وضياعاً في البرية ، نَوِّرها  بنظرتك الروحية  لكي  يعود أبناؤها الى الحظيرة الأمينة ( حظيرة الكنيسة الجامعة المقدسة ) ولا بأس من بقائها على تسميتها الحديثة .  إسعى الى توحيد  شطري  الكنيسة الآثورية النسطورية  فهي الخطوة  الاولى لقطع  مسافة  الألف ميل  التي بدأتها ،  إن عودتها  الى أحضان الكنيسة الجامعة المقدسة هي الغاية الأساسية ،  اترك مسألة اتحادها  بالكنيسة الكلدانية الكاثوليكية  للزمن فهو  كفيل  بها ،  لأن المناداة  بمثل هذا  الاتحاد  الآن  مليء بالصعوبات ، فهنالك  بين أبناء هذة الكنيسة أفراد مُتزَمتون مُتصلِّبون قد خَلت نفوسُهم من روح الفهم والمحبة ،  وهي برغبة العِناد والانعزال مُشبَعة  ، وأنتَ خير مَن يعلم بأن كنيستهم هي الكنيسة الوحيدة بين كنائس العالَم غير مُستحَبّة  بل الوحيدة الشاذة .


ستسمع الكثير من التهَجُّم والهُجاء  من بعض مُنتسبي هذه الكنيسة  التي تحاول تجديدها  وإلباسها الحُلَّة  المسيحية القشيبة الناصعة بدلاً من حُلَّتِها القديمة غير اللائقة بها ،  ويتَّهمونك  بكُلِّ ما بهم من  عيوبٍ وسيِّآت ، لأنهم بعيدون عن أقوال المسيح الرب له المجد الذي أوصى بممارسة المحبة  التي هي  حجر الزاوية في البناء المسيحي ، أين هم مِن < إذا أحَبَّني أحد حَفِظَ  كلامي، فأحَبَّه أبي ونأتي إليه  فنَجعلُ لنا عنده مُقاماً : يوحنا 14 / 23 >  لقد  أوصدوا أبواب  قلوبهم لكي لا يدخل إليها  الحق ، ولا يتَّخذ الرب منها مَسكناً ، لأنها مليئة  بإغراءآت الشيطان  كالكبرياء  وحُب الثراء  والإثراء والمجد الدُنيوي الذي يؤول الى الفناء .  كيف تلتقي  محبة الله  مع محبة المال التي هاموا بها ،  يعتبرون غيرتك على تنوير أبناء الكنيسة  من جهالتهم  عصياناً  عليهم ، وشتّان  ما  بين التنوير والعصيان ! لم تستطع مؤامرات الكَتبة والفريسيين النيل من عزيمة يوحنا المعمذان ، بل زادتها قوةً  فصرخ بهم مُوَبِّخاً  < يا أولاد الأفاعي ، مَن أراكم سبيلَ الهرب مِن الغضب الآتي : متى 3 / 7  ها هي ذي الفأس على اصول الشجر، فكُلُّ شجرةٍ لا تُثمِر ثَمَراً طيِّباً تقطع وتُلقى في النار : 3 / 10 >  فما  أروعكَ  بالإقتداء  به .


لقد جعلوا من ايمانهم نوعاً من الفكر الفلسفي بصيغة كلام مُنَمَّق ، وليس أمراً إلهياً بمثابة  إرثٍ ثمين أورثه الرب له المجد لكنيسته  بشخص هامة الرُسُل  بطرس بن يونا  وتناقلته جيلاً بعد جيل ، يُنكرون أمر المسيح  الرب  بتوليته  زعيمَ  رُسله  لرئاسة  كنيسته  ، ويُشوِّهون هذا الامر الالهي  بالشكل  الذي يتّفق مع رغبات  نفوسهم  الأمّارة بالسوء ، الساعية  للوصول الى الرفعة  والمجد الدُنيوي بكُلِّ ثمن ،  مُتجاهلين حديث المسيح الرب المُوَجَّه الى تلاميذه عندما سألهم : مَن هو ابن الإنسان في قول الناس ؟ قالوا ، < بعضهم يقول هو يوحنا المعمذان ، وبعضهم الآخر يقول هو ايليا وغيرهم يقول هو إرميا أو أحد الأنبياء > فقال لهم : ومن أنا في قولكم أنتم ؟ فأجابَ سمعان بطرس <  أنتَ المسيح ابن الله الحي ! > فأجابه يسوع : < طوبى لكَ يا سِمعان بن يونا ، فليس اللحم والدم كشفا لكَ هذا ، بل أبي الذي في السموات ، وأنا أقول لكَ : <  أنتَ صَخَرٌ ، وعلى الصَخَر هذا أبني كنيستي ، فلن يقوى عليها سُلطانُ الموت ، وأعطيكَ مفاتيح ملكوت السموات ، فما رَبَطَّته في الأرض رُبِطَ في السموات ، وما حَلَلتَه في الأرض حُلَّ في السموات . متى 16 / 13 - 14 - 15 - 16 >  وقد وافقَ تصريح يسوع هذا ما قام به بطرس من دور رفيع منذ أول أيام الكنيسة ، وعلى هذا النص ، استندت الكنيسة الكاثوليكية في بناء تعليمها القائل ، بأن خلفاء بطرس هم ورثة رئاستِه ، وهو ما كان يجب أن يعتمدَه التقليد الارثوذكسي ، الذي يعتقد اعتقاداً وشتّان ما بين الاعتقاد والجزم ، بأن جميع الأساقفة المُعترفين بالايمان القويم في أبرشياتهم هم خلفاء بطرس وخلفاء سائر الرُسُل ،  ورغم هذا الاعتقاد الذي استُخدِم مُبَرِّراً للانفصال ، فإن الأولوية لوريث كُرسي روما البطرسي  مُعتَرفٌ بها  من قبل جميع أساقفة كنائس العالم علناً وضُمناً ما عدا أتباع الكنيسة النسطورية  المُتخلفة عن رَكب العالم ولذلك اعتُبِرت كنيسة شاذة .


أين أتباع الكنيسة النسطورية ( كنيسة المشرق الآثورية مؤخراً ) بشطريها مِن قول يسوع لسِمعان بطرس بعد ترائيه لتلاميذه للمرة الثالثة منذ قيامتِه المجيدة : <  يا سِمعان بن يونا ، أتُحِبُّني أكثرَ مِمّا يُحِبُّني هؤلاء ؟ قال له ، نعم يا رب ، أنتَ تعلم أني أحِبُّكَ حُبّاً شديداً ! قال له : إرعَ حملاني : قال له مرةً ثانية < يا سمعان بن يونا ، أتُحِبُّني ؟ قال له ، نعم يا رَب ، أنتَ تعلم أني أحِبُّكَ حُبّاً شديداً ! قال له : إسهر على خرافي : قال له ثالثةً <  يا سِمعان بن يونا ، أتُحِبُّني حُبّاً شديداً ؟ فَحَزنَ بطرس لأنه قال له في المرة الثالثة ، أتُحِبُّني حُبّاً شديداً ؟ فقال يا رَب ، أنتَ تعلم كُلَّ شيء! أنتَ تعلم أني أحِبُّكَ حُبّاً شديداً ! قال له إرعَ كباشي . > . لقد كان  قصدُ الرب  بتَكراره  السؤال لبطرس ثلاث مرّات ، تَذكيرَه  بتصريحاتِه  الحماسية  وبإنكاره  ثلاث مرّات   يوحنا 13 /37 ، متى 26 / 30 - 35 ، مرقس 14 / 26 - 31 ، لوقا 22 / 31 - 34  .
 اعترف بطرس بِحُبِّه  الشديد ليسوع ، ايماناً منه  بعِلم يسوع  ما في  القلوب ، وبدون  إدِّعاء التفوّق على غيره ، ولذلك  ولعُمق المحبة  التي كان يًجاهرُ بها بطرس ويحياها ، يَعهَدُ إليه يسوع مُرسَلُ الآب والراعي الوحيد بالمُهِمّة  الرَعَوية  لقطيعه ، يوحنا 10 / 14 و 10 / 1 - 16 .  ولا بُدَّ أن مار باواي  يُريد إفهام هؤلاء  بأقوال  يسوع أو ربَّما تذكيرَهم بها ليرعووا ويعودوا للسير في المسار الصحيح الذي رسمه السيد المسيح .


لقد قرأتُ الكثير من المقالات المُتشَنِّجة  لأصحاب العقول المُتجمِّدة  والآراء المُتخلِّفة ،  الذين هَزَّت  حركَةُ  مار باواي التصحيحية  أركانَ  أسيادهم الكتبة  والفريسيين المُتسلطين على تسيير امور  كنيستهم المتعثِّرة  في مسيرتِها الروحية ، بسبب غرقِهم حتى آذانهم في بحر العالم المادي الخالي من الروحانيات ،  وقد تضمَنَّت الكثير  من التجريح  والإجحاف في حقِّ اسقفٍ طال انتظارُه ، اسقفٍ نذر نفسه  لمُخَلِّصه  في تطبيق تعاليمه  التي  آمن بها ، وجعلها  مَنهجاً لرسالتِه في الحياة ، اسقفٍ يُريد  تجديد  الكنيسة  المتصَدِّعة الأركان الروحية ،  إنقاذَها من براثن التَخَلُّف والانحسار ،  لكي تطوي صفحتها السوداء التي لازمتها طوال قرون عديدة ، وتفتحَ  صفحة جديدة نقية بيضاء لتتقدم الى الأمام روحياً  .


بهذا الصفاء الروحي قَيَّمتُ  حَرَكَةَ مار باواي  بل ثورتَه التصحيحية لانتشال الكنيسة النسطورية ( المشرق الآثورية مؤخراً ) وإخراجِها من هُوَّة التَيهان الواقعة فيها ، بسبب عُزلتِها المُرتبطة بأهواء المُتسلِّطين على شؤونها ، المُنهمكين بالماديات والهاملين للروحانيات مُتَّخذينَ  منها ستاراً للتغطية ،  ولذلك كان من الضروري أن يبرز مُنتفضٌ لتقويم الإعوجاج وتصحيح المسار واتخاذ موقف جريء  لإجراء التجديد في الكنيسة وفي الروح المسيحية لأبنائها  . أما إذا كانت هذه الحركة نابعة مِِن رؤية سياسية كما تتحدَّث الإشاعات ، فتلك مُصيبة كُبرى ، وستبوءُ بالفشل ، وسيكون الاسقف باواي الضحية ، لأنه في هذه الحال سيصطدم بموقفٍ كلداني مُتصَلِّبٍ جداً وموقف سرياني مُعارض ،  فقد سبق للكلدان والسريان أن اختبرا نوايا ما تُسمّى بالحركة الآشورية  ( زوعا ) التي تسعى بكُلِّ الطرق لاحتواء الكلدان والسريان تحت المظلة الآشورية  الغريبة عنهما ، لأنها  تسمية وثنية  لا تليق أن يتسمّى  بها أي مسيحي  لكونها  مُشتقة  مِن اسم الإله  الوثني آشور ،  وهي مناقضة تماماً للتسمية القومية الكلدانية التي  نبذ أبناؤها إلهَهم الوثني  مردوخ  فور تَقَبُّلهم للبشارة المسيحية ، فهل سَها الاسقف باواي عن هذه الحقيقة ؟ أرجو أن تكون الشائعات في غير مَحلِّها وتكون حركة مار باواي روحية صرفة ، وأن تترَكَّز على تجديد  البيت الآثوري فقط ( لا الآشوري ) بقسمَيه ذي التقويم الحديث والقديم ، لأن البيت الكلداني  ثابت الاسس وقد أصبح صرحاً شامخاً  منذ أن وضع أساسه على الصخرة البطرسية ،  وفي الوقت الذي نتمنى لمار باواي النجاح في مسعاه لتجديد البيت الآثوري  نتمنى أن تكون اسُسُه  على الصخرة البطرسية ، إنه مشوار طويل يتطلَّب جُهداً وصبراً طويلين ، وليكن الله في عونِكم أيها الاسقف الجليل .




الشماس كوركيس مردو
في أ / 6 /2006

288
                     الآثوريون الكلدان بين الحقيقة والأوهام

لقد  كتبَ  الكثيرُ مِن المُفَكِّرين والكُتّاب الكلدان وهم يَرثَون لحال أحفاد  تلك القِلة من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية ، الذين انشقوا عن إجماع الغالبية من إخوتِهم الكلدان  باسترداد مذهب آبائهم وأجدادِهم ( المذهب الكاثوليكي ) في منتصف القرن السادس عشر ، إصراراً منهم  للبقاء  في المذهب  النسطوري  الذي  جلبَ  عليهم المصائب والمآسي  واكتوت بنارها  أجيالُهم  اللاحقة ، ولا سيما بعد أن عثرت عليهم إرساليات الكنيسة الانكليزية التبشيرية بحدود منتصف القرن التاسع عشر  في منطقة سُكناهم الجبلية ( هيكاري )  ،  فأغراهُم  رجالُها  الدُهاة  مُستغلين  وضعهم المأساوي المُزري ،  واعدين إياهم  بالفِردوس المفقود بعد أن أفلحوا في إقناعهم  بأنهم  سيفعلون كُلَّ شيء في سبيل  جَعلِهم  ينتمون الى الآشوريين  القدماء في نظر العالَم ،  ويسعون الى إقامة  كيان سياسي  لهم  إحياءً  للكيان  الآشوري القديم المُنقرض ،  أسكرَهم خَمرُ هذه الوعود  الكاذبة  حتى الثُمالة ، فتبنّوا التسمية  < الآثوررية >  وفق الرغبة الانكليزية  بدون تروّي أو تَحَسُّبٍ للعواقب ،  وأصبحوا أداةً  طيِّعة  للانكليز  يُسَخِّرونهم  لخدمة  مصالحهم  وأهدافهم السياسية ، وبهذه  الخُدعة الجَهَنمية  انتصروا  وسلخوا عن جسد الامة الكلدانية  جُزءاً عزيزاً  من أبنائها  هم أبناء الكلدان الباقين على النسطرة ، انتقاماً  من أبناء  هذه الامة  الكلدانية  الذين عادوا الى أحضان امِّهم  الكنيسة الكاثوليكية الجامعة ،  ساخرين  من وعودِهم  الكاذبة التي لم تنطلي عليهم  كما  انطلت على  إخوانهم  الذين أشرنا إليهم .


إننا نحن الكلدان ينتابُنا  الألم عندما  نرى أحفاد اولئك المخدوعين  باللعبة الانكليزية ،  ورغم معرفتهم التامة بها  لا زالوا  أسرى لها ، يُزَمِّرون  ويُطبِّلون وهم  يدورون  في دَوَامة  الأوهام  مُرَدِّدين  الشعائر الرنّانة  وفَرِحين بأحلام اليقظة ،  التي أفقدتهم القدرة على التفكير والتحليل لمعرفة الحقيقة الواضحة وضوح الشمس في رابعة النهار ، بحيث لو أفسحوا المجال لأذهانهم  ولو جُزئياً  للتأمُّل بالواقع الموضوعي ،  لأَدركوا عُمقَ الضلال  الذي أوقعهم به الفارضون عليهم سُلطانهم  والماسكون بدَفَّة قيادتِهم ، موهِمين إياهم بالوصول الى  تلك الوعود الكاذبة والبعيدة عن منطق الحقيقة ، إذ قد صيغت باسلوب الكذب والدَجَل ،  فحتى متى  تنتفضون على هؤلاء المُضلين وتُزيحونهم عن  طريقكم  ليستنير من ظلامهم ،  فيقودكم للإلتحاق باصولكم الكلدانية بعد أن  طال ابتعادُكم كثيرا !


وحتى لو افترضنا جدلاً  وكما أوهم أسلافَكُم العُملاءُ الانكليز على لسان مبعوثي الكنيسة الأنكليكانية ، بأنهم  ينتمون الى الآشوريين القدماء ،  وأن اولئك الآشوريين لم ينقرضوا بالكامل مُخالفين بذلك تأكيدات مُعظم العلماء والمؤرخين بانقراضهم ،  ولكن مَن كان الآشوريون القدماء ؟




الحقبة الآشورية الاولى ( 2250  -  1813 ق . م

تبدا هذه الحقبة بِغزو القبائل البدوية الجبلية المُسمّاة  شوبارو أو (سوبارو ) للمُستوطن السومري في شمال وادي الرافدَين في النصف الثاني من مُنتصف الألف الثالث قبل الميلاد ، وبعد أن استقرّوا  فرضوا على السومريين السكّان الأصليين أن يعبدوا إلهَهُم الآسيوي الجبلي ( آشور ) الذي جلبوه معهم ،  حيث قام حاكمُهم السادس عشر ( اوشِبيا ) بعد حاكمهم الأول الشيخ ( توديا ) ببناء مَعبدٍ له على أنقاض معبد الإلهَةِ السومرية  إنانا ( عشتار )  وحوّلو المُستوطن الى مدينة صغيرة  أطلقوا عليها اسم إلهِهم ( آشور ) وفي نحو عام 2000 ق . م  شيّدوا سوراً حول المُستوطن على عهد ملكِهم الثامن والعشرين ( كيكيا )  فجعلوا  آشور مدينةً مُحصّنة ، ولكن كما يقول الآثاري نيكولاس بوستكَيت لم تكن ذات أهمية ، استمرَّ حُكم الشوباريين حوالي  أكثر من أربعة قرون بقليل حيث سقطت مدينتهم آشور على عهد آخر ملوكهم (ايروشيم الثاني ) الذي استلم الحكم في عام 1820 ق . م ، بيد أن الملك العموري شمشي أداد الأول الذي يقول عنه المؤرخ المعروف(اوبنهايم)  أنه  كان فاتحاً أجنبياً بالنسبة للشوباريين الآسيويين ، احتَلَّ مدينة آشور التي بناها الشوباريون ، وأسّسَ دولة سمّاها الدولة الآشورية نسبةً الى اسم المدينة واسم إلهِها آشور ، ولم يستقرَّ فيها كثيراً ، حيث عاد لإدارة شؤون مملكته الى مدينة ايكالات الواقعة شمال مدينة آشور على الساحل المُقابل  والتي انطلق منها  لدى احتلاله لآشور  ،   وبالرغم من تبنّي مملكته للتاريخ الآشوري المحلي إلا أن التداول الكتابي والتفاهم اللغوي كانا بابليين .


إن  المؤرخين الآشوريين ومنذ القِدَم تجنّبوا دَرجَ الفترة الآشورية  الاولى  أي عهد القبائل الشوبارية الغازية التي شيّدت مدينة آشور وروّجت لعبادة إلهِها الآسيوي آشور ، ومن اسم آشور الثُنائي للاله والمدينة استمدَّ الاقليم تسميته ،  وكذلك فعل المؤرخ العراقي الكبير الاستاذ طه باقر حيث تجاهل في كتابه ( مقدّمة في تاريخ الحضارات القديمة ) ذِكر الحقبة التاريخية للشوباريين الأجانب ، ويبدأ التاريخ الآشوري بعهد الملك شمشي أداد الأول .


إذاً الدولة الآشورية  تمّ تأسيسُها من قبل جماعات وطنية رافدية لا علاقة لها بالشوباريين الآسيويين الأجانب بأيّة  صِلةٍ من الصِلات ، هي  الجماعات التي  يقول عنها المؤرخ الآثوري الانتماء والروسي المولد  قسطنطين ماتفييف ،  في بدايات الألف الثاني قبل الميلاد خرجت موجاتٌ بشرية  عمورية  من المهاجرين والمطرودين من الأراضي البابلية  وتوجّهَت نحو شمال مابين النهرَين واستوطنت منطقةً الى شمال مدينة آشور ، وبعد أن قويَت شكيمتُها  احتَلَّت مدينة  آشور وأزاحت عدداً كبيراً من  سُكّانها الشوباريين بُناتِها الى خارج حدودها ،  وتمكّنت بعد زمنٍ  من إنشاء دولة جَعلَت من مدينة آشور عاصمةً لها ، وأطلقت على تلك الدولة اسم < الدولة الآشورية >  نسبةً الى اسم المدينة واسم إلهِها الأجنبي الآسيوي ( آشور ) . وهذا ما أورَدَهُ الداعية الآثوري  ماتفييف في كتابه :

<  الآثوريون والمسألة الآثورية >  ( أسّسَ الخارجون من بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين ، كانت أكبر مُدُنِهم  آشور ، ويستطرد : أصبحت آشور في مطلَع القرن الثامر عشر قبل الميلاد مركزاً لدولةٍ عًظمى ،  ويُضيف : إن الآشوريين ينتسبون الى الشعوب السامية ويَرجعون  بجذورهِم الى البابليين )  أليس هذا الاعتراف من قبل الباحث الآثوري بأن الآشورية هي تسمية  موطنية سياسية  وليست قومية كما يدّعي  منتحلو الآشورية المعاصرون ! وأن انتساب الآشوريين القومي يعود  الى العموريين أحفاد البابليين الكلدان ! وما حدا بهم الى تسمية ذواتهم بالآشوريين كان مُسايرةً للواقع الاقليمي المطبوع بالتسمية الآشورية لأكثر من أربعة قرون سابقة ، وهذا لا يجعلُ منها قوميةً لمؤسّسي الدولة الآشورية العموريين المُنحدرين عِرقياً عن  البابليين  أحفاد الكلدان الأوائل مؤسسّي سُلالتي  كيش واريدو .


ويقول المؤَرخ والآثاري الكبير طه باقر في الصفحة 472 من كتابه <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة >  إن الآشوريين  نزحوا من جنوب بلاد ما بين النهرين الى الشمال وأسسوا موطناً لهم هناك  .  وفي كتابه < الآشوريون في التاريخ > يقول ايشو مالك جوارو في الصفحة 11 ( من المُعتقد أن القائد الكبير جد الآشوريين قد هاجر هو أيضاً  من شنعار وحَلَّ في آشور ) . وجاءَ في كتاب < العراق في التاريخ / للدكتور عامر سليمان ص. 120 : إن الذين تبنّوا تسمية (آشور ) كانوا مجموعة من سُكّان بلاد بابل ، هاجروا الى شمال بلاد وادي الرافدين واتخذوا منه موطناً لهم  ، وبعد قرون من الزمن ، تَمَكّنوا من تأسيس دولة قوية خَضَعَ لها العديد من أقاليم الشرق الأوسط ودُوَيلاتِه في مطلع القرن التاسع قبل الميلاد ،  كان  طابعُها عسكرياً  خالصاً ، استُمِدَّ  اسمها من اسم إله المدينة ( آشور ) الذي عَمَّمَت عبادتَه القبيلةُ  الحاكمة  من تلك المجموعة  التي هاجرت أرض شنعار في عاصمتِها  والأقاليم التابعة لسُلطتِها ، وقد تَسَمّى باسم آشور بعضُ  ملوك هذه الدولة  تَيَمُّناً باسم إلهِها ، مِمّا يؤَكِّد بأن الاسم الآشوري كان ذا مدلول ديني محض ولا علاقة له  بأي مدلول قومي أو عِرقي ، ولذلك  إضمَحَلَّ هذا الاسم عندما  تَحَطمَ  تمثال الإله آشور  بسقوط الدولة الآشورية وانقراضها ، إذ لم يبق هنالك مَن يأبه به ، إلاّ كأثرٍ جغرافي فقط ،  أليست تأكيدات المؤرخين هذه  دليلاً  ناصعاً  كون الآشوريين القدماء يعودون بجذورهم الى البابليين الكلدان !


تأسيس الدولة الآشورية الاولى


إذا استثنَينا العهد الآشوري الأجنبي  المعروف بالعهد الشوباري الذي سَبَقَ الحديث عنه  ، والذي لا يعتبرُهُ المؤرخون بدايةً للتاريخ  الآشوري بل لا يُنسَب الى الدولة الآشورية ،  فتكون بداية التاريخ الآشوري القديم بعهد الحُكم الوطني الذي أسّسَهُ  الملك العموري ( شمشي أداد الأول 1813 - 1781 ق .م ) إبنُ بابل أو إبنُ كاردونياش وتعني  بابل  بلغة الشوباريين  وبقية القبائل  الهندواوروبية ،  وحيث أن ( شمشي أداد Shamshi-Adad ) جعلَ من مدينة آشور عاصمةً لمُلكه بعد احتلاله لها ، عمّم اسمها على  دولته  فدعاها( الدولة الآشورية ) و سمّى الأقوام المُنضوية تحت لِوائها ( آشوريين ) ، كان شمشي أداد ذا طموح كبير  ، فبدأ بتوسيع رُقعة مملكته  وباحتلاله لمملكة مدينة ماري أصبحت مملكتُه تشمل آشور  وايكالات وماري على نهر الفرات ، فوضع مدينة ماري تحت حُكم ولده ( يَسمح أدو Yasmah- addu ) ومدينة ايكالات تحت حُكم ولده الثاني (أشمي داغان Ishmi-Dagan ) الذي خلفَهُ على عرش آشور سنة 1780 ق . م وفي سنة 1760 ق . م  انضوت مملكة آشور تحت نفوذ امبراطورية حمورابي البابلية .


العهد الامبراطوري الثاني أو الحديث


إبتدأ هذا العهد  بالسُلالة الوطنية السابعة المعروفة ( بالسُلالة السركَونية Sargonic Dynasty )


يعزو مؤلِّف كتاب تاريخ كلدو وآثور المطران أدَّي شير تسنُّمَ سركَون الثاني  قائد الجيش الآشوري الأعلى عرشَ الدولة الآشورية  الى عدم وجود إبنٍ للملك شلمنصَّر الخامس ليَخلِفَهُ على العرش ، فنودِيَ برئيس قادة الجيش ملكاً على آشور ، واتَّخَذَ له لقباً باسم ( سركَون الثاني ) تيمُّناً باسم سركَون الأول ملك الكلدان أول امبراطور في التاريخ  مؤسِّس امبراطورية أكد ، ولم يكتفِ بذلك بل قام ببناء مدينة جديدة له أطلق عليها اسم (دور شروكين ) الاسم الذي أطلقه الامبراطور سركَون الأكدي على منطقة عاصمته ( أكد ) كما وضَّحتهُ التنقيبات الآثارية   .  حاول  سركَون الثاني الاقتداء بسَلَفَيهِ  تكلت بيلاسر الثالث وشلمنصَّر الخامس اللذَين كانا يكُنّان حُباً وإعجاباً كبيرَين لبابل  مُفضِّلَين إياها على نينوى  مما أثار غضبَ الآشوريين ، وكان هذا أحدَ المآخذ  التي حَدَت بهم للامتناع عن مبايعة  ملكٍ من سُلالتِهِما ،  وأرادَ سركَون  تنصيبَ  ذاته ملكاً  علي  بابل اسوةً بهما ،  بيدَ أن البابليين الكلدان أعرضوا عنه  وقاوموه  بقيادة ملكِهِم الثائر مردوخ بلادان مما اضطر سركون للاعتراف باستقلالية بابل وبشرعية الملك مردوخ بلادان في حُكمِها .


تَدَهوُرُ دولة آشور وانقِراضُها :

يقول الآثاري( نيكولاس بوستكَيت) ، لم يكن الانحطاط السياسي لدولة آشور مُتوقعاً بهذا الشكل السريع ، كما لم يكن سقوطُها مفاجئاً ،  ولكن اختفاءَها التام كان لُغزاً مُحَيِّراً ، ظَهَرَت امبراطوريات مماثلة وانهارت كالمملكة الحِثِّية العظيمة ، بيدَ أنها لم تختفِ اختفاءً كاملاً  مثلما حدث للدولة الآشورية  ، والشيءَ ذاته يُؤكِّدُهُ المؤرخ ( سِدني سمِث )  <  إن زَوالَ الشعبِ الآشوري سيبقى دائماً ظاهِرةً فريدةً ومُلفتةً للنَظَر في التاريخ القديم ، ممالكُ  وامبراطوريات مُماثِلة قد تَوارَت حَقاً ، ولكن الشعبَ استمَرَّ في الوجود . . . لم يُسلَب ويُنهَب أيُّ بَلَدٍ آخَر على ما يبدو بالصورة الكاملة كما حَصلَ لبِلادِ آشور ! >  ويقول البروفيسور  سيمو باربولا / جامعة هلسنكي  ( بعد حَربٍ أهليةٍ مُطوَّلة استطاع البابليون أي الكلدان والميديون المُخضَعون سابقاً لبِلادِ آشور أن يَقهَروا ويُدَمِّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهدِ الآشوري الحَديث ، وتلاشت المدينة العظيمة في لَهيبٍ من النيران ، ولم تَستَعِد مَنزِلتَها السابقة أبداً . وبعد ذلك بثلاث سنوات  قامَ نفسُ المُتمَردين ثانيةً  بتَدمير العاصِمة الآشورية الغَربية < حرّان >  ساحقين بذلك آخِرَ خَندق للمقاومة لملكِ بلاد آشور الأخير < آشور اوبليط الثاني > هذا الحدَث خَتَمَ مصيرَ الامبراطورية الآشورية ، وهنا ينتهي عادةً عَهدُ الآشوريين في الكُتُب التاريخية ) ويُضيفُ باربولا ( أولاً : قلَّما لَمِسَ  عُلماءُ الآشوريات هذه المسألة حيث يبدو أن أغلبَهُم يتَّفقون وبدونِ الإدلاءِ علناً مع الفِكرَة القائلة بأن الآشوريين قد اُبيدوا عن بِكرة أبيهِم كما ذَكر من قبل المؤرخ سِدني سمِث . ثانياً : على خِلاف وَفرَةِ المعلومات عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات عن بلاد آشور ذاتِها  يبدو مؤازراً لفِكرة الإبادة الجماعية  والتي تبدو أيضاً  مُعَزَّزة  بإفادات شهود  العَيان القُدَماء . )  وقد  تَحَدّى المؤَرخ الأب ألبير أبونا  في  مقالتِهِ المنشورة  في موقع عَنكاوا.كوم  الالكتروني < البحث عن القومية >  كُلَّ  أدعياء  الآشورية المُعاصرين المُتزَمتين وبعض المُنجرفين وراءَهم من الكلدان المُغَرَّر  بهم  إن كان  بإمكانِهِم إثباتَ  عدم انقراض الآشوريين النهائي بأدِلَّةٍ  علمية وتاريخية  بعيداً عن الدَجَل السياسي المبني على التزوير والتحريف.


الملك نبوبيلاصَّر Nabopolassar

( 626 - 605 ق . م )


 الابنُ الكلداني البار  نبوبولاصِّر هو إبنُ الملك ( بيل ابني ) الذي تسنَّمَ عرش بابل عام 702 - 700 ق . م  في عهدِ الملك الآشوري سنحاريب ،  كان حاكماً على  القطر البحري على عهد  حفيد سنحاريب الملك آشور بانيبال ،  وكان يتحيّنُ الوقت المناسب ليستعيد عرش بابل من مُغتصبيه الآشوريين ،  فبعد موت آشور بانايبال عام 627 ق . م تفاقمَ  تدهورُ  الأوضاع  في الدولة الآشورية عمّا  آلت إليه في أواخر  فترة حُكمِهِ  ، فانتهزَ الفرصة  نبوبيلاصَّر وأعلن الاستقلالَ عن الدولة  الآشورية  واعتلى العرشَ البابلي عام 626 ق . م  ،  مؤسِّساً  سُلالة  بابل الحادية  عشر الدولة البابلية  الكلدانية  أو البابلية الحديثة  ثمَّ الامبراطورية الكلدانية  أو الامبراطورية البابلية الحديثة  .  قامَ  بتصفية  الوجود  العسكري الآشوري من المناطق البابلية ،  وفَرَضَ حُكمَهُ  على الجنوب بأكملِهِ  بتوحيدِهِ القبائل الكلدانية  تحت  الهويَّة الكلدانية الواحدة ، مُلغياً  بذلك  نظامَ القبائل والبيوتات المتعدِّدة ،  ثمَّ بدأ بضمِّ مناطق واسعة الى مساحة مملكَتِهِ  من الشمال والشرق والغرب  ، وبعد قضائه بالتعاون مع حليفه الملك الميدي  كي اخسار على الدولة الآشورية  ما بين عامي 612 - 609 ق . م  أصبحَ اقليم آشور وكافة  المناطق التابعة له حتى حدود آسيا الصغرى اليوم  بما في ذلك آشور ونينوى  وأربيل ( حدياب )  كما  أفادَت المصادر التاريخية  <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر ص. 548  -  عظمة بابل / هاري ساكز ص. 170 - 171 - تاريخ  سوريا  ولبنان  وفلسطين / الجزء الأول / فيليب حتي ص. 155 - 156 -  انتصار الحضارة /  جيمس هنري ترجمة  أحمد فخري ص. 231 وهنالك مصادر اخرى كثيرة >  ضمنَ  مساحة الدولة  البابلية  الكلدانية بالاضافة الى بلاد الشام  وفلسطين ولبنان وشبه الجزيرة ، حيث احترم الميديون مضمون المعاهدة المعقودة بينهم وبين الكلدان ، واكتفوا بما استولوا عليه من الغنائم الهائلة التي حصلوا عليها من  العواصم الآشورية ، واحتفظوا  بالاقاليم الشمالية  والشمالية الشرقية  لنينوي التي كانوا قد  استولوا عليها  قبل عقد المعاهدة ،  أما الأقاليم الغربية  فخضعت  لسُلطة  الدولة الكلدانية  وبخاصةٍ العواصم الثلاث الادارية والدينية والعسكرية  التي  شَغِلَها أبناء الكلدان وأحفادُهُم  منذ ذلك الزمان وحتى اليوم .


ويؤَكِّد الكثيرُ من المؤرخين ومنهم المؤرخ الكبير طه باقر <  مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة / ص.548  -  العرق في التاريخ / سامي سعيد الأحمد / الفصل السادس / ص. 164  -  عظمة بابل / هاري ساكز / ص. 170- 171  -  انتصار الحضارة / جيمس هنري ترجمة أحمد فخري / ص. 231 والعديد غيرهم بأنه  بعد  موت آشور بانيبال تمكَّنَ حاكمُ القطر البحري( نبوبلاصَّر ) حفيدُ نبوخذنصَّر الأول  وابن الملك( بيل ابني ) الذي  أقامه  الملك  سنحاريب  ملكاً على بابل عام 702 - 700 ق . م  من فرض حُكمِهِ على بابل و منطقة الجنوب  بأكملها  ، مُعلناً  أنه  الملك الكلداني الشرعي  لعموم الاقليم البابلي  بعد أن قام بتوحيد القبائل  الكلدانية  ومُدِنهِم  تحت الراية والهوَّية الكلدانية الواحدة  ،  سَطَعَ نجمُهُ  إثْرَ تَصفيتِهِ  للوجود العسكري الآشوري ، وباشرَ بتوسيع رقعة مملكتِهِ  في الجِهات الشرقية والغربية والشمالية  مُستغلاً ما آلت إليه الدولة الآشورية من الضعف والتراجع والانحسار  . ومن أهمِّ العوامل التي ساهمَت في  سقوط  الدولة الآشورية ، هو وَلَعُ  الملوك الآشوريين  المُفرط  في الاستيلاء على بلدان الشعوب الاخرى  ونهبِ خيراتها  واستغلال كفآت أبنائها وفي الغالب تدمير حضاراتها  العمرانية  ممّا  جَلَبَ عليهم  الاستياء والتذمُّر .  استَغَلَّ  الميديون جيرانُ الاشوريين في الشرق والشمال الشرقي ضُعفَ الدولة العيلامية التي كانت تقف بالمرصاد  أمام تحرُّكِهم ،  وبدأوا في تقوية  وضعهم  حتى أصبحوا قوَّةً  يُحسَبُ لها حسابها  وبادت تُشَكِّلُ خطراً على الدولة الآشورية التي أنهكَتها حركات  العصيان والتمرُّد في  أعوامها  الأخيرة ، وانتهزوا فرصةَ  تَخَلخُل الوضع الآشوري الداخلي  والصراع بين الملوك الآشوريين  على تولِّى العرش ،  ولشدة ما كانوا قد عانوه من قساوة الملوك الآشوريين وطُغيانهم  طوال رَدَح طويل من الزمن ،  دَفعَهم للأخذ  بالثأر  فقاموا باحتلال  كركوك في عام 615 ق . م  ثمَّ أغاروا على مدينة آشور عام 614 ق . م  بقيادة ملكهم (  كي أخسار ) ودخلوها عَنوةً  بعد تحطيمهم لأسوارها  وقَتلهم لعدَدٍ هائل  من سكّانها  وبعد أن انتهوا من نهبها أحرقوها ، وفي ذات الوقت وصل إليها الجيش الكلداني بقيادة الملك نبوبلاصَّر  ، وأمام أسوار مدينة آشور المُحطمة  تصافحَ الملكان الكلداني  نبوبلاصَّر والميدي  كي أخسار ،  ووقّعا معاهة  صداقةٍ  وتعاون  وتحالفٍ بينهما ، و كان أحدُ بنودِها يقضي  بانسحاب الميديين  من الاقليم الرافدي الشمالي واكتفائهم بالغنائم  أما الارض فتكون  حِصَّة الكلدان ، وبذلك ضَمِنَ نبوبيلاصَّر عدم بقاء الميديين في أيِّ جزءٍ من أرض وادي الرافدَين ، تلَتها علاقة  عائلية بزواج وليُّ العهد الكلداني نبوخذنصَّر  من حفيدة الملك الميدي  وبذلك تعدّى ارتباط الدولتين نطاقَ التعاون العسكري ، واتفقا على اجتياح  نينوى  وقد نفَّذا هذا الاتفاق في عام 612 ق . م  بمُحاصرة  نينوى .

                                                                                                                                                                                                                                                         طالَ الحصارُ لمدة  ثلاثة أشهر تخلَّلتها  ثلاثُ محاولاتٍ هجومية كلدانية مدروسة بعنايةٍ تامة ، تَصَدَّعت وتداعت  على إثرها أسوار المدينة ، فمرقت الجحافل الكلدانية والميدية كالسهم الى داخل مدينة نينوى وأضرموا النيران التي التهمتها بِمَن فيها  وجعلتها خرائب تنعقُ فيها الغربان ، أما العددُ القليل من سكّانها الذين لم تَطلهُم النار واختفوا عن أفواه السيوف  فقد لاذوا  بالفرار وتوجَّهوا نحو  مدينة < حرّان >  التي التجأ  إليها  ملكُهُم الأخير < أشور ابليط الثاني >  واتخذ منها عاصمةً له ،  آملاً  وصول القوات المصرية  التي وَعَدَهُ  بها  فرعون مصر قبل  سقوط  نينوى  لكي  يقوم  بهجوم  معاكس ضدَّ  القوات  الكلدانية  والميدية المشتركة ،   ولكن الحليفين الكلدانِيينَ والميديينَ  لم يتركا  المُنهزمينَ الآشوريين  لكي يعملوا على استعادة مجدِ هِم الغابر ، فبعد ثلاثة أعوام من تدمير نينوى أي في عام 609 ق . م ،  توجَّهت قوّاتُهما نحو حرّان مَعقَل الآشوريين الأخير ، وضربت حصاراً كثيفاً حول المدينة  منعاً للهروب ثمَّ  توغَّلَت الى الداخل من كُلِّ الجِهات  ودَحرَت القوات المدافعة  ثمَّ  فتكت بالسكّان فتكاً ذريعاً  بحيث إن الذين  سقطوا بأيدي الميدييين لم يلقوا شفقةً واُبيدوا عن بكرة أبيهم ، أما الذين وقعوا بأيدي الكلدان  فقد سَلِمَ منهم عددٌ ضئيل  حيث رَفِقَ بهم الكلدان وعَدِلوا عن القضاء عليهم بالكامل اسوةً بما فعل الميديون ، ايماناً منهم برابطة الدم التي  تربطُهُم بهم ، مًتذَكِّرينَ  أن دماء  آلاف الأسرى الكلدان  الذين  هُجِّروا قسراً الى البلاد  الآشورية  خلال  عهود  ملوك آشور الطُغاة   تجري في عُروقِهم ، وهو  ما يجعلُهم  أشقِّاء  لهم ، فاحتضنوهم ورحَّبوا بهم بمجتمعهم ، فاندمجوا بالمجتمع الكلداني كشعبٍ واحدٍ بدون تمييز يحملون جميعاً  اسماً واحداً هو الاسم الكلداني ، واعتبروا اندماجَهم عودةً طبيعية  الى جذورهم البابلية الكلدانية ، وتَجَرُّداً سهلاً من التسمية الآشورية  التي كانت مفروضةً عليهم قسراً .


إذا كانت مُجريات التاريخ  تؤَكَّد اندثار الآشوريين  منذ عام 609 ق . م  وزوال اسمهم  من ذاكرة التارخ ،  كيف ظهر فجأةً  بعد مرور خمسةٍ وعشرين قرناً ؟ فهل يبقى هنالك شك بأن وراء ظهوره كانت تكمن رغبات وأهداف لجهةٍ  قوية النفوذ  هي المملكة الانكليزية ، أرادت  عن طريقه  جعلَ جزءٍ عزيز من شعبنا  الكلداني  القاطنِ في منطقة  آثور ( هيكاري ) كبش فداءٍ  لتحقيق  مصالحها الاستعمارية  ؟ حيث  كانت الدول الاستعمارية ( انكلترة وفرنسا وروسيا والمانيا ) في الأعوام الأخيرة  من القرن التاسع عشر ، قد اشتَدَّ التنافس  بينها  للاستحواذ  على أكبر  منطقة  من المناطق الخاضعة لنفوذ الدولة العثمانية ،  ولتحقيق أهدافها باشرت كُلٌّ من جانبها التَدَخُّل في شؤون السلطنة العثمانية التي كان التخلخُل قد دَبَّ  في أوصالها ، فعمدت الى ايقاد  نار الفِتَن  وايقاظ  النعرات القومية والطائفية والدينية  بين الشعوب الرازحة  تحت سُلطة  هذه الدولة  العَتِية ، وقد فعلت  فعلها وظهر الشَكُّ  وانعدام الثقة بين  بعضها  البعض ، ولا سيما  بعد  وصول الارساليات التبشيرية الاوروبية  التي لعبت  دوراً  سلبياً  في إعداد  مناخ  مُساعدٍ  لتبني النَزعات  القومية والدينية ، وكانت ( إرسالية الكنيسة الأنكليكانية / كنيسة أساقفة كانتربري الانكليزية ) الأشد  تخريباً  بين هذه الارساليات ، حيث  يقول بهذا  الصدد أحمد سوسة  في  كتابه <  مفصل العرب واليهود في التاريخ ص. 596 - 597 >  ( قَدِمَت الى جماعة مار شمعون بعثة تبشيرية انكليزية  محاولةً تحويل هذه الجماعة  مِن  مذهبِهم  النسطوري الى  مذهبِها  البروتستانتي ، غير أنها  لم تنجح ، ولكنها  أفلحت في  إقناعهم  بأن ( النسطورية  -  النساطرة )  ليستا  لائقتين بهم ، وعليهم  استبدالهما  بلفظتي ( آثور - آثوريين ) لكي ترفعا من شأنهم في الأوساط العالمية ،  ويُمكن اعتبارهم آنذاك  أحفاد الآشوريين القدماء ،  ويُضيف سوسة  ، لم يَذَّخِر المُبَشِّر الانكليزي وليم ويكرام وسعاً في لُعبة الدعاية الواسعة لنشر هذا الاسم ( آثوريين ) ليُعَرِّف العالَم بالمأساة التي طالت مَن دعاهم بأحفاد  شلمَنَصَّر ، بينما لم يكن هؤلاء النساطرة  يعرفون هذا الاسم إلاّ بعد قدوم هؤلاء المبشرين .


وفي كتابه <  الرئاسة / طبعة شيكاغو 1987 ) يقول  مؤلفُه النسطوري كوركيس بنيامين بيث أشيثا ، الذي عاش هذه المأساة  فيكون  بذلك كشاهدٍ  من أهلها ، ويكون قولُه  بُرهاناً دامغاً  ودليلاً ساطعاً ( إن كُلَّ هؤلاء الكُتّاب الأجانب الذين كانوا يأتون لزيارة ديارنا لم يستخدموا أبداً اسم < الآثوريين > الذي نتداولُه نحن اليوم ، بل يقولون عنا أو يدعوننا  بالكلدان  ولو كنا نختلف بالمذهب ، وإن اسم ( الآثوريين ) إبتدأ بتداوله الانكليزُ منذ  نهاية القرن التاسع عشر ، عندما  وصل المبشرون الانكليز من انكلترة الى ديارنا سنة 1884 م .
                                                                                                                                                                                                                                                                 و لماذا انفرد  الانكليز وحدهم  بتسمية هذا  الجزء من  الشعب الكلداني النسطوري  بالآثوري ، بينما  تدعوهم  الشعوب الاخرى التي  تعرفهم ( النساطرة المسيحيين )  حيث  يقول  المؤرخ C.G. Edmonds إن المسيحيين النساطرة في منطقة هيكاري ، يُعرَفون في انكلترة باسم ( الآثوريين ) ،  ويقول المؤرخ عبد الرزاق الحسني ( إن الانكليز هم فقط  الذين كانوا يُطلقون على النساطرة لفظة ( الآثوريين ) بينما كان الجميع يدعونهم ( تيارية )  ويُضيفُ  ،  وليس لهؤلاء النساطرة أية علاقةٍ عِرقية  بآشوريي  نينوى وإنما هم  نساطرة مسيحيون ،  تَعَرّضت  كنائسُهم للتدمير  من قبل تيمورلنك ، فتبدَّدَ شملُهم واحتضنتهم المنطقة الجبلية الواقعة  في شرق تركيا ، وعند قيام الروس باحتلال ولاية وان الأرمنية في تركيا سنة 1915، أغروا هؤلاء  النساطرة  بالتمَرُّد على الأتراك ، ودفعوا بهم للثورة ضدَّهم مُغدقين عليهم السلاح ، بيدَ أن فشلَ  الروس  وانسحابَهم ، أتاح للحكومة التركية  فرصةً  للفتك بهم  وتكبيدهم آلاف القتلى، فلجأ الناجون منهم الى المناطق الشمالية من ايران .  وبعد انتهاء دور الروس كما يقول توفيق السويدي في مذكراته ،  تَلقَّفت انكلترة هؤلاء النساطرة  وأرسلت بعثةً عسكرية الى اورمية  تدعوهم للثأر من الأتراك ، وتَمَّ الاتفاق  بين الانكليز والنساطرة ، وعلى اثر ذلك  قامت انكلترة بشحن كميات كبيرة من الأسلحة الى هؤلاء المُغرَّر بهم في تموز سنة 1918 م ، وقبل أن تصل شحنة الأسلحة ، قام الأتراك بشن هجوم على  اورمية ، أدَّى الى قتل عدد كبير من هؤلاء النساطرة ، فبادر الانكليز الى نقل الناجين منهم الى منطقة بعقوبة في العراق وقُدِّرَ عددُهم بنحو خمسين ألف نسمة بضمنهم خمسة عشر الف أرمني و عشرة آلاف من نسطوريي ايران الذين عادوا بعد انتهاء الحرب الى ايران ، ولكن تركيا لم تقبل بعودة نساطرتها ووصفتهم بالخونة ، فاضطر الانكليز لمُساعدتهم على العيش في العراق .
                                                                                                                                                                                                                                                                         وجاءَ في كتاب < النساطرة ومُجاوروهم الإسلام / جون جوزيف / طبعة1961 م >  ( إن الارسالية التبشيرية الانكليزية التي استفردت بالنساطرة الكلدان في منتصف القرن التاسع عشر ، لُقِّبَت ببعثة رئيس أساقفة كانتِربري الى المسيحيين النساطرة وهي أول مَن أطلق عليهم تسمية ( آثوريين ) .


جاءَ في كتاب < خُلاصة تاريخ الكُرد وكُردستان >  للباحث  أمين زكي بك ( إن الآثوريين هم أحفاد  كلدانيي  بلاد ما بين النهرين ، الذين هَجَروا  بلادهم الأصلية بسبب اضطهاد الغزاة والفاتحين ، ولجأوا الى جبال منطقة هيكاري منذ عهدٍ قديم جداً ) .  أما المؤرخ أحمد سوسة فيقول ( إن الانكليز هم الذين ابتدعوا  قضية العلاقة بين مَن  أطلقو عليهم الآثوريين وبين الآشوريين ) .

والرأيُ الذي يُعَدُّ  الأكثر صواباً أنهم سُلالة الكلدان الأسرى والمُهَجَّرين قسراً من  جنوب بلاد وادي الرافدين الى أقاصي الاقليم الآشوري الشمالي  خلال الفترات الواقعة  بين مُستهَل الجيل التاسع ومُنتهي الجيل السابع قبل الميلاد ، استجابوا لنداء مُبَشِّري المسيحية وتقبَّلوها بيُسر وسهولة  لأن اللغة التي كان المبشرون يتحدثون بها كانت  نفس لغتهم التي يتداولون بها  هم أنفسهم ،  ومِمّا يؤَيِّد هذا الرأي الأدِلة التالية :

1 - من المعلوم تاريخياً ، أن الملوك الآشوريين ولا سيما المُنتمين الى السُلالة السركونية كانوا قد أمروا بتشييد مُعسكرات للأسرى والمُهَجَّرين الكلدان في الشمال القصِّي  من اقليم آشور وشماليه الشرقي والغربي بالإضافة الى بلاد الشام ولبنان ، لأن عددهم كان يزداد بعد كُلِّ حملة عسكرية تُشَن في عهد كُلِّ ملك آشوري على بلاد الكلدان ،  ويقول امؤرخ حبيب حنونا :  وبعد سقوط  الدولة الآشورية  بأيدي البابليين الكلدان  غَدا الاقليم الآشوري ساحة مفتوحة لتوَغُّل ابناء الكلدان وشغل مناطقه التي خَلت من سُكّانها المُبادين ، وتَحَرَّرَ الأسرى والمُرَحَّلون الكلدان ، فقاموا بتحويل مُعسكراتهم التي كانت تُدعى بيت السبايا ( بيث شيبا )  الى مُجَمعات ووحدات سكنية .

2 -  اعتزازهُم بالتسمية الكلدانية التي كانوا يحملونها جيلاً بعد جيل رغم انفصالهم عن غالبية إخوانهم أبناء كنيسة المشرق في منتصف الجيل السادس عشر ،  حتى نهايات القرن التاسع عشر وبدايات القرن العشرين ، حيث غَزَتهم في عُقر دارهم بمنطقة هيكاري بعثةُ كنيسة كانتِربَري الأنكليكانية الانكليزية عميلة مُخابرات مملكة انكلترة السيِّئة الصيت ، وحَرَّضتهم على نبذِها واستبدالها  بتسمية اخرى هي ( الآثورية ) ، فخدعتهم كعادتِها في خَدع مُعظم شعوب المعمورة ، مُغريةً إياهم بوعودٍ كاذبة  قد أشرنا إليها في مَتن هذا المقال ، وبذلك تَمَكَّنت من استغلالهم وتسخيرهم لخدمة مُخططاتهم  وتحقيق أهدافهم الاستعمارية .

3 - تَعَلُّقُهم بممارسة بعض تقاليد كلدانية قديمة ،  كان الكلدان قبل تَنَصُّرهم يعتمدونها ، وكمثال على ذلك  تلقيبهم لرئيس القبيلة أو العشيرة  بلقب ( الملك ) ولا يزال هذا التقليد متداولاً لديهم ، وهذا لم يكن معروفاً لدى الآشوريين القدماء  بدليل عدم الإشارة إليه من قبل أي مصدر تاريخي .  كما أنهم وبتأكيد  أبيهم الروحي  وليم ويكرام  يُدمجون بعض مُعتقدات دينية بابلية بطقوسهم المسيحية .

كلمة أخيرة أود توجيهَها الى  بعض أبناء الكلدان المُغَرَّر بهم  من قبل أحفاد كلدان منطة آثور دُعاة الآشورية  الاسطورة المُصطنعة ،  فانحرفوا عن المسار الصحيح لامتهم الكلدانية ، أن يعودوا الى رشدِهم ، ويعدلوا عن سلوك النفق المُظلم الذي حشرهم فيه  المُتنكِّرون لأصولهم الكلدانية  فهو نفق بغير نهاية خالي من النور ،  وطوبى للذي يعمل للخروج منه ، ليسير في الدرب النيِّر ، ويتعامل مع الحياة حُرّاً غيرَ مُسيَّر  ومُخلصاً غيرَ عميل .


الشماس كوركيس مردو
في 27 / 5 / 2006

289
   رَدٌ على جميل روفائيل ( أنا كلداني المذهب فقط ولست خائناً )

قبل أن أدخل  في صُلب الموضوع أود أن يعلم القاريء الكريم ، بأن ليس هنالك بين السيد جميل روفائيل والشماس كوركيس مردو أي عِداء شخصي أو أي لقاءٍ أسفر عن خلق حزازة أو ضغينة ، إضافةً الى ذلك أننا كلانا من قرية تللسقف ، وإن الإختلاف الوحيد بيننا هو الرؤية  وقراءة التاريخ والإقرار بالواقع الموضوعي ،  وكما يُقال لا يجب أن يُفسد الإختلاف في الرأي للود قضيَّة ، وكعادتِه وفي كُلِّ كتاباتِه ، يَدَّعي  اعتماد الصراحة والوضوح  ولا بأس في ذلك  فاللفظتان < الصراحة والوضوح >  مُحَبَّبتان إذا شابهما الصُدق .


عزيزي  جميل ، لقد  نشأتَ  منذ نعومة أظفارك ( اممياً )  لا تعترف  بأي دين أو قومية  وإذا استطعتَ أن  توهم مُعظم الناس  بعكس ذلك ،  فإن البعض ومنهم أنا  نعرف  مسارك الفكري  ،  وعندما ضُيِّق الخناق على  حاملي الفكر الماركسي  من  قبل حاملي الفكر البعثي  الشوفيني ، استطعتَ  التلَوُّنَ  بلونهم  وجاريتهم  وعلى الأكثر ( ليس عن  قناعة  بل عن مصلحة ) ، وهذا كُلُّه لا  يعنيني  بشيء على الإطلاق ،  وإنما هنالك أمران : الأول الذي يُحيُّرني  هو انقلابك  على قوميتِك الكلدانية التي كنتَ تؤمِن بها  في السبعينات من القرن العشرين بدليل ما أورَدته في كُرّاسك المُعَنوَن <  أضواء على قرار مَنح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية >  وانجرارك المُخزي الآن الى تسمية غريبة  كانت السبب في كُل النكبات والأهوال التي عصفت  بمنتحليها  والتي طالت  تأثيراتُها  العدد الكبير من  إخوانهم أبناء شعبنا الكلداني  دون سببٍ أو ذَنْبٍ ،  ولم  تكتفِ  بالتنكُّر  لقوميتك الكلدانية  الأصيلة  فقط ،  بل شَهرتَ  سيف التجَنّي  عليها  وسعيتَ  بكل ما  اوتيتَ  من  القوّة  لتنزعَ عنها  صفتَها  القومية  ووسمَها  بالمذهب وبصلفٍ  خالي من وخز الضمير وتأنيبِه . ألستَ القائل  في كُراسكَ ( أما الآثوريون ، فيما إذا كانوا بقايا الدولة الآشورية أو الآرامية مسألة غير مُستقرة  ، مُضيفاً  بأن التاريخ  لم يُغطِّ  الأحقاب التاريخية تغطية  كُلية ودقيقة ، ولهذا فالعملية يتخللُها الكثير من الحدس  والتخمين ) ، فهل لديك توضيح لِما دعاكَ الى  تغيير موقفِك  من أقوالك هذه  وحدا بكَ الى التحامل المُريب على القومية الكلدانية وبهذا الشكل العِدائي الصارخ ؟ هل القومية سلعة معروضة للبيع والشراء يجري عليها قانون العَرض والطلب ؟


أما الامر الثاني والذي يُسعدُني ويؤلمني معاً ، فالذي يُسعدني هو عودتك للإعتراف بايمانك المسيحي الراسخ وانتمائك الى المذهب الكاثوليكي وبهذا تكون صادقاً ، أما قولك  الى المذهب الكاثوليكي الكلداني ، فيُزيل الصدقَ من كلامك ، باقترافك جُرم الطعن المُبطن بالقومية الكلدانية ونَسبِها الى المذهب ، وبالتالي  تكون خادعاً لذاتك في الدين والمذهب والقومية !


إنَّ تماديكَ المُستمِر في ترديدِكَ المُتعَمِّد بأن الكلدانية مذهب كنسي ، ألآ تخشى أن يُنظرَ إليكَ بالسذاجة وعدم القدرة على التمييز بين القومية والمذهب ؟ وأنت بالذات ألا ترى في ذلك انجرافاً منك وراء الأقلام الرخيصة والركيكة معاً لأشباه الكُتّاب من مُنتحلي التسمية الآثورية الاسطورة الويكرامية ،  والتي حُوِّرت في العقود المُتأخرة الى  الآشورية لتتطابقَ مع تسمية الآشوريين القدماء الذين طالهم الفناء ؟ وإذا كُنتَ تُنكِر أو تنفي كُلَّ ذلك وتتشبَّث بكون ما تَدَّعيه هو ذاتي محض ، هل  بوسعِكَ ان  تُجيبني على هذه  الأسئلة  البسيطة : لكل مذهب قانون ايمان ! ما هو  قانون ايمان المذهب الكلداني ؟ مَن الذي صاغَه ؟ متى صيغَ وفي أي مكان ؟ وهل يعترف الفاتيكان بشعبٍ يعتنق مذهبين ؟ أعتقد ان الإجابة إن لم تكُن مُستحيلة عليك ! ستكون بالتأكيد عسيرة ، إذاً أليس من اللائق بل من الواجب عليك عدم تكرار هذا الإدِّعاء الفارغ !


لا شَكَّ أنكَ قد قرأت الكتاب المُقدس حتى إن لم يكن من باب الايمان فيكون من باب الفضول والإطلاع ،  وبالتأكيد هي قراءة سطحية وآنية تقتضيها الحاجة لغرض المُحاججة .  إن  نشرَ تعاليم  انجيل المسيح الرب له المجد  وفحوى رسائل رُسُله ، هي المُهمَّة الاولى للذين كَرَّسوا حياتَهم لخدمة الرب وكنيسته ، ولكن  كما  يقول الأب بشار متي وردة  في رسالة  مُوجَّهة  إليَّ  بالذات رداً  على سؤالي ( للكنيسة تعاليم ومواقف صريحة وواضحة في شؤون السياسة والإقتصاد وحقوق الانسان ، وهي لا تتدَخَّل  لكنَّها تُشرف وتنتقد السياسة والاقتصاد ، وهي مؤَهلة لذلك لكونها مُستقلة عن  كليهما ) ثُمَّ إن الظروف الزمنية والمكانية تُجبِرُ أحياناً كثيرة الرئاسة الكنسية ورُعاة الكنيسة  للتدخُّل في الشؤون السياسية ولا سيما في بلاد الشرق ، فالكلدان منذ سقوط  دولتهم البابلية التي مَثَّلت آخر حُكم وطني أصيل لبلاد ما بين النهرين وخضعوا لحُكم الأقوام الغرباء الذين تعاقبوا على حُكم البلاد ،  لم يَقُم لهم كيان سياسي بعد ذلك رغم محاولاتهم العديدة لإستعادته والتي لم تنجح . وعند بزوغ فجر المسيحية وقيام  رُسُل الرب له  المجد  بنشر بُشرى الخلاص الانجيلية ، كان الشعب الكلداني الخاضع  لحُكم الفرس الفرثيين  المستولين على بلاده ( بلاد ما بين النهرين ) السبّاق في اعتناق المسيحية بشارة الخلاص الإلهية ، وسُرعان ما  اسَّس أبناؤه  كنيستهم  وطلبوا من مُبشِّريهم أن  يُسمَّوها ( كنيسة المشرق ) لوقوعها  في الشرق أولاً ،  ولكي لا تُسمَّى باسمهم القومي الكلداني علانيةً باديء الامر لاعتقادِهم بأنه يرمز الى الوثنية ثانياً . ومنذ ذلك الوقت أصبح ولاؤهم للكنيسة  كمُمثِّلةٍ لهم دينياً وقومياً ، وكانت  تُدافع عن حقوقهم الدينية  والسياسية  والاجتماعية  على مَرِّ العصور وحتى يومنا هذا بسبب افتقارهم الى كيان سياسي قائم بذاتِه ،  فهل يجوز للسيد جميل روفائيل والسائرين على منواله  انتقاد رئيس الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ورُعاتها واتهامهم باستغلال مكانتهم في القضايا الدنيوية ، أليست هذه القضايا تَهُمُّ أبناء شعبهم ؟ وهل تَغيَّرَ وضع أبناء شعبهم وأصبح لهم كيان سياسي  يأخذ على عاتقه الدفاع عن قوميتهم وحقوقهم وتجاهلَه  رئيس الكنيسة وأخذ دورَه ؟ أليس العراقيون غير المسيحيين وبالرغم من كثرة ممثّليهم السياسيين يأتمرون بأوامر مرجعياتهم الدينية ؟ أليس العراق مُرَكَّباً على هذا الأساس ؟ فلماذا تبخلون على رئاسة الكنيسة الكلدانية بإشرافها على شؤون أبنائها  وتستكثرون عليها إرشاداتها  وانتقاداتها ؟ ولماذا  تستهدفون الرئاسة الكنيسة الكلدانية  بالذات دون  رؤساء  كنائس الطوائف الاخرى ،  النسطورية  بشقّيها والاورثوذكسية الذين يتدخلون بالسياسة فعلياً وليس إرشاداً ؟ ألم  يكُن  البطريرك النسطوري  في  قوجانس  بمنطقة هيكاري الرئيس الديني  والدُنيوي  للجماعة  الكلدانية النسطورية المنشقة  عن الكنيسة الكاثوليكية الجامعة ؟ ألم يكن هو الذي يتفاوض مع الروس والانكليز وله القرار الأول والأخير ؟


ومن هذا المنطلق فللرئاسة الكنسية حقَّ إرشادنا وانتقادنا وحتى توبيخنا إذا رأت فينا اعوجاجاً دينياً كان أو قومياً ، لأن كُلَّ ما تفعله هو لخيرنا وصالحنا لكونها أدرى به مِنا ، وإذا قال البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي ، بأن الكلداني الذي يتنكَّر لقوميته الكلدانية هو خائن ، وأن الآثوري الذي يتنَكَّر لآثوريته فهو خائن (ما دام قد اعتبرها قومية له) ، إنّه قول حكيم وكان يجب أن يُقال منذ زَمن بعيد  لكي يعرف الجميع حدودهم ويتوقَّفوا عن المهاترات التي لا طائل من ورائها ،  وإذا كنت تقرأ كتابات العديد من الكلدان أبناء الكنيسة الكلدانية ( وليس أتباع ) التي يتطرَّق كُتّابُها الى تنوير الأذهان التي خَيَّمَ عليها ظلام الأوهام وراحت تؤمن بوجود ما قد انتفى من الوجود وأعني بها الآشورية ، تلك هي الحقيقة التي لا يرقى إليها شك ، وأنت بالذات متيقِّن منها ولا تُريد الإقرار بها لغرضٍ خفي وكما يُقال ( لغاية في نفس يعقوب ). قال البطريرك كلمته الفصل ، لأنه لا فائدة من متنَكَِري قوميتهم وانتحالهم بدلها تسمية موطنية لدولة غابرة لا تربطهم بها  أية رابطة بعيدة أو قريبة ، وقد أصرّوا على تبنّيها كقومية . وماذا عن تّحدّيكَ الشخصي  واستهزائك بمشاعر أكثر من مليون كلداني عندما  تُنكر على الكلدان ( امتهم وقوميتهم ووجودهم ) هل نسيتَ ذلك ؟ إنه محفوظ لدى الكلدان الذين لن ينسوا المتجَنّين عليهم زوراً وظُلماً .


إن حديث غبطة البطريرك خَصَّ به الكلدان والاثوريين دُعاة الآشورية ، ولم يتطرق الى غيرهما ، فلماذا تُدخل موضوع السريان الأرثوذكس بإشارتك الى بطريركهم زكا عيواص ، وهل أنت على عِلم بأن البطريرك عيواص وأتباع كنيسته قد استبدلوا طقسهم الكنسي من اللغة السريانية الى العربية ؟ إن تصريحه لم يكن إلا مناورة سياسية  فرضتها الأوضاع الراهنة .  لقد كان لدينا بطاركة عظام من مدينة الموصل وأخص بالذكر منهم  مار ايليا عبو اليونان  ومار يوسف غنيمة ، كانا يُتقنا اللغة الكلدانية الفصحى ويعتزان بقوميتهما الكلدانية أكثر من أي كلداني آخر ، فهل يعني عدم تكلمهما لغة السورث ينفي عنهما القومية الكلدانية ؟ 99% من الكلدان لا يعرفون لغتهم الكلدانية الفصحى ويتكلمون اللغة السوادية الدارجة السورث ، فهل انهم ليسوا كلداناً لأنهم لا يعرفون اللغة الكلدانية الفصحى ؟ القومية هي شعور وانتماء .


قناة عشتار مؤسسة سياسية تُجاري رغبات مؤسسيها ولا تستطيع تجاوز الأهداف المرسومة لها  لتُنادي بالحقيقة  التي يؤَكِّدُها الواقع ، بأن نسبة الكلدان من الشعب الذي تدعوه < الشعب الكلداني الآشوري السريانني > هي 80% ونسبة مُدَّعي الآشورية 8% ونسبة السريان 12% فإذا كانت هذه النسب العددية التي يتكَوَّن منها هذا الشعب الواحد ، تُرى من يكون الأصل بين هذه الأعداد الثلاثة ؟ ألا يقول المنطق الواقعي بأن صاحب النسبة الكبيرة هو الأصل وصاحبَي النسبتين القليلتين جداً هما الفرعان المُنسلخان عن الأصل !  فأين عنصر الربط بين حديث غبطة البطريرك ونهج قناة عشتار ،  وأي اسم من الأسماء الثلاثة أنكرت ، ليُتَّهم نهجُها بالخيانة ؟
 

إن أسئلتك غير مشروعة  وهي أسئلة تراوغية وتحرُّشية ، وقطعاً لم يُشارككم بها أحد مِمَّن تدعي ،  اللهُمَّ إلا الذين يحملون نفس  أفكارك العدائية ضدَّ  الامة الكلدانية ،  وكُنتَ وهم تتحيَّنون  أي فُرصة  لتُعاودوا نَهجكم التآمري  المكشوف ، إن كلامَ  غبطة البطريرك  واضح  لا لبس فيه  ، وأبناء الكنيسة الكلدانية  مُدركون  لصوابه ،  أما المُشكِّكون  والغارقون في بحر الأوهام ، فلديهم مُشكلتُهم وهم عنها مسؤولون .


إن المرحومين : عمك القس كوركيس وشقيقاه الشماسان يونان وروفائيل ووالدهم الشماس جبو وشقيقه القس ايليا ، وكذلك القس بولص والقس حنا ، كانوا أبناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية وليس أتباعَها ، وهي الوريثة الشرعية لكنيسة المشرق الكلدانية النسطورية  التي كان من جملة أبنائها آباء وأجداد الذين أشرنا إليهم ، وكذلك هو الأمر بالنسبة لجميع أبناء القرى الكلدانية في السهل والجبل ،  لم يكن في تلك الأزمان اهتمام بالانتماء القومي إذ كان جُلّ اهمامهم مُنصبّاً على دينهم  ، فما هذا التسفيه في الكلام ، لأنه لا يتّفق وحاضرنا الحالي .


صحيح أنك من قرية تللسقف  كما إنني منها ، وجميع سكّانها هم ابناء الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية المقدسة ، تماماً كما هم كافة سُكّان القرى الكلدانية الاخرى ، و 97% منهم يعتزون بقوميتهم الكلدانية أما  3% (وهيّ نسبة مبالغ فيها) فقد تَمَّ اصطيادُهم من قبل دُعاة الآشورية  بأساليب مُلتوية  كالنفاق والإغراء وشراء الذِمم  ففقدوا الطريق القويم ، الذين يتباهى جميل روفائيل  بعددهم الذي أوصَله الى مئات الآلاف وهم لايتجاوزون بضعة مئات ، ولايكتفي بذلك بل يفتري على  رجال الدين الكلدان ممن  يخدمون في أبرشيات ثلاث حسب إدِّعائه ، بأنهم  يميلون الى التسمية الآشورية وليس هذا فقط بل يفتخرون بها  دون أن يشير إليهم أو يُسمّي بعضاً من أسمائهم ، وهذا دليل على  كونه افتراءً زائفاً  لا صحة له إطلاقاً .


إن الذين استقبلوا غبطة البطريرك في عنكاوا وشقلاوا كان غالبيتُهم كلداناً أقحاحاً وانضم إليهم الأكراد وبعض دُعاة الآشورية  البسطاء  الذين يعلمون بالفطرة أنهم أحفاد وأبناء الكلدان النساطرة  وليسوا غرباء ،  فكان الاستقبال  برئيس كنيستهم وقوميتهم الكلدانيتين مهيباً  ففرحوا بقدوم زعيم امتهم الكلدانية  وهلَّلوا  احتفاءً به ،  منادين بأنهم كلدان اصلاء وسيبقون كلداناً مدى الدهر ، وكان المتأشورون  وأسيادُهم  يغلون بنار الحقد .


تقول لا أريد المُزايدة مع أحد بينما تُزايد مع كُل أحد !  وإني لفي عَجَبٍ  كيف أن زميلي  في السيمنير وصديقي المُمَيَز المرحوم الأب يوسف حبي ، قد جعل منكَ صديقاً له ،  حتماً أخفيتَ عنه  ما  تَكُنُّه من الحقد على الامة الكلدانية ، وإلا لكان قد شعر بالندم على صداقته تلك ، لشدة ما كان يعتز بقوميته الكلدانية منذ كُنا تلاميذاً  في معهد شمعون الصفا الكهنوتي ، واسمح لي يا جميل  إذا قُلت بأنني أشك  بأنك مُلتزم دينياً !


إذا كان البطريرك قد كتب في الإحصاءات السكانية العراقية  في حقل القومية  بأن قوميتَه ( عربية ) بحسب معلوماتك الموثوقة كما تدَّعي ،  فماذا سجَّلتَ ذاتك يا سيد جميل ؟ هل سجَّلتَ ( آشورية ) أم ( كلدو آشورية ) ؟ أم ربما عن طريق الخطأ ( كلدانية ) ؟ أنا شخصياً سَجَّلتُ في كُلِّ مرة ( كلدانية )  وفي إحدى المرات قال الموظف ليس هنالك إلاّ حقلان لقوميتين العربية والكُردية ، فاختر إحداهما ،  فقُلتُ للأسف  أنا لستُ لا عربياً ولا كُردياُ  لأنى كلداني ولذلك سَجَّلتُ ( كلدانية ) قال طيِّب ولكننا  سنشطبها  ونكتب ( عربية ) لأنك تعيش في بغداد . ما رأيُكَ يا أخ جميل ؟ .  أيَّدَ  غبطة البطريرك التسمية المُرقعة ( كلدوأشور )  بنيّةٍ صافية  ووثوقاً بكلام  سكرتير زوعا الذي  كان قد  قُبِل عضواً في مجلس الحُكم الانتقالي  بطريقةٍ أو باخرى ،  كتسمية موقتة  لتدخل في استمارة  الاحصاء ،  وعندما أعلنت أسماء القوميات  ظهر فيها اسم ( آشور ) منفرداً بدلاً عن اسم ( كلدوأشور ) فانكشف خداع سكرتير زوعا للبطريرك ، وعندذاك إتصل غبطتُه  بالمراجع المُختصة وادخل الاسم الكلداني في الاستمارة المُعدَّلة ،  فكيف تُريد أن لا يستهزيء البطريرك  بالاسم النكرة المشَوَّه  الذي تنَكَّر له مُقترحُه  ونكث بوعده  وخان أمانته ! .


أكتفي بهذا ، لأن المهازل والخيانات التي  اكتشفت من قبل الكلدان والمُدَبَّرة ضِدَّهم  ،  والمحاولات الفاشلة  لتغييب اسمهم  كثيرة جداً ، سأفرد  باباً لها في  كتابي الذي بدأت  بكتابته  قبل  سنتين  وسيحتوي على  مقارنة  حقيقية بين الكلدان والآشوريين عبر التاريخ  .




الشماس كوركيس مردو
في 17 / 5 / 2006


ملاحظة أخيرة : حول إدعائك وادعاء بعض من لهم الصفة الأكاديمية  أمثال الدكتور دوني جورج ،  بأن الآشورية هيّ صفة قومية وأن الكلدانية ليست كذلك ، وحيث أن وقتي لا يُسعفني بالرد على كُل من هَبَّ ودب ، أحيلك إلى تصويبات المؤرخ الكلداني ومدير مشروع (متحف بابل) في الولايات المتحدة ألباحث الأكاديمي عامر حنا فتوحي لمُغالطات زميل أكاديمي مثله هو الدكتور دوني جورج والمنشورة في باب المنبر الحر - في الموضوع الموسوم (الآشورية كصفة قومية .. وحَدِّث العاقل بما يُعقل ؟!!) ، وهنا يهمني أن أؤكد لك ولغيرك بأن الدكتور دوني جورج سيتهرب عن الإجابة ، لأنه يستطيع أن يضحك على البعض بعضَ الوقت ،  لكنه  لن  يستطيع  مثلك أن يضحك على الكلدان  كل الوقت .


290

                   لا تَجنونَ إلاَّ الهَوان بِسَعيِكُم الى تَغييب اسم الكلدان !

عندما  صودِرَت هويَّة الشعب الكلداني في الماضي البعيد والقريب ،  عَلَّلَ الكلدان الأمرَ وتَعَزَّوا  بأن هويّات الأقوام العراقية الاخرى مُغَيَّةٌ أيضاً ،  وحين استًعربَ الكلدان القاطنون  منهم  في  وسط العراق وجنوبِه ، واستُكردَ الساكنون في شمالِه ،  قال المُراوغون  بأن الضرورة تقضي  بتوحيد  صفوف العراقيين وتركيز جهودِهم  في السعي الى تحقيق الأهداف الوطنية الكبرى ، ولا مجال الآن للخوض في الامور الجانبية .

  فكانت خَيبة الكلدان بهذا الشأن كبيرة ، وزادَ من وطأَتِها  قيامُ البعض من أحفاد أبناء الكلدان النساطرة الذين انتحل آباؤهم التسمية الآثورية في منتصف القرن التاسع عشر بإغراءٍ  وتشجيع من المُستعمِر الأجنبي  والتي  حُوِّرت الى ( الآشورية )  في العقود  القليلة  المتأخرة  لكي عن  طريقها  يُمَوِّهون على العالَم  بأنهم  ينتمَون الى أصحاب  تلك  التسمية  أي الآشوريين القدماء  الذين حكم عليهم التاريخ  بالفناء منذ نهاية  الجيل السابع قبل الميلاد ، بتمثيل أنفسهم كآشوريين معاصرين ، وبالنظر لضآلة  عددهم  أدمجوا الكلدان  بهم وأطلقوا على الجميع اسم الشعب الآشوري ، ظنّاً منهم بأن العالَمَ سينخدع بادِّعائهم الكاذب ، وعندما انبرى الغُيارى من أبناء الكلدان لفضح أكاذيبهم في ابتزاز اسم الكلدان ، ظهر نفرٌ منهم  وسارع  لاستدراك الموقف  مُبتكِراً تسميةً  بائسة غريبة على التاريخ هي ( الشعب الكلدآشوري ) .

أنصَتَ  الكلدانُ  لِصَدى هذه التسمية للوهلة الاولى  مُعتَقِدين بأن الواهمين  قد اصطدموا بواقع  شعبنا الموضوعي ، فأرادوا التأكُّدَ مِن صُدقِهم فجاراهم قادة الكلدان مِن دينيين وسياسيين بنية صافية  ورغبة صادقة ، لا بل إن البعضَ مِن أبناء الكلدان المُوالين للمُحَلِّقين في فضاء الأوهام ، تَطوَّعوا وبذلوا  نشاطاً  مُنقطعَ النظير لإقناع أكبر عددِ  ممكن  من الكلدان  بصواب هذه التسمية ، وبأنها المدخلُ الذي  يوصل شعبنا الى الوحدة  المنشودة ، ولكن للأسف الشديد فقد  تَبيَّن أن هؤلاء المُتطوعين كانوا قد اُعِدُّوا من قبل أسيادِهم ليكونوا في الصفوف الاولى لمحاربة القومية الكلدانية  وشعبها ، والعمل على طمس الاسم الكلداني  والإنفراد بالاسم الآشوري وحيداً  للشعب المسيحي العراقي ،  وهذا ما  سعى إليه الفصيل الموهوم المُنتحل للشعار الآشوري المزعوم ، ولما اتَّضَحَ  لقادة الكلدان كُنهَ مسعاهُم الخبيث ، لم يبقَ أمامَهم إلاّ الاهتمام بإعادة ترتيب البيت الكلداني لإعلاء شأنه وتفعيل دوره الريادي في بناء وطنه الأصيل العراق الحُر الديمقراطي الجديد .

فور انبلاج  فجرُ الحرية والديمقراطية على العراق بزوال عهد الطُغيان والديكتاتورية ،  تعالت أصوات أبناء الأطياف العراقية  جميعاً  مطالبةً  بحقوقها  الوطنية  والقومية ،  العرب والأكراد  رغم انقسامِهم الى مذاهب ، وكذلك التركمان واليزيديون والآثوريون و المندائيون والشبَك ، فهل كانت مناداةُ  الكلدان بحقوقِهم الوطنية والقومية مطلباً غريباً بنظر البعض علماً بأن الكلدان هم القومية الثاثة بعد العرب والأكراد  من حيث العدد  رغم احتلال هذه المرتبة من قبل التركمان بسبب الانتماء الديني !

وفي النهاية  صَدَرَ الدستور العراقي  وتَضَمَّن  كافة أسماء قوميات الشعب العراقي  بما فيها إسمي الكلدان والآثوريين ( الآشوريين )  والسؤال هو : ماذا  يُريد الآثوريون  الإنفصاليون عن  امتهم الكلدانية  بعد أن تَمَّ تثبيت انفصالهم في الدستور كقومية وإن هم ليسوا بقومية !  أليس المفروض أن تُطالب الامة الكلدانية بعودة الضالين من ابنائها الى أحضانها ! أم أن العكسَ هو الصحيح في مفهومهم الخاطيء ! أليس الواجب على الفرع العودة الى أصله  أم على الأصل اللحاق بالفرع ؟ إن الأصلَ قد ترك الفرعَ حُرّاً في اختياره فما بالُ  الفرع  يُلاحق الأصلَ  مُطالباً إياه  الانجرار وراء ضلالِه ! وهل إن اختراع تسمية مُصطنعة  وفرضها على شعبنا بدلاً عن تسمياتِه المُعتز بها منذ آلاف السنين هو حَلٌّ منطقي وشامل لإتحادنا ؟ ألا يخلُق هذا الفعل رَدَّ فِعل  عنيفاً و تصادُماً قوياً  بين الواقع الموضوعي الثابت وبين المُصطنع الطاريء ؟ هل إن تسمياتنا هي وليدة اليوم ؟ أليست نابعة من جذور أسلافنا منذ بداية تاريخهم ؟
 

لماذا لا نسعى الى توحيد كلمتنا للعمل على تحقيق ما يصبو إليه شعبنا  من آمال وتطلُّعات في حياة حُرَّة وكريمة الى جانب إخواننا  من مُكوِّنات الشعب العراقي الذين نتقاسم معهم العيشَ المُشتَرك بِحُلوه ومُرِّه  بَدَل أن نتسابق الى تحطيم بعضنا الآخر في صراع التسميات العقيم ! ألا يكفيكُم يا أحفاد ابناء الكلدان النساطرة  ما أصابَ آباءَكم وأجدادَكم من ويلات ومصائب بسبب امتثالهم لأوامر الأجنبي الغادر ! امضوا في الطريق الذي رَسَمه لكم  حسب هواكُم ،  ولكن كُفُّوا عن مهاجمة من انتم من صُلبِهم ، فإنهم الكلدان أقوى من أن تنال منهم إدعآتكم المُزيَّفة وأباطيلُكم المُلفَّقة ، الكلدان لا يضمِرون لكم السوء ، بل يقابلونكم بالمحبة  فهي أغلى ما يمتلكون ، ويعلمون أنكم في دَرب التعَصُّب والخطأ  سائرون .


لم يُطالب الكلدان بحقوقهم كمواطنين أُصلاء في بلاد وادي الرافدين من باب التعالي ،  بل من أجل التذكير وتحفيز الآخرين بإرساء اُسُس العدل والمُساواة بين كُلِّ فئات الشعب العراقي ،  ليعيشوا تحت راية العراق المُوَحَّدة  بالتسامح والمحبة .  ومن أجل هذا الهدف  بادر  الغُيارى من أبناء الكلدان في داخل الوطن الام وخارجه  بتأسيس أحزاب سياسية ومنظمات اجتماعية وثقافية جديدة ومُتعددة ، للمساهمة الفعلية في دعم مسيرة العراق للمضيِّ الى الأمام في درب الحرية والديمقراطية ،  وكان للكلدان حزب كبير قد تأسَّسَ على أرض الآباء  والأجداد  في التسعينات من القرن الماضي هو حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني ، الذي حمل على عاتقِه الدفاع عن حقوق الشعب الكلداني المسيحي بكلِّ تسميات أبنائه وانتمآتهم .  إن الكلدان قد اختاروا نهجَهم الوطني والقومي
وليس بإمكان كائن  مهما كان ايقاف مسيرتهم .
 

انظروا أيها الاخوة مُدَّعوا الآشورية  الى التخَبُّط  الذي مارستُموه  منذ البداية  بوعيٍ وبدون وعي ،  تنفيساً عن حقدِكم  على القومية الكلدانية  وشعبها  ، حيث أنكرتم  وجودَهما  ،  وبدأتُم  تُنادون بشعاركم التعَصُّبي العنصري  ( لا قومية إلاَّ آشورية  والبقية مذاهب دينية ) وإثْرَ فشل هذا الشعار المسخ اليتيم ، ابتكرتُم عبر مناورة سياسية تسمية  باهتة < كلدو آشور >  استهجنَها  الشعب كُلُّه ما عدا بعض مأجوريكم المُغَرَّر بهم من الكلدان ،  ثمَّ أوعزتُم الى زُمرةٍ تابعة لكم لإبتداع تسمية سياسية اخرى هي  < الكلدوأشوري السرياني >  وفي كلتا التسميتين  كان الهدف استصغاراً لاسم الكلدان والنيل منه ،  يا له من كذبٍ  ونفاق  بالإضافة الى الغباء .

 
ما هذا التناقض  وماذا جرى لشعاركم العَنتَري ؟ ولماذا هذا النفاق والضحك على ذقون أبناء شعبنا  المسالم البريء !  ألم تَرعووا مما قاله الآلاف المؤلفة من الكلدان بلسان مُفكِّريهم وكُتّابهم والناطقين بأسماء أحزابهم ، بأنه لا بديلَ لاسم قوميتهم الكلدانية النبيلة !  احفظوا ماء  وجوهكم  واتركوا  مهاتراتكم  ،  فمهما تماديتم  في  التجَنّي  على الكلدان  فلن يكون  نصيبُكم  إلاَّ  الفشل والخُذلان ،  وستبقى تسميات شعبنا  كما  هي  زاهية  ومن كُلِّ  تشويهٍ  خالية .


الشماس كوركيس مردو
في  2 / 5 / 2006

291
                    ليسَ كُلُّ ما يتمَنَّاه المَرءُ يُدرِكُه

لقد كَثُرَ الحديثُ مؤَخَّراً عن مَنح المسيحيين العراقيين  < منطقة  سَكَنٍ آمِنة > وقد أطنَبَ وأسهَبَ الكثيرُ من الكُتّاب المسيحيين ما بين مُحَبِّذٍ ومُعارضٍ للفِكرة مُنطلقين من الواقع المؤلم الذي يسودُ العراق اليوم ،  وفي الحقيقة إن الوضع المُزري الذي يَمُرُّ به العراق من انعدام الأمان يطالُ العراقيين كافةً على تَعَدُّدِ أعراقهم وأديانهم ومذاهبهم ، ولكن ليس بإمكان أحدٍ  الإنكار بأن المسيحيين يتعَرَّضون للعَمَل الإرهابي بشكل مُضاعَف ، أولاً  لأنهم مسيحيون ويُنظَرُ إليهم كرعايا طارئين ، وليس كمواطنين أصليين ثانياً .

وقبل الدخول في تفاصيل التأييد أو الرفض لأراء المُحَبِّذين والمُعارضين ،  تَبرُزُ الى الواجهة عدة أسئلة قبل المُطالبة  بما اصطُلح عليه  < بمنطقة آمنة للمسيحيين > أو < استحداث محافظة خاصة > ومِنها :

1 - هل تخَلَّى بعضُ المسيحيين المشهود لهم بعنصريتِهم  عن أنانيتِهم المُفرطة والفارغة معاً  عن سياستهم الإحتوائية لإخوانهم الذين يتفوَّقون عليهم عدداً وكفاءَةً  علمياً  وثقافياً  واقتصادياً ؟

2 - هل آمنوا بعدم جدوى حرب التسميات التي شَنّوها على إخوتهم بهدف فرض تسميتهم الوهمية  عليهم ،  وهل سيعترفوا بالواقع الموضوعي  لشعبنا المسيحي  بأننا شعب واحد بعدة تسميات ؟

3 - هل سَتُقِرُّ هذه الزُمرة الخائبة بالديمقراطية كحَق مشروع يمارسُه الشعب المسيحي بحرية تامة ،  للوصول الى  وحدةٍ اتحادية متكافئة  بين فئاتِه المتآخية وبعدم ترديد تَبَجِّحها النشاز بأولويتها على قيادة  شعبنا ؟

إن هذه الأسئلة بحاجةٍ الى أجوبة قبل التفكير  في أيِّ مشروع يَهُمُّ شعبنا  .   إذا لم نُشيِّد بيتنا ونُحَصِّنُه ،  بمُراجعة مِلفّاتنا  وإعادة قراءَة  برامجِنا  وإجراء تعديلاتِ جذرية عليها  لتَتَوافقَ مع واقعنا  الموضوعي ، وهذا لا يُمكن أن يتأتّى  إذا بقيت قلوبُنا مُترَعة بأدران الحقد والكراهية لبعضنا البعض ،  إذا ظلَّت نفوسُنا تأمُرُ بالسوء ،  إذا لم نُعِد الى ذواتنا المصداقية المفقودة تُجاه واحِدِنا الآخر !

كيف نطالبُ بمنطقةٍ آمنة أو اقليم خاص ونحن بهذا الوضع المُشَتَّت ، الطرفُ الأصغرُ بيننا عدداً يروم ابتلاع الطرف الأكبر  ،  يُنكرُ عليه وجودَه الفعلي  كأكبر قومية رافدية أصيلة وأعرقها طُراً ، انفصل عنها بعضُ أبنائها عِبر الزمن الرديء  الذي وقعت فيه  كنيستُها العملاقة ( كنيسة المشرق )  واتخذوا لهم تسميات  كاليعقوبية في الجيل السادس  والآثورية  في الجيل التاسع عشر التي غُيِّرت الى الآشورية في العقود القليلة المتأخرة ،  هذا الطرف الصغير مُدَّعي الآشورية زوراً  يُطالب الطرف الكلداني الكبير ( الفرع الصغير يُطالب الأصل الكبير ) أن يتنَكَّرَ  لقوميتِه  ويقتديَ  به  بتبنّي  تسميةٍ غريبةٍ عنه  تفتقر كُلِّياً الى  أيٍّ من مُقوِّمات القومية !  كيف  يؤتَمَن  جانبُ هذا الطرف المغرور  ذي العقلية المُتعفِّنة  بسبب الآفكار الوهمية  والخيالية المُعشعشة  في عقول أبنائه المُستحكِمة فيهم النزعة السُلطوية الإنفرادية المنبوذة من قبل  الشعب بأكمله ! كيف يُمكن الوثوق بهذا الطرف الناكر لأصلِه وقوميتِه والمُنتحِل لتسمية بائسة ( الآشورية ) أطلقها عليه الأجنبي الغادر قبل قرن ونصف فقط  ، عندما يقوم وبدون خَجَل باختلاس اسم كنيسة المشرق الكلدانية التي أسّسَها الشعب الكلداني خلال النصف الثاني من القرن الميلادي الأول على يَدَي رسولَي المشرق مار أدي ومار ماري !  نعم الشعب الكلداني الرافدي الأصيل والوحيد الذي واصل مسيرتَه الحياتية بعكس الشعوب الرافدية الاخرى السومريين والأكديين والآشوريين التي انقرضت وأصبحت  في خَبَر كان !  كيف يمكن أن يُنسَبَ اسم الكنيسة  الى شعب ( الشعب الآشوري المُنقرض ) طالَه الفناء الجماعي الأبدي قبل الميلاد بأكثر من ستة أجيال !  أليس من  حق الشعب الكلداني الصادق  بميسيحيتِه  أن  يرتابَ  بنوايا الشرذمة الجاحدة  من  أبنائه المُتخِذة من المسيحية ستاراً لتُخفيَ حنينَها  لعبادة إلهِهِا آشور الوثني !  إذا كان هذا الطرفُ المُتمَرِّد  على امتِه الكلدانية  والسارق  لكنيستِها  والمُختلِسُ  لأمجادِها  وعَزوِها  الى الآشوريين القدماء الذين لا تربُطه بهم أية رابطة  عِرقية أو تاريخية  بهذا المستوى  من الأنانية  وحُب احتكار القيادة  دون الإقرار  بالواقع الحالي لوضعِنا  !  تُرى ،  كيف  سيكون  تَصرُّفُه  في  حالة الإقرار بإقامة منطقة خاصة بالمسيحيين ؟ ؟ ؟ . إقرأوا ما يكتُبُه  عوديشو ملكو بعد سُبات طويل وقد استفاق مؤَخَّراً ليخرج علينا ليُعيدَ ما رَدَّدَه من قبلِه  الكثيرون من غُلاة مُنتحلي الآشورية المُزَيَّفة  من الأكاذيب والأباطيل مُعلِنين عن لصوصيتهم وسطوِهِم على منجزات وأمجاد الامة الكلدانية النبيلة وكنيستِها المشرقية الجليلة .


ليس مَن يستطيعُ الإنكارَ  بأن المسيحيين كانوا في منجىً عن التهديدات والإعتداءآت على مدار الأجيال  ،  بل كانوا من أوائل المُستهدَفين أثناء الأحداث والتغييرات التي حَدَثَت في العراق على مَرِّ الزَمَن  ولا سيما خلال عهود الحُكم الإسلامي المُتنَوِّع الأشكال ، حيث اعتُبِروا < أهل الذِمّة > في وطنهِم الأصيل ، وعومِلوا < كَكُفّار > على امتداد الحُكم العثماني القمعي الغاشم ، وعند قيام الحُكم الوطني  عَرَّفَهُم <  بأقَلِّية دينية >  مُنكِراً عليهم انتماءَهم القومي الكلداني .

اعتقد المسيحيون بأن زمنَ الإضطهاد  قد وَلَّى وأن القتلَ والسبيَ والإغتصابَ وحرقَ القرى الذي مارسَه ضِدّهم العُثمانيون البُغاة قد انتهى ، وأن الانكليز الذين يشاركونهم < الأُخُوَّة الدينية > والذين أقاموا الحُكم الوطني في العراق ، سيُنصفونهم  وسيفوا بوعدِهم بمنحهِم كياناً مُستقلاً  أو على الأقل إدارة محلية  لصيانة حقوقهم الثقافية وممارسة خصوصياتهم الدينية بحُرية ، بيدَ أن ظنَّهم هذا قد خابَ لأن وعدَ المُستعمِر كان كاذبا ،  بل كان شَرّاً مبطَّناً  عَرَّضَ  جًزءاً عزيزاً من شعبنا المسيحي الكلداني ( الآثوريين الكلدان ) القاطنين في  منطقة  < سُمِّيل > وضواحيها الى مذبحةٍ فَظَّة  قام بها المُرتزقة والرُعاعُ  من القرى العربية والكُردية المجاورة بمساندة ومشاركة الجيش العراقي  وذلك في تموز من عام 1933 ، ذهبَ  ضحيتها الالآفُ  من الرجال والنساء والأطفال ، وأُجبرَ الناجون َ منهم للهجرة الى سوريا ولبنان .

لقد استبشرَ المسيحيون الكلدان بمُختلف انتمآتهم المذهبية خيراً بقيام ثورة الرابع عشر من تموز 1958 ، فبادروا الى دَعمِها والمساهمة في بناء الوطن ، لأن الثورة جاءَت لنشر العدل والمساواة بين  كافة أبناء  بلاد الرافدَين ،  وبعد فَشَل  مؤامرة  العقيد الشوّاف أصبحَ  المسيحيون  وبخاصةٍ  سُكّان الموصل  منهم  كَبشَ الفداء  بتعَرُّضِهِم  لأبشع  أنواع الإنتقام  من  قبل زُمَر القوميين العُتاة  والإسلاميين المُتطرِّفين والبعثيين ، حيث لاقوا التعذيب والقتل والمُطاردة ، فتشَرَّدوا تاركين بيوتهم وتوَجَّهوا الى أماكن اخرى في العراق وعلى الأغلب الى بغداد والبصرة .

وبعد انقلاب الثامن من شباط  1963 الدموي الأسود  وتَسَلُّط عبدالسلام عارف ، عانى المسيحيون من أنواع التعَسُّف الذي مورسَ ضِدَّهم ،  حيث عُذِّبَ الكثيرون منهم وقُتِلوا وسُجِنوا وشُرِّدوا ، وأُبعِدوا عن وظائفهِم  وحوربوا بأرزاقهِم .

وعندما استولى  حزب البعث على السُلطة في العراق ،  كان العقد الأول من حُكمِه أفضل من  العهد العارفي ، ومع  بداية العقد الثاني  وتَمَكُّن صدام حسين  من  تَوَلّي الرئاسة  الاولى في  الدولة والحزب ،  تجَلَّت الديكتاتورية  وبدأ عهد التصفيات والقمع والإضطهاد  وجَرِّ البلاد الى المسالك الخطرة  ،  منها الحروب  ومقاومة القرارات الدولية  وملاحقة كُلِّ المُعترضين الغيورين  من أبناء الأطياف العراقية  على  ممارسات النظام الاستبدادية ، فكُمِّمَت الأفواه  وطورد الوطنيون الأحرار ،  وطغت هجرة العراقيين على اختلاف أعراقهِم ومذاهبهم وضاقت بهم دول الجوار ودول الغرب ،  وكان المسيحيون أكثر المهاجرين نسبياً من جرّاء الإهمال والتهميش الذي طالهم .

وحين بَزَغَ فجرُ الحرية بسقوط الطاغية ونظامِه ووقوع  العراق تحت الإحتلال  الأمريكي والبريطاني ، ومن ثمَّ  قيام العصابات التكفيرية  بنشر إرهابِها في عموم العراق ،  باتَ المسيحيون الهَدَفَ الأول  في قائمة إرهابِهِم ، حيث طالَهُم الإغتيالُ ، والإختطاف وأُجبِرَت نساؤهم وبناتُهم في بعض مناطق العراق على ارتداء الحجاب الإسلامي ،  وتَعَرَّضت كنائِسُهُم للتفجير ومحَلاّت ارتزاقهِم للحرق والتدمير  فضاقت بهم سُبُل العيش ، فاضطرّوا للهرب من مناطق سُكناهم في البصرة وبغداد والموصل الى مناطق اخرى في العراق ، واستطاع عَدَدٌ كبير منهم الخروج من العراق واللجوءَ الى دول الجوار كسوريا ولبنان والاردن آملين أن تقبلَهُم دول المهجر في العالَم الغربي .

للأسباب المُتَقَدِّم ذِكرُها ، تعالَت  في الآونة الأخيرة أصواتٌ تُنادي بايجاد <  منطقةٍ آمنة للمسيحيين >  حيث شعر أصحابُها بأن مبادرات الوفاق والتوافق والتصالُح المؤَدِّية الى ايجاد حلول تَصُبُّ  في خانة المصلحة العامة للإنسان العراقي  قد اختفت  بسبب الإرادة السيئة للسياسيين ذوي العقول المتصلِّبة  سواءً كانوا من التابعين للتيارات الحزبية الكبيرة أو الصغيرة  أو المائلين الى هذه الجهة أو تلكَ ، فلو استجابَ هؤلاء لِما دَعَت إليه كافة مُكَوِّنات الشعب العراقي  بإعادة  بناء العراق على أُسَس المفهوم الديمقراطي ، وعملوا بجدِّية على استتباب الأمن والإستقرار ، ومحاربة حالة الفقر والمرض والقضاء على الفساد والجشع ، وتطبيق العدل بين المُواطنين بكافة شرائحهم  دون تفضيل إحداها على الاخرى بحُكم الإنتماء  العِرقي أو الديني أو المذهبي ، لَما ظهَرَت على السطح مثل هذه الدعوات .

ثمَّ إن الدعوة الى إنشاء منطقة إدارة ذاتية للمسيحيين ليست مطلباً انفصالياً أو رفضاً للآخر ،  فالواقع يؤَكِّد بأن المنطقة المقترحة يسكنُها المسيحيون والمسلمون والشبَك واليزيديون الذين يمثِّلون مُختلف مُكَوِّنات الشعب العراقي الدينية وينتمون الى القوميات العربية والكردية والكلدانية على اختلاف مذاهبِها وطبعاً بِنِسَبٍ متفاوتة ولكنَّها متجانسة ، وبِمَقدورها الركون الى العيش المشترك في ظِلِّ قوانين تتضمّن التسامح وضمان الحريات الفردية والعدالة الاجتماعية ، وعلى هذا الأساس  فهو مطلب شرعي  وبالإمكان طرحُه على البرلمان لمناقشتِه ،  لأن الدستور  يَنصُّ بشكل صريح بأن العراق <  دولة اتحادية  فيدرالية > وللأقليات حَق التمَتُّع بخصوصيتِها القومية والدينية ،  وإن أهمَّ مُمَيِّزات النظام الفيدرالي  هو حماية حقوق الأقليات ، ورغم كُلِّ المُبَرِّرات الداعمة لهذا المطلب ،  إن الترَيُّثَ في عدم إثارتِه حالياً  هو الأصوب ،  وإن رأي المسيحيين الذين في داخل الوطن بهذا الخصوص هو الأصح والأسلَم  لأنهم أدرى بالأوضاع السائدة ،  ثمَّ إن هذا المُقترح يجب أن يقترن بموافقة إخوتِنا العرب والأكراد والتأكيد لهم بأننا جزء مهم وأصيل من شعب العراق وسنبقى كذلك للأبد ، ويقيناً ان ذلك سيُعَزِّز ثِقَتَهم بنا ويُفضي الى قبولهم لإقتراحِنا ،  وعندها نكون قد قُمنا بعَمَل حكيم وحقَّقنا مطلبَنا باسلوب سليم ، ويجب أن تسبِقَ هذا الأمر  مشاورات لعقد  مؤتمرات تُشارك فيها أطراف عراقية وعربية ودولية  ليخرجَ بصيغةٍ  توافقية  تتبنّاها الامم المتحدة .


نسأل الله العَلِيَّ القدير أن يباركَ بجهود كُلِّ الخَيِّرين  مِن  أبناء شعبنا المسيحي الكلداني والآثوري والسرياني ،  ويُسَدِّدَ خُطاهم للوصول الى ما يصبو إليه شعبُنا من الأماني ،  لا تُنالُ المطالب بالتَمَنِّي بل بالعَمَل والجُهد المُضني !  .



الشماس كوركيس مردو
في 25 / 4 / 2006

292
                                   أليس الإبتزازُ دَليلَ ضُعفٍ وسَلبَ حقٍّ !

لم أقرأ يوماً  لمُدَّعي الآشورية  أو المتعاطفين معهم أو  المأجورين من قبلهم ، الذين يَتمَشدق البعضُ  منهم بأنه اكاديمي  ، إلاّ  وفاحت من كتاباته رائحةُ التَعَصُّب  والفكر التزمُّتي الضعيف  الموروث ،  الذي يطغى على كُل ما تَعَلَّمه  أكاديمياً ،  وإن سَعيَه الى  التحصيل العلمي  ليس للبحث عن الحقيقة المُجَرَّدة ،  وإنما  لايجاد ذرائع  لتحريف  الحقائق  ، مُعتقداً  أن  شمس الحقيقة  يستطيع  حجبَها  يغُربال أفكاره الوَهمية  الساذجة ،  والعجيب في أمر هذه الفئة  أنها  كُلّما  توسَّعت دائرةُ  معارفها  تقلَّصَ  حجمُ مفاهيمها ،  وكأن  العقلَ لديها  مُقيَّدٌ  التَحَرُّك  ضمن  مساحة  مُحدَّدة  بخطوط   حمراء  يُحظرُ  تَخَطيها ، فتُشكَّل لهذا  العقل مِحنةً  كبيرة  وإرادةً قاصرة  والدلائل على ذلك كثيرة  فيما  تُردِّدُه أذهانُهم  المُتحَجِّرة  مُبتزّين  كُلَّ ما يعود للامة الكلدانية ومن تلك الابتزازات  ما  يلي :

 
1 -  القومية الآشورية بكُلِّ مذاهبها  :  إدِّعاء  فارغ  بكُلِّ ما  تعنيه الكلمة ،  وللأسباب التالية  والتي شرحناها مرّاتٍ متتالية  وهي :  إن المجموعة القبلية التي تسلَّلَت من  أرض بابل الى  شمال بلاد وادي الرافدين  في  مطلع  الألفية الثالثة  قبل الميلاد  ، احتلَّت  مدينة آشور  وبمرور الزمن  تمكَّنت  من تأسيس  دولة  أطلقت  عليها أسم ( آشور ) إله  المدينة  الجبلي الأجنبي  الذي تبَنَّت  عبادته ، وفرضتها  على الشعوب التي كانت تسكن  مدينة آشور وغيرها من المدن التي سيطرت عليها  كمدينة  أربيلو ( أربيل )  ونينوى التي أصبحت فيما  بعد  العاصمة الرئيسية لها  ،  وبعد  سقوط  نينوى وحرّان  على أيدي الميديين  والكلدان ،  زال  وانمحى الاسم الآشوري  بتحطُّم  صنم الاله آشور  باعتباره اسماً  دينياً  وليس قومياً ،  فطاله  الإهمال والنسيان  من قبل المصادر التاريخية  فلم تَقُم له قائمة  ، وإذا  ما ورد ذِكرُه  أحياناً  فإنّما  يُذكَر  كمدلول جغرافي  فقط ، أما  نهاية تلك المجموعة البشرية التي تبَنَّت اسمَه  فكانت  مُشابهة لنهاية  الشعب السومري  والأكدي  والكوتي  والميتاني  والكِشّي  والحوري  وغيرهم من الشعوب التي  ذابت  بقاياها  في مجتمعات الشعوب  التي أخضعتها لسيطرتِها  ،  بِخلاف الشعب الكلداني  الذي واصل نشاطه الحياتي  حتى بعد  سقوط صولجان مُلكِه فكان أول من اعتنق المسيحية فور ظهورها في بلاده  وادي الرفدين  ، وأسَّس كنيسته  ودعاها باسم مُبشِّريه المشارقة ( كنيسة المشرق ) .  فلإمته  الحق الذي لا مُراء فيه والذي يدعمُه التاريخ بواقعه الصحيح  الواجب المناداة  به  هو ( الامة الكلدانية بكل مذاهبها  - الكاثوليكي والنسطوري  واليعقوبي  ) ،  إلاّ أن الشعب الكلداني النبيل  والمتفتِّح  ثقافياً وحضارياً  لا يفرض رأيه ووصايته على  أبنائه الذين تمرَّدوا عليه عبر الزمن  وتبنوا لهم تسميات طائفية  بل يترك  لهم حرية الاختيار  مُحترماً مشاعرهم  . 
 

2 -  اللغة  الآشورية :  لم يكن  هنالك يوماً  لِمن تبنّوا التسمية  الآشورية  قديماً وحديثاً  لغة آشورية ( لغة ام )  فالآشريون  القدماء  استخدموا اللغة الأكدية  ثم تحوَّلوا الى اللغة الآرامية اللهجة الكلدانية على عهد ملكهم سنحاريب ، اضطرارا بسبب التأثير  الثقافي والديمغرافي  للعدد الهائل من الأسرى الكلدان على المُجتمع الآشوري ، الذين  تمَّ ترحيلُهم مِن مناطقهم الكلدانية الى  المناطق الآشورية أولاً ، ولسهولة اللغة الآرامية الكلدانية وسلاستِها ثانياً ، أما  مُنتحلو الآشورية المعاصرون أحفاد كلدان الجبال  فيستخدمون  اللغة الكلدانية  التي أدخلوا عليها بعض التحوير ،  وراحوا يُطلقون عليها اللغة الآشورية زوراً وبهتاناً  .


3 -  أكيتو العيد البابلي الكلداني : قبل التَحَدُّث عن عيد أكيتو ،  علينا أن نستشهِدَ بأقوال المؤَرِّخين والعُلماء الآثاريين ، الذين أكَّدوا بأن  البابلية  هي مُرادفة  للكلدانية  ، وأن أبناء العِرق الكلداني دُعوا بالبابليين نسبةً الى عاصمتهم بابل ، أما قوميتُهم فهي كلدانية لأن البابلية  ليست تسمية قومية وإنما تسمية  مناطقية ، كما هو الحال بالنسبة للتسمية العراقية فهي تسمية مناطقية  ولكن الشعوب الساكنة في العراق هي ذات القوميات العربية والكردية والكلدانية والتركمانية وغيرها  ، وهذا ما أكَّدته  ( ماركَريت روثن ) بقولها نقلاً  عن تيودور  الصقلي  <  إن الكلدان هم البابليون القدامى بل الأقدم بينهم  --  علوم الكلدانيين / ماركَريت روثن / ترجمة الأب يوسف حَبي ً ص. 11  > . إن المصادر التاريخية كُلَّها  تؤَكِّد أن الإحتفالات بعيد أكيتو  كان  محورُه  الاله ( مردوخ ) إله البابليين الكلدان  الوطني ، ويبدأ الاحتفال في بابل باعتبارها المدينة الرئيسية الاولى  وتتبعها المدن الاخرى ،  ويمتد  هذا التقليد الاحتفالي  الى زمن السُلالة البابلية الاولى  أي الألفية الثانية قبل الميلاد ، حيث  وُحِّدَ التقويم ومنذ ذلك الوقت صار الاحتفال بعيد أكيتو في بابل يُمثِّل عيد رأس السنة البابلية الكلدانية ،  والاحتفالات في المدن الاخرى  مثل آشور وكلخو ونينوى التي ألحقها الملك البابلي الشهير  حمورابي بالمملكة البابلية  عام 1760 ق . م  ،  لم تَكُن تُقام  إلاَّ بعد انتهاء الاحتفالات الرسمية  في بابل ،  أماالاحتفال  بعيد شجرة  الحياة <  النخلة المباركة >  فيُحتَفَل  به  في الخامس عشر من أيلول .

بعد  خضوع الآشوريين للمملكة البابلية ثمَّ للمصريين وبعدهم للحِثِّيين فالميتانيين ،  استطاع ملكُهم ( آشور اوبليط الأول 1365 - 1330 ق . م ) عام 1363 ق . م  أن يُنهيَ خضوعَه  للميتانيين ويُعيد الاستقلال الى الدولة الآشورية  واستمرَّت حتى انقراضِها ما بين عامَي 612 - 609 ق . م ،  وخلال هذه الفترة الطويلة  وقعت بابل تحت  نفوذ  الدولة الآشورية  مِراراً  تراوَحت مُدَّتُه  بين طويلة وقصيرة  حيث كانت الحرب سجالاً بين بابل وأشور .

في عام  689 ق . م  قام الملك الآشوري  الهمجي سنحاريب الطافحُ  القلبِ  بالحقد والانتقام  ليس من بابل الساعية الى حُريتها واستقلالِها من الهيمنة الآشورية البغيضة والظالمة فحسب  بل من الانسان وكُلِّ ما ينبعث من الطبيعة  روحاً وحياةً ،  بالهجوم على بابل فدَمَّرها  حَرْقاً وغَرْقاً وقتلاً وسَبياً ، ثمَّ سَرَقَ إلهَ  أهلِها ( مردوخ)  المحور الذي عليه  كانت  تستند احتفالات أكيتو وجاء به الى  نينوى ، ووضعه  في مكان خفي ، ثمَّ جعل صنم الاله الآجنبي  الدخيل آشور إله القبائل الهنداوربية الجبلية محوراً لإحتفالات أكيتو بدل الاله  الوطني  الرافدي  مردوخ ، وهكذا اختلس  الأكيتو البابلي الكلداني ،  وقد  وصف هذا الملك الطاغية  حملتَه العسكرية هذه  في إحدى مُدَوِّناتِه  متباهياً  <  كان هجومي على بابل أشبهَ بالإعصار وكالصاعقة  بَدَت  ضرباتُ  قوّاتي لها  ، لم ترحم من سكّانها أحداً ، حتى امتلأت الأزِقَّةُ  من  جُثَثِهم ،  جعلت المدينة  الكبيرة طعماً  للنيران  التي التهمتها من الأُسُس حتى السقوف ،  ولكي لا يتذكَّر الناسُ  مُستقبلاً  ما  كانت  عليه أمرتُ  بتسليط  مياه الفرات عليها  لتتحوَّل الى  مراعي ، ولكي  أُدخِلَ الى قَلبِ  آشور  رَبِّي  الفَرَحَ والهدوء  ، وأجعلَ الناسَ يركعوا له صاغرين ، مُتهيِّبين  جَبَروتَه الهائلة ، أوعَزتُ بإرسال عَيِّنات من تُراب  بابل  كهدايا  الى شعوب المناطق القّصِّية  ،  وملأتُ مِنه  جَرَّةً  لوضعِها في معبد آشور  ، ليبدأ عيد السنة الجديدة  ومحوره  آشور > .


4 - كنيسة  المشرق الآشورية :  وهذا هو الإختلاس الأشد والإبتزاز الأكبر ،  لقد انقرض الآشوريون قبل الميلاد  بنحو ستة قرون ،  وكنيسة المشرق الكلدانية تأسَّست في مطلع النصف الثاني من القرن الميلادي الأول ،  فكيف  يمكن تسمية الكنيسة  باسم  مُنعدمي  الوجود ؟  على مدى أكثر من ثمانية عشر قرناً من  تاريخ كنيسة المشرق لم يأتِ  ذِكرُ اسم آشوري واحد  ضمن سِجِلِّ  أقطاب الكنيسة  بجثالقتِها ( بطاركتها لاحقاً ) ومطارنتها وأساقفتها  ومؤسِّسي أديُرَتِها  !  لماذا ؟  لأنه ما كان موجوداً من هذا القبيل ،  و حتى مُنتصف القرن التاسع عشر  ،  عندما عثر  مبعوثو الكنيسة الأنكليكانية( الانكليزية ) عملاء مُخابرات المملكة الانكليزية على أحفاد المُتمرِّدين المنفصلين من إخوتهم أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية الذين قاموا بنبذ المذهب النسطوري في مَنتصف  القرن السادس عشر واستعادة مذهب آبائهم وأجدادهم الكلدان مؤسسي الكنيسة الأوائل ( المذهب الكاثوليكي ) إصراراً منهم للبقاء على البدعة النسطورية  التي فُرضت على كنيسة المشرق عنوةً  بِضَغطٍ  من الظروف السياسية المتفاقمة  في الجيل الخامس الميلادي ،  فاستغل هؤلاء العملاء الانكليز وضعهم  الحياتي  المُزري ، وأغروهم  بوعود  كاذبة  بأن  المملكة  الانكليزية   ستساعدهم  بإقامة  كيان سياسي لهم  إذا  قبلوا بتغيير تسميتهم الكلدانية  النسطورية  الى  التسمية ( الآثورية ) التي  ستُميِّزهم  عن  إخوتهم الكلدان الكاثوليك ،  وتحت  سِحر هذه الإغرآت  الحُلُمِية  الوردية والسرابية ، تَنَكَّروا لإنتمائهم الكلداني  وانتحلوا التسمية الآثورية  في باديء الأمر ، مُنفِّذين رغبة  دهاقنة  الانكليز الثعالب البشرية  الذين لم  يسلم العالَمُ  كُلُّه من  حبائلهم الشيطانية ،  وفرض سيطرتهم الاستعمارية الغاشمة على الشعوب  وإذلالِها ، وكان هذا الجزء العزيز من الشعب الكلداني  ضَحِيَّةً من ضحاياهم ،  تَكَبَّدَ بسبب انصياعه لمشيئَتِهم أكبر الخسائر بأبنائِه ومُمتلكاتِه  وكان آخر مِحَنِه  مذبحةُ سُمّيل وضواحيها التي دَبَّروها ضِدَّه عام 1933م ،  وفي أواخر القرن العشرين الماضي  قام هؤلاء المخدوعون  بوعود الانكليز بتغيير التسمية  الآثورية الى التسمية الآشورية لتتطابق مع تسمية  الآشوريين القدماء المنقرضين  ،  وغَيَّروا اسم كنيستهم  < الكنيسة النسطورية >  الى  كنيسة المشرق الآشورية ،  فهل هنالك أخسأ من هذا الابتزاز !  أجَل  هنالك أبشع منه وأنكى ،  ألا وهو  مطالبة هؤلاء الانفصاليين الضالين إخوانَهم الكلدان الذين يتفوَّقون عليهم بعشرة أضعاف عَدَدِهم  بترك انتمائهم القومي الكلداني  والانتماء الى الوهم الآشوري  المُخزي ، هذا ما يُروِّج له  غُلاةُ دُعاة الآشورية المزَيَّفة  في كتاباتِهم السياسية  ووسائل اعلامهم الظلامية  ، مُستخدمين  كُل الأساليب المُشينة  وفق المقولة  المُهينة <  الغاية تُبرِّر الوسيلة >  حيث يهون لديهم التزوير  بسبب انعدام الضمير ،  كما ينتفي لديهم الخجل فلا يجدون حرجاً  في تنسيب  قادةٍ وشخصياتٍ  تاريخية معروفين للعالَم كُلِّه  بهويتهم الكلدانية الى الآشوريين ، دون أن يعلموا أن عملَهم  اللاديمقراطي هذا وسَعيَهم لإحتواء الكلدان في بودقتهم الآشورية المُصطنعة  من خلال طمس  حضارة الكلدان وثقافتهم وتاريخهم ، سينقلب  وبالاً عليهم  قد يطالهم بالزوال ،  لأن صداه قد أوجد رَدَّ فِعل عنيفاً لدى الكلدان وخلق  من أبنائهم  جيلاً من الشباب أبِيّاً  شهماً مؤمناً بقوميته الكلدانية  ومُدافعاً عنيداً عنها يسترخص كُلَّ  شيءٍ  في المحافظة عليها  وصيانتها  وهو  يُرَدِّد  القولَ  المأثور <  القافلة  تسير ولا يَهُمُّها  من الحُسّاد  الصُراخ  والأقاويل > .





الشماس كوركيس مردو
في  13 / 4 / 2006

293
          تُرى، ماذا فَعَلَ الكلدان ليتَعَرَّضوا لِكُلِّ هذا التَجَنِّي والبُهتان !

يظهرُ أن نارَ  الهَجمَةِ  الشَرسة  التي أشعَلها  غُلاةُ  العُنصريين  دُعاةُ  الآشورية  المُزيَّفة  ومأجوروهم  من المُرتزقة الكلدان الجاحدين  ضِدَّ  القومية الكلدانية  وسعبِها النبيل  لأَكثر من عامَين  بعد سقوط النظام البعثي الشوفيني في العراق ،  لم تَكُن قد خَبَت تماماً ، بل كان الرَّمادُ  قد  غَطَّى لهيبَها  المُستَعِر عن العَيان  لفترةٍ  قصيرة  حتى  أوقدَها  الخُبثاءُ الآنفو الذكر ثانيةً ،  مِمّا  يبدو أنهم  لم يرتَدِعوا بما كتَبَه  جهابذة الكلدان من الكُتّاب والمُفكِّرين  مُفَنِّدين  فرضيتَهم الآشورية  العقيمة  وطروحاتِهم  العُنصرية المسمومة ،  فقرَّروا  إثارة الصِراع  القومي مُجَدَّداً رغم  عِلمِهم المُسبَق بأن   قَلبَ  باطلِهم الى الحقيقة  سيبوءُ  بالفشل  الذريع  كما  باءَ  في السابق  مهما  ابتدعوا  من الأباطيل والذرائع لأن  كُلَّ ما يُبنى على  الباطل   باطلٌ هو  ! ،  والسبب أنهم  لا يفقَهونَ  من التاريخ كُنهَه  ويستسيغون تحريفََه  وهذا ما  يزدريه العالَمُ كُلُّه  .

انقراض الآشوريين

يتَّفق  المؤرخون  العالَميون الغربيون منهم والشرقيون ، بأن دور الآشوريين  القدماء  قد انتهى  نهايةً  أبدية  مُهينة  منذ  أن قُضي عليهم  القضاءَ  المُبرم ما بين عامَي 612 - 609 ق . م من قبل الكلدان وحُلفائهم الميديين  ،  حيث كانت الدولة الآشورية  قد أنهكتها  حركات  العصيان والتمرُّد في سنواتِها الأخيرة ،  بالإضافة  الى تَخَلخُل  الوضع الداخلي  والصراع بين  خلفاء  آشور بانيبال من الملوك الآشوريين الضعفاء على تولي العرش ،  ولشدة ما كان قد عاناه الكلدان والميديون  من ظُلم الملوك الآشوريين وطُغيانهم  طوال ردح طويل من الزمن ، دفعهم للأخذ  بالثأر ، فقام الميديون سنة 615 ق . م باحتلال كركوك  ، ثمَّ أغاروا على مدينة آشور سنة 614 ق . م بقيادة ملكهم ( كي اخسار )  ودخلوها عنوةً بعد تحطيمهم لأسوارها  وفتكِهم بعددٍ  هائل من سُكّانِها ، وبعد انتهائهم من نهبها  أحرقوها  ،  وفي ذات الوقت  وصل إليها  الجيش الكلداني  بقيادة الملك  نبوبيلاصر ،  وأمام  أسوار مدينة آشور المُحطَّمة  تصافح الملكان  الكلداني  نبوبيلاصر  والميدي  كي أخسار ،  وبادرا الى توقيع مُعاهدة تحالف وصداقة  ،  وكان أحد بنودِها  يقضي  بانسحاب الميديين من الاقليم الرافدي الشمالي  واكتفائهم  بالغنائم ،  أما الارض فيكون  مآلُها للكلدان ،  وبذلك  ضَمِنَ  نبوبيلاصر  عدم بقاء  الميديين في  أيِّ جزءٍ من بلاد وادي الرافدين ،  وتُوِّجَت  هذه  المعاهدة  بعلاقة  عائلية  عن  طريق  زواج  وليِّ  العهد  الكلداني  نبوخَذنصَّر الثاني  من  حفيدة  الملك الميدي ،  وقد  أضاف  هذا الارتباط  العائلي قوَّةً الى تمتين  أواصر التعاون  العسكري الكلداني  الميدي ،  واتَّفقَ الملكان  على  اجتياح نينوى  ونَفَّذا هذا الاتفاق سنة 612 ق . م  حيث  اقتحمها جيشاهُما  وأضرما فيها النيران التي التهَمَتها بِمَن  فيها فأضحَت  خرائبة تنعق  فيها  الغربان .

وبعد ثلاث  سنوات من تدمير  نينوى  لاحقَ الحليفان الكلداني والميدي  فلول القوات  الآشورية التي استطاعت  الفرار  الى مدينة  حَرّان  التي التجأ إليها  الملك الآشوري الأخير ( آشور اوبليط الثاني) مع العدد الضئيل من سكّان نينوى  الذين لم يطلهم  السيف والنار ،  مُتوقّعين أن تصلهم نَجدة  مصرية  وعدَهم  بها  فرعون  مصر قبل سقوط  نينوى ،  تساعدهم على شَنِّ هجوم معاكس  ضِدَّ  قوّات التحالف الكلداني  الميدي ،  بيدَ أن  القوات المُشتركة الكلدانية والميدية  باغتت سنة 609 ق . م الآشوريين الذين قدموا من كافة  مناطق تواجدِهم  للإحتماء  في  حرّان ، وحاصرت  حرّان  آخر معقل لهم  بشكل مُكَثَّف منعاً لإمكانية  الهروب ،  ثمَّ توَغَّلت  الى  داخلِها  من  كل  جِهاتِها ، و أفنَت القوات المدافعة  وفَتَكَت  بالسكان  بدون  رحمة  أو شفقة ، فالذين   سقطوا  بأيدي الميديين  أُبيدوا  عن بِكرة أبيهم ، أما  الذين وقعوا بأيدي  الكلدان  كان حَظُّهم أفضلَ قليلاً ، إذ سَلِمَ منهم عدد قليل بفضل الرِفق الكلداني بهم وعدولِهم عن  القضاء  عليهم بالكامل  اسوةً بالميديين ،  وثوقاً  منهم  برابطة  الدم التي  تَربطهم  بهم ، آخذين  بنظر الاعتبار ، بأن دماءَ  العدد الكبير من الأسرى الكلدان  الذين هُجِّروا عَنوةً الى البلاد الآشورية  على زمن الملوك الآشوريين  الطُغاة  تجري في عروقهم  ، وهذا ما يجعلهم  أشِقّاءَ  لهم ، فاحتضنوهم  وانخرطوا بالمُجتمع الكلداني  كشَعبٍ  واحدٍ بدون أدنى تمييز يحملون جميعاً  اسماً واحداً  الاسم  الكلداني .


سيادة الكلدانيين

لقد  جاءَ  في ( مقدمة  في تاريخ الحضارات القديمة / طه باقر  ص. 548 -- تاريخ سوريا ولبنان وفلسطين / فيليب حتي / الجزء الأول ص. 155-156 -- العراق في التاريخ / سامي سعيد الأحمد / الفصل السادس ص. 164 -- عظمة بابل / هاري ساكز  ص. 170 - 171 ) بعد  قيام الدولة الكلدانية الحديثة  عام 626 ق . م التي أصبحت لاحقاً امبراطورية عظيمة  وسقوط الدولة الآشورية النهائي ما بين عامَي 612 - 609 ق . م على أيدي الكلدان والميديين ،  غَدَت أقاليم دولة آشور الممتدة  حتى الحدود الحالية لآسيا الصغرى ،  ضمنَ حدود  الكلدان وسيطرتِهم  بالإضافة  الى بلاد الشام ولبنان وفلسطين  وشبه الجزيرة ،  لأن الميديين وفوا بوعدهم  وطَبَّقوا مضمونَ  المعاهدة بينهم وبين الكلدان ،  باكتفائهم  بالغنائم التي غنموها  واحتفاظهم  بالمناطق الشمالية  والشمالية الشرقية  لنينوي التي  كانوا قد استولوا عليها  قبل توقيع معاهدة التعاون والتحالف  عام 614 ق . م ،  وأصبحت المناطق  الغربية  من عائدية الكلدان بضمنِها  أربا ايلو( أربيل ) ونينوى وآشور  وكل المدن  والأماكن الاخرى ، فازدادت  كثافة التواجد  الكلداني  في اقليم آشور  الشمالي  بعد  اندثار الدولة الآشورية  وشعبها  ، وتؤكِّد المصادر التاريخية  تواجد  الكلدان  في مناطق  الشمال  والشمال الغربي  والشمال الشرقي  لبلاد  آشور  قبل انقراض الآشوريين ، حيث يقول الاستاذ  حبيب حنونا ( الكلدان  والتسمية  القومية ) كان الملوك الآشوريون في  خِضمِّ  حملاتِهم  العسكرية  المستَمِرة على المدن الكلدانية  خلال الفترة المحصورة بين القرن الحادي عشر والقرن السابع قبل الميلاد ،  قد أسِروا  ما يربو على نصف مليون فَردٍ من الكلدان ، ورَحَّلوهم الى المناطق  الآنفة الذكر ، وتُشير المصادر  بأن  مُعسكراتٍ  كانت قد أُنشِئت للأسرى الكلدان يُطلَقُ عليها  < بيث شيبا >  وتعني  بيت السبايا   في قرية  كرمليس  وقرية  بابلو القريبة  من  دهوك ،  ويعزو  تسميتَها  ببابلو الى الأسرى  الكلدان نسبةً الى عاصمتِهم  بابل ،  كما أن  معسكرات اخرى كان قد تَمَّ إنشاؤها  في منطقة العمادية  شمالي  دهوك بين  بابلو  وارادن  واينشكي ، وبعد  سقوط نينوى  وخضوع تلك المناطق للنفوذ الكلداني  قام هؤلاء الأسرى الكلدان  وبحسب تأكيد هذه المصادر  بإنشاء  مُجمَّعات  ووحدات سكنية  فيها .

سَرَدتُّ هذه الوقائع  كمثال واحد  فقط  من عِدة أمثلة على التواجد  الكلداني  في  المناطق الشماية  والشمالية  الغربية  والشمالية  الشرقية  لإقليم آشور قبل  وبعد  زوال  الدولة  الآشورية  وفناء شعبها ،  ويؤكِّد  التواجد الكلداني في شمال بلاد ما بين النهرين  المؤرخ  اليوناني  زينفون  الذي رافق الحملة  العسكرية  اليونانية  المعروفة  ( بفرقة العشرة آلاف )  عام( 401 ق . م ) ،  وعند تقهقُرها أمام الفرس  بمعركةٍ قرب بابل  عادت  أدراجها  مُتوجِّهة  الى بلادها  وفي طريق العودة  يقول  زينفون  <  قبل اجتيازنا  حدود ارمينيا ( آسيا الصغرى أو تركيا الحالية )  وعلى الساحل الثاني  لنهر دجلة ، جابهتنا قوات كثيرة  تتألف من صنوف مختلفة  ، حاولَت  مَنعَنا  من عبور  النهر ، ولدى  استفسارنا عن هوية تلك القوات  علمنا أنها  قوات أرمنية  وكلدانية  وماردينية  وكانت تابعة   لأورنتاوس  و اورتوخاس ،  وأضاف ،  لقد قيل  لنا بأن  الكلدانيين  شعبٌ حُر  لا يُضاهيهم  شعب آخر في المنطقة  من حيث مهارتهم في  القتال >  .  أليس ما أوردناه  أعلاه  بُرهاناً  قاطعاً على أن  مناطق  آشور  ونينوى  ونمرود  وحِدياب ( أربيل )  وحتى  حدود  آسيا الصغرى كانت  تخضع لسُلطان الامبراطورية  الكلدانية بعد القضاء على الدولة الآشورية ؟  وأن  التواجد الكلداني  كان قائماً في  البلاد الآشورية  قبل  الزوال الآشوري ،  وزادت كثافتُه  أضعافاً بعد  زوالِه  بحكم  سيطرة  الكلدان  على  البلاد  وتحَوُّلِها  الى جزءٍ  من بلاد  الكلدان ،  إنها  حقاً  حقائق  تاريخية  صارخة  تُعَرّي  المُغالطات والأكاذيب  التي  يُروِّجها  أدعياء  الآشورية  المزيّفون  وأذنابُهم  المأجورون  الذين  يُرعبُهم اسمُ  الكلدان  حتى أنهم  ولشدة  كُرههم  لهم  ينفونَ  عنهم  القضاء  على  الدولة الآشورية  ويعزونَه  الى  الميديين  خلافاً  لكل ما  أكّده المؤرخون  ومنهم على سبيل  المثال لا الحصر المؤرخ < جورج رو >  الذي يؤكِّد سيطرة الكلدان على كامل  الاقليم الآشوري بشكلٍ مُحكم بحيث لم  يحدث  أي  تمَرُّدٍ  أو أي  تَحَرُّك مضاد  للدولة الكلدانية حتى  سقوطها على يد  الملك  الاخميني كورش  سنة 539 ق . م  بسبب الخيانة الداخلية  لقائد عسكري في الجيش الكلداني .  إذا كان الميديون قد قضوا على الدولة الآشورية  كما يحلو لدُعاة الآشورية  المعاصرين قوله ،  لماذا تَخَلوا عن حُكم بلادها ؟  ألا يعني هذا  أن  دورهم  كان  دوراً مًساعداً وثانوياً  للكلدان  وليس  كالدور الكلداني  الأساسي  ، ولذلك  فرض الكلدان  سيطرتهم  الكاملة  على  البلاد الآشورية .


الإفتراضات الخاطئة

ومِمّا  سبق ذِكرُه ،  يَثبُتُ  بشكل  لا يُدانيه  شك بانعدام الوجود  لأيَّةِ  بقايا  من الآشوريين القدماء  الذين  حكمَ التاريخُ  عليهم  بالفناء  بعد  سقوط  عاصمتيهما  على التوالي نينوى عام 612 ق . م وحرّان  عام 609 ق . م ،  وهذا ما لا يختلف عليه  مُعظم المؤرخين ،  أما  ما  افترضه  البعض من  رجال الدين  وعلى  رأسهم  المطران  أدي شير  فيأتي  من المِنظار  الديني  عندما  عَمَد  الى  إرجاع  مسيحيي  بلاد ما بين النهرين الى  الاصول  الكلدانية  والآرامية  والآثورية  ، وهذا  خطأ  تاريخي  فاضح وكبير ،  إذ  بالنسبة  للآراميين  لم  يكونوا من سكان  بلاد  ما بين النهرين ،  لأن موطنهم هو بلاد الشام ، وإن  نزوح العدد القليل منهم لا يعني  حَملَ البلاد  لتسميتِهم ، وحتى ان القبائل الآرامية التي عَرَفَت الهُجرة الى بابل في نهاية الألفية الثانية قبل الميلاد ، كانت محدودة العدد جداً بحيث  لم يتَّسِع  لها سوى الإنصهار في المجتمع  الكلداني ،  وإذا كان هناك  عددٌ  مِن رجال الدين الذين  غَشِّهُم الوهمُ  واختلطَ  عليهم التمييزُ  بين القبائل الكلدانية  الهائلة  العدد  وبين القبائل الآرامية ذات العدد المحدود ، يُعَدُّ ذلك  مفهوماً خاطئاً  وقعوا فيه ، ومِنهُ  جاءَت دعوَتُهم  الآرامية  متأثِّرين  بعامل اللغة ،  ومن بينهم العلاّمة المطران يعقوب اوجين منّا  الكلداني  من قرية باقوفا الكلدانية  التي يفتخر  أبناؤها بانتسابهم القومي الكلداني وكما كان هو ذاتُه يفتخر بكلدانيتِه  ، حيث  عَرَّفَ الكلدانيين بقوله :  الكلدانيون ،  العلماء وأرباب الدولة  من اهل بابل وأطرافها ،  أو جيلٌ  من الشعوب  القديمة  ، كانوا أشهر أهل زمانِهم في سطوة المُلك والعلوم ، وخاصةً  عِلم الفَلَك  .  ولغتُهم كانت  الفصحى بين اللغات الآرامية ، وبلادُهم  الأصلية  بابل  وآثور  والجزيرة  أي  ما بين  نهرَي دجلة  والفرات ، وهم جدود السريان  المشارقة الذين يُسَمّون الآن بكل صواب كلداناً : وفي كلامه يؤكِّد  بأن اللغة الكلدانية  ذات استقلالية تامة بين اللغات أو اللهجات الآرامية  لأنها تتميَّز عنها  بفصاحتها  وسلاستِها ، ولذلك  فرضت  ذاتَها  في الشرقَين الأوسط  والأدنى عندما  نشرها الكلدان عِقبَ  اعتناقِهم المسيحية .  إن اختيار المطران  يعقوب اوجين منّا  < دليل  الراغبين في  لغة الآراميين >  عنواناً لمُعجَمِه الشهير < الكلداني - العربي > لم يكن إلا  جَريا على العادة  المُتّبعة  من قبل المؤلفين  الكلدان والسريان  والعرب الذين  اعتمدوا  تقليداً سجعياً في انتقاء عناوين مؤلفاتهم باللغة  العربية ، ولأنه يعتبِر بأن  اللغة الكلدانية  هي ألأفصح  بين اللغات أو اللهجات الآرامية  فلم  يرَ  ضيراً  مِن ذكر لفظة الآراميين  لياتيَ العنوان سجعاً ، أما عنوان المعجم الأصلي  الذي  وضعه  المؤلف  المطران منّا  نفسه  باللغة  الفرنسية  فكان ( قاموس كلداني  -  عربي  Vocabulaire  Chaldeen  -  Arabe )  فلم يكن  المطران  روفائيل  بيداويذ ( البطريرك لاحقاً )  مُخطئاً  بل مُصيباً  جداً  عندما  وضع  العنوان الأصلي  للمعجم  حين  أعادَ  طبعَه . أما بخصوص الآثوريين  فقد سَمّى المطران  أدي شير في  كتابه  < تاريخ  كلدو  وآثور >  الكلدان  القاطنين  في منطقة آثور التي  هي جزء  من بلاد  الكلدان  الأصلية  كما قال  المطران  يعقوب منّا  في  قاموسه  ( الكلداني  -  العربي )  بالآثوريين  نسبةً  الى منطقة سُكناهم  فقط  ،  ولم  يقصد  بهذه  التسمية  الآشوريين  القدماء المُنقرضين  إطلاقاً  ، لأنه كان  الأعلم  بانقراضهم ،  حيث يقول في الصفحة  (138 )  من كتابه  /  الجزء الأول <  ومِن  أعجب الامور  أن هذه الدولة  الجسيمة ،  إنما  عند  بلوغِها الى أعلى ذروة المجد  والعظمة  ،  سَقَطت  فجأةً  سقطةً ابدية >  والقاريء المُدقِّق للجزء الثاني من كتابه ، يُلاحظ  جيداً  تركيزَه على ذكر الشعب الكلداني  لأنه الشعب الأصيل الوحيد  الذي استمرَّ  بالوجود  بعد افول نجم  سُلطانه على أرض بلاده ( بلاد ما بين النهرَين )  وخضوعه  للنفوذ الأجنبي  ، بينما الشعوب  الرافدية الأصيلة  الاخرى  السومريون والأكديون والآشوريون كانت قد انقرضت  كياناً ووجوداً ، ولذلك نقول  إن  مُدَّعي الآشورية المعاصرين هم مُزيَّفون لا صِلة لهم بالآشوريين القدماء المنقرضين  عِرقيةً كانت أو تاريخية ،  و في مقاله  المنشور في  جريدة المشرق الصادرة في بغداد  بعددِها  597 السنة الثالثة  بتاريخ 5 / 1 / 2006  قال السيد  صبحي عبدالحميد  أحد الضباط  الأحرار في الجيش العراقي  قبل ثورة  تموز 1958 والسياسي  والاداري  لاحقاً ، مُجيباً على سؤال  الصحفي  < ايمن المخزومي >  الذي  سأله :  مَن هم  الآثوريون ؟ قال { الآثوريون ليسوا عراقيين ، وليسوا  من سُلالة الآشوريين القدامى  -- هؤلاء الآثوريون أخذوا يعتدون على القرى الكردية والتركية اعتداءً أدى الى مذابح  --  عددالآثوريين الذين جلبهم الانكليز الى  العراق كان محدوداً  20 الف شخص   -- أصبحوا عراقيين حيث تجنَّسوا بالجنسية العراقية ولم يُعتبَر الاُثوريون  قومية  وإنما اعتُبِروا جزءاً من الطائفة المسيحية  --  وهم مُطلقاً من الناحية التاريخية  لم يوجد أي مؤلف عراقي أو أجنبي ينسب الآثوريين الى الآشوريين القدماء  --  بعد سقوط بغداد في يوم 9 / 4 / 2003  تحوّلوا من الآثوريين وأخذوا يُسمّون أنفسهم الآشوريين  وأنهم من سُلالة الآشوريين القدماء  وهذا تزوير  للتاريخ }  .


بين الحقيقة والخطأ

وللأمانة التاريخية  أود التعليق على أقوال السيد صبحي عبد الحميد  لأنه مُحِقٌّ في بعضها  ومُخطيءٌ في بعضِها الآخر : فقولُه بأن الآثوريين المعاصرين ليسوا بعراقيين  خطأ  ،  أما  بقولِه  ليسوا من سُلالة الآشوريين القدامى فهو مُصيب  لأن المؤرخين  يؤكِّدون بشكل قاطع انقراض الآشوريين القدماء منذ نهاية القرن السابع قبل الميلاد  ما بين عامي 612 - 609 ق . م على أيدي الكلدان والميديين ،  والآثوريون الذين جلبهم الانكليز الى العراق لم يكونوا  إلا  أحفاداً للكلدانيين الذين فرّوا من العراق تحت قسوة  الاضطهادات  التي تعرَّض لها الشعب الكلداني العراقي الأصيل ولا سيما بعد  اعتناقِه  بشارة  الخلاص ( الديانة  المسيحية )  من قبل الأقوام التي حكمت العراق والتي ابتدأت على عهد الفرس الساسانيين  فالعرب المسلمين  ثمَّ  المغول والعثمانيين ، فوجدوا  ملاذاً  في جبال  وأودية اورمية وهيكاري وأجزاءٍ من جبال  وتركيا ، بالإضافة الى أن قسماً منهم هم أحفاد الأسرى الكلدان الذين رُحِّلو من بلادهم الى تلك المناطق الآشورية على عهود ملوك آشور الطُغاة ،  وإن جَلبهم من قبل الانكليز في  الثلاثينات  من القرن العشرين  الماضي  الى العراق بعد  استقلالِه  واستقرارِه  هو عودتهم الى أرض آبائهم  وأجدادهم  الكلدان المُتواجدين على أرض العراق وطنهم العريق  في الشمال والوسط والجنوب  وهو  ما يؤكد عراقيتهم .  إن انتحال أحفاد الكلدان هؤلاء  للتسمية الآشورية  الغريبة عنهم  لا يُغيِّر شيئاً ،  إن تمَّ بعد  سقوط  بغداد  في  9 نيسان 2003 أو قبله  بأعوام ، لأنه بحد  ذاتِه  هو الذي شوَّهَ سمعتهم  واستصغر  قيمتَهم  وجَلب  مُختلَف الويلات  والمحن  عليهم ، وليس الذين جلبهم الانكليز  المنتحلين للتسمية الآشورية فقط  بل الكثير من الكلدان النساطرة القاطنين  في المنطقة الشمالية من العراق ،  وأن أبشعَ  ممارساتهم  هي  ابتزازهم  لمُنجزات  الامة الكلدانية  الحية  وعَزوِها الى  الآثورية  المُحَوَّرة  الى الآشورية  في العقود المتأخرة  لتتطابق مع  التسمية القديمة المنقرضة ،  ومن أشنع هذه الابتزازات هي  إدِّعاؤهم  المُزيَّف بأن الآشوريين  بعد سقوط  دولتِهم  واعتناقهم المسيحية  على عهد  الاحتلال  الساساني  لبلاد ما بين النهرين ( قول عوديشو ملكو /  المُستهدَف من التاريخ الآشوري المعاصر ) ،  ولتفنيد  هذا  الادِّعاء  الباطل  من أساسه  نقول ،  إن الشعب  الآشوري ودولته انقرضا  قبل بزوغ  فجر المسيحية على عهد الاحتلال الفارسي الفرثي  وليس الساساني  بأكثر من ستة قرون ،  فهل يا تُرى  عادوا الى الحياة  ثانيةً  ليعتنقوا المسيحية  ؟   لأن المصادر التاريخية  النزيهة والمحايدة  تنفي وجود أيَّة بقايا  للآشوريين القدماء !  وتؤكِّد إبادتهم الجماعية  ما بين عامَي 612 - 609 ق. م  .
أما بالنسبة الى اتِّهامِه  الآثوريين الكلدان  بالإعتداء  على القرى الكُردية  والتُركية  ، فإنَّه  اتِّهام معكوس  لأن الأكراد  والأتراك  هُم الذين قاموا بالإعتداء على الآثوريين الكلدان  وارتكبوا بحقِّهم المذابح ، وكُلَّ ما فعله الآثوريون الكلدان  هو رَدُّهم البطولي على التَصَرُّف العدواني  ويُعتَبَرُ  حقّاً شرعياً  في الدفاع  عن النفس ،  ولا سيما  أنهم يعلمون  بأن عدُوَّهم  لا يَرحم ،  وهو مُصمِّمٌ على إبادتهم والاستيلاء على كُلِّ ما يملكون ، ولذلك فإن تَصَدّيَهم الملحمي للمُعتدي  كان من أجل البقاء وليس  بِقَصدِ  الاعتداء .


الحقيقة الكلدانية والوهم الآشوري

مِن المؤكَّد  تاريخياً  بأن سيطرة الكلدانيين على  بلاد  ما بين النهرين  كانت تُمثِّل الحكمَ الوطني الأصيل والأخير  ،  حيث انقرضت  كما  ذكرنا  فيما  سبق الشعوب  الرافدية الأصيلة  التي  سبقتهم  في  حُكمها  أو حُكم  جزءٍ منها  وهم  السومريون والأكديون  والآشوريون ،  ولدى سقوط  المملكة الكلدانية  بأيدي كورش الاخميني عام 539 ق . م  نتيجة  الخيانة  الداخلية  ، لم  يهدأ  الكلدان بل  انتفضوا مِراراً ضدَّ  الاخمينيين الفرس ، ففي عام 522 ق . م  ثار الكلدان بقيادة النبيل الكلداني المدعو ( ندينو توبيل )  الذي أعلن انتسابه  الى اسرة آخر الملوك الكلدان  نبونَئيد  ، واتخذ له  لقباً ملكياً  باسم ( نبوخَذنصَّر الثالث )  فحَرَّرَ  بابل  لمدة  ثلاث سنوات  حتى استعادها  داريوس الأول عام 519 ق . م ،  وفي عهد  سلفِه  أحشويرش الأول  انتفض الكلدان  عام481 ق . م  وقاد الانتفاضة  النبيلان الكلدانيان  على التوالي (  بيل شماني ) و(  شمش أريبا )  ولكنهما لم يُفلحا  ،  وتَعَرَّضَ الكلدان لإنتقام الملك احشويرش الفارسي  ،  ونُهِبَ معبد الاله ايل ودُمِّرَت  مدينة بابل ، وفُرضت على الكلدان ضرائب باهضة ،  حتى استيلاء  الاسكندر المكدوني على بلاد ما بين النهرين وسيطرته على بابل واتخاذِها عاصمة له عام 331 ق . م ، فخضعت  البلاد  لحُكم  المكدونيين والسلوقيين من بعدهم ،  وتؤكِّد هذه الأحداث  الوجود الكلداني الوحيد  في البلاد  ولم يكن للآشوريين ذِكر على الإطلاق  مِما يُثبت  صواب انقراضم .
يقول  بطرس نصري في كتابه  <  ذخيرة الأذهان / الجزء الأول ص. 33 >  بسبب الأعمال التعَسُّفية  واللاانسانية التي مارسها الفرس الأخمينيون  أثناء  فترة  سيطرتِهم  على  بابل  ضدَّ  الكلدان البابليين ،  اضطَرَّ  الكثير منهم للهجرة الى الشام ولبنان  وشمال بلاد وادي الرافدين ، ووصل  قسمٌ منهم  الى  جزيرة قبرص ،  وقد كان من أفدح الأخطاء  التاريخية  بقيام  المُغرضين  من الكُتّاب بتسمِية هؤلاء المهاجرين بالآشوريين وبدون أيِّ دليل مِن أيِّ مصدر تاريخي  ، ولكن نسبةً  كبيرة منهم مكَثَت  في البلاد  ومن بين هؤلاء  مَن كان مِن نسل ملوكهم  ، لذلك  تتبَّعوا النجم المتميِّز الى بيت لحم اليهودية في  فلسطين  عند ميلاد المسيح الرب له المجد ، ليُقدّموا  له خضوعهم  ويُجزِلوا عليه  هداياهم ،  وسُمّوا بملوك العجم أو المجوس ، ولما عادوا الى بلادهم  وتحدَّثوا بما شاهدوه ، هَيّأوا بذلك الأرضية  المُنبسطة لإنتشار المسيحية في  بلادنا ، وبهذا الصَدَد  كَتَبَ الأب  يوسف تفنكجي في مجلة النجم / العدد الخامس لعام 1929 م ص. 225 ، بأن الكلدان الكاثوليك المُعاصرين  هم أبناء الامة  الكلدانية المسيحية الشرقية  الأعرق في الشرق المسيحي  كُلِّه ،  يفتخرون  بالمجوس الذين وافوا  من الشرق الى  اورشليم  وسألوا  عن الطفل الالهي الذي  رأوا  نجمَه  وتتبَّعوا سَيرَه  ليسجدوا له ويؤَكِّدوا بهداياهم  ملوكيتَه  . لقد كانت مبادرة هؤلاء المجوس الكلدان الخطوة الاولى لقيام كنيسة مسيحية في بلادنا الشرقية  التي يُعتبرون هم المُبَشِّرون الأوائل لها ، تلاهُم رسولُها مار توما وتلميذاه  مار  أدّي  ومار  ماري مُنظمو الكنائس وناصبو الكراسي الاسقفية  ومثَبِّتو كرسي الجثلقة المشرقية في المدائن ، إنَّهم آباء كنيسة المشرق الكلدانية التي  نَمَت وتَرَعرَعت منذ  القرون المسيحية الاولى فازدهرت متلألئةً  بانجازاتِها  ومآثرها المجيدة وفيضٍ من قديسيها وشهدائها ومؤلّيفيها  وكُتّابها  وعلمائها الأفذاذ  .   أين الآشوريون من كل  ما رواه المؤرخون ؟  ألا تثوبون الى رُشدِكم  يا أيها الضالون  وبالاكاذيب  والأباطيل  متشبِّثون !

يروي الدكتور مؤيد سعيد في كتابه < العراق في التاريخ / الفصل الثامن ص. 263 >  بعد احتلال بلاد ما بين النهرين من قبل  الاسكندر المكدوني  ،  قام الكلدانيون بتأسيس  إمارات وممالك لهم خلال أواخر القرن الرابع ق . م ، ودام بعضُها حتى القرن الثاني الميلادي وبعده ، وللأسف البالغ  لم يتوَرَّع  الكُتّاب العرب عن قَلبِ الحقيقة  ونسب هذه الممالك الى العرب  بحُجَج واهية  تتعارض مع  لغة هذه الممالك  وانتسابِها العِرقي ،  وكانت  هذه الممالك  قد دُعِيَت  في عهد الاسكندر الأكبر  بممالك الطوائف  ومن جُملتِها تلك التي اُقيمَت في  ايران والمناطق الاخرى الواقعة تحت النفوذ  المكدوني  والسلوقي ،  ومن  تلك الممالك  الحيرة  وتَدمُر  ومملكة ( بيت أديني )  المعروفة   باسم ( اوروزينة )  وكان  يحكمها  الملك  أبكَر عام ( 130 ق . م )  ،   ويذكر القس  سليمان الصائغ ( المطران لاحقاً )  في كتابه  < تاريخ الموصل / الجزء الأول ص. 19 >  بأن  المؤرخ المطران أدي شير  يؤكِّد  كلدانية  جميع  تلك  الممالك ، ويُضيف  بأن  سكّان  حدياب ( اربيل ) وكرخ سلوخ ( كركوك ) كان مُعظمُهم من النُبط والجرامقة  ويتَّفِق الكثير من المؤرخين والكُتّاب القدامى بأنهم من الكلدانيين ويؤيِّدهم  بذلك  إبن خلدون والقلقشندي  كما يؤكِّده إبن المسعود .


أصالة كنيسة المشرق

إن كنيسة المشرق الكلدانية  الأصل والمنشأ  بدون  منازع  هي إبنة الآمة الكلدانية  التي تَحَدَّثَ عنها  المطران أدي شير في كتابه < تاريخ كلدو وآثور / الجزء الثاني ص. 5 - 6 >  حيث قال ( بأن الكلدان النصارى بفتوحاتهم الدينية عَظُمَت شُهرَتُهُم ، وخَلَّدوا لهم ذكراً جميلاً مؤَبَّداً ، إذ  إنهم كأجدادِهم اقتحموا  بلادَ فارس  وماداي  وأرمينيا  وسوريا  وقبرص ومِصر والهند  والصين  وتُركستان وغيرها من البلاد  التي لم  يقدر أجدادُهم الوثنيون أن  يفتتحوها بقوة  أسلحتِهم القاطعة ،  فبهِمّّةِ  هؤلاء المُرسَلين  الغيورين ، ارتفع  شأنُ  الكلدان النصارى وازدادوا وكَثُروا  حتى  فاقَ  عددُهم المائَة مليون ) كما أن المؤرخين أسهبوا بذِكر الامة  الكلدانية  قديماً  وحديثاً  وأقرّوا بفضلِها في  ايصال العلوم  والمعرفة  ونشر بُشرى الخلاص المسيحية  الى أقاصي المعمورة ،  حيث  يُطري المؤرخ < أدولف دافريل > هِمَّة أبناء الكنيسة الكلدانية النسطورية  بمقالتِه في < كلدو المسيحية > ( إن الكنيسة النسطورية أبرزَت مدة أجيال عديدة  ، امتداداً عجيباً  خارقَ العادة ، فإن الفتوحات الدينية  والمَيل إليها  كانا علامتَين فارقتَين ، اتَّصفَت بهما النسطرة دون غيرِها ، فهذه الفتوحات كانت مُجَرَّدةً  عن السياسة والآلة الحربية ، ويُضيف  دافريل،  إن  انتشار المسيحية في  الهند  وسيلان  وسومطرة  والصين وبلاد التَتَر وقبرص أدّى الى ارتفاع شأن الكلدان . ونقلاً عن المؤرخ العلاّمة الأب لابور يذكر المطران أدّي شير (  إنَّه ليس  من امةٍ على الأرض  بارَت امة  الكلدان النصارى في تأسيس المدارس ، فاتَّسَعَت صناعة التأليف  عندهم اتِّساعاً عجيباً  حتى أن عدد المؤلفين منذ الجيل الرابع  وحتى  الجيل الثالث عشر ، الذي انطفأت فيه العلوم لديهم  فاقَ الأربَعمِئة ،  وقد  تجاوزَت  تآليفُ  بعضِهم الأربعين ، وإنَّ تصانيف  مار أفرام لا تُقَدَّر ،  وميامر نَرساي عدا الكُتُب التي ألَّفَها  تجاوزَ عددُها عن (360 )  وميامِر  يعقوب السروجي  بَلَغت ( 700 ) مَيمَر ، أما ميامِر اسقف  هرمزأرداشير فقد وصل عددُها ( 300 )  وما ألَّفَه يوسف حزايا كان ( 1900 )  بحسب ما أوردته مجلة الفكر المسيحي بعددِها ( 184 لسنة 1983 ص. 179 ) .  ويقول  المؤرخ الأب  لابور ( بأن النصارى الكلدان  نالوا أعلى المناصب في  الدولة العبّاسية  ،  وعَلَّموا سادتَها  فلسفة  اليونان  الى جانب علم الفلك  والطبيعيات  والطب ، ونقلوا  الى  العربية مؤلفات آرسطو  وبطليموس  وابقراط وجالينوس وديوسقوريدس  ، وبواسطة  الكلدان تَعَلَّمَ العربُ  الأرقام  الهندية  وآلة  الاسطرلاب )  وجاءَ  في < قاموس اللاهوت الكاثوليكي >  للعلماء الألمان / ترجمة كوشلير ( إنَّ  العلوم الشرقية  في  زمن  فتوحات العرب المسلمين  كانت محصورةً  عند الكلدان ، فكانوا  يُعَلِّمون في مدارس  الرَّها  ونصيبين  وساليق  وماحوز ودير قوني ، اللغات  الكلدانية  والسريانية واليونانية  والنحو  والمنطق  والشعر  والهندسة  والموسيقى  والفلكيات  والطب ، وكان  لهم مكاتب  عمومية  يحفظون فيها تآليف  المُعَلِّمين )  إنَّ ما  تقدَّمَ ذِكرُه  هو أدِلّةٌ  دامغة  ، بأن  الامة الكلدانية  كان  لها  حضور مُتميِّز  منذ ( 4500 عام ق . م )  وبعد الميلاد منذ  ( 400  -  1300 م ) عصر ازدهار المسيحية ، وقد  برز الكلدان  في بداية  ظهور الاسلام  وفترة  الخلفاء الراشدين وفي  عصرَي  الأمويين  والعباسيين وفترة الاحتلالَين  المغولي والتَتَري اللذَين تمَيَّزا بارتكاب  أبشع الفضائح  وأفدَح الجرائم  بحق المسيحيين ، وبالرغم  من  كُلِّ  ذلك ،  واصل  الكلدان  نشاطهم الحياتي  وتواتَرَت  أخبارُهم  بدون انقطاع وبعكس الشعوب الاخرى التي  انصهرت  في  مجتمعات الشعوب الغازية والمُنتصرة  ،  ثمَّ  تلاشت واندثَرَت باندثار نُظِمِها الحاكمة ،  إنَّ  ما أوردَه العلاّمة أدّي شير في تآليفه  من  الحقائق التاريخية  كانت  مدعومة  من أكبر  نُخبةٍ  من المؤلفين  بينهم  المُستشرقين  والعرب  والمسيحيين  وغيرهم ،  وبخاصةٍ  فيما  يتعَلَّق  بتاريخ الامة الكلدانية ، التي يسعى  الجاحدون من أبنائها ، التائهون  في دروب  الفرضيات والأوهام  الى  النيل منها  بإنكار وجودِها  ليس  عن جَهل بل عن قصدٍ مُتعَمَّد  مع سبق الإصرار .

ما أشَدَّ الجُرم الذي يقترفُه  غُلاةُ  أحفاد  كلدان الجبال مُنتحلو التسمية الآشورية الهمجية  بسرقة أمجاد أبناء كنيسة المشرق الكلدانية وعَزوِها الى الموهومين الذين  شَطَبَهُم  التاريخ مِن  سِجِلِّه ،
يا لهَول التَجَنِّي  على تاريخ كنيسة المشرق الكلدانية  المُتحدة بالكنيسة الرومانية الجامعة  منذ نشأتِها في القرن الميلادي الأول  وحتى ظهور بِدعتَي  نسطور واوطاخي بعد الربع الأول مِن القرن الخامس ،  وبسبب الظروف السياسية  المتأزمة بين المملكة الفارسية  والمملكة الرومانية  ،  أُضطرَّت الكنيسة الكلدانية لتبنّي  المذهب النسطوري علناً إرضاءً لرغبة  الحاكم الفارسي  الذي كان يشكُّ بولاء مسيحيي بلاده وإخلاصِهم ما داموا هم وأبناء كنيسة الغرب في المملكة الرومانية على مذهبٍ واحد ،  ولكن هذا التبنِّي كان شكلياً ، لأن الكنيسة الكلدانية بالرغم من كُلِّ الظروف الصعبة المحيطة بها  كان اعتقادُها راسخاً  بأولوية اسقف روما خليفة  مار بطرس على رئاسة الكنيسة الجامعة ،  وكانت اتصالاتُها  وطيدةً مع روما في السر والعلن ،  ففي عام 1247م كَلَّفَ البطريرك الكلداني النسطوري  سَبريشوع الخامس  مُمَثِّلَه  ربان آدم المُقيم في الصين بنقل صورة ايمانِه الى البابا أجنوتِنيوس الرابع في روما  وقد استَهَلَّها : الى أبِ الآباء وراعي الرُّعاة المُعتلي كُرسيَّ الطوباوي بطرس ، سيِّدي الكُلِّي الطوبى والقداسة بابا روما وكافة أقاليم العالَم . . .

وعندما اعتلى السُدَّةَ البطريركية  عام 1281م  مار يهبالاها الثالث المغولي  أرسلَ وسيطاً له بشخص الراهب الكلداني النسطوري  ربان صوما الى البابا نيقولاؤوس الرابع طالباً التحالف مع روما والممالك الاوربية المسيحية  بهَدَف طرد الشراكسة  من الاراضي المقدَّسة ، ففرح البابا بالوسيط  البطريركي الكلداني ، وحَمَّله هداياه الى البطريرك ، وبراءَةً بابوية  تمنحُ البطريرك بَسطَ سُلطتِه على أبناء المشرق كافةً  ،  فأثمَرَت تلك الزيارة عن  طلبٍ مكتوب  للإتحاد  الايماني مع روما  أرسله البطريرك الى  البابا  بِنِدُكتُس الحادي عشر عام 1304م .  نشرت مجلَّةُ النجم في عددها الثالث لعام 1929م  ص. 147 فَصْلاً عن الرعايا الكلدان في الموصل وأطرافها جاء فيه : على عهد مار يهبالاها الثالث والمِطرابوليط اسحق كانت كنيسة الموصل الكلدانية تملك عشر كنائس في داخل الموصل يَؤمُّها أبناء تسعة آلاف عائلة كلدانية نسطورية  وكان عدد العوائل الكلدانية النسطورية في الأطراف  ثمانية آلاف عائلة .

وما يؤكِّد  علاقة  كنيسة المشرق الكلدانية  بالكُرسي الرسولي في روما  ما ورد  في الطقس الكلداني  مِن الأدِلَّة  حيث نُرَنِّم في تذكار الرسولين بطرس وبولس قائلين : أيُّها المُهَندِس الحكيم ، يا مُشيِّد الكنائس بطرس ، الذي قَلَّدَهُ رَبُّهُ  مفاتيح الكنز الروحي .  وفي صلاة الفرض  يَرِدُ مَدْحُ روما كثيراً : طوباكِ يا روما مدينة الملوك الشهيرة ، أمة العريس السماوي ، التي فيكِ  قام  كما  في سيناء واعظان شرعيان  بطرس رئيس الرُّسُل وبولص رسول الأُمم .

وهنالك إشارات واضحة في الانتاج الأدبي لعلماء كنيستنا  ومشاهير ملافنتِها العظام حول عُمق علاقة كنيستنا بالكرسي الرسولي الذي يتقلَّده على مَرِّ العصور أساقفة  روما  ، فنجد أن مار أفرام مُعلِّم الكنيسة الكبير يُعيد كلام الرب يسوع المسيح في مَيمَرِه بخصوص العشاء الربّاني حيث يقول : يا شمعون جَعَلتُكَ أساساً للكنيسة المقدسة ، أنتَ رأسُ ينبوع تعليمي ورئيس تلاميذي ، بِكَ أروي الشعوبَ كُلَّها ماءَ الحياة العذب ،  أعطَيتُكَ  مفاتيح ملكوتي ، وها أنتَ  مُسَلَّطٌ  على كُلِّ خزائني .

وفي مَيمَرِه  عن حلول الروح القدس على تلاميذ الرب <  الفَنطيقُسطي >  يقول  مار نَرساي الملفان الكبير : رئيس التلاميذ  انقادت له  ام المدن ،  فرَكَّبَ فيها  عيون  الايمان  بمثابة  العيون  في الرأس ،  مُشيراً الى مدينة روما  جاعلاً إياها الرأس المنظور على المدن الاخرى . وفي قول آخر لمار نرساي كنارة الروح القدس :  كَرَزَ شمعون كرازةً جديدة في بلاد الرومان ، ظَهَرَ  أولاً صَيّاداً للسمك ، ثُمَّ  عادَ  ليصدادَ  الاُمَم .

 ومن أقوال : عبديشوع الصوباوي <  إن الطوباوي بطرس فازَ بالسُلطان على المسكونة .  الطبرهاني عمر بن متي  <  والرئيس عليهم كان شمعون الصفا حفظ  كرسي المسيح على الأرض  . إن الأقوالَ بهذا الصدد كثيرة جداً لا يمكن  الإحاطة بها في هذا المجال  ونكتفي بما تَقَدَّم ذِكره .


مَن هم  مُدَّعو الآشورية المعاصرون ؟


لإفهام هؤلاء المُدَّعين بالآشورية اليوم  زوراً ، سنعتمد المصادر التاريخية لإظهار حقيقة انتسابهم القومي  وإن كنّا على يقين  بأن شيوع  الفكر التعصُّبي  الشوفيني  والتَطرُّف المبني  على الزيف والبُطلان في مفاهيمِهم ، يحول دون قبولهم للحقيقة  التاريخية ،  فقد ورد في  كتاب < العراق في التاريخ / للدكتور عامر سليمان / الفصل الخامس ص. 120 >  إن الذين تبنّوا التسمية الآشورية لم يكونوا سوى مجموعات من العموريين هاجرت  من بلاد بابل  مُتوجِّهةً  صوبَ شمال بلاد وادي الرافدين ،  استطاعت  بعد فترةٍ  طويلة  من تكوين دولةٍ قوية  دانت لها  العديد من مناطق الشرق الأوسط  ودويلاته  في الربع الأول من الألفية الاولى لِمَ قبل الميلاد ، استمَدَّت  اسمَها من  اسم  الاله الجبلي الأجنبي ( آشور ) الذي جلبَه الغزاة  الشوباريون  بُناة  مدينة آشور التي غَدَت عاصمةً  لهذه الدولة  ( الدولة الآشورية ) .  وبهذا المنحى تّحَدَّثَ الداعية الآثوري الروسي  قسطنطين ماتييف في كتابِه < الآثوريون والمسألة الآثورية > قائلاً ( أسَّسَ الخارجون من بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين ، كانت أكبر مُدنهم آشور ويستطرد : أصبحت آشور في مطلع القرن الثامن عشر قبل الميلاد مركزاً لدولةٍ عظمى ، ويُضيف : إن الآشوريين ينتسبون الى الشعوب السامية ويرجعون بجذورهم الى البابليين ) أليس هذا الإعتراف الصريح من قبل الباحث الآثوري ، بأن الآشورية تسمية موطنية سياسية وليست قومية  كما  يدَّعي  مُنتحلو الآشورية  المعاصرون !  وان انتساب الآشوريين القومي يعود الى العموريين أحفاد البابليين الكلدان !  وما حدا  بهم الى تسمية  ذواتهم بالآشوريين  كان تَيَمُّناً  باسم الاله  آشور في الدرجة الاولى و مُسايرةً  للواقع  الاقليمي المطبوع بالتسمية الآشورية لأكثر من أربعة قرون سابقة ، وهذا لا يجعل من الآشورية  قوميةً لمؤسسي الدولة الآشورية  العموريين المُنحدرين  عِرقياً  عن البابليين الكلدان  الأوائل  مؤسسي  سُلالتَي  كيش  واريدو .  إذاً ، الاسم الآشوري يخلو من أي مدلول قومي أو عِرقي وإنما  يتمتَّع بمدلول ديني ،  ولذلك فبعد سقوط الدولة الآشورية وانقراضِها  تَحَطَّم صنم الاله آشور وتوارى اسمُه ولم يَعُد هنالك من يتسمّى به ، ولم يبقَ له إلا المدلول الموقعي .

وحتى لو جارينا  دُعاة الآشورية  جَدَلاً باعتقادهم الانتمائي الى مؤسسي دولة آشور ،  فتكون جذورهم بابلية كلدانية اسوةً بهم ،  وهذا شيء مُخالف لمعطيات ووقائع التاريخ ، لأننا نعلم جيداً حقيقة حاملي التسمية الحاليين وكيفية وتاريخ ظهورها ، وإن الفرضية التي يعتمدونها لربط  ذواتهم  بالآشوريين القُدامى هي عقيمة لأنها خاطئة وتستند الى عاملَين واهيين ، الانتساب الى النسطرة وهذا خطأ فادح لأن  كُلَّ ابناء كنيسة المشرق الكلدانية  ومن بينهم آباءَهم  وأجدادهم  كانوا يعتنقون  المذهب النسطوري  وقد نبذته الغالبية الساحقة منهم ، والعامل الثاني اعتبار  كُلِّ  مهاجر من منطقة هيكاري  قبل أكثر من قرن  أوأقل  من أصل آشوري  وهذا أيضاً  تَخَيُّل خاطيء لآ يَسنُدُه أي دليل ، بينما نَملكُ نحن الأدِلة المُفحمة التي تُناقض إدِّعاءَهم  بصِلَتِهم بالآشوريين القدماء ، وتؤّكِّد  حقيقة اصولهم الكلدانية ، وبأنهم  أحفاد  اولئك الكلدان الأسرى المُهجرين الى المناطق الآشورية  خلال عهود  ملوك آشور الطُغاة  وكان  عددُهم  يربو على نصف  مليون  كلداني ، إذ  بعد  القضاء  على الدولة الآشورية  وشعبها  وصيرورة  كافة المناطق الآشورية من ممتلكات الامبراطورية الكلدانية،  حَوَّلَ هؤلاء الكلدان  مُعسكراتِهم التي  كانت تُدعى( بيث شيبا ) أي  بيت السبايا  الى  مُجَمَّعات ووحدات سكنية ، وعند بزوغ فجر المسيحية  ومجيء المُبَشِّرين  تَقَبَّلوا بُشرى الانجيل الخلاصية بِيُسر وسهولة  لكون لغة المُبَشَِرين  ذات اللغة التي كانوا يتحدَّثون بها ،  وظلّوا مُحتفظين بتسميتهم ولغتهم الكلدانية ضمن كنيسة المشرق  حتى انشقوا عنها في منتصف القرن السادس عشر لإصرارهم على البقاء في المذهب النسطوري نكايةً بالغالبية العظمى من اخوتهم الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم ( المذهب الكاثوليكي - مذهب الكنيسة الجامعة )  وممّا يؤِكِّد كلدانيتهم ،  ممارستُهم لبعض تقاليد القبائل الكلدانية القديمة قبل المسيحية ومنها إطلاقُهم على شيخ القبيلة أو رئيسها لقب ( الملك ) ولا زال هذا التقليد  مُمارساً  لديهم  حتى اليوم ، ولم تُشِر  المصادر التاريخية  إلى  ممارسته  في  مملكة آشور ،  وكذلك  قيامهم  بزمج  بعض المُعتقدات الدينية  البابلية  بطقوسهم المسيحية ولا سيما بعد تمرِّدهم الكنسي وانفصالهم  وقد أشار الى ذلك المُبشِّر الأنكليكاني  وليم ويكرام . إن الحقيقة  التي لا يرقى إليها  الشك  ولا تحتاج  الى جِدال هي  أن ليس هنالك أيُّةُ رابطةٍ تربطهم بالآشورين القدماء وهو ما يتّفق عليه مُعظم المؤرخين والعلماء النُزهاء .   وفي نهاية القرن  التاسع عشر توافد الى منطقة  هيكاري  مبعوثو الكنيسة الأنكليكانية ( الانكليزية )  ورجال المخابرات الانكليزية ، وتداولوا مع بطريرك وزعماء هؤلاء الكلدان النساطرة ، وأغروهم بوعود كاذبة بإقامة وطن قومي لهم يحمل التسمية ( الآثورية ) وليس  الآشورية التي نادوا بها  خلال بضعةٍ من العقود الأخيرة ، وعندما لقيَت الفكرة  قبولاً ، قام عضو البعثة الأنكليكانية البارز  وليم ويكرام ببذل أقصى طاقتِه لنشر التسمية  الآثورية  التي أطلقها عليهم عام  1886م  وتأطيرها  بشكل مُلفتٍ للنظر ، ولشدَّةِ دهائه اختار الإثارة في مسعاه لتحريك مشاعرهم ، حيث أشار الى معاناتهم والاعتدآت التي يتعرضون لها من قبل العثمانيين والمُحيطين بهم من الأقوام المُسلمة ،  ولم ينتبه هؤلاء البُسطاء  بأن السبب في كُلِّ ذلك كان هؤلاء العُملاء الانكليز الذين كانوا يُحرِّضونهم للقيام بأعمال مناهضة للدولة العثمانية لا تُجديهم فائدة ، وإنما تَصُبُّ في صالح المملكة الانكليزية وتحقيق مآربِها ،  وما ساعد المُبشِّرين العملاء على استمالة هؤلاء الكلدان النساطرة الى جانبهم ، هو لُعبُهم ورقة الدين معهم ، للوصول الى ما كانوا يصبون إليه من المرامي والمكاسب ومنها :

1 - تسخير الكلدان النساطرة للحصول عن طريقهم على منطقةٍ  في  لُبِّ الدولة  العثمانية التي كان الهَرَمُ قد  تخلخَلَ في أوصالها  وأدخلَها  في مرحلة الاحتضار . 2 - رغبتُها  في منافسة  فرنسا  وروسيا القيصرية  للتدخل في  شؤون الدولة العثمانية سعياً لنيل مكاسب مُعيَّنة  والحصول على مواقع استراتيجية . 3 - محاولة ايقاف الهيمنة الكاثوليكية على المنطقة الخاضعة لسُلطة البطريرك النسطوري مار شمعون روبين ، حيث كانت حينها بعثة دومنكية كاثوليكية تقوم بأنشطة عديدة لمساعدة هؤلاء الكلدان النساطرة ، حيث فتحت لأبنائهم المدارس ،  ومن خلال التثقيف والتعليم  وتقديم الخدمة الطبية والأدوية لهم ، استمالت قلوبهم ، فأغاظ هذا الامر مبعوثي كنيسة كانتربري الانكليزية ولا سيما عندما  رفض الكلدان النساطرة  مطلبهم  بتغيير  مذهبهم  النسطوري  الى  المذهب الأنكليكاني ( أحد المذاهب البروتستانتية ) وكانت خِشيتُهم شديدة لئلاّ  يعود هؤلاء الكلدان الى المذهب الكاثوليكي فتحتضنهم الكنيسة  الكلدانية الام ،   فيفقد  الانكليز  فرصتهم  الذهبية  في  فرض التسمية الآثورية المزيَّفة عليهم  بدلاً من تسميتهم القومية الأصيلة ( الكلدانية )  إذ  عن طريقها  فقط  يسهل عليهم  استغلالهم  لتمرير  مشاريعهم ،  فكان  الانكليز بالمرصاد  لهم من  أجل  هذه الغاية  الشريرة .

نشرت مجلة النجم الكلدانية الصادرة في الموصل بعددها الخامس لعام 1929م ، بأن البطريرك  النسطوري الكلداني مار شمعون روبين  أرسل  شقيقه  وابن عَمِّه  الى الموصل  للتفاوض  مع البطريرك الكلداني الكاثوليكي  مار عمانوئيل الثاني توما  حول إعادة  وحدة شطري الكنيسة ، وبينما كان مبعوثَاه   يواصلان المباحثات  في الموصل  وافته المنيَّة  عام 1903م ،  استغَلَّ العملاء الأنكليكان غياب المُرشَّح للمنصب البطريركي  ،  وبذلوا جُهداً كبيراً بإقناع النساطرة  لتنصيب  إبن الشقيق الثاني لمار شمعون المتوفي بدلاً  عن المُرشح الغائب ، فتمَّ لهم ما أرادوا ، وبذلك ضاعت فُرصة التوحيد .

 هنالك عشرات المصادر التي  تتحدَّث عن مساويء الانكليز بحق اخوتنا  النساطرة الكلدان البُسطاء ،  وتُسهِب في شرح اللعبة القذرة التي لعبها معهم مبعوثو كنيستهم الأنكليكانية ،  في سبيل تحقيق مصالح بلادهم ، غير آبهين بتعرُّض الآلاف منهم للإبادة ، ومع كُلِّ ذلك  يُحاول سياسيو وكُتّاب مُدّعي الآشورية  تحريف التاريخ  وتخفيف التهمة عن الانكليز ،  جاهدين عبثاً  لايجاد  صِلةٍ بين  نساطرة هيكاري الكلدان الذين حوَّلهم الانكليز الى ( آثوريين ) وبين آشوريي نينوى القدماء  الذين طالهم الفناء .  أيها الرب القدير أنِر عقول الضالين وأعِدهم الى الطريق القويم آمين .



الشماس كوركيس مردو
في 8 / 4 / 2006

294
المنبر السياسي / بطريرك السلام
« في: 06:05 30/03/2006  »
                     بطريـــــــــــرك  الســـــــــــــــــــــلام

طوبى  للساعين  الى  السَّلام  فإنَّهم  أبناءَ  الله  يُدعون ( متى 5 / 9 )  . في  الخامس و العشرين من  شهر  آذار الجاري  أطلق غبطة  البطريرك  الكلداني  مار  عمانوئيل الثالث  دَلِّي  نداءَه  الأخوي الى  أبناء  العائلة العراقية (  الشعب العراقي بكُلِّ  أعراقِه  ومذاهبِه  وانتِمآتِه )  مُستَهِلاً  إياه  باسم الله  الكُلّيِّ  القُدرة  خالِقِنا  ومُحِبِّنا  ومُجزِل الخَير  لنا  ،  داعياً  إيانا  أن  نَسيرَ  في  حياتِنا  وفقَ مشيئَتِه  الرَّبية القُدّوسة  ،  رافعينَ  الصلاةَ  الى  عظمتِه  السَرمدية  الغير قابلةٍ  على  الإدراك ، لكي  يَرأفَ  بأبناءِ   شعبِ  الرافدين  بِحَنانِه  ويشملَهُم بفيضِ نِعَمِه وبَركاتِه .

إن ما حَلَّ  بأبناءِ  العراق  وما  زالَ  مِن  المِحَن  والويلات  التي  سالت مِن  جرّائِها  دِماءُ  عَدَدٍ  كبير مِن  العراقيين  رجالاً  ونساءً  وأطفالاً ،  كان  بسبب  ابتعاد  هؤلاء  الأبناء  عن تنفيذ  أوامر  الله تباركَ  وتعالى  بممارسة  أعمال التقوى  والفضيلة  وتَبادُل  العفو  والسماح ،  ولذلك  فلا  مناص  لنا  للخَلاص من هذه  الظاهرة الغريبة  والمُصيبة الرهيبة  إلا  بالعودة  الى  الله  سبحانه  وتعالى  والعمل  بإرادتِه السامية  .
فإذا  أردنا  أن  نحظى  برحمة الله الواسعة  فلا  سبيل  أنفع  وأجدى  مِن أن  يقومَ  العراقيون  في داخل  الوطن وخارجه  من  تلبية  دعوة  غبطة  بطريرك  السلام  مار عمانوئيل  دلي الجزيل  الاحترام  للإعتِكاف  على  الصوم  والصلاة  يَومَي  الاثنين والثلاثاء الموافقين   للثالث  والرابع  من شهر نيسان  القادم ،  عسى  الله  العليُّ  القدير  يتحنَّن  علينا  ويُعيد  الى  العراق وأبنائه  الأمنَ  والإستقرار  لينعموا  بالسلام  وتسود بينهم  المحبة  المشوبة  بالتفاهم  والإنسجام   ليس بين  بعضِهم  البعض  فحسب  بل بينهم  وبين  أبناء  العالَم  كافة  ،  لكي  يتمتَّعَ  الجميع  بظِلال  التآخي  والوِئام .

يا لَيتَ  ،  أن  يتردَّدّ  صَدى النداء البطريركي  الخالص  قوياً  بين  أبناء  الشعب  العراقي  بكافة  مُكَوِّناتِه  خاصةً  ويُجاريهم  جميعُ  ذوي النيات الصافية و الارادة الصالحة في العالم  عامةً  ،  فيُبادروا الى  الصوم  والصلاة  في اليومين  المذكورين أعلاه ،  سائلين  المَولى  جَلَّ  جَلالُه  أن  يُحِلَّ  الأمن  والأمان  في ربوع  العراق  الجريح  فيَنحسِر  هذا الكابوس  القاسي  ويزول  .

الشماس كوركيس مردو
في 29 / 3 / 2006

295
                           ما أقسى عُقدَة الشعور بالنَقص


لقد استحكَمَت  عُقدَةُ الشعور بالنقص  وضَرَبَت أطنابها في أذهان أحفاد كلدان الجبال النساطرة المُعاصرين ،  اولئك الذين أغواهم المستعمرون الانكليز في أواخر القرن التاسع عشر الميلادي ، بانتحال التسمية  الآشورية المُنقرضة بانقراض أصحابها القدماء  خِدمةً لأهدافهِم الاستعمارية ،  ليجعلوا منهم كبشَ فِداءٍ لهم  في تحقيق مآربِهم ، ومن غير وعي وتمحيص  تقَبَّلوا عَرضَهم المُغري ووثِقوا بوعودِهم الخِداعية الكاذبة ، بأنهم لِقاء قبولِهم وتبنّيهِم للتسمية الآشورية ، سوف يُقيمونَ لهم دولة  آشورية إحياءً لتلكَ التي انقرضت  قبل أكثر من 600 عام ق . م . وبهذه الخُدعة المُبتَكرة التي أتقنَ حَبكها  مَبعوثو كنيسة كانتِربري ( الكنيسة الأنكليكانية ) عُملاء المُخابرات الانكليزية ، استطاعوا فَصلَ قبيلة كلدانية عن أصالتها القومية ، انتقاماً من الامة الكلدانية  التي لم ترضَ الرضوخ لمطالب  المملكة الانكليزية  ذات النوايا الاستعمارية الخبيثة ، فعَمِلوا على سَلخِ جزءٍ عزيز من أبناء هذه الامة ،  ومَنحِهم تسمية ( آثور ) ورَبطِ انتسابِهم الى شَعبٍ  يعلمون عِلم اليقين بانقراضِه وانعِدامِه من الوجود < الشعب الآشوري القديم > وللأسف الشديد انطلَت اللعبة على هؤلاء الأبناء المُغَرَّر بهم  طمعاً   بالوعود المزعومة  التي  لم  ولن  تتحقَّق  ، ولا زالَت  أوهاماً  مُتعَشعِشة في مُخَيّلات أحفادِهم المُجنى عليهم ،  تبَلوَرَت الى عُقدة الشعور بالنقص قاسية  ،  لا يسعُهم التخُلُّصَ منها  فراحوا يستميتون  الى قلب الحقيقة  التي يستهجنُها الشعب الكلداني بكلِّ تسمياتِه وانتمآته ،  ويُطلقون عليه التسمية الآشورية المزَيَّفة بقولهم بكلِّ الصلافة المعدومة من الخجل مثلاً : الشعب الآشوري بكل تسمياته  ، الامة الآشورية  ، الشارع الآشوري ، الساحة الآشورية وما الى ذلك . . .  متناسين أنهم  جزء من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ  التي لم يأت ذكرُ الآشوريين فيها على مدى تاريخها الطويل لسببٍ بسيط جداً هو انعدام الوجود الآشوري ،  ولم تظهر هذه التسمية المشؤومة التي  مزَّقت جسد الامة الكلدانية وكنيستها المشرقية  إلاَّ بعد  إطلاقِها  من قبل  دُهاة الانكليز  مبعوثي الكنيسة الأنكليكانية  في أواخر القرن التاسع عشر .


لقد أفرزَ المؤرخون للآشوريين تأريخاً  نوجزُه باختصار شديد  بسبب ضيق المجال بهذا المقال ،   إن الآشوريين  زحفوا  على شكل موجات بشرية عمورية  من المهاجرين  والمطرودين من الاراضي البابلية ، ويمَّموا صوب الشمال الرافدي واحتلوا القسم الشمالي الشرقي  من بلاد ما بين النهرين عِقبَ انقراض السُلالات الكبيرة الحاكمة  < اور  ،  لَكَش  وأكد >  إنقرضَ الأكديون في  حوالي عام 2211 ق . م ،  وعاد الى الحُكم مباشرةً  السومريون بقيادة  الملك اوتوهيكال الذي استطاع طَردَ الغزاة الكوتيين الذين غزوا بلاد أكد وأسقطوا المملكة الأكدية  ، لم يَدُم حكم السومريين الآخير أكثر من قرن واحدٍ  حتى انتقل الحُكم الى سُلالة  اور  الثالثة  2111 - 2003 ق . م بقيادة زعيمِها البارز  كوديا ،  وبعد سقوط  سُلالة اور الثالثة  على أيدي العيلاميين ،  استحوذَ العموريون الخارجون من  أرض بابل على زِمام الحُكم في المنطقة  وأسَّسوا  سُلالات قوية  في  لارسا  وكيش  وبابل  ، حيث قام عام 1894 ق . م الملك ( سمو آبوم ) بتأسيس سُلالة بابل الاولى وجعل عاصمتها بابل ثمَّ أصبحت المملكة البابلية  التي كان حمورابي سادس ملوكِها ،  وفي سنة 1813 ق . م  برزَت الدولة الآشورية  بقيادة الملك العموري البابلي الأصل ( شمشي اداد الاول )  في شمال الرافدين الذي جعل من مدينة آشور عاصمةً لمُلكِه والى اسمها  نَسَبَ اسم دولته ( الدولة الآشورية ) ودُعيَ الأقوام المُنضوين تحت لوائها ( بالآشوريين )  سقطت الدولة الآشورية  بأيدي الحيثيين  ولكن الميتانيين سرعان ما انتزعوا الاقليم الآشوري منهم على عهد الملك ( أريبا أدد الاول ) .

 أما العصر الآشوري الوسيط  : إستغَلَّت آشور ضُعفَ الدولة الميتانية  فاستعادت استقلالَها على عهد  الملك ( آشور اوبليط الاول 1365 - 1330 ق . م )  وواصلت مسيرتها التي كانت تتأرجح بين النجاح والاخفاق ،  ووقعت بابل في قبضتها مرَّتَين في هذه الفترة على عهدي الملك  توكلتي ننورتا الاول  وابنه  تَكَلَت بيلاصر الاول .


 العهد الامبراطوري الاول والثاني أو الحديث ( 911 - 612 ق . م )  خلال هذا العهد الذي دام ثلاثة قرون اشتدَّ مِراس الدولة الآشورية  وازداد ملوكُها  طُغياناً وبطشاً ،  إلاَّ  ان  منطق التاريخ الحتمي هو ان لا بُدَّ لكلِّ ظالم من نهاية بائسة ،  وعلى هذا الأساس  استغَلَّت المملكة الكلدانية ( الامبراطورية البابلية الحديثة  626 - 539 ق . م )الغريمة التاريخية للدولة الآشورية العَتية  استشراءَ الضعف في  أوصالها  ،  فانقَضَّت عليها  بالتعاون مع حليفتها المملكة الميدية  ،  فدمرتا عاصمتيها  نينوى عام 612 ق . م وحرَّان عام 609 ق . م وبذلك قُضيَ على الامبراطورية  العظيمة قضاءً مُبرما ،  إكتفت المملكة الميدية بالغنائم الهائلة التي  غَنِمتها وتركت للامبراطورية الكلدانية  البلاد الآشورية بِرُمَّتِها  بحسب المعاهدة التي عُقدَت بينهما .


ما من شكٍّ ان الدولة الآشورية  ملأَت شُهرتُها العسكرية آفاق العالم المعروف آنذاك ،  وأدخلت الرُعبَ الى الدول المجاورة  وأوغرَت قلوبَ شعوبِها  بالحِقد  والكُرهِ لها ، نتيجة الغزو الذي كانت تمارسُه ضدَّها .

ولكن ماذا كان مصير الدولة الآشورية وشعبها ؟  لقد قضى الكلدان على الآشوريين جيرانهم الشماليين قضاءً مُبرَماً كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً ، ثأراً لِما  عانت منهم بابل عبرَ الزمن ،  العدد الضئيل من الآشوريين الذين لم يطلهم السيف أو النار  ، إحتضنهم الكلدان المنتصرون  ايماناً منهم بأن دماء مِئات الالوف من الأسرى الكلدان الذين هُجِّروا الى البلاد الآشورية  على عهود الملوك الآشوريين الطُغاة  تجري في عروقهم ، فاعتبروهم إخوةً لهم ،  فانخرطوا في المجتمع الكلداني  وأصبحوا معهم شعباً واحداً بدون تمييز يحمل هويةً واحدة هي الهوية الكلدانية .  أما  ما يدّعيه  مَن نوَّهنا عنهم في مُقدمة المقال بأن الفئة القليلة  من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية الذين فرّوا من قسوة الاضطهادات الى المنطقة الجبلية  في العراق والى أجزاء من جبال تركيا وايران ، معتصمين بالكهوف والأماكن العاصية  ، بأنهم من بقايا الآشوريين القدماء ،  فإنه مجرَّد هُراء  .  إني أتحدّى كُلَّ المتزمتين منهم الجاحدين لأُصولهم الكلدانية إذا كان بإمكانِهم تقديم الدلائل التاريخية  والعِلمية  الوافية  لإثبات انتسابهم الى الآشوريين القدماء  ! .


بعد كُلِّ ما تَقَدَّم َ سَردُه ،  ألا يخجَلُ  أحفاد الآثوريين الكلدان المعاصرون ، من التشبُّث القاتل بالتسمية الآشورية  التي  كانت ولا زالت مصدر تمزيق وتشتيتٍ لشعبنا  الكلداني الواحد ؟  لماذا تجنون على  أنفسكم وعلى إخوتكم ، ألا يكفيكم ما جرى لآبائكم من وَيلات واضطهادات ؟  إذا كنتم لا زِلتُم تعتقدون بانتصار الباطل على الحق ، فأنتم  واهمون  وعن طريق الصَوابِ زائغون ،  لا يُخامركم شكٌ بأن الكلدان يوماً عن قوميتهم الكلدانية يتنازلون أو بإضافة اسمٍ إليها يقبلون !  ولا تظنوا أن ما يكتبُه المنافقون  والمتعصِّبون الهدّامون ،  سيُجديكم نفعاً لا الآن و لا في المستقبل ،  لا يقبل الكلدان أن ينطق باسمهم إلاّ أبناؤهم ،  إذا لم تعودوا الى حظيرة امتكم الكلدانية  العظيمة  نابذين فرضيتكم الآشورية العقيمة ،  مٌقتدين بالابن الضال الذي عاد الى والدِه بعد أن إنتبهَ الى  غَلطته ، لن تقومَ لكم قائمة  .  أتعلمون أيها المتعصِّبون الخائبون بترديدكم  للمغالطات  في خطابكم الركيكِ لغةً ومعنىً  بقولكم مثلاً : الآشوريون الكاثوليك الكلدان  وتعنون بذلك بأن الكلدان كانوا آشوريين تكثلكوا !  هل تدرون بأنكم بهذا تُصبحون مَوضع ازدراء الكلدان وسُخريتهم ، ويَرثون لِما قد أصابكم من الغباء ؟  ندعو من ربِّ السماء أن يُزيلَ الغشاوةَ  عن عيون البؤساء ويُعيد آذانَهم للإصغاء !




الشماس كوركيس مردو
في 24 / 2 / 2006 

296
                للتذكيــر إذا كان التذكيــــــــــــــر  نافعــــــــــــــــــــــــــاً   
                                     

على ضوءِ الاجتماع المُشتَرَك بين المِنبَر الديمقراطي الكلداني / فرع مشيكَن   والحركة الآشورية (زوعا) في الحادي عشر من شباط 2006 ، تبيَّنَ أن سياسيينا الكلدان مع كامل احترامي لهم ، لا زالوا قاصرين عن الغوص في  غور بَحر السياسة العميق لكشف أسراره ! بينما المقابل يستخدم كلَّ دهائه  مُحاولاً إلهاءَهم  بكلِّ الوسائل  لتثبيط عزائمِهم  والتوقُّف عن سَبْر هذا الغور ، لكي يبقى  حَكراً عليه ويستَفردَ بفوائدِه .  هل غابَ عن بال أعضاء المنبر أن اجتماعات ٍ عديدة  دَعت إليها هذه الحركة  ولبّت الأحزاب الكلدانية دَعوَتها بكُلِّ صفاء نيَّة ، وكانت النتيجة مزيداً من خيبةِ الأمل ، لأن هدفَ الحركة  كان دوماً عدم التنازل قَيدَ أُنملة  عن إصرارها وتأكيدِها على  وحدانية ( زوعا ) في تمثيل شعبنا بمختلف  تسمياتِه  وانتمآتِه .  هل توقَّفت ( زوعا )  يوماً عن المناداة  بالتشهير في حقِّ الآخرين <  مؤسَّسات سياسية  وشخصيات وطنية  >  سعياً منها لإقصائها وتهميشِها ؟  هل لَمسَ المتحاورون معها شيئاً من المِصداقية في أقوالها ؟  ألم تجعل من ما يُسمَّى  بالمجلس الكلدوأشوري السِرياني دُميةً في أيديها تُحرِّكُها حَسبَ أهوائها ؟ ألم تُسَخِّر مواقعها الاعلامية المقروءَة والمسموعة والمرئية  في تشتيت وتمزيق شعبنا وايقاد نار الخلافات بين مُكَوِّناتِه  وكياناتِه السياسية والثقافية والدينية ؟ .


لقد أوجَزَ وبدِقةٍ  عضو المنبر السيد عامر جميل المُمارسات اللامسؤولة واللاديمقراطية التي  تقوم بها الحركة  مُكَشِّرةً عن أنيابها العنصرية السامة ،  ولكن للأسف ، بعد هذا الايجاز راح يناقض أقوالَه  ،  بإطرائه دورها التخريبي منذ لحظة ولادتها المشؤومة ووصفه بالدور المُشَرِّف !  أية تضحيات غالية قدَّمتها  ضدَّ الديكتاتورية ؟ ألم يتحدّاها السيد حبيب تومي  إن كان بوسعِها الاشارة الى معركة واحدة خاضتها ضدَّ النظام ، أو حتى مشاركتها بإطلاق طلقةٍ واحدة  ؟ الحركة تعني تنظيماً قتالياً يحمل السلاح ليستخدمه ضدَّ النظام المستبد ، وعند زوال النظام ، على الحركة أن تغيِّر اسمها ونهجَها  وتُصبح حزباً سياسياً ،  هل فعلت زوعا ذلك ؟


لقد إتَّهَمَ سكرتير ( زوعا) شعبنا بانعدام الوعي الانتمائي والسياسي لديه ، وأنا اؤيِّدُه  بذلك ، إذ لو كان لدي الشعب الكلداني  وعي قومي ولو قليلاً  ، لَما كان بإمكان  زعيم زوعا الأوحد وزبانيتِه من خَدع أبناء الكلدان ليصوِّتوا لقائمة  الحركة العنصرية  ( زوعا ) !  ألم يكن من واجب أعضاء المنبر مواجهَتَه بهذا العمل الابتزازي الذي مارسته كوادر زوعا  بين صفوف الشعب الكلداني في قراهم وفي  مناطق هجرتهم ؟ إن المجاملات لا توصلكم الى الهدف الذي عاهدتم شعبكم للوصول إليه ،  إهتمُّوا ببناء بيتكم الكلداني  ولا تُفسحوا المجال للمخرِّبين لايقافكم عن البناء ، هيهات أن تحصلوا على ما يُفيد  مِمَّن يخونوا المواعيد !  أليست مُجاملة فارغة أن تُهنِّئوا الذي ابتزَّ أصوات أبناء شعبكم الكلداني ؟ هل استطاح واحدٌ منكم التغلغُل بين صفوف أدعياء الآشورية لابتزاز أصواتهم لقائمتكم ؟ لماذا تُختَرَق صفوف أبناء الكلدان وصفوف أعدائهم عَصيّة على الاختراق ؟  أرجو أن لا تعتبروا كلامي بأنني ضدَّ التقارب والاتحاد  فأنا من أشد المنادين الى الاتحاد الأخوي المُتكافيء ، ولكنني في الوقت ذاته من أقوى المناهضين لمبدأ الاحتواء والتهميش والاقصاء .


هل لا زال لديكم أيها السياسيون الكلدان أمل بأن تجنوا شيئاً ايجابياً من مُحاورة مَن لا يؤمنون بالحوار ؟  هل لديكم ثقة بالذين يتقزَّزون من سماع اسمِكم ؟ ماذا دهاكم ؟ أرأيتم كيف سخروا منكم ، حتى أنهم ، لم يُشيروا الى الاجتماع الذي جرى بينكم وبينهم في أيٍّ من وسائل أعلامهم ؟ إذا كان المعتنقون لقومية مزوَّرة وهي ليست بقومية أصلاً  متشبِّثين بها بهذا الشكل الجنوني ، فكم بالأحرى أن تعتزّوا بقوميتكم الكلدانية النبيلة أيها الكلدان ! ؟ .


لو قارنّا إمكانيات أبناء الشعب الكلداني  في كل المجالات  بإمكانيات أبناء أدعياء الآشورية لرأينا البون الشاسع بينهما  مادياً وعلمياً وثقافياً وديمغرافياً ،  ولكنهم على أرض الواقع أقوى منّا شعوراً قومياً وإن كان مُزيَّفاً ، وهو السبب في تفوّقهم علينا اعلاميا ، حيث يمتلكون فضائيتين  آشور وداديشو بالاضافة الى موقع الكتروني  زهريرا وصحيفة بهرا واستحوذوا على فضائية عشتار الحاملة لشعارهم المزَيَّف والمتبنية لخطابهم العنصري ، واستخدامها للهجتهم التي لايفهمها غالبية أبناء شعبنا . تُرى أين وسائل الاعلام الكلدانية ؟  ومتى تتّقد الغيرة الكلدانية بين أبناء الكلدان الميسورين الذين لو أرادوا لأنشأوا من الفضائيات أضعاف ما لدى أدعياء الآشورية  وكذا بالنسبة للمواقع الالكترونية والصحف .  هل يُعقل أن قياداتنا السياسية ورئاستنا الكنسية  لا عِلمَ لها بواقعنا ؟  متى تستيقظ الهِمَم ؟  والى متى نبقى متقوقعين لا نُحرِّكُ ساكناً ! ؟



الشماس كوركيس مردو
في 21 / 2 / 2006

297
                     التباهي المُخجِلْ المَبني على الدَجَلْ !


إذا انعَدَمَ عن المَرءِ الخجَل  لا يتورَّعُ عن الإتيان بالمُنكَر ! حيث يعزو الى ذاتِهِ ما لا يتوفَّرُ فيهِ ، ويُحاولُ بكلِّ وسيلةٍ  خَدعَ الناس وجَلبَ انتباهِهم إليه ، وهذا ما تُمارسُهُ  شَراذِمُ ما تُسمَّى  بالحركة الديمقراطية  الآشورية ، والديمقراطية منهم براء ،  والمُسمَّى  المُلائم لإطلاقِهِ عليها هو < الحركة العُنصرية الآشورية >  فهي من أعتى الحركات المُماثلة  ،  لأن عُنصريتها قائمة على عناصر مُصطنعة لا أساس لها من الصحة ،  وقد قلنا مراراً وتكراراً بأن الآشورية هي  اسطورة  حديثة أبرعَ في حَبكِها أساطين الشر الانكليز  في شخص مُمثِّل كنيستهم الأنكليكانية العدوَّةِ اللدود للكنيسة الكاثوليكية الجامعة المقدَّسة المدعو وليم ويكرام ، ولا علاقة لِمَن خُدعوا بها بالآشوريين القدماء الذين أصابهم الفناء ،  لأنهم جزءٌ من أبناء كنيسة المشرق الكلدان ، تمرَّدوا على إخوتِهِم الذين استعادوا مذهبهم الحَق مذهبَ آبائهم وأجدادِهِم المذهب الكاثوليكي  قبل ظهور هرطقتَي نسطور واوطاخي اللتين مزَّقتا جسدَ الكنيسة الجامعة في القرن الخامس .


تدّعي زوعا الحركة الشوفينية بأنها المُمثِّل الوحيد  ليس للجزء الضئيل جداً من شعبنا المسيحي المخدوع بالخُرافة الآشورية فحسب  بل لعمومِهِ ،  يا له من إدِّعاءٍ تافهٍ وسَمِج معاً ، زُمرة ضالة لجماعةٍ انفصالية  ذاتُ أهواءٍ شاذة ومطامع شخصية أنانية  ضارة و مُعادية لتطلعات وطموحات الشعب المسيحي العراقي بما فيه جزؤهُ الذي اُغريَ بحَمل وزر التسمية الآشورية  الثقيل دون وعي وإدراك والذي عانى من جرّائه  أشَدَّ المُعاناة .  كيف يمكن لحركةٍ تمثيل شعبٍ تُنكِرُ هويته ؟ الشعب الكلداني الذي يُمثِّل الغالبية العُظمى من مجموع الشعب المسيحي في العراق يتعرَّضُ لأبشع خيانة تاريخية من قبل قِلَّةٍ  ضالة من أبنائه تمرَّدوا عليه  عبرَ الزمن ؟  هل هنالك خيانة أعظم من قيام فئةٍ  بالتنكُّر لأصلها وطمسِ اسمه  لإحياء اسم غريبٍ ميَّتٍ  طواهُ النسيان لأكثر من ألفين وسِتِمِئَة سنة من الزمان ؟ نعم إنَّها فئة التمرُّد والعصيان !  جنَّدت كلَّ مُرتزقتِها من أشباه الكتّاب لبثِّ سموم إدعآتهم الباطلة وتلفيقاتهم الدنيئة  ضدَّ الامة الكلدانية وتاريخها المجيد وانجازاتها الحضارية التي يعترف بفضلها العالمُ كُلُّه ! .

لماذا تستميتُ زوعا لتمثيل الكلدان بالاضافة الى السريان وكلاهما  لا يعترفان بها بل يشمئزّان من اسمها ؟ هل يُمكنُ فرضُ تمثيل بالقوة ؟ هل هنالك غباء أعظم  من غباء من يقول للمُقابل بأنك آشوري ، فيرُدُّ عليه  ويقول ، كلاَّ  أنا كلداني  أو أنا سرياني   ولا علاقة لي  بكَ من تكون أنتَ ، ورغم هذا الردع الصريح والموضوعي يُصرُّ الأبله على غبائه !  كيف يمكن لحركةٍ أن تمثِّلَ شعباً يُؤمن بالحرية والديمقراطية والمساواة  بينما هي تدعو الى تمجيد زعيمها الأوحد كما كان يفعل أتباع صدام  فتنادي ( بالروح والدم نفديكَ يونادم ! )  ما الفرق بين منتسبي هذه الحركة ومنتسبي حزب البعث ؟ كيف تُريد هذه الحركة تمثيل الكلدان والسريان واسمُها ( الحركة الآشورية ) ؟  وخطابُها السياسي يَصهر الكلدان والسريان في الهوية الآشورية بقوله عن أفرادها بأنهم ( يتميّزون بنكران الذات وينتمون الى مُختلف فئات ومذاهب الشعب الآشوري من الكلدان والسريان والكنائس المشرقية الاخرى ) . السؤال هنا الى المُغَرَّر بهم من أبناء الكلدان الذين لقَّبتُهُم ( بالمتأشورين ) هل كنتم على اطلاع بأدبيات زوعا عند انتمائكم إليها ؟ وارتضيتم للخنوع الى مفاهيمها الخاطئة ؟ ألا تعتبرون قبولكم لطروحات وأفكار زوعا الغُلوائية  المستندة الى الباطل الواضح  خيانة لامتكم الكلدانية ؟  إن السلوك السلبي الفاضح والقاتل الذي اعتمدتهُ زوعا منذ صياغتها لنظامها الداخلي المُريب  وتطبيقها لمَنهَجِها السياسي المُخَرِّب مروراً بالمناورات السياسية الخبيثة  وانتهاءً بممارساتها الدعائية العدوانية الصارخة  خلال الفترة الانتخابية الاخيرة  التي تميَّزت بالاحتيال وشراء الذِمم بإغداق الرشاوي لسرقة الشارع الكلداني خاصةً والمسيحي عامةً ،  تلك الأفعال المشينة التي استهجنها الكلدان ووصفوها بالافعال القذرة .

هل تعتقد زوعا بأن إضافة  لفظة الديمقراطية الى عنوانها سينزع عنها صفة العُنصرية المتمثلة بشعارها الآشوري القومي الذي لا يختلف قيدّ  شَعرةٍ عن شعار الأحزاب الآشورية الاخرى الموغلة في وحل العُنصرية المُنتِن ؟ كلاَّ  ، إنها لفظة اُضيفت للتمويه واللعب على ذقون البُسطاء من شعبنا البريء ، الهدف منها استنهاض المشاعر وكسب عطف الشارع فقط  أما الأفعال فهي بخلاف النهج الديمقراطي تماماً .  تتباهى زوعا وبدون خجل بحصولها على مقعدٍ يتيم وبشق الأنفس ، مُستخدمة كلَّ اساليب الغش في ابتزاز الكلدان الذين لولا أصواتُهم لَقُذف بها  خارج الملعب السياسي  ، ولكن لا بأس ، فإن كلَّ مستَتِر لا بدَّ أن ينكشف ، وعندها سيعرف الكلدان كيف يعاقبون مُبتزيهم في المستقبل .


هل تعلم زوعا أن بقاءَها منوطٌ  بالكوادر الكلدانية  التي أغوَتها بالأموال والمناصب ، فاستماتت في دعمها والدفاع عنها ؟ ولولا هذه العقول الكلدانية الفاعلة في ساحتها  لانفرط عقدُ أعضائها وتبعثر شذر مذر ،  وحتى اليوم الذي ستزول الغشاوة عن أعيُن هؤلاء  الذين قلبوا ظهر المجن على امتهم الكلدانية العظيمة ، ويُبصروا الحقيقة الصارخة  بأنهم قد وقعوا عن غير وعي في حبائل مُتحلي التسمية الآشورية  المشؤومة ، سيبقى شعبنا المغلوب على أمره في دوّامة لا تنتهي  ، ولكن في النهاية لن ينتصر إلا الشعب المقهور ، وعندها سيُقرِّر النهاية العادلة لكُلِّ مغرور .


أما عن القنوات الاعلامية الآشورية التي تتألف  من زهريرا وبهرا وفضائية آشور التابعة  جميعُها لزوعا ، لا تعرف درباً من دروب الاعلام الديمقراطي النزيه إلا درب الاعلام العُنصري البغيض ، الذي يقتصر على تمجيد زوعا وقائدها الضرورة  مقلِّدةً الاعلام البعثي في تمجيد صدام ،  لا تعترف بالرأي الآخر  وتتوجّس من النقد البناء والرصين ، لأن المتسلطين على هذه المرافق الاعلامية لا يمتلكون العُمق الفكري التقدمي ، كما يفتقرون الى الصياغة اللغوية الصحيحة ، فتراهم يُكرِّرون العبارات التي قد تدربوا على حفظها كالببغاء ،  والشيء ذاته ينطبق على كتّابهم من حيث لغتهم الركيكة وأفكارهم السطحية  بالاضافة الى تقيُّدِهم الشديد بما تُحددُهُ وتَفرضُه ايديولوجية حركتهم العنصرية ،  ونتيجةً لذلك تنبثق الديكتاتورية الحزبية  وتأليه القائد الواحد  ، فيتسلَّط الاستبداد  ويستشري الفساد .




الشماس كوركيس مردو
في  11 / 2 / 2006

298
            ممــــزّق شــعبنا.. يتحدّانـــــــــا في عقــــــــــر دارنـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــا


لستُ ضد منطلقات حركة زوعا بصَدَد توحيد شعبنا ولكنني في الضِدِّ من دعوتِها الى ذلك النوع من التوحيد المبني على أُسُسِ عُنصرية استعلائية بغيضة بعيدة عن الموضوعية والعقلانية ، بالرغم من أنها لا تُمثِّل إلا جزءاً من أبناء إحدى أصغر طوائف شعبنا التي انفصلت عن امتها الكلدانية  في منتصف القرن السادس عشر الميلادي ، واتخذت لها تسمية غريبة ( الآشورية )  كانت تعود لشعبٍ  تعرَّضَ للانقراض الأبدي منذ أواخر القرن السابع قبل الميلاد ، أُسبِغَت عليها من قبل دُهاة الشر عُملاء المخابرات الانكليزية السيئة الصيت  في القرن التاسع عشر الميلادي ، فجعلت من هذه التسمية الموطنية الوثنية معبوداً لها دونه الاله عزَّ وجَلَّ ،  ورغم معرفة الامة الكلدانية لهذه الاسطورة المُصطنعة ، اعترفت بها كأمر واقع احتراماً لمشاعر مُعتنقيها ايماناً منها بأنهم جزء عزيز من أبنائها وقعوا في شِراك المُضلِّين الخُبثاء ، فاستجاب الكلدان لنداء الوحدة  ودخلوا الى مُنتديات الحوار  بعقل مُنفتح ونيَّةٍ صافية عن طريق مؤسساتهم وتنظيماتهم السياسية مع  المؤسسات والتنظيمات الآشورية ولا سيما مع حركة زوعا التي تُعد أكبرها وأقدمها ، ولكن المتحاورين الكلدان  صُعقوا لِما سمعوه من قبل مُحاوريهم الآشوريين بالتنكُّر الوقح للقومية الكلدانية واعتبارهم اياها مجرَّد تسمية كنسية أو طائفية  والأشنع من ذلك تمشدقوا بأنها مذهب !  لقد صرَّح قائد زوعا يونادم كَنا بالحرف الواحد أمام رئيس الحزب الديمقراطي الكلداني الاستاذ أبلحد أفرام والمرحوم المطران حنا قلو وبكل صلفٍ وعجرفة بأنه لا يعترف بالكلدان كقومية ! إذا كان سكرتير زوعا يُفكِّرُ بمثل هذه العقلية المتزمِّتة فما الذي يُرتجى من بقية كوادر هذه الحركة الشوفينية ؟ .


ولنترك هؤلاء المهووسون الى جانبٍ قليلاً  ونسأل الشرذمة المُغرَّر بها من أبناء الكلدان الواقعين في حبائلهم ، وقد أصابهم التشويشُ والتَيَهان ،  الذين ضيَّعوا المشيتَين وفقدوا الجرأة للاعتراف علناً بالقومية التي ينتمون إليها هل هي كلدانية أم آشورية ؟ وفي خِضمِّ هذه الضِياع من اللَف والدوران لا ينتهون إلا الى نتيجةٍ مُبلبلة <  إذا لم نكن أشوريين ، نحن كلدوأشوريون أو إننا كلدوأشور سريان >  يا للمُصيبة بل يا للمتاهة ! إني أودُّ أن أسأل هؤلاء الذين يدَّعون المعرفة والثقافة  ، أليست ثقاقفتُكم مشوَّهة ؟  ماذا ستجيبون  أبناءَكم لو سألوكم  يا آباءَنا  ما هي قوميتُنا ؟ هل ستجرأون على القول بأنكم( آشوريون ؟ ) وإذا قلتم ذلك ، ألا  تخشون من تهَكُّم أبنائكم بقولهم لكم ، إذاً لماذا لا تصرِّحون بذلك في مقالاتكم وردودكم ؟ وإذا قلتم لهم ( إننا كلدان أشوريون سريان ) ألا تتوجسون  سُخريتهم واستغرابَهم ؟ ألا ترون أنكم بهذا الهذيان تُدخلونهم في مأزق معقَّد  لا يجدون له حلاً  ولكي يتخلَّصوا منه  ، سيقولون ما لنا وهذا التعقيد المُبهم ، ألأفضل أن نكون بدون قومية ! .


إذا كان الهدف بناءُ جسر الوحدة القومية بين الكلدان والآشوريين هل يمكن أن تكون إحدى قاعدتيهِ  قومية  والاخرى مذهبية ؟ او  الواحدة من  السمنت والاخرى من الرمل ؟ كيف يثبُت هذا الجسر ؟ إذا كانت القلة الآشورية  تعتبر الكثرة الكلدانية مذهباً و ذاتَها قومية ،  كيف تتّحدان ؟ أيهما تبتلع الاخرى ؟ هل بوُسع القلة ابتلاع الكثرة ؟ هل تستطيع السمكة ابتلاع الحوت ؟ ولو افترضنا جدلاً ان السمكة حاولت ابتلاع الحوت ، ألا تنفجر من ضخامته ؟  هذا هو ما يدعو إليه  قائدُ زوعا مُمزِّق الشعب المسيحي ! هل يستطيع أي واحدٍ من أبناء الكلدان الذين ضُحكَ على ذقونهم أن يأتيني بمبادرةٍ زوعاوية وحدوية ولو واحدة لا تُضفي الى الكلدان والسريان صفة المذهبية ؟ وهل بإمكانه إبعاد رغبة الآشوريين باحتواء الكلدان والسريان وصهر اسميهما بالتسمية الآشورية اللاقومية ؟ .


ألم يكفِ يونادم كَنا زَرعُهُ بذور الفتنة بين أبناء الكلدان بتوغُّلِهِ في قُراهم ابتداءً من ألقوش ومروراً بتللسقف وبقية القُرى الكلدانية الاخرى ؟ حتى يأتي الى المهجر الأمريكي ولا سيما ولاية مشيكَن معقل الجالية الكلدانية ليعيثَ بين أبنائها فساداً ؟ لا ألومُهُ فهذا من صُلب واجبِه لأنه  مطلوب منه الترويج لفرضيته الآشورية  الموهومة ، ولكن اللوم يقع على بعض من أبناء الجالية الكلدانية  من ذوي الشعور القومي الضعيف الذين أبدوا الترحيبَ بمقدمه  وروّجوا لحضور مُحاضرته ،  مُنطلقين من منطق ربما كان صادراً عن حسن نية  أو عن تَعَمُّدٍ مقصود  نكايةً  باللذين لا يُريدون لامَّتهم الكلدانية  الإقلالَ من شأنها بقولهم ( لا بأس فإننا شعب واحد)  دون أن يسألوا ذواتهم ، كيف نكون شعباً واحداً عندما تُحاولُ قلَّتُنا ابتلاع كَثرَتنا ! .    هل لو أن مسؤولاً كلدانياً كبيراً أراد زيارة بعض مناطق الآشوريين لنشر الحقيقة حول وحدة شعبنا ، سيلقى ترحيباً من الآشوريين ؟ الجواب بديهي  هو كلاَّ  ، لأن الآشوريين مهما كانوا على تناحُر فيما بينهم ، فإنهم متحدون ضِدَّ الكلدان ومتفقون على التقزُّز من اسمهم ،  فما بالُكم أيها الكلدان ،  ومتى ستتقد غيرتُكم على امتكم وقوميتكم الكلدانية ؟ .


إننا نقول  لحركة زوعا والسائرين في ركابها من الكلدان المتأشورين ،  بأنكم إن لم تُغيِّروا من أساليبكم الشريرة ! وإن لم تستبدلوا شعاراتكم العنصرية المعادية للكلدان ، وإن لم تُصحِّحوا نظامكم الداخلي  وعنوان حركتكم  المنافي لمبدأ الوحدة الحقيقية ، ستندمون ساعة لا يُفيد الندم !  وأنتم أيها المتأشورون الذين آليتم على أنفسكم أن تكونوا أداةً طيِّعة  بأيدي أسيادكم أعداء الامة الكلدانية ، وأنكرتُم أصلكم ورضيتُم أن تكونوا مُرتزقة ، سيكون مصيركُم الخُذلان وسينلكُم العار والشنار وازدراء الكلدان . الوجود القومي الكلداني ذو مقوِّمات راسخة ، لا يتأثَّر بمحاولات يونادم كنا وأتباعهِ المتمادين بسلوك دربِ التزوير والتحريف لوقائع التاريخ ، هؤلاء الأحفاد لاولئك الكلدان الذين انسلخوا عن امتهم وتنكَّروا لأصلهم وارتضوا الخنوعَ تحت مظلة التسمية الوهمية التي ألصقها بهم الأجنبي اللعين خِدمةً لمصالحه الخاصة دون وعيٍ منهم ، والأدهى في الأمر استمراهم على المضي في ضلالهم رغم علمهم بالحقائق التي من المؤكد لا يجرأون البوح بها لأنهم أُعِدُّوا لها بدهاء .


إننا بما تقدَّمَ سَردُه ، فضَّلنا الصراحة  على المُجاملة التي لم تأتِ يوماً بفائدة ، و لم يُحوجنا إلاسترسال فيما ذهبنا إليه إلا إظهار الحقيقة الناصعة أمام شعبنا بكافة مُسمّياته ، لأنه وحده  فقط يسعى الى الوحدة الحقيقية  وليس اولئك اللاعبين في مقدَّراته  من أجل المصالح والكراسي ، وسيكون الله القدير بعونه .




الشماس كوركيس مردو
في  4 / 2 / 2006

299
                           حتى متى التمــادي في تضليل شـــــــــــــــــــــــــــــــــعبنا ؟!!


في البداية يطيب لي جداً أن أتقدَّمَ بأحر التهنئة وأخلصِها للمبادرين الى إطلاق الموقع الالكتروني الكلداني  kaldaya.net بالتزامن مع بداية العام الجديد 2006 ، الذي كُنا ننتظرُهُ بفارغ الصبر منذ زمنِ طويل ، شُكراً لكم من الأعماق أيها الاخوان وليبارك الربُّ جُهدَكم ويُسدِّد نحو العُلى خُطاكُم .

إني لفي عَجَبٍ من خِشية الكادر المُشرف على الموقع من التعرُّض لانتقاد البعض بسبب اختياره  للاسم < كلدايا  kaldaya > ولماذا الاهتمام بانتقاد هذا البعض ؟ هل هنالك اسم أكثر أصالةً وشموليةً من اسم كلدايا الذي تتمثَّلُ فيهِ الكفاية لكلِّ مكوِّنات شعبِنا ؟ ألم  يَحُن الوقتُ ليُدركَ هذا البعض أو لنَجعَلَهُ يُدرك بأن الكلدان هم الذين يُشكّلون العمود الفِقَري المُرتكِز عليه جَسَدُ شَعبِنا المُتعدِّد التسميات والانتمآت ! وبدون هذا العمود الصَلد لن يتسنَّى لهُ الثبات والصُمود مهما بَذّلوا من مساعي وجهود ! ؟ الاسم الكلداني القومي العريق هو الخيمة الظليلة التي يتفيّأ بظلِّها شعبُنا مُحتمياً من لَحفِ لهيبِ حَرِّ العاديات وزَمهَرير بَردِ المُلِمّات ، القومية الكلدانية هي السفينة الكُبرى التي تتّسع لعموم شعبنا وليس القوارب الصغيرة التي تتأرجح بفعل الرياح حتى لو كانت غير عاتية فتتعرَّض للغرق ،  الكلدان هم المُحرِّك القدير والكفوء لسحبِ عَرَبات قطار شعبنا الكبير التي يتعذَّرُ على المُحرِّكات الصغيرة  حتى تحريكَها ، فلا مناص للمُعَوِّلين عليها من رَبطِها بالمحَرِّك الضخم القادر على دَمجِها بقوَّتِهِ فتتضاعف وتُعطي نتائجَ مُثمِرة وايجابية ، و بعكسِهِ  ستتراوح في محلِّها عُرضةً للصدأ والتآكُل .


من خلال معايشتنا لأخبار شعبنا ولا سيما منذ سقوط النظام البعثي الديكتاتوري القمعي ،  نُلاحظ  بروز الشعور القومي ليس لدي أبناء شعبنا فحسب بل عمَّ أطياف الشعب العراقي برُمَّتِهِ ، وكان المُحفِّزُ لذلك تأرجُح كفة الميزان الحاملة  للكَبتِ  والاحباط  والحرمان على عهد صدام والاخرى التي حملت  الحرية والديمقراطية بعد زوال النظام  فمالَ الثقلُ لصالحها ،  وقد طغى الشعور القومي  وشمَلَ بزخمه  عدداً لا يُستهانُ به من الذين كانوا قد نذروا أنفسهم لخدمة الأهداف الاممية والوطنية ولم تكن تخطرُ في بالهم القومية .

وفي هذا الخِضمِّ سارعَ الكلدان أحفاد أعرَق قوميات العراق القديم الى المناداة بوجودهم القومي الأصيل بعد إهمال طويل ، الى تشكيل منظمات واحزاب لتأخذ دورَها في العمل  بهذا المنحى على غِرار ما تقوم به  قوميات العراق الاخرى ، إلا أنهم وجدوا أنفسهم أمام هجمةٍ عدوانية شرسة سلاحها الخُبث والرياء تقودها فئة ضالة من أبنائهم  الجاحدين المُغرَّر بهم من قبل جماعة انفصالية ضئيلة ، وقع أسلافُها ضحيةً سهلة بين أنياب الذئاب الخاطفة مبعوثي الكنيسة الانكليكانية عُملاء المخابرات الانكليزية في أواسط القرن التاسع عشر ،  إستغلَّ هؤلاء الأبناء المارقون مشاعر أبناء الكلدان البسطاء ودَغدَغوها بعزفهم على وتر المسيحية بترديدهم المليءِ بالنفاق المُبطَّن بأننا كلُّنا مسيحيون عِلماً بأن غالبيتهم إلحاديون امميون ،  كانوا الى وقت قريب يؤدون فرائض الولاء لخدمة الآهداف الشيوعية ، وبعد انهيارها المُروَّع أصابَهم الهلعُ وأضحوا كالمجانين وبدأوا يدورون في دائرة الفراغ التي سقطوا فيها  مُحاولين سدَّ هذا الفراغ بالبحث عما يعوِّضهم عن خسارتهم لحزبهم الاممي ، ولما كانت الأحزاب القومية الكلدانية غير قائمة آنذاك ، استغَلَّ حزبُ زوعا  حزبُ الجماعة الانفصالية الضالة عميلة المخابرات الانكليزية المُنتَحِلة للتسمية الآشورية الغريبة عن أصالتِها وقوميتها الكلدانية ، الوضع النفسي المُزري لهؤلاء الكلدان وأغواهم بالانتماء إليه  مُغرياً إياهم بإغداقه عليهم المسؤولات الحزبية ليس  حباً  بهم  بل استغلالاً  لقابلياتهم  وخبراتهم الحزبية المُكتسبة  من ممارساتهم في حزبهم الاممي قبل انهياره ، فانخرطوا به وأصبحوا أطوعَ أداةٍ لديه ,انطبقّ عليهم المثلُ القائل ( أصبحوا مَلَكيين أكثرَ من الملك) .


ومنذ ذلك باشروا العملَ الموكَلَ إليهم إداؤه بدَهاءٍ وفقَ اللعبة السياسية ، فشنوا حرباً نفسية ضدَّ أبناء الامة الكلدانية ، استخدموا فيها كلَّ اساليب الإغراء والنفاق والافتراء ، ناشرين بين صفوفهم الفرضية الآشورية العقيمة  التي أسبغها على أسيادِهم كما ذكرنا أعلاه عُملاءُ المخابرات الانكليزية لسنا بحاجةٍ الى ذِكر التفاصيل لأننا قد أشبعناها بحثاً وتحليلاً في أكثر من مقالةٍ سابقة  وردٍ على مُغالطة خلال عامي 2004 و2005 ، غايتهم من ذلك إلغاء القومية الكلدانية بإضفائهم عليها الصفة المذهبية وإدخال شعبها تحت التسمية الآشورية التي نوهنا عن كُنهِها وبُطلانِها ، والأمَرُّ من كلِّ هذا وبعد مُحاولاتهم الخسيسة والبائسة للنَيل من كرامة وعزَّةِ القومية الكلدانية التي باءَت بالفشل الذريع ، طرح  علينا حزبُ زوعا التسمية المركبة الهجينة (الكلدواشورية)  الخالية  من أي عُمق تاريخي  أو جغرافي ، فاعتبَرَها الكلدان مناورة سياسية لإحتواء الكلدان من خلالها فتنبَّهوا لها ونَبذوها  ولم يعترف بها حتى من يُسمّون أنفسهم بالآشوريين ، ولم يتشبَّث بها إلا أبناء الكلدان المُنضوون تحت لواء زوعا بالرغم من أن زوعا نفسه المُقتَرِح لها قد تنصَّلَ منها ، أليس هذا دليلاً صارخاً أيها الكلدان على مدى إصرار أبنائكم المُغَرَّر بهم على تضليل شعبنا المُسالم البريء ؟


لقد اعتَدنا أن نَسمعَ وعلى مدى سنواتٍ طوال بأننا إخوة , و بأننا شعب واحد ونُريد الوحدة  حتى باتت هذه المُفردات مُمِلة وثقيلة على السمع من كثرةِ تردادِها ، هذه الشعارات تُردِّّدها الأحزاب السياسية ، ولكن أفعالَها مناقضةٌ لها بالكامل ، والانتخابات الأخيرة دَلَّت على هذا التناقض ، إذ لم تستطع هذه الأحزاب الاتفاق على التنسيق والدخول الى الانتخابات بقائمة وحدوية واحدة ، رغم كل مابذلتهُ الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية في هذا المجال ، حيث كرَّرت حركةُ زوعا التعبير عن تكابرها وإصرارها على أنها الوحيدة التي لها حق تمثيل شعبنا ، وهذا الادِّعاء الأخرق المشوب بالتعالي وعدم الاحترام لآراء ومشاعر مؤسسات شعبنا الاخرى بالاضافة الى إطلاقها عليها صفات ونعوت مُلفَّقة بعيدة عن الصحة مُشكّكةً بقوميتها ووطنيتها ، لعباً منها بعواطف أبناء شعبنا البسطاء ، وهذا ما تجلَّى بوضوح في أنشطتها الدعائية للانتخابات والتي  حَمَلَ العبءَ الآكبر فيها عُملاؤها الكلدان ( المتأشورون) الذين باعوا ذواتهم لها بثمن بخس  ، إن هذا التصرُّف المُريب من قبل حركة زوعا ومأجوريها المُضاد لتطلعات وطموحات شعبنا أدَّى الى زيادة التنافر والتباعد بين أبنائه ، وجعلهم ينفرون من كلا الطرفين  لعدم مقدرتهما على ايجاد  قاسمٍ مُشتركٍ بينهما متجاهلَين كلَّ الروابط  التي تربط هذا الشعب ببعضه البعض من دم ولغةٍ وتاريخ وعادات وتقاليد ، بسبب جَريِهم وراء مصالحِهم الأنانية الخاصة  ، ولذلك عاقبهما بإعطاء أصواتِه لقوائم وطنية اخرى ، هذا هو الواقع المؤلم الذي فرضتهُ حركة زوعا الشوفينية على الشعب المسيحي في العراق ولا زالت متماديةً فيه .
 

لا أشكُّ أبداً برغبة الشعب المسيحي في العراق بكل انتمآته الى الوحدة ،  أما سياسيوهُ ولا سيما المتطرفون منهم فإنهم يسعون الى المزيد من تمزيقه ، فمعظم الأحزاب السياسية التابعة لأدعياء الآشورية ، ينظرون الى الوحدة من زاويتهم الضيقة وفرضيتهم العقيمة ، وهي أن تقوم الوحدة تحت الهوية الآشورية التسمية الغريبة الخالية من المقومات القومية حتى في زمن الدولة الآشورية القديمة  حيث تأسَّست من شعوبٍ متعددة الانتمآت كما هي حالة الدولة العراقية اليوم ، إذ هل يمكن اعتبار ( العراقية) تسمية قومية ؟ وهكذا لايمكن اعتبار (الآشورية) تسمية قومية ! لأنها تسمية موطنية مُستمدّة من الاسم المزدوج لمدينة  آشور وإلهها ،  وبالرغم من عدم صحتها  لا زال المتشبثون بها يُضفونَها الى عموم الشعب المسيحي العراقي  بدون حياءٍ  ولا خجل !  حيث يُرددون المفردات الخاطئة كالساحة الآشورية والامة الآشورية والشعب الآشوري و و. وهذا بحد ذاته مُنتهى الاجحاف والاستخفاف بحق الامة الكلدانية فكان رد فعل أبناء الكلدان من هذا التطاول الشنيع والفعل المُريع كبيراً ، مما حدا بهم الى تعرية هؤلاء المنشقين  وفضح زيفهم لعلَّهم ينظرون الى حجمهم التافه ويُعيدون النظر في أخطائهم ، ولكن الأمل في ذلك ضعيف جداً حيث قد وصل بهم التشبُّثُ بالوهم الآشوري الى الحد الذي يهون دونه زوال وجودهم .


وللأسباب التي ذكرناها أعلاه على أبناء الامة الكلدانية العمل بصدقٍ وإخلاص ونُكران ذات في سبيل جمع شمل الشعب المسيحي وعدم الاصغاء للعنصريين المتزمتين الذين لا يهمهم من أمر هذا الشعب إلا تمزيقه ووضع العراقيل في درب وحدته حِرصاً منهم على تمرير مصالحهم الخاصة من خلال معاناة الشعب ، اناشدُ المؤسسات العلمانية الكلدانية أن تعمل بجدٍ ومثابرة وبالتعاون والاسترشاد بآراء الرئاسة الكنسية وحكمة رعاتها الاجلاء للوصول بشعبنا الى حالة السلام والوئام ، إنه عمل شاق إلا أنه يهون أمام الخيِّرين التواقين الى توحيد شعبنا ونيل حقوقه الوطنية والقومية في وطنه الأصيل العراق الجديد .


الشماس كوركيس مردو
في 28 / 1 / 2006

300
لقد كَتَبَ ويا لَيتَهُ لم يَكتُب

الشماس كوركيس مردو
gorgeesmardo@yahoo.com

إختَرتُ العنوانَ أعلاه الذي اختاره الدكتور وديع بتي حنا قبل فترةٍ  للردِ على السيد حبيب تومي وكان غيرَ موفّق في ذلك الاختيار ، أما اختياري له فهو كُنه الحقيقة  لِمَ أوردَهُ في مقاله المسموم والموسوم  :


( نتائج الانتخابات و عودة الابن الضال ) فقد جانبَ الحقيقة  في إلصاقهِ صفة الابن الضال بالابن الكبير للأب الذي  وردَ في الانجيل  وليس بالابن الصغير الذي كان ضالاً بالفعل ، فيرى في مُدّعي الآشورية الاسطورة الخرافية وهم يمثّلون العُنصر الأصغر عدداً  بين الشعب المسيحي  الكلداني والسرياني ، و تنطبقُ عليهم صفةُ الابن الضال ، يَرى فيهم بل يُعطيهم دور الأب بشخص (زوعا) الحركة الآشورية  وهذا بحد ذاته  ظُلمٌ وإجحافٌ وانحياز سافر الى طرَفٍ صغير من أطراف شعبنا ، يؤمن بالنهج العُنصري الديكتاتوري الشوفيني لا يقل عن نهج حزب البعث تطرُّفاً إن لم يَبُزَّهُ ، هو البؤرة التي انتشرت  منها عدوى مرض الحقد والكراهية بين أبناء الشعب المسيحي  أدّت الى الصِراع والتشتُّت . وبالرغم من هذا كلّهِ  يتّهم الذين دخلوا الى الانتخابات بقائمة قومية ووطنية تضم أطياف شعبنا الثلاثة ، الكلدان الطيف الأكبر والسريان الطيف الوسط نسبياً والآشوريين الطيف الأصغر ، بأنهم خِراف ضالة أخطأوا الطريق وعلى الحركة التي يُعطيها دور الراعي وهي في الحقيقة  ذئب خاطف شرس ، أن ترعاهم ، ولكي يرفع عنها الصفة الصدامية  يقول :

 يجب على الحركة رعايتهم وليس كما كان صدام يعتبر أمثالهم ( غوغاء ) يجب إبادتهم . أليس هذا إقرار  ضمني من الدكتور وديع بتي حنا بأن الحركة ( زوعا ) المُبتلي بها شعبُنا المغلوب على أمره ، هي حزب البعث الآشوري على غِرار حزب البعث العربي !  والدكتور يعرف جيداً ماذا كان مصير حزب البعث والى ماذا سيؤول إليه مصير الحركة العنصرية الشوفينية .


إن الكلدان  أيها الدكتور حنا، هم الذين يمثّلون دور الأب في مَثَل الابن الضال ، وهم يرقبون عودة  أبنائهم الضالين مهما طال بهم الزمن وهم متأكّدون من ذلك ،  فعندما ينتهي الخرنوب الذي يقتاتون منه ، سيرجعون الى أنفسهم  ويتذكّرون أباهم ، فيأتون إليه ويُقرّون بغلطتهم  ،  وعندذلك  سيكون فرح الأب كبيراً  ومُستعداً لذبح العجل المُسمّن ويُبعد الجوع عنهم  ، كما سيُسامحهم عمّا ألحقوه بشعبهم من الضررالجسيم .


كيف يَسمَحُ لكَ ضميرُكَ  يا دكتور ، أن تتّهم الذين طلبوا من الناخبين المسيحيين منحَ أصواتهم للقائمة القومية والوطنية التي تضمُ مُختلف شرائح شعبنا من كلدان وسريان وآشوريين ، بأنهم فعلوا ذلك بدافع الولاء لأولياء النعم ، ليس لدى الكلدان ولا السريان أولياء نِعَم ، وإذا كان هنالك أولياء نِعَم فهم قياديو(زوعا) الذين يسخّرون المخدوعين بهم من بعض أبناء الكلدان الذين نسمّيهم(المتأشورين) ليقوموا بخَدع أبناء الكلدان عن طريق الإغراء والوعود الجوفاء  ، وبذلك يُتاجرون بمصير شعبنا من أجل كَسبٍ مادي أو مجدٍ دنيوي ، وهم يعلمون جيّداً بأن تأثير أفعالهم الخيانية هذه ستطبعُ وصماتِ عار على جباهِهم وستسرقُ الكَرى من عيونِهم بالاضافة الى تحمّلِهم المؤلم لتأنيب ضمائرهم .


إن الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية وُجدت للدفاع عن المصلحة العليا للشعب المسيحي بمختلف تسمياته الكلدانية والسريانية والآشورية ، و لذلك فعلت كلّ ما بوسعها لتجمع المكوّنات الثلاث لكي يدخلوا الى الانتخابات في  قائمة انتخابية موحّدة ، وليس كما دخلتها حركة زوعا  بقائمة عنصرية مستقلة  وهي بذلك تُشبه  حزب الاتحاد الاسلامي الكردستاني الذي ضربتَهُ مثلاً و الذي هوجم مقرُّه وأُحرق كما تدّعي ، وإذا حاجَجتَ بأن ما يُدعى بالتجمّع الكلدو أشوري السرياني قد ساندها أو انضمّ إليها ، فتلك خُدعة مُدبّرة  لأن هذا التجمّع أوجدته زوعا  ثمّ انسحبت منه وجعلته ورقة بيدها  لِتُناورَ بها .


يتّهم الدكتور حنا ، أن البعض من السياسيين ويصفهم بمُفضّلي المصالح الحزبية والشخصية الضيّقة ، ويُضيفُ إليهم الكتّاب ونعتَهم بِهُواة روح المشاكسة وهو أبرزهم ، بأنهم السبب الرئيسي  فيما جناهُ شعبُنا من وجبة هزيلة  من هذه الانتخابات حسبَ تعبيره ،  و لكنه أبعد حركة زوعا عن إتهامه والتي كانت  هي مصدر الإخفاق في عدم وصول شعبنا الى ما  يصبو إليه  من تفاهم  وانسجام ووحدة المصير ،  وسيُصدر التاريخ بحقّ هذه الحركة العُنصرية التسلطية ذات الأطماع الأنانية  حُكماً قاسياً  لقاء ايقادها لنار الفتنة والفرقة والتناحر بين مكوّنات الشعب الواحد .


وأخيراً أدعو الأخ الدكتور حنا أن يكون واقعياً ومُنصفاً في كتاباته وتحليلاته ، ولا ينساق وراء العاطفة  التي تقوده الى الانحياز السافر الى الجهة التي كانت سبب البلاء في ابتعادنا عن بعضنا وتشتّتِنا  ولا زالت ماضية في  نهجِها التسلطي الاوحادي  الكريه . ولكم مني الاحترام .


الشماس كوركيس مردو
في 20 / 12 / 2005

301
قائمة النهرين وطني رقم 752 حجر الزاوية لوحدة شعبنا الحقيقية

بعد صراعٍ مرير وطويل خاضه أبناء شعبنا المسيحي بأطيافه الثلاثة الكلداني الرئيسي والسرياني الوسط  نسبياً والآشوري الصغير جداً ، حول مسألة عويصة كلياً لا تمتّ الى الواقعية بشيءٍ إطلاقاً  هي  استنباط  تسمية قومية لشعبنا تحلّ محلّ أسمائهم العريقة ، أو كما ارتأى وعاند وأصرّ الطيف الصغير من هذه الأطياف على حتمية تبنّي اسمه من قبل الأطياف الثلاثة كإسمٍ قومي وحيد لهم ونبذ الاسمَين الآخرَين  ، مستنداً على فرضية عقيمة لا أساس لها من الصحة بتاتاً ، هي أن الكلدان والسريان هم آشوريون قومياً ، وبعد جدل مُثير ومُنهكٍ للطيفين الأساسيين الكلداني والسرياني مع الطيف الآشوري الصغير ، تمّ تفنيد وهمه الآشوري المبني على الفرضية المزيّفة ،  وتمخّض في النهاية  أن حزبين آشوريين هما  الحزب الوطني الآشوري  واتحاد نهرين الوطني  آمنا بواقع شعبنا الموضوعي بأننا شعب مسيحي واحد بتسميات ثلاث هي الكلدان والآشوريون والسريان ، فدخلا في تحالف وحدوي مع عضوَي الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية هما  المبر الديمقراطي
الكلداني  والمجلس القومي الكلداني ، وانضمت الى هذا التجمّع  حركة السريان المستقلين كما تحالف معها الشخصية المستقلة الدكتور حكمت حكيم  ، وقد انبثقت عن هذا التحالف الوحدوي وهو الأول بل التحاف القومي البكر ، القائمة الانتخابية < النهرين وطني رقم 752 >  التي تهلّلت لها كل شرائح شعبنا الكلدانية والآشورية والسريانية وتفاعلت معها بجِدٍ واهتمام ، وإن أول من بارك قيامها وأثنى عليها كان حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني الكبير والحزب الديمقراطي المسيحي .

ألا تُعتبر إذاً هذه القائمة المنبثقة عن الارادة الجماهيرية المتمثلة بأحزاب شعبنا المسيحي بكلدانه وآشورييه وسريانه ، حجرَ الزاوية الأساس لبناء صرح وحدتنا المستقبلية الحقيقية المنشودة ؟ نعم وبكل تأكيد فهي وحدة حقيقية لمؤسسات شعبنا بمختلف تسمياته وانتمآته ، ليست وحدة تحالف انتخابي وقتي  فحسب ،  بل وحدة تحالف دائم لتوحيد الطاقات الجماهيرية لشعبنا السياسية والثقافية والاجتماعية للمرحلتَين الآنية والمستقبلية ، ولم يأتِ هذا إلا نتيجة استيعاب العِبَر من أخطاء وتجارب الماضي التي مارسها لون واحد من أبناء شعبنا واعتبر كيانه  الأوحد ، ولا حق لأحدٍ أن ينافسه ، فأوجد بين أبناء شعبنا الصراع والتفرقة والتشتّت ، لقد كانت طاحونة هذا الكيان الذي ادّعى الاوحادية لذاته لا تهدأ جعجعتُها ولكنها لا تُفرز طحيناً ، ولما كان شعبنا بحاجة الى الطحين لا الطنين ، رأى نفسه مضطراً الى التغيير ، فخرجت الى الساحة كالمبارز الغض قائمة < النهرين وطني رقم 752 > التي ضمّت كما أشرنا آنفاً ، خمسة كيانات سياسية متناغمة ومتوافقة الاهداف وممثلاً واحداً للمستقلين مؤيّداً ومسانداً ، قد تقلّل القائمتان المتنافستان المرقمتان 740 و 800  في دعايتهما الانتخابية من شأن القائمة 752 متكئتَين على عكّاز  حداثة بعض القوى المؤتلفة بها وقلّة التأييد الجماهيري  لبعض قواها الاخرى متناسيتين أن وراء هذه القائمة  الشعب الكلداني بزخمه الكبير ، الى جانب جزءٍ من الشعب الآشوري لا يُستهان به ، المستاء من نهج  زوعا صاحبة القائمة 740 إذ يتهمها بأن نهجها لا يختلف عن نهج البعث . 
أما القائمة رقم 800 فهي قائمة يتيمة تمثل التيار الآشوري اليميني المتطرف ، وقد دخلت الى المنافسة الانتخابية معتمدة على اصوات الاقلية الضئيلة من الشعب الآشوري الضئيل العدد أصلاً ، وذلك بسبب انغماسها العميق في غور بحر الطائفية المقيتة ، وتمسكها الجنوني بالتسمية الآشورية الى حد التأليه والانكي انها تسعى الى تعميمها وفرضها على الشعب المسيحي العراقي ، حيث تتهم كل من لم ينتم الى المؤتمر الآشوري العام ولا سيما أبناء الطائفة الآشورية بأنه انتهازي وأصولي .

في خِضمّ هذه الحملة الانتخابية المسعورة التي تقوم بها القائمتان 740  و 800 ضد القائمة الوحدوية  النهرين وطني رقم 752 لم ترغب النهرين وطني الرد عليهما بالمثل ، لأنها واثقة من شموخها ونهجها الوحدوي المتكافيء والمستقيم ، الذي به بدأ عهد جديد من التفاهم والتلاحم بين الكلدان والآشوريين والسريان للوصول الى وحدة الهدف والمصير ، محطمةً أغلال الحقد والكراهية والتعصب العنصري البغيض التي كبّل بها شعبَنا الزمنُ الرديء ، وها هي تُعاهد نفسها لترسم لأبناء شعبها معالم درب المستقبل المشرق ، مُطويةً  الصفحة القديمة السوداء وفاتحةً اخرى جديدة بيضاء لتكتب فيها  سطوراً توحي بانتصار الالفة والتعاون والانسجام المشوب بالثقة المتبادلة والشفافية في المحاورة على التناحر والتباعد والتشتّت .

إنه الوقتُ الحتمي للتغيير  يا أبناء شعبنا المغاوير ، كفانا ما عانيناه من مهاترات ومشاحنات ونقاشات عقيمة أصِبنا من خلالها بنوبات من الصُداع المؤلم ، لقد إهتدى تحالف القائمة الوطنية والقومية < النهرين وطني > الى سياسة إصلاحية صائبة ، هي العلاج الناجع والأساس المتين للتقدم والمضي الى الأمام بخطوات واثقة وثابتة للوصول  الى ما نصبو إليه  ، إننا أمام منعطف حاسم ، يتقرّر بعد تجاوزه  تحديد نوع المستقبل لنا ولأجيالنا  ، إنه منعطف انتخاب البرلمان الذي سيضمن حقوق الانسان العراقي بمختلف انتمآته القومية والدينية ، لأن البرلمان هو المؤسسة التي تتحمل المسؤولية التاريخية الكبرى تجاه الشعب والوطن ، البرلمان المرتقب سيقوم بمراجعة بنود الدستور ويُجري عليها التعديلات الضرورية ، وسيقوم بتشريع قوانين أساسية استناداً الى الدستور ستربو على الاربعين قانوناً ، لذلك على أبناء شعبنا الكلداني والآشوري والسرياني أن لا يفرّطوا بهذه الفرصة السانحة المتعلقة بالانتخابات النيابية حدث الساعة الوطني الساخن ، وليس هنالك أفضل من مؤازرتهم للقائمة 752 النهرين وطني بمنحها أصواتهم لايصال أكبر عدد ممكن من مرشّحيها الى بهو البرلمان لكي يطالبوا بحقوقنا الوطنية ، صوّتوا لها أيها الأحباء ، إنها قائمة وحدتنا القومية وليدة اتفاق أبناء شعبنا من مكوّناته القومية الثلاث ولأول مرة في تاريخهم السياسي ، القائمة التي يضع ممثلوها المصالح القومية والوطنية العليا فوق كل الاعتبارات الحزبية الضيقة ، متخطّين العقبات والأخطاء والاخفاقات التي أفرزتها بعض القوى الموغلة بالتعصّب ولا زالت تطبّل وتزمّر عبر الترويج لبرنامج قائمتها الانتخابية  740 متّهمةً ممثلي القائمة 752 بما هو دأبُها منذ عقد ونصف من الزمن < بناء امبراطورية خيالية بطريقة الصراخ والعويل التي تُجيدها ،  احتكارها الشأن السياسي لشعبنا وحصره بطاقمها ذي الخطاب والاداء المسيّر الواحد ، محاولة خدع شعبنا المسالم البريء بالوعود الكاذبة وهي تُهرول في ميدان التطاول على الآخرين عن طريق التبجح والتزييف من اجل مقعد في البرلمان ، إنتهاجها سياسة ميكافيلية التي اصطدمت برد فعل مقاوم لهذه السياسة الشوفينية من قبل التنظيمات التي برزت للتصدّي لها ، وليس بعيداً اصدارُها كُرّاساً تُنكر فيه وجود الامة الكلدانية وشعبها ، كثيرة هي وكبيرة أخطاء هذه الحركة الشوفينية (زوعا)بسبب إجحافها المفرط بحق الذين قامت على أكتافهم ، لذلك اعتراها الفشل وسيلازمها يوماً بعد يوم >  وبمنتهى الصلف الخالي من الخجل تُسخّر المغَرّر بهم من الكلدان الذين ندعوهم بالمتأشورين لكي يتوسّلوا بأبناء الكلدان  للتصويت لقائمة أعداء الكلدان !
         
إن قائمة < النهرين وطني 752 >  وليدة الارادة الجماعية لممثلي الكلدان والاشوريين والسريان ، هي الأجدر والأحق ليمنحها أبناء شعبنا أصواتهم ، فهي المُعبّر الصادق والجريء عن تطلعاتهم وطموحاتهم بايصال صوتهم الى دوائر صنع القرار السياسي في العراق الحديث الحر الديمقراطي ، وتُعاهدهم بالسير قدماُ لتحقيق الأهداف التي تضمّنها برنامجُها الانتخابي  وإليكم أهمّها :-

على الصعيد الوطني

- توفير الامن والاستقرار في ربوع الوطن ، عن طريق استكمال بناء القوات المسلحة على أساس الولاء والاخلاص للوطن وفرض سُلطة القانون المنصوص عليها في الدستور .
-  ضمان وحدة تراب العراق وحماية حدوده الدولية ، والتصدّي لأية محاولة ترمي الى تجزئته أو استقطاع أجزاء منه .
- توطيد المباديء الديمقراطية لبناء دولة المؤسسات واعتماد المواطنة في تحديد الحقوق والواجبات ، والأخذ بمعايير الكفاءة والاخلاص للوطن في شغل الوظائف الذي من شأنه القضاء على الفساد الاداري .
- ترسيخ وحدة المجتمع العراقي وتمتين اواصر التآخي الديني والقومي .

على الصعيد الخاص

- المساهمة الجادة في إجراء بعض التعديلات الدستورية بما يحقّق ضماناً لحقوق شعبنا الكلداني والآشوري والسرياني .
- المطالبة الجادة بتنفيذ الفقرات الدستورية بشأن حقوق شعبنا الادارية والسياسية والثقافية ومنها : إعادة بناء قراه المدمّرة وإرجاعها الى مالكيها الأصليين : توفير البيئة الملائمة للمُهجّرين والمهاجرين وتشجيعهم على العودة الى الوطن للمشاركة في بنائه .
- التمثيل العادل لأبناء شعبنا في مؤسّسات الدولة < التشريعية والتنفيذية والقضائية >
- تطوير التعليم السرياني  للمراحل الدراسية المختلفة  وإعداد الكوادر لكافة الاختصاصات .

على الصعيد الاقتصادي والثقافي والاجتماعي

- ايجاد عوامل لتشجيع الاقتصاد من اجل خلق سوق مزدهر يحقق الرفاهية لابناء الشعب .
- العمل الجاد من اجل تجديد البُنى التحتية لمؤسّسات الخدمات الحياتية الاساسية  ( الماء والكهرباء والسكن . . . )
- توفير فرص العمل للقضاء على البطالة .
- رفع مستوى المعيشة للفرد العراقي .
- ضمان حقوق المرأة والطفل .
- نشر الثقافة الديمقراطية وتشجيع ذوي القابليات الفنية والادبية والرياضية .
- إنصاف الموظفين والمتقاعدين ورعاية المعوزين

فليُبادر أبناء شعبنا النجباء الى منح أصواتهم الغالية للقائمة 752 ( النهرين وطني ) التي وعدت وعداً مخلصاً وبكل أمانة ونكران ذات ، للعمل علي نيل حقوق شعبنا الوطنية والقومية وتعزيز موقعه اللائق بين مواقع إخوته من الأطياف العراقية الاخرى .
إنها قائمة كل كلداني وآشوري وسرياني ، قائمة الصمود والتحدي ، تنتظر أصواتكم ! ! ! .

الشماس كوركيس مردو
في 9 / 12 / 2005

302
المنبر السياسي / الصوت الكلداني
« في: 08:00 06/12/2005  »


                                  الصوت  الكلداني

في مساء السبت الثالث من شهر كانون الأول 2005 ،  أقامَ الناذرون أنفسهم طوعاً وبدون مقابل ، لنقل الصوت الكلداني عبر الأثير ، احتفالاً رائعاً على قاعة الصرح الحضاري الكلداني  في مدينة ويست بلومفيلد ( نادي شنندوا العائلي ) برعاية  راعي أبرشية مار توما الكلدانية في ولاية مشيكَن المطران مار إبراهيم إبراهيم الجزيل الاحترام ،  حضره جمعٌ غفيرٌ ورائعٌ من أبناء الجالية الكلدانية في مشيكَن ، قُدّرَ عددُهم بأكثر من ستمائة فردٍ ، احتفاءً باليوبيل الفضي  لإذاعة صوت الكلدان ، صوت الامة الكلدانية ، حيث مرّ على تأسيسها خمسة وعشرون عاماً <  1980  -  2005  > .

قبل خمس وعشرين سنة ، انطلق الصوت الكلداني هادراً من ديترويت ، بتصميم واندفاع من إرادةٍ شبابية لنُخبةٍ شابة من شباب الامة الكلدانية ذات الايمان القوي بامتها ، عاقدةً العزم  على إبراز هويتها القومية الكلدانية العريقة ضمن الهوية الوطنية العراقية ، وبالرغم من إمكانيات الكادر الاذاعي المتواضعة  ،  جلجل صوت الكلدان في الهواء ، صوت الحق ، صوت الكلمة الصادقة ، ليؤديَ دوره الفاعل في تمتين الروابط بين أبناء الشعب الكلداني بكل تسمياتهم وانتمآتهم ومناطق تواجدهم .

انتهجت إذاعة صوت الكلدان نهجاً قومياً ووطنياً شاملاً ، فكانت أخبارُها متنوعةً ، كلدانيةً ، عراقيةً ، كاثوليكيةً وعالمية ، شملت برامجُها : نشرَ كلمة الانجيل لترسيخ الايمان وتعزيز اواصر الالفة والمحبة  عن طريق الوعظ والارشاد ،  فتح أبواب ثقافية  ، أدبية ، اجتماعية ، تاريخية  وسياسية ، ساهم في إعدادها لفيف من رجال الدين الأفاضل وفئة من المثقفين والادباء والباحثين ، وفي المجال الوطني ،  لم تدع أن تفوتها فرصة اللقاء بالشخصيات الادبية والثقافية والدينية والسياسية ،  هادفةً منها تعريف مستمعيها بمُختلف الأفكار والآراء الدائرة في الساحة الوطنية والدولية .

ساهم  العاملون في  اذاعة صوت الكلدان  بإشراف شبكة الاتصالات الكلدانية بتقديم فعاليات وأنشطة متنوعة منها :  محاضرات ثقافية  ،  مسرحيات  اجتماعية هادفة  ،  مهرجانات شعرية وادبية وغنائية  ،  دعم الفنانين والادباء والشعراء ،  دون أن يشكّل ذلك عائقاً  أمام  نشاطهم  في مجال البث الاذاعي .

لا بدّ لي أن أذكر بفخر واعتزاز أسماء الذين آلوا على أنفسهم حمل الرسالة الاعلامية الكلدانية متطوّعين ، مُعرباً لهم جميعاً عن امتناني الشخصي الخالص وتقديري البالغ لجهودهم المشكورة ، ولا ريب أن إخوتي أبناء الكلدان طراً يكنون لهم الشكر الوفير والتقدير الكبير ، فهؤلاء هم جنود الاعلام الكلداني : -

1  - الأب الفاضل مانوئيل بوجي   تاريخ نشاطه  ( 1989  -  2005 )
2  - السيد شوقي قونجا                "       "    ( 1980  -  2005 )
3  - السيد فوزي دلّي                   "       "    ( 1980  - 2005 )
4  - السيد ضياء ببّي                   "       "    ( 1980  - 2005 )
5  - السيدة انتصار يونو              "   نشاطها ( 1984  - 2005 )
6  - السيدة جنان سيناوي            "       "    ( 1980  - 2005 )
7  - السيد ساهر يلدو                 "  نشاطه   ( 1990  - 2005 )
8  - السيد ماهر كانونا               "       "    ( 1995  - 2005 )

هؤلاء هم المتطوعون الذين استطاعوا بجهودهم المتفانية أن يُبرزوا الى ارض الواقع مؤسّسة اعلامية بدون مقابل ، وبدعم معنوي قوي ودعم مادي متواضع من الرئاسة الكنسية  لأبرشية مار توما الرسول  بشخص راعيها  سيادة المطران مار إبراهيم إبراهيم  ، قليلة هي المؤسّسات بل نادرة تلك التي تقوم بالعمل التطوعي ، وإن قامت فلا تدوم طويلاً ، أما المؤسّسة الكلدانية ( إذاعة صوت الكلدان ) ففريدة من نوعها كما قال الراعي الجليل المطران مار إبراهيم إبراهيم في كلمته التي ألقاها في الاحتفال .

الى أبناء الجالية الكلدانية في مشيكّن جميعاً اوجّه ندائي  ولا سيما الى الميسورين منهم ، المعروفين بكرمهم وسخائهم وهي صفة خاصة بالكلدان أكثر من غيرهم ، أن يشملوا مؤسّستنا الاعلامية العزيزة بفيضٍ من دعمهم المادي والمعنوي ، ليتسنّى لهؤلاء الجنود الاعلاميين الكلدان أن يواصلوا المسيرة التي بدأوها قبل ربع قرن من الزمن ، ويطوّروها الى الافضل بزيادة ساعات بثّها وتنويع برامجها ، ومن ثمّ تحقيق طُموح امتهم  بامتلاك محطة إذاعة خاصة بها ،  نُكرر تهانينا القلبية للعاملين الأماجد في إذاعة صوت الكلدان ونتمنّى لهم اطّراد التقدم والنجاح  ، ونُعرب عن شكرنا للذين آزروا والذين سيوآزرون بالتأكيد مؤسّستنا الكلدانية ( إذاعة صوت الكلدان ) صوت الامة الكلدانية .

الشماس كوركيس مردو
في 4 / 12 / 2005

303
أخبار شعبنا / الصوت الكلداني
« في: 07:57 06/12/2005  »


                                                                                                              الصوت  الكلداني

في مساء السبت الثالث من شهر كانون الأول 2005 ،  أقامَ الناذرون أنفسهم طوعاً وبدون مقابل ، لنقل الصوت الكلداني عبر الأثير ، احتفالاً رائعاً على قاعة الصرح الحضاري الكلداني  في مدينة ويست بلومفيلد ( نادي شنندوا العائلي ) برعاية  راعي أبرشية مار توما الكلدانية في ولاية مشيكَن المطران مار إبراهيم إبراهيم الجزيل الاحترام ،  حضره جمعٌ غفيرٌ ورائعٌ من أبناء الجالية الكلدانية في مشيكَن ، قُدّرَ عددُهم بأكثر من ستمائة فردٍ ، احتفاءً باليوبيل الفضي  لإذاعة صوت الكلدان ، صوت الامة الكلدانية ، حيث مرّ على تأسيسها خمسة وعشرون عاماً <  1980  -  2005  > .

قبل خمس وعشرين سنة ، انطلق الصوت الكلداني هادراً من ديترويت ، بتصميم واندفاع من إرادةٍ شبابية لنُخبةٍ شابة من شباب الامة الكلدانية ذات الايمان القوي بامتها ، عاقدةً العزم  على إبراز هويتها القومية الكلدانية العريقة ضمن الهوية الوطنية العراقية ، وبالرغم من إمكانيات الكادر الاذاعي المتواضعة  ،  جلجل صوت الكلدان في الهواء ، صوت الحق ، صوت الكلمة الصادقة ، ليؤديَ دوره الفاعل في تمتين الروابط بين أبناء الشعب الكلداني بكل تسمياتهم وانتمآتهم ومناطق تواجدهم .

انتهجت إذاعة صوت الكلدان نهجاً قومياً ووطنياً شاملاً ، فكانت أخبارُها متنوعةً ، كلدانيةً ، عراقيةً ، كاثوليكيةً وعالمية ، شملت برامجُها : نشرَ كلمة الانجيل لترسيخ الايمان وتعزيز اواصر الالفة والمحبة  عن طريق الوعظ والارشاد ،  فتح أبواب ثقافية  ، أدبية ، اجتماعية ، تاريخية  وسياسية ، ساهم في إعدادها لفيف من رجال الدين الأفاضل وفئة من المثقفين والادباء والباحثين ، وفي المجال الوطني ،  لم تدع أن تفوتها فرصة اللقاء بالشخصيات الادبية والثقافية والدينية والسياسية ،  هادفةً منها تعريف مستمعيها بمُختلف الأفكار والآراء الدائرة في الساحة الوطنية والدولية .

ساهم  العاملون في  اذاعة صوت الكلدان  بإشراف شبكة الاتصالات الكلدانية بتقديم فعاليات وأنشطة متنوعة منها :  محاضرات ثقافية  ،  مسرحيات  اجتماعية هادفة  ،  مهرجانات شعرية وادبية وغنائية  ،  دعم الفنانين والادباء والشعراء ،  دون أن يشكّل ذلك عائقاً  أمام  نشاطهم  في مجال البث الاذاعي .

لا بدّ لي أن أذكر بفخر واعتزاز أسماء الذين آلوا على أنفسهم حمل الرسالة الاعلامية الكلدانية متطوّعين ، مُعرباً لهم جميعاً عن امتناني الشخصي الخالص وتقديري البالغ لجهودهم المشكورة ، ولا ريب أن إخوتي أبناء الكلدان طراً يكنون لهم الشكر الوفير والتقدير الكبير ، فهؤلاء هم جنود الاعلام الكلداني : -

1  - الأب الفاضل مانوئيل بوجي   تاريخ نشاطه  ( 1989  -  2005 )
2  - السيد شوقي قونجا                "       "    ( 1980  -  2005 )
3  - السيد فوزي دلّي                   "       "    ( 1980  - 2005 )
4  - السيد ضياء ببّي                   "       "    ( 1980  - 2005 )
5  - السيدة انتصار يونو              "   نشاطها ( 1984  - 2005 )
6  - السيدة جنان سيناوي            "       "    ( 1980  - 2005 )
7  - السيد ساهر يلدو                 "  نشاطه   ( 1990  - 2005 )
8  - السيد ماهر كانونا               "       "    ( 1995  - 2005 )

هؤلاء هم المتطوعون الذين استطاعوا بجهودهم المتفانية أن يُبرزوا الى ارض الواقع مؤسّسة اعلامية بدون مقابل ، وبدعم معنوي قوي ودعم مادي متواضع من الرئاسة الكنسية  لأبرشية مار توما الرسول  بشخص راعيها  سيادة المطران مار إبراهيم إبراهيم  ، قليلة هي المؤسّسات بل نادرة تلك التي تقوم بالعمل التطوعي ، وإن قامت فلا تدوم طويلاً ، أما المؤسّسة الكلدانية ( إذاعة صوت الكلدان ) ففريدة من نوعها كما قال الراعي الجليل المطران مار إبراهيم إبراهيم في كلمته التي ألقاها في الاحتفال .

الى أبناء الجالية الكلدانية في مشيكّن جميعاً اوجّه ندائي  ولا سيما الى الميسورين منهم ، المعروفين بكرمهم وسخائهم وهي صفة خاصة بالكلدان أكثر من غيرهم ، أن يشملوا مؤسّستنا الاعلامية العزيزة بفيضٍ من دعمهم المادي والمعنوي ، ليتسنّى لهؤلاء الجنود الاعلاميين الكلدان أن يواصلوا المسيرة التي بدأوها قبل ربع قرن من الزمن ، ويطوّروها الى الافضل بزيادة ساعات بثّها وتنويع برامجها ، ومن ثمّ تحقيق طُموح امتهم  بامتلاك محطة إذاعة خاصة بها ،  نُكرر تهانينا القلبية للعاملين الأماجد في إذاعة صوت الكلدان ونتمنّى لهم اطّراد التقدم والنجاح  ، ونُعرب عن شكرنا للذين آزروا والذين سيوآزرون بالتأكيد مؤسّستنا الكلدانية ( إذاعة صوت الكلدان ) صوت الامة الكلدانية .

الشماس كوركيس مردو
في 4 / 12 / 2005

304

                    الندوة الاعلامية الثانية لقائمة ( النهرين وطني =  ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ ܐܬܪܝ )

                                                    القائمة رقم  752

ضمن النشاط الدؤوب الذي تقوم به  لجنة دعم القائمة الانتخابية ( الوطنية والقومية )  النهرين وطني <  رقم 752  > وعلى غرار الندوة الاولى التي عُقدت في الواحد والعشرين من شهر تشرين الثاني  2005 في قاعة كنيسة ام الله في ساوثفيلد ، نظّمت اللجنة المذكورة ندوة اعلامية ثانية  في الساعة الواحدة من بعد ظهر يوم الأحد الموافق للسابع والعشرين من الشهر نفسه تشرين الثاني لعام2005 على قاعة كنيسة العائلة المقدسة في ويندزر / كندا ، حضرها جمعٌ غفير من الكلدان والآشوريين والسريان المتواجدين  في العديد من المناطق الكندية غصّت بهم قاعة الكنيسة الرحبة ،تميّزت الندوة بروعة التنظيم  وإبداع  المتحدّثين الذي حظيَ بتقدير الحاضرين وفاز بإصغائهم  .
إفتتح الندوة وأدارها بجدارة السيد عبدالأحد مرقس مسؤول المنبر الديمقراطي الكلداني في كندا ،  استهلّ حديثه بالترحيب بجمهور الحاضرين شاكراً إياهم على حضورهم الذي لم يحدوهم إليه إلا شعورهم الوطني والقومي الفيّاض  نحو شعبهم ووطنهم ، وبعد أن تطرّق الى دواعي عقد الندوات الاعلامية  في المرحلة الراهنة مرحلة الانتخابات النيابية التي تُعتبَر ذات أهمية كبرى للشعب العراقي عامة ولشعبنا الكلداني والآشوري والسرياني خاصة ً، طلب من الدكتور نوري منصور سكرتير المنبر الديمقراطي الكلداني /فرع مشيكَن ، أن يشرح البرنامج السياسي للقائمة الانتخابية الموحّدة الوحيدة لأبناء شعبنا بكلدانهم وآشورييهم وسريانهم  ( النهرين وطني )، وكعادته اختزل الدكتور منصور بنبذةٍ وجيزة ولكنها وافية  ومجدية ، لخّصَ الدور الايجابي الذي لعبته الشخصيات المخلصة لانبثاق هذه القائمة التي تشكّل النواة الواقعية لوحدة شعبنا المستقبلية ، كما شرح الأهداف التي يسعى الى تحقيقها ممثلو القائمة على الصعيدين القومي والوطني ، وناشد أبناء شعبنا دعم القائمة  بمنحها  أصواتهم ، ثمّ تولّى الحديث السيد جوزيف كساّب الذي أفاض بشرح الفوائد المرجوّة في حالة المشاركة الفعّالة في الانتخابات القادمة ، لأن هنالك أهدافاً يمكن تحقيقها بعد الانتخابات ولا سيما إذا استطعنا إدخال أكبر عدد من ممثلينا الى حلبة البرلمان ، وأهاب بالحاضرين أن يبذلوا جهوداً لتوعية ابناء شعبنا وحثّهم للمشاركة المكثفةّ التي ستجري على مدى ثلاثة أيام هي  13 و14 و15 من شهر كانون الأول المقبل ، إنها انتخابات مهمة وحاسمة ، سينبثق عنها برلمان جديد وحكومة جديدة لأربعة أعوام قادمة ، ولذلك فنحن مدعوون اليوم لأن نخطو من أجل ترسيخ مباديء الدولة اليمقراطية ، والسبيل الى ذلك هو المشاركة الفعالة  في الانتخابات المصيرية المقبلة .

تحدّث بعد ذلك السيد سمير ديشا ممثل حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني ، وأعرب عن مباركة الحزب وتأييده  لتشكيل القائمة الموحّدة ( النهرين وطني رقم 752 ) وشرح الأسباب الموجبة لتحالف حزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني مع قائمة التحالف الكردية ، وأهم تلك الأسباب هي السعي للحصول على أكبر عدد من الأصوات الانتخابية تساعد الى ايصال ممثلينا عن شعبنا الى بهو البرلمان الجديد .
وتناول الحديث بعده السيد غانم يلدا عضو المنبر الديمقراطي الكلداني / فرع كندا ، وأشار الى ضرورة مشاركة أبناء شعبنا في الانتخابات النيابية المقبلة وبشكل مكثّف ، فهي المحك والمؤشّرعلى شعورنا بالمسؤولية تجاه شعبنا ووطننا ، علينا أن لا  ندع هذه الفرصة الذهبية السانحة دون أن نغتنمها لصالحنا ، فكل منا مدعو للمساهمة في استنهاض المشاعر القومية لتكون حافزاً لنمضي قدماً في اداء واجبنا الوطني والقومي معاً .
بعد أن انتهى المتحدثون فُسِحَ المجال لسماع أسئلة الحاضرين فكانت كثيرة ومتشعبة ، ولكنها لاقت أجوبةً وافيةً وصريحة من قبل الساة المتحدثين ، تركت انطباعاً جيداً ارتاحت له نفوس السائلين والسامعين .
إن القائمة الانتخابية الموحدة ( النهرين وطني رقم 752 ) قومية ووطنية معاً ، لها دور شمولي لأنها تضم ممثلين لأبناء شعبنا بمختلف تسمياته وانتمآته ومناطقه  ممّا لا يتوفّر لدى قائمتَي شعبنا الاخريين ، من حقّها أن تعلن عن برنامجها السياسي وتقوم بحملة الدعاية له ، لاتسعى الى الطعن ببرامج القوائم الاخرى المتنافسة ، لأنها تؤمن بحق التنافس الديمقراطي الحر  المشروع ، ولكنها تستنكر حملات القوائم المضادة التي لا تُراعي مقاييس الاحترام وتكيل لها سيلاً من الشتم والاتهام وهو اسلوب لا يتفق مع مباديء الحرية والديمقراطية وبعيد عن السلوك الحضاري ، وإن دلّ ذلك على شيء فإنما يدل على إفلاسها السياسي وفقدانها للتأييد الشعبي ، فتلجأ الى المسلك اللاعقلاني الذي أشرنا إليه ، والذي تُعوزه الحنكة السياسية والدراية الدعائية المشروعة والسليمة والخالي بالنهاية من الدقة والموضوعية ، إن مرشحي قائمة النهرين وطني وجميع كوادرها ومؤيّديها يربأون بأنفسهم عن الرد على مثل هذه التُهم الباطلة والملفّقة ،  ويؤمنون بالقول المشهور ( عند الامتحان يُكرَمُ المرءُ أو يُهان ! )

وتجدر الاشارة هنا بأن الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية / فرع مشيكَن  وفي تاريخ 19 / 10 / 2005 كانت قد نظّمت امسية رائعة على قاعة كنيسة ام الله في ساوثفيلد ، القى خلالها الناطق الرسمي باسم الهيئة العليا الدكتور حكمت حكيم محاضرة قيّمة بعنوان <  العملية الدستورية ومواجهة الانتخابات القادمة  > حضرها بلاضافة الى الجمهور الكلداني جمعٌ كبير من أبناء الجالية العراقية بمختلف أطيافهم ،  ضاقت بهم قاعة الكنيسة الكبرى رغم سعتها ، تزاحمت الأسئلة وتنوّعت بعد المحاضرة ، ردّ المحاضر عليها بقابليته المشهودة فأجاد وأبدع وأوفى ، وكانت تلك باكورة الحملة الانتخابية حيث تلتها الندوتان الاعلاميتان المشار إليهما أعلاه .

الشماس كوركيس مردو
في 28 / 11 / 2005

305
                                                     

                                     الندوة  الاعلامية  لقائمة  النهرين  وطني  <  ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ ܐܬܪܝ >

                                             ( القائمة رقم  752 )

                                                                                                 

بدعوةٍ من لجنة دعم القائمة الانتخابية ( الوطنية القومية ) النهرين وطني ،  لبّى الدعوة نُخبة بارزة من الرموز والشخصيات الكلدانية الذين حضروا الى قاعة كنيسة ام الله في ساوثفيلد ، مساء الاثنين  الموافق للواحد والعشرين من تشرين الثاني الجاري 2005 ، وفي تمام الساعة السابعة .

لقد كانت بحق ٍ امسية اعلامية ممتعة ومثمرة ، أدارتها السيدة  أميرة  بجوكا ، ثمّ استهل الحديث الدكتور نوري منصور سكرتير المنبر الديمقراطي الكلداني ، فأجاد في شرح برنامج هذه القائمة الجامعة لأبناء شعبنا الكلداني الآشوري السرياني ، موضّحاً هدفها السياسي ( وطنياً وقومياً ) ، ومُعرّفاً جمهور الحاضرين بالشخصيات التي تُمثّلها ، والتي بذلت جهوداً مضنية في سبيل تشكيلها ، حتى ظهرت بشكلها المتناغم الجميل ، ودعا أبناء شعبنا بكلدانه وآشورييه وسريانه الى دعم هذه القائمة بكل ما لديهم من القوة المعنوية والمادية ، والتوجّه الى صناديق الانتخاب المقرّر إجراؤها في منتصف كانون الاول المقبل 2005 ، معلناً أنها فرصة نادرة لا تُعوّض وعلى أبناء شعبنا اغتنامها ، ثمّ أعقبه في الحديث ، السيد جوزيف كساب مسؤول المجلس القومي الكلداني ، حيث شرح للحا ضرين ، لماذا يجب دعم هذه القائمة التي وُلدت بعد مخاض عسير ، وكيف يجب رعايتها ونفحها بكل أسباب القوة من حيث الدعاية الانتخابية الموجّهة وبرامج التوعية لنهجها الواضح والصريح ذي الاطار الوطني والقومي ، وقد أهاب بأبناء شعبنا للمشاركة بالعملية الانتخابية وبشكل مكثّف يُبرهن على اتقاد جذوة شعورهم الوطني والقومي .

بعد ذلك تولّى الحديث بالتناوب السادة أعضاء دعم القائمة ( النهرين وطني ) وكان أول المتحدّثين السيد سام يونو الذي استهل حديثه بضرورة دعم ممثلي هذه القائمة الوطنية والقومية ، وتطرّق الى الصعوبات التي يواجهونها في الوطن الام في ظل الاوضاع الامنية السيئة ، وبالرغم من ذلك فانهم لا يألون جهداً لإبراز اسم شعبهم كطيف مهم من أطياف الشعب العراقي ، ومن هذا المنطلق التضحوي الذي يؤدّونه بكل جرأة واقدام ، يتحتم علينا دعمهم بكل أشكال الدعم والاسناد معنوياً ومادياً ودعائياً ، وبهذا المعنى تحدّثَ العضوان الآخران السيدان روفي أيار وسعد معروف ، وأعربا عن أملهمها بأن يكون شعبنا على قدر المسؤولية المترتبة عليه  في اداء واجبه الوطني والقومي ، فيبادر الى منحها أصواته في الانتخابات القادمة المزمَع إجراؤها في شهر كانون الأول المقبل .

إن قائمة < النهرين وطني : ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ ܐܬܪܝ > قد جسّدت وبكل صدقٍ لحمة نسيج شعبنا بكل انتمآته وتسمياته ، ووضعت شعارات الوحدة الحقيقية موضع التطبيق العملي ، مُنتقلةً بها الى واقع موضوعي ملموس ، مُبعدةً عن فكرها الالغاء أو الصهر أو التهميش لأيّة شريحة من شرائح شعبنا ذات الأسماء الزاهية بتبنّيها الفكر الديمقراطي الحر . إنها تُمثّل بل تحتضن تطلعات شعبنا المتنوعة ، تاركةً للمشاعر القومية احترامها وللرأي والرأي الآخر حريته ، إن بزوغ هذه القائمة بتشكيلتها الرائعة أفزعت القوى السياسية العنصرية التي تسعى للهيمنة على مقدّرات شعبنا ، فراحت تكيل لها التُهم جزافاً ، وأهم مأخذٍ لها عليها أن التنظيمات التي تشكّلت منها هي حديثة العهد ، ولكنها لا تؤمن بالمثل الرائع ( إن الآخرين سيكونون أولين والأولين سيكونون آخرين ) فليست العبرة بقدمية من قاموا بالعمل بل العبرة بتقديم العمل الجاد والمثمر وفي فترة قياسية ! الكلدان لا يؤمنون بأحلام خيالية لأنهم واقعيو الفكر ، يزنون الامور بميزان الحكمة والتروّي ولا يجنحون الى التهوّر ، ليس بوسعهم العيش بمعزلٍ عن بقية أبناء المجتمع العراقي لأنهم جزء منه . لقد أثبتت التنظيمات السياسية الكلدانية جدارتها بدليل أنها استطاعت جمع شملها وبناء بيتها بالرغم من عمرها القصير نسبياً ثمّ مدّت أياديها وفتحت أذرعها للترحيب باخوتها الآشوريين والسريان الساعين بصدق الى الوحدة الحقيقية المتكافئة وليس الوحدة الاحتوائية الأنانية ،  بينما نرى قسما من التنظيمات الآشورية الاخرى لا زالت في تناحر واقتتال فيما بينها  ولن ينتهي صراعها حتى يقضي بعضها على البعض الآخر ، وهو ما لانتمناه على الاطلاق وإنما نتمنّى لقوائمهم رغم إجحافهم في حق الكلدان النجاح .

لقد قوبلت كلمات السادة المتحدثين بالاستحسان والتصفيق والتأييد ، وجعلتهم يتبارون في مدّ أياديهم السخية لدعم إخوانهم العاملين في الساحة السياسية في الوطن الام العراق الجديد ، اولئك الجنود الذين قد نذروا أنفسهم لخدمة أبناء شعبهم ليأخذوا دورهم الوطني الى جانب إخوتهم العراقيين ككُل ، لبناء عراق حُر ديمقراطي تعدّدي ، يرفل كلّ أبنائه بدون استثناء  في بحبوحةٍ من الخير والتقدم والازدهار .

الشماس كوركيس مردو
في 22 / 11 / 2005

306
                                                     

                                     الندوة  الاعلامية  لقائمة  النهرين  وطني  <  ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ ܐܬܪܝ >
                   
                                           ( القائمة رقم 752 )

                                                                                                 

بدعوةٍ من لجنة دعم القائمة الانتخابية ( الوطنية القومية ) النهرين وطني ،  لبّى الدعوة نُخبة بارزة من الرموز والشخصيات الكلدانية الذين حضروا الى قاعة كنيسة ام الله في ساوثفيلد ، مساء الاثنين  الموافق للواحد والعشرين من تشرين الثاني الجاري 2005 ، وفي تمام الساعة السابعة .

لقد كانت بحق ٍ امسية اعلامية ممتعة ومثمرة ، أدارتها السيدة  أميرة  بجوكا ، ثمّ استهل الحديث الدكتور نوري منصور سكرتير المنبر الديمقراطي الكلداني ، فأجاد في شرح برنامج هذه القائمة الجامعة لأبناء شعبنا الكلداني الآشوري السرياني ، موضّحاً هدفها السياسي ( وطنياً وقومياً ) ، ومُعرّفاً جمهور الحاضرين بالشخصيات التي تُمثّلها ، والتي بذلت جهوداً مضنية في سبيل تشكيلها ، حتى ظهرت بشكلها المتناغم الجميل ، ودعا أبناء شعبنا بكلدانه وآشورييه وسريانه الى دعم هذه القائمة بكل ما لديهم من القوة المعنوية والمادية ، والتوجّه الى صناديق الانتخاب المقرّر إجراؤها في منتصف كانون الاول المقبل 2005 ، معلناً أنها فرصة نادرة لا تُعوّض وعلى أبناء شعبنا اغتنامها ، ثمّ أعقبه في الحديث ، السيد جوزيف كساب مسؤول المجلس القومي الكلداني ، حيث شرح للحا ضرين ، لماذا يجب دعم هذه القائمة التي وُلدت بعد مخاض عسير ، وكيف يجب رعايتها ونفحها بكل أسباب القوة من حيث الدعاية الانتخابية الموجّهة وبرامج التوعية لنهجها الواضح والصريح ذي الاطار الوطني والقومي ، وقد أهاب بأبناء شعبنا للمشاركة بالعملية الانتخابية وبشكل مكثّف يُبرهن على اتقاد جذوة شعورهم الوطني والقومي .

بعد ذلك تولّى الحديث بالتناوب السادة أعضاء دعم القائمة ( النهرين وطني ) وكان أول المتحدّثين السيد سام يونو الذي استهل حديثه بضرورة دعم ممثلي هذه القائمة الوطنية والقومية ، وتطرّق الى الصعوبات التي يواجهونها في الوطن الام في ظل الاوضاع الامنية السيئة ، وبالرغم من ذلك فانهم لا يألون جهداً لإبراز اسم شعبهم كطيف مهم من أطياف الشعب العراقي ، ومن هذا المنطلق التضحوي الذي يؤدّونه بكل جرأة واقدام ، يتحتم علينا دعمهم بكل أشكال الدعم والاسناد معنوياً ومادياً ودعائياً ، وبهذا المعنى تحدّثَ العضوان الآخران السيدان روفي أيار وسعد معروف ، وأعربا عن أملهمها بأن يكون شعبنا على قدر المسؤولية المترتبة عليه  في اداء واجبه الوطني والقومي ، فيبادر الى منحها أصواته في الانتخابات القادمة المزمَع إجراؤها في شهر كانون الأول المقبل .

إن قائمة < النهرين وطني : ܒܝܬ ܢܗܪܝܢ ܐܬܪܝ > قد جسّدت وبكل صدقٍ لحمة نسيج شعبنا بكل انتمآته وتسمياته ، ووضعت شعارات الوحدة الحقيقية موضع التطبيق العملي ، مُنتقلةً بها الى واقع موضوعي ملموس ، مُبعدةً عن فكرها الالغاء أو الصهر أو التهميش لأيّة شريحة من شرائح شعبنا ذات الأسماء الزاهية بتبنّيها الفكر الديمقراطي الحر . إنها تُمثّل بل تحتضن تطلعات شعبنا المتنوعة ، تاركةً للمشاعر القومية احترامها وللرأي والرأي الآخر حريته ، إن بزوغ هذه القائمة بتشكيلتها الرائعة أفزعت القوى السياسية العنصرية التي تسعى للهيمنة على مقدّرات شعبنا ، فراحت تكيل لها التُهم جزافاً ، وأهم مأخذٍ لها عليها أن التنظيمات التي تشكّلت منها هي حديثة العهد ، ولكنها لا تؤمن بالمثل الرائع ( إن الآخرين سيكونون أولين والأولين سيكونون آخرين ) فليست العبرة بقدمية من قاموا بالعمل بل العبرة بتقديم العمل الجاد والمثمر وفي فترة قياسية ! الكلدان لا يؤمنون بأحلام خيالية لأنهم واقعيو الفكر ، يزنون الامور بميزان الحكمة والتروّي ولا يجنحون الى التهوّر ، ليس بوسعهم العيش بمعزلٍ عن بقية أبناء المجتمع العراقي لأنهم جزء منه . لقد أثبتت التنظيمات السياسية الكلدانية جدارتها بدليل أنها استطاعت جمع شملها وبناء بيتها بالرغم من عمرها القصير نسبياً ثمّ مدّت أياديها وفتحت أذرعها للترحيب باخوتها الآشوريين والسريان الساعين بصدق الى الوحدة الحقيقية المتكافئة وليس الوحدة الاحتوائية الأنانية ،  بينما نرى قسما من التنظيمات الآشورية الاخرى لا زالت في تناحر واقتتال فيما بينها  ولن ينتهي صراعها حتى يقضي بعضها على البعض الآخر ، وهو ما لانتمناه على الاطلاق وإنما نتمنّى لقوائمهم رغم إجحافهم في حق الكلدان النجاح .

لقد قوبلت كلمات السادة المتحدثين بالاستحسان والتصفيق والتأييد ، وجعلتهم يتبارون في مدّ أياديهم السخية لدعم إخوانهم العاملين في الساحة السياسية في الوطن الام العراق الجديد ، اولئك الجنود الذين قد نذروا أنفسهم لخدمة أبناء شعبهم ليأخذوا دورهم الوطني الى جانب إخوتهم العراقيين ككُل ، لبناء عراق حُر ديمقراطي تعدّدي ، يرفل كلّ أبنائه بدون استثناء  في بحبوحةٍ من الخير والتقدم والازدهار .

الشماس كوركيس مردو
في 22 / 11 / 2005

307
                                                              
                                            للمــــرة الاولــــى يـــذوب جليـــــــد العنـــــــــــــاد


بالرغم من دخولنا في جبهة صراع من أجل الوحدة والتسمية ، التي أدخلتنا في منعطفات قاسية ، لم أفقد التفاؤل بأن إرادة المخلصين من أبناء شعبنا ستكون في النهاية هي المنتصرة ، وها هي اولى تباشير الانتصار قد بدأت بانبثاق القائمة الانتخابية الموحّدة ( النهرين وطني ) ما أحلاها نطقاً وما أعذبها سمعاً وما أدّقها رمزاً ، فيا مرحى ! ويا للفرحة ! ما أخطأ من عرّف السياسة بفن الممكن ، إنها الخطوة الاولى في المسار الصحيح ، ولا يسعني في هذا المجال إلا الاشادة بهمّة وشجاعة الأحزاب والتنظيمات الكلدانية الفتية التي استطاعت بفترة زمنية قياسية من الامساك بناصية السياسة ، ولا شك أن الفضل في ذلك يعود الى تفاني وإخلاص قادتها وكوادرها وبراعتهم في اقتناص الفرص الحاسمة واستغلالها ، وكان لإرشاد وتشجيع رئاستنا الكنسية المتمثلة بغبطة أبينا البطريرك مار عمانئيل الثالث دلي وإخوته الأساقفة الأجلاء دور كبير في دفعهم الى الأمام ، إنه عمل جماعي مثمر توسّع نطاقه وتعدّى نشاطه ساحة الوطن الام الى أبناء الكلدان في دول المهجر ، ففُتحت فروع لتلك الآحزاب انخرط في صفوفها أفراد غيورون يتسابقون في خدمة شعبهم وامتهم ، وأصبحوا العضيد الأكبر لقوى الامة في داخل الوطن من حيث الدعم المادي والمعنوي ولا سيما المتواجدون منهم في المهجر الامريكي الشمالي .


إن ما تقوم به كوادر أحزابنا السياسية والشخصيات الفاعلة الكلدانية من تحركات في شتى المجالات هي ذات أهمية كبرى ، فهم لا يدعون أن تفوتهم فرصة مقابلة كبار الساسة والمسؤولين العراقيين القادمين الى الولايات المتحدة وإجراء اللقآت معهم حول مختلف القضايا ، وأهم اللقآت التي سجّلت من قبلهم كانت مع رئيس الجمهورية الاستاذ جلال الطلباني ورئيس الوزراء الدكتور ابراهيم الجعفري وأخيراً مع رئيس اقليم كردستان السيد مسعود البرزاني .


أما في الساحة الداخلية لشعبنا فكان لمبادرة الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية فرع مشيكَن وقع جميل عندما قام وفد من أعضاء المنبر الديمقراطي الكلداني برئاسة الناطق الرسمي باسم الهيئة العامة بزيارة غبطة البطريرك مار دنحا الرابع بمقرّه في شيكاغو يوم الثامن من تشرين الأول الجاري لعام 2005 ، لقد كانت خطوة ايجابية مثمرة وجريئة ، تُبودلت فيها وجهات النظر المختلفة ، وتمّ التوافق على أهمية العمل المشترك ، وأعتقد أن أول ثمار هذا التوافق كان اتفاق قوى شعبنا من الكلدان والآشوريين والسريان على الدخول في قائمة انتخابية موحّدة وهي تتمثل في :-

- المجلس القومي الكلداني
- المنبر الديمقراطي الكلداني
- الحزب الوطني الآشوري
- اتحاد بيت نهرين الوطني
- حركة تجمع السريان المستقل
- الدكتور حكمت حكيم


ما أجملها من قائمة وما أجمل اسمها < النهرين وطني > لا ريب أنها مدخل في طريقٍ صحيح الاتجاه ، ولذلك ندعو أبناء شعبنا منحها ثقته وتأييده ، لعلّها تكون بداية لذوبان جليد عنادنا وجنوحنا الى التفاهم والتناغم بعد ما عانيناه من النفور والتناحر . ما أجمل السلوك الديمقراطي وما أطول باله وأعذب مشواره
فيه يتجلّى التفاهم والتآلف بين الجماعات والشعوب ، يا ليت الأحزاب الآشورية الاخري وفي مقدمتها ( حركة زوعا ) النزول من عليائها الخيالية ، والتخلي عن أفكارها العدائية ، ومحاولات إلغاء الواحد للآخر هو اسلوب فاشل عفا عليه الزمن .



الشماس كوركيس مردو
قي 30 / 10 / 2005

308
                        الى الأثريــــــــاء من أبنــــاء الامّــــــــة الكلدانيـــــــة


         لا شك أن الامة الكلدانية كانت في سباتٍ عميق منذ أمدٍ سحيق ، من حيث النضال السياسي لإثبات وجودها القومي الأصيل في بلادها ( ما بين النهرين ) عراق اليوم ، وكان لهذا السُبات مبرّراته ، إذ قبل قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 م ، كان الشعب العراقي كبقية أقطار الشرق الأوسط رازحاً تحت النفوذ السُلطاني للدولة العثمانية لِما يقرُب من أربعة قرون أو يزيد ، وكان حكماً متخلّفاً واستبدادياً ، لم يكن يُعطي للشعوب المُبتلاة به مُتنَفّساً للمطالبة بحقوقها الوطنية والقومية المسلوبة منها ، ممّا جعل المشاعر القومية لمختلف تلك الشعوب خامدةً ، وبعد قيام الحكم الوطني في العراق ، لم يتقيّد تماماً بتوصيات عصبة الامم التي دعت الى الاعتراف بوجود
وحقوق كافة القوميات التي يتألّف منها الشعب العراقي ، حيث تمّ تجاهل مُعظمها ومن بينها القومية الكلدانية الممثّلة للشعب المسيحي في العراق بكل تسمياته الكلدانية والسريانية والآثورية ، واقتُصر على القوميتين العربية والكُردية ، ولكن الهيمنة الحقيقية كانت لأبناء القومية العربية ، وبالرغم من ذلك ومن مُنطلق الشعور بالمسؤولية وفرطِ حب الكلدان وإخلاصهم  لوطنهم العراق الذي كان لأسلافهم الفضل الأكبر في بناء حضارته منذ القِدَم ، لم يتأخّر أحفاد الكلدان المعاصرون عن المساهمة بدور فعّال في إرساء قواعد الحكم الوطني
بالانخراط في مؤسسات الدولة الفتية سياسياً وإدارياً واجتماعياً ، فانتُخِبَ منهم عينٌ في مجلس الآعيان ومثّلهم نوّاب في مجلس النوّاب واستوزِرَ منهم وزير ورًقّيَ الكثير منهم الى وظيفة مدير عام ، ونُسّبَ بعضُهم لتولّي مناصب قضائية وما الى ذلك من مهام اخرى .


أما في العهد الجمهوري الذي بدأ في الرابع عشر من تموز لعام 1958 م ، فقد تغيّر الوضع في العراق ودبّ الخلاف في صفوف العسكر الذين تولّوا السلطة بعد الاطاحة بالنظام الملكي ، وطفت على السطح ميول واتجاهات  متباينة  ساهمت في بروزها تأثيرات خارجية عربية ودولية ، مما أدّى الى إشغال السلطة الجديدة للتصدّي لها ، فانحسر اهتمامها بالوضع الداخلي لايجاد اسسٍ ديمقراطية لبناء وطن حُرّ تتساوى العدالة بين أطياف شعبه المتعدّدة ، وبدأت المؤامرات تُحاك واحدةً تِلوَ الاخرى حتى انتهى الامر أخيراً باغتصاب السلطة من قبل حزب البعث العربي في السابع عشر من تموز لعام 1968 م ، وباشر فوراً بحصر السلطة في كوادره وإقصاء الأطراف الحزبية الاخرى ، وبعد عقدٍ من استيلائه على السلطة استفردت بها جماعة قوّية من كوادره بقيادة صدام حسين ، الذي تسلّم رئاسة الدولة عنوةً
وبدأ عهده الدموي بتصفية خصومه جُملةً وأفراداً ، وارتكب أخطاءً جسيمة بحق الشعب العراقي ، من حيث زجّ خيرة أبنائه في أتّون حروبٍ خاسرة إرضاءً لنزعاته وتهوّراته ، وحرمهم من أبسط حقوقهم الانسانية والوطنية ، واضطرّ الملايين منهم لطرق أبواب الهجرة الى البلاد القريبة والبعيدة ، وطِبقاً للقاعدة المعروفة أن لا بدّ لنهايةٍ لكل ظالم ، فقد انتهت سلطة هذا الظالم الذي قلّ أن عرف التاريخ مثيلاً له في التاسع من شهر نيسان لعام 2003 ، ولاح فجر الحريّة للعراقيين .


أن هدفي مما تقدّم سردُه ، هو أن اطلق نداءً قومياً ووطنياً الى أبناء امتي الكلدانية العريقة ولا سيما الميسورين منهم ، بأن العراق ومنذ تحرّره من رِبقةِ حكم الطغيان ، عوّل المخلصون من أبنائه الذين تولّوا شؤونه الى جعله بلداً حُراً ديمقراطياً تعدّدياً تظلّله خيمة العدالة الاجتماعية ، وها إننا قد رأينا الأقوال تُتَرجمُ الى الآفعال ، حيث عادت الأحزاب المحظورة أيام عهد الاستبداد والطغيان الى النضال العلني بعد نضالها السري ، وتأسّست أحزاب وطنية اخرى كثيرة ومنها الآحزاب والمنظمات الكلدانية في الوطن الام وفروعها في بُلدان المهجر
وبالرغم من حداثة عهدها في السياسة فقد برهنت على قدرتها الإبداعية ووعيها ، وبذلت جهوداً مدروسة تفوق جهود تلك التي سبقتها بأشواط زمنية ، حيث استطاعت نيل الاعتراف بقوميتها الكلدانية دستورياً ، ونجحت بتوحيد خطابها القومي وأسّست هيئةً عليا تُشرف على أنشطتها هي ( الهيئة العليا لاتحاد القِوى الكلدانية ) كما فتحت لها فروعاً في أغلب بُلدان المهجر التي يتواجد فيها أبناء الامة الكلدانية ، وهي الآن في طريقها الى ايجاد قائمة انتخابية موحّدة لخوض الانتخابات القادمة التي ستجري في الشهر الأخير من العام الحالي 2005 م ، والقائمة الموحّدة ستكون مفتوحةً أمام إخوتنا السريان والآثوريين للانضواء تحت مظلّتها بكل تَرحاب  لكسب أكبر عددٍ من الأصوات الانتخابية التي من خلالها يدخل عدد من أبناء الامة الى قبة البرلمان المُرتقب ، وهنا يجب أن لا تفوتني الاشارة الى الجهود الكبيرة والفاعلة لرئاستنا الروحية المتمثلة بغبطة أبينا البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي وإخوته أساقفة الكنيسة الكلدانية ، حيث أعطت لقياديي أحزابنا ومنظماتنا دعماً معنوياً كبيراً لتحقيق ما حقّقوه ، وهم على عهدهم في مواصلة هذا الدعم والارشاد  ! ، إذاً أيها الاخوة الكلدان فقد حقّقت الآحزاب والمنظمات الكلدانية مكاسب وانجازات عظيمة لامتنا في مدةٍ تُعتبَرُ قياسية بالنسبة للآخرين ولا زال أمامها تحقيق المزيد ، ولكي نحافظ على ما تحقّق وما نصبو الى تحقيقه حاضراً ومستقبلاً ، علينا أن نكون أسخياء في دعم إخوتنا المدافعين عن حقوقنا في الوطن الام العراق ، إنهم يُجازفون بكل غالي ورخيص لرفع شأن امتنا لكي يتمتّع أبناؤها بكل انتمآتهم في أمان واستقرار وعيشٍ سعيد ، وهذا الامر يتطلّب إسناداً مادياً كبيراً ليس بمقدور القائمين به توفيره ، ولذلك فإن أنظارهم تتّجه إلينا ، ولهم كل الحق في ذلك ، لأننا إخوتهم  ومساعدتهم مادياً ومعنوياً هي اشتراك منا في جهودهم ، وتحفيزٌ لاندفاعهم في تحقيق أهداف وآمال أمتنا المجيدة .


مما لا شك فيه أن جاليتنا الكلدانية المتواجدة في الولايات المتحدة الأمريكية ولا سيما التي في ولاية مشيكَن هي الآكبر عدداً والأكثر ثراءً من مثيلاتها في الولايات الاخرى ، ولذلك فإنها الأقدر على إبداء المساعدة المادية للهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية ، أليس جديراً بأبناء الجالية الذين ساهموا ببناء أروع وأكبر صرحٍ حضاري كلداني ( نادي شنندوا ) أن يفكّروا جدياً بايجاد وسيلة وإقامة هيئة تُلقى على عاتقها مهمة جمع مبالغ من أثرياء الجالية ، لدعم جهود أحزابنا وتنظيماتنا السياسية والاجتماعية والثقافية في الوطن الام ؟ متى يستيقظ شعورنا القومي من سُباته ؟ وهل ستسنح فرصةً ذهبية أفضل من الحاصلة اليوم لإثبات وجودنا وتحقيق حقوقنا وطموحاتنا ؟
إن قطار الزمن سريعٌ وعلينا الاستعداد له لئلاّ يفوتنا ، إنه نداء مخلص يا إخوتي ، وعليكم دراسته بعناية وإخلاص ، وبذلك سيتجلّى اعتزازكم بقوميتكم وتضيفوا مأثرة الى مآثر أبائكم وأجدادكم الكلدان العظام ، وأنتم بالتأكيد أهلٌ لذلك . انظروا الى الطائفة الصُغرى من شعبنا المُنفصلة عن امتها الكلدانية والمُنتحلة لتسميةٍ غريبة لا تَمُتّ إليها بصلة هي ( التسمية الآشورية ) كم إنها متفانيةً لجعلِها من فرضيّةٍ خيالية الى حقيقة ! ساعيةً بكل طاقتها لاقناع العالم بصحتها ، باذلةً في سبيل ذلك أقصى ما لديها من المال والجهد ، والأنكى من كل ذلك ، هي محاولة بعض غُلاة متعصّبيها العُتاة انتهاج شتّى السُبُل المُلتوية من تشويه وتحريف وتزوير لتاريخ الامة الكلدانية بل تعدّى بهم الامر الى إنكار وجودها كشعبٍ وقوميةٍ وامة ! يَشدّ أزرهم في ذلك بعض الجاحدين لأصلهم الكلداني الذين أطلقنا عليهم لفظة ( المتأشورين ) الذين برهنوا على كونهم أشدّ ضراوةً في عِدائهم للامة الكلدانية من أسيادهم مًنتحلي الآشورية المزيّفة ! حيث طبّقوا على أنفسهم المثل القائل ( إنهم ملكيون أكثر من الملك ) وبكل صلفٍ يُطالبون بفرض التسمية الزائفة على الامة الكلدانية ! يا للمُصيبة بل يا للمهزلة ! وإزاء هذا الموقف المُقرف ! كم بالأحرى ينبغي علينا أن نتحدّى هؤلاء المغرورين والمُغَرّرِ بهم ، ونزيد من تباهينا بامتنا الكلدانية العريقة ، ونحافظ على تُراثها ونعتزّ بحضارتها التي كانت مَنهلاً للحضارة العالمية المُعاصرة ، إن الأمل معقود عليكم أيها الاخوة الكلدان الذين أفاض الله عليكم من خيره العميم ، أن تقفوا سنداً منيعاً وراء مؤسّساتكم القومية لتمضي قُدُماً في الدفاع عن حقوق امتكم وإعلاء شأنها ، وسدّ الأفواه المُنتقصة من عزّتها وكرامتها .


الشماس كوركيس مردو
في 21 / 10 / 2005

309


                                               ( صراع المصالح في العراق الحديث )

         يشتركُ بالعيش في العراق ، أقوامٌ متعدّدة بين كثيرة العدد وقليلتِه ، فهنالك العربُ والكُردُ والكلدان والتركمان والسريان والآثوريون واليزيديون والمندائيون والشبك ، ولم يفلت أحدُها من ظُلم النظام الديكتاتوري الفاشي ، وقد ابتهجت باقتلاع ذلك النظام الجائر ، وبَدَل أن تُسارع الى التعاضد والتكاتف من أجل بناء عراق جديد حُر وسعيد ، نراها تتبارى ولا سيما الكبار منها الى احتلال مواقع مؤثّرة في هذا البناء تُساعدُها للحصول على أكبر حِصّةٍ من المكاسب والحقوق والامتيازات على حساب الأصغر منها ، ومنذ إنشاء مجلس الحكم الانتقالي على أساس تحاصُصي ، صرّح ممثّلو القوى السياسية المشاركة فيه مُطمئنين أبناء الشعب العراقي ، بأن المجلس هو وليد ظروف طارئة ولن يكون قاعدةً للعمليات السياسية المستقبلية ،  ونظراً لوجود تمثيل سياسي في المجلس متنوّعِ الفكر والاتجاه ، خفّفَ من رَوع تحوّله من طاريء الى ثابت .

بيدَ أن تأليف الحكومة الاولى جاء مخيّباً للآمال ، حيث اعتُمِدَ في تشكيلها على أساس المحاصصة القومية والطائفية ، فتولّد لدى الشعب قلقٌ من خطر هذه الممارسة ، وانتظر الشعب ما سيجري بعد الانتخابات ، وإذا به يرى انبثاق حكومة سيادية منتخبة ولكن على الاسُس ذاتها وبحسب النِسب الطائفية وبدون إعطاء أي اعتبار لمعايير المواطنة ، فكانت تلك مساومة غير عادلة وانتقاصاً لمبدأ المواطنة والوحدة الوطنية ، وإزاء هذا الوضع إتّضح عجز القوى الديمقراطية واللبرالية عن تغيير تلك المعادلة ورضخت للأمر الواقع ، بينما تهلّلت لها قوى الارهاب لتوافقها مع أهدافها المُدمّرة ، وهي المنادية الاولى بالطائفية .

في ظل هذا الوضع ظهرت على السطح مشاعر الحقد والكراهية بين الطوائف والمذاهب ، فلا يمكن أن يُنكر أحد الكُره المزمن بي الشيعة والسنة ، والعداء المستتر بينهما في تزايد مستمر وليس هنالك من بادرة أمل في توقّفه ، والى جانب هذا نرى العلاقة العربية الكردية وقد لازمها الصراع والعِداء منذ زمن طويل أدّيا الى القتال العنيف لفترات طويلة .

يتبارى الفصيلان القويان العربي والكردي باستعراض عضلاتهما من خلال تصريحات قادتهما الحزبيين ، فقائد حزب الائتلاف الشيعي راح يدعو الى الفدرالية المذهبية وهو ما تنمّ عليه خُطَبُه ، ولا شأن له بالوحدة الوطنية العراقية التي يؤيّدها ملايين العراقيين مسلمين ومسيحيين وذوي الأديان الأخرى ، وهي الحجر الزاوية في في استقرار العراق ، وبنظرته هذه ينسجم مع الزعيم الكردي في الرؤى الحزبية الضيقة ، بينما عليهما باعتبارهما يمثّلان أقوى تمثيلين في شمال العراق وجنوبه ، أن يُركّزا على المصلحة العليا المشتركة لكافة مكوّنات الشعب العراقي .

وبما أن للعراقيين حزبيين ومستقلين الحق في ممارسة الحرية والديمقراطية ، أليس من العدل أن يسألوا القيادات الحزبية ذات الثقل الكبير ، إذا كان مستقبل العراق رهناً بأيديكم دون حسيب أو رقيب ، لماذا أجريت الانتخابات وانبثقت عنها الجمعية الوطنية ؟ وما دور هذه الجمعية ؟ ألم تصلوا الى سُدة الحكم عن طريقها ؟ ألا يُستشفُ من تصريحاتكم أنكم ناوون الى تقسيم العراق ؟ أين وعودكم التي قطعتموها للعراقيين بالحفاظ على وحدة تُراب العراق وشعبه ؟ . إن تقسيم العراق أيها السادة خطير جداً ، ستنعكس نتائجه سلباً على أبناء قوميات العراق المتعددة .

إتركوا صراع المصالح الطائفية الذاتية وركّزوا على التصدّي للإرهاب بكل أشكاله ، تحوّلوا بالكامل الى صراع ضد بقايا أيتام الديكتاتورية المقبورة والعصابات الارهابية الوافدة من وراء الحدود ، حاربوا ضد مروّجي المخدرات ، ضد البطالة ، الفساد ، من أجل توفير مستلزمات الحياة من ماء وكهرباء وغذاء ! ! أنقذوا العراقيين من محنتهم ، إرهاب وحشي ومستمر بشكل يومي ، جرائم الانفجارات ، خراب ودمار في كل الجهات واختطاف وذبح على كل المستويات ! صمّموا للقضاء على مأجوري الآنظمة التي تدّعي الأخوة وهي في الواقع عدوّة ، لاحظوا صمتها ! انظروا تفرّج شعوبها على مأساة الشعب العراقي ! ! ألم تسمعوا أصواتهم بتأييد الارهاب ونعته بالمقاومة ، وعدم مبالاتهم بالدماء العراقية البريئة الزكية ؟ الى أي حدٍ اوصلنا الزمن الرديء هذا ؟ اللهمّ إلهم قادتنا للتخلّي عن حزازاتهم وأنانياتهم ، إمنحهم نعمة الاخلاص لوطنهم ، والقدرة على إنقاذ سفينته من تلاطم أمواج الغدر والارهاب وإرسائها الى بَر الأمان والاستقرار .

الشماس كوركيس مردو
في 13 / 10 / 2005

310

الى الاستاذ ادورد ميرزا تحية

        لا شك أن الموضوع الذي طرحتَه بعنوان < هل الكلدان عملاء والآشوريون خونة والسريان عرب ؟ > هو واقع شعبنا المنظور ، ولكنكَ أيها الاستاذ لم تُشِر الى الطرف الذي كان الباديء في توجيه العمالة للطرف الكلداني والتعريب للطرف السرياني بالرغم من معرفتكَ له جيداً ، كما تعرف جيداً ، أن لكلّ فعل ردّ فعلٍ معاكس ولذلك صدر عن الكلدان والسريان إتهام بالخيانة للطرف الآشوري وهو كذلك ، لأنه سعى بكل ما اوتي من القوّة لخيانتهما ولا زال متمادياً في غيّيه ، متمثّلاً ذلك في استماتة أحزابه العنصرية الشوفينية وكتّابه المتزمّتين ومفكّريه المنغلقين ، الى تغييب قوميتيهما بانكارهم لوجودهما ووصفهما بمذهبين كنسيين ، بينما العكس هو الصحيح ، فإن الطائفة  الانفصالية الآثورية التي انفصل آباؤها وأجدادها الذين كانوا جزءاً من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية عن إخوانهم الغالبية العظمى الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الكاثوليكي الأصيل في منتصف القرن السادس عشر، وأصرّوا هم على البقاء في المذهب النسطوري ، وقد اقتدى بهم أحفادهم رغم انتحالهم للتسمية الآشورية في أواسط القرن التاسع عشر ، تلك التسمية التي أطلقها عليهم  عملاء أساطين السياسة الانكليز، أرجو العذر من القرّاء لتكراري ذكر هذه الحقيقة في معظم مقالاتي التي تدور حول التاريخ القومي والكنسي، حيث لا يمكن عدم الاشارة إليها في ضوء تفنيد إدّعآت متزمّتي هذه الطائفة المذهبية المتمرّدة على امتها الكلدانية والمعروفة
( بالطائفة النسطورية ) والتي تتنكّر لواقعها الحقيقي  وتتعدّى حجمها عن طريق الدجل والتجنّي ، مستخدمةّ الفرضية الآشورية العقيمة الاسطورة الانكليزية .

أعتقد أيها الاستاذ أن موضوعكَ هذا كان عليك أن تنشره في بداية الصراع الطانفي الذي أوقد ناره قياديو أحزاب طائفتكَ الآثورية المتناحرة فيما بينها والتي انعدم اتفاقها وسيستمر على انعدامه الدائم باستثناء اتفاقها الأوحد هو العداء الشرس للامة الكلدانية ومحاربتها بكلّ أساليب التلفيق والتزوير والتشهير لتغييب اسمها وإلغاء وجودها وصهر شعبها في بودقة مذهبها النسطوري الانعزالي   وتسميتها الآشورية المنتحلة ، ولكن هيهات .
جميل منكَ أن تختار شاهدين في صدر مقالتك هما السيدين يونادم كنا وسركون داديشو العدوّين اللدودين للامة الكلدانية وأعتى عنصريين بين عنصريي الطائفة الآثورية ، لكي تقرأ معهم ما يدور حسب تعبيركَ بعقول أبناء شعبهم وكيف يتصرفون في جزء من حياتهم اليومية ، وهذا ليس بغريب على الاستاذ الجامعي المستقل قولاً والانحيازي العنصري طائفياً ، كما ليس بغريب أن تشيد بكفاحهما  العنصري البغيض 
 الذي خاضاه بدون هوادة للانتقاص من نبل وكرامة الامة الكلدانية ، وإلا ماذا فعلا غير ذلك ؟ من أجل خير أية امة سعيا ؟ ولماذا لم تجرأ على تسميتها ؟ نحن الكلدان ننادي بأعلى صوتنا بأن ليس هناك من امة للشعب المسيحي العراقي بكل تسمياته المذهبية الكاثوليكية والارثوذكسية والنسطورية  سوى الامة الكلدانية .

إذا كان كل انسان حراً في اختياره لكل ما يرغبه من مأكل وملبس ومأوى وحراً في اسلوب تعايشه مع أهله وأصدقائه ، وفي ما يؤمن به من فكر سياسي يوفّر له اقتناعاً بالوصول عن طريقه الى ما يرنو إليه ، وإذا كان حراً في رأيه في كل ما سبق ، إذاً لماذا يُحارَبُ الانسان الكلداني ولا يُعطى احترام لرأيه ، لماذا يُريد الآثوريون فرض رأيهم على الكلدان ؟ بأي حق يُصرّون على فرض فرضيتهم العقيمة عليهم ؟ لماذا لم يفرض الكلدان رأيهم عليهم وهم الأحَقّ في ذلك ؟ الكلدان أسمى من أن يفعلوا ذلك ، لأنهم يحترمون رأي و مشاعر الآثوريين في اختياراتهم رغم علمهم بعدم صحتها ، ولكنهم في الوقت ذاته لا يقبلون بفرضها عليهم .

لا يمكنكَ أن تُنكر أيها الاستاذ بأنه منذ تشكيل أول حزبٍ آثوري المدعو ( زوعا ) في عام1979 م كانت اولى تباشير ايديولوجية مسيرته هي محاربة الامة الكلدانية ، سعى بكل طاقته لتشويه تاريخها وإنكار اسمها وقوميتها ، وقد تجلّى ذلك في أدبياته ونشراته ونهج جريدته المسمّاة ( بَهرا= ܒܗܪܐ) ولكنها مع الأسف كانت ولا زالت ( حِشّوخا= ܚܫܘܟܐ ) وبعد قيام الأحزاب والمنظمات الآثورية الاخرى ، حذت حذو زوعا وبأساليب متابينة ولكن الهدف واحد ، فكيف تنفي أنه لم يكن هنالك يوماً صراع داخلي ، ولكن من الصحيح أنه لم يكن بهذا العنف الذي نراه اليوم ، لم يتنكّر لهويتهم القومية الكلدانية إلا الآثوريون بانتحالهم التسمية الآشورية الغريبة ، كيف تريد من الكلدان أن لا يتهموا فضائية سركون داديشو بالخيانة وهي تصرخ وتُعربد ليل نهار بكل ما هو مُقرفٌ ضد الكلدان وضد كل ما هو كلداني ، لم تصدر أية إهانة من أي كلداني ضد قادة الأحزاب الآثورية أو رجال الدين الآثوريين بل العكس هو الصحيح حيث لم يسلم قادة الأحزاب الكلدانية والقيادة الدينية الكلدانية من تجاوزات الكتّاب الآثوريين و حفنة من الكتّاب الكلدان المتأثورين وباسلوبٍ متدنّي بعيدٍ عن المنطق الحضاري .

إن معظم الاساءات والمهاترات صدرت ولا زالت تصدر عن أشباه الكتّاب الآثورويين والكتّاب المحسوبين على الكلدان بالاسم المتأثورين ، وإذا صدر شيء من هذا القبيل من قبل بعض الكلدانيين المخلصين الأصلاء ، فبالتأكيد يكون ردّ فعلٍ منطقي لِمَ تعرّض له شخصياً أو دفاعاً عن رمز كلداني مُستَهدَف ، أما أن يكون هو المبادر فالأمر مُستبعَد ، لقد وضعنا متزمّتو الطائفة الآثورية العنصريون في موقف لا يُحسَد عليه ، فبات أبناء القوميات العراقية الاخرى ينظرون إلينا بشماتة ، فرحين بتمزقنا وتناحرنا ، مستهزئين بنا ولسان حالهم يقول أهذه هي ثقافتهم وحضارتهم التي يتباهون بها !

ما هذا التناقض  واللعب بالألفاظ أيها الاستاذ ، فمن جهةٍ تحمّل القادة السياسيين والروحانيين المسؤولية  في  وصول شعبنا الى ما وصل إليه من الكراهية المتبادلة والتزمّت القاتل في المواقف و و و ثمّ تعود وتقول أليس الأجدر بنا أن نسعى الى دعم قادتنا من السياسيين ورجال ديننا بم يحقّق أهدافنا القومية المنشودة ، كيف يمكن التوفيق بين الموقفين المناقضين ؟ ثمّ تختم مقالتك بعبارات تستحق الشكر عليها فهي الحقيقة بعينها { تُقاس الامم بثقافة أبنائها ، وإذا تخلّفت كان السبب ،  في وقوعها ضحية قادتها ورؤسائها المستبدين ! }

الشماس كوركيس مردو
في 10 / 10 / 2005

311
                            ( الى كل من يعترف بالآشورية اليوم )


        كانت آشور في التاريخ حقيقةً منذ أن استقرّ وضعها المتزعزع عام 911 ق.م وحتى افول نَجمِها الأبدي في العقد الأخير من القرن السابع قبل الميلاد ، حيث تمّ القضاء عليها القضاء المُبرم كياناً وشعباً من قبل الكلدان ، وحُذف اسمها من قائمة الوجود البشري ، وقد أكّد هذه الحقيقة المؤرخون العالميون ومنهم على سبيل المثال لا الحصر سيمو باربولا وسِدني سمِث ولا اريد سرد أقوالهم بهذا الشأن  فالمطّلع على مقالاتي من على موقع عنكاوا المتضمنة لتلك التأكيدات لا بدّ أن يتذكّرها ، كما أن هذه الحقيقة مؤكّدة كتابياً في سفر النبي نحوم الألقوشي في الفصلين الثاني والثالث ، ففي الفصل الثاني يتحدّث عن < خراب نينوى > - الهجوم – و – حكم على اسد أشور – وفي الفصل الثالث < حكم على نينوى الزانية > ( ويلٌ لمدينَةِ الدِماء الممتلئةِ بأسرها كَذِباً وخَطفاً والتي لا تُفارقٌها الفرائس ! هُوَذا صوتُ السّياط وصوتُ اهتزاز الدواليب والخَيلِ العاديةِ والمَركباتِ الواثبة وهُجوم الفارس ولَهيبُ السّيف وبَريقُ الرُمحِ وكَثرَةُ القتلى وتَراكُمُ الجُثَث ولا نهايةَ للجِيَف وهُم يَعثُرون بجِيفهِم . لِكَثرة زِنى الزانية الفاتِنَةِ الجمال صاحِبَةِ السِحر التي تبيع الاممَ بزِناها والعشائرَ بسِحرها . هاءَنذا إليكِ، يقول ربّ القُوّات فأرفع ذيولَ ثَوبِكِ على وَجهِكِ واُري الاممّ عَورَتَكِ والممالِكَ هَوانَكِ . وأقذِفُكِ بالأقذار وأفضحُكِ وأجعلُكِ عِبرةً فكل من يراكِ يُعرِضُ عنكِ ويقول : قد دُمّرَت نينوى فمَن يَرثي لها ومِن أينَ أطلُبُ لكِ مُعزّين ؟ العدد 1 – 7 ) < نَدْب > ( لقد نَعَسَ رُعاتُكَ ، يا مَلِكَ أشور ورَقَدَ عُظَماؤكَ وتشتّتَ شَعبُكَ على الجِبال وليس مَن يجمعُهم ، ما مِن جَبرٍ لإنكِساركَ وجُرحُكِ لا يُشفى مِنه . كُلّ مَن يَسمَعُ بخَبَرِكَ يُصفّقُ عليكَ بالكفّين لأنّه مَن الذي لم يَمُرّ عليهِ شَرّكَ كُلّ حين ؟ 18 – 19 ) فهل هنالك شكٌ مِن أن الآشوريين قد زالوا من الوجود ؟ أليس إذاً النائحون على الآشورية قد أصابهم الجنون ؟

 
لقد سرت عدوى هذا الجنون الى حفنةٍ من أبناء الكلدان ، اولئك الذين من المفروض أن يعالجوا الوباء الذي أصاب إخوتهم ويُحاولوا معهم استعادة رشدهم ، ولكن للأسف وبسبب فُقر مناعتهم القومية ، فقد استسلموا له  واستحكم فيهم بدرجةٍ أقسى ، ولذلك أطلقنا عليهم لقب ( المتأشورين ) لإصابتهم بجنون التأشور ، فراحوا يُعربدون وبالويل والثبور ينادون ، يا أيها الكلدان ، إن لم تتأشورا وتحذوا حذونا فإننا سنحاربكم ونُنكر قوميتكم ، ثمّ نؤلّب الشعب الكلداني ضدّكم ، مستخدمين كلّ مهارتنا في الدعاية الرخيصة التي تُعتبر سيدة الموقف في كل زمان ومكان ولا يهمّنا إذا حدث الطوفان !


يا أبناء امة الكلدان ، يا أعرق امة ظهرت على أديم بلاد ما بين النهرين وآخر امة أصيلة سادت عليها بعد أن إندرست كلّ سابقاتها وانصهرت بقايا شعوب تلك الامم في مجتمعها ، ومنها بقايا الشعب الآشوري إذا آمنّا خلافاً لمعطيات التاريخ بنجاتها من طائلة الإبادة ، إن ما يقوم به إخوتكم منتحلو الآشورية التي باتت اسطورة خرافية منذ زمن سحيق ، من تضليل وتزييف وتشويه لتاريخ امتكم وابتزاز لكل مآثرها ومنجزاتها العلمية والثقافية لا يُجديهم نفعاً ، حيث لا يقدّم ولا يُؤخر بالنسبة للواقع الموضوعي وفي هذا العصر الحديث الذي طغت فيه المعلومات والتكنلوجيا المتطوّرة على كل ما جاء بما يُسمّى < بالتراث > دينياً كان أم تاريخياً عن حقباتٍ عفا عليها الزمن لا فائدة فيها لإنسان هذا اليوم بالإضافة الى الكرّ والفرّ في ترديدها المُطوّل يدعو الى السأم والمَلل.


ألا تعجبوا أيها الكلدان من هول التجنّي الوقح الذي يروّجُه إخوتكم أحفاد كلدان الجبال أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية بأنكم آشوريون كاثوليك ! إقرأوا التاريخ الكنسي من بداية تأسيس كنيسة المشرق من قبل أبنائها الكلدان حتى انقسامها الآخير في منتصف القرن السادس عشر ، فلن تجدوا اسماً واحداً من أسماء جثالقتها ( بطاركة لاحقاً ) أو مطارنتها أو رؤساء أديرتها يُستدَلُ منه على أنه آشوري ! والسبب بسيط جداً هو عدم وجود آشوريين بسبب انقراضهم قبل ظهور المسيحية بما يزيد عن ستة قرون .


ولكي لا اُطيل عليكم يا إخوتي الكلدان النجباء الأصلاء أدعوكم لقراءة  ما كتبه أحد عُتاة دُعاة الآشورية هو سام شليمون بعنوان ( الى كل من لا يعترف بآشوريته ) من التزوير والتحريف والتشويه لتاريخ امتكم الكلدانية ، ونسب كل معالم حضارتها الى جهالة آشوريته المنتحلة
ولم يتورّع في مهاجمة أحد مطارنتها ، أليس جُرماً لا يُغتفر أن يقوم الإنفصاليون عن امتهم الكلدانية بإضافة جريمة اخرى الى جريمة  انفصالهم وانتحالهم لتسمية ميتة وغريبة هي محاولة فرض هذه التسمية المشؤومة على الامة الكلدانية ! ! يا لها من حماقة ويا لها من صفاقة !

الشماس كوركيس مردو
في 8 / 10 / 2005

312
                          بعض المآخذ من الحائر على أقوال نذير حبـــــش الثائــــــــر !!!!


الأخ نذير حبش المحترم

         لقد إطّلعتُ على مقالاتكَ الست المنشورة في موقع عنكاوا المميّز ، حيث أعلنتَ في اولاها ذاتَكَ زعيماً سريانياً ثائراً ، تهزّكَ العاطفة مشوبةً بالحقد الدفين والمكبوت على المؤسسة الكنسية السريانية بشقّيها الكاثوليكية والأرثوذكسية ، وناديتَ بالعار عليهما قبل العار على الآشوريين والكلدان الذين وصمتهم بالغادرين لإخوتهم السريان ، وبالمتقاسمين للغتهم وحضارتهم وجعلوا وجودهم مقترعاً بينهم ، ربّما كان لكّ الحق في الثورة على المؤسسة الدينية السريانية لتقاعسها في الدفاع عن حقوق شعبها ، وكذلك على الآشوريين الذين لم يتآمروا ويغدروا بالسريان فقط بل استهدفوا الكلدان قبلهم ، ولكن الكلدان سرعان ما تداركوا الامر وردّوا تآمرهم الى نحورهم ، بينما السريان كانوا غائبين عن الساحة ، فلا حق لكَ أن تهاجم الكلدان بهذا الصدد ! .


         في مقالتكَ الثانية تعمّدتَ الإبهام حيث لم تُسمّي القانون الذي سنّه السريان الآراميون في بلا د الرافدين ؟
إذا كنتَ تقصد به ( شريعة حمورابي ) فإنك بذلك ترتكب جُرماً تاريخياً ، وتنتحل حضارةً بابلية كلدانية ، لا علاقة للآراميين بها لا من قريب ولا من بعيد ، فلا تجري بعيداً وراء وهمِكَ الخيالي ، فحقيقة من هم سريان العراق معروفة لدى أحفاد الكلدان مؤسسي كنيسة المشرق ، لقد كان آباؤكم وأجدادكم جزءاً من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية حتى ظهور هرطقتي نسطوريوس واوطاخي في القرن الخامس ، حيث تمرّد أسلافكم وكانوا قلّةً ضئيلة على إخوتهم أبناء كنيسة المشرق بسبب انجرارهم وراء البدعة الاوطاخية ( المونوفيزية ) ممّا حدا بإخوتهم  الذين كانوا يُمثّلون الأغلبية الساحقة لآتخاذ قرار تبنّي البدعة النسطورية المناقضة للمونوفيزية كردّ فعل معاكس ، وبذلك انشطرت كنيسة المشرق الى شطرين متناحرين ، دخلا في صراع دموي مرير ، كان النصر فيه حليف النساطرة بزعامة مطرانهم الشهير برصوما مطران نصيبين ، حيث استطاع طرد المونوفيزيين من جميع أنحاء المملكة الفارسية ، ولم يُبق لهم إلا كنيسة تكريت ، فاعتبره المونوفيزيون عدوّهم الأول ووصفوه بألقابٍ بذيئة ووقحة مُثبتة في أرشيف كنيستهم . ومن هذا يتّضح أن السريان العراقيين يعودون باصولهم الى الكلدان أبناء كنيسة المشرق ، ولا يمكن اعتبارهم إلاّ طائفة كنسية منفصلةً عن امتها الكلدانية بشقيّها الأرثوذكسي والكاثوليكي ، هذه هي الحقيقة التاريخية ، وفي ذات الوقت لا اعتراض للكلدان في إصرار السريان على أنهم وبعد مرور كل هذه المدة الطويلة ،قومية لها تاريخ وحضارة ! ما تمنّيتَه تمنّاه الكلدان للذهاب سويةً وبتسمياتنا الثلاث < الكلدانية والسريانية والآشورية > إلا أن العنصريين أدعياء الآشورية ، جُنّ جنونهُم وتآمروا مستخدمين كل أساليب الغش والخداع لتغييب اسمي الكلدان والسريان وإثبات الاسم الآشوري لوحده في الدستور كممثّل لعموم الشعب المسيحي في العراق ، ضاربين بعِرض الحائط حتى التسمية المُرقّعة ( الكلدوأشورية ) التي ابتدعوها ليناوروا بها سياسياً ،وإذ لم تنجح مناورتهم تنصّلوا عنها ، تلك التسمية الهجينة التي لا انتماء لها لا تاريخياً ولا جغرافياً . ولذلك ليس من العدل أن تتهم الكلدان بجُرم ارتكبه غيرهم !


تسألتَ في مقالتكَ الثالثة < إذا لستَ سريانياً فمن تكون ! ؟ >  أيها السرياني العراقي إنكَ سرياني طقسياً وكلداني قومياً ، لأن السريان العراقيين بشقّيهم لا يمتّون الى آراميي سوريا بأية صِلةٍ ، اولئك الذين نبذوا اسمهم الآرامي واستبدلوه بالاسم السرياني الذي أطلقه عليهم اليونانيون الغرباء ،  فلا تنسب سريانيتكم الى الآرامية التي تنكّرَ لها أصحابها ، ثمّ إن المشاهير الذين ذكرتهم هم كلدان أصلاً وعِرقاً ، وإن برديصان ومار أفرام عاشا في زمان ٍ سبق ظهور البدعة المونوفيزية بما يقارب القرن ونصف القرن ، ولا يمكن الإنكار بأن الطائفة السريانية قد أنجبت  بحق
العديد من الادباء والمفكّرين والفلاسفة والأطباء والشعراء والفنانين والمترجمين .


الاستاذ نذير ، المثل الذي ضربتَه ضمن مقالتكَ الرابعة بأن الأذى الذي يمارسه القريب ضد قريبه هو أقسى بكثير من أذى الغريب ، وللأسف فقد حاول الذين يدعون أنفسهم آشوريين تحميل الكلدان والسريان الأذى بكل ما استطاعوا من قوة التزوير والتشهير والمراوغة ، وكما ذكرت آنفاً فقد انتبه الكلدان الى تآمرهم قبل فوات الأوان ، ولكن السريان مع الأسف لم يحركوا ساكناً ، ولذلك اكرّر أن لا تُلقي باللائمة على الكلدان وتُشركهم في جريمة  دعاة الآشورية وأرجو أن تتّضح الصورة أمام الإخوة السريان ،  إن شلّة سعيد سيبو وفاروق كوركيس ، هم بعض أبناء الكلدان المُغرّر بهم من قبل أدعياء الآشورية الجاحدين لأمتهم الكلدانية نُلقبهم بالمتأشورين ، وهم أكثر عداءً للكلدان والسريان من أسيادهم ، وبهم انيطت مهمة نُصرة التسمية المسخ (الكلدوآشورية ) التي نبذها الكلدان نبذ النواة .


لا اريد الدخول في النقاش الدائر بينكَ وبين الباحث عامر فتوحي ، لأن النقاش قد ابتعد عن المنطق الحضاري وتحوّل الى صراع شخصي ، وهو ما لا أستسيغه على الاطلاق ،  ولو قارن أي قاريء محايد ردودكما المتبادلة لتبيّن له أن بينكما عداءاً سابقاً كان ناره خامداً  وفجأةً التهب دون مقدّمات ، ولا أدري أيها الاستتاذ نذير ما الذي أثارك في مقالة عامر فتوحي التي انتقد فيها توجهات فضائية عشتار ، ولماذا تبرّعتَ بالرد سالباً حق السيد جورج منصور الذي من المفروض أن يبادر بالرد أولاً ، ألا يعتبر ذلك تحرّشاً مباشراً منكَ  بالسيد عامر فتوحي الذي  تعتبره سريانياً و قد تنكّر بتقديرك لسريانيته وأردتَ الانتقام منه ؟ ألا تؤمن بحرية الانسان في  اختياراته وقناعاته ؟ . لم أجد في ذخيرة فتوحي التي وصفتها ( بالهائلة بالشتائم) أية إساءةٍ أو تجريح أو شتيمة ، بينما أفرغتَ في حقه كل ما تحويه ذخيرتك المترعة بالشتائم ، إن الانتقاص الذي أسهبتَ فيه بحق عامر فتوحي في ردّك الأخير ، لم ألحظ مثله في موقع عنكاوا منذ سنين أن حدث بين إثنين ، في أي عصر نحن الآن ؟  هل ترى الأمر يستوجب كل هذه التهجمات ؟ واسمح لي أن أصفها بالصبيانية ! من العار أن يصل الحقد بإنسان اليوم الى هذه الدرجة من الغليان ! إني أرى أن تُراجع ضميركَ وتبادر للاعتذار من الاستاذ عامر حنا فتوحي ، وبكل جرأة  لأن الاعتراف بالخطأ  هو فضيلة وليس شيئاً مُهينا ، متذكراً أن المسيح الرب له المجد أوصى في انجيله المقدس أن لا تغرب الشمس على إساءتكم للقريب  ، وأخيراً أسأل الرب القدير أن يُحيي فيك روح المحبة التي وحدها تُزيل الحقد والانتقام من قلوب البشر  .



الشماس كوركيس مردو
في 7 / 10 / 2005

313
                        الهُــــراءُ والكُفــــــرُ   مَنبَعُهما الجَهــــــــــــــــــــــلُ

         لقد قرأت من على صفحات موقع عنكاوا الجميل والمميّز الكثير من التفاهات والأوهام الخيالية التي تراود أذهان بعض أدعياء الاسطورة الآشورية المنتحلة ، ولكنني لم أجد أغرب مما قرأته اليوم من هذيانٍ وكفر وردا على لسان المدعو م. حنا نويا في مواضيعه الأربعة التي لو جُمعت سويّةً لاحتوتها مساحة الصفحة الواحدة والنصف ، عنوان الاولى < الأديان وتأثيرها السلبي على الامة الآشورية > بتاريخ 2 أيلول ، والثانية < قومية حية لشعب ميّت > بتاريخ 6 أيلول ، والثالثة < الكلدان والآشوريون وجهان لعملة واحدة > بتاريخ 8 أيلول ، والرابعة < ضياع اللغة > بتاريخ 12 أيلول 2005 ، وللقراء الاعزاء نورد نتفاً منها مع تعليقنا عليها .


1 – في الموضوع الأول : يُنحي باللائمة على الدين المسيحي وخطأ الآشوريين الكبير في اعتناقه ، ولولاه لكان الشعب الآشوري أقوى شعبٍ في العالم : قبل المسيحية كان هناك شعب آشوري فقط : ولهذا المُغرم بالآشورية المزعومة نقول ، إذا كان الآشوريون القدماء الذين تدّعي انتماءكَ إليهم زوراً وبهتاناً ، قد أبيدوا عن بكرة ابيهم من قبل الكلدان بالتحالف مع الميديين ما بين عامي 612 – 609 ق.م ، كيف عادوا للحياة ثانيةً بعد مرور ستة قرون ليعتنقوا الدين المسيحي ؟ وأين أصبح الكلدان الذين كان لهم الدور الرئيسي في إبادتهم بدليل سيادتهم المطلقة على بلاد ما بين النهرين وبسط سلطانهم على مجمل بلدان الشرق الأوسط ؟ وهل أسّس كنيسة المشرق الآشوريون الموتى أم الكلدان المنتصرون الآحياء الذين واصلوا نشاطهم الحياتي كاملاً رغم سقوط صولجان حكمهم سنة 539 ق.م وخضوعهم لنفوذ الغرباء الذين تعاقبوا على حكم بلادهم ما بين النهرين ؟ إنكم أحفاد كلدان الجبال يا أيها المتنكرون لاصولكم  وانتحالكم اسماً غريباً أنتم أبعد ما تكونون منه. وحتى لو وافقناكم على أوهامكم الخيالية ، واعتبرناكم بقايا الآشوريين ، فلماذا يكون الدين المسيحي شؤماً عليكم ، وبركةً وقوّةً للمليارات من البشر غيركم ؟ لا تفسير لذلك سوى عدم ايمانكم الحقيقي به ، وتعلّقكم بإلاهكم الوثني آشور .


2 – منذ البداية لم يكن للآشوريين قومية بل تسمية موطنية لدولة سُمّيت ( الدولة الآشورية نسبةً الى مدينة آشور عاصمتها الاولى وتيمناً باسم الهها الوثني آشور ، أما جذور مؤسسي دولة آشور القومية، فهي بابلية كلدانية ، كما يؤكّد ذلك المؤرخ الآثوري الروسي قسطنطين ماتييف في كتابه < الآثوريون والمسألة الآثورية > لم يكن للآشوريين لغة بمعنى( لغة ام ) بل استخدموا اللغة الأكدية في باديء الأمر وعندما طغت عليها اللغة الكلدانية ، قرّر الملك سنحاريب جعلها لغة ً رسمية للدولة الآشورية ، الاقليم الآشوري شمال بلاد ما بين النهرين أصبح ملكاً للكلدان بعد اتصارهم وقضائهم على الآشوريين القضاء المبرم ، بأية صلافة ووقاحة تنسب علوم الكلدانيين الى الآشوريين الفارغين من كل علم وثقافة ، إذا استطعت أن تخدع نفسك لن تستطيع خدع التاريخ والآخرين ، أين الآشوريون من علم التقسيم الزمني ؟ الى أي مدى وصل بكم التجني على تاريخ الكلدان ومنجزاتهم العلمية ؟


3 -  بعد كل ما أوردته من تلفيق وتزوير بحق الكلدان ، تأتي لتقول ما يناقض كل هذيانك وكفرك بأن الكلدان وألاشوريين وجهان لعملة واحدة !  وتدعو الكلدان باسلوب مبطّن  ليتخلوا عن قوميتهم الكلدانية النبيلة والعريقة
ليقتدوا بأحفاد كلدان الجبال في انتحال التسمية الآشورية المزيفة ؟ أحتفظ بنصائحك الرجائية لنفسك فلن تستطيع خدع الكلدان بها.


4 – نؤيّد دعوتك بالمحافظة على اللغة الكلدانية التي نسبتموها إلى التسمية الآشورية من دون وجه حق، ولكن لا بأس فهي لغة الكلدان مهما احتال أصحاب أرباب السوابق في سرقة الحضارة الكلدانية بكل أنواعها ،  وفي الآخير لا يصح إلا الصحيح وغداً لناظره قريب !



الشماس كوركيس مردو
في 6 / 10 / 2005

314
                                     نظــــرة رجعيــــــة قد تجاوزهــا الزمــــــــن !


         لقد قرأت موضوعاً من على شاشة عنكاوا.كوم بعنوان < الحذر من تعاليم وممارسات ودراسات الكنائس الغربية > للكاتب العنصري جداً أخيقر يوخنا مرخاي ، يدّعي أن ما حدا به الى كتابته ، ما طرق سمعَه ، بأن هنالك محاولات يجري إعدادُها في الخفاء تهدف الى دمج ما سمّاها بالكنيسة الآشورية مع كنيسة روما ، ويُعبّر بصفة الجمع بأن ما يطمحون إليه هو اكتفاء الكنائس الآشورية باسمهم الآشوري ، طالباً من رجال الدين الابتعاد عن السياسة ، ومن السياسيين عدم القيام بمهام رجال الدين ، في الفقرتين الأخيرتين هو مُحقّ ، أما في قوله < الكنائس الآشورية >  فهو على خطأ مُبين ، إذ ليست هنالك إلا كنيسة نسطورية واحدة وليست آشورية ، انقسمت على ذاتها رغم ضآلة عدد أتباعها في أواخر العقد المنصرم الى قسمين متناحرين ، رأى أحدهما أن يواكب التطور العالمي ، فتحوّلت كنيسته لاعتماد التقويم الميلادي الحديث ، بينما أصرّت كنيسة القسم الثاني المتشبّث بالذهنية المتخلفة اعتماد التقويم القديم .


         من ضمن ما يدعو إليه هذا العنصري المتزمّت هو أن يبقى رجال الكنيسة النسطورية بشقيها مُواظبين على تخلّفهم الحضاري دينياً وتاريخياً ، مُتقوقعين غائبين عما يجري من تقدم علمي لاهوتي لدى رجال الكنائس الغربية وعلى رأسها كنيسة روما الجامعة العِملاقة ، مُبدياً خِشيته من أن يتحوّلوا من رُسُل آشوريين بحسب تعبيره الى آشوريين يهوذيين( نسبةً الى يهوذا) تُرى، ألا يشير هذا الى مُنتهى عدم الثقة بالنفس ، وخوف هذا الداعية الرجعي وأمثاله إن وُجدوا ، من اكتشاف رجال كنيستهم العزلة الخانقة الواقعين فيها لمدى قرون طويلة
بعيدين عما وصل إليه العالم المسيحي من التطوّر والتقدم في ميدان العلوم الدينية والاجتماعية ؟ ما أشدّه من تخوّفٍ عنصري مقيت ودعوةٍ الى البقاء في ظلام الجهل وعدم السعي الى الاستنارة بنور العلم والمعرفة ، بدافع الخوف لئلا تُخترق صفوفهم ، ولماذا الخوف من هذا الاختراق المزعوم ، إذا كانت الكنيسة النسطورية لم تخرج عن نصوص الكتاب المقدس كما تدّعي ؟ ألا يعني هذا أن صفوفكم واهية البناء؟

ثمّ ما هي قيمة تلك الكنيسة إذا كانت مسلوبة الارادة تتحكّم فيها أهواء شُلةٍ من العنصريين من أتباعها ، إذا كانت تخشى تهديدادتهم ، إذا كانت تخاف على حياة رجالها من انتقامهم ، إذا لا تستطيع اتخاذ قراراتها الدينية والكنسية كما تراها في صالح أتباعها بحريّة تامة ؟ وفي أحسن الآحوال يُعزل رئيسسها ومؤيّدوه ، ويُنصب بدلهم آخرون مُسيّرون ؟


         ما أشد كفر الذين يعزون الاسم الآشوري الغريب إلى الكنيسة ، الاسم المنتحل من قبل مجموعة انفصالية من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية ، الذي لا علاقة له بالكنيسة لا من قريب ولا من بعيد ، لأن أصحاب هذا الاسم كانوا في خبر كان قبل تأسيس كنيسة المشرق بنحو ستمائة عام ، فكيف يمكن إعزاء وجود لمُنعَدِم الوجود ؟ أليس جُرماً أن يشوّه اسم الكنيسة باسم الاله الوثني ( آشور ) ؟ إن كافة المؤرخين يؤكّدون بأن كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ كانت جزءاً من الكنيسة الرومانية الكاثوليكية الجامعة لِما يقرب  من الخمسة قرون وبظهور الهرطقتين النسطورية والاوطاخية (المونوفيزية ) انشطرت الى شطرين ، تبنّى الشطر الأكبر المذهب النسطوري وسُمّيت كنيسته ( الكنيسة النسطورية ) أما الشطر الأصغر فسُمّيت كنيسته ( الكنيسة المونوفيزية ) وتعدّدت أسماؤها كثيراً حتى انتهت الى الأرثوذكسية حالياً ، وفي منتصف القرن السادس عشر حدث انقسام آخر بين أبناء الكنيسة النسطورية الكلدانية ، الغالبية العظمى منهم ، استعادوا مذهب آبائهم الكاثوليكي الأصيل ، وسمّوا كنيستهم باسمهم القومي ( الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية ) والأقلية منهم أصرّت على البقاء في المذهب النسطوري ودعوا كنيستهم ( الكنيسة النسطورية )  فكيف يمكن قلب حقائق التاريخ بهذه السهولة ؟ أليست تلك مهزلة ما بعدها مهزلة !


        ولنفرض جدلاً أن روما قد أخطأت في الامس البعيد ، هل هي اليوم مسؤولة عن جريرة ما حصل وعلينا الثأر منها ؟ هل من الواجب عليك أيها الاستاذ أخيقر أن تنظر الى الامور بمثل هذا المنظار القديم ، ألم يكن الأولى أن تستعيض عنه بمنظار اليوم لتترأى أمامك من خلاله المقاييس الجديدة التي يتعامل بها عالم اليوم المتحضّر ، أليس الأجدر بك التسليم بالحقيقة القائلة بأن لكل زمان رجاله ، وأن بالامكان ايجاد حلّ لكل مشكلة مهما كانت مستعصية إذا تم بذل الجهود المخلصة من قبل ذوي العقول النيّرة وأصحاب الآراء السديدة والرؤى البعيدة المدى في استيضاح الحقائق من الواقع القائم الذي لا يجوز القفز من فوقه ، نحن اليوم في سباق السير الحثيث للمجتمعات المتمدّنة ، وعليك تصويب نظرتك الى الأمام وليس الى الوراء . إن قضايا الشعوب يُنادى بها اليوم بصوتٍ جهوري وليس بهمسٍ بائس ، يُناضل من أجلها من خبروا الحياة بعِراكهم معها وبرعوا في استخدام الفن الممكن للوصول الى الهدف المنشود بعيداً عن التشنّج والتهديد والوعيد والشك المُفتعل بدون طائل. لو أن شعبنا صمّم بصدقٍ ومحبّةٍ على لمّ شمله شعبياً وكنسياً ، سنجد روما وسيطاً مخلصاً لمباركة ذلك ، أما إذا كان رائدنا التقوقع والبقاء على ما نحن عليه من شقاق وتناحر ، فليس بوسع أحد توحيدنا، لا ذنبَ لنا فيما حدث في الماضي ، الواجب يقضي علينا عدم الالتفات الى الماضي وسلبياته( لا كانو ولا كنا) ، علينا أن نُرتّب امورنا اعتماداً على حساباتنا الحاضرة والقادمة ، إذا كنّا شجعاناً حقاً يتحتّم علينا نسيان كل ما يشدّنا بالماضي وأن لا ينتابنا الأسى عليه وعلى نكباته .


أخياً أيها الاستاذ أخيقر ، ليس بخافٍ على أحد بأن شعبنا اليوم يحمل أكثر من هويّة قومية واحدة منذ ما يزيد عن الخمسمائة عام ، بسبب الانشقاق الكنسي الأخير  ذي الانعكاس السلبي ، واليوم نحن أمام مهمّة  بالغة الصعوبة تتطلب منا جهوداً مُضنية غير اعتيادية لرأب الصدع وإصلاح ذات البين ، ليتسنّى لنا ردم هوّة الخلاف المزمن ، وعلى كل الغيارى من أبناء شعبنا أن يتجشموا العناء لايجاد الحل الناجع في علاج هذه الظاهرة المريرة في واقعنا ، لا أن يقوم واحدنا الى تصويب منظاره على أحداث الماضي لتضخيمها أمام أبناء شعبنا البسطاء ويؤلّبهم على معاداة الكنيسة ورجالها .



الشماس كوركيس مردو
في 4 / 10 / 2005

315
               ( العِناد العُنصري الأهوَج لطرَفٍ تزمّتي من أبناء شعبنا )
                               أجهض وليدَنا الوحدَوي
!
سياسة الالغاء

مارس النظام الديكتاتوري السابق في العراق سياسة إلغاء مكوّنات الشعب العراقي من قوميات لها سِمات خاصة ومميّزة تاريخياً ولغوياً وثقافياً واختزلها في قوميتين هما العرب  و الأكراد ، وقد إغتبط الشعب العراقي بكل أطيافه فرحاً بزوال هذا النظام الموغل في العنصرية والأنانية والتخلّف والانغلاق والكراهية ، هذه العوامل التي تُهين إنسانية وكرامة الانسان في كل زمان ومكان ، هذا الانسان الذي جعل منه الخالق دون غيره ظِلاً له في الارض حيث خلقه كما يقول الكتاب المقدس على شُبهه ومثاله ليتحلّى بصفاته ويسعى الى تطبيق وصاياه وتعاليمه التي أوصلها إليه أنبياؤه ورُسُله ، ولكن ما نراه اليوم وللأسف أن هذا الانسان يُعامل من قبل أخيه الانسان بوقاحة مليئة بالحقد والحسد والكراهية نتيجةً لِما فيه من الآنانية .
تسابقت قوميات الشعب العراقي المتعدّدة العربية والكردية والكلدانية والتركمانية والآشورية والسريانية والمِندائية واليزيدية والأرمنية والشَبَك ، كلّ منها لأخذ دورها في بناء وطنها المشترَك العراق الجديد حراً ديمقراطياً تعدّدياً تسود العدالة والمساواة بين كل مكوّنات شعبه دون تمييز و بغض النظر عن انتمآت أبنائها القومية والدينية والمذهبية ، ولكن الذي أثار الفوضى في ساحة الشعب المسيحي ظهور الديكتاتورية لدي إحدى أصغر قومياته هي القومية الآشورية المُنتحلة من قبل أحفاد جماعةٍ من الكلدان النساطرة الذين انفصلوا عن إخوتهم أبناء كنيسة المشرق في منتصف القرن السادس عشر ، وكان أتباع هذه القومية الأكثر تهميشاً وإلغاءً من قبل النظام السابق ، ويظهر أنهم كانوا الأبرع في الاستفادة من نهجه وتطبيق اسلوبه في تهميش بل إلغاء القومية الكلدانية التي يزيد عددأبنائها عليهم بعشرة أضعاف متنكّرين لتاريخها الحضاري العريق وثقافتها المميّزة ، سالكين بذلك أردأ السُبُل  الخالية من أقل قدرٍ من النزاهة ، وحيث إنها من الكثرة بحيث لايسعنا المجال هنا للإشارة إليها بالكامل نكتفي بعرض غيضٍ من فيضها .

1 – بالنظر لعدم اعتراف الأنظمة العراقية ومنذ قيام الحكم الوطني في العراق عام 1921 م وبخاصةٍ النظام البعثي 
الديكتاتوري بالطائفة الآثورية واعتبرت أبناءها مهاجرين قدموا من ايران وتركيا عبر الممرات الجبلية واستقرّوا في بعض المناطق الجبلية العراقية ، ولكن الحقيقة لم تكن كذلك ، لأن هؤلاء لم يكونوا ايرانيين أو أتراك بل كان آباؤهم واجداهم كلداناً عراقيين هاجروا بسبب الاضطهادات القاسية التي تعرّضوا لها من قبل الأقوام التي غزت العراق بدءاً بالغزو العربي الاسلامي  ثم المغولي فالعثماني ، وعندما انحسرت الاضطهادات وساد نوع من الهدوء عادوا الى وطن آبائهم وأجدادهم العراق ، إن الموقف غير العادل من قبل النظام تجاههم ، دعاهم الى مقاومته  ساعدهم في ذلك موقعهم الجغرافي وتعاونهم مع الشعب الكردي الذي حمل السلاح ضد النظام مطالباً بحقوقه المسلوبة ، وبدأوا منذ نهاية السبعينات من القرن المنصرم بتأسيس أول حزب سياسي أطلقوا عليه ( الحركة الديمقراطية الآشورية ) أما الكلدان الذين تقطن غالبيتهم في المدن الكبرى ( بغداد ، موصل ، بصرة وكركوك )
والعديد من قرى سهل نينوى الفسيح ، لم يكونوا مضطرّين لزجّ أبنائهم وتعريضهم لانتقام السلطة الغاشمة ، لا سيما أنهم لم يشعروا بعِداء السلطة لهم بقدر معاداتها لإخوانهم الآثوريين ، ولا أن موقعهم الجغرافي يساعدهم على مقارعة السلطة بالسلاح ، مع كامل علمهم بعدم تكافؤ قوّتهم بشكل كبير مع قوّة السلطة ، فسايروا النظام بحكمةٍ وروّية ، منتظرين الوقت المناسب للنزول الى ساحة النضال السياسية ، وعندما حلّ الوقت المناسب يوم أقتلع النظام الجائر ، انبرى الكلدان الى الساحة وبادروا الى تشكيل الآحزاب والمنظمات السياسية لتساهم ببناء وطنهم بالتعاون مع أحزاب بقية إخوتهم من قوميات الشعب العراقي الاخرى ، وهنا ثارت ثائرة إخوانهم الآثوريين ، وبدأوا بحملةٍ اعلامية شرسة ضدّهم ، متّهمينهم بلانتهازيين والمتطفّلين وسارقي نضال الآثوريين والكثير الكثير من التهم التي لا أساس لها من الصحة .

2 – بادرت القوى السياسية الكلدانية الفتية من جانبها الى محاورة الأحزاب الآشورية وعلى وجه التحديد ركّزت تحاورها مع الحركة اليمقراطية الآشورية ( زوعا ) التي تُعتبَر الحزب الرائد  بين الآحزاب والمنظمات والتجمعات الآشورية الكثيرة جداً والمتناحرة فيما بينها خفيةً وعلناً والمتّفقة على الموقف الوحيد الواحد فقط هو إنكارها للكلدان شعباً وامةً وقومية ، ورغم كل الجهود المُضنية والآراء البنّاءة والأفكار الواضحة التي طرحتها على بساط البحث ، رفضتها ( زوعا ) الحركة الغائصة في أعمق أعماق بحر العنصرية ، مُصرّةً على أن الكلدان آشوريون قومياً وعليهم إلغاء تسميتهم وتبنّي التسمية الآشورية ، يا لها من مفارقة جنونية خائبة ، الاصل يتخلّى عن جذوره ويلتحق بالفرع المتفرّع منه ! وإلا من المستحيل قيام الوحدة ! وعندما اصطدموا بصلابة الموقف الكلداني عَنّ لهم أن يبتدعوا تسمية مركّبة هي( الكلدوأشورية ) تسمية هجينة لا انتماء لها لا تاريخياً ولا جغرافياً محدّداً، انضوى تحت لوائها بعض دُعاة التأشور الكلدان وقسم من أعضاء زوعا بهدف الاشراف على هذا التنظيم المسمّى < الكلدو أشوري > الذي لا فرق بينه وبين أية منظمة زوعاوية ثقافية أو اجتماعية ، تباينت المواقف من هذه التسمية المرقّعة ، فقد أعلنت الأحزاب والمنظمات الآشورية قاطبةً باستثناء زوعا عن رفضها التام لها منطلقةً من المبدأ المشترك والخائب بينها بأن التسميات الكلدانية والسريانية والآثورية هي تسميات كنسية تتشكّل منها القومية الآشورية طبعاً بحسب فرضيتهم العقيمة ، أما القوى الكلدانية الفاعلة في الساحة السياسية فقد نبذتها نبذ النواة
إذ رأت فيها صورة مشوّهة لتسميات شعبنا التاريخية الجميلة < الكلدانية والسريانية والآشورية > حركة زوعا بعد قيامها بهذه المناورة السياسية تنصلت عنها وطالبت الآخرين بالالتزام بها .

3 – يتسابق دعاة التأشور الكلدان بتقديم الولاء للسلطان الآشوري حيث يتحوّلون الى ملكيين أكثر من الملك إذ يقول أحدهم وأعرفه أديباً قديراً وأكنّ له تقديراً ( بأن كلدانية الكنيسة هي عنوانها الطائفي الذي تعمل المستحيل في الدفاع عنه والمحافظة عليه ، في الوقت الذي نرى بأن لا علاقة بين هذه الكلدانية وكلدانية بابل التاريخية، والمتطلع يعلم علم اليقين بأن كلدانية بابل ترفضها الكنيسة ولا تتشرف بها. وهذا ما هو واضح وجلي فيما ورد بالكتاب المقدس من اللعنات في سفر الأنبياء على بابل وأهلها وعلى الكلدان والكلدانية .) ويورد ما سمّاها نتفاً عما
قاله الانبياء: ولكن الاستاذ سها أو تجاهل ما قاله النبي نحوم الألقوشي : الاصحاح الثالث ا – 7 < حكم على نينوى الزانية > 18 – 19 < نَدب > بخصوص نينوي وملوكها وأهلها ! ثم يسخر من المطران سرهد جمو لتمجيده لمدينة بابل ، وبعد كل هذا التنديد بالكنيسة الكلدانية والكلدان في مقاله الطويل ، يقول أنه يتوخى عدم ذبح قومنا على القبلة وفصل ماهو بابلي – كلداني وما هو آشوري ، بدون أن يكتب كلمةً واحدة عن دور منتحلي الآشورية الاستعلائي التخريبي . وأخيراً لو أن الاستاذ كال حكمه بالعدل  ما بين الكلدان ومدّعي الآشورية فالكلدانية قومية لشعبٍ عريق ذي عِرق واحد لم يستمدّ تسميته من إلاهه (مردوخ ) بينما الآشورية تسمية موطنية لدولة متعددة الآقوام مُستمدة من اسم الاله آشور اله مدينة آشور عاصمتها الاولى فلا يمكن اعتبارها قومية.

ويُناقض متأشور آخر نفسه بإنكاره وجود الكلدان في فجر المسيحية مُستشهداً بكتاب أعمال الرُسُل بأنه في يوم العنصرة(يوم حلول الروح القدس على الرُسُل) لم يذكر الكلدان بين الجموع التي تجمهرت إثرَ سماعها دويّاً كريح عاصفة فملأ جوانب البيت الذي كانوا فيه وظهرت لهم ألسنة كأنها من نار ، قد انقسمت فوقف على كلّ منهم لسان
فامتلأوا جميعاً من الروح القدس ، وأخذوا يتكلمون بلغاتٍ غير لغتهم( أعمال 2 / 2 – 3 ) فدَهشوا وتعجّبوا وقالوا:
( أليس هؤلاء المتكلمون جليليين بأجمعهم ؟ فكيف يسمعهم كلّ منّا بلغة بلده ،  بين فرثيين وميديين وعيلاميين وسكان الجزيرة بين النهرين . . . )( اعمال 2 / 7 – 9 ) تُرى ، ألم يكن الكلدان آ خر شعبٍ نهريني استمرّ وجوده في بلاد النهرين بعد انقراض الشعب الآشوري بستة قرون قبل الميلاد ؟ وهل ذكرهم كتاب أعمال الرُسُل ؟ وإذا كان في عُرف هذا المتأشور بأن الكلدان قد انقرضوا بسقوط بابل بانتصار أبيض لملك الأخمينيين لأنه لم تتخله دماء ، فكيف ينفي انقراض الآشوريين باحتراق نينوى بلهيب النيران ونحر شعبها بحد السيف كما يؤكّده كافة المؤرخين ؟
ثم إن نينوى طالها الدمار الشامل على أيدي الكلدان ، بينما بقيت بابل شامخةً بعد اندثار نينوى قروناً عدّة ، وعندما احتلها الاسكندر المكدوني بانتصاره الباهر على خصمه داريوس الأخميني سنة 331 ق.م لقّبها بعاصمة الشرق ، وكانت قد غطّت بشهرتها كافة أنحاء العالم القديم بضخامة أبوابها النحاسية وروعة جنائنها المعلّقة ناهيك عن علومها وأدَبها وحضارتها وصناعتها ، وأخيراً أود أن أسأل هذا المتأشور الذي تؤلمه الحقائق فيلجأ الى تلفيق الأوهام لعلّهاتخفّف من وطأتها عليه ، مَن الذي أسّس كنيسة المشرق العظيمة ؟ هل أسسها الآشوريون المبادون أم الكلدان الآحياء الذين أبادوا الآشوريين ؟ أليس الحيّ هو صاحب الفعل ؟ فكيف تعزو الفعل الى الميّت ؟ وهذا السؤال اوجّهه لكل جاحدي امتهم الكلدانية النبيلة والعريقة ، وليتهم يستنيرون ويُقرّون بالحقيقة !

4 - يقول هذا المتأشور الفارغ المنوّه عنه أعلاه ضمن مقالته المنشورة في جريدة < نيشا > العدد 33 بعنوان ( في مفهوم القومية ) إن الكلدانيين لا يمتّون بصلةٍ الى الآشوريين ويُشبّه علاقتهم ببعضهم بعلاقة العرب بالأكراد،
وهو ما لا يمكن لكل من له أقل إلمام بالتاريخ قبوله أو حتى التفكير فيه ، فالعرب من الأقوام السامية ولغتهم تُعد من اللغات السامية بينما الأكراد من العنصر الآري وبين لغتهم ولغة العرب اختلاف واضح وغريب ، فإذا كان الامر  كما يدّعي هذا المغالي في تأشوره ، لماذا يتفاخر من ينادون بالاشورية بالحضارة الكلدانية ؟ ، لماذا يتباهون بالعلوم والآداب البابلية ؟ لماذا تبنّوا اللغة الكلدانية ؟ لماذا يجرون حاضراً وراء الكلدان على كونهم آشوريين بحسب فرضيتهم الآشورية العقيمة ؟ هل لم يقرأ أدعياء الآشورية والمتأشورون السائرون في ركابهم ما كتبه داعيتهم المتأشور ؟ وهنالك متأشورون آخرون يتجنّون على القومية الكلدانية وينعتونها بالمذهب وبذلك يكون الشعب الكلداني وَفقَ ادّعائهم السفيه والمتعمّد قد اعتنق مذهبين في آن واحد ، كاثوليكي مذهبه الحقيقي وكلداني المفروض من قبل دعاة الآشورية وأزلامهم الكلدان المتأشورين ، يشنّون هجومهم اللاذع على رؤساء رجال الكنيسة الكلدانية بصلافة خالية من الحياء والخجل ، متّهمينهم بالتدخل بالسياسة وهم أبعد ما يكونون عنها ، ما عدا الحالات الضرورية التي تجبرهم الى توضيح الحق من الباطل ، وقد كان احدهم لطيفاً نوعاً ما حيث استعمل لفظة يُؤسفنا ( يُؤسفنا أن نُشير هنا الى النشاط المحموم الذي يُبديه رؤساء رجال الكنيسة الكلدانية في تمزيق شراع سفينتنا الماخرة عبر عباب ولجج متلاطمة في هذه الأيام، وقد يتجلّى هذا في نشاطهم من خلال الدعوات والندوات والتصريحات . . هلمجرا.) ولكنه لم يوميء حتى ايماءة حول نشاط رؤساء رجال الكنيسة النسطورية الأشد حماوةً والسياسي الصرف ، عندما قام بطريركهم بزيارة الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي طالباً دعمه  باستخدام نفوذه الكبير لدى قادة شيعة العراق لإدراج الاسم الآشوري وحده في الدستور العراقي ممثّلاً لعموم الشعب المسيحي في العراق ، كما أوعز لوكيله في الموصل المطران كيوركيس صليوا ليُوقّع طلباً مشتركاً مع البطريرك النسطوري السائر على التقويم القديم موجّهاً الى رئيس وأعضاء لجنة كتابة الدستور ، طالبا فيه بإدراج اسم الآشوريين وحده في الدستور وإبعاد اسمي الكلدان والسريان ، ماذا يعني هذا يا أخي المتأشور ؟ رجال أية كنيسة هم الأكثر نشاطاً في السياسة؟ وأيّ منهم يتّخذ المواقف السلبية من الالتحام القومي ويبتعد عن نهج العقلنة لخلق مناخ سياسي جيّد للتوحّد .

5 – بعد كل ما سردناه آنفاً ، هل تُلام القوى السياسية الكلدانية التي لم تبخل في بذل كلّ جهودها في تحاورها مع الواجهة الأبرز بين القوى السياسية الآشورية بروح أخوية ونيّةٍ نقية ، ولكنها لم تلقَ آذاناً صاغية بل عِناداً مُخزيا واستعلاءاً فارغاً زادا من تفاقم التباعد والتقوقع ، نعم لا تُلام في توحيد خطابها ورصّ صفوفها وتحصينها وقيامها بإنشاء هيئة عليا لاتحاد قِواها ، ورأت في التحام جهودها مع جهود المؤسسة الكنسية لامتها الكلدانية سبيلاً صائباً لتحقيق طموح أبناء هذه الامة العريقة بالاعتراف بها دستورياً . الكلدان أيها الاخوة من الآشوريين والسريان يعتزّون بانتمآئهم التاريخي الكلداني وبلغة ومآثر آبائهم وأجدادهم لِمَ قبل الميلاد وما بعده ويتجلّى ذلك في مشاعرهم القومية ، ويعلمون جيدا أنكم إخوتهم انفصل آباؤكم عن امتهم الكلدانية عبر حقبات من الزمن الرديء الذي مرّت فيه كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية ، فقد كان آباؤكم جزءاً من أبناء هذه الكنيسة العملاقة ، على أي حال تمّ الانفصال ، وسارت الامور على هذا المنوال ، واعتبر الامر واقعاً ملموساً ووضعاً طبيعياً من غير بأس ،ولا يقبل أي واحد منا أن يكون ذيلاً أو تابعاً للآخر ، فلماذا إذا يًريد مدّعو الآشورية فرض انتماءٍ علينا عَنوةً نحن لا نؤمن به ، وهل استقام يوما عمل اقيم بالقوة والاكراه ؟ إن عِنادكم أيها الاخوة دعاة الآشورية هو السبب في إجهاض وليد الوحدة التي كنا نتمنّى قيامها على أساس العدل والمساواة وليس على أساس إلغاء او تهميش واحدنا الآخر ! .

الشماس كوركيس مردو
في 30 / 9 / 2005

316
( حتى متى يستمرّ النُواحُ على الأطلال )

         في الحقيقة كان القادة العراقيون الجُدُد على قَدرٍ كبير من الديمقراطية بالنسبة لأبناء الشريحة المسيحية الكلدانية الجذور والضئيلة العدد التي تنكّرت لامتها الكلدانية في منتصف القرن السادس عشر وانفصلت عنها بسبب إصرارها على البقاء في المذهب النسطوري متحدّيةً الغالبية العظمى من إخوتها أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية الذين استعادوا المذهب الكاثوليكي مذهب آبائهم وأجدادهم الذي كانوا عليه منذ تأسيس كنيستهم في القرن الاول وحتى القرن الخامس حيث فُرض عليهم المذهب النسطوري وتبنّوه مُرغمين ، بأدراجهم تحت الاسم الآشوري في الدستور نزولاً عند رغبتهم رغم علمهم بأنهم يعودون بجذورهم الى الكلدان .
هذه الشريحة التي يدّعي المتصلّبون من أبنائها بأنهم بقايا الآشوريين القدماء الذين يؤكّد المؤرخون فناءَهم الجماعي كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً ما بين عامي 612 – 609 ق.م على أيدي الكلدان بالتحالف مع الميديين ، حيث يقول البروفيسور سيمو باربولا / جامعة هلسنكي قبل أن يشتري ذمّتَه منتحلو الآشورية ويُغروه بما لم يكن يحلم به لكي يتبنّى ما سُمّيَ بعلم الآشوريات( بعد حربٍ أهلية مطوّلة استطاع البابليون < يعني بهم الكلدان > والميديون المُخضَعون سابقاً لبلاد آشور أن يقهروا ويدمّروا نينوى عاصمة الامبراطورية الآشورية في العهد الآشوري الحديث .
وتلاشت المدينة العظيمة في لهيبٍ من النيران ، ولم تستعد منزلتها السابقة أبداً ، بعد ذلك بثلاث سنوات قام نفس المتمرّدين ثانيةً بتدمير العاصمة الآشورية الغربية < حرّان > ساحقين بذلك آخر خندقٍ للمقاومة لملك بلاد آشور الاخير < آشور اوبلّيط الثاني > هذا الحَدث ختمَ مصير الامبراطورية الآشورية .
وهنا ينتهي عادةً عهد الآشوريين في الكُتب التاريخية ) ويُضيف باربولا ( أولاً : قلّما لَمِس علماء الآشوريات هذه المسألة ، حيث يبدو أن أغلبهم يتّفقون وبدون الإدلاء علناً مع الفكرة القائلة بأن الآشوريين قد ابيدوا عن بكرة أبيهم كما ذكر من قبل < سدني سمث > ( إن زَوالَ الشعب الآشوري سيبقى دائماً ظاهرةً فريدة ومُلفتة للنظر في التاريخ القديم ، ممالك وإمبراطوريات مُماثلة قد توارت حقاً ، ولكن الشعب استمرّ في الوجود . . .
لم يُسلب ويُنهَب أيّ بلدٍ آخر على ما يبدوا بالصورة الكاملة كما حصل لبلاد آشور. ) ثانياً : على خِلاف وفرة المعلومات عن فترة الامبراطورية ، فإن المعلومات عن بلاد آشور والآشوريين فيما بعد عهد الامبراطورية هي ضئيلة ومُبَعثرة ، فالافتقار الكامل  تقريباً للمعلومات عن بلاد آشور ذاتِها يبدو مؤازراً لفكرة الإبادة الجماعية والتي تبدو أيظاً مُعزّزةً بإفادات شهود العَيان القدماء ) هل هنالك معلومات أوضح من هذه التي تؤكّد انقراض الآشوريين واستمرار وجود الكلدان الذين كان لهم الدور الرئيسي في القضاء عليهم ، بدليل سيادتهم المُطلقة على كامل بلاد ما بين النهرين ومُجمل بلدان الشرق الأوسط .
كيف يُمكن إذاً لباربولا الإرتداد  عن أقواله الواضحة وضوح الشمس لو لم يتمّ إغراؤه ليُغيّر رأيه ويتبنّى ما دُعي بعلم الآشوريات ؟
ألم يؤكّد الأب ألبير أبونا في مقالته المنشورة في موقع عنكاوا كوم < البحث عن القومية > انقراض الآشوريين النهائي وتحدّى كلّ المتزمتين من منتحلي الآشورية والمُنجرّين وراءهم من الكلدان المتأشورين إن كان بإمكانهم إثبات العكس علمياً وتاريخياً بعيداً عن الدَجل السياسي والتزوير والمُراوغة !
ألم يقُل المتأشور الكبير جميل روفائيل في كتابه < أضواء على قرار منح الحقوق الثقافية للناطقين بالسريانية > ( أما الآثوريون ، فيما إذا كانوا بقايا الدولة الآشورية أو الآرامية مسألة غير مستقرّة ) وقد علّل ذلك بقوله ( إن التاريخ لم يُغطّ الأحقاب الزمنية القديمة تغطيةً كُلّية ودقيقة ، ولهذا فالعَملية يتخلّلُها الكثير من الحَدس والتَخمين ) فأين هو الآن من هذه الأقوال ؟ ألا يحقّ التساؤل عمّا دفعه الى هذا التبدّل إما الاسم المُرقّع . . وإلا آشوري ؟ ؟ ؟
وبالرغم من موافقة المسؤولين في الدولة العراقية الجديدة على ذكر الآشوريين في الدستور فإن المتزمّتين من  منتحلي الاسم الآشوري والجماعة المُغرّر بها من الكلدان المتأشورين الذين أعلنوا عن تملرّدهم على امتهم الكلدانية جهاراً وبدون خجل ، لا زالوا يوَلوِلون وينوحون ، فمِن قائل الرحمة على الآشوريين وعلى العراق السلام ، مسرحية ذبح قومية ، جنازة اسم الحضارة الآشورية و و و ، إنها بليّة لا تنتهي وقديماً قيل شرّ البلية ما يُضحكُ .
وبليّة هؤلاء الانفصاليين أحفاد كلدان الجبال هي الفرضية الآشورية  العقيمة الاسطورة التي أتقن حبكها المبشّر الأنكليكاني الداهية وليم ويكَرام وأطلقها على آبائهم في منتصف القرن التاسع عشر ، فهاموا بها الى حد الجنون وسرى هذا الجنون الى أحفادهم المعاصرين رغم تبلور الوعي وانجلاء الحقائق التي أُخفيت عن الانظار لتمرير المآرب الخفية والمصالح السياسية .
والأغرب في هذه البليّة أن أحفاد منتحلي البدعة الآشورية يريدون فرضها على أحفاد إخوة آبائهم وأجدادهم الكلدان النساطرة أبناء كنيسة المشرق الذين استعادوا مذهب آبائهم وأجدادهم الكاثوليكي كما أسلفنا ، فهل مِن حماقةٍ تعادل هذه الحماقة التي تتنافى مع كل ثوابت العقل والمنطق والواقع ! .
وإذا أخذنا بمنطق التاريخ الذي يؤكّد عدم انقراض الشعوب في حالة زوال كيانها السياسي ، وإنما يؤول مصيرُ بقاياها الى الامتزاج والاختلاط مع الشعوب الاخرى وعلى الاغلب الشعوب المنتصرة عليها ، ومن المؤكّد وبدون أدنى شك أن بقايا الآشوريين إن وُجدت  فإنها قد امتزجت في الشعب الكلداني المنتصر وأصبحت بتقادم الزمن جزءاً منه لا يتجزّأ ، فهل يُعقل وبعد مرور قرون أن تدّعي تلك البقايا المنصهرة في مجتمع ذلك الشعب بعائديته الى اصولها وعلى أيّ أساس ؟
كما نوّهنا أن كنيسة المشرق تبنّت المذهب النسطوري في القرن الخامس مُرغمةً تحت الضغط السياسي والصراع المذهبي وأصبحت التسمية النسطورية بمثابة تسميةٍ قومية للكنيسة وأتباعها تُطلق على كلّ  مُعتنقٍ لهذا المذهب  بغض النظر عن هويته وانتمائه القومي ، وتذكرُ إحدي وثائق الفاتيكان بأنه عندما أراد نساطرة قبرص العودة الى الكثلكة توّجه  اسقفهم المطران طيماثيؤس وبمعيّيته مطران المارونيين الى روما لإبرام وثيقة الاتحاد الايماني مع الكنيسة الرومانية الجامعة عام 1445 م كان على طيماثيؤس تغيير لقبه النسطوري بلقبٍ آخر تُستدَلّ منه هويّته .
فوقّع الوثيقة على النحو التالي : < أنا طيماثيؤس رئيس أساقفة ترشيش على الكلدان ، ومطران المقيمين منهم في قبرص ، بالأصالة عن ذاتي وباسم كافة الجموع المتواجدة في قبرص ، اعلِنُ واقِرّ وأعِدُ أمام الله السرمدي الآب والابن والروح القدس ، وأمامكَ أيها الأب الاقدس والطوباوي البابا اوجين الرابع وأمام هذا المجمع < الاتيراني > المقدس ، بأنني سأبقى دوماً مطيعاً لكَ ولخلفائكَ وللكنيسة الرومانية المقدسة بإعتبارها الأم ورأس الكنائس كافةً > .
وبناءً الى ذلك أصدر البابا اوجين مرسومه البابوي في السابع من شهر آب لعام1445 م كما يلي ( وطيماثيؤس ذاته ، أعلن بكل احترام ووَرع أمامنا في هذا المجمع الاتيراني المسكوني وفي جَلستِه العامة ، صيغة ايمانه وتعليمه بلغته الكلدانية أولاً ، ثم تُرجمت الى اليونانية ومنها الى الاتينية) .
واستناداً الى هذا الاعلان الوحدوي ، يمنع اوجين الرابع أن يُسمّى أحد الكلدان فيما بعد نسطورياً ، كما يُمنع أن يُسمّى المارونيون هراطقة ، ويتساوى منذ الآن الكلدان والمارونيون بالحقوق والامتيازات الدينية مع الكاثوليك كافةً ). فإذا لم يكن النساطرة بالأصل كلداناً لَما قال مطرانهم ذلك ! وإذا كان منتحلو الآشورية المعاصرون يحاججون بأن التسمية الكلدانية قد اطلقت عام1445 فإن التسمية الآشورية المنتحلة قد أطلقها المبشّرون الأنكلو – سكسون في منتصف القرن التاسع عشر أي بعد أربعة قرون من اعتماد التسمية الكلدانية .
وليعلم هؤلاء النائحون بأن القومية بمفهومها العصري لا تقوم على عوامل الأرض واللغة والتاريخ والعادات  والتقاليد المشتركة  فقط بل هي انتماء حُر ورغبة خاصة تُفرزهما إرادة حُرّة  ، فالكلدان أحرار في اختيار قوميتهم العريقة وليس في الكون قوّة تسلبهم هذا الحق ، لشعبنا المسيحي في العراق تسميات ثلاث وكل منها عزيزة على أصحابها ، فلماذا السعي غير المجدي الى تشويه جمالها بايجاد تسمية واحدة من المستحيل أن يتفق عليها الأطراف الثلاثة .
وهنا يحضرني قول للكاتب والفيلسوف اللبناني المعروف جبران خليل جبران حول التعاون حيث يقول ( إملأوا كؤوس بعضكم بعضاً ، ولكن لا تشربوا من الكأس الواحدة ، شاركوا بخبزكم فيما بينكم ، ولكن لا تأكلوا من الرغيف الواحد ، كونوا فرحين دوماً وليحتفظ كلّ منكم بفرحه ، إذ كما أن للقيثارة عدّة أوتار وكلّ وتر فيها منفصل عن الآخر ، ولكن جميعها تشترك بإخراج نغم واحدٍ ) فما الضير إذا كنا بثلاثة أسماء ونسعى متكاتفين متعاونين بالعمل المشترك لخير المجموع ! وبذلك يحتفظ كلّ منا بخصوصيته اسماً وكياناً .

الشماس كوركيس مردو
في 28/ 9 / 2005

317
                                    فشـــل مســـــرحية  الاحتــــــــــــواء


طوال أكثر من العقود الثلاثة الاخيرة من القرن المنصرم ، أجاز ت الاحزاب والتنظيمات الخاصة بإخوتنا الاثوريين لنفسها وبخاصةٍ الحزب الرئيسي بينها المدعو (زوعا)الاستفراد بالهيمنة على مقدّرات شعبنا الكلداني بكل تسمياته وانتمآته المذهبية ، الكلداني الكاثوليكي والآثوري النسطوري والسرياني بشقّيه الارثوذكسي والكاثوليكي ، وراحت تُطبّل وتُزمّر في مختلف المحافل المحلية والاقليمية والدولية مناديةً بالآشورية التسمية الموطنية لدولة غابرة قامت زمناً ثمّ بادت أبداً هي < الدولة الآشورية المندثرة > كتسميةٍ قومية لشعبنا المسيحي الكلداني ، ملغيةً بذلك قوميته الكلدانية الأصيلة مستخمةً كلّ أساليب التزوير والتشهير ، استطاعوا أن يخدعوا العالَم حيناً ولكنه لم ينطلِ عليه هذا الخِداع ، حيث انجلت أخاديعهم عندما انبرى أبناء الامة الكلدانية النجباء المخلصون بتفنيد أضاليلهم وفضح نواياهم العفنة بشرّها وخبثها .
وما ان انهار النظام البعثي الديكتاتوري حتى عادت الاحزاب القومية الوطنية التي كانت تمارس أنشطتها من خارج حدود العراق لتباشر عملها من داخله ولإرساء دعائم قوية وثابتة يرتكز عليها بناء العراق الجديد الحر الديمقراطي التعدّدي ، وتأسّست أحزاب اخرى حديثة ، ومن جملتها أحزاب كلدانية ، وقد أحدث تأسيس الأحزاب الكلدانية رعباً هائلاً غير مسبوق لدى قيادات وأحزاب منتحلي الآشورية الموغلة في العنصرية ، وأقاموا الدنيا ولم يُقعدوها للنيل
 منها متّهمينها بعدم الشرعية وبتمزيق الامة ولا ندري أية امة يقصدون إذ لم يُعلنوا عن اسمها ، أما الكلدان فلا يعترفون بوجود امةٍ جامعة للشعب المسيحي في العراق سوى الامة الكلدانية التي انفصلت عنها فئتان من أبنائها عبر حقبتين متفاوتتين من الزمن الرديء الذي أحنى بثقله ظَهرَ كنيستها العظيمة ( كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ ) هما الطائفتان الآثورية النسطورية ( الآشورية لاحقاً ) والمونوفيزية ( السريانية لاحقاً ) بفرعيها الارثوذكسي والكاثوليكي ، وقد كان لموقف هؤلاء العنصريين الشوفينيين والموالين لهم من الكلدان المتأشورين المغرّر بهم والمغرورين وقع أليم لدى الكلدان ، وتسألوا بحيرةٍ ، لماذا كلّ هذا العِداء للكلدان ؟ كيف يمكن قيام مثل هذه الحملة الاعلامية الشرسة ضدّهم ؟ ومن المعروف عن الكلدان بأنهم يميلون بطبعهم الى التأنّي ويزنون الامور بميزان الحكمة والتروّي دون الجنوح الى التهوّر ، وهذا ما جعلهم يتفادون الكثير من المصاعب والمتاعب عبر تعايشهم مع الاقوام الاخرى ، ومن هذا المنطلق قرّر قادة أحزابهم الفتية مفاتحة الجهات المعادية بكل صراحة مشوبةٍ بروح ديمقراطية عالية ، فعُقدت بين الطرفين مؤتمرات دارت فيها حوارات مسهبة وطُرحت أفكار وآراء متعدّدة ، ولكن النتيجة للأسف كانت مُخيّبة بسبب تشبّث الطرف الآشوري بالفرضية الآشورية العقيمة القائلة بأن مسيحيي العراق هم آشوريون قومياً ويعتبرون الامر بمثابة حقيقة مطلقة لا تخضع للنقاش ، ويتمادون في القول بأن الكلدانية والسريانية مذهبان كنسيان وليستا قوميتين ! . ردّ الطرف الكلداني بكل هدوء وثقة ، أيها المدّعون بالآشورية التي ليست بقومية بل تسمية موطنية لأقوام تشكّلت منهم دولة سُمّيت بالدولة الآشورية زمنا ثمّ تلاشت  بالقضاء عليها القضاء المبرم من قبل الكلدان بالتحالف مع الميديين ما بين عامي 612 – 609 ق.م تُنكرون أحفاد الكلدان الذين قضوا على الآشوريين الذين تنسبون أنفسكم إليهم زوراً وبهتاناً ، نقول لكم بأنكم إخوتنا وأحفاد كلدان الجبال إخوة آبائنا وأجدادنا  أبناء كنيسة المشرق، ولا علاقة أو رابطة تربطكم باولئك الآشوريين القدماء المبادين ، و ما دام قد وصل الامر بكم الى هذا الحد من التصلّب الصلف بإنكاركم للكلدان شعباً وقومية وامة وتشبثّكم بالسراب الآشوري نحترم مشاعركم ولتكن الآشورية مباركة عليكم واسعوا الى إحيائها بكل قواكم شرط أن لا تتحرّشوا بالكلدان وتتآمرون على إلغائهم أو تهميشهم أو فرض فرضيتكم الآشورية البائسة عليهم ، إلا أنهم لم يرعووا من هذا التحذير ، بل تمادوا في تآمرهم وأستطاعوا إدراج الاسم الآشوري لوحده في استمارة الاحصاء ولكن سرعة تدارك الامر من قبل القيادات السياسية والدينية الكلدانية أفشل هذا التآمر المريب وادرج اسم الكلدان في الاستمارة ، فثارت ثائرتهم وثائرة الكلدان المتأشورين معهم ، وجدّدوا هجومهم الوقح على الكلدان وعلى كلّ ما هو كلداني .
وفي فترة كتابة الدستور حاولت قيادات منتحلي الآشورية السياسية والدينية وبشتى الأساليب الملتوية الخفية والعلنية التأثير على قادة العراق بما فيهم أعضاء لجنة صياغة الدستور لإدراج الاسم الآشوري كممثّل وحيد لمسيحيي العراق محتوياً الكلدان والسريان بكل زخمهم العددي وتفوّقهم العلمي والثقافي والاقتصادي ، ممّا أثار حفيظة القيادات السياسية والدينية الكلدانية ، فبادر الرئيس الديني والقومي الكلداني غبطة البطريرك الجليل مار عمانوئيل الثالث دلي بتوجيه رسالته الشهيرة الى القيادات العليا العراقية مطالباً إياها الاعتراف بالكلدان دستورياً
فكان لرسالته صدى مسموعاً وتم إدراج اسم الكلدان في الدستور ، فأسقط بيد المتآمرين ، وانتهت بذلك مسرحية الاحتواء الى الفشل الذريع.

الشماس  كوركيس مردو

24/9/2005

318
                         ( الانتهازيون لا يتركون عادتهم )

         بدايةً ، بقلبٍ مفعم بالحزن والأسى على استشهاد أبناء شعبنا الأربعة ( دانييل نيسان وشقيقه نينوس وماهر منيب وجوني يوخنا ) بنيران الارهابيين القتلة ، أتقدّم الى ذويهم ومُحبّيهم بأحر التعازي وأرقّ المؤاساة ، سائلاً المولى القدير أن يشملهم برحمته الواسعة ويهبهم مكاناً في ملكوته الخالدة ، ويُلهم فاقديهم الصبر والسُلوان ، إن الدم المسيحي ولا سيما المشرقي لم يتوقّف البُغاة الطغاة ومنذ فجر المسيحية وحتى يومنا هذا من إهداره ، فلتكُن اللهمّ مشيئتُكَ ، ويكفي الشهداء المؤمنين برسالتكَ الخلاصية التمتّع بمجدِكَ الابدي .

         إنتهز المتستّر وراء الاسم المستعار( كِشرا) حادثة استشهاد أبناء شعبنا الأربعة المنوّه عنهم أعلاه ليصُبّ جام حقده على الكلدان ، ويا ليته استطاع التعبير بوضوح عمّا سمّاه < محور القضية وأبناءها > تُرى ما هي هذه القضية ومن هم أبناءها ؟ يقول هذا المتبجّح الذي لا يجرأ الإفصاح عن اسمه الصريح ، موجّهاً اسئلة ( الى كل تجمّع أو حزبٍ يحمل أو يدّعي الاسم الآشوري أو السرياني أو الكلداني ) طبعاً حسب تعبيره :-
مَن لقّنكم درساً في السياسة ؟ أهو الحزب الشيوعي الاممي ؟ أهو حزب البعث ؟ أهي الأحزاب المحلية الاخرى في بقية البلدان ؟ ولا ندري ماذا يعني بذلك ! هل كان على هذه التجمّعات والأحزاب أن تستشير (كِشرا) قبل أن تُقدم على التأسيس ؟ ثمّ يبدأ بالتهجّم على الدكتور حكمت حكيم والشماس كوركيس مردو متهماً الأول بالانهزامية والرجعية ، والثاني بتركه الوظيفة الكنسية وانخراطه في الشؤون السياسية ، وكأن الدكتور حكيم جديد على عالم السياسة ولم يكن مناضلاً عنيداً ضد الديكتاتورية العنصرية سواءً كعضو في الحزب الشيوعي سابقاً  أو كشخص مستقل حالياً ، وهل عندما يدافع الشماس مردو عن امته الكلدانية ويدحض افترآت أعدائها بنُكران وجودها كشعبٍ وامّة وقومية ، يعني تركه لوظيفته الكنسية والانخراط في السياسة ؟ كلا يا كِشرا ! أنا شخص مستقل كلداني القومية كاثوليكي المذهب وبكل فخر واعتزاز ولن أتوانى عن الدفاع عن قوميتي الكلدانية ما دام بي عِرق ينبض !
لماذا تستكثر على الدكتور الحكيم دفاعه عن امته الكلدانية ؟ هل لأنه كان يؤمن بالاممية ؟ إذا كانت هذه حجّتُكَ ، ماذا إذاً عن معظم المتأشورين الكلدان الامميين السابقين الذين قلبوا ظهر المجنّ لامتهم الكلدانية وانخرطوا في حزب زوعا المعادي الاول للامة الكلدانية ؟ إن ما ذكرته عن حزب البعث وفكره الديدتاتوري في إبادة كل من لا يسير على نهجه هو عين الحقيقة ! ولكن أود أن أسألك : هل أن حزب زوعا اختلف عنه فكراً ومنهجاً ؟ إلا اللهمّ سهي عن إضافة لفظة البعث لكي يتناسب مع تطلعاته العنصرية الشوفينية ليُقرأ( حركة البعث الآشوري) ، ثمّ ما هذا التعبير الركيك والمبهم ( ولكن يبقى العالم جميعه < إلا نحن > منتبه الى ذاته وتكوينه والحفاظ على هويته والدفاع عنها وليس نكرانها كما نرى الامر الحاصل بين من برزوا في امتنا على أنهم قياديين أو مثقفين أو مهتمين بتاريخنا واسمنا وهويتنا القومية ) لماذا لم تذكر من انتم ؟ إنكم أنتم أول من تنصّل عن المسؤولية ، تنبيهكم تضليلي ووعظكم تخريبي ، توجّهكم عنصري وخطابكم استعلائي لا يليق بكم لأنكم لستم على قدر المسؤولية من حيث العدد والعلم والثقافة والا قتصاد والتكيّف الاجتماعي ، إنكم منغمسون في مستنقع الوهم القاتل ، وهل قد أصبح الوهم يوماً حقيقة ؟
كفاكَ تشاؤماً يا كِشرا ، لا زال العالم بخير ، الواعظون مرتبطون بمسؤولياتهم الروحية الى جانب إرشاداتهم الحياتية لأبنائهم فلا تُدخلوها في قالب السياسة ، المكتوب في الكتب السماوية باقٍ على مدى الدهر ولن يزول كما قال المسيح المخلص له المجد ( العالم كلّه يزول وكلامي لا يزول ) ، إن امة مسيحيي العراق بكل تسمياتهم ومذاهبهم هي الامة الكلدانية بدون منازع ، وما سواها هو كذب وتزييف ، لقد طبّلتم وزمّرتم ضد الامة الكلدانية بكل ما اوتيتم من قوة التشهير والتزوير لمجريات التاريخ وحقائقه وفي كل المحافل المحلية والدولية ، ولكن هيهات أن تنالوا من عزّتها وعنفوانها ، وها هو الواقع أثبت ذلك .
القرن الواحد والعشرون كان خيراً للامة الكلدانية فقد تنبّهت الى النوايا الشريرة التي كان يُضمرها لها أعداؤها أبناؤها المنفصلون عنها ، فازداد الوعي لدى أبنائها المخلصين وتصدّوا لمحاولات المعادين وأعادوا كيدهم الى نحورهم ، تذكّر يا كِشرا أن أدعياء الآشورية المعاصرين هم أحفاد كلدان الجبال أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية الذين أصرّوا على البقاء في المذهب النسطوري عناداً ونكاية بإخوتهم الكلدان الذين استعادوا مذهبهم الكاثوليكي في منتصف القرن السادس عشر . متى تجنحون الى طريق الصواب وتتخلّون عن إثارة الفوضى والفتن
الاولى بكم أن تغيّروا سياساتكم العنصرية الرعناء والسعي الى نشر التآخي بين أبناء الشعب الواحد ونبذ الكراهية التي أوجدتموها بينهم .

الشماس كوركيس مردو
في 23 / 9 / 2005

319
                               
( واقعية الدكتور حكمت حكيم ومغالطات المتأشورين )

   ممّا قاله الدكتور حكمت حكيم في مقاله التحليلي الواقعي ( ليس بوسع التاريخ أن يلغي الواقع الموضوعي ) < إن التاريخ يكتبه المنتصرون ، وبجانبهم ينزوي اناس آخرون يسطّرون الحقائق التاريخية بشكل حيادي غير منحاز بعيداً عن أعين المتربّصين ، وإذا ما اكتشف أمرهم غالباً ما كانوا يُقتلون أو يُحرقُ ما كانو يكتبون ، ولكن الحقائق التاريخية وفي كل الأحوال كانت تظهر بعد حين ، ويخلُصُ الى القول :-
مهما كانت تلك الحقائق التاريخية حيادية وموضوعية لم يكن بوسعها إلغاء الواقع الموضوعي > إنه منطق صحيح وتحليل واقعي لِما جرى ويجري في كل زمان ومكان !
1 – لم يقل الدكتور حكمت حكيم بأنه غير ملم بالحقائق التاريخية ، ولكن ما قاله أنه ليس بمؤرخ وهنالك فرق بين مطّلع على الحقائق التاريخية وبين مؤرّخ . – يدّعي < مولادا 2002 > ( أن التسمية الآشورية هي التسمية التاريخية التي يعرفنا بها العراقيون والعالم وهي تشمل المذاهب : الكلدانية والسريانية وأتباع الكنيسة المشرقية بشقّيها والمارونية ) ولتفنيد هذا الهذيان  نقول :
أ – لم يذكر الآشورية بعد الكلدانية والسريانية واستعاض عنها بأتباع الكنيسة المشرقية لكي يُبعد عنها المذهبية التي ألصقها بالكلدانية والسريانية والمارونية متعمّداً .
ب- التسمية الآشورية كانت نَكِرةً بالمرة لدى العراقيين مسؤولين وعاديين حيث ان الحكومات العراقية كانت تسمّي مُدّعي الآشورية المعاصرين بالتياريين المهاجرين من ايران ، ولم تعترف بهم بكونهم من العراقيين الأصليين وقد هُجّر منهم الكثيرون الى ايران أيام عملية التهجير التي جرت في بداية الثمانينات من القرن المنصرم .
ج – إذا كانت كل من الكلدانية والسريانية والمارونية تعني مذهباً ، فهل كُلّ من هؤلاء يعتنق مذهبين في آنٍ واحد ؟ حيث يُقال : الكلدان الكاثوليك – السريان الكاثوليك – السريان الارثوذكس – المارونيين الكاثوليك ، هل ليس لأصحاب المذاهب الكاثوليكية والارثوكسية أسماء ؟ تُرى ما هذا الهُراء ؟
هل هنالك جهل بهذا المستوي الذي لا يميّز بين القومية والمذهب ؟ إنه ليس بالجهل وإنما تعمّد مع سبق الإصرار لإنكار حقّ يُراد به باطل !
د – البطريرك المرحوم روفائيل بيداويذ كرّر لفظة آشوري بامتعاض شديد ثلاث مرات < آشورى،آشوري،آشوري ثمّ ماذا؟ إذا كنت أنا آشوري لا يعني أن أبناء كنيستي الكلدانية هم آشوريون ؟ وقد صرّح في مناظرة مع مدير تلفزيون الشرق ليس بغريب أن يكون بطريرك الكنيسة الكلدانية من غير الكلدان قومياً حيث قد سبقني الى سدة البطريركية الكلدانية ( مار يهبالاها الثالث 1283 – 1318 ) وكان مغولياً ، فهل أصبح الكلدان مغوليين لأن بطريركهم مغولي ؟

2 – إذا كان الشعب الآشوري قد تعرّض للإبادة الجماعية عندما قضي على مملكته كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً على أيدي الكلدانيين والميديين ما بين عامي 612 – 609 ق.م باعتراف كافة المؤرخين ومنهم على سبيل المثال لا الحصر المؤرخ < سدني سمث > كيف تسنّى لهذا الشعب المباد العودة الى الحياة لكي يدّعي  منتحلو الآشورية المعاصرون بأن أبناء كنيسة المشرق الكلدانية الاصل والمنشأ هم آشوريون ، أليس الانشقاق المتأخر الذي وقع بين أبناء كنيسة المشرق الكلدانية النسطورية في منتصف القرن السادس عشر كان بداية لظهور التسمية الآشورية في أواسط القرن التاسع عشر أطلقها المبشرون الأنكليكان على الشطر الضئيل العدد الذي أصرّ  على البقاء في المذهب النسطوري نكايةً منهم بالشطر الكلداني الذي استعاد المذهب الكاثوليكي مذهب آبائه وأجداده الذي كانوا عليه قبل أن يُفرض عليهم المذهب النسطوري ؟ الى متى يستمر أحفاد كلدان الجبال السير في ضلال اسلافهم والتنكّر لقوميتهم الكلدانية الأصيلة متشبثين بالتسمية الآشورية الغريبة التي أبرع في حبك روايتها الدهاة الانكليز؟

3 – إن مأساة سمّيل كانت من تدبير الانكليز الذين حرّضوا حكومة العهد الملكي البائد بأن التياريين يطالبون بالانفصال وتأسيس كيان مستقل ، وهي إحدى الدسائس التي تعتمدها السياسات الانكليزية وفق مبدأ( فرّق تَسُد) ، ولكن الكلدان وقفوا بصلابةٍ الى جانب إخوتهم الآثوريين بشخص بطريركهم العظيم آنذاك مار عمنوئيل الثاني توما وأبناء بلدتهم العظيمة القوش ، إلا أن الاخوة لم يتخلوا عن عادتهم في نُكران الجميل .
إن أصدق كلام كان ما قاله سيادة المطران سرهد جمو بأن الكلدان لم يكونوا مضطرين لتقديم الشهداء في عهد صدام والعهود السابقة ويأتي عن الحكمة والرؤية المستقبلية التي يتمتّع بها الكلدان حيث يتأنون في اتخاذ مواقفهم ويتحينون الوقت المناسب لذلك .
التسمية القومية لا تعتمد النسبة السكانية أو القوة الاقتصادية أو الكنسية أو كثرة الكفآت وإنما هذه العوامل تعتبر دليلاً ملموساً لامّة تملك مقوّمات القومية وهي اللغة والموطن والتاريخ وكلها متوفرة في الامة الكلدانية ذات العِرق الواحد ، بعكس التسمية الآشورية التي لم تكن أكثر من تسمية موطنية لدولة ذات أقوام متعدّدة هي الدولة الآشورية القديمة قامت زمناً ثم بادت أبداً وكان مثلها كمثل الدولة العراقية المعاصرة فهل يمكن أن تُعتبر التسمية العراقية تسمية قومية ؟ وهكذا لا يمكن اعتبار الآشورية تسمية قومية ، ولكن ما دام من يطالب بذلك فلا حرج للكلدان من ذلك شرط عدم التجنّي على الامة الكلدانية بالتلفيق والتزوير .

4 – يقول من يكتب تحت اسم مستعار( كِشرا) وهو لا زال يعيش في أوهام الخيال بأن الثلوج ستذوب وستظهر المروج ، ولا يعلم أن الثلوج قد ذابت والمروج الكلدانية قد ظهرت وزهت ، وأن اسم الكلدان الذي سطّره التاريخ منذ آلاف السنين قد حافظ على تاريخه وقوته وليس بإمكان المعادين أن ينالوا من شممه ، تهجّمكَ على الدكتور حكمت حكيم هو سلاح العاجزين ، واتهامك لرمزنا الديني الكلداني الكبير هو تجاوز غير مبرّر ، وإذا كان عدم التجاوز بعرفكَ ايديولوجية سابقة فبالنسبة إلينا نحن الكلدان هي حديثة ولا نعتبرها سياسة كما تدّعي بل إرشاد وتوعية ، ثم لماذا لُذتَ أنت وأمثالك بالصمت حيال تدخّل الرموز الدينية النسطورية خفيةً وعلناً للانفراد بالاسم الآشوري لوحده في الدستور دون اسمائنا الجميلة الاخرى ؟
الدكتور الحكيم يعلم حقائق التاريخ ولكنه ليس مؤرخاً كما قال ، فهو قانوني محنّك وسياسي مخضرم وهو الذي يعلم جيداً بأن الكلدانية هي القومية الحقيقية لشعبنا بكل انتمآته وتسمياته وليست الآشورية التسمية الموطنية لدولة غابرة هي الدولة الآشورية ظهرت قديماً وبادت للابد ، وهيهات لمنتحلي اسمها من تحقيق أحلامهم الوهمية ولا يمكن للوهم أن يتحوّل الى الحقيقة يوماً .
ليس التعبير عن واقع شعبنا الموضوعي انتهاكاً لوحدته ، بل هو انتصار لها ، أما المنادون بالوحدانية الآشورية فهم مضلّلون ، جماعة من من الكلدان الذين تم إغراؤهم فتنكّروا لقوميتهم ، وهم قلّة عديمة التاثير فما دامت لم تنفع لقوميتها الحقيقية لا يمكن أن تستفيد منها القومية الوهمية ! كتاب هرمز أبونا يمثّل انعكاساً انتقامياً من الكلدان الذين سحبوا البساط من أقدام اسلافه بطاركة عشيرته( آل أبونا ) المستبدّين في منتصف القرن السادس عشر ، وقد أصدره بتمويل من مؤسسات منتحلي الآشورية ، وأدخل في طيّاته ما استطاع من تزوير وتحريف إقرأ ما كتبه عنه السيد حبيب تومي بعنوان : قراءة نقدية في كتاب هرمز م. أبونا صفحات مطوية من تاريخ الكنيسة الكلدانية(1) الحلقة الاولى وستليها الثانية ، وساحاول أن أقرأه لأفنّد كل مغالطاته .

5 – الزوعاوي شمائيل دانيال ، يتهم السيد حكمت حكيم باختراع اتهام من مخيّلته ضد زوعا ، وهو الذي كان يراقب تحركات زوعا عن كثب بحكم موقعه في الدولة العراقية واتماسه المباشر مع السيد نوري بطرس العضو الكلداني في لجنة صياغة الدستور ، وهو الناطق باسم الهيئة العليا لاتحاد القوي الكلدانية ، حيث قال بأن زوعا كانت مطالبتها تتأرجح بين التسمية المركبة(كلدوأشور) تارةً ، وتارةً اخرى بتثبيت الآشورية في الدستور وهو عين ما فعلت زوعا ، وكما يقول المثل لا ينضح الاناء إلا بما فيه، فمن شيمتهم الاتهام يتهمون الآخرين به .
الكل يعرف ان في خطاب الحزب الشيوعي قواعد ترفض كل ما هو قومي يستثنى من ذلك بعض المواقف الشخصية كالمناضل توما توماس فلماذا لا يكون المناضل حكمت حكيم موقفه مشابهاً ، أليس معظم المتأشورين الكلدان المنحازين الى زوعا كانوا ماركسيين وأعضاء في الحزب الشيوعي ؟
فكيف أصبحوا قوميين بانتمائهم الى زوعا ؟ إذا كان ممثل زوعا قد حصل على مقعد في البرلمان بفضل أصوات الكلدان هل يخوّله هذا الفوز بترسيخ مبدأ الحزب الواحد ؟ وهل يعطيه الحق في تهميش الكلدان وإبراز اسم الآشوريين وحيداً في الساحة ؟ ما هذا المنطق اللامعقول المنافي لواقع شعبنا ؟ كيف يمكن لفئة ضئيلة من أبناء شعبنا الاستفراد بشؤون الكثرة من أبنائه وهي دونها في كافة المجالات ديمغرافياً وعلمياً واقتصادياً وثقافياً وتكيّفاً اجتماعياً ، هل هذه معادلة منصفة ؟
أليس من حق السيد حكيم الناطق باسم الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية أن يطالب قيادات وكوادر الاحزاب والتنظيمات الآشورية لإعادة النظر في سياساتها العنصرية وتغيير نظرتها بالنسبة الى الكلدان ، وسيكون ذلك في صالحها أكثر منه في صالح الكلدان ، لأن الكلدان باستطاعتهم المضي قدماً لوحدهم إذا تعذّر تعاون الآشوريين معهم ، بينما يتعثّر الآشوريون بمسيرتهم في معزل عن الكلدان ، فالكرة الآن في مرماهم ! .

الشماس كوركيس مردو
في 17 / 9 / 2005 [/size]

320
                                  ( هل هنالك إمكانية ايجابية لوحدة شعبنا الإندماجية ؟ )

نبذة تاريخية

         من المعروف تاريخياً أن الديانة المسيحية دخلت الى بلاد ما بين النهرين بواسطة المبشرّين القادمين من الديار الفلسطينية ، عن
طريق مدينة الرها(اوديسا) في الشمال الواقعة حالياً في تركيا ولكنها لم تنتشر من هناك ، بل انتشرت وتوسّعت من وسط العراق القديم
(بلاد ما بين النهرين) وكانت غالبية سكانه من الكلدان آخر قوم أصيل من الأقوام الوطنية العريقة التي تعاقبت على حكمه حتى عام539
قبل الميلاد ، رضخوا بعد ذلك لحكم الأغراب من المحتلين بدءاًً بالأخمينيين والمكدونيين ثم الفرثيين الذين على عهدهم دخل ناشرو بشرى
الخلاص الانجيلية ، فتلقّى البشارة الشعب الكلداني بشوق ولهفةٍ نادرين أدخلت الحيرة والبهجة معاً الى قلوب المبشّرين ، وعند تأسيسهم
للكنيسة طلبوا من مبشّريهم تسميتها < كنيسة المشرق > إذ لم يشأوا أن تسمّى باسمهم القومي الكلداني باديء الامر لاعتقادهم بأنه
يرمز الى الوثنية وبئسَ ما اعتقدوا حيث لم يفكّروا بما سيجلب على أجيالهم اللاحقة من الانشقاقات فيما بينهم يؤدي الى صراع الاسماء
كما نعيش واقعه الآن ! . كانت أول كنيسة شُيّدت على عهد مار ماري في كوخي ولا تزال آثارها في الجهة الغربية من نهر دجلة مقابل
سلمان باك الحالية( قطيسفون ) التي اتخذ منها ملوك الفرس الساسانيون عاصمة شتوية لهم وهي قريبة من بابل ، ثبّت مار ماري كرسيَه
فيها ثمّ أصبحت مقراً لكرسي الجثلقة( البطريركية لاحقاً ) من بعده .
       
  منذ تأسيس كنيسة المشرق وإقامة الكرسي الجاثاليقي في المدائن ( كوخي ، ساليق ، قطيسفون ) أخذت بالنمو والتوسّع من شرق
سوريا ، جنوب تركيا ، شمال العراق وبقية أنحائه الاخرى وامتدّ الى ايران ، منطقة الخليج ، الديار الشامية ، الهند ، الصين ، اليابان ،
التبت ، أفغانستان ، تركستان ، وبعض مناطق جورجيا وأرمينيا وروسيا ، وبسبب هذا التوسّع المذهل ، ازدادت أبرشيات الكنيسة الاسقفية
حتى بلغت خلال عدّة قرون الى حوالي 250 أبرشية تنضوي تحت سلطة 23 رئاسة اسقفية  يرأسها الجاثاليق (البطريرك لاحقاً ) من مقرّه
في كنيسة كوخي الكبرى بالقرب من ساليق وقطيسفون ولا تبعد كثيراً عن بابل وبغداد .

كان يتقاسم السيطرة على معظم العالم القديم زمن انبلاج فجر المسيحية النفوذان الكبيران المتمثّلان بالامبراطورية الرومانية في القسم
الغربي ومملكة الفرس الفرثيين في القسم الشرقي ، وكان هنالك أقطار اخرى خارج حدودهما ، وبالنظر لموقع كنيسة المشرق ضمن
حدود المملكة الفارسية تميّزت بخصوصيتها العائدة الى انعزاليتها الإجبارية المفروضة عليها من قبل الدولة الفارسية ، وكان اتصالها
بأخواتها الكنائس الغربية في مدينتي الرها ونصيبين الواقعتين في الشمال والشمال الغربي على الحدود بين الغرب والشرق وبمعنى أدق
بين شرق الفرات وغربه ، ولما كان العداء مستحكما على الآغلب بين الدولتين الغريمتين الرومانية والفارسية ، تضطر كنيسة المشرق
أن تلتزم بقطيعةٍ شبه كاملة مع كنيسة الغرب الرومانية التي كانت تنعم بحرية الدين ولا سيما بعد أن أصبحت الامبراطورية الرومانية
تدين بالمسيحية ، وفتحت لها أي كنيسة الغرب كراسي رئاسية اسقفية في أشهر مدن الامبراطورية : روما ، الاسكندرية ، أنطاكيا ثمّ
القسطنطينية ، فيما بقيت كنيسة المشرق في عزلة مفروضة عن تلك الكنائس الاخرى لوقوعها تحت حكم دولة تدين بالمزدية(زردشتية) هي
في نزاع شبه دائم مع الدولة الرومانية ، وكما كانت الاضطهادات قاسية على كنيسة الغرب ولم تنقطع حتى عام313 م عند تنصّر الملك
قسطنطين الكبير، كذلك كانت الاضطهادات شديدة ضدّ كنيسة المشرق على مدى قرون ثلاثة الثالث والرابع والخامس للميلاد ، والدافع إليها
لم يكن حقد الكهان المجوس على المسيحية ودسائس اليهود ضد المسيحيين فحسب وإنما السبب الاقوى كان سياسياً ، حيث رأى الملوك
الفرس في المسيحية خطراً على حكمهم ، فلدرء هذا الخطر الذي كان يساورهم ، كانوا يبتدعون ذرائع جمّة لإعلان الاضطهادات ضدّ
المسيحيين ، وأقوى هذه الذرائع هو اعتقادهم بمؤالات مسيحيي مملكتهم للرومان المسيحيين ، ولذلك فهم أهل لإلحاق الاذى بهم وحتى
إبادتهم ، ومع كل ذلك ورغم عزلة كنيسة المشرق استطاعت ان تتوسع في رسالتها التبشيرية حتى وصلت الى أبعد المناطق الآسيوية ،
وكانت فترات الصلح التي تسود علاقات الدولتين الرومانية والفارسية مناسبات سعيدة بالنسبة لكنيسة المشرق حيث تجدّد فيها اتصالاتها
بكنيسة الغرب وتوطيد صلاتها بها ، حتى تم الانقطاع الكامل بعد ظهور هرطقتي نسطوريوس واوطاخي في الغرب المسيحي في الجيل الخامس
وبالرغم من بعد كنيسة المشرق عن منبعهما إلا أنها اكتوت بنارهما .

الانشقاق الكنسي

         انشقّت كنيسة المشرق الى قسمين وتخلّى أبناؤها عن مذهب الكنيسة الجامعة( المذهب الكاثوليكي ) حيث تبنّت الغالبية العظمى منهم
المذهب النسطوري ليس ايماناً منها به بل كُرهاً للمذهب الاوطاخي (المونوفيزي ) الذي تبنّته الاقلية من إخوتهم ، وكذلك تحت ضغطٍ سياسي
إرضاءً لملوك الفرس ونيل ثقتهم بأن مذهبهم الآن يناقض مسيحيي الرومان ولن يشكّوا بعد الآن بإخلاصهم ، حدث نزاع مرير بين الفئتين مما
أدّى الى صراع مخيف حاولت كل منهما فرض تعاليم مذهبها وتعميمه على كنائس المملكة الفارسية برمّتها ، تغلغل المونوفيزيون في كثير من 
الكنائس في البداية ، إلا أن الاساقفة الكلدان النساطرة بقيادة برصوما اسقف نصيبين الشهير تصدّوا للمونيفيزيين وأعلنوا عليهم حرباً شعواء
واستطاعوا طردهم من جميع كنائس المملكة الفارسية ولم يُبقوا لهم إلا كنيسة تكريت ، وسمّيت كنيسة المشرق ( الكنيسة النسطورية ) حتى
منتصف القرن السادس عشر عندما حصل انشطار ثانٍ في كنيسة المشرق النسطورية  ، وكان أن عدداً كبيراً من خيرة أبناء الكنيسة وصل
بهم الشعور بالامتعاض والاستياء حدّه الاقصي من السلوك العشائري الاستبدادي للرئاسة الكنسية العليا( البطريركية ) منذ ردح طويل من الزمن
إذ كانوا قد جعلوا المنصب البطريركي ينتقل الى أبناء عشيرتهم وراثياً ملغين التقليد الانتخابي فغدت الرئاسة أقرب الى المدنية منها الى الروحية،
فانتفضوا ضدّها سعياً لانتخاب رئاسة بديلة تصحّح المسار الكنسي وتعيده الى وضعه الطبيعي ، فلم يروا سبيلاً أفضل من العودة الى كنيسة روما ،
واعدين باستعادة مذهب آبائهم وأجدادهم( المذهب الكاثوليكي ) الذي كانوا عليه لمدى خمسة قرون تقريباً قبل أن يُجبَروا على القبول بالمذهب
النسطوري كما أسلفنا ، غيرَ أنّ عدداً ضئيلاً من إخوانهم ولا سيما الساكنين في المنطقة الشمالية الجبلية آثور إحدى مقاطعات بلاد الكلدان
الأصلية الثلاث التي عدّدها المرحوم العلاّمة المطران يعقوب اوجين منا (بابل وآثور والجزيرة) شذّوا عن إجماع الغالبية من إخوانهم وعاندوا
على البقاء في المذهب النسطوري مستمرئين استعباد الرئاسة المستبدّة تحت اسم(الكنيسة النسطورية) وفي أواسط القرن التاسع عشر ،
باشرت البعثات التبشيرية بالتجوال في المناطق الجبلية في الشمال ، فعثرت بهؤلاء الكلدان النساطرة وكان الأمل يحدوها للعثور عليهم منذ
زمن ، فاستمالتهم إليها وأقنعتهم بأن لا شيء يمكن تمييزهم عن إخوتهم الكلدان العائدين الى الكثلكة إلا بانتحالهم لتسمية لها علاقة جغرافية
قديمة بالمنطقة الساكنين فيها حالياً ، فراقت لهم الفكرة واطلقت عليهم التسمية الآشورية ، وتشبّثوا بها جاعلينها معبوداً دونه الاله جلّ جلاله،
وحذا حذوهم أبناؤهم وأحفادهم منذ ذلك الوقت وحتى يومنا هذا، رغم كل المصائب والويلات التي طالتهم بسبب هذه التسمية الموطنية الوثنية
لدولة بادت وطواها النسيان منذ الفين وستمئة عام ، والانكى أن لا رابطة تربطهم بأصحابها لا عِرقياً ولا تاريخياً ، هذا هو تاريخ هؤلاء الذين
يدّعون بأنهم آشوريون .

البحث عن الوحدة

         مِن فرط محبّة أبناء الشطر الكاثوليكي الكلدان لجمع الشمل وقيام الوحدة ، لم يبخلوا في بذل كل ما بوسعهم للوصول الى الهدف
المنشود ، إذ آمنوا بالواقع المفروض وعبّروا عن احترامهم لمشاعر إخوتهم أبناء الشطر النسطوري وإصرارهم على أنهم من بقايا
الآشوريين القدماء ، إلا أن ما لم يتوقعه الكلدان ، أن يكون اعترافهم بآشورية هؤلاء الاخوة قد أغراهم وصعّد من غُلوائهم الفارغة ،
ليشنّوا هجمةً شرسة للإنتقاص من الامة الكلدانية وطمس هويّتها وإنكار وجودها والمناداة بكل صلفٍ ووقاحة بأن الكلدان آشوريون
قومياً ! وأن الكلدانية مذهب ، وأن كلدان اليوم ليسوا بكلدان الامس ، وأن الكلدان كانوا كهنةً وعرّافين وسحرة ، وأن مسيحيي السهل
 والجبل ليسوا كلداناً لأن مناطق سكناهم كانت آشورية يوماً ، وأن الكلدان انقرضوا بعد استيلاء المسلمين لوادي الرافدين , و و و و.
وهنا يجدر التساؤل ، إذا كان الكلدان المعاصرون كما يدّعون لماذا وراءَهم يجرَون ؟ ولماذا عليهم يتآمرون ؟ لماذا يريدونهم لمطاليبهم
يرضخون ؟ ولماذا الى شراء ذِمم السذّج من الكلدان يسعون ؟ ألا يدل هذا أن وراء الأكَمَة ما وراءَها ؟ ولكن الكلدان متيقّظون لا يهابون،
ومع كل هذاالسيل من الإفترآت الباطلة والتي تنافي الحقيقة والواقع وتخالف معطيات التاريخ لم ييأس الكلدان أحفاد الامة الكلدانية
التي تمتلك تاريخاً مشرّفاً وفكراً نيّراً وسموّاً حضارياً يساعدها للوقوف بوجه كل التحديات بشموخ مهما اشتدّت عواصف الدجل السياسي
التي تهبّ من أية جهة كانت لأن الكلداني الأصيل لبق وحكيم في انتقاء الكلمات ، والبرهان على ذلك قد أثبته سياسيو الكلدان رغم قصر
فترتهم في العمل السياسي مقارنة بالمتبجّحين الآخرين ، حيث استطاعوا توحيد صفوفهم وتنظيم بيتهم السياسي الكلداني ، وجعلوا لامتهم
الكلدانية صوتاً سياسياً هادراً ومؤثّرا ، أقول لم ييأسوا من إعادة فتح الحوار مع إخوانهم أبناء الطائفة الآشورية لأنهم يعلمون بأنه ليس
أصعب وأخطر من العمل السياسي الذي يتطلّب الكثير من الحِنكة والدهاء  والدِراية ، ولكن للأسف كان المحاورن الآشوريون كعادتهم
منغلقين فكرياً أنانيين يسعدهم غمط حقوق الآخرين ، مما حدا بالمحاورين الكلدان الاعلان بفقدانهم الثقة بتحقيق الوحدة ، ولا بدّ أن
يكون لهم كيانهم الخاص الذي تعرّض للتهميش ، وعليهم السعي لتكون وحدتهم القاعدة الوحيدة الواسعة المفتوحة أمام الآخرين للالتحاق
بها ، وهنا ثارت ثائرة المتأشورين من المحسوبين على الكلدان ، وتجرأوا على اتهام غبطة بطريرك الكلدان بأنه قاد تكريس التمزّق ، تُرى
هل أن للآشوريين الحق في الصراخ والإصرار على وحدانية الآشورية وإنكار حق الآخرين ؟  والآخرون ليس لهم هذا الحق ؟ ماذا يعني
تفاخر وتباهي ابن الطائفة الآشورية الصغرى من شعبنا عندما يصرخ ( إننا آشوريون والآخرون من الكلدان والسريان ما هم إلا طوائف
دينية ؟ ) أين هم المتأشورون من هذا الصراخ ولماذا لا يتهمونه بتمزيق الوحدة ؟ هل الوحدة في عرفكم هو إلغاء اسم الكلدان ؟ هل
تظنون بأن تلويحكم ودعوتكم الى الانقسام الكنسى سيُخيف الكلدان ؟ إنكم واهمون واليأس قد وصل بكم الى حد الجنون ! .
لقد تفتّق الذهن السياسي لقيادة وأعضاء حزب آشوري واحد باستثناء الاحزاب الاشورية العديدة الاخرى عن ابتداع تسمية مركبة لأبناء
شعبنا المتعدّد التسميات هي(كلدوأشور) ولأن ولادتها كانت هجينة لم تقوَ على الحياة رغم ما بذل مبتدعوها من جهدٍ وعناء فتلكأت في
نموّها ثم احتضرت لافتقارها الى جذور تاريخية وجغرافية محدّدة ، تبنّى هذا الوليد الهجين كوادر الحزب المبتدع له وعدد قليل من الكلدان
في الوقت الذي رفض هذا المصطلح الغريب السواد الاعظم من الكلدان والاشوريين والسريان ، رفضته القوى الكلدانية بمختلف فصائلها
لرؤيتها فيه طمساً لتسميات شعبنا التاريخية الجميلة < الكلدان والاشوريون والسريان > التي تعتز بها جميعاً وتطالب بالإعتراف بها في
الدستور ، رفضته جميع الاحزاب الاشورية ما عدا( زوعا ) لأنها موغلة في تزمتها العنصري المقيت ، ومتشبّثة بالفرضية الاشورية
العقيمة التي لا تملك ذرّة واحدة من الصحة بأن التسمية الاشورية هي التسمية القومية للكلدان والاثوريين والسريان وهو منطق لا يُقرّه
إلا المجانين ويستهجنه العقلاء والمفكّرون ، أما زوعا وبالرغم من ابتداعها لهذا المصطلح الذي وضعها في مأزق لا تُحسَد عليه فإن موقفها
منه بات يتأرجح بين التنصّل والقبول تبعاً لمصلحتها الحزبية الانانية ، ولم يأتي الرفض الكلداني للتسمية المركبة إلا بعد أن تأكّدت القيادة
الكلدانية السياسية والدينية بأن الهدف الزوعاوي من طرحها لم يكن وحدوياً بل فخّاً سياسياً نُصب للكلدان يرمي الى تغييب اسمهم ، ولذلك
تحركت القيادتان وفي الوقت المناسب لتدارك الخطر التآمري ونجحتا في تثبيت التسمية الكلدانية في الدستور دون أن تقفا عائقاً أمام التسميتين
الاخريين السريانية والاشورية ، بالعكس من محاولة الكنيسة النسطورية بفرعيها المتحوّلة الى التقويم الحديث والمتشبّثة بالتقويم القديم
الى تثبيت الاسم الاشوري لوحده ممثّلاً للشعب المسيحي ومتجنّيا على حق الاسمَين الآخرَين .
ليس بمقدور أحدٍ الإنكار بأن التجزئة المنظورة قد حلّت بشعبنا وترسّخت منذ زمن طويل كما أوضحنا أعلاه ، ويشهد على ذلك واقعنا ، فالغالبية
العظمى من شعبنا الواحد أبناء كنيسة المشرق حافظوا على تسميتهم القومية الكلدانية الاصيلة ، بينما انفصل عنهم قسم من إخوانهم في القرن
الخامس واتّبعوا المذهب المونوفيزي (الاورثوذكسي حالياً) ودُعوا بالسريان الاورثوذكس ، وعاد بعضهم الى المذهب الكاثوليكي وسُمّوا
بالسريان الكاثوليك ، أما الطائفة الاشورية الصغرى فقد شرحنا أعلاه داعيات انفصالها في منتصف القرن السادس عشر في فقرة الإنشقاق
الكنسي ، لقد استقرّ الوضع لدى الطائفتين الاشورية والسريانية بفرعيها الكاثوليكي والاورثوذكسي بشكله الإنفصالي وبكونه أمراً طبيعياً لا
بأسَ به ومن العسير بل المستحيل تغييره ، ومن هذا المنطلق الواقعي لوضعنا ، علينا عدم الخوض في موضوع التسمية بل علينا الرضوخ
للواقع ونتبادل الإعتراف بتسميات بعضنا البعض واحترام خصوصيات كل منها والابتعاد عن إلغاء الآخر ، وليكن في علم الجميع أن
السعي الى ترسيخ مبدأ الحزب الواحد والفكر الواحد ليكون الممثل الوحيد هو خطأ فادح قد تجاوزه الزمن ولا يمكنه بأي حال من الأحوال
أن يوصلنا الى حلّ يقود الى وحدة شعبنا التي نصبوا إليها جميعاً . إن الوحدة الحقيقية أيها الإخوة هي التي تكمن في القلوب والضمائر
وليس في الاوراق والمحاضر ، لقد مارسها شعبنا الواحد رغم انقسامه الى عدّة محاور فرضها عليه الزمن الجائر ، هذا الشعب البسيط
والحكيم بالفطرة تخطّى خطوط التقاليد والقيود الطائفية والمذهبية ، فقد مارس أبناؤه أنشطتهم الاجتماعية سويّةً ، تزوّجوا من بعضهم
 البعض ، تكلّموا لهجاتهم المتنوعة بِلا إحراج ، تبادلوا التعامل فيما بينهم بدون عوائق أو حدود ، والأهم من كل ذلك هو ايمانهم الصادق
بأنهم شعب واحد مهما تعدّدت أسماؤه ، ولكن ظهور الأحزاب العنصرية الشوفينية على ساحته نزعت من قلوب وضمائر أبنائه عوامل وحدة
المحبة والتضامن الأخوي وزرعت فيها بذور الحقد والكراهية حتى وصل الامر بهم بأن واحدهم يشمئز من اسم الآخر ولا يطيق سماعه !
لمذا كلّ هذا يا قادة الأحزاب وأعضاءَها ، لماذا تبثّون سموم الفرقة والتناحر بين أبناء شعبنا المسالم البريء ؟ ألا يكفيه ما أصابه من ظلم
أعدائه عبر القرون حتى تضاعفون من ثقل معاناته ! ألا تدرون أن الظلم مهما استمرّ لا يدوم ! وأن الله يعاقب الظالم وينصر المظلوم !
أرجوا الله القدير أن يساعدنا في عبور هذا المنعطف المؤلم والحاسم في حياة شعبنا ، لنصل الى بَر الأمان وينعم شعبنا في ظل السلام
 والإطمئنان مع بقية أطياف الشعب العراقي الساعي الى الحرية والديمقراطية بعد انعتاقه من نير الديكتاتورية .

الشماس كوركيس مردو
في 11 / 9 / 2005

321
                                       ( غيض من فيض أوهام أدعياء الآشورية )

         ليس من شكٍ أن عدداً ضئيلاً من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ وبخاصةٍ القاطنين منهم في منطقة آثور الجبلية إحدى مقاطعات بلاد الكلدان الأصلية التي تشمل مناطق < بابل وآثور والجزيرة  >  خرجوا عن إجماع الغالبية العظمى من إخوانهم الذين أعلنوا في منتصف القرن السادس عشر تصحيح مسار الكنيسة التي أصاب الإنحلال رئاستها بسبب اتهاجها المسلك العشائري الإستبدادي ، فانتفضوا ضدّها وقرّروا استعادة مذهب أبائهم وأجدادهم المذهب الكاثوليكي الذي كانوا عليه لأكثر من قرون أربعة قبل أن يُفرض عليهم المذهب النسطوري ، بيد أن هؤلاء القلائل الخارجين عن ذلك الإجماع عارضوا قرار الأغلبية وآثروا البقاء في المذهب النسطوري وتحت مطرقة الرئاسة المستبدّة  والتسمية الكنسية <  الكنيسة النسطورية >، وسار علىمثالهم أبناؤهم وأحفادهم حتي يومنا هذا ، ولذلك نرى أحفاد اولئك الكلدان الجبليين المعاصرين متشبثين بذلك النمط الموروث ، وبشكل تعصّبي أقوى ، أوقده فيهم قبول آبائهم في أواسط القرن التاسع عشر التنازل عن قوميتهم الكلدانية وانتحالهم لتسمية موطنية وثنية لدولةٍ غابرة هي الدولة الآشورية التي طواها التاريخ في طيّاته المنسية منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد ، بدفع وإغراءٍ من قبل دهاقنة الانكليز مبشّري الكنيسة الأنكليكانية الذين أطلقوا عليهم التسمية الآشورية إمعاناً منهم لتثبيت إنفصالهم عن إخوتهم الكلدان الذين ارتبطوا مع روما بالإتحاد الايماني ، وسمّوا كنيستهم الجديدة وريثة كنيسة المشرق الشرعية كنيستهم العتيدة < الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية > واسم هذه الكنيسة وكما فسّره المرحوم الأب الدكتور يوسف حبي بأنه امتداد تاريخي وحضاري تبلور واستقرّ في القرن السادس عشر مما يثبت العقم في ادّعاء المعادين للكلدان بأنه اسم مستحدث .
       
  وإذا تطرّقنا الى تاريخ تأسيس الدولة الآشورية ، فإن المؤرخين يعزون أن العموريين الذين أسسوها يعودون بجذورهم الى البابليين الكلدان ، الذين لا علاقة لهم بالشوباريين القبائل البدوية البربرية التي كانت تقطن منطقة جبال بتليس ، تحركت في أواسط الالف الثالث قبل الميلاد وغزت منطقة شمال الرافدين موطن المزارعين السومريين واستقروا فيها وفق ما ذكره نورمان باكروفت هَنت الباحث الآثاري ، وبسبب تدفّق الهجرات الشوبارية الكثيفة الى الاقليم السومري اضطر السومريون الى ترك مستوطنهم والهجرة الى مناطق وسطجنوب الرافين موطن الكلدان وكان لاختلاطهم بالكلدان أثر في ولادة أول حضارة بشرية ، هيمن عليها السومريون باديء الامر لثقلهم العددي وانتشارهم السريع في أرجاء تلك المناطق ولكن سرعان ما تم إخضاعهم من قبل أحفاد الكلدان الاوائل الى نفوذهم. لقد جاء في كتاب < الآشوريون في التاريخ > للمؤرخ الآثوري ايشو مالك ص.11 بأن جد الآشوريين هاجر من سهل شنعار < بابل > وحلَ في آشور مما يؤكّد بأن آشور كانت موجودة قبل حلوله بها قادماً من بابل ، وأن مجموعته تسمّت بالآشوريين نسبةً إليها وهو ما لا يمكن اعتباره اسماً قومياً، كما أن مؤرخاًآثورياً آخر يؤكّد أصل الآثوريين هو المؤرخ الآثوري الروسي الأصل قسطنطين ماتييف في كتابه < الآشوريون والمسألة الآشورية > حيث يقول : ( أسّسَ الخارجون من بابل موطناً لهم في شمال ما بين النهرين كانت أكبر مدنهم آشور ، ويستطرد ، أصبحت آشور في مطلع القرن الثامن عشر ق . م مركزاً لدولة عظمى ، ويضيف بأن الآشوريين ينتسبون الى الشعوب السامية ، ويرجعون بجذورهم الى البابليين ) أليس هذا دليلاً على أن الآشورية هي تسمية موطنية لا علاقة لها بالقومية ؟ وإن هوية مؤسسي الدولة الآشورية تعود الى العموريين البابليين الكلدان ، إذاً ، إن أدعياء الآشورية المعاصرين يعودون بجذورهم الى الكلدان قديماً وحديثاً .

         إن عنف العداء المذهبي الذي برز بعد إلإنشطار الثاني لكنيسة المشرق الذي حدث عام 1553  حدا بالشطر الذي أصرّ على بقائه على المذهب النسطوري الى الإنزلاق والوقوع في مصيدة المبشّرين الأنكليكان عناداً ونكايةً بالشطر الذي استعاد المذهب الكاثوليكي وأبرم وثيقة الإتحاد الايماني معها ، ولذلك رأى الأنكليكان في الشطر النسطوري أرضاً خصبة لزرع بذور الحقد والكراهية بين الإخوة وتقوية عوامل انفصالهما ، حيث أغروهم وصوّروا لهم بأنهم بقايا الآشوريين القدماء فطاب لهم هذا العطاء وأخذ من يقينهم مأخذاً وصل بهم الى حد الجنون ،  فتشبّثوا بالتسمية الآشورية جاعلين منها معبوداً دونه الاله ، وكان من نتائج هذا الانصياع الاعمى لمشورة الانكليز الدهاة تعرّضهم للمصائب والويلات من قتل وتهجير واضطهاد ، ورغم كل ذلك لم يرعووا وتمادوا في العناد .

         آمن أبناء الشطر الكاثوليكي الكلدان بالواقع واحترموا شعور إخوتهم أبناء الشطر النسطوري بتبنّيهم الاسم الآشوري واعتبار أنفسهم بقايا الآشوريين القدماء ، إلا أن الذي لم يتصوّره الكلدان أن اعترافهم بآشورية هؤلاء احتراماً لمشاعرهم قد أغراهم وشجّعهم على الإنتقاص من الهويّة الكلدانية والسعي الى تغييبها والمناداة بكل صلافة بأن الكلدان هم آشوريون قومياً ، وأن الكلدانية مذهب وأن الكلدان كذا وكذا والى آخره مما سنتطرّق إليه بايجاز قدر الإمكان ونحاول
أن نبيّن كيف أن الإحسان يُقابَل بالنُكران .

يدّعي أدعياء الآشورية المعاصرون بأنهم أحفاد آشوريي الأمس ، وأن كلدان اليوم ليسوا بكلدان الأمس ! يؤكّد التاريخ بأن الكلدان وبالتحالف مع الميديين قهروا الدولة الآشورية وأزالوها من الوجود كياناً سياسياً ووجوداً بشرياً ما بين عامي 612 – 609 ق . م باستثناء عدد قليل جداً ممّن سقطوا بأيدي الكلدان حيث لم يقضوا عليهم اسوةً بالميديين لايمانهم بوحدة الدم التي تجري في عروقهم ، فانصهروا في المجتمع الكلداني وأصبحوا جزءاً منه بدون تمييز ، وبعد اجتثاث الدولة الآشورية أصبح الكلدان اللاعب الأوحد السائد على بلاد ما بين النهرين دون منازع شغل أبناؤهم كل جزءٍ من أجزاء  الاقليم الآشوري الشاغر من سكانه المبادين ، وتحوّلت دولته الى أعظم امبراطورية عرفها التاريخ القديم حيث دان لها الشرق الأوسط بأكمله وغطّت على جميع سابقاتها ، ورغم سقوط صولجان حكمها على أيدي الأخمينيين عام 539 ق.م إلا أن شعبها الكلداني واصل نشاطه الحياتي كاملاً تحت نفوذ الأقوام الغريبة التي تعاقبت على حكم بلاده ، وعند بزوغ فجر المسيحية كان السبّاق الى قبول بشارة الخلاص الانجيلية  وأسّس كنيسته العظيمة التي سمّاها كنيسة المشرق ، إذا كان التاريخ قد أكّد انقراض الآشوريين وأن بقاياهم الضئيلة قد انصهرت في المجتمع الكلداني منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد ، على أي أساس يسرق أدعياء الآشورية اسم كنيسة المشرق الكلدانية التي تأسست في كوخي / المدائن بوسط بلاد ما بين النهرين ، نعم كان أسلافهم جزءاً من أبناء كنيسة المشرق الكلدانية التي إتسعت هيمنتها في كل أرجاء البلاد وامتدّت الى كافة اقطار الشرق القديم ،  ولكن ليس بصفتهم آشوريين بل كلدان قاطني منطقة آثور لأن الوجود الآشوري كان قد أصبح في خبر كان ، أليس إذاً إدعاؤهم باطلاً وليس له بقدر ذرّةٍ من الصحة ، ولذلك فإذا رغبوا بالوحدة الكنسية فليس لهم إلا العودة الى أحضان الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية الوريثة الشرعية الوحيدة لكنيسة المشرق العتيدة .

يدّعي الإنفصاليون مدّعو الآشورية بأن الكلدان كانوا كهنةً وعرّافين وسحرة وليس شعباً ! يفنّد هذا الادّعاء المشوب بالغباء العدد الكثير من الباحثين والمختصّين في حقل التاريخ النهريني  فتقول الدكتورة مارغريت روثن في كتابها الموسوم < علوم الكلدانيين > ترجمة الأب يوسف حبي ص. 11 بأن الكلدان هم أوائل البابليين أو الأ قدم بين البابليين ، وجاء في معجم المصطلحات والاعلام في العراق القديم لمؤلفه حسن النجفي ص. 127 أن سركَون الأكدي لدى تأسيسه امبراطوريته سمّاها < امبراطورية الكلدان العظيمة > وفي كتابه < لغة العرب < وصف الأب انستاس الكرملي ص.58 بأن الكلدان امة عظيمة قديمة الرئاسة نبيهة الملوك كان منها النماردة الجبابرة الذين اولهم نمرود الجبار ( نمرود بن كوش بن حام ) وفي كتابه < بوليطيا > يقول ارسطوطاليس بأن امة الكلدان ودار مملكتهم < كلواذي > من بلاد ما بين النهرين ، إليها اضيفوا، ومنهم( النونيون ، الآثوريون ، الآراميون ، الجرامقة ، نبط العراق وأهل السواد <الاشراف والتنبيه للمسعودي ص.68  ويقول ابن العبري في كتابه < مختصر تاريخ الدول > ص. 3 بأن اصول الامم من سالف الدهر هم سبعة( الفرس ، الكلدان ، اليونان ، القبط ، الترك ، الهند ، الصين ) ومنهم تفرّعت الامم الاخرى، وقد ورد في كتاب< مدارس العراق قبل الاسلام >للمؤرخ روفائيل بابو اسحق ص.8 إن الكلدان هم أسبق الاقوام في وضع الكتابة على طريقة التهجئة ثم انتشر اسلوبهم بين الاشوريين والارمن والشعوب الاخرى المجاورة كالفرس والماديين ، وورد في< مقدمة في تاريخ الحضارات القديمة>
للمؤرخ طه باقر في الصفحات 74 – 494 – 548 الكلدان شعب سكن شواطيء الخليج ، أسّس منذ القرن الثامن عشر قبل الميلاد أو قبله سُلالة القطر البحري التي عرفت بسُلالة الامراء أيظاً، سادت على الخليج ومن ملوكها( ايلوما-ايلو 1744 ق.م ) تشكّلت هذه السلالة ثانيةً من قبل مملكة بيث ياقين باسم سُلالة القطر البحري أيظاً ، من أشهر ملوكها ( مردوخ بلادان 732 – 705 ق.م ) دارت بينه وبين ملوك آشور معارك عنيفة ، احتلّ بابل وتُوّج ملكاً عليها وامتدّ حكمه من عام ( 721 – 711 ق.م ) وينعت العلاّمة المطران يعقوب اوجين منا في معجمه الشهير < دليل الراغبين > الكلدان بامة حيث يقول( الامة الكلدانية ) وفي مكان آخر ،( الكلدان: جيل من الشعوب القديمة كانوا أشهر أهل زمانهم في سطوة الملك والعلوم وخاصة علم الفلك) وفي كتابه < بلاد ما بين النهرين > يوضّح المؤرخ اوبنهايم بأن علم الفلك الكلداني الذي يُعرف ب(الأسترولوجي) كان من الشهرة بالنسبة للكلدان حتي أصبح مرادفاً لاسمهم رغم إبداعهم الكبير في العديد من العلوم الاخرى ، ولشهرة التنجيم البابلي اطلق عليه(العلم الكلداني) ويقول أيظاً إن السُلالة الكلدانية هي آخر سُلالة قومية
أصيلة ، وبسقوطها انتهى التاريخ الوطني للعراق القديم ، يقول جورج روو أبرز المؤرخين الثقاة في كتابه( العراق القديم)
ص.479 ( بالرغم من معرفة اليونانيين بالكلدان وإعجابهم بعلمهم الفلكي ألحقوا بالكلدان الكثير من الأذي من حيث تشويه سمعتهم بسبب ترجمتهم لعِلمهم وفق معرفتهم المحدودة المستوى قياساً بمستوى علماء بابل) .

والادّعاء الأغبى لهؤلاء الإنفصاليين دعاة الآشورية والموالين لهم ذوي الثقافة الساذجة من المتأشورين المحسوبين على الكلدان بالاسم، هو قولهم أن مسيحيي السهل والجبل ليسوا كلداناً لأن مناطق سكناهم الحالية كانت تُعرف يوماً باقليم آشور !
يا للسذاجة ! أو لنقل يا للمغالطة التاريخية المتعمّدة التي تتنافي مع المنطق العلمي ، حيث يتجاهلون الحقائق التاريخية الناصعة التالية :
1 – ليس هنالك من يستطيع أن يُنكر ما أكّده المؤرخون قاطبةً بأن الكلدان كانوا آخر سُلالة قومية وطنية أسّست امبراطوريتها العظيمة على أنقاض الدولة الآشورية المنقرضة ( الامبراطورية الكلدانية) والتي لقّبت بالامبراطورية البابلية الحديثة لأنها امتداد للامبراطورية البابلية القديمة ، حكمت بلادها ( ما بين النهرين ) وبسطت سيطرتها على كامل بقاع الشرق الأوسط لمدة (85) عاماً
وإن أبناءَها الكلدان هم الورثة الحقيقيون وليس غيرهم لما يزيد عن خمسين قرناً من الحضارة الرافدية ، التي كانت بدايتها في أريدو عاصمة الكلدان الأوائل ، وهم الوحيدون الذين استمرّ تأثيرهم في وادي الرافدين بعد افول نجم سلطانهم باحتلال بلادهم من قبل الأخمينيين ثم المكدونيين فالفرثيين والساسانيين وحتى الغزو العربي الاسلامي ، فإن هذا الغزو المتواتر لم يستهدف بلاد ما بين النهرين وهي خالية من سكانها الأصليين ، إذ يقول بهذا الصدد الباحث المسلم سليم مطر
عندما وطئت أقدام المسلمين أرض العراق تفاجأوا بوجود كنيسة بابل النسطورية ومقرّها في المدائن ، كانت نسبة العراقيين من أبنائها 90% تنتشر اسقفياتها بامتداد نينوى حتى بيث قطرايا(دولة قطر الحالية) ويُضيف ، لدى زيارة بنيامين التودلي جبل سينا عام1170 م وجد فوق قمّته معبداً مسيحياً وعند سفحه قرية يتكلم أهلها اللغة الكلدانية مما يدل على مدى انتشار اللغة الكلدانية واتساع الهجرات الكلدانية نتيجة الاضطهاد الديني والظلم الاجتماعي الذي كان يمارس ضدّ الكلدان فيضطرّون للهروب الى المناطق الجبلية النائية ، يقول المؤرخ يوسف رزق ألله غنيمة في كتابه < نزهة المشتاق في تاريخ يهود العراق > ص. 172 ( إن يهود العراق بقوا في هذه الديار في القرون التي أعقبت استيلاء المغول والتتار ، ولم يضطرّوا الى مغادرة أوطانهم مع ما كان فيها من المظالم والإضطهادات كما فعل النساطرة( أبناء كنيسة المشرق الكلدانية)
الذين هجروا بغداد والبصرة وكل مدن العراق ما خلا الموصل و توابعها والتجأوا الى قمم جبال كردستان وبلاد الفرس حتى انقطع ذكرهم من عاصمة العباسيين عهداً ، وخربت بيَعُهم وهدمت معابدهم ، ولم تعد فئة النصارى الى مدينة السلام إلا بعد مرور قرن أو أكثر.
2 -  إذاً يظهر مما سبق أن نزوح الكلدان من مناطق بغداد والبصرة والمدن العراقية الاخرى المعروفة قديماً بالاقليم البابلي الكبير باتجاه اقليم الشمال إبان فترة الاضطهادات التي عصفت بأبناء الكلدان ، كان بسبب المحافظة على حياتهم وصيانة دينهم وشرفهم ، وعندما هدأت الامور وباشر قسم منهم بالعودة الى ديار آبائهم وأجدادهم  في المدن والبلدات، لا يمكن اعتبارهم نازحين شماليين كما يروّج المغرضون بل عائدون ، ولا يمكن اعتبار المستقرّين في أماكن نزوحهم أنهم أصبحوا قوماً آخر غير كلداني ، لأن التبدلات المناطقية لا تغيّر القومية ، والعامل الجغرافي لا يُعتمد في تحديد القومية ، وإلا لاعتُبِرَ العموريون الخارجون من أرض بابل في الالفية الثانية قبل الميلاد الذين توجّهوا صوب الشمال واستقروا فيه وأسسوا دولة آشور سومريين لأن اقليم الشمال كان موطنهم الأصلي ، بينما بقيت جذور المؤسّسين عمورية كلدانية بابلية رغم إطلاقهم على دولتهم التسمية الآشورية ، وهذه حقيقة تاريخية ثابتة مهما أنكرها دعاة الآشورية ومؤازروهم ، فإن العموريين الذين يعودون بالأصل الى البابليين الكلدان والكلدان المعاصرين هم شعب واحد أصلاً وعِرقاً ولغةً ، أما الذين يتخذون من العامل الجغرافي متّكأً لتمرير منطقهم المهتريء في تحديد أعراق البشر فهو من السذاجة بمكان لا يستسيغها العقل المتفتّح ولا يستجيب لها . هنالك إدّعآت اخرى كثيرة يأخذ مني تفنيدها صفحات وصفحات مطوّلة ولذلك أكتفي بما أوردته في هذا المقال ، وإني أستسمح القراء إذا وجدوه طويلاً .

الشماس كوركيس مردو
في  7 / 9 / 2005

322

                           ( لماذا ينبغي علينا الإحتفال بأعيادنا القومية الكلدانية )

الى كافة أحزابنا ومنظماتنا وتجمّعاتنا الكلدانية العاملة في الساحة السياسية والثقافية والإجتماعية في الوطن الام العراق وبلاد المهجر اوجّه سؤالي كما جاء في العنوان أعلاه ، راجياً ايلاءه الإهتمام المطاوب !



         ليس هنالك شعب بين شعوب العالم إلاّ واحتفلَ بمناسباته الوطنية والقومية مبدياً اعتزازه الكبير برموز وشعائر امته القومية والوطنية ، فما بالنا نحن الكلدان الامة الأعرق بين الامم وما لها من مآثر وإنجازات حضارية في ميادين العِلم والأدب والإجتماع والسياسة، قد أهملنا الإحتفال بمناسباتنا وما أكثرها وأجملها !

         قبل فترة إلتقت بي شابة كلدانية كانت ضمن الوفد الذي شارك في الإحتفال باللقاء الشبابي المسيحي العالمي في اوروبا وبادرتني بالقول وفي صوتها رنّة حزن مشوب بالعتاب المهذّب والشكوى : أتدري أيها الاستاذ مردو كَمْ أنني شعرت بالالم ونحن نتبادل عبارات التعارف مع أفراد وفود الشباب القادمين من شتى أرجاء المعمورة وهم مُرتدين قمصاناً تزيّنها أعلامهم القومية الى جانب ارتدائهم ملابسهم القومية التي صُمّمت خصّيصاً لهذه المناسبة ، لقد كنا الوفد الوحيد الخالي من هذه المظاهر والوحيد الذي لم يكن يحمل بأيديه علمه القومي ليلوًح به كما كانت تفعل الوفود الاخرى ، كان اللقاء جميلاً جداً عبّر عن تأكيده أن المسيحية جاءت لنشر المسرّة والسلام والمحبّة بين البشرية جمعاء ولم تقتصر على شعبٍ واحدٍ أو على فئةٍ خاصة دون اخرى ، لأن هدف ربّنا وفادينا يسوع المسيح له المجد من مجيئه الى العالَم كان لخلاص العالَم كلّه بغض النظر عن تنوّعاته العِرقية واللونية ، ولذلك تميّز اللقاء بتنوّع وتعدّد أعراق المحتفلين وبإجماعهم على الإعلان عن ايمانهم المسيحي بمنتهى السرور والفرح .

         يوم الأحد الماضي 28 آب /2005 جاء لزيارة ابني أحد أصدقائه الشباب وبعد أن سلّم وجلس لمحني وبين يديّ كتاب أقرأ فيه ، فقال لي ماذا تقرأ أيها العَم ؟ فأجبته : تاريخ الكلدان القومي  للمؤلّف الاكاديمي الاستاذ عامر فتوحي وبالإضافة الى أنه باحث ومؤرخ قدير فهو فنان كلداني كبير ، فاستأذنني وتناول الكتاب وأخذ بتقليب صفحاته متأملاً الرسوم والخرائط والجداول والصور التي تزيَنه وهو يردّد ، ما أبدعه من كتاب ! إنه مصنّف موسوعي يجدر بكل كلداني الإطلاع عليه وأضاف بأسفٍ بأنه يتمنّى لو يتمّ نشره باللغة الانكليزية أيظاً ، فما أحوج شبابنا اليوم الى مثل هذا الكتاب ليسترشدوا به الى تاريخ امتهم الكلدانية القومي  ويتحصّنوا ضد محاولات التشويه والتجديف التي يقوم بها المعادون للكلدان ، وبينما كان يهم بإعادة الكتاب إليّ  وقع نظره على الصفحة  265 وفيها صورة لشباب كلدان يقيمون في الدانمارك وهم يحتفون بالعلم الكلداني وفي أعلى الصفحة عنوان < الآعياد القومية الكلدانية > فبادرني بالسؤال هل لدينا أعياد قومية ؟ فقلت له ، نعم لدينا أعياد ومناسبات قومية كما تراها مكتوبة في هذا الكتاب < الكلدان منذ بدء الزمان >  .
   
         أجَل أيها الاخوة الكلدان ، لدينا أعياد ومناسبات قومية كلدانية على أحزابنا ومنظماتنا وتجمعاتنا ونوادينا إدراجها بأسمائها وتواريخها في لوحةٍ تتصدّر مكاناً بارزاً في أماكن اجتماعاتهم لكي لا تنساها ذاكرتهم، وإليكم أدناه جدولاً بها :-

1 – 11 نيسان / رأس السنة الكلدانية البابلية / أكيتو

17 أيار / يم العلم الكلداني ، < تحرير بابل في اليوم السابع عشر من شهر أيار لعام 4674 كلدانية الموافق ليوم 17 أيار لعام 626 ق . م ولمعلومات أوفى يمكنكم الدخول الى موقع الانترنيت )www.chaldeanflag.com(                                                                                                                                                           

1 آب / يوم الشهيد < تفجير خمسة كنائس في بغداد وواحدة في الموصل >

1 أيلول / يوم بابل < ذكرى تسنم الملك الكلداني الشمس نبوخذنصر الثاني عرش بابل >

15 أيلول / عيد زاكموك < عيد تجدّد الحياة أو ما يعرف بعيد النخلة > الشجرة المقدسة لدى العراقيين .

21 آذار / يوم اللغة الكلدانية .

كما يحتفل الكلدان / السريان كبقية المسيحيين الكاثوليك في العالَم بجميع المناسبات الدينية التي تقرّها الكنيسة الرومانية الكاثوليكية ، وكذلك يحتفي الرافديون بأعياد جميع شهداء المشرق ( بيث نهرين ) .

         وهنا يراودني السؤال : لماذا هذا الإهمال في إحياء هذه المناسبات القومية ؟ أليس إحياؤها تأكيد لحضورنا القومي وإخراس في ذات الوقت لكل المتخيّلين بأن حصر الكلدان في ركن < الطائفية والمذهب الديني > ميسور لديهم ؟ لماذا لم نحتفل بيوم الآول من أيلول وهو < يوم بابل > الذكرى العزيزة لدى الكلدان قديماً فلماذا لا تكون عزيزة عليهم اليوم وهم يخوضون أشرس معركة للحفاظ على هويتهم القومية الكلدانية وحضورهم القومي ضمن التنوّع العراقي المتآخي ؟ تُرى ما هو العامل المؤثّر خلف هذا الإهمال غير المبرّر ؟ هل هي عدم المعرفة ؟هل هو قلّة الوعي ؟ هل أن البرامج الثقافية والتعليمية المخصصة لا تشمل الأعياد والمناسبات الكلدانية بضمنها أم هناك عوامل اخرى لا نعلمها ؟ .
         قبل فترة أقامت الجالية الكلدانية في وندزر – كندا مهرجاناً كلدانياً رائعاً ، حرصت الهيئة المشرفة على إقامته أن لا يفتتح دون أن يزيّن خيمة الإحتفالات العلمان الكلداني والكندي ، وقد زاد ذلك من فرحة الحضور وتسابقوا لالتقاط الصور أمام العلم الكلداني رمز امتهم القومي ، وهذا ما يجب على كل كلداني التعبير عن اعتزازه بهويته الكلدانية واحترام رموزها بشكل حضاري عملي . ما أجمله عندما أروم الدخول الى مقر أي حزب أو منظمة أو تجمّع كلداني وأرى العلم الكلداني مرفرفا فوق سارية مبناه واشاهد التقويم السنوي القومي الكلداني معلّقاً على الجدار يتجلّى فيه التاريخ القومي الكلداني بالمعلومة والصورة . ولا اخفي فرحي عندما ازور مواقع الانترنيت لحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني أو الرابطة العالمية للفنانين المحترفين الكلدان وغيرها من المواقع الالكترونية الكلدانية الاخرى واشاهد العلم الكلداني خفاقاً على صفحاتها ، وناهيك عن سعادتي عندما أري بناتنا وأبناءَنا يتلقون دروسا لتعلم اللغة الكلدانية أعدّت في مطبوعات نشرت بمناسبة يوم اللغة الكلدانية الام ، فلتكن هذه المشاهد عِبرة ودعوة لمنظماتنا القومية الكلدانية العزيزة كحزب الاتحاد الديمقراطي الكلداني أكبر التجمعات السياسية الكلدانية الذي تبنّى العلم القومي الكلداني  ، فنرجوا أن تكون مبادرته حافزاً  لتقوم التنظيمات الكلدانية الغيورة الاخرى باتخاذ الخطوة ذاتها وأخص بالذكر منها المنبر الديمقراطي الكلداني والمجلس القومي الكلداني والجمعيات الثقافية والاجتماعية والمهنية والخدمية ، كما أدعو الهيئة العليا لاتحاد القوى الكلدانية للمبادرة بتأسيس لجنة تحت إشرافها مهمتها إعداد متطلبات الاحتفال السنوي بالأعياد والمناسبات القومية الكلدانية وتغطيتها اعلامياً ، وأتمنّى أن تقوم المؤسسات والتنظيمات الكلدانية كافةً بوضع العلم الكلداني بمكان بارز في مقراتها ، وكذلك أرجو أن يكون العلم الكلداني موجوداً في قاعات الاجتماعات والمحاضرات .
 
         فلنجعل من مناسباتنا القومية ورموزنا وشعائرنا شموساً ساطعة نستنير بها درب امتنا الكلدانية لنسير نحو آفاق المستقبل الرحبة ولي أمل أن يكون الاستعداد للاحتفال بالقادمة منها على أروعه حافلاً بالتنظيم ومفعماً بفرح كلداني خالص وعظيم ، علينا أن نطبع حبّ امتنا الكلدانية ورموزها ليس على صفحات المجلات وشاشات الانترنيت وساريات المباني فحسب بل في قلوبنا وضمائرنا ، ودمتم لامتنا الكلدانية بكل خير وسعادة .

الشماس كوركيس مردو
في 2 / 9 / 2005

323
    (   التخرّصات الصبيانية ضذّ منبر اعلامي حضاري كلداني )

         عندما تُفتَضح النوايا الخبيثة لقوم يدّعي الأُخوّة لقومٍ آخر هو أكبر منه عدداً وأسمى منزلةً وأنبل محْتداً وأغزر علماً وأقدر ثراءً ، يسعى الى احتوائه بحجة إقامة الوحدة معه ، فيفرضُ عليه التنازل عن إسمه وقوميته لصالح اسم انتحله كان يتسمّى به قوم في زمن غابر حكم عليه منطق التاريخ بالفناء بتأكيد المؤرخين والعلماء لا صلة به ولا انتماء ، هذا القوم الضئيل العدد يريد  ابتلاع قوم يتفوّق عليه بعشرة أضعاف ، تُرى، هل بإمكان الفأر ابتلاع الجبل؟ وعندما انتفض الجبل فرّ الفأر وراح يُصدر أصواتاً باهتة مشمئزّة تضجر السامعين .
         
        بعد هذه المقدمة ، طلع علينا مؤخراً عميل زوعاوي يهاجم إذاعة صوت الكلدان باسلوبٍ لغوي هزيل لا يخجل من صياغته الركيكة والمليئة بالأخطاء ، بشخص مذيعها الاعلامي القدير ، مشبّهاً إياه بقاريء البيانات الصدّامية في ثمانينات القرن العشرين ، مستهزئاً ببرنامجه الرنان < أغصان وألوان > الذي ينتظره المستمعون كل سبت بفارغ الصبر ، متهماً إياه بتوجيه القدح والذم لأبناء جلدته <إخوته من لحمه ودمه > إذا كانوا حقاً إخوةً من اللحم والدم ويقصد بهم دعاة الآشورية طبعاً ، كيف يتجرأون إذاً على إنكار وجود إخوتهم الكلدان شعباً وقوميةً وامّة ؟ بأي حقّ يفرضون عليهم  آراءَهم العنصرية المقيتة ، يطالبونهم بالتنازل عن اسمهم القومي الكلداني وتبنّي الاسم الغريب المنتحل ؟ أو يجبرونهم على تبنّي تسمية مرقّعة( كلدوأشور) مغتزلين اسم الكلدان تمهيداً لتغييبه مستقبلاً ، وهل ذكر التاريخ في حقباته الطويلة تسمية بهذا الشكل ؟ ألا يصبح الكلدان بقبولهم لهذه التسمية المسطنعة أُضحوكةً بين امم العالم؟ كيف يقبل الكلدان بديلاً لتسميتهم العريقة < تسميةً هجينة > إبتدعتها < زوعا > لتمرير أهدافها العنصرية الشوفينية من خلالها ، وما الفرق بين زوعا وحزب البعث ؟ فكما سعى البعث لصهر العرب في بودقته الشوفينية كذلك تسعى زوعا لصهر الكلدان في بودقة من يدعون أنفسهم آشوريين زوراً وبهتاناً .

        يُسبغ أويا اوراها للاستاذ ضياء ببي صفات الإنحطاط والتخلّف والسقوط وخمسة أوصاف اخرى عبّر عنها بالأصفار مجازاً ، ألا يعني أن هذه الأوصاف هي في كيان واصفها للغير وهل ينضح الإناء إلا بما يحتويه ! لم تذّخر إذاعة صوت الكلدان منذ إنشائها جهداً في الدعوة الى لم الشمل والوحدة ، فكانت النتيجة بدون جدوى حتى طفح الكيل الزبى  وأصبحت  الحالة لا تُطاق بسبب الهجمة الشرسة من قبل وسائل اعلام منتحلي الآشورية وأزلامهم من الكلدان المتأشورين الذين باعوا امتهم الكلدانية بثمن بخس وسخّروا كل إمكانياتهم في نُصرة الباطل ضد الحق .

         وهل أخطأ السيد ضياء ؟ ألم يستغل الإنتهازيون الكلدان بالاسم المتأشورون رسالة غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي وجعلوا منها منطلقاً للتهديد والوعيد ؟ وبكل صلافةٍ خالية من الخجل طالبوا غبطته بالعدول عن مطلبه الواقعي الصائب بوجوب إدراج القومية الكلدانية في الدستور ؟ لماذا تستكثرون على البطريرك الكلداني المطالبة بحق أبناء قومه الكلدان وهو من واجبه باعتباره رئيسهم الأعلى دينياً وقومياً ؟ ألم يسعى البطريرك النسطوري بكل طاقته للإنفراد بالاسم الآشوري وحده في الدستور ولكنه لم يُفلح ؟ ألم يكن هذا هدفه من زيارته المفاجئة للرئيس الايراني السابق خاتمي وايعازه لوكيله في العراق لتوقيع رسالة مشتركة مع بطريرك الكنيسة النسطورية القديمة ، وجّهاها الى لجنة صياغة الدستور  ، طالبا فيها إدراج الاسم الآشوري لوحده في الدستور ؟ لماذا لم يعترض سكرتير زوعا والمتأشورون على ذلك ؟

         إن السيد ببي لم يتهم إلا المخربين الذين بتصرفاتهم ومنطقهم الأهوج بدّدوا كل أمل في قيام الوحدة الحقيقية المبنية على اسس واقعية ملموسة وليس وحدة احتوائية من قبل الأقلية للأكثرية ،  الكلدان يعلمون جيداً بأن الشعب المسيحي    العراقي بأكمله هو كلداني الجذور تعدّدت أسماؤه بفعل ظروف قاهرة مرّت على كنيسته الواحدة حيث انسلخت عنها كنائس اتخذت لها تسميات مختلفة ، وقد بذلت جهوداً لتوحيدها ولكنها باءت بالفشل نتيجة إصرار تلك الكنائس على المحافظة على وضعها المكتسب معتبرة إياه وضعاً طبيعياً بالنسبة لها ، ومن هذا المنطلق تبدو الوحدة الكنسية مستحيلة ، لأن الفروع لا  تريد العودة الى أصلها.

        لقد أصاب السيد ضياء ببي بوجوب التصدّي للذين يهوون اللعب في المياه العكرة الساعين الى الوحدة الإحتوائية لا المتكافئة ، الجارين وراء التسمية المركبة الغير منطقية ، وسبب عدم إشارته إليهم جهاراً هو كونهم معروفين من قبل
أبناء شعبنا بكل انتمآته ، أية قضية تمّ عرضها على المنابر الدولية ؟ ألم ينادوا بالآشورية وحدها حتى بين فصائل المعارضة ؟ ألم يعترضوا على مشاركة الكلدان في المؤتمرات ؟ ما هذا الإفتراء يل سيد أويا ! منذ متى أصبح دعاة الآشورية يعترفون بالكلدان ؟ هل سمحوا للكلدان بالتوغل في قرى منتحلي الآشورية لتعريفهم بالحقيقة التي قمتم بتشويهها في عيونهم ؟ والآن تأتون الى القرى الكلدانية لنشر الخداع والتشويه بين أبنائها ! الكلدان امة قائمة بذاتها  وما ذنبها إذا استمرّ أبناؤها المنفصلون عنها في الإصرار على عدم العودة إليها ؟ كيف ترضى فرض اسم عليها رغم إرادتها ؟
أليس الكلدان أحراراً في اتخاذ قرارات مصيرهم بأنفسهم ، لماذا لا تدعوهم وشأنهم ليبنوا بيتهم كما يرغبون ؟

كفاكم تحرشاً بالكلدان وابتعدوا عن هذه التخرصات الوضيعة ، لأن نتائجها ستكون عليكم وخيمة  ، ولن يكون هناك خاسر غيركم ، وغداً لناظره قريب .

الشماس كوركيس مردو
في 2 / 9 / 2005             

324


                              ( ملاحظات على مقال الدكتور سعدي المالح ( من العار أن نسكت على ما يحدث ! )

         لا أعرف الدكتور سعدي المالح عن كثب ، ولكنني عرفته من خلال كتاباته في موقع عنكاوا رجلاً  وحدوياً رزيناً وناقداً واقعياً مع انحيازه جزئياً الى الآثوريين على حساب الكلدان حيث لم يتعرّض للموقف الآشوري المتصلّب بشأن الوحدة والتسمية وإصراره على فرض التسمية الآشورية على عموم الشعب المسيحي العراقي ، ولو أفلحوا لهلّل لهم منشرحاً غير عابيءٍ بشعور الشعب الكلداني حامل الرقم الأصعب في المعادلة القومية ديمغرافياً وعلمياً واقتصادياً إذا غيّب اسمه وهمّش تاريخه ، وبالمقابل كان يدعو الكلدان تلميحاً وإشارةً وأحياناً علناً للتنازل عن تسميتهم القومية والقبول بتسمية موحّدة يغتزل فيها اسم الكلدان ويضاف إليه اسم أشور كاملاً ( كلدوأشور ) ورغم كل هذا كان الجانب الكلداني منفتحا ومتساهلاً رغبةً منه في إقامة الوحدة ، فقبل بهذه التسمية المركّبة وإن كان متردّداً في ذلك لغرابتها إذ لم يسبق لها مثيل في التاريخ ، وما أثار استغرابه أكثر أن الجانب الآثوري مبتدعها ، تنصّل عنها بعد فترة من ترويجه لها، وعاد الى التشبث بالتسمية الآشورية وبصلابةٍ أشد ، تجلّى ذلك في موقف سكرتير(زوعا) عندما تآمر على تغييب الاسم الكلداني في استمارة الاحصاء مستغلاً موقعه كعضو في مجلس الحكم الإنتقالي وادرج الاسم الآشوري منفرداً ضارباً بعرض الحائط الاسم المركّب، وإذ خاب أمله عندما استطاع الكلدان إدراج اسمهم في قائمة الاحصاء وانكشف تآمره ، لم يجد بدّاً من العودة للتمسك بالاسم المركّب ، ولكن المستور انكشف للكلدان فلم يعد التعامل مع الجانب الآشوري بالإمكان ، والسؤال الآن للدكتور المالح أيّ ردّ فعل مغاير كنت تتوقّع من الكلدان ، هل كان عليهم الرضوخ للامر الواقع وهم يرون المؤامرات التي تحاك ضدّهم الهدف منها إلغاءهم ؟
        تقول أن بطريرك الكنيسة النسطورية لم يحرك ساكناً وكأنه غير موجود على الساحة الوطنية بالمرة، وأنا أقول العكس تماماً فقد عمل بكل ما بوسعه من وراء الكواليس لإثبات التسمية الآشورية منفردةً في الدستور ولكنه لم يوفّق ، وخير دليل زيارته المفاجئة للرئيس الايراني السابق وايعازه لوكيله في العراق ليوقّع على رسالة مشتركة مع بطريرك الكنيسة النسطورية القديمة ، ناشدا فيها لجنة صياغة الدستور إدراج التسمية الآشورية وحدها في الدستور.
         بطريرك الكنيسة الكلدانية وافق على تسمية (كلدوأشور) محرجاً واعتبرها تسمية سياسية تقتضيها المرحلة الحرجة التي يمر بها شعبنا للخروج من المأزق الشائك الواقع فيه ، ولم يكن مقتنعاً بها كتسمية قومية لشعبنا ، وراودته الشكوك بحسن نوايا مقترحيها وكانت في محلّلها ، حيث تأكّدت لديه أن المنادين بها جعلوا منها مناورةً سياسية خبيثة، المرمى منها تغييب التسمية الكلدانية وتهميش دور أبنائها والإنفراد بالتسمية الآشورية ، ولذلك استاء جداً من هذا التصرّف الأناني الغير مسؤول ، فأرسل رسالة الى القيادة العراقية مطالباً تثبيت اسم الكلدان منفرداً في الدستور، ولكنه لم يطلب بعدم إدراج اسم الآخرين كما فعلوا هم . ثمّ لا تنسى عزيزي الدكتور بأن أبناء القومية الكلدانية المعاصرين هم أحفاد اولئك الكلدان العظام الذين أدهشوا العالم القديم بحضارتهم المميّزة التي شيّدوها في بلادهم الأصلية ( بلاد ما بين النهرين) والتي اعترف بها المؤرخون والباحثون بأنها الأرقى بين الحضارات القديمة قاطبةً ، وقد استثرت منها الحضارات المعاصرة ، هؤلاء الأحفاد توقّعوا أن يحسب لهم حساب عند قيام الدولة العراقية الحديثة عام 1921 م بالإعتراف بهم دستورياً ، ولكن ذلك لم يحدث رغم أصالتهم وتجذّرهم في تربة العراق ، ومع ذلك لم يبخلوا في المساهمة في بناء الدولة الفتية وتقدّمها في شتي الميادين العلمية والثقافية والاقتصادية والاجتماعية ، أما وقد بزغ فجر الحرية والديمقراطية في العراق أليس من حق الكلدان أن يعترف بهم دستورياً وهم الغالبية الساحقة من الشعب المسيحي في العراق وتقدّر نسبتهم 80% من مجموعه ؟ ألستَ خير من يعلم أن كنيسة كوخي في منطقة المدائن كانت الكنيسة الكبرى التي شيّدت على عهد مار ماري وجعلها مقراً لكرسيّه ولجثالقة(بطاركة لاحقاً) كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ ! كيف يجوز التنكّر للقومية الكلدانية وكنيستها المقدسة ونعتها بالمذهب ، ألا يدخل ذلك في باب الكفر والجريمة ؟
         وليس بخافٍ عليكَ أيها الدكتور سعدي بأن التجزئة بين فصائل شعبنا هي واقع ملموس ومزمن لا يمكن إنكاره وقد أصبح لديها وضعاً طبيعياً من غير بأس ومن الصعب عليها تغييره ، وهذا ما أكّده فشل المسعى المضني المبذول من قبل جميع الأطراف للإتفاق على تسمية موحّدة ، ولذلك فلا جدوى إطلاقاً مهما صرفنا من جهدٍ ووقتٍ إضافيين لإقناع أحدنا للتنازل عن تسميته لحساب الآخر ، فذلك ضرب من المستحيل ، وما أراه برأيي المتواضع هو إقرارنا بأننا شعب واحد متعدّد التسميات وعلينا العمل على هذا الأساس بتوحيد قوانا وتناسي خلافاتنا والإستفادة من أخطائنا إذ كلنا قد أخطأنا .
         إن الوحدة الحقيقية تترجمها وحدة القلوب لا وحدة المكتوب ، وقد برهن عليها شعبنا قبل أن تظهر الأحزاب السياسية العنصرية التي شوّهت تلك الوحدة وأفرغتها من معانيها السامية ، فكما ذكرت كان أبناء شعبنا البسطاء والحكماء بالفطرة لا يأبهون بالتقاليد والقيود المفروضة دينياً ومذهبياً ، حيث يناسبون بعضهم البعض بالزواج ويقبلون على التعامل فيما بينهم غير معترفين بالحدود الفاصلة بين قراهم وعشائرهم ، يمارسون أنشطتهم الاجتماعية وفق تقاليدهم وعاداتهم الموروثة ويتكلمون بلهجات بعضهم البعض دون حرج ، ويؤمنون بصدق أنهم شعب واحد تعدّدت أسماؤه بسبب ظروف قاهرة.
         لنطلب العون من المسيح الرب له المجد حيث قال في انجيله المقدس ( لا تستطيعوا أن تفعلوا شيئاً بمعزل عني ) لكي نعبر هذا المنعطف المؤلم ونعالج امورنا بروح مسيحية صادقة ، وليكن اتحادنا مبنياً على الاحترام المتبادل لمشاعر بعضنا البعض وبدون إلغاء واحدنا الآخر ، ولنصرف النظر عن العارات الاربعة .

الشماس كوركيس مردو
في 27 / 8 / 2005 

325
                                                     ( نظرة الى الدستور العراقي الجديد )

المقدّمة:

         كان يأمل الشعب العراقي وبمختلف أطيافه بعد الإطاحة بالنظام الديكتاتوري ، أن ينعم بالأمن والإستقرار تعويضاً عن معاناته الثقيلة طوال عقودٍ طويلة ، بيدَ أنّ الامور جرت عكس التوقّعات ، فمنذ إنهاء تسلّط النظام البعثي المستبد وحتى اللحظة الراهنة لم يشهد العراق استقراراً بل أصبح مسرحاً يرتاده العابثون بالأمن القادمون من وراء الحدود ليلعبوا الأدوار القذرة في نشر الرعب والقتل والدمار في كل منطقة من مدن العراق ، ولا شكّ أن الدول المجاورة للعراق لم تتوقف عن بثّ عملائها وجواسيسها في العراق مستهدفةً مآرب شتى ، ألم تجنّد مخابراتها للعمل مع بقايا أيتام النظام المخلوع والذين تضرّرت مصالحهم من المنتفعين والإنتهازيين وليس مستبعداً أن البعض من هؤلاء قد حصلوا على مواقع مؤثّرة في أجهزة الدولة العراقية ويمارسون في الخفاء دوراً مخرّباً في استمرار الفوضى والفلتان الأمني الذي يؤدّي الى تخريب البنية التحتية في العراق.
         إن أنظمة الدول العربية على الإطلاق والى جانبها تركيا وايران ، لا يروق لهم عراقاً هادئاً وآمناً بل مضطرباً وضعيفاً داخلياً وخارجياً محاولين عزله اقليمياً وعالمياً لكي لا ينهض اقتصادياً لئلا يؤثّر في كساد منتوجاتهم الغازية للأسواق العراقية، وهنالك هدف آخر لها ربما كان الأهم ، هو خوفها من سريان عدوي الديمقراطية التي يسعى الى تطبيقها العراق الجديد فتطال شعوبهم التي بدورها ستطالبهم بتطبيقها وحينذاك ستهتز كراسي الحكم من تحتهم فيسقطون ويتعرّضون للمساءلة.
         أليس إذاً والحالة هذه أن يبادر قادة العراق الجدد الى صياغة دستور تقوم على أساسه دولة ديمقراطية حديثة تتوفّر فيها العدالة الإجتماعية لكل المواطنين بدون استثناء؟ إن الشعب العراقي  يطمح بدستور مميّز خالي من الإنحياز لأي طيف من أطيافه بحجّة القومية والدين والغالبية العددية ، ليكون ضامناً لوحدة كل العراقيين ، ولكن الملاحَظ في مسودة الدستور التي سرّبت ليس كما توقّعه وتمنّاه الكثير من أبناء القوميات الصغيرة في العراق لأنه قد صيغ على أساس المحاصصة وباتفاق الكتلتين الكبيرتين الفائزتين عقدتا صفقةً ثنائية تمّ بموجبها تجاهل الكثير من حقوق المواطنين الآخرين وهذا شيء مؤسف ومجحف في آن واحد.
         جاء في الباب الأول من مسودة الدستور المادة (2)
الفقرة : 1- الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو مصدر أساسي للتشريع ولا يجوز سن قانون يتعارض مع ثوابته وأحكامه .
الفقرة : 2- لا يجوز سن قانون يتعارض مع مباديء الديمقراطية ولا مع الحقوق والحريات الأساسية الواردة في هذا الدستور.
أليس هنالك تناقض بين ما ورد في الفقرتين أعلاه ؟ إذ هل تتطابق مباديء الاسلام مع مباديء الديمقراطية ؟ الاولى لا تبيح للفرد ممارسة حريّته المدنية والإجتماعية بشكل تام وتحظر على المرأة الدخول الى ميادين العمل المتاحة للرجل وتجنح الى التفضيل وفق العلم والجنس ، بينما الثانية تمنح الفرد حقّه الكامل باداء حريّته الذاتية مدنياً وفكرياً واجتماعياً ولا تميّز بين المواطنين  من حيث الحقوق والواجبات ، فأيّ من الفقرتين أعلاه لها الأولوية وكيف يتم الجمع بين مضمونيها ، ألا يحدث عنها مباراة بين العلمانيين والإسلاميين في ممارسة كلّ منهما لحقوقه ويقوم خلاف أو حتى نزاع بين الفريقين يكون من العسير على الدستور تقديم الحل؟ ألا يكون الآفضل أن تقرأ الفقرة(1) على النحو التالي إن لم يكن بالإمكان فصل الدين عن الدولة : الاسلام دين الدولة الرسمي ، وهو أحد مصادر التشريع الأساسية ، و في هذه الحالة لن تبرز عراقيل عند سن قوانين متقدّمة تساير متطلّبات العصر نابعة عن مصادر اخرى.
         تفيد المادة (3) من مسودة الدستور :
العراق بلد متعدّد القوميات والأديان والمذاهب ، وهو جزء من العالم الاسلامي ، والشعب العربي فيه هو جزء لا يتجزأ من الامة العربية.
ما دامت المادة(3) تقول بأن العراق بلد متعدّد القوميات . . . فالأدق يجب أن يقال في الجملة الاخيرة بدلاً (والشعب العربي) وأبناء القومية العربية فيه هم جزء لا يتجزأ من الامة العربية ، لأن الشعب العراقي شعب واحد ذو قوميات متعدّدة وليس شعوباً متعدّدة ، وبما أنه شعب واحد فهو أهل للفيدرالية ، ومن حق كل قومية أن تمنح حقّها في الفيدرالية لا أن تقتصر الفيدرالية على قومية دون اخرى.
         إنني أدعو القادة المسؤولين في الدولة أن يعيدوا النظر في بنود الدستور ومواده وتنقيحها بشكل يرضي طموحات الشعب العراقي بكل مكوّناته الأثنية والدينية ليكون دستوراً مثالياً يتمنى الآخرون أن يتمتعوا بمثله.

الشماس كوركيس مردو
في 26 / 8 / 2005

326

                                   الكنيسة الكلدانية راسخة كالقلعة الشامخة

       تتقاذفه ذات اليمين وذات الشمال، ويبدأ بوزن الامور برؤية تشاؤمية انتقامية حاقدة متمنيا أن تسير كما يريد لها المسير، وهذا  عندما تتحكّم بالإنسان نوازع الشر الكامنة و تصل به حالة اليأس الى مرحلة متقدّمة، تنتابه هواجس فكرية مظلمة ما نراه يحدث لبعض الأفراد المتجلببين بالرداء الكلداني ظاهراً لينظر إليهم بأنهم خِراف هادئة في قطيع الكنيسة ولكنهم في الحقيقة ذئاب خاطفة يتحينون كل فرصة لينهشوا من جسد الكنيسة.
           يقول بعض هؤلاء المخاتلين ذارفي دموع التماسيح على مصير الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية، بأنهم يخشون من انشقاق قد يحدث في الكنيسة، ويعزون ذلك الى تدخّل الكنيسة التوجيهي في سلوك أبناء شعبها روحياً وإنسانياً وقومياً ويدخلوه بتعمّدٍ في قالب
( السياسة) وهو أبعد ما يكون عنها، وإليكم بعض الأمثلة على ذلك:- ترى، ما هو الوجه السياسي عندما اجتمع سينودس المطارنة الكلدان لانتخاب بطريرك جديد للكنيسة في النصف الثاني من عام 2003 ؟ وهل يدخل عدم حصول أيّ مرشّح منهم على العدد الكافي من الأصوات وإن تعدّدت المحاولات للفوز بالمنصب البطريركي في عداد المنافسة السياسية كما فسّره أحدهم؟ أليس هذا هراء وافتراء؟
وهل عندما قام مطرانان كلدانيان بمباركة جهود المساهمين في المؤتمر القومي بكل صفاء نية للإتفاق على التسمية المركبة التي تطلبتها الظروف السياسية الآنية رغم عدم اقتناعهما بها كان عملاً سياسياً؟ وماذا عن تحريفهم لأقوال غبطة البطريرك مار عمانوئيل دلي أيام كان مطرانا وحتي بعد أن انتخب بطريركاً حيث قال منذ البداية بأن التسمية المركبة ليست تسميةً قومية لشعبنا، نقبلها مؤقتاً لظروف فرضتها السياسة ولكننا في الحقيقة والواقع غصنان من شجرة واحدة يتميزان عن بعضهما فنحن كلدان وهم آثوريون، هذا ما قاله غبطته ولا زال ثابتاً عليه باقتناع كامل، أما المطران سرهد جمو فلم ينطق إلا بما يؤكده التاريخ بأن الكلدان قومية ذات جذور أرسخ من أية قومية ظهرت على أرض بلاد ما بين النهرين، وهو تأكيد لقول البطريرك بأننا كلدان وهم آثوريون، فهل إن الإقرار بما أفرزه التاريخ يدخل في نطاق السياسة؟ إن تصريحات آباء الكنيسة الكلدانية بعيدة عن السياسة ، إنها توجيهات وإرشادات لأبناء امتهم وكنيستهم لتقوية ايمانهم روحياً وانتمائهم قومياً، وعبثاً يحاول المنافقون السياسيون المتمرّدون من أبناء الكلدان المغرّر بهم جهلاً أو إغراءً لقيادة حملة عدائية شرسة ضد الكلدان ورعاة كنيستهم ، فيا لبؤسهم وخيبة فألهم، إن الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية هي جزء حي من أجزاء الكنيسة الكاثوليكية الجامعة الاعجوبة الحية المبنية على الصخرة البطرسية التي قال عنها مؤسسها المسيح الرب له المجد أن أساطين الجحيم لن تقوى عليها.
        إن ما ينشده من يسمّون أنفسهم بالوحدويين وهم في الواقع مخرّبون من وعيدهم وتهديدهم للكنيسة من خلال مقالاتهم الهزيلة لغةً وفكراً وهدفاً وهذا ليس تهكماً بهم بل واقعاً ملموساً، هو ثني الكنيسة الكلدانية عن إغناء أبنائها بالتوجيهات والإرشادات السديدة في المحافظة على ثرائهم الروحي وصلابة انتمائهم القومي الكلداني، ولكن هيهات، إن الكنيسة مطمئنة على رسوخها في قلوب وضمائر أبنائها المؤمنين، ولن يؤثر فيهم خداع ونفاق المارقين، والمؤامرات التي تدبّر ضدّها تحت ذرائع تضليلية غدت مفضوحة ولن يكون نصيب القائمين بها إلا المهانة والخذلان ، لماذا تتهمون أبناء الكلدان المدافعين عن قوميتهم بالشوعيين الامميين، إنني وإن كنت في ضد من إنكار الشيوعية للدين، لكنني اقر واؤيد كل مبادئها المبنية على خدمة الإنسان وأعتبرها الأقرب الى المباديء التي نادى بها المسيح الرب له المجد ، لماذا تنكرون على المؤمن  بالأفكار العلمية للشيوعية المجاهرة بقوميته الكلدانية؟ وهل بالإمكان الإنكار أن الشوعيين كانوا أبرز المدافعين عن حق الشعوب في تقرير مصيرها، وها هم الكلدان الذين تتهمونهم بالشوعية مثل صارخ في دفاعهم عن قومية شعبهم الكلداني وحقوقه.
      لقد تعرّضت كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ منذ تأسيسها الى اضطهادات قاسية من قبل الفرس الفرثيين والساسانيين وعلى مدى سبعة قرون، ولذلك آثر أبناؤها الكلدان الوقوف الى جانب العرب المسلمين في طرد الفرس من بلادهم بلاد ما بين النهرين ولأن العرب المسلمين في القياس الأعم يكنون الإحترام للدين المسيحي، ومع ذلك لم يسلم المسيحيون الكلدان من الظلم والإضطهاد على أيدي الولاة العرب المسلمين القساة ثمّ المغول الغزاة فالعثمانيين الذين تميّزوا بممارسة سياسة العنف والإستبداد والتي عانى منها الكلدان المسيحيون، ورغم كل هذه المآسي كانت الكنيسة تدافع عن أبنائها بكل ما كان لديها من القوّة، وبعد اندحار الدولة العثمانية وقيام الحكم الوطني في العراق إتسم بنوعٍ من العدالة النسبية حيث روعيت مصالح الكلدان المسيحيين بإصدار بعض القوانين بخصوصها ونظر إليهم كقوّة مؤثرة ثقافياً وسياسياً وادرجوا تحت اسم ( الطائفة الكلدانية) برز منهم رجال ساهموا في نهضة الدولة الفتية على الصعيد الثقافي والسياسي والديني واستمرّ هذا العطاء حتى زوال النظام الديكتاتوري في التاسع من نيسان عام 2003 .
     فالكلدان الذين اعتنقوا الديانة المسيحية منذ أوائل القرن الميلادي الأول وأسّسوا كنيستهم (كنيسة المشرق) التي ارتبطت بكنيسة روما الكنيسة الكاثوليكية الجامعة لمدى ما يزيد على أربعة قرون حيث اانفصلت عنها في القرن الخامس بسبب البدع المذهبية التي ظهرت آنذاك، واجبرت على تبنّي المذهب النسطوري تحت الضغط السياسي الذي لا مجال لشرح تفاصيله الآن وبقيت عليه حتى قيام الغالبية العظمى من أبنائها باستعادة مذهب آبائهم وأجدادهم المذهب الكاثوليكي وارتباطهم بكنيسة روما الكاثوليكية الجامعة ثانيةً في منتصف القرن السادس عشر، إلا أن فئة ضئيلة جداً من أبنائها أصرّت على البقاء في المذهب النسطوري وانفصلت عن إخوتها، وواصلت تسمية كنيستها بالكنيسة النسطورية، بينما إخوتهم استعادوا اسمهم القومي الكلداني وسمّوا كنيستهم( الكنيسة الكلدانية الكاثوليكية) التي هي الوريثة الشرعية بحق لكنيسة المشرق، وأبناؤها الكلدان المعاصرون هم الشريحة الحيّة والحصيلة النهائية الباقية من شعوب بلاد ما بين النهرين الأصليين ولهم يعود إرث حضارة وادي الرافدين، ويقدّر عددهم اليوم بما يقارب المليون نسمة غالبيتهم موجودون في وطنهم الام العراق والبقية في بلاد المهجر المختلفة.
      وبناءً الى الدور المشرّف التي أدّته الكنيسة الكلدانية وأبناؤها في التطوّر الحضاري للعراق قديماً وحديثاً، لها كل الحق أن تدعم جهود السياسيين من أبنائها في مطالبتهم بالإعتراف بالكلدان دستورياً كقومية أثنية بين مكوّنات الشعب العراقي لضمان حقوق الكلدان السياسية والادارية والثقافية والدينية التي تشتمل على تمثيلهم العادل في مؤسسات الدولة التشريعية والتنفيذية والقضائية، منحهم الحقوق الثقافية ليتسنى لهم فتح المدارس الخاصة وتدريس لغتهم القومية وإقامة جمعيات ثقافية وأندية اجتماعية، عودة المهجّرين من أبنائهم الى قراهم وبلداتهم والمساهمة في تعميرها، فهل مساندة الكنيسة لأبنائها هو تدخّل بالسياسة؟
كما يطمح الكلدان بتطبيق نظام ديمقراطي تعددي في العراق يحقّق المساواة أمام القانون في الحقوق والواجبات لكل أطياف الشعب العراقي .

الشماس كوركيس مردو
في 19/ 8/ 2005


327
المنبر السياسي / (توضيح مهم)
« في: 21:50 18/08/2005  »
الى/

فخامة رئيس الجمهورية العراقية المحترم
سيادة رئيس مجلس الوزراء المحترم
السادة رئيس وأعضاء لجنة صياغة الدستور المحترمين

                                                                ( توضيح مهم )
[/color]

         في الثاني عشر من شهر آب الجاري وجّه المدعو علاء منصور الى مقامكم السامي نداءً باسم المنظمات والأحزاب والتجمعات والشخصيات التي سمّاها بالكلدانية والآشورية والسريانية المتواجدة في أميركا الشمالية واوربا واستراليا ضمّنه طلباً لتثبيت تسمية مركّبة هجينة هي( كلدوأشور) لشعبنا المسيحي في العراق، ولكي يكون قادة عراقنا الجديد على بيّنة من الأمر نوضّح ما يلي:-

1 – في الحقيقة إن المنظمات والأحزاب والتجمعات والشخصيات الكلدانية والسريانية المقيمة في أميركا الشمالية واوربا واستراليا تفاجأت بهذا النداء، وأعربت عن امتعاضها وسخطها من إدراجها ضمنه معتبرةً ذلك مصادرةً لحريتها وسلباً لإرادتها ومحاولةً لخدع البسطاء من أبناء الكلدان والسريان.
2 – لقد نبذ الكلدان والسريان التسمية المركبة الهجينة بعد أن إتضحت لهم الأهداف الأنانية للذين سعوا لإدخالها في قانون إدارة الدولة المؤقت حيث استبعد منها اسم السريان واختزل اسم الكلدان ضمن اسم أشور، والكل يعلم دور ممثل الطائفة المنتحلة لإسم أشور زوراً السيد يونادم كنا مستغلاً موقعه آنذاك كعضو في مجلس الحكم الإنتقالي.
3 – إن الطائفة التي يمثلها السيد يونادم كنا هي ضئيلة العدد جداً لا يتجاوز عددها 10% من مجموع الشعب المسيحي في العراق، إنفصلت عن امتها الكلدانية في منتصف القرن السادس عشر لأسباب مذهبية حيث أصرّت على البقاء في المذهب النسطوري عناداً ونكايةً بالغالبية العظمى من إخوانهم الكلدان أبناء كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ لقيامهم باستعادة مذهب آبائهم وأجدادهم الذي كانوا عليه قبل فرض المذهب النسطوري عليهم عنوةً أي المذهب الكاثوليكي ولا مجال هنا لشرح الكيفية التي  جري بموجبها ذلك في القرن الخامس، ثم إن هذه الطائفة انتحلت الاسم الآشوري في أوائل القرن التاسع عشر، اطلقه عليها دهاقنة الانكليز مبشّرو الكنيسة الأنكليكانية ولا يربطها بالآشورين القدماء أي رابط عِرقي أو تاريخي سوى انتحالهم لإسمهم لأن الآشوريين القدماء قضي عليهم القضاء المبرم بإبادتهم الجماعية من قبل الكلدان والميديين ما بين عامي 612 – 609 ق.م بتأكيد واضح من قبل المؤرخين العالميين، وإن أدعياء الآشورية المعاصرين هم أحفاد كلدان الجبال ساكني منطقة آثور الجبلية الإنفصاليين الذين أشرنا إليهم أعلاه.
4 – إن لكل من الكلدان والسريان تسميتهم التي يعتزون بها ولا يقبلون بغيرها بديلاً، لهم منظماتهم وأحزابهم ومنتدياتهم تنطق باسمهم، وليس لأحد بأي شكل من الأشكال أن يمثلهم إلا أبناؤهم، ولا علاقة لهم بالطائفة الإنفصالية المنتحلة للتسمية الآشورية، والتي تسعى جاهدةً لإستغلال ثقلهم الديمغرافي لصالها، فكل ما قيل من قبل دعاة الآشورية هو خداع وافتراء.
         نتمنّى أن تثمر جهودكم المخلصة الى صياغة دستور للعراق تصان فيه حقوق كافة قومياته الأثنية المتآخية والمشتركة في العيش فيه منذ آلاف السنين، فيكتب لكم ذلك مأثرةً فريدة تتحدّث فيها الأجيال القادمة ودوموا بخير وسلام.

الشماس كوركيس مردو
في 18 / 8 / 2005 

328
                                                               ( تفنيد لمغالطات يوسف اوراها التعتيمية)
                                                                    < القوميون الجدد ونظرية كلدان الجبال >

          لقد اعتاد السيد يوسف اوراها في معظم كتاباته التي يغلب عليها طابع التشنّج والإنحياز السافر، سعياً الى إثبات الباطل ضدّ الحق، مستخدماً منطق المتعصّبين الذين لا يعتمدون الوقائع التاريخية كدلائل وبراهين، بل يجنحون الى الإنفعال العاطفي الذي ينتصب كسًدٍ أمام أبصارهم ليحول دون رؤيتها للحقيقة. ففي مقاله المشار إليه أعلاه يدعو الى البحث عن الوحدة ( القومية، الكنسية، المذهبية ) لا ندري الى أيّ منها ينادي، وكأن الشعب المسيحي بعيد وساهٍ عن الموضوع ولم يدخل في نقاشاتٍ مملّة وحوارات مضنية تحوّلت الى صراعات كلامية وسّعت الهوّة بين أطراف شعبنا الثلاثة بدلَ أن تردمها أو حتى أن تضيّقها. لا بأس فيما دعا إليه ولكن هدفه لم تكن الوحدة بحد ذاتها، بل جعل من دعوته مدخلاً وباعترافه ليهاجم من دعاهم بالقوميين الجدد ويقصد بهم السياسيين الكلدان من رؤساء الأحزاب والمنظمات الكلدانية، والكتّاب والمفكرين والمثقفين الكلدان.
        شنّ وبدون خجل هجوماً على غبطة البطريرك مار عمانوئيل الثالث دلي الكلي الطوبى، لآن غبطته طالب بالحق الكلداني في رسالة الى القيادة العراقية لدرج اسم الكلدان كقومية ثالثة بعد العرب والآكراد في الدستور العراقي، وما الخطأ في ذلك ياترى؟ ألم تسبق غبطة البطريرك المرجعيات الدينية للأقوام العراقية الاخرى بالمطالبة بمثل ما طالب به البطريرك الكلداني؟ ألم تطالب المرجعيات الشيعية والسنية والكردية والتركمانية والمندائية واليزيدية بحقوق قومياتها؟ ألم يطالب البطريرك النسطوري مار دنخا من وراء الكواليس بأكثر مماّ طالب به البطريرك الكلداني وكذلك فعل المطران النسطوري وكيله كيوركيس صليوا حيث طالبا بإدراج الاسم الآشوري وحده في الدستور ممثلاً للشعب المسيحي في العراق دون الأسمَين  الآخرَين؟ بينما البطريرك الكلداني لم يطالب بإبعاد الاسمين الآخرَين، لماذا إذاً ثارت ثائرة من يلقّبون أنفسهم بالآشوريين زوراً والمغرّر بهم من الكلدان المتأشورين على البطريرك الكلداني الجليل بسبب رسالته ولم يحركوا ساكناً تجاه الآخرين؟.
      إذا كان المثلث الرحمات البطريرك بيداويذ قد نطق بامتعاض شديد ثلاث مرات متتالية < آشوري آشوري آشوري ثمّ ماذا؟> أنا آشوري وهذا رأيي الشخصي! هل يعني هذا أن الشعب الكلداني أصبح آشورياً لأن بطريركه قال أنا آشوري؟ أليس هنالك الكثير من آل بيداويذ يعتزون بقوميتهم الكلدانية؟ أليس هذا دليلاً على أن رأي البطريرك بيداويذ كان رأياً خاصاً به؟ ألم يسبقه بقرون الى السدّة البطريركية مار يهبالاها الثالث المغولي، فهل أصبح الشعب الكلداني مغولياً لأن بطريرك كنيسته مغولي؟ ثمّ إن البطريرك لا يعتلي منصبه وراثياً بل ينتخب انتخاباً وهذا يعني أن ليس هنالك شرط ليكون البطريرك كلدانياً بالضرورة. ثمّ لماذا المقارنة بين البطريركين بيداويذ ودلي؟ كلاهما خرّيجا جامعة انتشار الايمان في روما، حاصلان على شهادة الدكتوراه في اللاهوت والفلسفة، وهل أن البطريرك الخلف ملزم بتطابق رؤيته مع رؤية سلفه؟ أليست له الحرية الكاملة في تحديد قوميته؟ ما هذه السذاجة وقلّة الإدراك؟ نعم عارض مار عمانوئيل دلي رأي سلفه وهو على قيد الحياة في كثير من المواقف وعارضه الأساقفة بصراحة لا مثيل لها، وكان المرحوم بيداويذ شجاعا في الإعتراف بالخطأ، واعترف لهم بأنه استدرج الى ذلك الموقف وقال ما قاله محرجاً. وبأي حقّ يا يوسف اوراها تتحدّث باسم الكلدان في الوقت الذي قلبتَ لهم ظهر المجنّ وأعلنتَ آشوريتكَ؟ الكنيسة الكلدانية مذهبها كاثوليكي فهل تنتمي إليها بصفتكَ آشوري كاثوليكي؟ ولماذا لم تستبدل مذهبك الكاثوليكي بالنسطوري كما استبدلت قوميتك الكلدانية بالآشورية؟ ما هذا الرياء المكشوف!
     لم يكن دور كنيسة المشرق الكلدانية إلاّ دوراً بنّاءً، ولكن بعضاً من أبنائها غرّهم المجد الدنيوي فجنحوا الى الإنفصال عنها عبر الزمن تحت تأثير البدع المذهبية لا مجال للخوض في تفاصيلها، إن كنيسة المشرق أسسها الكلدان إذ كانوا آخر الأقوام الأصيلة الذين حكموا بلاد ما بين النهرين بعد أن استطاعوا القضاء على الدولة الآشورية القضاء المبرم ما بين عمي 612 – 609 ق.م بالتحالف مع الميديين، ووسّعوا امبراطوريتهم لتشمل بالإضافة الى بلادهم ما بين النهرين مجمل أصقاع الشرق الآوسط، وحتى بعد سقوط سلطانهم على أيدي الغرباء استمرّ شعبهم في نشاطه الحياتي كاملاً رغم خضوعه لأنواع من الحكم الأجنبي وعند بروز فجر المسيحية كان أول من قبل بشرى الخلاص وأسّس كنيسته المشرقية العملاقة.
    إنقرض الآشوريون خلافاً لمنطق التاريخ الذي يؤكّد استمرار الشعب ولو جزء منه في الحياة في حالة تواري دولته، ولكن هذا المنطق التاريخي استثنى الآشوريين، لأن ربّ الكون أراد ذلك بحسب ما تنبّأ النبي نحوم الألقوشي، الاصحاح الثالث العدد 1 – 7
( < حكم على نينوى الزانية > وَيل لمدينة الدماء الممتلئة بأسرها كذباً وخطفاً والتي لا تفارقها الفرائس! هوذا صوت السّياط وصوت اهتزاز الدواليب والخَيل العادية والمركبات الواثبة وهجوم الفارس ولهيب السيف وبريق الرمح وكثرة القتلى وتراكم الجثث ولا نهاية للجِيَف وهم يعثرون بجِيَفهم. لكثرة زنى الزانية الفاتنة الجمال صاحبة السحر التي تبيع الامم بزناها والعشائر بسحرها. هاءَنذا إليكِ، يقول ربّ القوّات فأرفع ذيول ثوبكِ على وجهكِ واري الامم عَورَتكِ والممالكَ هَوانَكِ وأقذفكِ بالأقذار وأفضحكِ وأجعلكِ عِبرةً فكلّ مَن يراكِ يعرض عنكِ ويقول: قد دمّرت نينوى فمَن يرثي لها ومِن أين أطلب لكِ معزّين؟) والعدد 18 – 19 ( < ندب > لقد نعس رعاتكَ يا ملكَ أشور ورقدَ علماؤكَ وتشتّتَ شعبكَ على الجبال وليس من يجمعهم. ما مِن جَبر لانكساركَ وجرحكَ لا يشفى منه. كل مَن يسمع بخبركَ يصفّق عليكَ بالكفّين لأنه مَن الذي لم يمرّ عليه شرّكَ كلّ حين؟) بماذا يفسّر بعض أبناء القوش خاصةً وقسم قليل من أبناء القرى الكلدانية الاخرى عامةً موقفهم المساند لمدّعي الفرضية الآشورية العقيمة؟ هل أن نبوءة النبي نحوم لم تتم؟ ثمّ الأنكى أن المتشبثين بالوهم الآشوري لا يمتّون الى ذلكَ الشعب الذي رذله اللّه سبحانه وتعالى وسمح بفنائه بأية صلةٍ عِرقية أو تاريخية ما عدا انتحالهم لإسمه بإغراءٍ من دهاقنة الانكليز لاعتبارات مصلحية ومذهبية، لأنهم في الحقيقة أحفاد كلدان الجبال قاطني منطقة آثور إحدى مقاطعات بلاد الكلدان الأصلية كما يحدّدها المرحوم المطران يعقوب اوجين منا( وبلادهم الأصلية بابل وآثور والجزيرة) وكانوا يسمّون آثوريين نسبةً الى منطقة سكناهم.
      إن قولكَ بأن القومية الآشورية كانت الوحيدة في تعدادات 34 – 47 – 57 لهو منتهى الدجل، لأن الحكم الوطني الذي تأسّس سنة 1921 لم يعترف بلفظة آشوريين بل سمّاهم (تياريين مهاجرين) ولم يحصل منهم على الجنسية العراقية إلاّ العدد القليل منهم وبشق النفس وظلّ الوضع كذلك حتى عام 1998 حيث صدر قرار باعتبارهم من سكان العراق بدل المهاجرين، أما دجلكَ الأشنع الذي لا يلفقه إلا الجاهل بالتاريخ بل متعمّد الجهل، هو قولكَ بأن المسيحية انتشرت من الشمال، بينما كل المؤرخين يؤكدون انتشار المسيحية من الوسط ومن كنيسة كوخي التي بنيت على عهد مار ماري ولا زالت آثارها ماثلةً مقابل سلمان بك الحالية. ولكي لا يملّ القرّاء الكرام من الإطالة سأكتفي بهذا القدر من الرد المختصر إذ هنالك مآخذ كثيرة تتطلّب الشرح والتحليل.

الشماس كوركيس مردو
في 7/ 8/ 2005



 

329
                                         ( تبّت الأيدي الأثيمة)

ما أطول أيدي المخرّبين الجبناء أعداء الإنسانية الخبثاء، الذين تعتمر نفوسهم بالبغضاء نتيجة الغيرة العمياء، ترى، ما الذي سبّبه لهؤلاء الجناة مؤسسو موقع عنكاوا كوم الأباة؟ أهذا جزاء الذين يضحّون بجزءٍ كبير من وقتهم وراحتهم لخدمة أبناء شعبهم؟ هل من سبب يدعو الى الحقد والكراهية لمثل هذا الموقع المتميّز عن نظرائه من المواقع الاخرى بفتحه المجال واسعا أمام كل صاحب رأي وفكر بصرف النظر عن عرقه أو دينه أو إتجاهه إلاّ الغَيرة القاتلة؟ لماذا التصدّي للعمل الإنساني السامي في تجسيد الالفة والمحبة والتقارب بين الإخوة أبناء الوطن الواحد والعالم أجمع ؟ إنها  الغيرة إنه الحسد! !
الإرهاب هو الإرهاب وإن تنوّع فعله، فهنالك إرهاب يهدف الى قتل الأبرياء وتدمير ممتلكاتهم وقطع أرزاقهم، وهنالك إرهاب لقتل الكلمة وايقاف التعبير عن الإرادة الحرة، وكلاهما يعكسان ما بأنفس مرتكبي الإرهاب من نوازع الشرّ الكامنة.
إننا نهنّئكم أيها الأخ أمير المالح ونتقدّم بالتقدير الكبير لكادركم الفني والاداري للسرعة التي استطعتم بها إصلاح ما  دمّره الجناة الحسّاد، وأعدّتم موقع عنكاوا الحبيب الى العمل ثانيةً، سيروا قدماً وليكن الاله القدير في عونكم والخزي والعار من نصيب محترفي الشر الذين حرّضوا والذين نفّذوا الفعل الجبان، تحياتي الخاصة لكم جميعاً.

الشماس كوركيس مردو
في 4/ 8/ 2005  

330
                                  (   الكلداننية قومية حقيقية وراسخة لشعبٍ متعدّد التسميات )

السادة: قادة العراق الجديد المحترمون
السادة:رئيس وأعضاء لجنة صياغة الدستور المحترمون

                لقد تصاعدت في الآونة الأخيرة بل منذ تحرّر أبناء العراق من نير النظام الديكتاتوري الغاشم، هجمة شرسة ضد الوجود الكلداني شعباً وامّة وقومية، تقودها منظمات وأحزاب تابعة لطائفة انفصالية تمرّدت على امتها الكلدانية عبر الزمن تحت تأثير الضغوطات السياسية والسعي الى الآمجاد الدنيوية تحت ستار الخلافات المذهبية، وقد تبنّت تسمية موطنية تعود لدولة غابرة قامت زمناً هي الدولة الآشورية البائدة منذ نهاية الجيل السابع قبل الميلاد، لا تربطها بها أية رابطة عِرقية سوى انتحالها لتسميتها في العهد القريب منتصف القرن التاسع عشر، والأنكى أن هذه الطائفة تعتبر التسمية التي انتحلتها تحت رغبة المبشرين الأنكليكان ومباركتهم قوميةً لها، وتسعي الى فرضها على الشعب الكلداني بكل انتمآته وتسمياته فيا لها من مهزلة. سردّت هذه المقدمة الموجزة عن الواقع العدائي الراهن الممارس ضد القومية الكلدانية وشعبها والعمل بكل الوسائل المتاحة مهما كانت منافية للحرية والديمقراطية وَفقَ الشعار الشوفيني المعروف الغاية تبرّر الوسيلة لعدم إدراج القومية الكلدانية في الدستور العراقي، ولكن الثقة لدي الشعب الكلداني بحكمة وعدالة القيادة العراقية الجديدة لا تشوبها شائبة في الإنتصار لأصحاب الحق، ولا تقل ثقته  بنزاهة ودراية اللجنة المكلّفة بصياغة الدستور، لأنتقل بعدها الى الحديث عن الكلدان قديماً وحديثاً .

الكلدان ما قبل الميلاد:
             لا أود الولوج الى عمق التاريخ القديم لأتحدّث عن تاريخ الكلدان، ولكنني سأتطرّق الى فترته الذهبية التي بدأت على عهد إبن الكلدان البار( الملك نبوبلاصر 626 – 604 ق.م) حيث تولّى عرش بابل بدعم من أسباط عِرقه الكلدان، فأعلن الإستقلال التام عن الدولة الآشورية، ثمّ تحالف مع الميديين سنة 612 ق.م بهدف إسقاطها وقد دَبّ الهرم في أوصالها بعد أن طال إمعانها في العتوّ ردحاً من الزمن طويلاً، فبعد حربٍ لم تدم طويلاً حالف النصر المؤزّر الملك نبوبلاصر وحلفاءَه الميديين، حيث تمّ قهر وتدمير نينوي العاصمة الآشورية، فتلاشت المدينة العظيمة بلهيب النيران وقضي على جميع القادة والنبلاء والمقاتلين بحد السيف، وفتكت النيران بمعظم الشعب الآشوري ولم يلق النجاة إلاّ عدد قليل استطاع الهرب الى مدينة حرّان في القسم الغربي من إقليم آشور، بيدَ أنّ الكلدان والميديين وبعد ثلاث سنوات من تدمير نينوى أعادوا الكرّ ولاحقوا الآشوريين في عقر دارهم الجديدة مدينة حرّان التي جعلها ملكهم الأخير ( آشور اوبلّيط الثاني) عاصمةً له بعد زوال نينوى، فسحقوا آخر معقل لهم فكانت تلك نهاية مروّعة لعهد الآشوريين في كتب التاريخ تاريخياً وجغرافياً، وبهذا المنحى كتب المؤرخ سِدني سمِث سنة 1925 م( إن زوال الشعب الآشوري كيانا سياسياً ووجوداً بشرياً، سيبقى ظاهرةً غريبة وملفتة للنظر في التاريخ القديم، ممالك وإمبراطوريات اخري مماثلة قد توارت حقاً، ولكن شعوبها استمرّت في الوجود، فلم يحصل أن سلبت ونهبت أية بلاد اخرى وابيد شعبها بالكامل كما حصل لبلاد آشور). وفعلاً فقد كانت ظاهرة مخالفة لمنطق التاريخ حول مصير الشعوب، كانت معركة حرّان سنة 609 ق.م حاسمةً ورهيبة، الشعب الآشوري القاطن في المناطق الشرقية والوسط وما وراء دجلة وشمال مدينة آشور سقط بأيدي الميديين فابيد عن بكرة أبيه، كان رداً نارياً وانتقاماً رهيباً لم يشهد التاريخ القديم له مثيلاً، أما الشعب القاطن في المناطق الغربية، فكان أسعد حظاً لسقوطه بأيدي الكلدان، لعدم قضائهم عليه بالكامل اسوةً بالميديين ايماناً منهم بأنه يعود بجذوره الى الكلدان لأن مؤسسي دولة آشور وكما يقول المؤرخ الآثوري  الروسي الكبير قسطنتين ماتييف كانوا جماعات تسلّلت في بدايات الألف الثاني قبل الميلا خارجةً من أرض بابل ميمّمةً صوب الجزء الشمالي من بلاد ما بين النهرين، واتخذوا لهم مثوى هناك وأصبحت مدينة آشور المتواجدة فعلاً قبل استيلائهم على تلك المنطقة أكبر مدنهم ونسبةً الى إسمها واسم إلهها(آشور) إستمدّوا تسمية دولتهم( الدولة الآشورية) حيث يقول في الصفحة:15 من كتابه< الآثوريون والمسألة الآثورية> ( إن الخارجين من أرض بابل يمّموا صوب شمال ما بين النهرين وأسسوا لهم هنالك موطناً وكانت آشور أكبر مدنهم) ويقول أيظاً( إن مدينة آشور غدت عاصمةً لدولةٍ عظيمة في القرن الثامن عشر ق.م ويردف في مكان آخر(ينتسب الآشوريون بمجموعهم الى الشعوب السامية ويعودون بالأصل الى البابليين) أليس هذا الإعتراف دليلاً قاطعاً على نسبهم البابلي؟ فضلاً عن أن دماء الآلاف من الأسرى الكلدان المهجّرين عنوةً أيام طغيان الملوك الآشوريين الى المناطق الآشورية تجري في عروق هذا الشعب الذي سلم منه عدد ضئيل نسبياً من الإبادة، فاحتضنوه كشعبٍ شقيق وانخرط بالمجتمع الكلداني وأصبح جزءاً منه بدون تمييز منذ ذلك العهد وحتى اليوم، وعندما إستتبّت السيادة المطلقة للدولة الكلدانية بعد هذه الأحداث أصبحت البلاد الآشورية بكاملها ساحةً مفتوحة لانتقال الكلدان إليها وشغلها بعد فراغها من ساكنيها المبادين منذ ذلك الحين وحتى اليوم، فكيف يجوز القول بأن الشعب الكلداني الذي استوطن المناطق الآشورية بعد انتصاره أصبح آشورياً لمجرد أن المناطق كانت موطناً للآشوريين قبل اندحار الدولة الآشورية؟ ثمّ إن الآشورية تسمية موطنية لدولة وليست قومية كما هي الحال بالنسبة للدولة العراقية اليوم فهل يمكن أن نسبغ صفة القومية على التسمية العراقية؟ أليست تلك فرضية وهمية لا نصيب لها من الصحة البتة!.

الحضارة الكلدانية
             كانت بابل محطّ أنظار شعوب المنطقة نظراً لقدسيتها الأكبر بين مدن المنطقة ولتمتّعها بمركز حضاري مرموق، لذلك تعرّضت لطموحات القوى الكبرى لاتّخاذها عاصمةً لدولتها، ومن أبرز هذه القوى الآشوريون وجارتهم في ذلك الممالك الكلدانية مدفوعةً بعامل الوجود الكلداني الكثيف في الدولة البابلية منذ مطلع القرن الحادي عشر ق.م، وكان الملك الكلداني الأول الذي اعتلى العرش البابلي من مملكة< بيث دكّوري>سنة 783 ق.م وبعد وفاته سنة 770 ق.م تولّى العرش بعده الملك < أريبا مردوخ > واعتبر مؤسس السلالة الكلدانية، خلفه الملك < نابو شومر اشكون > سنة 760 ق.م وبعد وفاته تولّى سدة الحكم سنة 747 ق.م الملك < نبونصر > الذي على عهده تحوّلت بابل الى عصر تخلّله العلم والحضارة، ولشدة اهتمام هذا الملك بالعلم والحضارة أمر بتوثيق كافة الأحداث والظواهر الكونية توثيقاً دقيقاً، فكانت تدوّن تبدلات الطقس ومَدَيات الأنهار وتسجّل حركات الكواكب والنجوم وظاهرتا الخسوف والكسوف، وبالرجوع الى المصادر التاريخية اليونانية القديمة نجد الاعتراف بتفوّق الكلدان العلمي << لقد دوّنَ الكلدان بدقةٍ متناهية منذ أيام الملك نبوبنصر حركات الكواكب والنجوم المعروفة وقتذاك ولا يمكن الإنكار بأن علم الفلك الكلداني كان المستند والمعتمد لدى الفلكيين والرياضيين اليونانيين وقد تعلّموا منه الكثير >> إذاً كان الكلدان أول شعبٍ قام برصد حركة الأجرام وهنالك حقيقة ثابتة لم يتوصّل العالم الى إدراكها إلاّ بعد مرور عشرين قرناً على اكتشافها من قبل العلماء الكلدان، حيث أثبتوا أن الشمس والقمر وخمسة كواكب اخرى ترتبط ببعضها كمجموعةٍ واحدة. الكلدان أول من إستنبط نظرية الأبراج ونظّموا جداول زمنية دقيقة لظاهرتي الكسوف والخسوف قبل الميلاد بسبعمائة سنة ولِمئات السنين التالية، والى جانب علم الفلك تفوّق الكلدان في علوم الجَبر والرياضيات والهندسة وَفقَ ما ذكر المؤرخ والعالِم الآثاري < إدورد كييرا > حيث استنبطوا جذرَي التربيع والتكعيب بما لا يختلف إلاّ قليلاً عمّا هو معروف اليوم،هذا ما نوّه عنه المؤرخون ومنهم < جورج رو>، ناهيك عن مهارة الكلدان في علم المياه وأكبر دليل على ذلك الجنائن المعلّقة التي أمر بإنشائها الملك نبوخذنصر الثاني العظيم في بابل عاصمة الإمبراطورية الكلدانية والتي عدّت من عجائب العالَم القديم السبع، ولا زالت عقول العلماء في حيرة من الطريقة التي تمكّن بها الكلدان قبل أكثر من الفين وخمسمئة عام من ايصال المياه الى ذلك المرتفع الشاهق، كما أن البطارية الجافة التي عثر عليها حديثاً في بابل  يرجّح العلماء تاريخها الى عهد الملك نبوخذنصر الثاني وهي لا تختلف عن البطاريات الجافة الحديثة كثيراً. برز الكلدان في فن النحت والرسم والمهن الصناعية  ومنها صناعة النسيج المعروف بالنسيج البابلي الذي نال شهرةً واسعة في بلاد الرومان والفرس واليونان، ثمّ إن تحديد  الوحدة الزمنية المعروزفة باليوم والشهر والسنة هي من تنظيم الكلدان وقد استندوا بذلك الى دورة القمر حيث  حدّدوا دوراته ما بين ظهوره واختفائه باثنتي عشرة دورة و بتكرارها تتجدّد فصول السنة واتخذوا من أول نيسان ويعني( الحَد) حدّاً فاصلاً بين كل سنة واعتمدوه عيداً دعوه< أكيتو > يحتفلون به مستبشرين بتجدّ الحياة والطبيعة في ذلك اليوم حسب اعتقادهم. أما التقويم الشمسي القمري الذي لا زال اليهود يعتمدونه بعد أن اقتبسوه من الكلدان أيام السبي البابلي فكان اكتشافاً كلدانياً وهو أن كل 19 سنة شمسية يعادلها 235 شهراً قمرياً وتوفيقاً بين السنتين الشمسية والقمرية نظّموا تقويماً باحتساب سبع سنين من كل تسع عشرة سنة مدّة كلٍ منها ثلاثة عشر شهراً، أليس إذاً من حقنا نحن الكلدان أن نفتخر بأسلافنا أصحاب هذا التاريخ المجيد والحضارة العلمية والإنسانية الزاخرة بأروع  الإنجازات التي ساهمت بتقدّم البشرية وأن نعتزّ بحمل اسمهم!

الكلدان ما بعد الميلاد
             بعد افول نجم الإمبراطورية الكلدانية التي هيمنت على الشرق الأوسط بأكمله لمدة خمسة وثمانين عاماً
(626 – 539 ق. م) وخضوع الشعب الكلداني لأنواعٍ من الحكم الأجنبي، إلاّ أنه بقي شعباً حيّاً يمارس نشاطه الحياتي كاملاً، وكانت لغته الكلدانية السلسة ذات الأبجدية السهلة التي انفردت بها دون غيرها مدعاةً لاعتزاز الممالك الأجنبية التي تعاقبت على حكم بلاد ما بين النهرين بعد انهيار الحكم الكلداني آخر حكم وطني أصيل  لبلاد مهد الحضارات، واعتمادها لغةً رسمية لتسيير شؤون ممالكهم، فلها والحق يقال الباع الأطول بين بقية اللغات في دفع مسيرة الحضارة العالمية الى الأمام حينذاك، فقد أشعلت ثورةً ثقافية محدثةً نقلةً نوعية من حيث البحث والتأليف والتوثيق، مختزلةً الجهد الإنساني الى حدٍ كبيرلم يسبق له نظير.
            إن تقليد كنيسة المشرق الكلدانية الأصل والمنشأ، يؤكد بما لا يقبل الشك بأن مار توما الرسول مرّ ببلاد ما بين النهرين ما بين سنة(35 – 37 م) يرافقه مار أدي أحد الإثنين والسبعين تلميذاً من تلاميذ الرب يسوع له المجد،  وهنالك تقليد آخر يشير أن مدينة قيصرية فلسطين كانت الميدان الأول لنشاط مار توما الرسول في رسالته الاولى قبل انطلاقه الى الهند، ومن المؤكّد أن جزءاً لا يستهان به من سكان هذه المنطقة اليهودية قد انضمّ الى الموجة الاولى من معتنقي المسيحية في بلاد ما بين النهرين، كما أن الحرب السجال بين الفرس والرومان أدّت في الواقع الى انتقال أعداد كبيرة من الأسرى المسيحيين القاطنين في الأراضي الخاضعة للسيادة الرومانية الى المناطق الواقعة تحت النفوذ الفارسي، ولا سيما في منطقة عيلام  الضفة الشرقية لشط العرب، ويمكن اعتبار هذين الحدثين عنصرين مهمين لانتشار المسيحية الأول في بلاد الرافدين، بيدَ أن النواة الاولى لنشوء المسيحية المبكّر فيها كان بروز التجمّع المشترك بغالبيته الكلدانية المطلقة التي تلقّت بشارة الإنجيل الخلاصية بلهفةٍ عارمة وقبلتها بشوقٍ مذهل أدخل الحيرة والبهجة الى قلوب المبشّرين برئاسة مار أدي الذي عهد إليه مار توما الرسول مهمّة مواصلة التبشير في منطقة المشرق بعد مغادرته الى الهند وكان مساعدا مار أدي في التبشير تلميذاه مار ماري ومار أكّاي.
بدأ مار أدي وتلاميذه رسالتهم التبشيرية من الرها، ثمّ انتقل مار أدي وتلميذه مار ماري للتبشير في نصيبين ومنطقتي آثور وبيث كرماي ، ووافت المنيّة مار أدي بعد رجوعه الى الرها، أما مار ماري فواصل التبشير في نصيبين وأرزون وأرسل تلاميذه  للتبشير في مناطق قَردو وداسان وأرمينيا الصغرى، ثمّ انتقل الى مناطق حدياب  والأهواز وبيث كَرماي  وكشكر وميشان وساليق ورادان، إتخذ من مدينة ساليق مقرّاً لكرسيّه وشيّد في دير قوني كنيسة كبيرة  وفيها دفن. التقليد الشرقي إذاً يؤكّد أن مار أدي وتلميذه مار ماري كانا مبشّرَي المشرق الأوّلَين، ويؤيّد هذا التقليد أقدم المؤرخين الكلدان: إبن الأحد العربي ܒܪܚܕܒܫܒܐ ܐܪܒܝܐ : ܡܫܝܚܐ ܙܟܐ مشيحا زخا : نرساي الملفان وكتاب أعمال القدّيسين والشهداء والكثيرون غيرهم، والدليل الأسطع بين كل ما ذكر، هو إجماع معظم العلماء والمؤرخين، بأن القداس الكلداني المدعو بقداس الرسل ( ܩܘܕܫܐ ܕܫܠܝܚܐ) الذي نظّمه الرسولان مار أدي ومار ماري هو أقدم ليترجيات العالَم المسيحي قاطبةً .
           لدى تأسيس الكنيسة طلب المؤمنون الكلدان من مبشّريهم تسميتها( كنيسة المشرق) لعدم رغبتهم بتسميتها باسمهم القومي الكلداني باديء الأمر نفوراً من كل ما له علاقة بالوثنية ولفرط تزمّتهم اللامحدود بالدين المسيحي الحق، كما لم يشأ الكلدان أن تكون الكنيسة حصراً عليهم، فضمّت بين جناحيها أقواماً وأجناساً شتى منهم العرب والفرس والمغول والهنود وغيرهم، غير أن أحفاد الكلدان تنبّهوا الى الخطأ الفادح الذي وقع فيه آباؤهم بإهمالهم تسمية كنيستهم باسمهم القومي فعاد بهم الحنين إليه، فاستعادوه بكل فخر واعتزاز بعد الغزو العربي الإسلامي لبلاد ما بين النهرين وإجبار الكلدان الباقين على الوثنية على اعتناق الإسلام، وقد أشار الى ذلك الكثير من المؤرخين، حيث قال إبن العبري في كتابه الموسوم(معَلثا) لدى تطرّقه الى الأمّة الكلدانية النسطورية( المشارقة العجاب أبناء الكلدان القدماء) وفي كتابه < تاريخ الدوَل > سمّى لغة أهل العراق( الكلدانية النبطية) وذكر بطريرك اليعاقبة ميخائيل( السريان هم كلدان قومياً وأن لفظة السريان تعني المذهب وليس العِرق) وقال القاضي أبو القاسم الاندلسي في كتابه< طبقات الامم > ( والامّة الثانية وهم السريان البابليون الجدد) وفي كتاب < القوانين السنهادوسية > ينعت
عبديشوع الصوباوي في الفصل السابع بطريرك المشرق( بطريرك بابل عاصمة الكلدان) ومن هذا يتّضح بجلاء أن التسمية الكلدانية وحدها كانت المهيمنة على كنيسة المشرق، ولم يكن هنالك أي ذكر للآشورية إطلاقاً لكونها قد انصهرت بانصهار بقايا أصحابها القدماء بالمجتمع الكلداني قبل ما يزيد على الألفين وخمسمئة عام، فأصبحوا مع إخوتهم الكلدان شعباً واحداً دون تفريق أو تمييز حاملين الهويّة الكلدانية.
           في النصف الأول من القرن الخامس ظهرت على الساحة المسيحية بِدعتان كبيرتان هما بِدعتا نسطوريوس واوطاخي عصفتا بالكيان الكنسي المتلاحم كالبنيان المرصوص القائم بين جميع الكنائس والمستند على العقيدة الايمانية الكاثوليكية( الجامعة) توخّى مبتدعاها ومن ورائهما أتباعهما الشهرة والمجد، تدفعهم نزعة السيطرة مشوبةً بالكبرياء الى فرض آرائهم قسراً وبتعابير غريبة ذات مساس بعقائد ايمانية كالثالوث والتجسد والفداء أملتها عليهم الظروف الثقافية المرتبطة بالمصالح السياسية الدولية، وكانت من القوّة بحيث أنها أفلحت في شق الجسد الكنسي أي
( الكيان الكنسي المنظّم) فانسلخت بعض أعضائه، وابتعدت عن الأصل وطابت لها القطيعة، وإذ طالت هذه القطيعة
أصبحت بالنسبة لها وضعاً مألوفاً واعتبرته طبيعياً من غير بأس. وبالرغم من بعدِ كنيسة المشرق عن منبع هتين البِدعتين إلاّ أنها اكتوت بنارههما، فانشطرت الى الى قسمين حيث تبنّت الأغلبية الساحقة من أبنائها المذهب النسطوري وتبنّت الأقلية المذهب الاوطاخي الذي تعدّدت أسماء أتباعه الى ما يقرب العشرين إسماً منها:المنادون بالطبيعة الواحدة بالمسيح،الآريوسيون، الديوسقوريون ، الساوريانيون ، التشوباسخيقيون وتعني(ملحقو الألم باللاهوت) واليعاقبة وأخيراً الاوثوذكس، وبعد هذا الحدث تمّ انفصال كنيسة المشرق عن كنيسة الغرب الرومانية الكاثوليكية الجامعة بعد أن كانت جزءاً مكمّلاً لها، ودعيت بالكنيسة النسطورية، ولكنها في الحقيقة لم تختلف عنها في العقيدة الايمانية وإن عبّرت أحياناً عن فهمها لشخصية المسيح له المجد حسب المصطلح النسطوري، ولم يكن ذلك سوى ردّ فعلٍ إزاء البدعة المنادية بالطبيعة الواحدة للمسيح وليس بسبب اختلاف عقائدي مع روما، إذ رغم اتخاذها قراراً مبدئياً بتجميد الإعتراف باسقف روما رئيساً أعلى للكنيسة الجامعة في مجمع ساليق الرابع سنة 424 م، إلاّ أن القرار لم يجسّد فعلياً لأنه كان وليد أوضاع الكنيسة الداخلية المتردّية والتناحر المستشري في صفوف أساقفتها آنذاك، أما نظرتها الفعلية رغم ابتعادها الطويل عن كنيسة الغرب لم تتغيّر عن أن اسقف روما هو خليفة بطرس الرسول وله الأولوية بين إخوته الأساقفة، وقد تجلّت هذه النظرة عند اهتدائها في منتصف القرن السادس عشر وعودتها الى المذهب الكاثوليكي الحق الذي كانت عليه قبل اضطرارها لتبنّي المذهب النسطوري تحت ضغط العوامل الخارجة عن إرادتها، ولكن للأسف الشديد اصطدمت عودتها الصائبة والملهَمة بتعنّد قلّةٍ من أبنائها وإصرارهم على البقاء في بودقة النسطرة، وهي الأقلية التي عثرت عليها البعثة التبشيرية الأنكليكانية( الإنكليزية)
في منتصف القرن التاسع عشر فاستغلّت تمرّدها على امتها وكنيستها الكلدانية أبشع استغلال، وإمعاناً منها في العمل على تكريس انفصالها، أطلقت عليها التسمية الآشورية التي لم تخطر على البال منذ اندثارها بزوال أصحابها في نهاية الجيل السابع قبل الميلاد، وبذلك خلقت للامة الكلدانية مشكلةً عويصة عانت منها كثيراً ولا زالت تعاني ولا سيما في هذه المرحلة الحاسمة في حياة شعبنا، مرحلة انتقال العراق الحبيب من الهيمنة الديكتاتورية البغيضة الى
مرحلة سيادة الحرية والديمقراطية وقيام دولة المؤسسات الدستورية.

الكلدان والعهد العربي الإسلامي
               في بدايات القرن السابع الميلادي كان المدّ العربي الإسلامي في توسّع مستمر، وقد استطاع جيش العرب المسلمين احتلال بلاد ما بين النهرين(عراق اليوم) سنة 634 م وأجبر المحتلون السكان الأصليين على التحوّل عن دينهم واعتناق الإسلام، فتحوّل نصف السكان من جميع الأديان الى الإسلام فأصبح دين الغالبية، ولما كان الكلدان المسيحيون يمثلون الغالبية العظمى من السكان الأصليين إمتنع السواد الأعظم منهم عن اعتناق الإسلام
ولم يجبروا باعتبارهم أصحاب الكتاب بعرف المسلمين ففرضت عليهم الجزية، ولكن الولاة الطغاة الذين تعاقبوا على حكم البلاد وخلافاً لأوامر الخلفاء، فرضوا على المسيحيين الى جانب الجزية ضرائب اخرى باهضة أثقلت كاهلهم وسلبت القوت من أفواه أبنائهم إضافةً الى غلق معاهدهم وجمعياتهم وناهيك عن إهانة كرامتهم، وكانت الفترة الأشدّ جوراً عليهم هي فترة حكم السفاح الشهير الحجّاج بن يوسف الثقفي، التي تحت وطأتها اضطرّ الكثيرون الى الدخول الى الإسلام تخلّصاً من الجزية والضرائب المهلكة، بينما فضّلت أعداد كبيرة ليس من ولاية البصرة فحسب بل من الولايات الاخرى أيظاً الفرار الى قرى الشمال في المناطق الجبلية النائية.
             عندما تولّى العباسيون زمام الخلافة انتهجوا سياسة مغايرة لسياسة الأمويين وبفضلها تغيّر وضع أبناء كنيسة المشرق الكلدان المؤلم الى الأفضل، حيث اعيدت إليهم جميع معاهدهم المصادرة منهم، وباشروا التدريس ونشر العلم والمعرفة ، كما ساد الإنسجام والتناغم في العلاقات الإسلامية والمسيحية، وأخذوا يتعاطون مع حضاراتهم العريقة في الأديرة والكنائس والمساجد والمدارس المنتشرة في طول البلاد وعرضها، كما كانت اللقاءات تجري تترى بين العلماء والمثقّفين يتناقشون ويتحاورون في شتى الميادين الدينية والثقافية والإجتماعية التي تعطي انعكاساً للإرتقاء بالأخلاق الكريمة وانتهاج سبل الحق والعدل والتسامح والعيش المشترك بسلام ووئام على أساس الايمان بالله الواحد والإخلاص للوطن، وكان للكلدان المسيحيين دور بارز في بناء الحضارة وتطوير المجتمع، إذ كان تفوّقهم ملحوظاً في ميادين العلم والمعرفة كالطب والصيدلة والهندسة والتجارة وحتى السياسة، إليهم أسند تدوين قوانين الدولة، هم الذين قاموا بترجمة الكتب العلمية والفلسفية من اللغة الإغريقية( اليونانية) الى اللغتين الكلدانية والعربية وانتقلت في النهاية الى الغرب عن طريق اسبانيا. ورد في معجم اللاهوت الكاثوليكي للعلماء الألمان( إن العلوم الشرقية على زمن الفتوحات العربية كانت محصورةً بالكلدان فقط، فكانوا يدرسون اللغات الكلدانية واليونانية والمنطق والفلسفة وعلم الفلك والطب والهندسة والرياضيات والموسيقى في مدارس نصيبين والرها وساليق ودير قوني). كانت مدارس الكلدان ومستشفياتهم من الكثرة بحيث جعلت المؤرخ الأب لابور يقول في ذهول( ليس هنالك امة على سطح الأرض استطاعت مباراة امة الكلدان في تأسيس المدارس.

الكلدان في العهد المغولي
             يقول الأب أنستاس الكرملي في كتابه < الفوز بالمراد في تاريخ بغداد >( إن ما عاناه المسيحيون من المصائب والمِحَن على عهد غازانخان المغولي لا يسع القلم وصفه) أما المؤرخ أوبري فاين فيقول( إن القوانين اللاإنسانية الجائرة التي فرضها المغول أدّت الى هروب علّية القوم وتشتّت غالبية المسيحيين ولجأ الكلدان منهم الى قرى جبال تركيا وايران) وفي كتابه < نزهة المشتاق) يقول يوسف غنيمة( هاجر النساطرة من البصرة وبغداد ومن المناطق الاخرى باستثناء الموصل وتوابعها ملتجئين الى جبال كردستان وبلاد فارس). ويذكر المؤرخون أن الحملة الإضطهادية الأعنف التي طالت السكان الأصليين كانت على عهط تيمورلنك ما بين عامي 1393 – 1401 م.

الكلدان و الحكم الوطني
            العراق كغيره من الأقطار التي خضعت للنفوذ العثماني لمدةٍ طويلة جداً وفي خلال الحرب العالمية الاولى، اندحرت الدولة العثمانية أمام الحلفاء بقيادة بريطانيا وفرنسا وتمّ اقتسام المناطق التي كانت تحكمها، فكان العراق من مجموعة الحصّة البريطانية، فتولّت سلطات بريطانيا العسكرية أدارة شؤونه فترة أعوام ثلاثة تقريباً ثمّ أقامت له حكماً وطنياً بقيادة الملك فيصل الأول سنة 1921 م، وقد كان للكلدان دور لا يستهان به في دعم وتعزيز الحكم الوطني في شخص بطريركهم العظيم مار عمانوئيل الثاني الذي أيّد تشكيل الحكومة الوطنية الاولى، وكان لوقفته المشهودة في ضمّ لواء الموصل الى العراق صدىً جميلاً لدى قيادة الحكم الوطني، حيث بادر الى إرسال سكرتيره الخوري يوسف غنيمة آنذاك(البطريرك لاحقاً) الى عصبة الامم وقدّم لها وثائق ومستندات تثبت عائدية لواء الموصل الى العراق، فأصدرت العصبة قرارها سنة 1925 م لصالح العراق دون تركيا التي كانت تطالب بضمّه إليها. لقد كان للكلدان حضور في الأوساط الحكومية ، حيث خصّص لهم مقعد في مجلس الأعيان وكان تمثيلهم النيلبي يتراوح ما بين سبعة وثمانية نوّاب ووزير واحد وعدد من القضاة والمدراء العامين. للكلدان اعتزاز كبير بانتمائهم الوطني وقد ألفوا العيش المشترك مع كل الأطياف والأقوام الذين تحتضنهم الأرض العراقية المعطاء
ولذلك يطالبون أن تدرج قوميتهم في متن الدستور العراقي المرتقب الى جانب القوميات الاخرى وهو حقّهم المشروع.

الشماس كوركيس مردو
في 11/ 6/ 2005


 
 

         
           
           
           
                           
 

صفحات: [1]